عداوة حُذّر منها ...و... مبآهاة بين الأمم
ندآءات وعظية فى فنون التربية .للنفس والأولاد وسائر العباد قدمتها وحليتها بمقدمة لشيخ الوعظ والإرشاد الإمام إبن الجوزى .وعليها تعليقات لي ليست بالموجزة لأيضاح مبهم أو فض مشكل
كتبه عبد الله الفقير إلى عفوه ورحمته
أبو كفاح الدين
أحمد بن محمد السعيد
سبط أبن دقيق العيد
بسم الله الرحمن الرحيم
((الحمد لله الذي خلق الإنسان من نطفة فجعله سميعا بصيرا وألزمه الحجة بإيضاح المحجة إما شاكرا وإما كفورا فمن شكر لأنعمه لقاه من كرمه نضرة وسرورا وسقاه من مدام ديمة شرابا طهورا ومن كفر أعد له سلاسل وأغلالا وسعيرا واستقبل به يوم حشره بعد عذاب قبره يوما عبوسا قمطريرا ذلك أنه اتبع غير سبيل المؤمنين وابتدع من رأيه ما ليس من شرائع الدين وترك الاعتصام بسنن المرسلين فويل له إذا قام يوم حشره من حفرته حاسرا حسيرا ولقى حسابا قد حرره عليه الحاسبان تحريرا(( وكل إنسان ألزمناه طائره في عنقه ونخرج له يوم القيامة كتابا يلقاه منشورا)) سبحان من تسبح بحمده الحركات والسكون وتشهد بحكمته الحياة والمنون ومن آياته أن تقوم السماء والأرض بأمره ثم إذا دعاكم دعوة من الأرض إذا أنتم تخرجون يخرجون حفاة وعراة غرلا يرجو محسنهم من ثوابه فضلا ويخاف مسيئهم من عقابه عدلا(( فيومئذ لا يظلمون نقيرا وكفى بربك بذنوب عباده خبيرا بصيرا )) خضع لهيبته كل صعب ذلول وافتقرإلى توفيقه كل عليهم وجهول إذا حكم فبالعدل يحكم وإذا قال فبالحق يقول وإذا سامح فالأمر يسهل وإذا ناقش فالحساب يطول فطوبى لمن كان له من سوء الحساب مجيرا لقد سعد سعادة الأبد وفاز فوزا كبيرا أحمده وأشكره ولم يزل بالحمد والشكر جديرا وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادة أشرب بها من سلسبيل الجنة نميرا وأشهد أن محمدا عبده ورسوله أرسله إلى الخلق كلهم بشيرا ونذيرا صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كبيرا اللهم اهد من صلاتنا(1/1)
وسلامنا إليه وإلى آله وأصحابه الذين جاهدوا بين يديه ما يكون حسن الجزاء عندك خصوصا على الصديق الأفضل والخليفة الأول والإمام المبجل أبي بكر الصديق الذي سبق إلى الإسلام أحرارا وعبيدا وإناثا وذكورا وعلى الفاروق الأكبر الآمر بالمعروف والناهي عن المنكر أمير المؤمنين عمر بن الخطاب الذي أصبح به الإسلام ظاهرا وقد كان مستورا وعلى جامع الأمة على القرآن بعد إختلافها والباذل نفسه دون دينه حتى أوردها موارد تلافها أمير المؤمنين عثمان بن عفان الذي ابتلى في كتاب الله وكان البلاء صبورا وعلى أبي السبطين السيدين أبي محمد الحسن وأبي عبد الله الحسين أمير المؤمنين علي بن أبي طالب الحائز من آيات الفرقان نصيبا موفورا وهو الذي خلق من الماء بشرا فجعله نسبا وصهرا وكان ربك قديرا وعلى التابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين وعلى سائر عباد الله الصالحين صلاة متصلة صباحا ومساء ورواحا وبكورا اللهم ونحن من جملة عبادك الفقراء إلى مزيد فضلك ودوام مدارك فاجعل لنا من لدنك سلطانا نصيرا حتى نجاورك في جنة عرضها السموات والأرض حشوتها برحمتك وجعلت لباس أهلها حريرا (( متكئين فيها على الأرائك لا يرون شمسا ولا زمهريرا )) وأشركنا في صالح دعاء المسلمين وأشرك المسلمين في صالح دعائنا يا من لم يزل بكل شيء خبيرا وعلى كل شيء قديرا تنبيه العقول العاقلة يورث حرث الآخرة على حرث العاجلة وبالاستقامة على السيرة العادلة تظهر جواهر النفوس الفاضلة فطالب الإستقامة محتاج إلى طريق السلامة من سلكها بعدما عرفها وصل إلى دار الكرامة فمن عزم على سلوك طريق الجنة فليجعل دليله علوم الكتاب والسنة وإنما يهتدي بالعلم لمراد قائله خبير فلهذا ألزم أئمة السلوك الاشتغال بعلوم التفسير تفسير أوائل سورة هود . بسم الله الرحمن الرحيم... (( الر كتاب أحكمت آياته ثم فصلت من لدن حكيم خبير)) عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله سبحانه وتعالى(( الر)) قال أنا الله أرى(1/2)
وقال سعيد بن جبير الر حم ن هو اسم الله الرحمن وقيل الألف آلاؤه واللام لطفه والراء ربوبيته وقوله(( أحكمت آياته)) أي لم تنسخ بكتاب كما نسخت الكتب التي قبله (( ثم فصلت )) أي بينت بالأحكام والحلال والحرام وقوله تعالى (( من لدن حكيم خبير)) أي من عند حكيم بتدبير الأشياء وتقديرها خبير بما تؤول إليه عواقبها (( ألاتعبدوا إلا الله )) أي لا توحدوا ولا تطيعوا إلا الله (( إنني لكم منه نذير وبشير)) أي قل يا محمد إنني من عند الله نذير أنذركم عقابه على معصيته وعبادة الأصنام وبشير أبشركم بثواب الله على طاعته وإخلاص عبادته (( وأن استغفروا ربكم ثم توبوا إليه )) أي اطلبوا من ربكم مغفرة سالف ذنوبكم وتوبوا إليه بالرجوع عن مخالفته في بقية أعماركم (( يمتعكم متاعا حسنا إلى أجل مسمى )) أي إذا استغفرتم ربكم وتبتم إليه بسط لكم من الأرزاق ومد لكم في الأعمار إلى وقت الموت وهو الأجل المسمى وقيل المتاع الحسن هو أن يرضيهم بما أعطاهم وقيل هو استعمالهم بطاعته ومعرفة حقه فإن الله يحب الشاكرين وأهل الشكر في مزيد من الله تعالى وذلك قضاؤه الذي قضى وذلك يعني أنكم أيها المسلمون قد أطعتم ربكم في الاستغفار والتوبة وقد أنجز لكم ما وعد المستغفرين والتائبين من المتاع الحسن فإنه سبحانه قد عفا عنكم في أبدانكم ووسع لكم في أرزاقكم وأمنكم في أوطانكم وأعلاكم على عدوكم وشرفكم على أهل الملل وعصمكم من الردة المحبطة للعمل وستركم وجبركم وآواكم ونصركم فاعرفوا لله حق نعمته عليكم وطالبوا أنفسكم بواجب طاعته ((ويؤت كل ذي فضل فضله )) قال الضحاك ويؤت كل ذي فضل فضله من عمل سيئة كتيت عليه سيئة ومن عمل حسنة كتبت له عشر حسنات فإن عوقب بالسيئة التي كان عملها في الدنيا بقيت له عشر حسنات فإن لم يعاقب بها في الدنيا أخذ من الحسنات العشر واحدة وبقيت له تسع حسنات ثم يقول هلك من غلب آحاده عشرات ثم قال تعالى (( وإن تولوا فإني أخاف عليكم عذاب يوم(1/3)
كبير)) أي وإن تعرضوا عما دعوتكم إليه من اخلاص العبادة لله والاستغفار والتوبة فإني أخاف عليكم عذاب يوم كبير أي كبير هوله وهو يوم القامة قال مقاتل إن لم يتوبوا في الدنيا فحبس الله عنهم المطر سبع سنين حتى أكلوا العظام والميتة وقيل معنى قوله أخاف بما يعلم وإنما عبر عن العلم بالخوف لأن العلم يوجد الخوف وأشد العصمة على قدر علم المرء يعظم خوفه فلا عالم إلا من الله خائف فأمن مكر الله بالله جاهل وخائف مكر الله بالله عارف (( إلى الله مرجعكم وهو على كل شيء قدير)) وصف لهم نفسه بالقدرة حتى لا يعتقدوا بجهلهم عجزه فيخالفوا أمره فيستوجبوا عقابه فأعملهم بقدرته قبل حلول نقمته من جملة بره ولطفه وقدرته ورأفته فإذا كان هذا لطفه بأعدائه فكيف يكون عطفه على أوليائه قال الضحاك بن قيس رضي الله عنه قال صلى الله عليه وسلم يا أيها الناس اخلصوا أعمالكم لله فإن الله لا يقبل من العمل إلا ما خلص لوجهه ولا تقولوا هذا لله وللرحم فإنه للرحم وليس لله منه شيء ولا تقولوا هذا لله ووجوههم فإنه لوجوههم وليس لله منه شيء وعن أنس رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا كان يوم القيامة صارت أمتي ثلاث فرق فرقة يعبدون الله خالصا وفرقة يعبدون الله رياء وفرقة يعبدون الله ليستأكلوا به الناس فإذا جمعهم الله قال للذي كان يستأكل به الناس بعزتي وجلالي ما أردت بعبادي قال بعزتك وجلالك أستأكل بها الناس قال لم ينفعك شيء مما جمعت انطلقوا به إلى النار ثم يقول للذي كان يعبده رياء بعزتي وجلالي ما أردت بعبادتي قال بعزتك وجلالتك أردت بها رياء الناس قال لم يصعد إلي منه شيء انطلقوا به إلى النار ثم يقول للذي كان يعبد خالصا بعزتي وجلالي ما أردت بعبادتي قال بعزتك وجلالتك أنت أعلم بذلك مني أردت بها وجهك وذكرك قال صدق عبدي انطلقوا به إلى الجنة وفي حديث معاذ رضي الله عنه قال يا رسول الله أوصني قال اخلص دينك يكفيك القليل من العمل(1/4)
وقال يحيى بن معاذ كونوا عباد الله بأفعالكم كما زعمتم أنكم عبيد الله بأقوالكم وقال البناجي ما التنعم إلا في الإخلاص ولا قرة العين إلا في التقوى ولا راحة إلا في التسليم حدث القوم عن حقيقة الأمر فصدقوا ونظروا في علل الأعمال فدققوا ونصحوا لنا في وصاياهم وعلينا أشفقوا وتأدبوا بالعلم والعمل فلم أحكموه فضلوا فإن تقتدوا بهم تهتدوا وأن تسابقوهم تسبقوا أين البطال من الأبطال متى يدرك الأطفال مساعي الرجال بلغ الرجال نهاية الآمال في سيرهم بالشد والترحال نالوا المنى لما سمت لمناله من عزمهم هم هناك عوال لم ينكلوا في قصدهم ومسيرهم حتى أناخوا بالجناب العالي هذا هو الأمر الرشيد ومنتهى المرمى البعيد وغاية الآمال مدح التواضع وذم الكبر ألا ذو طبع كريم يسمو إلى هذا الفضل العظيم ألا ذو قلب سليم يراعي حفظ العهد القديم إنما يقدر على الوفاء بعهد يوم الميثاق من كان سليما من النفاق إنما يحن إلى مرافقة الرفيق الأعلى من كان طبعه كريما من نسي عهود ربه فقد استحوذ الشيطان على قلبه من خالف سنة نبيه فقد نظمه الشيطان في حزبه قال الإمام أحمد رحمه الله ما اعلم الناس في زمان أحوج منهم إلى طلب الحديث من هذا الزمان قيل ولم قال ظهرت بدع فمن لم عنده حديث وقع فيها وقال الفضيل بن عياض رحمه الله إن لله تعالى ملائكة يطلبون حلق الذكر فانظر مع من يكون مجلسك فلا يكون مع صاحب بدعة فإن الله لا ينظر إليهم وعلامة النفاق أن يقوم الرجل ويقعد مع صاحب بدعة لو أن المبتدع تواضع لكتاب الله وسنة نبيه لا أتبع ما ابتدع ولكنه أعجب برأيه فاقتدى بما اخترع فالتواضع أصل كبير يتفرع منه شيء كبير عن عقبة بن عامر رضي الله عنه أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ما من رجل يموت وفي قلبه مثقال حبة من خردل من كبر تحل له الجنة أن يريح ريحها ولا يراها وعن فضالة بن عبيد ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ثلاثة لا تسأل عنهم رجل ينازع الله رداءه(1/5)
الكبرياء وازاره العزة ورجل في شك من أمر الله ورجل يقنط من رحمة الله وعن سليمان بن عامر رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أرأيتم سليمان بن داود عليه السلام وما أعطاه الله من الملك فإنه لم يكن يرفع رأسه إلى السماء تخشعا حتى قبضه الله وقال الفتح بن شخوف رحمه الله رأيت علي بن أبي طالب رضي الله عنه في المنام فسمعته يقول التواضع يرفع الفقير على الغنى وأحسن من ذلك تواضع الغني الفقير إنما جعل ترفع الفقير على الغني من التواضع لأن الفقراء قوم فرغ الله قلوبهم وجعل رحيق محبته مشروبهم وأطال على باب خدمته وقوفهم وجعل رضاه وقربه مطلوبهم وغضبه وبعده مخوفهم فهم من خشيته مشفقون ومن هيبته مطرقون إن تواضعوا فلرفعته وأن تذللوا فلعزته وإن طمعوا في صدقته وإن خضعوا فلعظمته إلى الله افتقارهم وبالله افتخارهم وإلى الله استنادهم هو كنزهم وعزهم وفخرهم وذخرهم ومعبودهم ومقصودهم ومن كان بهذه الرتبة فمتى تواضع لغير الله أخل بمركز الأدب واستبدل الخزف بالذهب من كان رب العباد مقصوده فهو لكل العباد مقصود قل للعاملين لغير الله يا عظم خسرانكم وقل للواقفين بغير باب الله يا طول هوانكم وقل الآملين لغير فضل الله يا خيبة آمالكم وقل للعاملين لغير وجه الله يا ضيعة أعمالكم الأسباب كلها منقطعة إلا أسبابه والأبواب كلها مغلقة إلا أبوابه جناب الله أعلى مرتقى تسمو إليه همم المرتقين ليس دونه مقنع للطالبين ولا وراءه مذهب للسالكين سلام الله ورحمته وبركاته على همم لا يرضيها إلا قرب الله ومرضاته ما حلال لها غير ذكره ولا انقادت لسوى أمره فهي الدهر في طاعته وشكره على حلو العيش ومره ويسر الأمر وعسره أولياء الله لا يحبون ولا يبغضون إلا في الله ولا يشتاقون ولا يحبون إلا لله ولا يتوكلون ولا يعتمدون إلا على الله إذا صفا مشرب معاملة الله لم ينالوا كدر المشارب وإذا أينع لهم مذهب السلوك إلى الله لم يهتموا لضيق المذاهب وإذا(1/6)
ظنوا أن الله عنهم راض لم يكترثوا بغضب غاضب وإذا لم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم عليهم عاتب لم لم يشغل قلوبهم عتب عاتب رضا رسول الله صلى الله عليه وسلم علامة على رضا مرسله والعمل بالقرآن دليل على الإيمان بمنزله فاتلوا كتاب الله وتدبروه وعظموا رسول الله صلى الله عليه وسلم ووقروه اللهم صل على سيدنا محمد وآله الكرام ما نسخ النور والظلام واضرب سرادقات حفظك علينا ولا تقطع عنا مواد إحسانك إلينا واحرسنا من فوقنا ومن تحتنا وعن أيماننا وعن شمائلنا ومن خلفنا ومن بين أيدينا إفعل اللهم بنا ذلك وسائر المسلمين ولا تخلنا وإياهم من رحمة تذكرنا بها يا أرحم الراحمين ))
هام ::
لأهمية القضية المطروحة وجدت أن من الضروري الحديث عنها بكل صراحة ووضوح . وقد يكثر خطأي ولكن يعلم الله أنى أريد التوصل للحق وإن كان بطريق النقد . فنسأل الله تعالى أن يرزقنا رشيداً يبين لنا الكثير مما أدلهم على المسلمين فحارت معه العقول وصار سواد الناس إلا من رحم الله فى تيه وتخبط وحيرة وتردد ....ومن هنا البداية ...
