عَذْبُ الْكَلَام
فيما يجب على الأنام
من حقوق النبي عليه الصلاة والسلام
أبو يوسف محمد زايد
مقدمة : قال القاضي أبو الفضل رحمه الله : هذا قسم لخَّصنا فيه الكلام في أربعة أبواب في وجوب تصديق النبي صلى الله عليه وسلم واتباعه في سنته وطاعته ومحبته ومناصحته وتوقيره وبره وحكم الصلاة عليه والتسليم وزيارة قبره ...
1- الباب الأول : في فرض الإيمان به ووجوب طاعته واتباع سنته (
2- الباب الثاني : في محبته (
3- الباب الثالث : في تعظيم أمره ووجوب توقيره وبره (
4- الباب الرابع : في حكم الصلاة والتسليم على النبي ( وفرض ذلك وفضيلته
الباب الأول
في فرض الإيمان به ووجوب طاعته واتباع سنته(
ويتضمن هذا الباب 5 فصول:
1- فرض الإيمان به (
2- وجوب طاعته(
3- وجوب اتباعه (
4- فيما ورد عن السلف والأئمة من اتباع سنته والإقتداء بهديه وسيرته (
5- في أن مخالفة أمره ( وتبديل سنته ضلال وبدعة
الفصل الأول
فرض الإيمان به (
قال القاضي أبو الفضل رحمه الله : إذا تقرر ثبوتُ نبوته( وصحةُ رسالته ، وجَب الإيمان به وتصديقه فيما أتى به ، قال الله تعالى : (فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالنُّورِ الَّذِي أَنزَلْنَا وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ) (التغابن : 8 )
وقال : (إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِداً وَمُبَشِّراً وَنَذِيراً * لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ وَتُسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلاً) (الفتح : 8-9 ) .
وقال :(َآمِنُواْ بِاللّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللّهِ وَكَلِمَاتِهِ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ) (الأعراف 158 )
فالإيمان بالنبي محمد واجب متعين لا يتم إيمان إلا به ، ولا يصح إسلام إلا معه ، قال الله تعالى : (وَمَن لَّمْ يُؤْمِن بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ فَإِنَّا أَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ سَعِيراً) (الفتح : 13 )(1/1)
*حدثنا أبو محمد الخشني الفقيه بقراءتي عليه ، حدثنا الإمام أبو علي الطبري ، حدثنا عبد الغافر الفارسي حدثنا ابن عمرويه ، حدثنا ابن سفيان ، حدثنا أبو الحسين ، حدثنا أمية بن بسطام ، حدثنا يزيد بن زريع ، حدثنا روح ، عن العلاء بن عبد الرحمن بن يعقوب ، عن أبيه ، عن أبي هريرة رضي الله عنه ، عن رسول الله ( قال : أُمِرت أن أُقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله ، ويؤمنوا بي وبما جئت به ، فإذا فعلوا ذلك عصموا مني دماءَهم وأموالَهم إلا بحقها ، وحسابُهم على الله .
(قلت : هذا اللفظ رواه مسلم في كتاب الإيمان ، باب الأمر بقتال الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله محمد رسول الله. ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة، ويؤمنوا بجميع ما جاء به النبي (، وأن من فعل ذلك عصم نفسه وماله إلا بحقها، ووكلت سريرته إلى الله تعالى. وقتال من منع الزكاة أو غيرها من حقوق الإسلام واهتمام الإمام بشعائر الإسلام .
حدثنا أحمد بن عبدة الضبي. أخبرنا عبدالعزيز (يعني الداوردي)، عن العلاء. ح وحدثنا أمية بن بسطام، واللفظ له. حدثنا يزيد بن زريع. حدثنا روح عن العلاء بن عبدالرحمن بن يعقوب، عن أبيه، عن أبي هريرة، عن رسول الله (قال: "أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله. ويؤمنوا بي وبما جئت به. فإذا فعلوا ذلك عصموا منى دماءهم وأموالهم إلا بحقها. وحسابهم على الله".
وللحديث ألفاظ غير هذا ، منها :(1/2)
1- مسلم --* حدثنا قتيبة بن سعيد. حدثنا ليث بن سعد، عن عقيل، عن الزهري. قال: أخبرني عبيدالله بن عبدالله بن عتبة ابن مسعود، عن أبي هريرة؛ قال: لما توفي رسول الله (واستخلف أبو بكر بعده، وكفر من كفر من العرب، قال عمر بن الخطاب لأبي بكر: كيف تقاتل الناس، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا: لا إله إلا الله. فمن قال: لا إله إلا الله فقد عصم منى ماله ونفسه إلا بحقه. وحسابه على الله". فقال أبو بكر: والله! لأقاتلن من فرق بين الصلاة والزكاة فإن الزكاة حق المال. والله! لو منعوني عقالا كانوا يؤدونه إلى رسول الله ( لقاتلتهم على منعه. فقال عمر بن الخطاب: فوالله! ما هو إلا رأيت الله عز وجل قد شرح صدر أبي بكر للقتال. فعرفت أنه الحق.
* وحدثنا أبو الطاهر وحرملة بن يحيى وأحمد بن عيسى قال: أحمد، حدثنا. وقال الآخران: أخبرنا ابن وهب. قال: أخبرني يونس، عن ابن شهاب. قال: حدثني سعيد بن المسيب؛ أن أبا هريرة أخبره؛ أن رسول الله (قال: "أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا: لا إله إلا الله. فمن قال: لا إله إلا الله عصم منى ماله ونفسه إلا بحقه. وحسابه على الله".
* وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة. حدثنا حفص بن غياث، عن الأعمش، عن أبي سفيان، عن جابر. وعن أبي صالح، عن أبي هريرة. قالا: قال رسول الله (: "أمرت أن أقاتل الناس" بمثل حديث ابن المسيب عن أبي هريرة. ح وحدثني أبو بكر بن أبي شيبة. حدثنا وكيع. ح وحدثني محمد بن المثنى. حدثنا عبدالرحمن (يعني ابن مهدي) قالا جميعا: حدثنا سفيان عن أبي الزبير، عن جابر؛ قال: قال رسول الله (: "أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا: لا إله إلا الله. فإذا قالوا: لا إله إلا الله عصموا منى دماءهم وأموالهم إلا بحقها. وحسابهم على الله". ثم قرأ: {إنما أنت مذكر. لست عليهم بمسيطر} [88 / الغاشية / آية 21، 22].(1/3)
* حدثنا أبو غسان المسمعي، مالك بن عبدالواحد. حدثنا عبدالملك بن الصباح، عن شعبة، عن واقد بن محمد بن زيد بن عبدالله بن عمر، عن أبيه، عن عبدالله بن عمر؛ قال: قال رسول الله (: "أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله. ويقيموا الصلاة. ويؤتوا الزكاة. فإذا فعلوا عصموا منى دماءهم وأموالهم إلا بحقها. وحسابهم على الله".
* وحدثنا سويد بن سعيد وابن أبي عمر. قالا: حدثنا مروان (يعنيان الفزاري)، عن أبي مالك، عن أبيه؛ قال: سمعت رسول الله (يقول: "من قال: لا إله إلا الله، وكفر بما يعبد من دون الله، حرم ماله ودمه. وحسابه على الله".
* وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة. حدثنا أبو خالد الأحمر. ح وحدثنيه زهير بن حرب. حدثنا يزيد بن هارون. كلاهما عن أبي مالك عن أبيه؛ أنه سمع النبي (يقول: "من وحد الله" ثم ذكر بمثله.
2- البخاري في كتاب الإيمان.باب: {فإن تابوا وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة فخلوا سبيلهم} /التوبة: 5/.
- حدثنا عبد الله بن محمد المسندي قال: حدثنا أبو روح الحرمي بن عمارة قال: حدثنا شعبة، عن واقد بن محمد قال: سمعت أبي يحدث عن ابن عمر: أن رسول الله (قال: (أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله، ويقيموا الصلاة، ويؤتوا الزكاة، فإذا فعلوا ذلك عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحق الإسلام، وحسابهم على الله).
* وفي كتاب الجهاد والسير باب: دعاء النبي صلى الله عليه وسلم إلى الإسلام والنبوة، وأن لا يتخذ بعضهم بعضا أربابا من دون الله.
حدثنا أبو اليمان، أخبرنا شعيب، عن الزهري: حدثنا سعيد بن المسيب: أن أبا هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله (: (أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله، فمن قال لا إله إلا الله فقد عصم مني نفسه وماله إلا بحقه، وحسابه على الله).
رواه عمر وابن عمر، عن النبي ((1/4)
* وفي أبواب القبلة.باب: فضل استقبال القبلة.- حدثنا نعيم قال: حدثنا ابن المبارك، عن حميد الطويل، عن أنس بن مالك قال:
قال رسول الله (: (أمرت أن أقاتل الناس، حتى يقولوا لا إله إلا الله، فإذا قالوها، وصلوا صلاتنا، واستقبلوا قبلتنا، وذبحوا ذبيحتنا، فقد حرمت علينا دماؤهم وأموالهم، إلا بحقها، وحسابهم على الله).
3-النسائي في سننه ـ كتاب الجهاد ، باب وجوب الجهاد ـ
* أخبرنا يونس بن عبد الأعلى والحارث بن مسكين قراءة عليه وأنا أسمع عن ابن وهب قال أخبرني يونس عن ابن شهاب قال حدثني سعيد بن المسيب أن أبا هريرة أخبره أن رسول الله ( قال:-أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله فمن قال لا إله إلا الله عصم مني ماله ونفسه إلا بحقه وحسابه على الله.
* أخبرنا كثير بن عبيد عن محمد بن حرب عن الزبيدي عن الزهري عن عبيد الله بن عبد الله عن أبي هريرة قال:- لما توفي رسول الله (واستخلف أبو بكر وكفر من كفر من العرب قال عمر يا أبابكر كيف تقاتل الناس وقد قال رسول الله ( : أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله فمن قال لا إله إلا الله عصم مني نفسه وماله إلا بحقه وحسابه على الله قال أبوبكر رضي الله عنه والله لأقاتلن من فرق بين الصلاة والزكاة فإن الزكاة حق المال والله لو منعوني عناقا كانوا يؤدونها إلى رسول الله ( لقاتلتهم على منعها فوالله ما هو إلا أن رأيت الله عز وجل قد شرح صدر أبي بكر للقتال وعرفت أنه الحق.(1/5)
* أخبرنا أحمد بن محمد بن مغيرة قال حدثنا عثمان ابن سعيد عن شعيب عن الزهري قال حدثنا عبيد الله حدثنا وأنبأنا كثير بن عبيد قال حدثنا بقية عن شعيب قال حدثني الزهري عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود أن أبا هريرة قال لما توفي رسول الله ( وكان أبو بكر بعده وكفر من كفرمن من العرب قال عمر رضي الله عنه يا أبا بكر كيف تقاتل الناس وقد قال رسول الله ( : أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله فمن قال لاإله إلا الله فقد عصم مني ماله ونفسه إلا بحقه وحسابه على الله قال أبو بكر رضي الله عنه لأقاتلن من فرق بين الصلاة والزكاة فإن الزكاة حق المال والله لو منعوني عناقا كانوا يؤدونها إلى رسول الله ( لقاتلتهم على منعها قال عمر فوالله ما هو إلا أن رأيت أن الله عز وجل شرح صدر أبي بكر للقتال فعرفت أنه الحق واللفظ لأحمد.
* أخبرنا أحمد بن سليمان قال حدثنا مؤمل بن الفضل قال حدثنا الوليد قال حدثني شعيب بن أبي حمزة وسفيان بن عيينة وذكرآخر عن الزهري عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة قال:- لما جمع أبوبكر لقتالهم فقال عمر يا أبا بكر كيف تقاتل الناس وقد قال رسول الله ( : أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله فإذا قالوها عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها قال أبوبكررضي الله عنه لأقاتلن من فرق بين الصلاة والزكاة والله لو منعوني عناقا كانوا يؤدونها إلى رسول الله ( لقاتلتهم على منعها قال عمر رضي الله عنه فوالله ما هو إلا رأيت أن الله تعالى قد شرح صدر أبي بكر لقتالهم فعرفت أنه الحق.(1/6)
* أخبرنا محمد بن بشار قال حدثنا عمرو بن عاصم قال حدثنا عمر أن أبو العوام القطان قال حدثنا معمر عن الزهري عن أنس بن مالك قال:- لما توفي رسول الله ( ارتدت العرب قال عمر يا أبا بكركيف تقاتل العرب فقال أبو بكر رضي الله عنه إنما قال رسول الله (: أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأني رسول الله ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة... والله لو منعوني عناقا مما كانوا يعطون رسول الله( لقاتلتهم عليه قال عمر رضي الله عنه فلما رأيت رأي أبي بكر قد شرح علمت أنه الحق قال أبو عبد الرحمن عمران القطان ليس بالقوي في الحديث خطأ والذي قبله الصواب حديث الزهري عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة عن أبي هريرة.
* أخبرنا أحمد بن محمد بن المغيرة قال حدثنا عثمان عن شعيب عن الزهري حدثنا وأخبرني عمرو بن عثمان بن سعيد بن كثير قال حدثنا أبي قال حدثنا شعيب عن الزهري قال حدثني سعيد بن المسيب أن أبا هريرة أخبره أن رسول الله ( قال:-أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله فمن قالها فقد عصم مني نفسه وماله إلا بحقه وحسابه على الله.
4-أبو داود في سننه - باب على ما يقاتَل المشركون؟
*حدثنا مسدّد، ثنا أبو معاوية، عن الأعمش، عن أبي صالح، عن أبي هريرة قال:قال رسول اللّه ( : "أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا اللّه فإِذا قالوها منعوا منِّي دماءهم وأموالهم إلا بحقها، وحسابهم على اللّه تعالى".
*حدثنا سعيد بن يعقوب الطالقاني، ثنا عبد اللّه بن المبارك، عن حميد، عن أنس قال:قال رسول اللّه( : "أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا اللّه، وأن محمداً عبده ورسوله، وأن يستقبلوا قبلتنا، وأن يأكلوا ذبيحتنا، وأن يصلوا صلاتنا، فإِذا فعلوا ذلك حرمت علينا دماؤهم وأموالهم إلاّ بحقها: لهم ما للمسلمين وعليهم ما على المسلمين".(1/7)
* حدثنا سليمان بن داود المهري، أخبرنا ابن وهب، قال: أخبرني يحيى بن أيوب، عن حميد الطويل، عن أنس بن مالك قال:قال رسول اللّه ( : "أمرت أن أقاتل المشركين" بمعناه.
5- الترمذي في سننه ، باب ما جاء أمرت أن أقاتل الناس حتى يقول لا إله إلا اللّه
* حدثنا هناد أخبرنا معاوية عن الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة قال: قال رسول اللّه ( :- "أمرت أن أقاتل الناس حتى يقول لا إله إلا اللّه، فإذا قالوها عصموا مني دماءهم وأموالهم الا بحقها وحسابهم على اللّه". وفي الباب عن جابر وأبي سعيد وابن عمر.
هذا حديث حسن صحيح.
* حدثنا قتيبة، أخبرنا الليث عن عقيل عن الزهري أخبرني عبيد اللّه بن عبد اللّه بن عتبة بن مسعود، عن أبي هريرة قال:- "لما توفي رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم واستخلف أبو بكر بعده كفر من كفر من العرب، فقال عمر بن الخطاب لأبي بكر كيف تقاتل الناس، وقد قال رسول اللّه ( :أمرت أن أقاتل الناس حتى يقول لا إله إلا اللّه، ومن قال لا إله إلا اللّه عصم مني ماله ونفسه الا بحقه وحسابه على اللّه؟ فقال أبو بكر: واللّه لأقاتلن من فرق بين الصلاة والزكاة، فان الزكاة حق المال. واللّه لو منعوني عقالا كانوا يؤدونه الى رسول اللّه ( لقاتلتهم على منعه، فقال عمر بن الخطاب: فواللّه ما هو الا أن رأيت أن اللّه شرح صدر أبي بكر للقتال فعرفت أنه الحق".
هذا حديث حسن صحيح. وهكذا روى شعيب بن أبي حمزة عن الزهري، عن عبيد اللّه بن عبد اللّه بن عتبة، عن أبي هريرة. وروى عمران القطان هذا الحديث عن معمر عن الزهري عن أنس بن مالك عن أبي بكر، وهو حديث خطأ، وقد خولف عمران في روايته عن معمر.
وفي باب ما جاء أمرات أن أقاتل الناس حتى يقول لا إله إلا اللّه ويقيموا الصلاة(1/8)
* حدثنا سعيد بن يعقوب الطالقاني، أخبرنا ابن المبارك، أخبرنا حميد الطويل عن أنس بن مالك قال: قال رسول اللّه (:- "أمرات أن أقاتل الناس حتى يقول لا إله إلا اللّه، أن محمدا عبده ورسوله، وأن يستقبلوا قبلتنا، ويأكلوا ذبيحتنا، وأن يصلوا صلاتنا، فإذا فعلوا ذلك حرمت علينا دماؤهم وأموالهم الا بحقها، لهم ما للمسلمين وعليهم ما على المسلمين". وفي الباب عن معاذ بن جبل وأبي هريرة. هذا حديث حسن صحيح غريب من هذا الوجه. ورواه يحيى بن أيوب عن حميد عن أنس نحوه.
6- أحمد حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا يزيد انا محمد عن أبي سلمة عن أبي هريرة قال قال رسول الله ( : أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله فإذا قالوها عصموا مني دماءهم وأموالهم الا بحقها وحسابهم على الله
قال القاضي أبو الفضل رحمه الله : والإيمان به _ ( هو تصديق نبوته ورسالة الله له ، وتصديقه في جميع ما جاء به وما قاله ، ومطابقة تصديق القلب بذلك شهادة اللسان بأنه رسول الله ، فإذا اجتمع التصديق به بالقلب ، والنطق بالشهادة بذلك اللسان ، تَم الإيمان به والتصديق له كما ورد في الحديث نفسه من رواية عبد الله بن عمر رضي الله عنهما : أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله
(قلت: حديث ابن عمر رضي الله عنهما رواه البخري في كتاب الإيمان ، باب: {فإن تابوا وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة فخلوا سبيلهم} /التوبة: 5/.
* حدثنا عبد الله بن محمد المسندي قال: حدثنا أبو روح الحرمي بن عمارة قال: حدثنا شعبة، عن واقد بن محمد قال: سمعت أبي يحدث عن ابن عمر: أن رسول الله ( قال: (أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله، ويقيموا الصلاة، ويؤتوا الزكاة، فإذا فعلوا ذلك عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحق الإسلام، وحسابهم على الله).(1/9)
قال القاضي أبو الفضل رحمه الله وقد زاده وضوحاً في حديث جبريل ، إذقال : أخبرني عن الإسلام ، قال النبي (: أن تشهد أن لا إله إلا الله ، وأن محمداً رسول الله ... وذكر أركان الإسلام .
(قلت : حديث جبريل رواه :
الإمام البخاري في كتاب االإيمان ،باب: سؤال جبريل النبي ( عن الإيمان والإسلام والإحسان وعلم الساعة.وبيان النبي ( له، ثم قال: (جاء جبريل عليه السلام يعلمكم دينكم). فجعل ذلك كله دينا، وما بين النبي ( لوفد عبد القيس من الإيمان [ر: 53]. وقوله تعالى: (وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلاَمِ دِيناً فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ) (آل عمران : 85 )
حدثنا مسدد قال: حدثنا إسماعيل بن إبراهيم، أخبرنا أبو حيان التيمي، عن أبي زرعة، عن أبي هريرة قال:كان النبي ( بارزا يوما للناس، فأتاه جبريل فقال: ما الإيمان؟ قال: (أن تؤمن بالله وملائكته وبلقائه ورسله وتؤمن بالعبث). قال: ما الإسلام؟ قال: (الإسلام: أن تعبد الله ولا تشرك به، وتقيم الصلاة، وتؤدي الزكاة المفروضة، وتصوم رمضان). قال: ما الإحسان؟ قال: (أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك). قال: متى الساعة؟ قال: (ما المسؤول عنها بأعلم من السائل، وسأخبرك عن أشراطها: إذا ولدت الأمة ربها، وإذا تطاول رعاة الإبل البهم في البنيان، في خمس لا يعلمهن إلا الله). ثم تلا النبي ( : (إِنَّ اللَّهَ عِندَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْأَرْحَامِ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَّاذَا تَكْسِبُ غَداً وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ) (لقمان : 34 )، ثم أدبر، فقال: (ردوه): فلم يروا شيئا، فقال: (هذا جبريل، جاء يعلم الناس دينهم).قال أبو عبد الله: جعل ذلك كله من الإيمان.
قال ابن حجر العسقلاني في فتح الباري(1/10)
قوله حدثنا إسماعيل بن إبراهيم هو البصري المعروف بابن علية قال أخبرنا أبو حيان التميمي وأورده المصنف في تفسير سورة لقمان من حديث جرير بن عبد الحميد عن أبي حيان المذكور ورواه مسلم من وجه آخر عن جرير أيضا عن عمارة بن القعقاع ورواه أبو داود والنسائي من حديث جرير أيضا عن أبي فروة ثلاثتهم عن أبي زرعة عن أبي هريرة زاد أبو فروة وعن أبي ذر أيضا وساق حديثه عنهما جميعا وفيه فوائد زوائد سنشير إليها إن شاء الله تعالى ولم أر هذا الحديث من رواية أبي هريرة الا عن أبي زرعة بن عمرو بن جرير هذا عنه ولم يخرجه البخاري الا من طريق أبي حيان عنه وقد أخرجه مسلم من حديث عمر بن الخطاب وفي سياقه فوائد زوائد أيضا وإنما لم يخرجه البخاري لاختلاف فيه على بعض رواته فمشهوره رواية كهمس بسين مهملة قبلها ميم مفتوحة بن الحسن عن عبد الله بن بريدة عن يحيى بن يعمر بفتح الميم أوله ياء تحتانية مفتوحة عن عبد الله بن عمر عن أبيه عمر بن الخطاب رواه عن كهمس جماعة من الحفاظ وتابعه مطر الوراق عن عبد الله بن بريدة وتابعه سليمان التيمي عن يحيى بن يعمر وكذا رواه عثمان بن غياث عن عبد الله بن بريدة لكنه قال عن يحيى بن يعمر وحميد بن عبد الرحمن معا عن بن عمر عن عمر زاد فيه حميدا وحميد له في الرواية المشهورة ذكر لا رواية وأخرج مسلم هذه الطرق ولم يسق منها الا متن الطريق الأولى وأحال الباقي عليها وبينها اختلاف كثير سنشير إلى بعضه فأما رواية مطر فأخرجها أبو عوانة في صحيحه وغيره وأما رواية سليمان التيمي فأخرجها بن خزيمة في صحيحه وغيره وأما رواية عثمان بن غياث فأخرجها أحمد في مسنده وقد خالفهم سليمان بن بريدة أخو عبد الله فرواه عن يحيى بن يعمر عن عبد الله بن عمر قال بينما نحن عند النبي ( فجعله من مسند بن عمر لا من روايته عن أبيه أخرجه أحمد أيضا وكذا رواه أبو نعيم في الحلية من طريق عطاء الخراساني عن يحيى بن يعمر وكذا روى من طريق عطاء(1/11)
بن أبي رباح عن عبد الله بن عمر أخرجه الطبراني وفي الباب عن أنس أخرجه البزار والبخاري في خلق أفعال العباد وإسناده حسن وعن جرير البجلي أخرجه أبو عوانة في صحيحه وفي إسناده خالد بن يزيد وهو العمري ولا يصلح للصحيح وعن بن عباس وأبي عامر الأشعري أخرجهما أحمد واسنادهما حسن وفي كل من هذه الطرق فوائده سنذكرها إن شاء الله تعالى في اثناء الكلام على حديث الباب وإنما جمعت طرقها هنا وعزوتها إلى مخرجيها لتسهيل الحوالة عليها فرارا من التكرار المباين لطريق الاختصار والله الموفق...
قوله كان النبي ( بارزا يوما للناس أي ظاهرا لهم غير محتجب عنهم ولا ملتبس بغيره والبروز الظهور وقد وقع في رواية أبي فروة التي أشرنا إليها بيان ذلك فإن أوله كان رسول الله ( يجلس بين أصحابه فيجيء الغريب فلا يدري أيهم هو فطلبنا إليه أن يجعل له مجلسا يعرفه الغريب إذا أتاه قال فبنينا له دكانا من طين كان يجلس عليه انتهى واستنبط منه القرطبي استحباب جلوس العالم بمكان يختص به ويكون مرتفعا إذا أحتاج لذلك لضرورة تعليم ونحوه...(1/12)
قوله فأتاه رجل أي ملك في صورة رجل وفي التفسير للمصنف إذ أتاه رجل يمشي ولأبي فروة فإنا لجلوس عنده إذ أقبل رجل أحسن الناس وجها وأطيب الناس ريحا كأن ثيابه لم يمسها دنس ولمسلم من طريق كهمس في حديث عمر بينما نحن ذات يوم عند رسول الله ( إذ طلع علينا رجل شديد بياض الثياب شديد سواد الشعر وفي رواية بن حبان سواد اللحية لا يرى عليه أثر السفر ولا يعرفه منا أحد حتى جلس إلى النبي ( فأسند ركبتيه إلى ركبتيه ووضع كفيه على فخديه وفي رواية لسليمان التيمي ليس عليه سحناء السفر وليس من البلد فتخطى حتى برك بين يدي النبي ( كما يجلس أحدنا في الصلاة ثم وضع يده على ركبتي النبي ( وكذا في حديث بن عباس وأبي عامر الأشعري ثم وضع يده على ركبتي النبي ( فأفادت هذه الرواية أن الضمير في قوله على فخذيه يعود على النبي ( وبه جزم البغوي وإسماعيل التيمي لهذه الرواية ورجحه الطيبي بحثا لأنه نسق الكلام خلافا لما جزم به النووي ووافقه التوربشتى لأنه حمله على أنه جلس كهيئة المتعلم بين يدي من يتعلم منه وهذا وان كان ظاهرا من السياق لكن وضعه يديه على فخذ النبي ( منبه للاصغاء إليه وفيه إشارة لما ينبغي للمسئول من التواضع والصفح عما يبدو من جفاء السائل والظاهر أنه أراد بذلك المبالغة في تعمية أمره ليقوى الظن بأنه من جفاة الأعراب ولهذا تخطى الناس حتى انتهى إلى النبي ( كما تقدم ولهذا استغرب الصحابة صنيعه ولأنه ليس من أهل البلد وجاء ماشيا ليس عليه أثر سفر فإن قيل كيف عرف عمر أنه لم يعرفه أحد منهم أجيب بأنه يحتمل أن يكون استند في ذلك إلى ظنه أو إلى صريح قول الحاضرين قلت وهذا الثاني أولي فقد جاء كذلك في رواية عثمان بن غياث فإن فيها فنظر القوم بعضهم إلى بعض فقالوا ما نعرف هذا وأفاد مسلم في رواية عمارة بن القعقاع سبب ورود هذا الحديث فعنده في أوله قال رسول الله ( سلوني فهابوا أن يسألوه قال فجاء رجل ووقع في رواية بن منده من طريق يزيد(1/13)
بن زريع عن كهمس بينا رسول الله ( يخطب إذ جاءه رجل فكأن أمره لهم بسؤاله وقع في خطبته وظاهره أن مجيء الرجل كان في حال الخطبة فإما أن يكون وافق انقضاءها أو كان ذكر ذلك القدر جالسا وعبر عنه الراوي بالخطبة وقوله فقال زاد المصنف في التفسير يا رسول الله ما الإيمان فان قيل فكيف بدأ بالسؤال قبل السلام أجيب بأنه يحتمل أن يكون ذلك مبالغة في التعمية لأمره أو ليبين أن ذلك غير واجب أو سلم فلم ينقله الراوي قلت وهذا الثالث هو المعتمد فقد ثبت في رواية أبي فروة ففيها بعد قوله كأن ثيابه لم يمسها دنس حتى سلم من طرف البساط فقال السلام عليك يا محمد فرد عليه السلام قال أدنو يا محمد قال ادن فما زال يقول أدنو مرارا ويقول له ادن ونحوه في رواية عطاء عن بن عمر لكن قال السلام عليك يا رسول الله وفي رواية مطر الوراق فقال يا رسول الله أدنو منك قال ادن ولم يذكر السلام فاختلفت الروايات هل قال له يا محمد أو يا رسول الله هل سلم أولا فأما السلام فمن ذكره مقدم على من سكت عنه وقال القرطبي بناء على أنه لم يسلم وقال يا محمد إنه أراد بذلك التعمية فصنع صنيع الأعراب قلت ويجمع بين الروايتين بأنه بدأ أولا بندائه باسمه لهذا المعنى ثم خاطبه بقوله يا رسول الله ووقع عند القرطبي أنه قال السلام عليكم يا محمد فاستنبط منه أنه يستحب للداخل أن يعمم بالسلام ثم يخصص من يريد تخصيصه انتهى والذي وقفت عليه من الروايات إنما فيه الأفراد وهو قوله السلام عليك يا محمد قوله ما الإيمان قيل قدم السؤال عن الإيمان لأنه الأصل وثنى بالإسلام لأنه يظهر مصداق الدعوى وثلث بالإحسان لأنه متعلق بهما وفي رواية عمارة بن القعقاع بدأ بالإسلام لأنه بالأمر الظاهر وثنى بالإيمان لأنه بالأمر الباطن ورجح هذا الطيبي لما فيه من الترقى ولا شك أن القصة واحدة اختلف الرواة في تأديتها وليس في السياق ترتيب ويدل عليه رواية مطر الوراق فإنه بدأ بالإسلام وثنى بالإحسان وثلث(1/14)
بالإيمان فالحق أن الواقع أمر واحد والتقديم والتأخير وقع من الرواة والله أعلم ...
قوله قال الإيمان أن تؤمن بالله الخ دل الجواب أنه علم أنه سأله عن متعلقاته لا عن معنى لفظه وإلا لكان الجواب الإيمان التصديق وقال الطيبي هذا يوهم التكرار وليس كذلك فإن قوله أن تؤمن بالله مضمن معنى أن تعترف به ولهذا عداه بالباء أي أن تصدق معترفا بكذا قلت والتصديق أيضا يعدى بالباء فلا يحتاج إلى دعوى التضمين وقال الكرماني ليس هو تعريفا للشيء بنفسه بل المراد من المحدود الإيمان الشرعي ومن الحد الإيمان اللغوي قلت والذي يظهر أنه إنما أعاد لفظ الإيمان للاعتناء بشأنه تفخيما لأمره ومنه قوله تعالى:( قل يحييها الذي أنشأها أول مرة )في جواب (من يحيى العظام وهي رميم )يعني أن قوله أن تؤمن ينحل منه الإيمان فكأنه قال الإيمان الشرعي تصديق مخصوص و إلا لكان الجواب الإيمان التصديق والإيمان بالله هو التصديق بوجوده وأنه متصف بصفات الكمال منزه عن صفات النقص قوله وملائكته الإيمان بالملائكة هو التصديق بوجودهم وأنهم كما وصفهم الله تعالى عباد مكرمون وقدم الملائكة على الكتب والرسل نظرا للترتيب الواقع لأنه سبحانه وتعالى أرسل الملك بالكتاب إلى الرسول وليس فيه متمسك لمن فضل الملك على الرسول قوله وكتبه هذه عند الأصيلي هنا واتفق الرواة على ذكرها في التفسير والإيمان بكتب الله التصديق بأنها كلام الله وأن ما تضمنته حق قوله وبلقائه كذا وقعت هنا بين الكتب والرسل وكذا لمسلم من الطريقين ولم تقع في بقية الروايات وقد قيل إنها مكررة لأنها داخلة في الإيمان بالبعث والحق أنها غير مكررة فقيل المراد بالبعث القيام من القبور والمراد باللقاء ما بعد ذلك وقيل اللقاء يحصل بالانتقال من دار الدنيا والبعث بعد ذلك ويدل على هذا رواية مطر الوراق فإن فيها وبالموت وبالبعث بعد الموت كذا في حديث أنس وابن عباس وقيل المراد باللقاء رؤية الله ذكره الخطابي وتعقبه(1/15)
النووي بأن أحدا لا يقطع لنفسه برؤية الله فأنه مختصة بمن مات مؤمنا والمرء لا يدري بم يختم له فكيف يكون ذلك من شروط الإيمان وأجيب بأن المراد الإيمان بأن ذلك حق في نفس الأمر وهذا من الأدلة القوية لأهل السنة في اثبات رؤية الله تعالى في الآخرة إذ جعلت من قواعد الإيمان قوله ورسله وللأصيلي وبرسله ووقع في حديث أنس وابن عباس والملائكة والكتاب والنبيين وكل من السياقين في القرآن في البقرة والتعبير بالنبيين يشمل الرسل من غير عكس والإيمان بالرسل التصديق بأنهم صادقون فيما أخبروا به عن الله ودل الإجمال في الملائكة والكتب والرسل على الاكتفاء بذلك في الإيمان بهم من غير تفصيل الا من ثبت تسميته فيجب الإيمان به على التعيين وهذا الترتيب مطابق للآية ( آمن الرسول بما أنزل إليه من ربه ) ومناسبة الترتيب المذكور وإن كانت الواو لا ترتب بل المراد من التقديم أن الخير والرحمة من الله ومن أعظم رحمته أن أنزل كتبه الى عباده والمتلقى لذلك منهم الأنبياء والواسطة بين الله وبينهم الملائكة قوله وتؤمن بالبعث زاد في التفسير الآخر ولمسلم في حديث عمرو اليوم الآخر فأما البعث الآخر فقيل ذكر الآخر تأكيدا كقولهم أمس الذاهب وقيل لأن البعث وقع مرتين الأولى الإخراج من العدم إلى الوجود أو من بطون الأمهات بعد النطفة والعلقة إلى الحياة الدنيا والثانية البعث من بطون القبور إلى محل الاستقرار وأما اليوم الآخر فقيل له ذلك لأنه آخر أيام الدنيا أو آخر الأزمنة المحدودة والمراد بالإيمان به والتصديق بما يقع فيه من الحساب والميزان والجنة والنار وقد وقع التصريح بذكر الأربعة بعد ذكر البعث في رواية سليمان التيمي وفي حديث بن عباس أيضا فائدة زاد الإسماعيلي في مستخرجه هنا وتؤمن بالقدر وهي في رواية أبي فروة أيضا وكذا لمسلم من رواية عمارة بن القعقاع وأكده بقوله كله وفي رواية كهمس وسليمان التيمي وتؤمن بالقدر خيره وشره وكذا في حديث بن عباس وهو(1/16)
في رواية عطاء عن بن عمر بزيادة وحلوه ومره من الله وكأن الحكمة في إعادة لفظ وتؤمن عند ذكر البعث الإشارة إلى أنه نوع آخر مما يؤمن به لأن البعث سيوجد بعد وما ذكر قبله موجود الآن وللتنويه بذكره لكثرة من كان ينكره من الكفار ولهذا كثر تكراره في القرآن وهكذا الحكمة في إعادة لفظ وتؤمن عند ذكر القدر كأنها أشارة الى ما يقع فيه من الاختلاف فحصل الاهتمام بشأنه بإعادة تؤمن ثم قرره بالابدال بقوله خيره وشره وحلوه ومره ثم زاده تأكيدا بقوله في الرواية الأخيرة من الله والقدر مصدر تقول قدرت الشيء بتخفيف الدال وفتحها أقدره بالكسر والفتح قدرا وقدرا إذا احطت بمقداره والمراد أن الله تعالى علم مقادير الأشياء وازمانها قبل ايجادها ثم أوجد ما سبق في علمه أنه يوجد فكل محدث صادر عن علمه وقدرته وارادته هذا هو المعلوم من الدين بالبراهين القطعية وعليه كان السلف من الصحابة وخيار التابعين إلى أن حدثت بدعة القدر في أواخر زمن الصحابة وقد روى مسلم القصة في ذلك من طريق كهمس عن بن بريدة عن يحيى بن يعمر قال كان أول من قال في القدر بالبصرة معبد الجهني قال فانطلقت أنا وحميد الحميري فذكر اجتماعهما بعبد الله بن عمر وأنه سأله عن ذلك فأخبره بأنه برئ ممن يقول ذلك وأن الله لا يقبل ممن لم يؤمن بالقدر عملا وقد حكى المصنفون في المقالات عن طوائف من القدرية إنكار كون البارىء عالما بشيء من أعمال العباد قبل وقوعها منهم وإنما يعلمها بعد كونها... قال القرطبي وغيره : قد انقرض هذا المذهب ولا نعرف أحدا ينسب إليه من المتأخرين ؛ قال والقدرية اليوم مطبقون على أن الله عالم بأفعال العباد قبل وقوعها وإنما خالفوا السلف في زعمهم بأن افعال العباد مقدورة لهم وواقعة منهم على جهة الاستقلال وهو مع كونه مذهبا باطلا أخف من المذهب الأول وأما المتأخرون منهم فأنكروا تعلق الإرادة بأفعال العباد فرارا من تعلق القديم بالمحدث وهم مخصومون بما قال الشافعي(1/17)
إن سلم القدري العلم خصم يعني يقال له ايجوز أن يقع في الوجود خلاف ما تضمنه العلم فإن منع وافق قول أهل السنة وإن أجاز لزمه نسبة الجهل، تعالى الله عن ذلك.... تنبيه : ظاهر السياق يقتضى أن الإيمان لايطلق إلا على من صدق بجميع ما ذكر وقد اكتفى الفقهاء بإطلاق الإيمان على من آمن بالله ورسوله ولا اختلاف أن الإيمان برسول الله المراد به الإيمان بوجوده وبما جاء به عن ربه فيدخل جميع ما ذكر تحت ذلك والله أعلم...(1/18)
قوله أن تعبد الله قال النووي يحتمل أن يكون المراد بالعبادة معرفة الله فيكون عطف الصلاة وغيرها عليها لادخالها في الإسلام ويحتمل أن يكون المراد بالعبادة الطاعة مطلقا فيدخل فيه جميع الوظائف فعلى هذا يكون عطف الصلاة وغيرها من عطف الخاص على العام قلت أما الاحتمال الأول فبعيد لأن المعرفة من متعلقات الإيمان وأما الإسلام فهو أعمال قولية وبدنية وقد عبر في حديث عمر هنا بقوله أن تشهد أن لا إله إلا الله وأن محمد رسول الله فدل على أن المراد بالعبادة في حديث الباب النطق بالشهادتين وبهذا تبين دفع الاحتمال الثاني ولما عبر الراوي بالعبادة أحتاج أن يوضحها بقوله ولا تشرك به شيئا ولم يحتج إليها في رواية عمر لاستلزامها ذلك فإن قيل السؤال عام لأنه سأل عن ماهية الإسلام والجواب خاص لقوله أن تعبد أو تشهد وكذا قال في الإيمان أن تؤمن وفي الإحسان أن تعبد والجواب أن ذلك لنكتة الفرق بين المصدر وبين أن والفعل لأن أن تفعل تدل على الاستقبال والمصدر لا يدل على زمان على أن بعض الرواة أورده هنا بصيغة المصدر ففي رواية عثمان بن غياث قال شهادة أن لا إله إلا الله وكذا في حديث أنس وليس المراد بمخاطبته بالافراد اختصاصه بذلك بل المراد تعليم السامعين الحكم في حقهم وحق من أشبههم من المكلفين وقد تبين ذلك بقوله في آخره يعلم الناس دينهم فإن قيل ِلمَ لمَ ْ يذكر الحج ؟ أجاب بعضهم باحتمال أنه لم يكن فرض وهو مردود بما رواه بن منده في كتاب الإيمان بإسناده الذي على شرط مسلم من طريق سليمان التيمي في حديث عمر أوله أن رجلا في آخر عمر النبي ( جاء إلى رسول الله ( فذكر الحديث بطوله وآخر عمره يحتمل أن يكون بعد حجة الوداع فأنها آخر سفراته ثم بعد قدومه بقليل دون ثلاثة أشهر مات وكأنه إنما جاء بعد إنزال جميع الأحكام لتقرير أمور الدين التي بلغها متفرقة في مجلس واحد لتنضبط ويستنبط منه جواز سؤال العالم ما لا يجهله السائل ليعلمه السامع وأما(1/19)
الحج فقد ذكر لكن بعض الرواة إما ذهل عنه وإما نسيه والدليل على ذلك اختلافهم في ذكر بعض الأعمال دون بعض ففي رواية كهمس وتحج البيت إن استطعت إليه سبيلا وكذا في حديث أنس وفي رواية عطاء الخراساني لم يذكر الصوم وفي حديث أبي عامر ذكر الصلاة والزكاة فحسب ولم يذكر في حديث بن عباس مزيدا على الشهادتين وذكر سليمان التيمي في روايته الجميع وزاد بعد قوله وتحج وتعتمر وتغتسل من الجنابة وتتمم الوضوء وقال مطر الوراق في روايته وتقيم الصلاة وتؤتى الزكاة قال فذكر عرى الإسلام فتبين ما قلناه إن بعض الرواة ضبط ما لم يضبطه غيره قوله وتقيم الصلاة زاد مسلم المكتوبة أي المفروضة وإنما عبر بالمكتوبة للتفنن في العبارة فإنه عبر في الزكاة بالمفروضة ولِاتّباع قوله تعالى:( إن الصلاة كانت على المؤمنين كتابا موقوتا ) قوله وتصوم رمضان استدل به على قول رمضان من غير إضافة شهر إليه... قوله الإحسان هو مصدر تقول أحسن يحسن إحسانا ويتعدى بنفسه وبغيره تقول أحسنت كذا إذا اتقنته واحسنت إلى فلان إذا اوصلت إليه النفع والأول هو المراد لأن المقصود إتقان العبادة وقد يلحظ الثاني بأن المخلص مثلا محسن باخلاصه إلى نفسه وإحسان العبادة الإخلاص فيها والخشوغ وفراغ البال حال التلبس بها ومراقبة المعبود وأشار في الجواب إلى حالتين أرفعهما أن يغلب عليه مشاهدة الحق بقلبه حتى كأنه يراه بعينه وهو قوله كأنك تراه أي وهو يراك والثانية أن يستحضر أن الحق مطلع عليه يرى كل ما يعمل وهو قوله فإنه يراك وهاتان الحالتان يثمرهما معرفة الله وخشيته وقد عبر في رواية عمارة بن القعقاع بقوله أن تخشى الله كأنك تراه وكذا في حديث أنس وقال النووي معناه إنك إنما تراعي الآداب المذكورة إذا كنت تراه ويراك لكونه يراك لا لكونك تراه فهو دائما يراك فأحسن عبادته وإن لم تره فتقدير الحديث فإن لم تكن تراه فاستمر على إحسان العبادة فإنه يراك قال وهذا القدر من الحديث أصل عظيم من(1/20)
أصول الدين وقاعدة مهمة من قواعد المسلمين وهو عمدة الصديقين وبغية السالكين وكنز العارفين ودأب الصالحين وهو من جوامع الكلم التي اوتيها ( ... وقد ندب أهل التحقيق إلى مجالسة الصالحين ليكون ذلك مانعا من التلبس بشيء من النقائص احتراما واستحياء منهم فكيف بمن لا يزال الله مطلعا عليه في سره وعلانيته انتهى..
وقد سبق إلى أصل هذا القاضي عياض وغيره .. تنبيه : دل سياق الحديث على أن رؤية الله في الدنيا بالأبصار غير واقعة وأما رؤية النبي ( فذاك لدليل آخر وقد صرح مسلم في روايته من حديث أبي إمامة بقوله ( :واعلموا إنكم لن تروا ربكم حتى تموتوا.. وأقدم بعض غلاة الصوفية على تأويل الحديث بغير علم ، فقال فيه إشارة الى مقام المحو والفناء وتقديره فإن لم تكن أي فإن لم تصر شيئا وفنيت عن نفسك حتى كأنك ليس بموجود فأنك حينئذ تراه وغفل قائل هذا للجهل بالعربية عن أنه لو كان المراد ما زعم لكان قوله تراه محذوف الألف لأنه يصير مجزوما لكونه على زعمه جواب الشرط ولم يرد في شيء من طرق هذا الحديث بحذف الألف ومن ادعى أن إثباتها في الفعل المجزوم على خلاف القياس فلا يصار إليه إذ لاضرورة هنا وأيضا فلو كان ما ادعاه صحيحا لكان قوله فإنه يراك ضائعا لأنه لا ارتباط له بما قبله ومما يفسد تأويله رواية كهمس فإن لفظها فإنك إن لا تراه فإنه يراك وكذلك في رواية سليمان التيمي فسلط النفي على الرؤية لا على الكون الذي حمل على ارتكاب التأويل المذكور... وفي رواية أبي فروة فان لم تره فإنه يراك ونحوه في حديث أنس وابن عباس وكل هذا يبطل التأويل المتقدم والله أعلم(1/21)
فائدة زاد مسلم في رواية عمارة بن القعقاع قول السائل صدقت عقب كل جواب من الأجوبة الثلاثة وزاد أبو فروة في روايته فلما سمعنا قول الرجل صدقت أنكرناه وفي رواية كهمس فعجبنا له يسأله ويصدقه وفي رواية مطر انظروا إليه كيف يسأله وانظروا إليه كيف يصدقه وفي حديث أنس انظروا وهو يسأله وهو يصدقه كأنه أعلم منه وفي رواية سليمان بن بريدة قال القوم ما رأينا رجلاً مثل هذا كأنه يعلم رسول الله ( يقول له صدقت صدقت... قال القرطبي: إنما عجبوا من ذلك لأن ما جاء به النبي ( لا يعرف الا من جهته وليس هذا السائل ممن عرف بلقاء النبي ( ولا بالسماع منه ثم هو يسأل سؤال عارف بما يسأل عنه لأنه يخبره بأنه صادق فيه فتعجبوا من ذلك تعجب المستبعد لذلك والله أعلم
قوله متى الساعة ؟ أي متى تقوم الساعة وصرح به في رواية عمارة بن القعقاع واللام للعهد والمراد يوم القيامة قوله ما المسئول عنها. ما نافية وزاد في رواية أبي فروة فنكس فلم يجبه ثم أعاد فلم يجبه ثلاثا ثم رفع رأسه فقال ما المسئول ... قوله بأعلم الباء زائدة لتأكيد النفي وهذا وإن كان مشعرا بالتساوى في العلم لكن المراد التساوى في العلم بأن الله تعالى استأثر بعلمها لقوله بعد: في خمس لا يعلمها إلا الله وسيأتي نظير هذا التركيب في أواخر الكلام على هذا الحديث في قوله ما كنت بأعلم به من رجل منكم فإن المراد أيضا التساوى في عدم العلم به وفي حديث بن عباس هنا فقال سبحان الله خمس من الغيب لا يعلمهن الا الله ثم تلا الآية....( (إِنَّ اللَّهَ عِندَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْأَرْحَامِ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَّاذَا تَكْسِبُ غَداً وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ) (لقمان : 34 )(1/22)
قال النووي: يستنبط منه أن العالم إذا سئل عما لا يعلم يصرح بأنه لا يعلمه ولا يكون في ذلك نقص من مرتبته بل يكون ذلك دليلا على مزيد ورعه؛ وقال القرطبي : مقصود هذا السؤال كف السامعين عن السؤال عن وقت الساعة لأنهم قد أكثروا السؤال عنها كما ورد في كثير من الآيات والأحاديث فلما حصل الجواب بما ذكر هنا حصل اليأس من معرفتها بخلاف الأسئلة الماضية فإن المراد بها استخراج الأجوبة ليتعلمها السامعون ويعملوا بها ونبه بهذه الأسئلة على تفصيل ما يمكن معرفته مما لا يمكن قوله من السائل عدل عن قوله لست بأعلم بها منك إلى لفظ يشعر بالتعميم تعريضا للسامعين أي أن كل مسئول وكل سائل فهو كذلك فائدة هذا السؤال والجواب وقع بين عيسى بن مريم وجبريل قال العلامة بن باز حفظه الله لا ينبغي الجزم بوقوع هذا من عيسى لأن كلام الشعبي لا تقوم به حجة وإن كان نقله عن بني إسرائيل فكذلك وإنما يذكر مثل هذا بصيغة التمريض كما هو المقرر في علم مصطلح والله أعلم... لكن كان عيسى سائلا وجبريل مسؤلا ؛ قال الحميدي في نوادره: حدثنا سفيان حدثنا مالك بن مغول عن إسماعيل بن رجاء الشعبي قال سأل عيسى بنُ مريم جبريلَ عن الساعة قال فانتفض بأجنحته وقال ما المسئول عنها بأعلم من السائل...(1/23)
قوله وسأخبرك عن اشراطها وفي التفسير ولكن سأحدثك وفي رواية أبي فروة ولكن لها علامات تعرف بها وفي رواية كهمس قال فأخبرني عن إمارتها فأخبره بها فترددنا فحصل التردد هل ابتداء بذكر الامارات أو السائل سأله عن الامارات ويجمع بينهما بأنه ابتدأ بقوله وسأخبرك فقال له السائل فأخبرني .. ويدل على ذلك رواية سليمان التيمي ولفظها ولكن إن شئت نبأتك عن أشراطها قال أجل ونحوه في حديث بن عباس وزاد فحدثني وقد حصل تفصيل الاشراط من الرواية الأخرى وأنها العلامات وهي بفتح الهمزة جمع شرط بفتحتين كقلم وأقلام ويستفاد من اختلاف الروايات أن التحديث والاخبار والانباء بمعنى واحد وإنما غاير بينها أهل الحديث اصطلاحا.. قال القرطبي : علامات الساعة على قسمين ما يكون من نوع المعتاد أو غيره والمذكور هنا الأول وأما الغير معتاد مثل طلوع الشمس من مغريها فتلك مقارنة لها أو مضايقة والمراد هنا العلامات السابقة على ذلك والله أعلم(1/24)
قوله إذا ولدت التعبير بإذا للاشعار بتحقق الوقوع ووقعت هذه الجملة بيانا للاشراط نظر إلى المعنى والتقدير ولادة الأمة وتطاول الرعاة فإن قيل الاشراط جمع وأقله ثلاثة على الأصح والمذكور هنا اثنان أجاب الكرماني بأنه قد تستفرض القلة للكثرة وبالعكس أو لأن الفرق بالقلة والكثرة إنما هو في النكرات لا في المعارف أو لفقد جمع الكثرة للفظ الشرط وفي جميع هذه الأجوبة نظر ولو أجيب بأن هذا دليل القول الصائر إلى أن أقل الجمع اثنان لما بعد عن الصواب والجواب المرضى أن المذكور من الاشراط ثلاثة وإنما بعض الرواة اقتصر على اثنين منها لأنه هنا ذكر الولادة والتطاول وفي التفسير ذكر الولادة وترؤس الحفاة وفي رواية محمد بن بشر التي أخرج مسلم إسنادها وساق بن خزيمة لفظها عن أبي حيان ذكر الثلاثة وكذا في مستخرج الإسماعيلي من طريق بن علية وكذا ذكرها عمارة بن القعقاع ووقع مثل ذلك في حديث عمر ففي رواية كهمس ذكر الولادة والتطاول فقط ووافقه عثمان بن غياث وفي رواية سليمان التيمي ذكر الثلاثة ووافقه عطاء الخراساني وكذا ذكرت في حديث بن عباس وأبي عامر ...(1/25)
قوله إذا ولدت الأمة ربها وفي التفسير ربتها بتاء التأنيث وكذا في حديث عمر ولمحمد بن بشر مثله وزاد يعني السرارى وفي رواية عمارة بن القعقاع إذا رأيت المرأة تلد ربها ونحوه لأبي فروة وفي رواية عثمان بن غياث الإماء أربابهن بلفظ الجمع والمراد بالرب المالك أو السيد وقد اختلف العلماء قديما وحديثا في معنى ذلك قال بن التين اختلف فيه على سبعة أوجه فذكرها لكنها متداخلة وقد لخصتها بلا تداخل فإذا هي أربعة أقوال الأول قال الخطابي معناه اتساع الإسلام واستيلاء أهله على بلاد الشرك وسبى ذراريهم فإذا ملك الرجل الجارية واستولدها كان الولد منها بمنزلة ربها لأنه ولد سيدها ...قال النووي وغيره إنه قول الأكثرين ؛ قلت لكن في كونه المراد نظر لأن استيلاد الاماء كان موجودا حين المقالة والاستيلاء على بلاد الشرك وسبى ذراريهم واتخاذهم سرارى وقع أكثره في صدر الإسلام وسياق الكلام يقتضى الإشارة إلى وقوع ما لم يقع مما سيقع قرب قيام الساعة، وقد فسره وكيع في رواية بن ماجة باخص من الأول قال أن تلد العجم العرب ووجهه بعضهم بأن الاماء يلدن الملوك فتصير الأم من جملة الرعية والملك سيد رعيته وهذا لإبراهيم الحربي وقربه بان الرؤساء في الصدر الأول كانوا يستنكفون غالبا من وطء الاماء ويتنافسون في الحرائر ثم انعكس الأمر ولا سيما في اثناء دولة بني العباس ولكن رواية ربتها بتاء التأنيث قد لا تساعد على ذلك ووجهه بعضهم بان إطلاق ربتها على ولدها مجاز لأنه لما كان سببا في عتقها بموت أبيه أطلق عليه ذلك وخصه بعضهم بأن السبي إذا كثر فقد يسبى الولد أولا وهو صغير ثم يعتق ويكبر ويصير رئيسا بل ملكا ثم تسبى أمه فيما بعد فيشتريها عارفا بها أو وهو لا يشعر أنها أمه فيستخدمها أو يتخذها موطوءة أو يعتقها ويتزوجها وقد جاء في بعض الروايات أن تلد الأمة بعلها وهي عند مسلم فحمل على هذه الصورة وقيل المراد بالبعل المالك وهو أولى لتتفق الروايات الثاني(1/26)
أن تبيع السادة أمهات أولادهم ويكثر ذلك فيتداول الملاك المستولدة حتى يشتريها ولدها ولا يشعر بذلك وعلى هذا فالذي يكون من الاشراط غلبة الجهل بتحريم بيع أمهات الأولاد أو الاستهانة بالأحكام الشرعية فإن قيل هذه المسألة مختلف فيها فلا يصلح الحمل عليها لأنه لا جهل ولا استهانة عند القائل بالجواز قلنا يصلح أن يحمل على صورة اتفاقية كبيعها في حال حملها فإنه حرام بالإجماع الثالث وهو من نمط الذي قبله قال النووي لا يختص شراء الولد أمه بامهات الأولاد بل يتصور في غيرهن بأن تلد الأمة حرا من غير سيدها بوطء شبهة أو رقيقا بنكاح أو زنا ثم تباع الأمة في الصورة بيعا صحيحا وتدور في الأيدي حتى يشتريها ابنها أو ابنتها ولا يعكر على هذا تفسير محمد بن بشر بأن المراد السرارى لأنه تخصيص بغير دليل الرابع أن يكثر العقوق في الأولاد فيعامل الولد أمه معاملة السيد أمته من الاهانة بالسب والضرب والاستخدام فأطلق عليه ربها مجازا لذلك أو المراد بالرب المربي فيكون حقيقة وهذا أوجه الأوجه عندي لعمومه ولأن المقام يدل على أن المراد حالة تكون مع كونها تدل على فساد الأحوال مستغربة ومحصلة الإشارة إلى أن الساعة يقرب قيامها عند انعكاس الأمور بحيث يصير المربَّي مربِّيا والسافل عاليا وهو مناسب لقوله في العلامة الأخرى أن تصير الحفاة ملوك الأرض تنبيهان أحدهما قال النووي ليس فيه دليل على تحريم بيع أمهات الأولاد ولا على جوازه وقد غلط من استدل به لكل من الامرين لأن الشيء إذا جعل علامة على شيء آخر لا يدل على حظر ولا إباحة الثاني يجمع بين ما في هذا الحديث من إطلاق الرب على السيد المالك في قوله ربها وبين ما في الحديث الآخر وهو في الصحيح لا يقل أحدكم أطعم ربك وضئ ربك أسق ربك وليقل سيدي ومولاي بأن اللفظ هنا خرج على سبيل المبالغة أو المراد بالرب هنا المربي وفي المنهي عنه السيد أو أن النهي عنه متأخر أو مختص بغير الرسول ((1/27)
قوله تطاول أي تفاخروا في تطويل البنيان وتكاثروا به قوله رعاة الإبل هو بضم الراء جمع راع كقضاة وقاض والبهم بضم الموحدة ووقع في رواية الأصيلي بفتحها ولا يتجه مع ذكر الإبل وإنما يتجه مع ذكر الشياه أو مع عدم الإضافة كما في رواية مسلم رعاء البهم وميم البهم في رواية البخاري يجوز ضمها على أنه صفة الرعاة ويجوز الكسر على أنها صفة الإبل يعني الإبل السود وقيل أنها شر الالوان عندهم وخيرها الحمر التي ضرب بها المثل فقيل خير من حمر النعم ووصف الرعاة بالبهم إما لأنهم مجهولو الأنساب ومنه أبهم الأمر فهو مبهم إذا لم تعرف حقيقته وقال القرطبي الآولى أن يحمل على أنهم سود الالوان لأن الادمة غالب ألوانهم وقيل معناه أنهم لا شيء لهم كقوله ( يحشر الناس حفاة عراة بهما قال وفيه نظر لأنه قد نسب له الإبل .. فكيف يقال لا شيء لهم قلت يحمل على أنها إضافة اختصاص لا ملك وهذا هو الغالب أن الراعي يرعى لغيره بالأجرة وأما المالك فقل أن يباشر الرعي بنفسه ...(1/28)
قوله في التفسير وإذا كان الحفاة العراة زاد الإسماعيلي في روايته الصم البكم وقيل لهم ذلك مبالغة في وصفهم بالجهل أي لم يستعملوا أسماعهم ولا أبصارهم في الشيء من أمر دينهم وأن كانت حواسهم سليمة قوله رؤوس الناس أي ملوك الأرض وصرح به الإسماعيلي وفي رواية أبي فروة مثله والمراد بهم أهل البادية كما صرح به في رواية سليمان التيمي وغيره قال ما الحفاة العراة قال العرب وهو بالعين المهملة على التصغير وفي الطبراني من طريق أبي حمزة عن بن عباس مرفوعا من انقلاب الدين تفصح النبط واتخاذهم القصور في الأمصار.. قال القرطبي: المقصود الإخبار عن تبدل الحال بأن يستولى أهل البادية على الأمر ويتملكوا البلاد بالقهر فتكثر أموالهم وتنصرف هممهم إلى تشييد البنيان والتفاخر به وقد شاهدنا ذلك في هذا الزمان ومنه الحديث الآخر لا تقوم الساعة حتى يكون أسعد الناس بالدنيا لكع بن لكع ومنه إذا وسد الأمر أي أسند إلى غير أهله فانتظروا الساعة وكلاهما في الصحيح...
قوله في خمس أي علم وقت الساعة داخل في جملة خمس وحذف متعلق الجار سائغ كما في قوله تعالى ( في تسع آيات) أي اِذهب إلى فرعون بهذه الآية في جملة تسع آيات... وفي رواية عطاء الخراساني قال فمتى الساعة قال :هي في خمس من الغيب لا يعلمها الا الله قال القرطبي لا مطمع لأحد في علم شيء من هذه الأمور الخمسة ،لهذا الحديث ...(1/29)
وقد فسر النبي ( قول الله تعالى ( وعنده مفاتح الغيب لا يعلمها الا هو ) بهذه الخمس وهو في الصحيح قال فمن ادعى علم شيء منها غير مسنده إلى رسول الله ( كان كاذبا في دعواه قال وأما ظن الغيب فقد يجوز من المنجم وغيره إذا كان عن أمر عادي وليس ذلك بعلم وقد نقل بن عبد البر الإجماع على تحريم أخذ الأجرة والجعل واعطائها في ذلك وجاء عن بن مسعود قال أوتي نبيكم صلى ( كل شيء سوى هذه الخمس.. وعن بن عمر مرفوعا نحوه أخرجهما أحمد وأخرج حميد بن زنجويه عن بعض الصحابة أنه ذكر العلم بوقت الكسوف قبل طهوره فأنكر عليه فقال إنما الغيب خمس وتلا هذه الآية وما عدا ذلك غيب يعلمه قوم ويجهله قوم تنبيه تضمن الجواب زيادة على السؤال للاهتمام بذلك ارشادا للأمة لما يترتب على معرفة ذلك من المصلحة فإن قيل ليس في الآية أداة حصر كما في الحديث أجاب الطيبي بأن الفعل إذا كان عظيم الخطر وما ينبنى عليه الفعل رفيع الشأن فهم منه الحصر على سبيل الكناية ولا سيما إذا لوحظ ما ذكر في أسباب النزول من أن العرب كانوا يدعون علم نزول الغيث فيشعر بأن المراد من الآية نفى علمهم بذلك واختصاصه بالله سبحانه وتعالى
فائدة النكتة في العدول عن الاثبات إلى النفي في قوله تعالى ( وما تدري نفس ماذا تكسب غدا) وكذا التعبير بالدراية دون العلم للمبالغة والتعميم إذ الدراية اكتساب علم الشيء بحيلة فإذا انتفى ذلك عن كل نفس مع كونه من مختصاتها ولم تقع منه على علم كان عدم اطلاعها على علم غير ذلك من باب أولى اه ملخصا من كلام الطيبي
قوله الآية أي تلا الآية إلى آخر السورة وصرح بذلك الإسماعيلي وكذا في رواية عمارة ولمسلم إلى قوله خبير وكذا في رواية أبي فروة وأما ما وقع عند المؤلف في التفسير من قوله إلى الأرحام فهو تقصير من بعض الرواة والسياق يرشد إلى أنه تلا الآية كلها.(1/30)
قوله ثم أدبر فقال ردوه زاد في التفسير فأخذوا ليردوه فلم يروه شيئا... فيه أن الملك يجوز أن يتمثل لغير النبي ( فيراه ويتكلم بحضرته وهو يسمع وقد ثبت عن عمران بن حصين أنه كان يسمع كلام الملائكة والله أعلم ...
قوله جاء يعلم الناس في التفسير ليعلم وللإسماعيلي أراد أن تعلموا إذ لم تسألوا ومثله لعمارة وفي رواية أبي فروة والذي بعث محمدا بالحق ما كنت بأعلم به من رجل منكم وأنه لجبريل وفي حديث أبي عامر ثم ولَّى فلما لم نر طريقه قال النبي ( سبحان الله هذا جبريل جاء ليعلم الناس دينهم والذي نفس محمد بيده ما جاءني قط الا وأنا أعرفه إلا أن تكون هذه المرة... وفي رواية التيمي ثم نهض فولى فقال رسول الله ( علي بالرجل فطلبناه كل مطلب فلم نقدر عليه فقال هل تدرون من هذا هذا جبريل أتاكم ليعلمكم دينكم خذوا عنه فوالذي نفسي بيده ما شبه على منذ أتاني قبل مرتي هذه وما عرفته حتى ولى قال بن حبان تفرد سليمان التيمي بقوله خذوا عنه قلت وهو من الثقات الاثبات وفي قوله جاء ليعلم الناس دينهم إشارة إلى هذه الزيادة فما تفرد الا بالتصريح وإسناد التعليم إلى جبريل مجازى لأنه كان السبب في الجواب فلذلك أمر بالأخذ عنه واتفقت هذه الروايات على أن النبي (أخبر الصحابة بشأنه بعد أن التمسوه فلم يجدوه وأما ما وقع عند مسلم وغيره من حديث عمر في رواية كهميس ثم انطلق قال عمر فلبثت ثم قال يا عمر أتدري من السائل ؟ قلت الله ورسوله أعلم قال فأنه جبريل فقد جمع بين الروايتين بعض الشراح بأن قوله فلبثت مليا أي زمانا بعد انصرافه فكأن النبي ( أعلمهم بذلك بعد مضى وقت ولكنه في ذلك المجلس لكن يعكر على هذا الجمع قوله في رواية النسائي والترمذي فلبثت ثلاثا لكن ادعى بعضهم فيها التصحيف وأن مليا صغرت ميمها فاشبهت ثلاثا لأنها تكتب بلا ألف وهذه الدعوى مردودة فإن في رواية أبي عوانة فلبثنا ليالي فلقيني رسول الله ( بعد ثلاث ولابن حبان بعد ثالثة ولابن(1/31)
منده بعد ثلاثة أيام وجمع النووي بين الحديثين بأن عمر لم يحضر قول النبي ( في المجلس بل كان ممن قام إما مع الذين توجهوا في طلب الرجل أو ل شغل آخر ولم يرجع مع من رجع لعارض عرض له فأخبر النبي ( الحاضرين في الحال ولم يتفق الإخبار لعمر الا بعد ثلاثة أيام ويدل عليه قوله فلقيني وقوله فقال لي يا عمر فوجه الخطاب له وحده بخلاف إخباره الأول وهو جمع حسن تنبيهات الأول دلت الروايات التي ذكرناها على أن النبي صلى الله عليه وسلم ما عرف أنه جبريل الا في آخر الحال ...
قوله باب كذا هو بلا ترجمة في رواية كريمة وأبي الوقت وسقط من رواية أبي ذر والأصيلي وغيرهما ورجح النووي الأول قال لأن الترجمة يعني سؤال جبريل عن الإيمان لايتعلق بها هذا الحديث فلا يصح إدخاله فيه قلت نفى التعلق لا يتم هنا على الحالتين لأنه إن ثبت لفظ باب بلا ترجمة فهو بمنزلة الفصل من الباب الذي قبله فلا بد له من تعلق به وإن لم يثبت فتعلقه به متعين لكنه يتعلق بقوله في الترجمة جعل ذلك كله دينا ووجه التعلق أنه سمي الدين إيمانا في حديث هرقل فيتم مراد المؤلف يكون الدين هو الإيمان فإن قيل لا حجة له فيه لأنه منقول عن هرقل فالجواب أنه ما قاله من قبل اجتهاده وإنما أخبر به عن استقرائه من كتب الأنبياء كما قررناه فيما مضى وأيضا فهرقل قاله بلسانه الرومي وأبو سفيان عبر عنه بلسانه العربي وألقاه إلى بن عباس وهو من علماء اللسان فرواه عنه ولم ينكره فدل على أنه صحيح لفظا ومعنى وقد اقتصر المؤلف من حديث أبي سفيان الطويل الذي تكلمنا عليه في بدء الوحي على هذه القطعة لتعلقها بغرضه هنا وساقه في كتاب الجهاد تاما بهذا الإسناد الذي أورده هنا والله أعلم ......
الحديث في صحيح مسلم(1/32)
حدثنا وكيع، عن كهمس، عن عبدالله بن بريدة، عن يحيى بن يعمر. ح وحدثنا عبيدالله بن معاذ العنبري. وهذا حديثه: حدثنا أبي. حدثنا كهمس، عن ابن بريدة، عن يحيى بن يعمر؛ قال:كان أول من قال في القدر بالبصرة معبد الجهني. فانطلقت أنا وحميد بن عبدالرحمن الحميري حاجين أو معتمرين فقلنا: لو لقينا أحد من أصحاب رسول الله ( فسألناه عما يقول هؤلاء في القدر. فوفق لنا عبدالله بن عمر بن الخطاب داخلا المسجد. فاكتنفته أنا وصاحبي. أحدنا عن يمينه والآخر عن شماله. فظننت أن صاحبي سيكل الكلام إلي. فقلت: أبا عبدالرحمن! إنه قد ظهر قبلنا ناس يقرؤون القرآن ويتقفرون العلم. وذكر من شأنهم وأنهم يزعمون أن لا قدر. وأن الأمر أنف. قال: فإذا لقيت أولئك فأخبرهم أني بريء منهم، وأنهم برآء مني. والذي يحلف به عبدالله بن عمر! لو أن لأحدهم مثل أحد ذهبا فأنفقه، ما قبل الله منه حتى يؤمن بالقدر. ثم قال: حدثني أبي عمر بن الخطاب، قال: بينما نحن عند رسول الله ( ذات يوم، إذ طلع علينا رجل شديد بياض الثياب. شديد سواد الشعر. لا يرى عليه أثر السفر. ولا يعرفه منا أحد. حتى جلس إلى النبي صلى الله عليه وسلم. فاسند ركبتيه إلى ركبتيه. ووضع كفيه على فخذيه. وقال: يا محمد! أخبرني عن الإسلام. فقال رسول الله ( : "الإسلام أن تشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله صلى الله عليه وسلم. وتقيم الصلاة. وتؤتي الزكاة. وتصوم رمضان. وتحج البيت، إن استطعت إليه سبيلا" قال: صدقت. قال فعجبنا له. يسأله ويصدقه. قال: فأخبرني عن الإيمان. قال: "أن تؤمن بالله، وملائكته، وكتبه، ورسله، واليوم الآخر. وتؤمن بالقدر خيره وشره" قال: صدقت. قال: فأخبرني عن الإحسان. قال: "أن تعبد الله كأنك تراه. فإن لم تكن تراه، فإنه يراك". قال: فأخبرني عن الساعة. قال: "ما المسؤول عنها بأعلم من السائل" قال: فأخبرني عن أمارتها. قال: "أن تلد الأمة ربتها. وأن ترى الحفاة العراة العالة رعاء(1/33)
الشاء، يتطاولون في البنيان". قال ثم انطلق. فلبثت مليا. ثم قال لي: "يا عمر! أتدري من السائل؟" قلت: الله ورسوله أعلم. قال: "فإنه جبريل أتاكم يعلمكم دينكم".
قال القاضي أبو الفضل رحمه الله : فقد قرر أن الإيمان به محتاج إلى العقد بالجنان ، والإسلام به مضطر إلى النطق باللسان . وهذه الحال المحمودة التامة .
وأما الحال المذمومة فالشهادة باللسان دون تصديق القلب ، وهذا هو النفاق ،قال الله تعالى: (إِذَا جَاءكَ الْمُنَافِقُونَ قَالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ) (المنافقون ( 1 )، أي كاذبون في قولهم ذلك عن اعتقادهم وتصديقهم ، وهم لا يعتقدونه ، فلما لم تصدق ذلك ضمائرهم لم ينفعهم أن يقولوا بألسنتهم ما ليس في قلوبهم ، فخرجوا عن اسم الإيمان ، ولم يكن لهم في الآخرة حكمه ، إذ لم يكن معهم إيمان ، ولحقوا بالكافرين في الدرك الأسفل من النار ، وبقي عليهم حكم الإسلام ، بإظهار شهادة الإسلام ، في أحكام الدنيا المتعلقة بالأئمة وحكام المسلمين الذين أحكامهم على الظواهر ، بما أظهروه من علامة الإسلام ، إذ لم يجعل للبشر سبيل إلى السرائر ، ولا أمروا بالبحث عنها بل نهى النبي ( عن التحكم عليها ، وذم ذلك ، وقال : هلا شققت عن قلبه .
( قلت : رواه مسلم ، قال
* حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة. حدثنا أبو خالد الأحمر. ح وحدثنا أبو كريب وإسحاق بن إبراهيم، عن أبي معاوية، كلاهما عن الأعمش، عن أبي ظبيان، عن أسامة بن زيد. وهذا حديث ابن أبي شيبة. قال:(1/34)
بعثنا رسول الله ( في سرية. فصبحنا الحرقات من جهينة. فأدركت رجلا. فقال : لا إله إلا الله. فطعنته فوقع في نفسي من ذلك. فذكرته للنبي ( . فقال رسول الله (" أقال: لا إله إلا الله وقتلته؟" قال قلت: يا رسول الله! إنما قالها خوفا من السلاح. قال" أفلا شققت عن قلبه حتى تعلم أقالها أم لا". فما زال يكررها علي حتى تمنيت أني أسلمت يومئذ. قال فقال سعد: وأنا والله لا أقتل مسلما حتى يقتله ذو البطين يعني أسامة. قال: قال رجل: ألم يقل الله: {وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله} [8/ الأنفال/ آية 19] فقال سعد: قد قاتلنا حتى لا تكون فتنة. وأنت وأصحابك تريدون أن تقاتلوا حتى تكون فتنة.
*حدثنا يعقوب الدورقي. حدثنا هشيم. أخبرنا حصين. حدثنا أبو ظبيان، قال: سمعت أسامة بن زيد بن حارثة يحدث، قال:
بعثنا رسول الله ( إلى الحرقة من جهينة. فصبحنا القوم. فهزمناهم. ولحقت أنا ورجل من الأنصار رجلا منهم. فلما غشيناه قال: لا إله إلا الله. فكف عنه الأنصاري. وطعنته برمحي حتى قتلته. قال فلما قدمنا. بلغ ذلك النبي ( فقال لي " يا أسامة! أقتلته بعد ما قال لا إله إلا الله؟" قال قلت: يا رسول الله! إنما كان متعوذا. قال، فقال" أقتلته بعد ما قال لا إله إلا الله؟" قال فما زال يكررها على حتى تمنيت أني لم أكن أسلمت قبل ذلك اليوم.
* حدثنا أحمد بن الحسن بن خراش. حدثنا عمرو بن عاصم. حدثنا معتمر. قال: سمعت أبي يحدث؛ أن خالدا الأثبج، ابن أخي صفوان بن محرز، أنه حدث؛ أن جندب بن عبدالله البجلي بعث إلى عسعس بن سلامة، زمن فتنة ابن الزبير، فقال:(1/35)
أجمع لي نفرا من إخوانك حتى أحدثهم. فبعث رسولا إليهم. فلما اجتمعوا جاء جندب وعليه برنس أصفر. فقال: تحدثوا بما كنتم تحدثون به. حتى دار الحديث. فلما دار الحديث إليه حسر البرنس عن رأسه. فقال: إني أتيكم ولا أريد أن أخبركم عن نبيكم. إن رسول الله ( بعث بعثا من المسلمين إلى قوم من المشركين. وإنهم التقوا فكان رجل من المشركين إذا شاء أن يقصد إلى رجل من المسلمين قصد له فقتله. وإن رجلا من المسلمين قصد غفلته. قال وكنا نحدث أنه أسامة بن زيد. فلما رفع عليه السيف قال: لا إله إلا الله، فقتله. فجاء البشير إلى النبي ( . فسأله فأخبره. حتى أخبره خبر الرجل كيف صنع. فدعاه. فسأله. فقال" لم قتلته؟" قال: يا رسول الله أوجع في المسلمين. وقتل فلانا وفلانا. وسمى له نفرا. وإني حملت عليه. فلما رأى السيف قال: لا إله إلا الله.
قال رسول الله ( " أقتلته؟" قال: نعم" فقال : فكيف تصنع بلا إله إلا الله إذا جاءت يوم القيامة؟ "فجعل لا يزيده على أن يقول" كيف تصنع بلا إله إلا الله إذا جاءت يوم القيامة؟".
قال القاضي أبو الفضل رحمه الله : وللفرق بين القول والعقد ما جعل في حديث جبريل : الشهادة من الإسلام ، والتصديق من الإيمان . وبقيت حالتان أخريان بين هذين : إحداهما ـ أن يصدق بقلبه ثم يخترم ـ قبل اتساع وقت للشهادة بلسانه ، فاختلف فيه ، فشرط بعضهم من تمام الإيمان القول والشهادة به ، ورآه بعضهم مؤمناً مستوجباً للجنة ، لقوله (: يخرج من النار من كان في قلبه مثقال ذرة من إيمان ،
قلت : رواه الترمذي ، قال : : حدثنا سلمة بن شبيب حدثنا عبد الرزاق أخبرنا معمر عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار عن أبي سعيد الخدري أن النبي ( قال : يخرج من النار من كان في قلبه مثقال ذرة من الإيمان قال أبو سعيد فمن شك فليقرأ { إن الله لا يظلم مثقال ذرة } قال هذا حديث حسن صحيح(1/36)
قال القاضي أبو الفضل رحمه الله : فلم يذكر سوى ما في القلب . وهذا مؤمن بقلبه ، غير عاص ولا مفرط بترك غيره . وهذا هو الصحيح في هذا الوجه . الثانية : أن يصدق بقلبه ويطول مهله ، وعلم ما يلزمه من الشهادة ، فلم ينطق بها جملة ولا استشهد في عمره ولا مرة ، فهذا اختلف فيه أيضاً ، فقيل : هو مؤمن ، لأنه مصدق ، والشهادة من جملة الأعمال ، فهو عاص بتركها غير مخلد في النار . وقيل : ليس بمؤمن حتى يقارن عقده شهادة اللسان ، إذ الشهادة إنشاء عقد ، والتزام ايمان ، وهي مرتبطة مع العقد ، ولا يتم التصديق مع المهلة إلا بها . وهذا هو الصحيح .
وهذا نبذ يفضي إلى متسع من الكلام في الإسلام والإيمان وأبوابهما ، وفي الزيادة فيهما والنقصان ، وهل التجزي ممتنع على مجرد التصديق لا يصح فيه جملة ، وإنما يرجع إلى ما زاد عليه من عمل ، وقد يعرض فيه لاختلاف صفاته و تباين حالاته ، من قوة يقين ، وتصميم اعتقاد ، ووضوح معرفة ، ودوام حالة ، وحضور قلب . و في بسط هذا خروج عن غرض التأليف ، وفيما ذكرنا غنية فيما قصدنا إن شاء الله ....
الفصل الثاني
في وجوب طاعته(
قال القاضي أبو الفضل رحمه الله : وأما وجوب طاعته ، فإذا وجب الإيمان به وتصديقه فيما جاء به وجبت طاعته ، لأن ذلك مما أتى به . * قال الله تعالى : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَلاَ تَوَلَّوْا عَنْهُ وَأَنتُمْ تَسْمَعُونَ) (الأنفال : 20)
وقال : (قُلْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَالرَّسُولَ فإِن تَوَلَّوْاْ فَإِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبُّ الْكَافِرِينَ) (آل عمران : 32 ).
وقال : (وَأَطِيعُواْ اللّهَ وَالرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ) (آل عمران : 132 )(1/37)
وقال : (قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ فَإِن تَوَلَّوا فَإِنَّمَا عَلَيْهِ مَا حُمِّلَ وَعَلَيْكُم مَّا حُمِّلْتُمْ وَإِن تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ) (النور : 54 )
وقال : (مَّنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللّهَ وَمَن تَوَلَّى فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظاً) (النساء : 80 )
وقال : (وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ) (الحشر : 7 ) وقال : (وَمَن يُطِعِ اللّهَ وَالرَّسُولَ فَأُوْلَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللّهُ عَلَيْهِم مِّنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاء وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقاً) (النساء : 69 )
وقال : (وَمَا أَرْسَلْنَا مِن رَّسُولٍ إِلاَّ لِيُطَاعَ بِإِذْنِ اللّهِ ) (النساء : 64 )،
فجعل تعالى طاعة رسوله طاعته ، وقرن طاعته بطاعته ، ووعد على ذلك بجزيل الثواب ، وأوعد على مخالفته بسوء العقاب ، وأوجب امتثال أمره ، واجتناب نهيه .
قال المفسر ون والأئمة : طاعة الرسول التزام سنته والتسليم لما جاء به .
وقالوا : وما أرسل الله من رسول إلا فرض طاعته على من أرسله إليه .
وقالوا من يطع الرسول في سنته يطع الله في فرائضه .
وسئل سهل بن عبد الله عن شرائع الإسلام ، فقال : (وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ) ( الحشر 7 ) .
وقال السمرقندي : يقال : أطيعوا الله في فرائضه ، والرسول في سنته . وقيل : أطيعوا الله فيما حرم عليكم ، والرسول فيما بلغكم .
ويقال : أطيعوا الله بالشهادة له بالربوبية ، والنبي بالشهادة له بالنبوة .(1/38)
*حدثنا أبو محمد بن عتاب بقراءتي عليه ' حدثنا حاتم بن محمد ، حدثنا أبو الحسن علي بن محمد بن خلف ، حدثنا محمد بن أحمد ، حدثنا محمد بن يوسف ، حدثنا البخاري ، حدثنا عبدان ، أخبرنا عبد الله ، حدثنا يونس ، عن الزهري ، أخبرني أبو سلمة ابن عبد الرحمن ـ أنه سمع أبا هريرة يقول : إن رسول الله ( قال : من أطاعني فقد أطاع الله ، ومن عصاني فقد عصى الله ، ومن أطاع أميري فقد أطاعني ، و من عصى أميري فقد عصاني .
( قلت : حديث متفق عليه ،
رواه البخاري :
* في كتاب الأحكام باب: قول الله تعالى: {أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم} /النساء: 59/.
- حدثنا عبدان: أخبرنا عبد الله، عن يونس، عن الزُهري: أخبرني أبو سلمة ابن عبد الرحمن: أنه سمع أبا هريرة رضي الله عنه:
أن رسول الله ( قال: (من أطاعني فقد أطاع الله، ومن عصاني فقد عصى الله، ومن أطاع أميري فقد أطاعني، ومن عصى أميري فقد عصاني).
* وفي كتاب الجهاد والسير باب: يقاتل من وراء الإمام ويتقى به.
- حدثنا أبو اليمان: أخبرنا شعيب: حدثنا أبو الزناد: أن الأعرج حدثه: أنه سمع أبا هريرة رضي الله عنه: أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (نحن الآخرون السابقون).
وبهذا الإسناد: (من أطاعني فقد أطاع الله، ومن عصاني فقد عصى الله، ومن يطع الأمير فقد أطاعني، ومن يعص الأمير فقد عصاني، وإنما الإمام جنة، يقاتل من ورائه ويتقى به، فإن أمر بتقوى الله وعدل فإن له بذلك أجرا، وإن قال بغيره فإن عليه منه).
وقفة مع الإمام مسلم
كتاب الإمارة - باب وجوب طاعة الأمراء في غير معصية، وتحريمها في المعصية
-حدثني زهير بن حرب وهارون بن عبدالله. قالا: حدثنا حجاج بن محمد. قال:(1/39)
قال ابن جريح: نزل: {يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم} [4 /النساء /59] في عبدالله بن حذافة بن قيس بن عدي السهمي. بعثه النبي ( في سرية. أخبرنيه يعلى ابن مسلم عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس.
- حدثنا يحيى بن يحيى. أخبرنا المغيرة بن عبدالرحمن الحزامي عن أبي الزناد، عن الأعرج، عن أبي هريرة،
عن النبي صلى الله عليه وسلم قال (من أطاعني فقد أطاع الله ومن عصاني فقد عصى الله. ومن يطع الأمير فقد أطاعني. ومن يعص الأمير فقد عصاني).
-- وحدثنيه زهير بن حرب. حدثنا ابن عيينة عن أبي الزناد، بهذا الإسناد، ولم يذكر (ومن يعص الأمير فقد عصاني).
- وحدثني حرملة بن يحيى. أخبرنا ابن وهب. أخبرني يونس عن ابن شهاب. أخبره قال: حدثنا أبو سلمة بن عبدالرحمن عن أبي هريرة، عن رسول الله ( ؛ أنه قال (من أطاعني فقد أطاع الله. ومن عصاني فقد عصى الله. ومن أطاع أميري فقد أطاعني. ومن عصى أميري فقد عصاني).
- وحدثني أبو الطاهر. أخبرنا ابن وهب عن حيوة؛ أن أبا يونس، مولى أبي هريرة حدثه. قال: سمعت أبا هريرة يقول عن رسول الله ( . بذلك. وقال (من أطاع الأمير) ولم يقل (أميري). وكذلك في حديث همام عن أبي هريرة.
- وحدثنا سعيد بن منصور. وقتيبة بن سعيد. كلاهما عن يعقوب. قال سعيد: حدثنا يعقوب بن عبدالرحمن عن أبي حازم، عن أبي صالح السمان، عن أبي هريرة. قال: قال رسول الله( (عليك السمع والطاعة في عسرك ويسرك. ومنشطك ومكرهك. وأثرة عليك).
- وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة وعبدالله بن براد الأشعري وأبو كريب. قالوا: حدثنا ابن إدريس عن شعبة، عن أبي عمران، عن عبدالله بن الصامت، عن أبي ذر. قال: إن خليلي أوصاني أن أسمع وأطيع. وإن كان عبدا مجدع الأطراف.
- وحدثنا محمد بن بشار. حدثنا محمد بن جعفر. ح وحدثنا إسحاق. أخبرنا النضر بن شميل. جميعا عن شعبة، عن أبي عمران، بهذا الإسناد. وقالا في الحديث: عبدا حبشيا مجدع الأطراف.(1/40)
- حدثنا محمد بن المثنى. حدثنا محمد بن جعفر. حدثنا شعبة عن يحيى بن حصين. قال: سمعت جدتي تحدث؛
أنها سمعت النبي ( يخطب في حجة الوداع. وهو يقول (لو استعمل عليكم عبد يقودكم بكتاب الله، فاسمعوا له وأطيعوا).
- وحدثناه ابن بشار. حدثنا محمد بن جعفر وعبدالرحمن بن مهدي عن شعبة، بهذا الإسناد. وقال (عبدا حبشيا).
- وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة. حدثنا وكيع بن الجراح عن شعبة، بهذا الإسناد. وقال (عبدا حبشيا مجدعا).
- وحدثنا عبدالرحمن بن بشر. حدثنا بهز. حدثنا شعبة، بهذا الإسناد. ولم يذكر (حبشيا مجدعا) وزاد: أنها سمعت رسول الله ( بمنى، أو بعرفات.
- وحدثني سلمة بن شبيب. حدثنا الحسن بن أعين. حدثنا معقل عن زيد بن أبي أنيسة، عن يحيى بن حصين، عن جدته أم الحصين. قال: سمعتها تقول: حججت مع رسول الله ( حجة الوداع. قالت: فقال رسول الله ( قولا كثيرا. ثم سمعته يقول (إن أمر عليكم عبد مجدع (حسبتها قالت) أسود، يقودكم بكتاب الله. فاسمعوا له وأطيعوا).
- حدثنا قتيبة بن سعيد. حدثنا ليث عن عبيدالله، عن نافع، عن ابن عمر، عن النبي ( ؛ أنه قال (على المرء المسلم السمع والطاعة. فيما أحب وكره. إلا أن يؤمر بمعصية. فإن أمر بمعصية، فلا سمع ولا طاعة).
- حدثنا محمد بن المثنى وابن بشار (واللفظ لابن المثنى). قالا: حدثنا محمد بن جعفر. حدثنا شعبة عن زبيد، عن سعد بن عبيدة، عن أبي عبدالرحمن، عن علي؛ أن رسول الله ( بعث جيشا وأمر عليهم رجلا. فأوقد نارا. وقال: ادخلوها. فأراد الناس أن يدخلوها. وقال الآخرون: إنا قد فررنا منها. فذكر ذلك لرسول الله ( فقال، للذين أرادوا أن يدخلوها (لو دخلتموها لم تزالوا فيها إلى يوم القيامة) وقال للآخرين قولا حسنا. وقال (لا طاعة في معصية الله. إنما الطاعة في المعروف).(1/41)
- وحدثنا محمد بن عبدالله بن نمير وزهير بن حرب وأبو سعيد الأشج. وتقاربوا في اللفظ. قالوا: حدثنا وكيع. حدثنا الأعمش عن سعد بن عبيدة، عن أبي عبدالرحمن، عن علي، قال: بعث رسول الله ( سرية. واستعمل عليهم رجلا من الأنصار. وأمرهم أن يسمعوا له ويطيعوا. فأغضبوه في شيء. فقال: اجمعوا لي حطبا. فجمعوا له. ثم قال: أوقدوا نارا. فأوقدوا. ثم قال: ألم يأمركم رسول الله ( أن تسمعوا لي وتطيعوا؟ قالوا: بلى. قال: فادخلوها. قال: فنظر بعضهم إلى بعض. فقالوا: إنما فررنا إلى رسول الله ( من النار. فكانوا كذلك. وسكن غضبه. وطفئت النار. فلما رجعوا ذكروا ذلك للنبي ( . فقال (لو دخلوها ما خرجوا منها. إنما الطاعة في المعروف).
- حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة. حدثنا عبدالله بن إدريس عن يحيى بن سعيد وعبيدالله بن عمر، عن عبادة بن الوليد بن عبادة، عن أبيه، عن جده. قال: بايعنا رسول الله ( على السمع والطاعة. في العسر واليسر. والمنشط والمكره. وعلى أثرة علينا. وعلى أن لا ننازع الأمر أهله. وعلى أن نقول بالحق أينما كنا. لا نخاف في الله لومة لائم.
- وحدثناه ابن نمير. حدثنا عبدالله (يعني ابن إدريس). حدثنا ابن عجلان وعبيدالله بن عمر ويحيى بن سعيد عن عبادة بن الوليد، في هذا الإسناد، مثله.
- حدثنا أحمد بن عبدالرحمن بن وهب بن مسلم. حدثنا عمي، عبدالله بن وهب. حدثنا عمرو بن الحارث. حدثني بكير عن بسر ابن سعيد، عن جنادة بن أبي أمية قال: دخلنا على عبادة بن الصامت وهو مريض. فقلنا: حدثنا، أصلحك الله، بحديث ينفع الله به، سمعته من رسول الله ( فقال: دعانا رسول الله ( فبايعناه. فكان فيما أخذ علينا، أن بايعنا على السمع والطاعة، في منشطنا ومكرهنا، وعسرنا ويسرنا، وأثرة علينا. وأن لا ننازع الأمر أهله. قال (إلا أن تروا كفرا بواحا عندكم من الله فيه برهان).(1/42)
قال القاضي أبو الفضل رحمه الله : فطاعة الرسول من طاعة الله ، إذ الله أمر بطاعته ، فطاعته امتثال لما أمر الله به ، وطاعة له . وقد حكى الله عن الكفار في دركات جهنم : (يَوْمَ تُقَلَّبُ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ يَقُولُونَ يَا لَيْتَنَا أَطَعْنَا اللَّهَ وَأَطَعْنَا الرَّسُولَا) (الأحزاب : 66 )، فتمنوا طاعته حيث لاينفعهم التمني .
وقال ( : إذا نهيتكم عن شيء فاجتنبوه ، وإذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم.
( قلت : رواه مسلم في كتاب الحج باب فرض الحج مرة في العمر
- وحدثني زهير بن حرب. حدثنا يزيد بن هارون. أخبرنا الربيع بن مسلم القرشي عن محمد بن زياد، عن أبي هريرة. قال: خطبنا رسول الله (فقال :" أيها الناس ! قد فرض الله عليكم الحج فحجوا " فقال رجل: أكل عام ؟ يا رسول الله ! فسكت. حتى قالها ثلاثا. فقال رسول الله (" "لو قلت: نعم. لوجبت. ولما استطعتم". ثم قال "ذروني ما تركتكم. فإنما هلك من كان قبلكم بكثرة سؤالهم واختلافهم على أنبيائهم. فإذا أمرتكم بشيء فأتوا منه ما استطعتم. وإذا نهيتكم عن شيء فدعوه".
