بسم الله الرحمن الرحيم
المقدمة
الحمد لله الذي أنزل الكتاب على عبده ليكون للعالمين نذيرا ، وصلى الله وسلم على عبده ورسوله الذي يسر القرآن بلسانه ليذكر أولو الألباب.
(وبعد)
فإن التعرف على صور العناية بتعليم القرآن الكريم في أقطار الإسلام على اختلاف الأزمنة وتغاير الوسائل والنُّهوج من أهم وسائل التوصل إلى الصيغ المنهجية الصحيحة للعناية بهذا الكتاب الكريم تعليماً وتفهيماً ، وذلك لأن تجارب الأجيال خير زاد لمن أراد صقل تجربته ، وخبرات القرون خير معين لمن ابتغى تلقيح خبراته.
وما يزال الخلف يستقون من السلف طرائق الفهم والمدارسة ، وسبل التطبيق والممارسة ، مضيفين إليها من ضرورات الزمان والمكان ، وما تدعو إليه طبيعة البيئة وخصوصية الظروف ما يشكل العناصر المميزة للتجربة الجديدة.
وقد اختار البحث بلاد المغرب العربي وصور العناية بتعليم القرآن الكريم فيه منذ بداية تلقيهم لكتاب الله تعالى حتى عصرنا الحاضر استجابة لما أشرنا إليه من تجاوب أصداء الزمان وإيماء إلى ضرورة أن يتبعه تجارب لأصداء المكان ، فالملاحظ قلة اطلاع المشارقة على تراث المغاربة أو تجربتهم الثقافية التي تحتاج إلى اكتشاف للإفادة بعراقة مواردها ، وتقويم ما يكون فيها من فروع تحتاج إلى تقويم.
والمقصود بالمغرب العربي في هذا البحث هو الاصطلاح الذي استقر اليوم جغرافياً وثقافياً ، في محاولة للإفادة من تجربة القوم في مجال العناية بتعليم القرآن الكريم ، خصوصاً وأن لهم في هذا الميدان عناية ماضية وحاضرة تحدثت عنها كتب التاريخ والتراجم كما ذكرتها الكتب الحديثة.
وهو أخيراً أطروحةٌ موجزةٌ ملخصة ٌحكم منهجها وطريقتها ضيق الوقت وكثرة المشاغل ومحدودية المساحة إلا أنها حاولت أن تعطي صورةً واضحةً قدر الإمكان عن هذه التجربة مستخلصةً عناصر قد تكون مفيدة على الطريق.
سائلاً المولى تبارك وتعالى أن ينفع بها ويجعلها في موازين الحسنات.(1/1)
والله من وراء القصد.
مشرف أحمد الزهراني
المبحث الأول
المغرب العربي يحتضن القرآن الكريم
دخل القرآن الكريم المغرب العربي مع الفاتحين ، وكان من أول الفاتحين للمغرب العربي ذلك الجيش الذي قاده عبدالله بن سعد بن أبي سرح ، وقد ذكر أبو العرب في طبقات علماء إفريقية أنه كان عدته عشرين ألفاً أكثرهم من الصحابة ، وكان ممن دخل مع أبي سرح من الصحابة عبدالله بن الزبير وعبد الله بن عباس وغيرهم(1). ثم غزا المغرب العربي جيشٌ مسلمٌ آخر بقيادة معاوية بن خديج ، وهو صحابي كان معه جماعة من الصحابة في هذا الغزو كعبد الله بن عمر وأبي زمعة البلوي ، ومن المعروف أن عبدالله بن الزبير كان من كَتَبة مصحف عثمان وأن عبدالله بن عمر وابن عباس يُعَدَّان من جُمَّاع القرآن الكريم وقد كان لكل منهما مصحفه الخاص الذي دوَّن فيه القرآن الكريم حسب ما سمعه من النبي صلى الله عليه وسلم أو من قراء الصحابة الآخرين(2).
إلا أن التاريخ اهتم بصورة أكبر بفتح عقبة بن نافع بن عامر الجهني للمغرب العربي ، ويبدو أن امتداد آثار هذا الفتح كان من أسباب هذا الاهتمام , فقد كان من أهم أسباب امتداد آثار هذا الفتح هو اهتمام عقبة بن نافع بتعليم القرآن لأهل المغرب , إذ ترك حين أراد العودة إلى المشرق ((جماعة من أصحابه يعلمون الناس القرآن ويفقهونهم في الدين ، وجعل على رأسهم شاكر بن عبدالله الأزدي صاحب الرباط المشهور على مراحل من مراكش))(3).
__________
(1) …طبقات علماء إفريقية لأبي العرب ص 70 ، والبيان المغرب 1/12 . وانظر: القراءات بإفريقية من الفتح إلى منتصف القرن الخامس الهجري- هند شلبي ص25-26.
(2) …صنف ابن أبي داود كتاب المصاحف ، وذكر فيه مصحف كل من هؤلاء الصحابة على حدة ، وقد نشره أثر جفري.
(3) …المدرسة القرآنية في المغرب ، عبد السلام الكانوني ، ص 30 .(1/2)
ومن ثم وُجد المصحف مع هؤلاء الصحابة ومَنْ بعدهم ، وتداوله أهل المغرب العربي يقرؤونه ويتعلمونه ، إلى جانب أن هؤلاء الفاتحين كانوا يتمتعون بحفظ كتاب الله تعالى في صدورهم , فهذا حنش الصنعاني أحد التابعين الذي شهد فتح المغرب العربي وسكن القيروان , يقول عنه عبدالله بن وهب : ((كان حنش إذا فرغ من عشائه وحوائجه وأراد الصلاة من الليل أوقد المصباح ... وإذا تعايى نظر في المصحف))(1). وهذه العبارة ((تدل على أن حنشاً كان من حفاظ القرآن وإنما يلجأ إلى المصحف للتأكد من صحة تلاوته))(2)، فلا يستغرب وجود الكتاب في العصور المبكرة للإسلام في المغرب العربي , فقد روى غياث بن أبي شبيب قال : ((كان سفيان بن وهب صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم يمر بنا ونحن غلمة فيسلم علينا ونحن في الكتّاب))(3).
وأما موسى بن نصير - الذي يعد فتحه للمغرب بداية الاستقرار الشامل لنظام الإسلام في أرجاء المغرب العربي والأندلس - فقد كان اهتمامه بتعليم القرآن في المغرب العربي ناتجاً عن ارتداد البربر عن الإسلام ، ((وقد اختار من جنده بضعة عشر رجلاً من فقهاء القراء وندبهم إلى سائر الجهات ينشرون الإسلام ويشيعون بين الناس حب القرآن والتشبث بآدابه))(4).
__________
(1) …المصدر السابق ص 26.
(2) …القراءات بإفريقية من الفتح إلى منتصف القرن الخامس الهجري ص33.
(3) …رياض النفوس للمالكي 1/59.
(4) …القراء والقراءات بالمغرب ، سعيد أعراب ، ص 7(1/3)
ومن اللافت للنظر أن تنسب كتابة أول مصحف شريف في المغرب العربي إلى خديج بن معاوية سنة 47 هـ بمدينة القيروان بتوجيه الأمير عقبة بن عامر الفهري ، وتوجد نسخة مصورة من هذا المصحف بمعهد المخطوطات العربية بالقاهرة يصفها المفهرس بأنها ((مصحف شريف بقلم مغربي كتبه خديج بن معونه - ولعلها معاوية - بن سلمة الأنصاري سنة 47 هـ بمدينة القيروان كتبه للأمير عقبة بن نافع الفهري))(1).
وقد تعرض الدكتور صلاح الدين المنجد لوصف هذا المصحف في كتابه ((دراسات في تاريخ الخط العربي))(2), إلا أن الدكتورة هند شلبي تتشكك في أن يكتب مصحف في القيروان في هذا الوقت المبكر ، وتعتمد في ذلك على بعض الثوابت التاريخية مثل : تأخر ظهور الخط المغربي عن هذا التاريخ , بل إن تأسيس القيروان نفسها كان عام 50هـ أو 51هـ ((فلا يعقل أن يكون المصحف قد كتب بالخط المغربي قبل سنة 50هـ ولم تكن المدينة التي سيظهر فيها ذلك الخط قد أسست بعد))(3) ، إلى جانب بعض الأمور الأخرى التي استندت عليها وذكرتها(4).
__________
(1) …فهرس المخطوطات المصورة معهد إحياء المخطوطات العربية جامعة الدول العربية فؤاد السيد سنة 1954م القاهرة .
(2) …دراسات في تاريخ الخط العربي ، د. صلاح الدين المنجد ، ص 83
(3) …القراءات بإفريقية من الفتح إلى منتصف القرن الخامس الهجري ص 50.
(4) …المصدر السابق من ص 48 إلى ص 35(1/4)
إلا أن هذا لا يقدح في أن المغاربة قد تداولوا المصاحف وكتبوها وإن لم نقطع بوصول هذه المصاحف إلينا ، فقد احتفظت المكتبة الأثرية بالقيروان بعدد كبير من المصاحف ينتمي إلى القرن الثالث ، اشتهر بعضها تاريخياً مثل المصحف الذي كتبته فضل مولاة أبي أيوب بخطها وجد سنة 295هـ. وفي خزائن الجامع الأعظم بتطوان وجامع القرويين بفاس وجامع ابن يوسف بمراكش ثروة كبيرة من المصاحف التي تنتمي إلى القرون المتقدمة الخامس والسادس والسابع الميلادي(1). وقد سرى اهتمام المغاربة بالمصاحف إلى الأندلس إذ يروي المراكشي في المعجب أنه ((كان بالربض الشرقي بقرطبة مائة وسبعين امرأة يكتبن المصاحف بالخط الكوفي))(2).
ولقد ظل اهتمام المغاربة بالمصحف الشريف على مر العصور خصوصاً إذا قررنا اهتمام ملوك المغرب بالمصحف الكريم وعنايتهم به ، إذ كان لهم خطاطون مختصون مهمتهم كتابة المصاحف ونشرها بين الناس , ((وما من أسرة حكمت المغرب إلا تنافس ملوكها في نسخ المصاحف ونشرها بين الناس ... وأقرب شاهد على ذلك مصحف الملك الحسن الثاني الذي طبع بماء الذهب في احتفال المغرب بذكرى مرور ثلاثة عشر قرناً على نزول القرآن))(3).
ولا تشغلنا هذه العناية الكبيرة بالمصحف الشريف على أيدي المغاربة منذ الفتح الإسلامي عن اهتمامهم بالرافد الأول في نشر كتاب الله عز وجل وتعليمه وهو حفظ الصدور وتلقين المعلم للمتعلم عن طريق المشافهة والرواية ، وهو الطريق الأوحد الذي انتشر به كتاب الله عز وجل وتواتر قراؤه جيلاً بعد جيل سواء في المغرب العربي أوفي غيره ، إلا أن الاهتمام بهذا الجانب كان واضحاً عند المغاربة ويمكن أن نجمل أهم طرق انتشار القرآن الكريم بين أهل المغرب العربي في طريقين : -
أ - البعثات التعليمية .
ب - معاهد تعليم القرآن .
__________
(1) …انظر: القراء والقراءات بالمغرب ص 10 .
(2) …المعجب للمراكشي ص 372 .
(3) …المدرسة القرآنية في المغرب ص 28(1/5)
فهذان الرافدان من أهم الروافد التي انتشر بواسطتها القرآن الكريم في المغرب العربي ، وهما يمثلان الترجمة العملية للتلقي من الصدور إلى الصدور ، تلك الطريقة التي أُخذ بها القرآن الكريم من لدن الصحابة , بل إن النبي صلى الله عليه وسلم نفسه كان هو السلف الصالح في هذا الأمر ، إذ أخذه عن جبريل عليه السلام بطريقة التلقي كما قال الله عز وجل ? إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآَنَهُ (17) فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآَنَهُ (18) ?(1).
