ضبط النفس
المقدم:
بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين أيها الإخوة والأخوات مرحباً بكم في حلقة جديدة من برنامج الراصد مع الشيخ محمد صالح المنجد
أهلا وسهلاً ومرحباً بكم يا شيخ محمد ؟
الشيخ محمد:
حياكم الله
المقدم:
حلقة هذا اليوم عن ضبط النفس يا شيخ محمد تعرفون الله سبحانه وتعالى يقول : ? ونفس وما سواها فألهمها فجورها وتقواها ? والله سبحانه وتعالى خلق الإنسان أسراب لا يعلمه إلا هو سبحانه وتعالى والنفس البشرية فيها إقدام على الخير أو على الشر وإحجام عن الخير أو عن الشر، والإنسان يمر في هذا الزمان بفتن كثيرة ، ويحتاج الواحد منا كيف يربي نفسه ويضبط نفسه ، بحيث إنه يحصل المصالح ، ويدرأ عن نفسه المفاسد ، كما تعرفون يا شيخ محمد ، هذه الدورات التي نسمع أحيانًا عنها مثل إل بي والكي والطاقة البشرية ، يعني يعطون حلول في قضية ضبط النفس قد لا تكون كلها غير شرعية ، ولكن لا شك أن في الشريعة الإسلامية ما يعلمنا مصالح أمور ديننا ودنيانا ، فلو بدأت معكم بهذا السؤال الناس في ضبط النفس مراتب عديدة أليس كذلك يا شيخ محمد ؟
الشيخ محمد:(1/1)
الحمد لله رب العالمين وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين وبعد ، فيختلف الناس فعلاً في قدرتهم على ضبط أنفسهم ، وقوة الإحجام هذه في النفس ، هي التي تجعل الإنسان المسلم يصمد أمام المغريات ، أما الشهوات المحرمة ، أمام الفتن ، طبعاً هذا الزمن الذي نعيش فيه يوجد فيه انتشار كبير للحرام ، وجوانب للشر ، يوجد فيه عجلة وطيش وسفه وتصرفات حمقاء كثيرة ، وتؤدي إلى أمور لا تحمد عقباها ، أصلاً النفس تستفذ والغضب موجود في النفس ، ولذلك يجب على المسلم أن يعرف كيف يضبط نفسه ، لكي يعيش على شرع الله -سبحانه وتعالى – ولا تتسبب الاندفاعية عنده غير المتزنة بتصرفات طائشة في غير قضية المحرمات مثلاً عن أناسٍ عندهم اندفاعيات في أمور من أعمال العنف مثلاً فيتسببون بتصرفات طائشة تضر بالإسلام ، تضر بالدعوة على سبيل المثال .
المقدم:
طيب يا شيخ محمد ما هو السبب إنه الناس مختلفين في قدراتهم ، أو قدراتهم في قضية الإحجام والإقدام ؟
الشيخ محمد:
يعني هذا يعود إلى الصبر في قضية الإحجام ، ما رزق الله العباد من الصبر ، فهم يتفاوتون فيه ، فناس مثلاً عندهم قدرة أكبر على مكابدة قيام الليل في الحر والبرد مثلاً ، على الصيام ، على الخشوع في العبادة ، على التطويل في الصلاة مثلاً ، كذلك يصبرون عن المعاصي ، يصمدون أمامها لا ينساقون ، لا يستجيبون ، ومن لا صبر له على الخير ، ولا صبر له عن الشر ، فهذا في أدنى المراتب وأفضل الناس أصبرهم على النوعين ، يعني يصبر على الخير فيستمر فيه ، ويصبر عن الشر فيحبس نفسه عنه ، والسبب وراء ذلك طبعًا ، أن القوة التي تدعوك للعمل هي التي تتفاوت عند الناس ، وسهولة العمل بالنسبة للإنسان ، ولذلك ابن القيم -رحمه الله – قال فإذا اجتمع في الفعل هذان الأمران ، يعني القوة التي تدعوا للعمل الجاذبية ، وسهولة العمل ، كان أسهل شيء على الإنسان أن يعمل ، وأصعب شيء على الإنسان أن يمتنع .
