عبر ودروس من زيارة بلاد الروس
الشيخ / عبد الرحمن بن صالح المحمود
بسم الله الرحمن الرحيم
المقدمة
إن الحمد لله, نحمده ونستعينه ونستغفره, ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا.
من يهده الله فلا مضل له ، ومن يضلل فلا هادي له ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده . لا شريك له ، وأشهد أن محمد عبده ورسوله .
((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)) (آل عمران:102) .
((يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً)) (النساء:1) .
(( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً )) (الأحزاب:70-71) .
وبعد : فإن هذه الرسالة كانت نتيجة زيارة قمت بها إلى روسيا وعاصمتها موسكو، ثم بعد ذلك انتقلت إلى تتارستان ، وعاصمتها مدينة قازان حيث أقيمت دورة من الدورات الشرعية في هذه المدينة ، وذلك بتاريخ 5/2 إلى 19/2 من 1414 للهجرة . تحت إشراف جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية .
وأحب في البداية وفي مقدمة هذه الرسالة أن أبين أهداف كتابة هذه الرسالة ، وهي كثيرة ، أهمها ما يلي :
أهداف الرسالة :
أولاً : إعطاء نبذه مختصرة وصورة مبسطة عن أوضاع المسلمين هناك وأوضاع غيرهم.
ثانياً : بيان أهم الايجابيات والسلبيات عند المسلمين هناك حتى ينظر أهل الخير والدعاة إلى الله سبحانه وتعالى في كيفية التعامل مع أوضاعهم .(1/1)
ثالثاً : إن هناك مؤسسات خيرية دعوية رسمية وغير رسمية ، لها جهود طبية ، وهي عازمة في المزيد ، ومثل هذه الرسائل تعطي خلاصة تجارب لمن زار تلك المناطق فينتفع بها من يريد أن يزورها .
وأحب أن أذكر في هذه المقدمة أن الاتحاد السوفيتي كان جمهوريات مترامية الأطراف ، فهي ليست دولة محدودة ، وإنما هي دولة واسعة جداً ، طولها وعرضها بآلاف الكيلومترات . ولهذا فحينما نتحدث عن جانب منها ، فإنما نتحدث عما رأيناه من الايجابيات والسلبيات ، ولا يعني هذا أننا نعطي صورة متكاملة عن جميع الجمهوريات الإسلامية !!!.
وقبل أن أدخل في سرد وبيان ما رأيته وما أريد أن أقوله ، أتقدم بالشكر والامتنان لكل من أشار وأعان لإلقاء ما رأيته هناك في محاضرة أو رسالة . وأخص بالذكر إخواننا ومشايخنا الذين شاركونا في هذه الدورة من جامعة الإمام ومن غيرها ، وأخص الأخوين فهد الحمودي ، وعبد الرحمن الصيفي الطالبين في كلية أصول الدين بالرياض - في ذلك الوقت - ، واللذين شاركانا في هذه الدورة ، وكانت لهم جهود طيبة - أثابهم الله ورزقنا وإياهم الإخلاص وجميع المسلمين .
وبعد هذه المقدمة أنتقل إلى ما نحن بصدده ، فأقول : إن رسالتنا هذه سنقسمها إلى عدة أقسام ، يمكن طرحها من خلال القضايا التالية :
القسم الأول : ملامح سريع عن تاريخ روسيا .
القسم الثاني : وقفة مع انهيار الاتحاد السوفيتي .
القسم الثالث : ملاحظات ومشاهدات .
القسم الرابع : المظاهر الإيجابية هناك.
القسم الخامس : العبر والدروس العامة .
القسم السادس : ما الذي يحتاجه المسلمون هناك ؟
ثم الأسئلة .
وأسال الله التوفيق والسداد والإخلاص في الأقوال والأعمال.
عبد الرحمن الصالح المحمود
الريا ض- كلية أصول الدين
القسم الأول : ملامح سريع عن تاريخ روسيا .(1/2)
كانت روسيا دولة قيصرية نصرانية ، وكانت تحيط بها جمهوريات إسلامية عديدة مستقلة ، وبعض هذه الجمهوريات الإسلامية كانت تابعة للدولة العثمانية . وفي سنة 1336هـ هجرية - 1917ميلادية ، قامت الثورة الشيوعية في روسيا على يد الشيوعي المشهور ( لينين ) . ونحن نعلم أن الفكر الشيوعي إنما نشأ كفكر في أوربا فـ( ماركس ) و ( أنجلز ) وغيرهم من الشيوعيين إنما نشأوا وعاشوا هناك في بلاد الرأسمالية ، وكانت أفكارهم الشيوعية ومخططاتهم تقول إن الصراع الحتمي لابد أن يؤدي في النهاية إلى الحكم وإلى الشيوعية . وكان من أفكارهم : أن أعظم دولة تتبنى الآن الرأسمالية هي التي - ولابد - ستنقلب إلى دولة شيوعية . ولكن خابت أفكارهم ، وذهبت أدراج الرياح ، وبقيت تلك الدول في أوروبا وأمريكا رأسمالية ، ولكن الشيوعية إنما نبتت بالقوة في دولة نائية بعيدة ، في روسيا القيصرية التي كانت تحكمها النصرانية، ومن هناك قامت هذه الشيوعية بالحديد والنار، وبدأت تزحف شيئاً فشيئاً على بلاد الإسلام وتخطف أرضا تلو أرض ، وجمهورية تلو أخرى وجرى للمسلمين في تلك الجمهوريات الإسلامية أحوال رهيبة ومحن شديدة على أيدي هؤلاء الشيوعيين الملاحدة . لا أظن أنه مر على المسلمين في تاريخهم الحديث من المحن ما يعادل ما جرى للمسلمين هناك .
وقام الشيوعيون بعدة أمور خطيرة في البلاد التي وقعت تحت قبضتهم . من هذه الأمور ما يلي :
أولاً : إلغاء الدين تماما ومحو آثاره ، فالفكر الشيوعي يقوم على إنكار وجود الله , لا إله ، والحياة مادة . والفكر الشيوعي يقوم على الإلحاد ، وعلى تبني الفكر الشيوعي من الناحية الاقتصادية .(1/3)
ثانياً : قتل المسلمون الذين أبوا إلا أن يبقوا على دينهم وقتل من المسلمين في تلك الجمهوريات الملايين . ولقد حدّثنا إخواننا هناك عن قبور جماعية لمئات الألوف من الذين قتلهم الشيوعيون . وليس قتل المسلمين أمراً غريباً، فإننا نشاهد في هذه الأيام ما يفعل بالمسلمين في بقايا أقطار الأرض - مثل البوسنة وكوسوفا وغيرها - والله سبحانه وتعالى أخبر أن المشركين لا يرقبون في المسلمين إلا ولا ذمة ، ولكن العاقل من يتعظ .
ثالثاً : حرص الشيوعيين على تنشئة جيل جديد من الصغار يتربى منذ نشأته على الأفكار الشيوعية . وهذه قضية خطيرة يركز عليها أعداء الإسلام في كل مكان ، ومن هنا تأتي أهمية تنشئة الصغار، وأهمية مناهج المدارس في المراحل الأولى .
رابعاً : هدم المساجد كلها ، وكانت تلك المساجد في الجمهوريات الإسلامية تعد بالآلاف ، ولم يبقوا منها إلا مسجداً واحداً في كل مدينة مشهورة ، وذلك لأغراض دعائية . ولم يبقوا من الإدارات الدينية إلا إدارات محددة كان - ولا يزال إلى الآن- أكثر من نفعها بالنسبة للمسلمين .
خامساً: إحكام الهيمنة الفكرية والتعليمية والإعلامية ، وجعل اللغة الروسية هي اللغة الرسمية ، وهي لغة المدارس ولغة الإعلام ، وتعلمون أن الجمهوريات الإسلامية ، كل جمهورية منها لها لغتها الخاصة ، ومن هنا تبرز أهمية اللغة ، وكيف أن الأعداء يفرضون تعلم لغتهم ويسعون في نشرها ؛ لما لذلك من أهمية لهم . فهؤلاء الشيوعيون جعلوا اللغة الروسية هي لغة الإعلام ، والمدارس ، والمخاطبات الرسمية ، ولم يبق بالنسبة للغات المحلية مهمة إلا أن تكون لغة التخاطب فقط .