وأخرجه السيوطي في الجامع الصغير :
عن أبي هريرة. عن رسول الله ( قال :( ذروني ما تركتكم فإنما هلك من كان قبلكم بكثرة سؤالهم واختلافهم على أنبيائهم فإذا أمرتكم بشيء فأتوا منه ما استطعتم وإذا نهيتكم عن شيء فدعوه) .وعزاه إلى (حم م ن هـ)
ومتنه المزبور في رواية أخرى:
(ما أمرتكم به فخذوه وما نهيتكم عنه فانتهوا ) . : (هـ)
وفي رواية عزاها إلى مسلم
(ما نهيتكم عنه فاجتنبوه وما أمرتكم به فافعلوا منه ما استطعتم فإنما أهلك الذين من قبلكم كثرة مسائلهم واختلافهم على أنبيائهم ).
والحديث أخرجه النسائي وابن ماجه ، ومن ألفاظه
* حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة قال ثنا شريك عن الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة قال قال رسول الله ( ما أمرتكم به فخذوه وما نهيتكم عنه فانتهوا(1/43)
* حدثنا أبو عبد الله قال ثنا محمد بن الصباح قال أنا جرير عن الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة قال قال رسول الله ( ذروني ما تركتكم فإنما هلك من كان قبلكم بسؤالهم واختلافهم على أنبيائهم فإذا أمرتكم بشيء فخذوا منه ما استطعتم وإذا نهيتكم عن شيء فانتهوا
* أخبرنا محمد بن عبد الله بن المبارك المخرمي قال حدثنا أبو هشام واسمه المغيرة بن سلمة قال حدثنا الربيع بن مسلم قال حدثنا محمد بن زياد عن أبي هريرة قالخطب رسول الله ( الناس فقال : إن الله عز وجل قد فرض عليكم الحج ..فقال رجل في كل عام ؟ فسكت عنه حتى أعاده ثلاثا فقال: لو قلت نعم لوجبت ولو وجبت ما قمتم بها ذروني ما تركتكم فإنما هلك من كان قبلكم بكثرة سؤالهم واختلافهم على أنبيائهم فإذا أمرتكم بالشيء فخذوا به ما استطعتم وإذا نهيتكم عن شيء فاجتنبوه
قال القاضي أبو الفضل رحمه الله : وفي حديث أبي هريرة رضي الله عنه ، عنه( : كل أمتي يدخلون الجنة إلا من أبى . قالوا : يا رسول الله ، ومن يأبى ؟ قال : من أطاعني دخل الجنة ، ومن عصاني فقد أبى .
( قلت : رواه البخاري في كتاب الاعتصام - باب: الاقتداء بسنن رسول الله (
حدثنا محمد بن سنان: حدثنا فُلَيْح: حدثنا هلال بن علي، عن عطاء بن يسار، عن أبي هريرة: أن رسول الله (قال: (كلُّ أمتي يدخلون الجنة إلا من أبى). قالوا: يا رسول الله، ومن يأبى؟ قال: (من أطاعني دخل الجنة، ومن عصاني فقد أبى).
قال القاضي أبو الفضل رحمه الله : وفي الحديث الآخر الصحيح ، عنه ( : مثلي ومثل ما بعثني الله به كمثل رجل أتى قوماً ، فقال : يا قوم إني رأيت الجيش بعيني ، وإني أنا النذير العريان ، فالنجاء ، فأطاعه طائفة من قومه ، فأدلجوا ، فانطلقوا فانطلقوا على مهلهم فنجوا ، وكذبت طائفة منهم فأصبحوا مكانهم ، فصبحهم ، الجيش فأهلكهم واجتاحهم فذلك مثل من أطاعني ، واتبع ما جئت به ، ومثل من عصاني وكذب ما جئت به من الحق .
(قلت : رواه البخاري(1/44)
* في كتاب الرقاق باب: الانتهاء عن المعاصي.
- حدثنا محمد بن العلاء: حدثنا أبو أسامة، عن بريد بن عبد الله بن أبي بردة، عن أبي بردة، عن أبي موسى قال: قال رسول الله(: (مثلي ومثل ما بعثني الله، كمثل رجل أتى قوماً فقال: رأيت الجيش بعيني، وإني أنا النذير العُريان، فالنجاء النجاء، فأطاعه طائفة فأدلجوا على مهلهم فنجوا، وكذبته طائفة فصبَّحهم الجيش فاجتاحهم).
* وفي كتاب الإعتصام بالكتاب والسنَّة. باب: الاقتداء بسنن رسول الله (.
- حدثنا أبو كُرَيب: حدثنا أبو أسامة، عن بريد، عن أبي بردة، عن أبي موسى، عن النبي (قال: (إنما مثلي ومثل ما بعثني الله به، كمثل رجل أتى قوماً فقال: يا قوم إني رأيت الجيش بعينيَّ، وإني أنا النذير العُريان، فالنجاء، فأطاعه طائفة من قومه فأدلجوا، فانطلقوا على مهلهم فنجوا، وكذَّبت طائفة منهم فأصبحوا مكانهم، فصبَّحهم الجيش فأهلكهم واجتاحهم، فذلك مثل من أطاعني فاتبع ما جئت به، ومثل من عصاني وكذَّب بما جئت به من الحق).
وفي الحديث الآخر في مثله : كمثل من بنى داراً وجعل فيها مأدبة ، وبعث داعياً ، فمن أجاب الداعي دخل الدار، وأكل من المأدبة ، ومن لم يجب الداعي لم يدخل الدار ولم يأكل من المأدبة ، فالدار الجنة والداعي محمد (، فمن أطاع محمداً فقد أطاع الله ، ومن عصى محمداً فقد عصى الله ، ومحمد فرق بين الناس .
(قلت : رواه البخاري في كتاب الاعتصام - باب: الاقتداء بسنن رسول الله ((1/45)
حدثنا محمد بن عبادة: أخبرنا يزيد: حدثنا سليم بن حيَّان، وأثنى عليه: حدثنا سعيد بن ميناء: حدثنا أو سمعت: جابر بن عبد الله يقول: جاءت ملائكة إلى النبي ( وهو نائم، فقال بعضهم: إنه نائم، وقال بعضهم: إن العين نائمة والقلب يقظان، فقالوا: إن لصاحبكم هذا مثلاً، فاضربوا له مثلاً، فقال بعضهم: إنه نائم، وقال بعضهم: إن العين نائمةً، والقلب يقظان، فقالوا: مَثَلُهُ كمثل رجل بنى داراً، وجعل فيها مأدبة وبعث داعياً، فمن أجاب الداعي دخل الدار وأكل من المأدبة، ومن لم يجب الداعي لم يدخل الدار ولم يأكل من المأدبة، فقالوا: أوِّلوها له يفقهها، فقال بعضهم: إنه نائم، وقال بعضهم: إن العين نائمة والقلب يقظان، فقالوا: فالدار الجنة، والداعي محمد ( ، فمن أطاع محمداً ( فقد أطاع الله، ومن عصى محمداً ( فقد عصى الله، ومحمد ( فرَّق بين الناس.
تابعه قتيبة، عن ليث، عن خالد، عن سعيد بن أبي هلال، عن جابر: خرج علينا النبي صلى الله عليه وسلم.
الفصل الثالث
في وجوب اتباعه ، وامتثال أمره ، والإقتداء بهديه
وأما وجوب اتباعه وامتثال سنته والإقتداء بهديه ، فقد قال تعالى : (قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ) (آل عمران : 31 )
-وقال : (قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعاً الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ يُحْيِي وَيُمِيتُ فَآمِنُواْ بِاللّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللّهِ وَكَلِمَاتِهِ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ) (الأعراف : 158 )(1/46)
-وقال : (فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّىَ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُواْ فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجاً مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُواْ تَسْلِيماً) (النساء : 65 )، أي ينقادون لحكمك ، يقال : سلم ، واستسلم ، وأسلم ، إذا انقاد .
-وقال : (لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِيهِمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَمَن يَتَوَلَّ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ) (الممتحنة : 6 )
قال محمد بن علي الترمذي : الأسوة في الرسول الإقتداء به والاتباع لسنته ، وترك مخالفته في قول أو فعل . و قال غير واحد من المفسرين بمعناه . و قيل : هو عتاب للمتخلفين عنه .
وقال سهل ـ في قوله تعالى :( صِرَاطَ الَّذِينَ أَنعَمتَ عَلَيهِمْ) الفاتحة ـ قال : بمتابعة السنة ، فأمرهم تعالى بذلك ، ووعدهم الإهداء باتباعه ، لأن الله تعالى أرسله بالهدى ودين الحق ليزكيهم الكتاب والحكمة ، ويهديهم إلى صراط مستقيم ، ووعدهم محبته تعالى في الآية الأخرى ومغفرته إذا اتبعوه ، وآثروه على أهوائهم ، وما تجنح إليه نفوسهم ، وأن صحة إيمانهم بانقيادهم له ، ورضاهم بحكمه ، وترك الإعتراض عليه .
-وروى عن الحسن أن أقواماً قالوا : يا رسول الله ، إنا نحب الله . فأنزل الله تعالى (قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ) (آل عمران : 31 )
-وروي أن الآية نزلت في كعب بن الأشرف وغيره ، وأنهم قالوا : نحن أبناء الله وأحباؤه ، ونحن أشد حباً الله ، فانزل الله الآية .
-وقال الزجاج : معناه إن كنتم تحبون الله أن تقصدوا طاعته ، فافعلوا ماأمركم به ، إذ محبة العبد الله ورسوله طاعته لهما ، ورضاه بما أمرا ، ومحبة الله لهم عفوه عنهم ، وإنعامه عليهم برحمته .(1/47)
وقال : الحب من الله عصمة وتوفيق ، ومن العباد طاعة ، كما قال القائل :
تعصي الإله وأنت تظهر حبه هذا لعمري في القياس بديع
لو كان حبك صادقاً لأطعته إن المحب لمن يحب مطيع
ويقال : محبة العبد الله تعظيمه له وهيبته منه ، ومحبة الله له رحمته له ، وإرادته الجميل له ، وتكون بمعنى مدحه وثنائه عليه .
قال القشيري : فإذا كان بمعنى الرحمة والإرادة والمدح كان من صفات الذات .
ويأتي بعد في ذكر محبة العبد غير هذا بحول الله تعالى .
*حدثنا أبو إسحاق إبراهيم بن جعفر الفقيه ، قال : حدثنا أبو الأصبغ عيسى ابن سهل ، وحدثنا أبو الحسن يونس بن مغيث الفقيه بقراءتي عليه ، قالا : حدثنا حاتم بن محمد ، قال : حدثنا أيو حفص الجهني ، حدثنا أبو بكر الآجري ، حدثنا إبراهيم بن موسى الجوزي ، حدثنا داود بن رشيد ، حدثنا الوليد بن مسلم ، عن ثور ، بن يزيد ، عن خالد بن معدان ، عن عبد الرحمن بن عمرو الأسلمي ، وحجر الكلاعي ، عن العرباض بن سارية في حديثه في موعظة النبي ( أنه قال : فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين ، عضوا عليها بالنواجذ ، وإياكم ومحدثات الأمور ، فإن كل محدثة بدعة ، وكل بدعة ضلالة .
زاد في حديث جابر بمعناه : وكل ضلالة في النار .
( قلت : رواه أبو داود في سننه ، قال :(1/48)
* حدثنا أحمد بن حنبل ثنا الوليد بن مسلم ثنا ثور بن يزيد قال حدثني خالد بن معدان قال حدثني عبد الرحمن بن عمرو السلمي وحجر بن حجر قالا أتينا العرباض بن سارية وهو ممن نزل فيه ( ولا على الذين إذا ما أتوك لتحملهم قلت لا أجد ما أحملكم عليه) فسلمنا وقلنا أتيناك زائرين وعائدين ومقتبسين فقال العرباض صلى بنا رسول الله ( ذات يوم ثم أقبل علينا فوعظنا موعظة بليغة ذرفت منها العيون ووجلت منها القلوب.. فقال قائل: يا رسول الله ، كأن هذه موعظة مودع؛ فماذا تعهد إلينا ؟ فقال : أوصيكم بتقوى الله والسمع والطاعة وإن عبدا حبشيا فإنه من يعش منكم بعدي فسيرى اختلافا كثيرا فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء المهديين الراشدين تمسكوا بها وعضوا عليها بالنواجذ وإياكم ومحدثات الأمور فإن كل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة
وأخرجه ابن ماجه في سننه ،قال :
حدثنا محمد بن عبيد بن ميمون المدني أبو عبيد ثنا أبي عن محمد بن جعفر بن أبي كثير عن موسى بن عقبة عن أبي إسحاق عن أبي الأحوص عن عبد الله بن مسعود أن رسول الله (قال :إنما هما اثنتان الكلام والهدي... فأحسن الكلام كلام الله، وأحسن الهدي هدي محمد، ألا وإياكم ومحدثات الأمور فإن شر الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة ، ألا لا يطولن عليكم الأمد فتقسو قلوبكم ، ألا إن ما هو آت قريب وإنما البعيد ما ليس بآت ، ألا إنما الشقي من شقي في بطن أمه والسعيد من وعظ بغيره ، ألا إن قتال المؤمن كفر وسبابه فسوق ولا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث، ألا وإياكم والكذب فإن الكذب لا يصلح بالجد ولا بالهزل ولا يعد الرجل صبيه ثم لا يفي له فإن الكذب يهدي إلى الفجور وإن الفجور يهدي إلى النار وإن الصدق يهدي إلى البر وإن البر يهدي إلى الجنة وإنه يقال للصادق صدق وبر ويقال للكاذب كذب وفجر... ألا وإن العبد يكذب حتى يكتب عند الله كذابا .
وأخرجه النسائي في سننه قال :(1/49)
* أخبرنا عتبة بن عبد الله قال أنبأنا بن المبارك عن سفيان عن جعفر بن محمد عن أبيه عن جابر بن عبد الله قال كان رسول ( يقول في خطبته يحمد الله ويثني عليه بما هو أهله ثم يقول : من يهده الله فلا مضل له ومن يضلله فلا هادي له ؛ إن أصدق الحديث كتاب الله، وأحسن الهدى هدى محمد...وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة ، وكل بدعة ضلالة ، وكل ضلالة في النار.... ثم يقول : بعثت أنا والساعة كهاتين .. وكان إذا ذكر الساعة احمرت وجنتاه ،وعلا صوته ،واشتد غضبه كأنه نذير جيش يقول صبحكم مساكم ،ثم قال: من ترك مالا فلأهله ومن ترك دينا أو ضياعا فألي أو علي وأنا أولى بالمؤمنين
وأخرجه الإمام أحمد في المسند ، قال:
*حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا عبد الرحمن بن مهدي ثنا معاوية يعني بن صالح عن ضمرة بن حبيب عن عبد الرحمن بن عمرو السلمي انه سمع العرباض بن سارية قال : وعظنا رسول الله ( موعظة ذرفت منها العيون ووجلت منها القلوب قلنا يا رسول الله ان هذه لموعظة مودع فماذا تعهد إلينا قال : قد تركتكم على البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها بعدي الا هالك ومن يعش منكم فسيرى اختلافا كثيرا فعليكم بما عرفتم من سنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين وعليكم بالطاعة وان عبدا حبشيا عضوا عليها بالنواجذ فإنما المؤمن كالجمل الأنف حيثما انقيد انقاد
+ أما قوله ( : وكل بدعة ضلالة ، في حديث جابر ، فرواه مسلم ،قال :(1/50)
وحدثني محمد بن المثنى. حدثنا عبدالوهاب بن عبدالمجيد عن جعفر بن محمد، عن أبيه عن جابر بن عبدالله ؛ قال: كان رسول الله ( إذا خطب احمرت عيناه، وعلا صوته واشتد غضبه. حتى كأنه منذر جيش، يقول: صبحكم ومساكم. ويقول. "بعثت أنا والساعة كهاتين". ويقرن بين أصبعيها لسبابة والوسطى. ويقول: "أما بعد. فإن خير الحديث كتاب الله. وخير الهدي هدي محمد. وشر الأمور محدثاتها. وكل بدعة ضلالة". ثم يقول: " أنا أولى بكل مؤمن من نفسه من ترك مالا فلأهله. ومن ترك دينا أو ضياعا فإلي وعلي" .
-وفي حديث أبي رافع عنه ( : لا ألفين أحدكم متكئاً على أريكته ، يأتيه الأمر من أمري ، مما أمرت به أو نهيت عنه ، فيقول : لا أدري ، ما وجدنا في كتاب الله اتبعناه .
( قلت : رواه ابو داود
حدثنا أحمد بن محمد بن حنبل وعبد الله بن محمد النفيلي قالا ثنا سفيان عن أبي النضر عن عبيد الله بن أبي رافع عن أبيه عن النبي ( قال : لا ألفين أحدكم متكئا على أريكته يأتيه الأمر من أمري مما أمرت به أو نهيت عنه فيقول لا ندري ما وجدنا في كتاب الله اتبعناه
وأخرجه الترمذي
حدثنا قتيبة حدثنا سفيان بن عيينة عن محمد بن المنكدر وسالم أبي النضر عن عبيد الله بن أبي رافع عن أبي رافع وغيره رفعه قال : لا ألفين أحدكم متكئا على أريكته يأتيه أمر مما أمرت به أو نهيت عنه فيقول لا أدري ما وجدنا في كتاب الله أتبعناه .
قال أبو عيسى هذا حديث حسن صحيح وروى بعضهم عن سفيان عن بن المنكدر عن النبي ( مرسلا وسالم أبي النضر عن عبيد الله بن أبي رافع عن أبيه عن النبي ( وكان بن عيينة إذا روى هذا الحديث على الانفراد بين حديث محمد بن المنكدر من حديث سالم أبي النضر وإذا جمعهما روى هكذا وأبو رافع مولى النبي (أسمه أسلم-
ورواه أحمد(1/51)
حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا يزيد بن هارون قال انا حريز بن عبد الرحمن بن أبي عوف الجرشي عن المقدام بن معد يكرب الكندي قال قال رسول الله ( : ألا اني أوتيت الكتاب ومثله معه، ألا اني أوتيت القرآن ومثله معه ، ألا يوشك رجل ينثني شبعانا على أريكته يقول عليكم بالقرآن فما وجدتم فيه من حلال فأحلوه وما وجدتم فيه من حرام فحرموه ، ألا لا يحل لكم لحم الحمار الأهلي ولا كل ذي ناب من السباع الا ولا لقطة من مال معاهد إلا ان يستغني عنها صاحبها ..ومن نزل بقوم فعليهم ان يقروهم فان لم يقروهم فلهم ان يعقبوهم بمثل قراهم
وأخرجه ابن ماجه
1- حدثنا نصر بن علي الجهضمي ثنا سفيان بن عيينة في بيته أنا سألته عن سالم أبي النضر ثم مر في الحديث قال أو زيد بن أسلم عن عبيد الله بن أبي رافع عن أبيه أن رسول الله ( قال : لا ألفين أحدكم متكئا على أريكته يأتيه الأمر مما أمرت به أو نهيت عنه فيقول لا أدري ما وجدنا في كتاب الله اتبعناه
2- حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة ثنا زيد بن الحباب عن معاوية بن صالح حدثني الحسن بن جابر عن المقدام بن معد يكرب الكندي أن رسول الله ( قال : يوشك الرجل متكئا على أريكته يحدث بحديث من حديثي فيقول بيننا وبينكم كتاب الله عز وجل فما وجدنا فيه من حلال استحللناه وما وجدنا فيه من حرام حرمناه ألا وإن ما حرم رسول الله صلى الله عليه وسلم مثل ما حرم الله ...
-وفي حديث عائشة رضي الله عنها : صنع رسول الله ( شيئاً ترخص فيه فتنزه عنه قوم ، فبلغ ذلك النبي ( فحمد الله ، ثم قال : ما بال قوم يتنزهون عن الشيء أصنعه ، فوالله إني لأعلمهم با الله ،و أشهدهم له خشية .
( قلت : رواه البخاري
* في كتاب الأدب - باب: من لم يواجه الناس بالعتاب.
*وفي كتاب الإعتصام ب الكتاب والسنَّة.باب: ما يكره من التعمُّق والتَّنازع في العلم، والغلوِّ في الدين والبدع(1/52)
- حدثنا عمر بن حفص: حدثنا أبي: حدثنا الأعمش: حدثنا مسلم، عن مسروق: قالت عائشة: صنع النبي ( شيئاً فرخص فيه، فتنزه عنه قوم، فبلغ ذلك النبي ( ، فخطب فحمد الله ثم قال: (ما بال أقوام يتنزهون عن الشيء أصنعه، فوالله إني لأعلمهم بالله، وأشدهم له خشية).
وأخرجه مسلم في كتاب الفضائل باب علمه ( بالله تعالى وشدة خشيته
- حدثنا زهير بن حرب. حدثنا جرير عن الأعمش، عن أبي الضحى، عن مسروق، عن عائشة. قالت: صنع رسول الله ( أمرا فترخص فيه. فبلغ ذلك ناسا من أصحابه. فكأنهم كرهوه وتنزهوا عنه. فبلغه ذلك، فقام خطيبا فقال "ما بال رجال بلغهم عني أمر ترخصت فيه. فكرهوه وتنزهوا عنه. فوالله! لأنا أعلمهم بالله وأشدهم له خشية".
- وحدثنا أبو كريب. حدثنا أبو معاوية عن الأعمش، عن مسلم، عن مسروق، عن عائشة. قالت: رخص رسول الله صلى الله عليه وسلم في أمر. فتنزه عنه ناس من الناس. فبلغ ذلك النبي ( فغضب. حتى بان الغضب في وجهه. ثم قال "ما بال أقوام يرغبون عما رخص لي فيه. فوالله! لأنا أعلمهم بالله وأشدهم له خشية".
-وروى عنه ( أنه قال : القرآن صعب على من كرهه ، وهو الحكم ، فمن استمسك بحديثي وفهمه وحفظه جاء مع القرآن ، ومن تهاون بالقرآن وحديثي خسر الدنيا والآخرة ، أمرت أمتي أن يأخذوا بقولي ويطيعوا أمري ، ويتبعوا سنتي ، فمن رضي بقولي فقد رضي بالقرآن ...قال الله تعالى : (ومَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ) (الحشر : 7 )
وقفة مع الإملم القرطبي في تفسير قوله تعالى :
( وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ((1/53)
قال المهدوي: قوله تعالى: "وما آتاكم الرسول فخذوة وما نهاكم عنه فانتهوا" هذا يوجب أن كل ما أمر به النبي ( أمر من الله تعالى. والآية وإن كانت في الغنائم فجميع أوامره ( ونواهيه دخل فيها. وقال الحكم بن عمير - وكانت له صحبة - قال النبي ( : (إن هذا القرآن صعب مستصعب عسير على من تركه يسير على من اتبعه وطلبه. وحديثي صعب مستصعب وهو الحكم فمن استمسك بحديثي وحفظه نجا مع القرآن. ومن تهاون بالقرآن وحديثي خسر الدنيا والآخرة. وأمرتم أن تأخذوا بقولي وتكتنفوا أمري وتتبعوا سنتي فمن رضي بقولي فقد رضي بالقرآن ومن استهزأ بقولي فقد استهزأ بالقرآن قال الله تعالى: "وما آتاكم الرسول فخذوة وما نهاكم عنه فانتهوا").(1/54)
قال عبدالرحمن بن زيد: لقي ابن مسعود رجلا محرما وعليه ثيابه فقال له: انزع عنك هذا. فقال الرجل: أتقرأ علي بهذا آية من كتاب الله تعالى؟ قال: نعم، "وما آتاكم الرسول فخذوة وما نهاكم عنه فانتهوا". وقال عبدالله بن محمد بن هارون الفريابي: سمعت الشافعي رضي الله عنه يقول: سلوني عما شئتم أخبركم من كتاب الله تعالى وسنة نبيكم ( ؛ قال فقلت له: ما تقول - أصلحك الله - في المحرم يقتل الزنبور؟ قال فقال: بسم الله الرحمن الرحيم، قال الله تعالى: "وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا". وحدثنا سفيان بن عيينة عن عبدالملك بن عمير عن ربعي بن حراش عن حذيفة بن اليمان قال: قال رسول الله (: (اقتدوا باللذين من بعدي أبي بكر وعمر). حدثنا سفيان بن عيينة عن مسعر بن كدام عن قيس بن مسلم عن طارق بن شهاب عن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - أنه أمر بقتل الزنبور. قال علماؤنا: وهذا جواب في نهاية الحسن، أفتى بجواز قتل الزنبور في الإحرام، وبين أنه يقتدي فيه بعمر، وأن النبي ( أمر بالاقتداء به، وأن الله سبحانه أمر بقبول ما يقوله النبي ( ؛ فجواز قتله مستنبط من الكتاب والسنة. وقد مضى هذا المعنى من قول عكرمة حين سئل عن أمهات الأولاد فقال: هن أحرار في سورة "النساء" عند قوله تعالى: "أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم" [النساء: 59]. وفي صحيح مسلم وغيره عن علقمة عن ابن مسعود قال: قال رسول الله ( : (لعن الله الواشمات والمستوشمات والمتنمصات والمتفلجات للحسن المغيرات خلق الله) فبلغ ذلك امرأة من بني أسد يقال لها أم يعقوب؛ فجاءت فقالت: بلغني أنك لعنت كيت وكيت! فقال: وما لي لا ألعن من لعن رسولُ الله ( وهو في كتاب الله! فقالت: لقد قرأت ما بين اللوحين فما وجدت فيه ما تقول. فقال: لئن كنت قرأتيه لقد وجدتيه! أما قرأت "وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا"! قالت: بلى. قال: فإنه قد نهى عنه ...(1/55)
قوله تعالى: "وما آتاكم الرسول فخذوه" وإن جاء بلفظ الإيتاء وهو المناولة فإن معناه الأمر؛ بدليل قوله تعالى: "وما نهاكم عنه فانتهوا" فقابله بالنهي، ولا يقابل النهي إلا بالأمر؛ والدليل على فهم ذلك ما ذكرناه قبل مع قوله عليه الصلاة والسلام: (إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم، وإذا نهيتكم عن شيء فاجتنبوه). وقال الكلبي: إنها نزلت في رؤوساء المسلمين، قالوا فيما ظهر عليه رسول الله من أموال، المشركين: يا رسول الله، خذ صفيك والربع، ودعنا والباقي؛ فهكذا كنا نفعل في الجاهلية. وأنشدوه:
لك المرباع منها والصفايا وحكمك والنشيطة والفضول
فأنزل الله تعالى هذه الآية. "واتقوا الله" أي عذاب الله، إنه شديد لمن عصاه. وقيل: اتقوا الله في أوامره ونواهيه فلا تضيعوها. "إن الله شديد العقاب" لمن خالف ما أمره به.
-وقال (: من اقتدى بي فهو مني ، ومن رغب عن سنتي فليس مني .
( قلت : رواه الشيخان
البخاري في كتاب النكاح باب: الترغيب في النكاح
لقوله تعالى: {فانكحوا ما طاب لكم من نساء} /النساء: 2/.
ومسلم في كتاب النكاح باب استحباب النكاح لمن تاقت نفسه إليه ووجد مؤنة، واشتغال من عجز عن المؤن بالصوم
ولفظ البخاري :
- حدثنا سعيد بن أبي مريم: أخبرنا محمد بن جعفر: أخبرنا حميد ابن أبي حميد الطويل: أنه سمع أنس بن مالك رضي الله عنه يقول: جاء ثلاث رهط إلى بيوت أزواج النبي ( ، يسألون عن عبادة النبي ( ، فلما أخبروا كأنهم تقالوها، فقالوا: أين نحن من النبي ( ؟ قد غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، قال أحدهم: أما أنا فإني أصلي الليل أبدا، وقال آخر: أنا أصوم الدهر ولا أفطر، وقال آخر: أنا أعتزل النساء فلا أتزوج أبدا، فجاء رسول الله ( فقال: (أنتم الذين قلتم كذا وكذا؟ أما والله أني لأخشاكم لله وأتقاكم له، لكني أصوم وأفطر، وأصلي وأرقد، وأتزوج النساء، فمن رغب عن سنتي فليس مني).(1/56)
وأخرجه السيوطي في الجامع الصغير وعزاه إلى ابن عساكر
عن عمر. عن النبي ( قال : من أخذ بسنتي فهو مني ومن رغب عن سنتي فليس مني .
-وعن أبي هريرة رضي الله عنه ، عن النبي ( أنه قال : إن أحسن الحديث كتاب الله ، وخير الهدي هدي محمد ،وشر الأمور محدثاتها .
( قلت : رواه البخاري
* في كتاب الأدب- باب: في الهدي الصالح.
- حدثنا أبو الوليد: حدثنا شُعبة، عن مخارق: سمعت طارقاً قال: قال عبد الله: إن أحسن الحديث كتاب الله تعالى، وأحسن الهدي هدي محمد (
* وفي كتاب الإعتصام بالكتاب والسنَّة باب: الاقتداء بسنن رسول الله (.
- حدثنا آدم بن أبي إياس: حدثنا شعبة: أخبرنا عمرو بن مُرَّة: سمعت مُرَّة الهمداني يقول: قال عبد الله: إن أحسن الحديث كتاب الله، وأحسن الهدي هدي محمد ( ، وشرُّ الأمور مُحدَثاتُها، و{إن ما توعدون لآتٍ وما أنتم بمعجزين}.
وأخرجه مسلم في كتاب الجمعة - باب تخفيف الصلاة والخطبة.
-وحدثني محمد بن المثنى. حدثنا عبدالوهاب بن عبدالمجيد عن جعفر بن محمد، عن أبيه عن جابر بن عبدالله ؛ قال: كان رسول الله (إذا خطب احمرت عيناه، وعلا صوته واشتد غضبه. حتى كأنه منذر جيش، يقول: صبحكم ومساكم. ويقول. "بعثت أنا والساعة كهاتين". ويقرن بين أصبعيها لسبابة والوسطى. ويقول: "أما بعد. فإن خير الحديث كتاب الله. وخير الهدي هدي محمد. وشر الأمور محدثاتها. وكل بدعة ضلالة". ثم يقول: " أنا أولى بكل مؤمن من نفسه من ترك مالا فلأهله. ومن ترك دينا أو ضياعا فإلي وعلي" .
- وعن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنه قال : قال النبي ( : العلم ثلاثة : فما سوى ذلك فهو فضل : آية محكمة ، أو سنة قائمة ، أو فريضة عادلة .
( قلت : رواه أبو داود في سننه ، قال :(1/57)
-حدثنا أحمد بن عمرو بن السرح أخبرنا بن وهب حدثني عبد الرحمن بن زياد عن عبد الرحمن بن رافع التنوخي عن عبد الله بن عمرو بن العاص أن رسول الله ( قال : العلم ثلاثة وما سوى ذلك فهو فضل آية محكمة أو سنة قائمة أو فريضة عادلة ..
و أخرجه ابن ماجه
-حدثنا محمد بن العلاء الهمداني حدثني رشدين بن سعد وجعفر بن عون عن بن أنعم هو الإفريقي عن عبد الرحمن بن رافع عن عبد الله بن عمرو قال قال رسول الله ( :العلم ثلاثة فما وراء ذلك فهو فضل آية محكمة أو سنة قائمة أو فريضة عادلة
وعزاه السيوطي في الجامع الصغير إاليهما والحاكم ، وضعفه الألباني..
-وعن الحسن بن أبي الحسن رضي الله عنه، قال ( : عمل قليل في سنة خير من عمل كثير في بدعة.
( قلت :أخرجه السيوطي في الجامع الصغير : (الرافعي) عن أبي هريرة (فر) عن ابن مسعود... عمل قليل في سنة خير من عمل كثير في بدعة . ..( ضعفه الألباني )
-وقال ( : إن الله تعالى يدخل العبد الجنة بالسنة تمسك بها .
( قلت : أخرجه السيوطي في الجامع الصغير وعزاه إلى (الدارقطني في الأفراد) عن عائشة. من تمسك بالسنة دخل الجنة .
( قال الألباني : ضعيف )
-وعن أبي هريرة رضي الله عنه ، عن النبي ( قال : المتمسك بسنتي عند فساد أمتي له أجر مائة شهيد .
( قلت : أخرجه السيوطي في الجامع الصغير وعزاه إلى الطبراني في الأوسط ؛ عن أبي هريرة.
المتمسك بسنتي عند فساد أمتي له أجر شهيد .
( ضعفه الألباني )
-وقال ( : إن بني إسرائيل افترقوا على اثنتين وسبعين ملة ، وإن أمتي تفترق على ثلاث وسبعين ، كلها في النار إلا واحدة . قالوا : ومن هم يا رسول الله ؟ قال : الذي انا عليه اليوم و أصحابي .
( قلت : رواه أبو داود في سننه ، قال :(1/58)
* حدثنا وهب بن بقية عن خالد عن محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن أبي هريرة قال قال رسول الله ( : افترقت اليهود على إحدى أو ثنتين وسبعين فرقة وتفرقت النصارى على إحدى أو ثنتين وسبعين فرقة وتفترق أمتي على ثلاث وسبعين فرقة
قال الشيخ الألباني : حسن صحيح
وأخرجه ابن ماجه
* حدثنا عمرو بن عثمان بن سعيد بن كثير بن دينار الحمصي ثنا عباد بن يوسف ثنا صفوان بن عمرو عن راشد بن سعد عن عوف بن مالك قال قال رسول الله ( : افترقت اليهود على إحدى وسبعين فرقة فواحدة في الجنة وسبعون في النار وافترقت النصارى على ثنتين وسبعين فرقة فإحدى وسبعون في النار وواحدة في الجنة والذي نفس محمد بيده لتفترقن أمتي على ثلاث وسبعين فرقة واحدة في الجنة وثنتان وسبعون في النار ... قيل يا رسول الله ، من هم ؟ قال : الجماعة
قال الشيخ الألباني : صحيح
قال الشيخ الألباني : صحيح سند الحديث : حدثنا هشام بن عمار ثنا الوليد بن مسلم ثنا أبو عمرو ثنا قتادة عن أنس بن مالك قال قال رسول الله ( : إن بني إسرائيل افترقت على إحدى وسبعين فرقة وإن أمتي ستفترق على ثنتين وسبعين فرقة كلها في النار إلا واحدة وهى الجماعة
ورواه الترمذي
* حدثنا الحسين بن حريث أبو عمار، أخبرنا الفضل بن موسى، عن محمد بن عمرو، عن أبي سلمة عن أبي هريرة أن رسول اللّه ( قال:- "تفرقت اليهود على احدى وسبعين فرقة، أو اثنتين وسبعين فرقى والنصارى مثل ذلك، وتفترق أمتي الى ثلاث وسبعين فرقة ..
وفي الباب عن سعد وعبد اللّه بن عمرو وعوف بن مالك. حديث أبي هريرة حديث حسن صحيح.
وفي كنز العمال للمتقي الهندي :
*1- إن بني إسرائيل نفرقت إحدى وسبعين فرقة فهلك سبعون فرقة، وخلصت فرقة واحدة وإن أمتي ستفترق على اثنتين وسبعين فرقة تهلك إحدى وسبعون وتخلص فرقة .. قيل : يا رسول الله ، من تلك الفرقة ؟ قال : الجماعة الجماعة.
(حم عن أنس).(1/59)
*2- إن أهل الكتابين افترقوا في دينهم على ثنتين وسبعين ملة وإن هذه الأمة ستفترق على ثلاث وسبعين ملة كلها في النار إلا واحدة وهي الجماعة وإنها ستخرج من أمتي أقوام تتجارى بهم تلك الأهواء كما يتجارى الكلب بصاحبه فلا يبقى منهم عرق ولا مفصل إلا دخله.
(حم طب ك عن معاوية).
*3- افترقت بنو إسرائيل على إحدى وسبعين ملة ولوتذهب الليالي ولا الأيام (كذا والظاهر هوالأيام بحذف لا) حتى تفترق أمتي على مثلها وكل فرقة منها في النار إلا واحدة وهي الجماعة.
(عبد بن حميد عن سعد بن أبي وقاص).
*4- تفترق أمتي على نيف وسبعين فرقة أضرها على أمتي قوم يقيسون الأمور برأيهم فيحلون الحرام ويحرمون الحلال.
(كر عن عوف بن مالك).
*5- تفترق أمتي على ثلاث وسبعين فرقة كلهن في النار إلا واحدة ما أنا عليه اليوم وأصحابي.
(طس عن أنس).
*6- تفترق أمتي على ثلاث وسبعين فرقة أعظمها فتنة على أمتي قوم يقيسون الأمور برأيهم فيحلون الحرام ويحرمون الحلال.
(طب عن عوف بن مالك).
*7- جاءكم جبرائيل يتعاهد دينكم لتسلكن سنن من قبلكم حذو النعل بالنعل ولتأخذن بمثل أخذهم إن شبرا فشبرا وإن ذراعا فذراعا وإن باعا فباعا حتى لو دخلوا في جحر ضب دخلتم فيه، ألا إن بني إسرائيل افترقت على موسى سبعين {في المستدرك } (إحدى وسبعين) فرقة كلها ضالة إلا فرقة واحدة الإسلام وجماعتهم {زاد في المستدرك }(وأنها افترقت على عيسى بن مريم على إحدى وسبعين فرقة كلها ضالة إلا فرقة واحدة الإسلام وجماعتهم.) ثم أنكم تكونون على ثنتين وسبعين فرقة كلها ضالة إلا واحدة الإسلام وجماعتهم.
(طب ك عن كثير بن عبد الله عن أبيه عن جده).(1/60)
*8- سيأتي على أمتي ما أتى على بني إسرائيل مثلا بمثل حذوالنعل بالنعل حتى لو كان فيهم من نكح أمه علانية كان في أمتي مثله إن بني إسرائيل تفرقوا على اثنتين وسبعين ملة وستفترق أمتي على ثلاث وسبعين ملة كلها في النار غير واحدة ...قيل: وما تلك الواحدة ؟ قال : ما أنا عليه اليوم وأصحابي.
(ك وابن عساكر عن ابن عمرو).
……
*9- لتسلكن سنن من كان قبلكم إن بني إسرائيل افترقت على موسى سبعين فرقة كلها ضالة إلا فرقة واحدة الإسلام وجماعتهم ثم إنها افترقت على عيسى إحدى وسبعين فرقة كلها ضالة إلا واحدة الإسلام وجماعتهم وإنكم تكونون على ثنتين وسبعين فرقة كلها ضالة إلا الإسلام وجماعتهم.
(ك عن كثير بن عبد الله بن عمرو بن عوف عن أبيه عن جده).
-وعن أنس قال ( : من أحيا سنتي فقد أحياني ،و من أحياني كان معي في الجنة .
( قلت : رواه الترمذي في سننه ، قال :
حدثنا مسلم بن حاتم الأنصاري البصري، أخبرنا محمد ابن عبد اللّه الأنصاري، عن أبيه، عن علي بن زيد، عن سعيد بن المسيب قال: قال أنس بن مالك:- "قال لي رسول اللّه ( : يا بني إن قدرت أن تصبح ليس في قلبك غش لأحد فافعل، ثم قال لي: يا بني وذلك من سنتي، ومن أحيا سنتي فقد أحياني ومن أحياني كان معي في الجنة".
هذا حديث حسن غريب من هذا الوجه
-وعن عمرو بن عوف المزنى أن النبي ( قال لبلال بن الحارث : من أحيا سنة من سنتي قد أميتت بعدي ، فإن له من الأجر مثل من عمل بها من غير أن ينقص من أجورهم شيئاً ، ومن ابتدع بدعة ضلالة لا ترضي الله ورسوله كان عليه مثل آثام من عمل بها ، لا ينقص ذلك من أوزار الناس شيئاً .
( قلت : رواه الترمذي في سننه ، قال :(1/61)
*حدثنا عبد الله بن عبد الرحمن أخبرنا محمد بن عيينة عن مروان بن معاوية الفزاري عن كثير بن عبد الله هو بن عمرو بن عوف المزني عن أبيه عن جده أن النبي ( قال لبلال بن الحرث: اعلم ...قال: ما أعلم ، يا رسول الله ؟ قال : اعلم يا بلال ...قال ما أعلم ، يا رسول الله ؟ قال: أنه من أحيا سنة من سنتي قد أميتت بعدي فإن له من الأجر مثل من عمل بها من غير أن ينقص من أجورهم شيئا ومن ابتدع بدعة ضلالة لا ترضي الله ورسوله كان عليه مثل آثام من عمل بها لا ينقص ذلك من أوزار الناس شيئا
قال أبو عيسى هذا حديث حسن
وأخرجه ابن ماجه في سننه ، قال :
* حدثنا محمد بن يحيى ثنا إسماعيل بن أبي أويس حدثني كثير بن عبد الله عن أبيه عن جده قال سمعت رسول الله ( يقول : من أحيا سنة من سنتي قد أميتت بعدي فإن له من الأجر مثل أجر من عمل بها من الناس لا ينقص من أجور الناس شيئا ومن أبتدع بدعة لا يرضاها الله ورسوله فإن عليه مثل إثم من عمل بها من الناس لا ينقص من آثام الناس شيئا
الفصل الرابع
فيما ورد عن السلف والأئمة من اتباع سنته والإقتداء بهديه وسيرته (
*وأما ما ورد عن السلف والأئمة من اتباع سنته والاقتداء بهديه وسيرته ، فحدثنا الشيخ أبو عمر أن موسى بن عبد الرحمن بن أبي تليد الفقيه سماعاً عليه ، قال : حدثنا أبو عمر الحافظ ، حدثنا سعيد بن نصر ، حدثنا قاسم بن أصبغ ، ووهب بن مسرة ، قالا : حدثنا محمد بن وضاح ، حدثنا يحيى بن يحيى ، حدثنا مالك ، عن ابن شهاب ، عن رجل من آل خالد بن أسيد ـ أنه سأل عبد الله بن عمر ، فقال : يا أبا عبد الرحمن ،أنا نجد صلاة الخوف تعالى و صلاة الحضر في القرآن ، ولا نجد صلاة السفر ؟ فقال ابن عمر : يا بن أخي ، إن الله بعث إلينا محمداً ( ، ولا نعلم شيئاً ، فإنما نفعل كما رأيناه يفعل .(1/62)
-وقال عمر بن عبد العزيز : سن رسول الله ( ووُلاة الأمر بعده سنناً ، الأخذ بها تصديق بكتاب الله ، واستعمال بطاعة الله ، وقوة على دين الله ، ليس لأحد تغيرها ولا تبديلها ولا النظر في رأي من خالفها ، من اقتدى بها فهو مهتد ، ومن انتصر بها منصور ، ومن خالفها واتبع غير سبيل المؤمنين ولاه الله ما تولى وأصلاه جهنم و ساءت مصيراً
-وقال الحسن بن أبي الحسن : عمل قليل في سنة خير من عمل كثير في بدعة.
-وقال ابن شهاب : بلغنا عن رجال من أهل العلم ، قالوا : الاعتصام بالسنة نجاة
-وكتب عمر بن الخطاب إلى عماله بتعلم السنة والفرائض واللحن ، أي اللغة ، وقال : إن ناساً يجادلوكم= يعني بالقرآن ، فخذوهم بالسنن ، فإن أصحاب السنن أعلم بكتاب الله .
وفي خبره ـ حين صلى بذي الحليفة ركعتين ، فقال : أصنع كما رأيت رسول الله ( يصنع
-وعن علي ـ حين صلى فقال له عثمان : ترى أني انهي الناس عنه وتفعله ! قال : لم أكن أدع سنة رسول الله ( لقول أحد من الناس
-وعنه : ألا إني لست بنبي ولا يوحى إلي ، ولكني أعمل بكتاب الله و سنة محمد ( ما استطعت
-وكان ابن مسعود يقول : القصد في السنة خير من الاجتهاد في البدعة
-وقال ابن عمر : صلاة السفر ركعتان ، من خالف السنة كفر
-وقال أبي بن كعب : عليكم بالسبيل والسنة ، فإنه ما على الأرض من عبد على السبيل والسنة ذكر الله في نفسه ففاضت عيناه من خشية ربه ، فيعذبه الله أبداً ، وما علىالأرض من عبد على السبيل والسنة ذكر الله في نفسه فاقشعر جلده من خشية الله إلا كان مثله كمثل شجرة قد يبس ورقها ، فهي كذلك إذا أصابتها ريح شديدة ، فتحات عنها ورقها إلا حط الله خطاياه كما تحات عن الشجرة ورقها ، فإن اقتصاداً في سبيل وسنة خير من اجتهاد في خلاف سبيل وسنة ، وموافقة بدعة ، وانظروا أن يكون عملكم إن كان اجتهاداً واقتصاداً أن يكون على منهاج الأنبياء و سنتهم.(1/63)
-وكتب بعض عمال عمر بن عبد العزيز إلى عمر بحال بلده ، وكثرة لصوصه ، هل يأخذهم بالظنة أو يحملهم على البينة وما جرت عليه السنة ؟
فكتب إليه عمر : خذهم بالبينة وما جرت عليه السنة ، فإن لم يصلحهم الحق فلا أصلحهم الله .
-وعن عطاء ـ في قوله تعالى : (فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً) (النساء : 59 ): أي إلى كتاب الله وسنة رسول الله (
وقفة مع ابن كثير في تفسير قوله تعالى :
( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا ( (النساء 59)(1/64)
قال البخاري: حدثنا صدقة بن الفضل, حدثنا حجاج بن محمد الأعور عن ابن جريج, عن يعلى بن مسلم, عن سعيد بن جبير, عن ابن عباس {أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم} قال: نزلت في عبد الله بن حذافة بن قيس بن عدي إذ بعثه رسول الله ( في سرية, وهكذا أخرجه بقية الجماعة إلا ابن ماجة من حديث حجاج بن محمد الأعور به. وقال الترمذي: حديث حسن غريب, ولا نعرفه إلا من حديث ابن جريج. وقال الإمام أحمد: حدثنا أبو معاوية عن الأعمش, عن سعد بن عبيدة, عن أبي عبد الرحمن السلمي, عن علي, قال: بعث رسول الله ( سرية واستعمل عليهم رجلاً من الأنصار, فلما خرجوا وجد عليهم في شيء, قال: فقال لهم: أليس قد أمركم رسول الله ( أن تطيعوني ؟ قالوا: بلى. قال: اجمعوا لي حطباً, ثم دعا بنار فأضرمها فيه, ثم قال: عزمت عليكم لتدخلنها, قال: فهمّ القوم أن يدخلوها قال: فقال لهم شاب منهم: إنما فررتم إلى رسول الله من النار, فلا تعجلوا حتى تلقوا رسول الله ( , فإن أمركم أن تدخلوها فادخلوها, قال: فرجعوا إلى رسول الله ( فأخبروه, فقال لهم "لو دخلتموها ما خرجتم منها أبداً, إنما الطاعة في المعروف", أخرجاه في الصحيحين من حديث الأعمش به. وقال أبو داود: حدثنا مسدّد, حدثنا يحيى عن عبيد الله, حدثنا نافع عن عبد الله بن عمر عن رسول الله ( , قال "السمع والطاعة على المرء المسلم فيما أحب وكره, ما لم يؤمر بمعصية, فإذا أمر بمعصية فلا سمع ولا طاعة" وأخرجاه من حديث يحيى القطان. وعن عبادة بن الصامت قال: "بايعنا رسول الله ( على السمع والطاعة, في منشطنا ومكرهنا, وعسرنا ويسرنا, وأثرة علينا. وأن لا ننازع الأمر أهله, قال: "إلا أن تروا كفراً بواحاً عندكم فيه من الله برهان", أخرجاه, وفي الحديث الاَخر عن أنس أن رسول الله ( قال: "اسمعوا وأطيعوا, وإن أمر عليكم عبد حبشي كأن رأسه زبيبة", رواه البخاري. وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: أوصاني خليلي أن أسمع(1/65)
وأطيع, وإن كان عبداً حبشياً مُجَدّع الأطراف, رواه مسلم. وعن أم الحصين أنها سمعت رسول الله ( يخطب في حجة الوداع يقول: "ولو استعمل عليكم عبد يقودكم بكتاب الله, اسمعوا له وأطيعوا" رواه مسلم, وفي لفظ له "عبداً حبشياً مجدوعاً" وقال ابن جرير: حدثني علي بن مسلم الطوسي, حدثنا ابن أبي فديك, حدثني عبد الله بن محمد بن عروة عن هشام بن عروة عن أبي صالح السمان, عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي ( قال: "سيليكم بعدي ولاة, فيليكم البرّ ببره والفاجر بفجوره, فاسمعوا لهم وأطيعوا في كل ما وافق الحق وصلوا وراءهم فإن أحسنوا فلكم ولهم وإن أساؤوا فلكم وعليهم". وعن أبي هريرة رضي الله عنه. أن رسول الله ( قال: "كانت بنو إسرائيل تسوسهم الأنبياء كلما هلك نبي خلفه نبي, وإنه لا نبي بعدي وسيكون خلفاء فيكثرون" قالوا: يا رسول الله, فما تأمرنا ؟ قال "أوفوا ببيعة الأول فالأول, وأعطوهم حقهم, فإن الله سائلهم عما استرعاهم", أخرجاه. وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله ( : "من رأى من أميره شيئاً فكرهه فليصبر, فإنه ليس أحد يفارق الجماعة شبراً فيموت إلا مات ميتة جاهلية", أخرجاه. وعن ابن عمر أنه سمع رسول الله ( : يقول " من خلع يداً من طاعة لقي الله يوم القيامة لا حجة له, ومن مات وليس في عنقه بيعة مات ميتة جاهلية" رواه مسلم. وروى مسلم أيضاً عن عبد الرحمن بن عبد رب الكعبة, قال: دخلت المسجد فإذا عبد الله بن عمرو بن العاص جالس في ظل الكعبة والناس حوله مجتمعون عليه, فأتيتهم فجلست إليه, فقال: كنا مع رسول الله ( في سفر فنزلنا منزلاً فمنا من يصلح خباءه, ومنا من ينتضل, ومنا من هو في جشره, إذ نادى منادي رسول الله ( : الصلاة جامعة, فاجتمعنا إلى رسول الله ( فقال: "إنه لم يكن نبي من قبلي إلا كان حقاً عليه أن يدل أمته على خير ما يعلمه لهم, وينذرهم شر ما يعلمه لهم, وإن أمتكم هذه جعل عافيتها في أولها, وسيصيب آخرها بلاء,(1/66)
وأمور تنكرونها, وتجيء فتن يرفق بعضها بعضاً, وتجيء الفتنة فيقول المؤمن: هذه مهلكتي, ثم تنكشف وتجيء الفتنة فيقول المؤمن: هذه هذه, فمن أحب أن يزحزح عن النار ويدخل الجنة, فلتأته منيته وهو يؤمن با لله واليوم الاَخر, وليأت إلى الناس الذي يحب أن يؤتى إليه, ومن بايع إماماً فأعطاه صفقة يده وثمرة قلبه, فليطعه إن استطاع, فإن جاء آخر ينازعه فاضربوا عنق الاَخر", قال: فدنوت منه فقلت: أنشدك بالله, آنت سمعت هذا من رسول الله ( ؟ فأهوى إلى أذنيه وقلبه بيديه, وقال: سمعته أذناي, ووعاه قلبي, فقلت له: هذا ابن عمك معاوية يأمرنا أن نأكل أموالنا بيننا بالباطل, ونقتل أنفسنا, والله تعالى يقول: {يا أيها الذين آمنوا لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل إلا أن تكون تجارة عن تراض منكم ولا تقتلوا أنفكسم إن الله كان بكم رحيماً} قال: فسكت ساعة, ثم قال: أطعه في طاعة الله, واعصه في معصية الله, والأحاديث في هذا كثيرة. وقال ابن جرير: حدثنا محمد بن الحسين, حدثنا أحمد بن الفضل, حدثنا أسباط عن السدي في قوله: {أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم} قال: بعث رسول الله ( سرية عليها خالد بن الوليد وفيها عمار بن ياسر, فساروا قبل القوم الذين يريدون, فلما بلغوا قريباً منهم عّرسوا وأتاهم ذو العيينتين فأخبرهم, فأصبحوا قد هربوا غير رجل فأمر أهله فجمعوا متاعهم, ثم أقبل يمشي في ظلمة الليل حتى أتى عسكر خالد, فسأل عن عمار بن ياسر فأتاه فقال: يا أبا اليقظان, إني قد أسلمت وشهدت أن لا إله إلا الله, وأن محمداً عبده ورسوله, وإن قومي لما سمعوا بكم هربوا, وإني بقيت فهل إسلامي نافعي غداً, وإلا هربت ؟ قال عمار: بل هو ينفع فأقم, فأقام, فلما أصبحوا أغار خالد فلم يجد أحداً غير الرجل, فأخذه وأخذ ماله, فبلغ عماراً الخبر, فأتى خالداً فقال: خل عن الرجل فإنه قد أسلم وإنه في أمان مني, فقال خالد: وفيم أنت تجير ؟ فاستبا وارتفعا إلى النبي ( فأجاز(1/67)
أمان عمار ونهاه أن يجير الثانية على أمير, فاستبا عند رسول الله ( فقال خالد: أتترك هذا العبد الأجدع يسبني, فقال رسول الله ( "يا خالد لا تسب عماراً فإنه من يسب عماراً يسبه الله, ومن يبغضه يبغضه الله, ومن يلعن عماراً يلعنه الله" فغضب عمار فقام فتبعه خالد فأخذ بثوبه فاعتذر إليه فرضي عنه فأنزل الله عز وجل قوله {أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم} وهكذا رواه ابن أبي حاتم من طريق عن السدي مرسلاً, ورواه ابن مردويه من رواية الحكم بن ظهير عن السدي عن أبي صالح عن ابن عباس فذكره بنحوه والله أعلم. وقال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس {وأولي الأمر منكم} يعني أهل الفقه والدين, وكذا قال مجاهد وعطاء والحسن البصري وأبو العالية {وأولي الأمر منكم} يعني العلماء ... والظاهر والله أعلم أنها عامة في كل أولي الأمر من الأمراء والعلماء كما تقدم. وقد قال تعالى: {لولا ينهاهم الربانيون والأحبار عن قولهم الإثم وأكلهم السحت} وقال تعالى {فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون} وفي الحديث الصحيح المتفق عليه عن أبي هريرة عن رسول الله ( أنه قال "من أطاعني فقد أطاع الله ومن عصاني فقد عصى الله, ومن أطاع أميري فقد أطاعني, ومن عصى أميري فقد عصاني", فهذه أوامر بطاعة العلماء والأمراء, ولهذا قال تعالى {أطيعوا الله} أي اتبعوا كتابه {وأطيعوا الرسول} أي خذوا بسنته {وأولي الأمر منكم} أي فيما أمروكم به من طاعة الله لا في معصية الله, فإنه لا طاعة لمخلوق في معصية الله كما تقدم في الحديث الصحيح "إنما الطاعة في المعروف", وقال الإمام أحمد: حدثنا عبد الرحمن حدثنا همام حدثنا قتادة عن أبي مراية عن عمران بن حصين عن النبي ( قال "لا طاعة في معصية الله". وقوله {فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول} قال مجاهد وغير واحد من السلف أي إلى كتاب الله وسنة رسوله. وهذا أمر من الله عز وجل بأن كل شيء تنازع الناس فيه من أصول الدين(1/68)
وفروعه أن يرد التنازع في ذلك إلى الكتاب والسنة كما قال تعالى {وما اختلفتم فيه من شيء فحكمه إلى الله} فما حكم به الكتاب والسنة وشهدا له بالصحة فهو الحق, وماذا بعد الحق إلا الضلال, ولهذا قال تعالى {إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الاَخر} أي ردوا الخصومات والجهالات إلى كتاب الله وسنة رسوله فتحاكموا إليهما فيما شجر بينكم {إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الاَخر} فدل على أن من لم يتحاكم في محل النزاع إلى الكتاب والسنة ولا يرجع إليهما في ذلك فليس مؤمناً بالله ولا باليوم الاَخر, وقوله {ذلك خير} أي التحاكم إلى كتاب الله وسنة رسوله, والرجوع إليهما في فصل النزاع خير {وأحسن تأويلاً} أي وأحسن عاقبة ومآلا كما قاله السدي وغير واحد. وقال مجاهد: وأحسن جزاء وهو قريب.
-وقال الشافعي : ليس في سنة رسول الله ( إلا اتباعها
-وقال عمر ـ و نظر إلى الحجر الأسود : إنك حجر لا تنفع ولا تضر ، ولولا أني رأيت رسول الله ( يقبلك ما قبلتك ، ثم قبله
( قلت : رواه البخاري في كتاب الحج
1- باب: ما ذكر في الحجر الأسود.
- حدثنا محمد بن كثير: أخبرنا سفيان، عن الأعمش، عن إبراهيم، عن عابس بن ربيعة، عن عمر رضي الله عنه: أنه جاء إلى الحجر الأسود فقبله، فقال: إني أعلم أنك حجر، لا تضر ولا تنفع، ولولا أني رأيت النبي ( يقبلك ما قبلتك.
2-باب: الرمل في الحج والعمرة.
- حدثنا سعيد بن أبي مريم: أخبرنا محمد بن جعفر قال: أخبرني زيد بن أسلم، عن أبيه : أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال للركن: أما والله، إني لأعلم أنك حجر، لا تضر ولا تنفع ، ولولا أني رأيت النبي ( استلمك ما استلمتك، فاستلمه، ثم قال: فما لنا وللرمل، إنما كنا راءينا به المشركين، وقد أهلكهم الله، ثم قال: شيء صنعه النبي ( فلا نحب أن نتركه.
3-باب: تقبيل الحجر.(1/69)
- حدثنا أحمد بن سنان: حدثنا يزيد بن هارون: أخبرنا ورقاء: أخبرنا زيد بن أسلم، عن أبيه، قال : رأيت عمر بن الخطاب رضي الله عنه قبل الحجر، وقال: لولا أني رأيت رسول الله ( قبلك ما قبلتك.
ورواه مسلم في كتاب الحج - باب استحباب تقبيل الحجر الأسود في الطواف
- وحدثني حرملة بن يحيى. أخبرنا ابن وهب. أخبرني يونس وعمرو. ح وحدثني هارون بن سعيد الأيلي. حدثني ابن وهب. أخبرني عمرو عن ابن شاب، عن سالم ؛ أن أباه حدثه. قال: قبّل عمر بن الخطاب الحجر. ثم قال: أم والله لقد علمت أنك حجر. ولولا أني رأيت رسول الله ( يقبّلك ما قبّلتك.
زاد هارون في روايته: قال عمرو: وحدثني بمثلها زيد بن أسلم عن أبيه أسلم.
- وحدثنا محمد بن أبي بكر المقدمي. حدثنا حماد بن زيد عن أيوب، عن نافع، عن ابن عمر ؛ أن عمر قبّل الحجر. وقال: إني لأقبّلك وإني لأعلم أنك حجر. ولكني رأيت رسول الله (يقبّلك.
- حدثنا خلف بن هشام والمقدمي وأبو كامل وقتيبة بن سعيد. كلهم عن حماد. قال خلف: حدثنا حماد بن زيد عن عاصم الأحول، عن عبدالله بن سرجس قال: رأيت الأصلع (يعني عمر بن الخطاب) يقبّل الحجر ويقول: والله ! إني لأقبّلك، وإني أعلم أنك حجر، وأنك لا تضر ولا تنفع. ولولا أني رأيت رسول الله ( قبّلك ما قبّلتك.
وفي رواية المقدمي وأبي كامل: رأيت الأصيلع.
- وحدثنا يحيى بن يحيى وأبو بكر بن أبي شيبة وزهير بن حرب وابن نمير. جميعا عن أبي معاوية. قال يحيى: أخبرنا أبو معاوية عن الأعمش، عن إبراهيم، عن عابس بن ربيعة. قال: رأيت عمر يقبّل الحجر ويقول: إني لأقبّلك. وأعلم أنك حجر. ولولا أني رأيت رسول الله ( يقبّلك لم أقبّلك.
- وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة وزهير بن حرب. جميعا عن وكيع. قال أبو بكر: حدثنا وكيع عن سفيان، عن إبراهيم ابن عبدالأعلى، عن سويد بن غفلة. قال: رأيت عمر قبّل الحجر والتزمه. وقال: رأيت رسول الله ( بك حفيا.(1/70)
- وحدثنيه محمد بن المثنى. حدثنا عبدالرحمن عن سفيان، بهذا الإسناد. قال: ولكني رأيت أبا القاسم ( بك حفيا. ولم يقل: والتزمه.
-ورُئي عبد الله بن عمر يدير ناقته في مكان ، فسُئل عنه ، فقال : لا أدري إلا أني رأيت رسول الله ( فعله ، ففعلته
- وقال أبو عثمان الحيري : من أمر السنة على نفسه قولاً وفعلاً نطق بالحكمة ، ومن أمر الهوى على نفسه نطق بالبدعة .
- وقال سهل التستري : أصول مذهبنا ثلاثة : الاقتداء بالنبي ( في الأخلاق والأفعال ، والأكل من الحلال وإخلاص النية في جميع الأعمال
-وجاء في تفسير قوله تعالى : ( وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ ) (فاطر : 10 ) ـ إنه الاقتداء برسول الله (
وقفة مع القرطبي في تفسير قوله تعالى :
َ(منْ كَانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعًا إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ وَالَّذِينَ يَمْكُرُونَ السَّيِّئَاتِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَكْرُ أُولَئِكَ هُوَ يَبُورُ( ( فاطر10)
قوله تعالى: "من كان يريد العزة فلله العزة جميعا" التقدير عند الفراء: من كان يريد علم العزة. وكذا قال غيره من أهل العلم. أي من كان يريد علم العزة التي لا ذلة معها؛ لأن العزة إذا كانت تودى إلى ذلة فإنما هي تعرض للذلة، والعزة التي لا ذل معها لله عز وجل. "جميعا" منصوب على الحال. وقدر الزجاج معناه: من كان يريد بعبادته الله عز وجل العزة والعزة له سبحانه فإن الله عز وجل يعزه في الآخرة والدنيا.(1/71)
قلت: وهذا أحسن، وروي مرفوعا على ما يأتي. "فلله العزة جميعا" ظاهر هذا إيئاس السامعين من عزته، وتعريفهم أن ما وجب له من ذلك لا مطمع فيه لغيره؛ فتكون الألف واللام للعهد عند العالمين به سبحانه وبما وجب له من ذلك، وهو المفهوم من قوله الحق في سورة يونس: "ولا يحزنك قولهم إن العزة لله" [يونس: 65]. ويحتمل أن يريد سبحانه أن ينبه ذوي الأقدار والهمم من أين تنال العزة ومن أين تستحق؛ فتكون الألف واللام للاستغراق، وهو المفهوم من آيات هذه السورة. فمن طلب العزة من الله وصدقه في طلبها بافتقار وذل، وسكون وخضوع، وجدها عنده إن شاء الله غير ممنوعة ولا محجوبة عنه؛ قال ( : (من تواضع لله رفعه الله). ومن طلبها من غيره وكَّله إلى من طلبها عنده. وقد ذكر قوما طلبوا العزة عند من سواه فقال: "الذين يتخذون الكافرين أولياء من دون المؤمنين أيبتغون عندهم العزة فإن العزة لله جميعا" [النساء: 139]. فأنبأك صريحا لا إشكال فيه أن العزة له يعز بها من يشاء ويذل من يشاء. وقال ( مفسرا لقوله "من كان يريد العزة فلله العزة جميعا": (من أراد عز الدارين فليطع العزيز). وهذا معنى قول الزجاج. ولقد أحسن من قال:وإذا تذللت الرقاب تواضعا منا إليك فعزها في ذلها... فمن كان يريد العزة لينال الفوز الأكبر، ويدخل دار العزة ولله العزة فليقصد بالعزة الله سبحانه والاعتزاز به؛ فإنه من اعتز بالعبد أذله الله ، ومن اعتز بالله أعزه الله.(1/72)
قوله تعالى: "إليه يصعد الكلم الطيب" وتم الكلام. ثم تبتدئ "والعمل الصالح يرفعه" على معنى: يرفعه الله، أو يرفع صاحبه. ويجوز أن يكون المعنى: والعمل الصالح يرفع الكلم الطيب؛ فيكون الكلام متصلا على ما يأتي بيانه. والصعود هو الحركة إلى فوق، وهو العروج أيضا. ولا يتصور ذلك في الكلام لأنه عرض، لكن ضرب صعوده مثلا لقبوله؛ لأن موضع الثواب فوق، وموضع العذاب أسفل. وقال الزجاج: يقال ارتفع الأمر إلى القاضي أي علمه ؛ فهو بمعنى العلم. وخص الكلام الطيب بالذكر لبيان الثواب عليه. وقوله "إليه" أي إلى الله يصعد. وقيل: يصعد إلى سمائه والمحل الذي لا يجري فيه لأحد غيره حكم. وقيل: أي يحمل الكتاب الذي كتب فيه طاعات العبد إلى السماء. و"الكلم الطيب" هو التوحيد الصادر عن عقيدة طيبة. وقيل: هو التحميد والتمجيد، وذكر الله ونحوه. وأنشدوا:
لا ترض من رجل حلاوة قوله حتى يزين ما يقول فعال
فإذا وزنت فعاله بمقاله فتوازنا فإخاء ذاك جمال
وقال ابن المقفع: قول بلا عمل، كثريد بلا دسم، وسحاب بلا مطر، وقوس بلا وتر. وفيه قيل: لا يكون المقال إلا بفعل كل قول بلا فعالٍ هباءإن قولا بلا فعال جميل ونكاحا بلا ولي سواء
وقرأ الضحاك "يُصعد" بضم الياء. وقرأ. جمهور الناس "الكلم" جمع كلمة. وقرأ أبو عبدالرحمن "الكلام".
قلت: فالكلام على هذا قد يطلق بمعنى الكلم وبالعكس؛ وعليه يخرج قول أبي القاسم: أقسام الكلام ثلاثة؛ فوضع الكلام موضع الكلم، والله أعلم.(1/73)
"والعمل الصالح يرفعه" قال ابن عباس ومجاهد وغيرهما: المعنى والعمل الصالح يرفع الكلم الطيب. وفي الحديث : (لا يقبل الله قولا إلا بعمل، ولا يقبل قولا وعملا إلا بنية، ولا يقبل قولا وعملا ونية إلا بإصابة السنة). قال ابن عباس: فإذا ذكر العبد الله وقال كلاما طيبا وأدى فرائضه، ارتفع قوله مع عمله وإذا قال ابن قوله على عمله. قال ابن عطية: وهذا قول يرده معتقد أهل السنة ولا يصح عن ابن عباس. والحق أن العاصي التارك للفرائض إذا ذكر الله وقال كلاما طيبا فإنه مكتوب له متقبل منه، وله حسناته وعليه سيئاته، والله تعالى يتقبل من كل من أتقى الشرك. وأيضا فإن الكلام الطيب عمل صالح، وإنما يستقيم قول من يقول: إن العمل هو الرافع للكلم، بأن يتأول أنه يزيده في رفعه وحسن موقعه إذا تعاضد معه. كما أن صاحب الأعمال من صلاة وصيام وغير ذلك، إذا تخلل أعماله كلم طيب وذكر الله تعالى كانت الأعمال أشرف؛ فيكون قوله: "والعمل الصالح يرفعه" موعظة وتذكرة وحضا على الأعمال. وأما الأقوال التي هي أعمال في نفوسها؛ كالتوحيد والتسبيح فمقبولة. قال ابن العربي: "إن كلام المرء بذكر الله إن لم يقترن به عمل صالح لم ينفع؛ لأن من خالف قوله فعله فهو وبال عليه. وتحقيق هذا: أن العمل إذا وقع شرطا في قبول القول أو مرتبطا به، فإنه لا قبول له إلا به وإن لم يكن شرطا فيه فإن كلمه الطيب يكتب له، وعمله السيء يكتب عليه، وتقع الموازنة بينهما، ثم يحكم الله بالفوز والربح أو الخسران" . قلت: ما قال ابن العربي تحقيق. والظاهر أن العمل الصالح شرط في قبول القول الطيب. وقد جاء في الآثار (أن العبد إذا قال: لا إله إلا الله بنية صادقة نظرت الملائكة إلى عمله، فإن كان العمل موافقا لقوله صعدا جميعا، وإن كان عمله مخالفا وقف قوله حتى يتوب من عمله). فعلى هذا العمل الصالح يرفع الكلم الطيب إلى الله. والكناية في "يرفعه" ترجع إلى الكلم الطيب. وهذا قول ابن عباس وشهر بن(1/74)
حوشب وسعيد بن جبير ومجاهد وقتادة وأبي العالية والضحاك. وعلى أن "الكلم الطيب" هو التوحيد، فهو الرافع للعمل الصالح؛ لأنه لا يقبل العمل الصالح إلا مع الإيمان والتوحيد. أي والعمل الصالح يرفعه الكلم الطيب؛ فالكناية تعود على العمل الصالح. وروي هذا القول عن شهر بن حوشب قال: "الكلم الطيب" القرآن "والعمل الصالح يرفعه" القرآن. وقيل: تعود على الله جل وعز؛ أي أن العمل الصالح يرفعه الله على الكلم الطيب؛ لأن العمل تحقيق الكلم، والعامل أكثر تعبا من القائل، وهذا هو حقيقة الكلام؛ لأن الله هو الرافع الخافض. والثاني والأول مجاز، ولكنه سائغ جائز. قال النحاس: القول الأول أولاها وأصحها لعلو من قال به، وأنه في العربية أولى؛ لأن القراء على رفع العمل. ولو كان المعنى: والعمل الصالح يرفعه الله، أو العمل الصالح يرفعه الكلم الطيب، لكان الاختيار نصف العمل. ولا نعلم أحدا قرأه منصوبا إلا شيئا روي عن عيسى، بن عمر أنه قال: قرأه أناس "والعمل الصالح يرفعه الله". وقيل: والعمل الصالح يرفع صاحبه، وهو الذي أراد العزة وعلم أنها تطلب من الله تعالى؛ ذكره القشيري.(1/75)
ذكروا عند ابن عباس أن الكلب يقطع الصلاة، فقرأ هذه الآية: "إليه يصعد الكلم الطيب والعمل الصالح يرفعه". وهذا استدلال بعموم على مذهب السلف في القول بالعموم، (وقد دخل في الصلاة بشروطها، فلا يقطعها عليه شيء إلا بثبوت ما يوجب ذلك؛ من مثل ما انعقدت به من قرآن أو سنة أو إجماع. وقد تعلق من رأى، ذلك بقوله عليه السلام: (يقطع الصلاة المرأة والحمار والكلب الأسود) فقلت: ما بال الكلب الأسود من الكلب الأبيض من الكلب الأحمر؟ فقال: (إن الأسود شيطان) خرجه مسلم. وقد جاء ما يعارض هذا، وهو ما خرجه البخاري عن ابن أخي ابن شهاب أنه سأل عمه عن الصلاة يقطعها شيء؟ فقال: لا يقطعها شيء، أخبرني عروة بن الزبير أن عائشة زوج النبي ( قالت: لقد كان رسول الله ( يقوم فيصلي من الليل، وإني لمعترضة بينه وبين القبلة على فراش أهله.
قوله تعالى: "والذين يمكرون السيئات" ذكر الطبري في (كتاب آداب النفوس): حدثني يونس بن عبدالأعلى قال حدثنا سفيان عن ليث بن أبي سليم عن شهر بن حوشب الأشعري في قوله عز وجل: "والذين يمكرون السيئات لهم عذاب شديد ومكر أولئك هو يبور" قال: هم أصحاب الرياء؛ وهو قول ابن عباس ومجاهد وقتادة. وقال أبو العالية: هم الذين مكروا بالنبي ( لما اجتمعوا في دار الندوة. وقال الكلبي: يعني الذين يعملون السيئات في السيئات في الدنيا مقاتل: يعني الشرك، فتكون "السيئات" مفعولة. ويقال: بار يبور إذا هلك وبطل. وبارت السوق أي كسدت، ومنه: نعوذ بالله من بوار الأيم. وقوله: "وكنتم قوما بورا" [الفتح: 12] أي هلكى. والمكر: ما عمل على سبيل احتيال وخديعة....
-وحكي عن أحمد بن حنبل : قال : كنت يوماً مع جماعة تجردوا ودخلوا الماء ، فاستعملت الحديث: (من كان يؤمن بالله و اليوم الآخر فلا يدخل الحمام إلا بمئزر ) ولم أتجرد ، فرأيت تلك الليلة قائلاً لي : يا أحمد أبشر فإن الله قد غفر لك باستعمالك السنة ، وجعلك إماماً يقتدى بك .(1/76)
قلت من أنت ؟ قال : جبريل .
( قلت : رواه الترمذي- باب ما جاء في دخول الحمام -
- حدثنا القاسم بن دينار الكوفي، أخبرنا مصعب المقدام عن الحسن بن صالح عن ليث بن أبي سليم عن طاؤس عن جابر أن النبي ( قال: "من كان يؤمن باللّه واليوم الآخر فلا يدخل حليلته الحمام، ومن كان يؤمن باللّه واليوم الآخر فلا يدخل الحمام بغير ازار، ومن كان يؤمن باللّه واليوم ولآخر فلا يجلس على مائدة يدار عليهم الخمر"
هذا حديث حسن غريب لا نعرفه من حديث طاؤس عن جابر الا من هذا الوجه. قال محمد بن اسماعيل ليث بن أبي سليم صدوق وربما يهم في الشيء وقال محمد: قال أحمد بن حنبل ليث لا يفرح بحديثه.
الفصل الخامس
في أن مخالفة أمره ( وتبديل سنته ضلال وبدعة
ومخالفة أمره وتبديل سنته ضلال وبدعة متوعد من الله تعالى عليه بالخذلان والعذاب ،
*قال الله تعالى : (فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ) (النور : 63 ).
( قلت :قال ابن كثيرفي تفسير هذه الآية :( فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ( ( النور 63)(1/77)
وقوله {فليحذر الذين يخالفون عن أمره} أي عن أمر رسول الله ( وهو سبيله ومنهاجه وطريقته وسنته وشريعته, فتوزن الأقوال والأعمال بأقواله وأعماله, فما وافق ذلك قبل, وما خالفه فهو مردود على قائله وفاعله كائناً من كان, كما ثبت في الصحيحين وغيرهما عن رسول الله ( أنه قال "من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد" أي فليحذر وليخشَ من خالف شريعة الرسول باطناً وظاهراً. {أن تصيبهم فتنة} أي في قلوبهم من كفر أو نفاق أو بدعة {أو يصيبهم عذاب أليم} أي في الدنيا بقتل أو حد أو حبس أو نحو ذلك. كما روى الإمام أحمد: حدثنا عبد الرزاق, حدثنا معمر عن همام بن منبه, قال: هذا ما حدثنا عن أبي هريرة قال: قال رسول الله ( "مثلي ومثلكم كمثل رجل استوقد ناراً فلما أضاءت ما حولها جعل الفراش وهذه الدواب اللائي يقعن في النار يقعن فيها, وجعل يحجزهن ويغلبنه ويقتحمن فيها ـ قال ـ فذلك مثلي ومثلكم, أنا آخذ بحجزكم عن النار هلم عن النار, فتغلبوني وتقتحمون فيها" أخرجاه من حديث عبد الرزاق.
-وقال : (وَمَن يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءتْ مَصِيراً) (النساء : 115 )
(قلت :قال ابن كثيرفي تفسير هذه الآية :
( وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا( ( النساء 115)
قوله تعالى : {ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى} أي ومن سلك غير طريق الشريعة التي جاء بها الرسول ( , فصار في شق, والشرع في شق, وذلك عن عمد منه بعد ما ظهر له الحق وتبين له واتضح له.(1/78)
وقوله: {ويتبع غير سبيل المؤمنين} هذا ملازم للصفة الأولى, ولكن قد تكون المخالفة لنص الشارع, وقد تكون لما اجتمعت عليه الأمة المحمدية فيما علم اتفاقهم عليه تحقيقاً, فإنه قد ضمنت لهم العصمة في اجتماعهم من الخطأ تشريفاً لهم وتعظيماً لنبيهم, وقد وردت أحاديث صحيحة كثيرة في ذلك, قد ذكرنا منها طرفاً صالحاً في كتاب أحاديث الأصول, ومن العلماء من ادعى تواتر معناها, والذي عول عليه الشافعي رحمه الله في الاحتجاج على كون الإجماع حجة تحرم مخالفته هذه الاَية الكريمة بعد التروي والفكر الطويل, وهو من أحسن الاستنباطات وأقواها, وإن كان بعضهم قد استشكل ذلك فاستبعد الدلالة منها على ذلك, ولهذا توعد تعالى على ذلك بقوله: {نوله ما تولى ونصله جهنم وساءت مصيراً} أي إذا سلك هذه الطريق جازيناه على ذلك بأن نحسنها في صدره ونزينها له استدراجاً له, كما قال تعالى: {فذرني ومن يكذب بهذا الحديث سنستدرجهم من حيث لا يعلمون}, وقال تعالى: {فلما زاغوا أزاغ الله قلوبهم}, وقوله: {ونذرهم في طغيانهم يعمهون} وجعل النار مصيره في الاَخرة, لأن من خرج عن الهدى لم يكن له طريق إلا إلى النار يوم القيامة, كما قال تعالى: { احْشُرُوا الَّذِينَ ظَلَمُوا وَأَزْوَاجَهُمْ وَمَا كَانُوا يَعْبُدُونَ * مِن دُونِ اللَّهِ فَاهْدُوهُمْ إِلَى صِرَاطِ الْجَحِيمِ * وَقِفُوهُمْ إِنَّهُم مَّسْئُولُونَ *مَا لَكُمْ لَا تَنَاصَرُونَ * بَلْ هُمُ الْيَوْمَ مُسْتَسْلِمُونَ * وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَسَاءلُونَ * قَالُوا إِنَّكُمْ كُنتُمْ تَأْتُونَنَا عَنِ الْيَمِينِ *قَالُوا بَل لَّمْ تَكُونُوا مُؤْمِنِينَ * وَمَا كَانَ لَنَا عَلَيْكُم مِّن سُلْطَانٍ بَلْ كُنتُمْ قَوْماً طَاغِينَ*فَحَقَّ عَلَيْنَا قَوْلُ رَبِّنَا إِنَّا لَذَائِقُونَ * فَأَغْوَيْنَاكُمْ إِنَّا كُنَّا غَاوِينَ * فَإِنَّهُمْ يَوْمَئِذٍ فِي الْعَذَابِ مُشْتَرِكُونَ * إِنَّا(1/79)
كَذَلِكَ نَفْعَلُ بِالْمُجْرِمِينَ * إِنَّهُمْ كَانُوا إِذَا قِيلَ لَهُمْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ يَسْتَكْبِرُونَ *وَيَقُولُونَ أَئِنَّا لَتَارِكُوا آلِهَتِنَا لِشَاعِرٍ مَّجْنُونٍ * بَلْ جَاء بِالْحَقِّ وَصَدَّقَ الْمُرْسَلِينَ * إِنَّكُمْ لَذَائِقُو الْعَذَابِ الْأَلِيمِ*وَمَا تُجْزَوْنَ إِلَّا مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ * ( الصافات) , وقال تعالى: {ورأى المجرمون النار فظنوا أنهم مواقعوها ولم يجدوا عنها مصرفاً}....
قال القاضي أبو الفضل رحمه الله -حدثنا أبو محمد عبد الله بن أبي جعفر ، وعبد الرحمن بن عتاب بقراءتي عليهما ، قالا : حدثنا أبو القاسم حاتم بن محمد ، حدثنا أبو الحسن القابسي ، حدثنا أبو الحسين بن مسرور الدباغ ، حدثنا أحمد بن أبي سليمان ، حدثنا سحنون ابن سعيد ، حدثنا ابن القاسم ، حدثنا مالك ، عن العلاء بن عبد الرحمن ، عن أبيه ، عن أبي هريرة ـ أن رسول الله ( خرج إلى المقبرة ... و ذكر الحديث في صفة أمته ، وفيه : فَلَيُذادَنَّ رجال عن حوضي كما يُذاد البعير الضال ، فأناديهم : ألا هلم ، فيقال :إنهم قد بدلوا بعدك . فأقول : فسحقاً ، فسحقاً ، فسحقاً .
وقفة مع الإمام مسلم في كتاب الفضائل- باب إثبات حوض نبينا ( وصفاته
(وفيه الحديث الذي أورده القاضي عياض في الشفا )
*حدثني أحمد بن عبدالله بن يونس. حدثنا زائدة. حدثنا عبدالملك بن عمير قال: سمعت جندبا يقول : سمعت النبي ( يقول "أنا فرطكم على الحوض".
*حدثنا قتيبة بن سعيد. حدثنا يعقوب (يعني ابن عبدالرحمن القاري) عن أبي حازم. قال: سمعت سهلا يقول: سمعت النبي ( يقول: "أنا فرطكم على الحوض. من ورد شرب. ومن شرب لم يظمأ أبدا. وليردن علي أقوام أعرفهم ويعرفوني. ثم يحال بيني وبينهم".
قال أبو حازم: فسمع النعمان بن أبي عياش وأنا أحدثهم هذا الحديث. فقال: هكذا سمعت سهلا يقول؟ قال فقلت نعم.(1/80)
قال: وأنا أشهد على أبي سعيد الخدري لسمعته يزيد فيقول "إنهم مني. فيقال: إنك لاتدري ما عملوا بعدك. فأقول: سحقا سحقا لمن بدل بعدي".
* وحدثنا داود بن عمرو الضبي. حدثنا نافع بن عمر الجمحي عن ابن أبي مليكة. قال: قال عبدالله بن عمرو بن العاص: قال: رسول الله ( "حوضي مسيرة شهر. وزواياه سواء. وماؤه أبيض من الورِق. وريحه أطيب من المسك.. وكيزانه كنجوم السماء. فمن شرب منه فلا يظمأ بعده أبدا".
* وقالت أسماء بنت أبي بكر: قال رسول الله ( "إني على الحوض حتى أنظر من يرد علي منكم . وسيؤخذ أناس دوني. فأقول: يا رب مني ومن أمتي. فيقال أما شعرت ما عملوا بعدك؟ والله ما برحوا بعدك يرجعون على أعقابهم".
قال فكان ابن مليكة يقول: اللهم إنا نعوذ بك أن نرجع على أعقابنا أو أن نفتن عن ديننا.
*وحدثنا ابن أبي عمر. حدثنا يحيى بن سليم عن ابن خثيم، عن عبدالله بن عبيدالله بن أبي مليكة؛ أنه سمع عائشة تقول:
سمعت رسول الله ( يقول، وهو بين ظهراني أصحابه "إني على الحوض. أنتظر من يرد علي منكم. والله ليقتطعن دوني رجال. فلأقولن: أي رب! مني ومن أمتي . فيقول: إنك لا تدري ما عملوا بعدك. ما زالوا يرجعون على أعقابهم".
*وحدثني يونس بن عبدالأعلى الصدفي. أخبرنا عبدالله بن وهب. أخبرني عمرو (وهو ابن الحارث)؛ أن بكيرا حدثه عن القاسم بن عباس الهاشمي، عن عبدالله بن رافع، مولى أم سلمة، عن أم سلمة زوج النبي ( ؛ أنها قالت: كنت أسمع الناس يذكرون الحوض. ولم أسمع ذلك من رسول الله ( . فلما كان يوما من ذلك. والجارية تمشطني. فسمعت رسول الله ( يقول "أيها الناس" فقلت للجارية استأخري عني. قالت: إنما دعا الرجال ولم يدع النساء. فقلت: إني من الناس. فقال رسول الله ( "إني لكم فرط على الحوض. فإياي! لا يأتين أحدكم فيذب عني كما يذب البعير الضال. فأقول فيم هذا؟ فيقال: إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك. فأقول سحقا".(1/81)
* وحدثني أبو معن الرقاشي وأبو بكر بن نافع وعبد بن حميد قالوا: حدثنا أبو عامر (وهو عبدالملك بن عمرو). حدثنا أفلح بن سعيد. حدثنا عبدالله بن رافع. قال: كانت أم سلمة تحدث؛ أنها سمعت النبي ( يقول، على المنبر، وهي تمتشط "أيها الناس" فقالت لماشطتها: كفي رأسي. بنحو حديث بكير عن القاسم بن عباس.
*حدثنا قتيبة بن سعيد. حدثنا ليث عن يزيد بن أبي حبيب، عن أبي الخير، عن عقبة بن عامر؛ أن رسول الله ( خرج يوما فصلى على أهل أحد صلاته على الميت. ثم انصرف إلى المنبر. فقال "إني فرط لكم. وأنا شهيد عليكم. وإني، والله لأنظر إلى حوضي الآن. وإني قد أعطيت مفاتيح خزائن الأرض، أو مفاتيح الأرض. وإني، والله! ما أخاف عليكم أن تشركوا بعدي. ولكن أخاف عليكم أن تتنافسوا فيها".
* وحدثنا محمد بن المثنى. حدثنا وهب (يعني ابن جرير). حدثنا أبي. قال: سمعت يحيى بن أيوب يحدث عن يزيد بن أبي حبيب، عن مرثد، عن عقبة بن عامر . قال: صلى رسول الله ( على قتلى أحد. ثم صعد المنبر كالمودع للأحياء والأموات. فقال: "إني فرطكم على الحوض. وإن عرضه كما بين أيلة إلى الجحفة. إني لست أخشى عليكم أن تشركوا بعدي.ولكني أخشى عليكم الدنيا أن تنافسوا فيها، وتقتتلوا، فتهلكوا، كما هلك من كان قبلكم".
قال عقبة: فكانت آخر ما رأيت رسول الله ( على المنبر.
* حدثنا أبو بكر وأبو شيبة وأبو كريب وابن نمير. قالوا: حدثنا أبو معاوية عن الأعمش، عن شقيق، عن عبدالله ، قال: قال رسول الله ( "أنا فرطكم على الحوض. ولأنازعن أقواما ثم لأغلبن عليهم، فأقول: يا رب أصحابي.
أصحابي. فيقال إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك".
* وحدثناه عثمان بن أبي شيبة وإسحاق بن إبراهيم عن جرير، عن الأعمش، بهذا الإسناد. ولم يذكر "أصحابي. أصحابي
* حدثني محمد بن عبدالله بن بزيع. ح حدثنا ابن أبي عدي عن شعبة، عن معبد بن خالد، عن حارثة؛(1/82)
أنه سمع النبي ( قال "حوضي ما بين صنعاء والمدينة". فقال له المستورد: ألم تسمعه قال "الأواني"؟ قال: لا. فقال المستورد "ترى فيه الآنية مثل الكواكب".
* حدثنا أبو الربيع الزهراني وأبو كامل الجحدري. قالا: حدثنا حماد (وهو ابن زيد). حدثنا أيوب عن نافع، عن ابن عمر. قال: قال رسول الله ( "إن أمامكم حوضا. ما بين ناحيتيه كما بين جربا وأذرح".
* حدثنا زهير بن حرب ومحمد بن المثنى وعبيدالله بن سعيد. قالوا: حدثنا يحيى (وهو القطان) عن عبيدالله. أخبرني نافع عن ابن عمر، عن النبي ( قال "إن أمامكم حوضا كما بين جربا وأذرح". وفي رواية ابن المثنى "حوضي".
* وحدثنا ابن نمير. حدثنا أبي. ح وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة. حدثنا محمد بن بشر. قالا: حدثنا عبيدالله، بهذا الإسناد مثله. وزاد: قال عبيدالله: فسألته فقال: قريتين بالشام. بينهما مسيرة ثلاث ليال. وفي حديث ابن بشر: ثلاثة أيام.
* وحدثني حرملة بن يحيى. حدثنا عبدالله بن وهب. حدثني عمر بن محمد عن نافع، عن عبدالله؛ أن رسول الله (. قال "إن أمامكم حوضا كما بين حربا وأذرح. فيه أباريق كنجوم السماء. من ورده فشرب منه، لم يظمأ بعدها أبدا".
* وحدثنا أبي بكر بن أبي شيبة وإسحاق بن إبراهيم وابن أبي عمر المكي- واللفظ لابن أبي شيبة- (قال إسحاق: أخبرنا. وقال الآخران: حدثنا) عبدالعزيز بن عبدالصمد العمي عن أبي عمران الجوني، عن عبدالله بن الصامت، عن أبي ذر، قال: قلت: يا رسول الله، ما آنية الحوض؟ قال "والذي نفس محمد بيده لآنيته أكثر من عدد نجوم السماء وكواكبها. ألا في الليلة المظلمة المصحية. آنية الجنة من شرب منها لم يظمأ آخر ما عليه. يشخب فيه ميزابان من الجنة. من شرب منه لم يظمأ. عرضه مثل طوله. ما بين عمان إلى أيلة. ماؤه أشد بياضا من اللبن. وأحلى من العسل".(1/83)
*حدثنا أبو غسان المسمعي ومحمد بن المثنى وابن بشار (وألفاظهم متقاربة). قالوا: حدثنا معاذ (وهو ابن هشام). حدثني أبي عن قتادة، عن سالم بن أبي الجعد، عن معدان بن أبي طلحة اليعمري، عن ثوبان؛ أن نبي الله ( قال "إني لبعقر حوضي أذود الناس لأهل اليمن. أضرب بعصاي حتى يرفض عليهم". فسئل عن عرضه فقال "من مقامي إلى عمان". وسئل عن شرابه فقال "أشد بياضا من البن، وأحلى من العسل. يغت فيه ميزابان يمدانه من الجنة. أحدهما من ذهب والآخر من ورق".
* وحدثنيه زهير بن حرب حدثنا الحسن بن موسى. حدثنا شيبان عن قتادة. بإسناد هشام. بمثل حديثه. غير أنه قال "أنا، يوم القيامة، عند عقر الحوض".
* حدثني عبدالرحمن بن سلام الجمحي. حدثنا الربيع (يعني ابن مسلم) عن محمد بن زياد، عن أبي هريرة؛ أن النبي ( قال " لأذودن عن حوضي رجالا كما تزاد الغريبة من الإبل ".
