http://www.shamela.ws
تم إعداد هذا الملف آليا بواسطة المكتبة الشاملة
الكتاب : صفوة المسائل في التوحيد والفقه والفضائل
المؤلف: أبو رحمة / محمد نصر الدين محمد عويضة
المدرس بالجامعة الخيرية لتحفيظ القرآن الكريم بجدة فرع مدركة ورهاط وهدى الشام
6/9/1416 هجرية
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ، ونعوذ بالله من شرورِ أنفسنا وسيئاتِ أعمالنا ، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي ، واشهد أن لا إله إلا الله الواحد القهار شهادةٌ أدخرها ليومٍ تذهل فيه العقول وتشخص فيه الأبصار شهادةٌ أرجو بها النجاةَ من دار البوار وأؤمل بها جناتٍ تجري من تحتها الأنهار، هو الأولُ فليس قبله شيء والآخرُ فليس بعده شيء والظاهر فليس فوقه شيء والباطن فليس دونه شيء، ليس كمثلهِ شيء وهو السميع البصير وأشهد أن محمد عبده ورسوله المصطفى المختار الماحي لظلام الشرك بثواقب الأنوار صلى الله عليه وعلى اله وأصحابه البررة الأطهار صلاةً تدوم بتعاقب الليل والنهار .
(يا أيها الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ) . [ آل عمران ـ102 ]
( يا أيها النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَتَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًاً ) [النساء/ 1 ]
( يا أيها الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا )[ الأحزاب 70 – 71 ]
أما بعد(1/1)
لما كان زادُ الداعيةِ إلى الله – بعد تقوى الله – أن يكونَ على علمٍ صحيح مرتكزٍ على الكتاب والسنةِ الصحيحةِ حيث يستمدُ من نورهما نوراً ومن ضيائهماً لمعانًا ليضئ له الطريق في الدعوةِ إلى الله على بصيرة امتثالا لقوله تعالى: (قُلْ هََذِهِ سَبِيلِيَ أَدْعُو إِلَىَ اللّهِ عَلَىَ بَصِيرَةٍ أَنَاْ وَمَنِ اتّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللّهِ وَمَآ أَنَاْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ) [سورة: يوسف - الآية: 108]ولما كان أولُ ما يجب على العبدِ أن يتعلَمَه من دينه : ( فقه الإيمان ) وهو التوحيد و( فقه الأحكام ) وهو فقه الشريعة لأنهما من فروض الأعيان لكونهما متعلقان بالعمل ومتعلقان بالتكليف ، لأنه بفقه الإيمان يُصححُ العبدُ إيمانَه الذي سيلقي عليه ربه وبفقه الأحكام سيُصححُ عمله الذي سيلقي به ربه .
ولما كان الداعيةُ إلى الله يحتاجُ إلى التحلي بالفضائلِ والتخلي عن الرذائلِ سيراً على منهج السلفِ الصالحِ في التعلم حيث كان منهجهم في التعلم ( أن يتلقوْا العلمَ مع الأدب ) لأن العلمَ بلا أدبٍ يجني على صاحبه ويُهلكه .(1/2)
لهذه الأسبابِ الثلاثةِ مجتمعة رأيت أن أقدم هذا الجهدَ المُقل المسمى ( صفوةُ المسائل في التوحيد والفقه والفضائل ) مبتدأ بـ ( فقه الإيمان ) وهو التوحيد لأن التوحيدَ هو أول ما يجب على العبد أن يتعلمه من دينه لأنه مقدمٌ على العمل والأصلُ الذي يترتبُ عليه غيره إذ لا ينفع مع الشركِ عمل ، فأقدم ( صفوة المسائل في التوحيد ثم أعقبها بصفوة مسائل عقيدة أهل السنة والجماعة ، ثم أورد صفوة مسائل الفقه لأن الفقه هو أول ما يجب على العبد أن يتعلمه من دينه بعد التوحيد لأنه لا يتحقق للعبد متابعة النبي( في عباداته ومعاملاته إلا عن طريق الفقه ، ثم أنتقل إلى صفوة مسائل الفضائل ليتحلى بها طالب العلم ثم أعقبها بمسائل الرذائل ليتخلى عنها فيكون الداعيةُ إلى الله بعد دراسته لهذا الكتاب موحداً عالماً بمسائل الفقه متحلياً بالفضائلِ متخلياً عن الرذائلِ مما يُؤهله إلى الدعوة إلى الله على بصيرة .
(عملي في هذا الكتاب :
(1) إيراد صفوة المسائل في التوحيد والفقه والفضائل مقتصراً على القول الراجح الذي يشهد له الدليل- غالباً – دون الخوض في متاهات الخلاف التي لا تفيد طالب العلم المبتدأ ودون التجمد على مذهب معين بل أتحرى القول الذي يشهد له بالدليل .
(2) لما كان العلم مسائل ودلائل آثرت أن أجعل هذا الكتاب في صورة (مسألة والجواب عليها ) مدعماً الجواب بالدليل من الكتاب والسنة الصحيحة لأن ذلك أسهلُ في الحفظ وأثبتُ للذهن .
((1/3)
3) أنني لا أورد حديثاً إلا عزوته إلى بعض الكتب الصحيحة على المنهج الآتي : ما كان في الصحيحين أو أحدهما أكتفي بذلك ، وما لم يكن في الصحيحين أو أحدهما أعزوه إلى صحيح السنن الأربعة إن كان موجوداً بها كلها ، وإن كان موجوداً في بعضها فإنني أعزوه إلى كتابين فقط منهم وإن كان موجوداً في ثلاث ، وإن كان موجوداُ في كتاب واحد منهم أعزوه إليه ، وهكذا تجدني أقدم الكتب الستة على غيرها لأنها عماد طالب العلم في الحديث – بعد الله تعالى - ، وما لم يكن في الكتب الستة فإنني أعزو الحديث إلى غيرها من الكتب الصحيحة مثل صحيح الجامع ، صحيح الأدب المفرد ، السلسلة الصحيحة ، كما أنك تجدني أيها القارئ الكريم أحيل في تصحيح الحديث وتضعيفه على العلامةِ الضياءِ اللامعِ الشيخ الألباني حفظه الله ، ونحن حينما نحيل على الشيخ الألباني فإننا – ولاشك – نحيلُُ على مليٍّ لأنه كوكبُ نظائره وزهرةُ إخوانه في هذا الشأن في زماننا هذا العالم الجليل الذي وسَّع دائرةَ الاستفادةِ من السنة بتقديمه مشروع ( تقريب السنة بين يدي الأمة ) ذلك المشروع الذي بذل فيه أكثر من أربعين سنة ، ومن أراد أن يعرف هذه الفائدة العظيمة فلينظر على سبيل المثال إلى السنن الأربعة التي ظلَّت مئات السنين محدودة الفائدة جداً حيث كانت الاستفادة منها مقتصرة على من كان له باع في تصحيح الحديث وتضعيفه ولكن بعد تقديم الشيخ الألباني لصحيح السنن الأربعة اتسعت دائرة الاستفادة حتى تعم كل طالب أراد أن يستفيد وهذا ولا شك فائدة عظيمة جداُ عند من نور الله بصيرته وأراد الإنصاف ، ومن المؤسف في زماننا هذا أن نرى بعض طلبة العلم ممن لا يقام لهم وزناً في العلم يتطاولون على الشيخ الألباني ويجترئون عليه ويترقبون له الهفوات ويتصيدون له الأخطاء ويلتمسون العثرات ليشهروا به وهذا – ولا شك – يدل على فسادِ النية وسوء الطوية وسقامةِ الضمائر ولؤم السرائر ويدل كذلك على أن قلبه أخلى(1/4)
من جوف البعير ، إذ لو تعلم العلم لعلم أن من أدب العلم التوادَ فيه ، ولقد كان ابن عباس – رضي الله عنهما – يأخذ بركاب زيد ابن ثابت – رضي الله عنه - ويقول هكذا أمرنا أن نفعل بالعلماء ، وكان الشافعي رحمه الله يقول لعبد الله ابن الإمام أحمد : أبوك من الستة الذين أدعو لهم كل يوم عند السحر ، ولا أدري كيف سوَّلت لهم أنفسهم أن يتطاولوا على عالم صاحب حديث رسول الله أكثر من نصف قرن ولا أدري كيف يتطاولون على العالم والكتاب والسنة طافحين بما يدل على احترام أهل العلم وتوقيرهم ، ألا فليحذر طالب العلم من أن يكون سيئ الخلق ناطحاً للسحاب يترقب للعالم الهفوات ويلتمس العثرات ليشهر به فإن ذلك ينقصُ من مقدار التقوى عنده مما يكون سبباً في حرمانه من العلم ، بل ينبغي لطالب العلم أن يكون كريمَ الطباع حميدَ السجايا مهذبَ الأخلاق سليمَ الصدر مفتاحاً للخير مغلاقاً للشر إذا تكلم غنم وإذا سكت سلم وينبغي له أن يعرف أن العالم مع جلالته وعظم قدره قد يخطأ في اجتهاده فإن لكل جوادٍ كبوة ولكل عالم هفوة وسبحان من له الكمال ، فلا يكن خطأ العالم سبب لانتقاصك لحقه أو فرصة للنيلِ منه ، وليكن نصب أعينك أن العالم مثابٌ على اجتهاده سواء أصاب أم أخطأ وحسبُك حديث النبي - صلى الله عليه وسلم - الثابت في الصحيحين عن عبد الله ابن عمرو – رضي الله عنهما –أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : إذا حكم الحاكم فاجتهد ثم أصاب فله أجران ، وإذا حكم فاجتهد ثم أخطأ فله أجر . ، ثم عليك بعد ذلك أن تترك العالم هو الذي يحكم على العالم و أخرج من بين النسور ولا تناطح السحاب .(1/5)
أنا أقدم هذا الكتاب كتمرين لطالب العلم على حفظ المسألة بأدلتها من الكتاب والسنة الصحيحة حتى ينشأ طالب العلم على هذا النحو وحتى يصل إلى أن يكون ذلك طبعاً له لا تكلفاً ويكون الكتاب والسنة له كالجناحين للطائر يتمسك بهما ويعض عليهما بالنواجذ لأن ذلك سبيل النجاةِ من الضلال لقول النبي ( فيما ثبت في صحيح الجامع عن أبى هريرة رضى الله عنه (تركتُ فيكم شيئين لن تضلوا بعدهما كتاب الله وسنتي ، ولن يتفرقا حتى يردا عليَّ الحوض )
ويجب التنبيه على طالب العلم أن يتمسك بالوحيين كليهما (الكتاب والسنة) وليس الكتاب فقط لقول النبي ( فيما ثبت فى صحيح أبي داوود عن المقدام ابن معد يكرب رضى الله عنه (ألا وإني أوتيتُ القرآنَ ومثلَه معه ) من المؤسف فى زماننا هذا تجرئ بعض الجهلة على النبي (فيقولون انه بشر مثلنا هات الدليل من القرآن فقط ــ وهذا يدل ولا شك ـــ على أن قائل هذه العبارة جاهل جهلا مركب بل هو أضل من حمار أهله , وقد أخبر النبي - صلى الله عليه وسلم - أن هذا سيقع في أمته فقال فيما ثبت في صحيحي أبى داود و الترمذي عن المقدام ابن معد يكرب رضى الله عنه (يوشك الرجل متكئاً على أريكته يُحَدَثُ بحديثٍ من حديثٍ فيقول بيننا وبينكم كتاب الله ،فما وجدنا فيه من حلالٍ استحللناه وما وجدنا فيه من حرامٍ حرمناه ، ألا وإن ما حرَّم رسول الله مثل ما حرم الله )
) ولقد كان السلف الصالح يدعون إلى التمسك بالوحيين ويضللون من يتمسك بالكتاب فقط,قال أبو قلابة: إذا رأيت رجل يقول هات الكتاب ودعنا من السنة فاعلم أنه ضال .
[*] وقال الإمام احمد رحمه الله:
دين النبي محمدٍ أخبارُ ... نعم المطيةُ للفتى الآثارُ
لا ترغبَّنَّ عن الحديثِ وأهله ... فالرأيُ ليلٌ والحديثُ نهارُ
[*] وقال الشافعي رحمه الله
كُلُ العلومِ سوى القرآنِ مشغلةٌ ... إلا الحديثِ وعلم الفقه في الدين
العلمُ ما كان فيه قال حدثنا ... وما سوى ذاك وسواسِ الشياطين(1/6)
هذا والله أسأل أن يجعل عملي خالصاً لوجهه الكريم وسبباً لنيلِ جناتِ النعيم وأن يعصمني وقارئه من الشيطان الرجيم ، وما كان في هذا الكتاب من صوابٍ فمن الواحد المنان ، وما كان من خطأ فمن نفسى ومن الشيطان ، والله برئ منه وأنا راجعٌ عنه بإذن الله ، فنسأل الله أن يحملنا على فضله ولا يحملنا على عدله إنه سبحانه على من يشاءُ قدير وبالإجابة جدير وهو حسبنا ونعم الوكيل وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين .
أبو رحمة / محمد نصر الدين محمد عويضة
المدرس بالجامعة الخيرية لتحفيظ القرآن الكريم بجدة فرع مدركة ورهاط وهدى الشام
6/9/1416 هجرية
هذا هو القسم الثالث من الكتاب والذي يتضمن الفضائل التي يجب على طالب العلم أن يتحلى بها سيراً على منهج السلف الصالح حيث كان يتعلمون الأدب مع العلم لأن العلم بلا أدب يجني على صاحبه ويهلكه ، فأُبين كلَ فضيلةٍ يجب على طالب العلم أن يتحلى بها ثم أعقبها بالرذيلةِ التي تُضادها ليتخلى عنها طالب العلم لينشأ طالب العلم متحلياً بالفضائل متخلياً عن الرذائل متأسياً بالنبي ( .
أبو رحمة / محمد نصر الدين محمد عويضة
المدرس بالجامعة الخيرية لتحفيظ القرآن الكريم بجدة فرع مدركة ورهاط وهدى الشام
6/9/1416 هجرية
باب فضل العلم
...
...
مسألة : ما هو فضل العلم ؟
للعلم فضلٌ عظيم ،وأجرٌ جسيم ، العلم أثمن درة في تاج الشرع المطهر ولا يخفى على كل مسلم أن العلم مهم، حتى إن كل إنسان يدعيه لنفسه حتى الجاهل لا يرضى أن يقال عنه جاهل، ويفرح أن يقال عنه عالم!
قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه: "كفى بالعلم شرفاً أن يدعيه من لا يحسنه ويفرح به إذا نسب إليه وكفى بالجهل ذمّاً أن يتبرأ منه من هو فيه ، العلم أشرف ما رغب فيه الراغب ، وأفضل ما طلب وجدَّ فيه الطالب ، وأنفع ما كسبه واقتناه الكاسب .
[(1/7)
*] قال أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ـ رضي الله عنه ـ لكميل : " احفظ ما أقول لك : الناس ثلاثة ، فعالم رباني ، وعالم متعلم على سبيل نجاة ، وهمج رعاع أتباع كل ناعق ، يميلون مع كل ريح ، لم يستضيئوا بنور العلم ، ولم يلجأوا إلى ركن وثيق ، العلم خير من المال ، العلم يحرسك وأنت تحرس المال ، العلم يزكو على العمل ، والمال ينقصه النفقة ، ومحبة العالم دين يدان بها باكتساب الطاعة في حياته ، وجميل الأحدوثة بعد موته وصنيعه ، وصنيعة المال تزول بزوال صاحبه ، مات خزان الأموال وهم أحياء ، والعلماء باقون ما بقي الدهر ، أعيانهم مفقودة ، وأمثالهم في القلوب موجودة " .
فللعلم مقام عظيم في شريعتنا الغراء ، فأهل العلم هم ورثة الأنبياء ، وفضل العالم على العابد كما بين السماء والأرض .
فعن قيس بن كثير قال : قدم رجل من المدينة على أبي الدرداء وهو بدمشق فقال ما أقدمك يا أخي ؟ فقال : حديث بلغني أنك تحدثه عن رسول الله ( .
قال : أما جئت لحاجة ؟! قال : لا .
قال : أما قدمت لتجارة ؟! قال : لا .
قال : ما جئت إلا في طلب هذا الحديث .
قال : فإني سمعت رسول الله ( يقول : " من سلك طريقا يبتغي فيه علما سلك الله به طريقا إلى الجنة ، وإن الملائكة لتضع أجنحتها رضاء لطالب العلم ، وإن العالم ليستغفر له من في السموات ومن في الأرض ، حتى الحيتان في الماء ، وفضل العالم على العابد كفضل القمر على سائر الكواكب ، إن العلماء ورثة الأنبياء ، إنَّ الأنبياء لم يورثوا دينارا ولا درهما ، إنما ورثوا العلم فمن أخذ به أخذ بحظ وافر
والعلماء هم أمناء الله على خلقه ، وهذا شرف للعلماء عظيم ، ومحل لهم في الدين خطير ؛ لحفظهم الشريعة من تحريف المبطلين ، وتأويل الجاهلين ، والرجوع والتعويل في أمر الدين عليهم ، فقد أوجب الحق سبحانه سؤالهم عند الجهل .
قال تعالى : " فاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ " [النحل/ 43](1/8)
وهم أطباء الناس على الحقيقة ، إذ مرض القلوب أكثر من الأبدان ، فالجهل داء ، ودواؤه العلم (لحديث جابر في صحيح أبي داوود ) أن النبي ( قال : " فإنما شفاء العي السؤال .
ومرضى القلوب لا يعرفون مرضهم ، كما أن من ظهر على وجهه برص ولا مرآة له لا يعرف برصه ما لم يعرفه غيره ، والدنيا دار مرض ؛ فكما أنَّه ليس في بطن الأرض إلا ميت ، فكذلك ليس على ظهرها إلا سقيم ، والأسقام تتفاوت وتتنوع ، والعلم هو ترياقهم فتدبر في (حديث أسامة بن شريك في صحيح السنن الأربعة ) أن النبي ( : " تداووا فإِنَّ اللّه تعالى لم يضع داءً إلا وضع له دواءً غير داءٍ واحدٍ: الهرم .
(والكتاب والسنة طافحان بما يدل على فضل العلم
ومن ذلك ما يلي :
1) قال الله تعالى : " شهد الله أنه لا إله إلا هو والملائكة وأولو العلم قائمًا بالقسط لا إله إلا هو العزيز الحكيم " [ آل عمران / 18]
فأهل العلم هم الثقات العدول الذين استشهد الله بهم على أعظم مشهود ، وهو توحيده جل وعلا ، وهذا هو العلم الحقيقي ، العلم بالله تعالى وأسمائه وصفاته ، وموجب ذلك ومقتضاه من الإيمان برسله وكتبه والإيمان بالغيب حتى كأنه مشاهد محسوس .
فهذه المزية الكبرى للعلم وأهله ، أنَّه يدل على صراط الله المستقيم ، أنَّه الوسيلة العظمى للقرب من الله تعالى ، وموجب لإحاطة محبته بالقلب ، فمتى عرفت الله اجتمع قلبك على محبته وحده جل وعلا ؛ لأنَّ له وحده الأسماء الحسنى والصفات العلا .
فهذا هو العلم وهذه هي ثمرته . رزقنا الله وإياك الشجرة والثمرة إنه جواد كريم
2) وقد بوَّب الإمام البخاري بابًا فقال: " باب العلم قبل القول والعمل" ؛ لقوله تعالى : " فاعلم أنه لا إله إلا الله واستغفر لذنبك " [ محمد/19 ]
سئل سفيان بن عيينة عن فضل العلم فقال : ألم تسمع قوله حين بدأ به " فاعلم أنه لا إله إلا الله واستغفر لذنبك " [ محمد/19 ] فأمر بالعمل بعد العلم .(1/9)
فالعلم مقدم على القول والعمل ، فلا عمل دون علم ، وأول ما ينبغي تعلمه " التوحيد " و "علم التربية " أو ما يُسمَّى بعلم " السلوك " فيعرف الله تعالى ويصحح عقيدته ، ويعرف نفسه وكيف يهذبها ، وأنت تلحظ هذا الارتباط بين العلم بالتوحيد " فاعلم أنَّه لا إله إلا الله " وبين التربية والتزكية التي من ثمارها المراقبة ودوام التوبة " واستغفر لذنبك "
3) والعلم نور يبصر به المرء حقائق الأمور ، وليس البصر بصر العين ، ولكن بصر القلوب ، " فإنَّها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور " [الحج/46] ؛ ولذلك جعل الله الناس على قسمين : إمَّا عالم أو أعمى فقال الله
تعالى : " أ فمن يعلم أنَّما أنزل إليك من ربك الحق كمن هو أعمى " [ الرعد/19] .
ولذلك عبَّر الله تعالى بفعل " رأى " دلالة على العلم في قوله تعالى : ويرى الذين أوتوا العلم الذي أُنزل إليك من ربك هو الحق " [سبأ /6] فلم يقل : " ويعلم " وهذا ـ والله أعلم ـ إشارة إلى العلم وأثره في القلوب ، التي صارت به تبصر وترى الحق ، ولا يلتبس عليها بالباطل .
وهذا واضح في (حديث حذيفة الثابت في صحيح مسلم ) أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : تُعْرَضُ الْفِتَنُ عَلَى الْقُلُوبِ كَالْحَصِيرِ عُودا عُودا ، فَأَيّ قَلْبٍ أُشْرِبَهَا نُكِتَ فِيهِ نُكْتَةٌ سَوْدَاءُ ، وَأَيّ قَلْبٍ أَنْكَرَهَا نُكِتَ فِيهِ نُكْتَةٌ بَيْضَاءُ ، حَتّى تَصِيرَ عَلَى قَلْبَيْنِ ، عَلَى أَبْيَضَ مِثْل الصّفَا ، فَلاَ تَضُرّهُ فِتْنَةٌ مَا دَامَتِ السّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ ، وَالآخَرُ أَسْوَدُ مُرْبَادا كَالْكُوزِ مُجَخّيا لاَ يَعْرِفُ مَعْرُوفا وَلاَ يُنْكِرُ مُنْكَرا، إِلاّ مَا أُشْرِبَ مِنْ هَوَاهُ .
4) والعلم يورث الخشية
قال الله تعالى : " إنَّما يخشى الله من عباده العلماء " [ فاطر/28](1/10)
وقال تعالى : " إِنَّ الَّذِينَ أُوتُواْ الْعِلْمَ مِن قَبْلِهِ إِذَا يُتْلَى عَلَيْهِمْ يَخِرُّونَ لِلأَذْقَانِ سُجَّدًا وَيَقُولُونَ سُبْحَانَ رَبِّنَا إِن كَانَ وَعْدُ رَبِّنَا لَمَفْعُولاً وَيَخِرُّونَ لِلأَذْقَانِ يَبْكُونَ وَيَزِيدُهُمْ خُشُوعًا " [ الإسراء /107-109 ]
5) وقد مدح الله أهل العلم وأثنى عليهم ، فجعل كتابه آيات بينات في صدورهم ، به تنشرح وتفرح وتسعد .
قال الله تعالى : " بل هو آيات بينات في صدور الذين أوتوا العلم وما يجحد بآياتنا إلا الظالمون " [ العنكبوت/49]
6) وقد أمرنا الله تعالى بالاستزادة من العلم وكفى بها من منقبة عظيمة للعلم .
قال الله تعالى : " وقل رب زدني علمًا " [ طه/ 114]
[*] قال القرطبي : فلو كان شيء أشرف من العلم لأمر الله تعالى نبيه (
أن يسأله المزيد منه كما أمر أن يستزيده من العلم.
7) والعلماء هم ورثة الأنبياء ، وهم أهل الذكر ، الذين أمر الناس بسؤالهم عن عدم العلم قال الله تعالى : " فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون " [ النحل/43]
8) وأخبر الله عن رفعة درجة أهل العلم والإيمان خاصة .
وقال تعالى( يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ ) ( المجادلة/11)
[*] قال ابن عباس رضي الله عنهما :
للعلماء درجاتٍ فوق المؤمنين بسبعمائة درجة بين كل درجتين مسيرة خمسمائة عام
9) والعلم أفضل الجهاد ، إذ من الجهاد جهاد بالحجة والبيان ، وهذا جهاد الأئمة من ورثة الأنبياء ، وهو أعظم منفعة من الجهاد باليد واللسان ، لشدة مؤنته ، وكثرة العدو فيه .
قال تعالى : " ولو شئنا لبعثنا في كل قرية نذيرًا فلا تطع الكافرين وجاهدهم به جهادًا كبيرًا " [ الفرقان / 51-52 ]
[(1/11)
*] يقول ابن القيم رحمه الله : " فهذا جهاد لهم بالقرآن ، وهو أكبر الجهادين ، وهو جهاد المنافقين أيضًا ، فإن المنافقين لم يكونوا يقاتلون المسلمين ، بل كانوا معهم في الظاهر ، وربما كانوا يقاتلون عدوهم معهم ، ومع هذا فقد قال تعالى : " يا أيها النبي جاهد الكفار والمنافقين واغلظ عليهم " ومعلوم أنَّ جهاد المنافقين بالحجة والقرآن .
والمقصود أنَّ سبيل الله هي الجهاد وطلب العلم ، ودعوة الخلق به إلى الله " وتدبر في (حديث أبي هريرة في صحيح الجامع) أن النبي ( قال : من جاء مسجدي هذا لم يأته إلا لخير يتعلمه أو يعلمه فهو في منزلة المجاهد في سبيل الله ، ومن جاءه لغير ذلك فهو بمنزلة الرجل ينظر إلى متاع غيره "
10) ولم يجعل الله الغبطة إلا في أمرين : بذل المال ، وبذل العلم ، وهذا لشرف الصنيعين ، وحث النَّاس على التنافس في وجوه الخير .
( حديث أبي هريرة رضي الله عنه الثابت في صحيح البخاري ) أن النبي ( قال: (لا حسد إلا في اثنتين: رجلٌ علمه الله القرآن فهو يتلوه آناء الليل وآناء النهار، فسمعه جارٌ له فقال : ليتني أوتيتُ مثل ما أُوتيَ فلانٌ فعملتُ مثل ما يعمل ، ورجل آتاه الله مالاً فهو يهلكه في الحق ، فقال رجل : ليتني أوتيتُ مثل ما أُوتيَ فلانٌ فعملتُ مثل ما يعمل )
{ تنبيه } :( المقصود بالحسد هنا [ الغبطة] لأن الحسد لا يحل في اثنتين ولا ثلاث .
11) ولا ينقطع عمل العالم بموته ، بخلاف غيره ممن يعيش ويموت ، وكأنَّه من سقط المتاع ، أمَّا أهل العلم الربانيون الذين ينتفع بعلمهم من بعدهم فهؤلاء يضاعف لهم في الجزاء والأجر شريطة الإخلاص .
عن أبي هريرة أن رسول الله ( قال : " إذا مات الإنسان انقطع عنه عمله إلا من ثلاثة : إلا من صدقة جارية ، أو علم ينتفع به ، أو ولد صالح يدعو له "(1/12)
12) وكل ما في الدنيا هالك وإلى زوال ، تتنزل عليه اللعنات ، والمرحوم من ذلك صنفان من النَّاس : أهل العلم وطلبته ، والعابدون الذاكرون الله كثيرًا .
فتدبر في ( حديث أبي هريرة في صحيح ابن ماجة ) أنَّ رسول الله ( قال : الدنيا ملعونة ملعون ما فيها إلا ذكر الله وما والاه وعالماً أو متعلما .
13) وبالعلم يعظم أجر المؤمن ، ويصحح نيته ، فيحسن عمله ، وإذا كان النَّاس لا يشغفون بالمال عن العلم ، فإنَّ فضل العلم على المال أعظم ، وقد فصل لنا الشرع في هذه القضية ، فقد قسَّم رسول الله النَّاس على أصناف أربعة ، جعل الناجين منهم صنفين ، وهما من تلبث بالعلم .
(حديث أبي كبشة الأنماري في صحيحي الترمذي وابن ماجة ) أن النبي ( قال : إِنَّمَا الدُّنْيَا لأَرْبَعَةِ نَفَرٍ عَبْدٍ رَزَقَهُ اللَّهُ مَالاً وَعِلْماً فَهُوَ يَتَّقِى فِيهِ رَبَّهُ وَيَصِلُ فِيهِ رَحِمَهُ وَيَعْلَمُ لِلَّهِ فِيهِ حَقًّا فَهَذَا بِأَحسنِ الْمَنَازِلِ عند الله وَرجلٍ رَزَقَهُ اللَّهُ عِلْماً وَلَمْ يَرْزُقْهُ مَالاً فَهُوَ يَقُولُ لَوْ أَنَّ لي مَالاً لَعَمِلْتُ بِعَمَلِ فُلاَنٍ فَهُوَ بِنِيَّتِهِ وهما في الأجرِ سَوَاءٌ ، وَرجلٍ رَزَقَهُ اللَّهُ مَالاً وَلَمْ يَرْزُقْهُ عِلْماً فَهُوَ يَخْبِطُ في مَالِهِ لاَ يَتَّقِى فِيهِ رَبَّهُ وَلاَ يَصِلُ فِيهِ رَحِمَهُ وَلاَ يَعْلَمُ لِلَّهِ فِيهِ حَقًّا فهو بِأَسوءِ الْمَنَازِلِ عند الله وَرجلٍ لَمْ يَرْزُقْهُ اللَّهُ مَالاً وَلاَ عِلْماً فَهُوَ يَقُولُ لَوْ أَنَّ لي مَالاً لَعَمِلْتُ بِعَمَلِ فُلاَنٍ فَهُوَ بِنِيَّتِهِ وهما في الوزر سَوَاءٌ(1/13)
والشاهد هنا أنَّ النبي ( جعل العلم الحقيقي هو العلم الذي يبصر المرء بحقائق الأمور ، فصاحب المال إذا لم يتحلَ بالعلم فإنَّه سيسيء التصرف فيه ، فتجده ينفقه على شهوات نفسه ، ولا يعرف شكر هذه النعمة ، ولذلك استحق أن يكون بِأَسوءِ المنازل ، والعياذ بالله .
وجعل العالم يعرف قدر المال الحقيقي ، فيم ينفق ؟ فبعلمه نوى نية صالحة فصار بأحسن المنازل ، وإن لم ينفق .
14) ومن رزق فقهًا في الدين فذاك الموفق على الحقيقة ، فالفقه في الدين من أعظم المنن .
(حديث معاوية في الصحيحين) أن النبي ( قال : من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين و إنما أنا قاسم و الله يعطي و لن تزال هذه الأمة قائمة على أمر الله لا يضرهم من خالفهم حتى يأتي أمر الله عز و جل .
15) والعلم مقدم على العبادة ، فإنَّ فضلا في علم خير من فضل في عبادة ، ومن سار في درب العلم سهل عليه طريق الجنة .
(حديث أبي هريرة في صحيح مسلم) أن النبي ( قال : من سلك طريقاً يلتمس فيه علماً سهّل الله له به طريقاً إلى الجنة .
(حديث أبي الدرداء في صحيحي أبي داوود والترمذي) أن النبي ( قال : من سلك طريقا يلتمس فيه علما سلك الله به طريقا من إلى الجنة و إن الملائكة لتضع أجنحتها رضاً لطالب العلم و إن العالم ليستغفر له من في السموات و من في الأرض حتى الحيتان في البحر و إن فضل العالم على العابد كفضل القمر على سائر الكواكب و إن العلماء ورثة الأنبياء و إن الأنبياء لم يورِّثوا دينارا و لا درهما إنما ورثوا العلم فمن أخذه أخذ بحظ وافر .
16) ويكفي صاحب العلم فضلاً أنَّ الله يسخر له كل شيء ليستغفر له ويدعو له :
((1/14)
حديث أبي الدرداء في صحيحي أبي داوود والترمذي) أن النبي ( قال: من سلك طريقا يلتمس فيه علما سلك الله به طريقا من إلى الجنة و إن الملائكة لتضع أجنحتها رضاً لطالب العلم و إن العالم ليستغفر له من في السموات و من في الأرض حتى الحيتان في البحر و إن فضل العالم على العابد كفضل القمر على سائر الكواكب و إن العلماء ورثة الأنبياء و إن الأنبياء لم يورِّثوا دينارا و لا درهما إنما ورثوا العلم فمن أخذه أخذ بحظ وافر.
17) وطلبة العلم هم وصية رسول الله ( :
(حديث أبي سعيد في صحيح ابن ماجة) أن النبي ( قال : سيأتيكم أقوام يطلبون العلم فإذا رأيتموهم فقولوا لهم : مرحبا بوصية رسول الله و أقنوهم .
قلت للحكم : ما أقنوهم ؟ قال : علموهم .
18) وأهل العلم الذين يبلغون الناس شرع الله تعالى هم أنضر الناس وجوهًا ، وأشرفهم مقامًا ،بدعاء رسول الله ( لهم .
(حديث زيد بن ثابت في صحيحي أبي داوود والترمذي) أن النبي ( قال : نضر الله امرءاً سمع منا حديثا فحفظه حتى يبلغه فرب حامل فقه إلى من هو أفقه و رب حامل فقه ليس بفقيه.
معنى نضَّر الله : الدعاء له بالنضارة وهي النعمة والبهجة
[*] قال سفيان ابن عيينة : ما من أحدٍ يطلب الحديث إلا في وجهه نضرة
19) ومن شرف العلم وفضله أنَّ الله امتن على أنبيائه ورسله بما آتاهم من العلم ، دلالة على عظم المنَّة .
فذكر نعمته على نبينا محمد ( فقال الله تعالى : " وأنزل الله عليك الكتاب والحكمة وعلمك ما لم تكن تعلم وكان فضل الله عليك عظيمًا " [ النساء/113 ]
ووصف خليله إبراهيم عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام بأنَّه كان أمة ، أي جامعًا لصفات الكمال من العلم والعمل .
قال تعالى : " إنَّ إبراهيم كان أمة قانتًا لله حنيفًا ولم يك من المشركين شاكرًا لأنعمه " [ النحل/ 120-121 ](1/15)
وقال جل وعلا عن نبيه يوسف عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام : " ولما بلغ أشده آتيناه حكمًا وعلمًا وكذلك نجزي المحسنين " [ يوسف / 22 ]
وقال في كليمه موسى عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام: " ولما بلغ أشده واستوى آتيناه حكمًا وعلمًا وكذلك نجزي المحسنين " [ القصص/114 ]
وقال في حق المسيح عيسى بن مريم عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام : " يا عيسى بن مريم اذكر نعمتي عليك وعلى والدتك إذ أيدتك بروح القدس تكلم الناس في المهد وكهلا وإذ علمتك الكتاب والحكمة والتوراة والإنجيل " [ المائدة / 110 ]
20) قال علي بن أبي طالب : ومن شرف العلم وفضله أنَّ كل من نسب إليه فرح بذلك ، وإنْ لم يكن من أهله ، وكل من دفع عنه ونسب إلى الجهل عزَّ عليه ونال ذلك من نفسه ، وإنْ كان جاهلاً .
[*] قال الحسن البصري رحمه الله تعالى : لولا العلماء لصار الناس كالبهائم
[*] وقال معاذ ابن جبل رضيَ الله تعالى عنه : تعلموا العلم فإن تعلمه لله خشية ، وطلبه عبادة ومدارسته تسبيح ، والبحث عنه جهاد ، وتعليمه لمن لا يعلمه صدقة ، وبذله لأهله قربة ، وهو الأنيس في الوحدة والصاحب في الخلوة .
[*] وقال الإمام أحمد رحمه الله تعالى : العلم لا يعدله شيء إذا صحت نيته .
21) وبين النبي ( أن فضل العلم على العبد كفضله( على أدنانا :
(حديث أبي أمامة في صحيح الترمذي) أن النبي ( قال : فضل العالم على العابد كفضلي على أدناكم .
22) وبين النبي ( أن العلم يترتب عليه الأجر الوفير لدلالة الناس على الخير :
(حديث أبي هريرة في صحيح مسلم) أن النبي ( قال : من دعا إلى هدى كان له من الأجر مثل أجور من تبعه لا ينقص ذلك من أجورهم شيئا و من دعا إلى ضلالة كان عليه من الإثم مثل آثام من تبعه لا ينقص ذلك من آثامهم شيئا .
23) أثنى النبي ( على من أقبل على العلم تعلماً وتعليماً :
((1/16)
حديث أبي موسى الأشعري في الصحيحين ) أن النبي ( قال : مثل ما بعثني الله به من الهدى و العلم كمثل الغيث الكثير أصاب أرضا فكان منها نقية قبلت الماء فأنبتت الكلأ و العشب الكثير و كانت منها أخاذات أمسكت الماء فنفع الله بها الناس شربوا منها و سقوا وزرعوا و أصاب طائفة منها أخرى إنما هي قيعان لا تمسك ماء و لا تنبت كلأ فذلك مثل من فقه في دين الله و نفعه ما بعثني الله به فعلم و علم و مثل من لم يرفع بذلك رأسا و لم يقبل هدى الله الذي أرسلت به .
[*](شرح الحديث :
قسَّم النبي ( الناس من حيث قبول العلم والانتفاع به إلى قسمين :
(القسم الأول :
وهو قسمٌ محمود ، وينقسم إلى نوعين :
نوعٌ كالأرض النقية التي تقبل الماء فتستفيد في نفسها ثم تفيد غيرها بإنبات الكلأ والعشب الكثير ، وهؤلاء هم الفقهاء أولي الفهم لأنهم فهموا فاستفادوا ثم أفادوا .
نوعٌ آخر محمود ولكنه دون النوع الأول ، وهم كالأرض الصلبة (أخاذات) التي تجمع الماء وتحفظه لينتفع به الناس من السقي والزراعة والشرب ، فهؤلاء كالمحدثين الذين لم يُرزقوا الفقه والفهم بل حفظوا العلم ونقلوه لغيرهم ليستفيدوا به .
{ تنبيه } :( ليس المقصود بذلك أن كل محدثٍ ليس بفقيه فهناك كثيرٌ من العلماء جمعوا بين الحديث والفقه كالإمام أحمد والإمام البخاري رحمهما الله تعالى
(القسم الثاني :قسمٌ مذموم لم يهتم بالعلم ولم يرفع بذلك رأساً ولم يشغل باله بالعلم لا تعلماً ولا تعليماً ولا حفظاً ولا سماعاً ، فلم ينتفع بالهدى والعلم وعاش هائماً في الضلال بل ربما كان أضل من حمار أهله .
وبين النبي - صلى الله عليه وسلم - أن طلب العلم من المسالك المؤدية إلى الجنة وإن الملائكة لتضع أجنحتها رضاً لطالب العلم ، وإن العلم ليستغفر له من في السموات ومن في الأرض حتى الحيتان في البحر ، وإن فضل العالم على العابد كفضل القمر على سائر الكواكب ، وإن العلماء ورثة الأنبياء
[(1/17)
*] قال الإمام أحمد رحمه الله كما في طبقات الحنابلة (1/390 ) :
الناس يحتاجون إلى العلم مثل الخبز والماء ، لأن العلم يحتاج إليه في كل ساعة ، والخبز والماء في كل يوم مرة أو مرتين .
[*] روى ابن عبدالبر في جامع بيان العلم وفضله (1/225) بإسناد صحيح عن الزهري قال : ( ما عُبِدَ الله بِمِثْلِ العِلم ).
(والغرض من تعلم العلم الشرعي العمل به ، وطلب الأجر والثواب من الله ، ورفع الجهل عن النفس .
ولقد كان أصحاب النبي ( إذا تعلموا عشر آيات لم يخلفوها حتى يعملوا بما فيها من العمل فتعلمنا القرآن والعمل جميعا .
ولم يكن السلف يطلقون اسم الفقيه إلا على من جمع بين العلم والعمل .
والعمل بالعلم سبب للثبات ،
قال تعالى: ( وَلَوْ أَنّهُمْ فَعَلُواْ مَا يُوعَظُونَ بِهِ لَكَانَ خَيْراً لّهُمْ وَأَشَدّ تَثْبِيتاً) [ النساء / 66]
[*] روى الخطيب البغدادي بسنده في اقتضاء العلم العمل : « عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه : هتف العلم بالعمل فإن أجابه وإلا ارتحل » (1) .
[*] قال ابن عبد البر في جامع بيان العلم وفضله (1/704) قال عبدالملك بن إدريس رحمه الله :
والعلم ليس بنافع أربابه ... ما لم يفد عملاً وحسن تبصر
سيان عندي من لم يستفد ... عملاً به وصلاة من لم يطهر
فاعمل بعلمك توف نفسك وزنها ... لا ترض بالتضييع وزن المخسر
[*] قال أبو الدرداء رضي الله عنه :
« إن أخوف ما أخاف إذا وقفت على الحساب أن يقال لي : قد علمت فماذا عملت فيما علمت ؟ » (2) .
وقد كان السلف رحمهم الله يستعينون على حفظ الحديث والعلم بالعمل به .
__________
(1) رواه الخطيب في اقتضاء العلم العمل (35) وفيه لطيفة إسنادية مسلسل برواية تسعة آباء ..تدريب الراوي (2/261).
(2) رواه ابن المبارك في الزهد (52)،وأحمد في الزهد (2/58)، وأبونعيم في الحلية (1/231)،ورواه بنحوه الحارث بن أسامة في مسنده (1124) ، والخطيب في اقتضاء العلم العمل (41 ).وهو حسن .
[(1/18)
*] قال الخطيب البغدادي في اقتضاء العلم العمل :
« العلم شجرة ، والعمل ثمرة ... فلا تأنس بالعمل ما دمت مستوحشا من العلم ، ولا تأنس بالعلم ما كنت مقصرا في العمل ، ولكن اجمع بينهما وإن قل نصيبك منهما » .
[*] قال الإمام ابن القيم رحمه الله تعالى :
في زاد المعاد (3/10) : السلف مجمعون على أن العالم لا يستحق أن يسمى ربانياً حتى يعرف الحق ، ويعمل به ، ويعلمه ، فمن علم وعمل وعلم دعي عظيما في ملكوت السماوات .
(حديث أبي مدينة الدارمي وكانت له صحبة الثابت في السلسلة الصحيحة) قال كان الرجلان من أصحاب النبي( إذا التقيا لم يفترقا حتى يقرأ أحدهما على الآخر والعصر إن الإنسان لفي خسر ثم يسلم أحدهما على الآخر .
[*] قال الإمام ابن القيم :
في مفتاح دار السعادة عن سورة العصر(1/238) : « فذكر تعالى المراتب الأربع في هذه السورة ، وأقسم سبحانه في هذه السورة بالعصر أن كل أحد في خسر ، إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات ، وهم الذين عرفوا الحق ، وصدقوا به. فهذه مرتبة.
وعملوا الصالحات ، وهم الذين عملوا بما علموه من الحق.فهذه مرتبة أخرى .
وتواصوا بالحق ، وصى به بعضهم بعضاً ، تعليماً وإرشاداً.فهذه مرتبة ثالثة.
وتواصوا بالصبر ، صبروا على الحق ، ووصى بعضهم بعضاً بالصبر عليه ، والثبات.فهذه مرتبة رابعة.
وهذا نهاية الكمال ، فإن الكمال أن يكون الشخص كاملاً في نفسه ، مكملاً لغيره ، وكماله بإصلاح قوتيه العلمية والعملية ، فصلاح القوة العلمية بالإيمان ، وصلاح القوة العملية بعمل الصالحات ، وتكميله غيره ، وتعليمه إياه ، وصبره عليه ، وتوصيته بالصبر على العلم والعمل.فهذه السورة على اختصارها هي من أجمع سور القرآن للخير بحذافيره والحمد لله الذي جعل كتابه كافياً عن كل ما سواه ، شافياً من كل داءٍ ، هادياً إلى كل خير » ا.هـ.
[*] قال الجوزي في صيد الخاطر (218) :
«(1/19)
فالله الله في العلم بالعمل ، فإنه الأصل الأكبر، والمسكين كل المسكين من ضاع عمره في علم لم يعمل به ، ففاتته لذات الدنيا وخيرات الآخرة ، فقدم مفلسا ، مع قوة الحجة عليه »
حكم تعلم العلم
مسألة : ما حكم تعلم العلم ؟
[*](حكم تعلم العلم على التفصيل الآتي :
(1) فرض عين : وهو ما يتعين وجوبه على الشخص ، وعليه يحمل الحديث الآتي
(حديث أنس في صحيح ابن ماجة) أن النبي ( قال : طلب العلم فريضةٌ على كل مسلم .
وهذا العلم هو علم التوحيد لأن التوحيد مقدَّمٌ على العمل والأصلُ الذي يترتب عليه غيره إذ لا ينفع مع الشرك عمل . ، وهو كذلك ما لا بد منه لصحة العبادات كعلم الطهارة والصلاة والصيام والحج والزكاة .
(2) فرض كفاية :
وهو التوسع في العلوم ودقائقها ومباحثها ويدخل في هذا النوع كل علم لا يُستغنى عنه في قوام أمور الدنيا كالطب فإنه ضروري في حاجة بقاء الأبدان على الصحة ، والحساب فإنه ضروري في قسمة المواريث والوصايا وغيرهم
ماذا نعني بالعلم ؟ وكيف يطلب ؟
مسالة : ماذا نعني بالعلم ؟ وكيف يطلب ؟
حين نقول العلم ، فإنما نريد أن تعلم الأمة ، كل الأمة ، جميع الأمة ، صغاراً وكباراً ، رجالاً ونساءً ، حكاماً ومحكومين ، فكل أفراد الأمة على التعيين عليهم
أنْ يعرفوا الله : الله جل وعلا الذي يعبدونه ، الله الذي استسلموا له بالإسلام ، أن يعرفوا الله. من خلال عقيدة صحيحة صافية سليمة نقية واضحة .
وأن يعرفوا رسوله : فيعرفوه معرفة حقيقية ؛ ليتبعوه ، وليحبوه ، وليوالوه ، وليقتدوا ويتأسوا به ، ولا يتركوا شيئاً من سنته وعمله إلا عملوه .وأن يعرفوا ما تلزم معرفته من أمر الدنيا والدين إذ ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب ، وللوسائل حكم المقاصد .
وتدبر في (حديث أنس الثابت في صحيح ابن ماجة) أن النبي ( قال : طلب العلم فريضةٌ على كل مسلم .(1/20)
وتأتى هذه الأهمية بعد قضية الإيمان بالله عز وجل ، فأول واجب على كل مسلم الإيمان بالله تعالى ، ويليه العلم ؛ لأنَّك بالتعلم تصحح إيمانك وعقيدتك ، وتصحح عملك ، فالتعلم هو الوسيلة التي يتمكن بها المكلف من تصحيح إيمانه ، ومن تصحيح عمله .
[*](والتعلم له طريقان بحسب طاقة الناس :
1) فمن كان قادراً على تلقى العلم من شيوخه بالجلوس عند ركبهم ، ودراسة العلوم عليهم ، وجب عليه أن يتعلم الحد الواجب من العلوم بهذه الطريقة .
2) ومن لم يكن قادراً على ذلك فليتعلم بطريقة السؤال ؛ يسأل أهل الذكر وأهل العلم عن المسائل الضرورية التي يصحح بها عمله ، ويصحح بها إيمانه..
قال الله تعالى : " فاسألوا أهل الذكر إنْ كنتم لا تعلمون " [ النحل /43 ]
وقال ( " فإنَّما شفاء العي السؤال " وهو ثابت في صحيح أبي داوود عن جابر رضي الله تعالى عنه .
وقد سلك أصحاب رسول الله ( كلا المسلكين ، كلٌ على قدر طاقته ، وعلى قدر إمكاناته ، فالمهاجرون والأنصار الذين كانوا معه في المدينة النبوية المباركة أكثرهم تلقوا العلم من فم رسول الله ( ، ومن لم يسمعه من فمه ( يسمعه عمن سمعه منه (
وكانوا يتناوبون على سماع العلم منه صلى الله عليه وسلم .
(حديث بن عباس ـ رضي الله عنهما ـ الثابت في الصحيحين ) عن عمر قال : كنت أنا وجار لي من الأنصار في بني أمية بن زيد وهي من عوالي المدينة ، وكنا نتناوب النزول على رسول الله ( ، ينزل يومًا ، وأنزل يومًا ، فإذا نزلت جئته بخبر ذلك اليوم من الوحي وغيره ، وإذا نزل فعل مثل ذلك .
وكثير من المسلمين في عهده الذين لم يستطيعوا التعلم بهذه الطريقة تلقوه بطريق السؤال ، كانوا يأتون رسول الله ( من كل حدب وصوب يسألون عن الضروري من أمور دينهم ، فيجيبهم ( بأوجز وأبلغ عبارة ، فيفهمون المراد ، ويرجعون إلى بلادهم وأقوامهم ، يبادرون إلى العمل .(1/21)
فهذا رجل من ثقيف يأتي بعد أن امتن الله على قبيلته فدخلت في الإسلام لكن ذلك كان في فترة متأخرة ، فيرغب في الخير الذي حصَّله من سبقه ، فيسأل النبي سؤالاً جامعًا ، ويجيبه النبي بإجابة بليغة وجيزة .
عن سفيان بن عبد الله الثقفي قال : قلت : يا رسول الله قل لي في الإسلام قولا لا أسأل عنه أحدا بعدك ـ وفي رواية "غيرك " ـ قال : قل آمنت بالله فاستقم وهو ثابت في صحيح مسلم .
وقد كان الصحابة رضوان الله عليهم يفرحون بمجيء أحد من الأطراف ، خاصة إذا كان من البادية ؛ لأنهم كانوا يسألون رسول الله ( عن مسائل كان الصحابة يتهيبون من سؤاله صلى الله عليه وسلم عنها .
ولذلك قال أنس : كنا نهاب أن نسأل رسول الله ( عن شيء ،
وكان يعجبنا أن يأتيه الرجل من أهل البادية فيسأله ، ونحن نستمع .(1)
وذلك بعد أن أنزل الله تعالى قوله : " يا أيها الذين آمنوا لا تسألوا عن أشياء إن تبد لكم تسؤكم" [ المائدة/101 ]
بل وحتى النساء كن يحرصن على سؤاله ( ، وتعلم أمور الدين منه ( ، فكانت المرأة من الصحابيات إذا استحيت أن تسأله مباشرة ، سألته بواسطة بعض أمهات المؤمنين إذا كان الأمر يتعلق بشيء مما يستحي منه النساء ، وأما في غير ذلك فيسألنه ( ، ويحرصن على تلقي العلم منه .
(حديث عائشة في الصحيحين ) أن امرأة سألت النبي ( عن غسلها من المحيض فأمرها كيف تغتسل . قال خذي ِفرصةٍ من مسكٍ فتطهري بها. قالت كيف أتطهر بها ؟ قال تطهري بها . قالت كيف ؟ قال سبحان الله تطهري بها . فاجتبذتها إليَّ فقلت تتبعي بها أثر الدم .
وسألته عن غسل الجنابة فقال : تأخذ ماء فتطهر فتحسن الطهور أو تبلغ الطهور ثم تصب على رأسها فتدلكه حتى تبلغ شؤون رأسها ، ثم تفيض عليها الماء .
[*] فقالت عائشة رضي الله عنها : نعم النساء نساء الأنصار لم يكن يمنعهن الحياء أن يتفقهن في الدين .(1/22)
فهذه طريقتهم في طلب العلم وحرصهم عليه وحسن سؤالهم عن شئونهم الحقيقية ، وتوصيفهم الصحيح لواقعهم بعد فهمهم الدين ، فلم يكونوا يفترضون الأمثلة ، ولا يطرحون الأمثلة للترف العلمي والفكري ، فتعلموا ونقلوا الدين بأمانة ، فوصلنا الدين من خلال هؤلاء الصحابة العلماء الأجلاء كاملاً مكملاً ، فلا تجد ثغرة في ديننا ولا مسألة إلا وعندك منها علمًا ، فجزى الله رسوله ( عنَّا وعن أمة الإسلام خير الجزاء ، وجزى صحابته خير الجزاء ، وإنما أعرضوا عمَّا لا ينفع ، وهذا ما علمه لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم : لما جاءه رجل يقول : متى الساعة ؟ قال : وماذا أعددت لها .اليوم أنت ـ أخي طالب العلم ـ من هؤلاء ، وكيف تطلب ؟ وعمَّ تسأل ؟ وفيم تبحث ؟!!!
آداب طالب العلم
مسألة : ما هي الآداب التي يجب على طالب العلم أن يتحلى بها ؟
[*] لقد قدَّم الشيخ بكر بن عبد الله أبو زيد جملةً من الآداب التي يجب على طالب العلم أن يتحلى بها وهي في حقيقتها جملة من نصائحٍ ذهبية صادرةٌ عن إخلاصٍ وحسنِ طوية – نحسبه كذلك والله حسيبه ولا نزكي على الله أحد _ أرجو أن تعرها سمعك وفكرك وأن تجد لك في سمعك مسمعاً وفي قلبك موقعاً وأن تتقبلها بقبولٍ حسن عسى الله تعالى أن ينفعك بها ويوفقك إلى تطبيقها . وهي على الترتيب الآتي :
أولا : آداب طالب العلم في نفسه
ثانياً : آداب طالب العلم مع شيخه
ثالثاً : آداب الزمالة
رابعاً : آداب طالب العلم في حياته العلمية
خامساً : التحلي بالعمل
سادساً : تأدية زكاة العلم
سابعاً : التحلي بعزة العلماء
ثامناً : صيانة العلم
تاسعاً : التحلي بالمدارة وليس المداهنة
عاشراً : التحلي بالغرام بالكتب
الحادي عشر : التخلي عن المحاذير التي لا تجعل العلم نافعاً فتقلبه من نورٍ على نار .
[*](وإليك أخي تفصيل هذه الآداب :
(أولا : آداب طالب العلم في نفسه :
(1) العلم عبادة :(1/23)
أصل الأصول في هذه "الحلية" بل ولكل أمر مطلوب علمك بأن العلم عبادة، قال بعض العلماء : العلم صلاة السر، وعبادة القلب .
وعليه، فإن شرط العبادة إخلاص النية لله سبحانه وتعالى، لقوله:
قال تعالى: (وَمَآ أُمِرُوَاْ إِلاّ لِيَعْبُدُواْ اللّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدّينَ حُنَفَآءَ وَيُقِيمُواْ الصّلاَةَ وَيُؤْتُواْ الزّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ القَيّمَةِ) [البينة / 5]
وتدبر في (حديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه في الصحيحين) أن النبي (
قال : إنما الأعمال بالنيات و إنما لكل امرئ ما نوى فمن كانت هجرته إلى الله و رسوله فهجرته إلى الله و رسوله و من كانت هجرته إلى دنيا يصيبها أو امرأة ينكحها فهجرته إلى ما هاجر إليه .
فإن فقد العلم إخلاص النية، انتقل من أفضل الطاعات إلى أحط المخالفات، وانقلب من نورٍ إلى نار ولا شيء يحطم العلم مثل: الرياء؛ رياء شرك، أو رياء إخلاص ، ومثل التسميع؛ بأن يقول مسمعاً: علمت وحفظت ، فإن الله تعالى لا يقبل من العمل إلا ما كان خالصاً وابتُغيَ به وجهه .
(حديثُ أبي هريرةَ صحيح مسلم ) : أن النبي ( قال - قال الله تعالى : أنا أغنى الشركاءِ عن الشرك ، من عمل عملاً أشركَ فيه معي غيري تركته وشركه
(حديثُ جندب ابن عبد الله في الصحيحين ) : أن النبي ( قال من سمَّعَ سمَّعَ الله به ومن يُرائي يُرائي الله به .
(حديثُ أبي أُمامة صحيح النسائي ) : أن النبي ( قال إن الله تعالى لا يقبلُ من العملِ إلا ما كان خالصاً وابتُغيَ به وَجهُهُ
((1/24)
2) وعليه؛ فالتزم التخلص من كل ما يشوب نيتك في صدق الطلب؛ كحب الظهور، والتفوق على الأقران، وجعله سلماً لأغراض وأعراض، من جاه، أو مال، أو تعظيم، أو سمعة، أو طلب محمدة، أو صرف وجوه الناس إليك، فإن هذه وأمثالها إذا شابت النية، أفسدتها، وذهبت بركة العلم، يجب عليك أن تخلص النية في طلب العلم وأن تبتغي بذلك وجه الله تعالى وأن يكون قصدك من تعلم العلم أن تنفي الجهل عن نفسك فتستفيد ثم تفيد على قاعدة ( اللهم اهدنا واهدي بنا واجعلنا سبباً لمن اهتدى ) وليحذر أن يكون قصده أن يصيب عرضاً من الدنيا أو ليباهي به العلماء أو ليماري به السفهاء فإن ذلك يحبط العمل ويجعله متعرضاً لسخط الله تعالى
والله تعالى يقول ( مَن كَان يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لاَ يُبْخَسُونَ ، أُوْلَئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الآخِرَةِ إِلاَّ النَّارُ وَحَبِطَ مَا صَنَعُواْ فِيهَا وَبَاطِلٌ مَّا كَانُواْ يَعْمَلُونَ ) { هود/15 ،16 }
) حديث أبي هريرة في صحيحي أبي داوود وابن ماجة) أن النبي ( قال : من تعلم علما مما يبتغى به وجه الله لا يتعلمه إلا ليصيب به عرضا من الدنيا لم يجد عرف الجنة يوم القيامة .
( حديث جابر في صحيح ابن ماجة) أن النبي ( قال لا تعلموا العلم لتباهوا به العلماء ولا تماروا به السفهاء و لا لتخيروا به المجالس فمن فعل ذلك فالنار.
ولهذا يتعين عليك أن تحمى نيتك من شوب الإرادة لغير الله تعالى، بل وتحمى الحمى.
وللعلماء في هذا أقوال ومواقف بينت طرفاً منها في المبحث الأول من كتاب "التعالم"، ويزاد عليه نهى العلماء عن "الطبوليات"، وهى المسائل التي يراد بها الشهرة.
وقد قيل:"زلة العالم مضروب لها الطبل" .
[*] وعن سفيان رحمه الله تعالى أنه قال:
"كنت أوتيت فهم القرآن، فلما قبلت الصرة، سلبته" .(1/25)
فاستمسك رحمك الله تعالى بالعروة الوثقى العاصمة من هذه الشوائب؛ بأن تكون - مع بذل الجهد في الإخلاص - شديد الخوف من نواقضه، عظيم الافتقار والالتجاء إليه سبحانه.
[*] ويؤثر عن سفيان بن سعيد الثوري رحمه الله تعالى قوله: "ما عالجت شيئاً أشد على من نيتي".
[*] وعن عمر بن ذر أنه قال لوالده "يا أبي! مالك إذا وعظت الناس أخذهم البكاء، وإذا وعظهم غيرك لا يبكون؟ فقال: يا بنى ! ليست النائحة الثكلى مثل النائحة المستأجرة .
وفقك الله لرشدك آمين.
الخصلة الجامعة لخيري الدنيا والآخرة ومحبة الله تعالى ومحبة رسوله ( وتحقيقها بتمحض المتابعة وقفوا الأسر للمعصوم.
قال تعالى: (قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبّونَ اللّهَ فَاتّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللّهُ غَفُورٌ رّحِيمٌ) [آل عمران / 31]
وبالجملة؛ فهذا أصل هذه "الحلية"، ويقعان منها موقع التاج من الحلة.
فيا أيها الطلاب! هاأنتم هؤلاء تربعتم للدرس، وتعلقتم بأنفس علق (طلب العلم)، فأوصيكم ونفسي بتقوى الله تعالى في السر والعلانية، فهي العدة، وهى مهبط الفضائل، ومتنزل المحامد، وهى مبعث القوة، ومعراج السمو، والرابط الوثيق على القلوب عن الفتن، فلا تفرطوا.
(كن على جادة السلف الصالح:
كن سلفياً على الجادة، طريق السلف الصالح من الصحابة رضي الله عنهم، فمن بعدهم ممن قفا أثرهم في جميع أبواب الدين، من التوحيد، والعبادات، ونحوها، متميزاً بالتزام آثار رسول الله وتوظيف السنن على نفسك، وترك الجدال، والمراء، والخوض في علم الكلام، وما يجلب الآثام، ويصد عن الشرع.
[*] قال الذهبي رحمه الله تعالى :
"وصح عن الدارقطني أنه قال: ما شيء أبغض إلي من علم الكلام. قلت: لم يدخل الرجل أبداُ في علم الكلام ولا الجدال، ولا خاض في ذلك، بل كان سلفياً" ا هـ.
وهؤلاء هم (أهل السنة والجماعة) المتبعون آثار رسول الله ،
[(1/26)
*] وهم كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى :
"وأهل السنة: نقاوة المسلمين، وهم خير الناس للناس" اهـ.
فالزم السبيل (ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله).
2) ملازمة خشية الله تعالى:
التحلي بعمارة الظاهر والباطن بخشية الله تعالى؛ محافظاً على شعائر الإسلام، وإظهار السنة ونشرها بالعمل بها والدعوة إليها؛ دالاً على الله بعلمك وسمتك وعلمك، متحلياً بالرجولة، والمساهلة، والسمت الصالح.
(وملاك ذلك خشية الله تعالى .
[*] ولهذا قال الإمام أحمد رحمه الله تعالى:
"أصل العلم خشية الله تعالى". فالزم خشية الله في السر والعلن، فإن خير البرية من يخشى الله تعالى، وما يخشاه إلا عالم، إذن فخير البرية هو العالم، ولا يغب عن بالك أن العالم لا يعد عالماً إلا إذا كان عاملاً، ولا يعمل العالم بعلمه إلا إذا لزمته خشية الله.
وأسند الخطيب البغدادي رحمه الله تعالى بسند فيه لطيفة إسنادية برواية آباء تسعة، فقال : أخبرنا أبو الفرج عبد الوهاب بن عبد العزيز بن الحارث بن أسد بن الليث بن سليمان بن الأسود بن سفيان بن زيد بن أكينة ابن عبد الله التميمي من حفظه؛ قال: سمعت أبي يقول: سمعت أبى يقول: سمعت أبي يقول: سمعت أبي يقول: سمعت أبي يقول: سمعت أبي يقول: سمعت أبي يقول: سمعت علي بن أبي طالب يقول: "هتف العلم بالعمل، فإن أجابه، وإلا ارتحل" ا هـ.
وهذا اللفظ بنحوه مروي عن سفيان الثوري رحمه الله تعالى.
3) التحلي بدوام المراقبة لله تعالى في السر والعلن، سائراً إلى ربك بين الخوف والرجاء، فإنهما للمسلم كالجناحين للطائر.
فأقبل على الله بكليتك، وليمتلئ قلبك بمحبته، ولسانك بذكره، والاستبشار والفرح والسرور بأحكامه وحكمه سبحانه.
4) خفض الجناح ونبذ الخيلاء والكبرياء:
تحل بآداب النفس، من العفاف، والحلم، والصبر، والتواضع للحق، وسكون الطائر، من الوقار والرزانة، وخفض الجناح، متحملاً ذل التعلم لعزة العلم، ذليلا للحق .(1/27)
وعليه، فاحذر نواقض هذه الآداب، فإنها مع الإثم تقيم على نفسك شاهداً على أن في العقل علة، وعلى حرمان من العلم والعمل به، فإياك والخيلاء، فإنه نفاق وكبرياء، وقد بلغ من شدة التوقي منه عند السلف مبلغاً .
ومن دقيقه ما أسنده الذهبي في ترجمة عمرو بن الأسود العنسي المُتوفى في خلافة عبد الملك بن مروان رحمه الله تعالى: أنه كان إذا خرج من المسجد قبض بيمينه على شماله، فسئل عن ذلك؟ فقال: مخافة أن تنافق يدي.
قلت: يمسكها خوفاً من أن يخطر بيده في مشيته، فإن ذلك من الخيلاء اهـ.
وهذا العارض عرض للعنسي رحمه الله تعالى.
5) واحذر داء الجبابرة :
(الكبر)، فإن الكبر والحرص والحسد أول ذنب عصى لله به ، فتطاولك على معلمك كبرياء، واستنكافك عمن يفيدك ممن هو دونك كبرياء، وتقصيرك عن العمل بالعلم حمأة كبر، وعنوان حرمان.
العلم حرب للفتى المعالي كالسيل حرب للمكان العالي
فالزم - رحمك الله - اللصوق إلى الأرض، والإزراء على نفسك، وهضمها، ومراغمتها عند الاستشراف لكبرياء أو غطرسة أو حب ظهور أو عجب.. ونحو ذلك من آفات العلم القاتلة له، المذهبة لهيبته، المطفئة لنوره، وكلما ازددت علماً أو رفعة في ولاية، فالزم ذلك، تحرز سعادة عظمى، ومقاماً يغبطك عليه الناس.
وعن عبد الله ابن الإمام الحجة الراوية في الكتب السنة بكر بن عبد الله المزني رحمهما الله تعالى، قال:
"سمعت إنساناً يحدث عن أبي، أنه كان واقفاً بعرفة، فرق، فقال: لولا أني فيهم، لقلت: قد غفر لهم".
خرجه الذهبي ، ثم قال:
"قلت: كذلك ينبغي للعبد أن يزري على نفسه ويهضمها"ا هـ.
6) التحلي بالقناعة والزهادة، وحقيقة الزهد :"الزهد بالحرام، والابتعاد عن حماه، بالكف عن المشتهات وعن التطلع إلى ما في أيدي الناس".
[*] ويؤثر عن الإمام الشافعي رحمه الله تعالى:
"لو أوصى إنسان لأعقل الناس، صرف إلى الزهاد".
[(1/28)
*] وعن محمد بن الحسن الشيباني رحمه الله تعالى لما قيل له: ألا تصنف كتابا في الزهد؟ قال:
"قد صنفت كتاباً في البيوع" .
يعنى:"الزاهد من يتحرز عن الشبهات، والمكروهات، في التجارات، وكذلك في سائر المعاملات والحرف" ا هـ.
وعليه، فليكن معتدلاً في معاشه بما لا يشينه، بحيث يصون نفسه ومن يعول، ولا يرد مواطن الذلة والهون.
وقد كان شيخنا محمد الأمين الشنقيطى المتوفى في 17/12/1393هـ رحمه الله تعالى متقللاً من الدنيا، وقد شاهدته لا يعرف فئات العملة الورقية، وقد شافهني بقوله:
"لقد جئت من البلاد - شنقيط - ومعي كنز قل أن يوجد عند أحد، وهو (القناعة)، ولو أردت المناصب، لعرفت الطريق إليها، ولكني لا أوثر الدنيا على الآخرة، ولا أبذل العلم لنيل المآرب الدنيوية".
فرحمه الله تعالى رحمه واسعة آمين.
7) التحلي برونق العلم :
و (رونق العلم) حسن السمت، والهدى الصالح، من دوام السكينة، والوقار، والخشوع، والتواضع، ولزوم المحجة، بعمارة الظاهر والباطن، والتخلي عن نواقضها.
[*] وعن ابن سيرين رحمه الله تعالى قال:
"كانوا يتعلمون الهدى كما يتعلمون العلم".
[*] وعن رجاء بن حيوة رحمه الله تعالى أنه قال لرجل:
"حدثنا، ولا تحدثنا عن متماوت ولا طعان".
رواهما الخطيب في "الجامع"، وقال :
8) "يجب على طالب الحديث أن يتجنب: اللعب، والعبث، والتبذل في المجالس، بالسخف، والضحك، والقهقهة، وكثرة التنادر، وإدمان المزاح والإكثار منه، فإنما يستجاز من المزاح بيسيره ونادره وطريفة، والذي لا يخرج عن حد الأدب وطريقة العلم، فأما متصلة وفاحشة وسخيفه وما أوغر منه الصدور وجلب الشر، فإنه مذموم، وكثرة المزاح والضحك يضع من القدر، ويزيل المروءة" اهـ.
وقد قيل:"من أكثر من شيء، عرف به".
فتجنب هاتيك السقطات في مجالستك ومحادثتك.
وبعض من يجهل يظن أن التبسط في هذا أريحية.
[*] وعن الأحنف بن قيس قال:(1/29)
"جنبوا مجالسنا ذكر النساء والطعام، إني أبغض الرجل يكون وصافاً لفرجه وبطنه".
وفي كتاب المحدث الملهم أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه في القضاء:
"ومن تزين بما ليس فيه، شانه الله".
وانظر شرحه لابن القيم رحمه الله تعالى .
9) التحلي بـ (المروءة)، وما يحمل إليها، من مكارم الأخلاق، وطلاقة الوجه، وإفشاء السلام، وتحمل الناس، والأنفة من غير كبرياء، والعزة في غير جبروت، والشهامة في غير عصبية، والحمية في غير جاهلية. وعليه فتنكب (خوارم المروءة)، في طبع، أو قول، أو عمل، من حرفة مهينة، أو خلة رديئة، كالعجب، والرياء، والبطر، والخيلاء، واحتقار الآخرين، وغشيان مواطن الريب.
10) التمتع بخصال الرجولة :
تمتع بخصال الرجولة، من الشجاعة، وشدة البأس في الحق، ومكارم الأخلاق، والبذل في سبيل المعروف، حتى تنقطع دونك آمال الرجال.
وعليه، فاحذر نواقضها، من ضعف الجأش، وقلة الصبر، وضعف المكارم، فإنها تهضم العلم، وتقطع اللسان عن قوله الحق، وتأخذ بناصيته إلى خصومة في حالة تلفح بسمومها في وجوه الصالحين من عباده.
11) عدم الاسترسال في التنعم والرفاهية :
لا تسترسل في (التنعم والرفاهية)، فإن "البذاذة من الإيمان" ، وإياك والتنعم
وتدبر في (حديث أبي أمامة في صحيح بن ماجة ) أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : البذاذة من الإيمان . وتدبر في (حديث معاذ في صحيح الجامع) أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : إياك و التنعم فإن عباد الله ليسوا بالمتنعمين .
وخذ بوصية أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضى الله عنه في كتابه المشهور، وفيه:
"وإياكم والتنعم وزي العجم، وتمعددوا، واخشوشنوا 000" .(1/30)
وعليه، فازور عن زيف الحضارة، فإنه يؤنث الطباع، ويرخى الأعصاب، ويقيدك بخيط الأوهام، ويصل المجدون لغاياتهم وأنت لم تبرح مكانك، مشغول بالتأنق في ملبسك، وإن كان منها شيات ليست محرمة ولا مكروهة، لكن ليست سمتاً صالحاً، والحلية في الظاهر كاللباس عنوان على انتماء الشخص، بل تحديد له، وهل اللباس إلا وسيلة التعبير عن الذات؟!
فكن حذراً في لباسك، لأنه يعبر لغيرك عن تقويمك، في الانتماء، والتكوين، والذوق، ولهذا قيل: الحلية في الظاهر تدل على ميل في الباطن، والناس يصنفونك من لباسك، بل إن كيفية اللبس تعطي للناظر تصنيف اللابس من:
الرصانة والتعقل.
أو التمشيخ والرهبنة.
أو التصابي وحب الظهور.
فخذ مم اللباس ما يزينك ولا يشينك، ولا يجعل فيك مقالا لقائل، ولا لمزا للامز، وإذا تلاقى ملبسك وكيفية لبسك بما يلتقي مع شرف ما تحمله من العلم الشرعي، كان أدعى لتعظيمك والانتفاع بعلمك، بل بحسن نيتك يكون قربة، إنه وسيلة إلى هداية الخلق للحق.
[*] وفي المأثور عن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه :
"أحب إلي أن أنظر القارئ أبيض الثياب".
أي: ليعظم في نفوس الناس، فيعظم في نفوسهم ما لديه من الحق.
والناس - كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى - كأسراب القطا، مجبولون على تشبه بعضهم ببعض .
(فإياك ثم إياك من لباس التصابي، أما اللباس الإفرنجي، فغير خاف عليك حكمه، وليس معنى هذا أن تأتى بلباس مشوه، لكنه الاقتصاد في اللباس برسم الشرع، تحفه بالسمت الصالح والهدي الحسن.
وتطلب دلائل ذلك في كتب السنة الرقاق، لا سيما في "الجامع" للخطيب .
ولا تستنكر هذه الإشارة، فما زال أهل العلم ينبهون على هذا في كتب الرقاق والآداب واللباس ، والله أعلم.
12) الإعراض عن مجالس اللغو :
لا تطأ بساط من يغشون في ناديهم المنكر، ويهتكون أستار الأدب، متغابياً عن ذلك، فإن فعلت ذلك، فإن جنايتك على العلم وأهله عظيمة.
الإعراض عن الهيشات:(1/31)
التصون من اللغط والهيشات، فإن الغلط تحت اللغط، وهذا ينافي أدب الطلب.
ومن لطيف ما يستحضر هنا ما ذكره صاحب "الوسيط في أدباء شنقيط" وعنه في "معجم المعاجم":
"أنه وقع نزاع بين قبيلتين، فسعت بينهما قبيلة أخرى في الصلح، فتراضوا بحكم الشرع، وحكموا عالماً، فاستظهر قتل أربعة من قبيلة بأربعة قتلوا من القبيلة الأخرى، فقال الشيخ باب بن أحمد: مثل هذا لا قصاص فيه. فقال القاضي: إن هذا لا يوجد في كتاب. فقال: بل لم يخل منه كتاب. فقال القاضي: هذا "القاموس" يعنى أنه يدخل في عموم كتاب - فتناول صاحب الترجمة "القاموس" وأول ما وقع نظره عليه: "والهيشة: الفتنة، وأم حبين ، وليس في الهيشات قود"، أي: في القتيل في الفتنة لا يدرى قاتله، فتعجب الناس من مثل هذا الاستحضار في ذلك الموقف الحرج"أ هـ ملخصاً.
13) التحلي بالرفق:
التزم الرفق في القول، مجتنباً الكلمة الجافية، فإن الخطاب اللين يتألف النفوس الناشزة.
وأدلة الكتاب والسنة في هذا متكاثرة.
14) التحلي بالتأمل، فإن من تأمل أدرك، وقيل:"تأمل تدرك".
وعليه، فتأمل عند التكلم: بماذا تتكلم؟ وما هي عائد ته؟ وتحرز في العبارة والأداء دون تعنت أو تحذلق، وتأمل عند المذاكرة كيف تختار القالب المناسب للمعنى المراد، وتأمل عند سؤال السائل كيف تتفهم السؤال على وجهه حتى لا يحتمل وجهين؟ وهكذا.
15) الثبات والتثبت:
تحل بالثبات والتثبت، لا سيما في الملمات والمهمات، ومنه: الصبر والثبات في التلقي، وطي الساعات في الطلب على الأشياخ، فإن "من ثبت نبت".(1/32)
16)أن يحرص على العلم وأن يُقبل عليه إقبال الظامئ على المورد العذب . وقد كان السلف يؤثرون العلم على كل شيء حتى الزواج ولذا فإن الإمام أحمد رحمه الله تعالى لم يتزوج إلا بعد الأربعين ، وأُهديت إلى أبي بكرٍ الأنباري جاريةٌ فلما دخلت عليه تفكَّر في استخراج مسألةٍ فعزبت عنه فقال : أخرجوها إلى النخاس فقالت هل لي من ذنب ؟ قال :لا إلا أن قلبي اشتغل بك ، وما قدْرُ مِثْلِكِ أن يمنعني علمي .
17) ينبغي له أن يحرص على حِلَقِ العلم ولو بالتناوب مع زميلٍ له عند ضيقِ الوقت فيحضر أحده.ما ويخبر صاحبه بالعلم الذي سمعه ويحضر الآخر ويخبر صاحبه بالعلم الذي سمعه فإنه كان من فعل الصحابة رضي الله عنهم
(حديث عمر في صحيح البخاري) قال : وكان رجلاً من الأنصار إذا غاب عن رسول الله وشهدته أتيته بما يكون من رسول الله ( .
18) أن يلقي زمامه إلى المعلم إلقاء المريض إلى الطبيب فيتواضع له ويبالغ في خدمته ، فقد كان ابن عباس رضي الله عنهما يأخذ بركاب زيدٍ ابن ثابت رضي الله عنه ويقول هكذا أمرنا أن نفعل بالعلماء .
قال علىُّ رضي الله عنه : إن من حق العالم عليك أن تسلم على القوم عامةً وتخصه بالتحية ، وأن تجلس أمامه ولا تشير عنده بيدك ولا تغمز بعينك ولا تكثر عليه السؤال ولا تعينه في الجواب ولا تلح عليه إذا كسل ولا تراجفُهُ إذا امتنع ، ولا تأخذ بثوبه إذا نهض ولا تفش له سراً ، ولا تغتابنَّ عنده أحداً ولا تطلبنَّ عثرته وإن زلَّ قبلت معذرته ، ولا تقولنَّ له : سمعت فلاناً يقول كذا ولا إن فلاناً يقول خلافك ، ولا تصفنَّ عنده عالماً ، ولا تعرضنَّ من طول صحبته ، ولا ترفع نفسك عن خدمته وإذا عرضت له حاجةً سبقت القوم إليها فإنما هو بمنزلة النخلة تنتظر متى يسقط لك منها شيء .
{ تنبيه } :( وكلما زاد تواضع طالب العلم زاد مقدار الحكمة عنده وتعلم العلم ومتى تكبر قلَّت حكمته ومنع العلم
((1/33)
حديث أبي هريرة في صحيح الجامع) أن النبي ( قال : ما من آدمي إلا في رأسه حكمة بيد ملك فإذا تواضع قيل للملك ارفع حكمته و إذا تكبر قيل للملك : دع حكمته .
[*] قال مجاهد رحمه الله تعالى : لا يتعلم العلم مستحيٍ ولا مستكبر
(19) يجب عليه أن يكون علمه مرتكزاً على الكتاب والسنة الصحيحة ، فيتمسك بهما ويعض عليهما بالنواجذ فيكونا له كالجناحين للطائر لأنهما سبب النجاة من الضلال
(حديث أبي هريرة في صحيح الجامع ) أن النبي ( قال : تركت فيكم شيئين لن تضلوا بعدهما : كتاب الله و سنتي و لن يتفرقا حتى يردا علي الحوض .
{ تنبيه } :( ويجب على طالب العلم أن يمسك بالوحيين كليهما ( الكتاب والسنة) ولا ينزلق في هاوية من يتمسك بالقرآن ويدع السنة فإن ذلك ضلال وإضلال لأن ما حرَّم رسول الله ( مثل ما حرم الله تعالى إذ هو مبَّلغ الشرع عن الله تعالى .
(حديث المقدام بن معد يكرب في صحيح أبي داود) أن النبي ( قال : ألا إني أُوتيت الكتاب ومثله معه .
ومن المؤسف في زماننا هذا تجرئ بعض الجهلة على رسول الله ( فيقولون إنه بشرٌ مثلنا هات الدليل من القرآن فقط وهذا يدل – ولا شك – على أن قائل هذه العبارة أضلُ من حمار أهله وأنه جاهلٌ جهل مركب ، وقد أخبر النبي ( أن ذلك سيقع في أمته
(حديث المقدام ابن معد يكرب في صحيحي أبي داوود وزالترمذي) أن النبي ( قال : يوشِكُ الرجلُ متكئاً على أريكته يُحدثُ بحديثٍ من حديثي فيقول بيننا وبينكم كتاب الله فما وجدنا فيه من حلال استحللناه وما وجدنا فيه من حرامٍ حرَّمناه ، ألا وإن ما حرَّم رسول الله مثل ما حرَّم الله .
قال أبو قلابة رحمه الله تعالى : إذا رأيت الرجل يقول دعنا من السنة وهات الكتاب فاعلم أنه ضال
[*] وقال الإمام أحمد رحمه الله تعالى :
دين النبي محمدٍ أخبارُ ... نعم المطيةُ للفتى الآ ثارُ
لا ترغبَّنَّ عن الحديثِ وأهله ... فالرأيُ ليلٌ والحديثُ نهارُ
((1/34)
20) أن يتبع سنة الخلفاء الراشدين المهدين فإنها وصية النبي ( :
(حديث العرباض بن سارية في صحيحي أبي داوود والترمذي) أن النبي ( قال : أوصيكم بتقوى الله و السمع و الطاعة و أن أمر عليكم عبد حبشي فإنه من يعش منكم بعدي فسيري اختلافا كثيرا فعليكم بسنتي و سنة الخلفاء المهديين الراشدين تمسكوا بها و عضوا عليها بالنواجذ و إياكم و محدثات الأمور فإن كل محدثة بدعة و كل بدعة ضلالة .
(21) يجب عليه ألا يستغرق عمره كله في فنٍ واحدٍ من العلوم بل يأخذ من كلِ شيء أحسنه فإن العلم كثير والعمر قصير ، وليجعل جُل اهتمامه بعلم التوحيد لأن التوحيد مقدَّمٌ على العمل والأصلُ الذي يترتب عليه غيره إذ لا ينفعُ مع الشرك عمل ثم يهتم بفقه الأحكام حتى يصحح عمله ، ثم يأخذ من باقي العلوم ما يفيده منها فيأخذ مثلاً من اللغة ما يصحح به ألفاظه ويأخذ منها ما يجعل الموضوع في جلباب الفصاحةِ الأغر الذي يجذب النفوس النافرة ويرد الأهواء الشاردة دون توسع ، ويأخذُ من الرقائق المقدار الذي يُذيب به قسوة قلبه ، ويأخذ من الأصول ما يستطيع به تأصيل المسألة ، وهكذا
[*] قال ابن عباس رضيَ الله تعالى عنهما :
ما أصعب العلم ما أوسعه ... من ذا الذي يقدرُ أن يجمعه
إن كنت له لا بد طالباً ... فالتمس أنفعه
(22) ينبغي لطالب العلم أن يتعهد الناس بالموعظة ويراعي في ذلك شيئين أساسيين هما :
الأول : أن تكون الموعظة خلال الأيام وليست كل يوم حتى لا يمل الناس .
(حديث أبن مسعودٍ في الصحيحين) قال : كان النبي ( يتخولنا بالموعظةِ خلال الأيام كراهة السآمة علينا .
السآمة : أي الملل
الثاني : أن يعظَ الناس بما يستطيع ولو آية يعلم معناها الصحيح ولا ينتظر حتى يكتمل علمه فإن هذا لا يحصلُ غالباً فسبحان من له الكمال
((1/35)
حديث عبد الله ابن عمرو في صحيح البخاري) أن النبي ( قال : بلغوا عني و لو آية و حدثوا عن بني إسرائيل و لا حرج و من كذب علي متعمدا فليتبوأ مقعده من النار .
23) ينبغي لطالب العلم أن يتعلم قسطاً من البلاغة لاستمالة القلوب بتحسين الأسلوب ويحسن به أن يقتبس من أسلوب الكتاب والسنة فليس هناك أبلغ من أسلوبهما وأن يستفيد كذلك من جوامع كلم النبي ( ويتأسى به في ذلك فيعظ الناس بكلام مفيدٍ جامع .
(حديث أبي موسى في صحيح الجامع) أن النبي ( قال : أُعطيت الكلام وجوامعه وخواتمه .
{ تنبيه } :( وليحذر طالب العلم من الإفراط في البلاغة والتقعر في الكلام فإن ذلك مذموم :
(حديث عبد الله ابن عمرو في صحيحي أبي داوود والترمذي) أن النبي ( قال : إن الله يُبْغِضُ البليغ من الرجال الذي يتخلل بلسانه تخللَ الباقرةِ بلسانها .
معنى يتخلل بلسانه تخلل الباقرة بلسانها : أن يتشدق بلسانه ويتقعر في الكلام ويتكلف الفصاحة فيلف الكلام لفاً كما تلف البقرة الكلأ بلسانها لفاً .
(24) ويجب على طالب العلم أن يتجنب الجدل العقيم الذي لا طائل من ورائه الذي لا يكن قصدُه بيان الحق وهداية الخلق وإنما يكن قصده مجرد المغالبة والعلو والعياذ بالله فإنه يكون سبباً في الضلال ثم هو أيضاً صفةٌ مذمومة يُبغضها الله تعالى
(حديث أبي أمامة في صحيحي الترمذي وابن ماجة) أن النبي ( قال : ما ضل قوم بعد هدى كانوا عليه إلا أوتوا الجدل ثم تلا قوله تعالى ( بل هم قومٌ خَصِمون )
(حديث أبي أمامة في صحيح أبي داود) أن النبي ( أنا زعيم بيت في ربض الجنة لمن ترك المراء و إن كان محقا و بيت في وسط الجنة لمن ترك الكذب و إن كان مازحا و بيت في أعلى الجنة لمن حسن خلقه .
معنى زعيم : أي ضمين
ربض الجنة : حولها خارجٌ عنها تشبيهاً بالأبنية التي تكون حول المدن .
(حديث عائشة في الصحيحين) أن النبي ( قال إن أبغض الرجال عند الله الألدُ الخَصِم .(1/36)
معنى الألد : شديدُ اللدودة أي شديدُ الجدال
معنى الخَصِم : أي شديدُ الخصومة
(25) وعلى طالب العلم أن يكتب ما يتعلمه ليرجع إلى الكتابة كلما أُشكل عليه شيء ، لأن الكتابةَ أثبت للذهن
(حديث عبد الله ابن عمرو في صحيح أبي داود) قال كنت أكتب كلَ شيء أسمعُهُ من رسول الله ( أريد حفظه فنهتني قريشٌ وقالت : أتكتبُ كلَ شيء ورسول الله ( بشرٌ يتكلم في الغضب والرضا فأمسكتُ عن الكتاب وذكرت ذلك لرسول الله ( فأومأ بإصبعه إلى فيه وقال اكتب فوالدي نفسي بيده ما يخرجُ منه إلا حق .
(26) يجب على طالب العلم أن لا يتجرأ على الفتيا فإنه من أُفتِيَ بغيرِ علمٍ كان إثمه على من أفتاه ، ولا يكن همُّه خلاص السائل وليكن همُّه خلاص نفسه فإن السلامةَ لا يعدلها شيء .
(حديث أبي هريرة صحيح أبي داود) أن النبي ( قال : من أُُفْتِيَ بغير علم كان إثمه على من أفتاه و من أشار على أخيه بأمر يعلم أن الرشد في غيره فقد خانه .
(27) ويجب على طالب العلم أن ينصح الناس ويأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر في الأمور التي يعلمها ولا يمنعه هيبة الناس أن يقول بحقٍ إذا علمه :
(حديث أبي سعيد في السلسلة الصحيحة) أن النبي ( قال : لا يمنعنَّ رجلاً هيبةُ الناس أن يقول بحقٍ إذا علمه أو شهده أو سمعه .
1) رعاية حرمة الشيخ:(1/37)
بما أن العلم لا يؤخذ ابتداء من الكتب بل لا بد من شيخ تتقن عليه مفاتيح الطلب، لتأمن من العثار والزلل، فعليك إذاً بالتحلي برعاية حرمته، فإن ذلك عنوان النجاح والفلاح والتحصيل والتوفيق، فليكن شيخك محل إجلال منك وإكرام وتقدير وتلطف، فخذ بمجامع الآداب مع شيخك في جلوسك معه، والتحدث إليه، وحسن السؤال والاستماع، وحسن الأدب في تصفح الكتاب أمامه ومع الكتاب، وترك التطاول والمماراة أمامه، وعدم التقدم عليه بكلام أو مسير أو إكثار الكلام عنده، أو مداخلته في حديثه ودرسه بكلام منك، أو الإلحاح عليه في جواب، متجنباً الإكثار من السؤال، ولا سيما مع شهود الملأ، فإن هذا يوجب لك الغرور وله الملل.
ولا تناديه باسمه مجرداً، أو مع لقبه كقولك: يا شيخ فلان! بل قل: يا شيخى! أو يا شيخنا! فلا تسمه، فإنه أرفع في الأدب، ولا تخاطبه بتاء الخطاب، أو تناديه من بعد من غير اضطرار .
وانظر ما ذكره الله تعالى من الدلالة على الأدب مع معلم الناس الخير ( في قوله تعالى: (لاّ تَجْعَلُواْ دُعَآءَ الرّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَآءِ بَعْضِكُمْ بَعْضاً قَدْ يَعْلَمُ اللّهُ الّذِينَ يَتَسَلّلُونَ مِنكُمْ لِوَاذاً فَلْيَحْذَرِ الّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ) [سورة: النور - الآية: 63]وكما لا يليق أن تقول لوالدك ذي الأبوة الطينية: ”يا فلان” أو: ”يا والدي فلان” فلا يجمل بك مع شيخك .
والتزم توقير المجلس، وإظهار السرور من الدرس والإفادة به.
وإذا بدا لك خطأ من الشيخ، أو وهم فلا يسقطه ذلك من عينك، فإنه سبب لحرمانك من علمه، ومن ذا الذي ينجو من الخطأ سالماً؟ واحذر أن تمارس معه ما يضجره، ومنه ما يسميه المولدون: ”حرب الأعصاب” ، بمعنى: امتحان الشيخ على القدرة العلمية والتحمل.
وإذا بدا لك الانتقال إلى شيخ آخر، فاستأذنه بذلك؛ فإنه أدعى لحرمته، وأملك لقلبه في محبتك والعطف عليك 000(1/38)
إلى آخر جملة من الأدب يعرفها بالطبع كل موفق مبارك وفاء لحق شيخك في ”أبوته الدينية”، أو ما تسميه بعض القوانين باسم ”الرضاع الأدبى:، وتسمية بعض العلماء له ”الأبوة الدينية” أليق، وتركه أنسب.
واعلم أنه بقدر رعاية حرمته يكون النجاح والفلاح، وبقدر الفوت يكون من علامات الإخفاق.
{ تنبيه } :( أعيذك بالله من صنيع الأعاجم، والطرقية، والمبتدعة الخلفية، من الخضوع الخارج عن آداب الشرع، من لحس الأيدي، وتقبيل الأكتاف، والقبض على اليمين باليمين والشمال عند السلام، كحال تودد الكبار للأطفال، والانحناء عند السلام، واستعمال الألفاظ الرخوة المتخاذلة: سيدي، مولاي، ونحوها من ألفاظ الخدم والعبيد.
[*] وانظر ما يقوله العلامة السلفي الشيخ محمد البشير الإبراهيمي الجزائري (م سنة 1380 هـ) رحمه الله تعالى في ”البصائر"؛ فإنه فائق السياق .
رأس مالك – أيها الطالب – من شيخك:
القدوة بصالح أخلاقه وكريم شمائله، أما التلقي والتلقين فهو ربح زائد، لكن لا يأخذك الاندفاع في محبة شيخك فتقع في الشناعة من حيث لا تدرى وكل من ينظر إليك يدري، فلا تقلده بصوت ونغمة، ولا مشية وحركة وهيئة، فإنه إنما صار شيخاً جليلاً بتلك، فلا تسقط أنت بالتبعية له في هذه.
{التحذير من التلقي عن المبتدع} :
(احذر ”أبا الجهل” المبتدع، الذي مسه زيغ العقيدة، وغشيته سحب الخرافة، يحكم الهوى ويسميه العقل، ويعدل عن النص،وهل العقل إلا في النص؟! ويستمسك بالضعيف ويبعد عن الصحيح، ويقال لهم أيضاً: ”أهل الشبهات”(1)، و ”أهل الأهواء”، ولذا كان ابن المبارك(2) رحمه الله تعالى يسمى المبتدعة: ”الأصاغر”.
[*] وقال الذهبي رحمه الله تعالى :(1/39)
“إذا رأيت المتكلم المبتدع يقول: دعنا من الكتاب والأحاديث، وهات (العقل)، فاعلم أنه أبو جهل، وإذا رأيت السالك التوحيدي يقول: دعنا من النقل ومن العقل، وهات الذوق والوجد، فاعلم أنه إبليس قد ظهر بصورة بشر، أو قد حل فيه، إن جبنت منه فاهرب، وإلا، فاصرعه، وابرك على صدره، واقرأ عليه آية الكرسي، واخنقه” اهـ.
[*] وقال أيضاً الذهبي رحمه الله تعالى :
“وقرأت بخط الشيخ الموفق قال: سمعنا درسه –أي ابن أبى عصرون – مع أخي أبى عمر وانقطعنا، فسمعت أخي يقول: دخلت عليه بعد، فقال: لم انقطعتم عنى ؟ قلت: إن أناساً يقولون: إنك أشعري، فقال: والله ما أنا أشعري. هذا معنى الحكاية” اهـ.
[*] وعن مالك رحمه الله تعالى قال :
“لا يؤخذ العلم عن أربعة: سفيه يعلن السفه وإن كان أروى الناس، وصاحب بدعة يدعو إلى هواه، ومن يكذب في حديث الناس، وإن كنت لا أتهمه في الحديث، وصالح عابد فاضل إذا كان لا يحفظ ما يحدث به”.
فيا أيها الطلب! إذا كنت في السعة والاختيار؛ فلا تأخذ عن مبتدع: رافضي، أو خارجي، أو مرجئ، أو قدري، أو قبوري، 000 وهكذا، فإنك لن تبلغ مبلغ الرجال – صحيح العقد في الدين، متين الاتصال بالله، صحيح النظر، تقفو الأثر – إلا بهجر المبتدعة وبدعهم.
وكتب السير والاعتصام بالسنة حافلة بإجهاز أهل السنة على البدعة، ومنابذة المبتدعة، والابتعاد عنهم، كما يبتعد السليم عن الأجرب المريض، ولهم قصص وواقعيات يطول شرحها(1)، لكن يطيب لي الإشارة إلى رؤوس المقيدات فيها:
فقد كان السلف رحمهم الله تعالى يحتسبون الاستخفاف بهم، وتحقيرهم ورفض المبتدع وبدعته،ويحذرون من مخالطتهم، ومشاورتهم، ومؤاكلتهم، فلا تتوارى نار سني ومبتدع.
وكان من السلف من لا يصلى على جنازة مبتدع، فينصرف وقد شوهد من العلامة الشيخ محمد بن إبراهيم (م سنة 1389 هـ) رحمه الله تعالى، انصرافه عن الصلاة على مبتدع.(1/40)
وكان من السلف من ينهى عن الصلاة خلفهم، وينهى عن حكاية بدعهم، لأن القلوب ضعيفة، والشبه خطافة.
وكان سهل بن عبد الله التستري لا يرى إباحة الأكل من الميتة.. للمبتدع عند الاضطرار، لأنه باغ، لقول الله تعالى: (فمن اضطر غير باغ 00) الآية، فهو باغ ببدعته .
(وكانوا يطردونهم من مجالسهم، كما في قصة الإمام مالك رحمه الله تعالى مع من سأله عن كيفية الاستواء، وفيه بعد جوابه المشهور:”أظنك صاحب بدعة”، وأمر به، فأخرج.
وأخبار السلف متكاثرة في النفرة من المبتدعة وهجرهم، حذراً من شرهم، وتحجيما لانتشار بدعهم، وكسرا لنفوسهم حتى تضعف عن نشر البدع، ولأن في معاشرة السني للمبتدع تزكية له لدى المبتدئ والعامي – والعامي: مشتق من العمى، فهو بيد من يقوده غالباً.
ونرى في كتب المصطلح، وآداب الطلب، وأحكام الجرح والتعديل: الأخبار في هذا .
(فيا أيها الطالب ! كن سلفيا على الجادة، واحذر المبتدعة أن يفتنوك، فإنهم يوظفون للاقتناص والمخاتلة سبلا، يفتعلون تعبيدها بالكلام المعسول – وهو: (عسل) مقلوب – وهطول الدمعة، وحسن البزة ، والإغراء الخيالات، والإدهاش بالكرامات، ولحس الأيدي، وتقبيل الأكتاف 00 وما وراء ذلك إلا وحم البدعة، ورهج الفتنة، يغرسها في فؤادك، ويعتملك في شراكه، فوالله لا يصلح الأعمى لقيادة العميان وإرشادهم.
[*](أما الأخذ عن علماء السنة، فالعق العسل ولا تسل.
وفقك الله لرشدك، لتنهل من ميراث النبوة صافياً، وإلا، فليبك على الدين من كان باكياً.
وما ذكرته لك هو في حالة السعة والاختيار، أما إن كنت في دراسة نظامية لا خيار لك، فاحذر منه، مع الاستعاذة من شره، باليقظة من دسائسه على حد قولهم:”اجن الثمار وألق الخشبة في النار”، ولا تتخاذل عن الطلب، فأخشى أن يكون هذا من التولي يوم الزحف، فما عليك إلا أن تتبين أمره وتتقى شره وتكشف ستره .(1/41)
ومن النتف الطريفة أن أبا عبد الرحمن المقرئ حدث عن مرجئ، فقيل له: لم تحدث عن مرجئ ؟ فقال:”أبيعكم اللحم بالعظام”
فالمقرئ رحمه الله تعالى حدث بلا غرر ولا جهالة إذ بين فقال:”وكان مرجئاً”.
وما سطرته لك هنا هو من قواعد معتقدك، عقيدة أهل السنة والجماعة، ومنه ما في ”العقيدة السلفية” لشيخ الإسلام أبى عثمان إسماعيل بن عبد الرحمن الصابوني (م سنة 449 هـ)، قال رحمه الله تعالى :
ويبغضون أهل البدع الذين أحدثوا في الدين ما ليس منه، ولا يحبونهم ولا يصحبونهم، ولا يسمعون كلامهم، ولا يجالسونهم، ولا يجادلونهم في الدين، ولا يناظرونهم، ويرون صون آذانهم عن سماع أباطيلهم التي إذا مرت بالأذان وقرت في القلوب، ضرت وجرت إليها من الوساوس والخطرات الفاسدة ما جرت وفيه أنزل الله عز وجل قوله:”وإذا رأيت الذين يخوضون في آياتنا فأعرض عنهم حتى يخوضوا في حديث غيره” أ هـ.
[*] وعن سليمان بن يسار أن رجلا يقال له: صبيغ، قدم المدينة، فجعل يسأل عن متشابه القرآن؟ فأرسل إليه عمر رضي الله عنه وقد أعد له عراجين النخل، فقال: من أنت؟ قال أنا عبد الله صبيغ، فأخذ عرجوناً من تلك العراجين، فضربه حتى دمى رأسه، ثم تركه حتى برأ ثم عاد ثم تركه حتى برأ، فدعي به ليعود، فقال: إن كنت تريد قتلى فاقتلني قتلاً جميلاً فأذن له إلى أرضه، وكتب إلى أبى موسى الأشعري باليمن: لا يجالسه أحد من المسلمين. [رواه الدارمي].
وقيل: كان متهماً برأي الخوارج.
[*] والنووي رحمه الله تعالى قال في كتاب ”الأذكار”:
“باب: التبري من أهل البدع والمعاصي”.
وذكر حديث أبى موسى رضي الله عنه:”أن رسول الله صلي الله عليه وسلم برئ من الصالقة، والحالقة، والشاقة”. متفق عليه.
وعن ابن عمر براءته من القدرية. رواه مسلم .(1/42)
والأمر في هجر المبتدع ينبني على مراعاة المصالح وتكثيرها ودفع المفاسد وتقليلها، وعلى هذا تتنزل المشروعية من عدمها، كما حرره شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى في مواضع .
والمبتدعة إنما يكثرون ويظهرون، إذا قل العلم، وفشا الجهل.
[*] وفيهم يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى:
“فإن هذا الصنف يكثرون ويظهرون إذا كثرت الجاهلية وأهلها، ولم يكن هناك من أهل العلم بالنبوة والمتابعة لها من يظهر أنوارها الماحية لظلمة الضلال، ويكشف ما في خلافها من الإفك والشرك والمحال” أ هـ.
فإذا اشتد ساعدك في العلم، فاقمع المبتدع وبدعته بلسان الحجة والبيان، والسلام. :
1) احذر قرين السوء:
كما أن العرق دساس فإن ”أدب السوء دساس” ، إذ الطبيعة نقال، والطباع سراقة، والناس كأسراب القطا مجبولون على تشبه بعضهم ببعض، فاحذر معاشرة من كان كذلك، فإنه العطب والدفع أسهل من الرفع”.
(وعليه، فتخير للزمالة والصداقة من يعينك على مطلبك، ويقربك إلى ربك ويوافقك على شريف غرضك ومقصدك وتدب في ( حديث أبي سعيد الثابت في صحيحي أبي داوود والترمذي) أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : لا تصاحب إلا مؤمنا و لا يأكل طعامك إلا تقي . وفي (حديث أبي هريرة الثابت في صحيحي أبي داوود والترمذي) أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : المرء على دين خليله فلينظر أحدكم من يخالل .
[*] ومن نفيس كلام هشام بن عبد الملك ”م سنة 125هـ”قوله :
“ما بقى من لذات الدنيا شئ إلا أخ أرفع مؤونة التحفظ بيني وبينه” أ هـ.
[*] ومن لطيف ما يفيد بعضهم :
“العزلة من غير عين العلم: زلة ومن غير زاي الزهد: علة”
1) علو الهمة في العلم:(1/43)
من سجايا الإسلام التحلي بكبر الهمة، مركز السالب والموجب في شخصك، الرقيب على جوارحك، كبر الهمة يجلب لك بإذن الله خيراً غير مجذوذ، لترقى إلى درجات الكمال، فيجرى في عروقك دم الشهامة والركض في ميدان العلم والعمل، فلا يراك الناس واقفاً إلا على أبواب الفضائل، ولا باسطاً يديك إلا لمهمات الأمور.
والتحلي بها يسلب منك سفاسف الآمال والأعمال، ويجتنب منك شجرة الذل والهوان والتملق والمداهنة، فكبير الهمة ثابت الجأش، لا ترهبه المواقف، وفاقدها جبان رعديد، تغلق فمه الفهاهة.
ولا تغلط فتخلط بين علو الهمة والكبر، فإن بينهما من الفرق كما بين السماء ذات الرجع والأرض ذات الصدع.
كبر الهمة حلية ورثة الأنبياء، والكبر داء المرضى بعلة الجبابرة البؤساء.
فيا طالب العلم ارسم لنفسك كبر الهمة، ولا تنفلت منه وقد أومأ الشرع إليها في فقهيات تلابس حياتك، لتكون دائماً على يقظة من اغتنامها، ومنها: إباحة التيمم للمكلف عند فقد الماء، وعدم إلزامه بقبول هبة ثمن الماء للوضوء، لما في ذلك من المنة التي تنال من الهمة منالاً، وعلى هذا فقس ، والله أعلم.
2) النهمة في الطلب :
إذا علمت الكلمة المنسوبة إلى الخليفة الراشد علي بن أبى طالب رضي الله تعالى عنه: ”قيمة كل امرئ ما يحسنه” وقد قيل: ليس كلمة أحض على طلب العلم منها، فاحذر غلط القائل: ما ترك الأول للآخر وصوابه: كم ترك الأول للآخر!
فعليك بالاستكثار من ميراث النبي ( ، وابذل الوسع في الطلب والتحصيل والتدقيق، ومهما بلغت في العلم، فتذكر:”كم ترك الأول للآخر”!
[*] وفي ترجمة أحمد بن عبد الجليل من ”تاريخ بغداد” للخطيب ذكر من قصيدة له:
لا يكون السري مثل الدني ... ... لا ولا ذو الذكاء مثل الغبي
قيمة المرء كلما أحسن المر ... ... ء قضاء من الإمام علي
3) الرحلة للطلب:(1/44)
فمن لم يرحل في طلب العلم، للبحث عن الشيوخ، والسياحة في الأخذ عنهم، فيبعد تأهله ليرحل إليه، لأن هؤلاء العلماء الذين مضى وقت في تعلمهم، وتعليمهم، والتلقي عنهم: لديهم من التحريرات، والضبط، والنكات العلمية، والتجارب، ما يعز الوقوف عليه أو على نظائره في بطون الأفار.
واحذر القعود عن هذا على مسلك المتصوفة البطالين، الذين يفضلون ”علم الخرق” على ”علم الورق”.
وقد قيل لبعضهم: ألا ترحل حتى تسمع من عبد الرزاق ؟ فقال ما يصنع بالسماع من عبد الرزاق من يسمع من الخلاق ؟!
وقال آخر:
إذا خاطبوني بعلم الورق ... ... برزت عليهم بعلم الخرق
فاحذر هؤلاء، فإنهم لا للإسلام نصروا، ولا للكفر كسروا، بل فيهم من كان بأساً وبلاء على الإسلام.
4) حفظ العلم كتابة :
ابذل الجهد في حفظ العلم (حفظ كتاب)، لأن تقييد العلم بالكتابة أمان من الضياع، وقصر لمسافة البحث عند الاحتياج، لا سيما في مسائل العلم التي تكون في غير مظانها، ومن أجل فوائده أنه عند كبر السن وضعف القوى يكون لديك مادة تستجر منها مادة تكتب فيها بلا عناء في البحث والتقصي. وكتابة العلم من سنة النبي - صلى الله عليه وسلم - وتدبر (حديث عبد الله بن عمرو الثابت في صحيح أبي داود) قال : كنت أكتب كل شيء أسمعه من رسول الله ( أريد حفظة فنهتني قريش وقالوا أتكتب كل شيء تسمعه ورسول الله ( بشر يتكلم في الغضب والرضا فأمسكت عن الكتاب فذكرت ذلك لرسول الله ( فأومأ بأصبعه إلى فيه فقال أكتب فوالذي نفسي بيده ما يخرج منه إلا حق .(1/45)
ولذا فاجعل لك (مذكرة) لتقييد الفوائد والفرائد والأبحاث المنثورة في غير مظانها، وإن استعملت غلاف الكتاب لتقييد ما فيه من ذلك، فحسن، ثم تنقل ما يجتمع لك بعد في مذكرة، مرتباً له على الموضوعات، مقيداً رأس المسألة، واسم الكتاب، ورقم الصفحة والمجلد، ثم اكتب على ما قيدته:”نقل”، حتى لا يختلط بما لم ينقل، كما تكتب:”بلغ صفحة كذا ”فيما وصلت إليه من قراءة الكتاب حتى لا يفوتك ما لم تبلغه قراءة.
وللعلماء مؤلفات عدة في هذا، منها: ”بدائع الفوائد” لابن القيم، و ”خبايا الزاويا” للزركشى، ومنها: كتاب ”الإغفال” و ”بقايا الخبايا” وغيرها.
وعليه فقيد العلم بالكتاب ، لا سيما بدائع الفوائد في غير مظانها، وخبايا الزوايا في غير مساقها، ودراً منثورة تراها وتسمعها تحشى فواتها ... . وهكذا فإن الحفظ يضعف، والنسيان يعرض.
[*] قال الشعبي: ”إذا سمعت شيئاً، فاكتبه، ولو في الحائط”.
رواه خيثمة.
وإذا اجتمع لديك ما شاء الله أن يجتمع فرتبه في (تذكرة) أو (كناش) على الموضوعات، فإن يسعفك في أضيق الأوقات التي قد يعجز عن الإدراك فيها كبار الأثبات.
5) حفظ الرعاية:
ابذل الوسع في حفظ العلم (حفظ رعاية) بالعمل والاتباع،
[*] قال الخطيب البغدادي رحمه الله تعالى :
“ويجب على طالب الحديث أن يخلص نيته في طلبه، ويكون قصده وجه الله سبحانه.
وليحذر أن يجعله سبيلاً إلى نيل الأعراض، وطريقاً إلى أخذ الأعواض، فقد جاء الوعيد لمن ابتغى ذلك بعلمه.
وليتق المفاخرة والمباهاة به، وأن يكون قصده في طلب الحديث نيل الرئاسة واتخاذ الأتباع وعقد المجالس، فإن الآفة الداخلة على العلماء أكثرها من هذا الوجه.
وليجعل حفظه للحديث حفظ رعاية لا حفظ رواية، فإن رواة العلوم كثير، ورعاتها قليل، ورب حاضر كالغائب، وعالم كالجاهل، وحامل للحديث ليس معه منه شيء إذ كان في إطراحه لحكمه بمنزلة الذاهب عن معرفته وعلمه.(1/46)
وينبغي لطالب الحديث أن يتميز في عامة أموره عن طرائق العوام باستعمال آثار رسول الله ( ما أمكنه، وتوظيف السنن على نفسه، فإن الله تعالى يقول:”لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة”. أ. هـ.
6) تعاهد المحفوظات :
تعاهد علمك من وقت إلى آخر، فان عدم التعاهد عنوان الذهاب للعلم مهما كان.
وتدبر في (حديث ابن عمر رضي الله عنهما الثابت في الصحيحين) أن رسول الله ( قال: إنما مثل صاحب القرآن كمثل صاحب الإبل المعقلة، إن عاهد عليها، أمسكها، وإن أطلقها، ذهبت .
[*] قال الحافظ ابن عبد البر رحمه الله :
“وفي هذا الحديث دليل على أن من لم يتعاهد علمه، ذهب عنه أي من كان، لأن علمهم كان ذلك الوقت القرآن لا غير، وإذا كان القرآن الميسر للذكر يذهب إن لم يتعاهد، فما ظنك بغيره من العلوم المعهودة ؟!
وخير العلوم ما ضبط أصله، واستذكر فرعه، وقاد إلى الله تعالى، ودل على ما يرضاه” أ هـ.
[*] وقال بعضهم : كل عز لم يؤكد بعلم، فإلى ذلك مصيره أ هـ.
7) التفقه بتخريج الفروع على الأصول :
من وراء الفقه: التفقه، ومعتمله هو الذي يعلق الأحكام بمداركها الشرعية.
وتدبر في (حديث زيدٍ بن ثابت الثابت في صحيحي أبي داوود والترمذي ) أن النبي ( قال نضَّر الله امرءا سمع منا حديثا فحفظه حتى يبلغه غيره فرب حامل فقه إلى من هو أفقه و رب حامل فقه ليس بفقيه .
[*] قال ابن خير رحمه الله تعالى في فقه الحديث:
“وفيه بيان أن الفقه هو الاستنباط والاستدراك في معاني الكلام من طريق التفهم وفي ضمنه بيان وجوب التفقه، والبحث على معاني الحديث واستخراج المكنون من سره” أ هـ.
وللشيخين، شيخ الإسلام ابن تيمية وتليمذه ابن قيم الجوزية رحمهما الله تعالى، في ذلك القدح المعلى، ومن نظر في كتب هذين الإمامين، سلك به النظر فيها إلى التفقه طريقاً مستقيماً.
[*] ومن مليح كلام ابن تيمية رحمه الله تعالى قوله في مجلس للتفقه :(1/47)
“أما بعد، فقد كنا في مجلس التفقه في الدين والنظر في مدارك الأحكام المشروعة، تصويراً، وتقريراً وتأصيلا، وتفصيلاً، فوقع الكلام في ... . فأقول لا حول ولا قوة إلا بالله، هذا مبنى على أصل وفصلين...”
واعلم أرشدك الله أن بين يدي التفقه: (التفكر) ، فإن الله سبحانه وتعالى دعا عباده في غير آية من كتابه إلى التحرك بإحالة النظر العميق في (التفكر) في ملكوت السماوات والأرض وإلى أن يمعن المرء النظر في نفسه، وما حوله، فتحاً للقوى العقلية على مصراعيها، وحتى يصل إلى تقوية الإيمان وتعميق الأحكام، والانتصار العلمي: ”كذلك يبين الله لكم آياته لعلكم تعقلون”،”قل هل يستوي الأعمى والبصير أفلا تتفكرون".
وعليه فإن ”التفقه” أبعد مدى من (التفكر) إذ هو حصيلته وإنتاجه، وإلا ”فما لهؤلاء القوم لا يكادون يفقهون حديثاً”.
لكن هذا التفقه محجوز بالرهان محجور عن التشهي والهوى:
"ولئن اتبعت أهواءهم بعد الذي جاءك من العلم مالك من الله من ولي ولا نصير”.
فيا أيها الطالب! تحل بالنظر والتفكر، والفقه والتفقه، لعلك أن تتجاوز من مرحلة الفقيه إلى فقيه النفس كما يقول الفقهاء، وهو الذي يعلق الأحكام بمداركها الشرعية، أو فقيه البدن كما في اصطلاح المحدثين .
فأجل النظر عند الواردات بتخريج الفروع على الأصول، وتمام العناية بالقواعد والضوابط.
وأجمع للنظر في فرع ما بين تتبعه وإفراغه في قالب الشريعة العام من قواعدها وأصولها المطردة، كقواعد المصالح، ودفع الضرر والمشقة، وجلب التيسير، وسد باب الحيل، وسد الذرائع.
وهكذا هديت لرشدك أبداً فإن هذا يسعفك في مواطن المضايق وعليك بالتفقه كما أسلفت – في نصوص الشرع، والتبصر فيما يحف أحول التشريع، والتأمل في مقاصد الشريعة، فإن خلا فهمك من هذا أو نبا سمعك فإن وقتك ضائع وإن اسم الجهل عليك لواقع.(1/48)
وهذه الخلة بالذات هي التي تعطيك التميز الدقيق والمعيار الصحيح لمدى التحصيل والقدرة على التخريج: فالفقيه هو من تعرض له النازلة لا نص فيها فيقتبس لها حكماً .
والبلاغي ليس من يذكر لك أقسامها وتفريعاتها، لكنه من تسرى بصيرته البلاغية من كتاب الله، مثلا فيخرج من مكنون علومه وجوهها وإن كتب أو خطب ؛ نظم لك عقدها.
وهكذا في العلوم كافة.
8) اللجوء إلى الله تعالى في الطلب والتحصيل :
لا تفزع إذا لم يفتح لك في علم من العلوم، فقد تعاصت بعض العلوم على بعض الأعلام المشاهير، ومنهم من صرح بذلك كما يعلم من تراجمهم ومنهم الأصمعي في علم العروض والرهاوي المحدث في الخط، وابن الصلاح في المنطق وأبو مسلم النحوي في علم التصريف، والسيوطي في الحساب، وأبو عبيدة، ومحمد بن عبد الباقي الأنصاري، وأبو الحسن القطيعي وأبو زكريا يحيى بن زياد الفراء، وأبو حامد الغزالي، خمستهم لم يفتح لهم بالنحو.
فيا أيها الطالب! ضاعف الرغبة، وأفزع إلى الله في الدعاء واللجوء إليه والانكسار بين يديه.
وكان شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى كثيراً ما يقول في دعائه إذا استعصى عليه تفسير آية من كتاب الله تعالى:
اللهم يا معلم آدم وإبراهيم علمني ويا مفهم سليمان فهمني فيجد الفتح في ذلك .
9) الأمانة العلمية :
يجب على طالب العلم فائق التحلي بالأمانة العلمية، في الطلب، والتحمل والعمل والبلاغ، والأداء:
“فإن فلاح الأمة في صلاح أعمالها، وصلاح أعمالها في صحة علومها، وصحة علومها في أن يكون رجالها أمناء فيما يروون أو يصفون، فمن تحدث في العلم بغير أمانة، فقد مس العلم بقرحة ووضع في سبيل فلاح الأمة حجر عثرة.(1/49)
لا تخلو الطوائف المنتمية إلى العلوم من أشخاص لا يطلبون العلم ليتحلوا بأسنى فضيلة، أو لينفعوا الناس بما عرفوا من حكمة وأمثال هؤلاء لا تجد الأمانة في نفوسهم مستقراً، فلا يتحرجون أن يرووا ما لم يسمعوا، أو يصفوا ما لم يعلموا، وهذا ما كان يدعو جهابذة أهل العلم إلى نقد الرجال، وتمييز من يسرف في القول ممن يصوغه على قدر ما يعلم، حتى أصبح طلاب العلم على بصيرة من قيمة ما يقرؤونه، فلا تخفي عليهم منزلته، من القطع بصدقة أو كذبة أو رجحان أحدهما على الآخر، أو منزلته من القطع بصدقة أو كذبة أو رجحان أحدهما على الأخر أو احتمالها على سواء”أ. هـ.
10) الصدق :
صدق اللهجة: عنوان الوقار، وشرف النفس ونقاء السريرة، وسمو الهمة، ورجحان العقل، ورسول المودة مع الخلق وسعادة الجماعة، وصيانة الديانة، ولهذا كان فرض عين فيا خيبة من فرط فيه، ومن فعل فقد مس نفسه وعلمه بأذى.
[*] قال الأوزاعي رحمه الله تعالى:
“تعلم الصدق قبل أن تتعلم العلم”.
[*] وقال وكيع رحمه الله تعالى:
“هذه الصنعة لا يرتفع فيها إلا صادق” .
فتعلم – رحمك الله – الصدق قبل أن تتعلم العلم، والصدق: إلقاء الكلام على وجه مطابق للواقع والاعتقاد، فالصدق من طريق واحد، أما نقيضه الكذب فضروب وألوان ومسالك وأودية، يجمعها ثلاثة : (
(1) كذب المتملق: وهو ما يخالف الواقع والاعتقاد، كمن يتملق لمن يعرفه فاسقا أو مبتدعاً فيصفه بالاستقامة.
(2) وكذب المنافق: وهو ما يخالف الاعتقاد ويطابق الواقع كالمنافق ينطق بما يقوله أهل السنة والهداية.
(3) وكذب الغبي: بما يخالف الواقع ويطابق الاعتقاد كمن يعتقد صلاح صوفي مبتدع فيصفه بالولاية. فالزم الجادة (الصدق) فلا تضغط على عكد اللسان ولا تضم شفتيك، ولا تفتح فاك ناطقا إلا على حروف تعبر عن إحساسك الصادق في الباطن، كالحب والبغض، أو إحساسك في الظاهر، كالذي تدركه الحواس الخمس: السمع والبصر والشم والذوق واللمس.(1/50)
فالصادق لا يقول:”أحببتك” وهو مبغض ولا يقول: سمعت وهو لم يسمع، وهكذا
واحذر أن تحوم حولك الظنون فتخونك العزيمة في صدق اللهجة فتسجل في قائمة الكذابين.
وطريق الضمانة لهذا – إذا نازعتك نفسك بكلام غير صادق فيه:- أن تقهرها بذكر منزلة الصدق وشرفه، ورذيلة الكذب ودركه وأن الكاذب عن قريب ينكشف.
واستعن بالله ولا تعجزن .
ولا تفتح لنفس سابلة المعاريض في غيرها ما حصره الشرع.
فيا طالب العلم! احذر أن تمرق من الصدق إلى المعاريض فالكذب، وأسوأ مرامي هذا المروق (الكذب في العلم) لداء منافسة الأقران، وكيران السمعة في الآفاق.
ومن تطلع إلى سمعة فوق منزلته فليعلم أن في المرصاد رجالا يحملون بصائر نافذة وأقلاما ناقدة فيزنون السمعة بالأثر، فتتم تعريك عن ثلاثة معان: (
(1) فقد الثقة من القلوب.
(2) ذهاب علمك وانحسار القبول.
(3) أن لا تصدق ولو صدقت.
وبالجملة فمن يحترف زخرف القول، فهو أخو الساحر، ولا يفلح الساحر حيث أتى. والله أعلم
11) جنة طالب العلم:
جنة العالم (لا أدرى)، ويهتك حجابه الاستنكاف منها وقوله: يقال ... .
وعليه، فإن نصف العلم (لا أدرى)، فنصف الجهل (يقال) و (أظن)
12) المحافظة على رأس مالك (ساعات عمرك):
الوقت الوقت للتحصيل، فكن حلف عمل لا حلف بطالة ويطر وحلس معمل لا حلس تله وسمر فالحفظ على الوقت بالجد والاجتهاد وملازمة الطلب ومثافنة الأشياخ، والاشتغال بالعلم قراءة وإقراء ومطالعة وتدبراً وحفظا وبحثا، لا سيما في أوقات شرخ الشباب ومقتبل العمر، ومعدن العاقبة، فاغتنم هذه الفرصة الغالية، لتنال رتب العلم العالية، فإنها ”وقت جمع القلب، واجتماع الفكر”، لقلة الشواغل والصوارف عن التزامات الحياة والترؤس، ولخفة الظهر والعيال.
ما للمعيل وللعوالي إنما ... ... يسعى إليهم الفريد الفارد(1/51)
وإياك وتأمير التسويف على نفسك، فلا تسوف لنفسك بعد الفراغ من كذا، وبعد (التقاعد) من العمل هذا ... وهكذا بل البذار قبل أن يصدق عليك قول أبى الطحان القيني:
حنتني حانيات الدهر حتى ... ... كأني خاتل أدنوا لصيد
قصير الخطر يحسب من رآني ولست مقيداً أنى بقيد
[*] وقال أسامة بن منقذ:
مع الثمانين عاث الضعف في جسدي ... ... وساءني ضعف رجلي واضطراب يدي
إذا كتبت فخطى خط مضطرب ... ... كخط مرتعش الكفين مرتعد
فاعجب لضعف يدي عن حملها قلما ... ... من بعد حمل القنا في لبة الأسد
فقل لمن يتمنى طول مدته ... ... ... هذى عواقب طول العمر والمدد.
فإن أعملت البدار، فهذا شاهد منك على أنك تحمل ”كبر الهمة في العلم”.
13( إجمام النفس:
خذ من وقتك سويعات تجم بها نفسك في رياض العلم من كتب المحاضرات (الثقافة العامة)، فإن القلوب يروح عنها ساعة فساعة.
وفي المأثور عن أمير المؤمنين على بن أبى طالب رضي الله عنه أنه قال: ”أجموا هذه القلوب، وابتغوا لها طرائف الحكمة، فإنها تمل كما تمل الأبدان” .
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى في حكمة النهى عن التطوع في مطلق الأوقات :
“بل في النهى عنه بعض الأوقات مصالح أخر من إجمام النفوس بعض الأوقات، من ثقل العبادة، كما يجم بالنوم وغيره، ولهذا قال معاذ إني لأحتسب نومتي، كما أحتسب قومتي ... ”
وقال :”بل قد قيل: إن من جملة حكمة النهى عن التطوع المطلق في بعض الأوقات: إجمام النفوس في وقت النهى لتنشط للصلاة، فإنها تنبسط إلى ما كانت ممنوعة منه، وتنشط للصلاة بعد الراحة. والله أعلم” أ هـ.
ولهذا كانت العطل الأسبوعية للطلاب منتشرة منذ أمد بعيد، وكان الأغلب فيها، يوم الجمعة، وعصر الخميس، وعند بعضهم يوم الثلاثاء، ويوم الاثنين، وفي عيدي الفطر والأضحى من يوم إلى ثلاثة أيام وهكذا ... .(1/52)
ونجد ذلك في كتب آداب التعليم، وفي السير، ومنه على سبيل المثال:”آداب المعلمين” لسحنون (ص104)، و”الرسالة المفصلة” للقابسى (ص135-137)، و”الشقائق النعمانية”ص20)، وعنه في ”أبجد العلوم”(1/195-196) وكتاب ”أليس الصبح بقريب” للطاهر ابن عاشور، وفتاوى رشيد رضا” (1212)، و معجم البلدان”(3/102) و”فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية” (25/318-320،329).
14) قراءة التصحيح والضبط :
احرص على قراءة التصحيح والضبط على شيخ متقن، لتأمن من التحريف والتصحيف والغلط والوهم.
وإذا استقرأت تراجم العلماء – وبخاصة الحفاظ منهم – تجد عدداً غير قليل ممن جرد المطولات في مجالس أو أيام قراءة ضبط على شيخ متقن.
فهذا الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى قرأ ”صحيح البخاري” في عشرة مجالس، كل مجلس عشر ساعات و”صحيح مسلم” في أربعة مجالس في نحو يومين وشيء من بكرة النهار إلى الظهر، وانتهى ذلك في يوم عرفة، وكان يوم الجمعة سنة 813هـ وقرأ ”سنن ابن ماجة” في أربعة مجالس، ومعجم الطبراني الصغير” في مجلس واحد، بين صلاتي الظهر والعصر.
وشيخه الفيروز آبادي قرأ في دمشق ”صحيح مسلم” على شيخه ابن جهبل قراءة ضبط في ثلاثة أيام.
وللخطيب البغدادي والمؤتمن الساجي، وابن الأبار وغيرهم في ذلك عجائب وغرائب يطول ذكرها، وانظرها في: ”السير” للذهبي (18/277و 279، 19/310، 21/253)، و”طبقات الشافعية” للسبكي (4/30)، و الجواهر والدرر ”للسخاوي (1/103-105) و فتح المغيث”(2/46)، و”شذرات الذهب” (8/121، 206)، و”خلاصة الأثر” (1/72-73) و”فهرس الفهارس” للكتاني، و”تاتج العروس”(1/45-46).
فلا تنس حظك من هذا.
15) جرد المطولات :
الجرد للمطولات من أهم المهمات، لتعدد المعارف وتوسيع المدارك واستخراج مكنونها من الفوائد والفرائد والخبرة من مظان الأبحاث والمسائل ومعرفة طرائق المصنفين في تأليفهم واصطلاحهم فيها.(1/53)
وقد كان السالفون يكتبون عند وقوفهم:”بلغ”، حتى لا يفوته شيء عند المعاودة، لا سيما مع طول الزمن.
حسن السؤال:
التزم أدب المباحثة من حسن السؤال، فالاستماع فصحة الفهم للجواب، وإياك إذا حصل الجواب أن تقول: لكن الشيخ فلان قال لي كذا، أو قال كذا، فإن هذا وهن في الأدب، وضرب لأهل العلم بعضهم ببعض، فاحذر هذا.
وإن كنت لا بد فاعلاً، فكن واضحا في السؤال، وقل: ما رأيك في الفتوى بكذا، ولا تسم أحداً.
[*] قال ابن القيم رحمه الله تعالى :
“وقيل: إذا جلست إلى عالم، فسل تفقها لا تعنتاً” أ هـ.
وقال أيضاً:
“وللعلم ست مراتب:
أولها: حسن السؤال.
الثانية: حسن الإنصات والاستماع.
الثالثة: حسن الفهم.
الرابعة: الحفظ.
الخامسة: التعليم.
السادسة: وهى ثمرته، العمل به ومراعاة حدوده. أ هـ.
ثم أخذ في بيانها ببحث مهم.
16) المناظرة بلا مماراة :
إياك والمماراة، فإنها نقمة، أما المناظرة في الحق، فإنها نعمة، إذ المناظرة الحقة فيها إظهار الحق على الباطل، والراجح على المرجوح فهي مبنية على المناصحة، والحلم، ونشر العلم، أما المماراة في المحاورات والمناظرات، فإنها تحجج ورياء ولغط وكبرياء ومغالبة ومراء، واختيال وشحناء، ومجاراة للسفهاء فاحذرها واحذر فاعلها، تسلم من المآثم وهتك المحارم، وأعرض تسلم وتكبت المأثم والغرم.
17) مذاكرة العلم:
تمتع مع البصراء بالمذاكرة والمطارحة، فإنها في مواطن تفوق المطالعة وتشحذ الذهن وتقوى الذاكرة، ملتزماً الإنصاف والملاطفة، مبتعداً عن الحيف والشغب والمجازفة.
وكن على حذر، فإنها تكشف عوار من لا يصدق .
فإن كانت مع قاصر في العلم، بارد الذهن، فهي داء ومنافرة وأما مذاكرتك مع نفسك في تقليبك لمسائل العلم ؛ فهذا ما لا يسوغ أن تنفك عنه.
وقد قيل: إحياء العلم مذاكرته.
طالب العلم يعيش بين الكتاب والسنة وعلومها:
فهما له كالجناحين للطائر، فاحذر أن تكون مهيض الجناح.
17) استكمال أدوات كل فن :(1/54)
لن تكون طالب علم متقناً متفنناً – حتى يلج الجمل في سم الخياط – ما لم تستكمل أدوات ذلك الفن، ففي الفقه بين الفقه وأصوله، وفي الحديث بين علمي الرواية والدراية ... وهكذا، وإلا فلا تتعن .
قال الله تعالى:”الذين آتيناهم الكتاب يتلونه حق تلاوته”.
فيستفاد منها أن الطالب لا يترك علما حتى يتقنه .
من علامات العلم النافع: التحلي بالعمل
[*](تساءل مع نفسك عن حظك من علامات العلم النافع، وهى:
العمل به.
كراهية التزكية والمدح والتكبر على الخلق.
تكاثر تواضعك كلما ازددت علماً.
الهرب من حب الترؤس والشهرة والدنيا.
هجر دعوى العلم.
إساءة الظن بالنفس، وإحسانه بالناس تنزها عن الوقوع بهم
وقد كان عبد الله بن المبارك إذا ذكر أخلاق من سلف ينشد:
لا تعرضن بذكرنا مع ذكرهم ... ... ليس الصحيح إذا مشى كالمقعد
زكاة العلم:
أد (زكاة العلم): صادعاً بالحق، آمراً بالمعروف، ناهياً عن المنكر موازنا بين المصالح والمضار، ناشراً للعلم، وحب النفع وبذل الجاه، والشفاعة الحسنة للمسلمين في نوائب الحق والمعروف.
وتدبر في ( حديث أبى هريرة الثابت في صحيح مسلم ) أن النبي ( قال:
“إذا مات الإنسان انقطع عمله، إلا من ثلاث: صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له”.
قال بعض أهل العلم : هذه الثلاث لا تجتمع إلا للعالم الباذل لعلمه فبذله صدقه ينتفع بها والمتلقي لها ابن للعالم في تعلمه عليه.
فاحرص على هذه الحلية فهي رأس ثمرة علمك.
ولشرف العلم، فإنه يزيد بكثرة الإنفاق، وينقص مع الإشفاق وآفته الكتمان.
ولا تحملك دعوى فساد الزمان، وغلبة الفساق، وضعف إفادة النصيحة عن واجب الأداء والبلاغ، فإن فعلت، فهي فعلة يسوق عليها الفساق الذهب الأحمر، ليتم لهم الخروج على الفضيلة ورفع لواء الرذيلة.(1/55)
التحلي بعزةِ العلماء : صيانة العلم وتعظيمه، حماية جناب عزة وشرفه، وبقدر ما تبذله في هذا يكون الكسب منه ومن العمل به، وبقدر ما تهدره يكون الفوت ولا حول ولا قوة إلا بالله العزيز الحكيم.
وعليه فاحذر أن يتمندل بك الكبراء، أو يمتطيك السفهاء، فتلاين في فتوى، أو قضاء، أو بحث، أو خطاب ... .
ولا تسع به إلى أهل الدنيا ولا تقف به على أعتابهم ولا تبذله إلى غير أهله وإن عظم قدره.
ومتع بصرك وبصيرتك بقراءة التراجم والسير لأئمة مضوا، تر فيها بذل النفس في سبيل هذه الحماية، لا سيما من جمع مثلا في هذا، مثل كتاب ”من أخلاق العلماء” لمحمد سليمان رحمه الله تعالى ، وكتاب ”الإسلام بين العلماء والحكام” لعبد العزيز البدري رحمه الله تعالى، وكتاب ”مناهج العلماء في الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر” لفاروق السامرائى
وأرجو أن ترى أضعاف ما ذكروه في كتاب ”عزة العلماء” يسر الله إتمامه وطبعه.
وقد كان العلماء يلقنون طلابهم حفظ قصيدة الجرجاني على بن عبد العزيز م سنة 392هـ) رحمه الله تعالى كما نجدها عند عدد من مترجميه ومطلعها:
يقولون لي فيك انقباض وإنما ... ... رأوا رجلا عن موضع الذل أحجما
أرى الناس من داناهم هان عندهم ... ومن أكرمته عزة النفس أكرما
ولا أن أهل العلم صانوه صانهم ... ولو عظموه في النفوس لعظما
(لعظما) بفتح الظاء المعجمة المشالة.
(صيانة العلم:
إن بلغت منصباً، فتذكر أن حبل الوصل إليه طلبك للعلم، فبفضل الله ثم بسبب علمك بلغت ما بلغت من ولاية في التعليم، أو الفتيا، أو القضاء ... . وهكذا فأعط العلم قدره وحظه من العمل به وإنزاله منزلته.
واحذر مسلك من لا يرجون لله وقارا، الذين جعلوا الأساس (حفظ المنصب) فيطوون ألسنتهم عن قول الحق، ويحملهم حب الولاية على المجاراة.
فالزم – رحمك الله – المحافظة على قيمتك بحفظ دينك وعلمك، وشرف نفسك، بحكمة ودراية وحسن سياسة:”احفظ الله يحفظك ”“احفظ الله في الرخاء يحفظك في الشدة”.(1/56)
وإن أصبحت عاطلاً من قلادة الولاية وهذا سبيلك ولو بعد حين فلا بأس، فإنه عزل محمدة لا عزل مذمة ومنقصة.
ومن العجيب أن بعض من حرم قصدا كبيرا من التوفيق لا يكون عنده الالتزام والإنابة والرجوع إلى الله إلا بعد (التقاعد) فهذا وإن كانت توبته شرعية، لكن دينه ودين العجائز سواء إذ لا يتعدى نفعه، أما وقت ولايته، حال الحاجة إلى تعدى نفعه، فتجده من أعظم الناس فجوراً وضرراً، أو بارد القلب أخرس اللسان عن الحق.
فنعوذ بالله من الخذلان.
تاسعاً : التحلي بالمدارة وليس المداهنة
التحلي بالمدارة وليس المداهنة : المداهنة خلق منحط، أما المداراة فلا، لكن لا تخلط بينهما، فتحملك المداهنة إلى حضار النفاق مجاهرة، والمداهنة هي التي تمس دينك ن فكلاهما ملاينة إلا أن فصل الخطاب بينهما أن [ المدارة ملاينة للتوصل إلى حق ، والمداهنة ملاينة للتوصل إلى باطل ] .
عاشراً : التحلي بالغرام بالكتب
(التحلي بالغرام بالكتب :
شرف العلم معلوم، لعموم نفعه، وشدة الحاجة إليه كحاجة البدن إلى الأنفاس، وظهور النقص بقدر نقصه، وحصول اللذة والسرور بقدر تحصيله ولهذا اشتد غرام الطلاب بالطلب والغرام بجمع الكتب مع الانتقاء ولهم أخبار في هذا تطول وفيه مقيدات في خبر الكتاب يسر الله إتمامه وطبعه.
وعليه فاحذر الأصول من الكتب واعلم أنه لا يغنى منها كتاب عن كتاب، ولا تحشر مكتبتك وتشوش على فكرك بالكتب الغثائية، لا سيما كتب المبتدعة، فإنها سم ناقع.
[*](قوام مكتبتك:
عليك بالكتب المنسوجة على طريقة الاستدلال والتفقه على علل الأحكام، والغوص على أسرار المسائل، ومن أجلها كتب الشيخين: شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى، وتلميذه ابن قيم الجوزية رحمه الله تعالى.
وعلى الجادة في ذلك من قبل ومن بعد كتب:
الحافظ ابن عبد البر (م سنة 463هـ) رحمه الله تعالى وأجل كتبه”التمهيد”.
الحافظ ابن قدامه (م سنة 620هـ) رحمه الله تعالى، وأرأس كتبه المغنى”.(1/57)
الحافظ ابن الذهبي (م سنة 748هـ) رحمه الله تعالى.
الحافظ ابن كثير (م سنة 774هـ) رحمه الله تعالى.
الحافظ ابن رجب (م سنة 795هـ) رحمه الله تعالى.
الحافظ ابن حجر (م سنة 852هـ) رحمه الله تعالى.
الحافظ الشوكاني (م سنة 1250هـ) رحمه الله تعالى.
الإمام محمد بن عبد الوهاب (م سنة 1206هـ) رحمه الله تعالى.
كتب علماء الدعوة ومن أجمعها ”الدرر السنية”.
العلامة الصنعاني (م سنة 1182هـ) رحمه الله تعالى، لا سيما كتابة النافع ”سبل السلام”.
العلامة صديق حسن خان القنوجي (م سنة 1307هـ) رحمه الله تعالى.
العلامة محمد الأمين الشنقيطي (م سنة 1393هـ) رحمه الله تعالى لا سيما كتابة:”أضواء البيان”.
التعامل مع الكتاب:
لا تستفد من كتاب حتى تعرف اصطلاح مؤلفة فيه، وكثيراً ما تكون المقدمة كاشفة عن ذلك، فابدأ من الكتاب بقراءة مقدمته.
ومنه: (
إذا حزت كتاباً؛ فلا تدخله في مكتبتك إلا بعد أن تمر عليه جرداً، أو قراءة لمقدمته، وفهرسه، ومواضع منه، أما إن جعلته مع فنه في المكتبة، فربما مر زمان وفات العمر دون النظر فيه، وهذا مجرب والله الموفق.
إعجام الكتابة:
إذا كتبت فأعجم الكتابة بإزالة عجمتها، وذلك بأمور:
وضوح الخط .
رسمه على ضوء قواعد الرسم (الإملاء). وفي هذا مؤلفات كثيرة من أهمها:
كتاب الإملاء ”لحسين وإلى .
“قواعد الإملاء” لعبد السلام محمد هارون
“المفرد العلم ”للهاشمي، رحمهم الله تعالى .
النقط للمعجم والإهمال للمهمل .
الشكل لما يشكل.
تثبيت علامات الترقيم في غير آية أو حديث .
الحادي عشر:التخلي عن المحاذير التي لا تجعل العلم نافعاً
[*](التخلي عن المحاذير التي لا تجعل العلم نافعاً فتقلبه من نورٍ على نار .
وهذه المحاذير هي ما يلي :
[1] حلم اليقظة:
إياك و(حلم اليقظة)، ومنه بأن تدعي العلم لما لم تعلم، أو إتقان ما لم تتقن، فإن فعلت، فهو حجاب كثيف عن العلم.
احذر أن تكون ”أبا شبر” .(1/58)
فقد قيل: العلم ثلاثة أشبار، من دخل في الشبر الأول، تكبر ومن دخل في الشبر الثاني، تواضع ومن دخل في الشبر الثالث، علم أنه ما يعلم.
[2] التصدر قبل التأهل:
احذر التصدر قبل التأهل، هو آفة في العلم والعمل.
وقد قيل: من تصدر قبل أوانه، فقد تصدى لهوانه.
[3] التنمر بالعلم:
احذر ما يتسلى به المفلسون من العلم، يراجع مسألة أو مسألتين، فإذا كان في مجلس فيه من يشار إليه، أثار البحث فيهما، ليظهر علمه! وكم في هذا من سوءة، أقلها أن يعلم أن الناس يعلمون حقيقته.
وقد بينت هذه مع أخوات لها في كتاب ”التعالم”، والحمد لله رب العالمين.
[4] تحبير الكاغد:
كما يكون الحذر من التأليف الخالي من الإبداع في مقاصد التأليف الثمانية ، والذي نهايته ”تحبير الكاغد" فالحذر من الاشتغال بالتصنيف قبل استكمال أدواته، واكتمال أهليتك، والنضوج على يد أشياخك، فإنك تسجل به عاراً وتبدى به شناراً.
أما الاشتغال بالتأليف النافع لمن قامت أهليته، واستكمل أدواته، وتعددت معارفه، وتمرس به بحثا ومراجعة ومطالعة وجرداً لمطولاته، وحفظاً لمختصراته، واستذكاراً لمسائله، فهو من أفضل ما يقوم به النبلاء من الفضلاء.
ولا تنس قول الخطيب:
“من صنف، فقد جعل عقله على طبق يعرضه على الناس”.
[5] موقفك من وهم من سبقك:
إذا ظفرت بوهم لعالم، فلا تفرح به للحط منه، ولكن افرح به لتصحيح المسألة فقط، فإن المنصف يكاد يجزم بأنه ما من إمام إلا وله أغلاط وأوهام لا سيما المكثرين منهم.
وما يشغب بهذا ويفرح به للتنقص، إلا متعالم ”يريد أن يطب زكاما فيحدث به جذاما" .
نعم، يبنه على خطأ أو وهم وقع لإمام غمر في بحر علمه وفضله، لكن لا يثير الرهج عليه بالتنقص منه والحط عليه فيغتر به من هو مثله.
[6] دفع الشبهات :
لا تجعل قلبك كالسفنجه تتلقى ما يرد عليها، فاجتنب إثارة الشبه وإيرادها على نفسك أو غيرك، فالشبه خطافة، والقلوب ضعيفة، وأكثر م يلقيها حمالة الحطب – المبتدعة – فتوقهم.
[(1/59)
7] احذر اللحن:
ابتعد عن اللحن في اللفظ والكتب، فإن عدم اللحن جلالة، وصفاء ذوق ووقوف على ملاح المعاني لسلامة المباني:
فعن عمر رضي الله عنه أنه قال:
"تعلموا العربية؛ فإنها تزيد في المروءة" .
وقد ورد عن جماعة من السلف أنهم كانوا يضربون أولادهم على اللحن .
وأسند الخطيب عن الرحبي قال:
"سمعت بعض أصحابنا يقول: إذا كتب لحان، فكتب عن اللحان لحان آخر؛ صار الحديث بالفارسية “!
وأنشد المبرد:
النحو يبسط من لسان الألكن
... ... ... ... ... ... والمرء تكرمه إذا لم يلحن
فإذا أردت من العلوم أجلها
... ... ... ... ... ... فأجلها منها مقيم الألسن
وعليه؛ فلا تحفل بقول القاسم بن مخيمرة رحمه الله تعالى:
“تعلم النحو: أوله شغل، وآخره بغي".
ولا بقول بشر الحافي رحمه الله تعالى:
"لما قيل له: تعلم النحو قال: أضل، قال: قل ضرب زيد عمراً.
قال بشر: يا أخي! لم ضربه؟ قال: يا أبا نصر! ما ضربه وإنما هذا أصل وضع. فقال بشر: هذا أوله كذب، لا حاجة لي فيه".
رواهما الخطيب في”اقتضاء العلم العمل".
[8] احذر (الإجهاض الفكري)؛ بإخراج الفكرة قبل نضوجها.
الإسرائيليات الجديدة :
[9] احذر الإسرائيليات الجديدة في نفثات المستشرقين؛ من يهود ونصارى؛ فهي أشد نكاية وأعظم خطراً من الإسرائيليات القديمة؛ فإن هذه قد وضح أمرها ببيان النبي ( الموقف منها، ونشر العلماء القول فيها، أما الجديدة المتسربة إلى الفكر الإسلامي في أعقاب الثورة الحضارية واتصال العالم بعضه ببعض، وكبح المد الإسلامي؛ فهي شر محض، وبلاء متدفق، وقد أخذت بعض المسلمين عنها سنة، وخفض الجناح لها آخرون، فاحذر أن تقع فيها. وفي الله المسلمين شرها.
[10] احذر الجدل البيزنطي :
أي الجدل العقيم، أو الضئيل، فقد كان البيزنطيون يتحاورون في جنس الملائكة والعدو على أبواب بلدتهم حتى داهمهم.
وهكذا الجدل الضئيل يصد عن السبيل.(1/60)
وهدي السلف: الكف عن كثرة الخصام والجدال، وأن التوسع فيه من قلة الورع؛ [*] كما قال الحسن إذ سمع قوماً يتجادلون:
"هؤلاء ملوا العبادة، وخف عليهم القول، وقل ورعهم، فتكلموا".
[*] رواه أحمد ”الزهد"، وأبو نعيم في ”الحلية" .
لا طائفية ولا حزبية يعقد الولاء والبراء عليها :
أهل الإسلام ليس لهم سمة سوى الإسلام والسلام:
فيا طالب العلم! بارك الله فيك وفي علمك؛ اطلب العلم، واطلب العمل، وادع إلى الله تعالى على طريقة السلف.
ولا تكن خراجاً ولاجاً في الجماعات، فتخرج من السعة إلى القوالب الضيقة، فالإسلام كله لك جادة ومنهجاً، والمسلمون جميعهم هم الجماعة، وإن يد الله مع الجماعة، فلا طائفية ولا حزبية في الإسلام.
وأعيذك بالله أن تتصدع، فتكون نهاباً بين الفرق والطوائف والمذاهب الباطلة والأحزاب الغلية، تعقد سلطان الولاء والبراء عليها.
فكن طالب علم على الجادة؛ تقفو الأثر، وتتبع السنن، تدعو إلى الله على بصيرة، عارفاً لأهل الفضل فضلهم وسابقتهم.
وإن الحزبية ذات المسارات والقوالب المستحدثة التي لم يعهدها السلف من أعظم العوائق عن العلم، والتفريق عن الجماعة، فكم أوهنت حبل الاتحاد الإسلامي، وغشيت المسلمين بسببها الغواشي .
فاحذر رحمك الله أحزاباً وطوائف طاف طائفها، ونجم بالشر ناجمها، فما هي إلا كالميازيب ؛ تجمع الماء كدراً، وتفرقه هدراً؛ إلا من رحمه ربك، فصار على مثل ما كان عليه النبي ( وأصحابه رضي الله عنهم.
[*] قال ابن القيم رحمه الله تعالى عند علامة أهل العبودية في :
"العلامة الثانية: قوله:”ولم ينسبوا إلى اسم"؛ أي:لم يشتهروا باسم يعرفون به عند الناس من الأسماء التي صارت أعلاماً لأهل الطريق.
وأيضاً؛ فإنهم لم يتقيدوا بعمل واحد يجري عليهم اسمه، فيعرفون به دون غيره من الأعمال؛ فإن هذا آفة في العبودية، وهي عبودية مقيدة.(1/61)
وأما العبودية المطلقة؛ فلا يعرف صاحبها باسم معين من معاني أسمائها؛ فإنه مجيب لداعيها على اختلاف أنواعها، فله مع كل أهل عبودية نصيب يضرب معهم بسهم؛ فلا يتقيد برسم ولا إشارة، ولا اسم ولا بزي، ولا طريق وضعي اصطلاحي، بل إن سئل عن شيخه؟ قال:
الرسول. وعن طريقه؟ قال: الاتباع. وعن خرقته؟ قال: لباس التقوى. وعن مذهبه؟ قال: تحكيم السنة. وعن مقصده ومطلبه؟ قال: (يريدون وجهه). وعن رباطه وعن خانكاه؟ قال: (في بيوت أذن الله أن ترفع ويذكر فيها اسمه يسبح له فيها بالغدو والآصال رجال لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة). وعن نسبه؟ قال:
أبي الإسلام لا أب لي سواه
... ... ... ... ... ... ... إذا افتخروا بقيس أو تميم
وعن مأكله ومشربه؟ قال:”مالك ولها؟ معها حذاؤها وسقاؤها، ترد الماء، وترعى الشجر، حتى تلقى ربها".
واحسرتاه تقضي العمر وانصرمت
... ... ... ... ... ... ساعاته بين ذل العجز والكسل
والقوم قد أخذوا درب النجاة وقد
... ... ... ... ... ... ساروا إلى المطلب الأعلى على مهل
ثم قال:”قوله”"أولئك ذخائر الله حيث كانوا”؛ ذخائر الملك: ما يخبأ عنده، ويذخره لمهماته، ولا يبذله لكل أحد؛ وكذلك ذخيرة الرجل: ما يذخره لحوائجه ومهماته. وهؤلاء؛ لما كانوا مستورين عن الناس بأسبابهم، غير مشار إليهم، ولا متميزين برسم دون الناس، ولا منتسبين إلى اسم طريق أو مذهب أو شيخ أو زي؛ كانوا بمنزلة الذخائر المخبوءة.
وهؤلاء أبعد الخلق عن الآفات؛ فإن الآفات كلها تحت الرسوم والتقيد بها، ولزوم الطرق الاصطلاحية، والأوضاع المتداولة الحادثة.
هذه هي التي قطعت أكثر الخلق عن الله، وهم لا يشعرون.
والعجب أن أهلها هم المعروفون بالطلب والإرادة، والسير إلى الله، وهم – إلا الواحد بعد الواحد – المقطوعون عن الله بتلك الرسوم والقيود.
وقد سئل بعض الأئمة عن السنة؟ فقال: ما لا اسم له سوى ”السنة".(1/62)
يعني: أن أهل السنة ليس لهم اسم ينسبون إليه سواها.
فمن الناس من يتقيد بلباس غيره، أو بالجلوس في مكان لا يجلس في غيره، أو مشية لا يمشى غيرها، أو بزي وهيئة لا يخرج عنهما، أو عبادة معينة لا يتعبد بغيرها وإن كانت أعلى منها، أو شيخ معين لا يلتفت إلى غيره وإن كان أقرب إلى الله ورسوله منه.
فهؤلاء كلهم محجوبون عن الظفر بالمطلوب الأعلى، مصددون عنه قد قيدتهم العوائد والرسوم والأوضاع والاصطلاحات عن تجريد المتابعة فأضحوا عنها بمعزل ومنزلتهم منها أبعد منزل فترى أحدهم يتعبد بالرياضة والخلوة وتفريغ القلب ويعد العلم قاطعاً له عن الطريق فإذا ذكر له الموالاة في الله والمعاداة فيه والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر عد ذلك فضولاً وشراً وإذا رأوا بينهم من يقوم بذلك أخرجوه من بينهم وعدوه غيراً عليهم فهؤلاء أبعد الناس عن الله وإن كانوا أكثر إشارة.
مسألة : ما هي الآداب التي يجب على العالم أن يتحلى بها ؟
[*](الآداب التي يجب على العالم أن يتحلى بها :
(1) الشفقة على المتعلمين ، وأن يعاملهم كما يعامل الأب أبنائه ، ولا يرى لنقسه فضلاً عليهم فإنما الفضلُ لله تعالى ، بل يرى الفضل لهم لأنهم هيأوا قلوبهم لزراعة العلم فيها فكانوا كحال من أعار أرضه لمن يزرع فيها
(2) أن يعلمهم العلم ولا يكتمه عنهم فقد ورد النكير الشديد لمن يكتم العلم
(حديث أبي هريرة في صحيحي أبي داوود والترمذي) أن النبي ( قال : من سئل عن علم فكتمه ألجمه الله يوم القيامة بلجام من نار .
(3) أن يرحب بهم لوصية النبي ( بهم :
(حديث أبي سعيد في صحيح ابن ماجة) أن النبي ( قال : سيأتيكم أقوام يطلبون العلم فإذا رأيتموهم فقولوا لهم : مرحبا بوصية رسول الله و أقنوهم .
*معنى أقنوهم : أي علموهم
((1/63)
4) أن يصبر عليهم في تعليم العلم وأن يغرس في قلوبهم شجرة الصبر على تعلم العلم ، وأن يذكرهم مراراً وتكراراً بهذه العبارة { لابد من الصبر وطول النفس في تعلم العلم وإنما يُؤخذ العلم حديثاً وحديثين وباباً بعد باب ، وأنه من استعجل الشيء قبل أوانه عوقب بحرمانه}
(حديث أبي هريرة في صحيح الجامع) أن النبي ( قال إنما العلم بالتعلم و إنما الحلم بالتحلم و من يتحر الخير يعطه و من يتق الشر يُوَقَّه .
(5) أن يكرر كلامه ويبينه أثناء التعليم حتى يفهم الجميع فإن العقول تتفاوت ، كما تكرار الكلام ليفهم من سنة النبي (
(حديث أنس في الصحيحين) أن النبي ( كان إذا تكلم بكلمة أعادها ثلاثا حتى تفهم عنه و إذا أتى على قوم فسلم عليهم سلم عليهم ثلاثا .
(6) أن يجعل كلامه فصلاً بين المعنى يفهمه كل من يسمعه تأسياً بالنبي (
(حديث عائشة في صحيحي أبي داوود والترمذي) قالت كان كلام النبي ( فصلا يفهمه كل من سمعه .
*معنى فصلاً : أي بين المعنى لا يلتبس على أحد بل يفهمه كل من يسمعه
(7) أن يكون في كلامه ترتيل وتمهل ليتمكن السامع من سماعه تأسياً بالنبي ( .
(حديث جابر في صحيح أبي داود) قال كان في كلام رسول الله ( ترتيل أو ترسيل .
معنى ترتيل : أي تأني وتمهل حتى يتمكن السامع من سماعه وفهمه
(8) أن لا يكثر الكلام في الموضوع الواحد لأن كثرة الكلام ينسي بعضه بعضاً وليكن مبدأه في الكلام أن ما قل وكفى خيرٌ مما كثر وألهى تأسياً بالنبي ( .
(حديث أبي سعيد في صحيح الجامع)أن النبي ( قال : ما قل و كفى خير مما كثر وألهى .
(حديث عائشة في صحيح مسلم) قالت كان النبي ( يُحدِّث بحديثٍ لو عاده العادُّ لأحصاه .
(9) أن ينظر إلى فهم المتعلم ومقدار عقله فيحدثه بما يفهم ، فإنه إن حدثه بما هو فوق طاقته العقلية فإما أن يصيبه بإحباط فيملَّ وينقطع أو يكون سبباً في فتنته ويفهم الكلام على وجهٍ غير المقصود منه(1/64)
قال عليُّ رضي الله تعالى عنه : حدِّثوا الناس بما يفهمون أتريدون أن يُكذَّب الله ورسوله .
[*] وقال ابن مسعودٍ رضي الله تعالى عنه : ما أنت بمحدثٍ قوماً حديثاً لا تبلُغُه عقولهم إلا كان لبعضهم فتنة .
(10) أن يضرب لهم الأمثال أثناء شرحه لهم ليقرِّب المعنى لهم تأسياً بالنبي (
(حديث أبي هريرة في الصحيحين) أن النبي ( قال : أرأيتم لو أن نهراً بباب أحدكم يغتسل فيه كل يومٍ خمساً ، ما تقولُ ذلك يبقي من درنه ؟ قالوا : لا يبقي من درنه شيئاً ، قال فذلك مثل الصلوات الخمس يمحو الله به الخطايا .
(11)أن لا يتسرع في الفتوى ولا يكن همُّه خلاص السائل وليكن همُّه خلاص نفسه فإن السلامة لا يعدلها شيء :
(حديث أبي هريرة في صحيح أبي داود) أن النبي ( قال : من أفتى بغير علم كان إثمه على من أفتاه و من أشار على أخيه بأمر يعلم أن الرشد في غيره فقد خانه .
[*] قال عبد الرحمن ابن أبي ليلى رحمه الله تعالى :
أدركت في هذا المسجد مائةً وعشرين من أصحاب النبي ( ، ما أحدٌ يُسأل عن حديثٍ أو فتوى إلا ودَّ أن أخاه كفاه ذلك ، ثم قد آل الأمر إلى إقدام أقوامٍ يدَّعون العلم اليوم يقدمون على الجواب في مسائل لو عَرَضت لعمرَ رضي الله تعالى عنه لجمع أهل بدرٍ واستشارهم
(12)أن يطبق العلم حتى ينجو من مقت الله تعالى ، والله تعالى يقول
( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ ، كَبُرَ مَقْتًا عِندَ اللَّهِ أَن تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ ) { الصف/3،2}
(حديث أسامة في الصحيحين) أن النبي ( قال : يُؤتى بالعالم يوم القيامة فيُلقى في النار فتندلقُ أقتا به فيدور حولها كما يدور الحمار حول الرحى ، فيجتمع إليه أهل النار فيقولون يا فلان ويحك ، مالك كنت تأمرنا بالمعروف وتنهانا عن المنكر فيقول كنت آمركم بالمعروف ولا آتيه وأنهاكم عن المنكر وآتيه .
((1/65)
حديث جندب ابن عبد الله في صحيح الجامع) أن النبي ( قال مثل العالم الذي يعلم الناس الخير و ينسى نفسه كمثل السراج يضيء للناس و يحرق نفسه .
(حديث أنس في صحيح الجامع) أن النبي ( قال أتيت ليلة أسري بي على قوم تقرض شفاههم بمقاريض من نار كلما قرضت وفت فقلت : يا جبريل من هؤلاء ؟ قال : خطباء أمتك الذين يقولون ما لا يفعلون و يقرءون كتاب الله و لا يعملون به .
معنى كلما قُرضت وفت : أي كلما قرضت رجعت كما كانت
(13) أن يجعل يوماً لموعظة النساء تأسياً بالنبي ( :
(حديث أبي سعيد في الصحيحين) قال قالت النساء للنبي ( غلبنا عليك الرجال فاجعل لنا يوماً من نفسك فوعدهنَّ يوماً لقيهنَّ فيه فوعظهنَّ وأمرهنَّ فكان فيما قال لهن : ما منكنَّ امرأةٌ تقدم ثلاثةً من ولدها إلا كان لها حجابٌ من النار فقالت امرأةٌ واثنين قال واثنين .
{ تنبيه } :( ينبغي للعالم أن يعظ النساء إذا لم يوجد من النساء من تكفيه مؤنة ذلك فإن وجد من النساء من تكفيه مؤنة ذلك فهو أفضل لأنه بذلك يكون قد حصل المقصود وهو الوعظ للنساء ويكون قد جنب نفسه الفتنة بالنساء التي هي أضر فتنةٍ على الرجال
(حديث أسامة في الصحيحين) أن النبي ( قال ما تركت بعدي فتنة أضر على الرجال من النساء .
(14) ينبغي للعالم كذلك أن لا يدخل على الأمراء حتى يسلم منهم ويسلموا منه وقد حذر النبي ( من ذلك .
(حديث ابن عباس في صحيحي أبي داوود والترمذي) أن النبي( قال من سكن البادية جفا و من اتبع الصيد غفل و من أتى السلطان افتتن .
معنى ومن أتى السلطان افتتن : وذلك لأنه إن وافقه في مرامه فقد خاطر بدينه وإن خالفه فقد خاطر بروحه .
(حديث رجلٍ من سليم في صحيح لجامع) أن النبي ( قال إياكم و أبواب السلطان فإنه قد أصبح صعبا هبوطا .
معنى إياكم وأبواب السلطان : أي اجتنبوها ولا تقتربوا منها
معنى صعباً هبوطاً : صعباً أي شديداً ، هبوطاً أي منزلاً لدرحة من لا زمه مذلاً له في الدنيا والآخرة
((1/66)
نشاط الشيخ في درسه:
يكون على قدر مدارك الطالب في استماعه، وجمع نفسه، وتفاعل أحاسيسه مع شيخه في درسه، ولهذا فاحذر أن تكون وسيلة قطع لعلمه، بالكسل، والفتور والاتكاء، وانصراف الذهن وفتوره.
[*] قال الخطيب البغدادي رحمه الله تعالى :
“حق الفائدة أن لا تساق إلا إلى مبتغيها، ولا تعرض إلا على الراغب فيها، فإذا رأى المحدث بعض الفتور من المستمع، فليسكت، فإن بعض الأدباء قال: نشاط القائل على قدر فهم المستمع”.
ثم ساق بسنده عن زيد بن وهب، قال:
“قال عبد الله: حدث القوم ما رمقوك بأبصارهم، فإذا رأيت منهم فترة، فانزع” ا هـ.
[*](الكتابة عن الشيخ حال الدرس والمذاكرة:
وهى تختلف من شيخ إلى آخر، فافهم.
ولهذا أدب وشرط:
أما الأدب، فينبغي لك أن تعلم شيخك أنك ستكتب، أو كتبت ما سمعته مذاكرة.
وأما الشرط، فتشير إلى أنك كتبته من سماعه من درسه .
[*]( (فضل بعض العلوم التي يجب على طالب العلم أن يتحلى بها)
(أولاً فضل علم التوحيد
(ثانياً فضل علم القرآن
(ثالثاً فضل علم السنة
(رابعاً فضل علم الفقه
(خامساً فضل علم الهدْي والآداب ...
مسألة : ما هو فضل علم التوحيد ؟
إن لعلم التوحيد فضلٌ عظيم لأن التوحيد هو أول ما يجب على العبد أن يتعلمه من دينه لأن التوحيد مقدمٌ على العمل والأصل الذي يترتب عليه غيره إذ لا ينفع مع الشرك عمل
قال تعالى (فاعلم أنه لا إله إلا الله واستغفر لذنبك) { محمد/19 }
((1/67)
حديث ابن عباس في الصحيحين) قال . قال رسول الله ( لمعاذٍ ابن جبل حين بعثه إلى اليمن إنك ستأتي قوما أهل كتاب فإذا جئتهم فادعهم إلى أن يشهدوا أن لا إله إلا الله و أن محمدا رسول الله فإن هم أطاعوا لك بذلك فأخبرهم أن الله قد فرض عليهم خمس صلوات في كل يوم و ليلة فإن هم أطاعوا لك بذلك فأخبرهم أن الله قد فرض عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم فترد على فقرائهم فإن هم أطاعوا لك بذلك فإياك و كرائم أموالهم و اتق دعوة المظلوم فإنه ليس بينها و بين الله حجاب .
* الشاهد :
قول النبي ( ( فإذا جئتهم فادعهم إلى أن يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله ، فإن هم أطاعوا لك بذلك فأخبرهم أن الله قد فرض عليهم خمس صلواتٍ في كل يومٍ وليلة ) فجعل النبي ( إخبارهم بالصلاة معلقٌ على قبول التوحيد أي إذا لم يقبلوا التوحيد فلا تخبرهم إذ لا ينفع مع الشرك عمل
إن من المعلوم شرعاً أن القرآن الكريم أكبر منةٍ امتن الله تعالى بها على هذه الأمة ، ففيه حياةُ القلوب ويحصل بالتمسك به سعادة الدارين ولا يُتَصوَّر طلب العلم على جادةِ الاستقامة إلا بعد حفظ كتاب الله تعالى كاملاً ومن فرَّط فيه فرَّط في غيره ولا شك ، وليس معنى ذلك أنه يشترط في طلب العلم حفظ كتاب الله تعالى كاملاً غير أنه لا يستقيم علمه ولا يكون له وزناً في العلم إلا إذا حفظ كتاب الله تعال كاملاً وذلك لأن كل العلم تخدم كتاب الله تعالى ، ولذا كان النبي ( يحث أمته دائماً على حفظ كتاب الله تعالى وأن يُقبلوا علته إقبالَ الظامئِ على المورد العذب ،
والسنة الصحيحة طافحةٌ بما يدل على ذلك وهاك بعضٌ منها :
(1) مثَّل النبي ( المؤمن الذي يقرأ القرآن بالأترجة ريحها طيب وطعمها طيب وكذا المؤمن الذي يقرأ القرآن مرضيٌ حاله قلباً وقالباً _ وهذا إن كان عاملاً بكتاب الله تعالى _ وإلا انقلب علمه من نورٍ إلى نار .
((1/68)
حديث أبي موسى في الصحيحين) أن النبي ( قال : مثل المؤمن الذي يقرأ القرآن كمثل الأترجة ريحها طيب و طعمها طيب و مثل المؤمن الذي لا يقرأ القرآن كمثل التمرة لا ريح لها و طعمها حلو و مثل المنافق الذي يقرأ القرآن كمثل الريحانة ريحها طيب و طعمها مر و مثل المنافق الذي لا يقرأ القرآن كمثل الحنظلة ليس لها ريح و طعمها مر .
(2) وبين النبي ( أنه يترتب الأجر الوفير على قراءة القرآن الكريم :
(حديث عقبة ابن عامر في صحيح مسلم) أن النبي ( قال : أيكم يحب أن يغدو كل يوم إلى بطحان أو إلى العقيق فيأتي منه بناقتين كوماوين زهراوين في غير إثم و لا قطع رحم فلأن يغدو أحدكم إلى المسجد فيتعلم أو يقرأ آيتين من كتاب الله خير له من ناقتين و ثلاث خير له من ثلاث و أربع خير له من أربع و من أعدادهن من الإبل .
(حديث ابن مسعودٍ في صحيحي أبي داوود والترمذي) أن النبي ( قال من قرأ حرفا من كتاب الله فله به حسنة و الحسنة بعشر أمثالها لا أقول : { ألم } حرف و لكن : ألف حرف و لام حرف و ميم حرف .
(حديث ابن عباس في صحيحي الترمذي) أن النبي ( قال { إذا زلزلت } تعدل نصف القرآن و { قل يا أيها الكافرون } تعدل ربع القرآن و { قل هو الله أحد } تعدل ثلث القرآن .
{ تنبيه } :( ومن مظاهر سعة رحمة الله تعالى لعباده وكذا من مظاهر يسر الإسلام أن الله تعالى رتب الأجر الوفير على قراءة القرآن الكريم سواء كان القارئ يجيد القراءة أم يتتعتع في القراءة .
(حديث عائشة في الصحيحين) أن النبي ( قال الذي يقرأ القرآن وهو حافظٌ له مع السفرةِ الكرامِ البررة والذي يقرأ القرآن ويتعاهده وهو عليه شديد فله أجران .
(حديث جابر في صحيح أبي داود) قال : خرج علينا رسول الله ونحن نقرأ القرآن وفينا الأعرابي والأعجمي فقال : اقرؤا فكلٌ حسن وسيجئُ أقوامٌ يقيمونه كما يُقام القدحُ يتعجلونه ولا يتأجلونه .
الشاهد :(1/69)
أن النبي ( جعل أمر قراءة القرآن على التساهل حيث قال في قراءة الأعرابي والأعجمي (اقرأوا فكلٌ حسن ) وهما غالباً لا يحسنان القراءة لأن الأعرابي غالباً بعيدٌ عن العلم والأعجمي ليس عربياً أصلاً ، ثم بين النبي ( أن المهم في القراءة الاحتساب وإخلاص النية ثم نبه ( أنه سيجئُ أقوامٌ يقرؤون القرآن قراءةً صحيحةً ويقيمون الألفاظ كما يُقام القدح (أي السهم) ولكنهم مع ذلك يتعجلون ثوابه في الدنيا ولا يؤجلون ثوابه في الآخرة .
(3) بين النبي ( أن الله تعالى يرفع صاحب القرآن في الدنيا والآخرة
(حديث عمر في صحيح مسلم) أن النبي ( قال إن الله يرفع بهذا الكتاب أقواماً ويضعُ به آخرين .
(حديث عبد الله بن عمرو في صحيحي أبي داوود والترمذي) أن النبي ( قال يقال لصاحب القرآن : اقرأ و ارق و رتل كما كنت ترتل في دار الدنيا فإن منزلتك عند آخر آية كنت تقرؤها .
(4) القرآن يشفع لصاحبه يوم القيامة وتقبل شفاعته :
(حديث أبي أمامة في صحيح مسلم) أن النبي ( قال اقرأوا القرآن فإنه يأتي يوم القيامة شفيعاً لأصحابه .
(حديث عبد اله بن عمرو في صحيح الجامع) أن النبي ( قال الصيام و القرآن يشفعان للعبد يوم القيامة يقول الصيام : أي رب إني منعته الطعام و الشهوات بالنهار فشفعني فيه يقول القرآن : رب منعته النوم بالليل فشفعني فيه فيُشَفَّعان .
معنى فيشفَّعان : أي فتقبل شفاعتهما
(5) رفع منزلة حافظ القرآن عند اله تعالى :
(حديث عثمان في صحيح البخاري) أن النبي ( قال خيركم من تعلم القرآن وعلمه .
(حديث أبي هريرة في صحيح البخاري) أن النبي ( قال لا حسد إلا في اثنتين : رجل علمه الله القرآن فهو يتلوه آناء الليل و آناء النهار فسمعه جار له فقال : ليتني أوتيت مثل ما أوتي فلان فعملت مثل ما يعمل و رجل آتاه الله مالا فهو يهلكه في الحق فقال رجل : ليتني أوتيت مثل ما أوتي فلان فعملت مثل ما يعمل .
{(1/70)
تنبيه } :( المقصود بالحسد هنا : الغبطة لأن الحسد مذموم على كل أحواله فلا يحل في اثنتين ولا ثلاث .
(حديث عائشة في الصحيحين) أن النبي ( قال الذي يقرأ القرآن وهو حافظٌ له مع السفرةِ الكرامِ البررة والذي يقرأ القرآن ويتعاهده وهو عليه شديد فله أجران .
(حديث أنس في صحيح ابن ماجة) أن النبي ( قال : أهل القرآن أهل الله وخاصته .
(6) إكرام أهل القرآن أحياءاً وأمواتاً
(إكرامهم أحياءاً
(حديث أبي مسعودٍ الأنصاري) أن النبي ( قال يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله فإن كانوا في القراءة سواء فأعلمهم بالسنة فإن كانوا في السنة سواء فأقدمهم هجرة فإن كانوا في الهجرة سواء فأقدمهم سنا و لا يؤمنَّ الرجلُ الرجلَ في أهله و لا في سلطانه و لا يقعد في بيته على تكرمته إلا بإذنه .
(حديث ابن عباس في صحيح البخاري موقوفاً) قال : كان القراء أصحاب مجلس عمر رضي الله تعالى عنه كهولاً كانوا أم شباناً .
(حديث أبي موسى في صحيحي أبي داوود والترمذي) أن النبي ( قال إن من إجلال الله إكرام ذي الشيبة المسلم و حامل القرآن غير الغالي فيه و الجافي عنه و إكرام ذي السلطان المقسط .
معنى {من إجلال الله } : أي من تعظيم الله تعالى
معنى {غير الغالي فيه} : أي غير متجاوز الحد فيه في العمل به وتتبع ما خفي منه واشتبه عليه من معانيه وغير الغالي فيه من حيث قراءته ومخارج حروفه
ومعنى{والجافي عنه} أي وغير الجافي عنه أي غير التارك له البعيد عن تلاوته والعمل به .
(إكرامهم أمواتاً
(حديث جابر في صحيح البخاري) قال : كان النبي ( يجمع بين الرجلين من قتلى أحدٍ في الثوب الواحد ثم يقول : أيهم أكثر أخذاً للقرآن فإذا أُشير إلى أحدهما قدَّمه في اللحد وقال أنا شهيدٌ على هؤلاء يوم القيامة وأمر بدفنهم في دمائهم ولم يغسَّلوا ولم يُصلى عليهم .
مسألة : ما هي آداب قراءة القرآن ؟
[(1/71)
*](بيَّن الإمام النووي رحمه الله تعالى آداب قراءة القرآن في كتابه التبيان في آداب حملة القرآن فقال :
(1) ينبغي له أن يستحضر في نفسه أنه يناجي الله تعالى ويقرأ على حال من يرى الله تعالى فإنه إن لم يكن يراه فإنه يراه فعليه أن يطرد الشواغل عن نفسه أثناء هذه المناجاة
(2) ينظف فاه بالسواك فإنه مطهرةٌ للفم مرضاةٌ للرب :
(حديث عائشة في صحيح النسائي) أن النبي ( قال : السواك مطهرةٌ للفم مرضاةٌ للرب .
(3) يستحب له أن يقرأ القرآن على طهارة فإن قرأ محدثاً جاز بإجماع المسلمين
(4) يستحب أن تكون القراءة في موضعٍ نظيف ولهذا استحب جماعة من العلماء القراءة في المسجد لكونه جامعاً للنظافة وشرف البقعة ومحصلاً لفضيلةٍ أخرى هي فضيلة الاعتكاف فإنه ينبغي لكلِ جالس في المسجد أن ينويه سواء كثر جلوسه أو قل ، وهذا الأدب ينبغي أن يعتنى به ويشاع ذكره ويعرفه الصغير والكبير فإنه مما يغفل عنه .
(5) يستحب للقارئ أن يقرأ وهو جالس مستحضراً عظمةَ من يناجيه خاشعاً متذللاً بين يدي الله تعالى ، ولو قرأ قائماً أو مضطجعاً في فراشه أو غير ذلك من الأحوال جاز :
قال تعالى :( إنَّ في خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلاَفِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لآياتٍ لِّأُوْلِي الألْبَابِ ، الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللّهَ قِيَامًا وقعودا وعلى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ والأرض ربنا مَا خَلَقْتَ هَذا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ { آل عمران/191،190}
(حديث عائشة في صحيح مسلم) قالت كان رسول الله ( يذكر الله على كل أحواله .
(6) ويجب على القارئ إذا أراد الشروع في القراءة أن يستعيذ بالله تعالى من الشيطان الرجيم
لقوله تعالى ( فَإِذَا قَرَأْتَ القرآن فاستعذ بِاللّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ ) {النحل/98 }
وكان جماعة من السلف يقولون : أعوذ بالله السميع من الشيطان الرجيم
((1/72)
7) ينبغي له أن يحافظ على قراءة البسملة في أولِ كل سورة سوى سورة براءة .
(8) إذا شرع في القراءة فليكن شأنه الخشوع والتدبر وطرد الشواغل عن ذهنه :
قال تعالى أَفَلاَ يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اللّهِ لوجدوا فيه اخْتِلاَفًا كَثِيراً {النساء/82}
وقال تعالى( أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا ) {محمد /24 }
وقال تعالى( كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لّيَدّبّرُوَاْ آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكّرَ أُوْلُو الألْبَابِ) {ص/29}
{ تنبيه } :( كان النبي ( يهتم اهتماماً بالغاً بتدبر القرآن وكان أحياناً لا يزال يردد آيةً حتى يصبح
(حديث أبي ذر في صحيحي النسائي وابن ماجة) قال قام النبي ( بآيةٍ يرددها حتى أصبح ، والآية قال تعالى: (إِن تُعَذّبْهُمْ فَإِنّهُمْ عِبَادُكَ وَإِن تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) [المائدة / 118]
*وقد تأسى أصحاب النبي ( به في ذلك فردد تميم بن أوس آيةً حتى أصبح والآية هي( أَمْ حَسِبَ الّذِينَ اجْتَرَحُواْ السّيّئَاتِ أَن نّجْعَلَهُمْ كَالّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصّالِحَاتِ سَوَآءً مّحْيَاهُمْ وَمَمَاتُهُمْ سَآءَ مَا يَحْكُمُونَ) {الجاثية/21 )
(9) البكاء عند قراءة القرآن فإن ذلك سمة عباد الله الصالحين :
قال تعالى( وَيَخِرّونَ لِلأذْقَانِ يَبْكُونَ وَيَزِيدُهُمْ خُشُوعاً) { الإسراء /109}
وقال تعالى (إِذَا تُتْلَىَ عَلَيْهِمْ آيَاتُ الرّحْمََنِ خَرّواْ سُجّداً وَبُكِيّاً) { مريم/58}
*وصلى عمر بن الخطاب بالجماعة الصبح فقرأ سورة يوسف فبكى حتى سالت دموعه على ترقوته .
*وعن أبي الرجاء قال رأيت ابن عباس رضي الله تعالى عنهما وتحت عينيه مثلُ الشراك البالي من الدموع .(1/73)
وقدم أناسٌ من اليمن على أبي بكرٍ الصديق رضي الله تعالى عنه فجعلوا يقرؤن القرآن ويبكون فقال أبو بكرٍ الصديق رضي الله تعالى عنه : هكذا كنا .
(10) استحباب ترتيل القرآن :
امتثالاً لقوله تعالى ( ورتل القرآن ترتيلا) {المزمل /4}
(حديث عبد الله بن المغفل في الصحيحين) قال رأيت رسول الله ( يوم فتح مكة على ناقته يقرأ سورةَ الفتح فرجَّع في قراءته)
(حديث أم سلمة في صحيح الترمذي ) قالت كان رسول الله ( يقطع قراءته آية آية : { الحمد لله رب العالمين } ثم يقف : { الرحمن الرحيم } ثم يقف .
11) يكره الإفراط في السرعة في قراءة القرآن لأنها لا تسمح بالتدبر :
(حديث ابن مسعود في الصحيحين ) أن رجلاً قال له لقد قرأت المفصل في ركعة فقال هذا كهزِ الشعر إن قوماً يقرؤن القرآن لا يجاوز تراقيهم ، ولكن إذا وقع في القلب فرسخ فيه نفع .
*المقصود بقوله ( كهذ الشعر ) : كانت عادتهم في إنشاد الشعر السرعة المفرطة .
(12) يستحب له أن لا يمرُّ بآية رحمة إلا سأل ولا بآية فيها عذاب إلا استجار :
( حديث حذيفة في صحيح مسلم) أن النبي ( قرأ البقرة وآل عمران والنساء في ركعة ، لا يمر بآيةِ رحمةٍ إلا سأل ولا بآيةِ عذاب إلا استجار .
(13) احترام القرآن :
إن احترام القرآن من الأمور التي قد يتساهل فيها بعض الغافلين القارئين ، فيجب اجتناب الضحك واللغط (اختلاط الأصوات) والحديث خلال القراءة إلا كلاماً يضطر إليه ، وليمتثل قول الله تعالى ( وَإِذَا قُرِىءَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُواْ لَهُ وَأَنصِتُواْ لَعَلّكُمْ تُرْحَمُونَ) {الأعراف/204}
[*] وكان ابن عمر رضي الله تعالى عنهما إذا قرأ القرآن لا يتكلم حتى يفرغ مما أراد أن يقرأه .
ويجب كذلك اجتناب العبث بين يديه فإنه يناجي الله تعالى ، وكذا يجب اجتناب النظر إلى ما يلهي القلب
((1/74)
14) يستحب له أن يقرأ القرآن على ترتيب المصحف لأن الله تعالى جعل هذا الترتيب لحكمةٍ بالغةٍ قضاها يستوجب الحمد على اقتضاها ، فينبغي له أن يحافظ على هذه الحكمة إلا فيما ورد الشرع باستثنائه كصلاة الفجر يوم الجمعة فإنه يقرأ في الركعة الأولى سورة السجدة وفي الثانية سورة الإنسان وكذلك سنة الفجر فإنه يقرأ في الأولى الكافرون وفي الثانية سورة الإخلاص
قيل لابن مسعودٍ رضي الله تعالى عنه إن فلاناً يقرأ القرآن منكوساً قال : ذلك منكس القلب .
(15)استحباب قراءة القرآن مجتمعين :
(حديث أبي هريرة في صحيح مسلم) أن النبي ( قال ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله و يتدارسونه بينهم إلا نزلت عليهم السكينة و غشيتهم الرحمة و حفتهم الملائكة و ذكرهم الله فيمن عنده .
(16) كراهية الاختلاف في كتاب الله تعالى :
(حديث جندب ابن عبد الله في الصحيحين) أن النبي ( قال اقرءوا القرآن ما ائتلفت عليه قلوبكم فإذا اختلفتم فيه فقوموا
(حديث ابن مسعود في صحيح البخاري) قال سمعت رجلاً قرأ آيةً سمعت من النبي ( خلافها فأخذت بيده فأتيت به رسول الله ( فقال : كلاكما محسن ، لا تختلفوا فإنه من كان قبلكم اختلفوا فهلكوا .
(17) استحباب الجهر بالقراءة والإسرار بها على التفصيل الآتي :
(إذا خاف على نفسه الرياء أو العجب والعياذ بالله كان الإسرار في حقه أفضل وعيه يحمل الحديث (حديث عقبة بن عامر في صحيحي أبي داوود والترمذي) أن النبي ( قال الجاهر بالقرآن كالجاهر بالصدقة و المسر بالقرآن كالمسر بالصدقة .
معنى الحديث : أن المسرَّ بالقرآن أفضل لكي يأمن من العجب المحبط للعمل والعياذ بالله ، وهذا محمول على من خاف على نفسه ذلك .
(أما إذا لم يخف على نفسه الرياء والعجب فالجهر في حقه أفضل لأن نفعه متعدي ، والمنفعة المتعدية أفضل من المنفعة اللازمة لأنه برفع صوته يوقظ غيره من نائم وغافل وينشطه وعليه الأحاديث الآتية
((1/75)
حديث أبي هريرة في الصحيحين) أن النبي ( قال ما أذن الله لشيء ما أذن لنبي حسن الصوت يتغنى بالقرآن يجهر به
(18) استحباب تحسين الصوت بالقرآن :
(حديث أبي هريرة في الصحيحين) أن النبي ( قال ما أذن الله لشيء ما أذن لنبي حسن الصوت يتغنى بالقرآن يجهر به .
(حديث أبي هريرة في صحيح البخاري) أن النبي ( قال ليس منا من لم يتغن بالقرآن .
(حديث أبي موسى في الصحيحين ) أن النبي ( قال له : لقد أُتيت مزماراً من مزامير آل داود .(حديث البراء في صحيحي أبي داوود والنسائي) أن النبي ( قال زينوا القرآن .
(حديث البراء في الصحيحين) قال سمعت رسول الله ( قرأ في العشاء (والتين والزيتون) فما سمعت أحداً أحسن صوتً منه .
{ تنبيه } :( بينت السنة الصحيحة أن أحسن الناس صوتاً بالقرآن هو الذي إذا سمعته يقرأ حسبته يخشى الله (حديث جابر في صحيح ابن ماجة) أن النبي ( قال إن من أحسن الناس صوتا بالقرآن الذي إذا سمعتموه يقرأ حسبتموه يخشى الله .
يستحب طلب القراءة الطيبة من إنسان حسن الصوت :
(حديث ابن مسعود في لصحيحين) قال، قال لي رسول الله ( : اقرأ علي القرآن . فقلت يا رسول الله : أقرأ عليك وعليك أُنزل ، قال : إني أحب أن أسمعه من غيري .
(19) تحريم الجدال في القرآن بغير حق :
(حديث أبي هريرة في صحيح أبي داوود ) أن النبي ( قال : المراء في القرآن كفر .
{ تنبيه } :( المقصود بالمراء هنا الجدال المشكك في القرآن والعياذ بالله تعالى من ذلك ، وقيل الجدال الذي يفعله أهل الأهواء في آيات القدر ونحوها
(20) استحباب دعاء ختم القرآن :
قال الإمام النووي رحمه الله تعالى في كتابه التبيان في آداب حملة القرآن : يستحب الدعاء عقب ختم القرآن استحباباً متأكداً ، وكان عبد الله بن ا لمبارك إذا ختم القرآن أكثر دعائه للمسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات
{تنبيه} : لم يذكر الإمام النووي فذلك دليلاً ، وربما يستدلُ له بالحديث الآتي
((1/76)
حديث عمران بن حصين في صحيح الترمذي) أن النبي ( قال : من قرأ القرآن فليسأل الله به فإنه سيجيء أقوام يقرءون القرآن يسألون به الناس .
مسألة : ماهي آدابُ حملة القرآن ؟
[*](هاك بعض الآداب التي ينبغي لحامل القرآن أن يتحلى بها :
1) قال ابن مسعودٍ رضي الله تعالى عنه : ينبغي لحامل القرآن أن يُعرفَ بليله إذا الناس ينامون وبنهاره إذا الناس مفطرون ، وبحزنه إذا الناس يفرحون ، وببكائه إذا الناس يضحكون وبصمته إذا الناس يخوضون ، وبخشوعه إذا الناس يختالون .
2)وقال الحسن البصري رحمه الله تعالى : إن من كان قبلكم رأوا القرآن رسائل من ربهم ، فكانوا يتدبرونها بالليل وينفذونها بالنهار .
3) وقال الفضيل ابن عياض رحمه الله تعالى : حامل القرآن حامل راية الإسلام لا ينبغي له أن يلهو مع من يلهو ولا يسهو مع من يسهو ولا يلغو مع من يلغو تعظيماً لحق القرآن
4) ويجب على حامل القرآن أن يحافظ على تلاوته ويتعاهده باستمرار حتى لا ينساه :
(حديث أبي موسى في الصحيحين) أن النبي ( قال تعاهدوا القرآن فالذي نفسي بيده لهو أشد تفصيا من قلوب الرجال من الإبل من عقلها .
معنى تفصياً : أي تفلتاً
(حديث ابن مسعود في الصحيحين) أن النبي ( قال بئسما لأحدهم أن يقول : نسيت آية كيت و كيت بل هو نُسِيَ ، واستذكروا القرآن فأنه أشدُّ تفصِّياً من صدور الرجال من النَّعم في عُقُلها .
معنى بل نُسِيَ : أي عوقب بالنسيان لتفريطه فاستذكار القرآن
{ تنبيه } :( لقد ضرب السلف الصالح أروع المثل في قراءة القرآن واستذكاره ، فكان الكثير منهم يختمون كل ثلاث ليالٍ ، وبعضهم كل ليلتين ومنهم من كان يختم في كل يومٍ وليلة ، فمن الذين كانوا يختمون في كل يومٍ وليلة عثمان ابن عفان وتميم ابن أوس الداري وسعيد ابن جبير ومجاهد والشافعي .
(5) ويجب عليه أن يجاهد نفسه في مراجعة القرآن حتى يشربه كشرب اللبن :
((1/77)
حديث عقبة ابن عامر في صحيح الجامع) أن النبي ( قال سيخرج أقوام من أمتي يشربون القرآن كشربهم اللبن .
{ تنبيه } :( هنا سؤال يطرح نفسه ما الدليل على جواز ختم القرآن في يومٍ وليلة ، خاصةً وأنه ورد في السنة الصحيحة أن النبي ( قال لا يفقه من قرأ القرآن في أقل من ثلاث ؟
والجواب أن نقول :
أنه يجوز ختم القرآن في يومٍ وليلة لفعل عثمان بن عفان رضي الله عنه ، وقد أمرنا النبي ( أن نتبع سنتهم وبيَّن أن سنتهم من سنته .
(حديث العرباض بن سارية في صحيح أبي داوود والترمذي) أن النبي ( قال أوصيكم بتقوى الله و السمع و الطاعة و أن أمر عليكم عبد حبشي فإنه من يعش منكم بعدي فسيري اختلافا كثيرا فعليكم بسنتي و سنة الخلفاء المهديين الراشدين تمسكوا بها و عضوا عليها بالنواجذ و إياكم و محدثات الأمور فإن كل محدثة بدعة و كل بدعة ضلالة .
الشاهد : قوله( فعليكم بسنتي و سنة الخلفاء المهديين الراشدين تمسكوا بها و عضوا عليها بالنواجذ فعطف سنتهم على سنته فدل ذلك على أن سنتهم من سنته .
الرد على (حديث عبد الله بن عمرو الثابت في صحيحي أبي داوود والترمذي) أن النبي ( قال : لا يفقه من قرأ القرآن في أقل من ثلاث .
يكون من وجهين :
{الأول} : المقصود بالنفي هنا نفي الفقه لا نفي الثواب ولذا عبَّر النبي( بقوله ( لا يفقه)
{الثاني} : ليس في الحديث دليلٌ على تحريم ختمه في أقل من ثلاث إذ لا يلزم من عدم فهم معناه تحريم قراءته .
(6) ينبغي لحامل القرآن أن يعتني بقراءة القرآن بالليل أكثر من النهار ، وذلك لكونها أجمع للقلب وأثبت للحفظ لقوله تعالى: (إِنّ نَاشِئَةَ اللّيْلِ هِيَ أَشَدّ وَطْأً وَأَقْوَمُ قِيلاً) [المزمل / 6]
ولأنه بالليل يسهل طرد الشواغل عن الذهن ، ثم إن الليل أصون من الرياء وغيره من المحبطات .
((1/78)
7) يجب على حامل القرآن أن لا يسافر بالمصحف إلى أرض العدو حتى لا يناله بسوء أو امتهان _ قسم الله ظهر من أعان على امتهان القرآن بشطر كلمة .
(حديث ابن عمر في الصحيحين) أن النبي ( نهى أن يسافر بالقرآن إلى أرض العدو .
فضائل بعض السور
مسألة : ما هو فضل سورة الفاتحة ؟
بينت السنة الصحيحة أن سورة الفاتحة أعظم سورة في القرآن بنص السنة الصحيحة
(حديث أبي سعيد المعلي في صحيح البخاري ) قال: قال لي رسول الله ( ألا أعلمك أعظم سورةٍ في القرآن قبل أن تخرج من المسجد ؟ فأخذ بيدي ، فلما أردنا أن نخرج قلت يا رسول الله إنك قلت لأعلمنَّك أعظمُ سورةٍ في القرآن ، قال : الحمد لله رب العلمين هي السبعُ المثاني والقرآن العظيم الذي أوتيته .
فضل سورة البقرة
مسألة ؟ ما هو فضل سورة البقرة ؟
بينت السنة الصحيحة أن البيت الذي تقرأ فيه سورة البقرة لا يدخله شيطان .
(حديث أبي هريرة في صحيح مسلم) أن النبي ( قال لا تجعلوا بيوتكم مقابر وإن البيت الذي تقرأ فيه سورة البقرة لا يدخله شيطا ن .
مسألة : ما هو فضل آية الكرسي ؟
بينت السنة الصحيحة أن آية الكرسي هي أعظم سورةٍ في القرآن
(حديث أبي بن كعب في صحيح مسلم ) قال ، قال رسول الله ( يا أبا المنذر أتدري أيُ آيةٍ من كتاب الله معك أعظم ؟ قال قلت الله لا إله إلا هو الحي القيوم . قال فضرب في صدري وقال ليهنك العلم يا أبا المنذر .
(حديث أبي أمامة في صحيح الجامع ) أن النبي ( قال من قرأ آية الكرسي دبر كل صلاة مكتوبة لم يمنعه من دخول الجنة إلا أن يموت .
مسألة : ما هو فضل خواتيم سورة البقرة ؟
(حديث أبي مسعودٍ الأنصاري في الصحيحين ) أن النبي ( قال من قرأ بالآيتين من آخر سورة البقرة في ليلةٍ كفتاه .
معنى كفتاه : أي أغنتاه عن قيام تلك الليلة بالقرآن ، والآيتان هما من قوله تعالى ( آمن الرسول بما أنزل إليه 00000 إلى آخر السورة )
((1/79)
حديث حذيفة في صحيح الجامع ) أن النبي ( قال : أُعطيتُ الآيات من آخر سورة البقرة من كنزٍ تحت العرش لم يعطها نبيٌ قبلي .
(حديث أبي أمامة في صحيح مسلم)أن النبي ( قال : اقرءوا القرآن فإنه يأتي يوم القيامة شفيعا لأصحابه اقرءوا الزهراوين : البقرة و آل عمران فإنهما يأتيان يوم القيامة كأنهما غمامتان أو غيايتان أو كأنهما فرقان من طير صواف يحاجان عن أصحابهما اقرءوا سورة البقرة فإن أخذها بركة و تركها حسرة و لا تستطيعها البطلة .
اقرءوا الزهراوين : أي النيرتين
غمامتان : أي سحابتان تظلان قارئهما من حر الموقف وكرب ذلك اليوم المهول .
غيايتان : ما أظل الإنسان
فِرْقان : أي قطيعان وجماعتان
من طيرٍ صواف : أي باسطات أجنحتها متصلاً بعضها ببعض
يحاجان عن صاحبهما : أي تدفعان الجحيم أو الزبانية
أخذها بركة : أي زيادةٌ ونماء
وتركها حسرة : أي على ما فاته من الثواب
ولا تستطيعها البطلة : أي السحرة
(حديث ابن عباس في صحيح الترمذي ) أن النبي ( قال : شيبتني هود و الواقعة والمرسلات وعم يتساءلون وإذا الشمس كورت .
{شيبتني هود والواقعة والمرسلات وعم يتساءلون والتكوير } : لما فيها من ذكر الأمم وما حل بهم من عاجل بأس الله ، فأهل اليقين إذا تلوها انكشفت لهم من ملكه وسلطانه وبطشه وقهره ما تذهل منه النفوس وتشيب منه الرؤوس .
(حديث أبي الدر داء في صحيح مسلم ) أن النبي ( قال : من حفظ عشر آيات من أول سورة الكهف عصم من فتنة الدجال .
(حديث أبي سعيد في صحيح الجامع) أن النبي ( قال : من قرأ سورة الكهف في يوم الجمعة أضاء له من النور ما بين الجمعتين .
(حديث أبي سعيد في صحيح الجامع) أن النبي ( قال : من قرأ سورة الكهف يوم الجمعة أضاء له من النور ما بينه و بين البيت العتيق .
(حديث جابر في صحيح الترمذي) أن النبي ( كان لا ينام حتى يقرأ ألم تنزيل السجدة وتبارك الذي بيده الملك .
((1/80)
حديث أبي هريرة في صحيحي أبي داوود والترمذي ) أن النبي ( قال : ? إن سورة من القرآن ثلاثون آية شفعت لصاحبها حتى غُفر له : تبارك الذي بيده الملك .
(حديث ابن مسعود في صحيح الجامع) أن النبي ( قال : سورة تبارك هي المانعة من عذاب القبر .
(حديث ابن عباس في صحيح الترمذي) أن النبي ( قال { إذا زلزلت } تعدل نصف القرآن و { قل يا أيها الكافرون } تعدل ربع القرآن و { قل هو الله أحد } تعدل ثلث القرآن .
(حديث ابن عباس في صحيح الترمذي) { إذا زلزلت } تعدل نصف القرآن و { قل يا أيها الكافرون } تعدل ربع القرآن و { قل هو الله أحد } تعدل ثلث القرآن .
(حديث فروة بن نوفل في صحيح الترمذي ) أن أتى النبي ( فقال يا رسول الله علمني شيئاً أقوله إذا أويتُ إلى فراشي فقال : اقرأ { قل يا أيها الكافرون } عند منامك فإنها براءة من الشرك .
(حديث عبد الله بن خبيب في صحيح الجامع) أن النبي ( قال : { قل هو الله أحد } و المعوذتين حين تمسي و حين تصبح ثلاث مرات تكفيك من كل شيء .
(حديث أبي سعيدٍ الخدري في صحيح البخاري) أن النبي ( قال : { قل هو الله أحد } تعدل ثلث القرآن .
(حديث معاذ بن أنس الجهني في صحيح الجامع) أن النبي ( قال : من قرأ { قل هو الله أحد } عشر مرات بنى الله له بيتا في الجنة .
مسألة : ما هي منزلة السنة المشرفة ؟
إن السنة المشرفة من أشرف العلوم ، ويحب على طالب العلم أن يحيط بها علما ,أن يحفظ منها ما يستطيع فكلما كان أحفظ للسنة كان أفهم لمسائل العلم وكان علمه متين فيجب على طالب العلم أن يتمسك بالسنة ويعض عليها بالنواجذ ،
[*](وإليك غيضٌ من فيض مما ورد في فضل السنة المشرفة
1) بين النبي ( أن النجاة من الضلال تحصل بالتمسك بالوحيين كليهما ( الكتاب والسنة) وليس بالكتاب فقط
(حديث أبي هريرة في صحيح الجامع) أن النبي ( قال تركت فيكم شيئين لن تضلوا بعدهما : كتاب الله و سنتي و لن يتفرقا حتى يردا عليَّ الحوض .(1/81)
2) بين النبي ( أنه يجب التمسك بالسنة المشرفة وأحكامها مثل ما يتمسك الإنسان بالقرآن وأحكامه فإنَّ ما حرَّم رسول الله ( مثل ماحرَّم الله تعالى إذ هو مبلِّغ الشرع عن الله تعالى .
(حديث المقدام بن معد يكرب في صحيحي أبي داوود والترمذي) أن النبي ( قال : يوشك الجل متكئأً على أريكته يُحدَّث بحديثٍ من حديثي فيقول بيننا وبينكم كتاب الله فما وجدنا فيه من حلالٍ استحللناه وما وجدنا فيه من حرامٍ حرَّمناه ، ألا وإن ماحرَّم رسول الله مثل ما حرَّم الله .
(حديث المقدام بن معد يكرب في صحيح أبي داود) أن النبي ( قال ألا وإني أُوتيت القرآن ومثله معه .