سادساً : إلغاء الدين من المدارس ومنع الدروس في المساجد وغيرها .
سابعاً : فرض الشيوعية كمبدأ إلحادي ومبدأ اقتصادي ، أي : إلغاء الملكية الفردية وتحويل المزارع المصانع وغير ذلك إلى ملكية الدولة .(1/4)
ثامناً : التغير الجغرافي السكاني لتلك الجمهوريات الإسلامية ، حيث أمر الشيوعيون إخوانهم الروس من النصارى وغيرهم بأن يزحفوا إلى تلك الجمهوريات , وفعلاً زحف أولئك النصارى وأولئك الشيوعيون إلى تلك الجمهوريات الإسلامية , وزاحموا المسلمين فيها ، بل إنهم زاحموهم في المدن الكبار ، كما أنهم زاحموهم في الأماكن والشواطئ المهمة التي تعتبر أماكن ذات قيمة اقتصادية واستراتيجية ، ولهذا يعيش في تلك الجمهوريات الإسلامية حتى الآن أعداد كبيرة جداً من الشيوعيين والنصارى .
تاسعاً : مسخ المسلمين مسخاً كاملاً ، وذلك بقطع جميع الروابط الإسلامية عنهم , وأما العواصم الإسلامية الكبرى , فقد مسخت معالمها الإسلامية مسخاً كاملاً .
عاشراً: لم تكتف الشيوعية باحتلال الجمهوريات الإسلامية المجاورة لروسيا بل تحولت بعد الحرب العالمية الثانية إلى بقية بلاد المسلمين والعالم العربي ، التي لا تخضع لحكمها ، فبدأت من خلال صراع معروف ، أي من خلال صراع الشيوعية مع الغرب على مناطق النفوذ . فبدأت الشيوعية تزحف وتغزو بعض البلاد العربية الإسلامية ، وقد تمثل هذا فيما يلي :
أولاً : إقامة حكومات شيوعية خالصة في بعض بلاد المسلمين ، وقد قامت بعض هذه الحكومات ،وامتدت زمناً طويلاً حتى قصمها الله تعالى وفرقها.
ثانياً : تنشيط الأحزاب الشيوعية في أغلب البلاد العربية والإسلامية ، ولا تكاد تخلو دولة من دول العالم العربي إلا ويوجد فيها حزب شيوعي ، أو أفراد يتبنون الفكر الشيوعي ، والدولة الروسية في ذلك الوقت كانت تدعم هذه الأحزاب دعماً قوياً .(1/5)
ثالثاً : استقبال البعثات الدراسية من جميع أنحاء العالم ، وبالأخص من بلاد العرب والمسلمين ، حيث يستقبلونهم للدراسية هناك ويربونهم على الفكر الشيوعي ، والملاحظ أنهم حينما يستقبلون طلاباً من بلد ما من البلاد ، فإنهم يوزعون طلاب تلك الدولة على مختلف التخصصات ، فيقولون مثلاً إذا اجتمع عندهم عدد من دولة ما - مقسمين لمهاماتهم ، أن يكون تخصصك في الاقتصاد وذلك حتى إذا قام انقلاب شيوعي في تلك الدولة يكون هناك طاقم للحكم معد ومجهز سلفا .
رابعا : أحاطت روسيا والاتحاد السوفيتي الدول التي تحت حكمها بستار حديدي يمنع من وصول الأخبار والمعلومات الحقيقية عنها ، ولقد كان لا يسمح بالنسبة للدبلوماسيين في العاصمة موسكو إلا أن يتجولوا من خلال عدد محدود من الكيلو مترات لا يتجاوزها فيها . ولا يجوز لهم أن يتعهدوها فضلاً على أن يتجولوا في بقية الجمهوريات والبلاد الواسعة وهذا كله هو الذي يجعلنا نجهل صورة الاتحاد السوفيتي جهلا كاملاً أو شبه كاملاً قبل أن يتحطم ذلك الكيان الذي كان يرى كياناً كبيراً .
القسم الثاني : وقفة مع انهيار الاتحاد السوفيتي :
لقد كان الاتحاد السوفيتي يرعب الغرب رعباً شديداً ، حتى أن المخططين العسكريين وغيرهم في أمريكا مثلاً ، لم يكونوا يأبهوا بقوة فرنسا ، ولا بقوة بريطانيا ، ولا بقوة الصين ، وإنما كانوا يحسبون حسابات كثيرة لقوى الاتحاد السوفيتي ، لكن هذا الكيان المرعب الكبير ما كان ليدوم وهو على هذا الوضع الفكري العلمي ، إذ بدأت تظهر أمارات التصدع الشديد على ذلك الكيان المبهرج الضخم ، وذلك من خلال ما يلي :
أولاً : تصدع الكيان من الداخل ، وكان هذا التصدع من داخل افرد ومن داخل مؤسسات الدولة ، فإنها أخذت في السنوات الأخيرة يعتريها كثيراً من الضعف والتصدع.(1/6)
ثانياً : نظراً للحكم الشيوعي ، فقد تصدعت وضعفت الصناعات والتكنولوجيا الروسية ، وتفوق الغرب عليها في هذا المجال . ومن أبرز أمثلة ذلك التسرب النووي من مفاعل تشر نوبل الذي سمعنا به منذ سنوات حيث تسرب من هذا المفاعل النووي الإشاعات النووية ، ولم يستطع الاتحاد السوفيتي أن يتحكم فيها إلا بعد زمن ، ولقد انتقلت آثار ذلك إلى بلاد أوروبا ، والقصة مشهورة .
ثالثاً : فشل الأجهزة الدقيقة عند الاتحاد السوفيتي ، مما أثر على قدرتها العسكرية والاستخبارية أمام الغرب .
رابعاً : حادث الزلزال الذي وقع في روسيا منذ سنوات وفشل معدات الإنقاذ الروسية في معالجة أثاره ، حتى أنها اضطرت إلى الاستعانة بالغرب في هذا المجال ، ثم بعد ذلك الفشل الذريع الذي منيت به روسيا ، حينما تدخلت في أفغانستان لكي تناصر الحكم الشيوعي الذي قام آنذاك ، وكان فشل روسيا في أفغانستان - سياسياً واقتصادياً وعسكريا ،ولقد عجبت ونحن هناك عندما سمعت أنه تفشى بين الجنود والضباط مرض خاص يسمونه مرض تلك الحرب الأفغانية يعاني منه الجنود الذين شاركوا في تلك الحرب .وقلت : سبحان الله ! غزوا بلاد المسلمين وحاربوا المسلمين تلك الحرب الشعواء ، ولكن - سبحانه وتعالى - قصمهم وفرقهم بالرغم من أنها كانت دولة كبيرة مهيبة الجانب .
خامساً : انهيار الاتحاد السوفيتي اقتصادياً ، فأصبح وضعه بالنسبة للغرب شبيها بوضع دول العالم الثالث .
سادسا : ومن عوامل انهيار الاتحاد السوفيتي ، بروز الصحوة الإسلامية ،بل بروز الصحوة الدينية حتى بالنسبة للنصارى . فهذه الصحوة الدينية جعلت الحكم الشيوعي والفكر الشيوعي فكرا غير مقبول !!!.(1/7)
سابعاً : إن إرادة الله - سبحانه وتعالى - غالبة ، والله تعالى يقول : ((قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ)) (آل عمران:26)
فإرادة الله - سبحانه وتعالى - غالبة ، والله - سبحانه وتعالى أراد وقدر أن تكون هذه الدولة الكيان الكبير تتحول إلى منا نشاهده الآن ونسمع به . ومع انهيار هذا الكيان الكبير وتفككه واستقلال كثير من جمهورياته ، وكونه يعيش الآن معيشة التخبط في جميع أموره وشؤونه ، ومع أنه يعيش عالة على الغرب في كثير من أموره الاقتصادية وغيرها ، وإلا أن الشيوعية هناك لا تزال باقية ، والشيوعيون لا يزالون موجودين بقوة ولديهم حزب كبر ، ومن أبرز أمثلة ذلك : أن الشيوعيون لا يزالون يساعدون الحكومات الشيوعية التي قامت في البلاد الإسلامية المستقلة .