البعثات التعليمية :
شعر القادة الفاتحون للمغرب العربي بأهمية وجود من يُعَلِّم أهل المغرب العربي القرآن الكريم وعلوم الدين المختلفة ، فلم يكتفوا بمجرد وجود من يقرئ الناس كتاب الله في هذه البلاد كسفيان بن وهب الصحابي وعبدالرحمن بن الأسود التابعي وغيرهما، بل أرادوا أن يكون هناك معلمون معينون من قبل هؤلاء القادة وظيفتهم الأساس هي إقراء الناس القرآن وتعليمهم العلم .
__________
(1) …سورة القيامة - آية 17 - 18.(1/6)
ولم يكن هذا تقليلاً من شأن القراء الكبار من الصحابة والتابعين الذين علموا أهل المغرب القرآن الكريم(1) ، وإنما كان اتباعاً للسنة المباركة في بعث المعلمين إلى البلاد الإسلامية لتعليمهم أمور الدين وتخصيصاً للمعلم المسؤول أمام الأمير عن أدائه لهذه الرسالة ، ومن ثم حرص القادة الفاتحون على تخصيص رجال بأعيانهم لتعليم الناس القرآن والفقه في الدين ، فجعل عقبة بن نافع الفهري على رأس من تركهم في بلاد المغرب شاكر بن عبدالله الأزدي ، وندب موسى بن نصير بضعة عشر رجلاً من القراء الفقهاء يعلمون المغاربة القرآن , إلا أن صورة البعثة تتمثل بشكل واضح في بعثة عمر بن عبدالعزيز إلى المغرب العربي لإقرائهم القرآن وتعليمهم الإسلام , وقد نص على ذلك أبو العرب القيرواني في كتابه ((طبقات علماء أفريقيا)) إذ قال : ((قد حدثني فرات بن محمد أن عمر بن عبدالعزيز أرسل عشرة من التابعين يفقهون أهل إفريقيه))(2) , وإذا كان تعبير أبي العرب يخص هؤلاء العشرة بتفقيه أهل أفريقيه إلا أن إقراء أهل أفريقيه كان هدفاً لهذه البعثة ، وذلك لأن هؤلاء العشرة كلهم قراء للقرآن كما أن أحدهم وهو جعثل بن هاعان الرعيني المصري قد أقرأ القرآن بالمغرب العربي حتى عبر بعض المؤرخين بأن عمر بن عبدالعزيز أرسله إلى أهل المغرب ((ليقرئهم القرآن))(3).
__________
(1) …من هؤلاء عبدالله بن عمر وعبدالله بن عمرو وسليمان بن يسار وعكرمة مولى ابن عباس وعبدالرحمن بن الأسود المدني . (انظر القراءات في أفريقيا ص 97-122).
(2) …طبقات علماء إفريقية لأبي العرب القيرواني ص84.
(3) …ينظر: الإكمال لابن ماكولا 2/107 ، وتهذيب التهذيب لابن حجر 2/79.(1/7)
وقد قدِمت بعثة عمر بن عبدالعزيز إلى المغرب العربي سنة 100 هـ , وأفرادها هم : إسماعيل بن عبيد الأنصاري المتوفى سنة 107 هـ , وإسماعيل بن عبيد الله بن أبي المهاجر القرشي المتوفى سنة 132هـ - وهو الذي ينسب إليه إسلام البربر على يديه -, وقد طالت إقامته بالمغرب العربي أكثر من ثلاثين سنة إلى أن توفي سنة 132هـ , وبكر بن سوادة المصري وهو أحد فقهاء مصر ومجتهديها المتوفى سنة 128 هـ , وجعثل بن هاعان الذي سبق الإشارة إليه وقد توفي قريباً من سنة 115 هـ , وحبان بن أبي جبلة القرشي المصري المتوفى سنة 125 هـ ، وعبدالرحمن بن أبي رافع التنوطي المصري المتوفى سنة 113 هـ , وسعد بن مسعود المصري الذي تتلمذ في القرآن الكريم على يد أبي الدرداء الصحابي الجليل كما تحلى بصفات قارئ القرآن ، وهي ((كثرة صمته وقلة غضبه وحسن خلقه ولينه وخشوعه وتواضعه))(1), وطلق بن جابان الفارسي , وعبدالله بن يزيد المعافري المصري المتوفى سنة 100هـ , وموهب بن حيي المعافري(2). وقد ترك هؤلاء العشرة جماعة من القراء من أهل المغرب العربي كعبد الرحمن بن زياد بن أنعم وعبد الملك بن أبي كريمة وعبيد الله بن زحر وموسى بن علي بن رباح وغيرهم .
وتحاول الدكتورة هند شلبي أن تفترض ((أن يكون عمل البعثة - وهي بعثة رسمية في ميدان إقراء القرآن - حمل الأفارقة على أن يقرؤوا بالقراءة الرسمية يعني تلك التي تتفق مع رسم المصحف العثماني))(3). إلا أن هذا الافتراض لا يستند إلى شيء من واقع هذه البعثات التعليمي ولا من خطة عمر بن عبد العزيز حين أرسلها , ومن ثم يصبح افتراضاً محضاً يصح تعليقها عليه بقولها ((لكن هذا لا يعدو أن يكون افتراضاَ يتناسب مع المجرى الطبيعي لتطور الأحداث))(4).
__________
(1) …القراءات بإفريقية من الفتح إلى منتصف القرن الخامس الهجري ص 145.
(2) …انظر: المصدر السابق ص139 - 149.
(3) …المصدر السابق ص 124.
(4) …المصدر السابق ص 24.(1/8)
وهذا لا يعني إقرار أفراد البعثة الذين علموا القرآن الكريم وجود قراءات شاذة مخالفة للمصحف العثماني أو إقراءهم المغاربة على حرف يخالف رسم المصحف العثماني لأنه أمر قد أجمع عليه الصحابة واستقر أمر الأمة عليه.
المعاهد العلمية:
ويقصد بها الهيئات التي خصصت لتدريس القرآن الكريم وعلومه ، وهي المساجد والمدارس والكتاتيب والرباطات , وقد خصصنا المبحث الرابع لتفصيل هذه المعاهد في المغرب العربي ، إلا أنه تجدر الإشارة هنا إلى أمرين :
1- أن المساجد وجدت قديماً منذ بدايات الفتح الإسلامي في المغرب كالمسجد الذي ابتناه عقبة بن نافع سنة 51 هـ وهو المعروف بجامع القيروان , ثم جامع الزيتونة بتونس الذي يعد المسجد الثاني الذي تولى العناية بالعلوم العربية خصوصاً علوم القرآن الكريم ، والذي أصبح فيما بعد جامعة إسلامية لا يقتصر التعليم فيها على المغاربة وحدهم ، وإنما يفد إليها الطلاب من بلاد العالم الإسلامي ، ثم يأتي جامع القرويين بفاس الذي أُسس باعتباره جامعة علمية في النصف الأول من القرن الثالث الهجري وتخرج منه جماعة من كبار العلماء كأبي بكر بن العربي والحاتمي وابن خلدون وغيرهم , وظل ينافس المعاهد العلمية الكبرى كالأزهر والزيتونة , ثم جامعات قرطبة وغرناطة بالأندلس حتى تبوأ مكانة علمية واضحة عبر العصور(1).
__________
(1) …ينظر مزيد تفصيل وتوثيق في المبحث الرابع.(1/9)
2- أن القرآن الكريم كان محور اهتمام معاهد التعليم في المغرب العربي وإن لم يكن ذلك على حساب العلوم الأخرى , فإذا نظرنا إلى علم القراءات وجدنا قدم اهتمام المغاربة بهذا العلم ، فعلى الرغم من أن قراءة نافع هي التي استقرت عند المغاربة كما سيأتي بيان ذلك في المبحث التالي إلا أن القراءات المتعددة قد وجدت طريقها إلى المعاهد العلمية بالمغرب العربي ، بل ((لم يقتصر القيروانيون على القراءات السبعة بل تجاوزوها إلى العشرة والأربعة عشر وإلى بقية القراء الذين كان لهم اختيار خاص))(1).
غير أن قراءة نافع هي التي شكلت معظم الثقافة القرآنية في المغرب العربي حتى اشتهر ما عرف باسم مقرأ نافع وأصبح هو المرجع الذي يرجع إليه في علم القراءة كما سيأتي إن شاء الله تعالى .
المبحث الثاني
العناية بعلوم القرآن وتعليمها في المغرب العربي
إن الجو العلمي الذي ساد المغرب العربي منذ أوائل الفتوح الإسلامية لم يكن بمنأى عن الاهتمام بعلوم القرآن الكريم ، بل حظي القرآن الكريم وعلومه بالنصيب الأوفى من الدراسة في المغرب العربي وتتمثل أهم مظاهر هذه العناية فيما يلي :-
1 - إقراء القرآن الكريم:
أشار البحث فيما مضى إلى وجود ظاهرة إقراء القرآن الكريم على يد الصحابة } والتابعين الذين دخلوا إلى المغرب العربي ، ثم استمر هذا النهج بعد عصر التابعين ؛ سواء في طور القراءة الحرة التي لا ترتبط بقراءة محددة أو في طور اختيار القراءات سواء بطرق الترجيح المختلفة أو لمجرد الاختيار .
__________
(1) …القراءات بإفريقية من الفتح إلى منتصف القرن الخامس الهجري ص 206.(1/10)
فقد عقدت مجالس يحيى بن سلام في إلقاء تفسيره واختياره في القراءة في مدينة القيروان(1) ، ومن ثم كان له تلامذته في القراءة الذين تخرجوا من مجالسه ، ومنهم: محمد بن يحيى بن سلام ، وأبو داود العطار ، وزيد بن سنان , ويلاحظ أن الأولين هما اللذان وصلنا تفسيره مروياً عن طريقهما(2).
وإذا كان يحيى بن سلام يمثل جانب اختيار القراءة بدون ذكر لسبب اختيارها - وهو الذي يسمى عند العلماء بترجيح القراءة - فقد بدأت بعده محاولات للاختيار في القراءة بناء على ترجيح لهذه القراءات ، ولعل ابن مجاهد صاحب السبعة في القراءات يمثل هذا الاتجاه ؛ إذ بنى ترجيحه لهذه القراءات السبعة على شهرتها وتواترها عن أصحابها(3).
وأما في المغرب العربي فتشير الدلائل إلى أن المقرئ محمد بن عمر بن خيرون ((قدم بقراءة نافع على أهل أفريقية ، وكان الغالب على قراءتهم حرف حمزة , ولم يكن يقرأ بحرف نافع إلا خواص , حتى قدم ابن خيرون فاجتمع إليه الناس))(4). والملاحظ من هذا النص أن قراءة حمزة كانت غالبة على أهل المغرب العربي مع اختيار الخواص لحرف نافع , وإذا ضممنا إلى ذلك أخذ يحيى بن سلام على سبيل المثال قراءة الحسن البصري عن تلاميذ الحسن حتى وصفه ابن الجزري بأنه كان له اختيار في القراءة(5)، يتضح من ذلك أن القراءات في المغرب العربي كانت متعددة إلا أنه وقع الاختيار على قراءة نافع من طريق ابن خيرون إذ تدفقت إليه جموع الطلاب ، مع أن هذا لا يعني أن قراءة نافع لم تكن موجودة قبل ابن خيرون ، لكنه يعني أنها كانت اختياراً لبعض الخاصة دون أن تكون منتشرة وذائعة الصيت.
__________
(1) …التفسير ورجاله للشيح محمد الفاضل ابن عاشور ص 27ط مجمع البحوث الإسلامية بالأزهر 1390هـ
(2) …انظر القراءات في إفريقيا ص 158-159
(3) …السبعة لابن مجاهد ص 49-52.