3 ) دعا النبي ( لمن حفظ الحديث ونشره وذلك لما فيه من المنافع العميمة .
(حديث زيدٍ بن ثابت في صحيحي أبي داوود والترمذي ) أن النبي ( قال نضَّر الله امرءا سمع منا حديثا فحفظه حتى يبلغه غيره فرب حامل فقه إلى من هو أفقه و رب حامل فقه ليس بفقيه .
معنى نضَّر الله : الدعاء له بالنضارة وهي النعمة والبهجة
[*] قال سفيان بن عيينة رحمه الله تعالى : ما من أحدٍ يطلب الحديث إلا في وجهه نضرة .
4) أنه لا يمكن للإنسان أن يؤدي أي عملٍ شرعي على وجه المشروع حسبما أراد الله تعالى إلا باتباع السنة مع القرآن وذلك لأن السنة هي التي تفسِّر مبهم القرآن وتفصِّل مجمله وتخصص عمومه وتبين الناسخ من المنسوخ ، ولذا كان هناك قاعدة شرعية حُقَّ لها أن تكتب على الصدور بماء الذهب ، وهذه القاعدة هي ( إتباع السنة أولى من كثرة العمل ) ، وذلك لأن العمل مهما كان كثيراً وليس مطابقاً للسنة كان مردوداً لا يقبله الله تعالى .
(حديث عائشة في صحيح مسلم) أن النبي ( قال : من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد .
(حديث عائشة في صحيح مسلم ) أن النبي ( قال : من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد .
مسألة : ما هي منزلة علم الفقه ؟
[*](للفقه منزلةٌ عظيمةٌ بين العلوم وذلك للأسباب الآتية :(1/82)
1) أن النبي ( بين أن من أراد الله به خيرا يفقهه في الدين :
( حديث معاوية في الصحيحين ) أن النبي ( قال : من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين و إنما أنا قاسم و الله يعطي و لن تزال هذه الأمة قائمة على أمر الله لا يضرهم من خالفهم حتى يأتي أمر الله عز و جل .
2) أن الإنسان لا يتسنى له التأسي بالنبي ( في العبادات والمعاملات إلا عن طريق الفقه ، وبهذا يتضح أن الإنسان لا يستطيع أن يصحح عمله الذي يلقى به ربه إلا عن طريق الفقه .
3) أن الإنسان لا يستطيع أن يميز بين الحلال والحرام ولا التمييز بين الجائز والفاسد في وجوه الأحكام إلا عن طريق الفقه ، فلربما وقع في الحرام وهولا يشعر وربما كان كسبه حرام وهو لا يشعر ، ونضرب لذلك مثالاً يقع فيه كثير من الناس لعدم فقهم في المسألة وهي بيع الذهب بالذهب ، فإن من المعلوم شرعاً أن شرطي بيع الذهب بالذهب أن يكون يداً بيد مثلاً بمثل كما سبق في كتاب البيوع ، أي بيع خمسة جرامات بخمسة جرامات وأن يكون القبض في المجلس ( يداً بيد ) ، فلو باع ذهب قديم بجديد ودفع الفرق لوقع في الربا وهو لا يشعر ، ولو أجَّل القبض وقع في الربا لا محالة ، فتأمل رحمك الله تعالى كيف يقع في الربا وهو لا يدري ،
مسألة : ماهي منزلة علم الهدي والآداب ؟
هذا الفرع من فروع العلم له أهمية بالغة لا بد لطالب العلم أن يهتم به اهتماماً بالغاً فقد كان السلف رحمهم الله تعالى يتعلمون الهَدْي كما يتعلمون العلم لأن هو الأدب ، والعلم بلا أدب يجنى على صاحبه ويهلكه ، وطالب العلم إن لم يكن مؤدباً متحلياً بالفضائل متخلياً عن الرذائل نفر الناس منه ولم يقبلوا موعظته
وقد بين النبي ( أن الهدي الصالح جزءٌ من النبوة .
(حديث ابن عباس في صحيح أبي داود) أن النبي ( قال : السمتُ الصالح والهدي الصالح و الاقتصاد جزء من خمسةٍ و عشرين جزءا من النبوة .
معنى السمت الصالح : حسن الهيئةِ في الدين
معنى الهدي الصالح : الأدب(1/83)
وهاك بعض الآداب التي يجب على طالب العلم أن يتحلى بها :
مسألة : ما هي أهمية ضبط اللسان ؟
ضبط اللسان من الأمور البالغة الأهمية والتي يجب على طالب العلم أن يتحلى بها فإن اللسان أمره خطير وشرُّه مستطير ، قال عليُّ رضي الله عنه : اللسان سبْعُ إن خُلِيَ عنه عقر
ولله درُ من قال :
احفظ لسانك أيها الإنسان ... لا يلدغنَّك إنه ثعبان
كم في المقابر من لديغِ لسانه ... كانت تهاب لقاءه الإخوان
ولذا ينبغي لطالب العلم أن يضبط لسانه ويُلجِّمه بلجام الشرع الحنيف , ومعنى ضبط اللسان التحلي بالفضائل والتخلي عن الرذائل .
(حديث عقبة بن عامر في صحيح الترمذي ) أن النبي ( قال : قلت يا رسول الله ما النجاة ؟ قال أملك عليك لسانك وليسعك بيتك وابك على خطيئتك .
(حديث أبي سعيدٍ في صحيح الترمذي) أن النبي ( قال : إذا أصبح ابن آدم فإن الأعضاء كلها تكفر اللسان فتقول : اتق الله فينا فإنما نحن بك فإن استقمت استقمنا و إن اعوججت اعوججنا .
معنى تُكَفِّرُ اللسان : أي تذل وتخضع له وتناشده كل صباح بالاستقامة
(حديث أبي هريرة في صحيح البخاري) أن النبي ( قال إن العبد ليتكلم بالكلمة من رضوان الله لا يلقي لها بالا يرفعه الله بها درجات و إن العبد ليتكلم بالكلمة من سخط الله لا يلقي لها بالا يهوي بها في جهنم .
(حديث سهل بن سعد في الصحيحين ) أن النبي ( قال من يضمن لي ما بين لحييه و ما بين رجليه أضمن له الجنة .
(حديث أبي هريرة في صحيحي الترمذي وابن ماجة ) أن النبي ( سئل عن أكثر ما يدخل الناس الجنة ؟ قال : تقوى الله وحسن الخلق , وسئل عن أكثر ما يدخل الناس النار ؟ قال الفم والفرج .
((1/84)
حديث معاذ في صحيحي الترمذي وابن ماجة ) قال قلت يا رسول الله أخبرني بعملٍ يُدخلني الجنة ويباعدني من النار ؟ قال لقد سألتني عن عظيم و إنه ليسير على من يسره الله عليه تعبد الله لا تشرك به شيئا و تقيم الصلاة المكتوبة و تؤتي الزكاة المفروضة و تصوم رمضان و تحج البيت ; ألا أدلك على أبواب الخير ؟ الصوم جنة و الصدقة تطفئ الخطيئة كما يطفئ الماء النار و صلاة الرجل في جوف الليل ; ألا أخبرك برأس الأمر وعموده و ذروة سنامه ؟ رأس الأمر الإسلام و عموده الصلاة و ذروة سنامه الجهاد ; ألا أخبرك بملاك ذلك كله ؟ كف عليك هذا - و أشار إلى لسانه - قال : يا نبي الله ! و إنا لمؤاخذون بما نتكلم به ؟ قال : ثكلتك أمك يا معاذ ! و هل يكب الناس في النار على وجوههم إلا حصائد ألسنتهم .
*معنى مِلاك ذلك : قِوامه أي ما يقوم به كله
(حديث ابن مسعود في صحيح الترمذي) أن النبي ( قال : ليس المؤمن بالطعان و لا اللعان و لا الفاحش و لا البذيء .
التحلي بفضيلة حسن الخلق
... يجب على المسلم أن يتحلى بحسن الخلق وأن يتمسك به ويعض عليه بالنواجذ ، وإليك غيضٌ من فيض وقليلٌ من
كثير مما ورد في فضل حسن الخلق
قال تعالى مثنياً على نبيه (: (وَإِنّكَ لَعَلَىَ خُلُقٍ عَظِيمٍ) [القلم / 4]
(حديث أنس في الصحيحين) قال : كان رسول الله ( أحسن الناس خلقاً .
(حديث أنس في الصحيحين) قال لما قدم رسول الله ( إلى المدينة أخذ أبو طلحة بيدي إلى رسول الله ( فقال يا رسول الله إن أنساً غلامٌ كيسٌ فليخدمك ، قال : فخدمته في الحضر والسفر فوالله ما قال لي لشيءٍ صنعته لم صنعت هذا هكذا ولا لشيء لم أصنعه لِمَ لَمْ تصنع هذا هكذا .
(حديث النواس ابن سمعان في صحيح مسلم) أن النبي ( قال : البر حسن الخلق و الإثم ما حاك في صدرك و كرهت أن يطلع عليه الناس .
((1/85)
حديث عبد الله بن عمرو في الصحيحين) قال لم يكن رسول الله فاحشاً ولا متفحشاً وكان يقول : إن من خياركم أحسنكم أخلاقاً .
(حديث أبي هريرة في صحيح الجامع) أن النبي (قال : إنما بعثت لأتمم صالح الأخلاق .
(حديث أبي الدر داء في صحيحي أبي داوود والترمذي ) أن النبي ( قال : ما من شيء أثقل في الميزان من حسن الخلق ، فإن الله يُبْغِضُ الفاحشَ البذيء .
(حديث عائشة في صحيح أبي داود) أن النبي ( قال : إن المؤمن ليدرك بحسن الخلق درجة القائم الصائم .
(حديث أبي هريرة في صحيحي الترمذي وابن ماجة) قال : سئل رسول الله ( عن أكثر ما يُدخل الناس الجنة ؟ قال : تقوى الله وحسن الخلق ، وسئل عن أكثر ما يُدخل الناس النار ؟ فقال الفم والفرج .
(حديث جابر في صحيح الترمذي) أن النبي ( قال : إن من أحبكم إلي و أقربكم مني مجلساً يوم القيامة أحاسنكم أخلاقا و إن من أبغضكم إلي و أبعدكم مني مجلساً يوم القيامة الثرثارون و المتشدقون و المتفيهقون قالوا : يا رسول الله قد علمنا الثرثارون والمتشدقون فما المتفيهقون ؟ قال : المتكبرون .
*معنى الثرثارون : كثيري الكلام
*معنى المتشدقون : الذي يتشدَّقُ على الناس في الكلام ويبذو عليهم
(حديث أبي أمامة في صحيح أبي داود) أن النبي ( قال :أنا زعيم بيت في ربض الجنة لمن ترك المراء و إن كان محقا ، و بيت في وسط الجنة لمن ترك الكذب و إن كان مازحا ، و بيت في أعلى الجنة لمن حسن خلقه .
معنى زعيم : أي ضمين
معنى ربض الجنة : حولها خارجٌ عنها تشبيهاً بالأبنية التي تكون حول المدن .
مسألة : هل يمكن اكتساب الخلق الحسن وتغيير الخلق القبيح ؟
[*](فصل الخطاب في هذه المسألة : أن الخلق الحسن يمكن اكتسابه بعدة أشياء منها ما يلي :
(1) ترويض النفس على حسن الخلق ، فإنه من يتحر الخير يعطه و من يتق الشر يُوّقَّه .
((1/86)
حديث أبي هريرة في صحيح الجامع) أن النبي ( قال : إنما العلم بالتعلم و إنما الحلم بالتحلم و من يتحر الخير يعطه و من يتق الشر يُوّقَّه .
فينبغي للعبد أن يتحر حسن الخلق ويحرص عليه ويجاهد نفسه ويتكلفه حتى ينعم الله تعالى عليه بهذه الفضيلة ، وهذا حاصلٌ لا محالة إذا صدق العبد في ذلك .
(حديث شداد بن أوس في صحيح النسائي ) أن النبي ( قال : إن تصدق الله يصدقك .
(2) لا بد من الصبر وطول النفس في تحصيل أي خير وليس له أن يستعجل فإنه من استعجل الشيء قبل أوانه عوقب بحرمانه . فعليه أن يتأنى جيداً وإياه والعجلة فبئست المطيةُ هي ، تحول بينك وبين أي خير .
(حديث أنس في صحيح الجامع) أن النبي ( قال : التأني من الله والعجلة من الشيطان .
(3) ويمكن اكتساب حسن الخلق عن طريق مصاحبة أهل الخير والصلاح ، فإن الطباع سرَّاقة والناس مجبولون على تقليد بعضهم بعض
(حديث أبي هريرة في صحيحي أبي داوود والترمذي ) أن النبي ( قال : المرء على دين أخيه فلينظر أحدكم من يخالل .
(حديث أبي سعيد في صحيحي أبي داوود والترمذي ) أن النبي ( قال:لا تصاحب إلا مؤمنا و لا يأكل طعامك إلا تقي .
(4) ويمكن اكتساب حسن الخلق أيضاً بالتضرع إلى الله تعالى بأن يمنَّ عليك بهذه النعمة فإن ذلك كان من هدي النبي (
(حديث ابن مسعود في صحيح الجامع) أن النبي ( قال :اللهم كما حسنت خلقي فحسن خلقي .
يجب على طالب العلم أن يتحلى بفضيلة السمت الصالح وهو حسن الهيئة في الدين من الوقار والسكينة والخشوع وغيرها لأنها جزء من النبوة بنص السنة الصحيحة .
(حديث ابن عباس في صحيح أبي داود) أن النبي ( قال :السمت الصالح والهدي الصالح والاقتصاد جزء من خمسةٍ و عشرين جزءا من النبوة .
...
(حديث ابن عباس في صحيح مسلم) أن النبي ( قال : لأشج عبد القيس : إن فيك لخصلتين يحبهما الله تعالى : الحلم و الأناة .
((1/87)
حديث سعد بن أبي وقاص في صحيح أبي داود) أن النبي ( قال :التؤدة في كل شيء خير إلا في عمل الآخرة .
(حديث أنس في صحيح الجامع) أن النبي ( قال : التأني من الله والعجلة من الشيطان .
يجب على المسلم أن يهتم اهتماماً بالغاً بالرفق لأنه من يُحرم الرفق يُحرم الخير ، والرفق لا يكون في شيءٍ إلا زانه ولا ينزعُ من شيءٍ إلا شانه بنص السنة الصحيحة .
(حديث جرير ابن عبد الله في صحيح مسلم) أن النبي ( قال : من يُحرم الرفق يُحرم الخير .
(حديث عائشة في صحيح مسلم) أن النبي ( قال : إن الرفق لا يكون في شيءٍ إلا زانه ولا ينزعُ من شيءٍ إلا شانه .
(حديث عائشة في صحيح مسلم) أن النبي ( قال : يا عائشة إن الله رفيقٌ يحب الرفق ويعطي على الرفق ما لا يعطي على العنف وما لا يعطي على ما سواه .
(حديث أبي هريرة في صحيح مسلم) أن رجلاً قال يا رسول الله إن لي قرابةً أصلهم ويقطعوني وأُحسِن إليهم ويُسِيئون إليَّ وأحلمُ عنهم ويجهلون عليَّ فقال : لئن كنت كما قلت فكأنما تُسِفُّهِمُ الملَّ و لا يزال معك من الله ظهير عليهم ما دمت على ذلك .
معنى تُسِفُّهِمُ الملَّ : أي تطعمهم الرماد الحار ، وهو تشبيه لما يلحق بهم من الإثم بما يلحق به آكل الرماد الحار من الألم .
قال تعالى: (خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ) [سورة: الأعراف - الآية: 199]
و قال تعالى: (فَاصْفَحِ الصّفْحَ الْجَمِيلَ) [سورة: الحجر - الآية: 85]
و قال تعالى: (وَلْيَعْفُواْ وَلْيَصْفَحُوَاْ أَلاَ تُحِبّونَ أَن يَغْفِرَ اللّهُ لَكُمْ وَاللّهُ غَفُورٌ رّحِيمٌ) [سورة: النور - الآية: 22]
و قال تعالى: (وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النّاسِ وَاللّهُ يُحِبّ الْمُحْسِنِينَ) [سورة: آل عمران - الآية: 134]
و قال تعالى: (وَلَمَن صَبَرَ وَغَفَرَ إِنّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الاُمُورِ) [سورة: الشورى - الآية: 43]
((1/88)
حديث عائشة في الصحيحين ) أنها قالت لرسول الله ( هل أتى عليك يومٌ كان أشد من أحد ؟ لقد لقيت من قومك ما لقيت ، و كان أشد ما لقيت منهم يوم العقبة إذ عرضت نفسي على ابن عبد يا ليل بن عبد كُلال فلم يجبني إلى ما أردت فانطلقت و أنا مهموم على وجهي فلم أستفق إلا و أنا بقرن الثعالب فرفعت رأسي فإذا أنا بسحابة قد أظلتني فنظرت فإذا فيها جبريل فناداني فقال : إن الله قد سمع كلام قومك لك و ما ردوا عليك و قد بعث إليك ملك الجبال لتأمره بما شئت فيهم فناداني ملك الجبال فسلم علي ثم قال يا محمد ! فقال ذلك فما شئت إن شئت أطبق عليهم الأخشبين قلت : بل أرجو أن يخرج الله من أصلابهم من يعبد الله وحده لا يشرك به شيئا .
معنى الأخشبين : الجبلان المحيطان بمكة ، والأخشب الجبل الغليظ .
(حديث أبي هريرة في صحيح مسلم) أن النبي ( قال :ما نقصت صدقة من مال و ما زاد الله عبدا بعفو إلا عزا و ما تواضع أحد لله إلا رفعه الله . (حديثا ابن مسعود في الصحيحين) قال : كأني أنظر إلى رسول الله ( يحكي نبياً ضربه قومُهُ فأدمَوه وهو يمسح الدم عن وجهه ويقول : اللهم اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون .
مسألة : ما هي أهمية الصمت وقلة الكلام ؟
ينبغي على طالب العلم أن يتحلى بالصمت إلا فيما فيه منفعة لأن في الصمت النجاة بنص السنة الصحيحة
(حديث عبد الله بن عمرو في صحيح الترمذي) أن النبي ( قال: من صمت نجا .
(حديث جابر بن سمرة في صحيح الترمذي ) قال كان رسول الله ( طويل الصمت قليل الضحك .
(حديث عائشة في صحيح مسلم ) قالت كان النبي ( يُحدِّث بحديثٍ لو عدَّه العادُّ لأحصاه .
{ تنبيه } :( ينبغي للمسلم أن يكون منهجه في الكلام أن يكون إذا تكلم غنم وإذا سكت سلم
(حديث أنس في صحيح الترمذي) أن النبي ( قال : رحم الله امرءاً تكلم فغنم أو سكت فسلم .
قال ابن مسعودٍ رضي الله تعالى عنه : ما شيء أحوجُ إلى طولِ سجنٍ من لساني
[(1/89)
*] وقال أبو الدرداء رضي الله تعالى عنه : أنصف أذنيك من فيك فإنما جُعلت لك أذنان وفمٌ واحد لتسمع أكثر مما تتكلم به .
مسألة : ما هي أهمية الصدق ؟
للصدق أهمية قصوى عند من نوَّر الله بصيرته ولهذا أمر الله تعالى به عباده المؤمنين
قال تعالى( يََأَيّهَا الّذِينَ آمَنُواْ اتّقُواْ اللّهَ وَكُونُواْ مَعَ الصّادِقِينَ ) [ التوبة /119]
والصدق يهدي إلى البر الذي هو جوامع الخير ، والبر يهدي إلى الجنة
(حديث ابن مسعودٍ في الصحيحين) أن النبي ( قال : عليكم بالصدق فإن الصدق يهدي إلى البر و إن البر يهدي إلى الجنة و ما يزال الرجل يصدق و يتحرى الصدق حتى يكتب عند الله صديقا و إياكم و الكذب فإن الكذب يهدي إلى الفجور و إن الفجور يهدي إلى النار و ما يزال الرجل يكذب و يتحرى الكذب حتى يكتب عند الله كذابا .
مسألة : ما هو فضل قراءة القرآن ؟
ثبت في السنة الصحيحة فضل قراءة القرآن وأنه يترتب عليها أجر عظيم
(حديث عقبة بن عامر في صحيح مسلم ) أن النبي ( قال : أيكم يحب أن يغدو كل يوم إلى بطحان أو إلى العقيق فيأتي منه بناقتين كوماوين في غير إثم و لا قطع رحم فلأن يغدو أحدكم إلى المسجد فيتعلم أو يقرأ آيتين من كتاب الله خير له من ناقتين و ثلاث خير له من ثلاث و أربع خير له من أربع و من أعدادهن من الإبل .
(حديث ابن مسعودٍ في صحيحي أبي داوود والترمذي) أن النبي ( قال : من قرأ حرفا من كتاب الله فله به حسنة و الحسنة بعشر أمثالها لا أقول : { ألم } حرف و لكن : ألف حرف و لام حرف و ميم حرف .
(والقرآن يرفع صاحبه في الدنيا والآخرة
(حديث عمر في صحيح مسلم) أن النبي ( قال إن الله يرفع بهذا الكتاب أقواماً ويضع به آخرين
(حديث عبد الله بن عمرو في صحيحي أبي داوود والترمذي) أن النبي ( قال : يقال لصاحب القرآن : اقرأ و ارق و رتل كما كنت ترتل في دار الدنيا فإن منزلتك عند آخر آية كنت تقرؤها .
((1/90)
وبين النبي ( أن الذي يقرأ القرآن وهو حافظٌ له مع الملائكة
(حديث عائشة في الصحيحين) أن النبي ( قال : مثل الذي يقرأ القرآن و هو حافظٌ له مع السفرة الكرام البررة ومثلُ الذي يقرأ القرآن ويتعاهده و هو عليه شديد فله أجران .
والقرآن شفاعةٌ مقبولة
(حديث أبي أمامة في صحيح مسلم) أن النبي ( قال : اقرءوا القرآن فإنه يأتي يوم القيامة شفيعا لأصحابه اقرءوا الزهراوين : البقرة و آل عمران فإنهما يأتيان يوم القيامة كأنهما غمامتان أو غيايتان أو كأنهما فرقان من طير صواف يحاجان عن أصحابهما اقرءوا سورة البقرة فإن أخذها بركة و تركها حسرة و لا تستطيعها البطلة .
(حديث عبد الله بن عمرو في صحيح الجامع ) أن النبي ( قال : الصيام و القرآن يشفعان للعبد يوم القيامة يقول الصيام : أي رب إني منعته الطعام و الشهوات بالنهار فشفعني فيه يقول القرآن : رب منعته النوم بالليل فشفعني فيه فيشفَّعان .
مسألة ما هو فضل الذكر ؟
يجب على طالب العلم أن يتحلى بالذكر ، فالذكرُ قوت القلوب ويمحو الله به الإثم والحوب ، وقد أمر الله تعالى الطائفة المؤمنة بأن يذكروا الله تعالى ذكراً كثيراً قال تعالى (يَأَيّهَا الّذِينَ آمَنُواْ اذْكُرُواْ اللّهَ ذِكْراً كَثِيراً ، وَسَبّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلاً )
[ الأحزاب :41 ، 42]
[*](والسنة الصحيحة طافحة بما يدل على فضل الذكر :
1) بين النبي ( أن أصحاب الذكر هم الجلساء لا يشقى بهم جليسهم :
((1/91)
حديث أبي هريرة في الصحيحين ) أن النبي ( قال : ? إن لله ملائكة يطوفون في الطرقات يلتمسون الذكر فإذا وجدوا قوما يذكرون الله تنادوا : هلموا إلى حاجاتكم فيحفونهم بأجنحتهم إلى السماء الدنيا فيسألهم ربهم و هو أعلم منهم : ما يقول عبادي ؟ فيقولون : يسبحونك و يكبرونك و يحمدونك و يمجدونك فيقول : هل رأوني ؟ فيقولون : لا و الله ما رأوك فيقول : كيف لو رأوني ؟ فيقولون : لو رأوك كانوا أشد لك عبادة و أشد لك تمجيدا و أكثر لك تسبيحا فيقول : فما يسألوني ؟ فيقولون : يسألونك الجنة فيقول : و هل رأوها ؟ فيقولون : لا و الله يا رب ما رأوها فيقول : فكيف لو أنهم رأوها ؟ فيقولون : لو أنهم رأوها كانوا أشد عليها حرصا و أشد لها طلبا و أعظم فيها رغبة قال : فمم يتعوذون ؟ فيقولون : من النار فيقول الله : هل رأوها ؟ فيقولون : لا و الله يا رب ما رأوها فيقول : فكيف لو رأوها ؟ فيقولون : لو رأوها كانوا أشد منها فرارا و أشد لها مخافة فيقول : فأشهدكم أني قد غفرت لهم فيقول ملك من الملائكة : فيهم فلان ليس منهم إنما جاء لحاجة ! فيقول : هم الجلساء لا يشقى بهم جليسهم .
2) بين النبي ( أن الفرق بين الذي يذكر ربه والذي لا يذكر ربه كالفرق بين الحي والميت :
(حديث أبي موسى الأشعري في الصحيحين) أن النبي ( قال مثل الذي يذكر ربه والذي لا يذكر ربه مثل الحي والميت .
3) وبين النبي ( أن الذاكر لله تعالى يفوز بمعية الله تعالى ، ومن كان معه الله فمن عليه !
(حديث أبي هريرة في الصحيحين ) أن النبي ( قال : قال الله تعالى أنا عند ظن عبدي بي وأنا معه إذا ذكرني ، فإن ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي ، وإن ذكرني في ملأٍ ذكرته في ملٍ خيرٌ منهم ، وإن تقَّرب إليَّ شبرا تقربت إليه ذراعا وإن تقرب إليَّ ذراعا تقربت إليه باعا و إن أتاني مشيا أتيته هَرْوَلَةً .
4) بين النبي ( أن أهل الذكر هم أهل السبق :
((1/92)
حديث أبي هريرة في صحيح مسلم ) أن النبي ( قال : سبق المُفَرِدون ، قالوا وما المفردون ؟ قال الذاكرين الله كثيراً والذاكرات .
5) وحثنا النبي ( على الذكر بفعله حيث كان يذكر الله تعالى على كلِ أحيانه :
(حديث عائشة في صحيح مسلم ) قالت : كان رسول ( الله يذكر الله على كلِ أحيانه .
6) ورغَّبنا النبي ( في الاجتماع على الذكر :
(حديث أبي هريرة في صحيح مسلم) أن النبي ( قال : و ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله و يتدارسونه بينهم إلا نزلت عليهم السكينة و غشيتهم الرحمة و حفتهم الملائكة و ذكرهم الله فيمن عنده .
7) وحذر النبي ( من خلو أي مجلسٍ من ذكر الله تعالى :
(حديث أبي هريرة في صحيح أبي داوود ) أن النبي ( قال : ما من قوم يقومون من مجلس لا يذكرون الله تعالى فيه إلا قاموا عن مثلِ جيفةِ حمار و كان لهم حسرة .
(معنى( إلا قاموا عن مثلِ جيفةِ حمار ) : أي مجلس نتن كجيفة حمار لخلوه من ذكر الله تعالى ، لأن المجالس لا تعمرُ إلا بذكر الله تعالى .
(معنى ( وكان لهم حسرة) : أي كان هذا المجلس ندامة لهم يوم القيامة لخلوه من الذكر
8) وبين النبي ( أن ذكر الله تعالى أن خير أعمالنا وأزكاها عند الله تعالى وأرفعها في درجاتنا وخيرٌ من إنفاق الذهب والفضة .
(حديث أبي الدر داء في صحيحي الترمذي وابن ماجة) أن النبي ( قال ألا أنبئكم بخير أعمالكم و أزكاها عند مليككم و أرفعها في درجاتكم و خيرٌ لكم من إنفاق الذهب و الورق و خيرٌ لكم من أن تلقوْا عدوكم فتضربوا أعناقهم و يضربوا أعناقكم ؟ قالوا بلى ، قال : ذكر الله .
{(1/93)
تنبيه } :( يتضح مما سبق فضل ذكر الله تعالى وبان بياناً شافياً ، ولذا يجب على طالب العلم أن يتمسك بالذكر ويعض عليه بالنوافذ ، ويقبل عليه إقبال الظامئ إقبال الظامئ على المورد العذب ، فالذكر قوت القلوب وسبب لنيلِ رضا علام الغيوب ، وهو بذلك يكون قد تأسى بالنبي ( في الذكر فقد كان النبي ( يذكر الله تعالى على كل أحيانه قائماً وقاعداً وعلى جنب ، وإليك بيان تفصيلي لذكر النبي ( على كل أحيانه من حيث يستيقظ إلى أن ينام .
(حديث حذيفة في الصحيحين ) قال كان النبي ( إذا أوى إلى فراشه قال : باسمك اللهم أموت وأحيا ، وإذا استيقظ قال : الحمد لله الذي أحيانا بعد ما أماتنا وإليه النشور .
مسألة : ما هو الذكر عند لبس الثوب ؟
الذكر عند لبس الثوب أن تقول : الحمد لله الذي كساني هذا و رزقنيه من غير حول مني و لا قوة .
(حديث معاذ بن أنس الجُهَني في صحيح السنن الأربعة ) أن النبي ( قال : من أكل طعاما ثم قال : الحمد لله الذي أطعمني هذا الطعام و رزقنيه من غير حول مني و لا قوة غفر له ما تقدم من ذنبه و من لبس ثوبا فقال : الحمد لله الذي كساني هذا و رزقنيه من غير حول مني و لا قوة غفر له ما تقدم من ذنبه و ما تأخر .
مسألة : ما هو الذكر عند لبس الثوب الجديد ؟
الذكر عند لبس الثوب الجديد أن تقول : تقول : اللهم لك الحمد أنت كسوتنيه أسألك من خيره و خير ما صنع له و أعوذ بك من شره و شر ما صنع له
(حديث أبي سعيد في صحيحي أبي داوود والترمذي ) أن النبي ( قال : كان إذا استجد ثوبا سماه باسمه قميصا أو عمامة أو رداء ثم يقول : اللهم لك الحمد أنت كسوتنيه أسألك من خيره و خير ما صنع له و أعوذ بك من شره و شر ما صنع له .
مسألة : ما هو الدعاء عند لبس ثوباً جديدا ؟
الدعاء عند لبس ثوباً جديدا تقول له : البس جديدا و عش حميدا و مت شهيدا .
((1/94)
حديث ابن عمر في صحيح ابن ماجة ) أن النبي ( رأى على عمر قميصاً أبيضاً فقال : ثوبك هذا غسيلٌ أم جديد ؟ قال لا بل غسيل ، قال : البس جديدا و عش حميدا و مت شهيدا .
مسألة : ما هو الذكر عند دخول الخلاء؟
الذكر عند دخول الخلاء تقول : بسم الله ، اللهم إني أعوذ بك من الخبث والخبائث .
(حديث علي الترمذي وابن ماجة ) أن النبي ( قال : ستر ما بين أعين الجن و عورات بني آدم إذا دخل أحدهم الخلاء أن يقول : بسم الله .
(حديث أنس في الصحيحين) أن النبي ( كان إذا دخل الخلاء قال : اللهم إني أعوذ بك من الخُبُثُ و الخبائث .
مسألة : ما هو الذكر الذي نقوله بعد الخروج من الخلاء ؟
الذكر الذي نقوله بعد الخروج من الخلاء تقول : غفرانك .
(حديث عائشة في صحيحي أبي داوود والترمذي ) أن النبي ( كان إذا خرج من الغائط قال : غفرانك .
مسألة : ما هو الذكر الذي نقوله قبل الوضوء؟
الذكر الذي نقوله قبل الوضوء : بسم الله .
(حديث أبي هريرة في صحيح أبي داوود ) أن النبي ( قال : لا صلاةَ لمن لا وضوء له و لا وضوء لمن لم يذكر اسم الله عليه .
مسألة : ما هو الذكر الذي نقوله بعد الفراغ من الوضوء ؟
الذكر الذي نقوله بعد الفراغ من الوضوء : أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له و أشهد أن محمدا عبده و رسوله اللهم اجعلني من التوابين و اجعلني من المتطهرين .
(حديث عمر في صحيح مسلم ) أن النبي ( قال : ? ما من أحدٍ يتوضأ فيبلغ أو يسبغ الوضوء ثم يقول أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له و أشهد أن محمدا عبده و رسوله إلا فتحت له أبواب الجنة الثمانية يدخل من أيها شاء .
( حديث عمر صحيحي أبي داوود الترمذي ) أن النبي ( قال : من توضأ فأحسن الوضوء ثم قال : أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له و أن محمدا عبده و رسوله اللهم اجعلني من التوابين و اجعلني من المتطهرين فتحت له ثمانية أبواب الجنة يدخل من أيها شاء .(1/95)
مسألة : ما هو الذكر الذي نقوله عند الخروج من المنزل؟
الذكر الذي نقوله عند الخروج من المنزل : بسم الله توكلت على الله لا حول و لا قوة ، اللهم إني أعوذ بك أن أَضلَ أو أُضل أو أَزلَّ أو أُزلَّ أو أَظلم أو أُظلم أو أَجهل أو يُجْهَلَ عليَّ .
(حديث أنس في صحيحي أبي داوود والترمذي ) أن النبي ( قال : إذا خرج الرجل من بيته فقال : بسم الله توكلت على الله لا حول و لا قوة إلا بالله فيقال له : حسبك قد هديت و كفيت و وقيت فيتنحى له الشيطان فيقول له شيطان آخر : كيف لك برجل قد هدي و كفي و وقي ؟ .
(حديث أم سلمة في صحيح السنن الأربعة ) قالت : ما خرج النبي ( من بيتي قط إلا رفع طَرْفَه إلى السماء فقال : اللهم إني أعوذ بك أن أَضلَ أو أُضل أو أَزلَّ أو أُزلَّ أو أَظلم أو أُظلم أو أَجهل أو يُجْهَلَ عليَّ .
مسألة : ما هو الذكر الذي نقوله عند دخول المنزل ؟
الذكر الذي نقوله عند دخول المنزل : إني أسألك خير المولج و خير المخرج باسم الله ولجنا و باسم الله خرجنا و على الله ربنا توكلنا .
(حديث أبي موسى الأشعري في صحيح الجامع ) أن النبي ( قال : إذا ولج الرجل بيته فليقل : اللهم إني أسألك خير المولج و خير المخرج باسم الله ولجنا و باسم الله خرجنا و على الله ربنا توكلنا ثم يسلم على أهله .
مسألة : ما هو الذكر الذي نقوله عند دخول المسجد ؟
(حديث عبد الله بن عمرو في صحيح أبي داود) أن النبي ( كان إذا دخل المسجد قال : أعوذ بالله العظيم و بوجهه الكريم و سلطانه القديم من الشيطان الرجيم و قال : فإذا قال ذلك قال الشيطان حُفِظ مني سائر اليوم .
(حديث فاطمة في صحيحي الترمذي وابن ماجة ) قالت كان رسول الله ( إذا دخل المسجد قال : بسم الله و السلام على رسول الله اللهم اغفر لي ذنوبي و افتح لي أبواب رحمتك و إذا خرج قال : بسم الله و السلام على رسول الله اللهم اغفر لي ذنوبي و افتح لي أبواب فضلك .(1/96)
مسألة : ما هو الذكر الذي نقوله عند الخروج من المسجد؟
(حديث فاطمة في صحيحي الترمذي وابن ماجة ) قالت كان رسول الله ( إذا دخل المسجد قال : بسم الله و السلام على رسول الله اللهم اغفر لي ذنوبي و افتح لي أبواب رحمتك و إذا خرج قال : بسم الله و السلام على رسول الله اللهم اغفر لي ذنوبي و افتح لي أبواب فضلك .
مسألة : ما هي أذكار الأذان ؟
(أذكار الأذان تقول مثل ما يقول المؤذن إلا في قوله {حي على الصلاة حي على الفلاح } تقول : لا حول و لا قوة إلا بالله .
(ثم تقول عقب تشهد المؤذن : أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له و أشهد أن محمدا عبده و رسوله رضيت بالله ربا و بمحمد رسولا و بالإسلام دينا
*ثم تصلي على النبي ( بعد فراغك من إجابة المؤذن
(ثم تقول : اللهم رب هذه الدعوة التامة و الصلاة القائمة آت محمدا الوسيلة و الفضيلة و ابعثه مقاما محمودا الذي وعدته .
(ثم تدعو بين الأذان والإقامة فإن الدعاء بينهما لا يُرد .
(حديث أبي سعيد في الصحيحين ) أن النبي ( قال إذا سمعتم النداء فقولوا مثل ما يقول المؤذن .
(حديث معاوية في صحيح الجامع ) أن النبي ( كان إذا سمع المؤذن قال مثل ما يقول حتى إذا بلغ : حي على الصلاة حي على الفلاح قال : لا حول و لا قوة إلا بالله .
(حديث عبد الله بن عمرو في صحيح مسلم ) أن النبي ( قال إذا سمعتم المؤذن فقولوا مثل ما يقول ثم صلوا علي فإنه من صلى علي صلاة صلى الله عليه بها عشرا ثم سلوا الله لي الوسيلة فإنها منزلة في الجنة لا تنبغي إلا لعبد من عباد الله و أرجوا أن أكون أنا هو فمن سأل لي الوسيلة حلت له الشفاعة . (حديث سعد بن أبي وقاص في صحيح مسلم ) أن النبي ( قال من قال حين يسمع النداء : أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له و أشهد أن محمدا عبده و رسوله رضيت بالله ربا و بمحمد رسولا و بالإسلام دينا غفر الله له ما تقدم من ذنبه .
((1/97)
حديث جابر في صحيح البخاري ) أن النبي ( قال : من قال حين يسمع النداء : اللهم رب هذه الدعوة التامة و الصلاة القائمة آت محمدا الوسيلة و الفضيلة و ابعثه مقاما محمودا الذي وعدته حلت له شفا عتي يوم القيامة .
(حديث أنس في صحيحي أبي داوود والترمذي ) أن النبي ( قال لا يُرَدُ الدعاء بين الأذان والإقامة .
الأذكار داخل الصلاة
مسألة : ما هو دعاء الاستفتاح ؟
[*](ثبت في السنة الصحيحة أكثر من دعاء للاستفتاح وكلها صحيحة وليس بينها تعارض ، والصواب فيها أن تقرأ أحدها تارةً والأخرى تارة لأن هذا من قبيل اختلاف التنوع وليس اختلاف التضاد .
( حديث أبي سعيد في صحيح السنن الأربعة ) قال : كان إذا استفتح الصلاة قال : سبحانك اللهم و بحمدك و تبارك اسمك و تعالى جدك و لا إله غيرك .
(حديث أبي هريرة في الصحيحين ) قال كان رسول الله ( يسكت بين التكبير وبين القراءة إسكاتةً هُنَيهةَ فقلت بأبي وأمي يا رسول الله إسكاتك بين التكبير والقراءة ما تقول ؟ قال أقول : اللهم باعد بيني وبين خطاياي كما باعدت بين المشرق والمغرب ، اللهم نقني من الخطايا كما يُنقى الثوب الأبيض من الدنس ، اللهم اغسل خطاياي بالماء والثلج والبرد .
(حديث عائشة في الصحيحين ) قالت كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يكثر أن يقول في ركوعه وسجوده سبحانك اللهم وبحمدك اللهم اغفر لي .
(حديث عائشة في صحيح مسلم ) أن رسول الله ( كان يقول في ركوعه وسجوده : سبُّوحٌ قدوسٌ ربُ الملائكة والروح .
مسألة : ما هو ذكر الرفع من الركوع ؟
(ذكر الرفع من الركوع
(حديث رفاعةَ بن رافعٍ الزُرقي في صحيح البخاري ) قال كنا نصلي وراء النبي - صلى الله عليه وسلم - فلما رفع رأسه من الركعة قال سمع الله لمن حمده قال رجلٌ وراءه ربنا ولك الحمد حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه ، فلما انصرف قال : من المتكلم ؟ قال أنا ، قال : رأيت بضعةً وثلاثين ملكاً يبتدرونها أيهم يكتبها أول .
((1/98)
حديث أبي سعيدٍ في صحيح مسلم ) قال كان رسول الله ( إذا رفع رأسه من الركوع قال : ربنا لك الحمد ملئ السموات والأرض وما بينهما وملئ ما شيءت من شيء بعد ، أهل الثناء والمجد أحقُ ما قال العبد وكلنا لك عبد ، اللهم لا مانع لما أعطيت ولا مُعطي لما منعت ولا ينفع ذا الجد منك الجد .
مسألة : ما هو ذكر السجود ؟
(حديث عائشة في الصحيحين ) قالت كان رسول الله ( يكثر أن يقول في ركوعه وسجوده سبحانك اللهم وبحمدك اللهم اغفر لي .
(حديث عائشة في صحيح مسلم ) أن رسول الله ( كان يقول في ركوعه وسجوده : سبُّوحٌ قدوسٌ ربُ الملائكة والروح .
مسألة : ما هو ذكر السجود ؟
(حديث حذيفة في صحيحي أبي داوود والنسائي ) أن النبي ( كان يقول بين السجد تين رب اغفر لي رب اغفر لي .
(حديث ابن عباس في صحيح أبي داوود والترمذي ) أن النبي ( كان يقول بين السجد تين اللهم اغفر لي وارحمني واجبرني واهدني وارزقني .
مسألة : ما هو الذكر بعد التشهد الأخير وقبل التسليم ؟
(حديث أبي بكرٍ الصديق في الصحيحين ) أنه قال لرسول الله ( علمني دعاءاً أدعو به في صلاتي قال : قل اللهم إني ظلمت نفسي ظلماً كثيراً ولا يغفر الذنوب إلا أنت ، فاغفر لي مغفرةً من عندك ، وارحمني إنك أنت الغفور الرحيم .
(حديث عليٍ في صحيح مسلم ) قال كان رسول الله إذا قام إلى الصلاة يكون من آخر ما يقول بين التشهد والتسليم : اللهم اغفر لي ما قدَّمت وما أخرت وما أسررت وما أعلنت وما أسرفت وما أنت أعلم به مني أنت المقدم وأنت المؤخر لا إله إلا أنت .
مسألة : ما هي أذكار ختام الصلاة؟
أذكار ختام الصلاة
(تقول : اللهم أعني على ذكرك و شكرك و حسن عبادتك
(وتقرأ المُعَوِّذات دبر كل صلاة .
((1/99)
وتقول لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير ، لا حول ولا قوة إلا بالله لا إله إلا الله ولا نعبد إلا إياه له النعمة وله الفضلُ وله الثناء الحسن ، لا إله إلا الله مخلصين له الدين ولو كره الكافرون .
(وتسبح الله تعالى ثلاثاً وثلاثين وتحمد الله تعالى ثلاثاً وثلاثين وتكبر الله تعالى ثلاثاً وثلاثين وتقول تمام المائة
(وتقول : لا لإله إلا الله وحده لا شريك له ، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير ، اللهم لا مانع لما أعطيت ولا معطي لما منعت ولا ينفع ذا الجد منك الجد .
(حديث معاذ في صحيحي أبي داوود والنسائي ) أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : يا معاذ ! و الله إني لأحبك أوصيك يا معاذ لا تدعن في دبر كل صلاة أن تقول : اللهم أعني على ذكرك و شكرك و حسن عبادتك .
(حديث عقبة بن عامر في صحيحي أبي داوود والترمذي ) قال أمرني رسول الله ( أن أقرأ المُعَوِّذات دبر كل صلاة .
(حديث عبد الله بن الزبير في صحيح مسلم ) قال كان النبي ( إذا انصرف من الصلاة قال : لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير ، لا حول ولا قوة إلا بالله لا إله إلا الله ولا نعبد إلا إياه له النعمة وله الفضلُ وله الثناء الحسن ، لا إله إلا الله مخلصين له الدين ولو كره الكافرون .
(حديث أبي هريرة في صحيح مسلم ) أن النبي ( قال : من سبح الله في دبر كل صلاة ثلاثا و ثلاثين و حمد الله ثلاثا و ثلاثين و كبر الله ثلاثا و ثلاثين فتلك تسع و تسعون و قال تمام المائة : لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك و له الحمد و هو على كل شيء قدير غفرت خطاياه و إن كانت مثل زبد البحر .
((1/100)
حديث المغيرة في الصحيحين ) كان النبي ( يقول في دبر كل صلاة مكتوبة : لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير ، اللهم لا مانع لما أعطيت ولا معطي لما منعت ولا ينفعُ ذا الجد منك الجد .
مسألة : ما هي أذكار الصباح والمساء ؟
ينبغي لطالب العلم أن يتمسك بأذكار الصباح والمساء وأن لا يتركها ما دام حياً فإنها حِصنٌ حصين وحرزٌ متين ، وقد حثنا الله تعالى على أذكار الصباح والمساء بقوله تعالى ( فَاصْبِرْ عَلَىَ مَا يَقُولُونَ وَسَبّحْ بِحَمْدِ رَبّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشّمْسِ وَقَبْلَ الْغُرُوبِ ) { ق/39}
(حديث ابن مسعود في صحيح مسلم ) قال : كان النبي ( إذا أمسى قال : أمسينا وأمسى الملك لله والحمد لله , ولا إله إلا الله وحده لا شريك له ، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير ، ربِّ أسألك خيرَ ما في هذه الليلة وخيرَ ما بعدها وأعوذ بك من شر هذه الليلة وشرِ ما بعدها ، رب أعوذ بك من الكسل وسوء الكبر ، رب أعوذ بك من عذاب في النار وعذاب في القبر ، وإذا أصبح قال ذلك أيضاً : أصبحنا وأصبح الملك لله .
(حديث أبي هريرة في صحيح الترمذي ) أن النبي ( قال : إذا أصبح أحدكم فليقل : اللهم بك أصبحنا و بك أمسينا و بك نحيا و بك نموت و إليك المصير و إذا أمسى فليقل : اللهم بك أمسينا و بك أصبحنا و بك نحيا و بك نموت و إليك النشور .
(حديث شداد بن أوس في صحيح البخاري ) أن النبي ( قال : سيدُ الاستغفار أن تقول : اللهم أنت ربي لا إله إلا أنت خلقتني و أنا عبدك و أنا على عهدك و وعدك ما استطعت أعوذ بك من شر ما صنعت أبوء لك بنعمتك علي و أبوء لك بذنبي فاغفر لي فإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت من قالها من النهار موقنا بها فمات من يومه قبل أن يمسي فهو من أهل الجنة و من قالها من الليل و هو موقن بها فمات قبل أن يصبح فهو من أهل الجنة .
((1/101)
حديث عبد الله بن خُبيب في صحيح أبي داوود والترمذي ) أن النبي ( قال : قل ( قل هو الله أحد والمُعَوِّذتين حين تمسي وحين تصبح ثلاث مرات تكفيك من كلِ شيء )
(حديث عثمان في صحيحي أبي داوود والترمذي ) أن النبي ( قال : ما من عبد يقول في صباح كل يوم و مساء كل ليلة : بسم الله الذي لا يضر مع اسمه شيء في الأرض و لا في السماء و هو السميع العليم ثلاث مرات فيضره شيء .
(حديث أبي هريرة في الصحيحين ) أن النبي ( قال : من قال : لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك و له الحمد و هو على كل شيء قدير في يوم مائة مرة كانت له عدل عشر رقاب و كتبت له مائة حسنة و محيت عنه مائة سيئة و كانت له حرزا من الشيطان يومه ذلك حتى يمسي و لم يأت أحد بأفضل مما جاء به إلا أحد عمل عملا أكثر من ذلك .
(حديث أبي هريرة في صحيح الجامع ) أن النبي ( قال : من قال لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك و له الحمد و هو على كل شيء قدير بعد ما يصلي الغداة عشر مرات كتب الله له عشر حسنات ومحى عنه عشر سيئات ورفع له عشر درجات وكان له بعدل عتق رقبتين من ولد إسماعيل ، وإن قالها حين يمسي كان له مثل ذلك وكن له حجاباً من الشيطان حتى يصبح .
(حديث عبد الرحمن بن أبزى في صحيح الجامع ) أن النبي ( كان إذا أصبح و إذا أمسى قال : أصبحنا على فطرة الإسلام و كلمة الإخلاص و دين نبينا محمد و ملة أبينا إبراهيم حنيفا مسلما و ما كان من المشركين
(حديث أبي هريرة في الصحيحين ) أن النبي ( قال : من قال : سبحان الله و بحمده في يوم مائة مرة حطت خطاياه و إن كانت مثل زبد البحر .
(حديث أبي هريرة في صحيح مسلم ) أن النبي ( قال : من قال حين يصبح و حين يمسي : سبحان الله العظيم و بحمده مائة مرة لم يأت أحد يوم القيامة بأفضل مما جاء به إلا أحد قال مثل ذلك و زاد عليه
((1/102)
حديث ابن عمر في صحيحي أبي داوود وابن ماجة ) قال لم يكن رسول ( الله يدع هؤلاء الدعوات حين يمسي وحين يصبح { اللهم إني أسألك العفو و العافية الدنيا والآخرة ، اللهم إني أسألك العفو والعافية في ديني ودنياي و أهلي و مالي، اللهم استر عوراتي و آمن روعاتي و احفظني من بين يدي و من خلفي و عن يميني و عن شمالي و من فوقي و أعوذ بك أن اغتال من تحتي .
( حديث أبي الدر داء في صحيح الجامع ) أن النبي ( قال : من صلى عليَّ حين يصبح عشراً وحين يمسي عشراً أدركته شفا عتي يوم القيامة .
(حديث أبي بكرة في صحيح أبي داود) أن النبي ( كان يدعو : اللهم عافني في بدني اللهم عافني في سمعي اللهم عافني في بصري اللهم إني أعوذ بك من الكفر و الفقر اللهم إني أعوذ بك من عذاب القبر لا إله إلا أنت .
(حديث أبي هريرة في صحيح مسلم ) قال جاء رجلٌ إلى النبي ( فقال يا رسول الله ما لقيت من عقربٍ لدغتني البارحة، قال : أما لو قلت حين أمسيت أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق لم تضرك .
( حديث أبي هريرة في صحيح الترمذي ) أن النبي ( قال : من قال حين يمسي ثلاث مرات { أعوذ بكلمات الله التامات ون شر ما خلق } لم يضره حَمَة تلك الليلة }
(معنى حَمة : أي ذوات السموم
( حديث أبي هريرة في صحيحي أبي داوود والترمذي) أن أبي بكرٍ رضي الله تعالى عنه قال يا رسول الله مُرْني بكلماتٍ أقولهن إذا أصبحت و‘ذا أمسيت ، قال قل اللهم فاطر السموات و الأرض عالم الغيب و الشهادة رب كل شيء و مليكه أشهد أن لا إله إلا أنت أعوذ بك من شر نفسي و من شر الشيطان و شركه قلها إذا أصبحت و إذا أمسيت و إذا أخذت مضجعك .
{ تنبيه } :( ويستحب في أذكار الصباح أن يديم الذكر حتى تطلع الشمس فيُكتب له أجر حجةٍ وعمرةٍ تامةٍ بإذن الله تعالى .
((1/103)
حديث أنس في صحيح الترمذي ) أن النبي ( قال : من صلى الفجر في جماعة ثم قعد يذكر الله حتى تطلعَ الشمسُ ثم صلى ركعتين كانت له كأجر حجةٍ و عمرةٍ تامةٍ تامةٍ تامة .
{ تنبيه } :( وبعد أن يؤدي ذكر الله تعالى تجده - صلى الله عليه وسلم - يتقلب في نعمة ذكر الله تعالى في حركاته وسكناته وفي كل أحواله ، فإذا أراد تناول الطعام ذكر الله وإذا ذهب للسوق ذكر الله وإذا رأى ما يحب ذكر الله وإذا رأى ما يكره ذكر الله وحال الكرب له ذكرٌ لله وإذا رأى مبتلى ذكر الله . وإليك غيضٌ من فيض مما ورد في السنة الصحيحة من هذه الأذكار .
مسألة : ما هو الذكر قبل تناول الطعام ؟
(حديث عائشة في صحيحي أبي داوود والترمذي ) أن النبي ( قال إذا أكل أحدكم طعاما فليقل باسم الله فإن نسي في أوله فليقل : بسم الله على أوله و آخره .
(حديث ابن عباس في صحيحي أبي داوود وابن ماجة ) أن النبي ( قال من أطعمه الله طعاما فليقل : اللهم بارك لنا فيما رزقتنا وارزقنا خيرا منه و من سقاه الله لبنا فليقل : اللهم بارك لنا فيما رزقتنا و زدنا منه فإني لا أعلم ما يجزئ من الطعام و الشراب إلا اللبن .
مسألة : ما هو الذكر بعد الفراغ من الطعام ؟
(حديث أبي أمامة في صحيح البخاري ) قال كان النبي ( إذا فرغ من طعامه قال : الحمد لله الذي كفانا وأرْوَانا غير مَكْفيٍّ ولا مكفور .
(معنى كفانا : من الكفاية الشاملة لجميع النعم وهذا عام ، وذكر الري بعده من باب ذكر الخاص بعد العام .
(معنى غير مكفيٍّ : أي ما أكلناه ليس كافياً عما بعده
(معنى ولا مكفور : أي لا نكفر بنعم الله تعالى الذي أسبغها علينا سبحانه .
((1/104)
حديث معاذ بن أنس الجُهَنِي في صحيحي أبي داوود والترمذي ) أن النبي ( قال : من أكل طعاما ثم قال : الحمد لله الذي أطعمني هذا الطعام و رزقَنيه من غير حول مني و لا قوة غفر له ما تقدم من ذنبه و من لبس ثوبا فقال : الحمد لله الذي كساني هذا و رزقنيه من غير حول مني و لا قوة غفر له ما تقدم من ذنبه و ما تأخر .
مسألة : ما هو ركوب الدابة ؟
(حديث علي بن ربيعة في صحيحي أبي داوود والترمذي ) قال شهدت علي بن أبي طالب أتي بدابةٍ ليركبها ، فلما وضع رجله على الركاب قال بسم الله ، فلما استوى على ظهرها قال : الحمد لله سبحان الذي سخر لنا هذا وما كنا له مقرنين وإنا إلى ربنا لمنقلبون ، ثم قال : الحمد لله ثلاثاً ، الله أكبر ثلاثاً ، سبحانك إني ظلمتُ نفسي فاغفر لي فإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت ، ثم ضحك . ، فقلت من أي شيء ضحكت يا أمير المؤمنين ؟ قال : رأيت رسول الله ( صنع كما صنعتُ ثم ضحك .
مسألة : ما هو ذكر السوق ؟
(حديث ابن عمر في صحيحي الترمذي وابن ماجة ) أن النبي ( قال : من قال حين يدخل السوق : لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، له الملك و له الحمد يُحيي ويُميت وهو حيٌ لا يموت بيده الخير و هو على كل شيء قدير كتب الله له ألف ألف حسنة ومحى عنه ألف ألف سيئةٍ وبنى له بيتاً في الجنة.
مسألة : ما هو الذكر إذا كان مسافراً وودَّع المقيم ؟
(حديث أبي هريرة في صحيح ابن ماجة ) قال ودعني رسول الله ( فقال : أستودعك الله الذي لا تضيع ودائعه .
(حديث ابن عمر في صحيح ابن ماجة) قال كان رسول الله ( إذا أشخص السرايا يقول للشاخص : أستودع الله دينك وأمانتك وخواتيم عملك .
((1/105)
حديث ابن عمر في صحيح مسلم ) أن رسول الله ( كان إذا استوى على بعيره خارجا إلى سفر كبر ثلاثا ثم قال ! سبحان الذي سخر لنا هذا وما كنا له مقرنين وإنا إلى ربنا لمنقلبون >! اللهم إنا نسألك في سفرنا هذا البر والتقوى ومن العمل ما ترضى اللهم هون علينا سفرنا هذا واطو عنا بعده اللهم أنت الصاحب في السفر والخليفة في الأهل اللهم إني أعوذ بك من وعثاء السفر وكآبة المنظر وسوء المنقلب في المال والأهل وإذا رجع قالهن وزاد فيهن آيبون تائبون عابدون لربنا حامدون
(حديث عائشة في صحيح ابن ماجة ) قالت كان رسول الله ( إذا رأى ما يحب قال الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات وإذا رأى ما يكره قال الحمد لله على كل حال .
(حديث عائشة في صحيح ابن ماجة ) قالت كان رسول الله ( إذا رأى ما يحب قال الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات وإذا رأى ما يكره قال الحمد لله على كل حال .
(حديث ابن عباس في الصحيحين ) أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يقول عند الكرب لا إله إلا الله العظيم الحليم ، لا إله إلا الله رب العرش العظيم ، لا إله إلا الله رب السماوات ورب الأرض ورب العرش الكريم .
( حديث أنس في الصحيحين ) قال كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول : اللهم إني أعوذ بك من الهم و الحزن و العجز و الكسل و الجبن و البخل و ضلع الدين و غلبة الرجال . (حديث ابن مسعود في السلسلة الصحيحة )أن النبي ( قال : ما أصاب عبداً همٌ ولا حزنٌ فقال : اللهم إني عبدك وابن عبدك وابن أمتك ، ناصيتي بيدك ، ماضٍ فيَّ حكمك ، عدلٌ فيَّ قضاؤك ، أسألك بكلِ اسمٌ هو لك سميت به نفسك أو أنزلته في كتابك أو علمته أحدٌ من خلقك أن تجعل القرآن العظيم ربيع قلوبي ونورَ بصري وجلاء حزني وذهاب همِّي إلا أذهب الله همَّه وأبدله مكانه فرجاً .
((1/106)
حديث أبي هريرة في صحيح الترمذي ) أن النبي ( قال : من رأى مبتلى فقال : الحمد لله الذي عافاني مما ابتلاك به و فضلني على كثير ممن خلق تفضيلا لم يصبه ذلك البلاء.
( حديث طلحة ابن عُبيد الله في صحيح الترمذي ) أن النبي ( كان إذا رأى الهلال قال : اللهم أهله علينا باليمن و الإيمان و السلامة و الإسلام ربي و ربك الله .
(حديث ابن مسعود في صحيح الجامع ) أن النبي ( قال : كفارة المجلس أن يقول العبد : سبحانك اللهم و بحمدك أشهد أن لا إله إلا أنت وحدك لا شريك لك أستغفرك و أتوب إليك .
(حديث أبي هريرة في صحيح الترمذي ) أن النبي ( قال من جلس في مجلس فكثر فيه لغطه فقال قبل أن يقوم من مجلسه ذلك : سبحانك اللهم ربنا و بحمدك أشهد أن لا إله إلا أنت أستغفرك و أتوب إليك إلا غفر له ما كان في مجلسه ذلك .
(حديث علي في صحيح الترمذي ) «أَنّ مُكَاتِباً جاءَهُ فقالَ إنّي قَدْ عَجْزِتُ عنْ كِتَابَتِي فَأَعِنّي، قالَ أَلاَ أُعَلّمُكَ كَلِمَاتٍ عَلّمَنِيهِنّ رَسُولُ الله ( ؟ لَوْ كَانَ عَلَيْكَ مِثْلُ جَبَلِ صِيرٍ دَيْناً أَدّاهُ الله عَنْكَ. قالَ قُلْ اللّهُمّ اكْفِني بِحَلاَلِكَ عَنْ حَرَامِكَ، وَاغْنِني بِفَضْلِكَ عمن سِوَاكَ».
(حديث أبي هريرة في صحيح مسلم ) قال : * كان رسول الله ( يأمرنا إذا أخذنا مضجعنا أن نقول ( اللهم رب السماوات ورب الأرض ورب العرش العظيم ربنا ورب كل شيء، فالق الحب والنوى ومنزل التوراة والإنجيل والقرآن أعوذ بك من شر كل شيء أنت آخذ بناصيته اللهم أنت الأول فليس قبلك شيء وأنت الآخر فليس بعدك شيء وأنت الظاهر فليس فوقك شيء وأنت الباطن فليس دونك شيء اقض عنا الدين وأغننا من الفقر .
(حديث حذيفة في الصحيحين ) قال كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا أوى إلى فراشه قال : باسمك اللهم أموت وأحيا ، وإذا استيقظ قال : الحمد لله الذي أحيانا بعد ما أماتتا وإليه النشور .
((1/107)
حديث البراء في الصحيحين ) قال ، قال لي رسول الله ( إذا أتيت مضجعك فتوضأ وضوئك للصلاة ثم اضطجع على شقك الأيمن ثم قل : اللهم أسلمت وجهي إليك و فوضت أمري إليك و ألجأت ظهري إليك رغبة و رهبة إليك لا ملجأ ولا منجا منك إلا إليك آمنت بكتابك الذي أنزلت و بنبيك الذي أرسلت فإن مت من ليلتك فأنت على الفطرة و اجعلهن آخر ما تتكلم به .
(حديث أبي هريرة في الصحيحين ) أن النبي ( قال : إذا أوى أحدكم إلى فراشه فلينفضه بداخلة إزاره فإنه لا يدري ما خلفه عليه ثم ليضطجع على شقه الأيمن ثم ليقل : باسمك ربي وضعت جنبي و بك أرفعه إن أمسكت نفسي فارحمها و إن أرسلتها فاحفظها بما تحفظ به عبادك الصالحين .
( حديث عائشة في الصحيحين ) أن النبي ( كان إذا أوى إلى فراشه جمع كفيه ثم نفث فيهما فقرأ فيهما ( قل هو الله وقل أعوذ برب الفلق وقل أعوذ برب الناس ) ثم يمسح بهما ما استطاع من جسده يبدأ بهما على رأسه ووجهه وما أقبل من جسده يفعل ذلك ثلاث مرات .
(حديث علي في الصحيحين ) أن فاطمة أتت النبي ( تشكو إليه ما تلقى في يدها من الرحى – وبلغها أنه قد جاءه رقيق – فلم تصادفه فذكرت ذلك لعائشة فلما جاء أخبرته عائشة ، قال فجاء وقد أخذنا مضاجعنا فذهبنا نقوم له فقال على مكانكما فقعد بيني وبيننا حتى وجدت برد قدمه على بطني فقال ألا أدلكما على خيرٍ مما سألتما ، إذا أخذتما مضاجعكما - أو أويتما إلى فراشكما فسبحا ثلاثاً وثلاثين واحمدا ثلاثا وثلاثين وكبِّرا أربعاً وثلاثين فهو خير لكما من خادم .
(حديث حفصة في صحيح أبي داود) قالت كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا أراد أن يرقد وضع يده اليمنى تحت خَدِّه ثم يقول : اللهم قِني عذابك يوم تبعث عبادك .
((1/108)
حديث عبد الله بن عمرو في صحيحي أبي داوود والترمذي ) أن النبي ( قال : إذا فزع أحدكم من النوم فليقل : أعوذ بكلمات الله التامة من غضبه و عقابه و شر عباده و من همزات الشياطين و أن يحضرون فإنها لن تضره .
(حديث عائشة في صحيح الجامع ) قالت كان إذا تضور من الليل قال : لا إله إلا الله الواحد القهار رب السموات و الأرض و ما بينهما العزيز الغفار .
(معنى تّضَوَّر : أي تلوى وتقلب ظهراً لبطن
( حديث عبادة بن الصامت ) أن النبي ( قال : من تعار من الليل فقال: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك و له الحمد و هو على كل شيء قدير سبحان الله و الحمد لله و لا إله إلا الله و الله أكبر و لا حول و لا قوة إلا بالله ثم قال : اللهم اغفر لي أو دعا استجيب له فإن توضأ و صلى قبلت صلاته .
(معنى تعارَّ: أي استيقظ
( حديث ابن عباس في الصحيحين ) قال كان النبي ( إذا تهجد من الليل قال : اللهم لك الحمد أنت قيمُ السماوات والأرض ومن فيهن ، ولك الحمد أنت نور السماوات والأرض ومن فيهن ، ولك الحمد أنت رب السماوات والأرض ومن فيهن ، ولك الحمد أنت الحق ووعدك الحق وقولك الحق ولقاؤك حق والجنة حق والنار حق ، والنبيون والساعة حق اللهم لك أسلمت وبك آمنت وعليك توكلت وإليك أنبت وبك خاصمت وإليك حاكمت فاغفر لي ما قدمت وأخرت وأسررت وأعلنت أنت المقدِّم وأنت المؤخر لا إله إلا أنت .
(حديث الحسن بن علي في صحيح السنن الأربعة ) قال علمني رسول الله صلى الله عليه وسلم كلمات أقولهن في الوتر{ اللهم اهدني فيمن هديت وعافني فيمن عافيت وتولني فيمن توليت وبارك لي فيما أعطيت وقني شر ما قضيت إنك تقضي ولا يقضى عليك وإنه لا يذل من واليت تباركت ربنا وتعاليت}
(حديث علي في صحيح أبي داوود وابن ماجة ) أن النبي ( كان يقول في آخر وتره : اللهم إني أعوذ برضاك من سخطك و بمعافاتك من عقوبتك و أعوذ بك منك لا أحصي ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك .
((1/109)
حديث أبي موسى في الصحيحين ) قال كنا مع رسول الله ( في غزاةٍ فجعلنا لا نصعد شرفاً ولا نعلو شرفاً ولا نهبطُ في وادٍ إلا رفعنا صوتنا بالتكبير فدنا منا رسول الله ( فقال : أيها الناس أربعوا على أنفسكم فإنكم ل تدعون أصمَّ ولا غائباً إنكم تدعون سميعاً بصيرا ، ثم قال : يا عبد الله بن قيس ألا أعلمك كلمةً هي من كنوز الجنة : لا حول ولا قوة إلا بالله .
وينبغي على طالب العلم أن يلزم الاستغفار وأن يغرف منه غرفاً لأنه دواء الذنوب فطوبى لمن وُجِد في صحيفته استغفارٌ كثير ، وقد كثُر ذكر الاستغفار في القرآن الكريم فتارةٌ يؤمر به قال تعالى: (وَاسْتَغْفِرُواْ اللّهَ إِنّ اللّهَ غَفُورٌ رّحِيمٌ) [سورة: المزمل - الآية: 20]
وتارةٌ يمدح أهله كقوله تعالى (وَالْمُسْتَغْفِرِينَ بِالأسْحَارِ) [سورة: آل عمران - الآية: 17]
وتارة يذكر الله تعالى أنه يغفر لمن يستغفره كقوله تعالى: (وَمَن يَعْمَلْ سُوَءاً أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمّ يَسْتَغْفِرِ اللّهَ يَجِدِ اللّهَ غَفُوراً رّحِيماً) [سورة: النساء - الآية: 110]
[*](والسنة الصحيحة طافحة بما يدل على فضل الاستغفار وهاك بعضها :
(حديث الأغرِّ المُزني في صحيح مسلم ) أن النبي ( قال : يا أيها الناس ! توبوا إلى الله واستغفروه فإني أتوب إلى الله في اليوم مائة مرة .
(حديث أبي هريرة في الصحيحين ) أن النبي ( قال والله إني لأستغفر الله وأتوب إليه في اليوم أكثر من سبعين مرة .
(حديث عبد الله بن بُسر في صحيح ابن ماجة ) أن النبي ( قال طوبى لمن وُجد في صحيفته استغفارا كثيرا .
((1/110)
حديث أنس في صحيح الترمذي) أن النبي ( قال : قال الله تعالى : يا ابنَ آدَمَ إِنّكَ مَا دَعَوْتَنِي وَرَجَوْتَنِي غَفَرْتُ لَكَ عَلَى ما كانَ فِيكَ وَلاَ أُبَالِي. يا ابنَ آدَمَ لَوْ بَلَغَت ذُنُوبُكَ عَنَانَ السّمَاءِ ثُمّ اسْتَغْفَرْتَنِي غَفَرْتُ لَكَ وَلاَ أُبَالِي. يا ابنَ آدَمَ إنّكَ لَوْ أَتَيْتَنِي بِقُرَابِ الأرْضِ خَطَايَا ثُمّ لَقِيتَنِي لاَ تُشْرِكُ بي شَيْئاً لأَتَيْتُكَ بِقُرَابِهَا مَغْفِرَةً» .
(معنى عنان السماء : قيل هو السحاب وقيل هو ما عَنَّ لك منها أي ما ظهر لك منها .
(حديث أبي سعيد في صحيح الجامع ) أن النبي ( قال :إن إبليس لعنه الله قال وعزتك وجلالك لا أبرح أُغوي بني آدم ما دامت الأرواح فيهم ، فقال الله عز وجل : وعزتي وجلالي لا ابرح أغفر لهم ما استغفروني .
(حديث شداد بن أوس في صحيح البخاري ) سيد الاستغفار أن تقول : اللهم أنت ربي لا إله إلا أنت خلقتني و أنا عبدك و أنا على عهدك و وعدك ما استطعت أعوذ بك من شر ما صنعت أبوء لك بنعمتك علي و أبوء لك بذنبي فاغفر لي فإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت من قالها من النهار موقنا بها فمات من يومه قبل أن يمسي فهو من أهل الجنة و من قالها من الليل و هو موقن بها فمات قبل أن يصبح فهو من أهل الجنة .
الآثار الواردة في فضل الاستغفار :
[*] قال عليٌّ رضي الله تعالى عنه : ما ألهم الله سبحانه عبدأ الاستغفار وهو يريد أن يعذبه
[*] وقال قتادة رحمه الله تعالى : إن هذا القرآن يدلكم على دائكم ودوائكم فأما داؤكم فالذنوب وأما دواؤكم فالاستغفار .(1/111)
وجاء ثلاثة إلى الحسين بن علي رضي الله تعالى عنه واشتكى الأول قلة المطر فقال له أكثر من الاستغفار ، واشتكى الثاني العقم فقال له أكثر من الاستغفار ، واشتكى الثالث جدب الأرض وقلة النبات فقال له أكثر من الاستغفار . فقال له أحد جلسائه : يا ابن رسول الله كلُ الثلاثةِ مختلف الشكاية وأنت وحدت الجواب بينهم فقال رضي الله تعالى عنه أما قرأتم قول الله تعالى (فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُواْ رَبّكُمْ إِنّهُ كَانَ غَفّاراً ،يُرْسِلِ السّمَآءَ عَلَيْكُمْ مّدْرَاراً ،وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَل لّكُمْ جَنّاتٍ وَيَجْعَل لّكُمْ أَنْهَاراً) {سورة: نوح /12،11،10 }
مسألة : ما هو فضل الدعاء ؟
يجب على طالب العلم أن يهتم بالدعاء اهتماما بالغاً فإن الدعاء هو العبادة ، والدعاء سهمٌ لا يخيب ، والموفق من وفق للدعاء ، ولله درُّ من قال :
أتهزأُ بالدعاءِ وتزدريهِ ... وما تدري بما صنع الدعاءُ
سهامُ الليلِ لا تُخطي ولكن ... لها أمدٌ وللأمدادِ انقضاءُ
وقد امرنا الله تعالى بالدعاء ووعدنا بالإجابة والله تعالى لا يخلف الميعاد قال تعالى: (وَقَالَ رَبّكُمْ ادْعُونِيَ أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنّ الّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنّمَ دَاخِرِينَ)
[سورة: غافر - الآية: 60]
وقال تعالى: (وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنّي فَإِنّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُواْ لِي وَلْيُؤْمِنُواْ بِي لَعَلّهُمْ يَرْشُدُونَ) [سورة: البقرة - الآية: 186]
وقال تعالى: (ادْعُواْ رَبّكُمْ تَضَرّعاً وَخُفْيَةً إِنّهُ لاَ يُحِبّ الْمُعْتَدِينَ) [سورة: الأعراف - الآية: 55]
والسنة طافحةٌ بما يدل على أن الدعاء له فضلٌ عظيم ويترتب عليه أجرٌ جسيم ، وإليك غيضٌ من فضل مما ورد في ذلك :
((1/112)
بين النبي - صلى الله عليه وسلم - أن الدعاء هو العبادة لأن العبادة هي التذلل والخضوع والدعاء هو التذلل والخضوع من العبد الفقير الذي لا يملك لنفسه ضراً ولا نفعاً إلى الله تعالى الذي يملك الضر والنفع .
(حديث النعمان بن بشير في صحيحي أبي داوود والترمذي ) أن النبي ( قال : الدعاء هو العبادة ، ثم تلا قوله تعالى: (وَقَالَ رَبّكُمْ ادْعُونِيَ أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنّ الّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنّمَ دَاخِرِينَ)
{ تنبيه } :( الذي يتأمل في قوله ( ( الدعاء هو العبادة) يتضح له وضوحاً جلياً كيف أن الله تعالى كرمه فياضٌ وجوده متتابع حيث جعل سؤال عباده له لقضاء حوائجهم من أعظم العبادات وأجلِّ القربات فعظَّم الرغبة عندهم في الدعاء حتى قال ( الدعاء هو العبادة) ، بل وذم ترك الدعاء وعدَّه استكباراً عليه وهدده بأشدِ أنواع التهديد حيث قال تعالى: (وَقَالَ رَبّكُمْ ادْعُونِيَ أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنّ الّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنّمَ دَاخِرِينَ)
(وبين النبي ( أن من لم يسال الله يغضب عليه :
(حديث أبي هريرة في صحيحي الترمذي وابن ماجة ) أن النبي ( قال من لم يسال الله يغضب عليه .
(وبين النبي ( أنه ليس شيء أكرم على الله من الدعاء :
(حديث أبي هريرة في صحيحي الترمذي وابن ماجة ) أن النبي ( قال : ليس شيء أكرم على الله من الدعاء .
(وبين النبي (أن الله تعالى يستحي من عبده إذا رفع يديه إليه أن يردهما صفرا .
(حديث سلمان في صحيح أبي داوود والترمذي ) أن النبي ( قال إن ربكم حيي كريم يستحي من عبده إذا رفع يديه إليه أن يردهما صفرا .
(وبين النبي ( أن الدعاء من الأدوية النافعة فلا يرد القضاء إلا الدعاء :
(حديث سلمان في صحيح الترمذي ) أن النبي ( قال لا يرد القضاء إلا الدعاء و لا يزيد في العمر إلا البر .
((1/113)
وبين النبي ( أن الله تعالى يستجيب الدعاء فإما أن يُعجِّل له الإجابة في الدنيا و إما أن يدخر له في الآخرة ما لم يدع بإثم أو قطيعة رحم أو يستعجل .
(حديث أبي هريرة في صحيح الترمذي ) أن النبي ( قال ما من رجل يدعو بدعاء إلا استجيب له فإما أن يعجل له في الدنيا و إما أن يدخر له في الآخرة ما لم يدع بإثم أو قطيعة رحم أو يستعجل .
مسألة : ما هي آداب الدعاء ؟
للدعاء آداب ينبغي لطالب العلم أن يحيط بها علماً وأن يتبعها حتى يكون دعاؤه أرجى للقبول ، ومن هذه الآداب ما يلي :
(1) أن يدعو الله وهو موقنٌ بالإجابة :
(حديث أبي هريرة في صحيح الترمذي ) أن النبي ( قال ادعوا الله و أنتم موقنون بالإجابة و اعلموا أن الله لا يستجيب دعاء من قلبٍ غافلٍ لاه .
*قال سفيان ابن عيينة رحمه الله تعالى : لا يمنعنَّ أحدكم من الدعاء ما يعلم من نفسه فإن الله تعالى أجاب دعاء شرِ الخلق إبليس لعنه الله إذ قال: رَبّ فَأَنظِرْنِي إِلَىَ يَوْمِ يُبْعَثُونَ
(قَالَ رَبّ فَأَنظِرْنِي إِلَىَ يَوْمِ يُبْعَثُونَ) [سورة: الحجر - الآية: 36]
(2) يعزم مسألته فإن الله تعالى يفعل ما يشاء لا مكره له :
(حديث أبي هريرة في الصحيحين ) أن النبي ( قال ? لا يقولن أحدكم : اللهم اغفر لي إن شيءت اللهم ارحمني إن شيءت اللهم ارزقني إن شيءت و ليعزم المسألة فإنه يفعل ما يشاء لا مكره له .
(3) يعظم الرغبة فإن الله تعالى لا يتعاظمه شيء أعطاه :
(حديث أبي هريرة في صحيح مسلم ) أن النبي ( قال إذا دعا أحدكم فليعظم الرغبة فإن الله لا يتعاظمه شيء أعطاه .
(4) أن لا يعجل :
(حديث أبي هريرة في الصحيحين) أن النبي ( قال : يستجاب أحدكم ما لم يعجل ، يقول دعوت فلم يُستَجِبْ لي .
(5) يترصد للدعاء الأوقات الشريفة :(1/114)
كيوم عرفة من السنة ن ورمضان من الشهور ، ويوم الجمعة من الأسبوع ، ووقت السحر من ساعات الليل ، وقد ثيت في السنة الصحيحة بان فضل هذه الأوقات الشريفة وإليك بعض ما ورد في هذا :
(فضل يوم عرفة :
(حديث عائشة في صحيح مسلم ) أن النبي ( قال : ما من يوم أكثر من أن يعتق الله فيه عبدا من النار من يوم عرفة .
(حديث أبي قتادة في صحيح مسلم ) أن النبي ( قال في يوم عرفة : أحتسب على الله أن يكفر السنة الماضية والمستقبلة .
(فضل رمضان :
(حديث أبي هريرة في صحيحي الترمذي وابن ماجة) أن النبي ( قال إذا كان أول ليلة من شهر رمضان صفدت الشياطين و مردة الجن و غلقت أبواب النار فلم يفتح منها باب و فتحت أبواب الجنة فلم يغلق منها باب و ينادي مناد كل ليلة : يا باغي الخير أقبل و يا باغي الشر أقصر و لله عتقاء من النار و ذلك كل ليلة .
(فضل يوم الجمعة :
(حديث أبي هريرة في الصحيحين ) أن النبي ( ذكر يوم الجمعة فقال فيه ساعة لا يوافقها عبد مسلم وهو يصلي يسأل الله شيئا إلا أعطاه إياه وأشار بيده يقللها
(فضل ساعة السحر :
(حديث أبي هريرة في الصحيحين ) أن النبي ( قال : ينزل ربنا تبارك و تعالى كل ليلة إلى السماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل الآخر فيقول : من يدعوني فأستجيب له ؟ من يسألني فأعطيه ؟ من يستغفرني فأغفر له .
(فضل الدعاء بين الآذان والإقامة :
(حديث أنس في صحيحي أبي داوود والترمذي) أن النبي ( قال : لا يُردُ الدعاء بين الآذان والإقامة .
(فضل الدعاء في السجود :
(حديث أبي هريرة في صحيح مسلم) أن النبي ( قال : أقربُ ما يكون العبد من ربه وهو ساجد فأكثروا الدعاء .
(6) الدعاء بصوتٍ بين المخافتة والجهر :
((1/115)
حديث أبي موسى في الصحيحين ) قال كنا مع رسول الله ( في غزاةٍ فجعلنا لا نصعد شرفاً ولا نعلو شرفاً ولا نهبطُ في وادٍ إلا رفعنا صوتنا بالتكبير فدنا منا رسول الله ( فقال : أيها الناس أربعوا على أنفسكم فإنكم ل تدعون أصمَّ ولا غائباً إنكم تدعون سميعاً بصيرا ، ثم قال : يا عبد الله بن قيس ألا أعلمك كلمةً هي من كنوز الجنة : لا حول ولا قوة إلا بالله .
7 ) يفتتح الدعاء بحمد الله والثناء عليه والصلاة على النبي ( :
(حديث فضالة ابن عُبيد في صحيحي أبي داوود والترمذي) أن النبي ( قال : إذا صلى أحدكم فليبدأ بتحميد الله تعالى و الثناء عليه ثم ليصل على النبي ثم ليدع بعد بما شاء .
(حديث عمر في صحيح الترمذي موقوفاً ) قال : إن الدعاء موقوف بين السماء والأرض لا يصعد منه شيء إلى السماء حتى تصلي على نبيك ( .
8) أن يطيب مطعمه :
(حديث أبي هريرة في صحيح مسلم) أن النبي ( قال : أيها الناس إن الله طيب لا يقبل إلا طيبا فقال تعالى( يا أيها الرسل كلوا من الطيبات واعملوا صالحا إني بما تعملون عليم ) وقال ( يا أيها الذين آمنوا كلوا من طيبات ما رزقناكم ) ثم ذكر الرجل يطيل السفر أشعث أغبر يمد يديه إلى السماء يا رب يا رب ومطعمه حرام ومشربه حرام وملبسه حرام وغذي بالحرام فأنى يستجاب لذلك .
9) أن يرفع يديه ويستقبل القبلة لأنها أشرف الجهات :
(حديث سلمان في صحيح أبي داوود والترمذي ) أن النبي ( قال إن ربكم حيي كريم يستحي من عبده إذا رفع يديه إليه أن يردهما صفرا .
(حديث ابن عباس في صحيح أبي داوود موقوفاً) قال : المسألة أن ترفع يديك حذو منكبيك أو نحوهما والاستغفار أن تشير بأُصبع واحدة والابتهال أن تمد يديك جميعا .
10)أن يدعو الله باسمه الأعظم الذي إذا دُعي به أجاب وإذا سئل به أعطى :
((1/116)
حديث أنس في صحيح السنن الأربعة) قال سمع النبي ( رجلاً يقول :اللهم إني أسألك بأن لك الحمد لا إله إلا أنت المنان بديع السماوات والأرض يا ذا الجلال والإكرام يا حي يا قيوم فقال النبي صلى الله عليه وسلم لقد دعا الله باسمه العظيم الذي إذا دعي به أجاب وإذا سئل به أعطى .
(حديث بريدة في صحيحي أبي داوود والترمذي) قال سمع النبي ( رجلا يقول : اللهم إني أسألك أني أشهد أنك أنت الله لا إله إلا أنت الأحد الصمد الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد فقال لقد سأل الله باسمه الأعظم الذي إذا دعي به أجاب وإذا سئل به أعطى.
11) يُستحب الجوامع من الدعاء تأسياً بالنبي ( :
(حديث عائشة في صحيح أبي داود) قالت كان رسول الله يستحب الجوامع من الدعاء وَيَدَعُ ما سوى ذلك .
ويستحب كذلك الدعاء بأدعية الكتاب والسنة فإنك لن تجد أبلغ منهما ولا أشمل لخيري الدنيا والآخرة ، ولكن لا يقتصر على ذلك بل يدعو بكل ما يريد ، وإليك أخي نموذجاً من الدعوات الجامعة النافعة على سبيل المثال لا الحصر مبتدأً بحمد الله والثناء عليه ثم الصلاة على النبي ( ثم الدعاء باسم الله الأعظم الذي إذا دعي به أجاب وإذا سئل به أعطى .
1) نموذج لحمد الله تعالى والثناء عليه :
*اللهم لك الحمد حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه ومنه ملئ السموات والأرض وما بينهما وملئ ما شيءت من شيء بعد ، أهل الثناء والمجد وكلنا لك عبد ،اللهم لا مانع لما أعطيت ولا معطي لما منعت ولا ينفع ذا الجد منك الجد .
*سبحانك اللهم وبحمدك وتبارك اسمك وتعالى جدك ولا إله غيرك ، أنت الأول فليس قبلك شيء ، وأنت الآخرُ فليس بعدك شيء وأنت الظاهر فليس فوقك شيء وأنت الباطن فليس دونك شيء ، ليس كمثلك شيء وأنت السميع البصير .
2) الصلاة على النبي ( :(1/117)
اللهم صلِّ على محمدٍ وعلى آل محمدٍ كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميدٌ مجيد ، اللهم بارك على محمدٍ وعلى آل محمدٍ كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميدٌ مجيد .
3) الدعاء باسم الله الأعظم أن يستجيب دعاءنا ولا يردنا خائبين :
اللهم إني أسألك بأن لك الحمد لا إله إلا أنت المنان بديع السماوات والأرض يا ذا الجلال والإكرام يا حي يا قيوم أن تستجيب دعاءنا ولا تردنا خائبين ولا عن بابك مطرودين ولا من رحمتك محرومين يا مجيب دعوة المضطرين ، اللهم لا تحرمنا بذنوبنا ولا تطردنا بعيوبنا ويسِّر لنا أمورنا واختم بالصالحات أعمالنا ، اللهم اختم لنا بخاتمة السعادة واجعلنا ممن كتبت لهم الحسنى وزيادة .
اللهم يا عالم الخفيات ويا رفيع الدرجات ويا مجيب الدعوات ويا قاضى الحاجات افتح لدعائنا القبول والإجابة وارزقنا التوبة وحسن الإنابة .
اللهم إنك قلت وقولك الحق ( أدعوني أستجب لكم ) ، ها نحن ندعوك كما أمرتنا فاستجب لنا كما وعدتنا
[*](نموذج للدعاء من القرآن الكريم :
(اللهم اهْدِنَا الصّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ ،صِرَاطَ الّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِم وَلاَ الضّآلّينَ ){الفاتحة/6،7}
(رَبّنَا لاَ تُؤَاخِذْنَا إِن نّسِينَآ أَوْ أَخْطَأْنَا رَبّنَا وَلاَ تَحْمِلْ عَلَيْنَآ إِصْراً كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الّذِينَ مِن قَبْلِنَا رَبّنَا وَلاَ تُحَمّلْنَا مَا لاَ طَاقَةَ لَنَا بِهِ وَاعْفُ عَنّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَآ أَنتَ مَوْلاَنَا فَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ) {البقرة/286}
(رَبّنَا لاَ تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِن لّدُنْكَ رَحْمَةً إِنّكَ أَنْتَ الْوَهّابُ {آل عمران/8}
ربّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسْرَافَنَا فِيَ أَمْرِنَا وَثَبّتْ أَقْدَامَنَا وانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ) { آل عمران/ 147}
((1/118)
رَبّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصّلاَةِ وَمِن ذُرّيَتِي رَبّنَا وَتَقَبّلْ دُعَآءِ، رَبّنَا اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيّ وَلِلْمُؤْمِنِينَ يَوْمَ يَقُومُ الْحِسَابُ) { إبراهيم / 40، 41}
(رَبّنَا اصْرِفْ عَنّا عَذَابَ جَهَنّمَ إِنّ عَذَابَهَا كَانَ غَرَاماً، إِنّهَا سَآءَتْ مُسْتَقَرّاً وَمُقَاماً) { الفرقان/66،65 }
(رَبّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرّيّاتِنَا قُرّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتّقِينَ إِمَاماً {الفرقان/74}
رَبّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلإِخْوَانِنَا الّذِينَ سَبَقُونَا بِالإِيمَانِ وَلاَ تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلاّ لّلّذِينَ آمَنُواْ رَبّنَآ إِنّكَ رَءُوفٌ رّحِيمٌ) { {الحشر / 10}
[*](نموذج للدعاء من السنة :
*(حديث أبي هريرة في صحيح مسلم ) قال كان رسول الله ( يقول : اللهم أصلح لي ديني الذي هو عصمة أمري و أصلح لي دنياي التي فيها معاشي و أصلح لي آخرتي التي فيها معادي و اجعل الحياة زيادة لي في كل خير و اجعل الموت راحة لي من كل شر .
*(حديث الحسن بن علي في صحيح السنن الأربعة ) قال علمني رسول الله صلى الله عليه وسلم كلمات أقولهن في الوتر{ اللهم اهدني فيمن هديت وعافني فيمن عافيت وتولني فيمن توليت وبارك لي فيما أعطيت وقني شر ما قضيت إنك تقضي ولا يقضى عليك وإنه لا يذل من واليت تباركت ربنا وتعاليت}
(حديث علي في صحيح أبي داوود وابن ماجة ) أن النبي ( كان يقول في آخر وتره : اللهم إني أعوذ برضاك من سخطك و بمعافاتك من عقوبتك و أعوذ بك منك لا أحصي ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك .
(حديث ابن عمر في صحيح مسلم ) قال كان رسول الله يقول اللهم إني أعوذ بك من زوال نعمتك وتحوِّل عافيتك وفُجاءة نقمتك وجميع خلقك .
(حديث أبي هريرة في الصحيحين) أن النبي ( كان يتعوذ من جَهْدِ البلاء ودَرَكِ الشقاءِ وسوءِ القضاءِ وشماتةِ الأعداء .
((1/119)
حديث ابن مسعود في صحيح مسلم ) أن النبي ( كان يقول : اللهم إني أسألك الهدى والتقى والعفاف والغنى .
(حديث علي في صحيح مسلم) قال ، قال رسول الله ( : اللهم إني أسألك الهدى والسداد .
(حديث أنس في الصحيحين) قال كان أكثر دعاء النبي ( ( اللهم آتنا في الدنيا حسنةً وفي الآخرة حسنةً وقنا عذاب النار .
(حديث عبد الله بن عمرو في صحيح مسلم ) أن النبي ( قال : اللهم مُصَرِّفَ القلوب صرِّف قلوبنا على طاعتك .
( حديث أنس في الصحيحين ) قال كان النبي ( يقول : اللهم إني أعوذ بك من الهم و الحزن و العجز و الكسل و الجبن و البخل و ضلع الدين و غلبة الرجال .
(حديث عائشة في صحيح مسلم) أن النبي ( كان يقول في دعائه : اللهم إني أعوذ بك من شرِ ما عملت ومن شرِ ما لم أعمل .
(حديث زيد ابن أرقم في صحيح مسلم ) قال كان رسول الله ( يقول : اللهم آت نفسي تقواها وزكها أنت خير من زكاها أنت وليها ومولاها ، اللهم إني أعوذ بك من علم لا ينفع ومن قلب لا يخشع ومن نفس لا تشبع ومن دعوة لا يستجاب لها .
(حديث زياد ابن علاقة عن عمه قُطبة ابن مالك في صحيح الترمذي) أن النبي ( كان يقول : اللهم إني أعوذ بك من منكرات الأخلاق والأعمال والأهواء .
(حديث شَكَل ابن حُمَيد في صحيحي أبي داوود والترمذي) قال قلت يا رسول الله علمني دعاءاً ، قال : قل اللهم إني أعوذ بك من شرِّ بصري ومن شر لساني ومن شر قلبي ومن شر منيِّي .
(حديث أنس في صحيح أبي داوود ) قال كان رسول الله ( يقول : اللهم إني أعوذ بك من البرص والجنون والجذام ومن سيئِ الأسقام .
(حديث أبي البسر في صحيحي أبي داوود والنسائي) أن رسول الله ( كان يدعو اللهم إني أعوذ بك من التردي و الهدم و الغرق و الحرق و أعوذ بك أن يتخبطني الشيطان عند الموت و أعوذ بك أن أموت في سبيلك مدبرا و أعوذ بك أن أموت لديغا .
((1/120)
حديث هريرة في صحيحي أبي د اود والنسائي) قال كان رسول الله ( يقول اللهم إني أعوذ بك من الجوع فإنه بئس الضجيع و أعوذ بك من الخيانة فإنها بئست البطانة .
(حديث ابن عمر في صحيح الترمذي ) قال قلما كان رسول الله ( يقوم من مجلسٍ حتى يدعو بهؤلاء الكلمات : اللهم اقسم لنا من خشيتك ما يحول بيننا و بين معاصيك و من طاعتك ما تبلغنا به جنتك و من اليقين ما تُهوِّنُ به علينا مصيبات الدنيا و متعنا بأسماعنا و أبصارنا و قوتنا ما أحييتنا و اجعله الوارث منا و اجعل ثأرنا على من ظلمنا و انصرنا على من عادانا و لا تجعل مصيبتنا في ديننا و لا تجعل الدنيا أكبر همنا و لا مبلغ علمنا و لا تسلط علينا من لا يرحمنا .
(حديث عمار ابن ياسر في صحيح النسائي) أن النبي ( كان يدعو بهذا الدعاء اللهم بعلمك الغيب و قدرتك على الخلق أحيني ما علمت الحياة خيرا لي و توفني إذا علمت الوفاة خيرا لي ، اللهم و أسألك خشيتك في الغيب و الشهادة و أسألك كلمة الحق في الرضا و الغضب و أسألك القصد في الفقر و الغنى و أسألك نعيما لا ينفد و قرة عين لا تنقطع و أسألك الرضا بالقضاء و أسألك برد العيش بعد الموت و أسألك لذة النظر إلى وجهك و الشوق إلى لقائك في غير ضراء مضرة و لا فتنة مضلة اللهم زينا بزينة الإيمان و اجعلنا هداة مهتدين .
(حديث عائشة في صحيح ابن ماجة ) أن رسول الله علمها هذا الدعاء اللهم إني أسألك من الخير كله عاجله و آجله ما علمت منه و ما لم أعلم و أعوذ بك من الشر كله عاجله و آجله ما علمت منه و ما لم أعلم اللهم إني أسألك من خير ما سألك به عبدك و نبيك و أعوذ بك من شر ما عاذ به عبدك و نبيك اللهم إني أسألك الجنة و ما قرب إليها من قول أو عمل و أعوذ بك من النار و ما قرب إليها من قول أو عمل و أسألك أن تجعل كل قضاء قضيته لي خيرا .
((1/121)
حديث أبي هريرة في صحيح أبي داوود وابن ماجة ) أن النبي ( كان يقول : اللهم انفعني بما علمتني ،وعلمني ما ينفعني وزدني علماَ .
(حديث ابن عمر في صحيحي أبي داوود وابن ماجة ) قال لم يكن رسول الله ( يدع هؤلاء الدعوات حين يمسي وحين يصبح اللهم إني أسألك العفو و العافية في الدنيا والآخرة ، اللهم إني أسألك العفو و العافية في ديني و دنياي و أهلي و مالي ، اللهم استر عورتي و آمن روعتي و احفظني من بين يدي و من خلفي و عن يميني و عن شمالي و من فوقي و أعوذ بك أن اغتال من تحتي .
(حديث ابن مسعود في السلسلة الصحيحة )أن النبي ( قال : ما أصاب عبداً همٌ ولا حزنٌ فقال : اللهم إني عبدك وابن عبدك وابن أمتك ، ناصيتي بيدك ، ماضٍ فيَّ حكمك ، عدلٌ فيَّ قضاؤك ، أسألك بكلِ اسمٌ هو لك سميت به نفسك أو أنزلته في كتابك أو علمته أحدٌ من خلقك أن تجعل القرآن العظيم ربيع قلوبي ونورَ بصري وجلاء حزني وذهاب همِّي إلا أذهب الله همَّه وأبدله مكانه فرجاً .
{ تنبيه } :( يستحب للمسلم أن يدعو للمؤمنين والمؤمنات فإنه من كنوز الحسنات
(حديث عبادة في صحيح الجامع) أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : من استغفر للمؤمنين والمؤمنات كتب الله له بكل مؤمنٍ حسنة .
[*](نموذج لأدعية ليست من الكتاب والسنة ولكنها نافعة وتوافق الكتاب والسنة :
(اللهم ارزقنا الإخلاص قولاً وعملاً سراً وعلانية
(اللهم طهر قلوبنا من النفاق وأعمالنا من الرياء وألسنتنا من الكذب وأعيننا من الخيانة إنك تعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور
(اللهم ارزقنا الثبات على الدين وحسن الخاتمة
(اللهم وّسِّع في أرزاقنا من المال والعلم ولا تفتنا بهم وفقنا إلى الإحسان لإلى الناس بهم
(اللهم افتح علينا رزقاً لا تجعل لأحدٍ علينا فيه منة ولا لك علينا في الآخرة تبعة
(اللهم إنا نُنزل فاقتنا بك ولا ننزلها بأحدٍ سواك فاغننا بحلالك عن حرامك وبفضلك عمن سواك
((1/122)
اللهم فَرِّج هم المهمومين ونفِّس كرب لمكروبين واقض الدين عن المدينين وارحم موتانا وموتى المسلمين ، اللهم اغفر لجميع موتى المسلمين الذين شهدوا لك بالوحدانية ولنبيك بالرسالة وماتوا على ذلك ، اللهم اغفر لهم وارحمهم وعافهم واعف عنهم وأكرم نزلهم ووسع مدخلهم واغسلهم بالماء والثلج والبرد ونقهم من الذنوب والخطايا كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس ، وأبدلهم داراً خيراً من دارهم وأهلاً خيراً من أهلهم وزوجاً خيراً من زوجهم وأعذهم ن عذاب القبر وعذاب النار ، اللهم اغفر لهم في المهديين واخلفهم في عقبهم في الغابرين واغفر لنا ولهم يا رب العالمين ، ووسِّع لهم في قبورهم ونوِّر لهم فيها ، اللهم وجازهم بالحسنات إحساناً وبالسيئات عفواً وغفراناً حتى يكونوا في بطون الألحاد مطمئنين وعند قيام الأشهاد آمنين ، اللهم انقلهم من ضيق اللحود ومراتع الدود إلى جنات الخلود في سدرٍ مخضود وطلحٍ منضود وظلٍ ممدود وماءٍ مسكوب ، اللهم وارحمنا إذا صرنا إلى ما صاروا إليه .
(اللهم يا رحيم يا رحمن ارزقنا الغفران والعفو عما سلف وكان من الذنوب والعصيان ، وارزقنا خشية الرحمن وامتثال القرآن وجنبنا العصيان واستحواذ الشيطان وارزقنا التوبة الصالحة قبل فوات الأوان
(اللهم يا رحيم يا غفار ألزِم قلوبنا السكينة والوقار والفكرة والاعتبار والتوبة والاستغفار
واجعلنا من عبادك الصادقين الأبرار وآتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار .
(اللهم يا رحيم يا تواب وفقنا للحق والصواب وموافقة السنة والكتاب وارزقنا التوبة وحسن المآب قبل أن يمر العمر مر السحاب
(اللهم يا عزيز يا غفور ارحم غربتنا في القبور وما فيها من الدواهي والأمور تحت الجنادل والصخور وحوِّل ظلمتها إلى نور ، وآمنَّا يوم البعث والنشور ، ووفقنا لفعل المأمور وترك المحظور والصبر على المقدور وعملٍ متقبلٍ مبرور ، إنك سبحانك تعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور .
((1/123)
اللهم يا عليُّ يا كبير يا من لا يظلم الفتيل والنقير تجاوز عن الخطأ والتقصير والطُف بنا فيما جرت به المقادير ، إنك سبحانك على ما تشاء قدير وبالإجابة جدير ، وأنت حسبنا ونعم الوكيل ، وآخر دعونا أن لحمد لله ر العالمين .
(اللهم يا فالق الحب والنوى ويا مُنشيء الأجساد بعد البِلى وفقنا لحفظ الرأس وما وعى والبطن وما حوى وأن نتذكر الموت والبلى فنستحي من الله حق الحيا .
(اللهم يا ذا القوة المتين يا رجاء السائلين ويا مجيب دعوة المضطرين اجعلنا من حزبك المفلحين وعبادك المتقين وآمنَّا من الفزع الأكبر يوم الدين واغفر لنا ولجميع المسلمين الأحياء منهم والميتين برحمتك يا أرحم الراحمين .
(اللهم يا فعَّالاً لما تريد يا ذا الحبل الشديد والأمرِ الرشيد نسألك الأمن يوم الوعيد والجنة دار الخلود مع المقربين الشهود الرُكَّعِ السجُود الموفين بالعهود يا غفور يا ودود .
(اللهم وفق الرعاةَ والرعية وأصلح لهم النية ونجهم من كلِ بلِّية ، اللهم وفقهم بتوفيقك وأيدهم بتأييدك ، اللهم اهدهم بهداك واجعل عملهم في رضاك ، وقيض لهم البطانة الصالحة التي تعينهم على مصالح العباد والبلاد ، واجعل هذا البلد آمناً مطمئناً سخاءاً رخاءاً وسائر بلاد المسلمين ووفقهم للعمل بالدين يا قوي يا متين .
تحلية اللسان بالصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم -
مسألة : ماهو فضل الصلاة على النبي ( ؟
[*](ينبغي على طالب العلم أن يلزم الصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم - وذلك للأسباب الآتية :
1) امتثالاً لأمر الله تعالى حيث أمر بالصلاة على النبي ( في محكم التنزيل حيث قال تعالى: (إِنّ اللّهَ وَمَلاَئِكَتَهُ يُصَلّونَ عَلَى النّبِيّ يَأَيّهَا الّذِينَ آمَنُواْ صَلّواْ عَلَيْهِ وَسَلّمُواْ تَسْلِيماً) [الأحزاب / 56]
2) حصول عشر صلوات من الله تعالى على المصلي على النبي إذا صلى على النبي ( مرةً واحدة .
((1/124)
حديث عبد الله بن عمرو في صحيح مسلم ) أن النبي ( قال : إذا سمعتم المؤذن فقولوا مثل ما يقول ثم صلوا علي فإنه من صلى علي صلاة صلى الله عليه بها عشرا ثم سلوا الله لي الوسيلة فإنها منزلة في الجنة لا تنبغي إلا لعبد من عباد الله و أرجوا أن أكون أنا هو فمن سأل لي الوسيلة حلت عليه الشفاعة .
3) أنها سببٌ لنيل شفاعة النبي ( .
(حديث عبد الله بن عمرو في صحيح مسلم) أن النبي ( قال : من صلى عليَّ أو سأل ليَ الوسيلة حقت عليه شفا عتي يوم القيامة .
4) أنها سبب لكفاية العبد هم الدنيا وهم الآخرة .
(حديث زيد ابن طلحة التيمي لأحمد وصححه الألباني) أن النبي ( قال : أتاني آتٍ من ربي فقال ما من عبدٍ يصلي عليك صلاةً إلا صلى الله عليه بها عشراً ، فقام إليه رجلٌ فقال يا رسول الله نصف دعائي لك ؟ قال : إن شئت . ، قال ألا أجعل ثلثي دعائي ؟ قال : إن شئت ، قال : ألا أجعل دعائي كله ؟ قال : إذن يكفيك الله هم الدنيا والآخرة .
5) أنها ترمي بصاحبها على طريق الجنة .
(حديث ابن عباس في صحيح ابن ماجة ) أن النبي ( قال ك من نسيَ الصلاة عليَّ خطئ طريق الجنة .
{ تنبيه } :( المقصود بالنسيان هنا هو الترك كقوله تعالى: (قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنْسَىَ) ( طه – 126) ، وليس المقصود بالنسيان هنا الذهول لأن الإنسان لا يؤاخذ بالنسيان .
6) أخبر النبي ( أن البخيل هو الذي لم يصلي على النبي ( إذا ذُكر عنده .
(حديث علي في صحيح الترمذي) أن النبي ( قال :البخيلُ الذي من ذكرت عنده فلم يصلي عليّ .
7) أخبر النبي ( أن من لم يصلي عليه فقد خاب وخسر وألصقت أنفه بالتراب ، وما ذلك إلا لفوات الأجر والفضل .
(حديث أبي هريرة في صحيح الترمذي) أن النبي ( قال : رغم أنف رجل ذكرت عنده فلم يصل علي و رغم أنف رجل دخل عليه رمضان ثم انسلخ قبل أن يغفر له و رغم أنف رجل أدرك عنده أبواه الكبر فلم يدخلاه الجنة .(1/125)
8) أن الدعاء لا يصعد إلى لسماء حتى تصلي على النبي ( .
(حديث عمر في صحيح الترمذي موقوفاً) قال : إن الدعاء موقوفٌ بين السماء والأرض حتى تصلي على نبيك ( .
تحلية اللسان بالكلمة الطيبة والإصلاح بين الناس
مسألة : ما هو فضل الإصلاح بين الناس ؟
إن الإصلاح بين الناس من أفضل القربات وأجل الطاعات ، ويترتب عليه الأجر العظيم بنص القرآن والسنة الصحيحة ، بل هو أفضل من درجة الصيام والصلاة وقد حثنا الله تعالى على إصلاح ذات البين في محكم التنزيل منها مايلي :
قال تعالى: (لاّ خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مّن نّجْوَاهُمْ إِلاّ مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلاَحٍ بَيْنَ النّاسِ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتَغَآءَ مَرْضَاتِ اللّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً) ( النساء / 114)
النجوى: السر بين الاثنين ، تقول : ناجيت فلاناً مناجاة *
(ومعنى (لاّ خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مّن نّجْوَاهُمْ إِلاّ مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلاَحٍ بَيْنَ النّاسِ) : لا خير في كثير من نجواهم إلا نجوى من أمر بصدقةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلاَحٍ بَيْنَ النّاسِ ، ثم وعد الله تعالى من يفعل هذه الخصال الثلاث ابتغاء مرضاته فسوف يؤتيه أجراً عظيماً فقال سبحانه
(وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتَغَآءَ مَرْضَاتِ اللّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً)
وقال تعالى: (فَاتّقُواْ اللّهَ وَأَصْلِحُواْ ذَاتَ بِيْنِكُمْ) ( الأنفال / 1)
وقال تعالى: (إِنّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُواْ بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ) ( الحجرات / 10)
[*](والسنة الصحيحة طافحةُ بالحث على إصلاح ذات البين ومنه ما يلي :
((1/126)
حديث أبي هريرة في الصحيحين) أن النبي ( قال : كل سُلامى من الناس عليه صدقة كل يوم تطلع فيه الشمس يعدل بين الاثنين صدقة و يعين الرجل على دابته فيحمل عليها أو يرفع له عليها متاعه صدقة و الكلمة الطيبة صدقة و كل خطوة يخطوها إلى الصلاة صدقة و يميط الأذى عن الطريق صدقة .
{ تنبيه } :( معنى سُلامى أي مفصل ، والمعنى أن على كل مسلم مكلف بعدد كلِ مفصل من عظامه صدقةٌ لله تعالى على سبيل الشكر على أن جعل لعظامه مفاصل يتمكن بها من القبض والبسط .
الشاهد من الحديث : قوله ( يعدل بين الاثنين صدقة .
(وقد رخص النبي ( في الكذب من أجل الإصلاح بين الناس ، مما يدل على فضل الإصلاح بين الناس .
(حديث أم كلثوم بنت عقبة في الصحيحين) أن النبي ( قال : ليس الكذاب بالذي يصلح بين الناس فينمي خيرا أو يقول خيرا .
زاد مسلم (ولم أسمعه يُرَخَّص في شيء مما يقول الناس كذب إلا في ثلاث : الحرب والإصلاح بين الناس وحديث الرجل امرأته وحديث المرأة زوجها )
(وبين النبي ( أن إصلاح ذات البين أفضل من درجة الصيام والصلاة والصدقة .
(حديث أبي الدر داء في صحيحي أبي داوود والترمذي) أن النبي ( قال : ألا أخبركم بأفضل من درجة الصيام و الصلاة و الصدقة ؟ إصلاح ذات البين، وفساد ذات البين هي الحالقة.
[*] قال الإمام المناوي في فيض القدير .
)ألا أخبركم بأفضل من درجة الصيام والصلاة والصدقة) أي بدرجة هي أفضل من درجة الصيام والصلاة والصدقة .
( إصلاح ذات البين ) أي إصلاح أحوال البين حتى تكون أحوالكم أحوال صحبة وألفة أو هو إصلاح الفساد والفتنة التي بين القوم
((1/127)
فإن فساد ذات البين هي الحالقة ) أي الخصلة التي شأنها أن تحلق أي تهلك وتستأصل الدين كما يستأصل الموسى الشعر أو المراد المزيلة لمن وقع فيها لما يترتب عليه من الفساد والضغائن وذلك لما فيه من عموم المنافع الدينية والدنيوية من التعاون والتناصر والألفة والاجتماع على الخير حتى أبيح فيه الكذب وكثرة ما يندفع من المضرة في الدنيا والدين بتشتت القلوب ووهن الأديان من العداوات وتسليط الأعداء وشماتة الحساد فلذلك صارت أفضل الصدقات .
التحلي بفضيلة الرفق
مسألة : ما هو فضل الرفق في القول ؟
إن الرفق من أفضل ما يتحلى به الإنسان فإنه من يحرم الرفق يحرم الخير ، وإن الرفق لا يكون في شيء إلا زانه ولا ينزعُ من شيء إلا شانه .
(حديث جرير ابن عبد الله في صحيح مسلم) أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : من يُحرمُ الرفقُ يُحرمُ الخير .
(حديث عائشة في صحيح مسلم) أن النبي ( قال : إن الرفق لا يكون في شيء إلا زانه ولا يُنزَعُ من شيء إلا شانه .
(حديث عائشة في صحيح مسلم ) أن النبي ( قال : إن الله رفيقٌ يحب الرفق ويعطي على الرفيق ما لا يعطي على العنف وما لا يعطي على ما سواه .
(حديث عائشة في الصحيحين) قالت : إن اليهود لما أتوا النبي ( فقالوا السامُ عليك فقالت عائشة رضي الله تعالى عنها : السامُ عليكم ولعنكم وغضب عليكم ، فقال رسول الله ( مهلاً يا عائشة عليك بالرفق وإياك والعنف _أو الفحش _ قالت أولم تسمع ما قالوا ؟ قال : أو لم تسمعي ما قلت ، رددتُ عليهم فيستجاب لي فيهم ولا يستجابُ لهم في .
{ تنبيه } :( معنى قوله ( ( ولا يستجاب لهم في ) أن الله تعالى لا يستجيب دعاء الكفار على النبي ( وهذا نظير قوله تعالى: (وَمَا دُعَآءُ الْكَافِرِينَ إِلاّ فِي ضَلاَلٍ) ( الرعد / 14)(1/128)
إن فضيلة التواضع من أفضل الصفات التي يجبُ على طالب العلم أن يتحلى بها لما فيها من الفضل العظيم والتأسي بالنبي ( الذي هو سيد البشر أجمعين ، والتواضع يزيد الحكمة بنص السنة الصحيحة ، وكفى بذلك فضلاً فإنه من يؤتى الحكمة فقد أُوتيَ خيراً كثيراً ، والكتاب والسنة طافحان بما يحث على التواضع وخفض الجناح وهاك غيضٌ من فيض وقليلٌ من كثير مما ورد في ذلك .
قال تعالى: (وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِمَنِ اتّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ) [سورة: الشعراء - الآية: 215]
وقال تعالى: (يَأَيّهَا الّذِينَ آمَنُواْ مَن يَرْتَدّ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللّهُ بِقَوْمٍ يُحِبّهُمْ وَيُحِبّونَهُ أَذِلّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَلاَ يَخَافُونَ لَوْمَةَ لآئِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ اللّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَآءُ وَاللّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ) [سورة: المائدة - الآية: 54]
(حديث عِياضِ بن حمار في صحيح مسلم) أن النبي ( قال : إن الله أوحى إليَّ أن تواضعوا حتى لا يفخر أحد على أحد و لا يبغي أحد على أحد
(حديث أبي هريرة في صحيح مسلم) أن النبي ( قال : ما نقصت صدقة من مال و ما زاد الله عبدا بعفو إلا عزا و ما تواضع أحد لله إلا رفعه الله .
(حديث أنس في الصحيحين) أنه مرَّ على صبيان فسلَّم عليهم وقال : كان النبي ( يفعله .
(حديث الأسود بن يزيد في صحيح البخاري) قال سُئلت عائشةُ رضي الله تعالى عنها ما كان يصنع النبي ( في بيته ؟ قالت : كان يكون في مهنة أهله فإذا حضرت الصلاة خرج إلى الصلاة .
(حديث أبي هريرة في صحيح البخاري) أن النبي ( قال : ما بعث الله نبيا إلا رعى الغنم ، قال أصحابه وأنت ؟ فقال نعم كنت أرعاها على قراريط َ لأهل مكة.
(حديث أبي هريرة في صحيح البخاري) أن النبي ( قال : لو دُعِيتُ إلى ذراعٍ أو كُرَاعٍ لأجبت و لو أُهْدِيَ إليَّ ذراعٍ أو كُرَاعٍ لقبلت .
((1/129)
حديث أنس في صحيح البخاري) قال : كانت ناقةٌ لرسول الله ( تسمى العضباء وكانت لا تُسبق ، فجاء أعرابي على قَعُودٍ له فسبقها فاشتد ذلك على المسلمين فقالوا : سُبقت العضباء ! قال رسول الله ( : إن حقا على الله تعالى أن لا يرفع شيئا من أمر الدنيا إلا وضعه .
(حديث أبي هريرة في صحيح الجامع) أن النبي ( قال : ما من آدمي إلا في رأسه حكمة بيد مَلك فإذا تواضع قيل للمَلك ارفع حكمته و إذا تكبر قيل للملك : دَعْ حكمته .
مسألة : ما هو فضل الحياء ؟
من الفضائل التي يجب على طالب العلم أن يتحلى بها خلق الحياء فإنه من أفضلِ الصفات وأجلَّ القربات ، فالحياءُ لا يأتي إلا بخير ، والحياء قرين الإيمان فإذا نزع أحدهما نزع الآخر
(حديث ابن عمر في الصحيحين) أن النبي ( مرَّ على رجلٍ وهو يعظُ أخاه في الحياء فقال رسول الله ( دَعْه فإن الحياء من الإيمان .
(حديث عمران ابن حصين في الصحيحين) أن النبي ( قال : الحياءُ لا يأتي إلا بخير .
(حديث أبي هريرة في صحيح مسلم ) أن النبي ( قال الإيمان بضع و سبعون شعبة فأفضلها قول : لا إله إلا الله و أدناها إماطة الأذى عن الطريق و الحياء شعبة من الإيمان .
(حديث أبي سعيد في الصحيحين) قال : كان رسول الله ( أشد حياء من العذراء في خدرها فإذا رأى شيئاً يكرهه عرفناه في وجهه .
(حديث أبي مسعودٍ الأنصاري في صحيح البخاري) أن النبي ( قال : إن مما أدرك الناس من كلام النبوة الأولى : إذا لم تستح فاصنع ما شئت .
(حديث ابن عمر في صحيح الجامع) أن النبي ( قال : إن الحياء و الإيمان قرنا جميعا فإذا رُفِعَ أحدهما رفع الآخر .
{ تنبيه } :( الحياءُ خُلُقٌ يبعث على اجتناب القبيح ، وأفضلُ الحياء أن تستحي من الله حق الحياء .
((1/130)
حديث ابن مسعود في صحيح الترمذي) أن النبي ( قال : استحيوا من الله تعالى حق الحياء ، قلنا يا نبي الله إنا لنستحي والحمد لله ، قال : ليس ذاك ولكن الاستحياء من الله حق الحياء أن تحفظ الرأس و ما وعى والبطن و ما حوى وتذكر الموت و البِلى و من أراد الآخرة ترك زينة الدنيا فمن فعل ذلك فقد استحيا من الله حق الحياء .
[*] قال سفيان بن عينيه : "كما فتح القدير"1/488
(فليحفظ الرأس وما وعى: ما جمعه من الحواس الظاهرة والباطنة حتى لا يستعملها إلا فيما يحل.
(وليحفظ البطن وما حوى:
أي وما جمعه الجوف باتصاله به، من القلب والفرج واليدين والرجلين فان هذه الأعضاء متصلة بالجوف فلا يستعمل منها شيء في معصية الله فان الله ناظر إلى العبد لا يواريه شي .
من الصفات التي يجب على المسلم أن يتحلى بها إذا أراد أن يتأسى بالنبي ( فضيلة الجود والسخاء والإنفاق في سبيل الله تعالى ، فقد كان النبي ( جودُه متتابع وكرمه فياض وكان ( أجود بالخير من الريح المرسلة ، وكان جوده يعم كل من يقابله ، وكان ( لا يرد سائلاً .
[*](والكتاب والسنة الصحيحة طافحان بما يحث على الجود والسخاء والإنفاق في سبيل الله تعالى .
وإليك بعض ما ورد في ذلك فارعها سمعك وفكرك واجعل لها في سمعك مسمعاً وفي قلبك موقعاً عسى الله أن ينفعك بها ويوفقك إلى تطبيقها .
قال تعالى: (وَمَآ أَنفَقْتُمْ مّن شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرّازِقِينَ) [سورة: سبأ - الآية: 39]
و قال تعالى: (وَمَا تُنْفِقُواْ مِنْ خَيْرٍ فَلأنْفُسِكُمْ وَمَا تُنْفِقُونَ إِلاّ ابْتِغَآءَ وَجْهِ اللّهِ وَمَا تُنْفِقُواْ مِنْ خَيْرٍ يُوَفّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لاَ تُظْلَمُونَ) [سورة: البقرة - الآية: 272]
(حديث ابن مسعود في الصحيحين) أن النبي ( قال : لا حسد إلا في اثنتين : رجل آتاه الله مالا فسلطه على هلكته في الحق و رجل آتاه الله الحكمة فهو يقضي بها و يُعَلِمُها
((1/131)
حديث عدي ابن حاتم في الصحيحين) أن النبي ( قال : اتق النارَ ولو بشقِ تمرة .
(حديث أبي هريرة في الصحيحين) أن النبي ( قال : قال الله تعالى [أنفق يا ابن آدم أُنفق عليك]
(حديث أبي هريرة في الصحيحين) أن النبي ( قال : ما من يوم يصبح العباد فيه إلا ملكان ينزلان فيقول أحدهما : اللهم أعط منفقاً خَلَفَاً و يقول الآخر : اللهم أعط مُمْسِكَاً تَلَفّا .
(حديث أبي هريرة في صحيح الجامع) ) أن النبي ( قال : أنفق يا بلال ولا تخش من ذي العرش إقلالاً .
(حديث عبد الله ابن عمرو في الصحيحين) أن رجلاً سأل رسول الله ( أي الإسلامُ خير ؟ قال : تُطعم الطعام وتقرأ السلام على من عرفت ومن لم تعرف .
(حديث أبي هريرة في صحيح مسلم) أن النبي ( قال : ما نقصت صدقة من مال و ما زاد الله عبدا بعفو إلا عزا و ما تواضع أحد لله إلا رفعه الله .
(حديث أبي كبشة الأنماري في صحيحي الترمذي وابن ماجة ) أن النبي ( قال : إِنَّمَا الدُّنْيَا لأَرْبَعَةِ نَفَرٍ عَبْدٍ رَزَقَهُ اللَّهُ مَالاً وَعِلْماً فَهُوَ يَتَّقِى فِيهِ رَبَّهُ وَيَصِلُ فِيهِ رَحِمَهُ وَيَعْلَمُ لِلَّهِ فِيهِ حَقًّا فَهَذَا بِأَحسنِ الْمَنَازِلِ عند الله وَرجلٍ رَزَقَهُ اللَّهُ عِلْماً وَلَمْ يَرْزُقْهُ مَالاً فَهُوَ يَقُولُ لَوْ أَنَّ لي مَالاً لَعَمِلْتُ بِعَمَلِ فُلاَنٍ فَهُوَ بِنِيَّتِهِ وهما في الأجرِ سَوَاءٌ ، وَرجلٍ رَزَقَهُ اللَّهُ مَالاً وَلَمْ يَرْزُقْهُ عِلْماً فَهُوَ يَخْبِطُ في مَالِهِ لاَ يَتَّقِى فِيهِ رَبَّهُ وَلاَ يَصِلُ فِيهِ رَحِمَهُ وَلاَ يَعْلَمُ لِلَّهِ فِيهِ حَقًّا فهو بِأَسوءِ الْمَنَازِلِ عند الله وَرجلٍ لَمْ يَرْزُقْهُ اللَّهُ مَالاً وَلاَ عِلْماً فَهُوَ يَقُولُ لَوْ أَنَّ لي مَالاً لَعَمِلْتُ بِعَمَلِ فُلاَنٍ فَهُوَ بِنِيَّتِهِ وهما في الوزر سَوَاءٌ .
((1/132)
حديث عبد الله ابن الشخير في صحيح مسلم ) أنه انتهي إلى النبي ( وهو يقرأ (أَلْهَاكُمُ التّكّاثُرُ) قال : قال يقول بن آدم مالي مالي . وهل لك يا بن آدم من مالك إلا ما تصدقت فأمضيت أو أكلت فأفنيت أو لبست فأبليت.
(حديث أبي هريرة في الصحيحين) أن النبي ( قال من تصدق بعدل تمرةٍ من كسب طيب و لا يقبل الله إلا الطيب فإن الله يتقبلها بيمينه ثم يُرَبِيها له كما يربي أحدكم فَلَوَّه حتى تكون مثل الجبل .
(معنى الفَلُّو : المهر وهو صغير الحصان ، واختير في التشبيه لأنه يزيد زيادةً بينة بسرعة .
(حديث ابن عباس في الصحيحين) قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أجود الناس ، وكان أجودَ ما يكون في رمضان حين يلقاه جبريل ،و كان يلقاه في كل ليلةٍ من رمضان فيُدارسه القران فلرسول الله ( أجود بالخير من الريح المرسلة
{ تنبيه } :( السرُّ في تشبيه جود النبي ( بالريح المرسلة أن الريح المرسلة تعم كل من يقابلها ، وهكذا كان جود النبي ( كان يَعُمُ من يقابله .
يجب على المسلم أن يتحلى بفضيلة الإيثار لما فيه من الفضل العظيم والأجر الجسيم ، فالإيثار يظهر معدن الأخيار
قال تعالى: (وَيُؤْثِرُونَ عَلَىَ أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَن يُوقَ شُحّ نَفْسِهِ فَأُوْلََئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) [سورة: الحشر - الآية: 9]
قال القرطبي رحمه الله تعالى في قوله تعالى :" ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة " الإيثار : هو تقديم الغير على النفس وحظوظها الدنياوية ، ورغبة في الحظوظ الدينية . وذلك ينشأ عن قوة اليقين ، وتوكيد المحبة ، والصبر على المشقة . يقال : آثرته بكذا ، أي خصصته به وفضلته . .
قوله تعالى : " ولو كان بهم خصاصة " الخصاصة : الحاجة التي تختل بها الحال ، وأصلها من الاختصاص وهو انفراد بالأمر. فالخصاصة الانفراد بالحاجة ، أي لو كان بهم فاقة وحاجة .
((1/133)
حديث أبي هريرة في الصحيحين ) قال : جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال :إني مجهود ، فأرسل إلى بعض نسائه فقالت : والذي بعثك بالحق ما عندي إلا ماء . ثم أرسل إلى الأخرى فقالت مثل ذلك ، حتى قلن كلهن مثل ذلك : لا والذي بعثك بالحق ما عندي إلا ماء فقال:من يضيف هذا الليلة رحمة الله .؟ فقام رجل من الأنصار فقال :أنا يا رسول الله . فانطلق به إلى رحله فقال لامرأته : هل عندك شيء ؟ فقالت :لا ، إلا قوت صبياني .قال :فعليهم بشيء فإذا دخل ضيفنا فأطفئي السراج وأريه أنا نأكل ،فإذا أهوى ليأكل فقومي إلى السراج حتى تطفئيه قال : فقعدوا وأكل الضيف .فلما أصبح غدا على النبي صلى الله عليه وسلم فقال : قد عجب الله عز وجل من صنيعكم . "
من الفضائل التي يجب على المسلم أن يتحلى بها فضيلة المواساة في السَنَةِ والمجاعة فإنها من أجلِّ القربات وأعظم الطاعات لما فيها من تفريج الكربات .
(حديث أبي موسى الأشعري في الصحيحين) أن النبي ( قال : إن الأشعريين إذا أرملوا في الغزو أو قل طعام عيالهم بالمدينة جعلوا ما كان عندهم في ثوب واحد ثم اقتسموه بينهم في إناء واحد بالسوية فهم مني و أنا منهم .
(معنى أرملوا : أي فرغ زادهم أو قارب الفراغ .
(حديث أبي سعيد في صحيح مسلم ) أن النبي ( قال :من كان معه فضل ظهر فليعد به على من لا ظهر له و من كان له فضل من زاد فليعد به على من لا زاد له، فذكر من أصناف المال ما ذكر حتى رأينا أنه لا حقَّ لأحدٍ منا في فضل .
(حديث محمد بن المنكدر في صحيح الجامع) أن النبي ( قال : من أفضل العمل إدخال السرور على المؤمن تقضي عنه دينا تقضي له حاجة تنفس له كربة .
ومن الفضائل التي ينبغي على المسلم أن يتحلى بها إقراض القروض والتجاوز عن المعسر لما فيهما من تنفيس الكروب وتفريج الهموم .
(حديث ابن مسعود في صحيح ابن ماجة) أن النبي ( قال : ما من مسلم يقرض مسلما قرضا مرتين إلا كان كصدقتها مرة .
((1/134)
حديث أبي هريرة في الصحيحين) أن النبي ( قال : كان رجل يداين الناس فإذا رأى معسراً قال لفتيانه : تجاوز عنه لعل الله أن يتجاوز عنا الله فتجاوز الله عنه .
(حديث أبي هريرة في صحيح مسلم ) أن النبي ( قال : من يسرَّ على مسلمٍ يسرَّ الله عليه في الدنيا والآخرة .
(حديث أبي هريرة في صحيح الترمذي ) أن النبي ( قال : من أنظر معسرا أو وضع عنه أظله الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله .
ومن الفضائل التي يجب على المسلم أن يتحلى بها إيثار الخمول وعدم الشهرة لأن هذا أخلصُ للنية وأنقى للعمل وأبرأ للقصد وأسلم للنفس والسلامة لا يعدلها شيء .
[*] قال الحسن رحمه الله تعالى : كنت مع ابن المبارك يوماً فأتينا على سقاية والناس يشربون منها ، فدنا منها ليشرب ولم يعرفه الناس فزحموه ودفعوه ، فلما خرج قال لي : ما العيش إلا هكذا ، يعني حيث لم نُعرف ولم نُوَقَّر .
{ تنبيه } :( وملاك إيثار الخمول وعدم الشهرة العمل في خفاء فإنه الترجمة الفعلية لإيثار الخمول وعدم الشهرة ، والعمل في خفاء من الأمور التي كان النبي ( يوصي بها أصحابه .
(حديث سعد ابن أبي وقاص في صحيح مسلم ) أن النبي ( قال : إن الله يحب العبد التقي النقي .
(حديث الزبير في صحيح الجامع أن النبي ( قال :من استطاع منكم أن يكون له خبءٌ من عمل صالح فليفعل .
( أن يكون له خبء ) أي شيء مخبوء أي مدخر
( من عمل صالح فليفعل ) أي من قدر منكم أن يمحو ذنوبه بفعل الأعمال الصالحة فليفعل ذلك
(حديث معاذ في صحيح الجامع) أن النبي ( قال : استعينوا على إنجاح الحوائج بالكتمان فإن كل ذي نعمة محسود .
(استعينوا على إنجاح الحوائج بالكتمان ) بالكسر أي كونوا لها كاتمين عن الناس واستعينوا بالله على الظفر بها ثم علل طلب الكتمان لها بقوله
( فإن كل ذي نعمة محسود)
[(1/135)
*] كان ابن مسعود رضي الله تعالى عنه يوصي أصحابه قائلاً : كونوا ينابيع العلم مصابيح الهدى أحلاس البيوت سُرج الليل ، جددَ القلوب خُلقان الثياب ، تُعرَفون في السماء وتُخْفون على أهل الأرض .
[*] وقال ابن المبارك رخمه الله تعالى : إن الرجل لقد جمع القرآن وما يشعر به أحد .
[*] وقال أيضاً : لقد أدركنا أقواماً ما من عمل يقدرون أن يعملوه في سرٍ فيكون علانيةً أبدا .
ومن الصفات التي يجب على المسلم أن يتحلى بها إذا أراد النجاة التحلي بمجاهدة النفس والهوى فإنها السبب العظيم للفوز بالهداية في الدنيا ، والهداية هي أنفع شيء في هذه الحياة
قال تعالى: (وَالّذِينَ جَاهَدُواْ فِينَا لَنَهْدِيَنّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنّ اللّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ) [سورة: العنكبوت - الآية: 69]
قال عبد الله بن عباس رضي الله تعالى عنهما :
قوله تعالى: [وَالّذِينَ جَاهَدُواْ فِينَا لَنَهْدِيَنّهُمْ سُبُلَنَا ] : والذين جاهدوا في طاعتنا لنهدينهم سبل ثوابنا.
ثم إن مجاهدة النفس أفضل الجهاد بنص السنة الصحيحة
(حديث أبي ذرٍ في صحيح الجامع) أن النبي ( قال : أفضل الجهاد أن يجاهد الرجل نفسه و هواه .
(أفضل الجهاد أن يجاهد الرجل نفسه وهواه ) بأن يكفهما عن الشهوات ويمنعهما عن الاسترسال في اللذات ويلزمهما فعل الأوامر وتجنب المناهي فإنه الجهاد الأكبر .
{ تنبيه } :( وإذا واظب الإنسان على مجاهدة نفسه وهواه واستقام على ذلك فإنه يصلُ إلى ما يصبو إليه من إصلاح نفسه بشيئين :
أحدهما : ترويض النفس على الخير ، فإن النفس إذا روضتها على الخير اكتسبت هذا الخلق وصار من صفاتها فإنه من يتحر الخير يعطه بنص السنة الصحيحة
(حديث أبي هريرة في صحيح الجامع) أن النبي ( قال : إنما العلم بالتعلم و إنما الحلم بالتحلم و من يتحر الخير يعطه و من يتق الشر يوقه .
( ومن يتحر الخير يعطه ) أي ومن يجتهد في تحصيل الخير يعطه اللّه تعالى إياه(1/136)
والثاني الصدق : فإن الله تعالى إذا اطَّلع على قلبك ورأى منك الصدق أوصلك إلى ما تصبو إليه .
(حديث شداد بن الهادي في صحيح النسائي) أن النبي ( قال : إن تصدق الله يصدقك .
من أفضل الصفات التي يجب أن يتحلى بها المسلم فضيلة بر الوالدين فإنها من أعظم الصفات وأجل القربات وذلك لأن الوالدين حقهما عظيم ولأدل على ذلك أن الله تعالى قرن حقهما بحقه وقرن شكرهما بشكره في كتابه الكريم
قال تعالى: (وَاعْبُدُواْ اللّهَ وَلاَ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئاً وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً وَبِذِي الْقُرْبَىَ وَالْيَتَامَىَ وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَىَ وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصّاحِبِ بِالجَنْبِ وَابْنِ السّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ إِنّ اللّهَ لاَ يُحِبّ مَن كَانَ مُخْتَالاً فَخُوراً) [سورة: النساء - الآية: 36]
[*] قال القرطبي رحمه الله تعالى في تفسيره
قوله تعالى " وبالوالدين إحسانا " ً قال العلماء: فأحق الناس بعد الخالق المنان بالشكر والإحسان والتزام البر والطاعة له والإذعان من قرن الله الإحسان إليه بعبادته وطاعته وشكره بشكره وهما الوالدان فقال تعالى :" أن اشكر لي ولوالديك " [ لقمان: 14]
وقال تعالى: (وَقَضَىَ رَبّكَ أَلاّ تَعْبُدُوَاْ إِلاّ إِيّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً إِمّا يَبْلُغَنّ عِندَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاَهُمَا فَلاَ تَقُل لّهُمَآ أُفّ وَلاَ تَنْهَرْهُمَا وَقُل لّهُمَا قَوْلاً كَرِيماً) [سورة: الإسراء - الآية: 23]
[*] قال القرطبي رحمه الله تعالى في تفسيره :(1/137)
أمر الله سبحانه بعبادته وتوحيده ، وجعل بر الوالدين مقرونا بذلك ، كما قرن شكرهما بشكره فقال : (وَقَضَىَ رَبّكَ أَلاّ تَعْبُدُوَاْ إِلاّ إِيّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً إِمّا يَبْلُغَنّ عِندَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاَهُمَا فَلاَ تَقُل لّهُمَآ أُفّ وَلاَ تَنْهَرْهُمَا وَقُل لّهُمَا قَوْلاً كَرِيماً) [سورة: الإسراء - الآية: 23]
وقال تعالى: (وَوَصّيْنَا الإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمّهُ وَهْناً عَلَىَ وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيّ الْمَصِيرُ) [سورة: لقمان - الآية: 14]
والسنة الصحيحة طافحةٌ بما يدل على فضل بر الوالدين وعِظَمِ حقهما منها ما يلي :
(حديث ابن مسعود في الصحيحين ) قال : سألت النبي ( أي العمل أحب إلى الله عز وجل ؟ قال : الصلاة على وقتها قال : ثم أي ؟ قال ثم بر الوالدين قال ثم أي ؟ قال الجهاد في سبيل الله .
الشاهد : أن النبي ( أخبر أن بر الوالدين أفضل الأعمال بعد الصلاة التي هي أعظم دعائم الإسلام . ورتب ذلك بـ ثم التي تعطي الترتيب والمهلة .
(حديث أبي هريرة في الصحيحين) قال : جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : من أحق الناس بحسن صحابتي ؟ قال : أمك قال : ثم من ؟ قال : أمك قال : ثم من ؟ قال أمك قال : ثم من ؟ قال : أبوك .
الشاهد : هذا الحديث يدل على أن محبة الأم والشفقة عليها ينبغي أن تكون ثلاثة أمثال محبة الأب ، لذكر النبي صلى الله عليه وسلم الأم ثلاث مرات وذكر الأب في الرابعة فقط . وإذا توصل هذا المعنى شهد له العيان . وذلك أن صعوبة الحمل وصعوبة الوضع وصعوبة الرضاع والتربية تنفرد بها الأم دون الأب ، فهذه ثلاث منازل يخلو منها الأب . وهذا الحديث يدل على أن الأم لها ثلاثة أرباع البر .
((1/138)
حديث عبد الله بن عمرو في الصحيحين ) قال : جاء رجل إلى النبي ( يستأذنه في الجهاد فقال : أحي والداك ؟ قال نعم : قال : ففيهما فجاهد .
قال ابن المنذر : في هذا الحديث النهي عن الخروج بغير إذن الأبوين ما لم يقع النفير ، فإذا وقع وجب الخروج على الجميع . لقوله ( فإذا استنفرتم فانفروا
(حديث أبي هريرة في صحيح مسلم ) أن النبي ( قال :رغم أنفه ثم رغم أنفه ثم رغم أنفه قيل ومن يا رسول الله ؟ قال : من أدرك والديه عند الكبر أحدهما أو كليهما ثم لم يدخل الجنة .
(حديث ابن عمر في صحيحي أبي داوود والترمذي) قال : كانت تحتي امرأة وكنت أُحبُّها ، وكان عمر يكرهها فقال لي طلقها فأبيت ، فأتى عمرُ النبي ( فذكر ذلك له فقال النبي ( طلقها .
(حديث أبي الدرداء في صحيحي أبي داوود والترمذي) أن رجلاً أتاه فقال : إن لي امرأةً وإن أمي تأمرني بطلاقها فقال أبو الدرداء سمعت رسول الله ( يقول : الوالد أوسط أبواب الجنة فإن شئت فأضع ذلك الباب أو احفظه .
( الوالد أوسط أبواب الجنة ) أي طاعته وعدم عقوقه مؤد إلى دخول الجنة من أوسط أبوابها ذكره العراقي . وقال البيضاوي : أي خير الأبواب وأعلاها والمعنى أن أحسن ما يتوسل به إلى دخول الجنة ويتوصل به إلى الوصول إليها مطاوعة الوالد ورعاية جانبه .
(حديث عبد الله بن عمرو في صحيح الترمذي) أن النبي ( قال : رضا الرب في رضا الوالد و سخط الرب في سخط الوالد .
( رضا الرب في رضا الوالد وسخط الرب في سخط الوالد) لأنه تعالى أمر أن يُطاع الأب ويُكرم فمن امتثل أمر الله فقد برَّ اللّه وأكرمه وعظمه فرضي عنه ومن خالف أمره غضب عليه وهذا ما لم يشهد شاهد أبوة الدين بأن الوالد فيما يرومه خارج عن سبيل المتقين وإلا فرضي الرب في هذه الحالة في مخالفته وهذا وعيد شديد يفيد أن العقوق كبيرة وقد تظاهرت على ذلك النصوص.
((1/139)
حديث أبي هريرة في صحيح مسلم ) أن النبي ( قال :لا يجزي ولد والداً إلا أن يجده مملوكا فيشتريه فيعتقه .
( لا يجزي ولدٌ والداً ) وفي رواية والده أي لا يكافئه بإحسانه وقضاء حقه والأم مثله بطريق أولى .
( إلا أن يجده مملوكاً فيشتريه فيعتقه ) أي يخلصه من الرق بسبب شراءه ، لأن الرقيق كالمعدوم لاستحقاق غيره منافعه ونقصه عن المناصب الشريفة فتسببه في عتقه المخلص له من ذلك كأنه أوجده كما أن الأب سبب في إيجاده فهو تسبب في إيجاد معنوي في مقابلة الإيجاد الصوري .
(ثبت في صحيح الأدب المفرد أن رجلاً يماني كان يطوف بالبيت وحمل أمَّه وراء ظهره ويقول :
إني لها بَعِيْرُها المُذَلَلْ ... إنْ أُذْعِرَتْ رِكَابُها لم أُذْعَرْ
ثم قال : يا ابن عمر أتراني جزيتها ؟ قال ولا بزفرةٍ من زفراتها .
(معنى ركابها : أي بعيرها
(معنى ولا بزفرةٍ من زفراتها : الزفرة تردد النفس حتى تختلف الأضلاع ، وهذا يعرض للمرأة عند الوضع .
(وثبت في صحيح الأدب المفرد أن أبا هريرة رضي الله تعالى عنه أبصر رجلين فقال لأحدهما : ما هذا منك ؟ فقال : أبي . ، فقال : لا تُسَمِّه باسمه ولا تمشِ أمامه ولا تجلس قبله .
مسألة : هل يجوز بر الوالدين إن كانا مشركيْن ؟
[*] قال الإمام القرطبي رحمه الله تعالى ضمن تفسيره لقوله تعالى في آية الإسراء(وَقَضَىَ رَبّكَ أَلاّ تَعْبُدُوَاْ إِلاّ إِيّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً إِمّا يَبْلُغَنّ عِندَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاَهُمَا فَلاَ تَقُل لّهُمَآ أُفّ وَلاَ تَنْهَرْهُمَا وَقُل لّهُمَا قَوْلاً كَرِيماً)
[سورة: الإسراء - الآية: 23]
لا يختص بر الوالدين بأن يكونا مسلمين ، بل إن كانا كفرين يبرهما ويحسن إليهما إذا كان لهما عهد ، قال الله تعالى : لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم . ثم ذكر رحمه الله تعالى حديث أسماء الأتي الثابت في الصحيحين
((1/140)
حديث أسماء في الصحيحين) قالت : قدمت أمي وهي مشركة في عهد رسول الله ( فاستفتيت النبي ( فقلت : إن أمي قدمت وهي راغبة أفأصلها ؟ قال : نعم صلي أمك ".
(معنى وهي راغبة : أي طامعةٌ عندي تسألني شيئاً .
مسألة : كيف يبر الإنسان والديه بعد موتهما ؟
يبر الإنسان والديه بعد موتهما بالدعاء لهما وصلة وُدهما .
(حديث أبي هريرة في صحيح مسلم ) أن النبي ( قال : إذا مات الإنسان انقطع عمله إلا من ثلاث صدقة جارية أو علم ينتفع به أو ولد صالح يدعو له .
الشاهد : ( إذا مات الإنسان انقطع عمله ) أي فائدة عمله وتجديد ثوابه يعني لا تصل إليه فائدة شيء من عمله كصلاة وحج
( إلا من ثلاث ) فذكر من بينها
( أو ولد صالح يدعو له ) لأنه هو السبب لوجوده وصلاحه وإرشاده إلى الهدى وفائدة تقييده بالولد مع أن دعاء غيره ينفعه تحريض الولد على الدعاء للوالد وهي من أهم مظاهر البر للوالدين بعد موتهما .
(حديث ابن عمر في صحيح مسلم ) أن النبي ( قال : إن أبر البر أن يصل الرجل وُدَّ أبيه .
( إن أبر البر ) المراد إن أفضل البر فأفعل التفضيل للزيادة المطلقة
( أن يصل الرجل ودّ أبيه ) بضم الواو بمعنى المودة ، قال الحافظ العراقي رحمه اللّه : جعله أبر البر أو من أبره لأن الوفاء بحقوق الوالدين والأصحاب بعد موتهم أبلغ لأن الحي يجامل والميت لا يستحي منه ولا يجامل إلا بحسن العهد ويحتمل أن أصدقاء الأب كانوا مكيفين في حياته بإحسانه وانقطع بموته فأمر بنيه أن يقوموا مقامه فيه وإنما كان هذا أبر البر لاقتضائه الترحم والثناء على أبيه فيصل لروحه راحة بعد زوال المشاهدة المستوجبة للحياة وذلك أشد من بره له في حياته
{(1/141)
تنبيه } :( إذا عرفت فضل بر الوالدين نقول لك تأسياً بالنبي ( عرفت فالزم ، كما يجب علينا أيضاً أن نحذرك من الاقتراب من عقوق الوالدين فإنه داءٌ وبيل وشرٌ مستطير ، وهو من قبائح الذنوب وفواحش العيوب ، بل هو الهلكة بعينها وكفي به إثماً أن يعدّه النبي ( من أكبر الكبائر .
قال تعالى: (وَقَضَىَ رَبّكَ أَلاّ تَعْبُدُوَاْ إِلاّ إِيّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً إِمّا يَبْلُغَنّ عِندَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاَهُمَا فَلاَ تَقُل لّهُمَآ أُفّ وَلاَ تَنْهَرْهُمَا وَقُل لّهُمَا قَوْلاً كَرِيماً) [سورة: الإسراء - الآية: 23]
[*] قال الإمام القرطبي رحمه الله تعالى في تفسيره في قوله تعالى :
( إِمّا يَبْلُغَنّ عِندَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاَهُمَا) خص حالة الكبر لأنها الحالة التي يحتاجان فيها إلى بره لتغير الحال عليهما بالضعف والكبر ،
(فَلاَ تَقُل لّهُمَآ أُفّ): فلا تقل لهما أف . أي لا تقل لهما ما يكون فيه أدنى تبرم .
قال علماؤنا : وإنما صارت قوله أف للأبوين أردأ شيء لأنه رفضهما رفض كفر النعمة ، وجحد التربية ورد الوصية التي أوصاه في التنزيل . و أف كلمة مقولة لكل شيء مرفوض ، ولذلك قال إبراهيم لقومه : أف لكم ولما تعبدون من دون الله . أي رفض لكم ولهذه الأصنام معكم .
( وَلاَ تَنْهَرْهُمَا) : ولا تنهرهما : النهر : الزجر والغلظة
( وَقُل لّهُمَا قَوْلاً كَرِيماً) وقل لهما قولا كريما أي لينا لطيفا ، مثل : يا أبتاه ويا أماه ، من غير ان يسميهما ويكنيهما ، قاله عطاء . وقال أبو الهداج التجيبي : قلت لسعيد بن المسيب كل ما في القرآن من بر الوالدين قد عرفته إلا قول : وقل لهما قولا كريما ما هذا القول الكريم ؟ قال ابن المسيب : قول العبد المذنب للسيد الفظ الغليظ .
((1/142)
حديث أبي بكرة في الصحيحين ) أن النبي ( قال : ألا أنبئكم بأكبر الكبائر ؟ قالوا بلى يا رسول الله ، قال الإشراك بالله و عقوق الوالدين ، وكان متكئاً فجلس فقال ألا و قول الزور وشهادة الزور ، فما زال يكررها حتى قلنا ليته سكت .
(حديث عبد الله بن عمرو في الصحيحين) أن النبي ( قال : إن من أكبر الكبائر أن يلعن الرجل والديه : يلعن أبا الرجل فيلعن أباه و يلعن أمه فيلعن أمه .
(حديث أنس في صحيح الجامع) أن النبي ( قال :بابان معجلان عقوبتهما في الدنيا : البغي و العقوق .
الشاهد :
قوله ( ( بابان معجلان عقوبتهما في الدنيا ) أي قبل موت فاعليها
( البغي ) أي مجاوزة الحد والظلم
( والعقوق ) للوالدين وإن عليا أو أحدهما أي إيذاؤهما ومخالفتهما فيما لا يخالف الشرع .
من أفضل الصفات التي يجب أن يتحلى بها المسلم فضيلة صلة الرحم فإنها من أعظم الصفات وأجل القربات ، يحصل بها البركة في العمر والزيادة في الرزق ، وهي من أسباب كسب رضا الله تعالى .
(حديث أبي هريرة في الصحيحين) أن النبي ( قال : إن الله تعالى خلق الخلق حتى إذا فرغ منهم قامت الرحم فقالت : هذا مقام العائذ بك من القطيعة قال : نعم أما تَرْضَيْنَ أن أصلَ من وصلك و أقطع من قطعك ؟ قالت : بلى يا رب قال : فذلك لك ثم قال رسول الله ( اقرؤوا إن شئتم (فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِن تَوَلّيْتُمْ أَن تُفْسِدُواْ فِي الأرْضِ وَتُقَطّعُوَاْ أَرْحَامَكُمْ) [سورة: محمد - الآية: 22] .
(حديث أبي هريرة في صحيح البخاري) أن النبي ( قال : الرحم شجنة من الرحمن قال الله : من وصلك وصلته و من قطعك قطعته .
( الرحم شجنة من الرحمن ) أي اشتق اسمها من اسم الرحمن فكأنها مشتبكة به اشتباك العروق أو هي اسم اشتق من رحمة الرحمن أو أثر من آثار رحمته فقاطعها منقطع عن رحمة اللّه
( قال اللّه من وصلك وصلته ) أي رحمه
((1/143)
ومن قطعك قطعته ) أي أعرضت عنه لإعراضه عما أمر به من شدة اعتنائه برحمه وهذا تحذير شديد من قطعها والمراد بها القرابة من الأبوين وإن بعدت ولم تكن محرماً
(حديث أنس في الصحيحين) أن النبي ( قال : من سَرَّه أن يُبْسَطَ له في رزقه و أن يُنْسأُ له في أثره فليصل رحمه .
{ تنبيه } :( معنى قوله ([ يُنْسأُ له في أثره] : أي يزيد له في عمره ، والمقصود بالزيادة في العمر هنا البركة فيه بمعنى أنك تجد الإنسان يُحَصِّلُ الخير الكثير والعلم الوفير في العمر القصير ، وليس المقصود بها الزيادة الحقيقية فإن الله تعالى يقول (وَلِكُلّ أُمّةٍ أَجَلٌ فَإِذَا جَآءَ أَجَلُهُمْ لاَ يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلاَ يَسْتَقْدِمُونَ) [سورة: الأعراف - الآية: 34]
[*] قال القرطبي رحمه الله تعالى في تفسير هذه الآية
قوله تعالى:[ولكل أمة أجل] أي وقت مؤقت.
[فإذا جاء أجلهم] أي الوقت المعلوم عند الله عز وجل.
["لا يستأخرون عنه ساعة] ولا أقل من ساعة، إلا أن الساعة خصت بالذكر لأنها أقل أسماء الأوقات، وهي ظرف زمان.
[ولا يستقدمون] فدل بهذا على أن المقتول إنما يقتل بأجله.
فإن قيل: فإن مات بأجله فلم تقتلون ضاربه وتقتصون منه؟. قيل له: نقتله لتعديه وتصرفه فيما ليس له أن يتصرف فيه، لا لموته وخروج الروح إذ ليس ذلك من فعله. ولو ترك الناس والتعدي من غير قصاص لأدى ذلك إلى الفساد ودمار العباد. وهذا واضح.
مسألة : ما معنى صلة الرحم ؟
الواصل الذي إذا انقطعت رحمه وصلها بنص السنة الصحيحة
(حديث ابن عمر في صحيح البخاري ) أن النبي ( قال : ليس الواصل بالمكافئ و لكن الواصل الذي إذا انقطعت رحمه وصلها .
الشاهد من الحديث :
(ليس الواصل بالمكافئ ) أي المجازي غيره بمثل فعله إن صلة فصلة وإن قطعا فقطع
((1/144)
ولكن الواصل الذي إذا قطعت رحمه وصلها ) يعني وصل قريبه الذي قاطعه، و نبه به على أن من كافأ من أحسن إليه لا يعد واصلاً للرحم وإنما الواصل الذي يقطعه قريبه فيواصل هو وهذا إشارة إلى الرتبة العليا في ذلك .
وقد ثبت في السنة الصحيحة فضل من أحسن إلى قرابته رغم إساءتهم إليه ، وصلته لهم رغم قطيعتهم له
(حديث أبي هريرة في صحيح مسلم) أن رجلا قال يا رسول الله إن لي قرابةً أصلهم ويقطعوني وأُحسنُ إليهم ويُسيئون إلي وأحلُمُ عنهم ويجهلون علي فقال ( لئن كنت كما قلت فكأنما تُسِفُّهمُ المَلَّ ولا يزال معك من الله ظهير عليهم ما دمت على ذلك
الشاهد من الحديث :
قوله ( [لئن كنت كما قلت فكأنما تُسِفُّهمُ المَلَّ ولا يزال معك من الله ظهير عليهم ما دمت على ذلك ]
(ومعنى الملَّ : الرماد الحار
(ومعنى [تُسِفُّهمُ المَلَّ] : أي تطعمهم الرماد الحار ، والمقصود أنك منصورٌ عليهم وتنقطع حجتهم كما ينقطع كلام من سَفَّ الرماد الحار .
مسألة : ما هي مراتب صلة الرحم ؟
(بين النبي ( أن صلة الرحم ترتب الأقرب فالأقرب
(حديث معاوية في صحيحي أبي داوود والترمذي) قال : قلت يا رسول الله من أبر؟ r قال :أمك ثم أمك ثم أمك ثم أباك ثم الأقرب فالأقرب .
الشاهد من الحديث :
قوله ([ أمك ثم أمك ثم أمك ، ثم أباك ) : وهذا واضح لأن الأم لها ثلاثة أرباع البر .
[ ثم الأقرب فالأقرب ] فتقدم الأب فالأولاد فالأخوة والأخوات فالمحارم من ذوي الأرحام كالأعمام والعمات .
(حديث البراء في الصحيحين ) أن النبي ( قال :الخالة بمنزلة الأم .
(حديث أنس في الصحيحين) أن النبي ( قال : ابن أخت القوم من أنفسهم .
{ تنبيه } :( إذا تبين لك فضل صلة الرحم نقول لك تأسياً بالنبي ( عرفت فالزم ، ثم نحذرك من قطيعة الرحم فإنه من قبائح الذنوب وفواحش العيوب وهي من الإفساد في الأرض بنص القرآن .(1/145)
قال تعالى (فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِن تَوَلّيْتُمْ أَن تُفْسِدُواْ فِي الأرْضِ وَتُقَطّعُوَاْ أَرْحَامَكُمْ) [سورة: محمد - الآية: 22] .
[*] قال القرطبي رحمه الله تعالى في تفسيره
الأولى : قوله تعالى : " فهل عسيتم إن توليتم " اختلف في معنى ( إن توليتم ) فقيل : هو من الولاية ، قال أبو العالية : المعنى فهل عسيتم إن توليتم الحكم فجعلتم حكاماً أن تفسدوا في الأرض بأخذ الرشا ، وقال الكلبي : أي فهل عسيتم إن توليتم أمر الأمة أن تفسدوا في الأرض بالظلم ، وقال ابن جريج : المعنى فهل عسيتم إن توليتم عن الطاعة أن تفسدوا في الأرض بالمعاصي وقطع الأرحام ، وقال كعب : المعنى فهل عسيتم إن توليتم الأمر أن يقتل بعضكم بعضاً ، وقيل : من الإعراض عن الشيء ، قال قتادة : أي فهل عسيتم إن توليتم عن كتاب الله أن تفسدوا في الأرض بسفك الدماء الحرام ، وتقطعوا أرحامكم ، وقيل : ( فهل عسيتم ) أي فلعلكم إن أعرضتم عن القرآن وفارقتم أحكامه أن تفسدوا في الأرض فتعدوا إلى جاهليتكم .
(حديث جُبَيْر بن مطعم في الصحيحين) أن النبي ( قال : أن النبي r قال :لا يدخل الجنة قاطع .
الشاهد من الحديث :
[لا يدخل الجنة قاطع ] أي قاطع رحم كما جاء مبيناً هكذا في مسلم ، والمراد لا يدخل الجنة التي أعدت لوصال الأرحام أو لا يدخلها مع اتصافه بذلك بل يصفي من خبث القطيعة إما بالتعذيب أو بالعفو .
من الفضائل التي يجب على المسلم التحلي بها إذا أراد التأسي بالنبي ( فضيلة الإحسان إلي الجار وعدم إيذائه ، فإنها من أجل القربات وأفضل الطاعات ، ثم هي وصية الله تعالى ووصية نبيه ( .(1/146)
قال تعالى: (وَاعْبُدُواْ اللّهَ وَلاَ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئاً وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً وَبِذِي الْقُرْبَىَ وَالْيَتَامَىَ وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَىَ وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصّاحِبِ بِالجَنْبِ وَابْنِ السّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ إِنّ اللّهَ لاَ يُحِبّ مَن كَانَ مُخْتَالاً فَخُوراً) [النساء / 36]
الشاهد من الآية :
قوله تعالى [وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَىَ وَالْجَارِ الْجُنُبِ]
[*] قال القرطبي رحمه الله تعالى في تفسيره :
:قوله تعالى :" والجار ذي القربى والجار الجنب " أما الجار فقد أمر الله تعالى بحفظه والقيام بحقه والوصاة برعي ذمته في كتابه وعلى لسان نبيه . ألا تراه سبحانه أكد ذكره بعد الوالدين والأقربين فقال تعالى :" والجار ذي القربى" أي القريب " والجار الجنب " أي الغريب،
[*] وقال أيضاً رحمه الله تعالى : الجيران ثلاثة فجار له ثلاثة حقوق وجار له حقان وجار له حق واحد فأما الجار الذي له ثلاثة حقوق فالجار المسلم القريب له حق الجوار وحق القرابة حق الإسلام والجار الذي له حقان فهو الجار المسلم فله حق الإسلام وحق الجوار والجار الذي له حق واحد هو الكافر له حق الجوار"
والسنة الصحيحة طافحة بالحثِ على الإحسان إلى الجار وتجنب إيذائه منها ما يلي :
(حديث أبي هريرة في الصحيحين) أن النبي ( قال : من كان يؤمن بالله و اليوم الآخر فلا يؤذ جاره ، ومن من كان يؤمن بالله و اليوم الآخر فليكرم ضيفه ، و ومن من كان يؤمن بالله و اليوم الآخر فليقل خيراً أو ليصمت .
(حديث أبي هريرة في الصحيحين) أن النبي ( قال : والله لا يؤمن والله لا يؤمن والله لا يؤمن قيل: يا رسول الله ومن ؟ قال : الذي لا يأمن جارة بوائقة "
{ تنبيه } :( معنى لا يؤمن هنا : وأنه لا يؤمن الإيمان الكامل من آذى جاره فينبغي للمؤمن أن يحذر أذى جاره وينتهي عما نهى الله ورسوله عنه ويرغب فيما رضياه وحضا العباد عليه .
((1/147)
حديث أبي هريرة في صحيح مسلم ) أن النبي ( قال : لا يدخل الجنة من لا يأمن جاره بوائقه .
[*] قال الإمام المناوي رحمه الله تعالى في فيض القدير .
(لا يدخل الجنة من لا يأمن جاره بوائقه ) أي دواهيه جمع بائقة الداهية ، وذلك لأنه إذا كان مضراً لجاره كان كاشفاً لعورته حريصاً على إنزال البوائق به دل حاله على فساد عقيدته ونفاق طويته أو على امتهانه ما عظم اللّه حرمته وأكد وصلته فإصراره على هذه الكبيرة مظنة حلول الكفر به فإن المعاصي بريده ومن ختم له بالكفر لا يدخلها أو هو في المستحل أو المراد الجنة المعدة لمن قام بحق جاره .
(حديث عائشة في الصحيحين) أن النبي ( قال : ما زال جبريل يوصيني بالجار حتى ظننت أنه سيُوَرِثُه .
ومن إكرام الجار تعاهده بالهدايا ولو بالشيء القليل :
(حديث أبي هريرة في الصحيحين ) أن النبي ( قال : يا نساء المسلمات ! لا تحقرن جارة لجارتها و لو فِرْسَن شاة .
(معنى فرسن شاة : الفِرسن للشاة كالقدم للإنسان ، وفي الحديث دليل واضح جَلِيٌ على تعاهد الجار بالهدايا ولو بالشيء القليل فلا تحقرن من المعروف شيئاً .
(حديث أبي ذر في صحيح مسلم) أن النبي ( قال : يا أبا ذر ! إذا طبخت مرقةً فأكثِرْ ماءها و تعاهد جيرانك .
[(1/148)
*] قال القرطبي رحمه الله تعالى : حض عليه السلام على مكارم الأخلاق، لما يترتب عليها من المحبة وحسن العشرة ودفع الحاجة والمفسدة فإن الجار قد يتأذى بقتار قدر جاره، وربما تكون له ذرية فتهيج من ضعائفهم الشهوة، ويعظم على القائم عليه الألم والكلفة، لا سيما إن كان القائم ضعيفاً أو أرملة فتعظم المشقة ويشتد منهم الألم والحسرة وهذه كانت عقوبة يعقوب في فراق يوسف عليهما السلام فيما قيل وكل هذا يندفع بتشريكهم في شيء من الطبيخ يدفع إليهم ولهذا المعنى حض عليه السلام الجار القريب بالهدية، لأنه ينظر إلى ما يدخل دار جاره وما يخرج منها، فإذا رأى ذلك أحب أن يشارك فيه وأيضاً فإنه أسرع إجابة لجاره عندما ينوبه من حاجة في أوقات الغفلة والغرة فلذلك بدأ به على من بعد بابه وإن كانت داره أقرب والله أعلم
(حديث عائشة في صحيح البخاري) قالت: قلت يا رسول الله إن لي جارين فإلى أيهما أهدي، قال : إلى أقربهما منك باباً"
يدل هذا الحديث على تقديم حق الجار القريب عن البعيد امتثالاً لقولة تعالى[وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَىَ وَالْجَارِ الْجُنُبِ]
ومن إكرام الجار ألا يمنع جارٌ جاره أن يغرز خشبةً في جداره .
(حديث أبي هريرة في الصحيحين ) أن النبي ( قال : لا يمنع جارٌ جاره أن يغرز خشبةً في جداره " ثم يقول أبو هريرة مالي أراكم عنها معرضين، والله لأرمينَّ بها بين أكتافكم .
ومن إكرام الجار أن يتفقد حاله فقد يكون جائعاً وأنت لا تدري :
(حديث أنس في صحيح الجامع) أن النبي ( قال : ما آمن بي من بات شبعان و جاره جائع إلى جنبه و هو يعلم به .
[*] قال الإمام المناوي رحمه الله تعالى في فيض القدير شرح الجامع الصغير
[ما آمن بي من بات شبعان وجاره جائع إلى جنبه وهو يعلم به ] المراد نفي الإيمان الكامل وذلك لأنه يدل على قسوة قلبه وكثرة شحه وسقوط مروءته وعظيم لؤمه وخبث طويته .(1/149)
من الفضائل التي يجب على المسلم التحلي بها إذا أراد التأسي بالنبي ( فضيلة إكرام الضيف ، فإنها من أجل القربات وأفضل الطاعات ، وقد تضمن القرآن الكريم صفوة الآداب في إكرام الضيف منها مايلي :
قال تعالى: (وَلَقَدْ جَآءَتْ رُسُلُنَآ إِبْرَاهِيمَ بِالْبُشْرَىَ قَالُواْ سَلاَماً قَالَ سَلاَمٌ فَمَا لَبِثَ أَن جَآءَ بِعِجْلٍ حَنِيذٍ) [سورة: هود - الآية: 69]
الشاهد : قوله تعالى [فَمَا لَبِثَ أَن جَآءَ بِعِجْلٍ حَنِيذٍ]
[*] قال القرطبي رحمه الله تعالى في تفسيره :
قوله تعالى: [ فما لبث أن جاء ] التقدير: فما لبث عن أن جاء، أي ما أبطأ عن مجيئه بعجل
[بِعِجْلٍ حَنِيذٍ] أي مشوي. ، وقال رحمه الله تعالى : في هذه الآية من أدب الضيف أن يعجل قراه، فيقدم الموجود الميسر في الحال، ثم يتبعه بغيره إن كان له جدة، ولا يتكلف ما يضر به. والضيافة من مكارم الأخلاق، ومن آداب الإسلام، ومن خلق النبيين والصالحين. وإبراهيم أول من أضاف الضيف .
[*](والسنة الصحيحة طافحة بالحث على إكرام الضيف ، منها ما يلي :
(حديث أبي هريرة في الصحيحين) أن النبي ( قال : من كان يؤمن بالله و اليوم الآخر فلا يؤذ جاره ، ومن من كان يؤمن بالله و اليوم الآخر فليكرم ضيفه ، و ومن من كان يؤمن بالله و اليوم الآخر فليقل خيراً أو ليصمت .
(حديث أبي شريح في الصحيحين) أن النبي ( قال : من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه جائزته يومٌ وليلة، والضيافة ثلاثة أيام فما بعد ذلك فهو صدقة ، ولا يحل له أن يثوِي عنده حتى يُحْرِجه .
(معنى يثوي : أي يقيم ، والمقصود أنه لا يحلُ للضيف أن يقيم عند المضيف حتى يحرجه أي حتى يضيق عليه .
{ تنبيه } :( وليس من السنة التكلف للضيف فإن هذا مما نهى النبي ( عنه
(حديث سلمان في صحيح الجامع) قال : نهى النبي ( عن التكلف للضيف .
[*] قال الإمام المناوي رحمه الله تعالى في فيض القدير .
((1/150)
نهى عن التكلف للضيف ) أي أن يتكلف المضيف له ضيافة فوق ما يليق بالحال لما فيه من الإضرار بل لا يمسك موجوداً ولا يتكلف مفقوداً ولا يزيد على عادته .
ومن أهم الآداب التي ينبغي على المسلم أن يتحلى بها التحلي بآداب الصحبة والأخوة و معاشرة الخلق حتى يألف الناس ويألفوه فإن المؤمن يألف و يؤلف و لا خير فيمن لا يألف و لا يؤلف .
(حديث جابر في صحيح الجامع) أن النبي ( قال : المؤمن يألف و يؤلف و لا خير فيمن لا يألف و لا يؤلف و خير الناس أنفعهم للناس .
[*] قال الإمام المناوي رحمه الله تعالى في فيض القدير .
[المؤمن يألف ويؤلف ولا خير فيمن لا يألف ولا يؤلف وخير الناس أنفعهم للناس ] قال الماوردي : بين به أن الإنسان لا يصلح حاله إلا الألفة الجامعة فإنه مقصود بالأذية محسود بالنعمة فإذا لم يكن ألفاً مألوفاً تختطفه أيدي حاسديه وتحكم فيه أهواء أعاديه فلم تسلم له نعمة ولم تصف له مدة وإذا كان ألفاً مألوفاً انتصر بالألف على أعاديه وامتنع بهم من حساده فسلمت نعمته منهم وصفت مودته بينهم .
وهاك بعض الآداب : (
إن اختيار الصحبة الصالحة من الآداب التي يجب على المسلم أن يعتني بها اهتماماً بالغاً لأن الطباع سَرَّاقة والناس مجبولون على تقليد بعضهم البعض ، فالمرء على دين خليله
(حديث أبي هريرة في صحيحي أبي داوود والترمذي) أن النبي ( قال : المرء على دين خليله فلينظر أحدكم من يُخالل .
(حديث أبي سعيد في صحيحي أبي داوود والترمذي) أن النبي ( قال تصاحب إلا مؤمنا و لا يأكل طعامك إلا تقي .
[*] قال الإمام المناوي رحمه الله تعالى في فيض القدير .
[ لا تصاحب إلا مؤمناً ] : وكامل الإيمان أولى لأن الطباع سراقة ، ومن ثم قيل صحبة الأخيار تورث الخير وصحبة الأشرار تورث الشر كالريح إذا مرت على النتن حملت نتناً ، وإذا مرت على الطيب حملت طيباً .
[(1/151)
ولا يأكل طعامك إلا تقي ] : لأن المطاعمة توجب الألفة وتؤدي إلى الخلطة بل هي أوثق عرى المداخلة ومخالطة غير التقي يخل بالدين ويوقع في الشبه والمحظورات فكأنه ينهى عن مخالطة الفجار إذ لا تخلو عن فساد إما بمتابعة في فعل أو مسامحة في إغضاء عن منكر فإن سلم من ذلك ولا يكاد فلا تخطئه فتنة الغير به وليس المراد حرمان غير التقي من الإحسان لأن المصطفى صلى اللّه عليه وسلم أطعم المشركين وأعطى المؤلفة المئين بل يطعمه ولا يخالطه .
[*] قال عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه :
عليك بإخوان الصدق تعش في أكنافهم فإنهم زينةٌ في الرخاء وعدةٌ في البلاء ، وضع أمر أخيك على أحسنه حتى يجيئك ما يقيلك منه ، واعتزل عدوك واحذر صديقك إلا الأمين ولا أمين إلا من يخشى الله ، ولا تصحب الفاجر فتتعلم من فجوره ، ولا تطلعه على سرك واستشر في أمرك الذين يخشون الله تعالى .
[*] قال الإمام ابن قُدامة رحمه الله تعالى في مختصر منهاج القاصدين :
ينبغي أن يكون فيمن تؤثر صحبته خمسُ خصال :
1) العقل : فهو رأس مال ، ولا خير في صحبة الأحمق لأنه يريد أن ينفعك فيضرك .
2) حسن الخلق : فلا بد منه إذ رُبَّ عاقلٍ يغلبه غضبه أو شهوة فيطيع هواه فلا خير في صحبته .
3) غير فاسق : لأن الفاسق لا يخاف الله ، ومن لا يخاف الله لا تؤمن غائلته ولا يوثق به ، ومن خان أولَ منعم ٍ لا يفي لك أبداً
4) غير مبتدع : لأن المبتدع يُخافُ من صحبته لأن في صحبتك له الشر كله إما سراية البدعة أو عدم الإنكار عليه أو تتعلم من بدعته فيحصل لك انتكاسة .
5) غير حريصٍ على الدنيا لأن الحرص على المال يفسد الدين بقدر أكبر من الفساد الحاصل من إرسال ذئبين جائعين على غنم ، أي يفسد فساداً بيناً بلا روية
(حديث كعب بن مالك في صحيح الترمذي) أن النبي ( قال : ما ذئبان جائعان أُرسلا في غنم بأفسدَ لها من حرص المرء على المال و الشرف لدينه .(1/152)
مقصود الحديث أن الحرص على المال والشرف أكثر إفساداً للدين من إفساد الذئبين للغنم لأن ذلك الأشر والبطر يستفز صاحبه ويأخذ به إلى ما يضره وذلك مذموم لاستدعائه العلو في الأرض والفساد المذمومين شرعاً ذلك الأشر والبطر يستفز صاحبه ويأخذ به إلى ما يضره وذلك مذموم لاستدعائه العلو في الأرض والفساد المذمومين شرعاً .
(حديث أبي موسى في الصحيحين) أن النبي ( قال : مثل الجليس الصالح و الجليس السوء كحامل المسك و نافخ الكير ، فحامل المسك إما أن يُحْذِيَك وإما أن تبتاع منه وإما تجد منه ريحا طيبة ، ونافخ الكير إما أن يحرق ثيابك أو تجد منه ريحا خبيثة .
[*] قال الإمام المناوي رحمه الله تعالى في فيض القدير .
بين به النهي عن مجالسة من يتأذى به ديناً أو دنيا والترغيب فيمن ينتفع بمجالسته فيهما وجواز بيع المسك وطهارته .(1/153)
قال الراغب : نبه بهذا الحديث على أن حق الإنسان أن يتحرى بغاية جهده مصاحبة الأخيار ومجالستهم فهي قد تجعل الشرير خيراً كما أن صحبة الأشرار قد تجعل الخير شريراً قال الحكماء : من صحب خيراً أصاب بركته فجليس أولياء اللّه لا يشقى وإن كان كلباً ككلب أهل الكهف ولهذا أوصت الحكماء الأحداث بالبعد عن مجالسة السفهاء ، قال علي كرم اللّه وجهه : لا تصحب الفاجر فإنه يزين لك فعله ويود لو أنك مثله ، وقالوا : إياك ومجالسة الأشرار فإن طبعك يسرق منهم وأنت لا تدري وليس إعداء الجليس جليسة بمقاله وفعاله فقط بل بالنظر إليه والنظر في الصور يورث في النفوس أخلاقاً مناسبة لخلق المنظور إليه فإن من دامت رؤيته للمسرور سر أو للمحزون حزن وليس ذلك في الإنسان فقط بل في الحيوان والنبات فالحمل الصعب يصير ذلولاً بمقاربة الجمل الذلول والذلول قد ينقلب صعباً بمقارنة الصعاب والريحانة الغضة تذبل بمجاورة الذابلة ولهذا يلتقط أهل الفلاحة الرمم عن الزرع لئلا تفسدها ومن المشاهد أن الماء والهواء يفسدان بمجاورة الجيفة فما الظن بالنفوس البشرية التي موضعها لقبول صور الأشياء خيرها وشرها؟ فقد قيل سمي الإنس لأنه يأنس بما يراه خيراً أو شراً .
من أهم الآداب في الصحبة ومعاشرة الخلق أن يعيش بين إخوانه بالمودة والرحمة حتى يصيروا معاً كالجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر و الحمى
(حديث النعمان بن بشير في الصحيحين) أن النبي ( قال : مثل المؤمنين في توادهم و تراحمهم و تعاطفهم مثل الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر و الحمى .
[*] قال الإمام المناوي رحمه الله تعالى في فيض القدير .
( مثل المؤمنين ) الكاملين في الإيمان
( في توادهم ) أي تحاب
( وتراحمهم ) أي تلاطفهم
((1/154)
وتعاطفهم ) قال ابن أبي جمرة : الثلاثة وإن تفاوت معناها بينها فرق لطيف فالمراد بالتراحم أن يرحم بعضهم بعضاً لحلاوة الإيمان لا لشيء آخر وبالتواد التواصل الجالب للمحبة كالتهادي وبالتعاطف إعانة بعضهم بعضاً
( مثل الجسد الواحد ) بالنسبة لجميع أعضائه ، وجه الشبه فيه التوافق في التعب والراحة
( إذا اشتكى منه عضو ) أي مرض
( تداعى له سائر الجسد ) يعني دعا بعضهم بعضاً إلى المشاركة في الألم
( بالسهر ) بفتح الهاء ترك النوم لأن الألم يمنع النوم
( والحمى ) لأن فقد النوم يثيرها والحمى حرارة غريبة تشتعل في القلب فتنبث به في جميع البدن ثم لفظ الحديث خبر ومعناه أمر أي كما أن الرجل إذا تألم بعض جسده سرى ذلك الألم إلى جميع جسده فكذا المؤمنون ليكونوا كنفس واحدة إذا أصاب أحدهم مصيبة يغتم جميعهم ويقصدوا إزالتها .
(حديث أبي موسى الأشعري في الصحيحين) أن النبي ( قال : المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضا .
[*] قال الإمام المناوي رحمه الله تعالى في فيض القدير .
(المؤمن للمؤمن كالبنيان ) أي الحائط لا يتقوى في أمر دينه ودنياه إلا بمعرفة أخيه كما أن بعض البنيان يقوى ببعضه .
( يشد بعضه بعضاً ) بيان لوجه التشبيه وبعضاً منصوب بنزع الخافض أو مفعول يشد وتتمته كما في البخاري ثم شبك بين أصابعه أي يشد بعضهم بعضاً مثل هذا الشد فوقع التشبيك تشبيهاً لتعاضد المؤمنين بعضهم ببعض كما أن البنيان الممسك بعضه ببعض يشد بعضه بعضا وذلك لأن أقواهم لهم ركن وضعيفهم مستند لذلك الركن القوي، وفيه تفضيل الاجتماع على الانفراد ومدح الاتصال على الانفصال فإن البنيان إذا تفاصل بطل وإذا اتصل ثبت الانتفاع به بكل ما يراد منه .
مسألة : ما هي الأمور التي تجلب المحبة في قلوب العباد :
[*](الأمور التي تجلب المحبة في قلوب العباد هي ما يلي :(1/155)
1) الإيمان والعمل الصالح : قال تعالى: (إِنّ الّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرّحْمََنُ وُدّاً) [سورة: مريم - الآية: 96]
[*] قال القرطبي رحمه الله تعالى في تفسيره :
قوله تعالى [ إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات سيجعل لهم الرحمن ودا ] : أي حباً في قلوب عباده.
(حديث أبي هريرة الأشعري في الصحيحين) أن النبي ( قال :إذا أحب الله عبدا نادى جبريل : إن الله يحب فلانا فأحبه فيحبه جبريل فينادي جبريل في أهل السماء : إن الله يحب فلانا فأحبوه فيحبه أهل السماء ثم يوضع له القبول في الأرض .
2) إفشاء السلام :
(حديث أبي هريرة في صحيح مسلم) أن النبي ( قال : و الذي نفسي بيده لا تدخلون الجنة حتى تؤمنوا و لا تؤمنوا حتى تحابوا أولا أدلكم على شيء إذا فعلتموه تحاببتم ؟ أفشوا السلام بينكم .
3) لا يتناجى يتناجى رجلان دون الآخر حتى يختلطوا بالناس .
(حديث ابن مسعود في الصحيحين) أن النبي ( قال : إذا كنتم ثلاثة فلا يتناجى رجلان دون الآخر حتى تختلطوا بالناس فإن ذلك يحزنه .
[*] قال الإمام المناوي رحمه الله تعالى في فيض القدير .
( إذا كنتم ثلاثة فلا يتناجى ) التناجي التحادث سراً .
( رجلان دون الآخر حتى تختلطوا بالناس ) أي تنضموا إليهم وتمتزجوا ويتحدث بعضهم مع بعض
( فإن ذلك يحزنه ) ثم علل ذكر النهي بقوله فإن ذلك يحزنه ، أي التناجي مع انفراد واحد ، وذلك لئلا يقع في نفسه أنهما يتحدثون عنه بما يشينه أو أنهما لم يشاركاه في الحديث احتقاراً له .
4) تعاهد الإخوان بالهدايا فإنها تجلب المحبة بنص السنة الصحيحة :
(حديث أبي هريرة في صحيح الجامع) أن النبي ( قال : تهادوا تحابوا .
وكان النبي ( يقبل الهدية و يثيب عليها
(حديث عائشة في صحيح البخاري) قالت كان النبي ( يقبل الهدية و يثيب عليها .
[*] قال الإمام المناوي رحمه الله تعالى في فيض القدير .
((1/156)
كان يقبل الهدية ويثيب عليها ) بأن يعطي بدلها فيسن التأسي به في ذلك بأن يجازي المهدي بهدية أيضاً .
مسألة : ما هي الآداب التي ينبغي أن يتحلى بها من أراد الإهداء أو قبول الهدية إذا أراد التأسي بالنبي ( ؟
[*](الآداب التي ينبغي أن يتحلى بها من أراد الإهداء إذا أراد التأسي بالنبي ( هي ما يلي :
1) الإهداء ولو بالشيء القليل كذلك على قبول الهدية ولو كانت شيئاً قليلاً لأن العبرة بمعناها .
(حديث أبي هريرة في الصحيحين ) أن النبي ( قال : يا نساء المسلمات ! لا تحقرن جارة لجارتها و لو فِرْسَن شاة .
(معنى فرسن شاة : الفِرسن للشاة كالقدم للإنسان ، وفي الحديث دليل واضح جَلِيٌ على تعاهد الجار
(حديث أبي هريرة في الصحيحين ) أن النبي ( قال : لو دُعيتُ إلى ذراعٍ أو كُرَاعٍ لأجبت و لو أُهْدِي إليَّ ذِراعٍ أو كُراعٍ لقبلت .
[*] قال الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى في الفتح :
وخصَّ الذراع والكراع بالذكر ليجمع بين الحقير والخطير لأن الذراع كانت أحب إليه من غيرها والكراع لا قيمة لها .
2) ومن السنة أنك إذا رددت الهدية تبين سبب ردها تطيباً لخاطر صاحبها .
(حديث الصعب بن جثامة الليثي في الصحيحين ) أنه أهدى لرسول الله صلى الله عليه وسلم حمارا وحشيا وهو بالأبواء أو بودَّان فردَّه عليه فلما رأى ما في وجهه قال إنَّا لم نرده عليك إلا أنَّا حرم .
3) يكره الرجوع في الهدية .
(حديث ابن عباس في الصحيحين ) أن النبي ( قال : ليس لنا مثل السوء العائد في هبته كالكلب يعود في قيئه .
4) أن يجتنب المنّ فإنه يبطل ثواب الهدية .
(حديث أبي ذر في صحيح مسلم ) أن النبي ( قال : ثلاثة لا يكلمهم الله يوم القيامة و لا ينظر إليهم و لا يزكيهم و لهم عذاب أليم : المسبل إزاره و المنَّان الذي لا يعطي شيئا إلا منه و المنفق سلعته بالحلف الكاذب .
((1/157)
حديث ابن مسعود في الصحيحين) أن النبي ( قال : إذا كنتم ثلاثة فلا يتناجى رجلان دون الآخر حتى تختلطوا بالناس فإن ذلك يحزنه .
[*] قال الإمام المناوي رحمه الله تعالى في فيض القدير .
( إذا كنتم ثلاثة فلا يتناجى ) التناجي التحادث سراً
( رجلان دون الآخر حتى تختلطوا بالناس ) أي تنضموا إليهم وتمتزجوا ويتحدث بعضهم مع بعض.
( فإن ذلك يحزنه ) ثم علل ذكر النهي بقوله فإن ذلك يحزنه ، أي التناجي مع انفراد واحد ، وذلك لئلا يقع في نفسه أنهما يتحدثون عنه بما يشينه أو أنهما لم يشاركاه في الحديث احتقاراً له .
إن الإحسان والعفو عن الناس من شيم المحسنين قال تعالى: (الّذِينَ يُنفِقُونَ فِي السّرّآءِ وَالضّرّآءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النّاسِ وَاللّهُ يُحِبّ الْمُحْسِنِينَ) [سورة: آل عمران - الآية: 134]
(والله تعالى يزيدك بعفوك عزاً بنص السنة الصحيحة
(حديث أبي هريرة في صحيح مسلم) أن النبي ( قال : ما نقصت صدقة من مال و ما زاد الله عبدا بعفو إلا عزا و ما تواضع أحد لله إلا رفعه الله .
إن دفع السيئة بالحسنة يحوِّل العداوة إلى محبة بنص القرآن الكريم ، قال تعالى: (وَلاَ تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلاَ السّيّئَةُ ادْفَعْ بِالّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنّهُ وَلِيّ حَمِيمٌ، وَمَا يُلَقّاهَا إِلاّ الّذِينَ صَبَرُواْ وَمَا يُلَقّاهَآ إِلاّ ذُو حَظّ عَظِيمٍ) [سورة: فصلت /34،35]
[*] قال القرطبي رحمه الله تعالى في تفسيره :
قوله تعالى : [ ادفع بالتي هي أحسن ] قال ابن عباس : أي ادفع بحلمك جهل من يجهل عليك . وعنه أيضاً : هو الرجل يسب الرجل فيقول الآخر إن كنت صادقاً فغفر الله لي ، وإن كنت كاذباً فغفر الله لك .
وقوله تعالى : " فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم " أي قريب حديق(1/158)
قال ابن عباس : أمره الله تعالى في هذا الآية بالصبر عند الغضب ، والحلم عند الجهل ، والعفو عند الإساءة ، فإذا فعل الناس ذلك عصمهم الله من الشيطان ، وخضع لهم عدوهم . وروي أن رجلاً شتم قنبراً مولى علي بن أبي طالب فناداه علي يا قنبر ! دع شاتمك ، واله عنه ترضي الرحمن وتسخط الشيطان ،وتعاقب شاتمك ، فما عوقب الأحمق بمثل السكوت عنه .
{ تنبيه } :( إذا قابلت إساءة الإنسان بعفوك وإحسانك لا يزال معك من الله ظهير عليهم ما دمت على ذلك.
(حديث أبي هريرة في صحيح مسلم) أن رجلا قال يا رسول الله إن لي قرابةً أصلهم ويقطعوني وأُحسنُ إليهم ويُسيئون إلي وأحلُمُ عنهم ويجهلون علي فقال ( لئن كنت كما قلت فكأنما تُسِفُّهمُ المَلَّ ولا يزال معك من الله ظهير عليهم ما دمت على ذلك .
الشاهد من الحديث :
قوله ( [لئن كنت كما قلت فكأنما تُسِفُّهمُ المَلَّ ولا يزال معك من الله ظهير عليهم ما دمت على ذلك ]
(ومعنى الملَّ : الرماد الحار
(ومعنى [تُسِفُّهمُ المَلَّ] : أي تطعمهم الرماد الحار ، والمقصود أنك منصورٌ عليهم وتنقطع حجتهم كما ينقطع كلام من سَفَّ الرماد الحار .
(حديث المقدام بن معد يكرب في صحيح أبي داوود والترمذي) أن النبي ( قال : إذا أحب أحدكم أخاه فليعلمه أنه يحبه .
(حديث أبي موسى في الصحيحين) قال : كان رسول الله ( إذا أتاه طالب حاجة أقبل على جلسائه فقال : اشفعوا تؤجروا و يقضي الله على لسان نبيه ما أحب .
قال الإمام المناوي رحمه الله تعالى في فيض القدير شرح الجامع الصغير
( اشفعوا ) أي ليشفع بعضكم في بعض
( تؤجروا ) أي يثبكم الله تعالى
((1/159)
ويقضي الله على لسان نبيه ما أحب ) أي يظهر الله تعالى على لسان رسوله بوحي أو إلهام ما قدره في علمه أنه سيكون من إعطاء وحرمان ، أو يجري الله على لسانه ما شاء من موجبات قضاء الحاجة أو عدمها ، فإذا عرض صاحب حاجة حاجته عليّ فاشفعوا له يحصل لكم أجر الشفاعة أي ثوابها وإن لم تقبل ، فإن قضيت حاجة من شفعتم له فبتقدير الله ، وإن لم تقض فبتقدير الله .
قال تعالى: (وَلاَ تَمُدّنّ عَيْنَيْكَ إِلَىَ مَا مَتّعْنَا بِهِ أَزْوَاجاً مّنْهُمْ زَهْرَةَ الْحَيَاةِ الدّنْيَا لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ وَرِزْقُ رَبّكَ خَيْرٌ وَأَبْقَىَ) [سورة: طه - الآية: 131]
[*] قال القرطبي رحمه الله تعالى في تفسيره :
ومعنى الآية: لا تجعل يا محمد لزهرة الدنيا وزناً، فإنه لا بقاء لها.
" ولا تمدن " أبلغ من لا تنظرن، لأن الذي يمد بصره، إنما يحمله على ذلك حرص مقترن، والذي ينظر قد لا يكون ذلك معه.
(حديث سهل بن سعد الثابت في صحيح ابن ماجة) قال أتى النبي( رجلٌ فقال يا رسول الله : دلني على عملٍ إذا عملته أحبني الله وأحبني الناس فقال رسول الله ( : ازهد في الدنيا يحبك الله وازهد فيما عند الناس يحبك الناس .
من أهم الآداب في الصحبة ومعاشرة الخلق مراعاة أحاسيس الناس ومشاعرهم وجبر خاطرهم
(حديث الصعب بن جثامة الليثي في الصحيحين ) أنه أهدى لرسول الله صلى الله عليه وسلم حمارا وحشيا وهو بالأبواء أو بودَّان فردَّه عليه فلما رأى ما في وجهه قال إنَّا لم نرده عليك إلا أنَّا حرم .
{ تنبيه } : ( ومن ذلك أنه لا يواجه الناس بالعتاب مراعاة لأحاسيس الناس ومشاعرهم تأسياً بالنبي (
(حديث عائشة في صحيح أبي داود) أن النبي ( كان إذا بلغه عن الرجل شيء لم يقل : ما بال فلان يقول ؟ و لكن يقول : ما بال أقوام يقولون كذا و كذا .
من أفضل الآداب في الصحبة ومعاشرة الخلق إدخال السرور على المسلم فإنها من أفضل الأعمال بنص السنة الصحيحة
((1/160)
حديث محمد بن المنكدر في صحيح الجامع) أن النبي ( قال : من أفضل العمل إدخال السرور على المؤمن تقضي عنه دينا تقضي له حاجة تنفس له كربة .
من أفضل الآداب في الصحبة ومعاشرة الخلق الإنصاف لأخيك المسلم فإنها من أفضل الأعمال ، فلا تكون كحال من يرى عيوب أخيه وينسى عيوب نفسه
(حديث أبي هريرة في صحيح الجامع) أن النبي ( قال : يَبْصُرُ أحدكم القذى في عين أخيه و ينسى الجذعَ في عينه .
[*] قال الإمام المناوي رحمه الله تعالى في فيض القدير .
( يبصر أحدكم القذى في عين أخيه ) في الإسلام جمع قذاة وهي ما يقع في العين والماء والشراب من نحو تراب وتبن ووسخ
( وينسى الجذع في عينه ) واحد جذوع النخل ، كأن الإنسان لنقصه وحب نفسه يتوفر على تدقيق النظر في عيب أخيه فيدركه مع خفائه فيعمى به عن عيب في نفسه ظاهر لا خفاء به مثل ضرب لمن يرى الصغير من عيوب الناس ويعيرهم به وفيه من العيوب ما نسبته إليه كنسبة الجذع إلى القذاة وذلك من أقبح القبائح وأفضح الفضائح فرحم اللّه من حفظ قلبه ولسانه ولزم شأنه وكف عن عرض أخيه وأعرض عما لا يعنيه فمن حفظ هذه الوصية دامت سلامته وقلت ندامته فتسليم الأحوال لأهلها أسلم واللّه أعلى وأعلم .
من أفضل الآداب في الصحبة ومعاشرة الخلق أن لا تتبع عيوب أخيك المسلم ، لأنك إذا تتبعت عيوب أخيك المسلم أفسدته
(حديث معاوية في صحيح أبي داود) أن النبي ( قال : إنك إن اتبعت عورات الناس أفسدتهم أو كدت تفسدهم .
من أفضل الآداب في الصحبة ومعاشرة الخلق طلاقة الوجه عند اللقاء
(حديث أبي ذر في صحيح مسلم ) أن النبي ( قال : لا تحقرن من المعروف شيئا و لو أن تلقى أخاك بوجهٍ طليق .
من أفضل الآداب في الصحبة ومعاشرة الخلق أن يرد عن عِرض أخيه
(حديث أبي الدرداء في صحيح الترمذي ) أن النبي ( قال : من رد عن عرض أخيه رد الله عن وجهه النار يوم القيامة .
[*] قال الإمام المناوي رحمه الله تعالى في فيض القدير .
((1/161)
من رد عن عرض أخيه ) في الدين أي رد على من اغتابه وشان من أذاه وعابه .
( رد اللّه عن وجهه ) أي ذانه وخصه لأن تعذيبه أنكى في الإيلام وأشد في الهوان .
( النار يوم القيامة ) جزاء بما فعل وذلك لأن عرض المؤمن كدمه فمن هتك عرضه فكأنه سفك دمه ومن عمل على صون عرضه فكأنه صان دمه فيجازى على ذلك بصونه عن النار يوم القيامة .
(حديث أسماء بنت يزيد في صحيح الجامع) أن النبي ( قال : من ذب عن عرض أخيه بالغيبة كان حقا على الله أن يعتقه من النار .
[*] قال الإمام المناوي رحمه الله تعالى في فيض القدير .
(من ذب ) أي من دفع
( عن عرض أخيه بالغيبة ) قال الطيبي : هو كناية عن الغيبة كأنه قيل من ذب عن غيبة أخيه في غيبته .
( كان حقاً على اللّه أن يعتقه من النار ) قال الطيبي : هو استشهاد لقوله كان حقاً إلخ وفيه أن المستمع لا يخرج من إثم الغيبة إلا بأن ينكر بلسانه فإن خاف فبقلبه فإن قدر على القيام أو قطع الكلام لزمه وإن قال بلسانه اسكت وهو مشتهٍ ذلك بقلبه فذلك نفاق ، قال الغزالي : ولا يكفي أن يشير باليد أن اسكت أو بحاجبه أو رأسه وغير ذلك فإنه احتقار للمذكور بل ينبغي الذب عنه صريحاً كما دلت عليه الأخبار .
إن الإصلاح بين الناس من أفضل القربات وأجل الطاعات ، ويترتب عليه الأجر العظيم بنص القرآن والسنة الصحيحة ، بل هو أفضل من درجة الصيام والصلاة وقد حثنا الله تعالى على إصلاح ذات البين في محكم التنزيل منها مايلي :
قال تعالى: (لاّ خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مّن نّجْوَاهُمْ إِلاّ مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلاَحٍ بَيْنَ النّاسِ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتَغَآءَ مَرْضَاتِ اللّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً) ( النساء / 114)
النجوى: السر بين الاثنين ، تقول : ناجيت فلاناً مناجاة *
((1/162)
ومعنى (لاّ خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مّن نّجْوَاهُمْ إِلاّ مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلاَحٍ بَيْنَ النّاسِ) : لا خير في كثير من نجواهم إلا نجوى من أمر بصدقةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلاَحٍ بَيْنَ النّاسِ ، ثم وعد الله تعالى من يفعل هذه الخصال الثلاث ابتغاء مرضاته فسوف يؤتيه أجراً عظيماً فقال سبحانه
(وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتَغَآءَ مَرْضَاتِ اللّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً)
وقال تعالى: (فَاتّقُواْ اللّهَ وَأَصْلِحُواْ ذَاتَ بِيْنِكُمْ) ( الأنفال / 1)
وقال تعالى: (إِنّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُواْ بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ) ( الحجرات / 10)
والسنة الصحيحة طافحةُ بالحث على إصلاح ذات البين ومنه ما يلي :
(حديث أبي هريرة في الصحيحين) أن النبي ( قال : كل سُلامى من الناس عليه صدقة كل يوم تطلع فيه الشمس يعدل بين الاثنين صدقة و يعين الرجل على دابته فيحمل عليها أو يرفع له عليها متاعه صدقة و الكلمة الطيبة صدقة و كل خطوة يخطوها إلى الصلاة صدقة و يميط الأذى عن الطريق صدقة .
{تنبيه}: معنى سُلامى أي مفصل ، والمعنى أن على كل مسلم مكلف بعدد كلِ مفصل من عظامه صدقةٌ لله تعالى على سبيل الشكر على أن جعل لعظامه مفاصل يتمكن بها من القبض والبسط .
الشاهد من الحديث : قوله ( يعدل بين الاثنين صدقة .
*وقد رخص النبي ( في الكذب من أجل الإصلاح بين الناس ، مما يدل على فضل الإصلاح بين الناس .
(حديث أم كلثوم بنت عقبة في الصحيحين) أن النبي ( قال : ليس الكذاب بالذي يصلح بين الناس فينمي خيرا أو يقول خيرا .
زاد مسلم (ولم أسمعه يُرَخَّص في شيء مما يقول الناس كذب إلا في ثلاث : الحرب والإصلاح بين الناس وحديث الرجل امرأته وحديث المرأة زوجها )
*وبين النبي ( أن إصلاح ذات البين أفضل من درجة الصيام والصلاة والصدقة .
((1/163)
حديث أبي الدر داء في صحيحي أبي داوود والترمذي) أن النبي ( قال : ألا أخبركم بأفضل من درجة الصيام و الصلاة و الصدقة ؟ إصلاح ذات البين، وفساد ذات البين هي الحالقة.
[*] قال الإمام المناوي رحمه الله تعالى في فيض القدير .
) ألا أخبركم بأفضل من درجة الصيام والصلاة والصدقة ) أي بدرجة هي أفضل من درجة الصيام والصلاة والصدقة .
( إصلاح ذات البين ) أي إصلاح أحوال البين حتى تكون أحوالكم أحوال صحبة وألفة أو هو إصلاح الفساد والفتنة التي بين القوم .
( فإن فساد ذات البين هي الحالقة ) أي الخصلة التي شأنها أن تحلق أي تهلك وتستأصل الدين كما يستأصل الموسى الشعر أو المراد المزيلة لمن وقع فيها لما يترتب عليه من الفساد والضغائن وذلك لما فيه من عموم المنافع الدينية والدنيوية من التعاون والتناصر والألفة والاجتماع على الخير حتى أبيح فيه الكذب وكثرة ما يندفع من المضرة في الدنيا والدين بتشتت القلوب ووهن الأديان من العداوات وتسليط الأعداء وشماتة الحساد فلذلك صارت أفضل الصدقات .
إن التعاون على البر والتقوى من أفضل القربات وأجل الطاعات ، ويترتب عليه الأجر العظيم بنص السنة الصحيحة
قال تعالى : ( وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرّ وَالتّقْوَىَ وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتّقُواْ اللّهَ إِنّ اللّهَ شَدِيدُ آلْعِقَابِ) [سورة: المائدة - الآية: 2]
[*] قال القرطبي رحمه الله تعالى في تفسيره :
قوله تعالى :[ وتعاونوا على البر والتقوى] قال الأخفش: هو مقطوع من أول الكلام وهو أمر لجميع الخلق بالتعاون على البر والتقوى أي ليعن بعضكم بعضاً وتحاثوا على ما أمر الله تعالى واعلموا به ، وانتهوا عما نهى الله عنه وامتنعوا منه .
[(1/164)
*] وقال ابن خويز منداد في أحكامه: والتعاون على البر والتقوى يكون بوجوه فواجب على العالم أن يعين الناس بعلمه فيعلمهم ويعينهم الغني بماله والشجاع بشجاعته في سبيل الله وأن يكون المسلمون متظاهرين كاليد الواحدة .
ثم نهى فقال: " ولا تعاونوا على الإثم والعدوان " وهو الحكم اللاحق عن الجرائم وعن العدوان وهو ظلم الناس ثم أم بالتقوى وتوعد توعداً مجملاً فقال: " واتقوا الله إن الله شديد العقاب".
**والسنة الصحيحة طافحة بالحث على التعاون على البر والتقوى
(حديث ابن مسعود في صحيح الجامع) أن النبي ( قال :الدال على الخير كفاعله .
[*] قال الإمام المناوي رحمه الله تعالى في فيض القدير .
(الدال على الخير كفاعله ) فإن حصل ذلك الخير فله مثل ثوابه وإلا فله ثواب دلالته قال القرطبي : ذهب بعض الأئمة إلى أن المثل المذكور إنما هو بغير تضعيف لأن فعل الخير لم يفعله الدال وليس كما قال بل ظاهر اللفظ المساواة ويمكن أن يصار إلى ذلك لأن الأجر على الأعمال إنما هو بفضل اللّه يهب لمن يشاء على أي فعل شاء وقد جاء في الشرع كثير وظاهر صنيع المصنف أن هذا هو الحديث بتمامه والأمر بخلافه بل بقيته والدال على الشر كفاعله أي لإعانته عليه فله كفعله من الإثم وإن لم يحصل بمباشرته .