ومن أبرز الأمثلة على ذلك : ما يجري عند الطاجيك في طاجيكستان حيث أن الحكم الشيوعي قام هناك وصار الشيوعيون يحاربون المسلمون ، فقامت القوات الروسية الشيوعية بمساعدة أولئك ومطاردة المسلمين ، وقد قابلنا في جمهورية تتارستان طلاباً فروا من جحيم الحكم الشيوعي هناك ومن جحيم نار الروس ، وقابلنا أناساً منهم فروا بدينهم ، وكان ، وكان أهلهم لا يعلمون عنهم شيئاً ، وقابلنا شاعرا مشهورا معروفاً في بلاد الطاجيك ليس معه من أهله إلا ولده . قال : إنني فررت من هناك ؛ وهم يبحثون عن أهلي وبناتي وهم لا يدرون عني شيئاً وقد أذيع في الإذاعة الرسمية هناك أنني قتلت ومع ذلك كان معنا يشارك في هذه الدورة أسأل الله جعل وعلا أن ينصره وأن ينصر المسلمين في كل مكان ، وأن يعيده إلى بلده ، وقد عادت إلى الإسلام .
ثامناً : مساعدة الشيوعية للأرمن النصارى ضد المسلمين في أذربيجان وغيرها(1/8)
تاسعاً : رفضهم رفضاً قاطعاً لاستقلال جمهورية تتارستان الإسلامية ، فإن الجمهورية متاخمة لروسيا ، وأرادت أن تستقل ، فرض الشيوعيون ذلك رفضاً كاملاً ، ولا تزال هذه الجمهورية الإسلامية داخلة تحت حكم الشيوعية وتحت حكم روسيا ، وإن كان لها نوع من الاستقلال البسيط . وإنما رفضوا استقلال هذه الجمهورية ، لأن مناطقها متاخمة لروسيا تماماً ، وتكاد تكون أراضيها متداخلة مع روسيا التي تقع فيها العاصمة موسكو .
*ولهذا الشواهد وغيرها نقول : إن الشيوعية والشيوعيون لا يزالون باقين ، ولا يزالون حرباً على الإسلام .
القسم الثالث : ملاحظات وشواهد
أولاً: مما يلفت الانتباه في الاتحاد السوفيتي السابق ، جمال تلك البلاد الطبيعي والخضرة التي شملت جميع الأراضي ، وإذا قلنا إن هذه البلاد تمتد ألاف الكيلومترات ، إن الإنسان يطير عدد من الساعات فيرى تحته الأراضي الخصبة ، والأنهار الطويلة ، والغابات والمزارع .. إلى آخره .ويتعجب الإنسان عجباً شديداً كيف أن هذه البلاد بهذه الخضرة وهذه الأنهار التي لا توجد في أي بلد في العالم حيث يصل عرضها أحيانا إلى عدد من الكيلومترات ، أنهار عذبة ومزارع وبساتين ، ومع ذلك كانت - ولا تزال الآن - تعيش عالة على الغرب ، وتأخذ منهم كثيراً من أنواع الغذاء - وعلى رأسها القمح فيا عجبا ! كيف هذا ؟(1/9)
ثانياً : في مدينة موسكو وفي غيرها من الجمهوريات الروسية ، توجد العمارات العالية ذات الشقق الصغيرة المكدسة التي يعيش فيها الشعب بلا تملك ، كل أسرة تعيش في شقة صغيرة ، فالإنسان يتجول ويدور في موسكو أو في غيرها من عواصم الجمهوريات ، فأول ما يلفت الانتباه ، هذه العمارات الشاهقة التي تجدها في كل مكان وهي التي يعيش فيها الشعب أما المنازل الصغيرة الخاصة ,فقد كانت نادرة جداً,ولكنها بدأت الآن تظهر. وبالمقابل زرنا بستاناً ضخماً في أحد ضواحي موسكو ، هذا البستان موجودا على أحد الانهار المهمة وفيه عدد من القصور ، قصر للغذاء وما يتعلق به ، وقصر للمحاضرات والمؤتمرات ، وقصر للسكن ، وقصر لكذا .. لما سألنا عن صاحب هذا القصر ؟ قيل لنا : إنه يملكه أحد أولاد زعماء الاتحاد السوفيتي السابق فقلنا : سبحان الله ، شعب يعيش في شقق كعلب الكبريت ، ويحرم على أفراد الشعب تملك شيء ، وهذا يعيش في بستان كامل ضخم ، فهذه هي الشيوعية ، وهذه هي دعاوى الاشتراكية ، وهذه دعاوى حقوق العمال .
ثالثاً : يلاحظ في الوضع الاجتماعي في تلك البلاد ما يلي :
التفكك الأسري : وهذه الخاصية لا تختص بها الشيوعية ، بل يشاركهم الغرب فيها ، فإن الإنسان يعيش هناك مع زوجته ولا يبقى معه أحيانا إلا طفلة الصغيرة . أما أولاده إذا كبر فكل يمشي في سبيله .(1/10)
الفساد والانحلال الأخلاقي : وقد برزت ظاهرتان عجيبتان في جميع روسيا أحدهما : انتشار الخمر ، وهذا أمر عجيب جداً ، فإن روسيا هي أكبر دولة تستهلك الخمر في العالم . ومن زار أوروبا وزار روسيا يجد الفارق بينهم هو كثرة شرب الروس للخمر عن الأوربيين وإن كان الأوربيون يشربون أيضاً ، لكن ليسوا في الإكثار كالروس ، !! : تقابل الإنسان في روسيا في الظهر والعصر وفي الصباح والمساء ، فتجد رائحة الخمر تفوح منه والناس في الشارع يدورون سكارى ، إنهم شعب يريد أن يغيب عن الحياة ، والخمر أرخص من المياه العذبة ، وتباع أكشاك صغيرة ولا تغلق هذه الأكشاك طوال الأربع وعشرين ساعة يبيعون فيها المرطبات وعلى رأسها الخمور ، بل أنك تجد عدد الذين يشربون الخمور كثيراً جداً ، بينما تجد المدخنين قلة نظراً لأن أسعار الدخان غالية ، فهو شعب غائب .
تفسخ النساء : فهو تفسخ لا يوجد حتى في أوروبا . العري وكثرة الزنا موجودة هناك بشكل غريب .
الفساد الإداري والاقتصادي :
فالرشوة منتشرة ولا يكاد يصل إنسان إلى معاملته إلا برشوة ، ثم بعد ذلك ضعف الأجهزة والاتصالات وغيرها ، تجد الإنسان لا يستطيع أن يتصل بأي بلد من العالم إلا بصعوبة ، ثم إنهم لا يستخدمون الوسائل الحديثة مثل الكمبيوتر وغيره ، وتجد الأماكن الاقتصادية والمحلات التجارية والأماكن الحكومية وغيرها لا تستخدم الوسائل الحديثة في التكنولوجيا وغيرها فأين الشيوعية التي كانت ترعب العالم ؟!!!
انتشار سرقة السيارات : فإن السيارة تسرق في كل لحظة ، والسيارة إذا سرقت لم يستطيع أحد أن يصل إليها أبداً.