سواد المسلمين الأن لا يعرف عظمة الله وقدرته . ولهذا عواطف الناس بالكلية مالت إلى الدنيا وإن أدعوا محبة الله ومعرفته...لأن العواطف دائماً تميل لما تحب وتعظم أوامر المحبوب ...
يا ناظرا يرنوا بعيني راقد
ومشاهدا للأمر غير مشاهد
منيت نفسك ظلة وأبحتها
طرق الرجاء وهن غير قواصد
تصل الذنوب إلى الذنوب وترتجي
درج الجنان بها وفوز العابد
ونسيت أن الله أخرج آدما
منها إلى الدنيا بذنب واحد
القرآن والتاريخ وأيام الناس يبينوا لنا ::
أن .......
الأنبياء والمرسلين غالب مبعثهم عند انتكاسة الإنسانية فى طريق توحيد الربوبية واللألهية وعندما تنقلب الحقائق فى الأشياء حتى يعبد الناس الحجر والشجر والمدر وحتى الحيوانات تعبد من دون الله تبارك وتعالى .
فيكون مبعث الرسل فتعمل فى أوقات حالكة الظلمة .(1/7)
فيقين الناس مقلوب :: ومعكوس والاعتقاد فى المخلوق من دون الخالق وأجهل الجهل أن يكون الذى عليه مدار اليقين والتوكل حجر أو حيوان .
الأخلاق معكوسة :: خبث اختيال وعجب وتكبر وفساد مخاصمة ومنازعة الفعل يخالف القول والسخرية والتنابز بالألقاب .
والمعاملات ضائعة والإنسانية فى تردى فى حضيض أدنى من الحيوانية .
وبيان ذلك فى الكتاب والسنة لا حصر له
{وَإِن تُطِعْ أَكْثَرَ مَن فِي الأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَن سَبِيلِ اللّهِ إِن يَتَّبِعُونَ إِلاَّ الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلاَّ يَخْرُصُونَ }الأنعام116
- (وإن تطع أكثر من في الأرض) أي الكفار (يضلوك عن سبيل الله) دينه (إن) ما (يتبعون إلا الظن) في مجادلتهم لك في أمر الميتة إذ قالوا ما قتل الله أحق أن تأكلوه مما قتلتم (وإن) ما (هم إلا يخرصون) يكذبون في ذلك
{انظُرْ كَيفَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللّهِ الكَذِبَ وَكَفَى بِهِ إِثْماً مُّبِيناً }النساء50
50 - (انظر) متعجبا (كيف يفترون على الله الكذب) بذلك (وكفى به إثما مبينا) بينا
{مَا جَعَلَ اللّهُ مِن بَحِيرَةٍ وَلاَ سَآئِبَةٍ وَلاَ وَصِيلَةٍ وَلاَ حَامٍ وَلَكِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ يَفْتَرُونَ عَلَى اللّهِ الْكَذِبَ وَأَكْثَرُهُمْ لاَ يَعْقِلُونَ }المائدة103(1/8)
- (ما جعل) شرع (الله من بحيرة ولا سائبة ولا وصيلة ولا حام) كما كان أهل الجاهلية يفعلونه ، روى البخاري عن سعيد بن المسيب قال: البحيرة التي يمنح درها للطواغيت فلا يحلبها أحد من الناس ، والسائبة التي كانوا يسيبونها لآلهتهم فلا يحمل عليها شيء ، والوصيلة الناقة البكر تبكر في أول نتاج الإبل بأنثى ثم تثني بعد بأنثى وكانوا يسيبونها لطواغيتهم إن وصلت أحداهما بأخرى ليس بينها ذكر ، والحام فحل الإبل يضرب الضراب المعدودة فإذا قضى ضرابه ودعوه للطواغيت وأعفوه من أن يحمل عليه شيء وسموه الحامي (ولكن الذين كفروا يفترون على الله الكذب) في ذلك وفي نسبته إليه (وأكثرهم لا يعقلون) أن ذلك افتراء لأنهم قلدوا فيه آباءهم
{وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَهُوَ يُدْعَى إِلَى الْإِسْلَامِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ }الصف7
- (ومن) أي لا أحد (أظلم) أشد ظلما (ممن افترى على الله الكذب) بنسبة الشريك والولد إليه ووصف آياته بالسحر (وهو يدعى إلى الإسلام والله لا يهدي القوم الظالمين) الكافرين
والجهد الجهيد الأن لآبد أن يكون فى أصلاح المسلم أولاً لأن ذرة إيمان منه ستكون سبب فى نجاته من الخلود فى النار .
ولأجل ان يفهم المسلم مقصده من انه مبعوث ليكون سبب سعادة بمنهج محمد صلى الله عليه وسلم له ولجميع البشر .
الأمة الأسلامية تبكى على فقد الأندلس وبقاع كانت مسلمة ولا نراها تبكى على فقد مقصدها من أعمال صالحة وأخلاق حميدة أثرت فى تلك البقاع فصارت مسلمة
ولما تحول المقصد تحولت عنا النعمة فتحولت الفتوحات منا إلى غزو وأستعمار لنا من أعداءنا .
فتياننا صاروا يبكوا للقصص الرومانسية .
فتياتنا صارت تشغلهن الأحلام الوردية
أطفالنا صارت تحركهم الرسوم الكرتونية
اليست هذه الأنتكاسة والبلية ؟
التاجر يبكى ويحزن لفقد بعض ماله لأنه تيقن على المال والتجارة .(1/9)
إذا كان للشئ عوض فليس هناك خسارة ولكن الذى لا عوض له لو فقده هو الخسران المبين .
اصبر لمر حوادث الدهر
فلتحمدن مغبة الصبر
( واجهد لنفسك قبل ميتها
واذخر ليوم تفاضل الذخر
( فكأن أهلك قد دعوك فلم
تسمع وأنت محشرج الصدر
( وكأنهم قد قلبوك على
ظهر السرير وأنت لا تدري
( وكأنهم قد زودوك بما
يتزود الهلكى من العطر
( ياليت شعري كيف أنت إذا
غسلت بالكافور والسدر
( أوليت شعري كيف أنت على
نبش الضريح وظلمة القبر
( ياليت شعري ما أقول إذا
وضع الكتاب صبيحة الحشر
( ما حجتي فيما أتيت على
علم ومعرفة وما عذري
( يا سوأتا مما اكتسبت ويا
أسفي على ما فات من عمري(1/10)
(( ومن لم يعرف قدر النعم سلبها من حيث لا يعلم ومن عجز عن أدب نفسه كان عن أدب غيره أعجز من قلة الصدق كثرة الخطأ ومن علامة الإستدراج العمى عن عيوب النفس ومن تزين للناس بما ليس فيه سقط من عين الله قلوب المغترين معلقة بالسوابق وقلوب الأبرار معلقة بالخواتيم من النذالة أن يأكل الإنسان بدينه من حاسب نفسه استحيا الله من حسابه ثلاث من كن فيه استكمل الايمان من إذا غضب لم يخرجه غضبه من الحق وإذا رضي لم يخرجه رضاه إلى الباطل وإذا قدر لم يتناول ما ليس له وكان بعضهم يقول اللهم ما عذبتني به من شيء فلا تعذبني بذل الحجاب احذر أن تكون ثناء منشورا وعيبا مستورا أمس أجل واليوم عمل وغدا أمل حرام على قلب محب الدنيا ان يسكنه الورع وحرام على عالم لم يعمل بعلمه أن يتخذوه المتقون إماما إليك أشكو بدنا غذي بنعمك ثم توثب على معاصيك المؤمن إذا زاد سخاؤه وإذا زاد عمره زاد اجتهاده اجمع عقلاء كل أمة أنه من لم يجر مع القدر لم يهنأ بعيشه معاشر الفقراء إنما عرفتم بالله وإنما مكرمون لله فإذا خلوتم به فانظروا كيف تكونون معه علامة إعراض الله عن العبد أن يشغله بما لا يعنيه الطريق إلى الله مسدود على الخلق إلا على المتقين أول وصال العبد للحق هجرانه لنفسه وأول هجران العبد للحق مواصلته لنفسه إذا نزل بك أمر من الله فاستعمل الرضا فإن لم تجد إلى الرضا سبيل فاستعمل الصبر فإن لم تجد فعليك بالتحمل من علم أن الله هو الضار النافع أسقط مخاوف المخلوقين اتقوا الناجد من العلماء والجاهل من العباد فإنهما فتنة لكل مفتون يا عجبا لمن لم ير محسنا غير الله كيف لا يميل بكليتيه إليه إذا بكت عين الخائفين فقد بايعوا الله بدموعهم إنما حملا كلام السلف في مذاق الأسماع وعظمت فيه البركة وحسن به الانتفاع لأنهم كانوا به عاملين وفي نشره مخلصين اللهم فعمنا ببركة أعمالهم الصالحة وانفعنا بمقاصدهم الصادقة فهم القوم لا يضل من اهتدى بهداهم ولا يضيع من(1/11)
تمسك بعراهم كيف ضلالي عن سواء السبيل وأنت لي في طريق سلاى دليل يا فرحة القلب ويا منية الصب ويا برد غليل الغليل وصفك لا تبلغه مدحتي ففهمي بليد ولساني كليل كيف لي بصبر جميل وقد حجبت عن مرآى المحيا الجميل مالي إذا غيبت عن ناظري غير مخيبي والبكاء والعويل جدلي ولو بالطيف إن كان لي إلى غموض الجفن يوما سبيل وابذل ولو وعدا ولو نظرة فما قليل منك لي بالقليل رب العزة اعظم في صدور العارفين من أن يناجوه في مخاطبتهم بأشعار المتغزلين ولكن ما خلا قلب من حرقة ولا سلم مواصل من فرقة وكل مسلم له نصيب من محبة مولاه على قدر معرفته بما اولاه فإذا ترنم المنشد بما يناسب أغراض المحبين تحركت القلوب على قدر ما فيها من الشوق إلى لقاء حبيب العارفين وتحرقت النفوس حزنا على التخلف عن مرافقة الصالحين إلى متى أنت في تواني تجري إلى اللهو في عنان الموت حق لا ريب فيه مالك في رفعة يدان والبعث من بعده تراه في غاية البعد وهو داني يوم يقوم العباد كل عليه في الحشر شاهدان إلى حساب قد سطر ته الأقلام يمليه حافظان ثم يضم العباد بعد الحسد اب في الحشر منزلان منزل خوف لا امن فيه ومنزل الأمن والأمان الإيمان بيوم القيامة لصدقه على أهله علامة التسارع إلى اكتساب الحسنات والتورع عن ارتكاب السيئات وانسكاب العبرات ندما على ما فات أيها المدعي المحبة مهلا أين آثار صدق ما تدعيه أين سفح الدموع فوق خدود حذرا ان يفوت ما ترتجيه أين وقد الأحشاء شوقا إلى ما كنت من لذة التواصل فيه أين بذل المجهود في طاعة المجبو ب من كل فعل كلما يرتضيه تدعي حبه ومالك من دعو اك غير المحال والتمويه تدعي الحب عاريا عن شهود حظه منه ما يقول بغيه طالبوا أنفسكم بالصدق في دعواها محبة الله واصمدوا بكل وجوهكم فيما يوجهكم إلى الله كل النعيم في التلذذ بمناجاة الله كل الراحة في التعب بخدمة الله كل الغنى في تصحيح الإفتقار إلى الله كل مطالب الدنيا والآخرة في خزائن غيب(1/12)
الله ومفاتيحها بأيدي رجال لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله وحق هواه ليس لي عنه مذهب ولا لي فيما دون لقياه مطلب يقول اجتنب بابي ولا تعش مرتعي وهل حشد عن روحه يتجنب إذا لم تكن لي عند غيرك حاجة فكيف إلى أبواب غيرك أذهب وإذا لم أجد معط سواك بمطلبي فكيف سوى معروف جودك أطلب عذولي فيه ما ارى ما رأيته فيكثر من لومي عليه ويطنب سلكت سبيلا ما أهتدي لسلوكه فأعجب منه وهو مني يعجب وكيف سلوى عن جمال محجب أياديه عن كل الورى ليس يحجب إذا دارت الكاسات من خمر حبه على كل اهل العقل فالكل شربوا وإن زمزم الحادون للركب باسمه فكلهم حتى الركائب تطرب يطيب ويحلو للمحبين ذكره فلا طيب إلا وذكره أطيب فإن قلت شهدا فهو أحلا مذاقه وان قلت ماء فهو أصفى وأعذب سألتك يا حادي الركائب حاجة إذا ما بدت يوما لعينك يثرب فبلغ سلامي من حوته قبابها وشرعته في الكون تملى وتكتب نبي الهدى شمس الضحى قمر الهدى لمنصبه فوق السماكين منصب محمد المختار والماجد الذى إلى فخره كل المناسب تنسب بنهجه كل الأئمة تهتدي بمورده كل الموارد تعذب هو الصادق الداعي إلى الله وحده فمن لم يجبه فهو في الحشر يندب فصلوا عليه دائما فصلاتكم جزاؤكم فيها على الله واجب وأكثكم يا أهل ملة أحمد عليه صلاة منه في الحشر أقرب اللهم صلي على سيدنا محمد كلما ذكره الذاكرون وصلى عليه كلما تعاقبت الليالي والأيام وصلي عليه ما دامت الشهور والأعوام وعلى صحبه السادة الكرام وسلم تسليما كثيرا لا انقضاء له ولا انفصام موعظة في تعليم القرآن الحمد لله الذي جعل القرآن لقلوب أهل الإيمان ربيعا فكل من لا يغذي القرآن في الدنيا كان غذاؤه في الآخرة ضريعا لا يزال الإنسان صريعا تحت الشيطان حتى يذكر الله ويتلو القرآن فحينئذ يستوي الإنسان قائما ويخر الشيطان صريعا فمن شاء ان يكون العدو عن لحاقه بطيئا فليكن إلى الذكر والتلاوة سريعا استظهر بشرب ترياق القرآن على سم أفعى الشيطان قبل أن تموت(1/13)
لسقياه ما زال أبو البشر آدم صلى الله عليه وسلم من سكنى الجنات قي حصن حصين حتى دخلت عليه الجنة وقد اختبأ في فمها الشيطان اللعين فخرج على آدم من شدقها ذلك الكمين فضربه ضربة بقي من حرها ألف سنة في البكاء والأنين ثم لم يكن خلاصه وخلاص عشر العشر من ذريته إلا بكتاب الله الذي جاءت به المرسلون وقلنا اهبطوا منها جميعا فإما يأتينكم منى هدى ممن تبع هداي فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون متابعة الكتاب منقذة من العذاب وتعظيم الحرمات مخرج من الظلمات ورعاية الأدب رفعة في الرتب لولا العلم لكان الإنسان بهيمة ولولا اللطف لكانت البلية عظيمة فاسألوا الله لطفة في جميع الأحوال وليكن تعظيم القرآن منكم على بال فبوجود اللطف وعدمه سعد من سعد وشقي من شقي وبالتقصير لقي المقصر ما لقي لا تسألوا عبدكم ماذا لقى من البكاء والأساءة والحرق ليس عجيبا ما لقى بعد النؤى من الأنين والبكاء والأرق بل العجيب ان من فارقكم كيف حيى من بعدكم كيف بقي إذا توجهت إلى غيرك تعثرت بي قدمي في طرقي إن السعيد من رجا فضلكم ومن رجا غيركم فهو الشقي قد كان شملي كله مجتمعا فد بعدتم آه وغرقي يا ليتني مت ولم أبق إلى ان ذقت طعم الهجر والتفرق يا لائمي لو ذقت ما ذقت من الحنين والأنين والتشوق ولو رأت عيناك ما رأيته من الجلال والجمال المونق عذرتني في قلقي ولمتني على بقايا ما بقي من رمقي العجب ممن يسمح بصفة الجنة وهومخلد إلى الدنيا وأعجب فيه من صدق نعيم الحضرة ثم يعمل لجنة المأوى والعجب ممن يسمع نوازل البلوى وهو مخدر في دنياه منها واعجب فيه من خوفه الله بغضبه عليه واحتجابه عنه ثم هو يخاف الجحيم واللظى كل عزيز وإن عز وجل فالله أعز منه وأجل وكل فائت وإن عظم وكثر فهو بالنسبة إلى ما يفوت من الله أصغر وأقل حتى متى ذا القلب ساهي عن كل ما مغنيه لاهي والنفس معرضة عن القر آن سامعة الملاهي إن الملاهي سوف تر مي سامعها بالدواهي كم ذا تنافس في الحط ام وجمعه كم(1/14)