* وحدثني حرملة بن يحيى. أخبرنا ابن وهب. أخبرني يونس عن ابن شهاب؛ أن أنس بن مالك حدثه؛ أن رسول الله ( قال "قدر حوضي كما بين أيلة وصنعاء من اليمن. وإن فيه من الأباريق كعدد نجوم السماء".
* وحدثني محمد بن حاتم. حدثنا عفان بن مسلم الصفار. حدثنا وهيب. قال: سمعت عبدالعزيز بن صهيب يحدث. قال: حدثنا أنس بن مالك ؛ أن النبي ( قال "ليردن علي الحوض رجال ممن صاحبني. حتى إذا رأيتهم ورفعوا إلي، اختلجوا دوني. فلأقولن: أي رب! أصيحابي. أصيحابي. فليقالن لي: إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك".
* وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة وعلي بن حجر. قالا: حدثنا علي بن مسهر. ح وحدثنا أبو كريب. حدثنا ابن فضيل.
جميعا عن المختار بن فلفل، عن أنس، عن النبي ( . بهذا المعنى. وزاد "آنيته عدد النجوم".
* وحدثنا عاصم بن النضر التيمي وهريم بن عبدالأعلى (واللفظ لعاصم). حدثنا معتمر. سمعت أبي. حدثنا قتادة عن أنس بن مالك، عن النبي ( قال "ما بين ناحيتي حوضي كما بين صنعاء والمدينة".(1/84)
* وحدثنا هارون بن عبدالله. حدثنا عبدالصمد. حدثنا هشام. ح وحدثنا حسن بن علي الحلواني. حدثنا أبو الوليد الطيالسي. حدثنا أبو عوانة. كلاهما عن قتادة، عن أنس، عن النبي ( . بمثله. غير أنهما شكا فقالا: أو مثل ما بين المدينة وعمان. وفي حديث ابن عوانة "ما بين لابتي حوضي".
* وحدثني يحيى بن حبيب الحارثي ومحمد بن عبدالله الرزي. قالا: حدثنا خالد بن الحارث عن سعيد، عن قتادة. قال:
قال أنس: قال نبي الله صلى الله عليه وسلم "ترى فيه أباريق الذهب والفضة كعدد نجوم السماء".
* وحدثنيه زهير بن حرب. حدثنا الحسن بن موسى. حدثنا شيبان عن قتادة. حدثنا أنس بن مالك؛ أن نبي الله ( قال مثله. وزاد "أو أكثر من عدد نجوم السماء".
*حدثني الوليد بن شجاع بن الوليد السكوني. حدثني أبي (رحمه الله). حدثني زياد بن خيثمة عن سماك بن حرب، عن جابر بن سمرة، عن رسول الله ( قال "ألا إني فرط لكم على الحوض. وإن بعد ما بين طرفيه كما بين صنعاء وأيلة.كأن الأباريق فيه النجوم".
*حدثنا قتيبة بن سعيد وأبو بكر بن أبي شيبة. قالا: حدثنا حاتم بن إسماعيل عن المهاجر بن مسمار، عن عامر بن سعد بن أبي وقاص. قال: كتبت إلى جابر بن سمرة مع غلامي نافع : أخبرني بشيء سمعته من رسول الله ( قال فكتب إلي: إني سمعته يقول "أنا الفرط على الحوض".
-وروى عن أنس أن النبي (قال : من رغب عن سنتي فليس مني .
( قلت : مر هذا الحديث المتفق عليه منذ قليل بلفظ البخاري، وهذا لفظ مسلم
وحدثني أبو بكر بن نافع العبدي. حدثنا بهز. حدثنا حماد بن سلمة عن ثابت، عن أنس ؛ أن نفرا من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم عن عمله في السر ؟ فقال بعضهم: لا أتزوج النساء. وقال بعضهم لا آكل اللحم. وقال بعضهم: لا أنام على فراش. فحمد الله وأئنى عليه فقال: "ما بال أقوام قالوا كذا وكذا ؟ لكني أصلي وأنام. وأصوم وأفطر. وأتزوج النساء. فمن رغب عن سنتي فليس مني".(1/85)
-وقال : من أدخل في أمرنا ما ليس منه فهو رد .
( قلت : رواه البخاري في كتاب الصلح باب: إذا اصطلحوا على صلح جور فالصلح مردود. - حدثنا يعقوب: حدثنا إبراهيم بن سعد، عن أبيه، عن القاسم بن محمد، عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله ( : (من أحدث في أمرنا هذا ما ليس فيه فهو رد).
رواه عبد الله بن جعفر المخرمي، وعبد الواحد بن أبي عون، عن سعد بن إبراهيم.
وأخرجه مسلم في كتاب الأقضية
باب نقض الأحكام الباطلة ورد محدثات الأمور
* حدثنا أبو جعفر محمد بن الصباح وعبدالله بن عون الهلالي. جميعا عن إبراهيم بن سعد. قال ابن الصباح: حدثنا إبراهيم بن سعد بن إبراهيم بن عبدالرحمن بن عوف. حدثنا أبي عن القاسم بن محمد، عن عائشة. قالت: قال رسول الله( (من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد).
* وحدثنا إسحاق بن إبراهيم وعبد بن حميد. جميعا عن أبي عامر. قال عبد: حدثنا عبدالملك بن عمرو. حدثنا عبدالله بن جعفر الزهري عن سعد بن إبراهيم. قال: سألت القاسم بن محمد عن رجل له ثلاثة مساكن. فأوصى بثلث كل مسكن منها. قال: يجمع ذلك كله في مسكن واحد. ثم قال: أخبرتني عائشة؛ أن رسول الله ( قال (من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد).
وأخرجه ابن ماجه و أبو داود ولفظه :
*حدثنا محمد بن الصباح البزاز ثنا إبراهيم بن سعد ح وثنا محمد بن عيسى ثنا عبد الله بن جعفر المخرمي وإبراهيم بن سعد عن سعد بن إبراهيم عن القسم بن محمد عن عائشة رضي الله عنها قالت قال رسول الله ( من أحدث في أمرنا هذا ما ليس فيه فهو رد قال بن عيسى قال النبي ( من صنع أمرا على غير أمرنا فهو رد
- وروى ابن أبي رافع ، عن أبيه ، عن النبي ( قال : لا ألفين أحدكم متكئاً على أريكته يأتيه الأمر من أمري مما أمرت به أو نهيت عنه ، فيقول : لا أدري ، ما وجدنا في كتاب الله اتبعناه .
زاد في حديث المقدام : ألا وإن ما حرم رسول الله ( مثل ما حرم الله .(1/86)
( قلت : مر هذا الحديث منذ قليل ، رواه أبو داود ، والترمذي ، وابن ماجه ،وأحمد ولفظه :
حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا يزيد بن هارون قال انا حريز بن عبد الرحمن بن أبي عوف الجرشي عن المقدام بن معد يكرب الكندي قال قال رسول الله ( : ألا اني أوتيت الكتاب ومثله معه، ألا اني أوتيت القرآن ومثله معه ، ألا يوشك رجل ينثني شبعانا على أريكته يقول عليكم بالقرآن فما وجدتم فيه من حلال فأحلوه وما وجدتم فيه من حرام فحرموه ، ألا لا يحل لكم لحم الحمار الأهلي ولا كل ذي ناب من السباع الا ولا لقطة من مال معاهد إلا ان يستغني عنها صاحبها ..ومن نزل بقوم فعليهم ان يقروهم فان لم يقروهم فلهم ان يعقبوهم بمثل قراهم
وقال ( : و جيء بكتاب في كتف ـ : كفى بقوم حمقاً ـ أو قال : ضلالاً ـ أن يرغبوا عما جاء به نبيهم إلى غير نبيهم ، أو كتاب غير كتابهم ، فنزلت : (أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ يُتْلَى عَلَيْهِمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَرَحْمَةً وَذِكْرَى لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ) (العنكبوت : 51 ).
(قلت : قال القرطبي :(1/87)
قوله تعالى: "أولم يكفهم أنا أنزلنا عليك الكتاب يتلى عليهم" هذا جواب لقولهم "لولا أنزل عليه آيات من ربه" أي أو لم يكف المشركين من الآيات هذا الكتاب المعجز الذي قد تحديتهم بأن يأتوا بمثله أو بسورة منه فعجزوا ولوا أتيتهم بآيات موسى وعيسى لقالوا: سحر ونحن لا نعرف السحر؛ والكلام مقدور لهم ومع ذلك عجزوا عن المعارضة وقيل: إن سبب نزول هذه الآيات ما رواه ابن عيينة عن عمرو بن دينار عن يحيى بن جحدة قال: أتي النبي ( بكتف فيه كتاب فقال (كفي بقوم ضلالة وأن يرغبون عما جاء به نبيهم إلى ما جاء به نبي غير نبيهم أو كتاب غير كتابهم) فأنزل الله تعالى: "أولم يكفهم أنا أنزلنا عليك الكتاب" أخرجه أبو محمد الدارمي في مسنده وذكره أهل التفسير في كتبهم وفي مثل هذا قال ( لعمر رضي الله عنه: (لو كان موسى بن عمران حيا لما وسعه إلا اتباعي) وفي مثله قال ( (ليس منا من لم يتغن بالقرآن) أي يستغني به عن غيره وهذا تأويل البخاري رحمه الله في الآية وإذا كان لقاء ربه بكل حرف عشر حسنات فأكثر على ما ذكرناه في مقدمة الكتاب فالرغبة عنه إلى غيره ضلال وخسران وغبن ونقصان. "إن في ذلك" أي في القرآن "لرحمة" في الدنيا والآخرة وقيل: رحمة في الدنيا باستنفاذهم من الضلالة "وذكرى" لرحمة في الدنيا بإرشادهم به إلى الحق "لقوم يؤمنون".
وقال ( : هلك المتنطعون .
( قلت : رواه مسلم في كتاب العلم - باب هلك المتنطعون -
* حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة. حدثنا حفص بن غياث ويحيى بن سعيد عن ابن جريج، عن سليمان بن عتيق، عن طلق بن حبيب، عن الأحنف بن قيس، عن عبدالله. قال: قال رسول الله ( "هلك المتنطعون" قالها ثلاثا.
وعزاه السيوطي إلى : (حم م د) عن ابن مسعود.
-وقال أبو بكر الصديق رضي الله عنه : لست تاركاً شيئاً كان ( يعمل به إلا عملت به ، إني أخشى إن تركت شيئاً من أمره أن أزيغ .
الباب الثاني
في محبته (
وفيه 6 قصول :
1-في لزوم محبته (
2- في ثواب محبته ((1/88)
3- فيما روي عن السلف والأئمة من محبتهم للنبي (وشوقهم له
4- في علامة محبته (
5- في معنى المحبة للنبي ( وحقيقتها
6- في وجوب منا صحته (
الفصل الأول
في لزوم محبته(
*قال الله تعالى : (قُلْ إِن كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَآؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُم مِّنَ اللّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُواْ حَتَّى يَأْتِيَ اللّهُ بِأَمْرِهِ وَاللّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ) (التوبة : 24 ).
فكفى بهذا حضاً و تنبيهاً ودلالة وحجة على إلزام محبته ، ووجوب فرضها ، وعظم خطرها ، واستحقا قه لها ( ، إذ قرع تعالى من كان ماله وأهله وولده أحب إليه من الله ورسوله ، وأوعدهم بقوله تعالى : (فَتَرَبَّصُواْ حَتَّى يَأْتِيَ اللّهُ بِأَمْرِهِ) (التوبة : 24 ).ثم فسقهم بتمام الآية ، وأعلمهم أنهم ممن ضل ولم يهده الله ...
(قُلْ إِنْ كَانَ آَبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ( (التوبة 24)
( قلت : قال ابن كثير في تفسير هذه الآية :(1/89)
أمر تعالى رسوله أن يتوعد من آثر أهله وقرابته وعشيرته على الله ورسوله وجهاد في سبيله فقال: {قل إن كان آباؤكم وأبناؤكم وإخوانكم وأزواجكم وعشيرتكم وأموال اقترفتموها} أي اكتسبتموها وحصلتموها {وتجارة تخشون كسادها ومساكن ترضونها} أي تحبونها لطيبها وحسنها, أي إن كانت هذه الأشياء {أحب إليكم من الله ورسوله وجهاد في سبيله فتربصوا} أي فانتظروا ماذا يحل بكم من عقابه ونكاله بكم ولهذا قال {حتى يأتي الله بأمره والله لا يهدي القوم الفاسقين}.
وقال الإمام أحمد: حدثنا قتيبة بن سعيد حدثنا ابن لهيعة عن زهرة بن معبد عن جده قال: كنا مع رسول الله ( وهو آخذ بيد عمر بن الخطاب فقال: والله يا رسول الله لأنت أحب إلي من كل شيء إلا من نفسي, فقال رسول الله ( : "لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من نفسه" فقال عمر فأنت الاَن والله أحب إليّ من نفسي, فقال رسول الله ( "الاَن يا عمر" انفرد بإخراجه البخاري فرواه عن يحيى بن سليمان عن ابن وهب عن حيوة بن شريح عن أبي عقيل زهرة بن معبد أنه سمع جده عبد الله بن هشام عن النبي ( بهذا, وقد ثبت في الصحيح عنه ( أنه قال "والذي نفسي بيده لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من والده وولده والناس أجمعين"
وروى الإمام أحمد وأبو داود واللفظ له من حديث أبي عبد الرحمن الخراساني عن عطاء الخراساني عن نافع عن ابن عمر قال: سمعت رسول الله ( يقول "إذا تبايعتم بالعينة وأخذتم بأذناب البقر ورضيتم بالزرع وتركتم الجهاد سلط الله عليكم ذلاً لا ينزعه حتى ترجعوا إلى دينكم"
وروى الإمام أحمد أيضاً عن يزيد بن هارون عن أبي جناب عن شهر بن حوشب أنه سمع عبد الله بن عمرو عن رسول الله ( بنحو ذلك, وهذا شاهد للذي قبله والله أعلم.
وقال الإمام السعدي(1/90)
"قل إن كان آباؤكم " ومثلهم الأمهات " وأبناؤكم وإخوانكم " في النسب والعشيرة " وأزواجكم وعشيرتكم " أي : قراباتكم عموما " وأموال اقترفتموها " أي : اكتسبتموها ، وتعبتم في تحصيلها . خصها بالذكر ، لأنها أرغب عند أهلها ، وصاحبها أشد حرصا عليها ، ممن تأتيه الأموال من غير تعب ولا كد . " وتجارة تخشون كسادها " أي : رخصها ونقصها ، وهذا شامل لجميع أنواع التجارات والمكاسب من عروض التجارات ، من الأثمان ، والأواني ، والأسلحة ، والأمتعة ، والحبوب ، والحروث ، والأنعام ، وغير ذلك . " ومساكن ترضونها " من حسنها وزخرفتها ، وموافقتها لأهوائكم ، فإن كانت هذه الأشياء " أحب إليكم من الله ورسوله وجهاد في سبيله " فأنتم فسقة ظلمة . " فتربصوا " أي : انتظروا ما يحل بكم من العقاب " حتى يأتي الله بأمره " الذي لا مرد له . " والله لا يهدي القوم الفاسقين " أي : الخارجين عن طاعة الله ، المقدمين على محبة الله ، شيئا من المذكورات .
وهذه الآية الكريمة ، أعظم دليل على وجوب محبة الله ورسوله ، وعلى تقديمها على محبة كل شيء ، وعلى الوعيد الشديد والمقت الأكيد ، على من كان شيء من المذكورات أحب إليه من الله ورسوله ، وجهاد في سبيله . وعلامة ذلك أنه إذا عرض عليه أمران ، أحدهما يحبه الله ورسوله ، وليس لنفسه فيها هوى ، والآخر تحبه نفسه وتشتهيه ، ولكنه يفوت عليه محبوبا لله ورسوله ، أو ينقصه ، فإنه إن قدم ما تهواه نفسه ، على ما يحبه الله ، دل على أنه ظالم ، تارك لما يجب عليه .(1/91)
-حدثنا أبو علي الغساني الحافظ فيما أجازنيه ، وهو مما قرأته على غير واحد ، قال : حدثنا سراج بن عبد الله القاضي ، حدثنا أبو محمد الأصيلي تعالى حدثنا المروزي ، حدثنا أبو عبد الله محمد بن يوسف ، حدثنا محمد بن إسماعيل ، حدثنا يعقوب بن أبراهيم ، حدثنا ابن علية ، عن عبد العزيز بن صهيب ، عن أنس رضي الله عنه ـ أن رسول الله أن رسول الله ( قال : لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من ولده ووالده والناس أجمعين .... وعن أبي هريرة نحوه .
( قلت : رواه البخاري في كتاب الإيمان -باب: من الإيمان أن يحب لأخيه ما يحب لنفسه.
*حدثنا أبو اليمان قال: أخبرنا شعيب قال: حدثنا أبو الزناد، عن الأعرج، عن أبي هريرة رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (فوالذي نفسي بيده، لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من والده وولده).
* حدثنا يعقوب بن إبراهيم قال: حدثنا ابن علية، عن عبد العزيز بن صهيب، عن أنس، عن النبي صلى الله عليه وسلم (ح). وحدثنا آدم قال: حدثنا شعبة، عن قتادة، عن أنس قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: (لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من والده وولده والناس أجمعين).
وحديث أنس هذا أخرجه مسلم ، في كتاب الإيمان باب وجوب محبة رسول الله صلى الله عليه وسلم أكثر من الأهل والولد والوالد والناس أجمعين. ولإطلاق عدم الإيمان على من لم يحبه هذه
وعن أنس ، عنه ( : ثلاث من كن فيه وجد حلاوة الإيمان : أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما . أن يحب المرء لا يحبه إلا لله ، وأن يكره أن يعود في الكفر كما يكره أن يقذف في النار .
( قلت : رواه البخاري في كتاب الإيمان.
1- باب: حلاوة الإيمان.(1/92)
* حدثنا محمد بن المثنى قال: حدثنا عبد الوهاب الثقفي قال: حدثنا أيوب، عن أبي قلابة، عن أنس، عن النبي ( قال: (ثلاث من كن فيه وجد حلاوة الإيمان: أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما، وأن يحب المرء لا يحبه إلا لله، وأن يكره أن يعود في الكفر كما يكره أن يقذف في النار).
2- باب: من كره أن يعود في الكفر كما يكره أن يلقى في النار من الإيمان.
* حدثنا سليمان بن حرب قال: حدثنا شعبة، عن قتادة، عن أنس رضي الله عنه، عن النبي ( قال: (ثلاث من كن فيه وجد حلاوة الإيمان: من كان الله ورسوله أحب إليه مما سواهما، ومن أحب عبدا لا يحبه إلا لله، ومن يكره أن يعود في الكفر، بعد إذ أنقذه الله، كما يكره أن يلقى في النار).
وفي كتاب الأدب - باب: الحب في الله.
* حدثنا آدم: حدثنا شُعبة، عن قتادة، عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال النبي ( : (لا يجد أحد حلاوة الإيمان حتى يحب المرء لا يحبه إلا لله، وحتى أن يقذف في النار أحب إليه من أن يرجع إلى الكفر بعد إذ أنقذه الله، وحتى يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما).
وفي كتاب الإكراه.باب: من اختار الضرب والقتل والهوان على الكفر.
* حدثنا محمد بن عبد الله بن حوشب الطائفي: حدثنا عبد الوهاب: حدثنا أيوب، عن أبي قلابة، عن أنس رضي الله عنه قال:
قال رسول الله ( : (ثلاث من كنَّ فيه وجد حلاوة الإيمان: أن يكون الله ورسوله أحبَّ إليه مما سواهما، وأن يحب المرء لا يحبه إلا لله، وأن يكره أن يعود في الكفر كما يكره أن يقذف في النار).
وأخرجه مسلم في كتاب الإيمان- باب بيان خصال من اتصف بهن وجد حلاوة الإيمان(1/93)
* حدثنا إسحاق بن لإبراهيم، ومحمد بن يحيى بن أبي عمر، ومحمد بن بشار، جميعا عن الثقفي. قال ابن أبي عمر: حدثنا عبدالوهاب، عن أيوب، عن أبي قلابة، عن أنس ، عن النبي ( قال: " ثلاث من كن فيه وجد بهن حلاوة الإيمان. من كان الله ورسوله أحب إليه مما سواهما. وأن يحب المرء لا يحبه إلا لله. وأن يكره أن يعود في الكفر بعد أن أنقذه الله منه، كما يكره أن يقذف في النار".
* حدثنا محمد بن المثنى. وابن بشار. قالا: حدثنا محمد بن جعفر. حدثنا شعبة قال: سمعت قتادة يحدث عن أنس، قال: قال رسول الله ( : "ثلاث من كن فيه وجد طعم الإيمان. من كان يحب المرء لا يحب إلا لله. ومن كان الله ورسوله أحب إليه مما سواهما. ومن كان أن يلقى في النار أحب إليه من أن يرجع في الكفر بعد أن أنقذه الله منه".
* حدثنا لإسحاق بن منصور. أنبأنا النضر بن شميل. أنبأنا حماد، عن ثابت، عن أنس، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم بنحو حديثهم. غير أنه قال: "من أن يرجع يهوديا أو نصرانيا".
وعن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه قال للنبي ( : لأنت أحب إلي من كل شيء إلا نفسي التي بين جنبي .فقال النبي ( : لن يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من نفسه .
فقال عمر : والذي أنزل عليك الكتاب لأنت أحب إلي من نفسي التي بين جنبي .
فقال النبي صلى الله عليه و سلم : الآن يا عمر .
( قلت : مر هذا الحديث منذ قليل :رواه البخاري في كتاب الأيمان والنذور. باب: كيف كانت يمين النبي (
*حدثنا يحيى بن سليمان قال: حدثني ابن وهب قال: أخبرني حيوة قال: حدثني أبو عقيل، زهرة بن معبد: أنه سمع جده عبد الله بن هشام قال: كنا مع النبي ( ، وهو آخذ بيد عمر بن الخطاب، فقال له عمر: يا رسول الله، لأنت أحب إلي من كل شيء إلا من نفسي، فقال النبي (: (لا، والذي نفسي بيده، حتى أكون أحب إليك من نفسك).فقال له عمر: فإنه الآن، والله، لأنت أحب إلي من نفسي، فقال النبي (: (الآن يا عمر).(1/94)
وأخرجه عبد الله بن الإمام أحمد في مسند أبيه ، قال :
حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا قتيبة بن سعيد ثنا بن لهيعة عن زهرة بن معبد عن جده قال : كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم وهو آخذ بيد عمر بن الخطاب رضي الله عنه فقال: والله لأنت يا رسول الله أحب الي من كل شيء الا نفسي فقال النبي صلى الله عليه وسلم لا يؤمن أحدكم حتى أكون عنده أحب إليه من نفسه فقال عمر فلأنت الآن والله أحب الي من نفسي فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم الآن يا عمر ...
قال سهل : من لم ير ولاية الرسول عليه في جميع الأحوال ، ويرى نفسه في ملكه ( لا يذوق حلاوة سنته ، لأن النبي ( قال: لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من نفسه .
الفصل الثاني
في ثواب محبته (
قال القاضي أبو الفضل رحمه الله : حدثنا أبو محمد بن عتاب بقراءتي عليه ، حدثنا أبو القاسم حاتم بن محمد ، حدثنا أبو الحسن علي بن خلف ، حدثنا أبو زيد المروزي ، حدثنا محمد بن يوسف ، حدثنا محمد بن إسماعيل ، حدثنا عبد الله ، حدثنا أبي ، حدثنا شعبة ، عن عمرو بن مرة ، عن سالم بن أبي الجعد ، عن أنس رضي الله عنه -أن رجلاً أتى النبي ( فقال : متى الساعة يا رسول الله ؟ قال : ما أعددت لها ؟ قال : ما أعددت لها من كثير صلاة ولا صوم ولا صدقة ، ولكني أحب الله و رسوله . قال : أنت مع من أحببت .
(قلت : رواه البخاري
1-في كتاب الأدب -باب: ما جاء في قول الرجل: ويلك.
* حدثنا عمرو بن عاصم: حدثنا همَّام، عن قتادة، عن أنس: أن رجلاً من أهل البادية أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، متى الساعة قائمة؟ قال: (ويلك، وما أعددت لها). قال: ما أعددت لها إلا أني أحب الله ورسوله، قال: (إنك مع من أحببت). فقلنا: ونحن كذلك؟ قال: (نعم). ففرحنا يومئذ فرحاً شديداً، فمر غلام للمغيرة وكان من أقراني، فقال: (إن أخر هذا، فلن يدركه الهرم حتى تقوم الساعة).(1/95)
واختصره شُعبة، عن قتادة: سمعت أنساً، عن النبي صلى الله عليه وسلم.
2-وفي باب: علامة الحب في الله عز وجل.
لقوله: {إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله} /آل عمران:31/.
*حدثنا بشر بن خالد: حدثنا محمد بن جعفر، عن شُعبة، عن سليمان، عن أبي وائل، عن عبد الله، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (المرء مع من أحب).
* حدثنا قتيبة بن سعيد: حدثنا جرير، عن الأعمش، عن أبي وائل قال: قال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، كيف تقول في رجل أحب قوماً ولم يلحق بهم؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (المرء مع من أحب).تابعه جرير بن حازم، وسليمان بن قرم، وأبو عوانة، عن الأعمش، عن أبي وائل عن عبد الله، عن النبي صلى الله عليه وسلم.
* حدثنا أبو نعيم: حدثنا سفيان، عن الأعمش، عن أبي وائل، عن أبي موسى قال: قيل للنبي صلى الله عليه وسلم: الرجل يحب القوم ولما يلحق بهم؟ قال: (المرء مع من أحب). تابعه أبو معاوية، ومحمد بن عبيد.
* حدثنا عبدان: أخبرنا أبي، عن شُعبة، عن عمرو بن مرة، عن سالم بن أبي الجعد، عن أنس بن مالك: أن رجلاً سأل النبي صلى الله عليه وسلم: متى الساعة يا رسول الله؟ قال: (ما أعددت لها). قال: ما أعددت لها من كثير صلاة ولا صوم ولا صدقة، ولكني أحب الله ورسوله، قال: (أنت مع من أحببت).
كما أخرجه مسلم في كتاب البر والصلة والآداب- باب المرء مع من أحب
* حدثنا عبدالله بن مسلمة بن قعنب. حدثنا مالك عن إسحاق بن عبدالله بن أبي طلحة، عن أنس بن مالك؛ أن أعرابيا قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم: متى الساعة؟ قال له رسول الله ( "ما أعددت لها؟" قال: حب الله ورسوله. قال "أنت مع من أحببت".(1/96)
*حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة وعمرو الناقد وزهير بن حرب ومحمد بن عبدالله ابن نمير وابن أبي عمر (واللفظ لزهير). قالوا: حدثنا سفيان عن الزهري، عن أنس، قال: قال رجل: يا رسول الله! متى الساعة؟ قال "وما أعددت لها؟" فلم يذكر كبيرا. قال: ولكني أحب الله ورسوله. قال "فأنت مع من أحببت".
* حدثنيه محمد بن رافع وعبد بن حميد (قال عبد: أخبرنا. وقال ابن رافع: حدثنا) عبدالرزاق. أخبرنا معمر عن الزهري. حدثني أنس بن مالك؛ أن رجلا من الأعراب أتى رسول الله ( . بمثله. غير أنه قال: ما أعددت لها من كثير أحمد عليه نفسي.
* حدثني أبو الربيع العتكي. حدثنا حماد (يعني ابن زيد). حدثنا ثابت البناني عن أنس بن مالك. قال: جاء رجل إلى رسول الله ( فقال: يا رسول الله! متى الساعة؟ قال "وما أعددت لها؟" قال: حب الله ورسوله. قال "فإنك مع من أحببت".قال أنس: فما فرحنا بعد الإسلام، فرحا أشد من قول النبي ("فإنك مع من أحببت".قال أنس: فأنا أحب الله ورسوله. وأبا بكر وعمر. فأرجو أن أكون معهم. وإن لم أعمل بأعمالهم.
* حدثناه محمد بن عبيد الغبري. حدثنا جعفر بن سليمان. حدثنا ثابت البناني عن أنس بن مالك، عن النبي ( ولم يذكر قول أنس: فأنا أحب. وما بعده.
* حدثنا عثمان بن أبي شيبة وإسحاق بن إبراهيم (قال إسحاق: أخبرنا. وقال عثمان: حدثنا) جرير عن منصور، عن سالم بن أبي الجعد. حدثنا أنس بن مالك قال: بينما أنا ورسول الله ( خارجين من المسجد. فلقينا رجلا عند سدة المسجد. فقال: يا رسول الله! متى الساعة؟ قال رسول الله ( "ما أعددت لها؟" قال فكأن الرجل استكان. ثم قال: يا رسول الله! ما أعددت لها كبير صلاة ولا صيام ولا صدقة. ولكني أحب الله ورسوله. قال "فأنت مع من أحببت".(1/97)
* حدثنا عثمان بن أبي شيبة وإسحاق بن إبراهيم (قال إسحاق: أخبرنا. وقال عثمان: حدثنا) جرير عن الأعمش، عن أبي وائل، عن عبدالله قال: جاء رجل إلى رسول الله ( فقال: يا رسول الله! كيف ترى في رجل أحب قوما ولما يلحق بهم؟ قال رسول الله ("المرء مع من أحب".
-وعن صفوان بن قدامة : هاجرت إلى النبي ( فأتيته ، فقلت : يا رسول الله ، ناولني يدك أبايعك . فناولني يده ، فقلت يا رسول الله ، إني أحبك . قال : المرء مع من أحب .
-وروى هذا اللفظ عن النبي ( عبد الله بن مسعود تعالى و أبو موسى ، و أنس ، وعن أبي ذر بمعناه
وعن علي أن النبي ( أخذ بيد حسن وحسين ، فقال : من أحبني وأحب هذين وأباهما وأمهما كان معي في درجتي يوم القيامة .
( قلت : رواه الترمذي في سننه ، قال :
*حدثنا نصر بن علي الجهضمي حدثنا علي بن جعفر بن محمد بن علي أخبرني أخي موسى بن جعفر بن محمد عن أبيه جعفر بن محمد عن أبيه محمد بن علي عن أبيه علي بن الحسين عن أبيه عن جده علي بن أبي طالب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أخذ بيد حسن وحسين فقال : من أحبني وأحب هذين وأباهما وأمهما كان معي في درجتي يوم القيامة قال أبو عيسى هذا حديث حسن غريب لا نعرفه من حديث جعفر بن محمد إلا من هذا الوجه .
وأخرجه السيوطي في الجامع الصغير وعزاه إلى أحمد والترمذي عن علي. من أحبني وأحب هذين وأباهما وأمهما كان معي في درجتي في الجنة يوم القيامة . ... (وضعفه الألباني)(1/98)
قال القاضي أبو الفضل رحمه الله : وروي أن رجلاً أتى النبي ( فقال : يا رسول الله ، لأنت أحب إلي من أهلي ومالي ، وإني لأذكرك فما أصبرحتى أجيء فأنظر إليك ، وإني ذكرت موتي وموتك تعالى فعرفت أنك إذا دخلت الجنة رفعت مع النبيين وإن دخلتها لا أراك . فأنزل الله تعالى : ((وَمَن يُطِعِ اللّهَ وَالرَّسُولَ فَأُوْلَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللّهُ عَلَيْهِم مِّنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاء وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقاً) (النساء : 69 ) فدعا به، فقرأها عليه .
( قلت : قال القرطبي في تفسير هذه الآية :
الآية: 69 - (ومن يطع الله والرسول فأولئك مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا((1/99)
قوله تعالى: "ومن يطع الله والرسول" لما ذكر تعالى الأمر الذي لو فعله المنافقون حين وعظوا به وأنابوا إليه لأنعم عليهم، ذكر بعد ذلك ثواب من يفعله. وهذه الآية تفسير قوله تعالى: "اهدنا الصراط المستقيم صراط الذين أنعمت عليهم "[الفاتحة:6 - 7] وهي المراد في قوله عليه السلام عند موته (اللهم الرفيق الأعلى ). وفي البخاري عن عائشة قالت: سمعت رسول الله ( يقول: (ما من نبي يمرض إلا خير بين الدنيا والآخرة ) كان في شكواه الذي مرض فيه أخذته بحة شديدة فسمعته يقول: (مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين ) فعلمت أنه خير. وقالت طائفة: إنما نزلت هذه الآية لما قال عبدالله بن زيد بن عبدربه الأنصاري - الذي أري الأذان - : يا رسول الله، إذا مت ومتنا كنت في عليين لا نراك ولا نجتمع بك؛ وذكر حزنه على ذلك فنزلت هذه الآية. وذكر مكي عن عبدالله هذا وأنه لما مات النبي ( قال : اللهم أعمني حتى لا أري شيئا بعده فعمي مكانه. وحكاه القشري فقال: اللهم أعمني فلا أرى شيئا بعد حبيبي حتى ألقى حبيبي؛ فعمي مكانه. وحكى الثعلبي: أنها نزلت في ثوبان مولى رسول الله ( ، وكان شديد الحب له قليل الصبر عنه، فأتاه ذات يوم وقد تغير لونه ونحل جسمه، يعرف في وجهه الحزن؛ فقال له: (يا ثوبان ما غير لونك ) فقال: يا رسول الله ما بي ضر ولا وجع، غير أني إذا لم أرك اشتقت إليك واستوحشت وحشة شديدة حتى ألقاك، ثم ذكرت الآخرة وأخاف ألا أراك هناك؛ لأني عرفت أنك ترفع مع النبيين وأني إن دخلت الجنة كنت في منزلة هي أدنى من منزلتك، وإن لم أدخل فذلك حين لا أراك أبدا؛ فأنزل الله تعالى هذه الآية. ذكره الواحدي عن الكلبي. وأسند عن مسروق قال: قال أصحاب رسول الله ( : ما ينبغي لنا أن نفارقك في الدنيا، فإنك إذا فارقتنا رفعت فوقنا؛ فأنزل الله تعالى: "ومن يطع الله والرسول فأولئك مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين". وفي طاعة الله طاعة(1/100)
رسوله ولكنه ذكره تشريفا لقدره وتنويها باسمه ( وعلى آله. "فأولئك مع الذين أنعم الله عليهم" أي هم معهم في دار واحدة ونعيم واحد يستمتعون برؤيتهم والحضور معهم، لا أنهم يساوونهم في الدرجة؛ فإنهم يتفاوتون لكنهم يتزاورون للاتباع في الدنيا والاقتداء. وكل من فيها قد رزق الرضا بحاله، وقد ذهب عنه اعتقاد أنه مفضول. قال الله تعالى: "ونزعنا ما في صدورهم من غل "[الأعراف: 43]. والصديق فعيل، المبالغ في الصدق أو في التصديق، والصديق هو الذي يحقق بفعله ما يقول بلسانه. وقيل: هم فضلاء أتباع الأنبياء الذين يسبقونهم إلى التصديق كأبي بكر الصديق... والمراد هنا بالشهداء عمر وعثمان وعلي، والصالحين سائر الصحابة رضي الله عنهم أجمعين. وقيل "الشهداء" القتلى في سبيل الله. "والصالحين" صالحي أمة محمد رسول الله ( ...قلت: واللفظ يعم كل صالح وشهيد، والله أعلم. والرفق لين الجانب. وسمي الصاحب رفيقا لارتفاقك بصحبته ؛ ومنه الرفقة لارتفاق بعضهم ببعض. ويجوز "وحسن أولئك رفقاء". قال الأخفش: "رفيقا "منصوب على الحال وهو بمعنى رفقاء؛ وقال: انتصب على التمييز فوحد لذلك؛ فكأن المعنى وحسن كل واحد منهم رفيقا. كما قال تعالى: "ثم نخرجكم طفلا "[الحج: 5] أي نخرج كل واحد منكم طفلا. وقال تعالى: "ينظرون من طرف خفي "[الشورى:45] وينظر معنى هذه الآية قوله ( (خير الرفقاء أربعة) ولم يذكر الله تعالى هنا إلا أربعة فتأمله.
في هذه الآية دليل على خلافة أبي بكر رضي الله عنه؛ وذلك أن الله تعالى لما ذكر مراتب أوليائه في كتابه بدأ بالأعلى منهم وهم النبيون، ثم ثنى بالصديقين ولم يجعل بينهما واسطة. وأجمع المسلمون على تسمية أبى بكر الصديق رضي الله عنه صديقا، كما أجمعوا على تسمية محمد عليه السلام رسولا، وإذا ثبت هذا وصح أنه الصديق وأنه ثاني رسول الله ( لم يجز أن يتقدم بعده أحد. والله أعلم.(1/101)
قال القاضي أبو الفضل رحمه الله : وفي حديث آخر : كان رجل عند النبي ( ينظر إليه لا يطرف ، فقال ما بالك ؟ قال : بأبي وأمي ! أتمتع من النظر إليك ، فإذا كان يوم القيامة رفعك الله بتفضيله ، فأنزل الله الآية .
وفي حديث أنس رضي الله عنه : من أحبني كان معي في الجنة .
( قلت : رواه الترمذي في سننه ، قال:
حدثنا مسلم بن حاتم الأنصاري البصري حدثنا محمد بن عبد الله الأنصاري عن أبيه عن علي بن زيد عن سعيد بن المسيب قال ، قال أنس بن مالك : قال لي رسول الله ( : يا بني إن قدرت أن تصبح وتمسي ليس في قلبك غش لأحد فافعل ثم قال لي يا بني وذلك من سنتي ومن أحيا سنتي فقد أحبني ومن أحبني كان معي في الجنة ...
قال أبو عيسى هذا حديث حسن غريب من هذا الوجه
الفصل الثالث
فيما روي عن السلف والأئمة من محبتهم للنبي (وشوقهم له
قال القاضي أبو الفضل رحمه الله :*حدثنا القاضي الشهيد ، حدثنا الرازي ، حدثنا الجلودي ، حدثنا ابن سفيان ، حدثنا مسلم ، حدثنا قتيبة ، حدثنا يعقوب بن عبد الرحمن ، عن سهيل ، عن أبيه عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله ( قال : من أشد أمتي لي حباً يكونون بعدي ، يود أحدهم لو رآني بأهله وماله . ومثله عن أبي ذر ...
( قلت :كتاب الجنة، وصفة نعيمها وأهلها باب فيمن يود رؤية النبي (، بأهله وماله
* حدثنا قتيبة بن سعيد. حدثنا يعقوب (يعني ابن عبدالرحمن) عن سهيل، عن أبيه، عن أبي هريرة؛ أن رسول الله ( قال "من أشد أمتي لي حبا، ناس يكونون بعدي، يود أحدهم لو رآني، بأهله وماله".
-وقد تقدم حديث عمر رضي الله عنه ، و قوله للنبي (: لأنت أحب إلى من نفسي . وما تقدم عن الصحابة في مثله .
-وعن عمرو بن العاص رضي الله عنه : ما كان أحد أحب إلي من رسول الله ((1/102)
-وعن عبدة بنت خالد بن معدان ، قالت : ما كان خالد يأوي إلى فراش إلا وهو يذكر من شوقه إلى رسول ( وإلى أصحابه من المهاجرين والأنصار يسميهم ويقول : هم أصلي وفصلي ، وإليهم يحن قلبي ، طال شوقي ، فعَجِّل رب قبضي إليك حتى يغلبه النوم .
-وروي عن أبي بكر رضي الله عنه أنه قال للنبي (: والذي بعثك بالحق لإسلام أبي طالب كان أقر لعيني من إسلامه -يعني أباه أبا قحافة ، وذلك أن إسلام أبي طالب كان أقر لعينك .
-ونحوه عن عمر بن الخطاب ، قاله للعباس رضي الله عنه : أن تسلم أحب إلي من أن يسلم الخطاب ، لأن ذلك أحب إلى رسول الله ( .
وعن ابن إسحاق ان امرأة من الأنصار قتل أبوها وأخوها وزوجها يوم أحد مع رسول الله ( ، فقالت : ما فعل رسول الله ( ؟ قالوا : خيراً ، هو بحمد الله كما تحبين . قالت : أرونيه حتى أنظر إليه . فلما رأته قالت : كل مصيبة بعدك جلل .
-وسئل علي بن أبي طالب رضي الله عنه : كيف كان حبكم رسول الله ( قال : كان والله أحب إلينا من اموالنا وأولادنا و آبائنا وأمهاتنا ، ومن الماء البارد على الظمأ .
-وعن زيد بن أسلم : خرج عمر رضي الله عنه ليلة يحرس الناس ، فرأى مصباحاً في بيت ، وإذا عجوز تنفش صوفاً ، و تقول :
على محمد صلاة الأبرارْ صلى عليه الطيبون الأخيارْ
قد كنت قواماً بُكاً بالأسحارْ يا ليت شعري والمنايا أطوارْ
هل تجمعني وحبيبي الدارْ
تعني النبي (. فجلس عمر رضي الله عنه يبكي ، و في الحكاية طول .
-وروي أن عبد الله بن عمر خدرت رجله فقيل له : اذكر أحب الناس إليك يزل عنك . فصاح : يا محمداه ! فانتشرت .
-ولما احتضر بلال رضي الله عنه نادت امرأته : واحزاناه ! فقال : واطرباه ! غداً ألقى الأحبهْ . محمداً وحزبهْ .
ومثله عن حذيفة بن اليمان رضي الله عنهما .
-ويروى أن امرأة قالت لعائشة رضي الله عنها : اكشفي لي قبر رسول الله ( ، فكشفته لها فبكت حتى ماتت .(1/103)
ولما أخرج أهل مكة زيد بن الدثنة من الحرم ليقتلوه قال ابو سفيان ابن حرب : أنشدك الله يا زيد ، أتحب أن محمداً الآن عندنا مكانك يضرب عنقه ، وإنك في أهلك ؟ فقال زيد : والله ما أحب أن محمداً الآن في مكانه الذي هو فيه تصيبه شوكة وإني جالس في أهلي . فقال أبو سفيان : ما رأيت من الناس أحداً يحب أحداً كحب أصحاب محمد محمداً ! .
-وعن ابن عباس : كانت المرأة إذا أتت النبي ( حلفها بالله : ما خرجت من بغض زوج ولا رغبة بأرض عن ارض ، وما خرجت إلا حباً لله ورسوله .
-ووقف ابن عمر على ابن الزبير رضي الله عنهما بعد قتله فاستغفر له ، وقال : كنت والله ما علمت صواماً قواماً تحب الله ور سوله .
الفصل الرابع
في علامة محبته (
اعلم أن من أحب شيئاً آثره وآثر موافقته ، وإلا لم يكن صادقاً في حبه ، وكان مدعياً . فالصادق في حب النبي ( من تظهر علامة ذلك عليه ، وأولها الاقتداء به ، واستعمال سنته ، واتباع أقواله وأفعاله ، واجتناب نواهيه ، والتأدب بآدابه في عسره ويسره ، ومنشطه ومكرهه ، وشاهد هذا قوله تعالى (قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ) (آل عمران : 31 ).
وإيثار ما شرعه وحض عليه على هوى نفسه وموافقة شهوته ، قال الله تعالى : (وَالَّذِينَ تَبَوَّؤُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِن قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِّمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) (الحشر : 9 ).
و إسخاط العباد في رضا الله تعالى .
وقفة مع الحافظ ابن كثير ثم مع الإمام السعدي في تفسير الآيتين(1/104)
1- مع ابن كثير في تفسير قوله تعالى : (قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبّونَ اللّهَ فَاتّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللّهُ غَفُورٌ رّحِيمٌ * قُلْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَالرّسُولَ فإِن تَوَلّوْاْ فَإِنّ اللّهَ لاَ يُحِبّ الْكَافِرِينَ (
هذه الاَية الكريمة حاكمة على كل من ادعى محبة الله وليس هو على الطريقة المحمدية فإنه كاذب في دعواه في نفس الأمر حتى يتبع الشرع المحمدي, والدين النبوي في جميع أقواله وأفعاله وأحواله, كما ثبت في الصحيح عن رسول الله ( , أنه قال "من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد" ولهذا قال: {قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله} أي يحصل لكم فوق ما طلبتم من محبتكم إياه وهو محبته إياكم, وهو أعظم من الأول, كما قال بعض العلماء الحكماء: ليس الشأن أن تحب, إنما الشأن أن تَحب. وقال الحسن البصري وغيره من السلف: زعم قوم أنهم يحبون الله, فابتلاهم الله بهذه الاَية, فقال {قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله} وقد قال ابن أبي حاتم: حدثنا أبي, حدثنا علي بن محمد الطنافسي, حدثنا عبيد الله بن موسىَ عن عبد الأعلى بن أعين, عن يحيى بن أبي كثير, عن عروة, عن عائشة رضي الله عنها, قالت: قال رسول الله ( "وهل الدين إلا الحب والبغض" قال الله تعالى: {قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني} قال أبو زرعة عبد الأعلى هذا منكر الحديث.(1/105)
ثم قال تعالى: {ويغفر لكم ذنوبكم, والله غفور رحيم} أي باتباعكم الرسول ( , يحصل لكم هذا كله من بركة سفارته, ثم قال تعالى آمراً لكل أحد من خاص وعام {قل أطيعوا الله والرسول فإن تولوا} أي خالفوا عن أمره {فإن الله لا يحب الكافرين} فدل على أن مخالفته في الطريقة كفر, والله لا يحب من اتصف بذلك, وإن ادعى وزعم في نفسه أنه محب لله ويتقرب إليه حتى يتابع الرسول النبي الأمي خاتم الرسل ورسول الله إلى جميع الثقلين: الجن والإنس, الذي لو كان الأنبياء بل المرسلون بل أولو العزم منهم في زمانه ما وسعهم إلا اتباعه, والدخول في طاعته, واتباع شريعته, كما سيأتي تقريره عند قوله تعالى:(وإذ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ لَمَا آَتَيْتُكُمْ مِنْ كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّهُ قَالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَى ذَلِكُمْ إِصْرِي قَالُوا أَقْرَرْنَا قَالَ فَاشْهَدُوا وَأَنَا مَعَكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ * فَمَنْ تَوَلَّى بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ ( (آل عمران : 81 - 82), إن شاء الله تعالى.(1/106)
- قال : يخبر تعالى أنه أخذ ميثاق كل نبي بعثه من لدن آدم عليه السلام إلى عيسى عليه السلام لمهما آتى الله أحدهم من كتاب وحكمة, وبلغ أي مبلغ, ثم جاءه رسول من بعده ليؤمنن به ولينصرنه, ولا يمنعه ما هو فيه من العلم والنبوة من اتباع من بعث بعده ونصرته ولهذا قال تعالى وتقدس {وإذ أخذ الله ميثاق النبيين لما آتيتكم من كتاب وحكمة} أي لمهما أعطيتكم من كتاب وحكمة {ثم جاءكم رسول مصدق لما معكم لتؤمنن به ولتنصرنه قال أأقررتم وأخذتم على ذلكم إصري} وقال ابن عباس ومجاهد والربيع بن أنس وقتادة والسدي يعني عهدي وقال محمد بن إسحاق (إصري) أي ثقل ما حملتم من عهدي أي ميثاقي الشديد المؤكد {قالوا أقررنا قال فاشهدوا وأنا معكم من الشاهدين فمن تولى بعد ذلك} أي عن هذا العهد والميثاق {فأولئك هم الفاسقون}, قال علي بن أبي طالب وابن عمه ابن عباس رضي الله عنهما: ما بعث الله نبياً من الأنبياء إلا أخذ عليه الميثاق, لئن بعث الله محمداً وهو حي ليؤمنن به وينصرنه, وأمره أن يأخذ الميثاق على أمته لئن بعث محمد وهم أحياء ليؤمنن به ولينصرنه, وقال طاوس والحسن البصري وقتادة: أخذ الله ميثاق النبيين أن يصدق بعضهم بعضاً, وهذا لا يضاد ما قاله علي وابن عباس ولا ينفيه, بل يستلزمه ويقتضيه, ولهذا روى عبد الرزاق عن معمر, عن ابن طاوس, عن أبيه, مثل قول علي وابن عباس, وقد قال الإمام أحمد: حدثنا عبد الرزاق, أنبأنا سفيان, عن جابر, عن الشعبي, عن عبد الله بن ثابت قال: جاء عمر إلى النبي (, فقال: يا رسول الله, إني مررت بأخ لي يهودي من قريظة, فكتب لي جوامع من التوراة ألا أعرضها عليك ؟ قال, فتغير وجه رسول ( قال عبد الله بن ثابت, قلت له: ألا ترى ما بوجه رسول الله (؟ فقال عمر: رضينا بالله رباً, بالإسلام ديناً, وبمحمد رسولاً, قال: فسري عن النبي (وقال "والذي نفسي بيده لو أصبح فيكم موسى عليه السلام, ثم اتبعتموه وتركتموني لضللتم, إنكم حظي من الأمم(1/107)
وأنا حظكم من النبيين".
(حديث آخر) قال الحافظ أبو بكر: حدثنا إسحاق حدثنا حماد عن مجالد عن الشعبي عن جابر قال: قال رسول الله ( "لا تسألوا أهل الكتاب عن شيء فإنهم لن يهدوكم وقد ضلوا, وإنكم إما أن تصدقوا بباطل وإما أن تكذبوا بحق, وإنه والله لو كان موسى حياً بين أظهركم ما حل له إلا أن يتبعني". وفي بعض الأحاديث "لو كان موسى وعيسى حيين لما وسعهما إلا اتباعي" فالرسول محمد خاتم الأنبياء صلوات الله وسلامه عليه دائماً إلى يوم الدين, هو الإمام الأعظم الذي لو وجد في أي عصر وجد, لكان هو الواجب طاعته المقدم على الأنبياء كلهم, ولهذا كان إمامهم ليلة الإسراء لما اجتمعوا ببيت المقدس, وكذلك هو الشفيع في المحشر في إتيان الرب جل جلاله لفصل القضاء بين عباده, وهو المقام المحمود الذي لا يليق إلا له, والذي يحيد عنه أولو العزم من الأنبياء والمرسلين حتى تنتهي النوبة إليه فيكون هو المخصوص به صلوات الله وسلامه عليه.
2- مع الإمام السعدي في تفسير قوله تعالى :( وَالَّذِينَ تَبَوَّؤُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِن قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِّمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ وَالَّذِينَ جَاؤُوا مِن بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلّاً لِّلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ((1/108)
ذكر تعالى ، الحكمة والسبب الموجب لجعله تعالى أموال الفيء ، لمن قدرها له ، وأنهم حقيقون بالإعانة ، مستحقون لأن تجعل لهم ، وأنهم ما بين مهاجرين قد هجروا المحبوبات والمألوفات ، من الديار والأوطان ، والأحباب والخلان ، والأموال ، رغبة في الله ، ومحبة لرسول الله . فهؤلاء هم الصادقون الذين عملوا بمقتضى إيمانهم ، وصدقوا إيمانهم بأعمالهم الصالحة ، والعبادات الشاقة ، بخلاف من ادعى الإيمان ، وهو لم يصدقه بالجهاد والهجرة وغيرهما من العبادات ، وبين أنصارهم الأوس والخزرج الذين آمنوا بالله ورسوله طوعا ومحبة واختيارا وآووا رسول الله (، ومنعوه من الأحمر والأسود ، وتبوأوا دار الهجرة والإيمان حتى صارت موئلا ومرجعا يرجع إليه المؤمنون ، ويلجأ إليه المهاجرون ، ويسكن بحماه المسلمون إذ كانت البلدان كلها بلدان حرب وشرك وشر . فلم يزل أنصار الدين يأوون إلى الأنصار ، حتى انتشر الإسلام ، وقوي ، وجعل يزداد شيئا فشيئا ، حتى فتحوا القلوب بالعلم والإيمان والقرآن ، والبلدان بالسيف والسنان . الذين من جملة أوصافهم الجميلة أنهم " يحبون من هاجر إليهم " ، وهذا لمحبتهم لله ورسوله ، وأحبوا أحبابه ، أحبوا من نصر دينه . " ولا يجدون في صدورهم حاجة مما أوتوا " ، أي : لا يحسدون المهاجرين على ما آتاهم الله من فضله ، وخصهم به ، من الفضائل والمناقب ، التي هم أهلها ، وهذا يدل على سلامة صدورهم وانتفاء الغل والحقد والحسد عنها . ويدل ذلك على أن المهاجرين أفضل من الأنصار ، لأن الله قدمهم بالذكر ، وأخبر أن الأنصار لا يجدون في صدورهم حاجة مما أوتوا ، فدل على أن الله تعالى ، آتاهم ما لم يؤت الأنصار ولا غيرهم ، ولأنهم جمعوا بين النصرة والهجرة . وقوله : "ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة " ، أي : ومن أوصاف الأنصار التي فاقوا بها غيرهم ، وتميزوا بها عمن سواهم ، الإيثار ، وهو أكمل أنواع الجود ، وهو الإيثار بمحاب النفس ، من(1/109)
الأموال وغيرها ، وبذلها للغير مع الحاجة إليها ، بل مع الضرورة والخصاصة . وهذا لا يكون إلا من خلق زكي ، ومحبة لله تعالى ، مقدمة على شهوات النفس ولذاتها ، ومن ذلك قصة الأنصاري الذي نزلت الآية بسببه ، حين آثر ضيفه بطعامه ، وطعام أهله وأولاده ، وباتوا جياعا . والإيثار عكسه الأثرة ، فالإيثار محمود ، والأثرة مذمومة ، لأنها من خصال البخل والشح . ومن رزق الإيثار ، فقد وقي شح نفسه " ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون " ، ووقاية شح النفس ، يشمل وقايتها الشح ، في جميع ما أمر به ، فإنه إذا وقي العبد شح نفسه ، سمحت نفسه بأوامر الله ورسوله ، ففعلها طائعا منقادا ، منشرحا بها صدره ، وسمحت نفسه بترك ما نهى الله عنه ، وإن كان محبوبا للنفس ، تدعو إليه وتتطلع إليه . وسمحت نفسه ببذل الأموال في سبيل الله ، وابتغاء مرضاته ، وبذلك يحصل الفلاح والفوز . بخلاف من لم يوق شح نفسه ، بل ابتلي بالشح بالخير ، الذي هو أصل الشر ومادته . فهذان الصنفان الفاضلان الزكيان ، هم الصحابة الكرام ، والأئمة الأعلام ، الذين حازوا من السوابق والفضائل والمناقب ، ما سبقوا به من بعدهم ، وأدركوا به من قبلهم ، فصاروا أعيان المؤمنين ، وسادات المسلمين ، وقادات المتقين . وحسب من بعدهم من الفضل أن يسير خلفهم ، ويأتم بهداهم ،ولهذا ذكر الله من اللاحقين ، من هو مؤتم بهم ، فقال " والذين جاؤوا من بعدهم " أي : من بعد المهاجرين والأنصار " يقولون " على وجه النصح لأنفسهم ولسائر المؤمنين ، " ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان " . وهذا دعاء شامل لجميع المؤمنين ، من السابقين ، من الصحابة ، ومن قبلهم ومن بعدهم ، وهذا من فضائل الإيمان أن المؤمنين ينتفع بعضهم ببعض ، ويدعو بعضهم لبعض ، بسبب المشاركة في الإيمان ، المقتضي لعقد الأخوة بين المؤمنين التي من فروعها أن يدعو بعضهم لبعض ، وأن يحب بعضهم بعضا . ولهذا ذكر الله في هذا الدعاء ،(1/110)
نفي الغل عن القلب ، الشامل لقليله وكثيره ، الذي إذا انتفى ثبت ضده ، وهو : المحبة بين المؤمنين والموالاة والنصح ، ونحو ذلك مما هو من حقوق المؤمنين . فوصف الله من بعد الصحابة بالإيمان ، لأن قولهم : " سبقونا بالإيمان " دليل على المشاركة فيه ، وأنهم تابعون للصحابة في عقائد الإيمان وأصوله ، وهم أهل السنة والجماعة ، الذين لا يصدق هذا الوصف التام إلا عليهم . ووصفهم بالإقرار بالذنوب ، والاستغفار منها ، واستغفار بعضهم لبعض ، واجتهادهم في إزالة الغل والحقد لإخوانهم المؤمنين لأن دعاءهم بذلك ، مستلزم لما ذكرنا ، ومتضمن لمحبة بعضهم بعضا ، وأن يحب أحدهم لأخيه ما يحب لنفسه ، وأن ينصح له حاضرا وغائبا ، حيا وميتا . ودلت الآية الكريمة على أن هذا من جملة حقوق المؤمنين بعضهم لبعض . ثم ختموا دعاءهم بإسمين كريمين ، دالين على كمال رحمة الله ، وشدة رأفته وإحسانه بهم ، الذي من جملته ، بل أجله ، توفيقهم للقيام بحقوقه وحقوق عباده . فهؤلاء الأصناف الثلاثة هم أصناف هذه الأمة ، وهم المستحقون للفيء الذي مصرفه راجع إلى مصالح الإسلام . وهؤلاء أهله الذين هم أهله ، جعلنا الله منهم ، بمنه وكرمه .
قال القاضي أبو الفضل رحمه الله : حدثنا القاضي أبو علي الحافظ ، حدثنا أبو الحسن الصيرفي ، وأبو الفضل ابن خيرون ، قالا : حدثنا أبو يعلى البغدادي ، حدثنا محمد بن محبوب ، حدثنا أبو عيسى ، حدثنا مسلم بن حاتم ، حدثنا محمد بن عبد الله الأنصاري ، عن أبيه عن علي بن زيد ، عن سعيد بن المسيب ، قال : قال أنس بن مالك رضي الله عنه : قال لي رسول الله ( : يا بني ، إن قدرت أن تصبح وتمسي ليس في قلبك غش لأحد فافعل . ثم قال لي : يا بني ، و ذلك من سنتي ، ومن أحيا سنتي فقد أحبني ، و من أحبني كان معي في الجنة .(1/111)
( قلت : أخرجه الترمذي في سننه ،وقد مر منذ قليل ... ولفظه : قال لي رسول الله ( : يا بني إن قدرت أن تصبح وتمسي ليس في قلبك غش لأحد فافعل ثم قال لي يا بني وذلك من سنتي ومن أحيا سنتي فقد أحبني ومن أحبني كان معي في الجنة ...
فمن اتصف بهذه الصفة فهو كامل المحبة لله ورسوله ، و من خالفها في بعض هذه الأمور فهو ناقص المحبة ، ولا يخرج عن اسمها .
ودليله قوله ( للذي حده في الخمر فلعنه بعضهم ، وقال : ما أكثر ما يؤتى به !
فقال النبي ( : لا تلعنه ، فإنه يحب الله و رسوله .
( قلت : رواه البخاري في كتاب الحدود باب: ما يكره من لعن شارب الخمر، وأنه ليس بخارج من الملة.
*حدثنا يحيى بن بكير: حدثني الليث قال: حدثني خالد بن يزيد، عن سعيد ابن أبي هلال، عن زيد بن أسلم، عن أبيه، عن عمر بن الخطاب: أن رجلاً على عهد النبي ( ، كان اسمه عبد الله، وكان يلقب حماراً، وكان يضحك رسول الله ( ، وكان النبي ( قد جلده في الشراب، فأتي به يوما فأمر به فجلد، فقال رجل من القوم: اللهم العنه، ما أكثر ما يؤتى به؟ فقال النبي ( : (لا تلعنوه، فوالله ما علمت إلا أنه يحب الله ورسوله).
* حدثنا علي بن عبد الله بن جعفر: حدثنا أنس بن عياض: حدثنا ابن الهاد، عن محمد بن إبراهيم، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة قال: أتي النبي ( بسكران، فأمر بضربه، فمنا من يضربه بيده ومنا من يضربه بنعله ومنا من يضربه بثوبه، فلما انصرف قال رجل: ما له أخزاه الله، فقال رسول الله ( : (لا تكونوا عون الشيطان على أخيكم).
قال القاضي أبو الفضل رحمه الله : ومن علامات محبة النبي ( كثرة ذكره له ، فمن أحب شيئاً أكثر ذكره ...
-ومنها كثرة شوقه إلى لقائه ، فكل حبيب يحب لقاء حبيبه .
-وفي حديث الأشعريين عند قدومهم المدينة أنهم كانوا يرتجزون : غداً نلقى الأحبهْ. محمداً وصحبهْ .
وتقدم قول بلال .
-ومثله قال عمار قبل قتله . و ما ذكرناه من قصة خالد بن معدان .(1/112)
-ومن علاماته مع كثرة ذكره رسول الله تعظيمه له وتوفيره عند ذكره وإظهار الخشوع والإنكسار مع سماع إسمه .
قال إسحاق التجيبي : كان أصحاب النبي ( بعده لا يذكرونه إلا خشعوا واقشعرت جلودهم وبكوا .
وكذلك كثير من التابعين منهم من يفعل ذلك محبة له وشوقاً إليه ، ومنهم من يفعله تهيباً وتوقيراً .
ومنها محبته لمن أحب النبي ( ، ومن هو بسببه من آل بيته وصحابته من المهاجرين والأنصار ، وعداوة من عاداهم ، وبغض من أبغضهم وسبهم ، فمن أحب شيئاً أحب من يحبه .
-وقد قال النبي ( في الحسن والحسين : اللهم إني أحبُّهما فأحبَّهما .
( قلت : رواه الترمذي في سننه ، قال :
1 * حدثنا سفيان بن وكيع وعبد بن حميد قالا حدثنا خالد بن مخلد حدثنا موسى بن يعقوب الزمعي عن عبد الله بن أبي بكر بن زيد بن المهاجر أخبرني مسلم بن أبي سهل النبال أخبرني الحسن بن أسامة بن زيد أخبرني أبي أسامة بن زيد قالطرقت النبي صلى الله عليه وسلم ذات ليلة في بعض الحاجة فخرج النبي ( وهو مشتمل على شيء لا أدري ما هو فلما فرغت من حاجتي قلت ما هذا الذي أنت مشتمل عليه قال فكشفه فإذا حسن وحسين عليهما السلام عليهما السلام على وركيه فقال : هذان ابناي وابنا ابنتي اللهم إني أحبهما فأحبهما وأحب من يحبهما...
قال هذا حديث حسن غريب
2 * حدثنا محمود بن غيلان حدثنا أبو أسامة عن فضيل بن مرزوق عن عدي بن ثابت عن البراءأن النبي (أبصر حسنا وحسينا فقال : اللهم إني أحبهما فأحبهما...
قال أبو عيسى هذا حديث حسن صحيح
-وفي رواية -في الحسن : اللهم إني أحبُّه فأحبَّ من يحبُّه .
( قلت : رواه الشيخان ، وأحمد ، وابن ماجه ،والترمذي ، والحاكم ، والبسهقي ، ...ففي صحيح مسلم :
في كتاب فضائل الصحابة رضي الله تعالى عنهم - باب فضائل الحسن والحسين، رضي الله عنهما(1/113)
1* حدثني أحمد بن حنبل. حدثنا سفيان بن عيينة. حدثني عبيدالله بن أبي يزيد عن نافع بن جبير، عن أبي هريرة، عن النبي (؛ أنه قال لحسن "اللهم إني أحبه. فأحبه وأحبب من يحبه".
2* حدثنا ابن أبي عمر. حدثنا سفيان عن عبيدالله بن أبي يزيد، عن نافع بن جبير بن مطعم، عن أبي هريرة. قال: خرجت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في طائفة من النهار. لا يكلمني ولا أكلمه. حتى جاء سوق بني قينقاع. ثم انصرف. حتى أتى خباء فاطمة فقال "أثم لكع؟ أثم لكع؟" يعني حسنا. فظننا أنه إنما تحبسه أمه لأن تغسله وتلبسه سخابا. فلم يلبث أن جاء يسعى. حتى اعتنق كل واحد منهما صاحبه. فقال رسول الله ( "اللهم! إني أحبه. فأحبه وأحبب من يحبه".
3* حدثنا عبيدالله بن معاذ. حدثنا أبي. حدثنا شعبة عن عدي (وهو ابن ثابت). حدثنا البراء بن عازب قال: رأيت الحسن بن علي على عاتق النبي ( . وهو يقول "اللهم إني أحبه فأحبه".
4* حدثنا محمد بن بشار وأبو بكر بن نافع. قال ابن نافع: حدثنا غندر. حدثنا شعبة عن عدي (وهو ابن ثابت)، عن البراء، قال: رأيت رسول الله ( واضعا الحسن بن علي على عاتقه. وهو يقول: "اللهم إني أحبه فأحبه".
5* حدثني عبدالله بن الرومي، اليمامي وعباس بن عبدالعظيم العنبري. قالا: حدثنا النضر بن محمد. حدثنا عكرمة (وهو ابن عمار). حدثنا إياس عن أبيه. قال: لقد قدت بنبي الله ( والحسن والحسين، بغلته الشهباء. حتى أدخلتهم حجرة النبي (. هذا قدامه وهذا خلفه.
-وقال : من أحبهما فقد أحبني ، ومن أحبني فقد أحب الله ، ومن أبغضهما فقد أبغضني ، ومن أبغضني فقد أبغض الله .
( قلت: رواه الإمام أحمد
1*حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا أبو أحمد ثنا سفيان عن أبي الجحاف عن أبي حازم عن أبي هريرة قال قال رسول الله ( : من أحبهما فقد أحبني ومن أبغضهما فقد ابغضني يعنى حسنا وحسينا
- شعيب الأرنؤوط : إسناده قوي رجاله ثقات رجال الشيخين
- وذكره الألباني في السلسلة الصحيحة(1/114)
2*حدثنا عبد حدثني أبي ثنا بن نمير قال أنا حجاج يعني بن دينار عن جعفر بن إياس عن عبد الرحمن بن مسعود عن أبي هريرة قال : خرج علينا رسول الله ( ومعه حسن وحسين هذا على عاتقه وهذا على عاتقه وهو يلثم هذا مرة ويلثم هذا مرة حتى انتهى إلينا فقال له رجل يا رسول الله انك تحبهما.. فقال :من أحبهما فقد أحبني ومن أبغضهما فقد أبغضني
3*حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا عبد الله بن الوليد ثنا سفيان عن سالم قال سمعت أبا حازم يقول اني لشاهد يوم مات الحسن فذكر القصة فقال أبو هريرة سمعت رسول الله ( يقول : من أحبهما فقد أحبني ومن أبغضهما فقد أبغضني
تعليق شعيب الأرنؤوط : إسناده حسن
-وقال : الله الله في أصحابي ، لا تتخذوهم غرضاً بعدي ، فمن أحبهم فبحبي أحبهم ، ومن أبغضهم فببغضي أبغضهم ، ومن آذاهم فقد آذاني ، ومن آذاني فقد آذى الله ، ومن آذى الله يوشك أن يأخذه .
( قلت : رواه الترمذي في سننه، قال :
*حدثنا محمد بن يحيى حدثنا يعقوب بن إبراهيم بن سعد حدثنا عبيدة بن أبي رائطة عن عبد الرحمن بن زياد عن عبد الله بن مغفل قال قال رسول الله ( : الله الله في أصحابي الله الله في أصحابي لا تتخذوهم غرضا بعدي فمن أحبهم فبحبي أحبهم ومن أبغضهم فببغضي أبغضهم ومن آذاهم فقد آذاني ومن آذاني فقد آذى الله ومن آذى الله فيوشك أن يأخذه
قال أبو عيسى هذا حديث غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه
-وقال رسول الله ( في فاطمة رضي الله عنها : إنها بضعة مني ، يغضبني ما أغضبها .
(قلت : رواه البخاري في كتاب النكاح - باب: ذب الرجل على ابنته في الغيرة والإنصاف.(1/115)
* حدثنا قتيبة: حدثنا الليث، عن ابن أبي مليكة، عن المسور بن مخرمة قال: سمعت رسول الله ( يقول وهو على المنبر: (إن بني هشام بن المغيرة استأذنوا في أن ينكحوا ابنتهم علي بن أبي طالب، فلا آذن، ثم لا آذن، ثم لا آذن، إلا أن يريد ابن أبي طالب أن يطلق ابنتي وينكح ابنتهم، فإنما هي بضعة مني، يريبني ما أرابها، ويؤذيني ما أذاها). هكذا قال.
وفي كتاب فضائل الصحابة باب: مناقب قرابة رسول الله ( ، ومنقبة فاطمة عليها السلام بنت النبي (.
*حدثنا أبو الوليد: حدثنا ابن عيينة، عن عمرو بن دينار، عن ابن أبي مليكة، عن المسور بن مخرمة: أن رسول الله ( قال: (فاطمة بضعة مني، فمن أغضبها أغضبني).
وفي كتاب فضائل الصحابة - باب: ذكر أصهار النبي (، منهم أبو العاص ابن الربيع رضي الله عنه.
* حدثنا أبو اليمان: أخبرنا شعيب، عن الزهري قال: حدثني علي ابن حسين: أن المسور بن مخرمة قال: إن عليا خطب بنت أبي جهل، فسمعت بذلك فاطمة، فأتت رسول الله (فقالت: يزعم قومك أنك لا تغضب لبناتك، وهذا علي ناكح بنت أبي جهل. فقام رسول الله ( ، فسمعته حين تشهد يقو ل: (أما بعد، أنكحت أبا العاص بن الربيع، فحدثني وصدقني، وإن فاطمة بضعة مني، وإني اكره أن يسوءها، والله لا تجتمع بنت رسول الله (وبنت عدو الله عند رجل واحد). فترك علي الخطبة.وزاد محمد بن عمرو بن حلحلة، عن ابن شهاب، عن علي بن الحسين، عن مسور: سمعت النبي ( وذكر صهرا له من بني عبد شمس، فأثنى عليه في مصاهرته إياه فأحسن، قال: (حدثني فصدقني، ووعدني فوفى لي).
وفي مستدرك الحاكم :(1/116)
* أخبرني أحمد بن جعفر القطيعي ثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل حدثني أبي ثنا أبو سعيد مولى بني هاشم ثنا عبد الله بن جعفر حدثتنا أم بكر بنت المسور بن مخرمة عن عبيد الله بن أبي رافع عن المسور أنه بعث إليه حسن بن حسن يخطب ابنته فقال له قل له فيلقاني في العتمة قال فلقيه فحمد الله المسور وأثنى عليه ثم قال أما بعد وأيم الله ما من نسب ولا سبب ولا صهر أحب إلي من نسبكم وسببكم وصهركم ولكن رسول الله( قال: فاطمة بضعة مني يقبضني ما يقبضها ويبسطني ما يبسطها وإن الأنساب يوم القيامة تنقطع غير نسبي وسببي وصهري وعندك ابنتها ولو زوجتك لقبضها ذلك ؛ فانطلق عاذرا له..
هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجا
-وقال رسول الله( لعائشة في أسامة بن زيد : أحبيه فإني أحبه .
( قلت : رواه الترمذي في كتاب المناقب - باب منلقب أسامة ، قال :
* حدثنا الحسين بن حريث حدثنا الفضل بن موسى عن طلحة بن يحيى عن عائشة بنت طلحة عن عائشة أم المؤمنين قالت أراد النبي (أن ينحي مخاط أسامة ، قالت عائشة : دعني حتى أكون أنا الذي أفعل... قال : يا عائشة ، أحبيه فإني أحبه...
قال أبو عيسى هذا حديث حسن غريب..
-وقال : آية الإيمان حب الأنصار ، وآية النفاق بغضهم .
( قلت : رواه البخاري في كتاب الإيمان - باب: علامة الإيمان حب الأنصار.
* حدثنا أبو الوليد قال: حدثنا شعبة قال: أخبرني عبد الله بن عبد الله بن جبر قال: سمعت أنسا، عن النبي ( قال: (آية الإيمان حب الأنصار، وآية النفاق بغض الأنصار).
ورواه مسلم في كتاب الإيمان - باب الدليل على أن حب الأنصار وعلى رضي الله عنهم من الإيمان وعلاماته. وبغضهم من علامات النفاق
1* حدثنا محمد بن المثنى. حدثنا عبدالرحمن بن مهدي، عن شعبة، عن عبدالله بن عبدالله بن جبر، قال: سمعت أنسا قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "آية المنافق بغض الأنصار. وآية المؤمن حب الأنصار".(1/117)
2* حدثنا يحيى بن حبيب الحارثي. حدثنا خالد (يعني ابن الحارث) حدثنا شعبة عن عبدالله بن عبدالله، عن أنس، عن النبي ( أنه قال: "حب الأنصار آية الإيمان. وبغضهم آية النفاق".
3* وحدثني زهير بن حرب. قال: حدثني معاذ بن معاذ. ح وحدثنا عبيدالله بن معاذ (واللفظ له) حدثنا أبي. حدثنا شعبة عن عدي بن ثابت، قال: سمعت البراء يحدث عن النبي ( أنه قال، في الأنصار "لا يحبهم إلا مؤمن ولا يبغضهم إلا منافق. من أحبهم أحبه الله. ومن أبغضهم أبغضه الله". قال شعبة: قلت لعدي: سمعته من البراء؟ قال: إياي حدث.
4* حدثنا قتيبة بن سعيد. حدثنا يعقوب (يعني ابن عبدالرحمن القاري) عن سهيل، عن أبيه، عن أبي هريرة؛ أن رسول الله ( قال: "لا يبغض الأنصار رجل يؤمن بالله واليوم الآخر".
5* وحدثنا عثمان بن محمد بن أبي شيبة. حدثنا جرير. ح وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة. حدثنا أبو أسامة. كلاهما عن الأعمش، عن أبي صالح، عن أبي سعيد؛ قال: قال رسول الله ( : "لا يبغض الأنصار رجل يؤمن بالله واليوم الآخر".
وأخرجه السيوطي وعزاه إلى (حم تخ) عن معاوية وإلى (هـ حب) عن البراء.
1*. من أحب الأنصار أحبه الله ومن أبغض الأنصار أبغضه الله .
وإلى (حم طب) عن الحارث بن زياد الأنصاري.
2*. إن الناس يهاجرون إليكم ولا تهاجرون إليهم والذي نفسي بيده لا يحب الأنصار رجل حتى يلقى الله إلا لقي الله وهو يحبه ولا يبغض الأنصار رجل حتى يلقى الله إلا لقي الله وهو يبغضه .
-وفي حديث ابن عمر : من أحب العرب فبحبي أحبهم ، ومن أبغضهم فببغضي أبغضهم .
( قلت : أخرجه السيوطي في الجامع الصغير ، وعزاه إلى الحاكم ؛ عن ابن عمرو.
. إن الله اختار من بني آدم العرب واختار من العرب مضر ومن مضر قريشا واختار من قريش بنى هاشم واختارني من بني هاشم فأنا من خيار إلى خيار فمن أحب العرب فبحبي أحبهم ومن أبغض العرب فببغضي أبغضهم .
(ضعفه الألباني)(1/118)
وأخرج رواية أخرى عزاها إلى الطبراني في الأوسط ؛ عن أنس.
حب قريش إيمان وبغضهم كفر وحب العرب إيمان وبغضهم كفر ومن أحب العرب فقد أحبني ومن أبغض العرب فقد أبغضني .
(ضعفه الألباني)
قال القاضي أبو الفضل رحمه الله : فبالحقيقة من أحب شيئاً أحب كل شيء يحبه . وهذه سيرة السلف حتى في المباحات و شهوات النفس .
-وقد قال أنس حين رأى النبي( يتتبع الدباء من حوالي القصعة : فما زلت أحب الدباء من يومئذ .
-وهذا الحسن بن علي ، وعبد الله بن عباس ، وابن جعفر ـ أتوا سلمى وسألوها أن تصنع لهم طعاماً مما كان يعجب رسول الله ( .
-وكان ابن عمر يلبس النعال السبتية ، ويصبغ بالصفرة ، إذ رأى النبي ( يفعل نحو ذلك .
-ومنها بغض من أبغض الله ورسوله ، ومعاداة من عاداه ، ومجانبة من خالف سنته وابتدع في دينه ، واستثقاله كل أمر يخالف شريعته ، قال الله تعالى : (لَا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءهُمْ أَوْ أَبْنَاءهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُوْلَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمَانَ وَأَيَّدَهُم بِرُوحٍ مِّنْهُ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ أُوْلَئِكَ حِزْبُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) (المجادلة : 22 ).. وهؤلاء أصحابه (قد قتلوا أحباءهم وقاتلوا آباءهم وأبناءهم في مرضاته . -وقال له عبد الله بن عبد الله بن أبي : لو شئت لأتيتك برأسه -يعني أباه .
وقفة مع الإمامين القرطبي والسعدي رحمهما الله في تفسير هذه الآية(1/119)
(لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آَبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُولَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمَانَ وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ أُولَئِكَ حِزْبُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ( ( المجادلة 22 )
قال القرطبي(1/120)
قوله تعالى: "لا تجد قوما يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادون" أي يحبون ويوالون "من حاد الله ورسوله ولو كانوا آباءهم" قال السدي: نزلت في عبدالله بن عبدالله بن أبي، جلس إلى النبي ( فشرب النبي ( ماء، فقال له: بالله يا رسول الله ما أبقيت من شرابك فضلة أسقيها أبي، لعل الله يطهر بها قلبه؟ فأفضل له فأتاه بها، فقال له عبدالله: ما هذا؟ فقال: هي فضلة من شراب النبي (جئتك بها تشربها لعل الله يطهر قلبك بها. فقال له أبوه: فهلا جئتني ببول أمك فإنه أطهر منها. فغضب وجاء إلى النبي (، وقال: يا رسول الله! أما أذنت لي في قتل أبي؟ فقال النبي ( : (بل ترفق به وتحسن إليه). وقال ابن جريج: حدثت أن أبا قحافة سب النبي ( فصكه أبو بكر ابنه صكة فسقط منها على وجهه، ثم أتى النبي ( فذكر ذلك له، فقال: (( ) فقال: والذى بعثك بالحق نبيا لو كان السيف مني قريبا لقتلته. وقال ابن مسعود: نزلت في أبي عبيدة بن الجراح، قتل أباه عبد الله بن الجراح يوم أحد وقيل: يوم بدر. وكان الجراح يتصدى لأبي عبيدة وأبوعبيدة يحيد عنه، فلما أكثر قصد إليه أبو عبيدة فقتله، فأنزل الله حين قتل أباه: "لا تجد قوما يؤمنون بالله واليوم الأخر" الآية. قال الواقدي: كذلك يقول أهل الشام. ولقد سألت رجالا من بني الحرث بن فهر فقالوا: توفي أبوه من قبل الإسلام. "أو أبناءهم" يعني أبا بكر دعا ابنه عبدالله إلى البراز يوم بدر، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (متعنا بنفسك يا أبا بكر أما تعلم أنك عندي بمنزلة السمع والبصر). "أو إخوانهم" يعني مصعب بن عمير قتل أخاه عبيد بن عمير يوم بدر. "أو عشيرتهم" يعني عمر بن الخطاب قتل خاله العاص بن هشام بن المغيرة يوم بدر، وعلا وحمزة قتلا عتبة وشيبة والوليد يوم بدر. وقيل: إن الآية نزلت في حاطب بن أبي بلتعة، لما كتب إلى أهل مكة بمسير النبي ( عام الفتح...
بيَّن أن الإيمان يفسد بموالاة الكفار وإن كانوا أقارب.(1/121)
واستدل مالك رحمه الله من هذه الآية على معاداة القدرية وترك مجالستهم. قال أشهب عن مالك: لا تجالس القدرية وعادهم في الله، لقوله تعالى: "لا تجد قوما يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادون من حاد الله ورسوله".
قلت: وفي معنى أهل القدر جميع أهل الظلم والعدوان. وعن الثوري أنه قال: كانوا يرون أنها نزلت في من كان يصحب السلطان. وعن عبدالعزيز بن أبي داود أنه لقي المنصور في الطواف فلما عرفه هرب منه وتلاها. وعن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يقول: (اللهم لا تجعل لفاجر عندي نعمة فإني وجدت فيما أوحيت) "لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آَبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُولَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمَانَ " أي خلق في قلوبهم التصديق، يعني من لم يوال من حاد الله. وقيل: كتب أثبت، قاله الربيع بن أنس. وقيل: جعل، كقوله تعالى: "فاكتبنا مع الشاهدين" [آل عمران: 53] أي اجعلنا. وقوله: "فسأكتبها للذين يتقون" [الأعراف: 156] وقيل: "كتب" أي جمع، ومنه الكتيبة، أي لم يكونوا ممن يقول نؤمن ببعض ونكفر ببعض. وقراءة العامة بفتح الكاف من "كتب" ونصب النون من "الإيمان" بمعنى كتب الله وهو الأجود، لقوله تعالى: "وأيدهم بروح منه" وقرأ أبو العالية وزر بن حبيش والمفضل عن عاصم "كتب" على ما لم يسم فاعله "الإيمان" برفع النون. وقرأ زر بن حبيش "وعشيراتهم" بألف وكسر التاء على الجمع، ورواها الأعمش عن أبي بكر عن عاصم. وقيل: "كتب في قلوبهم" أي على قلوبهم، كما في قوله "في جذوع النخل" [طه: 71] وخص القلوب بالذكر لأنها موضع الإيمان. "وأيدهم بروح منه" قواهم ونصرهم بروح منه، قال الحسن: وبنصر منه. وقال الربيع بن أنس: بالقرآن وحججه. وقال ابن جريج: بنور وإيمان وبرهان وهدى. وقيل: برحمة من الله. وقال بعضهم: أيدهم(1/122)
بجبريل عليه السلام. "ويدخلهم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها رضي الله عنهم" أي قبل أعمالهم "ورضوا عنه" فرحوا بما أعطاهم "أولئك حزب الله ألا إن حزب الله هم المفلحون" قال سعيد بن أبي سعيد الجرجاني عن بعض مشايخه، قال داود عليه السلام: إلهي! من حزبك وحول عرشك؟ فأوحى الله إليه: "يا داود الغاضة أبصارهم، النقية قلوبهم، السليمة أكفهم، أولئك حزبي وحول عرشي".
وقال السعدي
قوله تعالى : " لا تجد قوما يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادون من حاد الله ورسوله " ، أي : لا يجتمع هذا وهذا ، فلا يكون العبد مؤمنا بالله واليوم الآخر حقيقة ، إلا إذا كان عاملا على مقتضى إيمانه ولوازمه ، من محبة من قام بالإيمان وموالاته ، وبغض من لم يقم به ومعاداته ، ولو كان أقرب الناس إليه . وهذا هو الإيمان على الحقيقة ، الذي وجدت ثمرته ، والمقصود منه . وأهل هذا الوصف هم الذين كتب الله في قلوبهم الإيمان ، أي : رسمه وثبته ، وغرسه غرسا ، لا يتزلزل ، ولا تؤثر فيه الشبه والشكوك . وهم الذين قواهم الله بروح منه ، أي : بوحيه ومعرفته ومدده الإلهي ، وإحسانه الرباني . وهم الذين لهم الحياة الطيبة في هذه الدار ، ولهم جنات النعيم في دار القرار ، التي فيها كل ما تشتهيه الأنفس ، وتلذ الأعين ، وتختار ، ولهم أفضل النعيم وأكبره ، وهو أن الله يحل عليهم رضوانه فلا يسخط عليهم أبدا ، ويرضون عن ربهم بما يعطيهم من أنواع الكرامات ، ووافر المثوبات ، وجزيل الهبات ، ورفيع الدرجات بحيث لا يرون فوق ما أعطاهم مولاهم غاية ، ولا وراءه نهاية . وأما من يزعم أنه يؤمن بالله واليوم الأخر ، وهو مع ذلك مواد لأعداء الله ، محب لمن نبذ الإيمان وراء ظهره ، فإن هذا إيمان زعمي ، لا حقيقة له ، فإن كان أمر لا بد له من برهان يصدقه ، فمجرد الدعوى لا تفيد شيئا ، ولا يصدق صاحبها(1/123)
قال القاضي أبو الفضل رحمه الله :ومنها ان يحب القرآن الذي أتي به ( ، وهدي به واهتدى ، وتخلق به حتى قالت عائشة رضي الله عنها : كان خلقه القرآن ، وحبه للقرآن تلاوته ، والعمل به وتفهمه .
ويحب سنته ، و يقف عند حدودها .
-قال سهل بن عبد الله : علامة حب الله حب القرآن ، وعلامة حب القرآن حب النبي ( ، وعلامة حب النبي ( حب السنة ، وعلامة حب السنة حب الآخرة ، وعلامة حب الآخرة بغض الدنيا ، وعلامة بغض الدنيا ألا يدخر منها إلا زاداً وبلغة إلى الآخرة .
-وقال ابن مسعود : لا يسأل أحد عن نفسه إلا القرآن ، فإن كان يحب القرآن فهو يحب الله ورسوله .
-ومن علامة حبه للنبي ( شفقته على أمته ، ونصحه لهم ، وسعيه في مصالحهم ، ورفع المضار عنهم كما كان الرسول ( بالمؤمنين رؤوفاً رحيماً .
-ومن علامة تمام محبته زهد مدعيها في الدنيا ، وإيثار الفقر ، واتصافه به .
وقد قال ( لأبي سعيد الخدري : إن الفقر إلى من يحبني منكم أسرع من السيل من أعلى الوادي ، أو الجبل إلى أسفله .
(قلت : ذكره الألباني في السلسلة الصحيحة ومتنه :
-اصبر أبا سعيد فإن الفقر إلى من يحبني منكم أسرع من السيل على أعلى الوادي من أعلى الجبل إلى أسفله...
ورواه الهيثمي في غاية المقصد
باب محبة النبى (
- حَدَّثَنَا هَارُونُ بْنُ مَعْرُوفٍ، حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ، أَخْبَرَنِى عَمْرٌو، عَنْ [سَعِيدِ ابْنِ] أَبِى سَعِيدٍ الْخُدْرِىِّ، عَنْ أَبِيهِ، أَنَّهُ شَكَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ ( حَاجَتَهُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ (: اصْبِرْ أَبَا سَعِيدٍ، فَإِنَّ الْفَقْرَ إِلَى مَنْ يُحِبُّنِى مِنْكُمْ أَسْرَعُ مِنَ السَّيْلِ عَلَى أَعْلَى الْوَادِى، وَمِنْ أَعْلَى الْجَبَلِ إِلَى أَسْفَلِهِ ...
وفي حديث عبد الله بن مغفل : قال رجل للنبي ( يا رسول الله ، إني أحبك .فقال : انظر ما تقول . قال : والله إني أحبك ـ ثلاث مرات . قال : إن كنت تحبني فأعد للفقر تجفافاً .(1/124)
ثم ذكر نحو حديث أبي سعيد بمعناه .
(قلت : أخرجه الترمذي في أبوابُ الزهدِ باب ما جاء في فضل الفقر
حدثنا محمد بن عمرو وبن نبهان بن صفوان الثقفي البصري، أخبرنا روح بن أسلم، أخبرنا شداد أبو طلحة الراسبي عن أبي الوازع عن عبد اللّه بن مغفل قال:- "قال رجل للنبي ( يا رسول اللّه واللّه إني لأحبك، فقال انظر ما تقول، قال واللّه اني لأحبك ثلاث مرات، قال: إن كنت تحبني فأعد للفقر تجفافا، فان الفقر أسرع إلى من يحبني من السيل إلى منتهاه ...
وأخرجه السيوطي في الجامع الصغير وعزاه إلى ابن حبان ؛ عن عبدالله بن مغفل...وفيه (البلايا ) بدا( الفقر )
إن البلايا أسرع إلى من يحبني من السيل إلى منتهاه .
الفصل الخامس
في معنى المحبة للنبي ( وحقيقتها
اختلف الناس في تفسير محبة الله ومحبة النبي (، وكثرت عباراتهم في ذلك ، وليست ترجع بالحقيقة إلى اختلاف مقال ، ولكنها اختلاف أحوال .
-فقال سفيان : المحبة اتباع الرسول ( ، كأنه التفت إلى قوله تعالى : (قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ) (آل عمران : 31 ).
-وقال بعضهم : محبة الرسول ( اعتقاد نصرته ، والذب عن سنته ، والانقياد لها ، وهيبة مخالفته .
-وقال بعضهم : المحبة : دوام الذكر للمحبوب .
-وقال آخر : إيثار المحبوب .
-وقال بعضهم : المحبة الشوق إلى المحبوب .
-وقال بعضهم : المحبة مواطأة القلب لمراد الرب ، يحب ما أحب ، ويكره ما كره .
-وقال آخر : المحبة ميل القلب إلى موافق له .
-وأكثر العبارت المتقدمة إشارة إلى ثمرات المحبة دون حقيقتها .(1/125)
-وحقيقة المحبة الميل إلى ما يوافق الإنسان ، وتكون موافقته له إما لاستلذاذه بإدراكه ، كحب الصور الجميلة ، والأصوات الحسنة ، والأطعمة والأشربة اللذيذة ، وأشباهها مما كل طبع سليم مائل إليها لموافقتها له ، أو لاستلذاذه بإدراكه بحاسة عقله وقلبه معاني باطنة شريفة ، كمحبة الصالحين والعلماء وأهل المعروف ، والمأثور عنهم السير الجميلة والأفعال الحسنة ، فإن طبع الإنسان مائل إلى الشغف بأمثال هؤلاء حتى يبلغ التعصب بقوم ، والتشيع من أمة في آخرين ما يؤدي إلى الجلاء عن الأوطان ، وهتك الحرم ، واحترام النفوس ، أو يكون حبه إياه لموافقته له من جهة إحسانه له وإنعامه عليه ، فقد جبلت النفوس على حب من أحسن إليها .
فإذا تقرر هذا نظرت هذه الأسباب كلها في حقه ( فعلمت أنه ( جامع لهذه المعاني الثلاثة الموجبة للمحبة : أما جمال الصورة والظاهر ، وكمال الأخلاق والباطن ، فقد قررنا منها قبل فيما مر في الكتاب ما لا يحتاج إلى زيادة . وأما إحسانه وإنعامه على أمته فكذلك قد مر منه في أوصاف الله تعالى له من رأفته بهم ، ورحمته لهم ، و هدايته إياهم ، و شفقته عليهم ، و استنفاذهم به من النار ، و أنه بالمؤمنين رؤوف رحيم ، ورحمة للعالمين ، ومبشراً ونذيراً ، وداعياً إلى الله بإذنه وسراجاً منيراً ، ويتلو عليهم آياته ، ويزكيهم ، ويعلهم الكتاب والحكمة ، ويهديهم إلى صراط مستقيم .