(حديث زيد بن خالد في الصحيحين) أن النبي ( قال : من جهز غازيا في سبيل الله فقد غزا و من خلف غازيا في سبيل الله في أهله بخير فقد غزا .
إن النصيحة من أفضل القربات وأجل الطاعات ، ومن أفضل الآداب في الصحبة ومعاشرة الخلق
ولا سيما إن كانت النصائح الأخوية صادرةٌ عن إخلاص وحسن طوية ليس فيها مجالاً للحقد والحسد أو اتِّباع الهوى ، فإنها إن خلت من ذلك وجدت للسامع في سمعه مسمعاً وفي قلبه موقعا ، وعليه أن يتقبلها بقبولٍ حسن عسى الله أن ينفعه بها ويوفقه إلى تطبيقها .(1/165)
قال تعالى (وَالْعَصْرِ إِنّ الإِنسَانَ لَفِى خُسْرٍ إِلاّ الّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْاْ بِالْحَقّ وَتَوَاصَوْاْ بِالصّبْرِ ) [ العصر : من 1: 3]
[*] قال الإمام ابن كثير رحمه الله تعالى في تفسيره :
فاستثنى من جنس الإنسان عن الخسران الذين آمنوا بقلوبهم وعملوا الصالحات بجوارحهم " وتواصوا بالحق " وهو أداء الطاعات وترك المحرمات.
**والسنة الصحيحة طافحة بالحث على النصيحة بين المؤمنين
(حديث تميم ابن أوس الداريِّ الثابت في صحيح مسلم ) أن النبي ( قال : الدين النصيحة قالوا : لمن يا رسول اللّه قال : للّه وكتابه ورسوله وأئمة المسلمين وعامتهم .
[*] قال الإمام المناوي رحمه الله تعالى في فيض القدير .
( الدين النصيحة ) أي عماده وقوامه النصيحة على وزان الحج عرفة فبولغ في النصيحة حتى جعل الدين كله إياها
(للّه وكتابه ورسوله وأئمة المسلمين وعامتهم) قال بعضهم : هذا الحديث ربع الإسلام أي أحد أحاديث أربعة يدور عليها وقال النووي : بل المدار عليه وحده ولما نظر السلف إلى ذلك جعلوا النصيحة أعظم وصاياهم قال بعض العارفين : أوصيك بالنصح نصح الكلب لأهله فإنهم يجيعونه ويطردونه ويأبى إلا أن يحوطهم ويحفظهم وظاهر الخبر وجوب النصح وإن علم أنه لا يفيد في المنصوح ومن قبل النصيحة أمن الفضيحة ومن أبى فلا يلومن إلا نفسه
(حديث جرير بن عبد الله في الصحيحين ) قال بايعت رسول الله ( على إقام الصلاة وإيتاء الزكاة والنصح لكل مسلم .
(حديث أبي هريرة في صحيح أبي داوود ) أن النبي ( قال : المؤمن مرآة المؤمن و المؤمن أخو المؤمن يكفُّ عليه ضيعته و يحُوطُه من ورائه .
[*] قال الإمام المناوي رحمه الله تعالى في فيض القدير .
((1/166)
المؤمن مرآة المؤمن ) فأنت مرآة لأخيك يبصر حاله فيك وهو مرآة لك تبصر حالك فيه فإن شهدت في أخيك خيراً فهو لك وإن شهدت غيره فهو لك وكل إنسان مشهده عائد عليه ومن ثم قالوا : من مشهدك يأتيك روح مددك
( والمؤمن أخو المؤمن ) أي بينه وبينه أخوه ثابتة بسبب الإيمان { إنما المؤمنون إخوة }
( يكف عليه ضيعته) أي يجمع عليه معيشته ويضمها له وضيعة الرجل ما منه معاشه .
( ويحوطه من ورائه ) أي يحفظه ويصونه ويذب عنه ويدفع عنه من يغتابه أو يلحق به ضرراً ويعامله بالإحسان بقدر الطاقة والشفقة والنصيحة وغير ذلك قال بعض العارفين : كن رداءاً وقميصاً لأخيك المؤمن وحطه من ورائه واحفظه في نفسه وعرضه وأهله فإنك أخوه بالنص القرآني فاجعله مرآة ترى فيها نفسك فكما يزبل عنك كل أذى تكشفه لك المرآة فأزل عنه كل أذى به عن نفسه .
ومن أفضل الآداب في الصحبة ومعاشرة الخلق رحمة الصغير وتوقير الكبير
(حديث أنس في صحيح الترمذي) أن النبي ( قال : ليس منا من لم يرحم صغيرنا و يوقر كبيرنا .
[*] قال الإمام المناوي رحمه الله تعالى في فيض القدير .
( ليس منا من لم يرحم صغيرنا ويوقر كبيرنا ) الواو بمعنى أو فالتحذير من كل منهما وحده فيتعين أن يعامل كلاً منهما بما يليق به فيعطى الصغير حقه من الرفق به والرحمة والشفقة عليه ويعطى الكبير حقه من الشرف والتوقير ، قال الحافظ العراقي : فيه التوسعة للقادم على أهل المجلس إذا أمكن توسعهم له سيما إن كان ممن أمر بإكرامه من الشيوخ شيباً أو علماً أو كونه كبير قوم كما في حديث جرير المار إذا أتاكم كريم قوم فأكرموه .
(حديث أبي موسى في صحيحي أبي داوود والترمذي) أن النبي ( قال : إن من إجلال الله إكرام ذي الشيبة المسلم و حامل القرآن غير الغالي فيه و الجافي عنه و إكرام ذي السلطان المقسط .
[*] قال الإمام المناوي رحمه الله تعالى في فيض القدير .
( إن من إجلال اللّه ) أي تبجيله وتعظيمه
((1/167)
إكرام ذي الشيبة المسلم ) أي تعظيم الشيخ الكبير صاحب الشيبة البيضاء الذي عمره في الإيمان وتوقيره في المجالس والرفق به والشفقة عليه
( وحامل القرآن ) أي قارئه
( غير الغالي فيه ) أي غير المتجاوز الحد في العمل به وتتبع ما خفي منه واشتبه عليه من معانيه وفي حدود قراءته ومخارج حروفه
( والجافي عنه ) أي التارك له البعيد عن تلاوته والعمل بما فيه
( وإكرام ذي السلطان ) أي سلطان لأنه ذي قهر وغلبة من السلاطة وهي التمكن من القهر قال اللّه تعالى { ولو شاء اللّه لسلطهم عليكم } ومنه سمي السلطان وقيل ذي حجة لأنه يقام به الحجج .
( المقسط ) بضم الميم العادل في حكمه بين رعيته قال ابن الأثير : وقيد بقوله غير الغالي إلخ لأن من أخلاقه التي أمر بها القصد في الأمور والغلو التشديد في الدين ومجاوزة الحد والتجافي البعد عنه .
ومن أفضل الآداب في الصحبة ومعاشرة الخلق تحريم الخلوة بالمرأة الأجنبية
(حديث عقبة بن عامر في الصحيحين) أن النبي ( قال : إياكم و الدخول على النساء قالوا : يا رسول اللّه أرأيت الحمو قال : الحمو الموت .
أي دخوله على زوجة أخيه يشبه الموت في الاستقباح والمفسدة فهو
[*] قال الإمام المناوي رحمه الله تعالى في فيض القدير .
( إياكم والدخول على النساء ) بالنصب على التحذير وهو تنبيه المخاطب على محذور ليتحرز منه أي اتقوا الدخول النساء ،وتضمن منع الدخول منع الخلوة بأجنبية بالأولى والنهي ظاهر العلة والقصد به غير ذوات المحارم ، ذكر الغزالي أن راهباً من بني إسرائيل أتاه أناس بجارية بها علة ليداويها فأبى قبولها فما زالوا به حتى قبلها يعالجها فأتاه الشيطان فوسوس له مقاربتها فوقع عليها فحملت فوسوس له الآن تفتضح فاقتلها وقل لأهلها ماتت فقتلها وألقى الشيطان في قلب أهلها أنه قتلها فأخذوه وحصروه فقال له الشيطان : اسجد لي تنج فسجد له ، فانظر إلى حيله كيف اضطره إلى الكفر بطاعته له في قبوله للجارية وجعلها عنده
((1/168)
قالوا:يا رسول اللّه أرأيت الحمو قال:الحمو الموت) والحمو أخو الزوج وقريبه ، الحمو الموت : أي دخوله على زوجة أخيه يشبه الموت في الاستقباح والمفسدة فهو محرم شديد التحريم وإنما بالغ في الزجر بتشبيهه الموت لتسامح الناس في ذلك حتى كأنه غير أجنبي من المرأة وخرج هذا مخرج قولهم الأسد الموت أي لقاؤه يقضي إليه وكذا دخول الحمو عليها يفضي إلى موت الدين أو إلى موتها بطلاقها عند غيرة الزوج أو برجمها إن زنت معه وقد بالغ مالك في هذا الباب حتى منع ما يجر إلى التهم كخلوة امرأة بابن زوجها وإن كانت جائزة لأن موقع امتناع الرجل من النظر بشهوة لامرأة أبيه ليس كموقعه منه لأمه هذا قد استحكمت عليه النفرة العادية وذاك أنست به النفس الشهوانية.
(حديث أبي هريرة رضي الله عنه الثابت في صحيحي الترمذي وابن ماجة ) أن النبي ( قال : «لا يخلون رجل بامرأة إلا كان ثالثهما الشيطان»
وهذا يدل على أن تحريمه مؤكد.
(حديث ابن عباس الثابت في الصحيحين ) أن النبي ( قال : (لا يخلون رجلٌ بامرأةٍ إلا مع ذي محرم ، فقام رجل فقال يا رسول الله إن امرأتي خرجت حاجة فاكتتبت في غزوة كذا وكذا قال : ارجع فحج مع امرأتك )
ومن أفضل الآداب في الصحبة ومعاشرة الخلق ألا تُكَلَمُ النساء إلا بإذن أزواجهن
(حديث عمرو بن العاص في صحيح الجامع) أن النبي ( نهى أن تكلم النساء إلا بإذن أزواجهن .
[*] قال الإمام المناوي رحمه الله تعالى في فيض القدير .
( نهى أن تكلم النساء إلا بإذن أزواجهن ) لأنه مظنة الوقوع في الفاحشة بتسويل الشيطان ومفهومه الجواز بإذنه وحمله الولي العراقي على ما إذا انتفت مع ذلك الخلوة المحرمة والكلام في رجال غير محارم .
(حديث أميمة بنت رقيقة في صحيح الجامع) أن النبي ( قال : إني لا أصافح النساء .
[*] قال الإمام المناوي رحمه الله تعالى في فيض القدير .
((1/169)
إني لا أصافح النساء ) وفي رواية للطبراني لا أمس يد النساء وهذا قاله لأميمة بنت رقيقة لما أتته في نسوة تبايعه على أن لا نشرك باللّه شيئاً ولا نسرق ولا نزني ولا نقتل أولادنا ولا نأتي ببهتان من بين أيدينا وأرجلنا ولا نعصيه في معروف قال لهن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم : فيما استطعتنّ وأطقتنّ فقلنا : اللّه ورسوله أرحم بنا من أنفسنا هلم نبايعك على ذلك فقال : إني لا أصافح النساء وإنما قولي لمائة امرأة كقولي أو مثل قولي لامرأة واحدة انتهى هذا سياق الحديث عند مخرجيه .
(حديث معقل بن يسار في صحيح الجامع) أن النبي ( قال : لأن يطعن في رأس أحدكم بمِخْيَطٍ من حديد خير له من أن يمس امرأة لا تحل له .
[*] قال الإمام المناوي رحمه الله تعالى في فيض القدير .
( لأن يطعن في رأس أحدكم بمخيط ) بكسر الميم وفتح الياء وهو ما يخاط به كالإبرة والمسلة ونحوها
( من حديد ) خصه لأنه أصلب من غيره وأشد بالطعن وأقوى في الإيلام
( خير له من يمس امرأة لا تحل له ) أي لا يحل له نكاحها وإذا كان هذا في مجرد المس الصادق بما إذا كان بغير شهوة فما بالك بما فوقه من القبلة والمباشرة في ظاهر الفرج .
ومن أفضل الآداب في الصحبة ومعاشرة الخلق الحرص على مجالسة الصالحين فيجب على المسلم أن يعتني بها اهتماماً بالغاً لأن الطباع سَرَّاقة والناس مجبولون على تقليد بعضهم البعض ، فالمرء على دين خليله .
(حديث أبي موسى في الصحيحين) أن النبي ( قال : مثل الجليس الصالح و الجليس السوء كحامل المسك و نافخ الكير ، فحامل المسك إما أن يُحْذِيَك وإما أن تبتاع منه وإما تجد منه ريحا طيبة ، ونافخ الكير إما أن يحرق ثيابك أو تجد منه ريحا خبيثة .
[*] قال الإمام المناوي رحمه الله تعالى في فيض القدير .
بين به النهي عن مجالسة من يتأذى به ديناً أو دنيا والترغيب فيمن ينتفع بمجالسته فيهما وجواز بيع المسك وطهارته .(1/170)
قال الراغب : نبه بهذا الحديث على أن حق الإنسان أن يتحرى بغاية جهده مصاحبة الأخيار ومجالستهم فهي قد تجعل الشرير خيراً كما أن صحبة الأشرار قد تجعل الخير شريراً قال الحكماء : من صحب خيراً أصاب بركته فجليس أولياء اللّه لا يشقى وإن كان كلباً ككلب أهل الكهف ولهذا أوصت الحكماء الأحداث بالبعد عن مجالسة السفهاء ، قال علي كرم اللّه وجهه : لا تصحب الفاجر فإنه يزين لك فعله ويود لو أنك مثله ، وقالوا : إياك ومجالسة الأشرار فإن طبعك يسرق منهم وأنت لا تدري وليس إعداء الجليس جليسة بمقاله وفعاله فقط بل بالنظر إليه والنظر في الصور يورث في النفوس أخلاقاً مناسبة لخلق المنظور إليه فإن من دامت رؤيته للمسرور سر أو للمحزون حزن وليس ذلك في الإنسان فقط بل في الحيوان والنبات فالحمل الصعب يصير ذلولاً بمقاربة الجمل الذلول والذلول قد ينقلب صعباً بمقارنة الصعاب والريحانة الغضة تذبل بمجاورة الذابلة ولهذا يلتقط أهل الفلاحة الرمم عن الزرع لئلا تفسدها ومن المشاهد أن الماء والهواء يفسدان بمجاورة الجيفة فما الظن بالنفوس البشرية التي موضعها لقبول صور الأشياء خيرها وشرها؟ فقد قيل سمي الإنس لأنه يأنس بما يراه خيراً أو شراً .
(حديث أبي هريرة في صحيحي أبي داوود والترمذي) أن النبي ( قال : المرء على دين خليله فلينظر أحدكم من يُخالل .
(حديث أبي سعيد في صحيحي أبي داوود والترمذي) أن النبي ( قال تصاحب إلا مؤمنا و لا يأكل طعامك إلا تقي .
[*] قال الإمام المناوي رحمه الله تعالى في فيض القدير .
[لا تصاحب إلا مؤمناً ] : وكامل الإيمان أولى لأن الطباع سراقة ، ومن ثم قيل صحبة الأخيار تورث الخير وصحبة الأشرار تورث الشر كالريح إذا مرت على النتن حملت نتناً ، وإذا مرت على الطيب حملت طيباً .
[(1/171)
ولا يأكل طعامك إلا تقي ] : لأن المطاعمة توجب الألفة وتؤدي إلى الخلطة بل هي أوثق عرى المداخلة ومخالطة غير التقي يخل بالدين ويوقع في الشبه والمحظورات فكأنه ينهى عن مخالطة الفجار إذ لا تخلو عن فساد إما بمتابعة في فعل أو مسامحة في إغضاء عن منكر فإن سلم من ذلك ولا يكاد فلا تخطئه فتنة الغير به وليس المراد حرمان غير التقي من الإحسان لأن المصطفى صلى اللّه عليه وسلم أطعم المشركين وأعطى المؤلفة المئين بل يطعمه ولا يخالطه .
[*] قال عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه :
عليك بإخوان الصدق تعش في أكنافهم فإنهم زينةٌ في الرخاء وعدةٌ في البلاء ، وضع أمر أخيك على أحسنه حتى يجيئك ما يقيلك منه ، واعتزل عدوك واحذر صديقك إلا الأمين ولا أمين إلا من يخشى الله ، ولا تصحب الفاجر فتتعلم من فجوره ، ولا تطلعه على سرك واستشر في أمرك الذين يخشون الله تعالى .
ينبغي أن يكون فيمن تؤثر صحبته خمسُ خصال :
1) العقل : فهو رأس مال ، ولا خير في صحبة الأحمق لأنه يريد أن ينفعك فيضرك .
2) حسن الخلق : فلا بد منه إذ رُبَّ عاقلٍ يغلبه غضبه أو شهوة فيطيع هواه فلا خير في صحبته .
3) غير فاسق : لأن الفاسق لا يخاف الله ، ومن لا يخاف الله لا تؤمن غائلته ولا يوثق به ، ومن خان أولَ منعم ٍ لا يفي لك أبداً
4) غير مبتدع : لأن المبتدع يُخافُ من صحبته لأن في صحبتك له الشر كله إما سراية البدعة أو عدم الإنكار عليه أو تتعلم من بدعته فيحصل لك انتكاسة .
5) غير حريصٍ على الدنيا لأن الحرص على المال يفسد الدين بقدر أكبر من الفساد الحاصل من إرسال ذئبين جائعين على غنم ، أي يفسد فساداً بيناً بلا روية
(حديث كعب بن مالك في صحيح الترمذي) أن النبي ( قال : ما ذئبان جائعان أُرسلا في غنم بأفسدَ لها من حرص المرء على المال و الشرف لدينه .(1/172)
مقصود الحديث أن الحرص على المال والشرف أكثر إفساداً للدين من إفساد الذئبين للغنم لأن ذلك الأشر والبطر يستفز صاحبه ويأخذ به إلى ما يضره وذلك مذموم لاستدعائه العلو في الأرض والفساد المذمومين شرعاً ذلك الأشر والبطر يستفز صاحبه ويأخذ به إلى ما يضره وذلك مذموم لاستدعائه العلو في الأرض والفساد المذمومين شرعاً .
(حديث أبي موسى في الصحيحين) أن النبي ( قال : مثل الجليس الصالح و الجليس السوء كحامل المسك و نافخ الكير ، فحامل المسك إما أن يُحْذِيَك وإما أن تبتاع منه وإما تجد منه ريحا طيبة ، ونافخ الكير إما أن يحرق ثيابك أو تجد منه ريحا خبيثة . [*] قال الإمام المناوي رحمه الله تعالى في فيض القدير .
بين به النهي عن مجالسة من يتأذى به ديناً أو دنيا والترغيب فيمن ينتفع بمجالسته فيهما وجواز بيع المسك وطهارته .(1/173)
قال الراغب : نبه بهذا الحديث على أن حق الإنسان أن يتحرى بغاية جهده مصاحبة الأخيار ومجالستهم فهي قد تجعل الشرير خيراً كما أن صحبة الأشرار قد تجعل الخير شريراً قال الحكماء : من صحب خيراً أصاب بركته فجليس أولياء اللّه لا يشقى وإن كان كلباً ككلب أهل الكهف ولهذا أوصت الحكماء الأحداث بالبعد عن مجالسة السفهاء ، قال علي كرم اللّه وجهه : لا تصحب الفاجر فإنه يزين لك فعله ويود لو أنك مثله ، وقالوا : إياك ومجالسة الأشرار فإن طبعك يسرق منهم وأنت لا تدري وليس إعداء الجليس جليسة بمقاله وفعاله فقط بل بالنظر إليه والنظر في الصور يورث في النفوس أخلاقاً مناسبة لخلق المنظور إليه فإن من دامت رؤيته للمسرور سر أو للمحزون حزن وليس ذلك في الإنسان فقط بل في الحيوان والنبات فالحمل الصعب يصير ذلولاً بمقاربة الجمل الذلول والذلول قد ينقلب صعباً بمقارنة الصعاب والريحانة الغضة تذبل بمجاورة الذابلة ولهذا يلتقط أهل الفلاحة الرمم عن الزرع لئلا تفسدها ومن المشاهد أن الماء والهواء يفسدان بمجاورة الجيفة فما الظن بالنفوس البشرية التي موضعها لقبول صور الأشياء خيرها وشرها؟ فقد قيل سمي الإنس لأنه يأنس بما يراه خيراً أو شراً .
ومن أفضل الآداب في الصحبة ومعاشرة الخلق أن يكون مفتاحاً للخير مغلاقاً للشر فطوبى 00
(حديث أنس في صحيحي الترمذي وابن ماجة ) أن النبي ( قال :إن من الناس ناسا مفاتيح للخير مغاليق للشر و إن من الناس ناسا مفاتيح للشر مغاليق للخير فطوبى لمن جعل الله مفاتيح الخير على يديه و ويل لمن جعل الله مفاتيح الشر على يديه .
[*] قال الإمام المناوي رحمه الله تعالى في فيض القدير .
إن من الناس ناساً مفاتيح للخير مغاليق للشر وإن من الناس ناساً مفاتيح للشر مغاليق للخير فطوبى ) أي حسنى أو خيراً وهو من الطيب أي عيش طيب
( لمن جعل اللّه مفاتيح الخير على يديه وويل ) شدة حسرة ودمار وهلاك
((1/174)
لمن جعل اللّه مفاتيح الشر على يديه ) قال الحكيم : فالخير مرضاة اللّه والشر سخطه فإذا رضى اللّه عن عبد فعلامة رضاه أن يجعله مفتاحاً للخير فإن رؤى ذكر الخير برؤيته وإن حضر حضر الخير معه وإن نطق نطق بخير وعليه من اللّه سمات ظاهرة لأنه يتقلب في الخير بعمل الخير وينطق بخير ويفكر في خير ويضمر خيراً فهو مفتاح الخير حسبما حضر وسبب الخير لكل من صحبه والآخر يتقلب في شر ويعمل شراً وينطق بشر ويفكر في شر ويضمر شراً فهو مفتاح الشر لذلك فصحبة الأول دواء والثاني داء .
ومن أفضل الآداب في الصحبة ومعاشرة الخلق قضاء حوائج المسلمين وخدمتهم
(حديث محمد بن المنكدر في صحيح الجامع) أن النبي ( قال : من أفضل العمل إدخال السرور على المؤمن تقضي عنه دينا تقضي له حاجة تنفس له كربة .
[*] قال الإمام المناوي رحمه الله تعالى في فيض القدير .
( من أفضل العمل إدخال السرور ) أي الفرح
( على المؤمن ) إذا كان ذلك من المطلوبات الشرعية كأن
( تقضي عنه ديناً ) لا يقدر على وفائه ويحتمل الإطلاق لأن تحمل ذلك عنه يسره غالباً .
(تقضي له حاجة) لا يستطيع إبلاغها أو يستطيعه
(تنفس له كربة) من الكرب الدنيوية أو الأخروية فكل واحدة من هذه الخصال من أفضل الأعمال بلا إشكال بل ربما وقع في بعض الأحيان أن يكون ذلك من فروض الأعيان .
(حديث جابر في صحيح الجامع) أن النبي ( قال : خير الناس أنفعهم للناس .
[*] قال الإمام المناوي رحمه الله تعالى في فيض القدير .
((1/175)
خير الناس أنفعهم للناس ) بالإحسان إليهم بماله وجاهه فإنهم عباد فإنهم عباد اللّه وأحبهم إليه وأنفعهم لعياله أي أشرفهم عنده أكثرهم نفعاً للناس بنعمة يسديها أو نقمة يزويها عنهم ديناً أو دنيا ومنافع الدين أشرف قدراً وأبقى نفعاً قال بعضهم : هذا يفيد أن الإمام العادل خير الناس أي بعد الأنبياء لأن الأمور التي يعم نفعها ويعظم وقعها لا يقوم بها غيره وبه نفع العباد والبلاد وهو القائم بخلافة النبوة في إصلاح الخلق ودعائهم إلى الحق وإقامة دينهم وتقويم أودهم ولولاه لم يكن علم ولا عمل .
(حديث أبي هريرة في الصحيحين) أن النبي ( قال : الساعي على الأرملة و المسكين كالمجاهد في سبيل الله أو القائم الليل الصائم النهار .
[*] قال الإمام المناوي رحمه الله تعالى في فيض القدير .
( الساعي على الأرملة ) براء مهملة التي لا زوج لها .
( والمسكين ) أي الكاسب لهما العامل لمؤونتهما
( كالمجاهد في سبيل اللّه ) لإعلاء كلمة اللّه
( أو ) كذا بالشك في كثير من الروايات وفي بعضها بالواو
( القائم الليل ) في العبادة ويجوز في الليل الحركات الثلاث كما في قولهم الحسن الوجه
( الصائم النهار ) لا يفتر ولا يضعف وأل في المجاهد والقائم معرفة ولذلك جاء في بعض الروايات وصف كل منهما بجملة فعلية بعده وهو كالقائم لا يفتر وكالصائم لا يفطر كقوله : ولقد أمر على اللئيم يسبني .
(حديث سهل بن سعد في صحيح البخاري) أن النبي ( قال : أنا و كافل اليتيم في الجنة هكذا وأشار بأُصبعيه بالسبابة والوسطى .
[*] قال الإمام المناوي رحمه الله تعالى في فيض القدير .
( أنا وكافل اليتيم ) أي القائم بأمره ومصالحه هبه من مال نفسه أو من مال اليتيم كان ذا قرابة أم لا .
((1/176)
في الجنة هكذا ) وأشار بالسبابة والوسطى وفرج بينهما أي أن الكافل في الجنة مع النبي صلى اللّه عليه وسلم إلا أن درجته لا تبلغ بل تقارب درجته وفي الإشارة إشارة إلى أن بين درجته والكافل قدر تفاوت ما بين المشار به ويحتمل أن المراد قرب المنزلة حال دخول الجنة أو المراد في سرعة الدخول وذلك لما فيه من حسن الخلافة للأبوين ورحمة الصغير وذلك مقصود عظيم في الشريعة ومناسبة التشبيه أن النبي صلى اللّه عليه وسلم شأنه أن يبعث لقوم لا يعقلون أمر دينهم فيكون كافلاً ومرشداً لهم ومعلماً وكافل اليتيم يقوم بكفالة من لا يعقل فيرشده ويعقله وهذا تنويه عظيم بفضل قبول وصية من يوصى إليه ومحل كراهة الدخول في الوصايا أن يخاف تهمة أو ضعفاً عن القيام بحقها .
ومن أفضل الآداب في الصحبة ومعاشرة الخلق صنع المعروف
(حديث أنس في صحيح الجامع) أن النبي ( قال : صنائع المعروف تقي مصارع السوء و الآفات و الهلكات و أهل المعروف في الدنيا هم أهل المعروف في الآخرة .
[*] قال الإمام المناوي رحمه الله تعالى في فيض القدير .
(صنائع المعروف تقي مصارع السوء والآفات والهلكات وأهل المعروف في الدنيا هم أهل المعروف في الآخرة) هذا تنويه عظيم بفضل المعروف وأهله . [*] قال علي كرم اللّه وجهه : لا يزهدك في المعروف كفر من كفر فقد يشكره الشاكر أضعاف جحود الكافر قال الماوردي : فينبغي لمن قدر على ابتداء المعروف أن يعجله حذراً من قوته ويبادر به خيفة عجزه ويعتقد أنه من فرص زمانه وغنائم إمكانه ولا يمهله ثقة بالقدرة عليه فكم من واثق بقدرة فاتت فأعقبت ندماً ومعول على مكنة زالت فأورثت خجلاً ولو فطن لنوائب دهره وتحفظ من عواقب فكره لكانت مغارمه مدحورة ومغانمه محبورة وقيل : من أضاع الفرصة عن وقتها فليكن على ثقة من فوتها .(1/177)
ومن أفضل الآداب في الصحبة ومعاشرة الخلق صنع المعروف شكر المعروف ، فمن صنع إليك معروفاً وإن كان هو لا يريد منك جزاءاً ولا شكوراً لأنه أراد بذلك وجه الله تعالى إلا أنه من السنة أن تشكره على معروفه حتى تُوَفَّق لشكر الله تعالى .
(حديث أبي هريرة في صحيحي أبي داوود والترمذي) أن النبي ( قال : من لا يشكر الناس لا يشكر الله .
معنى [من لا يشكر الناس لا يشكر الله ] : فيها وجهان :
الأول : من كان طبعه وعادته عدم شكر الناس على معروفهم فإنه لا يوفق لشكر الله تعالى
والثاني : أن الله تعالى لا يقبل شكر العبد على إحسانه إليه إذا كان العبد لا يشكر الناس على إحسانهم إليه .
ومن أفضل الآداب في الصحبة ومعاشرة الخلق الحب في الله تعالى فإنه من أوثق عُرى الإيمان
(حديث أبي هريرة في الصحيحين) أن النبي ( قال : سبعةٌ يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله : إمام عادل و شاب نشأ في عبادة الله و رجل قلبه معلق في المساجد ، ورجلان تحابا في الله اجتمعا عليه وتفرقا عليه، و رجل دعته امرأة ذات منصب و جمال فقال : إني أخاف الله و رجل تصدق بصدقة فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه و رجل ذكر الله خاليا ففاضت عيناه .
الشاهد من الحديث : أن الله تعالى جعل الحب في الله تعالى من بين الصفات التي تجعل العيد يفوز بظله سبحانه يوم لا ظل إلا ظله .
(حديث أبي هريرة في صحيح مسلم) أن النبي ( قال : يقول الله تعالى أين المتحابون بجلالي اليوم أظلهم في ظلي يوم لا ظل إلا ظله .
(حديث أبي أُمامة في صحيح أبي داود) أن النبي ( قال : من أحب لله و أبغض لله و أعطى لله و منع لله فقد استكمل الإيمان .
الشاهد من الحديث :
قوله( [ من أحب لله و أبغض لله و أعطى لله و منع لله فقد استكمل الإيمان] :
فبين النبي ( أن الحب في الله تعالى من بين الصفات التي تؤدي إلى استكمل الإيمان
((1/178)
حديث ابن عباس في صحيح الجامع) أن النبي ( قال : أوثق عرى الإيمان : الموالاة في الله و المعاداة في الله و الحب في الله و البغض في الله عز و جل .
الشاهد من الحديث : أن الحب في الله تعالى من أوثق عرى الإيمان بنص السنة الصحيحة
وأوثق عرى الإيمان أي أقواها وأثبتها وأحكمها .
(حديث عمر في صحيح أبي داود) أن النبي ( قال : إن من عباد الله لأناساً ما هم بأنبياء ولا شهداء يغبطهم الأنبياء والشهداء يوم القيامة بمكانهم من الله تعالى قالوا يا رسول الله تخبرنا من هم قال هم قوم تحابوا بروح الله على غير أرحام بينهم ولا أموال يتعاطونها فوالله إن وجوههم لنور وإنهم على نور لا يخافون إذا خاف الناس ولا يحزنون إذا حزن الناس وقرأ هذه الآية [ ألا إن أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون] .
الشاهد من الحديث : قوله ( [يغبطهم الأنبياء والشهداء يوم القيامة بمكانهم من الله تعالى] فدل على رفعة مكانتهم عند الله تعالى .
(حديث أبي موسى في الصحيحين) قال : قيل للنبي ( الرجل يحب القومَ ولما يلحقُ بهم قال : المرء مع من أحب .
ومن أفضل الآداب في الصحبة ومعاشرة الخلق مراعاة آداب المجلس إذا جلس مع القوم وهاك بعض هذه الآداب : (
(1) يجلس حيث ينتهي :
(حديث جابر بن سمُرة في صحيحي أبي داوود والترمذي) قال : كنا إذا أتينا النبي ( يجلسُ أحدنا حيث ينتهي .
(2) السلام إذا انتهى إلى المجلس وإذا أراد أن يقوم .
(حديث أبي هريرة في صحيحي أبي داوود والترمذي) أن النبي ( قال : إذا انتهى أحدكم إلى المجلس فليُسلِّم ، فإذا أراد أن يقوم فليسلم فليست الأولى أحق من الثانية .
{ تنبيه } :( يجزي عن الجماعة إذا مروا أن يسلم أحدهم و يجزي عن الجلوس أن يرد أحدهم .
(حديث علي في صحيح أبي داوود ) أن النبي ( قال : يجزي عن الجماعة إذا مروا أن يسلم أحدهم و يجزي عن الجلوس أن يرد أحدهم .
3) لا يَجْلَس بين رجلين إلا بإذنهما :
((1/179)
حديث عبد الله بن عمرو في صحيح أبي داوود ) أن النبي ( قال : لا يُجْلَس بين رجلين إلا بإذنهما .
(4) جواز قيام الرجل لأخيه احتراماً :
(حديث أبي سعيد في الصحيحين) أن أهل قريظة نزلوا على حكم سعد فأرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم إليه فجاء ، فقال : قوموا إلى سيدكم _ أو قال خيركم – فقعد عند النبي( فقال هؤلاء نزلوا على حكمك . قال فإني أحكم أن تُقْتَلَ مقاتلتهم وتُسْبَى ذراريهم فقال ( لقد حكمت بماحكم به الملك .
{ تنبيه } :( أما قيام الرجل للرجل على سبيل التعظيم فحرامٌ قطعاً
(حديث معاوية في صحيحي أبي داوود والترمذي) أن النبي ( قال : من سرَّه أن يتمثل له الرجال قياما فليتبوأ مقعده من النار .
*معنى [يتمثل] : أي ينتصب الجالسون له تعظيماً
الشاهد : قوله ( [فليتبوأ مقعده من النار ] لأن قوله فليتبوأ أمر بمعنى الإخبار أي دخل النار إذا سره ذلك .
ومن أفضل الآداب في الصحبة ومعاشرة الخلق مراعاة آداب الاستئذان ، وإليك أخي بعض هذه الآداب : (
1)إذا أتى باب قوم لم يستقبل الباب من تلقاء وجهه و لكن من ركنه الأيمن أو الأيسر و يقول السلام عليكم السلام .
(حديث عبد الله بن بسر في صحيح أبي داود) أن النبي ( كان إذا أتى باب قوم لم يستقبل الباب من تلقاء وجهه و لكن من ركنه الأيمن أو الأيسر و يقول : السلام عليكم السلام عليكم .
2) أن يكون عنده أمانة حال الاستئذان فلا يتطلع لكي يري أي شيءٍ من عورات المسلمين فإنما جعل الاستئذان من أجل البصر .
(حديث سهل بن سعد في الصحيحين) قال : اطَّلع رجلٌ من جحرٍ في حجرِ النبي ( ومع النبي ( مِدْرى يحكُ به رأسه فقال : لو أعلم أنك تنظر لطعنت به في عينك إنما جعل الاستئذان من أجل البصر .
3)أن يستأذن ثلاثاً فإن لم يؤذن له فليرجع .
(حديث أبي موسى في الصحيحين) أن النبي ( قال : إذا استأذن أحدكم ثلاثا فلم يؤذن له فليرجع .
4) أن يوضح المستأذن اسمه فلا يقل [أنا]
((1/180)
حديث جابر في الصحيحين) قال : أتيت النبي ( في دَيْنٍ كان عليّ ، فدققت الباب فقال من ذا؟ قلت : أنا ، فقال ( : أنا أنا ! كأنه كرهها .
5) إذا أُذن له فليقل [السلام عليكم أأدخل]
(حديث كِلْدَةَ بن الحنبل في صحيحي أبي داوود والترمذي) قال : أتيت النبي ( قد دخلت عليه ولم أسلم فقال : ارجع فقل السلام عليكم أأدخل .
ومن أفضل الآداب في الصحبة ومعاشرة الخلق غض البصر ، والكتاب والسنة الصحيحة طافحان بالأمر بغض البصر ، وإليك بعض ما ورد في ذلك .
قال تعالى: (قُلْ لّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضّواْ مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُواْ فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَىَ لَهُمْ إِنّ اللّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ) [سورة: النور - الآية: 30]
الشاهد : قوله تعالى [قُلْ لّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضّواْ مِنْ أَبْصَارِهِمْ]
هذا أمر من الله تعالى لعباده المؤمنين أن يغضوا من أبصارهم عما حرم عليهم فلا ينظروا إلا إلى ما أباح لهم النظر إليه وأن يغمضوا أبصارهم عن المحارم فإن اتفق أن وقع البصر على محرم من غير قصد فليصرف بصره عنه سريعا كما في الحديث الآتي :
( حديث جرير بن عبد الله البجلي رضي الله عنه الثابت في صحيح مسلم ) قال: سألت النبي صلى الله عليه وسلم عن نظرة الفجأة فأمرني أن أصرف بصري.
(حديث ابن عباس في الصحيحين) قال كان الفضلُ رَدِيْفَ رسول الله ( ، فقدمت امرأةٌ من خثعم ، فجعل الفضلُ ينظرُ إليها وتنظرُ إليه ، وجعل رسول الله يصرفُ وجه الفضل إلى الشقِ الآخر ، فقالت يا رسول الله : إن فريضة الله على عباده في الحج أدركت شيخاً كبيراً لا يثبتُ على الراحلة ، أفأحجُ عنه ؟ قال نعم . وذلك في حجة الوداع .
((1/181)
حديث أبي هريرة في الصحيحين) أن النبي ( قال : كُتب على ابن آدم نصيبه من الزنا ، فهو مدرك ذلك لا محالة فالعينان زناهما النظر و الأذنان زناهما الاستماع و اللسان زناه الكلام و اليد زناها البطش و الرجل زناها الخطا و القلب يهوى و يتمنى و يصدق ذلك الفرج أو يكذبه .
الشاهد : قوله ( [فالعينان زناهما النظر]
(حديث أبي سعيد في الصحيحين) أن النبي ( قال : إياكم و الجلوس في الطرقات ، قالوا يا رسول الله مل لنا منها بدٌ إنها مجالسنا نتحدثُ فيها ، قال فإذا أبيتم إلا المجالس فأعطوا الطريق حقه ، قالوا وما هو حقُ الطريق ؟ قال : غض البصر و كف الأذى و رد السلام و الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر .
الشاهد : قوله ( [فأعطوا الطريق حقه ، قالوا وما هو حقُ الطريق ؟ قال : غض البصر]
( حديث أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنها الثابت في صحيح أبي داوود ) أن النبي ( قال : من كان منكن يؤمن بالله واليوم الآخر فلا ترفع رأسها حتى يرفع الرجال رءوسهم كراهة أن يرين من عورات الرجال .
مسألة : ماذا يصنع الإنسان إذا وقع نظره فجأة على ما لا يحلُ له دون قصدٍ منه ؟
يصرف بصره مباشرة بنص السنة الصحيحة :
(حديث جرير بن عبد الله البجلي في صحيح مسلم) قال: سألت النبي صلى الله عليه وسلم عن نظرة الفجأة فأمرني أن أصرف بصري.
(حديث بُريدة في صحيحي أبي داوود والترمذي) أن النبي ( قال لعلي يا علي لا تتبع النظرةَ النظرة فإن لك الأولى وليس لك الآخرة .
ومن أفضل الآداب في الصحبة ومعاشرة الخلق أداء الأمانة وتحريم المماطلة
قال تعالى: (إِنّ اللّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤدّواْ الأمَانَاتِ إِلَىَ أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النّاسِ أَن تَحْكُمُواْ بِالْعَدْلِ إِنّ اللّهَ نِعِمّا يَعِظُكُمْ بِهِ إِنّ اللّهَ كَانَ سَمِيعاً بَصِيراً) [سورة: النساء - الآية: 58](1/182)
الشاهد : قوله تعالى : [إِنّ اللّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤدّواْ الأمَانَاتِ إِلَىَ أَهْلِهَا]
يخبر تعالى أنه يأمر بأداء الأمانات إلى أهلها.
(حديث أبي هريرة في صحيحي أبي داوود والترمذي) أن النبي ( قال : أد الأمانة إلى من ائتمنك ولا تخن من خانك"
الشاهد : قوله ( [أد الأمانة إلى من ائتمنك]
( أدّ ) وجوباً من الأداء ، وهو دفع ما يحق دفعه وتأديته .
( الأمانة) هي كل حق لزمك أداؤه وحفظه ، والأمانة تشمل أعداداً كثيرة لكن أمهاتها الوديعة واللقطة والرهن والعارية ،وحفظ الأمانة أثر كمال الإيمان فإذا نقص الإيمان نقصت الأمانة في الناس وإذا زاد زادت .
( إلى من ائتمنك ) عليها ، والائتمان إيداع الشيء لحفظه حتى يعاد إلى المؤتمن ولما كانت النفوس نزّاعة إلى الخيانة رواغة عند مضايق الأمانة وربما تأولت جوازها مع من لم يلتزمها أعقبه بقوله
( ولا تخن من خانك ) أي لا تعامله بمعاملته ولا تقابل خيانته بخيانتك فتكون مثله .
(حديث أبي هريرة في الصحيحين) أن النبي ( قال : مطل الغني ظلم فإذا أُتبع أحدكم على مليء فليتبع .
الشاهد : قوله ( [مطل الغني ظلم] :
( مطل الغني ) أي تسويف القادر المتمكن من أداء الدين الحال
( ظلم ) منه لرب الدين فهو حرام ،فيجب وفاء الدين وإن كان مستحقه غنياً
( وإذا أُتبع ) بالبناء للمجهول أُحيل
( أحدكم على مليءٍ ) أي على غني .
( فليتبع ) أي فليحتل والأمر للندب أو للإباحة عند الجمهور، والحوالة نقل الدين من ذمة إلى ذمة .
(حديث الشريد بن سُويد في صحيح السنة الأربعة) أن النبي ( قال : ليُّ الواجدِ يُحِلُ عِرْضِهِ و عُقُوبَتَه .
الشاهد : قوله ( [ليُّ الواجدِ يُحِلُ عِرْضِهِ و عُقُوبَتَه]
( لي الواجد ) الليّ بالفتح المطل ، والواجد الغنى
( يُحِلُ عرضه ) أي غيبته كأن تقول إنه ظالم و مماطل ونحوه مما ليس بقذف ولا فحش
( وعقوبته ) بأن يعزره القاضي على الأداء بنحو ضرب أو حبس حتى يؤدي(1/183)
ومن أفضل الآداب في الصحبة ومعاشرة الخلق مشورة أهل الصلاح لأن من شاور الناس فقد شاركهم في عقولهم .
قال تعالى: (وَشَاوِرْهُمْ فِي الأمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكّلْ عَلَى اللّهِ إِنّ اللّهَ يُحِبّ الْمُتَوَكّلِينَ) [سورة: آل عمران - الآية: 159]
الشاهد : قوله تعالى [وَشَاوِرْهُمْ فِي الأمْرِ]
(وشاورهم) استخرج آراءهم
(في الأمر) أي شأنك من الحرب وغيره تطييبا لقلوبهم وليستن بك وكان صلى الله عليه وسلم كثير المشاورة لهم .
و قال تعالى: (وَالّذِينَ اسْتَجَابُواْ لِرَبّهِمْ وَأَقَامُواْ الصّلاَةَ وَأَمْرُهُمْ شُورَىَ بَيْنَهُمْ وَمِمّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ) [سورة: الشورى - الآية: 38]
الشاهد : قوله تعالى [وَأَمْرُهُمْ شُورَىَ بَيْنَهُمْ]
(وأمرهم شورى بينهم) يتشاورون فيه ولا يعجلون ، فالمشورة من صفات المؤمنين بنص القرآن الكريم .
مسألة : ما هو واجب المستشار ؟
يجب على المستشار شيئين متلازمين إذا أراد النجاة هما :
(1) أداء الأمانة في المشورة لأنه مؤتمن بنص السنة الصحيحة
(حديث أبي هريرة في صحيحي أبي داوود والترمذي) أن النبي ( قال : المستشارُ مُؤتَمَن .
الشاهد : قوله ( [المستشارُ مُؤتَمَن]
( المستشار مؤتمن ) أي أمين على ما استشير فيه فمن أفضى إلى أخيه بسره وأمنه على نفسه فقد جعله بمحلها فيجب عليه أن لا يشير عليه إلا بما يراه صواباً .
(حديث أبي هريرة في صحيح أبي داود) أن النبي ( قال من أُفْتِىَ بغير علمٍ كان إثْمُه على من أفتاه و من أشار على أخيه بأمرٍ يعلمُ أن الرشدَ في غيرهِ فقد خانَه .
الشاهد : قوله ([ و من أشار على أخيه بأمرٍ يعلمُ أن الرشدَ في غيرهِ فقد خانَه] .
2) يجب على المستشار كذلك أن لا يكن همه رضا من استشاره وليكن همه رضا الله تعالى ولو بسخط الناس .
((1/184)
حديث معاوية في صحيح الترمذي) أن النبي ( قال : من التمس رضا الله بسخط الناس كفاه الله مؤنة الناس ، و من التمس رضا الناس بسخط الله وكله الله إلى الناس .
...
ومن أفضل الآداب في الصحبة ومعاشرة الخلق اجتناب العصبية فإنها هلاكٌ مُحَقَّق
(حديث ابن مسعود في صحيح أبي داود) أن النبي ( قال : من نصر قومه على غير الحق فهو كالبعيرِ الذي تردى فهو يُنْزَعُ بِذَنَبِه .
الشاهد : قوله ([ فهو كالبعيرِ الذي تردى فهو يُنْزَعُ بِذَنَبِه]
[فهو كالبعيرِ الذي تردى] : أي كالبعير الذي سقط وهلك في البئر
[فهو يُنْزَعُ بِذَنَبِه] : أي يُرْفع من البئر بذَنبه أي بذيله فهو هلاك محقق .
ومن أفضل الآداب في الصحبة ومعاشرة الخلق اجتناب الغش والخداع للمسلمين فإنه من قبائح الذنوب وفواحش الذنوب
(حديث أبي هريرة في صحيح مسلم) أن النبي ( قال : من حمل علينا السلاح فليس منا و من غشنا فليس منا .
الشاهد : قوله ([ و من غشنا فليس منا]
( من غش ) أي خان والغش ستر حال الشيء
( فليس منا ) أي من متابعينا . ليس المعنى نفيه عن الإسلام بل نفي خلقه عن أخلاق المسلمين أي ليس هو على سنتنا أو طريقتنا في مناصحة الإخوان كما يقول الإنسان لصاحبه أنا منك يريد الموافقة والمتابعة قال تعالى عن إبراهيم { فمن تبعني فإنه مني }
(حديث ابن عمر في الصحيحين) أن النبي ( نهى عن النَّجَش .
( نهى عن النَّجش ) الزيادة في ثمن السلعة لا لرغبة الشراء بل ليخدع غيره من المسلمين ويوقعه فيها وهو خداع وغش والعياذ بالله .
(حديث أبي هريرة في صحيح أبي داود) أن النبي ( قال : ليس منا من خَبَّبَ امرأةً على زوجها أو عبداً على سيده .
الشاهد : قوله ([ ليس منا من خَبَّبَ امرأةً على زوجها أو عبداً على سيده ]
( ليس منا من خبب امرأة على زوجها ) أي خدعها وأفسدها عليه
[(1/185)
*] قال النووي في الأذكار : فيحرم أن يحدث قِن رجل أو زوجته أو ابنه أو غلامه أو نحوهم بما يفسدهم به عليه إذا لم يكن أمراً بمعروف أو نهياً عن منكر { وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان } .
ومعنى (ليس منا) : أي ليس من متابعينا . ليس المعنى نفيه عن الإسلام بل نفي خلقه عن أخلاق المسلمين أي ليس هو على سنتنا أو طريقتنا في مناصحة الإخوان كما يقول الإنسان لصاحبه أنا منك يريد الموافقة والمتابعة قال تعالى عن إبراهيم { فمن تبعني فإنه مني .
ومن أفضل الآداب في الصحبة ومعاشرة الخلق اجتناب الغدر للمسلمين فإنه من قبائح الذنوب وفواحش الذنوب ، وهو من صفات المنافقين والعياذ بالله .
(حديث عبد الله بن عمرو في الصحيحين) أن النبي ( قال : أربع من كن فيه كان منافقا خالصا و من كانت فيه خَصْلَةٌ منهن كانت فيه خصلةٌ من النفاق حتى يدعها : إذا ائتُمن خان و إذا حدَّث كذب و إذا عاهد غدر و إذا خاصَم فجر .
الشاهد : قوله ([ و إذا عاهد غدر] فعدها النبي ( من صفات المنافقين والعياذ بالله
( وإذا عاهد غدر ) أي نقص العهد
(حديث ابن عمر في الصحيحين) أن النبي ( قال : لكل غادرٍ لواءٌ يوم القيامة ، يُقالُ هذه غَدْرَةُ فلانٍ بن فلان .
( لكل غادرٍ لواءٌ يوم القيامة ) لتزداد فضيحته وتتضاعف استهانته
(حديث أبي هريرة في صحيح البخاري) أن النبي ( قال :قال الله تعالى : ثلاثةٌ أنا خَصْمُهُم يوم القيامة : رجلٌ أعطى بي ثم غدر و رجلٌ باع حراً فأكل ثمنه و رجل استأجر أجيرا فاستوفى منه و لم يُعْطِهِ أجره .
الشاهد : قوله ([ رجلٌ أعطى بي ثم غدر]
( رجل أعطى بي ثم غدر ) أي أعطى يمينه بي أي عاهد عهداً وحلف عليه ثم نقضه .
ومن أفضل الآداب في الصحبة ومعاشرة الخلق اجتناب ظلم العباد فإنه بئس الزاد ليوم الميعاد ، فالظلم ظلماتٌ يوم القيامة، ودعوة المظلوم مستجابة ليس بينها وبين الله حجاب .(1/186)
قال تعالى: (مَا لِلظّالِمِينَ مِنْ حَمِيمٍ وَلاَ شَفِيعٍ يُطَاعُ) [سورة: غافر - الآية: 18]
(ما للظالمين من حميم) محب
(ولا شفيع يطاع) تقبل شفاعته لا مفهوم للوصف إذ لا شفيع لهم أصلا فما لنا من شافعين أوله مفهوم بناء على زعمهم أن لهم شفعاء أي لو شفعوا فرضا لم يقبلوا
و قال تعالى: (وَمَا لِلظّالِمِينَ مِن نّصِيرٍ) [سورة: الحج - الآية: 71]
(وما للظالمين) بالإشراك
(من نصير) يمنع عنهم عذاب الله
( حديث ا بن عباس في الصحيحين ) قال : قال رسول الله ( لمعاذٍ ابن جبل حين بعثه إلى اليمن : إنك ستأتي قوماً أهل كتاب ، فإذا جئتهم فادعهم إلى أن يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله ، فإن هم أطاعوا لك بذلك فأخبرهم أن الله قد فرض عليهم خمسَ صلواتٍ في كل يومٍ وليلة ، فإن هم أطاعوا لك بذلك فأخبرهم أن الله قد فرض عليهم صدقةً تؤخذ من أغنيائهم فتُردُ على فقرائهم ، فإن هم أطاعوا لك بذلك فإياك وكرائمَ أموالهم ، واتقِ دعوةَ المظلومِ فإنه ليس بينه وبين الله حجاب .
الشاهد : قوله ([ واتقِ دعوةَ المظلومِ فإنه ليس بينه وبين الله حجاب ]
(حديث خزيمة بن ثابت في صحيح الجامع) أن النبي ( قال : اتقوا دعوة المظلوم فإنها تُحْمَلُ على الغمام يقول الله : و عزتي و جلالي لأنصرنك و لو بعد حين .
( اتقوا دعوة المظلوم ) أي اجتنبوا دعوة من تظلمونه وذلك مستلزم لتجنب جميع أنواع الظلم على أبلغ وجه وأوجز إشارة وأفصح عبارة لأنه إذا اتقى دعاء المظلوم فهو أبلغ من قوله لا تظلم وهذا نوع شريف من أنواع البديع يسمى تعليقاً ثم بين وجه النهي بقوله .
( فإنها تُحمل على الغمام ) أي يأمر الله برفعها حتى تجاوز الغمام أي السحاب الأبيض حتى تصل إلى حضرته تقدس
( يقول الله وعزتي وجلالي لأنصرنك ) بلام القسم ونون التوكيد الثقيلة وفتح الكاف أي لأستخلصن لك الحق ممن ظلمك
( ولو بعد حين ) أي أمد طويل بل دل به سبحانه على أنه يمهل الظالم ولا يهمله
((1/187)
حديث ابن عمر في صحيح الجامع) أن النبي ( قال اتقوا دعوة المظلوم فإنها تصعد إلى السماء كأنها شرارة .
( اتقوا دعوة المظلوم فإنها تصعد إلى السماء كأنها شرارة ) كناية عن سرعة الوصول لأنه مضطر في دعائه وقد قال سبحانه وتعالى { أمّن يجيب المضطر إذا دعاه } وكلما قوي الظلم قوي تأثيره في النفس فاشتدت ضراعة المظلوم فقويت استجابته والشرر ما تطاير من النار في الهواء شبه سرعة صعودها بسرعة طيران الشرر من النار .
(حديث أبي هريرة في صحيح الجامع) أن النبي ( قال : دعوة المظلوم مستجابة و إن كان فاجرا ففجوره على نفسه .
( دعوة المظلوم مستجابة ) أي يستجيبها اللّه تعالى يعني فاجتنبوا جميع أنواع الظلم لئلا يدعو عليكم المظلوم فيجاب
( وإن كان فاجراً ففجوره على نفسه ) ولا يقدح ذلك في استجابة دعائه لأنه مضطر ونشأ من اضطراره صحة التجائه إلى ربه وقطعه قلبه عما سواه وللإخلاص عند اللّه موقع وقد ضمن إجابة المضطر بقوله { أمّن يجيب المضطر إذا دعاه } .
(حديث أنس في صحيح الجامع) أن النبي ( قال : بابان معجلان عقوبتهما في الدنيا : البغي و العقوق .
( بابان معجلان عقوبتهما في الدنيا ) أي قبل موت فاعليها
( البغي ) أي مجاوزة الحد والظلم
(حديث ابن عمر في الصحيحين) أن النبي ( قال : الظلم ظلماتٌ يوم القيامة .
((1/188)
حديث أبي ذرٍ في صحيح مسلم ) أن النبي ( قال : قال الله تعالى : يا عبادي ! إني حرمت الظلم على نفسي و جعلته بينكم محرما فلا تظالموا يا عبادي ! كلكم ضال إلا من هديته فاستهدوني أهدكم ، يا عبادي ! كلكم جائع إلا من أطعمته فاستطعموني أطعمكم ، يا عبادي ! كلكم عار إلا من كسوته فاستكسوني أكسكم ، يا عبادي ! إنكم تخطئون بالليل و النهار و أنا أغفر الذنوب جميعا فاستغفروني أغفر لكم ، يا عبادي ! إنكم لن تبلغوا ضري فتضروني و لن تبلغوا نفعي فتنفعوني ، يا عبادي ! لو أن أولكم و آخركم و إنسكم و جنكم كانوا على أتقى قلب رجل واحد منكم ما زاد ذلك في ملكي شيئا ، يا عبادي ! لو أن أولكم و آخركم و إنسكم و جنكم كانوا على أفجر قلب رجل واحد منكم ما نقص ذلك من ملكي شيئا ، يا عبادي ! لو أن أولكم و آخركم و إنسكم و جنكم قاموا في صعيد واحد فسألوني فأعطيت كل إنسان مسألته ما نقص ذلك مما عندي إلا كما ينقص المخيط إذا أدخل البحر ، يا عبادي ! إنما هي أعمالكم أحصيها لكم ثم أوفيكم إياها فمن وجد خيرا فليحمد الله و من وجد غير ذلك فلا يلومنَّ إلا نفسه .
الشاهد : قوله (:[ قال الله تعالى : يا عبادي ! إني حرمت الظلم على نفسي و جعلته بينكم محرما فلا تظالموا ]
( قال اللّه تعالى يا عبادي إني حرّمت ) أي منعت
( الظلم على نفسي ) أي تقدست وتعاليت عنه لأنه مجاوزة والتصرف في ملك الغير وكلاهما في حقي كالمحرم فهو استعارة مصرحة تبعية شبه تنزهه عنه بتحرز المكلف عما نهى عنه
( وجعلته محرماً بينكم ) أي حكمت بتحريمه عليكم
( فلا تظالموا ) أي لا تتظالموا أي لا يظلم بعضكم بعضاً
(حديث جابر في صحيح مسلم) أن النبي ( قال : اتقوا الظلم فإن الظلم ظلمات يوم القيامة و اتقوا الشح فإن الشح أهلك من كان قبلكم و حملهم على أن سفكوا دماءهم و استحلوا محارمهم .
الشاهد : قوله (:[ اتقوا الظلم فإن الظلم ظلمات يوم القيامة]
((1/189)
اتقوا الظلم ) بأخذ مال الغير بغير حق أو التناول من عرضه ونحو ذلك قال بعضهم : ليس شيء أقرب إلى تغيير النعم من الإقامة على الظلم
( فإن الظلم ظلمات يوم القيامة ) فلا يهتدي الظالم يوم القيامة بسبب ظلمه في الدنيا فربما أوقع قدمه في وهدة فهو في حفرة من حفر النار وإنما ينشأ الظلم من ظلمة القلب لأنه لو استنار بنور الهدى تجنب سبل الردى فإذا سعى المتقون بنورهم الحاصل بسبب التقوى احتوشت ظلمات ظلم الظالم فغمرته فأعمته حتى لا يغني عنه ظلمه شيئاً .
(حديث أبي هريرة في صحيح مسلم) أن النبي ( قال : أتدرون من المفلس ؟ قالوا : المفلس فينا من لا درهم له ولا متاع . فقال : إن المفلس من أمتي من يأتي يوم القيامة بصلاةٍ و صيام و زكاة و يأتي وقد شتم هذا و قذف هذا و أكل مال هذا و سفك دم هذا و ضرب هذا فيُعطِى هذا من حسناته و هذا من حسناته فإن فنيت حسناتُه قبل أن يُقضَى ما عليه أُخذ من خطاياهم فطُرحت عليه ثم طُرح في النار .
(حديث ابن عمر في صحيح البخاري) أن النبي ( قال : من أخذ من الأرض شيئا بغير حقه خُسِفَ به يوم القيامة إلى سبع أرضين .
( من أخذ من الأرض شيئاً بغير حقه خسف به ) أي هوى به إلى أسفلها ، أي بالأخذ غصباً لتلك الأرض المغصوبة
(حديث أبي موسى في الصحيحين) أن النبي ( قال : إن الله تعالى لَيملي للظالم حتى إذا أخذه لم يفلته .
( إن اللّه تعالى لَيملي ) بفتح اللام الأولى أي ليمهل والإملاء الإمهال والتأخير وإطالة العمر ( للظالم ) زيادة في استدراجه ليطول عمره ويكثر ظلمه فيزداد عقابه { إنما نملي لهم ليزدادوا إثماً } فإمهاله عين عقابه
( حتى إذا أخذه ) أي أنزل به نقمته
( لم يُفلته ) أي لم يفلت منه .
( والعقوق ) للوالدين وإن عليا أو أحدهما أي إيذاؤهما ومخالفتهما فيما لا يخالف الشرع .
{(1/190)
تنبيه } :( وينبغي على المسلم إن زلت قدمه ووقع في ظلم أن يرد المظالم إلى أهلها وأن يتحلل منه اليوم قبل ألا يكون دينارٌ ولا درهم .
(حديث أبي هريرة في صحيح البخاري) أن النبي ( قال : من كانت له مظلمة لأحد من عرضه أو شيء فليتحلله منه اليوم قبل أن لا يكون دينار ولا درهم إن كان له عمل صالح أخذ منه بقدر مظلمته وإن لم تكن له حسنات أخذ من سيئات صاحبه فحمل عليه
{ تنبيه } :( ويجب عليه أيضاً إن وجد أخاً له وقع في الظلم فإن يجب عليه أن يحجزه ويمنعه من الظلم .
(حديث أنس في الصحيحين) أن النبي ( قال : انصر أخاك ظالما أو مظلوما ، فقال رجل يا رسول الله : أنصره إن كان مظلوماً أرأيت إن كان ظالما كيف أنصره؟ قال : تحجزه أو تمنعه عن الظلم فإن ذلك نصره .
الشاهد : قوله ( [تحجزه أو تمنعه عن الظلم فإن ذلك نصره ]
( تحجزه عن الظلم ) أي تمنعه منه وتحول بينه وبينه
( فإن ذلك نصرة ) له أي منعك إياه من الظلم نصرك إياه على شيطانه الذي يغويه وعلى نفسه الأمارة بالسوء .
(حديث أبي بكر الصديق في صحيحي أبي داوود والترمذي) أن النبي ( قال : إن الناس إذا رأوا الظالم فلم يأخذوا على يديه أوشك أن يعمهم الله بعقاب منه .
(حديث أبي سفيان في صحيح الجامع) أن النبي ( قال : إن الله لا يقدس أمة لا يأخذ الضعيف حقه من القوي و هو غير متعتع .
وعلى المسلم أن يجتنب اجتناب مجالس الظالمين لئلا يصيبهم العذاب فيصبه ذلك العذاب معهم .
(حديث عائشة في الصحيحين) أن النبي ( قال : يغزو جيش الكعبة فإذا كانوا ببيداء من الأرض يُخسفُ بأولهم و آخرهم ، قال قلت يا رسول الله ! كيف يُخسفُ بأولهم و آخرهم وفيهم أسواقهم ومن ليس منهم؟ قال : يُخسفُ بأولهم و آخرهم ثم يبعثون على نياتهم .
(حديث أبي بكر الصديق في صحيحي أبي داوود والترمذي) أن النبي ( قال : إن الناس إذا رأوا الظالم فلم يأخذوا على يديه أوشك أن يعمهم الله بعقاب منه .
...(1/191)
ومن أفضل الآداب في الصحبة ومعاشرة الخلق اجتناب إيذاء المسلمين .
قال تعالى: (وَالّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُواْ فَقَدِ احْتَمَلُواْ بُهْتَاناً وَإِثْماً مّبِيناً) [سورة: الأحزاب - الآية: 58] ...
(والذين يؤذون المؤمنين والمؤمنات بغير ما اكتسبوا) يرمونهم بغير ما عملوا
(فقد احتملوا بهتانا) تحملوا كذبا
(وإثما مبينا) بينا
(حديث عبد الله بن عمرو في الصحيحين) أن النبي ( قال : المسلم من سلم المسلمون من لسانه و يده و المهاجر من هجر ما نهى الله عنه .
الشاهد : قوله ([ : المسلم من سلم المسلمون من لسانه و يده ]
(المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده) فإيذاء المسلم من نقصان الإسلام والإيذاء ضربان ضرب ظاهر بالجوارح كأخذ المال بنحو سرقة أو نهب وضرب باطن كالحسد والغل والبغض والحقد والكبر وسوء الظن والقسوة ونحو ذلك فكله مضر بالمسلم مؤذ له ، وقد أمر الشرع بكف النوعين من الإيذاء وهلك بذلك خلق كثير .
(حديث أبي هريرة في صحيح مسلم) أن النبي ( قال : صنفان من أهل النار لم أرهما : رجالٌ معهم سِياطٌ كأذناب البقر يضربون بها الناس و نساءٌ كاسياتٌ عارياتٌ مائلاتٌ مميلاتٌ رءوسهنَّ كأسنمةِ البُخْتِ المائلة لا يدخلن الجنة و لا يجدن ريحها و إن ريحَها لتوجد من مسيرة كذا و كذا .
الشاهد : قوله ([ صنفان من أهل النار لم أرهما : رجالٌ معهم سِياطٌ كأذناب البقر يضربون بها الناس ] .
( صنفان من أهل النار ) أي نار جهنم
( لم أرهما ) الضم أي حدثا بعد ذلك العصر
رجالٌ معهم سِياطٌ كأذناب البقر يضربون بها الناس .
وهم أعوان والي الشرطة المعروفون بالجلادين فإذا أمروا بالضرب تعدوا المشروع في الصفة والمقدار وربما أفضى بهم الهوى وما جبلوا عليه من المظالم إلى إهلاك المضروب أو تعظيم عذابه .
(حديث ابن عباس في صحيح الجامع) أن النبي ( قال : لا ضرر و لا ضرار .
((1/192)
لا ضرر ) أي لا يضر الرجل أخاه فينقصه شيئاً من حقه
( ولا ضرار ) فعال بكسر أوله أي لا يجازي من ضره بإدخال الضرر عليه بل يعفو فالضرر فعل واحد والضرار فعل اثنين . وفيه تحريم سائر أنواع الضرر إلا بدليل لأن النكرة في سياق النفي تعم .
(حديث خالد بن الوليد في صحيح الجامع) أن النبي ( قال : أشد الناس عذابا للناس في الدنيا أشد الناس عذابا عند الله يوم القيامة .
[أشد الناس عذابا للناس في الدنيا أشد الناس عذابا عند الله يوم القيامة ] أي كما تدين تدان .
{ تنبيه } :( يحرم إيذاء المسلمين حتى لو بالإشارة .
(حديث أبي هريرة في الصحيحين) أن النبي ( قال : لا يشرْ أحدكم على أخيه بالسلاح فإنه لا يدري لعل الشيطان ينزع في يده فيقع في حفرة من النار .
ومن أفضل الآداب في الصحبة ومعاشرة الخلق ... اجتناب التباغض والتقاطع والتدابر .
(حديث أبي هريرة في الصحيحين) أن النبي ( قال : إياكم والظن فإن الظن أكذب الحديث ، ولا تحسسوا ولا تجسسوا ولا تدابروا ولا تباغضوا وكونوا عباد الله إخواناً .
وبينت السنة الصحيحة أن الشحناء والعداوة تؤخر الناس وتمنعهم من الخير .
(حديث أبي هريرة في صحيح مسلم) أن النبي ( قال : تُفتحُ أبواب الجنة يوم الاثنين و يوم الخميس فيغفر فيها لكل عبد لا يشرك بالله شيئا إلا رجلا كانت بينه و بين أخيه شحناء فيقال : انظروا هذين حتى يصطلحا .
الشاهد : قوله ([ فيغفر فيها لكل عبد لا يشرك بالله شيئا إلا رجلا كانت بينه و بين أخيه شحناء فيقال : انظروا هذين حتى يصطلحا ]
( فيغفر فيهما لكل عبد لا يشرك باللّه شيئاً ) أي ذنوبه الصغائر بغير وسيلة طاعة .
( إلا رجل كان بينه وبين أخيه شحناء ) أي عداوة
( فيقال انظروا ) يعني أخروا
( هذين حتى يصطلحا )
[*] قال أبو داود : إذا كان الهجر للّه فليس من هذا فإن النبي صلى اللّه عليه وسلم هجر بعض نسائه أربعين يوماً وابن عمر هجر ابناً له حتى مات(1/193)
ومن أفضل الآداب في الصحبة ومعاشرة الخلق اجتناب الحسد فإنه داءٌ وبيل بل إنه من قبائح الذنوب وفواحش الذنوب ، والحسد مذموم وصاحبه مغموم ،
والحسد ينم عن نفسِ خبيثةٍ إذ هو تمني زوال النعمة عن صاحبها والعياذ بالله وهذا يدل على سوء النية وقبح الطوية وسقامة الضمائر وخبث السرائر إذ لو كانت نفسه طيبة لطلب الفضل من الله تعالى الذي لا يعجزه شيءٌ أعطاه بدلاً من أن يحسد الناس على فضل الله تعالى .
قال تعالى: (أَمْ يَحْسُدُونَ النّاسَ عَلَىَ مَآ آتَاهُمُ اللّهُ مِن فَضْلِهِ فَقَدْ آتَيْنَآ آلَ إِبْرَاهِيمَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَآتَيْنَاهُمْ مّلْكاً عَظِيماً) [سورة: النساء - الآية: 54]
[*] قال القرطبي رحمه الله تعالى في تفسيره :
قوله تعالى :" أم يحسدون" يعني اليهود" الناس " يعني النبي صل الله عليه وسلم خاصة عن ابن عباس ومجاهد وغيرهما حسدوه على النبوة وأصحابه على الإيمان به وقال قتادة الناس العرب، حسدتهم اليهود على النبوة الضحاك: حسدت اليهود قريشا لأن النبوة فيهم والحسد مذموم وصاحبه مغموم :
وهو يأكل الحسنات كما تأكل النار الحطب رواه أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم وقال الحسن: ما رأيت ظالماً أشبه بمظلوم من حاسد، نفس دائم وحزن لازم وعبرة لا تنفد وقال عبد الله بن مسعود: لا تعادوا نعم الله قيل له : ومن يعادي نعم الله ؟ قال الذين يحسدون الناس على ما آتاهم الله من فضله يقول الله تعالى في بعض الكتب الحسود عدو نعمت متسخط لقضائي غير راض بقسمتي [*] ولمنصور الفقيه :
إلا قل لمن ظل لي حاسداً أتدري على من أسأت الأدب
أسأت على الله في حكمه إذا أنت لم ترض لي ما وهب
ويقال: الحسد أول ذنب عصي الله به في السماء، وأول ذنب عصي به في الأرض فأما في السماء فحسد إبليس لآدم وأما في الأرض فحسد قابيل لهابيل: [*] ولأبي العتاهية في الناس :
فيا رب إن الناس لا ينصفونني فكيف ولو أنصفتهم ظلموني(1/194)
وإن كان لي شيء تصدوا لأخذه وإن شئت أبغي شيئهم منعوني
وإن نالهم بذلي فلا شكر عندهم وإن أنا لم أبذل لهم شتموني
وإن طرقتني نكبة فكهوا بها وإن صحبتني نعمة حسدوني
سأمنع قلبي أن يحن إليهمو وأحجب عنهم ناظري وجفوني
وقيل: إذا سرك أن تسلم من الحاسد فغم عليه أمرك ولرجل من قريش :
حسدوا النعمة لما ظهرت فرموها بأباطيل الكلم
وإذا ما الله أسدى نعمة لم يضرها قول أعداء النعم
[*] ولقد أحسن من قال :
اصبر على حسد الحسو د فإن صبرك قاتله
فالنار تأكل بعضها إن لم تجد ما تأكله
[*] وقال بعض أهل التفسير في قوله تعالى :" ربنا أرنا الذين أضلانا من الجن والإنس نجعلهما تحت أقدامنا ليكونا من الأسفلين"[فصلت: 29] إنه إنما أراد بالذي من الجن إبليس والذي من الإنس قابيل، وذلك إن إبليس كان أول من سن الكفر، وقابيل كان أو من سن القتل، وإنما كان أصل ذلك كله الحسد.
[*] وقال الشاعر :
إن الغراب وكان يمشي مشيةً فيما مضى من سالف الأحوال
حسد القطاة فرام يمشي مشيها فأصابه ضب من التعقال
قوله تعالى :" فقد آتينا " ثم أخبر تعالى أنه آتى آل إبراهيم الكتاب والحكمة وآتاهم ملكاً عظيماً قال همام بن الحارث: أيدوا بالملائكة وقيل: يعني ملك سليمان عن ابن عباس . وعنه أيضاً : المعنى أم يحسدون محمداً على ما أحل الله له من النساء فيكون الملك العظيم على هذا أنه أحل لداود تسعاً وتسعين امرأة ولسليمان أكثر من ذلك واختار الطبري أن يكون المراد ما أوتيه سليمان من الملك وتحليل النساء والمراد تكذيب اليهود والرد عليهم في قولهم : لو كان نبياً ما رغب في كثرة النساء ولشغلته النبوة عن ذلك فأخبر الله تعالى بما كان لداود وسليمان يوبخهم فأقرت اليهود أنه اجتمع عند سليمان ألف امرأة، فقال لهم النبي صلى لاله عليه وسلم :(1/195)
"ألف امرأة " قالوا: نعم ثلاثمائة مهرية ، وسبعمائة سرية، وعند داود مائة امرأة فقال لهم النبي صلى الله عليه وسلم : ألف عند رجل ومائة عند رجل أكثر أو تسع نسوة فسكتوا وكان له يومئذ تسع نسوة .
(حديث أبي هريرة في صحيح مسلم) أن النبي ( قال:لا تحاسدوا و لا تناجشوا و لا تباغضوا و لا تدابروا و لا يبع بعضكم على بيع بعض و كونوا عباد الله إخوانا المسلم أخو المسلم لا يظلمه و لا يخْذُلُه و لا يَحْقره التقوى هاهنا - و أشار إلى صدره - بحسب امرئ من الشر أن يحقر أخاه المسلم كل المسلم على المسلم حرام دمه و ماله و عرضه .
الشاهد : قوله ([ لا تحاسدوا]
(حديث الزبير بن العوام في صحيح الترمذي) أن النبي ( قال : دَبَّ إليكم داءُ الأممِ من قبلِكم : الحسدُ و البغضاء ، والبُغْضةُ هي الحالقة، لا أقول حالقة الشعر ولكن حالقةَ الدين ، و الذي نفس محمد بيده لا تدخلوا الجنة حتى تؤمنوا و لن تؤمنوا حتى تحابوا ألا أنبئكم بما يُثّبتُ ذلك أفشوا السلام بينكم .
الشاهد : قوله ([ دَبَّ إليكم داءُ الأممِ من قبلِكم : الحسدُ و البغضاء ]
( دب إليكم ) أي سار إليكم
( داء الأمم قبلكم ) أي عادة الأمم الماضية
( الحسد والبغضاء )
ومن أفضل الآداب في الصحبة ومعاشرة الخلق اجتناب احتقار المسلمين فإنه داءٌ وبيل بل إنه من قبائح الذنوب وفواحش الذنوب لأنه من الكبر الذي يهلك صاحبه لا محالة .
قال تعالى: (يَأَيّهَا الّذِينَ آمَنُواْ لاَ يَسْخَرْ قَوْمٌ مّن قَوْمٍ عَسَىَ أَن يَكُونُواْ خَيْراً مّنْهُمْ وَلاَ نِسَآءٌ مّن نّسَآءٍ عَسَىَ أَن يَكُنّ خَيْراً مّنْهُنّ وَلاَ تَلْمِزُوَاْ أَنفُسَكُمْ وَلاَ تَنَابَزُواْ بِالألْقَابِ بِئْسَ الاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الإَيمَانِ وَمَن لّمْ يَتُبْ فَأُوْلََئِكَ هُمُ الظّالِمُونَ) [سورة: الحجرات - الآية: 11]
[*] قال القرطبي رحمه الله تعالى في تفسيره :(1/196)
قوله تعالى : " يا أيها الذين آمنوا لا يسخر قوم من قوم عسى أن يكونوا خيرا منهم "
قيل عند الله وقيل ( خيراً منهم ) أي معتقداً وأسلم باطناً ، والسخرية الاستهزاء .
(حديث أبي هريرة في صحيح مسلم) أن النبي ( قال:لا تحاسدوا و لا تناجشوا و لا تباغضوا و لا تدابروا و لا يبع بعضكم على بيع بعض و كونوا عباد الله إخوانا المسلم أخو المسلم لا يظلمه و لا يخْذُلُه و لا يَحْقره التقوى هاهنا - و أشار إلى صدره - بحسب امرئ من الشر أن يحقر أخاه المسلم كل المسلم على المسلم حرام دمه و ماله و عرضه .
الشاهد : قوله ([ المسلم أخو المسلم لا يظلمه و لا يخْذُلُه و لا يَحْقره]
( المسلم أخو المسلم ) أي يجمعهما دين واحد { إنما المؤمنون إخوة } فهم كالأخوة الحقيقية وهي أن يجمع الشخصين ولادة من صلب أو رحم أو منهما بل الأخوة الدينية أعظم من الحقيقة لأن ثمرة هذه دنيوية وتلك أخروية . ثم بين مقتضيات هذه الأخوة وحقوقها .
(حديث ابن مسعود في صحيح مسلم) أن النبي ( قال : لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كبر قيل : إن الرجل يحب أن يكون ثوبه حسنا و نعله حسنة قال : إن الله جميل يحب الجمال الكبر بَطَرُ الحقِ و غَمطُ الناس .
الشاهد : قوله ([ الكبر بَطَرُ الحقِ و غَمطُ الناس]
[بَطَرُ الحقِ] : دفعه وعدم قبوله
[و غَمطُ الناس] : أي احتقارهم وازدرئهم
(حديث جندب بن عبد الله في صحيح مسلم) أن النبي ( قال : قال رجل : والله لا يغفر الله لفلان ! فقال الله تعالى من ذا الذي يتألى عليّ أن لا أغفر لفلان ! إني قد غفرت له وأحبطتُ عملك .
الشاهد : قوله ([! فقال الله تعالى من ذا الذي يتألى عليّ أن لا أغفر لفلان ! إني قد غفرت له وأحبطتُ عملك . ]
فانظر رحمك الله تعالى كيف كان احتقار المسلم العاصي سبباً في إحباط عمل الذي احتقره واستقل شأنه .(1/197)
ومن أفضل الآداب في الصحبة ومعاشرة الخلق اجتناب التجسس على المسلمين فإنه داءٌ وبيل بل إنه من قبائح الذنوب وفواحش الذنوب
قال تعالى: (يَأَيّهَا الّذِينَ آمَنُواْ اجْتَنِبُواْ كَثِيراً مّنَ الظّنّ إِنّ بَعْضَ الظّنّ إِثْمٌ وَلاَ تَجَسّسُواْ وَلاَ يَغْتَب بّعْضُكُم بَعْضاً أَيُحِبّ أَحَدُكُمْ أَن يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتّقُواْ اللّهَ إِنّ اللّهَ تَوّابٌ رّحِيمٌ) [سورة: الحجرات - الآية: 12]
الشاهد : قوله تعالى [وَلاَ تَجَسّسُواْ]
(ولا تجسسوا)حذف منه إحدى التاءين لا تتبعوا عورات المسلمين ومعايبهم بالبحث عنها .
(حديث أبي هريرة في الصحيحين) أن النبي ( قال : إياكم والظن فإن الظن أكذب الحديث ، ولا تحسسوا ولا تجسسوا ولا تدابروا ولا تباغضوا وكونوا عباد الله إخواناً .
الشاهد : قوله ([ ولا تجسسوا]
مسألة : ما الفرق بين التحسس بالحاء والتجسس بالجيم ؟
التجسس البحث عما يكتم عنك ، والتحسس ( بالحاء ) طلب الأخبار والبحث عنها ، وقيل : إن التجسس ( بالجيم ) هو البحث ، ومنه قيل : رجل جاسوس إذا كان يبحث عن الأمور ، وبالحاء : هو ما أدركه الإنسان ببعض حواسه .
ومن أفضل الآداب في الصحبة ومعاشرة الخلق عدم تتبع عورات المسلمين وزلاتهم فإنه داءٌ وبيل بل إنه من قبائح الذنوب وفواحش الذنوب
(حديث معاوية في صحيح أبي داود) أن النبي ( قال : إنك إن اتبعت عورات الناس أفسدتهم أو كدت تفسدهم .
(حديث أبي هريرة في صحيح مسلم) أن النبي ( قال : إذا قال العبد هلك الناس فهو أهلَكهم .
أُتيَّ ابن مسعود برجلٍ فقيل له : هذا فلانٌ تقطُرُ لحيته خمراً فقال : إنا قد نُهينا عن التجسس ولكن إن يظهر لنا شيء نأخذ به .
((1/198)
حديث أبي برزة الأسلمي في صحيح أبي داود) أن النبي ( قال : يا معشر من آمن بلسانه و لم يدخل الإيمان قلبه ! لا تغتابوا المسلمين و لا تتبعوا عوراتهم فمن يتبع عوراتهم يتبع الله عورته ، و من يتبع الله عورته يفضحه في بيته .
[*] قال الفضيل بن عياض رحمه الله تعالى : المؤمن يطلب المعاذير والمنافق يطلب الزلات .
ومن أفضل الآداب في الصحبة ومعاشرة الخلق الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فإنه من أفضل الأعمال وأجل القربات لأنه قطب الدين العظيم والمهمة التي بعث الله تعالى بها الأنبياء والمرسلين ، وهو كذلك سبب خيرية هذه الأمة ، وبه يحصل النجاة من الهلكة .
قال تعالى: (كُنْتُمْ خَيْرَ أُمّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْراً لّهُمْ مّنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ) [سورة: آل عمران - الآية: 110]
[*] قال القرطبي رحمه الله تعالى في تفسيره :
قوله تعالى : [ كنتم خير أمة أخرجت للناس ] ثبت بنص التنزيل أن هذه الأمة خير الأمم
قوله تعالى : " تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر " مدح لهذه الأمة ما أقاموا ذلك واتصفوا به . فإذا تركوا التغيير وتواطأوا على المنكر زال عنهم اسم المدح ولحقهم اسم الذم ، وكان ذلك سبباً لهلاكهم .
وقال تعالى: (وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَآءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلََئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللّهُ إِنّ اللّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ) [سورة: التوبة - الآية: 71](1/199)
وقال تعالى: (فَلَماّ نَسُواْ مَا ذُكّرُواْ بِهِ أَنجَيْنَا الّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُوَءِ وَأَخَذْنَا الّذِينَ ظَلَمُواْ بِعَذَابٍ بَئِيسٍ بِمَا كَانُواْ يَفْسُقُونَ) [سورة: الأعراف - الآية: 165]
قال تعالى [فلما نسوا ما ذكروا به] أي فلما أبى الفاعلون قبول النصيحة
[أَنجَيْنَا الّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُوَءِ وَأَخَذْنَا الّذِينَ ظَلَمُواْ] أي ارتكبوا المعصية "بعذاب بئيس" فنص على نجاة الناهين وهلاك الظالمين .
(حديث أبي سعيد في صحيح مسلم) أن النبي ( قال :من رأى منكم منكرا فليغيره بيده فإن لم يستطع فبلسانه فإن لم يستطع فبقلبه و ذلك أضعف الإيمان .
[*] قال الإمام المناوي رحمه الله تعالى في فيض القدير .
(من رأى منكم منكراً فليغيره بيده) حيث كان مما يزال بها ككسر آلة لهو وآنية خمر.
( فإن لم يستطيع ) الإنكار بيده بأن ظن لحوق ضرر به لكون فاعله أقوى منه .
( فبلسانه ) الواجب تغييره بلسانه أي بالقول كاستغاثة أو توبيخ أو تذكير باللّه أو إغلاظ
( فإن لم يستطع ) ذلك بلسانه لوجود مانع كخوف فتنة أو خوف على نفس أو عضو أو مال محترم أو شهر سلاح .
( فبقلبه ) ينكره وجوباً بأن يكرهه به ويعزم أنه لو قدر بقول أو فعل فعل وهذا واجب عيناً على كل أحد بخلاف الذي قبله فأفاد الخبر وجوب تغيير المنكر بكل طريق ممكن فلا يكفي الوعظ لمن يمكنه إزالته بيده ولا القلب لمن يمكنه باللسان
( وذلك ) أي الإنكار بالقلب
( أضعف الإيمان ) أي خصاله فالمراد به الإسلام أو آثاره وثمراته فالمراد به حقيقة من التصديق وليس وراء ذلك من الإيمان حبة خردل وصلاح الإيمان وجريان شرائع الأنبياء الكرام إنما يستمر عند استحكام هذه القاعدة في الإسلام قال القيصري : الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أقوى شعب الإيمان بوجه وأضعفها بوجه فتغييره باليد واللسان أقوى وتغييره بالقلب أضعف الإيمان .
{(1/200)
تنبيه } : إن شعيرة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر يُنافَحُ بها عن الدين، ويُنصح للمسلمين عن التردي في هوة صيحات العابثين، وبه تُحْرَسُ الفضائل، وتكبت الرذائل، ويؤخذ على أيدي السفهاء،
{ تنبيه } : إذا أدى تغيير المنكر إلى منكراً أشد فإنه لا يجوز تغييره .
قال تعالى: (وَلاَ تَسُبّواْ الّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِ اللّهِ فَيَسُبّواْ اللّهَ عَدْواً بِغَيْرِ عِلْمٍ كَذَلِكَ زَيّنّا لِكُلّ أُمّةٍ عَمَلَهُمْ ثُمّ إِلَىَ رَبّهِمْ مّرْجِعُهُمْ فَيُنَبّئُهُمْ بِمَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ)
[سورة: الأنعام - الآية: 108]
الشاهد : قوله تعالى [(وَلاَ تَسُبّواْ الّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِ اللّهِ فَيَسُبّواْ اللّهَ عَدْواً بِغَيْرِ عِلْمٍ كَذَلِكَ]
يقول الله تعالى ناهيا لرسوله صلى الله عليه وسلم والمؤمنين عن سب آلهة المشركين وإن كان فيه مصلحة إلا أنه يترتب عليه مفسدة أعظم منها وهي مقابلة المشركين بسب إله المؤمنين وهو "الله لا إله إلا هو"
خطر التقاعس عن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر :
إن التقاعس عن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أمره خطير وشره مستطير ، وقد يكون سبباً في تعميم العقاب وعدم استجابة الدعاء .
قال تعالى: (لُعِنَ الّذِينَ كَفَرُواْ مِن بَنِيَ إِسْرَائِيلَ عَلَىَ لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وّكَانُواْ يَعْتَدُونَ،كَانُواْ لاَ يَتَنَاهَوْنَ عَن مّنكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُواْ يَفْعَلُونَ) [سورة: المائدة /78، 79]
قوله تعالى : [ لُعِنَ الّذِينَ كَفَرُواْ مِن بَنِيَ إِسْرَائِيلَ ] أي لعنهم الله سبحانه "على لسان داود وعيسى ابن مريم" أي في الزبور والإنجيل على لسان داود وعيسى بما فعلوه من المعاصي كاعتدائهم في السبت وكفرهم بعيسى .
قوله: [ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا ] أي ذلك اللعن بسبب المعصية والاعتداء لا بسبب آخر.(1/201)
ثم بين سبحانه المعصية والاعتداء بقوله تعالى[كانوا لا يتناهون عن منكر فعلوه] أي لا ينهي بعضهم بعضاً عن فعل المعاصي ، وبيان العصيان والاعتداء بترك التناهي عن المنكر لأن من أخل بواجب النهي عن المنكر فقد عصى الله سبحانه وتعدى حدوده. والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من أهم القواعد الإسلامية وأجل الفرائض الشرعية، ولهذا كان تاركه شريكاً لفاعل المعصية ومستحقاً لغضب الله وانتقامه كما وقع لأهل السبت، فإن الله سبحانه مسخ من لم يشاركهم في الفعل ولكن ترك الإنكار عليهم، كما مسخ المعتدين فصاروا جميعاً قردة وخنازير "إن في ذلك لذكرى لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد" ثم إن الله سبحانه قال مقبحاً لعدم التناهي عن المنكر "لبئس ما كانوا يفعلون" أي من تركهم لإنكار ما يجب عليهم إنكاره.
(حديث أبي بكر الصديق في صحيحي أبي داوود والترمذي)أن النبي ( قال : إن الناس إذا رأوا الظالم فلم يأخذوا على يديه أوشك أن يعمهم الله بعقاب منه .
( إن الناس ) المطيقين لإزالة الظلم مع سلامة العافية
( إذا رأوا الظالم ) أي علموا بظلمه
( فلم يأخذوا على يديه ) أي لم يمنعوه من الظلم بفعل أو قول .
( أوشك ) أي قارب أو أسرع
( أن يعمهم اللّه بعقاب منه ) إما في الدنيا أو الأخرى أو فيهما لتضييع فرض اللّه بغير عذر وزاد قوله منه زيادة في التهويل والزجر والتحذير وقد أفاد بالخبر أن من الذنوب ما يعجل اللّه عقوبته في الدنيا ومنه ما يمهله إلى الآخرة والسكوت على المنكر يتعجل عقوبته في الدنيا بنقص الأموال والأنفس والثمرات وركوب الذل من المظلمة للخلق وقد تبين بهذا أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فرض كفاية لا عين ، إذ القصد إيجاد مصلحة أو دفع مفسدة لا تكليف فرد فرد فإذا أطبقوا على تركه استحقوا عموم العقاب لهم وفيه تحذير عظيم لمن سكت عن النهي فكيف بمن داهن فكيف بمن رضى فكيف بمن أعان؟ نسأل اللّه السلامة .
((1/202)
حديث حذيفة في صحيح الترمذي) أن النبي ( قال : لتأمُرنّ بالمعروف و لتنهَوْنَّ عن المنكر أو يبعث الله عليكم عقاباً منه ، ثم تدعونه فلا يستجاب لهم .
(تغليظ عقوبة من أمر بالمعروف ونهى عن المنكر وخالف قوله فعله :
قال تعالى: (أَتَأْمُرُونَ النّاسَ بِالْبِرّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ) [سورة: البقرة - الآية: 44]
[أتأمرون الناس بالبر] استفهام معناه التوبيخ ، بسبب ترك فعل البر المستفاد من قوله: "وتنسون أنفسكم" مع التطهر بتزكية النفس والقيام في مقام دعاة الخلق إلى الحق إيهاماً للناس وتلبيساً عليهم ، والنسيان هنا بمعنى الترك: أي وتتركون أنفسكم،
وقوله: "وأنتم تتلون الكتاب" جملة حالية مشتملة على أعظم تقريع وأشد توبيخ وأبلغ تبكيت. أي كيف تتركون البر الذي تأمرون الناس به وأنتم من أصل العلم العارفين بقبح هذا الفعل وشدة الوعيد عليه، كما ترونه في الكتاب الذي تتلونه والآيات التي تقرأونها من التوراة .
اعلم وفقك الله تعالى أن التوبيخ في الآية بسبب ترك فعل البر لا بسبب الأمر بالبر ،ولهذا ذم الله تعالى في كتابه قوماً كانوا يأمرون بأعمال البر ولا يعملون بها ، وبخهم به توبيخاً يتلى على طول الدهر إلى يوم القيامة فقال : "أتأمرون الناس بالبر" الآية .
و قال تعالى: (يَأَيّهَا الّذِينَ آمَنُواْ لِمَ تَقُولُونَ مَا لاَ تَفْعَلُونَ ، كَبُرَ مَقْتاً عِندَ اللّهِ أَن تَقُولُواْ مَا لاَ تَفْعَلُونَ) [سورة: الصف /2 ،3]
الشاهد قوله تعالى [ كَبُرَ مَقْتاً عِندَ اللّهِ أَن تَقُولُواْ مَا لاَ تَفْعَلُونَ ]
و المقت أشد البغض .
((1/203)
حديث أسامة في الصحيحين) أن النبي ( قال : يؤتى بالعالم يوم القيامة فيُلقى في النار فتندلق أقتابه فيدور حولها كما يدور الحمار حول الرحى فيجتمع إليه أهل النار فيقولون يا فلان ويحك ما لك كنت تأمرنا بالمعروف وتنهانا عن المنكر فيقول كنت آمركم بالمعروف ولا آتيه وأنهاكم عن المنكر وآتيه .
معنى [ أقتابه] : أي أمعاءه
(حديث أنس في صحيح الجامع) أن النبي ( قال : أتيت ليلة أسري بي على قوم تُقْرَضُ شفاهُهم بمقاريضَ من نار كلما قُرِضَتْ وَفَتْ فقلت : يا جبريل من هؤلاء ؟ قال : خطباء أمتك الذين يقولون ما لا يفعلون و يقرءون كتاب الله و لا يعملون به .
[*](الخصال الواجب توافرها في الآمر بالمعروف والناهي عن المنكر :
[*] قال سفيان الثوري رحمه الله تعالى :
لا يأمر بالمعروف ولا ينهى عن المنكر إلا من كان فيه ثلاث خصال :
(1) رفيقٌ بما يأمر رفيقٌ بما ينهي
(2) عدلٌ بما يأمر عدلٌ بما ينهي
(3) عالمٌ بما يأمر عالمٌ بما ينهي
ومن أفضل الآداب في الصحبة ومعاشرة الخلق أن لا يسألُ إلا الله تعالى
(حديث ابن عباس في صحيح الترمذي) أن النبي ( قال : يا غلام ! إني أعلمك كلمات احفظ الله يحفظك احفظ الله تجده تجاهك إذا سألت فاسأل الله و إذا استعنت فاستعن بالله و اعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك و لو اجتمعوا على أن يضروك بشيء لم يضروك بشيء إلا قد كتبه الله عليك رفعت الأقلام و جفت الصحف .
الشاهد : قوله ([ إذا سألت فاسأل الله]
(حديث ثوبان في صحيح أبي داود) أن النبي ( قال : من يكفل لي أن لا يسأل الناس شيئاً وأتكفل له بالجنة ؟ فقال ثوبان أنا ، فكان لا يسأل الناس شيئاً .
(حديث ابن مسعود في صحيحي أبي داوود والترمذي) أن النبي ( قال : من أصابته فاقة فأنزلها بالناس لم تسد فاقته و من أنزلها بالله أوشك الله له بالغنى إما بموت عاجل أو غنى عاجل .
(من أصابته فاقة ) أي شدة حاجة
((1/204)
فأنزلها بالناس ) أي عرضها عليهم وسألهم سدَّ خلته
( لم تسد فاقته ) لتركه القادر على حوائج جميع الخلق الذي لا يغلق بابه وقصد من يعجز عن جلب نفع نفسه ودفع ضرها
( ومن أنزلها باللّه أوشك اللّه له بالغنى ) أي أسرع غناه وعجله
( إما بموت عاجل أو غنى عاجل ) .
{ تنبيه } :( ألا فلينتبه من سأل الناس شيئاً أنه بمعزلٍ من التوفيق ومنأى من الرشاد ، لأنه سأل العبد الفقير الذي لا يملك لنفسه فضلاً عن غيره ضراً ولا نفعاً .
[*] قال وهب بن منبه لرجل يأتي الملوك : ويحك أتأتي من يغلق عنك بابه ويواري عنك غناه وتدع من يفتح لك بابه نصف الليل ونصف النهار ويظهر لك غناه؟ فالعبد عاجز عن جلب مصالحه ودفع مضاره ولا معين له على مصالح دينه ودنياه إلا اللّه تعالى .
ومن أفضل الآداب في الصحبة ومعاشرة الخلق الاقتصاد في العزلة والمخالطة ، وجدير بالذكر أن لكل من العزلة والمخالطة فوائد وغوائل ، وأكثر الزهاد اختاروا العزلة منهم سفيان الثوري والفضيل وإبراهيم بن أدهم وبشر الحافي ، ومنهم من اختار المخالطة كسعيد بن المسيب وشُريح والشعبي .
[*](وفصل الخطاب في مسألة العزلة والخلطة أن يقتصد الإنسان في العزلة والمخالطة على التفصيل الآتي :
أولاً يأخذ بحظه من العزلة ليصون وقته الذي هو عمره ويستأنس بمناجاة ربه تعالى ويدارس الكتاب والسنة ، وعليه يحمل الأحاديث الآتية :
(حديث أبي سعيد في الصحيحين) أن النبي ( قال : قيل يا رسول الله أي الناس خير ؟ قال : رجلٌ يجاهد بنفسه وماله ورجلٌ في شعبٍ من الشعاب يعبد الله ويدعُ الناس من شره .
الشاهد : قوله ([ ورجلٌ في شعبٍ من الشعاب يعبد الله ويدعُ الناس من شره]
(حديث عقبة ابن عامر في صحيح الترمذي) قال قلت يا رسول الله ما النجاة ؟ قال : أملك عليك لسانك ولْيسعك بيتُك وابكِ على خطيئتك .
[*] قال عمر بن الخطاب رضيَ الله تعالى عنه : خذوا بحظكم من العُزلة .
[(1/205)
*] وقال سعد بن أبي وقاص رضيَ الله تعالى عنه : لوددتُ أن بيني وبين الناس باباً من حديد لا يكلمني أحدٌ ولا أكلمه حتى ألقى الله سبحانه .
وقال داود الطائي رحمه الله تعالى : فِر من الناس كما تفر من الأسد .
{ تنبيه } :( لا تكون العزلة محمودة إلا بعد التفقه في الدين .
[*] قال الربيع بن خَيثم رحمه الله تعالى : [ تفقه ثم اعتزل] ، والعلم أصل الدين ولا خير في عزلة العوام . فلله دره رحمه الله تعالى فكلامه غاية في الصدق والتوفيق لأن اتباع السنة أولى من كثرة العمل ولا يمكن معرفة ذلك إلا عن طريق العلم .
[*]وسُئِلَ بعض العلماء : ما تقول في عزلة الجاهل ؟ قال : خبالٌ ووبال ، فقيل له: فالعالِم ؟ فقال : مالك ولها ؟ دعها معها حذاؤها وسقاؤها حتى يلقاها ربها .
{ تنبيه } :( هذا الكلام غايةٌ في الصدق والتوفيق حيث شبه عزلة العالم بضالة الإبل ، فكما أن ضالة الإبل لا يُخشى عليها الضياع لأن معها حذاؤها وسقاؤها ، فكذا عزلة العالم لا يُخشى عليها الضياع لأن معه الكتاب والسنة .
ثانياً : يأخذ بحظه من المخالطة : وعليه يحمل الحديث الآتي :
(حديث ابن عمر في صحيح الترمذي وابن ماجة) أن النبي ( قال : المؤمنُ الذي يُخالطُ الناسَ و يصبرُ على أذاهُم أعظم أجراً من المؤمن الذي لا يخالطُ الناس و لا يصبرُ على أذاهم .
{ تنبيه } :( ويجب على المسلم أن لا يخالط إلا من ينتفع بمخالطته فلا يخالط إلا إحدى ثلاث .
1) عالماً يتعلم منه .
2) متعلماً يعلمه شيءٌ يبتغي به وجا الله تعالى
3) أحد إخوانه ممن يُحس فيهم الصدق والتقوى فيذكرون ويخبرونه بعيوبه وينصحونه نصائح أُخوية صادرةٌ عن إخلاصٍ وحسنِ طوية عساها أن تجد له في سمعه مسمعاً وفي قلبه موقعا ، عسى الله أن ينفعه بها ويوفقه إلى تطبيقها .
ولله در من قال :
لقاءُ الناسِ ليس يفيدُ شيئا ... سوى الهذيان من قِل وقال
فاقلل من لقاءِ الناس إلا ... لأخذِ العلمِ أو إصلاحِ حال(1/206)
ومن أفضل الآداب في الصحبة ومعاشرة الخلق أن يذكر نفسه وغيره أن الجزاء من جنس العمل لكي يردع نفسه وغيره عن مجرد التفكير في إيذاء المسلمين ، فليس الأمر مفلوتاً وإنما الجزاء من جنس العمل .
(حديث أبي صِرْمَةَ في صحيحي أبي داوود والترمذي) أن النبي ( قال : من ضَارَّ أضرَ الله به و من شاقَّ شاقَّ الله عليه .
( من ضارّ ) بشد الراء أي أوصل ضرراً إلى مسلم بغير حق
(أضرَ الله به اللّه به ) أي أوقع به الضرر وشدد عليه عقابه في العقبى
( ومن شاق ) بشد القاف أي أوصل مشقة إلى أحد بمحاربة أو غيرها
( شق اللّه عليه ) أي أدخل عليه ما يشق عليه مجازاة له على فعله بمثله وأطلق ذلك ليشمل المشقة على نفسه وعلى الغير بأن يكلف نفسه أو غيره بما هو فوق طاقته .
(حديث جابر في صحيح أبي داود) أن النبي ( قال : ما من امرئ يخذُل امرءاً مسلما في موطن يُنْتَقَصُ فيه من عِرْضِهِ و يُنْتَهَكُ فيه من حُرْمَتِهِ إلا خَذَلَه الله تعالى في مَوْطِنٍ يُحِبُ فيه نُصْرتِه و ما من أحد ينصر مسلما في موطن ينتقص فيه من عرضه و ينتهك فيه من حرمته إلا نصره الله في موطن يحب فيه نصرته .
(ما من امرئ يخذل ) بذال معجمة مضمومة قال تعالى { وإن يخذلكم }
( امرءاً مسلماً ) أي لم يحل بينه وبين من يظلمه ولا ينصره
( في موضع ينتقص فيه من عرضه ) بكسر العين
( وينتهك فيه من حرمته ) بأن يتكلم فيه بما لا يحل والحرمة هنا ما لا يحل انتهاكه قال الجوهري : انتهك عرضه بالغ في شتمه
( إلا خذله اللّه في موطن يحب فيه نصرته ) أي في موضع يكون فيه أحوج لنصرته وهو يوم القيامة فخذلان المؤمن حرام شديد التحريم دنيوياً كان مثل أن يقدر على دفع عدو يريد البطش به فلا يدفعه أو أخروياً كأن يقدر على نصحه من غيه بنحو وعظ فيترك
( وما من أحد ينصر مسلماً في موطن ينتقص فيه من عرضه وينتهك فيه من حرمته إلا نصره اللّه في موطن يحب فيه نصرته ) وهو يوم القيامة .
((1/207)
حديث المستورد رضي الله عنه الثابت في صحيح أبي داوود ) أن النبي ( قال :من أكل برجل مسلم أكله فإن الله يطعمه مثلها من جهنم ومن كسي ثوبا برجل مسلم فإن الله يكسوه مثله من جهنم ومن قام برجل مقام سمعة ورياء فإن الله يقوم به مقام سمعة ورياء يوم القيامة .
ومن أفضل الآداب في الصحبة ومعاشرة الخلق الإحسان إلى من يعمل تحت يديه
(حديث أبي هريرة في الصحيحين) أن النبي ( قال : إذا أتى أحدكم خادمه بطعامه قد كفاه علاجه و دُخَانه فليجلسه معه فإن لم يجلسه معه فليناوله أكله أو أكلتين .
(إذا أتى أحدكم خادمه بطعامه ) ليأكله.
( قد كفاه علاجه ) أي تحمل المشقة من تحصيل آلاته ومزاولة عمله
( ودخانه ) بالتخفيف مقاساة شم لهب النار حال الطبخ نص عليه مع شمول ما قبله له لعظم مشقته .
( فليجلسه معه ) ندباً ليأكل مكافأة له على كفايته حره وعلاجه وسلوكاً لسبيل التواضع المأمور به في الكتاب والسنة هذا هو الأفضل .
( فإن لم يجلسه معه ) لعذر كقلة طعام أو لكون نفسه تعاف ذلك قهراً عليه ويخشى من إكراهها محذوراً أو لغير ذلك كمحبته للاختصاص بالنفيس أو لكون الخادم يكره ذلك حياء منه أو تأدباً .
( فليناوله أُكلة أو أُكلتين) من الطعام بضم الهمزة ما يؤكل دفعة واحدة كلقمة ما يؤكل كذلك بحسب حال الطعام والخادم ليرد ما في نفسه من شهوة الطعام وتنكسر سورة الجوع .
(حديث أنس في الصحيحين) قال : لما قدم رسول الله ( المدينة أخذ أبو طلحة بيدي إلى رسول الله ( فقال ي رسول الله إن أنساً غلامٌ كيسٌ فليخدمك ، قال فخدمته في الحضر ، فوالله ما قال لي لشيءِ صنعته لم صنعت هذا هكذا ، ولا لشيءٍ لم أصنعه لِمَ لَمْ تصنع هذا هكذا .
((1/208)
حديث المعرور في الصحيحين) قال لقيتُ أبا ذرٍ بالرَّبذة وعليه حُلة وعلى غُلامه حُلة فسألته عن ذلك فقال إني ساببتُ رجلاً فعيّرته بأُمه فقال لي النبي ( يا أبا ذر ! إنك امرؤ فيك جاهلية إخوانكم خَوَلكم جعلهم الله تحت أيديكم فمن كان أخوه تحت يده فّلْيُطْعِمْه مما يأكل ولْيُلبِسْه مما يلبس ولا تُكَلفوهم ما يغلبهم ، فإذا كلفتموهم فأعينوهم .
(حديث ابن مسعود في صحيح مسلم) قال : كنت أضربُ غلاماً لي فسمعتُ من خلفي صوتاً : اعلم أبا مسعود للهُ أقدر عليك منك عليه ، فالتفتُ فإذا هو رسول الله ( فقلت ي رسول الله هو حرٌ لوجه الله فقال : أما لو لم تفعل للفحتك النار .
ومن أفضل الآداب في الصحبة ومعاشرة الخلق التحلي بآداب اللباس ، ومن هذه الآداب ما يلي :
(1) وجوب ستر العورة :
قال تعالى: (يَابَنِيَ آدَمَ خُذُواْ زِينَتَكُمْ عِندَ كُلّ مَسْجِدٍ وكُلُواْ وَاشْرَبُواْ وَلاَ تُسْرِفُوَاْ إِنّهُ لاَ يُحِبّ الْمُسْرِفِينَ) [سورة: الأعراف - الآية: 31]
الشاهد قوله تعالى [يَابَنِيَ آدَمَ خُذُواْ زِينَتَكُمْ عِندَ كُلّ مَسْجِدٍ] : أي خذوا ما يستر عورتكم عند كل مسجد ، وهذه الآية الكريمة رد على المشركين فيما كانوا يعتمدونه من الطواف بالبيت .
(حديث ابن عباس في صحيح مسلم) قال : كانت المرأة تطوف بالبيت وهي عُريانة وتقول: من يعيرني تِطوافاً؟ تجعله على فرجها. وتقول : اليوم يبدو بعضه أو كله وما بدا منه فلا أحله فنزلت هذه الآية: "خذوا زينتكم عند كل مسجد".
و التِطواف (بكسر التاء).
{ تنبيه } :( هذا خطاب لجميع بني آدم وإن كان وارداً على سبب خاص، فالاعتبار بعموم اللفظ لا بخصوص السبب .
((1/209)
حديث معاوية بن حيدة في صحيحي أبي داوود والترمذي) أن النبي ( قال : احفظ عورتك إلا من زوجتك أو ما ملكت يمينك قيل : إذا كان القوم بعضهم في بعض ؟ قال : إن استطعت أن لا يرينها أحد فلا يرينها قيل : إذا كان أحدنا خاليا ؟ قال : الله أحق أن يستحيا منه من الناس .
( احفظ عورتك ) صنها عن العيون
( إلا من زوجتك ) بالتاء لغة وبدونها جاء القرآن
( أو ما ملكت يمينك ) أي و الأمة فقد حل لك وطؤها
( قيل إذا كان القوم بعضهم في بعض ) كأب وجد وابن وابنة أو المراد المثل لمثله كرجل لرجل وأنثى لأنثى .
( قال إن استطعت أن لا يرينها أحداً فلا يرينها ) أي اجتهد في حفظها ما استطعت وإن دعت ضرورة للكشف جاز بقدرها .
( قيل إذا كان أحدنا خالياً ) أي في خلوة فما حكم ستر عورته حينئذ
( قال الله أحق أن يستحيا منه من الناس ) أي أوجب أن يستحيا منه من الناس ،وهو تعالى وإن كان لا يحجبه شيء ويرى المستور كما يرى العاري لكن رعاية الأدب تقتضي الستر .
قال بعض أهل العلم : هذا إشارة إلى مقام المراقبة فإن العبد إذا امتنع عن كشف عورته حياء من الناس فلأن يستحيي من ربه المطلع عليه في كل حال وكل وقت أولى والداعي إلى المراقبة أمور أعظمها الحياء قيل إن إبراهيم بن أدهم صلى قاعداً ثم مد رجله فهتف به هاتف أهكذا تجالس الملوك فما مدها بعد أبداً وقال الحكيم من تعرى خالياً ولم يحتشم فهو عبد قلبه غافل عن الله لم يعلم بأن الله يرى علم اليقين ولذلك كان الصديق رضي الله تعالى عنه يقنع رأسه عند دخوله الخلاء حياء من الله تعالى وكان عثمان رضي الله تعالى عنه يغتسل في بيت مظلم حتى لا يرى عورة نفسه .
(حديث يعلى في صحيح أبي داود) أن النبي ( قال : إن الله حَييٌ سِتير يحبُ الحياءَ والستر ، فإذا اغتسل أحدكم فليستتر .
(حديث عائشة في صحيحي أبي داوود والترمذي) أن النبي ( قال : ما من امرأة تضَعُ ثيابها في غير بيت زوجها إلا هتكت السترَ بينها و بين الله .
((1/210)
2) استحباب لبس الثياب الطيبة الجميلة :
(حديث أنس في الصحيحين) قال : كان أحب الثياب إلى النبي ( الحِبَرَة .
[الحِبَرَة ] بُرْدٌ يماني من قطن ، وكانت أفضلَ الثياب عندهم .
( حديث ابن مسعود في صحيح مسلم) أن النبي ( قال : لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كبر قيل : إن الرجل يحب أن يكون ثوبه حسنا و نعله حسنة قال : إن الله جميل يحب الجمال الكبر بَطَرُ الحقِ وغَمْطِ الناس .
الشاهد قوله ([ جميل يحب الجمال ] حين قيل له : إن الرجل يحب أن يكون ثوبه حسنا و نعله حسنة .
(3) استحباب التواضع في الثياب :
(حديث عائشة في الصحيحين) أنها أخرجت كساءاً وإزاراً غليظاً فقالت : قُبِضَ رسول الله ( في هذين .
(حديث أبي أُمامةَ في صحيحي أبي داوود وابن ماجة) أن النبي ( قال : البذاذةُ من الإيمان .
(البذاذة ) التقشف في الثياب و رثاثة الهيئة وترك الترفه وإدامة التزين والتنعم في البدن والملبس إيثاراً للخمول بين الناس .
(من الإيمان) أي من أخلاق أهل الإيمان إن قصد به تواضعاً وزهداً وكفاً للنفس عن الفخر والتكبر لا إن قصد إظهار الفقر وصيانة المال وإلا فليس من الإيمان من عرَّض النعمة للكفران وأعرض عن شكر المنعم المنان لأن الله يحب أن يرى أثر نعمته على عبده .
فالحسن والقبح في أشباه هذا بحسب قصد القائم بها إنما الأعمال بالنيات .
(حديث عبد الله بن عمرو في صحيح الترمذي) أن النبي ( قال : إن الله يحب أن يرى أثر نعمته على عبده .
(4) اجتناب ثياب الشهرة :
(حديث ابن عمر في صحيحي أبي داوود وابن ماجة) أن النبي ( قال : من لبس ثوبَ شُهْرة ألبسه الله يوم القيامة ثوب مَذَلةٍ ثم يُلْهِبُ فيه النار .
( من لبس ثوب شهرة ) الشهرة ظهور الشيء في شنعة بحيث يشتهر به
((1/211)
ألبسه اللّه يوم القيامة ثوب مذلة) ثوب مذلة أي يشمله بالذل كما يشمل الثوب البدن في ذلك الجمع الأعظم بأن يصغره في العيون ويحقره في القلوب لأنه لبس شهوة الدنيا ليفتخر بها على غيره .
( ثم يلهب فيه النار ) عقوبة له بنقيض فعله والجزاء من جنس العمل فأذله اللّه كما عاقب من أطال ثوبه خيلاء بأن خسف به فهو يتجلجل فيها إلى يوم القيامة .
(5) ذم التنعم :
(حديث معاذ في صحيح الجامع) أن النبي ( قال : إياك و التنعم فإن عباد الله ليسوا بالمتنعمين .
)إياك والتنعم فإن عباد اللّه ليسوا بالمتنعمين ) لأن التنعم بالمباح وإن كان جائزاً لكنه يوجب الأنس به ثم إن هذا محمول على المبالغة في التنعم والمداومة على قصده .
(6) تحريم إسبال الثياب :
كثُر الخلاف في مسألة إسبال الثياب من جِهة هل تحريم الإسبال معلقٌ على قصدِ الخيلاء أم لا ، وفصل الخطاب أن نقول أن الذي دلَّت عليه السنة الصحيحة وتجتمع فيه الأدلة أن المسألة على التفصيلِ الآتي :
[1] أن إسبال الإزار إذا قُصد به الخيلاء فعقوبته لا يكلمه الله يوم القيامة و لا ينظر إليه و لا يزكيه و لهم عذاب أليم وعليه يُحمل :
(حديث أبي هريرة في الصحيحين ) أن النبي ( قال : لا ينظر الله يوم القيامة إلى من جر إزاره بَطَرا .
(حديث ابن عمر في الصحيحين ) أن النبي ( قال : من جر ثوبه خُيلاء لم ينظر الله إليه يوم القيامة فقال أبو بكر : يا رسول اللّه إن أحد شِقَي ثوبي يسترخي إلا أن أتعاهد ذلك منه فقال له : إنك لست ذلك خيلاء .
(من جر ثوبه خُيلاء ) الخيلاء بضم الخاء أي العجب والتكبر في
( لم ينظر اللّه إليه ) وفي رواية لمسلم فإن اللّه لا ينظر إليه نظر رحمة ،
( يوم القيامة ) خصه لأنه محل الرحمة المستمرة بخلاف رحمة الدنيا فقد تنقطع بما يتجدد من الحوادث .
((1/212)
حديث أبي ذرٍ في صحيح مسلم) أن النبي ( قال : ثلاثة لا يكلمهم الله يوم القيامة و لا ينظر إليهم و لا يزكيهم و لهم عذاب أليم ، فقرأها رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ثلاث مرات فقال أبو ذر : خابوا وخسروا من هم يا رسول اللّه قال : المسبل إزاره و المنان الذي لا يعطي شيئا إلا منه و المنفق سلعته بالحلف الكاذب .
(ثلاثة لا يكلمهم اللّه ) تكليم رضى عنهم أو كلاماً يسرهم أو لا يرسل لهم الملائكة بالتحية وملائكة الرحمة ولما كان لكثرة الجمع مدخل عظيم في مشقة الخزي قال
( يوم القيامة ) الذي من افتضح في جمعه لم يفز
( ولا ينظر إليهم ) نظر رحمة وعطف ولطف
( ولا يزكيهم ) يطهرهم من الذنوب أو لا يثني عليهم
( ولهم عذاب أليم ) مؤلم يعرفون به ما جهلوا من عظمته واجترحوا من مخالفته
( المسبل إزاره ) أي المرخي له ، وخص الإزار لأنه عامة لباسهم فلغيره من نحو قميص حكمه
( والمنان ) الذي لا يعطي غيره شيئاً إلا منَّ أي اعتد به على من أعطاه أو المراد بالمن النقص من الحق والخيانة من نحو كيل ووزن ومنه { وإن لك لأجراً غير ممنون } أي منقوص
( والمنفق سلعته ) بشد الفاء أي الذي يروج بيع متاعه
( بالحلف الكاذب ) أي الفاجر
[2] وإن كان إسبال الإزار لم يُقصد به الخيلاء فعقوبته أن يُعَذَّب ما نزل من الكعبين بالنار وعليه يُحمل :
(حديث أبي هريرة في صحيح البخاري ) أن النبي ( قال : ما أسفل الكعبين من الإزار ففي النار .
(ما أسفل ) أي ما هو أسفل
( الكعبين ) العظمين الناتئين عند مفصل الساق والقدم
( من الإزار ) أي محل الإزار
( ففي النار ) ومعناه أن الذي دون الكعبين من القدم يعذب عقوبة له .
{ تنبيه } :( لا يصح حمل المطلق على المقيد هنا فنقول أن العذاب يلحق منت جرَّ ثوبه خيلاء لأن الحُكْمين مختلفان والسببين مختلفان ، ومتى اختلف الحكم والسبب امتنع حمل المطلق على المقيد لما يلزم من التناقض .
(7) تحريم التبختر في الثياب :
((1/213)
حديث أبي هريرة في الصحيحين ) أن النبي ( قال : بينما رجل يمشي في حُلةٍ تُعْجِبْه نَفْسُه مُرَّجِلٍ رأسَه إذ خسف الله به فهو يتجلجلُ في الأرض إلى يوم القيامة .
[يتجلجلُ] أي يغوص
(8) تحريم الحرير على الرجال :
(حديث أنس في الصحيحين ) أن النبي ( قال : من لبس الحرير في الدنيا فلن يلبسه في الآخرة .
(من لبس الحرير في الدنيا ) أي من الرجال كما أفاده الحديث المار " حرم الحرير والذهب على ذكور أمتي وأحلّ لإناثهم "
( لم يلبسه في الآخرة ) أي جزاؤه أن لا يلبسه فيها لاستعجاله ما أمر بتأخيره .
(حديث أبي موسى في صحيحي الترمذي وابن ماجة) أن النبي ( قال : حُرِّمَ لباسُ الحريرِ و الذهب على ذكور أمتي و أحل لإناثهم .
(9) إباحة الأعلام من الحرير :
(حديث عمر في الصحيحين ) قال : نهى رسول الله ( لبس الحرير إلا موضع أُصبعين أو ثلاث أو أربع .
(10) إباحة لبس الحرير للتداوي :
(حديث أنس في الصحيحين ) أن النبي ( رخَّص لعبد الرحمن بن عوفٍ والزبير في قميصٍ من حرير من حِكةٍ كانت بهما .
(الحِكة : الجرب
(11) تحريم الثوب المصبوغ بالعُصفر :
(حديث عبد الله بن عمرو في صحيح مسلم) قال : رأى رسول الله ( عليَّ ثوبين مُعَصْفَرين فقال :إن هذه من ثياب الكفار فلا تلبسها ، قلت أغسلها ؟ قال : لا أحرقها .
(12) تحريم ثياب الكفار :
(حديث عبد الله بن عمرو في صحيح مسلم) قال : رأى رسول الله ( عليَّ ثوبين مُعَصْفَرين فقال :إن هذه من ثياب الكفار فلا تلبسها ، قلت أغسلها ؟ قال : لا أحرقها .
(حديث ابن عمر في صحيح أبي داود) أن النبي ( قال : من تشبه بقوم فهو منهم
(من تشبه بقوم ) أي تزيا في ظاهره بزيهم وفي تعرفه بفعلهم وفي تخلقه بخلقهم وسار بسيرتهم وهديهم في ملبسهم وبعض أفعالهم أي وكان التشبه بحق قد طابق فيه الظاهر الباطن
( فهو منهم ) قال شيخ الإسلام رحمه الله تعالى : هذا الحديث أقل أحواله التحريم
(13): استحباب لبس القميص :
((1/214)
حديث أم سلمة في صحيحي أبي داوود والترمذي) قالت : رضي الله تعالى عنها : كان أحب الثياب إلى النبي ( القميص .
(كان أحب الثياب إلى النبي ( ) من جهة اللبس
( القميص ) أي كانت نفسه تميل إلى لبسه أكثر من غيره من نحو رداء أو إزار لأنه أستر منهما وأيسر لاحتياجهما إلى حل وعقد بخلافه فهو أحبها إليه لبساً والحبرة أحبها إليه رداء فلا تدافع بين حديثيهما .
(14) دعاء لبس الجديد :
(حديث أبي سعيد في صحيحي أبي داوود والترمذي) قال : كان إذا استجد ثوبا سمَّاه باسمه قميصا أو عمامة ثم يقول : اللهم لك الحمد أنت كسوتنيه أسألك من خيره و خير ما صنع له و أعوذ بك من شره و شر ما صنع له .
( كان إذا استجد ثوباً ) أي لبس ثوباً جديداً
( سمَّاه ) أي الثوب
(باسمه قميصاً) أي سواء كان قميصاً أو عمامة بأن يقول رزقني اللّه هذه العمامة .
( ثم يقول اللّهم لك الحمد أنت كسوتنيه)
( أسألك من خيره وخير ما صنع له وأعوذ بك من شره وشر ما صنع له ) وقال ابن العربي : خير ما صنع له استعماله في الطاعة وشر ما صنع له استعماله في المعصية وفيه ندب للذكر المذكور لكل من لبس ثوباً جديداً.
(حديث معاذ بن أنس الجُهَنِي في صحيحي أبي داوود والترمذي) أن النبي ( قال : من أكل طعاما ثم قال : الحمد لله الذي أطعمني هذا الطعام و رَزَقَنِيه من غير حول مني و لا قوة غُفر له ما تقدم من ذنبه و من لبس ثوبا فقال : الحمد لله الذي كساني هذا و رَزَقنيه من غير حول مني و لا قوة غفر له ما تقدم من ذنبه و ما تأخر .
(15) لبس العمامة :
(حديث جابر في صحيح الترمذي) قال دخل النبي ( مكة يوم الفتح وعليه عمامةٌ سوداء .
(حديث ابن عمر في صحيح الترمذي) قال: كان النبي ( إذا أعتم سدَلَ عِمامته بين كتفيه.
(16) آداب لبس النعل :
[1] إذا انتعل فليبدأ باليمين و إذا انتزع فليبدأ بالشمال .
((1/215)
حديث أبي هريرة في الصحيحين) أن النبي ( قال : إذا انتعل أحدكم فليبدأ باليمين و إذا انتزع فليبدأ بالشمال لتكن اليمنى أولهما تُنْعَل و آخِرْهُما تُنْزَع .
(إذا انتعل أحدكم ) أي لبس نعله
( فليبدأ باليمين )
( وإذا انتزع ) نعله أي نزعه وبه جاءت رواية
( فليبدأ ) ندباً
( بالشمال ) أي يخلعها لأن اللبس كرامة للبدن إذ هو وقاية من الآفات واليمين أحق بالإكرام فبدئ بها في اللبس وأخرت في النزع ليكون الإكرام بها أدوم وصيانتها وحفظها أكثر كما أشار إليه بقوله .
( لتكن اليمنى أولهما تُنْعَل و آخِرْهُما تُنْزَع ).
[2] لا يمش في نعلٍ واحد لِيُحْفِهما جميعا أو ليُنْعِلْهُما جميعا.
(حديث أبي هريرة في الصحيحين) أن النبي ( قال : لا يمش أحدكم في نعلٍ واحد لِيُحْفِهما جميعا أو ليُنْعِلْهُما جميعا.
[لِيُحْفِهما] أي ليجردهما
[3] أن لا ينتعل الرجل و هو قائم .
(حديث أبي هريرة في صحيحي الترمذي وابن ماجة) قال : نهى النبي ( أن ينتعل الرجل و هو قائم .
(نهى أن ينتعل الرجل وهو قائم ) والأمر للإرشاد لأن لبسها قاعداً أسهل وأمكن ومنه أخذ
[4] الإكثار من النعال
(حديث جابر في صحيح الجامع) أن النبي ( قال : أكثروا من هذه النعال فإن الرجل لا يزال راكبا ما انتعل .
(17) آداب لبس النساء :
فصل الخطاب في آداب لبس النساء يكون في ارتياد الحجاب الشرعي الذي فرضه الله تعالى عليهن ستراُ لهنّ وحفاظاً عليهنّ .
(وإليك بعض فضائل الحجاب الشرعي :
(1)الحجاب طاعةٌ لله تعالى ولرسوله ( ، وقد أوجب الله تعالى طاعته وطاعة رسوله ( :
قال تعالى: (وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلاَ مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَن يَعْصِ اللّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلّ ضَلاَلاً مّبِيناً) [سورة: الأحزاب - الآية: 36](1/216)
الشاهد قوله تعالى [وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلاَ مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ ]
فأعلم الله تعالى أنه لا اختيار على ما قضاه الله ورسوله .
وقد أمر الله تعالى بالحجاب فقال تعالى: (وَقُل لّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنّ وَلاَ يُبْدِينَ زِينَتَهُنّ إِلاّ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنّ عَلَىَ جُيُوبِهِنّ وَلاَ يُبْدِينَ زِينَتَهُنّ إِلاّ لِبُعُولَتِهِنّ أَوْ آبَآئِهِنّ أَوْ آبَآءِ بُعُولَتِهِنّ أَوْ أَبْنَآئِهِنّ أَوْ أَبْنَآءِ بُعُولَتِهِنّ أَوْ إِخْوَانِهِنّ أَوْ بَنِيَ إِخْوَانِهِنّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنّ أَوْ نِسَآئِهِنّ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنّ أَوِ التّابِعِينَ غَيْرِ أُوْلِي الإِرْبَةِ مِنَ الرّجَالِ أَوِ الطّفْلِ الّذِينَ لَمْ يَظْهَرُواْ عَلَىَ عَوْرَاتِ النّسَآءِ وَلاَ يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِن زِينَتِهِنّ وَتُوبُوَاْ إِلَى اللّهِ جَمِيعاً أَيّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلّكُمْ تُفْلِحُونَ) [سورة: النور - الآية: 31]
الشاهد قوله تعالى [وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنّ عَلَىَ جُيُوبِهِنّ]
(وليضربن بخمرهن على جيوبهن) أي يسترن الرؤوس والأعناق والصدور بالمقانع ، والخُمُر جمع خمار، وهو ما تغطي به المرأة رأسها، ومنه اختمرت المرأة ، والجيوب: جمع جيب، وهو موضع القطع من الدرع والقميص،
قال المفسرون: إن نساء الجاهلية كن يسدلن خمرهن من خلفهن، وكانت جيوبهن من قدام واسعة.
وقال تعالى: (يَأَيّهَا النّبِيّ قُل لأزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَآءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنّ مِن جَلاَبِيبِهِنّ ذَلِكَ أَدْنَىَ أَن يُعْرَفْنَ فَلاَ يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللّهُ غَفُوراً رّحِيماً) [سورة: الأحزاب - الآية: 59]
((1/217)
يا أيها النبي قل لأزواجك وبناتك ونساء المؤمنين يدنين عليهن من جلابيبهن) يقول تعالى آمرا رسوله صلى الله عليه وسلم تسليما أن يأمر النساء المؤمنات المسلمات - خاصة أزواجه وبناته لشرفهن - بأن يدنين عليهم من جلابيبهن ليتميزن عن سمات نساء الجاهلية وسمات الإماء والجلباب هو الملاءة التي تشتمل بها المرأة أي يرخين بعضها على الوجوه إذا خرجن لحاجتهن إلا عينا واحدة (ذلك أدنى) أقرب إلى (أن يعرفن) بأنهن حرائر (فلا يؤذين) بالتعرض لهن بخلاف الإماء فلا يغطين وجوههن فكان المنافقون يتعرضون لهن (وكان الله غفورا) لما سلف منهن لترك الستر (رحيما) بهن إذ سترهن
(2) الحجاب إيمان :
لأن الله تعالى لم يخاطب به إلا المؤمنات لقوله تعالى (وَقُل لّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنّ وَلاَ يُبْدِينَ زِينَتَهُنّ إِلاّ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنّ عَلَىَ جُيُوبِهِنّ) [سورة: النور - الآية: 31]
وقال تعالى: (يَأَيّهَا النّبِيّ قُل لأزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَآءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنّ مِن جَلاَبِيبِهِنّ ذَلِكَ أَدْنَىَ أَن يُعْرَفْنَ فَلاَ يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللّهُ غَفُوراً رّحِيماً) [سورة: الأحزاب - الآية: 59]
(3) الحجاب طهارة :
قال تعالى: (وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنّ مَتَاعاً فَاسْأَلُوهُنّ مِن وَرَآءِ حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنّ ً) [سورة: الأحزاب - الآية: 53]
الشاهد قوله تعالى : (ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنّ ً) [ الأحزاب / 53]
فبين الله تعالى أن الحجاب طهارةٌ لقلوب المؤمنين والمؤمنات .(1/218)
و آية الحجاب هذه مما وافق تنزيلها قول عمر بن الخطاب رضي الله عنه كما (ثبت ذلك في الصحيحين عنه أنه قال وافق ربي عز وجل في ثلات قلت يا رسول الله لو اتخذت من مقام إبراهيم مصلى فأنزل الله تعالى "واتخذوا من مقام إبراهيم مصلي "وقلت يا رسول الله إن نساءك يدخل عليهن البر والفاجر فلو حجبتهن فأنزل الله آية الحجاب وقلت لأزواج النبي صلى الله عليه وسلم لما تمالأن عليه في الغيرة "عسى ربه إن طلقكن أن يبدله أزواجا خيرا منكن "فنزلت كذلك .
(4) الحجاب عفة :
لقوله تعالى يَأَيّهَا النّبِيّ قُل لأزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَآءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنّ مِن جَلاَبِيبِهِنّ ذَلِكَ أَدْنَىَ أَن يُعْرَفْنَ فَلاَ يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللّهُ غَفُوراً رّحِيماً) [سورة: الأحزاب - الآية: 59]
الشاهد قوله تعالى : (ذَلِكَ أَدْنَىَ أَن يُعْرَفْنَ فَلاَ يُؤْذَيْنَ) أي ذلك أحرى أن يعرفن بأنهن عفيفات بلبسهن الحجاب ، (فَلاَ يُؤْذَيْنَ) أي لا يتعرضُ لهن الفساق بأذى من قولٍ أو فعل .
(5) الحجاب ستر :
قال تعالى: (يَابَنِيَ آدَمَ قَدْ أَنزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاساً يُوَارِي سَوْءَاتِكُمْ وَرِيشاً وَلِبَاسُ التّقْوَىَ ذَلِكَ خَيْرٌ ذَلِكَ مِنْ آيَاتِ اللّهِ لَعَلّهُمْ يَذّكّرُونَ) [سورة: الأعراف - الآية: 26]
[*] قال عبد الرحمن بن أسلم : يتقي فيواري عورته ، فذاك لباس التقوى ، ولذلك تجد وظيفة اللباس عند من لا يتقون الله تعالى ولا يستحون منه كعامة الغربيين مثلاً لا يتجاوز غاية الزينة والرياش ، وأما المؤمنون المتقون فإنهم يحرصون على اللباس أولاً لستر العورة التي يستحي من إظهارها ثم بعد ذلك لهم سعة في إظهار الزينة والتجمل .
(حديث يعلى بن أمية في صحيحي أبي داوود والنسائي) أن النبي ( قال : إن الله حييٌ سِتِّير يحب الحياء والستر ، فإذا اغتسل أحدكم فليستتر .
[*](شروط الحجاب الشرعي :
(للحجاب الشرعي شروطٌ ثمانية هي :
((1/219)
1) استيعاب جميع البدن حتى الوجه على الراجح
(2) أن لا يكون زينةً في نفسه
(3) أن يكون صفيقاً لا يشف
(4) أن يكون فضفاضاً لا يصف .
(5) أن لا يكون مُبخراً مطيباً
(6) أن لا يشبه لباس الرجل
(7) أن لا يشبه لباس الكافرات
(8) أن لا يكون لباس شهرة
وإليك تفصيل ذلك :
[الشرط الأول] استيعاب جميع البدن حتى الوجه على الراجح
قال تعالى: (يَأَيّهَا النّبِيّ قُل لأزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَآءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنّ مِن جَلاَبِيبِهِنّ ذَلِكَ أَدْنَىَ أَن يُعْرَفْنَ فَلاَ يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللّهُ غَفُوراً رّحِيماً) [سورة: الأحزاب - الآية: 59]
الشاهد قوله تعالى [يَأَيّهَا النّبِيّ قُل لأزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَآءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنّ مِن جَلاَبِيبِهِنّ]
والجلباب : ثوبٌ أكبر من الخمار تستر به جميع بدنها حتى وجهها إلا ما ترى به الطريق .
{ تنبيه } :( ممن قال أن المقصود بقوله تعالى [يُدْنِينَ عَلَيْهِنّ مِن جَلاَبِيبِهِنّ] هو ستر جميع البدن حتى الوجه إلا ما ترى به الطريق جملةٌ من الأئمة منهم الإمام الطبري والقرطبي وابن كثير والرازي والزمخشري والنسفي وابن حبان ، وجلال الدين المحليّ وجلال الدين السيوطي والشنقيطي وعبد الرحمن بن ناصر السعدي وغيرهم .
وقال تعالى: (وَقُل لّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنّ وَلاَ يُبْدِينَ زِينَتَهُنّ إِلاّ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنّ عَلَىَ جُيُوبِهِنّ )
الشاهد قوله تعالى[وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنّ عَلَىَ جُيُوبِهِنّ]
[*] قال شيخ الإسلام رحمه الله تعالى : [ الخُمُر] التي تغطي الرأس والوجه والعنق ، والجلابيب التي تسدل من فوق الرؤوس حتى لا يظهر من لا بسها إلا العينان .
(حديث ابن مسعود في صحيح الترمذي) أن النبي ( قال : المرأة عورة فإذا خرجت استشرفها الشيطان .(1/220)
الشاهد قوله ( [المرأة عورة] وهوقولٌ عام يشمل جميع البدن حتى وجهها .
قال شيخ الإسلام رحمه الله تعالى : كل شيءٍ منها عورة حتى ظفرها .
(حديث ابن عمر في الصحيحين) أن النبي ( قال : ولا تنتقب المرأة المحرمة ولا تلبس القُفازين)
الشاهد قوله ( [ولا تنتقب المرأة المحرمة] هذا دليلٌ واضح على لبس النقاب في غير الإحرام لأنه من محظورات الإحرام .
(حديث ابن عمر في صحيحي أبي داوود والترمذي) أن النبي ( قال : من جر ثوبه خيلاء لم ينظر الله إليه يوم القيامة فقالت أم سلمة: يا رسول اللّه فكيف تصنع النساء بذيولهن قال : يرخين شبراً قالت : إذن تنكشف أقدامهن قال : فترخيه ذراعاً لا يزدن عليه .
قال الشيخ ابن عثيمين حفظه الله تعالى : في الحديث دليل على وجوب ستر قدم المرأة وأنه معلوم عند نساء الصحابة رضي الله تعالى عنهم ، والقدم أقل فتنة من الوجه والكفين اتفاقا ، وعليه فيجب ستر الوجه من باب أولى .
[ الشرط الثاني] أن لا يكون زينةً في نفسه
لقوله تعالى: (وَلاَ يُبْدِينَ زِينَتَهُنّ إِلاّ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنّ عَلَىَ جُيُوبِهِنّ )
... [ النور /31]
[*] قال العلامة الألباني حفظه الله تعالى : المقصود من الأمر بالجلباب سترُ زينة المرأة فلا يعقل حينئذٍ أن يكون الجلباب نفسه زينة .
[ الشرط الثالث] : أن يكون صفيقاً لا يشف :
وذلك لأن الستر لا يتحقق إلا بالصفيق ، أما الشفاف فإنه يزيد المرأة فتنةً وزينة
(حديث أبي هريرة في صحيح مسلم) أن النبي ( قال : صنفان من أهل النار لم أرهما: رجالٌ معهم سياط كأذناب البقر يضربون بها الناس ، و نساءٌ كاسياتٌ عارياتٌ مائلاتٌ مميلاتٌ رءوسهُن كأسنمةِ البُخت المائلة لا يدخلن الجنة و لا يجدن ريحها و إن ريحها ليوجد من مسيرة كذا و كذا .(1/221)
الشاهد قوله ( [و نساءٌ كاسياتٌ عارياتٌ مائلاتٌ مميلاتٌ رءوسهُن كأسنمةِ البُخت المائلة لا يدخلن الجنة و لا يجدن ريحها و إن ريحها ليوجد من مسيرة كذا و كذا ]
( ونساء كاسيات ) في الحقيقة
( عاريات ) في المعنى لأنهن يلبسن ثياباً رقاقاً يصف البشرة ، يسترن بعض بدنهن ويكشفن بعضه إظهاراً للجمال
( مائلاتٌ مميلاتٌ) مائلات متبخترات في مشيتهن مميلات أكتافهن وأكفالهن ،أو مائلات للرجال مميلات قلوبهم إلى الفساد بهم بما يبدين من زينتهن .
( رؤوسهن كأسنمة البخت المائلة ) أي يُعَظِّمْنَ رؤوسهن بالخُمُرِ والعمائم التي يلففنها على رؤوسهن حتى تشبه أسنمة الإبل
( لا يدخلن الجنة ) مع الفائزين السابقين أو مطلقاً إن استحللن .
[ الشرط الرابع] : أن يكون فضفاضاً لا يصف .
وذلك لأن الغرض من الثياب رفع الفتنة ، واللباسُ الضيقة يحصل بها الفتنة لأنها وإن كانت تستر لون البشرة إلا أنها تصف حجم الجسم أو بعضه .
(حديث أسامة بن زيد في المسند) قال : كساني رسول الله ( قُبطيةً كثيفةً مما أهداها له دحيةُ الكلبي فكسوتها امرأتي فقال : ما لك لم تلبس القُبطية ؟ قلت كسوتها امرأتي . فقال : مُرْها فلتجعل تحتها غِلاله فإني أخافُ أن تصف حجم عِظامها .
[ الشرط الخامس أن لا يكون مبخراً ] :
(حديث أبي هريرة في صحيح مسلم) أن النبي ( قال : أيما امرأة أصابت بخورا فلا تشهد معنا العشاء الآخرة .
(أيما امرأة أصابت بخوراً فلا تشهد معنا العشاء الآخرة ) فيه حرمة التطيب على مريدة الخروج إلى المسجد لما فيه من تحريك داعية شهوة الرجال .
(حديث أبي موسى في صحيح النسائي) أن النبي ( قال : أيما امرأة استعطرت ثم خرجت فمرت على قوم ليجدوا ريحها فهي زانية و كل عين زانية .
( أيما امرأة استعطرت ) أي استعملت العطر أي الطيب يعني ما يظهر ريحه منه
( ثم خرجت فمرت على قوم ليجدوا ريحها ) أي بقصد ذلك
((1/222)
فهي زانية ) أي كالزانية في حصول الإثم وإن تفاوت لأن فاعل السبب كفاعل المسبب قال الطيبي : شبه خروجها من بيتها متطيبة مهيجة لشهوات الرجال التي هي بمنزلة رائد الزنا بالزنا مبالغة وتهديداً وتشديداً عليها
( وكل عين زانية ) أي كل عين نظرت إلى محرم من امرأة أو رجل فقد حصل لها حظها من الزنا إذ هو حظها منه وأخذ بعض المالكية من الحديث حرمة التلذذ بشم طيب أجنبية لأن اللّه إذا حرم شيئاً زجرت الشريعة عما يضارعه مضارعة قريبة وقد بالغ بعض السلف في ذلك حتى كان ابن عمر رضي اللّه عنه ينهى عن القعود بمحل امرأة قامت عنه حتى يبرد .
[ الشرط السادس أن لا يشبه لبس الرجل ] :
(حديث ابن عباس في صحيح البخاري) قال لعن رسول الله ( المتشبهين من الرجال بالنساء والمتشبهات من النساء بالرجال .
[ الشرط السابع أن لا يشبه لبس الكافرات ] :
(حديث عبد الله بن عمرو في صحيح مسلم) قال : رأى رسول الله ( عليَّ ثوبين مُعَصْفَرين فقال :إن هذه من ثياب الكفار فلا تلبسها ، قلت أغسلها ؟ قال : لا أحرقها .
(حديث ابن عمر في صحيح أبي داود) أن النبي ( قال : من تشبه بقوم فهو منهم .
(من تشبه بقوم ) أي تزيا في ظاهره بزيهم وفي تعرفه بفعلهم وفي تخلقه بخلقهم وسار بسيرتهم وهديهم في ملبسهم وبعض أفعالهم أي وكان التشبه بحق قد طابق فيه الظاهر الباطن
( فهو منهم ) قال شيخ الإسلام رحمه الله تعالى : هذا الحديث أقل أحواله التحريم
[ الشرط الثامن أن لا يكون لبس شهرة ] :
(حديث ابن عمر في صحيحي أبي داوود وابن ماجة) أن النبي ( قال : من لبس ثوبَ شُهْرة ألبسه الله يوم القيامة ثوب مَذَلةٍ ثم يُلْهِبُ فيه النار .
(من لبس ثوب شهرة ) الشهرة ظهور الشيء في شنعة بحيث يشتهر به .
( ألبسه اللّه يوم القيامة ثوب مذلة) ثوب مذلة أي يشمله بالذل كما يشمل الثوب البدن في ذلك الجمع الأعظم بأن يصغره في العيون ويحقره في القلوب لأنه لبس شهوة الدنيا ليفتخر بها على غيره .
((1/223)
ثم يلهب فيه النار ) عقوبة له بنقيض فعله والجزاء من جنس العمل فأذله اللّه كما عاقب من أطال ثوبه خيلاء بأن خسف به فهو يتجلجل فيها إلى يوم القيامة .
{ تنبيه } :وجدير بنا هنا أن نلفت النظر إلى تعريف التبرج ثم ذكر مساوئ التبرج حتى تجتنبه المؤمنات وتحترز منه وتفرُ منه فرارها من الأسد فإنه من قبائح الذنوب وفواحش العيوب ، ومن صفات الجاهلية الأولى التي أتى الإسلام لتطهير النفوس من دنسها .
(التبرج هو إظهار الزينة وإبراز المرأة لمحاسنها ،
(وهاك بعض مساوئ التبرج والعياذ بالله :
(1) التبرج من صفات أهل النار :
(حديث أبي هريرة في صحيح مسلم) أن النبي ( قال : صنفان من أهل النار لم أرهما: رجالٌ معهم سياط كأذناب البقر يضربون بها الناس ، و نساءٌ كاسياتٌ عارياتٌ مائلاتٌ مميلاتٌ رءوسهُن كأسنمةِ البُخت المائلة لا يدخلن الجنة و لا يجدن ريحها و إن ريحها ليوجد من مسيرة كذا و كذا .
الشاهد قوله ( [و نساءٌ كاسياتٌ عارياتٌ مائلاتٌ مميلاتٌ رءوسهُن كأسنمةِ البُخت المائلة لا يدخلن الجنة و لا يجدن ريحها و إن ريحها ليوجد من مسيرة كذا و كذا ]
( ونساء كاسيات ) في الحقيقة
( عاريات ) في المعنى لأنهن يلبسن ثياباً رقاقاً يصف البشرة ، يسترن بعض بدنهن ويكشفن بعضه إظهاراً للجمال
( مائلاتٌ مميلاتٌ) مائلات متبخترات في مشيتهن مميلات أكتافهن وأكفالهن ،أو مائلات للرجال مميلات قلوبهم إلى الفساد بهم بما يبدين من زينتهن .
( رؤوسهن كأسنمة البخت المائلة ) أي يُعَظِّمْنَ رؤوسهن بالخُمُرِ والعمائم التي يلففنها على رؤوسهن حتى تشبه أسنمة الإبل
( لا يدخلن الجنة ) مع الفائزين السابقين أو مطلقاً إن استحللن .
( ولا يجدن ريحها ) أي الجنة
( وإن ريحها ليوجد من مسيرة كذا وكذا ) كناية عن خمسمائة عام أي يوجد من مسيرة خمسمائة عام كما جاء مفسراً في رواية أخرى .
(2) التبرج جاهليةٌ منتنة :(1/224)
قال تعالى: (وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنّ وَلاَ تَبَرّجْنَ تَبَرّجَ الْجَاهِلِيّةِ الاُولَىَ) [سورة: الأحزاب - الآية: 33]
الشاهد قوله تعالى : [ وَلاَ تَبَرّجْنَ تَبَرّجَ الْجَاهِلِيّةِ الاُولَىَ]
(ولا تبرجن تبرج الجاهلية الأولى) أي ما قبل الإسلام من إظهار النساء محاسنهن للرجال .
(حديث ابن عباس في صحيح البخاري) أن النبي ( قال : أبغض الناس إلى الله ثلاثة : مُلْحِدٌ في الحرم ومبتغٍ في الإسلام سنة الجاهلية ومُطَّلِبٌ دمَ امرئٍ بغير حق ليهريق دمه .
الشاهد قوله ( [ومبتغٍ في الإسلام سنة الجاهلية]
( مبتغ ) طالب
( في الإسلام ) أي في دينه
( سنة الجاهلية ) أي إحياء طريقة الجاهلية ، ومنها التبرج والعياذ بالله .
[*] قال الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى :
[سنة الجاهلية] : اسم جنس يعم جميع ما كان أهل الجاهلية يعتمدونه .
(3) التبرج معصيةٌ لله ورسوله :
(حديث أبي هريرة في صحيح البخاري) أن النبي ( قال : كل أمتي يدخلون الجنة إلا من أبى ، قيل: ومن يأبى يا رسول اللّه؟ من أطاعني دخل الجنة و من عصاني فقد أبى .
(كل أمتي يدخلون الجنة إلا من أبى ) بفتح الهمزة والموحدة بامتناعه عن قبول الدعوى أو بتركه الطاعة التي هي سبب لدخولها لأن من ترك ما هو سبب شيء لا يوجد بغيره فقد أبى أي امتنع .
( من أطاعني ) أي انقاد وأذعن لما جئت به
( دخل الجنة ) وفاز بنعيمها الأبدي ، بين أن إسناد الامتناع عن الدخول إليهم مجاز عن الامتناع لسببه وهو عصيانه بقوله
( ومن عصاني ) بعدم التصديق أو بفعل المنهي
( فقد أبى ) فله سوء المنقلب بإبائه والموصوف بالإباء إن كان كافرا لا يدخل الجنة أصلا أو مسلماً لم يدخلها مع السابقين الأولين .
والمعنى : من أطاعني وتمسك بالكتاب والسنة دخل الجنة ومن اتبع هواه وزل عن الصواب وخل عن الطريق المستقيم دخل النار .
(4) التبرج هلاكٌ مُحَقق بنص السنة الصحيحة :
((1/225)
حديث فضالة بن عبيد في صحيح الأدب المفرد) أن النبي ( قال : ثلاثةٌ لا تسأل عنهم : رجلٌ فارق الجماعة وعصى إمامه فمات عاصياً ، وأمةٌ أوعبدٌ أبق فمات ، وامرأةٌ غاب عنها زوجها فتبرجَّت بعده ، فلا تسأل عنهم .
معنى لا تسأل عنهم : أي لا تسأل عن هلكتهم أي هلاكهم محقق ، ومن بينهم المرأة المتبرحة .
ومن أفضل الآداب في الصحبة ومعاشرة الخلق التحلي بآداب الزينة ، ومن هذه الآداب ما يلي :
[1] إكرام الشعر : ويكون إكرام الشعر بتسريحه ودهنه وتنظيفه :
(حديث أبي هريرة في صحيح أبي داود) أن النبي ( قال : من كان له شعر فليكرمه .
( من كان له شعر فليكرمه ) بتعهده بالتسريح والترجيل والدهن ولا يتركه حتى يتشعث ويتلبد لكنه لا يفرط في المبالغة في ذلك للنهي عن الترجل إلا غباً .
[2] النهي عن الترجل إلا غباً :
(حديث عبد الله بن المُغَفَّل في صحيحي أبي داوود والترمذي) قال نهى النبي (عن الترجل إلا غباً .
( نهى عن الترجل ) أي التمشط أي تسريح الشعر
( إلا غباً ) أي يوماً بعد يوم فلا يكره بل يسن فالمراد النهي عن المواظبة عليه والاهتمام به لأنه مبالغة في التزيين لأن ذلك من فعل المتنعمين
(حديث معاذ في صحيح الجامع) أن النبي ( قال : إياك و التنعم فإن عباد الله ليسوا بالمتنعمين .
[3] إباحة الضفائر :
(حديث أم هانئ في صحيحي أبي داوود والترمذي) قالت : قدم النبي ( إلى مكة وله أربع غدائر أي ضفائر .
[4] النهي عن القزع : والقزع هو السحاب المتفرق ، والمقصود به حلق بعض الشعر وترك بعضه بحيث يشبه السحاب المتفرق
(حديث ابن عمر في الصحيحين) أن النبي ( نهى عن القَزْع .
(حديث ابن عمر في صحيح مسلم) أن النبي ( رأى صبياً حُلِق بعض رأسه وترك بعضاً فنهى عن ذلك وقال : احلقوه كُله أو اتركوه كله .
الشاهد قوله( [احلقوه كُله أو اتركوه كله](1/226)
فإن الحلق لبعض الرأس وترك بعضه مثله ويسمى القزع فهو مكروه مطلقاً تنزيهاً إلا لعذر سواء كان لرجل أو امرأة ذكره النووي وسواء كان في القفا أو الناصية أو الوسيط خلافاً لبعضهم وأكده بقوله كله دفعاً لتوهم التجوز بإرادة الأكثر وذلك لما فيه من التشويه وتقبيح الصورة والتعليل بذلك كما قال القرطبي أشبه منه بأنه زي أهل الدعارة والفساد وبأنه زي اليهود وفهم من إطلاقه عموم النهي كما لو ترك منه مواضع متفرقة أو حلق الأكثر وترك محلاً واحداً وهذا من كمال محبة المصطفى صلى الله عليه وسلم للعدل فإنه أمر به حتى في شأن الإنسان مع نفسه فنهاه عن حلق بعض وترك بعض لأنه ظلم للرأس حيث ترك بعضه كاسياً وبعضه عارياً ونظيره المشي في نعل واحدة وقوله احلقوه كله يدل على جواز الحلق وهو مذهب الجمهور .
[5] النهي عن نتف الشيب :
(حديث عبد الله بن عمرو في صحيحي أبي داوود والترمذي) أن النبي ( قال : لا تنتفوا الشيب فإنه نور المسلم يوم القيامة .
(حديث كعب بن مُره في صحيحي الترمذي والنسائي) أن النبي ( قال : من شاب شيبةً في الإسلام كانت له نورا يوم القيامة .
(من شاب شيبة في الإسلام كانت له نوراً يوم القيامة ) أي يصير الشيب نفسه نوراً يهتدي به صاحبه ويسعى بين يديه في ظلمات الحشر إلى أن يدخله الجنة والشيب وإن لم يكن من كسب العبد لكنه إذا كان بسبب من نحو جهاد أو خوف من اللّه ينزل منزلة سعيه فيكره نتف الشيب من نحو لحية وشارب وعنفقة .
[6] استحباب تغيير الشيب بالحناء والكَتَم :
(حديث أبي ذر في صحيح السنن الأربعة) أن النبي ( قال : إن أحسن ما غيرتم به هذا الشيب : الحناء و الكََََتَم .
(الكََََتَم) : نبات يجعل الشعر أسوداً مائلاً إلى الحُمرة .
(حديث أبي هريرة في الصحيحين) أن النبي ( قال : إن اليهود و النصارى لا يصبغون فخالفوهم .
(إن اليهود والنصارى لا يصبغون ) لحاهم وشعورهم
( فخالفوهم ) بأن تصبغوها .
[7] تحريم الخِضاب بالسواد :
((1/227)
حديث جابر في صحيح مسلم) قال أُتيَ بأبي قُحافة يوم الفتح ورأسه ولحيته كالثغامةِ بياضاً فقال النبي ( غيروا هذا بشيء و اجتنبوا السواد .
(حديث ابن عباس في صحيحي أبي داوود والنسائي) أن النبي ( قال : يكون في آخر الزمان قوم يخضبون بالسواد كحواصل الحمام لا يريحون رائحة الجنة .
[8] تحريم اتخاذ النساء قُصة ً من شعر :
(حديث معاوية في الصحيحين) أن النبي ( قال : هلكت بنو إسرائيل حين اتخذ هذه نساؤهم – يعني قُصةً من شعر .
[9] تحريم الوصل والوشم والنمص للنساء :
(حديث ابن عمر في الصحيحين) أن النبي ( قال : لعن الله الواصلة و المستوصلة و الواشمة و المستوشمة .
( لعن اللّه الواصلة ) التي تحاول وصل الشعر بيدها والوصل هو وصل الشعر بشعر آخر ليطول .
(والمستوصلة ) التي تطلب ذلك وتطاوعها على فعله بها قال القرطبي : ووصله
أن يضاف إليه شعر آخر يكثر به ، هذا نص في تحريم وصل الشعر بشعر
( والواشمة والمستوشمة ) وذلك كله حرام
(حديث ابن مسعود في الصحيحين) أن النبي ( قال : لعن الله الواشمات و المستوشمات و النامصات و المتنمصات و المتفلجات للحسن المغيرات خلق الله .
( لعن اللّه الواشمات ) جمع واشمة وهي التي تشم غيرها
( والمستوشمات ) جمع مستوشمة وهي التي تطلب الوشم ، والوشم هو تغير لون الجلد بزرقة أو خضرة أو سواد وذلك بغرز الإبرة فيه وذرَّ النَّيلَج عليه حتى يزرق أثره أو يخضرَّ .
( والنامصات ) جمع متنمصة المتنمصات بتاء ثم نون قال في التنقيح : وروى بتقدم النون على التاء ومنه قيل للمنقاش منماص لأنه ينتف وهي التي تطلب إزالة شعر الوجه والحواجب بالمنقاش
( والمتفلجات ) بالجيم
( للحسن ) أي لأجله جمع متفلجة وهي التي تفعل الفلج في أسنانها أي تعانيه حتى ترجع المصمتة الأسنان خلقة فلجاء صنعة وذلك بترقيق الأسنان ، الفلج : تباعد ما بين الثنايا.(1/228)
المتفلّجة : التي تتكلف في فعل ذلك بصناعة وهو محبوب إلي العرب مستحسن إليهم فمن فعلت ذلك طلبا للحسن فهو مذموم.
( المغيرات خلق اللّه ) هي صفة لازمة لمن تصنع الثلاثة فلا يجوز للمرأة تغير شيء من خلقتها بزيادة ولا نقص التماساً للتحسن للزوج ولا غيره.
[*] قال القرطبي في « الجامع لأحكام القرآن » (5/369) :
« وهذه الأمور قد شهدت الأحاديث بلعن فاعلها وأنها من الكبائر ، واختلف في المعنى الذي نهى لأجلها . فقيل : لأنها من باب التدليس . وقيل : من باب تغيير خلق الله تعالى كما قال ابن مسعود وهو أصح وهو يتضمن المعنى الأول » .
[10] استحباب الطيب :
(حديث أنس في صحيح البخاري) أن النبي ( كان لا يرد الطيب .
(كان لا يرد الطيب ) لأنه كما في خبر مسلم خفيف المحمل طيب الريح ولا منة في قبوله ومن العلة أخذ أن المراد بالطيب الريحان بل نص خبر مسلم من عرض عليه ريحان
(حديث أبي هريرة في صحيح مسلم) أن النبي ( قال : من عرض عليه ريحان فلا يرده فإنه خفيف المَحمِل طيب الريح .
( من عرض عليه ريحان ) أي نبت طيب الريح من أنواع المشموم
( فلا يرده ) برفع الدال على الفصيح المشهور
( فإنه خفيف المحمل ) بفتح الميم الأولى وكسر الثانية مصدر ميمي أي قليل المنة
( طيب الريح ) تعليل ببعض العلة لا بتمامها والمراد لا يرده لأنه هدية قليلة نافعة ولا مؤونة فيها ولا منة ولا يتأذى المهدي بها فردها لا وجه له ، وفيه الترغيب في استعمال الطيب وعرضه من يستعمله .
(حديث أبي سعيد في صحيح مسلم ) أن النبي ( قال : المسكُ أطيب الطيب .
{ تنبيه } :( يجدر بنا هنا أن نبين الفرق بين طيب الرجل وطيب المرأة
(حديث أبي هريرة في صحيحي الترمذي والنسائي ) أن النبي ( قال : طِيب الرجال ما ظهر ريحُه و خَفِيَ لونُه و طِيبُ النساءِ ما ظهر لونُه و خَفِيَ ريحُه .
(طيب الرجال ) اللائق بهم المناسب لشهامتهم
((1/229)
ما ظهر ريحه وخفي لونه ) كالمسك والعنبر قال العامري : نبه المصطفى صلى اللّه عليه وسلم على أدبه للرجال وللنساء ففيما ظهر لونه رعونة وزينة لا يليق بالرجولية
( وطيب النساء ما ظهر لونه وخفي ريحه ) أي إذا أرادت الخروج أما عند زوجها فتتطيب بما شاءت .
[11] النهي عن المبالغة في التطيب :
(حديث أنس في الصحيحين) قال : نهى النبي ( أن يتزعفر الرجل .
*والتزعفر : هو التلطخ بالزعفران .
[12] تحريم الطيب الذي تخرج رائحته للنساء خارج البيت :
(حديث أبي هريرة في صحيح مسلم) أن النبي ( قال : أيما امرأة أصابت بخورا فلا تشهد معنا العشاء الآخرة .
( أيما امرأة أصابت بخوراً فلا تشهد معنا العشاء الآخرة ) فيه حرمة التطيب على مريدة الخروج إلى المسجد لما فيه من تحريك داعية شهوة الرجال .
(حديث أبي موسى في صحيح النسائي) أن النبي ( قال : أيما امرأة استعطرت ثم خرجت فمرت على قوم ليجدوا ريحها فهي زانية و كل عين زانية .
( أيما امرأة استعطرت ) أي استعملت العطر أي الطيب يعني ما يظهر ريحه منه .
( ثم خرجت فمرت على قوم ليجدوا ريحها ) أي بقصد ذلك
( فهي زانية ) أي كالزانية في حصول الإثم وإن تفاوت لأن فاعل السبب كفاعل المسبب قال الطيبي : شبه خروجها من بيتها متطيبة مهيجة لشهوات الرجال التي هي بمنزلة رائد الزنا بالزنا مبالغة وتهديداً وتشديداً عليها ( وكل عين زانية ) أي كل عين نظرت إلى محرم من امرأة أو رجل فقد حصل لها حظها من الزنا إذ هو حظها منه وأخذ بعض المالكية من الحديث حرمة التلذذ بشم طيب أجنبية لأن اللّه إذا حرم شيئاً زجرت الشريعة عما يضارعه مضارعة قريبة وقد بالغ بعض السلف في ذلك حتى كان ابن عمر رضي اللّه عنه ينهى عن القعود بمحل امرأة قامت عنه حتى يبرد .
[13] تحريم خاتم الذهب للرجال :
(حديث أبي هريرة في الصحيحين) أن النبي ( نهى عن خاتم الذهب .
((1/230)
حديث أبي موسى في صحيحي الترمذي وابن ماجة) أن النبي ( قال : حُرِّمَ لباسُ الحريرِ و الذهب على ذكور أمتي و أحل لإناثهم .
[14] إباحة خاتم الفضة :
(حديث أنس في صحيح البخاري ) أن النبي ( كان خاتمه من فضة فصه منه .
[15] يوضع خاتم الفضة تارةً في اليد اليمنى وتارةً في اليد اليسرى :
فصل الخطاب في مسألة هل يُلبس خاتم الفضة في يده اليمنى أم اليسرى
أن نقول أنه ورد في السنة الصحيحة أن النبي ( لبس الخاتم في يده اليمنى وورد أيضاً انه لبسه في يده اليسرى ، وهذا هو اختلاف التنوع وليس اختلاف التضاد ، والصواب فيه أن يلبس الخاتم في اليد اليمنى تارةً وفي اليد اليسرى تارةً .
(حديث أنس في صحيح مسلم ) قال كان خاتم رسول الله ( في هذه ، وأشار إلى الخنصر من يده اليسرى .
(حديث عليّ في صحيح النسائي) أن النبي ( كان يلبس خاتمه في يمينه .
{ تنبيه } :( ورد النهي عن التختم في الوسطى والتي تليها :
(حديث عليّ في صحيح مسلم) قال : نهاني رسول الله ( أن أتختم في هذه أو هذه ، فأومأ إلى الوسطى والتي تليها .
[16] الاقتصاد في الفراش فلا يُتخذ للزينة بغير حاجة :
(حديث جابر في صحيح مسلم ) أن النبي ( قال : فراش للرجل و فراش لامرأته و الثالث للضيف و الرابع للشيطان .
( فراش للرجل وفراش لامرأته )
( والثالث للضيف ) أي فراش واحد كاف للرجل وهكذا
( والرابع للشيطان ) لأنه زائد على الحاجة وسرف واتخاذه مماثل لعرض
الدنيا وزخارفها فهو للمباهاة والاختيال والكبر وذلك مذموم وكل مذموم يضاف
إلى الشيطان لأنه يرتضيه ويحث عليه .
[17] لا يُتخذ الجرس في الدواب للزينة :
(حديث أبي هريرة في صحيح مسلم) أن النبي ( قال : لا تصحب الملائكة رفقة فيها كلب و لا جرس .
(لا تصحب الملائكة ) وفي رواية لا تقرب ، وفي أخرى لا تتبع وهو يبين أن المراد بنفي الصحبة نفي مجرد اللقاء لا في الملازمة والمراد ملائكة الرحمة والاستغفار لا الحفظة ونحوهم
((1/231)
رفقة ) بضم الراء وكسرها جماعة مترافقة في سفر
( فيها كلب ) ولو لحراسة الأمتعة سفراً كما اقتضاه ظاهر الخبر قال القرطبي وهو قول أصحاب مالك قال : لكن الظاهر أن المراد غير المأذون في اتخاذه لأن المسافر يحتاجه
( ولا جرس ) بفتح الراء الجلجل وبسكونها صوته وذلك لأنه من مزامير الشيطان والملائكة ضده ولأنه يشبه الناقوس فيكره تنزيهاً عند الشافعية جرس الدواب ، وقال ابن العربي المالكي : لا يجوز بحال لأنها أصوات الباطل وشعار الكفار اهـ . وزعم أن ذلك شعار الكفار ممنوع ، ومما فيه من المضارّ أنه يدل على أصحابه بصوته وكأنه عليه السلام يحب أن لا يعلم العدو به حتى يأتيهم فجأة ، وعطف ولا جرس على فيها كلب وإن كان مثبتاً لأنه في سياق النفي ، وذكر الرفقة في الحديث غالبي فلو سافر وحده كره له صحبة الجرس والكلب لوجود المعنى ولا يختص الحكم بجرس الإبل والخيل والبغال والحمر كذلك بل وعنق الرجل كما ذكره الزين العراقي .
(حديث أبي هريرة في صحيح مسلم) أن النبي ( قال : الجرس مزامير الشيطان .
مسألة : ما هو فضل إقراء السلام ؟
من أفضل الخصال التي يتحلى به المسلم إقراء السلام لأنه من أفضل خصال الإسلام بنص السنة الصحيحة ، ثم إنه من الأمور التي تجلب المحبة وتنشرها بين الناس ويترتب عليها الأجر الوفير .
(حديث عبد الله ابن عمرو في الصحيحين) أن رجلاً سأل النبي ( أيُ الإسلام خير ؟ قال : تُطعم الطعام وتُقرأ السلام على من عرفت ومن لم تعرف .
(حديث أبي هريرة في صحيح مسلم) أن النبي ( قال : و الذي نفسي بيده لا تدخلون الجنة حتى تؤمنوا و لا تؤمنوا حتى تحابوا أولا أدلكم على شيء إذا فعلتموه تحاببتم ؟ أفشوا السلام بينكم
(حديث عبد الله ابن سلام في صحيح الترمذي وابن ماجة) أن النبي ( قال : أيها الناس أطعموا الطعام وأفشوا السلام وصلوا بالليل والناس نيام تدخلوا الجنة بسلام .
((1/232)
حديث أنس في صحيح الأدب المفرد) أن النبي ( قال : إن السلام اسم من أسماء الله تعالى وضعه الله في الأرض فأفشوا السلام بينكم .
(حديث أبي هريرة في صحيح الأدب المفرد) أن النبي ( قال : أبخل الناس من بخل بالسلام وإن أعجز الناس من عجز بالدعاء ,
(حديث هانئ ابن يزيد في صحيح الجامع) أن النبي ( قال : إن من موجبات المغفرة بذلَ السلام وحسنَ الكلام .
(حديث أنس في صحيح الجامع ) أن النبي ( قال إن ليهود ليحسدونكم على السلام والتأمين .
(حديث أبي هريرة في الصحيحين) أن النبي ( قال : حق المسلم على المسلم خمس : رد السلام و عيادة المريض و اتباع الجنائز و إجابة الدعوة و تشميت العاطس .
(حديث عمران ابن حصين في صحيحي أبي داوود والترمذي) قال جاء رجلٌ إلى النبي ( فقال السلام عليكم فقال ( : عشر حسنات ، وجاء آخر فقال السلام عليكم ورحمة الله فقال : عشرون ، ثم جاء آخر فقال السلام عليكم ورحمة الله وبركاته فقال ثلاثون .
آداب السلام
مسألة : ما هي آداب السلام ؟
للسلام آدابٌ ينبغي على الإنسان أن يتحلى بها منها ما يلي :
1) رد السلام بتحيةٍ أحسن مثلها أو مثلها امتثالاً لقوله تعالى (وَإِذَا حُيّيتُم بِتَحِيّةٍ فَحَيّواْ بِأَحْسَنَ مِنْهَآ أَوْ رُدّوهَآ) ( النساء / 86)
2) يسلم الراكب على الماشي والماشي على القاعد والقليل على الكثير
(حديث أبي هريرة في الصحيحين) أن النبي ( قال : يسلم الراكب على الماشي والماشي على القاعد والقليل على الكثير .
3) من السنة التسليم على الصبيان :
(حديث أنس في الصحيحين) أنه مرَّ على صبيان فسلَّم عليهم وقال : كان النبي ( يفعله .
4) ويجوز السلام على مجموعة من النساء :
(حديث أسماء بنت يزيد في صحيحي أبي داوود والترمذي) قالت : مرّ علينا النبي ( في نسوة ٍ فسلَّم علينا .
{(1/233)
تنبيه } : ( إذا كانت المرأة واحدة فالأولى ألا يسلم عليها مخافة الفتنة ولا سيما إن كانت شابة لأن النبي ( أخبر أنه ما ترك بعده فتنة أضر على الرجال من النساء .
(حديث أسامة في الصحيحين) أن النبي ( قال : ما تركتُ بعدي فتنةً أضرُ على الرجال من النساء .
5) إذا اصطحب رجلان مسلمان فحال بينهما شجرٌ فليسلم أحدهما على الآخر :
(حديث أبي هريرة في صحيح أبي داود) أن النبي ( قال : إذا لقي أحدكم أخاه فليسلم عليه فإن حالت بينهما شجرة أو حجر ثم لقيه فليسلم عليه .
6) لا نبدأ اليهود والنصارى بالسلام :
(حديث أبي هريرة في الصحيحين) أن النبي ( قال : لا تبدءوا اليهود و لا النصارى بالسلام و إذا لقيتم أحدهم في طريق فاضطروه إلى أضيقه .
التحلي بالمصافحة من الرجل للرجل
مسألة : ما هي فضل المصافحة ؟
ويستحب مصافحة الرجل للرجل لما فيها من غفران الذنوب
(حديث البراء في صحيحي أبي داوود والترمذي) أن النبي ( قال ما من مسلمين يلتقيان فيتصافحان إلا غفر لهما قبل أن يتفرقا .
{ تنبيه } :( مصافحة الرجل للمرأة حرام قطعاً بنص السنة الصحيحة
(حديث معقل ابن يسار في صحيح الجامع) أن النبي ( قال لأن يُطعن في رأس أحدكم بمخيطٍ من حديد خير له من أن يمس امرأة لا تحل له .
*معنى مخيط : هو ما يخاط به كالإبرة والمسلة
من حديد : خصَّه لأنه أصلب من غيره وأشد في الطعن وأقوى في الإيلام
(حديث أميمة بنت رقيقة في صحيح الجامع) أن النبي ( قال : إني لا أصافح النساء .
التحلي بشكر المعروف
مسألة : ما هو فضل شكر المعروف ؟
ينبغي على المسلم أن يتحلى بشكر المعروف فإن ذلك مما حث عليه النبي ( كما بيَّن ( أن من لم يشكر الناس لا يوفق لشكر الله تعالى
((1/234)
حديث ابن عمر في صحيحي أبي داوود والنسائي) أن النبي ( قال : من استعاذكم بالله فأعيذوه و من سألكم بالله فأعطوه و من دعاكم فأجيبوه و من صنع إليكم معروفا فكافئوه فإن لم تجدوا ما تكافئونه فادعوا له حتى تروا أنكم قد كافأتموه .
(حديث أبي هريرة في صحيحي أبي داوود والترمذي) أن النبي ( قال : من لا يشكرُ الناس لا يشكرُ الله .
التخلي عن رذيلة كثرة الكلام
مسألة : ما هي مساوئ كثرة الكلام ؟
يجب على طالب العلم أن يتخلى عن كثرة الكلام فإنه من كثُر كلامه كثُر خطؤه ، وقد بينت السنةُ الصحيحة أن الإنسان الكثير الكلام من أبغض الناس إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأبعدهم منه مجلساً يوم القيامة
(حديث جابر في صحيح الترمذي) أن النبي ( قال : إن من أحبكم إلي و أقربكم مني مجلساً يوم القيامة أحاسنكم أخلاقا و إن من أبغضكم إلي و أبعدكم مني مجلساً يوم القيامة الثرثارون و المتشدقون و المتفيهقون قالوا : يا رسول الله قد علمنا الثرثارون والمتشدقون فما المتفيهقون ؟ قال : المتكبرون .
*معنى الثرثارون : كثيري الكلام
*معنى المتشدقون : الذي يتشدَّقُ على الناس في الكلام ويبذو عليهم
التخلي عن رذيلة التحدث بكل ما سمع
مسألة : ما هي مساوئ التحدث بكل ما سمع ؟
(حديث أبي هريرة في صحيح أبي داود) أن النبي ( قال : كفى بالمرء إثما أن يحدث بكل ما يسمع .
.(حديث ابن مسعود في صحيح أبي داوود ) أن النبي ( قال : بئس مطية الرجل زعموا .
(شبه النبي ( من لم يتثبت في كلامه بمن ركب مطية مذمومة غير محمودة وذلك لأنه يجب عليه أن يتثبت قبل أن يتكلم .
( حديث المعيرة في الصحيحين ) أن النبي ( قال : إن الله حرَّم عليكم عقوق الأمهات ووأد البنات ومنعاً وهات ، وكره لكم قيل وقال وكثرة السؤال وإضاعة المال .
الشاهد من الحديث : قوله ( وكره لكم قيل وقال ، وهو التحديث بهذه الصيغة التي تسبه زعموا والتي تفيد التحدث بدون تثبت .
التخلي عن الكذب(1/235)
يجب على طالب العلم أن يحفظ لسانه من الكذب ، وقد حذر النبي ( من الكذب ، وورد النكير الشديد في السنة الصحيحة على الكذب ، فقد بين النبي ( أن الكذب والعياذ بالله يهدي إلى الفجور وهو جوامع الشر والفجور يهدي إلى النار والعياذ بالله ، وبين كذلك أن الكذب من صفات المنافقين ، ولذا كان أبغض الخلق إليه الكذب .
(حديث ابن مسعود في الصحيحين ) أن النبي ( قال : عليكم بالصدق فإن الصدق يهدي إلى البر و إن البر يهدي إلى الجنة و ما يزال الرجل يصدق و يتحرى الصدق حتى يكتب عند الله صديقا و إياكم و الكذب فإن الكذب يهدي إلى الفجور و إن الفجور يهدي إلى النار و ما يزال الرجل يكذب و يتحرى الكذب حتى يكتب عند الله كذابا .
(حديث ابن عمر في صحيح البخاري ) أن النبي ( قال : أفرى الفِرى أن يُريَ الرجل عينيه ما لم تريا .
(حديث عائشة في صحيح الجامع) قالت : كان أبغض الخلق إليه الكذب .
(حديث أبي هريرة في الصحيحين ) أن النبي ( قال : آية المنافق ثلاث : إذا حدث كذب و إذا وعد أخلف و إذا ائتمن خان .
(حديث عبد الله ابن عمرو في الصحيحين ) أن النبي ( قال : أربعٌ من كن فيه كان منافقا خالصا و من كانت فيه خصلة منهن كانت فيه خصلة من النفاق حتى يدعها : إذا ائتمن خان و إذا حدث كذب و إذا عاهد غدر و إذا خاصم فجر .
(تحريم الكذب في الرؤيا :
(حديث ابن عباس في صحيح البخاري ) أن النبي ( قال : من تحلَّم بحُلمٍ لم يره كُلِّف أن يعقد بين شعيرتين ولن يفعل ، ومن استمع إلى حديث قومٍ وهم له كارهون صُبَّ في أُذنيه الآنكُ يوم القيامة ، ومن صور صورةً عُذِّب وكُلِّفَ أن ينفخ فيها الروح وليس بنافخ .
*معنى من تحلَّم: أي قال أنه رأى رؤيا ولم يرى(1/236)
معنى أن يعقد بين شعيرتين : هذا دليل على استمرار العذاب لأن العقد بين طرفي الشعيرة لا يمكن ولذا قال النبي ( ولن يفعل ، وهذا نظير قوله تعالى: (إِنّ الّذِينَ كَذّبُواْ بِآيَاتِنَا وَاسْتَكْبَرُواْ عَنْهَا لاَ تُفَتّحُ لَهُمْ أَبْوَابُ السّمَآءِ وَلاَ يَدْخُلُونَ الْجَنّةَ حَتّىَ يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمّ الْخِيَاطِ وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُجْرِمِينَ) [الأعراف / 40]
(حديث ابن عمر في صحيح البخاري ) أن النبي ( قال : أفرى الفِرى أن يُريَ الرجل عينيه ما لم تريا .
(تحريم الكذب لإضحاك القوم :
(حديث معاوية ابن حيدة في صحيحي أبي داوود والترمذي ) أن النبي ( قال :ويلٌ للذي يُحَدِّثُ فيكذبُ ليضحك به القوم ويلٌ له ويلٌ له .
{ تنبيه } :( ويجوز الكذب في ثلاثة أمور هي : الحرب والإصلاح بين الناس وحديث الرجل امرأته وحديث المرأة زوجها .
(حديث أم كلثوم بنت عقبة في الصحيحين) أن النبي ( قال : ليس الكذاب بالذي يصلح بين الناس فينمي خيرا أو يقول خيرا .
زاد مسلم (ولم أسمعه يُرَخَّص في شيء مما يقول الناس كذب إلا في ثلاث : الحرب والإصلاح بين الناس وحديث الرجل امرأته وحديث المرأة زوجها )
(جواز المعاريض :
(حديث عمران ابن حُصين في صحيح الأدب المفرد موقوفاً) قال إن في المعاريض لمندوحةٌ عن الكذب .
معنى مندوحة : سعة
[*] قال ابن عباس رضي الله تعالى عنهما : ما يسرني بمعاريض الكلام حُمُرُ النعم .
[*] وقال بعض السلف : كان لهم كلامٌ يدرؤون به عن أنفسهم العقوبة ، فقد لقي رسول الله ( طليعةً للمشركين وهو في نفرٍ من أصحابه فقال المشركون ممن أنتم ؟ فقال النبي ( نحن من ماء . فنظر بعضهم إلى بعض فقالوا : أحياء اليمن كثيرةٌ لعلهم منهم وانصرفوا .
وأراد النبي ( بقوله (من ماء) قوله قال تعالى: (خُلِقَ مِن مّآءٍ دَافِقٍ) [الطارق / 6]
[(1/237)
*] وكان حماد رحمه الله تعالى إذا جاء إليه من لا يريد الاجتماع به وضع يده على ضرسه وقال ضِرسي ضِرسي .
[*] وسئل أحمد عن المروزي وهو عنده ولم يرد أن يخرج إلى السائل فوضع أحمد أصبعه في كفه وقال ليس المروزي هاهنا وماذا يصنع المروزي ها هنا .
التخلي عن الغناء والاحتراز منه
قال تعالى: (وَمِنَ النّاسِ مَن يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلّ عَن سَبِيلِ اللّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتّخِذَهَا هُزُواً أُوْلََئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مّهِينٌ) [لقمان / 6]
قال ابن عباس وابن عمر وابن مسعود رضي الله تعالى عنهم : أن لهو الحديث في الآية هو الغناء .
[*] وقال الإمام القرطبي رحمه الله تعالى : أن قول أبن عباس وابن عمر وابن مسعود رضي الله تعالى عنهم هو أعلى ما ورد في تفسير الآية .
(حديث أبي مالك الأشعري في صحيح أبي داود) أن النبي ( قال : ليكونن في أمتي أقوام يستحلون الحر و الحرير و الخمر و المعازف .
معنى يستحلون الحر : الحِر أي الفروج ، يستحلون الحر أي يستحلون الفروج أي الزنا والعياذ بالله ، والمعازف آلات اللهو
{ تنبيه } :( هذا الحديث ذكره البخاري تعليقاً وهو موصولاً في صحيح أبي داوود .
*ونهى النبي ( عن بيع القينات أي المغنيات وعن شرائهن وبين أن ثمنهن حرام
(حديث أبي أمامة في صحيحي الترمذي وابن ماجة ) أن النبي ( قال : لا تبيعوا القينات و لا تشتروهن و لا تعلموهن و لا خير في تجارة فيهن و ثمنهن حرام في مثل هذا أنزلت هذه الآية { و من الناس من يشتري لهو الحديث } الآية .
(وبين النبي ( أن ظهور المغنيات والمعازف من أسباب حلول العذاب في هذه الأمة من الخسف والمسخ والقذف
(حديث عمران ابن حُصَين في صحيح الترمذي ) أن النبي ( قال : في هذه الأمة خسف و مسخ و قذف فقال رجلٌ من المسلمين : يا رسول الله ومتى ذلك ؟ إذا ظهرت القيان و المعازف و شربت الخمور .
معنى القيان : أي المغنيات
((1/238)
فالغناء ينبت النفاق في القلب كما ينبت الماء البقل ، بريد الزنا ورقيته .
وحب القرآن وألحان الغناء في قلب عبد ليس يجتمعان !
[*] قال الإمام ابن القيم في إغاثة اللهفان (1/414) عن الغناء : «ولا ينبغي لمن شم رائحة العلم أن يتوقف في تحريم ذلك فأقل ما فيه : أنه من شعار الفساق وشاربي الخمور » ا.هـ.
[*] قال شيخ الإسلام ابن تيمية في الفتاوى (15/313) : «ومن أقوى ما يهيج الفاحشة إنشاد أشعار الذين في قلوبهم مرض من العشق ! ومحبة الفواحش ، ومقدماتها بالأصوات المطربة ، فإن المغني إذا غنى بذلك حرك القلوب المريضة إلى محبة الفواحش ، فعندها يهيج مرضه ويقوى بلاؤه !! وإن كان القلب في عافيه من ذلك جعل فيه مرضاً !كما قال بعض السلف : الغناء رقية الزنا » ا.هـ.
[*] وقال الإمام ابن القيم في إغاثة اللهفان (1/442):
« ولا ريب أن كل غيور يجنب أهله سماع الغناء ، كما يجنبهن أسباب الريب ومن طرق أهله سماع رقية الزنا ، فهو أعلم بالاسم الذي يستحقه!
ومن الأمر المعلوم عند القوم : أن المرأة إذا استصعبت على الرجل اجتهد أن يسمعها صوت الغناء ، فحينئذٍ تعطي الليان!! فلعمر الله ، كم من حرة صارت بالغناء من البغايا!
وكم من حر أصبح به عبداً للصبيان أو الصبايا،وكم من غيور تبدل اسماً قبيحاً بين البرايا!
وكم من ذي غنى وثروة أصبح بسببه على الأرض بعد المطارف والحشايا!
وكم من معافى تعرض له ، فأمسى وقد حلت به أنواع البلايا!
وكم أهدى للمشغوف به من أشجان وأحزان ، فلم يجد بداً من قبول تلك الهدايا!
وكم جرع من غصة ، وأزال من نعمة ، وجلب من نقمة ، وذلك منه إحدى العطايا!
وكم خبأ لأهله من آلام منتظرة ، وغموم متوقعة ، وهموم مستقبلة ! » ا.هـ. مختصراً.
[*] وقال الحافظ ابن رجب رحمه الله في كتاب نزهة الأسماع في مسألة السماع (460):
«(1/239)
والغناء المشتمل على وصف ما جبلت النفوس على حبه ، والشغف به من الصور الجميلة يثير ما كمن في النفوس من تلك المحبة ، ويشوق إليها ، ويحرك الطبع ويزعجه عن الاعتدال ، ويؤزه إلى المعاصي أزاً، ولهذا قيل: إنه رقية الزنا !
وقد افتتن بسماع الغناء ، خلق كثير فأخرجهم استماعه إلى العشق!
وفتنوا في دينهم ، فلو لم يرد نص صريح في تحريم الغناء بالشعر ، الذي توصف فيه الصور الجميلة لكان محرماً بالقياس على النظر إلى الصور الجميلة !
التي حرم النظر إليها بالشهوة ، بالكتاب والسنة وإجماع من يعتد به من علماء الأمة » .
[*] وقال الإمام ابن القيم في إغاثة اللهفان (1/442) مبيناً أحوال المغنين :
« فيميل برأسه ، ويهز منكبيه ، ويضرب الأرض برجليه ، ويدق على أم رأسه بيديه !
ويثب وثبات الدباب ، ويدور دوران الحمار حول الدولاب ، ويصفق بيديه تصفيق النسوان!
ويخور من الوجد ولا كخوار الثيران ، وتارة يتأوه تأوه الحزين ، وتارة يزعق زعقات المجانين ! » ا.هـ.
[*] وقال ابن الجوزي في « تلبيس إبليس » (1/284) : « الغناء يخرج من الإنسان عن الإعتدال , ويغير العقل , وبيان هذا أن الإنسان إذا طرب فعل ما يستقبحه في حال صحته من غيره من تحريك رأسه , وتصفيق يديه , ودق الأرض برجليه إلى غير ذلك مما يفعله أصحاب العقول السخيفة , والغناء يوجب ذلك بل يقارب فعله فعل الخمر في تغطية العقل فينبغي أن يقع المنع منه » .
(وسماع الغناء يضاد سماع القرآن :
[*] قال الحافظ ابن رجب رحمه الله في كتاب نزهة الأسماع في مسألة السماع (417) :
« واعلم أن سماع الأغاني يضاد سماع القرآن من كل وجه !
فإن القرآن كلام الله ، ووحيه ونوره الذي أحيا الله به القلوب الميتة ، وأخرج العباد به من الظلمات إلى النور ، والأغاني وآلاتها مزامير الشيطان ، فإن الشيطان قرآنه الشعر ، ومؤذنه المزمار ومصائده النساء. كذا قال قتادة وغيره من السلف » ا.هـ.
(وقال رحمه الله (474) :
«(1/240)
ويوجب أيضاً سماع الملاهي النفرة عن سماع القرآن !كما أشار إليه الشافعي رحمه الله ، وعدم حضور القلب عند سماعه ،وقلة الانتفاع بسماعه ، ويوجب أيضاً قلة التعظيم لحرمات الله !فلا يكاد المدمن لسماع الملاهي ، يشتد غضبه لمحارم الله تعالى إذا انتهكت ! » ا.هـ.
التخلي والاحتراز من الشعر المحرم
وهو ما كان فيه مدحٌ بالباطل أو ذمُ قومٍ بالباطل أو قول زورٍ أو بهتان ، وعليه يحمل قوله تعالى: (وَالشّعَرَآءُ يَتّبِعُهُمُ الْغَاوُونَ224،أَلَمْ تَرَ أَنّهُمْ فِي كُلّ وَادٍ يَهِيمُونَ،وَأَنّهُمْ يَقُولُونَ مَا لاَ يَفْعَلُونَ) [الشعراء / 226:224 ]
ومنه الهجاء بغير حق :
(حديث عائشة في صحيح ابن ماجة) أن النبي ( قال : إن أعظم الناس عند الله فرية: لرجل هاجى رجلا فهجا القبيلة بأسرها و رجل انتفى من أبيه و زنى أمه .
( حكم الشعر :
مما يُجدر ذكره في هذا المقام أن الشعر ليس كله مذموم ولا محرم بل هو بمنزلة الكلام حسنه كحسن الكلام وقبيحه كقبيح الكلام بنص السنة الصحيحة
(حديث عائشة في صحيح الجامع ) أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : الشعر بمنزلة الكلام فحسنه كحسن الكلام و قبيحه كقبيح الكلام .
(أولاً النوع الجائز منه :
هو ما يكون فيه مدحٌ للإسلام والمسلمين ونصرة الحق وأهله ، وعليه تحمل الأحاديث الآتية :
(حديث أبي ابن كعب في الصحيحين) أن النبي ( قال : إن من الشعرِ حكمة .
وقد يكون الشعر من الجهاد باللسان .
(حديث أنس في صحيحي أبي داوود والترمذي) أن النبي ( قال : جاهدوا المشركين بأموالكم وأيديكم وألسنتكم .
(حديث أنس في صحيحي الترمذي والنسائي) أن النبي ( دخل مكة في عمرة القضاء وعبد الله بن رواحة يمشي بين يديه وهو يقول
خلوا بني الكفارِ عن سبيله ... اليومَ نضربكم علي تنزيله
ضرباً يَزِيلُ الهامَ عن مَقِيله ... ويذهلُ الخليلُ عن خليله(1/241)
فقال عمر : يا ابن رواحة ! بين يدي رسول الله ( وفي حرم الله عز وجل تقول الشعر ! فقال النبي ( : خلِّ عنه يا عمر فلهي أسرعُ فيهم من نضح النَّبل .
{ تنبيه } :( هذا النوع من الشعر المحمود يجب على طالب العلم أن يراعي فيه أن لا يشغل وقته كله أو معظمه بحيث يشغله عن الكتاب والسنة والعلوم الشرعية ، فلو حصل ذلك لكان محرماً .
(حديث أبي هريرة في الصحيحين) أن النبي ( قال : لأن يمتلئ جوف أحدكم قيحاً حتى يريه خير له من أن يمتلئ شعرا .
الشاهد من الحديث : أن النبي ( عبَّر بالامتلاء ، فنبه أنك أيها الإنسان لو ملئت جوفك قيحاً خيرٌ لك من أن تملأه شعراً ، وعلى هذا فيؤخذ من الشعر بقدر الحاجة فقط .
(ثانياً النوع المحرم :
وهو ما كان فيه مدحٌ بالباطل أو ذمُ قومٍ بالباطل أو قول زورٍ أو بهتان ، وعليه يحمل قوله تعالى: (وَالشّعَرَآءُ يَتّبِعُهُمُ الْغَاوُونَ224،أَلَمْ تَرَ أَنّهُمْ فِي كُلّ وَادٍ يَهِيمُونَ،وَأَنّهُمْ يَقُولُونَ مَا لاَ يَفْعَلُونَ) [الشعراء / 226:224 ]
ومنه الهجاء بغير حق :
(حديث عائشة في صحيح ابن ماجة) أن النبي ( قال : إن أعظم الناس عند الله فرية : لرجل هاجى رجلا فهجا القبيلة بأسرها و رجل انتفى من أبيه و زنى أمه .
التخلي عن رذيلة الغيبة
تعريف الغيبة : الغيبة هي ذكرك أخاك بما يكره بنص السنة الصحيحة
(حديث أبي هريرة في صحيح مسلم) أن النبي ( قال : أتدرون ما الغيبة ؟ قالوا الله ورسوله أعلم . قال : ذكرك أخاك بما يكره ، قيل أفرأيت إن كان في أخي ما أقول ؟ قال : إن كان فيه ما تقول فقد اغتبته و إن لم يكن فيه فقد بهته .
و الغيبة من آفات اللسان التي يجب على طالب العلم أن يحفظ لسانه منها ، وجاء في الكتاب والسنة الصحيحة النكيرُ الشديد والنهي الأكيد عن ارتكاب هذه الرذيلة(1/242)
قال تعالى: (وَلاَ يَغْتَب بّعْضُكُم بَعْضاً أَيُحِبّ أَحَدُكُمْ أَن يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتّقُواْ اللّهَ إِنّ اللّهَ تَوّابٌ رّحِيمٌ) [الحجرات / 12]
الشاهد من الآية : أن الله تعالى نهى عن الغيبة ، والأصل في الأمر التحريم ، وشبه المغتاب بأكل الميتة ،
(والسنة الصحيحة طافحةٌ بما يدل على تحريم الغيبة منها ما يلي :
(حديث عائشة في صحيحي أبي داوود والترمذي ) قالت قلت للنبي ( حبكَ من صفية كذا وكذا – تعني قصيرة – فقال : لقد قلتِ كلمةً لو مُزِجَت بماء البحر لمزجته .
*معنى مزجته : أي خالطته مخالطةً شديدةً يتغير بها طعمه أو ريحه لشدة نتنها وقبحها ، وهذا من الزجر .
(حديث سعيد ابن زيد في صحيح أبي داود) أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : أربى الربا الاستطالة في عِرض المسلم بغير حق .
(حديث أبي برزة في صحيح أبي داوود ) أن النبي ( قال : يا معشر من آمن بلسانه و لم يدخل الإيمان قلبه ! لا تغتابوا المسلمين و لا تتبعوا عوراتهم ، فمن اتبع عوراتهم يتبع الله عورته ، ومن يتبع الله عورته يفضحه في بيته .
{ تنبيه } :( في الحديث تحذير من الغيبة والوعيد لمن يتبع عورات المسلمين وكسف مساويهم أن يتبع الله عورته ويكشف مساويه على قاعدة الجزاء من جنس العمل .
(حديث أنس في صحيح أبي داود) أن النبي ( قال : لما عرج بي ربي عز و جل مررت بقوم لهم أظفار من نحاس يخمشون وجههم و صدورهم فقلت : من هؤلاء يا جبريل ؟ قال : هؤلاء الذين يأكلون لحوم الناس و يقعون في أعراضهم .
*معنى يخمشون : يخدشون
(حديث المستورد ابن شداد في صحيح أبي داود) أن النبي ( قال : من أكل برجل مسلم أكلة فإن الله يطعمه مثلها من جهنم و من اكتسى برجل مسلم ثوبا فإن الله يكسوه مثله من جهنم و من قام برجل مسلم مقام سمعة و رياء فإن الله يقوم به مقام سمعة و رياء يوم القيامة .(1/243)
الشاهد : في الحديث الوعيد الشديد لمن أكل برجلٍ مسلم أي بسبب اغتيابه والوقيعة فيه أو بتعريضه للأذية عند من يعاديه .
مسألة : ما يصنع من سمع غيبة أخيه ؟
من سمع غيبة أخيه وجب عليه أن يرد عن عرض أخيه :
(حديث أبي في صحيح الترمذي) أن النبي ( قال : من ردَّ عن عرض أخيه رد الله عن وجهه النار يوم القيامة .
(حديث أسماء بنت يزيد في صحيح الجامع) أن النبي ( قال : ?من ذب عن عرض أخيه بالغيبة كان حقا على الله أن يعتقه من النار .
(حديث جابر في صحيح أبي داوود ) أن النبي ( قال :ما من امرئ يخذل امرءا مسلما في موطن ينتقص فيه من عرضه و ينتهك فيه من حرمته إلا خذله الله تعالى في موطن يحب فيه نصرته و ما من أحد ينصر مسلما في موطن ينتقص فيه من عرضه و ينتهك فيه من حرمته إلا نصره الله في موطن يحب فيه نصرته .
مسألة : ماهي الأمور التي يجوز فيها الغيبة ؟
[*] قال النووي رحمه الله تعالى : تباح الغيبة لغرضٍ صحيحٍ شرعي لا يمكن الوصول إليه إلا بها ، وهي ستة أسباب :
(1) التظلم : فيجوز للمظلوم أن يتظلم إلى السلطان والقاضي وغيرهما ممن له ولايةٌ أو قدرة على إنصافه من ظالمه فيقول ظلمني فلانٌ بكذا .
(حديث عائشة في الصحيحين ) قالت : قالت هند بنت عتبة يا رسول الله إن أبا سفيان رجل شحيح وليس يعطيني ما يكفيني وولدي إلا ما أخذت منه وهو لا يعلم فقال خذي ما يكفيك وولدك بالمعروف
(2) الاستعانة على تغيير المنكر ورد العاصي إلى الصواب فيقول لمن يرجو قدرته فلان يعمل كذا فازجره عنه أو نحو ذلك .
((1/244)
حديث زيد ابن أرقم في الصحيحين ) قال : خرجنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في سفر أصاب الناس فيه شدة فقال عبد الله بن أبي لأصحابه { لا تنفقوا على من عند رسول الله حتى ينفضوا } من حوله وقال { لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل } فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم فأخبرته فأرسل إلى عبد الله بن أبي فسأله فاجتهد يمينه ما فعل قالوا كذب زيد رسول الله صلى الله عليه وسلم فوقع في نفسي مما قالوا شدة حتى أنزل الله عز وجل تصديقي في { إذا جاءك المنافقون } فدعاهم النبي صلى الله عليه وسلم ليستغفر لهم فلووا رؤوسهم
(3) الاستفتاء : بأن يقول للمفتي ظلمني فلان بكذا ، فهل له ذلك وما الطريق في دفع ظلمه عني .
(حديث عائشة في الصحيحين ) قالت : قالت هند بنت عتبة يا رسول الله إن أبا سفيان رجل شحيح وليس يعطيني ما يكفيني وولدي إلا ما أخذت منه وهو لا يعلم فقال خذي ما يكفيك وولدك بالمعروف
(4) تحذير المسلمين من الشر ونصيحتهم وذلك من وجوه : منها جرح المجروحين من الرواة والشهود وذلك جائزٌ بإجماع المسلمين للحاجة . ومنها المشاورة في مصاهرة إنسان أو مشاركته أو معاملته أو مجاورته أو غير ذلك ، ويجب على المشاور أن لا يخفي حاله بل يذكر المساوئ التي فيه بنية النصيحة لأن المستشار مؤتمن بنص السنة الصحيحة
(حديث أبي هريرة في صحيح أبي داوود ) أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : المستشار مؤتمن .
ومنها إذا رأى متفقهاً يتردد على مبتدع أو فاسق يأخذ عنه العلم فعليه أن ينصحه ببيان حاله قاصدا النصيحة . ومنها أن يكون له ولاية لا يقوم بها على وجهها لعدم أهليته أو لفسقه فيذكره لمن له عليه ولاية ليستدل به على حاله فلا يغتر به ويلزم الاستقامة .
((1/245)
حديث عائشة في الصحيحين ) قالت استأذن رجل على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال ائذنوا له بئس أخو العشيرة أو بن العشيرة فلما دخل ألان له الكلام قلت يا رسول الله قلت الذي قلت ثم ألنت له الكلام قال أي عائشة إن شر الناس من تركه الناس أو ودعه الناس اتقاء فحشه .
(5) أن يكون مجاهراً بفسقه أو بدعته فيجوز ذكره بما يجاهر به ولا يجوز بغيره إلا بسبب آخر .
(حديث فاطمة بنت قيس في صحيح مسلم ) قالت : أتيت النبي ( فقلت إن معاوية بن أبي سفيان وأبا جهم خطبا ني فقال رسول الله ( أما أبو جهم فلا يضع عصاه عن عاتقه وأما معاوية فصعلوك لا مال له .
(6) التعريف : فإذا كان معروفاً بلقب كالأعمش والأعرج والقصير والأعمى ونحوها جاز تعريفه به ويحرم ذكره به تنقصاً ولو أمكن تعريفه بغيرها كان أولى .