ذا ساهي ما عذر من شاب العذار منه وقبح سيرته كما هي إن قيل دع عنك التكبر قال أخني هدم جاهي قد خالف القرآن في كل الأوامر والنواهي من كان لا ينهاه عن فعل القبائح زجر ناهي العمر منه قد وهي والدين أيضا منه واهي فاصبر له فالأم هاوية وما أدراك ما هي يا من سلب الملك الكبير ولم تشعر بسلبه يا من أمره ربه بالتوبة وهو مصر على ذنبه قد خلت صحيفته من الحسنات لما خلا صدره من تعظيم ربه وتخلت الملائكة عن نصرته فقد استحوذ الشيطان على قلبه يا غافلا عن ذكر ربه يا مغفلا لصلاح قلبه يا من سباه عدوه يوما ولم يسعد بسلبه هذا جزاء مقصر جهله في حق ربه من رام خصالا لا تحل فجائع الأعداء بجنبه فليعتصم بالله وليعمل على السكن بقربه العارف بركن الله في حصن حصين واللائذ بجناب الله في حرم أمين والعامل بكتاب الله متمسك بالعروة الوثقى والحبل المتين والمقاتل تحت لواء رسول الله مؤيدا بالنصر العزيز مضمون له الفتح المبين حصن بحصن التقوى نفسك من أسباب الردى حصن التقوى غير حصين وامتسك بحبل القرآن في الشدائد كلها فكل حبل سوى هذا الحبل فهو غير متين لله أهلون وهم جملة أهله وكل من لا يكرم أهل القرآن فهو مهين احذر تهين فقيرا لأجل رثه هيئة أكثر ملوك الجنة في هيئة المسكين متى أردت أن يعلو قدرك وتعلو في الرتب في حضر الله معظم أهل التقا والدين ولا يغرك ذل الفقير في دار الفناء دار البقى هي داره في العز والتمكين ترى الفقير في الدنيا كأنه طير حذر وفي القيامة وافي قرير عين أمين خذ لك أيادي معهم غدا ترى الدولة لهم مقبل أحدهم وجاهه عند الملك متين لا فخر كالفقر هذا الرسول بالفقراء مفخر وهو الذي دفين في الطين ومع جلالة قدره دعا بأن يحيا هنا مسكين ويقبر ويحشر مع المسكين اللهم ارزقنا ما رزقت أولياءك وفقراءك ومساكنك من الاستغناء بك والافتقار إليك وأكرمنا بما تكرمنا به من كرامة أوليائك يوم القدوم عليك يا كريم ))(1/15)
((الحمد لله الذي ما زالت احكامه على نظام الحكمة جارية واقداره في جميع خلقه نافذة وعليهم قاضية مكرم من اتقاه ومهين من عصاه ويعز من انقطع اليه ويذل من تمرد عليه يداوي كل ذي داء بدوائه الذي هو له اوفق ويقيم كل ذي قدر في مقامه الذي هو له اليق فمن كان السقم انفع لقلبه ابتلاه الله بالاسقام ومن كان العدم اصلح لحاله ارتضى له الاعدام يدبر عباده بحكم التدبير في مجارى التقدير ولو بسط الله الرزق لعباده لبغوا في الارض ولكن ينزل بقدر ما يشاء انه بعباده خبير بصير فلا تتهموا الله في قضائه فإن قضاءه بزمام الحكمة مزموم وسلموا له بالانقياد لأمره في حلو القضاء ومره فإن المسلم له ليس بمحروم وقابلوا احسانه إليكم بدوام حمده وشكره وانسبوا عدله عليكم الى تقصيركم في القيام بواجب امره فإنه سبحانه على الدوام يعامل عباده بإحسانه وفضله فإذا استغاثوا بإحسانه على عصيانه ادبهم بسوط عدله حتى لا يزال المخلوق مراقبا لخالقه والمرزوق شاكر لرازقه متأدبا في معاملته مقتديا في السلوك الى ربه بأوليائه واهل طاعته فمن رزق ما يحب فليشكر الرازق ومن اصابه ما يكره فليتهم نفسه في معاملة الخلاق قال الله سبحانه تعالى في كتابه المبين (( ولقد اخذنا آل فرعون بالسنين ونقص من الثمرات لعلهم يذكرون )) ابتلاهم الله تعالى بالقحط ليخلعوا اردية كبريائهم ويرجعوا الى طاعة انبيائهم فالواجب على كل قوم انقطعت عنهم متصلات الأرزاق ان يعودوا باللوم على انفسهم ولا يتهموا الرزاق ويستفغروا ربهم من ارتكاب معصيته ويتوبوا اليه من الاصرار على مخالفته ويتحللوا غرماءهم من اهل المظالم ويأخذوا بالانكار على يد السفيه والظالم ويتصدقوا من فاضل ما انعم الله عليهم على من احوجه الله اليهم ويقيموا دين الله كما امر ويحذروا تمام نعمة الله فيهم فهو حق الحذر وينكسروا بين يدي الله عساه يجبر كسرهم ويبتهلوا اليه بالاستعانة والتضرع لعله يكشف ضرهم ويصلح امرهم يا جابر(1/16)
العظم الكسر ومطلق العاني الاسير يا منشيء الطفل الصغير وراحم الشيخ الكبير وغافر الاوزار يا شافي الدنف السقيم ومحيي العظم الرميم وواضع الاصار يا منقذ الغرقى قد اشرفوا على حد الهلاك بلجة التيار يا من يغيث العبد وهو فريسة في قبضة الاسد الهرير الضاري ارحم بفضلك جهلنا واقبل بعف وك عذرنا يا قابل الاعذار وافتح لنا ابواب رزقك شرعا ابدا وبذل عسرنا بيسرا جزاء المخالفين لأمر رب العالمين مخالفة الامر توجب سخط الآمر والاصرار على المخالفة اعظم منها ما اسرع العقوبة الى المسارع الى المعصية ومت ابعد الفلاح عمن لا تؤدبه العقوبة كيف يطمع في الزيادة من هو مضيع للشكر وكيف تدوم التوسعة لقوم كلما اتسعت ارزاقهم ضيقوا على فقرائهم المستعين بالنعم على المعاصي مستوجب السلب ومن لا يتأدب بالرزية في ماله ادبته الرزية في نفسه الا ترون كيف يعاتبنا ربنا تعالى بتضييق مجاري ارزاقنا وتسليط اقويائنا على ضعفائنا فما لنا لا نعتب ربنا اذا عتب علينا ولا نجيب داعية وقد اششار بطاعته الينا فهل ننتظر بعد لطيف العتاب الا عنيف العقاب فتوبوا الى الله مما انتم عليه من العصيان تبصروا فانكم عما قريب اليه صائرون فهل انتم على عذابه صابرون او على رفع بأسه قادرون فاتقوا الله بفعل ما امركم به وترك ما نهاكم عنه وادامة الذكر له واستشعار الخشية منه ولا تكونوا ممن ينام تحت الضرب ويظهر الجلد فإنه الله اذا عاقب لم يقم لعقابه احد غضب بعض الملوك على بعض من هو تحت يده فلم يحبسه في دار سجنه واجرى عليه رزقا واسعا ثم سأل عنه فقيل انه متجلد غير مكترث فأمر بنقله الى ما هو اضيق منه واشد ثم لم يزل كذلك كلما اخبروه عنه بقلة مبالاته بعقوبة الملك نقله الى ما هو اضيق منه واشد حتى امر بقتله فكذلك العبد اذا عصى ربه وجه اليه اخف عقابه فإن هو استقال واستغاث بربه اقاله وأغاثه وان هو اصر على ذنبه واستهان بعقوبته شدد الله عليه وزاده مما يوجهه اليه من(1/17)
العذاب كذلك ابدا حتى يكون احد امرين إما أن يتوب الى الله من معاصيه واما ان يتمادى في طغيانه ويصر على كفره وعصيانه ففي الأول يعافيه الله ويصطفيه وفي الثاني يخلده الله في دار نقمته ولا يؤنسه في رحمته العذاب مصبوب على اهل سخط الله والسخط حال على اهل معصية الله والمعصية لازمة لمن الشيطان له ملازم وإنما يلازم الشيطان من غشى عن ذكر الله فاحذر الغفلة عن ذكر الله فإنها اصل كل بلية وجالبة كل رزية احبه قلبي لا تخيب الامل وهذا اوان اقتراب الاجل فوا اسفا وواحسرتا لقب ح اقترافي وفرط الذلل لقد خاب ظني فيما رجوت وسدت علي وجوه الحيل عسى ترقمون على قصتي غفرانا لذا العبد ذاك الذلل وكنت احمل ثقل الغرام ولم يبق في عبدكم محتمل وما كنت أحسب أن البعاديبلغ قتلي فها قد قتل فبالله جودوا ولا تبخلوا وحاشاكموا سادتي من بخل فمعروفكم عم كل الورى الى كل دان وقاص وصل فمالي حرمت وكان الوصا ل علي حرام وللغير حل دعاء اللهم بعلمك بحالنا وقدرتك على اصلاحنا ورحمتك التي لم تزل تعاملنا بها منذ خلقنا اتمم علينا نعمتك وأوجب لنا رضاك ورحمتك وأجزل نصيبنا من جزيل لطفك وخفي عنايتك اللهم وفقنا للعمل بموجبات رضاك ولا تحرمنا عطاءك ولا تقطع لنا بنا دونك ولا تخيب رجاءنا فيك ولا تولنا احدا غيرك ولا تحرمنا خيرك يا من خير الدنيا والآخرة في خزائنه واهل السموات والارض مفتقرون لرحمته اللهم اننا ظلمنا انفسنا وأسأنا في معاملتنا وغفلنا عن التيقظ من ذنوبنا حتى غلب على قلوبنا رينها وقد ندمنا على قبح ما فعلنا وارتكبنا وبدا لنا سيئات ما كسبنا اللهم اغفر لنا مغفرة من عندك يحسن لنا بها توفيقك وتكشف بها عنا عذابك وتغشينا بها رحمتك يا من اظهر الجميل ستر القبيح ولم يؤاخذ بالجريرة ولم يهتك السريرة يا حي يا قيوم برحمتك نستغيث لا تكلنا الى انفسنا طرفة عين ولا الى احد من خلفك واصلح لنا شبابنا كله برحمتك يا ارحم الراحمين وصل على محمد خاتم النبيين(1/18)
وعلى آله وصحبه اجمعين وسلم تسليما كبيرا الى يوم الدين
وفى أصلاح البيوت وأعمارها
الواجب على العاقل أن يتبع الدليل ثم لا ينظر فيما لا يجني من مكروه .
مثال أنه قد ثبت بالدليل القاطع حكمة الخالق عز وجل وملكه وتدبيره .
فإذا رأى الإنسان عالماً محروماً وجاهلاً مرزوقاً أوجب عليه الدليل المثبت حكمة الخالق التسليم إليه ونسبة العجز عن معرفة الحكمة إلى نفسه .
فإن أقواماً لم يفعلوا ذلك جهلاً منهم أفتراهم بماذا حكموا .
بفساد هذا التدبير أليس بمقتضى عقولهم أو ما عقولهم من جملة مواهبه .
فكيف يحكم على حكمته وتدبيره ببعض مخلوقاته التي هي بالإضافة إليه أنقص من كل شيء .
ولقد بلغني عن اللعين ابن الراوندي أنه كان جالساً على الجسر وفي يده رغيف يأكله فجازت خيل وأموال فقال : لمن هذه فقيل لفلان الخادم .
فلما مر الخادم رأى شخصاً محتقراً فرمى الرغيف إلى ناحيته وقال : وهذا لفلان ! ما هذه القسمة .
ولو فكر المعترض لبانت له وجوه أقلها جهله بمن يدعي معرفته وقلة تعظيمه له .
وذلك يوجب عليه أشد مما كان فيه من تضييق العيش ولكنه ميراث إبليس حيث اعتقد سوء التدبير في تفضيل آدم عليه السلام .
فالعجب من تلميذ يتعالم على أستاذه ومن مملوك يتيه على سيده .
ومما ينبغي فيه الدليل ولا يلتفت إلى ما جنت الحال أن العلم أشرف مكتسب .
وقد رأى جماعة من الجهلة قلة حظوظ العلماء من الدنيا فأزروا على العلم وقالوا : لا فائدة فيه .
وذلك لجهلهم بمقدار العلم فإن تابع الدليل لا يبالي ما جنى وإنما يبين الاختبار بفقد الغرض .
ولو لم يكن من الدليل على صدق نبينا صلى الله عليه وسلم إلا إعراضه عن الدنيا وتضييق العيش عليه ثم لم يخلف شيئاً وحرم أهله الميراث لكفاه ذلك دليلاً على صدق طلبه لمطلوب آخر .(1/19)
وربما رأى الجاهل قوماً من العلماء يفعلون خطيئة فيزدري على العلم ويدعيه ناقصاً وهذا فليتق الله العاقل وليعمل بمقتضى العقل فيما يأمر به من طاعة الله تعالى والعمل بالعلم .
وليعلم أن الابتلاء في الصبر على فوات المطلوبات وليلزم اتباع الدليل وإن جنى مكروهاً والله الموفق .
((صيد الخاطر_أبو الفرج عبد الرحمن بن علي بن الجوزي))
قدمنا بهذه المقدمة اليقينية لأنى مقدم على هدم أصنام طاغوتية بناها وأسس أركانها إعلام مسموم أرادوا بها أركان الأسرة المسلمة فى مهدها وإلى الله المشتكى .
لآبد للمسلم من تقديم أوامر الله فى أصلاح الجهود قبل تأسيس البيوت وأن يقدم جهده لأصلاح الدين على جميع الجهوذ المبذولة الأخرى .
ولولا ذلك لما قام الدين فى عهد النبى صلى الله عليه وسلم فقد مات وليس فى بيته أموال أو متاع بل درعه كانت مرهونة عند يهودى .
ولو لم يقدم الدين على الدنيا لما أختار أن يكون عبد رسولاً وترك الملك والرسالة معاً كحال نبي الله سليمان عليه السلام الذى كان ملكاً نبياً .
لو لم يقدم الدين على الدنيا لأختار جبلى الذهب والفضة يتبعانه أينما ذهب لما خير عليه الصلاة والسلام .
لو لم يقدم الدين على الدنيا لما بكى سبطاه الحسن والحسين من شدة الجوع .
لو لم يقدم الدين على الدنيا لما طاف بضيفه على جميع بيوته فما وجد غير الماء لو لم يقدم الدين على الدنيا لما ربط الحجرين على بطنه من شدة الجوع .
لو لم يقدم الدين على الدنيا لما ظل بيته ثلاث شهور لا يخبز فيه الخبز
لو لم يقدم الدين على الدنيا لما أكل صلى الله عليه وسلم ردئ التمر .
أليس سنة عن الرسول أن نقدم الدين على الدنيا ولو فقدنا مثله كل ما سلف ذكره ؟؟؟؟
ولكنا لما قدمنا حوائج أنفسنا على مصلحة الدين فقدنا الكثير ضاع منا الحرث والنسل صارت همتنا وهمة أولآدنا ساقطة فى لعاعة علل الرسول بها حديثى الأسلام
أحوال بيوتنا لو تشابهت ببيوت الرسول أليس هذه سنة ؟(1/20)
ولست أدعوا إلى تقشف أو لفظ فضل الله ولكنه توجيه بأن ...