(4) …تاريخ العلماء والرواة بالأندلس لابن القرطبي 2/112 .
(5) …غاية النهاية في القراء لابن الجزري 2/41(1/11)
إلا أن معظم ما تحمله العبارة من فائدة هو أن الاجتماع على قراءة نافع كان في أواخر القرن الثالث وأوائل القرن الرابع الهجري ، لأن ابن خيرون توفي سنة 306 هـ ، أما قبل ذلك فقد غلبت القراءات الأخرى على قراءة نافع إلا عند بعض الخواص كما أسلفنا .
فلما اشتهر حرف نافع بالمغرب العربي صارت قراءة نافع ومذهب مالك عَلَمَين على ثقافة المغرب العربي في الفقه و في القرآن الكريم. وعلاقة المغرب العربي بقراءة نافع وثيقة , فهناك إشارة إلى أن من تلامذة نافع الذين رووا عنه كردم بن خالد التونسي(1) ، إلى جانب أن بعض تلامذة نافع المشهورين دخلوا إفريقية في بداية القرن الثالث ، وأخذ عنهم المغاربة قراءة نافع كأبي عبدالرحمن عبدالله بن يزيد المقرئ وأبي يحيى زكريا بن يحيى الوقار(2).
مع وجود هؤلاء التلاميذ لنافع إلا أن قراءة نافع اشتهرت في المغرب العربي عن طريق غيرهم أكثر من اشتهارها عن طريقهم , ولعل ممن اشتهرت رواية نافع عنه عيسى بن مينا المدني الملقب بقالون وعثمان بن سعيد المصري الملقب بورش فهما وإن لم يشر إلى تتلمذ المغاربة عليهم مباشرة قد نقلت قراءتهم أو طريقهم عن طريق التلميذين من تلامذة ورش وهما يونس بن عبد الأعلى وداود بن طيبة(3).
لقد اشتهرت قراءة نافع في المغرب العربي وقُعِّدَت قواعدها حتى صار مقرأ نافع كما عرف هو معتمد القراء.
2 - التفسير :
لقي التفسير عناية فائقة في المغرب العربي كما لقيها في المشرق العربي وبحسبنا في ذلك أن أول تفسير موسع وصل إلينا هو تفسير يحيى بن سلام المتوفى سنة 200 هـ , والذي يعد سابقاً لتفسير أبي جعفر محمد بن جرير الطبري المتوفى سنة 311 هـ .
__________
(1) …غاية ابن الجزري ( 2/32 ) . وراجع أيضاً معرفة القراء الكبار للذهبي ( 1/90).
(2) …انظر: القراءات بإفريقية من الفتح إلى منتصف القرن الخامس الهجري ص 220
(3) …المصدر السابق ص 238.(1/12)
وهذا التفسير يدل على أن علاقة المغرب العربي بعلم التفسير كانت سابقة ليحيى بن سلام فقد دُرس تفسير القرآن الكريم في المغرب العربي , وصنف فيه قبل ابن سلام بدليل نقله عن شيوخ في هذا التفسير حتى عده الفاضل بن عاشور الحلقة الوحيدة التي تربط بين ابن جريج وتفسير الطبري(1).
وبعد تفسير ابن سلام يجيء تفسير آخر سبق تفسير الطبري ، وهو كتاب أحكام القرآن لمحمد بن سحنون توفي سنة 255 هـ، وقد ذكره القاضي عياض في كتابه ترتيب المدارك(2)، ثم يشتهر علم التفسير المغرب العربي خلال القرون التالية ففي القرن الخامس يبرز تفسير المهدوي المسمى (التفصيل الجامع لعلوم التنزيل) وصفه حاجي خليفة بأنه : ((تفسير كبير بالقول فسر الآيات أولاً ثم ذكر القراءات ثم الإعراب))(3) إلا أن هذا التفسير الكبير لم يصل إلينا ، وإنما وصل إلينا مختصره المسمى (التحصيل) (4).
وفي القرن السادس يذكر العلماء تفسيرين ينتميان إلى المغرب العربي ، هما تفسير القرآن لأبي بكر محمد بن إبراهيم الغساني ، سكن مراكش وتوفي بها (سنة 536 هـ)(5) ، وكذلك (نفس الصباح في غريب القرآن) لأبي جعفر أحمد بن عبد الصمد الأنصاري الخزرجي , وهو أحد من درس بجامعة القرويين بفاس (توفي سنة 582) ، ذكره مخلوف في شجرة النور الزكية(6).
__________
(1) …التفسير ورجاله ص 26.
(2) …ترتيب المدارك 4/205.
(3) …كشف الظنون عن أسامي الكتب والفنون 4/205.
(4) …وهو مايزال مخطوطاً بالخزانة الوطنية المغربية بالرباط تحت رقم (89 ف) ، وحتى هذا الكتاب وصل إلينا نصفه تقريباً إذ يبتدئ من سورة الكهف إلى آخر القرآن . ( انظر المدرسة القرآنية في المغرب ص 199 ) .
(5) …ذكره الداودي 2/46 ومعجم المفسرين 2/266.
(6) …شجرة النور الزكية 1/156.(1/13)
أما في العصر الحديث فقد كثرت دروس التفسير ومصنفاته في المغرب العربي ، ولعل من أبرز هذه الدروس درس الشيخ إبراهيم بن محمد التادلي الرباطي توفي سنة 1311 هـ , وذلك في الرباط فقد اهتم بإلقاء درس التفسير ((في ظرف كان الناس يتشاءمون من التفسير ، فكيف تخطى هذا الرجل تلك الأراجيف الباطلة وتقدم إلى الأمام من أجل الاشتغال بتفهيم كتاب الله تعالى والعمل على تدبره ؟))(1).
وأما درس التفسير بالقرويين فهو درس أصيل له كراسي مخصصة من أجل تدرسيه(2) ، ومن أشهر أصحاب كرسي التفسير بالقرويين في العصر الحديث الشيخ أحمد الزموري توفي سنة 1001هـ , الذي وصفه د. محمد حجي بأنه كان ((طلق العبارة جداً , فصح اللسان , جيد الحفظ , دقيق الفهم))(3) , وقد ((امتازت دروسه العالية في التفسير بما ينقل فيها من أقوال المفسرين وتأويلاتهم وما يورد عليهم من الاعتراضات والاستشكالات من عنده بما يرفع الإبهام ويزيل الإشكال))(4).
ومن الخير أن نذكر نبذة مختصرة عن درس التفسير في إحدى جامعات المغرب العربي وهي جامعة الزيتونة بتونس ، وهو درس له متخصصوه ومنهم الشيخ محمد الطاهر ابن عاشور الذي استمرت دروسه فيه نحو أربعين سنة فسر فيها القرآن الكريم , وهذه الدروس التي فسر فيها القرآن بجامع الزيتونة هي النواة لكتابه التحرير والتنوير الذي يعد من أميز ما كتب في التفسير في العصر الحديث .
__________
(1) …الدراسات القرآنية بالمغرب في القرن الرابع عشر الهجري ، إبراهيم الوافي ، ص 229.
(2) …جامع القرويين المسجد الجامعة 3/709.
(3) …الحركة الفكرية بالمغرب. د. محمد حجي 2/361.
(4) …المصدر السابق 2/361-362.(1/14)
والشيخ ابن عاشور هو الإمام محمد بن الطاهر بن عاشور رئيس المفتين وقاضي الجماعة وأستاذ التفسير بجامع الزيتونة وشيخ الجامع الأعظم ، والعالم الذي تنوعت معارفه وتعددت مصنفاته في العلوم المختلفة ، ويقع تفسيره في خمسة عشر مجلداً طبعت منه أجزاء في حياته ثم توالت بعد وفاته حتى طبعت الطبعة الكاملة منه سنة 1404 هـ بالدار التونسية للنشر , وأصل اسمه كما ذكر الطاهر في مقدمته ((تحرير المعنى السديد وتنوير العقل الجديد من تفسير الكتاب المجيد)) ثم اختصره إلى (التحرير والتنوير)..
ويلاحظ على دروس التفسير في المغرب العربي في العصر الحديث ومؤلفاته تأكيد التواصل مع روافد الثقافة الإسلامية الأصيلة كاللغة وعلوم الحديث وغيرها , وإذا طبقنا ذلك على تفسير التحرير والتنوير لابن عاشور لوجدناه جامعاً حافلاً لما في كتاب الله عز وجل من دلالات مروية عميقة , فقد درس الاشتقاق اللغوي ومعاني الحروف والأدوات وعلاقة الحديث النبوي بتفسير القرآن الكريم واستشهد بالشعر العربي القديم على معاني كتاب الله عز وجل وهذا كله دليل على الاهتمام بجذور الثقافة العربية(1).
__________
(1) …انظر: بحثنا للدكتوراه : أثر الدلالات اللغوية في التفسير عند الطاهر ابن عاشور في كتابه التحرير والتنوير .(1/15)
ولعل ذلك نوع من المواجهة للثقافة الغربية الفرنسية التي احتوشت أقطار المغرب العربي وأخضعتها لمحتوياتها فترة طويلة من الزمان , ومع ذلك لم تخل دروس التفسير في المغرب العربي من الروح التجديدي الذي يقوم على القواعد الصحيحة للتجديد , وذلك واضح مثلاً في تفسير الشيخ عبدالله كنون لسور المفصل من القرآن الكريم إذ ركز فيه على ((الأسس الثلاثة التي قامت عليها دعوة الإسلام وهي : تصحيح العقيدة , وتزكية النفوس بالأخلاق الفاضلة , وإعداد المسلمين لقيادة الإنسانية إلى ما فيه صلاح معاشها ومعادها))(1).
ومن ثم فقد تعرض هذا التفسير لاستخلاص ما في الآيات القرآنية من ((أحكام وآداب وأخلاق وقضايا سياسية واجتماعية مطبقاً الآية على واقع الحال الذي يعرفه المجتمع الإسلامي والمغربي منه على وجه الخصوص))(2).
ولا يعني هذا انغماس المفسرين المغاربة في دعاوى التجديد التي قد يكون فيها نشوز عن المنهج الصحيح قد يكون فيها أو في بعضها , ومن الأمثلة على توازن عملية التجديد ووسطيتها في التفاسير المغربية دروس الشيخ علال الفاسي في التفسير في القرويين الذي يرى أن ((مستقبل الإسلام إنما هو في نجاح السلفية الصحيحة , أي في أن يقتنع المسلمون بضرورة العمل بكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم ومسايرة التطور في أساليب الفهم والتقدير للأشياء ، والعناية بالعقل الراجح البعيد عن المؤثرات المختلفة .. بحيث لا تقبل نظرية من النظريات إلا إذا أقرها العقل وصادق عليها الدين))(3).
__________
(1) …تفسير سور المفصل من القرآن الكريم للسيد عبدالله كنون جـ 1/ ص 1- دار الثقافة - الدار البيضاء 1401 هـ
(2) …الدراسات القرآنية بالمغرب في القرن الرابع عشر الهجري ص 367
(3) …حديث المغرب في المشرق علال الفاسي ص 27-28(1/16)
ومن ثم فهو لم يساير المدرسة العقلية في كثير مما ذهبت إليه , فمع دفاعه عن جهود الشيخ محمد عبده في خدمة القرآن الكريم لا يمتنع من مخالفته والرد عليه فيما يذهب إليه من التماس معجزة القرآن في التفسير العلمي للآيات القرآنية بصورة يظهر فيها التكلف مثل تفسيره ( الطير الأبابيل ) بالجُدَري , وكذلك تفسير الشيخ رشيد رضا لمرور موسى عليه السلام وغرق آل فرعون بعملية المد والجزر المعهودة في البحر ، فيقول معلقاً على هذا: ((ونحن لا نوافق الأستاذين على مثل هذا الإغراق في تفسير ما ذكره القرآن الكريم على أنه من قبيل المعجز .. وليس يعنينا أن يكفر من يشاء إذا كان إيمانه لا يتم إلا بالتنازل عن جزء ولو يسير من الدين وهو من الممكنات التي لا ينازع فيها عقل ولا دين صحيح))(1).