المقدم:(1/2)
يا شيخ محمد هل يعني يأتي على بالي قضية هنا كما بين الرسول ? أو كما قال ? : « من يضمن لي ما بين لحييه وما بين فخذيه أضمن له الجنة » أضمن له الجنة لأنه الداعي لكثرة الكلام قد يكون قوي في كثير من الأحيان وكذلك اللسان سهل الواحد يتكلم ، فقد يكون يعني كلام ابن القيم يمكن تطبيقه على هذا الحديث الشريف أليس كذلك ؟
الشيخ محمد:
بلى لأن الناس يتفاوتون في قضية الداعي إلى الشيء ، وصعوبة هذا الشيء ، فمن لا داعي له ، بعض الناس ما عنده داعي القتل والسرقة وشرب المسكرات ، لكن عنده داعي مثلاً إلى فعل الحرام الفواحش إلى آخره ، بعض الناس قد يكون عنده صبر عن الشهوات ، لكن ما عنده صبر عن المال الحرام ، فهو يستدرج في المال الحرام ، ولذلك كلما كان داعي الحرام أقوى ، كان الصبر عنه أفضل فكان صبر السلطان عن الظلم ، لأن هو يقدر عليه ، بدرجة عظيمة عند الله ، صبر الشاب عن الفاحشة ، وعدم الوقوع فيها مع قوة وعنفوان الشباب وقوة الشهوة ، هذا يكون منزلة عند الله عظيمة .
عن ا لنبي ? في هذا الموضوع : « إن الله ليعجب من الشاب ليس له صبوة » .
لا ليس له صبوة ، صبوة هي الانسياق وراء الشهوات أو الشهوات المحرمة ، طبعاً حديث السبعة الذين يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله ، فهذا الإمام صبر عن التسلط على الناس وظلم الناس ، الشاب الذي نشأ في عبادة الله ، صبر عن الحرام وخالف هواه ، الرجل الآخر صبر على ملازمة المساجد ، المتصدق صبر على إخفاء الصدقة ، الذي دعته امرأة ذات منصب وجمال صبر عن الحرام ، فالطاعة صبر على ، والمحرم الصبر عن ، وهكذا الباكي من خشية الله صبر على كتمان ذلك وإخفائه ، والمتحابين صبرا على هذه العلاقة ، حتى تستمر على طاعة الله ، وهكذا .
المقدم:
طيب يا شيخ محمد قضية كبت جوامح الإنسان في فعل الشر ، أو حث الناس على فعل الخير ، يعني هل هي قضية سهلة الواحد يمرن نفسه عليها ؟
الشيخ محمد:(1/3)
نعم يعني هي ليست سهلة بمعنى أنه يستطيع الواحد من أول مرة أن ينالها ، لكنها ليست مستحيلة ، لأن النبي ? لما قال : « حفت الجنة بالمكاره ،وحفت النار بالشهوات » يعني أن الامتناع عن الشهوات شديد على النفس ، وأن النفس تكره التكاليف وتحب الانسياق ، والمراد بالمكاره ، ما كلف الله به العبد من مجاهدة نفسه ، والإتيان بالعبادات والمحافظة عليها ، واجتناب المنهيات والصبر عنها ، وهذه الشهوات منها ما هو لذيذ يعني له جاذبية ، له ثقل ، وجبريل لما رأى النار حفت بالشهوات ظن أنه لن يبقى أحد إلا وقد دخلها ، ولما رأى الجنة حفت بالمكاره قال : وعزتك خفت أن لا يدخلها أحد .
المقدم:
طيب يا شيخ محمد الإنسان كيف يربي نفسه على هذه الأعمال الجيدة لقضية تقوية الإقدام على الخير ، والإحجام عن الشر ؟
الشيخ محمد:
هو أمر مهم جدًا وهو المجاهدة ، لأن النبي ? قال : « إنما العلم بالتعلم والحلم بالتحلم » معنى ذلك إذا تكلف الحلم ، حتى يعتاده صار له طبعًا ، وسهل عليه ، كذلك لما قال في الحديث الصحيح الآخر : « من يتصبر يصبره الله » معناها لو واحد تكلف الصبر وراغم نفسه عليه وحمل نفسه عليه ، فإن الله يقويه ويمكنه من ذلك ، حتى تنقاد نفسه للصبر وتذعن لذلك ، ولذلك يقول بعض العلماء ، إنما جعل الصبر خير عطاء ، لأنه حبس النفس عن فعل ما تحبه ، وإلزامها بفعل ما تكرهه من أجل أن تنال اللذة في الآجل ، ولو صعب عليها في العاجل ، ولذلك الحرام الآن له جاذبية وحلاوة ولذة ، والانسياق معه سهل ، لكن الطاعات فيها شدة ، ولذلك قال تعالى ?والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا ? .