الدين أولاً ::
{قُلْ إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ }الأنعام162
- (قل إن صلاتي ونسكي) عبادتي من حج وغيره (ومحياي) حياتي (ومماتي) موتي (لله رب العالمين)
{وَلاَ تُؤْمِنُواْ إِلاَّ لِمَن تَبِعَ دِينَكُمْ قُلْ إِنَّ الْهُدَى هُدَى اللّهِ أَن يُؤْتَى أَحَدٌ مِّثْلَ مَا أُوتِيتُمْ أَوْ يُحَآجُّوكُمْ عِندَ رَبِّكُمْ قُلْ إِنَّ الْفَضْلَ بِيَدِ اللّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاءُ وَاللّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ }آل عمران73
73 - وقالوا أيضا (ولا تؤمنوا) تصدقوا (إلا لمن) اللام زائدة (تبع) وافق (دينكم) قال تعالى: (قل) لهم يا محمد (إن الهدى هدى الله) الذي هو الإسلام وما عداه ضلال ، والجملة إعتراض (أن) أي بأن (يؤتى أحد مثل ما أوتيتم) من الكتاب والحكمة والفضائل ، وأن مفعول تؤمنوا ، والمستثنى منه أحد قدم عليه المستثنى المعنى: لا تقروا بأن أحدا يؤتى ذلك إلا لمن اتبع دينكم (أو) بأن (يحاجوكم) أي المؤمنون يغلبوكم (عند ربكم) يوم القيامة لأنكم أصح دينا ، وفي قراءة: أأن بهمزة التوبيخ أي إيتاء أحد مثله تقرون به قال تعالى: (قل إن الفضل بيد الله يؤتيه من يشاء) فمن أين لكم أنه لا يؤتى أحد مثل ما أوتيتم (والله واسع) كثير الفضل (عليم) بمن هو أهله
لو كان المقصد تشييد الديار لما لم يتخذ النبى أفخم دار ؟
لو كان المقصد الزرع وغرس الأشجار كيف تركنا النبى بغير أن يجعلنا أفضل من أصحاب الأيكة ؟
لو كان المقصد الدرهم والدولآر لما دعا الرسول لعابدهم بالتعاسة ؟
ولخازنهم وعده الله بالعذاب الأليم ...(1/21)
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِنَّ كَثِيراً مِّنَ الأَحْبَارِ وَالرُّهْبَانِ لَيَأْكُلُونَ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ وَيَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ اللّهِ وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلاَ يُنفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللّهِ فَبَشِّرْهُم بِعَذَابٍ أَلِيمٍ }التوبة34
34 - (يا أيها الذين آمنوا إن كثيراً من الأحبار والرهبان ليأكلون) يأخذون (أموال الناس بالباطل) كالرشا في الحكم (ويصدون) الناس (عن سبيل الله) دينه (والذين) مبتدأ (يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها) أي الكنوز (في سبيل الله) أي لا يؤدون منها حقه للزكاة والخير (فبشرهم) أخبرهم (بعذاب أليم) مؤلم
لذا كان لزاماً علينا أستبانة طريق الإيمان فى تتبع هدى النبي العدنان عليه الصلاة والسلام .
((فصل طريق النبوة ))
الطريق الأمثل الجادة السليمة والطريق القويمة الاقتداء بصاحب الشرع .
والبدار إلى الاستنان به فهو الكامل الذي لا نقص فيه .
فإن خلقاً كثيراً انحرفوا إلى جادة الزهد وحملوا أنفسهم فوق الجهد فأفاقوا في أواخر العمر وإن أقواماً انحرفوا إلى صورة العلم فبالغوا في طلبه فأفاقوا في أواخر قدم وقد فاتهم العمل به .
فطريق المصطفى صلى الله عليه وسلم العلم والعمل والتلطف بالبدن .
كما أوصى عبد الله بن عمر عمرو بن العاص وقال له : إن لنفسك عليك حقاً ولزوجك عليك حقاً .
فهذه هي الطريق الوسطى والقول الفصل .
فأما اليبس المجرد فكم فوت من علم لو حصل نيل به أكثر مما نيل بالعمل .
فإن مثل العالم كرجل يعرف الطريق والعابد جاهل بها فيمشي العابد من الفجر إلى العصر ويقوم العالم قبيل العصر فيلتقيان وقد سبق العالم فضل شوطه .(1/22)
فإن قال قائل : بين لي هذا قلت : صورة التعبد خدمة لله تعالى وذل له وربما لم يطلع العابد على معنى تلك الصورة لأنه ربما ظن أنه أهل لوجود الكرامة على يده وأنه مستحق تقبيل يده أو إنه خير من كثير من الناس وذلك كله لقة العلم .
وأعني بالعلم فهو أصول العلم لا كثرة الرواية ومطالعة مسائل الخلاف .
فإذا طالع العالم الأصولي سبق هذا العابد بحسن خلق ومداراة الناس وتواضعه في نفسه فيعسر هذا على العابد وهو في ليل جهله بالحال راقد .
ربما تزوج العابد ثم حمل نفسه على التجفف فحبس زوجته عن مطلوب ولم يطلقها وصار كالتي حبست الهرة فلا هي أطعمتها ولا هي أرسلتها تأكل من خشاش الأرض .
ومن تأمل حالة الرسول صلى الله عليه وسلم رأى كاملاً من الخلق يعطي كل ذي حق حقه .
فتارة يمزح وتارة يضحك ويداعب الأطفال ويسمع الشعر ويتكلم بالمعاريض ويحسن معاشرة النساء ويأكل ما قدر عليه وأتيح له وإن كان لذيذاً كالعسل .
ويستعذب له الماء ويفرش له في الظل ولم ينكر ذلك .
ولم يسمع عنه ما حدث بعده من جهال المتصوفة والمتزهدين ومن منع النفس شهواتها على الإطلاق .
فقد كان يأكل البطيخ بالرطب ويقبل ويمص اللسان ويطلب المستحسنات .
فأما أكل خبز الشعير ووزن المأكول وتجفيف البدن وهجر كل مشتهى فإنه تعذيب للنفس وهدم للبدن لا يقتضيه عقل ولا يمدحه شرع .
وإنما اقتنع أقوام بالقليل لأسباب مثل أن حدثت شبهة فتقللوا أو اختلط طعام بطعام فتورعوا .
فعليك بطريقته التي هي أكمل الطرق وبشرعته التي لا شوب فيها .
ودع حديث فلان وفلان من الزهاد واحمل أمرهم على أحسن محمل وأقم لهم الأعذار مهما قدرت .
فإن لم تجد عذراً فهم محجوجون بفعله إذ هو قدوة الخلق وسيد العقلاء .
وهل فسد الناس إلا بالإنحراف عن الشريعة .
ولقد حدثت آفات من المتصوفة والمتزهدين خرقوا بها شبكة الشريعة وعبروا فمنهم من يدعي المحبة والشوق ولا يعرف المحبوب .(1/23)
فتراه يصيح ويستغيث ويمزق ثيابه ويخرج عن حد الشرع بدعواه ومضمونها .
ومنهم من حمل على نفسه بالجوع والصوم الدائم وقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال لعبد الله بن عمرو : صم يوماً وأفطر يوماً فقال أريد أفضل من ذلك فقال : لا أفضل .
وفيهم من خرج إلى السياحة فأفات نفسه الجماعة وفيهم من دفن كتب العلم وقعد يصلي ويصوم ولم يعلم أن دفنها خطأ قبيح لأن النفس تغفل وتحتاج إلى التذكير في كل وقت ونعم المذكر كتب العلم .
وإنما دخل إبليس على كل قوم منهم من حيث قدر وكان مقصوده بدفن الكتب إطفاء المصباح ليس العابد في الظلمة .
وما أحسن ما قال بعض العلماء لرجل سأله فقال : أريد أن أمضي إلى جبل الآكام فقال هذه - هوكلة - وهذه كلمة عامية معناها حب البطالة .
وعلى الحقيقة الزهاد في مقام الخفافيش قد دفنوا أنفسهم بالعزلة عن نفع الناس وهي حالة حسنة إذا لم تمنع من خير من جماعة وأتباعة جنازة وعيادة مريض .
إلا أنها حالة الجبناء فأما الشجعان فهم يتعلمون ويعلمون .
وهذه مقامات الأنبياء عليهم السلام .
أترى كم بين العابد إذا نزلت به حادثة وبين الفقيه .
بالله لو مال الخلق إلى التعبد لضاعت الشريعة .
على أنه لو فهم معنى التعبد لم يقتصر به على الصلاة والصوم فرب ماش في حاجة مسلم فضل تعبده ذلك على صوم سنة .
والعمل بالبدن سعي الآلات الظاهرة والعلم سعي الآلات الباطنة من العقل والفكر والفهم فلذلك كان أشرف .
فإن قلت : كيف تذم المعتزلين للشر وتنفي عنهم التعبد قلت : ما أذمهم بل حدثت منهم حوادث اقتضاها الجهل من الدعاوي والآفات التي سببها قلة العلم وحملوا على أنفسهم التي حتى أن أحدهم يرى أن فعل ما يؤذي النفس على الإطلاق فضيلة وحتى قال بعض الحمقى : دخلت الحمام فوجدت غفلة فآليت أن لا أخرج حتى أسبح كذا وكذا تسبحية فطال الأمر فمرضت .(1/24)
وهذا رجل خاطر بنفسه في فعل ما ليس له ومن المتصوفة والزهاد من قنع بصورة اللباس وركب من الجهل في الباطن ما لا يسعه كتاب .
طهر الله الأرض منهم وأعان العلماء عليهم .
فإن أكثر الحمقى معهم فلو أنكر عالم على أحدهم مال العوام على العالم بقوة الجهل .
ولقد رأيت كثيراً من المتعبدين وهو في مقام العجائز يسبح تسبيحات لا يجوز النطق بها ويفعل في صلاته ما لم ترد به السنة .
ولقد دخلت يوماً على بعض من كان يتعبد وقد أقام إماماً وهو خلفه في جماعة يصلي بهم صلاة الضحى ويجهر فقلت لهم : إن النبي صلى الله عليه وسلم قال : صلاة النهار عجماء فغضب ذلك الزاهد وقال : كم ينكر هذا علينا ! .
وقد دخل فلان وأنكر فلان وأنكر نحن نرفع أصواتنا حتى لا ننام .
فقلت : واعجباً ومن قال لكم لا تناموا أليس في الصحيحين من حديث ابن عمرو أن النبي صلى الله عليه وسلم قال به : ولقد شاهدت رجلاً كان يقال له حسين القزويني بجامع المنصور وهو يمشي في الجامع مشياً كثيراً دائماً فسألت ما السبب في هذا المشي فقيل لي حتى لا ينام .
وهذه كلها حماقات أوجبتها قلة العلم لأنه إذا لم تأخذ النفس حظها من النوم اختلط العقل وفات المراد من التعبد لبعد الفهم .
ولقد حدثني بعض الصالحين المجاورين بجامع المنصور أن رجلاً اسمه كثير دخل عليهم الجامع فقال : إني عاهدت الله على أمر ونقضته وقد جعلت عقوبتي لنفسي أن لا آكل شيئاً أربعين يوماً قال : فمكث منها عشرة أيام قريب الحال يصلي في جماعة ثم في العشر الثاني بان ضعفه وكان يداري الأمر ثم صار في العشر الثالث يصلي قاعداً ثم استطرح في العشر الرابع فلما تمت الأربعون جيء بنقوع فشربه فسمعنا صوته في حلقه مثل ما يقع الماء على المقلاة ثم مات بعد أيام .
فقلت : يا الله العجب انظروا ما فعل الجهل بأهله ظاهر هذا أنه في النار إلا أن يعفى عنه .
ولو فهم العلم وسأل العلماء لعرفوه أنه يجب عليه أن يأكل وأن ما فعله بنفسه حرام .(1/25)
ولكن من أعظم الجهل استبداد الإنسان بعلمه وكل هذه الحوادث نشأت قليلاً قليلاً حتى تمكنت .
فأما الشرب الأول فلم يكن فيه من هذا شيء وما كانت الصحابة تفعل شيئاً من هذه الأشياء وقد كانوا يؤثرون ويأكلون دون الشبع ويصبرون إذا لم يجدوا .
فمن أراد الاقتداء فعليه برسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه ففي ذلك الشفاء والمطلوب .
ولا ينبغي أن يخلد العاقل إلى تقليد معظم شاع اسمه فيقول : قال : فلان أو قال علاّن فإن المقلد أعمى .
وكم قد رأينا أعمى يأنف من حمل عصا فمن فهم هذا المشار إليه طلب الأفضل والأعلى . ))
إن كلام الدين لو حفظه اللسان أو خزن فى الرأس تبقى حقيقته ضائعة وغائبة لأن حقيقته هى العمل به والقيام عليه وهى بمثابة الروح من الجسد أعمال الدين والجهود المبذولة لتحصيل ذلك هى الروح من الدين .
ولآبد أن تنبض هذه الروح فى بيوتنا وأولآدنا وزوجاتنا حتى يعينونا على تحمل المسؤلية .
ودعوتهم تكون بالحكمة والدعاء والبكاء .
وننشئ الأولآد على كلمة التوحيد فهى أول ما ينطق بها الصغير .
ويقول النبي صلى الله عليه وسلم ( مروا أولآدكم بالصلاة وهم أبناء سبع واضربوهم عليها لعشر وفرقوا بينهم فى المضاجع ) .
ويقول :: ( أدبوا أولآدكم على ثلاث خصال . حب نبيكم وحب آل بيته وتلاوة القرآن فإن حملة القرآن فى ظل عرش الرحمن يوم لآ ظل إلا ظله مع أنبيائه وأصفيائه ) .
ويقول صلى الله عليه وسلم :: ( الرجل راعٍ فى أهله ومسئول عن رعيته والمرأة راعية فى بيت زوجها ومسئولة عن رعيتها )
ويقول : ( لأن يؤدب الرجل ولده خيراً له من أن يتصدق بصاع )
ويقول : ( رحم الله والداً أعان ابنه على بره )
وأورد أهل السير أن رجلاً جاء لعمر بن الخطاب رضى الله عنه يشتكيه عقوق ولده . فأحضر عمر الولد وأنبه على عقوقه لأبيه ونسيانه لحقوقه .
فقال الولد : يا أمير المؤمنين أليس للولد حقوق على أبيه ؟
فقال عمر : نعم أن ينتقى أسمه ويعلمه الكتاب ( القرآن )(1/26)
فقال الولد : يا أمير المؤمنين أن أبى لم يفعل شيئاً من ذلك وأما أمى فزنجية . وقد سمانى جعلاً ( خنفساء ) ولم يعلمنى من الكتاب حرفاً .
فالتفت عمر ألى الرجل وقال : جئت تشكو عقوق ولدك وقد عققته قبل ان يعقك وأسأت إليه قبل أن يسئ إليك ؟
وكذلك جاء فى الأثر أن سيدنا معاوية رضي الله تعالى عنه غضب على أبنه يزيد فأرسل إلى الأحنف بن قيس ليسأله عن رأيه فقال: هم ثمار قلوبنا وعماد ظهورنا ونحن لهم أرض ذليلة وسماءاً ظليلة .فأن طلبوا فأعطهم وإن غضبوا فأرضهم .فأنهم يمنحونك ودهم ويحبونك جهدهم ولا تكن عليهم ثقيلا فيملوا حياتك ويتمنوا وفاتك .