ومن هنا يتضح اهتمام المغاربة بتفسير القرآن ومنهجيتهم في هذا الاهتمام وهدفهم العلمي والثقافي من التفسير تدريساً وتأليفاً .
3 - علم القراءات ورسم المصحف :
وأما علم القراءات فقد لقي في المغرب العربي عناية فائقة ذكرنا بدايتها فيما مضى ، ويتلخص ذلك فيما يلي :
1- أن القراءات القرآنية كانت موجودة في المغرب منذ عهد الصحابة والتابعين.
2- أنها مرت بطورين :
أ - طور القراءة الحرة .
ب- طور الاختيار في القراءة .
3- أن قراءة نافع أصبحت القراءة السائدة في المغرب العربي من أواخر القرن الثالث الهجري.
وكل هذا يتعلق بالقراءة.
__________
(1) …الشيخ محمد عبده : موقفه من الشبه والتشابه : علال الفاسي مجلة دعوة الحق عدد 10 ص 5 , الدراسات القرآنية بالمغرب في القرن الرابع عشر الهجري ص 211 .(1/17)
أما علم القراءات فقد وجد الاهتمام به منذ وقت مبكر أيضاً , إذ سجل يحيى بن سلام كثيراً من القراءات التي رواها عن شيوخه أو اختارها من قراءات القراء ، فقد تردد في تفسيره روايته لقراءات شيوخ البصريين الذين أخد عنهم القراءة (1) ، كما ذكر في تفسيره قراءات الكوفيين والمدنيين وغيرهم من طرقه المختلفة , ولم يكتف ابن سلام بمجرد رواية القراءة وإنما ذهب إلى توجيه القراءة , كما في قوله تعالى ? أَنَّ لَهُمُ الْنَّارَ وَأَنَّهُم مُّفْرَطُونَ ?(2) فإنه ذكر أن فيها قراءتين : قراءة ? مُفْرَطُون ? بفتح الراء أي معجلون إلى النار , وقراءة ? مفرِّطون ? من قوله تعالى على لسانهم : ? يَا حَسْرَتَنَا عَلَى مَا فَرَّطْنَا فِيهَا ?(3).
ومن أهم المصنفات في علم القراءات كتاب (الهادي في القراءات) لمحمد بن سفيان الهواري القيرواني توفي سنة 415 هـ(4), ويبدو أن الهواري قد اهتم بهذا العلم اهتماماً كبيراً ، فله كتاب (التذكرة في القراءات) , كما أن له كتاب (اختلاف قراء الأمصار في عد آيات القرآن)(5) ، كما اهتم يوسف بن علي بن جبارة المغربي بطرق القراءات ، فصنف كتابه (الكامل في طرق القراءات)(6).
__________
(1) … انظر: القراءات بإفريقية من الفتح إلى منتصف القرن الخامس الهجري ص 153.
(2) …سورة النحل : آية 62.
(3) …سورة الأنعام: آية 31.
(4) …كشف الظنون 2/2027 .
(5) …انظر شجرة النور الزكية للشيخ مخلوف ( 1/106) الديباج المذهب لابن فرحون ( 1/271) .
(6) …معرفة القراء الكبار للذهبي 1/346.(1/18)
ومن أهم النواحي التي بذل فيها علماء القراءة المغاربة جهدهم الشروح والتعليقات على قصيدة الشاطبي المشهورة المسماة (حرز الأماني) , ولعل من أهم ما أصدره هؤلاء العلماء كتاب (إنشاد الشريد من ضوال القصيد) الذي صنفه محمد بن أحمد بن محمد العثماني المكناسي نزيل فاس المعروف بابن غازي ( توفي سنة 919 هـ ) وقد علق فيه على منظومة (حرز الأماني) للشاطبي(1) على أن العناية بقراءة نافع كانت هي المقدمة عند المغاربة فبذلت جهود تصنيفية كثيرة حول هذه القراءة تمخضت عن القصيدة المشهورة للحافظ المقرئ أبى الحسن علي بن محمد بن بري التازي (توفي سنة 731هـ) التي سماها (الدرر اللوامع في أصل مقرئ نافع) ، وقد نالت هذه المنظومة عناية كبيرة من القراء المغاربة ومن الأدلة على ذالك أن الشروح التي وضعت عليها تزيد على ثلاثين شرحاً(2), ولعل من أهم شروح هذه القصيدة شرح أبي زيد بن القاضي الفاسي (توفي سنة 1082 هـ ) الذي سماه (الفجر الساطع على الدرر اللوامع ).
وإلى جانب ذلك فهناك علوم أخرى اهتم بها المغاربة تتعلق بعلوم القراءات ألخصها في أربعة موضوعات :
1-فنون القرآن : وقد صنف فيه الناس قديماً وحديثاً , كالزركشي في كتابة (البرهان) ، ومن المغاربة الذين اهتموا بفنون القرآن أبو علي الحسين بن علي السوسي ، إذ ألف كتاباً سماه (الفوائد الجميلة في الآيات الجليلة) عالج فيه أبحاثاً مهمة في علوم القرآن على غرار البرهان للزركشي وقد ضمنه عشرين باباً.
__________
(1) …الدراسات القرآنية بالمغرب في القرن الرابع عشر الهجري ص 38.
(2) …انظر مجلة دعوة الحق الأصل مقال لسعيد أعراب ، والدراسات القرآنية بالمغرب في القرن الرابع عشر الهجري ص 38 .(1/19)
2-التجويد : وهو علم يعرف به مخارج الحروف وكيفية النطق بها , وإذا كانت مباحث هذا العلم تأتي عرضاً في كتب القراءات إلا أن بعض المغاربة اختصه بالتصنيف منهم أبو عبدالله محمد بن يوسف الجناتي ( توفي 778 هـ ) فقد صنف كتاب (البستان في تجويد القرآن) ضمنه ثمانية عشر باباً فيها كل موضوعات التجويد تقريباً , إذ بحث فيه الألفات والهمزات والمد وحروف اللين والإظهار والإخفاء والقلب والإدغام والتفخيم والترقيق والإمالة والقلقة .
3-الجمع والإرداف : والمقصود به جمع القارئ عدة قراءات وإرداف بعضها على بعض في ختمة واحدة , ومن المعروف أن للعلماء مذاهب مختلفة في جواز ذلك إلا أن المقصود هنا هو اهتمام المغاربة بهذا الباب , فقد ألف أبو الحسن علي بن سليمان الأنصاري مقرئ فاس وشيخ جماعتها (توفي سنة 730) كتابه ( ترتيب الأداء وبيان الجمع بين الروايات في الإقراء ) بين السبب الحافز له على ذلك ، وهو مخالفة متأخري القراء لطريقة السلف وعلماء الخلف وذلك بجمعهم بين الروايات بنفس واحد , حملهم على ذلك طلب الاختصار , فوقعوا في الخطأ من هذه الجهة . وقد جعله بعد المقدمة في بابين جعل الباب الأول فيه عن القراءة الصحيحة وكيفية التلاوة أكد فيه وجوب تجويد القرآن ، وكذلك أدلته على ذلك ، ثم بين طرق الأداء وهي التحقيق والحدر والتدوير, ثم بين في الباب الثاني مذاهب الناس في الجمع بين القراءات وهي ثلاثة :
"الجمع بالحرف : وهو أن يجمع القراءات المختلفة في الكلمة الواحد مرة واحدة دون وقف , فإذا انتهى من هذا الجمع وقف أو وصل بما بعده .
"الجمع بالوقف : وهو أن يقرأ القارئ بقراءة من يقدمه من الرواة ويمضي على تلك الرواية إلى أن يقف حيث يسوغ الوقف ثم يعود من حيث ابتدأ فيأتي بقراءة الراوي الثاني وهكذا .(1/20)
"المذهب المركب من مذهبين : وهو أن يأتي القارئ برواية القارئ الأول ويتمادى على ذلك إلى أن يقف على موضع يسوغ الوقف عليه , فمن اندرج معه فلا يعيده ومن تخلف فيعيده منتهياً بالوقف السائغ مع كل راو.
4-فن الحطّيّات : وهو إحصاء ما في القرآن من حروف وكلمات وجمل مكررة أو متشابهة ، وقد ظهرت هذه المدرسة في المغرب العربي في القرن الثالث عشر الهجري , ويسمونها مدرسة العدد أيضاً , ومن أشهر شيوخ هذه المدرسة أبو عبدالله محمد بن أحمد الوليذي ، من تطوان ( توفي سنة 1320هـ ) وله في هذا الأمر مصنف هو : (رمزية البدور السبعة بالعدد) فرغ من تصنيفها قبل وفاته بسنة واحدة .
وعموماً فكثير من الفنون المتعلقة بالقراءات شائع عند المغاربة أكثر منه عند المشارقة , إلى حد أن وصف الدكتور سعيد عراب بعض هذه الفنون كالحطيات والرمزيات والعدد بأنها ((تراث مغربي صميم لا تعرفه مكتبات الشرق))(1).
ومن أهم العلوم التي تعلقت بعلم القراءات علم رسم المصاحف , وقد اهتم العلماء به من قديم لأهميته في ضبط القراءة ، وجعل أحد الشروط في صحة القراءة كما نص على ذلك ابن الجزري في كتاب النشر(2) وقد صنف أبو عمرو الداني كتاب المقنع في معرفة رسوم مصاحف الأمصار , وهو من أوائل الكتب التي اهتمت بهذا الفن ثم نظمه الشاطبي الرّعيني بقصيدته المشهورة (عقيلة أتراب القصائد في أسنى المقاصد) ، وقد اشتهرت هذه القصيدة بين القراء أعظم من شهرة كتاب الداني نفسه , كما اشتهرت أيضاً منظومة الخراز المسماة (مورد الظمآن في رسم وضبط القرآن) لمحمد بن إبراهيم الأموي الفاسي الخراز (توفي سنة 718 هـ ) ، ووضع عليه المغاربة شروحاً كثيرة مثل شرح الشوشاي والدرعي وابن عاشر وغيرهم(3).
المبحث الثالث
شيوخ الإقراء والتفسير والقراءات في المغرب العربي
__________
(1) …ينظر لما سبق : القراء والقراءات بالمغرب ص 210
(2) …النشر في القراءات العشر 1/9 .
(3) الدراسات القرآنية بالمغرب ص42 .(1/21)
يتضح مما سبق أنه كان لعلوم القرآن المختلفة شيوخ أجلاء في المغرب العربي على مر القرون منذ الفتح الإسلامي إلى هذا العصر الحديث .
ويلاحظ أن البحث هنا فرق بين لفظي الإقراء والقراءات على أساس أن شيوخ الإقراء هم الشيوخ الذين اهتموا بتلقي القراءات القرآنية وتلقينها للمتعلمين , وعلماء القراءات هم الذين صنفوا في فنون هذا العلم ووفوه حقه من الدراسات ، فأما شيوخ الإقراء فيعبر عنهم بلفظ القارئ أو المقرئ ويلاحظ أن لفظ القارئ هو الذي اشتهر أولاً في كتب الحديث والتراجم , فقد ترجم البخاري في صحيحه ((باب القراء من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم))(1) ، إلا أن عبارة بعض المتأخرين يستفاد منها التمييز بين القارئ والمقرئ , فالقارئ عندهم هو المبتدئ الذي شرع في الإفراد إلى أن يفرد ثلاثاً من القراءات , وأما المقرئ فهو العالم بالقراءات سبعاً أو عشراً الراوي لها مشافهة الناقل لأكثرها وأشهرها(2).