المقدم:
نعم يا شيخ محمد في الحديث الذي ذكرتموه ، إنما العلم بالتعلم وإنما الحلم بالتحلم يقول الرسول ? : « ومن يتحر الخير يعطه ، ومن يتق الشر يوقه » أو كما قال ? أليس كذلك ؟
الشيخ محمد:(1/4)
بلى ، ولذلك نقول أنت في دار شتات ، فتأهب لشتاتك ، واجعل الدنيا كيوم صمت عن شهواتك ، وليكن فطرك عند الله في يوم وفاتك ، فالصبر عن الحرام وإن كان فيه غصة في البداية ، ولكنه أفضل من الشوك والغسلين والضريع يوم القيامة ، فهذه القضية المهمة التي ينبغي للمسلم أن يربي نفسه عليها ، وأن يعلم أن الاستقامة تحتاج إلى جهد ، يعني الآن مثل الذي يصعد الجبل مثلاً يقاوم ، يقاوم ويبذل مجهود ، بينما لو نزل إلى الأسفل ، فهذا سهل جدًا بس إنت تعطي نفسك حتى ما يحتاج أصلاً أن يعمل أي جهد مجرد ما تخلي رجولك تنزل فهي سوف تنساق إلى الأسفل بدون جهد .
المقدم:
طيب يا شيخ محمد هل ممكن يكون الظروف النفسية التي يمر بها الإنسان ، أو البيئة المحيطة بالإنسان ، الوسط الذي يعيش فيه الإنسان ، مؤثر عليه في قضية الإقدام والإحجام؟
الشيخ محمد:(1/5)
نعم لأننا نجد مثلاً أن بعض الناس ما كان يفكر في السرقة ولا في الرشوة ، فلما افتقر دخل في الأسهم وخسر ونحو ذلك ، بدأوا يفكرون في وسائل أخرى فمثلاً ما وجد شيء بالحلال ، بدأ يفكر بالحرام ، قضية الرشوة مثلاً ، بدأ التطلع إليها وتطلب الرشوة ونحو ذلك ، وبعض الناس ممكن يصبر عن الرشوة البسيطة يصبر عنها بمعنى أنه لا يطلبها ، ولو واحد أعطاه رشوة يسيرة يقول لا شكرًا ، لكن إذا أعطي رشوة كبيرة ما يصبر ، كعب بن مالك -رضي الله عنه- على سبيل المثال ، لما النبي ? أمر بمقاطعته هو وبقية الثلاثة الذين تخلفوا عن غزوة تبوك ، وصار كعب -رضي الله عنه- في وضع حرج ، ووضع نفسي صعب جدًا ولا أحد يكلمه حتى الأقارب ، وأمرت زوجته بتركه والابتعاد عنه وأنها تذهب إلى أهلها ، الآن في ظل هذه الظروف ستكون أي يد تمتد إليه بأي معونة أو مواساة ، سيكون لها وضع على نفسه كبيرًا ، وأرسل ملك غسان يعني الكفار الذي يقول إنهم ما يفكروا فينا ، ولا يتدخلوا في أمورنا هذا إنسان مسكين يعيش في عالم آخر الكفار يفكروا فينا جيدًا ، ويخططوا لنا جيدًا ، ويهتموا بأوضاعنا جيدًا ، يخططوا من أن ينالوا منا ، وكذلك يريدون التدخل في شئوننا شوف هذا ملك غسان بنفسه ، سمع أن كعب بن مالك -رضي الله عنه- قد تمت مقاطعته ، فأرسل رسالة مع رسول شوف الآن هي المقاطعة كلها خمسين يوم أربعين يوم بعد ذلك عشرة أيام ، مجرد ما سمع أرسل رسالة مع واحد نبطي من أنباط الشام جاء يسأل عن كعب بن مالك ، والناس يشيرون إلى كعب ، فجاءه فدفع إليه كتاباً من ملك غسان، ملك غسان يرسل كتاب رسالة لواحد ، أما بعد فإنه بلغني أن صاحبك قد جفاك ، ولم يجعلك الله بدار هوان ولا وضيعة فالحق بنا نواسك ، فقلت فلما قرأتها وهذا أيضاً من البلاء ، فتيممت إلى التنور ، أحرقها ، من سيقبل ، ممكن واحد ثاني في مكانه ما دام هادول تركوني وهجروني وقاطعوني ، طيب خلاص أروح مكان ثاني ، لكن -رضي الله عنه-(1/6)
من قوة إيمانه ما استجاب ، فإذاً المغريات أو البيئة المحيطة الظروف ممكن فعلاً تكون سبباً في انسياق الشخص .