التخلي عن رذيلة النميمة
مسألة : ما هي النميمة ، وما خطرها ، وما أدلة تحريمها ؟
النميمةُ نقل الكلام بين الناس بغرضِ الإفساد .
خطر النميمة : النميمة أمرها خطير وشرها مستطير وهي من قبائح الذنوب وفواحش العيوب وهي تشبه سحر التفريق لأنها يحصل بها التفريق بين الأحباب ، والنميمة أشر من السحر وذلك لأن النمَّام يفسد في ساعة ما لا يفسده الساحر في سنة . والنمَّام فيه شبهٌ من الشيطان من جهة الحرص على التحريش بين المسلمين .
قال تعالى: (هَمّازٍ مّشّآءِ بِنَمِيمٍ، مّنّاعٍ لّلْخَيْرِ مُعْتَدٍ أَثِيمٍ) [القلم /12،11)
وقوله تعالى "هماز" قال ابن عباس وقتادة يعني الاغتياب "مشاء بنميم" يعني الذي يمشي بين الناس ويحرش بينهم وينقل الحديث لفساد ذات البين وهي الحالقة
والسنة الصحيحة طافحةٌ بما يشين النمام ويدل على أنه غارقٌ في القبائح إلى الأذقان ، ومنها ما يلي :
(حديث حذيفة في الصحيحين ) أن النبي ( قال : لا يدخل الجنة قتَّات.
*معنى قتات : أي نمَّام
[*] قال الحافظ ابن حجر في الفتح :
معنى ( لا يدخل الجنة قتَّات ) : أي لا يدخلها في أول وهلة .(1/246)
وهذا هي عقيدة أهل السنة والجماعة في هذه المسألة ، فإنهم لا يكفرون أحداً من أهل القبلة بشيء من المعاصي ما لم يستحله .
(حديث ابن عباس في الصحيحين ) قال: مر رسول الله صلى الله عليه وسلم بقبرين فقال "إنهما ليعذبان وما يعذبان في كبير أما أحدهما فكان لا يستتر من البول وأما الآخر فكان يمشي بالنميمة"
[*] قال النووي رحمه الله تعالى :
معنى (وما يعذبان في كبير) أي ما يعذبان في كبير في زعمهما ، وقيل ما يعذبان في كبير تركه عليهما .
(حديث أبي الدر داء في صحيحي أبي داوود والترمذي) أن النبي ( قال : ألا أخبركم بأفضل من درجة الصيام و الصلاة و الصدقة ؟ إصلاح ذات البين، وفساد ذات البين هي الحالقة .
(حديث ابن مسعود في صحيح مسلم ) أن النبي ( قال : ألا أنبئكم ما العَضَةُ ؟ هي النميمةُ القالةُ بين الناس .
معنى العضة : الكذب والبهتان
مسألة :ما الذي يجب على من حُملت إليه النميمة أن يفعله ؟
[*] قال الإمام النووي رحمه الله تعالى :
وكل من حملت إليه نميمةٌ وقيل له فلانٌ يقول فيك كذا ستة أمور :
الأول : أن لا يصدِّقه لأن النمام فاسق .
الثاني : أن ينهاه عن ذلك وينصحه ويقبِّح له فعله
الثالث : أن يبغضه في الله تعالى فإنه بغيضٌ عند الله تعالى ، ويجب بغض من أبغضه الله تعالى
الرابع : ألا يظن بأخيه الغائب السوء
الخامس : أن لا يحمله ما حُكِي له على التجسس والبحث عن ذلك .
السادس : أن لا يرضى لنفسه ما نهى النمام عنه فلا يحكي نميمته عنه فيقول فلان حكى كذا فيصير به نماماً ، ويكون آتياً ما نهى عنه .
التخلي عن رذيلة ذي الوجهين
وهذه الرذيلة من قبائح الذنوب وفواحش العيوب ، فذي الوجهين من شرار الناس يوم القيامة بنص السنة الصحيحة ، ومن كان له وجهان في الدنيا كان له لسانان من نارٍ يوم القيامة .
[*] وقال الإمام ابن حجر رحمه الله تعالى :(1/247)
أن ذي الوجهين من جملة صور النمام وإنما كان ذو الوجهين من شرار الناس لأن حاله حال المنافق إذ هو متملق بالباطل وبالكذب مفسدٌ بين الناس فيأتي كل طائفة بما يرضيها ويظهر لها أنه منها ومخالفٌ لضدها ، وهذا عملُ النفاق والخداع وهي مداهنة محرمة .
(حديث أبي هريرة في الصحيحين) أن النبي ( قال : تجد من شرار الناس يوم القيامة عند الله ذا الوجهين الذي يأتي هؤلاء بوجه وهؤلاء بوجه .
(حديث عمار ابن ياسر في صحيح أبي داود) أن النبي ( قال من كان له وجهان في الدنيا كان له يوم القيامة لسانان من نار .
(حديث أبي هريرة في صحيح الأدب المفرد) أن النبي ( قال لا ينبغي لذي الوجهين أن يكون أميناً .
من آفات اللسان التي يجب على المسلم أن يتخلى عنها ويحفظ لسانه منها رذيلة الفحش والبذاءة ، فإنها من قبائح الذنوب وفواحش العيوب ، فيجب على المؤمن ألا يخرج من فيه إلا الطيب .
(حديث عبد الله ابن عمرو في صحيح البخاري) قال لم يكن فاحشا ولا متفحشا وقال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن من أخيركم أحسنكم خلقا .
(وبين النبي ( أن شر الناس من تركه الناس أو ودعه الناس اتقاء فحشه .
( حديث عائشة في الصحيحين ) قالت استأذن رجل على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال ائذنوا له بئس أخو العشيرة أو بن العشيرة فلما دخل ألان له الكلام قلت يا رسول الله قلت الذي قلت ثم ألنت له الكلام قال أي عائشة إن شر الناس من تركه الناس أو ودعه الناس اتقاء فحشه .
(حديث ابن مسعود في صحيح الترمذي) أن النبي ( قال : ليس المؤمن بالطعان و لا اللعان و لا الفاحش و لا البذيء .
التخلي عن رزيلة الغضب
ويجب على المسلم أن يتخلى عن الغضب لأن الغضب يجعل الإنسان مفلوت الزمام مما يقوده إلى عواقب وخيمة في الدنيا والآخرة ، والإنسان إذا كان غضبه يقوده لعب به الشيطان كما يلعب الصبيان بالكرة ، وترك الغضب وصية النبي ( بنص السنة الصحيحة
((1/248)
حديث أبي هريرة في الصحيحين) أن رجلاً قال للنبي ( أوصني . قال لا تغضب . فردد مراراً قال : لا تغضب .
(حديث أبي الدرداء في صحيح الجامع) أن النبي ( قال لا تغضب ولك الجنة .
(حديث أبي هريرة في الصحيحين) أن النبي ( قال : ليس الشديد بالصُرعة و إنما الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب .
(حديث معاذ ابن أنس في صحيحي أبي داوود والترمذي) أن النبي ( قال : من كظم غيظا و هو قادر على أن يُنْفِذَه دعاه الله على رءوس الخلائق حتى يخيره من الحور ما شاء .
{ تنبيه } :( أن كظم الغيظ يمكن اكتسابه بترويض النفس فلا ينبغي للإنسان أن يستوطئ العجز ولا أن يقول أنني جُبلت على ذلك فإنه من يتحرى الخير يُعطه ومن يتق الشر يُوَقَّه بنص السنة الصحيحة
(حديث أبي هريرة في صحيح الجامع) أن النبي ( قال : إنما العلم بالتعلم و إنما الحلم بالتحلم و من يتحر الخير يعطه و من يتق الشر يُوّقَّه .
مسألة : ما هي كيفية علاج الغضب ؟
هناك عدة أدوية نافعةٌ بإذن الله تعالى لعلاج الغضب منها :
(1) الاستعاذة بالله من الشيطان الرجيم لقوله تعالى: (وَإِماّ يَنَزَغَنّكَ مِنَ الشّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللّهِ إِنّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ) [سورة: الأعراف - الآية: 200]
(حديث سليمان بن صرد في الصحيحين ) قال : استب رجلان عند النبي ( ونحن عنده جلوس وأحدهما يسب صاحبه مغضبَّاً قد احمر وجهه فقال النبي ( : إني لأعلم كلمة لو قالها لذهب عنه ما يجد لو قال : أعوذ بالله من الشيطان الرجيم.
(2) تغيير الحالة التي كان عليها الغضبان :
(حديث أبي ذرٍ في صحيحي أبي داوود والترمذي) أن النبي ( قال :إذا غضب أحدكم و هو قائم فليجلس فإن ذهب عنه الغضب و إلا فليضطجع .
(3) استحضار ما ورد في ثواب كظم الغيظ :
((1/249)
حديث معاذ بن أنس الجُهَنِّي في صحيحي أبي داوود والترمذي) أن النبي ( قال : من كظم غيظا و هو قادر على أن ينفذه دعاه الله على رءوس الخلائق حتى يخيره من الحور العين يزوجه منها ما شاء.
(4) أن يسكت :
(حديث ابن عباس في صحيح الجامع) أن النبي ( قال : إذا غضب أحدكم فليسكت .
(5) أن يُروِّض نفسه على الحلم والأناة وكظم الغيظ فإنه من يتحرى الخير يعطه ومن يتقِ الشر يُوَقَّه .
مسألة : كيف يكتسب الإنسان فضيلة كظم الغيظ حتى تصير من صفات ؟
يكتسب الإنسان ذلك بشيئين :
(أحدهما : ترويض النفس على الخير ، فإن النفس إذا روضتها على الخير اكتسبت هذا الخلق وصار من صفاتها فإنه من يتحر الخير يعطه بنص السنة الصحيحة
(حديث أبي هريرة في صحيح الجامع) أن النبي ( قال : إنما العلم بالتعلم و إنما الحلم بالتحلم و من يتحر الخير يعطه و من يتق الشر يوقه .
( ومن يتحر الخير يعطه ) أي ومن يجتهد في تحصيل الخير يعطه اللّه تعالى إياه
(والثاني الصدق : فإن الله تعالى إذا اطَّلع على قلبك ورأى منك الصدق أوصلك إلى ما تصبو إليه .
(حديث شداد بن الهادي في صحيح النسائي) أن النبي ( قال : إن تصدق الله يصدقك .
{ تنبيه } :( يستحب الغضب إذا انتهكت حرمات الله تعالى لأن ذلك من تعظيم حرمات الله تعالى :
قال تعالى: (ذَلِكَ وَمَن يُعَظّمْ حُرُمَاتِ اللّهِ فَهُوَ خَيْرٌ لّهُ عِندَ رَبّهِ) [سورة: الحج - الآية: 30]
والغضب إذا انتهكت حرمات الله تعالى من هَدْي النبي (
(حديث أبي مسعودٍ الأنصاري في الصحيحين) قال ،قال رجل يا رسول الله لا أكاد أدرك الصلاة مما يطوِّل بنا فلان فما رأيت رسول الله أشد غضباً من يومئذٍ فقال يا أيها الناس إنكم منفرون فمن صلى بالناس فليخفف فإن فيهم المريض والضعيف وذا الحاجة .
((1/250)
حديث عائشة في الصحيحين ) قالت : ما خير رسول الله ( بين أمرين إلا اختار أيسرهما ما لم يكن إثماً فإن كان إثماً كان أبعد الناس عنه ، وما انتقم رسول الله ( لنفسه إلا أن تنتهك حرمات الله فينتقم لله بها .
التخلي عن رذيلة السباب
(حديث ابن مسعود في الصحيحين) أن النبي ( قال : سباب المسلم فسوق وقتاله كفر .
(حديث أبي هريرة في صحيح مسلم ) أن النبي ( قال : المستبان ما قالا فعلى البادئ منهما ما يعتدِ المظلوم .
معنى ( فعلى البادئ منهما ما يعتدِ المظلوم ) أي إثم السباب الواقع بيت الاثنين يقع على البادئ منهم ما لم يتجاوز المظلوم قدر الانتصار .
(حديث ابن عمر في صحيح الجامع) أن النبي ( قال : إذا سبَّك رجلٌ بما يعلم منك فلا تسبه بما تعلم منه فيكون أجر ذلك لك و وباله عليه .
{ تنبيه } :( ومن جملة النهي عن السباب النهي عن سب الديك لأنه يوقظ للصلاة وكذلك النهي عن سب الشيطان لأنه يتعاظم ويقول بقوتي صرعته
(حديث زيد ابن خالد في صحيح أبي داود) أن النبي ( قال :لا تسبوا الديك فإنه يوقظ للصلاة .
(حديث أبي هريرة في صحيح الجامع) أن النبي ( قال : لا تسبوا الشيطان و تعوذوا بالله من شره .
(حديث أبي المليح في صحيح أبي داود) أن النبي ( قال :لا تقل تعس الشيطان فإنه يعظم حتى يصير مثل البيت و يقول : بقوتي صرعته و لكن قل : باسم الله فإنك إذا قلت ذلك تصاغر حتى يصير مثل الذباب .
التخلي عن آفة التكلم فيما لا يعنيه
(حديث أبي هريرة في صحيحي الترمذي وابن ماجة) أن النبي ( قال : من حسن إسلامِ المرء تركُهُ ما لا يعنيه .
التخلي عن آفة كثرة المزاح
يجب على المسلم إذا أراد إصلاح قلبه أن يتجنب كثرة المزاح لأن كثرة المزاح تؤدي إلى كثرة الضحك وكثرة الضحك تميت القلب بنص السنة الصحيحة
((1/251)
حديث أبي هريرة في صحيح الترمذي) أن النبي ( قال : كن قنعا تكن أعبد الناس ، وارض بما قسم الله تكن أغنى الناس وأحسن إلى جارك تكن مؤمنا ، وأحب للناس ما تحب لنفسك تكن مسلما ، ولا تكثر الضحك فإن كثرة الضحك تميت القلب .
ولهذا ما كان النبي ( يضحك إنما كان يبتسم
( حديث عائشة في الصحيحين ) قالت ما رأيت رسول الله ( ضاحكاً حتى أرى لهواته إنما كان يبتسم .
(حديث جرير ابن عبد الله في الصحيحين ) قال ما رآني رسول الله ( منذ أن أسلمت إلا تبسم في وجهي .
{ تنبيه } :( يجوز للإنسان أن يمزح إن لم يكن كثيراً بشرط أن يكون مزحه صدقاً فإن فيه إجماماً للقلوب وتفريجاً للكروب .
( حديث أبي هريرة في صحيح الترمذي) قالوا يا رسول الله إنك تداعبنا قال : إني لا أقول إلا حقاً .
(حديث معاوية ابن حيدة في صحيحي أبي داوود والترمذي ) أن النبي ( قال :ويلٌ للذي يُحَدِّثُ فيكذبُ ليضحك به القوم ويلٌ له ويلٌ له .
{ تنبيه } :( ومما يجب اجتنابه في المزح أن لا يأخذ متاع أخيه على سبيل المزاح ، وكذلك يحرم عليه أن يروِّع أخيه على سبيل المزح .
(حديث يزيد ابن سعيد في صحيحي أبي داوود والترمذي ) أن النبي ( قال لا يأخذ أحدكم متاع أخيه لاعباً و لا جاداً و من أخذ عصا أخيه فليرُدَّها .
(حديث عبد الرحمن ابن أبي ليلى في صحيح أبي داود) أن النبي ( قال : لا يحلُ لمسلمٍ أن يُروِّعَ مسلماً .
التخلي عن رذيلة شهادة الزور
إن شهادة الزور من قبائح الذنوب وفواحش العيوب ، وقد حرمها الله تعالى لأنها تكون سبباً في إبطال الحق وإظهار الباطل والعياذ بالله ، وقد أمر الله تعالى في كتابه باجتناب قول الزور
قال تعالى: (فَاجْتَنِبُواْ الرّجْسَ مِنَ الأوْثَانِ وَاجْتَنِبُواْ قَوْلَ الزّورِ) [سورة: الحج - الآية: 30]
وقد أثنى الله تعالى على عباد الرحمن بكونهم لا يشهدون الزور(1/252)
قال تعالى: (وَالّذِينَ لاَ يَشْهَدُونَ الزّورَ وَإِذَا مَرّواْ بِاللّغْوِ مَرّوا كِراماً) [سورة: الفرقان - الآية: 72]
وشهادة الزور من أكبر الكبائر بنص السنة الصحيحة
(حديث أبي بكرة في الصحيحين) أن النبي ( قال : ألا أنبئكم بأكبر الكبائر الإشراك بالله و عقوق الوالدين ، وكان متكئاً فجلس فقال ألا وقول الزور وشهادة الزور فما زال يكررها حتى قلنا ليته سكت .
حفظ اللسان من قذف المحصنات والعياذ بالله
يحب على المسلم أن يحفظ لسانه من قذف المحصنات فإنه من الذنوب الموبقات التي تهلك صاحبها .
قال تعالى (وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاء فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ ، إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِن بَعْدِ ذَلِكَ وَأَصْلَحُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ ، وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ وَلَمْ يَكُن لَّهُمْ شُهَدَاء إِلَّا أَنفُسُهُمْ فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ ) { النور : من 6:4}
و قال تعالى (إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ الْغَافِلَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ لُعِنُوا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ ، يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُم بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ) { النور : 23، 24}
(حديث أبي هريرة في الصحيحين) أن النبي ( قال : اجتنبوا السبع الموبقات : قالوا يا رسول الله وما هنَّ ؟ قال : الشرك بالله و السحر و قتل النفس التي حرم الله إلا بالحق و أكل الربا و أكل مال اليتيم و التولي يوم الزحف و قذف المحصنات الغافلات المؤمنات .
التخلي عن الجدال العقيم(1/253)
من آفات اللسان التي يجب على المسلم أن يحترز منها ويتخلى عنها ويحفظ لسانه منها الجدال العقيم الذي لا يكن قصده بيان الحق وهداية الخلق ، وكان قصده مجرد المغالبة والعلو والظهور والعياذ بالله تعالى من ذلك .
(حديث عائشة في الصحيحين) أن النبي ( قال : أبغض الرجال إلى الله : الألدُّ الخَصِم .
معنى الألدُّ : شديد اللدودة أي الجدال
معنى الخَصِم : شديد الخصومة
وقد بين النبي ( أنه ما ضل قوم بعد هدى إلا استو طئوا الجدال واتخذوه مركباً ، وبئس المطية هو يصل بصاحبه إلى الهاوية السحيقة ويبعده عن جادة الاستقامة . وعلى ذلك فيجب على من رام السلامة في دينه أن يجتنب الجدال العقيم اجتناب السم القاتل والداء العضال وألا يحوم حوله ولا يقترب منه وإلا كانت العاقبة وخيمة فإنه شرٌ كله .
((حديث أبي أمامة في صحيحي الترمذي وابن ماجة ) أن النبي ( قال :ما ضل قوم بعد هدى كانوا عليه إلا أوتوا الجدل .
{ تنبيه } :( وقد ندب النبي ( إلى ترك الجدال وإن كان محقاً للتخلص من هذا الداء الوبيل .
(حديث أبي أمامة في صحيح أبي داود) أن النبي ( قال :أنا زعيم بيت في ربض الجنة لمن ترك المراء و إن كان محقا ، و بيت في وسط الجنة لمن ترك الكذب و إن كان مازحا ، و بيت في أعلى الجنة لمن حسن خلقه .
معنى زعيم : أي ضمين
معنى ربض الجنة : حولها خارجٌ عنها تشبيهاً بالأبنية التي تكون حول المدن .
التخلي عن شهوة الخصومة
ويجب على المسلم أن يتخلى عن شهوة الخصومة ويحترز منها وألا يحوم حولها ولا يقترب منها فإنها خلقٌ شرٌ كله فهي تحمل على الحقد والكراهية والحسد وصاحبها ممقوت عند الله تعالى بنص الكتاب و السنة الصحيحة .(1/254)
قال تعالى ( وَمِنَ النَّاسِ مَن يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللّهَ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ ، وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيِهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللّهُ لاَ يُحِبُّ الفَسَادَ ، وَإِذَا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللّهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ ِالإِثْمِ فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ وَلَبِئْسَ الْمِهَادُ {البقرة 206:204}
(حديث عائشة في الصحيحين)أن النبي ( قال : أبغض الرجال إلى الله : الألدُّ الخَصِم .
معنى الألدُّ : شديد اللدودة أي الجدال معنى الخَصِم : شديد الخصومة
{ تنبيه } :( ويجب على المسلم أن يتجنب الخصومة بينه وبين أخيه لأن هذا هو هدف الشيطان وبغيته عليه لعنة الله ، فالشيطان عليه لعائن الله المتتابعة تترى من غير انفصال يُحَرِّش بين الناس ويوقع بينهم الخصومات والعياذ بالله .
(حديث جابر في صحيح مسلم) أن النبي ( قال : إن الشيطان أيس أن يعبده المصلون في جزيرة العرب وركن في التحريش بينهم .
معنى أيس : أي يأس
حفظ اللسان من الحلف بغير الله
يجب حفظ اللسان من الحلف بغير الله لوجهين :
الأول : أن الحلف بغير الله شركٌ لفظي
الثاني : أن الحلف بالشيء يقتضي تعظيمه والتعظيم لا يستحقه إلا الله تعالى
(حديث ابن عمر في الصحيحين) أن النبي ( قال : من كان حالفاً فليحلف بالله أو ليصمت .
(حديث ابن عمر في صحيحي أبي داوود والترمذي ) أن النبي ( قال : من حلف بغير الله فقد أشرك .
حفظ اللسان عن الحلف بالأمانة
(حديث بريدة في صحيح أبي داود) أن النبي ( قال : قال : من حلف بالأمانة فليس منا .
حفظ اللسان عن الحلف باللات والعزى
(حديث أبي هريرة في الصحيحين) أن النبي ( قال : من حلف باللات والعزى فليقر لا إله إلا الله ، ومن قال لصاحبه تعالَ أقامرك فليتصدق .
((1/255)
حديث بريدة في صحيحي أبي داوود والترمذي ) أن النبي ( قال : من حلف فقال إني برئٌ من الإسلام ! فإن كان كاذباً فهو كما قال ، وإن كان صادقاً فلن يرجع إلى الإسلام سالماً .
حفظ اللسان عن الحلف بالله كذباً
يجب حفظ اللسان عن الحلف بالله كذباً فإن من حلف بالله كذباً لم عظم الله تعالى حق تعظيمه
(حديث أبي هريرة في صحيح الجامع) أن النبي ( قال : إن الله أذن لي أن أحدث عن ديك قد مرقت رجلاه الأرض و عنقه مثنيِّة تحت العرش و هو يقول : سبحانك ما أعظمك ! فيرد عليه : لا يعلم ذلك من حلف بي كاذبا .
حفظ اللسان عن اليمين الغموس
(حديث عبد الله ابن عمرو في صحيح البخاري) أن النبي ( قال : الكبائر : الإشراك بالله و عقوق الوالدين و قتل النفس و اليمين الغموس .
(حديث أبي أمامة في صحيح مسلم ) أن النبي ( قال : من اقتطع حق امرئ مسلم بيمينه فقد أوجب الله له النار و حرم عليه الجنة و إن كان قضيبا من أراك
حفظ اللسان من المدح المذموم
...
مسألة : ما هو حكم المدح ؟
المسألة على التفصيل الآتي :
أولاً :إذا كان المدح فيه مبالغة أو كان الممدوح ممن يُخشى عليه العُجب كُرِره مدْحُه في وجهه كراهةً شديدةً وعليه تُحملُ الأحاديث الآتية :
(حديث أبي موسى في الصحيحين) قال : أثنى رجلٌ على رجلٍ عند النبي ( فقال : ويلك ! قطعت عنق صاحبك ، مراراً ، ثم قال : من كان منكم مادحا أخاه لا محالة فليقل : أحْسِبُ فلانا و الله حسيبه و لا أزكي على الله أحدا أحسِبه كذا و كذا إن كان يعلم ذلك منه .
(حديث المقداد في صحيح مسلم) أن النبي ( قال : إذا رأيتم المداحين فاحثوا في وجههم التراب .
(حديث معاوية في صحيح ابن ماجة) أن النبي ( قال : إياكم والتمادحَ فإنه الذبح .
ثانياً : إذا كان الممدوح لا يُخاف عليه العجب ولا يخشى عليه من الاغترار فإنه يجوز مدحه مع عدم المبالغة لأنه من عرف نفسه لم يضره المدح كما قال بعض السلف ، وعليه تُحملُ الأحاديث الآتية
((1/256)
حديث أبي هريرة في صحيح الترمذي) أن النبي ( قال : نعم الرجل أبو بكر ، نعم الرجل عمر نعم الرجل أبو عُبيدة .
(حديث سعد في الصحيحين) أن النبي ( قال :إيه يا ابن الخطاب ! و الذي نفسي بيده ما لقيك الشيطان قط سالكا فجا إلا سلك فجا آخر.
(حديث بريدة في صحيح الترمذي) أن النبي ( قال : إن الشيطان ليخافُ منك يا عمر .
{ تنبيه } :( ويستحب لمن زُكِيَ أن يقول : اللهم لا تؤاخذني بما يقولون واغفر لي ما يقولون .
(حديث عدي ابن أَرْطأة في صحيح الأدب المفرد) قال كان الرجل من أصحاب النبي ( إذا زُكِيَ قال : اللهم لا تؤاخذني بما يقولون واغفر لي ما يقولون .
...
حفظ اللسان من اللعن
اللعن هو الطرد من رحمة الله تعالى ، ويجب حفظ اللسان من لعن إنسانٍ بعينه أو دابة لتحريم ذلك .
(حديث ثابت بن الضحاك في الصحيحين) أن النبي ( قال : لعن المؤمن كقتله .
(حديث أبي الدرداء في صحيح مسلم) أن النبي ( قال : لا يكون اللعانون شفعاء و لا شهداء يوم القيامة .
(حديث ابن مسعود في صحيح الترمذي) أن النبي ( قال : ليس المؤمن بالطعان و لا اللعان و لا الفاحش و لا البذيء .
(حديث عمران ابن حصين في صحيح مسلم) قال بينما رسول الله ( في بعض أسفاره ، وامرأةٌ من الأنصار على ناقةٍ ، فضجِرت فلعنتها ، فسمع ذلك رسول الله ( فقال : خذوا ما عليها ودعوها فإنها ملعونة .
{ تنبيه } :( يجوز لعن أصحاب المعاصي والكفار عموماً بدون تعيين أحدٍ بعينه .
قال تعالى: (أَلاَ لَعْنَةُ اللّهِ عَلَى الظّالِمِينَ) [سورة: هود - الآية: 18]
(حديث علي في صحيح مسلم) أن النبي ( قال : لعن الله من لعن والديه و لعن الله من ذبح لغير الله و لعن الله من آوى محدثا و لعن الله من غير منار الأرض .
(حديث عائشة في الصحيحين) أن النبي ( قال : لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا من قبور أنبيائهم مساجد .
((1/257)
حديث جابر في صحيح مسلم) أن النبي ( قال : لعن الله آكل الربا و موكله و كاتبه و شاهديه وقال هم فيه سواء .
مسألة : هل يجوز لعن إنسانٍ بعينه ؟
لا يجوز لعن إنسانٍ بعينه وإن كان غارقاً في المعاصي إلى الأذقان حتى لو بلغت ذنوبه عنان السماء لأنك لا تدري بم يختم له ، فقد يُختم له بخير ، وإنما الأعمال بالخواتيم ، فلا يجوز لعن إنسان بعينه إلا من علمنا أنه مات على الكفر كأبي لهب وأبي جهل وفرعون وهامان وأشباههم .
حفظ اللسان من إخلاف الوعد
يجب على المسلم أن يحفظ لسانه من إخلاف الوعد لأنه من صفات المنافقين والعياذ بالله
(حديث أبي هريرة في الصحيحين) أن النبي ( قال آية المنافق ثلاث : إذا حدث كذب و إذا وعد أخلف و إذا ائتمن خان .
(حديث عبد الله ابن عمرو في الصحيحين) أن النبي ( قال : أربع من كن فيه كان منافقا خالصا و من كانت فيه خصلة منهن كانت فيه خصلة من النفاق حتى يدعها : إذا ائتمن خان و إذا حدث كذب و إذا عاهد غدر و إذا خاصم فجر .
{ تنبيه } :( من أخلف الوعد لا يلحقه إثم إلا إذا تعمد إخلاف الوعد أما إذا لم يتعمد ذلك فلا يلحقه إثم ل قال تعالى: (ْ وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَآ أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلََكِن مّا تَعَمّدَتْ قُلُوبُكُمْ وَكَانَ اللّهُ غَفُوراً رّحِيماً) [سورة: الأحزاب - الآية: 5]
يجب على طالب العلم أن يحترز من رذيلة الكبر والعياذ بالله لأن المتكبر شأنه حقير وقدره صغير ولعله لا يزيد عند الله تعالى عن نقير أو قطمير ، تراه ينتفش كالديك ويختال كالطاووس ينظرُ إلى الناس شزراً بمؤخر العين ، فتبَّا ً لها من صفةٍ تهلك صاحبها في الدنيا وتكون سبباً في حرمانه من الجنة في الآخرة ، وقد ورد النكير الشديد في الكتاب والسنة الصحيحة على هذه الصفة الممقوتة وهاك بعضها :(1/258)
قال تعالى: (تِلْكَ الدّارُ الاَخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلّذِينَ لاَ يُرِيدُونَ عُلُوّاً فِي الأرْضِ وَلاَ فَسَاداً وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتّقِينَ) [سورة: القصص - الآية: 83]
وقال تعالى: (وَلاَ تُصَعّرْ خَدّكَ لِلنّاسِ وَلاَ تَمْشِ فِي الأرْضِ مَرَحاً إِنّ اللّهَ لاَ يُحِبّ كُلّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ) [سورة: لقمان - الآية: 18]
*معنى (تُصَعّرْ خَدّكَ لِلنّاسِ) : أي تميله وتعرضُ به عن الناس تكبراً عليهم
ومعنى المرح التبختر .
(حديث ابن مسعود في صحيح مسلم) أن النبي ( قال :لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرةٍ من كبر فقال رجل : إن الرجل يحب أن يكون ثوبُه حسنا و نعله حسنة قال : إن الله جميل يحب الجمال الكبر بَطَرُ الحقِ و غمطُ الناس .
بَطَرُ الحقِ : التكبر على الحق وعدم قبوله
غمطُ الناس : احتقارهم وازدرائهم
(حديث أبي هريرة في الصحيحين) أن النبي ( قال :لا ينظر الله يوم القيامة إلى من جر إزاره بَطَرا .
(حديث أبي هريرة في صحيح مسلم) أن النبي ( قال : ثلاثة لا يكلمهم الله يوم القيامة و لا يزكيهم و لا ينظر إليهم و لهم عذاب أليم : شيخ زان و ملك كذاب و عائل مستكبر .
(حديث أبي هريرة في صحيح مسلم) أن النبي ( قال : قال الله تعالى : العزُ إزاري والكبرياءُ ردائي فمن نازعني عذبته .
مسألة : ما هو الكبر ؟
الكبر هو بَطَرُ الحقِ و غمطُ الناس بنص السنة الصحيحة
الاحتراز من رذيلة العجب والعياذ بالله
ويجب على المسلم أيضاً الاحتراز من رذيلة العجب والعياذ بالله فإنه من الذنوب المهلكات وبه يحصل إحباط العمل
(حديث أبي هريرة في الصحيحين) أن النبي ( قال : بينما رجل يمشي في حلةٍ تُعْجِبْه نفْسُه مُرَّجِلٌ رأسَه يختالُ في مِشْيته إذ خسف الله به الأرض فهو يتجَلْجَلُ في الأرض إلى يوم القيامة .
مُرَّجِلٌ رأسَه : أي ممشطه
يتجَلْجَلُ في الأرض : أي يغوصُ فيها
((1/259)
حديث أبي هريرة في صحيح الجامع) أن النبي ( قال : ثلاث منجيات : خشية الله تعالى في السر و العلانية و العدل في الرضا و الغضب و القصد في الفقر و الغنى و ثلاث مهلكات : هوى متبع و شح مطاع و إعجاب المرء بنفسه .
(حديث معاوية في صحيحي أبي داوود والترمذي) أن النبي ( قال : من سرَّه أن يتمثل له الرجال قياماً ، فليتبوأ مقعده من النار .
معنى يتمثل له الرجال قياماً : ينتصب له الرجال تعظيماً
معنى فليتبوأ : أمر بمعنى الإخبار أي دخل النار إن سرَّه ذلك .
مسألة : ما الفرق بين الكبر والعجب ؟
الكبر أن يحتقر الناس ويرى أنه فوقهم ، والعجب أن ينظر إلى نفسه معجباً بها
ويحب على المسلم أن يحترز من رذيلة البخل فإنه داءٌ وبيل ومرضٌ خطير وشره مستطير وهو من الذنوب المهلكات ، وإذا كان الرجل شحيحاً والعياذ بالله لم يوفق لأعمال البر
قال تعالى: (وَأَمّا مَن بَخِلَ وَاسْتَغْنَىَ،وَكَذّبَ بِالْحُسْنَىَ ،فَسَنُيَسّرُهُ لِلْعُسْرَىَ) [سورة: الليل - الآية: 10]
[*] قال القرطبي رحمه الله تعالى في تفسيره :
قوله تعالى:" فسنيسره " أي نسهل طريقه. " للعسرى" أي للشر. وعن ابن مسعود: للنار. وقيل: أي فسنعسر عليه أسباب الخير والصلاح حتى يصعب عليه فعلها.
و قال تعالى: (وَمَن يُوقَ شُحّ نَفْسِهِ فَأُوْلََئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) [سورة: التغابن - الآية: 16]
والشح سبباً عظيماً من أسباب الهلاك والتلف بنص السنة الصحيحة .
(حديث جابر في صحيح مسلم) أن النبي ( قال : اتقوا الظلم فإن الظلم ظلمات يوم القيامة و اتقوا الشح فإن الشح أهلك من كان قبلكم و حملهم على أن سفكوا دماءهم و استحلوا محارمهم(1/260)
الشاهد: قوله ( : ( واتقوا الشح فإن الشح أهلك من كان قبلكم ) من الأمم ( وحملهم على أن سفكوا دماءهم ) أي اسالوها بالقوة الغضبية بخلا بالمال وحرصاً على الاستئثار به ( واستحلوا محارمهم ) أي استباحوا نساءهم أو ما حرم الله من أموالهم وغيرها وهذا على سبيل الاستئناف فإن استحلال المحارم جامع لجميع أنواع الظلم وعطفه على سفك الدماء عطف عام على خاص .
(حديث أبي هريرة في الصحيحين) أن النبي ( قال : ما من يوم يصبح العباد فيه إلا ملكان ينزلان فيقول أحدهما : اللهم أعط منفقا خلفا و يقول الآخر : اللهم أعط ممسكا تلفا .
(حديث أنس في صحيح الجامع) أن النبي ( قال : ثلاث منجيات : خشية الله تعالى في السر و العلانية و العدل في الرضا و الغضب و القصد في الفقر و الغنى و ثلاث مهلكات : هوى متبع و شح مطاع و إعجاب المرء بنفسه .
(حديث أبي هريرة في صحيح الجامع) أن النبي ( قال :لا يجتمع غبار في سبيل الله و دخان جهنم في جوف عبد أبدا و لا يجتمع الشح و الإيمان في قلب عبد أبدا .
من الصفات الرذيلة التي يجب على المسلم أن يحترز منها رذيلة الحرص والطمع فإن الحرص على المال يفسد الدين بقدر أكبر من الفساد الحاصل من إرسال ذئبين جائعين على غنم ، أي يفسد فساداً بيناً بلا روية
(حديث كعب بن مالك في صحيح الترمذي) أن النبي ( قال : ما ذئبان جائعان أُرسلا في غنم بأفسدَ لها من حرص المرء على المال و الشرف لدينه .
مقصود الحديث أن الحرص على المال والشرف أكثر إفساداً للدين من إفساد الذئبين للغنم لأن ذلك الأشر والبطر يستفز صاحبه ويأخذ به إلى ما يضره وذلك مذموم لاستدعائه العلو في الأرض والفساد المذمومين شرعاً ذلك الأشر والبطر يستفز صاحبه ويأخذ به إلى ما يضره وذلك مذموم لاستدعائه العلو في الأرض والفساد المذمومين شرعاً .
{(1/261)
تنبيه } :( من أجل ذلك نهى النبي ( عن الحرص على المال وأمر بالاقتصاد فيه وعدم الانكباب عليه واليقين بأن نفساً لن تموت وحتى تستوفي رزقها و إن أبطأ عنها وأن الرزق
(حديث جابر في صحيح ابن ماجة) أن النبي ( قال : أيها الناس اتقوا الله و أجملوا في الطلب فإن نفسا لن تموت حتى تستوفي رزقها و إن أبطأ عنها فاتقوا الله و أجملوا في الطلب خذوا ما حل و دعوا ما حرُم .
(أيها الناس اتقوا اللّه وأجملوا في الطلب ) ترفقوا في السعي في طلب حظكم من الرزق
( فإن نفساً لن تموت حتى تستوفي رزقها وإن أبطأ عنها ) فهو لا بد يأتيها فلا فائدة للانهماك والاستشراف والرزق لا ينال بالجد ولا بالاجتهاد وقد يكدح العاقل الذكي في طلبه فلا يجد مطلوبه والغر الغبي يتيسر له ذلك المطلوب ، وهذه المطالب إنما تحصل وتسهل بناء على قسمة قسَّام لا يمكن منازعته ومغالبته {نحن قسمنا بينهم معيشتهم } فقد ترى أحمقاً مرزوقاً وعالماً محروماً ، وقرن ذلك بالأمر بالتقوى لأنها من الأوامر الباعثة على جماع الخير إذ معها تنكف النفس عن أكثر المطالب وترتدع عن الشهوات وتندفع عن المطامع ومن ثم كرر لك فقال
( فاتقوا اللّه وأجملوا في الطلب ) أي اطلبوا الرزق طلباً رفيقاً وبين كيفية الإجمال بقوله فيه
( خذوا ما حل ) لكم تناوله
( ودعوا ) أي اتركوا
( ما حرم )
(حديث أبي الدرداء في صحيح الجامع) أن النبي ( قال: الرزق أشد طلبا للعبد من أجله .
(الرزق أشد طلباً للعبد من أجله ) لأن اللّه تعالى وعد به بل ضمنه ووعده لا يتخلف وضمانه لا يتأخر ومن علم أن ما قدر له من رزقه لا بد له منه علم أن طلبه لما لا يقدر له عناء لا يفيد ولهذا قال بعض الأنجاب : الرزق يطرق على صاحبه الباب وقال بعضهم : الرزق يطلب المرزوق وبسكون أحدهما يتحرك الآخر .
والسقيم عاجز والعمر الذي أعطى به يقوم العبادة والصحة مع الفقر خير من الغنى مع العجز والعاجز كالميت .
((1/262)
وطيب النفس من النعيم ) لأن طيبها من روح اليقين وهو النور الوارد الذي أشرق على الصدر فإذا استنار القلب ارتاحت النفس من الظلمة والضيق والضنك فإنها لشهواتها في ظلمة والقلب مرتبك فيها فالسائر إلى مطلوبه في ظلمة يشتد عليه السير ويضيق صدره ويتنكد عيشه ويتعب جسمه فإذا أضاء له الصبح ووضح له الطريق وذهبت المخاوف وزالت العسرة ارتاح القلب واطمأنت النفس وصارت في نعيم
(حديث عبيد الله ابن محصن في صحيحي الترمذي وابن ماجة) أن النبي ( قال : من أصبح منكم آمنا في سربه معافى في جسده عنده قوت يومه فكأنما حِيزت له الدنيا بحذافيرها .
(من أصبح منكم آمنا في سِربه ) أي في بيته
( معافى في جسده ) أي صحيحاً بدنه
( عنده قوت يومه ) أي غذاؤه وعشاؤه الذي يحتاجه في يومه ذلك
يعني من جمع اللّه له بين عافية بدنه وأمن قلبه حيث توجه وكفاف عيشه بقوت يومه وسلامة أهله
( فكأنما حيزت له الدنيا بحذافيرها ) كأنما أعطي الدنيا بأسرها
{ تنبيه } :( ويجوز الاستكثار من المال الحلال ما لم ينكب الإنسان عليه مع صلاح النية من إعطاء حق الله تعالى فيه وصلة الرحم ومساعدة المحتاجين .
(حديث عمرو بن العاص في صحيح الأدب المفرد) أن النبي ( قال : نعم المال الصالح للمرء الصالح .
(حديث يسار بن عُبيد في صحيح ابن ماجة) أن النبي ( قال : لا بأس بالغنى لمن اتقى و الصحة لمن اتقى خير من الغنى و طيب النفس من النعيم .
(لا بأس بالغنى لمن اتقى ) فالغنى بغير تقوى هلكة ، يجمعه من غير حقه ويمنعه ويضعه في غير حقه فإذا كان مع صاحبه تقوى فقد ذهب البأس وجاء الخير قال محمد بن كعب : الغني إذا اتقى آتاه اللّه أجره مرتين لأنه امتحنه فوجده صادقاً وليس من امتحن كمن لا يمتحن
(والصحة لمن اتقى خير من الغنى) فإن صحة البدن عون على العبادة فالصحة مال ممدود:
((1/263)
حديث أبي كبشة الأنماري في صحيحي الترمذي وابن ماجة ) أن النبي ( قال : إِنَّمَا الدُّنْيَا لأَرْبَعَةِ نَفَرٍ عَبْدٍ رَزَقَهُ اللَّهُ مَالاً وَعِلْماً فَهُوَ يَتَّقِى فِيهِ رَبَّهُ وَيَصِلُ فِيهِ رَحِمَهُ وَيَعْلَمُ لِلَّهِ فِيهِ حَقًّا فَهَذَا بِأَحسنِ الْمَنَازِلِ عند الله وَرجلٍ رَزَقَهُ اللَّهُ عِلْماً وَلَمْ يَرْزُقْهُ مَالاً فَهُوَ يَقُولُ لَوْ أَنَّ لي مَالاً لَعَمِلْتُ بِعَمَلِ فُلاَنٍ فَهُوَ بِنِيَّتِهِ وهما في الأجرِسَوَاءٌ ، وَرجلٍ رَزَقَهُ اللَّهُ مَالاً وَلَمْ يَرْزُقْهُ عِلْماً فَهُوَ يَخْبِطُ في مَالِهِ لاَ يَتَّقِى فِيهِ رَبَّهُ وَلاَ يَصِلُ فِيهِ رَحِمَهُ وَلاَ يَعْلَمُ لِلَّهِ فِيهِ حَقًّا فهو بِأَسوءِ الْمَنَازِلِ عند الله وَرجلٍ لَمْ يَرْزُقْهُ اللَّهُ مَالاً وَلاَ عِلْماً فَهُوَ يَقُولُ لَوْ أَنَّ لي مَالاً لَعَمِلْتُ بِعَمَلِ فُلاَنٍ فَهُوَ بِنِيَّتِهِ وهما في الوزر سَوَاءٌ .
[*] قال سعيد ابن المسيب رحمه الله تعالى : لا خيرَ فيمن لا يريد المال من حِله يكفُ به وجهه عن الناس ، ويصل فيه رحمه ويعطي منه حقه .
[*] وقال سفيان الثوري رحمه الله تعالى : المال في زماننا هذا سلاحُ المؤمنين
[*] وقال الفُضَيلُ ابن عِياض لابن المبارك رحمها الله تعالى :أنت تأمرنا بالزهد والتقلل والبُلغة ونراك تأتي بالبضائع من بلاد خُرسان إلى البلد الحرام كيف ذاك ؟
فقال ابن المبارك رحمه الله تعالى : يا أبا علي إنما أفعل ذلك لأصون به وجهي وأكرم به عرضي وأستعين به على طاعة ربي ، لا أرى لله حقاً إلا سارعت إليه حتى أقوم به ، فقال الفضيل : ما أحسن ذا إذا تم ذا .
[*] وقال ابن المبارك مرةً للفضيل : لولا أنت وأصحابك ما اتجَّرت .
[*] وقال ابن المبارك مرةً : لولا خمسةٌ ما اتجَّرت ، السفيانان وفضيل وابن السماك وابن علية .
{ تم بحمد الله تعالى ومنته }
الفهرس
(
الموضوع ... رقم الصفحة
2(1/264)
أولاً : التحلي بالفضائل ... 7
باب فضل العلم ... 7
حكم تعلم العلم ... 18
ماذا نعني بالعلم ؟ وكيف يطلب ؟ ... 18
آداب طالب العلم ... 21
ثانيا: آداب طالب العلم مع شيخه ... 35
ثالثاً : آداب الزمالة ... 40
آداب طالب العلم في حياته العلمية ... 41
خامساً : التحلي بالعمل ... 52
سادساً : تأدية زكاة العلم ... 53
سابعاً : التحلي بعزةِ العلماء ... 53
ثامناً : صيانة العلم ... 54
تاسعاً : التحلي بالمدارة وليس المداهنة ... 55
عاشراً : التحلي بالغرام بالكتب ... 55
الحادي عشر:التخلي عن المحاذير التي لا تجعل العلم نافعاً ... 57
آداب العالم ... 62
أولاً فضل علم التوحيد ... 67
ثانياً : فضلُ علم القرآن ... 67
آداب قراءة القرآن ... 71
آداب حملة القرآن ... 76
فضائل بعض السور ... 78
فضل سورة الفاتحة ... 78
الموضوع ... رقم الصفحة
فضل سورة البقرة ... 78
فضلُ آية الكرسي ... 79
فضلُ خواتيم سورة البقرة ... 79
فضلُ سورتي البقرة وآل عمران ... 79
فضلُ سورة هود والواقعة والمرسلات وعم يتساءلون ... 80
فضلُ سورة الكهف ... 80
فضلُ سورتي السجدة والملك ... 81
فضلُ سورة الزلزلة ... 81
فضلُ سورة الكافرون ... 81
فضلُ المُعَوِّذات ... 81
فضلُ سورة الإخلاص ... 82
فضلُ علم السنة ... 82
رابعاً : فضلُ علم الفقه ... 83
خامساً : فضلُ علم الهدي والآداب ... 84
أهمية ضبط اللسان ... 85
التحلي بفضيلة حسن الخلق ... 86
التحلي بفضيلة السَمْتِ الصالح ... 88
التحلي بفضيلتي الحِلمِ والأناة ... 89
التحلي بفضيلة الرفق ... 89
التحلي بفضيلة احتمال الأذى ... 89
التحلي بفضيلة العفو والإعراض عن الجاهلين ... 90
التحلي بالصمت وقلةِ الكلام ... 91
التحلي بالصدق ... 91
الموضوع ... رقم الصفحة
تحلية اللسان بقراءة القرآن وحفظه ... 92
تحلية اللسان بالذكر ... 93
ذكر الاستيقاظ من النوم ... 95
الذكر عند لبس الثوب ... 95
ذكر لبس الثوب الجديد ... 96(1/265)
الدعاء لمن لبس ثوباً جديدا ... 96
الذكر عند دخول الخلاء ... 96
الذكر بعد الخروج من الخلاء ... 97
الذكر قبل الوضوء ... 97
الذكر بعد الفراغ من الوضوء ... 97
الذكر بعد الفراغ من الوضوء ... 98
الذكر عند دخول المنزل ... 98
الذكر عند دخول المسجد ... 99
ذكر الخروج من المسجد ... 99
أذكار الأذان ... 99
الأذكار داخل الصلاة ... 101
دعاء الاستفتاح ... 101
ذكر الركوع ... 101
ذكر الرفع من الركوع ... 101
ذكر السجود ... 102
الذكر بين السجد تين ... 102
الذكر بعد التشهد الأخير وقبل التسليم ... 103
أذكار ختام الصلاة ... 103
الموضوع ... رقم الصفحة
أذكار الصباح والمساء ... 104
ذكر الطعام ... 107
ذكر السوق ... 108
الذكر إذا كان مسافراً وودَّع المقيم ... 109
ذكر المقيم للمسافر ... 109
ذكر المسافر ... 109
الذكر إذا رأى الإنسان ما يحب ... 110
الذكر إذا رأى الإنسان ما يكره ... 110
الذكر عند الكرب ... 110
الذكر عند الهم والحزن ... 110
الذكر لمن رأى مبتلى ... 111
الذكر لمن رأى الهلال ... 111
كفارة المجلس ... 111
ذكر سداد الدين ... 111
الأذكار قبل النوم ... 111
ذكر الفزع من النوم ... 113
الذكر لمن تضَوَّر من الليل ... 113
الذكر لمن تعارَّ من الليل ... 113
الذكر لمن قام من الليل يتهجد ... 113
ذكر التهجد ... 114
الذكر إذا صعد شرفاً أو هبط في واد ... 114
تحلية اللسان بالاستغفار ... 114
تحلية اللسان بالدعاء ... 116
الموضوع ... رقم الصفحة
آداب الدعاء ... 118
نموذج للدعاء ... 121
تحلية اللسان بالصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم - ... 128
تحلية اللسان بالكلمة الطيبة والإصلاح بين الناس ... 129
التحلي بفضيلة الرفق ... 131
التحلي بفضيلة التواضع وخفض الجناح ... 132
التحلي بفضيلة الحياء ... 133
التحلي بفضيلة الجود والسخاء والإنفاق في وجوه الخير ... 134
التحلي بفضيلة الإيثار ... 136(1/266)
التحلي بفضيلة المواساة في السَنَةِ والمجاعة ... 137
التحلي بفضيلة إقراض القرض والتجاوزعن المعسر ... 138
التحلي بإيثار الخمول وعدم الشهرة ... 138
التحلي بفضيلة مجاهدة النفس والهوى ... 139
التحلي بفضيلة بر الوالدين ... 140
التحلي بفضيلة صلة الرحم ... 146
التحلي بفضيلة الإحسان إلى الجار وعدم إيذائه ... 149
التحلي بفضيلة إكرام الضيف ... 152
التحلي بآداب الصحبة والأخوة و معاشرة الخلق ... 153
[1] اختيار الصحبة الصالحة ... 154
[2] أن يعيش بين إخوانه بالمودة والرحمة ... 156
[3]لا يتناجى رجلان دون الآخر حتى يختلطوا بالناس ... 160
[4]الإحسان والعفو عن الناس ... 160
[5] دفع السيئة بالحسنة ... 161
الموضوع ... رقم الصفحة
[6]إخبار الناس بمحبتهم ... 162
[7] أن يشفع لأخيه لقضاء حاجته ... 162
[8] الزهد فيما عند الناس ... 162
[9] مراعاة أحاسيس الناس ومشاعرهم ... 163
[10] إدخال السرور على المسلم ... 163
[11] الإنصاف لأخيك ... 164
[12] أن لا تتبع عيوب أخيك ... 164
[13] طلاقة الوجه عند اللقاء ... 165
[14] أن يَرُدَّ عن عِرض أخيه ... 165
[16] إصلاح ذات البين ... 166
[17] التعاون على البر والتقوى ... 168
[18] بذل النصيحة ... 169
[19] رحمة الصغير وتوقير الكبير ... 170
[20] تحريم الخلوة بالمرأة الأجنبية ... 171
[21] لا تُكَلَمُ النساء إلا بإذن أزواجهن ... 173
[22] عدم مصافحة النساء ... 173
[23] الحرص على مجالسة الصالحين ... 174
[24] أن يكون مفتاحاً للخير مغلاقاً للشر ... 177
[25] قضاء حوائج المسلمين وخدمتهم ... 178
[26] صنع المعروف ... 180
[27] شكر المعروف ... 180
[28] الحب في الله تعالى ... 181
[29] مراعاة آداب المجلس إذا جلس مع القوم ... 182
الموضوع ... رقم الصفحة
[30] مراعاة آداب الاستئذان ... 183
[31] غض البصر ... 184
[32] أداء الأمانة وتحريم المماطلة ... 186
[33] مشورة أهل الصلاح ... 187
[(1/267)
34] اجتناب العصبية فإنها هلاكٌ مُحَقَّق ... 188
[35] اجتناب الغش والخداع للمسلمين ... 189
[36] اجتناب الغدر للمسلمين ... 190
[37] اجتناب ظلم العباد ... 190
[38] اجتناب مجالس الظالمين ... 195
[39] اجتناب إيذاء المسلمين ... 195
[40] اجتناب التباغض والتقاطع والتدابر ... 197
[41] اجتناب الحسد ... 198
[42] اجتناب احتقار المسلمين ... 200
[43] اجتناب التجسس على المسلمين ... 201
[44] عدم تتبع عورات المسلمين وزلاتهم ... 202
[45] الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ... 203
[46] لا يسألُ إلا الله تعالى ... 207
[47] الاقتصاد في العزلة والمخالطة ... 208
[48] يذكر نفسه وغيره أن الجزاء من جنس العمل ... 210
[49] الإحسان إلى من يعمل تحت يديه ... 211
[50] التحلي بآداب اللباس ... 212
[51] التحلي بآداب الزينة ... 229
التحلي بإقراء السلام على المسلمين ... 236
الموضوع ... رقم الصفحة
آداب السلام ... 237
التحلي بالمصافحة من الرجل للرجل ... 238
التحلي بشكر المعروف ... 239
ثانياً : التخلي عن الرذائل ... 239
التخلي عن رذيلة كثرة الكلام ... 239
التخلي عن رذيلة التحدث بكل ما سمع ... 240
التخلي عن الكذب ... 240
التخلي عن الغناء والاحتراز منه ... 242
التخلي والاحتراز من الشعر المحرم ... 245
التخلي عن رذيلة الغيبة ... 247
التخلي عن رذيلة النميمة ... 250
التخلي عن رذيلة ذي الوجهين ... 252
الاحتراز من فحش القول وبذاءة اللسان ... 253
التخلي عن رزيلة الغضب ... 253
التخلي عن رذيلة السباب ... 255
التخلي عن آفة التكلم فيما لا يعنيه ... 256
التخلي عن آفة كثرة المزاح ... 256
التخلي عن رذيلة شهادة الزور ... 257
حفظ اللسان من قذف المحصنات والعياذ بالله ... 258
التخلي عن الجدال العقيم ... 259
التخلي عن شهوة الخصومة ... 260
حفظ اللسان من الحلف بغير الله ... 260
حفظ اللسان عن الحلف بالأمانة ... 261
الموضوع ... رقم الصفحة(1/268)
حفظ اللسان عن الحلف باللات والعزى ... 261
حفظ اللسان عن الحلف بالله كذباً ... 261
حفظ اللسان عن اليمين الغموس ... 262
حفظ اللسان من المدح المذموم ... 262
حفظ اللسان من اللعن ... 263
حفظ اللسان من إخلاف الوعد ... 264
التخلي عن رزيلة الكبر والعياذ بالله ... 264
الاحتراز من رذيلة العجب والعياذ بالله ... 266
التخلي من رذيلة البخل والعياذ بالله ... 266
الاحتراز من رذيلة الحرص والطمع ... 267
...
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ، ونعوذ بالله من شرورِ أنفسنا وسيئاتِ أعمالنا ، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي ، واشهد أن لا إله إلا الله الواحد القهار شهادةٌ أدخرها ليومٍ تذهل فيه العقول وتشخص فيه الأبصار شهادةٌ أرجو بها النجاةَ من دار البوار وأؤمل بها جناتٍ تجري من تحتها الأنهار، هو الأولُ فليس قبله شيء والآخرُ فليس بعده شيء والظاهر فليس فوقه شيء والباطن فليس دونه شيء، ليس كمثلهِ شيء وهو السميع البصير وأشهد أن محمد عبده ورسوله المصطفى المختار الماحي لظلام الشرك بثواقب الأنوار صلى الله عليه وعلى اله وأصحابه البررة الأطهار صلاةً تدوم بتعاقب الليل والنهار .
(يا أيها الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ) . [ آل عمران ـ102 ]
( يا أيها النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَتَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًاً ) [النساء/ 1 ]
( يا أيها الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا )[ الأحزاب 70 – 71 ]
أما بعد(1/269)
لما كان زادُ الداعيةِ إلى الله – بعد تقوى الله – أن يكونَ على علمٍ صحيح مرتكزٍ على الكتاب والسنةِ الصحيحةِ حيث يستمدُ من نورهما نوراً ومن ضيائهماً لمعانًا ليضئ له الطريق في الدعوةِ إلى الله على بصيرة امتثالا لقوله تعالى: (قُلْ هََذِهِ سَبِيلِيَ أَدْعُو إِلَىَ اللّهِ عَلَىَ بَصِيرَةٍ أَنَاْ وَمَنِ اتّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللّهِ وَمَآ أَنَاْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ) [سورة: يوسف - الآية: 108]ولما كان أولُ ما يجب على العبدِ أن يتعلَمَه من دينه : ( فقه الإيمان ) وهو التوحيد و( فقه الأحكام ) وهو فقه الشريعة لأنهما من فروض الأعيان لكونهما متعلقان بالعمل ومتعلقان بالتكليف ، لأنه بفقه الإيمان يُصححُ العبدُ إيمانَه الذي سيلقي عليه ربه وبفقه الأحكام سيُصححُ عمله الذي سيلقي به ربه .
ولما كان الداعيةُ إلى الله يحتاجُ إلى التحلي بالفضائلِ والتخلي عن الرذائلِ سيراً على منهج السلفِ الصالحِ في التعلم حيث كان منهجهم في التعلم ( أن يتلقوْا العلمَ مع الأدب ) لأن العلمَ بلا أدبٍ يجني على صاحبه ويُهلكه .(1/270)
لهذه الأسبابِ الثلاثةِ مجتمعة رأيت أن أقدم هذا الجهدَ المُقل المسمى ( صفوةُ المسائل في التوحيد والفقه والفضائل ) مبتدأ بـ ( فقه الإيمان ) وهو التوحيد لأن التوحيدَ هو أول ما يجب على العبد أن يتعلمه من دينه لأنه مقدمٌ على العمل والأصلُ الذي يترتبُ عليه غيره إذ لا ينفع مع الشركِ عمل ، فأقدم ( صفوة المسائل في التوحيد ثم أعقبها بصفوة مسائل عقيدة أهل السنة والجماعة ، ثم أورد صفوة مسائل الفقه لأن الفقه هو أول ما يجب على العبد أن يتعلمه من دينه بعد التوحيد لأنه لا يتحقق للعبد متابعة النبي( في عباداته ومعاملاته إلا عن طريق الفقه ، ثم أنتقل إلى صفوة مسائل الفضائل ليتحلى بها طالب العلم ثم أعقبها بمسائل الرذائل ليتخلى عنها فيكون الداعيةُ إلى الله بعد دراسته لهذا الكتاب موحداً عالماً بمسائل الفقه متحلياً بالفضائلِ متخلياً عن الرذائلِ مما يُؤهله إلى الدعوة إلى الله على بصيرة .
(عملي في هذا الكتاب :
(1) إيراد صفوة المسائل في التوحيد والفقه والفضائل مقتصراً على القول الراجح الذي يشهد له الدليل- غالباً – دون الخوض في متاهات الخلاف التي لا تفيد طالب العلم المبتدأ ودون التجمد على مذهب معين بل أتحرى القول الذي يشهد له بالدليل .
(2) لما كان العلم مسائل ودلائل آثرت أن أجعل هذا الكتاب في صورة (مسألة والجواب عليها ) مدعماً الجواب بالدليل من الكتاب والسنة الصحيحة لأن ذلك أسهلُ في الحفظ وأثبتُ للذهن .
((1/271)
3) أنني لا أورد حديثاً إلا عزوته إلى بعض الكتب الصحيحة على المنهج الآتي : ما كان في الصحيحين أو أحدهما أكتفي بذلك ، وما لم يكن في الصحيحين أو أحدهما أعزوه إلى صحيح السنن الأربعة إن كان موجوداً بها كلها ، وإن كان موجوداً في بعضها فإنني أعزوه إلى كتابين فقط منهم وإن كان موجوداً في ثلاث ، وإن كان موجوداُ في كتاب واحد منهم أعزوه إليه ، وهكذا تجدني أقدم الكتب الستة على غيرها لأنها عماد طالب العلم في الحديث – بعد الله تعالى - ، وما لم يكن في الكتب الستة فإنني أعزو الحديث إلى غيرها من الكتب الصحيحة مثل صحيح الجامع ، صحيح الأدب المفرد ، السلسلة الصحيحة ، كما أنك تجدني أيها القارئ الكريم أحيل في تصحيح الحديث وتضعيفه على العلامةِ الضياءِ اللامعِ الشيخ الألباني حفظه الله ، ونحن حينما نحيل على الشيخ الألباني فإننا – ولاشك – نحيلُُ على مليٍّ لأنه كوكبُ نظائره وزهرةُ إخوانه في هذا الشأن في زماننا هذا العالم الجليل الذي وسَّع دائرةَ الاستفادةِ من السنة بتقديمه مشروع ( تقريب السنة بين يدي الأمة ) ذلك المشروع الذي بذل فيه أكثر من أربعين سنة ، ومن أراد أن يعرف هذه الفائدة العظيمة فلينظر على سبيل المثال إلى السنن الأربعة التي ظلَّت مئات السنين محدودة الفائدة جداً حيث كانت الاستفادة منها مقتصرة على من كان له باع في تصحيح الحديث وتضعيفه ولكن بعد تقديم الشيخ الألباني لصحيح السنن الأربعة اتسعت دائرة الاستفادة حتى تعم كل طالب أراد أن يستفيد وهذا ولا شك فائدة عظيمة جداُ عند من نور الله بصيرته وأراد الإنصاف ، ومن المؤسف في زماننا هذا أن نرى بعض طلبة العلم ممن لا يقام لهم وزناً في العلم يتطاولون على الشيخ الألباني ويجترئون عليه ويترقبون له الهفوات ويتصيدون له الأخطاء ويلتمسون العثرات ليشهروا به وهذا – ولا شك – يدل على فسادِ النية وسوء الطوية وسقامةِ الضمائر ولؤم السرائر ويدل كذلك على أن قلبه أخلى(1/272)
من جوف البعير ، إذ لو تعلم العلم لعلم أن من أدب العلم التوادَ فيه ، ولقد كان ابن عباس – رضي الله عنهما – يأخذ بركاب زيد ابن ثابت – رضي الله عنه - ويقول هكذا أمرنا أن نفعل بالعلماء ، وكان الشافعي رحمه الله يقول لعبد الله ابن الإمام أحمد : أبوك من الستة الذين أدعو لهم كل يوم عند السحر ، ولا أدري كيف سوَّلت لهم أنفسهم أن يتطاولوا على عالم صاحب حديث رسول الله أكثر من نصف قرن ولا أدري كيف يتطاولون على العالم والكتاب والسنة طافحين بما يدل على احترام أهل العلم وتوقيرهم ، ألا فليحذر طالب العلم من أن يكون سيئ الخلق ناطحاً للسحاب يترقب للعالم الهفوات ويلتمس العثرات ليشهر به فإن ذلك ينقصُ من مقدار التقوى عنده مما يكون سبباً في حرمانه من العلم ، بل ينبغي لطالب العلم أن يكون كريمَ الطباع حميدَ السجايا مهذبَ الأخلاق سليمَ الصدر مفتاحاً للخير مغلاقاً للشر إذا تكلم غنم وإذا سكت سلم وينبغي له أن يعرف أن العالم مع جلالته وعظم قدره قد يخطأ في اجتهاده فإن لكل جوادٍ كبوة ولكل عالم هفوة وسبحان من له الكمال ، فلا يكن خطأ العالم سبب لانتقاصك لحقه أو فرصة للنيلِ منه ، وليكن نصب أعينك أن العالم مثابٌ على اجتهاده سواء أصاب أم أخطأ وحسبُك حديث النبي - صلى الله عليه وسلم - الثابت في الصحيحين عن عبد الله ابن عمرو – رضي الله عنهما –أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : إذا حكم الحاكم فاجتهد ثم أصاب فله أجران ، وإذا حكم فاجتهد ثم أخطأ فله أجر . ، ثم عليك بعد ذلك أن تترك العالم هو الذي يحكم على العالم و أخرج من بين النسور ولا تناطح السحاب .(1/273)
أنا أقدم هذا الكتاب كتمرين لطالب العلم على حفظ المسألة بأدلتها من الكتاب والسنة الصحيحة حتى ينشأ طالب العلم على هذا النحو وحتى يصل إلى أن يكون ذلك طبعاً له لا تكلفاً ويكون الكتاب والسنة له كالجناحين للطائر يتمسك بهما ويعض عليهما بالنواجذ لأن ذلك سبيل النجاةِ من الضلال لقول النبي ( فيما ثبت في صحيح الجامع عن أبى هريرة رضى الله عنه (تركتُ فيكم شيئين لن تضلوا بعدهما كتاب الله وسنتي ، ولن يتفرقا حتى يردا عليَّ الحوض )
ويجب التنبيه على طالب العلم أن يتمسك بالوحيين كليهما (الكتاب والسنة) وليس الكتاب فقط لقول النبي ( فيما ثبت فى صحيح أبي داوود عن المقدام ابن معد يكرب رضى الله عنه (ألا وإني أوتيتُ القرآنَ ومثلَه معه ) من المؤسف فى زماننا هذا تجرئ بعض الجهلة على النبي (فيقولون انه بشر مثلنا هات الدليل من القرآن فقط ــ وهذا يدل ولا شك ـــ على أن قائل هذه العبارة جاهل جهلا مركب بل هو أضل من حمار أهله ، وقد أخبر النبي - صلى الله عليه وسلم - أن هذا سيقع في أمته فقال فيما ثبت في صحيحي أبى داود و الترمذي عن المقدام ابن معد يكرب رضى الله عنه (يوشك الرجل متكئاً على أريكته يُحَدَثُ بحديثٍ من حديثٍ فيقول بيننا وبينكم كتاب الله ،فما وجدنا فيه من حلالٍ استحللناه وما وجدنا فيه من حرامٍ حرمناه ، ألا وإن ما حرَّم رسول الله مثل ما حرم الله )
) ولقد كان السلف الصالح يدعون إلى التمسك بالوحيين ويضللون من يتمسك بالكتاب فقط,قال أبو قلابة: إذا رأيت رجل يقول هات الكتاب ودعنا من السنة فاعلم أنه ضال .
[*] وقال الإمام احمد رحمه الله:
دين النبي محمدٍ أخبارُ ... نعم المطيةُ للفتى الآثارُ
لا ترغبَّنَّ عن الحديثِ وأهله ... فالرأيُ ليلٌ والحديثُ نهارُ
[*] وقال الشافعي رحمه الله
كُلُ العلومِ سوى القرآنِ مشغلةٌ ... إلا الحديثِ وعلم الفقه في الدين
العلمُ ما كان فيه قال حدثنا ... وما سوى ذاك وسواسِ الشياطين(1/274)
هذا والله أسأل أن يجعل عملي خالصاً لوجهه الكريم وسبباً لنيلِ جناتِ النعيم وأن يعصمني وقارئه من الشيطان الرجيم ، وما كان في هذا الكتاب من صوابٍ فمن الواحد المنان ، وما كان من خطأ فمن نفسى ومن الشيطان ، والله برئ منه وأنا راجعٌ عنه بإذن الله ، فنسأل الله أن يحملنا على فضله ولا يحملنا على عدله إنه سبحانه على من يشاءُ قدير وبالإجابة جدير وهو حسبنا ونعم الوكيل وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين .
أبو رحمة / محمد نصر الدين محمد عويضة
المدرس بالجامعة الخيرية لتحفيظ القرآن الكريم بجدة فرع مدركة ورهاط وهدى الشام
6/9/1416 هجرية
هذا هو القسم الثاني من الكتاب والذي يتضمن صفوة مسائل الفقه لأن الإنسان بفقه الأحكام سيُصححُ عمله الذي سيلقي به ربه , فأردت أن يكون هذا الكتاب عوناً للعبد بعد الله تعالى في تحقيق ذلك .
أبو رحمة / محمد نصر الدين محمد عويضة
المدرس بالجامعة الخيرية لتحفيظ القرآن الكريم بجدة فرع مدركة ورهاط وهدىالشام
6/9/1416هـ
كتاب الفقه
مسألة :ما هو الفقه لغةً وشرعا ؟
الفقه لغة : الفهم مستفاداً من قوله تعالى: وَإِن مّن شَيْءٍ إِلاّ يُسَبّحُ بِحَمْدَهِ وَلََكِن لاّ تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ إِنّهُ كَانَ حَلِيماً غَفُوراً) [سورة: الإسراء – الآية : 44]
الفقه شرعاً :
معرفة الأحكام العملية بأدلتها التفصيلية .
الأحكام العملية من الطهارة والصلاة والصوم وغيرها ـ وقوله الأحكام العملية احترازا من الأحكام العَقدية .
الأدلة التفصيلية : نوعان
1) سمعية ( كتاب وسنة وإجماع )
2) عقلية (قياس)
وقوله بأدلتها التفصيلية : احترازاَ من أصول الفقه ،فإن أصول الفقه لا نعرف منه أدلة تفصيلية ،بل نعرف قواعد عامة للتمثيل فقط .
مسألة : هل يجوز التقليد ؟
قال شيخ الإسلام رحمه الله : إن التقليد بمنزلة لحم الميتة ، يجوز للضرورة ومع عدم الضرورة لا يجوز .
مسألة : ما هو العلم ؟(1/275)
العلم مسائل ودلائل ،والدلائل سمعية وعقلية
كتاب الطهارة
مسألة : ما هي الطهارة ؟
الطهارة لغة :النظافة
الطهارة شرعا :رفع الحدث أو إزالة النجاسة
مسألة :ما هو الحدث وما أقسامه ؟
الحدث : وصف يكون بالبدن يمنع من الصلاة ونحوها .
[*](أنواع الحدث :
1) حدث أصغر ( كالبول والغائط ) وهذا يرتفع بالوضوء
2) حدث أكبر ( كالجنابة ) وهذا يرتفع بالغسل
مسألة : ما هي النجاسة وما أنواعها ؟
النجاسة : كل شئ يستقذره أهل الطبائع السليمة ويتحفظون عنه ويغسلون الثياب إذا أصابهم كالبول والعذرة .
[*](أنواع النجاسة :
1) نجاسة عينية :أن تكون العين نجسة ، فتكون النجاسة عينية ليست طارئة مثل نجاسة الكلب ـالروثة ،وهذا النوع من النجاسة لا يطهر
ولو بماء البحار .
2) نجاسة حكمية : وهي نجاسة طارئة أي كانت طاهرة فطرأ عليها النجاسة كما إذا سقط بول على ثوب طاهر ، وهذه النجاسة يمكن تطهيرها.
مسألة : هل الأصل في الأشياء الطهارة أم النجاسة ؟
الأصل في الأشياء الطهارة حتى يثبت الدليل على النجاسة ، لأن الحكم بالنجاسة حكم تكليفي لا يثبت إلا بدليل .
مسألة : ما الأشياء التي تثبت نجاستها بالدليل ؟
الأشياء التي ثبت نجاستها بالدليل :
[1] بول الآدمي وغائطه :
دليل نجاسة بول الآدمي :
( حديث أبي هريرة رضي الله عنه الثابت في صحيح البخاري ) قال قام أعرابي فبال في المسجد فتناوله الناس فقال لهم النبي - صلى الله عليه وسلم - دعوه وهر يقوا على بوله سَجلاً من ماء أو ذنوباَ من ماء فإنما بعثتم مُيسرين ولم تبعثوا مُعسرين )
دليل نجاسة غائط الآدمي :
(حديث أبي هريرة رضي الله عنه الثابت في صحيح أبي داوود )أن النبي قال إذا وطئ أحدكم بنعله الأذى فإن التراب له طهور )
[2] المذي والودي :
( أما المذي : فهو ماء أبيض رقيق لزج يخرج عند الشهوة لا دفق و لا يعقبه فتور ، وربما لا يحس بخروجه وهو نجس ولهذا أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - بغسل الذكر منه .(1/276)
الدليل ( حديث علي الثابت في الصحيحين ) قال كنت رجلاَ مذاءاً ، وكنت أستحي أن أسال النبي - صلى الله عليه وسلم - لمكان ابنته فأمرت المقداد بن ألأسود فسأله فقال { يغسل ذكره ويتوضأ}
(وأما الودي : فهو ماء أبيض ثخين يخرج بعد البول وهو نجس :
الدليل ( حديث ابن عباس الثابت في صحيح أبي داود) قال : المني والودي والمذي أما المني فهو الذي منه الغسل ، وأما الودي والمذي فقال اغسل ذكرك أو مذاكريك وتوضأ وضوءك للصلاة )
[3] روث ما لا يؤكل لحمه :
( حديث ابن مسعود الثابت في صحيح البخاري ) قال أتى النبي - صلى الله عليه وسلم - الغائط فأمرني أن آتيه بثلاثة أجمار ، فوجدت حجرين ولم أجد ثالثا ، فأتيته بروْثة ٍفأخذهما وألقى الروْثة وقال { هذا رجس أو ركس }.
الشاهد : قول النبي- صلى الله عليه وسلم - في الروثة رجس والمقصود بالرجس هنا شدة النجاسة والقذارة ، وثبت في بعض الروايات { روْثة حمار } فدل على أن المقصود بروثة ما لا يؤكل لحمه .
[4] دم الحيض :
(حديث أسماء الثابت في الصحيحين )قالت جاءت امرأة إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقالت أرأيت إحدانا تحيض في الثوب كيف تصنع ؟ قال تحته ثم تقرضه بالماء وتنضحُه وتصلي فيه )
تحتُه : أي تفركه
تقرضه بالماء : تدلكه بأصابعها مع صب الماء عليه
تنضحه تصب الماء عليه قليلاَ
[5] لُعاب الكلب :
( حديث عبد الله بن المغَفََّل الثابت في الصحيحين ) أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال إذا ولغ الكلب في الإناء فاغسلوه سبع مرات و عفروه الثامنة بالتراب .
ولغ : أي شرب بطرف لسانه
عفروه : التعفير هو التمريغ في التراب .
[6] الميتة :
وهي من مات حتف أنفه من غيرذكاةٍ شرعية
( حديث ابن عباس الثابت في صحيح مسلم ) أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال {إذا دبغ الإهاب فقد طهر .
والإهاب جلد الميتة
[*] ويستثنى من كون الميتة نجسة أشياء :
1) ميتة السمك والجراد :
((1/277)
حديث ابن عمر رضي الله عنهما الثابت في صحيح ابن ماجه ) أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال أحلت لكم ميتتان و دمان أما الميتتان : فالحوت و الجراد و أما الدمان : فالكبد و الطحال .
2) ميتة ما لا دم له سائل : كالذباب والنمل والنحل ونحو ذلك :
( حديث أبي هريرة رضي الله عنه الثابت في صحيح البخاري ) أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : إذا وقع الذباب في إناء أحدكم فليغمسه كله ثم ليطرحه فإن في أحد ى جناحيه داء و في الآخر شفاء )
3) عظم الميتة وقرنها وظفرها وشعرها وريشها ، كل ذلك طاهر وقوفاَ على ألأصل وهو الطهارة ،ولما رواه البخاري تعليقاَ قال { وقال الزهري في عظام الموتى ـ نحو الفيل وغيره ـ أدركت ناساَ من سلف العلماء يمتشطون بها ويدهنون فيها لا يرون بها بأساَ وقال حماد : لا بأس بريش الميتة .
مسألة : كيف تُطَّهر النجاسة ؟
[*](تُطَّهر النجاسة بحسب ما جاء الدليل بكيفية تطهيرها ، وإليك ما جاء به الشرع في صفة تطهير الأعيان النجسة أو المتنجسة :
[1] تطهير جلد الميتة بالدباغ :
( حديث ابن عباس الثابت في صحيح مسلم ) أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: إذا دُبغ الإهاب فقد طهر }
والإهاب جلد الميتة .
( حديث ميمونة الثابت في الصحيحين ) أن النبي - صلى الله عليه وسلم - وجد شاة ميتة أعطيتها ميمونة فقال هل انتفعتم بها قالوا إنها ميتة قال إ نما حرم أكلها )
[2] تطهير الإناء إذا ولغ فيه الكلب :
( حديث عبد الله بن المغفل الثابت في الصحيحين) أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال إذا ولغ الكلب في الإناء فاغسلوه سبع مرات و عفروه الثامنة بالتراب .
[3] تطهير الثوب إذا أصابه دم الحيض : ( حديث أسماء الثابت في الصحيحين ) قالت :جاءت امرأة إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقالت أرأيت إحدانا تحيض في الثوب كيف تصنع ، قال تحتُه ثم تقرضه بالماء و تنضحُهُ وتصلي فيه )
[4] تطهير ذيل ثوب المرأة :
((1/278)
حديث أم ولد لإبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف الثابت في صحيحي أبي داوود والترمذي ) أنها سألت أم سلمة فقالت إني امرأة أَطيَل ذيلي وأمشي في المكان القذر ، فقالت أم سلمة : قال النبي - صلى الله عليه وسلم - { يطهره ما بعده }
[5] تطهير الثوب من بول الصبي الرضيع :
( لحديث أبي السمح الثابت في صحيحي أبي داوود و ا لنسائي ) أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال يَغسل من بول الجارية و يَرشَ من بول الغلام )
[6] تطهير أسفل النعل :
( حديث أبي سعيد الثابت في صحيح أبي داوود ) أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال إذا جاء أحدكم المسجد فليقلب نعليه ولينظر فيهما ، فإن رأى خبثاً فليمسه بالأرض ثم ليصل فيهما )
[7] تطهير الأرض :
( حديث أبي هريرة رضي الله عنه الثابت في صحيح البخاري ) قال قام أعرابي فبال في المسجد فتناوله الناس فقال لهم النبي - صلى الله عليه وسلم - دعوه وهر يقوا على بوله سجلاَ من ماء أو ذنوباَ من ماء فإنما بعثتم ميسرين ولم تبعثوا مُعسرين )
[8] تطهير الثوب من المذي :
( حديث سهل بن حنيف الثابت في صحيح أبي داوود ) قال :كنت ألقى من المذي شدة وعناء و كنت أكثر من الاغتسال فذكرت ذلك لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال إنما يجزيك من ذلك الوضوء ، فقلت يا رسول الله كيف ما يصيب ثوبي منه ؟ قال : يكفيك أن تأخذ كفاَ من ماء فتنضح به ثوبك حيث ترى أنه قد أصاب منه )
باب المياه
مسألة : ماهي أقسام المياه ؟
(أقسام المياه على الصحيح قسمان :
1) طهور 2) متنجس
1) طهور : أي طاهر مطهر و هو كل ماء نزل من السماء أو خرج من الأرض
الدليل على طهارة ما ينزل من السماء : قوله تعالى: (وَأَنزَلْنَا مِنَ السّمَآءِ مَآءً طَهُوراً) [سورة: الفرقان - الآية: 48]
((1/279)
حديث أبي هريرة رضي الله عنه الثابت في الصحيحين ) قال : كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يسكت بين التكبير و بين القراءة إسكاتة هنيهة ، فقلت بأبي وأمي يا رسول الله إسكاتُك بين التكبير و القراءة ما تقول ؟ قال أقول : اللهم باعد بيني وبين خطاييَ كما باعدت بين المشرق و المغرب ، اللهم نقني من الخطايا كما يُنقى الثوب الأبيض من الدنس ،اللهم اغسل خطايي َبالماء و الثلج و البَرد )
( حديث أبي هريرة رضي الله عنه الثابت في صحيح السنن الأربعة ) قال : سأل رجل النبي - صلى الله عليه وسلم - قال يا رسول الله إنا نركب البحر و نحملُ معنا القليل من الماء فإن توضأنا به عطشنا ، أفنتوضأ بماء البحر ،فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - { هو الطهور ماؤه الحل ميتته }
الدليل على طهارة ما يخرج من الأرض :
( حديث أبي سعيد الثابت في صحيحي أبي داوود والترمذي ) قال : قيل لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنتوضأ من بئر بُضاعة ، وهو بئر يُطرحُ فيه الحيض ولحم الكلاب والنتنُ ؟ فقال - صلى الله عليه وسلم - { الماء طهور لا ينجسه شيء }
[2] الماء المتنجس: وهو الماء الذي لاقى النجاسة وتغير ريحه و طعمه أو لونه إجماعاً )
مسألة : هل الماء المستعمل طهور ( طاهر مطهر ) أم لا ؟
الصحيح أن الماء المستعمل طهور لأنه ثبت بالدليل أن المؤمن طاهر ، ويمسُّ الماء الطاهر ، و التقاء الطاهر بالطاهر لا يزيده إلا طهراً .
الدليل على أن المؤمن طاهر : ( حديث أبي هريرة رضي الله عنه الثابت في الصحيحين ) أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لقيه في بعض طرق المدينة وهو جنب ، قال فانخنست منه فاغتسلت ثم جئت ، قال أين كنت يا أبا هريرة ؟ قال كنت جنباً فكرهت أن أجالسك و أنا على غير طهارة ، فقال: { سبحان الله إن المؤمن لا ينجس }
((1/280)
حديث أنس الثابت في الصحيحين ) قال : رأيت النبي - صلى الله عليه وسلم - و حانت صلاة العصر فالتمس الناس الوَضوء فلم يجدوه ، فأتى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بوَضوء ، فوضع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في ذلك الإناء يَدَهُ ، وأمر الناس أن يتوضئوا منه ، قال : فرأيت الماء ينبع من تحت أصابعه حتى توضئوا من عند آخرهم )
الشاهد : أن الصحابة توضؤا مما تساقط من يد النبي - صلى الله عليه وسلم - فدل على أن الماء المستعمل طهور .
مسألة : هل ينجس الماء بمجرد ملاقاة النجاسة ؟
قال بعض أهل العلم أن الماء إذا كان أقل من قلتين ينجس بملاقاة النجاسة
( لما ثبت في صحيح السنن الأربعة عن ابن عمر رضي الله عنهما ) أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : ( إذا كان الماء قلتين لم يحمل الخبث )
( أما إذا كان الماء قلتين فأكثر فإن الماء لا ينجس بملاقاة النجاسة بل لابد من تغير ريحه أو طعمه أو لونه {إجماعاً }
{ تنبيه } :( الإجماع هنا خصص عموم حديث ابن عمر رضي الله عنهما ( إذا كان الماء قلتين لم يحمل الخبث ) واختار شيخ الإسلام أن العبرة بتغير ريحه أو طعمه أو لونه ولا فرق بين القلتين ودون القلتين إنما العبرة بالتغيير)
مسألة :ما هي القُلة المذكورة في حديث ابن عمر رضي الله عنهما السابق { إذا بلغ الماء قلتين ؟
القُلة : هي الجرة العظيمة ، و قيل هي ثلاث قِرب ، وهو ما يسمى عندنا بالزير.
مسألة : هل يشترط الماء لإزالة النجاسة ؟
(لا يشترط الماء لإزالة النجاسة ، لأن المطلوب هو التخلي من الخبيث النجس بأي شئ زال حكمه ، وقد ثبت التطهر بغير الماء في أكثر من موضع من مواضع إزالة النجاسة مثل الإستجمار و غيرها :
الدليل : ( حديث أبي هريرة رضي الله عنه الثابت في الصحيحين ) أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : من توضأ فليستنثر ومن استجمر فليوتر )
((1/281)
حديث أبي هريرة رضي الله عنه الثابت في صحيح أبي داوود ) أن النبي ( قال : إذا وطئ أحدكم بنعليه الأذى فإن التراب له طهور . )
( حديث أم ولد لإبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف الثابت في صحيحي أبي داوود والترمذي) أنها سألت أم سلمة فقالت : إني امرأة أُطيل زيلي وأمشي في المكان القذر ، فقالت أم سلمة : قال النبي ( { يطهره ما بعده }
مسألة : هل يجوز للرجل أن يتوضأ بفضل وَضوء المرأة ؟
المسألة على التفصيل :
(إذا كان المقصود بفضل وَضوء المرأة :
ما سال وفضل عن أعضائها عند التطهير فلا يجوز ، وعليه يَحمل الحديث الآتي : ( حديث الحكم بن عمرو ـ وهو الأقرع ـ الثابت في صحيح السنن الأربعة ) أن النبي ( نهى أن يتوضأ الرجل بفضل طَهور المرأة )
(أما إذا كان المقصود بفضل وَضوء المرأة :
ما بقي في الإناء من الماء بعد أن توضأت المرأة ، أو أن يتوضأ الرجل و المرأة من إناء واحد حيث يتوضأن أحدهما بعد الأخر هذا غرفة و هذا غرفة ففي هذه الحالة يجوز الوضوء بفضل وضوء المرأة ، وعليه يحمل الحديث الآتي :
( حديث ابن عمر رضي الله عنهما الثابت في صحيح البخاري) قال : كان الرجال و النساء في عهد رسول الله ( يتوضؤن جميعاً )
مسألة : لو اشتبه ماءٌ طهور بماءٍ نجس ماذا نصنع ؟
لو اشتبه ماءٌ طهور بماءٍ نجس حَرُم استعمال الماء المشتبه لأن اجتناب النجاسة واجب ولا يتم اجتنابها إلا باجتناب هذا الماء المشتبه ، { ومالا يتم الواجب إلا به فهو واجب }
سنن الفطرة
السواك من سنن الفطرة
مسألة : ما الدليل على أن السواك من سنن الفطرة ؟
( حديث عائشة الثابت في صحيح مسلم ) أن النبي (قال :عشر من الفطرة : قص الشارب و إعفاء اللحية و السواك و استنشاق الماء و قص الأظفار و غسل البراجم و نتف الإبط و حلق العانة و انتقاص الماء ، و نسيت العاشرة إلا أن تكون المضمضة .
مسألة : متى يستحب السواك ؟(1/282)
السواك مستحب في كل حال لكونه مطهرة للفم مرضاة للرب ( حديث عائشة الثابت في صحيح النسائي ) أن النبي ( قال : السواك مطهرة للفم مرضاة للرب )
( ويتأكد استحباب السواك في ألأحوال الآتية :
1) عند الوضوء ( لحديث أبي هريرة رضي الله عنه الثابت في صحيح الجامع ) أن النبي ( قال : لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك مع كل وضوء .
2) عند الصلاة ( لحديث أبي هريرة رضي الله عنه الثابت في الصحيحين ) أن النبي ( قال : لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك عند كل صلاة .
3) عند قراءة القرآن ( لحديث علي الثابت في صحيح الجامع ) أن النبي ( قال : طيبوا أفواهكم بالسواك فإنها طرق القرآن .
4)عند القيام من الليل ( لحديث حذيفة الثابت في الصحيحين ) قال : كان رسول الله ( إذا قام من الليل يشوص فاه بالسواك .
5) عند تغير رائحة الفم ( لحديث عائشة الثابت في صحيح النسائي ) أن النبي ( قال : السواك مطهرةٌ للفم مرضاةٌ للرب .
6) عند دخول البيت ( لحديث عائشة الثابت في صحيح مسلم ) قالت : كان رسول الله ( إذا دخل البيت بدأ بالسواك )
مسألة : ما هي الأمور التي تُستحب حال السواك ؟
1) يبدأ بالجانب الأيمن من الفم ( لحديث عائشة الثابت في الصحيحين ) قالت : كان رسول الله ( يعجبه التيمن في تنعله وترجله وطهوره وفي شأنه كله )
2 ) يستاك باليد اليمنى لأن السنة دلت على استخدام اليد اليمنى فيما هو من التكريم ( لحديث عائشة الثابت في صحيح أبي داوود ) قالت : كانت يد رسول الله ( اليمنى لطعامه و طهوره ، وكانت يده اليسرى لخلائه وما كان من الأذى )
الختان من سنن الفطرة
( لحديث أبي هريرة رضي الله عنه الثابت في الصحيحين ) أن النبي ( قال : خمس من الفطرة : الختان و الاستحداد و قص الشارب و تقليم الأظفار و نتف الإبط .
مسألة : ما حكم الختان ؟(1/283)
الختان : واجب في حق الرجال لأن فيه مصلحة تعود إلى شرط من الصلاة وهي الطهارة لأن الجلدة قد تحتوي على بعض البول .
أما في حق النساء : فلا يجب لأن غايته أن يقلل من شهوتها ، وينبغي أن لا تبالغ في الختان .
والدليل من السنة على وجوب الختان في حق الرجال (حديث عُثيم بن كُليب عن جده الثابت في صحيح أبي داوود ) أنه جاء إلى النبي ( فقال أسلمت قال : القِ عنك شعر الكفر و اختتن ) و ألأصل في الأمر الوجوب )
وأما بالنسبة للنساء : فلم يرد حديث الثابت في صحيح فيه الأمر بإختتان النساء بل ورد التوصية بعدم المبالغة في استقصاء الختان ( حديث أم عطية الثابت في صحيح أبي داوود ) أن امرأة كانت تُختتن بالمدينة فقال ( { لا تُنهكي فإن ذلك أحظى للمرأة و أحب للبعل }
مسألة : هل الختان من ملة إبراهيم ؟
نعم ( لحديث أبي هريرة رضي الله عنه الثابت في الصحيحين ) قال : اختتن إبراهيم عليه السلام وهو ابن ثمانين عاماً بالقدوم )
وقد قال تعالى لنبيه ( ثُمّ أَوْحَيْنَآ إِلَيْكَ أَنِ اتّبِعْ مِلّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفاً وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ) ( النحل 123)
... ... الاستحداد من سنن الفطرة
مسألة : ما الدليل على أن الإستحداد من سنن الفطرة ؟
( حديث أبي هريرة رضي الله عنه الثابت في الصحيحين ) أن النبي ( قال : خمس من الفطرة : الختان و الاستحداد و نتف الإبط وتقليم الأظافر و قص الشارب ).
نتف الإبط و تقليم الأظافر وقص الشارب من سنن الفطرة
( حديث أبي هريرة رضي الله عنه الثابت في الصحيحين ) أن النبي ( قال : خمس من الفطرة :الختان و الاستحداد و نتف الإبط و تقليم الأظفار و قص الشارب .
( حديث أنس الثابت في صحيح مسلم ) قال : وُقِّتَ لنا في قص الشارب وتقليم الأظافر ونتف الإبط وحلق العانة ألا نترك أكثر من أربعين ليلة )
( حديث زيد بن أرقم الثابت في صحيحي الترمذي و النسائي ) أن النبي ( قال : ( من لم يأخذ من شاربه فليس منا )(1/284)
من سنن الفطرة ألا ينتف الشيب
مسألة : ما الدليل على أن من سنن الفطرة ألا ينتف الشيب ؟
( حديث أنس الثابت في صحيح مسلم ) أنه كان يكره أن ينتف الرجل الشعرة البيضاء من رأسه و لحيته ، قال : ولم يختضب النبي ( إنما كان الشيب في عنفقته وفي الصدغين وفي الرأس نبذٌ ) نبذٌ : أي شيءٌ قليل
( حديث كعب بن مرة الثابت في صحيحي الترمذي وابن ماجه ) أن النبي ( قال : من شاب شيبة في الإسلام كانت له نورا يوم القيامة .
( حديث عبد الله بن عمرو الثابت في صحيح الترمذي ) أن النبي ( قال : لا تنتفوا الشيب فإنه نور المسلم )
من سنن الفطرة تغيير الشيب بالحناء و اجتناب السواد
مسألة : ما الدليل على أن من سنن الفطرة تغيير الشيب بالحناء ؟
( حديث أبي هريرة رضي الله عنه الثابت في الصحيحين ) أن النبي ( قال : إن اليهود و النصارى لا يصبغون فخالفوهم .
( حديث أبي ذر الثابت في صحيح السنن الأربعة ) أن النبي ( قال : إن أحسن ما غُير به الشيب: الحناء و الكَتَمُ ) والكَتَمُ : نبات يجعل الصبغة أسوداً مائلاً إلى الحُمرة)
مسألة : ما حكم من صبغ شعره بالسواد ؟
(صبغ شعره بالسواد حرام
( حديث جابر ابن عبد الله رضي الله عنهما الثابت في صحيح مسلم ) قال : أُتيَ بأبي قحافة يوم فتح مكة ورأسه ولحيته كالثغامة بياضاً ، فقال رسول الله ( {غيِّروا هذا بشيء واجتنبوا السواد }
الثغامة : نبتٌ أبيض الزهر و الثمر يُشبَّه به الشيب .اجتنبوا السواد : أي اجتنبوا السواد الخالص .
( حديث ابن عباس الثابت في صحيحي أبي داوود و النسائي ) أن النبي ( قال : يكون قوم يخضبون في آخر الزمان بالسواد كحواصل الحمام لا يريحون رائحة الجنة )
من سنن الفطرة إكرام الشعر
مسألة : ما الدليل على أن إكرام الشعر من سنن الفطرة ؟
( حديث أبي هريرة رضي الله عنه الثابت في صحيح أبي داوود ) أن النبي ( قال : من كان له شعر فليكرمه )
مسألة : ما هي الأمور التي ينبغي مراعاتها في إكرام الشعر ؟
((1/285)
يُراعى الأشياء ألأتيه:
1) يُسن إبقاء الشعر { شعر الرأس } وتسريحه وتفريقه ويكون إلى أُذنيه وينتهي إلى منكبيه .
( حديث البراء رضي الله عنه الثابت في الصحيحين )قال : كان النبي ( مربوعاً بعيداً ما بين المنكبين له شعرٌ يبلغُ شحمة أُذنيه ، رأيته في حلةٍ حمراء ، ولم أرى شيئاً قط أحسن منه)
( حديث أنس الثابت في الصحيحين ) أن النبي ( كان يضربُ شعره منكبيه )
2) من السنة تفريق الشعر :
( حديث ابن عباس الثابت في الصحيحين ) قال : كان أهل الكتاب يسدلون أشعارهم ، وكان المشركون يفَّرِقُون روؤسهم ، وكان رسول الله ( يُحب موافقة أهل الكتاب فيما لم يُؤمر به ، فسدل رسول الله ( ناصيته ثم فرَّق بعد .
3) يُكره أن يمتشطَ الإنسان كل يوم :
( حديث أبي هريرة رضي الله عنه الثابت في صحيح مسلم ) قال : نهى رسول الله ( أن يمتشط أحدنا كل يوم أو يبول في مُغتسله .
( حديث عبد الله بن المغفل الثابت في صحيحي أبي داوود و الترمذي ) قال : نهى رسول الله ( عن الترجُل إلا غِباً .
4) يُكره القَزْع :
( لحديث ابن عمر رضي الله عنهما الثابت في الصحيحين ) قال نهى رسول الله ( عن القَزْع .
{ تنبيه } :( القزْعُ : هو السحاب المتفرق ، و المقصود هنا حلق بعض الرأس وترك بعضه حتى يشبه السحاب المتفرق .
( حديث ابن عمر رضي الله عنهما الثابت في صحيح مسلم ) أن النبي ( رأى صبياً قد حلق بعض رأسه وترك بعضه فنهاهم وقال : احلقوه كله أو اتركوه كله .
...
... من سنن الفطرة إعفاء اللحية وحَفِّ الشارب
مسألة : ما الدليل على أن من سنن الفطرة إعفاء اللحية وحَفِّ الشارب ؟
( ابن عمر رضي الله عنهما الثابت في الصحيحين ) أن النبي ( قال : خالفوا المشركين ووفروا اللحى و أحفوا الشوارب .
( حديث زيد ابن أرقم الثابت في صحيحي الترمذي و النسائي ) أن النبي ( قال : من لم يأخذ من شاربه فليس منا .
من سنن الفطرة غسل البراجم(1/286)
مسألة : ما الدليل على أن من سنن الفطرة غسل البراجم ؟
( حديث عائشة الثابت في صحيح مسلم ) أن النبي (قال :عشر من الفطرة : قص الشارب و إعفاء اللحية و السواك و استنشاق الماء و قص الأظفار و غسل البراجم و نتف الإبط و حلق العانة و انتقاص الماء ، و نسيت العاشرة إلا أن تكون المضمضة .
( غسل البراجم ) : عُقد الأصابع و مفاصلها كلها .
من سنن الفطرة انتقاص الماء
مسألة : ما الدليل على أن انتقاص الماء من سنن الفطرة ؟
( حديث عائشة الثابت في صحيح مسلم ) أن النبي ( قال : عشر من الفطرة : قص الشارب و إعفاء اللحية و السواك و استنشاق الماء و قص الأظفار و غسل البراجم و نتف الإبط و حلق العانة و انتقاص الماء ، ونسيتَ العاشرة إلا أن تكون المضمضة .
انتقاص الماء : أي الاستنجاء .
من سنن الفطرة التَطيب ولا سيما المسك فإنه أطيب الطيب
مسألة : ما الدليل على أن التطيب من سنن الفطرة ؟
( حديث أنس الثابت في صحيح البخاري) قال : كان رسول الله ( لا يردُ الطِيب .
( حديث أبي هريرة رضي الله عنه الثابت في صحيح مسلم ) أن النبي ( قال : من عُرض عليه ريحانة فلا يردها فإنه خفيف المحمل طيبُ الرائحة .
مسألة : ما الفرق بين طِيب الرجل و طِيب المرأة ؟
( حديث أبي هريرة رضي الله عنه الثابت في صحيحي الترمذي و النسائي ) أن النبي ( طِيبُ الرجال ما ظهر ريحه و خَفِيَ لونه ، وطيبُ النساء ما ظهر لونه وخَفِي ريحُهُ .
{ تنبيه } :( ينبغي للمؤمن أن يقتصد في التطيب فلا يتلطخ بالطيب لأن ذلك مكروه لكونه من أفعال المترفين ،
( حديث أنس الثابت في الصحيحين ) قال : نهى رسول الله ( أن يتزعفر الرجل .
( حديث معاذ الثابت في صحيح الجامع ) أن النبي ( قال : إياكم و التنعم فإن عباد الله ليسوا بالمتنعمين .
باب قضاء الحاجة
مسألة : ما معنى الاستنجاء ؟
الاستنجاء هو : إزالةُ الخارج من السَّبيلين بماء أو حَجَر ونحوه، وفي ذلك قطع لهذا النَّجس.(1/287)
مسألة : ما حكم الإستنزاه من البول و الغائط ؟
1) يجب الإستنزاه من البول والغائط .
( حديث ابن عباس الثابت في الصحيحين ) أن النبي ( مر بقبرين فقال : إنهما ليعذبان وما يعذبان في كبير ،بلى إنه كبير أما أحدهما فكان يمشي بالنميمة وأما الآخر فكان لا يستتر من بوله .
(حديث أبي هريرة رضي الله عنه الثابت في صحيح الجامع ) أن النبي ( قال تنزهوا من البول فإن عامة عذاب القبر منه .
( حديث سلمان الفارسي الثابت في صحيح مسلم ) أنه قِيل له : لقد علمكم نبيكم كل شيء حتى الخراءة ، قال نعم . نهانا أن نستقبل القبلة بغائط أو بول ،وألا نستنجي باليمين ،وألا يستنجى أحدُنا بأقل من ثلاثة أحجار أو يستنجى برجيعٍ أو عظم .
مسألة : ما هي آداب قضاء الحاجة ؟
...
آداب قضاء الحاجة
1) يستحب لمن أراد دخول الخلاء أن يقول: بسم الله اللهم إني أعوذ بك من الخُبث والخبائث .
( حديث علي الثابت في صحيحي الترمذي وابن ماجه ) أن النبي ( قال: ستر ما بين الجن و عورات بني آدم إذا دخل أحدهم الخلاء أن يقول : بسم الله.
( حديث أنس الثابت في الصحيحين ) قال : كان رسول الله إذا دخل الخلاء قال : اللهم إني أعوذ بك من الخُبثِ والخبائث )
{ تنبيه } :( وفائدة هذه الاستعاذة: الالتجاء إلى الله ـ عزَّ وجلَّ ـ من الخُبث والخبائث؛ لأن هذا المكان خبيث، والخبيث مأوى الخبثاء فهو مأوى الشَّياطين، فصار من المناسب إذا أراد دخول الخلاء أن يقول: أعوذ بالله من الخُبث والخبائث. حتى لا يصيبه الخُبث وهو الشَّرَّ، ولا الخبائث وهي النُّفوس الشِّرِّيرة.
2) يستحب إذا خرج أن يقول :غفرانك )
( حديث عائشة الثابت في صحيحي أبي داوود و الترمذي ) قالت : كان النبي ( إذا خرج من الخلاء قال ( غفرانك )
{ تنبيه } :( ومناسبة قوله: "غُفْرَانك" هنا:(1/288)
قيل: إن المناسبة أن الإنسان لما تخفَّف من أذيَّة الجسم تذكَّر أذيَّةَ الإثم؛ فدعا الله أن يخفِّف عنه أذيَّة الإثم كما مَنَّ عليه يتخفيف أذيَّة الجسم، وهذا معنى مناسب من باب تذكُّر الشيء بالشيء.
3) يُستحب له أن يُقدم رجله ا ليسرى في الدخول و اليمنى في الخروج لأنه ورد في السنة ما يدل جملةً على تقديم اليمنى فيما هو شريف و اليسرى فيما هو غيُر شريف .
( حديث عائشة الثابت في صحيح أبي داوود ) قالت : كانت يدُ رسول الله ( اليمنى لطعامه وطهوره ، وكانت يدُه اليسرى لخلائه وما كان من أذى )
4) يستنجي بيساره :
(حديث أبي قتادة الثابت في الصحيحين) أن النبي ( قال : إذا شرب أحدكم فلا يتنفس في الإناء و إذا أتى الخلاء فلا يمس ذكره بيمينه و لا يتمسح بيمينه .
(حديث عائشة الثابت في صحيح أبي داوود ) قالت : كانت يدُ رسول الله ( اليمنى لطهوره وطعامه ، وكانت يده اليسرى لخلائه وما كان من أذى .
5) لا يجوز استقبال القبلة ولا استدبارها في الفضاء ويجوز في البنيان ـ هذا هو الذي دلت عليه السنة الثابتة الصحيحة وتجتمع فيه الأدلة
( حديث أبي أيوب الثابت في الصحيحين ) أن النبي ( قال : إذا أتى أحدكم الغائط فلا يستقبل القبلة ولا يولِّها ظهره، ولكن شرِّقوا أو غرِّبوا .
( حديث ابن عمر رضي الله عنهما الثابت في الصحيحين ) قال : لقد ارتقيتُ يوماً على ظهِر بيتٍ لنا فرأيتُ رسول الله ( مستقبلاً بيت المقدس لحاجته .
6) إذا كان في الفضاء يُستحب أن يبعد حتى لا يراه أحد :
( حديث جابر ابن عبد الله رضي الله عنهما الثابت في صحيح أبي داوود ) قال : كان رسول الله ( إذا أراد البراز انطلق حتى لا يراه أحد .
7) يستحب له ألا يرفع ثوبه حتى يدنو من الأرض :
( حديث ابن عمر رضي الله عنهما الثابت في صحيحي أبي داوود والترمذي ) أن النبي ( كان إذا أراد حاجةً لا يرفع ثوبه حتى يدنو من الأرض .
8) يُكره الكلام :
((1/289)
حديث المهاجر بن قُنفد الثابت في صحيحي أبي داوود وابن ماجه ) أنه أتى النبي ( وهو يبول فسلِّم عليه فلم يرد عليه حتى توضأ ثم اعتذر إليه فقال : إني كرهت أن أذكر الله عز وجل إلا على طُهْرٍ أو قال على طهارة .
9) يكره أن يبول في مغتسله :
( حديث أبي هريرة رضي الله عنه الثابت في صحيح مسلم ) قال : نهى رسول الله أن يمتشط أحدنا كل يوم أو يبول في مغتسله .
10) يحرُم البول في الماء الراكد :
( حديث أبي هريرة رضي الله عنه الثابت في الصحيحين ) أن النبي ( قال : لا يبولن أحدكم في الماء الدائم الذي لا يجري ثم يغتسل فيه .
11) يحرم التخلي في طريق الناس أو في ظلهم :
( حديث أبي هريرة رضي الله عنه الثابت في صحيح مسلم ) أن النبي ( قال : اتقوا اللاعنَيْن قالوا وما اللاعنان يا رسول الله ؟ قال:الذي يتخلى في طريق الناس أو في ظلهم .
مسألة : هل يجوز البول قائماً ؟
الذي دلت عليه السنة وتجتمع فيه الأدلة أن البول قائماً يجوز إلا أن البول قاعداً أفضل لكونه يأمن على نفسه من الرشاش و النجاسة :
( حديث حُذيفة الثابت في الصحيحين ) قال : أتى النبي ( سُباطة قومٍ فبال قائماً ثم دعا بماءِ فجئته بماءٍ فتوضأ .
( وأما حديث عائشة الثابت في صحيحي الترمذي و ابن ماجه ) قالت : من حدثكم أن رسول الله ( بال قائماً فلا تُصدقوه ، ما كان يبول إلا جالساً )) قولها هذا لا ينفي ما جاء عن حُذيفة , لأنها أخبرت عما رأت , وأخبر حُذيفة عما رأى , ومعلوم أن المثبت مقدم على النافي لأن معه زيادةُ عِلم ))
فصل : الإستجمار و الاستنجاء
مسألة : متى يُجزئ الإستجمار ؟
يُجزئ الإستجمار : إذا لم يتعدَ الخارج موضع الحاجة ، أما لو تعدَّى إلى الصفحتين ومعظم الحشفة فلا يجزئ إلا الماء .
مسألة : ما هي شروط الإستجمار ؟
1) يشترط في الأحجار أن تكون طاهرة ، لأنها لو لم تكن طاهرة لنجسَّت أكثر و المقصود التطهير وليس المقصود ملاقاة نجس بنجس .(1/290)
2) يشترط أن تكون الأحجار أو غيرها مُنَقِّيه ،حتى يحصُلُ بها الإنقاء .
3)لا يستنجي بعظمٍ ولا رَوث لأنه زاد إخواننا الجن :
( حديث ابن مسعود الثابت في صحيح مسلم ) أن النبي ( قال : لا تستنجوا بالروث و لا بالعظام فإنه زاد إخوانكم من الجن .
4) يُشترط ثلاث مسحات مُنَقِّيات ولو بحجرٍ ذي شُعَب :
(حديث سلمان الفارسي الثابت في صحيح مسلم ) أنه قيل له علمكم نبيكم كل شيءٍ حتى الخراءةُ ؟ قال سلمان : أجل نهانا أن نستقبل القبلة بغائطٍِ أو بول أو نستنجي باليمين أو يستنجي أحدنا بأقل من ثلاثة أحجار وأن لا يستنجي برجيعٍ أو عظم .
( حديث أبي هريرة رضي الله عنه الثابت في صحيح البخاري ) قال : اتبعتُ النبي ( وخرج لحاجته فكان لا يلتفت ، فقال : أبغي أحجاراًَ أستنفِضُ بها ونحوه ولا تأتني بعظمٍ ولا روثٍ فأتيته بأحجارٍ بطرف ثيابي فوضعتها إلى جنبه ثم أعرضتُ عنه ، فلما قضى أتبعه بهنَّ .
مسألة : لماذا لا يجوز الاستنجاء بالمحترم ككتب العلم مثلاً ؟
المحترم : ما له حُرمة ككتب العلم مثلاً , ولا يجوز الاستنجاء بها , لأن احترامها من تعظيم شعائر الله , والله تعالى يقول ( ذَلِكَ وَمَن يُعَظّمْ شَعَائِرَ اللّهِ فَإِنّهَا مِن تَقْوَى الْقُلُوبِ) { الحج 32 }
مسألة : هل يجوز الاستنجاء بطعام البهائم ؟
لا يجوز لأنه إذا كان النبي ( نهى عن الاستنجاء بطعام الجن (العظام) وطعام دوابهم (الروث)
( حديث ابن مسعود الثابت في صحيح مسلم ) أن النبي ( قال :لا تستنجوا بالروث و لا بالعظام فإنه زاد إخوانكم من الجن .
فتحريم طعام الإنسان وطعام دوابهم من باب أولى ، ثم إنَّ فيه كفر نعمه , لأن الله تعالى خلق الطعام للأكل وليس للامتهان )(1/291)
مسألة : بعض العلماء استدل على أنه يُجزئ في الاستجمار مسحتان لحديث ابن مسعود الثابت في صحيح البخاري ، قال أمرني النبي ( أن آتيه بثلاثة أحجار فوجدتُ حجرين ولم أجد ثالثاً فأتيته بروثة فأخذهما وألقى الروثة وقال هذا رجس ، فما الجواب ؟
الجواب : أن حديث ابن مسعود هذا مُجمل {أي مُشتبه } وحديث سلمان الثابت في صحيح مسلم ( وألا يستنجي أحدنا بأقل من ثلاثة أحجار ) {مُحكم }
(( إذا اجتمع حديثان مُجمل ومُحكم : نقدم المُحكم ))
مسألة : متى يجب الاستنجاء ؟
الاستنجاء واجب لكل خارجٍ من السبيلين إلا ثلاثة أشياء :
1 )الريح : 2) الخارج الطاهر كالمني :
3) الخارج الغير ملوث كما لو خرجت حصاه غيرُ ملوثة :
باب الآنية
مسألة : ما حكم الآكل في آنية الذهب و الفضة ؟
يَحرُم الأكل في آنية الذهب و الفضة .
(حديث حُذيفة الثابت في الصحيحين ) أن النبي ( نهى عن الحرير و الديباج و الشرب في آنية الذهب و الفضة وقال : هي لهم في الدنيا وهي لهم في الآخرة .
( حديث أم سلمة الثابت في الصحيحين ) أن النبي ( قال : من شرب في إناء ذهب أو فضة فإنما يُجرجَرُ في بطنه ناراً من جهنم .
(يُجرجَرُ ) : أي يُلقى في بطنه بجزعٍ متتابعة يُسمعُ لها جرجرة وهو الصوت في الحلق )
مسألة : ما حكم الأكل في أواني أهل الكتاب ؟
المسألة على التفصيل :
1) الذي لا يستحل الميتة منهم كاليهود , فأوانيهم طاهرة لأن الله تعالى أباح طعامهم ـ وطعامهم يُطبخُ في أوانيهم .
2) من يستحل الميتة كعُبَّاد الأصنام والمجوس وبعض النصارى، فما لم يستعملوه فهو طاهر , وما استعملوه فهو نجس والأولى التنزه عنه .
( حديث أبي ثعلبة الثابت في الصحيحين ) قال : قلتُ يا رسول الله إنا بأرضِ قومٍ أهل كتاب ، أفنأكلُ في آنيتهم ، قال : لا تأكلوا فيها إلا أن لا تجدوا غيرها فاغسلوها ثم كلوا فيها .
مسألة : ما حكم استعمال ثياب أهل الكتاب ؟(1/292)
ثيابهم التي صنعوها أو صبغوها جائزة , لا نقول أنهم صبغوها بشئٍ نجس ـ الأصلُ الحِل ، وكذلك ما لبسوه من الثياب : يجوز إلا من عُلِمَ أنه لا يتنزه من النجاسة مثل النصارى فإن الأولى تركه .
باب الوضوء
مسألة : ما هو تعريف الوُضوء شرعا ؟
الوضوء شرعا : هو التعَبُد لله تعالى بغسل الأعضاء الأربعة على صفةٍ مخصوصة .
مسألة : ما المقصود بفرائض الوضوء ؟
المقصود بفرائض الوضوء : أركانه ,
و الأركان : هي كل قول أو فعل يتكون منه ماهيةُ العبادة .
مسألة : ما هي فرائض الوضوء ؟ { 6 فرائض }
فرائض الوضوء
1) غسل الوجه : ومنه الفم و الأنف :
( لقوله تعالى : يَا أَيّهَا الّذِينَ آمَنُواْ إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصّلاةِ فاغْسِلُواْ وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُواْ بِرُؤُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَينِ وَإِن كُنتُمْ جُنُباً فَاطّهّرُواْ وَإِن كُنتُم مّرْضَىَ أَوْ عَلَىَ سَفَرٍ أَوْ جَآءَ أَحَدٌ مّنْكُمْ مّنَ الْغَائِطِ أَوْ لاَمَسْتُمُ النساء فَلَمْ تَجِدُواْ مَآءً فَتَيَمّمُواْ صَعِيداً طَيّباً فَامْسَحُواْ بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مّنْهُ مَا يُرِيدُ اللّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُم مّنْ حَرَجٍ وَلََكِن يُرِيدُ لِيُطَهّرَكُمْ وَلِيُتِمّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلّكُمْ تَشْكُرُونَ ) { المائدة /6 }
2) غسل اليدين :
( لقوله تعالى : يَا أَيّهَا الّذِينَ آمَنُواْ إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصّلاةِ فاغْسِلُواْ وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ ..الآية ) { المائدة / 6 }
3) مسح الرأس ومنه الأُذنان :
( لقوله تعالى : وَامْسَحُواْ بِرُؤُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَينِ .. الآية ) { المائدة / 6 }
( حديث أبي أمامة الثابت في صحيحي الترمذي و ابن ماجه ) أن النبي ( قال " الأُذنان من الرأس .(1/293)
4) غسل الرجلين إلى الكعبين ( لقوله تعالى : وَامْسَحُواْ بِرُؤُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَينِ .. الآية ) { المائدة / 6 }
{ تنبيه } إلى في الآية بمعنى : مع ـ أي مع الكعبين .
5) الترتيب : لأن الله تعالى أدخل الممسوح بين المغسولات ،
{ الممسوح } الرأس ، و المغسولات هي : ( الوجه و اليدين و الرجلين )
ولا نعلم لهذا فائدة غير الترتيب .
[*] قال شيخ الإسلام رحمه الله :
أن النبي( لم يتوضأ قط إلا مرتباً .
6) الموالاة : أي لا يؤخر غسل عضو حتى ينشف الذي قبله :
( حديث أنس الثابت في صحيح أبي داوود ) أن رجلاً جاء إلى النبي ( قد توضأ وترك على قدميه مثل موضع الظُفر فقال له رسول الله ( : ارجع فأحسن وضوءك .
{الشاهد } هذا دليل أن الموالاة فرض, فلو لم تكن فرضاً لكان يكفي أن يغسل قدميه جيداً ، ولكن لما كانت الموالاة فرض لزمه أن يعيد الوضوء .
سنن الوضوء
مسألة : ما هي سنن الوضوء ؟
1) التسمية :
( حديث أبي هريرة رضي الله عنه الثابت في صحيح أبي داوود ) أن النبي( قال : لا صلاة لمن لا وضوء له و لا وضوء لمن لم يذكر اسم الله عليه .
2) السواك :
( حديث أبي هريرة رضي الله عنه الثابت في صحيح الجامع ) أن النبي( قال: لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك مع كل وضوء .
3) غسل الكفين ثلاثاً :
( حديث عمرو بن أبي الحسن الثابت في الصحيحين ) أنه سئل عبد الله بن زيد عن وُضوء النبي( فدعا بتورٍ فتوضأ لهم ، فكفأ على يديه فغسلهما ثلاثاً ، ثم أدخل يده في الإناء فمضمض و استنشق واستنثر ثلاثاً بثلاث غرفاتٍ من ماء ثم أدخل يده في الإناء فغسل وجهه ثلاثاً ، ثم أدخل يده في الإناء فمسح برأسه فأدبر بيده وأقبل بها ، ثم أدخل يده في الإناء فغسل رجليه .(1/294)
الشاهد : على أن غسل الكفين ثلاثاً سنة قوله تعالى : يَا أَيّهَا الّذِينَ آمَنُواْ إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصّلاةِ فاغْسِلُواْ وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُواْ بِرُؤُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَينِ وَإِن كُنتُمْ جُنُباً فَاطّهّرُواْ وَإِن كُنتُم مّرْضَىَ أَوْ عَلَىَ سَفَرٍ أَوْ جَآءَ أَحَدٌ مّنْكُمْ مّنَ الْغَائِطِ أَوْ لاَمَسْتُمُ النّسَآءَ فَلَمْ تَجِدُواْ مَآءً فَتَيَمّمُواْ صَعِيداً طَيّباً فَامْسَحُواْ بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مّنْهُ مَا يُرِيدُ اللّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُم مّنْ حَرَجٍ وَلََكِن يُرِيدُ لِيُطَهّرَكُمْ وَلِيُتِمّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلّكُمْ تَشْكُرُونَ ) { المائدة / 6 }
ولم يُذكر في الآية غسل الكفين ثلاثاً ، فدَّل على أن غسل الكفين ثلاثاً سنة .
{ تنبيه } :( أما من استيقظ من نومه فأراد أن يغمسها في الإناء ، فيجب عليه أن يغسل يديه ثلاثاً قبل أن يغمسها في الإناء ،
( حديث أبي هريرة رضي الله عنه الثابت في الصحيحين ) أن النبي( قال : إذا استيقظ أحدكم من نومه فلا يغمس يده في الإناء حتى يغسلها ثلاثا فإنه لا يدري أين باتت يده . 4) التثليث في غسل الأعضاء المغسولات ( اليدين والوجه والرجلين )
( حديث حُمران مولى عثمان الثابت في الصحيحين ) أن عثمان بن عفان : دعا بوضوء فتوضأ فغسل كفيه ثلاث مرات ، ثم مضمض واستنثر ، ثم غسل وجهه ثلاث مرات ثم غسل يده اليمنى إلى المرفق ثلاث مرات ، ثم غسل يده اليسرى مثل ذلك ثم مسح رأسه ثم غسل رجله اليمنى إلى الكعبين ثلاث مرات ، ثم غسل اليسرى مثل ذلك ، ثم قال : رأيت رسول الله (توضأ نحو وضوئي هذا ثم قال من توضأ نحو وضوئي هذا ثم قام فركع ركعتين لا يُحدث فيهما نفسه غفر له ما تقدم من ذنبه .
{(1/295)
الشاهد } : في أن تثليث غسل الأعضاء المغسولات سنة ، أن النبي ( توضأ مرة ، مرة فدلَّ على أن الفرض في الوضوء مرة ، وما زاد فهو سنة ،
( حديث ابن عباس الثابت في صحيح البخاري ) قال : توضأ النبي( مرة .
5) المبالغة في المضمضة و الاستنشاق إلا أن تكون صائماً :
( حديث لقيطُ بن صبرة الثابت في صحيحي أبي داوود و الترمذي ) قال قلت يا رسول الله أخبرني عن الوضوء قال أسبغ الوضوء وخلل بين الأصابع وبالغ في الاستنشاق إلا أن تكون صائما .
6) تخليل اللحية :
( حديث أنس الثابت في صحيح أبي داوود ) قال : كان رسول الله ( إذا توضأ أخذ كفاً من ماء فجعله تحت حنكهِ و خلل به لحيته وقال : هكذا أمرني ربي عز وجل .
7) تخليل أصابع اليدين الرجلين :
( حديث لقيطُ بن صبره الثابت في صحيحي أبي داوود و الترمذي ) قال : قلت يا رسول الله أخبرني عن الوضوء ؟ قال : أسبغ الوضوء وخلل بين الأصابع وبالغ في الاستنشاق إلا أن تكون صائماً .
8) تخليل أصابع الرجلين بخنصر اليد :
( حديث المستورد بن شداد الثابت في صحيح أبي داوود ) قال : رأيتُ رسول الله ( إذا توضأ يُخلل أصابع رجليه بخنصره .
9) التيامن :
( حديث عائشة الثابت في الصحيحين ) قالت : كان رسول الله ( يُعْجِّبه التيمن في تنعله وترجله وطَهوره وفي شأنه كله .
10) إطالة الغُرة و التحجيل :
( حديث أبي هريرة رضي الله عنه الثابت في الصحيحين ) أن النبي ( قال : إن أمتي يدعون يوم القيامة غرا محجلين من آثار الوضوء ( فمن استطاع منكم أن يطيل غُرته فليفعل ) .
11) الدعاء بعد الوضوء :
( حديث عُمر الثابت في صحيح مسلم ) أن النبي قال : ( ما من أحدٍ يتوضأ فيُبلغ أو يسبغ الوضوء ثم يقول : أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله إلا فتحت له أبواب الجنة الثمانية يدخل من أيها شاء.
((1/296)
حديث عمر الثابت في صحيحي الترمذي وابن ماجة ) أن النبي ( قال : من توضأ فأحسن الوضوء ثم قال أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله اللهم اجعلني من التوابين واجعلني من المتطهرين إلا فتحت له أبواب الجنة الثمانية يدخل من أيها شاء .
12) الجمع بين المضمضة و الاستنشاق بغرفة واحدة :
( حديث عبد الله بن زيد الثابت في الصحيحين ) قال : رأيت النبي ( مضمض واستنشق من كفٍ واحدة ، فعل ذلك ثلاثاً .
نوا قض الوضوء
مسألة : ما معنى نواقض الوضوء ؟
نوا قض الوضوء : أي مفسداته .
مسألة : ما هي نواقض الوضوء ؟
(1) ما خرج من السبيلين ( القُبل والدُبر ) من بول أو غائط أو ريح ،
لقوله تعالى : (أَوْ جَآءَ أَحَدٌ مّنْكُمْ مّنَ الْغَائِطِ ) [ المائدة / 6 ] وهو كناية عن قضاء الحاجة .
( حديث أبي هريرة رضي الله عنه الثابت في الصحيحين ) أن النبي ( قال : لا يقبل الله صلاة أحدكم إذا أحدث حتى يتوضأ . قال رجل من حضر موت ما الحدث يا أبي هريرة رضي الله عنه ؟ قال فِساء أو ضراط )
2) النوم المستغرق الذي لا يبقى معه إدراك ـ دون النوم اليسير :
( حديث علي الثابت في صحيحي أبي داوود وابن ماجه ) أن النبي ( قال : وكاء السَّه العينان فمن نام فليتوضأ .
{ السَّه } من أسماء الدُبر ، والمعنى : أن العينان تُغلق على الدُبر أي لا يخرج منه شئ و الإنسان لا يشعر .
( حديث صفوان بن عسال الثابت في صحيح السنن الأربعة ) قال : أُمرنا ألا ننزع خِفافنا إلا من جنابة ، ولكن من غائط وبول ونوم )
( أما النوم اليسير فلا ينقض الوضوء :
( حديث أنس الثابت في صحيحي أبي داوود و الترمذي ) قال : كان أصحاب رسول الله ( ينتظرون العشاء الآخرة حتى تخفقُ رؤوسهم ثم يُصلون ولا يتوضئون .
تخفق رؤوسهم : خفق برأسه إذا أخذته سنة من النعاس فمال رأسه دون جسده.
[*] قال شيخ الإسلام رحمه الله :(1/297)
النوم مظنةُ الحدث ، فإذا نام بحيث لو أحدث لم يحس بنفسه فقد انتقض وضوئه ، وإذا نام بحيث لو أحدث أحس به لم ينتقض وضوئه .
3) زوال العقل بسكرٍ أو مرض لأن الذهول عند هذه الأسباب يكون أبلغ من النوم ، فينتقض الوضوء من باب أولى .
4) مس الفرج من غير حائل ـ إذا كان بشهوة وعليه يُحمل الحديث الآتي :
( حديث بُسرة بنت صفوان الثابت في صحيح السنن الأربعة ) أن النبي ( قال : من مس ذكره فليتوضأ .
(أما إن كان المسُ بغير شهوة ، فلا ينتقض الوضوء ، وعليه يُحمل الحديث الآتي :
( حديث طَلْقِ بن علي الثابت في صحيح السنن الأربعة ) قال : قدمنا على نبي الله ( فجاء رجل كأنه بدوي فقال يا نبي الله ما ترى في مس الرجل ذكره بعد ما يتوضأ فقال هل هو إلا مضغة منه أو بَضْعهٌ منه .
5) أكل لحم الإبل :
( حديث جابر ابن عبد الله رضي الله عنهما بن سَمُرة الثابت في صحيح مسلم ) أن رجلاً سأل النبي ( أأتوضأ من لحم الغنم ؟ قال إن شئت فتوضأ وإن شئت فلا تتوضأ ، قال أتوضأ من لحم الإبل ؟ قال نعم توضأ من لحم الإبل .
الشاهد : قوله ( { نعم توضأ من لحم الإبل } والأصلُ في الأمر الوجوب .
ما يجب له الوضوء
مسألة : ما الذي يجب له الوضوء ؟(1/298)
1) الصلاة : لقوله تعالى (قال تعالى: (يَا أَيّهَا الّذِينَ آمَنُواْ إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصّلاةِ فاغْسِلُواْ وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُواْ بِرُؤُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَينِ وَإِن كُنتُمْ جُنُباً فَاطّهّرُواْ وَإِن كُنتُم مّرْضَىَ أَوْ عَلَىَ سَفَرٍ أَوْ جَآءَ أَحَدٌ مّنْكُمْ مّنَ الْغَائِطِ أَوْ لاَمَسْتُمُ النّسَآءَ فَلَمْ تَجِدُواْ مَآءً فَتَيَمّمُواْ صَعِيداً طَيّباً فَامْسَحُواْ بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مّنْهُ مَا يُرِيدُ اللّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُم مّنْ حَرَجٍ وَلََكِن يُرِيدُ لِيُطَهّرَكُمْ وَلِيُتِمّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلّكُمْ تَشْكُرُونَ) [المائدة / 6]
2) الطواف بالبيت :
( حديث ابن عباس الثابت في صحيح الترمذي ) أن النبي ( قال الطوافُ حول البيت مثلُ الصلاة إلا أنكم تتكلمون فيه ، فمن تكلم فيه فلا يتكلم إلا بخير .
ما يُستحبُ له الوضوء
مسألة : ما هي الأشياء التي يُستحبُ لها الوضوء ؟
(الأشياء التي يُستحبُ لها الوضوء ما يلي :
1 ) ذكرْ الله تعالى :
( حديث المهاجر بن قنفد الثابت في صحيحي أبي داوود و النسائي ) أنه أتى النبي ( وهو يبول فسلَّم عليه ، فلم يرد عليه حتى توضأ ثم اعتذر إليه فقال : إني كرهتُ أن أذكر الله عز وجل إلا على طُهرٍ ، أو قال طهارة .
2) النوم :
( حديث البراء رضي الله عنه الثابت في الصحيحين ) أن النبي ( قال : إذا أتيت مضجعك فتوضأ وضوئك للصلاة ثم اضطجع على شقك الأيمن ثم قل : اللهم إني أسلمت نفسي إليك وألجأت ظهري إليك وفوضتُ أمري إليك ، رغبةً ورهبةً إليك ، لا ملجأ ولا منجا منك إلا إليك ، اللهم آمنت بكتابك الذي أنزلت وبنبيك الذي أرسلت ، فإن مت من ليلتك فأنت على الفطرة ، واجعلهن آخر ما تتكلمُ به .
3) الجنب : إذا أراد أن يأكل أو ينام أو يعاود الجماع ،
((1/299)
حديث عائشة الثابت في صحيح مسلم ) قالت : كان النبي ( إذا كان جُنباً فأراد أن يأكل أو ينام توضأ وضوءه للصلاة .
( حديث أبي سعيد الثابت في صحيح مسلم ) أن النبي ( قال : إذا أتى أحدكم أهله ثم أراد أن يعود فليتوضأ .
4) قبل الغسل :
( حديث عائشة الثابت في الصحيحين ) قالت : كان رسول الله ( إذا اغتسل من الجنابة غسل يده ثلاثاً وتوضأ وضوئه للصلاة ثم يُخلل شعره بيده حتى إذا ظن أنه قد أروى بشرته أفاد عليه الماء ثلاث ثم غسل سائر جسده .
5) الوضوء لكل صلاة :
( حديث بريده الثابت في صحيح مسلم ) قال كان النبي ( يتوضأ عند كل صلاة فلما كان يوم الفتح توضأ ومسح على خُفيه و صلى الصلوات بوضوء واحد ، فقال له عمر : يا رسول الله إنك فعلت شيئا لم تكن تفعله، فقال عمدا فعلته يا عمر .
6) من حمل الميت :
( حديث أبي هريرة رضي الله عنه الثابت في صحيحي أبي داوود والترمذي ) أن النبي ( قال : من غَسَّلَ الميت فليغتسل ، ومن حَمَله فليتوضأ .
...
مسائل هامة عن الوضوء
مسألة : ما حكم النية في الوضوء ؟
(النية شرطٌ في جميع العبادات من وضوء وغيره .
والشرط شرعا : ما يلزم من عدمه العدم ، ولا يلزم من وجوده الوجود .
(دليل اشتراط النية ) :
قوله تعالى : (وَمَآ أُمِرُوَاْ إِلاّ لِيَعْبُدُواْ اللّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدّينَ حُنَفَآءَ وَيُقِيمُواْ الصّلاَةَ وَيُؤْتُواْ الزّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ القَيّمَةِ) ( البينة / 5)
وقوله تعالى : (قال تعالى: (لاَ يُؤَاخِذُكُمُ اللّهُ بِاللّغْوِ فِيَ أَيْمَانِكُمْ وَلََكِن يُؤَاخِذُكُم بِمَا عَقّدتّمُ الأيْمَانَ ) ( المائدة / 89)
( حديث عمر الثابت في الصحيحين ) أن النبي ( قال: ( إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرىء ما نوى، فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله، ومن كانت هجرته لدنيا يصيبها أو امرأة ينكحها فهجرته إلى ما هاجر إليه )
مسألة : ما هو تعريف النية ؟(1/300)
النية شرعا : العزم على فعل العبادة تقرباً إلى الله تعالى .
{ تنبيه } :( النية محلها القلب لا دخل للسان فيها ، فمن تلفظ بلسانه في النية فقد ابتدع في دين الله ، واستحدث في الدين بعد إكماله .
مسألة : هل يجوز التلفظ بالنية في الحج فأقول اللهم إني نويت الحج ؟
(لا يجوز التلفظ بالنية في جميع العبادات ، الحج وغيره ، والتلفظ في الحج يكون بالتلبية ، والنية تسبق التلبية .
فهو ينوي في قلبه أولاً ثم يُلبي فيقول لبيك بحجٍ أو بعمرة أو لبيك بحج وعمرة ، والتلبية ليست إخباراً عن النية ، و التلبية تتضمن إجابة الله تعالى .
مسألة : هل يجوز للإنسان أن يغسل بعض أعضاء الوضوء أكثر من بعض ؟
يجوز ذلك : فالقاعدة أن الفرض في غسل أعضاء الوضوء مرة واحدة ، والغسلة الثانية والثالثة سنة ، فيجوز أن يغسل بعض أعضاء الوضوء أكثر من بعض ، وقد ثبت ذلك في السنة الثابتة الصحيحة :
( حديث عمرو بن أبي الحسن الثابت في الصحيحين ) أنه سئل عبد الله بن زيد عن وضوء النبي ( ؟ فدعا بتورٍ من ماء، فكفأ على يديه، فغسلهما ثلاثاً ، ثم أدخل يده في الإناء، فمضمض واستنشق واستنثر ثلاثاً بثلاث غرفات من ماء ، ثم أدخل يده في الإناء، فغسل وجهه ثلاثاً ، ثم أدخل يده في الإناء فغسل يديه إلى المرفقين مرتين مرتين، ثم أدخل يده في الإناء فمسح برأسه، فأقبل بيده وأدبر بهما ثم أدخل يده في الإناء فغسل رجليه .
مسألة : هل يجوز للإنسان أن يغسل أعضاء الوضوء أكثر من ثلاثة ؟
يُكره الزيادة على ثلاث لكل عضو ، وأن من فعل ذلك فقد أساء و تعدًّى وظلم .
( حديث عبد الله بن عمرو الثابت في صحيحي أبي داوود و النسائي ) قال : جاء أعرابي إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - يسأله عن الوضوء ؟ فأراه الوضوء ثلاثاً ثم قال : هكذا الوضوء فمن زاد على ذلك فقد أساء وتعدى وظلم .
مسألة : هل لمس المرأة بشهوة ينقض الوضوء ؟(1/301)
قال بعض العلماء بذلك ، واستدلوا بقوله تعالى : (أَوْ لاَمَسْتُمُ النّسَآءَ فَلَمْ تَجِدُواْ مَآءً فَتَيَمّمُواْ صَعِيداً طَيّباً [سورة: المائدة - الآية: 6]
والصحيح أن لمس المرأة بشهوة لا ينقض الوضوء ، وقد ثبت في السنة الثابتة الصحيحة أن النبي ( قبًّل عائشة رضي الله عنها ثم انصرف إلى الصلاة ولم يتوضأ ، ومعلوم أن الرجل يُقبل زوجته بشهوة .
( حديث عائشة السنن الأربعة ) أن النبي ( قبَّلَ امرأة من نسائه ثم خرج إلى الصلاة ولم يتوضأ . قال عروة فقلت لها : ما هي إلا أنتِ فضحكت .
أما عن آية المائدة فقال فيها بن عباس رضي الله عنهما { أو لامستم } المقصود باللمس هنا ( الجماع ) .
مسألة : رجلٌ توضأ لصلاة المغرب ، فلما أذن العشاء قام ليصلي فشك ، أنتقض وضوءه أم لا ؟
(يبني على اليقين وهو أنه متوضأ ، ولا ينصرف حتى يسمع صوتاً أو يجد ريحاً.
( حديث عبد الله بن زيد الثابت في الصحيحين ) أنه شكا إلى رسول الله ( الرجل يجدُ الشيء في الصلاة قال : لا ينفتل أو لا ينصرف حتى يسمع صوتاً أو يجد ريحاً .
المسح على الخُفين
مسألة : ما هو الخف ، وما الفرق بينه وبين الجورب ؟
الأصل أن الخف يكون من جلد ، والجورب يكون من غير الجلد من الخِرق ونحوها ،
مسألة : ما هو الدليل على مشروعية المسح على الخُفين ؟
( حديث المغيرة بن شعبة الثابت في الصحيحين ) قال : كنت مع النبي ( في سفر فأهويتُ لأنزعَ خُفَيِّه فقال : دعهما فإني أدخلتهما طاهرتين .
( حديث عمرو بن أمية الثابت في صحيح البخاري ) قال : رأيتُ النبي ( يمسحُ على عمامته وَ خُفيَّه .
مسألة : ما هي صفة المسح على الخفين ؟ ...
يكون المسح على ظاهر الخفين .
( حديث علي الثابت في صحيح أبي داوود ) قال : لو كان الدينُ بالرأي لكان أسفل الخفِ أولى بالمسح من أعلاه ، وقد رأيت رسول الله ( يمسحُ على ظاهر خُفيه .
مسألة : ما هي مدة المسح على الخُفين ؟
((1/302)
مدة المسح على الخُفين : ثلاثة أيام وليالهن للمسافر ويوماً وليلة للمقيم .
( حديث شريح بن هانئ الثابت في صحيح مسلم ) قال : أتيت عائشة أسألها عن المسح على الخفين فقالت عليك بابن أبي طالب فإنه كان يسافر مع النبي ( فسألناه فقال جعل رسول الله ( ثلاثة أيام ولياليهن للمسافر ويوما وليلة للمقيم .
مسألة : ما هي شروط المسح على الخفين ؟
(شروط المسح على الخفين :
1)أن يلبس الخفين على وضوء :
( حديث المغيرة بن شعبة الثابت في الصحيحين ) قال : كنت مع النبي ( في سفر فأهويت لأنزع خُفيه فقال: دعهما فإني أدخلتهما طاهرتين، فمسح عليهما .
2) أن تكون في مدة المسح وهي ثلاثة أيام بلياليهن المسافر ويوماً وليلة للمقيم
( حديث شريح بن هانئ الثابت في صحيح مسلم ) قال : أتيت عائشة أسألها عن المسح على الخفين فقالت عليك بابن أبي طالب فإنه كان يسافر مع النبي ( فسألناه فقال جعل رسول الله ( ثلاثة أيام ولياليهن للمسافر ويوما وليلة للمقيم .
3) أن يكون الخف طاهر ـ لأنه لو كان الخف غير طاهر ومسح الإنسان عليه لتنجست يده ، وهو بذلك يزيد الطين بلة ، لأن المقصود الطهارة .
مسألة : هل يشترط في الخف أن يكون ساتراً غير مخرماً ؟
[*] قال بعض أهل العلم :
الصحيح عدم اشتراط ذلك ، لأن النصوص في المسح على الخفين مُطلقة ، وما ورد مطلقاً يجب أن يظل مطلقاً ولا يُقيد إلا بدليل وليس هناك دليل يُقيد الإطلاق
[*] ثم إن الصحابة رضي الله تعالى عنهم كان أكثرهم فقراء ، ولا تخلو اخفافهم من خروق ، ولم ينبه النبي ( على ذلك فدلَّ على أنه لا يشترط )
مسألة : متى تبدأ مدة المسح ؟
(ابتداء المدة من المسح بعد الحدث .
مسألة: ما الذي يُبطل المسح على الخفين ؟
(يبطل المسح بأحد هذه الثلاثة :
1) انقضاء المدة ـ لأن المسح مؤقت فلا يجوز الزيادة على المدة المقررة
((1/303)
حديث شريح بن هانئ الثابت في صحيح مسلم ) قال : أتيت عائشة أسألها عن المسح على الخفين فقالت عليك بابن أبي طالب فإنه كان يسافر مع النبي ( فسألناه فقال جعل رسول الله ( ثلاثة أيام ولياليهن للمسافر ويوما وليلة للمقيم .
2) الجنابة :
( حديث صفوان بن عسال الثابت في صحيح السنن الأربعة ) قال : أُمرنا ألا ننزع خِفافنا إلا من جنابة ، ولكن من غائط وبول ونوم .
3) نزع الممسوح عليه من الرجلين ، لأنه إذا نزعهما ثم لبسهما لم يكن أدخلهما طاهرتين .
المسح على الجوربين
مسألة : هل يجوز المسح على الجوربين والنعلين ؟
نعم يجوز المسح على الجوربين والنعلين بنص السنة الثابتة الصحيحة .
( حديث المغيرة بن شعبة الثابت في صحيحي أبي داوود والترمذي ) أن النبي ( توضأ ومسح على الجوربين والنعلين .
المسح على العمامة
مسألة : ما هي العمامة ؟ وما دليل المسح عليها ؟
العمامة هي ما تحيط بالرأس ويشق نزعها .
( حديث عمرو بن أمية الثابت في صحيح البخاري ) قال : رأيت النبي ( يمسح على عمامته وخُفيه .
مسألة : هل يشترط أن تكون العمامة محنكة أو ذات ذؤابة ؟
[*] قال شيخ الإسلام :
أن النص في العمامة على إطلاقه لم يشترط أن تكون محنكة أو ذات ذؤابة ، فمتى وُجدت العمامة يجوز المسح عليها .
مسألة : لو كان الرأس مُلبداً بالحناء ، أو بصمغ هل يجوز المسح عليه؟
يجوز المسح على الرأس الملبد بحناء أو صمغ أو غيره ، لأن النبي ( ثبت عنه أنه كان في إحرامه ملبداً رأسه .
(حديث حفصة الثابت في الصحيحين ) قالت : يا رسول الله ما بالُ الناس حلوا بعمرة ولم تحلل أنت من عمرتك ، قال : إني لبدت رأسي وقلدتُ هدي فلا أحل حتى أنحر.
المسح على الجبيرة
مسألة : ما هي الجبيرة ؟ وما هي شروط المسح عليها ؟
الجبيرة : أعواد تُوضع على الكسر ثم يُرْبطُ عليها ليتلائم الكسر ، وبدلها الآن الجبس ..
شروط الجبيرة : ألا تتجاوز قدر الحاجة ،
((1/304)
الحاجة ) الكسر وكل ما يقرب منه مما يحتاج إليه في الشد .
مسألة : هل المسح على الجبيرة يكون في الحدث الأصغر فقط أم في الحدثين ؟
(يكون في الحدثين لأنها من باب الضرورة .
مسألة :هل المسح على الجبيرة يتقيد بوقت معين مثل المسح على الخفين ؟
(لا يتقيد بوقتٍ معين مثل الخفين ، لأنها للضرورة ، فيتقيد وقتها بقدر الضرورة ، فيمسح إلى أن يحلَّ الجبيرة .
مسألة : هل يشترط في الجبيرة أن يلبسها على كمال طهارة مثل الخُف ؟
لا يشترط ذلك لأنها ضرورة بخلاف الخف فإنه رُخصة من عزيمة .
مسألة : هل يجوز المسح على القلنسوة ؟
القلنسوة : مثل الطاقية الصوف .
لا يجوز المسح على القلنسوة ولا الطاقية الصوف ، لأن الأصل وجوب مسح الرأس ، عُدِلَ عن الأصل إلى العمامة لوجود النص بجواز المسح على العمامة ، أما القلنسوة والطاقية فليس فيها دليل فنبقى على الأصل )
باب الغسل
مسألة : ما هي موجبات الغسل ؟
(موجبات الغسل ما يلي :
(1) خروج المني في اليقظة أو النوم .
لقوله تعالى : ( وَإِن كُنتُمْ جُنُباً فَاطّهّرُواْ ) [ المائدة / 6]
( حديث أم سلمة الثابت في الصحيحين ) أن أم سليم قالت يا رسول الله إن الله لا يستحي من الحق ، فهل على المرأة غسل إذا احتلمت ؟ قال : إذا رأت الماء . فغططت أم سلمة تعني وجهها ، وقالت يا رسول الله وتحتلم المرأة ؟ قال نعم . تربت يمينك ، فبم يشبهها ولدُها .
( حديث علي الثابت في صحيحي أبي داوود والترمذي ) قال : سألتُ النبي ( عن المذي فقال : في المذي الوضوء وفي المني الغسل .
{ تنبيه } يشترط في الغسل من خروج المني الذي يخرج من الإنسان حالة اليقظة : أن يكون المني دفقاً بلذة وهو الذي يوجب تحلل البدن وفتوره .
[*] ولذا قال أهل العلم : أن لهذا الماء ثلاث علامات :
(1) يخرج دفقاً بلذة
(2) فتور الجسم بعد خروجه
(3) رائحته إن كان يابساً كرائحة البيض ، وإن كان طرياً كرائحة العجين واللقاح.
{(1/305)
تنبيه } :( أما إن خرج المني حالة اليقظة على غير هذه الصفة ، فليس فيه غسل ، كمن خرج منه المني لبرد ونحوه .
(خروج المني حال النوم : فيه الغسل فلا يشترط أن يكون المني دفقاً في شهوة.
( حديث أم سلمة الثابت في الصحيحين ) أن أم سليم قالت يا رسول الله إن الله لا يستحي من الحق ، فهل على المرأة غسل إذا احتلمت ؟ قال : إذا رأت الماء . فغططت أم سلمة تعني وجهها ، وقالت يا رسول الله وتحتلم المرأة ؟ قال نعم . تربت يمينك ، فبم يشبهها ولدُها .
( حديث عائشة الثابت في صحيحي أبي داوود و الترمذي ) قالت : سُئل رسول الله ( عن الرجل يجد البلل ولا يذكر احتلاما ؟ قال : يغتسل ، وعن الرجل يرى أنه قد احتلم ولم يجد بللاً ؟ قال : لاغسل عليه .
(2) الجماع : أي تغييب الحشفة في الفرج : هذا هو الذي يوجب الغسل .
( حديث أبي هريرة رضي الله عنه الثابت في الصحيحين ) أن النبي ( قال : إذا جلس بين شعبها الأربع ثم جهدها فقد وجب الغسل .
{ جهدها } أي بلغ منه الجهد حال المعالجة والإدخال .
( حديث عائشة الثابت في صحيح مسلم ) أن النبي ( قال : إذا جلس بين شعبها الأربع ومس الختانُ الختانَ فقد وجب الغسل .
{ تنبيه } :( لا يحصل التقاء ختان الرجل بختان المرأة إلا بتغيب حشفة الرجل في فرج المرأة ، لأن ختان الرجل فوق الحشفة . ، وعلى هذا فيُحمل مس الختان على أنه مس وتغييب للحشفة .
( حديث عبد الله بن عمرو الثابت في صحيح ابن ماجه ) أن النبي ( قال : إذا التقى الختانان وتوارت الحشفة فقد وجب الغسل .
3) الإسلام :
(حديث قيس بن عاصم الثابت في صحيحي أبي داوود والترمذي ) قال : أتيتُ النبي ( فأمرني أن أغتسل بماءٍ وسدر .
وجه الدلالة : أن قيس بن عاصم لما أسلم أمره النبي ( أن يغتسل و الأصل في الأمر الوجوب .
(4) الموت لغير الشهيد :
((1/306)
حديث ابن عباس الثابت في الصحيحين ) أن رجلا كان مع النبي ( فوقصته ناقته وهو محرم فمات فقال النبي (اغسلوه بماء وسدر وكفنوه في ثوبيه ولا تمسوه بطيب ولا تخمروا رأسه فإنه يبعث يوم القيامة ملبيا .
وجه الدلالة : اغسلوه بماءٍ وسدر : الأصلُ في الأمر الوجوب .
(حديث جابر ابن عبد الله رضي الله عنهما الثابت في صحيح البخاري ) قال كان النبي ( يجمع بين الرجلين من قتلى أحد في ثوب واحد ثم يقول أيهم أكثر أخذا للقرآن فإذا أشير له إلى أحدهما قدمه في اللحد وقال أنا شهيد على هؤلاء يوم القيامة وأمر بدفنهم في دمائهم ولم يغسلوا ولم يصل عليهم .
5) الحيض والنفاس :
دليل الحيض : ( حديث فاطمة بنت أبي جيش الثابت في الصحيحين ) قالت : يا رسول الله إني امرأة ُاُستحاضُ فلا أطهر أفأدعُ الصلاة قال إنما ذلك عرق وليس بالحيضة ، فإذا أقبلت الحيضة فدعي الصلاة فإذا ذهبت قدرها فاغسلي عنك الدم وصلي .
{ الشاهد } : [ فاغسلي عنك الدم وصلي ] ، الأصل في الأمر الوجوب.
دليل النفاس : ( حديث عائشة الثابت في الصحيحين ) قالت : دخل علىَّ رسول الله ( وأنا أبكي ، فقال مالك ، قلت لوددتُ أني لم أحجُ هذا العام . قال : لعلك نُفسْتِ ، قلت نعم . قال : فإن ذلك شيءٌ كتبه الله على بنات آدم فافعلي ما يفعل الحاج غير أن لا تطوفي بالبيت حتى تطهري .
( وقد أجمع العلماء ) على وجوب الغسل من النفاس ، والإجماع حُجة ، للحديث الآتي :
( حديث ابن عمر رضي الله عنهما الثابت في صحيح الترمذي ) أن النبي ( قال : ( إن الله لا يجمع أمتي ، أو أمة محمد على ضلالة ، ويد الله مع الجماعة )
تعريف النفاس : هو الدم الخارج بسبب الولادة ولكنه لا يُسمى نفاساً إلا إذا كان معه طلق ، وكان بعد الولادة أو معها أو قبلها بيومين بعلامة الطلق .
(أما الذي يكون في آخر الحمل بدون طلق فهذا ليس بشئ ، لها أن تصلي وتصوم .
أركان الغسل
مسألة : اذكر أركان الغسل ؟
1) النية :
((1/307)
حديث عمر الثابت في الصحيحين ) أن النبي ( قال : إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرىء ما نوى، فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله، ومن كانت هجرته لدنيا يصيبها أو امرأة ينكحها فهجرته إلى ما هاجر إليه .
2) تعميم البدن : لقوله تعالى : ( وَإِن كُنتُمْ جُنُباً فَاطّهّرُواْ ) [ المائدة / 6]
فالمقصود التطهير ، ومن عمم بدنه بالغسل مرة واحدة ثبت أنه قد اطَّهر .
الأغسال المستحبة
مسألة : اذكر الأغسال المستحبة مع الدليل ؟
1) غسل الجمعة :
( حديث ابن عمر رضي الله عنهما الثابت في الصحيحين ) أن النبي ( قال : إذا جاء أحدكم الجمعة فليغتسل .
( حديث ابن عمر رضي الله عنهما الثابت في الصحيحين ) أن عمر بن الخطاب بينما هو قائم في الخطبة يوم الجمعة إذ دخل عليه رجلٌ من المهاجرين الأولين من أصحاب النبي ( فناداه عمر : أيةُ ساعةٍ هذه ؟ قال إني شُغلت فلم أنقلب إلى أهلي حتى سمعتُ التأذين فلم أزد أن توضأت . فقال : والوضوء أيضاً وقد علمت أن رسول الله ( يأمر بالغسل .
( حديث أبي سعيد الثابت في الصحيحين ) أن النبي ( قال : غُسل الجمعة واجبٌ على كل محتلم وأن يستنَّ وأن يمسَّ طيباً إن وجد .
( حديث أبي هريرة رضي الله عنه الثابت في الصحيحين ) أن النبي ( قال : حق الله على كل مسلم أن يغتسل في كل سبعة أيامٍ يوماً يغسلُ فيه رأسه وجسده .
( حديث سمُرة بن جندب الثابت في صحيح السنن الأربعة ) أن النبي ( قال : من توضأ يوم الجمعة فبها ونعمت ومن اغتسل فالغسل أفضل .
{ تنبيه } :( في حديث غسل الجمعة واجب على كل محتلم ظاهره وجوب غسل الجمعة و الذي أخرجه من الوجوب إلى الندب هو حديث ( من توضأ يوم الجمعة فبها ونعمت ومن اغتسل فالغسل أفضل .(1/308)
2) الغسل للعيدين ويوم عرفة ، لما رواه البيهقي من طريق الشافعي عن زادان قال : سأل رجلا علياً عن الغسل ؟ قال : اغتسل كل يومٍ إن شئت ، فقال : لا ، الغسل الذي هو غسل ؟ قال : يوم الجمعة ويوم عرفة ويوم النحر ويوم الفطر.
3) الاغتسال عند كل جماع :
( حديث أبي رافع الثابت في صحيح ابن ماجه ) أن النبي ( طاف ذات ليلةٍ على نسائه يغتسل عند هذه وعند هذه . قال : فقلت يا رسول الله ألا تجعله واحداً ؟ قال هذا أذكى وأطيب وأطهر .
4) اغتسال المستحاضة لكل صلاة :
( حديث عائشة الثابت في صحيح أبي داوود ) قالت : إن أم حبيبة استحيضت في عهد رسول الله ( فأمرها بالغسل لكل صلاة .
( حديث عائشة الثابت في صحيحي أبي داوود والنسائي ) أن امرأة مستحاضة على عهد رسول الله ( قيل لها أنه عِرقٌ عَانِد ، فأُمرت أن تؤخر الظهر وتعجِّل العصر وتغتسل لهما غسلاً واحداً ، وتؤخر المغرب وتعجِّل العشاء و تغتسل لهما غسلاً واحداً وتغتسل لصلاة الصبح غسلاً واحداً .
5) الاغتسال بعد الإغماء :
( حديث عائشة الثابت في الصحيحين ) قالت: ثَقُلَ رسول الله ( فقال : أصلى الناس؟ قلنا لا وهم ينتظرونك يا رسول الله، فقال ضعوا لي ماء في المخضب قالت : ففعلنا فاغتسل ثم ذهب لينوء فأغمي عليه ثم أفاق فقال: أصلى الناس؟ قلنا لا وهم ينتظرونك يا رسول الله. فقال ضعوا لي ماء في المخضب .ففعلنا فاغتسل ثم ذهب لينوء فأغمي عليه ثم أفاق فقال أصلى الناس؟ فقلنا لا وهم ينتظرونك يا رسول الله... فذكرت إرساله إلى أبي بكر .. تمام الحديث .
6) الاغتسال من تغسيل الميت :
( حديث أبي هريرة رضي الله عنه الثابت في صحيحي أبي داوود و الترمذي ) أن النبي ( قال من غسَّل الميت فليغتسل ومن حمله فليتوضأ .
7) الاغتسال من دفن المشرك :
( حديث علي الثابت في صحيح أبي داوود ) أنه أتى النبي ( فقال : إنَّ أبا طالبٍ مات فقال : { اذهب فواره } ، فلما واريته رجعت إليه فقال لي : اغتسل .(1/309)
8) الغسل للإحرام بالحج أو العمرة :
( حديث زيد بن ثابت الثابت في صحيح الترمذي ) أنه رأى النبي ( تجرد لإهلاله واغتسل .
9) الاغتسال لدخول مكة :
( حديث ابن عمر رضي الله عنهما الثابت في الصحيحين ) أنه كان لا يقدم مكة إلا بات بذي طوى حتى يصبح ويغتسل ، ثم يدخل مكة نهاراً ويذكر عن النبي ( أنه فعله .
صفة الغسل
مسألة : ما هي صفة الغسل ؟
للغسل صفتان :
(1) صفةُ كمال : ( تشتمل على الواجب و المسنون )
(2) صفةُ إجزاء ( تشتمل على الواجب فقط )
أولا : صفة الكمال :
[1] النية :
والنية هي العزمُ على فعل الشئ تقرباً إلى الله تعالى ،
( حديث عمر الثابت في الصحيحين ) أن النبي ( قال : إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرىء ما نوى، فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله، ومن كانت هجرته لدنيا يصيبها أو امرأة ينكحها فهجرته إلى ما هاجر إليه .
[2] غسل يده ثلاثاً :
(حديث ميمونة الثابت في الصحيحين) قَالَتْ وَضَعْتُ لِلنَّبِىِّ ( غُسْلاً ، فَسَتَرْتُهُ بِثَوْبٍ ، فَصَبَّ عَلَى يَدَيْهِ فَغَسَلَهُمَا ثلاثاً، ثُمَّ صَبَّ بِيَمِينِهِ عَلَى يساره فَغَسَلَ فَرْجَهُ ، فضرب بيده الأرض فَمَسَحَهَا ، ثُمَّ غَسَلَهَا فَمَضْمَضَ ، وَاسْتَنْشَقَ ، وَغَسَلَ وَجْهَهُ وَذِ رَاعَيْهِ ، ثُمَّ صَبَّ عَلَى رَأْسِهِ ، وَأَفَاضَ عَلَى جَسَدِهِ، ثُمَّ تَنَحَّى فَغَسَلَ قَدَمَيْهِ ، فَنَاوَلْتُهُ ثَوْباً فَلَمْ يَأْخُذْهُ ، فَانْطَلَقَ وَهْوَ يَنْفُضُ يَدَيْه .
{ تنبيه } المقصود باليد هنا : الكفان ، لأن اليد إذا أُطلقت قُصد بها الكفان ، بدليل قوله تعالى : (وَالسّارِقُ وَالسّارِقَةُ فَاقْطَعُوَاْ أَيْدِيَهُمَا جَزَآءً بِمَا كَسَبَا نَكَالاً مّنَ اللّهِ وَاللّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ) [ المائدة / 38]
والذي يُقطع من السارق الكف .
[3] يتوضأ وضوءاً كاملاً :
((1/310)
حديث عائشة الثابت في الصحيحين ) َ قَالَتْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ ( إِذَا اغْتَسَلَ مِنَ الْجَنَابَةِ غَسَلَ يَدَيْهِ ثلاثاً ، وَتَوَضَّأَ وُضُوءَهُ لِلصَّلاَةِ ، ثُمَّ يُخَلِّلُ شَعَرَهُ بِيَدِهِ حَتَّى إِذَا ظَنَّ أَنه ْ قَدْ أَرْوَى بَشَرَتَهُ ، أَفَاضَ عَلَيْهِ الْمَاءَ ثَلاَثَ مَرَّاتٍ ، ثُمَّ غَسَلَ سَائِرَ جَسَدِهِ .
[4] يخلل شعره بيده حتى إذا ظن أنه قد أروى بشرته أفاض عليه الماء ثلاثاً :
( حديث عائشة الثابت في الصحيحين ) َ قَالَتْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ ( إِذَا اغْتَسَلَ مِنَ الْجَنَابَةِ غَسَلَ يَدَيْهِ ثلاثاً ، وَتَوَضَّأَ وُضُوءَهُ لِلصَّلاَةِ ، ثُمَّ يُخَلِّلُ شَعَرَهُ بِيَدِهِ حَتَّى إِذَا ظَنَّ أَنه ْ قَدْ أَرْوَى بَشَرَتَهُ ، أَفَاضَ عَلَيْهِ الْمَاءَ ثَلاَثَ مَرَّاتٍ ، ثُمَّ غَسَلَ سَائِرَ جَسَدِهِ .
[5] يعم بدنه بالماء :
( حديث عائشة الثابت في الصحيحين ) َ قَالَتْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ ( إِذَا اغْتَسَلَ مِنَ الْجَنَابَةِ غَسَلَ يَدَيْهِ ثلاثاً ، وَتَوَضَّأَ وُضُوءَهُ لِلصَّلاَةِ ، ثُمَّ يُخَلِّلُ شَعَرَهُ بِيَدِهِ حَتَّى إِذَا ظَنَّ أَنه ْ قَدْ أَرْوَى بَشَرَتَهُ ، أَفَاضَ عَلَيْهِ الْمَاءَ ثَلاَثَ مَرَّاتٍ ، ثُمَّ غَسَلَ سَائِرَ جَسَدِهِ .
[6] يدلك البدن ليتيقن من وصول الماء إلى جميع البدن لأن المقصود تعميم الماء .
[7] التيمن :
( حديث عائشة الثابت في الصحيحين ) قالت : كان رسول الله ( يعجبه التيمن في تنعله وترجله وطهوره وفي شأنه كله .
[8] يغسل قدميه في مكان آخر :
((1/311)
حديث ميمونة الثابت في الصحيحين) قَالَتْ وَضَعْتُ لِلنَّبِىِّ ( غُسْلاً ، فَسَتَرْتُهُ بِثَوْبٍ ، فَصَبَّ عَلَى يَدَيْهِ فَغَسَلَهُمَا ثلاثاً، ثُمَّ صَبَّ بِيَمِينِهِ عَلَى يساره فَغَسَلَ فَرْجَهُ ،فضرب بيده الأرض فَمَسَحَهَا ، ثُمَّ غَسَلَهَا فَمَضْمَضَ ، وَاسْتَنْشَقَ ، وَغَسَلَ وَجْهَهُ وَذِرَاعَيْهِ ، ثُمَّ صَبَّ عَلَى رَأْسِهِ ، وَأَفَاضَ عَلَى جَسَدِهِ، ثُمَّ تَنَحَّى فَغَسَلَ قَدَمَيْهِ ، فَنَاوَلْتُهُ ثَوْباً فَلَمْ يَأْخُذْهُ ، فَانْطَلَقَ وَهْوَ يَنْفُضُ يَدَيْه .
{ تنبيه } :( غسل القدمين في موضع آخر يشرع عند الحاجة إليه فقط كما لو كان يغتسل في مكان فيه طين ، أما إذا اغتسل في حمام مثل اليوم فلا يشترط أن يغسل قدميه في مكان آخر .
ثانياً : صفة الغسل المجزئ
[1] النية :
( حديث عمر الثابت في الصحيحين ) أن النبي ( قال .: إنما الأعمال بالنيات وإنما
ولكل امرىء ما نوى، فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله، ومن كانت هجرته لدنيا يصيبها أو امرأة ينكحها فهجرته إلى ما هاجر إليه .
[2] يعم بدنه بالغسل مرة :
لأن المقصود التطهير لقوله تعالى :( وَإِن كُنتُمْ جُنُباً فَاطّهّرُوا ) [ المائدة/ 6]
ومن عمم بدنه بالغسل مرة واحدة ثبت أنه قد اطَّهر .
مسألة : ما معنى الإجزاء ؟
الإجزاء : سقوط الطلب بالفعل .
مسألة : هل يصح الغسل بغير مضمضة واستنشاق ؟
الصحيح : أنه لا يصح الغسل إلا بالمضمضة والاستنشاق ، لأن قوله تعالى { فاطَّهروا } يشمل البدن كله ، الذي منه غسل الوجه ، والفم والأنف من الوجه الذي يجب غسله .
مسألة : ما الذي يكفي من الماء للغسل ؟
( حديث أنس الثابت في الصحيحين ) أن النبي ( كان يغتسل بالصاع إلى خمسة أمداد ويتوضأ بالمُد .
مسألة : ماذا لو نوى الإنسان بغُسله الحدثين الأصغر و الأكبر ؟(1/312)
يُجزئ ( لحديث عمر الثابت في الصحيحين ) أن النبي ( قال : إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرىء ما نوى، فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله، ومن كانت هجرته لدنيا يصيبها أو امرأة ينكحها فهجرته إلى ما هاجر إليه .
مسالة : لو نوى الإنسان بغسله رفع الحدث الأكبر فقط ، هل يرفع الحدث الأصغر أيضاً أم لا ؟
الصحيح أنه يرفع الحدثان ، لأن الله تعالى قال : ( وَإِن كُنتُمْ جُنُباً فَاطّهّرُواْ ) مع أنه سبحانه قال (قال تعالى: ( إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصّلاةِ ) فإذا تطهر الإنسان بنية الحدث الأكبر ارتفع الحدث الأصغر أيضاً لأن الله تعالى لم يوجب علينا إلا الطُهر .
مسألة : ما الذي يُسن للجنب إذا أراد أن يعاود الجماع ؟
(يُسن للجنب إذا أراد أن يعاود الجماع أن يتوضأ .
( حديث أبي سعيد الثابت في صحيح مسلم ) أن النبي ( قال : إذا أتى أحدكم أهله ثم أراد أن يعود فليتوضأ .
مسألة : هل يجب على المرأة نقض شعرها عند غسلها من الجنابة ؟
لا يجب على المرأة أن تنقض شعرها في غسلها من الجنابة .
( حديث أم سلمة الثابت في صحيح مسلم ) أن امرأة من المسلمين قالت : يا رسول الله إني امرأة أشدُّ ضُفرَ رأسي أفأنقضه للجنابة ؟ قال : إنما يكفيكِ أن تحفني عليه ثلاثاً .
تحفني : من الحفن وهو ملء الكفين من أي شيءٍ كان .
مسألة : هل تنقض المرأة شعرها عند غسلها من المحيض ؟
( حديث عائشة الثابت في صحيح مسلم ) أن أسماء سألت النبي ( عن غسل المحيض فقال تأخذ إحداكن ماءها وسدرتها فتطهر فتحسن الطهور ثم تصب على رأسها فتدلكه دلكا شديدا حتى تبلغ شؤون رأسها ثم تصب عليها الماء ثم تأخذ فرصة ممسكة فتطهر بها فقالت أسماء وكيف تطهر بها فقال سبحان الله تطهرين بها فقالت عائشة كأنها تخفي ذلك تتبعين أثر الدم .
( وجه الدلالة ) أن النبي ( أكد على الحائض في التدليك الشديد و التطهير ما لم يؤكده في غسلها من الجنابة ،(1/313)
والأصل : نقض الشعر لتيقن وصول الماء إلى ما تحته إلا أنه عُفِي عنه لوقوع المشقة الشديدة في نقضه لتكرار الغسل من الجنابة ، بخلاف غسل الحيض فإنه مرة في الشهر .
مسألة : هل يجوز للرجل أن يغتسل بحضرة أحد ؟
يجوز أن يغتسل بحضرة امرأته فقط ، أو ما ملكت يمينه .
( حديث عائشة الثابت في الصحيحين ) قالت : كنت أغتسل أنا والنبي ( من إناءٍ واحد، ونحن جنبان .
[*] واستدل الداودي بهذا الحديث على جواز نظر الرجل إلى عورة امرأته وعكسه . أما غير زوجته فلا يجوز .
(حديث أبي سعيد الثابت في صحيح مسلم ) قال : لا ينظر الرجل إلى عورة الرجل ولا المرأة إلى عورة المرأة ، ولا يُفضي الرجلُ إلى الرجل في الثوب الواحد ولا تفضي المرأة إلى المرأة في الثوب الواحد .
( حديث معاوية بن حيده الثابت في صحيحي أبي داوود والترمذي ) أن النبي ( قال : احفظ عورتك إلا من زوجتك أو ما ملكت يمينك قيل : إذا كان القوم بعضهم في بعض ؟ قال : إن استطعت أن لا يرينها أحد فلا يرينها قيل : إذا كان أحدنا خاليا ؟ قال : الله أحق أن يستحيا منه من الناس .
مسألة : هل يجوز الاغتسال عارياً في الخلوة ؟
يجوز الاغتسال عارياً في الخلوة.
( حديث أبي هريرة رضي الله عنه الثابت في الصحيحين ) أن النبي ( قال : كانت بنو إسرائيل يغتسلون عراة ينظر بعضهم إلى بعض و كان موسى عليه السلام يغتسل وحده فقالوا : و الله ما يمنع موسى أن يغتسل معنا إلا أنه آدر فذهب مرة يغتسل فوضع ثوبه على حجر ففر الحجر بثوبه فجمح موسى في أثره يقول : ثوبي يا حجر ثوبي يا حجر حتى نظرت بنو إسرائيل إلى موسى فقالوا : و الله ما بموسى من بأس و أخذ ثوبه فطفق بالحجر ضربا .
(آدر : نفخة في الخصية .
((1/314)
حديث أبي هريرة رضي الله عنه الثابت في الصحيحين ) أن النبي ( قال : بينا أيوب يغتسل عريانا خر عليه رجلُ جراد من ذهب فجعل يحثي في ثوبه فناداه ربه يا أيوب ألم أكن أغنيتك عما ترى قال بلى يا رب ولكن لا غنى لي عن بركتك .
مسألة : ما الذي يُسن للجنب إذا أراد أن يأكل أو ينام ؟
(يُسن للجنب إذا أراد أن يأكل أو ينام أن يتوضأ .
( حديث عائشة الثابت في الصحيحين ) قالت : كان النبي ( كان إذا أراد أن ينام و هو جنب غسل فَرْجَهٌ و توضأ للصلاة .
( حديث عمر الثابت في الصحيحين ) أنه سئل رسول الله ( أيرقد أحدنا وهو جنب قال نعم إذا توضأ أحدكم فليرقد وهو جنب .
(حديث عائشة الثابت في صحيح مسلم ) قالت : كان النبي ( إذا كان جُنباً فأراد أن يأكل أو ينام توضأ وضوءه للصلاة .
مسألة : كيف يُنظف المني من ثوب الرجل ؟
(يُنظف المني من ثوب الرجل كالآتي :
[1] إن كان طرياً يُنظف بغسله .
( حديث عائشة الثابت في الصحيحين ) قالت : كنت أغسلُ الجنابة من ثوب رسول الله ( فيخرج إلى الصلاة وإن بقع الماء لفي ثوبه .
[2] وإن كان جافاً ينظف الثوب بفركه ، وعليه يُحمل الحديث الآتي :
( حديث عائشة الثابت في الصحيحين ) قالت : لقد رأيتني وما أزيدُ أن أفركه من ثوب رسول الله .
مسألة : ما الفرق بين ماء الرجل وماءالمرأة ؟
ماءُ الرجل غليظ أبيض ، وماء المرأة رقيق أصفر .
( حديث أنس الثابت في صحيح مسلم ) أن النبي ( قال : ماءُ الرجل غليظ أبيض ، وماء المرأة رقيقٌ أصفر ، فأيهما سبق كان الشبه .
باب التيمم
مسألة : ما هو التيمم؟
التَّيمُّم لغةً: القصد.
وشرعا: التَّعبُّد لله تعالى بقصد الصَّعيد الطَّيب؛ لمسْحِ الوجه واليدين به.(1/315)
وهو من خصائص هذه الأمَّة لِمَا (لحديث جابر ابن عبد الله رضي الله عنهما الثابت في الصحيحين ) أن النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - قال :" أعطيت خمسا لم يعطهن أحد من الأنبياء قبلي : نصرت بالرعب مسيرة شهر و جعلت لي الأرض مسجدا و طهورا فأيما رجل من أمتي أدركته الصلاة فليصل و أحلت لي الغنائم و لم تحل لأحد قبلي و أعطيت الشفاعة و كان النبي يبعث إلى قومه خاصة و بعثت إلى الناس عامة .
مسألة : هل التيمم طهارة أصلية ؟
(ليس التيمم طهارة أصلية ، إنما هو بدل عن فقد الماء.
مسألة : اذكر دليل مشروعية التيمم ؟
قال تعالى: ( وَإِن كُنتُم مّرْضَىَ أَوْ عَلَىَ سَفَرٍ أَوْ جَآءَ أَحَدٌ مّنْكُمْ مّنَ الْغَائِطِ أَوْ لاَمَسْتُمُ النّسَآءَ فَلَمْ تَجِدُواْ مَآءً فَتَيَمّمُواْ صَعِيداً طَيّباً فَامْسَحُواْ بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مّنْهُ [المائدة / 6]
( حديث أبي ذر الثابت في صحيحي أبي داوود و الترمذي ) أن النبي ( قال إن الصعيد الطيب طهور المسلم وإن لم يجد الماء عشر سنين ، فإذا وجد الماء فليُمِسَّه بشرته فإن ذلك خير.
مسألة : ما هي المواضع التي يتيمم عنها إذا لم يجد الإنسان الماء ؟
(يتيمم عن الحدثين الأصغر و الأكبر:
لأن الله تعالى في سورة المائدة بعد أن ذكر الحدثين قال :( فَلَمْ تَجِدُواْ مَآءً فَتَيَمّمُواْ ) ثم قال ( مَا يُرِيدُ اللّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُم مّنْ حَرَجٍ وَلََكِن يُرِيدُ لِيُطَهّرَكُمْ وَلِيُتِمّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلّكُمْ تَشْكُرُونَ) [ المائدة / 6]
فدل على أن الطهارة بالماء من الحدثين ، وبالتيمم عند فقدان الماء من الحدثين.
( حديث عمران بن حصين الثابت في الصحيحين ) أن رسول الله ( رأى رجلا معتزلا لم يصل في القوم فقال يا فلان ما منعك أن تصلي في القوم فقال يا رسول الله أصابتني جنابة ولا ماء قال عليك بالصعيد فإنه يكفيك .
الأسباب المبيحة للتيمم
مسألة : ما هي الأسباب المبيحة للتيمم ؟
((1/316)
الأسباب المبيحة للتيمم :
1) فقد الماء ( لقوله تعالى { فَلَمْ تَجِدُواْ مَآءً فَتَيَمّمُواْ }[ المائدة / 6]
( حديث عمران بن حصين الثابت في الصحيحين ) أن رسول الله ( رأى رجلا معتزلا لم يصل في القوم فقال يا فلان ما منعك أن تصلي في القوم فقال يا رسول الله أصابتني جنابة ولا ماء قال عليك بالصعيد فإنه يكفيك .
2) خوف ضرر من استعماله لمرض في الجسم :
( حديث جابر ابن عبد الله رضي الله عنهما الثابت في صحيح أبي داوود ) قال : خرجنا في سفر فأصاب رجلا منا حجر فشجه في رأسه ثم احتلم فسأل أصحابه فقال هل تجدون لي رخصة في التيمم فقالوا ما نجد لك رخصة وأنت تقدر على الماء فاغتسل فمات فلما قدمنا على النبي ( أخبر بذلك فقال قتلوه قتلهم الله ألا سألوا إذ لم يعلموا فإنما شفاء العي السؤال إنما كان يكفيه أن يتيمم .
3) شدة البرد :
( حديث عمرو بن العاص الثابت في صحيح أبي داوود ) قال : احتلمت في ليلة باردة في غزوة ذات السلاسل فأشفقت إن اغتسلت أن أهلك فتيممت ثم صليت بأصحابي الصبح فذكروا ذلك للنبي ( فقال يا عمرو صليت بأصحابك وأنت جنب فأخبرته بالذي منعني من الاغتسال وقلت إني سمعت الله يقول : ولا تقتلوا أنفسكم إن الله كان بكم رحيما ) فضحك رسول الله ( ولم يقل شيئا .
مسألة : إن وُجدَ الماء ولكن بثمن يزيد عن ثمنه كثيراً ، هل يجب شراؤه ليتوضأ ؟
إن كان يستطيع شراؤه يجب شراؤه ليتوضأ ، وإذا لم يستطع يتيمم ، لقوله تعالى (فَاتّقُواْ اللّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ ) [ التغابن / 16]
صفة التيمم
مسألة : ما هي صفة التيمم ؟
( حديث عمار بن ياسر الثابت في الصحيحين ) أنه قال لعمر بن الخطاب أما تذكر أنا كنا في سفر أنا وأنت فأما أنت فلم تصل وأما أنا فتمعكت فصليت فذكرت ذلك للنبي ( فقال النبي ( إنما كان يكفيك هكذا فضرب النبي ( بكفيه الأرض ونفخ فيهما ثم مسح بهما وجهه وكفيه .(1/317)
الشاهد قوله ( [ إنما كان يكفيك هكذا فضرب النبي ( بكفيه الأرض ونفخ فيهما ثم مسح بهما وجهه وكفيه ]
نوا قض التيمم
مسألة ما هي نواقض التيمم ؟
نواقض التيمم :
(1) نواقض الوضوء نواقض للتيمم ، لأن البدل له حكم المبدل عنه .
(2) وجود الماء لمن فقده ، والقدرة على استعمال الماء لمن عجز عن استعماله .
... مسائل التيمم
مسألة : هل يجوز التيمم بالجدار ؟
يجوز التيمم بالجدار بنص السنة الثابتة الصحيحة :
( حديث أبي جهم الثابت في الصحيحين ) قال : أقبل النبي - صلى الله عليه وسلم - من نحو بئر جمل فلقيه رجل فسلم عليه فلم يرد عليه النبي ( حتى أقبل على الجدار فمسح بوجهه ويديه ثم رد عليه السلام .
مسألة : ما حدُّ طلب الماء ،الذي يُعَدُّ بعده فاقداً للماء ؟
(حدُ طلب الماء : أن يطلبه في رَحْلِه وقُرْبه بحيث لا يشق عليه ولا يفوته وقت الصلاة .
مسألة : إذا صلى الرجل متيمماً ثم وجد الماء ، هل يعيد الصلاة ؟
لا يعيد الصلاة : ( حديث أبي سعيد الثابت في صحيحي أبي داوود والنسائي ) قال : خرج رجلان في سفر فحضرت الصلاة وليس معهما ماء فتيمما صعيدا طيبا فصليا ثم وجدا الماء في الوقت فأعاد أحدهما الصلاة والوضوء ولم يعد الآخر ثم أتيا رسول الله ( فذكرا ذلك له فقال للذي لم يعد أصبت السنة وأجزأتك صلاتك وقال للذي توضأ وأعاد لك الأجر مرتين .
مسألة : لو قال قائل إنني سوف أُعيد الصلاة و الوضوء حتى يكتب لي الأجر مرتين بدلالة الحديث السابق ، فما الجواب ؟
لا يجوز ذلك ، وإن فعل ذلك كان مبتدعاً ، لأن الذي أعاد لم يعلم السنة فهو مجتهد ، فأُعطِيَ الأجر مرتين ، أجر العمل الأول والعمل الثاني .
أما بعد العلم بالسنة فلا يجوز ذلك ، ولا مجال فيه للاجتهاد .
مسألة : هل يكفي في التيمم ضربةً واحدة للوجه والكفين ؟
نعم يكفي ذلك ،
( حديث عمَّار الثابت في صحيح أبي داوود ) سألتُ النبي ( عن التيمم فأمرني ضربةً واحدةً للوجه والكفين .
باب الحيض(1/318)
مسألة : ما هو الحيض لغة وشرعا ؟
الحيض لغةً : السيلان ،يُقال حاض الوادي أي سال
الحيض شرعا : دمٌ يسيل يُصيب المرأة في أيامٍ معدودة إذا بلغت ، وهو علامة البلوغ .
مسألة : ما الحكمة من الحيض ؟
(الحكمة من الحيض : كتب الله تعالى الحيض على بنات آدم لحكمةٍ بالغةٍ قضاها يستوجبُ الحمد على اقتضاها .
وهذه الحكمة هي : أن الحيض هذا يكون غذاء الولد إذا حملت المرأة ، لأن الحامل غالباً لا تحيض ، فيكون هذا الدم هو غذاء الجنين عن طريق السرة ، يصل إلى الجنين ويتفرق في العروق لأن الجنين لو كان يتغذى على غذاء لاحتاج إلى إخراج .
مسألة : هل هناك حدٌّ لأقل الحيض وأكثره ؟
(الصحيح : أنه لا حدَّ لأقل الحيض ولا لأكثره ، لأن الله تعالى عرف الحيض بوصفه أنه أذى وعلق انتهائه على اليأس منه ،
فمتى حصل الحيض الذي هو أذى والذي وصف في السنة أنه أسود يُعرف ، فهو الحيض ، ومتى حصل اليأس منه فقد ذهب الحيض .
( حديث فاطمة بنت أبي حبيش الثابت في صحيحي أبي داوود والنسائي ) أنها كانت تستحاض فقال لها رسول الله ( إذا كان دم الحيض فإنه أسود يعرف ، فامسكي عن الصلاة فإذا كان الآخر فتوضئي فإنما هو عرق .
مسألة : ما هو أغلب الحيض ؟ أغلبُ الحيض ستة أيام أو سبعة أيام ؟
( حديث حمنة بنت جحش الثابت في صحيح أبي داوود ) أن النبي ( قال لها تحيضي في علم الله ستة أيام أو سبعة أيام ثم اغتسلي وصلي أربعا وعشرين ليلة أو ثلاثا وعشرين ليلة وأيامها فإنَّ ذلك يجزئك .
مسألة : ما الذي يحرم بالحيض ؟
(1) الصوم والصلاة :
((1/319)
حديث أبي سعيد الثابت في الصحيحين ) قال : خرج رسول الله ( في أضحى أو فطر فمرَّ على النساء فقال : يا معشر النساء تصدقن فإني أريتكن أكثر أهل النار، فقلن وبم يا رسول الله قال تكثرن اللعن وتكفرن العشير ما رأيتُ من ناقصات عقلٍ ودين أذهب للبَّ الرجل الحازم من إحداكن قلن : وما نقصان ديننا وعقلنا يا رسول الله ؟ قال أليس شهادةُ المرأة مثل نصف شهادة الرجل ؟ قلن بلى . قال فذلك نقصان من عقلها . أليس إذا حاضت لم تصلِّ ولم تصم ؟ قلن بلى . قال فذلك من نقصان دينها .
(2) الوطء في الفرج :
لقوله تعالى : قال تعالى: (وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُواْ النّسَآءَ فِي الْمَحِيضِ وَلاَ تَقْرَبُوهُنّ حَتّىَ يَطْهُرْنَ) [ البقرة / 222]
( حديث أنس الثابت في صحيح مسلم ) أن اليهود كانوا إذا حاضت المرأة لم يؤاكلوها ولم يجامعوهن في البيوت ، فسأل أصحاب النبي ( النبي ( فأنزل الله تعالى ( وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُواْ النّسَآءَ فِي الْمَحِيضِ وَلاَ تَقْرَبُوهُنّ حَتّىَ يَطْهُرْنَ) فقال رسول الله ( اصنعوا كل شيء إلا النكاح . [أي: إلا الوَطء ]
( حديث أبي هريرة رضي الله عنه الثابت في صحيحي أبي داوود و الترمذي ) أن النبي ( قال : من أتى كاهناً فصدقه بما يقول أو أتى امرأة حائضاً أو أتى امرأة في دبرها فقد برئ مما أُنزل على محمدٍ ( .
هل يجب على الحائض قضاء الصلاة والصوم
مسألة : هل يجب على الحائض قضاء الصلاة والصوم ؟
(يجب على الحائض قضاء الصوم فقط دون الصلاة .
(حديث عائشة الثابت في الصحيحين ) قالت : كنا نحيض على عهد رسول الله ( فكنا نؤمرُ بقضاء الصوم ولا نؤمرُ بقضاء الصلاة .
(حديث عائشة الثابت في الصحيحين ) أن امرأة قالت لها : أتجزي إحدانا صلاتُها إذا طهرت ؟ فقالت أحرورية أنت ؟ كنا نحيضُ مع النبي ( فلا يأمرنا به ، أو قالت فلا نفعله .
حكم من أتى حائضاً(1/320)
مسألة : ما هو حكم من أتى حائضاً ؟
المسألة على التفصيل الآتي :
إن اعتقد حلَ الجماع للحائض في فرجها كان كافراً لاستحلاله شيئاً حرمه الله تعالى .
وإن فعله غير معتقداً حِله : فإن كان ناسياً أو جاهلاً فلا إثم عليه ،
( لحديث أبي ذر الثابت في صحيحابن ماجه ) أن النبي ( قال : إن الله تجاوز لي عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه .
وإن تعمد ذلك كان حكمه التحريم ويكون قد ارتكب كبيرةً ويجب عليه التوبة .
( حديث أبي هريرة رضي الله عنه الثابت في صحيحي أبي داوود والترمذي ) أن النبي ( قال : من أتى كاهناً فصدقه بما يقول أو أتى امرأة حائضاً أو أتى امرأة في دبرها فقد برئ مما أُنزل على محمدٍ ( .
مسألة : ما هي كفارة من أتى حائضاً ؟
(يتصدق بدينار أو بنصف دينار :
( حديث ابن عباس الثابت في صحيح السنن الأربعة ) أن النبي ( قال : في الذي يأتي امرأته وهي حائض ، يتصدق بدينار أو بنصف دينار .
{تنبيه } التخير في حديث ابن عباس راجع إلى التفريق بين أول الدم وآخره لما ثبت الثابت في صحيح أبي داوود موقوفاً عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : إن أصابها في فور الدم تصدق بدينار ، وإن كان في آخره فنصف دينار .
{ تنبيه } :( والدِّينار: العُملة من الذَّهب، وزِنَةُ الديِّنار الإسلاميِّ مثقالٌ من الذهب، والمثقالُ غرامان وربع، والجنيه السعودي: مثقالان إلا قليلاً، فنصف جنيه سعودي يكفي، فيُسأل عن قيمته في السُّوق.
فمثلاً: إذا كان الجنيه السعودي يساوي مائة ريال، فالواجب خمسون أو خمسة وعشرون ريالاً تقريباً، ويُدفع إلى الفقراء.
مسألة : المرأةُ إذا وُطئت في فرجها وهي حائض هل عليها كفارة ؟
(إن كان باختيارها كان عليها كفارة لأن شروط الكفارة ( أن يكون الإنسان عالماً ، ذاكراً ، مختاراً )
وإن كانت مكرهة فليس عليها كفارة .
((1/321)
لحديث أبي ذر الثابت في صحيح ابن ماجه ) أن النبي ( قال : إن الله تجاوز لي عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه .
ما الذي يحلُ للرجل من زوجته وهي حائض
مسألة : ما الذي يحلُ للرجل من زوجته وهي حائض ؟
يحل له كل شيء إلا الوطء في الفرج
(حديث أنس الثابت في صحيح مسلم ) أن النبي ( قال : اصنعوا كل شئٍ إلا النكاح . [ أي إلا الوطء]
(حديث عائشة الثابت في الصحيحين ) قالت : كانت إحدانا إذا كانت حائضا فأراد رسول الله ( أن يباشرها أمرها أن تتزر في فور حيضتها ثم يباشرها قالت وأيكم يملك إربه كما كان النبي ( يملك إربه .
مسألة : إذا استمتع الزوج بزوجته فيما بين الفخذين هل يجب على أحدهما الغسل؟
لا يجب على أحدهما غسلُ إلا إذا حدث إنزال .
مسألة : إذا انقطع الدم ولم تغتسل المرأة ماذا يحل لها ؟
لا يحلُ إلا الصيام والطلاق :
دليل الصيام :
أنها إذا انقطع الدم ولم تغتسل تكون كالجنب ، والجنب يصح منه الصوم .
( حديث عائشة متفق عليه ) قالت : كان رسول الله ( يدركه الفجر وهو جنب من أهله ثم يغتسل ويصوم .
الدليل على جواز الطلاق إذا انقطع الدم .
( حديث ابن عمر رضي الله عنهما متفق عليه ) أنه طلق امرأته وهي حائض على عهد رسول الله ( فسأل عمر بن الخطاب رسول الله ( عن ذلك فقال رسول الله ( مرة فليراجعها ثم ليمسكها حتى تطهر ثم تحيض ثم تطهر ثم إن شاء أمسك بعد وإن شاء طلق قبل أن يمس فتلك العدة التي أمر الله أن تطلق لها النساء .
مسألة : هل يجوز جماع المرأة إذا انقطع الدم قبل أن تغتسل ؟
لا يجوز ، لقوله تعالى : ( وَلاَ تَقْرَبُوهُنّ حَتّىَ يَطْهُرْنَ) [ البقرة / 222]
والتطهر لا يكون إلا من حدث ، وهذا حدثٌ أكبر لا يحصل التطهر منه إلا بغسل
لقوله تعالى : ( وَإِن كُنتُمْ جُنُباً فَاطّهّرُواْ ) [ المائدة /6]
(فدل على أن الطهارة من الحدث الأكبر لا تكون إلا بالغسل )
مسألة : ماذا تصنع المبتدأة إذا رأت الحيض ؟(1/322)
المبتدأة إذا رأت الحيض الذي وصفه الله تعالى بأنه أذى تجلس ما لم يستغرق أكثر الشهر ، إلى أن تطهر ،
لقوله تعالى : (وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى) { البقرة / 222 }
صفة الغسل من الحيض
مسألة : ما هي صفة الغسل من محيضها ؟
(حديث عائشة الثابت في الصحيحين ) أن امرأة سألت النبي ( عن غسلها من المحيض فأمرها كيف تغتسل . قال خذي ِفرصةٍ من مسكٍ فتطهري بها. قالت كيف أتطهر بها ؟ قال تطهري بها . قالت كيف ؟ قال سبحان الله تطهري بها ، فاجتبذتها إليَّ فقلت تتبعي بها أثر الدم .
كيف يتعامل الرجل مع زوجته وهي حائض
ينبغي على الرجل أن يتعامل مع زوجته وهي حائض معاملةً حسنةً مع شئٍ من المدارة والملاينة والملاطفة ولا يفعل كفعل اليهود وبعض الجهلة من المسلمين فإن اليهود كانوا إذا حاضت المرأة لم يؤاكلوها ولم يجامعهون في البيوت ، ومن المؤسف أن بعض المسلمين كما بلغني ، أنه يفعل ذلك ، وهذا ولا شك مخالفٌ لسنة النبي ( واليك غيضٌ من فيض وقليل من كثير من الأحاديث التي تبين كيفية معاملة النبي ( لزوجاته وهن حائض رضي الله عنهن جميعاً :
(حديث أنس الثابت في صحيح مسلم ) أن اليهود كانوا إذا حاضت المرأة لم يؤاكلوها ولم يجامعوهن في البيوت ، فسأل أصحاب النبي ( النبي (
فأنزل الله تعالى ( وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُواْ النّسَآءَ فِي الْمَحِيضِ وَلاَ تَقْرَبُوهُنّ حَتّىَ يَطْهُرْنَ) فقال رسول الله ( اصنعوا كل شيء إلا النكاح .
[ أي إلا الوطء ]
(حديث عائشة الثابت في صحيح مسلم ) قالت : كنت أشربُ وأنا حائض ثم أناوِلُهُ النبي ( فيضعُ فاهُ على موضِع فيَّ فيشرب ، وأتعرَّقُ العَرْقَ وأنا حائض ثم أناوِلَهُ النبي ( فيضعُ فاه على موضعِ فيَّ .
{ العَرْق } عظم أُخذ منه اللحم وبقيت عليه بقية .
((1/323)
حديث عائشة الثابت في صحيح مسلم ) قالت : بينما رسول الله ( في المسجد فقال يا عائشة ناوليني الثوب فقلت : إني حائض فقال : إن حيضتك ليست في يدك فناولته .
(حديث عائشة الثابت في الصحيحين ) قالت : كنت أُرجِّلُ رأس رسول الله (
وأنا حائض .
(حديث عائشة الثابت في الصحيحين ) قالت : كان رسول الله ( يُخرجُ رأسَهُ إلىَّ وهو معتكف فأغسله وأنا حائض .
(حديث عائشة الثابت في الصحيحين ) قالت : كان النبي ( يتكئُ في حجري وأنا حائض ثم يقرأ القرآن .
( حديث أم سلمة الثابت في الصحيحين ) قالت بينا أنا مع النبي ( مضطجعة في خميلة حضتُ فانسللتُ فأخذتُ ثياب حيضتي فقال : أنُفِستِ ؟ قلت نعم . فدعاني فاضطجعت معه في الخميلة .
الإستحاضة
مسألة : ما الفرق بين الحيض والإستحاضة ؟
الحيض : سيلان دم عرق من { قعر الرحم } يُسمى { العاذِر }
الإستحاضة : سيلان دم عرق من { أدنى الرحم } يُسمى { العاذِل}
مسألة : كيف نميز بين الحيض والإستحاضة ؟
وجه التميز ... دم الحيض ... دم الإستحاضة
اللون ... أسود ... أحمر لأنه من عرق مثل الدماء العادية
الرائحة ... رائحته منتنة ... غيرُ منتنة
الرقة ... غليظ ... رقيق
التجمد ... لايتجمد لأنه تجمد في الرحم ثم انفجر فلا يتجمدُ ثانيةً ... يتجمد
مسألة : ما الفرق بين المستحاضة المبتدأة و المستحاضة المعتادة ؟
المستحاضة المبتدأة : هي التي آستحيضت منذ أن ظهر الدم عليها .
المستحاضة المعتادة : لها عادة سليمة ثم أصيبت بمرض الإستحاضة .
مسألة : ماذا تصنع المستحاضة ؟
[*](المسألة تختلف باختلاف المستحاضة مبتدأه أم معتادة :
(أولاً : المستحاضة المبتدأة : تتبع الخطوات الآتية :
(1) التميز بين الحيض والإستحاضة
(2) إن لم تستطع التميز تجلس غالب الحيض ستة أيام أو سبع
((1/324)
حديث حمنة بنت جحش الثابت في صحيح أبي داوود ) أن النبي ( قال لها تحيضي في علم الله ستة أيام أو سبعة أيام ثم اغتسلي وصلي أربعا وعشرين ليلة أو ثلاثا وعشرين ليلة وأيامها فإنَّ ذلك يجزئك .
(ثانياً : المستحاضة المعتادة : تتبع الخطوات الآتية :
(1) تجلس عادتها
( حديث عائشة متفق عليه ) قالت : جاءت فاطمة بنت أبي حبيش إلى النبي (
فقالت : يا رسول الله إني امرأة استحاض فلا أطهر أفأدعُ الصلاة ؟ فقال رسول الله ( لا : إنما ذلك عِرق وليس بحيض فإذا أقبلت حيضتك فدعي الصلاة وإذا أدبرت فاغسلي عنك الدم ثم صلي ثم توضأي لكل صلاة حتى يجئ ذلك الوقت .
وجه الدلالة :
قول النبي ( { إذا أقبلت حيضتك فدعي الصلاة وإذا أدبرت فاغسلي عنك الدم وصلي } فأمر المستحاضة أن ترجع إلى عادتها مطلقاً .
(1) إن نسيت عادتها تستخدم التميز الصالح :
( حديث فاطمة بنت أبي حبيش الثابت في صحيحي أبي داوود والنسائي ) أنها كانت تستحاض فقال لها رسول الله ( إذا كان دم الحيض فإنه أسود يعرف ، فامسكي عن الصلاة فإذا كان الآخر فتوضئي فإنما هو عرق .
(2) إذا لم تستطع التميز تجلس غالب الحيض :
(حديث حمنة بنت جحش الثابت في صحيح أبي داوود ) أن النبي ( قال لها تحيضي في علم الله ستة أيام أو سبعة أيام ثم اغتسلي وصلي أربعا وعشرين ليلة أو ثلاثا وعشرين ليلة وأيامها فإنَّ ذلك يجزئك .
مسألة : كيف لا تستطيع المستحاضة المعتادة التميز بين دم الحيض و الإستحاضة ؟
مثل أن يأتي دمٌ أحمر يومين ثم يأتي ثلاث ساعات أسود ، أو أن يجلس ستة عشر يوماً أسود
مسألة : المستحاضة المعتادة إذا استحاضت وعلمت أن عادتها أول الشهر ولكنها نسيت عدد الأيام ، ماذا تصنع ؟
إذا علمت أن عادتها أول الشهر : تجلس أول الشهر
وإذا نسيت عدد الأيام : تجلس غالب الحيض { ستة أيام أو سبع }
مسألة : المعتادة لو تقدَّمت حيضتها أو تأخرت ماذا تصنع ؟(1/325)
متى وُجد الدم الموصوف بأنه أذى فهو حيض ، سواء تقدَّم أو تأخر ،
قال تعالى : (وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى) { البقرة / 222 }
مسألة : ما هي علامة الطهر من الحيض ؟
علامة الطهر : سائل أبيض يخرج إذا توقف الحيض ، وبعض النساء لا يكون عندهن هذا السائل .
مسألة : امرأة عادتها ستة أيام ، في شهر{ ما } انقطع الدم في اليوم الرابع ثم عاد في اليوم السادس ، ماذا تصنع ؟
طالما عاودها الدم في زمن العادة ، فهو من الحيض .
مسألة : ما هي الصفرة والكدرة ؟
الصفرة : ماء أصفر
الكدرة: ماء ممزوج بحُمرة، وأحياناً يكون ممزوج بعروق فيكون كالماء الممزوج بصديد .
مسألة : هل الصفرة والكدرة من الحيض ؟
[*](المسألة على التفصيل :
(إذا كانت الصفرة والكدرة قبل الطهر : { أي في زمن الحيض } فهي حيض ،
( حديث أم عطية الثابت في صحيح أبي داوود ) قالت : كنا لا نعدُّ الكدرة والصفرة بعد الطهر شيئاً .
(وإن كانت بعد الطهر فليست بحيض :
( حديث أم عطية الثابت في صحيح أبي داوود ) قالت : كنا لا نعدُّ الكدرة والصفرة بعد الطهر شيئاً .
{ تنبيه } :( ثبت الثابت في صحيح البخاري عن أم عطية قالت : كنا لا نعدُّ الكدرة والصفرة شيئاً ) ( هذا الحديث عام خصصه حديث أم عطية الثابت في صحيح أبي داوود .
مسألة: امرأة ترى الدم يوماً وترى النقاء يوماً ولم يجاوز ذلك أكثر الحيض ، ماذا تصنع؟
اليوم لا يُعدُّ طهراً لأن عادة النساء أن تجفَّ يوماً أو ليلة حتى أثناء الحيض ، فإن حصل النقاء يوماً في زمن العادة كان من الحيض ، ويؤيد ذلك قولُ أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها ( لا تعجلن حتى ترين القصة البيضاء )
مسألة : ما الذي يجب على المستحاضة أن تصنعه لكي تصلي ؟
تغسل فرجها وتعصبه وتتوضأ لكل صلاة ،
( حديث عائشة متفق عليه ) قالت : جاءت فاطمة بنت أبي حبيش إلى النبي ((1/326)
فقالت : يا رسول الله إني امرأة استحاض فلا أطهر أفأدعُ الصلاة ؟ فقال رسول الله ( لا : إنما ذلك عِرق وليس بحيض فإذا أقبلت حيضتك فدعي الصلاة وإذا أدبرت فاغسلي عنك الدم ثم صلي ثم توضأي لكل صلاة .