فأي إحسان أجل قدراً ، وأعظم خطراً من إحسانه إلى جميع المؤمنين ؟ وأي إفضال أعم منفعة وأكثر فائدة من إنعامه على كافة المسلمين ، إذ كان ذريعتهم إلى الهداية ، ومنقذهم من العماية ، وداعيهم إلى الفلاح ، ووسيلتهم إلى ربهم ، وشفيعهم والمتكلم عنهم ، والشاهد لهم ، والموجب لهم البقاء الدائم والنعيم السرمد(1/126)
فقد استبان لك أنه ( مستوجب للمحبة الحقيقية شرعاً بما قدمناه من صحيح الآثار ، وعادة وجبلةً بما ذكرناه آنفاً ، لأفاضته الإحسان ، وعمومه الإجمال ، فإذا كان الإنسان يحب من منحه في دنياه مرةً أو مرتين معروفأً ، أو استنقذه من هلكة أو مضرة مدة التأذي بها قليل منقطع ـ فمن منحه ما لا يبيد من النعيم ، ووقاه ما لا يفنى من عذاب الجحيم أولى بالحب .
وإذا كان يُحَبُّ بالطبع ملكٌ لحسن سيرته ، أو حاكمٌ لما يؤثر من قوام طريقته ، أو قاص بعيد الدار لما يشاد من علمه أو كرم شيمته ـ فمن جمع هذه الخصال على غاية مراتب الكمال أحق بالحب ، وأولى بالميل .
-وقد قال علي رضي الله عنه في صفته (: من رآه بديهةً هابه ، ومن خالطه معرفةً أحبه .
وذكرنا عن بعض الصحابة أنه كان لايصرف بصره عنه محبةً فيه .
الفصل السادس
في وجوب منا صحته (
قال الله تعالى : (لَّيْسَ عَلَى الضُّعَفَاء وَلاَ عَلَى الْمَرْضَى وَلاَ عَلَى الَّذِينَ لاَ يَجِدُونَ مَا يُنفِقُونَ حَرَجٌ إِذَا نَصَحُواْ لِلّهِ وَرَسُولِهِ مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِن سَبِيلٍ وَاللّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ) (التوبة : 91 )
قال أهل التفسير : إذا نصحوا لله ورسوله : إذا كانوا مخلصين مسلمين في السر والعلانية .(1/127)
( قلت : قال القرطبي : قوله تعالى: "إذا نصحوا" النصح إخلاص العمل من الغش. ومنه التوبة النصوح. قال نفطويه: نصح الشيء إذا خلص. ونصح له القول أي أخلصه له. وفي صحيح مسلم عن تميم الداري أن النبي ( قال: (الدين النصيحة) ثلاثا. قلنا لمن؟ قال: (لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم). قال العلماء: النصيحة لله إخلاص الاعتقاد في الوحدانية، ووصفه بصفات الألوهية، وتنزيهه عن النقائص والرغبة في محابّه والبعد من مساخطه. والنصيحة لرسوله: التصديق بنبوته، والتزام طاعته في أمره ونهيه، وموالاة من والاه ومعاداة من عاداه، وتوقيره، ومحبته ومحبة آل بيته، وتعظيمه وتعظيم سنته، وإحياؤها بعد موته بالبحث عنها، والتفقه فيها والذب عنها ونشرها والدعاء إليها، والتخلق بأخلاقه الكريمة صلى الله عليه وسلم. وكذا النصح لكتاب الله: قراءته والتفقه فيه، والذب عنه وتعليمه وإكرامه والتخلق به. والنصح لأئمة المسلمين: ترك الخروج عليهم، إرشادهم إلى الحق وتنبيههم فيما أغفلوه من أمور المسلمين، ولزوم طاعتهم والقيام بواجب حقهم. والنصح للعامة: ترك معاداتهم، وإرشادهم وحب الصالحين منهم، والدعاء لجميعهم وإرادة الخير لكافتهم. وفي الحديث الصحيح (مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم مثل الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى)......
قال القاضي أبو الفضل رحمه الله :*حدثنا القاضي الفقيه أبو الوليد بقراءتي عليه ، حدثنا حسين بن محمد ، حدثنا يوسف بن عبد الله ، حدثنا ابن عبد المؤمن ، حدثنا أبو بكر التمار ، حدثنا أبو داود ، حدثنا أحمد بن يونس ، حدثنا زهير ، حدثنا سهيل بن أبي صالح ، عن عطاء بن يزيد ، عن تميم الداري ، قال : قال رسول الله ( : إن الدين النصيحة . إن الدين النصيحة . إن الدين النصيحة . قالوا : لمن يا رسول الله ؟ قال : لله و لكتابه و لرسوله ، و أئمة المسلمين و عامتهم .(1/128)
( قلت : رواه مسلم في كتاب الإيمان - باب بيان أن الدين النصيحة
* حدثنا محمد بن عباد المكي. حدثنا سفيان. قال: قلت لسهيل: إن عمرا حدثنا عن القعقاع، عن أبيك. قال: ورجوت أن يسقط عنى رجلا. قال فقال: سمعته من الذي سمعه منه أبي. كان صديقا له بالشام. ثم حدثنا سفيان عن سهيل، عن عطاء بن يزيد، عن تميم الداري؛ أن النبي ( قال: "الدين النصيحة" قلنا: لمن؟ قال "لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم "
قال القاضي أبو الفضل رحمه الله :-قال أئمتنا : النصيحة لله ولرسوله وأئمة المسلمين وعامتهم واجبة .
قال الإمام سليمان البستي : النصيحة كلمة يعبر بها عن جملة إرادة الخير للمنصوح له ، وليس يمكن أن يعبر عنها بكلمة واحدة تحصرها . ومعناها في اللغة الإخلاص ، من قولهم : نصحت العسل ، إذا خلصته من شمعه .
وقال أبو بكر بن أبي إسحاق الخفاف : النصح فعل الشيء الذي به الصلاح والملاءمة ، مأخوذ من -النصاح ، وهو الخيط الذي يخاط به الثوب .
-وقال أبو إسحاق الزجاج نحوه .
فنصيحة الله تعالى صحة الاعتقاد له بالوحدانية ، ووصفه بما هو أهله ، وتنزيهه عما لا يجوز عليه ، والرغبة في محابه ، والبعد من مساخطه ، والإخلاص في عبادته .
والنصيحة لكتابه الإيمان به ، والعمل بما فيه ، وتحسين تلاوته ، والتخشع عنده ، والتعظيم له ، وتفهمه والتفقه فيه ، والذب عنه من تأويل الغالين ، وطعن الملحدين .
والنصيحة لرسوله التصديق بنبوته ، وبذل الطاعة له فيما أمر به ونهى عنه ، قاله أبو سليمان .
وقال أبو بكر : ومؤازرته ونصرته وحمايته حياً وميتاً ، وإحياء سنته بالطلب ، والذب عنها ، و نشرها ، والتخلق بأخلاقه الكريمة وآدابه الجميلة .
-وقال أبو إبراهيم إسحاق التجيبي : نصيحة رسول الله ( التصديق بما جاء به ، والاعتصام بسنته ، ونشرها ، والحض عليها ، والدعوة إلى الله وإلى كتابه وإلى رسوله ، وإليها وإلى العمل بها .(1/129)
-وقال أحمد بن محمد : من مفروضات القلوب اعتقاد النصيحة لرسول الله ( .
-قال أبو بكر الآجري وغيره : النصح له يقتضي نصحين : نصحاً في حياته ، ونصحاً بعد مماته ، ففي حياته نصح أصحابه له بالنصر والمحاماة عنه ومعاداة من عاداه ، والسمع والطاعة له ، وبذل النفوس والأموال دونه ، كما قال الله تعالى : (مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُم مَّن قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلاً) (الأحزاب : 23 )
وقال : (لِلْفُقَرَاء الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِن دِيارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَاناً وَيَنصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ) (الحشر : 8 )
-وأما نصيحة المسلمين له بعد وفاته فالتزام التوقير والإجلال ، وشدة المحبة له ، والمثابرة على تعلم سنته ، والتفقه في شريعته ، ومحبة آل بيته وأصحابه ، ومجانبة من رغب عن سنته وانحرف عنها ، وبغضه والتحذير منه ، والشفقة على أمته ، والبحث عن تعرف أخلاقه وسيره و آدابه ، والصبر على ذلك.
فعلى ما ذكره تكون النصيحة إحدى ثمرات المحبة ، وعلامة من علاماتها كما قدمنا .
-وحكى الإمام أبو القاسم القشيري أن عمرو بن الليث أحد ملوك خراسان ومشاهير الثوار المعرف بالصفار ـ رُئي في النوم ، فقيل له : ما فعل الله بك ؟ فقال : غفر لي ، فقيل : بماذا ؟ قال : صعدت ذروة جبل يوماً فأشرفت على جنودي ، فأعجبتني كثرتهم ، فتمنيت أني حضرت رسول الله ( فأعنته ونصرته فشكر الله لي ذلك و غفر لي .
-وأما النصح لأئمة المسلمين فطاعتهم في الحق ، ومعونتهم فيه ، وأمرهم به ، وتذكيرهم إياه على أحسن وجه وتنبيههم على ما غفلوا عنه وكتم عنهم من أمور المسلمين ، وترك الخروج عليهم ، وتضريب الناس وإفساد قلوبهم عليهم .(1/130)
-والنصح لعامة المسلمين إرشادهم إلى مصالحهم ، ومعونتهم في أمر دينهم ودنياهم بالقول والفعل ، وتنبيه غافلهم ، وتبصير جاهلهم ، ورفد محتاجهم ، وستر عوراتهم ، ودفع المضار عنهم ، وجلب المنافع إليهم .
الباب الثالث
في تعظيم أمره ووجوب توقيره وبره (
وفيه 7 فصول :
1-ما ورد في ذلك من النصوص
2- في عادة الصحابة في تعظيمه وتوقيره وإجلاله (
3- في حرمة النبي ( بعد موته ، وتوقيره وتعظيمه
4- في سيرة السلف في تعظيم رواية حديث الرسول( وسننه
5- في توقيره ( ، وبر آله ، وذريته ، وأمهات المؤمنين أزواجه
6- من توقيره ( وبره توقير أصحابه وبرهم
7- ومن إعظامه وإكباره( إعظام جميع أسبابه...
الفصل الأول
ما ورد في ذلك من النصوص
*قال الله تعالى : (إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِداً وَمُبَشِّراً وَنَذِيراً * لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ وَتُسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلاً * ) ( الفتح- 8-9 )
-وقال:(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ)(الحجرات 1 )
وقال :( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلَا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَن تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنتُمْ لَا تَشْعُرُونَ * إِنَّ الَّذِينَ يَغُضُّونَ أَصْوَاتَهُمْ عِندَ رَسُولِ اللَّهِ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ امْتَحَنَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوَى لَهُم مَّغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ * ) ( الحجرات 2- 3)
-وقال تعالى : (لَا تَجْعَلُوا دُعَاء الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَاء بَعْضِكُم بَعْضاً ) (النور : 63 )
فأوجب الله تعالى تعزيزه وتوقيره ، وألزم إكرامه وتعظيمه .(1/131)
-قال ابن عباس : تعزروه : تجلوه .وقال المبرد : تعزروه : تبالغوا في تعظيمه.وقال الأخفش: تنصرونه . وقال الطبري :تعينونه . وقرىء : تعززوه ـ بزايين ـ من العز . ونهي عن التقدم بين يديه بالقول ، و سوءالأدب بسبقه بالكلام ، على قول ابن عباس وغيره ، وهو اختيار ثعلب .
-قال سهل بن عبد الله : لا تقولوا قبل أن يقول ، وإذا قال فاستمعوا له وأنصتوا .
ونهوا عن التقدم والتعجل بقضاء أمر قبل قضائه فيه ، وأن يفتاتوا يشيء في ذلك من قتال أو غيره من أمر دينهم ، ولا يسبقوه به .
وإلى هذا يرجع قول الحسين ، ومجاهد ، والضحاك ، والسدي ، والثوري .
ثم وعظهم وحذرهم مخالفة ذلك ، فقال : (وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ)(الحجرات 1 ).
-قال الماوردي : اتَّقُوا ـ يعني في التقدم .
-وقال السلمي : اتقوا الله في إهمال حقه وتضييع حرمته ، إنه سميع لقولكم ، عليم بفعلكم .
-ثم نهاهم عن رفع الصوت فوق صوته ،والجهر له بالقول كما يجهر بعضهم لبعض ويرفع صوته .
وقيل : كما ينادي بعضهم بعضاً باسمه .
-قال أبو محمد مكي : أي لا تسابقوه بالكلام ، وتغلظوا له بالخطاب ، ولا تنادوه باسمه نداء بعضكم بعضاً ولكن عظموه ونادوه بأشرف ما يحب أن ينادي به : يا رسول الله، يا نبي الله .
وهذا كقوله في الآية الأخرى : (لَا تَجْعَلُوا دُعَاء الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَاء بَعْضِكُم ) (النور : 63 ) على أحد التأويلين .
-وقال غيره لا تخاطبوه إلا مستفهمين .
-ثم خوفهم الله تعالى بحبط أعمالهم إن هم فعلوا ذلك ، وحذرهم منه .
-وقيل : نزلت الآية في وفد بني تميم ـ وقيل : في غيرهم ، أتوا( فنادوه : يا محمد ، يا محمد ، اخرج إلينا . فذمهم الله تعالى بالجهل ، ووصفهم بأن أكثرهم لا يعقلون .
-وقيل : نزلت الآية في محاورة كانت بين أبي بكر وعمر بين يدي النبي ( ، واختلاف جرى بينهما ، حتى ارتفعت أصواتها .(1/132)
-وقيل : نزلت في ثابت بن قيس بن شماس خطيب النبي ( في مفاخرة بني تميم ، وكان في أذنيه صمم فكان يرفع صوته ، فلما نزلت هذه الآية أقام في منزله ، وخشي أن يكون حبط عمله ، ثم أتى النبي ( فقال : يا نبي الله ، لقد خشيت أن أكون هلكت ، نهانا الله أن نجهر بالقول ، وأنا امرؤ جهير الصوت .
فقال النبي ( : أما ترضى أن تعيش حميداً ، وتقتل شهيداً ، وتدخل الجنة ! فقتل يوم اليمامة .
-وروي أن أبا بكر لما نزلت هذه الآية قال : والله يا رسول الله ، لا أكلمك بعدها إلا كأخي السرار .
-وأن عمر كان إذا حدثه كأخي السرار ،ما كان يسمع رسول الله ( بعد هذه الآية حتى يستفهمه ، فأنزل الله تعالى فيهم : إِنَّ الَّذِينَ يَغُضُّونَ أَصْوَاتَهُمْ عِندَ رَسُولِ اللَّهِ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ امْتَحَنَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوَى لَهُم مَّغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ * ) ( الحجرات 3)
-وقيل : نزلت : (إِنَّ الَّذِينَ يُنَادُونَكَ مِن وَرَاء الْحُجُرَاتِ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ) (الحجرات : 4 ) ـ في غير بني تميم ، نادوه باسمه .
-وروى صفوان بن عسال : بينا النبي ( في سفر إذا ناداه أعرابي بصوت له جهوري : أيا محمد . أيا محمد ، قلنا له : اغضض من صوتك ، فإنك قد نهيت عن رفع الصوت .
-وقال الله تعالى : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَقُولُواْ رَاعِنَا وَقُولُواْ انظُرْنَا وَاسْمَعُوا ْوَلِلكَافِرِينَ عَذَابٌ أَلِيمٌ) (البقرة : 104 ).
-قال بعض المفسرين : هي لغة كانت في الأنصار ، نهوا عن قولها تعظيماً للنبي ( ، وتبجيلا له ، لأن معناها : ارعنا نرعك ، فنهوا عن قولها ، إذ مقتضاها كأنهم لا يرعونه إلا برعايته لهم ، بل حقه أن يرعى على كل حال .
-وقيل : كانت اليهود تعرض بها للنبي ( بالرعونة ، فنهى المسلمون عن قولها ، قطعاً للذريعة ، ومنعاً للتشبيه بهم في قولها ، لمشاركة اللفظة . وقيل غير هذا .(1/133)
وقفة مع الإمام القرطبي في تفسير الآيات من 1 على 5 من سورة الحجرات
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ( 1 ) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلَا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَن تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنتُمْ لَا تَشْعُرُونَ ( 2 ) إِنَّ الَّذِينَ يَغُضُّونَ أَصْوَاتَهُمْ عِندَ رَسُولِ اللَّهِ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ امْتَحَنَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوَى لَهُم مَّغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ ( 3 ) إِنَّ الَّذِينَ يُنَادُونَكَ مِن وَرَاء الْحُجُرَاتِ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ ( 4 ) وَلَوْ أَنَّهُمْ صَبَرُوا حَتَّى تَخْرُجَ إِلَيْهِمْ لَكَانَ خَيْراً لَّهُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ ( 5 (
الآية: 1 {يا أيها الذين آمنوا لا تقدموا بين يدي الله ورسوله واتقوا الله إن الله سميع عليم}
قوله تعالى: "يا أيها الذين آمنوا لا تقدموا بين يدي الله ورسوله" قال العلماء: كان في العربي جفاء وسوء أدب في خطاب النبي ( وتلقيب الناس. فالسورة في الأمر بمكارم الأخلاق ورعاية الآداب. وقرأ الضحاك ويعقوب الحضرمي: "لا تَقَدَّموا" بفتح التاء والدال من التقدم. الباقون "تُقدِموا" بضم التاء وكسر الدال من التقديم. ومعناهما ظاهر، أي لا تقدموا قولا ولا فعلا بين يدي الله وقول رسوله وفعله فيما سبيله أن تأخذوه عنه من أمر الدين والدنيا. ومن قدم قوله أو فعله على الرسول ( فقد قدمه على الله تعالى، لأن الرسول ( إنما يأمر عن أمر الله عز وجل.
واختلف في سبب نزولها على أقوال ستة:(1/134)
الأول: ما ذكره الواحدي من حديث ابن جريج قال: حدثني ابن أبي مليكة أن عبدالله بن الزبير أخبره أنه قدم ركب من بني تميم على رسول الله ( ، فقال أبو بكر: أمر القعقاع بن معبد. وقال عمر: أمر الأقرع بن حابس. فقال أبو بكر: ما أردت إلا خلافي. وقال عمر: ما أردت خلافك. فتماديا حتى ارتفعت أصواتهما، فنزل في ذلك: "يا أيها الذين آمنوا لا تقدموا بين يدي الله ورسوله - إلى قوله - ولو أنهم صبروا حتى تخرج إليهم". رواه البخاري عن الحسن بن محمد بن الصباح، ذكره المهدوي أيضا.
الثاني: ما روي أن النبي ( أراد أن يستخلف على المدينة رجلا إذا مضى إلى خيبر، فأشار عليه عمر برجل آخر، فنزل: "يا أيها الذين آمنوا لا تقدموا بين يدي الله ورسوله". ذكره المهدوي أيضا.
الثالث: ما ذكره الماوردي عن الضحاك عن ابن عباس رضي الله عنهما: أن النبي ( أنفذ أربعة وعشرين رجلا من أصحابه إلى بني عامر فقتلوهم، إلا ثلاثة تأخروا عنهم فسلموا وانكفؤوا إلى المدينة، فلقوا رجلين من بني سليم فسألوهما عن نسبهما فقالا: من بني عامر، لأنهم أعز من بني سليم فقتلوهما، فجاء نفر من بني سليم إلى رسول الله ( فقالوا: ان بيننا وبينك عهدا، وقد قتل منا رجلان، فوداهما النبي ( بمائة بعير، ونزلت عليه هذه الآية في قتلهم الرجلين.
الرابع: وقال قتادة: إن ناسا كانوا يقولون لو أنزل في كذا، لو أنزل فيّ كذا؟ فنزلت هذه الآية.5وعن ابن عباس: نهوا أن يتكلموا بين يدي كلامه.
الخامس :وقال مجاهد: لا تفتاتوا على الله ورسوله حتى يقضي الله على لسان رسوله، ذكره البخاري أيضا.
السادس :وقال الحسن: نزلت في قوم ذبحوا قبل أن يصلي رسول الله ( ، فأمرهم أن يعيدوا الذبح... وعن ابن جريج: لا تقدموا أعمال الطاعات قبل وقتها الذي أمر الله تعالى به ورسوله ( .(1/135)
قلت: هذه الأقوال الخمسة المتأخرة ذكرها القاضي أبو بكر بن العربي، وسردها قبله الماوردي. قال القاضي: وهي كلها صحيحة تدخل تحت العموم، فالله أعلم ما كان السبب المثير للآية منها، ولعلها نزلت دون سبب، والله أعلم.
قال القاضي: إذا قلنا إنها نزلت في تقديم الطاعات على أوقاتها فهو صحيح، لأن كل عبادة مؤقتة بميقات لا يجوز تقديمها عليه كالصلاة والصوم والحج، وذلك بين. إلا أن العلماء اختلفوا في الزكاة، لما كانت عبادة مالية وكانت مطلوبة لمعنى مفهوم، وهو سد خلة الفقير، ولأن النبي ( استعجل من العباس صدقة عامين، ولما جاء من جمع صدقة الفطر قبل يوم الفطر حتى تعطى لمستحقيها يوم الوجوب وهو يوم الفطر، فاقتضى ذلك كله جواز تقديمها العام والاثنين. فإن جاء رأس العام والنصاب بحاله وقعت موقعها. وإن جاء رأس العام وقد تغير النصاب تبين أنها صدقة تطوع. وقال أشهب: لا يجوز تقديمها على الحول لحظة كالصلاة، وكأنه طرد الأصل في العبادات فرأى أنها إحدى دعائم الإسلام فوفاها حقها في النظام وحسن الترتيب. ورأى سائر علمائنا أن التقديم اليسير فيها جائز، لأنه معفو عنه في الشرع بخلاف الكثير. وما قاله أشهب أصح، فإن مفارقة اليسير الكثير في أصول الشريعة صحيح، ولكنه لمعان تختص باليسير دون الكثير. فأما في مسألتنا فاليوم فيه كالشهر، والشهر كالسنة. فإما تقديم كلي كما قال أبو حنيفة والشافعي، وإما حفظ العبادة على ميقاتها كما قال أشهب.(1/136)
قوله تعالى: "لا تقدموا بين يدي الله" أصل في ترك التعرض لأقوال النبي ( ، وإيجاب اتباعه والاقتداء به، وكذلك قال النبي (في مرضه: [مروا أبا بكر فليصل بالناس]. فقالت عائشة لحفصة رضي الله عنهما: قولي له إن أبا بكر رجل أسيف وإنه متى يقم مقامك لا يُسْمع الناس من البكاء، فَمُرْ عمر فليصل بالناس. فقال ( : [إنكن لأنتن صواحب يوسف. مروا أبا بكر فليصل بالناس]. فمعنى قول [صواحب يوسف] الفتنة بالرد عن الجائز إلى غير الجائز. وربما احتج بُغَاةُ القياس بهذه الآية. وهو باطل منهم، فإن ما قامت دلالته فليس في فعله تقديم بين يديه. وقد قامت دلالة الكتاب والسنة على وجوب القول بالقياس في فروع الشرع، فليس إذاً تقدمٌ بين يديه. "واتقوا الله" يعني في التقدم المنهي عنه. "إن الله سميع" لقولكم "عليم" بفعلكم.
الآية: 2 {يا أيها الذين آمنوا لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبي ولا تجهروا له بالقول كجهر بعضكم لبعض أن تحبط أعمالكم وأنتم لا تشعرون}
قوله تعالى: "يا أيها الذين آمنوا لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبي" روى البخاري والترمذي عن ابن أبي مليكة قال: حدثني عبدالله بن الزبير أن الأقرع بن حابس قدم على النبي ( ، فقال أبو بكر: يا رسول الله استعمله على قومه، فقال عمر: لا تستعمله يا رسول الله، فتكلما عند النبي ( حتى ارتفعت أصواتهما، فقال أبو بكر لعمر: ما أردت إلا خلافي. فقال عمر: ما أردت خلافك، قال: فنزلت هذه الآية: "يا أيها لذين آمنوا لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبي" قال: فكان عمر بعد ذلك إذا تكلم عند النبي ( لم يسمع كلامه حتى يستفهمه. قال: وما ذكر ابن الزبير جده يعني أبا بكر. قال: هذا حديث غريب حسن. وقد رواه بعضهم عن ابن أبي مليكة مرسلا، لم يذكر فيه عن عبدالله بن الزبير.(1/137)
قلت: هو البخاري، قال: عن ابن أبي مليكة كاد الخيران أن يهلكا أبو بكر وعمر، رفعا أصواتهما عند النبي ( حين قدم عليه ركب بني تميم، فأشار أحدهما بالأقرع بن حابس أخي بني مجاشع، وأشار الآخر برجل آخر، فقال نافع: لا أحفظ اسمه، فقال أبو بكر لعمر: ما أردت إلا خلافي. فقال: ما أردت خلافك. فارتفعت أصواتهما في ذلك، فأنزل الله عز وجل: "يا أيها الذين آمنوا لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبي" الآية. فقال ابن الزبير: فما كان عمر يسمع رسول الله ( بعد هذه الآية حتى يستفهمه. ولم يذكر ذلك عن أبيه، يعني أبا بكر الصديق. وذكر المهدوي عن علي رضي الله عنه: نزل قوله: "لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبي" فينا لما ارتفعت أصواتنا أنا وجعفر وزيد بن حارثة، نتنازع ابنة حمزة لما جاء بها زيد من مكة، فقضى بها رسول الله ( لجعفر، لأن خالتها عنده...
وفي الصحيحين عن أنس بن مالك أن النبي ( افتقد ثابت بن قيس فقال رجل: يا رسول الله، أنا أعلم لك علمه، فأتاه فوجده جالسا في بيته منكسا رأسه، فقال له: ما شأنك؟ فقال: شر كان يرفع صوته فوق صوت النبي ( فقد حبط عمله وهو من أهل النار. فأتى الرجل النبي ( فأخبره أنه قال كذا وكذا. فقال موسى: فرجع إليه المرة الآخرة ببشارة عظيمة، فقال: (اذهب إليه فقل له إنك لست من أهل النار ولكنك من أهل الجنة) (لفظ البخاري) وثابت هذا هو ثابت بن قيس بن شماس الخزرجي يكنى أبا محمد بابنه محمد. وقيل: أبا عبدالرحمن. قتل له يوم الحرة ثلاثة من الولد: محمد، ويحيى، وعبدالله. وكان خطيبا بليغا معروفا بذلك، كان يقال له خطيب رسول الله ( ، كما يقال لحسان شاعر رسول الله ( . ولما قدم وفد تميم على رسول الله ( وطلبوا المفاخرة قام خطيبهم فافتخر، ثم قام ثابت بن قيس فخطب خطبة بليغة جزلة فغلبهم، وقام شاعرهم وهوالأقرع بن حابس فأنشد:
أتيناك كيما يعرف الناس فضلنا إذا خلفونا عند ذكر المكارم(1/138)
وإنا رؤوس الناس من كل معشر وأن ليس في أرض الحجاز كدارم
وإن لنا المرباع في كل غارة تكون بنجد أو بأرض التهائم
فقام حسان فقال:
بني دارم لا تفخروا إن فخركم يعود وبالا عند ذكر المكارم
هبلتم علينا تفخرون وأنتم لنا خول من بين ظئر وخادم
في أبيات لهما.
فقالوا: خطيبهم أخطب من خطيبنا، وشاعرهم أشعر من شاعرنا، فارتفعت أصواتهم فأنزل الله تعالى: "لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبي ولا تجهروا له بالقول". وقال عطاء الخراساني: حدثتني ابنة ثابت بن قيس قالت: لما نزلت: "يا أيها الذين آمنوا لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبي" الآية، دخل أبوها بيته وأغلق عليه بابه، ففقده النبي صلى الله عليه وسلم فأرسل إليه يسأله ما خبره، فقال: أنا رجل شديد الصوت، أخاف أن يكون حبط عملي. فقال عليه السلام: (لست منهم بل تعيش بخير وتموت بخير). قال: ثم أنزل الله: "إن الله لا يحب كل مختال فخور" [لقمان: 18] فأغلق بابه وطفق يبكي، ففقده النبي ( فأرسل إليه فأخبره، فقال: يا رسول الله، إني أحب الجمال وأحب أن أسود قومي. فقال: [لست منهم بل تعيش حميدا وتقتل شهيدا وتدخل الجنة]. قالت: فلما كان يوم اليمامة خرج مع خالد بن الوليد إلى مسيلمة فلما التقوا انكشفوا، فقال ثابت وسالم مولى أبي حذيقة: ما هكذا كنا نقاتل مع رسول الله ( ، ثم حفر كل واحد منهما له حفرة فثبتا وقاتلا حتى قتلا، وعلى ثابت يومئذ درع له نفيسة، فمر به رجل من المسلمين فأخذها، فبينا رجل من المسلمين نائم أتاه ثابت في منامه فقال له : أوصيك بوصية، فإياك أن تقول هذا حلم فتضيعه، إني لما قتلت أمس مر بي رجل من المسلمين فأخذ درعي ومنزله في أقصى الناس، وعند خبائه فرس يستن في طوله، وقد كفأ على الدرع برمة، وفوق البرمة رحل، فأت خالدا فمره أن يبعث إلى درعي فيأخذها، وإذا قدمت المدينة على خليفة رسول الله ( - يعني أبا بكر - فقل له: إن علي من الدين كذا وكذا، وفلان من رقيقي عتيق وفلان، فأتى(1/139)
الرجل خالدا فأخبره، فبعث إلى الدرع فأتى بها وحدث أبا بكر برؤياه فأجاز وصيته. قال: ولا نعلم أحدا أجيزت وصيته بعد موته غير ثابت، رحمه الله، ذكره أبو عمر في الاستيعاب.
قوله تعالى: "ولا تجهروا له بالقول" أي لا تخاطبوه: يا محمد، ويا أحمد. ولكن: يا نبي الله، ويا رسول الله، توقيرا له. وقيل: كان المنافقون يرفعون أصواتهم عند النبي صلى الله عليه وسلم، ليقتدي بهم ضعفة المسلمين فنهي المسلمون عن ذلك. وقيل: "لا تجهروا له" أي لا تجهروا عليه، كما يقال: سقط لفيه، أي على فيه - "كجهر بعضكم لبعض" الكاف كاف التشبيه في محل النصب، أي لا تجهروا له جهرا مثل جهر بعضكم لبعض. وفي هذا دليل على أنهم لم ينهوا عن الجهر مطلقا حتى لا يسوغ لهم إلا أن يكلموه بالهمس والمخافتة، وإنما نهوا عن جهر مخصوص مقيد بصفة، أعني الجهر المنعوت بمماثلة ما قد اعتادوه منه فيما بينهم، وهو الخلو من مراعاة أبهة النبوة وجلالة مقدارها وانحطاط سائر الرتب وإن جلت عن رتبتها. "لبعض أن تحبط أعمالكم وأنتم لا تشعرون" أي من أجل أن تحبط، أي تبطل، هذا قول البصريين. وقال الكوفيون: أي لئلا تحبط أعمالكم.
معنى الآية الأمر بتعظيم رسول الله ( وتوقيره، وخفض الصوت بحضرته وعند مخاطبته، أي إذا نطق ونطقتم فعليكم ألا تبلغوا بأصواتكم وراء الحد الذي يبلغه بصوته، وأن تغضوا منها بحيث يكون كلامه غالبا لكلامكم، وجهره باهرا لجهركم، حتى تكون مزيته عليكم لائحة، وسابقته واضحة، وامتيازه عن جمهوركم كشية الأبلق. لا أن تغمروا صوته بلغطكم، وتبهروا منطقه بصخبكم. وفي قراءة ابن مسعود "لا ترفعوا بأصواتكم". وقد كره بعض العلماء رفع الصوت عند قبره عليه السلام. وكره بعض العلماء رفع الصوت في مجالس العلماء تشريفا لهم، إذ هم ورثة الأنبياء.(1/140)
قال القاضي أبو بكر بن العربي: حرمة النبي ( ميتا كحرمته حيا، وكلامه المأثور بعد موته في الرفعة مثال كلامه المسموع من لفظه، فإذا قرئ كلامه، وجب على كل حاضر ألا يرفع صوته عليه، ولا يعرض عنه، كما كان يلزمه ذلك في مجلسه عند تلفظه به. وقد نبه الله سبحانه على دوام الحرمة المذكورة على مرور الأزمنة بقوله تعالى: "وإذا قرئ القرآن فاستمعوا له وأنصتوا" [الأعراف: 204]. وكلامه ( من الوحي، وله من الحكمة مثل ما للقرآن، إلا معاني مستثناة، بيانها في كتب الفقه.
ليس الغرض برفع الصوت ولا الجهر ما يقصد به الاستخفاف والاستهانة، لأن ذلك كفر والمخاطبون مؤمنون. وإنما الغرض صوت هو في نفسه والمسموع من جَرْسِه غير مناسب لما يهاب به العظماء ويوقر الكبراء، فيتكلف الغض منه ورده إلى حد يميل به إلى ما يستبين فيه المأمور به من التعزير والتوقير. ولم يتناول النهي أيضا رفع الصوت الذي يتأذى به رسول الله ( ، وهو ما كان منهم في حرب أو مجادلة معاند أو إرهاب عدو أو ما أشبه ذلك، ففي الحديث أنه قال عليه السلام للعباس بن عبدالمطلب لما انهزم الناس يوم حنين: (اصرخ بالناس)، وكان العباس أجهر الناس صوتا. يروى أن غارة أتتهم يوما فصاح العباس: يا صاحباه فأسقطت الحوامل لشدة صوته، وفيه يقول نابغة بني جعدة:
زجر أبي عروة السباع إذا أشفق أن يختلطن بالغنم
زعمت الرواة أنه كان يزجر السباع عن الغنم فيفتق مرارة السبع في جوفه.
قال الزجاج: "أن تحبط أعمالكم" التقدير لأن تحبط، أي فتحبط أعمالكم، فاللام المقدرة لام الصيرورة وليس قوله: "أن تحبط أعمالكم وأنتم لا تشعرون" بموجب أن يكفر الإنسان وهو لا يعلم، فكما لا يكون الكافر مؤمنا إلا باختياره الإيمان على الكفر، كذلك لا يكون المؤمن كافرا من حيث لا يقصد إلى الكفر ولا يختاره بإجماع. كذلك لا يكون الكافر كافرا من حيث لا يعلم.(1/141)
الآية: 3 {إن الذين يغضون أصواتهم عند رسول الله أولئك الذين امتحن الله قلوبهم للتقوى لهم مغفرة وأجر عظيم}
قوله تعالى: "إن الذين يغضون أصواتهم عند رسول الله" أي يخفضون أصواتهم عنده إذا تكلموا إجلالا له، أو كلموا غيره بين يديه إجلالا له. قال أبو هريرة: لما نزلت "لا ترفعوا أصواتكم" قال أبو بكر رضي الله عنه: والله لا أرفع صوتي إلا كأخي السرار. وذكر سنيد قال: حدثنا عباد بن العوام عن محمد بن عمرو عن أبي سلمة قال: لما نزلت: "لا تقدموا بين يدي الله ورسوله" [الحجرات: 1] قال أبو بكر: والذي بعثك بالحق لا أكلمك بعد هذا إلا كأخي السرار. وقال عبدالله بن الزبير: لما نزلت: "لا ترفعوا أصواتكم" ما حدث عمر عند النبي (بعد ذلك فسمع كلامه حتى يستفهمه مما يخفض، فنزلت: "إن الذين يغضون أصواتهم عند رسول الله أولئك الذين امتحن الله قلوبهم للتقوى". قال الفراء: أي أخلصها للتقوى. وقال الأخفش: أي اختصها للتقوى. وقال ابن عباس: "امتحن الله قلوبهم للتقوى" طهرهم من كل قبيح، وجعل في قلوبهم الخوف من الله والتقوى. وقال عمر رضي الله عنه: أذهب عن قلوبهم الشهوات. والامتحان افتعال من محنت الأديم محنا حتى أوسعته. فمعنى أمتحن الله قلوبهم للتقوى وسعها وشرحها للتقوى. وعلى الأقوال المتقدمه: امتحن قلوبهم فأخلصها، كقولك: امتحنت الفضة أي اختبرتها حتى خلصت. ففي الكلام حذف يدل عليه الكلام، وهو الإخلاص. وقال أبو عمرو: كل شيء جهدته فقد محنته. وأنشد:
أتت رذايا باديا كلالها قد محنت واضطربت آطالها
"لهم مغفرة وأجر عظيم".
الآية: 4 {إن الذين ينادونك من وراء الحجرات أكثرهم لا يعقلون}(1/142)
قوله تعالى: "إن الذين ينادونك من وراء الحجرات" قال مجاهد وغيره: نزلت في أعراب بني تميم، قدم الوفد منهم على النبي (، فدخلوا المسجد ونادوا النبي ( من وراء حجرته أن اخرج إلينا، فإن مدحنا زين وذمنا شين. وكانوا سبعين رجلا قدموا الفداء ذراري لهم، وكان النبي ( نام للقائلة. وروي أن الذي نادي الأقرع بن حابس، وأنه القائل: إن مدحي زين وإن ذمي شين، فقال النبي (: [ذاك الله]. ذكره الترمذي عن البراء بن عازب أيضا. وروى زيد بن أرقم فقال: أتى أناس النبي صلى الله عليه وسلم فقال بعضهم لبعض: انطلقوا بنا إلى هذا الرجل، فإن يكن نبيا فنحن أسعد الناس باتباعه، وإن يكن ملكا نعش في جنابه. فأتوا النبي صلى الله عليه وسلم فجعلوا ينادونه وهو في حجرته: يا محمد، يا محمد، فأنزل الله تعالى هذه الآية. قيل: إنهم كانوا من بني تميم. قال مقاتل كانوا تسعة عشر: قيس بن عاصم، والزبرقان بن بدر، والأقرع بن حابس، وسويد بن هاشم، وخالد بن مالك، وعطاء بن حابس، والقعقاع بن معبد، ووكيع بن وكيع، وعيينة بن حصن وهو الأحمق المطاع، وكان من الجرارين يجر عشرة آلاف قناة، أي يتبعه، وكان اسمه حذيفة وسمي عيينة لشتركان في عينيه ذكر عبدالرزاق في عيينة هذا: أنه الذي نزل فيه "ولا تطع من أغفلنا قلبه عن ذكرنا" [الكهف: 28]. ... ذكره البخاري. وروي أنهم وفدوا وقت الظهيرة ورسول الله ( راقد، فجعلوا ينادونه: يا محمد يا محمد، أخرج إلينا، فاستيقظ وخرج، ونزلت. وسئل رسول الله ( فقال: [هم جفاة بني تميم لولا أنهم من أشد الناس قتالا للأعور الدجال لدعوت الله عليهم أن يهلكهم]. والحجرات جمع الحجرة، كالغرفات جمع غرفة، والظلمات جمع ظلمة. وقيل: الحجرات جمع الحجر، والحجر جمع حجرة، فهو جمع الجمع. وفيه لغتان: ضم الجيم وفتحها. قال:
ولما رأونا باديا ركباتنا على موطن لا نخلط الجد بالهزل(1/143)
والحجرة: الرقعة من الأرض المحجورة بحائط يحوط عليها. وحظيرة الإبل تسمى الحجرة، وهي فعلة بمعنى مفعولة. وقرأ أبو جعفر بن القعقاع "الحجرات" بفتح الجيم استثقالا للضمتين. وقرئ "الحجرات" بسكون الجيم تخفيفا. وأصل الكلمة المنع. وكل ما منعت أن يوصل إليه فقد حجرت عليه. ثم يحتمل أن يكون المنادي بعضا من الجملة فلهذا قال: "أكثرهم لا يعقلون" أي إن الذين ينادونك من جملة قوم الغالب عليهم الجهل.
الآية: 5 {ولو أنهم صبروا حتى تخرج إليهم لكان خيرا لهم والله غفور رحيم}
أي لو انتظروا خروجك لكان أصلح في دينهم ودنياهم. وكان ( لا يحتجب عن الناس إلا في أوقات يشتغل فيهما بمهمات نفسه، فكان إزعاجه في تلك الحالة من سوء الأدب وقيل: كانوا جاؤوا شفعاء في أساري بني عنبر فأعتق رسول الله (نصفهم، وفادي على النصف. ولو صبروا لأعتق جميعهم بغير فداء. "والله غفور رحيم".
الفصل الثاني
في عادة الصحابة في تعظيمه وتوقيره وإجلاله (
قال القاضي أبو الفضل رحمه الله :-حدثنا القاضي أبو علي الصدفي ، وأبو بحر الأسدي بسماعي عليهما في آخرين ، قالوا : حدثنا أحمد بن عمر ، حدثنا أحمد بن الحسن ، حدثنا محمد بن عيسى ، حدثنا إبراهيم بن سفيان ، حدثنا مسلم ، حدثنا محمد بن مثنى ، وأبو معن الرقاشي ، وإسحاق بن منصور ، قالوا حدثنا الضحاك بن مخلد ، أخبرنا حيوة بن شريح ، حدثنا يزيد بن أبي حبيب ، عن ابن شماسة المهري ، قال : حضرنا عمرو بن العاص ... فذكر حديثاً طويلاً فيه عن عمرو ، قال : وما كان أحد أحب إلي من رسول الله ( ، ولا أجل في عيني منه ، وما كنت أطيق أن أملأ عيني منه إجلالاً له ، ولو سئلت أن أصفه ما أطقت ، لأني لم أكن أملا عيني منه .(1/144)
-وروى الترمذي عن أنس ـ أن رسول الله ( كان يخرج على أصحابه من المهاجرين والأنصار وهم جلوس ، فيهم أبو بكر ، وعمر ، فلا يرفع أحد منهم إليه بصره إلا أبو بكر وعمر ، فإنهما كانا ينظران إليه وينظر إليهما ، ويتبسمان إليه ويبتسم إليهما .
( قلت: حديث الترمذي :
حَدَّثَنَا مَحْمُودُ بنُ غَيْلانَ أَخْبَرَنَا أَبُو دَاودَ أَخْبَرَنَا الحكمُ بنُ عطيَّةَ عَن ثابتٍ عَن أَنَسٍ
- "أنَّ رَسُولَ اللَّهِ (كَانَ يخرجُ على أصْحَابهِ من المهاجرينَ والأنصارِ وهمْ جلوسٌ وفيهم أَبُو بكرٍ وعُمَرُ فلا يرفع إليهِ أحدٌ منهمْ بصرهُ إلاّ أَبُو بكرٍ وعُمرُ فإنَّهمَا كانا ينظرانِ إليهِ وينظُرُ إليهما، ويتبسَّمانِ إليهِ ويتبسَّمُ إليهما".
قال أبو عيسى: هَذَا حَدِيثٌ غَرِيْبٌ لا نَعْرِفُهُ إلاّ من حَدِيثِ الحكمِ ابنِ عطيَّةَ وقدْ تَكلَّمَ بعضُهُم في الحكَمِ بنِ عطيَّةَ.
-وروى أسامة بن شريك ، قال أتيت النبي ( وأصحابه حوله كأنما على رؤوسهم الطير .
( قلت : رواه أبو داود في كتاب الطب1- باب في الرجل يتداوى ن قال :
-حدثنا حفص بن عمر النمريُّ، ثنا شعبة، عن زياد بن علاقة، عن أسامة بن شريك قال:
أتيت النبي ( وأصحابه كأنّما على رءوسهم الطير، فسلمت ثم قعدت، فجاء الأعراب من ههنا وههنا، فقالوا: يارسول اللّه، أنتداوى؟ فقال: "تداووا فإِنَّ اللّه تعالى لم يضع داءً إلا وضع له دواءً غير داءٍ واحدٍ: الهرم".
(كأنما على رءوسهم الطير) قال الشارح في عون المعبود :قال في النهاية وصفهم بالسكون والوقار وأنهم لم يكن فيهم طيش ولا خفة لأن الطير لا تكاد تقع إلا على سيء ساكن..
وقال السيوطي في شرحه لسنن ابن ماجه(1/145)
كان على رؤوسهم الطير قال الطيبي هو كناية عن اطراقهم رؤوسهم وسكوتهم وعدم التفاتهم يمينا وشمالا أي على رأس كل واحد الطير يريد صيدها ولا يتحرك وهذه كانت صفة مجلس رسول الله ( إذا تكلم اطرق جلساءه كأنها على رؤوسهم الطير وأصله ان الغراب إذا وقع على رأس البعير فيلتقط منه الحلمة والحمنانة فلا يحرك البعير رأسه لئلا ينفر عنه الغراب ...
-وفي حديث صفته : إذا تكلم أطرق جلساؤه كأنما على رؤوسهم الطير .
(قلت : ذكره الترمذي في الشمائل ،قال :(1/146)
حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ وَكِيعٍ ، قَالَ : حَدَّثَنَا جُمَيْعُ بْنُ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْعِجْلِيُّ ، قَالَ : أَنْبَأَنَا رَجُلٌ مِنْ بَنِي تَمِيمٍ مِنْ وَلَدِ أَبِي هَالَةَ زَوْجِ خَدِيجَةَ ، وَيُكْنَى أَبَا عَبْدِ اللهِ ، عَنِ ابْنٍ لأَبِي هَالَةَ ، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ ، قَالَ : قَالَ الْحُسَيْنُ : سَأَلْتُ أَبي عَنْ سِيرَةِ النَّبِيِّ ( ، فِي جُلَسَائِهِ ، فَقَالَ : كَانَ رَسُولُ اللهِ ( ، دَائِمَ الْبِشْرِ ، سَهْلَ الْخُلُقِ ، لَيِّنَ الْجَانِبِ ، لَيْسَ بِفَظٍّ وَلا غَلِيظٍ ، وَلا صَخَّابٍ وَلا فَحَّاشٍ ، وَلا عَيَّابٍ وَلا مُشَاحٍ ، يَتَغَافَلُ عَمَّا لا يَشْتَهِي ، وَلا يُؤْيِسُ مِنْهُ رَاجِيهِ وَلا يُخَيَّبُ فِيهِ ، قَدْ تَرَكَ نَفْسَهُ مِنْ ثَلاثٍ : الْمِرَاءِ ، وَالإِكْثَارِ ، وَمَا لا يَعْنِيهِ ، وَتَرَكَ النَّاسَ مِنْ ثَلاثٍ : كَانَ لا يَذُمُّ أَحَدًا ، وَلا يَعِيبُهُ ، وَلا يَطْلُبُ عَوْرتَهُ ، وَلا يَتَكَلَّمُ إِلا فِيمَا رَجَا ثَوَابَهُ ، وَإِذَا تَكَلَّمَ أَطْرَقَ جُلَسَاؤُهُ ، كَأَنَّمَا عَلَى رُؤُوسِهِمُ الطَّيْرُ ، فَإِذَا سَكَتَ تَكَلَّمُوا لا يَتَنَازَعُونَ عِنْدَهُ الْحَدِيثَ ، وَمَنْ تَكَلَّمَ عِنْدَهُ أَنْصَتُوا لَهُ حَتَّى يَفْرُغَ ، حَدِيثُهُمْ عِنْدَهُ حَدِيثُ أَوَّلِهِمْ ، يَضْحَكُ مِمَّا يَضْحَكُونَ مِنْهُ ، وَيَتَعَجَّبُ مِمَّا يَتَعَجَّبُونَ مِنْهُ ، وَيَصْبِرُ لِلْغَرِيبِ عَلَى الْجَفْوَةِ فِي مَنْطِقِهِ وَمَسْأَلَتِهِ ، حَتَّى إِنْ كَانَ أَصْحَابُهُ ، وَيَقُولُ : إِذَا رَأَيْتُمْ طَالِبَ حَاجَةٍ يِطْلُبُهَا فَأَرْفِدُوهُ ، وَلا يَقْبَلُ الثَّنَاءَ إِلا مِنْ مُكَافِئٍ وَلا يَقْطَعُ عَلَى أَحَدٍ حَدِيثَهُ حَتَّى يَجُوزَ فَيَقْطَعُهُ بِنَهْيٍ أَوْ قِيَامٍ(1/147)
-وقال عروة بن مسعود ـ حين وجهته قريش عام القضية إلى رسول الله ( ، ورأى من تعظيم أصحابه له ما رأى ، وأنه لا يتوضأ إلا ابتدروا وضوءه ، وكادوا يقتتلون عليه ، ولا يبصق بصاقاً ، ولا يتنخم نخامة إلا تلقوها بأكفهم فدلكوا بها وجوههم وأجسادهم ، ولا تسقط منه شعرة إلا ابتدروها ، وإذا أمرهم بأمر ابتدروا أمره ،وإذا تكلم خفضوا أصواتهم عنده ، وما يحدون إليه النظر تعظيماً له .
فلما رجع إلى قريش قال : يا معشر قريش ، إني جئت كسرى في ملكه ، وقيصر في ملكه والنجاشي في ملكه ، وإني والله ما رأيت ملكاً في قوم قط مثل محمد في أصحابه .
وفي رواية : إن رأيت ملكاً قط يعظمه أصحابه ما يعظم محمداً أصحابه . -وقد رأيت قوماً لا يسلمونه أبداً...
وقفة مع الإمام أحمد في رحاب المسند حيث ورد ذكر صلح الحديبية(1/148)
حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا يزيد بن هارون أنا محمد بن إسحاق بن يسار عن الزهري محمد بن مسلم بن شهاب عن عروة بن الزبير عن المسور بن مخرمة ومروان بن الحكم قالا : خرج رسول الله ( عام الحديبية يريد زيارة البيت لا يريد قتالا وساق معه الهدى سبعين بدنة وكان الناس سبعمائة رجل فكانت كل بدنة عن عشرة قال وخرج رسول الله ( حتى إذا كان بعسفان لقيه بشر بن سفيان الكعبي فقال يا رسول الله هذه قريش قد سمعت بمسيرك فخرجت معها العوذ المطافيل قد لبسوا جلود النمور يعاهدون الله أن لا تدخلها عليهم عنوة أبدا وهذا خالد بن الوليد في خيلهم قد قدموا إلى كراع الغميم فقال رسول الله ( يا ويح قريش لقد أكلتهم الحرب ماذا عليهم لو خلوا بيني وبين سائر الناس فان أصابوني كان الذي أرادوا وان أظهرني الله عليهم دخلوا في الإسلام وهم وافرون وان لم يفعلوا قاتلوا وبهم قوة فماذا تظن قريش والله انى لا أزال أجاهدهم على الذي بعثني الله له حتى يظهره الله له أو تنفرد هذه السالفة ثم أمر الناس فسلكوا ذات اليمين بين ظهري الحمض على طريق تخرجه على ثنية المرار والحديبية من أسفل مكة قال فسلك بالجيش تلك الطريق فلما رأت خيل قريش فترة الجيش قد خالفوا عن طريقهم نكصوا راجعين إلى قريش فخرج رسول الله ( حتى إذا سلك ثنية المرار بركت ناقته فقال الناس خلأت فقال رسول الله ( ما خلات وما هو لها بخلق ولكن حبسها حابس الفيل عن مكة والله لا تدعوني قريش اليوم إلى خطة يسألوني فيها صلة الرحم الا أعطيتهم إياها ثم قال للناس انزلوا فقالوا يا رسول الله ما بالوادي من ماء ينزل عليه الناس فاخرج رسول الله ( سهما من كنانته فأعطاه رجلا من أصحابه فنزل في قليب من تلك القلب فغرزه فيه فجاش الماء بالرواء حتى ضرب الناس عنه بعطن فلما اطمأن رسول الله ( إذا بديل بن ورقاء في رجال من خزاعة فقال لهم كقوله لبشير بن سفيان فرجعوا إلى قريش فقالوا يا معشر قريش انكم تعجلون على(1/149)
محمد وان محمدا لم يأت لقتال إنما جاء زائرا لهذا البيت معظما لحقه فاتهموهم قال محمد يعنى بن إسحاق قال الزهري وكانت خزاعة في عيبة رسول الله ( مسلمها ومشركها لا يخفون على رسول الله ( شيئا كان بمكة قالوا وان كان إنما جاء لذلك ..فلا والله لا يدخلها أبدا علينا عنوة ولا تتحدث بذلك العرب ثم بعثوا إليه مكرز بن حفص بن الاخيف أحد بنى عامر بن لؤي فلما رآه رسول الله (قال هذا رجل غادر فلما انتهى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم كلمه رسول الله ( بنحو مما كلم به أصحابه ثم رجع إلى قريش فأخبرهم بما قال له رسول الله ( قال فبعثوا إليه الحلس بن علقمة الكناني وهو يومئذ سيد الأحابش فلما رآه رسول الله ( قال هذا من قوم يتألهون فابعثوا الهدى في وجهه فبعثوا الهدى فلما رأى الهدى يسيل عليه من عرض الوادي في قلائده قد أكل أوتاره من طول الحبس عن محله رجع ولم يصل إلى رسول الله (إعظاما لما رأى فقال يا معشر قريش قد رأيت ما لا يحل صده الهدى في قلائده قد أكل أوتاره من طول الحبس عن محله فقالوا اجلس إنما أنت أعرابي لا علم لك فبعثوا إليه عروة بن مسعود الثقفي فقال يا معشر قريش انى قد رأيت ما يلقى منكم من تبعثون إلى محمد إذا جاءكم من التعنيف وسوء اللفظ وقد عرفتم انكم والد وإني ولد وقد سمعت بالذي نابكم فجمعت من أطاعني من قومي ثم جئت حتى آسيتكم بنفسي قالوا صدقت ما أنت عندنا بمتهم فخرج حتى أتى رسول الله ( فجلس بين يديه فقال يا محمد جمعت أوباش الناس ثم جئت بهم لبيضتك لتفضها انها قريش قد خرجت معها العوذ المطافيل قد لبسوا جلود النمور يعاهدون الله ان لا تدخلها عليهم عنوة أبدا وأيم الله لكأني بهؤلاء قد انكشفوا عنك غدا قال وأبو بكر الصديق رضي الله تعالى عنه خلف رسول الله ( قاعد فقال امصص بظر اللات أنحن ننكشف عنه قال من هذا يا محمد قال هذا بن أبي قحافة قال أما والله لولا يد كانت لك عندي لكافأتك بها ولكن هذه بها ثم تناول(1/150)
لحية رسول الله ( والمغيرة بن شعبة واقف على رأس رسول الله ( في الحديد قال يقرع يده ثم قال امسك يدك عن لحية رسول الله ( قبل والله لا تصل إليك قال ويحك ما أفظك وأغلظك قال فتبسم رسول الله ( قال من هذا يا محمد قال هذا بن أخيك المغيرة بن شعبة قال اغدر هل غسلت سوأتك الا بالأمس قال فكلمه رسول الله ( بمثل ما كلم به أصحابه فأخبره انه لم يأت يريد حربا قال فقام من عند رسول الله ( وقد رأى ما يصنع به أصحابه لا يتوضأ وضوءا الا ابتدروه ولا يبسق بساقا الا ابتدروه ولا يسقط من شعره شيء الا أخذوه فرجع إلى قريش فقال يا معشر قريش انى جئت كسرى في ملكه وجئت قيصر والنجاشي في ملكهما والله ما رأيت ملكا قط مثل محمد في أصحابه ولقد رأيت قوما لا يسلمونه لشيء أبدا فروا رأيكم ... قال وقد كان رسول الله (قبل ذلك بعث خراش بن أمية الخزاعي إلى مكة وحمله على جمل له يقال له الثعلب فلما دخل مكة عقرت به قريش وأرادوا قتل خراش فمنعهم الأحابش حتى أتى رسول الله ( فدعا عمر ليبعثه إلى مكة فقال يا رسول الله انى أخاف قريشا على نفسي وليس بها من بنى عدى أحد يمنعني وقد عرفت قريش عداوتي إياها وغلظتي عليها ولكن أدلك على رجل هو أعز منى عثمان بن عفان قال فدعاه رسول الله ( فبعثه إلى قريش يخبرهم انه لم يأت لحرب وانه جاء زائرا لهذا البيت معظما لحرمته فخرج عثمان حتى أتى مكة ولقيه أبان بن سعيد بن العاص فنزل عن دابته وحمله بين يديه وردف خلفه وأجاره حتى بلغ رسالة رسول الله ( فانطلق عثمان حتى أتى أبا سفيان وعظماء قريش فبلغهم عن رسول الله ( ما أرسله به فقالوا لعثمان ان شئت أن تطوف بالبيت فطف به فقال ما كنت لأفعل حتى يطوف به رسول الله ( قال فاحتبسته قريش عندها فبلغ رسول الله( والمسلمين ان عثمان قد قتل قال محمد فحدثني الزهري أن قريشا بعثوا سهيل بن عمرو أحد بنى عامر بن لؤي فقالوا ائت محمدا فصالحه ولا يكون في صلحه الا ان يرجع عنا عامه هذا(1/151)
فوالله لا تتحدث العرب انه دخلها علينا عنوة أبدا فاتاه سهيل بن عمرو فلما رآه النبي ( قال قد أراد القوم الصلح حين بعثوا هذا الرجل فلما انتهى إلى رسول الله ( تكلما وأطالا الكلام وتراجعا حتى جرى بينهما الصلح فلما التأم الأمر ولم يبق الا الكتاب وثب عمر بن الخطاب فأتى أبا بكر فقال يا أبا بكر أو ليس برسول الله ( أو لسنا بالمسلمين أو ليسوا بالمشركين قال بلى قال فعلام نعطى الذلة في ديننا فقال أبو بكر يا عمر الزم غرزه حيث كان فإني أشهد انه رسول الله قال عمر وأنا أشهد ثم أتى رسول الله فقال يا رسول الله أو لسنا بالمسلمين أو ليسوا بالمشركين قال بلى قال فعلام نعطى الذلة في ديننا فقال انا عبد الله ورسوله لن أخالف امره ولن يضيعنى ثم قال عمر ما زلت أصوم وأتصدق وأصلى واعتق من الذي صنعت مخافة كلامي الذي تكلمت به يومئذ حتى رجوت ان يكون خيرا قال ودعا رسول الله (علي بن أبي طالب فقال له رسول الله ( اكتب بسم الله الرحمن الرحيم فقال سهيل بن عمرو لا أعرف هذا ولكن اكتب باسمك اللهم فقال له رسول الله ( اكتب باسمك اللهم هذا ما صالح عليه محمد رسول الله سهيل بن عمرو فقال سهيل بن عمرو لو شهدت انك رسول الله لم أقاتلك ولكن اكتب هذا ما اصطلح عليه محمد بن عبد الله وسهيل بن عمرو على وضع الحرب عشر سنين يأمن فيها الناس ويكف بعضهم عن بعض على أنه من أتى رسول الله (من أصحابه بغير أذن وليه رده عليهم ومن أتى قريشا ممن مع رسول الله ( لم يردوه عليه وان بيننا عيبة مكفوفة وانه لا إسلال ولا أغلال وكان في شرطهم حين كتبوا الكتاب انه من أحب أن يدخل في عقد محمد وعهده دخل فيه ومن أحب أن يدخل في عقد قريش وعهدهم دخل فيه فتواثبت خزاعة فقالوا نحن مع عقد رسول الله ( وعهده وتواثبت بنو بكر فقالوا نحن في عقد قريش وعهدهم وانك ترجع عنا عامنا هذا فلا تدخل علينا مكة وانه إذا كان عام قابل خرجنا عنك فتدخلها بأصحابك وأقمت فيهم ثلاثا معك سلاح(1/152)
الراكب لا تدخلها بغير السيوف في القرب فبينا رسول الله ( يكتب الكتاب إذ جاءه أبو جندل بن سهيل بن عمر وفي الحديد قد انفلت إلى رسول الله ( قال وقد كان أصحاب رسول الله ( خرجوا وهم لا يشكون في الفتح لرؤيا رآها رسول الله ( فلما رأوا ما رأوا من الصلح والرجوع وما تحمل رسول الله ( على نفسه دخل الناس من ذلك أمر عظيم حتى كادوا أن يهلكوا فلما رأى سهيل أبا جندل قام إليه فضرب وجهه ثم قال يا محمد قد لجت القضية بيني وبينك قبل أن يأتيك هذا قال صدقت فقام إليه فأخذ بتلبيبه قال وصرخ أبو جندل بأعلى صوته يا معاشر المسلمين أتردونني إلى أهل الشرك فيفتنوني في ديني قال فزاد الناس شرا إلى ما بهم فقال رسول الله ( يا أبا جندل اصبر واحتسب فان الله عز وجل جاعل لك ولمن معك من المستضعفين فرجا ومخرجا انا قد عقدنا بيننا وبين القوم صلحا فأعطيناهم على ذلك وأعطونا عليه عهدا وأنا لن نغدر بهم قال فوثب إليه عمر بن الخطاب مع أبي جندل فجعل يمشى إلى جنبه وهو يقول إصبر أبا جندل فإنما هم المشركون وإنما دم أحدهم دم كلب قال ويدنى قائم السيف منه قال يقول رجوت ان يأخذ السيف فيضرب به أباه قال فضن الرجل بأبيه ونفذت القضية فلما فرغا من الكتاب وكان رسول الله ( يصلي في الحرم وهو مضطرب في الحل قال فقام رسول الله ( فقال يا أيها الناس انحروا واحلقوا قال فما قام أحد قال ثم عاد بمثلها فما قام رجل حتى عاد بمثلها فما قام رجل فرجع رسول الله ( فدخل على أم سلمة فقال يا أم سلمة ما شأن الناس قالت يا رسول الله قد دخلهم ما قد رأيت فلا تكلمن منهم إنسانا واعمد إلى هديك حيث كان فانحره واحلق فلو قد فعلت ذلك فعل الناس ذلك فخرج رسول الله ( لا يكلم أحدا حتى أتى هديه فنحره ثم جلس فحلق فقام الناس ينحرون ويحلقون قال حتى إذا كان بين مكة والمدينة في وسط الطريق فنزلت سورة الفتح ...(1/153)
تعليق شعيب الأرنؤوط : إسناده حسن محمد بن إسحاق وإن كان مدلسا وقد عنعن إلا أنه قد صرح بالتحديث في بعض فقرات هذا الحديث فانتفت شبهة تدليسه
-وعن أنس : لقد رأيت رسول الله ( والحلاق يحلقه ، وقد أطاف به أصحابه ، فما يريدون أن تقع شعره إلا في يد رجل .
-ومن هذا لما أذنت قريش لعثمان في الطواف بالبيت حين وجهه النبي ( إليهم في القضية أبى، وقال : ما كنت لأفعل حتى يطوف به رسول الله ( .
-وفي حديث طلحة : إن أصحاب رسول الله ( قالوا لأعرابي جاهل : سله عمّن قَضى نحْبه ـ وكانوا يهابونه ويوقرونه ، فسأله ، فأعرض عنه ، إذ طلع طلحة ، فقال رسول ( : هذا ممن قضى نحْبَه .
( قلت : ذكره الطبري والقرطبي والسيوطيفي تفاسيرهم وابن كثيرفي البداية والنهاية ؛ و رواه ابن ماجه في سننه ،والترمذي في جامعه ، ولفظه:
* حدثنا أبو كريب حدثنا يونس بن بكير عن طلحة بن يحيى عن موسى وعيسى ابني طلحة عن أبيهما طلحة أن أصحاب رسول الله ( قالوا لأعرابي جاهلسله عمن قضى نحبه من هو وكانوا لا يجترئون على مسألته يوقرونه ويهابونه فسأله الأعرابي فأعرض عنه ثم سأله فأعرض عنه ثم إني اطلعت من باب المسجد وعلي ثياب خضر فلما رآني رسول الله ( قال: أين السائل عمن قضى نحبه ؟ قال: أنا يا رسول الله ... قال: هذا ممن قضى نحبه ..
قال أبو عيسى هذا حديث حسن غريب لا نعرفه إلا من حديث يونس بن بكير.
-وفي حديث قيلة : فلما رأيت رسول الله ( جالساً القرفصاء أرعدت من الفرق وذلك هيبة له وتعظيماً .
(قلت : رواه البخاري في الأدب المفرد قال:
حدثنا موسى قال حدثنا عبد الله بن حسان العنبري قال حدثتني جدتاي صفية بنت عليبة ودحيبة بنت عليبة وكانتا ربيبتي قيلة أنهما أخبرتهما قيلة قالت رأيت النبي (قاعدا القرفصاء فلما رأيت النبي (المتخشع في الجلسة أرعدت من الفرق
وأخرجه أبو داود في سننه ،قال :(1/154)
حدثنا حفص بن عمر وموسى بن إسماعيل قالا ثنا عبد الله بن حسان العنبري قال حدثتني جدتاي صفية ودحيبة ابنتا عليبة قال موسى بنت حرملة وكانتا ربيبتي قيلة بنت مخرمة وكانت جدة أبيهما أنها أخبرتهما أنها رأت النبي ( وهو قاعد القرفصاء فلما رأيت رسول الله ( المختشع وقال موسى المتخشع في الجلسة أرعدت من الفرق
في حديث المغيرة : كان أصحاب رسول الله ( يقرعون بابه بالأظافير .
( قلت :أخرجه السيوطي في الجامع الصغير وعزاه إلى (الحاكم في الكنى)... عن أنس: كان بابه يقرع بالأظافير .
وقال البراء بن عازب : لقد كنت أريد أن أسأل رسول الله ( عن الأمر فأؤخره سنين من هيبته .
الفصل الثالث
في حرمة النبي (بعد موته ، وتوقيره وتعظيمه
قال القاضي أبو الفضل رحمه الله : واعلم أن حرمة النبي ( بعد موته ، وتوقيره وتعظيمه ، لازم كما كان حال حياته، وذلك عند ذكره (، وذكر حديثه وسنته، وسماع اسمه وسيرته، ومعاملة آله وعترته ، وتعظيم أهل بيته وصحابته .
وقال أبو إبراهيم التجيبي : واجب على كل مؤمن متى ذكره ، أو ذكر عنده ـ أن يخضع ويخشع ، ويتوقر ويسكن من حركته ، ويأخذ في هيبته وإجلاله بما كان يأخذ به نفسه لو كان بين يديه ، ويتأدب بما أدبنا الله به .
وهذه كانت سيرة سلفنا الصالح وأئمتنا الماضين رضي الله عنهم .(1/155)
*حدثنا القاضي أبو عبد الله محمد بن عبد الرحمن الأشعري ، وأبو القاسم أحمد ابن بقي الحاكم ، وغير واحد ، فيما أجازونيه ، قالوا : أنبأنا أبو العباس أحمد بن عمر ابن دلهاث ، قال : حدثنا أبو الحسن علي بن فهر ، حدثنا أبو بكر محمد بن أحمد ابن الفرج ، حدثنا أبو الحسن عبد الله بن المنتاب ، حدثنا يعقوب بن إسحاق ابن أبي إسرائيل ، حدثنا ابن حميد ، قال ناظر أبو جعفر أمير المؤمنين مالكاً في مسجد رسول الله ( ، فقال له مالك : يا أمير المؤمنين ، لا ترفع صوتك في هذا المسجد ، فإن الله تعالى أدب قوماً فقال : (لا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلَا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَن تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنتُمْ لَا تَشْعُرُونَ) (الحجرات : 2 ). ومدح قوماً فقال (إِنَّ الَّذِينَ يَغُضُّونَ أَصْوَاتَهُمْ عِندَ رَسُولِ اللَّهِ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ امْتَحَنَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوَى لَهُم مَّغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ) (الحجرات : 3 ).
وذم قوماً فقال : (إِنَّ الَّذِينَ يُنَادُونَكَ مِن وَرَاء الْحُجُرَاتِ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ) (الحجرات : 4 ) وإن حرمته ميْتاً كحرمته حياً . فاستكان لها أبو جعفر ، وقال : يا أبا عبد الله ، أأستقبل القبلة وأدعوا أم أستقبل رسول الله ( ؟ فقال : ولم تصرف وجهك عنه وهو وسيلتك ووسيلة أبيك آدم عليه السلام إلى الله تعالى يوم القيامة ؟ بل استقبله واستشفع به ، فيشفعه الله ، قال الله تعالى : (وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذ ظَّلَمُواْ أَنفُسَهُمْ جَآؤُوكَ فَاسْتَغْفَرُواْ اللّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُواْ اللّهَ تَوَّاباً رَّحِيماً) (النساء : 64 )
-وقال مالك ـ وقد سئل عن أيوب السختياني : ما حدثتكم عن أحد إلا وأيوب أفضل منه :
وقال : وحج حجتين ، فكنت أرمقه ولا أسمع منه ، غير أنه كان إذا ذكر النبي ( بكى حتى أرحمه .(1/156)
فلما رأيت منه ما رأيت ، و إجلاله للنبي ( كتبت عنه .
-وقال مصعب بن عبد الله : كان مالك إذا ذكر النبي ( يتغير لونه ، وينحني حتى يصعب ذلك على جلسائه ، فقيل له يوماً في ذلك ، فقال لو رأيتم ما رأيت لما أنكرتم علي ما ترون ، ولقد كنت أرى محمد ابن المنكدر ، وكان سيد القراء لا نكاد نسأله عن حديث أبداً إلا يبكي حتى نرحمه .
ولقد كنت أرى جعفر بن محمد الصادق ، و كان كثير الدعابة والتبسم ، فإذا ذكر عنده النبي( اصفر . وما رأيته يحدث عن رسول الله ( إلا على طهارة . وقد اختلفت إليه زماناً فما كنت أراه إلا على ثلاث خصال : إما مصلياً ، وإما صامتاً ، وإما يقرأ القرآن ، ولا يتكلم فيما لا يعنيه ، وكان من العلماء والعباد الذين يخشون الله عز و جل .
-ولقد كان عبد الرحمن بن القاسم يذكر النبي ( فينظر إلى لونه كأنه نزف منه الدم ، وقد جف لسانه في فمه هيبةً لرسول الله (
-ولقد كنت آتي عامر بن عبد الله بن الزبير فإذ ا ذكر عنده النبي ( بكى حتى لا يبقى في عينيه دموع .
-ولقد رأيت الزهري ـ وكان من أهنأ الناس وأقربهم ، فإذا ذكر عنده النبي ( فكأنه ما عرفك ولا عرفته .
-ولقد كنت آتي صفوان بن سليم ، وكان من المتعبدين المجتهدين ، فإذا ذكر النبي ( بكى ، فلا يزال يبكي حتى يقوم الناس عنه و يتركوه .
-وروي عن قتادة أنه كان إذا سمع الحديث أخذه العويل والزويل .
-ولما كثر على مالك الناس قيل له : لو جعلت مستملياً يسمعهم ؟ فقال : قال الله تعالى : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيَِّ) (الحجرات : 2 ) وحرمته حياً وميْتاً سواء .
-وكان ابن سيرين ربما يضحك ، فإذا ذكر عنده حديث النبي ( خشع .(1/157)
-وكان عبد الرحمن بن مهدي إذا قرأ حديث النبي ( أمرهم بالسكوت ، وقال :( لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيَِّ) (الحجرات : 2 ) ويتأول أنه يجب له من الإنصات عند قراءة حديثه ما يجب له عند سماع قوله .
الفصل الرابع
في سيرة السلف في تعظيم رواية حديث الرسول ( وسننه
*حدثنا الحسين بن محمد الحافظ ، حدثنا أبو الفضل بن خيرون ، حدثنا أبو بكر البرقاني و غيره ، حدثنا أبو الحسن الدار قطني ، حدثنا علي بن مبشر ، حدثنا أحمد ابن سنان القطان ، حدثنا يزيد بن هارون ، حدثنا المسعودي ، عن مسلم البطين ، عن عمرو بن ميمون ، قال : اختلفت إلى ابن مسعود سنةً ، فما سمعته يقول : قال رسول الله ( ، إلا أنه حدث يوماً فجرى على لسانه : قال رسول الله ( ، ثم علاه كرب ، حتى رأيت العرق يتحدر عن جبهته ، ثم قال : هكذا إن شاء الله ، أو فوق ذا ، أو ما دون ذا ، أو ما هو قريب من ذا .وفي رواية : فتربد وجهه .وفي رواية : وقد تغرغرت عيناه ، وانتفخت أوداجه .
-وقال إبراهيم بن عبد الله بن قريم الأنصاري قاضي المدينة : مر مالك بن أنس على أبي حازم ، وهو يحدث ، فجازه ، وقال : إني لم أجد موضعاً أجلس فيه ، فكرهت أن آخذ حديث رسول الله ( وأنا قائم .
-وقال مالك : جاء رجل إلى ابن المسيب ، فسأله عن حديث وهو مضطجع ، فجلس وحدثه ، فقال له الرجل : وددت أنك لم تتعن ، فقال : إني كرهت أن أحدثك عن رسول الله ( وأنا مضطجع .
-وروي عن محمد بن سيرين أنه قد يكون يضحك ، فإذا ذكر عنده حديث النبي ( خشع .
-وقال أبو مصعب : كان مالك بن أنس لا يحدث بحديث رسول الله ( إلا وهو على وضوء ، إجلالاً له .
-وحكى مالك ذلك عن جعفر بن محمد .
-وقال مصعب بن عبد الله : كان مالك بن أنس إذا حدث عن رسول الله ( توضأ وتهيأ ، ولبس ثيابه ، ثم يحدث .
-قال مصعب : فسئل عن ذلك ، فقال : إنه حديث رسول الله ( .(1/158)
-قال مطرف : كان إذا أتى الناس مالكاً خرجت إليهم الجارية فتقول لهم : يقول لكم الشيخ : تريدون الحديث أو المسائل ؟ فإن قالوا المسائل خرج إليهم ، وإن قالوا الحديث دخل مغتسله ، واغتسل وتطيب ، ولبس ثياباً جدداً ، ولبس ساجه وتعمم ، ووضع على رأسه رداء ، وتلقى له منصة ، فيجرخ فيجلس عليها وعليه الخشوع ، ولا يزال يبخر بالعود حتى يفرغ من حديث رسول الله ( .
قال : ولم يكن يجلس على تلك المنصة إلا إذا حدث عن رسول الله (.
-قال ابن أبي أويس : فقيل لمالك في ذلك ، فقال : أحب أن أعظم حديث رسول الله ( ، ولا أحدث به إلا عن طهارة متمكناً .
-قال : و كان يكره أن يحدث في الطريق ، أو وهو قائم ، أو مستعجل .
-و قال : أحب أن أفهم حديث رسول الله ( .
-قال ضرارة بن مرة : كانوا يكرهون أن يحدثوا بحديث على غير وضوء .
-ونحوه عن قتادة .
-وكان الأعمش إذا حدث وهو على غير وضوء تيمم .
-وكان قتادة لا يحدث إلا على طهارة ، ولا يقرأ حديث النبي (إلا على وضوء .
-قال عبد الله بن مبارك : كنت عند مالك ، وهو يحدثنا ، فلدغته عقرب ست عشرة مرةً ، وهو يتغير لونه ويصفر ولا يقطع حديث رسول الله ( .فلما فرغ من المجلس ، وتفرق الناس عنه قلت له : يا أبا عبد الله ، لقد رأيت اليوم منك عجباً . قال: نعم ، لدغتني عقرب ست عشرة مرة ، وأنا صابر في جميع ذلك ، وإنما صبرت إجلالاً لحديث رسول الله ( .
-قال ابن مهدي : مشيت يوماً مع مالك إلى العقيق ، فسألته عن حديث ، فانتهزني وقال لي : كنت في عيني أجل من أن تسأل عن حديث رسول الله ( ونحن نمشي .
-وسأله جرير بن عبد الحميد القاضي عن حديث وهو قائم ، فأمر بحبسه ، فقيل له : إنه قاض . قال : القاضي أحق من أدب .
-وذكر أن هشام بن هشام بن الغازي سأل مالكاً عن حديث وهو واقف فضربه عشرين سوطاً ، ثم أشفق عليه ، فحدثه عشرين حديثاً ، فقال هشام : وددت لو زادني سياطاً ويزيدني حديثاً .(1/159)
-قال عبد الله بن صالح : كان ماك والليث لا يكتبان الحديث إلا وهما طاهران .
-وكان قتادة يستحب ألا تقرأ أحاديث النبي صلى الله عليه و سلم إلا على وضوء ، ولا يحدث إلا على طهارة .
-وكان الأعمش إذا أراد أن يحدث وهو على غير وضوء تيمم .
الفصل الخامس
في توقيره ( وبر آله ، وذريته ، وأمهات المؤمنين أزواجه
قال القاضي أبو الفضل رحمه الله : ومن توقيره ( وبره ـ بر آله وذريته وأمهات المؤمنين أزواجه ، كما حض عليه (، وسلكه السلف الصالح رضي الله عنهم .
قال الله تعالى :( إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً) (الأحزاب : 33 )
-وقال تعالى : (وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ ) (الأحزاب : 6 )
-أخبرنا الشيخ أبو محمد بن أحمد العدل من كتابه ، وكتبت من أصله : حدثنا أبو الحسن المقرئ الفرغاني حدثتني أم القاسم بنت الشيخ أبي بكر الخفاف ، قالت : حدثني أبي ، حدثنا حاتم ـ هو ابن عقيل ، حدثنا يحيى ـ هو ابن إسماعيل ، حدثنا يحيى ـ هو الحماني ، حدثنا وكيع ، عن أبيه ، عن سعيد بن مسروق ، عن يزيد بن حيان ، عن زيد بن أرقم ، قال : قال رسول الله ( : أنشدكم الله أهل بيتي . . . ثلاثاً . قلنا لزيد : من أهل بيته ؟ قال : آل علي ، وآل جعفر ، وآل عقيل ، وآل العباس .(1/160)
(قلت : رواه مسلم في كتاب فضائل الصحابة رضي الله تعالى عنهم - باب من فضائل علي بن أبي طالب، رضي الله عنه حدثني زهير بن حرب وشجاع بن مخلد. جميعا عن ابن علية. قال زهير: حدثنا إسماعيل بن إبراهيم. حدثني أبو حيان. حدثني يزيد بن حيان. قال: انطلقت أنا وحصين بن سبرة وعمر بن مسلم إلى زيد بن أرقم. فلما جلسنا إليه قال له حصين: لقد لقيت، يا زيد! خيرا كثيرا. رأيت رسول الله ( . وسمعت حديثه. وغزوت معه. وصليت خلفه. لقد لقيت، يا زيد خيرا كثيرا. حدثنا، يا زيد! ما سمعت من رسول الله (. قال: يا ابن أخي! والله! لقد كبرت سني. وقدم عهدي. ونسيت بعض الذي كنت أعي من رسول الله ( . فما حدثتكم فاقبلوا. وما لا، فلا تكلفونيه. ثم قال: قام رسول الله ( يوما فينا خطيبا. بماء يدعى خما. بين مكة والمدينة . فحمد الله وأثنى عليه. ووعظ وذكر. ثم قال "أما بعد. ألا أيها الناس! فإنما أنا بشر يوشك أن يأتي رسول ربي فأجيب. وأنا تارك فيكم ثقلين: أولهما كتاب الله فيه الهدى والنور فخذوا بكتاب الله. واستمسكوا به" فحث على كتاب الله ورغب فيه. ثم قال "وأهل بيتي. أذكركم الله في أهل بيتي. أذكركم الله في أهل بيتي. أذكركم الله في أهل بيتي". فقال له حصين: ومن أهل بيته؟ يا زيد! أليس نساؤه من أهل بيته؟ قال: نساؤه من أهل بيته. ولكن أهل بيته من حرم الصدقة بعده. قال: وهم؟ قال: هم آل علي، وآل عقيل، وآل جعفر، وآل عباس. قال: كل هؤلاء حرم الصدقة؟ قال: نعم.
-وقال ( : إني تارك فيكم ما إن أخذتم به لم تضلوا : كتاب الله ، وعترتي أهل بيتي ، فانظروا كيف تخلفوني فيهما .
( قلت :ورواه الترمذي قال :(1/161)
حدثنا علي بن المنذر كوفي حدثنا محمد بن فضيل قال حدثنا الأعمش عن عطية عن أبي سعيد والأعمش عن حبيب بن أبي ثابت عن زيد بن أرقم رضي الله عنهما قالا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إني تارك فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا بعدي أحدهما أعظم من الآخر كتاب الله حبل ممدود من السماء إلى الأرض وعترتي أهل بيتي ولن يتفرقا حتى يردا علي الحوض فانظروا كيف تخلفوني فيهما...
قال ابو عيسى هذا حديث حسن غريب
وأخرجه السيوطي في الجامع الصغير وعزاه إلى : (حم طب) عن زيد بن ثابت.
إني تارك فيكم خليفتين كتاب الله حبل ممدود ما بين السماء والأرض وعترتي أهل بيتي وإنهما لن يتفرقا حتى يردا علي الحوض .
وقال ( : معرفة آل محمد ( براءة من النار ، وحب آل محمد جواز على الصراط ، والولاية لآل محمد أمان من العذاب .
-قال بعض العلماء : معرفتهم هي معرفة مكانهم من النبي ( وإذا عرفهم بذلك عرف وجوب حقهم وحرمتهم بسببه .
( قلت : قال الشبخ الألباني : موضوع
-وعن عمر بن أبي سلمة : لما نزلت :( إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً) (الأحزاب : 33 ) ـ وذلك في بيت أم سلمة ـ دعا فاطمة وحسنا وحسينا ، فجللهم بكساء ، وعلي خلف ظهره فجلله بكسائه، ثم قال : اللهم هؤلاء أهل بيتي ، فأذهب عنهم الرجس ، وطهرهم تطهيرا .
( قلت : رواه الترمذي في جامعه ، قال :(1/162)
1-حدثنا قتيبة حدثنا محمد بن سليمان الأصبهاني عن يحيى بن عبيد عن عطاء بن أبي رباح عن عمر بن أبي سلمة ربيب النبي صلى الله عليه وسلم قال لما نزلت هذه الآية على النبي ({ إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا } في بيت أم سلمة فدعا فاطمة وحسنا وحسينا فجللهم بكساء وعلي خلف ظهره فجللهم بكساء ثم قال: اللهم هؤلاء أهل بيتي فأذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا ....قالت أم سلمة وأنا معهم يا نبي الله .. قال : أنت على مكانك وأنت على خير .
قال هذا حديث غريب من حديث عطاء عن عمر بن أبي سلمة .
قال الترمذي : حديث غريب..
2-حدثنا قتيبة حدثنا محمد بن سليمان الأصبهاني عن يحيى بن عبيد عن عطاء بن أبي رباح عن عمر بن أبي سلمة ربيب النبي صلى الله عليه وسلم قال نزلت هذه الآية على النبي ( { إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا } في بيت أم سلمة فدعا النبي ( فاطمة وحسنا وحسينا فجللهم بكساء وعلي خلف ظهره فجلله بكساء ثم قال: اللهم هؤلاء أهل بيتي فاذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا... قالت أم سلمة : وأنا معهم يا نبي الله.. قال: أنت على مكانك وأنت إلى خير
قال أبو عيسى: وفي الباب عن أم سلمة ومعقل بن يسار وأبي الحمراء وأنس.. قال وهذا حديث غريب من هذا الوجه .. وقال الشيخ الألباني : صحيح
3-حدثنا محمود بن غيلان حدثنا أبو أحمد الزبيري حدثنا سفيان عن زبيد عن شهر بن حوشب عن أم سلمةأن النبي ( جلل على الحسن والحسين وعلي وفاطمة كساء ثم قال : اللهم هؤلاء أهل بيتي وخاصتي أذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا.. فقالت أم سلمة : وأنا معهم يا رسول الله... قال: إنك إلى خير .
قال أبو عيسى هذا حديث حسن وهو أحسن شيء روي في هذا وفي الباب عن عمر بن أبي سلمة وأنس بن مالك وأبي الحمراء ومعقل بن يسار وعائشة ... وقال الشيخ الألباني : صحيح(1/163)
-وعن سعد بن أبي وقاص : لما نزلت آية المباهلة دعا النبي ( عليا وحسناً والحسين وفاطمة ، وقال : اللهم هؤلاء أهلي .
( قلت : أخرجه اإمام أحمد في المسند
حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا محمد بن مصعب قال ثنا الأوزاعي عن شداد أبي عمار قال دخلت على واثلة بن الأسقع وعنده قوم فذكروا عليا فلما قاموا قال لي ألا أخبرك : بما رأيت من رسول الله ( قلت بلى قال أتيت فاطمة رضي الله تعالى عنها أسألها عن علي قالت توجه إلى رسول الله (فجلست أنتظره حتى جاء رسول الله ( ومعه علي وحسن وحسين رضي الله تعالى عنهم آخذ كل واحد منهما بيده حتى دخل فأدنى عليا وفاطمة فأجلسهما بين يديه واجلس حسنا وحسينا كل واحد منهما على فخذه ثم لف عليهم ثوبه أو قال كساءه ثم تلا هذه الآية { إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا } وقال: اللهم هؤلاء أهل بيتي وأهل بيتي أحق
وأخرجه التبريزي في مشكاته عن سعد بن أبي وقاص قال لما نزلت هذه الآية (ندع أبناءنا وأبناءكم) دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم عليا وفاطمة وحسنا وحسينا فقال اللهم هؤلاء أهل بيتي...
وقفة مع الإمام ابن كثير في تفسير قوله تعالى :
(إِنّ مَثَلَ عِيسَىَ عِندَ اللّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِن تُرَابٍ ثِمّ قَالَ لَهُ كُن فَيَكُونُ * الْحَقّ مِن رّبّكَ فَلاَ تَكُنْ مّن الْمُمْتَرِينَ * فَمَنْ حَآجّكَ فِيهِ مِن بَعْدِ مَا جَآءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْاْ نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَآءَكُمْ وَنِسَآءَنَا وَنِسَآءَكُمْ وَأَنْفُسَنَا وأَنْفُسَكُمْ ثُمّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَل لّعْنَةُ اللّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ * إِنّ هََذَا لَهُوَ الْقَصَصُ الْحَقّ وَمَا مِنْ إِلََهٍ إِلاّ اللّهُ وَإِنّ اللّهَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ * فَإِن تَوَلّوْاْ فَإِنّ اللّهَ عَلِيمٌ بِالْمُفْسِدِينَ ( (آل عمران )(1/164)
يقول جل وعلا: {إن مثل عيسى عند الله} في قدرة الله حيث خلقه من غير أب {كمثل آدم} حيث خلقه من غير أب ولا أم بل {خلقه من تراب ثم قال له كن فيكون} فالذي خلق آدم من غير أب, قادر على أن يخلق عيسى بطريق الأولى والأحرى, وإن جاز ادعاء البنوة في عيسى لكونه مخلوقاً من غير أب, فجواز ذلك في آدم بالطريق الأولى, ومعلوم بالإتفاق أن ذلك باطل, فدعواها في عيسى أشد بطلاناً وأظهر فساداً, ولكن الرب جل جلاله أراد أن يظهر قدرته لخلقه حين خلق آدم لا من ذكر ولا من أنثى, وخلق حواء من ذكر بلا أنثى, وخلق عيسى من أنثى بلا ذكر, كما خلق بقية البرية من ذكر وأنثى, ولهذا قال تعالى في سورة مريم {ولنجعله آية للناس} وقال ههنا: {الحق من ربك فلا تكن من الممترين} أي هذا هو القول الحق في عيسى الذي لا محيد عنه ولا صحيح سواه, وماذا بعد الحق إلا الضلال. ثم قال تعالى آمراً رسوله (, أن يباهل من عاند الحق في أمر عيسى بعد ظهور البيان {فمن حاجّك فيه من بعد ما جاءك من العلم فقل تعالوا ندع أبناءنا وأبناءكم ونساءنا ونساءكم وأنفسنا وأنفسكم} أي نحضرهم في حال المباهلة {ثم نبتهل} أي نلتعن {فنجعل لعنة الله على الكاذبين} أي منا أو منكم. وكان سبب نزول هذه المباهلة وما قبلها من أول السورة إلى هنا في وفد نجران, أن النصارى لما قدموا فجعلوا يحاجون في عيسى ويزعمون فيه ما يزعمون من البنوة والإلهية, فأنزل الله صدر هذه السورة رداً عليهم..(1/165)
قال ابن إسحاق في سيرته المشهورة وغيره: قدم على رسول الله ( وفد نصارى نجران ستون راكباً, فيهم أربعة عشر رجلاً من أشرافهم يؤول أمرهم إليهم وهم: العاقب واسمه عبد المسيح, والسيد وهو الأيهم, وأبو حارثة بن علقمة أخو بكر بن وائل, وأويس بن الحارث, وزيد, وقيس, ويزيد ونبيه, وخويلد, وعمرو, وخالد, وعبد الله, ويُحَنّس, وأمر هؤلاء يؤول إلى ثلاثة منهم وهم العاقب, وكان أمير القوم وذا رأيهم وصاحب مشورتهم, والذي لا يصدرون إلا عن رأيه, والسيد وكان عالمهم وصاحب رحلهم ومجتمعهم, وأبو حارثة بن علقمة وكان أسقفهم وحبرهم وإمامهم وصاحب مدارسهم, وكان رجلاً من العرب من بني بكر بن وائل, ولكنه تنصر فعظمته الروم وملوكها وشرفوه, وبنوا له الكنائس وأخدموه لما يعلمونه من صلابته في دينهم, وقد كان يعرف أمر رسول الله ( وصفته وشأنه مما علمه من الكتب المتقدمة, ولكن حمله جهله على الاستمرار في النصرانية لما يرى من تعظيمه فيها وجاهه عند أهلها, قال ابن إسحاق: وحدثني محمد بن جعفر بن الزبير, قال: قدموا على رسول الله ( المدينة, فدخلوا عليه مسجده حين صلى العصر, عليهم ثياب الحبرات جبب وأردية في جمال رجال بني الحارث بن كعب, قال: يقول من رآهم من أصحاب النبي ( : ما رأينا بعدهم وفداً مثلهم: وقد حانت صلاتهم فقاموا في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم, فقال رسول الله ( "دعوهم" فصلوا إلى المشرق, قال: فكلم رسول الله ( منهم أبو حارثة بن علقمة, والعاقب عبد المسيح, والسيد الأيهم وهم من النصرانية على دين الملك مع اختلاف أمرهم يقولون: هو الله, ويقولون: هو ولد الله, ويقولون: هو ثالث ثلاثة, تعالى الله عن قولهم علواً كبيراً. وكذلك قول النصرانية, فهم يحتجون في قولهم هو الله, بأنه كان يحيى الموتى ويبرىء الأكمه والأبرص والأسقام, ويخبر بالغيوب, ويخلق من الطين كهيئة الطير فينفخ فيه فيكون طيراً, وذلك كله بأمر الله. وليجعله الله آية للناس,(1/166)
ويحتجون على قولهم بأنه ابن الله يقولون: لم يكن له أب يعلم, وقد تكلم في المهد بشيء لم يسمعه أحد من بني آدم قبله, ويحتجون على قولهم بأنه ثالث ثلاثة بقول الله تعالى: فعلنا وأمرنا وخلقنا وقضينا فيقولون لو كان واحداً ما قال إلا فعلت وأمرت وقضيت وخلقت, ولكنه هو وعيسى ومريم ـ تعالى الله وتقدس وتنزه عما يقول الظالمون والجاحدون علواً كبيراً ـ وفي كل ذلك من قولهم: قد نزل القرآن, فلما كلمه الحبران, قال لهما رسول الله ( "أسلما" قالا: قد أسلمنا, قال: "إنكما لم تسلما فأسلما". قالا: بلى قد أسلمنا قبلك. قال: "كذبتما يمنعكما من الإسلام دعاؤكما لله ولداً وعبادتكما الصليب وأكلكما الخنزير". قالا: فمن أبوه يا محمد ؟ فصمت رسول الله ( عنهما فلم يجبهما, فأنزل الله في ذلك من قولهم واختلاف أمرهم صدر سورة آل عمران إلى بضع وثمانين آية منها, ثم تكلم ابن إسحاق على تفسيرها إلى أن قال: فلما أتى رسول الله ( الخبر من الله والفصل من القضاء بينه وبينهم وأمر بما أمر به من ملاعنتهم إن ردوا ذلك عليه دعاهم إلى ذلك, فقالوا: يا أبا القاسم, دعنا ننظر في أمرنا ثم نأتيك بما نريد أن نفعل فيما دعوتنا إليه, ثم انصرفوا عنه, ثم خلوا بالعاقب, وكان ذا رأيهم فقالوا: يا عبد المسيح ماذا ترى ؟ فقال: والله يا معشر النصارى لقد عرفتم أن محمداً لنبي مرسل, ولقد جاءكم بالفصل من خبر صاحبكم, ولقد علمتم أنه ما لاعن قوم نبياً قط, فبقي كبيرهم ولا نبت صغيرهم, وإنه للاستئصال منكم إن فعلتم, فإن كنتم أبيتم إلا إلف دينكم والإقامة على ما أنتم عليه من القول في صاحبكم, فوادعوا الرجل وانصرفوا إلى بلادكم, فأتوا النبي ( فقالوا: يا أبا القاسم, قد رأينا ألا نلاعنك ونتركك على دينك ونرجع على ديننا ولكن ابعث معنا رجلاً من أصحابك ترضاه لنا يحكم بيننا في أشياء اختلفنا فيها في أموالنا, فإنكم عندنا رضا, قال محمد بن جعفر: فقال رسول الله ( "ائتوني العشية أبعث(1/167)
معكم القوي الأمين" فكان عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقول: ما أحببت الإمارة قط حبي إياها يومئذ, رجاء أن أكون صاحبها, فرحت إلى الظهر مهجراً, فلما صلى رسول الله ( الظهر, سلم ثم نظر عن يمينه وشماله, فجعلت أتطاول له ليراني فلم يزل يلتمس ببصره حتى رأى أبا عبيدة بن الجراح فدعاه, فقال "اخرج معهم فاقض بينهم بالحق فيما اختلفوا فيه". قال عمر: فذهب بها أبو عبيدة رضي الله عنه.