ج. ارتفاع الأسعار وانخفاض قيمة العملة فالدولار الواحد كان يساوي ثلاثة إلى عشرة روبلات ، ولكن الروبل انخفض كثيراً حتى أصبح الدولار يباع بألف ومئتي روبل روسي ولا يزال بانحدار ، وهذا من آثار تطبيق الشيوعية الطيب.(1/11)
5. من المشاهد والظواهر هناك: ظاهرة نشاط المنصرين فمما يلاحظ أن هذه الدولة في الأصل كانت نصرانية ، وبعد انهيار الاتحاد السوفيتي جعل أولئك النصارى يعودون وبكل قوى إلى الديانة النصرانية والدعوة إليها ، ومن الأمور الملاحظة وجود الكنائس وكثرتها في كل مكان ، بل في القرى الإسلامية لا تكاد تخلو قرية من وجود كنيسة ، وساحة الكرملين التي عاشت سبعين عاماً عاصمة الإلحاد يوجد فيها مجمع كنسي يعتبر من أكبر المجمعات الكنسية في العالم بعد روما ، يوجد في خمس أو ست كنائس ضخمة جدا منارتها تبلغ أكثر من مائة متر عالية وفيها نشاط تنصيري ، وإن كانوا قد جعلوا منطقة الكرملين كلها للسياحة لكن الذي يمر على هذه الكنائس يجد أن المنصرين هناك يجمعون التبرعات ويدعون إلى النصرانية في نفس الكرملين ، وقامت الشيوعية وامتدت سبعين عاماً وهدمت مساجد المسلمين ، لكنها أبقت هذه الكنائس على حالها وهي مجمع ضخم !!(1/12)
6. ومن الأمور والظواهر العجيبة : محاولة النصارى الدخول والسكن بين المسلمين : ولقد أدى هذا انتشار هؤلاء النصارى في بلاد المسلمين ، بل إنهم أحياناً يعادل عددهم عدد المسلمين في بعض المدن ، فإذا ذهبت إلى جمهورية إسلامية تجد الكنائس تعمر فيها إلى الآن ، بل إننا مررنا بجمع قروي رأينا فيه كنيسة ضخمة جداً ، هذه الكنيسة يقيم فيها راهب طول العام ، يدعو إلى النصرانية وقد أبقاه الشيوعيون . أما الكنائس التي تبنى من جديد ويجدد بناؤها فهي كبيرة جداً . وكان لانتقال الروس إلى بلاد الجمهوريات الإسلامية أثر كبير في تذويب الشخصية الإسلامية هناك ، حتى أنك لا تفرق في الخلق ولا السلوك ولا في قضية ترك الصلاة ، ولا في شرب الخمور ، ولا تفسخ النساء بين المسلم وغير المسلم تقابل هذا الإنسان وتجده على حالة وتسأل عنه هل هو مسلم أم نصراني ؟ فيقول لك هذا تتري أو طاجيكي إذا هو مسلم ، أما في حقيقة حاله ومظهره وسلوكه فلا تستطيع أن تفرق بين مسلم وغيره . وهذا كله من آثار المسخ والإلحاد والغزو الفكري الذي مارسه أولئك الشيوعيون ، والمنصرون من ورائهم . ومع هذا فإنهم يخافون جداً من الإسلام ، كما يخافون أن المسلم يرجع إلى إسلامه في يوم ما . وبهذه المناسبة أذكر أن أحد زعماء الغرب قال : إننا يجب أن نؤيد رئيس البرلمان مع أنه شيوعي ، لأن أصوله إسلامية . فهم يخافون أ، يرجع إلى أصوله الإسلامية ، وقد نشط المنصرون داخل الإتحاد السوفيتي وخارجه نشاطاً كبيراً ، وذلك بعد سقوطه ، ومن أمثلة ذلك :
بناء الكنائس الجديدة الضخمة : وهذا أمر له خطورته ، لا سيما وأن هذه الكنائس كثيراً ما تبنى قرب المساجد حتى تزاحمها .(1/13)
إقامة المؤتمرات التنصيرية هناك : وعند قدومنا هناك كان يوجد مؤتمر عالمي تنصيري ، ولقد كان الإنسان يرى المنصرين أعداداً كبيرة قد جاءوا من بلاد شرق آسيا ومن أفريقيا وأوروبا وأمريكا ومن كل مكان ، جاءوا لهذا المؤتمر التنصيري في بلاد روسيا مع العلم أن هذا التنصير في بلاد المسلمين وغيرها .
ج. مزاحمة أي مشروع إسلامي : وقد حدثتنا أحد الدعاة من تلك البلاد أنه أفتتح مكتبة صغيرة لبيع الكتاب الإسلامي بسعر مخفض فقام النصارى بفتح مركز بجواره لتوزيع الكتب التنصيرية والهدايا بالمجان .
د. المصرون من أوروبا : توضع لهم تسهيلات كبيرة ويأتون باسم الشركات وغيرها والإدارات الرسمية تعنيهم ، ومن ثم تجد هؤلاء المنصرين منتشرين في كل مكان وهذا أمر غريب جداً . بل حدثتنا أناس من هناك ممن قد لا يقيمون الصلاة لكن أصولهم إسلامية ، قالوا لنا إن خطر التنصير قام علينا ، هؤلاء المسلمون - وإن كانوا لا يصلون - إلا أنهم يرفضون التنصير ويحسون الخطر ، ويقولون : لا نريد أن نتنصر ، ولا نزيد لأولادنا أن يتنصروا ، نريد أن نكون من المسلمين ، وهذا من العجائب.
7. ومن الظاهر هناك : نشاط الرافضة والمذاهب الهدامة : وهذه حقيقة مؤسفة حقاً فإن أهل البدع من الرافضة وغيرهم يقومون بنشاط قوي هناك ويركزون تركيزاً قوي على المسلمين وعلى الجمهوريات الإسلامية.
8. نشاط الطرق الصوفية هناك : وما فيها من شرك وبدع حيث توجد أحياناً بعض القبور التي تزار ويذبح لها وتدعى من دون الله - تبارك وتعالى- وهذه الطرق الصوفية موجودة في تلك البلاد الإسلامية وخطرها عظيم ، لأنها قد تستبدل بالحكم الشيوعي أو غيره شركاً آخر بالله سبحانه وتعالى ولم يقتصر الأمر على هؤلاء فقط ، بل هناك أيضاً من الملاحدة البهائيين والقاديانيين وغيرهم ممن دخل إلى تلك البلاد ، وحدثنا المسلمون هناك أن دعاة البهائية وغيرهم لهم أتباع .
فأين المسلمون . أين أهل السنة والجماعة ؟(1/14)
القسم الرابع المظاهر الإيجابية هناك
وبعد هذه الملامح أحب أن أتحفكم ببعض المظاهر الايجابية الموجودة عند المسلمين هناك ، وهذه المظاهر سأتحدث عنها في جمهورية واحدة هي التي زرناها ، وهي جمهورية تتارستان ، والتي عاصمتها قازان ، وقبل أن اذكر هذه المظاهر الايجابية أحب أن أقدم بمقدمة ، فأقول : إن هذه الجمهورية لا تكاد تختلف عن الجمهوريات الإسلامية الأخرى ؛ وذلك بالنسبة لما ذكرناه سابقاً من محاولات المسخ والتغيير وأوضاع المسلمين هناك ، وعندما نتكلم عنها إنما نعطي نموذجاً فقط لجمهورية إسلامية من جمهوريات الاتحاد السوفيتي السابق ، وسف أتحدث عن هذه الجمهورية من خلال النقاط الآتية :
أولاً : عدد سكان هذه الجمهورية هو ثلاث ملايين ونصف تقريباً ، ونسبة المسلمين فيها تصل إلى ستين بالمائة تقريباً . والبقية من النصارى الروس ، ويوجد قلة من غيرهم ، وسكانها من التتار وهم معروفون بأنهم جزء من الأمة التركية المعروفة ، ويرجعون إلى أصولها .
ثانياً: هذه الجمهورية غنية بثرواتها الزراعية والنفطية وكثرة الأنهار فيها ، ويوجد بها نهر يخترقها وهو من أعظم الأنهار في العالم يسمى نهر الفولجا ، وهو نهر ضخم وعذب يعتبر من أجمل ما في تلك البلاد . وفيها أنهار كثيرة جداً تعد بالمئات.(1/15)
ثالثاً:هي منطقة دخلها الإسلام قديماً ، بل إن لها نشاطاً إسلامياً متميزاً في العصور الحديثة ، قبل الحكم الشيوعي لما كانت روسيا القيصرية هي التي تحكم البلاد ، حيث صدر قانون يسمى في ذلك الوقت قانون حرية التدين ، وكان صدروه سنة 1323 هجرية الموافق 1905 ميلادية أي : قبل الحكم الشيوعي باثني عشر عاماً تقريباً . ولما صدر هذا القانون ، دخل في الإسلام الألوف من الناس في هذه المنطقة - أي منطقة تتارستان - ، بل إن هناك أسراً دخلت في الإسلام بكاملها ، وتحولت مدينة قازان العاصمة إلى عاصمة إسلامية كبرى . فأنشئت فيها جامعة إسلامية كان يدرس فيها في وقت من الأوقات أكثر من سبعة آلاف طالب ، وكانت فيها مطبعة عربية مشهورة طبعت عدداً كبيراً من أمهات الكتب الإسلامية ، ولا تزال طبعات مدينة قازان من أندر الطبعات في العالم . ورأينا في المكتبات هناك كتباً كثيرة جداً في العقدية والفقه ... وغيرها . مطبوعة في المطبعة القازانية . وأنشئ في قازان مركز ضخم للدعوة الإسلامية ، وكان لعلماء قازان جهود كبيرة في نشر الإسلام ، ولكن كل هذه المظاهر الإيجابية التي مرت علينا ، والتي جعلت من مدينة قازان عاصمة عريقة من عواصم المسلمين في بلاد المشرق ، كل هذه الأمور قضى عليها قضاءً مبرماً حينما قام الحكم الشيوعي في سنة 1917ميلادية ، وعاشت هذه البلد سبعين عاماً عملت فيه الشيوعية مسخاً وإفساداً ، وإلغاء لهويته الإسلامية . وأصبح من أبرز ما يشاهده الإنسان من آثار الحكم الشيوعي : الجهل بالإسلام ، جهلاً مطبقاً ، حتى إن بعض المسلمين هناك يجهلون أن هذا النصراني كافر أم لا ، ولقد سُئلنا أكثر من مرة : هل النصراني لا يدخل الجنة ؟ انظروا كيف يبلغ الجهل بالإسلام هذا المبلغ .