وجه الدلالة :
[فاغسلي عنك الدم ثم صلي ثم توضأي لكل صلاة .]
مسألة : هل هناك أحكام أخرى تأخذ حكم الإستحاضة ؟
(هناك أحكام أخرى تأخذ حكم الإستحاضة مثل :
سلس البول : يغسل فرجه ويتوضأ لكل صلاة
سلس الريح : لا يغسل مقعدته لأن الريح ليس نجس ولكن يتوضأ لكل صلاة
مسألة : هل يجوز للمستحاضة أن تجمع بين الصلاتين ؟
يجوز لها أن تؤخر الظهر وتعجّل العصر وتغتسل لهما غسلاً واحداً ، وتؤخر المغرب وتعجّل العشاء وتغتسل لهما غسلاً واحداً ، وتغتسل لصلاة الصبح غسلاً واحداً .
( حديث عائشة الثابت في صحيحي أبي داوود والنسائي ) أن امرأة مستحاضة على عهد رسول الله ( قيل لها أنه عِرقٌ عانِد فأمرت أن تؤخر الظهر وتعجّل العصر وتغتسل لهما غسلاً واحداً ، وتؤخر المغرب وتعجّل العشاء وتغتسل لهما غسلاً واحداً ، وتغتسل لصلاة الصبح غسلاً واحداً .
مسألة : هل المستحاضة يطأها زوجها ؟
المستحاضة يطأها زوجها لعموم قوله تعالى : (نِسَآؤُكُمْ حَرْثٌ لّكُمْ فَأْتُواْ حَرْثَكُمْ أَنّىَ شِئْتُمْ ) [البقرة / 223]
ثم أن المستحاضة تصلي والصلاة أعظم ، فإذا أُبيحت الصلاة أُبيح الوطأ من باب أولى )
( حديث عكرمة الثابت في صحيح أبي داوود ) قال : كانت أم حبيبة تُستحاض وكان زوجها يغشاها .
{أم حبيبة } كانت تحت عبد الرحمن بن عوف .
مسألة : هل المستحاضة تعتكف ؟
تعتكف المستحاضة ولكن تحترز من تلويث المسجد
(حديث عائشة الثابت في الصحيحين ) قالت : اعتكَفَتْ مع رسول الله ( امرأة من أزواجه ، فكانت ترى الدم والصفرة ،والطست تحتها وهي تصلي.
... ...
النفاس
مسألة : ما هو النفاس ؟
النفاس : هو دم يخرج من المرأة عند الولادة أو قبلها بيومين أو ثلاثة مع الطلق .
{(1/327)
تنبيه } :( الطلق قرينة على أن هذا الدم نِفاس .
مسألة : ما هو أكثر مدة للنفاس ؟
(أكثر مدة للنفاس أربعين يوماً
( حديث أم سلمة الثابت في صحيحي أبي داوود والترمذي ) قالت : كانت النفساء على عهد رسول الله ( تقعد بعد نفاسها أربعين يوماً أو أربعين ليلة وكنا نطلي وجوهنا الوَرْس يعني من الكلف .
{ الوَرْس } نبتٌ أصفر يصبغ به ويتخذ منه صباغ للوجه .
{ الكَلَف } بثور صغيرة تكسو الوجه .
مسألة : إذا وضعت المرأة سقطاً هل يكون الدم نفاساً ؟
(المسألة على التفصيل الآتي :
إذا وضعت ما تم له أربعة أشهر كان الدم نفاساً لأنها وضعت إنساناً نُفخ فيه الروح .
( حديث ابن مسعود الثابت في الصحيحين ) قال : حدَثنا رسولُ الله ( وهو الصادقُ المصدوق : إنَّ أحدكم يُجمعُ خَلْقُه في بطن أمه أربعين يوماً نطفة ثم يكون علقةً مثلُ ذلك ثم يكون في ذلك مضغةً مثلُ ذلك ثم يُرسلُ الله الملك فينفخُ فيه الروح ويؤمَرُ بأربع كلمات ، بكتب رزقه وأجله وعمله وشقيٌ أو سعيد ، فوالذي لا إله غيره إنَّ أحدكم ليعمل بعملِ أهلِ الجنة حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل النار فيدخلها ، وانَّ أحدكم ليعمل بعملِ أهلِ النار حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع فيسبق عليه الكتاب فيعملُ بعمل أهل الجنة فيدخلها .
2) وإن كان ما وضعته أقل من أربعة أشهر فيشترط لكون الدم نفاساً أن تكون مضغة مخلقة ، بأن يظهر رأسه ويداه ورجلاه ، لأنه إذا اسقط ولم يُخَلَّق يحتمل أن يكون دماً مجمداً أو قطعة لحم . )
مسألة : ما هو أقل مدة النفاس ؟
لا حد لأقله .
مسألة : إذا انقطع الدم قبل أربعين يوماً هل يأتيها زوجها ؟
إذا انقطع الدم قبل أربعين يوماً يأتيها زوجها لأن العبرة بانقطاع الدم ، وإنما الأربعين أكثر النفاس وليس شرطاً أن يستمر الدم إلى أربعين يوماً .
كتاب الصلاة
مسألة : ما هو تعريف الصلاة ؟(1/328)
الصلاة لغةً : الدعاء لقوله تعالى : ( وَصَلّ عَلَيْهِمْ إِنّ صَلَوَاتَكَ سَكَنٌ لّهُمْ ) [ {التوبة / 103}
الصلاة شرعا: التعبد لله تعالى بأقوالٍ وأفعالٍ مخصوصة مفتتحة بالتكبير مختتمة بالتسليم )
مسألة : متى فُرضت الصلاة ؟
فرضت الصلاة ليلة الإسراء والمعراج في السنة العاشرة من النبوة ، فرضت خمسين صلاة ثم نقصت إلى خمس صلوات ،
( حديث أنس الثابت في الصحيحين ) قال : فُرضت على النبي ( الصلوات ليلة أُسري به خمسين ، ثم نقصت حتى جعلت خمساً ثم نودي يا محمد إنه لا يُبدَّلُ القول لديَّ ، وإن لك بهذه الخمس خمسين .
مسألة : ما الحكمة من تأخير فرضية الصلاة إلى يوم الإسراء والمعراج ؟
الحكمة من تأخير فرضية الصلاة : إشادة بها وبياناً لأهميتها لأنها :
(1) فرضت من الله إلى رسوله بدون واسطة من فوق سبع سماوات .
(2) فرضت في ليلةٍ هي أفضل الليالي لرسول الله ( .
(3) فرضت في أعلى مكان يصلُ إليه البشر .
(4) فرضت في الأول خمسين صلاة وهذا يدل على محبة الله تعالى لها ولكنها خففت فجعلت خمس في الفعل وخمسين في الأجر )
(5) الصلاة لها منزلة عظيمة في الإسلام ؟
الصلاة أفضلُ الأركان بعد الشهادتين ولذا ذُكرت بعد الشهادتين في حديث الأركان الخمسة ،
( حديث ابن عمر رضي الله عنهما الثابت في الصحيحين ) أن النبي ( قال : ( بني الإسلام على خمس شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله ، وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة والحج وصوم رمضان )
(6) الصلاة تغسل الإنسان من الذنوب والمعاصي :
(حديث أبي هريرة رضي الله عنه الثابت في الصحيحين ) أن النبي ( قال : أرأيتم لو أن نهراً بباب أحدكم يغتسلُ فيه كلَ يومٍ خمسَ مراتٍ، هل يبقى من درنه شيء ؟ قالوا لا يبقى من درنه شيء ، قال : فذلك مثلُ الصلوات الخمس يمحو الله بهنَّ الخطايا .
(7) الصلاة تُكفر الذنوب الصغائر :
((1/329)
حديث ابن مسعود الثابت في الصحيحين ) أن رجلاً أصاب من امرأةً قبلة فأتى النبي ( فأخبره فأنزل الله تعالى (وَأَقِمِ الصّلاَةَ طَرَفَيِ النّهَارِ وَزُلَفاً مّنَ الْلّيْلِ إِنّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السّيّئَاتِ ) فقال الرجل : يا رسول الله ، ألي هذا ؟ قال : لجميع أمتي كلهم .
(حديث أبي هريرة رضي الله عنه الثابت في صحيح مسلم ) أن النبي ( قال : الصلواتُ الخمس والجمعةُ إلى الجمعة ورمضان إلى رمضان مكفراتٌ لما بينهنَّ إذا اجتنبت الكبائر .
(1) عظيم الثواب :
(حديث أبي هريرة رضي الله عنه الثابت في الصحيحين ) أن النبي ( قال : لو يعلمُ الناسُ ما في النداء والصف الأول ثم لم يجدوا إلا أن يستهموا عليه لاستهموا ولو يعلمون ما في التهجير لاستبقوا إليه ولو يعلمون ما في العَتمة والصبحِ لأتوهما ولو حبواً .
(2) الصلاة إن صلحت صلح سائر العمل وإن فسدت فسد سائر العمل :
( حديث أنس الثابت في صحيح الجامع ) أن النبي ( قال : أولُ ما يحاسبُ به العبدُ يوم القيامة الصلاة فإن صلحتُ صلحُ سائرُ العمل و إن فسدت فسدَ سائرُ العمل .
حكم تارك الصلاة
مسألة : ما حكم تارك الصلاة ؟
(الذي دَلَّت عليه السنة وتجتمع فيه الأدلة أن المسألة على التفصيل الآتي :
(1) من ترك الصلاة جحوداً كفر كفراً يخرج من الملة وعليه يُحمل الأحاديث الآتية :
( حديث جابر ابن عبد الله رضي الله عنهما الثابت في صحيح مسلم ) أن النبي ( قال : بين الرجل وبين الكفر والشرك ترك الصلاة .
( حديث بريدة الثابت في صحيحي الترمذي وابن ماجه ) أن النبي ( قال : العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر .
(2) أما من تركها تكاسلاً يكون تحت المشيئة وعليه يُحمل الحديث الآتي :
((1/330)
حديث عبادة بن الصامت الثابت في صحيح السنن الأربعة ) أن النبي ( قال : خمسُ صلواتٍ افترضهنَّ الله تعالى ، من أحسن وضوءَهُنَّ و صلاهُنَّ لوقتهنَّ و أتم ركوعهنَّ و خشوعهنَّ ، كان له على الله عهدٌ أن يغفر له ، و من لم يفعل ، فليس له على الله عهدٌ إن شاء غفر له و إن شاء عذَّبه .
وجه الدلالة :
أن النبي ( رد أمر من لم يأتِ بهنَّ إلى مشيئة الله ، فدلَّ ذلك على أن من تركهن تكاسلاً دون الكفر والشرك ،
لقوله تعالى : ( إِنّ اللّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَآءُ) [النساء / 48]
... على من تجب الصلاة ...
مسألة : على من تجب الصلاة ؟
تجب الصلاة على كل مسلم بالغ عاقل إلا حائضاً أو نفساء .
مسألة : ما هو دليل وجوب الصلاة ؟
وجوب الصلاة ثابت بالكتاب والسنة والإجماع :
دليل الكتاب :
قوله تعالى : (قال تعالى:( إِنّ الصّلاَةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَاباً مّوْقُوتاً) {النساء / 103}
دليل السنة :
( حديث ابن عباس الثابت في الصحيحين ) قال ، قال رسول الله ( لمعاذ بن جبل حين بعثه إلى اليمن : إنك ستأتي قوماً أهل كتاب فإذا جئتهم فادعهم إلى أن يشهدوا أن لا إله إلا الله و أن محمدا رسول الله ، فإن هم أطاعوا لك بذلك فأخبرهم أن الله قد فرض عليهم خمسُ صلواتٍ في كل يومٍ و ليلة ، فإن هم أطاعوا لك بذلك فأخبرهم أن الله قد فرض عليهم صدقةً تؤخذ من أغنيائهم فتردُ على فقرائهم ، فإن هم أطاعوا لك بذلك فإياك و كرائم أموالهم و اتقِ دعوة المظلوم فإنه ليس بينها و بين الله حجاب .
((1/331)
حديث طلحة بن عبيد الله الثابت في الصحيحين ) قال ، جاء رجلٌ إلى رسول الله ( من أهل نجد ثائرُ الرأس يُعْرَفُ دَويُ صوتهِ ولايُفْقَه ما يقول حتى دنا فإذا هو يسألُ عن الإسلام ؟ فقال رسول الله ( خمسُ صلوات في اليوم والليلة ، فقال : هل عليَّ غيرُها ؟ قال لا إلا أن تطوَّع. قال رسول الله ( وصيام رمضان . فقال هل عليَّ غيره؟ فقال لا إلا أن تطوع .قال : وذكر الزكاة فقال هل عليَّ غيرُها ؟ قال لا إلا أن تطوَّع . قال : فأدبر الرجل وهو يقول: والله لا أزيدُ على هذا ولا أنقص ، قال رسول الله ( أفلح إن صدق .
( حديث ابن عمر رضي الله عنهما الثابت في الصحيحين ) أن النبي ( قال : بني الإسلام على خمس شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله ، وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة والحج وصوم رمضان .
مسألة : هل تجب الصلاة على الكافر ؟
لا تجب الصلاة على الكافر أي لا تلزمه حال كفره ،
لقوله تعالى : (وَمَا مَنَعَهُمْ أَن تُقْبَلَ مِنْهُمْ نَفَقَاتُهُمْ إِلاّ أَنّهُمْ كَفَرُواْ بِاللّهِ وَبِرَسُولِهِ وَلاَ يَأْتُونَ الصّلاَةَ إِلاّ وَهُمْ كُسَالَىَ وَلاَ يُنفِقُونَ إِلاّ وَهُمْ كَارِهُونَ) [ التوبة / 54]
وجه الدلالة : إذا كانت النفقات عبادة لا يتعدى نفعها لا تُقبل منهم ولا تصح منهم ، فالعبادة الخاصة ( الصلاة ) من باب أولى ، وفي هذا دليل على أن الصلاة لا تُقبل منهم ، لأنها لا تصح منهم وإذا كانت لا تصح ، لم تجب لأنها لو وجبت وأتى بما يلزم فيها لصحت .)
مسألة : ما الدليل على أن الكافر إذا أسلم لا يلزمه قضاء الصلاة التي فاتته قبل إسلامه ؟
قال تعالى : (قُل لِلّذِينَ كَفَرُوَاْ إِن يَنتَهُواْ يُغَفَرْ لَهُمْ مّا قَدْ سَلَفَِ) [ الأنفال / 38]
((1/332)
حديث أبي سعيد الثابت في الصحيحين ) أن النبي ( قال : إذا أسلم العبدُ فَحسُنَ إسلامه يُكفِّر الله عنه كلَّ سيئةٍ كان زلَفها ، و كان بعد ذلك القصاص ، الحسنةُ بعشر أمثالها , و السيئة بمثلها إلا أن يتجاوز الله عنها .
مسألة : هل يحاسب الكافر يوم القيامة على تركه للصلاة في الدنيا ؟
نعم يُحاسب الكافر على ترك الصلاة .
لقوله تعالى : ( إِلاّ أَصْحَابَ الْيَمِينِ ( 39 ) فِي جَنّاتٍ يَتَسَآءَلُونَ(40 ) عَنِ الْمُجْرِمِينَ( 41 ) مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ ( 42 )قَالُواْ لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلّينَ( 43) وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ ( 44 ) [ المدثر ]
مسألة : ما معنى كلمة مُكلَّف ؟
التكليف يتضمن وصفين { البلوغ و العقل }
مسألة : هل تجب الصلاة على الصبي والمجنون ؟
لا تجب الصلاة على الصبي والمجنون :
( حديث علي الثابت في صحيحي أبي داوود والترمذي ) أن النبي ( قال : رفع القلم عن ثلاث : عن النائم حتى يستيقظ و عن الصبي حتى يحتلم و عن المجنون حتى يُفيق )
مسألة : ما الحكمة من قول النبي ( مروا أولادكم بالصلاة وهم أولاد سبع سنين ، واضربوهم عليها وهم أبناء عشر سنين ، مع أنها لا تجب عليهم إلا إذا بلغوا ؟
( حديث عبد الله بن عمرو الثابت في صحيحي أبي داوود والترمذي) أن النبي ( قال : مروا أولادكم بالصلاة وهم أولاد سبع سنين واضربوهم عليها وهم أبناء عشر سنين وفرقوا بينهم في المضاجع .
والحكمة من ذلك : تمام الرعاية والقيام بالمسئولية التي عُهدت إلى الأب ، وأن ضربهم من باب التأديب والقيام بالمسئولية وليس لأن الصبي تجب عليه الصلاة .
مسألة : ما هي مواقيت الصلاة ؟
{ وقت الظهر } من زوال الشمس إلى أن يصير ظلُ الشيء مثله
{ وقت العصر } من صيرورة ظل الشيء مثله إلى غروب الشمس
{ وقت المغرب } من غروب الشمس ما لم يغب الشفق
{ وقت العشاء } : من غياب الشفق إلى نصف الليل
{ وقت الفجر } : من طلوع الفجر ما لم تطلع الشمس .
((1/333)
حديث عبد الله بن عمرو الثابت في صحيح مسلم ) أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : وقت صلاة الظهر إذا زالت الشمس و كان ظل الرجل كطوله ما لم يحضر العصر و وقت صلاة العصر ما لم تصفر الشمس و وقت صلاة المغرب ما لم يغب الشفق و وقت صلاة العشاء إلى نصف الليل الأوسط و وقت صلاة الصبح من طلوع الفجر ما لم تطلع الشمس.
(حديث ابن عباس الثابت في صحيحي أبي داوود والترمذي ) أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : أمني جبريل عند البيت مرتين فصلى بي الظهر حين زالت الشمس و كانت قدر الشراك و صلى بي العصر حين كان ظله مثله و صلى بي المغرب حين أفطر الصائم و صلى بي العشاء حين غاب الشفق و صلى بي الفجر حين حرم الطعام و الشراب على الصائم فلما كان الغد صلى بي الظهر حين كان ظله مثله و صلى بي العصر حين كان ظله مثليه و صلى بي المغرب حين أفطر الصائم و صلى بي العشاء إلى ثلث الليل و صلى بي الفجر فأسفر ثم التفت إلي و قال : يا محمد هذا وقت الأنبياء من قبلك و الوقت ما بين هذين الوقتين .
مسألة : هل يستحب تعجيل صلاة الظهر في أول وقتها ؟
المسألة على التفصيل الآتي :
[1] يستحب تعجيل صلاة الظهر في أول وقتها في غير شدة الحر لقوله تعالى: (فَاسْتَبِقُوا الخَيْرَاتِ) [سورة: المائدة - الآية: 48]
ولأن النبي - صلى الله عليه وسلم - حث على الصلاة في أول وقتها وتدبر في (حديث ابن مسعود الثابت في الصحيحين ) قال : سألت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أي العمل أحب إلى الله قال الصلاة لوقتها قال قلت ثم أي قال بر الوالدين قال قلت ثم أي قال الجهاد في سبيل الله .(1/334)
وتدبر في (حديث جابر ابن عبد الله رضي الله عنهما الثابت في الصحيحين ) قال كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم -يصلي الظهر بالهاجرة والعصر والشمس نقية والمغرب إذا وجبت والعشاء أحيانا يؤخرها وأحيانا يعجل كان إذا رآهم قد اجتمعوا عجل وإذا رآهم قد أبطأوا أخر والصبح كانوا أو قال كان النبي ( يصليها بِغَلَس .
وفي (حديث أبي برزة الأسلمي الثابت في الصحيحين ) قال كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم -يصلي الصبح وأحدنا يعرف جليسه ويقرأ فيها ما بين الستين إلى المائة ، ويصلي الظهر إذا زالت الشمس ويصلي العصر وأحدنا يذهب إلى أقصى المدينة رجع والشمس حية ، ونسيت ما قال في المغرب ، وكان لا يبالي بتأخير العشاء إلى ثلث الليل ثم قال إلى نصف الليل .
[2] أما عند شدة الحر فالأفضل عدم تعجيلها في أول وقتها بل تأخيرها حتى يبرد الجو :
(حديث أبي هريرة رضي الله عنه الثابت في الصحيحين ) أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : إن شدة الحر من فيح جهنم فإذا اشتد الحر فأبردوا بالصلاة .
(حديث أنس الثابت في صحيح البخاري) قال كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا اشتد البرد بكَّر بالصلاة وإذا اشتد الحر أبرد بالصلاة .
مسألة : هل لصلاة العصر وقت اختيار ووقت ضرورة ؟
(نعم لصلاة العصر وقت اختيار ووقت ضرورة
(وقت اختيار :
من أول وقت العصر [ ظل الشيء مثله] ما لم تصفر الشمس
(لحديث عبد الله بن عمرو الثابت في صحيح مسلم ) أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : وقت الظهر ما لم يحضر العصر ووقت العصر ما لم تصفر الشمس ووقت المغرب ما لم يسقط ثور الشفق ووقت العشاء إلى نصف الليل ووقت الفجر ما لم تطلع الشمس .
(وقت ضرورة :
يمتد إلى غروب الشمس وعليه يحمل(حديث أبي هريرة رضي الله عنه الثابت في الصحيحين ) أن النبي ( قال : (من أدرك ركعة من الصبح قبل أن تطلع الشمس فقد أدرك الصبح و من أدرك ركعة من العصر قبل أن تغرب الشمس فقد أدرك العصر .(1/335)
مسألة : هل يستحب تعجيل المغرب ؟
نعم يستحب تعجيل المغرب بنص السنة الثابتة الصحيحة (لحديث سلمة بن الأكوع الثابت في الصحيحين) قال : كنا نصلي مع النبي ( المغرب إذا توارت بالحجاب .
مسألة : هل يستحب تعجيل العشاء ؟
(الذي دلت عليه السنة الصحيحة وتجتمع فيه الأدلة أن المسألة على التفصيل الآتي :
[1] يُراعى الناس فإذا رآهم قد اجتمعوا عجل وإذا رآهم قد أبطأوا أخر .
(حديث جابر ابن عبد الله رضي الله عنهما الثابت في الصحيحين ) قال كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم -يصلي الظهر بالهاجرة والعصر والشمس نقية والمغرب إذا وجبت والعشاء أحيانا يؤخرها وأحيانا يعجل كان إذا رآهم قد اجتمعوا عجل وإذا رآهم
قد أبطأوا أخر والصبح كانوا أو قال كان النبي ( يصليها بِغَلَس .
[2] أما إذا كان في مكان يبقى فيه الناس كالاعتكاف فالأفضل التأخير إلى نصف الليل .
(لحديث ابن عباس الثابت في الصحيحين ) قال أعتم رسول الله ( بالعشاء حتى رقد الناس واستيقظوا ورقدوا واستيقظوا فقام عمر بن الخطاب فقال الصلاة فخرج نبي الله ( كأني أنظر إليه الآن يقطر رأسه ماء واضعا يده على رأسه قال لولا أن يشق على أمتي لأمرتهم أن يصلوها هكذا .
(حديث أبي هريرة رضي الله عنه الثابت في صحيحي الترمذي وابن ماجة ) أن النبي ( قال : لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم أن يؤخروا العشاء إلى ثلث الليل أو نصفه .
مسألة : كم صلاة من الصلوات الخمس لها وقتان ؟
صلاة العصر فقط هي التي لها وقتان وقت اختيار ووقت ضرورة كما بيناه آنفاً
مسألة : هل المستحب في صلاة الصبح التبكير بها أم لا ؟
( المستحب في صلاة الصبح التبكير بها في أول وقتها وهو التغليس
((1/336)
حديث جابر ابن عبد الله رضي الله عنهما الثابت في الصحيحين ) قال كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم -يصلي الظهر بالهاجرة والعصر والشمس نقية والمغرب إذا وجبت والعشاء أحيانا يؤخرها وأحيانا يعجل كان إذا رآهم قد اجتمعوا عجل وإذا رآهم قد أبطأوا أخر والصبح كانوا أو قال كان النبي ( يصليها بِغَلَس .
[الغَلَس] ظلمة آخر الليل
(حديث عائشة الثابت في الصحيحين) قالت : كن نساء المؤمنات يشهدن مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صلاة الفجر متلفعات بمروطهنَّ لا يعرفهن أحد ثم ينقلبن إلى بيوتهن حين يقضين الصلاة لا يعرفهن أحدٌ من الغَلَس .
مسألة : ما معنى الإسفار بالفجر ؟
إسفار الفجر : أي يضيء الفجر ويتيقن طلوعه .
(حديث رافع بن خديج الثابت في صحيحي الترمذي وابن ماجة ) أن النبي ( قال : أسفروا بالفجر فإنه أعظم للأجر .
مسألة : كيف تجمع بين أحاديث التغليس بالفجر والإسفار بالفجر ؟
جمع بينهما الإمام بن القيم رحمه الله تعالى فقال أن المراد بالإسفار : أي يخرج مسفراً ، أي يدخل مغلساً ويخرج مسفراً .
مسألة : متى يكون الإنسان مدركاً لوقت الصلاة ؟
يكون الإنسان مدركاً لوقت الصلاة إذا أدرك ركعةً من الصلاة
(حديث أبي هريرة رضي الله عنه الثابت في الصحيحين ) أن النبي ( قال : (من أدرك ركعة من الصبح قبل أن تطلع الشمس فقد أدرك الصبح و من أدرك ركعة من العصر قبل أن تغرب الشمس فقد أدرك العصر .
(حديث أبي هريرة رضي الله عنه الثابت في الصحيحين ) أن النبي ( قال : من أدرك ركعة من الصلاة فقد أدرك الصلاة .
مسألة : ما هي الفوائت ؟
الفوائت هي الصلاة التي خرجت عن وقتها سواء كانت نفلاً كالوتر أو فرضاً كالصلوات الخمس
مسألة : كيف تقضى الفوائت ؟
(تقضى الفوائت على الترتيب الأولى ثم التي بعدها
((1/337)
حديث جابر ابن عبد الله رضي الله عنهما الثابت في الصحيحين ) أن عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه جاء يوم الخندق بعدما غربت الشمس فجعل يسب كفار قريش قال يا رسول الله ما كِدتُ أصلي العصر حتى كادت الشمس تغرب ، قال النبي ( والله ما صليتها ، فقمنا إلى بُطحان فتوطأ للصلاة وتوضأنا لها فصلى العصر بعدما غربت الشمس ثم صلى بعدها المغرب .
الشاهد : [فصلى العصر بعدما غربت الشمس ثم صلى بعدها المغرب]
(حديث ابن مسعود الثابت في صحيح النسائي) قال : إن المشركين شغلوا النبي ( عن أربع صلوات في الخندق فأمر بلالا فأذن ثم أقام فصلى الظهر ثم أقام فصلى العصر ثم أقام فصلى المغرب ثم أقام فصلى العشاء .
الشاهد : [فأمر بلالا فأذن ثم أقام فصلى الظهر ثم أقام فصلى العصر ثم أقام فصلى المغرب ثم أقام فصلى العشاء ]
مسألة : من نسيَ صلاة أو نام عنها فماذا يفعل ؟
(حديث أنس الثابت في الصحيحين) أن النبي ( قال : من نسي صلاة أو نام عنها فكفارتها أن يصليها إذا ذكرها .
مسألة : إذا نسي الإنسان صلاة الظهر وذكرها بالليل فهل يقضيها بالليل سراً أم جهراً ؟
دلت السنة الثابتة الصحيحة على أنه يقضيها سراً (لحديث أنس الثابت في الصحيحين) أن النبي ( قال : من نسي صلاة أو نام عنها فكفارتها أن يصليها إذا ذكرها .
الشاهد قوله ( [يصليها إذا ذكرها] فقوله يصليها الأمر عائدٌ إلى ذات الصلاة وإلى صفة الصلاة ، وعلى هذا يصلي الظهر بالليل سراً وكذا إذا نسيَ صلاةً بالليل وذكرها بالنهار جهراً .
مسألة : هل تشرع الجماعة في الصلاة الفائتة ؟
دلت السنة الثابتة الصحيحة على مشروعية الجماعة في الصلاة الفائتة
((1/338)
حديث جابر ابن عبد الله رضي الله عنهما الثابت في الصحيحين ) أن عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه جاء يوم الخندق بعدما غربت الشمس فجعل يسب كفار قريش قال يا رسول الله ما كِدتُ أصلي العصر حتى كادت الشمس تغرب ، قال النبي ( والله ما صليتها ، فقمنا إلى بُطحان فتوطأ للصلاة وتوضأنا لها فصلى العصر بعدما غربت الشمس ثم صلى بعدها المغرب .
مسألة : هل يسقط الترتيب في قضاء الفوائت بالنسيان ؟
دلت السنة الثابتة الصحيحة على أنه يسقط الترتيب في قضاء الفوائت بالنسيان
(حديث أبي ذر الثابت في صحيح ابن ماجة ) أن النبي ( قال : إن الله تجاوز عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا إليه .
مسألة : هل يسقط الترتيب في قضاء الفوائت بالجهل ؟
نعم يسقط الترتيب في قضاء الفوائت بالجهل فإن الجهل أخو النسيان في الكتاب والسنة
قال تعالى: (رَبّنَا لاَ تُؤَاخِذْنَا إِن نّسِينَآ أَوْ أَخْطَأْنَا) [سورة: البقرة - الآية: 286]
(حديث أبي ذر الثابت في صحيح ابن ماجة ) أن النبي ( قال : إن الله تجاوز عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا إليه .
مسالة: ما هي الأوقات التي نُهيَ عن الصلاة فيها ؟
(هناك خمسة أوقات نُهيَ عن الصلاة فيها :
[1] حين تطلع الشمس
[2] حين تغرب الشمس
[3] بعد الفجر حتى تطلع الشمس
[4] بعد العصر حتى تغرب الشمس
[5] حين يقوم قائم الظهيرة حتى تميل الشمس
والدليل (حديث عقبة بن عامر الثابت في صحيح مسلم ) أن النبي ( قال : ثلاث ساعات كان رسول الله ( ينهانا أن نصلي فيهن أو أن نقبر فيهن موتانا حين أن النبي ( قال : بازغة حتى ترتفع وحين يقوم قائم الظهيرة حتى تميل الشمس وحين تضيف الشمس للغروب حتى تغرب .
(حديث ابن عمر رضي الله عنهما الثابت في الصحيحين ) أن النبي ( قال : لا تحروا بصلاتكم طلوع الشمس و لا غروبها .
((1/339)
حديث ابن عباس الثابت في الصحيحين) قال شهد عندي رجالٌ مرضيون وأرضاهم عندي عمر أن النبي ( نهى عن الصلاة بعد الفجر حتى تطلع الشمس وبعد العصر حتى تغرب .
{ تنبيه } :( المقصود بالنهي عن الصلاة في هذه الأوقات : النهي عن التطوع المطلق الذي لا سبب لها ، أما ذوات كتحية المسجد وغيرها فلا تدخل في التهي
مسألة : ما الحكمة في النهي عن الصلاة في هذه الأوقات الخمسة ؟
يوجد حكمتان في هذا الشأن :
الحكمة الأولى : أن يعرف الإنسان أن الحكمة البالغة هي أمر الله ورسوله في المأمورات ونهي الله ورسوله في المنهيات . قال تعالى: (وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلاَ مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَن يَعْصِ اللّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلّ ضَلاَلاً مّبِيناً) [سورة: الأحزاب - الآية: 36]
(حديث عائشة الثابت في الصحيحين ) أن امرأة سألت عائشة فقالت أتقضي إحدانا الصلاة أيام محيضها فقالت عائشة أحرورية أنت ! قد كانت إحدانا تحيض على عهد رسول الله ( ثم لا تؤمر بقضاء .
وجه الدلالة : أن السيدة عائشة رضي الله تعالى عنها استدلت بالسنة ولم تذكر العلة .
وهذا هو حقيقة التسليم والعبادة ، فلابد أن تكون مُسَّلِماً أمرك لله ورسوله سواء عرفت حكمته أم لم تعرف ولو كان الإنسان لا يؤمن بالشيء حتى يعرف حكمته لقلنا أنك ممن اتبع هواه .
الحكمة الثانية : أن هذه الأوقات يعبد المشركون فيها الشمس فلو قمت تصلي لكان في ذلك مشابهة للمشركين لأنهم يسجدون للشمس عند طلوعها وعند غروبها ، ومشابهة المشركين خطره عظيم وأقل أحواله التحريم .
(حديث ابن عمر رضي الله عنهما الثابت في صحيح أبي داوود ): أن النبي ( قال : من تشبه بقومٍ فهو منهم .
[*] قال شيخ الإسلام رحمه الله تعالى : هذا الحديث أقل فعله التحريم .(1/340)
مسألة : لو قال قائل أن هذا التعليل ينطبق على الوقت من طلوع الشمس على أن ترتفع قيد رمح وحين تضيف الشمس للغروب حتى تغرب لكن كيف ينطبق على الوقت بعد صلاة الفجر إلى طلوع الشمس وبعد صلاة العصر إلى تضيف الشمس للغروب وكيف تنطبق على الوقت حين يقوم قائم الظهيرة ؟
الجواب : لأن الشرك أمره خطير وشره مستطير فقد سدَّ الشارع كل طريق يوصل إليه ولو من بُعْد [حماية لجناب التوحيد وسداً لطرق الشرك] فلو أُذن للإنسان بالصلاة بعد الصبح لاستمر به الحال إلى أن تطلع الشمس وكذا لو أُذن للإنسان بالصلاة بعد العصر لاستمر به الحال إلى أن غروب الشمس .
وأما بالنسبة للعلة من النهي الصلاة حين يقوم قائم الظهيرة لأنه وقت تسجير النار أي تسجير جهنم .
(حديث عمرو بن عبسة الثابت في صحيح مسلم ) أن النبي ( قال : صل صلاة الصبح ثم أقصر عن الصلاة حتى تطلع الشمس حتى ترتفع فإنها تطلع حين تطلع بين قرني شيطان و حينئذ يسجد لها الكفار ثم صل فإن الصلاة مشهودة محضورة حتى يستقل الظل بالرمح ثم أقصر عن الصلاة فإن حينئذ تُسَجَّر جهنم فإذا أقبل الفيء فصل فإن الصلاة مشهودة محضورة حتى تصلي العصر ثم أقصر عن الصلاة حتى تغرب الشمس فإنها تغرب بين قرني شيطان و حينئذ يسجد لها الكفار .
مسالة : ما هي الصلوات التي تجوز في أوقات النهي الخمس ؟
الصلوات التي نُهِيَ عنها في أوقات النهي الخمس هي التطوع المطلق ، وعلى هذا فالصلوات التي تجوز في أوقات النهي الخمس هي صلاة الفرائض وذوات الأسباب مثل ركعتي الطواف وتحية المسجد وسنة الوضوء وكذا إعادة الجماعة
(والدليل على جواز صلاة الفرائض في أوقات النهي الخمس :
(حديث أنس الثابت في الصحيحين) أن النبي ( قال : من نسي صلاة أو نام عنها فكفارتها أن يصليها إذا ذكرها .
(حديث أبي هريرة رضي الله عنه الثابت في الصحيحين ) أن النبي ( قال : من أدرك ركعة من الصلاة فقد أدرك الصلاة .
((1/341)
والدليل على جواز ركعتي الطواف في أوقات النهي الخمس :
(حديث جبير بن مطعم الثابت في صحيح السنن الأربعة ) أن النبي ( قال : يا بني عبد مناف ! لا تمنعوا أحدا طاف بهذا البيت و صلى أية ساعة شاء من ليل أو نهار .
(والدليل على جواز تحية المسجد في أوقات النهي الخمس :
(حديث أبي قتادة الثابت في الصحيحين) أن النبي ( قال : إذا دخل أحدكم المسجد فلا يجلس حتى يصلي ركعتين .
(والدليل على جواز سنة الوضوء في أوقات النهي الخمس :
(حديث أبي هريرة رضي الله عنه الثابت في الصحيحين) أن النبي ( قال لبلال : يا بلال حدثني بأرجي عمل عملته فإني سمعت الليلة دفَّ نعليك بين يدي في الجنة فقال : ما عملت عملا أرجى عندي أني لم أتطهر طهورا من ساعة ليلٍ أو نهار إلا صليت بذلك الطهور ما كُتب لي أن أصلي .
(والدليل على جواز إعادة الجماعة في أوقات النهي الخمس :
(حديث أبي ذر الثابت في صحيح مسلم ) أن النبي ( قال : صل الصلاة لوقتها فإن أُقيمت الصلاة وأنت في المسجد فصلِّ ، و لا تقل إني قد صليت فلا أصلي .
مسألة : ما هي المواضع التي لا تصح فيها الصلاة ؟
(المواضع التي لا تصح فيها الصلاة هي ما يلي :
[1] الحمام والمقبرة : (لحديث أبي سعيد الثابت في صحيحي أبي داوود والترمذي) أن النبي ( قال : الأرض كلها مسجد إلا المقبرة و الحمام .
و(حديث كنَّاز بن الحصين الثابت في صحيح مسلم ) أن النبي ( قال : لا تصلوا إلى القبور ولا تجلسوا عليها .
و(حديث عائشة الثابت في الصحيحين) أن النبي ( قال : لعن الله اليهود و النصارى اتخذوا من قبور أنبيائهم مساجد .
[2] مبارك الإبل : (لحديث أبي هريرة رضي الله عنه الثابت في صحيحي الترمذي وابن ماجة ) أن النبي ( قال : صلوا في مرابض الغنم و لا تصلوا في أعطان الإبل .(1/342)
وجه الدلالة : هو نهي النبي ( عن الصلاة في أعطان الإبل ، وأنت إذا صليت في أعطان الإبل فقد ضادت أمر الرسول (، ومضادة أمر الرسول معصية ولا يمكن أن تنقلب المعصية إلى طاعة ثم إنك تكون عملت عملاً ليس عليه أمر الله ورسوله فيكون عملك مردود (لحديث عائشة الثابت في صحيح مسلم ) أن النبي ( قال : من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد .
مسألة : هل تجوز صلاة الجنازة في المقبرة ؟
الذي دلت عليه السنة الثابتة الصحيحة وتجتمع فيه الأدلة أن المسألة على التفصيل الآتي :
(1) إذا كانت الصلاة على القبر جازت وعليه يُحمل :
(حديث أبي هريرة رضي الله عنه الثابت في الصحيحين) أن رجلاً أسوداً أو امرأةً سوداء كان يقم المسجد فسأل عنه النبي ( فقالوا مات فقال ( ألا آذنتموني به ، فأتى قبره فصلى عليه .
(2) إذا كانت الصلاة إلى القبر فلا يجوز وعليه يُحمل :
(حديث كنَّاز بن الحصين الثابت في صحيح مسلم ) أن النبي ( قال : لا تصلوا إلى القبور ولا تجلسوا عليها .
مسألة : ما هو الآذان لغةً وشرعا ؟
الأذان في اللُّغة: الإعلامُ، ومنه قوله تعالى:) فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ)(البقرة: من الآية279)، وقوله: )وَأَذَانٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى النَّاسِ يَوْمَ الْحَجِّ الْأَكْبَر)(التوبة: من الآية3).
أما تعريف الأذان شرعا: فهو التعبُّد لله بذكرٍ مخصوص؛ للإعلام بدخول وقت الصَّلاة.
مسألة : ما هي الإقامة لغة وشرعا ؟
الإقامة في اللُّغَةِ مصدرُ أقام، من أقام الشيءَ إذا جعله مستقيماً.
أما في الشَّرع: فهي التعبُّد لله بذكرٍ مخصوص عند القيام للصَّلاة. مسألة : ما هو (حكم الأذان والإقامة :
هما فرضُ كِفَاية .
والدَّليل على فرضيتهما: أَمْرُ النبي ( بهما وملازمته لهما في الحضر والسَّفر، ولأنه لا يتمُّ العلم بالوقت إلا بهما غالباً، ولتعيُّن المصلحة بهما؛ لأنَّهما من شعائر الإسلام الظَّاهرة.(1/343)
وقوله: «كفاية» وهو الذي إذا قام به من يكفي سقط عن الباقين.
(ودليلُ كونه فرض كفاية:
(حديث مالك بن الحُويرث الثابت في الصحيحين) أن النبي ( قال : «إذا حضرت الصلاةُ فليُؤذِّنْ لكم أحدُكم وليؤمكم أكبركم ) وهذا يدلُّ على أنه يُكتَفَى بأذان الواحد، ولا يجبُ الأذان على كُلِّ واحد.
[*] قال بعض أهل العلم:
ما طُلبَ إيجاده من كلِّ شخصٍ بعينه فإنَّه فرضُ عَين، وما طُلبَ إيجاده بقطع النَّظر عن فاعله فهو فرضُ كفاية.
مسألة : ما هو فضل الأذان؟
للآذان فضلٌ عظيم وأجرٌ جسيم ,وإليك غيضٌ من فيض ونقطةٌ من بحر مما ورد في ذلك .
(حديث أبي هريرة رضي الله عنه الثابت في الصحيحين) أن النبي ( قال : لو يعلم الناس ما في النداء و الصف الأول ثم لم يجدوا إلا أن يستهموا عليه لاستهموا و لو يعلمون ما في التهجير لاستبقوا إليه و لو يعلمون ما في العتَمة و الصبح لأتوهما و لو حبوا .
(حديث معاوية الثابت في صحيح مسلم ) أن النبي ( قال :المؤذنون أطول الناس أعناقا يوم القيامة .
(حديث أبي سعيد الثابت في صحيح البخاري ) أن النبي ( قال : لا يسمع مدى صوت المؤذن جنٌ ولا إنسٌ ولا شيءٌ إلا شهد له يوم القيامة .
(حديث أبي هريرة رضي الله عنه الثابت في صحيحي أبي داوود والنسائي) أن النبي ( قال : المؤذن يغفر له مدى صوته و يشهد له كل رطب و يابس و شاهد الصلاة يكتب له خمس و عشرون صلاة و يكفر عنه ما بينهما .
(حديث أبي هريرة رضي الله عنه الثابت في صحيحي أبي داوود والترمذي) أن النبي ( قال : الإمام ضامن و المؤذن مؤتمن اللهم أرشد الأئمة و اغفر للمؤذنين .
(حديث ابن عمر رضي الله عنهما الثابت في صحيح ابن ماجة) أن النبي ( قال : من أذن اثنتي عشرة سنة وجبت له الجنة وكتب له بتأذينه في كلِ مرة ٍ ستون حسنة وبإقامته ثلاثون حسنه .
مسألة : على من يجب الأذان والإقامة ؟
من يجب الأذان والإقامة على الرجال المقيمين للصلوات الخمس المكتوبات(1/344)
مسألة : هل يجب الأذان والإقامة على المسافر ؟
الأذان والإقامة تجبان على المقيمين والمسافرين
(لحديث مالك بن الحُويرث الثابت في الصحيحين) أن النبي ( قال : «إذا حضرت الصلاةُ فليُؤذِّنْ لكم أحدُكم وليؤمكم أكبركم )
وجه الدلالة : أن النبي ( قال ذلك لهم وهم وافدون على النبي ( ومسافرين إلى أهليهم ، ولأن النبي ( لم يدع الآذان والإقامة حضراً ولا سفراً .
مسألة : هل يجب الأذان والإقامة للصلاة المقضية ؟
نعم يجب الأذان والإقامة للصلاة المقضية كالمؤداة تماماً لعموم (حديث مالك بن الحُويرث الثابت في الصحيحين) أن النبي ( قال : «إذا حضرت الصلاةُ فليُؤذِّنْ لكم أحدُكم وليؤمكم أكبركم )
(حديث ابن مسعود الثابت في صحيح النسائي) قال : إن المشركين شغلوا النبي ( عن أربع صلواتٍ يوم الخندق فأمر بلال فأذن ثم أقام فصلى الظهر ثم أقام فصلى العصر ثم أقام فصلى المغرب ثم أقام فصلى العشاء .
مسألة : ما هي الصلوات التي يجب لها الأذان والإقامة ؟
الصلوات التي يجب لها الآذان والإقامة هي : [ الصلوات الخمس وصلاة الجمعة لأنها بدل عن صلاة الظهر والبدل له حكم المبدل منه ]
مسألة : هل يسن الأذان والإقامة للمنفرد ؟
نعم يسن الأذان والإقامة للمنفرد ( لحديث عقبة بن عامر الثابت في صحيحي أبي داوود والنسائي) أن النبي ( قال : يعجب ربك من راعي غنم في رأس شظية بجبل يؤذن للصلاة و يصلي فيقول الله عز و جل : انظروا إلى عبدي هذا يؤذن و يقيم الصلاة يخاف مني قد غفرت لعبدي و أدخلته الجنة .
مسألة : ما هو حكم أخذ الأجرة على الأذان والإقامة ؟(1/345)
يحرم أخذ الأجرة على الأذان والإقامة لأنهما قُربة من القُرَب وعبادةٌ من العبادات، والعبادات لا يجوز أخذ الأجرة عليها؛ لقوله تعالى: )مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لا يُبْخَسُونَ) (هود:15) أُولَئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ إِلَّا النَّارُ وَحَبِطَ مَا صَنَعُوا فِيهَا وَبَاطِلٌ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) (هود:16)
ولأنه إذا أراد بأذانه أو إقامته الدُّنيا بطل عملُه ، فلم يكن أذانه ولا إقامته صحيح ، (لحديث عائشة الثابت في صحيح مسلم ) أن النبي ( قال : «من عَمِل عَمَلاً ليس عليه أمرُنا فهو رَدٌّ.
وقد نهى النبي ( عن اتخاذ الأجرة على الأذان (لحديث عثمان بن أبي العاص الثابت في صحيحي أبي داوود والترمذي ) قال : إن آخر ما عهد إليَّ النبي ( : أن اتخذ مؤذناً لا يأخذ على آذانه أجراً .
[*] قال بعض أهل العلم :
لأن أطلب الدنيا بالدف والمزمار أحب إلىَّ من أن أطلبها بالدين .
{ تنبيه } :( أما الجُعَالة بأن يقول : من أذَّن في هذا المسجد فله كذا وكذا دُونَ عقدٍ وإلزام فهذه جائزة؛ لأنَّه لا إلزام فيها، فهي كالمكافأة لمن أذَّن، ولا بأس بالمكافأة لمن أذَّن، وكذلك الإقامة.
مسألة : هل يجوز أن يعطى على الأذان والإقامة من بيت المال ؟
(نعم يجوز أن يعطى على الأذان والإقامة من بيت المال وهو ما يسمى الآن بالراتب ، وذلك لأن بيت المال وضع لمصالح المسلمين و الآذان والإقامة من مصالح المسلمين ، فيجوز أن يعطى من بيت المال بشرط ألا يوجد متطوع فإن وجد متطوع فإنه لا يجوز أن نعطيه من بيت المال حمايةً لبيت المال من أن يصرف بدون حاجةٍ إلى صرفه .
مسألة : ما هي الصفات الواجب توافرها في المؤذن ؟
[*](الصفات الواجب توافرها في المؤذن أن يكون أميناً عاماً بالوقت .
(الدليل على اشتراط الأمانة في المؤذن :(1/346)
أنَّ الأمانة أحد الرُّكنين المقصودين في كلِّ شيء، والثاني القوَّة كما قال تعالى:) إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ)(القصص: من الآية26).
وقال العِفْريت الذي أراد أن يأتي بعرش «بلقيس» إلى سليمان: ) وَإِنِّي عَلَيْهِ لَقَوِيٌّ أَمِينٌ) (النمل: من الآية39).
وعدم السَّداد في العمل يأتي من اختلال أحد الوصفين: القوَّة والأمانة. وإذا وُجِدَ ضعيفٌ أمينٌ؛ وقويٌّ غيرُ أمين؛ أيُّهما يقدم؟
(ولحديث أبي هريرة رضي الله عنه الثابت في صحيحي أبي داوود والترمذي) أن النبي ( قال : الإمام ضامن و المؤذن مؤتمن اللهم أرشد الأئمة و اغفر للمؤذنين .
الشاهد قوله ( [المؤذن مؤتمن] : أي مؤتمن على فطر الناس وسحورهم وكذا وعلى عورات النَّاس خصوصاً فيما سبق؛ حيث كان النَّاس يؤذِّنون فوق المنارة.
(حديث أبي محذورة الثابت في صحيح الجامع ) أن النبي ( قال : المؤذنون أمناء المسلمين على صلاتهم و حاجتهم .
(حديث أبي هريرة رضي الله عنه الثابت في صحيح الجامع ) أن النبي ( قال :المؤذنون أمناء المسلمين على فطرهم و سحورهم .
*الدليل على اشتراط العلم بالوقت في المؤذن :
لأنه مؤتمن على فطر الناس و سحورهم فلو لم يكن عالماً بالوقت لكان سبباً في إفساد صيامهم وكذا هو مؤتمن على صلاة الناس فلو لم يكن عالماً بالوقت لكان سبباً في إفساد صلاتهم كأن يصلون قبل دخول الوقت مثلاً .
مسألة : ما ينبغي أن يكون عليه المؤذن ؟
[1] أن يبتغي بأذانه وجه الله تعالى فلا يأخذ على آذانه أجراً :
(لحديث عثمان بن أبي العاص الثابت في صحيحي أبي داوود والترمذي ) قال : إن آخر ما عهد إليَّ النبي ( : أن اتخذ مؤذناً لا يأخذ على آذانه أجراً .
[*] قال بعض أهل العلم :
لأن أطلب الدنيا بالدف والمزمار أحب إلىَّ من أن أطلبها بالدين .(1/347)
أما الجُعَالة؛ بأن يقول: من أذَّن في هذا المسجد فله كذا وكذا دُونَ عقدٍ وإلزام فهذه جائزة؛ لأنَّه لا إلزام فيها، فهي كالمكافأة لمن أذَّن، ولا بأس بالمكافأة لمن أذَّن، وكذلك الإقامة.
[2] أن يكون طاهراً لأن السنة ذكر الله تعالى على طهارة
(لحديث الهاجر بن قُنفد الثابت في صحيحي أبي داوود والنسائي ) أنه أتى النبي ( وهو يبول فسلَّم عليه فلم يرد عليه حتى توضأ ثم اعتذر إليه فقال : إني كرهت أن أذكر الله عز وجل إلا على طُهر أو قال على طهارة .
[3] أن يكون مستقبل القبلة وذلك لأن مؤذني رسول الله ( كانوا يستقبلون القبلة ولأن القبلة أشرف الجهات
[4] أن يلتفت برأسه وعنقه يميناً عند قوله حي على الصلاة وشمالاً عند قوله حي على الفلاح . (لحديث أبي جُحَيْفَة الثابت في الصحيحين ) أنه رأى بلالاً يؤذن قال : فجعلتُ أتتبع فاه هاهنا وهاهنا يميناً وشمالاً حي على الصلاة حي على الفلاح .
[5] أن يدخل أصبعيه في أذنيه : (لحديث أبي جُحَيْفَة الثابت في صحيح الترمذي ) قال رأيت بلالاً يؤذن ويدور ويتبع فاه هاهنا وهاهنا وإصبعاه في أذنيه .
[6] يرفع صوته بالنداء (لحديث أبي سعيدٍ الثابت في صحيح البخاري) أنه سمع النبي ( يقول : لا يسمع مدى صوت المؤذن جنٌ ولا إنسٌ ولا شيءٌ إلا شهد له يوم القيامة .
مسألة : ما عدد كلمات الأذان والإقامة ؟
الأذان تسع عشرة كلمة و الإقامة سبع عشرة كلمة (لحديث أبي محذورة الثابت في صحيح السنن الأربعة ) أن النبي ( قال : الأذان تسع عشرة كلمة و الإقامة سبع عشرة كلمة .
مسألة : ما هو سبب مشروعية الأذان ؟
(حديث بن عمر الثابت في صحيح البخاري) قال : كان يقول كان المسلمون حين قدموا المدينة يجتمعون فيتحينون الصلاة ليس ينادى لها فتكلموا يوما في ذلك فقال بعضهم اتخذوا ناقوسا مثل ناقوس النصارى وقال بعضهم بل بوقا مثل قرن اليهود فقال عمر أولا تبعثون رجلا ينادي بالصلاة فقال رسول الله ((1/348)
يا بلال قم فناد بالصلاة .
(حديث عبد الله بن زيد الثابت في صحيحي أبي داوود والترمذي ) لما أمر رسول الله ( بالناقوس يعمل ليضرب به للناس لجمع الصلاة طاف بي وأنا نائم رجل يحمل ناقوسا في يده فقلت يا عبد الله أتبيع الناقوس ؟ قال وما تصنع به فقلت ندعو به إلى الصلاة قال أفلا أدلك على ما هو خير من ذلك فقلت له بلى قال فقال تقول الله أكبر الله أكبر الله أكبر الله أكبر أشهد أن لا إله إلا الله أشهد أن لا إله إلا الله أشهد أن محمدا رسول الله أشهد أن محمدا رسول الله حي على الصلاة حي على الصلاة حي على الفلاح حي على الفلاح الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله قال ثم استأخر عني غير بعيد ثم قال وتقول إذا أقمت الصلاة الله أكبر الله أكبر أشهد أن لا اله إلا الله أشهد أن محمدا رسول الله حي على الصلاة حي على الفلاح قد قامت الصلاة قد قامت الصلاة الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله فلما أصبحت أتيت رسول الله ( فأخبرته بما رأيت فقال إنها لرؤيا حق إن شاء الله فقم مع بلال فألق عليه ما رأيت فليؤذن به فإنه أندى صوتا منك .
مسألة : هل يجوز الأذان للأعمى ؟
نعم يجوز الأذان للأعمى بنص السنة الثابتة الصحيحة
(حديث ابن عمر رضي الله عنهما الثابت في الصحيحين ) أن النبي ( قال : إن بلالا يؤذن بليل فكلوا واشربوا حتى ينادي بن أم مكتوم ثم قال وكان رجلا أعمى لا ينادي حتى يقال له أصبحت أصبحت .
مسألة : هل يستحب جمع المؤذن بين كل تكبيرتين في نفس ؟
نعم يستحب جمع المؤذن بين كل تكبيرتين في نفس بنص السنة الثابتة الصحيحة
((1/349)
حديث عمر الثابت في صحيح مسلم ) أن النبي ( قال : إذا قال المؤذن : الله أكبر الله أكبر فقال أحدكم : الله أكبر الله أكبر ثم قال : أشهد أن لا إله إلا الله قال : أشهد أن لا إله إلا الله ثم قال : أشهد أن محمدا رسول الله قال : أشهد أن محمدا رسول الله ثم قال : حي على الصلاة قال : لا حول و لا قوة إلا بالله ثم قال : حي على الفلاح قال : لا حول و لا قوة إلا بالله ثم قال : الله أكبر الله أكبر قال : الله أكبر الله أكبر ثم قال : لا إله إلا الله قال : لا إله إلا الله من قلبه دخل الجنة .
وجه الدلالة : قول النبي ( [الله أكبر الله أكبر] فيه إشارة ظاهرة إلى أن المؤذن يجمع بين كل تكبيرتين في نفس وأن السامع يجيبه كذلك .
مسألة : ما معنى الترجيع في الأذان ، وهل يستحب الترجيع في الأذان ؟
الترجيع في الأذان أن يقول الشهادتين مرتين بصوتٍ منخفض ثم يعود فيقولهما مرتين بصوتٍ مرتفع ، و الترجيع في الأذان مستحب بنص السنة الثابتة الصحيحة .
(حديث أبي محذورة الثابت في صحيح السنن الأربعة ) قال قلت يا رسول الله علمني سنة الأذان قال فمسح مقدم رأسي وقال تقول الله أكبر الله أكبر الله أكبر الله أكبر ترفع بها صوتك ثم تقول أشهد أن لا إله إلا الله أشهد أن لا إله إلا الله أشهد أن محمدا رسول الله أشهد أن محمدا رسول الله تخفض بها صوتك ثم ترفع صوتك بالشهادة أشهد أن لا إله إلا الله أشهد أن لا إله إلا الله أشهد أن محمدا رسول الله أشهد أن محمدا رسول الله حي على الصلاة حي على الصلاة حي على الفلاح حي على الفلاح فإن كان صلاة الصبح قلت الصلاة خير من النوم الصلاة خير من النوم الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله .
مسألة : ما معنى التثويب في الأذان في صلاة الصبح ، وهل يستحب ذلك ؟(1/350)
معنى التثويب في الأذان في صلاة الصبح : أن يقول الصلاة خير من النوم الصلاة خير من النوم ، و التثويب في الأذان في صلاة الصبح مستحب بنص السنة الثابتة الصحيحة .
(حديث أبي محذورة الثابت في صحيح السنن الأربعة ) قال قلت يا رسول الله علمني سنة الأذان قال فمسح مقدم رأسي وقال تقول الله أكبر الله أكبر الله أكبر الله أكبر ترفع بها صوتك ثم تقول أشهد أن لا إله إلا الله أشهد أن لا إله إلا الله أشهد أن محمدا رسول الله أشهد أن محمدا رسول الله تخفض بها صوتك ثم ترفع صوتك بالشهادة أشهد أن لا إله إلا الله أشهد أن لا إله إلا الله أشهد أن محمدا رسول الله أشهد أن محمدا رسول الله حي على الصلاة حي على الصلاة حي على الفلاح حي على الفلاح فإن كان صلاة الصبح قلت الصلاة خير من النوم الصلاة خير من النوم الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله .
الشاهد قوله ( [فإن كان صلاة الصبح قلت الصلاة خير من النوم الصلاة خير من النوم]
مسألة : هل التثويب في الأذان في صلاة الصبح يكون في الأذان الأول أم الثاني ؟
التثويب في الأذان في صلاة الصبح يكون في الأذان الثاني لأنه الأذان الحقيقي ، أما الأذان الأول فليس لصلاة الصبح ، إنما هو ليوقظ النائم ويرجع القائم
(حديث ابن مسعود الثابت في الصحيحين ) أن النبي ( قال : لا يمنعن أحدكم أو أحدا منكم أذان بلال من سحوره فإنه يؤذن أو ينادي بليل ليرجع قائمكم ولينبه نائمكم وليس أن يقول الفجر أو الصبح .
مسألة : ورد الأذان بصيغٍ مختلفةٍ الثابت في صحيحة أحياناً بالترجيع وبغير ترجيع ، فما الواجب إتباعه في ذلك ؟
[*] قال شيخ الإسلام رحمه الله تعالى :
العبادة الواردة على وجوة متنوعة الأفضل أن يفعلها على هذا الوجه تارة وعلى الوجه الآخر تارة . انتهى
{ تنبيه } :( الإتيان بالعبادة [ التي أتت بصيغٍ مختلفةٍ الثابت في صحيحة] على هذا الوجه تارة وعلى الوجه الآخر تارة لها ثلاث فوائد عظيمة :
[(1/351)
1] حفظ السنة بوجوهها لأنك إذا اقتصرت على وجهٍ واحد مات الآخر .
[2] التيسير على المكلف لأنه أحياناً يكون بعض الوجوه أخف من بعض ، فمثلا في التسبيح ورد في بعض السنن تسبح عشراً و تحمد عشراً و تكبر عشراً ، فهذا يكون أيسر على بعض الناس من التسبيح ثلاثاً وثلاثين و التحميد ثلاثاً وثلاثين و التكبير ثلاثاً وثلاثين .
[3] أن ذلك أحضر للقلب لأنك إذا اعتدت صفةً معينة صارت بمنزلة الماكينة الأتوماتيكية فمن الممكن أن تقولها وأنت لا تدري أنك تقولها ، وأما إذا نوعت كان هذا أكثر استحضاراً للعبادة .
[4] رابعاً: العمل بالشَّريعة على جميع وجوهها.
{ تنبيه } :( فعل العبادة التي فيها اختلاف تنوع بأن تأتي بها على هذا الوجه تارة وعلى الوجه الآخر تارة مشروط بأمن الفتنة ، أما إذا حصلت الفتنة أو خِيف وقوعها فيمتنع ذلك ويجب في هذه الحالة أن تقتصر على الصفة التي لا تحصل بها الفتنة لأن النبي ( ترك نقض الكعبة وبناؤها على قواعد إبراهيم خوفاً من الفتنة .
(حديث عائشة الثابت في الصحيحين ) قالت سألت رسول الله ( عن الجدر أمن البيت هو قال نعم قلت فلم لم يدخلوه في البيت قال إن قومك قصرت بهم النفقة قلت فما شأن بابه مرتفعا ؟ قال فعل ذلك قومك ليدخلوا من شاءوا ويمنعوا من شاءوا ولولا أن قومك حديث عهدهم في الجاهلية فأخاف أن تنكر قلوبهم لنظرت أن أدخل الجدر في البيت وأن ألزق بابه بالأرض .
مسألة : ماذا يقال عند سماع الأذان ؟
إذا سمعنا النداء نقول مثل ما يقول المؤذن إلا في الحيعلتين فإننا نقول لا حول و لا قوة إلا بالله
(حديث أبي سعيد الثابت في الصحيحين) أن النبي ( قال : إذا سمعتم النداء فقولوا مثل ما يقول المؤذن .
((1/352)
حديث عمر الثابت في صحيح مسلم ) أن النبي ( قال : إذا قال المؤذن : الله أكبر الله أكبر فقال أحدكم : الله أكبر الله أكبر ثم قال : أشهد أن لا إله إلا الله قال : أشهد أن لا إله إلا الله ثم قال : أشهد أن محمدا رسول الله قال : أشهد أن محمدا رسول الله ثم قال : حي على الصلاة قال : لا حول و لا قوة إلا بالله ثم قال : حي على الفلاح قال : لا حول و لا قوة إلا بالله ثم قال : الله أكبر الله أكبر قال : الله أكبر الله أكبر ثم قال : لا إله إلا الله قال : لا إله إلا الله من قلبه دخل الجنة .
مسألة : ماذا يقال بعد الأذان ؟
الذي يقال بعد الأذان ما يلي :
[1] نصلي على النبي ( ونسأل الله تعالى له الوسيلة
(حديث عبد الله بن عمرو الثابت في صحيح مسلم ) أن النبي ( قال : إذا سمعتم المؤذن فقولوا مثل ما يقول ثم صلوا علي فإنه من صلى علي صلاة صلى الله عليه بها عشرا ثم سلوا الله لي الوسيلة فإنها منزلة في الجنة لا تنبغي إلا لعبد من عباد الله و أرجوا أن أكون أنا هو فمن سأل لي الوسيلة حلت عليه الشفاعة .
(حديث جابر ابن عبد الله رضي الله عنهما الثابت في صحيح البخاري) أن النبي ( قال : من قال حين يسمع النداء : اللهم رب هذه الدعوة التامة و الصلاة القائمة آت محمدا الوسيلة و الفضيلة و ابعثه مقاما محمودا الذي وعدته حلت له شفاعتي يوم القيامة .
[2] نقول رضيت بالله رباً وبالإسلام ديناً وبمحمدٍ رسولا بعد الشهادة
(حديث سعد بن أبي وقاص الثابت في صحيح مسلم ) أن النبي ( قال : من قال حين يسمع النداء : أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له و أشهد أن محمدا عبده و رسوله رضيت بالله ربا و بمحمد رسولا و بالإسلام دينا غفر الله له ما تقدم من ذنبه .
مسألة : هل يستحب الدعاء بين الأذان والإقامة ؟
الدعاء بين الأذان والإقامة من أجلِّ أوقات الدعاء بنص السنة الثابتة الصحيحة
((1/353)
حديث أنس الثابت في صحيحي أبي داوود والترمذي) أن النبي ( قال : لا يردُ الدعاء بين الأذان والإقامة .
مسألة : هل يُسنُ الفصل بين الأذان والإقامة ؟
نعم يُسنُ الفصل بين الأذان والإقامة
(حديث عبد الله بن المُغَفَّل الثابت في الصحيحين ) أن النبي ( قال : بين كل أذانين صلاة _ ثلاثاً _ لمن شاء .
فدَّل ذلك على أنه لابد من الفصل بين الأذان والإقامة .
مسألة : هل يجوز الخروج من المسجد بعد الأذان ؟
لا يجوز الخروج من المسجد بعد الأذان إلا لحاجةٍ ماسة لا يستطيع تأجيلها .
(حديث أبي الشعثاء الثابت في صحيح مسلم ) قال : كنا قعوداً في المسجد مع أبي هريرة رضي الله عنه فخرج رجلٌ حين أذن المؤذن للعصر فقال أبو هريرة : أما هذا فقد عصى أبا القاسم .
مسألة : إذا تعددت الفوائت فهل يؤذن لكلِ صلاة أم يؤذن أذاناً واحداً ؟
الذي دلت عليه السنة الثابتة الصحيحة أنه إذا تعددت الفوائت يؤذن أذاناً واحداً
ويقيم لكل صلاة .
(حديث ابن مسعود الثابت في صحيح النسائي) قال : إن المشركين شغلوا رسول الله ( عن أربع صلوات يوم الخندق فأمر بلال فأذن ثم أقام فصلى الظهر ثم أقام فصلى العصر ثم أقام فصلى المغرب ثم أقام فصلى العشاء .
مسألة : هل يجوز لغير المؤذن أن يقيم الصلاة ؟
يجوز لغير المؤذن أن يقيم الصلاة اتفاقا إلا أن الأولى أن يتولى الإقامة المؤذن لأن بلال هو الذي كان يؤذن ويقيم وحتى لا يحصل التباس بين الناس في هذا الأمر ، وحتى يعلم المؤذن أنه مسئول عن الإعلاميين معاً .
(حديث سهل بن سعد الثابت في صحيح البخاري ) أن النبي ( ذهب إلى بني عمروٍ بن عوفٍ ليصلح بينهم فقام بلال إلى أبي بكرٍ فقال : أتصلي للناس فأقيم .
مسألة : هل يجوز اللحن في الأذان ؟
اللَّحن ينقسم إلى قسمين:
1 - قسم لا يصحُّ معه الأذان، وهو الذي يتغيَّر به المعنى، كما لو قال المؤذن [ الله أكبار ] بدلاً من [ الله أكبر ] لأن أكبار جمع كبر وهو الطبل .(1/354)
2 - وقسم يصحُّ به الأذان مع الكراهة، وهو الذي لا يتغيَّر به المعنى، كما
لو قال: «الله وكبر» فإنَّه يجوز في اللغة العربية إذا وقعت الهمزة مفتوحة بعد ضَمٍّ أن تَقلب واواً،
مسألة : هل يجوز الأذان قبل وقت الصلاة ؟
لا يجوز الأذان قبل وقت الصلاة لأن الأذان إعلام بدخول وقت الصلاة ، فإن لم يدخل وقت الصلاة فلا يكون للإعلام معنى .
(حديث مالك بن الحُويرث الثابت في الصحيحين) أن النبي ( قال : «إذا حضرت الصلاةُ فليُؤذِّنْ لكم أحدُكم وليؤمكم أكبركم )
مسألة : هل يؤذن للصلاة عند دخول وقت الصلاة أم عند إرادة فعل الصلاة ؟
الصحيح أنه يؤذن للصلاة عند إرادة فعل الصلاة
(حديث أبي ذر الثابت في الصحيحين) قال : كنا مع النبي ( في سفرٍ فأراد المؤذن أن يؤذن للصلاة فقال له النبي ( أبرد ثم أراد أن يؤذن فقال له أبرد حتى رأينا فيء التلول فقال النبي ( : إن شدة الحر من فيح جهنم فإذا اشتد الحر فأبردوا بالصلاة .
مسألة : هل يجزئ الأذان قبل الفجر ؟
لا يجزئ الأذان قبل الوقت سواء الفجر أم غيره ، لأن الأذان إعلام بدخول وقت الصلاة ، وعى هذا فقبل الوقت لا يجزئ الأذان ، أما (حديث ابن مسعود الثابت في الصحيحين ) أن النبي ( قال : لا يمنعن أحدكم أو أحدا منكم أذان بلال من سحوره فإنه يؤذن أو ينادي بليل ليرجع قائمكم ولينبه نائمكم وليس أن يقول الفجر أو الصبح . ] فإنه أذان ليس لصلاة الفجر وإنما مقصوده أن يوقظ النائم ويرجع القائم .
مسألة : ما هو الشرط لغةً وشرعا ؟
الشَّرط لُغةً: العلامة ، ومنه قوله تعالى: )فَهَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا السَّاعَةَ أَنْ تَأْتِيَهُمْ بَغْتَةً فَقَدْ جَاءَ أَشْرَاطُها)(محمد: من الآية18)، أي: علاماتها.(1/355)
والشَّرطُ عند الأصوليين : ما يلزم من عَدَمِهِ العدمُ، ولا يلزم من وجوده الوجودُ. مثل: الوُضُوء للصَّلاة؛ يلزمَ من عدمه عدم صحَّة الصَّلاة؛ لأنه شرط لصحَّة الصَّلاة، ولا يلزم من وجوده وجود الصَّلاة، فلو توضَّأ إنسان فلا يلزمه أن يُصلِّي، لكن لو لم يتوضَّأ وصلَّى لم تصحَّ.
مسألة : ما هي شروط الصلاة ؟
شروط الصلاة هي ما يلي :
[3،2،1] الإسلام والتمييز والعقل :
دليل اشتراط الإسلام :
( حديث ابن عباس الثابت في الصحيحين ) قال ، قال رسول الله ( لمعاذ بن جبل حين بعثه إلى اليمن : إنك ستأتي قوماً أهل كتاب فإذا جئتهم فادعهم إلى أن يشهدوا أن لا إله إلا الله و أن محمدا رسول الله ، فإن هم أطاعوا لك بذلك فأخبرهم أن الله قد فرض عليهم خمسُ صلواتٍ في كل يومٍ و ليلة ، فإن هم أطاعوا لك بذلك فأخبرهم أن الله قد فرض عليهم صدقةً تؤخذ من أغنيائهم فتردُ على فقرائهم ، فإن هم أطاعوا لك بذلك فإياك و كرائم أموالهم و اتقِ دعوة المظلوم فإنه ليس بينها و بين الله حجاب .
(دليل اشتراط التمييز :
(حديث عبد الله بن عمرو الثابت في صحيحي أبي داوود والترمذي ) أن النبي ( قال : مروا أولادكم بالصلاة و هم أبناء سبع سنين و اضربوهم عليها و هم أبناء عشر سنين و فرقوا بينهم في المضاجع .
(دليل اشتراط العقل :
(حديث علي الثابت في صحيحي أبي داوود والترمذي ) أن النبي ( قال : رفع القلم عن ثلاث : عن النائم حتى يستيقظ و عن الصبي حتى يحتلم و عن المجنون حتى يُفيق .
[4] العلم بدخول الوقت :
قال تعالى: (إِنّ الصّلاَةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَاباً مّوْقُوتاً) [سورة: النساء - الآية: 103]
فلا تصح الصلاة قبل دخول الوقت ولا بعدها إلا لعذر
[5] النية :
قال تعالى: (وَمَآ أُمِرُوَاْ إِلاّ لِيَعْبُدُواْ اللّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدّينَ حُنَفَآءَ) [سورة: البينة - الآية: 5]
((1/356)
حديث عمر الثابت في الصحيحين) أن النبي ( قال : إنما الأعمال بالنيات و إنما لكل امرئ ما نوى فمن كانت هجرته إلى الله و رسوله فهجرته إلى الله و رسوله و من كانت هجرته إلى دنيا يصيبها أو امرأة ينكحها فهجرته إلى ما هاجر إليه )
[6] استقبال القبلة :
قال تعالى: (وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ فَوَلّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلّواْ وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ) [سورة: البقرة – الآية: 150]
(حديث أبي هريرة رضي الله عنه الثابت في الصحيحين ) أن النبي ( قال : إذا قمت إلى الصلاة فأسبغ الوضوء ثم استقبل القبلة فكبر ثم اقرأ ما تيسر معك من القرآن ثم اركع حتى تطمئن راكعا ثم ارفع حتى تستوي قائما ثم اسجد حتى تطمئن ساجدا ثم ارفع حتى تطمئن جالسا ثم افعل ذلك في صلاتك كلها .
[7] طهارة الثوب والبدن والمكان الذي يصلي فيه :
دليل طهارة الثوب :
قال تعالى: (وَثِيَابَكَ فَطَهّرْ) [سورة: المدثر - الآية: 4]
(حديث أبي هريرة رضي الله عنه الثابت في صحيح أبي داوود ) أن النبي ( خلع نعليه لما أخبره أن فيهما قذرٌ .
دليل طهارة البدن :
(حديث بن عباس الثابت في الصحيحين) قال : مر النبي ( بقبرين فقال إنهما ليعذبان و ما يعذبان في كبير أما أحدهما فكان يمشي بالنميمة و أما الآخر فكان لا يستتر من بوله .
(دليل طهارة المكان :
(حديث أبي هريرة رضي الله عنه الثابت في صحيح البخاري ) أن أعرابي بال في المجد فتناوله الناس فقال النبي ( دعوه وهريقوا على بوله سجلاً من ماء أو ذنوباً من ماء فإنما بعثتم مُيَسِّرين ولم تبعثوا مُعَسِّرين .
[8] الطهارة من الحدثين :
قال تعالى: (يَا أَيّهَا الّذِينَ آمَنُواْ إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصّلاةِ فاغْسِلُواْ وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُواْ بِرُؤُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَينِ وَإِن كُنتُمْ جُنُباً فَاطّهّرُواْ) [المائدة / 6]
((1/357)
حديث ابن عمر رضي الله عنهما الثابت في صحيح مسلم ) أن النبي ( قال : لا يقبل الله صلاة بغير طهور و لا صدقة من غُلول .
[9] ستر العورة :
قال تعالى: (يَابَنِيَ آدَمَ خُذُواْ زِينَتَكُمْ عِندَ كُلّ مَسْجِدٍ) [سورة: الأعراف - الآية: 31]
والمراد بالزينة ستر العورة
(حديث عائشة الثابت في صحيحي أبي داوود والترمذي ) أن النبي ( قال : لا يقبل الله صلاة حائضٍ إلا بخمار .
{ تنبيه } :( عورة الرجل في الصلاة ما بين السرة والركبة :
(حديث عبد الله بن جعفر الثابت في صحيح الجامع) أن النبي ( قال : ما بين السرة والركبة عورة .
(حديث جُرهد الثابت في صحيحي أبي داوود والترمذي ) أن النبي ( قال : غطِ فخذك فإن الفخذ عورة .
(أما عورة المرأة في الصلاة : المرأة كلها عورة إلا وجهها وكفيها .
(حديث عائشة الثابت في صحيحي أبي داوود والترمذي ) أن النبي ( قال : لا يقبل الله صلاة حائضٍ إلا بخمار .
مسائل هامة في شروط الصلاة
مسألة : ما الفرق بين شروط الصلاة وشروط صحة الصلاة ؟
(شروط الصلاة : يكون قبلها وفيها
(وشروط صحة الصلاة : لابد أن يكون فيها
{ تنبيه } :( [ كل واجب في العبادة شرطٌ لصحتها ]
مسألة : ما الفرق بين الشرط والركن ؟
الشرط ... الركن
1)يكون قبل الصلاة ويستمر إلى آخرها ... لا يكون قبل الصلاة ولابد أن يكون فيها ، ولا يستمر إلى آخرها بل ينتقل من ركن إلى ركن
2)الشروط لا تتكون منها ماهية الصلاة ... الركن تتكون منها ماهية الصلاة
مسألة : إنسان يلبس ثوب عليه نجاسة هل تبطل الصلاة ؟
الصحيح أن الصلاة لا تبطل وليس عليه الإعادة قال تعالى: ( رَبّنَا لاَ تُؤَاخِذْنَا إِن نّسِينَآ أَوْ أَخْطَأْنَا) [سورة: البقرة - الآية: 286]
(حديث أبي ذر الثابت في صحيح ابن ماجة ) أن النبي ( قال : إن الله تجاوز عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا إليه .
((1/358)
حديث أبي هريرة رضي الله عنه الثابت في صحيح أبي داوود ) أن النبي ( خلع نعليه لما أخبره أن فيهما قذرٌ .
*وجه الدلالة :
لو كانت الصلاة تبطل بحمل النجاسة خطأ دون عمد لأعاد النبي ( من أولها .
مسألة : ما حكم من حمل النجاسة في الصلاة ؟
المسألة على التفصيل الآتي :
[1] إن كانت النجاسة لا يُعفى عن يسيرها فصلاته باطلة لأنه ترك واجبٌ في العبادة وكل واجبٌ في العبادة شرطٌ لصحتها .
[2] إن كانت النجاسة يُعفى عن يسيرها فلا تبطل الصلاة .
مسألة : ما هي أمثلة النجاسة اليسيرة التي يُعفى عنها ؟
[*] قال شيخ الإسلام رحمه الله تعالى :
يرى العفو عن يسير جميع النجاسات ولا سيما إن شق التحرز منها مثل أصحاب الحمر الذين يلامسونها كثيراً فهذا لا يخلو غالباً من رشاش بول الحمار .
وقال أيضاً : في أصحاب البويات فإنه يُعفى عن يسيرها مما يصيب أبدانهم مما يحول بينها وبين الماء .
مسألة : متى يسقط استقبال القبلة ؟
يسقط استقبال القبلة في حالتين :
[1] المتنفل الراكب : (لحديث ابن عمر رضي الله عنهما الثابت في الصحيحين) قال : كان النبي ( يصلي على راحلته حيث توجَّهت به يُومئُ إيمائاً صلاة الليل إلا الفرائض ويوتر على راحلته .
[2] عند اشتداد الحرب : لقوله تعالى: (فَاتّقُواْ اللّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ) [التغابن / 16]
و(حديث ابن عمر رضي الله عنهما الثابت في صحيح البخاري موقوفاً) في قوله تعالى: (فَإنْ خِفْتُمْ فَرِجَالاً أَوْ رُكْبَاناً) [سورة: البقرة - الآية: 239] قال ابن عمر رضي الله عنهما رضيَ الله تعالى عنهما : مستقبلي القبلة وغير مستقبليها .
مسألة : قال بعض العلماء أن عورة الرجل في الصلاة القبل والدبر واستدلوا بحديث أنس الثابت في صحيح البخاري أن النبي ( يوم خيبر حسر الإزار عن فخذه حتى إني لأنظر إلى فخذ النبي ( ، وقال بعضهم بل الفخذ عورة لحديث جُرهد [إن الفخذ عورة ] فما الجواب ؟(1/359)
الجواب أن حديث أنس أسند أي أصحُ إسناداً ، وحديث جُرهد أحوط ولا شك أن الأخذ بالأحوط أبرءُ للذمة وأحفظُ للدين .
مسألة : ما الذي يجبُ من الثياب في الصلاة ؟
الذي يجبُ من الثياب في الصلاة أي يستر العورة ، فإن كان واسعا فالتحف به وإن كان ضيقا فاتزر به .
(لحديث جابر ابن عبد الله رضي الله عنهما الثابت في الصحيحين) قال خرجت مع النبي ( في بعض أسفاره فجئت ليلة لبعض أمري فوجدته يصلي وعلي ثوب واحد فاشتملت به وصليت إلى جانبه فلما انصرف قال ما السُرى يا جابر ابن عبد الله رضي الله عنهما فأخبرته بحاجتي فلما فرغت قال ما هذا الاشتمال الذي رأيت قلت كان ثوب يعني ضاق قال فإن كان واسعا فالتحف به وإن كان ضيقا فاتزر به .
[ما السُرى] أي السير بالليل ، والمعنى ما السبب من سيرك بالليل .
مسألة : هل تجزئ الصلاة في ثوبٍ واحد ؟
نعم تجزئ الصلاة في ثوبٍ واحد بنص السنة الثابتة الصحيحة (لحديث عمرو بن سلمة الثابت في الصحيحين ) قال رأيت رسول الله ( يصلي في ثوب واحد مشتملا به في بيت أم سلمة واضعا طرفيه على عاتقيه .
مسألة : ماذا يُستحب من الثياب في الصلاة ؟
يُستحب من الثياب في الصلاة لبس ثوبين لأنهما أكمل في الستر واتخاذ الزينة
قال تعالى: (يَابَنِيَ آدَمَ خُذُواْ زِينَتَكُمْ عِندَ كُلّ مَسْجِدٍ) [سورة: الأعراف - الآية: 31]
(حديث ابن عمر رضي الله عنهما الثابت في صحيح الجامع) أن النبي ( قال : إذا صلى أحدكم فليلبس ثوبيه فإن الله تعالى أحق من تزين له .
مسألة : هل يتخذ ثوبين معينين للصلاة ؟
لا يتخذ ثوبين معينين للصلاة بل يتخذ أي ثوبين على سبيل البدلية .
((1/360)
حديث أبي هريرة رضي الله عنه الثابت في الصحيحين) قال قام رجل إلى النبي ( فسأله عن الصلاة في الثوب الواحد فقال أو كلكم يجد ثوبين ثم سأل رجل عمر فقال إذا وسع الله فأوسعوا جمع رجل عليه ثيابه صلى رجل في إزار ورداء في إزار وقميص في إزار وقباء في سراويل ورداء في سراويل وقميص في سراويل وقباء في تبان وقباء في تبان وقميص قال وأحسبه قال في تبان ورداء .
وجه الدلالة : قول عمر رضي الله تعالى عنه : صلى رجل في إزار ورداء في إزار وقميص في إزار وقباء في سراويل ورداء في سراويل وقميص في سراويل وقباء في تبان وقباء في تبان وقميص . يدل على أنه لا يشترط ثوبين معينين بل يتخذ أي ثوبين على سبيل البدلية . وقول عمر رضي الله تعالى عنه سنة متبعة لأنه من الخلفاء الراشدين
(حديث العرباض بن سارية الثابت في صحيح أبي داوود والترمذي)أن النبي ( قال : أوصيكم بتقوى الله و السمع و الطاعة و إن أمر عليكم عبد حبشي فإنه من يعش منكم بعدي فسيري اختلافا كثيرا فعليكم بسنتي و سنة الخلفاء المهديين الراشدين تمسكوا بها و عضوا عليها بالنواجذ و إياكم و محدثات الأمور فإن كل محدثة بدعة و كل بدعة ضلالة .
مسألة : ما حكم من صلى في ثوبٍ واحد ليس على عاتقيه منه شيء ؟
يُكره أن يصلي الإنسان في ثوبٍ واحد ليس على عاتقيه منه شيء (لحديث أبي هريرة رضي الله عنه الثابت في الصحيحين) أن النبي ( قال : لا يصلي أحدكم في الثوب الواحد ليس على عاتقيه منه شيء .
{ تنبيه } :( من المعلوم شرعا أن الأصل في النهي التحريم ، وظاهر لحديث أبي هريرة رضي الله عنه السابق التحريم لقوله ( لا يصلي أحدكم في الثوب الواحد ليس على عاتقيه منه شيء ، لكن الذي خرج به من التحريم إلى الكراهة هو حديث جابر ابن عبد الله رضي الله عنهما السابق ( فإن كان واسعا فالتحف به وإن كان ضيقا فاتزر به )
مسألة : ما معنى السدل في الصلاة ، وما حكمه ؟(1/361)
السدل في الصلاة أن يطرح الإنسان الرداء على كتفيه ولا يرد طرفه على الآخر على كتفيه .
(حكم السدل في الصلاة : لا يجوز
(لحديث أبي هريرة رضي الله عنه الثابت في صحيحي أبي داوود والترمذي) أن النبي ( نهى عن السدل في الصلاة .
{تنبيه} : إذا كان الثوب مما يلبس عادةً هكذا فلا بأس ن ولذا قال شيخ الإسلام رحمه الله تعالى : إن طُرح القباء على كتفيه من غير إدخال الكمين لا يدخل في السدل .
[القباء] مثل الكوت فإنه يُلبس عادةً هكذا .
مسألة : ما معنى اشتمال الصماء ، وما حكمها ؟
معنى اشتمال الصماء : أن يلتحف بالثوب حتى يجلل جسده ولا يجعل له منافذ يخرج منها اليدين فيكون الثوب كالصخرة الصماء التي لا منفذ لها .
حكم اشتمال الصماء : الكراهة
(لحديث أبي سعيد الثابت في صحيح البخاري) قال نهى رسول الله ( عن اشتمال الصماء وأن يحتبي الرجل في ثوب واحد ليس على فرجه منه شيء .
(وجه كراهية اشتمال الصماء : أنه يمنعه من كمال الإتيان بمشروعات الصلاة ، ولأنه لو حصل له أذى لا يتمكن من الدفاع عن نفسه .
مسألة : ما معنى وأن يحتبي الرجل في ثوب واحد ليس على فرجه منه شيء ؟
المعنى أن يجلس على إليتيه وينصب ساقيه ويشدَّ فخذيه وساقيه إلى جسمه بثوبٍ يلفه عليه ، وقد كان هذا من عادة العرب في أنديتهم .
مسألة : ما حكم تغطية الوجه في الصلاة ؟
يحرم تغطية الوجه في الصلاة لما فيه من التشبه بالمجوس عند عبادتهم النيران ، ولأنه إذا سجد جعل بينه وبين موضع سجوده حائلاً .
(حديث أبي هريرة رضي الله عنه الثابت في صحيح أبي داود) قال : نهى النبي ( عن السدل في الصلاة وأن يغطي الرجل فاه .
(حديث ابن عمر رضي الله عنهما الثابت في صحيح أبي داود) أن النبي ( قال : من تشبه بقومٍ فهو منهم .
[*] قال شيخ الإسلام رحمه الله تعالى : أقل أحوال هذا الحديث التحريم
مسألة : ما حكم التلثم في الصلاة ؟
يكره التلثم في الصلاة
((1/362)
حديث أبي هريرة رضي الله عنه الثابت في صحيح أبي داود) قال : نهى النبي ( عن السدل في الصلاة وأن يغطي الرجل فاه .
مسألة : إذا عطس إنسان واحتاج إلى تغطية فمه أو أنفه أو شم رائحةً كريهة فغطى أنفه ، هل يدخل ذلك في النهي عن تغطية الفم ؟
لا يدخل ذلك في النهي عن تغطية الفم لأنه غطى فمه للحاجة والمكروه تبيحه الحاجة .
مسألة : ما معنى كف الثياب ، وما حكم كف الثياب في الصلاة ؟
معنى كف الثياب تشمير الثياب سواء باللف أو الرفع
حكم كف الثياب في الصلاة : الكراهة
(لحديث ابن عباس الثابت في الصحيحين) أن النبي ( قال : أمرت بالسجود على سبعةِ أعظم : الوجه – وأشار بيده إلى أنفه _ واليدين والركبتين وأطراف القدمين ولا نكفتُ الثياب والشعر .
وجه الكراهة : أن هذا ليس من تمام الزينة من وجه ، ولأن ذلك أشبه بالمتكبر حين يشمر ثيابه وشعره ، وإنما ينبغي له في الصلاة أن يسجد لله تعالى متواضعاً منشغلاً بالله تعالى عن كل شيء .
ما حكم شد الوسط في الصلاة ؟
يحرم شد الوسط في الصلاة لأن فيه تشبه بالنصارى لأنهم يشدون أوساطهم بالزنار [سير معلوم عند النصارى]
(حديث ابن عمر رضي الله عنهما الثابت في صحيح أبي داود) أن النبي ( قال : من تشبه بقومٍ فهو منهم .
[*] قال شيخ الإسلام رحمه الله تعالى : أقل أحوال هذا الحديث التحريم
مسألة : لو قال قائل أنا لا أقصد التشبه فما الجواب ؟
الجواب : أن التشبه لا يفتقر إلى نية لأن التشبه المشابهة في الشكل والصورة فإذا حصلت فقد تشبه نوى أم لا .
مسألة : ما حكم من جرَّ ثوبه خيلاء ؟
الخيلاء : مأخوذة من الخيل لأنها تجلب التباهي والترف والتعالي ، و الخيلاء أن الإنسان يجد في نفسه التعاظم على الغير وهذا محرمٌ قطعاً لما فيه من الكبر والعجب الذي يحبط العمل .
(حديث أبي هريرة رضي الله عنه الثابت في الصحيحين) أن النبي ( قال : لا ينظرُ الله إلى من جرَّ إزاره بطراً .
((1/363)
حديث ابن عمر رضي الله عنهما الثابت في الصحيحين) أن النبي ( قال : من جر ثوبه خيلاء لم ينظر الله إليه يوم القيامة فقال أبو بكر : يا رسول اللّه إن إزاري يسترخي إلا أن أتعاهده فقال له : إنك لست ممن يفعله خيلاء .
مسألة : من جرَّ ثوبه خيلاء استحق العقوبة من الحديث السابق ، فما حكم من جرَّ ثوبه بغير خيلاء ؟
من جرَّ ثوبه بغير خيلاء لا يستحق العقوبة من الحديث السابق ولكن يستحق العقوبة من دلالة أحاديث أخرى منها :
(حديث أبي هريرة رضي الله عنه الثابت في صحيح البخاري) أن النبي ( قال : ما أسفل الكعبين من الإزار ففي النار .
(حديث أبي ذر الثابت في صحيح مسلم ) أن النبي ( قال : ثلاثة لا يكلمهم الله يوم القيامة و لا ينظر إليهم و لا يزكيهم و لهم عذاب أليم : المسبل إزاره و المنان الذي لا يعطي شيئا إلا منه و المنفق سلعته بالحلف الكاذب .
يجب علينا تعلم صفة صلاة النبي ( لأنَّ شرط قبول العبادة أمران متلازمان :
(1) الإخلاصُ لله تعالى. قال تعالى: (فَمَن كَانَ يَرْجُو لِقَآءَ رَبّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحاً وَلاَ يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبّهِ أَحَدَا) [سورة: الكهف - الآية: 110]
(2) أن يكون العمل صالحاً ، ولا يكون العمل صالحاً إلا إذا كان على السنة . لأنه إن لم يكن العمل على السنة كان مردوداً على صاحبه ولا يقبله الله تعالى .
(حديث عائشة الثابت في صحيح مسلم ) أن النبي ( قال : من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد .
ثم إن النبي ( أمرنا أن نصلي مثل ما يصلي ، وهذا دليلٌ خاص في المسألة
(حديث مالك بن الحويرث الثابت في صحيح البخاري ) أن النبي ( قال : صلوا كما رأيتموني أُصلي .
مسألة : ما معنى صِفةُ الصَّلاة ؟
صِفةُ الصَّلاة: أي: الكيفية التي تكون عليها.
مسألة : اذكر صفة صلاة النبي ( ؟
[1] استقبال القبلة :(1/364)
قال تعالى: (وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ فَوَلّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلّواْ وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ) [سورة: البقرة – الآية: 150]
(حديث أبي هريرة رضي الله عنه الثابت في الصحيحين ) أن النبي ( قال : إذا قمت إلى الصلاة فأسبغ الوضوء ثم استقبل القبلة فكبر ثم اقرأ ما تيسر معك من القرآن ثم اركع حتى تطمئن راكعا ثم ارفع حتى تستوي قائما ثم اسجد حتى تطمئن ساجدا ثم ارفع حتى تستوي قائما ثم افعل ذلك في صلاتك كلها .
{ تنبيه } :تفصيل استقبال القبلة :
الذي يشاهدها : يجب عليه أن يستقبل عينها ، والذي لا يشاهدها يجب علي أن يستقبل جهتها لآن هذا هو المقدور عليه ولا يكلف الله نفساً إلا وسعها .
(حديث أبي هريرة رضي الله عنه الثابت في صحيحي الترمذي وبن ماجة) أن النبي ( قال : ما بين المشرق والمغرب قبلة .
{ تنبيه } :( هذا بالنسبة لأهل المدينة ومن جرى مجراهم كأهل الشام والعراق ، وأما أهل مصر فقبلتهم بين المشرق والجنوب وأما اليمن فالمشرق يكون عن يمين المصلي والمغرب عن يساره .
[2] أن يرفع يديه حذو منكبيه ثم يكبر تكبيرة الإحرام :
(حديث أبي هريرة رضي الله عنه الثابت في صحيحي أبي داوود الترمذي) قال كان النبي ( إذا قام إلى الصلاة رفع يديه مداً .
(حديث ابن عمر رضي الله عنهما الثابت في الصحيحين ) قال : قال رأيت رسول الله ( إذا قام إلى الصلاة رفع يديه حتى تكون حذو مَنْكِبيه ثم يكبر وكان يفعل ذلك حين يكبر للركوع و يفعل ذلك حين يرفع رأسه من الركوع وقول سمع الله لمن حمده ، ولا يفعل ذلك في السجود .
[وفي رواية للبخاري : وإذا قام من الركعتين رفع يديه ]
[3] أن يضعَ يدَه اليُمنى على ذِرِاعِهِ اليُسرى فيشدهما على صدره :
(حديث سهل بن سعد الثابت في صحيح البخاري) كان النَّاسُ يؤمرون أن يضعَ الرَّجُلُ يدَه اليُمنى على ذِرِاعِهِ اليُسرى في الصَّلاةِ»
((1/365)
حديث طاووس الثابت في صحيح أبي داوود ) قال كان رسول الله ( يضع يده اليمنى على يده اليسرى ثم يشد بينهما على صدره وهو في الصلاة .
[4] دعاء الاستفتاح :
(حديث أبي هريرة رضي الله عنه الثابت في الصحيحين ) قال: «كان النبي ( يسكت بين التكبير وبين القراءة اسكاتةً هُنِيََّةً فقلت بأبي وأمي يا رسول الله اسكاتتك بين التكبير والقراءة ما تقول ؟ قال: أقول: «اللَّهُمَّ باعِدْ بيني وبين خَطَايَاي كما باعدت بين المشرق والمغرب ، اللَّهُمَّ نقِّني مِن الخطايا كما يُنقَّى الثوبُ الأبيضُ مِن الدَّنس، اللَّهُمَّ اغسلْ خطاياي بالماءِ والثَّلجِ والبَرَدِ».
(حديث أبي سعيد الثابت في صحيح السنن الأربعة) قال: كان رسول الله ( إذا استفتح الصلاة قال : سبحانك اللهم و بحمدك و تبارك اسمك و تعالى جدك و لا إله غيرك .
[5] القراءة في الصلاة :
فرض القراءة فاتحة الكتاب فإن لم تزد عليها أجزأت وإن زدت فهو خير
(حديث عبادة بن الصامت الثابت في الصحيحين) أن النبي ( قال : لا صلاة لمن لم يقرأ بأم الكتاب .
(حديث أبي هريرة رضي الله عنه الثابت في الصحيحين) قال : في كلٍ صلاة يُقرأ فما أسمعنا النبي ( أسمعناكم وما أخفى عنا أخفينا عنكم ، وإن لم تزد عن أم الكتاب أجزأت وإن زِدت فهو خير .
((1/366)
حديث أبي هريرة رضي الله عنه الثابت في صحيح مسلم ) أن النبي ( قال : من صلى صلاة لم يقرأ فيها بأم القرآن فهي خداج ثلاثا غير تمام فقيل لأبي هريرة رضي الله عنه إنا نكون وراء الإمام فقال اقرأ بها في نفسك فإني سمعت رسول الله ( يقول قال الله تعالى قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين ولعبدي ما سأل فإذا قال العبد !< الحمد لله رب العالمين >! قال الله تعالى حمدني عبدي وإذا قال !< الرحمن الرحيم >! قال الله تعالى أثنى علي عبدي وإذا قال !< مالك يوم الدين >! قال مجدني عبدي وقال مرة فوض إلي عبدي فإذا قال !< إياك نعبد وإياك نستعين >! قال هذا بيني وبين عبدي ولعبدي ما سأل فإذا قال !< اهدنا الصراط المستقيم صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين >! قال هذا لعبدي ولعبدي ما سأل .
[ معنى خداج أي فاسدة ]
{ تنبيه } :يحمل (حديث جابر ابن عبد الله رضي الله عنهما الثابت في صحيح ابن ماجة) أن النبي ( قال : من كان له إمام فقراءة الإمام له قراءة .
مسألة : من لم يحفظ شيئاً من القرآن كيف يصلي ؟
من لم يحفظ شيئاً من القرآن وأراد أن يصلي يجزئه أن يقول سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر ولا حول ولا قوة إلا بالله .
(حديث عبد الله بن أبي أوفى الثابت في صحيحي أبي داوود والنسائي) جاء رجل إلى النبي ( فقال إني لا أستطيع أن آخذ من القرآن شيئا فعلمني ما يجزئني منه قال قل سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر ولا حول ولا قوة إلا بالله .
{ تنبيه } : ويُسن أن يقرأ بعد الفاتحة سورتين في الركعتين الأوليين بنص السنة الثابتة الصحيحة .
(لحديث أبي قتادة الثابت في الصحيحين ) كان رسول الله ( يقرأ في الظهر في الركعتين الأوليين بفاتحة الكتاب وسورتين ، و في الركعتين الأخيرتين بفاتحة الكتاب وكان يطول الركعة الأولى ما لا يطول في الثانية ، وهكذا في صلاة العصر وهكذا في صلاة الصبح .
[(1/367)
6] الركوع ومسائله :
صفة الركوع : يضع يديه على ركبتيه مفرجتي الأصابع مستوياً ظهره .
(حديث مصعب بن سعد الثابت في الصحيحين ) قال : صليت إلى جنب أبي فطبقت بين كَفَيَّ ثم وضعتهما بين فخذيَّ فنهاني أبي وقال : كنا نفعله فنهينا عنه وأمرنا أن نضع أيدينا على الركب .
(حديث عائشة الثابت في صحيح مسلم ) قالت كان رسول الله ( إذا ركع لم يشخص رأسه ولم يصوبه ولكن بين ذلك .
[معنى لم يشخص رأسه : أي لم يرفعه ]
[معنى ولم يصوبه : أي لم يخفضه]
(حديث وابصة الثابت في صحيح الجامع ) كان رسول الله ( إذا ركع سوى ظهره حتى لو صب عليه الماء لاستقر .
ما يقال في الركوع :
يقال في الركوع سبحان ربي العظيم ويسن أن يقول سبحانك اللهم ربنا وبحمدك اللهم اغفر لي، ويقول سبوح قدوس رب الملائكة والروح .
(حديث حذيفة الثابت في صحيح مسلم ) أن النبي ( كان يقول في ركوعه سبحان ربي العظيم وفي سجوده سبحان ربي الأعلى وما مر بآية رحمة إلا وقف عندها فسأل ولا بآية عذاب إلا وقف عندها فتعوذ .
(حديث ابن عباس الثابت في صحيح مسلم ) أن النبي ( قال : ألا وإني نهيت أن اقرأ القرآن راكعا أو ساجدا فأما الركوع فعظموا فيه الرب عز وجل وأما السجود فاجتهدوا في الدعاء فقمن أن يستجاب لكم .
(الاطمئنان ركن في الركوع والإخلال به مبطلٌ للصلاة :
(حديث حذيفة الثابت في الصحيحين) أنه رأى رجلا لا يتم ركوعه ولا سجوده فلما قضى صلاته قال له حذيفة ما صليت قال وأحسبه قال لو مت مت على غير سنة محمد ( .
(حديث أبي مسعود الأنصاري الثابت في صحيح السنن الأربعة ) أن النبي ( قال : قال :لا تجزئ صلاة الرجل حتى يقيم ظهره في الركوع و السجود .
(من أدعية الركوع :
(حديث عائشة الثابت في الصحيحين) قالت : كان رسول الله ( يكثر أن يقول في ركوعه وسجوده سبحانك اللهم ربنا وبحمدك اللهم اغفر لي .
((1/368)
حديث عائشة الثابت في صحيح مسلم ) أن رسول الله ( كان يقول في ركوعه وسجوده سبوح قدوس رب الملائكة والروح .
[7] الرفع من الركوع :
يقول [ سمع الله لمن حمده] : حال الرفع ، لا يقال قبل الرفع ولا يؤخر بعده .
ثم يقول وهو قائم ربنا ولك الحمد .
(لحديث أبي هريرة رضي الله عنه الثابت في الصحيحين ) قال : كان رسول الله ( إذا قام إلى الصلاة يكبر حين يقوم ثم يكبر حين يركع ثم يقول سمع الله لمن حمده حين يرفع صلبه من الركوع ثم يقول وهو قائم ربنا ولك الحمد ثم يكبر حين يهوي ساجدا ثم يكبر حين يرفع رأسه ثم يكبر حين يسجد ثم يكبر حين يرفع رأسه ثم يفعل مثل ذلك في الصلاة كلها حتى يقضيها ويكبر حين يقوم من الثنيتين بعد الجلوس .
(حديث أبي هريرة رضي الله عنه الثابت في الصحيحين ) أن النبي ( قال :إذا قال الإمام : سمع الله لمن حمده فقولوا : اللهم ربنا و لك الحمد فإنه من وافق قوله قول الملائكة غفر له ما تقدم من ذنبه .
(من أدعية الرفع من الركوع :
(حديث رِفاعة بن رافعٍ الزُرْقِي الثابت في صحيح البخاري) قال : كنا نصلي وراء النبي ( فلما رفع رأسه من الركعة قال سمع الله لمن حمده قال رجل وراءه ربنا ولك الحمد حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه ، فلما انصرف قال : من المتكلم ؟ قال أنا ، قال : رأيت بضعةً وثلاثين ملكاً يبتدرونها أيهم يكتبها أوَّل .
(حديث أبي سعيد الثابت في صحيح مسلم ) قال : كان رسول الله (إذا رفع رأسه من الركوع قال : ربنا لك الحمد ملء السماوات وملء الأرض وملء ما شئت من شيء بعد أهل الثناء والمجد لا مانع لما أعطيت ولا معطي لما منعت ولا ينفع ذا الجد منك الجد .
*التحذير من الرفع قبل الإمام :
(لحديث أبي هريرة رضي الله عنه الثابت في الصحيحين ) أن النبي ( قال :أما يخشى أحدكم إذا رفع رأسه قبل الإمام أن يجعل الله رأسه رأس حمار أو يجعل الله صورته صورة حمار ؟ .
[8] السجود وما يتعلق به من مسائل :
((1/369)
محل التكبير حين يهوي ساجدا
[تنبيه] القاعدة : أن جميع تكبيرات الانتقال ما بين الركن الذي تركته إلى الركن الذي انتقلت إليه .
(لحديث أبي هريرة رضي الله عنه الثابت في الصحيحين ) قال : كان رسول الله ( إذا قام إلى الصلاة يكبر حين يقوم ثم يكبر حين يركع ثم يقول سمع الله لمن حمده حين يرفع صلبه من الركوع ثم يقول وهو قائم ربنا ولك الحمد ثم يكبر حين يهوي ساجدا ثم يكبر حين يرفع رأسه ثم يكبر حين يسجد ثم يكبر حين يرفع رأسه ثم يفعل مثل ذلك في الصلاة كلها حتى يقضيها ويكبر حين يقوم من الثنيتين بعد الجلوس .
(لا تشرع في السجود إلا بعد أن يقع الإمام ساجداً :
(حديث البراء رضي الله عنه الثابت في الصحيحين) قال : كان رسول الله ( إذا قال سمع الله لمن حمده لم يحن أحداً منا ظهره حتى يقع النبي ( ساجداً ثم نقع سجوداً بعده .
(أعضاء السجود سبعة :
(لحديث ابن عباس الثابت في الصحيحين) أن النبي ( قال : أمرت بالسجود على سبعةِ أعظم : الوجه – وأشار بيده إلى أنفه _ واليدين والركبتين وأطراف القدمين ولا نكفتُ الثياب والشعر .
وجه الكراهة : أن هذا ليس من تمام الزينة من وجه ، ولأن ذلك أشبه بالمتكبر حين يشمر ثيابه وشعره ، وإنما ينبغي له في الصلاة أن يسجد لله تعالى متواضعاً منشغلاً بالله تعالى عن كل شيء .
(لا تشرع في السجود إلا بعد أن يقع الإمام ساجداً :
(حديث البراء رضي الله عنه الثابت في الصحيحين) قال : كان رسول الله ( إذا قال سمع الله لمن حمده لم يحن أحداً منا ظهره حتى يقع النبي ( ساجداً ثم نقع سجوداً بعده .
(أعضاء السجود سبعة :
(لحديث ابن عباس الثابت في الصحيحين) أن النبي ( قال : أمرت بالسجود على سبعةِ أعظم : الوجه – وأشار بيده إلى أنفه _ واليدين والركبتين وأطراف القدمين ولا نكفتُ الثياب والشعر .
( تفريج اليدين مع الاعتدال :
((1/370)
حديث عبد الله بن بُحَيْنة الثابت في الصحيحين) أن النبي ( كان إذا صلى وسجد فرَّج بين يديه حتى يبدو بياض إبطيه .
(حديث أنس الثابت في الصحيحين) أن النبي ( قال : اعتدلوا في السجود ولا يبسط أحدكم ذراعيه انبساط الكلب .
(حديث البراء رضي الله عنه الثابت في صحيح مسلم ) أن النبي ( قال : إذا سجدت فضع كفيك وارفع مِرْفقيك .
( فتح أصابع الرجلين في السجود :
(حديث أبي حميد الساعدي الثابت في صحيح النسائي ) قال : كان رسول الله ( إذا أهوى إلى الأرض ساجداً جافى عضديه عن إبطيه وفتح أصابع رجليه .
مسألة : هل يسجد على ركبتيه أولاً ثم يديه أم العكس ؟
(الذي عليه أكثر أهل العلم أنه يقدم ركبتيه أولاً ثم يديه
(لحديث أبي هريرة رضي الله عنه الثابت في صحيح أبي داوود ) أن النبي ( قال : إذا سجد أحدكم فلا يبرك كما يبرك البعير ، وليضع يديه قبل ركبتيه .
(وجه الدلالة : قوله ( [فلا يبرك كما يبرك البعير] ومن المعلوم أن البعير يضع يديه قبل ركبتيه إذا برك ، أما آخر الحديث [وليضع يديه قبل ركبتيه]
ففيه انقلاب لأنه لو صحَّ لكان منا قضاً لأول الحديث .
( السجود على بطون الأصابع :
(حديث عائشة الثابت في صحيح مسلم ) قالت : فقدت رسول الله( ذات ليلة فالتمسته بيدي فوقعت يدي على قدميه وهما منصوبتان وهو يقول : اللهم إني أعوذ برضاك من سخطك و بمعافاتك من عقوبتك و أعوذ بك منك لا أحصي ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك .
( يضع وجهه بين كفيه :
(حديث أبي إسحاق الثابت في صحيح مسلم ) قال : قلت للبراء بن عازب أين يضع وجهه إذا سجد فقال : بين كفيه .
( ما يقال في السجود :
(حديث حذيفة الثابت في صحيح مسلم ) أن النبي ( كان يقول في ركوعه سبحان ربي العظيم وفي سجوده سبحان ربي الأعلى وما مر بآية رحمة إلا وقف عندها فسأل ولا بآية عذاب إلا وقف عندها فتعوذ .
((1/371)
حديث ابن عباس الثابت في صحيح مسلم ) أن النبي ( قال : ألا وإني نهيت أن اقرأ القرآن راكعا أو ساجدا فأما الركوع فعظموا فيه الرب عز وجل وأما السجود فاجتهدوا في الدعاء فقمن أن يستجاب لكم .
(الاطمئنان ركن في السجود والإخلال به مبطلٌ للصلاة :
(حديث حذيفة الثابت في الصحيحين) أنه رأى رجلا لا يتم ركوعه ولا سجوده فلما قضى صلاته قال له حذيفة ما صليت قال وأحسبه قال لو مت مت على غير سنة محمد ( .
(حديث أبي مسعود الأنصاري الثابت في صحيح السنن الأربعة ) أن النبي ( قال : لا تجزئ صلاة الرجل حتى يقيم ظهره في الركوع و السجود .
(من أدعية السجود :
(حديث عائشة الثابت في الصحيحين) قالت : كان رسول الله ( يكثر أن يقول في ركوعه وسجوده سبحانك اللهم ربنا وبحمدك اللهم اغفر لي .
(حديث عائشة الثابت في صحيح مسلم ) أن رسول الله ( كان يقول في ركوعه وسجوده سبوح قدوس رب الملائكة والروح .
(حديث أبي هريرة رضي الله عنه الثابت في صحيح مسلم ) أن النبي ( قال : أقربُ ما يكون العبد من ربه وهو ساجد فأكثروا الدعاء .
[9] الجلسة بين السجدتين :
وهي جلسة ينبغي أن يتوافر فيها الاطمئنان كالركوع والسجود :
(حديث البراء رضي الله عنه الثابت في الصحيحين) قال : كان ركوع النبي ( وسجوده وبين السجدتين قريباً من السواء .
[*] الدعاء بين السجدتين :
(حديث حذيفة الثابت في صحيحي أبي داوود والنسائي) أن النبي ( كان يقول بين السجدتين رب اغفر لي رب اغفر لي .
(حديث ابن عباس الثابت في صحيحي أبي داوود والترمذي) أن النبي ( كان يقول بين السجدتين : اللهم اغفر لي وارحمني واجبرني واهدني وارزقني .
( جلسة الاستراحة :
(حديث مالك بن الحويرث الثابت في صحيح البخاري) قال : كان النبي ( إذا كان في وتر في صلاته لم ينهض حتى يستوي قاعداً .
((1/372)
حديث أبي قِلابة الثابت في صحيح البخاري) قال : جاءنا حديث مالك بن الحويرث فصلى بنا في مسجدنا هذا فقال : إني لأصلي بكم وما أريد الصلاة ولكن أريد أن أريكم كيف رأيت النبي ( يصلي ، قال أيوب : فقلت لأبي قِلابة وكيف كانت صلاته ؟ قال مثل صلاة شيخنا هذا ـ يعني عمرو بن سلمة ـ قال أيوب : وكان ذلك الشيخ يُتمُ التكبير وإذا رفع رأسه عن السجدة الثانية جلس واعتمد على الأرض ثم قام .
[10] ثم يصلي الركعة الثانية كالأولى
[11] التشهد ومسائله :
( صفة جلوس التشهد الأول : [ الافتراش] وهو أن يجعل رجله اليسرى تحت مقعدته كالفراش وينصب اليمنى .
(حديث عائشة الثابت في صحيح مسلم ) أن النبي ( كان يقول في كل ركعتين التحيات وكان يفرش رجله اليسرى وينصب اليمنى .
[*] صفة جلوس التشهد الأخير : [ التورك]
(حديث عبد الله بن الزبير الثابت في صحيح مسلم ) قال : كان رسول الله ( إذا قعد في الصلاة جعل قدمه اليسرى تحت فخذه وساقه وفرش قدمه اليمنى ووضع يده اليسرى على ركبته اليسرى ووضع يده اليمنى على فخذه اليمنى وأشار بإصبعه السبابة .
(حديث عبد الله بن الزبير الثابت في صحيحي أبي داوود والنسائي ) قال : وأشار بالسبابة لا يجاوز بصره إشارته .
( صفة اليدين في الجلوس بعد التشهد :
يضع يده اليسرى على ركبته اليسرى و يده اليمنى على فخذه اليمنى على الصفة الآتية :
(يقبض الخنصر والبنصر
(يُحلق الإبهام مع الوسطى
(يشير بالسبابة
(حديث ابن عمر رضي الله عنهما الثابت في صحيح مسلم ) أن رسول الله ( إذا قعد في التشهد وضع يده اليسرى على ركبته اليسرى ووضع يده اليمنى على ركبته اليمنى وعقد ثلاثاً وخمسين وأشار بالسبابة .
( كيفية الإشارة بالسبابة : يحرك إصبعه السبابة عند الدعاء فقط ، وعلى هذا فكل كلمة في التشهد يحرك إصبعه ، وأي لا تتضمن دعاء فلا يحرك إصبعه فيها . ، ويشير عند الشهادة .
((1/373)
حديث ابن عمر رضي الله عنهما الثابت في صحيح مسلم ) أن رسول الله ( كان إذا جلس في الصلاة وضع يده اليمنى على ركبته اليمنى ، ورفع إصبعه يدعو بها ، ووضع يده اليسرى على ركبته اليسرى باسطها عليها .
(حديث عبد الله بن الزبير الثابت في صحيح مسلم ) قال : كان رسول الله ( إذا قعد في الصلاة جعل قدمه اليسرى تحت فخذه وساقه وفرش قدمه اليمنى ووضع يده اليسرى على ركبته اليسرى ووضع يده اليمنى على فخذه اليمنى وأشار بإصبعه السبابة .
( لفظ التشهد الأول :
التحيات لله والصلوات والطيبات السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين .
(حديث ابن مسعود الثابت في الصحيحين) قال : كنا إذا كنا مع رسول الله ( في الصلاة قلنا السلام على الله من عباده السلام على فلانٍ وفلان فقال رسول الله ( لا تقولوا السلام على الله فإن الله هو السلام ولكن قولوا : التحيات لله والصلوات والطيبات السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين فإنكم إذا قلتم ذلك أصاب كل عبد صالح في السماء والأرض أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا عبده ورسوله ثم ليتخير أحدكم من الدعاء أعجبه إليه فيدعو.
(حديث ابن مسعود الثابت في صحيح السنن الأربعة) قال : علمنا رسول الله ( أن نقول إذا جلسنا في الركعتين : التحيات لله والصلوات والطيبات السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين .
مسألة : هل يستحب الصلاة على النبي ( في التشهد الأول ؟
لا يستحب الصلاة على النبي ( في التشهد الأول لأن النبي ( لم يعلم ابن عباس رضي الله تعالى عنهما وابن مسعود رضي الله تعالى عنه إلا هذا التشهد فقط ولم يذكر الصلاة على النبي ( ولو كان مستحباً لعلم النبي ( ابن عباس رضي الله تعالى عنهما وابن مسعود رضي الله تعالى عنه ضمن تعليم التشهد .
((1/374)
صيغة الصلاة الإبراهيمية التي تقال في التشهد الأخير :
(حديث كعب بن عُجرة الثابت في الصحيحين ) قال : قلت يا رسول الله كيف الصلاة عليكم أهل البيت فإن الله قد علمنا كيف نسلم عليكم ؟ قال : قولوا اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم و على آل إبراهيم إنك حميد مجيد اللهم بارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد .
{ تنبيه } :من السنة أن تخفي التشهد
(حديث ابن مسعود الثابت في صحيحي أبي داوود والترمذي) قال : من السنة أن تخفي التشهد .
( الدعاء بعد التشهد وقبل التسليم :
(حديث أبي بكر الصديق الثابت في الصحيحين ) أنه قال لرسول الله ( علمني دعاء أدعو به في صلاتي قال قل اللهم إني ظلمت نفسي ظلما كبيرا ولا يغفر الذنوب إلا أنت فاغفر لي مغفرة من عندك وارحمني إنك أنت الغفور الرحيم .
(حديث عليٍّ الثابت في صحيح مسلم ) قال : كان رسول الله ( إذا قام إلى الصلاة يكون من آخر ما يقول بين التشهد والتسليم اللهم اغفر لي ما قدمت وما أخرت وما أسررت وما أعلنت وما أسرفت وما أنت أعلم به مني أنت المقدم وأنت المؤخر لا إله إلا أنت .
(حديث أبي هريرة رضي الله عنه الثابت في الصحيحين ) أن النبي ( قال : إذا تشهد أحدكم فليستعذ بالله من أربع يقول اللهم إني أعوذ بك من عذاب جهنم ومن عذاب القبر ومن فتنة المحيا والممات ومن شر فتنة المسيح الدجال .
{ تنبيه } :لا يشترط للدعاء بعد التشهد وقبل التسليم دعاء معين بل يتخير من الدعاء أعجبه إليه فيدعو. بنص السنة الثابتة الصحيحة .
((1/375)
حديث ابن مسعود الثابت في الصحيحين) قال : كنا إذا كنا مع رسول الله ( في الصلاة قلنا السلام على الله من عباده السلام على فلانٍ وفلان فقال رسول الله ( لا تقولوا السلام على الله فإن الله هو السلام ولكن قولوا : التحيات لله والصلوات والطيبات السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين فإنكم إذا قلتم ذلك أصاب كل عبد صالح في السماء والأرض أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا عبده ورسوله ثم ليتخير أحدكم من الدعاء أعجبه إليه فيدعو.
( آداب الدعاء بعد التشهد وقبل التسليم :
تحميد الله عز وجل وعز والثناء عليه ثم يصلي على النبي ( ثم يدعو بعد بما شاء .
(حديث فضالة بن عُبيد الثابت في صحيحي أبي داوود والترمذي) سمع رسول الله ( رجلا يدعو في صلاته لم يمجد الله تعالى ولم يصل على النبي ( فقال رسول الله ( عجَّل هذا ثم دعاه فقال له أو لغيره إذا صلى أحدكم فليبدأ بتحميد الله عز وجل وعز والثناء عليه ثم يصلي على النبي ( ثم يدعو بعد بما شاء .
(حديث ابن مسعود الثابت في صحيح الترمذي) قال كنت أصلي و النبي ( وأبو بكر وعمر معه ، فلما جلست بدأت بالثناء على الله ثم الصلاة على رسول الله ( ثم دعوت لنفسي فقال النبي ( : سل تُعطه سل تُعطه .
(حديث عمر الثابت في صحيح الترمذي موقوفا) قال : إن الدعاء موقوف بين السماء والأرض لا يصعد منه شيء حتى تصلي على نبيك ( .
[12] التسليم :
(حديث عليٍّ الثابت في صحيحي أبي داوود والترمذي) أن النبي ( قال : «مِفْتَاحُ الصّلاَةِ الطّهُورُ، وَتَحْرِيمُهَا التّكْبِيرُ، وَتَحْلِيلُهَا التّسْلِيمُ».
مسألة : ما هي كيفية التسليم ؟(1/376)
ورد في السنة الثابتة الصحيحة أن النبي ( كان يسلم عن يمينه السلام عليكم ورحمة الله وعن يساره السلام عليكم ورحمة الله ، وورد كذلك أن النبي ( كان يسلم عن يمينه السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وعن يساره السلام عليكم ورحمة الله ، وعلى هذا فالاختلاف هنا اختلاف تنوع وليس اختلاف تضاد والأفضل فيه أن يأتي بهذا الوجه تارة وبهذا الوجه تارة .
(حديث ابن مسعود الثابت في صحيح مسلم ) قال : كان رسول الله ( يسلم عن يمينه وعن يساره السلام عليكم ورحمة الله ، السلام عليكم ورحمة الله .
(حديث وائل بن حُجر الثابت في صحيح مسلم ) قال : كان رسول الله ( يسلم عن يمينه السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وعن يساره السلام عليكم ورحمة الله .
مسألة : هل تُجزئ التسليمة الواحدة ؟
[*] قال بعض أهل العلم : تُجزئ التسليمة الواحدة (لحديث عائشة الثابت في صحيحي الترمذي وابن ماجة ) أن النبي ( كان يُسلِّم تسليمةً واحدة تلقاء وجهه ثم يميل إلى الشق الأيمن شيئا .
وقال بعضهم لا تُجزئ التسليمة الواحدة
والأحوط أن نسلِّم تسليمتين لأننا لو سلمنا تسليمتين لم يقل أحدٌ من أهل العلم أن صلاتنا باطلة ، أما لو سلمنا تسليمةً واحدة لقال أحدٌ من أهل العلم أن صلاتنا باطلة ، ومن المعلوم شرعا أن النبي ( أمر بالاحتياط فيما لم يتضح فيه الدليل .
(لحديث النعمان بن بشير الثابت في الصحيحين) أن النبي ( قال : الحلال بين و الحرام بين و بينهما مشبهات لا يعلمهن كثيرٌ من الناس فمن اتقى المشبهات استبرأ لدينه و عرضه و من وقع في الشبهات كراعٍ يرعى حول الحمى يوشك أن يواقعه ألا و إن لكل ملك حمى ألا و إن حمى الله تعالى في أرضه محارمه ألا و إن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله و إذا فسدت فسد الجسد كله ألا و هي القلب .
(حديث علي الثابت في صحيح الترمذي) أن النبي ( قال : دَعْ ما يريبك إلى ما لا يريبك فإن الصدق طمأنينة و الكذب ريبة .
[13] الأذكار بعد السلام :
((1/377)
الاستغفار ثلاثا وقول اللهم أنت السلام و منك السلام تباركت يا ذا الجلال و الإكرام .
(حديث ثوبان الثابت في صحيح مسلم ) أن النبي ( كان إذا انصرف من صلاته استغفر ثلاثا ثم قال : اللهم أنت السلام و منك السلام تباركت يا ذا الجلال و الإكرام .
قول لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير ، اللهم لا مانع لما أعطيت ولا معطي لما منعت ولا ينفع ذا الجد منك الجد .
(حديث المغيرة بن شعبة الثابت في الصحيحين ) أن النبي ( كان يقول في دبر كل صلاة مكتوبة : لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير ، اللهم لا مانع لما أعطيت ولا معطي لما منعت ولا ينفع ذا الجد منك الجد .
قول : لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير لا حول ولا قوة إلا بالله لا إله إلا الله ولا نعبد إلا إياه له النعمة وله الفضل وله الثناء الحسن لا إله إلا الله مخلصين له الدين ولو كره الكافرون .
(حديث عبد الله بن الزبير الثابت في صحيح مسلم ) أن النبي ( كان إذا انصرف من الصلاة قال : لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير لا حول ولا قوة إلا بالله لا إله إلا الله ولا نعبد إلا إياه له النعمة وله الفضل وله الثناء الحسن لا إله إلا الله مخلصين له الدين ولو كره الكافرون .
(التسبيح والتحميد والتكبير ثلاثاً وثلاثين .
((1/378)
حديث أبي هريرة رضي الله عنه الثابت في الصحيحين ) قال : جاء الفقراء إلى النبي ( فقالوا : ذهب أهل الدثور من الأموال بالدرجات العلى والنعيم المقيم يصلون كما نصلي ويصومون كما نصوم ولهم فضلٌ من أموالأٍ يحجون بها ويعتمرون ويجاهدون ويتصدقون فقال رسول الله ( : لا أحدثكم بما إن أخذتم به أدركتم من سبقكم ولم يدركم أحدٌ بعدكم وكنتم خير من أنتم بين ظهرانيهم إلا من عمل مثله ؟ تسبحون وتحمدون وتكبرون خلف كل صلاة ثلاثا وثلاثين ، فاختلفنا بيننا فقال بعضنا نسبح ثلاثاً وثلاثين ونحمد ثلاثاً وثلاثين ونكبِّر ثلاثاً وثلاثين فرجعت إليه فقال : تقول سبحان الله والحمد لله والله أكبر حتى يكون منهن كلهن ثلاثاً وثلاثين .
(حديث أبي هريرة رضي الله عنه الثابت في صحيح مسلم ) أن النبي ( قال : من سبح الله في دبر كل صلاة ثلاثا و ثلاثين و حمد الله ثلاثا و ثلاثين و كبر الله ثلاثا و ثلاثين فتلك تسع و تسعون و قال تمام المائة : لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك و له الحمد و هو على كل شيء قدير غفرت خطاياه و إن كانت مثل زبد البحر .
((1/379)
حديث ابن عباس الثابت في صحيح الترمذي) أن النبي ( قال : «أَتَانِي اللّيْلَةَ رَبّي تَبَارَكَ وَتَعَالَى في أَحْسَنِ صُورَةٍ ـ قَالَ أَحْسِبُهُ في المَنَامِ ـ فَقَالَ يَا مُحَمَدُ هَلْ تَدْرِيَ فِيمَ يَخْتَصِمُ المَلأُ الأَعْلَى؟ قَالَ قُلْتُ لا، قَالَ فَوَضَعَ يَدَهُ بَيْنَ كَتِفَيّ حَتّى وَجَدْتُ بَرْدَهَا بَيْنَ ثَدْيَيّ أَوْ قَالَ في نَحْرِي فَعَلِمْتُ مَا فِي السّمَاواتِ وَمَا فِي الأَرْضِ. قَالَ يَا مُحَمّدُ هَلْ تَدْرِي فِيمَ يَخْتَصِمُ المَلأُ الأَعْلَى؟ قُلْتُ نَعَمْ في الكَفّارَاتِ، والكَفّارَاتُ المُكْثُ فِي المَسْجِدِ بَعْدَ الصّلوات، والمَشْيُ عَلَى الأَقْدَامِ إلى الجَمَاعَاتِ وإسْبَاغُ الوُضُوءِ فِي المَكارِهِ، ومَنْ فَعَلَ ذَلِكَ عَاشَ بِخَيْرٍ وَمَاتَ بِخَيْرٍ وَكَانَ مِنْ خَطِيئَتِهِ كَيَوْمِ وَلَدَتْهُ أُمّهُ، وقَالَ يَا مُحَمّدُ إذَا صَلّيْتَ فَقُلْ اللّهُمّ إنّي أَسْأَلُكَ فِعْلَ الخَيْراتِ وتَرْكَ المُنْكَرَاتِ وحُبّ المَسَاكِينِ وإِذَا أَرَدْتَ بِعِبَادِكَ فِتْنَةً فَاقْبِضْنِي إِلَيْكَ غَيْرَ مَفْتُونٍ.
(حديث أبي أمامة الثابت في صحيح الجامع) أن النبي ( قال : من قرأ آية الكرسي دبر كل صلاة مكتوبة لم يمنعه من دخول الجنة إلا أن يموت .
(حديث معاذ الثابت في صحيحي أبي داوود والنسائي) أن النبي ( قال : يا معاذ ! و الله إني لأحبك أوصيك يا معاذ لا تدعن في دبر كل صلاة أن تقول : اللهم أعني على ذكرك و شكرك و حسن عبادتك .
(حديث أم سلمة الثابت في صحيح ابن ماجة) أن النبي ( كان يقول إذا صلى الصبح حين يسلم : الهم إني أسألك علماً نافعاً ورزقاً طيباً وعملاً متقبلا .
مسالة : ما هي أركان الصلاة ؟
الركن لغةً : جانب الشيء
الركن شرعا : كلُ واجب في العبادة تتكون منه العبادة .
(أركان الصلاة كما يلي :
[2،1] القيام مع القدرة للفرض وتكبيرة الإحرام
[(1/380)
5،4،3] فاتحة الكتاب والركوع والاعتدال منه .
[7،6] السجود والجلوس بين السجدتين
[8] الطمأنينة
[10،9] التشهد الأخير والصلاة على النبي فيه .
[11] الترتيب
مسألة : اذكر الأدلة على هذه الأركان من الكتاب والسنة ؟
[1] القيام مع القدرة للفرض :
قال تعالى: (وَقُومُواْ للّهِ قَانِتِينَ) [سورة: البقرة - الآية: 238]
الشاهد من الآية : قوله تعالى { وَقُومُواْ للّهِ} هذا أمر والأصل في الأمر الوجوب ، وهو واجبٌ في الصلاة وتتكون منه الصلاة فهو ركن لأن الركن هو كلُ واجب في العبادة تتكون منه العبادة .
(حديث عمران بن حُصين الثابت في الصحيحين) قال : كانت بي بواسير فسألت النبي ( عن الصلاة فقال : صل قائما فإن لم تستطع فقاعدا فإن لم تستطع فعلى جنب .
الشاهد من الحديث : قوله ( { صل قائما} هذا أمر والأصل في الأمر الوجوب ، وهو واجبٌ في الصلاة وتتكون منه الصلاة فهو ركن لأن الركن هو كلُ واجب في العبادة تتكون منه العبادة .
[2] تكبيرة الإحرام :
(حديث المسيء في صلاته
(حديث أبي هريرة رضي الله عنه الثابت في الصحيحين ) أن النبي ( قال : إذا قمت إلى الصلاة فأسبغ الوضوء ثم استقبل القبلة فكبر ثم اقرأ ما تيسر معك من القرآن ثم اركع حتى تطمئن راكعا ثم ارفع حتى تستوي قائما ثم اسجد حتى تطمئن ساجدا ثم ارفع حتى تطمئن جالسا ثم افعل ذلك في صلاتك كلها .
الشاهد من الحديث : قوله ( { فكبر} هذا أمر والأصل في الأمر الوجوب ، وهو واجبٌ في الصلاة وتتكون منه الصلاة فهو ركن لأن الركن هو كلُ واجب في العبادة تتكون منه العبادة .
[3] فاتحة الكتاب :
(حديث عبادة بن الصامت الثابت في الصحيحين) أن النبي ( قال : لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب .
(حديث أبي هريرة رضي الله عنه الثابت في صحيح مسلم ) أن النبي ( قال : من صلى صلاة لم يقرأ فيها بأم الكتاب فهي خِداج .(1/381)
فدلت هذه الأحاديث على أن فاتحة الكتاب واجبة وهو واجبٌ في الصلاة وتتكون منه الصلاة فهو ركن لأن الركن هو كلُ واجب في العبادة تتكون منه العبادة .
[4] الركوع :
قال تعالى: (يَأَيّهَا الّذِينَ آمَنُواْ ارْكَعُواْ وَاسْجُدُواْ وَاعْبُدُواْ رَبّكُمْ وَافْعَلُواْ الْخَيْرَ لَعَلّكُمْ تُفْلِحُونَ) [سورة: الحج - الآية: 77]
الشاهد من الآية : قوله تعالى { اركعوا}
هذا أمر والأصل في الأمر الوجوب ، وهو واجبٌ في الصلاة وتتكون منه الصلاة فهو ركن لأن الركن هو كلُ واجب في العبادة تتكون منه العبادة .
(حديث المسيء في صلاته
(حديث أبي هريرة رضي الله عنه الثابت في الصحيحين ) أن النبي ( قال : إذا قمت إلى الصلاة فأسبغ الوضوء ثم استقبل القبلة فكبر ثم اقرأ ما تيسر معك من القرآن ثم اركع حتى تطمئن راكعا ثم ارفع حتى تستوي قائما ثم اسجد حتى تطمئن ساجدا ثم ارفع حتى تطمئن جالسا ثم افعل ذلك في صلاتك كلها .
الشاهد من الحديث : قوله ( { ثم اركع حتى تطمئن راكعا } هذا أمر والأصل في الأمر الوجوب ، وهو واجبٌ في الصلاة وتتكون منه الصلاة فهو ركن لأن الركن هو كلُ واجب في العبادة تتكون منه العبادة .
[5] الاعتدال من الركوع :
(حديث المسيء في صلاته
(حديث أبي هريرة رضي الله عنه الثابت في الصحيحين ) أن النبي ( قال : إذا قمت إلى الصلاة فأسبغ الوضوء ثم استقبل القبلة فكبر ثم اقرأ ما تيسر معك من القرآن ثم اركع حتى تطمئن راكعا ثم ارفع حتى تستوي قائما ثم اسجد حتى تطمئن ساجدا ثم ارفع حتى تطمئن جالسا ثم افعل ذلك في صلاتك كلها .
الشاهد من الحديث : قوله ( { ثم اركع حتى تطمئن راكعا } هذا أمر والأصل في الأمر الوجوب ، وهو واجبٌ في الصلاة وتتكون منه الصلاة فهو ركن لأن الركن هو كلُ واجب في العبادة تتكون منه العبادة .
[6] السجود :(1/382)
قال تعالى: (يَأَيّهَا الّذِينَ آمَنُواْ ارْكَعُواْ وَاسْجُدُواْ وَاعْبُدُواْ رَبّكُمْ وَافْعَلُواْ الْخَيْرَ لَعَلّكُمْ تُفْلِحُونَ) [سورة: الحج - الآية: 77]
الشاهد من الآية : قوله تعالى { وَاسْجُدُواْ }
هذا أمر والأصل في الأمر الوجوب ، وهو واجبٌ في الصلاة وتتكون منه الصلاة فهو ركن لأن الركن هو كلُ واجب في العبادة تتكون منه العبادة .
(حديث المسيء في صلاته
(حديث أبي هريرة رضي الله عنه الثابت في الصحيحين ) أن النبي ( قال : إذا قمت إلى الصلاة فأسبغ الوضوء ثم استقبل القبلة فكبر ثم اقرأ ما تيسر معك من القرآن ثم اركع حتى تطمئن راكعا ثم ارفع حتى تستوي قائما ثم اسجد حتى تطمئن ساجدا ثم ارفع حتى تطمئن جالسا ثم افعل ذلك في صلاتك كلها .
الشاهد من الحديث : قوله ( { ثم اسجد حتى تطمئن ساجدا } هذا أمر والأصل في الأمر الوجوب ، وهو واجبٌ في الصلاة وتتكون منه الصلاة فهو ركن لأن الركن هو كلُ واجب في العبادة تتكون منه العبادة .
[7] الرفع من السجود :
(حديث المسيء في صلاته
(حديث أبي هريرة رضي الله عنه الثابت في الصحيحين ) أن النبي ( قال : إذا قمت إلى الصلاة فأسبغ الوضوء ثم استقبل القبلة فكبر ثم اقرأ ما تيسر معك من القرآن ثم اركع حتى تطمئن راكعا ثم ارفع حتى تستوي قائما ثم اسجد حتى تطمئن ساجدا ثم ارفع حتى تطمئن جالسا ثم افعل ذلك في صلاتك كلها .
الشاهد من الحديث : قوله ( { ثم ارفع حتى تطمئن جالسا } هذا أمر والأصل في الأمر الوجوب ، وهو واجبٌ في الصلاة وتتكون منه الصلاة فهو ركن لأن الركن هو كلُ واجب في العبادة تتكون منه العبادة .
[8] الاطمئنان في الكل :
(حديث المسيء في صلاته
((1/383)
حديث أبي هريرة رضي الله عنه الثابت في الصحيحين ) أن النبي ( قال : إذا قمت إلى الصلاة فأسبغ الوضوء ثم استقبل القبلة فكبر ثم اقرأ ما تيسر معك من القرآن ثم اركع حتى تطمئن راكعا ثم ارفع حتى تستوي قائما ثم اسجد حتى تطمئن ساجدا ثم ارفع حتى تطمئن جالسا ثم افعل ذلك في صلاتك كلها .
الشاهد من الحديث : أن النبي ( لما علمه الصلاة قال له في كل ركن [ حتى تطمئن ] ولم يقل اركع فقط ولا اسجد فقط فدل ذلك على أن الواجب الأداء مع الاطمئنان فدل على أنه ركن .
[9] التشهد الأخير :
(حديث ابن مسعود الثابت في الصحيحين) قال : كنا إذا كنا مع رسول الله ( في الصلاة قلنا السلام على الله من عباده السلام على فلانٍ وفلان فقال رسول الله ( لا تقولوا السلام على الله فإن الله هو السلام ولكن قولوا : التحيات لله والصلوات والطيبات السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين فإنكم إذا قلتم ذلك أصاب كل عبد صالح في السماء والأرض أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا عبده ورسوله ثم ليتخير أحدكم من الدعاء أعجبه إليه فيدعو.
الشاهد من الحديث : قوله ( { ولكن قولوا التحيات لله } هذا أمر والأصل في الأمر الوجوب ، وهو واجبٌ في الصلاة وتتكون منه الصلاة فهو ركن لأن الركن هو كلُ واجب في العبادة تتكون منه العبادة .
[10] الصلاة على النبي في التشهد الأخير :
(حديث كعب بن عُجرة الثابت في الصحيحين ) قال : قلت يا رسول الله كيف الصلاة عليكم أهل البيت فإن الله قد علمنا كيف نسلم عليكم ؟ قال : قولوا اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم و على آل إبراهيم إنك حميد مجيد اللهم بارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد .(1/384)
الشاهد من الحديث : قوله ( { قولوا اللهم صل على محمد وعلى آل محمد } هذا أمر والأصل في الأمر الوجوب ، وهو واجبٌ في الصلاة وتتكون منه الصلاة فهو ركن لأن الركن هو كلُ واجب في العبادة تتكون منه العبادة .
[11] الترتيب :
قال تعالى: (يَأَيّهَا الّذِينَ آمَنُواْ ارْكَعُواْ وَاسْجُدُواْ وَاعْبُدُواْ رَبّكُمْ وَافْعَلُواْ الْخَيْرَ لَعَلّكُمْ تُفْلِحُونَ) [سورة: الحج - الآية: 77]
الشاهد قوله تعالى { ارْكَعُواْ وَاسْجُدُواْ} فدل على الأمر بالركوع قبل السجود
وكان النبي ( إذا ذهب إلى الصفا قال [ أبدأ بما بدأ به الله ]
(حديث المسيء في صلاته
(حديث أبي هريرة رضي الله عنه الثابت في الصحيحين ) أن النبي ( قال : إذا قمت إلى الصلاة فأسبغ الوضوء ثم استقبل القبلة فكبر ثم اقرأ ما تيسر معك من القرآن ثم اركع حتى تطمئن راكعا ثم ارفع حتى تستوي قائما ثم اسجد حتى تطمئن ساجدا ثم ارفع حتى تطمئن جالسا ثم افعل ذلك في صلاتك كلها .
الشاهد من الحديث : قوله ( { ثم} فإنها تدل على الترتيب والأصل في الأمر الوجوب ولأن النبي ( واظب على الصلاة مرتبة إلى أن مات ولم يُنقل عنه غير الترتيب وقد قال ( [ صلوا كما رأيتموني أصلي ]
مسألة : ما لفرق بين الركن والواجب ؟
الأركان واجبة بل هي آكد من الواجبات ، وبين الأركان والواجبات أوجه شبه واختلاف .
( أوجه الشبه بين الأركان والواجبات : من ترك أحدهما متعمداً بطلت صلاته .
( أوجه الاختلاف بين الأركان والواجبات :
من ترك ركناً سهواً بطلت صلاته ، و من ترك واجباً سهواً صحت صلاته ويسقط الواجب ويجبره سجود السهو .
مسألة : ما هي واجبات الصلاة ؟
واجبات الصلاة هي :
[3،2،1] تكبيرات الانتقال وقول سمع الله لمن حمده ربنا ولك الحمد
[4] التشهد الأوسط
[5] السترة
مسألة : اذكر الأدلة على هذه الواجبات ؟
الدليل على وجوب تكبيرات الانتقال وقول سمع الله لمن حمده ربنا ولك الحمد
((1/385)
لحديث أبي هريرة رضي الله عنه الثابت في الصحيحين ) قال : كان رسول الله ( إذا قام إلى الصلاة يكبر حين يقوم ثم يكبر حين يركع ثم يقول سمع الله لمن حمده حين يرفع صلبه من الركوع ثم يقول وهو قائم ربنا ولك الحمد ثم يكبر حين يهوي ساجدا ثم يكبر حين يرفع رأسه ثم يكبر حين يسجد ثم يكبر حين يرفع رأسه ثم يفعل مثل ذلك في الصلاة كلها حتى يقضيها ويكبر حين يقوم من الثنيتين بعد الجلوس .
* الدليل على وجوب التشهد الأوسط :
(حديث ابن مسعود الثابت في الصحيحين) قال : كنا إذا كنا مع رسول الله ( في الصلاة قلنا السلام على الله من عباده السلام على فلانٍ وفلان فقال رسول الله ( لا تقولوا السلام على الله فإن الله هو السلام ولكن قولوا : التحيات لله والصلوات والطيبات السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين فإنكم إذا قلتم ذلك أصاب كل عبد صالح في السماء والأرض أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا عبده ورسوله ثم ليتخير أحدكم من الدعاء أعجبه إليه فيدعو.
{ تنبيه } :( قوله ( { ولكن قولوا التحيات لله } هذا أمر والأصل في الأمر الوجوب ، وهوواجبٌ في الصلاة وتتكون منه الصلاة فهذا يقتضي أن التشهد الأوسط ركن إلا أن الذي أخرجه من ركن إلى واجب هو أن النبي ( لما نسي التشهد الأوسط وجبره بسجود السهو عُلم من ذلك أن التشهد الأوسط واجب لأن الواجب هو الذي يُجبر بسجود السهو أما الركن فلا يُجبر بسجود السهو .
(حديث عبد الله بن بُحينة الثابت في الصحيحين) وهو من أصحاب النبي ( أن النبي ( صلى بهم العصر فقام من الركعتين لم يجلس فقام الناس معه ، حتى إذا قضى الصلاة وانتظر الناس تسليمه كبًّر وهو جالس فسجد سجدتين قبل أن يُسلِّم ثم سلَّم .
* الدليل على وجوب السترة :
يجب على المصلي إذا قام إلى الصلاة أن يتخذ سترة بين يديه تمنع المرور أمامه وتكف بصره عما وراءها .
((1/386)
حديث سهل بن أبي حثمة الثابت في صحيح أبي داود) أن النبي ( قال : إذا صلى أحدكم فليصلِّ إلى سترة فليدن منها لا يقطع الشيطان عليه صلاته .
الشاهد من الحديث : قوله ( [فليصلِّ إلى سترة] هذا أمر والأصل في الأمر الوجوب .
مسألة : اذكر الدليل على أن الواجبات تسقط بالسهو وعلى أن الأركان لا تسقط بالسهو ؟
الدليل على أن الواجبات تسقط بالسهو :
(حديث عبد الله بن بُحينة الثابت في الصحيحين) وهو من أصحاب النبي ( أن النبي ( صلى بهم العصر فقام من الركعتين لم يجلس فقام الناس معه ، حتى إذا قضى الصلاة وانتظر الناس تسليمه كبًّر وهو جالس فسجد سجدتين قبل أن يُسلِّم ثم سلَّم .
الدليل على أن الأركان لا تسقط بالسهو:
(حديث أبي هريرة رضي الله عنه الثابت في الصحيحين) قال : صلى النبي ( إحدى صلاتي العشي ركعتين ثم سلم ثم قام إلى خشبة في مقدم المسجد فوضع يده عليها وفيهم أبو بكر وعمر رضي الله تعالى عنهما فهابا أن يكلماه وخرج سرعان الناس فقالوا أقصرت الصلاة ورجل يدعوه النبي ( ذو اليدين فقال أنسيت أم قصرت فقال لم أنس ولم تقصر قال بلى قد نسيت فصلى ركعتين ثم سلم ثم كبر فسجد مثل سجوده أو أطول ثم رفع رأسه فكبر ثم وضع رأسه فكبر فسجد مثل سجوده أو أطول ثم رفع رأسه وكبر .
الشاهد من الحديث : أن النبي ( لما سلم من الركعتين من الصلاة الرباعية ناسياً أتى بالأركان التي تركها سهواً ثم سجد للسهو فدل ذلك على أن الأركان لا تسقط بالسهو .
مسألة : ما هي سنن الصلاة ؟
سنن الصلاة هي ما عدا الشروط والأركان والواجبات ، وسنن الصلاة نوعان قولية وفعلية
[*]( أولاً السنن القولية :
[1] دعاء الاستفتاح :
((1/387)
حديث أبي هريرة رضي الله عنه الثابت في الصحيحين ) قال: «كان النبي ( يسكت بين التكبير وبين القراءة اسكاتةً هُنِيََّةً فقلت بأبي وأمي يا رسول الله اسكاتتك بين التكبير والقراءة ما تقول ؟ قال: أقول: «اللَّهُمَّ باعِدْ بيني وبين خَطَايَاي كما باعدت بين المشرق والمغرب ، اللَّهُمَّ نقِّني مِن الخطايا كما يُنقَّى الثوبُ الأبيضُ مِن الدَّنس، اللَّهُمَّ اغسلْ خطاياي بالماءِ والثَّلجِ والبَرَدِ».
(حديث أبي سعيد الثابت في صحيح السنن الأربعة) قال: كان رسول الله ( إذا استفتح الصلاة قال : سبحانك اللهم و بحمدك و تبارك اسمك و تعالى جدك و لا إله غيرك .
[2] الاستعاذة : قال تعالى: (فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللّهِ مِنَ الشّيْطَانِ الرّجِيمِ) [سورة: النحل - الآية: 98]
(حديث أبي سعيد الثابت في صحيح أبي داوود ) كان رسول الله ( إذا قام إلى الصلاة استفتح ثم يقول أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم من همزه ونفخه ونفثه .
[3] التأمين :
(حديث أبي هريرة رضي الله عنه الثابت في الصحيحين) أن النبي ( قال : إذا أمن الإمام فأمنوا فإنه من وافق تأمينه تأمين الملائكة غفر له ما تقدم من ذنبه .
[4] القراءة بعد الفاتحة :
(لحديث أبي قتادة الثابت في الصحيحين ) كان رسول الله ( يقرأ في الظهر في الركعتين الأوليين بفاتحة الكتاب وسورتين ، و في الركعتين الأخيرتين بفاتحة الكتاب وكان يطول الركعة الأولى ما لا يطول في الثانية ، وهكذا في صلاة العصر وهكذا في صلاة الصبح .
{ تنبيه } :يسن القراءة في الركعتين الأخيرتين أحياناً :
(حديث أبي سعيد الثابت في صحيح مسلم ) أن النبي ( كان يقرأ في صلاة الظهر في الركعتين الأوليين في كل ركعة قدر ثلاثين آية وفي الأخريين قدر خمس عشرة آية أو قال نصف ذلك وفي العصر في الركعتين الأوليين في كل ركعة قدر قراءة خمس عشرة آية وفي الأخريين قدر نصف ذلك .
[(1/388)
*] قال شيخ الإسلام رحمه الله تعالى : العبادة الواردة على وجوة متنوعة الأفضل أن يفعلها على هذا الوجه تارة وعلى الوجه الآخر تارة . انتهى
{ تنبيه } :الإتيان بالعبادة [ التي أتت بصيغٍ مختلفةٍ الثابت في صحيحة] على هذا الوجه تارة وعلى الوجه الآخر تارة لها ثلاث فوائد عظيمة :
[1] حفظ السنة بوجوهها لأنك إذا اقتصرت على وجهٍ واحد مات الآخر .
[2] التيسير على المكلف لأنه أحياناً يكون بعض الوجوه أخف من بعض ، فمثلا في التسبيح ورد في بعض السنن تسبح عشراً و تحمد عشراً و تكبر عشراً ، فهذا يكون أيسر على بعض الناس من التسبيح ثلاثاً وثلاثين و التحميد ثلاثاً وثلاثين و التكبير ثلاثاً وثلاثين .
[3] أن ذلك أحضر للقلب لأنك إذا اعتدت صفةً معينة صارت بمنزلة الماكينة الأتوماتيكية فمن الممكن أن تقولها وأنت لا تدري أنك تقولها ، وأما إذا نوعت كان هذا أكثر استحضاراً للعبادة .
[4] رابعاً: العمل بالشَّريعة على جميع وجوهها.
{ تنبيه } :فعل العبادة التي فيها اختلاف تنوع بأن تأتي بها على هذا الوجه تارة وعلى الوجه الآخر تارة مشروط بأمن الفتنة ، أما إذا حصلت الفتنة أو خِيف وقوعها فيمتنع ذلك ويجب في هذه الحالة أن تقتصر على الصفة التي لا تحصل بها الفتنة لأن النبي ( ترك نقض الكعبة وبناؤها على قواعد إبراهيم خوفاً من الفتنة .
(حديث عائشة الثابت في الصحيحين ) قالت سألت رسول الله ( عن الجدر أمن البيت هو قال نعم قلت فلم لم يدخلوه في البيت قال إن قومك قصرت بهم النفقة قلت فما شأن بابه مرتفعا ؟ قال فعل ذلك قومك ليدخلوا من شاءوا ويمنعوا من شاءوا ولولا أن قومك حديث عهدهم في الجاهلية فأخاف أن تنكر قلوبهم لنظرت أن أدخل الجدر في البيت وأن ألزق بابه بالأرض .
[5] التسبيح في الركوع والسجود :
((1/389)
حديث حذيفة الثابت في صحيح مسلم ) أن النبي ( كان يقول في ركوعه سبحان ربي العظيم وفي سجوده سبحان ربي الأعلى وما مر بآية رحمة إلا وقف عندها فسأل ولا بآية عذاب إلا وقف عندها فتعوذ .
[6] الدعاء في الركوع والسجود :
(حديث عائشة الثابت في الصحيحين) قالت : كان رسول الله ( يكثر أن يقول في ركوعه وسجوده سبحانك اللهم ربنا وبحمدك اللهم اغفر لي .
(حديث عائشة الثابت في صحيح مسلم ) أن رسول الله ( كان يقول في ركوعه وسجوده سبوح قدوس رب الملائكة والروح .
[7] الزيادة في دعاء الرفع من الركوع على قول ربنا ولك الحمد :
(حديث رِفاعة بن رافعٍ الزُرْقِي الثابت في صحيح البخاري) قال : كنا نصلي وراء النبي ( فلما رفع رأسه من الركعة قال سمع الله لمن حمده قال رجل وراءه ربنا ولك الحمد حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه ، فلما انصرف قال : من المتكلم ؟ قال أنا، قال : رأيت بضعةً وثلاثين ملكاً يبتدرونها أيهم يكتبها أوَّل .
(حديث أبي سعيد الثابت في صحيح مسلم ) قال : كان رسول الله (إذا رفع رأسه من الركوع قال : ربنا لك الحمد ملء السماوات وملء الأرض وملء ما شئت من شيء بعد أهل الثناء والمجد لا مانع لما أعطيت ولا معطي لما منعت ولا ينفع ذا الجد منك الجد .
[8] الدعاء بين السجدتين :
(حديث حذيفة الثابت في صحيحي أبي داوود والنسائي) أن النبي ( كان يقول بين السجدتين رب اغفر لي رب اغفر لي .
(حديث ابن عباس الثابت في صحيحي أبي داوود والترمذي) أن النبي ( كان يقول بين السجدتين : اللهم اغفر لي وارحمني واجبرني واهدني وارزقني .
[9] الدعاء بعد التشهد الأخير :
((1/390)
حديث ابن مسعود الثابت في الصحيحين) قال : كنا إذا كنا مع رسول الله ( في الصلاة قلنا السلام على الله من عباده السلام على فلانٍ وفلان فقال رسول الله ( لا تقولوا السلام على الله فإن الله هو السلام ولكن قولوا : التحيات لله والصلوات والطيبات السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين فإنكم إذا قلتم ذلك أصاب كل عبد صالح في السماء والأرض أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا عبده ورسوله ثم ليتخير أحدكم من الدعاء أعجبه إليه فيدعو.
( ثانياً السنن الفعلية :
[1] رفع اليدين عند تكبيرة الإحرام وعند الركوع والرفع منه وعند القيام من التشهد الأوسط .
(حديث أبي هريرة رضي الله عنه الثابت في صحيحي أبي داوود الترمذي) قال كان النبي ( إذا قام إلى الصلاة رفع يديه مداً .
(حديث ابن عمر رضي الله عنهما الثابت في الصحيحين ) قال : قال رأيت رسول الله ( إذا قام إلى الصلاة رفع يديه حتى تكون حذو مَنْكِبيه ثم يكبر وكان يفعل ذلك حين يكبر للركوع و يفعل ذلك حين يرفع رأسه من الركوع وقول سمع الله لمن حمده ، ولا يفعل ذلك في السجود .
[وفي رواية للبخاري : وإذا قام من الركعتين رفع يديه ]
[2] أن يضعَ يدَه اليُمنى على ذِرِاعِهِ اليُسرى فيشدهما على صدره :
(حديث سهل بن سعد الثابت في صحيح البخاري) كان النَّاسُ يؤمرون أن يضعَ الرَّجُلُ يدَه اليُمنى على ذِرِاعِهِ اليُسرى في الصَّلاةِ»
(حديث طاووس الثابت في صحيح أبي داوود ) قال كان رسول الله ( يضع يده اليمنى على يده اليسرى ثم يشد بينهما على صدره وهو في الصلاة .
[3] يُسَوَّي ظهره في الركوع حتى لو صب عليه الماء لاستقر، ولا يشخص رأسه ولا يصوبه :
(حديث عائشة الثابت في صحيح مسلم ) قالت كان رسول الله ( إذا ركع لم يشخص رأسه ولم يصوبه ولكن بين ذلك .
[معنى لم يشخص رأسه : أي لم يرفعه ]
[معنى ولم يصوبه : أي لم يخفضه]
((1/391)
حديث وابصة الثابت في صحيح الجامع ) كان رسول الله ( إذا ركع سوى ظهره حتى لو صب عليه الماء لاستقر .
[4] تقديم ركبتيه أولاً ثم يديه في السجود :
(لحديث أبي هريرة رضي الله عنه الثابت في صحيح أبي داوود ) أن النبي ( قال : إذا سجد أحدكم فلا يبرك كما يبرك البعير ، وليضع يديه قبل ركبتيه .
وجه الدلالة : قوله ( [فلا يبرك كما يبرك البعير] ومن المعلوم أن البعير يضع يديه قبل ركبتيه إذا برك ، أما آخر الحديث [وليضع يديه قبل ركبتيه]
ففيه انقلاب لأنه لو صحَّ لكان منا قضاً لأول الحديث .
[5] أن يعتدل في السجود ولا يبسط ذراعيه انبساط الكلب ، ويضع كفيه ويرفع مرفقيه وأن يفرج بين يديه .
(حديث أنس الثابت في الصحيحين) أن النبي ( قال : اعتدلوا في السجود ولا يبسط أحدكم ذراعيه انبساط الكلب .
(حديث البراء رضي الله عنه الثابت في صحيح مسلم ) أن النبي ( قال : إذا سجدت فضع كفيك وارفع مِرْفقيك .
(حديث عبد الله بن بُحَيْنة الثابت في الصحيحين) أن النبي ( كان إذا صلى وسجد فرَّج بين يديه حتى يبدو بياض إبطيه .
[6] في الجلوس بين السجدتين يفرش اليسرى وينصب اليمنى :
(حديث عائشة الثابت في صحيح مسلم ) قالت : وكان النبي ( يفرش رجله اليسرى وينصب اليمنى .
[7] جلسة الاستراحة :
(حديث مالك بن الحويرث الثابت في صحيح البخاري) قال : كان النبي ( إذا كان في وتر في صلاته لم ينهض حتى يستوي قاعداً .
(حديث أبي قِلابة الثابت في صحيح البخاري) قال : جاءنا حديث مالك بن الحويرث فصلى بنا في مسجدنا هذا فقال : إني لأصلي بكم وما أريد الصلاة ولكن أريد أن أريكم كيف رأيت النبي ( يصلي ، قال أيوب : فقلت لأبي قِلابة وكيف كانت صلاته ؟ قال مثل صلاة شيخنا هذا ـ يعني عمرو بن سلمة ـ قال أيوب : وكان ذلك الشيخ يُتمُ التكبير وإذا رفع رأسه عن السجدة الثانية جلس واعتمد على الأرض ثم قام .
[(1/392)
8] أن يكون صفة جلوس التشهد الأول : [ الافتراش] وهو أن يجعل رجله اليسرى تحت مقعدته كالفراش وينصب اليمنى .
، و صفة جلوسه في التشهد الأخير التورك :
(حديث عائشة الثابت في صحيح مسلم ) أن النبي ( كان يقول في كل ركعتين التحيات وكان يفرش رجله اليسرى وينصب اليمنى .
(حديث عبد الله بن الزبير الثابت في صحيح مسلم ) قال : كان رسول الله ( إذا قعد في الصلاة جعل قدمه اليسرى تحت فخذه وساقه وفرش قدمه اليمنى ووضع يده اليسرى على ركبته اليسرى ووضع يده اليمنى على فخذه اليمنى وأشار بإصبعه السبابة .
(حديث عبد الله بن الزبير الثابت في صحيحي أبي داوود والنسائي ) قال : وأشار بالسبابة لا يجاوز بصره إشارته .
[9] الخشوع :
(حديث أبي هريرة رضي الله عنه الثابت في الصحيحين) ) أن النبي ( قال : هل تروْن قبلتي هاهنا ، فوالله ما يخفى عليَّ خشوعكم ولا ركوعكم إني لأراكم من وراء ظهري .
{ تنبيه } :هناك فرق بين الخشوع والبكاء ، فالخشوع حضور القلب وليس هو البكاء والخشوع من كمال الصلاة فالصلاة بلا خشوع كالجسد بلا روح .
(حديث أبي أيوب الثابت في صحيح الجامع) أن النبي ( قال : إذا قمت في صلاتك فصل صلاة مودع و لا تكلم بكلام تعتذر منه و اجمع الإياس مما في أيدي الناس .
مسألة : ما هي مكروهات الصلاة ؟
[*](مكروهات الصلاة ما يلي :
[1] العبث بالثوب أو البدن لغير حاجة :
(لحديث مُعَيقيب الثابت في الصحيحين) أن النبي ( قال في الرجل يُسَوِّي التراب حيث يسجد : إن كنت فاعلاً فواحدة .
[2] الالتفات لغير حاجة :
(لحديث عائشة الثابت في صحيح البخاري) قالت : سألت النبي ( عن الالتفات في الصلاة ؟ فقال : هو اختلاس يختلسه الشيطان من صلاة العبد .
[3] رفع البصر إلى السماء :
(لحديث أنس الثابت في صحيح البخاري) أن النبي ( قال : ما بال أقوام يرفعون أبصارهم إلى السماء في صلاتهم ؟ ! لينتهن عن ذلك أو لتُخَطَّفَنَّ أبصارهم .
[4] النظر إلى ما يُلهي :
((1/393)
لحديث عائشة الثابت في الصحيحين) أن النبي ( صلى في خميصةٍ لها أعلام فقال : شغلتني أعلام هذه اذهبوا بها إلى أبي جهم وأتوني بأنبجانية .
* أنبجانية : كساء غليظ لا علم له .
[5] الاختصار :
(لحديث عائشة الثابت في الصحيحين) أن النبي ( نهى أن يصلي الرجل مختصراً .
[6] كفَّ الشعر والثوب :
(لحديث ابن عباس الثابت في الصحيحين) أن النبي ( قال : أمرت بالسجود على سبعةِ أعظم : الوجه – وأشار بيده إلى أنفه _ واليدين والركبتين وأطراف القدمين ولا نكفتُ الثياب والشعر .
وجه الكراهة : أن هذا ليس من تمام الزينة من وجه ، ولأن ذلك أشبه بالمتكبر حين يشمر ثيابه وشعره ، وإنما ينبغي له في الصلاة أن يسجد لله تعالى متواضعاً منشغلاً بالله تعالى عن كل شيء .
[7] تشبيك الأصابع : (لحديث كعب بن عجرة الثابت في صحيح أبي داود) أن النبي ( قال : إذا توضأ أحدكم فأحسن وضوءه ثم خرج عامدا إلى المسجد فلا يشبكن بين يديه فإنه في صلاة .
[8] التثاؤب : (لحديث أبي هريرة رضي الله عنه الثابت في الصحيحين) أن النبي ( قال :التثاؤب من الشيطان فإذا تثاءب أحدكم فليرده ما استطاع فإن أحدكم إذا قال : ها ضحك منه الشيطان .
[9] السدل وتغطية الوجه :
(لحديث أبي هريرة رضي الله عنه الثابت في صحيحي أبي داوود والترمذي) أن النبي ( نهى عن السدل في الصلاة .
* السدل في الصلاة أن يطرح الإنسان الرداء على كتفيه ولا يرد طرفه على الآخر على كتفيه .
{ تنبيه } :إذا كان الثوب مما يلبس عادةً هكذا فلا بأس ن ولذا قال شيخ الإسلام رحمه الله تعالى : إن طُرح القباء على كتفيه من غير إدخال الكمين لا يدخل في السدل .
[القباء] مثل الكوت فإنه يُلبس عادةً هكذا .
[10] البصاق جهة القبلة أو عن يمينه :
((1/394)
لحديث أبي هريرة رضي الله عنه الثابت في الصحيحين) أن النبي ( قال : إذا صلى أحدكم فلا يبصق أمامه فإنما يناجي الله ما دام في مصلاه و لا عن يمينه فإن عن يمينه ملك و ليبصق عن يساره أو تحت قدمه فيدفنها .
[11] يضع يديه فبل ركبتيه :
(لحديث أبي هريرة رضي الله عنه الثابت في صحيح أبي داوود ) أن النبي ( قال : إذا سجد أحدكم فلا يبرك كما يبرك البعير ، وليضع يديه قبل ركبتيه .
وجه الدلالة : قوله ( [فلا يبرك كما يبرك البعير] ومن المعلوم أن البعير يضع يديه قبل ركبتيه إذا برك ، أما آخر الحديث [وليضع يديه قبل ركبتيه]
ففيه انقلاب لأنه لو صحَّ لكان منا قضاً لأول الحديث .
[12] بسط اليدين في السجود :
(حديث أنس الثابت في الصحيحين) أن النبي ( قال : اعتدلوا في السجود ولا يبسط أحدكم ذراعيه انبساط الكلب .
[13] الصلاة بحضرة طعام ولا وهو يدافعه الأخبثين : (حديث عائشة الثابت في صحيح مسلم ) أن النبي ( قال : لا صلاة بحضرة طعام ولا وهويدافعه الأخبثين .
[14] مسابقة الإمام :
(لحديث أبي هريرة رضي الله عنه الثابت في الصحيحين ) أن النبي ( قال :أما يخشى أحدكم إذا رفع رأسه قبل الإمام أن يجعل الله رأسه رأس حمار أو يجعل الله صورته صورة حمار ؟ .
[15] الركوع دون الصف : (لحديث أبي بكرة الثابت في صحيح البخاري) أنه انتهى إلى النبي ( وهو راكع ن فركع قبل أن يصل إلى الصف فذكر ذلك للنبي ( فقال : زادك الله حرصاً ولا تعد .
[16] الصلاة عند مغالبة النوم :
(لحديث عائشة الثابت في الصحيحين ) أن النبي ( قال : إذا نعس أحدكم و هو يصلي فليرقد حتى يذهب عنه النوم فإن أحدكم إذا صلى و هو ناعس لا يدري لعله يستغفر فيسب نفسه .
مسألة : اذكر ما يباح فعله في الصلاة ؟
[*](ما يباح فعله في الصلاة :
[1] المشي للحاجة :
((1/395)
لحديث عائشة الثابت في صحيحي أبي داوود والترمذي) قالت : استفتحت الباب ورسول الله ( يصلي تطوعاً والباب على القبلة ، فمشى عن يمينه أو عن يساره ففتح الباب ثم رجع إلى مصلاه .
[2] حمل الصبي : (لحديث أبي أمامة الثابت في الصحيحين) أن النبي ( كان يصلي وهو حامل أمامة بنت زينب بنت رسول الله ( ولأبي العاص بن الربيع ، فإذا قام حملها وإذا سجد وضعها .
[3] قتل الأسودين الحية و العقرب :
(لحديث أبي هريرة رضي الله عنه الثابت في صحيح السنن الأربعة) أن النبي ( قال : اقتلوا الأسودين في الصلاة : الحية و العقرب .
[4] الالتفات والإشارة المفهمة للحاجة :
(حديث جابر ابن عبد الله رضي الله عنهما الثابت في صحيح مسلم ) قال : اشتكى النبي ( فصلينا وراءه وهو قاعد ، فالتفت إلينا فرآنا قياماً فأشار إلينا فقعدنا .
[5] الإشارة برد السلام على من سلم عليه :
(حديث ابن عمر رضي الله عنهما الثابت في صحيح أبي داود) قال : خرج رسول الله ( إلى قباء يصلي فيه قال فجاءته الأنصار فسلموا عليه وهو يصلي قال فقلت لبلال كيف رأيت رسول الله ( يرد عليهم حين كانوا يسلمون عليه وهو يصلي قال يقول هكذا وبسط كفه وبسط جعفر بن عون كفه وجعل بطنه أسفل وجعل ظهره إلى فوق .
[6] تسبيح الرجال وتصفيق النساء للأمر يحدث في الصلاة :
(حديث سهل بن سعد الثابت في الصحيحين) أن النبي ( قال : من نابه شيء في صلاته فليسبح فإنه إذا سبح التفت إليه وإنما التصفيق للنساء .
(حديث أبي هريرة رضي الله عنه الثابت في الصحيحين) أن النبي ( قال : التسبيح للرجال و التصفيق للنساء .
[7] الفتح على الإمام :
(حديث ابن مسعود الثابت في الصحيحين) أن النبي ( قال : إنما أنا بشر أنسى كما تنسون فإذا نسيت فذكروني .
{ تنبيه } :الفتح على الإمام نوعان :(1/396)
فتحٌ واجب : هو الفتح عليه فيما يبطل تعمده كما لو زاد ركعة لأن تعمد زيادة ركعة في الصلاة يبطلها ، وكذا لو لحن لحناً يخلُ المعنى في الفاتحة لأن اللحن الذي يخل بالمعنى في الفاتحة يبطل الصلاة كما لو قال ( صراط الذين أنعمتُ عليهم) بضم التاء .
فتحٌ مندوب : كما لو نسيَ شيئاً هو من كمالات الصلاة وسننها كما لو نسيَ قراءة سورة مع الفاتحة .
[8] غمز رجل النائم : (لحديث عائشة الثابت في الصحيحين ) قالت : كنت أنام بين يدي رسول الله ( ورجلاي في قبلته فإذا سجد غمزني فقبضت رجلي وإذا قام بسطتهما قالت والبيوت يومئذ ليس فيها مصابيح .
[9] مقاتلة من أراد المرور بين يدي المصلي :
(لحديث أبي سعيد الثابت في الصحيحين ) أن النبي ( قال : إذا صلى أحدكم إلى شيء يستره من الناس فأراد أحد أن يجتاز بين يديه فليدفعه فإن أبى فليقاتله فإنما هو شيطان .
[10] البكاء : (لحديث عبد الله بن الشخير الثابت في صحيحي أبي داوود والترمذي) قال : أتيت النبي ( وهو يصلي فسمعت لصدره أزيزاً كأزيز المرجل من البكاء .
مسألة : ما الذي يبطل الصلاة ؟
[*](مبطلات الصلاة :
[1] تيقن الحدث :
(لحديث عبد الله بن زيد الثابت في الصحيحين) أنه شكي إلى النبي ( الرجل يخيل إليه أنه يجد الشيء في الصلاة قال * لا ينصرف حتى يسمع صوتا أو يجد ريحا .
[2] ترك ركن من الأركان أو شرطاً من الشروط عمداً بدون عذر :
( لحديث المسيء في صلاته :
((1/397)
حديث أبي هريرة رضي الله عنه الثابت في الصحيحين ) أن رسول الله ( دخل المسجد فدخل رجل فصلى ثم جاء فسلم على رسول الله ( فرد رسول الله ( السلام قال ارجع فصل فإنك لم تصل فرجع الرجل فصلى كما كان صلى ثم جاء إلى النبي ( فسلم عليه فقال رسول الله ( وعليك السلام ثم قال ارجع فصل فإنك لم تصل حتى فعل ذلك ثلاث مرات فقال الرجل والذي بعثك بالحق ما أحسن غير هذا علمني قال إذا قمت إلى الصلاة فكبر ثم اقرأ ما تيسر معك من القرآن ثم اركع حتى تطمئن راكعا ثم ارفع حتى تعتدل قائما ثم اسجد حتى تطمئن ساجدا ثم ارفع حتى تطمئن جالسا ثم افعل ذلك في صلاتك كلها .
الشاهد : قوله ( : [ارجع فصل فإنك لم تصل]
(حديث أنس الثابت في صحيحي أبي داوود وابن ماجة) أن رجلا جاء إلى النبي ( وقد توضأ وترك على قدميه مثل موضع الظفر فقال له رسول الله ( ارجع فأحسن وضوءك .
[2] الأكل والشرب والضحك عمدا :
قال ابن المنذر : أجمع العلماء على أن من أكل أو شرب في صلاة الفرض عامداً عليه الإعادة ، ونقل ابن المنذر بطلان الصلاة بالضحك .
الشاهد : أن الإجماع حجة ( لحديث ابن عمر رضي الله عنهما الثابت في صحيح الترمذي ) أن النبي ( قال : إن الله لا يجمع أمتي أو أمة محمد على ضلالة .
[3] الكلام عمداً لغير مصلحة الصلاة :
(لحديث زيد بن أرقم الثابت في الصحيحين) قال : كنا نتكلم في الصلاة يكلم الرجل صاحبه وهو إلى جنبه في الصلاة حتى نزلت ( وقوموا لله قانتين ) فأمرنا بالسكوت ونهينا عن الكلام .
(حديث معاوية بن الحكم الثابت في صحيح مسلم ) أن النبي ( قال :إن هذه الصلاة لا يصلح فيها شيء من كلام الناس إنما هو التسبيح و التكبير و قراءة القرآن .
[4] مرور المرأة البالغة أو الحمار أو الكلب الأسود بين يدي المصلي دون موضع سجوده :
(حديث أبي ذر الثابت في صحيح مسلم ) أن النبي ( قال : يقطع صلاة الرجل إذا لم يكن بين يديه كمؤخرة الرحل المرأة و الحمار و الكلب الأسود .(1/398)
مسألة : ما هو فضل صلاة التطوع ؟
[1] لصلاة التطوع منافع عميمة وفوائد عظيمة ، فقد شرعها الله تعالى لنا رحمةً بنا لجبر ما عسى أن يكون حصل من نقصٍ في صلاة الفريضة ، فإن الإنسان لا يكتب له من صلاته إلا ما عقل منها فقد يكتب له نصف الصلاة أو ربع الصلاة أو عشرها فلهذا شرعت هذه الصلاة لسدِّ الثغر وترقيع الخرق :
(حديث أبي هريرة رضي الله عنه الثابت في صحيح السنن الأربعة) أن النبي ( قال : إن أول ما يحاسب به العبد يوم القيامة من عمله الصلاة فإن صلحت فقد أفلح و أنجح و إن فسدت فقد خاب و خسر و إن انتقص من فريضة قال الرب : انظروا هل لعبدي من تطوع ؟ فيكمل بها ما انتقص من الفريضة ثم يكون سائر عمله على ذلك .
(حديث عمار الثابت في صحيح أبي داود) أن النبي ( قال : إن الرجل لينصرف و ما كتب له إلا عشر صلاته تسعها ثمنها سبعها سدسها خمسها ربعها ثلثها نصفها .
[2] أن النوافل سبب نيل حب الله تعالى وسبباً في أن يكون مقبولاً في الأرض :
(حديث أبي هريرة رضي الله عنه الثابت في صحيح البخاري) أن النبي ( قال : أن النبي ( قال : قال الله تعالى من عاد لي ولياً فقد آذنته بالحرب ، وما تقرب إلىَّ عبدي بشيءٍ مما افترضته عليه ، وما يزال عبدي يتقرب إليِّ بالنوافل حتى أحبه فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به ويده التي يبطش بها ورجله الذي يمشي بها ، ولئن سألني لأعطينه ولئن استعاذني لأعيذنَّه ، وما ترددتُ عن شيءٍّ أنا فاعله ترددي عن نفس المؤمن يكره الموت وأنا أكره مساءته .
(حديث أبي هريرة رضي الله عنه الثابت في الصحيحين) أن النبي ( قال : إذا أحب الله عبدا نادى جبريل : إن الله يحب فلانا فأحبه فيحبه جبريل فينادي جبريل في أهل السماء : إن الله يحب فلانا فأحبوه فيحبه أهل السماء ثم يوضع له القبول في الأرض .
((1/399)
حديث قتادة بن النعمان الثابت في صحيح الجامع) أن النبي ( قال : إذا أحب الله عبدا حماه في الدنيا كما يحمي أحدكم سقيمه الماء .
مسألة : ماهي صلاة التطوع ؟
صلاة التطوع نوعان مقيدة ومطلقة
( أولاً صلاة التطوع المقيدة :
هي السنن الرواتب قبل الصلاة وبعدها وتنقسم إلى قسمين مؤكدة وغير مؤكدة
*عدد السنن المؤكدة : اثنتي عشرة ركعة :
(حديث ابن عمر رضي الله عنهما الثابت في الصحيحين) أن النبي ( كان يصلي قبل الظهر ركعتين و بعدها ركعتين و بعد المغرب ركعتين في بيته و بعد العشاء ركعتين و كان لا يصلي بعد الجمعة حتى ينصرف فيصلي ركعتين في بيته .
(حديث عائشة الثابت في صحيح البخاري) أن النبي ( كان لا يدع أربعا قبل الظهر و ركعتين قبل الفجر على كل حال .
(حديث أم حبيبة الثابت في صحيح مسلم ) أن النبي ( قال : ما من عبد مسلم يصلي لله كل يوم اثنتي عشرة ركعة تطوعا غير فريضة إلا بنى الله له بيتا في الجنة .
(حديث عائشة الثابت في صحيحي الترمذي وابن ماجة) أن النبي ( قال : من ثابر على اثنتي عشرة ركعة من السنة بنى الله له بيتا في الجنة أربع ركعات قبل الظهر و ركعتين بعده و ركعتين بعد المغرب و ركعتين بعد العشاء و ركعتين قبل الفجر .
مسألة : ما هو فضل السنن الرواتب ؟
فضل السنن الرواتب أن من حافظ عليها بنى الله له بيتا في الجنة بنص السنة الثابتة الصحيحة
(حديث عائشة الثابت في صحيحي الترمذي وابن ماجة) أن النبي ( قال : من ثابر على اثنتي عشرة ركعة من السنة بنى الله له بيتا في الجنة أربع ركعات قبل الظهر و ركعتين بعده و ركعتين بعد المغرب و ركعتين بعد العشاء و ركعتين قبل الفجر .
مسألة : ما هي آكد السنن الرواتب ؟
آكد السنن الرواتب سنة الفجر
(حديث عائشة الثابت في صحيح مسلم ) قالت : لم يكن رسول الله ( على شيءٍّ من النوافل أشدُّ تعاهداً من ركعتي الفجر .
مسألة : هل يُسن تخفيف سنة الفجر ؟
نعم يُسن تخفيف سنة الفجر
((1/400)
حديث عائشة الثابت في الصحيحين) قالت : كان النبي ( يُخفف الركعتين التي قبل الفجر حتى إني لأقول هل قرأ بأم الكتاب .
مسألة : ماذا يقرأ المصلي سنة الفجر ؟
الذي دلت عليه السنة الثابتة الصحيحة وتجتمع فيه الأدلة أن الأفضل أنه يصلي أحياناً بالكافرون والإخلاص وأحياناً يقرأ في الأولى (قُولُوَاْ آمَنّا بِاللّهِ وَمَآ أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَمَآ أُنزِلَ إِلَىَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالأسْبَاطِ وَمَآ أُوتِيَ مُوسَىَ وَعِيسَىَ وَمَا أُوتِيَ النّبِيّونَ مِن رّبّهِمْ لاَ نُفَرّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مّنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ) [سورة: البقرة - الآية: 136] ، وفي الثانية (قُلْ يَأَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْاْ إِلَىَ كَلَمَةٍ سَوَآءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلاّ نَعْبُدَ إِلاّ اللّهَ وَلاَ نُشْرِكَ بِهِ شَيْئاً وَلاَ يَتّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضاً أَرْبَاباً مّن دُونِ اللّهِ فَإِن تَوَلّوْاْ فَقُولُواْ اشْهَدُواْ بِأَنّا مُسْلِمُونَ) [سورة: آل عمران - الآية: 64]
لأنه ثبت في السنة الثابتة الصحيحة أن النبي ( كان يقرأ بالكافرون والإخلاص ، وثبت أيضاً في السنة الثابتة الصحيحة أن النبي ( كان يقرأ ب(قُولُوَاْ آمَنّا بِاللّهِ وَمَآ أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَمَآ أُنزِلَ إِلَىَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ) و(قُلْ يَأَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْاْ إِلَىَ كَلَمَةٍ سَوَآءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ )
وهذا اختلاف تنوع الأفضل فيه أن يأتي بالعبادة على الوجه الأول تارة وعلى الوجه الثاني تارة .
(حديث أبي هريرة رضي الله عنه الثابت في صحيح مسلم ) أن النبي ( قرأ في ركعتي الفجر قل يا أيها الكافرون وقل هو الله أحد .
((1/401)
حديث ابن عباس الثابت في صحيح مسلم ) أن النبي ( كان يقرأ في ركعتي الفجر في الأولى منهما (قُولُوَاْ آمَنّا بِاللّهِ وَمَآ أُنْزِلَ إِلَيْنَا) التي في البقرة ، وفي الآخرة منهما وفي الآخرة منها التي في آل عمران ( تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم )
مسألة : من فاته شيءٌ من الرواتب هل يُسن قضاؤها ؟
الذي دلت عليه السنة الصحيحة وتجتمع فيه الأدلة أن المسألة على التفصيل الآتي :
(1) من فاته شيء من النوافل لعذر يُسنُّ له قضاء ما فاته ،
( حديث أنس الثابت في الصحيحين ) أن النبي ( قال : من نسيَ صلاة فليصلها إذا ذكرها ، لا كفارة له إلا ذلك .
( حديث أنس الثابت في صحيح مسلم ) أن النبي ( قال : من نسيَ صلاة أو نام عنها ، فكفارتها أن يصلها إذا ذكرها .
( حديث أبي زر الثابت في صحيح ابن ماجه ) أن النبي ( قال : إن الله تجاوز عن أُمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه .
( حديث أبي هريرة رضي الله عنه الثابت في صحيح الترمذي ) أن النبي ( قال : من لم يصلِّ ركعتي الفجر فليصلها بعد ما تطلع الشمس .
(2) من فاته شيء من النوافل عمداً لا تصح منه ، لأن هذه الرواتب عبادات مؤقتة ، والعبادات المؤقتة إذا تعمد الإنسان تأخيرها عن وقتها لا تُقبل منه ، لأنه بذلك يكون قد عمل عملاً ليس عليه أمر الله ورسوله ،
( حديث عائشة الثابت في صحيح مسلم ) أن النبي ( قال : من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد .
مسائل في السنن الرواتب
مسألة : سنة الظهر هل هي ركعتين قبله وركعتين بعده ، أم أربع ركعات قبله وركعتين بعده ، أم أربع ركعات قبله وأربع ركعات بعده ؟
كل هذا أتى في السنة الثابتة الصحيحة ، أتى في السنة الثابتة الصحيحة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يصلي قبل الظهر ركعتين وبعده ركعتين ،
((1/402)
حديث ابن عمر رضي الله عنهما الثابت في الصحيحين ) قال كان النبي ( يصلي قبل الظهر ركعتين وبعده ركعتين وبعد المغرب ركعتين في بيته وبعد العشاء ركعتين ، وكان لا يصلي بعد الجمعة حتى ينصرف فيصلي ركعتين .
وأتى في السنة الثابتة الصحيحة أن النبي ( كان يصلي قبل الظهر أربع ركعات وبعده ركعتين .
(حديث عائشة الثابت في صحيحي الترمذي وابن ماجه ) أن النبي ( قال : من ثابر على اثنتي عشرة ركعة من السنة بنى الله له بيتاً في الجنة : أربعاً قبل الظهر و ركعتين بعدها ، و ركعتين بعد المغرب و ركعتين بعد العشاء ، و ركعتين قبل الفجر .
وثبت في السنة الثابتة الصحيحة أيضاً أن النبي ( كان يصلي قبل الظهر أربعا وبعده أربعاً ،
( حديث أم حبيبة الثابت في صحيح السنة الأربعة ) أن النبي ( قال : من حافظ على أربع ركعاتٍ قبل الظهر وأربعٍ بعدها حَرُم على النار .
والقول في ذلك أن هذا اختلاف تنوع الأولى أن يأتي بها على الوجه الأول تارة وعلى الوجه الثاني تارة .
مسألة : هل يجوز أن يُصلى أربع ركعات قبل الظهر بدون تسليم ؟
يجوز ( لحديث أبي أيوب الثابت في صحيحي أبي داوود وابن ماجه ) أن النبي ( قال : أربعٌ قبل الظهر ليس فيهنَّ تسليم تُفتحُ لهنَّ أبواب السماء .
مسألة : هل يجوز أن يصلي أربعاً بعد الظهر بدون تسليم ؟
لا يجوز ( لحديث ابن عمر رضي الله عنهما الثابت في صحيحي أبي داوود والترمذي ) أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : صلاة الليل والنهار مثنى مثنى .
فالأصل أن صلاة التطوع النهارية والليلية مثنى مثنى وهذا قولٌ عام لا يخصص إلا بدليل .
ولهذا فتكون الصلاة التي بعد الظهر مثنى مثنى بخلاف صلاة الظهر القبلية فقد ورد ما يخصص العام وهو ( حديث أبي أيوب الثابت في صحيحي أبي داوود وابن ماجه ) أن النبي ( قال : أربعٌ قبل الظهر ليس فيهنَّ تسليم تُفتحُ لهنَّ أبواب السماء .
(2) السنن الغير مؤكدة :
ركعتان أو أربع قبل العصر .
((1/403)
حديث عبد الله بن المغفل الثابت في الصحيحين ) أن النبي ( قال : بين كل أذانين صلاة ، ثلاثاً ، لمن شاء .
( حديث ابن عمر رضي الله عنهما الثابت في صحيحي أبي داوود والترمذي ) أن النبي ( قال : رحم الله رجلاً صلى قبل العصر أربعاً .
ركعتان قبل المغرب وركعتان قبل العشاء ،
( حديث عبد الله بن المغفل الثابت في الصحيحين ) أن النبي ( قال : بين كل أذانين صلاة ، ثلاثاً ، لمن شاء .
(ثانياً صلاة التطوع المطلقة :
(1) صلاة الليل ومنها الوتر
(2) صلاة الضحى
(3) سنة الوضوء
(4) صلاة الاستخارة
(5) صلاة الكسوف
(6) صلاة الاستسقاء
قيام الليل
مسألة : ما هو فضل قيام الليل ؟
لقيام الليل فضلٌ عظيم وأجرٌ جسيم ، له منافع عظيمة وفوائد عميمة في الدارين، والكتاب والسنة طافحين بما يدل على فضل قيام الليل ، وإليك غيضٌ من فيض وقليلٌ من كثير مما ورد في الوحيين في فضل قيام الليل ؛
أولاً : الكتاب
(1) أمر الله تعالى نبيه بقيام الليل فقال : (وَمِنَ الْلّيْلِ فَتَهَجّدْ بِهِ نَافِلَةً لّكَ عَسَىَ أَن يَبْعَثَكَ رَبّكَ مَقَاماً مّحْمُوداً) [ الإسراء / 79]
وهذا الأمر وإن كان خاصاً بالنبي ( إلا أن عامة المسلمين يدخلون فيه بحكم أنهم مطالبون بالإقتداء به - صلى الله عليه وسلم - من جهة ، ولأنه ليس من الأشياء الخاصة بالنبي ( من جهةٍ أخرى ،
(2) بين الله تعالى أن قيام الليل من صفات المحسنين .
وقال تعالى: (إِنّ الْمُتّقِينَ فِي جَنّاتٍ وَعُيُونٍ * آخِذِينَ مَآ آتَاهُمْ رَبّهُمْ إِنّهُمْ كَانُواْ قَبْلَ ذَلِكَ مُحْسِنِينَ * كَانُواْ قَلِيلاً مّن اللّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ ) [الذاريات/17:15]
(3) مدحهم الله تعالى وأثنى عليهم ونظمهم في جملة عباده الأبرار ؛
وقال تعالى: (وَعِبَادُ الرّحْمََنِ الّذِينَ يَمْشُونَ عَلَىَ الأرْضِ هَوْناً وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الجَاهِلُونَ قَالُواْ سَلاَماً * وَالّذِينَ يِبِيتُونَ لِرَبّهِمْ سُجّداً وَقِيَاماً)
[(1/404)
الفرقان/64،63 ]
(4)نفى التسوية بينهم وبين غيرهم ممن لم يتصف بوصفهم :
قال تعالى: (أَمّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَآءَ اللّيْلِ سَاجِداً وَقَآئِماً يَحْذَرُ الاَخِرَةَ وَيَرْجُواْ رَحْمَةَ رَبّهِ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالّذِينَ لاَ يَعْلَمُونَ إِنّمَا يَتَذَكّرُ أُوْلُو الألْبَابِ) [ الزمر/ 9]
(5) بين الله تعالى أن قيام الليل أشدُ موافقةً للحفظ وأبلغ ، وطلب من نبيه أن ينقطع له انقطاعاً جزءاً من الوقت ؛
قال تعالى: (يَأَيّهَا الْمُزّمّلُ * قُمِ الْلّيْلَ إِلاّ قَلِيلاً * نّصْفَهُ أَوِ انقُصْ مِنْهُ قَلِيلاً* أَوْ زِدْ عَلَيْهِ وَرَتّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلاً * إِنّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلاً ثَقِيلاً *
إِنّ نَاشِئَةَ اللّيْلِ هِيَ أَشَدّ وَطْأً وَأَقْوَمُ قِيلاً * إِنّ نَاشِئَةَ اللّيْلِ هِيَ أَشَدّ وَطْأً وَأَقْوَمُ قِيلاً * وَاذْكُرِ اسْمَ رَبّكَ وَتَبَتّلْ إِلَيْهِ تَبْتِيلاً ) ( المزمل /8:1 )
ثانياً السنة :
(1) بينت السنة الثابتة الصحيحة أن أفضل صلاة بعد الفريضة صلاةُ الليل .
( حديث أبي هريرة رضي الله عنه الثابت في صحيح مسلم ) أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : أفضل الصيام بعد رمضان شهر الله المحرم ، وأفضلُ الصلاة بعد الفريضة صلاةُ الليل )
(2) قيام الليل عادة قديمة للصالحين ، وهو سبب في تكفير السيئات واغتنام الحسنات وهو مطردة للداء عن الجسد ؛
(حديث أبي أمامة الثابت في صحيح الترمذي ) أن النبي ( قال : عليكم بقيامِ الليل فإنه دأبٌ الصالحين قبلكم ، و قربةٌ إلى ربكم ، و منهاةٌ عن الإثم و تكفيرٌ للسيئات، و مطردةٌ للداءِ عن الجسد )
(3) قيام الليل من أسباب دخول الجنة :
( حديث عبد الله بن سلام الثابت في صحيحي الترمذي وابن ماجه ) أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : يأيها الناس أفشوا السلام وأطعموا الطعام وصلوا بالليل والناس نيام تدخلوا الجنة بسلام .
((1/405)
4) قيام الليل يكون سبباً في النجاة من الفتن ، ومما يُستعدُّ به من الحسنات للآخرة :
( حديث أم سلمة الثابت في صحيح البخاري ) قالت : استيقظ النبي ( ليلةً فزعاً يقول: سبحان الله ماذا أنزل الله من الخزائن وماذا أنزل من الفتن ، من يوقظُ صواحبٌ الحجرات ، يريد أزواجه لكي يصلين ، ربَّ كاسيةٍ في الدنيا عاريةٍ في الآخرة )
الشاهد :
أن النبي ( بعد ما قال ماذا أنزل الله من الفتن ، عقب بقوله ( من يوقظ صواحب الحجرات ، فدلَّ على أن صلاة الليل تنجي من الفتن ، ثم عقب بقوله ( ربَّ كاسية الملابس في الدنيا عارية من الحسنات يوم القيامة فدلَّ على أنه مما يستعد به من الحسنات .
(5) قيام الليل سبب النشاط :
(حديث أبي هريرة رضي الله عنه الثابت في الصحيحين ) أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : يعقدُ الشيطانُ على قافيةِ رأس أحدكم إذا هو نام ثلاث عُقد يَضربُ على مكانِ كلِ عُقدة، عليك ليلٌ طويلٌ فارقد، فإن استيقظ فذكر الله انحلت عقدة ، فإن توضأ انحلت عقدة ، فإن صلى انحلت عُقدة فأصبح نشيطاً طيب النفس ، وإلا أصبح خبيث النفس كسلان .
(6) كره النبي - صلى الله عليه وسلم - أن ينام الرجل الليل كله ،
( حديث ابن مسعود الثابت في الصحيحين ) قال : ذُكر عند النبي - صلى الله عليه وسلم - رجلٌ فقيل ما زال نائماً حتى أصبح ، ما قام إلى الصلاة . فقال : بال الشيطانُ في أذنه .
(7) أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - الإمام علي وابنته فاطمة بقيام الليل لحرصه عليهما ،
( حديث علي الثابت في الصحيحين ) أن النبي - صلى الله عليه وسلم - طرقَهُ وفاطمة بنت النبي - صلى الله عليه وسلم - ليلةً فقال : ألا تصليان ؟ فقلتُ يا رسول الله أنفسنا بيد الله فإذا شاء أن يبعثنا بعثنا ، فانصرف حين قلت ذلك ولم يرجع اليَّ شيئاً ، ثم سمعته وهو مٌوَلٍّ يضرب فَخِذه وهو يقول : وكان الإنسان أكثر شيء جدلاً .
(8) قيام الليل شرفُ المؤمن .
((1/406)
حديث سهل بن سعد الثابت الثابت في صحيح الجامع ) أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : أتاني جبريل فقال : يا محمدُ عِش ما شئت فإنك ميت و أحبب من شئت فإنك مفارِقُه ، و اعمل ما شئت فإنك مجزيٌ به ، و اعلم أن شرفَ المؤمن قيامُهُ بالليل و عزَّه استغناؤه عن الناس .
(9) حث النبي - صلى الله عليه وسلم - على التعاون بين الزوجين على قيام الليل ،
(حديث أبي هريرة رضي الله عنه الثابت في صحيحي أبي داوود والنسائي ) أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: رحم الله رجلاً قام من الليل فصلى و أيقظ امرأته فصلت فإن أبتْ نضح في وجهها الماء ، و رحم الله امرأةً قامت من الليل فصلت و أيقظت زوجَها فصلى فإن أبى نضحت في وجهه الماء .
(حديث أبي هريرة رضي الله عنه الثابت في صحيحي أبي داوود وابن ماجه ) أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: إذا أيقظ الرجلُ أهله من الليل فصليا ركعتين جميعاً كتبا من الذاكرين الله كثيراً والذاكرات .
مسألة : ما هو أفضلُ وقت لصلاة الليل ؟
أفضل وقته الثلث الأخير :
(حديث أبي هريرة رضي الله عنه الثابت في الصحيحين ) أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ينزل ربنا عز وجل كل ليلة إلى السماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل الآخر فيقول : من يدعوني فأستجيب له ؟ من يسألني فأعطيه ؟ من يستغفرني فأغفر له .
( حديث عبد الله بن عمرو الثابت في الصحيحين ) أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: أحبُ
الصيام إلى الله صيام داود عليه السلام ، وأحبُ الصلاة إلى الله صلاة داود ، و كان داود ينام نصف الليل ويقوم ثلثه وينام سدسه ، وكان يصوم يوماً ويفطر يوماً .
مسألة : ما هي آداب قيام الليل ؟
آداب قيام الليل :
(1) أن ينوي عند نومه قيام الليل ، فإن غلبه النوم كُتب له الأجر وكان نومه صدقة عليه ، ولم يُعدُّ مفرطاً .
(حديث عائشة الثابت في صحيح أبي داوود والنسائي ) أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال :(1/407)
ما من امرئ تكون له صلاة بليل يغلبه عليه نوم إلا كتب له أجر صلاته وكان نومه صدقةً عليه .
(حديث أبي قتادة الثابت في صحيح مسلم ) أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : ليس في النوم تفريط إنما التفريط على من لم يصل الصلاة حتى يجيء وقتها الأخرى .
(حديث أبي قتادة الثابت في صحيح السنن الأربعة ) أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : ليس في النوم إنما التفريط في اليقظة ، فإذا نسيَ أحدكم صلاة أو نام عنها فليصلها إذا ذكرها ولوقتها من الغد .
(2) يدعو بالدعاء الوارد عند استيقاظه بالليل للصلاة :
( حديث عبادة بن الصامت الثابت في صحيح البخاري ) أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : من تعارَّ من الليل فقال : لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، له الملك و له الحمد و هو على كل شيء قدير، سبحان الله و الحمد لله و لا إله إلا الله و الله أكبر و لا حول و لا قوة إلا بالله ثم قال : اللهم اغفر لي ، أو دعا استجيب له ، فإن فتوضأ و صلى قُبلت صلاته .
(حديث ابن عباس الثابت في الصحيحين) أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان إذا قام من الليل يتهجد قال : اللهم لك الحمد أنت نور السماوات والأرض ومن فيهن ، ولك الحمد أنت قيمُ السماوات والأرض ومن فيهن ، ولك الحمد أنت الحق ووعدك الحق وقولك الحق ولقاؤك حق والجنة حق والنار حق والنبيون حق والساعة حق اللهم لك أسلمت وبك آمنت وعليك توكلت وإليك أنبت وبك خاصمت وإليك حاكمت فاغفر لي ما قدمت وأخرت وأسررت وأعلنت أنت المقدم وأنت المؤخر لا إله إلا أنت .
{ تنبيه } :لا يُشترط في قيام الليل أن يسبق بنوم ولكن الأفضل أن يسبق بنوم .
(حديث عبد الله بن عمرو الثابت في الصحيحين) أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : أحب الصيام إلى الله صيام داود ، و أحب الصلاة إلى الله صلاة داود ، و كان داود ينام نصف الليل و يقوم ثلثه و ينام سدسه ، ويصوم يوما و يفطر يوما.
(3) يفتتح الصلاة بركعتين خفيفتين :
((1/408)
حديث أبي هريرة رضي الله عنه الثابت في صحيح مسلم ) أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : إذا قام أحدكم من الليل فليفتتح الصلاة بركعتين خفيفتين .
(4) أن يوقظ أهله لقيام الليل :
(حديث أم سلمة الثابت في صحيح البخاري) أن النبي - صلى الله عليه وسلم - استيقظ من الليل فزعاً فقال : ماذا أُنزل الليلة من الخزائن و: ماذا أُنزل من الفتن ، من يُوقظ صواحب الحجرات – لكي يصلين - رُبَّ كاسيةٍ في الدنيا عاريةٍ في الآخرة .
(حديث علي الثابت في الصحيحين) أن النبي - صلى الله عليه وسلم - طرقه وفاطمة فقال ألا تصليان ؟ فقلت يا رسول الله أنفسنا بيد الله فإذا شاء أن يبعثنا بعثنا فانصرف حين قلت ذلك ولم يرجع إليَّ شيئا ثم سمعته وهو مولٍ يضرب فخذه وهو يقول وكان الإنسان أكثر شيء جدلا >!
(حديث أبي هريرة رضي الله عنه الثابت في صحيحي أبي داوود والنسائي ) أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : رحم الله رجلا قام من الليل فصلى و أيقظ امرأته فصلت فإن أبت نضح في وجهها الماء و رحم الله امرأة قامت من الليل فصلت و أيقظت زوجها فصلى فإن أبى نضحت في وجهه الماء .