المقدم:
نعم أحسن الله إليكم يا شيخ محمد أريد أن أسألكم عن التمييز ما بين الإيمان والنفاق في قضية الإقدام والإحجام ، ولكن نستأذنكم بهذا الفاصل أيها الإخوة والأخوات فاصل ثم نواصل؟
عودة مرة أخرى أيها الإخوة والأخوات ومع قضية ، ضبط النفس يا شيخ محمد المسلم والمؤمن والمنافق في فرق بينهما في قضية الكوادح، وقضية الإقدام على الخير ، والإحجام عن الشر أليس كذلك ؟
الشيخ محمد:
بلى في القبر يقول عمل الإنسان له ، فوالله إني ما علمتك إلا سريعًا في طاعة الله بطيئًا عن معصية الله إذا كان من أهل الإيمان ، أو يقول له والله ما علمتك إلا بطيئًا في طاعة الله سريعًا إلى معصية الله ، الحسن البصري -رحمه الله – يقول : إن المؤمن يفاجئه الشيء يعجبه فيقول والله إني لأشتهيك ، وإنك لمن حاجتي ، ولكن والله ما من صلة إليك هيهات هيهات حيل بيني وبينك لأنه محرم ، وأما المنافق فعنده الوقوع في الحرام سهل جدًا ، وما عنده تأنيب ضمير ، ولا يرى ذنوبه إلا كذباب وقع على أنفه فقال به هكذا فطار.
المقدم:
إذاً يا شيخ محمد ، الواجب على المؤمن أن يعني يربي نفسه على قضية المجاهدة ، يحثها على فعل الخيرات ، ويمنعها عن فعل السيئات والموبقات فما هي الخطوات العملية التي نتخذها للقيام للوصول هذه الغاية ؟
الشيخ محمد:
طبعًا أول شيء تعليم النفس العلم ، ? إنما يخشى الله من عباده العلماء? إنما يخاف الله فيتقي عقابه بطاعته العلماء ، وهم يعلمون أن الله -عز وجل- له عذاب وأنه شديد العقاب ، وأنه يفعل ما يريد ، ولذلك يخافونه ؛ وأيضًا فإن المسلم يأخذ من سيرة النبي ? ما يعينه على اتخاذ القرار الصحيح إقدامًا وإحجامًا .
المقدم:
أعطونا بعض الأمثلة لو سمحتم ؟
الشيخ محمد:(1/7)
طيب يعني احنا الآن ما هو لازم فقط القضية في الطاعة والمعصية ، أحيانًا الواحد يريد أن يعمل خير لكن يتركه لأنه قد يؤدي إلى مفسدة كبيرة ، النبي ? مثلاً هم أن يهدم الكعبة ، ويعيدها إلى ما كانت على قواعد إبراهيم الخليل عليه السلام ، ويدخل الحجر هذا الذي ترك بدون بناء ، بعدما جاء السيل وهدم الكعبة ، وقريش ما كملت البنيان ، وأن ينزل مستوى الباب إلى الأرض ، ويجعل الكعبة بابين باب يدخل منه الناس ، وباب يخرجون ، ولكنه ما فعل ليه قال : « يا عائشة لولا أن قومك حديثوا عهد بجاهلية ، لأمرت بالبيت فهدم فأدخلت فيه ما أخرج منه ، وألصقته بالأرض ، وجعلت له بابين بابًا شرقياً وباباً غربياً فبلغت به أساس إبراهيم » رواه البخاري.
ترك قتل رأس المنافقين عبد الله بن أبي قال : « لئلا يتحدث الناس أن محمدًا يقتل أصحابه» إذاً النبي ? أحجم عن أشياء وأشياء كانت يعني مبررة تمامًا من جهة الشريعة ، ولكن لأن فيها مفاسد ، أكبر .
كذلك نجد إحجام الصحابة عن أشياء مثلاً إحجام عمر -رضي الله عنه- عن الانتصار لنفسه لما جاء عيينة بن حصين ، وتوسط بالحر بن قيس يدخله على عمر ، ولما الحر بن قيس يعني كلم عمر ليدخل عليه عيينة بن حصن ، إذا بعيينة بن حصن ماذا يقول هي يا بن الخطاب فوالله ما تعطينا الجذل ، ولا تحكم بيننا بالعدل ، فغضب عمر حتى هم أن يوقع به فتدخل الحر بن قيس قال يا أمير المؤمنين الله تعالى قال لنبيه ? : ? خذ العفو وأمر بالعرف وأعرض عن الجاهلين ? وأن هذا من الجاهلين ، فوالله ما جاوزها عمر حين تلاها عليه وكان وقافًا عند كتاب الله ، رواه البخاري .
إذن عمر -رضي الله عنه- ملك زمام نفسه ، مع أنه غضب وانفعل ، لكن ما عاقب ، ما ضرب ، ولزم مكانه ووقف عند الآية ، ذكر بها فوقف عندها .