ومن أشهر شيوخ الإقراء في بلاد المغرب العربي :
1 - أبو عبدالله أسد بن الفرات بن سنان : وهو من أقدم مقرئي القرآن في المغرب العربي قدم مع أبيه إلى المغرب العربي في فتوح أفريقية سنة 144 هـ , وقد تلقى القرآن بالقيروان ثم تونس ثم رحل إلى المشرق طالباً للعلم سنة 172 هـ ثم رجع إلى القيروان سنة 181 هـ فتصدر مجالس العلم وأصبحت له الرياسة هناك , توفي بصقلية سنة 213 أو 217 هـ (3).
2 - أبو جعفر محمد بن محمد بن عمر بن خيرون , وهو ابن شيخ القراء بالقيروان محمد بن عمر بن خيرون الذي مضت الإشارة إليه , وقد أخذ القراءة عن أبيه وجمع كتاباً اسمه (الابتداء والتمام في القراءات) توفي سنة 301هـ
__________
(1) …صحيح البخاري 4/1911.
(2) …انظر منجد المقرئين ومرشد الطالبين لابن الجزري ص 3- دار زاهد القدسي - القاهرة
(3) …ترتيب المدارك 3/291.(1/22)
3 - أبو العرب محمد بن أحمد بن تميم التميمي , صاحب كتاب الطبقات اشتغل بتحصيل العلم وتوفي سنة 333 هـ , وذكر القاضي عياض أنه قرأ السبع(1) ، ولهذه الإشارة أهميتها في بيان أن القراءة في القيروان كانت تتسع حتى أوائل القرن الثالث الهجري للقراءات المختلفة.
4 - أبو عبدالله محمد بن الحسين بن محمد القرشي الفهري القروي ، درس بالقيروان ثم رحل إلى مصر ولقي جملة من شيوخها في القراءة ، مثل أحمد بن أسامة التجيبي وأبي بكر الأدفوي وغيره , ثم رجع إلى القيروان فأقرأ بها حتى سنة 357 هـ إذ رحل إلى الأندلس واشتغل بالإقراء حتى توفي سنة 378 هـ(2).
5- أبو عبدالله محمد بن سفيان الهواري المقرئ : وهو من طبقة أبي عمرو الداني وقد زامله في التخرج على أبي الحسن القابسي في الفقه ، أخذ القراءات عن ابن غلبون المصري المتوفى سنة 389 هـ ، وقال القاضي عياض إنه ((أشهر من في المغرب في وقته بالقراءات وأبصرهم بها))(3) , له كتاب الهادي في القراءات واختلاف قراء الأمصار في عدد آي القرآن وغيرها(4).
6 - أبو العباس أحمد بن عمار المهدوي : نشأ بالقيروان وأخذ القراءات على محمد بن سفيان المقري ، ثم أخذ القراءات بمكة على أبي الحسن أحمد بن محمد القنطري ، ثم رجع إلى القيروان لكنه انتقل إلى الأندلس فأقرأ بها واشتهر حتى توفي سنة 440 هـ , وله كتب كثيرة في القراءات ككتاب (الهداية في القراءات السبع) و(الموضح في تعليل وجوه القراءات)(5).
__________
(1) …المصدر السابق 3/363.
(2) …القراءات بأفريقية من الفتح إلى منتصف القرن الخامس الهجري ص 302
(3) …الترتيب 4/712
(4) …شجرة النور ص 106
(5) …جذوة المقتبس للحميدي ص106-107 ، وإنباه الرواة للقفطي 1/91-92 ، والوافي بالوفيات الصفدي 7/257.(1/23)
7 - أبو عبدالله محمد بن عبدالسلام بن محمد بن العربي الفاسي: نشأ بفاس فحفظ القرآن وأتقن تجويده وأخذ القراءة على مشايخ بادية المغرب حتى حصل ما عندهم من العلم بالقراءات السبع ثم رحل إلى سوس فلقي مشايخها وأسمع أبناءها وأخذوا عنه ثم رجع إلى بلده فاس فظل بها يقرئ الطلاب وازدحم عليه طلاب القراءات فظل يقرئ ويفيد حتى توفي سنة 1214 هـ , وله آثار قيمة في علم القراءات ، منها: كتاب (الجامع المحاذي) وقد جعله محاذياً لمنظومة الشاطبي حرز الأماني , وكذلك له مؤلف في الوقف والابتداء وله كتاب في المخارج سماه (تسهيل المعارج إلى تحقيق المخارج) إلى غير ذلك من الكتب والرسائل في هذا العلم , التي أوصلها الدكتور سعيد أعراب إلى واحد وعشرين مؤلفاً(1).
وكما أن أعلام القراءات في المغرب العربي كثيرون لا يكادون يحصون على مر القرون وقد اكتفينا بذكر هذه النماذج من أعلامهم , فكذلك نصنع في الترجمة الموجزة لبعض مشاهير علماء التفسير في المغرب العربي على كثرتهم , ومن أشهر هؤلاء العلماء :
1 - يحيى بن سلام البصري نزيل القيروان ، وهو يحيى بن سلام بن أبي معلبة ، نشأ بالبصرة وأخذ عن شيوخها ثم رحل إلى القيروان واستقر بها ، وألف بها كتابه في التفسير الذي أشرنا إليه آنفاً , قد وصفه ابن الجزري بأنه كان ثقةً ثبتاً ذا علم بالكتاب والسنة ومعرفة باللغة العربية توفي سنة 200 هـ(2).
__________
(1) …القراء والقراءات القرآنية بالمغرب ص 143 - 150.
(2) …غاية النهاية 2/373 ، وسير أعلام النبلاء 9/369.(1/24)
2 - مكي بن أبي طالب محمد حموش القيسي القيرواني. نشأ في القيروان وبدأ الدراسة بها ثم رحل إلى المشرق في سن مبكرة فحصل علوم القرآن والقراءات في مصر في رحلات ثلاث عاد بعدها إلى القيروان سنة 383 هـ فاستقر بها زمناً يعلم القرآن وعلومه وكان كثير الرحلات انتهت برحلته إلى قرطبة التي اشتغل فيها بالتدريس إلى أن توفي بها سنة 437هـ. وله كتب كثيرة في علوم القرآن خصوصاً القراءات والتفسير بلغت عند الدكتورة هند شلبي ستة وأربعين مصنفاً في القراءات وحدها(1) ، ومن أشهر كتبه في التفسير كتاب (الهداية إلى بلوغ النهاية) ، قال في مقدمته : ((وهذا كتاب جمعته في ما وصل إلي من علوم كتاب الله جل ذكره , واجتهدت في تخليصه وبيانه واختياره واختصاره))(2) , وكذلك كتابه ((مشكل إعراب القرآن)) وهو مطبوع معروف(3).
3 - ابن عرفة وهو محمد بن محمد بن عرفة الورغمي فقيه تونس وإمامها وعالمها نشأ بها وتصدر حتى صار إليها المرجع في الفتوى في بلاد المغرب وولي إمامة الجامع الأعظم سنة 750 هـ له تفسير الذي اشتهر بكثرة فوائده , وكلامه فيه دال على التوسع في الفنون وإتقان وتحقيق , توفي سنة 803 هـ(4).
__________
(1) …القراءات بإفريقية من الفتح إلى منتصف القرن الخامس الهجري ص 344 - 348.
(2) …الدراسات القرآنية بالمغرب من الفتح الإسلامي إلى ابن عطية 1/207.
(3) …راجع ترجمته في: ترتيب المدارك 4/737 ، وإنباه الرواة 3/313 ، طبقات القراء لابن الجزري 2/309.
(4) …معجم المفسرين 2/619.(1/25)
4- الأبي وهو محمد بن خليفة بن عمر الوشتاني من نبغاء تلاميذ ابن عرفة نشأ بأبّه من مدن تونس وطلب العلم بالمدرسة الشماعية والمدرسة التوفيقية , كما أخذ العلم عن جماعة من الأعلام ثم تولى التدريس بتونس وصنف كتاب (إكمال إكمال المعلم في شرح صحيح مسلم) وله كتابه (تفسير القرآن العظيم) دوّن فيه ما سمع من دروس شيخه ابن عرفة توفي سنة 828 هـ(1).
5 - ابن راشد القفصي وهو محمد بن عبدالله البكري القفصي نشأ بقفصة وتعلم بها ثم رحل إلى تونس فلقي بها جماعة من العلماء وبرع في العربية والفقه وغيرها يقول عن نفسه : ((أدركت بتونس جملة من النبلاء وصدوراً من النحاة والأدباء)) , توفي سنة 736 هـ, وله كتاب في التفسير اختصر فيه تفسير الفخر الرازي وجعله في أربعة أجزاء وسماه ( تحفة اللبيب في اختصار ابن الخطيب)(2).
6 - محمد بن يوسف بن عمر بن شعيب السنوسي , كبير علماء تلمسان وزهادها في عصره نشأ بها وأخذ عن علمائها , وكان عالماً بالتفسير والحديث وغيرها , توفي سنة 895 هـ وله مصنفات في التفسير منها ( مختصر حاشية التفتازاني على الكشاف )(3).
7 - محمد الطاهر ابن عاشور , نشأ في أسرة شريفة هاجرت من الأندلس بعد احتلال الأسبان لها وطلب العلم ولقي كثرة من العلماء , ثم التحق بجامع الزيتونة فلقي عناية علمية من أساتذته ودرس العلوم المختلفة , وبعد نجاحه الفائق بدأ بالتدريس بجامع الزيتونة وتقلد طائفة من المناصب فعين عميداً لجامعة الزيتونة ثم ولي رئاسة الإفتاء وقضاء الجماعة وألقى دروسه في التفسير بجامع الزيتونة ثم جمعها في كتابه (التحرير والتنوير) الذي قال فيه: ((فيه أحسن ما في التفاسير وأحسن مما في التفاسير))(4).
__________
(1) …تراجم المؤلفين التونسيين محمد محفوظ 1/46 .
(2) …(راجم المؤلفين التونسيين 2/329.
(3) …شجرة النور الزكيةص 266 ، ومعجم المفسرين 2/657.
(4) …التحرير والتنوير 1/8 .(1/26)
والتراجم السابقة المختارة من علماء القراءات والتفسير تشير إلى حضور هؤلاء العلماء في بلاد المغرب العربي وعطائهم العلمي في علوم القرآن على مر القرون المختلفة .
المبحث الرابع
أهم مراكز تعليم القرآن الكريم في المغرب العربي
أشار البحث في المبحث الأول إلى طرق انتشار القرآن الكريم بين المغاربة , ويحسن في هذا المبحث أن نلخص أهم هذه الطرق ونذكر نماذج منها وهي :
1 - المساجد :
فالمسجد يعد المدرسة الأولى في الإسلام وقد ظل يحتفظ بهذه الميزة إلى وقتنا الحاضر ، ومن أشهر المساجد التي كانت منارة لعلوم القرآن في المغرب العربي , جامع الزيتونة في تونس و القرويين بفاس وغيرها .
*…أما جامع الزيتونة فهو من مآثر التابعي الجليل عبدالله بن الحباب , فرغ من بنائه سنة 141 هـ ثم أدخل أبو إبراهيم الأغلبي في عصر الأغالبة تحسينات فنية كسته ذلك الطراز البديع الذي نراه عليه اليوم إلا أنه تحاشى أن يرسم اسمه عليها فنسبها إلى الخليفة العباسي المستعين بالله ، فقد ظل جامع الزيتونة مناراً للعلم وبخاصة علوم القرآن الكريم , وكان نظام التدريس في المعهد العلمي على ثلاث مراحل : دنيا ووسطى وعليا , ويدرّس فيها التفسير , خاصة تفسير الجلالين وأسرار التنزيل للقاضي البيضاوي , وجعل في العليا قسم خاص لتدريس القراءات وهذا ما يدل على عنايتهم بعلوم القرآن بهذا الجامع , ويعد خريجو جامع الزيتونة محط الاحترام الكامل من الشعب التونسي ، وذلك لوفور حظهم من العلم وعمق العلوم الشرعية التي تدرس في هذا الجامع(1)..