وقد روى ابن مردويه من طريق محمد بن إسحاق, عن عاصم بن عمر بن قتادة, عن محمود بن لبيد, عن رافع بن خديج: أن وفد أهل نجران قدموا على رسول الله ( , فذكر نحوه, إلا أنه قال في الأشراف: كانوا اثني عشر, وذكر بقيته بأطول من هذا السياق, وزيادات أخر.
وقال البخاري: حدثنا عباس بن الحسين, حدثنا يحيى بن آدم, عن إسرائيل, عن أبي إسحاق, عن صلة بن زفر, عن حذيفة رضي الله عنه, قال: جاء العاقب والسيد صاحبا نجران إلى رسول الله ( يريدان أن يلاعناه, قال: فقال: أحدهما لصاحبه: لا تفعل فو الله لئن كان نبياً فلاعناه لا نفلح نحن ولا عقبنا من بعدنا, قالا: إنا نعطيك ما سألتنا وابعث معنا رجلاً أميناً ولا تبعث معنا إلا أميناً, فقال "لأبعثن معكم رجلاً أميناً حق أمين" فاستشرف لها أصحاب رسول الله (, فقال "قم يا أبا عبيدة بن الجراح" فلما قام, قال رسول الله ( : " هذا أمين هذه الأمة" رواه البخاري ومسلم والترمذي والنسائي وابن ماجه من طرق عن أبي إسحاق السبيعي عن صلة, عن حذيفة, بنحوه وقد رواه أحمد والنسائي وابن ماجه من حديث إسرائيل عن أبي إسحاق, عن صلة, عن ابن مسعود بنحوه(1/168)
وقال البخاري: حدثنا أبو الوليد حدثنا شعبة عن خالد, عن أبي قلابة, عن أنس, عن رسول الله صلى الله عليه وسلم, قال "لكل أمة أمين, وأمين هذه الأمة أبو عبيدة بن الجراح" وقال الإمام أحمد: حدثنا إسماعيل بن يزيد الرقي أبو يزيد, حدثنا فرات عن عبد الكريم بن مالك الجزري, عن عكرمة, عن ابن عباس, قال: قال أبو جهل قبحه الله, إن رأيت محمداً يصلي عند الكعبة لاَتينه حتى أطأ على رقبته, قال: فقال "لو فعل لأخذته الملائكة عياناً, ولو أن اليهود تمنوا الموت لماتوا ولرأوا مقاعدهم من النار, ولو خرج الذين يباهلون رسول الله ( لرجعوا لا يجدون مالاً ولا أهلاً", وقد رواه الترمذي والنسائي من حديث عبد الرزاق, عن معمر, عن عبد الكريم به, وقال الترمذي: حسن صحيح.(1/169)
وقد روى البيهقي في دلائل النبوة قصة وفد نجران مطولة جداً, ولنذكره فإن فيه فوائد كثيرة, وفيه غرابة, وفيه مناسبة لهذا المقام, قال البيهقي: حدثنا أبو عبد الله الحافظ وأبو سعيد محمد بن موسى بن الفضل, قالا: حدثنا أبو العباس محمد بن يعقوب, حدثنا أحمد بن عبد الجبار, حدثنا يونس بن بكير, عن سلمة بن عبد يسوع, عن أبيه, عن جده, قال يونس ـ وكان نصرانياً فأسلم ـ: إن رسول الله ( , كتب إلى أهل نجران قبل أن ينزل عليه طس سليمان "باسم إله إبراهيم وإسحاق ويعقوب, من محمد النبي رسول الله إلى أسقف نجران وأهل نجران أسلم أنتم, فإني أحمد إليكم إله إبراهيم وإسحاق ويعقوب. أما بعد فإني أدعوكم إلى عبادة الله من عبادة العباد, وأدعوكم إلى ولاية الله من ولاية العباد, فإن أبيتم فالجزية, فإن أبيتم فقد آذنتكم بحرب, والسلام". فلما أتى الأسقف الكتاب وقرأه فظع به, وذعره ذعراً شديداً, وبعث إلى رجل من أهل نجران يقال له شرحبيل بن وداعة, وكان من همدان, ولم يكن أحد يدعى إذا نزلت معضلة قبله لا الأيهم ولا السيد ولا العاقب, فدفع الأسقف كتاب رسول الله ( إلى شرحبيل فقرأه, فقال الأسقف: يا أبا مريم ما رأيك ؟ فقال شرحبيل: قد علمت ما وعد الله إبراهيم في ذرية إسماعيل من النبوة, فما يؤمن أن يكون هذا هو ذاك الرجل, ليس لي في أمر النبوة رأي, ولو كان في أمر من أمور الدنيا لأشرت عليك فيه برأيي واجتهدت لك, فقال الأسقف: تنح فاجلس, فتنحى شرحبيل فجلس ناحية, فبعث الأسقف إلى رجل من أهل نجران يقال له عبد الله بن شرحبيل, وهو من ذي أصبح من حمير, فأقرأه الكتاب وسأله عن الرأي فيه فقال له مثل قول شرحبيل, فقال له الأسقف: تنح فاجلس, فتنحى عبد الله فجلس ناحية, فبعث الأسقف إلى رجل من أهل نجران يقال له جبار بن فيض من بني الحارث بن كعب أحد بني الحماس, فأقرأه الكتاب, وسأله عن الرأي فيه ؟ فقال له مثل قول شرحبيل وعبد الله, فأمره الأسقف, فتنحى فجلس(1/170)
ناحية, فلما اجتمع الرأي منهم على تلك المقالة جميعاً, أمر الأسقف بالناقوس فضرب به, ورفعت النيران والمسوح في الصوامع, وكذلك كانوا يفعلون إذا فزعوا بالنهار, وإذا كان فزعهم ليلاً ضربوا بالناقوس ورفعت النيران في الصوامع, فاجتمعوا حين ضرب بالناقوس ورفعت المسوح, أهل الوادي أعلاه وأسفله. وطول الوادي مسيرة يوم للراكب السريع, وفيه ثلاث وسبعون قرية وعشرون ومائة ألف مقاتل, فقرأ عليهم كتاب رسول الله ( , وسألهم عن الرأي فيه, فاجتمع رأي أهل الرأي منهم على أن يبعثوا شرحبيل بن وداعة الهمداني وعبد الله بن شرحبيل الأصبحي وجبار بن فيض الحارثي, فيأتونهم بخبر رسول الله ( , فانطلق الوفد حتى إذا كانوا بالمدنية وضعوا ثياب السفر عنهم, ولبسوا حللاً لهم يجرونها من حبرة وخواتيم الذهب, ثم انطلقوا حتى أتوا رسول الله ( فسلموا عليه, فلم يرد عليهم, وتصدوا لكلامه نهاراً طويلاً, فلم يكلمهم وعليهم تلك الحلل وخواتيم الذهب, فانطلقوا يتبعون عثمان بن عفان وعبد الرحمن بن عوف, وكانا معرفة لهم, فوجدوهما في ناس من المهاجرين والأنصار في مجلس, فقالوا: يا عثمان ويا عبد الرحمن, إن نبيكم كتب إلينا كتاباً فأقبلنا مجيبين له, فأتيناه فسلمنا عليه فلم يرد سلامنا, وتصدينا لكلامه نهاراً طويلاً, فأعيانا أن يكلمنا, فما الرأي منكما, أترون أن نرجع ؟ فقالا لعلي بن أبي طالب وهو في القوم: ما ترى يا أبا الحسن في هؤلاء القوم ؟ فقال علي لعثمان وعبد الرحمن: أرى أن يضعوا حللهم هذه وخواتيمهم, ويلبسوا ثياب سفرهم ثم يعودون إليه, ففعلوا فسلموا عليه فرد سلامهم, ثم قال "والذي بعثني بالحق, لقد أتوني المرة الأولى وإن إبليس لمعهم". ثم سألهم سألوة, فلم تزل به وبهم المسألة حتى قالوا له: ما تقول في عيسى, فإنا نرجع إلى قومنا ونحن نصارى, يسرنا إن كنت نبياً أن نسمع ما تقول فيه ؟ فقال رسول الله ( "ما عندي فيه شيء يومي هذا, فأقيموا(1/171)
حتى أخبركم بما يقول لي ربي في عيسى" فأصبح الغد وقد أنزل الله هذه الاَية {إن مثل عيسى عند الله كمثل آدم ـ إلى قوله ـ الكاذبين} فأبوا أن يقروا بذلك, فلما أصبح رسول الله ( الغد بعد ما أخبرهم الخبر, أقبل مشتملاً على الحسن والحسين في خميل له, وفاطمة تمشي عند ظهره للملاعنة, وله يومئذ عدة نسوة, فقال شرحبيل لصاحبيه: لقد علمتما أن الوادي إذا اجتمع أعلاه وأسفله لم يردوا ولم يصدروا إلا عن رأيي, وإني والله أرى أمراً ثقيلاً, والله لئن كان هذا الرجل ملكاً مبعوثاً فكنا أول العرب طعناً في عينيه ورداً عليه أمره, لا يذهب لنا من صدره ولا من صدور أصحابه حتى يصيبونا بجائحة, وإنا لأدنى العرب منهم جواراً, ولئن كان هذا الرجل نبياً مرسلاً فلاعناه, لا يبقى منا على وجه الأرض شعر ولا ظفر إلا هلك, فقال له صاحباه: فما الرأي يا أبا مريم ؟ فقال: أرى أن أحكمه, فإني أرى رجلاً لا يحكم شططاً أبداً, فقالا: له: أنت وذاك, قال: فلقي شرحبيل رسول الله ( فقال له: إني قد رأيت خيراً من ملاعنتك. فقال: وما هو ؟ فقال: حكمك اليوم إلى الليل وليلتك إلى الصباح, فمهما حكمت فينا فهو جائز, فقال رسول الله ( "لعل وراءك أحداً يثرب عليك" ؟ فقال شرحبيل: سل صاحبي, فسألهما فقالا: ما يرد الوادي ولا يصدر إلا عن رأي شرحبيل. فرجع رسول الله ( فلم يلاعنهم حتى إذا كان من الغد أتوه, فكتب لهم هذا الكتاب "بسم الله الرحمن الرحيم هذا ما كتب النبي محمد رسول الله لنجران ـ إن كان عليهم حكمه ـ في كل ثمرة وكل صفراء وبيضاء وسوداء ورقيق فاضل عليهم, وترك ذلك كله لهم على ألفي حلة, في كل رجب ألف حلة, وفي كل صفر ألف حلة" وذكر تمام الشروط وبقية السياق.(1/172)
والغرض أن وفودهم كان في سنة تسع, لأن الزهري قال: كان أهل نجران أول من أدى الجزية إلى رسول الله ( , وآية الجزية إنما أنزلت بعد الفتح, وهي قوله تعالى {قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الاَخر} الاَية, وقال أبو بكر بن مردويه: حدثنا سليمان بن أحمد حدثنا أحمد بن داود المكي, حدثنا بشر بن مهران حدثنا محمد بن دينار, عن داود بن أبي هند, عن الشعبي, عن جابر, قال: قدم على النبي ( العاقب والطيب, فدعاهما إلى الملاعنة فواعداه على أن يلاعناه الغداة, قال: فغدا رسول الله ( , فأخذ بيد علي وفاطمة والحسن والحسين, ثم أرسل إليهما, فأبيا أن يجيبا وأقرا له بالخراج, قال: فقال رسول الله ( "والذي بعثني بالحق لو قالا: لا, لأمطر عليهم الوادي ناراً" قال جابر, وفيهم نزلت {ندع أبناءنا وأبناءكم ونساءنا ونساءكم وأنفسنا وأنفسكم} قال جابر {أنفسنا وأنفسكم} رسول الله ( وعلي بن أبي طالب {وأبناءنا} الحسن والحسين {ونساءنا} فاطمة. وهكذا رواه الحاكم في مستدركه عن علي بن عيسى, عن أحمد بن محمد الأزهري, عن علي بن حجر, عن علي بن مسهر, عن داود بن أبي هند به بمعناه, ثم قال: صحيح على شرط مسلم, ولم يخرجاه هكذا قال وقد رواه أبو داود الطيالسي, عن شعبة, عن المغيرة عن الشعبي مرسلاً, وهذا أصح, وقد روي عن ابن عباس والبراء نحو ذلك, ثم قال الله تعالى: {إن هذا لهو القصص الحق} أي هذا الذي قصصناه عليك يا محمد في شأن عيسى هو الحق الذي لا معدل عنه ولا محيد {وما من إله إلا الله, وإن الله لهو العزيز الحكيم * فإن تولوا} أي عن هذا إلى غيره {فإن الله عليم بالمفسدين} أي من عدل عن الحق إلى الباطل فهو المفسد والله عليم به, وسيجزيه على ذلك شر الجزاء وهو القادر الذي لا يفوته شيء سبحانه وبحمده ونعوذ به من حلول نقمته...
-وقال النبي ( في علي : من كنت مولاه فعلي مولاه ، اللهم والِ من والاه ، وعادِ من عاداه .
( قلت : رواه الإمام أحمد في المسند،(1/173)
حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا بن نمير ثنا عبد الملك عن أبي عبد الرحيم الكندي عن زاذان بن عمر قال سمعت عليا : في الرحبة وهو ينشد الناس من شهد رسول الله ( يوم غدير خم وهو يقول ما قال فقام ثلاثة عشر رجلا فشهدوا أنهم سمعوا رسول الله ( وهو يقول: من كنت مولاه فعلي مولاه ...
ورى ابن ماجه في سننه ، قال : حدثنا علي بن محمد ثنا أبو الحسين أخبرني حماد بن سلمة عن علي بن زيد بن جدعان عن عدي بن ثابت عن البراء بن عازب قالأقبلنا مع رسول الله ( في حجته التي حج فنزل في بعض الطريق فأمر الصلاة جامعة فأخذ بيد علي فقال: ألست أولى بالمؤمنين من أنفسهم ؟ قالوا بلى.. قال: ألست أولى بكل مؤمن من نفسه؟ قالوا بلى.. قال: فهذا ولي من أنا مولاه اللهم وال من والاه اللهم عاد من عاداه
-وقال فيه : لا يحبك إلا مؤمن ، ولا يبغضك إلا منافق .
( قلت: رواه النسائي، وأحمد ، و الترمذي ... ، ولفظه :
حدثنا أبو عيسى الرملي عن الأعمش عن عدي بن ثابت عن زر بن حبيش عن علي قال لقد عهد إلي النبي الأمي ( أنه لا يحبك إلا مؤمن ولا يبغضك إلا منافق قال عدي بن ثابت أنا من القرن الذي دعا لهم النبي ( قال أبو عيسى هذا حديث حسن صحيح ...
-وقال للعباس : والذي نفسي بيده ، لا يدخل قلب رجل الإيمان حتى يحبكم لله ولرسوله . ومن آذى عمي فقد آذاني ، وإنما عم الرجل صنو أبيه .
( قلت : أخرجه أحمد والترمذي والحاكم
وهو في سنن الترمذي :(1/174)
- حدثنا قتيبة حدثنا أبو عوانة عن يزيد بن أبي زياد عن عبد الله بن الحرث حدثني عبد المطلب بن ربيعة بن الحارث بن عبد المطلبأن العباس بن عبد المطلب دخل على رسول الله ( مغضبا وأنا عنده فقال :ما أغضبك ؟ قال يا رسول الله ما لنا ولقريش إذا تلاقوا بينهم تلاقوا بوجوه مبشرة وإذا لقونا لقونا بغير ذلك .. قال: فغضب رسول الله ( حتى أحمر وجهه ثم قال: والذي نفسي بيده لا يدخل قلب رجل الإيمان حتى يحبكم لله ولرسوله ثم قال يا أيها الناس من آذى عمي فقد آذاني فإنما عم الرجل صنو أبيه
قال أبو عيسى هذا حديث حسن صحيح
-وقال للعباس : اغد علي يا عم مع ولدك ، فجمعهم وجللهم بملاءته ، وقال : هذا عمي وصنو أبي ، وهؤلاء أهل بيتي ، فاسترهم من النار كستري إياهم فأمنت أسكفة الباب وحوائط البيت : آمين . آمين .
( قلت : ذكره البيهقي في دلائل النبوة ، قال :
أخبرنا علي بن أحمد بن عبدان أنبأنا أحمد بن عبيد الصفار حدثنا محمد بن يونس الكديمي حدثنا عبد الله بن عثمان بن إسحاق بن سعيد الوقاصي (ح)(1/175)
وأنبأنا أبو محمد عبد الله بن يوسف الأصبهاني أنبأنا أبو قتيبة مسلم ابن الفضل البغدادي بمكة حدثنا خلف بن عمرو العكبري حدثنا إبراهيم بن عبد الله الهروي حدثنا عبد الله بن عثمان بن إسحاق بن سعد بن أبي وقاص قال حدثني أبو أمي مالك بن حمزة بن أبي أسيد الساعدي عن أبيه عن جده أبي أسيد الساعدي قال قال رسول الله للعباس بن عبد المطلب: يا أبا الفضل لا ترم منزلك غدا أنت وبنوك حتى أتيكم فإن لي فيكم حاجة... فانتظروه حتى جاء بعد ما أضحى فدخل عليهم فقال: السلام عليكم. قالوا وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته ... قال: كيف أصبحتم ؟ قالوا أصبحنا بخير نحمد الله فكيف أصبحت بأبينا وأمنا أنت يا رسول الله ؟ قال: أصبحت بخير أحمد الله فقال: تقاربوا.. تقاربوا.. تقاربوا.. يزحف بعضكم إلى بعض ...حتى إذا أمكنوه اشتمل عليهم بملاءته وقال : يا رب هذا عمي وصنو أبي وهؤلاء أهل بيتي فاسترهم من النار كستري إياهم بملاءتي هذه ....
قال فأمنت أسكفه الباب وحوائط البيت فقالت: آمين آمين آمين
لفظ حديث الهروي تفرد به عبد الله بن عثمان الوقاصي هذا وهو ممن سأل عنه عثمان الدارمي يحيى بن معين فقال لا أعرفه
-وكان يأخذ أسامة بن زيد ، والحسن ، ويقول : اللهم إني أحبهما فأحبهما .
(قلت : روى البخاري في صحيحه :قال :- حدثنا موسى بن إسماعيل: حدثنا معتمر قال: سمعت أبي: حدثنا أبو عثمان، عن أسامة بن زيد رضي الله عنهما: حدث عن النبي ( : أنه كان يأخذه والحسن، فيقول: (اللهم أحبهما، فإني أحبهما).
- حدثنا مسدد: حدثنا المعتمر قال: سمعت أبي قال: حدثنا أبو عثمان، عن أسامة بن زيد رضي الله عنهما، عن النبي ( : أنه كان يأخذه والحسن ويقول: (اللهم إني أحبهما، فأحبهما). أو كما قال.(1/176)
حدثنا عبد الله بن محمد: حدثنا عارم: حدثنا المعتمر بن سليمان: يحدث عن أبيه قال: سمعت أبا تميمة يحدث، عن أبي عثمان النهدي: يحدثه أبو عثمان، عن أسامة بن زيد رضي الله عنهما: كان رسول الله (يأخذني فيقعدني على فخذه، ويقعد الحسن على فخذه الآخر، ثم يضمهما، ثم يقول: (اللهم إرحمهما فإني أرحمهما).
ورواه الترمذي ، قال :
- حدثنا سفيان بن وكيع وعبد بن حميد قالا حدثنا خالد بن مخلد حدثنا موسى بن يعقوب الزمعي عن عبد الله بن أبي بكر بن زيد بن المهاجر أخبرني مسلم بن أبي سهل النبال أخبرني الحسن بن أسامة بن زيد أخبرني أبي أسامة بن زيد قال طرقت النبي ( ذات ليلة في بعض الحاجة فخرج النبي ( وهو مشتمل على شيء لا أدري ما هو فلما فرغت من حاجتي قلت ما هذا الذي أنت مشتمل عليه قال فكشفه فإذا حسن وحسين عليهما السلام على وركيه فقال: هذان ابناي وابنا ابنتي اللهم إني أحبهما فأحبهما وأحب من يحبهما ...
قال ابو عيسى: هذا حديث حسن غريب .
وفي حديث آخر :
-حدثنا محمود بن غيلان حدثنا أبو أسامة عن فضيل بن مرزوق عن عدي بن ثابت عن البراء أن النبي ( أبصر حسنا وحسينا فقال : اللهم إني أحبهما فأحبهما
قال أبو عيسى هذا حديث حسن صحيح
-وقال أبو بكر : ارقبوا محمداً في أهل بيته . وقال أيضاً : والذي نفسي بيده لقرابة رسول الله ( أحب إلي أن أصل من قرابتي .
وقال (: أحب الله من أحب حسناً وحسيناً .
( قلت : أخرجه السيوطي في الجامع الصغير وعزاه إلى البخاري في الأدب المفرد، والترمذي ،وابن ماجه ، والحاكم عن يعلى بن مرة.
حسين مني وأنا منه.. أحب الله من أحب حسينا.. الحسن والحسين سبطان من الأسباط .
ولفظ الترمذي :
حدثنا الحسن بن عرفة أخبرنا إسماعيل بن عياش عن عبد الله بن عثمان بن خثيم عن سعد بن راشد عن يعلى بن مرة قال قال رسول الله ( :
- "حسين مني وأنا من حسين، أحب الله من أحب حسينا، ح سين سبط من إلاسباط".
قال أبو عيسى : هذا حديث حسن.(1/177)
-وقال : من أحبني وأحب هذين ـ وأشار إلى حسن وحسين ـ وأباهما وأمهما كان معي في درجتي يوم القيامة .
(قلت : رواه الترمذي ، قال :
-حدثنا نصر بن علي الجهضمي حدثنا علي بن جعفر بن محمد بن علي أخبرني أخي موسى بن جعفر بن محمد عن أبيه جعفر بن محمد عن أبيه محمد بن علي عن أبيه علي بن الحسين عن أبيه عن جده علي بن أبي طالب أن رسول الله (أخذ بيد حسن وحسين فقال: من أحبني وأحب هذين وأباهما وأمهما كان معي في درجتي يوم القيامة ..
قال أبو عيسى هذا حديث حسن غريب لا نعرفه من حديث جعفر بن محمد إلا من هذا الوجه
-وقال ( : من أهان قريشاً أهانه الله .
( قلت : رواه الترمذي ، قال :
-حدثنا أحمد بن الحسن أخبرنا سليمان بن داود الهاشمي أخبرنا إسماعيل بن سعد أخبرنا صالح بن كيسان عن الزهري عن محمد ابن أبي سفيان عن يوسف بن الحكم عن محمد بن سعد عن أبيه قال: قال رسول الله (: - "من يرد هوان قريش اهأنه الله". هذا حديث غريب.
-وقال (: قدموا قريشاً ولا تقدموها .
( قلت : أخرده السيوطي في جامعه ، وعزاه إلى الطبراني ،عن عبدالله بن السائب.
قدموا قريشا ولا تقدموها وتعلموا من قريش ولا تعلموها ولولا أن تبطر قريش لأخبرتها ما لخيارها عند الله تعالى .
وفي حديث آخر عزاه السيوطي إلى الشافعي البيهقي في المعرفة ؛ عن ابن شهاب بلاغا ، وإلى ابن عدي عن أبي هريرة.
قدموا قريشا ولا تقدموها وتعلموا منها ولا تعالموها .
وأورده الألباني في إرواء الغليل ، وفي ظلال الجنة ،
* ثنا أبو بكر ثنا عبد الأعلى عن معمر عن الزهري عن سهل بن أبي حثمة قال قال رسول الله ( : قدموا قريشا ولا تقدموها
* حدثنا يعقوب بن حميد ثنا إبراهيم بن ثابت عن عمرو بن أبي عمرو عن المطلب عن جبير بن مطعم قال قال رسول الله ( :يا أيها الناس لا تقدموا قريشا فتهلكوا ولا تخلفوا عنها فتضلوا
-وقال ( لأم سلمة : لا تؤذيني في عائشة .
( قلت : رواه الترمذي ، قال :(1/178)
* حدثنا يحيى بن درست بصري حدثنا حماد بن زيد عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة قالت كان الناس يتحرون بهداياهم يوم عائشة قالت فاجتمع صواحباتي إلى أم سلمة فقلن يا أم سلمة إن الناس يتحرون بهداياهم يوم عائشة وإنا نريد الخير كما تريد عائشة فقولي لرسول الله ( يأمر الناس يهدون إليه أينما كان فذكرت ذلك أم سلمة فأعرض عنها ثم عاد إليها فأعادت الكلام فقالت يا رسول الله إن صواحباتي قد ذكرن أن الناس يتحرون بهداياهم يوم عائشة فأمر الناس يهدون أينما كنت فلما كانت الثالثة قالت ذلك قال : يا أم سلمة لا تؤذيني في عائشة فإنه ما أنزل علي الوحي وأنا في لحاف امرأة منكن غيرها..
قال أبو عيسى هذا حديث حسن غريب وقد روى بعضهم هذا الحديث عن حماد بن زيد عن هشام بن عروة عن أبيه عن النبي ( وقد روي عن هشام بن عروة هذا الحديث عن عوف بن الحرث عن رميثة عن أم سلمة شيئا من هذا وهذا حديث قد روي عن هشام بن عروة على روايات مختلفة وقد روى سليمان بن بلال عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة نحو حديث حماد بن زيد .
-وعن عقبة بن الحارث :رأيت أبا بكر رضي الله عنه ،وجعل الحسن على عنقه وهو يقول : بأبي شبيهٌ بالنبي ، ليس شبيهاً بعلي ـ وعلي رضي الله عنه يضحك .
-وروي عن عبد الله بن الحسن بن حسين ، قال : أتيت عمر بن عبد العزيز في حاجة ، فقال : لي : إذا كانت لك حاجة فأرسل إلي أو اكتب ، فإني أستحيي من الله أن يراك على بابي .
-وعن الشعبي : صلى زيد بن ثابت على جنازة أمه ، ثم قربت له بغلته ليركبها ، فجاء ابن عباس فأخذ بركابه ، فقال زيد : خل عنه يا بن عم رسول الله . فقال : هكذا نفعل بالعلماء . فقبل زيد يدَ ابن عباس ، وقال : هكذا أمرنا أن نفعل بأهل بيت نبينا .
-ورأى ابن عمر محمد بن أسامة بن زيد ، فقال : ليت هذا عبدي ، فقيل له : هو محمد بن أسامة . فطأطأ ابن عمر رأسه ونقر بيده الأرض ، وقال : لو رآه رسول الله ( لأحبه .(1/179)
-وقال الأوزاعي : دخلت بنت أسامة بن زيد صاحب رسول الله ( على عمر بن عبد العزيز ومعها مولى لها يمسك بيدها ، فقام لها عمر ، ومشى إليها حتى جعل يدها بين يديه ، ويداه في ثيابه ، ومشى بها حتى أجلسها على مجسله ، وجلس بين يديها ، وما ترك لها حاجةً إلا قضاها .
-ولما فرض عمر بن الخطاب لابنه عبد الله في ثلاثة آلاف ، ولأسامة بن زيد في ثلاثة آلاف وخمسمائة ـ قال عبد الله لأبيه : لم فضلته ، فوالله ما سبقني إلى مشهد ؟ فقال له : لأن زيداً كان أحب إلى رسول الله ( من أبيك ، وأسامة أحب إليه منك ، فآثرت حب رسول الله ( على حبي .
-وبلغ معاوية أن كابس بن ربيعة يشبه برسول الله ( ، فلما دخل عليه من باب الدار قام عن سريره وتلقاه وقبل بين عينيه ، وأقطعه المرغاب لشبهه صورة رسول الله (.
-وروي أن مالكاً رحمه الله لما ضربه جعفر بن سليمان ، ونال منه ما نال ، وحمل مغشياً عليه دخل عليه الناس فأفاق ، فقال : أشهدكم أني جعلت ضاربي في حل .
فسئل بعد ذلك ، فقال : خفت أن أموت ، فألقى النبي ( ، فأستحي منه أن يدخل بعض آله النار بسببي .
-وقيل : إن المنصور أقاده من جعفر ، فقال له : أعوذ بالله ! والله ما ارتفع منها سوط عن جسمي إلا وقد جعلته في حل لقرابته من رسول الله (.
-وقال أبو بكر بن عياش : لو أتاني أبو بكر وعمر وعلي لبدأت بحاجة علي قبلهما ، لقرابته من رسول الله (، ولأن أخِرَّ من السماء إلى الأرض أحَب إلي من أن أقدمه عليهما .
-وقيل لابن عباس : ماتت فلانة ـ لبعض أزواج النبي ( ، فسجد ، فقيل له : أتسجد هذه الساعة ؟ فقال : أليس قال رسول الله (: إذا رأيتم آيةً فاسجدوا وأي آية أعظم من ذهاب أزواج النبي (.
قلت : رواه الترمذي ، والبيهقي ... وأبو داود في كتاب الصلاة -باب السجود عند الآيات، ولفظه :(1/180)
ـ حدثنا محمد بن عثمان بن أبي صفوان الثقفي، ثنا يحيى بن كثير، ثنا سلم بن جعفر، عن الحكم بن أبان، عن عكرمة قال: قيل لابن عباس: ماتت فلانة، بعض أزواج النبي ( ، فخر ساجداً .. فقيل له أتسجد هذه الساعة ؟ فقال: قال رسول اللّه (: "إذا رأيتم آيةً فاسجدوا" وأيُّ آيةٍ أعظم من ذهاب أزواج النبي (؟
-وكان أبو بكر وعمر يزوران أم أيمن مولاة النبي ( ، ويقولان : كان رسول الله ( يزورهما .
ولما وردت حليمة السعدية على النبي ( بسط لها رداءه وقضى حاجتها ، فلما توفي وفدت على أبي بكر وعمر فصنعا بها مثل ذلك .
(قلت : أخرجه ابو داود في سننه ،والتبريزي في مشكاته ، والبخاري في الأدب المفرد ،قال :
* حدثنا أبو عاصم عن جعفر بن يحيى بن ثوبان قال حدثني عمارة بن ثوبان قال حدثني أبو الطفيل قالرأيت النبي ( يقسم لحما بالجعرانة وأنا يومئذ غلام أحمل عضو البعير فأتته امرأة فبسط لها رداءه قلت من هذه قيل هذه أمه التي أرضعته ..
وقفة مع الإمام البيهقي في دلائل النبوة
باب ذكر رضاع النبي ومرضعته وحاضنته
* أخبرنا أبو عبد الله محمد بن عبد الله الحافظ قال حدثنا أبو العباس محمد بن يعقوب قال حدثنا أحمد بن عبد الجبار قال حدثنا يونس بن بكير عن ابن إسحاق قال فدفع رسول الله إلى أمه والتمس له الرضعاء واسترضع له من حليمة بنت أبي ذويب وأبو ذؤيب عبد الله بن الحارث بن شجنة بن جابر بن رزام بن ناصرة بن سعد بن بكر بن هوازن بن منصور بن عكرمة بن خصفة بن قيس عيلان بن مضر
واسم أبي رسول الله الذي أرضعه الحارث بن عبد العزى بن رفاعة بن ملان بن ناصرة بن سعد بن بكر بن هوازن
وإخوته من الرضاعة عبد الله بن الحارث وأنيسة بنت الحارث وحذافة بنت الحارث وهي الشيماء غلب عليها ذلك فلا تعرف في قومها إلا به وهي لحليمة بنت أبي ذؤيب أم رسول الله ؛ وذكروا أن الشيماء كانت تحضن رسول الله مع أمه إذ كان عندهم ...(1/181)
* وأخبرنا أبو عبد الله الحافظ قال حدثنا أبو العباس قال حدثنا أحمد بن عبد الجبار قال حدثنا يونس بن بكير قال حدثنا ابن إسحاق قال حدثني جهم بن أبي جهم مولى لامرأة من بني تميم كانت عند الحارث بن حاطب فكان يقال مولى الحارث بن حاطب قال حدثني من سمع عبد الله بن جعفر بن أبي طالب يقول حدثت عن حليمة بنت الحارث أم رسول الله التي أرضعته أنها قالت قدمت مكة في نسوة من بني سعد بن بكر ألتمس بها الرضعاء وفي سنة شهباء فقدمت على أتان لي قمراء كانت أذمت بالركب ومعي صبي لنا وشارف لنا والله ما تبض بقطرة وما ننام ليلنا ذلك أجمع مع صبينا ذاك ما يجد في ثديي ما يغنيه ولا في شارفنا ما يغذيه فقدمنا مكة فوالله ما علمت منا امرأة إلا وقد عرض عليها رسول الله فتأباه إذا قيل إنه يتيم تركناه قلنا ماذا عسى أن تصنع إلينا أمه إنما نرجو المعروف من أب الوليد وأما أمه فماذا عسى أن تصنع إلينا فوالله ما بقي من صواحبي امرأة إلا أخذت رضيعاً غيري فلما لم أجد رضيعاً غيره قلت لزوجي الحارث بن عبد العزى والله إني لأكره أن أرجع من بين صواحبي ليس معي رضيع لأنطلقن إلى ذلك اليتيم فلآخذنه فقال لا عليك فذهبت فأخذته فوالله ما أخذته إلا أني لم أجد غيره فما هو إلا أن أخذته فجئت به إلى رحلي فأقبل عليه ثدياي بما شاء من لبن فشرب حتى روي وشرب أخوه حتى روي وقام صاحبي إلى شارفنا تلك فإذا إنها لحافل فحلب ما شرب وشربت حتى روينا فبتنا بخير ليلة فقال صاحبي يا حليمة والله إني لأراك قد أخذت نسمة مباركة ألم تري ما بتنا به الليلة من الخير والبركة حين أخذناه فلم يزل الله عز وجل يزيدنا خيراً حتى خرجنا راجعين إلى بلادنا فوالله لقطعت أتاني بالركب حتى ما يتعلق بها حمار حتى إن صواحباتي يقلن ويلك يا ابنة أبي ذؤيب أهذه أتانك التي خرجت عليها معنا فأقول نعم والله إنها لهي فيقلن والله إن لها لشأنا حتى قدمنا أرض بني سعد وما أعلم أرضاً من أرض الله تعالى(1/182)
أجدب منها فإن كانت غنمي لتسرح ثم تروح شباعاً لبناً فنحلب ما شئنا وما حولنا أحد تبض له شاة بقطرة لبن وإن أغنامهم لتروح جياعاً حتى إنهم ليقولون لرعيانهم ويحكم انظروا حيث تسرح غنم ابنة أبي ذؤيب فاسرحوا معهم فيسرحون مع غنمي حيث تسرح فيريحون أغنامهم جياعاً ما فيها قطرة لبن وتروح غنمي شباعاً لبناً نحلب ما شئنا فلم يزل الله تعالى يرينا البركة ونتعرفها حتى بلغ سنتيه فكان يشب شباباً لا يشبه الغلمان فوالله ما بلغ السنتين حتى كان غلاماً جفراً فقدمنا به على أمه ونحن أضن شيء به مما رأينا فيه من البركة فلما رأته أمه قلنا لها يا ظئر دعينا نرجع ببنينا هذه السنة الأخرى فإنا نخشى عليه وباء مكة فوالله ما زلنا بها حتى قالت فنعم فسرحته معنا فأقمنا به شهرين أو ثلاثة فبينا هو خلف بيوتنا مع أخ له من الرضاعة في بهم لنا جاءنا أخوه ذلك يشتد فقال ذاك أخي القرشي قد جاءه رجلان عليهما ثياب بياض فأضجعاه فشقا بطنه فخرجت أنا وأبوه نشتد نحوه فنجده قائماً منتقعاً لونه فاعتنقه أبوه فقال أي بني ما شأنك فقال جاءني رجلان عليهما ثياب بياض فأضجعاني فشقا بطني ثم استخرجا منه شيئاً فطرحاه ثم رداه كما كان فرجعنا به معنا فقال أبوه يا حليمة لقد خشيت أن يكون ابني قد اصيب فانطلقي بنا فلنرده إلى أهله قبل أن يظهر فيه ما نتخوف قالت حليمة فاحتملناه فلم ترع أمه إلا به قد قدمنا به عليها فقالت ما ردكما به فقد كنتما عليه حريصين فقلنا لها لا والله يا ظئر إلا أن الله تعالى قد أدى عنا وقضينا الذي علينا فقلنا نخشى الإتلاف والأحداث نرده على أهله قالت ما ذاك بكما فاصدقاني شأنكما فلم تدعنا حتى أخبرناها خبره قالت أخشيتما عليه الشيطان كلا والله ما للشيطان عليه سبيل وإنه لكائن لابني هذا شأن ألا أخبركما خبره قلنا بلى قالت حملت به فما حملت حملاً قط أخف منه فأريت في المنام حين حملت به كأنه خرج مني نور أضاءت له قصور الشام ثم وقع حين ولدته(1/183)
وقوعاً ما يقعه المولود معتمداً على يديه رافعاً رأسه إلى السماء فدعاه عنكما ...
قلت وقد روى محمد بن زكريا الغلابي بإسناده عن ابن عباس عن حليمة هذه القصة بزيادات كثيرة وهي لي مسموعة إلا أن محمد بن زكريا هذا متهم بالوضع فالاقتصار على ما هو معروف عند أهل المغازي أولى والله أعلم
ثم إني استخرت الله تعالى في إيرادها فوقعت الخيرة على إلحاقه بما تقدمه من نقل أهل المغازي لشهرته بين المذكورين
أخبرنا أبو عبد الله محمد بن عبد الله الحافظ قال حدثنا أبو بكر محمد بن عبد الله بن يوسف العماني قال حدثنا محمد بن زكريا الغلابي حدثنا يعقوب بن جعفر بن سليمان بن علي بن عبد الله بن عباس قال حدثني أبي عن أبيه سليمان بن علي عن أبيه علي بن عبد الله بن عباس عن عبد الله بن عباس قال كانت حليمة بنت أبي ذؤيب التي أرضعت النبي تحدث أنها لما فطمت رسول الله تكلم قالت سمعته يقول كلاماً عجيباً سمعته يقول الله أكبر كبيراً والحمد لله كثيراً وسبحان الله بكرة وأصيلاً فلما ترعرع كان يخرج فينظر إلى الصبيان يلعبون فيجتنبهم فقال لي يوماً من الأيام يا أماه مالي لا أرى إخوتي بالنهار قلت فدتك نفسي يرعون غنماً لنا فيروحون من ليل إلى ليل فأسبل عينيه فبكى فقال يا أماه فما أصنع ههنا وحدي ابعثيني معهم قلت أوتحب ذلك قال نعم قالت فلما أصبح دهنته وكحلته وقمصته وعمدت إلى خرزة جزع يمانية فعلقت في عنقه من العين وأخذ عصاً وخرج مع إخوته فكان يخرج مسروراً ويرجع مسروراً فلما كان يوماً من ذلك خرجوا يرعون بهماً لنا حول بيوتنا فلما انتصف النهار إذا أنا بابني ضمرة يعدو فزعاً وجبينه يرشح قد علاه البهر باكياً ينادي يا أبت يا أبه ويا أمه الحقا أخي محمداً فما تلحقاه إلا ميتاً قلت وما قصته قال بينا ونحن قيام نترامى ونلعب إذ أتاه رجل فاختطفه من أوساطنا وعلا به ذروة الجبل ونحن ننظر إليه حتى شق من صدره إلى عانته ولا أدري ما فعل به ولا أظنكما تلحقاه(1/184)
أبداً إلا ميتاً قالت فأقبلت أنا وأبوه تعني زوجها نسعى سعياً فإذا نحن به قاعداً على ذروة الجبل شاخصاً ببصره إلى السماء يتبسم ويضحك فأكببت عليه وقبلت بين عينيه وقلت فدتك نفسي ما الذي دهاك قال خيراً يا أماه بينا أنا الساعة قائم على إخوتي إذ أتاني رهط ثلاثة بيد أحدهم إبريق فضة وفي يد الثاني طست من زمردة خضراء ملؤها ثلج فأخذوني فانطلقوا بي إلى ذروة الجبل فأضجعوني على الجبل إضجاعاً لطيفاً ثم شق من صدري إلى عانتي وأنا أنظر إليه فلم أجد لذلك حساً ولا ألماً ثم أدخل يده في جوفي فأخرج أحشاء بطني فغسلها بذلك الثلج فأنعم غسلها ثم أعادها وقام الثاني فقال للأول تنح فقد أنجزت ما أمرك الله به فدنا مني فأدخل يده في جوفي فانتزع قلبي وشقه فأخرج منه نكتة سوداء مملوءة بالدم فرمى بها فقال هذا حظ الشيطان منك يا حبيب الله ثم حشاه بشيء كان معه ورده مكانه ثم ختمه بخاتم من نور فأنا الساعة أجد برد الخاتم في عروقي ومفاصلي وقام الثالث فقال تنحيا فقد أنجزتما ما أمر الله فيه ثم دنا الثالث مني فأمر يده ما بين مفرق صدري إلى منتهى عانتي قال الملك زنوه بعشرة من أمته فوزنوني فرجحتهم ثم قال دعوه فلو وزنتموه بأمته كلها لرجح بهم ثم أخذ بيدي فأنهضني إنهاضاً لطيفاً فأكبوا علي وقبلوا رأسي وما بين عيني وقالوا يا حبيب الله إنك لن تراع ولو تدري ما يراد بك من الخير لقرت عيناك وتركوني قاعداً في مكاني هذا ثم جعلوا يطيرون حتى حيال السماء وأنا أنظر إليهما ولو شئت لأريتك موضع دخولهما قالت فاحتملته فأتيت به منزلاً من منازل بني سعد بن بكر فقال لي الناس اذهبي به إلى الكاهن حتى دخلوا ينظر إليه ويداويه فقال ما بي شيء مما تذكرون وإني أرى نفسي سليمة وفؤادي صحيح بحمد الله فقال الناس أصابه لمم أو طائف من الجن قالت فغلبوني على رأيي فانطلقت به إلى الكاهن فقصصت عليه القصة قال دعيني أنا أسمع منه فإن الغلام أبصر بأمره منكم تكلم يا غلام(1/185)
قالت حليمة فقص ابني محمد قصته ما بين أولها إلى آخرها فوثب الكاهن قائماً على قدميه فضمه إلى صدره ونادى بأعلى صوته يا آل العرب يا آل العرب من شر قد اقترب اقتلوا هذا الغلام واقتلوني معه فإنكم إن تركتموه وأدرك مدرك الرجال ليسفهن أحلامكم وليكذبن أديانكم وليدعونكم إلى رب لا تعرفونه ودين تنكرونه
قالت فلما سمعت مقالته انتزعته من يده وقلت لأنت أعته منه وأجن ولو علمت أن هذا يكون من قولك ما أتيتك به اطلب لنفسك من يقتلك فإنا لا نقتل محمداً فاحتملته فأتيت به منزلي فما أتيت يعلم الله منزلاً من منازل بني سعد بن بكر إلا وقد شممنا منه ريح المسك الأذفر وكان في كل يوم ينزل عليه رجلان أبيضان فيغيبان في ثيابه ولا يظهران فقال الناس رديه يا حليمة على جده عبد المطلب وأخرجيه من أمانتك قالت فعزمت على ذلك فسمعت منادياً ينادي هنيئاً لك يا بطحاء مكة اليوم يرد عليك النور والدين والبهاء والكمال فقد أمنت أن تخذلين أو تحزنين أبد الآبدين ودهر الداهرين قالت فركبت أتاني وحملت النبي بين يدي أسير حتى أتيت الباب الأعظم من أبواب مكة وعليه جماعة فوضعته لأقضي حاجة وأصلح شأني فسمعت هدة شديدة فالتفت فلم أره فقلت معاشر الناس أين الصبي قالوا أي الصبيان قلت محمد ابن عبد الله بن عبد المطلب الذي نضر الله به وجهي وأغنى عيلتي وأشبع جوعتي ربيته حتى إذا أدركت به سروري وأملي أتيت به أرده وأخرج من أمانتي فاختلس من يدي من غير أن تمس قدميه الأرض واللات والعزى لئن لم أره لأرمين بنفسي من شاهق هذا الجبل ولأتقطعن إرباً إرباً فقال الناس إنا لنراك غائبة عن الركبان ما معك محمد قالت قلت الساعة كان بين أيديكم قالوا ما رأينا شيئاً فلما أيسوني وضعت يدي على رأسي فقلت وامحمداه واولداه أبكيت الجواري الأبكار لبكائي وضج الناس معي بالبكاء حرقة لي فإذا أنا بشيخ كالفاني متوكئاً على عكاز له قالت فقال لي مالي أراك أيها السعدية تبكين وتضجين قالت فقلت(1/186)
فقدت ابني محمداً قال لا تبكين أنا أدلك على من يعلم علمه وإن شاء أن يرده عليك فعل قالت قلت دلني عليه قال الصنم الأعظم قالت ثكلتك أمك كأنك لم تر ما نزل باللات والعزى في الليلة التي ولد فيها محمد قال إنك لتهذين و لا تدرين ما تقولين أنا أدخل عليه وأسأله أن يرده عليك قالت حليمة فدخل وأنا أنظر فطاف بهبل أسبوعاً وقبل رأسه ونادى يا سيداه لم تزل منعماً على قريش وهذه السعدية تزعم أن محمداً قد ضل قال فانكب هبل على وجهه فتساقطت الأصنام بعضها على بعض ونطقت أو نطق منها وقالت إليك عنا أيها الشيخ إنما هلاكنا على يدي محمد قالت فأقبل الشيخ لأسنانه اصتكاك ولركبتيه ارتعاداً وقد ألقى عكازه من يده وهو يبكي ويقول يا حليمة لا تبكي فإن لابنك رباً لا يضيعه فاطلبيه على مهل قالت فخفت أن يبلغ الخبر عبد المطلب قبلي فقصدت قصده فلما نظر إلي قال أسعد نزل بك أم نحوس قالت قلت بل نحس الأكبر ففهمها منى وقال لعل ابنك قد ضل منك قالت قلت نعم بعض قريش اغتاله فقتله فسل عبد المطلب سيفه وغضب وكان إذا غضب لم يثبت له أحد من شدة غضبه فنادى بأعلى صوته يا يسيل وكانت دعوتهم في الجاهلية قال فأجابته قريش بأجمعها فقالت ما قصتك يا أبا الحارث فقال فقد ابني محمد فقالت قريش اركب نركب معك فإن سبقت خيلاً سبقنا معك وإن خضت بحراً خضنا معك قال فركب وركبت معه قريش فأخذ على أعلى مكة وانحدر على أسفلها فلما أن لم ير شيئاً ترك الناس واتشح بثوب وارتدى بآخر وأقبل إلى البيت الحرام فطاف أسبوعاً ثم أنشأ يقول :
يا رب إن محمداً لم يوجد فجميع قومي كلهم متردد(1/187)
فسمعنا منادياً ينادي من جو الهواء معاشر القوم لا تصيحوا فإن لمحمد رباً لا يخذله ولا يضيعه فقال عبد المطلب يأيها الهاتف من لنا به قالوا بوادي تهامة عند شجرة اليمنى فأقبل عبد المطلب فلما صار في بعض الطريق تلقاه ورقة بن نوفل فصارا جميعاً يسيران فبينما هم كذلك إذا النبي قائم تحت شجرة يجذب أغصانها ويعبث بالورق فقال عبد المطلب من أنت يا غلام فقال أنا محمد بن عبد الله بن عبد المطلب قال عبد المطلب فدتك نفسي وأنا جدك عبد المطلب ثم احتمله وعانقه ولثمه وضمه إلى صدره وجعل يبكي ثم حمله على قربوس سرجه ورده إلى مكة فاطمأنت قريش فلما اطمأن الناس نحر عبد المطلب عشرين جزوراً وذبح الشاء والبقر وجعل طعاماً وأطعم أهل مكة قالت حليمة ثم جهزني عبد المطلب بأحسن الجهاز وصرفني فانصرفت إلى منزلي وأنا بكل خير دنيا لا أحسن وصف كنه خيري وصار محمد عند جده ...
قالت حليمة وحدثت عبد المطلب بحديثه كله فضمه إلى صدره وبكى وقال يا حليمة إن لابني شأنا وددت أني أدرك ذلك الزمان
بن يزيد عن خالد بن معدان عن أصحاب رسول الله أنهم قالوا له أخبرنا عن نفسك فذكر الحديث... قال واسترضعت في بني سعد بن بكر فبينا أنا مع أخ لي في بهم لنا أتاني رجلان عليهما ثياب بياض معهما طست من ذهب مملوءة ثلجاً فأضجعاني فشقا بطني ثم استخرجا قلبي فشقاه فأخرجا منه علقة سوداء فألقياها ثم غسلا قلبي وبطني بذلك الثلج حتى إذا أنقيا ثم رداه كما كان ثم قال أحدهما لصاحبه زنه بعشرة من أمته فوزنني بعشرة فوزنتهم ثم قال زنه بمائة من أمته فوزنني بمائة بمائة فوزنتهم ثم قال زنه بألف من أمته فوزنني بألف فوزنتهم فقال دعه عنك فلو وزنته بأمته لوزنهم(1/188)
*وأخبرنا أبو عبد الله الحافظ قال حدثنا أبو العباس قال حدثنا أحمد حدثنا يونس عن أبي سنان الشيباني عن حبيب بن أبي ثابت عن يحيى بن جعدة قال قال رسول الله إن ملكين جاءاني في صورة كركيين معهما ثلج وبرد وماء بارد فشرح أحدهما صدري ومج الآخر بمنقاره فيه فغسله
هذا مرسل وقد روى حديث الشق بإسناد صحيح موصول
* أخبرنا محمد بن عبد الله الحافظ قال حدثني محمد بن صالح بن هاني قال حدثنا محمد بن النضر بن عبد الوهاب قال حدثنا شيبان بن فروخ قال حدثنا حماد بن سلمة قال حدثنا ثابت البناني عن أنس بن مالك أن رسول الله أتاه جبريل عليه السلام وهو يلعب مع الغلمان فأخذه فصرعه فشق عن قلبه فاستخرج القلب فاستخرج منه علقة فقال هذا حظ الشيطان منك ثم غسله في طست من ذهب بماء زمزم ثم لأمه ثم أعاده في مكانه وجاء الغلمان يسعون إلى أمه يعني ظئره فقالوا إن محمداً قد قتل فاستقبلوه وهو منتقع اللون ... قال أنس وقد كنت أرى أثر ذلك المخيط في صدره
رواه مسلم في الصحيح عن شيبان بن فروخ وهو يوافق ما هو المعروف عند أهل المغازي
* وقد أخبرنا أبو الحسن علي بن أحمد بن عبدان قال حدثنا أحمد بن عبيد الصفار قال حدثنا تمتام قال حدثنا موسى هو ابن إسماعيل قال حدثنا سليمان بن المغيرة عن ثابت عن أنس قال قال رسول الله أتيت وأنا في أهلي فانطلق بي إلى زمزم فشرح صدري ثم غسل بماء زمزم ثم أتيت بطست من ذهب ممتلئة إيماناً وحكمة فحشي بها صدري قال أنس ورسول الله يرينا أثره فعرج بي الملك إلى السماء الدنيا فاستفتح الملك وذكر حديث المعراج
أخرجه مسلم في الصحيح من حديث بهز بن أسد عن سليمان بن المغيرة
وبمعناه رواه شريك بن عبد الله بن أبي نمر عن أنس بن مالك عن النبي
والزهري عن أنس بن مالك عن أبي ذر عن النبي
وقتادة عن أنس بن مالك عن مالك بن صعصعة عن النبي(1/189)
ويحتمل أن ذلك كان مرتين مرة حين كان عند مرضعته حليمة ومرة حين كان بمكة بعد ما بعث ليلة المعراج والله أعلم
وكانت ثويبة مولاة أبي لهب بن عبد المطلب أرضعت أيضاً رسول الله مع أبي سلمة بن عبد الأسد المخزومي...
أخبرنا بذلك أبو عبد الله الحافظ وأبو سعيد بن أبي عمرو قالا حدثنا أبو محمد أحمد بن عبد الله المزني قال أخبرنا علي بن محمد بن عيسى قال حدثنا أبو اليمان قال أخبرنا شعيب عن الزهري قال أخبرني عروة بن الزبير أن زينب بنت أبي سلمة وأمها أم سلمة أخبرته أن أم حبيبة ابنة أبي سفيان أخبرتها أنها قالت قلت يا رسول الله انكح أختي ابنة أبي سفيان قالت فقال لي أوتحبين ذلك قالت فقلت يا رسول الله نعم لست لك بمخلية وأحب من شركني في خير أختي قالت فقال رسول إن ذلك لا يحل لي قالت فقلت والله يا رسول الله إنا لنتحدث أنك تريد أن تنكح درة بنت أبي سلمة فقال ابنة أم سلمة فقلت نعم فقال والله لو أنها لم تكن ربيبتي في حجري ما حلت لي إنها لابنة أخي من الرضاعة أرضعتني وأبا سلمة ثويبة فلا تعرضن علي بناتكن ولا أخواتكن ...
قال عروة وثويبة مولاة أبي لهب كان أبو لهب أعتقها فأرضعت رسول الله فلما مات أبو لهب أرية بعض أهله في النوم بشرحيبة فقال له ماذا لقيت فقال أبو لهب لم ألق بعدكم رخاء غير أني سقيت في هذه مني بعتاقتي ثويبة وأشار إلى النقير التي بين الإبهام والتي يليها من الأصابع
رواه البخاري في الصحيح
وكانت أم أيمن حاضنته حتى كبر
* أخبرنا أبو بكر أحمد بن الحسن القاضي قال حدثنا أبو العباس محمد بن يعقوب قال حدثنا أبو بكر محمد بن إسحاق قال حدثنا عبد الله بن يوسف قال حدثنا ابن وهب
* وأخبرنا أبو عبد الله الحافظ قال حدثنا أبو عبد الله بن يعقوب قال حدثنا حسين بن حسن ومحمد بن إسماعيل قالا حدثنا أبو الطاهر قال حدثنا ابن وهب قال أخبرني يونس بن يزيد عن ابن شهاب عن أنس بن مالك أنه قال(1/190)
لما قدم المهاجرون من مكة إلى المدينة فذكر الحديث وفيه قال
وكانت أم سليم أعطت رسول الله عذاقاً لها فأعطاهن رسول الله أم أيمن وهي مولاته أم أسامة بن زيد
قال ابن شهاب وكان من شأن أم أيمن أم أسامة بن زيد أنها كانت وصيفة لعبد الله بن عبد المطلب وكانت من الحبشة فلما ولدت آمنة رسول الله بعد ما توفي أبوه فكانت أم أيمن تحضنه حتى كبر رسول الله فأعتقها ثم أنكحها زيد بن حارثة ثم توفيت بعد ما توفي رسول الله بخمسة أشهر
رواه مسلم في الصحيح عن أبي الطاهر...
الفصل السادس
من توقيره ( وبره توقير أصحابه وبرهم
قال القاضي أبو الفضل رحمه الله : ومن توقيره وبره ( توقير أصحابه وبرهم ومعرفة حقهم ، والاقتداء بهم ، وحسن الثناء عليهم ، والاستغفار لهم ، والإمساك عما شجر بينهم ، ومعاداة من عاداهم ، والإضراب عن أخبار المؤرخين ،وجهلة الرواة ، وضلال الشيعة والمبتدعين القادحة في أحد منهم ، وأن يلتمس لهم فيما نقل عنهم من مثل ذلك فيما كان بينهم من الفتن أحسن التأويلات ، ويخرج لهم أصواب المخارج : إذ هم أهل ذلك ، ولا يذكر أحد منهم بسوء ، ولا يُغمَض عليه أمر ، بل تُذكر حسناتُهم وفضائلهم ، وحميد سيرتهم ، ويسكت عما وراء ذلك ، كما قال ( : إذا ذكر أصحابي فأمسكوا .
( قلت : أخرجه السيوطي وعزاه إلى الطبراني عن ابن مسعود وابن عدي عن ابن مسعود وثوبان و عمر.
إذا ذكر أصحابي فأمسكوا وإذا ذكرت النجوم فأمسكوا وإذا ذكر القدر فأمسكوا .
قال الألباني : (صحيح) .(1/191)
*قال الله تعالى : (مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاء عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاء بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعاً سُجَّداً يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَاناً سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِم مِّنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً ( 29 ) (الفتح : 29 )
-وقال : (وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُم بِإِحْسَانٍ رَّضِيَ اللّهُ عَنْهُمْ وَرَضُواْ عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ) (التوبة : 100 ).
-وقال: (لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحاً قَرِيباً) (الفتح : 18 )
-وقال : (مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُم مَّن قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلاً) (الأحزاب : 23 ).
*حدثنا القاضي أبو علي ، حدثنا أبو الحسين ، وأبو الفضل ، قالا : حدثنا أبو يعلى ، حدثنا أبو علي السنجي ، حدثنا محمد بن محبوب ، حدثنا الترمذي ، حدثنا الحسن بن الصباح ، حدثنا سفيان بن عيينة ، عن زائدة ، عن عبد الملك بن عمير ، عن ربعي بن حراش ، عن حذيفة رضي الله عنه ، قال : قال رسول الله ( : اقتدوا بالذين من بعدي : أبي بكر ، و عمر .
(قلت : أخرجه الترمذي ،قال :(1/192)
* حدثنا إبراهيم بن إسماعيل بن يحيى بن سلمة بن كهيل حدثني أبي عن أبيه عن سلمة بن كهيل عن أبي الزعراء عن بن مسعود قال قال رسول الله ( : اقتدوا باللذين من بعدي من أصحابي أبي بكر وعمر واهتدوا بهدي عمار وتمسكوا بعهد بن مسعود ..
قال هذا حديث حسن غريب من هذا الوجه من حديث بن مسعود لا نعرفه إلا من حديث يحيى بن سلمة بن كهيل ويحيى بن سلمة يضعف في الحديث وأبو الزعراء اسمه عبد الله بن هانئ وأبو الزعراء الذي روى عنه شعبة والثوري وبن عيينة اسمه عمرو بن عمرو وهو بن أخي أبي الأحوص صاحب عبد الله بن مسعود
ورواه ابن ماجه ، قال :
*حَدَّثَنَا عَلِيّ بْن مُحَمَّد. حَدَّثَنَا وَكِيع. ح وحدّثنا مُحَمَّد بْن بشار. حَدَّثَنَا مؤمل، قَالاّ: حَدَّثَنَا سُفْيَان، عَنْ عَبْد الملك بْن عمير، عَنْ مولى لربعي بْن حراش، عَنْ ربعي بْن حراش، عَنْ حذيفة بْن اليمان؛ قَالَ:- قَالَ رَسُول اللَّه ( : ((إِنِّي لاَ أدري مَا قدر بقائي فيكم. فاقتدوا باللذين من بعدي)) وأشار إِلَى أبِي بَكْر وعُمَر. أسمع رَسُول اللَّه ( يَقُولُ ((ذهبت أَنَا وأَبُو بَكْر وعُمَر، ودخلت أَنَا وأَبُو بَكْر وعُمَر، وخرجت أَنَا وأَبُو بَكْر وعُمَر)) فكنت أظن ليجعلنك اللَّه مَعَ صاحبيك.
قال العجلوني في كشف الخفا
رواه احمد والترمذي وابن ماجه عن حذيفة، و زاد العقيلي واهتدوا بهدى عمار، وما حدثكم ابن مسعود فاقبلوه،
ورواه الروياني بلفظ اقتدوا باللذين من بعدي أبي بكر وعمر، واهتدوا بهدى عمار، وتعهدوا بعهد ابن مسعود، وبهذا اللفظ أخرجه الترمذي عن ابن مسعود، والطبراني عن أنس، وله من حديث أبي الدرداء اقتدوا باللذين من بعدي أبي بكر وعمر فإنهما حبل الله الممدود، ومن تمسك بهما فقد تمسك بالعروة الوثقى التي لا انفصام لها .
-وقال : أصحابي كالنجوم بأيهم اقتديتم اهتديتم .(1/193)
(قلت : أخرجه التبريزي في مشكاته، وقال الألباني (باطل) وأورده في السلسلة الضعيفة بلفظ ثان (إنما أصحابي مثل النجوم فأيهم أخذتم بقوله اهتديتم ) وقال (موضوع ) كما ذكر حديثا ىخر يقاربه :(أهل بيتي كالنجوم بأيهم اقتديتم اهتديتم ) وقال (موضوع)
قال العجلوني في كشف الخفا :
رواه البيهقي، و أسنده الديلمي عن ابن عباس بلفظ أصحابي بمنزلة النجوم في السماء بأيهم اقتديتم اهتديتم .
-وعن أنس رضي الله عنه قال : قال رسول الله ( : مثل أصحابي كمثل الملح في الطعام ، لا يصلح الطعام إلا به .
( قلت : أخرجه السيوطي في جامعه الصغير : (ع) عن أنس.
. مثل أصحابي مثل الملح في الطعام لا يصلح الطعام إلا بالملح . وقال الألباني (ضعيف)
وقال العجلوني في كشف الخفا :
رواه ابن المبارك وكذا أبو يعلى عن أنس رفعه، وأخرجه البغوي في شرح السنة بسند فيه كسابقه إسماعيل بن مسلم المكي ضعيف انفرد به عن الحسن البصري .
-وقال : الله لله في اصحابي ، لا تتخذوهم غرضاً بعدي ، فمن أحبهم فبحبي أحبهم ، ومن أبغضهم فببغضي أبغضهم ، ومن آذاهم فقد آذاني ، ومن آذاني فقد آذى الله ، ومن آذى الله يوشك أن يأخذ .
(قلت : أخرجه الترمذي في سننه ، قال :
* حدثنا محمد بن يحي، أخبرنا يعقوب بن إبراهيم بن سعد أخبرنا عبيدة بن أبي رايطة، عن عبد الرحمن بن زياد، عن عبد الله بن مغفل قال: قال رسول الله ( :
- "الله الله في أصحابي، لا تتخذوهم غرضا بعدي، فمن أحبهم فبحبي أحبهم، ومن ابغضهم فببغضي ابغضهم، ومن اذاهم فقد آذاني، ومن آذاني فقد آذى الله، ومن آذى الله يوشك ان يأخذه".
قال أبو عيسى :هذا حديث حسن غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه
وأورده الهيثمي في موارد الظمآن ،(1/194)
أخبرنا أبو يعلى حدثنا زكريا بن يحيى زحمويه حدثنا زكريا بن سعد حدثني عبيدة بن أبي رائطة عن عبد الله بن عبد الرحمن عن عبد الله بن المغفل قال قال رسول الله ( :الله الله في أصحابي لا تتخذوهم غرضا من أحبهم فبحبي أحبهم ومن أبغضهم فببغضي أبغضهم ومن آذاهم فقد آذاني ومن آذاني فقد آذى الله ومن آذى الله يوشك أن يأخذه
-وقال : لا تسبوا أصحابي ، فلو أنفق أحدكم مثل أحد ذهباً ما بلغ مد أحدهم ولا نصيفه .
( قلت : رواه الشيخان ، وأحمد ، وأبو داود ، والترمذي ، وابن ماجه ،وغيرهم...
1-البخاري في كتاب فضائل الصحابة - باب: قول النبي (: (لو كنت متخذا خليلا).
- حدثنا آدم بن أبي إياس: حدثنا شعبة، عن الأعمش قال: سمعت ذكوان يحدث، عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال:
قال النبي ( : (لا تسبوا أصحابي، فلو أن أحدكم أنفق مثل أحد ذهبا، ما بلغ مد أحدهم ولا نصيفه).
تابعه جرير، وعبد الله بن داود، وأبو معاوية، ومحاضر، عن الأعمش
2- مسلم في كتاب فضائل الصحابة رضي الله تعالى عنهم- باب تحريم سب الصحابة، رضي الله عنهم
* حدثنا يحيى بن يحيى التميمي وأبو بكر بن أبي شيبة ومحمد بن العلاء (قال يحيى: أخبرنا. وقال الآخران: حدثنا) أبو معاوية عن الأعمش، عن أبي صالح، عن أبي هريرة. قال: قال رسول الله ( "لا تسبوا أصحابي. لا تسبوا أصحابي. فوالذي نفسي بيده! لو أن أحدكم أنفق مثل أحد ذهبا، ما أدرك مد أحدهم، ولا نصيفه".
* حدثنا عثمان بن أبي شيبة. حدثنا جرير عن الأعمش، عن أبي صالح، عن أبي سعيد. قال: كان بين خالد بن الوليد وبين عبد الرحمن بن عوف شيء. فسبه خالد. فقال رسول الله ( "لا تسبوا أحدا من أصحابي. فإن أحدكم لو أنفق مثل أحد ذهبا، ما أدرك مد أحدهم ولا نصيفه".
-وقال : من سب أصحابي فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين ، لا يقبل الله منه صرفاً ولا عدلاً .
( قلت : أخرج السيوطي في الجامع الصغير :(1/195)
1- (خط) عن جابر وعن ابن عمر (الدارقطني في الأفراد) عن أبي هريرة.... إن الناس يكثرون وأصحابي يقلون فلا تسبوا أصحابي فمن سبهم فعليه لعنة الله . قال الألباني : (ضعيف)
2- (طب) عن ابن عمر..... لعن الله من سب أصحابي . قال الألباني : (حسن)
3- (طب) عن ابن عباس. ... من سب أصحابي فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين ..قال الألباني : (حسن)
وفي السلسلة الصحيحة: [ من سب أصحابي فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين ] ( صحيح بشواهده ) وروي عن أنس مرفوعا به ؛ وزاد (لايقبل الله منه صرفا ولا عدلا )قال والعدل الفرائض والصرف التطوع .
وقال الطبري في الرياض النضرة:
عن ابن عمر قال "لا تسبوا أصحاب محمد ( فلمقام أحدهم ساعة خير من عمل أحدكم عمره" أخرجه علي بن حرب الطائي وخيثمة بن سليمان وعن عبد الرحمن بن سالم بن عبد الله بن عويمر بن ساعدة عن أبيه عن جده قال قال (" :إن الله اختارني واختار لي أصحاباً فجعل لي منهم وزراء وأصهاراً وأنصاراً فمن سبهم فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين لا يقبل الله منه يوم القيامة صرفاً ولا عدلاً
-وقال : إذا ذكر أصحابي فأمسكوا .
( قلت : مر منذ قليل ؛
أخرجه السيوطي في الجامع الصغير : (طب) عن ابن مسعود (عد) عن ابن مسعود وثوبان (عد) عن عمر.
. إذا ذكر أصحابي فأمسكوا وإذا ذكرت النجوم فأمسكوا وإذا ذكر القدر فأمسكوا...
وأورده الألباني في السلسلة الصحيحة ..
-وقال ـ في حديث جابر : إن الله اختار أصحابي على جميع العالمين سوى النبيين والمرسلين ، واختار لي منهم أربعة : أبا بكر ، وعمر ، وعثمان ، وعلياً ، فجعلهم خير أصحابي ، وفي أصحابهم كلهم خير .
( قلت : قال الطبري في الرياض النضرة:
باب فيما جاء مختصاً بالأربعة الخلفاء -ذكر اختصاصهم باختيار الله تعالى إياهم لصحبة نبيه ((1/196)
عن جابر بن عبد الله قال قال رسول الله ( : إن الله اختار أصحابي على العالمين سوى النبيين واختار لي من أصحابي أربعة أبا بكر وعمر وعثمان وعلياً فجعلهم خير أصحابي وفي أصحابي كلهم خير واختار أمتي على الأمم واختار من أمتي أربعة قرون الأول والثاني والثالث والرابع أخرجه البزار في مسنده حكاه عنه عبد الحق في الأحكام وأخرجه ابن السمان في كتاب الموافقة مختصراً وقال : اختار أصحابي على جميع العالمين الأولين والآخرين إلا النبيين والمرسلين
-وقال : من أحب عمر فقد أحبني ، ومن أبغض عمر فقد أبغضني .
وقفة مع المحب الطبري في الرياض النضرة
وذكر ما جاء في الحث على حب الصحابة رضي الله عنهم والإحسان إليهم بالاستغفار لهم والكف عما شجر بينهم
* عن عبد الله بن مسعود قال جاء رجل إلى رسول الله ( فقال: يا رسول الله كيف ترى في رجل أحب قوماً ولما لحق بهم ؟ فقال رسول الله ( "المرء مع من أحب" أخرجاه .
*وعن أنس بن مالك قال جاء رجل إلى النبي ( فقال: يا رسول الله متى الساعة ؟ قال: وما أعددت لها؟ قال: حب الله ورسوله.. قال "فإنك مع من أحببت" قال فما فرحنا بعد الإسلام فرحاً أشد من قول النبي ( فإنك مع من أحببت قال أنس فأنا أحب الله ورسوله وأبا بكر وعمر وأرجو أن أكون معهم وإن لم أعمل بأعمالهم أخرجه مسلم
*وعن أنس بن مالك أن رجلاً من الأعراب أتى رسول الله ( فقال: يا رسول الله متى الساعة ؟ فقال رسول الله ( :وماذا أعددت لها ؟ قال : ما أعددت لها من كثير أحمد عليه نفسي إلا أني أحب الله ورسوله ..فقال رسول الله ( "فإنك مع من أحببت" أخرجه مسلم(1/197)
*وعن جابر بن سمرة قال جاءنا عمر بالجابية فقال إن رسول الله ( قام في مثل مقامي هذا فقال "أحسنوا إلى أصحابي ثم الذين يلونهم" أخرجه المخلص الذهبي وأخرجه الحافظ ابن ناصر السلامي وقال حديث صحيح رجاله ثقات مخرج عنهم في الصحيحين وهذه توصية من رسول الله ( بأصحابه الإحسان إليهم بحبهم والاستغفار لهم والترحم عليهم والكف عما شجر بينهم
*وعن عبد الله بن الزبير أن عمر بن الخطاب خطبهم بالجابية وقال إن رسول الله ( قال "أكرموا أصحابي ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم" أخرجه أبو عمر بن السماك... وإكرامهم بما تقدم من الإحسان إليهم
*وعن أنس قال قال رسول الله ( "من أحسن القول في أصحابي فقد برئ من النفاق ومن أساء القول في أصحابي كان مخالفاً لسنتي ومأواه النار وبئس المصير" أخرجه في شرف النبوة أبو سعد ...
وفي رواية "من أحسن القول في أصحابي فهو مؤمن" رواها ابن غيلان
*وعن عائشة قالت: أمروا أن يستغفروا لأصحاب محمد ( فسبوهم أخرجه مسلم وأبو معاوية وهذا يؤيد ما تقدم في تأويل إكرامهم والإحسان إليهم
*وعن سهل بن مالك عن أبيه عن جده قال قال رسول الله ( "يا أيها الناس احفظوني في أختاني وأصهاري وأصحابي لا يطالبنكم الله بمظلمة أحد منهم فإنها ليست مما يوهب يا أيها الناس ارفعوا ألسنتكم عن المسلمين وإذا مات الرجل فلا تقفوا فيه إلا خيراً" أخرجه الخلعي والحافظ الدمشقي في معجمه
*وعن عبد الرحيم بن زيد العمي قال أخبرني أبي قال أدركت أربعين شيخاً من التابعين كلهم حدثونا عن أصحاب رسول الله ( أن رسول الله ( قال "من أحب جميع أصحابي وتولاهم واستغفر لهم جعله الله يوم القيامة معهم في الجنة" أخرجه ابن عرفة العبدي
*وعن ابن عباس قال قال رسول الله ( "من أحب أصحابي وأزواجي وأهل بيتي ولم يطعن في أحد منهم وخرج من الدنيا على محبتهم كان معي في درجتي يوم القيامة" أخرجه الملاء في سيرته(1/198)
*وعن عبد الله بن معقل قال قال رسول الله ( "الله الله في أصحابي لا تتخذوهم غرضاً من بعدي من أحبهم فقد أحبني ومن أبغضهم فقد أبغضني ومن آذاهم فقد آذاني ومن آذاني فقد آذى الله ومن آذى الله فيوشك أن يأخذه" أخرجه المخلص الذهبي وأخرجه الحافظ أبو القاسم الدمشقي في معجمه وقال "من أحبهم فبحبي أحبهم ومن أبغضهم فببغضي أبغضهم" وذكر ما قبله وما بعده بمثل لفظه وهو من حديث نبيط بن شريط الأشجعي عن النبي ( نحو رواية ابن معقل من رواية الحافظ الدمشقي.(1/199)
-وقال مالك بن أنس ، وغيره : من أبغض الصحابة و سبهم فلبيس له في فيء المسلمين حق ، ونزع بآية الحشر : (وَمَا أَفَاء اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْهُمْ فَمَا أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَلَا رِكَابٍ وَلَكِنَّ اللَّهَ يُسَلِّطُ رُسُلَهُ عَلَى مَن يَشَاءُ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ * مَّا أَفَاء اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ كَيْ لَا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِيَاء مِنكُمْ وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ * لِلْفُقَرَاء الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِن دِيارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَاناً وَيَنصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ * وَالَّذِينَ تَبَوَّؤُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِن قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِّمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ * وَالَّذِينَ جَاؤُوا مِن بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلّاً لِّلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ * ) (الحشر 6-10)
-وقال : من غاظه أصحاب محمد فهو كافر ، قال الله تعالى:( لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ ) (الفتح : 29 )
-وقال عبد الله بن المبارك : خصلتان من كانتا فيه نجا : الصدق ، وحب أصحاب محمد ((1/200)
-قال أيوب السختياني : من أحب أبا بكر فقد أقام الدين ، ومن أحب عمر فقد أوضح السبيل ، ومن أحب عثمان فقد استضاء بنور الله ، ومن أحب علياً فقد أخذ بالعروة الوثقى ، ومن أحسن الثناء على أصحاب محمد ( فقد برئ من النفاق ، ومن انتقص أحداً منهم فهو مبتدع مخالف للسنة والسلف الصالح ، وأخاف ألا يصعد له عمل إلى السماء حتى يحبهم جميعاً ، ويكون قلبه سليماً .
-وفي حديث خالد بن سعيد أن النبي ( قال : أيها الناس ، إني راض عن أبي بكر فاعرفوا له ذلك . أيها لناس ، إني راض عن عمر ، وعن علي ، وعن عثمان ، وطلحة ، والزبير ، وسعد ، وسعيد ، وعبد الرحمن بن عوف ، فاعرفوا لهم ذلك . أيها الناس ، إن الله غفر لأهل بدر والحديبية ، أيها الناس ، احفظوني في أصحابي وأصهاري وأختاني ، لا يطالبنكم أحد منهم بمظلمة ، فإنها مظلمة لا توهب في لقيامة غداً .
(قلت :أورده الطبري في الرياض االنضرة -ذكر ما جاء في تخصيص أبي بكر بأنه لم يسؤه قط وإثبات رضاه ( بجمع منهم ومن غيرهم.
عن سهل بن مالك عن أبيه عن جده قال لما قدم رسول الله (من حجة الوداع صعد المنبر فحمد الله تعالى وأثنى عليه ثم قال "يا أيها الناس إن أبا بكر لم يسؤني قط فاعرفوا له ذلك يا أيها الناس إني راض عن عمر وعثمان وعلي وطلحة بن عبيد الله والزبير بن العوام وسعد بن مالك وعبد الرحمن بن عوف والمهاجرين الأولين فاعرفوا لهم ذلك" أخرجه الخلعي والحافظ الدمشقي في معجمه
-وقال رجل للمعافى بن عمران : أين عمر بن عبد العزيز من معاوية ؟ قغضب وقال : لا يقاس بأصحاب النبي ( أحد ، معاوية صاحبه وصهره ، وكاتبه وأمينه على وحي الله .
-وأتي النبي ( بجنازة رجل فلم يصل عليه ، وقال : كان يبغض عثمان ، فأبغضه الله .
(قلت : رواه الترمذي ، قال :(1/201)
حَدَّثَنَا الفَضْلُ بنُ أبي طالبٍ البغداديُّ وغيرُ واحدٍ قَالُوا أَخْبَرَنَا عُثْمَانُ بنُ زُفَرَ أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ زيادٍ عَن مُحَمَّدِ بنِ عجلانَ عَن أبي الزُّبَيْرِ عَن جَابِرٍ قَالَ:- "أُتيَ النَّبيُّ ( بجنازةِ رجلٍ ليُصلِّي عليهِ فلمْ يُصلِّ عليهِ، فقيلَ يا رَسُولَ اللَّهِ ما رَأيناكَ تركتَ الصَّلاةَ على أحدٍ قبلَ هَذَا؟ قَالَ: إنَّهُ كَانَ يبغُضُ عُثْمَانَ فأبغَضَهُ اللَّهُ".
قال أبو عيسى هَذَا حَدِيثٌ غَرِيْبٌ لا نَعْرِفُهُ إلا من هَذَا الوَجْهِ. ومُحَمَّدُ بنُ زيادٍ هَذَا هو صاحبُ ميمونِ بنِ مُهرانَ ضعيفٌ في الحَدِيثِ جِدَّاً. ومُحَمَّدُ بنُ زيادٍ صاحبُ أَبي هُرَيْرَةَ وهو بصريٌّ ثقةٌ ويُكْنَى أبا الحارِثِ. ومُحَمَّدُ بنُ زيادٍ الألهانيُّ صاحبُ أبي أُمامةَ ثقةٌ شَاميٌ يُكْنَى أبا سُفْيَانَ.
-وقال ( في الأنصار : اعفوا عن مسيئهم ، واقبلوا من محسنهم .
قلت : رواه الشيخان
البخاري في كتاب فضائل الصحابة - باب: قول النبي ( : (اقبلوا من محسنهم وتجاوزوا عن مسيئهم).
- حدثني محمد بن يحيى أبو علي: حدثنا شاذان، أخو عبدان: حدثنا أبي: أخبرنا شعبة بن الحجاج، عن هشام بن زيد قال: سمعت أنس ابن مالك يقول: مر أبو بكر والعباس رضي الله عنهما بمجلس من مجالس الأنصار وهم يبكون، فقال: ما يبكيكم؟ قالوا: ذكرنا مجلس النبي ( منا، فدخل على النبي (فأخبره بذلك، قال: فخرج النبي ( وقد عصب على رأسه حاشية برد، قال: فصعد المنبر، ولم يصعده بعد ذلك اليوم، فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: (أوصيكم بالأنصار، فإنهم كرشي وعيبتي، وقد قضوا الذي عليهم وبقي الذي لهم، فاقبلوا من محسنهم وتجاوزوا عن مسيئهم).(1/202)
- حدثنا أحمد بن يعقوب: حدثنا ابن الغسيل: سمعت عكرمة يقول: سمعت ابن عباس رضي الله عنهما يقول: خرج رسول الله ( وعليه ملحفة متعطفا بها على منكبيه، وعليه عصابة دسماء، حتى جلس على المنبر، فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: (أما بعد أيها الناس، فإن الناس يكثرون، وتقل الأنصار حتى يكونوا كالملح في الطعام، فمن ولي منكم أمرا يضر فيه أحدا أو ينفعه، فليقبل من محسنهم، ويتجاوز عن مسيئهم).
- حدثنا محمد بن بشار: حدثنا غندر: حدثنا شعبة قال: سمعت قتادة، عن أنس بن مالك رضي الله عنه، عن النبي ( قال: (الأنصار كرشي وعيبتي، والناس سيكثرون ويقلون، فاقبلوا من محسنهم، وتجاوزوا عن مسيئهم).
ومسلم في كتاب فضائل الصحابة رضي الله تعالى عنهم باب من فضائل الأنصار، رضي الله تعالى عنهم
حدثنا محمد بن المثنى ومحمد بن بشار (واللفظ لابن المثنى). قالا: حدثنا محمد بن جعفر. أخبرنا شعبة. سمعت قتادة يحدث عن أنس بن مالك؛ أن رسول الله ( قال "إن الأنصار كرشي وعيبتي. وإن الناس سيكثرون ويقلون. فاقبلوا من محسنهم واعفوا عن مسيئهم ....
-وقال : احفظوني في أصحابي وأصهاري ، فإنه من حفظني فيهم حفظه الله في الدنيا والآخرة ، ومن لم يحفظني فيهم تخلى الله منه ، ومن تخلى الله منه يوشك أن يأخذه .
(قلت : مر منذ قليل ،و أخرجه السيوطي : (الشيرازي في الألقاب) عن أبي سعيد.
. احفظوني في أصحابي فمن حفظني فيهم كان عليه من الله حافظ ومن لم يحفظني فيهم تخلى الله عنه ومن تخلى الله عنه يوشك أن يأخذه ....وقال الألباني : (ضعيف) .
قلت : قوله ( : (احفظوني في أصحابي ) ورد في حديث أخرجه ابن ماجه ، وصححه الألباني(1/203)
حدثنا عبد الله بن الجراح ثنا جرير عن عبد الملك بن عمير عن جابر بن سمرة قال خطبنا عمر بن الخطاب بالجابية فقالإن رسول الله ( قام فينا مثل مقامي فيكم فقال : احفظوني في أصحابي ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم ثم يفشو الكذب حتى يشهد الرجل وما يستشهد ويحلف وما يستحلف
وعنه ( : من حفظني في أصحابي كنت له حافظاً يوم القيامة .
( قلت : قال ابن عدي في الكامل في الضعفاء
*عن بن عباس قال قال رسول الله (احفظوني في أصحابي فمن حفظني فيهم كنت له يوم القيامة وليا وحافظا...
قال الشيخ وهذا الحديث يرويه أبو معاوية مرسلا ولا يذكر في إسناده بن عباس إنما أوصله جعفر بن بيان
-وقال : من حفظني في أصحابي ورد علي الحوض، ومن لم يحفظني في أصحابي لم يرد علي الحوض ، و لم يرَني إلا من بعيد .
قال مالك ـ رحمه الله : هذا النبي ( مؤدب الخلق الذي هدانا الله به ، وجعله رحمة للعالمين ، يخرج في جوف الليل إلى البقيع فيدعوا لهم ويستغفر كالمودع لهم ، وبذلك أمره الله ، وأمر النبي بحبهم ، وموالاتهم ، ومعاداة من عاداهم .
-وروى عن كعب : ليس أحد من أصحاب محمد ( إلا له شفاعة يوم القيامة . وطلب من المغيرة بن نوفل أن يشفع له يوم القيامة .
-قال سهل بن عبد الله التسترى : لم يؤمن بالرسول من لم يوقر أصحابه ، ولم يُعِزَّ أوامرَه .
الفصل السابع
ومن إعظامه وإكباره ( إعظام جميع أسبابه...
قال القاضي أبو الفضل رحمه الله : ومن إعظامه وإكباره إعظام جميع أسبابه ، وإكرام مشاهده وأمكنته من مكة والمدينة ، ومعاهده ، وما لمسه (، أوعُرِف به .
-روي عن صفية بنت نجدة ، قالت : كان لأبي محذورة قُصَّة في مقدم رأسه إذا قعد وأرسلها أصابت الأرض . فقيل له : ألا تحلقها ؟ فقال : لم أكن بالذي أحلقها ، وقد مسها رسول الله ( بيده .(1/204)
-وكانت في قلنسوة خالد بن الول يد شعرات من شَعره ( فسقطت قلنسوته في بعض حروبه ، فشد عليها شدة أنكر عليه أصحاب النبي( كثرة من قتل فيها ، فقال : لم أفعلها بسبب القلنسوة ، بل لما تضمنتْه من شعره ( لئلا أسلب بركتها وتقع في أيدي المشركين .
ورُئي ابن عمر واضعاً يده على مقعد النبي ( من المنبر ، ثم وضعها على وجهه .
-ولهذا كان مالك رحمه الله لا يركب بالمدينة دابة وكان يقول : أستحي من الله أن أطأ تربة فيها رسول الله (بحافر دابة .
-وروي عنه أنه وهب للشافعي كراعاً كثيراً كان عنده ، فقال له الشافعي : أمسك منها دابة . فأجابه بمثل هذا الجواب .
-وقد حكى أبو عبد الرحمن السلمي عن أحمد بن فضلويه الزاهد - وكان من الغزاة الرماة - أنه قال : ما مسست القوس بيدي إلا على طهارة منذ بلغني أن النبي ( أخذ القوس بيده .
-وقد أفتى مالك فيمن قال : تربة المدينة ردية يضرب ثلاثين درة ، وأمر بحبسه ، وكان له قدر ، وقال : ما أحوجه إلى ضرب عنقه ! تربة دفن فيها النبي ( يزعم أنها غير طيبة .
-وفي الصحيح أنه ( قال في المدينة : من أحدث فيها حدثاً أو آوى محدثاً فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين ، لا يقبل الله منه صرفاً ولا عدلاً .
(قلت : رواه مسلم في كتاب الحج- باب فضل المدينة، ودعاء النبي ( فيها بالبركة. وبيان تحريمها وتحريم صيدها وشجرها. وبيان حدود حرمها(1/205)
*حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة وزهير بن حرب وأبو كريب. جميعا عن أبي معاوية. قال أبو كريب: حدثنا أبو معاوية. حدثنا الأعمش عن إبراهيم التيمي، عن أبيه، قال: خطبنا علي بن أبي طالب فقال: من زعم أن عندنا شيئا نقرأه إلا كتاب الله وهذه الصحيفة (قال: وصحيفة معلقة في قراب سيفه) فقد كذب. فيها أسنان الإبل. وأشياء من الجراحات. وفيها قال النبي (: " المدينة حرم ما بين عير إلى ثور. فمن أحدث فيها حدثا. أو آوى محدثا. فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين. لا يقبل الله منه يوم القيامة صرفا ولا عدلا. وذمة المسلمين واحدة. يسعى بها أدناهم. ومن ادعى إلى غير أبيه، أو انتمى إلى غير مواليه. فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين. لا يقبل الله منه يوم القيامة صرفا ولا عدلا". وانتهى حديث أبي بكر وزهير عند قوله "يسعى بها أدناهم" ولم يذكرا ما بعده. وليس في حديثهما: معلقة في قرب سيفه.
*حدثناه حامد بن عمر. حدثنا عبدالواحد. حدثنا عاصم. قال: قلت لأنس بن مالك:
أحرم رسول الله ( المدينة ؟ قال: نعم. ما بين كذا إلى كذا. فمن أحدث فيها حدثا. قال ثم قال لي: هذه شديدة "من أحدث فيها حدثا فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين. لا يقبل الله منه يوم القيامة صرفا ولا عدلا " قال فقال ابن أنس: أو آوى محدثا.
-وحكي أن جهجاها الغفاري أخذ قضيب النبي ( من يد عثمان رضي الله عنه ، وتناول ليكسره على ركبته ، فصاح به الناس ، فأخذته الأكلة في ركبته فقطعها ، ومات قبل الحول
-وقال ( : من حلف على منبري كاذباً فليتبوأ مقعده من النار .
( قلت : رواه مالك في الموطأ - باب ما جاء في الحنث على منبر النبي (
قال يحيى حدثنا مالك عن هشام بن هشام بن عتبة بن أبي وقاص عن عبد الله بن نسطاس عن جابر بن عبد الله الأنصاري ان رسول الله ( قال: من حلف على منبري آثما تبوأ مقعده من النار ..