المقدم:(1/8)
أحسن الله إليكم -طيب يا شيخ محمد- من الأمور التي يربي الإنسان نفسه عليها ليحجم عن الشر ، هل هناك أمثلة أخرى من الأمور التي نربي أنفسنا عليها ؟
الشيخ محمد:
يعني هذا الموضوع موضوع الغضب وكف الغضب ، وكف النفس عن الغضب ، وكظم الغيظ ، وخذ العفو وأمر بالعرف وأعرض عن الجاهلين ، لأن من كف غضبه ستر الله عورته ، ومن كظم غيظه دعاه الله على رءوس الخلائق حتى يخيره من الحور العين ما شاء وكظم الغيظ هذا يعني فيه خير عظيم ، والنبي ? لما آذوه قومه وردوه ردًا سيئًا وصار مهمومًا ما استفاق إلا وهو خارج مكة من الهم من الهم صار يمشي ولا يدري إلى أين يتجه ، فجاءه جبريل ، وقال هذا ملك الجبال لتأمره بما شئت فيهم ، فنادني ملك الجبال ، فسلم علي وقال : يا محمد ، إن شئت أن أطبق عليهم الأخشبين ، كان ممكن لو كان واحد منا بعد كل هذا الصد والرد قال ، أطبق ، أطبق وخلص، فالنبي ? قال : « بل أرجوا أن يخرج الله من أصلابهم من يعبد الله وحده لا يشرك به شيئًا » رواه البخاري ، وهذه طبعًا الأخلاق العالية : ? فبما رحمة من الله لنت لهم ? لو واحد مكان يوسف عليه السلام ، إخوته حسدوه بدون ذنب منه ، وفرقوا بينه وبين أبيه ، وأخذوا ألقوه في الجب ، وعرضوه للموت ، كان ممكن ما تيجي قافلة ويموت في الجب ، واستخرج بسببهم بيع عبدًا ، وصار خادمًا في قصرٍ ، وتعرض للفتن والشهوات ، وبسبب صبره عليها صار في السجن بضع سنين ، فصار بيع عبدًا بعد أن كان حرًا فرق بينه وبين أبيه ، وعرضوه للهلاك ، وعرضوه للفتنة في القصر بسببهم ، بعد ذلك دخل السجن بضع سنين ، الآن لما يطلع ويصير يعني في الملك وفي الوزارة وفي القوة والسلطان وأتى الله بهم إليه ساقهم غنيمة لو أراد أن يأخذهم الآن يحطهم في السجن أسهل شيء ، لكن قال : ? لا تثريب عليكم اليوم يغفر الله لكم وهو أرحم الراحمين? إيش معنى هذا ، هنا ? والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس والله يحب المحسنين ? .(1/9)
المقدم:
نعم وقد مدح الله سبحانه وتعالى الكاظمين الغيظ في كتابه الكريم قال الله سبحانه وتعالى ? والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس والله يحب المحسنين ? فهذا يعتبر يعني من الدرجات العليا في الأخلاق الإسلامية ؟
الشيخ محمد:
بلى صحيح ، لأن كظم الغيظ ، وإيقاف النفس عند حدها ، والعفو والصفح مع المقدرة والتمكن ، ثم الإحسان هذا قمة ، ولذلك قالوا في قصة علي بن الحسين زين العابدين ، كانت له جارية رحمه الله تسكب عليه الماء في وضوءه ، فسقط الإبريق من يدها على وجهه فشجه ، فارتاعت المرأة ماذا تفعل ، فقالت يا سيدي إن الله يقول : والكاظمين الغيظ ، قال : قد كظمت غيظي ، قالت : والعافين عن الناس ، قال : قد عفوت عنك ، قالت : والله يحب المحسنين ، قال : أنتِ حرة لوجه الله ، اذهبي فأنت حرة لوجه الله .
تروى أيضًا عن واحدٍ أيضًا كان له غلام وجاءه بمرق حار في طعامه ، فتعثر واما انتبه فانسكب المرق الحار على سيده ، يعني احتراق جلده الآن فقال : ?والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس ، والله يحب المحسنين ?، أعتقه ، أعتقه ، وقد حرقه .
علاج الغضب وكظم الغيظ هذا ? وإما ينزغنك من الشيطان نزغٌ فاستعذ بالله ? استب رجلان عند النبي ? انتفخت أوداجه واحمر وجه ذاك الشخص ، قال : « إني لأعرف كلمة لو قالها لذهب عنه الذي يجد » أعوذ بالله من الشيطان الرجيم ، سبحان الله ، علمنا إذا الواحد غضب أن يسكت ، قال : « إذا غضبت فاسكت ، وإذا غضبت فاسكت ، وإذا غضبت واسكت » رواه أحمد، والبخاري في الأدب المفرد ، وهو حديث صحيح .(1/10)
علمنا ? لضبط الأعصاب وضبط النفس ، أن الواحد إذا كان قائم وغضب يجلس ، وإذا ما راح الغضب يضطجع ، أبو ذر جاءه ناس يساعدوه في بئر فحطموها كسروها ، هم يعني هو ما طلب منهم ، قالوا نعينك ، وجاءوا وكسروها حطموها ، فكان قائمًا فقعد ثم اضطجع ، فقالوا يعني كسروها وحطموها يعني البئر، فقال هكذا يعني علمني رسول الله ? ناس يعني جيل يطبق ، والواحد لما يعرف نتائج الغضب ، عواقب الغضب يعني فيه كسر تكسير تحطيم ، لعن سب شتم ، لذلك قال أوصني : لا تغضب ، أوصني : لا تغضب ، فالمسألة يعني هذا ضبط النفس شيء عظيم .