*…وأما جامع القرويين فهو من معاقل العلم بالمغرب العربي وقد أنشأه إدريس الثاني إبان حكمه , وقد بدأ العمل فيه مستهل رمضان 245 هـ(2). وظل المسجد صغير المساحة حتى حدثت له التوسعة المشهورة سنة 344 هـ .
__________
(1) …انظر ابن عاشور ومنهجه في التفسير للريس ص 68 رسالة ماجستير غير مطبوعة.
(2) …زهر الآس في تاريخ مدينة فاس ص 82.(1/27)
وحظي المسجد باهتمام علمي كبير تحت عناية ملوك المغرب الذين ساهموا في نمو رسالته العلمية ، وظل درس التفسير في جامع القرويين وتعليم القرآن يتداوله العلماء قرناً بعد قرن , ولعل من مشاهير هذا الدرس الشيخ أحمد الزموري المتوفى سنة 1001 هـ صاحب كرسي التفسير والقراءات بالقرويين , ويصف بعض الباحثين درس التفسير بالمغرب العربي بأن مرجعه يعود إلى ((تفاسير الأندلسيين والمغاربة الملتزمين مذهب السنة وإذا أتوا بشيء من تفسير بعض المشارقة كالزمخشري انتقدوه ودحضوا آراءه الاعتزالية أكثر مما أخذا منه))(1) , ولعل ما قصدوه بالتزام المفسرين الأندلسيين والمغاربة مذهب السنة أنهم التزموا عقيدة الأشاعرة على اعتبار أنه مذهب مضاد للاعتزال ، وممن تأثر بمذهب الأشاعرة ابن عطية وأبو حبان وابن العربي وغيرهم (2).
إلى جوار هذين المسجدين وعلى سنتهما في نشر القرآن الكريم وتعليمه نجد الكثير من المساجد التي انتشرت في المغرب العربي منها جامع التلمسان بالجزائر الذي أسسه موسى بن نصير سنة 89 هـ واستمر يقوم بدوره العلمي بتعليم القرآن الكريم حتى قال الحميري: ((ولم تزل تلمسان داراً للعلماء والمحدثين وأهل الرأي))(3).
وكذلك جامع القيروان الذي أسسه عقبة بن نافع الفهري سنة 51 هـ وكذلك الجامع الكبير بمراكش الذي بناه يوسف بن تاشفين في عصر دولة المرابطين ، وقد كان يوسف بن تاشفين (( يفضل الفقهاء ويعظم العلماء ويصرف الأمور إليهم))(4) وهذه كلها مساجد تعد مراكز لتعليم القرآن الكريم بالمغرب العربي , وقد أدت دورها إلى جانب هذين المسجدين الكبيرين مسجد الزيتونة ومسجد القرويين .
__________
(1) …الحركة الفكرية ( 1/70).
(2) …انظر : الدراسات القرآنية بالمغرب في القرن الرابع عشر الهجري ص 192.
(3) …الروض المعطار للحميري ص 135 - صفحات من تاريخ المغرب الإسلامي ، د.حسن خضيري أحمد ص 221.
(4) …انظر : صفحات من تاريخ المغرب الإسلامي ص 226.(1/28)
*…ولا ينبغي أن نغفل أقدم مساجد المغرب العربي ، وهو جامع عمرو بن العاص بطرابلس المغرب ، وقد شيده عمرو بن العاص سنة 23هـ ، ويسمى الآن جامع الناقة ، وقد استمر التعليم فيه فترة مقصورا على حفظ القرآن الكريم ، ثم تكاثرت حلقاته ونما الاهتمام بتطوير التعليم فيه(1).
2 - المدارس : والمدارس أبنية خصصت للتدريس إما ملحقة بمسجد من المساجد لكنها منفصلة عن مكان الصلاة , وإما أنها مستقلة ببنائها , وتتميز مدارس القرآن الكريم بالمغرب العربي باهتمامها الفائق بتعليم القرآن الكريم تلقيناً وإتقاناً وقراءات وتفسيراً ولعل من النماذج التي تذكر لمدارس القرآن الكريم في المغرب العربي مدارس مدينة سوس العتيقة بتونس فقد اشتهرت هذه المنطقة بعلم الإقراء منذ عدة قرون ومدارسها كثيرة تتوزع بين السهول والجبال.
وهذه المدارس ثلاثة مستويات :
المستوى الأول : وهي مواطن لحفظ القرآن الكريم , وهي شبيهة في المهمة بأكثر الكتاتيب .
المستوى الثاني : يدرس فيها إتقان الرسم القرآني الكريم المصحفي .
المستوى الثالث : فهو المدارس التي تهتم أساساً بتعليم القراءات السبع وعلم التجويد التطبيقي.
__________
(1) …مراكز الثقافة في المغرب العربي ، عثمان الكفاك ص115-116.(1/29)
ومن أشهر هذه المدارس في سوس ( مدرسة سيدي وكاك بأكلو ) وقد عرفت باسم المدرسة الوكاكية وهي مختصة بتدريس القراءات السبع , ومن أشهر أساتذتها الشيخ أحمد البخاري البعمراني , توفي سنة 1286 هـ , أما مدينة مكناس بالمغرب العربي فقد اشتهرت أيضاً بالمدارس القرآنية , ففيها كرسي للقراءات من أهم أساتذته الشيخ الفقيه المقرئ محمد بن فضول السقاط الذي اشتهر في مكناس بتدريس القرآن بالروايات لطلبته(1) , وفي الجزائر توجد مجموعة من المدارس التي تتخصص في تعليم القرآن الكريم ولعل من أهمها مدرسة ( ساهل أقبلي ) وهي في بلدة جزائرية تسمى ساهل التابعة لولاية أدرار وهذه المدرسة تعد مركز إشعاع علمي وثقافي في القرنين الأخيرين , وقد اهتمت هذه المدرسة بمحورين أساسيين من محاور تعليم القرآن الكريم وهما التجويد والقراءات.
فأما التجويد فيدرسه شيوخ هذه المدرسة للطلبة نظرياً وتطبيقياً فتطبق أحكامه أثناء قراءتهم للقرآن الكريم فرادى وجماعات , وأما القراءات فلهم فيها إجازات مشهورة في القراءات السبع خصوصاً قراءتي نافع وعبد الله بن كثير المكي ، ومن أشهر الأساتذة بهذه المدرسة العلامة المقرئ السيد المختار بن أحمد بن محمد المعروف ببابا المختار وكان عالماً عاملاً حافظاً لكتاب الله مقرئاً له تولى تدريس القرآن بهذه المدرسة حتى توفي سنة 1315 هـ.
__________
(1) …الدراسات القرآنية بالمغرب في القرن الرابع عشر الهجري ص 103.(1/30)
ومما اشتهرت به هذه المدرسة كتابة المصحف الشريف على يدي مقرئيها الذين اهتموا بكتابته بالرسم العثماني بواسطة الدواة والقلم ، ومن أمثلة دأبهم في ذلك أن أحد أساتذتها وهو الشيخ محمد عمار بن محمد الحاج نسخ بقلمه خمسة وأربعين مصحفاً إلى جانب الكثير من الأجزاء والأرباع(1).
3 - الكتاتيب : إذا كان المسجد أول معهد للتعليم وداراً للعبادة معاً ، فإن الكتاب يعد أول معهد استقل بمهنة تعليم القرآن الكريم على وجه الخصوص ، وربما ضم إلى ذلك ما يحتاج إليه الصبي في حفظه للقرآن من تعلم مبادئ القراءة والكتابة وبعض مبادئ الإسلام الفقهية أو التربوية , وقد اشتهر المغاربة بعنايتهم بتلقين القرآن الكريم وتحفيظه لناشئتهم منذ نعومة أظفارهم ، ويرى ابن أبي زيد القيرواني أن في تلقين الصبي القرآن مبكراً فائدة تربوية لخصها بأنه "يروى أن تعليم الصغار لكتاب الله يطفئ غضب الله ، وأن تعلم شيء في الصغر كالنقش في الحجر))(2).
ويعد الكتاب وسيلة ضرورية في مواجهة المدارس العصرية التي قلصت بصفة ملحوظة من حفظ القرآن الكريم ، وجعلت وقت الأطفال فيها موزعاً بين العلوم العصرية المختلفة ، ومن ثم شعر الكثير من الآباء بأن الأبناء بحاجة إلى الاهتمام بهم في مجال حفظ القرآن الكريم بقدر حاجتهم إلى تعلم العلوم والمعارف العصرية , ولعل هذا الشعور من العوامل المهمة التي أدت إلى استمرار وظيفة الكتاب على الرغم من وجود المدرسة العصرية.
__________
(1) …انظر رسالة المسجد - تصدر عن وزارة الستون الدينية والأوقاف بالجزائر العدد الرابع رمضان 1424 هـ ص 48 وما بعدها. مقاله مدرسة ساهل أقبلي وجهودها في خدمة القرآن الكريم ما بين القرن الثالث والرابع عشر الهجريين للأستاذ - أحمد بن مالك.
(2) …الرسالة الفقهية لأبي زيد القيرواني ص73 . وانظر: الدراسات القرآنية بالمغرب في القرن الرابع عشر الهجري ص 14.(1/31)
وقد انتشرت الكتاتيب في المغرب العربي وكان لها دورها الحيوي علمياً وتربوياً ومن الأمثلة على ذلك : الكتّاب المشهور بالزاوية الطاهرية بالجزائر وقد سميت باسم مؤسسها الشيخ الطاهر بن محمد سنة 1837 م ، وظلت حتى عصرنا الحاضر لا تنقطع عن تعليم القرآن وهو مهمتها الأولى ثم تعليم الفقه وأصول الدين والحديث بالدرجة الثانية(1).
4 - الرباطات : وهي من أهم المراكز الثقافية في بلاد المغرب ، ويعد تعليم القرآن الكريم من وظائفها الأساسية وأصل الرباط ثكنة تتكون من صحن ومن عشرات الغرف حول هذا الصحن ، وتنتهي هذه الثكنة بجامع كبير له مئذنة تستخدم للأذان ولمراقبة السواحل من غارات العدو , ويشتهر الرباط منذ عهد المرابطين ببث العلم في صدور الطلبة رجالاً ونساءً احتساباً ، ويوجد في كل رباط دار لاستنساخ المصحف الشريف ومجامع الحديث والفقه وتوزيعها على طلبة العلم بالمجان , وتعليم القرآن الكريم وتفسيره من أهم العلوم التي تدرس في الأربطة , ومن الأربطة المشهورة في المغرب العربي رباط هرثمة بن أعين الذي أسس سنة 181 هـ بطرابلس الغرب , ثم كثرت الأربطة من بعده حتى كان بين الرباط والرباط مسافة تقدر بنحو 6 كيلو مترات(2).
وهذه الدور المختلفة لتعليم القرآن الكريم في المغرب العربي التي ينبغي أن ينظر فيها بعناية ليستفاد من ذلك في نهج طريقة علمية مستقاة من خبرة التاريخ وجهود مشايخ العلم لتكون منهجاً في تدريس القرآن الكريم في العصر الحاضر وهو ما سيتعرض له المبحث القادم إن شاء الله .