وأخرجه ابن ماجه وفبه (عند منبري) بدل (على منبري)(1/206)
*حدثنا عمرو بن رافع ثنا مروان بن معاوية ح وحدثنا أحمد بن ثابت الجحدري ثنا صفوان بن عيسى قالا ثنا هاشم بن هاشم عن عبد الله بن نسطاس عن جابر بن عبد الله قال قال رسول الله ( من حلف بيمين آثمة عند منبري هذا فليتبوأ مقعده من النار ولو على سواك أخضر
قال الشيخ الألباني : صحيح
-وحُدِّثتُ أن أبا الفضل الجوهري لما ورد المدينة زائراً ، وقرب من بيوتها ترجل ومشى باكياً منشداً :
ولما رأينا رسم من لم يدع لنا فؤاداً لعرفان الرسوم و لا لباً
نزلنا عن الأكوار نمشي كرا مةً لمن بان عنه أن نلم به ركباً
-وحكى عن بعض المريدين أنه لما أشرف على مدينة الرسول ( أنشد يقول متمثلاً :
رفع الحجاب لنا فلاح لناظر قمر تقطع دونه الأوهام
وإذا المطي بنا بلغن محمداً فظهورهن على الرجال حرام
قربننا من يخر من وطيء الثرى ولها علينا حرمة و ذمام
-وحكي عن بعض المشايخ أنه حج ماشياً ، فقيل له في ذلك ، فقال : العبد الآبق لا يأتي إلى بيت مولاه راكباً ! لو قدرت أن أمشي على رأسي ما مشيت على قدمي .
-قال القاضي : وجدير لمواطن عمرت بالوحي والتنزيل ، وتردد بها جبريل وميكائيل ، وعرجت منها الملائكة والروح ، وضجت عرصاتها بالتقديس والتسبيح ، واشتملت تربتها على جسد سيد البشر ، وانتشر عنها من دين الله وسنة رسوله( ما انتشر ، مدارس آيات ، ومساجد وصلوات ، ومشاهد الفضائل والخيرات ، ومعاهد البراهين والمعجزات ، ومناسك الدين ، ومشاعر المسلمين ، ومواقف سيد المرسلين ، ومتبوأ خاتم النبيين ، حيث انفجرت النبوة ، وأين فاض عبابها ، ومواطن مهبط الرسالة ، وأول أرض مسَّ جلدَ المصطفى ترابُها ـ أن تُعظَّم عرصاتُها ، وتتنسم نفحاتُها ، وتقبل ربوعها وجدرانها :
يا دار خير المرسلين و من به هدي الأنام وخص بالآيات
عندي لأجلك لوعة و صبابة وتشوق متوقد الجمرات
وعلي عهد إن ملأت محاجري من تكلم الجدران والعرصات
لأعفرن مصون شيبي بينها من كثرة التقبيل والرشفات(1/207)
لولا العوادي ، والأعادي زرتها أبدا ولو سحباً على الوزجنات
لكن سأهدي من حفيل تحيتي لقطين تلك الدار والحجرات
أزكى من المسك المفتق نفحةً تغشاه بالآصال و البكرات
وتخصه بزواكي الصلوات ونوامي التلسيم و البركات
الباب الرابع
في حكم الصلاة والتسليم على النبي ( وفرض ذلك وفضيلته
وفيه 10 فصول :
1- في معنى الصلاة على النبي (
2- في حكم الصلاة التسليم على النبي ( وفرض ذلك وفضيلته
3- في المواطن التي يستحب فيها الصلاة والسلام على النبي (
4- في كيفية الصلاة والتسليم عليه (
5- في فضيلة الصلاة والتسليم على النبي ( والدعاء له
6- في ذم وإثم من لم يصل على النبي (
7- في تخصيصه ( بتبليغ صلاة من صلى عليه و سلم من الأنام
8- في الاختلاف في الصلاة على غير النبي (و سائر الأنبياء عليهم السلام
9- في حكم زيارة قبره وفضيلة من زاره وسلم عليه (
10- آداب دخول المسجد النبوي وفضله
الفصل الأول
في معنى الصلاة على النبي (
قال الله تعالى :( (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً) (الأحزاب : 56 )
-قال ابن عباس : معناه : إن الله و ملائكته يباركون على النبي .
-وقيل : إن الله يترحم على النبي ، وملائكته يدعون له .
-قال المبرد : و أصل الصلاة الترحم ، فهي من الله رحمة ، ومن الملائكة رقة واستدعاء للرحمة من الله .
-وقد ورد في الحديث : صفة الملائكة على من جلس ينتظر الصلاة : اللهم اغفر له ، اللهم ارحمه.
فهذا دعاء .
-وقال أبو بكر القشيري : الصلاة من الله تعالى لمن دون النبي( رحمة ، و للنبي ( تشريف وزيادة تكرمة .
-وقال أبو العالية : صلاة الله ثناؤه عليه عند الملائكة ، وصلاة الملائكة الدعاء .
*قال القاضي أبو الفضل : وقد فرق النبي ( في حديث تعليم الصلاة بين لفظ الصلاة ولفظ البركة ، فدل أنهما بمعنيين .(1/208)
-وأما التسليم الذي أمر الله تعالى به عباده فقال القاضي أبو بكر بن بكير : نزلت هذه الآية على النبي ( ، فأمر الله أصحابه أن يسلموا عليه ، و كذلك من بعدهم أمروا أن يسلموا على النبي ( عند حضورهم قبره ، وعند ذكره .
وفي معنى السلام عليه ثلاثة وجوه :أحدهما : السلامة لك ومعك ، ويكون السلام مصدراً كاللذاذ واللذاذة .
الثاني : أي السلام على حفظك ورعايتك مُتَولّ له ، وكفيل به ، ويكون هنا السلام اسم الله .
الثالث : أن السلام بمعنى المسالمة له والإنقياد ، كما قال : (فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّىَ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُواْ فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجاً مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُواْ تَسْلِيماً) (النساء : 65 )
(قلت : قال الإمام السعدي رحمه الله في تفسير قوله تعالى :
(إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما(
وهذا فيه تنبيه على كمال رسول الله ( ، ورفعة درجته ، وعلو منزلته عند الله وعند خلقه ، ورفع ذكره . و " إن الله " تعالى " وملائكته يصلون على النبي " أي : يثني الله عليه بين الملائكة ، وفي الملأ الأعلى ، لمحبته تعالى إياه . ويثني عليه الملائكة المقربون ، ويدعون له ويتضرعون . " يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما " اقتداء بالله وملائكته ، وجزاء له على بعض حقوقه عليكم ، وتكميلا لإيمانكم ، وتعظيما له صلى الله عليه وسلم ، ومحبة وإكراما ، وزيادة في حسناتكم ، وتكفيرا عن سيئاتكم . وأفضل هيئات الصلاة عليه عليه الصلاة والسلام ، ما علمه أصحابه " اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على آل إبراهيم إنك حميد مجيد وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم إنك حميد مجيد " وهذا الأمر بالصلاة والسلام عليه مشروع في جميع الأوقات وأوجبه كثير من العلماء في الصلاة .
وقال الشوكاني رحمه الله في تفسير قوله تعالى :(1/209)
(فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّىَ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُواْ فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجاً مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُواْ تَسْلِيماً(
قوله تعالى :- "فلا وربك". قال ابن جرير: قوله "فلا" رد على ما تقدم ذكره، تقديره فليس الأمر كما يزعمون أنهم آمنوا بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك، ثم استأنف القسم بقوله "وربك لا يؤمنون" وقيل: إنه قدم لا على القسم اهتماماً بالنفي، وإظهاراً لقوته ثم كرره بعد القسم تأكيداً، وقيل: لا مزيدة لتأكيد معنى القسم لا لتأكيد معنى النفي، والتقدير: فوربك لا يؤمنون كما في قوله: "فلا أقسم بمواقع النجوم". "حتى يحكموك" أي يجعلوك حكماً بينهم في جميع أمورهم لا يحكمون أحداً غيرك، وقيل: معناه يتحاكمون إليك، ولا ملجئ لذلك "فيما شجر بينهم" أي اختلف بينهم واختلط، ومنه الشجر لاختلاف أغصانه، ومنه قول طرفة:
وهم الحكام أرباب الهدى وسعاة الناس في الأمر الشجر(1/210)
أي المخلتلف، ومنه تشاجر الرماح: أي اختلافها "ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجاً مما قضيت" قيل: هو معطوف على مقدر ينساق إليه الكلام: أي فتقضي بينهم ثم لا يجدوا. والحرج: الضيق، وقيل الشك، ومنه قيل للشجر الملتف: حرج وحرجة، وجمعها حراج، وقيل الحرج: الإثم، أي لا يجدون في أنفسهم إثماً بإنكارهم ما قضيت "ويسلموا تسليماً" أي: ينقادوا لأمرك وقضائك انقياداً لا يخالفونه في شيء. قال الزجاج: "تسليماً" مصدر مؤكد: أي ويسلموا لحكمك تسليماً لا يدخلون على أنفسهم شكاً ولا شبهة فيه. والظاهر أن هذا شامل لكل فرد في كل حكم كما يؤيد ذلك قوله "وما أرسلنا من رسول إلا ليطاع بإذن الله"، وأما بعد موته فتحكيم الكتاب والسنة، وتحكيم الحاكم بما فيهما من الأئمة والقضاة إذا كان لا يحكم بالرأي المجرد مع وجود الدليل في الكتاب والسنة أو في أحدهما، وكان يعقل ما يرد عليه من حجج الكتاب والسنة، بأن يكون عالماً باللغة العربية وما يتعلق بها من نحو وتصريف ومعاني وبيان عارفاً بما يحتاج إليه من علم الأصول، بصيراً بالسنة المطهرة، مميزاً بين الصحيح وما يلحق به، والضعيف وما يلحق به، منصفاً غير متعصب لمذهب من المذاهب ولا لنحلة من النحل، ورعاً لا يحيف ولا يميل في حكمه، فمن كان هكذا فهو قائم في مقام النبوة مترجم عنها حاكم بأحكامها. وفي هذا الوعيد الشديد ما تقشعر له الجلود وترجف له الأفئدة، فإنه أولاً أقسم سبحانه بنفسه مؤكداً لهذا القسم بحرف النفي بأنهم لا يؤمنون، فنفى عنهم الإيمان الذي هو رأس مال صالحي عباد الله حتى تحصل لهم غاية هي تحكيم رسول الله (، ثم لم يكتف سبحانه بذلك حتى قال "ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجاً مما قضيت" فضم إلى التحكيم أمراً آخر، هو عدم وجود حرج: أي حرج في صدورهم، فلا يكون مجرد التحكيم والإذعان كافياً حتى يكون من صميم القلب عن رضا واطمئنان وانثلاج قلب وطيب نفس، ثم لم يكتف بهذا كله، بل ضم إليه قوله "ويسلموا" أي:(1/211)
يذعنوا وينقادوا ظاهراً وباطناً، ثم لم يكتف بذلك، بل ضم إليه المصدر المؤكد فقال: "تسليماً" فلا يثبت الإيمان لعبد حتى يقع منه هذا التحكيم ولا يجد الحرج في صدره بما قضي عليه ويسلم لحكم الله وشرعه، تسليماً لا يخالطه رد ولا تشوبه مخالفة. وقد أخرج ابن أبي حاتم والطبراني بسند قال السيوطي: صحيح عن ابن عباس، قال: كان برزة الأسلمي كاهناً يقضي بين اليهود فيما يتنافرون فيه، فتنافر إليه ناس من المسلمين، فأنزل الله "(أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُواْ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنزِلَ مِن قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَن يَتَحَاكَمُواْ إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُواْ أَن يَكْفُرُواْ بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَن يُضِلَّهُمْ ضَلاَلاً بَعِيداً) (النساء : 60 ). وأخرج ابن إسحاق وابن المنذر وابن أبي حاتم عنه قال: كان الجلاس بن الصامت قبل توبته ومعقب بن قشير ورافع بن زيد كانوا يدعون الإسلام، فدعاهم رجال من قومهم من المسلمين في خصومة كانت بينهم إلى رسول الله ، فدعوهم إلى الكهان حكام الجاهلية، فنزلت الآية المذكورة. وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم من طريق العوفي عن ابن عباس في قوله "يريدون أن يتحاكموا إلى الطاغوت" قال: الطاغوت رجل من اليهود كان يقال له: كعب بن الأشرف، وكانوا إذا ما دعوا إلى ما أنزل الله وإلى الرسول ليحكم بينهم قالوا: بل نحاكمكم إلى كعب، فنزلت الآية. وأخرج ابن جرير عن الضحاك مثله. وأخرج البخاري ومسلم وأهل السنن وغيرهم عن عبد الله بن الزبير: "أن الزبير خاصم رجلاً من الأنصار قد شهد بدراً مع النبي ( إلى رسول الله ( في شراج من الحرة، وكانا يسقيان به كلاهما النخل. فقال الأنصاري: سرح الماء يمر، فأبى عليه، فقال رسول الله ( : اسق يا زبير، ثم أرسل الماء إلى جارك، فغضب الأنصاري وقال: يا رسول الله أن كان ابن عمتك؟ فتلون وجه رسول الله ( ثم قال: اسق يا زبير ثم احبس الماء(1/212)
حتى يرجع إلى الجدر، ثم أرسل الماء إلى جارك، واستوعى رسول الله ( للزبير حقه وكان رسول الله ( قبل ذلك أشار على الزبير برأي أراد فيه سعة له وللأنصاري، فلما أحفظ رسول الله الأنصاري. استوعى للزبير حقه في صريح الحكم، فقال الزبير: ما أحسب هذه الآية نزلت إلا في ذلك "فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم"". وأخرج ابن أبي حاتم وابن مردويه من طريق ابن لهيعة عن الأسود: أن سبب نزول الآية أنه اختصم إلى رسول الله ( رجلان فقضى بينهما، فق ال المقضي عليه: ردنا إلى عمر، فردهما، فقتل عمر الذي قال ردنا، ونزلت الآية، فأهدر النبي ( دم المقتول. وأخرجه الحكيم الترمذي في نوادر الأصول عن مكحول فذكر نحوه، وبين أن الذي قتله عمر كان منافقاً، وهما مرسلان، والقصة غريبة، وابن لهيعة فيه ضعف.
الفصل الثاني
في حكم الصلاة التسليم على النبي ( وفرض ذلك وفضيلته
قال القاضي أبو الفضل رحمه الله :اعلم أن الصلاة على النبي ( فرض على الجملة ، غير محدد بوقت ، لأمر الله تعالى بالصلاة عليه ، وحمل الأئمة والعلماء له على الوجوب ، وأجمعوا عليه .
وحكى أبو جعفر الطبري أن محمل الآية عنده على الندب ، وادعى فيه الإجماع ، ولعله فيما زاد على مرة والواجب منه الذي يسقط به الحرج ومأثم ترك الفرض مرة ، كالشهادة له بالنبوة ، وما عدا ذلك فمندوب مرغب فيه ، من سنن الإسلام وشعار أهله .
-قال القاضي أبو الحسن بن القصار : المشهور عن أصحابنا أن ذلك واجب في الجملة على الإنسان ، وفرض عليه أن يأتي بها مرةً من دهره مع القدرة على ذلك .
-وقال القاضي أبو بكر بن بكير : افترض الله على خلقه أن يصلوا على نبيه ( ويسلموا تسليما ، ولم يجعل ذلك لوقت معلوم ، فالواجب أن يكثر المرء منها ، ولا يغفل عنها .
-قال القاضي أبو محمد بن نصر : الصلاة على النبي(واجبة في الجملة .(1/213)
-قال القاضي أبو عبد الله بن محمد بن سعيد : ذهب مالك وأصحابه وغيرهم من أهل العلم أن الصلاة على النبي ( فرض بالجملة بعقد الأيمان ، لا تتعين في الصلاة ، وأن من صلى عليه ( مرةً واحدةً من عمره سقط الفرض عنه .
-وقال أصحاب الشافعي : الفرض منها الذي أمر الله تعالى به رسوله( هو في الصلاة
وقالوا : وأما في غيرها فلا خلاف أنها غير واجبة .
-وأما في الصلاة فحكى الإمامان أبو جعفر الطبري والطحاوي وغيرهما إجماع جميع المتقدمين والمتأخرين من علماء الأمة على أن الصلاة على النبي ( في التشهد غير واجبة .
-وشذ الشافعي في ذلك ، فقال : من لم يصل على النبي ( من بعد التشهد الأخير وقبل السلام فصلاته فاسدة ، وإن صلى عليه قبل ذلك لم تجزه ، ولا سلَف له في هذا القول ولا سنة يتبعها .
-وقد بالغ في إنكار هذه المسألة عليه لمخالفته فيها من تقدمه جماعةٌُ ، وشنعوا عليه الخلاف فيها ، منهم الطبري ، و القشيري ، وغير واحد .
-وقال أبو بكر بن المنذر : يستحب ألا يصلي أحد صلاةً إلا صلى فيها على رسول الله ( ، فإن ترك ذلك فصلاته مجزئة في مذهب مالك،وأهل المدينة،وسفيان الثوري،وأهل الكوفة من أصحاب الرأي وغيرهم .
-وهو قول جمل أهل العلم .
-وحكي عن مالك وسفيان أنها في التشهد الأخير مستحبة ، وأن تاركها في التشهد مسيء .
-وشذ الشافعي فأوجب على تاركها في الصلاة الإعادة ، وأوجب إسحاق الإعادة مع تعمد تركها دون النسيان .
-وحكى أبو محمد بن أبي زيد ، عن محمد بن المواز ـ أن الصلاة على النبي ( فريضة .
قال أبو محمد : يريد ليست من فرائض الصلاة ، وقاله محمد بن عبد الحكم وغيره .
-وحكى ابن القصار وعبد الوهاب ـ أن محمد بن المواز يراها فريضةً في الصلاة كقول الشافعي .
-وحكى أبو يعلى العبدي المالكي عن المذهب . فيها ثلاثة أقوال في الصلاة :
الوجوب ، و السنة ، و الندب .
-وقد خالف الخطابي من أصحاب الشافعي وغيره ـ الشافعي في هذه المسألة ،(1/214)
قال الخطابي : وليست بواجبة في الصلاة ، وهو قول جماعة الفقهاء إلا الشافعي ، ولا أعلم له فيها قدوةً
والدليل على أنها ليست من فروض الصلاة عمل السلف الصالح قبل الشافعي ، وإجماعهم عليه . وقد شنع الناس عليه في هذه المسألة جداً .
وهذا تشهد ابن مسعود الذي اختاره الشافعي ، وهو الذي علمه له النبي ( ، ليس فيه الصلاة على النبي (، وكذلك كل من روى التشهد عن النبي ( كأبي هريرة ، وابن عباس ، وجابر، وابن عمر ، وأبي سعيد الخدري ، وأبي موسى الأشعري ، وعبد الله بن الزبير ... لم يذكروا فيه صلاة على النبي (
وقد قال ابن عباس ، وجابر : كان النبي ( يعلمنا التشهد كما يعلمنا السورة من القرآن . ونحوه عن أبي سعيد .-وقال ابن عمر : كان أبو بكر يعلمنا التشهد على المنبر كما يعلمون الصبيان في الكتاب .
-وعلمه أيضاً على المنبر عمر بن الخطاب رضي الله عنه .
-وفي الحديث : لا صلاة لمن لم يصل علي . قال ابن القصار : معناه : كاملةً ، أو لمن لم يصل علي مرة في عمره .-وضعف أهل الحديث كلهم رواية هذا الحديث .
( قلت : رواه البيهقي في السنن الكبرى ،والدارقطني ،ولفظه:
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ الشَّافِعِىُّ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ غَالِبٍ حَدَّثَنَا عَلِىُّ بْنُ بَحْرٍ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْمُهَيْمِنِ بْنُ عَبَّاسٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ أَنَّ النَّبِىَّ ( قَالَ : لاَ صَلاَةَ لِمَنْ لَمْ يُصَلِّ عَلَى نَبِيِّهِ.)).
عَبْدُ الْمُهَيْمِنِ بْنُ عَبَّاسٍ لَيْسَ بِالْقَوِىِّ
-وفي حديث أبي جعفر ، عن ابن مسعود ، عن النبي (: من صلى صلاةً لم يصل فيها علي وعلى أهل بيتي لم تقبل منه .
قال الدارقطني : الصواب أنه من قول أبي جعفر محمد بن علي بن الحسين : لو صليتُ صلاةً لم أُصَل فيها على النبي (ولا على أله بيته لرأيت أ نها لا تتم
قلت: روى الدارقطني في سننه،قال(1/215)
َحدحَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سَعِيدٍ حَدَّثَنَا جَعْفَرُ بْنُ عَلِىِّ بْنِ نَجِيحٍ الْكِنْدِىُّ حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ صُبَيْحٍ عَنْ سُفْيَانَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ الْحَرِيرِىِّ عَنْ عَبْدِ الْمُؤْمِنِ بْنِ الْقَاسِمِ عَنْ جَابِرٍ عَنْ أَبِى جَعْفَرٍ عَنْ أَبِى مَسْعُودٍ الأَنْصَارِىِّ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ( " مَنْ صَلَّى صَلاَةً لَمْ يُصَلِّ فِيهَا عَلَىَّ وَلاَ عَلَى أَهْلِ بَيْتِى لَمْ تُقْبَلْ مِنْهُ.)).
جَابِرٌ ضَعِيفٌ وَقَدِ اخْتُلِفَ عَنْهُ .
الفصل الثالث
في المواطن التي يستحب فيها الصلاة والسلام على النبي (
من ذلك في تشهد الصلاة كما قدمناه ، وذلك بعد التشهد وقبل الدعاء :
* حدثنا القاضي أبو علي بقرائي عليه : حدثنا الإمام أبو القاسم البلخي ، قال : حدثنا الفارسي ، عن أبي القاسم الخزاعي ، عن الهيثم بن كليب ، عن أبي عيسى الحافظ ، قال : حدثنا محمود بن غيلان ، حدثنا عبد الله بن يزيد المقرئ ، حدثنا حيوة بن شريح ، حدثني أبو هانئ الخولاني ـ أن عمرو بن مالك الجنبي أخبره أنه سمع فضالة بن عبيد يقول : سمع النبي (رجلاً يدعو في صلاته ، فلم يصل على النبي ( فقال النبي (: عجل هذا . ثم دعاه فقال له ولغيره : إذا صلى أحدكم فليبدأ بتحميد الله والثناء عليه ، ثم ليصل على النبي ، ثم ليدع بعد بما شاء .
-ويروى من غير هذا السند بتمجيد الله ، وهو أصح .
( قلت : رواه أحمد ،وأبو داود ، والبيهقي ،والحاكم ، والترمذي ,غيرهم
ففي سنن الترمذي :(1/216)
*حدثنا محمود بن غيلان حدثنا عبد الله بن يزيد المقرئ حدثنا حيوة بن شريح حدثني أبو هانئ الخولاني أن عمرو بن مالك الجنبي أخبره أنه سمع فضالة بن عبيد يقول سمع النبي ( رجلا يدعو في صلاته فلم يصل على النبي ( فقال النبي ( عجل هذا ثم دعاه فقال له ولغيره : إذا صلى أحدكم فليبدأ بتحميد الله والثناء عليه ثم ليصل على النبي ( ثم ليدع بعد بما شاء... قال أبو عيسى هذا حديث حسن صحيح ؛ وقال الشيخ الألباني : صحيح .
وأخرجه الهيثمي في مجمع الزوائد.
*عن فضالة بن عبيد قال : بينا رسول الله ( قاعد إذ دخل رجل فصلى، ثم قال : اللهم اغفر لي وارحمني . فقال رسول الله ( " عجلت أيها المصلي، إذا صليت فقعدت فاحمد الله بما هو أهله، ثم صل علي ثم ادعه " .
ثم صلى آخر فحمد الله وصلى على محمد ( ، فقال له رسول الله ( : " سل تعطه " .
قلت : رواه أبو داود خلا من قوله : ثم صلى آخر إلى آخره .
ورواه الطبراني وفيه رشدين بن سعد وحديثه في الرقاق مقبول، وبقية رجاله ثقات .
-وعن عمر بن الخطاب رضي الله عنه ، قال : الدعاء والصلاة معلق بين السماء والأرض ، فلا يصعد إلى الله منه شيء حتى يصلي على النبي (.
-وعن علي ، عن النبي ( بمعناه ، و قال وعلى آل محمد .
-وروي أن الدعاء محجوب حتى يصلي الداعي على النبي (.
-و عن ابن مسعود : إذا أراد أحدكم أن يسأل الله شيئاً فليبدأ بمدحه والثناء عليه بما هو أهله ، ثم يصلي على النبي ( ، ثم ليسأل ، فإنه أجدر أن ينجح .
-وعن جابر رضي الله عنه ، قال : قال رسول الله ( : لا تجعلوني كقدح الراكب ، فإن الراكب يملأ قدحه ثم يضعه ، ويرفع متاعه ، فإن احتاج إلى شراب شربه أو الوضوء توضأ ، وإلا هراقه ، ولكن اجعلوني في أول الدعاء وأوسطه وآخره .
(قلت : ذكره ابن حجر في المطالب العلية ،قال:(1/217)
وَقَالَ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ : حَدَّثَنَا جَعْفَرُ بْنُ عَوْنٍ ، حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ عُبَيْدَةَ ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مُحَمَّدٍ ، عَنْ أَبِيهِ ، قَالَ : قَالَ جَابِرٌ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ لَنَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : لاَ تَجْعَلُونِي كَقِدْحِ الرَّاكِبِ ، إِنَّ الرَّاكِبَ إِذَا عَلَّقَ مَعَالِيقَهُ ، أَخَذَ قِدْحَهُ فَمَلَأَهُ مِنَ الْمَاءِ ، فَإِنْ كَانَتْ لَهُ حَاجَةٌ فِي الْوُضُوءِ تَوَضَّأَ ، وَإِنْ كَانَتْ لَهُ حَاجَةٌ فِي الشُّرْبِ شَرِبَ ، وَإِلاَّ ، أَهْرَاقَ مَا فِيهِ ، اجْعَلُونِي فِي أَوَّلِ الدُّعَاءِ ، وَفِي وَسَطِ الدُّعَاءِ ، وَفِي آخِرِ الدُّعَاءِ...
وأورده الهيثمي في مجمع الزوائد :
عن جابر بن عبد الله قال : قال رسول الله ( : " لا تجعلوني كقدح الراكب فإن الراكب يملأ قدحه فإذا فرغ وعلق معالقيه فإن كان له في الشراب حاجة أو الوضوء وإلا أهرق القدح - أحسبه قال : - فاذكروني في أول الدعاء وفي وسطه وفي آخر الدعاء " .
رواه البزار وفيه موسى بن عبيدة وهو ضعيف .
-وقال ابن عطاء : للدعاء أركان وأجنحة وأسباب وأوقات ، فإن وافق أركانه قوي ، وإن وافق أجنحته طار في السماء ، وإن وافق مواقيته فاز ، وإن وافق أسبابه أنجح ، فأركانه حضور القلب ، والرقة ، والإستكانة والخشوع ، وتعلق القلب بالله ، وقطعه الأسباب .
وأجنحة الصدق ، ومواقيته الأسحار ، وأسبابه الصلاة على محمد (.
-وفي الحديث : الدعاء بين الصلاتين علي لا يرد .
(قلت :المقصود بالصلاتين الأذان والإقامة،والحديث رواه أحمد ، والترمذي ،ولفظه :(1/218)
- حَدَّثَنَا مَحْمُودُ بنُ غَيْلاَنَ حَدَّثَنَا وَكِيعٌ وَعَبدُ الرَّزَّاقِ وَأَبُو أَحْمَدَ وَأَبُو نُعَيْمٍ قَالُوا: حَدَّثَنَا سُفيَانُ عَن زَيدِ العَمِّيِّ عَن أَبي إِيَاسٍ مُعَاوِيَةَ بن قُرَّةَ عَن أَنَسِ بن مَالِكٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ (: - "الدُّعَاءُ لاَ يُرَدُّ بَينَ الأَذَانِ وَالإِقَامَةِ".
قَالَ أَبُو عِيسَى: حَدِيثُ أَنَسٍ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ.
وَقَدْ رَوَاهُ أَبو إِسْحَقَ الهَمْدَانِيُّ عَن بُرَيْدِ بن أَبي مَرْيَمَ عَن أَنَسِ عَن النَّبِيِّ ( مِثْلَ هَذَا..
*حَدَّثَنَا أَبُو هِشَامٍ الرِّفاعيُّ مُحَمَّدُ بنُ يزيدَ الكوفُّي أَخْبَرَنَا يَحْيى بنُ اليمانِ أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ عَن زيدٍ العمِّيُّ عَن أبي إياسٍ مُعَاويَةَ بنِ قُرَّةَ عَن أَنَسِ بنِ مَالِكٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسَلَّم:- "الدُّعاءُ لا يُردُّ بينَ الأذانِ والإقامةِ ..قَالُوا فماذا نقولُ يا رَسُولَ اللَّهِ؟ قال " سلوا اللَّهَ العافيةَ في الدُّنيا والآخِرةِ" هَذَا حَدِيثٌ حسنٌ. وقد زاد يَحْيى بنُ اليمانِ في هَذَا الحَدِيثِ هَذَا الحرفَ "قَالُوا فماذا نقولُ؟ قَالَ: سَلوا اللَّهَ العَافيةَ في الدُّنيا والآخرةِ".
* حَدَّثَنَا مَحْمُودُ بنُ غَيْلانَ أَخْبَرَنَا وَكِيعٌ وعبدُ الرزاقِ وأَبُو أَحْمَدَ وأَبُو نُعيمٍ عَن سُفْيَانَ عَن زيدٍ العمِّيِّ عَن مُعَاويَةَ بنِ قُرَّةَ عَن أَنَسٍ عَن النَّبيِّ ( قَالَ:- "الدُّعاءُ لا يردُّ بينَ الأذانِ والإقامةِ" وهكذا روى أَبُو إسْحَاقَ الهمدانيُّ هَذَا الحَدِيثَ عَن بُريْدِ ابنِ أبي مريمَ الكوفيُّ عَن أَنَس عَن النَّبيّ ( نحوَ هَذَا وهَذَا أصحُّ.
-وفي حديث آخر : كل دعاء محجوب دون السماء ، فإذا جاءت الصلاة علي صعد الدعاء .
( قلت : رواه الترمذي في سننه ، قال :(1/219)
حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ سُليمَانُ بن مُسْلِمٍ البْلخِيِّ المَصَاحِفِيُّ أَخْبَرَنا النَّضرُ بن شُمَيلٍ عَن أَبِي قُرَّةَ الأَسدِيِّ عَن سعيدِ بن المُسَيَّبِ عَن عُمَرَ بن الخَطَّابِ قَالَ: إنَّ الدُّعاءَ مَوقُوفٌ بَينَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ لا يَصْعَدُ مِنْهُ شَيْءٌ حَتَّى تُصَلِّي عَلَى نَبِيِّكَ (.
قَالَ أَبُو عِيسَى: وَالعَلاءُ بنُ عَبدِ الرَّحْمَنِ هُوَ ابنُ يَعْقُوبَ هُوَ مَولَى الحُرَاقَةِ. وَالعَلاءُ هُوَ مِنَ التَّابِعِينَ سَمَعَ عَن أَنسِ بنِ مَالِكٍ وَغيرِهِ.
وَعَبدُ الرَّحْمَن بنُ يَعقُوبَ وَالِدُ العَلاءِ هُوَ مِنَ التَّابِعِينَ سَمَعَ مِنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَأَبِي سَعيدٍ الخُدرِيِّ.
وَيَعْقُوبُ هُوَ مِنْ كِبَارِ التَّابِعِينَ قَدْ أَدْرَكَ عُمَرَ بنَ الخَطَّابِ وَرَوَى عَنهُ.
وأخرج الهيثمي في مجمع الزوائد؛ وقال : رواه الطبراني في الأوسط ورجاله ثقات .
عن علي - يعني ابن أبي طالب - قال : كل دعاء محجوب حتى يصلى على محمد (وآل محمد .
رواه البزار وفيه موسى بن عبيدة وهو ضعيف .
-وفي دعاء ابن عباس الذي رواه عنه حنش ، فقال في آخره : واستجب دعائي ، ثم تبدأ بالصلاة على النبي ( فتقول : اللهم إني أسألك أن تصلي على محمد عبدك و نبيك و رسولك أفضل ما صليت على أحد من خلقك أجمعين آمين .
-ومن مواطن الصلاة عليه عند ذكره وسماع اسمه ، أو كتابته ، أو عند الأذان .
-وقد قال (: رغم أنف رجل ذكرت عنده فلم يصل علي .
(قلت: رواه الترمذي قال:
حدثنا أحمد بن إبراهيم الدورقي حدثنا ربعي بن إبراهيم عن عبد الرحمن بن إسحاق عن سعيد بن أبي سعيد عن أبي هريرة قال قال رسول الله ( : رغم أنف رجل ذكرت عنده فلم يصل علي ورغم أنف رجل دخل عليه رمضان ثم انسلخ قبل أن يغفر له ورغم أنف رجل أدرك عنده أبواه الكبر فلم يدخلاه الجنة(1/220)
قال عبد الرحمن وأظنه قال أو أحدهما قال وفي الباب عن جابر وأنس وهذا حديث حسن غريب من هذا الوجه وربعي بن إبراهيم هو أخو إسماعيل بن إبراهيم وهو ثقة وهو بن علية ويروى عن بعض أهل العلم قال إذا صلى الرجل على النبي صلى الله عليه وسلم مرة في المجلس أجزأ عنه ما كان في ذلك المجلس
وأخرجه البخاري في الأدب المفرد ، قال :
حدثنا محمد بن عبيد الله قال حدثنا بن أبي حازم عن كثير يرويه عن الوليد بن رباح عن أبي هريرةأن النبي ( رقى المنبر فقال : آمين آمين آمين.. قيل له : يا رسول الله ،ما كنت تصنع هذا... فقال: قال لي جبريل رغم أنف عبد أدرك أبويه أو أحدهما لم يدخله الجنة قلت آمين ثم قال رغم أنف عبد دخل عليه رمضان لم يغفر له فقلت آمين ثم قال رغم أنف امرئ ذكرت عنده فلم يصل عليك فقلت آمين
قال القاضي أبو الفضل رحمه الله :-وكره ابن حبيب ذكر النبي ( عند الذبح .
وكره سحنون الصلاة عليه ( عند التعجب ، وقال : لا يُصَلَّى عليه إلا على طريق الاحتساب وطلب الثواب .
-قال أصبغ ، عن ابن القاسم : موطنان لا يذكر فيهما إلا الله : الذبيحة ، والعطاس ، فلا تقل فيهما بعد ذكر الله : محمد رسول الله . ولو قال بعد ذكر الله : صلى الله على محمد لم يكن تسميةً له مع الله .
-وقاله أشهب ، قال : ولا ينبغي أن تجعل الصلاة على النبي ( فيه استناناً .
-وروى النسائي ، عن أوس بن أوس ، عن النبي ( الأمر بالإكثار من الصلاة عليه يوم الجمعة.
-ومن مواطن الصلاة والسلام على النبي ( دخول المسجد :
*قال أبو إسحاق بن شعبان : وينبغي لمن دخل المسجد أن يصلي على النبي ( ، وعلى آله ، ويترحم عليه ، وعلى آله ، ويبارك عليه وعلى آله ، ويسلم تسليماً ، ويقول : اللهم اغفر لي ذنوبي ، وافتح لي أبواب رحمتك .وإذا خرج فعل مثل ذلك ، وجعل موضع رحمتك ـ فضلك .(1/221)
-وقال عمرو بن دينار ـ في قوله تعالى :( فَإِذَا دَخَلْتُم بُيُوتاً فَسَلِّمُوا عَلَى أَنفُسِكُمْ تَحِيَّةً مِّنْ عِندِ اللَّهِ مُبَارَكَةً طَيِّبَةً ) (النور : 61 ) ـ قال : إن لم يكن في البيت أحد فقل : السلام على النبي ورحمة الله وبركاته ، السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين . السلام على أهل البيت ورحمة الله وبركاته .
-قال ابن عباس : المراد بالبيوت هنا المساجد .
-وقال النخعي : إذا لم يكن في المسجد أحد فقل : السلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وإذا لم يكن في البيت أحد فقل : السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين .
-وعن علقمة : إذا دخلت المسجد أقول : السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته ، صلى الله وملائكته على محمد ( .
ونحوه عن كعب : إذا دخل ، وإذا خرج ، ولم يذكر الصلاة .
-واحتج ابن شعبان لما ذكر بحديث فاطمة بنت رسول الله ( ـ أن النبي ( كان يفعله إذا دخل المسجد .
-ومثله عن أبي بكر بن عمرو بن حزم . وذكر السلام والرحمة .
-وقد ذكرنا هذا الحديث آخر القسم ، والاختلاف في ألفاظه .
**ومن مواطن الصلاة عليه( أيضاً الصلاة على الجنائز . -وذكر عن أبي أمامة أنها من السنة .
-ومن مواطن الصلاة التي مضى عليها عمل الأمة ، ولم تنكرها : الصلاة على النبي ( وآله في الرسائل ، وما يكتب بعد البسملة ، ولم يكن هذا في الصدر الأول ، وأحدث عند ولاية بني هاشم ، فمضى به عمل الناس في أقطار الأرض . ومنهم من يختم به أيضاً الكتب .
-وقال ( : من صلى علي في كتاب لم تزل الملائكة تستغفر له ما دام اسمي في ذلك الكتاب .
( قلت : أخرجه المنذري في الترغيب والترهيب ، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من صلى علي في كتاب لم تزل الملائكة تستغفر له ما دام اسمي في ذلك الكتاب .(1/222)
وقال الألباني :موضوع .... وأخرجه في السلسلة الضعيفة: من صلى علي في كتاب لم تزل الملائكة يستغفرون له ما دام اسمي في ذلك الكتاب . وقال : ( ضعيف جدا )
وقال السيوطب فب اللآلي المصنوعة :
في(الطبراني) في الأوسط حدثنا إسحق بن وهب العلاف حدثنا بشر بن عبيد الفارسي حدثنا خازم بن بكر بن يزيد بن عياض عن أبي هريرة قال قال رسول اللّه صلى (: من صلى علي في كتاب لم تزل الملائكة تستغفر له ما دام اسمي في ذلك الكتاب، موضوع: إسحق كذاب وكذا يزيد
(قلت) معاذ اللّه ... إسحق بن وهب العلاف ما هو بكذاب ولا ضعيف بل ثقة كما ذكره الذهبي في الميزان وإنما الكذاب إسحق بن وهب الطهرمسي فالتبس على المؤلف ويزيد بن عياض روى له الترمذي وابن ماجه وهو ضعيف وقد أورد الذهبي الحديث في ترجمة بشر بن عبيد وقال هذا بشر كذبه الأزدي وقال ابن عدي منكر الحديث عن الأئمة وقال في اللسان ذكره ابن حبان في الثقات وقد توبع إسحق ويزيد وبشر.
- قال الخطيب في شرف أصحاب الحديث أنبأنا أبو طالب حكى ابن علي بن عبدالرزاق الحويري حدثنا إبراهيم بن محمد بن يحيى المزكى إملاء أنبأنا أبو يوسف يعقوب بن محمد المقري حدثنا محمد بن مهران النيسابوري حدثنا محمد بن عبد لالّه بن حميد البصري حدثنا بشر بن عبيد خازم بن بكر أبو علي حدثنا يزيد بن عياض عن عبدالرحمن القرشي عن عبدالرحمن بن عبداللّ ه عن عبدالرحمن الأعرج عن أبي هريرة مرفوعاً بمثله.
-وقال النميري في الأعلام أنبأنا أبو الحسن عبدالرحمن بن عبداللّه إجازة أنبأنا قاسم بن محمد أنبأنا أبو إسحق إبراهيم بن محمد أنبأنا محمد بن يمن المرادي قال أملى علينا عمر بن المؤمل حدثنا محمد بن هرون الذينوري حدثنا عبداللّه بن محمد بن سنان حدثنا هانئ بن يحيى حدثنا يزيد بن عياض عن عبدالرحمن الأعرج عن أبي هريرة مرفوعاً به.(1/223)
-وقال الخطيب حدثنا عيسى بن غسان البصري بها إملاء حدثنا أبو العباس محمد بن أحمد بن أبي غسان الدقاق حدثنا عبداللّه بن محمد حدثنا محمد بن مهدي بن هلال حدثنا محمد بن يزيد بن خنيس حدثنا عبدالرحمن بن محمد الثقفي عن عبدالرحمن بن عمر عن أبي هريرة قال قال رسول اللّه ( : من كتب في كتابه ( لم تزل الملائكة تستغفر له ما دام كتابه.
-وله طريق آخر عن ابن عباس قال الأصبهاني في الترغيب أنبأنا أبو الفضل بن سليم أنبأنا علي بن القاسم أنبأنا أحمد بن عبدالرحمن بن يوسف حدثنا أبو حامد أحمد بن جعفر بن محمد حدثنا محمد بن العباس بن الحسن الهاشمي حدثني سليمان بن الربيع حدثنا كادح بن رحمة حدثنا نهشل بن سعيد عن كتاب لم تزل الصلاة جارية له ما دام اسمي في ذلك الكتاب: نهشل وكادح كذابان.
-وقال ابن عساكر أنبأنا أبو الفرج غيث بن علي أخبرني أبو الفتح محمد بن الحسن الأسدابادي أنبأنا أبو عبداللّه أحمد بن عطاء الرزباري حدثنا محمد بن حميد الأجنادي حدثنا وزير بن محمد بن الغساني عن محمد بن جبير قال قال جعفر بن محمد بن علي بن الحسين : من صلى على رسول اللّه (في كتاب صلت الملائكة عليه ما دام اسم رسول اللّه(في الكتاب واللّه أعلم.
وقال العجلوني في كشف الخفا
رواه الطبراني في الأوسط وابن أبي شيبة والمستغفري في الدعوات بسند ضعيف .
**ومن مواطن السلام على النبي ( تشهد الصلاة :
حدثنا أبو القاسم خلف بن إبراهيم المقرىء الخطيب رحمه الله ، وغيره قال : حدثتني كريمة بنت محمد ، قالت : حدثنا أبو الهيثم ، حدثنا محمد بن يوسف ، حدثنا محمد بن إسماعيل ، حدثنا أبو نعيم ، حدثنا الأعمش ، عن شقيق بن سلمة ، عن عبد الله بن مسعود ، عن النبي ( ، قال : إذا صلى أحدكم فليقل : التحيات لله والصلاة والطيبات ، السلام عل يك أيها النبي و رحمة وبركاته . السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين ، فإنكم إذا قلتموها أصابت كل عبد صالح في السماء والأرض .(1/224)
هذا أحد مواطن التسليم عليه ، وسنته أول التشهد .
-وقد روى مالك عن ابن عمر أنه كان يقول ذلك إذا فرغ من تشهده وأراد أن يسلم .
-واستحب مالك في المبسوط أن يسلم بمثل ذلك قبل السلام .
-قال محمد بن مسلمة : أراد ما جاء عن عائشة وابن عمر أنهما كانا يقولان عند سلامهما : السلام عليك أيها النبي و رحمة الله و بركاته . السلام علينا و على عباد الله الصالحين . السلام عليكم .
-واستحب أهل العلم أن ينوي الإنسان حين سلامه كل عبد صالح في السماء والأرض من الملائكة وبني آدم و الجن .
-قال مالك في المجموعة : وأحب للمأموم إذا سلم إمامه أن يقول : السلام على النبي ورحمة الله وبركاته ، السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين . السلام عليكم ...
( قلت : روى البخاري في كتاب الصلاة - باب: التشهد في الآخرة.؛ قال :
- حدثنا أبو نعيم قال: حدثنا الأعمش، عن شقيق بن سلمة قال: قال عبد الله:
كنا إذا صلينا خلف النبي ( قلنا: السلام على جبريل ومكائيل، السلام على فلان وفلان، فالتفت إلينا رسول الله عليه وسلم فقال: (إن الله هو السلام، فإذا صلى أحدكم فليقل: التحيات لله، والصلوات والطيبات، السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته، السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، فإنكم إذا قلتموها، أصابت كل عبد لله صالح في السماء والأرض، أشهد أن لا إله إلا الله، واشهد أن محمدا عبده ورسوله).
وروى مسلم في كتاب الصلاة - باب التشهد في الصلاة ، قال(1/225)
* حدثنا زهير بن حرب وعثمان بن أبي شيبة وإسحاق بن إبراهيم (قال إسحاق: أخبرنا. وقال الآخران: حدثنا جرير) عن منصور، عن أبي وائل، عن عبدالله؛ قال: كنا نقول في الصلاة خلف رسول الله ( : السلام على الله. السلام على فلان. فقال لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، ذات يوم "إن الله هو السلام. فإذا قعد أحدكم في الصلاة فليقل: التحيات لله والصلوات والطيبات. السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته. السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين. فإذا قالها أصابت كل عبد لله صالح، في السماء والأرض. أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا عبده ورسوله ثم يتخير من المسألة ما شاء".
وقفة مع الإمام الصنعاني في سبل السلام شرح بلوغ المرام
شرح حديث التشهد
وعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: التفت إلينا رسول الله ( فقال: إذا صلى أحدكم فليقل ( التّحيات) جمع تحية، ومعناها: البقاء والدوام، أو العظمة، أو السلامة من الافات، أو كل أنواع التعظيم (لله والصَّلوات) قيل: الخمس، أو ما هو أعم من الفرض والنفل، أو العبادات كلها، أو الدعوات، أو الرحمة، وقيل: التحيات: العبادات القولية، والصلوات: العبادات الفعلية (والطّيّبات) أي: ما طاب من كلام وحسن أن يثني به على الله، أو ذكر الله، أو الأقوال الصالحة، أو الأعمال الصالحة، أو ما هو أعم من ذلك، وطيبها: كونها كاملة خالصة عن الشوائب، والتحيات مبتدأ خبرها لله، والصلوات والطيبات عطف عليه، وخبرهما محذوف؛ وفيه تقادير آخر.
(السّلامُ) أي السلام الذي يعرفه كل أحد (علَيك أيها النبي ورحمةُ الله وبركاته) خصوه ( أولًا بالسلام عليه لعظم حقه عليهم، وقدموه على التسليم على أنفسهم، لذلك، ثم أتبعوه بالسلام عليهم في قولهم: (السّلام علينا وعلى عباد الله الصَّالحين) وقد ورد: أنه يشمل كل عبد صالح في السماء والأرض، وفسر الصالح: بأنه القائم بحقوق الله، وحقوق عباده، ودرجاتهم متفاوتة.(1/226)
(أشهد أن لا إله إلا الله) لا مستحق للعبادة بحق غيره، فهو قصر إفراد: لأن المشركين كانوا يعبدونه، ويشركون معه غيره (وأشهد أنَّ محمداً عبده ورسوله) هكذا هو بلفظ عبده ورسوله في جميع روايات الأمهات الست، ووهم ابن الأثير في جامع الأصول، فساق حديث ابن مسعود بلفظ: (وأن محمداً رسول الله) ونسبه إلى الشيخين، وغيرهما، وتبعه على وهمه: صاحب تيسير الوصول، وتبعهما على الوهم: الجلال في ضوء النهار، وزاد: أنه لفظ البخاري، ولفظ البخاري كما قاله المصنف، فتنبه ...( ثم ليتخير من الدعاء أعجبَهُ إليه فيدعو. ) متفق عليه واللفظ للبخاري...
- قال البزار: أصح حديث عندي في التشهد حديث ابن مسعود ، يروى عنه من نيف وعشرين طريقاً، ولا نعلم روى عن النبي ( في التشهد أثبت منه، ولا أصح إسناداً، ولا أثبت رجالاً، ولا أشد تظافراً بكثرة الأسانيد والطرق.
- وقال مسلم: إنما أجمع الناس على تشهد ابن مسعود؛ لأن أصحابه لا يخالف بعضهم بعضاً، وغيره قد اختلف عنه أصحابه.
- وقال محمد بن يحيى الذهلي: هو أصح ما روى في التشهد. وقد روى حديث التشهد أربعة وعشرون صحابياً، بألفاظ مختلفة، اختار الجماهير منها حديث ابن مسعود.(1/227)
والحديث فيه دلالة على وجوب التشهد لقوله: "فليقل"، وقد ذهب إلى وجوبه أئمة من الال، وغيرهم من العلماء، وقالت طائفة: إنه غير واجب لعدم تعليمه المسيء صلاته. ثم اختلفوا في الألفاظ التي تجب عند من أوجبه، أو عند من قال: إنه سنة. وقد سمعت أرجحية حديث ابن مسعود، وقد اختاره الأكثر، فهو الأرجح. وقد رجح جماعة غيره من ألفاظ التشهد الواردة عن الصحابة، وزاد ابن أبي شيبة قول: "وحده لا شريك له" في حديث ابن مسعود من رواية أبي عبيدة عن أبيه، وسنده ضعيف، لكن ثبتت هذه الزيادة من حديث أبي موسى عند مسلم، وفي حديث عائشة الموقوف في الموطأ، وفي حديث ابن عمر عند الدارقطني، إلا أنه بسند ضعيف، وفي سنن أبي داود: قال[اث] ابن عمر[/اث]: زدت فيه: "وحده لا شريك له". وظاهره: أنه موقوف على ابن عمر.(1/228)
وقوله: "ثم ليتخير من الدعاء أعجبه". زاد أبو داود: "فيدعو به" ونحوه للنسائي من وجه اخر بلفظ: "فليدع". وظاهره الوجوب أيضاً للأمر به، وأنه يدعو بما شاء من خيري الدنيا والاخرة. وقد ذهب إلى وجوب الاستعاذة الاتية: طاوس، فإنه أمر ابنه بالإعادة للصلاة؛ لما لم يتعوذ من الأربع الاتي ذكرها، وبه قال بعض الظاهرية. وقال ابن حزم: ويجب أيضاً في التشهد الأول، والظاهر مع القائل بالوجوب، وذهب الحنفية، والنخعي، وطاوس: إلى أنه لا يدعو في الصلاة إلا بما يوجد في القران. وقال بعضهم: لا يدعو إلا بما كان مأثوراً، ويرد القولين: قوله (: "ثم ليتخير من الدعاء أعجبه" وفي لفظ: "ما أحب"، وفي لفظ للبخاري: "من الثناء ما شاء" فهو إطلاق للداعي أن يدعو بما أراد. وقال ابن سيرين: لا يدعو في الصلاة إلا بأمر الاخرة. وقد أخرج سعيد بن منصور من حديث ابن مسعود: فعلمنا التشهد في الصلاة: أي النبي (ثم يقول: إذا فرغ أحدكم من التشهد فليقل: اللهم إني أسألك من الخير ما علمت منه وما لم أعلم، وأعوذ بك من الشر كله ما علمت منه وما لم أعلم، اللهم إني أسألك من خير ما سألك منه عبادك الصالحون، وأعوذ بك من شر ما استعاذك منه عبادك الصالحون، {وَاتَّبَعُواْ مَا تَتْلُواْ الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيْاطِينَ كَفَرُواْ يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ وَمَآ أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولاَ إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلاَ تَكْفُرْ فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ وَمَا هُم بِضَآرِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلاَّ بِإِذْنِ اللَّهِ وَيَتَعَلَّمُونَ مَا يَضُرُّهُمْ وَلاَ يَنفَعُهُمْ وَلَقَدْ عَلِمُواْ لَمَنِ اشْتَرَاهُ مَا لَهُ فِي الآخِرَةِ مِنْ خَلاَقٍ وَلَبِئْسَ مَا شَرَوْاْ بِهِ(1/229)
أَنْفُسَهُمْ لَوْ كَانُواْ يَعْلَمُونَ} الآية.
ومن أدلة وجوب التشهد ما أفاده قوله: (وللنسائي) أي من حديث ابن مسعود: (كنا نقول قبل أن يفرض علينا التشهد) حذف المصنف تمامه وهو: "السلام على الله، السلام على جبريل، وميكائيل، فقال رسول الله (: لا تقولوا هذا، ولكن قولوا: التحيات..... إلى اخره". ففي قوله: يفرض علينا: دليل الإيجاب، إلا أنه أخرج النسائي هذا الحديث من طريق ابن عيينة. قال ابن عبد البر في الاستذكار: تفرد ابن عيينة بذلك، وأخرج مثله: الدارقطني، والبيهقي، وصححاه.
ولأحمد أي من حديث ابن مسعود وهو من أدلة الوجوب أيضاً: (أن النبي (علّمه التشهد، وأمره أن يعلمهُ الناس.. أخرجه أحمد عن ابن عبيدة عن عبد الله قال: "علمه رسول الله (التشهد، وأمره أن يعلمه الناس: التحيات... وذكره إلخ".
ولمسْلمٍ عن ابن عباس قالَ: كانَ رسولُ الله( يُعلِّمُنا التّشهدَ: "التحيات المُباركاتُ الصلوات الطّيِّبات لله ــــ إلى اخرِهِ".(ولمسْلمٍ عن ابن عباس قالَ: كانَ رسول الله ( يُعلِّمُنا التّشهد: "التحيات المُباركات الصوات الطّيِّبات لله ــــ إلى اخرِهِ").
تمامه: "السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته، السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً رسول الله" هذا لفظ مسلم، وأبي داود، ورواه الترمذي، وصححه كذلك، لكنه ذكر السلام منكراً، ورواه ابن ماجه كمسلم، لكنه قال: "وأشهد أن محمداً عبده ورسوله" ورواه الشافعي، وأحمد: بتنكير السلام أيضاً، وقالا فيه: "وأن محمداً"، ولم يذكرا: أشهد، وفيه زيادة: المباركات، وحذف الواو من: الصلوات ومن الطيبات. وقد اختار الشافعي: تشهد ابن عباس هذا. قال المصنف: إنه قال الشافعي لما قيل له: كيف صرت إلى حديث ابن عباس في التشهد؟ قال: لما رأيته واسعاً، وسمعته عن ابن عباس صحيحاً، كان عندي أجمع وأكثر لفظاً من غيره، فأخذت به، غير معنف لمن يأخذ بغيره مما صح.(1/230)
وعن فَضالةَ بن عُبَيْدٍ رضي الله عنهُ قالَ: سمع رسول الله (رجلاً يدعو في صلاته، ولم يحْمد الله، ولم يصل على النبيِّ صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم، فقال: "عجل هذا" ثمَّ دعاهُ، فقالَ: "إذا صلى أحدكم فلْيبدأ بتحميد ربِّه والثناء عليه، ثمَّ يصلي على النبي ( ثمَّ يدعو بما شاءَ" رواهُ أحمد والثلاثة، وصحّحهُ الترمذي، وابن حِبّان، والحاكم.
الفصل الرابع
في كيفية الصلاة والتسليم عليه (
حدثنا أبو إسحاق إبراهيم بن جعفر الفقيه بقراءتي عليه ، حدثنا القاضي أبو الأصبغ ، حدثنا أبو عبد الله بن عتاب ، حدثنا أبو بكر بن واقد و غيره ، قالوا : حدثنا أبو عيسى ، حدثنا عبيد الله ، حدثنا يحيى ، حدثنا مالك ، عن عبد الله بن أبي بكر بن حزم ، عن أبيه ، عن عمرو بن سليم الزرقي ـ أنه قال : أخبرني أبو حميد الساعدي ـ أنهم قالوا : يا رسول الله ، كيف نصلي عليك ؟ فقال : قولوا : اللهم صل على محمد وأزواجه وذريته ، كما صليت على آل إبراهيم ، وبارك عل محمد وأزواجه وذريته كما باركت على آل إبراهيم إنك حميد مجيد .
( قلت : رواه الطبراني في معجمه الكبير ، والطحاوي في مشكل الآثار، وذكره القرطبي وغيره في التفسير ؛ وفي مسند أحمد ، قال :
حدثنا عبد الله حدثني أبي قال قرأت على عبد الرحمن مالك عن عبد الله بن أبي بكر عن أبيه عن عمرو بن سليم
انه قال أخبرني أبو حميد الساعدي انهم قالوا : يا رسول الله ، كيف نصلى عليك؟ فقال رسول الله (: قولوا اللهم صل على محمد وأزواجه وذريته كما صليت على آل إبراهيم وبارك على محمد وأزواجه وذريته كما باركت على آل إبراهيم انك حميد مجيد
-وفي رواية مالك ، عن أبي مسعود الأنصاري ، قال : قولوا : اللهم صلي على محمد وعلى آله كما صليت على آل إبراهيم ، وبارك على محمد كما باركت على آل إبراهيم في العالمين ، إنك حميد مجيد . والسلام - كما قد علمتم .(1/231)
( قلت : رواه مالك رحمه الله غي الموطأ-باب ما جاء في الصلاة على النبي (
* حدثني يحيى عن مالك عن عبد الله بن أبي بكر بن حزم عن أبيه عن عمرو بن سليم الزرقي أنه قال أخبرني أبو حميد الساعدي أنهم قالوا: يا رسول الله ،كيف نصلي عليك؟ فقال : قولوا اللهم صل على محمد وأزواجه وذريته كما صليت على آل إبراهيم وبارك على محمد وأزواجه وذريته كما باركت على آل إبراهيم إنك حميد مجيد
* وحدثني عن مالك عن نعيم بن عبد الله المجمر عن محمد بن عبد الله بن زيد إنه أخبره عن أبي مسعود الأنصاري أنه قال: أتانا رسول الله ( في مجلس سعد بن عبادة فقال له بشير بن سعد: أمرنا الله أن نصلي عليك يا رسول الله، فكيف نصلي عليك؟ قال فسكت رسول الله (حتى تمنينا أنه لم يسأله ثم قال: قولوا اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على آل إبراهيم في العالمين إنك حميد مجيد والسلام كما قد علمتم
-وفي رواية كعب بن عجزة : اللهم صل على محمد وآل محمد كما صليت على إبراهيم ، وبارك على محمد و آل محمد كما باركت على إبراهيم ، إنك حميد مجيد .
( قلت : رواه أبو داود ،والنسائي والبيهقي ،وأحمد وغيرهم...
قال أبو داود :حدثنا حفص بن عمر ثنا شعبة عن الحكم عن بن أبي ليلى عن كعب بن عجرة قال: قلنا أو قالوا يا رسول الله أمرتنا أن نصلي عليك وأن نسلم عليك فأما السلام فقد عرفناه فكيف نصلي عليك ؟ قال: قولوا اللهم صل على محمد وآل محمد كما صليت على إبراهيم وبارك على محمد وآل محمد كما باركت على آل إبراهيم إنك حميد مجيد ...(1/232)
وقال النسائي : أخبرنا سويد بن نصر قال حدثنا عبد الله عن شعبة عن الحكم عن بن أبي ليلى قال: قال لي كعب بن عجرة ألا أهدي لك هدية ؟ قلنا : يا رسول الله، قد عرفنا كيف السلام عليك فكيف نصلي عليك ؟ قال: قولوا اللهم صل على محمد وآل محمد كما صليت على آل إبراهيم إنك حميد مجيد اللهم بارك على محمد وآل محمد كما باركت على آل إبراهيم إنك حميد مجيد
-وعن عقبة بن عمرو في حديثه : اللهم صل على محمد النبي الأمي وعلى آل محمد .
(قلت : رواه الإمام أحمد، والهيثمي في موارد الظمآن ،والدارقطني في السنن..
في المسند : حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا يعقوب ثنا أبي عن بن إسحاق قال وحدثني : في الصلاة على رسول الله ( إذا المرء المسلم صلى عليه في صلاته محمد بن إبراهيم بن الحرث التيمي عن محمد بن عبد الله بن زيد بن عبد ربه الأنصاري أخي بلحرث بن الخزرج عن أبي مسعود عقبة بن عمرو قال أقبل رجل حتى جلس بين يدي رسول الله ( ونحن عنده فقال يا رسول الله أما السلام عليك فقد عرفناه فكيف نصلي عليك إذا نحن صلينا في صلاتنا صلى الله عليك قال فصمت رسول الله( حتى أحببنا ان الرجل لم يسأله فقال إذا أنتم صليتم علي فقولوا اللهم صل على محمد النبي الأمي وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وآل إبراهيم وبارك على محمد النبي الأمي كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم انك حميد مجيد
-وفي رواية أبي سعيد الخدري: اللهم صل على محمد عبدك ورسولك . . . و ذكر معناه .
(قلت : رواه البخاري ، والنسائي ، وابن ماجه ، وأحمد وغيرهم
لفظ البخاري: حدثنا عبد الله بن يوسف: حدثنا الليث قال: حدثني ابن الهاد، عن عبد الله بن خباب، عن أبي سعيد الخدري قال: قلنا: يا رسول الله، هذا التسليم فكيف نصلي عليك؟ قال: (قولوا: اللهم صل على محمد عبدك ورسولك، كما صليت على آل إبراهيم، وبارك على محمد وعلى آل محمد، كما باركت على إبراهيم).(1/233)
قال أبو صالح، عن الليث: (على محمد وعلى آل محمد، كما باركت على آل إبراهيم).
حدثنا إبراهيم بن حمزة: حدثنا ابن أبي حازم، والدراوردي عن يزيد، وقال: (كما صليت على إبراهيم، وبارك على محمد وآل محمد، كما باركت على إبراهيم وآل إبراهيم).
-وحدثنا القاضي أبو عبد الله التميمي سماعاً عليه ، وأبو علي الحسن بن طريف النحوي بقراءتي عليه ، قالا : حدثنا أبو عبد الله بن سعدون الفقيه ، حدثنا أبو بكر المطوعي ، حدثنا أبو عبد الله الحاكم ، عن أبي بكر بن أبي دارم الحافظ ، عن علي ابن أحمد العجلي ، عن حرب بن الحسن ، عن يحيى بن المساور عن عمرو ابن خالد ، عن زيد بن علي بن الحسين ، عن أبيه علي ، عن أبيه الحسين ، عن أبيه علي بن أبي طالب ، قال : عدهن في يدي رسول الله في كيفية الصلاة والتسليم عليه (، وقال : عدهن في يدي جبريل ، وقال : هكذا نزلت من عند رب العزة : اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم ، إنك حميد مجيد ، اللهم وترحم على محمد وعلى آل محمد كما ترحمت على إبراهيم ، إنك حميد مجيد . اللهم وتحنن على محمد وعلى آل محمد كما تحننت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم ، إنك حميد مجيد .
(قلت : ذكره القرطبي في التفسير ، وأخرجه المتقي الهندي في كنز العمال :
عدهن في يدي جبرئيل وقال هكذا أنزلت من عند رب العزة : اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد اللهم بارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد، اللهم وترحم على محمد وعلى آل محمد كما ترحمت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد ... زاد في المنتخب (اللهم وتحنن على محمد وعلى آل محمد كما تحننت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد)، اللهم وسلم على محمد وعلى آل محمد كما سلمت على إبراهيم، وعلى آل إبراهيم، إنك حميد مجيد.
(هب وضعفه الديلمي عن عمر).(1/234)
-وعن أبي هريرة ، عن النبي في كيفية الصلاة والتسليم عليه ( : من سره أن يكتال بالمكيال الأوفى إذا صلى علينا أهل البيت فليقل : اللهم صل على محمد النبي ، وأزواجه أمهات المؤمنين ، وذريته وأهل بيته ، كما صليت على إبراهيم ، إنك حميد مجيد .
( قلت : رواه البيهقي في السنن الكبرى ،و الهندي في كنز العمال ، و السيوطي في الجامع الصغير وغيرهم ؛ ورواه أبو داود في سننه ،قال:
حدثنا موسى بن إسماعيل ثنا حبان بن يسار الكلابي حدثني أبو مطرف عبيد الله بن طلحة بن عبيد الله بن كريز حدثني محمد بن علي الهاشمي عن المجمر عن أبي هريرة عن النبي (قال : من سره أن يكتال بالمكيال الأوفى إذا صلى علينا أهل البيت فليقل اللهم صل على محمد النبي وأزواجه أمهات المؤمنين وذريته وأهل بيته كما صليت على آل إبراهيم إنك حميد مجيد - - - وقال الشيخ الألباني : ضعيف
-وفي رواية زيد بن خارجة الأنصاري : سألت النبي في كيفية الصلاة والتسليم عليه ( : كيف نصلي عليك ؟فقال : صلوا واجتهدوا في الدعاء ، ثم قولوا : اللهم بارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم إنك حميد مجيد .
( قلت : رواه أحمد في المسند
حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا على بن بحر ثنا عيسى بن يونس حدثنا عثمان بن حكيم ثنا خالد بن سلمة : ان عبد الحميد بن عبد الرحمن دعا موسى بن طلحة حين عرس على ابنه فقال يا أبا عيسى كيف بلغك في الصلاة على النبي ( فقال موسى سألت زيد بن خارجة عن الصلاة على النبي ( فقال زيد انى سألت رسول الله ( نفسي كيف الصلاة عليك ؟ قال: صلوا واجتهدوا ثم قولوا اللهم بارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم انك حميد مجيد(1/235)
-وعن سلامة الكندي كان علي يعلمنا الصلاة على النبي في كيفية الصلاة والتسليم عليه ( : اللهم داحي المدحوات ، وبارئ المسْموكات ، اجعل شرائف صلواتك ، ونوامي بركاتك ، ورأفة تحننك على محمد عبدك ورسولك ، الفاتح لما أغلق ، والخاتم لما سبق ، والمعلن الحق بالحق ، والدامغ لجيشات الأباطيل ، كما حمل ، فاضطلع بأمرك لطاعتك ، مستوفراً في مرضاتك ، واعياً لوحيك ، حافظاً لعهدك ، ماضياً على نفاذ أمرك ، حتى أوْرى قبساً لقابس ، آلاء الله تصل بأهله أسبابه ، به هديت القلوب بعد خوضات الفتن والإثم وأنهج موضحات الأعلام ، ونائرات الأحكام ، ومنيرات الإسلام ، فهو أمينك المأمون ، وخازن علمك المخزون ، وشهيدك يوم الدين ، وبعيثك نعمةً ، ورسولك بالحق رحمةً ، اللهم أفسح له في عدنك ،واجْزِه مضاعفات الخير من فضلك ، مهنئات له غير مكدرات من فوز ثوابك المحلول ، وجزيل عطائك المعلول . اللهم أعْلِ على بناء الناس بناه ، وأكرم مثواه لديك ونزله ، وأتم له نوره ، واجز من ابتعاثك له مقبول الشهادة ، ومرضى المقالة ، ذا منطق عدل ، وخطة فصل ، وبرهان عظيم .
-وعنه أيضاً في الصلاة على النبي في كيفية الصلاة والتسليم عليه ( : ((إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً) .
لبيك اللهم ربي وسعديك ، صلوات الله البر الرحيم والملائكة المقربين ، والنبيين والصديقين ، والشهداء والصالحين ، وما سبح لك من شيء يا رب العالمين ، على محمد بن عبد الله ، خاتم النبيين ، وسيد المرسلين ، وإمام المتقين ، ورسول رب العالمين ، الشاهد البشير ، الداعي إليك بإذنك ، السراج المنير ، وعليه السلام .
-وعن عبد الله بن مسعود : اللهم اجعل صلواتك و بركاتك ورحمتك على سيد المرسلين ، وإمام المتقين ، وخاتم النبيين ، محمد عبدك ورسولك ، إمام الخير ، ورسول الرحمة .(1/236)
اللهم ابعثه مقاماً محموداً يغبطه فيه الأولون والأخرون .
اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم ، إنك حميد مجيد ، وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد .
وكان الحسن البصري يقول : من أراد أن يشرب بالكأس الأوفى من حوض المصطفى فليقل : اللهم صل على محمد وعلى آله وأصحابه وأولاده وأزواجه وذريته وأهل بيته وأصهاره وأنصاره وأشياعه ومحبيه وأمته ، وعلينا معهم أجمعين يا أرحم الراحمين .
-وعن طاوس ، عن ابن عباس ـ أنه كان يقول : اللهم تقبل شفاعة محمد الكبرى ، وارفع درجته العليا ، وآتِه سؤله في الآخرة والأولى ، كما آتيت إبراهيم وموسى .
-وعن وهيب بن الورد أنه كان يقول في دعائه : اللهم أعط محمداً أفضل ما سألك لنفسه ، وأعط محمداً أفضل ما سألك له أحد من خلقك . وأعط محمداً أفضل ما أنت مسؤول له إلى يوم القيامة .
-وعن ابن مسعود رضي الله عنه أنه كان يقول : إذا صليتم على النبي ( فأحسنوا الصلاة عليه ، فإنكم لا تدرون ، لعل ذلك يعرض عليه ، وقولوا : اللهم اجعل صلواتك ورحمتك وبركاتك على سيد المرسلين ، وإمام المتقين ، وخاتم النبيين ، محمد عبدك ورسولك إمام الخير وقائد الخير ، ورسول الرحمة . اللهم ابعثه مقاماً محموداً يغبطه فيه الأولون والآخرون ، اللهم صل على محمد وعلى آل محمد ، كما صليت على إبراهيم إنك حميد مجيد . اللهم بارك على محمد و لى آل محمد كما باركت على إبراهيم إنك حميد مجيد .
*وما يؤثر في تطويل الصلاة وتكثير الثناء على أهل البيت وغيرهم ـ كثير .
وقوله : والسلام كما قد علمتم : هو ما علمهم في التشهد من قوله ، السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته ، السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين .(1/237)
-وفي تشهد علي : السلام على نبي الله ، السلام على أنبياء الله ورسله ، السلام على رسول الله ، السلام على محمد بن عبد الله ، السلام علينا وعلى المؤمنين والمؤمنات ، من غاب منهم ومن شهد .
اللهم اغفر لمحمد ، وتقبل شفاعته ، واغفر لأهل بيته ، واغفر لي ولوالدي وما ولدا ، وارحمهما .
السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين ، السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته .
-جاء في هذا الحديث عن علي : الدعاء للنبي ( بالغفران .
-وفي حديث الصلاة عليه ( عنه أيضاً قبل : الدعاء له بالرحمة ، ولم يأت في غيره من الأحاديث المرفوعة المعروفة .
-وقد ذهب أبو عمر بن عبد البر وغيره إلى أنه لا يُدْعى للنبي ( بالرحمة ، وإنما يُدعى له بالصلاة والبركة التي تختص به ، ويُدعى لغيره بالرحمة والمغفرة .
-وقد ذكر أبو محمد بن أبي زيد في الصلاة على النبي ( : اللهم ارحم محمداً وآل محمد كما ترحمت على إبراهيم وآل إبراهيم .
ولم يأت هذا في حديث صحيح . وحجته قوله في السلام : السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته .
( قلت : هذه صيغة السلام على خير الأنام الوارة في التشهد، رواها الشيحان وأصحاب السنن وغيرهم ...
الفصل الخامس
في فضيلة الصلاة والتسليم على النبي ( والدعاء له
*حدثنا أحمد بن محمد الشيخ الصالح من كتابه ، حدثنا القاضي يونس بن مغيث ، حدثنا أبو بكر بن معاوية ، حدثنا النسائي ، أخبرنا سويد بن نصر ، أخبرنا عبد الله عن حيوة بن شريح ، قال : أخبرنا كعب بن علقمة ، أنه سمع عبد الرحمن بن جبير مولى نافع ـ أنه سمع عبد الله بن عمرو يقول : سمعت رسول الله ( يقول : إذا سمعتم المؤذن فقولوا مثل ما يقول ، و صلوا علي ، فإنه من صلى علي مرةً واحدةً صلى الله عشراً ، ثم سلوا لي الوسيلة فإنها منزلة في الجنة لا تنبغي إلا لعبد من عباد الله ، و أرجو أن أكون أنا هو ، فمن سأل لي الوسيلة حلت عليه الشفاعة .(1/238)
( قلت : رواه مسلم ،وأبو داود ، والنسائي ، والترمذي ،وابن خزبمة ...
مسلم في كتاب الصلاة - باب استحباب القول مثل قول المؤذن لمن سمعه ثم يصلي على النبي ( ثم يسأل الله له الوسيلة
* حدثنا محمد بن سلمة المرادي. حدثنا عبدالله بن وهب عن حيوة وسعيد بن أبي أيوب وغيرهما، عن كعب بن علقمة، عن عبدالرحمن بن جبير، عن عبدالله بن عمرو بن العاص؛ أنه سمع النبي (يقول: "إذا سمعتم المؤذن فقولوا مثل ما يقول. ثم صلوا علي. فإنه من صلى علي صلاة صلى الله عليه بها عشرا. ثم سلوا الله لي الوسيلة. فإنها منزلة في الجنة لا تنبغي إلا لعبد من عباد الله. وأرجو أن أكون أنا هو. فمن سأل لي الوسيلة حلت له الشفاعة".
وروى في الباب :
*حدثني يحيى بن يحيى. قال: قرأت على مالك عن ابن شهاب، عن عطاء بن يزيد الليثي، عن أبي سعيد الخدري؛ أن رسول الله ( قال: إذا سمعتم النداء فقولوا مثل ما يقول المؤذن".
*حدثني إسحاق بن منصور. أخبرنا أبو جعفر محمد بن جهضم الثقفي. حدثنا إسماعيل بن جعفر عن عمارة بن غزية، عن خبيب بن عبدالرحمن بن إساف، عن حفص بن عاصم بن عمر بن الخطاب، عن أبيه، عن جده عمر بن الخطاب؛ قال:
قال رسول الله ( : "إذا قال المؤذن: الله أكبر الله أكبر. فقال أحدكم: الله أكبر الله أكبر. ثم قال: أشهد أن لا إله إلا الله. قال: أشهد أن لا إله إلا الله. ثم قال: أشهد أن محمدا رسول الله. قال: أشهد أن محمدا رسول الله. ثم قال: حي على الصلاة. قال: لا حول ولا قوة إلا بالله. ثم قال: حي على الفلاح. قال: لا حول ولا قوة إلا بالله. ثم قال: الله أكبر الله أكبر. قال: الله أكبر الله أكبر. ثم قال: لا إله إلا الله. قال: لا إله إلا الله، من قلبه - دخل الجنة".(1/239)
* حدثنا محمد بن رمح. أخبرنا الليث عن الحكيم بن عبدالله بن قيس القرشي. ح وحدثنا قتيبة بن سعيد. حدثنا ليث عن الحكيم بن عبدالله، عن عامر بن سعد بن أبي وقاص، عن سعد بن أبي وقاص، عن رسول الله ( ؛ أنه قال: من قال حين يسمع المؤذن: أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له. وأن محمدا عبده ورسوله. رضيت بالله ربا وبمحمد رسولا وبالإسلام دينا. غفر له ذنبه".
وروى أنس بن مالك أن النبي ( قال : من صلى علي صلاةً صلى الله عليه عشر صلوات ، وحط عنه عشر خطيئات ، ورفع له عشر درجات . - وفي رواية : وكتب له عشر حسنات .
-وعن أنس ، عنه (: إن جبريل ناداني ، فقال : من صلى عليك صلاةً صلى الله عليه عشراً ، ورفعه عشر درجات .
( قلت أخرج هذا الحديث كل من :
النسائي... أخبرنا إسحاق بن منصور قال حدثنا محمد بن يوسف قال حدثنا يونس بن أبي إسحاق عن بريد بن أبي مريم قال حدثنا أنس بن مالك قال قال رسول الله ( من صلى علي صلاة واحدة صلى الله عليه عشر صلوات وحطت عنه عشر خطيئات ورفعت له عشر درجات
الترمذي ... حدثنا محمد بن بشار بندار حدثنا محمد بن خالد بن عثمة حدثني موسى بن يعقوب الزمعي حدثني عبد الله بن كيسان أن عبد الله بن شداد أخبره عن عبد الله بن مسعود أن رسول الله ( قال أولى الناس بي يوم القيامة أكثرهم علي صلاة قال أبو عيسى هذا حديث حسن غريب .. وروي عن النبي ( أنه قال من صلى علي صلاة صلى الله عليه بها عشرا وكتب له بها عشر حسنات
أحمد ...عن أبي طلحة. أتاني آت من عند ربي عز وجل فقال من صلى عليك من أمتك صلاة كتب الله له بها عشر حسنات ومحا عنه عشر سيئات ورفع له عشر درجات ورد عليه مثلها .(1/240)
الطبراني ... عن أبي طلحة. أتاني جبريل فقال يا محمد من صلى عليك من أمتك صلاة كتب الله له بها عشر حسنات ومحا عنه عشر سيئات ورفعه بها عشر درجات وقال له الملك مثل ما قال لك قلت يا جبريل وما ذاك الملك قال إن الله عز وجل وكل بك ملكا من لدن خلقك إلى أن يبعثك لا يصلي عليك أحد من أمتك إلا قال وأنت صلى الله عليك .
وقال ابن قيم الجوزية رحمه الله، في جلاء الأفهام
رواه عبد الله بن محمد البغوي : حدثنا محمد ابن حبيب ، حدثنا ابن أبي حازم ، عن أبيه ، عن سهل بن سعد ، قال : خرج رسول الله ( فإذا أنا بأبي طلحة ، فقام إليه فتلقاه ، فقال : بأبي أنت وأمي يا رسول الله ! إني لأرى السرور في وجهك ، قال : أجل ، إنه أتاني جبريل آنفاً فقال : يا محمد من صلى عليك مرة - أو قال واحدة - كتب الله له بها عشر حسنات ومحا عنه عشر سيئات ورفع له بها عشر درجات . قال ابن حبيب : ولا أعلمه إلا قال : وصلت عليه الملائكة عشر مرات . وهذا الحديث بمسند سهل أولى منه بمسند أبي طلحة .
البخاري في الأدب المفرد ..
1-حدثنا أبو نعيم قال حدثنا سلمة بن وردان قال سمعت أنسا ومالك بن أوس بن الحدثان أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج يتبرز فلم يجد أحدا يتبعه فخرج عمر فاتبعه بفخارة أو مطهرة فوجده ساجدا في مسرب فتنحى فجلس وراءه حتى رفع النبي ( رأسه فقال أحسنت يا عمر حين وجدتني ساجدا فتنحيت عني ان جبريل جاءني فقال من صلى عليك واحدة صلى الله عليه وسلم عشرا ورفع له عشر درجات
2- حدثنا أبو نعيم قال حدثنا يونس بن أبي إسحاق عن بريد بن أبي مريم سمعت أنس بن مالك عن النبي ( قال من صلى علي واحدة صلى الله عليه وسلم عشرا وحط عنه عشر خطيئات
الحاكم في المستدرك(1/241)
حدثنا أبو عبد الله محمد بن عبد الله الصفار ثنا أحمد بن مهران ثنا عبيد الله بن موسى أنبأ يونس بن أبي إسحاق عن يزيد بن أبي مريم عن أنس بن مالك رضى الله تعالى عنه قال قال رسول الله ( : من صلى علي صلاة صلى الله عليه وسلم عشر صلوات وحط عنه عشر خطيئات ... هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه
وروى مسلم وأحمد ، و أبو داود ، والترمذي ، والنسائي ... عن أبي هريرة. من صلى علي واحدة صلى الله عليه بها عشرا .
-وفي رواية عبد الرحمن بن عوف ، عنه (: لقيت جبريل فقال لي : إني أبشرك أن الله تعالى يقول : من سلم عليك سلمت عليه ، و من صلى عليك صليت عليه .
ونحوه من رواية أبي هريرة ، ومالك بن أوس بن الحدثان ، وعبيد الله ابن أبي طلحة .
( قلت : أخرجه السيوطي في الجامع الصغير وعزاه إلى أحمد ، والنسائي ، وابن حبان ، والحاكم ، والضياء المقدسي ... عن أبي طلحة
أتاني جبريل فقال يا محمد أما يرضيك أن ربك عز وجل يقول إنه لا يصلي عليك من أمتك أحد صلاة إلا صليت عليه بها عشر ولا يسلم عليك أحد من أمتك تسليمة إلا سلمت عليه عشرا فقلت بلى أي رب . وقال الألباني : (صحيح)
لفظ النسائي : أخبرنا إسحاق بن منصور الكوسج قال أنبأنا عفان قال حدثنا حماد قال حدثنا ثابت قال قدم علينا سليمان مولى الحسن بن علي زمن الحجاج فحدثنا عن عبد الله بن أبي طلحة عن أبيه أن رسول الله ( جاء ذات يوم والبشرى في وجهه فقلنا إنا لنرى البشرى في وجهك فقال : إنه أتاني الملك فقال يا محمد إن ربك يقول أما يرضيك أنه لا يصلي عليك أحد إلا صليت عليه عشرا ولا يسلم عليك أحد إلا سلمت عليه عشرا ...
-وعن زيد بن الحباب : سمعت النبي ( يقول : من قال : اللهم صل على محمد وأنزله المنزل المقرب عندك يوم القيامة وجبت له شفاعتي .
(قلت : أخرجه المنذري في الترغيب والترهيب ،والطبراني في المعجم الكبير ، وأحمد في المسند ؛ من رواية رويفع بن ثابت الأنصاري ؛ ولفظه :(1/242)
حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا حسن بن موسى ثنا بن لهيعة قال ثنا بكر بن سوادة عن زياد بن نعيم عن وفاء الحضرمي عن رويفع بن ثابت الأنصاري أن رسول الله ( قال : من صلى على محمد وقال اللهم أنزله المقعد المقرب عندك يوم القيامة وجبت له شفاعتي
ضعفه الألباني وقال شعيب الأرنؤوط : إسناده ضعيف لضعف ابن لهيعة - وهو عبد الله - ولجهالة حال وفاء الحضرمي - وهو ابن شريح
- وعند الطبراني في المعجم الكبير : حدثنا عبد الملك بن يحيى بن بكير المصري ، حدثنا أبي ، حدثنا ابن لهيعة ، عن بكر بن سوادة ، عن زياد بن نعيم / عن وفاء بن شريح الحضرمي ، عن رويفع بن ثابت الأنصاري ، قال : قال رسول الله ( : من قال : اللهم صل على محمد وأنزله المقعد المقرب عندك يوم القيامة وجبت له شفاعتي .
قال ابن القيم في جلاء الأفهام - ورواه إسماعيل بن إسحاق في كتابه : عن يحيى ، حدثنا زيد ابن الحباب ، أخبرني ابن لهيعة ، حدثني بكر بن سوادة المعافري ، عن زياد ابن نعيم الحضرمي ، عن ابن شريح ، حدثني رويفع الأصناري ، فذكره .
-وعن ابن مسعود ، عن( : أولى الناس بي يوم القيامة أكثرهم علي صلاة .
قلت : رواه الترمذي :
حدثنا محمد بن بشار بندار حدثنا محمد بن خالد بن عثمة حدثني موسى بن يعقوب الزمعي حدثني عبد الله بن كيسان أن عبد الله بن شداد أخبره عن عبد الله بن مسعود أن رسول الله ( قال :أولى الناس بي يوم القيامة أكثرهم علي صلاة ..
قال أبو عيسى هذا حديث حسن غريب .. وقال الشيخ الألباني : ضعيف ...
وقال العجلوني في كشف الخفا:
رواه الترمذي وابن حبان عن ابن مسعود رفعه، وقال الترمذي حسن غريب، وفي سنده موسى بن يعقوب الزمعي قال فيه النسائي ليس بالقوي، لكن وثقه ابن معين، وحسبك به، ووثقه أبو داود وابن حبان وابن عدي وجماعة،(1/243)
ورواه البخاري في تاريخه الكبير وذكر ابن الزمعي رواه عن ابن كيسان عن عقبة بن عبد الله عن ابن مسعود، قال في المقاصد وفيه منقبة لأهل الحديث، فإنهم أكثر الناس صلاة عليه ...
وعن أبي هريرة ، عنه (: من صلى علي في كتاب لم تزل الملائكة تستغفر له ما بقي اسمي في ذلك الكتاب .
(قلت : قال ابن القيم في جلاء الأفهام :
ومن حديث ابن عباس رضي الله عنهما أيضاً في ذلك ، ما رواه محمد بن الحسن الهاشمي : حدثني سليمان بن الربيع ، حدثنا كادح بن رحمة ، حدثنا نهشل بن سعيد ، عن الضحاك ، عن ابن عباس رضي الله عنهما ، قال : قال رسول الله (: من صلى علي في كتاب لم تزل الصلاة جارية له ما دام اسمي في ذلك الكتاب .
وكادح هذا ، ونهشل غير ثقتين ، وقد اتهما بالكذب ، لكن لم يرو في هذا الأصل إلا هذا الحديث .
- وحديث آخر من رواية ابن الجارود : حدثنا محمد بن عاصم ، حدثنا بشير بن عبيد ، حدثنا محمد بن عبد الرحمن ، عن عبد الرحمن بن عبد الله ، عن الأعرج ، عن أبي هريرة ، قال : قال رسول الله ( . . فذكره .
وقد روي موقوفاً من كلام جعفر بن محمد ، وهو أشبه ، يرويه محمد ابن حمير عنه ، قال : من صلى على رسول الله ( في كتاب صلت عليه الملائكة غدوة ورواحاً ما دام اسم رسول الله ( في ذلك الكتاب .
وقال أحمد بن عطاء الروذباري : سمعت أبا صالح عبد الله بن صالح يقول : رؤى بعض أصحاب الحديث في المنام . فقيل له : ما فعل الله بك ؟ فقال : غفر لي . فقيل : بأي شيء ؟ فقال : بصلاتي في كتبي على النبي (
-وعن عامر بن ربيعة : سمعت النبي ( يقول : من صل علي صلاة صلت عليه الملائكة ما صلى علي ، فليقلل من ذلك عبد أو ليكثر .
( قلت : رواه في المسند :
حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا وكيع عن شعبة عن عاصم بن عبيد الله عن عبد الله بن عامر بن ربيعة عن أبيه قال قال رسول الله ( : ما صلى علي أحد صلاة إلا صلت عليه الملائكة ما دام يصلي علي فليقل عبد من ذلك أو ليكثر ..(1/244)
وذكره ابن القيم في جلاء الفهام
* وقال أبو نعيم : أخبرنا عبد الله بن جعفر ، أخبرنا إسماعيل ابن عبد الله ، حدثنا عبد الرحمن بن هانئ ، حدثنا أبو مالك ـ هو عبد الملك بن حسين ـ عن عاصم بن عبيد الله ، عن القاسم بن محمد ، عن عائشة رضي الله تعالى عنها ، قالت : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : من صلى علي صلاة صلت عليه الملائكة ما صلى علي ، فليكثر عبد أو يقل .
-وعن أبي بن كعب : كان رسول الله ( إذا ذهب ربع الليل قام فقال : أيها الناس ، اذكروا الله ، جاءت الراجفة تتبعها الرادفة ، جاء الموت بما فيه . فقال أبي بن كعب : يا رسول الله ، إني أكثر الصلاة عليك ، فكم أجعل لك من صلاتي ؟
قال : ما شئت . قال : الربع ؟ قال : ما شئت ، وإن زدت فهو خير . قال الثلث ؟ قال : ما شئت ، و إن زدت فهو خير . قال : النصف ؟ قال : ما شئت ، و إن زدت فهو خير .
قال : قال : الثلثين ؟ قال : ما شئت ، و إن زادت فهو خير.قال : يا رسول الله ،فأجعل صلاتي كلها لك ؟ قال : إذاً تُكفى ويُغفر ذنبُك .
( قلت : رواه الترمذي في سننه ، قال :
حدثنا هناد وحدثنا قبيصة عن سفيان عن عبد الله بن محمد بن عقيل عن الطفيل بن أبي بن كعب عن أبيه قال كان رسول الله ( إذا ذهب ثلثا الليل قام فقال: يا أيها الناس اذكروا الله اذكروا الله جاءت الراجفة تتبعها الرادفة جاء الموت بما فيه جاء الموت بما فيه.. قال أبي: قلت يا رسول الله، إني أكثر الصلاة عليك.. فكم أجعل لك من صلاتي؟ فقال : ما شئت.. قال: قلت الربع.. قال: ما شئت فإن زدت فهو خير لك.. قلت : النصف. قال: ما شئت فإن زدت فهو خير لك ..قال قلت: فالثلثين .قال: ما شئت فإن زدت فهو خير لك قلت : أجعل لك صلاتي كلها.... قال: إذا تكفى همك ويغفر لك ذنبك ..
قال أبو عيسى هذا حديث حسن صحيح(1/245)
عن أبي طلحة : دخلت على النبي ( فرأيت من بشره وطلاقته ما لم أره ، فسألته ، فقال : وما يمنعني وقد خرج جبريل آنفاً ، فأتاني ببشارة من ربي عز وجل : إن الله بعثني إليك أبشرك أنه ليس أحد من أمتك يصلي عليك إلا صلى عليه وملائكته بها عشراً .
( قلت : أخرجه المتقي الهندي في كنز العمال
(عبد الرزاق عن أبي طلحة) قال: دخلت على النبي ( يوما فوجدته مسرورا فقلت له في ذلك...فقال :
يا أبا طلحة ، وما يمنعني أن لا أكون كذلك. وإنما فارقني جبريل آنفا فقال: يا محمد إن ربي بعثني إليك وهو يقول: إنه ليس أحد من أمتك يصلي عليك صلاة إلا رد الله عليه مثل صلاته عليك، وإلا كتب له بها عشر حسنات وحط عنه عشر سيئآت ورفع له عشر درجات، ولا يكون لصلاته منتهى دون العرش، ولا تمر بملك إلا قال صلوا على قائلها كما صلى على محمد.
-وعن جابر بن عبد الله ، قال : قال النبي ( : من قال حين يسمع النداء : اللهم رب هذه الدعوة التامة والصلاة القائمة آت محمداً الوسيلة والفضيلة ، وابعثه مقاماً محموداً الذي وعدته ـ حلت له الشفاعة يوم القيامة .
( قلت :رواه البخاري ،وأحمد ، والنسائي ، والبيهقي ،والطبراني ،وغيرهم
* البخاري في كتاب الأذان - باب: الدعاء عند النداء.
حدثنا علي بن عياش قال: حدثنا شعيب بن أبي حمزة، عن محمد بن المنكدر، عن جابر بن عبد الله: أن رسول الله ( قال: (من قال حين يسمع النداء: اللهم رب هذه الدعوة التامة، والصلاة القائمة، آت محمد الوسيلة والفضيلة، وابعثه مقاما محمودا الذي وعدته، حلت له شفاعتي يوم القيامة).