المقدم:
طيب يا شيخ محمد في قضية ضبط النفس التذكر الإنسان الدار الآخرة ، وما عند الله عز وجل فيها من النعيم المقيم لأهل طاعته ، وكذلك من ناحية أخرى ، ما أعد الله عز وجل من الجحيم لأهل معصيته ، ألا يكون هذا من المحفزات التي تدفع الإنسان إلى ضبط نفسه ؟
الشيخ محمد:(1/11)
بلى ، فابن عمر -رضي الله عنه- يعني كان من أول الناس للخلافة في وقت من الأوقات ، وكان يعني من أكبر الصحابة سنًا في ذلك الوقت ، فيعني تولى الخلافة من تولاها وصعد المنبر وقال : يعني الذي يظن نفسه أولى منا فليطلع لنا قرنه ، فقال ابن عمر هممت أن أقول له أولى بهذا الأمر منك من ضربك وبكى على الإسلام ، لكن قال فكر ، يعني هذه كلمة تأتي بالفتنة وتشق الصف ، وتفرق الجماعة ، قال : فذكرت ما أعد الله في الجنان ، ما أعد الله في الجنة لمن كظم غيظه فسكت خلاص ، إذا كان أحياناً الفسقة أو الفجرة توقفهم أشياء ، من باب أولى يعني أهل الدين أن توقفهم الآيات ، هذه قصة تروى أن يعني واحد من الأمراء اسمه زياد جيء يعني برجل إليه فأفلت منه كان هو مطلوب عنده يريد أن يبطش به ، فأخذ أخاه ، بدلاً منه ، ثم يعني أرسل الأخبار إذا ما جئت سأضرب عنق أخيك، وقال لهذا الأخ ، إذا ما جئت بأخيك سأضرب عنقك، قال أرأيت إن جئتك بكتاب من أمير المؤمنين مرجعك تخلي سبيلي ، قال : طبعًا ، قال فأنا آتيك بكتاب من العزيز الحكيم ، وأقيم عليه شاهدين إبراهيم وموسى عليهما السلام ، ثم قرأ قوله تعالى: ? أم لم ينبأ بما في صحف موسى وإبراهيم الذي وفى أن لا تزر وازرة وزر أخرى ? يعني إيش ذنبي إذا تبغى أخي أنا إيش ، قال زياد : خلوا سبيله ، هذا رجل قد لقن حجته وتركه ، فإذاً يعني فأهل الإيمان أولى .
المقدم:
طيب يا شيخ محمد أريد أن أستكمل عن بعض الطرق العملية لضبط قوادح النفس ، ولكن نستأذنكم بهذا الفاصل أيها الإخوة والأخوات فاصل ثم نواصل ؟
عودة مرة أخرى أيها الإخوة والأخوات ومع ضبط النفس ، يا شيخ محمد كيف يكون الخوف من الآخرة وسيلة لضبط الإنسان لنفسه ؟
الشيخ محمد:(1/12)
هذا له عدة صور ، بعض الناس أحيانًا يتركون أشياء خوفًا من نص فيه شدة عذاب ، أو فيه فضيحة ، أو فيه حرمان الجنة ، مثلاً أخبرني واحد قال : أنا يعني وقعت في محرمات وفواحش بس الخمر لا ، ليش قال : لأني لا أبغى أن أحرم منها في الجنة لحديث : « لم يشربها في الجنة وإن دخلها» يعني ينزع من نفسه شهوة الخمر ، حتى لا يكون فيه تحسر وتندم ، لأن الجنة ما فيها أي عذاب نفسي ولا جسمي ، لكنه لا يعطاها ، لكن يعني طبعًا شوف كيف يعني هو وقع في نفس الهوى ما يتحمل ترك الفاحشة ، أو الحرام من هذه الجهة الشهوة ، لكن الخمر لا يقول يعني ممكن ، فبعض الناس عنده حرام مستعد يتركه ، وحرام ما هو مستعد يتركه ، ولازم نربي أنفسنا على ترك الحرام بجميع أنواعه ، صحيح الأسوأ أن يفعل الحرامين مع بعض ، لكن ما نريد أن يكون عندنا ولا حرام .