المبحث الخامس
في طرق تطور تعليم القرآن الكريم بالمغرب العربي وأهم معالم الطريقة المنشودة
__________
(1) …الزوايا القرآنية المتحركة للأستاذ / بن جدو بن داود ( مقالة نشرت بمجلة رسالة المسجد - الجزائر - رمضان 1424 - العدد الرابع ) ص 46
(2) …انظر صفحات من تاريخ المغرب الإسلامي ص 230 , والمدرسة القرآنية في الغرب ص 36.(1/32)
تعرض البحث في المباحث السابقة لأهم معالم العناية بالقرآن الكريم في المغرب العربي ، وهي مباحث شخصت هذه العناية وطرقها ومهدت في الوقت نفسه لاستخلاص الصورة التي وصل إليها هذا التعليم في المغرب العربي في العصر الحديث ، وتتضمن الصورةَ المقترحةَ التي يمكن أن يسار عليها من حيث العموم في تدريس القرآن الكريم ، فوجود المدارس العلمية لتدريس كتاب الله عز وجل في بلاد المغرب العربي منذ إنشاء جامع القيروان سنة 51 هـ حتى عصرنا الحاضر بمراحلها العلمية المختلفة ومستوياتها في التدريس وطرائق علمائها فيه يمكن أن يثمر طريقة متكاملة في هذا الصدد يمكن أن تتلخص فيما يلي :-
1 - التلقين المبكر : وهي ظاهرة أصيلة عريقة لا تختص بالمغرب العربي وحده ، فيقول ابن العربي نفسه: ((حذقت القرآن الكريم وأنا ابن تسع سنين ثم ثلاثاً أضبط العربية والحساب ، فبلغت ستة عشر سنة وقد قرأت من الأحرف - أي القراءات - نحواً من عشرة بما يتبعها من إظهار وإدغام ونحوه وتمرنت في الغريب والشعر واللغة))(1).
وقد مر بنا بيان أبي زيد القيرواني للفائدة التربوية من حفظ القرآن الكريم في الصغر ، ويضيف إلى ذلك العلامة ابن خلدون أن من فوائده ((ما يعرض للولد من جنون الصبا من الآفات والقواطع عن العلم فيفوته القرآن لأنه ما دام في الحجر منقاد للحكم فإذا تجاوز البلوغ وانحل من ربقة القهر فربما عصفت به رياح الشبيبة فألقته بساحل البطالة))(2).
__________
(1) …العواصم من القواصم ص 11
(2) …المقدمة ص449 .(1/33)
وهذا أول المنطلقات التي يمكن أن تفيدنا في تكوين صورة متميزة لتعليم القرآن الكريم وهو البدء به في الصغر قبل أن يشوش ذهن الصبي أو تزاحمه العلوم المختلفة وقد كان هذا دأب أهل المغرب أيضاً ((فمذهبهم في الولدان الاقتصار على تعليم القرآن فقط وأخذهم أثناء المدارسة بالرسم العثماني ومسائله واختلاف حملة القرآن فيه لا يخلطون ذلك بسواه في شيء من مجالس تعليمهم))(1).
2 - الاهتمام بأحكام تجويد القرآن الكريم: فليس الحفظ وحده هو المراد مع التواء اللسان ووجود اللحن الجلي أو الخفي ولعله يفيدنا في ذلك ما ذكره العلامة السوسي محمد بن علي الأندزالي منبهاً بعض حفظة القرآن الكريم على هفواتهم قائلاً : ((ثم إنهم لا يعرفون أحكام القرآن غالباً ويقرؤونه بالألحان))(2).
__________
(1) …المصدر السابق نفسه . وإن كان أبو بكر ابن العربي يرى خطأ البدء بتعليم القرآن الكريم للطفل لأنه يجعله يقرأ ما لا يفهم ، ويقترح البدء بتعليم اللغة العربية والشعر على سائر العلوم. راجع المقدمة ص499.
(2) …الدراسات القرآنية بالمغرب في القرن الرابع عشر الهجري ص 16(1/34)
3 - الإشراف الدقيق على المدارس : فقد عرف المغاربة في مدارسهم وجود أستاذ مشرف على المدرسة يهتم بها وبتلاميذها كما مر , ونضيف هنا أن الإشراف ينبغي أن يكون على الطالب علمياً وسلوكياً ، وفي هذه الرسالة التي أرسلها أحد الآباء وهو الشيخ عبدالله بن محمد الجزولي ( توفي 1198 هـ ) إلى معلم ولده إضاءة على ذلك إذ يقول : ((فهاك ولدي عبدالرحمن ... فاحفظه من الخروج مع الصبيان والكبار للسكك والديار والفدادين ... ولا يذهب به أحد للدار قريباً أو بعيداً إلا أن تذهب معه .. وأدبه بحسن الآداب من غض البصر وقلة الكلام وتقليل الأكل والشرب والضحك ... ولا تترك أحداً يتكلم معه حتى ولدك ، فمن أراد أن يعطيه شيئاً فليعطه إليك ... وعلمه الكتابة وكيف يقرأ بسرعة من غير ترديد الكلمات ...))(1).
وهي رسالة توجه إلى أهمية الجمع بين الإشراف العلمي والسلوكي على الطلاب , بل إن بدأها بالجانب السلوكي يعزز من أهميتها بالنسبة للصغار .
5- دور العلوم الشرعية مع تحفيظ القرآن الكريم : إن فقه القرآن لا ينبغي أن ينفصل عن حفظه لأن المقصود بالحفظ ليس مجرد الاستظهار وإنما الاستعداد للفهم الصحيح من أجل العمل الصحيح ولا يكون ذلك إلا بتعلم العلوم الشرعية التي تعين على فقه القرآن الكريم ومن التوجيهات التي وجهها الأندزالي السوسي لحفظة القرآن على بعض هفواتهم قوله : ((ومنهم من يكون إماماً ولا يعرف أحكام الوضوء والغسل , فيلحن بالقراءة فتبطل صلاته وصلاة من صلى خلفه جزاء وفاقاً))(2).
فينبغي المزاوجة بين تحفيظ القرآن الكريم والمواد الشرعية المعينة على فهم أحكامه بالتدريج الذي يتناسب مع عمر الطالب واستعداده العلمي .
__________
(1) …المصدر السابق ص 18
(2) …المصدر السابق ص 16 .(1/35)
6 - مشاركة العلوم الأخرى في برنامج القرآن الكريم : وهذه العلوم إما أن تكون معينة على فهم القرآن الكريم أو أسراره فهي بهذه الصورة لها تعلق بالقرآن , وإما أنها علوم أخرى ثقافية كالجغرافيا والعلوم الطبيعية ونحو ذلك فأما الأولى فينبغي أن يكون لها نصيب وافر من حصة الطالب في التعليم إلا أنها تكون حصة أقل من حصة العلوم الشرعية وقد أشار إلى أهمية هذا اللون من العلوم كثير من المغاربة في العصر الحديث كالعلامة الفقيه محمد بن أحمد الكانوني ( توفي سنة 1357 هـ ) الذي يوجه إلى أهمية إدخال هذه العلوم مع حفظ القرآن الكريم ((لأن المقصود من القرآن هو معرفة معانيه وأسراره الدينية والدنيوية والكونية ولا يتهيأ ذلك إلا بمعرفة مبادئ العربية واللغة والأدب العربي فإنه المفتاح لكنوز القرآن))(1).
__________
(1) …المصدر السابق ص 22(1/36)
وأما العلوم الأخرى فلا تنكر أهميتها بالنسبة للمسلم عموماً إلا أنه ينبغي التفريق في ذلك بين من أراد التخصص في دراسة القرآن الكريم ومن أراد تعميم اهتماماته الدراسية وهذا أمر لا يعد سُبة لمن يتخفف من هذه العلوم في مدارس القرآن الكريم كما أن المدارس العصرية تتخفف من حفظ القرآن الكريم ولا يسبها أحد بذلك , ومن ثم فيفضل وجود الضروري من هذه العلوم العصرية في المراحل المتقدمة من هذه المدارس , فلا يحشد كم ضخم من هذه العلوم في المرحلة الابتدائية في حفظ القرآن الكريم ؛ لأن ذلك يشوش ذهن الطالب وهو في مرحلة باكرة قد لا يستطيع فيها الجمع بين هذه المختلفات ، بل قد يتصور أن أهميتها في مجال تخصصه متساوية مع أهمية القرآن الكريم والعلوم الشرعية لصغر سنه وضعف إدراكه(1).
وقد عانى المغرب العربي من دخول بعض العلوم العصرية خصوصاً اللغات الأجنبية في مناهج بعض مدارس القرآن الكريم بصورة أفزعت كثيراً من الباحثين وعدوا ذلك نقيصة في مناهج هذه المدارس , ويقرر الأستاذ إبراهيم وافي أن ذلك كان من أساليب المستعمرين التي تقوم على ((تلقين لغتهم الأجنبية بأساليب متطورة حديثة ومغرية تفضي عن سوءات لغتهم ببريق ولمعان بيداغوجي يغري البسطاء))(2).
__________
(1) …تجدر الإشارة إلى تجربة مدارس تحفيظ القرآن الكريم بالمملكة العربية السعودية ، فهي نموذج لتطبيق هذه الضوابط في الواقع الدراسي ؛ إذ تتدرج في إدخال المواد الدراسية الشرعية وغيرها إلى ذهن الطالب ، مع مراعاة ألا تطغى حصص المواد الثقافية على العلوم الشرعية أو حصص القرآن الكريم.
(2) …الدراسات القرآنية بالمغرب في القرن الرابع عشر الهجري ( ص 24 ).(1/37)
ومن ثم فزع الكثيرون من المغاربة إلى إنشاء مدارس حرة ( أهلية ) تقوم بدور الكتاتيب القرآنية ذات الطابع التقليدي في تحفيظ القرآن الكريم ((واستقطبت هذه المدارس مجموعات هائلة من حفظة كتاب الله ممن فاتهم سن التمدرس القانوني وقدمت تسهيلات وتضحيات في سبيل نشر العلم والمعرفة ومحاربة الجهل التي ظلت سياسة المستعمر تكرسه وتعمل على استمراره))(1).
7 - عدد التلاميذ : من خلال تجربة الزوايا القرآنية في الجزائر يمكن أن نجد تقنيناً جيداً لعدد التلاميذ في المدرسة القرآنية , فالعدد في هذه المدارس ((ليس كثيراً فلا يزيد على عشرين تلميذاً ولا يقل عن سبعة وهذا العدد يزيد وينقص حسب الظروف))(2) ولا شك أن هذا العدد عدد مناسب فإن زيادة العدد يمكن أن يؤثر في تقليل فرصة الطالب في التعلم خصوصاً في مجال القرآن الكريم وقلته تؤثر في فرص التنافس بين الطلاب وكذلك فرص التعلم من الأقران .
8- شروط المعلم : إن دور الأستاذ في مدرسة القرآن متعلق بمدى توافقه مع الشروط العلمية والأخلاقية للمعلم ، فهو إلى جانب دوره التعليمي يعد المرشد والمربي لهؤلاء الطلاب وتشترط المدرسة الجزائرية في المعلم ((حفظ القرآن والفقه والانسجام مع الجماعة الذين يعملون معه والأخلاق الفاضلة كالوقار ويفضل أن يكون متزوجاً بل هو عند بعضهم شرط أساسي ضماناً للفقه والشعور بالمسؤولية نحو الأولاد الذين يعلمهم))(3).
__________
(1) …المصدر السابق ( ص 24 )
(2) …الزوايا القرآنية المتحركة (مقال) ص 44.
(3) …المصدر السابق ص 42.(1/38)
ولأخلاق المعلم وديانته أثرها في تلاميذه خصوصاً معلم القرآن الكريم ، فهذا هو الفقيه محمد بن الحسن الحجوي من علماء المغرب العربي يصف أستاذه المقرئ الشيخ محمد بن الفقيه الورباغلي قائلاً : ((الأستاذ ذو مناقب جمة ومقام عظيم ... إني أقسم بالله لقد جلست بين يديه سنين ملازماً له من الغلس إلى المساء إلا الأوقات الضرورية ما رأيته إلا في عبادة وطاعة ولقد أحسن إلي تعليماً وتهذيباً وعلمني كثيراً من ضروريات العبادة وألقح فكري بالتفكير وعلمني عملاً وتخلقاً))(1) , ولقد كفلت الكتب التي صنفت في آداب المعلم جانباً كبيراً من هذا الأمر.