رابعاً : أوضاع المساجد الباقية هناك ، حيث الاستهانة بترك الصلاة :(1/16)
فإذا نظرت داخل المساجد وقت الصلاة ، لا تجد مصلين وقت الصلاة . مع أن المسلمين بالهوية بالآلاف ، ومع ذلك لا تجد من المصلين إلا عدداً قليلاً ، فيصلي في صلاة الظهر عدد محدود ، خمسة أو ستة أفراد أو عشرة أفراد ، وفي صلاة الجمعة في المدينة التي يبلغ عدد سكانها أكثر من مائة ألف ، لا يكاد يصلى في المسجد أكثر من ألفين وربما أقل من ذلك ، ثم إذا جاء يوم العيد صلى أضعاف هذا العدد فقط ، أما ما عد ذلك من الصلوات مثل الصلوات الخمس ، فلا يكادون يعرفون الصلوات ، مثل الصلوات الخمس ، أضف إلى هذا : انتشار شرب الخمور بين المسلمين والتفسخ عند النساء المسلمات .. كل هذا من آثار الشيوعية فكراً وتطبيقاً .
أما العلماء ، فهم معدمون هناك حتى أنك إذا قابلت من يشار إليه منهم ، وجدته يقول لك : ليس عندي من العلم شيء ، ولا يعلم إلا مبادئ بسيطة ، ويحفظ قليلاً من القرآن .
ومع هذه السلبيات التي ذكرتها قبل قليل ، ومع هذا المسخ الكامل الذي تعرض له المسلمون في هذه الجمهورية إلا أن هناك ظواهر إيجابية اذكرها كما يلي :
أولاً : هناك إقبال شديد على الإسلام وحب للتعرف على عقيدته وأحكامه خاصة ممن يحملون الهوية الإسلامية .
ثانيا: حرص المسلمين هناك - وخاصة أئمة المساجد والموجهين منهم - على طلب العلم الشرعي بدءاً بقراءة القرآن ، ثم تعلم العقيدة الصحيحة والأحكام الشرعية ، ومن مظاهر هذا الحرص : أننا قابلنا عددا من الطلاب لا يحفظون إلا الفاتحة ومع ذلك حرصوا حرصاً شديداً أثناء الدورة على حفظ القرآن ، فبعضهم حفظ ثلاث سور أو أربع سور خلال الدورة فقط ، وذلك من أواخر القرآن .(1/17)
ثالثاً : من خلال التجول في القرى وفي غيرها كثيراً ما يشتكي أهلها من ظلم الشيوعية ويحدثوننا عن قصص دامية مؤلمة ومؤثرة . وقعت لهم ولآباهم في السابق ، وكانوا يتقبلوننا بمحبة وفرح شديدين وكانوا يقولون لنا أحياناً : كيف تريدون أن نمحو سبعين عاماً من الجهل المطبق والحكم الشيوعي الغاشم بنصف ساعة أو بساعة تجلسونها معاً .
رابعا: من المشاهد المؤثرة أنه في مدينة اسمها أكتوبرسكي ، وهذه المدينة تقع في تتارستان رأى الإخوة في إحدى المدارس الإسلامية هناك سكناً للطلاب ، وسكناً للمدرسين ، ورأوا بجوار سكن المدرسين غرفاً نظيفة مجهزة لم تسكن ، ولما سألوا مدير المدرسة والمسؤولين عنها لماذا هذه المساكن لم تسكن ؟ قال : إننا أخلينا هذه للمدرسين الذين سيأتون من بلاد العرب ليعلمونا اللغة العربية والدين الإسلامي ، فقيل لهم : وما أدركوا بذلك . قالوا : إن إخواننا المسلمين هناك إذا علموا بحالنا واستطاعوا أن يصلوا إلينا فإنهم لن يقصروا وسيأتوننا ، وسيكونون معنا ويعلموننا ،
وهذا الشعور الذي يشعر به المسلمون هناك نوجهه لكل مسلم ونوجهه للدعاة ولطلبة العلم المكدسين في بلاد المسلمين . بينما المسلمون بينما المسلمون هناك يحتاجون إلى الواحد ، وأعداؤنا من أهل البدع ينشطون هناك نشاطاً عجيباً !!!.
خامساً : من المظاهر الايجابية : الاهتمام بالعلم الشرعي ، حيث نجد إقبال الطلاب على هذه الدورات ، فهذه الدورة التي أقيمت في قازان اشترك فيها ما يقرب من مائة وخمسين طالباً ، هؤلاء الطلاب جاءوا من هذه المدينة ومن غيرها ، وبعضهم جاء من مسافة تبعد أكثر من ألف كيلوا متر ليدرس في هذه الدورة التي استمرت قرابة أسبوعين فقط.(1/18)
وهذا يدل على حرصه على طلب العلم ، ولقد كانوا حريصين على الكتاب الإسلامي ، وحريصين على تعلم العقيدة ، وحريصين على تلقى وكتابة كل ما يسمعونه . وهذا ــ والحمد لله ــ يبشر بالخير ، ويدل على أن هؤلاء المسلمين مقبلون على دينهم . أسأل الله ــ سبحانه وتعالى ــ أن يثبتهم ، وأن يبصرهم بدينهم ، وأن يثبتنا وإياهم على الخير والهدى .