من جهة أخرى أيضًا في بعض الناس يخافون الحساب يوم القيامة ، يعني تقول له أنا ما أحللك ولا أسامحك يوم القيامة ، يعني معناها سيؤخذ من حسناتك لأجله ، أو سيؤخذ من سيئاته فتطرح على هذا الشخص الذي عصى ، كما أن رجلاً أغلظ لعمر بن عبد العزيز ، أغلظ له القول ، أطرق عمر زمناً طويلاً ، ثم قال : أردت أن يستفزني الشيطان بعز السلطان فأنال منك اليوم ما تناله مني غدًا لا ، تركه وأعرض عنه ، ليش قال : فأنال منك اليوم ما تناله مني غدًا ، يعني إنت أردت أن يستفزني الشيطان بعز السلطان ، وأنال منك ، ثم يوم القيامة مقابل هذا الظلم أو العدوان عليك ستأخذ من حسناتي لا أنا غير مستعد عن التنازل عن أي حسنة من حسناتي اذهب امشي خلاص .
ولما شتم شخص عمر تركه ، فقيل له يا أمير المؤمنين لما تركته وقد شتمك ، قال : لأنه أغضبني ، ولو عزرته لكان ذلك لغضبي لنفسي ، ولا أحب أن أضرب مسلمًا حمية لنفسي ، ولذلك قالوا إن عمر بن عبد العزيز رحمه الله قال لرجل أغضبه ، لو أنك ما أغضبتني ما عاقبتك ، إي لكن لما خاف تصير قضية شخصية .(1/13)
المقدم:
لكن كذلك يا شيخ محمد من القوادح التي يضبط الإنسان بها نفسه هو خوف الوقوع فيما نهى عنه النبي ? وحب الرسول ? وقبل ذلك طبعاً عبادة الله سبحانه وتعالى تجعلنا نميز هذا العمل على أنه أمرٌ يبغضه الله سبحانه وتعالى ويبغضه الرسول ? فيمتنع الناس عن هذه المنكرات أو إذا كانت من باب المأمورات أنه يقوم بها ، حباً في الله ، وحباً في محمد ? أليس كذلك؟
الشيخ محمد:
ولذلك مثلاً خباب -رضي الله عنه- لما أوذي وابتلي ابتلاءً شديدًا فقال : لولا أن النبي ? قال : « لا تتمنوا الموت » لتمنيت الموت ، لأنه لا يريد أن يقع في أي مخالفة ، لولا أن النبي ? نهانا أن ندعوا بالموت لدعوت به ، يعني من شدة ما لقي ، وبعض أولوا السلطان ، كان يريد أن يقتل شخصًا ، وله ما يبرر في قتله ، قال لكن أنا خشيت ، أن أكون غادرًا فأقتله فيوم القيامة يرفع لي لواء غدرًا ، قال فلولا ذلك لمشيت بينه وبين رأسه ، الخوف من الله سبحانه وتعالى يجعل الشخص يحجم ، وهذا السبب الأساسي ، وقد كان عمر -رضي الله عنه- يعس ليلة من الليالي ، ويتجول بين البيوت ، واتكأ على جدار ليستريح فإذا امرأة تقول لابنتها امزقي اللبن بالماء اخلطيه ليكثر يعني عند المبيع ، فقالت البنت وكانت مؤمنة تقية ، إن عمر أمر ناديه أن ينادي أن لا يشاب اللبن بالماء ، قالت يا بنتي قومي فإنك بموضع لا يراك فيه عمر ولا منادي عمر ، فقالت البنت قولتها المشهورة ، إن كان عمر لا يرانا فإن رب عمر يرانا ، وعمر لما سمع هذا ورجع وخطبها لابنه الذي تزوجها وأنجب جد عمر بن عبد العزيز ، لما خرج أعرابي في ليلة ظلماء وكان طبعًا هناك جارية من رعاة الغنم ، فقال يعني أرادها عن نفسها ، فقالت له : أخشى أن يرانا أحد فقال ما في أحد ما أحد يرانا إلا الكواكب ، قالت فأين مكوكبها ، الذي خلقها سبحانه وتعالى ، مراقبة الله وخشيته سبحانه وتعالى .