(حديث أبي هريرة رضي الله عنه الثابت في صحيحي أبي داوود وابن ماجة) أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : إذا أيقظ الرجل أهله فصليا ركعتين جميعا كتبا من الذاكرين الله كثيرا والذاكرات
(5) أن يترك الصلاة ويرقد إذا غلبه النعاس :
(حديث عائشة الثابت في الصحيحين) أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : إذاصلى أحدكم وهو ناعسٌ فليرقد حتى يذهب عنه النوم فإن أحدكم إذا صلى وهو ناعس لعله يستغفر فيسب نفسه .
(حديث أبي هريرة رضي الله عنه الثابت في صحيح مسلم ) أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال إذا قام أحدكم من الليل فاستعجم القرآن على لسانه فلم يدر ما يقول فليضطجع .
((1/409)
حديث أنس الثابت في الصحيحين) قال : دخل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - المسجد فإذا حبلٌ ممدود بين ساريتين فقال ما هذا ؟ قالوا هذا حبلٌ لزينب فإذا فترت تعلقت ، قال حلوه ليصل أحدكم نشاطه فإذا فتر فليرقد .
(6) أن يطوِّل القيام إن كان يستطيع :
(حديث أنس الثابت في الصحيحين) قال : صليت مع النبي - صلى الله عليه وسلم - ليلةً فلم يزل قائماً حتى هممتُ بأمرِ سَوْءٍ ، قيل وما هممت ؟ قال هممتُ أن أقعد وأذر النبي - صلى الله عليه وسلم - .
(حديث عبد الله بن عمرو الثابت في صحيح أبي داود) أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : من قام بعشر آيات لم يكتب من الغافلين و من قام بمائة آية كتب من القانتين و من قام بألف آية كتب من المقنطرين .
{تنبيه} معنى من المقنطرين : الذين يوفون أجورهم بالقنطار
(7) ألا يشق على نفسه وأن يصلي بقدر طاقته فإن خيرُ الأعمال أدومها وإن قل .
(حديث عائشة الثابت في الصحيحين) أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : خيرُ الأعمال أدومها وإن قل .
(حديث ابن عمر رضي الله عنهما الثابت في الصحيحين) أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : ألم أُخبر أنك تقوم الليل وتصومُ النهار ؟ قال إني أفعلُ ذلك ، قال فإنك إذا فعلت ذلك هجمت عينك ونَفَهَتْ نفسك وإن لنفسك حقاً ولأهلك حقاً فصم وأفطر وقم ونم .
(حديث أنس الثابت في الصحيحين) قال : دخل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - المسجد فإذا حبلٌ ممدود بين ساريتين فقال ما هذا ؟ قالوا هذا حبلٌ لزينب فإذا فترت تعلقت ، قال حلوه ليصل أحدكم نشاطه فإذا فتر فليرقد .
(حديث عائشة الثابت في الصحيحين) كانت عندي امرأةٌ من بني أسد فدخل عليَّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال من هذه ؟ قلت فلانة لا تنام من الليل – تذكر من صلاتها - فقال مَهْ ؟ عليكم ما تطيقون من الأعمال فإن الله لا يمل الله حتى تملوا .
{ تنبيه } :مَهْ كلمة نهي وزجر بمعنى ما هذا ؟
((1/410)
حديث أبي هريرة رضي الله عنه الثابت في صحيح البخاري ) أن النبي ( قال :إن الدين يسر و لن يُشادَّ الدين أحد إلا غلبه فسددوا و قاربوا و أبشروا و استعينوا بالغدوة و الروحة و شيء من الدلجة .
(حديث أنس الثابت في الصحيحين) جاء ثلاثةُ رهطٍ إلى بيوت النبي ( يسألون عن عبادة النبي ( فلما أخبروا كأنهم تقاُّلوها وقالوا : أين نحن من النبي ( قد غُفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر قال أما أنا أصلي الليل أبداً ، وقال آخر : وأنا أصوم الدهر أبداً ، وقال آخر : وأنا أعتزل النساء فلا أتزوج أبداً ، فجاء رسول الله ( فقال : أنتم الذين قلتم كذا وكذا ، أما والله إني لأخشاكم لله وأتقاكم له لكني أصوم وأفطر وأصلي وأرقد وأتزوج النساء فمن رغب عن سنتي فليس مني .
(حديث أنس الثابت في صحيح الجامع) أن النبي ( قال : إن هذا الدين متينٌ فأوغلوا فيه برفق .
(حديث ابن مسعود الثابت في صحيح مسلم ) أن النبي ( قال : هلك المتنطعون ، قالها ثلاثاً .
{ تنبيه } :المتنطعون المتعمقون المتشددون في غير موضع التشديد .
(حديث حنظلة بن الربيع الأُسيدي الثابت في صحيح مسلم ) قال لقيني أبو بكر فقال كيف أنت يا حنظلة قال قلت نافق حنظلة قال سبحان الله ما تقول قال قلت نكون عند رسول الله ( يذكرنا بالنار والجنة حتى كأنا رأى عين فإذا خرجنا من عند رسول الله ( عافسنا الأزواج والأولاد والضيعات فنسينا كثيرا قال أبو بكر فوالله إنا لنلقى مثل هذا فانطلقت أنا وأبو بكر حتى دخلنا على رسول الله ( قلت نافق حنظلة يا رسول الله فقال رسول الله ( وما ذاك ؟ قلت يا رسول الله نكون عندك تذكرنا بالنار والجنة حتى كأنا رأى عين فإذا خرجنا من عندك عافسنا الأزواج والأولاد والضيعات نسينا كثيرا فقال رسول الله ( والذي نفسي بيده إن لو تدومون على ما تكونون عندي وفي الذكر لصافحتكم الملائكة على فرشكم وفي طرقكم ولكن يا حنظلة ساعة وساعة ثلاث مرات .
معنى عافسنا : أي عالجنا ولاعبنا(1/411)
ومعنى الضيعات أي المعايش
(8) أن يواظب على القيام ولا ينقطع عنه :
(حديث ابن عمر رضي الله عنهما الثابت في الصحيحين) قال : قال لي سول الله ( يا عبد الله لا تكن مثل فلان كان يقوم الليل فترك قيام الليل .
(9) إذا كان قيام الليل في جماعة يستحب أن يصلي مع الإمام حتى ينصرف :
(حديث أبي ذر الثابت في صحيحي أبي داوود والترمذي) أن النبي ( قال : إن الرجل إذا صلى مع الإمام حتى ينصرف حُسِب له قيام ُ ليلة .
مسألة : ما هي كيفية صلاة الليل ؟
صلاة الليل مثنى مثنى بنص السنة الثابتة الصحيحة
(حديث ابن عمر رضي الله عنهما الثابت في الصحيحين) أن رجلاً أتى النبي ( فسأله عن صلاة الليل فقال : صلاة الليل مثنى مثنى فإذا خشِيَ أحدكم الصبح صلى ركعةً واحدةً تُوتر له ما قد صلى .
مسألة : هل يجوز صلاة الليل جالساً ؟
الذي دلت عليه السنة الثابتة الصحيحة أن صلاة التطوع عموماً يجوز للإنسان أن يصلي جالساً وإن كان يستطيع القيام ولكن له نصف أجر القائم .
(حديث عمران بن حُصين الثابت في الصحيحين) وكان مبسوراً فسأل النبي ( عن الصلاة فقال : إن صلى قائماً فهو أفضل ، وإن صلى قاعداً فله نصف أجر القائم وإن صلى نائماُ فله نصف أجر القاعد .
(حديث عائشة الثابت في الصحيحين) ما رأيت رسول الله ( يقرأ في شيء من صلاة الليل جالسا حتى إذا كبر قرأ جالسا حتى إذا بقي عليه من السورة ثلاثون أو أربعون آية قام فقرأهن ثم ركع .
{ تنبيه } :إذا صلى الإنسان قاعداً لعجزه عن القيام وعليه يُحمل الحديث الأتي :
(حديث أبي قتادة الثابت في الصحيحين) أن النبي ( قال : إذا مرض العبد أو سافر كتب الله له ما كان يعمله وهو الثابت في صحيح مقيم .
{ تنبيه } :أما بالنسبة لصلاة الفريضة فلا يجوز للإنسان أن يصلي قاعداً إلا إذا كان لا يستطيع أن يصلي قائما وعليه يحمل الحديث الأتي :
((1/412)
حديث عمران بن حُصين الثابت في الصحيحين) قال : كانت بي بواسير فسألت النبي ( عن الصلاة ؟ فقال : صلِّ قائماً فإن لم تستطع فقاعداً فإن لم تستطع فعلى جنب .
و إذا صلى الإنسان قاعداً لعجزه عن القيام وعليه يُحمل الحديث الأتي :
(حديث أبي قتادة الثابت في الصحيحين) أن النبي ( قال : إذا مرض العبد أو سافر كتب الله له ما كان يعمله وهو الثابت في صحيح مقيم .
مسألة : ما هو عدد ركعات قيام الليل ؟
الذي دلت عليه السنة الثابتة الصحيحة أن الذي دلت عليه السنة الثابتة الصحيحة أن النبي ( لم يزد في رمضان ولا في غيره عن إحدى عشرة ركعة :
(حديث عائشة الثابت في الصحيحين) أنها قالت : ما كان رسول الله النبي ( يزيد في رمضان ولا في غيره على إحدى عشرة ركعة يصلي أربعا فلا تسأل عن حسنهن وطولهن ثم يصلي أربعا فلا تسأل عن حسنهن وطولهن ثم يصلي ثلاثا فقالت عائشة فقلت يا رسول الله أتنام قبل أن توتر فقال يا عائشة إن عيني تنامان ولا ينام قلبي .
مسألة : هل كان النبي ( يواظب على إحدى عشرة ركعة ؟
لم يكن النبي ( يواظب على إحدى عشرة ركعة ولكن كان يصلي بحسب نشاطه سبعٌ وتسعٌ وإحدى عَشْرةَ سوى ركعتي الفجر .
(حديث مسروق الثابت في صحيح البخاري) قال : سألت عائشة عن صلاة النبي ( بالليل فقالت : سبعٌ وتسعٌ وإحدى عَشْرةَ سوى ركعتي الفجر .
مسألة : هل يجوز قضاء قيام الليل ؟
نعم يجوز قضاء قيام الليل بنص السنة الثابتة الصحيحة :
(حديث عمر الثابت في صحيح مسلم ) : أن النبي ( قال : من نام عن حزبه أو عن شيء منه فقرأه فيما بين صلاة الفجر و صلاة الظهر كتب كأنما قرأه من الليل .
مسألة : ما هي مشروعية قيام رمضان ؟
قيام رمضان آكد من غيره
(حديث أبي هريرة رضي الله عنه الثابت في الصحيحين) أن النبي ( قال : من قام رمضان إيمانا و احتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه )
مسألة : هل تُشرع الجماعة في قيام رمضان ؟
تُشرع الجماعة في قيام رمضان
((1/413)
حديث عائشة الثابت في الصحيحين) أن رسول الله ( صلى ذات ليلة في المسجد فصلى بصلاته ناس ثم صلى من القابلة فكثر الناس ثم اجتمعوا من الليلة الثالثة فلم يخرج إليهم رسول الله ( فلما أصبح قال قد رأيت الذي صنعتم فلم يمنعني من الخروج إليكم إلا أني خشيت أن تفرض عليكم قال وذلك في رمضان .
(حديث أبي ذر الثابت في صحيحي أبي داوود والترمذي) أن النبي ( قال : إن الرجل إذا صلى مع الإمام حتى ينصرف حُسِب له قيام ُ ليلة .
مسألة : هل القراءة في صلاة الليل هل هي سرية أم جهرية ؟
الذي دلت عليه السنة الثابتة الصحيحة أن الأمر في ذلك واسع إن شاء أسَّر و إن شاء جهر .
(حديث عبد الله ابن قيس الثابت في صحيح مسلم ) قال سألت عائشة رضي الله تعالى عنها كيف كانت قراءة النبي ( بالليل ، كان يُسِرُّ بالقراءة أم يجهر ؟ فقالت : كل ذلك كان يفعله ربما أسرَّ وبما جهر فقلت الحمد لله الذي جعل في الأمر سعة .
مسألة : من جهر بالقراءة في قيام الليل كيف تكون قراءته ؟
من جهر بالقراءة تكون قراءته وسطاً
(حديث أبي قتادة الثابت في صحيحي أبي داوود والترمذي) أن النبي ( قال لأبي بكر مررت بك وأنت تقرأ وأنت تخفض من صوتك قال إني أسمعت من ناجيت قال : ارفع قليلا ، وقال لعمر مررت بك وأنت تقرأ وأنت ترفع صوتك فقال إني أوقظ الوسْنَان وأطرد الشيطان قال : اخفض قليلا .
مسألة : هل صلاة الليل في المسجد أفضل أم في البيت ؟
الذي دلت عليه السنة الثابتة الصحيحة وتجتمع فيه الأدلة أن المسألة على التفصيل الأتي :
[1] إذا كان في المسجد جماعة لصلاة الليل ويخشى أنه إذا فاتته كسل عن قيام الليل أو نسيَ أو انشغل كان الأفضل أن يصلي مع الإمام إلى آخرها حتى يحسب له قيام ليلة
(حديث أبي ذر الثابت في صحيحي أبي داوود والترمذي) أن النبي ( قال : إن الرجل إذا صلى مع الإمام حتى ينصرف حُسِب له قيام ُ ليلة .
[(1/414)
2] أما إذا كان لا يخشى على نفسه كسلاً وجرّب نفسه في ذلك فالأفضل أن يصليها في بيته لأن صلاة التطوع في البيت أفضل
(حديث زيد بن ثابت الثابت في الصحيحين) أن النبي ( قال : صلوا أيها الناس في بيوتكم فإن أفضل الصلاة صلاة المرء في بيته إلا المكتوبة .
(حديث زيد بن ثابت الثابت في صحيح أبي داود) أن النبي ( قال : صلاة المرء في بيته أفضل من صلاته في مسجدي هذا إلا المكتوبة .
مسألة : هل يجوز أن تخص ليلةً معينة بالقيام ؟
لا يجوز أن تخص ليلةً معينة بالقيام
(حديث أبي هريرة رضي الله عنه الثابت في صحيح مسلم ) أن النبي ( قال : لا تختصوا ليلة الجمعة بقيام من بين الليالي و لا تختصوا يوم الجمعة بصيام من بين الأيام إلا أن يكون في صوم يصومه أحدكم .
مسألة : ما حكم صلاة الوتر ؟
قال بعض أهل العلم أنه واجب والثابت والصحيح أنه سنة مؤكدة :
(حديث ابن عمر رضي الله عنهما الثابت في الصحيحين) قال : كان النبي ( يصلي على راحلته حيث توجهت به يومئُ إيماءاً صلاة الليل إلا الفرائض ويوترُ على راحلته .
الشاهد : أن صلاة الفريضة من أركانها استقبال القبلة ، وكون النبي ( يصلي الوتر على راحلته حيث توجهت به يدل على أنه سنة وليس واجب .
( حديث طلحة بن عبيد الله الثابت في الصحيحين ) قال ، جاء رجلٌ إلى رسول الله ( من أهل نجد ثائرُ الرأس يُعْرَفُ دَويُ صوتهِ ولايُفْقَه ما يقول حتى دنا فإذا هو يسألُ عن الإسلام ؟ فقال رسول الله ( خمسُ صلوات في اليوم والليلة ، فقال : هل عليَّ غيرُها ؟ قال لا إلا أن تطوَّع. قال رسول الله ( وصيام رمضان . فقال هل عليَّ غيره؟ فقال لا إلا أن تطوع .قال : وذكر له رسولُ الله ( الزكاة فقال هل عليَّ غيرُها ؟ قال لا إلا أن تطوَّع . قال : فأدبر الرجل وهو يقول: والله لا أزيدُ على هذا ولا أنقص ، قال رسول الله ( أفلح إن صدق .(1/415)
الشاهد : أن النبي ( أخبر الرجل بأن فرض الصلوات خمس صلوات فسأله الرجل عليَّ غيرُها ؟ قال لا إلا أن تطوَّع .
مسألة : ما هو فضل الوتر ؟
للوتر فضلٌ عظيم وأجرٌ جسيم والسنة الصالحة طافحةٌ بما يدل على ذلك :
(1) ( حديث عائشة الثابت في الصحيحين ) قالت : كان النبي ( يصلي وأن معترضةٌ على فراشه فإذا أراد أن يوتر أيقظني فأوترت .
الشاهد : أن النبي ( كان يوقظ عائشة رضي الله تعالى عنها لصلاة الوتر خاصة فدَّل ذلك على عظيم فضل الوتر عن سائر صلاة الليل .
(2) حث النبي ( على صلاة الوتر وأوصى بها أصحابه
( حديث أبي هريرة رضي الله عنه الثابت في الصحيحين ) قال أوصاني خليلي ( بثلاثٍ لا أدعهن حتى أموت :صوم ثلاثة أيام من كل شهر وصلاة الضحى ونومٍ على وتر .
(حديث عليّ الثابت في صحيح السنن الأربعة ) أن النبي ( قال : يا أهل القرآن أوتروا فإن الله وِترٌ يحب الوتر .
مسألة : ما هو وقت الوتر ؟
(حديث خارجة بن حُذافة الثابت في صحيح الترمذي ) أن النبي ( قال : الوتر جعله الله فيما بين صلاة العشاء إلى أن يطلع الفجر .
(حديث أبي سعيد الثابت في صحيح مسلم ) أن النبي ( قال : أوتروا قبل أن تصبحوا .
(حديث عائشة الثابت في الصحيحين) قالت : كلُ الليل أوتر رسول الله ( وانتهى وِتره إلى السحر .
مسألة : من كانت له صلاة ليل فمتى يصلي الوتر ؟
يستحب أن يكون الوتر آخر صلاة ليلية
(حديث ابن عمر رضي الله عنهما الثابت في الصحيحين) أن النبي ( قال : اجعلوا آخر صلاتكم بالليل وتراً .
مسألة : هل يستحب للإنسان أن يؤخر صلاة الوتر إلى آخر الليل أم يصليها أول الليل ؟
القول الذي دلت عليه السنة الثابتة الصحيحة أن الإنسان فيها بحسب حاله فإن خاف ألا يقوم من آخر الليل فليوتر أوله ، ومن طمع أن يقوم من آخر الليل فليوتر من آخر الليل .
((1/416)
حديث أبي سعيد الثابت في صحيح مسلم ) أن النبي ( قال : من خاف أن لا يقوم من آخر الليل فليوتر أوله و من طمع أن يقوم آخره فليوتر آخر الليل فإن صلاة آخر الليل مشهودة و ذلك أفضل .
(حديث أبي قتادة الثابت في صحيح أبي داوود ) أن النبي ( قال لأبي بكر متى توتر قال أوتر من أول الليل وقال لعمر متى توتر قال آخر الليل فقال لأبي بكر أخذ هذا بالحذر وقال لعمر أخذ هذا بالقوة .
مسألة : ما هو عدد ركعات الليل ؟
(أقل الوتر ركعة واحدة
(حديث ابن عمر رضي الله عنهما الثابت في الصحيحين) أن رجلاً أتى النبي ( فسأله عن صلاة الليل فقال : صلاة الليل مثنى مثنى فإذا خشِيَ أحدكم الصبح صلى ركعةً واحدةً تُوتر له ما قد صلى .
(ويجوز الوتر بخمسٍ وبسبع وثلاثٍ وتسع :
(حديث أم سلمة الثابت في صحيح مسلم ) قالت : كان رسول الله يوتر بخمسٍ وبسبعٍ لا يفصل بينهما بسلامٍ ولا بكلام .
(حديث أبي أيوب الثابت في صحيحي أبي داوود والنسائي) أن النبي ( قال الوتر حق فمن شاء أوتر بسبع و من شاء أوتر بخمس و من شاء بثلاث و من شاء أوتر بواحدة .
مسألة : من أوتر بثلاثٍ فما هي صفة صلاته ؟
من أوتر بثلاثٍ فلصلاة الوتر صفتان مشروعتان هما :
[الأولى] أن يصلي الثلاث بتشهد واحد أخير حتى لا يشبه صلاة المغرب .
[الثانية] أن يسلم من ركعتين ثم يوتر بواحدة ، والأفضل أن يفعل هذه مرة وهذه مرة لأن العبادة التي ورد فيها اختلاف تنوع الأفضل فيها أن نأتي بها على هذا الوجه تارة وعلى الوجه الآخر تارة .
مسألة : من أوتر بخمسٍ أو بسبع فما هي صفة صلاته ؟
يصلي بتشهدٍ واحدٍ في آخر ركعة
(حديث أم سلمة الثابت في صحيح مسلم ) قالت : كان رسول الله يوتر بخمسٍ وبسبعٍ لا يفصل بينهما بسلامٍ ولا بكلام .
مسألة : من أوتر بتسعٍ فما هي صفة صلاته ؟
((1/417)
حديث عائشة الثابت في صحيح مسلم ) قالت : ويصلي تسع ركعات لا يجلس فيها إلا في الثامنة فيذكر الله ويحمده ويدعوه وينهض ولا يسلم ثم يقوم فيصلي التاسعة ثم يقعد فيذكر الله ويحمده ويدعوه ثم يسلِّم تسليماً يسمعنا .
{ تنبيه } :( معنى يذكر الله ويحمده ويدعوه : أي يقول التشهد فإنه يشتمل على ذكرٍ وحمدٍ ودعاء .
مسألة : من أوتر بإحدى عشرة ركعة فما صفة صلاته ؟
يسلم كل ركعتين ويوتر بواحدةٍ .
مسألة : ما هو أدنى الكمال في الوتر ؟
أدنى الكمال في الوتر أن يصلي الثلاث بتشهد واحد أخير حتى لا يشبه صلاة المغرب يقرأ في الأولى بـ (سبح اسم ربك الأعلى) وفي الثانية (قل يا أيها الكافرون) وفي الثالثة قل هو الله أحد والمعوذتين .
(حديث عائشة الثابت في صحيحي أبي داوود والترمذي) أنها لما سُئِلت بأي شيءٍ كان يوتر رسول الله ( قالت : كان يقرأ في الأولى بـ (سبح اسم ربك الأعلى) وفي الثانية (قل يا أيها الكافرون) وفي الثالثة قل هو الله أحد والمعوذتين .
مسألة : هل يُشرع قضاء الوتر لمن فاته ؟
القول الذي دلت عليه السنة الصحيحة وتجتمع فيه الأدلة أن المسألة على التفصيل الآتي :
[1] من فاته الوتر لعذرٍ يجوز قضاؤه وعليه تحمل الأحاديث الآتية
(حديث أبي ذر الثابت في صحيح ابن ماجة) أن النبي ( قال : إن الله تجاوز لي عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه .
(حديث أبي سعيد الثابت في صحيحي أبي داوود والترمذي) أن النبي ( قال : من نام عن وتره أو نسيه فليصلِّه إذا ذكره .
[2] أما من تعمد ترك الوتر حتى خرج وقته فلا يجوز قضاؤه لأن الوتر صلاة مؤقتة بوقت (حديث خارجة بن حُذاقة الثابت في صحيح الترمذي) أن النبي ( قال : الوتر جعله الله فيما بين صلاة العشاء إلى أن يطلع الفجر .
فلا تقبل في غير وقتها إلا لعذر لأنه إذا أتى بها في غير وقتها من غير عذر يكون قد عمل عملاً ليس عليه أمر الله ورسوله .
((1/418)
حديث عائشة الثابت في صحيح مسلم ) أن النبي ( قال : من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد .
مسألة : هل يجوز للرجل أن يوتر مرتين في ليلة ؟
لا يجوز للرجل أن يوتر مرتين في ليلة بنص السنة الثابتة الصحيحة
(حديث طلق بن علي الثابت في صحيحي أبي داوود والترمذي) أن النبي ( قال : لا وتران في ليلة .
مسألة : هل يُشرع القنوت في الوتر ؟
نعم يُشرع القنوت في الوتر
(حديث الحسن بن علي الثابت في صحيح السنن الأربعة ) قال علمني رسول الله ( كلمات أقولهن في الوتر{ اللهم اهدني فيمن هديت وعافني فيمن عافيت وتولني فيمن توليت وبارك لي فيما أعطيت وقني شر ما قضيت إنك تقضي ولا يقضى عليك وإنه لا يذل من واليت تباركت ربنا وتعاليت}
(حديث علي الثابت في صحيح أبي داوود وابن ماجة ) أن النبي ( كان يقول في آخر وتره : اللهم إني أعوذ برضاك من سخطك و بمعافاتك من عقوبتك و أعوذ بك منك لا أحصي ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك .
مسألة : هل يُشرع القنوت في الفرائض أو النوافل الأخرى غير الوتر ؟
لا يُشرع القنوت إلا عند النوازل لأن القنوت دعاء خاص في مكان خاص في عبادةٍ خاصة ، وقد ثبت في السنة الثابتة الصحيحة أن النبي ( كان يقنت عند النوازل ويكون دعاؤه عند النازلة بما يناسب النازلة وليس أن يقول اللهم اهدني فيمن هديت وعافني فيمن عافيت وتولني فيمن توليت وبارك لي فيما أعطيت وقني شر ما قضيت إنك تقضي ولا يقضى عليك وإنه لا يذل من واليت تباركت ربنا وتعاليت .
(حديث أنس الثابت في الصحيحين ) قال : قنت رسول الله ( شهراً يدعو على رِعْلٍ وذكوان .
(حديث أنس الثابت في الصحيحين ) قال : بعث النبي ( سريةً يُقال لهم القراء فأُصيبوا فما رأيت النبي ( وَجَدَ على شيءٍ ما وجد عليهم فقنت شهراً في صلاة الفجر ويقول : إن عُصَيَّة عصوا الله ورسوله .
مسألة : ما هو محل القنوت هل هو قبل الركوع أم بعده ؟
القول الذي دلت عليه السنة وتجتمع فيه الأدلة هو ما يلي :
[(1/419)
1] القنوت الذي في الوتر يكون قبل الركوع
(حديث أبي بن كعب الثابت في صحيح أبي داوود ) أن النبي ( قنت في الوتر قبل الركوع .
[2] القنوت الذي في الفريضة عند النازلة يكون بعد الركوع
(حديث أبي هريرة رضي الله عنه الثابت في الصحيحين ) قال : كان رسول الله ( حينيرفع رأسه من الركوع يقول سمع الله لمن حمده ربنا ولك الحمد يدعو لرجالٍ فيسميهم بأسمائهم فيقول : اللهم أنج الوليد بن الوليد وسلمة بن هشام وعياش بن أبي ربيعة والمستضعفين من المؤمنين اللهم اشدد وطأتك على مضر واجعلها عليهم كسني يوسف وأخل المشرق يومئذٍ من مُضر مخالفون له .
مسألة : ما هو الذكر الذي يقوله الإنسان بعد الوتر ؟
(حديث أبي بن كعب الثابت في صحيحي أبي داوود والنسائي ) قال : كان رسول الله ( إذا سلم في الوتر قال : سبحان الملك القدوس .
مسألة : ما هو فضل صلاة الضحى ؟
لصلاة الضحى فضلٌ عظيم وأجرٌ جسيم والسنة طافحةٌ بما يدل على ذلك
[1] صلاة الضحى تجزئ عن ثلاثمائة وستين صدقة
(حديث أبي هريرة رضي الله عنه الثابت في الصحيحين) أن النبي ( قال : يصبح على كل سلامى من أحدكم صدقة فكل تسبيحة صدقة و كل تحميدة صدقة و كل تهليلة صدقة و كل تكبيرة صدقة و أمر بالمعروف صدقة و نهي عن المنكر صدقة و يجزي من ذلك ركعتان يركعهما من الضحى .
الشاهد : أن ركعتان من الضحى تجزئ عن ثلاثمائة وستين صدقة ، وذلك أن لكل إنسان ثلاثمائة وستين مفصل ينبغي عليه أن يتصدق عن كل مفصل من مفاصله التي بلغت ثلاثمائة وستين مفصل شكراً لله تعالى على أن جعل هذه المفاصل تنثني وتريحه في الحركة والقيام والقعود و يجزي من ذلك ركعتان يركعهما من الضحى .
[2] أن الضحى من الوصايا الجليلة للنبي (
( حديث أبي هريرة رضي الله عنه الثابت في الصحيحين ) قال أوصاني خليلي ( بثلاثٍ لا أدعهن حتى أموت :صوم ثلاثة أيام من كل شهر وصلاة الضحى ونومٍ على وتر .
[3] صلاة الضحى صلاة الأوابين .
((1/420)
حديث أبي هريرة رضي الله عنه الثابت في صحيح الجامع ) أن النبي ( قال : صلاة الضحى صلاة الأوابين .
[4] تكفَّل الله تعالى لمن ركع أربع ركعات من الضحى كفاه آخر النهار من المؤنة وغيرها .
(حديث أبي ذر الثابت في صحيح الترمذي) أن النبي ( قال : قال الله تبارك وتعالى : ابن آدم اركع لي أربع ركعات في أول النهار أكفك آخره .
مسألة : ما هو وقت الضحى ؟
وقت الضحى من ارتفاع الشمس قدر رمح إلى قُبيل الظهر ـ أي قبل الزوال بنحو عشر دقائق ـ
مسألة : ما هو أفضل وقت الضحى ؟
أفضل وقت الضحى حين ترمض الفصال .
(حديث زيد بن أرقم الثابت في صحيح مسلم ) أن النبي ( قال : صلاة الأوابين حين ترمض الفصال .
( صلاة الأوابين ) بالتشديد أي الرجاعين إلى اللّه بالتوبة والإخلاص في الطاعة وترك متابعة الهوى
( حين ترمض الفصال ) أي حين تصيبها الرمضاء فتحرق أخفافها لشدة الحر فإن الضحى إذا ارتفع في الصيف يشتد حر الرمضاء فتحرق أخفاف الفصال لمماستها وإنما أضاف الصلاة في هذا الوقت إلى الأوابين لأن النفس تركن فيه إلى الدعة والاستراحة فصرفها إلى الطاعة والاشتغال فيه بالصلاة رجوع من مراد النفس إلى مرضاة الرب ذكره القاضي .
مسألة : ما هو أقل ركعات الضحى وأكثرها ؟
أقل ركعات الضحى ركعتان بنص السنة الثابتة الصحيحة :
(حديث أبي هريرة رضي الله عنه الثابت في الصحيحين) أن النبي ( قال : يصبح على كل سلامى من أحدكم صدقة فكل تسبيحة صدقة و كل تحميدة صدقة و كل تهليلة صدقة و كل تكبيرة صدقة و أمر بالمعروف صدقة و نهي عن المنكر صدقة و يجزي من ذلك ركعتان يركعهما من الضحى .
(أكثر ركعات الضحى :
الذي دلت عليه السنة الثابتة الصحيحة أنه لا حد لأكثر ركعات الضحى
(حديث عائشة الثابت في صحيح مسلم ) قالت : كان رسول الله ( يصلي الضحى أربعاً ويزيد ما شاء .
{(1/421)
تنبيه } :( أما (حديث أم هانئ الثابت في الصحيحين ) أن النبي ( يوم فتح مكة اغتسل في بيتها فصلى ثمان ركعات ، فما رأيته صلى صلاة أخف منها غير أنه يُتم الركوع والسجود .
فلا يستدل به على أن أكثر الضحى ثمان ركعات لأن النبي ( لم يقل لا تصلوا أكثر من ثمانية ، ولأن حديث أم هانئ من قضايا العين و قضايا العين لا تعد تشريعا .
مسألة : هل يستحب تخفيف صلاة الضحى أم تطويلها ؟
يستحب تخفيف صلاة الضحى
(حديث أم هانئ الثابت في الصحيحين ) أن النبي ( يوم فتح مكة اغتسل في بيتها فصلى ثمان ركعات ، فما رأيته صلى صلاة أخف منها غير أنه يُتم الركوع والسجود .
مسألة : ما الدليل على أن صلاة الضحى ليست واجبة ؟
( حديث طلحة بن عبيد الله الثابت في الصحيحين ) قال ، جاء رجلٌ إلى رسول الله ( من أهل نجد ثائرُ الرأس يُعْرَفُ دَويُ صوتهِ ولا يفقه ما يقول حتى دنا فإذا هو يسألُ عن الإسلام ؟ فقال رسول الله ( خمسُ صلوات في اليوم والليلة ، فقال : هل عليَّ غيرُها ؟ قال لا إلا أن تطوَّع. قال رسول الله ( وصيام رمضان . فقال هل عليَّ غيره؟ فقال لا إلا أن تطوع .قال : وذكر له رسولُ الله ( الزكاة فقال هل عليَّ غيرُها ؟ قال لا إلا أن تطوَّع . قال : فأدبر الرجل وهو يقول: والله لا أزيدُ على هذا ولا أنقص ، قال رسول الله ( أفلح إن صدق .
مسألة : ما الدليل على مشروعية سنة الوضوء ؟
( حديث أبي هريرة رضي الله عنه الثابت في الصحيحين ) أن النبي ( قال لبلال يا بلال حدثني بأرجى عملٍ عملته في الإسلام فإني سمعت دفَّ نعليك بين يدي في الجنة ؟ قال ما عملتُ عملاً أرجى عندي من أني لم أتطهر طهوراً في ساعةٍ من ليلٍ أو نهارٍ إلا صليت بذلك الطُهور ما كتب لي أن أصلي .
مسألة : ما الدليل على مشروعية صلاة الاستخارة ؟
((1/422)
حديثُ جابر ابن عبد الله رضي الله عنهما الثابت في صحيح البخاري ) قال كان رسولُ الله يُعلمُنا الاستخارة في الأمورِ كلها كالسورةِ من القرآن ، إذا همَّ أحدكم بالأمرِ فليركع ركعتين من غيرِ الفريضةِ ثم يقول : اللهم إني أستخِيرُك بعلمك وأستقدرك بقدرتك وأسألك من فضلك العظيم فإنك تقدرُ ولا أقدرُ وتعلمُ ولا أعلمُ وأنت علاَّمُ الغيوب ، اللهم إن كنت تعلمُ أن هذا الأمرَ خيرٌ لي في ديني ومعاشي وعاقبةِ أمري _ أو قال عاجل أمري وآجله _ فاقدره لي ، وإن كنت تعلم أن هذا الأمرَ شرٌ لي في ديني ومعاشي وعاقبةِ أمري فاصرفْه عني واصرفني عنه ثم ارضِني به ، ويُسَمِّي حاجته .
مسألة : ما معنى كسوف الشمس وخسوف القمر ؟
معنى كسوف الشمس : الكسوف التغير إلى سواد أي ذهاب ضوء الشمس
معنى خسوف القمر : الخسوف ذهاب النور أي ذهاب نور القمر .
مسألة : هل الكسوف خاصٌ بالشمس والخسوف خاصٌ بالقمر ؟
الكسوف والخسوف كلاهما يطلق على الشمس والقمر لكن الأشهر عند الفقهاء أن نقول كسوف الشمس و خسوف القمر .
مسألة : ما هي كيفية صلاة الكسوف أو الخسوف ؟
(حديث عائشة الثابت في الصحيحين) خسفت الشمس في عهد رسول الله ( فصلى بالناس فقام فأطال القيام ثم ركع فأطال الركوع ثم قام فأطال القيام وهو دون القيام الأول ثم ركع فأطال الركوع وهو دون الركوع الأول ثم سجد فأطال السجود ثم فعل في الركعة الثانية مثل ما فعل في الأولى ثم انصرف رسول الله (وقد انجلت الشمس فخطب الناس فحمد الله وأثنى عليه ثم قال إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله لا ينخسفان لموت أحد ولا لحياته فإذا رأيتم ذلك فادعوا الله وكبروا وصلوا وتصدقوا ، ثم قال يا أمة محمد إن من أحد أغير من الله أن يزني عبده أو تزني أمته يا أمة محمد والله لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلا ولبكيتم كثيرا .
(حديث عائشة الثابت في صحيح البخاري) أن النبي ( صلى بهم كسوف الشمس أربع ركعات في سجدتين الأول الأول أطول .(1/423)
مسألة : هل تسن الجماعة في صلاة الكسوف ؟
(حديث عائشة الثابت في صحيح البخاري) أن النبي ( صلى بهم كسوف الشمس أربع ركعات في سجدتين الأول الأول أطول .
(حديث عبد الله بن عمرو الثابت في الصحيحين) قال لما كسفت الشمس على عهد رسول الله ( نُودي أن الصلاة جامعة .
مسألة : هل تُسن الخطبة بعد صلاة الكسوف ؟
(حديث عائشة الثابت في الصحيحين) خسفت الشمس في عهد رسول الله (فصلى بالناس فقام فأطال القيام ثم ركع فأطال الركوع ثم قام فأطال القيام وهو دون القيام الأول ثم ركع فأطال الركوع وهو دون الركوع الأول ثم سجد فأطال السجود ثم فعل في الركعة الثانية مثل ما فعل في الأولى ثم انصرف رسول الله (وقد انجلت الشمس فخطب الناس فحمد الله وأثنى عليه ثم قال إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله لا ينخسفان لموت أحد ولا لحياته فإذا رأيتم ذلك فادعوا الله وكبروا وصلوا وتصدقوا ، ثم قال يا أمة محمد إن من أحد أغير من الله أن يزني عبده أو تزني أمته يا أمة محمد والله لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلا ولبكيتم كثيرا .
مسألة : ما هو وقت صلاة الكسوف ؟
وقت صلاة الكسوف ابتداء الكسوف إلى أن ينجلي .
(حديث المغيرة ابن شعبة الثابت في الصحيحين) قال : انكسفت الشمس يوم مات إبراهيم فقال الناس انكسفت لموت إبراهيم فقال رسول الله ( إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله لا ينكسفان لموت أحد ولا لحياته فإذا رأيتم ذلك فادعوا الله وصلوا حتى تنجلي .
مسألة : ما معنى الاستسقاء ، و ما معنى صلاة الاستسقاء ؟
معنى الاستسقاء : طلب السقي
معنى صلاة الاستسقاء : الصلاة لطلب السقي على صفة مخصوصة .
ويشرع ذلك إذا أجدبت الأرض وقحط المطر صلوا جماعة وفُرادى .
مسألة : ما حكم صلاة الاستسقاء ؟
صلاة الاستسقاء سنةٌ مؤكدة
(حديث عبد الله بن زيد الثابت في الصحيحين) قال : خرج النبي ( يستسقي فتوجه إلى القبلة يدعو وحوَّل رداءه ثم صلى ركعتين جهر فيهما بالقراءة .(1/424)
مسألة : هل الأفضل أن تصلى صلاة الاستسقاء جماعةً أم فرداً ؟
الأفضل في صلاة الاستسقاء أن تكون جماعةً لفعل النبي ( واستمرار المسلمين على ذلك .
(حديث عبد الله بن زيد الثابت في الصحيحين) قال : خرج النبي ( يستسقي فتوجه إلى القبلة يدعو وحوَّل رداءه ثم صلى ركعتين جهر فيهما بالقراءة .
مسألة : ماذا يصنع الإمام إذا خرج لصلاة الاستسقاء ؟
[1] يصلي ركعتين يجهر فيهما بالقراءة .
(حديث عبد الله بن زيد الثابت في الصحيحين) قال : خرج النبي ( يستسقي فتوجه إلى القبلة يدعو وحوَّل رداءه ثم صلى ركعتين جهر فيهما بالقراءة .
[2] يخطب خطبةً قبل الصلاة أو بعدها ويعظ الناس ويخوفهم بالله ويذكرهم بترك المعاصي ويلين القلب القاسي ويأمرهم بالخروج من المظالم ورد المظالم إلى أهلها ويأمرهم بالتقوى فإنها خير زادٍ ليوم الميعاد وسبب نزول البركات .
قال تعالى: (وَلَوْ أَنّ أَهْلَ الْقُرَىَ آمَنُواْ وَاتّقَواْ لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مّنَ السّمَآءِ وَالأرْضِ وَلََكِن كَذّبُواْ فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ) [الأعراف / 96]
(حديث ابن عمر رضي الله عنهما الثابت في صحيح ابن ماجة) أن النبي ( قال : يا معشر المهاجرين خمس إذا ابتليتم بهن وأعوذ بالله أن تدركوهن لم تظهر الفاحشة في قوم قط حتى يعلنوا بها إلا فشا فيهم الطاعون والأوجاع التي لم تكن مضت في أسلافهم الذين مضوا ولم ينقصوا المكيال والميزان إلا أخذوا بالسنين وشدة المئونة وجور السلطان عليهم ولم يمنعوا زكاة أموالهم إلا منعوا القطر من السماء ولولا البهائم لم يمطروا ولم ينقضوا عهد الله وعهد رسوله إلا سلط الله عليهم عدوا من غيرهم فأخذوا بعض ما في أيديهم وما لم تحكم أئمتهم بكتاب الله ويتخيروا مما أنزل الله إلا جعل الله بأسهم بينهم .
[(1/425)
3] يأمرهم بترك التشاحن فإنها صفةٌ ذميمةٌ عاقبتها وخيمة وهو خلق بذيْ ومسلكٌ رديْ من فواحش العيوب ومن قبائح الذنوب وقد بينت السنة الثابتة الصحيحة أن التشاحن يمنع نزول الخير فإن النبي ( علم تعيين ليلة القدر بليلةْ مخصوصة ولما تلاحى رجلان رُفع علم تعينها في يومٍ مخصوص .
(حديث عبادة بن الصامت الثابت في صحيح البخاري) قال خرج النبي ( ليخبرنا بليلة القدر فتلاحى رجلان من المسلمين فقال خرجت لأخبركم بليلة القدر فتلاحى فلان وفلان فرفعت وعسى أن يكون خيرا لكم فالتمسوها في التاسعة والسابعة والخامسة .
[4] يخرج متواضعاً متخشِّعاً متضرعا :
(حديث ابن عباس الثابت في صحيح الترمذي) قال خرج النبي ( للاستسقاء متذللاً متواضعاً متخشِّعاً متضرعا .
[5] يستحب خروج الشيوخ و الضعفاء لأنهم أسرعُ للإجابة وكذا الصبيان المميزون لأنهم لا ذنوب لهم .
(حديث سعد ابن أبي وقاص الثابت في صحيح البخاري) أن النبي ( قال : هل تنصرون وترزقون إلا بضعفائكم ؟ .
[6] التوسل بالصالحين الأحياء :
(حديث عمر ابن الخطاب الثابت في صحيح البخاري) قال : كان إذا قحطوا استسقى بالعباس بن عبد المطلب فقال اللهم إنا كنا نتوسل إليك بنبينا فتسقينا وإنا نتوسل إليك بعم نبينا فاسقنا قال فيسقون .
[7] يكثر الاستغفار لأنه سبب نزول الغيث :
قال تعالى: (فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُواْ رَبّكُمْ إِنّهُ كَانَ غَفّاراً ، يُرْسِلِ السّمَآءَ عَلَيْكُمْ مّدْرَاراً ، وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَل لّكُمْ جَنّاتٍ وَيَجْعَل لّكُمْ أَنْهَاراً) [ نوح 10: 12]
[8] يرفع يديه في الدعاء :
(حديث أنس الثابت في الصحيحين) قال : كان النبي ( لا يرفع يديه في شيءْ من دعائه إلا في الاستسقاء ، وكان يرفع يديه حتى يُرى بياض إبطيه .
[9] يجعل ظهر كفيه إلى السماء
(حديث أنس الثابت في صحيح مسلم ) أن النبي ( استسقى فأشار بظهر كفيه إلى السماء .
[(1/426)
9] يدعو بدعاء النبي ( : اللهم اسقنا غيثا مغيثا مريئا مريعا نافعا غير ضار عاجلا غير آجل .
(حديث جابر ابن عبد الله رضي الله عنهما الثابت في صحيح أبي داود)قال : أتت النبي ( بواكي فقال اللهم اسقنا غيثا مغيثا مريئا مريعا نافعا غير ضار عاجلا غير آجل قال فأطبقت عليهم السماء .
[11] يُحَوِّلُ ردائه فيجعل اليمين على اليسار واليسار على اليمين ويستقبل القبلة أثناء الخطبة :
(حديث عبد الله بن زيد الثابت في الصحيحين) قال : خرج النبي ( يستسقي فتوجه إلى القبلة يدعو وحوَّل رداءه ثم صلى ركعتين جهر فيهما بالقراءة .
[12] إذا رأى المطر قال : اللهم صيباً نافعاً، ويقول مطرنا بفضل الله و رحمته .
(حديث عائشة الثابت في الصحيحين) أن النبي ( كان إذا رأى المطر قال : اللهم صيباً نافعاً .
(حديث زيد بن خالد الجُهني الثابت في الصحيحين) قال صلى لنا رسول الله ( صلاة الصبح بالحديبية على إثرِ سماءٍ كانت من الليل ، فلما انصرف أقبل على الناس فقال : هل تدرون ماذا قال ربكم ؟ قالوا الله ورسوله أعلم ، قال الله : أصبح من عبادي مؤمن بي و كافر فأما من قال : مطرنا بفضل الله و رحمته فذلك مؤمن بي كافر بالكواكب و أما من قال : مطرنا بنوء كذا و كذا فذلك كافر بي و مؤمن بالكواكب .
[13] إذا زاد المطر وخِيف منه قال : اللهم حوالينا ولا علينا
((1/427)
حديث أنس الثابت في الصحيحين) قال أصابت الناس سنة على عهد رسول الله ( فبينا رسول الله ( يخطب على المنبر يوم الجمعة قام أعرابي فقال يا رسول الله هلك المال وجاع العيال فادع الله لنا أن يسقينا قال فرفع رسول الله ( يديه وما في السماء قزعة قال فثار سحاب أمثال الجبال ثم لم ينزل عن منبره حتى رأيت المطر يتحادر على لحيته قال فمطرنا يومنا ذلك وفي الغد ومن بعد الغد والذي يليه إلى الجمعة الأخرى فقام ذلك الأعرابي أو رجل غيره فقال يا رسول الله تهدم البناء وغرق المال فادع الله لنا فرفع رسول الله ( يديه وقال اللهم حوالينا ولا علينا قال فما جعل يشير بيده إلى ناحية من السماء إلا تفرجت حتى صارت المدينة في مثل الجوبة حتى سال الوادي وادي قناة شهرا ولم يجيء أحد من ناحية إلا حدث بالجود .
[14] يخرج ثوبه ورحله ليصيبه المطر .
(حديث أنس الثابت في صحيح مسلم ) قال : كنا مع النبي ( فحسر ثوبه حتى أصابه من المطر فقلنا : لم صنعت هذا ؟ قال : لأنه حديث عهدٌ بربه .
مسألة : هل يجوز الاستسقاء في خطبة الجمعة في المسجد ؟
يجوز الاستسقاء في خطبة الجمعة في المسجد بنص السنة الثابتة الصحيحة
((1/428)
حديث أنس الثابت في الصحيحين) قال أصابت الناس سنة على عهد رسول الله ( فبينا رسول الله ( يخطب على المنبر يوم الجمعة قام أعرابي فقال يا رسول الله هلك المال وجاع العيال فادع الله لنا أن يسقينا قال فرفع رسول الله ( يديه وما في السماء قزعة قال فثار سحاب أمثال الجبال ثم لم ينزل عن منبره حتى رأيت المطر يتحادر على لحيته قال فمطرنا يومنا ذلك وفي الغد ومن بعد الغد والذي يليه إلى الجمعة الأخرى فقام ذلك الأعرابي أو رجل غيره فقال يا رسول الله تهدم البناء وغرق المال فادع الله لنا فرفع رسول الله ( يديه وقال اللهم حوالينا ولا علينا قال فما جعل يشير بيده إلى ناحية من السماء إلا تفرجت حتى صارت المدينة في مثل الجوبة حتى سال الوادي وادي قناة شهرا ولم يجيء أحد من ناحية إلا حدث بالجود .
مسألة : ما هي السَّنة (القحط) ؟
(حديث أبي هريرة رضي الله عنه الثابت في صحيح مسلم ) أن النبي ( قال : ليست السنة بأن لا تمطروا ولكن السنة أن تمطروا وتمطروا ولا تنبت الأرض شيئا .
مسألة : ما هو فضل سجود التلاوة ؟
لسجود التلاوة فضلٌ عظيم وأجرٌ جسيم والسنة طافحةٌ بما يدل على ذلك والسعيد من وفق لكثرة السجود بأنواعه
(حديث أبي هريرة رضي الله عنه الثابت في صحيح مسلم ) أن النبي ( قال : إذا قرأ ابن آدم السجدة فسجد اعتزل الشيطان يبكي يقول : يا ويله ـ وفي رواية يا ويلي ـ أُمر ابن آدم بالسجود فسجد فله الجنة و أمرت بالسجود فأبيت فليَ النار .
(حديث ربيعة ابن كعب الأسلمي الثابت في صحيح مسلم ) كنت آتي رسول الله ( بوضوئه وحاجته فقال لي سلني فقلت أسألك مرافقتك في الجنة قال أو غير ذلك قلت هو ذاك قال فأعنى على نفسك بكثرة السجود .
مسألة : هل سجود التلاوة صلاة ؟(1/429)
قال بعض أهل العلم أن سجود التلاوة صلاة والصحيح الذي اختاره شيخ الإسلام أنه ليس بصلاة لأنه لا ينطبق عليه تعريف الصلاة إذ لم يثبت في السنة أن له تكبيراً ولا تسليماً فالأحاديث التي في سجود التلاوة ليس فيها إلا مجرد السجود ، وعلى هذا فلا يُشترط لها ستر العورة ولا استقبال القبلة ولا الوضوء ، وعلى هذا فإن الإنسان يقرأ القرآن عن ظهر قلب وهو على غير وضوء فمر بسجدة فلا جناح عليه أن يسجد وهو على غير وضوء ، وقد كان ابن عمر رضي الله عنهما رضي الله تعالى عنه مع تشدده يسجد على غير وضوء .
مسألة : اذكر دليل مشروعية سجود التلاوة ؟
قال تعالى: (إِنّمَا يُؤْمِنُ بِآيَاتِنَا الّذِينَ إِذَا ذُكّرُواْ بِهَا خَرّواْ سُجّداً وَسَبّحُواْ بِحَمْدِ رَبّهِمْ وَهُمْ لاَ يَسْتَكْبِرُونَ) [سورة: السجدة - الآية: 15]
(حديث ابن عمر رضي الله عنهما الثابت في الصحيحين) قال : كان النبي ( يقرأ علينا السورة فيها السجدة فيسجدُ ونسجدُ حتى ما يجدُ أحدنا موضعاً لجبهته .
(حديث ابن مسعود الثابت في الصحيحين) قال قرأ النبي ( النجم بمكة فسجد فيها وسجد من معه غير شيخ أخذ كفا من حصى أو تراب فرفعه إلى جبهته وقال يكفيني هذا فرأيته بعد ذلك قتل كافرا .
مسألة : ما حكم سجود التلاوة ؟
الصحيح أن سجود التلاوة سنة
(حديث عبد الله ابن زيد الثابت في الصحيحين) قال : قرأت على النبي ( والنجم فلم يسجد فيها .
الشاهد : أن سجود التلاوة لو كان واجباً لما تركه النبي( .
(حديث عمر الثابت في صحيح مسلم ) أنه قرأ يوم الجمعة على المنبر بسورة النحل حتى إذا جاء السجدة نزل فسجد وسجد الناس ، حتى إذا كانت الجمعة الأخرى قرأ بها حتى إذا جاء السجدة قال : يا أيها الناس إنا نمرُ بالسجود فمن سجد فقد أصاب ومن لم يسجد فلا إثم عليه .
الشاهد : أن عمر رضي الله تعالى عنه قال ذلك على المنبر بمحضر من الصحابة فلم ينكر ذلك عليه أحد .(1/430)
مسألة : ما هي مواضع سجود التلاوة في القرآن ؟
مواضع سجود التلاوة في القرآن خمسة عشر موضعا
(حديث عمرو ابن العاص الثابت في صحيحي أبي داوود وابن ماجة) أن النبي ( أقرأه خمسَ عشرةَ سجدة ، منها ثلاثٌ في المفصل وفي الحج سجدتان .
الموضع الأول : قال تعالى: (إِنّ الّذِينَ عِندَ رَبّكَ لاَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ وَيُسَبّحُونَهُ وَلَهُ يَسْجُدُونَ) [سورة: الأعراف - الآية: 206]
الموضع الثاني : قال تعالى: (وَللّهِ يَسْجُدُ مَن فِي السّمَاوَاتِ وَالأرْضِ طَوْعاً وَكَرْهاً وَظِلالُهُم بِالْغُدُوّ وَالاَصَالِ) [سورة: الرعد - الآية: 15]
الموضع الثالث : قال تعالى: (وَلِلّهِ يَسْجُدُ مَا فِي السّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأرْضِ مِن دَآبّةٍ وَالْمَلآئِكَةُ وَهُمْ لاَ يَسْتَكْبِرُونَ) [سورة: النحل - الآية: 49]
الموضع الرابع : قال تعالى: (قُلْ آمِنُواْ بِهِ أَوْ لاَ تُؤْمِنُوَاْ إِنّ الّذِينَ أُوتُواْ الْعِلْمَ مِن قَبْلِهِ إِذَا يُتْلَىَ عَلَيْهِمْ يَخِرّونَ لِلأذْقَانِ سُجّداً) [سورة: الإسراء - الآية: 107]
الموضع الخامس : قال تعالى: (أُولََئِكَ الّذِينَ أَنْعَمَ اللّهُ عَلَيْهِم مّنَ النّبِيّيْنَ مِن ذُرّيّةِ ءادَمَ وَمِمّنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ وَمِن ذُرّيّةِ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْرَائِيلَ وَمِمّنْ هَدَيْنَا وَاجْتَبَيْنَآ إِذَا تُتْلَىَ عَلَيْهِمْ آيَاتُ الرّحْمََنِ خَرّواْ سُجّداً وَبُكِيّاً) [سورة: مريم - الآية: 58]
الموضع السادس : قال تعالى: (أَلَمْ تَرَ أَنّ اللّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَن فِي السّمَاوَاتِ وَمَن فِي الأرْضِ وَالشّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنّجُومُ وَالْجِبَالُ وَالشّجَرُ وَالدّوَآبّ وَكَثِيرٌ مّنَ النّاسِ وَكَثِيرٌ حَقّ عَلَيْهِ الْعَذَابُ وَمَن يُهِنِ اللّهُ فَمَا لَهُ مِن مّكْرِمٍ إِنّ اللّهَ يَفْعَلُ مَا يَشَآءُ) [الحج / 18](1/431)
الموضع السابع : قال تعالى: (يَأَيّهَا الّذِينَ آمَنُواْ ارْكَعُواْ وَاسْجُدُواْ وَاعْبُدُواْ رَبّكُمْ وَافْعَلُواْ الْخَيْرَ لَعَلّكُمْ تُفْلِحُونَ) [سورة: الحج - الآية: 77]
الموضع الثامن : قال تعالى: (وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اسْجُدُواْ لِلرّحْمََنِ قَالُواْ وَمَا الرّحْمََنُ أَنَسْجُدُ لِمَا تَأْمُرُنَا وَزَادَهُمْ نُفُوراً) [سورة: الفرقان - الآية: 60]
الموضع التاسع : قال تعالى: (أَلاّ يَسْجُدُواْ للّهِ الّذِي يُخْرِجُ الْخَبْءَ فِي السّمَاوَاتِ وَالأرْضِ وَيَعْلَمُ مَا تُخْفُونَ وَمَا تُعْلِنُونَ) [سورة: النمل - الآية: 25]
الموضع العاشر : قال تعالى: (إِنّمَا يُؤْمِنُ بِآيَاتِنَا الّذِينَ إِذَا ذُكّرُواْ بِهَا خَرّواْ سُجّداً وَسَبّحُواْ بِحَمْدِ رَبّهِمْ وَهُمْ لاَ يَسْتَكْبِرُونَ) [سورة: السجدة - الآية: 15]
الموضع الحادي عشر : قال تعالى: (قَالَ لَقَدْ ظَلَمَكَ بِسُؤَالِ نَعْجَتِكَ إِلَىَ نِعَاجِهِ وَإِنّ كَثِيراً مّنَ الْخُلَطَآءِ لَيَبْغِيَ بَعْضُهُمْ عَلَىَ بَعْضٍ إِلاّ الّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصّالِحَاتِ وَقَلِيلٌ مّا هُمْ وَظَنّ دَاوُودُ أَنّمَا فَتَنّاهُ فَاسْتَغْفَرَ رَبّهُ وَخَرّ رَاكِعاً وَأَنَابَ) [سورة: ص - الآية: 24]
الموضع الثاني عشر : قال تعالى: (وَمِنْ آيَاتِهِ اللّيْلُ وَالنّهَارُ وَالشّمْسُ وَالْقَمَرُ لاَ تَسْجُدُواْ لِلشّمْسِ وَلاَ لِلْقَمَرِ وَاسْجُدُواْ لِلّهِ الّذِي خَلَقَهُنّ إِن كُنتُمْ إِيّاهُ تَعْبُدُونَ) [سورة: فصلت - الآية: 37]
الموضع الثالث عشر : قال تعالى: (فَاسْجُدُواْ لِلّهِ وَاعْبُدُواْ) [سورة: النجم - الآية: 62]
الموضع الرابع عشر : قال تعالى: (وَإِذَا قُرِىءَ عَلَيْهِمُ الْقُرْآنُ لاَ يَسْجُدُونَ) [سورة: الانشقاق - الآية: 21]
الموضع الخامس عشر : قال تعالى: (كَلاّ لاَ تُطِعْهُ وَاسْجُدْ وَاقْتَرِب) [سورة: العلق - الآية: 19](1/432)
مسألة : إذا كان سجود التلاوة في الصلاة فهل يُشرع لها التكبير ؟
إذا كان سجود التلاوة في الصلاة فإنه يُشرع لها التكبير لأن النبي ( كان يكبر كلما خفض ورفع .
(حديث أبي هريرة رضي الله عنه الثابت في الصحيحين) أنه كان يصلي بهم فيكبر كلما خفض ورفع فإذا انصرف قال إني لأشبهكم صلاةً برسول الله ( .
مسألة : ماذا يقول الإنسان في سجود التلاوة ؟
(حديث عائشة الثابت في صحيحي أبي داوود والترمذي) قالت : كان رسول الله ( يقول في سجود القرآن بالليل في السجدة مراراً سجد وجهي للذي خلقه وشق سمعه وبصره بحوله وقوته .
(حديث عائشة الثابت في الصحيحين) قالت : كان رسول الله ( يكثر أن يقول في ركوعه وسجوده سبحانك اللهم ربنا وبحمدك اللهم اغفر لي .
(حديث عائشة الثابت في صحيح مسلم ) أن رسول الله ( كان يقول في ركوعه وسجوده سبوح قدوس رب الملائكة والروح .
مسألة : إذا سمع الإنسان السجدة في الشريط هل يسجد ؟
إذا سجد الشريط فليسجد السامع
مسألة : هل يتبع المأموم الإمام في سجود التلاوة ؟
نعم يتبع المأموم الإمام في سجود التلاوة لعموم قول النبي( إنما جعل الإمام ليؤتم به0
(حديث أبي هريرة رضي الله عنه الثابت في الصحيحين) أن النبي( قال : إنما جعل الإمام ليؤتم به فإذا كبر فكبروا و إذا ركع فاركعوا و إذا قال : سمع الله لمن حمده فقولوا : اللهم ربنا و لك الحمد و إذا سجد فاسجدوا و إذا صلى قائماً فصلوا قياماً و إذا صلى جالسا فصلوا جلوسا أجمعون .
مسالة : متى يستحب سجود الشكر ؟
يستحب سجود الشكر إذا حلت بالإنسان نعمة أو دفعت عنه نقمة أو جاءه أمرٌ أو بُشر به
(حديث أبي بكرة الثابت في صحيح أبي داود) أن النبي ( كان إذا جاءه أمرَ سرورٍ أو بُشِّر به خر ساجدا شكرا لله تعالى .
مسألة : ما هي كيفية سجود الشكر ؟
سجود الشكر مثل سجود التلاوة
مسألة : هل تبطل الصلاة بسجود الشكر ؟
نعم تبطل الصلاة بسجود الشكر لأنه لا علاقة له بالصلاة .(1/433)
مسألة : هل تبطل الصلاة بسجود التلاوة ؟
لا تبطل الصلاة بسجود التلاوة لأن سجود التلاوة لأمرٍ يتعلق بالصلاة وهو القراءة
مسألة : ما معنى السهو في الصلاة ؟
السهو في الصلاة أي النسيان
مسألة : هل من سها في الصلاة يقتضي أنه معرضٌ عن الصلاة ؟
من سها في الصلاة لا يقتضي أنه معرضٌ عن الصلاة لأن النبي ( سها في الصلاة وهو أعظم الناس تأدية للصلاة
(حديث ابن مسعود الثابت في الصحيحين) أن النبي ( قال : إنما أنا بشر أنسى كما تنسون فإذا نسيتُ فذكروني ، وإذا شك أحدكم في صلاته فليتحر الصواب فليتمُ عليه ثم ليسجد سجد تين .
مسألة : ما الذي يشرع له سجود السهو ؟
يشرع سجود السهو في الزيادة والنقص والشك في الفرض والنفل .
مسألة : من ترك شيئاً عمداً في الصلاة هل يجبره سجود السهو ؟
من ترك شيئاً عمداً في الصلاة لا يجبره سجود السهو لأنه إن ترك واجباً عمداً بطلت صلاته ولا ينفعه سجود السهو ، وإن سنة كانت الصلاة الثابت في صحيحة ولا حاجة إلى جبرانها بسجود السهو .
مسألة : هل سجود السهو يكون قبل التسليم أم بعده ؟
الذي دلت عليه السنة الصحيحة وتجتمع فيه الأدلة أن المسألة على التفصيل الآتي :
[1] عند الزيادة يكون سجود السهو بعد التسليم :
(حديث ابن مسعود الثابت في الصحيحين) أن النبي ( صلى الظهر خمسا فقيل له أزيد في الصلاة فقال وما ذاك قال صليت خمسا فسجد سجدتين بعد ما سلم .
(حديث أبي هريرة رضي الله عنه الثابت في الصحيحين) قال صلى النبي ( إحدى صلاتي العشي ركعتين ثم سلم ثم قام إلى خشبة في مقدم المسجد فوضع يده عليها وفيهم أبو بكر وعمر رضي الله تعالى عنهما فهابا أن يكلماه وخرج سرعان الناس فقالوا أقصرت الصلاة ورجل يدعوه النبي ( ذو اليدين فقال أنسيت أم قصرت فقال لم أنس ولم تقصر قال بلى قد نسيت فصلى ركعتين ثم سلم ثم كبر فسجد مثل سجوده أو أطول ثم رفع رأسه فكبر ثم وضع رأسه فكبر فسجد مثل سجوده أو أطول ثم رفع رأسه وكبر .
[(1/434)
2] عند النقص يكون سجود السهو قبل التسليم :
(حديث عبد الله بن بُحينة الثابت في الصحيحين) وهو من أصحاب النبي ( أن النبي ( صلى بهم الظهر فقام من الركعتين لم يجلس ، فقام الناس معه حتى إذا قضى الصلاة وانتظر الناس تسليمه كبر وهو جالس فسجد سجدتين قبل أن يُسلِّم ثم سلَّم .
[3] عند الشك :
* أولاً يتحرى الصواب وهو الغالب على ظنه وما يترجح عنده فيسجد بعد السلام
(حديث ابن مسعود الثابت في الصحيحين) أن النبي( قال : إنما أنا بشر أنسى كما تنسون فإذا نسيتُ فذكروني ، وإذا شك أحدكم في صلاته فليتحر الصواب فليتمُ عليه ثم ليسجد سجد تين .
* ثانياً إذا لم يترجح شيءٌ عنده يبني على اليقين وهو الأقل ويسجد قبل التسليم
(حديث أبي سعيد الثابت في صحيح مسلم ) أن النبي( قال : إذا شك أحدكم في صلاته فلم يدر كم صلى ثلاثا أم أربعا فليطرح الشك وليبن على ما استيقن ثم يسجد سجدتين قبل أن يسلم فإن كان صلى خمسا شفعن له صلاته وإن كان صلى إتماما لأربع كانتا ترغيما للشيطان
مسألة : إذا كان سجود السهو بعد التسليم هل يسلم مرة أخرى ثانية بعد سجود السهو ؟
الذي دلت عليه السنة الثابتة الصحيحة أن يسلم مرة أخرى ثانية بعد سجود السهو
(حديث عمران بن حصين الثابت في صحيح مسلم ) أن النبي ( صلى ثلاثاً ثم سلَّم فقال الخِرباق إنك صليت ثلاثاً ؟ فصلب بهم الركعة الباقية ثم سلم ثم سجد سجدتي السهو ثم سلم .
مسألة : ما هو حكم سجود السهو ؟
سجود السهو واجب لأمر النبي ( في الأحاديث السابقة والأصل في الأمر الوجوب ولمواظبة النبي ( عليه كلما نسي ولم يَخِّلْ به مرةً واحدة .
مسألة : هل يجب سجود السهو في صلاة النافلة ؟
يجب سجود السهو في صلاة النافلة والفرض على السواء لعموم الأحاديث الواردة في سجود السهو من ناحية ، و من ناحية أخرى أنه دخل في صلاة النفل وجب عليه إذا سها وغلا كان كالمستهزئ بها والعياذ بالله .
مسألة : هل كل صلاة يُشرع لها سجود السهو ؟(1/435)
يُشترط في الصلاة لكي يشرع لها سجود السهو أن تكون صلاة ذات ركوع وسجود احترازاً من صلاة الجنازة فإنها ليست ذات ركوع وسجود فلا تجبر بسجود السهو .
مسألة : ما حكم من زاد فعلا من جنس الصلاة قياماً أو قعوداً أو ركوعاً أو سجوداً عمداً ؟
من زاد فعلا من جنس الصلاة قياماً أو قعوداً أو ركوعاً أو سجوداً عمداً بطلت صلاته لأنه يكون قد عمل عملاً ليس عليه أمر الله ورسوله
(لحديث عائشة الثابت في صحيح مسلم ) أن النبي ( قال : من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد .
مسألة : إذا علم الإنسان أثناء الركعة الزائدة أنها زائدة فماذا يصنع ؟
إذا علم الإنسان أثناء الركعة الزائدة أنها زائدة يسجد في الحال لأنه لو استمر فيها لكان تعمد زيادة ركعة وهذا يبطل الصلاة لأنه يكون قد عمل عملاً ليس عليه أمر الله ورسوله
(لحديث عائشة الثابت في صحيح مسلم ) أن النبي ( قال : من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد .
مسالة : لو سبح المأمومين للإمام ولكنه جزم بصواب نفسه فماذا يصنع ؟
إن جزم بصواب نفسه حرُم عليه الرجوع إلى قولهم لأنه لو رجع إلى قولهم لرجع وهو يعلم أن صلاته ناقصة فتبطل الصلاة .
مسألة : هل يجب على المأموم أن ينبه الإمام إذا قام إلى ركعة زائدة .
يجب على المأموم أن ينبه الإمام إذا قام إلى ركعة زائدة بنص السنة الثابتة الصحيحة
(حديث ابن مسعود الثابت في الصحيحين) أن النبي ( قال : إنما أنا بشر أنسى كما تنسون فإذا نسيت فذكروني .
الشاهد : قوله ( [فذكروني] والأصل في الأمر الوجوب .
مسألة : ما هو فضل صلاة الجماعة ؟
صلاة الجماعة من أفضل العبادات وأجل الطاعات فلها فضلٌ عظيم و أجرٌ جسيم والسنة الثابتة الصحيحة طافحةٌ بما يدل على ذلك .
(حديث ابن عمر رضي الله عنهما الثابت في الصحيحين) أن النبي ( قال : صلاة الجماعة تفضل صلاة الفذ بسبع و عشرين درجة .
((1/436)
حديث أبي هريرة رضي الله عنه الثابت في الصحيحين) أن النبي ( قال : صلاة الرجل في الجماعة تُضَّعفُ على صلاته في بيته و في سوقه خمسا و عشرين درجة و ذلك أنه إذا توضأ فأحسن الوضوء ثم خرج لا يخرجه إلا الصلاة لم يخط خطوة إلا رفعت له بها درجة و حط عنه بها خطيئة فإذا صلى لم تزل الملائكة تصلي عليه ما دام في مصلاه : اللهم صلِّ اللهم ارحمه ولا يزال أحدكم في صلاة ما انتظر الصلاة .
(حديث أبي موسى الثابت في الصحيحين) أن النبي ( قال : أعظم الناس أجرا في الصلاة أبعدهم فأبعدهم ممشى و الذي ينتظر الصلاة حتى يصليها مع الإمام أعظم أجرا من الذي يصلي ثم ينام .
(حديث أبي هريرة رضي الله عنه الثابت في الصحيحين) أن النبي ( قال : من غدا إلى المسجد و راح أعد الله له نزلا من الجنة كلما غدا و راح .
(حديث أبي الدرداء الثابت في صحيحي أبي داوود والنسائي) أن النبي ( قال : ما من ثلاثة في قرية و لا بدو لا تقام فيهم الصلاة إلا استحوذ عليهم الشيطان فعليكم بالجماعة فإنما يأكل الذئب من الغنم القاصية .
مسألة : هل يستحب الصلاة في المسجد البعيد ؟
نعم يستحب الصلاة في المسجد البعيد بنص السنة الثابتة الصحيحة
(حديث أبي موسى الثابت في الصحيحين) أن النبي ( قال : أعظم الناس أجرا في الصلاة أبعدهم فأبعدهم ممشى و الذي ينتظر الصلاة حتى يصليها مع الإمام أعظم أجرا من الذي يصلي ثم ينام .
مسألة : هل يستحب الصلاة في المسجد الذي فيه جماعة كثيرة ؟
نعم يستحب الصلاة في المسجد الذي فيه جماعة كثيرة بنص السنة الثابتة الصحيحة .
(حديث أبي ابن كعب الثابت في صحيحي أبي داوود والنسائي) أن النبي ( قال : صلاة الرجل مع الرجل أزكى من صلاته وحده وصلاته مع الرجلين أزكى من صلاته مع الرجل وما كثر فهو أحب إلى الله تعالى .
مسألة : إذا صلى الإنسان في رحله ثم أدرك الجماعة في المسجد هل يصلي ؟
نعم يصلي ولا يقل إني صليت فلا أصلي
((1/437)
حديث أبي ذر الثابت في صحيح مسلم ) أن النبي ( قال : صلِّ الصلاة لوقتها فإن أٌُقيمت الصلاة وأنت في المسجد فصلِّ معهم ولا تقل إني صليت فلا أصلي . (حديث يزيد ابن الأسود الثابت في صحيحي أبي داوود والترمذي) صليت مَعَ النّبِيّ ( صَلاَةَ الفجر فَلَمّا قَضَى صَلاَتَهُ إذَا هُوَ بِرَجُلَيْنِ لَمْ يُصَلّيَا مَعَهُ، فَقَالَ: «مَا مَنَعَكُمَا أنْ تُصَلّيَا مَعَنَا»؟ فَقَالاَ: يَا رَسُولَ الله قَدْ صَلّيْنَا فِي رِحَالِنَا، قَالَ: «فَلاَ تَفْعَلاَ». إذَا صَلّيْتُمَا فِي رِحَالِكُمَا ثُمّ أَتَيْتُمَا مَسْجِدَ جَمَاعَةٍ فَصَلّيا مَعَهُمْ، فَإِنّهَا لَكُمَا نَافِلَةٌ».
مسألة : إذا أقيمت الصلاة هل يجوز للإنسان أن ينشغل بالنافلة ؟
إذا أقيمت الصلاة فلا يجوز للإنسان أن ينشغل بالنافلة
(حديث أبي هريرة رضي الله عنه الثابت في صحيح مسلم ) أن النبي ( قال : إذا أقيمت الصلاة فلا صلاة إلا المكتوبة .
مسألة : متى يدرك الإنسان صلاة الجماعة ؟
يدرك الإنسان صلاة الجماعة بإدراك ركعة
(حديث أبي هريرة رضي الله عنه الثابت في الصحيحين) أن النبي ( قال : من أدرك ركعةً من الصلاة فقد أدرك الصلاة .
مسألة : ما هو حكم صلاة الجماعة ؟
صلاة الجماعة واجبة في حق الرجال على الصحيح
قال تعالى: (وَإِذَا كُنتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصّلاَةَ فَلْتَقُمْ طَآئِفَةٌ مّنْهُمْ مّعَكَ وَلْيَأْخُذُوَاْ أَسْلِحَتَهُمْ) [سورة: النساء - الآية: 102]
الشاهد : اللام في قوله تعالى [فَلْتَقُمْ ] للأمر والأصل في الأمر الوجوب ويؤكد أن الأمر للوجوب هنا أنه أمر بها في الخوف والغالب أن الناس في الخوف يكونون متشوشين يحبون أن يبقى أكثر الناس يرقب العدو .
[*] قال الإمام ابن القيم رحمه الله تعالى :(1/438)
لو لم تكن صلاة الجماعة واجبة لكان أولى الأعذار أن يعافى منها صلاة الخوف ، فإن الله تعالى لما أمر الطائفة الأولى بالصلاة مع الإمام أعاد الأمر على الطائفة الثانية .
(حديث أبي هريرة رضي الله عنه الثابت في الصحيحين) أن النبي ( قال : ليس صلاة أثقل على المنافقين من الفجر والعشاء و لو يعلمون ما فيهما لأتوهما و لو حبوا لقد هممت أن آمر المؤذن فيقيم ثم آمر رجلا يؤم الناس ثم آخذ شُعلاً من نار فأُحَرِّقُ على من لا يخرجُ إلى الصلاة بعد .
قال الإمام ابن القيم رحمه الله تعالى : من غير الجائز أن يكون هذا التهديد على أمرٍ غير واجب .
معنى هممت : أي كدتُ أفعل ولم أفعل .
(حديث أبي هريرة رضي الله عنه الثابت في صحيح مسلم ) قال أتى النبي ( رجلاً أعمى فقال يا رسول الله ليس لي قائدٌ يقودني إلى المسجد فسأل رسول الله ( أن يُرخص له فيصلي في بيته فرخص له ، فلما ولى دعاه فقال له : هل تسمع النداء ؟ قال نعم ، قال فأجب .
الشاهد : أن الصلاة لو لم تكن واجبة لرخص النبي ( للأعمى .
(حديث ابن مسعود الثابت في صحيح مسلم ) قال : لقد رأيتُنا وما يتخلف عن الصلاة إلا منافق قد علم نفاقه أو مريض ، وإن كان المريضُ ليمشي بين رجلين حتى يأتي الصلاة .
(حديث ابن عباس الثابت في صحيحي أبي داوود وابن ماجة) أن النبي ( قال : من سمع النداء فلم يأته فلا صلاة له إلا من عذر .
مسألة : هل يجوز للنساء أن تشهد الجماعة ؟
يجوز للنساء أن تشهد الجماعة بشرط أن يتجنبن ما يثير الشهوة ويدعو إلى الفتنة من الزينة والطيب ، ولكن صلاتهن في بيوتهن خيرٌ لهن )حديث ابن عمر رضي الله عنهما الثابت في الصحيحين) أن النبي ( قال : لا تمنعوا إماء الله مساجد الله .
(حديث أبي هريرة رضي الله عنه الثابت في صحيح مسلم ) أن النبي ( قال :أيما امرأة أصابت بخورا فلا تشهد معنا العشاء الآخرة .
((1/439)
حديث أبي هريرة رضي الله عنه الثابت في صحيح أبي داود) أن النبي ( قال : لا تمنعوا إماء الله مساجد الله وليخرجن وهن تفلات .
(حديث ابن عمر رضي الله عنهما الثابت في صحيح أبي داود) أن النبي ( قال : لا تمنعوا نساءكم المساجد و بيوتهن خير لهن .
مسألة : هل تجوز صلاة النافلة في جماعة ؟
الذي دلت عليه السنة الصحيحة و تجتمع فيه الأدلة أن المسألة على التفصيل الآتي :
[1] من النوافل ما تشرع له الجماعة كالاستسقاء والكسوف وقيام الليل في رمضان
(حديث أنس الثابت في الصحيحين) قال أصابت الناس سنة على عهد رسول الله ( فبينا رسول الله ( يخطب على المنبر يوم الجمعة قام أعرابي فقال يا رسول الله هلك المال وجاع العيال فادع الله لنا أن يسقينا قال فرفع رسول الله ( يديه وما في السماء قزعة قال فثار سحاب أمثال الجبال ثم لم ينزل عن منبره حتى رأيت المطر يتحادر على لحيته قال فمطرنا يومنا ذلك وفي الغد ومن بعد الغد والذي يليه إلى الجمعة الأخرى فقام ذلك الأعرابي أو رجل غيره فقال يا رسول الله تهدم البناء وغرق المال فادع الله لنا فرفع رسول الله ( يديه وقال اللهم حوالينا ولا علينا قال فما جعل يشير بيده إلى ناحية من السماء إلا تفرجت حتى صارت المدينة في مثل الجوبة حتى سال الوادي وادي قناة شهرا ولم يجيء أحد من ناحية إلا حدث بالجود .
((1/440)
حديث عائشة الثابت في الصحيحين) خسفت الشمس في عهد رسول الله (فصلى بالناس فقام فأطال القيام ثم ركع فأطال الركوع ثم قام فأطال القيام وهو دون القيام الأول ثم ركع فأطال الركوع وهو دون الركوع الأول ثم سجد فأطال السجود ثم فعل في الركعة الثانية مثل ما فعل في الأولى ثم انصرف رسول الله (وقد انجلت الشمس فخطب الناس فحمد الله وأثنى عليه ثم قال إن الشمس مر آيتان من آيات الله لا ينخسفان لموت أحد ولا لحياته فإذا رأيتم ذلك فادعوا الله وكبروا وصلوا وتصدقوا ، ثم قال يا أمة محمد إن من أحد أغير من الله أن يزني عبده أو تزني أمته يا أمة محمد والله لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلا ولبكيتم كثيرا .
(حديث عائشة الثابت في الصحيحين) أن رسول الله ( صلى ذات ليلة في المسجد فصلى بصلاته ناس ثم صلى من القابلة فكثر الناس ثم اجتمعوا من الليلة الثالثة فلم يخرج إليهم رسول الله ( فلما أصبح قال قد رأيت الذي صنعتم فلم يمنعني من الخروج إليكم إلا أني خشيت أن تفرض عليكم قال وذلك في رمضان .
(حديث أبي ذر الثابت في صحيحي أبي داوود والترمذي) أن النبي ( قال : إن الرجل إذا صلى مع الإمام حتى ينصرف حُسِب له قيام ُ ليلة .
[2] ومنها ما لا تشرع له الجماعة كالسنن الرواتب وصلاة الليل في غير رمضان فإنها ل تشرع جماعة بصفة مستمرة لكن لابأس أن يصليها جماعة أحيانا .
(حديث أنس الثابت في الصحيحين) قال : صليت مع النبي ( ليلةً فلم يزل قائماً حتى هممتُ بأمرِ سَوْءٍ ، قيل وما هممت ؟ قال هممتُ أن أقعد وأذر النبي - صلى الله عليه وسلم - .
مسألة : ما حكم قراءة المأموم ؟
يجب على المأموم قراءة فاتحة الكتاب لعموم قول النبي ( لا صلاة لمن لم يقرأ بأم الكتاب .
(حديث عبادة ابن الصامت الثابت في الصحيحين) أن النبي ( قال : لا صلاة لمن لم يقرأ بأم الكتاب .
مسألة : هل يجوز أن يحمل النفي في قوله ( [لا صلاة لمن لم يقرأ بأم الكتاب] على نفي الكمال ؟(1/441)
لا يجوز أن يحمل النفي في قوله ( [لا صلاة لمن لم يقرأ بأم الكتاب] على نفي الكمال لعموم الحديث الآتي :
(حديث أبي هريرة رضي الله عنه الثابت في صحيح مسلم ) أن النبي ( قال : من صلى صلاة لم يقرأ فيها بأم القرآن فهي خداج (ثلاثاً) غير تمام .
مسألة : لو أن إنساناً أدرك إمامه راكعاً هل يلزمه تكبيرة للركوع أم يجزئ تكبيرة الإحرام عن تكبيرة الركوع ؟
يجزئ تكبيرة الإحرام عن تكبيرة الركوع لأن تكبيرة الإحرام ركن و تكبيرة الركوع واجب والركن يجزئ عن الواجب ، لكن يستحب أن يكون للركوع تكبيرة منفصلةٌ عن تكبيرة الإحرام .
مسألة : هل يستحب تخفيف الإمام الصلاة ؟
نعم يستحب تخفيف الإمام الصلاة بنص السنة الثابتة الصحيحة فإن الناس منهم الضعيف والسقيم والكبير .
(حديث أبي هريرة رضي الله عنه الثابت في الصحيحين) أن النبي ( قال : إذا صلى أحدكم للناس فليخفف فإن منهم الضعيف والسقيم والكبير وإذا صلى لنفسه فليطوِّل ما شاء .
مسألة : ما هي كيفية تخفيف الإمام ؟
تخفيف الإمام نوعان :
[1] تخفيف لازم : وهو ألا يتجاوز ما جاءت به السنة من التخفيف وإن خالف ما جاءت به السنة فهو مطوِّل
(حديث جابر ابن عبد الله رضي الله عنهما الثابت في الصحيحين) أن معاذ بن جبل كان يصلي مع رسول الله ( ثم يرجع فيؤم قومه ، فصلى العشاء فقرأ بالبقرة فانصرف الرجل فكأن معاذاً تناول منه فبلغ ا لنبي ( فقال : ( فتانٌ فتانٌ فتانٌ) أو قال( فاتناً فاتناً فاتناً) وأمر بسورتين من أوسط المفصل .
[2] تخفيف عارض : كأن يكون هناك سبباً يقتضي الإيجاز مثل بكاء الصبي :
(حديث أبي قتادة الثابت في صحيح البخاري) أن النبي ( قال :إني لأقوم للصلاة أريد أن أطول فيها فأسمع بكاء الصبي فأتجوز في صلاتي كراهية أن أشق على أمه .
مسألة : من هو أحق الناس بالإمامة ؟(1/442)
أحق الناس بالإمامة أقرؤهم لكتاب الله فإن كانوا في القراءة سواء فأعلمهم بالسنة فإن كانوا في السنة سواء فأقدمهم هجرة فإن كانوا في الهجرة سواء فأقدمهم سنا 0
(حديث أبي مسعود الأنصاري الثابت في صحيح مسلم ) أن النبي ( قال : يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله فإن كانوا في القراءة سواء فأعلمهم بالسنة فإن كانوا في السنة سواء فأقدمهم هجرة فإن كانوا في الهجرة سواء فأقدمهم سنا و لا يؤمَنَّ الرجلُ الرجلَ في سلطانه و لا يقعد في بيته على تكرمَتِه إلا بإذنه .
مسألة : إذا كان للمسجد إماماً راتباً هل يقدم مطلقاً أم ننظر فيمن هو أقرأ منه أو أعلم بالسنة ؟
إذا كان للمسجد إماماً راتباً يقدم مطلقاً ولا يجوز لأحدٍ أن يتقدم عليه إلا بإذنه حتى لو جاء ابن تيمية :
(حديث أبي مسعود الأنصاري الثابت في صحيح مسلم ) أن النبي ( قال : يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله فإن كانوا في القراءة سواء فأعلمهم بالسنة فإن كانوا في السنة سواء فأقدمهم هجرة فإن كانوا في الهجرة سواء فأقدمهم سنا و لا يؤمَنَّ الرجلُ الرجلَ في سلطانه و لا يقعد في بيته على تكرمَتِه إلا بإذنه .
الشاهد قوله ( [و لا يؤمَنَّ الرجلُ الرجلَ في سلطانه و لا يقعد في بيته على تكرمَتِه إلا بإذنه ]
مسألة : ما هي مدى مسؤلية الإمامة ؟
الإمامة تكليفٌ وليست تشريف
(حديث أبي هريرة رضي الله عنه الثابت في صحيح البخاري) أن النبي ( قال : يصلون لكم فإن أصابوا فلكم و إن أخطئوا فلكم و عليهم .
(حديث أبي هريرة رضي الله عنه الثابت في صحيحي أبي داوود والترمذي) أن النبي ( قال الإمام ضامن و المؤذن مؤتمن اللهم أرشد الأئمة و اغفر للمؤذنين .
مسألة : ما معنى الإمام ضامن و المؤذن مؤتمن ؟
( الإمام ضامن ) أي متكفل بصحة صلاة المقتدين لارتباط صلاتهم بصلاته لأنه يتحمل الفاتحة عن المأموم إذا أدركه في الركوع
((1/443)
والمؤذن مؤتمن ) أي أمين على صلاة الناس وصيامهم وإفطارهم وسحورهم وعلى حرم الناس لإشرافه على دورهم ، فعليه المحافظة على أداء هذه الأمانة .
(حديث أبي هريرة رضي الله عنه الثابت في صحيح الجامع) أن النبي ( قال : المؤذنون أمناء المسلمين على فطرهم و سحورهم .
(حديث أبي محذورة الثابت في صحيح الجامع) أن النبي ( قال : المؤذنون أمناء المسلمين على صلاتهم و حاجتهم .
مسألة : من تصح إمامته ؟
تصح إمامة الصبي المميز والمفترض بالمتنفل والمتنفل بالمفترض والمقيم بالمسافر والمسفر بالمقيم والقادر على القيام بالجالس .
مسألة : ما الدليل على أن الصبي المميز تصح إمامته ؟
(حديث عمر ابن سلمة الثابت في صحيح البخاري) قال : قال أبي جئتكم من عند النبي ( حقاً فقال : إذا حضرت الصلاة فليؤذن أحدكم وليؤمكم أكثركم قرآناً ، قال : فنظروا فلم يكن أحدٌ أكثرُ مني قرآناً فقدموني وأنا ابن ست سنين أو سبع سنين .
مسألة : ما الدليل على صحة إئتمام المفترض بالمتنفل ؟
(حديث جابر ابن عبد الله رضي الله عنهما الثابت في الصحيحين) أن معاذ بن جبل كان يصلي مع رسول الله ( ثم يرجع فيؤم قومه ، فصلى العشاء فقرأ بالبقرة فانصرف الرجل فكأن معاذاً تناول منه فبلغ ا لنبي ( فقال : ( فتانٌ فتانٌ فتانٌ) أو قال( فاتناً فاتناً فاتناً) وأمر بسورتين من أوسط المفصل .
مسألة : ما الدليل على صحة إئتمام المتنفل بالمفترض ؟
(حديث أبي ذر الثابت في صحيح مسلم ) أن النبي ( قال : صلِّ الصلاة لوقتها فإن أٌُيمت الصلاة وأنت في المسجد فصلِّ معهم ولا تقل إني صليت فلا أصلي .
((1/444)
حديث يزيد ابن الأسود الثابت في صحيحي أبي داوود والترمذي) صليت مَعَ النّبِيّ ( صَلاَةَ الفجر فَلَمّا قَضَى صَلاَتَهُ إذَا هُوَ بِرَجُلَيْنِ لَمْ يُصَلّيَا مَعَهُ، فَقَالَ: «مَا مَنَعَكُمَا أنْ تُصَلّيَا مَعَنَا»؟ فَقَالاَ: يَا رَسُولَ الله قَدْ صَلّيْنَا فِي رِحَالِنَا، قَالَ: «فَلاَ تَفْعَلاَ». إذَا صَلّيْتُمَا فِي رِحَالِكُمَا ثُمّ أَتَيْتُمَا مَسْجِدَ جَمَاعَةٍ فَصَلّيا مَعَهُمْ، فَإِنّهَا لَكُمَا نَافِلَةٌ».
مسألة : ما الدليل على صحة إئتمام المسافر بالمقيم والمقيم بالمسافر ؟
الدليل عموم قوله ( إنما جعل الإمام ليؤتم به .
(حديث أبي هريرة رضي الله عنه الثابت في الصحيحين) أن النبي ( قال : إنما جعل الإمام ليؤتم به فإذا كبر فكبروا و إذا ركع فاركعوا و إذا قال : سمع الله لمن حمده فقولوا : اللهم ربنا و لك الحمد و إذا سجد فاسجدوا و إذا صلى قائماً فصلوا قياماً و إذا صلى جالسا فصلوا جلوسا أجمعون .
مسألة : إذا كان المأموم يستطيع القيام لكن الإمام جالس فماذا يصنع ؟
يصلي جالساً متابعةً للإمام
(حديث أبي هريرة رضي الله عنه الثابت في الصحيحين) أن النبي ( قال : إنما جعل الإمام ليؤتم به فإذا كبر فكبروا و إذا ركع فاركعوا و إذا قال : سمع الله لمن حمده فقولوا : اللهم ربنا و لك الحمد و إذا سجد فاسجدوا و إذا صلى قائماً فصلوا قياماً و إذا صلى جالسا فصلوا جلوسا أجمعون .
مسألة : إذا كان الإمام شيخاً كبيراً لا يستطيع القعود فماذا يصنع ؟
إذا كان الإمام شيخاً كبيراً لا يستطيع القعود يصلي مضطجعاً على جنبه .
(حديث عمران بن حُصين الثابت في الصحيحين) قال : كانت بي بواسير فسألت النبي ( عن الصلاة فقال : صل قائما فإن لم تستطع فقاعدا فإن لم تستطع فعلى جنب .
مسألة : إذا صلى الإمام مضطجعاً على جنبه فهل يصلي المأمومين مضطجعين مثله ؟(1/445)
لا يصلي المأمومين مضطجعين مثله لأن الأمر الموافقة جاءت في القيام والقعود فقط ، وعلى هذا فإنهم يصلون قعوداً وهو مضطجع .
(حديث أبي هريرة رضي الله عنه الثابت في الصحيحين) أن النبي ( قال : إنما جعل الإمام ليؤتم به فإذا كبر فكبروا و إذا ركع فاركعوا و إذا قال : سمع الله لمن حمده فقولوا : اللهم ربنا و لك الحمد و إذا سجد فاسجدوا و إذا صلى قائماً فصلوا قياماً و إذا صلى جالسا فصلوا جلوسا أجمعون .
مسألة : هل يأتم المأمومين بإمام في مكان مرتفع ؟
(حديث سهل ابن سعد الثابت في الصحيحين) أن النبي( صلى على المنبر ثم نزل القهقرى فسجد وسجدنا معه ثم عاد حتى فرغ ثم قال : إنما فعلتُ هذا لتأتموا بي ولتعلما صلاتي .
مسألة : هل يجوز للمأموم أن يأتم بإمام بينه وبينه مكان كبير ؟
يجوز للمأموم أن يأتم بإمام بينه وبينه مكان كبير بشرطين متلازمين :
[1] أن يسمع المأموم التكبير إما عن طريق الإمام أو المبلغ
[2] اتصال الصفوف وذلك لأن الواجب في الجماعة أن تكون مجتمعة في الأفعال وهي المتابعة وفي المكان وهذا يحصل باتصال الصفوف .
مسألة : هل تصح إمامة المرأة ؟
الذي دلت عليه السنة الصحيحة وتجتمع فيه الأدلة أن المسألة على التفصيل الآتي :
[1] تصح إمامة المرأة للمرأة :
(حديث أم ورقة الثابت في صحيح أبي داود) أن النبي ( أمرها أن تؤم أهل دارها .
[2] لا تصح إمامة المرأة للرجال :
(حديث أبي بكرة الثابت في صحيح البخاري) أن النبي ( قال : لن يفلح قومٌ ولوا أمرهم امرأة .
(حديث أبي هريرة رضي الله عنه الثابت في صحيح مسلم ) أن النبي ( قال خير صفوف الرجال أولها و شرها آخرها و خير صفوف النساء آخرها و شرها أولها .
الشاهد : أن هذا دليل على أنه لا موقع للنساء في الأمام ، والإمام يكون في الأمام .
مسألة : من الذين لا تصح إمامتهم ؟
القاعدة هنا [ من صحَّت صلاته لنفسه صحت إمامته ، ومن لم تصح صلاته لنفسه لم تصح إمامته ](1/446)
مسألة : هل تصح الصلاة خلف الكافر ؟
لا تصح الصلاة خلف الكافر لأنه لا تصح صلاته لنفسه فلا تصح إمامته .
لأن الصلاة فرضت على المسلمين لا على الكفار .
قال تعالى: (إِنّ الصّلاَةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَاباً مّوْقُوتاً) [سورة: النساء - الآية: 103]
( حديث طلحة بن عبيد الله الثابت في الصحيحين ) قال ، جاء رجلٌ إلى رسول الله ( من أهل نجد ثائرُ الرأس يُعْرَفُ دَويُ صوتهِ ولا يُفْقَه ما يقول حتى دنا فإذا هو يسألُ عن الإسلام ؟ فقال رسول الله ( خمسُ صلوات في اليوم والليلة ، فقال : هل عليَّ غيرُها ؟ قال لا إلا أن تطوَّع. قال رسول الله ( وصيام رمضان . فقال هل عليَّ غيره؟ فقال لا إلا أن تطوع .قال : وذكر له رسولُ الله ( الزكاة فقال هل عليَّ غيرُها ؟ قال لا إلا أن تطوَّع . قال : فأدبر الرجل وهو يقول: والله لا أزيدُ على هذا ولا أنقص ، قال رسول الله ( أفلح إن صدق .
( حديث ابن عمر رضي الله عنهما الثابت في الصحيحين ) أن النبي ( قال : بني الإسلام على خمس شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله ، وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة والحج وصوم رمضان .
مسألة : هل تصح الصلاة خلف الفاسق ؟
الصحيح أن الصلاة خلف الفاسق جائزة
(حديث أبي هريرة رضي الله عنه الثابت في صحيح البخاري) أن النبي ( قال : يصلون لكم فإن أصابوا فلكم و إن أخطئوا فلكم و عليهم .
ثم إن الصحابة رضي الله تعالى عنهم ومنهم ابن عمر رضي الله عنهما الذي كان من أشد الناس اتباعاً للنبي ( كانوا يصلون خلف الحجاج ، والحجاج معروف أن كان من أفسق عباد الله ، والصحابة أحرص الناس على الخير وأعلم الناس بما يجيزه الشرع .
((1/447)
حديث عُبيد الله ابن عدي ابن خيار الثابت في الصحيحين) أنه دخل على عثمان ابن عفان رضي الله تعالى عنه وهو محصور فقال : إنك إمامٌ عامة ونزل بك ما نرى ويصلي لنا إمام فتنة ونتحرج ، فقال : الصلاة أحسن ما يعمل العبد فإذا أحسن الناس فأحسن معهم وإذا أساؤا فاجتنب إساءتهم .
الشاهد أن هذا قول عثمان ابن عفان رضي الله تعالى عنه وقوله سنة متبعة بنص السنة الثابتة الصحيحة لأنه من الخلفاء الراشدين .
(حديث العرباض بن سارية الثابت في صحيح أبي داوود والترمذي)أن النبي ( قال : أوصيكم بتقوى الله و السمع و الطاعة و إن أمر عليكم عبد حبشي فإنه من يعش منكم بعدي فسيري اختلافا كثيرا فعليكم بسنتي و سنة الخلفاء المهديين الراشدين تمسكوا بها و عضوا عليها بالنواجذ و إياكم و محدثات الأمور فإن كل محدثة بدعة و كل بدعة ضلالة .
مسألة : هل تصح الصلاة خلف من لا يستنجي ؟
القاعدة هنا [ من صحَّت صلاته لنفسه صحت إمامته ، ومن لم تصح صلاته لنفسه لم تصح إمامته ]
وهذا لا تصح صلاته لنفسه فلا تصح إمامته .
(حديث ابن عمر رضي الله عنهما الثابت في صحيح مسلم ) أن النبي ( قال : لا يقبل الله صلاة بغير طهور و لا صدقة من غُلول .
مسألة : هل تصح إمامة من به سلس البول ؟
سلس البول : أن يخرج البول باستمرار بحيث لا يستطيع الإنسان منعه ، ومن ابتلي بهذا فعليه أن يغسل فرجه إذا دخل وقت الصلاة ويتحفض [ أي يجعل حِفاضه تمنع تسرب البول وانتشاره في جسده وثيابه ] ثم يتوضأ للصلاة ثم يصلي ما شاء فروضاً ونوافل إلى أن يدخل وقت الصلاة الثانية .
وهذا الذي أُصيب بسلس البول تصح صلاته لنفسه فتصح إمامته .
والله تعالى يقول: (فَاتّقُواْ اللّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ) [سورة: التغابن - الآية: 16]
مسألة : ما حكم من صلى بالناس وهو لا يحسن قراءة الفاتحة ؟
الصلاة صحيحة ولكنها خلاف الأولى :(1/448)
حديث جابر ابن عبد الله رضي الله عنهما الثابت في صحيح أبي داود) قال : خرج علينا رسول الله ونحن نقرأ القرآن وفينا الأعرابي والأعجمي فقال : اقرؤا فكلٌ حسن وسيجئُ أقوامٌ يقيمونه كما يُقام القدحُ يتعجلنه ولا يتأجلونه .
الشاهد :
أن النبي ( جعل أمر قراءة القرآن على التساهل حيث قال في قراءة الأعرابي والأعجمي (اقرأوا فكلٌ حسن ) وهما غالباً لا يحسنان القراءة لأن الأعرابي غالباً بعيدٌ عن العلم والأعجمي ليس عربياً أصلاً ، ثم بين النبي ( أن المهم في القراءة الاحتساب وإخلاص النية ثم نبه ( أنه سيجئُ أقوامٌ يقرؤون القرآن قراءةً الثابت في صحيحةً ويقيمون الألفاظ كما يُقام القدح (أي السهم) ولكنهم مع ذلك يتعجلون ثوابه في الدنيا ولا يؤجلون ثوابه في الآخرة .
مسألة : ما حكم من أم القوم وهم له كارهون ؟
المسألة على التفصيل الآتي :
[1] إن كراهيتهم له بحق لخللٍ في دينه فصلاته باطلة وعليه يحمل الحديث الآتي :
(حديث أبي أُمامة الثابت في صحيح الترمذي) أن النبي ( قال : ثلاثة لا تجاوز صلاتهم آذانهم : العبد الآبق حتى يرجع و امرأة باتت و زوجها عليها ساخط و إمام قوم و هم له كارهون .
[2] أما إن كانت كراهيتهم كراهية شخصية فلا تكره لأن العبر بالأسباب الشرعية .
مسألة : إذا كان المأمومين يكرهون الإمام لأنه يتأنى في الصلاة ويقرأ السور المستحبة مثل السجدة والإنسان في فجر الجمعة فهل هذه كراهية معتبرة ؟
هذه ليست كراهية معتبرة بل هي خلاف السنة وقد قال الإمام ابن حجر في الفتح : [إذا ثبت السنة فلا اعتبار لمن خالفها ]. فلا ينبغي أن نقيم وزناً لمن يخالف السنة .
مسألة : أين يقف الإمام وأين يقف المأمومين ؟
المسألة على التفصيل الآتي :
[1] إذا كان المأموم واحداً كان على يمين الإمام
((1/449)
حديث ابن عباس الثابت في الصحيحين) قال بتُ عند خالتي ميمونة ليلةً فقام النبي ( من الليل ، فلما كان في بعض الليل قام النبي ( فتوضأ من شَنٍ معلق وضوءأ ً خفيفاً وقام يصلي ، فتوضأتُ نحواً مما توضأ ثم جئتُ فقمتُ عن يساره فحوَّلني فجعلني عن يمينه ثم صلى ما شاء الله ثم اضطجع فنام حتى نفخ ثم آتاه المنادي فآذنه بالصلاة فقام معه إلى الصلاة فصلى ولم يتوضأ .
[2] إذا كان المأمومون أكثر من واحداً كانوا خلف الإمام :
(حديث أنس الثابت في الصحيحين) قال : صلى رسول الله ( فقمتُ أن ويتيم خلفه وأم سُليم خلفنا .
مسألة : إذا كانت المأمومة امرأةٌ من المحارم مثلا فهل تصلي عن يمين الإمام أم خلفه ؟
تصلي المرأة خلف الإمام لأن المرأة الواحدة تكون صفاً .
(حديث أنس الثابت في الصحيحين) قال : صلى رسول الله ( فقمتُ أن ويتيم خلفه وأم سُليم خلفنا .
مسألة : إذا كان المأموم واحداً فصلى عن يسار الإمام فهل تصح الصلاة ؟
لا تصح الصلاة
(حديث ابن عباس الثابت في الصحيحين) قال بتُ عند خالتي ميمونة ليلةً فقام النبي ( من الليل ، فلما كان في بعض الليل قام النبي ( فتوضأ من شَنٍ معلق وضوءأ ً خفيفاً وقام يصلي ، فتوضأتُ نحواً مما توضأ ثم جئتُ فقمتُ عن يساره فحوَّلني فجعلني عن يمينه ثم صلى ما شاء الله ثم اضطجع فنام حتى نفخ ثم آتاه المنادي فآذنه بالصلاة فقام معه إلى الصلاة فصلى ولم يتوضأ .
الشاهد [فحوَّلني فجعلني عن يمينه] فلو كانت الصلاة تصح والمأموم عن يسار الإمام لأقرَّه النبي ( ولم يحوِّله إلى اليمين .
مسألة : إذا كان المأموم واحداً فصلى عن يسار الإمام جاهلاً أو ناسياً فما حكم صلاته ؟
صلاته الثابت في صحيحة لعذر الجهل أو النسيان
( لحديث أبي ذر الثابت في صحيح ابن ماجه ) أن النبي ( قال : إن الله تجاوز لي عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه .
مسألة : إذا كان المأموم واحداً هل تصح صلاته خلف الصف ؟
المسألة على التفصيل الآتي :
[(1/450)
1] إذا كان المأموم رجلا ًواحداً فلا تصح صلاته خلف الصف
(حديث وابصة الثابت في صحيح أبي داود) أن رسول الله ( رأى رجلا يصلي خلف الصف وحده فأمره أن يعيد الصلاة .
الشاهد [فأمره أن يعيد الصلاة] فدل ذلك على أن الصلاة فاسدة لأن الله تعالى لم يأمرنا أن نفعل العبادة مرتين .
[2] أما إذا كان المأموم امرأة فصلاتها خلف الصف الثابت في صحيحة لأن المرأة وحدها تكون صفاً
(حديث أنس الثابت في الصحيحين) قال : صلى رسول الله ( فقمتُ أن ويتيم خلفه وأم سُليم خلفنا .
مسألة : لو أن إنساناً دخل المسجد فوجد الصف قد تم فصلى خلف الصف وحده هل تصح صلاته ؟
تصح صلاته لأنه ترك الصف لعذرٍ والله تعالى يقول: (فَاتّقُواْ اللّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ) [سورة: التغابن - الآية: 16]
وهذه الآية الكريمة أصلٌ في قاعدةٍ شرعية عظيمة وهي أن واجبات الشرع تجب مع الاستطاعة وتسقط مع عدم الاستطاعة .
مسألة : لماذا لا نقول أن الذي يصلي خلف الصف يمكنه أن يجذب أحدٌ من الصف الذي أمامه ليصلي معه ؟
لا نقول بذلك لأن ذلك يستلزم محاذير منها ما يلي :
[1] التشويش على الرجل المجذوب وهذا التشويش يؤثر ولا شك على خشوعه في الصلاة ، والخشوع هو لب الصلاة فالصلاة بلا خشوع كالجسد بلا روح .
[2] فتح فرجة في الصف الذي فيه الرجل المجذوب يقطع الصف ويخشى أن يكون هذا من قطع الصف الذي حذر من النبي (
(حديث عبد الله ابن عمرو الثابت في صحيحي أبي داوود والنسائي) أن النبي ( قال : من وصل صفا وصله الله و من قطع صفا قطعه الله .
[3] أن هذا فيه جناية على الرجل المجذوب ونقله من المكان المتقدم الأفضل إلى المكان المتأخر المفضول :
(حديث أبي هريرة رضي الله عنه الثابت في الصحيحين ) أن النبي ( قال : لو يعلمُ الناسُ ما في النداء والصف الأول ثم لم يجدوا إلا أن يستهموا عليه لاستهموا ولو يعلمون ما في التهجير لاستبقوا إليه ولو يعلمون ما في العَتمة والصبحِ لأتوهما ولو حبواً .(1/451)
مسألة : إذا كانت المرأة إماماً للنساء فأين تقف ؟
إذا كانت المرأة إماماً للنساء فإنها تقف معهن في الصف لأن عائشة وأم سلمة رضي الله تعالى عنهما كانا يؤمان النساء وتقفان معهن في الصف .
مسألة : هل يستدل بقول عائشة رضي الله تعالى عنها أو أي صحابي أو صحابية في المسائل الفقهية ؟
(الصحيح أن قول الصحابي حجةً بشرطين :
[1] ألا يخالف النص فإن خالف النص فالحجة في النص .
[2] ألا يخالف قول صحابي آخر فإن خالف قول صحابي آخر طُلب المرجح ويفرق بين الصحابي الفقيه من غير الفقيه لأن الفقيه غالباً أقرب للصواب .
مسألة : هل يجوز انتقال الإمام إلى مأموم ؟
يجوز انتقال الإمام إلى مأموم بنص السنة الصحيحة
(حديث سهل ابن سعد الثابت الثابت في الصحيحين ) أن رسول الله (ذهب إلى بني عمرو بن عوف ليصلح بينهم فحانت الصلاة فجاء المؤذن إلى أبي بكر فقال أتصلي بالناس فأقيم قال نعم قال فصلى أبو بكر فجاء رسول الله ( والناس في الصلاة فتخلص حتى وقف في الصف فصفق الناس وكان أبو بكر لا يلتفت في الصلاة فلما أكثر الناس التصفيق التفت فرأى رسول الله ( فأشار إليه ( أن امكث مكانك فرفع أبو بكر يديه فحمد الله عز وجل على ما أمره به رسول الله ( من ذلك ثم استأخر أبو بكر حتى استوى في الصف وتقدم النبي ( فصلى ثم انصرف فقال يا أبا بكر ما منعك أن تثبت إذ أمرتك قال أبو بكر ما كان لابن أبي قحافة أن يصلي بين يدي رسول الله ( فقال رسول الله ( مالي رأيتكم أكثرتم التصفيق من نابه شيء في صلاته فليسبح فإنه إذا سبح التفت إليه وإنما التصفيق للنساء .
مسألة : ما حكم التبليغ خلف الإمام ؟
يستحب التبليغ خلف الإمام للحاجة إليه كأن لم يبلغ صوت الإمام للمأمومين أما إذا بلغ صوت الإمام للمأمومين يكون التبليغ حينئذٍ بدعة لأنه لم يرد في السنة الثابتة الصحيحة إلا عند الحاجة فقط .
((1/452)
حديث جابر ابن عبد الله رضي الله عنهما الثابت في صحيح مسلم ) قال : صلى بنا رسول الله ( الظهر وأبو بكر خلفه فإذا كبر رسول الله ( كبر أبو بكر يُسمعْنا .
مسألة : هل يسن للإمام لأن يمكث في مصلاه بعد الصلاة ؟
يسن للإمام لأن يمكث في مصلاه بعد الصلاة بنص السنة الثابتة الصحيحة :
(حديث سَمُرَةَ ابن جندب الثابت الثابت في الصحيحين ) قال : كان النبي ( إذا صلى صلاة أقبل علينا بوجهه .
(حديث أم سلمة الثابت في صحيح البخاري) قالت : كان رسول الله ( إذا سلَّم قام النساءُ حين يقضي تسليمه ومكث يسيراً قبل أن يقوم ، قال ابن شهاب : فأرى والله أعلم أن مكثه لكي ينفُذ النساء قبل أن يدركهن من انصرف من القوم .
مسألة : ما الدليل على أن مكث الإمام في مصلاه بعد الصلاة على سبيل الندب ؟
(حديث عقبة ابن الحارث النوفلي الثابت في صحيح البخاري) قال : صليت وراء النبي ( بالمدينة العصر فسلم ثم قام مسرعاً فتخطى رقاب الناس إلى بعض حجر نسائه ، ففزع الناس من سرعته ، فخرج إليهم فرأى أنهم عجبوا من سرعته فقال : ذكرتُ شيئاً من تبرٍ فأمرت بقسمته .
[التبر] الذهب قبل أن يُصفى
الشاهد : أن النبي ( سلم ثم قام مسرعاً فدل ذلك على أن مكث الإمام في مصلاه بعد الصلاة على سبيل الندب .
مسألة : هل يُسن للمؤذن أن ينتظر الإمام ؟
نعم يُسن للمؤذن أن ينتظر الإمام
(حديث جابر ابن عبد الله رضي الله عنهما ابن سمُرة الثابت في صحيح أبي داود) قال : كان بلالٌ يؤذن ثم يُمْهِل فإذا رأى النبي ( خرج أقام الصلاة .
مسألة : هل يسن للإمام أن يصلي السنة في مكان غير الذي صلى فيه الفريضة ؟
نعم يسن للإمام أن يصلي السنة في مكان غير الذي صلى فيه الفريضة
(حديث المغيرة بن شعبة الثابت في صحيحي أبي داوود وابن ماجة) أن النبي ( قال : لا يصلي الإمام في الموضع الذي صلى فيه المكتوبة حتى يتحول .
مسألة : إذا طال الفصل بين الإقامة والدخول في الصلاة هل يلزم إقامة ثانية ؟(1/453)
لا يلزم إقامة ثانية وتكفي الإقامة الأولى ؟
(حديث أبي هريرة رضي الله عنه الثابت في الصحيحين ) قال : أُقيمت الصلاة وعُدِّلت الصفوف قياماً فخرج إلينا رسول الله ( ، فلما قام في مصلاه ذكر أنه جنب ، فقال لنا مكانكم ، ثم رجع فاغتسل ثم خرج إلينا ورأسه يقطر فكبَّر فصلينا معه .
مسألة : ما الدليل على وجوب تسوية الصفوف ؟
(حديث أنس الثابت في الصحيحين ) أن النبي ( قال : سووا صفوفكم فإن تسوية الصفوف من إقامة الصلاة .
الشاهد : قوله ( [سووا صفوفكم] والأصل في الأمر الوجوب .
(حديث النعمان ابن بشير الثابت في الصحيحين ) أن النبي ( قال : لتُسوَّنَّ صفوفكم أو ليخالفنَّ الله بين وجوهكم .
(حديث أبي مسعود الأنصاري الثابت في صحيح مسلم ) كان رسول الله ( يمسح مناكبنا في الصلاة ويقول استووا ولا تختلفوا فتختلف قلوبكم ليلني منكم أولو الأحلام والنهى ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم قال أبو مسعود فأنتم اليوم أشد اختلافا .
(حديث ابن عمر رضي الله عنهما الثابت في صحيح أبي داود) أن النبي ( قال : أقيموا الصفوف وحاذوا بين المناكب وسدوا الخلل ولينوا بأيدي إخوانكم لم يقل عيسى بأيدي إخوانكم ولا تذروا فرجات للشيطان ومن وصل صفا وصله الله ومن قطع صفا قطعه الله .
(حديث عائشة الثابت في صحيح ابن ماجة) أن النبي ( قال : إن الله و ملائكته يصلون على الذين يصلون الصفوف ومن سدَّ فُرجْةً رفعه الله بها درجة .
مسألة : كيف تسوى الصفوف ؟
تسوى الصفوف بأن يضع كل إنسان منكبه بمنكب صاحبه وقدمه بقدمه .
(حديث أنس الثابت في صحيح البخاري) أن النبي ( قال : أقيموا صفوفكم فإني أراكم من وراء ظهري ن وكان أحدنا يلزق منكبه بمنكب صاحبه وقدمه بقدمه .
مسألة : ما هو فضل الصف الأول ؟
((1/454)
حديث أبي هريرة رضي الله عنه الثابت في الصحيحين ) أن النبي ( قال : لو يعلمُ الناسُ ما في النداء والصف الأول ثم لم يجدوا إلا أن يستهموا عليه لاستهموا ولو يعلمون ما في التهجير لاستبقوا إليه ولو يعلمون ما في العَتمة والصبحِ لأتوهما ولو حبواً .
(حديث البراء رضي الله عنه الثابت في صحيح أبي داود) أن النبي ( قال : إن الله و ملائكته يصلون على الصف الأول .
مسألة : ما الدليل على كراهية الصف بين السواري ؟
(حديث معاوية ابن قرة الثابت في صحيح ابن ماجة) قال : كنا نُنهى أن نصفَََّ بين السواري على عهد رسول الله ( ونُطردُ عنه طرداً .
مسألة : إذا كان المسجد صغير والجماعة كثيرة واحتاج الناس إلى أن يصفوا بين السواري فماذا يصنعون ؟
يصفون بين السواري لأن القاعدة أن [المكروه تبيحه الحاجة] .
مسألة : ما الدليل على كراهية التأخر في صفوف الرجال ؟
(حديث أبي سعيد الثابت في صحيح مسلم ) أن النبي ( قال : تقدموا فأتموا بي و ليأتم بكم من بعدكم و لا يزال قوم يتأخرون حتى يؤخرهم الله عز وجل .
(حديث أبي هريرة رضي الله عنه الثابت في صحيح مسلم ) أن النبي ( قال خير صفوف الرجال أولها و شرها آخرها و خير صفوف النساء آخرها و شرها أولها .
مسألة : ما هي أعذار التخلف عن الجماعة ؟
أعذار التخلف عن الجماعة :
[1] المرض : فقد مرض النبي ( وتخلف عن الجماعة مع أن بيته كان بجوار المسجد .
(حديث أبي موسى الثابت في الصحيحين) قال : مروا أبا بكر فليصل بالناس قالت عائشة إنه رجل رقيق إذا قام مقامك لم يستطع أن يصلي بالناس . قال مروا أبا بكر فليصل بالناس ، فعادت فقال مُري أبا بكر فليصل بالناس فإنكن صواحب يوسف ، فأتاه فصلى بالناس في حياة النبي ( .
[2] مدافعة الأخبثين :
(حديث عائشة الثابت في صحيح مسلم ) أن النبي ( قال : لا صلاة بحضرة طعام و لا و هو يدافعه الأخبثان .(1/455)
وذلك لأن مدافعة الأخبثين تقتضي انشغال القلب بهذه المدافعة فيذهب الخشوع الذي هو لب الصلاة ، ثم إن احتباس الأخبثين يسبب ضرراً عظيماً بالبدن قرره الأطباء وقد قال النبي ( لا ضرر و لا ضرار .
(حديث ابن عباس الثابت في صحيح ابن ماجة) أن النبي ( قال : لا ضرر و لا ضرار .
[3] حضرة الطعام :
(حديث عائشة الثابت في صحيح مسلم ) أن النبي ( قال : لا صلاة بحضرة طعام و لا و هو يدافعه الأخبثان .
(حديث ابن عمر رضي الله عنهما الثابت في الصحيحين) أن النبي ( قال : إذا وضع عشاء أحدكم و أقيمت الصلاة فابدءوا بالعشاء و لا يعجل حتى يفرغ منه .
{ تنبيه } :( يُشترط لجعل حضرة الطعام عذراً في ترك الجماعة شرطين متلازمين :
(1) أن يكون محتاجاً إليه فلو كان غير محتاجٍ إليه لم يعد عذراً
(2) أن يقدر على الأكل منه فلو كان ممنوعاً شرعا لم يعد عذراً كما لو كان صائماً .
[4] المطر والبرد :
(حديث ابن عباس الثابت في الصحيحين) أنه قال لمؤذنه في يوم مطير إذا قلت أشهد أن محمدا رسول الله فلا تقل حي على الصلاة قل صلوا في بيوتكم فكأن الناس استنكروا قال فعله من هو خير مني إن الجمعة عَزْمَة وإني كرهت أن أحرجكم فتمشون في الطين والدحض .
[5] خوف ضياع المال أو خوف ضرر فيه : كما لو صلى جماعة سُرق ماله أو بعضه :
(حديث ابن عباس الثابت في صحيح ابن ماجة) أن النبي ( قال : لا ضرر و لا ضرار .
[6] إذا خاف من حصول ضرر له كما لو كان هناك كلبٌ عقور :
(حديث ابن عباس الثابت في صحيح ابن ماجة) أن النبي ( قال : لا ضرر و لا ضرار .
[7] إذا غلبه النعاس بحيث لا يدري ما يقول :
(حديث عائشة الثابت في الصحيحين) أن النبي ( قال : إذا نعس أحدكم و هو يصلي فليرقد حتى يذهب عنه النوم فإن أحدكم إذا صلى و هو ناعس لا يدري لعله يستغفر فيسب نفسه .
[8] تطويل الإمام عما جاءت به السنة :
((1/456)
حديث جابر ابن عبد الله رضي الله عنهما الثابت في الصحيحين) أن معاذ بن جبل كان يصلي مع رسول الله ( ثم يرجع فيؤم قومه ، فصلى العشاء فقرأ بالبقرة فانصرف الرجل فكأن معاذاً تناول منه فبلغ ا لنبي ( فقال : ( فتانٌ فتانٌ فتانٌ) أو قال( فاتناً فاتناً فاتناً) وأمر بسورتين من أوسط المفصل .
مسألة : هل المعذور في ترك صلاة الجماعة يكتب له أجر الجماعة ؟
المعذور في ترك صلاة الجماعة يكتب له أجر الجماعة بنص السنة الثابتة الصحيحة :
(حديث أبي قتادة الثابت في الصحيحين) أن النبي ( قال: إذا مرض العبد أو سافر كتب الله له ما كان يعمله وهو صحيح مقيم .
مسألة : ما المقصود بالأعذار هنا ؟
المقصود بالأعذار هنا [المرض والسفر والخوف] وهذه الأعذار هي التي تختلف بها الصلاة عند وجودها ، واختلاف الصلاة هيئةً أو عدداً بهذه الأعذار من قاعدةٍ عامة في الشريعة الإسلامية هي [نفي المشقة والحرج]
قال تعالى: ( يُرِيدُ اللّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ) [سورة: البقرة - الآية: 185]
و قال تعالى: (وَمَا جَعَلَ عَلَيْكمْ فِي الدّينِ مِنْ حَرَجٍ) [سورة: الحج - الآية: 78]
فكلما وجدت المشقة وجد التيسير ، ومن القواعد المعروفة عند الفقهاء [المشقة تجلب التيسير]
مسألة : ما هو المرض ؟
المرض اعتلال صحة البدن كلياً أو جزئياً .
مسألة : هل يلزم المريض الصلاة قائماً ؟
يلزم المريض الصلاة قائماً بشرط الاستطاعة لأن القيام مع القدرة من أركان الصلاة وأما مع عدم الاستطاعة فلا يلزمه القيام لعموم قوله تعالى (فَاتّقُواْ اللّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ) [سورة: التغابن - الآية: 16]
(حديث عمران بن حُصين الثابت في الصحيحين) قال : كانت بي بواسير فسألت النبي ( عن الصلاة فقال : صل قائما فإن لم تستطع فقاعدا فإن لم تستطع فعلى جنب .
((1/457)
حديث أبي هريرة رضي الله عنه الثابت في صحيح مسلم ) أن النبي ( قال: فإذا أمرتكم بشيء فأتوا منه ما استطعتم وإذا نهيتكم عن شيء فدعوه .
مسالة : إذا صلى المريض قاعداً فكيف يجلس ؟
يجلس متربعاً وسمي متربعاً لظهور الأربعة أعضاء [الفخذين والساقين] .
(حديث عائشة الثابت في صحيح النسائي) قالت : رأيت النبي ( يصلي متربعاً .
مسالة : هل التربع واجب ؟
ليس التربع واجباً وإنما هو سنة لعموم قوله - صلى الله عليه وسلم - [فإن لم تستطع فقاعدا]
(حديث عمران بن حُصين الثابت في الصحيحين) قال : كانت بي بواسير فسألت النبي ( عن الصلاة فقال : صل قائما فإن لم تستطع فقاعدا فإن لم تستطع فعلى جنب .
مسألة : ما هو فائدة التربع ؟
فائدة التربع : [1] أنه أكثر طمأنينة
[2] من أجل التفريق بين قعود القيام والقعود الذي هو في محله .
مسألة : إذا استطاع الإنسان أن يجلس لكن لم يستطع السجود فماذا يصنع ؟
يجلس ويومئ بالسجود لعموم قوله تعالى (فَاتّقُواْ اللّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ) [سورة: التغابن - الآية: 16]
(حديث عمران بن حُصين الثابت في الصحيحين) قال : كانت بي بواسير فسألت النبي ( عن الصلاة فقال : صل قائما فإن لم تستطع فقاعدا فإن لم تستطع فعلى جنب .
(حديث أبي هريرة رضي الله عنه الثابت في صحيح مسلم ) أن النبي ( قال: فإذا أمرتكم بشيء فأتوا منه ما استطعتم وإذا نهيتكم عن شيء فدعوه .
مسألة : إذا لم يستطع المريض أن يصلي قاعداً فماذا يصنع ؟
إذا لم يستطع المريض أن يصلي قاعداً يصلي على جنب .
(حديث عمران بن حُصين الثابت في الصحيحين) قال : كانت بي بواسير فسألت النبي ( عن الصلاة فقال : صل قائما فإن لم تستطع فقاعدا فإن لم تستطع فعلى جنب .
مسألة : هل يصلي على جنبه الأيمن أم الأيسر ؟(1/458)
الأفضل أن يصلي على جنبه الأيسر له سواء الأيمن أم الأيسر لأن المقام مقام رخصة وسهولة ن أما إذا كان جانباه متساويان فالقاعدة تقديم اليمين فيما هو من باب التكريم كالصلاة ودخول المسجد وغير ذلك .
(حديث عائشة الثابت في الصحيحين) قالت : كان رسول الله ( يُعجبه التيمن في تنعله وترجله وطهوره وفي شأنه كله .
(حديث عائشة الثابت في صحيح أبي داود) قالت : كانت يد رسول الله ( اليمنى لطهوره وطعامه وكانت يده اليسرى لخلائه وما كان من أذى .
مسألة : إذا صلى المريض مستلقياً ورجلاه إلى القبلة هل تصح صلاته ؟
المسالة على التفصيل الآتي :
[1] إذا كان يستطيع الصلاة على جنب لم تصح صلاته مستلقياً لأن السنة جاءت بأنه يصلي على جنب إذا لم يستطع القعود
(حديث عمران بن حُصين الثابت في الصحيحين) قال : كانت بي بواسير فسألت النبي ( عن الصلاة فقال : صل قائما فإن لم تستطع فقاعدا فإن لم تستطع فعلى جنب .
[2] إذا لم يستطيع الصلاة على جنب جاز له الصلاة بحسب الاستطاعة لعموم قوله تعالى (فَاتّقُواْ اللّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ) [سورة: التغابن - الآية: 16]
مسألة : إذا كان الإنسان لا يستطيع أن يصلي الصلاة كلها قائماً فماذا يصنع ؟
يبتدأ الصلاة قاعداً ثم يصلي قائماً القدر الذي يستطيعه
(حديث عائشة الثابت في الصحيحين) قالت : ما رأيت رسول الله ( يقرأ في شيء من صلاة الليل جالسا حتى إذا كبر قرأ جالسا حتى إذا بقي عليه من السورة ثلاثون أو أربعون آية قام فقرأهن ثم ركع .
مسألة : المريض الذي يصلي قاعداً لعجزه عن القيام هل ينقص أجره عن الذي يصلي قائماً ؟
المريض الذي يصلي قاعداً لعجزه عن القيام لا ينقص أجره عن الذي يصلي قائماً
بل أجرهما واحد .
(حديث أبي قتادة الثابت في الصحيحين) أن النبي ( قال: إذا مرض العبد أو سافر كتب الله له ما كان يعمله وهو الثابت في صحيح مقيم .
مسألة : ما الذي تُقصر من الصلوات للمسافر ؟(1/459)
تُقصر الصلاة الرباعية إلى ركعتين .
(حديث عائشة الثابت في الصحيحين) قالت : فُرضت الصلاة أول ما فرضت ركعتين ركعتين فأقرت صلاة السفر وزِيد في الحضر .
قال تعالى: (وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الأرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَقْصُرُواْ مِنَ الصّلاَةِ إِنْ خِفْتُمْ أَن يَفْتِنَكُمُ الّذِينَ كَفَرُوَاْ إِنّ الْكَافِرِينَ كَانُواْ لَكُمْ عَدُوّاً مّبِيناً) [سورة: النساء - الآية: 101]
(حديث يعلى ابن أمية الثابت في صحيح مسلم ) قال : قلت لعمر بن الخطاب !< فليس عليكم جناح أن تقصروا من الصلاة إن خفتم أن يفتنكم الذين كفروا >! فقد أمن الناس فقال عجبت مما عجبت منه فسألت رسول الله ( عن ذلك فقال صدقة تصدق الله بها عليكم فاقبلوا صدقته .
{ تنبيه } :( ليس هناك سببٌ للقصر سوى السفر حتى لو كان أشد المرض ، أما الجمع فيجوز للمشقة في حضرٍ أو سفر من مرضٍ أو غيره .
مسألة : ما هي مسافة القصر ؟
للعلماء في ذلك أكثر من عشرين قولاً إلا أنه ليس هناك نصٌ صريح فاصل في مسافة القصر ، والراجح أنه لا حدَّ لمسافة القصر ، فكل ما عُدَّ سفراً عُرفاً نقصر الصلاة فيه ، والسفر عُرفاً هو كل ما فارق محل الإقامة .
( فصل الخطاب في هذه المسألة :
أن القصر أفضل مطلقاً سواء على قول من قال بوجوب القصر في السفر وعلى قول من قال أنه رخصة .
( فعلى قول من قال بالوجوب : فإن الصلاة الواجبة أفضل من النافلة وعليه يُحمل الحديث الآتي :
(حديث عائشة الثابت في الصحيحين) قالت : فُرضت الصلاة أول ما فرضت ركعتين ركعتين فأقرت صلاة السفر وزِيد في الحضر .
((1/460)
حديث أبي هريرة رضي الله عنه الثابت في صحيح البخاري) أن النبي ( قال : أن النبي ( قال : قال الله تعالى من عاد لي ولياً فقد آذنته بالحرب ، وما تقرب إلىَّ عبدي بشيءٍ مما افترضته عليه ، وما يزال عبدي يتقرب إليِّ بالنوافل حتى أحبه فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به ويده التي يبطش بها ورجله الذي يمشي بها ، ولئن سألني لأعطينه ولئن استعاذني لأعيذنَّه ، وما ترددتُ عن شيءٍّ أنا فاعله ترددي عن نفس المؤمن يكره الموت وأنا أكره مساءته .
(وعلى من قال أنه رخصة : فإن الله تعالى يحب أن تؤتى رخصه كما يحب أن تؤتى عزائمه .
(حديث ابن عمر رضي الله عنهما الثابت في صحيح الجامع) أن النبي ( قال : إن الله تعالى يحب أن تؤتى رخصه كما يحب أن تؤتى عزائمه .
مسألة : هل الصحيح أن القصر واجب أم سنة ؟
للعلماء فيه قولان منهم من قال أنه واجب و منهم من قال أنه سنة والأقرب للصواب ـ والعلم عند الله ـ أنه واجب .
(حديث عائشة الثابت في الصحيحين) قالت : فُرضت الصلاة أول ما فرضت ركعتين ركعتين فأقرت صلاة السفر وزِيد في الحضر .
(حديث عمر الثابت في صحيحيالنسائي وابن ماجة) قال عمر : صلاة الأضحى ركعتان وصلاة الفطر ركعتان و صلاة المسافر ركعتان وصلاة الجمعة ركعتان تمام ليس بقصر على لسان محمدٍ ( .
مسألة :متى يبدأ المسافر قصر الصلاة ومتى يبدأ الإتمام؟
ذهب جمهور العلماء إلى أن قصر الصلاة يُشرع بمفارقة الحضر والخروج من البلد ولا يُتم حتى يدخل أول بيوت البلدة .
(حديث أنس الثابت في الصحيحين) قال: صليت الظهر مع النبي ( بالمدينة أربعا والعصر بذي الحليفة ركعتين .
مسألة : إذا كان المطار خارج البيوت والرجل مسافر فهل يقصر الصلاة ؟
إذا كان المطار خارج البيوت والرجل مسافر فإنه يقصر الصلاة لأنه غادر بيوت البلد إلا إذا كان من سكان المطار فإنه لا يقصر .(1/461)
مسالة : رجلٌ في السفر لكنه ذكر أنه كان نسي صلاة في الحضر فهل يصليها قصر أم إتمام ؟
يصليها إتمام ليس قصر
(حديث أنس الثابت في الصحيحين) أن النبي ( قال : من نسي صلاة فليصلها إذا ذكرها لا كفارة لها إلا ذلك .
الشاهد : قوله ( [فليصلها] أي هذه الصلاة بعينها فليصلها تامة كما هي ولأن هذه الصلاة لزمته تامة فوجب عليه أن يقضيها تامة .
مسألة : إنسانٌ كان مسافراً فلما وصل إلى البلد ذكر أنه نسيَ صلاة لم يصليها في السفر فهل يصليها إتمام أم قصر ؟
الصحيح أنه يصليها قصراً
(حديث أنس الثابت في الصحيحين) أن النبي ( قال : من نسي صلاة فليصلها إذا ذكرها لا كفارة لها إلا ذلك .
الشاهد : قوله ( [فليصلها] أي هذه الصلاة بعينها فليصلها قصراً كما هي ولأن هذه الصلاة لزمته قصراً فوجب عليه أن يقضيها قصراً.
مسألة : إذا ائتم المسافر بالمقيم هل يتم مع الإمام أم يقصر ؟
إذا ائتم المسافر بالمقيم لزمه أن يتم مع الإمام
(حديث أبي هريرة رضي الله عنه الثابت في الصحيحين) أن النبي( قال : إنما جعل الإمام ليؤتم به فإذا كبر فكبروا و إذا ركع فاركعوا و إذا قال : سمع الله لمن حمده فقولوا : اللهم ربنا و لك الحمد و إذا سجد فاسجدوا و إذا صلى قائماً فصلوا قياماً و إذا صلى جالسا فصلوا جلوسا أجمعون .
(ولأن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما سئل ما بال المسافر يصلي ركعتين ومع الإمام أربع ؟ فقال تلك هي السنة .
(ولأن الصحابة رضي الله تعالى عنهم كانوا في منى يعتقدون أن الصلاة فيها قصر لأنهم في سفر لكنهم كانوا يصلون خلف عثمان أربعاً وهم أعلم الناس بما يجيزه الشرع وأحرص الناس على الخير .
مسألة : إذا أدرك المسافر ركعةً مع الإمام المقيم فهل يأتي بركعةٍ واحدةٍ ويتم قصراً أم يكمِّل الصلاة إتماماً ؟
يكمِّل الصلاة إتماماً .
((1/462)
حديث أبي قتادة الثابت في الصحيحين) بينما نحن نصلي مع النبي ( إذ سمع جلبة رجال فلما صلى قال ما شأنكم ؟ قالوا استعجلنا إلى الصلاة قال فلا تفعلوا إذا أتيتم الصلاة فعليكم بالسكينة فما أدركتم فصلوا وما فاتكم فأتموا .
الشاهد : قوله ( [فما أدركتم فصلوا وما فاتكم فأتموا] فإن فاته مع الإمام ثلاث ركعات لزمه الإتيان بها .
مسألة : ما هي عدد أيام القصر للمسافر بحيث أنه إذا زاد عليها أتم ؟
هذه المسألة فيها خلافٌ غير مقفلٍ بين العلماء ، زادت الأقوال فيها على عشرين قولاً وذلك لأنه لا يوجد فيها دليلٌ فاصل يكون بمثابة فصل الخطاب الذي ينقطع به النزاع ولكن إذا رجعنا إلى ما يقتضيه ظاهر الكتاب والسنة وجدنا أن القول الذي اختاره شيخ الإسلام هو الصحيح .
[*] قال شيخ الإسلام رحمه الله تعالى :
أن المسافر مسافر سواء نوى إقامة أربعة أيام أو أكثر ما لم ينوي الاستيطان أو الإقامة المطلقة .
لعموم الأدلة من الكتاب والسنة على ثبوت رخص السفر للمسافر بدون تحديد .
فلم يحدد الله تعالى في كتابه المدة التي تنقطع بها حكم السفر، ولم يحدد النبي ( المدة التي تنقطع بها حكم السفر .
ففي القرآن : قال تعالى: (وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الأرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَقْصُرُواْ مِنَ الصّلاَةِ إِنْ خِفْتُمْ أَن يَفْتِنَكُمُ الّذِينَ كَفَرُوَاْ) [النساء / 101]
وهذا عام في كل ضرب في الأرض ، ومن المعلوم أن الضرب في الأرض أحياناً يحتاج إلى مدة ولم يحددها الله تعالى بمدةٍ معينة فعُلم أن الأمر واسع وبقدر الحاجة .
وفي السنة أقام النبي ( مدداً مختلفة يقصر الصلاة فأقام في تبوك عشرين يوماً يقصر الصلاة وأقام في مكة عام الفتح تسعة عشر يوماً يقصر الصلاة وأقام في مكة عام حجة الوداع عشر أيام يقصر الصلاة ، والقاعدة أنه إذا وردت النصوص عامةً فلا يجوز لنا أن نخصصها بغير دليل .
((1/463)
حديث أنس الثابت في الصحيحين) قال : خرجنا مع النبي ( من المدينة إلى مكة فكان يصلي ركعتين ركعتين حتى رجعنا إلى المدينة قلت أقمتم بمكة شيئا قال أقمنا بها عشرا .
(حديث ابن عباس الثابت في صحيح البخاري) قال أقام النبي ( تسعة عشر يقصر فنحن إذا سافرنا تسعة عشر قصرنا وإن زدنا أتممنا .
(حديث ابن عباس الثابت في صحيح النسائي) قال أقام النبي ( بمكة خمسة عشر يوماً يصلي ركعتين ركعتين .
(وعلى هذا فإن النصوص الذي وردت في الكتاب والسنة عامة فإن النبي ( قصر الصلاة تسعة عشر يوماً ولم يقل من أقام أكثر من ذلك يُتم ، ولهذا أقام ابن عمر رضي الله عنهما بأذربيجان ستة أشهر يصلي ركعتين ، وصلى أنس بالشام سنتين يقصر الصلاة .
مسألة : ما معنى الاستيطان الذي يمنع قصر الصلاة ؟
الاستيطان : أن ينوي أن يتخذ هذا البلد وطناً .
وهو الإقامة المطلقة أي يقيم إقامةً لا ينتظر بها زوال المانع كأن يأتي لبلدٍ معين يجد أن طلب العلم فيها قوي مثلاً فينوي الإقامة بها بدون أن يقيده بزمن أو عمل ، أما من قيد الإقامة بعملٍ ينتهي أو بزمن ينتهي فهذا مسافر ولا تتخلف أحكام السفر عنه .
مسألة : ما الفرق بين الإقامة المطلقة والمقيدة ؟
الإقامة المطلقة : هي التي لا ينتظر بها زوال المانع .
الإقامة المقيدة : هي التي ينوي انتهائها بزوال المانع أو بقضاء الحاجة أو تقيد بزمن كحال المدرس الذي يسافر إعارة أو رجل يذهب إلى أحد الدول ليعمل بها مدةً معينة .
مسألة : ما معنى الجمع بين الصلاتين ؟
الجمع بين الصلاتين هو ضم إحدى الصلاتين التي يصح الجمع بينهما إلى الأخرى .
مسألة : ما هي الصلوات يصح الجمع بينها ؟
لا يجمع إلا بين [الظهر مع العصر] و [المغرب مع العشاء]
{ تنبيه } :( إذا جاز الجمع صار الوقتان وقتاً واحداً إن شئت جمعت في وقت الأولى أو في وقت الثانية .
مسألة : ما حكم الجمع بين الصلوات ؟
الجمع بين الصلوات مستحبٌ لسببين :
[(1/464)
1] أنه رخصةٌ من الله تعالى والله تعالى يحب أن تؤتى رخصه كما يحب أن تؤتى عزائمه.
(حديث ابن عمر رضي الله عنهما الثابت في صحيح الجامع) أن النبي ( قال : إن الله تعالى يحب أن تؤتى رخصه كما يحب أن تؤتى عزائمه .
[2] أن فيه اقتداء بالنبي ( فإن النبي ( كان يجمع عند وجود السبب .
(حديث ابن عمر رضي الله عنهما الثابت في الصحيحين) قال : رأيت رسول الله ( إذا أعجله السير في السفر يؤخر المغرب حتى يجمع بينها وبين العشاء .
(حديث أنس الثابت في الصحيحين) قال كان رسول الله ( إذا ارتحل قبل أن تزيغ الشمس أخر الظهر إلى وقت العصر ثم يجمع بينهما وإذا زاغت الشمس قبل أن يرتحل صلى الظهر ثم ركب .
مسألة : ما هي أسباب الجمع بين الصلاتين ؟
أسباب الجمع بين الصلاتين ما يلي :
[1] السفر :
(حديث ابن عمر رضي الله عنهما الثابت في الصحيحين) قال : رأيت رسول الله ( إذا أعجله السير في السفر يؤخر المغرب حتى يجمع بينها وبين العشاء .
(حديث أنس الثابت في الصحيحين) قال كان رسول الله ( إذا ارتحل قبل أن تزيغ الشمس أخر الظهر إلى وقت العصر ثم يجمع بينهما وإذا زاغت الشمس قبل أن يرتحل صلى الظهر ثم ركب .
[2] المطر :
(حديث ابن عباس الثابت في صحيح مسلم ) قال : صلى رسول الله ( الظهر والعصر جميعا بالمدينة في غير خوف ولا سفر قيل لابن عباس : ما أراد إلى ذلك ؟ قال أراد أن لا يحرج أحدا من أمته .
الشاهد : الحديث يشعر أن الجمع للمطر كان معروفاً في عهد النبي ( ولو لم يكن كذلك لما كان ثمة فائدة من نفي المطر كسبب مبرر للجمع .
[*] قال نافع : أن عبد الله ابن عمر رضي الله عنهما رضي الله تعالى عنهما كان إذا جمع الأمراء بين المغرب والعشاء في المطر جمع معهم .
[(1/465)
*] وعن هشام بن عروة : أن أباه عروة وسعيد ابن المسيب وأبا بكرٍ ابن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام بن المغيرة المخزومي كانوا يجمعون بين المغرب والعشاء في الليلة المطيرة ، وكذا عمر ابن عبد العزيز كان يجمع بين المغرب والعشاء في الليلة المطيرة .
{ تنبيه } :( يلحق بالمطر الوحل والريح الشديدة الباردة لعلة المشقة لقوله تعالى: (يُرِيدُ اللّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ) [سورة: البقرة - الآية: 185]
و قوله تعالى: قال تعالى: (وَمَا جَعَلَ عَلَيْكمْ فِي الدّينِ مِنْ حَرَجٍ) [سورة: الحج - الآية: 78]
[3] الخوف :
(حديث ابن عباس الثابت في صحيح مسلم ) قال : صلى رسول الله ( الظهر والعصر جميعا بالمدينة في غير خوف ولا سفر قيل لابن عباس : ما أراد إلى ذلك ؟ قال أراد أن لا يحرج أحدا من أمته .
الشاهد : الحديث يشعر أن الجمع للخوف كان معروفا في عهد النبي( و لم يكن كذلك لما كان ثمة فائدة من نفي الخوف كمبرر للجمع .
[4] المرض : يجوز الجمع للمريض الذي يلحقه بتركه المشقة لعموم قوله تعالى: (يُرِيدُ اللّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ) [سورة: البقرة - الآية: 185]
و قوله تعالى: قال تعالى: (وَمَا جَعَلَ عَلَيْكمْ فِي الدّينِ مِنْ حَرَجٍ) [سورة: الحج - الآية: 78]
{ تنبيه } :( الأسباب لا تنحصر في هذه الأسباب الخمسة بل هي كالتمثيل لقاعدة عامة وهي [المشقة] ولهذا يجوز للمستحاضة الجمع بين الظهر والعصر وبين المغرب والعشاء .
مسألة : هل يلزم من جواز الجمع جواز القصر ؟
لا يلزم من جواز الجمع جواز القصر فمثلاً المريض يجمع بين الصلاتين لعذر المشقة ولا يشترط القصر .
مسألة : هل الأفضل جمع التقديم أم جمع التأخير ؟
((1/466)
الأفضل الأيسر له لأن المقام مقام رخصة والرخصة شرعت تيسيراً للمكلف ورفع الحرج لعموم قوله تعالى: (يُرِيدُ اللّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ) [سورة: البقرة - الآية: 185]
و قوله تعالى: قال تعالى: (وَمَا جَعَلَ عَلَيْكمْ فِي الدّينِ مِنْ حَرَجٍ) [سورة: الحج - الآية: 78]
وسنة النبي ( تدل على هذا فإنه ( كان إذا ارتحل قبل أن تزيغ الشمس أخر الظهر إلى وقت العصر ثم يجمع بينهما 0
(حديث ابن عمر رضي الله عنهما الثابت في الصحيحين) قال : رأيت رسول الله ( إذا أعجله السير في السفر يؤخر المغرب حتى يجمع بينها وبين العشاء .
(حديث أنس الثابت في الصحيحين) قال كان رسول الله ( إذا ارتحل قبل أن تزيغ الشمس أخر الظهر إلى وقت العصر ثم يجمع بينهما وإذا زاغت الشمس قبل أن يرتحل صلى الظهر ثم ركب .
مسألة : في المطر هل الأفضل جمع التقديم أم جمع التأخير ؟
الأفضل في المطر جمع التقديم لأنه أرفق .
مسألة : هل يلزم في الجمع أن يكون جمع تقديم أوجمع تأخير ؟
لا يلزم في الجمع أن يكون جمع تقديم أوجمع تأخير بل إن جاز الجمع صار الوقتان وقتاً واحداً فيجوز أن تصلي المجموعتين في وقت الأولى أو في وقت الثانية أو ما بين الوقتين .
مسألة : إن المسافر لا يجب عليه صلاة الجمعة فهل يجوز أن يصليها ظهراً ويجمع بينها وبين العصر ؟
يجوز له ذلك ولكنه سوف يخسر أجر الجمعة من أجل الجمع .
مسألة : ما هو دليل مشروعية صلاة الخوف ؟(1/467)
دليل مشروعية صلاة الخوف هو قوله تعالى: (وَإِذَا كُنتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصّلاَةَ فَلْتَقُمْ طَآئِفَةٌ مّنْهُمْ مّعَكَ وَلْيَأْخُذُوَاْ أَسْلِحَتَهُمْ فَإِذَا سَجَدُواْ فَلْيَكُونُواْ مِن وَرَآئِكُمْ وَلْتَأْتِ طَآئِفَةٌ أُخْرَىَ لَمْ يُصَلّواْ فَلْيُصَلّواْ مَعَكَ وَلْيَأْخُذُواْ حِذْرَهُمْ وَأَسْلِحَتَهُمْ وَدّ الّذِينَ كَفَرُواْ لَوْ تَغْفُلُونَ عَنْ أَسْلِحَتِكُمْ وَأَمْتِعَتِكُمْ فَيَمِيلُونَ عَلَيْكُمْ مّيْلَةً وَاحِدَةً وَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِن كَانَ بِكُمْ أَذًى مّن مّطَرٍ أَوْ كُنتُمْ مّرْضَىَ أَن تَضَعُوَاْ أَسْلِحَتَكُمْ وَخُذُواْ حِذْرَكُمْ إِنّ اللّهَ أَعَدّ لِلْكَافِرِينَ عَذَاباً مّهِيناً) [سورة: النساء - الآية: 102]
مسألة : ما هي كيفية صلاة الخوف ؟
صلاة الخوف وردت عن النبي ( بستة أوجه أو سبعة أوجه كلها جائزة نذكر منها أشهر صفة لأنها توافق ظاهر القرآن .
يقوم قائد الجيش بتقسيم الجيش إلى طائفتين طائفةٌ تصلي معه وطائفةٌ أمام العدو فيصلي بالطائفة الأولى ركعة فإذا قام إلى الثانية نوى الإنفراد وأتموا لأنفسهم ـ والإمام لا يزال قائماً ـ فإذا أتموا لأنفسهم ذهبوا ووقفوا مكان الطائفة الأولى أمام العدو ، وجاءت الطائفة التي كانت أمام العدو ووقفت مع الإمام في الركعة الثانية فيصلي بهم الثانية التي بقيت ثم يجلس الإمام للتشهد وتقوم هذه الطائفة لتأتي بالركعة الثانية وتدرك الإمام في التشهد وَيُسَلِّمون معه .
(حديث ابن عمر رضي الله عنهما الثابت في الصحيحين) قال صلى بنا رسول الله ( صلاة الخوف في بعض أيامه التي لقيَ فيها العدو فقامت طائفةٌ معه وطائفةٌ بإزاء العدو ، فصلى بالذين معه ركعةً ثم ذهبوا ، وجاء الآخرون فصلى بهم ركعة ، وقضت الطائفتين ركعةً ركعة .
مسألة : إذا اشتد الخوف والتحم القتال كيف يصلي المقاتلون ؟(1/468)
إذا اشتد الخوف والتحم القتال يصلي المقاتلون بحسب استطاعتهم رجالاً وقياماً على أقدامهم أو ركباناً مستقبلي القبلة وغير مستقبليها .
(حديث ابن عمر رضي الله عنهما الثابت في الصحيحين موقوفا) قال : فإذا كان خوفٌ هو أشد من ذلك صلوا قياماً على أقدامهم أو ركباناً مستقبلي القبلة وغير مستقبليها .
مسألة : متى تُشرع صلاة الخوف ؟
تُشرع صلاة الخوف عند الخوف من العدو سواء كان العدو كافراً أو كان من السباع مثلاً كالأسد والنمر ونحو ذلك .
مسألة : إذا اشتد الخوف هل يجوز تأخير الصلاة عن وقتها ؟
إذا اشتد الخوف جاز تأخير الصلاة عن وقتها فإن المشركين شغلوا النبي ( عن أربع صلواتٍ يوم الخندق وجمع النبي ( بينهم .
(حديث ابن مسعود الثابت في صحيح النسائي) قال : إن المشركين شغلوا النبي ( عن أربع صلواتٍ يوم الخندق فأمر بلالاً فأذن ثم أقام فصلى الظهر ثم أقام فصلى العصر ثم أقام فصلى المغرب ثم أقام فصلى العشاء .
مسألة : ما هو فضل يوم الجمعة ؟
[1] يوم الجمعة يومٌ عظيمٌ أغرّ أفضل أيام الأسبوع وهو خير يوم طلعت عليه الشمس بنص السنة الثابتة الصحيحة .
(حديث أبي هريرة رضي الله عنه الثابت في صحيح مسلم ) أن النبي ( قال : خير يوم طلعت عليه الشمس يوم الجمعة فيه خلق آدم و فيه أدخل الجنة و فيه أخرج منها و لا تقوم الساعة إلا في يوم الجمعة .
[2] هو يومٌ عظيمٌ خصه الله تعالى بهذه الأمة بعد عن أضل عنه الأمم السابقة :
(حديث أبي هريرة رضي الله عنه الثابت في الصحيحين) أن النبي ( قال : نحن الآخرون السابقون يوم القيامة بيد أنهم أوتوا الكتاب من قبلنا ثم هذا يومهم الذي فرض عليهم فاختلفوا فيه فهدانا الله فالناس لنا فيه تبع اليهود غدا والنصارى بعد غد .(1/469)
معنى الحديث : نحن الآخرون زماناً لكن المتقدمون منزلة وذلك أن اليهود اختلفوا في يوم الجمعة فصار جمعتهم يوم السبت والنصارى أشدُ اختلافاً فكانت جمعتهم يوم الأحد ، فصاروا والحمد لله تعالى تبعاً لنا ، فعلى الرغم من أن أمة محمد بعدهم زماناً إلا أنها أفضل الأمم عند الله تعالى ، وهم متأخرون عنا في الرتبة .
[3] يترتب عليه تكفير الذنوب .
(حديث أبي هريرة رضي الله عنه الثابت في صحيح مسلم ) أن النبي ( قال : الصلوات الخمس و الجمعة إلى الجمعة و رمضان إلى رمضان مكفرات لما بينهن إذا اجتنبت الكبائر .
[4] كلما بكَّرت يوم الجمعة عظُم أجرك وهذا يدل على عظمة يوم الجمعة وفضله والحث عليه .
(حديث أبي هريرة رضي الله عنه الثابت في الصحيحين) أن النبي ( قال : من اغتسل يوم الجمعة غسل الجنابة ثم راح في الساعة الأولى فكأنما قرب بدنة و من راح في الساعة الثانية فكأنما قرب بقرة و من راح في الساعة الثالثة فكأنما قرب كبشا أقرن و من راح في الساعة الرابعة فكأنما قرب دجاجة و من راح في الساعة الخامسة فكأنما قرب بيضة فإذا خرج الإمام حضرت الملائكة يستمعون الذكر .
[5] يوم الجمعة فيه ساعة إجابة لا يوافقها عبدٌ مسلم وهو قائمٌ يصلي يسأل الله تعالى شيئاً إلا أعطاه إياه .
(حديث أبي هريرة رضي الله عنه الثابت في الصحيحين) أن النبي ( ذكر يوم الجمعة فقال : فيه ساعةٌ لا يوافقها عبدٌ مسلم وهو قائمٌ يصلي يسأل الله تعالى شيئاً إلا أعطاه إياه ، وأشار بيده يقللها .
(حديث جابر ابن عبد الله رضي الله عنهما الثابت في صحيح أبي داود) أن النبي ( قال : يوم الجمعة ثنتا عشرة ساعة منها ساعة لا يوجد عبد مسلم يسأل الله فيها شيئا إلا آتاه الله إياه فالتمسوها آخر ساعة بعد العصر .
[6] استحباب كثرة الصلاة على النبي ( يوم الجمعة :
((1/470)
حديث أوس ابن أوس الثابت في صحيحي أبي داوود والنسائي) أن النبي ( قال : إن من أفضل أيامكم يوم الجمعة فيه خلق آدم و فيه قبض و فيه النفخة و فيه الصعقة فأكثروا عليَّ من الصلاة فيه فإن صلاتكم معروضة عليَّ ، قالوا يا رسول الله كيف تُعرض عليك وقد أرِمْت ؟ قال : إن الله حرم على الأرض أن تأكل أجساد الأنبياء .
[أرِمْت] أي بليت
[7] استحباب قراءة سورة الكهف يوم الجمعة ويترتب عليها أجرٌ عظيم :
(حديث أبي سعيد الثابت في صحيح الجامع) أن النبي ( قال : من قرأ سورة الكهف في يوم الجمعة أضاء له من النور ما بين الجمعتين .
مسالة : ما هو حكم صلاة الجمعة ؟
أجمع العلماء على أن صلاة الجمعة فرض عين
قال تعالى: (يَأَيّهَا الّذِينَ آمَنُوَاْ إِذَا نُودِيَ لِلصّلاَةِ مِن يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْاْ إِلَىَ ذِكْرِ اللّهِ وَذَرُواْ الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ) [سورة: الجمعة - الآية: 9]
(حديث طارق ابن شهاب الثابت في صحيح أبي داود) أن النبي ( قال : الجمعة حق واجب على كل مسلم في جماعة إلا أربعة : عبدا مملوكا أو امرأة أو صبيا أو مريضا .
مسألة : اذكر بعض الأدلة من السنة الثابتة الصحيحة في التحذير من التهاون بصلاة الجمعة ؟
(حديث أبي هريرة رضي الله عنه الثابت في صحيح مسلم ) أن النبي ( قال : لينتهين أقوام عن ودعهم الجُمُعات أو ليختمن الله على قلوبهم ثم ليكونن من الغافلين .
معنى ودعهم : أي تركهم
معنى ليختمن الله على قلوبهم: الختم معناه الطبع والتغطية
(حديث الجعد الضَّمريَّ ـ وكانت له صحبة ـ الثابت في صحيح السنن الأربعة) أن النبي ( قال : من ترك ثلاث جمع تهاونا بها طبع الله على قلبه .
(حديث أسامة الثابت في صحيح الجامع) أن النبي ( قال : من ترك ثلاث جمعات من غير عذر كتب من المنافقين .
مسألة : على من تجب الجمعة ؟
تجب الجمعة على كل مسلم ذكر حر مكلف مستوطن .(1/471)
مسألة : ما الدليل على الجمعة تجب على الذكر دون الأنثى ؟
(حديث طارق ابن شهاب الثابت في صحيح أبي داود) أن النبي ( قال : الجمعة حق واجب على كل مسلم في جماعة إلا أربعة : عبدا مملوكا أو امرأة أو صبيا أو مريضا .
مسألة : ما الدليل على الجمعة تجب على الحر دون العبد ؟
(حديث طارق ابن شهاب الثابت في صحيح أبي داود) أن النبي ( قال : الجمعة حق واجب على كل مسلم في جماعة إلا أربعة : عبدا مملوكا أو امرأة أو صبيا أو مريضا .
مسألة : ما الدليل على الجمعة لا تجب إلا على المكلف ؟
(حديث علي الثابت في صحيحي أبي داوود والترمذي) أن النبي ( قال : رفع القلم عن ثلاث : عن النائم حتى يستيقظ و عن الصبي حتى يحتلم و عن المجنون حتى يُفيق .
مسألة : ما الدليل على أن المسافر لا تجب عليه صلاة الجمعة ؟
الدليل على أن المسافر لا تجب عليه صلاة الجمعة أن النبي ( لم يصل الجمعة في السفر وكان في حجة الوداع بعرفة يوم الجمعة فصلى الظهر والعصر جمع تقديم ولم يصلي جمعته ، وكذلك فعل الخلفاء من خلفه .
مسألة : ما هو وقت صلاة الجمعة ؟
وقت صلاة الجمعة وقت صلاة الظهر وتجوز قبله
(حديث أنس الثابت في صحيح البخاري) أن النبي ( كان يصلي الجمعة حين تميل الشمس .
(حديث جابر ابن عبد الله رضي الله عنهما الثابت في صحيح مسلم ) أنه سُئل متى كان رسول الله ( يصلي الجمعة ؟ قال : كان يصلي ثم نذهب إلى جمالنا فنريحها حين تزول الشمس .
مسألة : ما هو العدد الذي تنعقد به الجمعة ؟
القول الصحيح أن الجمعة تنعقد بثلاثة لقوله تعالى: (يَأَيّهَا الّذِينَ آمَنُوَاْ إِذَا نُودِيَ لِلصّلاَةِ مِن يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْاْ إِلَىَ ذِكْرِ اللّهِ) [سورة: الجمعة - الآية: 9]
الشاهد قوله تعالى : [فَاسْعَوْاْ إِلَىَ ذِكْرِ اللّهِ] وهذا جمع وأقل الجمع ثلاثة .
((1/472)
حديث أبي الدرداء الثابت في صحيحي أبي داوود والنسائي) أن النبي ( قال : ما من ثلاثة في قرية و لا بدو لا تقام فيهم الصلاة إلا استحوذ عليهم الشيطان فعليك بالجماعة فإنما يأكل الذئب من الغنم القاصية .
الشاهد : في الحديث دليل على وجوب الجمعة على الثلاثة لقوله ( [فعليك بالجماعة] قولٌ عام يشمل الجمعة وغيرها ، ففيه دليل على وجوب الجمعة على الثلاثة ، ولا يمكن أن نقول بوجوبها على الثلاثة ثم نقول لا تصحُ من الثلاثة لأن اجتماع الضدين مستحيل ، وهذا اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى .
مسألة : كلمة خطبة الجمعة هل هي بضم الخاء أم كسرها ؟
خُطبة الجمعة بضم الخاء أما كسر الخاء فهي خِطبة النكاح يعني أن يخطب رجلٌ امرأة .
مسألة : ما حكم خُطبة الجمعة ؟
خُطبة الجمعة واجبة لمواظبته ( مواظبةً غير منقطعة وعدم تركه لها أبداً .
(حديث ابن عمر رضي الله عنهما الثابت في الصحيحين) قال : كان النبي ( يخطب خُطبتين وهو قائم يفصلُ بينهما بجلوس .
وقد قال النبي ( في (حديث مالك بن الحويرث الثابت في صحيح البخاري ) صلوا كما رأيتموني أُصلي .
مسألة : ما هو هدي النبي( في خُطبة الجمعة ؟
هدي النبي( في خُطبة الجمعة هو ما يلي :
[1] أن تكون الخُطبة على المنبر : والمنبر من النبر وهو الارتفاع
(حديث سهل ابن سعد الثابت في الصحيحين) أن النبي ( أرسل إلى امرأة من الأنصار أن مُري غلامك النجار يعمل أعوادا أجلس عليها إذا كلمت الناس .
[2] أن تكون الخُطبة مكونة من خُطبتين يفصل بينهما بجلوس :
(حديث ابن عمر رضي الله عنهما الثابت في الصحيحين) قال : كان النبي ( يخطب خُطبتين وهو قائم يفصلُ بينهما بجلوس .
[3] إذا صعد المنبر يُسلم على مستمعي الخُطبة :
(حديث جابر ابن عبد الله رضي الله عنهما الثابت في صحيح ابن ماجة) قال : كان رسول الله (إذا صعد المنبر سلم
[4] يجلس إذا صعد المنبر حتى يفرغ المؤذن ثم يقوم فيخطب :
((1/473)
حديث ابن عمر رضي الله عنهما الثابت في صحيح أبي داود) قال : كان رسول الله( يجلس إذا صعد المنبر حتى يفرغ المؤذن ثم يقوم فيخطب .
[5] يخطُب وهو قائم :
(حديث ابن عمر رضي الله عنهما الثابت في الصحيحين) قال : كان النبي ( يخطب خُطبتين وهو قائم يفصلُ بينهما بجلوس .
[6] يقصد تلقاء وجهه ولا يتجه يميناً ولا شمالاً والمصلين هم الذين يستقبلونه بوجوههم .
(حديث ابن مسعود الثابت في صحيح الترمذي) قال : كان رسول الله( إذا استوى على المنبر استقبلناه بوجوهنا .
[7] أن يطيل الصلاة ويقصِّر الخُطبة :
(حديث عمار ابن ياسر الثابت في صحيح مسلم ) أن النبي ( قال : إن طول صلاة الرجل و قصر خطبته مئنة من فقهه .
{ مئنةٌ من فقهه} : أي علامةٌ من علامات فقهه .
[8] يستحب رفع الصوت في الخُطبة
(حديث جابر ابن عبد الله رضي الله عنهما الثابت في صحيح مسلم ) كان رسول الله ( إذا خطب احمرت عيناه وعلا صوته واشتد غضبه حتى كأنه منذر جيش يقول صبحكم ومساكم .
[9] يستفتح الخطبة بخطبة الحاجة :
(حديث ابن مسعود الثابت في صحيح السنن الأربعة) علمنا رسول الله ( خطبة الحاجة ( الحمد لله نستعينه ونستغفره ونعوذ به من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا عبده ورسوله ثم يقرأ ثلاث آيات
يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون >! !<
يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالا كثيرا ونساء واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيبا >! !<
يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون >! !< يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولا سديدا يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزا عظيما >!(1/474)
أن يدعو للمسلمين : للراعي والرعية كأن يقول اللهم وفق الراعي والرعية وأصلح لهم النية ونجهم من كل بلية ، اللهم وفقهم بتوفيقك وأيدهم بتأييدك ، اللهم وفقهم لما تحب وترضى وخذ بناصيتهم للبر والتقوى ، وذلك لأن في الجمعة ساعة إجابة وهذه الساعة على الصحيح منذ أن يصعد الإمام على المنبر إلى آخر ساعةٍ بعد العصر ، فلعل ساعة الإجابة تكون عند دعاء الإمام
(حديث أبي بُردة ابن أبي موسى الثابت في صحيح مسلم ) قال : قال لي عبد الله بن عمر * أسمعت أباك يحدث عن رسول الله ( في شأن ساعة الجمعة قال قلت نعم سمعته يقول سمعت رسول الله ( يقول هي ما بين أن يجلس الإمام إلى أن تقضى الصلاة .
{ تنبيه } : ( مما يجدر الإشارةُ إليه أن الدعاء للراعي مهمٌ جداً لأن في صلاحه صلاح الأمة
[*] قال الإمام أحمد رحمه الله تعالى : لو أعلم أن لي دعةٌ مستجابةٌ لصرفتها إلى السلطان .
مسألة : ما الدليل على تحريم الكلام أثناء خُطبة الجمعة ؟
(حديث أبي هريرة رضي الله عنه الثابت في الصحيحين) أن النبي ( قال : إذا قلت لصاحبك و الإمام يخطب يوم الجمعة : أنصت فقد لغوت .
(حديث أبي ابن كعب الثابت في صحيح ابن ماجة) قال : أن رسول الله ( قرأ يوم الجمعة تبارك وهو قائم فذكرنا بأيام الله وأبو الدرداء أو أبو ذر يغمزني فقال متى أنزلت هذه السورة إني لم أسمعها إلا الآن فأشار إليه أن اسكت فلما انصرفوا قال سألتك متى أنزلت هذه السورة فلم تخبرني فقال أبي ليس لك من صلاتك اليوم إلا ما لغوت فذهب إلى رسول الله ( فذكر ذلك له وأخبره بالذي قال أبي فقال رسول الله ( صدق أبي .
مسألة : بما تُدرك الجمعة ؟
تُدرك الجمعة بإدراك ركعة .
(حديث أبي هريرة رضي الله عنه الثابت في الصحيحين) أن النبي ( قال : من أدرك ركعة من الصلاة فقد أدرك الصلاة .
مسألة : ما هي عدد ركعات الجمعة ؟
عدد ركعات الجمعة ركعتان يُسن أن تُقرأ جهراً
((1/475)
حديث عمر الثابت في صحيحيالنسائي وابن ماجة) قال عمر : صلاة الأضحى ركعتان وصلاة الفطر ركعتان و صلاة المسافر ركعتان وصلاة الجمعة ركعتان تمام ليس بقصر على لسان محمدٍ ( .
مسألة : ماذا يقرأ الإمام في ركعتي الجمعة ؟
الذي دلت عليه السنة الصحيحة وتجتمع فيه الأدلة أنه يُسن للإمام أن يقرأ في ركعتي الجمعة بسورتي الأعلى والغاشية أحياناً وبسورتي الجمعة والمنافقون أحياناً لأنه أتت السنة أن النبي ( كان يقرأ في ركعتي الجمعة بسورتي الأعلى والغاشية وأتت أيضاً أن النبي ( كان يقرأ في ركعتي الجمعة بسورتي الجمعة والمنافقون ، وهذا اختلاف تنوع وليس اختلاف تضاد فالأفضل فيه أن يقرأ بهذه تارةً وبهذه تارة .
(حديث ابن عباس الثابت في صحيح مسلم ) أن النبي ( كان يقرأ في صلاة الجمعة سورة الجمعة والمنافقون .
(حديث النعمان ابن بشير الثابت في صحيح مسلم ) قال : كان رسول الله ( يقرأ في العيدين وفي الجمعة بسبح اسم ربك الأعلى وهل أتاك حديث الغاشية قال وإذا اجتمع العيد والجمعة في يوم واحد يقرأ بهما أيضا في الصلاتين .
مسألة : ماذا يقرأ في فجر الجمعة ؟
(حديث أبي هريرة رضي الله عنه الثابت في الصحيحين) قال : كان النبي ( يقرأ في الجمعة في صلاة الفجر ألم تنزيل وهل أتى على الإنسان .
مسألة : ما هو عدد السنة التابعة للجمعة ؟
جاءت السنة الصحيحة للسنة التابعة للجمعة على وجوهٍ متنوعة فقد جاءت ركعتين وأربعةٍ وست ركعات ، وعلى هذا فالأفضل أن نصليها أحياناً ركعتين و أحياناً أربع ركعات و أحياناً ست ركعات .
(حديث ابن عمر رضي الله عنهما الثابت في صحيح أبي داود) كان إذا كان بمكة فصلى الجمعة تقدم فصلى ركعتين ثم تقدم فصلى أربعا وإذا كان بالمدينة صلى الجمعة ثم رجع إلى بيته فصلى ركعتين ولم يصل في المسجد فقيل له فقال كان رسول الله ( يفعل ذلك .
((1/476)
حديث أبي هريرة رضي الله عنه الثابت في صحيح مسلم ) أن النبي ( قال : إذا صليتم بعد الجمعة فصلوا أربعاً .
( حديث ابن عمر رضي الله عنهما الثابت في الصحيحين ) قال كان النبي ( يصلي قبل الظهر ركعتين وبعده ركعتين وبعد المغرب ركعتين في بيته وبعد العشاء ركعتين ، وكان لا يصلي بعد الجمعة حتى ينصرف فيصلي ركعتين .
مسألة : إذا اجتمع الجمعة والعيد في يومٍ واحد فماذا يصنع الإنسان ؟
إذا اجتمع الجمعة والعيدين في يومٍ واحد سقطت الجمعة عمن صلى العيد
(حديث أبي هريرة رضي الله عنه الثابت في صحيح أبي داود) أن النبي ( قال : قد اجتمع في يومكم هذا عيدان فمن شاء أجزأه من الجمعة وإنا مُجَمِّعون .
مسألة : إذا حدث المطر فهل يصلي الرجل في البيت ؟
(حديث ابن عباس الثابت في الصحيحين) أنه قال لمؤذنه في يوم مطير إذا قلت أشهد أن محمدا رسول الله فلا تقل حي على الصلاة قل صلوا في بيوتكم فكأن الناس استنكروا قال فعله من هو خير مني إن الجمعة عَزْمَة وإني كرهت أن أحرجكم فتمشون في الطين والدحض .
مسألة : ماذا يُسَنُّ للجمعة ؟
يُسَنُّ للجمعة ما يلي :
[1] الغسل : (حديث ابن عمر رضي الله عنهما الثابت في الصحيحين) أن النبي ( قال : إذا جاء أحدكم الجمعة فليغتسل .
(حديث ابن عمر رضي الله عنهما الثابت في الصحيحين) أن عمر بن الخطاب بينما هو قائم في الخطبة يوم الجمعة إذ دخل رجل من المهاجرين الأولين من أصحاب النبي ( فناداه عمر أية ساعة هذه قال إني شغلت فلم أنقلب إلى أهلي حتى سمعت التأذين فلم أزد أن توضأت فقال والوضوء أيضا وقد علمت أن رسول الله ( كان يأمر بالغسل .
(حديث أبي سعيد الخدري رضي الله تعالى الثابت في الصحيحين) أن النبي ( قال : غسل يوم الجمعة واجب على كل محتلم .
(حديث أبي هريرة رضي الله عنه رضي الله تعالى الثابت في الصحيحين) أن النبي ( قال : حق لله على كل مسلم أن يغتسل في كل سبعة أيام يوما يغسل فيه رأسه و جسده .
((1/477)
حديث سمُرة ابن جندب الثابت في صحيح السنن الأربعة) أن النبي ( قال : من توضأ يوم الجمعة فبها و نعمت و من اغتسل فالغسل أفضل .
[2] التنظيف والتطيب :
و التنظيف فيه معنىً زائد على مجرد الاغتسال والمراد به قطع الرائحة الكريهة وأسبابها مثل إزالة الشعور التي أمر الشارع بإزالتها كشعر الإبط والعانة وتقليم الأظفار ، وقد وقت النبي ( هذه الأشياء ألا تزيد عن أربعين يوماً .
( حديث أنس الثابت في صحيح مسلم ) قال : وُقِّتَ لنا في قص الشارب وتقليم الأظافر ونتف الإبط وحلق العانة ألا نترك أكثر من أربعين ليلة )
(حديث سلمان الثابت في صحيح البخاري) أن النبي ( قال : لا يغتسل رجل يوم الجمعة و يتطهر ما استطاع من الطهر و يدَّهن من دُهُنه أو يمسُّ من طِيب بيته ثم يخرج فلا يفرق بين اثنين ثم يصلي ما كتب له ثم ينصت إذا تكلم الإمام إلا غفر له ما بينه و بين الجمعة الأخرى .
[3] يلبس أفضلُ ثيابه وأفضلها الأبيض :
(حديث جابر ابن عبد الله رضي الله عنهما الثابت في صحيحابن خزيمة) قال : كان للنبي ( جُبةٌ يلبسها في العيدين ويوم الجمعة .
(حديث عائشة الثابت في صحيحي أبي داوود والترمذي) أن النبي ( قال : ما على أحدكم إن وجد سعة أن يتخذ ثوبين ليوم الجمعة سوى ثوبي مهنته .
(حديث ابن عمر رضي الله عنهما الثابت في صحيح الجامع) أن النبي ( قال : إذا صلى أحدكم فليلبس ثوبيه فإن الله تعالى أحق من تزين له .
[4] التبكير يوم الجمعة :
(حديث أبي هريرة رضي الله عنه الثابت في الصحيحين) أن النبي ( قال : من اغتسل يوم الجمعة غسل الجنابة ثم راح في الساعة الأولى فكأنما قرب بدنة و من راح في الساعة الثانية فكأنما قرب بقرة و من راح في الساعة الثالثة فكأنما قرب كبشا أقرن و من راح في الساعة الرابعة فكأنما قرب دجاجة و من راح في الساعة الخامسة فكأنما قرب بيضة فإذا خرج الإمام حضرت الملائكة يستمعون الذكر .
((1/478)
حديث أوس ابن أوس الثابت في صحيح السنن الأربعة) أن النبي ( قال : من اغتسل يوم الجمعة وغسَّل وبكَّر وابتكر ودنا واستمع وأنصت كان له بكلِ خُطوةٍ يخطوها أجرُ سنةٍ صيامُها وقيامها .
[5] يدنو من الإمام :
(حديث أوس ابن أوس الثابت في صحيح السنن الأربعة) أن النبي ( قال : من اغتسل يوم الجمعة وغسَّل وبكَّر وابتكر ودنا واستمع وأنصت كان له بكلِ خُطوةٍ يخطوها أجرُ سنةٍ صيامُها وقيامها .
الشاهد قوله ( [ودنا] أي قرب من الإمام .
(حديث أبي سعيد الثابت في صحيح مسلم ) أن النبي ( رأى في أصحابه تأخراً فقال : تقدموا فأتموا بي و ليأتم بكم من بعدكم و لا يزال قوم يتأخرون حتى يؤخرهم الله .
[6] أن يمشي ولا يركب
(حديث أوس ابن أوس الثابت في صحيح السنن الأربعة) أن النبي ( قال : من اغتسل يوم الجمعة وغسَّل وبكَّر وابتكر ودنا واستمع وأنصت كان له بكلِ خُطوةٍ يخطوها أجرُ سنةٍ صيامُها وقيامها .
(حديث أبي موسى الثابت في الصحيحين) أن النبي ( قال : أعظم الناس أجرا في الصلاة أبعدهم فأبعدهم ممشى و الذي ينتظر الصلاة حتى يصليها مع الإمام أعظم أجرا من الذي يصلي ثم ينام .
[7] قراءة سورة الكهف :
(حديث أبي سعيد الثابت في صحيح الجامع) أن النبي ( قال : من قرأ سورة الكهف في يوم الجمعة أضاء له من النور ما بين الجمعتين .
[8] يكثر الدعاء لأن فيه ساعة إجابة :
(حديث أبي هريرة رضي الله عنه الثابت في الصحيحين) أن النبي ( ذكر يوم الجمعة فقال : فيه ساعةٌ لا يوافقها عبدٌ مسلم وهو قائمٌ يصلي يسأل الله تعالى شيئاً إلا أعطاه إياه ، وأشار بيده يقللها .
(حديث جابر ابن عبد الله رضي الله عنهما الثابت في صحيح أبي داود) أن النبي ( قال : يوم الجمعة ثنتا عشرة ساعة منها ساعة لا يوجد عبد مسلم يسأل الله فيها شيئا إلا آتاه الله إياه فالتمسوها آخر ساعة بعد العصر .
[9] استحباب كثرة الصلاة على النبي ( يوم الجمعة :
((1/479)
حديث أوس ابن أوس الثابت في صحيحي أبي داوود والنسائي) أن النبي ( قال : إن من أفضل أيامكم يوم الجمعة فيه خلق آدم و فيه قبض و فيه النفخة و فيه الصعقة فأكثروا عليَّ من الصلاة فيه فإن صلاتكم معروضة عليَّ ، قالوا يا رسول الله كيف تُعرض عليك وقد أرِمْت ؟ قال : إن الله حرم على الأرض أن تأكل أجساد الأنبياء .
(حديث أنس الثابت في صحيح الجامع) أن النبي ( قال : الأنبياء أحياءٌ في قبورهم يصلون .
[10] لا يتخطى رقاب الناس لأن فيه إيذاءٌ لهم :
(حديث عبد الله ابن بُسر الثابت في صحيح أبي داود) قال : جاء رجل يتخطى رقاب الناس يوم الجمعة والنبي ( يخطب فقال له النبي ( اجلس فقد آذيت .
مسألة : من دخل والإمام يخطب فهل يصلي تحية المسجد ؟
من دخل والإمام يخطب يصلي تحية المسجد بنص السنة الثابتة الصحيحة .
(حديث جابر ابن عبد الله رضي الله عنهما الثابت في الصحيحين) قال : جاء رجل والنبي ( يخطب الناس يوم الجمعة فقال أصليت يا فلان قال لا قال قم فاركع ركعتين .
مسألة : هل نصل صلاة الجمعة بصلاة قبل أن نتكلم أو نخرج ؟
(حديث الثابت ابن يزيد الثابت في صحيح مسلم ) أن معاوية رضي الله تعالى عنه قال : إذا صليت الجمعة فلا تصلها بصلاة حتى تتكلم أو تخرج فإن رسول الله ( أمرنا بذلك ( ألا نصل صلاةٍ بصلاة حتى نتكلم أو نخرج ) .
مسألة : هل يجوز أن نخص ليلة الجمعة بقيام من بين الليالي ؟
لا يجوز أن نخص ليلة الجمعة بقيام من بين الليالي
(حديث أبي هريرة رضي الله عنه الثابت في صحيح مسلم ) أن النبي ( قال : لا تخصوا ليلة الجمعة بقيام من بين الليالي و لا تخصوا يوم الجمعة بصيام من بين الأيام إلا أن يكون في صوم يصومه أحدكم .
مسألة : هي يكون الغذاء والقيلولة بعد الجمعة أم قبلها؟
يكون الغذاء والقيلولة بعد الجمعة
(حديث سهل ابن سعد الثابت في الصحيحين) قال : ما كنا نَقيل ولا نتغذى إلا بعد الجمعة .
مسألة : ما هي وقت ساعة الإجابة يوم الجمعة ؟(1/480)
ثبت في السنة الصحيحة أن ساعة الإجابة يوم الجمعة هي ما بين أن يجلس الإمام إلى أن تقضى الصلاة ويدل لذلك مايلي :
(حديث أبي بُردة ابن أبي موسى الثابت في صحيح مسلم ) قال : قال لي عبد الله بن عمر * أسمعت أباك يحدث عن رسول الله ( في شأن ساعة الجمعة قال قلت نعم سمعته يقول سمعت رسول الله ( يقول هي ما بين أن يجلس الإمام إلى أن تقضى الصلاة .
و ثبت في السنة الثابتة الصحيحة أن ساعة الإجابة آخر ساعة بعد العصر ويدل لذلك مايلي :
(حديث جابر ابن عبد الله رضي الله عنهما الثابت في صحيح أبي داود) أن النبي ( قال : يوم الجمعة ثنتا عشرة ساعة منها ساعة لا يوجد عبد مسلم يسأل الله فيها شيئا إلا آتاه الله إياه فالتمسوها آخر ساعة بعد العصر .
والأحوط أن تكون ما بين أن يجلس الإمام إلى آخر ساعة بعد العصر .
لأن هذا القول هو الذي دلت عليه السنة الثابتة الصحيحة وتجتمع فيه الأدلة .
مسألة : هل للجمعة أذانٌ واحد أم أذانان؟
الأصل أن للجمعة أذانٌ واحد وإن الذي زاد التأذين يوم الجمعة عثمان ابن عفان رضي الله تعالى عنه حين كثر أهل المدينة ولم يكن للنبي ( غيرُ مؤذنٍ واحد ، وعلى هذا فإذا احتاج الناس إلى مؤذنين أخذنا بقول عثمان ابن عفان رضي الله تعالى عنه لأن قوله سنة متبعة لأنه من الخلفاء الراشدين .
(حديث العرباض بن سارية الثابت في صحيح أبي داوود والترمذي) أن النبي ( قال : أوصيكم بتقوى الله و السمع و الطاعة و إن أمر عليكم عبد حبشي فإنه من يعش منكم بعدي فسيري اختلافا كثيرا فعليكم بسنتي و سنة الخلفاء المهديين الراشدين تمسكوا بها و عضوا عليها بالنواجذ و إياكم و محدثات الأمور فإن كل محدثة بدعة و كل بدعة ضلالة .
الشاهد : قوله ( [ فعليكم بسنتي و سنة الخلفاء المهديين الراشدين ]
أما إذا لم يحتج الناس للمؤذن الثاني أخذنا بالأصل وهو المؤذن الواحد .
((1/481)
حديث السائب ابن يزيد الثابت في صحيح البخاري) أن الذي زاد التأذين الثالث يوم الجمعة عثمان بن عفان رضي الله تعالى عنه حين كثر أهل المدينة ولم يكن للنبي (مؤذن غير واحد وكان التأذين يوم الجمعة حين يجلس الإمام يعني على المنبر .
الشاهد : قوله [ ولم يكن للنبي ( مؤذن غير واحد ]
مسألة : هل يجوز للإنسان أن يقيم غيره ويجلس مكانه في الجمعة ؟
لا يجوز للإنسان أن يقيم غيره ويجلس مكانه في الجمعة ولا غيرها
(حديث ابن عمر رضي الله عنهما الثابت في الصحيحين) أن النبي ( قال : لا يقيم الرجلُ الرجلَ من مجلسه ثم يجلس فيه و لكن تفسحوا أو توسعوا .
(حديث جابر ابن عبد الله رضي الله عنهما الثابت في صحيح الجامع) أن النبي ( قال : إذا جاء أحدكم الجمعة فلا يقيمن أحدا من مقعده ثم يقعد فيه .
مسألة : ما الدليل على ذم من تعمد التأخر عن الصفوف الأولى ؟
(حديث أبي سعيد الثابت في صحيح مسلم ) أن رسول الله ( رأى في أصحابه تأخرا فقال لهم تقدموا فائتموا بي وليأتم بكم من بعدكم لا يزال قوم يتأخرون حتى يؤخرهم الله .
[ حتى يؤخرهم الله ] : أي عن عظيم ثوابه وفضله .
مسألة : لماذا سُمي العيد بهذا الاسم ؟
سُمي العيد بهذا الاسم لاعتياد الناس له في كل حين أو لأنه يعود بالفرح والسرور وقيل غير ذلك .
مسألة : ما الحكمة من مشروعية العيدين ؟
كان المشركون قد اتخذوا أعياداً زمانية ومكانية فأبطلها الشارع وعوض عنها عيد الفطر وعيد الأضحى شكراً لله تعالى على عبادتين هما :
[1] عيد الفطر شكراً لله تعالى على التوفيق لعبادة الصيام
[2] وعيد الأضحى شكراً لله تعالى على التوفيق لعبادة الحج .
(حديث أنس الثابت في صحيحي أبي داوود والنسائي) أن النبي ( قال : كان لكم يومان تلعبون فيهما و قد أبدلكم الله بهما خيرا منهما : يوم الفطر و يوم الأضحى .
مسألة : ما هو حكم صلاة العيد ؟(1/482)
حكم صلاة العيد : فرض كفاية لقوله تعالى: (فَصَلّ لِرَبّكَ وَانْحَرْ) [سورة: الكوثر - الآية: 2]
(حديث أم عطية الثابت في الصحيحين) قالت : كنا نُؤمرُ أن نخرج يوم العيد حتى نُخرج البكر من خِدرها حتى نُخرج الحُيَّضَ فيكُنَّ خلف الناس فيُكبر نَّ بتكبيرهم ويدعون بدعائهم يرجون بركة ذلك اليوم وطهرته .
مسألة : ما هو وقت صلاة العيد ؟
وقت صلاة العيد وقت صلاة الضحى [ أولها حين ترتفع الشمس وآخر وقتها الزوال]
(حديث عبد الله ابن بُسر الثابت في صحيح أبي داود) أنه خرج مع الناس في يوم عيد فطر أو أضحى فأنكر إبطاء الإمام فقال إنا كنا قد فرغنا ساعتنا هذه وذلك حين التسبيح .
معنى حين التسبيح : أي حين دخل وقت السبحة وهي صلاة النافلة والمقصود صلاة الضحى .
مسألة : إذا لم يعلم الإنسان بالعيد إلا بعده فماذا يصنع ؟
إذا لم يعلم الإنسان إلا بعده يصلي من الغد
(حديث أبي عمير الثابت في صحيحي أبي داوود والنسائي) عن عمومة له من أصحاب النبي ( أن ركباً جاءوا إلى النبي( يشهدون أنهم رأوا الهلال بالأمس فأمرهم أن يفطروا ، وإذا أصبحوا أن يغدوا إلى مصلاهم .
معنى وإذا أصبحوا أن يغدوا إلى مصلاهم : أي إلى صلاة العيد .
مسألة : ما يُسن في صلاة العيد ؟
يُسن في صلاة العيد أمور منها ما يلي :
[1] يُسنُ أن تكون في صحراء :
(حديث أبي سعيد الثابت في الصحيحين) قال كان النبي ( يخرج في الفطر والأضحى إلى المصلى .
[2] أن يكون على أحسن هيئةٍ من اللبس والتطيب :
(حديث جابر ابن عبد الله رضي الله عنهما الثابت في صحيحابن خزيمة) قال كان للنبي ( جُبة ً يلبسها في العيدين ويوم الجمعة .
[3] يخرج ماشياً :
(حديث علي الثابت في صحيح الترمذي) قال : من السنة أن تخرج إلى العيد ماشياً وأن تأكل ماشياً .
(حديث ابن عمر رضي الله عنهما الثابت في صحيح ابن ماجة) قال : كان رسول الله ( يخرج إلى العيد ماشياً ويرجع ماشياً .
[4] مخالفة الطريق :
((1/483)
حديث جابر ابن عبد الله رضي الله عنهما الثابت في صحيح البخاري) قال : كان رسول الله ( إذا كان يوم العيد خالف الطريق .
[5] يأكل قبل عيد الفطر وبعد عيد الأضحى :
(حديث أنس الثابت في صحيح البخاري) قال : كان رسول الله ( لا يغدو يوم الفطر حتى يأكل تمرات ، قال : ويأكلهن وِترا .
(حديث بريدة الثابت في صحيح الترمذي) قال : كان رسول الله ( لا يخرج يوم الفطر حتى يَطْعم ولا يَطْعم يوم الأضحى حتى يصلي .
[6] تأخير خروج الإمام إلى وقت الصلاة :
(حديث أبي سعيد الثابت في صحيح مسلم ) قال كان النبي ( يخرج يوم الفطر والأضحى فأول شيءٍ يبدأ به الصلاة .
[7] خروج النساء لصلاة العيد :
(حديث أم عطية الثابت في الصحيحين) قالت : كنا نُؤمرُ أن نخرج يوم العيد حتى نُخرج البكر من خِدرها حتى نُخرج الحُيَّضَ فيكُنَّ خلف الناس فيُكبر نَّ بتكبيرهم ويدعون بدعائهم يرجون بركة ذلك اليوم وطهرته .
مسألة : ما هي كيفية صلاة العيد ؟
كيفية صلاة العيد كالآتي :
[1] يصلي ركعتين قبل الخطبة ثم يخطب
(حديث ابن عباس الثابت في الصحيحين) قال شهدت الفطر مع النبي ( وأبي بكر وعمر وعثمان رضي الله تعالى عنهم يصلونها قبل الخطبة ثم يخطب بعد خرج النبي ( كأني أنظر إليه حين يجلس بيده ثم أقبل يشقهم حتى جاء النساء معه بلال فقال { يا أيها النبي إذا جاءك المؤمنات يبايعنك } الآية ثم قال حين فرغ منها آنتن على ذلك قالت امرأة واحدة منهن لم يجبه غيرها نعم لا يدري حسن من هي قال فتصدقن فبسط بلال ثوبه ثم قال هلم لكن فداء أبي وأمي فيلقين الفتخ والخواتيم في ثوب بلال .
[2] يصلي الركعتين بغير أذانٍ ولا إقامة :
(حديث ابن عباس الثابت في الصحيحين) قال لم يكن يُؤذن يوم الفطر ولا يوم الأضحى .
[3] لا يصلي قبل العيد ولا بعده :
(حديث ابن عباس الثابت في صحيح البخاري) قال أن النبي ( خرج يوم الفطر فصلى ركعتين لم يصل قبلها ولا بعدها ومعه بلال .
[(1/484)
4] يكبر في الركعة الأولى سبع تكبيرات بعد تكبيرة الإحرام وفي الثانية خمس تكبيرات بعد تكبيرة الإحرام .
(حديث عمرو بن عوفٍ المُزني الثابت في صحيحي الترمذي وابن ماجة) أن النبيّ ( كبّر في العيدين في الأولى سَبْعاً قبل القِراءةِ، وفي الآخرة خَمْساً قبل القِراءة».
[5] يقرأ في الأولى بسبح اسم ربك الأعلى وفي الثانية هل أتاك حديث الغاشية .
(حديث النعمان بن بشير الثابت في صحيح مسلم ) قال كان رسول الله ( يقرأ في العيدين وفي الجمعة بسبح اسم ربك الأعلى وهل أتاك حديث الغاشية قال وإذا اجتمع العيد والجمعة في يوم واحد يقرأ بهما أيضا في الصلاتين .
مسألة : هل يفتتح الإمام خُطبتي العيد بالتكبير ؟
قال بعض أهل العلم يفتتح الإمام خُطبتي العيد بالتكبير والصحيح أنه يفتتحها بالحمد كسائر الخطب .
[*] قال ابن القيم رحمه الله تعالى : كان النبي ( يفتتح خطبه كلها بالحمد لله تعالى ولم يُحفظ عنه في حديث واحد أنه كان يفتتح خُطبتي العيد بالتكبير .
مسألة : ما الذي ينبغي مراعاته في خطبتي العيد ؟
في خطبة عيد الفطر : ينبغي على الإمام أن يحثهم على الصدقة ليغنوهم عن السؤال في هذا اليوم ، ويبين لهم ما يخرجون من الصدقة جنساً وقدراً والوجوب والوقت .
(و في خطبة عيد الأضحى : يحثهم على الأضحية ويبين لهم حكمها ووقتها والأمور المتعلقة بها .
مسألة : ما حكم الاستماع لخطبة العيد ؟
الاستماع لخطبة العيد سنة يثاب فاعلها ولا يعاقب تاركها .
(حديث عبد الله ابن السائب الثابت في صحيحي أبي داوود والنسائي) قال : شهدت مع رسول الله ( العيد فلما قضى الصلاة قال إنا نخطب فمن أحب أن يجلس للخطبة فليجلس ومن أحب أن يذهب فليذهب .
مسألة : هل يُسن التكبير المطلق في العيدين ؟
نعم يُسن التكبير المطلق في العيدين(1/485)
ففي عيد الفطر قال تعالى : (وَلِتُكْمِلُواْ الْعِدّةَ وَلِتُكَبّرُواْ اللّهَ عَلَىَ مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلّكُمْ تَشْكُرُونَ) [سورة: البقرة - الآية: 185]
وفي عيد الأضحى قال تعالى : (وَاذْكُرُواْ اللّهَ فِيَ أَيّامٍ مّعْدُودَاتٍ) [سورة: البقرة - الآية: 203]
[*] قال ابن عباس رضي الله تعالى عنهما : هي أيام التشريق .
مسألة : ما هو وقت التكبير في العيدين ؟
الجمهور على أن التكبير في عيد الفطر من وقت الخروج إلى الصلاة إلى ابتداء الخطبة ، و في عيد الأضحى من صبح يوم عرفة إلى عصر آخر أيام منى وهو اليوم الثاني عشر من ذي الحجة .
مسألة : هل يُسن التكبير المطلق في عشر ذي الحجة ؟
[*] قال البخاري رحمه الله تعالى : كان ابن عمر رضي الله عنهما رضي الله تعالى عنهما وأبو هريرة رضي الله تعالى عنه يخرجان إلى السوق في أيام العشر يكبران ويكبر الناس بتكبيرهما .
مسألة : هل يُسن التكبير عقب الصلوات في العيدين ؟
المسألة على التفصيل الآتي :
(بالنسبة لعيد الفطر : وقت التكبير من وقت الخروج إلى الصلاة إلى ابتداء الخطبة ، وعلى هذا فلا يُسن أن يكبر عقب الصلوات .
(أما بالنسبة لعيد الأضحى : فوقته من صبح عرفة إلى عصر آخر أيام منى وه اليوم الثاني عشر من ذي الحجة ، فيُسنُ أن يكبر عقب كل فريضة إذا صلى في جماعة فقط أما إذا صلى منفرداً فلا يكبر عقب الصلوات .
[*] قال ابن مسعود رضي الله تعالى عنه : إنما التكبير على من صلى في جماعة .
مسألة : ما الدليل على جواز الفرح والسرور واللهو البريء في العيدين ؟
(حديث عائشة الثابت في الصحيحين) قالت : دخل أبو بكر وعندي جاريتان من جواري الأنصار تغنيان بما تقاولت الأنصار يوم بُعاث قالت وليستا بمغنيتين فقال أبو بكر أمزامير الشيطان في بيت رسول الله ( وذلك في يوم عيد فقال رسول الله ( يا أبا بكر إن لكل قوم عيدا وهذا عيدنا .
((1/486)
حديث أبي هريرة رضي الله عنه الثابت في الصحيحين) قال : بينا الحبشة يلعبون عند النبي ( بحرابهم دخل عمر فأهوى إلى الحصى فحصبهم بها فقال : دعهم يا عمر .
(حديث أنس الثابت في صحيحي أبي داوود والنسائي) أن النبي ( قال : كان لكم يومان تلعبون فيهما و قد أبدلكم الله بهما خيرا منهما : يوم الفطر و يوم الأضحى .
مسألة : ما الدليل على جواز خروج النساء والحُيَّض لصلاة العيد ؟
(حديث أم عطية الثابت في الصحيحين) قالت : كنا نُؤمر أن نخرج يوم العيد حتى نخرج البكر من خدرها حتى نخرج الحُيَّض فيكُنَّ خلف الناس فيكبرنَّ بتكبيرهم ويدعون بدعائهم يرجون بركة ذلك اليوم وطهرته .
مسألة : ما هي أفضل المساجد ؟
أفضل المساجد المسجد الحرام ثم مسجد النبي ( الذي أسس على التقوى ثم المسجد الأقصى أحد المساجد الثلاثة الذين تشد إليهم الرحال .
(حديث أبي هريرة رضي الله عنه الثابت في الصحيحين) أن النبي ( قال : صلاة في مسجدي أفضل من ألف صلاة فيما سواه إلا المسجد الحرام .
(حديث جابر ابن عبد الله رضي الله عنهما الثابت في صحيح ابن ماجة) أن النبي ( قال : صلاة في مسجدي أفضل من ألف صلاة فيما سواه إلا المسجد الحرام و صلاة في المسجد الحرام أفضل من مائة ألف صلاة فيما سواه .
(حديث أبي هريرة رضي الله عنه الثابت في الصحيحين) أن النبي ( قال : ما بين بيتي و منبري روضة من رياض الجنة و منبري على حوضي .
(حديث أبي سعيد الثابت في صحيح مسلم ) قال دخلت على رسول الله ( في بيت بعض نسائه فقلت يا رسول الله أي المسجدين الذي أسس على التقوى قال فأخذ كفاً من حصباء فضرب به الأرض ثم قال هو مسجدكم هذا (لمسجد المدينة) .
(حديث أبي هريرة رضي الله عنه الثابت في الصحيحين) أن النبي ( قال :لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد : المسجد الحرام و مسجدي هذا و المسجد الأقصى .
مسألة : ما هو فضل مسجد قُباء ؟
((1/487)
حديث أُسَيْد بن ظُهَيْر الثابت في صحيحي الترمذي وابن ماجة) أن النبي ( قال : صلاةٌ في مسجد قُباء كعمرة .
مسألة : ما هو أول مسجد وضع في الأرض ؟
أول مسجد وضع في الأرض هو المسجد الحرام 0
(حديث أبي ذرٍ الثابت في الصحيحين) قال قلت يا رسول الله أي مسجد وضع في الأرض أول ؟ قال المسجد الحرام قلت ثم أي قال المسجد الأقصى قلت كم كان بينهما قال أربعون سنة ثم أينما أدركتك الصلاة فصلِّ فإن الفضل فيه .
مسألة : ما هو فضل المساجد ؟
[1] للمساجد فضلٌ عظيم لما فيها من المنافع العميمة والفوائد العظيمة ولهذا كانت المساجد أحب البقاع إلى الله .
(حديث أبي هريرة رضي الله عنه الثابت في صحيح مسلم ) أن النبي ( قال : أحب البلاد إلى الله مساجدها و أبغض البلاد إلى الله أسواقها .
[2] أعد الله تعالى الأجر العظيم لمن بنى مسجدا يبتغي به وجه الله بنى الله له مثله في الجنة .
(حديث عثمان ابن عفان الثابت في الصحيحين) أن النبي ( قال : من بنى مسجدا يبتغي به وجه الله بنى الله له مثله في الجنة .
[3] من غدا إلى المسجد أو راح أعد الله له نزلا من الجنة كلما غدا و راح .
(حديث أبي هريرة رضي الله عنه الثابت في الصحيحين) أن النبي ( قال : من غدا إلى المسجد أو راح أعد الله له نزلا من الجنة كلما غدا و راح .
[4] كثرة الخطا إلى المساجد يكون سبباً في محو الخطايا ورفع الدرجات .
(حديث أبي هريرة رضي الله عنه الثابت في صحيح مسلم ) أن النبي ( قال : ألا أدلكم على ما يمحو الله به الخطايا و يرفع به الدرجات ؟ كثرة الخطا إلى المساجد و إسباغ الوضوء على المكاره و انتظار الصلاة بعد الصلاة فذلكم الرباط فذلكم الرباط فذلكم الرباط .
مسألة : ما هي آداب المساجد ؟
للمساجد جملة آداب منها ما يلي :
[1] أن يتوجه إلى المسجد بسكينة ووقار .