على قلعة من هذه الدار
نساق عنها بإمساء وإبكار
( نبكي ونندب آثار الذين مضوا
وسوف تلحق آثار بآثار
( طالت عمارتنا الدنيا على غرر
ونحن نعلم أنا غير عمار
( يا من يحث بترحال على عجل
ليس المحلة غير الفوز من نار
( فاترك مفاخرة الدنيا وزينتها
يوم القيامة يوم الفخر والعار
وأورد الأمام أبن الجوزي فى تبصرته قصة مؤثرة ذكر فيها ...(1/27)
أن فتى كان على عهد الحسن وكان مفرطا في حق الله عز وجل فبينا هو كذلك في تفريطه أخذه الله بالمرض أخذة شديدة فلما آلمه الوجع نادى بصوت منكسر محزون إلهي وسيدي أقل عثرتي وأقمني من صرعتي فإني لا أعود فأقامه الله من صرعته فرجع إلى أشد مما كان فيه فأخذه الله أخذة ثالثة فقال إلهي أقلني عثرتي وأقمني من صرعتي فإني لا أعود أبداً فأقامه الله من صرعته فرجع إلى أشد مما كان فبينما هو مار في بعض أيامه إذ نظر إليه الحسن يضرب بأردانه وينظر في أعطافه فقال يا فتى خف الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك فقال إليك عني يا أبا سعيد فإنا أحداث نريد أن نذوق الدنيا فقال الحسن كأنكم بالموت قد نزل بساحة هذا الشاب فرضه رضا فبينما الحسن في مجلسه إذ أقبل أخو الفتى إليه فقال يا أبا سعيد إن الفتى الذي كنت تعظه هو أخي وقد وقع في سكرات الموت وغصصه فقال الحسن لأصحابه قوموا ننظر ما فعل الله به فلما أقبل الحسن قرع الباب فقالت أمه من بالباب فقال الحسن فقالت يا أبا سعيد مثلك يأتي إلى مثل ولدي أي شيء تعمل على باب ولدي وولدي لم يترك ذنبا إلا ركبه ولا محرما إلا انتهكه فقال استأذني لنا عليه فإن ربنا سبحانه يقيل العثرات فقالت يا بني هذا الحسن بالباب فقال يا أماه أترى جاءني الحسن عائدا أو موبخا افتحي له الباب ففتحت له فدخل فلما نظر إليه يعالج سكرات الموت قال له يا فتى استقل الله يقلك فقال يا أبا سعيد إنه لا يفعل قال أو تصف الله بالبخل ؟؟(1/28)
وهو الجواد الكريم فقال يا أبا سعيد إني عصيته فاستقلته فأقالني فعصيته فأمرضني فاستقلته فأقالني وهذه الخامسة فلما استقلته نادى مناد من زاوية البيت أسمع الصوت ولا أرى الشخص لا لبيك ولا سعديك قد جربناك مرارا فوجدناك غدارا فقال الحسن لأصحابه قوموا بنا فلما أن خرج الحسن قال لأمه هذا الحسن قد أيسني من سيدي وسيدي يقبل التوبة عن عباده ويعفو عن السيئات يا أماه إذا رأيتيني وقد تحول السواد بياضاً ورشح للموت جبيني وغارت العينان واصفر البنان وانقطع اللسان فخذي المدرعة من تحت رأسي وضعي خدي على الثرى واستوهبيني من سيدي فإن سيدي يقبل التوبة فلما نظرت إليه يعالج سكرات الموت أخذت المدرعة من تحت رأسه ووضعت خده على التراب وشدت وسطها بحبل من ليف ورفعت رأسها نحو السماء ثم نادت إلهي وسيدي أسألك بالرحمة التي رحمت بها يعقوب فجمعت بينه وبين ولده وأسألك بالرحمة التي رحمت بها أيوب فكشفت عنه البلاء إلا ما رحمت ولدي ووهبت لي ذنبه وسمع الحسن هاتفاً يقول إن الله تعالى قد رحم الفتى وهو من أهل الجنة فحضر الحسن وجميع أصحابه جنازته يا أهل الذنوب لا يغرنكم الإمهال فإنما هي أيام وليال رب مشغول بلذاته عن ذكر تخريب ذاته يلهو بأمله عن تجويد عمله يتقلب في أغراضه ناسياً قرب إمراضه بغته الفاجع بباسه فأخذ عن أهله وجلاسه
سجع على قوله تعالى
( ذرهم يأكلوا ويتمتعوا ويلههم الأمل ) كم مأخوذ على الزلل ختم له بسوء العمل نزل به الموت فيا هول ما نزل فأسكنه القبر فكأن لم يزل وهذا مصير الغافل لو غفل ( ذرهم يأكلوا ويتمتعوا ويلههم الأمل )(1/29)
كم نائم على فراش التقصير مغتر بعمر قصير صاح به فلم يبال النذير فاستلبه الخطأ والتبذير فلما أحس الباس ثارت من نيران الندم شعل ( ذرهم يأكلوا ويتمتعوا ويلههم الأمل ) كم مستحل شراب الهوى شرب من كأسه حتى ارتوى بينا هو على جادة إعراضه هوى فما نفعه عند الموت ما حوى ولا ما شرب ولا ما أكل ( ذرهم يأكلوا ويتمتعوا ويلههم الأمل ) لا تغترر بنعيم القوم فإن غداً بعد اليوم دعهم فما يؤثر فيهم اللوم وهل ينفع التحريك ميتاً وهل ( ذرهم يأكلوا ويتمتعوا ويلههم الأمل ) يجمعون الحطام بكسب الحرام ويتفكرون في نصب شرك الآثام والناس نيام يرقدون في الليل وفكرهم في الويل طويل لا ينام والأقدام فيما لا يحل إقدام تسعى في هواها سعي الرمل ( ذرهم يأكلوا ويتمتعوا ويلههم الأمل ) ما عندهم خبر من الساعة والعمر يمضي ساعة فساعة خسروا في أشرف تجارة وأغلى بضاعة يتثاقلون تثاقل عطارد في الطاعة فإذا لاح الذنب فزحل ( ذرهم يأكلوا ويتمتعوا ويلههم الأمل ) كيف بكف يعيا ويعيث كيف نحذرها شر الخطايا وكل فعلها خبيث كيف نخوفها قليل الذنب ولسان الحال يستغيث أنا الغريق فما خوفي من البلل ( ذرهم يأكلوا ويتمتعوا ويلههم الأمل ) وصلى الله على محمد وآله وصحبه وسلم
أخوتى مهلاً مهلاً .
إلى كل مسلم ومسلمة أباً وأماً لنا هذه الوقفة .
أين بيوتنا من إقامة أمر الله ؟
وأين هي من سنة رسول الله ؟
أين هي من كل ما قدمنا وذكرنا ؟
هل جالس الأب أسرته ولو لمرة واحدة فى الأسبوع يتشاور فيها مع أهل بيته ويتدارسا أوامر الله ؟
ونقول أن هناك جهود مبذولة لإصلاح بيوت المسلمين عجباُ
ما من رجل إلا وقد جلس فى حجر امرأة وتربى فيه ورضع من ثديها وله عاطفة نحوها . لو عند نساءنا عاطفة الدين والآخرة لربت أولادها على ذلك و لأعدتهم وهم صغار لذلك .
الخنساء عندما أتاها خبر استشهاد أحد أولادها قالت : إنما أرضعته لذلك ومن أجل هذا اليوم أنا أعددته وعند الله احتسبته 0(1/30)
ومن المعروف أن ممن شارك فى قتل فرعون هذه الأمة أبو جهل لعنة الله تعالى عليه فتيان هما معاذ بن عفراء ومعاذ بن عمرو بن الجموح وكان ذاك فى غزوة بدر . وكان سيدنا عبد الرحمن بن عوف قد تعجب من أصرارهما على القتال رغم حداثة عمريهما وسألهما عن سبب هذا الإصرار فقالا نريدا قتل من سب وآذى رسول الله صلى الله عليه وسلم .
وقفة .
من زرع فى قلبيهما حب الرسول والتضحية بالنفس لهذا الدين ؟
بأن يقفا وهم صغار فى وطيس المعركة وظلال السيوف وتطاير السهام والرماح
من علمهما حب الرسول لهذه الدرجة وتعظيمه وتوقيره ؟
من غير أم واعية على دراية بمتطلبات الوقت الراهن وأب شفيق على الأجرة حريص حتى قال الرسول فى أحد أبويهما (والله لكأنى أرى عمرو فى الجنة يمشى بقدمه صحيحة ) هذا لما أشترك فى الجهاد رغم أنه أعرج مرفوع عنه الحرج . الله الله فى رجال ونساء صدقوه .
( هذه حقيقة أخوتي لا مشهد تمثيلي سيعودان للحياة بعد الانتهاء من إخراجه )
ورب الكعبة دور الأم خطير ودور الرجل أخطر 0
نرى فى زماننا هذا ناعقين قد نادوا بتنظيم النسل أو تحديده وسؤال أطرحه .
هل يملك أب أو أم فعل هذا ؟
هل يستطيع أحد أن يغير ما قدره الله ؟
هل يملك أحد هذا إلا الله ؟
لن تغيرا ما قدر الله ولن ينالكم غير معصية الله
أسمع لقول الحق وهو يرد قول كل مكابر ومعاند ....
{قُلْ تَعَالَوْاْ أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلاَّ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئاً وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً وَلاَ تَقْتُلُواْ أَوْلاَدَكُم مِّنْ إمْلاَقٍ نَّحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ وَلاَ تَقْرَبُواْ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَلاَ تَقْتُلُواْ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللّهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ }الأنعام151(1/31)
قل -أيها الرسول- لهم: تعالوا أتل ما حرم ربكم عليكم: أن لا تشركوا معه شيئًا من مخلوقاته في عبادته, بل اصرفوا جميع أنواع العبادة له وحده, كالخوف والرجاء والدعاء, وغير ذلك, وأن تحسنوا إلى الوالدين بالبر والدعاء ونحو ذلك من الإحسان, ولا تقتلوا أولادكم مِن أجل فقر نزل بكم; فإن الله يرزقكم وإياهم, ولا تقربوا ما كان ظاهرًا من كبير الآثام, وما كان خفيًّا, ولا تقتلوا النفس التي حرم الله قتلها إلا بالحق, وذلك في حال القصاص من القاتل أو الزنى بعد الإحصان أو الردة عن الإسلام, ذلكم المذكور مما نهاكم الله عنه, وعهد إليكم باجتنابه, ومما أمركم به, وصَّاكم به ربكم; لعلكم تعقلون أوامره ونواهيه.
{وَلاَ تَقْتُلُواْ أَوْلادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلاقٍ نَّحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُم إنَّ قَتْلَهُمْ كَانَ خِطْءاً كَبِيراً }الإسراء31
وإذا علمتم أن الرزق بيد الله سبحانه فلا تقتلوا -أيها الناس- أولادكم خوفًا من الفقر؛ فإنه -سبحانه- هو الرزاق لعباده، يرزق الأبناء كما يرزق الآباء، إنَّ قَتْلَ الأولاد ذنب عظيم.
يقول قائلهم أريد لهم الحياة الكريم ...ويقول الحق تبارك وتعالى ..
{قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ قَتَلُواْ أَوْلاَدَهُمْ سَفَهاً بِغَيْرِ عِلْمٍ وَحَرَّمُواْ مَا رَزَقَهُمُ اللّهُ افْتِرَاء عَلَى اللّهِ قَدْ ضَلُّواْ وَمَا كَانُواْ مُهْتَدِينَ }الأنعام140
قد خسر وهلك الذين قتلوا أولادهم لضعف عقولهم وجهلهم, وحرموا ما رزقهم الله كذبًا على الله. قد بَعُدوا عن الحق, وما كانوا من أهل الهدى والرشاد. فالتحليل والتحريم من خصائص الألوهية في التشريع, والحلال ما أحله الله, والحرام ما حرَّمه الله, وليس لأحد من خَلْقه فردًا كان أو جماعة أن يشرع لعباده ما لم يأذن به الله.
نقول له وهل ملكت أنت كرامة حياتك ؟(1/32)
ولو رزقت كرامة الحياة هل تحب أن يكون لك من الولد مثل ما كان لعلى بن أبى طالب رضى الله عنه ثلاث وثلاثون من البنين والبنات ؟
أو مثل الفاروق عمر وكان له خمسة وعشرون من الولد
أو للمجاهد سيف الله المسلول ورغم أنشغاله بالفتوحات كان له من الولد ثلاث وثمانون .
ضللوك وخدعوك وغشوك هل طولبت اليابان رغم صغر مساحتها بتحديد النسل أو تنظيمه ؟
ما طولبت أمة بتحديد نسلها غير أمة الإسلام لأني أحسب أنهم سبقوك فى فهم نصوصك وكتابك فى ظل لهثك أنت خلف موضاتهم ومستحدثاتهم ورياضاتهم 0
وقد قال الحق فيها ....
{إَنَّ الَّذِينَ لاَ يَرْجُونَ لِقَاءنَا وَرَضُواْ بِالْحَياةِ الدُّنْيَا وَاطْمَأَنُّواْ بِهَا وَالَّذِينَ هُمْ عَنْ آيَاتِنَا غَافِلُونَ }يونس7
إن الذين لا يطمعون في لقائنا في الآخرة للحساب, وما يتلوه من الجزاء على الأعمال لإنكارهم البعث, ورضوا بالحياة الدنيا عوضًا عن الآخرة, وركنوا إليها, والذين هم عن آياتنا الكونية والشرعية ساهون.
{يَعْلَمُونَ ظَاهِراً مِّنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ عَنِ الْآخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ }الروم7
(يعلمون ظاهراً من الحياة الدنيا) معايشها من التجارة والزراعة والبناء والغرس وغير ذلك (وهم عن الآخرة هم غافلون) إعادة هم تأكيد
وإنما يعلمون ظواهر الدنيا وزخرفها, وهم عن أمور الآخرة وما ينفعهم فيها غافلون, لا يفكرون فيها.
تزعم خوفك على ضياع الولد ؟
لو أعطيتك الحل لذلك تتشبث به ولا تكابر أو تعاند ؟
إن كانت أجابتك بنعم فاقرأ الآية وإلا أقيمها على وعليك حجة أنى قد بلغت وأنت قد قرأت وسمعت وها هى الآية ....
{وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُواْ مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعَافاً خَافُواْ عَلَيْهِمْ فَلْيَتَّقُوا اللّهَ وَلْيَقُولُواْ قَوْلاً سَدِيداً }النساء9(1/33)
ولْيَخَفِ الذين لو ماتوا وتركوا من خلفهم أبناء صغارًا ضعافًا خافوا عليهم الظلم والضياع, فليراقبوا الله فيمن تحت أيديهم من اليتامى وغيرهم, وذلك بحفظ أموالهم, وحسن تربيتهم, ودَفْع الأذى عنهم, وليقولوا لهم قولا موافقا للعدل والمعروف.
(( هل شيدوا لهم القصور أو بنوا لهم الدور ؟
هل كدثوا لهم البنوك بالأرصدة ؟
والتى غالباً ما ينفقونها فى المراقص وعلى المسكرات والمخدرات .
لا والله أرضوا الله تعالى فرحمهم الله وزادهم أن حفظ تعالى أولآدهم . كما تبين الأية الآتية بفضل الله .
{وَأَمَّا الْجِدَارُ فَكَانَ لِغُلَامَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي الْمَدِينَةِ وَكَانَ تَحْتَهُ كَنزٌ لَّهُمَا وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحاً فَأَرَادَ رَبُّكَ أَنْ يَبْلُغَا أَشُدَّهُمَا وَيَسْتَخْرِجَا كَنزَهُمَا رَحْمَةً مِّن رَّبِّكَ وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي ذَلِكَ تَأْوِيلُ مَا لَمْ تَسْطِع عَّلَيْهِ صَبْراً }الكهف82
وأما الحائط الذي عدَّلتُ مَيْلَه حتى استوى فإنه كان لغلامين يتيمين في القرية التي فيها الجدار، وكان تحته كنز لهما من الذهب والفضة، وكان أبوهما رجلا صالحًا، فأراد ربك أن يكبَرا ويبلغا قوتهما، ويستخرجا كنزهما رحمة من ربك بهما، وما فعلتُ يا موسى جميع الذي رأيتَني فعلتُه عن أمري ومن تلقاء نفسي، وإنما فعلته عن أمر الله، ذلك الذي بَيَّنْتُ لك أسبابه هو عاقبة الأمور التي لم تستطع صبرًا على ترك السؤال عنها والإنكار عليَّ فيها.
أتعبتك الحجة ؟
ولكن حسبي أن لا تكون مما قال الله فيهم .
{وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيِهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللّهُ لاَ يُحِبُّ الفَسَادَ }البقرة205
- (وإذا تولى) انصرف عنك (سعى) مشى (في الأرض ليفسد فيها ويهلك الحرث والنسل) من جملة الفساد (والله لا يحب الفساد) أي لا يرضى به(1/34)
{وَلِلّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَإِلَى اللّهِ تُرْجَعُ الأُمُورُ }آل عمران109
ولله ما في السموات وما في الأرض, ملكٌ له وحده خلقًا وتدبيرًا, ومصير جميع الخلائق إليه وحده, فيجازي كلا على قدر استحقاقه
{وَللّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَكَانَ اللّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ مُّحِيطاً }النساء126
ولله جميع ما في هذا الكون من المخلوقات, فهي ملك له تعالى وحده. وكان الله تعالى بكل شيء محيطًا, لا يخفى عليه شيء من أمور خلقه.
وها هو خطاب الدابة .
{وَمَا مِن دَآبَّةٍ فِي الأَرْضِ وَلاَ طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلاَّ أُمَمٌ أَمْثَالُكُم مَّا فَرَّطْنَا فِي الكِتَابِ مِن شَيْءٍ ثُمَّ إِلَى رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ }الأنعام38
ليس في الأرض حيوان يَدِبُّ على الأرض أو طائر يطير في السماء بجناحيه إلا جماعات متجانسة الخلق مثلكم. ما تركنا في اللوح المحفوظ شيئًا إلا أثبتناه, ثم إنهم إلى ربهم يحشرون يوم القيامة, فيحاسب الله كلا بما عمل.
{وَمَا مِن دَآبَّةٍ فِي الأَرْضِ إِلاَّ عَلَى اللّهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا كُلٌّ فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ }هود6
لقد تكفَّل الله برزق جميع ما دبَّ على وجه الأرض, تفضلا منه, ويعلم مكان استقراره في حياته وبعد موته, ويعلم الموضع الذي يموت فيه, كل ذلك مكتوب في كتاب عند الله مبين عن جميع ذلك.