المقدم:(1/14)
يا شيخ محمد وقت الحلقة قد أزف على الانتهاء وإذا كان هناك نصيحة تنصح فيها الإخوة المشاهدين والمشاهدات في قضية ضبط النفس ؟
الشيخ محمد:
يعني يبقى يا أخي النص الشرعي هو الأساس ، نحن نريد لازم نتعلم النصوص الشرعية ، لأن هي الرادع ، هي التي توقفنا هي التي تكفنا عن أشياء وتدفعنا لفعل أشياء ، حذيفة -رضي الله عنه- في معركة الخندق لما النبي ? قال للصحابة ،والقصة ساقها حذيفة لما قال رجل لو أدركت رسول الله ? قاتلت معه وأبليت وفعلت ، قال حذيفة أنت كنت تفعل ذلك ، لقد رأيتنا مع رسول الله ? ليلة الأحزاب ، وأخذتنا ريح شديدة وقر ، يعني برد فقال رسول الله ? ألا رجل يأتيني بخبر القوم ، جعله الله معي يوم القيامة ، فسكتنا ولم يجبه منا أحد ، وبشر ، ثم قال : ألا رجل يأتينا بخبر القوم جعله الله معي يوم القيامة ، فسكتنا فلم يجبه منا أحد ، ثم قال : ألا رجل يأتيني بخبر القوم جعله الله معي يوم القيامة ، فسكتنا فلم يجبه منا أحد ، فقال : « قم يا حذيفة فائتنا بخبر القوم ، قال اذهب فائتني بخبر القوم ولا تزعرهم علي » فلما وليت من عنده جعلت كأنما أمشي في حمام ، يعني من كرامة الله لحذيفة والدنيا برد ، ولما قام ينفذ أمر النبي ? صار يمشي في جو دافي كأنه في حمام الحمامات هذه اللي فيها البخار وفيها الدفء ، فقال حتى أتيتهم ، يعني أتيت المشركين ، فرأيت أبا سفيان يصلي ظهره بالنار يعني يدفئها من شدة البرد ، فوضعت سهمًا في كبد القوس ، فأردت أن أرميه ، يعني هذه فرصة الآن أجيبه الآن ، وفي متناول اليد وزعيم المشركين ، فذكرت قول النبي ? : « لا تزعرهم علي » قال أبو حذيفة ، ولو رميته لأصبته ، قال : يعني لازم ننضبط ، لازم ننضبط ، فرجعت ، رجعت ، حديث النبي? : « إن الرجل ليتكلم بالكلمة من سخط الله ما يظن أن تبلغ ما بلغت ، يكتب الله عز وجل بها عليه سخطه إلى يوم القيامة » يقول علقمة -رضي الله عنه- كم من كلام منعنيه هذا الحديث ،(1/15)
فإذا كان القرآن كيف يكون الوضع ، عندما تمنع الآية الواحد من فعل محرم.
أو يعني الفضيل أصلاً كان قاطع طريق لص يعني ، فتاب من ماذا ، من آية، وهو يتسلق جدار على امرأة للحرام ، سمع واحد يعني يقوم الليل ، من جيرانه ، يقرأ يمكن يصلي في حوش البيت ، ? ألم يأن للذين آمنوا أن تخشع قلوبهم لذكر الله وما نزل من الحق ? فاستجاب أحيانًا يعني لو كان الخوف من الله والورع ، يحمي مع قوة المقتضي لفعل المعصية ، أو لفعل المحذور ، وقصة الإفك لما تكلم المنافقون في عائشة ، النبي ? بدأ يسأل من حوله الذين يعرفون عائشة ، يتأكد من براءتها ، فوصل السؤال زينب ضرة عائشة ، زينب هذه تقول عائشة ، كانت تساميني عند النبي ? يعني أقرب واحدة في التنافس ، يعني النبي ? أنا وياه وزينب ، فقال النبي ? لزينب : « يا زينب ما علمت ما رأيت » الآن لو واحد سواه وعنده زوجتين وشك في واحدة وسأل الثانية إيش رأيك يمكن قالت ، والله الله أعلم ، شوف الله أعلم هذه ممكن تكون غيبة كبيرة مصيبة ، مثل واحد يسأل عن واحد يقول : والله نسأل الله العافية ، يعني إيش يعني معناها إنه يتهمه ضمنيًا بأشياء كثيرة ، كان ممكن زينب تقول ما أدري مثلاً ، لكن قالت يا رسول الله أحمي سمعي وبصري ، والله ما علمت عليها إلا خيراً ، مع أنها ضرتها ومنافسة لها ، قالت عائشة ، وهي التي كانت تساميني فعصمها الله بالورع ، رواه البخاري ومسلم ، شوف هذه التربية يعني والدين والإيمان والخلق الإسلامي هو الذي يضبط الإنسان .
المقدم:
أحسن الله إليكم يا شيخ محمد على ما قدمتم في هذه الحلقة وبارك الله شكراً على ما قدمتم وشكراً لكم أنتم أيها الإخوة والأخوات المشاهدين والمشاهدات على حسن متابعتكم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته(1/16)