((1/488)
حديث أبي قتادة الثابت في الصحيحين) أن النبي ( قال : إذا أتيتم الصلاة فعليكم بالسكينة فما أدركتم فصلوا و ما فاتكم فأتموا .
[2] الدعاء عند دخول المسجد وعند الخروج منه :
(حديث عبد الله ابن عمرو الثابت في صحيح أبي داود) أن النبي ( كان إذا دخل المسجد قال أعوذ بالله العظيم وبوجهه الكريم وسلطانه القديم من الشيطان الرجيم .
(حديث فاطمة بنت رسول الله ( الثابت في صحيحي الترمذي وابن ماجة) قالت كان رسول الله ( إذا دخل المسجد يقول بسم الله والسلام على رسول الله اللهم اغفر لي ذنوبي وافتح لي أبواب رحمتك وإذا خرج قال بسم الله والسلام على رسول الله اللهم اغفر لي ذنوبي وافتح لي أبواب فضلك .
[3] تحية المسجد :
(حديث أبي قتادة الثابت في الصحيحين) أن النبي ( قال : إذا دخل أحدكم المسجد فلا يجلس حتى يصلي ركعتين .
[4] المحافظة على نظافة المسجد وعدم توسيخه :
(حديث أنس الثابت في الصحيحين) أن النبي ( قال : البصاق في المسجد خطيئة و كفارتها دفنها .
(حديث أبي هريرة رضي الله عنه الثابت في الصحيحين) أن النبي ( قال : إذا قام أحدكم إلى الصلاة فلا يبصق أمامه فإنما يناجي الله تبارك و تعالى ما دام في مصلاه و لا عن يمينه فإن عن يمينه ملكا و ليبصق عن يساره أو تحت قدمه فيدفنها .
[5] غسل المسجد وتنظيفه :
(حديث أبي هريرة رضي الله عنه الثابت في الصحيحين) أن رجلاً أسوداً أو امرأة سوداء كان يقُمُ المسجد أو شابا فسأل عنه أو عنه النبي ( فقالوا مات ، فقال دلوني على قبره ـ أو قال قبرها ـ فأتى قبره فصلى عليه .
الشاهد : سؤال النبي ( عن الرجل الذي كان يقُمُ المسجد وصلاته عليه بعد موته يدل على فضل تنظيف المسجد .
[6] عدم إنشاد الضالة وعدم البيع في المسجد :
(حديث أبي هريرة رضي الله عنه الثابت في صحيح مسلم ) أن النبي ( قال : من سمع رجلا ينشد ضالة في المسجد فليقل لا ردها الله عليك فإن المساجد لم تبن لهذا .
((1/489)
حديث أبي هريرة رضي الله عنه الثابت في صحيح الترمذي) أن النبي ( قال : إذا رأيتم من يبيع أو يبتاع في المسجد فقولوا : لا أربح الله تجارتك و إذا رأيتم من ينشد فيه ضالة فقولوا : لا ردَّ الله عليك .
[7] عدم رفع الصوت في المسجد إلا في الموعظة والمصالح الشرعية :
(حديث السائب ابن يزيد الثابت في صحيح البخاري) قال : كنت قائماً في المسجد فحصبني رجل فنظرت فإذا عمر ابن الخطاب رضي الله تعالى عنه فقال اذهب فأتني بهذين فجئته بهما ، قال : من أنتما ؟ قالا : من أهل الطائف ، قال : لو كنتما من أهل البلد لأوجعتكما ، ترفعان أصواتكما في مسجد رسول الله ( .
(حديث عبد الله ابن عمرو الثابت في الصحيحين) قال تخلف عنا رسول الله ( في سفرةٍ سفرناها فأدركنا وقد أرهقتنا الصلاة ونحن نتوضأ فجعلنا نمسح على أرجلنا فنادى بأعلى صوته : ويلٌ للأعقاب من النار مرتين أو ثلاثة .
[8] الإنشاد في المسجد :
يجوز الإنشاد في المسجد إذا فيه حكمة ومن النوع المباح وعليه يحمل :
(حديث أبي هر يرة رضي الله تعالى عنه الثابت في الصحيحين) أن عمر مر بحسان وهو ينشد الشعر في المسجد فلحظ إليه فقال قد كنت انشد وفيه من هو خير منك .
{ تنبيه } :( أما إذا كان الشعر فيه هجاء لمسلم أو زيادة مدح أو غيره فلا يجوز وعليه يحمل :
(حديث عبد الله ابن عمرو الثابت في صحيحي أبي داوود والترمذي) أن رسول الله ( نهى عن الشراء والبيع في المسجد وأن تنشد فيه ضالة وأن ينشد فيه شعر .
[9] لا يقيم الرجلُ الرجلَ من مجلسه ثم يجلس فيه :
(حديث ابن عمر رضي الله عنهما رضي الله تعالى عنه الثابت في الصحيحين) أن النبي ( قال : لا يقيم الرجلُ الرجلَ من مجلسه ثم يجلس فيه و لكن تفسحوا أو توسعوا .
مسألة : ما معنى الجنائز ؟(1/490)
معنى الجنائز : جمع جنازة، وهي بفتح الجيم وكسرها، بمعنى واحد، وقيل: بالفتح اسم للميت، وبالكسر اسم لما يحمل عليه الميت، فإذا قيل: جَنازة أي ميت، وإذا قيل: جِنازة أي نعش.
وهذا تفريق دقيق؛ لأن الفتح يناسب الأعلى، والميت فوق النعش، والكسر يناسب الأسفل والنعش تحت الميت ، وينبغي للإنسان أن يتذكر حاله ونهايته في هذه الدنيا، وليست هذه النهاية نهاية، بل وراءها غاية أعظم منها، وهي الآخرة، فينبغي للإنسان أن يتذكر دائماً الموت لا على أساس الفراق للأحباب والمألوف؛ لأن هذه نظرة قاصرة، ولكن على أساس فراق العمل والحرث للآخرة، فإنه إذا نظر هذه النظرة استعد وزاد في عمل الآخرة .
مسألة : هل يُسْأَلُ المريض كيف يصلي وكيف يتطهر، أو نقول: إن هذا من باب التدخل فيما لا يعني؟
[*] قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله تعالى رحمةً واسعة في الشرح الممتع :
الجواب: الذي نرى أنه إن كان المريض من ذوي العلم الذين يعرفون، فلا حاجة أن تذكره؛ لأنه سيحمل تذكيرك إياه على إساءة الظن به، وأما إذا كان من العامة الجُهال فهنا يحسن أن يبين له؛ لأنه قد يخفى عليهم ما يحتاجون من الأحكام وقد عدت مريضاً فسألته عن حاله، فحمد الله وقال: لي شهر ونصف وأنا أجمع وأقصر الصلاة. فمثل هذا يحتاج إلى تنبيه وتعليم؛ لأنه يظن أن القصر مع الجمع، وأن من جمع قصر.
ومما ينبه عليه أيضاً: أنه اشتهر عند العامة أن من لا يستطيع الإيماء بالركوع والسجود فإنه يومئ بأصبعه، وهذا غير الثابت في صحيح كما سبق بيانه.
مسألة : هل يؤمر المرضى بالتداوي؛ أو يؤمرون بعدم التداوي، أم في ذلك تفصيل؟
[*] قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله تعالى رحمةً واسعة في الشرح الممتع :(1/491)
الصحيح : أنه يجب التداوي إذا كان في تركه هلاك، مثل: السرطان الموضعي، فالسرطان الموضعي بإذن الله إذا قطع الموضع الذي فيه السرطان فإنه ينجو منه، لكن إذا ترك انتشر في البدن، وكانت النتيجة هي الهلاك، فهذا يكون دواء معلوم النفع؛ لأنه موضعي يقطع ويزول، وقد خَرَّبَ الخَضِرُ السفينةَ بخرقها لإِنجاء جميعها، فكذلك البدن إذا قطع بعضه من أجل نجاة باقيه كان ذلك واجباً.
* أن ما غلب على الظن نفعه، ولكن ليس هناك هلاك محقق بتركه فهو أفضل.
- أن ما تساوى فيه الأمران فتركه أفضل؛ لئلا يلقي الإِنسان بنفسه إلى التهلكة من حيث لا يشعر.
(ومن السنة الثابتة الصحيحة التي دلت على جواز التداوي ما يلي :
(حديث أسامة ابن شريك الثابت في صحيحي أبي داوود والترمذي) أن النبي ( قال : تداووا عباد الله فإن الله تعالى لم يضع داء إلا وضع له دواء غير داء واحد : الهرم .
(حديث أبي هريرة رضي الله عنه الثابت في صحيح البخاري) أن النبي ( قال : ما أنزل الله داءاً إلا أنزل له شفاء ا
(حديث جابر ابن عبد الله رضي الله عنهما الثابت في صحيح مسلم ) أن النبي ( قال : لكل داء دواء فإذا أصيب دواء الداء برئ بإذن عز وجل.
(حديث ابن عباس الثابت في صحيح الجامع) أن النبي ( قال : الدواء من القدر و قد ينفع بإذن الله تعالى .
مسألة : هل يجوز التداوي بمحرم ؟
التداوي بالمحرم لا يجوز لنهي النبي ( عن ذلك حيث قال: "تداووا ولا تداووا بحرام" ، ولعموم الأدلة في تحريم المحرم، فهي عامة وليس فيها تفصيل، ولأنه لو كان فيه خير لم يمنع الله العباد منه، بل أحله لهم.
(حديث وائل ابن حُجر الثابت في صحيح مسلم ) أن طارق بن سويد الجعفي سأل النبي ( عن الخمر يصنعها للدواء ؟ فقال إنه ليس بدواء ولكنه داء .
(حديث أبي هريرة رضي الله عنه الثابت في صحيح مسلم ) قال : نهى رسول الله (عن الدواء الخبيث ، يعني السم .
مسألة : هل يجوز التداوي عند الذمي ؟(1/492)
يجوز التداوي عند الذمي بشرطين متلازمين :
[1] الحاجة إليهم
[2] الأمن من مكرهم .
فإن احتجت إليهم وأمنت من مكرهم فلا بأس فإن الله تعالى يقول : قال تعالى: (وَمِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ إِن تَأْمَنْهُ بِقِنْطَارٍ يُؤَدّهِ إِلَيْكَ وَمِنْهُمْ مّنْ إِن تَأْمَنْهُ بِدِينَارٍ لاّ يُؤَدّهِ إِلَيْكَ إِلاّ مَا دُمْتَ عَلَيْهِ قَآئِماً ذَلِكَ) [سورة: آل عمران - الآية: 75]
والنبي عليه الصلاة والسلام استعمل دليلاً مشركاً يدله على الطريق من مكة إلى المدينة وقت الهجرة، مع أن هذا من أخطر ما يكون، فإن قريشاً كانوا يطلبون النبي ( وأبا بكر ، ولكن لما أمنه النبي عليه الصلاة والسلام جعله دليلاً له .
مسألة : هل يجوز استطباب المرأة ؟
يجوز للرجل أن يداوي المرأة و يجوز للمرأة أن تداوي الرجل عند الضرورة :
(حديث الرُبَيِّع بنت مُعَوِّذٍ الثابت في صحيح البخاري) قالت : كنا نغزو مع رسول الله ( نسقي القوم ونخدمهم ونردُ القتلى والجرحى إلى المدينة .
[*] قال الحافظ ابن حجر في الفتح :
يجوز مداواة الأجانب عند الضرورة وتقدر الضرورة بقدرها فيما يتعلق بالنظر .
[*] وقال ابن مفلح في كتاب الآداب الشرعية :
فإن مرضت امرأةٌ ولم يوجد من يطبها غير رجل جاز له منها نظر ما تدعو الحاجة إلى نظره حتى الفرجين وكذا الرجل مع الرجل .
مسألة : ما معنى عيادة المريض ، وما حكمها ؟
"عيادة المريض : زيارة المريض و اختير لفظ العيادة للمريض من أجل أن تكرر؛ لأنها مأخوذة من العود، وهو: الرجوع للشيء مرة بعد أخرى، والمرض قد يطول فيحتاج الإِنسان إلى تكرار العيادة.(1/493)
* حكم عيادة المريض : [تسنّ عيادة المريض] والسنة عند الفقهاء: ما أثيب فاعله، ولم يعاقب تاركه. فهي من الأمور المرغب فيها، وليست من الأمور الواجبة ، و عيادة المريض من أجل القربات إلى الله تعالى ويترتب عليها الأجر الوفير ، والسنة طافحة بما يدل على فضل عيادة المريض، وإليك غيضٌ من فيض وقليلٌ من كثير مما ورد في في فضل عيادة المريض .
(حديث أبي هريرة رضي الله عنه الثابت في الصحيحين) أن النبي ( قال :حق المسلم على المسلم خمس : رد السلام و عيادة المريض و اتباع الجنائز و إجابة الدعوة و تشميت العاطس .
(حديث ثوبان الثابت في صحيح مسلم ) أن النبي ( قال : إن المسلم إذا عاد أخاه المسلم لم يزل في خُرفة الجنة حتى يرجع ، قيل يا رسول الله وما خُرفة الجنة ؟ قال : جناها .
(حديث أبي هريرة رضي الله عنه الثابت في صحيح مسلم ) أن النبي ( قال : إن الله عز وجل يقول يوم القيامة يا بن آدم مرضت فلم تعدني قال يا رب كيف أعودك وأنت رب العالمين قال أما علمت أن عبدي فلانا مرض فلم تعده أما علمت أنك لو عدته لوجدتني عنده يا بن آدم استطعمتك فلم تطعمني قال يا رب وكيف أطعمك وأنت رب العالمين قال أما علمت أنه استطعمك عبدي فلان فلم تطعمه أما علمت أنك لو أطعمته لوجدت ذلك عندي يا بن آدم استسقيتك فلم تسقني قال يا رب كيف أسقيك وأنت رب العالمين قال استسقاك عبدي فلان فلم تسقه أما إنك لو سقيته وجدت ذلك عندي .
(حديث علي الثابت في صحيحي الترمذي وابن ماجة) أن النبي ( قال : ما من مسلم يعود مسلما غدوة إلا صلى عليه سبعون ألف ملك حتى يمسي و إن عاده عشية صلى عليه سبعون ألف ملك حتى يصبح و كان له خريف في الجنة .
مسألة : هل يجوز للمسلم أن يعود الكافر ؟
يجوز للمسلم أن يعود الكافر بغرض الدعوة إن رُجِي إسلامه وإلا فلا .
((1/494)
حديث أنس الثابت في صحيح البخاري) قال : كان غلامٌ يهودي يخدم النبي ( فمرض فأتاه النبي ( يعوده ، فقعد عند رأسه وقال له أسلم ، فنظر إلى أبيه وهو عنده فقال : أطع أبا القاسم ، فأسلم فخرج النبي ( وهو يقول : الحمد لله الذي أخرج من في النار .
مسألة : هل يستحب الدعاء للمريض ؟
دلت السنة الثابتة الصحيحة على أنه يستحب الدعاء للمريض منها ما يلي :
(حديث ابن عباس الثابت في صحيح البخاري) أن النبي ( كان إذا دخل على مريض يعوده قال : لا بأس طهور إن شاء الله .
(حديث عائشة الثابت في الصحيحين) أن النبي ( كان إذا أتى مريضا أو أتي به قال : أذهب البأس رب الناس اشف و أنت الشافي لا شفاء إلا شفاؤك شفاء لا يغادر سقما .
مسألة : اذكر من السنة الثابتة الصحيحة ما يبين أن المرض يكفر الذنوب ؟
ثبت في السنة الصحيحة ما يبين أن المرض يكفر الذنوب منها ما يلي :
(حديث أبي هريرة رضي الله عنه الثابت في الصحيحين) أن النبي ( قال : من يرد الله به خيرا يصب منه .
(حديث ابن مسعود الثابت في الصحيحين) قال : دخلت على رسول الله ( وهو يوعك فمسسته بيدي فقلت يا رسول الله إنك لتوعك وعكا شديدا فقال رسول الله ( أجل إني أوعك كما يوعك رجلان منكم قال فقلت ذلك أن لك أجرين فقال رسول الله ( أجل ثم قال رسول الله ( ما من مسلم يصيبه أذى من مرض فما سواه إلا حط الله به ( سيئاته كما تحط الشجرة ورقها .
(حديث أبي هريرة رضي الله عنه الثابت في الصحيحين) أن النبي ( قال : مثل المؤمن كمثل خامة الزرع من حيث أتتها الريح كفأتها فإذا سكنت اعتدلت و كذلك المؤمن يكفأ بالبلاء و مثل الفاجر كالأرزة صماء معتدلة حتى يقصمها الله تعالى إذا شاء .
مسألة : اذكر من السنة الثابتة الصحيحة ما يذكر المريض بالصبر على المرض وعدم الجزع ؟
ثبت في السنة الثابتة الصحيحة ما يذكر المريض بالصبر على المرض وعدم الجزع
وأنه ما أُعُطيَ أحدٌ خيراً ولا أوسع من الصبر منها ما يلي :
((1/495)
حديث صهيب ابن سنان الثابت في صحيح مسلم ) أن النبي ( قال : عجبا لأمر المؤمن إن أمره كله له خير و ليس ذلك لأحد إلا للمؤمن إن أصابته سراء شكر و كان خيرا له و إن أصابته ضراء صبر فكان خيرا له .
(حديث أنس الثابت في صحيح البخاري) أن النبي ( قال : قال الله تعالى : إذا ابتليت عبدي بحبيبتيه - يريد بعينيه - ثم صبر عوضته منهما الجنة .
(حديث أبي هريرة رضي الله عنه الثابت في صحيح البخاري) أن النبي ( قال : قال الله تعالى : ما لعبدي المؤمن عندي جزاءٌ إذا قبضتُ صفيَّه من أهل الدنيا ثم احتسبه إلا الجنة .
تذكير المريض بالتوبة
ويسنّ أن يذكره التوبة والوصية، فالتوبة من المعاصي والمظالم، سواء كان ذلك فيما يتعلق بحق الله - عز وجل -، أو بحقوق العباد، ويؤكد على حقوق العباد، ويبيّن له أنه إن لم يقضها في الدنيا ويتب إلى الله منها في الدنيا، فسوف تؤخذ من حسناته يوم القيامة التي هو أحوج الناس إليها، وأيضاً يذكره بأن الورثة كثير منهم لا يخافون الله ولا يرحمون الميت، فتجدهم يلعبون بالمال، والميت محبوس بدينه؛ من أجل أن يحرص على أداء المظالم قبل أن يموت.
والكتاب والسنة الصحيحة طافحةٌ بالأمر بالتوبة إلى اللّهِ تعالى منها ما يلي : قال تعالى: (وَتُوبُوَاْ إِلَى اللّهِ جَمِيعاً أَيّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلّكُمْ تُفْلِحُونَ) [سورة: النور - الآية: 31]
قال تعالى: (يَأَيّهَا الّذِينَ آمَنُواْ تُوبُوَاْ إِلَى اللّهِ تَوْبَةً نّصُوحاً عَسَىَ رَبّكُمْ أَن يُكَفّرَ عَنكُمْ سَيّئَاتِكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ جَنّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأنْهَارُ) [سورة: التحريم - الآية: 8]
ويذكره أيضاً الوصية، وأهم شيء أن يوصي بما يجب عليه من حقوق الله وحقوق العباد، فقد يكون عليه زكاة لم يؤدها، وقد يكون عليه حج لم يؤده، وقد يكون عليه كفارة، وقد يكون عليه ديون للناس فيذكر بالوصية بهذا.(1/496)
ويذكر بوصية التطوع، فيقال: لو أوصيت بشيء من مالك في وجوه الخير تنتفع به، وأحسن ما يوصي به للأقارب غير الوارثين؛ لأن الذي يترجّح عندي: أن الوصية للأقارب غير الوارثين واجبة؛ لأن الله قال: (كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْراً الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ حَقّاً عَلَى الْمُتَّقِينَ) (البقرة:180) ، وخص الوارث بآيات المواريث، ويبقى ما عداه على الأصل وهو الوجوب.والثابت فيصحيح: أن الآية محكمة لا منسوخة، وعلى هذا فيوصي بما شاء، بالخمس مثلاً، فيقول: أنا أوصيت بالخمس يعطي الوصي منه ما يرى لأقاربي غير الوارثين، والباقي لأعمال الخير، وإذا كان له أقارب غير وارثين فقراء فهم أحق بالخمس كله.
ويبيّن له مسألة هامة يهملها كثير من كتّاب الوصايا، فيكتب "وهذه الوصية ناسخة لما قبلها، أو سبقها"؛ لأننا وجدنا أن بعض الموصين يوصي بوصيتين: وصية سابقة فيها أشياء يطلب تنفيذها، ووصية لاحقة فيها أشياء يطلب تنفيذها، غير الأشياء الأولى، فيحصل بذلك تضارب وارتباك عند الأوصياء، ولهذا ينبغي كلما كتب وصية أن يقول: "وهذه الوصية ناسخة لما سبقها"؛ حتى لا يرتبك الوصي، وحتى لا يحصل تضارب الوصايا ويرتاح الإنسان، وهذه كلمة لا تضر، وإن كان قد يقول قائل: العبرة بالوصية الأخيرة؛ لأن المتأخر ناسخ، ولكن نقول: إذا أمكن الجمع فلا نسخ، وقد تكون الوصايا في الأولى كثيرة وفي الثانية كثيرة ولا يمكن الجمع بينهما.
مسألة : ما حكم العلاج بالرقى والأدعية ؟
دلت السنة الثابتة الصحيحة على أن العلاج بالرقى والأدعية جائزٌ بثلاثةِ شروط :
(1) أن تكونُ الرقيةُ بكلامِ الله تعالى أو بأسمائه وصفاته .
(2) أن تكون باللسان العربي الذي يُفهم معناه
(3) أن يُعْتَقَد أن الرقيةَ لا تؤثر بنفسها بل بتقديرِ الله تعالى
(الأدلة على جواز الرقيةِ الشرعية :
((1/497)
حديث عوف ابن مالك الثابت في صحيح مسلم ) قال كُنا نَرقى في الجاهلية فقلنا يا رسول الله كيف ترى في ذلك ؟ قال : أعرضوا عليَّ رُقاكم لابأس بالرُقى ما لم يكن شركاً .
(حديث عائشةَ الثابت في الصحيحين ) قالت كان رسولُ الله ( إذا أتى مريضاً أو أُتِيَ به إليه قال : أذْهِب البأس ربِ الناس اشفِ أنت الشافي لاشفاء إلا شفاءك شفاءاً لايُغادرُ سقماً .
(حديث عائشة الثابت في الصحيحين ) أن النبي ( كان يقول للمريض : بسم الله تُرْبةُ أرضنا بريقةِ بعضنا يُشفى سقِيمنا بإذن ربنا .
(حديث أبي سعيد الثابت في صحيح مسلم ) أن جبريل عليه السلام أتى النبي ( فقال يا محمدُ أشتكيت ؟ قال نعم ، قال بسم الله أرقيك من كل شيءٍ يُؤذيك ومن شر كل نفسٍ أو عين حاسدٍ الله يشفيك بسم الله أرقيك .
مسألة : هل يجوز الرقية بكلامٍ مجهولِ المعنى ؟
لا يجوز لأنه قد يكون شركاً وأنت لا تدري
[*] قال الشيخ حافظ الحكمي رحمه الله
ثم الرُقى من حُمَةٍ أو عينِ ... فإن تكن من خالصِ الوحيين
فذاك من هدْي النبي وشِرْعَته ... وذاك لا اختلاف في سُنِيَتِه
أما الرُقى المجهولةَ المعاني ... فذاك وسواسٌ من الشيطانِ
وفيهِ قد جاء الحديثُ أنه ... شركٌ بلا مرة فاحذرنَّه
إذْ كلُ من يقوله لا يدري ... لعله يكونُ محضُ الكفرِ
أو هُوَ من سحرِ اليهودِ مُقْتبس ... على العوامِ لبَّسوه فالتبس
فحذراً ثم حذارِ منه ... لا تعرِفُ الحقَ وتنأى عنه
مسألة : ما الدليل على أن من الرُقى ما يكون شركاً ؟
(حديث ابن مسعود الثابت في صحيح ابن ماجة ) أن النبي ( قال إن الرُقى والتمائمَ والتِوَلَةَ شرك .
مسألة : هل يستحب ذكر الموت والاستعداد له ؟
يستحب ذكر الموت لأنه ينشط العبادة ويكون عوناً بعد الله تعالى على الاستعداد لما بعده . (لحديث أبي هريرة رضي الله عنه الثابت في صحيحي الترمذي وابن ماجة) أن النبي ( قال : أكثروا ذكر هاذم اللذات .
[(1/498)
هاذم اللذات] : أي قاطع اللذات والمراد به الموت .
مسألة : ما حكم تمني الموت ؟
القول الذي الذي دلت عليه السنة الثابتة الصحيحة وتجتمع فيه الأدلة أن المسألة على التفصيل الآتي :
[1] لا يجوز تمني الموت لضرٍ نزل بالإنسان :
(لحديث أنس الثابت في الصحيحين) أن النبي ( قال : لا يتمنين أحدكم الموت لضر نزل به فإن كان لا بد متمنيا فليقل : اللهم أحيني ما كانت الحياة خيرا لي و توفني إذا كانت الوفاة خيرا لي .
[2] يجوز تمني الموت خوف ذهاب الدين :
(لحديث ابن عباس الثابت في صحيح الترمذي) أن النبي ( قال : اللّهُمّ إنّي أَسْأَلُكَ فِعْلَ الخَيْراتِ وتَرْكَ المُنْكَرَاتِ وحُبّ المَسَاكِينِ وإِذَا أَرَدْتَ بِعِبَادِكَ فِتْنَةً فَاقْبِضْنِي إِلَيْكَ غَيْرَ مَفْتُونٍ.
مسالة : اذكر من السنة الثابتة الصحيحة ما يدل على فضل طول العمر مع حسن العمل؟
(حديث أبي بكرة الثابت في صحيح الترمذي) أَنّ رَجُلاً قَالَ يَا رَسُولَ الله أَيّ النّاسِ خَيْرٌ؟ قَالَ مَنْ طَالَ عُمُرهُ وَحَسُنَ عَمَلُهُ. قَالَ فَأَيّ النّاسِ شَرّ؟ قَالَ: مَنْ طَالَ عُمُرهُ وَسَاءَ عَمَلُهُ».
مسالة : ما معنى استعمال الله للعبد ؟
معنى استعمال الله للعبد : حتى يختم له بخير لأن الأعمال بالخواتيم .
(حديث أنس الثابت في صحيح الترمذي) أن النبي ( قال : إن الله إذا أحب عبداً استعمله ، قالوا كيف يستعمله يا رسول الله ؟ قال : يوفقه لعملٍ صالحٍ قبل الموت .
مسالة : ما الذي يسن عند الاحتضار؟
[1] استحباب الذكر والدعاء لمن حضر الميت :
وذلك لأن الملائكة يؤمنون على ما يقولون
((1/499)
لحديث أم سلمة الثابت في صحيح مسلم ) أن النبي ( قال : إذا حضرتم المريض أو الميت فقولوا خيرا فإن الملائكة يؤمنون على ما تقولون قالت فلما مات أبو سلمة أتيت النبي ( فقلت يا رسول الله إن أبا سلمة قد مات قال قولي اللهم اغفر لي وله وأعقبني منه عقبى حسنة قالت فقلت فأعقبني الله من هو خير لي منه محمدا ( .
و(حديث أم سلمة الثابت في صحيح مسلم ) قالت دخل رسول الله ( على أبي سلمة وقد شق بصره فأغمضه ثم قال إن الروح إذا قبض تبعه البصر فضج ناس من أهله فقال لا تدعوا على أنفسكم إلا بخير فإن الملائكة يؤمنون على ما تقولون ثم قال اللهم اغفر لأبي سلمة وارفع درجته في المهديين واخلفه في عقبة في الغابرين واغفر لنا وله يا رب العالمين وأفسح له في قبره ونور له فيه .
[2] تلقين الميت لا إله إلا الله :
(لحديث أبي هريرة رضي الله عنه الثابت في صحيح مسلم ) أن النبي ( قال : لقنوا موتاكم لا إله إلا الله .
[تنبيهات] : [1] يستحب تلقين الميت لا إله إلا الله ثلاث مرات لأن النبي ( كان إذا تكلم بكلمةٍ أعادها ثلاثاً حتى تُفهم عنه
(لحديث أنس الثابت في الصحيحين) قال : كان رسول الله ( إذا تكلم بكلمةٍ أعادها ثلاثاً حتى تُفهم عنه ، وإذا أتى على قومٍ فسلَم عليهم سلَم عليهم ثلاثا .
[2] كما يُكره تلقين الميت لا إله إلا الله أكثر من ثلاث مرات لئلا يضجر لشدة كربه وضيق حاله إلا أن يتكلم بشيءٍ بعد التلقين فيُسن حينئذٍ أن يعاد تلقينه بلا إله إلا الله حتى يكون آخر كلامه لا إله إلا الله .
(لحديث معاوية الثابت في صحيح أبي داود) أن النبي ( قال : من كان آخر كلامه من الدنيا لا إله إلا الله دخل الجنة .
[3] كما يجوز تلقين الكافر لا إله إلا الله وهاك الدليل على ذلك :
((1/500)
حديث سعيد ابن المسيَّب عن أبيه الثابت في الصحيحين) قال لما حضرت أبا طالبٍ الوفاة جاءه رسول الله ( فوجد عنده أبا جهل وعبد الله بن أمية بن المغيرة فقال رسول الله ( : يا عم قل لا إله إلا الله كلمةً أشهد لك بها عند الله ، فقال ابوجهل وعبد الله بن أبي أمية : يا أبا طالب أتر غبُ عن ملةِ عبد المطلب ؟ ، فلم يزل رسول الله يعرضها عليه ويعيدُ له تلك المقالة حتى قال أبو طالب آخر ما كلمهم هو على ملةِ عبد المطلب وأبى أن يقول لا إله إلا الله ، فقال رسول الله ( أما والله لأستغفرنَّ لك ما لم أُنه عنك فأنزل الله تعالى: (مَا كَانَ لِلنّبِيّ وَالّذِينَ آمَنُوَاْ أَن يَسْتَغْفِرُواْ لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوَاْ أُوْلِي قُرْبَىَ مِن بَعْدِ مَا تَبَيّنَ لَهُمْ أَنّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ) [سورة: التوبة - الآية: 113]
الشاهد : أن النبي ( لقن عمه أبا طالب لا إله إلا الله مع أن عمه أبا طالب على الكفر مما يدل على جواز تلقين الكافر لا إله إلا الله عساه أن ينقذه الله من النار بهذه الكلمة .
[3] يُسن تذكير الميت بأخبار الرجاء : وذلك لسببين واضحين هما
*الأول : أن تذكير الميت بأخبار الرجاء يحببه في لقاء الله تعالى ومن أحب لقاء الله أحب الله لقاءه .
(حديث عائشة الثابت في الصحيحين) أن النبي ( قال : من أحب لقاء الله أحب الله لقاءه و من كره لقاء الله كره الله لقاءه .
*والثاني : أن تذكير الميت بأخبار الرجاء يجعله حسن الظن بالله تعالى .
(لحديث جابر ابن عبد الله رضي الله عنهما الثابت في صحيح مسلم ) أن النبي ( قال : لا يموتن أحدكم إلا وهو يحسن الظن بالله .
[4] يُسن تغميض عينه والدعاء له :
((2/1)
لحديث أم سلمة الثابت في صحيح مسلم ) قالت دخل رسول الله ( على أبي سلمة وقد شق بصره فأغمضه ثم قال إن الروح إذا قبض تبعه البصر فضج ناس من أهله فقال لا تدعوا على أنفسكم إلا بخير فإن الملائكة يؤمنون على ما تقولون ثم قال اللهم اغفر لأبي سلمة وارفع درجته في المهديين واخلفه في عقبة في الغابرين واغفر لنا وله يا رب العالمين وأفسح له في قبره ونور له فيه .
[5] يُسن تغطيته بثوبٍ يستر جميع بدنه :
(لحديث عائشة الثابت في الصحيحين) أن النبي ( حين تُوفيً سُجَى ببُردٍ حَبِرة .
الشاهد : أن البُرد ثوب يلتحف به يشمل كل البدن ، والحبرة برود يمانية معروفة .
[6] أن يُعَجِّلوا بتجهيزه وإخراجه :
(لحديث أبي هريرة رضي الله عنه الثابت في الصحيحين)) أن النبي ( قال : أسرعوا بالجنازة فإن تك صالحة فخير تقدمونها إليه و إن تك سوى ذلك فشر تضعونه عن رقابكم .
{ تنبيه } :( هذا الدليل الصحيح كافي في إثبات أن من السنة أن يُعَجِّلوا بتجهيزه وإخراجه ، وأما حديث ( لا ينبغي لجيفة مسلم أن تحبس بين ظهراني أهله) فهو ضعيف لا يستدل به .
[7] المبادرة بقضاء دينه فإن نفسُ المؤمن معلقةٌ بدينه حتى يُقضى عنه :
(لحديث أبي هريرة رضي الله عنه الثابت في صحيحي الترمذي وابن ماجة) أن النبي ( قال : نفسُ المؤمن معلقةٌ بدينه حتى يُقضى عنه .
الشاهد : قوله ( [معلقةٌ بدينه] أي أمرها موقوف ولا يحكم لها بنجاةٍ ولا بهلاك أو محبوسةٍ عن الجنة ، وهذا فيمن مات وترك مالاً يُقضى من دينه أما من مات ولا مال له ولكنه كان عازماً على قضاء دينه صادق النية في ذلك فقد ثبت أن الله تعالى يقضي عنه .
(لحديث أبي هريرة رضي الله عنه الثابت في صحيح البخاري) أن النبي ( قال : من أخذ أموال الناس يريد أداءها أدى الله عنه و من أخذها يريد إتلافها أتلفه الله .
[(2/2)
تنبيه] من مات من المسلمين وعليه دين استحق أن يُقضى عنه دينه من بيت مال المسلمين ويؤخذ من سهم الغارمين الذي هو أحد مصارف الزكاة الثمانية :
(لحديث أبي هريرة رضي الله عنه الثابت في الصحيحين) أن رسول الله ( كان يؤتى بالرجل المتوفى عليه الدين فيقول هل ترك لدينه فضلا ؟ فإن حدث أنه ترك لدينه وفاءاً صلى وإلا قال للمسلمين صلوا على صاحبكم فلما فتح الله عليه الفتوح قال أنا أولى بالمؤمنين من أنفسهم فمن توفي من المسلمين وعليه دين فعلي قضاؤه ومن ترك مالا فهو لورثته .
[8] إسراع تنفيذ وصيته : لأن الوصية إن كانت واجبة فلإسراع إبراء الذمة وإن كانت في تطوع فلإسراع الأجر له .
[تنبيهات] :
* حديث (اقرءوا على موتاكم يس) ضعيف وعلى هذا فلا يسن قراءة يس على المحتضر .
[*] قال بعض أهل العلم : بأنه يسن توجيه الميت نحو القبلة لأنها أفضل المجالس واستدلوا بحديث ( قبلتكم أحياءاً وأمواتا ) وحديث ( خير مجالسكم ما استقبلتم به القبلة) والحديثان ضعيفان لا يحتج بهما ، والذي يظهر أن النبي ( لم يكن يتقصد التوجه نحو الكعبة وكذا الصحابة لم يكونوا يتقصدون التوجه نحو الكعبة على الرغم من أنهم أحرص الناس على الخير وأعلم الناس بما يجيزه الشرع .
مسألة : هل يجوز تأخير الميت حتى يأتي أقاربه ؟
هذا مع كونه خلاف السنة التي أتت بإسراع تجهيز الميت فإنه كذلك جناية على الميت لأنه إن كان من أهل الخير والصلاح فإنه يود أن يذهب سريعاً لأنه يبشر بالجنة عند موته وإذا خرج من بيته قال قدموني قدموني
(لحديث أبي هريرة رضي الله عنه الثابت في الصحيحين) أن النبي ( قال : أسرعوا بالجنازة فإن تك صالحة فخير تقدمونها إليه و إن تك سوى ذلك فشر تضعونه عن رقابكم .
((2/3)
وحديث أبي هريرة رضي الله عنه الثابت في صحيح البخاري) أن النبي ( قال : إذا وضعت الجنازة و احتملها الرجال على أعناقهم فإن كانت صالحة قالت : قدموني و إن كانت غير صالحة قالت لأهلها : يا ويلها أين تذهبون بها ؟ يسمع صوتها كل شيء إلا الإنسان و لو سمعها الإنسان لصعق .
مسألة : هل يجوز النظر إلى الميت وتقبيله ؟
يجوز النظر إلى الميت وتقبيله بعد أن يُدرج في أكفانه وهاك الأدلة :
(حديث عائشة الثابت في صحيح البخاري) أن رسول الله ( مات وأبو بكرٍ بالسُّنحِ فقام عمر يقول : والله ما مات رسول الله ( ، وقال عمر ـ والله ما كان يقع في نفسي إلا ذاك ـ وليبعثنه الله فليقطعنَّ أيدي رجالٍ وأرجلهم ، فجاء أبو بكرٍ فكشف عن رسول الله ( فقبَّله فقال بأبي أنت وأمي طبت حياً وميتاً والذي نفسي بيده لا يذيقك الله الموتتين أبداً ثم خرج فقال : أيها الحالف على رَسْلِك ، فلما تكلم جلس عمر ، فحمد الله أبو بكر وأثنى عليه وقال : ألا من كان يعبد محمداً فإن محمداً قد مات ومن كان يعبد الله فإن الله حيٌ لا يموت وقال: (إِنّكَ مَيّتٌ وَإِنّهُمْ مّيّتُونَ) وقال: (وَمَا مُحَمّدٌ إِلاّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرّسُلُ أَفإِنْ مّاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَىَ أَعْقَابِكُمْ وَمَن يَنقَلِبْ عَلَىَ عَقِبَيْهِ فَلَن يَضُرّ اللّهَ شَيْئاً وَسَيَجْزِي اللّهُ الشّاكِرِينَ)
*الشاهد : [فكشف عن رسول الله ( فقبَّله فقال بأبي أنت وأمي طبت حياً وميتاً]
مسألة : ماذا يجب على أهل الميت إذا فقدوا فقيداً ؟
يجب على أهل الميت إذا فقدوا فقيداً أن يصبروا ويسترجعوا بل ينبغي أن يكون حال المسلم دائرٌ بين الصبر عند الضراء والشكر عند الرخاء .(2/4)
قال تعالى: (وَبَشّرِ الصّابِرِينَ * الّذِينَ إِذَآ أَصَابَتْهُم مّصِيبَةٌ قَالُواْ إِنّا للّهِ وَإِنّآ إِلَيْهِ رَاجِعونَ * أُولََئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مّن رّبّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولََئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ) [سورة: البقرة 155،156،157]
(حديث أم سلمة الثابت في صحيح مسلم ) أن النبي ( قال : ما من عبد تصيبه مصيبة فيقول !< إنا لله وإنا إليه راجعون >! اللهم أجرني في مصيبتي وأخلف لي خيرا منها إلا أجره الله في مصيبته وأخلف له خيرا منها قالت فلما توفي أبو سلمة قلت كما أمرني رسول الله ( فأخلف الله لي خيرا منه رسول الله ( .
(حديث أبي موسى الثابت في صحيح الترمذي ) أن النبي ( قال : إذا مات ولد العبد قال الله تعالى لملائكته : قبضتم ولد عبدي ؟ فيقولون : نعم فيقول : قبضتم ثمرة فؤاده ؟ فيقولون : نعم فيقول : ماذا قال عبدي ؟ فيقولون : حمدك و استرجع فيقول الله تعالى : ابنوا لعبدي بيتا في الجنة و سموه بيت الحمد .
(حديث أبي هريرة رضي الله عنه الثابت في صحيح البخاري ) أن النبي (قال : قال الله تعالى : ما لعبدي المؤمن عندي جزاءٌ إذا قبضتُ صفيه من أهل الدنيا ثم احتسبه إلا الجنة .
(حديث أنس الثابت في صحيح البخاري ) أن النبي ( قال : قال الله تعالى : إذا ابتليت عبدي بحبيبتيه - يريد بعينيه - ثم صبر عوضته منهما الجنة .
(حديث عطاء ابن أبي رباح الثابت في الصحيحين) قال : قال لي ابن عباس رضيَ الله عنهما ألا أُريك امرأةً من أهل الجنة ؟ قلتُ بلى ، قال هذه المرأةُ السوداء ، أتت النبي ( فقالت إني أُصرع وإني أتكشف فادعُ الله لي . قال إن شئتِ صبرتِ ولكِ الجنة وإن شئتِ دعوتُ الله أن يُعافيكِ فقالت أصبر ، فقالت إني أتكشف فادعُ الله لي ألا أتكشف فدعا لها .
{ تنبيه } :( الصبر المحمود هو ما كان عند الصدمة الأولى أي عند مفاجأة المصيبة :
((2/5)
حديث أنس الثابت في الصحيحين) مر النبي ( بامرأة تبكي عند قبر فقال : اتقي الله واصبري فقالت إليك عني فإنك لم تُصب بمصيبتي ولم تعرفه ، فقيل لها إنه النبي ( فأتت النبي ( فلم تجد عنده بوابين فقالت لم أعرفك فقال إنما الصبر عند الصدمة الأولى .
مسألة : هل يستحب إعلام قرابة الميت وأصحابه بموته ؟
استحب العلماء ذلك امتثالاً لهدي النبي ( حيث نعى النجاشي وغيره من ناحية ، وليكون لهم أجرٌ في المشاركة في تجهيزه من ناحية .
(حديث أبي هريرة رضي الله عنه الثابت في الصحيحين) أن النبي ( نعى النجاشي في اليوم الذي مات فيه وخرج بهم إلى المصلى فصف أصحابه وكبر عليه أربعاً .
الشاهد : [نعى النجاشي] والنعي هو الإخبار بموت شخص .
(حديث أنس الثابت في صحيح البخاري) أن النبي ( نعى زيداً وجعفراً وابن رواحة قبل أن يأتيهم خبرهم .
{ تنبيه } :( أما حديث أنس أن النبي ( نهى عن النعي فإنه محمول على النعي الذي كانت الجاهلية تفعله ، وكانت عادتهم إذا مات منهم شريف بعثوا راكباً إلى القبائل يقول : نعاء فلاناً أي هلكت العرب بمهلك فلان ويصحب ذلك ضجيج وبكاء .
مسألة : ما حكم البكاء على الميت ؟
القول الذي دلت عليه السنة الثابتة الصحيحة وتجتمع فيه الأدلة أن المسألة على التفصيل الآتي :
[1] البكاء جائز بشرط أن يخلو من النياحة والجزع ولطم الخدود وشق الجيوب ونحوها .
(لحديث أنس الثابت في الصحيحين) قال دخلنا مع رسول الله ( على أبي سيف القين وكان ظئرا لإبراهيم عليه السلام فأخذ رسول الله ( إبراهيم فقبله وشمه ثم دخلنا عليه بعد ذلك وإبراهيم يجود بنفسه فجعلت عينا رسول الله ( تذرفان فقال له عبد الرحمن بن عوف رضي الله تعالى عنه وأنت يا رسول الله فقال يا بن عوف إنها رحمة ثم أتبعها بأخرى فقال ( إن العين تدمع والقلب يحزن ولا نقول إلا ما يرضى ربنا وإنا بفراقك يا إبراهيم لمحزونون .
ظئرا : أي زوج المرضعة وهو معنى مستعار .
((2/6)
حديث ابن عمر رضي الله عنهما الثابت في الصحيحين) أن النبي ( قال : إن الله لا يعذب بدمع العين ولا بحزن القلب ولكن يعذب بهذا أو يرحم وأشار إلى لسانه .
[2] يحرم البكاء إذا خالطه جزع أو نياحة أو لطم الخدود وشق الجيوب ونحوها .
(لحديث ابن مسعود الثابت في الصحيحين) أن النبي ( قال : ليس منا من لطم الخدود وشق الجيوب ودعا بدعوى الجاهلية .
(لحديث أبو بردة بن أبي موسى الثابت في الصحيحين) قال وجع أبو موسى وجعا فغشي عليه ورأسه في حجر امرأة من أهله فلم يستطع أن يرد عليها شيئا فلما أفاق قال أنا بريء ممن برئ منه رسول الله ( إن رسول الله ( برئ من الصالقة والحالقة والشاقة .
(حديث المغيرة ابن شعبة الثابت في الصحيحين) أن النبي ( قال : إن كذبا علي ليس ككذب على أحد من كذب علي متعمدا فليتبوأ مقعده من النار من نيح عليه يعذب بما نيح عليه .
(حديث عمر الثابت في الصحيحين) أن النبي ( قال : إن الميت ليعذب ببكاء الحي .
مسألة : ما معنى إن الميت ليعذب ببكاء الحي؟
المعنى أن الميت يتألم ويسؤه نوح أهله عليه وليس المعنى أنه يعذب أو يعاقب بسبب بكاء أهله عليه فإنه لا تزرُ وازرة وزر أخرى .
مسألة : ما حكم غسل الميت ؟
غسل الميت فرض الكفاية
(لحديث ابن عباس الثابت في الصحيحين) أن رجلاً كان مع النبي ( فوقصته ناقته وهو محرم فمات فقال رسول الله ( اغسلوه بماء وسدر وكفنوه في ثوبيه ولا تمسوه بطيبٍ ولا تخمروا رأسه فإنه يبعث يوم القيامة ملبيا .
الشاهد : قوله ( [اغسلوه بماء وسدر] والأصل في الأمر الوجوب ، ومن المعلوم أنه لا يريد من كل إنسان أن يغسل الميت وإنما يوجه الخطاب إلى عموم المسلمين فإن قام به البعض سقط عن الكل .
مسألة : من أولى الناس بغسل الميت ؟(2/7)
أولى الناس بغسل الميت من كان أعرف بسنة الغسل لا سيما إن كان وصيُّه أي الذي أوصى بأن يغسله فنكون قد جمعنا بين المصلحتين ، فكونه أعرف بسنة الغسل يتم التغسيل على السنة وكونه وصيُّه يتم إنفاذ الوصية .
ويجوز للرجل أن يغسل زوجته ويجوز للمرأة أن تغسل زوجها .
(لحديث عائشة الثابت في صحيح ابن ماجة ) قالت : لو كنت استقبلت من أمري ما استدبرت ما غسل النبي ( غير نسائه .
(ولحديث عائشة الثابت في صحيح ابن ماجة ) قالت : رجع رسول الله ( من البقيع فوجدني وأنا أجد صداعا في رأسي وأنا أقول وارأساه فقال بل أنا يا عائشة وارأساه ثم قال ما ضرك لو مت قبلي فقمت عليك فغسلتك وكفنتك وصليت عليك ودفنتك .
مسألة : إذا مات صبي عمره أقل من سبع سنوات هل تغسله امرأة ؟
يجوز للمرأة أن تغسل صبي عمره أقل من سبع سنوات لأن عورة ما دون السبع لا حكم لها ولأن إبراهيم ابن النبي ( غسله النساء وكان د مات في الرضاعة قبل أن يفطم .
مسألة : هل يجوز للمسلم غسل الكافر ودفنه ؟
لا يجوز للمسلم غسل الكافر ودفنه لقوله تعالى: (وَلاَ تُصَلّ عَلَىَ أَحَدٍ مّنْهُم مّاتَ أَبَداً وَلاَ تَقُمْ عَلَىَ قَبْرِهِ إِنّهُمْ كَفَرُواْ بِاللّهِ وَرَسُولِهِ وَمَاتُواْ وَهُمْ فَاسِقُونَ) [سورة: التوبة - الآية: 84]
الشاهد قوله تعالى: (وَلاَ تُصَلّ عَلَىَ أَحَدٍ مّنْهُم مّاتَ أَبَداً) فإذا نهيَ عن الصلاة على الكافر وهي أعظم ما يفعل بالميت وأنفع ما يكون للميت فما دونها من باب أولى .
مسألة : ما هي صفة غسل الميت؟
لغسل الميت صفتان :
(أ) صفة الوجوب : وهي أن يعمم بدنه بالماء مرة واحدة ولو كان جنباً أو كانت حائضاً .
(ب) صفة كمال : وهي كالآتي :
[1] يوضع في مكانٍ مرتفع ويجرد من ثيابه ويوضع عليه ساتر يستر عورته ولا يحضر غسله إلا من تدعو الحاجة إلى حضوره وينبغي أن يكون الغاسل أمين لينشر ما يراه من الخير ويستر ما يظهر من الشر .
[(2/8)
2] يعصر بطن الميت عصراً رقيقاً لإخراج ما عسى أن يكون بها ثم يلف على يده خِرقة وينجي الميت حتى لا يمس عورته لأن ذلك حرام .
[3] يوضئه وضوئه للصلاة
(حديث أم عطية الثابت في الصحيحين) قالت قال رسول الله ( في غسل ابنته ابدأن بميامنها ومواضع الوضوء منها .
[4] يغسله بماءٍ وسدر فإن عُدِم السدر فأي منظف كالصابون على أن يبدأ باليمين لحديث أم عطية السابق .
[5] يكون غسله للميت ثلاث مرات أو خمس أو أكثر من ذلك حتى يحصل الإنقاء .
(حديث أم عطية الثابت في الصحيحين) قالت : دخل علينا رسول الله ( حين توفيت ابنته فقال لنا اغسلنها ثلاثا أو خمسا أو أكثر من ذلك إن رأيتن فإذا فرغتن فآذنني فلما فرغنا آذناه فنزع من حِقوه إزاره وقال أشعرنها إياه تعني إزاره .
{ تنبيه } :( إذا لم يحصل الإنقاء بالثلاث يزيد الغاسل على الثلاث وِترا .
(حديث أم عطية الثابت في الصحيحين) قالت توفيت إحدى بنات النبي ( فأتانا النبي ( فقال اغسلنها وترا ثلاثا أو خمسا أو أكثر من ذلك إن رأيتن ذلك واجعلن في الآخرة كافورا أو شيئا من كافور فإذا فرغتن فآذنني فلما فرغنا آذناه فألقى إلينا حِقوه فضفرنا شعرها ثلاثة قرون وألقيناها خلفها .
{ تنبيه } :( وإذا كان الميت امرأة تضفر شعرها ثلاثة قرون وألقيناها خلفها .
(حديث أم عطية الثابت في الصحيحين) قالت توفيت إحدى بنات النبي ( فأتانا النبي ( فقال اغسلنها وترا ثلاثا أو خمسا أو أكثر من ذلك إن رأيتن ذلك واجعلن في الآخرة كافورا أو شيئا من كافور فإذا فرغتن فآذنني فلما فرغنا آذناه فألقى إلينا حِقوه فضفرنا شعرها ثلاثة قرون وألقيناها خلفها .
[6] يجعل في آخر غسله كافورا أو أي شيء طيب الرائحة وإنما يفضل الكافور على غيره لأنه مع كونه طيب الرائحة إلا أن فيه صفة تبريد وقوة نفوذ وخاصة في تصلب بدن الميت وطرد الهوام عنه ومنع إسراع الفساد إليه .
((2/9)
حديث أم عطية الثابت في الصحيحين) قالت توفيت إحدى بنات النبي ( فأتانا النبي ( فقال اغسلنها وترا ثلاثا أو خمسا أو أكثر من ذلك إن رأيتن ذلك واجعلن في الآخرة كافورا أو شيئا من كافور فإذا فرغتن فآذنني فلما فرغنا آذناه فألقى إلينا حِقوه فضفرنا شعرها ثلاثة قرون وألقيناها خلفها .
مسألة : ماذا يراعى في تغسيل المحرم ؟
الذي يراعى في تغسيل المحرم أن لا يمس طيباَ ولا يخَمَّر رأسه ولا يلبس المخيط بل يعامل معاملة المحرم الحي .
(حديث ابن عباس الثابت في الصحيحين) أن رجلاً كان مع النبي ( فوقصته ناقته وهو محرم فمات فقال النبي ( اغسلوه بماء وسدر وكفنوه في ثوبيه ولا تمسوه بطيب ولا تخمروا رأسه فإن الله يبعثه يوم القيامة ملبيا .
مسألة : هل يغسل الشهيد ؟
القول الذي دلت عليه السنة الصحيحة وتجتمع فيه الأدلة أن المسألة على التفصيل الآتي :
[1] شهيد المعركة : الذي قتل بيد الكفار لا يغسل :
(حديث جابر ابن عبد الله رضي الله عنهما الثابت في صحيح البخاري ) قال كان النبي ( يجمع بين الرجلين من قتلى أحد في ثوب واحد ثم يقول أيهم أكثر أخذا للقرآن فإذا أشير له إلى أحدهما قدمه في اللحد وقال أنا شهيد على هؤلاء يوم القيامة وأمر بدفنهم في دمائهم ولم يغسلوا ولم يصل عليهم .
[2] أما القتلى الذين لم في المعركة بأيدي الكفار فقد أطل الشارع عليهم لفظ الشهداء وهؤلاء يغسلون .
فقد غسَّل النبي ( من مات منهم في حياته ، والمسلمون غسلوا من بعده عمر وعثمان وعلي رضي الله تعالى عنهم وهم جميعاً شهداء .
(حديث جابر ابن عبد الله رضي الله عنهما ابن عتيك الثابت في صحيحي أبي داوود والنسائي) أن النبي ( قال : الشهادة سبع سوى القتل في سبيل الله المطعون شهيد والغرق شهيد وصاحب ذات الجنب شهيد والمبطون شهيد وصاحب الحريق شهيد والذي يموت تحت الهدم شهيد والمرأة تموت بجمع شهيدة .
{(2/10)
تنبيه } :( المطعون من مات بالطاعون والعياذ بالله تعالى ، و ذات الجنب قروح تصيب الإنسان داخل جنبه ، والمبطون من مات بمرض البطن ، والمرأة تموت بجمع أي التي تموت عند الولادة .
{ تنبيه } :( ومن هنا يتضح أن الشهداء ليسوا في منزلةٍ واحدة وأن شهيد المعركة الذي قتل بيد الكفار يفضل على غيره وهل وجدت أفضل من أن جاد بنفسه في سبيل الله تعالى .
مسألة : ما حكم تكفين الميت ؟
تكفين الميت فرض كفاية
( حديث ابن عباس الثابت في الصحيحين ) أن رجلا كان مع النبي ( فوقصته ناقته وهو محرم فمات فقال النبي (اغسلوه بماء وسدر وكفنوه في ثوبيه ولا تمسوه بطيب ولا تخمروا رأسه فإنه يبعث يوم القيامة ملبيا .
وجه الدلالة : اغسلوه بماءٍ وسدر : الأصلُ في الأمر الوجوب ، ومن المعلوم أن النبي ( لا يريد من كل إنسان أن يغسل الميت وإنما يوجه الخطاب إلى عموم المسلمين فإن قام به البعض سقط عن الكل .
(حديث خباب ابن الأرت الثابت في صحيح البخاري) قال هاجرنا مع النبي ( نلتمس وجه الله فوقع أجرنا على الله فمنا من مات لم يأكل من أجره شيئا منهم مصعب بن عمير ومنا من أينعت له ثمرته فهو يهدبها قتل يوم أحد فلم نجد ما نكفنه إلا بردة إذا غطينا بها رأسه خرجت رجلاه وإذا غطينا رجليه خرج رأسه فأمرنا النبي ( أن نغطي رأسه وأن نجعل على رجليه من الإذخر .
مسألة : ماذا يستحب في الكفن ؟
يستحب في الكفن الأمور الآتية :
[1] تحسين الكفن :
(حديث جابر ابن عبد الله رضي الله عنهما الثابت في صحيح مسلم ) أن النبي (قال : إذا كفن أحدكم أخاه فليحسن كفنه .
[2] أن يكون الكفن أبيض :
( حديث ابن عباس الثابت في صحيحي أبي داوود والترمذي ) أن النبي ( قال : البسوا من ثيابكم البياض فإنها من خير ثيابكم و كفنوا فيها موتاكم و إن من خير أكحالكم الإثمد يجلوا البصر و ينبت الشعر .
[3] أن يكون ثلاث لفائف
((2/11)
حديث عائشة الثابت في الصحيحين) أن رسول الله ( كفن في ثلاثة أثواب بيض سحولية ليس فيها قميص ولا عمامة .
مسألة : هل يستحب في كفن المرأة أن يكون خمسة أثواب أم ثلاث مثل الرجل ؟
[*] قال بعض أهل العلم : أن المرأة تكفن في خمسة أثواب إزار وقميص وخمار ولفافتين واستدلوا بحديث أم عطية أن النبي (ناولها إزاراً ودرعاً (أي قميصاً) وخماراً (غطاء الرأس) وثوبين (تلف فيهما) ولكن هذا الحديث في إسناده نظر لأن فيه راوٍ مجهول .
( ولهذا قال بعض أهل العلم أن المرأة تكفن بما يكفن به الرجل أي في ثلاث أثواب يلف بعضها فوق بعض ، وهذا القول هو الصحيح [ لأن الأصل تساوي الرجال والنساء في الأحكام الشرعية إلا ما دلَ الدليل على اختصاص أحدهما بالآخر ] .
مسألة : ما هو الواجب في الكفن ؟
الواجب في الكفن ثوبٌ يستر جميع البدن ، فإن لم يوجد إلا ثوبٌ قصير لا يكفي لجميع البدن غُطِيَ رأسُه وجُعِلَ على رجليه من الإذخر .
(لحديث خباب ابن الأرت الثابت في الصحيحين) قال : هاجرنا مع النبي ( نلتمس وجه الله فوقع أجرنا على الله فمنا من مات لم يأكل من أجره شيئا منهم مصعب بن عمير ومنا من أينعت له ثمرته فهو يهدبها قتل يوم أحد فلم نجد ما نكفنه إلا بردة إذا غطينا بها رأسه خرجت رجلاه وإذا غطينا رجليه خرج رأسه فأمرنا النبي ( أن نغطي رأسه وأن نجعل على رجليه من الإذخر .
مسألة : ما هو كفن المحرم ؟
كفن المحرم ثوبي إحرامه لأنه يبعث يوم القيامة ملبياً .
(لحديث ابن عباس الثابت في الصحيحين) أن رجلا كان مع النبي ( فوقصته ناقته وهو محرم فمات فقال النبي ( اغسلوه بماء وسدر وكفنوه في ثوبيه ولا تمسوه بطيبٍ ولا تخمروا رأسه فإن يبعث يوم القيامة ملبيا .
مسألة : ما هي كيفية تكفين الميت؟
(1) تُرش اللفائف الثلاث بماءٍ ثم تبخر من أجل أن يعلق الدخان بها ، ثم تبسط بعضها فوق بعض ثم يوضع عليها الحنوط (الطيب)
((2/12)
2) يوضع الميت على اللفائف الثلاث مستلقياً على ظهره لأن وضعه مستلقياً على ظهره أثبت وأسهل لإدراجه فيها ، ويجعل من الحنوط في قطنٍ بين أليته وذلك لئلا يخرج شيئٌ من دبره كريه الرائحه ، فإذا خرج شيئٌ من دبره فإن الحنوط يضيع هذه الرائحة الكريهة .
(3) نأتي بخرقةٍ مشقوقة الطرف نشدها على القطنة التي فيها الحنوط الموضوع بين أليته ، بحيث تجمع هذه الخرقة أليته ومثانته أي تكون على السوأتين .
(4) يجعل الباقي من الحنوط على منافذ وجهه (عينيه ومنخريه وفمه) وكذا أذنه من أجل أن يمنع الهوام من دخول هذه المنافذ ، وكذا نجعل شيئاً من الحنوط على مواضع السجود السبع من باب التشريف لها .
{ تنبيه } :( وضع الحنوط في هذه الأماكن اجنهادٌ من العلماء ، أما الحنوط من حيث مشروعيته فقد جاءت به السنة .
(5) يُردُ طرف اللفافة التي تلي الميت من الجانب الأيسر على شقه الأيمن ويرد طرفه الآخر فوقه ، ثم يجعل الثانية والثالثة كذلك ويجعل أكثر الفاضل من الكفن من جهة الرأس .
(6) ثم يعقد اللفائف لئلا تنتشر وتتفرق ثم تُحل هذه العقد في القبر .
مسالة : ما هو حكم الصلاة على الميت ؟
الصلاة على الميت فرض كفاية
(لحديث أبي هريرة رضي الله عنه الثابت في الصحيحين) أن النبي ( كان يؤتى بالرجل المتوفى عليه الدين فيقول : هل ترك لدينه فضلاً ؟ فإن حدِّث أنه ترك لدينه وفاءاً صلى وإلا قال للمسلمين : صلوا على صاحبكم ، فلما فتح الله عليه الفتوح قال : أنا أولى بالمؤمنين من أنفسهم فمن تُوفيََ من المسلمين وعليه دينٌ فعليَّ قضاؤه ومن ترك مالاً فلورثته .
مسألة : ما هو فضل الصلاة على الميت ؟
للصلاة على الميت فضلٌ عظيم وأجرٌ جسيم بينته السنة الصحيحة
((2/13)
لحديث أبي هريرة رضي الله عنه الثابت في صحيح البخاري) أن النبي ( قال : من اتبع جنازة مسلمٍ إيماناً واحتساباً وكان معه حتى يصلي عليها ويُفْرَغ من دفنها فإنه يرجع من الأجرِ بقيراطين كلُ قيراطٍ مثل أحد ، ومن صلى عليها ثم رجع قبل أن تدفن فإنه يرجعُ بقيراط .
مسألة : ما هي مقصود الصلاة على الميت ؟
مقصود الصلاة على الميت الشفاعة فيه
(لحديث عائشة الثابت في صحيح مسلم ) أن النبي ( قال : ما من ميت يصلي عليه أمة من المسلمين يبلغون مائة كلهم يشفعون له إلا شُفَِعوا فيه .
(شُفَِعوا فيه) : أي قُبلت شفاعتهم
مسألة : هناك صنفان من الناس لا يجب الصلاة عليهما؟
[1] شهيد المعركة :
(لحديث جابر ابن عبد الله رضي الله عنهما الثابت في صحيح البخاري) أن النبي ( كان يجمع بين الرجلين من قتلى أحد في الثوب الواحد ثم يقول : أيهما أكثرُ أخذاً للقرآن فإذا أُشير إلى أحدهما قدّمه في اللحد وقال : أنا شهيدٌ على هؤلاء يوم القيامة وأمر بدفنهم في دمائهم ولم يغسلوا ولم يُصلى عليهم .
[2] الصبي الذي لم يبلغ :
(لحديث عائشة الثابت في صحيح أبي داود) مات إبراهيم بن النبي ( وهو بن ثمانية عشر شهرا فلم يصل عليه رسول الله ( .
مسألة : أين مقام الإمام من الميت؟
يقوم الإمام عند رأس الرجل ووسط المرأة
(لحديث أنس الثابت في صحيحي الترمذي وابن ماجة ) أنه صلى على رجل فقام عند رأسه ثم صلى على امرأةٍ فقام حيال وسط السرير فقال له العلاء بن زياد هكذا رأيت رسول الله ( قام على الجنازة مقامك منها ومن الرجل مقامك منه؟ فلما فرغ قال احفظوا .
(وحديث سمرة بن جندب الثابت في الصحيحين) صليت وراء النبي ( صلى على امرأة ماتت في نفاسها فقام وَسْطَها .
مسألة : إذا اجتمعت جنائز كثيرة من الرجال والنساء فما هو مقام الإمام منهم ؟
يُجعل الرجال مما يلي الإمام والنساء يلين القبلة .
((2/14)
لحديث ابن عمر رضي الله عنهما الثابت في صحيح النسائي موقوفاً) أنه صلى على تسع جنائز جميعاً فجُعل الرجال يلون الإمام والنساء يلون القبلة .
مسألة : ما هي صفة صلاة الجنازة؟
(1) يتقدم الإمام ويكبر أربعا
(لحديث أبي هريرة رضي الله عنه الثابت في الصحيحين) قال نعى رسول الله ( إلى أصحابه النجاشي ثم تقدَّم فصفوا خلفه فكبَّر أربعا .
(2) يقرأ بعد التكبيرة الأولى فاتحة الكتاب
(حديث طلحة بن عبد الله الثابت في صحيح البخاري) قال : صليت خلف ابن عباس رضيَ الله تعالى عنهما على جنازةٍ فقرأ بفاتحة الكتاب وقال لتعلموا أنها سنة .
(3) يصلي على النبي (الصلاة الإبراهيمية بعد التكبيرة الثانية لنقل الخلف عن السلف من طرقٍ متعددة وعمل المسلمين عليه . والصلاة الإبراهيمية هي ( اللهم صلِّ على محمدٍ وعلى آل محمد 000إلى قوله إنك حميدٌ مجيد)
(4) بعد التكبيرة الثالثة ندعو للميت :
(لحديث أبي هريرة رضي الله عنه الثابت في صحيح أبي داود) أن النبي ( قال : إذا صليتم على الميت فأخلصوا له الدعاء .
{ تنبيه } :( يجوز له أن يدعو بأي دعاء ويستحبُ له أن يدعو بالدعاء الأوفق للسنة .
(لحديث عوف ابن مالك الثابت في صحيح البخاري) صلى رسول الله (على جنازة فحفظت من دعائه وهو يقول اللهم اغفر له وارحمه وعافه واعف عنه وأكرم نزله ووسع مدخله واغسله بالماء والثلج والبرد ونقه من الخطايا كما نقيت الثوب الأبيض من الدنس وأبدله دارا خيرا من داره وأهلا خيرا من أهله وزوجا خيرا من زوجه وأدخله الجنة وأعذه من عذاب القبر أو من عذاب النار قال حتى تمنيت أن أكون أنا ذلك الميت
((2/15)
وحديث أبي هريرة رضي الله عنه الثابت في صحيحي أبي داوود والترمذي) كان رسول الله ( إذا صلىعلى جنازة فقال اللهم اغفر لحينا وميتنا وصغيرنا وكبيرنا وذكرنا وأنثانا وشاهدنا وغائبنا اللهم من أحييته منا فأحيه على الإيمان ومن توفيته منا فتوفه على الإسلام اللهم لا تحرمنا أجره ولا تضلنا بعده .
{ تنبيه } :( إذا كان الميت طفلاً استحب أن يقول المصلي ( اللهم اجعله سلفاً وفرطاً وذخرا) رواه البخاري من كلام الحسن .
(5) بعد التكبيرة الرابعة يقول : اللهم لا تحرمنا أجره ولا تفتنا بعده
(6) ثم يسلم تسليمتين كمثل الصلاة المكتوبة إحداهما عن يمينه والأخرى عن يساره ، ويجوز الإقتصار على التسليمة الأولى لحديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي ( صلى على جنازةٍ فكبر عليها أربعاً وسلم تسليمةٍ واحدة ، والحديث حسنه الألباني رحمه الله تعالى في كتاب الجنائز .
مسألة : الذي يصلي صلاة الجنازة هل يرفع يديه مع كل تكبيرة أم في التكبيرة الأولى فقط ؟
الصحيح أنه يرفع يديه في التكبيرة الأولى فقط لحديث ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أن رسول الله ( كان يرفع يديه على الجنازة في أول تكبيرة ثم لا يعود . والحديث قال عنه العلامة الألباني رحمه الله تعالى أن رجاله ثقات .
مسألة : هل يصلي الإمام على قاتل نفسه؟
الإمام الأعظم هو رئيس الدولة ، والإمام لا يصلي على قاتل نفسه لأنه فعل كبيرة وترك الإمام الصلاة علية يكون نكالاً لما بعده
(لحديث جابر ابن عبد الله رضي الله عنهما ابن سمرة الثابت في صحيح مسلم ) قال : أُتي النبي ( برجلٍ قتل نفسه بمشاقص فلم يصلي عليه .
[مشاقص] سهام عِراض واحدها مشقص .
مسألة : هل عموم المسلمين يصلون على قاتل نفسه ؟(2/16)
عموم المسلمين يصلون على قاتل نفسه لأنه فعل كبيرة من الكبائر لكنه لم يكفر وعقيدة أهل السنة والجماعة في مرتكب الكبيرة أنه تحت مشيئة الإله النافذة إن شاء عفا عنه وإن شاء آخذه ، يدخل الجنة يوماً من الأيام أصابه قبل ذلك اليوم ما أصابه .
مسألة : هل يُصلى على السقط؟
(حديث ابن مسعود الثابت في الصحيحين) قال حدثنا رسول الله ( وهو الصادق المصدوق * إن أحدكم يجمع خلقه في بطن أمه أربعين يوما نطفة ثم يكون علقة مثل ذلك ثم يكون مضغة مثل ذلك ثم يرسل الملك فينفخ فيه الروح ويؤمر بأربع كلمات بكتب أجله ورزقه وعمله وشقي أو سعيد فوالذي لا إله غيره إن أحدكم ليعمل بعمل أهل الجنة حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل النار فيدخلها وان أحدكم ليعمل بعمل أهل النار حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل الجنة فيدخلها .
مسألة : هل يجوز الصلاة على الكافر ؟
لا يجوز الصلاة على الكافر لقوله تعالى: (وَلاَ تُصَلّ عَلَىَ أَحَدٍ مّنْهُم مّاتَ أَبَداً وَلاَ تَقُمْ عَلَىَ قَبْرِهِ إِنّهُمْ كَفَرُواْ بِاللّهِ وَرَسُولِهِ وَمَاتُواْ وَهُمْ فَاسِقُونَ) [سورة: التوبة - الآية: 84]
وقوله تعالى: (مَا كَانَ لِلنّبِيّ وَالّذِينَ آمَنُوَاْ أَن يَسْتَغْفِرُواْ لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوَاْ أُوْلِي قُرْبَىَ مِن بَعْدِ مَا تَبَيّنَ لَهُمْ أَنّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ) [سورة: التوبة - الآية: 113]
((2/17)
حديث ابن عمر رضي الله عنهما الثابت في الصحيحين) قال * لما توفى عبد الله بن أبي بن سلول جاء ابنه عبد الله بن عبد الله إلى رسول الله ( فسأله أن يعطيه قميصه يكفن فيه أباه فأعطاه ثم سأله أن يصلي عليه فقام رسول الله ( ليصلى عليه فقام عمر فأخذ بثوب رسول الله ( فقال يا رسول الله أتصلي عليه وقد نهاك الله أن تصلي عليه فقال رسول الله ( إنما خيرني الله فقال !< استغفر لهم أو لا تستغفر لهم إن تستغفر لهم سبعين مرة >! وسأزيده على سبعين قال إنه منافق فصلى عليه رسول الله ( فأنزل الله عز وجل !< ولا تصل على أحد منهم مات أبدا ولا تقم على قبره .
مسألة : ما هي الأمور التي تشرع في حمل الجنازة ؟
الأمور التي تشرع في حمل الجنازة :
(1) الإسراع بها :
(حديث ابن عمر رضي الله عنهما الثابت في الصحيحين) أن النبي ( قال : * أسرعوا بالجنازة فإن تك صالحة فخير تقدمونها عليه وإن يك سوى ذلك فشر تضعونه عن رقابكم .
(2) من اتبع جنازةٍ فإن كان ماشياً فله أن يمشي أمامها أو خلفها أو حيث شاء ، أما الراكب فيكون خلف الجنازة .
(حديث ابن عمر رضي الله عنهما الثابت في صحيحي الترمذي وابن ماجة)قال رأيت النبي ( وأبا بكرٍ وعمر يمشون أمام الجنازة .
(حديث المغيرة ابن شعبة الثابت في صحيح الجامع) أن النبي ( قال : الراكب خلف الجنازة والماشي حيث شاء منها .
(3) إذا كان الميت أنثى يُستحب أن يوضع على النعش مِكبة مثل الخيمة وهي أعواد مقوسة توضع على النعش ويوضع عليها ستر فتكون مثل القبة وذلك لأنه أستر للمرأة ، وقيل أول من فُعل بها هذا فاطمة بنت النبي ( بأمرها .
مسألة : ما هي الأمور التي تكره في اتباع الجنائز ؟
(1) يكره رفع الصوت عند الجنائز لحديث قيس ابن عباد قال : كان أصحاب النبي ( يكرهون رفع الصوت عند الجنائز ، وهذا الحديث قال عنه الألباني رحمه الله تعالى في كتاب الجنائز أن رجاله ثقات .
(2) يكره أن تتبع الجنازة بصوتٍ ولا نار .(2/18)
لقوله ( ولا تتبع الجنازة بصوتٍ ولا نار . وهذا الحديث حسنه الألباني رحمه الله تعالى في كتاب الجنائز .
(3) يكره قعود من اتبع الجنازة حتى توضع على الأرض .
(حديث أبي سعيد الثابت في الصحيحين) أن النبي ( قال :إذا رأيتم الجنازة فقوموا فمن تبعها فلا يقعد حتى توضع .
(4)يكره اتباع النساء للجنازة .
(حديث أم عطية الثابت في الصحيحين) قالت : نُهينا عن اتباع الجنائز ولم يُعزم علينا .
الشاهد : قولها [ولم يُعزم علينا ] أي لم يؤكد علينا في النهي كغيره من المنهيات وهذا هو الذي أخرج الحكم من التحريم إلى الكراهة لأن الأصل في النهي التحريم .
مسألة : هل يجوز القيام للجنازة وإن لم يكن متبعاً لها ؟
نعم يجوز ذلك
(حديث أبي سعيد الثابت في الصحيحين) أن النبي ( قال : إذا رأيتم الجنازة فقوموا فمن تبعها فلا يقعد حتى توضع .
(حديث جابر ابن عبد الله رضي الله عنهما الثابت في الصحيحين) قال مر بنا جنازة فقام لها النبي ( وقمنا به فقلنا يا رسوال الله إنها جنازة يهودي ؟ قال : إذا رأيتم الجنازة فقوموا .
قال القرطبي رحمه الله تعالى : مقصود الحديث أن لا يستمر الإنسان على الغفلة عند رؤية الموت لما يشعر ذلك من التساهل بأمر الموت ومن ثمّ استوى كون الميت مسلماً أو غير مسلم .
مسألة : ما هو حكم الدفن ؟
أجمع المسلمون أن الدفن فرض كفاية
لقوله تعالى: (أَلَمْ نَجْعَلِ الأرْضَ كِفَاتاً، أَحْيَآءً وَأَمْواتاً) [سورة: المرسلات 25/ 26]
ويجب دفن الميت ولو كان كافراً لما ثبت الثابت في صحيح النسائي أن النبي ( قال لعليّ بن أبي طالب وقد مات أبو طالب (اذهب فواره) .
مسألة : هل يكون الدفن في المقابر أم في المنازل ؟
السنة الدفن في المقابر لأن النبي ( كان يدفن الموتى في مقبرة البقيع كما تواترت الأخبار بذلك ولم ينقل عن أحدٍ من السلف أنه دفن في غير المقبرة ويستثنى من ذلك شيئان :
(1) الأنبياء : فإنه لم يقبر نبيٌ إلإ حيث يموت
((2/19)
لحديث أبي بكرة الثابت في صحيح الجامع) أن النبي ( قال : لم يقبر نبيٌ إلإ حيث يموت .
(2) شهداء المعركة : فإنهم يفتنون في مواطن استشهادهم ولا ينقلون إلى المقابر
(لحديث جابر ابن عبد الله رضي الله عنهما الثابت في صحيح النسائي) قال لما كان يوم أحد حُمل القتلى ليدفنوا بالبقيع فنادى منادي رسول الله ( إن رسول الله ( يأمركم أن تدفنوا القتلى في مضاجعهم .
مسألة : ما هي الأوقات التي لا يجوز الدفن فيها إلا لضرورة؟
هناك ثلاث أوقات لا يجوز الدفن فيها إلا لضرورة
(لحديث عقبة بن عامر الثابت في صحيح مسلم ) قال ثلاث ساعاتٍ كان رسول الله ( ينهانا أن نصلي فيهنَّ أو نقبر فيهنَّ موتانا * حين تطلع الشمس بازغة حتى ترتفع وحين يقوم قائم الظهيرة حتى تميل الشمس وحين تضيف الشمس للغروب حتى تغرب
وكذا الدفن بالليل لا يجوز إلا لضرورة :
(لحديث جابر ابن عبد الله رضي الله عنهما الثابت في صحيح مسلم ) أن النبي ( قال : لا تدفنوا موتاكم بالليل إلا أن تضطروا .
( ابن عباس رضي الله عنهما الثابت في صحيح البخاري) أن رسول الله ( مر بقبر قد دفن ليلا، فقال: (متى دفن هذا). قالوا: البارحة. قال: (أفلا آذنتموني). قالوا: دفناه في ظلمة الليل، فكرهنا أن نوقظك. فقام فصففنا خلفه، قال ابن عباس: وأنا فيهم، فصلى عليه.
مسألة : هل يستحب الدفن في الأماكن المقدسة؟
نعم يستحب الدفن في الأماكن المقدسة
(لحديث أبي هريرة رضي الله عنه الثابت في الصحيحين) قال: أرسل ملك الموت إلى موسى عليهما السلام، فلما جاءه صكه، فرجع إلى ربه، فقال: أرسلتني إلى عبد لا يريد الموت، فرد الله عليه عينه، وقال: ارجع، فقل له يضع يده على متن ثور، فله بكل ما غطت به يده بكل شعرة سنة. قال: أي رب، ثم ماذا؟ قال: ثم الموت. قال: فالآن، فسأل الله أن يدنيه من الأرض المقدسة رمية بحجر). قال: قال رسول الله (: فلو كنت ثم لأريتكم قبره، إلى جانب الطريق، عند الكثيب الأحمر).(2/20)
معنى ثَّمّ أي هناك ، الكثيب الأحمر أي الرمل المجتمع
مسألة : ما هي الأمور التي تستحب في الدفن؟
الأمور التي تستحب في الدفن :
(1) يستحب إعماق القبر لأن فيه إحتراماً للميت لأن في إعماقه منع السباع أن تأكله وفيه أيضاً إحتراماً للحي لأن في إعماق القبر منعاً لخروج الرائحة الكريهة التي تؤذي الحي .
(حديث هشام ابن عامر الثابت في صحيحي أبي داوود والترمذي) قال شكونا إلى رسول الله ( يوم أحد فقلنا يا رسول الله الحفر علينا لكل إنسان شديد فقال رسول الله ( احفروا وأعمقوا وادفنوا الإثنين والثلاثة في قبر واحد قالوا فمن نقدم يا رسول الله قال قدموا أكثرهم قرآنا قال فكان أبي ثالث ثلاثة في قبر واحد .
(2) يفضل اللحد على الشق :
(لحديث ابن عباس الثابت في صحيح السنن الأربعة) أن النبي ( قال : اللحد لنا والشقُ لغيرنا .
(حديث سعد ابن أبي وقاص الثابت في صحيح مسلم ) أنه قال في مرضه الذي مات فيه قال في مرضه الذي هلك فيه * ألحدوا لي لحدا وانصبوا علي اللبن نصبا كما صنع برسول الله ( .
مسألة : ما الفرق بين اللحد والشق ؟
اللحد : يكون في جانب القبر أما الشق يكون في وسط القبر .
(3) السنة إدخال الميت من مؤخرة القبر :
(لحديث أبي إسحاق الثابت في صحيح أبي داود) أن عبد الله ابن يزيد أدخل الميت من قِبَلِ رجلي القبر وقال : هذا من السنة .
(4) يقول الذي يضعه في لحده (بسم الله وعلى سنة رسول الله)
(حديث ابن عمر رضي الله عنهما الثابت في صحيحي أبي داوود والترمذي) أن النبي ( كان إذا وضع الميت في القبر قال : بسم الله وعلى سنة رسول الله .
(5) يجوز للزوج أن يتولى دفن زوجته بنفسه
(لحديث عائشة الثابت في صحيح ابن ماجة) قالت * رجع رسول الله ( من البقيع فوجدني وأنا أجد صداعا في رأسي وأنا أقول وارأساه فقال بل أنا يا عائشة وارأساه ثم قال ما ضرك لو مت قبلي فقمت عليك فغسلتك وكفنتك وصليت عليك ودفنتك .
{(2/21)
تنبيه } :( لا يشترط لمن تولى الدفن أن يكون من المحارم :
(لحديث أنس الثابت في صحيح البخاري) قال: شهدنا بنتا لرسول الله (، قال: ورسول الله ( جالس على القبر، قال: فرأيت عيناه تدمعان، قال: فقال: (هل منكم رجل لم يقارف الليلة). فقال أبو طلحة: أنا، قال: (فانزل). قال: فنزل في قبرها.
الشاهد : أن أن النبي ( كان حاضراً ولم يتولى الدفن بنفسه .
(6) يستحب لمن كان عند القبر أن يحثو من التراب ثلاث حثواتٍ بيديه جميعاً بعد الفراغ من سد اللحد .
(لحديث أبي هريرة رضي الله عنه لابن ماجة) أن رسول الله ( صلى على جنازة ثم أتى الميت فحثى عليه من قبل رأسه ثلاثاً . وهذا الحديث صححه الألباني رحمه الله تعالى في الإرواء .
مسألة : ما هي الأمور التي تستحب بعد الفراغ من الدفن؟
الأمور التي تستحب بعد الفراغ من الدفن :
(1) الاستغفارللميت
( لحديث عثمان بن عفان الثابت في صحيح أبي داود) قال * كان النبي ( إذا فرغ من دفن الميت وقف عليه فقال استغفروا لأخيكم وسلوا له التثبيت فإنه الآن يسأل .
(2) أن يرفع القبر عن الأرض قليلاً نحو شبر ولا يُسوى بالأرض وذلك لكي يُميز ولا يهان .
(لحديث جابر ابن عبد الله رضي الله عنهما الثابت في صحيحابن حبان) أن النبي ( رُفِعَ قبره عن الأرض قدر شبر .
(3) أن يجعل القبر مسنماً أي مجعولاً كالسنام بحيث يكون وسطه بارزاً على أطرافه
(لحديث سفيان التمار الثابت في صحيح البخاري) قال : رأيت قبر النبي ( مسنماً .
(4) أن يُعلَّم القبر بحجرٍ ونحوه
(لحديث أنس الثابت في صحيح ابن ماجة) أن رسول الله ( أعلم قبر عثمان بن مظعون بصخرة .
مسألة : هل يجوز أن ندفن أكثر من رجلٍ في قبرٍ واحد ؟
دلت السنة الثابتة الصحيحة على أن ذلك جائز
((2/22)
حديث جابر ابن عبد الله رضي الله عنهما الثابت في صحيح البخاري) قال : كان النبي ( يجمع بين الرجلين من قتلى أحدٍ في الثوب الواحد ثم يقول : أيهم أكثر أخذاً للقرآن فإذا أُشير إلى أحدهما قدَّمه في اللحد وقال أنا شهيدٌ على هؤلاء يوم القيامة وأمر بدفنهم في دمائهم ولم يغسَّلوا ولم يُصلى عليهم .
مسألة : ما هو حقيقة الموت ؟
قال الإمام القرطبي رحمه الله تعالى في التذكرة : والموت ليس بعدمٍ محض ولا فناءٍ صرف وإنما هو انقطاع تعلق الروح بالبدن وحيلولة بينهما وتبدل حال وانتقالٍ من دارٍ إلى دار .
مسألة : هل الموت مصيبة ؟
قال الإمام القرطبي رحمه الله تعالى في التذكرة : الموت من أعظم المصائب وقد سمَّاه الله تعالى مصيبة قال تعالى: (فَأَصَابَتْكُم مّصِيبَةُ الْمَوْتِ) [سورة: المائدة - الآية: 106]
قال الإمام القرطبي رحمه الله تعالى في التذكرة : وأعظم منه الغفلة عنه والإعراض عن ذكره وقلة التفكر فيه ، وإنّ فيه وحده لعبرةً لمن اعتبر وفكرةٍ لمن تفكر ، ولذا ندب النبي ( الإكثار من ذكره .
(حديث أبي هريرة رضي الله عنه الثابت في صحيحي الترمذي وابن ماجة) قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله (: «أَكْثِرُوا ذِكْرَ هَاذِمِ الّلذّاتِ» يَعْنِي المَوْت
مسألة هل الموت راحة؟
الموت راحة للمؤمن وعذابٌ للكافر
(حديث أبي قتادة الثابت في الصحيحين) أن رسول الله ( مُرَّ عليه بجنازة، فقال: (مستريح ومستراح منه). قالوا: يا رسول الله، ما المستريح والمستراح منه؟ قال: (العبد المؤمن يستريح من نصب الدنيا وأذاها إلى رحمة الله، والعبد الفاجر يستريح منه العباد والبلاد، والشجر والدواب).
مسألة : هل يجوز تمني الموت؟
الذي دلت عليه السنة الثابتة الصحيحة وتجتمع فيه الأدلة أن المسألة على التفصيل الآتي :
(1) لا يجوز تمني الموت لضرٍ نزل بالإنسان :
((2/23)
حديث نس الثابت في الصحيحين) قال قال رسول الله ( * لا يتمنين أحدكم الموت لضر نزل به فإن كان لا بد متمنيا فليقل اللهم أحيني ما كانت الحياة خيرا لي وتوفني إذا كانت الوفاة خيرا لي .
(2) يجوز تمني الموت خوف ذهاب الدين :
(حديث ابنِ عَبّاسٍ الثابت في صحيح الترمذي) قَال: قَالَ رَسُولُ الله (: اللّهُمّ إنّي أَسْأَلُكَ فِعْلَ الخَيْراتِ وتَرْكَ المُنْكَرَاتِ وحُبّ المَسَاكِينِ وإِذَا أَرَدْتَ بِعِبَادِكَ فِتْنَةً فَاقْبِضْنِي إِلَيْكَ غَيْرَ مَفْتُونٍ.
وقول عمر بن الخطاب رضي الله تعالىعنه : اللهم قد ضعفت قوتي وكبرت سني وانتشرت رعيتي فاقبضني إليك غير مُضيعٍ ولا مقصر ، فما جاوز ذلك الشهر حتى قبض رضي الله تعالىعنه .
مسألة : هل يجوز لنا أن نكره الموت؟
(حديث عبادة بن الصامت الثابت فب الثابت في الصحيحين) عن النبي ( قال: (من أحب لقاء الله أحب الله لقاءه، ومن كره لقاء الله كره الله لقاءه).
قالت عائشة أو بعض أزواجه: إنا لنكره الموت، قال: (ليس ذاك، ولكنَّ المؤمن إذا حضره الموت بُشِّر برضوان الله وكرامته، فليس شيء أحب إليه مما أمامه، فأحب لقاء الله وأحب الله لقاءه، وإن الكافر إذا حضر بُشِّر بعذاب الله وعقوبته، فليس شيء أكره إليه مما أمامه، فكره لقاء الله وكره الله لقاءه).
(حديث عائشة الثابت في صحيح البخاري) قالت : ما أغبط أحداً بهون موت بعد الذي رأيت من شدةِ موت النبي ( .
مسألة : ما هي الأشياء التي تنفع الميت بعد موته؟
[*](الأشياء التي تنفع الميت بعد موته :
(1) دعاء المسلم له : قال تعالى: (وَالّذِينَ جَآءُوا مِن بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلإِخْوَانِنَا الّذِينَ سَبَقُونَا بِالإِيمَانِ وَلاَ تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلاّ لّلّذِينَ آمَنُواْ رَبّنَآ إِنّكَ رَءُوفٌ رّحِيمٌ) [سورة: الحشر - الآية: 10]
((2/24)
حديث أبي الدرداء الثابت في صحيح مسلم ) النبي ( قال: دعوة المرء المسلم لأخيه بظهر الغيب مستجابة عند رأسه ملك موكل كلما دعا لأخيه بخير قال الملك الموكل به آمين ولك بمثل .
(2) قضاء الدين :
(حديث ابن عباس الثابت في صحيح البخاري) أن امرأة من جُهينة جاءت إلى النبي ( فقالت: إن أمي نذرت أن تحجَّ، ولم تحج حتى ماتت، أفأحجُّ عنها؟ قال: (نعم، حُجِّي عنها، أرأيتِ لو كان على أمك دين أكنتِ قاضِيَتَهُ). قالت: نعم، فقال: اقضوا اللهَ الذي له، فإنَّ اللهَ أحقُّ بالوفاء).
(3) قضاء النذر عنه :
(حديث ابن عباس الثابت في صحيح البخاري) أن امرأة من جُهينة جاءت إلى النبي ( فقالت: إن أمي نذرت أن تحجَّ، ولم تحج حتى ماتت، أفأحجُّ عنها؟ قال: (نعم، حُجِّي عنها، أرأيتِ لو كان على أمك دين أكنتِ قاضِيَتَهُ). قالت: نعم، فقال: اقضوا اللهَ الذي له، فإنَّ اللهَ أحقُّ بالوفاء).
(4) ما يفعله الولد الصالح من الأعمال الصالحة : قال تعالى: (وَأَن لّيْسَ لِلإِنسَانِ إِلاّ مَا سَعَىَ) [سورة: النجم - الآية: 39]
وقد ثبت في السنة الثابتة الصحيحة أن ولد الرجل من كسبه
(حديث عائشة الثابت في صحيح السنن الأربعة) أن النبي ( قال: إن أطيب ما أكلتم من كسبكم وإن أولادكم من كسبكم .
(حديث أبي هريرة رضي الله عنه الثابت في صحيح مسلم ) أن النبي ( قال: إذا مات الإنسان انقطع عمله إلا من ثلاث : إلا من صدقةٍ جارية أو علمٍ ينتفع به أو ولدٌ صالحٌ يدعو له .
مسألة : ما معنى مسائل التعزية، وما حكمها ؟
العزاء الصبر والتعزية التصبير والحمل على الصبر وذلك بذكر الأدعية والنصوص الواردة في فضيلة الصبر مما يجعل المصاب يتسلى وينسى المصيبة وهذا هو مقصود التعزية وليس المقصود أن نأتي إليه لنثير أحزانه كما يفعل بعض الناس .
حكم التعزية :
التعزية من السنة : وقد ورد في السنة الثابتة الصحيحة ما يدل على أت للتعزية أجرٌ عظيم .
((2/25)
حديث عمرو بن حزم الثابت في صحيح ابن ماجة) أن النبي ( أنه قال * ما من مؤمن يعزي أخاه بمصيبة إلا كساه الله سبحانه من حلل الكرامة يوم القيامة .
مسألة: ما هي ألفاظ التعزية ؟
التعزية تؤدى بأي لفظٍ يحمل على الصبر ويخفف المصيبة لأن هذا هو مقصودها , مثل أن يقال : أعظم الله أجرك وألهمك صبرك ، وأفضل ألفاظها ما ورد في السنة الثابتة الصحيحة
(حديث أسامة بن زيد الثابت في الصحيحين) قال : أرسلت ابنةالنبي ( إليه، إن ابناً لي قُبض فأتنا ، فأرسل يُقرئ السلام، ويقول: (إنَّ لله ما أخذ وما أعطى، وكل شيء عنده بأجلٍ مسمًّى، فلتصبر ولتحتسب).
{ تنبيه } :( وينبغي اجتناب أمرين وإن تتابع الناس عليهما لأنهما بخلاف السنة ، وإذا ثبتت السنة فلا اعتبار لمن خالفها .
(1) ينبغي اجتناب الاجتماع للتعزية في مكانٍ خاص كالدار أو المقبرة أو المسجد
(2) ينبغي كذلك اجتناب صنع أهل الميت الطعام لضيافة الواردين للعزاء .
(حديث جرير ابن عبد الله الثابت في صحيح ابن ماجة) قال : كنا نعد الاجتماع إلى أهل الميت وصنعه الطعام من النياحة .
مسألة : هل من السنة أن يصنع أقرباء الميت وجيرانه طعام لأهل الميت ؟
نعم ذلك من السنة :
(حديث عبد الله ابن جعفر الثابت في صحيحي أبي داوود والترمذي) قال : لما جاء نعي جعفر حين قتل قال ابنةالنبي ( : اصنعوا لآل جعفر طعاماً فقد أتاهم أمرٌ يشغلهم ، أو أتاهم ما يشغلهم .
مسألة : ما هو الحداد على الميت ، وما مدة الإحداد ؟
الإحداد على الميت : هو ترك ما تتزين به المرأة من الحلي والكحل والحرير والطيب والخضاب .
مدة الإحداد : يجوز للمرأة أن تُحِدَ على قريبها الميت ثلاثة أيام ما لم يمنعها زوجها ويحرم عليها فوق ذلك ، أما إذا كان الميت الزوج فإنها تحد عليه أربعة أشهرٍ وعشرا ، وإنما وجب على الزوجة ذلك وفاءاً للزوج ومراعاةٍ لحقه .
((2/26)
حديث أم عطية الثابت في الصحيحين) قالت: كنا ننهى أن نحد على ميت فوق ثلاث، إلا على زوج أربعة أشهر وعشرا، ولا نكتحل، ولا نتطيب، ولا نلبس ثوبا مصبوغا إلا ثوب عصب، وقد رخص لنا عند الطهر، إذا اغتسلت إحدانا من محيضها، في نبذة من كست أظفار، وكنا ننهى عن اتباع الجنائز.
(حديث زينب بنت أبي سلمة الثابت في الصحيحين) قالت: دخلت على أم حبيبة زوج النبي (، فقالت: سمعت رسول الله ( يقول: (لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر، تحد على ميت فوق ثلاث، إلا على زوج أربعة أشهر وعشرا). ثم دخلت على زينب بنت جحش، حين توفي أخوها، فدعت بطيب فمست، ثم قالت: ما لي بالطيب من حاجة، غير أني سمعت رسول الله ( على المنبر: (لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر، تحد على ميت فوق ثلاث، إلا على زوج أربعة أشهر وعشرا).
مسألة : ما هو حكم زيارة القبور؟
تسن زيارة القبور للرجال دون النساء
(حديث أبي هريرة رضي الله عنه الثابت في صحيح مسلم ) قال * زار النبي ( قبر أمه فبكى وأبكى من حوله فقال استأذنت ربي في أن أستغفر لها فلم يؤذن لي واستأذنته في أن أزور قبرها فأذن لي فزوروا القبور فإنها تذكر الموت .
(حديث بريدة الثابت في صحيح مسلم ) أن النبي ( قال : كنت قد نهيتكم عن زيارة القبور فزوروها فإنها تذكركم الآخرة .
(حديث أبي هريرة رضي الله عنه الثابت في صحيحي الترمذي وابن ماجة) أن النبي ( قال : لعن الله زوَّرات القبور .
مسألة : فإن قال قائل أن قوله ( (زوَّرات القبور) للمبالغة فما الجواب ؟
الجواب من وجهين :
(الأول) : أن كلمة زوَّرات تأتي للمبالغة وتأتي للنسبة كبنّاء ونجّار فيكون الأمر محتملاً للمبالغة أو النسبة ، والدليل إذا طرقه الإحتمال بطل به الإستدلال
(الثاني) ثبت عند الترمذي أيضاً لفظ لعن الله زائرات القبور . فإذا لعنت الزائرات فالزوّارات من باب أولى .
مسألة : ما هي آداب زيارة القبور؟
[*](آداب زيارة القبور :
((2/27)
1) إذا وصل إلى المقابر يدعو بالدعاء المأثور :
(حديث بريدة الثابت في صحيح مسلم ) قال * كان رسول الله ( يعلمهم إذا خرجوا إلى المقابر فكان قائلهم السلام عليكم أهل الديار من المؤمنين والمسلمين وإنا إن شاء الله للاحقون أسأل الله لنا ولكم العافية .
(حديث ابن عمر رضي الله عنهما الثابت في صحيح ابن ماجة) قال : أتيت النبي (فقلت عليك السلام ، فقال لا تقل عليك السلام فإن عليك السلام تحية الميت ،قلت يا رسول الله أي المؤمنين أفضل قال أحسنهم خلقا قال فأي المؤمنين أكيس قال أكثرهم للموت ذكرا وأحسنهم لما بعده استعدادا أولئك الأكياس .
(2) تحقيق المقصود منها وهي تذكرة الموت والاعتبار والاستعداد للموت :
(3) إذا مر المسلم بقبور الظالمين فعليه أن يبكي ويذكر ما كانوا عليه ويتفكر في عاقبة الظالمين .
(حديث بن عمر رضي الله عنهما الثابت في صحيح البخاري): أن رسول الله ( قال: (لا تدخلوا على هؤلاء المعذبين إلا أن تكونوا باكين، فإن لم تكونوا باكين فلا تدخلوا عليهم، لا يصيبكم ما أصابهم).
(4) الدعاء للأموات :
(حديث عائشة الثابت في صحيح مسلم ): أنها قالت كان رسول الله ( كلما كان ليلتها من رسول الله ( يخرج من آخر الليل إلى البقيع فيقول السلام عليكم دار قوم مؤمنين وأتاكم ما توعدون غدا مؤجلون وإنا إن شاء الله بكم لاحقون اللهم اغفر لأهل بقيع الغرقد .
مسألة : ما هي الأمور التي يحرم فعلها عند القبور؟
[*](الأمور التي يحرم فعلها عند القبور :
(1) يحرم الذبح عند القبور :
(حديث أنس الثابت في صحيح الترمذي) أن النبي ( قال : لا عقر في الإسلام .
{تنبيه} : معنى العقر : أصل العقر ضرب قوائم البعير أو الشاة بالسيف وهو قائم فنهى النبي ( عنه لأنهم كانوا إذا مات الميت عقروا عند قبره شاةً أو بعيراً ويقولون إنه كان يعقر للأضياف فيكافيه بمثل صنيعه بعد وفاته .
(2) يحرم تجصيص القبر والبناء عليه :
((2/28)
حديث جابر ابن عبد الله رضي الله عنهما الثابت في صحيح مسلم ) قال * نهى رسول الله ( أن يجصص القبر وأن يقعد عليه وأن يبنى عليه .
(يجصص) : تبيضه بالجص وهوالجير المعروف بعد بنيه .
الشاهد : أن الأصل في النهي التحريم ، ثم إن بنيه وتجصيصه يجعله مشرفاً وهذا مخالفاً لهدي النبي ( .
(حديث أبي الهياج الأسدي الثابت في صحيح مسلم ) قال : قال لي علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه ألا أبعثك على ما بعثني به رسول الله ، ألا تدع صورةً إلا طمستها ولا قبراً مشرفاً إلا سويته .
(3) يحرم الجلوس على القبر :
(حديث جابر ابن عبد الله رضي الله عنهما الثابت في صحيح مسلم ) قال * نهى رسول الله ( أن يجصص القبر وأن يقعد عليه وأن يبنى عليه .
(حديث أبي هريرة رضي الله عنه الثابت في صحيح مسلم ) قال قال رسول الله ( * لأن يجلس أحدكم على جمرة فتحرق ثيابه فتخلص إلي جلده خير له من أن يجلس على قبر .
وذلك لأن القبر بيت الميت المسلم وحرمته ميتاً كحرمته حياً (لحديث عائشة الثابت في صحيح أبي داود) أن النبي ( قال : كسر عظم الميت ككسره حياً .
(4) يحرم أن يكتب على القبر شيء :
(حديث جابر ابن عبد الله رضي الله عنهما الثابت في صحيح ابن ماجة) قال * نهى رسول الله ( أن يكتب على القبر شيئ .
{ تنبيه } :( والعلة في ذلك أن الكتابة على القبر تؤدي إلى تعظيمه و تعظيمه يكون سبباً في الشرك ولذا كان النهي حماية لجناب التوحيد وسداً لكل طريقٍ يجر إلى الشرك والعياذ بالله تعالى .
(5) يحرم الصلاة إليها :
(حديث كنّاز بن الحصين الثابت في صحيح مسلم ) أن النبي ( قال : لا تصلوا إلى القبور ولا تجلسوا عليها .
والأصل في النهي التحريم
(6) يحرم الصلاة عندها ولو بدون استقبال :
( حديث أبي سعيد الثابت في صحيحي أبي داوود والترمذي) أن النبي ( قال * الأرض كلها مسجد إلا الحمام والمقبرة .
(7) يحرم بناء المساجد عليها :
((2/29)
حديث عائشة الثابت في الصحيحين) أن النبي ( قال في مرضه الذي مات فيه : لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا من قبور أنبيائهم مساجد ، يحذر مما صنعوا .
( حديث أبي هريرية الثابت في صحيحيأبي داود) أن النبي ( قال : * لا تجعلوا بيوتكم قبورا ولا تجعلوا قبري عيدا وصلوا على فإن صلاتكم تبلغني حيث كنتم .
(8) يحرم السفر إليها :
(حديث أبي هريرة رضي الله عنه الثابت في الصحيحين) أن النبي ( قال لا تُشدُّ الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد : المسجد الحرام ومسجد الرسول والمسجد الأقصى
(9) يحرم إيقاد السرج عليها لكونه بدعة لا يعرفها السلف الصالح ومن المعلوم شرعا أن كل بدعةٍ ضلالة كما أن فيها إضاعة المال في غير معنى شرعي .
(حديث العرباض بن سارية الثابت في صحيحي أبي داوود والترمذي)أن النبي ( قال : أوصيكم بتقوى الله و السمع و الطاعة و أن أمر عليكم عبد حبشي فإنه من يعش منكم بعدي فسيري اختلافا كثيرا فعليكم بسنتي و سنة الخلفاء المهديين الراشدين تمسكوا بها و عضوا عليها بالنواجذ و إياكم و محدثات الأمور فإن كل محدثة بدعة و كل بدعة ضلالة .
الشاهد : قوله ( [ و إياكم و محدثات الأمور فإن كل محدثة بدعة و كل بدعة ضلالة]
(حديث المغيرة بن شعبة الثابت في الصحيحين) قال: قال النبي (: (إن الله حرم عليكم: عقوق الأمهات ووأد البنات، ومنع وهات. وكره لكم: قيل وقال، وكثرة السؤال، وإضاعة المال).
الشاهد : قوله ( [وإضاعة المال]
(10) يحرم كسر عظام الميت لأن حرمته ميتاً كحرمته حيا .
(لحديث عائشة الثابت في صحيح أبي داود) أن النبي ( قال : كسر عظم الميت ككسره حياً .
مسألة : اذكر الدليل من السنة الصحيحة على ضمة القبر ؟
(حديث ابن عمر رضي الله عنهما الثابت في صحيح النسائي) أن النبي ( قال : هذا الذي تحرك له العرش وفتحت له أبواب السماء وشهده سبعون ألفا من الملائكة ، لقد ضُم ضمةً ثم فرج عنه .
((2/30)
حديث عائشة الثابت في صحيح الجامع ) أن النبي ( قال : إنّ للقبر ضغطةً لو كان أحدٌ ناجياً منها نجا سعدُ ابن معاذ .
مسألة : ما هي عقيدة أهل السنة والجماعة في سؤال القبر ؟
عقيدة أهل السنة والجماعة في سؤال القبر أن كل إنسانٍ يُسأل في قبره بعد موته قُبر أم لم يقبر فلو أكلته السباع أو أحرق حتى صار رماداً ونسف في الهواء أو أغرق في البحر لسئل عن أعماله وجوزي بالخير خيراً وبالشر شراً وأن النعيم والعذاب على النفس والبدن معاً
[*] قال الإمام أحمد رحمه الله تعالى :
عذاب القبر حقٌ لا ينكره إلا ضالٌ مضل . انتهى
وهاكم الأدلة على ذلك :
(حديث أنس بن مالك الثابت في الصحيحين) أن النبي ( قال * إن العبد إذا وضع في قبره وتولى عنه أصحابه إنه ليسمع قرع نعالهم قال أتاه ملكان فيقعدانه فيقولان له ما كنت تقول في هذا الرجل ؟ فأما المؤمن فيقول أشهد أنه عبد الله ورسوله قال فيقال له انظر إلى مقعدك من النار قد أبدلك الله به مقعدا من الجنة فيراهما جميعا ، وأما المنافق والكافر فيقال له ما كنت تقول في هذا الرجل ؟ فيقول لا أدري كنت أقول ما يقول الناس فيقال لا دريت ولا تليت ويضرب بمطارق من حديد ضربةً فيصيح صيحةً يسمعها غير الثقلين .
(حديث البراء رضي الله عنه بن عازب الثابت في الصحيحين) أن النبي ( قال * : (المسلم إذا سئل في القبر: يشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمدا رسول الله. فذلك قوله: {يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة}).
(حديث عثمان بن عفان الثابت في صحيحي الترمذي وابن ماجة) أن النبي ( قال * إِنّ الْقَبْرَ أَوّلُ مَنْزِلٍ مِنْ مَنَازِلِ الاَخِرَةِ فإِنْ نَجَا مِنْهُ فَمَا بَعْدَهُ أَيْسَرُ مِنْهُ، وَإِنْ لَمْ يَنْجُ مِنْهُ فَمَا بَعْدَهُ أَشَدّ مِنْهُ .
((2/31)
حديث أبي هريرة رضي الله عنه الثابت في صحيحي الترمذي وابن ماجة) قالَ: قالَ رسُولُ الله (: «إذَا قُبِرَ الْمَيّتُ (أوْ قالَ أَحَدُكُمْ) أتَاهُ مَلَكانِ أَسْوَدَانِ أَزْرَقَانِ. يُقَالُ لإحَدِهِما الْمُنْكَرُ وَالاَخَرُ النّكيرُ. فَيَقُولاَنِ: مَا كُنْتَ تَقُولُ في هذَا الرّجُلِ؟ فَيَقُولُ مَا كانَ يَقُولُ: هُوَ عَبْدُ الله وَرَسُولُهُ. أَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاّ الله وَأَنّ مُحَمّداً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ. فَيَقُولاَنِ: قَدْ كُنّا نَعْلَمُ أَنّكَ تَقُولُ هذَا. ثمّ يُفْسَحُ لَهُ في قَبْرِهِ سبْعُونَ ذرَاعاً في سَبْعِينَ. ثُمّ يُنَوّرُ لَهُ فِيهِ. ثُمّ يُقَالُ لَهُ: نَمْ. فَيَقُولُ أَرْجِعُ إِلَى أَهْلِي فأُخْبِرُهُمْ؟ فَيَقُولاَنِ: نَمْ كَنَوْمَةِ الْعَرُوس الّذِي لاَ يُوقِظُهُ إلا أَحَبّ أَهْلِهِ إلَيْهِ، حَتّى يَبْعَثَهُ الله مِنْ مَضْجَعِهِ ذلِكَ».
مسألة : ما حكم سب الأموات ؟
(الصحيح في هذه المسالة : أن سب الأموات مجراها مجرى الغيبة فمن لم يجز غيبته لم يجز سبه ميتاً وعليه يحمل الحديث الاتي
(حديث عائشة الثابت في صحيح البخاري) ) أن النبي ( قال : لا تسبوا الأموات فإنهم قد أفضوا إلى ما قد موا .
(قد أفضوا إلى ما قدموا ) : قد وصلوا إلى ما قدموا من خيرٍ وشر .
(حديث أنس بن مالك رضي الله عنه الثابت في الصحيحين) قال: مروا بجنازة فأثنوا عليها خيرا، فقال النبي (: (وجبت). ثم مروا بأخرى فأثنوا عليها شرا، فقال: (وجبت) فقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: ما وجبت؟ قال: (هذا أثنيتم عليه خيرا، فوجبت له الجنة، وهذا أثنيتم عليه شرا، فوجبت له النار، أنتم شهداء الله في الأرض).
الشاهد : أن الناس أثنوا شراً فأقرهم النبي ( .(2/32)
كما يجوز سب الكفار ولعنهم قال تعالى: (لُعِنَ الّذِينَ كَفَرُواْ مِن بَنِيَ إِسْرَائِيلَ عَلَىَ لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وّكَانُواْ يَعْتَدُونَ) [سورة: المائدة - الآية: 78]
و قال تعالى: (تَبّتْ يَدَآ أَبِي لَهَبٍ وَتَبّ) [سورة: المسد - الآية: 1]
مسألة : هل يجوز الثناء على الميت بخير ؟
نعم يجوز الثناء على الميت بخير :
(حديث عمر الثابت في الصحيحين) أن النبي ( قال : (أيما مسلم، شهد له أربعة بخير، أدخله الله الجنة). فقلنا: وثلاثة، قال: (وثلاثة). فقلنا: واثنان، قال: (واثنان). ثم لم نسأله عن الواحد.
مسألة : هل يستحب طلب الموت في أحد الحرمين؟
نعم يستحب طلب الموت في أحد الحرمين .
(حديث الثابت في صحيح البخاري) أن عمر رضي الله تعالى عنه قال : اللهم ارزقني شهادةً في سبيلك واجعل موتي في بلد رسولك ( . فقلت أنى هذا ؟ فقال : يأتيني الله به إن شاء الله .
الشاهد : أن هذا قول عمر رضي الله تعالى عنه ، وقول عمر رضي الله تعالى عنه سنة متبعة لأنه من الخلفاء الراشدين .
(حديث العرباض بن سارية الثابت في صحيح أبي داوود والترمذي) أن النبي ( قال : أوصيكم بتقوى الله و السمع و الطاعة و إن أمر عليكم عبد حبشي فإنه من يعش منكم بعدي فسيري اختلافا كثيرا فعليكم بسنتي و سنة الخلفاء المهديين الراشدين تمسكوا بها و عضوا عليها بالنواجذ و إياكم و محدثات الأمور فإن كل محدثة بدعة و كل بدعة ضلالة .
الشاهد : قوله ( [فعليكم بسنتي و سنة الخلفاء المهديين الراشدين تمسكوا بها و عضوا عليها بالنواجذ]
مسألة : ما حكم موت الفجأة ؟
الذي دلت عليه السنة الصحيحة وتجتمع فيه أن المسألة على التفصيل الآتي :
(1) موت الفجأة أخذة أسف للعاصي وعليه يحمل الحديث الآتي :
(حديث عبيد الله بن خالد السلمي الثابت في صحيح أبي داود) أن النبي ( قال : موت الفجأة أخذةُ أسف .
((2/33)
أخذةُ أسف) : أي أخذةُ غضب مستفاداً من قوله تعالى: (فَلَمّآ آسَفُونَا انتَقَمْنَا مِنْهُمْ فَأَغْرَقْنَاهُمْ أَجْمَعِينَ) [سورة: الزخرف - الآية: 55]
والمعنى أن موت الفجأة أخذةُ غضب من الله تعالى على عبده لأنه أخذه فجأة فلا يتركه ليستعد لمعاده بالتوبة ولم يمرضه ليكون كفارة لذنوبه .
(2) أما غير العاصي فلا يعد موت الفجأة أخذةُ غضب وعليه يحمل الحديث الآتي : (لحديث عائشة الثابت في الصحيحين) أن رجلا أتى النبي ( فقال * يا رسول الله إن أمي افتلتت نفسها وأظنها لو تكلمت تصدقت فهل لها أجر إن تصدقت عنها قال نعم .
مسألة : اذكر الدليل على أجر من مات له ولد؟
(لحديث أبي هريرة رضي الله عنه الثابت في الصحيحين) أن النبي ( قال : من مات له ثلاثاً من الولد لم يبلغوا الحِنْثَ كان له حجاباً من النار .
(الحِنْثَ) أي الإثم والمعنى أنهم لم يبلغوا سن التكليف فيكتب عليهم الإثم .
(حديث أبي سعيد الخدري الثابت في الصحيحين) قال : قالت النساء للنبي (: غلبنا عليك الرجال، فاجعل لنا يوما من نفسك، فوعدهن يوما لقيهن فيه، فوعظهن وأمرهن، فكان فيما قال لهن: (ما منكن امرأة تقدم ثلاثة من ولدها، إلا كان لها حجابا من النار). فقالت امرأة: واثنين؟ فقال: (واثنين).
مسألة : ما هي أعمار أمة محمد ( ؟
(حديث أبي هريرة رضي الله عنه الثابت في الصحيحين) أن النبي ( قال : «أَعْمَارُ أُمّتِي مَا بَيْنَ السّتّينَ إلى السَبْعِينَ وَأَقَلّهُمْ مَنْ يَجُوزُ ذَلِكَ» .
مسألة : ما حكم الغسل من تغسيل الميت ؟
الغسل من تغسيل الميت من الأغسال المستحبة
(حديث أبي هريرة رضي الله عنه الثابت في صحيحي أبي داوود والترمذي) أن النبي ( قال : من غسّل الميت فليغتسل ، ومن حمله فليتوضأ .
مسألة : ما هو فضل من مات يوم الجمعة أو ليلة الجمعة ؟
((2/34)
حديث عبد الله بن عمرو الثابت في صحيح الترمذي) أن النبي ( قال : ما من مسلم يموت يوم الجمعة أو ليلة الجمعة إلا وقاه الله فتنة القبر .
مسألة : اذكر الدليل على أن المؤمن يموت بعرق الجبين ؟
(حديث أبي هريرة رضي الله عنه الثابت في صحيح الترمذي) أن النبي ( قال : المؤمن يموت بعرق الجبين .
مسألة : اذكر الدليل على استعمال العبد الصالح واستدراج العاصي ؟
(حديث أنس الثابت في صحيح الترمذي) أن النبي ( قال :
إن الله بِعَبْدٍ إذا أحب عبداً اسْتَعْمَلَهُ، َقِيلَ: كَيْفَ يَسْتَعْمِلُهُ يا رسولَ الله؟ قال: يُوَفّقُهُ لِعَمَلٍ صَالِحٍ قَبْلَ المَوْتِ».
(حديث عقبة ابن عامر الثابت في صحيح الجامع) أن النبي ( قال : إذا رأيت الله تعالى يعطي العبد من الدنيا ما يحب وهو مقيمٌ على معاصيه فإنما ذلك منه استدراج .
مسألة : اذكر الدليل على أن أولاد المسلمين في الجنة؟
(حديث أبي هريرة رضي الله عنه الثابت في الصحيحين) أن النبي ( قال : ما من مولودٍ إلا يولد على الفطرةِ فأبواه يهودَّانه أو ينصرانه أو يمجسانه كما تنتج البهيمة ُ بهيمةً جمعاء هل تحسون فيها من جدعاء ، يقول أبو هريرة : ( فِطْرَةَ اللّهِ الّتِي فَطَرَ النّاسَ عَلَيْهَا لاَ تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللّهِ ذَلِكَ الدّينُ الْقَيّمُ) [سورة: الروم - الآية: 30]
مسألة : ما هي الزكاة لغةً وشرعا؟
الزكاة لغةً : النماء يقال زكا الزرع إذا نما وزاد
الزكاة شرعا : نصيبٌ مقدر شرعا في مالٍ معين( يُصرف في طائفةٍ مخصوصة )
مسألة : ما حكم الزكاة ؟
الزكاة فرضٌ بالكتاب والسنة والإجماع
قال تعالى قال تعالى: (وَمَآ أُمِرُوَاْ إِلاّ لِيَعْبُدُواْ اللّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدّينَ حُنَفَآءَ وَيُقِيمُواْ الصّلاَةَ وَيُؤْتُواْ الزّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ القَيّمَةِ) [البينة / 5]
وقال تعالى :(وَأَقِيمُواْ الصّلاَةَ وَآتُواْ الزّكَاةَ وَارْكَعُواْ مَعَ الرّاكِعِينَ) [البقرة /43]
((2/35)
حديث أبي هريرة رضي الله عنه الثابت في الصحيحين)أن أعرابيا أتى النبي ( فقال دُلني على عمل إذا عملته دخلت الجنة ، قال : تعبدُ الله ولا تشرك به شياً ، وتقيمُ الصلاة المكتوبة وتؤدي الزكاةَ المفروضة وتصوم رمضان ، قال والذي نفسي بيده لا أزيدُ على هذا ، فلما ولى قال النبي ( : من سره أن ينظر إلى رجلٍ من أهل الجنة فلينظر إلى هذا )
( حديث ابن عباس الثابت في الصحيحين ) قال ، قال رسول الله ( لمعاذٍ بن جبل حين بعثه إلى اليمن : إنك ستأتي قوماً أهل كتاب فإذا جئتهم فادعهم إلى أن يشهدوا أن لا إله إلا الله و أن محمدا رسول الله ، فإن هم أطاعوا لك بذلك فأخبرهم أن الله قد فرض عليهم خمسُ صلواتٍ في كل يومٍ و ليلة ، فإن هم أطاعوا لك بذلك فأخبرهم أن الله قد فرض عليهم صدقةً تؤخذ من أغنيائهم فتردُ على فقرائهم ، فإن هم أطاعوا لك بذلك فإياك و كرائم أموالهم و اتقِ دعوة المظلوم فإنه ليس بينها و بين الله حجاب .
الشاهد : فأخبرهم أن الله قد فرض عليهم صدقةً تؤخذ من أغنيائهم فتردُ على فقرائهم .
( حديث ابن عمر رضي الله عنهما الثابت في الصحيحين ) أن النبي ( قال :أُمرتُ أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله ويقيموا الصلاة المكتوبة ويؤتوا الزكاة المفروضة ، فإذا فعلوا ذلك عصموا دمائهم وأموالهم إلا بحقها وحسابهم على الله )
( حديث ابن عمر رضي الله عنهما الثابت في الصحيحين ) أن النبي ( قال : بني الإسلام على خمس شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله ، وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة والحج وصوم رمضان .(2/36)
حديث طلحة بن عبيد الله الثابت في الصحيحين ) قال ، جاء رجلٌ إلى رسول الله ( من أهل نجد ثائرُ الرأس يُعْرَفُ دَويُ صوتهِ ولايُفْقَه ما يقول حتى دنا فإذا هو يسألُ عن الإسلام ؟ فقال رسول الله ( خمسُ صلوات في اليوم والليلة ، فقال : هل عليَّ غيرُها ؟ قال لا إلا أن تطوَّع. قال رسول الله ( وصيام رمضان . فقال هل عليَّ غيره؟ فقال لا إلا أن تطوع .قال : وذكر له رسولُ الله ( الزكاة فقال هل عليَّ غيرُها ؟ قال لا إلا أن تطوَّع . قال : فأدبر الرجل وهو يقول: والله لا أزيدُ على هذا ولا أنقص ، قال رسول الله ( أفلح إن صدق .
مسألة : ما هي منزلة الزكاة في الإسلام ؟
للزكاة منزلة عظيمة في الإسلام ، وقد قُرنت بالصلاة في إثنين وثمانين موضعاً في كتاب الله تعالى ، وهي أحدُ أركان الإسلام الخمس ،
( حديث ابن عمر رضي الله عنهما الثابت في الصحيحين ) أن النبي ( قال : بني الإسلام على خمس شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله ، وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة والحج وصوم رمضان .
مسألة : اُذكر الأدلة على الترغيب في الزكاة ؟
[*](الكتاب والسنة طافحان بالأدلة الدالة على الترغيب في أداء الزكاة ، وهاكمُ قليلُ من كثير وغيضٌ من فيض مما ورد في ذلك .
(1) تطهير الإنسان من رذيلة البخل والطمع :
قال تعالى: (خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهّرُهُمْ وَتُزَكّيهِمْ بِهَا وَصَلّ عَلَيْهِمْ إِنّ صَلَوَاتَكَ سَكَنٌ لّهُمْ وَاللّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ) [التوبة /103]
(2)جعل الله تعالى الصدقة {سواءَ كانت فرضاً أم تطوعاً } من أخص صفات المحسنين :
قال تعالى: (آخِذِينَ مَآ آتَاهُمْ رَبّهُمْ إِنّهُمْ كَانُواْ قَبْلَ ذَلِكَ مُحْسِنِينَ (16)كَانُواْ قَلِيلاً مّن اللّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ(17) وَبِالأسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ(18)
وَفِيَ أَمْوَالِهِمْ حَقّ لّلسّآئِلِ وَالْمَحْرُومِ(19)الذاريات
((2/37)
3) جعل الله تعالى إخراج الزكاة من الصفات الواجب توافرها في المؤمنين لكي يشملهم الله تعالى برحمته :
قال تعالى: (وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَآءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلََئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللّهُ إِنّ اللّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ) [التوبة/ 71]
(4)جعل الله تعالى إيتاء الزكاة غاية من غايات التمكين في الأرض :
قال تعالى: (الّذِينَ إِنْ مّكّنّاهُمْ فِي الأرْضِ أَقَامُواْ الصّلاَةَ وَآتَوُاْ الزّكَاةَ وَأَمَرُواْ بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْاْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلّهِ عَاقِبَةُ الاُمُورِ) [الحج / 41]
(5) نفقة الصدقة مخلوفة:
(حديث أبي هريرة رضي الله عنه الثابت في الصحيحين) أن النبي ( قال : ما من يوم يصبح العباد فيه، إلا ملكان ينزلان، فيقول أحدهما: اللهم أعط منفقا خلفا ويقول الآخر: اللهم أعط ممسكا تلفا)
[*] قال الإمام ابن حجر في الفتح :
(أن الخلف هو التيسير لليسرى ، مستفاداًَ من قوله تعالى : (فَأَمّا مَنْ أَعْطَىَ وَاتّقَىَ * وَصَدّقَ بِالْحُسْنَىَ * فَسَنُيَسّرُهُ لِلْيُسْرَىَ ) [ الليل / 7:5 ]
والتيسير لليسرى هو التوفيق لأعمال البر الذي يترتب عليه الثواب في الآخرة ، (وأن معنى التلف هو التيسير للعسرى مستفاداًَ من قوله تعالى : (وَأَمّا مَن بَخِلَ وَاسْتَغْنَىَ * وَكَذّبَ بِالْحُسْنَىَ * فَسَنُيَسّرُهُ لِلْعُسْرَىَ) [ الليل / 10:8 ]
(حديث أبي هريرة رضي الله عنه الثابت في الصحيحين) أن النبي ( قال : ما نقصت صدقةٌ من مال ، وما زاد الله عبداً بعفوٍ إلا عزا ، وتواضع أحدٌ لله إلا رفعه الله )
(حديث أبي هريرة رضي الله عنه الثابت في صحيح الجامع ) أن النبي ( قال : أنفق يا بلال ولا تخشى من ذي العرش إقلالاً )
(6) الصدقة هي الباقية :
((2/38)
حديث عبد الله بن الشخير الثابت في صحيح مسلم ) أنه إنتهى إلى النبي ( وهو يقرأ (ألهاكم التكاثر) قال : يقول بن آدم مالي مالي ، وهل لك من مالك إلا ما تصدقت فأمضيت أو أكلت فأفنيت أو لبست فأبليت .
(7) حث النبي ( على الصدقة فأخبر أن على كل مسلمٍ صدقة على سبيل الإستحباب :
(حديث أبي موسى الأشعري الثابت الثابت في الصحيحين ) أن النبي ( قال: (على كلِ مسلمٍ صدقة فقالوا: يا نبي الله، فمن لم يجد؟ قال: يعمل بيده، فينفع نفسه ويتصدَّق قالوا: فإن لم يجد؟ قال: يعين ذا الحاجة الملهوف قالوا: فإن لم يجد؟ قال: فليعملْ بالمعروف، وليمسك عن الشر، فإنها له صدقة .
حديث أبي هريرة رضي الله عنه الثابت في الصحيحين) أن النبي ( قال : كلُ ُسلامى من الناس عليه صدقة، كل يومٍ تطلع فيه الشمس، َيعِدلُ بين الاثنين صدقة، ويعين الرجلُ على دابته فيحمل عليها، أو يرفع عليها متاعه صدقة، والكلمة الطيبة صدقة، وكلُ خطوةٍ يخطوها إلى الصلاة صدقة، ويميطُ الأذى عن الطريق صدقة)
ومعنى الحديث :
أن على كلِ إنسان أن يتصدق كل يومٍ على سبيل الإستحباب بعدد مفاصله وهي (360) مفصل شكراً لله تعالى أن جعل له مفاصل تمكن العظام من الثني .
(8) دعاء النبي ( لصاحب الصدقة :
( حديث عبد الله بن أبي الأوفى الثابت في الصحيحين ) قال : كان النبي ( إذا أتاه قومٌ بصدقتهم قال : اللهم صلِّ على آل فلان فأتاه أبي بصدقته فقال : اللهم صلِّ على آل أبي أوفى )
(9) الصدقة وإن كانت قليلة يترتب عليها الأجرُ الوفير :
حديث أبي هريرة رضي الله عنه الثابت الثابت في الصحيحين) أن النبي ( قال : (من تصدَّق بعدلِ تمرةٍ من كسبٍ طيب، ولا يقبل الله إلا الطيب، فإن الله يتقبَّلها بيمينه، ثم يربِّيها لصاحبها كما يربِّي أحدكم فَلُوَّهُ، حتىتصيرُ مثلَ الجبل)
فلوه : المهر الذي تفطم وشبه به لأنه يزيد زيادة بينة .
((2/39)
حديث عدي بن حاتم الثابت الثابت في الصحيحين ) أن النبي ( قال :ليس منكم من أحدٍ إلا سيكلمه ربُه ليس بينه وبينه ترجُمان، فينظرُ أيمنًّ منه فلا يرى إلا ما قدَّم ، وينظر أشأم منه فلا يرى إلا ما قدَّم، وينظر بين يديه فلا يرى إلا النار تلقاء وجهه، فاتقوا النار ولو بشِقِّ تمرة)
مسألة : أذكر الأدلة الدالة على الترهيب من منع الزكاة ؟
[*](الكتاب والسنة طافحان بالأدلة الدالة على الترهيب من منع الزكاة ، وهاكمُ قليلُ من كثير مما ورد في ذلك .
قال تعالى: (وَالّذِينَ يَكْنِزُونَ الذّهَبَ وَالْفِضّةَ وَلاَ يُنفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللّهِ فَبَشّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ(34) يَوْمَ يُحْمَىَ عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنّمَ فَتُكْوَىَ بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ هََذَا مَا كَنَزْتُمْ لأنْفُسِكُمْ فَذُوقُواْ مَا كُنتُمْ تَكْنِزُونَ) (35) /التوبة
حديث أبي هريرة رضي الله عنه الثابت في الصحيحين) أن النبي ( قال : من آتاه الله مالاً فلم يؤدِّ زكاته مُثَّل له ماله شجاعاً أقرع، له زبيبتان، يُطوِّقه يوم القيامة، يأخذ بلهزمتيه - يعني بشدقيه - ثم يقول: أنا مالكُ أنا كنزُك). ثم تلا قوله تعالى{ وَلاَ يَحْسَبَنّ الّذِينَ يَبْخَلُونَ بِمَآ آتَاهُمُ اللّهُ مِن فَضْلِهِ هُوَ خَيْراً لّهُمْ بَلْ هُوَ شَرّ لّهُمْ سَيُطَوّقُونَ مَا بَخِلُواْ بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَللّهِ مِيرَاثُ السّمَاوَاتِ وَالأرْضِ وَاللّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ } [آل عمران /180]
(مُثل له ) أي صوّر له ، أي صار هذا المال على صورة شجاعٍ أقرع
(شجاع أقرع ) المقصود بالشجاع الحية الذكر ، الأقرع الذي تفرَّع شعره لكثره سُمه .
(يطوِّّقه ) يصير ذلك الثعبان طوقاً له
( يقول أنا مالك أنا كنزك ) فيه الحسرة و الندم حيث لا ينفع الحسرات ولا تجدي الآهات ، وفيه نوع من التهكم حيث أن ماله الذي منع حق الله فيه لينتفع به هو الذي يُعذَّب به .
((2/40)
حديث أبي هريرة رضي الله عنه الثابت في صحيح مسلم ) أن النبي ( قال :ما من صاحب ذهبٍ ولا فضة لا يؤدي منها حقها إلا إذا كان يوم القيامة صُفًّحت له صفائحُ من نارٍ فأحميَ عليها في نار جهنم فيكوى بها جنبه وجبينه وظهُرهُ كلما بَردَتْ أعيدتْ له ، في يومٍٍِ كان مقداره خمسين ألف َسنة حتى يقضى بين العباد فيُرى سبيلُهُ إما إلى الجنة وإما إلى النار )
( حديث أبي هريرة رضي الله عنه الثابت في الصحيحين) قال : لمَّا توفي رسول الله ( وكان أبو بكر ، وكفر من كفر من العرب، قال عمر : كيف تقاتل الناس، وقد قال رسول الله (: (أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله، فمن قالها عصم مني ماله ونفسه إلا بحقه وحسابه على الله). فقال: والله لأقاتلنَّ من فرَّق بين الصلاة والزكاة، فإن الزكاة حقُّ المال، والله لو منعوني عقالاً كانوا يؤدُّونه إلى رسول الله ( لقاتلتهم على منعها. قال عمر: فوالله ما هو إلا أن قد شرح الله صدر أبي بكر فعرفت أنه الحق.)
(عناقاً ) صغير الماعز
(حديث أبي ذر الثابت في صحيح البخاري ) أن النبي ( قال : والذي نفسي بيده أو و الذي لا إله غيره أو كما قال : ما من رجلٍ تكون له إبلٌ أو بقرٌ أو غنم لا يؤدي حقها إلا أتى بها يوم القيامة أعظم ما تكون وأسمته تطئوه بأخفافها وتنطحه بقرونها ، كلما جازت أخراها رُدَّت عليه أولاها حتى يُقضى بين الناس )
مسألة : ما هو حكم مانع الزكاة ؟
القول الذي دلت عليه السنة الصحيحة وتجتمع فيه الأدلة أن المسألة على التفصيل الآتي :
(1) إن منعها عن جحود لها : فإن كان يعيش بين المسلمين فقد كفر ، لأنه مكذب بالكتاب والسنة وإجماع المسلمين إلا إذا كان حديث عهد بالإسلام فإنه يُعذر بجهله
(2) من أقرَّ بوجوبها وتهاون في إخراجها : وبخل بها فالصحيح أنه فاسق وليس بكافر ،
( حديث أبي هريرة رضي الله عنه الثابت في صحيح مسلم ) أن النبي ( قال :(2/41)
ما من صاحب ذهبٍ ولا فضة لا يؤدي منها حقها إلا إذا كان يوم القيامة صُفًّحت له صفائحُ من نارٍ فأحميَ عليها في نار جهنم فيكوى بها جنبه وجبينه وظهُرهُ كلما بَردَتْ أعيدتْ له ، في يومٍٍِ كان مقداره خمسين ألف َسنة حتى يقضى بين العباد فيُرى سبيلُهُ إما إلى الجنة وإما إلى النار )
الشاهد : قوله ( (فيُرى سبيلُهُ إما إلى الجنة وإما إلى النار )
هذا دليل صحيح صريح على أنه ليس بكافر ، إذ لو كان كافر لم يكن له سبيلٌ إلى الجنة )
مسألة : كيف نجيب على قوله تعالى : ( وويلٌ للمشركين الذين لا يؤتون الزكاة ) {فصلت / 6،7}
أكثر أهل العلم على أن الزكاة هنا ( زكاة النفس ) نظير قوله تعالى : ( قد أفح من زكاها ) {الشمس /9}
مسألة : من منع الزكاة فماذا نصنع معه ؟
(من منع الزكاة تُأخذ منه قهراً ونصف ماله تعذيراَ :
(حديث معاوية بن حيدة الثابت في صحيحي أبي داوود والنسائي ) أن النبي ( قال : (في كل إبل سائمة ، في كل أربعين ابنةُ لبون ، لا تُفرق إبلٍ على حسابها ، من أعطاها مؤ تجرا فله أجرها ،ومن أبى فإنا آخذوها وشطرماله ، عزمةٌ من عَزَماتِ ربِّّنا عز وجل ، ليس لآل محمدٍ منها شيء )
(عزمة) أي حقاً من الحقوق الواجبة
(لو أمتنع قومٌ عن أدائها مع اعتقادهم وجوبها ، وكانت لهم قوة ومنعة فإنهم يقاتلون عليها حتى يعطوها .
( حديث ابن عمر رضي الله عنهما الثابت في الصحيحين ) أن النبي ( قال :أُمرتُ أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله ويقيموا الصلاة المكتوبة ويؤتوا الزكاة المفروضة ، فإذا فعلوا ذلك عصموا دمائهم وأموالهم إلا بحقها وحسابهم على الله )
((2/42)
حديث أبي هريرة رضي الله عنه الثابت في الصحيحين) قال : لمَّا توفي رسول الله ( وكان أبو بكر ، وكفر من كفر من العرب، قال عمر : كيف تقاتل الناس، وقد قال رسول الله (: (أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله، فمن قالها عصم مني ماله ونفسه إلا بحقه وحسابه على الله). فقال: والله لأقاتلنَّ من فرَّق بين الصلاة والزكاة، فإن الزكاة حقُّ المال، والله لو منعوني عقالاً كانوا يؤدُّونه إلى رسول الله ( لقاتلتهم على منعها. قال عمر: فوالله ما هو إلا أن قد شرح الله صدرُ أبي بكر فعرفتُ أنه الحق)
مسألة : على من تجب الزكاة ؟
تجب على كل مسلم حُر مالك النصاب ، وأن يحول الحول على النصاب ، إلا في زكاة الزروع والثمار فإنه تجب الزكاة فيه يوم حصاده ، لقوله تعالى : (وَآتُواْ حَقّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ) [الأنعام / 141]
مسألة : هل تجب الزكاة على العبد ؟
لا تجب الزكاة على العبد .
( حديث ابن عمر رضي الله عنهما الثابت في الصحيحين ) أن النبي ( قال :ليس على المسلم صدقةٌ في عبده ولا فرسه )
مسألة : هل تجب الزكاة على الكافر ؟
لا تجب الزكاة على الكافر سواء كان أصليا أم مرتداً ، لقوله تعالى :(وَمَا مَنَعَهُمْ أَن تُقْبَلَ مِنْهُمْ نَفَقَاتُهُمْ إِلاّ أَنّهُمْ كَفَرُواْ بِاللّهِ وَبِرَسُولِهِ) [التوبة / 54]
مسألة : هل معنى أن الزكاة لا تجب على الكافر أنه لا يحاسب عليها يوم القيامة؟
على الرغم أن الزكاة لا تجب على الكافر كما بينا آنفاً إلا إنه سيحاسب عليها ويعذب عليها .
لقوله تعالى : (إِلاّ أَصْحَابَ الْيَمِين(39) فِي جَنّاتٍ يَتَسَآءَلُونَ (40) عَنِ الْمُجْرِمِينَ (41) مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ(42) قَالُواْ لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلّينَ(43) وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ(44) وَكُنّا نَخُوضُ مَعَ الُخَآئِضِينَ( 45) المدثر(2/43)
الشاهد : لو أنهم لم يعاقبو على ترك الصلاة وإطعام المسكين ما ذكروا أن ذلك سبباً في دخولهم النار ،
مسألة : هل تجب الزكاة على من كان دون النصاب ؟
لا تجب الزكاة في المال إذا كان دون النصاب .
(حديث أبي سعيد الثابت في الصحيحين ) أن النبي ( قال : (ليس فيما دون خمسةِ أوسقٍ من التمر صدقة ، وليس فيما دون خمسِ أواقٍ من الورقِ صدقة ، وليس فيما دون خمس ذودٍ من الإبل صدقة )
مسألة : هل يشترط مرور الحول فى الاموال الزكوية ؟
(يشترط مرور الحول فى الاموال الزكوية إلا في زكاة الزروع والثمار فإنه لا يشترط أن يحول عليه ، لقوله تعالى : (وَآتُواْ حَقّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ) [الأنعام / 141]
(حديث علي الثابت في صحيح أبي داوود ) أن النبي ( قال : وليس عليك شيء يعني في الذهب حتى يكون لك عشرون ديناراً، فإن كان لك عشرون ديناراً وحال عليها الحول فنصف دينار، فما زاد فبحساب ذلك ، وليس في مالٍ زكاة حتى يحولَ عليه الحول )
مسألة : هل يستثنى من مرور الحول أشياء أخرى غير الزروع والثمار ؟
[*](الذي يستثنى من مرور الحول الآتي :
(1) زكاة الزروع والثمار لقوله تعالى: (وَآتُواْ حَقّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ) [الأنعام / 141]
(2) نتاج السائمة : فلو كان لرجل (40)شاة فيها زكاة ن ولدت في نصف الحول كل واحدة ثلاث أو أربع صارت (121) مثلاً يكون الواجب فيها شاتان ، وإن لم يحل عليها الحول
(3) ربح التجارة : لا يشترط فيها تمام الحول ، فلو أشترى شخصاً أرضاً بمائة ألف وقبل تمام السنة صارت تساوي مائتي ألف ، يزكي عن مائتي ألف .
(4) الركاز : ( لحديث أبي هريرة رضي الله عنه الثابت في الصحيحين) أن النبي ( قال : (وفي الركاز الخمس )
(5)المعدن مثل الركاز :
(6) العسل لأنه أشبه بالثمار .
مسألة: ما الدليل على أن نتاج السائمة يؤخذ منه الزكاة إذا بلغ نصابها ؟(2/44)
الدليل : أن النبي ( كان يبعث السُعاة لأخذ زكاة السائمة وفيها الصغار والكبير ولا يستفصل أهلها متى ولدت هذه ، بل يحسبونها على عدد رؤوسها ثم يخرجون زكاتها .
مسالة : ما الدليل على أن ربح التجارة لا يشترط أن يحول عليها الحول ؟
لأن المسلمين يؤدون الزكاة دون أن يحذفوا الربح ولأن الربح فرع ، والفرع يتبع الأصل )
مسألة : كيف نحسب الحول ؟
الحول : عام هجري ويعتبر ابتداؤه من يوم ملك النصاب .
مسألة : هل تجب الزكاة في مال الصبي والمجنون ؟
الصحيح أن الزكاة تجب في مال الصبي والمجنون ، لأن الزكاة حق المال ، فهو حكم ترتب على وجود شرطه وهو بلوغ النصاب ، فالمدار على المال وليس على المتمول ، بدليل قوله تعالى :(خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهّرُهُمْ وَتُزَكّيهِمْ بِهَا)(التوبة /103)
مسألة : من مات وعليه زكاة فهل تجب في ماله ؟
من مات وعليه زكاة فإنها تجب في ماله على الصحيح ، وتُقدم على الغرماء والوصية والورثة ، لقول الله تعالى في المواريث: قال تعالى: (من بَعْدِ وَصِيّةٍ يُوصَىَ بِهَآ أَوْ دَيْنٍ) 12/النساء)
والزكاة دين قائم لله تعالى .
( حديث ابن عباس الثابت في الصحيحين ) أن رجلاً جاء إلى رسول الله ( فقال إنَّ أمي ماتت وعليها صوم شهر أفأقضيه عنها ؟ فقال لو كان على أمَّكَ دينٌ أكنت قاضيَّه؟ قال : نعم ، قال :فأقضوا الله فالله أحقُ بالقضاء )
مسألة : هل يشترط النية في الزكاة ؟
الزكاة عبادة يشترط لصحتها إخلاص النية لله عز وجل وسلامة القصد من كل شائبة ،قال تعالى: (وَمَآ أُمِرُوَاْ إِلاّ لِيَعْبُدُواْ اللّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدّينَ حُنَفَآءَ وَيُقِيمُواْ الصّلاَةَ وَيُؤْتُواْ الزّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ القَيّمَةِ) [البينة / 5]
((2/45)
حديث عمر الثابت في الصحيحين ) أن النبي ( قال : (إنما الأعمالُ بالنيات، وإنما لكل امرىءٍ ما نوى، فمن كانت هجرتُهُ إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله، ومن كانت هجرته لدنيا يصيبها، أو امرأةٌ ينكحها، فهجرته إلى ما هاجر إليه )
(حديث أبي أمامة الثابت في صحيح النسائي ) أن النبي ( قال : إن الله تعالى لا يقبلْ العملُ إلا ما كان خالصاً وابتغي به وجهه )
مسألة : متى يجب إخراج الزكاة ؟
يجب إخراج الزكاة فوراً عند وجوبها ، ويحرم تأخير أدائها عن وقت الوجوب إلا أن يتمكن من أدائها فيجوز له التأخير حتى يتمكن ،
(حديث عقبة ابن الحارث النوفلي الثابت في صحيح البخاري) قال : صليت وراء النبي ( بالمدينة العصر فسلم ثم قام مسرعاً فتخطى رقاب الناس إلى بعض حجر نسائه ، ففزع الناس من سرعته ، فخرج إليهم فرأى أنهم عجبوا من سرعته فقال : ذكرتُ شيئاً من تبرٍ فأمرتُ بقسمته ) .
التبر : الذهب قبل أن يصفَّى
الشاهد: كون النبي ( قام مسرعاًَ لتوزيع الصدقة يدل على وجوب إخراجها على الفور .
مسألة : هل يجوز تعجيل أداء الزكاة ؟
يجوز تعجيل أداء الزكاة قبل وجوبها بشرط أن يكون عنده نصاب ،
(حديث علي الثابت في صحيحي الترمذي وابن ماجه ) أن العباس سأل رسول الله ( في تعجيل صدقته قبل أن تحلُ فرخص له ذلك )
مسألة : هل يستحب الدعاء للمُزَكِي ؟
دل الكتاب والسنة الصحيحة على استحباب الدعاء للمزكي :
قال تعالى: (خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهّرُهُمْ وَتُزَكّيهِمْ بِهَا وَصَلّ عَلَيْهِمْ إِنّ صَلَوَاتَكَ سَكَنٌ لّهُمْ وَاللّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ) [التوبة /103]
الشاهد : وصل عليهم : أي أدع لهم
( حديث عبد الله بن أبي الأوفى الثابت في الصحيحين ) قال : كان النبي ( إذا أتاه قومٌ بصدقتهم قال : اللهم صلِّ على آل فلان فأتاه أبي بصدقته فقال : اللهم صلِّ على آل أبي أوفى )
مسألة : ما هي الأموال التي تجب فيها الزكاة ؟
[*](الأموال الزكوية هي :
((2/46)
1) بهيمة الأنعام ( الإبل ، البقر ، الغنم )
(2) النقدين { الذهب والفضة }
(3) عروض التجارة
(4) الخارج من الأرض ويشمل ( الزروع و الثمار ، المعدن والركاز )
مسألة : ما هي بهيمة الأنعام ؟
بهيمة الأنعام : الإبل والبقر والغنم
مسألة : لماذا سميت بهيمة ؟
سميت بهيمة لأنها لا تتكلم ، مأخوذة من الإبهام وهي الإخفاء وعدم الإيضاح .
مسألة : الجواميس من أي أنواع بهيمة الأنعام ؟
الجواميس من البقر ، وهي أنبل البقر وأكثرها ألباناً وأعظمها أجساماً
مسألة : كيف تؤخذ الزكاة من بهيمة الأنعام ؟
[*](تؤخذ الزكاة من بهيمة الأنعام على الأوجه الآتية :
الوجه الأول : أن تكون عروض تجارة (هذه تزكى زكاة العروض ) والمعتبر في عروض التجارة القيمة ، وعلى هذا فقد تجب الزكاة في البعير الواحد
الوجه الثاني : أن تكون متخذة للدَّر والنفع لكنها تُعلَّف ، أي أن صاحبها يشتري لها العلف أو يحشُّه لها ( فليس فيها زكاة إطلاقاً ) ولو بلغت مائة أو أكثر ، لأنها ليست عروض تجارة وليست من السوائم ( الرواعي )
الوجه الثالث : السوائم ، أي الرواعي ( وتجب فيها الزكاة إذا بلغت نصاباً معيناً لكن بشرطين متلازمين :
(الأول : أن تسوم أي ترعى في الكلأ المباح ( أي الذي نبت بفعل الله لا بفعل الإنسان ) الحول أو أكثره
(الثاني : أن تكون معدًّة للدَّر أي للحليب والسمن والنسل وليس للاتجار فيها ولا يمنع أن يبع منها ما زاد على حاجته من أولادها
مسألة : هل يشترط في بهيمة الأنعام أن تكون سائمة لكي تجب فيها الزكاة ؟
نعم يشترط أن تكون سائمة أي راعية الحول أو أكثره في رعي مباح ( أي الذي نبت بفعل الله لا بفعل الإنسان ) لقوله ( ( وفي صدقة الغنم في سائمتها )
مسألة : ما شروط الرعي الذي يجعلها سائمة ؟
شروط الرعي الذي يجعلها سائمة ما يلي :
((2/47)
1) أن ترعى في الكلأ المباح ( أي الذي نبت بفعل الله لا بفعل الإنسان ) أما ما نزرعه نحن وتأكله هي فهذا لا يجعلها سائمة ، وكأن يكون عند إنسان مكان متسع يزرع فيها وترعى هي فيه وتأكله .
(2) أن تكون راعية الحول أو أكثره ، فإذا كان عند الإنسان إبلٌ ترعى خمسةُ أشهر ويعلفها ستة أشهر فليست سائمة ولا يكون فيها زكاة .
( حديث معاوية بن حيدة الثابت في صحيحي أبي داوود والنسائي) أن النبي ( قال : في كلِ إبلٍ سائمة ، في كل أربعين ابنة لبون )
{ تقدمة } :(
بنت مخاض ... التي لها سنة ودخلت في الثانية
بنت لبون ... التي لها سنتان ودخلت في الثالثة
حُقة ... التي لها ثلاث سنوات ودخلت في الرابعة
جَذَعة ... التي لها أربع سنين ودخلت في الخامسة
مسألة : ما مقدار زكاة الإبل ؟
مقدار زكاة الإبل ما يلي :
(1) لا شيء في الإبل حتى تبلغ خمساً
(2) (من خمس إلى أربعة وعشرين ) في كل خمسٍ شاه
(3)( فإذا بلغت خمساً وعشرين ) فيها بنت مخاض أو ابن لبون
(4) ( فإذا بلغت ستاً وثلاثين ) فيها بنت لبون
(5) (فإذا بلغت ستٍ وأربعين) فيها حُقة
(6) (فإذا بلغت إحدى وستين ) فيها جذعة
(7) (وفي ستٍ وسبعين ) ابنتا لبون
(8) ( وفي إحدى وتسعين إلى مائةوعشرين ) حقتان وفي كل أربعين ابنة لبون وفي كلِ خمسين حُقة .
في كل خمسٍ شاة ... 1: 24
بنت مخاض أو ابن لبون ... 25 :35
بنت لبون ... 36 :45
حقة ... 46 : 60
جَذَعة ... 61 :75
بنتا لبون ... 76 :90
حقتان ... 91 : 120
بنت لبون ، وفي كل (50) حقة ... فإذا ذادت ففي كل (40)
مسألة : اذكر الدليل من السنة على مقدار زكاة الإبل ؟
((2/48)
حديث أنس الثابت في صحيح البخاري ) أن أبي بكر كتب له : هذه فريضةُ الصدقة، التي فرض رسولُ الله ( على المسلمين، والتي أمر اللهُ بها رسوله،: (في كلِ أربعٍ وعشرين من الإبل فما دونها، من الغنم، في كل خمسِ شاة، فإذا بلغت خمساً وعشرين إلى خمسِ وثلاثين ففيها بنت مخاضٍ أنثى،فإن لم تكن فابن لبونٍ ذكر ، فإذا بلغت ستاً وثلاثين إلى خمسٍ وأربعين ففيها بنت لبون أنثى، فإذا بلغت ستاً وأربعين إلى ستين ففيها حِقة طروقةَ الجمل، فإذا بلغت واحدةً وستين إلى خمسٍ وسبعين ففيها جَذَعة، فإذا بلغت ستاً وسبعين إلى تسعين ففيها بنتا لبون، فإذا بلغت إحدى وتسعين إلى عشرين ومائة ففيها حقتان طروقتا الجمل، فإذا زادت على عشرين ومائة ففي كل أربعين بنتُ لبون، وفي كل خمسين حقة، ومن لم يكن معه إلا أربعٌ من الإبل فليس فيها صدقة، إلا أن يشاء ربها، فإذا بلغت خمسا من الإبل ففيها شاة.
مسألة : ما هي الأوقاص وما حكمها ؟
(الأوقاص : ما بين الفرضين ( وهو عفوٌ لا زكاة فيه .
مسألة : كم الوقص بين زكاة بنت مخاض وبنت لبون ؟
الوقص بينهما عشرة من الإبل ليس فيها زكاة وهذا رفقاً بالمالك .
مسألة : من بلغت عنده ثلاثين من الإبل فكم يزكي فيها ؟
فيها بنت مخاض { 25 :35 }
مسألة : من بلغت عنده أربعين من الإبل فكم يزكي فيها ؟
فيها بنت لبون { 36 : 45 }
مسألة : من بلغت عنده خمسين من الإبل فكم يزكي فيها ؟
فيها حقة طروقة الجمل { 46 : 60 }
مسألة : من بلغت عنده سبعين من الإبل فكم يزكي فيها ؟
فيها جذعة { 61 : 75 }
مسألة : من بلغت عنده ثمانين من الإبل فكم يزكي فيها ؟
فيها بنت لبون { 76 : 90 }
مسألة : من بلغت عنده مائة من الإبل فكم يزكي فيها ؟
فيها حقتان { 91 : 120 }
مسألة : من بلغت عنده130من الإبل فكم يزكي فيها ؟
{ تنبيه } :( ما زاد على{ 120 } ففي كل {40}بنت لبون ، وفي كل {50} حقة ابدأ الحساب بالحقة فهو أسهل ( 130 / {50} حقة ، {80} بنتا لبون )(2/49)
مسألة : من بلغت عنده140من الإبل فكم يزكي فيها ؟
(140 / {50+50} حقتان ، {40} بنت لبون )
مسألة : من بلغت عنده150من الإبل فكم يزكي فيها ؟
(150 =3 حقاق )
مسألة : من بلغت عنده160من الإبل فكم يزكي فيها ؟
( 160 = 4 بنت لبون )
مسألة : من بلغت عنده170من الإبل فكم يزكي فيها ؟
( 170 / {50} حقة ، { 120 }3 بنت لبون )
مسألة : من بلغت عنده200من الإبل فكم يزكي فيها ؟
( 4 حقاق ، أو 5 بنت لبون )
مسألة : من وجبت عليه بنت لبون وليست عنده ، وعنده بنت مخاض فماذا يصنع ؟
يدفعها ويدفع معها جبراناً إلى المصدق
مسألة : إذا وجبت عليه بنت لبون وليست عنده و عنده الحِقة فماذا يصنع ؟
يدفع الحقة ويأخذ الجبران من المصدق .
مسألة : ما هو الجبران ؟
الجبران شاتان أو عشرين درهماً ، أي كل شاة لعشرة دراهم ، هذا في عهد النبي (
مسألة : هل العشرين درهماً تقويم أم تعيين ؟
العشرين درهماً تقويم وليست تعيين ، وبناءاً على ذلك فلو كانت قيمة الشاتين مائتين ، يُعطى المائتين .
مسألة : ما الدليل على مشروعية الجبران ؟
(حديث أنس الثابت في صحيح البخاري ) أن أبا بكر رضي الله عنه: كتب له هذه فريضة الصدقة، التي أمر الله رسوله ( : (من بلغت عنده من الإبل صدقة الجذعة، وليست عنده جذعة، وعنده حقه، فإنها تقبل منه ويجعلُ معها شاتين إن استيسرتا له، أو عشرين درهما. ومن بلغت عنده صدقة الحقة، وليست عنده الحقة، وعنده الجذعة، فإنها تقبل منه الجذعة، ويعطيه المصدَّق عشرين درهماً أو شاتين ).
مسألة : إذا وجبت عنده عليه بنت لبون وليست عنده فماذا يصنع ؟
نقول أنت بالخيار ، إما أن تدفع بنت مخاض وتدفع معها جبران ( شاتين أو عشرين درهماً ) أو تدفع حقة ونعطيك جبران ( شاتين أو عشرين درهماً )
مسألة : هل في غير الإبل جبران ؟
ليس في غير الإبل جبران .
مسألة : هل يجزئ الذكر في زكاة الإبل ؟
يجزئ ابن اللبون بدلاً من بنت المخاض إذا لم توجد .(2/50)
مسألة : لماذا سمي البقر بهذا الاسم ؟
سمي البقر بهذا الاسم لأنها تبقر الأرض بالحراثة أي تشقها .
مسألة : ما مقدار زكاة البقر ؟
لا شئ فيها حتى تبلغ ثلاثين سائمة ، فإذا بلغت ثلاثين سائمة ففيها تبيعاً ، أو تبيعة { ما له سنة } ولا شئ فيها غير ذلك حتى تبلغ أربعين ، فإذا بلغت أربعين ففيها مُسنة { ماله سنتان } .
( حديث معاذ الثابت في صحيح السنن الأربعة ) أن النبي ( لما وجهه إلى اليمن أمره أن يأخذ من البقر ،من كل ثلاثين تبيعاً أو تبيعه ، ومن كل أربعين مُسنَّة ، ومن كل حالم ( يعني محتلم ) ديناراً أو عدله من المعافر ( ثياب تكون باليمن )
(ديناراً أو عدله من المعافر ) المراد به الجزية ممن لم يُسلم من أهل الذمة .
مسألة : ما مقدار الزكاة في 37 بقرة ؟
فيها تبيعاً أو تبيعه .
مسألة : ما مقدار الزكاة في 50 بقرة ؟
فيها مُسنَّة .
مسألة : ما مقدار الزكاة في 60 بقرة ؟
فيها تبيعان أو تبيعتان .
مسألة : ما مقدار الزكاة في 100 بقرة ؟
فيها مُسنَّة وتبيعان .
{ تنبيه } :( في باب الزكاة هناك فرق كبير بين الإبل والبقر ، فإن نصاب الإبل يبدأ من خمس، في حين أن نصاب البقر يبدأ من ثلاثين ، أما في الأضاحي فشانها واحد ، ولكن الشرع فوق العقول .
مسألة : هل يجزئ الذكر في زكاة البقر ؟
نعم يجزئ الذكر وهو التبيع في ثلاثين من البقر .
مسألة : متى يجزئ الذكر في النصاب ؟
يجزئ الذكر في ثلاثة مواضع :
(1)التبيع يجزئ في (ثلاثين من البقر )
(2) ابن لبون يجزئ إذا لم توجد بنت مخاض .
(3) إذا كان النصابُ كله ذكور .
مسألة : إذا كان النصابُ كله ذكور ، وفرضها أنثى فهل يجزئ أن يخرج الزكاة من الذكور ؟
مثال ذلك ( أن يكون رجل عنده 36 من الإبل ، فرضها بنت لبون ، وفي هذه الحالة يجوز أن يخرجها من الذكور ، لأن الزكاة مواساة فلا يكلفها من غير ماله ولكن الأحوط أن يأتي بالأنثى ( بنت لبون ) لأن ذلك أقرب إلى ظاهر السنة .(2/51)
مسألة : ما هو مقدار زكاة الغنم ؟
لا زكاة في الغنم حتى تبلغ أربعين سائمة ، فإذا بلغت من (40 : 120 ) ففيها شاة , ومن ( 121 : 200 ) شاتان ، ومن ( 200 : 300 ) ثلاث شياه ، فإن زادت على (300) ففي كل (100) شاه .
(حديث أنس الثابت في صحيح البخاري ) أن أبا بكر رضي الله عنه: كتب له هذه فريضة الصدقة، التي أمر الله بها رسوله (:( وفي صدقة الغنم : في سائمتها إذا كانت أربعين إلى عشرين ومائة شاة، فإذا زادت على عشرين ومائة إلى مائتين ففيها شاتان، فإذا زادت على مائتين إلى ثلاثمائة ففيها ثلاث شياه، فإذا زادت على ثلاثمائة ففي كل مائة شاة، فإذا كانت سائمة الرجل ناقصة من أربعين شاةٍ واحدة، فليس فيها صدقة إلا أن يشاء ربُها.)
مسألة : ما هو أكبر وقص في زكاة بهيمة الأنعام ؟
أكبر وقص يكون في زكاة الغنم وهو ( 201 : 399 ) ثلاث شياه ، لأنه من ( 201 : 300 ) ثلاث شياه ثم في كل مائة شاه .
مسالة : ما الذي لا يؤخذ في الزكاة ؟
[*](هناك أمور يجب مراعتها عند أخذ الزكاة وهي :
(1) يجب مراعاة حق أرباب الأموال عند أخذ الزكاة ، فلا يؤخذ كرائمُ أموالهم إلا إذا سمحت نيتهم بذلك .
( حديث ابن عباس الثابت في الصحيحين ) قال ، قال رسول الله ( لمعاذ بن جبل حين بعثه إلى اليمن : إنك ستأتي قوماً أهل كتاب فإذا جئتهم فادعهم إلى أن يشهدوا أن لا إله إلا الله و أن محمدا رسول الله ، فإن هم أطاعوا لك بذلك فأخبرهم أن الله قد فرض عليهم خمسُ صلواتٍ في كل يومٍ و ليلة ، فإن هم أطاعوا لك بذلك فأخبرهم أن الله قد فرض عليهم صدقةً تؤخذ من أغنيائهم فتردُ على فقرائهم ، فإن هم أطاعوا لك بذلك فإياك و كرائم أموالهم و اتقِ دعوة المظلوم فإنه ليس بينها و بين الله حجاب .
الشاهد (فإياك و كرائم أموالهم ) ثم تبعها بقوله (و اتقِ دعوة المظلوم ) مما يدل على أن أخذ كرائم الأموال في الزكاة بغير رضا صاحب المال ظلم.
((2/52)
1) يجب كذلك مراعاة حق الفقير فلا يجوز أخذ الحيوان المعيب عيباً يعتبر نقصاً عند ذوي الخبرة بالحيوان ، إلا إذا كانت كلها معيبة ، وإنما تُخرج الزكاة من وسط المال ،
(حديث أنس الثابت في صحيح البخاري ) أن أبا بكر رضي الله عنه: كتب له هذه فريضة الصدقة، التي أمر الله بها رسوله ( : (ولا يُخْرجُ في الصدقة هَرِمةٌ، ولا ذاتُ عَوَاٍر، ولا تيسٌ، إلا ما شاء المصدِّق)
(هَرِمةٌ ) التي سقطت أسنانها
(ذاتُ عَوَاٍر ) العوراء
وأما التيس فلا يُعدُ عيباً بل هو من كرائم الأموال لأنه يُعدُ لضرب الإناث ، ولهذا نُهى عن أخذه إلا بطيب نفس صاحب المال .
مسألة : ما حكم الخُلطة في زكاة بهيمة الأنعام ؟
إذا اختلط اثنان فأكثر من أهل الزكاة ، ولم يتميز مال أحدهما عن الآخر فإنهما يزكيان زكاة الواحد إذا وجبت عليهما الزكاة .
(حديث أنس الثابت في صحيح البخاري ) أن أبا بكر رضي الله عنه: كتب له هذه فريضة الصدقة، التي أمر الله بها رسوله (:( ولا يُجمعُ بين متفرقٍ ولا يُفرَّقُ بين مجتمعٍ خشية الصدقة، وما كان من خليطين، فإنهما يتراجعان بينهما بالسوية)
الشاهد : (وما كان من خليطين، فإنهما يتراجعان بينهما بالسوية)
مسألة : ما حكم الجمعُ و التفريق خشية الصدقة ؟
الجمعُ و التفريق خشية الصدقة حرام ، لأنه من التحايل المذموم شرعا ،
(حديث أنس الثابت في صحيح البخاري ) أن أبا بكر رضي الله عنه: كتب له هذه فريضة الصدقة، التي أمر الله بها رسوله (:( ولا يُجمعُ بين متفرقٍ ولا يُفرَّقُ بين مجتمعٍ خشية الصدقة، وما كان من خليطين، فإنهما يتراجعان بينهما بالسوية)
الشاهد : (ولا يُجمعُ بين متفرقٍ ولا يُفرَّقُ بين مجتمعٍ خشية الصدقة)
والأصل في النهي التحريم .
مسألة : أذكر مثالاً لمن يجمع بين متفرقٍ خشية الصدقة ؟(2/53)
إنسان عنده أربعين شاة ، والثاني عنده أربعين ، والثالث عنده أربعين ، فلو اعتبرنا كل واحد على حده ، يجب في مال الأول شاة ، والثاني شاة ، والثالث شاة ، لكن لو احتال الثلاثة فجمعوا الغنم جميعاً حتى تكون ( مائة وعشرين ) فيكون فيها شاة واحدة ، وهذا تحايل محرم ومذموم شرعا .
مسألة : اذكر مثالاً لمن يُفرَّقُ بين مجتمعٍ خشية الصدقة ؟
إنسان عنده أربعون شاة ، تجب فيها الزكاة ، ففرقها فجعل عنده عشرون منها ، وعشرون في مكانٍ آخر ، فإذا جاء العامل وجد عنده عشرون فقط فلم يأخذ منه شيء .
مسألة : هل تؤثر الخُلطة في غير بهيمة الأنعام ؟
لا تؤثر إلا في بهيمة الأنعام لأنه لا زكاة في الحيوان إلا في بهيمة الأنعام .
مسالة : ما الذي يجزئ في زكاة الغنم ؟
الذي يجزئ في زكاة الغنم هو الذي يجزئ في الأضحية وهو :
( جذع ضأن { له ستة أشهر ) (أو ثني ماعز {ما تم له سنة }
مسألة : هل في الخيل زكاة ؟
ليس في الخيل زكاة .
( حديث ابن عمر رضي الله عنهما الثابت في الصحيحين ) أن النبي ( قال ( ليس على المسلم صدقةً في عبده ولا فرسه )
ولأن النبي ( ذكر زكاة بهيمة الأنعام ولم يذكر الخيل والأصلُ براءة الذمة إلا بدليل .
مسألة : ما هما النقدين ؟
النقدين ( الذهب والفضة ) إذ هما أصلُ النقد ، الدينار للذهب ، و الدرهم للفضة .
مسألة : ما هو نصابُ الذهب ؟ وما مقدار الواجب فيه ؟
نصاب الذهب ( عشرون ديناراً ،فيها ربع دينار أي ربع العشر )
(حديث علي الثابت في صحيح أبي داوود ) أن النبي ( قال : ليس عليك شيء يعني في الذهب حتى يكون لك عشرون ديناراً ، فإذا كان لك عشرون ديناراً وحال عليها الحول ففيها نصف دينار، فما زاد فبحساب ذلك، وليس في مالٍ زكاة حتى يحول عليه الحول )
{ تنبيه } زكاة الذهب ( ربع العشر )
مسألة : كيف نحسب ربع العشر ؟
نحسب ربع العشر ( بأن نقسم على (40)
فمثلاً لو أن عندنا (40) مليون وأردنا أن نحسب مقدار الزكاة :
((2/54)
40مليون ÷40=1مليون )
مسألة : ما هو نصاب الذهب بتقدير اليوم ؟
نصاب الذهب بتقدير اليوم (85 جرام ) من الذهب الخالص ، وذهب اليوم وإن كان فيه شيئ يسير من غير الذهب مثل النحاس ، لأن الذهب لابد أن يكون معه شيئ من المعادن حتى يقويه ، إلا أن هذه الإضافة يسيرة كالملح في الطعام لا تضر .
مسألة : ما هو نصابُ الفضة ؟
نصابُ الفضة مائتي درهم فيها : ( ربع العشر )
(حديث أنس الثابت في صحيح البخاري ) أن أبا بكر رضي الله عنه: كتب له هذه فريضة الصدقة، التي أمر الله بها رسوله (:( وفي الرَّقة (في مائتي درهم) ربعُ العشر، فإن لم تكن إلا تسعين ومائة فليس فيها صدقة إلا أن يشاء ربها)
مسألة : ما هو نصاب الفضة بتقدير اليوم ؟
نصاب الفضة بتقدير اليوم (595 جرام )
مسألة : هل في حُلي المرأة زكاة ؟
[*](المسألة على التفصيل الآتي :
(1) إذا كان الحُلي من ذهب أو فضة ففيه زكاة .
(حديث عائشة الثابت في صحيح أبي داوود ) قالت : دخل علي رسول الله ( فرأى في يدي فتخات من ورقٍ فقال : ما هذا يا عائشة ؟ فقلت صنعتهنَّ أتزينُ لك يا رسول الله ، قال : أتؤدين زكاتهن ؟ قلت لا، أو ما شاء الله ، قال هو حسبك من النار )
الشاهد : ( هو حسبك من النار) والمعنى لو لم تعذب في النار إلا من أجل عدم زكاتها لكافها .
{ تنبيه } :( أما حديث ( ليس في الحُلي زكاة ) فهو ضعيف لا تقوم به حُجة .
(2) إذا كان الحُلي من شيئ آخر بخلاف الذهب والفضة كالماس والدر و الياقوت واللؤلؤ و المرجان ، فإنه لا زكاة فيه اتفاقاً ، إلا إذا اتخذت للتجارة ، كان فيها زكاة عروض التجارة ، بأن تقوَّم القيمة ثم تؤخذ الزكاة من القيمة .
مسألة : ما معنى العَروض ؟
العروض : جمع عَرْض بإسكان الراء ، وهو المال المُعَدُّ للتجارة ، وسمَّي بذلك لأنه لا يستقر ، يعرض ثم يزول ، فإن المتجر لا يريد هذه السلعة بعينها بل يريد ربحها ولذا وجبت زكاتها في قيمتها لا في عينها ،(2/55)
مسألة ؟ زكاة العروض هل تجب في قيمتها أم في عينها ؟
زكاة العروض تجب في قيمتها أم في عينها ،لأن التاجر لا يريد هذه السلعة بعينها بل يريد ربحها .
مسألة : كيف تقدر زكاة العروض ؟
من ملك من عروض التجارة ( قدر النصاب ) وحال عليه الحول ، قوَّمه آخر الحول وأخرج زكاته من القيمة ، فإن نقص أثناء الحول فقد انقطع النصاب ، فلا زكاة فيه ، فإن زاد بعد ذلك حتى بلغ قدر النصاب استأنف الحول .
مسألة : ما هي أعم أموال الزكاة ؟
أعم أموال الزكاة هو عروض التجارة ، فهي تشمل كل ما أُعد للتجارة .
مسألة : ما الدليل على وجوب زكاة عروض التجارة ؟
قوله تعالى: (وَالّذِينَ فِيَ أَمْوَالِهِمْ حَقّ مّعْلُومٌ(24) لّلسّآئِلِ وَالْمَحْرُوم(25)المعارج
( حديث ابن عباس الثابت في الصحيحين ) قال ، قال رسول الله ( لمعاذ بن جبل حين بعثه إلى اليمن : إنك ستأتي قوماً أهل كتاب فإذا جئتهم فادعهم إلى أن يشهدوا أن لا إله إلا الله و أن محمدا رسول الله ، فإن هم أطاعوا لك بذلك فأخبرهم أن الله قد فرض عليهم خمسُ صلواتٍ في كل يومٍ و ليلة ، فإن هم أطاعوا لك بذلك فأخبرهم أن الله قد فرض عليهم صدقةً تؤخذ من أغنيائهم فتردُ على فقرائهم ، فإن هم أطاعوا لك بذلك فإياك و كرائم أموالهم و اتقِ دعوة المظلوم فإنه ليس بينها و بين الله حجاب )
الشاهد : ( أن الله قد فرض عليهم صدقةً في أموالهم )
ولا شك أن عروض التجارة مال .
مسألة : هل في الفرس زكاة ؟
إن أُعدَّ الفرس للتجارة كان فيه زكاة العروض تؤخذ من قيمته .
مسألة : لو قال قائل كيف يكون في الفرس زكاة وقد قال النبي ( قال ( ليس على المسلم صدقةً في عبده ولا فرسه ) فما الجواب ؟(2/56)
الجواب : نقول : نعم قال النبي ( قال ( ليس على المسلم صدقةً في عبده ولا فرسه ) وهو حديث الثابت في صحيح ثابت الثابت في الصحيحين ، ولكن النبي ( لم يقل أنه ليس في العروض التي لا تُراد بعينها وإنما تُراد بقيمتها ، لم يقل أنه ليس فيه زكاة ،
وكلمة (عبده / فرسه ) كلمة مضافة إلى الإنسان للإختصاص ، أي الذي جعله خاصاً به يستعمله وينتفع به العبد والفرس والثوب والمسكن الذي يسكنه والسيارة التي يستعملها ولو للأجرة لأن الإنسان اتخذها لنفسه لم يتخذها ليتجر بها .
مسألة : هل في السيارة زكاة ؟
[*](المسألة على التفصيل الآتي :
(1) إن كان اتخذ السيارة لنفسه فلا زكاة فيها ، سواء اتخذها ملاكي أم أجرة،
( لحديث ابن عمر رضي الله عنهما الثابت في الصحيحين ) أن النبي ( قال : ( ليس على المسلم صدقةً في عبده ولا فرسه ) والسيارة الآن كالفرس في السابق .
(2) أما إذا اتخذها للتجارة فتجب فيها زكاة عروض التجارة .
مسألة : ما هو مقدار زكاة عروض التجارة ؟
مقدار زكاة عروض التجارة : ( ربع العشر ) أي تقسم على أربعين .
مسألة : ما هي شروط وجوب الزكاة في عروض التجارة ؟
لوجوب الزكاة ثلاثة شروط :
(1) أن يملكها بفعله ( أي دخلت في ملكه باختياره ) كالشراء والبيع وقبول الهدية .
(2) أن ينوي عند تملكه لها نية التجارة أي التكسب منها ،
(3) أن تبلغ النصاب .
{ تنبيه } :( هذه هي الشروط الخاصة بعروض التجارة بالإضافة إلى الشروط الخمسة العامة في وجوب الزكاة .
مسألة : لو اشترى رجل سيارة للاستعمال ثم بدا له أن يبيعها ، هل تُعد من عروض التجارة ؟
لا تُعد من عروض التجارة ، لأنه لم ينوي التجارة حين ملكها ، وهذا شرط في عروض التجارة .
مسألة : هل يعتبر في تقويم زكاة عروض التجارة ما اشتريت به ؟(2/57)
لا يُعتبر قيمتها التي اشتريت به ، إنما يُعتبر قيمتها عند تمام الحول ، لأن السعر ينخفض ويرتفع في السوق ، فقد يكون ثمنها حينما اشتراه يبلغ نصاباً وعند تمام الحول لا يبلغ نصاباً أو العكس .
مسألة : هل الربح الناتج من عروض التجارة يشترط له تمام الحول ؟
لا يشترط له تمام الحول ، لأنه تابعٌ لأصل ، كما أن نتاج السائمة تابع لأصل لا يشترط له تمام الحول .
مسألة : ما الدليل على وجوب زكاة الزروع والثمار ؟
قال تعالى: (يَأَيّهَا الّذِينَ آمَنُوَاْ أَنْفِقُواْ مِن طَيّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمّآ أَخْرَجْنَا لَكُم مّنَ الأرْضِ ) ( البقرة / 267)
قال تعالى: (وَهُوَ الّذِيَ أَنشَأَ جَنّاتٍ مّعْرُوشَاتٍ وَغَيْرَ مَعْرُوشَاتٍ وَالنّخْلَ وَالزّرْعَ مُخْتَلِفاً أُكُلُهُ وَالزّيْتُونَ وَالرّمّانَ مُتَشَابِهاً وَغَيْرَ مُتَشَابِهٍ كُلُواْ مِن ثَمَرِهِ إِذَآ أَثْمَرَ وَآتُواْ حَقّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ وَلاَ تُسْرِفُوَاْ إِنّهُ لاَ يُحِبّ الْمُسْرِفِينَ) ( الأنعام / 141)
(حديث ابن عمر رضي الله عنهما الثابت في الصحيحين ) أن النبي ( قال :( فيما سقت السماءُ والعيون أو كان عثرياً، العشر، وما سُقي بالنضح نصف العشر)
( حديث أبي سعيد الثابت في الصحيحين ) أن النبي ( قال :( ليس فيما دون خمسةِ أوسقٍ من التمر صدقة، وليس فيما دون خمس أواقٍ من الورق صدقة، وليس فيما دون خمسِ ذودٍ من الإبل صدقة)
مسألة : ما هي الأصناف التي تؤخذ منها الزكاة ؟
تؤخذ الزكاة من أربعة أصناف ( الحنطة والشعير والتمر والزبيب )
( حديث أبي بُردة في السلسلة الصحيحة ) عن أبي موسى ومعاذ : أن رسول الله ( بعثهما على اليمن يعلمان الناس أمرَ دينهم فأمرهم أن لا يأخذوا الصدقة إلا من هذه الأربعة ( الحنطة ، والشعير ، والتمر ، والزبيب )
مسألة : ما هو نصاب الزروع والثمار ؟
نصاب الزروع والثمار ( خمسة أوسق ) ( الوسق = 60 صاع )(2/58)
فعليه يكون نصاب الزروع والثمار =( 5×60 = 300 صاع )
...
(حديث ابن عمر رضي الله عنهما الثابت في الصحيحين ) أن النبي ( قال :( فيما سقت السماءُ والعيون أو كان عثرياً، العشر، وما سُقي بالنضح نصف العشر)
(عثرياً ) الذي يشرب بعرقه دون سقي ولا مؤونة ، كأن يكون الماء قريباً منه فيصل إلى عروقه فيستغني عن السقي ،
( النضح ) ما تكلَّف سقيه بالنضح إما من البئر أو عن طريق ساقية، أو خلافه.
القاعدة : ( إن كان السقي بغير مؤونة ، فيه العشر ، وإن كان بمؤونة ، ففيه نصف العشر.
مسألة : لماذا اعتبر العلماء رحمهم الله الكيل بالوزن مع أن السنة جاءت بالكيل؟
اعتبر العلماء رحمهم الله الكيل بالوزن مع أن السنة جاءت بالكيل لأن الوزن أثبت ، وذلك لأن الاصواع والأمداد تختلف من زمن لآخر ومن مكانٍ لأخر ، فنقلت إلى الوزن لأن الوزن ثابت بالمثقال منذ شرَّعه الإسلام إلى يومنا هذا .
{ تنبيه } :( ذكر العلماء أن صاع النبي ( = ( 2كيلو و 40جرام )
مسالة : لو أن إنساناً عنده مزرعة بمكة تبلغ نصف النصاب ، ومزرعة بالمدينة تبلغ نصف النصاب ، كيف يزكي ؟
يضم بعضها إلى بعض لتكميل النصاب لكن بشرطين :
(1) أن يكون ثمرة العام الواحد
(2) أن تكون من جنس واحد
مسالة : لو أن إنساناً عنده مزرعة بمكة تبلغ نصف النصاب من الحنطة ، ومزرعة بالمدينة تبلغ نصف النصاب من الشعير ، هل يُضم بعضها إلى بعض في تكميل النصاب ؟
لا يُضم بعضها إلى بعض في تكميل النصاب ، لأنهما من جنسين مختلفين ،كما لا تُضم البقر إلى الإبل في تكميل النصاب .
مسألة :ما هو وقت وجوب زكاة الزروع والثمار ؟
وقت وجوب زكاة الزروع والثمار ما يلي :
في الثمار ( بدو الصلاح { يحمَّر و يصفر }
في الحبوب(يشتد الحب بحيث أنك إذا غمستها لم تنغمس
(حديث ابن عمر رضي الله عنهما الثابت في الصحيحين ) أن النبي ( نهى عن بيع الثمر حتى يبدو صلاحها ، نهى البائع والمبتاع )
((2/59)
حديث أنس الثابت في الصحيحين ) أن النبي ( نهى عن بيع الثمر حتى يزهو ، فقلنا لأنس : ما زهوها ؟ قال تحمَّرُ وتصفَّرُ ، أريت إن منع اللهُ الثمرَ بم تستحلَ مال أخيك )
(حديث أنس الثابت في صحيحي أبي داوود والترمذي ) أن النبي ( نهى عن بيع العنب حتى يسود ، وعن بيع الحب حتى يشتد )
مسألة : اللقَّاط الذي يتتبع المزارع ويلقط منه التمر المتساقط من النخل مثلاً ، هل يجب عليه الزكاة إذا بلغ نصاباً ؟
لا يجب عليه زكاة ، لأنه لم يكن يملك النصاب وقت وجوب الزكاة .
مسألة : لو قيل لرجل ، احصد هذا الزرع بثلثه ، وكان هذا الثلث يبلغ نصاباً ، هل تجب فيه زكاة ؟
لا تجب فيه الزكاة ، لأنه لم يكن مالكاً للنصاب وقت وجوب الزكاة .
مسألة :ما هي شروط وجوب زكاة الزروع والثمار ؟
(1) بلوغ النصاب .
(2) أن يكون النصاب مملوكاً له وقت بلوغ النصاب .
مسألة : ما يأخذه الرجل مما ينبته الله تعالى في الصحراء ، هل تجب فيه الزكاة إن بلغ نصاباً ؟
لا تجب فيه الزكاة ، لأنه وقت الوجوب لم يكن ملكاً له ، فلإنسان لا يملكه إلا إذا أخذه .
مسألة : متى يستقر وجوب زكاة الزروع والثمار ؟
لا يستقر الوجوب إلا بجعلها في البيدر .
( البيدر ) هو موضع تشميسها وتيبسها ، فإن تلفت الحبوب بعد بدو صلاحها وقبل وضعها في البيدر ، يسقط عنها الزكاة ، لأنها لم تستقر .
مسألة : زكاة الحبوب والتمر هل تجب على المستأجر أم على المالك ؟
تجب على المستأجر دون المالك ، لأن المستأجر هو مالك الحبوب ، أما المالك فله الأجرة فقط .
لقوله تعالى : (وَآتُواْ حَقّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ ) ( الأنعام / 141)
والذي يحصد التمر هو المستأجر الذي هو مالك التمر .
مسألة : هل يجوز تقدير النصاب الذي في النخيل تمراً وليس رطباً ؟
جاءت السنة الصحيحة بجواز ذلك ، فإذا أزهى النخيل وبدا صلاحها ، اعتُبر تقدير النصاب فيها بالخرص دون الكيل .
((2/60)
الخرص ) هو التخمين والتقدير ، أي يقدر الرطب الذي على النخل بكذا تمراً ، ليعرف مقدار الزكاة فيه ، فإذا جفت الثمار أخذ الزكاة التي سبق تقديرها منها ،
( حديث أبي حميد الساعدي الثابت في صحيح البخاري ) قال : ( غزونا مع النبي ( غزوة تبوك، فلما جاء وادي القرى، إذا امرأةٌ في حديقةٍ لها، فقال النبي ( لأصحابه: (اخرصوا). وخرص رسول الله (عشرةَ أوسق، فقال لها: (أحصي ما يخرج منها )
{ تنبيه هام } ينبغي على الخارص الذي يخمِّن ويقدِّر الرطب الذي على النخل بمقدار كذا تمراً ، أن يكون فيه صفتين متلازمتين : (1) أن يكون أميناً ، (2) أن يكون عارفاً بذلك الموضوع وله خبرة فيه )
{ تنبيه } :( الحكمة في مشروعية الخرص أن العادة جرت بأكل التمر رطباً ، فكان من الضروري إحصاءُ الزكاة قبل أن تؤكل وتُصرم ، ومن أجل أن يتصرف أربابها بما شاءوا ويضمنوا حق الزكاة )
( تُصرم : أي تقطع )
مسألة : ما هي الركاز ؟
الركاز ( المدفون من كنوز الجاهلية ) الذي يؤخذ من غير أن يُطلب بمالٍ كثير أو مؤونة كثيرة ، أما ما يُطلب بمالٍ كثير ومؤونة كثيرة فأصيب مرة وأخُطئ مرة فليس بركاز .
مسألة : كيف نعرف أنه من زمن الجاهلية ؟
الجاهلية ( ما قبل الإسلام ) ، ونعرف ذلك بأن نجد في الأرض كنزاً مدفوناً ، فإذا استخرجناه نجد علامة الجاهلية فيه ، مثل أن يكون نقوداً قد عُلمَ أنها قبل الإسلام ، أو يكون عليها تاريخ قبل الإسلام .
مسألة : ما مقدار الزكاة في الركاز ؟
يجب في الركاز الخمس قليلة وكثيرة ، ويجب على الفور فلا يشترط فيه حول ولا نصاب ،
(حديث أبي هريرة رضي الله عنه الثابت في الصحيحين ) أن النبي ( قال : ( العجماءُ جُرحها جُبار ، والبئرُ جُبار ، والمعدن جُبار ، وفي الركاز الخمس )
(العجماءُ جُرحها جُبار ) أي البهيمة العجماء إذا انفلتت فاتلفت شيئاً فهو جبار ( أي هدر لا دية فيه )
((2/61)
والبئرُ جُبار ) أي إذا حفر إنسان بئراً فتردى فيه آخر فهو هدر لا دية فيه ، ما لم يكن في طريق الناس وكان غير معروف .
مسألة : إذا وجد إنسان ركاز ليس عليه علامات الكنز ولا إنه من الجاهلية ، فما حكمه ؟
إن عُلم صاحبه رده إليه ، وإن كان صاحبه غير معروفاً فإن حكمه حكم اللقطة ، يُعرَّف سنه ، فإن جاء صاحبه ، وإلا فهو لواجده .
مسألة : ما هي مصارف الزكاة ؟
(مصارف الزكاة ثمانية أصناف ، حصرها الله في قوله تعالى:(إِنّمَا الصّدَقَاتُ لِلْفُقَرَآءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللّهِ وَابْنِ السّبِيلِ فَرِيضَةً مّنَ اللّهِ وَاللّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ) ( التوبة /60)
مسألة : ما الفرق بين الفقراء والمساكين ؟
( الفقراء ) الذين لا يجدون شيئاً ، أو يجدون بعض الكفاية ( أقل من النصف )
( المساكين ) يجدون نصف الكفاية أو أكثر من النصف ، ودون الكفاية .
مسألة : كيف تعرف أن الرجل عنده نصف الكفاية أو أقل أو يزيد ؟
يكون ذلك بخصم الإيرادات من المصروفات .
مسألة : إنسان يأخذ راتب شهري مقداره خمسة آلاف في السنة ، وينفق في السنة عشرة آلاف ، هل هو فقير أم مسكين ؟
هو مسكين لأنه يجد نصف الكفاية .
مسألة : إذا كان راتبه أربعة آلاف ، ومصروفه عشرة آلاف هل هو فقير أم مسكين ؟
هو فقير لأنه يجد أقل من النصف .
مسألة : إذا لم يكن عنده شيئ ولا وظيفة ولا عمل ؟
يكون فقير .
مسألة : هل المعتبر ما يكفي الإنسان للأكل والشرب فقط ، أم المعتبر أيضاً السكنى و الإعفاف بالنكاح ؟
المعتبر ، الأكل والشرب والسكنى والإعفاف .
مسألة : إنسان عنده ما يكفيه من الأكل والشرب والكسوة و المسكن ، وليس عنده مهرٌ ليتزوج به ، هل يستحق الزكاة ؟
نعم نعطيه ليعف نفسه .
مسألة: ما الدليل على أن الفقير أشدُ حاجةً من المسكين ؟(2/62)
الدليل أن الله تعالى بدأ به في آية التوبة ، فدلَّ على أنه أشدُ حاجة ،
قال تعالى:(إِنّمَا الصّدَقَاتُ لِلْفُقَرَآءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللّهِ وَابْنِ السّبِيلِ فَرِيضَةً مّنَ اللّهِ وَاللّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ) ( التوبة /60)
مسألة : من هم العاملون عليها ؟
العاملون عليها : هم السُعاة ، الذين يوليهم الإمام في جمع الزكاة من أهلها وصرفها إلى مستحقيها ، ويدخل فيهم الحفظة لها والرعاة للأنعام والكتبة لديوانها .
مسألة : هل يشترط في العاملين على الزكاة أن يكونوا فقراء لكي يعطوا من الزكاة ؟
لا يشترط ذلك ، بل يُعطوا منها ، وإن كانوا أغنياء فهم يعملون للحاجة إليهم وليس لحاجتهم ، فإذا أُضيف إلى ذلك أنهم فقراء ، وأنَّ نصيبهم من العمالة ما يكفي مؤنتهم ومؤنة عيالهم فإنهم يأخذون النصيبين ( للعمالة و الفقر )
مسألة : من هم المؤلفة قلوبهم ؟
[*](المؤلفة قلوبهم أقسام :
(1) منهم من يُعطى رجاء إسلامه ، كما أعطى النبي ( صفوان بن أمية من غنائم حُنين وقد كان شهدها مشركاً ، قال صفوان بن أمية : ( فلم يزل يعطيني حتى صار أحبَّ الناس إليَّ بعد أن كان ابغض الناس إليَّ ) (الثابت في صحيح مسلم )
(2) ومنهم من يُعطى ليحسن إسلامه ، ويثبت قلبه ، كما أعطى يوم حنين جماعة ليحسن إسلامهم ، ( حديث سعد بن أبي وقاص الثابت في صحيح مسلم ) قال رسول الله ( ( إني لأعطي الرجلَ وغيره أحبُّ إليَّ منه خشية أن يكب في النار على وجهه في نار جهنم )
(3) ومنهم من يُعطى لما يُرجى من إسلام نُظرَائهِ
(4) ومنهم من يُعطى ليجبي الصدقات ممن يليه ، أو ليدفع عن حوزة المسلمين الضرر من أطراف البلاد .
مسألة : كيف نعرف أنه يُرجى إسلامه ؟
نعرف بالقرائن ، كأن يطلب كتيباً يقرأ فيه عن الإسلام .(2/63)
مسألة : هل يشترط في إعطاء المؤلفة قلوبهم لكفِّ شرهم أن يكون سيداً مطاعاً ؟
نعم يُشترط ذلك، لأن الواحد من عوام الناس لا يضر المسلمين شره ، بخلاف سادة القوم .
مسألة : هل نعطي من نؤلف قلبه قليلاً أم كثيراً ؟
نعطيه من الزكاة القدر الذي يتحقق معه تأليف قلبه مهما كان كبيراً .
(قال صفوان بن أمية : ( فلم يزل يعطيني حتى صار أحبَّ الناس إليَّ بعد أن كان ابغض الناس إليَّ ) (الثابت في صحيح مسلم )
مسألة : ما المقصود بقوله تعالى : (وَفِي الرّقَابِ ) ؟
(وَفِي الرّقَابِ ) المقصود بهم الرقيق ، ويشمل المكاتبون ، فيعطى المكاتبون من مال الزكاة ما يكون عوناً لهم بعد الله في فك رقابهم من الرق ، ويشمل كذلك ( الأرقاء غير المكاتبون ) لأنهم داخلون في عموم قوله تعالى : (وَفِي الرّقَابِ )فيُشترون من مال الزكاة ويُعتقون ،
( حديث أبي هريرة رضي الله عنه الثابت في صحيحي الترمذي وابن ماجه ) أن النبي ( قال : ( ثلاثٌ حقٌ على الله عونه : المجاهدُ في سبيل الله ، والمكاتب الذي يريد الأداء ، والناكح الذي يريد العفاف)
مسألة : هل يُفك الأسير المسلم من مال الزكاة ؟
الصحيح أنه يجوز لأنه إذا جاز أن نفك العبد من رق العبودية ، جاز لنا أن نفك الأسير من شيئ قد يكون أعظم من رق العبودية ، لأنه معرضٌ للقتل لا سيما إن هدَّدَ الأسيرُ بقتله إن لم يدفع إليه المال .
مسألة : ما المقصود بقوله تعالى : (وَالْغَارِمِينَ) ؟
(حديث أبي سعيد الخدري الثابت في صحيح مسلم ) قال : أصيب رجل في عهد رسول الله ( في ثمارٍ ابتاعها فكثر دينه فقال النبي ( ( تصدقوا عليه ) فتصدق الناسُ عليه فلم يبلغ ذلك وفاء دينهِ فقال النبي ( لغرمائه ( خذوا ما وجدتم وليس لكم إلا ذلك )
مسألة : هل الأفضل أن نعطي الغارم الدراهم ليسدَّ دينَّه أم نسدُّها عنه ؟
المسألة على التفصيل الآتي :
((2/64)
1) إذا كان ثقة وعُرف عنه أنه حريصٌ على سداد دينه ، فالأفضل نعطيه فيسد هو، حتى لا نُظهر منة الإنسان عليه .
(2) وإذا كان يخشى أن يصرف الدراهم التي نعطيها له فإننا لا نعطيه ، بل نذهب إلى الغريم ونسدِّدُ دينه .
مسألة : ما المقصود بقوله تعالى: ( وَفِي سَبِيلِ اللّهِ) ؟
(وَفِي سَبِيلِ اللّهِ) أي الجهادُ في سبيل الله وهو يشمل الغزاة ، وأسلحة الغزاة ، وكلُ ما يُعين على الجهاد في سبيل الله ،
مسألة :هل قوله تعالى: ( وَفِي سَبِيلِ اللّهِ) يشمل جميع أعمال البر ؟
(به قال بعضُ أهل العلم ولكن هذا القول ضعيف ، إذ لو صح لما كان للحصر المذكور في آية التوبة فائدة ،
قال تعالى:(إِنّمَا الصّدَقَاتُ لِلْفُقَرَآءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللّهِ وَابْنِ السّبِيلِ فَرِيضَةً مّنَ اللّهِ وَاللّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ) ( التوبة /60)
مسالة: من هو (ابْنِ السّبِيلِ ) ؟
(ابْنِ السّبِيلِ ) هو المسافر المنقطع به السفر ، نعطيه من مال الزكاة ما يُوصله إلى بلده حتى لو كان غنياً ، ولا نقول له اقترض لأنك غني ، بشرط أن يكون سفره في طاعة .
مسألة : ما معنى المنقطع به السفر ؟
هو الذي نفدت نفقته وليس معه ما يوصله إلى بلده .
مسألة : إذا كان ابن السبيل في سفر محرم ، هل يُعطى من مال الزكاة ؟
لا نعطيه إلا إذا تاب ، فيكون قد استفاد بالتوبة و المال .
مسألة : هل يجب على دافع الزكاة أن يعمَّ الأصناف الثمانية ، أم يجوز أن يقتصر على صنفٍ واحد منهم ؟
لا يجب على دافع الزكاة أن يعمَّ الأصناف الثمانية ،و يجوز له أن يقتصر على
صنفٍ واحد منهم .
قال تعالى : (إِن تُبْدُواْ الصّدَقَاتِ فَنِعِمّا هِيَ وَإِن تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الْفُقَرَآءَ فَهُوَ خَيْرٌ لّكُمْ وَيُكَفّرُ عَنكُم مّن سَيّئَاتِكُمْ وَاللّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ) ( البقرة / 271)(2/65)
الشاهد : أن الصدقة تستخدم في زكاة الفرض ، وقد ذكر الفقراء وهم صنف من الثمانية ، فدل على أن آية التوبة المراد بها بيان المستحقين للزكاة وليس لأنه يجب إعطائهم كلهم ،
( حديث ابن عباس الثابت في الصحيحين ) قال ، قال رسول الله ( لمعاذٍ بن جبل حين بعثه إلى اليمن : إنك ستأتي قوماً أهل كتاب فإذا جئتهم فادعهم إلى أن يشهدوا أن لا إله إلا الله و أن محمدا رسول الله ، فإن هم أطاعوا لك بذلك فأخبرهم أن الله قد فرض عليهم خمسُ صلواتٍ في كل يومٍ و ليلة ، فإن هم أطاعوا لك بذلك فأخبرهم أن الله قد فرض عليهم صدقةً تؤخذ من أغنيائهم فتردُ على فقرائهم ، فإن هم أطاعوا لك بذلك فإياك و كرائم أموالهم و اتقِ دعوة المظلوم فإنه ليس بينها و بين الله حجاب .
الشاهد : ( فتردُ على فقرائهم ) والفقراء من الأصناف الثمانية ، مما دل على آية التوبة هي بيان ( المستحقين للزكاة ) وليس لأنه يجب إعطائهم كلهم .
مسألة : هل يجوز دفع الزكاة إلى الخالة أو العم ، إن كانوا من أهل الزكاة ؟
يجوز أن يدفع الزكاة لأقاربه الذين ( لا تلزمه مؤنتهم ) وذلك أفضل ، لأنه يكون له أجر الصدقة و أجر القرابة .
( حديث زينب امرأة ابن مسعود الثابت في الصحيحين ) سألتُ رسول الله ( ( أيجزئُ عني من الصدقة النفقة على زوجي وأيتامٍ في حجري ؟ قال رسول الله ( : نعم ، لها أجران أجرُ القرابة وأجرُ الصدقة )
( حديث سلمان بن عامر الثابت في صحيح الترمذي ) أن النبي ( قال : (الصّدَقَةُ على المسْكِينِ صَدَقَةٌ وهِيَ على ذِي الرّحِمِ ثِنْتَانِ صدَقَةٌ وصِلَةٌ )
مسالة : لو أن إنسان راتبه يكفيه هو وزوجته فقط ، ولا يستطيع أن يساعد والده ، فهل يعطي والده من الزكاة ؟
نعم يعطيه من الزكاة لأنه حينئذٍ لا تلزمه نفقته .
مسألة : ما المقصود بموانع الزكاة ؟
موانع الزكاة : هي الموانع التي تمنع الشخص من إعطائه الزكاة ، وذلك لأن الأسباب لا تتم إلا باستيفاء شروطها وانتفاء موانعها .(2/66)
مسألة : هل تدفع الزكاة إلى هاشمي ؟
لا تدفع الزكاة لهاشمي ، لأنهم من آل محمداً ( ، وآل محمدٍ ( أشرف الناس نسباً فلا يُعطون من الزكاة إكراماً لهم لأن الزكاة أوساخ الناس ،
( حديث عبد المطلب بن ربيعة بن الحارث الثابت في صحيح مسلم ) أن النبي ( قال : ( إنَّ الصدقة لا تنبغي لآل محمدٍ إنما هي أوساخ الناس )
( حديث أبي هريرة رضي الله عنه الثابت في الصحيحين ) قال ، (كان رسول الله ( يُؤتى بالتمر عند صِرام النخل، فيجئُ هذا بتمره وهذا بتمره، حتى يصير عنده كوماً من تمر، فجعل الحسنُ والحسين رضي الله عنهما يلعبان بذلك التمر، فأخذ أحدهما تمرة فجعله في فيه، فنظر إليه رسول الله ( فأخرجها من فيه، فقال: (أما علمت أن آل محمد ( لا يأكلون الصدقة)
(صرام النخل ) : أي قطعه وقطف الثمر .
( حديث أبي هريرة رضي الله عنه الثابت في الصحيحين ) أن النبي (( حديث أبي هريرة رضي الله عنه الثابت في الصحيحين ) أن النب قال : (إني لأنقلبُ إلى أهلي، فأجدُ التمرة ساقطةً على فراشي، فأرفعها لآكلها، ثم أخشى أن تكون صدقة فألقيها)
{ تنبيه } :( إذا تحولت الصدقة إلى هدية جاز للنبي( أن يأكلها ،
( حديث أنس الثابت في الصحيحين ) أن النبي( أُتيَ بلحمٍ تُصدِّق به على بريرة، قال هو عليها صدقة وهو ولنا هدية)
مسألة : هل يجوز للولد أن يدفع زكاته إلى والده ليسدَّ دينه ؟
(وهذه المسألة لا تخلو من أمرين :
الأول : إذا كان الولد غني يتسع ماله إلى حدٍ يستطيعُ معه أن ينفق على والده ، فإنه حينئذٍ تلزمه نفقته ، ومن ثمَّ لا يجوز أن يعطيه من الزكاة لأنه غنيُ بغناه .