سادساً : ومن المظاهر الايجابية : بناء المساجد ، فهناك جهود كبيرة جداً لبناء المساجد ، وهذه المساجد غالباً ما يبنيها أصحاب تلك البلاد ، فهي مشاريع نابعة من ذوات أنفسهم ، والحمد لله أنك لا تكاد تجد قرية إلا وفيها مسجد قد بني الآن أو مسجد تحت البناء ، ولا تكاد تجد قرية إسلامية إلا وأهلها حريصون على بناء المساجد ، ويلاحظ أن أشد ما يواجهونه الآن بالنسبة لهذه المساجد هو نقص الدعم المادي اللازم لإكمالها ، وذلك نظرا لانخفاض قيمة العملة وغلاء الأسعار .(1/19)
سابعا : مررنا بعدد من المساجد بدأ المسلمون بناءها وما استطاعوا إكمالها ، مررنا بمسجد في إحدى القرى وقالوا لنا انظروا إلى هذا المسجد نحن نحتاج إلى مليون من الروبلات - أي إلى ألف دولار - إن ساعدتمونا أكملنا بناء هذا المسجد ، ومررنا على مدينة مدينة تسمى بوقرسلان ، وهذه المدينة للمعلومية ليست داخلة تتارستان إنما هي مدينة تابعة لروسيا نفسها ، لأننا كلنا على أطراف تتارستان من جهة روسيا ، فسافرنا إلى هذا المدينة التي تبعد عن تتارستان أكثر من مائة كيلو، وهي تابعة لمدينة موسكو، مررنا بهذه المدينة فوجدنا رجلاً من التجار المسلمين بذل جميع ماله لبناء مسجد ، وكان المسجد ضخماً ، وقد ألحق به مدرسة لتعليم الإسلام لأولاد المسلمين هناك ، ولكن هذا الرجل لم يستطع إتمام المسجد ولا المدرسة ولم يستطع أيضاً مسلمو هذه الناحية إكمالهما . أنفق هذا التاجر فيه أمواله وقال لنا المسلمون هنا " إنه مر بهم عدد من المسلمين الزائرين ووعدوهم بالمساعدة . فهذه مسجد يشكو إلى الله سبحانه وتعالى ويجأر إليه غفلة المسلمين عنه في مقابل الكنائس التي تبنى هناك ويدفع لها النصارى الملايين. ويوقفون لها الأوقاف ويجرون عليها الدخول .(1/20)
ثامناً : من المظاهر الإيجابية أيضا: بناء المدارس : وهذه ظاهرة ممتازة جداً ، إلا أنها قليلة ، وفي الغالب تكون هذه المدارس تابعة للمساجد ، تجدها بجانبه ملاصقة له ، أو عل بعد أمتار منه ، ويكون في المدرسة سكن وصالات للطعام يقوم عليها إمام المسجد وأهل الخير ، مع العلم أنهم لا يتلقون أي مساعدة من الجهات الرسمية هناك ، وإنما يلتقون المساعدة من بعض المحسنين ، وأحياناً يقوم الداعية منهم بنفسه بعمل التجارة حتى يعف نفسه وأولاده عن السؤال . وأحياناً تكون المدارس مستقلة وبعيدة عن المساجد ، وهذه المدارس أيضاً قليلة جداً وتحتاج إلى تموين ضخم ، وقد زار بعض أخواننا في الدورة مدرسة في إحدى المدن هناك ، وكانت هذه المدرسة فيها من التهيئة للطلاب مما يلزمهم الشيء الكثير ، بل إننا ونحن في الدورة ندرس الطلاب كنا إذا رأينا الطالب الممتاز نسأل من أين قدم ، من أي الجمهوريات ، ومن أي البلاد ، فنجد أن أغلب الطلاب الممتازين جاءوا من تلك المدارس ، وهذا يبين أهمية بناء المدارس في هذه البلاد وفي غيرها . فبناء المسجد أمر طيب ومهم جداً ، ومثله بناء المدارس ، والحاجة إلى كل منها ماسة جداً .(1/21)
تاسعاً : ومن المظاهر الإيجابية : دور المسلمات الداعيات حيث إننا سمعنا عن امرأة مسلمة داعية صنعت ما لم يصنعه الرجال ، ففي مدينة قازان سمعنا عن هذه المرأة الداعية ، ولما سمعنا تفاصيل أخبارها وأحوالها احتقرنا أنفسنا . ظلت هذه المرأة خمسة عشر عامً تدعو إلى الله سراً ، ولقد كانت تتنقل كل يوم إلى البيوت بصفة خاصة وسرية وتلتقي هناك بالنساء المسلمات تعلمهن القرآن الكريم ، خمسة عشر عام من زمن الحكم تخرج للدعوة وتخرج أحياناً على قدميها ، وضعت لنفسها جدولاً منظماً ؛ اليوم في بيت فلانة ، واليوم الآخر في بيت فلانة ، واليوم الثالث والرابع .. وهكذا طوال هذه المدة !!!. ثم إنها ربت أسرتها وأولادها فرأينا من أسرتها عجباً ، رأينا لها أبناء كلهم من كبار الدعاة في تتارستنان أحدهم من كبار الدعاة في تتارستان ، ثم إننا رأينا أزواجاً لبناتها الأربع من كبار الدعاة إلى الله مع ابنها ، فأحد أزواج بناتها مقيم في إحدى الجمهوريات خارج تتارستان ، وهو من الدعاة إلى الله . ومفتي تتارستان سابقاً هو زوج لأحد بناتها ، وزوج ابنتها الثالثة يقيم في إحدى المدن وهو إمام لمسجد وهو من كبار الدعاة ، وزوج ابنتها الرابعة مقيم في إحدى المدن ، وهو من الدعاة إلى الله سبحانه وتعالى ، وهي لا تزال إلى الآن تلقي دروسها لكنها تلقيها علناً ، بعد أن كانت تلقيها سراً فتعجبنا وقلنا : سبحان الله ! كيف تصنع هذه المراة ؟ وكيف يمكن أن تصنع المرأة المسلمة في كل مكان وفي كل زمان ؟!!!
عاشراً : ومن المظاهر الإيجابية : أن بعض المسلمين هناك أبقوا على الإسلام في المدارس والغرف السرية تحت الأرض ، فإن المسلمين لما حكموا بالحكم الشيوعي ، صار الواحد منهم يعلم أولاده سرا ، ووضعوا مدارس خفية تحت الأرض ينزلون إليها في الأقبية يعلمون أولادهم فيها الإسلام ، وهذه المدارس كانت موجودة في أيام الحكم الشيوعي وكان لها أثراً طيب والحمد لله .(1/22)
حادي عشر : ومن المظاهر الإيجابية : في السنوات الأخيرة عدد من الطلاب من هناك وهم الآن يدرسون اللغة العربية والعوم الشرعية في الجامعة الإسلامية ، وفي جامعة الإمام ، وقد أتى عدد لا بأس به منهم ، ولا يزالون يأتون على قلة ، وهذه بادرة طيبة نطلب من المسلمين ومن القائمين على هذه الجامعات أن يفتحوا المجال أكثر وأكثر لهؤلاء الطلاب المسلمين ، فإنهم أحوج ما يكونون إلى الحضور إلى هنا ؛ ليتعلموا العقيدة الإسلامية السليمة ، وليتعلموا العلوم الشرعية الإسلامية الأصلية ، وحتى لا يتخطفهم أهل البدع من كل مكان .
ثاني عشر : زرنا الأكاديمية العلمية في مدينة قازان ، أي ما فوق الجامعة ، والتقينا بهؤلاء المسئولين عنها ، وهنا دار حديث متشعب عن أحوال المسلمين في تتارستان وعن أملهم في المستقبل . وطرحنا عليهم فكرة أن ينشئوا أقساماً للدراسات الشرعية ولدراسة العقيدة الإسلامية ، وحبوا بذلك ، ولكن قالوا : إن أمامنا عقبة ، وهذه العقبة تتمثل في أرمين ، هما :
الأول : قالوا : ليس عندنا علماء وأساتذة في التخصصات الشرعية الإسلامية .
الثاني : في لغتنا التتارية ، لا توجد الكتب التي يمكن من خلالها أن نتعلم وأن نعلم . وهذا الإشكال نطرحه على جامعات المسلمين ، نقول : هم يردون خيراً ويردون فتح مجالات للبحث العلمي المتعمق بالإسلام ، ولكن يحول دون ذلك أنه ليس هناك علماء متخصصون . فهل يقوم المسلمون بهذه المهمة ؟
القسم الخامس : العبر و الدروس العامة
بعد أن ذكرنا المظاهر الإيجابية أقف في ختام تلك الرسالة مع بعض العبر والدروس لخاصة ، فأقول :(1/23)
أولاً : إن من أعظم هذه الدروس وأكبرها لمن علم أحوال الاتحاد السوفيتي سابقاً أو زاره ، أن يعلم ويوقن أن دين الله غالب ولا يُغلب أبداً ، وأن الله - سبحانه وتعالى - ناصر دينه . لقد قامت الشيوعية بما يشبه الأساطير في حرب الإسلام هناك ، ومع ذلك عاد الإسلام ، وسيعود قوياً - إن شاء الله - فهل يعي ذلك أعداء الإسلام ؟ وهل يعي ذلك أولئك الذين يحاربون الإسلام ؟ إن هناك درساً مهماً جداً يجب أن نقف عنده وهو : أن الإسلام مهما حورب في أي مكان ، أو حاول أعداؤه أن يقضوا عليه ، فإن الله سبحانه وتعالى لابد أن ينصر دينه وأن يعيد للإسلام قوته ومجده ، هذه سنة الله سبحانه وتعالى . فهل يعي ذلك أعداء الإسلام في الغرب والشرق ؟ وهل يعي ذلك أذنابهم من المسلمين الذين يحارب أكثرهم الإسلام ويحارب أكثرهم الصحوة الإسلامية ؟ هل يعوا هذه الحقيقة ؟ ليعلموا أنهم مهما عملوا وسعوا في إسكات صوت الإسلام والدعوة والوقوف في طريقه ، فلن يبلغوا ، ولن يصلوا إلى الحد الذي بلغه الشيوعيون في ذلك . ومع هذا فقد انهارت الشيوعية وولت وبقى الإسلام . إنه درس يجب على الجميع أن يعيه .(1/24)
ثانياً : الأحزاب الشيوعية العربية : فإن لبعض المسلمين انتماءاتهم الحزبية لتلك الدول الشيوعية ، فهل يراجع أولئك حساباتهم ؟؟ وأقول : إن هذا الكلام لا يوجه إلى الذين يتعلقون بالشيوعية فقط ، فإنني أعلم أن تعلقهم الآن إنما هو تعلق بخيط العنكبوت ، ولكنني أقول بالمقابل : هل يعي هذا الدرس أولئك الذين يتعلقون بالغرب الآن ، وألئك الذين يظنون أن هذا الغرب هو المهيمن وهو القوة العظمى ، وسيظل هكذا على الدوام ؟ ونسأل : أليس ممن الممكن - والله على كل شيء قدير - أن يجري على هؤلاء المتغطرسين في الغرب ما جرى على أولئك الشوعيين في الشرق وقد كانوا قبل ذلك متغطرسين !!! إن هذا غير مستبعد ، بل هو ممكن ، والمؤشرات التي يراها المتأمل والفاحص لأحوال الغرب تدل على قرب وقوع هذا.