(جدوا فإن الأمر جد
وله أعدوا واستعدوا
( لا يستقال اليوم إن
ولى ولا للأمر رد
( لا تغفلن فإنما
آجالكم نفس يعد
( وحوادث الدنيا تروح
عليكم طورا وتغدو
( أين الأولى كنا نرى
ماتوا ونحن نموت بعد
( مالي كأن مناي يبسط
لي وآمالي تمد
( ما غفلتي عن يوم يجمع
شرتي كفن ولحد
( ضيعت ما لا بدلي
منه بمالي منه بد
( ما نحن فيه متاع أيام
يعار ويسترد
( إن كان لا يعنيك ما
يكفي فما يعنيك جد
( هون عليك فليس كل الناس يعطى ما يود
( وتوق نفسك في هواك(1/35)
فإنها لك فيه ضد
( من كان متبعاً هواه
فإنه لهواه عبد
اخواني: قيّدوا هذه النفوس بزمام، وازجروا، هذه القلوب عن الآثام، واقرؤوا صحف العبر بألسنة الأفهام. يا من أجله خلفه وأمله قدّام، يا مقتحما على الجرائم أيّ اقتحام، انتبهوا يا نوّام، كم ضيّعتم من أعوام، الدنيا كلها منام، وأحلى ما فيها أضغاث أحلام، غير أن عقل الشيخ فيها الغلام، فكل من قهر نفسه فهو الهمام. هذه الغفلة قد تناهت، والمصائب قد تدانت، فانّا لله وانا اليه راجعون، والسلام.
مرّ عيسى عليه السلام على قرية، فوجد كل من فيها أمواتا، وهم مطروحون على وجوههم في الأزقّة، فتعجّب عيسى عليه السلام من ذلك، وقال: يا معشر الحواريين، ان هؤلاء القوم قد ماتوا على سخط وغضب، ولو ماتوا على رضا من الله، لدفن بعضهم بعضا. فقالوا: يا روح الله، وددنا أن نعرف قضيّتهم وخبرهم. قال: فسأل الله عز وجل في ذلك، فأوحى الله اليه: اذا كان الليل نادهم، فانهم يجيبونك.
فلما كان من الليل، صعد عيسى على شرف ونادى: يا أهل القرية، فأجابه مجيب من بينهم: لبيّك يا روح الله، فقال: ما قضيتكم, وما خبركم؟ فقال: يا روح الله، بتنا في عافية، وأصبحنا في هاوية. قال: ولم ذلك؟ قال: لحبنا في الدنيا، وطاعة لأهل المعاصي، ولم نأمر بالمعروف، ولم ننه عن المنكر. فقال له عيسى عليه السلام: كيف كان حبكم للدنيا؟ قال: كحبّ الصبي لأمه؛ اذا أقبلت فرحنا، واذا أدبرت جزنّا وبكينا. فقال له عيسى عليه السلام: يا هذا: ما بال أصحابك لم يجيبوني؟ قال: انهم ملجمون بلجام من النار بأيدي ملائكة غلاظ شداد. قال: وكيف أجبتني أنت من بينهم؟ قال: اني كنت فيهم، ولم أكن منهم، فلما نزل بهم العذاب لحقني معهم، فأنا الآن معلّق على شفير جهنّم، لا أدري: أنجو منها، أم أكبّ فيها.
أعاذنا الله هنا.(1/36)
يا من يسير بعمره وقد تعدّى الحدود، ابك على معصيتك فلعلك مطرود. يا من عمره ينتهب وليس الماضي يعود، قد أسمعتك المواعظ من ارشادها نصحا، وأخبرك الشيب أنك بالموت تقصد وتنحّا، ونادلك لسان الاعتبار:{ يا أيها الانسان انك كادح الى ربك كدحا} الانشقاق 6.
وأنشدوا:
لما نقضى زمن التواصل والرضا قد صرت تطلب ردّ أمر قد مضى
هلا أتيت ووقت وصلك ممكن وبياض شيبك في العوارض ما أضا
يا أخي: هذا أوان الرجوع والاستغفار والاقلاع عن الذنوب والأوزار. " من بلغ أربعين سنة ولم يغلب خيره على شره، فليتجهز الى النار".
وأنشدوا:
أتيتك راجيا يا ذا الجلال ففرّج ما ترى من سوء حالي
عصيتك سيّدي ويلي بجهلي وعيب الذنب لم يخطر ببالي
الى من يشتكي المملوك الا الى مولاه يا مولى الموالي
فويلي لم أمي لم تلدني ولا أعصيك في ظلم الليالي
وها أنا ذا عبيدك عبد سوء ببابك واقف يا ذا الجلال
فان عاقبت يا ربي فاني محق بالعذاب وبالنكال
وان تعفو فعفوك أرتجيه يحسن ان عفوت قبيح حالي
يقول الله عز وجل: يا عبادي، أما علمتم أني جعلت الدنيا دار تكليف وامتحان، وأني لا أخص بمنازل الفضل والاحسان الا من تاب اليّ فيها عن مواطن الزلات والعصيان، فما لكم ما أتيتم لبابي، ولا رغبتم في جزيل فضلي وثوابي، ولا خفتم من أخذي وعقابي؟.
فيا من جلّت غفلته، وطالت سكرته، تأمّل عطف الموالي عليك، واحسانه اليك. فبالله عليكم، حطّوا بالتوبة عن ظهوركم، واغسلوا وجوهكم بقطرات الدموع، واشتملوا بأردية التذلل والخضوع.
وأنشدوا:
ركبت مآثمي فلقيت ذلا وسالت عبرتي طلا ووبلا
وصرت أعاتب القلب المبلا الى من يشتكي المملوك الا
الى مولاه با مولى الموالي فلطفك بي اله العرش أولى ))
الرعية ...الرعية(1/37)
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ }التحريم6
(يا أيها الذين آمنوا قوا أنفسكم وأهليكم) بالحمل على طاعة الله (نارا وقودها الناس) الكفار (والحجارة) كأصنامهمم منها يعني أنها مفرطة الحرارة تتقد بما ذكر لاكنار الدنيا تتقد بالحطب ونحوه (عليها ملائكة) خزنتها عدتهم تسعة عشر كما سيأتي في المدثر (غلاظ) من غلظ القلب (شداد) في البطش (لا يعصون الله ما أمرهم) بدل من الجلالة أي لا يعصون أمر الله (ويفعلون ما يؤمرون) تأكيد والآية تخويف للمؤمنين عن الارتداد وللمنافقين المؤمنين بألسنتهم دون قلوبهم
يا أيها الذين صدَّقوا الله ورسوله وعملوا بشرعه, احفظوا أنفسكم بفعل ما أمركم الله به وترك ما نهاكم عنه, واحفظوا أهليكم بما تحفظون به أنفسكم من نار وقودها الناس والحجارة, يقوم على تعذيب أهلها ملائكة أقوياء قساة في معاملاتهم, لا يخالفون الله في أمره, وينفذون ما يؤمرون به.
{قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ قَتَلُواْ أَوْلاَدَهُمْ سَفَهاً بِغَيْرِ عِلْمٍ وَحَرَّمُواْ مَا رَزَقَهُمُ اللّهُ افْتِرَاء عَلَى اللّهِ قَدْ ضَلُّواْ وَمَا كَانُواْ مُهْتَدِينَ }الأنعام140
قد خسر وهلك الذين قتلوا أولادهم لضعف عقولهم وجهلهم, وحرموا ما رزقهم الله كذبًا على الله. قد بَعُدوا عن الحق, وما كانوا من أهل الهدى والرشاد. فالتحليل والتحريم من خصائص الألوهية في التشريع, والحلال ما أحله الله, والحرام ما حرَّمه الله, وليس لأحد من خَلْقه فردًا كان أو جماعة أن يشرع لعباده ما لم يأذن به الله.
{وَاعْلَمُواْ أَنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلاَدُكُمْ فِتْنَةٌ وَأَنَّ اللّهَ عِندَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ }الأنفال28(1/38)
- (واعلموا أنما أموالكم وأولادكم فتنة) لكم صادَّة عن أمور الآخرة (وأن الله عنده أجر عظيم) فلا تفوتوه بمراعاة الأموال والأولاد والخيانة لأجلهم ونزل في توبته.
واعلموا -أيها المؤمنون- أن أموالكم التي استخلفكم الله فيها, وأولادكم الذين وهبهم الله لكم اختبار من الله وابتلاء لعباده; ليعلم أيشكرونه عليها ويطيعونه فيها, أو ينشغلون بها عنه؟ واعلموا أن الله عنده خير وثواب عظيم لمن اتقاه وأطاعه.
وفى الحديث الشريف ::
( من غشنا فليس منا )
هل الغش المذكور فى الحديث هو فى الأكل والشرب . أو فى البيع والشراء فقط ؟
لا والله لهو من أكبر الغش أن تكون مخادع مع نفسك وأهل بيتك وأولادك ولا تقيم معهم الجهد الذى يبلغكم رضا الله تعالى .
إهمالك الصلاة فى زوجتك وأولادك غش فىالدين
إهمالك للأخلاق فى زوجتك وأولادك غش فى الدين
إهمالك العبادات فى حق زوجتك وأولادك غش فى الدين
عند غضبك لعدم ذهاب الولد للمدرسة ولا تبالى أذهب للمسجد أم لا غش لهم
حرصك على السعادة والراحة لأولادك فى الدنيا وأهمال أسعادهم فى الأخرة غش
ولو تفقدنا حالنا لوجدنا معالم للغش تختلف من حال إلى حال ومن محل إلى محل ومن بيئة وأخرى والله نسأله السلامة .
والحديث الأخر يخبرنا ::
( بايعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم على إقامة الصلاة وإيتاء الزكاة والنصح لكل مسلم ) ......
النصح مفروض كما الصلاة والزكاة تماماً
أما أولى المسلمين بالنصح ولدك؟
أما أولى المسلمين بالنصح زوجك ؟
أما أولى المسلمين بالنصح أهلك وعشيرتك ؟
ألى متى هذه الفريضة ستظل غائبة ؟
متى نوقف ألسنتنا عن أقوال ( وأنا مالى ...ما ليش دعوة ) ؟
بل والله وتالله لنا ولك ما أستئمننا رسول الله صلى الله عليه وسلم عليه
ميراثه وميراث جميع الأنبياء .
لنا الدعوة لهذا الدين ومن لها سوانا ؟ وما لنا سواها(1/39)
{إِلاَّ تَنفِرُواْ يُعَذِّبْكُمْ عَذَاباً أَلِيماً وَيَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ وَلاَ تَضُرُّوهُ شَيْئاً وَاللّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ }التوبة39
- (إلا) بإدغام لا في نون إن الشرطية في الموضعين (تنفروا) تخرجوا مع النبي صلى الله عليه وسلم للجهاد (يعذبكم عذاباً أليماً) مؤلماً (ويستبدل قوماً غيركم) أي يأت بهم بدلكم (ولا تضروه) أي الله أو النبي صلى الله عليه وسلم (شيئا) بترك نصره فإن الله ناصر دينه (والله على كل شيء قدير) ومنه نصر دينه ونبيه
إن لا تنفروا أيها المؤمنون إلى قتال عدوكم ينزلِ الله عقوبته بكم, ويأت بقوم آخرين ينفرون إذ ا استُنْفروا, ويطيعون الله ورسوله, ولن تضروا الله شيئًا بتولِّيكم عن الجهاد, فهو الغني عنكم وأنتم الفقراء إليه. وما يريده الله يكون لا محالة. والله على كل شيء قدير من نصر دينه ونبيه دونكم.
{هَاأَنتُمْ هَؤُلَاء تُدْعَوْنَ لِتُنفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَمِنكُم مَّن يَبْخَلُ وَمَن يَبْخَلْ فَإِنَّمَا يَبْخَلُ عَن نَّفْسِهِ وَاللَّهُ الْغَنِيُّ وَأَنتُمُ الْفُقَرَاء وَإِن تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ }محمد38
- (ها أنتم) يا (هؤلاء تدعون لتنفقوا في سبيل الله) ما فرض عليكم (فمنكم من يبخل ومن يبخل فإنما يبخل عن نفسه) يقال بخل عليه وعنه (والله الغني) عن نفقتكم (وأنتم الفقراء) إليه (وإن تتولوا) عن طاعته (يستبدل قوما غيركم) أي يجعلهم بدلكم (ثم لا يكونوا أمثالكم) في التولي عن طاعته بل مطيعين له عز وجل .(1/40)
ها أنتم -أيها المؤمنون- تُدْعَون إلى النفقة في جهاد أعداء الله ونصرة دينه, فمنكم مَن يَبْخَلُ بالنفقة في سبيل الله, ومَن يَبْخَلْ فإنما يبخل عن نفسه, والله تعالى هو الغنيُّ عنكم وأنتم الفقراء إليه, وإن تتولوا عن الإيمان بالله وامتثال أمره يهلكُّم, ويأت بقوم آخرين, ثم لا يكونوا أمثالكم في التولي عن أمر الله, بل يطيعونه ويطيعون رسوله, ويجاهدون في سبيله بأموالهم وأنفسهم.
وحديثه صلى الله عليه وسلم يخبرنا فيه ::
( خيركم خيركم لأهله )
فهل هذه الخيرية فى الطعام والشراب واللباس فقط ؟
أليس أول الخير أن تكون سبب لنجاتهم ونجاة نفسك من عذاب الله ؟
أليس الخيرية فى أن تكون سبباً لنجاتهم من مساخط الله تعالى ؟
أغلب الأيات فى القرآن تخبرنا بمقصد الخلق ولما أوجدنا الله وعد العلماء الأيات التى تحدثت فى ذلك بأنها أربعة أخماس القرآن .
والخمس المتبقى يتحدث عن العمل وأيضاً بما يبلغ المقصد الأوفى ومثال ذلك ...
أن أول من تسعر بهم النار هم ثلاثة وكان لهم عمل ولكن هذا العمل لم يكن على المقصد الذى من أجله خلقنا
{مَا قُلْتُ لَهُمْ إِلاَّ مَا أَمَرْتَنِي بِهِ أَنِ اعْبُدُواْ اللّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ وَكُنتُ عَلَيْهِمْ شَهِيداً مَّا دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنتَ أَنتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ وَأَنتَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ }المائدة117
قال عيسى عليه السلام: يا ربِّ ما قلتُ لهم إلا ما أوحيته إليَّ, وأمرتني بتبليغه من إفرادك بالتوحيد والعبادة, وكنتُ على ما يفعلونه -وأنا بين أظهرهم- شاهدًا عليهم وعلى أفعالهم وأقوالهم, فلما وفيتني أجلي على الأرض, ورفعتني إلى السماء حيًّا, كنت أنت المطَّلِع على سرائرهم, وأنت على كل شيء شهيد, لا تخفى عليك خافية في الأرض ولا في السماء.(1/41)
{لَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحاً إِلَى قَوْمِهِ فَقَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُواْ اللَّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ إِنِّيَ أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ }الأعراف59
لقد بعثنا نوحًا إلى قومه; ليدعوهم إلى توحيد الله سبحانه وإخلاص العبادة له, فقال: يا قوم اعبدوا الله وحده, ليس لكم من إله يستحق العبادة غيره جل وعلا فأخلصوا له العبادة فإن لم تفعلوا وبقيتم على عبادة أوثانكم, فإنني أخاف أن يحلَّ عليكم عذاب يوم يعظم فيه بلاؤكم, وهو يوم القيامة.
{وَإِلَى عَادٍ أَخَاهُمْ هُوداً قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُواْ اللّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ أَفَلاَ تَتَّقُونَ }الأعراف65
ولقد أرسلنا إلى قبيلة عاد أخاهم هودا حين عبدوا الأوثان من دون الله, فقال لهم: اعبدوا الله وحده, ليس لكم من إله يستحق العبادة غيره جل وعلا فأخلصوا له العبادة أفلا تتقون عذاب الله وسخطه عليكم؟
{وَإِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحاً قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُواْ اللّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ قَدْ جَاءتْكُم بَيِّنَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ هَذِهِ نَاقَةُ اللّهِ لَكُمْ آيَةً فَذَرُوهَا تَأْكُلْ فِي أَرْضِ اللّهِ وَلاَ تَمَسُّوهَا بِسُوَءٍ فَيَأْخُذَكُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ }الأعراف73
ولقد أرسلنا إلى قبيلة ثمود أخاهم صالحًا لمَّا عبدوا الأوثان من دون الله تعالى. فقال صالح لهم: يا قوم اعبدوا الله وحده; ليس لكم من إله يستحق العبادة غيره جل وعلا، فأخلصوا له العبادة, قد جئتكم بالبرهان على صدق ما أدعوكم إليه, إذ دعوتُ الله أمامكم, فأخرج لكم من الصخرة ناقة عظيمة كما سألتم, فاتركوها تأكل في أرض الله من المراعي, ولا تتعرضوا لها بأي أذى, فيصيبكم بسبب ذلك عذاب موجع.(1/42)
{وَإِلَى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْباً قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُواْ اللّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ قَدْ جَاءتْكُم بَيِّنَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ فَأَوْفُواْ الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ وَلاَ تَبْخَسُواْ النَّاسَ أَشْيَاءهُمْ وَلاَ تُفْسِدُواْ فِي الأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاَحِهَا ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ }الأعراف85
ولقد أرسلنا إلى قبيلة "مدين" أخاهم شعيبًا عليه السلام, فقال لهم: يا قوم اعبدوا الله وحده لا شريك له; ليس لكم مِن إله يستحق العبادة غيره جل وعلا فأخلصوا له العبادة, قد جاءكم برهان من ربكم على صِدْق ما أدعوكم إليه, فأدوا للناس حقوقهم بإيفاء الكيل, الميزان, ولا تنقصوهم حقوقهم فتظلموهم, ولا تفسدوا في الأرض -بالكفر والظلم- بعد إصلاحها بشرائع الأنبياء السابقين عليهم السلام. ذلك الذي دعوتكم إليه خير لكم في دنياكم وأخراكم, إن كنتم مصدقيَّ فيما دعوتكم إليه, عاملين بشرع الله.