(حديث جابر ابن عبد الله رضي الله عنهما بن عبد الله الثابت في صحيحي ابن ماجه ) أن رجلاً قال يا رسول الله إن لي مالا وولدا وإن أبي يريد أن يجتاح مالي فقال : أنت ومالك لأبيك)(2/67)
الثاني : إذا كان الولدُ فقيراً ، لا يتسع ماله لينفق على والده ، فإنه حينئذٍ لا تلزمه نفقته ، ومن ثم يجوز له أن يعطيه من الزكاة ليسدَّ دينه .
مسألة : هل يجوز للزوجة أن تدفع الزكاة لزوجها ؟
يجوز للزوجة أن تدفع الزكاة لزوجها لأنها لا تلزمها نفقته .
مسألة : هل يجوز للزوج أن يعطي زوجته من زكاته لتشتري به طعاماً أو شراباً أو ثوباً ؟
لا يجوز ذلك لأنه تلزمه نفقتها .
مسألة : هل يجوز أن يعطي الزوج لزوجته من الزكاة لتسدَّ دينها ؟
يجوز ذلك لأن قضاء الدين عن زوجته لا يلزمه .
...
{ تنبيه } :( كان في بادئ الأمر لا يحل لرجلٍ عنده فائضٌ من مال أن يبيت عليه دون أن ينفقه في سبيل الله ، ثم صار الأمرُ بعد ذلك إلى تقدير النصاب وتقدير مقدار معين إذا دفعه الإنسان فقد طهرَّ ماله مهما كثر المال ولو ملئ الأرض ذهباً
( حديث خالد بن أسلم الثابت في صحيح البخاري ) قال : خرجنا مع عبد الله بن عمر رضي الله عنهما، فقال أعرابي: أخبرني عن قول الله تعالى : (وَالّذِينَ يَكْنِزُونَ الذّهَبَ وَالْفِضّةَ وَلاَ يُنفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللّهِ فَبَشّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ) قال ابن عمر رضي الله عنهما رضي الله عنهما: من كنزها فلم يؤدِّ زكاتها فويلٌ له، إنما كان ذلك قبل أن تُنزل الزكاة، فلما أنزلت جعلها الله طُهراً للأموال)
مسألة : اذكر الدليل على وجوب تحري الصدقة من كسبٍ طيب ؟ ...
(حديث أبي هريرة رضي الله عنه الثابت الثابت في الصحيحين) أن النبي ( قال : من تصدَّق بعدلِ تمرةٍ من كسبٍ طيب، ولا يقبل الله إلا الطيب، فإن الله يتقبَّلها بيمينه، ثم يربِّيها لصاحبها كما يربِّي أحدكم فَلُوَّهُ، حتىتصيرُ مثلَ الجبل)
((2/68)
حديث أبي هريرة رضي الله عنه الثابت الثابت في صحيح مسلم ) أن النبي ( قال : (إنّ الله طَيّبٌ ولاَ يَقْبَلُ إلاّ طَيّباً، وَإِنّ الله أمَرَ المُؤْمِنِينَ بِمَا أمَرَ بِهِ المُرْسَلِينَ، قال تعالى:(يَا أَيّهَا الرّسُلُ كُلُوا مِنَ الطّيّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحاً إني بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ)وَقالَ تعالى : (يَأَيّهَا الّذِينَ آمَنُواْ كُلُواْ مِن طَيّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَاشْكُرُواْ للّهِ إِن كُنْتُمْ إِيّاهُ تَعْبُدُونَ) ثم َذَكَرَ الرّجُلَ يُطِيلُ السّفَرَ أشْعَثَ أغْبَرَ يَمُدّ يَدَيه إلَى السّمَاءِ يارب يارب وَمَطْعَمُهُ حَرَامُ، وَمَلْبَسُهُ حَرَامٌ وَغُذِيَ بِالْحَرَامِ فَانّى يُسْتَجَابُ له )
...
مسألة : اذكر الدليل على أنه ينبغي على الإنسان أن يخرج الطيب في الصدقة ؟
يجب على الإنسان أن يخرج الطيب في الصدقة امتثالاً لقوله تعالى : ((لَن تَنَالُواْ الْبِرّ حَتّىَ تُنْفِقُواْ مِمّا تُحِبّونَ وَمَا تُنْفِقُواْ مِن شَيْءٍ فَإِنّ اللّهَ بِهِ عَلِيمٌ) (آل عمران / 92)
وقوله تعالى: (يَأَيّهَا الّذِينَ آمَنُوَاْ أَنْفِقُواْ مِن طَيّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمّآ أَخْرَجْنَا لَكُم مّنَ الأرْضِ وَلاَ تَيَمّمُواْ الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ وَلَسْتُمْ بِآخِذِيهِ إِلاّ أَن تُغْمِضُواْ فِيهِ وَاعْلَمُوَاْ أَنّ اللّهَ غَنِيّ حَمِيدٌ) ( البقرة /267)
((2/69)
حديث أنس الثابت في الصحيحين ) قال : كان أبو طلحة أكثُ الأنصار بالمدينة مالاً من نخل ، وكان أحبُ أموالهِ إليه بَيْرحَاء ، وكانت مستقبلة المسجد ، وكان رسول الله ( يدخلها ويشرب من ماءٍ فيها طيب ، قال أنس : فلما أُنزلت هذه الآية (لَن تَنَالُواْ الْبِرّ حَتّىَ تُنْفِقُواْ مِمّا تُحِبّونَ وَمَا تُنْفِقُواْ مِن شَيْءٍ فَإِنّ اللّهَ بِهِ عَلِيمٌ) قام أبو طلحة إلى رسول الله ( فقال يا رسول الله إن الله تبارك وتعالى يقول : (لَن تَنَالُواْ الْبِرّ حَتّىَ تُنْفِقُواْ مِمّا تُحِبّونَ وَمَا تُنْفِقُواْ مِن شَيْءٍ فَإِنّ اللّهَ بِهِ عَلِيمٌ) وإن أحبَّ أموالي إليَّ بَيْرحَاء وإنها صدقة لله أرجو برَّها وزُخّرها عند الله ، فضعها يا رسول الله حيث أراك الله ، قال رسول الله ( بخٍ ذلك مالٌ رابح ذلك مالٌ رابح ، وقد سمعتُ ما قلت ، وإني أرى أن تجعلها في الأقربين ،فقال أبو طلحة : أفعلُ يا رسول الله فقسمها أبو طلحة في أقاربه وبنى عمه )
مسألة : هل يجوزانفاق المال كله في وجوه البر ؟
( حديث أبي هريرة رضي الله عنه الثابت في صحيح البخاري ) أن النبي ( قال: (لا حسد إلا في اثنتين: رجلٌ علمه الله القرآن فهو يتلوه آناء الليل وآناء النهار، فسمعه جارٌ له فقال : ليتني أوتيتُ مثل ما أُوتيَ فلانٌ فعملتُ مثل ما يعمل ، ورجل آتاه الله مالاً فهو يهلكه في الحق ، فقال رجل : ليتني أوتيتُ مثل ما أُوتيَ فلانٌ فعملتُ مثل ما يعمل )
[*] قال الإمام ابن حجر في الفتح :
معناه حصر المرتبة العليا من الغبطة في هاتين الخصلتين فكأنه قال هما آكد القربات التي يغبط بها وليس المراد نفي أصل الغبطة مما سواهما فيكون من مجاز التخصيص أي لا غبطة كاملة التأكيد لتأكيد أجر متعلقها الى الغبطة بهاتين الخصلتين وقال الكرماني الخصلتان المذكورتان هنا غبطة لا حسد لكن قد يطلق أحدهما على الاخر .(2/70)
مسألة : اذكر الدليل على أن الصدقة حال الصحة أعظم أجراً وأصدق نية من صدقة المريض و المحتضر ؟
صحيح شحيح: (صحيح شحيح ) فيه دلالة على أن مجاهدة النفس المجبولة على الشح حال الصحة ، أكثر من حالة المرض وذلك لأن الثابت فيصحيح يخشى الفقر ويأمل الغنى ويؤمل في الدنيا بخلاف المريض والمحتضر .
مسألة : اذكر الدليل على استحباب المسارعة بالصدقة وكراهية التسويف ؟
من أحب أن يتصدق فعليه أن يسارع إلى ذلك ، فإن التؤدة فكل شيء خير إلا في عمل الآخرة .
( حديث سعد بن أبي وقاص الثابت في صحيح أبي داوود ) أن النبي ( قال : (التؤدة فكل شيءٍ خير إلا عمل الآخرة )
(حديث حارثة بن وهب الخزاعي الثابت في الصحيحين ) أن النبي ( قال :
(تصدَّقوا، فإنه يأتي عليكم زمانٌ ، يمشي الرجلُ بصدقته فلا يجدُ من يقبلُها ، يقول الرجل : لو جئت أمس لقبلتُها أما اليومَ فلا حاجةَ لي بها )
...
مسألة : اذكر الدليل على استحباب الصدقة ولو بالشيء القليل وأنها قد تكون سبباً في النجاة من؟
(حديث أبي هريرة رضي الله عنه الثابت الثابت في الصحيحين) أن النبي ( قال : (من تصدَّق بعدلِ تمرةٍ من كسبٍ طيب، ولا يقبل الله إلا الطيب، فإن الله يتقبَّلها بيمينه، ثم يربِّيها لصاحبها كما يربِّي أحدكم فَلُوَّهُ، حتىتصيرُ مثلَ الجبل)
(حديث عدي بن حاتم الثابت في الصحيحين) أن النبي ( قال : ( ليس منكم من أحدٍ إلا سيكلمه ربه ليس بينه وبينه ترجمان ، فينظر أيمن منه فلا يرى إلا ما قدَّم وينظر أشأمَ منه فلا يرى إلا ما قدَّم وينظر بين يديه فلا يرى إلا النارَ تلقاءَ وجهِهِ ، فاتقوا النارَ ولو بشقِ تمرة )
مسألة : اذكر الدليل على أن من آداب الصدقة أن يتصدق بيمينه وأن يخفيها ؟
((2/71)
حديث أبي هريرة رضي الله عنه الثابت الثابت في الصحيحين) أن النبي ( قال :(سَبْعَةٌ يُظِلّهُمُ الله في ظِلّهِ يَوْمَ لاَ ظِلّ إِلاّ ظِلّهُ: إِمَامٌ عَادِلٌ، وَشَابٌ نَشَأَ في ِعِبَادَةِ الله، وَرَجُلٌ قَلْبُهُ مُعَلّقٌ في المَسْاجِدِ، وَرَجُلاَنِ تَحَابّا في الله اجْتَمعَا عَلَيه وَتَفَرّقَا عليه ، وَرَجُلٌ دَعَتْهُ امرأة ذَاتُ منصبٍ وَجَمَالٍ فَقَالَ إِنّي أَخَافُ الله ، وَرَجُلٌ تَصَدّقَ بِصَدَقَةٍ فَأَخْفَاهَا حَتّى لا تَعْلَمَ شِمَالُهُ مَا تُنْفِقُ يَمِينُهُ ، وَرَجُلٌ ذَكَرَ الله خَالِياً فَفَاضَتْ عَيْنَهُ )
(حديث أبي سعيد الثابت في صحيح الجامع) أن النبي ( قال :( صدقةُ السر تُطفئُ غضب الرب ، وصلةُ الرحم تزيدُ في العمر ، وفعلُ المعروف يقي مصارع السوء)
مسألة : هل صدقة السر أفضل أم صدقة الجهر أفضل ؟
الأصل في المسألة جواز الصدقة سراً وعلانية ، لقوله تعالى : (إِن تُبْدُواْ الصّدَقَاتِ فَنِعِمّا هِيَ وَإِن تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الْفُقَرَآءَ فَهُوَ خَيْرٌ لّكُمْ وَيُكَفّرُ عَنكُم مّن سَيّئَاتِكُمْ وَاللّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ) ( البقرة / 271)
ويبقى النظر هل صدقة السر أفضل أم الجهر ؟
نقول بتوفيق الله تعالى : أن المسألة على التفصيل الآتي :
(1) صدقة الفرض : الأفضل فيها الجهر لإظهار شعيرة من شعائر الله تعالى وهي الزكاة .
(2) صدقة التطوع : الأفضل فيها السر لأنها أخلص للنية وأبعدُ عن الرياء وأسلم للقصد ، والسلامة لا يعدلُها شيء .
مسألة : اذكر الدليل على فضيلة الاستعفاف عن المسألة ؟
(حديث حكيم ابن حزام الثابت الثابت في الصحيحين) أن النبي ( قال :( اليدُ العليا خيرٌ من اليد السفلى، وابدأ بمن تعول، وخيرُ الصدقةِ عن ظهرِ غنى، ومن يستعفف يُعفَّه الله، ومن يستغن يغنه الله )
((2/72)
حديث ابن عمر رضي الله عنهما الثابت الثابت في الصحيحين) أن النبي ( قال وهو على المنبر ، وذكر الصدقة و التعفف و المسألة (اليدُ العليا خيرٌ من اليد السفلى، فاليدُ العليا هي المنفقة ،و اليد السفلى هي السائلة )
( حديث أَبِي سَعِيدٍ الثابت في الصحيحين) أَنّ نَاساً مِنَ الأنْصَارِ سَأَلُوارسول الله ( فَأَعْطَاهُمْ، ثُمّ سَألُوه فَأَعْطاهُمْ، حتى نَفِد ما عنده فقال : َ مَا يَكُونُ عِنْدِي مِنْ خَيْرٍ فَلَنْ أَدّخِرَهُ عَنْكُمْ، وَمَنْ يستعفف يُعِفّهُ الله، وَمَنْ يَسْتَغْنِ يُغْنِهِ الله، وَمَنْ يَتَصَبّرْ يُصَبّرْهُ الله، وَمَا أُعْطِيَ أحَدٌ عطاءاً خَيْراً وَأَوْسَعَ مِنَ الصّبْرِ )
(حديث أبي هريرة رضي الله عنه الثابت الثابت في الصحيحين) أن النبي ( قال :( والذي نفسي بيده، لأن يأخذ أحدكم حَبْله، فيحتطبَّ على ظهره، خيرٌ له من أن يأتيَ رجلاً فيسألَه، أعطاهُ أو مَنَعه)
(حديث المقدام بن معد يكرب الثابت في صحيح البخاري ) أن النبي ( قال :( ما أكل أحدٌ طعامٌ قط، خيرٌ من أن يأكل من عمل يده، وإن نبي الله داود كان يأكلُ من عمل يده)
(حديث أبي هريرة رضي الله عنه الثابت الثابت في صحيح مسلم ) أن النبي ( قال :( كان زكرياء نجاراً )
(حديث أبي هريرة رضي الله عنه الثابت الثابت في الصحيحين) أن النبي ( قال :( ليس المسكينُ الذي يطوفُ على الناس ترده اللقمةُ واللقمتان والتمرةُ والتمرتان ، إنما المسكينُ الذي لا يجدُ غنىً يغنيه ولا يفطنُ به فيتصدق ولا يقومُ فيسأل الناس )
وفي رواية ( إنما المسكين الذي يتعفف ، اقرأوا إن شئتم (لا يَسْأَلُونَ النّاسَ إِلْحَافاً )
...
مسألة : اذكر الدليل على كراهية المسألة ؟
(حديث ثوبان الثابت في صحيح أبي داوود ) أن النبي ( قال :( من يكفلْ لي أن لا يسألَ الناس شيئاً وأتكفلُ له بالجنة فقال ثوبان أنا فكان لا يسألُ الناس شيئا )
((2/73)
حديث ابن عباس الثابت في صحيح الجامع ) أن النبي ( قال :( ليستغن أحدكم عن الناس بقضيب سواك )
( حديث ابن مسعود الثابت في صحيحي أبي داوود والترمذي ) أن النبي ( قال: (من أصابته فاقة فأنزلها بالناس لم تُسَدْ فاقته ، ومن أنزلها بالله أوشك الله له بالغنى إما بموتٍ عاجلٍ أو غنى عاجل )
مسألة : اذكر الدليل على جواز أخذ المال لمن أُعطيه بشرط أن يكون غير مشرفٍ ولا سائل ؟
(حديث ابن عمر رضي الله عنهما الثابت في الصحيحين) قال : سمعت عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - يقول: كان رسول الله ( يعطيني العطاءَ، فأقولُ أعطهِ من هو أفقر مني فقال: (خذه، إذا جاءك من هذا المال شيءٌ، وأنت غير مشرفٍ ولا سائل، فخُذهُ، وما لا، فلا تُتْبعِه نفسك)
...
مسألة : اذكر الدليل على ذم من سأل الناس تكثراً ؟
(حديث ابن عمر رضي الله عنهما الثابت الثابت في الصحيحين) أن النبي ( قال : (ما يزالُ الرجلُ يسألُ الناس، حتى يأتي يوم القيامةِ ليس في وجهه مُزْعَةُ لحم)
( حديث أبي هريرة رضي الله عنه الثابت في صحيح مسلم ) أن النبي ( قال : ( من سأل الناس تكثراً فإنما يسأل جمراً فليستقل أو ليستكثر )
...
مسألة : اذكر الدليل على تحري إعطاء الصدقة للمتعفف ؟
(حديث أبي هريرة رضي الله عنه الثابت الثابت في الصحيحين) أن النبي ( قال :( ليس المسكينُ الذي يطوفُ على الناس ترده اللقمةُ واللقمتان والتمرةُ والتمرتان ، إنما المسكينُ الذي لا يجدُ غنىً يغنيه ولا يفطنُ به فيتصدق ولا يقومُ فيسأل الناس )
وفي رواية ( إنما المسكين الذي يتعفف ، اقرأوا إن شئتم (لا يَسْأَلُونَ النّاسَ إِلْحَافاً )
مسألة : اذكر الدليل على كراهية الرجوع في الصدقة ؟
(حديث ابن عباس الثابت الثابت في الصحيحين) أن النبي ( قال :( ليس لنا مثلُ السوءِ الذي يعودُ في هِبته كالكلبِ يعودُ في قيئه )
مسألة : اذكر الدليل على كراهية الحرص على الدنيا فإنه يفسد الدين ؟
((2/74)
حديث أبي هريرة رضي الله عنه الثابت الثابت في الصحيحين) أن النبي ( قال :( لا يزالُ قلب الكبير شاباً في اثنين : في حُبِ الدنيا وطولِ الأمل )
(حديث أنس الثابت الثابت في الصحيحين) أن النبي ( قال :( لو أن لابن آدم وادياً من ذهبٍ أحبَّ أن يكون له واديان ولن يملأ جوفُ ابن آدم إلا التراب ، ويتوبُ الله على من تاب )
( حديث كَعْبِ بنِ مَالِكِ الثابت في صحيح الترمذي ) أن النبي ( قال : (مَا ذِئْبَانِ جَائِعَانِ أُرْسِلاَعلى غَنَمِ بِأَفْسَدَ لهَا مِنْ حِرْصِ الْمَرءِ عَلَى الْمَالِ وَالشّرَفِ لِدِيِنِه)
...
مسألة : اذكر الدليل على فضيلة التحلي بالقناعة ؟
( حديث عبد الله بن عمر الثابت في صحيح مسلم ) أن النبي ( قال : (قد أفلح من أسلم و رُزق كفافاً و قنَّعه الله بما آتاه )
(حديث أبي هريرة رضي الله عنه الثابت الثابت في الصحيحين) أن النبي ( قال :( اللهم ارزق آل محمداً قوتاً ) أي شيءٌ يسدُ الرمق .
(حديث أبي هريرة رضي الله عنه الثابت الثابت في الصحيحين) أن النبي ( قال :( ليس الغنى عن كثرةِ العرض ولكن الغنى غنى النفس )
(حديث عبيد الله بن محصن الثابت في صحيح الجامع ) أن النبي ( قال :( من أصبح منكم آمناً في سربه معافى في جسده عنده قوتُ يومه فكأنما حيزت له الدنيا )
مسألة : اذكر الدليل على فضيلة التحريض على الصدقة و الشفاعة فيها ؟
(حديث أبي موسى الثابت الثابت في الصحيحين) قال ، كان رسول الله ( إذا أتاه طالبُ حاجةٍ أقبل على جُلسائه فقال : ( اشفعوا تؤجروا ويقضي الله على لسان نبيه ما أحب )
مسألة : اذكر الدليل على أن الصدقة على الأقارب أعظم أجراً ؟
الصدقة على الأقارب أعظم أجراً لأن فيها أجرُ الصدقة و أجر القرابة .
((2/75)
حديث أنس الثابت في الصحيحين ) قال : كان أبو طلحة أكثرُ الأنصار بالمدينة مالاً من نخل ، وكان أحبُ أموالهِ إليه بَيْرحَاء ، وكانت مستقبلة المسجد ، وكان رسول الله ( يدخلها ويشرب من ماءٍ فيها طيب ، قال أنس : فلما أُنزلت هذه الآية (لَن تَنَالُواْ الْبِرّ حَتّىَ تُنْفِقُواْ مِمّا تُحِبّونَ وَمَا تُنْفِقُواْ مِن شَيْءٍ فَإِنّ اللّهَ بِهِ عَلِيمٌ) قام أبو طلحة إلى رسول الله ( فقال يا رسول الله إن الله تبارك وتعالى يقول : (لَن تَنَالُواْ الْبِرّ حَتّىَ تُنْفِقُواْ مِمّا تُحِبّونَ وَمَا تُنْفِقُواْ مِن شَيْءٍ فَإِنّ اللّهَ بِهِ عَلِيمٌ) وإن أحبَّ أموالي إليَّ بَيْرحَاء وإنها صدقة لله أرجو برَّها وزُخّرها عند الله ، فضعها يا رسول الله حيث أراك الله ، قال رسول الله ( بخٍ ذلك مالٌ رابح ذلك مالٌ رابح ، وقد سمعتُ ما قلت ، وإني أرى أن تجعلها في الأقربين ،فقال أبو طلحة : أفعلُ يا رسول الله فقسمها أبو طلحة في أقاربه وبنى عمه )
(حديث أبي مسعود الأنصاري الثابت الثابت في الصحيحين) أن النبي ( قال :( إذا أنفق الرجلُ على أهله يحتسبها فهو له صدقة )
(حديث ميمونة الثابت الثابت في الصحيحين) أنها أعتقت وليدةً في زمان رسول الله ( فقال : ( لو أعطيتِها أخوالك كان أعظمُ لأجرك )
(حديث عن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه الثابت في صحيح البخاري ) أن النبي ( قال : إنك لن تنفق نفقة تبتغي بها وجه الله إلا أجرت عليها، حتى ما تجعل في في امرأتك).
(حديث أبي هريرة رضي الله عنه الثابت الثابت في صحيح مسلم ) أن النبي ( قال :( دينارٌ أنفقته في سبيل الله ، و دينارٌ أنفقته في رقبة ، و دينارٌ تصدقت به على المسلمين ، و دينارٌ أنفقته على أهلك ، أعظمها أجراً الذي أنفقته على أهلك )
مسألة : اذكر الدليل على جواز صدقة المرأة على زوجها وولدها ؟
((2/76)
حديث زينب امرأة بن مسعود الثابت الثابت في الصحيحين) قالت : سألتُ رسول الله ( أيجزئ عني من الصدقة النفقة على زوجي وأيتامٍ في حجري؟ قال رسول الله ( : لها أجران، أجرُ الصدقة وأجرُ القرابة )
مسألة : اذكر الدليل على ثبوت أجر المتصدق إن وقعت في غير أهلها طالما اجتهد وبذل ما في وسعه ؟
(حديث أبي هريرة رضي الله عنه الثابت في الصحيحين) أن رسول الله ( قال :( (قال رجل لأتصدقن بصدقة، فخرج بصدقته، فوضعها في يد سارق، فأصبحوا يتحدثون تُصدِّق على سارق، فقال: اللهم لك الحمد، لأتصدقن بصدقة، فخرج بصدقته فوضعها في يد زانية، فأصبحوا يتحدثون تُصدِّق الليلة على زانية، فقال: اللهم لك الحمد، على زانية؟ لأتصدقن بصدقة، فخرج بصدقته. فوضعها في يدي غني، فأصبحوا يتحدثون تُصدِّق على غني، فقال: اللهم لك الحمد، على سارق، وعلى زانية، وعلى غني، فأُتي فقيل له: أما صدقتك على سارق فلعله أن يستعفَّ عن سرقته، وأما الزانية: فلعلها أن تستعف عن زِناها، وأما الغني: فلعله يعتبرُ، فينفق مما أعطاه الله)
(حديث أبي هريرة رضي الله عنه الثابت الثابت في الصحيحين) أن النبي ( قال :(إذا حكم الحاكم فاجتهد ثم أصاب فله أجران، وإذا حكم فاجتهد ثم أخطأ فله أجر)
...
مسألة : اذكر الدليل على التحذير لمن يتخوض في مال الله بغير حق سواء في الزكاة أو غيرها ؟
(حديث خولة الأنصارية الثابت الثابت في صحيح البخاري) أن النبي ( قال :( إن ناساً يتخوضون في مالِ الله بغير حقٍ فلهم النارُ يوم القيامة )
مسألة : اذكر الدليل على أنه لا تحل الصدقة للقوي المكتسب ؟
( حديث عبد الله بن عمرو الثابت في صحيحي أبي داوود والترمذي ) أن النبي ( قال:( لا تحلُ الصدقةُ لغنيٍ ولا لذي مِرةٍ سَوِي )
(ذي مِرةٍ ) أي ذي قوة
(سَوِي ) سليم الأعضاء
مسألة : اذكر الدليل على فضل الصدقة الجارية ؟
((2/77)
حديث أبي هريرة رضي الله عنه الثابت الثابت في صحيح مسلم ) أن النبي ( قال :( إذا مات الإنسان انقطع عمله إلا من ثلاثة : صدقةٍ جارية ، أو علمٍ يُنتفع به ، أو ولدٍ صالحٍ يدعوا له )
مسألة : ما هي زكاة الفطر ؟
زكاة الفطر : هي الزكاة التي تجب بالفطر من رمضان ، وهي واجبة على كل فردٍ من المسلمين صغيراً أو كبيراُ ، ذكراً أو أنثى ، حر أو عبد ،
( حديث ابن عمر رضي الله عنهما الثابت في الصحيحين ) قال ، فرض رسول الله ( زكاة الفطر صاعاً من تمر أو صاعاً من شعير على العبد والحر و الذكر و الأنثى و الصغير و الكبير من المسلمين أمر بها أن تؤدى قبل خروج الناس إلى الصلاة )
مسألة : ما هي حكمة زكاة الفطر ؟
شرعت زكاة الفطر طُهرة للصائم من اللغو والرفث وطعمةً للمسكين .
(حديث بن عباس الثابت في صحيحي أبي داوود وابن ماجه ) فرض رسولُ الله (زكاة الفطر طُهرةً للصائم من اللغو والرفث وطُعمةً للمساكين ، فمن أداها قبل الصلاة فهي زكاةٌ مقبولة ومن أداها بعد الصلاة فهي صدقة من الصدقات )
مسألة : ما هي شروط وجوب زكاة الفطر ؟
[*](شروط وجوب زكاة الفطر ما يلي :
(1) الإسلام :
( حديث ابن عباس الثابت في الصحيحين ) قال ، قال رسول الله ( لمعاذ بن جبل حين بعثه إلى اليمن : إنك ستأتي قوماً أهل كتاب فإذا جئتهم فادعهم إلى أن يشهدوا أن لا إله إلا الله و أن محمدا رسول الله ، فإن هم أطاعوا لك بذلك فأخبرهم أن الله قد فرض عليهم خمسُ صلواتٍ في كل يومٍ و ليلة ، فإن هم أطاعوا لك بذلك فأخبرهم أن الله قد فرض عليهم صدقةً تؤخذ من أغنيائهم فتردُ على فقرائهم ، فإن هم أطاعوا لك بذلك فإياك و كرائم أموالهم و اتقِ دعوة المظلوم فإنه ليس بينها و بين الله حجاب .
الشاهد : (أن الله قد فرض عليهم صدقةً ) و المقصود المسلمين .
(2) أن يكون عنده فضل صاع يوم العيد وليلته عن قوته وقوت عياله وحوائجه الأصلية من مسكن وخادم ودابة وثياب ونحو ذلك ،
((2/78)
حديث حكيم ابن حزام الثابت في الصحيحين) أن النبي ( قال :( اليدُ العليا خيرٌ من اليد السفلى، وابدأ بمن تعول، وخيرُ الصدقةِ عن ظهرِ غنى، ومن يستعفف يُعفَّه الله، ومن يستغن يغنه الله )
[*](لا تُدفع زكاة الفطر إلا للمساكين .
(حديث بن عباس الثابت في صحيحي أبي داوود وابن ماجه ) فرض رسولُ الله (زكاة الفطر طُهرةً للصائم من اللغو والرفث وطُعمةً للمساكين ، فمن أداها قبل الصلاة فهي زكاةٌ مقبولة ومن أداها بعد الصلاة فهي صدقة من الصدقات )
الشاهد : (وطُعمةً للمساكين )
مسألة : هل يُستحب إخراج زكاة الفطر عن الجنين ؟
يُستحب إخراج زكاة الفطر عن الجنين لفعل عثمان - رضي الله عنه - ، و عثمان - رضي الله عنه - من الخلفاء الراشدين و فعله سنة .
( حديث العرباض بن سارية الثابت في صحيحي أبي داوود والترمذي) قال ، صلى بنا رسول الله ( ذات يوم ثم أقبل علينا فوعظنا موعظةً بليغة ذرفت منها العيون ووجلت منها القلوب فقال قائل يا رسول الله كأن هذه موعظة مودِّع فماذا تعهد إلينا ؟ فقال أوصيكم بتقوى الله والسمع والطاعة وإنْ عبداً حبشياً فإنه من يعش منكم بعدي فسيرى اختلافاً كثيراً ، فعليكم بسنتي وسنةِ الخلفاء الراشدين المهديين تمسكوا بها وعضوا عليها بالنواجذ وإياكم ومحدثات الأمور فإن كلَ محدثةٍ بدعة وكل بدعةٍ ضلالة )
الشاهد : ( فعليكم بسنتي وسنةِ الخلفاء الراشدين المهديين تمسكوا بها ) وإفراد الضمير دل على أن سنة الخلفاء الراشدين من سنته (إذا لو لم تكن كذلك لثنى الضمير .
{ تنبيه } :( في استحباب إخراج الزكاة عن الجنين ، يكون المقصود بالجنين هو من تم له أربعة أشهر لأنه يكون إنساناً بنفخ الروح فيه .
مسألة : ما هو وقت وجوب صدقة الفطر ... ؟(2/79)
تجب صدقة الفطر بغروب الشمس ليلة العيد ، وذلك لأنها تسمى صدقة الفطر ، فتضاف إليه ، والفطر من رمضان يتحقق بغروب الشمس ليلة العيد ،ويجوز تعجيلها قبل العيد بيومٍ أو يومين ، فلقد كان ابن عمر رضي الله عنهما - رضي الله عنه - يؤديها قبل ذلك باليوم و اليومين .
مسألة : هل يجوز إخراج صدقة الفطر بعد الصلاة ؟
إخراج صدقة الفطر بعد الصلاة حرام يأثم صاحبها لتركه الفرض الذي فرضه رسول الله ( ، وأنها لا تجزئ لأنه عمل عملاً ليس عليه أمر الله ورسوله ،
( حديث ابن عمر رضي الله عنهما الثابت في الصحيحين ) قال ، فرض رسول الله ( زكاة الفطر صاعاً من تمر أو صاعاً من شعير على العبد والحر و الذكر و الأنثى و الصغير و الكبير من المسلمين أمر بها أن تؤدى قبل خروج الناس إلى الصلاة )
(حديث بن عباس الثابت في صحيحي أبي داوود وابن ماجه ) فرض رسولُ الله (زكاة الفطر طُهرةً للصائم من اللغو والرفث وطُعمةً للمساكين ، فمن أداها قبل الصلاة فهي زكاةٌ مقبولة ومن أداها بعد الصلاة فهي صدقة من الصدقات )
( حديث عائشة الثابت في صحيح مسلم ) أن النبي ( ( من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد )
مسألة : ما هو مقدار إخراج صدقة الفطر؟
صاعاً من طعام ( أي من قوت البلد )
( حديث أبي سعيد الثابت في الصحيحين ) قال ،كُنا نخرج في عهد رسول الله ( صدقة الفطر صاعاً من طعام ، قال أبو سعيد : وكان طعامنا الشعير و الزبيب و الأقط و التمر )
مسالة : ما مقدار الصاع النبوي بالكيلو جرام ؟
مسألة : إذا كان الشعير و الزبيب و الأقط و التمر ليست قوتاً اليوم ، فهل تجزئ في صدقة الفطر ؟
إذا كانت ليست قوتاً اليوم فلا تجزئ ، لأنه ذكر هذه الأصناف على أنها طعام على سبيل التمثيل وليس التعين .
مسألة : هل يجب إخراج زكاة الفطر طعاماً أم يجزئ المال ؟
الأقرب للسنة والأبرء للذمة أن تكون طعاماً ،
((2/80)
حديث أبي سعيد الثابت في الصحيحين ) قال ،كُنا نخرج في عهد رسول الله ( صدقة الفطر صاعاً من طعام ، قال أبو سعيد : وكان طعامنا الشعير و الزبيب و الأقط و التمر )
(حديث بن عباس الثابت في صحيحي أبي داوود وابن ماجه ) فرض رسولُ الله (زكاة الفطر طُهرةً للصائم من اللغو والرفث وطُعمةً للمساكين ، فمن أداها قبل الصلاة فهي زكاةٌ مقبولة ومن أداها بعد الصلاة فهي صدقة من الصدقات )
الشاهد : (وطُعمةً للمساكين )
تخطيط هيكلي
دعا الإسلام إلى الصدقة وحضَّ عليها بأسلوب يستهوي الأفئدة ، ويبعث الهمَّات
إلى اغتنام الفرص قبل الممات .
قال تعالى : (مّثَلُ الّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ كَمَثَلِ حَبّةٍ أَنبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلّ سُنبُلَةٍ مّئَةُ حَبّةٍ وَاللّهُ يُضَاعِفُ لِمَن يَشَآءُ وَاللّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ) ( البقرة / 261)
قال تعالى: (لَن تَنَالُواْ الْبِرّ حَتّىَ تُنْفِقُواْ مِمّا تُحِبّونَ وَمَا تُنْفِقُواْ مِن شَيْءٍ فَإِنّ اللّهَ بِهِ عَلِيمٌ) ( آل عمران / 92)
قال تعالى: (آمِنُواْ بِاللّهِ وَرَسُولِهِ وَأَنفِقُواْ مِمّا جَعَلَكُم مّسْتَخْلَفِينَ فِيهِ فَالّذِينَ آمَنُواْ مِنكُمْ وَأَنفَقُواْ لَهُمْ أَجْرٌ كَبِيرٌ) ( الحديد / 7)
(حديث أبي هريرة رضي الله عنه الثابت في الصحيحين) أن النبي ( قال :(ما من يوم يصبح العباد فيه، إلا ملكان ينزلان، فيقول أحدهما: اللهم أعط منفقا خلفا ويقول الآخر: اللهم أعط ممسكا تلفا)
(حديث أبي هريرة رضي الله عنه الثابت الثابت في الصحيحين) أن النبي ( قال :
(من تصدَّق بعدلِ تمرةٍ من كسبٍ طيب، ولا يقبل الله إلا الطيب، فإن الله يتقبَّلها بيمينه، ثم يربِّيها لصاحبها كما يربِّي أحدكم فَلُوَّهُ، حتىتصيرُ مثلَ الجبل)
((2/81)
حديث عدي بن حاتم الثابت الثابت في الصحيحين ) أن النبي ( قال :ليس منكم من أحدٍ إلا سيكلمه ربُه ليس بينه وبينه ترجُمان، فينظرُ أيمنًّ منه فلا يرى إلا ما قدَّم ، وينظر أشأم منه فلا يرى إلا ما قدَّم، وينظر بين يديه فلا يرى إلا النار تلقاء وجهه، فاتقوا النار ولو بشِقِّ تمرة)
مسألة : ما هي أنواع الصدقات ؟
[*](ليست الصدقة قاصرة على نوع معين من أنواع البر بل هي عامة في كل معرفة ، فإن كل معروفٍ صدقة .
(حديث أبي موسى الأشعري الثابت الثابت في الصحيحين ) أن النبي ( قال: (على كلِ مسلمٍ صدقة فقالوا: يا نبي الله، فمن لم يجد؟ قال: يعمل بيده، فينفع نفسه ويتصدَّق قالوا: فإن لم يجد؟ قال: يعين ذا الحاجة الملهوف قالوا: فإن لم يجد؟ قال: فليعملْ بالمعروف، وليمسك عن الشر، فإنها له صدقة )
( الملهوف ) المستغيث سواء أكان مظلوماً أم عاجزا ً .
(حديث أبي هريرة رضي الله عنه الثابت في الصحيحين) أن النبي أنواع الصدقات
قال :( كلُ ُسلامى من الناس عليه صدقة، كل يومٍ تطلع فيه الشمس، َيعِدلُ بين الاثنين صدقة، ويعين الرجلُ على دابته فيحمل عليها، أو يرفع عليها متاعه صدقة، والكلمة الطيبة صدقة، وكلُ خطوةٍ يخطوها إلى الصلاة صدقة، ويميطُ الأذى عن الطريق صدقة)
(سُلامى ) أي المفاصل
(ومعنى الحديث :
أن على كلِ إنسان أن يتصدق كل يومٍ على سبيل الاستحباب بعدد مفاصله وهي (360) مفصل شكراً لله تعالى أن جعل له مفاصل تمكن العظام من الثني .
(حديث أنس الثابت الثابت في الصحيحين) أن النبي ( قال : (ما من مسلم يغرس غرسا أو يزرع زرعا، فيأكل منه طير، أو إنسان، أو بهيمة، إلا كان له به صدقة)
وبين النبي ( أن الصدقة تكون أعظم أجراً عندما يكون الإنسان الثابت في صحيحاً شحيحاً يخشى الفقر و يأمل الغنى .
مسألة : أي وقت أفضل في صدقة التطوع ؟
يزيد فضلها في أزمان و أمكنة ، بالنسبة للزمان : يزيد فضلها في عشر ذي الحجة .
((2/82)
حديث ابن عباس الثابت في صحيح البخاري) أن النبي ( قال :( ما من أيامٍ العملُ الصالح فيها أحبُ إلى الله من هذه الأيام يعني أيام العشر قالوا ولا الجهاد في سبيل الله قال : ولا الجهادُ في سبيل الله إلا أحدُ خرج يجاهد بنفسه وماله ثم لم يرجع من ذلك بشيء )
وبالنسبة للمكان : يزيد فضلها في الحرمين المكي و المدني لشرف المكان .
مسألة : ما هي الحالات التي تكون فيها صدقة التطوع أفضل ؟
أوقات الحاجات أفضل ، وهناك أوقات حاجة دائمة مثل : فصل الشتاء ، فإن الفقراء فيه أحوج من فصل الصيف ، وهناك حالات طارئة مثل : أن يحصل مجاعة للناس أو جدب فيحتاج الناس ، وكذا القرابة مقدمة على غيرها فيكون له أجر الصدقة و أجر القرابة .
مسألة : إذا تعارض شرف المكان مع شدة الحاجة فأيهما يُقدم ؟
يُقدم شدة الحاجة لوجهين :
(1) أن الصدقة شُرعت لدفع الحاجة
(2) لأن دفع الحاجة يتعلق بنفس العبادة .
مسألة : متى تُسن صدقة التطوع ؟
تأتي في الدرجة الثانية بعد كفاية من يعولهم .
(حديث حكيم ابن حزام الثابت الثابت في الصحيحين) أن النبي ( قال :( اليدُ العليا خيرٌ من اليد السفلى، وابدأ بمن تعول، وخيرُ الصدقةِ عن ظهرِ غنى، ومن يستعفف يُعفَّه الله، ومن يستغن يُغنه الله )
مسألة : هل يجوز للإنسان أن يتصدق صدقة تطوع وينقص كفاية من يعول ؟
لا يجوز للإنسان أن يتصدق صدقة تطوع وينقص كفاية من يعول ، وهو بذلك آثم ، لأنه إذا نقص الواجب أثم ، فكيف يترك واجب ويفعل تطوع ، نعوذ بالله من الخبال و الوبال ،
( حديث عبد الله بن عمرو الثابت في صحيح أبي داوود ) قال رسول الله ( (كفى بالمرء إثما أن يضيع من يقوت )
مسألة : هل يجوز للرجل أن ينفق ماله كله في سبيل الله ؟
القول الذي دلت عليه السنة الثابتة الصحيحة وتجتمع فيه الأدلة أن المسألة على التفصيل الآتي :
((2/83)
1) إذا كان الإنسان قد عرف من نفسه الصبر وحسن التوكل وعنده ما يستطيع أن يحصل به على قوته وقوت من يعول ، فلا حرج في ذلك ، وعليه يُحمل الحديث الآتي :
( حديث أبي هريرة رضي الله عنه الثابت في صحيح البخاري ) أن النبي ( قال: (لا حسد إلا في اثنتين: رجلٌ علمه الله القرآن فهو يتلوه آناء الليل وآناء النهار، فسمعه جارٌ له فقال : ليتني أوتيتُ مثل ما أُوتيَ فلانٌ فعملتُ مثل ما يعمل ، ورجل آتاه الله مالاً فهو يهلكه في الحق ، فقال رجل : ليتني أوتيتُ مثل ما أُوتيَ فلانٌ فعملتُ مثل ما يعمل )
{ تنبيه } :( الحسد هنا بمعنى الغبط ، وبه يُستدل أن الحكم يؤخذ من معنى الحديث ومقصده وليس من لفظه.
(حديث عمر بن الخطاب الثابت في صحيحي أبي داوود والترمذي ) قال : (أمَرَنَا رسُولُ اللّهِ ( أنْ نَتَصَدّقُ وَوَافَقَ ذَلِكَ عِنْدِي مَالاً فَقُلْتُ اليَوْمَ أسْبِقُ أَبَا بَكْرٍ إنْ سَبَقْتُهُ يَوْماً، قالَ فَجِئْتُ بِنِصْفِ مَالِي فقالَ رَسُولُ اللّهِ ( مَا أَبْقْيْتَ لأهْلِكَ؟ قُلْتُ مِثْلَهُ، وَأَتى أَبُو بَكْرٍ بِكُلّ مَا عِنْدَهُ، فقالَ: يا أبَا بَكْرٍ مَا أَبْقَيْتَ لأهْلِكَ؟ فقالَ أَبْقَيْتُ لَهُمُ اللّهَ وَرَسُولَهُ، قُلْتُ والله لاَ أَسْبِقُهُ إِلى شَيْءٍ أَبَداً )
(2) أما إذا كان الإنسان بخلاف ذلك فإنه يحرم عليه أن يتصدق بكل ما عنده ، لأن في ذلك ضياع من يقوت ،
( حديث عبد الله بن عمرو الثابت في صحيح أبي داوود ) قال رسول الله ( (كفى بالمرء إثما أن يضيع من يقوت )
مسألة : ما معنى الصيام ؟
الصيام لغة : الإمساك ، ومنه قوله تعالى :(فَكُلِي وَاشْرَبِي وَقَرّي عَيْناً فَإِمّا تَرَيِنّ مِنَ البَشَرِ أَحَداً فَقُولِيَ إِنّي نَذَرْتُ لِلرّحْمََنِ صَوْماً فَلَنْ أُكَلّمَ الْيَوْمَ إِنسِيّاً) (مريم/26)
فالصيام هنا معناه الإمساك عن الكلام ،(2/84)
الصيام شرعا : التعبد لله بالإمساك عن الطعام و الشراب و سائر المفطرات من طلوع الفجر إلى غروب الشمس .
مسالة : ما حكم الصيام ؟
الصيام واجبٌ بالكتاب والسنة والإجماع ،
قال تعالى: (يَأَيّهَا الّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلّكُمْ تَتّقُونَ) ( البقرة / 183)
الشاهد : ( كُتب ) أي فُرض
قال تعالى: (شَهْرُ رَمَضَانَ الّذِيَ أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لّلنّاسِ وَبَيّنَاتٍ مّنَ الْهُدَىَ وَالْفُرْقَانِ فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَن كَانَ مَرِيضاً أَوْ عَلَىَ سَفَرٍ فَعِدّةٌ مّنْ أَيّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُواْ الْعِدّةَ وَلِتُكَبّرُواْ اللّهَ عَلَىَ مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلّكُمْ تَشْكُرُونَ) ( البقرة / 185)
الشاهد : (فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشّهْرَ فَلْيَصُمْهُ ) والأصل في الأمر الوجوب ،
( حديث ابن عمر رضي الله عنهما الثابت في الصحيحين ) أن النبي ( قال : ( بني الإسلام على خمس شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله ، وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة والحج وصوم رمضان )
( حديث طلحة بن عبيد الله الثابت في الصحيحين ) قال ، جاء رجلٌ إلى رسول الله ( من أهل نجد ثائرُ الرأس يُعْرَفُ دَويُ صوتهِ ولا يُفْقَه ما يقول حتى دنا فإذا هو يسألُ عن الإسلام ؟ فقال رسول الله ( خمسُ صلوات في اليوم والليلة ، فقال : هل عليَّ غيرُها ؟ قال لا إلا أن تطوَّع. قال رسول الله ( وصيام رمضان . فقال هل عليَّ غيره؟ فقال لا إلا أن تطوع .قال : وذكر له رسولُ الله ( الزكاة فقال هل عليَّ غيرُها ؟ قال لا إلا أن تطوَّع . قال : فأدبر الرجل وهو يقول: والله لا أزيدُ على هذا ولا أنقص ، قال رسول الله ( أفلح إن صدق )
وأجمعت الأمة على وجوب الصيام ، والإجماع حُجة ،
((2/85)
حديث ابن عمر رضي الله عنهما الثابت في صحيح الترمذي ) أن النبي ( قال ( إن الله لا يجمع أمتي ، أو أمة محمدٍ على ضلالة )
مسألة : ما هو فضلُ الصيام ؟
الصيام له فضلٌ عظيم وأجرٌ جسيم ، له منافع عظيمة وفوائد عميمة في الدارين، والكتاب والسنة طافحين بما يدل على فضل الصيام ، وإليك غيضٌ من فيض وقليلٌ من كثير مما ورد في الوحيين في فضل الصيام :
(1) الصيام وقاية : يقي من المعاصي في الدنيا ويقي من النار يوم القيامة .
( حديث أبي هريرة رضي الله عنه الثابت في الصحيحين ) أن النبي ( قال : (قال الله عز وجل : كلُ عملِ بن آدم له إلا الصيامُ فإنه لي وأنا أجزي به ، والصيامُ جنةُ فإذا كان يومُ صومِ أحدكم فلا يرفث ولا يصخب ولا يجهل فإن شاتمه أحدُ أو قاتله فليقل صائمٌ مرتين ، والذي نفس محمد بيده لخلوف فم الصائم أطيبُ عند الله يوم القيامة من ريح المسك ، وللصائم فرحتان يفرحهما : إذا أفطر فرح بفطره وإذا لقي ربه فرح بصومه )
الشاهد : (والصيامُ جنةُ ) أي وقاية ، وقاية من المعاصي في الدنيا ووقاية من النار يوم القيامة ،
(2) الصيام له أجرٌ عظيم ويظهر هذا من وجهين :
( الوجه الأول ) أن العبادات كلها عُرف قدر حسناتها ، فالحسنة بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف ، إلا الصيام قال تعالى : ( إلا الصيام فإنه لي وأنا أجزي به) وكذا الصبر لقوله تعالى : (إِنّمَا يُوَفّى الصّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ) (الزمر / 10) وما ظنك بربٍ كريم جوده مُتتابع وكرمه فياض .
( الوجه الثاني ) أن النبي ( أخبر أن الصوم لا مثلَ له ،
( حديث أبي أمامة الثابت في صحيح النسائي ) أنه قال للنبي ( مُرني بأمرٍ ينفعني الله به ، قال : عليك بالصيام فإنه لا مثل له )
(3) الصيام مما يتقى به من النار :
( حديث أبي سعيد الثابت في الصحيحين ) أن النبي ( قال : من صام يوماً في سبيل الله بَعَّد الله وجهه عن النار سبعين خريفاً )
{(2/86)
تنبيه } :( المقصود( بسبعين خريفاً )أي سبعين سنة ، وإنما خص فصل الخريف عن سائر الفصول لأنه أزكى الفصول لأنه يُجنى فيه الثمار .
(4) في الجنة باب خاصٌ للصائمين :
( حديث سهل بن سعد الثابت في الصحيحين ) أن النبي ( قال :( في الجنة ثمانية أبواب ، فيها بابٌ يُسمى الريَّان لا يدخله إلا الصائمون )
(5) الصوم من وسائل التعفف لمن لا يستطيع الزواج :
( حديث ابن مسعود الثابت في الصحيحين ) قال : كنا مع النبي ( شبابا لا نجدُ شيئاً فقال لنا رسول الله ( : (يا معشر الشباب، من استطاع الباءة فليتزوج، فإنه أغضُ للبصر وأحصنُ للفرج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم، فإنه له وجاء)
(6) الصوم شفاعةٌ مقبولة :
( حديث عبد الله بن عمرو الثابت في صحيح الجامع ) أن النبي ( قال : ( الصيامُ و القرآن يشفعان للعبد يوم القيامة ، يقول الصيام أي رب منعته الطعام و الشهوات بالنهار فشفعني فيه ، ويقول القرآن منعته النوم بالليل فشفعني فيه ، قال : فيشفَّعان )
(فيشفَّعان ) أي فتقبل شفاعتهما .
مسالة : ما هي أقسا م الصيام ؟
الصيام قسمان : ( فرض و تطوع )
وصيام الفرض ينقسم إلى ثلاثة أقسام :
( صيام رمضان ، وصوم الكفارات ، وصوم النذر )
و الكلام هنا ينحصر في صوم رمضان ، و في صوم التطوع ، أما بقية الأقسام فتأتي في مواضعها .
مسالة : ما هو فضل صيام رمضان ؟
( حديث أبي هريرة رضي الله عنه الثابت في الصحيحين ) أن النبي ( قال : (من صام رمضان إيماناً واحتساباً، غفر له ما تقدَّم من ذنبه، من قام رمضان إيماناً واحتساباً، غفر له ما تقدَّم من ذنبه)
مسالة : ما هو فضل شهر رمضان ؟
شهر رمضان له فضلٌ عظيم وأجرٌ جسيم ، له منافع عظيمة وفوائد عميمة في الدارين، والكتاب والسنة طافحين بما يدل على فضل شهر رمضان، وإليك غيضٌ من فيض وقليلٌ من كثير مما ورد في الوحيين في فضل شهر رمضان :
(1) إذا دخل رمضان فتحت أبواب الجنة و غلقت أبواب جهنم :
((2/87)
حديث أبي هريرة رضي الله عنه الثابت في الصحيحين ) أن النبي ( قال : (إذا دخل رمضان فتحت أبواب الجنة و غلقت أبواب جهنم و سلسلت الشياطين )
(2) رمضان شهر الغفران والعتق من النيران :
( حديث أبي هريرة رضي الله عنه الثابت في صحيح مسلم ) أن النبي ( قال : (الصلواتُ الخمس والجمعة إلى الجمعة ورمضان إلى رمضان مكفراتٌ ما بينهنَّ إذا اجتنب الكبائر )
( حديث أبي هريرة رضي الله عنه الثابت في صحيح الترمذي ) أن النبي ( قال : (رَغِمَ أنْفُ رَجُلٍ ذُكِرْتُ عِنْدَهُ فَلَمْ يُصَلّ عَلَيّ، وَرَغِمَ أَنْفُ رَجُلٍ دَخَلَ عَلَيْهِ رَمَضَانُ ثُمّ انْسَلَخَ قَبْلَ أَنْ يُغْفَرَ لَهُ. وَرَغِم أَنْفُ رَجُلٍ أَدْرَكَ عِنْدَهُ أَبَوَاهُ الكِبَرَ فَلمْ يُدْخِلاَهُ الْجَنّةَ )
( حديث أبي هريرة رضي الله عنه الثابت في صحيح الترمذي وابن ماجه ) أن النبي ( قال : (إذا كان أَوّلُ لَيْلَةٍ مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ صُفّدَتِ الشّيَاطِينُ ومَردَةُ الجِانّ وغُلّقَتْ أَبْوَابُ النِيرانِ فلم يُفْتَحْ منها بابٌ ، وفُتّحَتْ أبوابُ الجَنّةِ فلم يُغْلَقْ منها بابٌ ويُنَادِي مُنَادٍ يا بَاغِيَ الخَيْرِ أقْبِل وَيا بَاغِيَ الشّرّ أَقْصِرْ، ولله عُتَقَاء مِنَ النّار وذلك كُلّ لَيْلَةٍ
(3) رمضان دورة تدريبية على الصبر، وما أُعطيَ أحد عطاءاً خيراً و أوسع من الصبر .
( حديث أبي هريرة رضي الله عنه الثابت في صحيح النسائي ) أن النبي ( قال : ( شهرُ الصبر وثلاثة أيامٍ من كل شهر صومُ الدهر )
مسالة : متى يجب صيام رمضان ؟
يجب صيام رمضان بواحدة من أمرين :
( إما رؤية هلال رمضان ، أو إكمال غُرة شعبان ثلاثين )
( حديث أبي هريرة رضي الله عنه الثابت في الصحيحين ) أن النبي ( قال : (صُومُوا لِرُؤْيتِهِ وأَفْطِرُوا لِرُؤْيتِهِ فإِن غُبيَ عَلَيْكُم فأكملوا عدة شعبان ثلاثينَ)
((2/88)
غُبيَ ) من الغباوة وعدم الفطنة ، و المقصود إذا لم يظهر الهلال فأكملوا عدة شعبان ثلاثينَ)
مسالة : هل يجوز الصيام قبل رمضان بيومٍ أو يومين على سبيل الاحتياط ؟
لا يجوز ذلك لوجهين :
( الوجه الأول ) أن النبي ( جعل العبرة بالهلال :
( حديث أبي هريرة رضي الله عنه الثابت في الصحيحين ) أن النبي ( قال : (صُومُوا لِرُؤْيتِهِ وأَفْطِرُوا لِرُؤْيتِهِ فإِن غُبيَ عَلَيْكُم فأكملوا عدة شعبان ثلاثينَ)
( الوجه الثاني ) أن النبي ( نهى عن صوم يوم الشك :
( حديث أبي هريرة رضي الله عنه الثابت في الصحيحين ) أن النبي ( قال : (لا يتقدمنَّ أحدُكم رمضان بصومِ يومٍ أو يومين، إلا أن يكون رجلٌ كان يصوم صومَهُ، فليصم ذلك اليوم)
( حديث عمار الثابت في صحيح السنن الأربعة ) أنه قال ( من صام اليوم الذي يَشكُ فيه فقد عصى أبا القاسم ( )
مسألة: ما العبرة برؤية الهلال ؟
العبرة : رؤيته بعد الغروب متخلفاً عن الشمس .
مسألة : إذا رأى الهلال أهل بلدٍ فهل يلزم الناس كلهم الصوم ؟
قال بعض العلماء : إذا رأى الهلال أهل بلدٍ يلزم الناس كلهم الصوم ،
( حديث أبي هريرة رضي الله عنه الثابت في الصحيحين ) أن النبي ( قال : (صُومُوا لِرُؤْيتِهِ وأَفْطِرُوا لِرُؤْيتِهِ فإِن غُبيَ عَلَيْكُم فأكملوا عدة شعبان ثلاثينَ)
الشاهد : أن الخطاب عام لجميع أفراد الأمة ، و لأن ذلك أقرب إلى اتحاد المسلمين واجتماع كلمتهم وعدم التفرقة بينهم ، ( وهذا القول هو الصحيح )
وقال بعضهم : لا يجب الصوم إلا على من رآه أو كان في حكمه ، أي من وافقت مطالع الهلال عنده مطالع الهلال عند من رآه ، لنفس الحديث السابق .
( وهذا القول أيضاً الثابت في صحيح ) و الأمر في هذا واسع و الحمد لله الذي جعل في الأمر سعة )
مسألة : هل يكفي في رؤية هلال رمضان شاهد واحد أم لابد من شاهدين ؟
يكفي شاهد واحد على الصحيح :
((2/89)
حديث ابن عمر رضي الله عنهما الثابت في صحيح أبي داوود ) قال ( تراءى الناسُ الهلال فأخبرتُ رسول الله ( أني رأيتُهُ فصامَهُ وأمر الناسَ بصيامه )
مسألة : ماذا يُشترط فيمن رأى الهلال لكي يُقبل رؤيته للهلال ؟
يشترط أن يكون عدل ( من قام بالواجب و لم يفعل كبيرة ولم يُصر على صغيرة ، ولم يُخالف المروءة )
مسألة: ما مثال ما يخالف المروءة ؟
مثل أن يسخر بالناس و يقلد أصواتهم .
مسألة: هل من أكل وهو يمشي يُعد من خوارم المروءة ؟
الصحيح أن من أكل وهو يمشي لا يُعد من خوارم المروءة .
( حديث ابن عمر رضي الله عنهما الثابت في صحيح الترمذي ) قال ( كنا في عهد النبي ( نأكل ونحن نمشي و نشرب ونحن قيام )
مسألة: من رأى هلال رمضان وحده ثم ردَّ قوله هل يصوم أم يفطر ؟
الصحيح أنه لا يصوم ولا يُفطر إلا مع الناس .
مسألة : هل يكفي في هلال شوال شاهد واحد ؟
الصحيح أن شوال وغيره من الشهور لابد فيه من شاهدان ، إلا رمضان فيكفي شاهد واحد لورود الدليل في رمضان بشاهد واحد .
( حديث عبد الرحمن بن يزيد عن رجالٍ من أصحاب النبي ( الثابت في صحيح النسائي ) أن النبي ( قال : صُومُوا لِرُؤْيتِهِ وأَفْطِرُوا لِرُؤْيتِهِ فإِن غُمَّ عَلَيْكُم فأكملوا ثلاثينَ ، فإن شهد شاهدان فصوموا وأفطروا .
مسألة: على من يجب الصوم ؟
أجمع العلماء أن الصيام يجب على المسلم المكلف الصحيح المقيم ، وأن تكون المرأة طاهرة من الحيض و النفاس .
مسألة: ما الدليل على أن الكافر لا يكلف بالصيام ؟
الدليل قوله تعالى :(وَمَا مَنَعَهُمْ أَن تُقْبَلَ مِنْهُمْ نَفَقَاتُهُمْ إِلاّ أَنّهُمْ كَفَرُواْ بِاللّهِ وَبِرَسُولِهِ وَلاَ يَأْتُونَ الصّلاَةَ إِلاّ وَهُمْ كُسَالَىَ وَلاَ يُنفِقُونَ إِلاّ وَهُمْ كَارِهُونَ) ( التوبة / 54)
الشاهد : إذا كانت النفقات التي نفعها متعدي لا تقبل منهم ، فالعبادات الخاصة مثل الصوم من باب أولى .
مسألة: الكافر إذا أسلم هل يؤمر بقضاء الصوم ؟(2/90)
إذا أسلم الكافر لا يؤمر بقضاء الصيام .
لقوله تعالى :(قُل لِلّذِينَ كَفَرُوَاْ إِن يَنتَهُواْ يُغَفَرْ لَهُمْ مّا قَدْ سَلَفَ وَإِنْ يَعُودُواْ فَقَدْ مَضَتْ سُنّةُ الأوّلِينِ) (الأنفال / 38)
مسألة: ما معنى المكلف ؟
المكلف : البالغ العاقل ،
مسألة: هل يجب الصوم على الصبي أو المجنون ؟
لا يجب الصوم على الصبي ولا المجنون .
( حديث علي الثابت في صحيحي أبي داوود والترمذي ) أن النبي ( قال : (رفع القلم عن ثلاث : عن النائم حتى يستيقظ و عن الصبي حتى يحتلم و عن المجنون حتى يُفيق )
مسألة: ما الدليل على أن المرأة إذا حاضت لم تصم ؟
( حديث أبي سعيد الثابت في الصحيحين ) أن النبي ( قال : (خرج رسول الله ( في أضحى، أو فطر، إلى المُصلى، فمرَّ على النساء، فقال: (يا معشر النساء تصدقنَّ فإني أُريتكنَّ أكثرَ أهل النار، فقلنَ وبم يا رسول الله؟ قال: تكثرن اللعن، وتكفرن العشير، ما رأيتُ من ناقصاتِ عقلٍ ودينٍ أذهبَ للبِّ الرجل الحازم من إحداكن ، قلن : وما نقصان عقلناو ديننا يا رسول الله؟ قال: أليس شهادةُ المرأة مثل نصف شهادةِ الرجل، قلن: بلى، قال: فذلك من نقصان عقلها، أليس إذا حاضت لم تُصلِ ولم تصم؟ قلن: بلى، قال: فذلك من نقصان دينها)
مسألة: هل الحائض تقضي الأيام التي أفطرتها من رمضان ؟
الحائض تؤمر بقضاء الصيام .
( حديث عائشة الثابت في الصحيحين ) قالت : ( كنا نحيضُ على عهد رسول الله ( (فكنا نؤمر بقضاء الصوم ولا نؤمر بقضاء الصلاة )
مسألة: هل يستحب الصيام للصبي دون البلوغ ؟
يستحب له ذلك ، ما دام مستطيعاً حتى ينشأ على الخير منذ نعومة أظفاره و حداثة سنه .
((2/91)
حديث الربيع بنت مُعَوذٍ الثابت في الصحيحين ) قالت : (أرسل النبي ( غداةَ عاشوراء إلى قرى الأنصار،أن من أصبح مفطراً فليتم بقية يومه، ومن أصبح صائما فليصم ،قالت: فكنا نصومُه بعد، ونصوِّمُ صبياننا، ونجعلُ لهم اللعبةَ من العهن، فإذا بكى أحدهم على الطعام أعطيناهُ ذلك حتى يكون عند الإفطار)
مسألة: ما هي أركان الصيام ؟
للصوم ركنين متلازمين :
(1) النية : لقوله تعالى : (وَمَآ أُمِرُوَاْ إِلاّ لِيَعْبُدُواْ اللّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدّينَ حُنَفَآءَ وَيُقِيمُواْ الصّلاَةَ وَيُؤْتُواْ الزّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ القَيّمَةِ) ( البينة / 5)
وقوله تعالى : (لاَ يُؤَاخِذُكُمُ اللّهُ بِاللّغْوِ فِيَ أَيْمَانِكُمْ وَلََكِن يُؤَاخِذُكُم بِمَا عَقّدتّمُ الأيْمَانَ ) ( المائدة / 89)
( حديث عمر بن الخطاب الثابت في الصحيحين ) أن النبي ( قال: ( إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرىء ما نوى، فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله، ومن كانت هجرته لدنيا يصيبها أو امرأة ينكحها فهجرته إلى ما هاجر إليه )
{ تنبيه } :( في صوم الفرض لابد أن تكون نية الصيام قبل الفجر من كل ليلة من ليالي رمضان .
( حديث حفصة الثابت في صحيح السنن الأربعة ) أن النبي ( قال : ( من لم يُجْمِع الصيام قبل الفجر فلا صيام له )
(يُجْمِع) من الإجماع وهو إحكام النية و العزيمة .
( أما في صيام التطوع ) : فتُجزئ نية النهار .
( حديث عائشة الثابت في صحيح مسلم ) قالت : ( دخل عليَّ رسول الله ( ذات يومٍ فقال : عندكم طعام ؟ قلنا لا ، قال : فإني صائم )
(2) الإمساك عن الطعام والشراب و سائر المفطرات من طلوع الفجر إلى غروب الشمس .
لقوله تعالى: (وَكُلُواْ وَاشْرَبُواْ حَتّىَ يَتَبَيّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمّ أَتِمّواْ الصّيَامَ إِلَى الّليْلِ) ( البقرة / 187)
((2/92)
حديث عدي بن حاتم الثابت في الصحيحين ) قال : لما نزلت (وَكُلُواْ وَاشْرَبُواْ حَتّىَ يَتَبَيّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأسْوَدِ) عمدتُ إلى عقالٍ أسود و إلى عقالٍ أبيض فجعلتهما تحت وسادتي فجعلتُ أنظر في الليل فلا يتبين لي ، فغدوتُ على رسول الله ( فذكرتُ له ذلك ، فقال : إنما ذلك سوادُ الليل وبياضُ النهار )
مسألة: من الذين يُرخص لهم في الفطر وتجب عليهم الفدية فقط ؟
الذين يُرخص لهم في الفطر وتجب عليهم الفدية فقط هم :
( الشيخ الكبير ، و المرأة العجوز ، و المريض الذي لا يُرجى برؤه ، و أصحابُ الأعمال الشاقة الذين لا يجدون متسعاً من الرزق غير ما يزاولونه من أعمال ،
( حديث ابن عباس الثابت في الصحيحين ) في قوله تعالى : (وَعَلَى الّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ) قال : ليست بمنسوخة هي للشيخ الكبير و المرأة الكبيرة لا يستطيعان أن يصوما فيطعمان مكان كل يومٍ مسكيناً )
أما الشيخ الكبير و المرأة الكبيرة فظاهر ، وأما المريض الذي لا يُرجى برؤه فلعدم القدرة ، لقوله تعالى :(فَاتّقُواْ اللّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ )( التغابن / 16)
مسألة: الحامل و المرضع إذا أفطرتا فماذا يجب عليهما ؟
الحامل أو المرضع إذا كانت لا تُطيق الصوم ، أي لا تستطيعه ، أو كانت تستطيعه ولكن تخاف على ولدها : ( فلها الفطر مع عدم القضاء ) ( وعليها الإطعام )
دليل ُ الفطر مع عدم القضاء :
( حديث ابن عباس الثابت في صحيحي أبي داوود والترمذي ) أن النبي ( قال :( إن الله وضع عن المسافر شطر الصلاة ، وعن المسافر و الحامل و المرضع الصوم أو الصيام )
الشاهد : إن الله وضع الصوم عن الحامل و المرضع مما يدل على أنه لا قضاء إذا أفطرت الحامل أو المرضع .
دليل الإطعام :
( حديث ابن عباس الثابت في صحيحي أبي داوود ) في قوله تعالى : (وَعَلَى الّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ) قال :أثبتت للحبلى و المرضع )(2/93)
الشاهد : أن هذه الآية في سورة البقرة (وَعَلَى الّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ) كانت في بداية فرض الصيام ، وكان من يستطيع الصوم مُخير بين أن يصوم و أن يفطر ويُطعم مسكين عن كل يومٍ أفطره ، ثم نُسخ هذا الحكم بقوله تعالى : (فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشّهْرَ فَلْيَصُمْهُ) ( البقرة / 185) لكن هذا الحكم أصبح مثبتاً غير منسوخ للحبلى و المرضع بأنهما إذا أفطرتا تطعم مسكيناً عن كل يوم .
مسألة : من الذين يُرخص لهم في الفطر ويجب عليهم القضاء فقط ؟
الذين يُرخص لهم في الفطر ويجب عليهم القضاء هم : (المريض الذي يُرجى برؤه ، و المسافر )
لقوله تعالى : (فَمَن كَانَ مِنكُم مّرِيضاً أَوْ عَلَىَ سَفَرٍ فَعِدّةٌ مّنْ أَيّامٍ أُخَرَ) ( البقرة / 184)
...
مسألة : هل الصوم في السفر أفضل أم الفطر ؟
[*](الأصل في المسألة أنه يجوز الصوم في السفر و الفطر ، فقد جاءت السنة بهما جميعاً :
( حديث أنس الثابت في الصحيحين )قال : كنا نسافر مع النبي ( فلم يُعب الصائم على المفطر ولا المفطر على الصائم )
( حديث حمزة بن عمرو الأسلمي الثابت في صحيح مسلم ) أنه قال يا رسول الله أجدُ بي قوةً على الصيامِ في السفر فهل عليَّ جُناح ؟ فقال رسول الله ( هي رخصةٌ من الله فمن أخذ بها فحسنٌ ومن أحب أن يصوم فلا جناح عليه)
( حديث ابن عمر رضي الله عنهما الثابت في صحيح الجامع ) أن النبي ( قال : ( إن الله يحب أن تؤتى رخصه كما يحب أن تؤتى عزائمه )
ويبقى النظر : أيهما أفضل في السفر ( الصوم أم الفطر )
و القول الذي دلت عليه السنة الثابتة الصحيحة وتجتمع فيه الأدلة ، أن المسألة على التفصيل الآتي :
(1) الصوم أفضل لمن قوي عليه ولم يُعرض عن الرخصة .
( حديث أبي الدرداء الثابت في الصحيحين ) قال خرجنا مع النبي ( في يومٍ حارٍ حتى يضعَ الرجلُ يدهُ على رأسه من شدةِ الحر وما فينا صائم غلا ما كان من النبي ( وابن رواحه )
((2/94)
2)الفطر أفضل لمن لحقه مشقة : ( حديث جابر ابن عبد الله رضي الله عنهما الثابت في الصحيحين ) قال كان النبي ( في سفرٍ فرأى زحاماً ورجلاً قد ظلل عليه فقال : ( ما هذا ؟ فقالوا صائم ، فقال : ليس من البر الصومُ في السفر )
مسألة : إذا كان المريض يضُرُه الصوم فما الحكم ؟
[*](في هذه الحالة يكون الصوم في حقه حرام لوجهين :
الوجه الأول : أنه أعرض عن الرخصة .
( حديث ابن عمر رضي الله عنهما الثابت في صحيح الجامع ) أن النبي ( قال : ( إن الله يحب أن تؤتى رخصه كما يحب أن تؤتى عزائمه )
الوجه الثاني : أنه قد يكون سبباً في إهلاك نفسه ،
والله تعالى يقول : (وَلاَ تَقْتُلُوَاْ أَنْفُسَكُمْ إِنّ اللّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيماً) ( النساء /29)
مسألة : متى يجوز للمسافر أن يفطر ؟
يجوز له أن يُفطر إذا سافر مسافة القصر وهي = ( 81كيلو متر ) تقريباً
مسألة: المسافر سفراً محرماً هل يجوز له أن يأخذ برخصة الفطر وقصر الصلاة ؟
الصحيح أنه لا يجوز ذلك ، لأنه لا يستحق الرخصة إذ هو على معصية الله تعالى .
مسألة : ما هي آداب الصيام ؟
(1) السحور :
( حديث أنس الثابت في الصحيحين ) أن النبي ( قال: تسحروا فإن في السَحور بركة .
{ تنبيه } :( لبركة السحور حثنا النبي ( على السحور ولو بجرعة ماء ،
( حديث أنس الثابت في صحيح الجامع ) أن النبي ( قال : ( تسحروا ولو بجرعةِ ماء )
(وقد رغب النبي ( في السحور من التمر ،
( حديث أبي هريرة رضي الله عنه الثابت في صحيح أبي داوود ) أن النبي ( قال : ( نعم سحور المؤمن التمر )
(يستحب تأخير السحور :
( حديث سهل بن سعد الثابت في الصحيحين ) قال : كنت أتسحرُ في أهلي ثم يكون سرعةٌ بي أن أدرك صلاة الفجر مع رسول الله ( )
( حديث أبي الدرداء الثابت في صحيح الجامع ) أن النبي ( قال : ( ثلاثٌ من أخلاق النبوة : تعجيلُ الإفطار وتأخيرُ السحور ووضع اليمين على الشمال في الصلاة )
((2/95)
وإذا سمع النداء و الإناء في يده فلا يضعه حتى يقضي حاجته منه ،
( حديث أبي هريرة رضي الله عنه الثابت في صحيح أبي داوود ) أن النبي ( قال : ( إذا سمع أحدكم النداء و الإناءُ في يده فلا يضعه حتى يقضي حاجته منه )
(2) تعجيل الفطر :
( حديث سهل بن سعد الثابت في الصحيحين ) أن النبي ( قال : ( ما يزالُ الناسُ بخيرٍ ما عجلوا الفطر )
( حديث أبي الدرداء الثابت في صحيح الجامع ) أن النبي ( قال : ( ثلاثٌ من أخلاق النبوة : تعجيلُ الإفطار وتأخيرُ السحور ووضع اليمين على الشمال في الصلاة )
(3)أن يدعو بالدعاء المأثور عند الإفطار :
( حديث ابن عمر رضي الله عنهما الثابت في صحيح أبي داوود ) أن النبي ( كان إذا أفطر قال : ( ذهب الظمأ وابتلت العروق وثبت الأجرُ إن شاء الله )
(4) أن يفطر على رطبات فإن لم تكن فعلى تمرات فإن لم تكن فحسا حسوات من ماء .
( حديث انس الثابت في صحيحي أبي داوود والترمذي ) قال كان رسول ( يُفطر قبل أن يُصلي على ُرطبات فإن لم تكن ُرطبات فتميرات فإن لم تكن تميرات فحسا حسوات من ماء )
(5) الكف عن اللغو والرفث ونحوها مما يتنافى مع كون الصوم وقاية من المعاصي .
( حديث أبي هريرة رضي الله عنه الثابت في الصحيحين ) أن النبي ( قال : (قال الله عز وجل : كلُ عملِ بن آدم له إلا الصيامُ فإنه لي وأنا أجزي به ، والصيامُ جنةُ فإذا كان يومُ صومِ أحدكم فلا يرفث ولا يصخب ولا يجهل فإن شاتمه أحدُ أو قاتله فليقل صائمٌ مرتين ، والذي نفس محمد بيده لخلوف فم الصائم أطيبُ عند الله يوم القيامة من ريح المسك ، وللصائم فرحتان يفرحهما : إذا أفطر فرح بفطره وإذا لقي ربه فرح بصومه )
الشاهد : (والصيامُ جنةُ ) أي وقاية ، وقاية من المعاصي في الدنيا ووقاية من النار يوم القيامة ،
( فلا يرفث ) الرفث هنا بمعنى الفاحش من القول ،
( لا يصخب ) أي لا يسفه على أحد ،
((2/96)
حديث أبي هريرة رضي الله عنه الثابت في صحيح البخاري ) أن النبي ( قال : ( من لم يدع قول الزور و العمل به فليس لله حاجةً في أن يدع طعامه وشرابه )
( حديث أبي هريرة رضي الله عنه الثابت في صحيحابن ماجه ) أن النبي ( قال : ( رُبَّ صائم ليس له من صيامه إلا الجوع ، ورُبَّ قائمٍ ليس له من قيامه إلا السهر)
( 6) الجود ومُدارسة القرآن :
( حديث ابن عباس الثابت في الصحيحين ) قال ،كان رسول الله ( أجودَ الناس، وكان أجودَ ما يكون في رمضان حين يلقاه جبريل، وكان يلقاه في كل ليلة من رمضان فيدارسُه القرآن، فلرسول الله ( أجود بالخير من الريح المرسلة)
{ تنبيه } :( شبه جود النبي ( بالريح المرسلة لأن الريح تعم كل من يقابلها ، وهكذا كان جود النبي ( يعم كل من يقابله .
{ تنبيه } :(إذا جمعت بين الصيام و القرآن فقد اجتمع لك شفاعتان مقبولتان .
( حديث عبد الله بن عمرو الثابت في صحيح الجامع ) أن النبي ( قال : (الصيامُ و القرآن يشفعان للعبد يوم القيامة ، يقول الصيام أي رب منعته الطعام و الشهوات بالنهار فشفعني فيه ، ويقول القرآن منعته النوم بالليل فشفعني فيه ، قال : فيشفَّعان )
(فيشفَّعان ) : أي فتقبل شفاعتهما .
( 7) الاجتهاد في العبادة في العشر الأواخر من رمضان .
( حديث عائشة الثابت في الصحيحين ) قالت ، كان رسول الله ( إذا دخل العشر شدَّ مئزره وأحيا ليله و أيقظ أهله )
( 8) أن يُفطر صائماً ما استطاع إلى ذلك سبيلاً لأن هذا من الجود ، ولعظم أجر من فَطَّر صائماً .
( حديث زيد بن خالد الجهني الثابت في صحيحي الترمذي وابن ماجه ) أن النبي ( قال : ( من فطَّر صائماً كان له مثلُ أجره غير أنه لا ينقص من أجر الصائم شيئاً )
مسألة : ما هي مباحات الصيام ؟
( 1) الغسل للتبرد :
((2/97)
حديث أبي بكر بن عبد الرحمن عن بعض أصحاب النبي الثابت في صحيح أبي داوود ) قال : لقد رأيتُ رسول الله ( يصبُ على رأسه الماء وهو صائم من العطش أو من الحر )
( 2) المضمضة و الاستنشاق من غير مبالغة :
( حديث لقيط بن صبره الثابت في صحيح السنن الأربعة ) قال : قلت يا رسول الله أخبرني عن الوضوء ؟ قال أسبغ الوضوء وخلل بين الأصابع وبالغ في الاستنشاق إلا أن تكون صائماً )
( 3) القبلة و المباشرة لمن قدر على ضبط نفسه :
( حديث عائشة الثابت في الصحيحين ) قالت ، كان النبي ( يُقبل ويباشر وهو صائم ، وكان أملككم لإربه )
{ تنبيه } :( معنى المباشرة هنا التقاء الجسد بالجسد و ليس معناه الجماع .
( 4) أن يُصبح جنباً :
( حديث عائشة الثابت في الصحيحين ) قالت ، كان النبي ( يُدركه الفجر وهو جُنب من أهله ثم يغتسل و يصوم .
( 5) الحجامة :
( حديث ابن عباس الثابت في صحيح البخاري )قال : احتجم النبي ( وهو صائم )
( 6) الوصال إلى السَّحرْ :
( حديث أبي سعيد الثابت في صحيح البخاري ) أن النبي ( قال : ( لا تواصلوا ، فأيكم أراد أن يواصل فليواصل إلى السحر )
( 7) الاكتحال :
( حديث عائشة الثابت في صحيحابن ماجه ) قالت ، اكتحل النبي ( وهو صائم )
{ تنبيه } :( وفي معنى الكحل ( القطرة ) سواء أوجد طعمها في حلقه أم لا ، لأن العين ليست منفذاً إلى الجوف .
مسألة : ما هي الأشياء التي تُفسد الصيام ؟
[*](الأشياء التي تُفسد الصيام ما يلي :
( 1) الأكل و الشرب عمداُ ، فإن أكل أو شرب ناسياً فلا قضاء عليه ولا كفارة :
( حديث ابن عباس الثابت في صحيح ابن ماجه ) أن النبي ( قال : ( إن الله تجاوز لي عن أمتي الخطأ و النسيان وما استكرهوا عليه )
( حديث أبي هريرة رضي الله عنه الثابت في الصحيحين ) أن النبي ( قال : ( من نسى وهو صائم فأكل أو شرب فليتم صومه ، فإنما أطعمه الله و سقاه )
( 2) القيء عمداً :
((2/98)
حديث أبي هريرة رضي الله عنه الثابت في صحيحي أبي داوود والترمذي ) أن النبي ( قال : ( من ذَرَعه قيء وهو صائم فليس عليه قضاء ، وإن استقاء فليقضِ )
( 3/4 ) الحيض و النفاس ، لإجماع العلماء عليه ، والإجماع حُجة بلا شك :
( حديث ابن عمر رضي الله عنهما الثابت في صحيح الترمذي ) أن النبي ( قال : ( إن الله لا يجمع أمتي ، أو أمة محمد على ضلالة ، ويد الله مع الجماعة )
(حديث أبي سعيد الثابت في الصحيحين ) قال : خرج رسول الله ( في أضحى أو فطر فمرَّ على النساء فقال : يا معشر النساء تصدقن فإني أريتكن أكثر أهل النار، فقلن وبم يا رسول الله قال تكثرن اللعن وتكفرن العشير ما رأيتُ من ناقصات عقلٍ ودين أذهب للبَّ الرجل الحازم من إحداكن قلن : وما نقصان ديننا وعقلنا يا رسول الله ؟ قال أليس شهادةُ المرأة مثل نصف شهادة الرجل ؟ قلن بلى . قال فذلك نقصان من عقلها . أليس إذا حاضت لم تصلِّ ولم تصم ؟ قلن بلى . قال فذلك من نقصان دينها .
( 5) الجماع ، وتجب فيه الكفارة :
( حديث أبي هريرة رضي الله عنه الثابت في الصحيحين ) قال : بينما نحن جلوس عند النبي ( إذ جاءه رجل فقال: يا رسول الله، هلكت. قال: مالك؟ قال: وقعت على امرأتي وأنا صائم، فقال رسول الله ( : هل تجدُ رقبة تعتقها؟ قال: لا. قال: فهل تستطيع أن تصوم شهرين متتابعين؟ قال لا. فقال: فهل تجد إطعام ستين مسكينا؟ قال لا. قال: فمكث النبي ( ، فبينا نحن على ذلك أُتي النبي ( بعرقٍ فيه تمر، والعرقُ المكتل، قال: أين السائل ؟ فقال أنا ، قال: خذ هذا فتصدق به. فقال الرجلُ أعلى أفقر مني يا رسول الله؟ فوالله ما بين لابتيها، يريد الحرتين، أهلُ بيتٍ أفقرُ من أهل بيتي ، فضحك النبي ( حتى بدت أنيابه ثم قال: أطعمه أهلك)
( 6) من نوى الفطر أفطر ، لأن النية ركن من أركان الصيام ، وترك الركن يفسد العبادة .
مسألة : هل الحقنة الشرجية تُفطِّر لكونها إلى الجوف ؟(2/99)
الصحيح أنها لا تُفطِّر ، وإن كانت تصل إلى الجوف ، لأن الذي يُفطِّر هو وصول الطعام و الشراب إلى الجوف ، و يكون ذلك سبباً للفطر إذا وجد سببين متلازمين :
( 1) أن يكون طعاماً أو شراباً ، ( 2) أن يصل الطعام أو الشراب إلى الجوف ،
[*] قال شيخ الإسلام رحمه الله :
( إن الحقنة لا تفطِّر لأنه لا يطلق عليها اسم الأكل و الشرب ، لا لغةً ولا عرفاً ، وليس هناك دليل من الكتاب و السنة على أن مناط الحكم وصول الشيء إلى الجوف ، فالكتاب و السنة دلَّ على شيء معين وهو الأكل و الشرب )
مسألة : هل الإبر المغذية تُفطِّر ؟
نعم تُفطِّر لأنها في معنى الأكل و الشرب .
مسألة : إذا شككنا في شيء أيكون مفطرأً أم لا فما الحكم ؟
الأصل عدم الفطر حتى نتيقن ، فلا نتجرئ على أن نفسد عبادةً متعبدين بها لله إلا بدليل واضح يكون لنا حجةً عند الله .
مسألة : هل تجب الكفارة فيمن جامع زوجته في أي صومٍ واجب ؟
لا تجب الكفارة إلا فيمن جامع في نهار رمضان فقط ، فلا تجب في صيام النذر ولا في صيام كفارة اليمين ولا في فدية الأذى ولا في صيام المتعة لمن لا يجد الهدي ، لأنه لم يرد به نص ، وغيره لا يساويه , و الأصلُ براءة الذمة .
مسألة : إذا لم يجد الكفارة فما الحكم ؟
إذا لم يجد الكفارة تسقط الكفارة لقوله تعالى : (فَاتّقُواْ اللّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ )( التغابن / 16)
مسألة : ما حكم بلع النخامة ؟ هل تُفطِّر ؟
النخامة : البلغم اللزج ، تكون من الرأس
حكمها : حرام ، لأنها تحمل أمراضاً إذا وصلت إلى المعدة تكون سبباً في ضررها ،
( حديث ابن عباس الثابت في صحيح ابن ماجه ) أن النبي ( قال : ( لا ضرر ولا ضرار )
أما بالنسبة لصحة الصيام : فالصيام صحيح ، وهي لا تفسده لأنها وإن وصلت إلى الجوف فإنها ليست طعاماً ، و الذي يفطر يجب أن يكون طعاماً أو شراباً يصل إلى الجوف .
مسألة : إذا ظهر دم من اللسان أو الأسنان فهل يجوز بلعه ؟ وهل يفسد الصيام ؟(2/100)
لا يجوز بلع الدم لا للصائم ولا لغيره ، لأنه حرام والله تعالى يقول : (حُرّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالْدّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ ) (المائدة / 3)
أما عن صحة الصيام :
فالصيام صحيح لأنه وإن بلعه ووصل إلى الجوف فليس طعاماً .
مسألة : ما حكم تذوق الطعام ؟
يكره تذوق الطعام لغير حاجة ، أما إذا كان لحاجة فلا بأس ، مثل أن يكون طباخاً يحتاج إلى أن يذوق الطعام لينظر ملحه أو حرارته .
مسألة : ما حكم الغيبة و النميمة في الصيام ؟
تحرم الغيبة والنميمة عامةً وفي رمضان خاصةً ، لأن الحكمة البارزة من الصيام هو تحصيل مادة التقوى .
قال تعالى: (يَأَيّهَا الّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلّكُمْ تَتّقُونَ) ( البقرة / 183)
( حديث سهل بن سعد الثابت في صحيح البخاري ) أن النبي ( قال : ( من لم يدع قول الزور والعمل به فليس لله حاجةً في أن يدع طعامه وشرابه )
مسألة : متى فِطرُ الصائم ؟
يفطر الصائم بمجرد غروب الشمس :
( حديث عمر الثابت في الصحيحين ) أن النبي ( قال : ( إذا أقبل الليلُ من هاهُنا وأدبر النهرُ من هاهُنا وغربت الشمس فقد أفطر الصائم )
مسألة : هل يجوز للصائم أن يُفطر إذا غلب على ظنه غروب الشمس ؟
نعم إذا غلب على ظنه غروب الشمس فقد أفطر الصائم .
( حديث أسماء الثابت في الصحيحين ) قالت : أفطرنا على عهد النبي ( يومَ غيمٍ ثم طلعت الشمسُ . قيل لهشام: فأمروا بالقضاء؟. قال : لا بد من قضاء )
الشاهد : أنهم بنوا على غلبة الظن لا على تحقيق ، بدليل أن الشمس طلعت بعد فطرهم .
مسألة : ما حكم الوصال في الصوم ؟
القول الصحيح الذي دلت عليه السنة الثابتة الصحيحة أن الوصال حرام :
((2/101)
حديث أبي هريرة رضي الله عنه الثابت في الصحيحين ) قال : نهى رسول الله ( عن الوصال في الصوم فقال له رجلٌ من المسلمين إنك تواصل يا رسول الله ، قال : وأيكم مثلي إني أبيتُ يطعمني ربي ويسقيني ، فلما أبوا أن ينتهوا واصل بهم يوماً ثم يوماً ثم رأوا الهلال فقال : لو تأخر لزدتكم كالتنكيل لهم حين أبوا أن ينتهوا )
( الشاهد ) أن النبي ( واصل بهم كالتنكيل لهم .
مسألة : ما هو الوصال ؟
الوصال المُحَرَم : ألا يفطر بين اليومين .
مسألة : هل يجوز الوصال إلى السحر ؟
يجوز الوصال إلى السحر .
( حديث أبي سعيد الثابت في صحيح البخاري ) أن النبي ( قال : ( لا تواصلوا ، فأيكم أراد أن يواصل فليواصل إلى السحر )
مسألة : هل يجب قضاء رمضان على الفور بعد زوال العذر المانع من صيامه؟
لا يجب ذلك :
( حديث عائشة الثابت في الصحيحين ) قالت : كان يكون عليَّ الصوم من رمضان فما أستطيعُ أن أقضيه إلا في شعبان الشغل من رسول الله ( أو برسول الله .
مسألة : هل يشترط التتابع في قضاء رمضان ؟
لا يشترط التتابع :
لقوله تعالى : (لقوله تعالى : (فَمَن كَانَ مِنكُم مّرِيضاً أَوْ عَلَىَ سَفَرٍ فَعِدّةٌ مّنْ أَيّامٍ أُخَرَ) ( البقرة / 184)
والقول عام ولم يقيده الله تعالى بالتتابع .
مسألة : هل يستحب في القضاء التتابع و الفورية ؟
يستحب في القضاء التتابع و الفورية للأوجه الآتية :
( 1) أن هذا أقرب إلى مشابهة الأداء لأن الأداء فرض متتابعاً .
( 2) أنه أسرع في إبراء الذمة
( 3) أنه أحوط لأن الإنسان لا يدري ما يعرض له فقد يكون اليوم نشيطاً وغداً مريضاً .
مسألة : إذا كان على الإنسان أيام من رمضان فهل يصومها قبل صيام ستٍ من شوال ؟ أم يصوم ستٍ من شوال قبل قضاء رمضان ؟
طالما أن الوقت متسع فإنه يجوز له صيام النفل قبل الفرض ، لكنه لا يتحقق له ثواب صيام الأيام الست من شوال إلا إذا كانت بعد قضاء رمضان للحديث الآتي :
((2/102)
حديث أبي أيوب الأنصاري الثابت في صحيح مسلم ) أن النبي ( قال : (من صام رمضان ثم أتبعه ستٍ من شوال كان كصيام الدهر )
الشاهد : أن النبي ( رتب الثواب (كصيام الدهر ) على صفة معينة وهي أن يكون قد صام رمضان ثم يتبعه بستٍ من شوال ، فلو خالف الصفة بأن قدم صيام النفل على الواجب لصارت نفلاً مطلقاً ولم يتحقق بها ثواب صيام الستة أيام من شوال .
مسألة : من مات وعليه صيام فماذا عليه ؟
المسألة على التفصيل الآتي :
( 1) إذا كان المرض مما يُرجى شفاءه ، لكنه استمر به المرض حتى مات ، فإن الأصل أنه عليه القضاء ، فلما توفى عجز عن القضاء فليس عليه شيء .
( 2) إذا كان مرضه مما يُرجى شفاءه ثم شُفي وتمكن من الصوم لكنه لم يصم ، فعليه إطعام عن كل يومٍ مسكين تؤخذ من تركته .
( 3) إذا كان مرضه مما لا يرجى شفاءه كالسرطان والعياذ بالله ، فهذا ليس عليه صوم ، بل عليه الإطعام ابتداءاً فيطعم عنه عن كل يوم مسكين تؤخذ من تركته .
مسألة : من مات وعليه صوم هل يستحب أن يصوم عنه وليه ؟
القول الصحيح الذي دلت عليه السنة الثابتة الصحيحة أن من مات وعليه صوم يُستحب أن يصوم عنه وليه وتبرأ ذمته بذلك .
(حديث عائشة الثابت في الصحيحين )أن النبي ( قال : من مات وعليه صوم صام عنه وليه .
(حديث ابن عباس الثابت في الصحيحين ) قال : جاء رجل إلى النبي (
فقال: يا رسول الله، إن أمي ماتت وعليها صوم شهر، أفأقضيه عنها؟. قال: (نعم، فدينُ الله أحقُ أن يقضى .
مسألة : لو قال قائل أن حديث عائشة رضي الله عنها ( من مات وعليه صوم صام عنه وليه )ظاهره الوجوب لأن الأصل في الأمر الوجوب ، فما الذي صرفه عن الوجوب ؟
الذي صرفه عن الوجوب هو قوله تعالى (وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَىَ ) [فاطر / 18 ]
مسألة : من هو الولي ؟
الولي هنا هو الوارث .
(حديث ابن عباس الثابت في الصحيحين )أن النبي ( قال : ( ألحقوا الفرائض بأهلها فما تبقى فهي لأولى رجلٍ ذكر )(2/103)
فذكر الأولوية في الميراث .
مسألة : إنسان يعمل سائقاً يومياً ويسافر مسافة القصر ويشُق عليه الصيام ، فماذا يصنع ؟
يسافر ويفطر ، ويقضي ما عليه في شهور الشتاء لأنه أقل مشقة ، فالصوم في الشتاء غنيمةٌ باردة .
( حديث عامر بن مسعود الثابت في صحيح الترمذي ) أن النبي ( قال : ( الغنيمةُ الباردة الصوم في الشتاء )
مسأله : ما هو فضل صيام التطوع ؟
بينت السنة الصحيحة أن الصيام له فضلٌ عظيم و أجرٌ جسيم ، وأن الصيام لا مثل له ، وأنه مما يتقى به من النار ، وأنه شفاعةٌ مقبولة ، وهاكم الأدلة على ذلك :
( 1) الصيام له أجرٌ عظيم :
( حديث أبي هريرة رضي الله عنه الثابت في الصحيحين ) أن النبي ( قال : (قال الله عز وجل : كلُ عملِ بن آدم له إلا الصيامُ فإنه لي وأنا أجزي به ، والصيامُ جنةُ فإذا كان يومُ صومِ أحدكم فلا يرفث ولا يصخب ولا يجهل فإن شاتمه أحدُ أو قاتله فليقل صائمٌ مرتين ، والذي نفس محمد بيده لخلوف فم الصائم أطيبُ عند الله يوم القيامة من ريح المسك ، وللصائم فرحتان يفرحهما : إذا أفطر فرح بفطره وإذا لقي ربه فرح بصومه )
( 2) الصوم لا مثل له :
( حديث أبي أمامة الثابت في صحيح النسائي ) أنه قال للنبي ( مُرني بأمرٍ ينفعني الله به ، قال : عليك بالصيام فإنه لا مثل له )
( 3) الصيام مما يتقى به من النار :
( حديث أبي سعيد الثابت في الصحيحين ) أن النبي ( قال : من صام يوماً في سبيل الله بَعَّد الله وجهه عن النار سبعين خريفاً .
( 4) في الجنة باب خاصٌ للصائمين :
( حديث سهل بن سعد الثابت في الصحيحين ) أن النبي ( قال :( في الجنة ثمانية أبواب ، فيها بابٌ يُسمى الريَّان لا يدخله إلا الصائمون )
( 5)الصوم من وسائل التعفف لمن لا يستطيع الزواج :
((2/104)
حديث ابن مسعود الثابت في الصحيحين ) قال : كنا مع النبي ( شبابا لا نجدُ شيئاً فقال لنا رسول الله ( : (يا معشر الشباب، من استطاع الباءة فليتزوج، فإنه أغضُ للبصر وأحصنُ للفرج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم، فإنه له وجاء)
(6) الصوم شفاعةٌ مقبولة :
( حديث عبد الله بن عمرو الثابت في صحيح الجامع ) أن النبي ( قال : ( الصيامُ و القرآن يشفعان للعبد يوم القيامة ، يقول الصيام أي رب منعته الطعام و الشهوات بالنهار فشفعني فيه ، ويقول القرآن منعته النوم بالليل فشفعني فيه ، قال : فيشفَّعان )
(فيشفَّعان ) أي فتقبل شفاعتهما .
(ولما كان هذا هو فضل الصيام وأنه له فضلٌ عظيم و أجرٌ جسيم ، وأن الصيام لا مثل له ، وأنه مما يتقى به من النار ، وأنه شفاعةٌ مقبولة ، لهذه الأسباب مجتمعة رغَّب النبي ( في صوم التطوع حرصاً منه على أمته ألا يفوتهم هذا الفضلُ العظيم ، وهاكم بعض [*](الأيام التي رغب النبي ( في صيامها :
( 1) أحب الصيام إلى الله صيامُ داود - عليه السلام - :
( حديث عبد الله بن عمرو الثابت في الصحيحين ) أن النبي ( قال : (أحب الصلاة إلى الله صلاة داود ( وأحب الصيام إلى الله صيام داود ( و كان داودُ ينام نصف الليل ويقوم ثلثه، وينام سدسه وكان يصوم يوما ويفطر يوما)
( 2) أفضل الصيام بعد رمضان شهر الله المحرم :
(حديث أبي هريرة رضي الله عنه الثابت في صحيح مسلم ) أن النبي ( قال : (أفضل الصيام بعد رمضان شهر الله المحرم ، وأفضل الصلاة بعد الفريضة صلاة الليل )
( 3) صوم يوم عاشوراء :
(حديث أبي قتادة الثابت في صحيح مسلم ) أن النبي ( قال : ( صومُ يوم عرفة يُكفِّر سنتين ماضية ومستقبلة ، وصوم يوم عاشوراء يكفر سنةً ماضية )
(قصة صوم عاشوراء :
((2/105)
حديث ابن عباس الثابت في الصحيحين ) قال : قدم النبي ( المدينة فرأى اليهود تصوم عاشوراء، فقال: ما هذا؟ قالوا: يومٌ صالح، نجى الله فيه موسى و بني إسرائيل من عدوهم، فصامه موسى. فقال ( أنا أحق بموسى منكم فصامه وأمر بصيامه )
(حديث ابن عباس الثابت في صحيح مسلم ) أن النبي ( قال : ( لئن بقيتُ إلى قابل لأصومنَّّ التاسع )
{ تنبيه } :( حديث أحمد ( صوموا يوماً قبله ويوماً بعده ) ضعيف ، فيكون الأكمل صوم التاسع والعاشر فقط .
( 4) صوم أكثر شعبان :
حديث عائشة الثابت في الصحيحين ) قالت : كان رسول الله ( يصوم حتى نقولُ لا يفطر، ويُفطر حتى نقولُ لا يصوم، وما رأيتُ رسول الله ( استكمل صيام شهرٍ قط إلا رمضان، وما رأيته أكثر صياما منه في شعبان)
( 5) صيام ستة أيام من شوال :
( حديث أبي أيوب الأنصاري الثابت في صحيح مسلم ) أن النبي ( قال : (من صام رمضان ثم أتبعه ستٍ من شوال كان كصيام الدهر )
( 6 ) صيام الإثنين و الخميس :
(حديثأبي هريرة رضي الله عنه الثابت في صحيح مسلم ) أن النبي ( قال : ( تُعرضُ الأعمال يوم الإثنين والخميس ، فأحبُ أن يُعرض عملي وأنا صائم )
( 7) صيام ثلاثة أيامٍ من كل شهر :
(حديث أبي هريرة رضي الله عنه الثابت في الصحيحين ) قال : أوصاني خليلي بثلاثٍ لا أدعهنَّ حتى أموت ، صومُ ثلاثةِ أيامٍ من كل شهر ، وصلاةُ الضحى ونومٌ على وتر )
( 8) صوم عشر ذي الحجة :
( حديث هنيدة بن خالد الثابت في صحيحي أبي داوود والنسائي ) عن امرأته عن بعض أزواج النبي ( قالت : كان رسول الله ( يصوم يوم عاشوراء ، وتسعاً من ذي الحجة ، وثلاثة أيامٍ من كل شهر ، أول اثنين من الشهر و الخميسين )
مسألة : هل يجوز فطر الصائم المتطوع ؟
الجواب : يجوز للصائم المتطوع أن يفطر
( لحديث أم هانئ الثابت في صحيح الترمذي ) أن النبي ( قال : ( الصائمُ المتطوع أمينُ نفسه ، إن شاء صام وإن شاء أفطر )
((2/106)
حديث عائشة الثابت في صحيح مسلم ) قالت : يا رسول الله أهدى لنا حيسٌ فقال : أرينه فلقد أصبحتُ صائماً فأكل )
الحيس : تمر مخلوط بسمن وأقط
مسألة : من كان صائماً تطوعاً ثم دعي إلى طعام إلى طعام هل يلزمه الفطر ؟
لا يلزمه الفطر ، ولكنه أمين نفسه وأمير نفسه إن شاء صام وإن شاء أفطر ،
(حديث أبي هريرة رضي الله عنه الثابت في صحيح مسلم ) أن النبي ( قال : إذا دُعيَ أحدكم إلى طعامٍ وهو صائم ، فليقل إني صائم )
مسألة : ما هي الأيام الثلاثة التي حث النبي ( على صيامها من كل شهر؟
ورد في السنة الصحيحة أن الثلاثة أيام هي :
ثلاثة عشر ، و أربعة عشر ، و خمسة عشر .
وورد أنها أول اثنين و الخميسين من الشهر ، و الأمر في هذا واسع .
( حديث ملحان القيسي الثابت في صحيح أبي داوود ) قال : كان رسول الله (
يأمرنا أن نصوم البيضَ ثلاثة عشر و أربعة عشر و خمسَ عشر وقال : هنَّ كهيئة الدهر )
( حديث هنيدة بن خالد الثابت في صحيحي أبي داوود والنسائي ) عن امرأته عن بعض أزواج النبي ( قالت : كان رسول الله ( يصوم يوم عاشوراء ، وتسعاً من ذي الحجة ، وثلاثة أيامٍ من كل شهر ، أول اثنين من الشهر و الخميسين )
مسألة : ما هي الأيام المنهي عن صيامها ؟
[*](الأيام المنهي عن صيامها ما يلي :
( 1) النهي عن صيام يومي الفطر والأضحى :
(حديث عمر الثابت في الصحيحين ) قال : ( هذان يومان نهى رسول الله (
عن صيامهما ، يوم فطركم من صيامكم ، واليوم الآخرُ يوم تأكلون فيه من نسككم )
( 2) النهي عن صوم عرفة للحاج :
(حديث أم الفضل بنت الحارث الثابت في الصحيحين ) أن ناساً تماروا عندها يومَ عرفه في صومِ النبي ( فقال بعضهم صائم ، وقال بعضهم ليس بصائم ، فأرسلتُ إليه بقدحٍ كبيرٍ وهو واقف على بعيره فشربه )
( 3) النهي عن صوم أيام التشريق غلا لمن يجد الهدي :(2/107)
حديث عائشة الثابت في صحيح البخاري ) قالت : أن النبي ( قال : ( لم يُرخص في أيام التشريق أن يُصمن غلا لمن لم يجد الهدي )
( حديث عقبة بن عامر الثابت في صحيحي أبي داوود و الترمذي ) أن النبي ( قال : ( يومُ عرفه ويوم النحر وأيام التشريق ، عيدُنا أهلَ الإسلام وهي أيامُ أكلٍ وشرب )
( 4) النهي عن صومِ يومِ الشك :
( حديث أبي هريرة رضي الله عنه الثابت في الصحيحين ) أن النبي ( قال : (لا يتقدمنَّ أحدُكم رمضان بصومِ يومٍ أو يومين، إلا أن يكون رجلٌ كان يصوم صومَهُ، فليصم ذلك اليوم)
( حديث عمار الثابت في صحيح السنن الأربعة ) أنه قال ( من صام اليوم الذي يَُشكُ فيه فقد عصى أبا القاسم ( )
( 5) النهي عن صوم يوم الجمعة منفرداً :
( حديث أبي هريرة رضي الله عنه الثابت في الصحيحين ) أن النبي ( قال : ( لا يصومُ أحدكم يوم الجمعة إلا يوماً قبله أو بعده )
( حديث جويرية بنت الحارث الثابت في صحيح البخاري) أن النبي ( قال : ( لا تخصوا ليلةَ الجمعة بقيامٍ من بين الليالي ، ولا تخصوا يوم الجمعة بصيامٍ من بين الأيام إلا أن يكون في صومٍ يصومه أحدكم )
( 6) النهي عن صوم يوم السبت منفرداً :
( حديث عبد الله بن بُسر عن أخته الصماء الثابت في صحيحي أبي داوود و الترمذي ) أن النبي ( قال : ( لا تصوموا يوم السبت إلا فيما افترض عليكم ، وإن لم يجد أحدكم إلا لحاءَ عنبة أو عودَ شجرٍ فليمضغه )
( 7) النهي عن صيام النصف الثاني من شعبان لمن لم تكن له عادة :
( حديث أبي هريرة رضي الله عنه الثابت في صحيحي أبي داوود و الترمذي ) أن النبي ( قال : ( إذا انتصف شعبان فلا تصوموا )
( حديث أبي هريرة رضي الله عنه الثابت في الصحيحين ) أن النبي ( قال : (لا يتقدمنَّ أحدُكم رمضان بصومِ يومٍ أو يومين، إلا أن يكون رجلٌ كان يصوم صومَهُ، فليصم ذلك اليوم)(2/108)
الشاهد : (إلا أن يكون رجلٌ كان يصوم صومَهُ، فليصم ذلك اليوم) فيه دليل على أن من كان له عادة كالاثنين و الخميس ، فليصمهما وإن وافق يوم الشك وإن كان من النصف الأخير لشعبان .
( 8) النهي عن صيام يوم الشك إلا لمن كان له عادة :
( حديث أبي هريرة رضي الله عنه الثابت في الصحيحين ) أن النبي ( قال : (لا يتقدمنَّ أحدُكم رمضان بصومِ يومٍ أو يومين، إلا أن يكون رجلٌ كان يصوم صومَهُ، فليصم ذلك اليوم)
( حديث عمار الثابت في صحيح السنن الأربعة ) أنه قال ( من صام اليوم الذي يَشكُ فيه فقد عصى أبا القاسم ( )
( 9) النهي عن صوم الدهر :
( حديث عبد الله بن عمرو الثابت في الصحيحين ) أن النبي ( قال : (لا صام من صام الأبد )
( 10) النهي عن صيام المرأة وزوجها شاهد إلا بإذنه :
( حديث أبي هريرة رضي الله عنه الثابت في الصحيحين ) أن النبي ( قال : ( لا يحلُ للمرأة أن تصومَ وزوجُها شاهدٌ إلا بإذنه ، ولا تأذن في بيته إلا بإذنه ، وما أنفقت نفقةً من غير إذنه فإنه يؤدَّى إليه شطره )
( حديث عائشة الثابت في الصحيحين ) قالت ، كان رسول الله ( إذا دخل العشر شدَّ مئزره وأحيا ليله و أيقظ أهله )
(شدَّ مئزره ) أي اعتزل النساء
مسألة : ما الحكمة من الاجتهاد في العشر الأخير من رمضان عن سائر رمضان؟
التماس ليلة القدر .
مسألة : ما هو فضل ليلة القدر ؟
ليلة القدر خيرٌ من ألف شهر :
قال تعالى: (لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مّنْ أَلْفِ شَهْرٍ) ) القدر / 3)
وبين النبي ( أن قيامها يترتب عليه غفران الذنب :
( حديث أبي هريرة رضي الله عنه الثابت في الصحيحين ) أن النبي ( قال : ( من يقم ليلة القدر إيماناً و احتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه )
مسألة : في أي الليالي تكون ليلة القدر ؟(2/109)
القول الصحيح الذي دلت عليه السنة الثابتة الصحيحة وتجتمع فيه الأدلة أن ليلة القدر تكون في العشر الأواخر من رمضان ، وأرجاها في الوتر من العشر الأواخر ، وأشدَّها رجاءاً أن تكون ليلة سبعٍ وعشرين :
( حديث عائشة الثابت في الصحيحين ) أن النبي ( قال : ( تحروا ليلة القدر في الوتر من العشر الأواخر من رمضان )
(حديث أبيَّ بن كعب الثابت في صحيح مسلم ) أنه قال : والله الذي لا إله إلا هو إنها لفي رمضان ، يحلفُ ما يستثني والله إني لأعلمُ أيُ ليلةٍ هي ، هي الليلة التي أمرنا رسول الله ( بقيامها ، هي ليلةُ سبعٍ وعشرين وأمارتُها أن تطلع الشمسُ في صبيحة يومها بيضاءَ لا شعاعَ فيها )
( حديث معاوية الثابت في صحيح أبي داوود ) أن النبي ( قال : ( ليلة القدر ليلةُ سبعٍ وعشرين )
مسألة : ما الحكمة من عدم تعيين ليلة القدر بليلة معينة ؟
الحكمة من عدم تعيين ليلة القدر بليلة معينة حتى يتبين النشيط من الكسلان و الراغبُ في الخير من الزاهد فيه .
مسألة : لماذا سميت ليلة القدر بهذا الإسم ؟
[*](سميت ليلة القدر بهذا الإسم للأسباب الآتية :
( 1) لأنه يقدرُ فيها ما يكون في تلك السنة ، يكتب الله تعالى ما سيجري في ذلك العام ، وهذا من حكمة الله تعالى وبيان إتقان صنعه وخلقه ، كتابةٌ أولى في اللوح المحفوظ قبل أن يخلق الله السموات و الأرض بخمسين ألف سنة ، وهذه كتابةٌ لا تتبدل ولا تتغير ،
قال تعالى: (فِيهَا يُفْرَقُ كُلّ أَمْرٍ حَكِيمٍ) ( الدخان / 4)
( 2) سميت ليلة القدر من القدر وهو الشرف ، لقوله تعالى : ( (وَمَآ أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ(2) لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مّنْ أَلْفِ شَهْرٍ) القدر/3)
مسألة : ما حكم تخصيص ليلة القدر بالعمرة ؟
تخصيص ليلة القدر بأداء العمرة فيها بدعة ، وإنما الذي يخص فيها القيام .
((2/110)
حديث أبي هريرة رضي الله عنه الثابت في الصحيحين ) أن النبي ( قال : ( من يقم ليلة القدر إيماناً و احتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه )
مسألة : ما هو الدعاء المستحب في ليلة القدر ؟
(حديث عائشة الثابت في صحيح الترمذي ) قالت : (قُلْتُ يا رَسُولَ الله أَرَأَيْتَ إِنْ عَلِمْتُ أيّ لَيْلَةٍ لَيْلَةٍ القَدْرِ مَاذا أقُولُ فِيهَا؟ قالَ: قُولِي اللّهُمّ إِنّكَ عَفُوّ تُحِبُ العَفْوَ فاعْفُ عَنّي)
مسألة : ما معنى الإعتكاف ؟
الإعتكاف مأخوذ من عكف على الشيء ، وأصله لزوم الشيء ومداومته ، ومنه قول إبراهيم ( (قال تعالى: (إِذْ قَالَ لأبِيهِ وَقَوْمِهِ مَا هََذِهِ التّمَاثِيلُ الّتِيَ أَنتُمْ لَهَا عَاكِفُونَ) ( الأنبياء / 52)
الإعتكاف شرعا : لزوم مسجد لطاعة الله تعالى .
مسألة : ما الدليل على أن الإعتكاف لا يكون إلا في مسجد ؟
قال تعالى: (وَلاَ تُبَاشِرُوهُنّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ) ( البقرة / 187)
الشاهد : جعل محل الإعتكاف المسجد .
مسألة : ما حكم الإعتكاف ؟
الإعتكاف مسنون كل وقت في كل مسجد وليس خاصاً بالمساجد الثلاثة ، وهو ثابت بالكتاب و السنة و الإجماع .
دليل الكتاب :
( قال تعالى: (وَلاَ تُبَاشِرُوهُنّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ) ( البقرة / 187)
دليل السنة :
حديث عائشة الثابت في الصحيحين ) قالت : كان النبي ( يعتكف العشر الأواخر من رمضان ثم اعتكف أزواجه من بعده )
( حديث أبي هريرة رضي الله عنه الثابت في صحيح البخاري ) كان النبي ( يعتكف في كل رمضان عشرة أيام ، فلما كان العام الذي قُبض فيه اعتكف عشرين يوماً )
{ تنبيه } :( الحديث الذي يخصص الإعتكاف بالمساجد الثلاث ضعيف ، غير أن الإعتكاف في المساجد الثلاثة أعظم أجراً .
مسألة : هل يصح الإعتكاف بلا صوم ؟
الصحيح أنه يصح الإعتكاف بلا صوم ، لأن الإعتكاف و الصوم عبادتان منفصلتان فلا يشترط للواحدة وجود الأخرى .(2/111)
مسألة : من نذر أن يعتكف فهل يوف بنذره ؟
من نذر أي نوع من أنواع الطاعات فعليه أن يوفي بنذره :
( حديث عائشة الثابت في صحيح البخاري ) أن النبي ( قال: ( من نذر أن يطيع الله فليطعه ومن نذر أن يعصى الله فلا يعصيه )
(حديث ابن عمر رضي الله عنهما الثابت في الصحيحين ) أن عمر ( قال يا رسول الله إني نذرتُ في الجاهلية أن أعتكف ليلةً في المسجد الحرام ، قال : أوفِ بنذرك )
مسألة : هل يكون الإعتكاف في أي مسجد أم في مسجد تقام فيه جماعة ؟
القول الصحيح الذي دلت عليه السنة الصحيحة ، أنه لا اعتكاف إلا في مسجد جامع .
( حديث عائشة الثابت في صحيح أبي داوود ) قالت : (السنة على المعتكف أن لا يعودَ مريضاً ولا يشهدُ جنازةً ولا يمسَّ امرأةً ولا يباشرها ولا يخرج لحاجةٍ إلا لما لا بد منه ولا اعتكاف إلا بصوم ولا اعتكاف إلا في مسجدٍ جامع )
الصحيح الذي دلت عليه السنة الصحيحة ، أن المرأة يجوز لها أن تعتكف :
( حديث عائشة الثابت في الصحيحين ) قالت : كان النبي ( يعتكف العشر الأواخر من رمضان ثم اعتكف أزواجه من بعده )
{ تنبيه } :( لكن اعتكاف المرأة مشروط بعدم الفتنة ، فإن حصلت الفتنة فلا يجوز اعتكافها ، لأن درأ المفسدة مقدم على جلب المصلحة .
( لحديث أسامة بن زيد الثابت في الصحيحين ) أن النبي ( قال : ( ما تركتُ بعدي فتنةً أضرُ على الرجال من النساء )
وعلى هذا فإن كان في إعتكاف المرأة فتنة فإنها لا تُمكَّنَ من هذا ، كما يوجد في المسجد الحرام حيث لا يوجد مكانُ خاصٌ بالنساء ، فإذا اعتكفت المرأةُ فإنه لابد لها أن تنام إما ليلاً أو نهاراً ونومها بين الرجال يمرون عليها فيه فتنةٌ عظيمة .
مسألة :من نذر أن يصلي في بيت المقدس فهل يجوز له أن يصلي في البيت الحرام ؟
من نذر الأدون ، جاز له أن يصلي في الأعلى منه ، فالبيت الحرام أعلى رتبةً من بيت المقدس .
((2/112)
حديث جابر ابن عبد الله رضي الله عنهما الثابت في صحيح أبي داوود ) أن رجلاً قال يوم الفتح يا رسول الله إني نذرتُ لله إن فتح الله عليك مكة أن أصلي في بيت المقدس ركعتين . قال :( صل ها هنا) ثم أعاد عليه فقال: (صل ها هنا ) ثم أعاد عليه فقال شأنك إذاً )
( هاهنا ) أي في المسجد الحرام
مسألة : الحسنات في مكة مضاعف ، فهل السيئات تضاعف أيضاً ؟
الصحيح الذي دلَّ عليه القرآن الكريم أن السيئات لا تتضاعف من حيث الكمية ، لأن الله تعالى يقول : (مَن جَآءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا وَمَن جَآءَ بِالسّيّئَةِ فَلاَ يُجْزَىَ إِلاّ مِثْلَهَا وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ)(الأنعام / 160)
وهذه الآية نزلت بمكة .
(ولكن السيئات تتضاعف من حيث الكيفية .
لقوله تعالى: (وَمَن يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نّذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ) ( الحج / 25)
مسألة : من نذر أن يعتكف العشر الأواخر من رمضان ، فمتى يدخل ومتى يخرج؟
يدخل قبل ليلته الأولى : أي يدخل قبيل المغرب من اليوم الذي قبله ، ويخرج بعد غروب الشمس ن آخر يوم .
{ تنبيه } :( أما (حديث عائشة الثابت في الصحيحين ) قالت : كان رسول الله ( إذا أراد أن يعتكف صلى الفجر ثم دخل معتكفه ) فمعناه أنه كان يدخل المكان الذي أعده للاعتكاف في المسجد ، أما وقت دخول المسجد للاعتكاف فقد كان أول الليل.
مسألة : ما الذي يستحب للمعتكف ؟
يستحب للمعتكف إشتغاله بالقرب و العبادات الخاصة كقراءة القرآن و الذكر والإستغفار و الصوم وقيام الليل ، وهذا أفضل من حلقات العلم في هذا الوقت .
مسألة : ما الذي يكره للمعتكف ؟
[*](يكره للمعتكف ما يلي :
( 1) يكره للمعتكف أن يشغل نفسه بما لا يعنيه من قولٍ أو عمل،
(حديث أبي هريرة رضي الله عنه الثابت في صحيحي الترمذي و ابن ماجه ) أن النبي ( قال : ( من حسن إسلام المرء تركه مالا يعنيه )
((2/113)
2) ويكره كذلك الإمساك عن الكلام ظناً منه أن ذلك مما يقرب إلى الله تعالى ، (حديث ابن عباس الثابت في صحيح البخاري ) قال : بينا النبي ( يخطب إذا هو برجل قائم، فسأل عنه فقالوا: أبو إسرائيل، نذر أن يقوم ولا يقعد، ولا يستظل، ولا يتكلم، ويصوم. فقال النبي ( : (مُره فليتكلم وليستظلُ وليقعد، وليتم صومه)
( حديث علي الثابت في صحيح أبي داوود ) أن النبي ( قال : (لا يُتمَ بعد احتلام ولا صُماتُ يوم إلى الليل )
مسألة : ما الذي يباح للمعتكف ؟
[*](يُباح للمعتكف ما يلي :
( 1) خروجه لتوديع أهله ، كما حصل من صفية رضي الله عنها حينما زارت النبي ( في معتكفه فقام معها يقلبها إلى بيتها .
حديث صفية الثابت في الصحيحين )أنها جاءت رسول الله ( تزوره في اعتكافه في المسجد في العشر الأواخر من رمضان فتحدثت عنده ساعة، ثم قامت تنقلب فقام النبي ( يقْلبُها ،حتى إذا بلغت باب المسجد عند باب أم سلمةَ مرَّ رجلان من الأنصار فسلَّما على رسول الله ( فقال لهما النبي ( على رِسلكُمَا إنما هي صفية بنت حيي فقالا سبحان الله يا رسول الله وكبُرَ عليهما فقال ( إن الشيطان يبلغ من الإنسان مبلغ الدم وإني خشيتُ أن يقذف في قلوبكما شيئاً )
( 2) غسل شعره وترجليله :
حديث عائشة الثابت في الصحيحين ) قالت : ( كان رسول الله ( يُخرج رأسه إليَّ وهو معتكف فأغسله وأنا حائض )
( 3) ويباح له أن يأكل ويشرب في المسجد وينام فيه مع المحافظة على نظافة المسجد .
مسألة : ما الذي يُبطل الإعتكاف ؟
[*](يُبطل الإعتكاف ما يلي :
( 1) الخروج لغير حاجة عمداً وإن قل ، فإنه يفوت المكث فيه وهو ركن من أركانه :
( حديث عائشة الثابت في صحيح أبي داوود ) قالت : (السنة على المعتكف أن لا يعودَ مريضاً ولا يشهدُ جنازةً ولا يمسَّ امرأةً ولا يباشرها ولا يخرج لحاجةٍ إلا لما لا بد منه ولا اعتكاف إلا بصوم ولا اعتكاف إلا في مسجدٍ جامع )
( 2) الردَّة ، لمنافتها للعبادة :(2/114)
قال تعالى: (وَلَقَدْ أُوْحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الّذِينَ مِن قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنّ مِنَ الْخَاسِرِينَ) ( الزمر / 65)
قال تعالى: (وَلاَ تُبَاشِرُوهُنّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ تِلْكَ حُدُودُ اللّهِ فَلاَ تَقْرَبُوهَا كَذَلِكَ يُبَيّنُ اللّهُ آيَاتِهِ لِلنّاسِ لَعَلّهُمْ يَتّقُونَ) ( البقرة / 187)
مسألة : هل يستحب قضاء الإعتكاف ؟
من شرع في الإعتكاف متطوعاً ثم قطعه استحب له قضاؤه :
حديث عائشة الثابت في الصحيحين ) قالت : كان النبي ( يعتكفُ في العشر الأواخرِ من رمضان، فكنتُ أضربُ له خباءاً، فيصلي الصبح ثم يدخله، فاستأذنت حفصةُ عائشة أن تضرب خباءاً فأذنت لها، فضربت خباءاً، فلما رأته زينبُ بنت جحش ضربت خباءاً آخر، فلما أصبح النبي ( ورأى الأخبية، فقال: (ما هذا) فأُخبر، فقال النبي (: ( آلبرَّ تُروَّن بهنَّ) فترك الاعتكافُ ذلك الشهر، ثم اعتكف عشراً من شوال)
فضل من قام رمضان
مسألة : ما هو فضل من قام رمضان ؟
(حديث أبي هريرة رضي الله عنه الثابت في الصحيحين) أن النبي ( قال : من قام رمضان إيمانا و احتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه )
فضل قيام الليل
مسألة : ما هو فضل قيام الليل ؟
(1 ) صلاة الليل أفضل صلاة بعد صلاة الفريضة :
( حديث أبي هريرة رضي الله عنه الثابت في صحيح مسلم ) أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : أفضل الصيام بعد رمضان شهر الله المحرم ، وأفضلُ الصلاة بعد الفريضة صلاةُ الليل )
( 2) صلاة الليل من علامات شكر العبد لربه :
حديث عائشة الثابت في الصحيحين ) قالت : كان النبي ( يقوم من الليل حتى تتفطر قدماه ، فقلتُ له لم تصنع هذا وقد غفر الله لك ما تقدَّم من ذنبك وما تأخر ، فقال أفلا أحبُ أن أكونَ عبدا شكوراً )
( 3) صلاة الليل مما يُستعدُ به من الحسنات :
((2/115)
حديث أم سلمة الثابت في صحيح البخاري ) قالت : استيقظ النبي - صلى الله عليه وسلم - ليلةً فزعاً يقول: سبحان الله ماذا أنزل الله من الخزائن وماذا أنزل من الفتن ، من يوقظُ صواحبٌ الحجرات ، يريد أزواجه لكي يصلين ، ربَّ كاسيةٍ في الدنيا عاريةٍ في الآخرة )
( 4) صلاة الليل دأبُ الصالحين قبلكم وقربةٌ إلى ربكم :
(حديث أبي أمامة الثابت في صحيح الترمذي ) أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : عليكم بقيامِ الليل فإنه دأبٌ الصالحين قبلكم ، و قربةٌ إلى ربكم ، و منهاةٌ عن الإثم و تكفيرٌ للسيئات، و مطردةٌ للداءِ عن الجسد )
( 5) قيام الليل سبب النشاط :
( حديث أبي هريرة رضي الله عنه الثابت في الصحيحين ) أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : يعقدُ الشيطانُ على قافيةِ رأس أحدكم إذا هو نام ثلاث عُقد يَضربُ على مكانِ كلِ عُقدة، عليك ليلٌ طويلٌ فارقد، فإن استيقظ فذكر الله انحلت عقدة ، فإن توضأ انحلت عقدة ، فإن صلى انحلت عُقدة فأصبح نشيطاً طيب النفس ، وإلا أصبح خبيث النفس كسلان )
( 6) كره النبي - صلى الله عليه وسلم - أن ينام الرجل الليل كله :
( حديث ابن مسعود الثابت في الصحيحين ) قال : ذُكر عند النبي - صلى الله عليه وسلم - رجلٌ فقيل ما زال نائماً حتى أصبح ، ما قام إلى الصلاة . فقال : بال الشيطانُ في أذنه )
( 7) ولهذا أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - الإمام علي ( وابنته فاطمة رضي الله عنها بصلاة الليل لحرصه عليهما .
( حديث علي الثابت في الصحيحين ) أن النبي - صلى الله عليه وسلم - طرقَهُ وفاطمة بنت النبي - صلى الله عليه وسلم - ليلةً فقال : ألا تصليان ؟ فقلتُ يا رسول الله أنفسنا بيد الله فإذا شاء أن يبعثنا بعثنا ، فانصرف حين قلت ذلك ولم يرجع اليَّ شيئاً ، ثم سمعته وهو مٌوَلٍّ يضرب فَخِذه وهو يقول : وكان الإنسان أكثر شيء جدلاً )
( 8) قيام الليل من الأسباب التي تنجي من الغفلة .
((2/116)
حديث عبد الله بن عمرو الثابت في صحيح أبي داود) أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : من قام بعشر آيات لم يكتب من الغافلين و من قام بمائة آية كتب من القانتين و من قام بألف آية كتب من المقنطرين )
( 9) قيام الليل من أسباب دخول الجنة :
( حديث عبد الله بن سلام الثابت في صحيحي الترمذي وابن ماجه ) أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : يأيها الناس أفشوا السلام وأطعموا الطعام وصلوا بالليل والناس نيام تدخلوا الجنة بسلام )
( 10) قيام الليل شرفُ المؤمن .
( حديث سهل بن سعد الثابت الثابت في صحيح الجامع ) أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : أتاني جبريل فقال : يا محمدُ عِش ما شئت فإنك ميت و أحبب من شئت فإنك مفارِقُه ، و اعمل ما شئت فإنك مجزيٌ به ، و اعلم أن شرفَ المؤمن قيامُهُ بالليل و عزَّه استغناؤه عن الناس )
( 11) حث النبي - صلى الله عليه وسلم - على التعاون بين الزوجين على قيام الليل :
(حديث أبي هريرة رضي الله عنه الثابت في صحيحي أبي داوود والنسائي ) أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: رحم الله رجلاً قام من الليل فصلى و أيقظ امرأته فصلت فإن أبتْ نضح في وجهها الماء ، و رحم الله امرأةً قامت من الليل فصلت و أيقظت زوجَها فصلى فإن أبى نضحت في وجهه الماء )
(حديث أبي هريرة رضي الله عنه الثابت في صحيحي أبي داوود وابن ماجه) أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: إذا أيقظ الرجلُ أهله من الليل فصليا ركعتين جميعاً كتبا من الذاكرين الله كثيراً والذاكرات )
مسألة : ما هي آداب قيام الليل ؟
[*](آداب قيام الليل ما يلي :
( 1) أن ينوي عند نومه قيام الليل ، فإن غلبه النوم كُتب له الأجر وكان نومه صدقة عليه ، ولم يُعدُّ مفرطاً :
(حديث عائشة الثابت في صحيح أبي داوود والنسائي ) أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : ما من امرئ تكون له صلاة بليل يغلبه عليه نوم إلا كتب له أجر صلاته وكان نومه صدقةً عليه )
((2/117)
حديث أبي قتادة الثابت في صحيح مسلم ) أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : ليس في النوم تفريط إنما التفريط على من لم يصل الصلاة حتى يجيء وقتها الأخرى )
(حديث أبي قتادة الثابت في صحيح السنن الأربعة ) أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : ليس في النوم تفريط إنما التفريط في اليقظة ، فإذا نسيَ أحدكم صلاة أو نام عنها فليصلها إذا ذكرها ولوقتها من الغد )
( 2) أن يدعو بالدعاء الوارد عند استيقاظه بالليل للصلاة :
( حديث عبادة بن الصامت الثابت في صحيح البخاري ) أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : (من تعارَّ من الليل فقال : لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، له الملك و له الحمد و هو على كل شيء قدير، سبحان الله و الحمد لله و لا إله إلا الله و الله أكبر و لا حول و لا قوة إلا بالله ثم قال : اللهم اغفر لي ، أو دعا استجيب له ، فإن فتوضأ و صلى قُبلت صلاته )
(حديث ابن عباس الثابت في الصحيحين) أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان إذا قام من الليل يتهجد قال : اللهم لك الحمد أنت نور السماوات والأرض ومن فيهن ، ولك الحمد أنت قيمُ السماوات والأرض ومن فيهن ، ولك الحمد أنت الحق ووعدك الحق وقولك الحق ولقاؤك حق والجنة حق والنار حق والنبيون حق والساعة حق اللهم لك أسلمت وبك آمنت وعليك توكلت وإليك أنبت وبك خاصمت وإليك حاكمت فاغفر لي ما قدمت وأخرت وأسررت وأعلنت أنت المقدم وأنت المؤخر لا إله إلا أنت )
{ تنبيه } :( لا يُشترط في قيام الليل أن يسبق بنوم ولكن الأفضل أن يسبق بنوم ، ولهذا كان أحبُ صلاة الليل إلى الله صلاة داود ( وكانت تُسبق بنوم ،
(حديث عبد الله بن عمرو الثابت في الصحيحين) أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : أحب الصيام إلى الله صيام داود ، و أحب الصلاة إلى الله صلاة داود ، و كان داود ينام نصف الليل و يقوم ثلثه و ينام سدسه ، ويصوم يوما و يفطر يوما)
( 3) أن يفتتح الصلاة بركعتين خفيفتين :
((2/118)
حديث أبي هريرة رضي الله عنه الثابت في صحيح مسلم ) أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : إذا قام أحدكم من الليل فليفتتح الصلاة بركعتين خفيفتين )
( 4) أن يوقظ أهله لقيام الليل :
(حديث أم سلمة الثابت في صحيح البخاري) أن النبي - صلى الله عليه وسلم - استيقظ من الليل فزعاً فقال : ماذا أُنزل الليلة من الخزائن و: ماذا أُنزل من الفتن ، من يُوقظ صواحب الحجرات – لكي يصلين ، رُبَّ كاسيةٍ في الدنيا عاريةٍ في الآخرة) (حديث علي الثابت في الصحيحين) أن النبي - صلى الله عليه وسلم - طرقه وفاطمة فقال ألا تصليان ؟ فقلت يا رسول الله أنفسنا بيد الله فإذا شاء أن يبعثنا بعثنا فانصرف حين قلت ذلك ولم يرجع إليَّ شيئا ثم سمعته وهو مولٍ يضرب فخذه وهو يقول وكان الإنسان أكثر شيء جدلا )
(حديث أبي هريرة رضي الله عنه الثابت في صحيحي أبي داوود والنسائي ) أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : رحم الله رجلا قام من الليل فصلى و أيقظ امرأته فصلت فإن أبت نضح في وجهها الماء و رحم الله امرأة قامت من الليل فصلت و أيقظت زوجها فصلى فإن أبى نضحت في وجهه الماء )
(حديث أبي هريرة رضي الله عنه الثابت في صحيحي أبي داوود وابن ماجة) أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : إذا أيقظ الرجل أهله فصليا ركعتين جميعا كتبا من الذاكرين الله كثيرا والذاكرات )
( 5) أن يترك الصلاة ويرقد إذا غلبه النعاس :
(حديث عائشة الثابت في الصحيحين) أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : إذاصلى أحدكم وهو ناعسٌ فليرقد حتى يذهب عنه النوم فإن أحدكم إذا صلى وهو ناعس لعله يستغفر فيسب نفسه )
(حديث أبي هريرة رضي الله عنه الثابت في صحيح مسلم ) أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال إذا قام أحدكم من الليل فاستعجم القرآن على لسانه فلم يدر ما يقول فليضطجع )
((2/119)
حديث أنس الثابت في الصحيحين) قال : دخل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - المسجد فإذا حبلٌ ممدود بين ساريتين فقال ما هذا ؟ قالوا هذا حبلٌ لزينب فإذا فترت تعلقت ، قال حلوه ليصل أحدكم نشاطه فإذا فتر فليرقد )
( 6) أن يطوِّل القيام إن كان يستطيع :
(حديث أنس الثابت في الصحيحين) قال : صليت مع النبي - صلى الله عليه وسلم - ليلةً فلم يزل قائماً حتى هممتُ بأمرِ سَوْءٍ ، قيل وما هممت ؟ قال هممتُ أن أقعد وأذر النبي - صلى الله عليه وسلم - )
(حديث عبد الله بن عمرو الثابت في صحيح أبي داود) أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : من قام بعشر آيات لم يكتب من الغافلين و من قام بمائة آية كتب من القانتين و من قام بألف آية كتب من المقنطرين )
معنى من المقنطرين : الذين يوفون أجورهم بالقنطار.
( 7) أن يواظب على القيام ولا ينقطع عنه :
(حديث ابن عمر رضي الله عنهما الثابت في الصحيحين) قال : قال لي سول الله ( يا عبد الله لا تكن مثل فلان كان يقوم الليل فترك قيام الليل )
( 8) إذا كان قيام الليل في جماعة يستحب أن يصلي مع الإمام حتى ينصرف:
(حديث أبي ذر الثابت في صحيحي أبي داوود والترمذي) أن النبي ( قال : إن الرجل إذا صلى مع الإمام حتى ينصرف حُسِب له قيام ُ ليلة )
مسألة : ما هي كيفية صلاة الليل ؟
صلاة الليل مثنى مثنى بنص السنة الصحيحة :
(حديث ابن عمر رضي الله عنهما الثابت في الصحيحين) أن رجلاً أتى النبي ( فسأله عن صلاة الليل فقال : صلاة الليل مثنى مثنى فإذا خشِيَ أحدكم الصبح صلى ركعةً واحدةً تُوتر له ما قد صلى (
(حديث ابن عمر رضي الله عنهما الثابت في صحيحي أبي داوود و الترمذي ) أن النبي ( قال : (صلاة الليل و النهار مثنى مثنى )
مسألة : هل يجوز صلاة الليل جالساً ؟
الذي دلت عليه السنة الصحيحة أن صلاة التطوع عموماً يجوز للإنسان أن يصلي جالساً وإن كان يستطيع القيام ولكن له نصف أجر القائم وعليه يُحمل الحديث الاتي :
((2/120)
حديث عمران بن حُصين الثابت في صحيح البخاري) وكان مبسوراً فسأل النبي ( عن الصلاة فقال : إن صلى قائماً فهو أفضل ، وإن صلى قاعداً فله نصف أجر القائم وإن صلى نائماُ فله نصف أجر القاعد)
(حديث عائشة الثابت في الصحيحين) قالت : ما رأيت رسول الله ( يقرأ في شيء من صلاة الليل جالسا حتى إذا كبر قرأ جالسا حتى إذا بقي عليه من السورة ثلاثون أو أربعون آية قام فقرأهن ثم ركع )
{ تنبيه } :( إذا صلى الإنسان قاعداً لعجزه عن القيام جاز ذلك ويُكتب له الأجر كاملاً وعليه يُحمل :
(حديث أبي قتادة الثابت في الصحيحين) أن النبي ( قال : إذا مرض العبد أو سافر كتب الله له ما كان يعمله وهو الثابت في صحيح مقيم )
مسألة : ما هو عدد ركعات قيام الليل ؟
الذي دلت عليه السنة الصحيحة أن النبي ( لم يزد في رمضان ولا في غيره عن إحدى عشرة ركعة :
(حديث أبي سلمة بن عبد الرحمن الثابت في الصحيحين) قال : سألتُ عائشة رضي الله عنها عن صلاة النبي ( في رمضان فقالت : ما كان رسول الله ( يزيدُ في رمضان ولا في غيره على إحدى عشرة ركعة ، يصلي أربعاً فلا تسل عن حسنهنَّ وطولهنَّ ثم يصلي أربعاً فلا تسل عن حسنهنَّ وطولهنَّ ثم يصلي ثلاثاً ، فقلت يا رسول الله أتنام قبل أن توتر ؟ فقال يا عائشةُ إن عينيَّ تنامان ولا ينامُ قلبي )
(حديث عائشة الثابت في الصحيحين ) قالت : كان النبي ( يُصلي من الليل ثلاث عشرة ركعة منها الوتر وركعتا الفجر )
مسألة : هل كان النبي ( يواظب على إحدى عشرة ركعة ؟
القولُ الذي دلت عليه السنة الصحيحة أن النبي ( لم يكن يواظب على إحدى عشرة ركعة ولكن كان يصلي بحسب نشاطه ، سبع وتسع وإحدى عشرة ولكن لا يزيد عن إحدى عشر :
(حديث مسروق الثابت في صحيح البخاري) قال : سألت عائشة عن صلاة النبي ( بالليل فقالت : سبعٌ وتسعٌ وإحدى عَشْرةَ سوى ركعتي الفجر .
مسألة : هل يجوز قضاء قيام الليل ؟
نعم يجوز قضاء قيام الليل بنص السنة الصحيحة :
((2/121)
حديث عمر الثابت في صحيح مسلم ) : أن النبي ( قال : من نام عن حزبه أو عن شيء منه فقرأه فيما بين صلاة الفجر و صلاة الظهر كتب كأنما قرأه من الليل )
مسألة : ما هي مشروعية قيام رمضان ؟
قيام رمضان آكد من غيره أي أشدُ تأكيداً من غيره .
(حديث أبي هريرة رضي الله عنه الثابت في الصحيحين) أن النبي ( قال : من قام رمضان إيمانا و احتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه )
مسألة : هل تُشرع الجماعة في قيام رمضان ؟
تُشرع الجماعة في قيام رمضان
(حديث عائشة الثابت في الصحيحين) أن رسول الله ( صلى ذات ليلة في المسجد فصلى بصلاته ناس ثم صلى من القابلة فكثر الناس ثم اجتمعوا من الليلة الثالثة فلم يخرج إليهم رسول الله ( فلما أصبح قال قد رأيت الذي صنعتم فلم يمنعني من الخروج إليكم إلا أني خشيت أن تفرض عليكم قال وذلك في رمضان )
الشاهد : إقرار النبي ( لصلاة الليل جماعة إلا أنه تركه من باب أنه ( كان يترك العمل وهو يحبه خشية أن يُكتب على أمته )
( حديث عبد الرحمن بن عبد القارئ الثابت في صحيح البخاري ) قال : خرجت مع عمر بن الخطاب رضي الله عنه ليلة في رمضان إلى المسجد، فإذا الناس أوزاع متفرقون، يصلي الرجل لنفسه، ويصلي الرجل فيصلي بصلاته الرهط، فقال عمر: إني أرى لو جمعت هؤلاء على قارئ واحد لكان أمثل، ثم عزم فجمعهم على أبي بن كعب، ثم خرجت معه ليلة أخرى والناس يصلون بصلاة قارئهم، قال عمر: نعم البدعة هذه، والتي ينامون عنها أفضل من التي يقومون، يريد آخر الليل، وكان الناس يقومون أوله)
(حديث أبي ذر الثابت في صحيحي أبي داوود والترمذي) أن النبي ( قال : إن الرجل إذا صلى مع الإمام حتى ينصرف حُسِب له قيام ُ ليلة )
مسألة : ما هو الحج ؟
الحج لغةً : القصد .
الحج شرعا : التعبد لله تعالى بأداء المناسك على ما جاءت به السنة الثابتة الصحيحة .
مسألة : ما معنى المناسك ؟
المناسك جمع منسك ، و الأصل في المنسك التعبد ،(2/122)
لقوله تعالى: (لّكُلّ أُمّةٍ جَعَلْنَا مَنسَكاً هُمْ نَاسِكُوهُ ) ( الحج / 67) أي متعبداُ يتعبدون فيه ،
وأكثر إطلاقه على الذبيحة .
قال تعالى: (قُلْ إِنّ صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي للّهِ رَبّ الْعَالَمِينَ) (الأنعام / 162)
( 1) الحج من أفضل الأعمال :
(حديث أبي هريرة رضي الله عنه الثابت في الصحيحين ) أن رسول الله ( سُئل أي العمل أفضل؟قال: إيمانٌ بالله ورسوله ، قيل ثم ماذا ؟ قال : الجهاد في سبيل الله ، قيل ثم ماذا ؟ قال : حجٌ مبرور )
( 2) أن الحج جهاد :
حديث عائشة الثابت في الصحيحين ) قالت : استأذنت النبي ( في الجهاد ، قال: جهادكُنَّ الحج )
حديث عائشة الثابت في الصحيحين ) أنها قالت : يا رسول الله نرى الجهادَ أفضلُ العمل ، أفلا نجاهد؟ قال : لا . لكُنَّ أفضلُ الجهاد حجٌ مبرور )
(3) الحج ركنٌ من أركان الإسلام الخمسة :
( حديث ابن عمر رضي الله عنهما الثابت في الصحيحين ) أن النبي ( قال : ( بني الإسلام على خمس شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله ، وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة والحج وصوم رمضان )
( 4) غفران الذنوب :
(حديث أبي هريرة رضي الله عنه الثابت في الصحيحين ) أن النبي ( قال : ( قال من حج لله فلم يرفث ولم يفسق رجع كيوم ولدته أمه )
(حديث أبي هريرة رضي الله عنه الثابت في الصحيحين ) أن النبي ( قال: العمرةُ إلى العمرة كفارةُ لما بينهما ، والحجُ المبرور ليس له جزاءٌ إلا الجنة )
( حديث ابن مسعود الثابت في صحيحي أبي داوود و الترمذي ) أن النبي ( قال : ( تابعوا بين الحج والعمرة فإنهما ينفيان الفقر و الذنوب كما ينفي الكيرُ خبثَ الحديد والفضة ، وليس للحج المبرور ثواب إلا الجنة )
(حديث ابن عمر رضي الله عنهما الثابت في صحيح ابن ماجه ) أن النبي ( قال : ( الغازي في سبيل الله والحاج و المعتمر ، وفدُ الله دعاهم فأجابوه وسألوه فأعطاهم )
مسألة : اذكر الأدلة على وجوب الحج ؟(2/123)
قال تعالى: (وَللّهِ عَلَى النّاسِ حِجّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً وَمَن كَفَرَ فَإِنّ الله غَنِيّ عَنِ الْعَالَمِينَ) ( آل عمران / 97)
( حديث ابن عمر رضي الله عنهما الثابت في الصحيحين ) أن النبي ( قال : ( بني الإسلام على خمس شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله ، وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة والحج وصوم رمضان )
الحج يجب مرةً واحدة في العمر
مسألة : ما الدليل على أن الحج يجب مرةً واحدة في العمر ؟
( حديث أبي هريرة رضي الله عنه الثابت في صحيح مسلم ) أن النبي ( قال : (أيها الناس قد فرض الله عليكم الحج فحجُّوا فقال رجل أكلَّ عامٍ يا رسول الله ؟ فسكت حتى قالها ثلاثا فقال: لو قلت نعم لوجبت ولما استطعتم ثم قال : ذروني ما تركتكم فإنما أهلك من كان قبلكم بكثرةِ سؤالهم واختلافهم على أنبيائهم ، فإذا أمرتكم بشيءٍ فأتوا منه ما استطعتم وإذا نهيتكم عن شيءٍ فدعوه )
( حديث ابن عباس الثابت في صحيحي أبي داوود و النسائي ) أن الأقرعُ بن حابس سأل النبي ( فقال يا رسول الله : الحجُ في كل سنةٍ أو مرةٍ واحدة ، قال : بل مرةً واحدةً فمن زاد فهو تطوُّع )
الحج يجب على الفور
مسألة : لماذا يجبُ الحج على الفور ؟
يجب الحج على الفور لأن النبي ( أمرنا بالتعجل إلى الحج ، ولأن ذلك أسرعُ في إبراء الذمة ، ولأن الله تعالى أمر بالإستباق إلى الخيرات فقال تعالى : (فَاسْتَبِقُوا الخَيْرَاتِ إِلَىَ الله مَرْجِعُكُمْ جَمِيعاً فَيُنَبّئُكُم بِمَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ) ( المائدة / 48)
والتأخير خلاف ذلك .
(حديث ابن عباس الثابت في صحيحي أبي داوود و ابن ماجه ) أن النبي ( قال : (من أراد الحج فليتعجل فإنه قد يمرض المريض وتضل الضالة وتعرض الحاجة )
سداد الديون أولى من الحج والعمرة
مسألة : هل سداد الديون أولى من الحج والعمرة ؟(2/124)
سداد الديون أولى من الحج والعمرة ، ومن أخذ أموال الناس يريد أدائها أدى الله عنه ومن أخذ يريد إتلافها أتلفه الله .
(حديث أبي هريرة رضي الله عنه الثابت في صحيح البخاري ) أن النبي ( قال: ( من أخذ أموال الناس يريد أدائها أدى الله عنه ، ومن أخذ يريد إتلافها أتلفه الله )
(حديث أبي هريرة رضي الله عنه الثابت في الصحيحين ) أن النبي ( قال : ( لو أن عندي مثلَ أحدٍ ذهباٍ ما يسرني أن لا يمَّر عليَّ ثلاث وعندي منه شيءٌ إلا شيءٌ أرْصُدُه لدين)
استحباب التقشف في الحج
مسألة : ما الدليل على استحباب التقشف في الحج ؟
( حديث ثمامة بن عبد الله بن أنس الثابت في صحيح البخاري ) قال حج أنس على رحلٍ ولم يكن شحيحاً وحدَّث أن رسول الله ( حج على رحلٍ وكانت زاملتُهُ)
(معنى (حج على رحلٍ وكانت زاملتُهُ)
الزاملة : هي الراحلة التي تحملُ الطعام ، والمقصود أن النبي ( حج على راحلة وكانت هذه الراحلة هي أيضاً الزاملة ، وفيه أن السنة في الحج التقشف وعدم الترف .
(حديث أنس الثابت في صحيحابن ماجه ) قال : حج النبي ( على رحلٍ وقطيفة تساوي أربعة دراهم أو لا تساوي ثم قال : اللهم حجةٌ لا رياء فيها ولا سمعه )
من مات وعليه حجة الإسلام
مسألة : من مات وعليه حجة الإسلام ، أو حجةٍ نذرها هل يحج عنه وليه ؟
من مات وعليه حج فريضة وجب على وليه أن يحج عنه :
(حديث ابن عباس الثابت في صحيح البخاري ) أن امرأة من جهينه جاءت النبي ( فقالت : إن أمي نذرت أن تحجَّ، ولم تحج حتى ماتت، أفأحجُ عنها؟ قال: (نعم، حُجِّي عنها، أرأيتِ لو كان على أمكِ دينٌ أكنتِ قاضيتَهُ؟ اقضوا الله، فالله أحقُ بالوفاء)
الحج عن الغير
مسألة : هل يجوز الحج عن الغير ؟
يجوز للإنسان أن يحج عن غيره ، إن كان هذا الغير لا يستطيع أن يحج بنفسه .
((2/125)
حديث ابن عباس الثابت في الصحيحين ) كان الفضلُ رَديف رسول الله ( فجاءت امرأةٌ من خثعم، فجعل الفضلُ ينظرُ إليها وتنظرُ إليه، فجعل النبي ( يصرفُ وجه الفضلِ إلى الشق الآخر، فقالت يا رسول الله: إن فريضة الله على عباده في الحج أدركت أبي شيخاً كبيراً، لا يثبت على الراحلة، أفأحج عنه؟. قال: نعم ، وذلك في حجة الوداع)
{ تنبيه } :( يشترط لمن يحج عن غيره أن يكون قد حجَّ حجة الإسلام :
(حديث ابن عباس الثابت في صحيحي أبي داوود و ابن ماجه ) أن النبي ( سمع رجلاً يقول : لبيك عن شبرمه ، قال : من شبرمه ؟ قال : أخٌ لي ، أو قريبٌ لي ، قال : حججت عن نفسك ؟ قال لا . قال : حجَّ عن نفسك ثم حجَّ عن شبرمه )
على من يجب الحج
مسألة : على من يجب الحج ؟
[*](يجب الحج على المسلم ، المكلف ، الحر المستطيع .
( 1) المسلم :
لقوله تعالى : (وَمَا مَنَعَهُمْ أَن تُقْبَلَ مِنْهُمْ نَفَقَاتُهُمْ إِلاّ أَنّهُمْ كَفَرُواْ بِاللّهِ وَبِرَسُولِهِ وَلاَ يَأْتُونَ الصّلاَةَ إِلاّ وَهُمْ كُسَالَىَ وَلاَ يُنفِقُونَ إِلاّ وَهُمْ كَارِهُونَ) ( التوبة / 54)
( 2) الحر ، فلا يجب على العبد ، لأنه غير مستطيع .
( حديث ابن عمر رضي الله عنهما الثابت في صحيح مسلم ) أن النبي ( قال : ( من باع عبداً وله مال فماله لبائعه إلا أن يشترط المبتاع )
( 3) المكلف ، أي البالغ العاقل .
( حديث علي الثابت في صحيحي أبي داوود والترمذي ) أن النبي ( قال : رُفع القلم عن ثلاث : عن النائم حتى يستيقظ و عن الصبي حتى يحتلم و عن المجنون حتى يُفيق )
( 4) المستطيع .
قال تعالى: (وَللّهِ عَلَى النّاسِ حِجّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً وَمَن كَفَرَ فَإِنّ الله غَنِيّ عَنِ الْعَالَمِينَ) ( آل عمران / 97)
ما هي الاستطاعة
مسألة : ما هي الاستطاعة ؟
الاستطاعة ثلاثة أشياء متلازمة :
( 1) الصحة :
((2/126)
2) أن يملك ما يكفيه ذهاباً وإياباً فاضلاً عن حاجته وحاجة من تلزمه نفقته :
( 3) أن يأمن الطريق :
( 1) الصحة :
(حديث ابن عباس الثابت في الصحيحين ) كان الفضلُ رَديف رسول الله ( فجاءت امرأةٌ من خثعم، فجعل الفضلُ ينظرُ إليها وتنظرُ إليه، فجعل النبي ( يصرفُ وجه الفضلِ إلى الشق الآخر، فقالت يا رسول الله: إن فريضة الله على عباده في الحج أدركت أبي شيخاً كبيراً، لا يثبت على الراحلة، أفأحج عنه؟. قال: نعم ، وذلك في حجة الوداع)
( 2) أن يملك ما يكفيه ذهاباً وإياباً فاضلاً عن حاجته وحاجة من تلزمه نفقته .
( حديث عبد الله بن عمرو الثابت في صحيح أبي داوود ) أن النبي ( قال : ( كفى بالمرء إثماً أن يضيع من يقوت )
( 3) أن يأمن الطريق ، حتى لا يحدث له ضرر :
(حديث ابن عباس الثابت في صحيحابن ماجه ) أن النبي ( قال : ( لا ضرر ولا ضرار )
مسألة : من كان قادراً بماله عاجزاً ببدنه ، هل يلزمه الحج ؟
يلزمه الحج بالنيابة ، أي ينيب من يحج عنه .
(حديث ابن عباس الثابت في الصحيحين ) كان الفضلُ رَديف رسول الله ( فجاءت امرأةٌ من خثعم، فجعل الفضلُ ينظرُ إليها وتنظرُ إليه، فجعل النبي ( يصرفُ وجه الفضلِ إلى الشق الآخر، فقالت يا رسول الله: إن فريضة الله على عباده في الحج أدركت أبي شيخاً كبيراً، لا يثبت على الراحلة، أفأحج عنه؟. قال: نعم ، وذلك في حجة الوداع)
مسألة : هل يجوز له أن ينيب عنه امرأة ؟
نعم كما في الحديث السابق ،( حديث المرأة الخثمعية )
... حج المرأة
مسألة : علمنا أن الحج يجب على المسلم المكلف الحر المستطيع ، فهل للمرأة شروط أخرى ؟
للمرأة شرطٌ زائد هو أن يسافر معها محرم .
(حديث أبي هريرة رضي الله عنه الثابت في الصحيحين ) أن النبي ( قال : ( لا يحلُ لامرأةٍ تؤمن بالله و اليوم الآخر تسافر مسيرة يومٍ وليلة إلا مع ذي محرمٍ لها )
((2/127)
حديث ابن عمر رضي الله عنهما الثابت في الصحيحين ) أن النبي ( قال : ( لا تسافر المرأةُ ثلاثة ايامٍ إلا مع ذي محرم )
(حديث ابن عباس الثابت في الصحيحين ) أن النبي ( قال : (لا يخلون رجلٌ بامرأةٍ إلا مع ذي محرم ، فقام رجل فقال يا رسول الله إن امرأتي خرجت حاجة فاكتتبت في غزوة كذا وكذا قال : ارجع فحج مع امرأتك )
(حديث ابن عباس الثابت في صحيح مسلم ) سمعت ُ النبي ( يخطب يقول لا يخلون رجل بامرأة إلا ومعها ذو محرم ولا تسافر المرأة إلا مع ذي محرم فقام رجل فقال يا رسول الله إن امرأتي خرجت حاجة وأني اكتتبت في غزوة كذا وكذا قال انطلق فحج مع امرأتك )
ما هو المحرم للمرأة ؟
المحرم للمرأة : زوجها ، أو من تحرُمُ عليه على التأبيد بنسب أو سبب مباح .
مسألة : ما هو السبب المباح ؟
السبب المباح ينحصر في شيئين :
( 1) الرضاع ( 2) المصاهرة
( 1) الرضاع : ( يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب ) وهم سبعة :
( الأب / الإبن / الأخ / العم / الخال / ابن الأخ / ابن الأخت )
( 2) المحرم بالمصاهرة : ( أبو زوجها / ابن زوجها / زوج ابنها / زوج بنتها )
مسألة : ما هو المحرم بسبب النسب ؟
المحرم بسبب النسب سبعة :
( الأب / الإبن / الأخ / العم / الخال / ابن الأخ / ابن الأخت )
مسألة : ما هو شرط المحرم ؟
شرط المحرم : أن يكون مسلم ، بالغ ، عاقل .
مسألة : بعض العلماء يقول أن السبب في سفر المحرم الخوف على المرأة ، فإذا كانت آمنة فيجوز سفرها بغير محرم ، فما الجواب ؟
الجواب : أنه لا يجوز سفرها بغير محرم مهما كان الطريق آمناً .
(حديث ابن عباس الثابت في صحيح مسلم ) سمعت ُ النبي ( يخطب يقول لا يخلون رجل بامرأة إلا ومعها ذو محرم ولا تسافر المرأة إلا مع ذي محرم فقام رجل فقال يا رسول الله إن امرأتي خرجت حاجة وأني اكتتبت في غزوة كذا وكذا قال انطلق فحج مع امرأتك )(2/128)
الشاهد : أن النبي ( قال : (انطلق فحج مع امرأتك ) ولم يستفصل هل الطريق آمن أم لا .
حجُ الصبي
مسألة : هل يجوز للصبي حج ؟
يجوز للصبي حج ، ويُكتب له الأجر ولمن سفَّره ، إلا أنه لا يجزئ عن حجة الإسلام )
( حديث السائب بن يزيد الثابت في صحيح البخاري ) قال : حُجَّ بي مع رسول الله ( وأنا ابن سبع سنين )
( حديث ابن عباس الثابت في صحيح مسلم ) أن النبي ( (لقي ركباً بالروْحاَءِ فقال : من القوم ؟ قالوا المسلمون ، فقالوا من أنت ؟ قال رسولُ الله فرفعت إليه امرأةٌ صبياً فقالت : ألهذا حج ؟ قال : نعم ولك أجر )
مسألة : ما معنى ( ركباً / الروحاء )
الركب : أصحاب الإبل خاصة .
الروحاء : مكان على ستةٍ وثلاثين ميلاً من المدينة .
هل الركوب في الحج أفضل أم المشي ؟
مسألة : هل الركوب في الحج أفضل أم المشي ؟
الصحيح أن الركوب أفضل ، لفعل النبي ( ، ولأن النبي ( قال فيمن نذر أن يمشي ، إن الله عن تعذيب هذا نفسه لغني وأمره أن يركب .
(حديث أنس الثابت في الصحيحين ) أن النبي ( رأى شيخاً يُهادي بين ابنيه، قال: ما بال هذا ؟ قالوا : نذر أن يمشي. قال: (إن الله عن تعذيب هذا نفسه لغني وأمره أن يركب )
حكم الحج من مال حرام
مسألة : ما حكم الحج من مال حرام ؟
الحج من مال حرام لا يجزئ لأن الله تعالى طيباً لا يقبلُ إلا طيباً ، ولأن هذا عملٌ ليس عليه أمرُ الله ورسوله فهو مردود ،
((2/129)
حديث أبي هريرة رضي الله عنه الثابت في صحيح مسلم ) أن النبي ( قال : (أيها الناس إن الله طيب لا يقبل إلا طيبا وإن الله أمر المؤمنين بما أمر به المرسلين فقال تعالى : {يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ} وقال تعالى : {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُلُواْ مِن طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَاشْكُرُواْ لِلّهِ إِن كُنتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ} ثم ذكر الرجل أشعث أغبر يطيل السفر، ومأكله حرام ومشربه حرام وغذي بالحرام فأنى يستجاب له )
حديث عائشة الثابت في صحيح مسلم ) أن النبي ( قال : ( من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد )
التكسب في الحج
مسألة : هل يجوز التكسب في الحج ؟
(حديث ابن عباس الثابت في الصحيحين ) قال : (كانت عُكاظَ ومَجنَّةُ وذو المجاز أسواقاً في الجاهلية، فتأثموا أن يتجروا في المواسم فنزل : {لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَبْتَغُواْ فَضْلاً مِّن رَّبِّكُمْ } في موسم الحج )
( فتأثموا ) أي خشوا الوقوع في الإثم و الإشتغال أيام المناسك بغير العبادة )
المواقيت
مسألة : ما هي المواقيت ؟
المواقيت مأخوذة من الوقت وهي زمانية ومكانية .
المواقيت الزمانية
مسألة : ما هي المواقيت الزمانية ؟
المواقيت الزمانية : هي الأوقات التي لا يصح شيئٌ من أعمال الحج إلا فيها ، وهي ( شوال / وذو القعدة / وذو الحجة )
مسألة : هناك قول بأن المواقيت الزمانية هي شوال وذو القعدة وعشرٌ من ذي الحجة ، فما الجواب ؟
الجواب أن هذا ليس صحيحاً ، والصحيح أن المواقيت الزمانية هي ( شوال / وذو القعدة / وذو الحجة ) وذلك لوجهين :
( 1) لقوله تعالى {الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَّعْلُومَاتٌ }( البقرة / 197)
الشاهد : أن كلمة أشهر جمع ، وأقل الجمع في اللغة العربية ثلاثة .
((2/130)
2) الوجه الثاني : أن اليوم الحادي عشر و الثاني عشر و الثالث عشر ن أيام الحج ، حيث فيها المبيت والرمي فكيف نخرجها من الحج .
... المواقيت المكانية
مسألة : ما هي المواقيت المكانية ؟
المواقيت المكانية : هي الأماكن التي يُحرم منها من يريد الحج و العمرة :
أهل المدينة ... ذو الحليفة
الشام و مصر و المغرب ... الجُحفة
العراق ... ذات عرق
اليمن ... يلملم
نجد ... قرن المنازل
ذا الحليفة ... تُسمى الآن أبيار علي
الجُحفة ... رابغ
يلمم ... السعديه
قرن المنازل ... السيل
ذات عرق ... الغربية
(حديث ابن عباس الثابت في الصحيحين ) أن النبي ( وقَّتَ لأهل المدينة ذا الحليفة ، ولأهلِ الشام الجُحفة ، ولأهل نجد قرْنَ المنازل ، ولأهل اليمن يلملم ، (هنَّ لهنَّ ولمن أتى عليهنَّ من غيرهنَّ ممن أراد الحج والعمرة ) ومن كان دون ذلك فمن حيث أنشأ حتى أهلُ مكة من مكة )
(حديث عائشة الثابت في صحيح أبي داوود ) أن النبي ( وقَّتَ لأهل العراقِ ذاتُ عرق)
مسألة : هل هذه الأسماء موجودة الآن ؟
هذه الأسماء غير موجودة الآن ، لكن الأماكن مشهودة لم تتغير .
مسألة : إذا مرَّ أهل اليمن من ميقات أهل المدينة فممن يُهل ؟
يُهل من ميقات أهل المدينة .
( لحديث ابن عباس السابق : (هنَّ لهنَّ ولمن أتى عليهنَّ من غيرهنَّ ممن أراد الحج والعمرة )
(ميقات أهل مكة في الحج هو ( مكة ) :
(حديث ابن عباس الثابت في الصحيحين ) أن النبي ( وقَّتَ لأهل المدينة ذا الحليفة ، ولأهلِ الشام الجُحفة ، ولأهل نجد قرْنَ المنازل ، ولأهل اليمن يلملم ، (هنَّ لهنَّ ولمن أتى عليهنَّ من غيرهنَّ ممن أراد الحج والعمرة ) ومن كان دون ذلك فمن حيث أنشأ حتى أهلُ مكة من مكة )
الشاهد : ( ومن كان دون ذلك فمن حيث أنشأ حتى أهلُ مكة من مكة )
أي من كان دون الميقات فمن حيث أنشأ الحج ، فمثلاً أهل جده لا يرجعون إلى رابغ ،
( ( ميقات العمرة لأهل مكة ) :
من الحِل ( أي من خارج مكة)(2/131)
سواء من التنعيم أو من الحل من طريق جده ، وله أن يحرم من أي حلٍ شاء ، و الأفضل أن نختار الحِل الأسهل الأقرب إلى الحرم ، لأن الحل يختلف بُعداً وقرباً عن منطقة الحرم ، فمثلاً : التنعيم ، وهو الحل من طريق مكة / المدينة أقرب من الحل الذي في طريق جده .
وعلى هذا فالإنسان إذا كان في مزدلفة يُحرم من عرفة لأنه أقرب الحل إليه ، وإذا كان في الزاهر مثلاً ، فلأفضل أن يُحرم من التنعيم لأنه أقرب إليه .
(حديث عبد الرحمن بن أبي بكر الثابت في الصحيحين ) أن النبي ( أمرهُ أن يُردفَ عائشة و يعمرها من التنعيم )
الشاهد : أن الحرم ليس ميقاتاً للعمرة ، ولو كان ميقاتاً للعمرة لما أمر النبي (
عبد الرحمن بن أبي بكر أن يخرج بأخته إلى التنعيم و يتحمل المصاعب في ذلك لتحرم من الحل ، لأن من المعلوم شرعا أن هدي النبي ( اختيار الأيسر ما لم يمنع الشرع .
مسألة : لو قال قائل فما الجواب على قوله ( ( ومن كان دون ذلك فمن حيث أنشأ حتى أهلُ مكة من مكة ) مع أنه قال في نفس الحديث ( ممن أراد الحج و العمرة ) فظاهره العموم وأن العمرة لأهل مكة من مكة ؟
الجواب : هذا الظاهر يعارض حديث عبد الرحمن بن أبي بكر أن النبي ( أمرهُ أن يُردفَ عائشة رضي الله تعالى عنها و يعمرها من التنعيم ، وهذا الحديث يخصص عموم الحديث السابق .
مسألة : لو قال قائل أن عائشة رضي الله تعالى عنها ليست من أهل مكة فأخرجت إلى الحل لتحرم منه ؟
الجواب : ليس المانع إحرام أهل الأفاق من مكة من التنعيم كونهم ليسوا من أهل مكة ، لأن أهل الأفاق يحرمون بالحج من مكة ، فلو كانت مكة ميقات للعمرة لأهل مكة لكانت لذلك لأهل الأفاق .
مسألة : لو أن إنسان لم يمر بالميقات ولو من مكان بعيد فماذا يصنع ؟
ينظر حذو الميقات ويحرم من عنده .
( حديث ابن عمرالثابت في صحيح البخاري ) قال : (لما فتح هذان المصران، أتوا عمر، فقالوا: يا أمير المؤمنين، إن رسول الله ( حدَّ لأهلِ نجد قرنا، وهو(2/132)
جورٌ عن طريقنا، وإنا إن أردنا قرناً شقَّ علينا. قال: فانظروا حذوها من طريقكم، فحدَّ لهم ذات عرق )
مسألة : إذا كان يسير في الجو فماذا يصنع ؟
يلبس إحرامه قبل محاذاة الميقات ، فإذا حاذى الميقات أحرم .
مسألة : ما معنى الإحرام ؟
الإحرام لغة : دخول الإنسان في التحريم ، ولهذا يُقال للتكبيرة الأولى في الصلاة ( تكبيرة الإحرام لأنه بها يدخل في التحريم ، أي ما يُحرم على المصلي .
و الإحرام شرعا : نية الدخول في النُسك ( عمرة أو حج )
مسألة : ما الذي يُسن عند الإحرام ؟
[*](يُسن عند الإحرام ما يلي :
( 1) الغسل ولو لحائض أو نفساء :
( حديث زيد بن ثابت الثابت في صحيح الترمذي ) أنه رأى النبي ( تجرد لإهلاله و اغتسل )
الشاهد : أن النبي ( أمر النفساء بالغسل مع أن اغتسالها لا تستبيح به الصلاة ولا غيرها مما يشترط له الطهارة ، مما دل على استحباب الغُسل للإحرام ،
( حديث ابن عباس الثابت في صحيحي أبي داوود و الترمذي ) أن النبي ( قال : ( الحائضُ والنفساء إذا أتتا على الوقت تغتسلان وتحرْمان ، وتقضيان المناسك كلَّها غيرَ الطواف بالبيت )
( 2) الطيب في بدنه قبل الإحرام :
(حديث عائشة الثابت في الصحيحين ) قالت : كنت أُطيبُ رسول الله ( لإحرامه قبل أن يُحرم ، ولحلِّه قبل أن يطوف بالبيت )
(حديث عائشة الثابت في الصحيحين ) قالت : كأني أنظرُ إلى وبيصِ الطيبِ في مفْرقِ رسول الله ( وهو محرم )
( 3) التجرد من الثياب المخيطة :
( حديث زيد بن ثابت الثابت في صحيح الترمذي ) أنه رأى النبي ( تجرد لإهلاله و اغتسل )
( 4) لبس الإزار و الرداء :
( حديث ابن عباس الثابت في صحيح البخاري ) قال : انطلق رسول الله ( من بعد ما ترجَّل وادَّهنَ ولبس إزاره وردائه هو وأصحابه )
( 5) أن يكون الإزار و الرداء أبيض :
((2/133)
حديث ابن عباس الثابت في صحيحي أبي داوود و الترمذي ) أن النبي ( قال: (البسوا من ثيابكم البياض فإنها خيرُ لباسكم وكفنوا فيها موتاكم ، وإنَّ خيرَ أكحالكم الإثمد ، يجلو البصر، وينبتُ الشعر)
{ تنبيه } :( المحرم إذا لم يجد الإزار فليلبس السراويل ، وإذا لم يجد النعلين فليلبس الخفين :
( حديث ابن عباس الثابت في صحيح البخاري ) قال : (المحرم إذا لم يجد الإزار فليلبس السراويل ، وإذا لم يجد النعلين فليلبس الخفين )
( 6) التلبية :
( حديث عبد الله بن عمر الثابت في صحيح البخاري ) قال : أن تلبية رسول الله ( (لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك والملك، لا شريك لك)
( حديث عائشة الثابت في صحيح البخاري ) قالت: إني لأعلم كيف كان النبي ( يلبي: (لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك)
( 7) رفع الصوت بالتلبية :
( حديث السائب بن يزيد الثابت في صحيح السنن الأربعة ) أن النبي ( قال : (آتاني جبريل فأمرني أن آمر أصحابي أن يرفعوا أصواتهم بالإهلال أو التلبية )
( 8) التحميد و التسبيح و التكبير قبل الإهلال :
( حديث أنس الثابت في صحيح البخاري ) قال : صلى رسول الله ( ونحن معه ، بالمدينة الظهر أربعاً، والعصر بذي الحليفة ركعتين، ثم بات بها حتى أصبح، ثم ركب راحلته حتى استوت به على البيداء،( حمد الله وسبَّحَ وكبَّرَ) ثم أهلَّ بحج وعمرة، وأهلَّ الناسُ بهما، فلما قدمنا، أمر الناسَ فحلُّوا، حتى كان يومُ التروية أهلوا بالحج. قال: ونحر النبي ( بدناتٍ بيده قياماً، وذبح رسول الله ( بالمدينة كبشين أملحين)
( 9) الصلاة في وادي العقيق لمن مرَّ به :
( حديث عمر الثابت في صحيح البخاري ) قال : سمعتُ النبي ( بوادي العقيق يقول : ( أتاني الليلة آتِ من ربي فقال : صلِّ في هذا الوادي المبارك وقلْ( عمرةٌ في حجة )
بوادي العقيق : هو الذي ببطن وادي الحُليفة )
مسألة : ما هي أنواع الأنساك ؟
[(2/134)
*](أنواع الأنساك ثلاثة : ( إفراد / وتمتع / قران )
الإفراد : أن يحرم بالحج فقط فيقول ( لبيك بحج )
التمتع : أن يحرم بالعمرة في أشهر الحج ويفرغ منها ثم يحرم بالحج في نفس العام .
القران : وله ثلاثة صور :
( 1) أن يحرم بالحج و العمرة معاً فيقول ( لبيك عمرةً وحجاً ) ويُفضل أن يقدم العمرة على الحج في التلبية لأنها سابقة له .
( 2) أن يحرم بالعمرة وحدها ثم يدخل الحج عليها قبل الشروع في الطواف .
( 3) أن يحرم بالحج أولاً ثم يدخل العمرة عليه ، وهذه الصورة مختلفٌ فيها فأجازها كثيرُ من أهل العلم و منعها آخرون .
مسألة : أذكر الدليل على مشروعية الأنساك الثلاثة ؟
(حديث عائشة الثابت في الصحيحين ) قالت : (خرجنا مع رسول الله (عام حجةِ الوداع، فمنا من أهلَّ بعمرة، ومنا من أهلَّ بحجةٍ وعمرة، ومنا من أهل بالحج، فأما من أهلّ بالحج، أو جمع الحج والعمرة، لم يحلوا حتى كان ويوم النحر )
( حديث أنس الثابت في صحيح البخاري ) قال : صلى رسول الله ( ونحن معه ، بالمدينة الظهر أربعاً، والعصر بذي الحليفة ركعتين، ثم بات بها حتى أصبح، ثم ركب راحلته حتى استوت به على البيداء،( حمد الله وسبَّحَ وكبَّرَ) ثم أهلَّ بحج وعمرة، وأهلَّ الناسُ بهما، فلما قدمنا، أمر الناسَ فحلُّوا، حتى كان يومُ التروية أهلوا بالحج. قال: ونحر النبي ( بدناتٍ بيده قياماً، وذبح رسول الله ( بالمدينة كبشين أملحين)
حديث حفصة الثابت في الصحيحين ) أنها قالت : (يا رسول الله، ما شأن الناس حلوا بعمرة، ولم تحللْ أنت من عمرتك؟ قال: (إني لبدتُ رأسي، وقلدتُ هديي، فلا أحل حتى أنحر)
( حديث جابر ابن عبد الله رضي الله عنهما الثابت في صحيح مسلم ) أن النبي ( قال : ( دخلتِ العمرةُ في الحج إلى يوم القيامة )
مسألة : ما هي أفضل الأنساك ؟
القول الذي دلت عليه السنة الصحيحة وتجتمع فيه الأدلة :(2/135)
أن التمتع أفضلُ لمن لم يسق الهدي ، فإن ساق الهدي فالقران أفضل ، لأن التمتع في حقه متعذر ،لأنه لا يحل إلا يوم النحر . لأن النبي ( أمر أصحابه بالتمتع وهو ( لا يأمرُ إلا بالأفضل ،وقرن هو لأنه ساق الهدي ، ومن ساق الهدي فلا يحلُ حتى ينحر .
( حديث أنس الثابت في صحيح البخاري ) قال : صلى رسول الله ( ونحن معه ، بالمدينة الظهر أربعاً، والعصر بذي الحليفة ركعتين، ثم بات بها حتى أصبح، ثم ركب راحلته حتى استوت به على البيداء،( حمد الله وسبَّحَ وكبَّرَ) ثم أهلَّ بحج وعمرة، وأهلَّ الناسُ بهما، فلما قدمنا، أمر الناسَ فحلُّوا، حتى كان يومُ التروية أهلوا بالحج. قال: ونحر النبي ( بدناتٍ بيده قياماً، وذبح رسول الله ( بالمدينة كبشين أملحين)
الشاهد : أن النبي ( أمر أصحابه بالتمتع وهو ( لا يأمرُ إلا بالأفضل )
(حديث جابر ابن عبد الله رضي الله عنهما الثابت في الصحيحين ) أن النبي ( قال : ( لو استقبلتُ من أمري ما استدبرتُ ما أهديت ، ولولا أن معيَ الهدي لأحللتُ )
الشاهد : أن النبي ( بين أن الذي منعه من الإحلال ( أي التمتع ) هو أنه ساق الهدي ، فلا يحل حتى ينحر .
( حديث حفصة الثابت في الصحيحين ) أنها قالت : يا رسول الله، ما شأن الناس حلوا بعمرة، ولم تحللْ أنت من عمرتك؟ قال: (إني لبدتُ رأسي، وقلدتُ هديي، فلا أحل حتى أنحر)
مسألة : من هم أهلُ الأفاق ؟
الأفُقي : من لم يكن حاضر المسجد الحرام ، أي خارج مكة على الصحيح ، و دليل ذلك :قوله تعالى: (فَمَن تَمَتّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ فَمَن لّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيّامٍ فِي الْحَجّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ ذَلِكَ لِمَن لّمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَاتّقُواْ اللّهَ وَاعْلَمُواْ أَنّ اللّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ) (البقرة / 196)
(أَهْلُهُ ) أي سكنه .(2/136)
مسألة : من هم حاضري المسجد الحرام ؟
أقرب الأقوال : أن حاضري المسجد الحرام هم أهل مكة ، سواء في منطقة الحل أو الحرم ، وعلى هذا فالأفقي ( من كان خارج مكة )
مسألة : متى يجب على الأفقي هدي ؟
يجب على الأفقي هدي إذا كان متمتع أو قارن .
مسألة : هل يجب على حاضري المسجد الحرام هدي ؟
لا يجب على حاضري المسجد الحرام هدي .
دليل ذلك :قوله تعالى: (فَمَن تَمَتّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ فَمَن لّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيّامٍ فِي الْحَجّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ ذَلِكَ لِمَن لّمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَاتّقُواْ اللّهَ وَاعْلَمُواْ أَنّ اللّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ) (البقرة / 196)
الشاهد : (قوله تعالى: ( ذَلِكَ لِمَن لّمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ )
مسألة : لو أن إنساناً اعتمر في أشهر الحج ولم يكن قاصداً الحج ، ثم طرأ له الحج ، هل يُعد متمتعاً ؟
لا يُعد متمتعاً ، لأن المتمتع هو من اعتمر في أشهر الحج ناوياً الحج ، و النية عليها مدار قبول العمل .
( لحديث عمر الثابت في الصحيحين) أن النبي ( قال : إنما الأعمال بالنيات و إنما لكل امرئ ما نوى فمن كانت هجرته إلى الله و رسوله فهجرته إلى الله و رسوله و من كانت هجرته إلى دنيا يصيبها أو امرأة ينكحها فهجرته إلى ما هاجر إليه )
مسألة : هل يجوز فسخ الحج إلى عمرة ليصير متمتعاً ؟
يجوز فسخ الحج إلى عمرة ليصيرُ الإنسان متمتعاً ، وهو الذي أمر به النبي ( أصحابه .
((2/137)
حديث أنس الثابت في صحيح البخاري ) قال : صلى رسول الله ( ونحن معه ، بالمدينة الظهر أربعاً، والعصر بذي الحليفة ركعتين، ثم بات بها حتى أصبح، ثم ركب راحلته حتى استوت به على البيداء،( حمد الله وسبَّحَ وكبَّرَ) ثم أهلَّ بحج وعمرة، وأهلَّ الناسُ بهما، فلما قدمنا، أمر الناسَ فحلُّوا، حتى كان يومُ التروية أهلوا بالحج. قال: ونحر النبي ( بدناتٍ بيده قياماً، وذبح رسول الله ( بالمدينة كبشين أملحين)
الشاهد : (فلما قدمنا، أمر الناسَ فحلُّوا ) أي أمرهم بالتحلل من العمرة ليصيروا متمتعين .
مسألة : من فسخ الحج إلى عمرة لا ليصير متمتعاً ولكن ليتحلل بالعمرة فقط ، فهل يجوز ؟
لا يجوز ، لأنه بذلك يتحايل لإسقاط وجوب المضي في الحج .
لقوله تعالى: (وَأَتِمّواْ الْحَجّ وَالْعُمْرَةَ للّهِ ) (البقرة / 196)
ومن دخل في نسك وجب عليه الإتمام .
وهذا بخلاف من تحلل بعمرة ليتمتع فإنه لا تحايل لإسقاط وجوب المضي في الحج ، بل هو منتقل من الأدنى إلى الأعلى أي من الإفراد إلى التمتع .
مسألة : المرأة المتمتعة التى أحرمت بعمرة للتمتع لكنها حاضت في ذي الحجة ولا يمكنها إدراك التمتع ، فماذا تصنع ؟
تدخل الحج على العمرة ، وليس أن تفسخ العمرة إلى الحج ن فتهلُ بالحج وتؤديه ثم تتبعه بعمرة فتكون قارنة ، بدلاً من أن تكون متمتعة ، وهذا الفعل واجب عليها لأن النبي ( أمر عائشة بذلك ، و الأصل في الأمر الوجوب .
((2/138)
حديث عائشة الثابت في الصحيحين ) قالت : ( خرجنا مع النبي ( في حجة الوداع، فأهللنا بعمرة، ثم قال النبي (: (من كان معه هدي فليُهلَّ بالحج مع العمرة، ثم لا يحلَّ حتى يحلَّ منهما جميعا. فقدمت مكة وأنا حائض، ولم أطف بالبيت ولا بين الصفا والمروة، فشكوت ذلك إلى النبي ( فقال: (انقضي رأسك، وامتشطي، وأهلِّي بالحج، ودعي العمرة). ففعلتُ، فلما قضينا الحج، أرسلني النبي ( مع عبد الرحمن بن أبي بكر إلى التنعيم، فاعتمرت، فقال: (هذه مكان عمرتك) قالت: فطاف الذين كانوا أهلوا بالعمرة بالبيت، وبين الصفا والمروة ثم حلُّوا، ثم طافوا طوافاً واحداً بعد أن رجعوا من منى، وأما الذين جمعوا الحج والعمرة فإنما طافوا طوافاً واحداً )
الشاهد : قوله ( (وأهلِّي بالحج ) معناه إدخال الحج على العمرة وليس فسخاً للعمرة ، ثم إنه ( أرسلها مع أخيها لتأتيَ بالعمرة فتحولت من متمتعة إلى قارنة.
مسألة : ما الدليل على جواز اشتراط المحرم التحلل لعذر المرض ؟
حديث عائشة الثابت في الصحيحين ) قالت : ( دخل رسول الله ( على ُضباعةَ بنت الزبير، فقال لها : لعلكِ أردت الحج ؟ قالت : والله لا أجدُني إلا وجعةً فقال لها : حجِّي واشترطي وقولي : ( اللهم محلِّي حيث حبستني) وكانت تحت المقدادِ بن الأسود )
مسألة : ما هي تلبية رسول الله ( ؟
( حديث عبد الله بن عمر الثابت في صحيح البخاري ) قال : أن تلبية رسول الله ( (لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك والملك، لا شريك لك)
مسألة : ما معنى لبيك ؟
لبيك : كلمة إجابة ، ومنه حديث أبي سعيد الثابت في الصحيحين : يقول الله يا آدم فيقول : لبيك وسعديك و الخيرُ بين يديك ,
و تَحملُ معنى الإقامة : من قوله ألبَّ بالمكان : أي أقام فيه ،
فهي متضمنة للإجابة لله ، و الإقامة على طاعته , ولذا فسرها بعضهم بان لبيك : أي مجيبٌ لك مقيمٌ على طاعتك .(2/139)
مسألة : ما الدليل على أن من السنة رفع الصوت بالتلبية ؟
( حديث السائب بن يزيد الثابت في صحيح السنن الأربعة ) أن النبي ( قال : (آتاني جبريل فأمرني أن آمر أصحابي أن يرفعوا أصواتهم بالإهلال أو التلبية )
مسألة : هل المرأة ترفع صوتها بالتلبية ؟
المرأة تقولها بقدر ما تسمع رفيقتها ، ويكره جهرها فوق ذلك مخافة الفتنة .
مسألة : متى يلبي المحرم ؟
يلبي المحرم إذا استوى على راحلته :
( حديث أنس الثابت في صحيح البخاري ) قال : صلى رسول الله ( ونحن معه ، بالمدينة الظهر أربعاً، والعصر بذي الحليفة ركعتين، ثم بات بها حتى أصبح، ثم ركب راحلته حتى استوت به على البيداء،( حمد الله وسبَّحَ وكبَّرَ) ثم أهلَّ بحج وعمرة، وأهلَّ الناسُ بهما، فلما قدمنا، أمر الناسَ فحلُّوا، حتى كان يومُ التروية أهلوا بالحج. قال: ونحر النبي ( بدناتٍ بيده قياماً، وذبح رسول الله ( بالمدينة كبشين أملحين)
مسألة : هل يستحب التحميد و التكبير و التسبيح قبل الإهلال ؟
يجوز ، لحديث أنس السابق .
مسألة : ما هو فضل التلبية ؟
( 1) (حديث سهل بن سعد الثابت في صحيحابن ماجه ) أن النبي ( قال : (ما من ملبٍّ يلبي إلا لبَّى ما عن يمينه وشماله من حجرٍ أو شجرٍ أو مدر حتى تنقطعُ الأرضُ من ها هنا وها هنا )
المدر : قطع الطين .
( 2) التلبية تتضمن أنواع التوحيد الثلاثة :
( توحيد الربوبية ( الملك لك )
( توحيد الألوهية ( لا شريك لك )
( توحيد الأسماء و الصفات ( إن الحمد و النعمة )
( الحمد / وصف المحمود بالكمال , النعمة / أفعال الله تعالى )
وقت التلبية للمعتمر و المتمتع من وقت الإحرام ، ويقطع التلبيه إذا شرع في الطواف ، لأنه وصل إلى المقصود و التلبية تكون قبل الوصول إلى المقصود .
مسألة : ما هو وقت التلبية للمفرد و القارن ؟
وقت التلبية من وقت الإحرام إلى رمي جمرة العقبة :
(حديث الفضل ابن عباس الثابت في الصحيحين ) أن رسول الله ( لبَّى حتى رمى جمرة العقبة )(2/140)
مسألة : ما هي محظورات الإحرام ؟
محظورات الإحرام ما يلي :
( 1) لبس المخيط :
(حديث ابن عمر رضي الله عنهما الثابت في الصحيحين ) أن رجلاً قال يا رسول الله ما يلبس المُحرمُ من الثياب ؟ قال رسول ( :(لا يلبس القُمُصَ، ولا العمائم، ولا السراويلات، ولا البرانس، ولا الخفاف، إلا أحدٌ لا يجدُ نعلين، فليلبس خفين، وليقطعهما أسفل من الكعبين، ولا تلبسوا من الثياب شيئٌ مسَّه زعفران، أو وَرْس)
{ تنبيه } :( يُرخص للمحرم إذا لم يجد الإزار فليلبس السراويل ، وإذا لم يجد النعلين فليلبس الخفين من غير قطع .
(حديث ابن عباس الثابت في الصحيحين ) أن النبي ( قال : ( المُحرمُ إذا لم يجدْ الإزار فليلبس السراويل ، وإذا لم يجدْ النعلين فليلبس الخفين )
( 2) تغطية وجه المرأة بالنقاب ، ويديها بالقفاز :
( حديث ابن عمر رضي الله عنهما الثابت في صحيح البخاري ) أن النبي ( قال : ( لا تنتقب المرأةُ المحرمة ولا تلبس القفازين )
{ تنبيه } :( يجوز للمرأة أن تغطي وجهها بغير النقاب الذي صفته فوق الأنف وتحت العينين ، كما لو غطت وجهها بغطاء من فوق الرأس ، ويجوز أن تغطي كفيها كأن تضعهما تحت الخمار .
( 3) تغطية رأس الرجل بعمامة أو نحوها :
(حديث ابن عمر رضي الله عنهما الثابت في الصحيحين ) أن رجلاً قال يا رسول الله ما يلبس المُحرمُ من الثياب ؟ قال رسول ( :(لا يلبس القُمُصَ، ولا العمائم، ولا السراويلات، ولا البرانس، ولا الخفاف، إلا أحدٌ لا يجدُ نعلين، فليلبس خفين، وليقطعهما أسفل من الكعبين، ولا تلبسوا من الثياب شيئٌ مسَّه زعفران، أو وَرْس)
{ تنبيه } :( ويجوز له أن يستظل بخيمة ونحوها .
( 4) الطيب :
( لحديث ابن عمر رضي الله عنهما السابق (ولا تلبسوا من الثياب شيئٌ مسَّه زعفران، أو وَرْس)(2/141)
و(لحديث ابن عباس الثابت في الصحيحين ) أن رجلاً كان مع النبي ( فوقصته ناقته وهو محرم فمات، فقال رسول الله (: (اغسلوه بماء وسدر، وكفنوه في ثوبيه، ولا تمسُّوه بطيب، ولا تخمروا رأسه، فإنه يُبعثُ يوم القيامة ملبياً )
الشاهد : (ولا تمسُّوه بطيب)
( 5) إزالة الشعر بالحلق أو التقصير أو غير ذلك :
لقوله تعالى: (وَلاَ تَحْلِقُواْ رُؤُوسَكُمْ حَتّىَ يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلّهُ) ( البقرة / 196)
{ تنبيه } ويجوز له إزالة الشعر إذا تأذى ببقائه وفيه الفدية ،لقوله تعالى: (فَمَن كَانَ مِنكُم مّرِيضاً أَوْ بِهِ أَذًى مّن رّأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مّن صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ)
(البقرة / 196)
(حديث كعب بن عجرة الثابت في الصحيحين ) أن النبي ( قال : ( لعلك آذاك هوامُ رأسك ؟ قال نعم يا رسول الله ، فقال : ( احلق رأسك , وصم ثلاثة أيام ، أو أطعم ستة مساكين ، أو انسك بشاة )
( 6) تقليم الأظافر :
(أجمع العلماء على حرمة قلم الظفر للمحرم .
و الإجماع دليل بلا شك .
( حديث ابن عمر رضي الله عنهما الثابت في صحيح الترمذي ) أن النبي ( قال : ( إن الله لا يجمع أمتي ، أو أمة محمد على ضلالة ، ويد الله مع الجماعة )
( 7) الجماع ودواعيه ، وهو أشدُ المحظورات إثماً وأعظمها أثراً في النسك ،ويحصل الإجماع بإيلاج الحشفة في القُبل ، وهو محرمٌ بنص القرآن ،
لقوله تعالى :(الْحَجّ أَشْهُرٌ مّعْلُومَاتٌ فَمَن فَرَضَ فِيهِنّ الْحَجّ فَلاَ رَفَثَ وَلاَ فُسُوقَ وَلاَ جِدَالَ فِي الْحَجّ )(البقرة / 197)
و الرفث : هو الجماع
(و الجماع له حالتان :
(الحالة الأولى :
إذا حصل قبل التحلل الأول ، ويترتب عليه خمسةُ أمور :
( 1) الإثم لمخالفة قوله تعالى (فَلاَ رَفَثَ )
( 2) فساد النسك ، لقضاء الصحابة في ذلك
( 3) وجوب المضي فيه لقوله تعالى : (وَأَتِمّواْ الْحَجّ وَالْعُمْرَةَ للّهِ ) فمن دخل في النسك وجب عليه الإتمام
( 4) الفدية
( 5) القضاء
((2/142)
الحالة الثانية :
إذا حصل بعد التحلل الأول ،يترتب عليه ثلاثة أمور :
( 1) الإثم لمخالفة قوله تعالى (فَلاَ رَفَثَ )
( 2) فساد الإحرام وليس النسك ، ولذا يجب عليه الخروج إلى الحل ليحرم منه ويطوف طواف الإفاضة محرماً
( 3) الفدية
( 8/9) إقتراف المعاصي و الجدال :
لقوله تعالى :(الْحَجّ أَشْهُرٌ مّعْلُومَاتٌ فَمَن فَرَضَ فِيهِنّ الْحَجّ فَلاَ رَفَثَ وَلاَ فُسُوقَ وَلاَ جِدَالَ فِي الْحَجّ )(البقرة / 197)
( 10/11) الخِطبة وعقد النكاح :
( حديث عثمان الثابت في صحيح مسلم ) أن النبي ( قال : ( لا ينكح المحرمُ ولا يُنكح ولا يخطب )
( 12) التعرض لصيد البرِ ( بقتل أو ذبح أو إشارة أو دلالة ) :
لقوله تعالى : (وَحُرّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرّ مَا دُمْتُمْ حُرُماً وَاتّقُواْ اللّهَ الّذِيَ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ) (المائدة / 96)
ولقوله ( في الحديث الثابت في الصحيحين لما سألوه عن الأتان التي صادها أبو قتادة وكان حلالاً وهم محرمون ( أمنكم أجدٌ أمره أن يحمل عليها أو أشار إليها ؟ قالوا لا ، قال : فكلوا )
( 13) الأكل مما صِيد من أجله :
(حديث الصعب بن جثامة الثابت في الصحيحين ) أنه أهدى إلى رسول الله ( حماراً وحشياً وهو بلأبواء ، فرده عليه ، فلما رأى ما في وجهه قال : ( إنَّا لم نرده عليك إلا أنَّا حُرم )
مسألة : ما حكم من ارتكب محظوراً من محضورات الإحرام ؟
من كان له عذرٌ واحتاج إلى ارتكاب محظوراً من محظورات الإحرام غير الوطء ( كحلق الشعر و لبس المخيط ونحو ذلك ، لزمه أن يذبح شاة أو يطعم ستة مساكين كل مسكين نصف صاع أو صوم ثلاثة أيام ، وهو مخير بين هذه الأمور الثلاثة ،
(حديث كعب بن عجرة الثابت في الصحيحين ) أن النبي ( قال : ( لعلك آذاك هوامُ رأسك ؟ قال نعم يا رسول الله ، فقال : ( احلق رأسك , وصم ثلاثة أيام ، أو أطعم ستة مساكين ، أو انسك بشاة )
( ولا يبطل الحج أو العمرة بارتكاب شيء من المحظورات سوى الجماع )(2/143)
مسألة : ما حكم من فعل شيئاً من المحظورات ناسياً أو مكرهاً ؟
الصحيح أن من فعل شيئاً من المحظورات ناسياً أو مكرهاً لا يأثم وليس فيه دية، ( لحديث أبي ذر الثابت في صحيح ابن ماجه ) أن النبي ( قال : إن الله تجاوز لي عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه )
مسألة : من كرر محظوراً من جنس واحد ولم يفدي فكيف يفدي ؟
من كرر محظوراً من جنس واحد ولم يفدي كأن يكون غطى رأسه مرتين ، فإن عليه فديةٌ واحدة ، قياساً على ما إذا تعددت أحداث من جنسٍ واحد ، فإنه يكفيه وضوءاً واحداً ، وكذلك المحظورات إذا فعل محظورات من جنس واحد يكفيه فدية واحدة .
مسألة : من فعل محظوراً من أجناسٍ متعددة كيف يفدي ؟
يفدي لكل مرة كما لو قلَّم أظافره وغطَّى رأسه ولبس المخيط .
مسألة : ما هي أقسام الفدية بالنسبة لمرتكب محظوراً من محظورات الإحرام ؟
(أقسام الفدية بالنسبة لمرتكب محظوراً من محظورات الإحرام ما يلي :
( 1) ما فديته مغلظة ( في الجماع في الحج قبل التحلل الإول )
( 2) ما فديته الجزاء أو بدله ( في قتل الصيد البري )
( 3) ما فديته فديةُ أذي ( في بقية المجظورات )
( 4) مالا فدية فيه ( في عقد النكاح )
مسألة : ما هي فدية الأذى ؟
فدية الأذى : إطعام ستة مساكين كل مسكين نصف صاع ، أو صيام ثلاثة أيام ، أو ذبح شاة )
( أو) هنا للتخير .
لقوله تعالى: (فَمَن كَانَ مِنكُم مّرِيضاً أَوْ بِهِ أَذًى مّن رّأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مّن صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ) (البقرة / 196)
مسألة : ما مقدار الإطعام ؟
إطعام ستة مساكين كل مسكين نصف صاع ، كما ثبت في بعض الروايات الثابت في الصحيحين ، و الإطعام يكون مما يطعمه الناس ( بُر / تمر / شعير / الخ )
مسألة : ما هو جزاء الصيد ؟
جزاءُ الصيد : يخير بين مثلٍ للصيد ، أو كفارة طعام مساكين ،(2/144)
لقوله تعالى: (يََأَيّهَا الّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَقْتُلُواْ الصّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ وَمَن قَتَلَهُ مِنكُم مّتَعَمّداً فَجَزَآءٌ مّثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النّعَمِ يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مّنْكُمْ هَدْياً بَالِغَ الْكَعْبَةِ أَوْ كَفّارَةٌ طَعَامُ مَسَاكِينَ أَو عَدْلُ ذَلِكَ صِيَاماً لّيَذُوقَ وَبَالَ أَمْرِهِ عَفَا اللّهُ عَمّا سَلَف وَمَنْ عَادَ فَيَنْتَقِمُ اللّهُ مِنْهُ وَاللّهُ عَزِيزٌ ذُو انْتِقَامٍ) (المائدة / 95)
الجزاء : مثل النعم يذبحه ويوزعه على فقراء الحرم لقوله تعالى : (هَدْياً بَالِغَ الْكَعْبَةِ )
أو تقوميه بدراهم : يشتري به طعاماً فيطعم كل مسكين مُداً ( ربع صاع نبوي ) أو يصوم عن كل مُدٍ يوماً .
مسألة : من قتل حمامة في الحرم فما مثلها ؟
مثلها شاة ، ووجه المماثلة شرب الماء ، فإن الشاة تعبُ الماءُ عباً ، وكذا الحمامة ، أي تمصه مرةً واحدة ، بعكس الدجاجة إذا ملئت منقارها رفعت رأسها ولا بد ، أما الحمامة إذا وضعت منقارها في الماء لا ترفع رأسها حتى تروى وكذا الشاة , وهذا قضاء الصحابة - رضي الله عنهم - .
مسألة : من الذي يقدر المثل ؟
الذي يقدر المثل ( اثنان ذوا عدلٍ )
لقوله تعالى: (فَجَزَآءٌ مّثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النّعَمِ يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مّنْكُمْ ) (المائدة / 95)
مسألة : إذا قتل المحرم شيئاً لا مثل له كالجراد فماذا يصنع ؟
يخير بين إطعام أو صيام ، يشتري بقيمته إطعام ، أو يصوم .
مسألة : إذا صاد غزالاً فما مثلها ؟
مثلها عنز .
مسألة : ما هي الفدية المغلظة ؟
الفدية المغلظة : تكون فيمن وطء في فرج في الحج قبل التحلل الأول ، ومقدارها ( بدنة ) فإن لم يجد ( فبقرة ) فإن لم يجد ( فسبعاً من الغنم )
مسألة : هل يجب على المرأة فدية إن حصل الجماع قبل التحلل الأول ؟
إن طاوعت زوجها في الجماع يجب عليها فدية .
مسألة : هل دم المتعة و القران على التخيير أم على الترتيب ؟(2/145)