8 - التدرج في الحفظ والتعلم : وهو أمر مهم قد اعتنى به العلماء قديماً وحديثاً ، وللمغاربة طريقة في هذا التدرج في تعلم القراءات وهي ((أن الطالب إذا حفظ القرآن برواية ورش جمع إليها رواية قالون في ختمة أو أكثر ... فإذا حفظ حرف نافع جمع إليه حرف عبدالله بن كثير من روايتيه أو أكثر , فإذا حفظ حرفيهما جمع إليهما حرف أبي عمرو البصري من روايتيه أيضاً في ختمة أو أكثر كذلك ...))(2) , وهذا التدرج ينطبق على القراءات كما ينطبق على كل ما يتعلق بالتحصيل العلمي في مراحل التعليم المختلفة.
خاتمة
تغيّا البحث تتبع طرق تعليم القرآن في المغرب العربي لأسباب أهمها :-
1 - قلة ما يصلنا في المشرق من أخبار ودراسات في المغرب العربي من الناحية الثقافية والإسلامية على وجه الخصوص .
2 - أن المغاربة قد اهتموا اهتماماً كبيراً بتعليم القرآن الكريم منذ الفتح الإسلامي إلى عصرنا الحاضر , وربما كانت مدارس القرآن الكريم في المغرب العربي وكتاتيبه من الوسائل الفعالة في مواجهة التغريب الذي مني به هذا الجزء من العالم الإسلامي في العصر الحديث .
__________
(1) …الدراسات القرآنية بالمغرب في القرن الرابع عشر الهجري ص 105.
(2) …القراء والقراءات بالمغرب ص59.(1/39)
3 - محاولة الوصول من خلال النموذج المغربي في تعليم القرآن الكريم إلى صفة مميزة وطريقة مقترحة لتعليم القرآن الكريم في العالم الإسلامي .
واستخلاص هذه الوسيلة من النموذج المغربي لا يعني عدم وجودها في غيره وإنما هي نتيجة لا بد منها من نتائج هذه الرحلة التي ارتحلها البحث في هذا الجزء من عالمنا الإسلامي.
ومن هنا عالج البحث في مبحثه الأول احتضان المغرب العربي لكتاب الله تعالى مشيراً إلى طرق انتشار القرآن الكريم وعلومه بين المغاربة .
ودرس المبحث الثاني العناية بعلوم القرآن الكريم في المغرب العربي من إقراء للقرآن ودروس للتفسير والقراءات القرآنية , أو مصنفات في هذه الجوانب .
وكان الطبيعي أن يتناول المبحث الثالث شيوخ الإقراء والتفسير والقراءات في المغرب العربي قديماً وحديثاً مقدماً تراجم لهؤلاء العلماء عبر القرون .
وأما المبحث الرابع فقد تناول أهم معاهد تعليم القرآن الكريم في المغرب العربي من مساجد ومدارس وكتاتيب ورباطات وأثر هذه المعاهد في دراسة القرآن الكريم.
ثم تخصص المبحث الخامس ليمخض زبدة هذا البحث من خلال تلخيصه لتطور طرق تعليم القرآن الكريم في المغرب العربي والتوصل إلى أهم معالم الطريقة الأفضل في تعلم القرآن الكريم من حيث منهجية الدراسة وأنواع العلوم المدرسة وحصتها وتدرجها مشيراً إلى شروط الأستاذ ونحو ذلك مما يهتم به المشرفون على مدارس القرآن الكريم .
سائلاً الله عز وجل أن ينفع بهذه الدراسة المتواضعة إنه ولي ذلك والقادر عليه .
المراجع والمصادر
أ ـ الكتب :
1-الإكمال في رفع الارتياب عن المؤتلف والمختلف في الأسماء والكنى لأبي نصر بن ماكولا ط/ دار الكتب العلمية - بيروت 1411.
2-إنباه الرواة للقفطي ط/ دار الكتاب العربي - بيروت 1418 .
3-البيان المغرب لابن عذاري ، تحقيق دوزي ط/ ليدن 1847م ، مصورة دار صادر - بيروت . 1950 .(1/40)
4-تاريخ العلماء والرواة بالأندلس لابن الفرضي ط/ الهيئة المصرية العامة للكتاب - القاهرة .
5-تراجم المؤلفين التونسيين محمد محفوظ -ط/دار الغرب الإسلامي بيروت .
6-ترتيب المدارك وتقريب المسالك لمعرفة أعلام مذهب ابن مالك للقاضي عياض بن موسى السبتي ، تحقيق عبد القادر الصحراوي ط/وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية 1403.
7-التحرير والتنوير لابن عاشور ط/ الدار التونسية للنشر والتوزيع 1404 .
8-تفسير سور المفصل من القرآن الكريم للسيد عبدالله كنون ط/ دار الثقافة - الدار البيضاء 1401 هـ.
9-التفسير ورجاله للشيح محمد الفاضل ابن عاشور ط/ مجمع البحوث الإسلامية بالأزهر 1390هـ.
10-تهذيب التهذيب لابن حجر ط/دار الفكر - بيروت الطبعة الأولى ، 1404 .
11-جامع القرويين المسجد والجامعة: د.عبد الهادي التازي - ط1 دار الكتاب اللبناني - بيروت 1972م.
12-جذوة المقتبس للحميدي ط/ الهيئة المصرية العامة للكتاب - القاهرة .
13-حديث المغرب في المشرق علال الفاسي ط/ المطبعة العالمية - القاهرة 1956.
14-الحركة الفكرية بالمغرب في عهد السعديين . د. محمد حجي ط/ دار المغرب - الرباط 1396 .
15-دراسات في تاريخ الخط العربي ، د. صلاح الدين المنجد ط/ دمشق .
16-الدراسات القرآنية بالمغرب في القرن الرابع عشر الهجري: إبراهيم الوافي ط/ المؤلف 1420هـ.
17-الديباج المذهب في معرفة أعيان المذهب لابن فرحون تحقيق د. الأحمدي أبو النور ط/دار التراث - القاهرة ، د.ت .
18-الرسالة الفقهية: للشيخ عبد الله بن أبي زيد القيرواني - ت:د. هادي حمو ومحمد أبو الأجفان - ط2 دار الغرب الإسلامي 1997م. (مطبوع معه غرر المقالة في شرح غريب الرسالة للمغراوي).
19-الروض المعطار في خبر الأقطار للحميري تحقيق إحسان عباس ط/ دار النفائس - بيروت 1980هـ.
20-رياض النفوس في طبقات علماء القيروان وإفريقية للمالكي تحقيق د
. حسين مؤنس ط/ القاهرة 1951.(1/41)
21-زهر الآس في تاريخ مدينة فاس للجزنائي ، تحقيق : مديحة الشرقاوي ، ط/ مكتبة الثقافة الدينية - القاهرة 1422هـ.
22-السبعة في القراءات لابن مجاهد . تحقيق د. شوقي ضيف ط / دار المعارف - القاهرة 1400.
23-سير أعلام النبلاء للذهبي ط/ مؤسسة الرسالة - بيروت 1402هـ.
24-شجرة النور الزكية للشيخ محمد بن محمد مخلوف ط/ السلفية 1394هـ.
25-صحيح البخاري - تحقيق : د. مصطفى ديب البغا دار ابن كثير ، اليمامة - بيروت.
26-صفحات من تاريخ المغرب الإسلامي: د.حسن خضيري أحمد - ط/ مكتبة المتنبي- الدمام 1426هـ.
27-طبقات علماء إفريقية لأبي العرب تحقيق علي الشابي ونعيم اليافي ط/ العتيقة - تونس 1986م.
28-طبقات المفسرين الداودي ط/ دار الكتب العلمية - بيروت . د.ت .
29-العواصم من القواصم لابن عربي تحقيق د . عامر طالبي ط/ دار التراث - القاهرة - العتيقة - تونس .
30-غاية النهاية في طبقات القراء لابن الجزري تحقيق برجشتراسر ط/ الخانجي - القاهرة 1351.
31-فهرس المخطوطات المصورة معهد إحياء المخطوطات العربية جامعة الدول العربية فؤاد السيد سنة 1954م القاهرة.
32-القراء والقراءات بالمغرب: سعيد أعراب ط/ دار الغرب الإسلامي - بيروت 1410هـ.
33-القراءات بإفريقية من الفتح إلى منتصف القرن الخامس الهجري: د. هند شلبي - ط. الدار العربية للكتاب 1983.
34-كشف الظنون عن أسامي الكتب والفنون حاجي خليفة . ط/ دار الفكر - بيروت 1982.
35-المدرسة القرآنية في المغرب ، عبد السلام الكانوني ط/ مكتبة المعارف - الرباط 1401 .
36-المصاحف لابن أبي داود تحقيق أثر جفري ط/ ليدن . د. ت .
37-المعجب في تلخيص أخبار المغرب للمراكشي تحقيق محمد سعيد العريان - لجنة إحياء التراث الإسلامي - القاهرة 1963 .
38-معجم المفسرين عادل نويهض ط/الثالثة : مؤسسة نويهض للتأليف والترجمة والنشر 1409هـ.(1/42)
39-معرفة القراء الكبار على الطبقات والأعصار محمد بن أحمد بن عثمان بن قايماز الذهبي تحقيق: بشار عواد معروف , شعيب الأرناؤوط , صالح مهدي عباس ط/ مؤسسة الرسالة 1404هـ.
40-المقدمة لابن خلدون ط/دار القلم - بيروت د.ت .
41-منجد المقرئين ومرشد الطالبين لابن الجزري ط/ دار زاهد القدسي القاهرة.
42-النشر في القراءات العشر لابن الجزري ط/ دار الكتب العلمية - بيروت 1405هـ.
43-الوافي بالوفيات للصفدي ط/ الهيئة المصرية العامة للكتاب .
ب ـ …الرسائل الجامعية :
44-ابن عاشور ومنهجه في التفسير لعبد الله لريس . رسالة ماجستير من جامعة الإمام محمد بن سعود .
45-الدلالات اللغوية في التحرير والتنوير لابن عاشور . رسالة دكتوراة للباحث من جامعة أم القرى - مكة المكرمة . مرقومة على الحاسب .
ت ـ الدوريات :
46-رسالة المسجد مجلة تصدر عن وزارة الستون الدينية والأوقاف بالجزائر العدد الرابع رمضان 1424 هـ ص 48 وما بعدها. (مقاله مدرسة ساهل أقبلي وجهودها في خدمة القرآن الكريم ما بين القرن الثالث والرابع عشر الهجريين للأستاذ أحمد بن مالك) ، والزوايا القرآنية المتحركة للأستاذ بن جدو بن داود ص46 ).
47-دعوة الحق مجلة - عدد 10. (الشيخ محمد عبده : موقفه من الشبه والتشابه للشيخ علال الفاسي ص 5).
الفهرس
الموضوعڑالصفحةٹڑ
ڑالمقدمةڑ1ٹڑ
ڑالمبحث الأول: المغرب العربي يحتضن القرآن الكريمڑ2ٹڑ
ڑالمبحث الثاني: العناية بعلوم القرآن وتعليمها في المغرب العربيڑ8ٹڑ
ڑالمبحث الثالث: شيوخ الإقراء والتفسير والقراءات في المغرب العربيڑ16ٹڑ
ڑالمبحث الرابع: أهم معاهد تعليم القرآن الكريم في المغرب العربيڑ20ٹڑ
ڑالمبحث الخامس: في طرق تطور تعليم القرآن الكريم بالمغرب العربي
وأهم معالم الطريقة المنشودةڑ24ٹڑ
ڑخاتمةڑ28ٹڑ
ڑالمصادر والمراجعڑ29ٹڑ
ڑفهرس الموضوعاتڑ30(1/43)