-وعن سعد بن أبي وقاص ، من قال حين يسمع المؤذن : وأنا أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأن محمداً عبده ورسوله ، رضيت بالله رباً و بمحمد رسولا ، وبالإسلام ديناً ـ غُفر له .
( قلت : رواه مسلم ،وأحمد ، والترمذي ، والنسائي ، ...(1/246)
مسلم في كتاب الأذان- باب استحباب القول مثل قول المؤذن لمن سمعه ثم يصلي على النبي ( ثم يسأل الله له الوسيلة
* حدثنا محمد بن رمح. أخبرنا الليث عن الحكيم بن عبدالله بن قيس القرشي. ح وحدثنا قتيبة بن سعيد. حدثنا ليث عن الحكيم بن عبدالله، عن عامر بن سعد بن أبي وقاص، عن سعد بن أبي وقاص، عن رسول الله ( ؛ أنه قال: من قال حين يسمع المؤذن: أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له. وأن محمدا عبده ورسوله. رضيت بالله ربا وبمحمد رسولا وبالإسلام دينا. غفر له ذنبه".
-وروى ابن وهب أن النبي ( قال : من سلم علي عشراً فكأنما أعتق رقبة .
-وفي بعض الآثار : لَيَرِدَنّ عَلَيَّ أقوامٌ ما أعرفهم إلا بكثرة صلاتهم علي .
-وفي آخر : إن أنجاكم يوم القيامة من أهوالها ومواطنها أكثركم علي صلاةً .
-وعن أبي بكر : الصلاة على النبي ( أمحق للذنوب من الماء البارد للنار ، والسلام عليه أفضل من عتق الرقاب .
الفصل السادس
في ذم وإثم من لم يصل على النبي (
*حدثنا القاضي الشهيد أبو علي رحمه الله ، حدثنا أبو الفضل بن خيرون ، وأبو الحسين الصيرفي ، قالا : حدثنا أبو يعلى ، حدثنا السنجي ، حدثنا محمد ابن محبوب ، حدثنا أبو عيسى ، حدثنا أحمد بن إبراهيم الدورقي ، حدثنا ربعي ابن إبراهيم ، عن عبد الرحمن بن إسحاق ، عن سعيد بن أبي سعيد ، عن أبي هريرة ، قال : قال رسول الله (:
رغم أنف رجل ذكرت عنده فلم يصل علي ، ورغم أنف رجل دخل رمضان ثم انسلخ قبل أن يغفر له ، ورغم أنف رجل أدرك عنده أبواه الكبر فلم يدخلاه الجنة .
قال عبد الرحمن : و أظنه قال : أو أحدهما .
( قلت :رواه الترمذي في سننه ،قال(1/247)
* حدثنا أحمد بن إبراهيم الدورقي حدثنا ربعي بن إبراهيم عن عبد الرحمن بن إسحاق عن سعيد بن أبي سعيد عن أبي هريرة قال قال رسول الله ( : رغم أنف رجل ذكرت عنده فلم يصل علي ورغم أنف رجل دخل عليه رمضان ثم انسلخ قبل أن يغفر له ورغم أنف رجل أدرك عنده أبواه الكبر فلم يدخلاه الجنة ...قال عبد الرحمن وأظنه قال : أو أحدهما
قال وفي الباب عن جابر وأنس وهذا حديث حسن غريب من هذا الوجه وربعي بن إبراهيم هو أخو إسماعيل بن إبراهيم وهو ثقة وهو بن علية ويروى عن بعض أهل العلم قال إذا صلى الرجل على النبي صلى الله عليه وسلم مرة في المجلس أجزأ عنه ما كان في ذلك المجلس .
-وفي حديث آخر : أن النبي ( صعد المنبر فقال : آمين ثم صعد ، فقال : آمين ، فسأله معاذ عن ذلك ، فقال : إن جبريل أتاني فقال : يا محمد ، من سميت بين يديه فلم يصل عليك فمات فدخل النار ، فأبعده الله ، قل آمين ، فقلت آمين .
و قال فيمن أدرك رمضان فلم يقبل منه فمات مثل ذلك .
و من أدرك أبويه أو أحدهما فلم يبرهما فمات مثله .
( قلت :رواه البخاري في الأدب المفرد ، قال :
حدثنا محمد بن عبيد الله قال حدثنا بن أبي حازم عن كثير يرويه عن الوليد بن رباح عن أبي هريرة أن النبي ( رقى المنبر فقال: آمين آمين آمين.. قيل له : يا رسول الله ، ما كنت تصنع هذا . فقال: قال لي جبريل رغم أنف عبد أدرك أبويه أو أحدهما لم يدخله الجنة قلت آمين ثم قال رغم أنف عبد دخل عليه رمضان لم يغفر له فقلت آمين ثم قال رغم أنف امرئ ذكرت عنده فلم يصل عليك فقلت آمين
وقفة مع الإمام علي بن أبي بكر الهيثمي وهذا الحديث في مجمع الزوائد(1/248)
*وعن عمار بن ياسر قال : صعد رسول الله ( المنبر فقال : " آمين آمين آمين " . فلما نزل قيل له، فقال : " أتاني جبريل صلى الله عليه وسلم فقال : رغم أنف امرئ أدرك رمضان فلم يغفر له، قل : آمين، فقلت : آمين . ورغم أنف امرئ أدرك أبويه فلم يدخلاه الجنة فأبعده الله، قل : آمين، فقلت : آمين . ورجل ذكرت عنده فلم يصلي عليك فأبعده الله، قل : آمين، فقلت : آمين " . رواه البزار وفيه من لم أعرفهم .
*وعن عبد الله بن مسعود أن رسول الله ( صعد المنبر فقال : " آمين آمين آمين " . قال : ثم ذكر الحديث . رواه البزار هكذا وفيه جارية بن هرم الفقيمي وهو ضعيف .
*وعن عمار بن ياسر أن النبي ( صعد المنبر فقال : " آمين آمين آمين " . ثم قال : " من أدرك رمضان فلم يغفر له فأبعده الله، قولوا : آمين . ومن أدرك والديه أو أحدهما فلم يغفر له فأبعده الله، قولوا : آمين . ومن ذكرت عنده فلم يصل علي فأبعده الله، قولوا : آمين " . رواه الطبراني وفيه من لم أعرفهم .
*وعن ابن عباس قال : بينما النبي ( على المنبر إذ قال : " آمين " . ثلاث مرات، فسئل عن ذلك فقال : " أتاني جبريل صلى الله عليه وسلم فقال : من ذكرت عنده فلم يصل عليك فأبعده الله، قل : آمين، فقلت : آمين، قال : ومن أدرك والديه أو أحدهما فمات ولم يغفر له فأبعده الله، قل : آمين، فقلت : آمين، ومن أدرك رمضان فلم يغفر له فأبعده الله، قل : آمين، فقلت : آمين " . رواه الطبراني وفيه يزيد بن أبي زياد وهو مختلف فيه، وبقية رجاله ثقات .(1/249)
*وعن ابن عباس أن النبي ( ارتقى على المنبر فأمّن ثلاث مرات ثم قال : " تدرون لما أمنت ؟ " . قالوا : الله ورسوله أعلم، قال : " جاءني جبريل عليه السلام فقال : إنه من ذكرت عنده فلم يصل عليك دخل النار فأبعده الله وأسحقه، قلت : آمين . ومن أدرك والديه أو أحدهما فلم يبرهما دخل النار فأبعده الله وأسحقه، قلت : آمين . ومن أدرك رمضان فلم يغفر له دخل النار فأبعده الله وأسحقه، فقلت : آمين " . رواه الطبراني وفيه إسحاق بن عبد الله بن كيسان وفيه ضعف .
*وعن عبد الله بن الحارث بن جزء الزبيدي أن رسول الله ( دخل المسجد وصعد المنبر فقال : " آمين آمين آمين " . فلما انصرف قيل : يا رسول الله، لقد رأيناك صنعت شيئاً ما كنت تصنعه، فقال : " إن جبريل تبدى لي في أول درجة فقال : يا محمد من أدرك والديه فلم يدخلاه الجنة فأبعده الله ثم أبعده، فقال : فقلت : آمين . ثم قال لي في الدرجة الثانية : ومن أدرك شهر رمضان فلم يغفر له فأبعده الله ثم أبعده، فقلت : آمين . ثم تبدى لي في الدرجة الثالثة فقال : ومن ذكرت عنده فلم يصل عليك فأبعده الله ثم أبعده، فقلت : آمين " . رواه البزار والطبراني بنحوه وفيه من لم أعرفهم .
*وعن جابر بن سمرة قال : صعد النبي ( المنبر فقال : " آمين آمين آمين " . فلما نزل سئل عن ذلك فقال : " أتاني جبريل فقال : رغم أنف امرئ أدرك رمضان فلم يغفر له، قل : آمين، فقلت : آمين . ورغم أنف امرئ ذكرت عنده فلم يصل عليك قل : آمين، فقلت : آمين . ورغم أنف رجل أدرك والديه أو أحدهما فلم يغفر له، قل : آمين، فقلت : آمين " . هذا أو نحوه . رواه البزار عن شيخه محمد بن جوان ولم أعرفه، وبقية رجاله وثقوا، وفي قيس بن الربيع خلاف .(1/250)
* وعن أنس بن مالك قال : ارتقى النبي ( على درجة من المنبر فقال : " آمين " . ثم ارتقى درجة أخرى فقال : " آمين " . ثم ارتقى الثالثة فقال : " آمين " . ثم جلس . قال : فسألوه : على ما أمنت يا رسول الله ؟ قال : " أتاني جبريل فقال : رغم أنف امرئ ذكرت عنده فلم يصل عليك، قلت : آمين . ورغم أنف امرئ أدرك أحد أبويه أو كلاهما فلم يدخل الجنة، قلت : آمين . ورغم أنف امرئ أدرك رمضان فلم يغفر له، قلت : آمين " . رواه البزار وفيه سلمة بن وردان وهو ضعيف، وقد قال فيه البزار : صالح وبقية رجاله رجال الصحيح .
* وعن كعب بن عجرة أن رسول الله ( خرج يوماً إلى المنبر فقال حين ارتقى درجة : " آمين " . ثم رقي أخرى فقال : " آمين " . ثم رقي الثالثة فقال : " آمين " . فلما نزل عن المنبر وفرغ قلنا : يا رسول الله لقد سمعنا منك كلاماً اليوم، قال : " وسمعتوه ؟ " . قالوا : نعم، قال : " إن جبريل صلى الله عليه وسلم عرض علي حين ارتقيت درجة، فقال : بعد من أدرك أبويه عند الكبر أو أحدهما فلم يدخل الجنة " . قال : " قلت : آمين . وقال : بعد من ذكرت عنده فلم يصل عليك، فقلت : آمين، ثم قال : بعد من أدرك رمضان فلم يغفر له، فقلت : آمين " . رواه الطبراني ورجاله ثقات .
*وعن مالك بن الحويرث أن رسول الله ( رقي عتبة المنبر فقال : " آمين " . ثم رقي أخرى فقال : " آمين " . ثم رقي عتبة أخرى فقال : " آمين " . فقال : " أتاني جبريل صلى الله عليه وسلم فقال : يا محمد من أدرك والديه أو أحدهما ثم دخل النار فأبعده الله، قل : آمين، فقلت : آمين . ومن أدرك رمضان فلم يغفر له أبعده الله، قل : آمين، فقلت : آمين . ومن ذكرت عنده فلم يصل عليك أبعده الله، قل : آمين، فقلت " . رواه الطبراني وفيه عمران بن أبان وثقه ابن حبان وضعفه غير واحد، وبقية رجاله ثقات . وقد خرج ابن حبان هذا الحديث في صحيحه من هذه الطريق .(1/251)
*وعن أبي هريرة أن رسول الله ( رقي المنبر فقال : " آمين آمين آمين " . فقيل : يا رسول الله ما كنت تصنع هذا ؟ فقال : " إن جبريل صلى الله عليه وسلم قال : رغم أنف من دخل عليه رمضان ثم لم يغفر له، ثم رغم أنف عبد - أو بعد - أدرك والديه أو أحدهما ثم لم يدخل الجنة، ثم قال : رغم أنف عبد - أو رجل - ، - أو بعد - ذكرت عنده فلم يصل عليك . فقلت : آمين " . قلت : في الصحيح منه ما يتعلق ببر الوالدين فقط، بنحوه . رواه البزار وفيه كثير بن زيد الأسلمي وقد وثقه جماعة وفيه ضعف، وبقية رجاله ثقات .
*وعن جابر بن عبد الله قال : قال رسول الله ( : " من أدرك رمضان ولم يصمه فقد شقي، ومن أدرك والديه أو أحدهما فلم يبره فقد شقي، ومن ذكرت عنده فلم يصلِّ علي فقد شقي " . رواه الطبراني في الأوسط وفيه الفضل بن مبشر وفيه كلام وقد وثقه ابن حبان وغيره .
-وعن علي بن أبي طالب : عنه ( أنه قال : البخيل كل البخيل الذي ذكرت عنده فلم يصل علي .
وفي رواية :إن البخيل كل البخيل من ذكرت عنده فلم يصل علي.
(قلت :أخرجه أحمد ،والطبراني ،والهيثمي وغيرهم ...
في المسند : حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا عبد الملك بن عمرو وأبو سعيد قالا ثنا سليمان بن بلال عن عمارة بن غزية عن عبد الله بن علي بن حسين عن أبيه علي بن حسين عن أبيه أن النبي ( قال : البخيل من ذكرت عنده ثم لم يصل علي... صلى الله عليه وسلم .
وفي مجمع الزوائد ،
*-وعن حسين بن علي قال : قال رسول الله ( : " البخيل من ذكرت عنده فلم يصل علي " . رواه الطبراني وفيه يحيى بن عبد الحميد الحماني وهو ضعيف، ولكن متابعة الحديث الذي قبله قد تقويه، والله أعلم
وأخرجه السيوطي في الجامع الصغير وعزاه إلى البيهقي في شعب الإيمان : ...عن أبي هريرة. إن البخيل كل البخيل من ذكرت عنده فلم يصل علي . قال الألباني : (ضعيف)(1/252)
وعزاه إلى أحمد ، والترمذي ، والنسائي، وابن حبان ، والحاكم ، من رواية الحسين. البخيل من ذكرت عنده فلم يصل علي . وقال الألباني : (صحيح)
ولفظ الترمذي :
* حدثنا يحيى بن موسى وزياد بن أيوب قالا حدثنا أبو عامر العقدي عن سليمان بن بلال عن عمارة بن غزية عن عبد الله بن علي بن حسين بن علي بن أبي طالب عن أبيه عن حسين بن علي بن أبي طالب قال قال رسول الله ( البخيل الذي من ذكرت عنده فلم يصل علي.. قال أبو عيسى هذا حديث حسن صحيح غريب..وقال الشيخ الألباني : صحيح
وأخرجه الألباني في فضل الصلاة على النبي ( عن علي بن حسين عن أبيه أن رسول الله ( قال : إن البخيل لمن ذكرت عنده فلم يصل علي ..
ولفظ الحاكم
* أخبرنا جعفر بن هارون النحوي ببغداد ثنا إسحاق بن صدقة بن صبيح ثنا خالد بن مخلد القطواني ثنا سليمان بن بلال ثنا عمارة بن غزية قال سمعت عبد الله بن علي بن الحسين يحدث عن أبيه عن جده قال قال رسول الله ( إن البخيل من ذكرت عنده فلم يصل علي..
هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه وله شاهد عن أبي هريرة
-وعن جعفر بن محمد ، عن أبيه ، قال رسول الله (: من ذكرت عنده فلم يصل علي أخطيء به طريق الجنة .
( قلت :أخرجه الهيثمي في مدمع الزوائد ،
عن حسين بن علي قال : قال رسول الله ( : " من ذكرت عنده فخطئ الصلاة علي خطئ طريق الجنة " . رواه الطبراني وفيه بشير بن محمد الكندي وهو ضعيف
-وعن أبي هريرة قال ، قال أبو القاسم ( : أيما قوم جلسوا مجلساً ثم تفرقوا قبل أن يذكروا الله ويصلوا على النبي ( كانت عليهم من الله ترة إن شاء عذبهم وإن شاء غفر لهم .
(قلت : أخرجه السيوطي في الجامع الصغير وعزاه إلى الحاكم ؛... عن أبي هريرة
أيما قوم جلسوا فأطالوا الجلوس ثم تفرقوا قبل أن يذكروا الله تعالى أو يصلوا على نبيه كانت عليهم ترة من الله إن شاء عذبهم وإن شاء غفر لهم . وقال الألباني : (صحيح)(1/253)
-وعن أبي هريرة رضي الله عنه : من نسي الصلاة علي نسي طريق الجنة .
(قلت :رواه ابن ماجه في سننه من حديث ابن عباس رضي الله عنهما :
*حدثنا جبارة بن المغلس ثنا حماد بن زيد عن عمرو بن دينار عن جابر بن زيد عن بن عباس قال قال رسول الله ( : من نسي الصلاة علي خطئ طريق الجنة قال الشيخ الألباني : حسن صحيح
وروى الهيثمي في مجمع الزوائد ..عن حسين بن علي قال : قال رسول الله ( : " من ذكرت عنده فخطئ الصلاة علي خطئ طريق الجنة " .
-وعن قتادة ، عنه ( : من الجفاء أن أذكر عند الرجل فلا يصلي علي .
قلت : أخرجه السيوطي : (عب) عن قتادة مرسلا... من الجفاء أن أذكر عند الرجل فلا يصلي علي . قال الألباني : (ضعيف)
-وعن جابر ، عنه ( قال : ما جلس قوم مجلساً ثم تفرقوا على غير صلاة على النبي ( إلا تفرقوا على أنتن من ريح الجيفة .
( قلت : أخرجه السيوطي في الجامع الصغير وعزاه إلى (الطيالسي؛ والبيهقي في الشعب،والضياء) عن جابر.
ما اجتمع قوم ثم تفرقوا عن غير ذكر الله وصلاة على النبي (إلا قاموا عن أنتن من جيفة . وقال الألباني : (صحيح)
وأخرجه أبو داود في سننه ،من حديث ابي هريرة :
حدثنا محمد بن الصباح البزاز ثنا إسماعيل بن زكريا عن سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة قال قال رسول الله ( ما من قوم يقومون من مجلس لا يذكرون الله فيه إلا قاموا عن مثل جيفة حمار وكان لهم حسرة قال الشيخ الألباني : صحيح وأورده في السلسلة الصحيحة
وعن أبي سعيد ، عن النبي ( ، قال : لا يجلس قوم مجلساً لا يصلون فيه على النبي ( إلا كان عليهم حسرةً وإن دخلوا الجنة لما يرون من الثواب .
( قلت : أخرجه السيوطي في الجامع الصغير وعزاه إلى النسائي... عن أبي سعيد.
لا يجلس قوم مجلسا لا يصلون فيه على رسول الله ( إلا كان عليهم حسرة وإن دخلوا الجنة لما يرون من الثواب...وقال الألباني : (صحيح)(1/254)
* وحكى أبو عيسى الترمذي ، عن بعض أهل العلم ، قال : إذا صلى الرجل على النبي ( مرة في المجلس أجزأ عنه ما كان في ذلك المجلس .
الفصل السابع
في تخصيصه ( بتبليغ صلاة من صلى عليه و سلم من الأنام
قال القاضي أبو الفضل رحمه الله *حدثنا القاضي عبد الله التميمي ، حدثنا الحسين بن محمد ، حدثنا أبو عمر الحافظ ، حدثنا ابن عبد المؤمن ، حدثنا ابن داسة ، حدثنا أبو داود ، حدثنا ابن عوف ، حدثنا المقرىء ، حدثنا حيوة ، عن أبي صخر حميد بن زياد ، عن يزيد بن عبد الله ابن عبد الله بن قسيط ، عن أبي هريرة رضي الله عنه ـ أن رسول الله ( قال : ما من أحد يسلم علي إلا رد الله علي روحي حتى أرد عليه السلام .
( قلت : رواه أحمد ، والبيهقي ، والهيثمي... ، وأبو داود في باب زيارة القبور
ـ حدثنا محمد بن عوف، ثنا المقري، ثنا حَيْوَةُ، عن أبي صخر حميد بن زياد، عن يزيد بن عبد اللّه بن قُسَيْط، عن أبي هريرة
أن رسول اللّه ( قال: "ما من أحدٍ يسلم عليّ إلاَّ ردََّ اللّه عليَّ روحي حتَّى أردَّ عليه السلام".
قال السيوطي في اللآليء المصنوعة(1/255)
(ابن حبان) أنبأنا الحسن بن سفيان حدثنا هشام بن خالد الأزرق حدثنا بن يحيى الخشني عن سعيد بن عبدالعزيز عن يزيد بن أبي مالك عن أنس مرفوعاً ما من نبي يموت فيقيم في قبره أربعين صباحاً حتى ترد إليه روحه ...قال باطل والخشني منكر الحديث جداً يروي عن الثقات ما لا أصل له (قلت) هذا الحديث أخرجه الطبراني وأبو نعيم في الحلية وله شواهد يرتقي بها إلى درجة الحسن والخشني من رجال ابن ماجه ضعفه الأكثر ولم ينسب إلى وضع ولا كذب وقال دحيم لا بأس به. وقال أبو حاتم صدوق سيء الحفظ. وقال ابن عدي تحتمل رواياته ومن هذا حاله لا يحكم على حديثه بالوضع. وقال البيهقي في كتاب الأنبياء أنبأنا أبو عبداللّه الحافظ حدثنا أحمد بن علي الحسنوي إملاء حدثنا أبو محمد بن العباس الحمصي حدثنا أبو الربيع الزهراني حدثنا إسمعيل بن طلحة بن يزيد عن محمد بن عبدالرحمن عبداللّه بن أبي ليلى عن ثابت عن أنس عن النبي ( قال إن الأنبياء لا يتركون في قبورهم بعد أربعين ليلة ولكنهم يصلون بين يدي اللّه عز وجل حتى ينفخ في الصور، وروى الثوري في جامعه عن شيخ عن سعيد بن المسيب قال ما يمكث نبي في قبره أكثر من أربعين حتى يرفع، ورواه عبدالرزاق في مصنفه عن الثوري عن أبي المقدام عن سعيد بن المسيب قال ما يمكث نبي في الأرض أكثر من أربعين يوماً. قال الزركشي في تخريج أحاديث الرافعي وأبو المقدام هو ثابت بن هرمز الكوفي والد عمرو بن أبي المقدام شيخ صالح وقال إمام الحرمين في النهاية ثم الرافعي في الشرح روى أن النبي ( قال أنا أكرم على ربي من أن يتركني في قبري بعد ثلاث زاد إمام الحرمين وروى أكثر من يومين قال الزركشي ولم أجده وقيل إن الأزرقي رواه ..قال الزركشي وذكر أبو الحسن بن الزاغوني الحنبلي في بعض كتبه حديثاً إن اللّه لا يترك نبياً في قبره أكثر من نصف يوم. وقال الحافظ ابن حجر في تخريج الرافعي متعقباً على ابن حبان وابن الجوزي في حكمهما على حديث أنس(1/256)
بالبطلان وقد أفرد البيهقي جزءاً في حياة الأنبياء وأورد فيه عدة أحاديث تؤيد هذا فيراجع منه وقال في دلائل النبوة الأنبياء عند ربهم كالشهداء. وقال في كتاب الاعتقاد الأنبياء بعد ما قبضوا ردت إليهم أرواحهم فهم أحياء عند ربهم كالشهداء.. انتهى.... واللّه أعلم.
وذكر أبو بكر بن أبي شيبة ، عن أبي هريرة ، قال : قال رسول الله ( : من صلى علي عند قبري سمعته ، و من صلى علي نائياً بلغته .
( قلت : أخرجه السيوطي في الجامع الصغير وعزاه إلى البيهقي في الشعب
عن أبي هريرة... . من صلى علي عند قبري سمعته ومن صلى علي نائيا أبلغته . قال الألباني : (موضوع)
قال السيوطي في اللآليء المصنوعة: أنبأنا علي بن أحمد الزراد حدثنا محمد بن عبداللّه بن إبراهيم الشافعي حدثنا محمد بن يونس بن موسى حدثنا عبدالملك بن قريب الأصمعي حدثنا محمد بن مروان عن الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة مرفوعاً من صلى علي عند قبري سمعته ومن صلى علي نائياً وكل اللّه بها ملكاً يبلغني وكفي أمر دنياه وآخرته وكنت له شهيداً أو شفيعاً، لا يصح: محمد بن مروان هو السدي الصغير كذاب... قال العقيلي لا أصل لهذا الحديث ...(قلت أخرجه البيهقي في شعب الإيمان من هذا الطريق وأخرج له شواهد منها :
*حديث ابن مسعود مرفوعاً إن للّه ملائكة سياحين في الأرض يبلغوني عن أمتي السلام،
*وحديث ابن عباس قال ليس أحد من أمة محمد ( يصلي عليه صلاة إلا وهي تبلغه يقول الملك فلان يصلي عليك، وأخرج ابن جرير في التفسير عن كنانة العدوي قال دخل عثمان بن عفان على رسول اللّه ( فقال يا رسول اللّه أخبرني عن العبد كم معه من ملك فقال عن يمينه على حسناتك الحديث وفيه ملكان على شفتيك ليس يحفظان عليك إلا الصلاة على محمد (
وأخرج أحمد وأبو داود والبيهقي عن أبي هريرة قال قال رسول اللّه ( ما من أحد يسلم علي إلا رد اللّه إلي روحي حتى أرد عليه السلام...(1/257)
ثم وجدت لمحمد بن مروان متابعاً على الأعمش أخرجه أبو الشيخ في الثواب، حدثنا عبدالرحمن بن أحمد الأعرج حدثنا الحسن بن الصباح حدثنا أبو معاوية عن الأعمش به. وقال العقيلي حدثني إبراهيم بن عبداللّه حدثنا سعيد بن محمد الجرمي حدثنا علي بن القاسم الكندي حدثنا نعيم بن ضمضم عن عمران بن حميري الجعفي قال قال عمار بن ياسر ألا أحدثكم عن حبيبي محمد رسول اللّه ( قال لي: يا عمار إن اللّه تبارك وتعالى أعطى ملكاً من الملائكة سماع الخلائق وهو قائم على قبري إذا أنا مت فليس أحد من أمتي يصلي علي صلاة إلا سماه باسمه واسم أبيه يا محمد إن فلان بن فلان صلى عليك يوم كذا وكذا قال وتكفل الرب أن يصلي على ذلك العبد عشرين بكل صلاة.
قال العقيلي علي بن القاسم شيعي فيه نظر لا يتابع على حديثه. وفي الميزان قال أبو حاتم الرازي ليس بقوي، وفي اللسان ذكره ابن حبان في الثقات وقال روى عنه الكوفيون.
وقال ابن أبي شيبة في المصنف حدثنا هشيم أنبأنا حصين عن يزيد الرقاشي أن ملكاً موكل بمن صلى على النبي ( أن يبلغ عنه النبي ( أن فلاناً من أمتك يصلي عليك.
وقال الطبراني حدثنا أحمد بن داود المكي حدثنا عبدالرحمن بن صالح الكوفي حدثنا نعيم بن ضمضم بن عامر بن صعصعة عن خال له يقال له عمران بن الحميري قال سمعت عمار بن ياسر يقول سمعت رسول اللّه ( إن للّه ملكاً أعطاه سمع العباد فليس من أحد يصلي علي إلا أبلغنيها وإني سألت ربي أن لا يصلي علي عبد إلا صلى عليه عشر أمثالها.(1/258)
وقال الطبراني حدثنا محمد بن عثمان بن أبي شيبة حدثنا أبو كريب حدثنا قبيصة بن عقبة عن نعيم بن ضمضم عن ابن الحميري قال قال لي عمار يا ابن الحميري ألا أحدثك عن نبي اللّه ( قلت بلى قال قال رسول اللّه ( يا عمار إن للّه ملكاً أعطاه سماع الخلائق كلها وهو قائم على قبري إذا مت إلى يوم القيامة فليس أحد من أمتي يصلي علي صلاة إلا سماه باسمه واسم أبيه، قال يا محمد صلى فلان عليك كذا وكذا فيصلي الرب على ذلك الرجل بكل واحدة عشراً ..فهذان متابعان لعلي بن القاسم.
وقال الديلمي أنبأنا أبو الفضل الكرابيسي أنبأنا أبو العباس بن تركان حدثنا موسى بن سعيد حدثنا أحمد بن سفيان حدثني محمد بن عبداللّه بن صالح المروزي حدثنا بكر بن خراش عن قطر بن خليفة عن أبي الطفيل عن أبي بكر الصديق قال قال رسول اللّه ( أكثروا الصلاة علي فإن اللّه وكل بي ملكاً عند قبري فإذا صلى علي رجل من أمتي قال لي ذلك الملك يا محمد إن فلان بن فلان صلى عليك الساعة ....واللّه أعلم .
-وعن أبن مسعود ، عنه ( : إن لله ملائكة سياحين في الأرض يبلغوني عن أمتي السلام .
ونحوه عن أبي هريرة .
( قلت : رواه أحمد ، والنسائي ،والدارمي ،والحاكم ، وغيرهم ...
في سنن النسائي : باب السلام على النبي (
- أخبرنا عبد الوهاب بن عبد الحكم الوراق قال حدثنا معاذ بن معاذ عن سفيان بن سعيد حدثنا و أخبرنا محمود بن غيلان قال حدثنا وكيع وعبد الرزاق عن سفيان عن ابن عبد الله بن السائب عن زادان عن عبد الله قال:-قال رسول الله ( إن لله ملائكة سياحين في الأرض يبلغوني من أمتي السلام.
-وعن ابن عمر : أكثروا من السلام على نبيكم كل جمعة ، فإنه يؤتي به منكم في كل جمعة .
-وفي رواية : فإن أحداً لا يصلي علي إلا عرضت صلاته علي حين يفرغ منها .
( قلت رواه ابن ماجه في سننه ،قال:(1/259)
حَدَّثَنَا أَبُو بَكْر بْنُ أَبِي شَيْبَة. حَدَّثَنَا الحسين بْن علي، عَن عَبْدُ الرحمن بْن يزيد بْن جابر، عَن أبي الأشعث الصنعاني، عَن أوس بْن أوس؛ قَالَ: - قال رَسُول اللَّهِ( : ((إن من أفضل أيامكم يوم الجمعة. فيه خلق آدم. وفيه النفخة. وفيه الصعقة. فأكثروا علي من الصلاة فيه، فإن صلاتكم معروضة علي،)) فقال رجل: يا رسول الله! كيف تعرض صلاتنا عليك وقد أرمت؟ يعني بليت. قال :((إن اللَّه حرم على الأرض أن تأكل أجساد الأنبياء)). حَدَّثَنَا عمرو بْن سواد المصري.
حَدَّثَنَا عَبْد اللّه بْن وهب، عَن عمرو بْن الحارث، عَن سعيد بْن أبي هلال، عَن زيد بْن أيمن، عَن عبادة بْن نسي، عَن أبي الدرداء؛ قَالَ: - قال رَسُول اللَّهِ ( : ((أكثروا الصلاة علي يوم الجمعة. فإنه مشهود تشهده الملائكة. وإن أحداً لن يصلي علي إلا عرضت علي صلاته حتى يفرغ منها)) قال قلت: وبعد الموت؟ قال: ((وبعد الموت. إن اللَّه حرم على الأرض أن تأكل أجساد الأنبياء. فنبي اللَّه حي يرزق)).
فِي الزَوائِد: هذا الحديث صَحِيْح إلا أنه منقطع في موضعين. لأن عبادة، روايته عَن أبي الدرداء مرسلة، قاله العلاء. وزيد بْن أيمن عَن عبادة مرسلة، قاله البخاري.
-وعن الحسن ، عنه(: حيثما كنتم فصلوا علي ، فإن صلاتكم تبلغني .
(قلت : ذكره الهيثمي في مجمع الزوائد ، قال : وعن الحسن بن علي أن رسول الله (قال : " حيثما كنتم فصلوا علي فإن صلاتكم تبلغني " . رواه الطبراني في الكبير والأوسط وفيه حميد بن أبي زينب ولم أعرفه، وبقية رجاله رجال الصحيح
-وعن ابن عباس : ليس أحد من أمة محمد ( ، يسلم عليه ويصلي عليه إلا بلغه .
-وذكر بعضهم أن العبد إذا صلى على النبي ( عرض عليه اسمه .
-وعن الحسن بن علي : إذا دخلت المسجد فسلم على النبي ( فإن رسول الله ( قال : لا تتخذوا بيتي عيداً ، ولا تتخذوا بيوتكم قبوراً ، وصلوا علي حيث كنتم ، فإن صلاتكم تبلغني حيث كنتم .(1/260)
( قلت : أخرجه السيوطي في الجامع الصغير : (ع الضياء) عن الحسن بن علي.
صلوا في بيوتكم ولا تتخذوها قبورا ولا تتخذوا بيتي عيدا وصلوا علي وسلموا فإن صلاتكم تبلغني حيثما كنتم .
قال الألباني : (صحيح)
وقفة مع الإمام ناصر الدين الألباني في " تحذير الساجد "
* عن أنس : كان يكره أن يبنى مسجد بين القبور
*عن إبراهيم أنه كان يكره أن يجعل على القبر مسجدا . وإبراهيم هذا هو ابن يزيد النخعي الثقة الإمام وهو تابعي صغير مات سنة ( 96 ) فقد تلقى هذا الحكم بلا شك من بعض كبار التابعين من الصحابة ففيه دليل قاطع على أنهم كانوا يرون بقاء هذا الحكم واستمراره بعده ( فمتى نسخ ؟
*عن المعرور بن سويد قال : " خرجنا مع عمر في حجة حجها فقرأ بنا في الفجر (ألم تر كيف فعل ربك بأصحاب الفيل )( ( لإيلاف قريش ) فلما قضى حجه ورجع والناس يتبدرون فقال : ما هذا ؟ فقال : مسجد صلى فيه رسول الله ( فقال : هكذا هلك أهل الكتاب اتخذوا آثار أنبيائهم بيعا من عرضت له منكم فيها الصلاة فليصل ومن لم يعرض له منكم فيه الصلاة فلا يصل
*عن نافع قال : " بلغ عمر بن الخطاب أن ناسا يأتون الشجرة التي بويع تحتها فأمر بها فقطعت " .
*عن قزعة قال سألت ابن عمر : آتي الطور ؟ فقال : دع الطور ولا تأتها وقال : لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد(1/261)
*عن علي بن حسين : أنه رأى رجلا يجئ إلى فرجة كانت عند قبر النبي ( فيدخل فيها فيدعو فدعاه فقال : ألا أحدثك بحديث سمعته من أبي عن جدي رسول الله ( ؟ قال : " لا تتخذوا قبري عيدا ولا بيوتكم قبورا وصلوا علي فإن صلاتكم وتسليمكم تبلغني حيثما كنتم " ويقويه ما أخرجه ابن أبي شيبة أيضا وابن خزيمة في " حديث علي ابن حجر ؛ وابن عساكر من طريقين عن سهيل بن أبي سهيل أنه رأى قبر النبي ( فالتزمه ومسح قال : فحصبني حسن بن حسن بن علي بن أبي طالب فقال : قال رسول الله ( : لا تتخذوا بيتي عيدا ولا تتخذوا بيوتكم مقابر وصلوا علي حيثما كنتم فإن صلاتكم تبلغني حيثما كنتم " ورأى ابن عمر فسطاطا على قبر عبد الرحمن فقال : " انزعه يا غلام فإنما يظله عمله " *وروى ابن أبي شيبة وابن عساكر مثله عن أبي سعيد الخدري ...
*وعن محمد بن كعب قال : هذه الفساطيط التي على القبور محدثة ...
*وعن سعيد بن المسيب أنه قال في مرضه الذي مات فيه : إذا ما مت فلا تضربوا على قبري فسطاطا
*وعن سالم مولى عبدالله بن علي بن حسين قال : أوصى محمد بن علي أبو جعفر قال : " لا ترفعوا قبري على الأرض *وعن عمرو بن شرحبيل قال : " لا ترفعوا جدثي يعني القبر فإني رأيت المهاجرين يكرهون ذلك "(1/262)
- واعلم أن هذه الآثار وإن اختلفت دلالاتها فهي متفقة على النهي في الجملة عن كل ما ينبئ عن تعظيم القبور تعظيما يخشى منه الوقوع في الفتنة والضلال مثل بناء المساجد والقباب على القبور وضرب الخيام عليها ورفعها أكثر من الحديث المشروع والسفر والاختلاف إليها والتسمح بها ومثل التبرك بآثار الأنبياء ونحو ذلك فهذه الأمور كلها غير مشروعة عند السلف الذين سميناهم من الصحابة وغيرهم وذلك يدل على أنهم كانوا جميعا يرون بقاء علة النهي عن بناء المساجد على القبور وتعظيمها بما لم يشرع ألا وهي خشية الإضلال والافتتان بالموتى كما نص عليها الإمام الشافعي رحمه الله فيما سبق بدليل استمرارهم على القول بالحكم المعلول بهذه العلة فإن بقاء أحدهم يستلزم بقاء الآخر كما لا يخفى وهذا بالنسبة لمن نص منهم على كراهية بناء المساجد على القبور ظاهرا أما الذين صرحوا بالنهي عن غير ذلك مثل رفع القبر وضرب الخيمة عليه ونحوه مما أجملنا الكلام عليه آنفا فهم يقولون ببقاء الحكم المذكور من باب أولى وذلك لوجهين : قال ابن عباس رضي الله عنه : " كان بين نوح وآدم عشرة قرون كلهم على شريعة من الحق فاختلفوا فبعث الله النبيين مبشرين ومنذرين " وقال ابن عروة الحنبلي في " الكوكب " وهذا يرد قول من زعم من أهل التاريخ من أهل الكتاب أن قابيل وبنيه عبد وا النار
قلت : وفيه رد أيضا على بعض الفلاسفه والملاحده الذين يزعمون أن الأصل في الإنسان الشرك وأن التوحيد هو الطارىء . ويبطل هذا ويؤيد الآية السابقة حديثان صحيحان :
الأول: فاجتالتهم الشياطين عن دينهم وحرمت عليهم ما أحللت لهم وأمرتهم أن يشركو ا بي مالم أنزل به سلطانا " الثاني : قوله (: ما من مولود إلا يولد على الفطرة فأبواه يهودانه وينصرانه ويمجسانه كما تنتج البهيمه بهيمة جمعاء هل تحسون فيها من جدعاء ؟ قال أبو هريرة : وقرأوا إن شئتم ( فطرة الله التي فطر الناس عليهلا لا تبديل لخلق الله )(1/263)
إذا تبين هذا فإن من المهم جدا أن يتعلم المسلم كيف طرأ الشرك على المؤمنين بعد أن كانوا موحدين ؟ لقدورد عن جماعة من السلف روايات كثيرة في تفسير قول الله سبحانه في قوم نوح : ( وقالو لاتذرن آلهتكم ولا تذرن ودا ولا سواعا ولا يغوث ويعوق ونسرا ) أن هؤلاء الخمسة ودا ومن ذكر معه كانو عبادا صالحين فلما ماتوا أوحى الشيطان إلى قومهم أن يعكفوا على قبورهم ثم أوحى إلى الذين جاؤوا من بعدهم أن يتخذوا لهم أصناما وزين لهم ذلك بأنه أدعى لهم على أن يذكروهم فيقتدوا بأعمالهم الصالحه ثم أوحى إلى الجيل الثالث أن يعبوهم من دون الله تعالى وأوهمهم أن آباءهم كانوا يفعلون ذلك فأرسل الله لهم نوحا عليه السلام آمرا لهم أن يعبدوا الله تعالى وحده فلم يستجيبوا له إلى قليلا منهم . وقد حكى الله عزوجل قصته معهم في سورة نوح ....(1/264)
قال : وكان أول ما عبد غير الله في الأرض ود الذي سموه بود ... والحلف بأصحابها إذكل ذلك يؤدي إلى الغلو بها وعبادتها من دون الله تعالى لاسيما عند انطفاء العلم وكثره الجهل وقله الناصحين وتعاون شياطين الجن والإنس على إضلال الناس وإخراجهم من عبادة الله تبارك وتعالى ولا يخفى أنه إذاكان من المسلم عندنا معشر المسلمين أن من حكمة النهي عن الصلاة في الأوقات الثلاثة هو سد الذريعة وعدم التشبه بالمشركين الذين يعبدون الشمس في تلك الأوقات فالذريعة في التشبه بهم في بناء المساجد على القبور والصلاة فيها أقوى وأوضح ألا ترى أننا حتى اليوم لم نجد أي أثر سيء لصلاة بعض الناس في هذه الأوقات المنهي عنها بينما نرى أسوأ الآثار للصلاة في هذه المساجد والمشاهد المبنيه على القبور من التمسح بها ( 119 ) والإستغاثه بأصحابها والنذر لها والحلف بل والسجود لها وغير ذلك من الضلال مما هو مشاهد معروف فاقتضت حكمة تبارك وتعالى تحريم كل هذه الأمور حتى يعبد الله تبارك وتعالى وحده ولا يشرك به شيء فيتحقق بذلك أمر تعالى بدعائه وحده في قوله ( وأن المساجدلله فلا تدعوامع الله أحدا ) . وإن مما يأسف له كل مسلم طاهر القلب أن يجد كثيرا " من المسلمين قد وقعوا في مخالفة شريعة سيد المرسلين (التي جاءت بالابتعادعن كل مايخدج بالتوحيد ثم يزداد أسفا " حين يرى قليلا " أو كثيرا " من المشايخ يقرو نهم على تلك المخالفة بدعوى أن نياتهم طيبه ويشهد الله أن كثيرا " منهم قد فسدت نياتهم وران عليها الشرك بسبب سكوت أمثال هؤلاء المشايخ بل تسويغهم كل ما يرونه من مظاهر الشرك بتلك الدعوى الباطله ؟ أين النية الطيبة يا قوم من أناس كلما وقعوا في ضيق جاءوا إلى ميت يرونه صالحا فيدعونه من دون الله ويستغيثون به ويطلبون منه العافية والشفاء زغير ذلك مما لا يطلب إلى من دون الله ومالايقدر عليه إلى الله ؟ بل إذا زلت قدم دابتهم نادوا : يالله ياباز ... بينما هؤلاء(1/265)
المشايخ قد يعلمون أن النبي صلى الله عليه وسلم سمع يوما بعض الصحابة يقول له : ما شاء الله وشئت فقال : أجعلتني لله ندا ؟ فإذا كان هذا إنكار رسول الله ( على من آمن به ( فرارا من الشرك فلماذا لا ينكر هؤلاء المشايخ على الناس قولهم : يا الله يا باز ... مع أنه في الدلالة على الشرك أوضح وأظهر من كلمة ما شاء الله وشئت ؟ ولماذا نرى العامة يقولون دون أي تحرج : " توكلنا على الله وعليك " و" مالنا غير الله وأنت " ؟ ذلك لأن هؤلاء المشايخ إما أنهم مثلهم في الضلال وفاقد الشئ لا يعطيه وإما أنهم يدارونهم بل يداهنوهم كي لا يوصموا ببعض الوصمات التي تقضي على وظائفهم ومعاشاهم غير مبالين بقول الله تعالى ( إن الذين يكتمون ما أنزلنا من البينات والهدى من بعد ما بيناه للناس في الكتاب أولئك يعلنهم الله ويعلنهم اللاعنون ) يا حسرة على هؤلاء المسلمين لقد كان المفروض فيهم أن يكونوا دعاة لجميع الناس إلى دين التوحيد وسببا لإنقاذهم من الوثنية وأدرانها ولكنهم سبب جهلهم بدينهم واتباعهم أهواءهم عادوا مضرب مثل للوثنية من قبل المشركين أنفسهم فصاروا يصفونهم بأنهم كاليهود في بنائهم المساجد على القبور... فقد جاء في كتاب " دعوة الحق " للأستاذ عبد الرحمن الوكيل رحمه الله تعالى : كما كان يفعل اليهود " . علم الكفار الغربيون هذه الضلالة التي وقع فيها كثير من المسلمين لا سيما الشيعة منهم فاستغلوها حتى في سبيل تحقيق مطامعهم الاستمعارية فقد قال فضيلة الاستاذ الشيخ أحمد حسن الباقوري في فتوى له في النهي عن زخرفة القبور وبناء القباب والمساجد عليها : وقال الكاتب القدير والمؤرخ الشهير الأستاذ المحقق رفيق بك العظم في خاتمة ترجمة أبي عبيدة رضي الله عنه من كتابه " أشهر مشاهير الإسلام " تحت عنوان ( كلمة في القبور ) : " لا نريد بهذا العنوان البحث عن تاريخ القبور كالنواويس والأهرام وما شاكلها من معالم الوثنية الأولى وإنما نريد الوقوف(1/266)
بفكرة القارئ عند اختلاف المؤرخين في مكان قبر أبي عبيدة كاختلافهم في تعيين كثير من قبور جلة الصحابة الكرام الذين دوخوا هذا الملك العظيم وتحلوا بتلك الشيم الشماء وبلغوا من الفضل والتفضل والتقوى والصلاح غاية لم يبلغها أحد من الأولين والاخرين . وقد بسط المؤرخون أخبار أولئك الرجال العظام وعنوا بتدوين آثارهم العظيمة في فتوح الممالك والبلدان حتى لم يتركوا في النفوس حاجة للاستزادة ونعم ما خدموا به الأمة والدين . وأن أشرف الذكر في أشرف الأعمال لهذا اختفت عمن أتى بعد جيلهم ذلك قبور كبار الصحابة وجلة المجاهدين إلا ما ندر ثم اختلفت نقلة الأخبار في تعيين أمكنتها باختلاف الرواة وتضارب ظنون الناقلين . ولو كان في صدر الإسلام أثر لتعظيم القبور والاحتفاظ على أماكن الأموات بتشييد القباب والمساجد عليها لما كان شئ من هذا الاختلاف ولما غابت عنها إلى الآن قبور أولئك الصحابة الكرام كما لم تغب قبور الدجاجلة والمتمشيخين التي ابتدعها بعد العصور الأولى مبتدعة المسلمين وخالفوا فعل الصحابة والتابعين حتى باتت أكثر هذه القباب تمثل هياكل الأقدمين وتعيد سيرة الوثنية بأقبح أنواعها وأبعد منازعها عن الحق وأقربها إلى الشرك ولو اعتبر المسلمون بعد باختفاء قبور الصحابة الذين عنهم أخذوا هذا الدين وبهم نصر الله الإسلام لما اجترأوا على إقامة القباب على القبور وتعظيم الأموات يأباه العقل والشرع وخالفوا في هذا كله الصحابة والتابعين الذين أدوا إلينا أمانة نبيهم فأضعناها وأسرار الشريعة فعبثنا بها . وإليك ما رواه في شأن القبور مسلم في " صحيحه " عن أبي الهياج الأسدي قال : قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه : ألا أبعثك على ما بعثني عليه رسول الله ( : أن لا تدع تمثالا إلا طمسته ولا قبرا مشرفا إلا سويته . وفي " صحيحه " أيضا عن ثمامة بن شفي قال : كنا مع فضالة بن عبيد بأرض الروم ب " ردوس " فتوفي صاحب لنا فأمر فضالة بقبره فسوي ثم(1/267)
قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمر بتسويتها هكذا بلغونا الذين أدوا إلينا أمانة رسول الله ( ثم تأكيدا لعهد الأمانة بدؤوا بكل ما أمرهم به الرسول ( بأنفسهم لنستن بسنتهم ونهتدي بهدي نبيهم ولكن قصرت عقولنا عن إدراك معنى تلك الجزئيات وانحطت مداركنا عن مقام العلم بحكمة التشريع الإلهي والأمر النبوي القاضي بعدم تشييد القبور وتحكمنا التدرج في مدارج الوثنية فلم نحفل بتلك الحكمة وتحكمنا بقولنا القاصرة بالشرع فحكمنا بجواز تشييد القبور استحبابا لمثل هذه الجزئيات حتى أصبحت كليات وخرقا في الدين وإفسادا لعقيدة التوحيد إذ ما زلنا نتدرج حتى جعلنا عليها المساجد وقصدنا رفاتها بالنذور والقربات ووقعنا من ثم فيها لأجله أمرنا الشارع بطمس القبور كل هذا ونحن لا نزال في غفلة عن حكمة التشريع نصادم الحق ويصادمنا حتى نهلك مع الهالكين . قلت : وقد يظن بعض الناس خاصة من كان منهم ذا ثقافة عصرية أن الشرك قد زال وأنه لا رجعة له بسبب انتشار العلوم واستنارة العقول بها وهذا ظن باطل فإن الواقع يخالفه إذ أن المشاهد أن الشرك على اختلاف أنواعه ومظاهره لا يزال ضاربا أطنابه في أكثر بقاع الأرض ولا سيما في بلاد المغرب عقر دار الكفر وعبادة الأنبياء والقديسين والأصنام والمادة وعظماء الرجال والأبطال ومن أبرز ما يظهر ذلك للعيان انتشار التماثيل بينهم وأن مما يؤسف له أن هذه الظاهرة قد أخذت تنتشر رويدا في بعض البلاد الإسلامية دون أي نكير من علماء المسلمين . وما لنا نذهب بالقراء بعيدا ؟ فهذه كثير من بلاد المسلمين وخاصة الشيعة منهم ففيها عديد من مظاهر الشرك والوثنية كالسجود للقبور والطواف حولها واستقبالها بالصلاة والسجود ودعائهم من دون الله تعالى وغير ذلك مما سبق ذكره . على أننا لو فرضنا أن الأرض قد طهرت من أدران الشركيات والوثنيات على اختلاف أنواعها فلا يجوز لنا أن نبيح اتخاذ الوسائل التي يخشى أن تؤدي إلى الشرك لأننا لا(1/268)
نأمن أن تؤدي هذه الوسائل ببعض المسلمين إلى الشرك بل نحن نقطع بأن الشرك سيقع في هذه الأمة في آخر الزمان إن لم يكن قد وقع الآن وإليك بعض النصوص الواردة في ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم حتى تكون على بينة من الأمر : 1 " لا تقوم الساعة حتى تضطرب أليات النساء دوس حول ذي الخلصة " . 2 " لا يذهب الليل والنهار حتى تعبد اللات والعزى فقالت عائشة : يا رسول الله إن كنت لأظن حين أنزل الله ( هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون ) أن ذلك تاما قال : إنه سيكون من ذلك ماشاء الله ثم يبعث الله ريحا طيبة فتوفى كل من في قلبه مثقال حبة خردل إيمان فيبقى من لا خير فيه فيرجعون إلى دين آبائهم " ) . 3 " لا تقوم الساعة حتى تلحق قبائل من أمتي بالمشركين وحتى تعبد القبائل من أمتي الأوثان " 4 " لا تقوم الساعة حتتى لا يقال في الأرض : الله الله وفي رواية : لا إله إلا الله " . ففي هذه الأحاديث دلالة قاطعة على أن الشرك واقع في هذه الأمة فإذا الأمر كذلك فيجب على المسلمين أن يبتعدوا عن كل الوسائل والأسباب التي قد تؤدي بأحدهم إلى الشرك مثل ما نحن فيه من بناء المساجد على القبور ونحو ذلك مما سبق بيانه مما حرمه رسول الله ( وحذر أمته منه . ولا يغتر أحد بالثقافة العصرية فإنها لا تهدي ضالا ولا تزيد المؤمن هدى إلا ما شاء الله وإنما الهدى والنور فيما جاء به الرسول ( وصدق الله العظيم إذ يقول : ( قد جاءكم من الله نور وكتاب مبين يهدي به الله من اتبع رضوانه سبل السلام ويخرجهم من الظلمات إلى النور بإذنه ويهديهم إلى صراط مستقيم *)
-وفي حديث أوس : أكثروا علي من الصلاة يوم الجمعة ، فإن صلاتكم معروضة علي .
( قلت :رواه أبو داود والنسائي وابن ماجه ؛ وابن حبان في صحيحه ..ولفظه في موارد الظمآن للهيثمي:
باب ما جاء في يوم الجمعة والصلاة على النبي ( فيه(1/269)
أخبرنا محمد بن إسحاق بن خزيمة حدثنا أبو كريب حدثنا حسين بن علي حدثنا عبد الرحمن بن يزيد بن جابر عن أبي الأشعث الصنعاني عن أوس بن أوس قال قال رسول الله (إن من أفضل أيامكم يوم الجمعة فيه خلق الله آدم وفيه قبض وفيه النفخة وفيه الصعقة فأكثروا علي من الصلاة فيه فإن صلاتكم معروضة علي.. قالوا: وكيف تعرض صلاتنا عليك وقد أرمت ؟ أي بليت... فقال : إن الله جل وعلا حرم على الأرض أن تأكل أجسامنا .
وقال الألباني ( صحيح )
-وعن سليمان بن سحيم : رأيت النبي ( في النوم ، فقلت : يا رسول الله ، هؤلاء الذين يأتونك فيسلمون عليك ، أتفقه سلامهم ؟ قال : نعم وأرد عليهم .
( قلت : اخرده البيهقي في شعب الإيمان :
*أخبرنا ابو عبد الله الحافظ وأبي سعيد بن أبي عمرو قالا نا أبو عبد الله الصفار نا أبو بكر بن أبي الدنيا حدثني سويد بن سعيد حدثني أبن أبي الرجال عن سليمان بن سحيم قال رأيت النبي ( في النوم قلت يا رسول الله هؤلاء الذين يأتون فيسلمون عليك اتفقه سلامهم ؟ قال : نعم وأرد عليهم ...
-وعن ابن شهاب : بلغنا أن رسول الله ( قال : أكثروا من الصلاة علي في الليلة الزهراء ، واليوم الأزهر ، فإنهما يؤديان عنكم ، وإن الأرض لا تأكل أجساد الأنبياء ، وما من مسلم يصلي علي إلا حملها ملك حتى يؤديها إلي ويسميه حتى إنه ليقول : إن فلاناً يقول كذا و كذا .
(قلت : أخرج المتقي الهندي في كنز العمال في الصلاة والسلام على خير الأنام يوم الجمعة وليلتها:
إذا كان يوم الجمعة وليلة الجمعة فأكثروا الصلاة علي.
(الشافعي) في المعرفة عن صفوان بن سليم مرسلا.
- أكثروا الصلاة علي في يوم الجمعة، فإنه ليس يصلي علي أحد يوم الجمعة إلا عرضت علي صلاته.
(ك هب) عن أبي مسعود الأنصاري.
- أكثروا الصلاة علي في الليلة الزهراء (كذا ومر: الليلة الغراء واليوم الأزهر)، فإن صلاتكم تعرض علي.
(طس) عن أبي هريرة.(1/270)
- إن أقربكم مني يوم القيامة في كل موطن أكثركم علي صلاة في الدنيا، من صلى علي في يوم الجمعة وليلة الجمعة قضى الله له مائة حاجة سبعين من حوائج الآخرة وثلاثين من حوائج الدنيا ثم يوكل الله بذلك ملكا يدخله في قبري كما تدخل عليكم الهدايا يخبرني من صلى علي باسمه ونسبه إلى عشيرته فأثبته عندي في صحيفة بيضاء.
(هب وابن عساكر) عن أنس.
- إن لله تعالى ملائكة خلقوا من النور لا يهبطون إلا ليلة الجمعة ويوم الجمعة بأيديهم أقلام من ذهب ودوي من فضة وقراطيس من نور لا يكتبون إلا الصلاة على النبي.
(الديلمي عن علي).
- من صلى علي يوم الجمعة كانت شفاعة له عندي يوم القيامة.
(الديلمي) عن عائشة.
- من صلى علي يوم الجمعة مائة مرة جاء يوم القيامة ومعه نور لو قسم النور بين الخلق كلهم لوسعهم.
(حل) عن علي بن الحسين بن علي عن أبيه عن جده.
- من صلى علي يوم الجمعة مائتي صلاة غفر له ذنب مائتي عام.
(الديلمي) عن أبي ذر.
- من صلى علي في يوم الجمعة وليلة الجمعة مائة من الصلاة قضى الله له مائة حاجة سبعين من حوائج الآخرة وثلاثين من حوائج الدنيا ووكل الله بذلك ملكا يدخله قبري كما تدخل عليكم الهدايا إن علمي بعد موتي كعلمي في الحياة.
(الديلمي) عن حكامة عن أبيها عن عثمان بن دينار عن أخيه مالك بن دينار عن أنس.
-أكثروا الصلاة علي في الليلة الغراء واليوم الأزهر فإن صلاتكم تعرض علي.
(هب) عن أبي هريرة (عد) عن أنس (ص) عن الحسن وخالد بن معدان مرسلا.
- أكثروا من الصلاة علي في يوم الجمعة فإنه يوم مشهود تشهده الملائكة، وإن أحدا لن يصلي علي إلا عرضت علي صلاته حتى يفرغ منها.
(ه) عن أبي الدرداء.
- أكثروا من الصلاة علي في كل يوم جمعة فإن صلاة أمتي تعرض علي في كل يوم جمعة، فمن كان أكثرهم علي صلاة كان أقربهم مني منزلة.
(هب) عن أبي أمامة.
- أكثروا من الصلاة علي في يوم الجمعة وليلة الجمعة فمن فعل ذلك كنت له شهيدا وشافعا يوم القيامة.(1/271)
(هب) عن أنس.
الفصل الثامن
في الاختلاف في الصلاة على غير النبي ( وسائر الأنبياء عليهم السلام
-قال القاضي وفقه الله : عامة أهل العلم متفقون على جواز الصلاة على غير النبي( .
-وروي عن إبن عباس أنه لا تجوز الصلاة على غير النبي(.
-وروي عنه : لا تنبغي الصلاة على أحد إلا النبيين .
-وقال سفيان : يكره أن يصلي إلا على نبي .
ووجدت بخط بعض شيوخي : مذهب مالك أنه لايجوز أن يصلي على أحد من ألأنبياء سوى محمد ( ، و هذا غير معروف من مذهبه ، وقد قال مالك في المبسوطة ليحيى بن إسحاق : أكره الصلاة على غير الأنبياء ، وما ينبغي لنا أن نتعدى ما أمرنا به .
-وقال يحيى بن يحيى : لست آخذ بقوله ، ولا بأس بالصلاة على الأنبياء كلهم وعلى غيرهم ، واحتج بحديث ابن عمر ، وبما جاء في حديث تعليم النبي ( الصلاة عليه ، و فيه : وعلى أزواجه ، وعلى آله.
-وقد جاء معلقاً عن أبي عمران القابسي : روي عن ابن عباس رضي الله عنهما كراهة الصلاة على غير النبي ( ، قال : وبه نقول . ولم تكن تستعمل فيما مضى .
-وقد روى عبد الرزاق عن أبي هريرة رضي الله عنه ، قال : قال رسول الله ( : صلوا على أنبياء الله ورسله ، فإن الله بعثهم كما بعثني .
-قالوا : والأسانيد عن ابن عباس لينة ، والصلاة في لسان العرب بمعنى الترحم والدعاء ، وذلك على الإطلاق حتى يمنع منه حديث صحيح أو إجماع .
-و د قال الله تعالى :( (هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلَائِكَتُهُ لِيُخْرِجَكُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيماً) (الأحزاب : 43 )
-وقال : (خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِم بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلاَتَكَ سَكَنٌ لَّهُمْ وَاللّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ) (التوبة : 103 )
-وقال : (أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ) (البقرة : 157 ).(1/272)
-وقال النبي ( : اللهم صل على آل أبي أوفى ، وكان إذا أتاه قوم بصدقتهم ، قال : اللهم صل على آل فلان .
-وفي حديث الصلاة : اللهم صل على محمد ، و على أزاوجه و ذريته .
-وفي حديث آخر : وعلى آل محمد : قيل أتباعه ، وقيل : آل بيته . وقيل : أمته . وقيل : الأتباع ، والرهط ، والعشيرة . وقيل : آل الرجل ولده . وقيل : قومه . وقيل : أهله الذين حرمت عليهم الصدقة .
-وفي رواية أنس : سئل النبي ( : من آل محمد ؟ قال : كل تقي .
-ويجي على مذهب الحسن أن المراد بآل محمد ( ـ محمد( نفسه ، فإنه كان يقول في صلاته على النبي : اللهم اجعل صلواتك وبركاتك على آل محمد ـ يريد نفسه ، لآنه كان لا يخل بالفرض ، ويأتي بالنفل ، لأن الفرض الذي أمر الله تعالى به هو الصلاة على محمد نفسه .
وهذا مثل قوله ( : لقد أوتي مزمارا من مزامير آل داود يريد من مزامير داود .
-وفي حديث أبي حميد الساعدي في الصلاة : اللهم صل على محمد وأزواجه وذريته .
-وفي حديث ابن عمر أنه كان يصلي على النبي (، وعلى أبي بكر وعمر ـ ذكره مالك في الموطأ من رواية يحيى الأندلسي . والصحيح من رواية غيره : ويدعو لأبي بكر وعمر .
-وروى ابن وهب ، عن أنس بن مالك : كنا ندعو لأصحابنا بالغيب ، فنقول : اللهم اجعل منك على فلان صلوات قوم أبرار الذين يقومون بالليل ويصومون بالنهار .
*قال القاضي أبو الفضل : والذي ذهب إليه المحققون ، وأميل إليه ما قاله مالك وسفيان رحمهما الله ، وروي عن ابن عباس ، واختاره غير واحد من الفقهاء والمتكلمين ـ أنه لا يصلى على غير الأنبياء عند ذكرهم ، بل هو شيء يختص به الأنبياء ، توقيراً لهم وتعزيزاً ، كما يخص الله تعالى عند ذكره بالتنزيه والتقديس والتعظيم ، ولا يشاركه فيه غيره ، كذلك يجب تخصيص النبي ( وسائر الأنبياء بالصلاة والتسليم ، ولا يشارك فيه سواهم ، كما أمر الله به بقوله :( صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً) (الأحزاب : 56 )(1/273)
-ويذكر من سواهم من الأئمة وغيرهم بالغفران والرضا ، كما قال تعالى (وَالَّذِينَ جَاؤُوا مِن بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلّاً لِّلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ) (الحشر : 10 )
-وقال : (وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُم بِإِحْسَانٍ رَّضِيَ اللّهُ عَنْهُمْ وَرَضُواْ عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ) (التوبة : 100 )
-وأيضاً فهو أمر لم يكن معروفاً في الصدر الأول ، كما قال أبو عمران ، وإنما أحدثته الرافضة والمتشيعة في بعض الأئمة ، فشاركوهم عند الذكر لهم بالصلاة ، وساووهم بالنبي ( في ذلك .
وأيضاً فإن التشبيه بأهل البدع منهي عنه ، فتجب مخالفتهم فيما التزموه من ذلك .
-وذكر الصلاة على الآل والأزواج مع النبي ( بحكم التبع والإضافة إليه لا على التخصيص.
-قالوا : وصلاة النبي ( على من صلى عليه مجراها مجرى الدعاء والمواجهة ، ليس فيها معنى التعظيم و التوقير .
-قالوا : وقد قال تعالى : (لَا تَجْعَلُوا دُعَاء الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَاء بَعْضِكُم) (النور : 63 )، فكذلك يجب أن يكون الدعاء له مخالفاً لدعاء الناس بعضهم لبعض .
وهذا اختيار الإمام أبي المظفر الإسفرايني من شيوخنا ، وبه قال ابن عبد البر .
وقفة مع الشيخ الإمام ابن قيم الجوزية رحمه الله
في جلاء الأفهام(1/274)
أما سائر الأنبياء والمرسلين فيصلى عليه ويسلم . قال تعالى عن نوح عليه السلام: وتركنا عليه في الآخرين * سلام على نوح في العالمين * إنا كذلك نجزي المحسنين [الصافات: 78-80]، وقال عن إبراهيم خليله: وتركنا عليه في الآخرين * سلام على إبراهيم [الصافات: 108-109]، وقال تعالى في موسى وهارون: وتركنا عليهما في الآخرين * سلام على موسى وهارون ، [الصافات: 119-120]، وقال تعالى: سلام على إل ياسين [الصافات: 130، فالذي تركه سبحانه على رسله في الآخرين هو السلام عليهم المذكور.
وقد قال جماعة من المفسرين، منهم مجاهد وغيره: وتركنا عليهم في الآخرين: الثناء الحسن، ولسان الصدق للأنبياء كلهم، وهذا قول قتادة أيضاً. ولا ينبغي أن يحكى هذا قولان للمفسرين، كما يفعله من له عناية بحكاية الأقوال. بل هما قول واحد، فمن قال: إن المتروك هو السلام عليهم في الآخرين نفسه، فلا ريب أن قوله: سلام على نوح جملة في موضع نصب بتركنا ، والمعنى أن العالمين يسلمون على نوح ومن بعده من الأنبياء ، ومن فسره بلسان الصدق والثناء الحسن، نظر إلى لازم السلام وموجبة، وهو الثناء عليهم ، وما جعل لهم من لسان الصدق الذي لأجله إذا ذكروا سلم عليهم.
وقد زعمت طائفة ، منهم ابن عطية وغيره: أن من قال: تركنا عليه ثناء حسناً ولسان صدق ، كان سلام على نوح في العالمين جملة ابتدائية لا محل لها من الإعراب ، وهو سلام من الله سلم به عليه . قالوا: فهذا السلام من الله أمنة لنوح في العالمين أن يذكره أحد بشر ، قاله الطبري ، وقد يقوي هذا القول أنه سبحانه أخبر أن المبروك عليه هو في الآخرين، وأن السلام عليه في العالمين ، وبأن ابن عباس رضي الله عنهما قال: أبقى الله عليه ثناء حسناً.
وهذا القول ضعيف لوجوه:(1/275)
أحدها: أنه يلزم منه حذف المفعول لـ تركنا ولا يبقى في الكلام فائدة على هذا التقدير ، فإن المعنى يؤول إلى أنا تركنا عليه في الآخرين أمراً لا ذكر له في اللفظ ، لأن السلام عند هذا القائل منقطع بما قبله لا تعلق له بالفعل.
الثاني: أنه لو كان المفعول محذوفاً كما ذكره ، لذكروه في موضع واحد ليدل على المراد منه عند حذفه ، ولم يطرد حذفه في جميع من أخبر أنه ترك عليه في الآخرين الثناء الحسن، وهذه طريقة القرآن، بل وكل كلام فصيح أن يذكر الشيء في موضع ثم يحذفه في موضع آخر لدلالة المذكور على المحذوف، وأكثر ما تجده مذكوراً، وحذفه قليل ، وأما أن يحذف حذفاً مطرداً ولم يذكره في موضع واحد ولا في اللفظ ما يدل عليه، فهذا لا يقع في القرآن.
الثالث: أن في قراءة ابن مسعود: وتركنا عليه في الآخرين * سلام بالنصب ، وهذا يدل على أن المتروك هو السلام نفسه.
الرابع : أنه لو كان السلام منقطعاً مما قبله لأخل ذل بفصاحة الكلام وجزالته، ولما حسن الوقوف على ما قبله ، وتأمل هذا بحال السامع إذا سمع قوله: وتركنا عليه في الآخرين كيف يجد قلبه متشوقا متطلعاً إلى تمام الكلام، واجتناء الفائدة منه، ولا يجد فائدة الكلام انتهت وتمتت ليظمئن عندها ، بل يبقى طالباً لتمامها، وهو المتروك، فالوقف على الآخرين ليس بوقف تام. فإن قيل : فيجوز حذف المفعول من هذا الباب، لأن ترك هنا بمعنى أعطى لأنه أعطاه ثناء حسناً أبقاه عليه في الآخرين ، ويجوز في باب أعطى ذكر المفعولين، وحذفهما، والاقتصار على أحدهما ، وقد وقع ذلك في القرآن كقوله: إنا أعطيناك الكوثر [الكوثر:1] فذكرهما ، وقال تعالى : فأما من أعطى [ الليل: 5 ].، فحذفهما، وقال تعالى: ولسوف يعطيك ربك [الضحى:5]، فحذف الثاني ، واقتصر على الأول. وقال تعالى: ويؤتون الزكاة [ المائدة: 55] ، فحذف الأول واقتصر على الثاني.(1/276)
قيل: فعل الإعطاء فعل مدح، فلفظه دليل على أن المفعول المعطى قد ناله قطاء المعطى، والإعطاء إحسان ونفع وبر، فجاز ذكر المفعولين وحذفهما والاقتصار على أحدهما بحسب الغرض المطلوب من الفعل، فإن كان المقصود إيجاد ماهية الإعطاء المخرجة للعبد من البخل والشح والمنع المنافي للإحسان ذكر الفعل مجرداً، كما قال تعالى : فأما من أعطى واتقى [الليل:5 ] ، ولم يذكر ما أعطى ولا من أعطى وتقول : فلان يعطي ويتصدق ويهب ويحسن ، وقال النبي صلى الله عليه وسلم : اللهم لا مانع لما أعطيت ولا معطي لما منعت لما كان المقصود بهذا تفرد الرب سبحانه بالعطاء والمنع، لم يكن لذكر المعطى ولا لحظ المعطى معنى ، بل المقصود أن حقيقة العطاء والمنع إليك لا إلى غيرك ، بل أنت المتفرد بها لا يشركك فيها أحد، فذكر المفعولين هنا يخل بتمام المعنى وبلاغته، وإذا كان المقصود ذكرهما ذكراً معاً، كقوله تعالى : إنا أعطيناك الكوثر [ الكوثر:1]، فإن المقصود إخباره لرسوله صلى الله عليه وسلم بما خصه به وأعطاه إياه من الكوثر، ولا يتم هذا إلا بذكر المفعولين، وكذا قوله تعالى ويطعمون الطعام على حبه مسكيناً ويتيماً وأسيراً [ الإنسان:8]، وإذا كان المقصود أحدهما فقط اقتصر عليه، كقوله تعالى: ويؤتون الزكاة [ المائدة: 55].
المقصود به أنهم يفعلون هذا الواجب عليهم ولا يهملونه، فذكره لأنههم المقصود، وقوله عن أل النار لم نك من المصلين * ولم نك نطعم المسكين [ المدثر 43-44 ]، لما كان المقصود الإخبار عن المستحق للإطعام أنهم بخلوا عنه، ومنعوه حقه من الإطعام، وقست قلوبهم عنه، كان ذكره هو المقصود دون المطعوم.
وتدبر هذه الطريقة في القرآن وذكره للأهم المقصود وحذفه لغيره يطلعك على باب من أبواب إعجازه، وكمال فصاحته.(1/277)
وأما فعل الترك فلا يشعر بشيء من هذا ولا يمدح به فلو قلت: فلان يترك ، لم يكن مفيداً فائدة أصلا ، بخلاف قولك : يطعم ويعطي ويهب ونحوه. بل لا بد أن تذكر ما يترك، ولهذا لا يقال: فلان تارك. ويقال: معط ومطعم، ومن أسمائه سبحانه: المعطي ، فقياس ترك على أعطى من أفسد القياس و سلام على نوح يعني يسلمون عليه تسليماً، ويدعون له ، وهو من الكلام المحكي ، كقولك : قرأت : سورة أنزلناها.
الخامس: أنه قال: سلام على نوح في العالمين فأخبر سبحانه أن هذا السلام عليه في العالمين ، ومعلوم أن هذا السلام فيهم هو سلام العالمين عليه، كلهم يسلم عليه ، ويثني عليه، ويدعو له، فذكره بالسلام عليه فيهم، وأما سلام الله سبحانه عليه فليس مقيداً بهم، ولهذا لا يشرع أن يسأل الله تعالى مثل ذلك ، فلا يقال: السلام على رسول الله في العالمين، ولا اللهم سلم على رسولك في العالمين، ولو كان هذا هو سلام الله لشرع أن يطلب من الله على الوجه الذي سلم به وأما قولهم: إن الله سلم عليه في العالمين، وترك عليه في الآخرين، فالله سبحانه وتعالى أبقى على أنبيائه ورسله سلاماً وثناءً حسناً فيمن تأخر بعدهم جزاء على صبرهم ، وتبليغهم رسالات ربهم ، واحتمالهم للأذى من أممهم في الله، وأخبر أن هذا المبروك على نوح هو عام في العالمين ، وأن هذه التحية ثابتة فيهم جميعاً ، لا يخلون منها، فأدامها عليه في الملائكة والثقلين، طبقاً بعد طبق ، وعالماً بعد عالم، مجازاة لنوح عله السلام بصبره، وقيامه بحق ربه ، وبأنه أول رسول أرسله الله إلى أهل الأرض، وكل المرسلين بعده بعثوا بدينه ، كما قال تعالى : شرع لكم من الدين ما وصى به نوحاً الآية [ الشورى:13].
وقولهم : إن هذا قول ابن عباس، فقد تقدم أن ابن عباس وغيره إنما أرادوا بذلك أن السلام عليه من الثناء الحسن ، ولسان الصدق ، فذكروا معنى السلام عليه وفائدته ، والله سبحانه أعلم.(1/278)
وأما الصلاة عليهم، فقال إسماعيل بن إسحاق في كتابه: حدثنا محمد بن أبي بكر المقدمي، حدثنا عمر بن هارون ، عن موسى بن عبيدة، عن محمد بن ثابت، عن أبي هريرة ، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: صلوا على أنبياء الله ورسله ، فإن الله بعثهم كما بعثني صلى الله عليهم وسلم تسليماً.
رواه الطبراني : عن الدبري ، عن عبد الرزاق ، عن الثوري، عن موسى.
وقال الطبراني: حدثنا ابن أبي مريم ، حدثنا الفريابي، حدثنا سفيان، عن موسى بن عبيدة ، عن محمد بن عمرو بن عطاء، عن ابن عباس رضي الله عنهما، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إذا صليتم علي فصلوا على أنبياء الله فإن الله بعثهم كما بعثني .
وفي الباب عن أنس، وقيل: عن أنس، عن أبي طلحة.
قال الحافظ أبو موسى المديني: وبلغني بإسناد عن بعض السلف، أنه رأى آدم في المنام كأنه يشكو قلة صلاة بنيه عليه صلى الله عليه وسلم وعلى جميع الأنبياء والمرسلين. وموسى وإن كان ضعيفاً فحديثه يستأنس به.
وقد حكى غير واحد الإجماع على أن الصلاة على جميع النبيين مشروعة،منهم الشيخ محيي الدين النووي- رحمه الله - وغيره، وقد حكي عن مالك رواية أنه لا يصلى على غير نبينا صلى الله عليه وسلم ، ولكن قال أصحابه: هو مؤولة بمعنى أنا لم نتعبد بالصلاة على غيره من الأنبياء ، كما تعبدنا الله بالصلاة عليه صلى الله عليه وسلم .
فصل في الصلاة على آل النبي صلى الله عليه وسلم وآله وأقوال العلماء في ذلك وأما من سوى الأنبياء ، فإن آل النبي صلى الله عليه وسلم يصلى عليهم بغير خلاف بين الأمة.واختلف موجبو الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم في وجوبها على آله على قولين مشهورين لهم، وهي طريقتان للشافعية:
إحداهما: أن الصلاة واجبة على النبي صلى الله عليه وسلم وفي وجوبها على الآل قولان للشافعي، هذه طريقة إمام الحرمين والغزالي.(1/279)
والطريقة الثانية: أن في وجوبها على الآل وجهين، وهي الطريقة المشهورة عندهم ، والذي صححوه أنها غير واجبة عليهم.
واختلف أصحاب أحمد في وجوب الصلاة على آله صلى الله عليه وسلم ، وفي ذلك وجهان لهم، وحيث أوجبوها فلو أبدل لفظ الآل بالأهل فقال : اللهم صل على محمد وأهل محمد ففي الإجزاء وجهان.
وحكى بعض أصحاب الشافعي الإجماع على أن الصلاة على الآل مستحبة لا واجبة ، ولا يثبت في ذلك إجماع.
فصل: في الصلاة على آل النبي صلى الله عليه وسلم استقلالاً
وهل يصلي على آله صلى الله عليه وسلم منفردين عنه؟ فهذه المسألة على نوعين:
أحدهما: أن يقال: اللهم صل على آل محمد فهذا يجوز، ويكون صلى الله عليه وسلم داخلاً في آله، فالإفراد عنه وقع في اللفظ لا في المعنى.
الثاني: أن يفرد واحد منهم بالذكر، فيقال: اللهم صل على علي، أو على حسن، أو حسين، أو فاطمة ، ونحو ذلك . فاختلف في ذلك وفي الصلاة على غير آله صلى الله عليه وسلم من الصحابة ومن بعدهم ، فكرة ذلك مالك، وقال : لم يكن ذلك من عمل من مضى، وهو مذهب أبي حنيفة أيضاً ، وسفيان بن عيينة، وسفيان الثوري، وبه قال طاووس.
وقال ابن عباس: لا ينبغي الصلاة إلا على النبي صلى الله عليه وسلم .
قال إسماعيل بن إسحاق : حدثنا عبد الله بن عبد الوهاب، قال: حدثنا عبد الرحمن بن زياد، حدثني عثمان بن حكيم بن عبادة بن حنيف، عن كرمة ، عن ابن عباس، أنه قال: لا تصلح الصلاة على أحد إلا على النبي صلى الله عليه وسلم ، ولكن يدعى للمسلمين والمسلمات بالاستغفار. وهذا عمر بن عبد العزيز.(1/280)
قال أبو بكر بن أبي شيبة : حدثنا حسن بن علي ، عن جعفر بن برقان، قال: كتب عمر بن عبد العزيز: أما بعد فإن ناساً من الناس قد التمسوا الدنيا بعمل الآخرة، وإن القصاص قد أحدثوا في الصلاة على خلفائهم وأمرائهم عدل صلاتهم على النبي صلى الله عليه وسلم ، فإذا جاءك كتابي فمرهم أن تكون صلاتهم على النبيين ، ودعاؤهم للمسلمين عامة. وهذا مذهب أصحاب الشافعي، ولهم ثلاثة أوجه: أحدها: أنه منع تحريم. والثاني: وهو قول الأكثرين ، أنه منع كراهة تنزيه.والثالث: أنه من باب ترك الأولى وليس بمكروه. حكاها النووي في الأذكار قال: والصحيح الذي عليه الأكثر أنه مكروه كراهة تنزيه. ثم اختلفا في السلام هل هو في معنى الصلاة، فيكره أن يقال: السلام على فلان. أو قال: فلان عليه السلام، فكرهه طائفة ، منهم أبو محمد الجويني ومنع أن يقال: عن علي - عليه السلام- وفرق آخرون بينه وبين الصلاة، فقالوا: السلام يشرع في حق كل مؤمن حي وميت وحاضر وغائب، فإنك تقول: بلغ فلاناً مني السلام، وهو تحية أهل الإسلام، بخلاف الصلاة فإنها من حقوق الرسول صلى الله عليه وسلم وآله، ولهذا يقول المصلي: السلام علينا وعلىعباد الله الصالحين، ولا يقول: الصلاة علينا وعلى عباد الله الصالحين فعلم الفرق.
واحتج هؤلاء بوجوه:
أحدها: قول ابن عباس، وقد تقدم
الثاني: أن الصلاة على غير النبي صلى الله عليه وسلم وآله قد صارت شعار أهل البدع، وقد نهينا عن شعارهم ، ذكره النووي.
قلت: ومعنى ذلك، أن الرافضة إذا ذكروا أثمنهم يصلون عليهم بأسمائهم ولا يصلون على غيرهم ممن هو خير منهم، وأحب إلى الرسول ، فينبغي أن يخالفوا في هذا الشعار.
الثالث: ما احتج به مالك رحمه الله ، أن هذا لم يكن من عمل من مضى من الأمة، ولو كان خيراً لسبقوا إليه.(1/281)
الرابع: أن الصلاة قد صارت مخصوصة في لسان الأمة بالنبي صلى الله عليه وسلم ، تذكر مع ذكر اسمه، كما صار عز وجل و سبحانه وتعالى مخصوصاً بالله عز وجل ، يذكر مع ذكر اسمه، ولا يسوغ أن يستعمل ذلك لغيره، فلا يقال: محمد عز وجل، ولا سبحانه وتعالى، فلا يعطى المخلوق مرتبة الخالق، فهكذا لا ينبغي أن يعطى غير النبي صلى الله عليه وسلم مرتبته ، فيقال: قال فلان صلى الله عليه وسلم .
الخامس: أن الله سبحانه قال: لا تجعلوا دعاء الرسول بينكم كدعاء بعضكم بعضاً [النور: 63]، فأمر سبحانه أن لا يدعى باسمه كما يدعى غيره باسمه ، فكيف يسوغ أن تجعل الصلاة عليه كما تجعل على غيره في دعائه، والإخبار عن ؟ هذا مما لا يسوغ أصلاً.
السادس: أن النبي صلى الله عليه وسلم شرع لأمته في التشهد أن يسلموا على عباده الصالحين، ثم يصلوا على النبي صلى الله عليه وسلم ، فعلم أن الصلاة عليه حقه الذي لا يشركه في أحد.
السابع: أن الله سبحانه ذكر الأمر بالصلاة عليه في معرض حقوقه وخواصه التي خصه بها من تحريم نكاح أزواجه، وجواز نكاحه لمن وهبت نفسها له ، وإيجاب اللعنة لمن آذاه، وغير ذلك من حقوق، وأكدها بالأمر بالصلاة عليه والتسليم، فدل على أن ذلك حق له خاصة ، فآله تبع له فيه.
الثامن: أن الله سبحانه شرع للمسلمين أن يدعو بعضهم لبعض، ويستغفر بعضهم لبعض، ويترحم عليه في حياته وبعد موته، وشرع لنا أن نصلي عل النبي صلى الله عليه وسلم في حياته وبعد موته، فالدعاء حق للمسلمين، والصلاة حق لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، فلا يقوم أحدهما مقام الآخر، ولهذا في صلاة الجنازة إنما يدعى للميت ويترحم عليه ويستغفر له، ولا يصلي عليه بدل ذلك، فيقال: اللهم صل عليه وسلم.
وفي الصلوات يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم ، ولا يقال بدل ذلك: اللهم اغفر له وارحمه. ونحو ذلك، بل يعطى كل ذي حق حقه.(1/282)
التاسع: أن المؤمن أحوج الناس إلى أن يدعى له بالمغفرة والرحمة، والنجاة من العذاب، وأما النبي صلى الله عليه وسلم فغير محتاج أن يدعى له بذلك، بل الصلاة عليه زيادة في تشريف الله وتكريمه ورفع درجاته ، وهذا حاصل له صلى الله عليه وسلم ، وإن غفل عن ذكره الغافلون، فالأمر بالصلاة عليه إحسان من الله للأمة ورحمة بهم لينيلهم كرامته بصلاتهم على رسوله صلى الله عليه وسلم ، بخلاف غيره من الأمة ، فإنه محتاج إلى من يدعو له ويستغفر ويترحم عليه، ولهذا جاء الشرع بهذا في محله ، وهذا في محله.
العاشر: أنه لو كانت الصلاة على غيره صلى الله عليه وسلم سائغة ، فإما أن يقال باختصاصها ببعض الأمة ، أو يقال تجوز على كل مسلم.
فإن قيل: باختصاصها فلا وجه له ، وهو تخصيص من غير مخصص ، وإن قيل بعدم الاختصاص وأنها تسوغ بكل من يسوغ الدعاء له فحينئذ تسوغ الصلاة على المسلم وإن كان من أهل الكبار، فكما يقال: اللهم تب عليه ، اللهم اغفر له ، يقال : اللهم صل عليه ، وهذا باطل.
وإن قيل: تجوز على الصالحين دون غيرهم، فهذا مع أنه لا دليل عليه ، ليس له ضابط، فإن كون الرجل صالحاً أو غير صالح وصف يقبل الزيادة والنقصان ، وكذلك كونه ولياً لله ، وكونه متقياً ، وكونه مؤمناً، وكل ذلك يقبل الزيادة والنقصان، فما ضابط من يصلى عليه من الأمة ومن لا يصلى عليه؟.
قالوا: فعلم بهذه الوجوه العشرة اختصاص الصلاة بالنبي صلى الله عليه وسلم وآله. وخالفهم في ذلك آخرون ، وقالوا: تجوز الصلاة على غير النبي صلى الله عليه وسلم وآله.
قال القاضي أبو الحسين بن الفراء في رؤوس مسائله: وبذلك قال الحسن البصري، وخصيف، ومجاهد، ومقاتل بن سليمان، ومقاتل بن حيان، وكثير من أهل التفسير ، قال: وهو قول الإمام أحمد رحمه الله، نص عليه في رواية أبي داود ، وقد سئل: أينبغي أن يصلى على أحد إلا النبي صلى الله عليه وسلم ؟ قال: أليس قال علي لعمر- رضي الله عنهما -: صلى الله عليك.(1/283)
قال: وبه قال إسحاق بن راهويه، وأبو ثور ، و محمد بن جرير الطبري، وغيرهم ، وحكى أبو بكر بن أبي داود، عن أبيه ذلك، قال أبو الحسين: وعلى هذا العمل، واحتج هؤلاء بوجوه:
أحدها: قوله سبحانه وتعالى: خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها وصل عليهم [التوبة: 103]، فأمر سبحانه أن يأخذ الصدقة من الأمة وأن يصلي عليهم، ومعلوم أن الأئمة بعده يأخذون الصدقة كما كان يأخذها، فيشرع لهم أن يصلوا على المتصدق كما كان يصلي عليه النبي صلى الله عليه وسلم .
الثاني: أن في الصحيحين: من حديث شعبة ، عن عمر ، عن عبد الله بن أبي أوفى قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا أتاه قوم بصدقتهم ، قال: اللهم صل على آل فلان فأتاه أبي بصدقته ، فقال : اللهم صل على آل أبي أوفى.
والأصل عدم الاختصاص، وهذا ظاهر في أنه هو المراد من الآية.
الثالث: ما رواه حجاج ، عن أبي عوانة، عن الأسود بن قيس، عن نبيه العنزي، عن جابر بن عبد الله، أن امرأة قالت: يا رسول الله! صل علي وعلى زوجي، فقال: صلى الله عليك وعلى زوجك ، رواه أحمد، وأبو داود في السنن
الرابع: ما رواه ابن سعد في كتاب الطبقات : من حديث ابن عيينة ، عن جعفر بن محمد ، عن أبيه، عن جابر بن عبد الله ، أن علياً دخل على عمر وهو مسجى ، فملا انتهى إليه قال: صلى الله عليك ، ما أحد ألقى إلى الله بصحيفته أحب إلى من هذا المسجى بينكم.
الخامس: ما رواه إسماعيل بن إسحاق: حدثنا عند الله بن مسلم، حدثنا نافع بن عبد الرحمن بن أبي نعيم القارئ، عن نافع ، عن ابن عمر ، أنه كان يكبر على الجنازة ويصلي على النبي صلى الله عليه وسلم ، ثم يقول: اللهم بارك فيه، وصل عليه ، واغفر له ، وأورده حوض نبيك صلى الله عليه وسلم .
السادس : أن الصلاة هي الدعاء ، وقد أمرنا بالدعاء بعضنا لبعض، احتج بهذه الحجة أبو الحسين.(1/284)
السابع: ما رواه مسلم في صحيحه : من حديث حماد بن زيد ، عن بديل، عن عبد الله بن شقيق ، عن أبي هريرة، قال: إذا خرجت روح المؤمن تلقاها ملكان يصعدانها. قال حماد : فذكر من طيب ريحها، وذكر المسك. قال: ويقول أهل السماء روح طيبة جاءت من قبل الأرض صلى الله عليك وعلى جسد كنت تعمرينه.. وذكر الحديث. هكذا قال مسلم عن أبي هريرة موقوفاً، وسياقه يدل على أنه مرفوع ، فإنه قال بعده : وأن الكافر إذا خرجت روحه قال حماد: وذكر من نتنها وذكر لعناً، ويقول أهل السماء: روح خبيثة جاءت من قبل الأرض. قال : فيقال انطلقوا به إلى آخر الأجل. قال أبو هريرة : فرد رسول الله صلى الله عليه وسلم ريطة كانت على أنفه هكذا.
وهذا يدل على أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حدثهم بالحديث.
وقد رواه جماعة عن أبي هريرة مرفوعاً، منهم أبو سلمة ، وعمر بن الحكم، وإسماعيل السدي، عن أبيه، عن أبي هريرة ، وسعيد بن يسار، وغيرهم.
وقد استوفيت الكلام على هذا الحديث وأمثاله في كتاب الروح .
قالوا: فإذا كانت الملائكة تقول للمؤمن : صلى الله عليك جاز ذلك أيضاً للمؤمنين، بعضهم لبعض.
الثامن : قوله صلى الله عليه وسلم : إن الله وملائكته يصلون على معلم الناس الخير وقد قال تعالى: هو الذي يصلي عليكم وملائكته [الأحزاب:43].
التاسع: ما رواه أبو داود: عن عائشة رضي الله عنها، قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إن الله وملائكته يصلون على ميامن الصفوف وفي حديث آخر عنها ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إن الله ولملائكته يصلون على الذين يصلون الصفوف . وقد تقدم في أول الكتاب صلاة الملائكة على من صلى على النبي صلى الله عليه وسلم .(1/285)
العاشر: ما احتج به القاضي أبو يعلى ، ورواه بإسناد، من حديث مالك بن يخامر، عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسلاً ، أنه قال: اللهم صل على أبي بكر فإنه يحب الله ورسوله، اللهم صل على عمر فإنه يحب الله ورسوله، اللهم صل على عثمان فإنه يحب الله ورسوله، اللهم صل على علي فإنه يحب الله ورسوله، اللهم صل على أبي عبيدة فإنه يحب الله ورسوله، اللهم صل على عمرو بن العاص فإنه يحب الله ورسوله .
الحادي عشر: ما رواه يحيى بن يحيى في موطئه عن مالك، عن عبد الله بن دينار، قال : رأيت عبد الله بن عمر رضي الله عنهما يقف على قبر النبي صلى الله عليه وسلم فيصلي على النبي صلى الله عليه وسلم ، وعلى أبي بكر، وعمر رضي الله عنهما. هذا لفظ يحيى بن يحيى.
الثاني عشر: أنه قد صح أن النبي صلى الله عليه وسلم نص على أزواجه في الصلاة، وقد تقدم.
قالوا: وهذا على أصولكم ألزم، فإنكم لم تدخلوهن في آله الذين تحرم عليهم الصدقة ، فإذا جازت الصلاة عليهن جازت على غيرهن من الصحابة رضي الله عنهم.