ثالثاً: إن من يتأمل أحوال المسلمين هناك ، يرى أن فجر الإسلام الصادق قادم ، وأن إرهاصات نصر الإسلام والمسلمين بدأت تتوالى في الظهور ، ولا شك أن المتأمل لواقع المسلمين اليوم يجد الإسلام يحارب في غالب بقاع الأرض كل مكان وتكون النتيجة أن الغلبة له في كل مكان ، فبمقدار ما يحارب هو ينتصر ، ومن هنا يجب على كل مسلم أن يعي دوره في هذه الحياة ، وعليه أن يعيد دوره في هذه المرحلة من الصراع بين الحق والباطل ، إن المؤمن لا ييأس أبدأ ، ومها حورب المسلمون ومهما تكالب عليهم أعداؤهم من كل جانب ، فإن المؤمن الصادق لا ييأس بل يثبت عند الشدائد ، كما فعل أصحاب النبي ( وقد أحاط بهم الأحزاب من كل جانب ، قال الله تعالى : ((وَلَمَّا رَأَى الْمُؤْمِنُونَ الْأَحْزَابَ قَالُوا هَذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَمَا زَادَهُمْ إِلَّا إِيمَاناً وَتَسْلِيماً)) .(1/25)
إننا نجد حرباً على الإسلام في كثير من بلاد المسلمين ، بل وفي غيرها . والواجب عليها أن نعلم أن حربهم لنا وحرصهم الشديد على إغوائنا وإضلالنا هو دليل على أننا نسير على الحق وهو دليل على أن ما نحمله من عقيدة وما نتبناه من منهج هو حق ، فعلنيا أن نصبر وأن نثبت على دين الله تعالى ، وأن نحذر من النكوص والتراجع .
القسم السادس : المظاهر الإيجابية هناك
ما الذي يحتاجه المسلمون هناك ؟
هذا سؤال طويل وعريض ، والمتأمل لأحوال المسلمين هناك ، يجد أنهم بحاجة إلى أمور كثيرة ، أشير إليها بإجمال ، فأقول - وبالله التوفيق - :
هم بحاجة إلى مساعدة في بناء المساجد ، وهذا معروف لدى الجميع ، وينبغي أن نعلم أن المساجد هناك معلم مهم من معالم الإسلام ، أما القوى النصرانية والإلحادية ، وحينما نعين المسلمين هناك ونساعدهم في بناء المساجد فنحن نرفع راية الإسلام عالية ، ونبرز للمسلمين كياناً يدل على قوة الإسلام ، وتواجد المسلمين وغيرتهم على دينهم .
إرسال الدعاة والثقات إلى هناك ويكون إرسال الدعاة على وجهين :
1- إرسال الدعاة المتجولين الذين يذهبون إلى هناك على فترات لينظروا في أحوال المسلمين ويوجهونهم من خلال الخطب أو الدروس أو غيرها.(1/26)
2- توظيف الدعاة والمدرسين الذين يقيمون هناك بين السكان ؛ ليعلموا المسلمين عقديهم الصحيحة ويربوهم عليها . وهناك تجارب قام بها بعض الدعاة في هذه البلاد ، وهي تصلح لتك البلاد النائية ولغيرها ، مثل ما قام به الداعية إلى الله الشيخ عبد الله القرعاوي - رحمه الله - فإنه لما سمع قبل سنين عديدة عن الجهل في المنطقة الجنوبية ، شمر عن ساعد الجد وذهب إلى هناك ، ولم يكن يومها عالماً كبيراً ، ولكنه كان طالب علم وكان داعية صاحب غيرة على الدين والعقيدة ، فذهب إلى هناك مع بعد الشقة وصعوبتها في ذلك الوقت ، وبدأ الدعوة وأنشأ المدارس لتحفيظ القرآن ، حتى إن مدارسه قبيل أن تضم إلى وزارة المعارف في مطلع الثمانينات الهجرية قد بلغ عدد الطلاب فيها قرابة السبعين ألف طالب ، ولا تزال آثار دعوته المباركة موجود إلى ألان .
فالمسلمون في الجمهوريات الإسلامية هناك وفي غيرها من بلاد المسلمين تحتاج إلى هذا النوع من الدعاة الذين يقيمون هناك فترات طويلة ويتوفر فيهم علو الهمة والنشاط والإخلاص حتى تثمر دعوتهم وتنتج فيزيل بهم الجهل ويفتح بهم الآذان الصم والأعين العمي والقلوب الغلف .
3- ينبغي إعطاء الفرصة لأكبر عدد ممكن من الطلاب ليأتوا من هناك للدراسة في الجامعات الإسلامية الموثوقة .
وقد أشرنا إلى هذا قبل قليل ، ومن المهم فتح المجال لهؤلاء قبل أن تتخطفهم مدارس وجامعات أهل البدع ، فإن أهل البدع يحرصون على استقدام هؤلاء الطلاب إلى بلادهم للدراسة ، فيأتي الفرد من تلك البلاد خالى الوفاض ، فيدرس في مدارس هؤلاء المبتدعين ليتحول ويرجع إلى بلاده داعية من دعاة البدعة ، فالمسلمون أصحاب العقيدة السليمة السلفية التي تنتهج منهج أهل السنة والجماعة أولى بهم من غيرهم .(1/27)
نعم ، قد بذلت جهود مباركة في هذا الباب ، سواء في قبول الطلاب هنا للدراسة ، أو في عمل دورات هناك . ولكن الواقع يحتاج إلى المزيد والمزيد من هذا الجهد ؛ ليدرسوا ويتعلموا ويرجعوا دعاة إلى الله سبحانه وتعالى .
4- مما يحتاجه المسلمون هناك : طباعة الكتب - خاصة كتب العقيدة والكتب التي تشرح الإسلام - أولاً باللغة العربية ، ثم بعد ذلك يتم ترجمتها إلى لغاتهم المحلية ، وقد تعجبون إذا قلت لكم ونحن في تتارستان : لم نجد في اللغة التتارية إلا كتيبات قليلة ، ما رأيت إلا كتاباً أو كتابين باللغة التتاريه مع المسلمين الذين يتحدثون تلك اللغة ، وهم أكثر من أربعة ملايين !!!