{وَإِلَى عَادٍ أَخَاهُمْ هُوداً قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُواْ اللّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ إِنْ أَنتُمْ إِلاَّ مُفْتَرُونَ }هود50
وأرسلنا إلى عاد أخاهم هودًا، قال لهم: يا قوم اعبدوا الله وحده, ليس لكم من إله يستحق العبادة غيره جل وعلا، فأخلصوا له العبادة, فما أنتم إلا كاذبون في إشراككم بالله.
{وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولاً أَنِ اعْبُدُواْ اللّهَ وَاجْتَنِبُواْ الطَّاغُوتَ فَمِنْهُم مَّنْ هَدَى اللّهُ وَمِنْهُم مَّنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ الضَّلالَةُ فَسِيرُواْ فِي الأَرْضِ فَانظُرُواْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ }النحل36(1/43)
ولقد بعثنا في كل أمة سبقَتْ رسولا آمرًا لهم بعبادة الله وطاعته وحده وتَرْكِ عبادة غيره من الشياطين والأوثان والأموات وغير ذلك مما يتخذ من دون الله وليًا, فكان منهم مَن هدى الله, فاتبع المرسلين, ومنهم المعاند الذي اتبع سبيل الغيِّ, فوجبت عليه الضلالة, فلم يوفقه الله. فامشوا في الأرض, وأبصروا بأعينكم كيف كان مآل هؤلاء المكذبين, وماذا حلَّ بهم مِن دمار; لتعتبروا؟
ويعرفنا شيخ الأسلام بن تيمية رحمه الله تعالى بالعبودية فيقول ::
العبودية هى لفظ جامع لكل ما يحبه الله تعالى من الأعمال والأقوال والأفعال وهذا والله لهو المقصد من الخلق .
ولنا مثال فى قراءة القرآن والنية من وراء قراءته ....
للهداية ::
{وَلَوْ جَعَلْنَاهُ قُرْآناً أَعْجَمِيّاً لَّقَالُوا لَوْلَا فُصِّلَتْ آيَاتُهُ أَأَعْجَمِيٌّ وَعَرَبِيٌّ قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدًى وَشِفَاء وَالَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ فِي آذَانِهِمْ وَقْرٌ وَهُوَ عَلَيْهِمْ عَمًى أُوْلَئِكَ يُنَادَوْنَ مِن مَّكَانٍ بَعِيدٍ }فصلت44
ولو جعلنا هذا القرآن الذي أنزلناه عليك -أيها الرسول- أعجميًا, لقال المشركون: هلا بُيِّنتْ آياته, فنفقهه ونعلمه, أأعجمي هذا القرآن, ولسان الذي أنزل عليه عربي؟ هذا لا يكون. قل لهم -أيها الرسول- : هذا القرآن للذين آمنوا بالله ورسوله هدى من الضلالة, وشفاء لما في الصدور من الشكوك والأمراض, والذين لا يؤمنون بالقرآن في آذانهم صمم من سماعه وتدبره, وهو على قلوبهم عَمًى, فلا يهتدون به, أولئك المشركون كمن يُنادى, وهو في مكان بعيد لا يسمع داعيًا, ولا يجيب مناديًا.
العمل ::
{الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ وَأُوْلَئِكَ هُمْ أُوْلُوا الْأَلْبَابِ }الزمر18(1/44)
فبشِّر -أيها النبي- عبادي الذين يستمعون القول فيتبعون أرشده. وأحسن الكلام وأرشده كلام الله ثم كلام رسوله. أولئك هم الذين وفقهم الله للرشاد والسداد, وهداهم لأحسن الأخلاق والأعمال, وأولئك هم أصحاب العقول السليمة.
التفكر ::
{أَفَلاَ يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اللّهِ لَوَجَدُواْ فِيهِ اخْتِلاَفاً كَثِيراً }النساء82
أفلا ينظر هؤلاء في القرآن, وما جاء به من الحق, نظر تأمل وتدبر, حيث جاء على نسق محكم يقطع بأنه من عند الله وحده؟ ولو كان مِن عند غيره لوجدوا فيه اختلافًا كثيرًا.
{أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا }محمد24
أفلا يتدبر هؤلاء المنافقون مواعظ القرآن ويتفكرون في حججه؟ بل هذه القلوب مغلَقة لا يصل إليها شيء من هذا القرآن, فلا تتدبر مواعظ الله وعبره.
{بِالْبَيِّنَاتِ وَالزُّبُرِ وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ }النحل44
وأَرْسَلْنا الرسل السابقين بالدلائل الواضحة وبالكتب السماوية, وأنزلنا إليك -أيها الرسول- القرآن; لتوضح للناس ما خفي مِن معانيه وأحكامه, ولكي يتدبروه ويهتدوا به.
من تفكر في قرب رحيله تشاغل بالتزود ولبئس ما صنع بائع نفسه النفسية بالأعراض الخسيسة .
إن الروح في ذاته جوهر لا يتجزأ أو لا يموت وقدره جوهر لا قيمة له وإنما آلات البدن خادمة له تعين على السفر له في زجاجة القلب .
نار كالسراج الحياة ضؤوها والدم دهنها والحركة نورها والشهوة حرارتها والغضب دخانها وقد اتخذ من مقدم الدماغ حارسا ومن وسطه وزيرا ومن مؤخره حافظا وجعل العقل استاذا والحس تلميذا وفرق الأعضاء في خدمته رجالا وركبانا وجعل الدنيا له ميدانا يجول فيه في صف حربه لمحاربة أعدائه فإن غلب قهر كسرى وإن غلب فلا أحد .(1/45)
لما تيقظ تيقظ الأولياء لهذا السفر خاضوا في ظلمات الطبع يقطعونها بأقدام المجاهدة فلاح لهم نور الغيب (كُلَما أَضاءَ لَهُم مَشَوا فيه ) فإذا هم على باب الوصول الفقر حليتهم والليل لذتهم والخشوع صفتهم .
طال حبسهم في الدنيا فضجوا إلى الحبيب فلو انتهبت بالليل سمعت أصوات أهل الحبوس .
يا وُقوفاً ما وَقَفنا في ظِلالِ السَلَماتِ نَتَشاكى ما عِناناً بِكَلامِ العَبَرات أطيار الأشجان في أقفاص الأسرار تصيح من وجدها في الأسحار كلما هدلت حمائم الشجون هطلت عمائم العيون فإذا كان حين تتوفاهم الملائكة فتح القفص عن روح تطلب الروح فتتحير لقرعة (مَن راق ) فيهتف به هاتف الوِدادَ (اِرجَعي إلى رَبِكَ ) فتنسى مرارة الكأس بحلاوة الخطاب فتهون شدائد الموت .
يا بعيدا عنهم : أين أنت منهم لا تحسبن الأمر سهلا نيل سهيل أسهل أتصقل سيفا ليس في سنحه جوهرية أتحمل صعبا مسنا على الرياضة وهل ينهض البازي بغير جناح .
من لم يهتز بيسير الإشارة لم ينفعه كثير العبارة أترى من نبل مواعظي مقرطس بلى ربما وقعت نبلة في قلب حزينن ولم يدر الرامي .
سهم أصاب وراميه بذي سلم سر في السر على أقدام العزيمة وليكن همك الظفر لا الغنيمة فالعز لا يناله جبان وإنّ أكتب الأقلام الأسنة .
انتبه من رقاد الغفلة فقد طلع ضوء الشيب وأسرع في سير الجد فقد رحلت الرفقة وصوت في أودية الأسحار لعلها ترحمك الساقة وتلمح آثار السالكين لعلك تقع على الجادة فإذا لحقت أعراض الركب فقف نفسك على خدمة الإبل فربما دخلت خيمة من أحببت .
فَقُلتَ دَعوني وَاتّباعي رِكابَكُم أَكن طَوعَ أَيديكُم كَما يَفعَل العَبدُ وَما بالُ زَعمي لا يَهونُ عَلَيهِمُ وَقَد عَلِموا أَنّ لَيسَ لي مِنهُم بُدُّ
مع الأولاد
الولد أخوتى نعمة وهبة من الخالق جل وعلا .
الولد أخوتى سبب لتباهى النبي صلى الله عليه وسلم 0
الولد أخوتى فرط لا يرضى بدخول الجنة إلا مع أبويه .(1/46)
الولد أخوتى سبب بنا بيت فى الجنة لك أسمه بيت الحمد 0
الولد أخوتى من أول مقاصد الزواج فى الأسلام وأنت تريد وأده ؟
الولد أخوتى أمتداد لعملك الصالح على ظهر الأرض 0
الولد أخوتى بقاء لذكرك بعد الموت .
الولد أخوتى يد عون لكم على نآئبات الدهر .
الولد أخوتى ثمرة القلب وعماد الظهر .
ففى تربيته
( ولدُ صالح يدعوا له )
( من عال جاريتين حتى تبلغا جاء يوم القيامة أنا وهو كهاتين وأشار بأصبعيه صلى الله عليه وسلم ) هذا فى الأناث فما ظنك بالذكور ( وليس الذكر كالأنثى )
وفى الأنجاب والحمل والرضاعة
فى حق الأب ::
ما قيل فى حق زكريا عليه السلام .....
{هُنَالِكَ دَعَا زَكَرِيَّا رَبَّهُ قَالَ رَبِّ هَبْ لِي مِن لَّدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعَاء }آل عمران38
عندما رأى زكريا ما أكرم الله به مريم مِن رزقه وفضله توجه إلى ربه قائلا يا ربِّ أعطني من عندك ولدًا صالحًا مباركًا, إنك سميع الدعاء لمن دعاك.
{وَإِنِّي خِفْتُ الْمَوَالِيَ مِن وَرَائِي وَكَانَتِ امْرَأَتِي عَاقِراً فَهَبْ لِي مِن لَّدُنكَ وَلِيّاً }مريم5
وإني خفت أقاربي وعصبتي مِن بعد موتي أن لا يقوموا بدينك حق القيام, ولا يدعوا عبادك إليك, وكانت زوجتي عاقرًا لا تلد, فارزقني مِن عندك ولدًا وارثًا ومعينًا.
وفى حق إبراهيم الخليل صلى الله عليه وسلم ....
{الْحَمْدُ لِلّهِ الَّذِي وَهَبَ لِي عَلَى الْكِبَرِ إِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ إِنَّ رَبِّي لَسَمِيعُ الدُّعَاء }إبراهيم39
يُثْني إبراهيم على الله تعالى, فيقول: الحمد لله الذي رزقني على كِبَر سني ولديَّ إسماعيل وإسحاق بعد دعائي أن يهب لي من الصالحين, إن ربي لسميع الدعاء ممن دعاه, وقد دعوته ولم يخيِّب رجائي.
وفى عموم الموحدين ....
{وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَاماً }الفرقان74(1/47)
- (والذين يقولون ربنا هب لنا من أزواجنا وذرياتنا) بالجمع والإفراد (قرة أعين) لنا بأن نراهم مطيعين لك (واجعلنا للمتقين إماما) في الخير
والذين يسألون الله تعالى قائلين: ربنا هب لنا مِن أزواجنا وذريَّاتنا ما تَقَرُّ به أعيننا، وفيه أنسنا وسرورنا، واجعلنا قدوة يُقتدى بنا في الخير.
وفى حق الأم ::
قال عز وجل .....
{إِذْ قَالَتِ امْرَأَةُ عِمْرَانَ رَبِّ إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ مَا فِي بَطْنِي مُحَرَّراً فَتَقَبَّلْ مِنِّي إِنَّكَ أَنتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ }آل عمران35
- اذكر (إذ قالت امرأة عمران) حنة لما أسنت واشتاقت للولد فدعت الله وأحست بالحمل يا (رب إني نذرت) أن أجعل (لك ما في بطني محرراً) عتيقاً خالصاً من شواغل الدنيا لخدمة بيتك المقدس (فتقبل مني إنك أنت السميع) للدعاء (العليم) بالنيات ، وهلك عمران وهي حامل
أذكر -أيها الرسول- ما كان من أمر مريم وأمها وابنها عيسى عليه السلام; لتردَّ بذلك على من ادعوا أُلوهية عيسى أو بنوَّته لله سبحانه, إذ قالت امرأة عمران حين حملت: يا ربِّ إني جعلت لك ما في بطني خالصا لك, لخدمة "بيت المقدس", فتقبَّل مني; إنك أنت وحدك السميع لدعائي, العليم بنيتي.
{فَلَمَّا وَضَعَتْهَا قَالَتْ رَبِّ إِنِّي وَضَعْتُهَا أُنثَى وَاللّهُ أَعْلَمُ بِمَا وَضَعَتْ وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالأُنثَى وَإِنِّي سَمَّيْتُهَا مَرْيَمَ وِإِنِّي أُعِيذُهَا بِكَ وَذُرِّيَّتَهَا مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ }آل عمران36(1/48)
- (فلما وضعتها) ولدتها جارية وكانت ترجو أن يكون غلاما إذ لم يكن يحرر إلا الغلمان (قالت) معتذرة يا (رب إني وضعتها أنثى والله أعلم) أي عالم (بما وضعتْ) جملة اعتراض من كلامه تعالى وفي قراءة بضم التاء (وليس الذكر) الذي طلبت (كالأنثى) التي وهبت لأنه يقصد للخدمة وهي لا تصلح لضعفها وعورتها وما يعتريها من الحيض ونحوه (وإني سميتها مريم وإني أعيذها بك وذريتها) أولادها (من الشيطان الرجيم) المطرود في الحديث "ما من مولود يولد إلا مسه الشيطان حين يولد فيستهل صارخا إلا مريم وابنها" رواه الشيخان
فلما تمَّ حملها ووضعت مولودها قالت: ربِّ إني وضعتها أنثى لا تصلح للخدمة في "بيت المقدس" -والله أعلم بما وضَعَتْ, وسوف يجعل الله لها شأنًا- وقالت: وليس الذكر الذي أردت للخدمة كالأنثى في ذلك; لأن الذكر أقوى على الخدمة وأقْوَم بها, وإني سمَّيتها مريم, وإني حصَّنتها بك هي وذريَّتها من الشيطان المطرود من رحمتك.
وفى الحديث ...
( أما ترضى إحداكن أنها إذا كانت حاملاً من زوجها وهو عنها راض أن لها مثل أجر الصائم القائم فى سبيل الله . وإذا أصابها الطلق لم يعلم أهل السماء والأرض ما أخى لها من قرة أعين . فأذا وضعت لم يخرج من ثديها جرعة أو يمتص من ثديها مصة إلا كان لها بكل جرعة وكل مصة حسنة . فإن أسهرها ليلة كانت لها مثل أجر سبعين رقبة أعتقتهم فى سبيل الله . ثم قال صلى الله عليه وسلم 0
أعنى بهذا الممتنعات الصالحات المطيعات لأزواجهن اللواتى لا يكفرن العشير)
فما بالنا بما تغسله من روث الطفل وأذاه وإن كان أكثر من طفل فالثواب أكبر وأعظم من تجهيز الطعام والشراب والملابس حتى يكبر ويصير نائباً عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فى حمل لواء الدعوة لهذا الدين 0
وفى البلايا .
يقول الحق جل فى علاه....(1/49)
{وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوفْ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الأَمَوَالِ وَالأنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ }البقرة155
- (ولنبلونكم بشيء من الخوف) للعدو (والجوع) القحط (ونقص من الأموال) بالهلاك (والأنفس) بالقتل والموت والأمراض (والثمرات) بالجوائح ، أي لنختبرنكم فننظر أتصبرون أم لا (وبشر الصابرين) على البلاء بالجنة
ولنختبرنكم بشيء يسير من الخوف، ومن الجوع, وبنقص من الأموال بتعسر الحصول عليها, أو ذهابها, ومن الأنفس: بالموت أو الشهادة في سبيل الله, وبنقص من ثمرات النخيل والأعناب والحبوب, بقلَّة ناتجها أو فسادها. وبشِّر -أيها النبي- الصابرين على هذا وأمثاله بما يفرحهم ويَسُرُّهم من حسن العاقبة في الدنيا والآخرة.
{الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُواْ إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعونَ }البقرة156
- وهم (الذين إذا أصابتهم مصيبة) بلاء (قالوا إنا لله) ملكا وعبيدا يفعل بنا ما يشاء (وإنا إليه راجعون) في الآخرة فيجازينا ، وفي الحديث "من استرجع عند المصيبة آجره الله فيها وأخلف الله عليه خيرا" وفيه أن مصباح النبي صلى الله عليه وسلم طفئ فاسترجع فقالت عائشة: إنما هذا مصباح فقال: "كل ما أساء المؤمن فهو مصيبة" رواه أبو داود في مراسيله
من صفة هؤلاء الصابرين أنهم إذا أصابهم شيء يكرهونه قالوا: إنَّا عبيد مملوكون لله, مدبَّرون بأمره وتصريفه, يفعل بنا ما يشاء, وإنا إليه راجعون بالموت, ثم بالبعث للحساب والجزاء.
وفى الحديث.....
( إذا مات ولد العبد قال الله تعالى لملائكته :
قبضتم ولد عبدى ؟
فيقولون : نعم
فيقول عز وجل : قبضتم ثمرة فؤاده ؟
فيقولون : نعم
فيقول : فماذا قال عبدى ؟
فيقولون : حمدك واسترجع
فيقول : أبنوا لعبدى بيتاً فى الجنة وسموه بيت الحمد )(1/50)
وعموماً ل يستطاع حصر فضائل المسلم وما أعد له فى هذا الجانب ولكن حسبى ما ذكرنا عسى الله تعالى أن يرزقنا فهم وتدبر والقيام على ما قد سلف 0
ولنتذكر جميعاً قول الحق تبارك وتعالى .....
{كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْراً لَّهُم مِّنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ }آل عمران110
- (كنتم) يا أمة محمد في علم الله تعالى (خير أمة أخرجت) أظهرت (للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله ولو آمن أهل الكتاب لكان) الإيمان (خيراً لهم منهم المؤمنون) كعبد الله بن سلام رضي الله عنه وأصحابه (وأكثرهم الفاسقون) الكافرون
نتم - يا أمة محمد - خير الأمم وأنفع الناس للناس, تأمرون بالمعروف, وهو ما عُرف حسنه شرعًا وعقلا وتنهون عن المنكر, وهو ما عُرف قبحه شرعًا وعقلا وتصدقون بالله تصديقًا جازمًا يؤيده العمل. ولو آمن أهل الكتاب من اليهود والنصارى بمحمد صلى الله عليه وسلم وما جاءهم به من عند الله كما آمنتم, لكان خيرا لهم في الدنيا والآخرة, منهم المؤمنون المصدقون برسالة محمد صلى الله عليه وسلم العاملون بها, وهم قليل, وأكثرهم الخارجون عن دين الله وطاعته.
{وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ }آل عمران104
- (ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير) الإسلام (ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر وأولئك) الداعون الآمرون الناهون (هم المفلحون) الفائزون ، ومن للتبعيض لأن ما ذكر فرض كفاية لا يلزم كل الأمة ولا يليق بكل أحد كالجاهل. وقيل زائدة أي لتكونوا أمة.(1/51)
ولتكن منكم -أيها المؤمنون- جماعة تدعو إلى الخير وتأمر بالمعروف, وهو ما عُرف حسنه شرعًا وعقلا وتنهى عن المنكر, وهو ما عُرف قبحه شرعًا وعقلا وأولئك هم الفائزون بجنات النعيم.
والدعوة مثل : المطر عندما ينزل تنبت المزروعات ويشرب الأنسان والأنعام
الدعوة : تعمل على نشر الخير والإيمان فى قلوب جميع الناس
الدعوة : تنشر الأعمال الصالحة وطيب المعاشرة بين الناس
الدعوة : تظهر المحبة والألفة والتعاون بين الناس
الدعوة : تؤثر حتى فى المشركين حين يروا اخلاق المسلمين
الدعوة : يأتى إليها جميع الناس صالحهم وفاجرهم
الدعوة : يأتيها الأنسان بفكر الدنيا فيرجع بعدها بفكر الأخرة
الدعوة : يأتيها مذنباً فيعود بأذن الله تائباً
الدعوة : يأتيها ضاحكاً لآهياً فيعود وقد حمل بأمانة التكليف والتبليغ
الدعوة : يأتيها غافلاً لآهياً فيصبح ذاكراً متفكراً
الدعوة مثل : الأرض كل الخلائق تحتاج لها
الدعوة مثل : البحر يستفاد منه شرباً ورياُ وسمكاً ولؤلؤاً ونقلاً وهواء نقياً
الدعوة بها : يفهم الإنسان نصوص القرأن ومدلولآت السنة
كل الأنبياء دربوا وربوا أقوامهم على العبادة .
إلا الحبيب محمد صلى الله عليه وسلم ربى أمته على الدعوة
{قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَاْ وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللّهِ وَمَا أَنَاْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ }يوسف108
- (قل) لهم (هذه سبيلي) وفسرها بقوله (أدعوا إلى) دين (الله على بصيرة) حجة واضحة (أنا ومن اتبعني) آمن بي عطف على أنا المبتدأ المخبر عنه بما قبله (وسبحان الله) تنزيها له عن الشركاء (وما أنا من المشركين) من جملة سبيله أيضاً .
قل لهم -أيها الرسول-: هذه طريقتي, أدعو إلى عبادة الله وحده, على حجة من الله ويقين, أنا ومن اقتدى بي, وأنزِّه الله سبحانه وتعالى عن الشركاء, ولستُ من المشركين مع الله غيره.
الدعوة تنفى الشرك عن العبد . وعند أنتفاء الشريك تكون النجاة(1/52)
{إِنَّ اللّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاءُ وَمَن يُشْرِكْ بِاللّهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْماً عَظِيماً }النساء48
- (إن الله لا يغفر أن يشرك) أي الإشراك (به ويغفر ما دون) سوى (ذلك) من الذنوب (لمن يشاء) المغفرة له بأن يدخله الجنة بلا عذاب ومن شاء عذبه من المؤمنين بذنوبه ثم يدخله الجنة (ومن يشرك بالله فقد افترى إثما) ذنبا (عظيما) كبيرا .
إن الله تعالى لا يغفر ولا يتجاوز عمَّن أشرك به أحدًا من مخلوقاته, أو كفر بأي نوع من أنواع الكفر الأكبر, ويتجاوز ويعفو عمَّا دون الشرك من الذنوب, لمن يشاء من عباده, ومن يشرك بالله غيره فقد اختلق ذنبًا عظيمًا.
{إِنَّ اللّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاءُ وَمَن يُشْرِكْ بِاللّهِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلاَلاً بَعِيداً }النساء116
- (إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء ومن يشرك بالله فقد ضل ضلالا بعيدا) عن الحق
إن الله تعالى لا يغفر أن يشرك به, ويغفر ما دون الشرك من الذنوب لمن يشاء من عباده. ومن يجعل لله تعالى الواحد الأحد شريكًا من خلقه, فقد بَعُدَ عن الحق بعدًا كبيرًا.
ينبغي لمن آمن بالله تعالى أن يسلم له في أفعاله .
ويعلم أنه حكيم ومالك وأنه لا يعبث .
فإن خفيت عليه حكمة فعله نسب الجهل إلى نفسه وسل للحكيم المالك .
فإذا طالبه العقل
قال : ما بانت لي فيجب علي تسليم الأمر لمالكه .
وإن أقواماً نظروا بمجرد العقل إلى كثير من أفعال الحق سبحانه فرأوها لو صدرت من مخلوق
نسبت إلى ضد الحكمة فنسبوا الخالق إلى ذلك .
وهذا الكفر المحض والجنون البارد .
والواجب نسبة الجهل إلى النفوس فإن العقول قاصرة عن مطالعة حكمته .
وأول من فعل ذلك إبليس فإنه قد رآه قد فضل طيناً على نار والعقل يرى النار أفضل فعاب
حكمته .
وعمت هذه المحنة خلقاً ممن ينسب إلى العلم وكثير من العوام .(1/53)
فكم قد رأينا عالماً يعترض وعامياً يرد فيكفره وهذه محنة قد شملت أكثر الخلق .
وقد علم العلماء أن الله تعالى قد فرض الزكوات والخراج والجزية والغنائم والكفارات ليستغني
بها الفقراء فاختص بذلك الظلمة .
وصانع من تجب عليه الزكاة بإخراج بعضها فجاع الفقير .
فينبغي أن نذم هؤلاء الظلمة ولا نعترض على من قدر الكفاية للفقراء .
وقد حصل في ضمن هذا عقوبة الظالمين من حبسهم الحقوق وابتلاء الفقراء بصبرهم عن
حظوظهم .
وأكثر هؤلاء المعترضين لا يكادون يسلمون وقت خروج الروح من اعتراض يخرج إلى الكفر
فتخرج النفس كافرة .
فكم عامي يقول : فلان قد ابتلى وما يستحق .
ومعناه أنه قد فعل به ما لا يليق بالصواب وقد قال بعض الخلعاء :
أيا رب تخلق أقمار ليل وأغصان بان وكثبان رمل
وتنهى عبادك أن يعشقوا أيا حاكم العدل ذا حكم عدل
ومثل هذا ينشده جماعة من العلماء ويستحسنونه وهو كفر محض .
وما فهم هؤلاء سر النهي ولا معناه لأنه ما نهى عن العشق وإنما نهى عن العمل بمقتضى العشق
وفي الامتناع عن المشتهى دليل على الإيمان بوجود الناهي كصبر العطشان في رمضان عن الماء .
فإنه دليل على الإيمان بوجود من أمر بالصوم .
وتسليم النفوس إلى القتل والجهاد دليل على اليقين بالجزاء .
ثم المستحسن أنموذج ما قد أعد فأين العقل المتأمل .
كلا .
لو تأمل وصبر قليلاً لربح كثيراً .
ولو ذهبت أذكر ما قد عرفت من اعتراض العلماء والعوام لطال .
ومن أحسن الناس حالاً في ذلك ما يحكى عن ابن الراوندي أنه جاع يوماً واشتد جوعه
فجلس على الجسر وقد أمضه الجوع .
فمرت خيل مزينة بالحرير والديباج فقال : لمن هذه فقالوا : لعلي بن بلتق غلام الخليفة .
فمرت جواز مستحسنات فقال : لمن هذه فقالوا : لعلي بن بلتق .
فمر به رجل فرآه وعليه أثر الضر فرمى إليه رغيفين فأخذهما ورمى بهما وقال : هذه لعلي بن
بلتق وهذان لي .
ونسي الجاهل الأحمق أنه بما يقول ويعترض ويفعل أهل هذه المجاعة .(1/54)
فيا معترضين وهم في غاية النقص على من لا عيب في فعله .
أنتم في البداية من ماء وطين وفي
وكم من رأي يراه حازمكم فإذا عرضه على غيره تبين له قبح رأيه .
ثم المعاصي منكم زائدة في الحد .
فما فيكم - بعد - إلا الاعتراض على المالك الحكيم .
ولو لم يكن في هذه البلاوي إلا أن يراد منا التسليم لكفى .
ولو أنه أنشأ الخلق ليدلوا على وجوده ثم أهلكهم ولم يعدهم كان ذلك له لأنه مالك لكنه
بفضله وعد بالإعادة والجزاء والبقاء الدائم في النعيم .
فمتى ما جرى أمر لا تعرف علته فانسب ذلك إلى قصور علمك .
وقد ترى مقتولاً ظلماً وكم قد قتل وظلم حتى قوبل ببعضه .
وقل أن يجري لأحد آفة إلا ويستحقها غير أن تلك الآفات المجازى بها غائبة عنا ورأينا الجزاء
وحده .
فسلم تسلم واحذر كلمة اعتراض أو إضمار فربما أخرجتك من دائرة الإسلام .(1/55)
وفي الصحيحين من حديث ابن مسعود عن النبي {صلى الله عليه وسلم} أنه قال لله أفرح بتوبة عبده المؤمن من رجل نزل بأرض دوية مهلكة معه راحلته فطلبها حتى إذا أدركه الموت قال أرجع إلى مكاني الذي أضللتها فيه فأموت فيه فأتى مكانه فغلبته عنياه فاستيقظ فإذا راحلته عند رأسه عليها طعامه وشرابه وزاده وما يصلحه فالله أشد فرحاً بتوبة عبده المؤمن من هذا براحلته وزاده وأوحى الله تعالى إلى داود عليه السلام يا داود لو يعلم المدبرون عني كيف انتظاري لهم ورفقي بهم وشوقي إلى ترك معاصيهم لماتوا شوقا إلي وتقطعت أوصالهم من محبتي يا داود هذه إرادتي في المدبرين عني فكيف إرادتي بالمقبلين علي إخواني الذنوب تغطي على القلوب فإذا أظلمت مرآة القلب لم يبن فيها وجه الهدى ومن علم ضرر الذنب استشعر الندم قال أبو علي الروذباري رحمه الله من الأغترار أن تسيء فيحسن إليك فتترك التوبة توهما أنك تسامح في الهفوات فوا عجبا لمن يأمن وكم قد أخذ آمن من مأمن ومن تفكر في الذنوب علم أن لذات الأوزار زالت والمعاصي بالعاصي إلى النار آلت ورب سخط قارن ذنبا فأوجب بعدا وأطال عتبا وربما بغت العاصي بأجله ولم يبلغ بعض أمله وكم خير فاته بآفاته وكم بلية في طي جناياته قال لقمان لابنه يا بني لا تؤخر التوبة فإن الموت يأتي بغتة
( قائد الغفلة الأمل
والهوى رائد الزلل
( قتل الجهل أهله
ونجا كل من عقل
( فاغتم دولة الشبيبة واستأنف العمل
( أيها المبتني الحصون وقد شاب واكتهل
( أخبر الشيب عنك أنك في آخر الأجل
( فعلام الوقوف في عرصة العجز والكسل
( منزل لم يزل يضيق وينبو بمن نزل
( أنت في منزل إذا حله نازل رحل(1/56)
طوبى لمن غسل درن الذنوب بتوبة ورجع عن خطاياه قبل فوت الأوبة وبادر الممكن قبل أن لا يمكن من رأيت من آفات دنياه سلم ومن شاهدته صحيحا وما سقم وأي حياة بالموت لم تنختم وأي عمر بالساعات لم ينصرم إن الدنيا لغرور حائل وسرور إلى الشرور آيل تردي مستزيدها وتؤذي مستفيدها بينما طالبها يضحك أبكته ويفرح بسلامته أهلكته فندم على زلله إذ قدم على عمله وبقي رهين خوفه ووجله وود أن لو زيد ساعة في أجله فما هو إلا أسير في حفرته وخسير في سفرته وهذه وإن كانت صفة من عنا نأى فكذا نكون لو أن العاقل ارتأى
( سبيلك في الدنيا سبيل مسافر
ولا بد من زاد لكل مسافر
( ولابد للإنسان من حمل عدة
ولا سيما إن خاف سطوة قاهر
( وطرقك طرق ليس تسلك دائما
وفيها عقاب بعد صعب القناطر
وفى الختام ....
نسال الله تبارك وتعالى أن يجعل هذا العمل خالصاً لوجهه الكريم وأن يتجاوز عن زللى فيه فالخطأ من نفسى وشيطانى والله ورسوله منه براء
لا تنسوا أخوة الخير والصلاح أن تتذكرونى بدعوة بظاهر
الغيب يقول لك بها الملك المؤّمن عليها بأذن الله
ولك بمثل نسأل الله الهدى والتقى العفاف والغنى
وآخر دعوآنا أن الحمد لله رب العالمين . وصلى اللهم وسلم وبارك على النبي محمد وعلى الآل والصحب أجمعين .
سبحانك اللهم وبحمدك نشهد أن لا إله إلا أنت نستغفرك ونتوب إليك
كتبه عبد الله الفقير إلى عفوه ورحمته
أبو كفاح الدين
أحمد بن محمد السعيد
سبط أبن دقيق العيد
المراجع الوعظية
1_ التبصرة
2_ بحر الدموع
3_ صيد الخاطر
وثلاثتهم للإمام أبن الجوزى رحمه الله تعالى
وتجاوز عنا وعنه بمنه وكرمه
(( وتجدها فى الكتاب باللون الأزرق ))(1/57)