الثالث عشر : أنكم قد قلتم بجواز الصلاة على غير النبي صلى الله عليه وسلم تبعاً له فقلتم بجواز أن يقال: اللهم صل على محمد وعلى آل محمد، وعلى أصحابه وأزواجه وذريته وأتباعه. قال أبو زكريا النووي: واتفقوا على جواز جعل غير الأنبياء تبعاً لهم في الصلاة ، ثم ذكر هذه الكيفية وقال: للأحاديث الصحيحة في ذلك، وقد أمرنا به في التشهد ، ولم يزل السلف عليه خارج الصلاة أيضاً.
قلت: ومنه الأثر المعروف عن بعض السلف: اللهم صل على ملائكتك المقربين وأنبيائك والمرسلين، وأهل طاعتك أجمعين من أهل السماوات والأرضين.
الرابع عشر: ما رواه أبو يعلى الموصلي: عن أبي زنجويه، حدثنا أبو المفغيرة، حدثنا أبو بكر بن أبي مريم، حدثنا ضمرة بن حبيب بن صهيب، عن أبي الدرداء، عن زيد بن ثابت ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دعاه وعلمه دعاء ، وأمره أن يتعاهد به أهله كل يوم، قال:(1/286)
قل حين تصبح: لبيك اللهم لبيك، لبيك وسعديك ، والخير في يديك ومنك وإليك، اللهم ما قلت من قول أو نذرت من نذر، أو حلفت من حلف فمشيئتك بين يديه، ما شئت منه كان وما لم تشأ لم يكن ، ولا حول ولا قوة إلا بك، أنت على كل شيء قدير ، اللهم وما صليت من صلاة فعلى من صليت ، وما لعنت من لعن فعلى من لعنت ، أنت وليي في الدنيا والآخرة، توفني مسلماً وألحقني بالصالحين. ووجه الاستدلال: أنه لو لم تشرع الصلاة على غير النبي صلى الله عليه وسلم ما صح الاستثناء فيها، فإن العبد لما كان يصلي على من ليس بأهل للصلاة ولا يدري استثنى ذلك كما استثنى في حلفه ونذره.
قال الأولون: الجواب عما ذكرتم من الأدلة ، أنها نوعان : نوع منها صحيح وهو غير متناول لمحل النزاع ، فلا يحتج به، ونوع غير معلوم الصحة فلا يحتج به ، ونوع غير معلوم الصحة فلا يحتج به ، ونوع غير معلوم الصحة فلا يحتج به أيضاً، وهذا إنما يظهر بالكلام على كل دليل دليل.
أما الدليل الأول: وهو قوله تعالى: وصل عليهم فهذا في غير محل النزاع/ لأن كلامنا هل يشرع لأحدنا أن يصلي على غير النبي صلى الله عليه وسلم وآله أم لا؟. وأما صلاة النبي صلى الله عليه وسلم على من صلى عليه فتلك مسألة أخرى، فأين هذه من صلاتنا عليه التي أمرنا بها قضاء لحقه، هل يجوز أن يشرك معه غيره أم لا؟.
يؤكده الوجه الثاني: أن الصلاة عليه حق له صلى الله عليه وسلم ، يتعين على الأمة أداؤه والقيام به، وأما هو صلى الله عليه وسلم فيخص من أراد ببعض ذلك الحق، وهذا كما تقول في شاتمه ومؤذيه: إن قتله حق لرسول الله صلى الله عليه وسلم يجب على الأمة القيام به واستيفاؤه، وإن كان صلى الله عليه وسلم يعفو عنه حين مكان يبلغه ويقول : رحم الله موسى لقد أوذي بأكثر من هذا فصبر .
وبهذا حصل الجواب عن الدليل الثاني أيضا وهو قوله : اللهم صل على آل أبي أوفي ، وعن الدليل الثالث أيضا, وهو صلاته على تلك المرأة وزوجها .(1/287)
وأما دليلكم الرابع : وهو قول علي لعمر _ رضي الله عنهما_: صلى الله عليك . فجواته من وجوه:
أحدها: انه قد اختلف على جعفر بن محمد في هذا الحديث , فقال أنس بن عياض: عن جعفر بن محمد , عن أبيه , أن عليا لما غسل عمر وكفن وحمل على سريره , وقف عليه ، أثنى عليه ، وقال:
والله ما على الأرض رجل أحب إلي أن ألقي الله بصحيفته من هذا المسجى بالثوب .
وكذلك رواه محمد ويعلى ابنا عبيد , عن حجاج الواسطي , عن جعفر , ولم يذكر هذه اللفظة
ورواه ورقاء بن عمرو , عن عمرو بن دينار , عن أبي جعفر , ولم يذكر لفظه الصلاة . بل قال:رحمك الله , وكذلك رواه عارم بن الفضل , عن أيوب وعمر بن دينار , وأبي جهضم , قالوا: لما مات عمر فذكروا الحديث دون لفظ الصلاة وكذلك رواه قيس بن الربيع , عن قيس بن مسلم , عن ابن الحنفية .
الثاني : أن الحديث الذي فيه الصلاة لم يسنده ابن سعد , بل قال في الطبقات : أخبرنا بعض أصحابنا : عن سفيان بن عيينة , أنه سمع منه هذا الحديث عن جعفر بن محمد, عن أبيه, عن جابر بن عبد الله, فذكره, وقال: لما انتهى اله, فقال له: صلى الله عليك, وهذا المبهم لعله لم يحفظه. فلا يحتج به.
الثالث: أنه معارض بقول ابن عباس رضي الله عنهما : لا ينبغي الصلاة على أحد إلا على النبي صلى الله عليه وسلم , وقد تقدم.
قالوا: وأما دليلكم الخامس وهو قول ابن عمر في صلاة الجنازة اللهم صل عليه فجوابه من وجوه:
أحدها: أن نافع بن أب نعيم ضعيف عندهم في الحديث، وإن كان في القراءة إماماً، قال الإمام أحمد : يؤخذ عنه القرآن ، وليس في الحديث بشيء.
والذي يدل على أن هذا ليس بمحفوظ عن ابن عمر، أن مالكاً في موطئه لم يروه عن ابن عمر، وإنما روى أثراً عن أبي هريرة، فلو كان هذا عند نافع مولاه، لكان مالك أعلم به من نافع ابن أبي نعيم.
الثاني: أن قول ابن عباس يعارض ما نقل عن ابن عمر.(1/288)
وأما دليلكم السادس أن الصلاة دعاء، وهو مشروع لكل مسلم، فجوابه من وجوه :
أحدها : أنه دعاء مخصوص، مأمور به في حق الرسول صلى الله عليه وسلم ، وهذا لا يدل على جواز أن يدعى به لغيره، لما ذكرنا من الفروق بين الدعاء وغيره، مع الفرق العظيم بين الرسول وغيره، فلا يصح الإلحاق به، لا في الدعاء ولا في المدعو له صلى الله عليه وسلم .
الثاني: أنه كما لا يصح أن يقاس عليه دعاء غيره لا يصح أن يقاس على الرسول صلى الله عليه وسلم غيره فيه.
الثالث: أنه ما شرع في حق الرسول صلى الله عليه وسلم لكونه دعاء، بل لأخص من مطلق الدعاء، وهو كونه صلاة متضمنة لتعظيمه وتمجيده والثناء عليه كما تقدم تقريره، وهذا أخص من مطلق الدعاء.
وأما دليلكم السابع: وهو قول الملائكة لروح المؤمن: صلى الله عليك وعلى حسد كنت تعمرينه. فليس بمتناول لمحل النزاع، فإن النزاع إنما هو هل يسوغ لأحدنا أن يصلي على غير الرسول وآله صلى الله عليه وسلم ، وأما الملائكة فليسوا بداخلين تحت أحكام تكاليف البشر حتى يصح قياسهم عليه فيما يقولونه أو يفعلونه، فأين أحكام الملك من أحكام البشر: فالملائكة رسل الله في خلقه وأمره ، يتصرفون بأمره لا بأمر البشر، وبهذا خرج الجواب عن كل دليل فيه صلاة الملائكة.
وأما قولكم: إن الله يصلي على المؤمنين وعلى معلمي الناس الخير.
فجوابه: أنه في غير محل النزاع، وكيف يصح قياس فعل العبد على فعل الرب؟ وصلاة العبد دعاء وطلب، وصلاة الله على عبده ليست دعاء، وإنما هي إكرام وتعظيم ومحبة وثناء ، وأين هذا من صلاة العبد؟.
وأما دليلكم العاشر: وهو حديث مالك بن يخامر، وفيه صلاة النبي على أبي بكر وعمر ، ومن معهما، فجوابه من وجوه:
أحدها: أنه لا علم لنا بصحة هذا الحديث، ولم تذكروا إسناده لننظر فيه
الثاني: أنه مرسل.
الثالث: أنه في غير محل النزاع، كما تقدم.(1/289)
وأما دليلكم الحادي عشر: أن ابن عمر كان يقف على قبر النبي صلى الله عليه وسلم فيصلي عليه، وعلى أبي بكر س
أحدها: أن ابن عبد البر قال: أنكر العلماء على يحيى بن يحيى ومن تابعه في الرواية عن مالك، عن عبد الله بن دينار، رأيت، ابن عمر يقف على قبر النبي صلى الله عليه وسلم فيصلي على النبي صلى الله عليه وسلم وعلى أبي بكر وعمر، وقالوا: إنما الرواية لمالك وغيره، عن عبد الله بن دينار، عن ابن عمر ، أنه كان يقف على قبر النبي صلى الله عليه وسلم فيصلي على النبي صلى الله عليه وسلم ويدعو لأبي بكر وعمر. كذلك رواه ابن القاسم , والقعنبي , وابن بكير وغيرهم عن مالك , ففرقوا بما وصفت لك بين : ويدعو لأبي بكر, وعمر وبين يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم وإن كانت الصلاة قد تكون دعا ءً , لما خص به صلى الله عليه وسلم من لفظ الصلاة
قلت: وكذلك هو في موطأ ابن وهب لفظ الصلاة مختص بالنبي صلى الله عليه وسلم , والدعاء لصاحبه .
الثاني : أن هذا من باب الاستغناء عن أحد الفعلين بالأول منهما وإن كان غير واقع على الثاني,كقول الشاعر:
علفتها تبناً وماء بارداً حتى غدت همالةً عيناها وقول الآخر :
ورأيت زوجك قد غدا متقلداً سيفاً ورمحا
وقول الآخر:
وزججن الحواجب والعيونا
فلما كان الفعل الأول موافقاً للفعل الثاني في الجنس العام اكتفى به منه, لأن العلف موافق للسقي في التغذية , وتقلد السيف موافق لحمل الرمح في معنى الحمل, وتزجيج الحواجب موافق للدعاء لأبي بكر وعمر في معنى الدعاء والطلب .
الثالث : أن ابن عباس قد خالفه كما تقدم .
وأما دليلكم الثاني عشر : بالصلاة على أزواجه صلى الله عليه وسلم ففاسد، لأنه إنما صلى عليهن لإضافتهن إليه ودخولهن في آله وأهل بيته ، فهذه خاصة له، وأهل بيته وزوجاته تبع له فيها صلى الله عليه وسلم .(1/290)
وأما قولكم: إنه ألزم على أصولنا، فإنا لا نقول بتحريم الصدقة عليهن، فجوابه: أن هذا وإن سل!م دل على أنهن لسن من الآل الذين تحرم عليهم الصدقة، لعدم القرابة التي يثبت بها التحريم، لكنهن من أهل بيته الذين يستحقون الصلاة عليهم، ولا منافاة بين الأمرين.
وأما دليلكم الثالث عشر: وهو جواز الصلاة على غيره صلى الله عليه وسلم تبعاً، وحكايتهم الاتفاق على ذلك فجوابه من وجهين:
أحدهما: أن هذا الاتفاق غير معلوم الصحة، والذين منعوا الصلاة على غير الأنبياء منعوها مفردة وتابعة، وهذا التفصيل وإن كان معروفاً عن بعضهم فليس كلهم يقوله.
الثاني: أنه لا يلزم من جواز الصلاة على أتباعه تبعاً للصلاة عليه جواز إفراد المعي أو غيره بالصلاة عليه استقلالاً.
وقوله: للأحاديث الصحيحة في ذلك ، فليس في الأحاديث الصحيحة الصلاة على غير النبي صلى الله عليه وسلم وآله وأزواجه وذريته، ليس فيها ذكر أصحابه ولا أتباعه في الصلاة.
وقوله: أمرنا بها في التشهد، فالمأمور به في التشهد الصلاة على آله وأزواجه لا غيرهما.
وأما دليلكم الرابع عشر: وهو حديث زيد بن ثابت الذي فيه: اللهم ما صليت من صلاة فعلى من صليت، ففيه أبو بكر بن أبي مريم ضعفه أحمد، وابن معين، وأبو حاتم، والنسائي، والسعدي، وقال ابن حبان: كان من خيار أهل الشام، ولكنه كان رديء الحفظ يحدث بالشيء فيهم، وكثر ذلك حتى استحق الترك.
الخاتمة
وفصل الخطاب في هذه المسألة: أن الصلاة على غير النبي صلى الله عليه وسلم إما أن يكون آله وأزواجه وذريته أو غيرهم، فإن كان الأول فالصلاة عليهم مشروعة مع الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم وجائزة مفردة/(1/291)
وأما الثاني : فإن كان الملائكة وأهل الطاعة عموماً الذين يدخل فيهم الأنبياء وغيرهم، جاز ذلك أيضاً، فيقال: اللهم صل على ملائكتك المقربين وأهل طاعتك أجمعين، وإن كان شخصاً معيناً أو طائفة معينة كره أن يتخذ الصلاة عليه شعاراً لا يخل به، ولو قيل بتحريمه لكان له وجه، ولا سيما إذا جعلها شعاراً له، ومنع منها نظيره، أو من هو خير منه ، وهذا كما تفعل الرافضة بعلي رضي الله عنه، فإنه حيث ذكروه قالوا: عليه الصلاة والسلام، ولا يقولون ذلك فيمن هو خير منه ، فهذا ممنوع، لا سيما إذا اتخذ شعاراً لا يخل به ، فتركه حينئذ متعين، وأما إن صلى عليه أحياناً بحيث لا يجعل ذلك شعاراً كما يصلي على دافع الزكاة، وكما قال ابن عمر للميت: صلى الله عليه. وكما صلى النبي صلى الله عليه وسلم على المرأة وزوجها، وكما روي عن علي من صلاته على عمر ، فهذا لا بأس به.
و بهذا التفصيل تتفق الأدلة وينكشف وجه الصواب والله والموفق.
الفصل التاسع
في حكم زيارة قبره وفضيلة من زاره وسلم عليه (
قال القاضي أبو الفضل رحمه الله :وزيارة قبره ( سنة من سنن المسلمين مجمع عليها ، وفضيلة مرغب فيها ...
*حدثنا القاضي أبو علي ، قال : حدثنا أبو الفضل بن خيرون ، قال : حدثنا الحسن بن جعفر ، قال : حدثنا أبو الحسن علي بن عمر الدارقطني ، قال : حدثنا القاضي المحاملي ، قال : حدثنا محمد بن عبد الرزاق ، قال : حدثنا موسى بن هلال ، عن عبد الله بن عمر، عن نافع ، عن ابن عمر رضي الله عنهما ، أنه قال : قال النبي ( من زار قبري و جبت له شفاعتي .
(قلت : أخرجه الدارقطني فب سننه ، قال :
حَدَّثَنَا الْقَاضِى الْمَحَامِلِىُّ حَدَّثَنَا عُبَيْدُ بْنُ مُحَمَّدٍ الوَرَّاقُ حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ هِلاَلٍالْعَبْدِىُّ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ( " مَنْ زَارَ قَبْرِى وَجَبَتْ لَهُ شَفَاعَتِى.)).(1/292)
-وعن أنس بن مالك ، قال : قال رسول الله ( : من زارني في المدينة محتسباً كان في جواري ، وكنت له شفيعاً يوم القيامة .
-وفي حديث آخر : من زارني بعد موتي فكأنما زارني في حياتي .
(قلت : أخرج هذه الأحاديث المتقي الهندي في كنز العمال
1* من زار قبري وجبت له شفاعتي.
(عد، هب - عن ابن عمر).
2*من زارني بالمدينة محتسبا كنت له شهيدا أو شفيعا يوم القيامة.
(هب - عن أنس).
الإكمال من زيارة قبر النبي (
3* من حج فزار قبري بعد وفاتي كان كمن زارني في حياتي.
(طب، هق - عن ابن عمر).
وأخرج أيضا في زيارة قبر رسول الله ( :
* من زارني بعد موتي فكأنما زارني في حياتي، ومن مات بإحدى الحرمين بعث من الآمنين يوم القيامة.
(ابن قانع هب عن حاطب بن الحارث).
* من رآني في المنام فلن يدخل النار، ومن زارني بعد موتي وجبت له شفاعتي، ومن رآني فقد رآني حقا، فإن الشيطان لا يتمثل بي، ورؤيا المؤمن الصالح جزء من سبعين جزءا من النبوة، وإذا اقترب الزمان لم تكد رؤيا المؤمن تكذب وأصدقهم رؤيا أصدقهم حديثا.
(الديلمي - عن يحيى بن سعيد العطار عن سعيد بن ميسرة - وهما واهيان - عن أنس).
*من زار قبري كنت له شفيعا أو شهيدا، ومن مات في إحدى الحرمين بعثه الله من الآمنين يوم القيامة.
(ط هق عن عمر) (رواه البيهقي في السنن الكبرى كتاب الحج - باب زيارة قبر النبي صلى الله عليه وسلم وفي سنده مجهول. ص).
* من زارني متعمدا كان في جواري يوم القيامة، ومن سكن بالمدينة وصبر على بلائها كنت له شهيدا وشفيعا يوم القيامة، ومن مات في إحدى الحرمين بعثه الله من الآمنين يوم القيامة.
(هب عن رجل من آل الخطاب) (هذا الحديث أخرجه البيهقي في السنن الكبرى.كتاب الحج باب زيارة قبر النبي صلى الله عليه وسلم وقال: هذا إسناد مجهول أ ه/ص/).
وكره مالك أن يقال : زرنا قبر النبي (. …
وقد اختلف في معنى ذلك ، فقيل : كرامة الاسم ، لما ورد من قوله (: لعن الله زوارات القبور .(1/293)
وهذا يرده قوله : نهيتم عن زيارة القبور فزوروها .
وقوله : من زار قبري ، فقد أطلق اسم الزيارة .
وقيل لأن ذلك لما قيل إن الزائر أفضل من المزور .
وهذا أيضاً ليس بشيء، إذ ليس كل زائر بهذه الصفة ، وليس عموماً ، وقد ورد في حديث أهل الجنة : زيارتهم لربهم ، ولم يمنع هذا اللفظ في حقه تعالى .
( قلت : عزاه السيوطي إلى (حم هـ ك) عن حسان بن ثابت، وإلى (حم ت هـ) عن أبي هريرة.
لعن الله زوارات القبور . وقال الألباني : (صحيح) .
في سنن الترمذي:
حدثنا قتيبة حدثنا أبو عوانة عن عمر بن أبي سلمة عن أبيه عن أبي هريرة أن رسول الله ( لعن زوارات القبور ..
قال وفي الباب عن بن عباس وحسان بن ثابت قال أبو عيسى هذا حديث حسن صحيح وقد رأى بعض أهل العلم أن هذا كان قبل أن يرخص النبي ( في زيارة القبور فلما رخص دخل في رخصته الرجال والنساء وقال بعضهم إنما كره زيارة القبور للنساء لقلة صبرهن وكثرة جزعهن
وأخرج المتقب الهندي في كنز العمال :
ونهيتكم عن زيارة القبور، فمن أراد أن يزور فليزر ولا تقولوا هجرا.
(ن عن بريدة) (رواه النسائي كتاب الجنائز باب زيارة القبور عن بريدة ص).
إني استأذنت ربي في الاستغفار لأمي فلم يأذن لي فدمعت عيناي رحمة لها، واستأذنت ربي في زيارتها فأذن لي، وإني كنت نهيتكم عن زيارة القبور فزوروها ولتزدكم زيارتها خيرا.
( ك - عن بريدة) (أخرجه الحاكم في المستدرك كتاب الجنائز وقال: صحيح وأقره الذهبي.
إني سألت ربي عز وجل في الاستغفار لأمي فلم يأذن لي فدمعت عيناي رحمة لها من النار، وإني كنت نهيتكم عن ثلاث: عن زيارة القبور فزوروها لتذكركم زيارتها خيرا، ونهيتكم عن لحوم الأضاحي بعد ثلاث فكلوا وأمسكوا ما شئتم، ونهيتكم عن الأشربة في الأوعية فاشربوا في أي وعاء شئتم ولا تشربوا مسكرا.
(حم، حب، ص - عن بريدة؛ ورواه م (أخرجه مسلم كتاب الجنائز باب استئذان النبي ( رقم ت، ن: إلا قصة الاستغفار وروى ه قصة الأشربة).(1/294)
إن القبر الذي رأيتموني أناجي فيه قبر آمنة بنت وهب، وإني استأذنت ربي في زيارتها فأذن لي. واستأذنت في الاستغفار لها فلم يأذن لي، ونزل علي: {ما كان للنبي والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين} فأخذني ما يأخذ الولد للوالدة من الرقة، فذلك الذي أبكاني.
(ك - عن ابن مسعود) (أخرجه الحاكم في المستدرك كتاب الجنائز
عن عبد الرحمن بن زيد بن الخطاب عن أبيه قال: خرجنا مع رسول الله ( يوم فتح مكة نحو المقابر، فقعد رسول الله ( إلى قبر فرأيناه كأنه يناجيه، فقام رسول الله ( يمسح الدموع من عينيه، فتلقاه عمر وكان أولنا فقال: بأبي أنت وأمي! ما يبكيك؟ قال: إني استأذنت ربي في زيارة قبر أمي وكانت والدة ولها قبلي حق أن أستغفر لها فنهاني، ثم أومى إلينا أن أجلسوا، فجلسنا فقال: إني كنت نهيتكم عن زيارة القبور فمن شاء منكم أن يزور فليزر، وإني نهيتكم عن لحوم الأضاحي فوق ثلاثة أيام فكلوا وادخروا ما بدا لكم، وإني كنت نهيتكم عن ظروف وأمرتكم بظروف فانتبذوا في كل فإن الآنية لا تحل شيئا ولا تحرمه واجتنبوا كل مسكر....
قال القاضي أبو الفضل رحمه الله :-وقال أبو عمران رحمه الله : إنما كره مالك أن يقال : طواف الزيارة ، وزرنا قبر النبي ( ، لاستعمال الناس ذلك بينهم بعضهم لبعض، فكَرِه تسوية النبي ( مع الناس بهذا اللفظ ،وأحب أن يخص بأن يقال : سلمنا على النبي (
وأيضاً فإن الزيارة مباحة بين الناس ، وواجب شد الرحال إلى قبره ، يريد بالوجوب هنا ندب وترغيب وتأكيد ، لا وجوب فرض .
-والأولى عندي أن منعه وكراهة مالك له لإضافته إلى قبر النبي ( ، وأنه لو قال : زرت النبي لم يكرهه ، لقوله (: اللهم لا تجعل قبري وثناً يعبد بعدي ، اشتد غضب الله على قوم اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد .
فحمى إضافة هذا اللفظ إلى القبر ، والتشبه بفعل أولئك ، قطعاً للذريعة وحسماً للباب والله أعلم .
(قلت : رواه مالك في الموطأ ،قال :(1/295)
* عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار أن رسول الله (قال اللهم لا تجعل قبري وثنا يعبد اشتد غضب الله على قوم اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد...
(وقلت : أما القوم الذين اشتد غضب الله عليهم فهم اليهود والنصارى،كما بينته الأحاديث الصحيحة:
روى البخاري في أبواب المساجد.
1- باب: هل تنبش قبور مشركي الجاهلية، ويتخذ مكانها مساجد.
لقول النبي ( : (لعن الله اليهود، اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد).وما يكره من الصلاة في القبور.
ورأى عمر وأنس بن مالك يصلي عند قبر، فقال: القبر القبر، ولم يأمره بالإعادة.
* حدثنا محمد بن المثنى قال: حدثنا يحيى، عن هشام قال: أخبرني أبي، عن عائشة: أن أم حبيبة وأم سلمة: ذكرتا كنيسة رأينها بالحبشة، فيها تصاوير، فذكرتا للنبي ( فقال: (إن أولئك، إذا كان فيهم الرجل الصالح فمات، بنوا على قبره مسجدا، وصوروا فيه تلك الصور، فأولئك شرار الخلق عند الله يوم القيامة).
2-باب: الصلاة في البيعة
* حدثنا أبو اليمان قال: أخبرنا شعيب، عن الزهري: أخبرني عبيد الله بن عبد الله بن عتبة : أن عائشة وعبد الله بن عباس قالا: لما نزل رسول الله ( ، طفق يطرح خميصة له على وجهه، فإذا اغتم بها كشفها عن وجهه، فقال وهو كذلك: (لعنة الله على اليهود والنصارى، اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد). يحذر ما صنعوا.
وفي كتاب الجنائز- باب: ما يكره من اتخاذ المساجد على القبور.
ولما مات الحسن بن الحسن بن علي رضي الله عنهم، ضربت امرأته القبة على قبره سنة، ثم رفعت، فسمعوا صائحا يقول: ألا هل وجدوا ما فقدوا، فأجابه الآخر: بل يئسوا فانقلبوا.
* حدثنا عبيد الله بن موسى، عن شبيان، عن هلال، هو الوزان، عن عروة، عن عائشة رضي الله عنها،
عن النبي ( قال في مرضه الذي مات فيه: (لعن الله اليهود والنصارى، اتخذوا قبور أنبيائهم مسجدا). قالت: ولولا ذلك لأبرزوا قبره، غير أني أخشى أن يتخذ مسجدا.(1/296)
وفي باب: ما جاء في قبر النبي ( وأبي بكر وعمر رضي الله عنهما.
* حدثنا عبيد الله بن موسى، عن شبيان، عن هلال، هو الوزان، عن عروة، عن عائشة رضي الله عنها،
عن النبي ( قال في مرضه الذي مات فيه: (لعن الله اليهود والنصارى، اتخذوا قبور أنبيائهم مسجدا). قالت: ولولا ذلك لأبرزوا قبره، غير أني أخشى أن يتخذ مسجدا حدثنا موسى بن إسماعيل: حدثنا أبو عوانة، عن هلال، عن عروة، عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله ( في مرضه الذي لم يقم منه: (لعن الله اليهود والنصارى، اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد). لولا ذلك أبرز قبره، غير أنه خشي، أو خشيت، أن يتخذ مسجدا.
+ وروى مسلم هذه الأحاديث في كتاب المساجد ومواضع الصلاة
باب النهى عن بناء المساجد على القبور، واتخاذ الصور فيها، والنهى عن اتخاذ القبور مساجد ، وزاد :
* حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة وإسحاق بن إبراهيم (واللفظ لأبي بكر) (قال إسحاق: أخبرنا. وقال أبو بكر: حدثنا زكرياء بن عدي) عن عبيدالله بن عمرو، عن زيد بن أبي أنيسة، عن عمرو بن مرة، عن عبدالله بن الحارث النجراني؛ قال: حدثني جندب قال: سمعت النبي ( ، قبل أن يموت بخمس، وهو يقول "إني أبرأ إلى الله أن يكون لي منكم خليل. فإن الله تعالى قد اتخذني خليلا، كما اتخذ إبراهيم خليلا. ولو كنت متخذ من أمتي خليلا لاتخذت أبا بكر خليلا. ألا وإن من كان قبلكم كانوا يتخذون قبور أنبيائهم وصالحيهم مساجد. ألا فلا تتخذوا القبور مساجد. إني أنهاكم عن ذلك".
قال القاضي أبو الفضل رحمه الله -قال إسحاق بن إبراهيم الفقيه : ومما لم يزل من شأن من حج المرور بالمدينة ، والقصد إلى الصلاة في مسجد رسول الله( ، والتبرك برؤية روضته ومنبره وقبره ، ومجلسه ، وملامس يديه ، ومواطئ قدميه والعمود الذي كان يستند إليه ، وينزل جبريل بالوحي فيه عليه ، وبمن عمره وقصده من الصحابة وأئمة المسلمين ، والاعتبار بذلك كله .(1/297)
- وقال ابن أبي فديك : سمعت بعض من أدركت يقول : بلغنا أنه من وقف عند قبر النبي ( فتلا هذه الآية : (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً) (الأحزاب : 56 ) ـ قال : صلى الله عليك يا محمد ـ من يقولها سبعين مرة ناداه ملك : صلى الله عليك يا فلان ، ولم تسقط له حاجة .
-وعن يزيد بن أبي سعيد المهري : قدمت على عمر بن عبد العزيز ، فلما ودعته قال : لي إليك حاجة ، إذا أتيت المدينة سترى قبر النبي ( فأقره مني السلام .
-وقال غيره : وكان يبرد إليه البريد من الشام .
-قال بعضهم : رأيت أنس بن مالك أتى قبر النبي ( ، فوقف فرفع يديه حتى ظننت أنه افتتح الصلاة ، فسلم على النبي ( ، ثم انصرف .
-وقال مالك ـ في رواية ابن وهب : إذا سلم على النبي ( ، ودعا ، يقف ووجهه إلى القبر الشريف لا إلى القبلة ، ويدنو ، ويسلم ، ولا يمس القبر بيده .
-وقال في المبسوط : لا أرى أن يقف عند قبر النبي ( يدعو ، ولكن يسلم ويمضي .
-قال ابن أبي مليكة : من أحب أن يقوم وجاه النبي ( فليجعل القنديل الذي عند القبر على رأسه .
-وقال نافع : كان ابن عمر يسلم على القبر ، رأيته مائة مرة وأكثر يجيء إلى القبر فيقول : السلام على النبي ( ، السلام على أبي بكر ، السلام على أبي ، ثم ينصرف .
ورئي ابن عمر واضعاً يده على مقعد النبي( من المنبر ، ثم وضعها على وجهه .
وعن ابن قسيط و العتبي : كان أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم إذا خلا المسجد جسوا رمانة المنبر التي تلي القبر بميامنهم ، ثم استقبلوا القبلة يدعون .
-وفي الموطأ ـ من رواية يحيى بن يحيى الليثي ـ أنه كان يقف على قبر النبي ( فيصلي على النبي وعلى أبي بكر وعمر .
-وعن ابن القاسم والقعنبي : و يدعو لأبي بكر وعمر .
-قال مالك ـ في رواية ابن وهب : يقول المسلم : السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته .(1/298)
-قال في المبسوط : ويسلم على أبي بكر ، وعمر .
-قال القاضي أبو الوليد الباجي : وعندي أنه يدعو للنبي ( بلفظ الصلاة ، ولأبي بكر ، وعمر ، كما في حديث ابن عمر من الخلاف .
-وقال ابن حبيب : وتقول إذا دخلْتَ مسجد الرسول : بسم الله ، وسلام على رسول الله عليه السلام ، السلام علينا من ربنا ، وصلى الله وملائكته على محمد .
اللهم اغفر لي ذنوبي ، وافتح لي أبواب رحمتك وجنتك ، واحفظني من الشيطان الرجيم ، ثم اقصِدْ إلى الروضة ، وهي ما بين القبر والمنبر فاركَعْ فيها ركعتين قبل وقوفك بالقبر تحمد الله فيهما وتسأله تمام ما خرجت إليه والعونَ عليه .
وإن كانت ركعتاك في غير الروضة أجزأتاك ، وفي الروضة أفضل . -وقد قال ( : ما بين منبري وقبري روضة من رياض الجنة ، ومنبري على ترعة من ترع الجنة .
(قلت : رواه الشيخان
البخاري في أبواب التطوع - باب: فضل ما بين القبر والمنبر.
ومسلم في كتاب الحج- باب ما بين القبر والمنبر روضة من رياض الجنة
* حدثنا عبد الله بن يوسف: أخبرنا مالك، عن عبد الله بن أبي بكر، عن عباد بن تميم، عن عبد الله بن زيد المازني رضي الله عنه: أن رسول الله ( قال: (ما بين بيتي ومنبري روضة من رياض الجنة).
* حدثنا مسدد عن يحيى، عن عبيد الله قال: حدثني خبيب بن عبد الرحمن، عن حفص بن عاصم، عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي ( قال: (ما بين بيتي ومنبري روضة من رياض الجنة، ومنبري على حوضي).
( قلت : أما قوله (: " منبري هذا على ترعة من ترع الجنة " فأخرجه عبد الله بن الإمام أحمد في مسند أبيه، وأورده السيوطي في الجامع الصغير ؛ وقال الألباني : (صحيح )
حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا مكي ثنا عبد الله بن سعيد عن عبد المجيد بن سهيل بن عبد الرحمن بن عوف عن أبي سلمة عن أبي هريرة أن النبي ( قال : منبري هذا على ترعة من ترع الجنة ..(1/299)
قال القاضي أبو الفضل رحمه الله : ثم تقف متواضعاً متوقراً ، فتصلي عليه وتثني بما يحضرك ، وتسلم على أبي بكر وعمر ، وتدعو لهما .
وأكثر من الصلاة في مسجد النبي ( بالليل والنهار،ولا تدع أن تأتي مسجد قباء وقبورالشهداء.
-وقال مالك في كتاب محمد : و يسلم على النبي ( إذا دخل وخرج ـ يعني في المدينة ـ وفيما بين ذلك .
-وقال محمد : وإذا خرج جعل آخر عهده الوقوف بالقبر ، وكذلك من خرج مسافراً .
-وروى ابن وهب عن فاطمة بنت النبي ( أن النبي ( قال : إذا دخلت المسجد فصل على النبي ( ، وقل : اللهم اغفر لي ذنوبي ، وافتح لي أبواب رحمتك . وإذا خرجت فصل على النبي ( ، وقل : اللهم اغفر لي ذنوبي ، وافتح لي أبواب فضلك .
-وفي رواية أخرى : فليسلم مكان : فليصل فيه ، ويقول إذا خرج : اللهم إني أسألك من فضلك .
-وفي أخرى : اللهم احفظني من الشيطان الرجيم .
-وعن محمد بن سيرين : كان الناس يقولون إذا دخلوا المسجد : صلى اللهُ وملائكتُه على محمد . السلام عليك أيها النبي ورحمة الله ، باسم الله دخلنا ، وباسم الله خرجنا ، وعلى الله توكلنا .
وكانوا يقولون إذا خرجوا مثل ذلك .
-وعن فاطمة أيضاً : كان النبي ( إذا دخل المسجد قال : صلى الله على محمد وسلم .
ثم ذكر مثل حديث فاطمة قبل هذا .
-وفي رواية : حمد الله وسمى ، و صلى على النبي ( ، وذكر مثله .
-وفي رواية : باسم الله ،و السلام على رسول الله .
-وعن غيرها : كان رسول الله ( إذا دخل المسجد قال : اللهم افتح لي أبواب رحمتك ، ويسر لي أبواب رزقك .
-وعن أبي هريرة : إذا دخل أحدكم المسجد فليصل على النبي ( ، وليقل : اللهم افتح لي .
وقفة مع أصحاب السنن وما جاء في دخول المسجد والخروج منه
أبو داود(1/300)
* حدثنا محمد بن عثمان الدمشقي ثنا عبد العزيز يعني الدراوردي عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن عن عبد الملك بن سعيد بن سويد قال سمعت أبا حميد أو أبا أسيد الأنصاري يقول قال رسول الله (: إذا دخل أحدكم المسجد فليسلم على النبي ( ثم ليقل: اللهم افتح لي أبواب رحمتك فإذا خرج فليقل اللهم إني أسألك من فضلك ... قال الشيخ الألباني : صحيح
ابن ماجه
* حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة ثنا إسماعيل بن إبراهيم وأبو معاوية عن ليث عن عبد الله بن الحسن عن أمه عن فاطمة بنت رسول الله ( قالت كان رسول الله ( إذا دخل المسجد يقول: بسم الله والسلام على رسول الله اللهم اغفر لي ذنوبي وافتح لي أبواب رحمتك وإذا خرج قال : بسم الله والسلام على رسول الله اللهم اغفر لي ذنوبي وافتح لي أبواب فضلك ...قال الشيخ الألباني : صحيح
* حدثنا عمرو بن عثمان بن سعيد بن كثير بن دينار الحمصي وعبد الوهاب بن الضحاك قالا ثنا إسماعيل بن عياش عن عمارة بن غزية عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن عن عبد الملك بن سعيد بن سويد الأنصاري عن أبي حميد الساعدي قال قال رسول الله ( :إذا دخل أحدكم المسجد فليسلم على النبي ( ثم ليقل اللهم أفتح لي أبواب رحمتك وإذا خرج فليقل اللهم إني أسألك من فضلك ... قال الشيخ الألباني : صحيح
* حدثنا محمد بن بشار ثنا أبو بكر الحنفي ثنا الضحاك بن عثمان ثنى سعيد المقبري عن أبي هريرة أن رسول الله ( قال: إذا دخل أحدكم المسجد فليسلم على النبي ( وليقل اللهم افتح لي أبواب رحمتك وإذا خرج فليسلم على النبي وليقل اللهم اعصمني من الشيطان الرجيم ... قال الشيخ الألباني : صحيح
النسائي(1/301)
* أخبرنا سليمان بن عبيد الله الغيلاني بصري قال حدثنا أبو عامر قال حدثنا سليمان عن ربيعة عن عبد الملك بن سعيد قال سمعت أبا حميد وأبا أسيد يقولان قال رسول الله ( إذا دخل أحدكم المسجد فليقل اللهم افتح لي أبواب رحمتك وإذا خرج فليقل اللهم إني أسألك من فضلك ... قال الشيخ الألباني : صحيح
الترمذي
* حدثنا علي بن حجر حدثنا إسماعيل بن إبراهيم عن ليث عن عبد الله بن الحسن عن أمه فاطمة بنت الحسين عن جدتها فاطمة الكبرى قالت كان رسول الله ( إذا دخل المسجد صلى على محمد وسلم وقال: رب اغفر لي ذنوبي وافتح لي أبواب رحمتك وإذا خرج صلى على محمد وسلم وقال: رب اغفر لي ذنوبي وافتح لي أبواب فضلك... قال الشيخ الألباني : صحيح
وأخرج ابن حجر في المطالب العالية - باب القول عند دخول المسجد والخروج منه
* قال ابن أبي عمر : حدَّثنا المقرئ : ثنا حَيْوة بن شريح : أخبرني أبو صخر ، عن يزيد بن قسيط ، عن أبي الدرداء رضي الله عنه أنه كان يقول : إني لأقول إذا دخلت المسجد السلام عليك يا رسول الله .
موقوف ورجاله رجال الصحيح لكنه منقطع
* وَقَالَ : حَدَّثَنَا وَكِيعٌ ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَعِيدِ بْنِ أَبِي هِنْدٍ ، عَنْ غَيْرِ وَاحِدٍ ، أن النَّبِيَّ ( كَانَ إِذَا خَرَجَ مِنَ الْمَسْجِدِ ، قَالَ : اللَّهُمَّ احْفَظْنِي مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ
* وقال الحارث : حدَّثنا عبد العزيز بن أبَان ، ثنا هشام - هو الدَّسْتَوائي - ، عن يحيى - هو ابن أبي كثير - ، عن عبد الله بن سلام رضي الله عنه أنه كان إذا دخل المسجد يُسلّم على النبي ( ثم قال : اللهم افتح لي أبواب رحمتك . وإذا خرج يصلي على النبي ( ، ويتعوذ من الشيطان .
موقوف ، وفيه انقطاع .(1/302)
* وَقَالَ أَبُو يَعْلَى : حَدَّثَنَا سُوَيْدُ بْنُ سَعِيدٍ ، حَدَّثَنَا صَالِحُ بْنُ مُوسَى بْنِ إِسْحَاقَ بْنِ طَلْحَةَ ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحُسَيْنِ ، عَنْ أُمِّهِ ، فَاطِمَةَ بِنْتِ الْحُسَيْنِ ، عَنْ أَبِيهَا ، عَنْ عَلِيٍّ ، أَنّ النَّبِيَّ ( كَانَ إِذَا دَخَلَ الْمَسْجِدَ ، قَالَ : اللَّهُمَّ افْتَحْ لِي أَبْوَابَ رَحْمَتِكَ ، وَإِذَا خَرَجَ ، قَالَ : اللَّهُمَّ افْتَحْ لِي أَبْوَابَ فَضْلِكَ
خَالَفَهُ لَيْثُ بْنُ أَبِي سُلَيْمٍ وَآخَرُونَ ، فَقَالَ : عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحُسَيْنِ ، عَنْ أُمِّهِ ، فَاطِمَةَ ، عَنْ جَدَّتِهَا ، فَاطِمَةَ بِنْتِ رَسُولِ اللَّهِ ( ...
قال القاضي أبو الفضل رحمه الله -وقال مالك في المسبوط :وليس يلزم من دخل المسجد وخرج منه من أهل المدينة الوقوف بالقبر ، وإنما ذلك للغرباء .
-وقال فيه أيضاً : لا بأس لمن قدم من سفر أن يقف على قبر النبي ( ، فيصلي عليه ويدعو له ولأبي بكر وعمر . -فقيل له : فإن ناساً من أهل المدينة لا يقدمون من سفر ولا يريدونه ، يفعلون ذلك في اليوم مرة أو أكثر ، ربما وقفوا في الجمعة أو في الأيام المرة أو الأيام المرة والمرتين أو أكثر عند القبر فيسلمون ويدعون ساعة ! .
فقال : لم يبلغني هذا على أحد من أهل الفقه ببلدنا ، وتركه واسع ، ولا يصلح آخر هذه الأمة إلا ما أصلح أولها ، ولم يبلغني عن أول هذه الأمة وصدرها أنهم كانوا يفعلون ذلك ، ويكره إلا لمن جاء من سفر أو أراده
-قال ابن القاسم : ورأيت أهل المدينة إذا خرجوا منها أو دخلوها أتوا القبر فسلموا ، قال : وذلك رأيي .
-قال الباجي : ففرق بين أهل المدينة والغرباء ، لأن الغرباء قصدوا لذلك ، وأهل المدينة مقيمون بها لم يقصدوها من أجل القبر والتسليم .
-وقال ( : اللهم لا تجعل قبري و ثنا يعبد ، اشتد غضب الله على قوم اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد .(1/303)
(قلت : مر هذا الحديث منذ قليل ؛ رواه مالك في الموطأ ،قال :
* عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار أن رسول الله (قال اللهم لا تجعل قبري وثنا يعبد اشتد غضب الله على قوم اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد...
-وقال : لا تجعلوا قبري عيداً .
( قلت : رواه أبو داود حدثنا أحمد بن صالح قرأت على عبد الله بن نافع أخبرني بن أبي ذئب عن سعيد المقبري عن أبي هريرة قال قال رسول الله ( لا تجعلوا بيوتكم قبورا ولا تجعلوا قبري عيدا وصلوا على فإن صلاتكم تبلغني حيث كنتم قال الشيخ الألباني :
-ومن كتاب أحمد بن سعيد الهندي ـ فيمن وقف بالقبرـ : لا يلصق به ، ولا يمسه ، ولا يقف عنده طويلاً .-وفي العتبية : يبدأ بالركوع قبل السلام في مسجد النبي ( ، وأحب مواضع التنقل فيه مصلى النبي( حيث العمود المخلق . وأما في الفريضة فالتقدم إلى الصفوف والتنقل فيه للغرباء أحب إلي من التنقل في البيوت ....
الفصل العاشر
آداب دخول المسجد النبوي وفضله
فيما يلزم من دخل مسجد النبي ( من الأدب سوى ما قدمناه وفضله وفضل الصلاة فيه وفي مسجد مكة وذكر قبره ومنبره وفضل سكنى المدينة ومكة . قال تعالى:( لَّمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَن تَقُومَ فِيهِ فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَن يَتَطَهَّرُواْ وَاللّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ) (التوبة : 108 )
روي أن النبي ( سئل أي مسجد هو ؟ قال: مسجدي هذا. وهو قول ابن المسيب ،وابن عمر، ومالك بن أنس غيرهم.
وقفة مع ابن كثير في تفسير قوله تعالى :(1/304)
َ(والّذِينَ اتّخَذُواْ مَسْجِداً ضِرَاراً وَكُفْراً وَتَفْرِيقاً بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ وَإِرْصَاداً لّمَنْ حَارَبَ اللّهَ وَرَسُولَهُ مِن قَبْلُ وَلَيَحْلِفَنّ إِنْ أَرَدْنَا إِلاّ الْحُسْنَىَ وَاللّهُ يَشْهَدُ إِنّهُمْ لَكَاذِبُونَ * لاَ تَقُمْ فِيهِ أَبَداً لّمَسْجِدٌ أُسّسَ عَلَى التّقْوَىَ مِنْ أَوّلِ يَوْمٍ أَحَقّ أَن تَقُومَ فِيهِ فِيهِ رِجَالٌ يُحِبّونَ أَن يَتَطَهّرُواْ وَاللّهُ يُحِبّ الْمُطّهّرِينَ( التوبة108(1/305)
سبب نزول هذه الاَيات الكريمات, أنه كان بالمدينة قبل مقدم رسول الله ( إليها رجل من الخزرج يقال له أبو عامر الراهب, وكان قد تنصر في الجاهلية وقرأ علم أهل الكتاب, وكان فيه عبادة في الجاهلية وله شرف في الخزرج كبير, فلما قدم رسول الله ( مهاجراً إلى المدينة واجتمع المسلمون عليه وصارت للإسلام كلمة عالية وأظهرهم الله يوم بدر, شرق اللعين أبو عامر بريقه وبارز بالعداوة وظاهر بها, وخرج فاراً إلى كفار مكة من مشركي قريش, يمالئهم على حرب رسول الله ( فاجتمعوا بمن وافقهم من أحياء العرب وقدموا عام أحد, فكان من أمر المسلمين ما كان وامتحنهم الله عز وجل, وكانت العاقبة للمتقين, وكان هذا الفاسق قد حفر حفائر فيما بين الصفين, فوقع في إحداهن رسول الله ( وأصيب ذلك اليوم فجرح وجهه وكسرت رباعيته اليمنى السفلى وشج رأسه صلوات الله وسلامه عليه, وتقدم أبو عامر في أول المبارزة إلى قومه من الأنصار فخاطبهم واستمالهم إلى نصره وموافقته , فلما عرفوا كلامه قالوا: لا أنعم الله بك عيناً يا فاسق يا عدو الله, ونالوا منه وسبوه فرجع وهو يقول: والله لقد أصاب قومي بعدي شر, وكان رسول الله ( قد دعاه إلى الله قبل فراره وقرأ عليه من القرآن, فأبى أن يسلم وتمرد, فدعا عليه رسول الله ( أن يموت بعيداً طريداً فنالته هذه الدعوة, وذلك أنه لما فرغ الناس من أحد, ورأى أمر الرسول ( في ارتفاع وظهور, ذهب إلى هرقل ملك الروم يستنصره على النبي ( فوعده ومناه وأقام عنده, وكتب إلى جماعة من قومه من الأنصار من أهل النفاق والريب يعدهم ويمنيهم أنه سيقدم بجيش يقاتل به رسول الله ( ويغلبه ويرده عما هو فيه, وأمرهم أن يتخذوا له معقلاً يقدم عليهم فيه من يقدم من عنده لأداء كتبه ويكون مرصداً له إذا قدم عليهم بعد ذلك, فشرعوا في بناء مسجد مجاور لمسجد قباء فبنوه وأحكموه وفرغوا منه قبل خروج رسول الله ( إلى تبوك, وجاءوا فسألوا رسول الله ( أن يأتي إليهم فيصلي(1/306)
في مسجدهم ليحتجوا بصلاته فيه على تقريره وإثباته, وذكروا أنهم إنما بنوه للضعفاء منهم وأهل العلة في الليلة الشاتية, فعصمه الله من الصلاة فيه فقال: "إنا على سفر ولكن إذا رجعنا إن شاء الله" فلما قفل ( راجعاً إلى المدينة من تبوك ولم يبق بينه وبينها إلا يوم أو بعض يوم, نزل عليه جبريل بخبر مسجد الضرار وما اعتمده بانوه من الكفر والتفريق بين جماعة المؤمنين في مسجدهم مسجد قباء الذي أسس من أول يوم على التقوى. فبعث رسول الله ( إلى ذلك المسجد من هدمه قبل مقدمه المدينة, كما قال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس في الاَية, هم أناس من الأنصار بنوا مسجداً فقال لهم أبو عامر: ابنوا مسجداً واستعدوا بما استطعتم من قوة ومن سلاح فإني ذاهب إلى قيصر ملك الروم فآتي بجنود من الروم وأخرج محمداً وأصحابه, فلما فرغوا من مسجدهم أتوا النبي ( فقالوا له: قد فرغنا من بناء مسجدنا فنحب أن تصلي فيه وتدعو لنا بالبركة, فأنزل الله عز وجل (َالَّذِينَ اتَّخَذُواْ مَسْجِداً ضِرَاراً وَكُفْراً وَتَفْرِيقاً بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ وَإِرْصَاداً لِّمَنْ حَارَبَ اللّهَ وَرَسُولَهُ مِن قَبْلُ وَلَيَحْلِفَنَّ إِنْ أَرَدْنَا إِلاَّ الْحُسْنَى وَاللّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ * لاَ تَقُمْ فِيهِ أَبَداً لَّمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَن تَقُومَ فِيهِ فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَن يَتَطَهَّرُواْ وَاللّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ* أَفَمَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى تَقْوَى مِنَ اللّهِ وَرِضْوَانٍ خَيْرٌ أَم مَّنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَىَ شَفَا جُرُفٍ هَارٍ فَانْهَارَ بِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ وَاللّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ ( وكذا روي عن سعيد بن جبير ومجاهد وعروة بن الزبير وقتادة وغير واحد من العلماء, وقال محمد بن إسحاق بن يسار, عن الزهري ويزيد بن رومان وعبد الله بن أبي بكر وعاصم(1/307)
بن عمر بن قتادة وغيرهم, قالوا: أقبل رسول الله( يعني من تبوك حتى نزل بذي أوان بلد بينه وبين المدينة ساعة من نهار, وكان أصحاب مسجد الضرار قد كانوا أتوه وهو يتجهز إلى تبوك فقالوا: يا رسول الله إنا قد بنينا مسجداً لذي العلة والحاجة والليلة المطيرة والليلة الشاتية, وإنا نحب أن تأتينا فتصلي لنا فيه, فقال: "إني على جناح سفر وحال شغل" أو كما قال رسول الله ( "ولو قد قدمنا إن شاء الله تعالى أتيناكم فصلينا لكم فيه" فلما نزل بذي أوان أتاه خبر المسجد فدعا رسول الله ( مالك بن الدخشم أخا بني سالم بن عوف, ومعن بن عدي أو أخاه عامر بن عدي أخا بلعجلان فقال: "انطلقا إلى هذا المسجد الظالم أهله فاهدماه وحرقاه" فخرجا سريعين حتى أتيا بني سالم بن عوف, وهم رهط مالك بن الدخشم. فقال مالك لمعن: أنظرني حتى أخرج إليك بنار من أهلي, فدخل أهله فأخذ سعفاً من النخل فأشعل فيه ناراً ثم خرجا يشتدان حتى دخلا المسجد وفيه أهله, فحرقاه وهدماه وتفرقوا عنه, ونزل فيهم من القرآن ما نزل {والذين اتخذوا مسجداً ضراراً وكفراً} إلى آخر القصة. وكان الذين بنوه اثني عشر رجلاً: خذام بن خالد من بني عبيد بن زيد أحد بني عمرو بن عوف, ومن داره أخرج مسجد الشقاق, وثعلبة بن حاطب من بني عبيد وموالي بني أمية بن زيد, ومعتب بن قشير من بني ضبيعة بن زيد, وأبو حبيبة بن الأزعر من بني ضبيعة بن زيد, وعباد بن حنيف أخو سهل بن حنيف من بني عمرو بن عوف, وحارثة بن عامر وابناه مجمع بن حارثة وزيد بن حارثة ونبتل الحارث وهم من بني ضبيعة ومخرج, وهم من بني ضبيعة, وبجاد بن عثمان وهو من بني ضبيعة, ووديعة بن ثابت, وموالي بني أمية رهط أبي لبابة بن عبد المنذر. وقوله {وليحلفن} أي الذين بنوه {إن أردنا إلا الحسنى} أي ما أردنا ببنيانه إلا خيراً ورفقاً بالناس, قال الله تعالى: {والله يشهد إنهم لكاذبون} أي فيما قصدوا وفيما نووا, وإنما بنوه ضراراً لمسجد قباء وكفراً بالله(1/308)
وتفريقاً بين المؤمنين وإرصاداً لمن حارب الله ورسوله من قبل, وهو أبو عامر الفاسق الذي يقال له الراهب لعنه الله, وقوله {لا تقم فيه أبداً} نهي له ( والأمة تبع له في ذلك عن أن يقوم فيه أي يصلي فيه أبداً. ثم حثه على الصلاة بمسجد قباء الذي أسس من أول يوم بنيانه على التقوى, وهي طاعة الله وطاعة رسوله وجمعاً لكلمة المؤمنين ومعقلاً وموئلاً للإسلام وأهله, ولهذا قال تعالى: {لمسجد أسس على التقوى من أول يوم أحق أن تقوم فيه} والسياق إنما هو في معرض مسجد قباء, ولهذا جاء في الحديث الصحيح أن رسول الله ( قال: "صلاة في مسجد قباء كعمرة", وفي الصحيح أن رسول الله ( كان يزور مسجد قباء راكباً وماشياً, وفي الحديث أن رسول الله ( لما بناه وأسسه أول قدومه ونزوله على بني عمرو بن عوف كان جبريل هو الذي عين له جهة القبلة, فالله أعلم.
وقال أبو داود: حدثنا محمد بن العلاء, حدثنا معاوية بن هشام عن يونس بن الحارث عن إبراهيم بن أبي ميمونة عن أبي صالح عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي ( قال: "نزلت هذه الاَية في أهل قباء {فيه رجال يحبون أن يتطهروا} ـ قال ـ كانوا يستنجون بالماء فنزلت فيهم هذه الاَية". ورواه الترمذي وابن ماجه من حديث يونس بن الحارث وهو ضعيف, وقال الترمذي غريب من هذا الوجه,
وقال الطبراني: حدثنا الحسن بن علي المعمري, حدثنا محمد بن حميد الرازي, حدثنا سلمة بن الفضل عن محمد بن إسحاق عن الأعمش عن مجاهد عن ابن عباس قال: لما نزلت هذه الاَية {فيه رجال يحبون أن يتطهروا} بعث رسول الله ( إلى عويم بن ساعدة فقال: "ما هذا الطهور الذي أثنى الله عليكم ؟" فقال: يا رسول الله ما خرج منا رجل ولا امرأة من الغائط إلا وغسل فرجه أو قال مقعدته, فقال النبي ( "هو هذا".(1/309)
وقال الإمام أحمد: حدثنا حسين بن محمد, حدثنا أبو أويس, حدثنا شرحبيل عن عويم بن ساعدة الأنصاري, أنه حدثه أن النبي ( أتاهم في مسجد قباء فقال: "إن الله تعالى قد أحسن عليكم الثناء في الطهور في قصة مسجدكم, فما هذا الطهور الذي تطهرون به ؟" فقالوا: والله يا رسول الله ما نعلم شيئاً, إلا أنه كان لنا جيران من اليهود فكانوا يغسلون أدبارهم من الغائط فغسلنا كما غسلوا, ورواه ابن خزيمة في صحيحه, وقال هشيم عن عبد الحميد المدني عن إبراهيم بن إسماعيل الأنصاري: أن رسول الله ( قال لعويم بن ساعدة: "ما هذا الذي أثنى الله عليكم {فيه رجال يحبون أن يتطهروا "} الاَية, قالوا: يا رسول الله إنا نغسل الأدبار بالماء,
وقال ابن جرير: حدثني محمد بن عمارة الأسدي, حدثنا محمد بن سعد عن إبراهيم بن محمد عن شرحبيل بن سعد قال: سمعت خزيمة بن ثابت يقول: نزلت هذه الاَية {فيه رجال يحبون أن يتطهروا والله يحب المطهرين} قال كانوا يغسلون أدبارهم من الغائط.
(حديث آخر) قال الإمام أحمد بن حنبل: حدثنا يحيى بن آدم, حدثنا مالك يعني ابن مغول, سمعت سياراً أبا الحكم عن شهر بن حوشب عن محمد بن عبد الله بن سلام قال: لما قدم رسول الله ( يعني قباء, فقال "إن الله عز وجل قد أثنى عليكم في الطهور خيراً أفلا تخبروني ؟" يعني قوله {فيه رجال يحبون أن يتطهروا} فقالوا يا رسول الله إنا نجده مكتوباً علينا في التوراة الاستنجاء بالماء.
وقد صرح بأنه مسجد قباء جماعة من السلف, رواه علي بن أبي طلحة عن ابن عباس, ورواه عبد الرزاق عن معمر الزهري عن عروة بن الزبير, وقال عطية العوفي وعبد الرحمن بن زيد بن أسلم والشعبي والحسن البصري ونقله البغوي عن سعيد بن جبير وقتادة,(1/310)
وقد ورد في الحديث الصحيح أن مسجد رسول الله ( الذي في جوف المدينة هو المسجد الذي أسس على التقوى, وهذا صحيح. ولا منافاة بين الاَية وبين هذا, لأنه إذا كان مسجد قباء قد أسس على التقوى من أول يوم, فمسجد رسول الله ( بطريق الأولى والأحرى, ولهذا قال الإمام أحمد بن حنبل في مسنده: حدثنا أبو نعيم, حدثنا عبد الله بن عامر الأسلمي عن عمران بن أبي أنس, عن سهل بن سعد عن أبي بن كعب أن النبي ( قال: "المسجد الذي أسس على التقوى مسجدي هذا" تفرد به أحمد.
(حديث آخر) قال الإمام أحمد: حدثنا وكيع, حدثنا ربيعة بن عثمان التيمي عن عمران بن أبي أنس عن سهل بن سعد الساعدي قال: اختلف رجلان على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم في المسجد الذي أسس على التقوى فقال أحدهما هو مسجد رسول الله (, وقال الاَخر هو مسجد قباء, فأتيا النبي صلى الله عليه وسلم فسألاه فقال: "هو مسجدي هذا" تفرد به أحمد أيضاً.
(حديث آخر) قال الإمام أحمد: حدثنا موسى بن داود, حدثنا ليث عن عمران بن أبي أنس عن سعيد بن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: تمارى رجلان في المسجد الذي أسس على التقوى من أول يوم, فقال أحدهما هو مسجد قباء, وقال الاَخر هو مسجد رسول الله ( فقال رسول الله ( "هو مسجدي هذا" تفرد به أحمد.
(طريق أخرى) قال الإمام أحمد: حدثنا إسحاق بن عيسى, حدثنا ليث حدثني عمران بن أبي أنس عن ابن أبي سعيد عن أبيه أنه قال: تمارى رجلان في المسجد الذي أسس على التقوى من أول يوم, فقال رجل هو مسجد قباء, وقال الاَخر هو مسجد رسول الله ( فقال رسول الله ( "هو مسجدي" وكذا رواه الترمذي والنسائي عن قتيبة عن الليث وصححه الترمذي ورواه مسلم كما سيأتي.(1/311)
(طريق أخرى) قال الإمام أحمد: حدثنا يحيى عن أنيس بن أبي يحيى, حدثني أبي قال: سمعت أبا سعيد الخدري قال: اختلف رجلان رجل من بني خدرة ورجل من بني عمرو بن عوف, في المسجد الذي أسس على التقوى, فقال الخدري هو مسجد رسول الله (, وقال العمري هو مسجد قباء, فأتيا رسول الله ( فسألاه عن ذلك فقال: "هو هذا المسجد" لمسجد رسول الله ( , وقال في ذلك يعني مسجد قباء.
(طريق أخرى) قال الإمام أحمد: قال أبو جعفر بن جرير: حدثنا ابن بشار, حدثنا يحيى بن سعيد, حدثنا حميد الخراط المدني سألت أبا سلمة بن عبد الرحمن بن أبي سعيد فقلت كيف سمعت أباك يقول في المسجد الذي أسس على التقوى ؟ فقال إني أتيت رسول الله ( فدخلت عليه في بيت لبعض نسائه فقلت: يا رسول الله أين المسجد الذي أسس على التقوى ؟ قال: فأخذ كفاً من حصباء فضرب به الأرض ثم قال: "هو مسجدكم هذا" ثم قال سمعت أباك يذكره, رواه مسلم منفرداً به عن محمد بن حاتم عن يحيى بن سعيد به, ورواه عن أبي بكر بن أبي شيبة وغيره عن حاتم بن إسماعيل عن حميد الخراط به, وقد قال بأنه مسجد النبي (جماعة من السلف والخلف, وهو مروي عن عمر بن الخطاب وابنه عبد الله وزيد بن ثابت وسعيد بن المسيب, واختاره ابن جرير, وقوله: {لمسجد أسس على التقوى من أول يوم أحق أن تقوم فيه فيه رجال يحبون أن يتطهروا والله يحب المطهرين} دليل على استحباب الصلاة في المساجد القديمة المؤسسة من أول بنائها على عبادة الله وحده لا شريك له, وعلى استحباب الصلاة مع الجماعة الصالحين والعباد العاملين المحافظين على إسباغ الوضوء والتنزه عن ملابسة القاذورات.(1/312)
وقد قال الإمام أحمد: حدثنا محمد بن جعفر عن شعبة عن عبد الملك بن عمير, سمعت شبيباً أبا روح يحدث عن رجل من أصحاب رسول الله ( أن رسول الله ( صلى بهم الصبح فقرأ الروم فيها فأوهم فلما انصرف قال: "إنه يلبس علينا القرآن إن أقواماً منكم يصلون معنا لا يحسنون الوضوء, فمن شهد الصلاة معنا فليحسن الوضوء" ثم رواه من طريقين آخرين عن عبد الملك بن عمير عن شبيب أبي روح من ذي الكلاع, أنه صلى مع النبي ( فذكره, فدل هذا على أن إكمال الطهارة يسهل القيام في العبادة ويعين على إتمامها وإكمالها والقيام بمشروعاتها. وقال أبو العالية في قوله تعالى: {والله يحب المطهرين} إن الطهور بالماء لحسن ولكنهم المطهرون من الذنوب. وقال الأعمش التوبة من الذنوب والتطهر من الشرك, وقد ورد في الحديث المروي من طرق في السنن وغيرها أن رسول الله ( قال لأهل قباء: "قد أثنى الله عليكم في الطهور فماذا تصنعون ؟" فقالوا نستنجي بالماء, وقد قال الحافظ أبو بكر البزار: حدثنا عبد الله بن شبيب, حدثنا أحمد بن عبد العزيز قال: وجدته في كتاب أبي عن الزهري عن عبيد الله بن عبد الله عن ابن عباس قال نزلت هذه الاَية في أهل قباء {فيه رجال يحبون أن يتطهروا والله يحب المطهرين} فسألهم رسول الله ( , فقالوا إنا نتبع الحجارة بالماء رواه البزار, ثم قال: تفرد به محمد بن عبد العزيز عن الزهري ولم يرو عنه سوى ابنه, {قلت} وإنما ذكرته بهذا اللفظ لأنه مشهور بين الفقهاء ولم يعرفه كثير من المحدثين المتأخرين أو كلهم... والله أعلم.(1/313)
قال القاضي أبو الفضل رحمه الله : وعن ابن عباس لأنه مسجد قباء = حدثنا هشام بن أحمد الفقيه بقراءني عليه قال: حدثنا الحسين بن محمد الحافظ ،حدثنا أبو عمر النمري ،حدثنا أبو محمد بن عبد المؤمن ،حدجثنا أبو بكر بن داسة ،حدثنا أبو داود ،حدثنا سفيان عن الزهري عن سعسد بن المسيب عن أبي هريرة رضس الله عنه عن النبي ( قال : لا تُشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد : المسجد الحرام ومسجدي هذا والمسجد الأقصى .
( قلت :رواه الشيخان وأصحاب السنن ؛ ...
وهذا لفظ البخاري في أبواب التطوع باب: فضل الصلاة في مسجد مكة والمدينة.
* حدثنا حفص بن عمر: حدثنا شعبة قال: أخبرني عبد الملك، عن قزعة قال: سمعت أبا سعيد رضي الله عنه أربعا قال: سمعت من النبي ( ، وكان غزا مع النبي ( ثنتي عشرة غزوة، (ح).
حدثنا علي: حدثنا سفيان، عن الزهري، عن سعيد، عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي (قال: (لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد: المسجد الحرام، ومسجد الرسول (، ومسجد الأقصى).
وقد تقدمت الآثار في الصلاة والسلام على النبي ( عند دخول المسجد ...وعن عبد الله بن عمرو بن العاص أن النبي ( كان إذا دخل المسجد قال: أعوذ بالله العظيم وبوجهه الكريم وسلطانه القديم من الشيطان الرجيم..
( قلت : رواه أبو داود
*حدثنا إسماعيل بن بشر بن منصور ثنا عبد الرحمن بن مهدي عن عبد الله بن المبارك عن حيوة بن شريح قال لقيت عقبة بن مسلم فقلت له بلغني أنك حدثت عن عبد الله بن عمرو بن العاص عن النبي ( أنه كان إذا دخل المسجد قال : أعوذ بالله العظيم وبوجهه الكريم وسلطانه القديم من الشيطان الرجيم قال أقط ؟ قلت نعم قال فإذا قال ذلك قال الشيطان حفظ مني سائر اليوم... قال الشيخ الألباني : صحيح
وقال مالك رحمه الله سمع عمر بن الخطاب صوتاً في المسجد فدعا بصاحبه فقال : ممن أنت ؟ قال : رجل من ثقيف ، قال : لو كنت من هاتين القريتين لأدبتك . إن مسجدنا لا يرفع فيه الصوت .(1/314)
وقال محمد بن مسلمة : لا ينبغي لأحد أن يعتمد المسجد برفع الصوت ولا بشيء من الأذى وأن يُنزَّه عما يُكرَه .قال القاضي حكى ذلك كله القاضي إسماعيل في مبسوطه في باب فضل مسجد النبي ( والعلماء كلهم متفقون أن حكم سائر المساجد هذا الحكم.قال القاضي إسماعيل وقال محمد بن مسلمة : ويُكره في مسجد الرسول( الجهر على المصلين فيما يخلط عليهم صلاتهم وليس مما يخص به المساجد رفع الصوت وقدكره رفع الصوت بالتلبية في مساجد الجماعات إلا المسجد الحرام ومسجدنا .
وقال أبو هريرة رضي الله عنه ،عن النبي ( : صلاة في مسجدي هذا خير من ألف صلاة فيما سواه إلا المسجد الحرام .
( قلت : رواه الشيخان ،ففي صحيح مسلم : كتاب الحج باب فضل الصلاة بمسجدي مكة والمدينة
* حدثني عمرو الناقد وزهير بن حرب (واللفظ لعمرو) قالا: حدثنا سفيان بن عيينة عن الزهري، عن سعيد بن المسيب، عن أبي هريرة، يبلغ به النبي ( قال: "صلاة في مسجدي هذا. أفضل من ألف صلاة فيما سواه، إلا المسجد الحرام".
* حدثني محمد بن رافع وعبد بن حميد (قال عبد: أخبرنا. وقال ابن رافع: حدثنا عبدالرزاق). أخبرنا معمر عن الزهري، عن سعيد بن المسيب، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله ( "صلاة في مسجدي هذا، خير من ألف صلاة في غيره من المساجد، إلا المسجد الحرام".
* حدثني إسحاق بن منصور. حدثنا عيسى بن المنذر الحمصي. حدثنا محمد بن حرب. حدثنا الزبيدي عن الزهري، عن أبي سلمة بن عبدالرحمن، وأبي عبدالله الأغر مولى الجهنيين (وكان من أصحاب أبي هريرة) أنهما سمعا أبا هريرة يقول: صلاة في مسجد رسول الله ( أفضل من ألف صلاة فيما سواه من المساجد، إلا المسجد الحرام. فإن رسول الله ( آخر الأنبياء. وإن مسجده آخر المساجد.(1/315)
قال أبو سلمة وأبو عبدالله: لم نشك أن أبا هريرة كان يقول عن حديث رسول الله( فمنعنا ذلك أن نستثبت أبا هريرة عن ذلك الحديث. حتى إذا توفي أبو هريرة، تذاكرنا ذلك. وتلاومنا أن لا نكون كلمنا أبا هريرة في ذلك حتى يسنده إلى رسول الله ( . إن كان سمعه منه، فبينا نحن على ذلك، جالسنا عبدالله بن إبراهيم بن قارظ. فذكرنا ذلك الحديث. والذي فرّطنا فيه من نص أبي هريرة عنه. فقال لنا عبدالله بن إبراهيم: أشهد أني سمعت أبا هريرة يقول: قال رسول الله ( "فإني آخر الأنبياء، وإن مسجدي آخر المساجد".
* حدثنا محمد بن المثنى وابن أبي عمر. جميعا عن الثقفي. قال ابن المثنى: حدثنا عبدالوهاب قال:سمعت يحيى بن سعيد يقول: سألت أبا صالح: هل سمعت أبا هريرة يذكر فضل الصلاة في مسجد رسول الله ( ؟ فقال: لا. ولكن أخبرني عبدالله بن إبراهيم بن قارظ ؛ أنه سمع أبا هريرة يحدث ؛ أن رسول الله (قال: صلاة في مسجدي هذا خير من ألف صلاة ( أو كألف صلاة ) فيما سواه من المساجد، إلا أن يكون المسجد الحرام".
* وحدثني زهير بن حرب ومحمد بن المثنى. قالا: حدثنا يحيى (وهو القطان) عن عبيدالله. قال: أخبرني نافع عن ابن عمر، عن النبي ( قال "صلاة في مسجدي هذا، أفضل من ألف صلاة فيما سواه إلا المسجد الحرام".
* وحدثنا قتيبة بن سعيد ومحمد بن رمح. جميعا عن الليث بن سعد. قال قتيبة: حدثنا ليث عن نافع، عن إبراهيم ابن عبدالله بن معبد، عن ابن عباس ؛ أنه قال: إن امرأة اشتكت شكوى. فقالت: إن شفاني الله لأخرجن فلأصلين في بيت المقدس. فبرأت. ثم تجهزت تريد الخروج. فجاءت ميمونة زوج النبي ( ، تسلم عليها. فأخبرتها ذلك. فقالت: اجلسي فكلي ما صنعت. وصلي في مسجد الرسول الله ( . فإني سمعت رسول الله ( يقول: "صلاة فيه أفضل من ألف صلاة فيما سواه من المساجد، إلا مسجد الكعبة".(1/316)
قال القاضي أبو الفضل رحمه الله : اختلف الناس في معنى هذا الإستثناء على اختلافهم في المفاضلة بين مكة والمدينة ،فذهب مالك ،في رواية أشهب عنه وقال ابن نافع صاحبه وجماعة أصحابه ،إلى أن معنى أن الصلاة في مسجد الرسول ( أفضل من الصلاة في سائر المساجد بألف صلة إلا المسجد الحرام فإن الصلاة فيه بدون الألف واحتجوا بما روي عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه :صلاة في المسجد الحرام خير من مائة صلاة فيما سواه .فتأتي فضيلة مسجد رسول الله( بتسعمائة وعلى غيره بألف.وهذا مبني على تقضيل المدينة على مكة على ما قدمناه وهو قول عمر بن الخطاب ومالك وأكثر المدنيين..
وذهب أهل مكة والكوفة إلى نفضبل مكة وهو قول عطاء وابن وهب وابن حيبب من أصحاب مالك وحكاه الباجي عن الشافعي وحملوا الإستثناء في الحديث المتقدم على ظاهره وأن الصلاة في المسجد الحرام أفضل واحتجوا بحديث عبد الله بن الزبير عن النبي بمثال حدبث أبي هريرة وفيه :وصلاة في المسجد الحرام أفضل من الصلاة في مسجدي هذا بمائة صلاة .. وروى قتادة مثله فيأتي فضل الصلاة في المسجد الحرام على هذا على الصلاة في سائر المساجد بمائة ألف ولا خلاف أن موضع قبره أفضل بقاع الأرض ،
( قلت : أخرج الألباني في إرواء الغليل
1* عن جابر أن النبي ( قال صلاة في مسجدي هذا أفضل من ألف صلاة في سواه إلا المسجد الحرام فصلاة في المسجد الحرام أفضل من مائة ألف صلاة رواه أحمد وابن ماجه بإسنادين صحيحين ( صحيح )
2* عن أبي الدرداء مرفوعا الصلاة في المسجد الحرام بمائة ألف صلاة والصلاة في مسجدي بألف صلاة والصلاة في بيت القدس بخمس مائة صلاة رواه الطبراني في الكبير وابن خزيمة في صحيحه.(1/317)
- وقال الشيخ الألباني رحمه الله : أما ما رواه الطبراني في ( الأوسط ) من حديث عائشة رضي الله عنها مرفوعا بلفظ : ( صلاة في المسجد الحرام أفضل من مائة صلاة في غيره ) . ففي إسناده سويد بن عبد العزيز وهو ضعيف كما قال الهيثمي (في مجمع الزوائد )...
وأخرج الهيثمي
* عن عبد الله بن الزبير رضي الله عنهما قال : قال رسول الله ( : " صلاة في مسجدي هذا أفضل من ألف صلاة فيما سواه من المساجد إلا المسجد الحرام وصلاة في المسجد الحرام أفضل من مائة صلاة في هذا " .
رواه أحمد والبزار ولفظه : أن رسول الله ( قال : " صلاة في مسجدي هذا أفضل من ألف صلاة فيما سواه إلا المسجد الحرام وصلاة في المسجد الحرام فإنه يزيد عليه بمائة " . والطبراني في الكبير بنحو البزار ورجال أحمد والبزار رجال الصحيح
قال القاضي أبو الفضل رحمه الله : قال القاضي أبو الوليد الباجي : الذي يقتضيه الحديث مخالفة حكم مسجد مكة لسائر المساجد ولا يُعلم منه حكمها مع المدينة .(1/318)
وذهب الطحاوي إلى أن هذا التفضيل إنما هو في صلاة الفرض .. وذهب مطرف من أصحابنا إلى أن ذلك في النافلة أيضاً.قال: وجُمعة خير من جُمعة ورمضان خيرٌ من رمضان وقد ذكر عبد الرزاق في تفضيل رمضان بالمدينة وغيرها حديثاَ نحوه وقال النبي( :ما بين بيتي ومنبري روضة من رياض الجنة .. ومثله عن أبي هريرة ، وأبي سعيد :وزاد: ومنبري على حوضي...وفي حديث آخر : منبري على ترعة من ترع الجنة...قال الطبري فيه معنيان: أحدهما أن المراد بالبيت بيت سكناه على الظاهر مع أنه رُوِيَ ما يبينه: بين حجرتي ومنبري.والثاني أن البيت هنا القبر،وهو قول زيد بن أسلم في هذا الحديث كما رُوي بين قبري ومنبري ..قال الطبري :وإذا كان قبره في بيته اتفقت معاني الروايات ولم يكن بينها خلاف لأن قبره في حجرته وهو بيته .وقوله( : ومنبري على حوضي .قيل يحتمل أنه منبره بعينه الذي كان في الدنيا وهو أظهر ،والثاني أن يكون له هناك منبر ،والثالث أن قصد منبره والحظور عنده لملازمة الأعمال الصالحة يوردُ الحوضَ ويوجب الشربَ منه . قاله الباجي. وقوله (: روضة من رياض الجنة، يحتمل معنيين : أحدهما أنه موجب لذلك وأن الدعاء والصلاة فيه يستحق ذلك من التواب كما قيل :الجنة تحت ظلال السيوف.والثاني أن تلك البقعة قد ينقلها اللهُ فتكون في الجنة بعينها. قاله الداودي .
(قلت : أخرج الهيثمي في مجمع الزوائد
- عن أبي هريرة وأبي سعيد أن رسول الله ( قال : " ما بين بيتي ومنبري روضة من رياض الجنة ومنبري على حوضي " . رواهما أحمد ورجاله رجال الصحيح .
- وعن جابر بن عبد الله قال : قال رسول الله ( : " ما بين بيتي إلى حجرتي روضة من رياض الجنة . وإن منبري على ترعة من ترع الجنة " .
رواه أحمد وأبو يعلى والبزار وفيه علي بن زيد وفيه كلام وقد وثق .
- وعن سهل بن سعد أنه سمع النبي ( يقول : " منبري على ترعة من ترع الجنة " . فقلت : ما الترعة يا أبا العباس ؟ قال : الباب .(1/319)
رواه أحمد والطبراني في الكبير ورجال أحمد رجال الصحيح .
- وعن سعد بن أبي وقاص أن النبي ( قال : " ما بين بيتي ومنبري - أو قبري ومنبري - روضة من رياض الجنة " . رواه البزار والطبراني في الكبير ورجاله ثقات .
- وعن ابن عمر عن النبي ( قال : " ما بين بيتي ومنبري روضة من رياض الجنة ومنبري على حوضي " . رواه الطبراني في الكبير والأوسط ورجاله ثقات .
- وعن أبي واقد الليثي قال : قال رسول الله ( : " إن قوائم منبري رواتب في الجنة " . رواه الطبراني في الكبير وفيه يحيى بن عبد الحميد الحماني وهو ضعيف .
- وعن أبي سعيد الخدري أن رسول الله ( قال : " منبري على ترعة من ترع الجنة وما بين المنبر وبين بيت عائشة روضة من رياض الجنة " . رواه الطبراني في الأوسط وهو حديث حسن إن شاء الله .
-وعن الزبير بن العوام قال : سمعت رسول الله ( يقول : " ما بين بيتي إلى منبري روضة من رياض الجنة ومنبري على حوضي " . رواه الطبراني في الأوسط وفيه أبو غزية محمد بن موسى وثقه الحاكم وضعفه غيره .
وروى ابنُ عمر وجماعة من الصحابة أن النبي ( قال في المدينة : لا يصبر على لأوائها وشدتها أحدٌ إلا كنت له شهيداً أو شفيعاً يوم القيامة.
( قلت : رواه مسلم ،وأحمد ،والترمذي ،...
مسلم في كتاب الحج باب الترغيب في سكن المدينة، والصبر على لأوائها
* حدثني زهير بن حرب. حدثنا عثمان بن عمر. أخبرنا عيسى بن حفص بن عاصم. حدثنا نافع عن ابن عمر. قال: سمعت رسول الله ( يقول: "من صبر على لأوائها، كنت له شفيعا أوشهيدا يوم القيامة".(1/320)
* حدثنا يحيى بن يحيى. قال: قرأت على مالك عن قطن بن وهب بن عويمر بن الأجدع، عن يحنس مولى الزبير، أخبره ؛ أنه كان جالسا عند عبدالله بن عمر في الفتنة. فأتته مولاة له تسلم عليه. فقالت:إني أردت الخروج، يا أبا عبدالرحمن ! اشتد علينا الزمان. فقال لها عبدالله: اقعدى. لكاع ! فإني سمعت رسول الله ( يقول: "لا يصبر على لأوائها وشدتها أحد، إلا كنت له شهيدا أو شفيعا يوم القيامة".
* وحدثنا محمد بن رافع. حدثنا ابن أبي فديك. أخبرنا الضحاك عن قطن الخزاعي، عن يحنس مولى مصعب، عن عبدالله بن عمر قال: سمعت رسول الله ( يقول: "من صبر على لأوائها وشدتها، كنت له شهيدا أو شفيعا يوم القيامة (يعني المدينة).
* وحدثنا يحيى بن أيوب وقتيبة ابن حجر. جميعا عن إسماعيل بن جعفر، عن العلاء بن عبدالرحمن، عن أبيه، عن أبي هريرة ؛ أن رسول الله ( قال: "لا يصبر على لأواء المدينة وشدتها أحد من أمتي، إلا كنت له شفيعا يوم القيامة أو شهيدا".
وقال ( في من تحمل عن المدينة : والمدينة خير لهم لو كانوا يعلمون .
( قلت : هذا طرف من حديث
* البخاري- أبواب فضائل المدينة. باب: من رغب عن المدينة.حدثنا عبد الله بن يوسف: أخبرنا مالك، عن هشام بن عروة، عن عبد الله ابن الزبير، عن سفيان بن أبي زهير رضي الله عنه أنه قال: سمعت رسول الله ( يقول: (تفتح اليمن، فيأتي قوم يبسون، فيتحملون بأهليهم ومن أطاعهم، والمدينة خير لهم لو كانوا يعلمون. وتفتح الشأم، فيأتي قوم يبسون، فيتحملون بأهليهم ومن أطاعهم، والمدينة خير لهم لو كانوا يعلمون. وتفتح العراق، فيأتي قوم يبسون، فيتحملون بأهليهم ومن أطاعهم، والمدينة خير لهم لو كانوا يعلمون).(1/321)
* مسلم - في كتاب الحج باب فضل المدينة، ودعاء النبي ( فيها بالبركة. وبيان تحريمها وتحريم صيدها وشجرها. وبيان حدود حرمها - حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة. حدثنا عبدالله بن نمير. ح وحدثنا ابن نمير. حدثنا أبي. حدثنا عثمان بن حكيم. حدثني عامر بن سعد عن أبيه. قال: قال رسول الله (:
"إني أحرم ما بين لابتي المدينة. أن يقطع عضاهها. أو يقتل صيدها". وقال " المدينة خير لهم لو كانوا يعلمون. لا يدعها أحد رغبة عنه إلا أبدل الله فيها من هو خير منه. ولا يثبت أحد على لأوائها وجهدها إلا كنت له شفيعا، أو شهيدا، يوم القيامة".
وقال : إنما المديبة كالكير تنفي خبثها ويصنع طيبها .
( قلت : متفق عليه ،ولفظ البخاري في أبواب فضائل المدينة - باب: المدينة تنفي الخبث.
- حدثنا عمرو بن عباس: حدثنا عبد الرحمن: حدثنا سفيان، عن محمد بن المنكدر، عن جابر رضي الله عنه:
جاء أعرابي النبي ( فبايعه على الإسلام، فجاء من الغد محموما، فقال: أقلني، فأبى، ثلاث مرات، فقال: (المدينة كالكير تنفي خبثها، وينصع طيبها).
وقال( :لا يخرج أحد من المدينة رغبة عنها إلا أبدلها الله خيراَ منه.
(قلت : ورد هذا الطرف في حديث مر منذ قليل أخرجه * مسلم - في كتاب الحج باب فضل المدينة، ودعاء النبي ( فيها بالبركة. وبيان تحريمها وتحريم صيدها وشجرها. وبيان حدود حرمها - حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة. حدثنا عبدالله بن نمير. ح وحدثنا ابن نمير. حدثنا أبي. حدثنا عثمان بن حكيم. حدثني عامر بن سعد عن أبيه. قال: قال رسول الله (:
"إني أحرم ما بين لابتي المدينة. أن يقطع عضاهها. أو يقتل صيدها". وقال " المدينة خير لهم لو كانوا يعلمون. لا يدعها أحد رغبة عنه إلا أبدل الله فيها من هو خير منه. ولا يثبت أحد على لأوائها وجهدها إلا كنت له شفيعا، أو شهيدا، يوم القيامة".(1/322)
وروي عنه (: من مات في أحد الحرمين حاجاً أو معتمراً بعثه الله يوم القيامة لا حساب عليه ولا عذاب ..وفي طريق آخر : بعث من الآمنين يوم القيامة ..
قلت : أخرج المتقي الهندي في كنز العنال :
* من مات في أحد الحرمين بعث آمنا يوم القيامة.
(طس - عن جابر).
* من مات في أحد الحرمين استوجب شفاعتي وكان يوم القيامة من الآمنين.
(طب، هب وضعفه - عن سلمان).
* من مات في أحد الحرمين بعث من الآدميين يوم القيامة، ومن زارني محتسبا في المدينة كان في جواري يوم القيامة.
(هب - عن أنس).
* من مات في أحد الحرمين بعثه الله يوم القيامة آمنا.
(أبو نعيم في المعرفة - عن محمد بن قيس بن مخرمة، وجعله مرسلا ومحمد تابعي).
وعن ابن عمر عنه (: من استطاع أن يموت بالمدينة فليمت بها فإني أشفع لمن يموت بها..
(قلت : رواه أحمد، وابن ماجه ، وابن حبان ،و الترمذي في سننه،قال:
* حدثنا محمد بن بشار حدثنا معاذ بن هشام حدثني أبي عن أيوب عن نافع عن بن عمر قال قال رسول ( :من استطاع أن يموت بالمدينة فليمت بها فإني أشفع لمن يموت بها..
قال وفي الباب عن سبيعة بنت الحارث الأسلمية ...قال هذا حديث حسن غريب من حديث أيوب السختياني...وصححه الألباني
وقال تعالى: (إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكاً وَهُدًى لِّلْعَالَمِينَ* فِيهِ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ مَّقَامُ إِبْرَاهِيمَ وَمَن دَخَلَهُ كَانَ آمِناً) (آل عمران : 97+96 )(1/323)
قال بعض المفسرين : آمِناً من النار . وقيل كان يأمَن مِن الطلب مَن أحدث حدثاً خارجًا عن الحرم ولجأ إليه في الجاهلية ،وهذا مثل قوله تعالى : (وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثَابَةً لِّلنَّاسِ وَأَمْناً ) (البقرة : 125 ) على قول بعضهم وحُكي أن قوماً أتوا سعدون الخولاني بالمنستير فأعلموه أن كتامة قتلوا رجلاً وأضرموا عليه النار طول الليل فلم تعمل فيه شيئاً وبقي أبيض البدن فقال: لعله حج ثلاث حجج ؟ قالوا نعم..قال : حدثتُ أن من حج حجةً أدى فرضَه ومن حج ثاتية دايَن ربَّه ومن حج ثلاث حجج حرم اللهُ شعرَه وبشرَه على النار...ولما نظر رسول الله (إلى الكعبة قال : مرحباً بك من بيت ، ما أعظمك وأعظم حرمتك.
( قلت : أخرجه الألباني في السلسلة الصحيحة
مرحبا بك من بيت ما أعظمك وأعظم حرمتك وللمؤمن أعظم حرمة عند الله منك إن الله حرم منك واحدة وحرم من المؤمن ثلاثا دمه وماله وأن يظن به ظن السوء
وأخرج المتقي الهندي في كنز العمال
*(طس عن ابن عمرو).لقد شرفك الله وعظمك والمؤمن أعظم حرمة منك... يعني الكعبة.
* (هب د عن ابن عباس).مرحبا بك من بيت ما أعظمك وأعظم حرمتك وإن المؤمن أعظم حرمة منك.
* (طب عن ابن عباس).لا إله إلا الله ما أطيبك وأطيب ريحك وأعظم حرمتك والمؤمن أعظم حرمة منك الله جعلك حراما وحرم من المؤمن ماله ودمه وعرضه وأن يظن به ظنا سيئا.
* (عق عن أبي هريرة ) يا كعبة ما أطيب ريحك ويا حجر ما أعظم حقك والله للمسلم أعظم حقا منكما.
وفي الحديث عنه( : ما من أحد يدعو الله تعالى عند الركن الأسود إلا استجاب الله له...وكذلك عند الميزاب
وعنه (: من صلى خلف المقام ركعتين غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر وحُشر يوم القيامة من الآمنين...
( قلت : أخرج المتقي الهندي في كنز العمال
من طاف بالبيت سبعا وصلى خلف المقام ركعتين وشرب من ماء زمزم غفر الله له ذنوبه كلها بالغة ما بلغت.(1/324)
(الديلمي وابن النجار عن جابر)، ولفظ الديلمي: أخرجه الله من ذنوبه كيوم ولدته أمه.
قال الفقيه القاضي أبو الفضل: قرأت على القاضي الحافظ أبي علي ،حدتنا أبو العباس العذري قال،حدثنا أبو أسامة محمد بن أحمد بن محمد الهروي ،حدتنا الحسن بن رفيق ،سمعت أبا الحسن محمد بن الحسن بن راشد ،سمعت أبا بكرمحمد بن إدريس ،سمعت الحميدي قال :سمعت سفيان بن عيينة قال:سمعت عمرو بن دينار ،قال : سمعت ابن عباس يقول : سمعت رسول الله ( يقول : ما دعا أحد بشيء في هذا الملتزم إلا استجيب له ..قال ابن عباس : وأنا فما دعوت الله بشيء في هذا الملتزم منذ سمعت هذا من رسول الله( إلا استجيب لي.وقال عمرو بن دينار : وأنا فما دعوت الله بشيء في هذا الملتزم منذ سمعت هذا من ابن عباس إلا استجيب لي ...وقال سفيان : وأنا فما دعوت الله بشيء في هذا الملتزم منذ سمعت هذا من عمرو إلا استجيب لي ..وقال الحميدي :وأنا فما دعوت الله بشيء في هذا الملتزم منذ سمعت هذا من سفيان إلا استجيب لي ..وقال محمد بن إدريس :وأنا فما دعوت الله بشيء في هذا الملتزم منذ سمعت هذا من الحميدي إلا استجيب لي ..وقال أبو الحسن محمد بن الحسن : وأنا فما دعوت الله بشيء في هذا الملتزم منذ سمعت هذا من محمد بن إدريس إلا استجيب لي .قال أبو أسامة :وما أذكر الحسن بن رشيق قال فيه شيئاً،وأنا فما دعوت الله بشيء في هذا الملتزم منذ سمعت هذا من الحسن بن رشيق إلا استجيب لي من أمر الدنيا وأنا أرجو أن يستجاب لي من أمر الآخرة..قال العذري:وأنا فما دعوت الله بشيء في هذا الملتزم منذ سمعت هذا من أبي أسامة إلا استجيب لي ..قال أبو علي :وأنا فقد دعوت الله فيه بأشياء كثيرة استجيب لي بعضها وأنا أرجو من سعة فضله أن يستجيب لي بقيتها..
*قال القاضي أبو الفضل :ذكرنا نبذاً من هذه النكتفي هذا الفصل وإن لم تكن من الباب لتعلقها بالفصل الذي قبله حرصاً على تمام الفائدة...والله الموفق للصواب برحمته.(1/325)
الحمد لله الذي بحمده تتم النعم
كان الفراغ منه
يوم 17 محرم عام 1427
أبو يوسف محمد زايد(1/326)