أين جهود المسلمين ؟ لماذا لا نتبنى مجموعة من الدعاة هناك ، وقد لقينا أناساً منهم يتقنون العربية ويتقنون التتارية ، نتبناهم بحيث تتم الترجمة لهم عن طريق الأشرطة المسجلة ، أو عن طريق الرسائل والكتب التي تترجم . إن النصارى هناك نشيطون جداً وينشرون عقيدتهم ويترجمون الكتب ويقومون بجهود متنوعة وتدعمهم قوى ودول . فهل يعي المسلمون وتجار المسلمون والدعاة إلى الله سبحانه وتعالى هذا الواجب ويقومون بهذا الدور ؟ نرجو ذلك .(1/28)
5- وهذا من أهمها ، وقد سبقت الإشارة إليه : لا بد من إنشاء المدارس الثابتة هناك ، فإنه قد تبين من خلال التجربة أن تربية الأطفال مهمة جداً ، لقد نشأت الشيوعية جيلاً من المسلمين على الإلحاد ، فيجب أن نقابل ذلك بإنشاء المدارس لنربي هؤلاء الصغار على الإسلام مرة أخرى ، وهذا لا يمكن أن يقام به من خلال مدارسهم هناك لأنها لا تزال مدارس علمانية بعيدة عن الدين . إن المسجد مهم جداً ، لأنه عنوان الإسلام هناك وفيه تقام الصلاة التي هي عمود الدين ، والمدرسة ضرورية أيضاً ؛ لأنها ذات أثر عميق وكبير ، وتأثيرها على المدى البعيد ، فلا بد أن نحرص جميعا وأن تحرص الجمعيات الخيرية وغيرها على إنشاء المدارس هناك ، وتوفير الدعاة والمدرسين الثقات الذين يقومون بتربية النشء في هذه البلاد على الإسلام . لو وجدت مدرسة واحدة في كل بلد ، فستكون بمثابة جامعة ؛ لأنها تؤثر تأثيراً كبيراً على مستوى البلد من أوله إلى أخره ؛ لأنها تبدأ بتربية الصغار ،
تربيهم وتنشئهم على فهم العقيدة الصحيحة ، وفي المستقبل القريب - إنشاء الله - سوف تتحول هذه البلاد ، ويتحول هؤلاء الشباب إلى أناس يحملون راية التوحيد ويصبحون دعاة إلى الله سبحانه وتعالى لبني جنسهم ولغيرهم.
6- بالنسبة لتجار المسلمين ، يجب أن يستغلوا الحريات وحاجة المسلمين هناك ، حيث إن هناك فرصاً كبيرة جداً لإنشاء المشاريع الناجحة اقتصادياً وبعد ذلك إسلامياً ، ومن المؤسف حقاً أن الغرب سبقنا بوسائله التنصيرية إلى هناك ، والشركات الغربية تأتي إلى هناك وتعمل عملها اقتصادياً فتستفيد ثم تعمل عملها تنصيرياً ، فهل يعي ذلك تجار المسلمون ؟ نرجو ذلك ، ونرجو أن تكون أمورهم مهيأة لذلك .(1/29)
7- ومن المهم الاهتمام بالمشاريع الإسلامية هناك خاصة مع رخص الأسعار ، وذلك بإنشاء المجلات الإسلامية ، مع العلم أننا لم نجد هناك مجلة إسلامية ، فكيف لو قام المتخصصون الإعلاميون مع التجار بإنشاء مجلة أو جريدة تتحدث عن الإسلام بلغتهم ، لا شك أنه سيكون لها تأثير عظيم في الدعوة إلى الله سبحانه وتعالى ومثلها الإذاعة .. وغيرها .
8- شراء الأراضي وتحويلها إلى أوقاف إسلامية ، ومثلها المحلات التجارية ، وغيرها . فإن هناك وسائل متعددة لمن أراد أن يقوم بالدور المطلوب منه لخدمة المسلمين هناك .
9- وأخيراً أقول :
لابد لكل مسلم مطلع أن يشرح أحوال المسلمين لمن يلتقي به من إخوانه في الله وأن يبصرهم بأحوال المسلمين في كل مكان سواء كان في الجمهوريات الإسلامية فيما كان يسمى بالإتحاد السوفيتي سابقاً ، أو في غيرها من بلاد المسلمين ، لأن هذا واجب علينا جميعاً . والمؤمن للمؤمن كالجسد الواحد إذا اشتكي منه عضو تداعي له سائر الجسد بالسهر والحمى . أسأل الله سبحانه وتعالى أن يجعلنا ممن نطق بالحق ، وقال به ، كما أسأله سبحانه وتعالى أن يوفقني وإياكم إلى الخير والهدى وأن يثبتني وإياكم ، كما أسأله سبحانه وتعالى أن ينصر المسلمين في الجمهوريات الإسلامية فيما كان يسمى بالاتحاد السوفيتي وفي غيرها من بلاد المسلمين ، اللهم انصر المسلمين والمجاهدين في سبيلك في كل مكان ، اللهم فك أسرهم ، وارحم ضعيفهم ، واجبر كسرهم ، اللهم وفق المسلمين جميعاً لرفع راية الإسلام .
*…*…*
الأسئلة
س1/ كيف الوصول إلى هذه البلاد للدعوة إلى الله ؟ وما هي الشروط المطلوبة في ذلك؟(1/30)
الجواب : ما أظن أن هناك شروطاً مطلوبة سوى أن يأخذ الإنسان فيزة دخول إلى هناك ، والفرصة - والحمد لله - مهيأة ، لكن من المهم بالنسبة لمن يذهب إلى هناك أن يتعرف على بعض من ذهب قبله أو على بعض المسلمين هناك ممن يتعلم العربية حتى تتهيأ أموره ؛ لأنه إذا ذهب إلى هناك يحتاج إلى من يدله إلى الأماكن ويمر به على المسلمين ويعطيه الصورة الواضحة كما أنه يحتاج إلى اليقظة والبعد عن مواضع الفتن وهي كثيرة ، والله المستعان .
س2/ هل تنصح طلبة العلم بالذهاب إلى روسيا ؟ وهل عملية التخاطب هناك مع المسلمين متيسرة ؟ وما هي المسائل التي كثيراً ما يواجهها الداعية هناك ؟
الجواب : نعم . أنصح طلبة العلم أن يحرصوا على الذهاب إلى هناك ؛ وذلك من خلال منهج مدروس بحيث لا تكون الزيارة لفرجة وموعظة في مسجد ويرجع ، بل لابد من منهج مدروس من خلال الجمعيات الخيرية هناك ، وهي كثيرة وتضم مجموعة من الدعاة . وقد وضعت دروساً وقامت بدور طيب جداً .
فالدعاة عليهم أن يذهبوا من خلال منهج مدروس ، وينظر في إجابة السؤال السابق فهي متممة لهذا السؤال .
والداعية هناك ، لا يواجه مشكلات علمية عويصة ؛ والأسئلة ليست صعبة ، لأن المسلمين يجهلون الإسلام والكثير منهم بحاجة إلى معرفة مبادئ الإسلام ، فالأمر يحتاج إلى صدق وإخلاص ، كما يحتاج إلى دعمهم مادياً ؛ لأن أحوال المسلمين هناك من خلال الحكم الشيوعي صعبة جداً ، فاحرص إذ ذهبت إلى هناك ، أن تذهب من خلال منهج تتبناه أنت ، لكن ليس شرطاً لكل داعية أن يهذب ويذهب معه المال .
ومن المهم أن تقوم الجامعات الخيرية والتجار المسلمون بدور مهم وجاد في هذا الموضوع .(1/31)
أما الداعية إلى الله سبحانه وتعالى ، فإنه إذا ذهب إلى هناك يقوم بدوره وليست أمامه - والحمد لله - أي مشكلة سوى مشكلة التخاطب ، وهذه المشكلة عليه أن يعالجها بان يرتب أمره مع بعض المسلمين هناك ممن يعرف العربية ، وهذا - والحمد لله - متيسر ، وإن لم يكن متيسرا دائماً
هذا ما أردت بيانه والإشارة إليه ، من خلال تجربة قصيرة ، لكن موضوعها كبيرة جداً ، وأسأل الله تعالى أن يعيننا على أخذ العبر والدروس من أحوال المسلمين في كل مكان ، وأن يوفقنا - وجميع المسلمين - إلى الدعوة إلى هذا الدين ونشر العقيدة السلفية الصافية ، وأن يرزقنا الإخلاص في الأقوال والأعمال .
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم .
??
??
??
??
17
عبر ودروس من زيارة بلاد الروس
جميع الحقوق محفوظة لموقع الشيخ / عبد الرحمن بن صالح المحمود
www.islamlight.net/almahmood(1/32)