صِفةُ الجنَّةِ في القُرآنِ والسُّنَّةِ
إعداد
الباحث في القرآن والسُّنَّة
علي بن نايف الشحود
((حقوق الطبع متاحة للهيئات الرسمية والخيرية))
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيد الأنبياء والمرسلين ، وعلى آله وصحبه أجمعين ، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين .
أما بعد :
فهذا كتاب قد جمعت فيع الآيات والأحاديث المقبولة المتعلقة بنعيم الجنة وصفتها ، تلك الجنة التي قال عنها ربنا سبحانه :{ إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ (54) فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِنْدَ مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ (54)} القمر/54، 55]
وفي الحديث القدسي عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، يَبْلُغُ بِهِ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، قَالَ : قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى : أَعْدَدْتُ لِعِبَادِي الصَّالِحِينَ مَا لاَ عَيْنٌ رَأَتْ ، وَلاَ أُذُنٌ سَمِعَتْ ، وَلاَ خَطَرَ عَلَى قَلْبِ بَشَرٍ ، وَمِصْدَاقُ ذَلِكَ فِي كِتَابِ اللهِ : {فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَّا أُخْفِيَ لَهُم مِّن قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاء بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} (17) سورة السجدة.(1)
وقد قسمته للمباحث التالية :
المبحث الأول -حُفَّت الجنة بالمكاره
المبحث الثاني -الترغيب في الجنة ونعيمها
المبحث الثالث-أسماءُ الجنَّة
المبحث الرابع-أول من يدخلون الجنة وصفاتهم ...
المبحث الخامس-آخر من يدخل الجنة من الموحدين
المبحث السادس-بعض من نص على أنهم من أهل الجنة
المبحث السابع-أسياد أهل الجنة
المبحث الثامن-في صفة دخول أهل الجنة الجنَّةَ
المبحث التاسع-فيما لأدنى أهل الجنة فيها
المبحث العاشر-في درجات الجنة
المبحث الحادي عشر-أبوابُ الجنة
المبحث الثاني عشر-خزنة الجنة ...
المبحث الرابع عشر-في بناء الجنة وترابها وحصبائها وغير ذلك
__________
(1) - صحيح البخارى(3244 ) وصحيح مسلم (7310 ) وصحيح ابن حبان - (ج 2 / ص 91)(369) واللفظ له(1/1)
المبحث الخامس -خيامُ الجنة وأسرَّتها وأرائكها
المبحث السادس عشر -نور الجنة
المبحث السابع عشر-ريح الجنة
المبحث الثامن عشر-أهل الجنة يرثون أهل النار
المبحث التاسع عشر -في أنهار الجنة
المبحث العشرون-في شجر الجنة وثمارها
المبحث الواحد والعشرون -في أكل أهل الجنة
المبحث الثاني والعشرون -شراب أهل الجنة
المبحث الثالث والعشرون -أنهار الجنة
المبحث الرابع والعشرون -عيون الجنة
المبحث الخامس والعشرون-آنية الجنة
المبحث السادس والعشرون -لباسُ أهل الجنة وحُليّهم
المبحث السابع والعشرون-أطفال المؤمنين في الجنة ...
المبحث الثامن والعشرون-أكثر أهل الجنة
المبحث التاسع والعشرون-مقدار ما يدخل الجنة من هذه الأمة
المبحث الثلاثون-في فرش الجنة
المبحث الواحد والثلاثون-غلمانُ أهل الجنة وخدمُهم
المبحث الثاني والثلاثون-في وصف نساء أهل الجنة
المبحث الثالث والثلاثون-نساء الدنيا
المبحث الرابع والثلاثون-العشرة المبشرون بالجنة
المبحث الخامس والثلاثون-في غناء الحور العين
المبحث السادس والثلاثون-في سوق الجنة
المبحث السابع والثلاثون-في تزاورهم ومراكبهم
المبحث الثامن والثلاثون-في زيارة أهل الجنة ربهم تبارك وتعالى
المبحث التاسع والثلاثون-في نظر أهل الجنة إلى ربهم تبارك وتعالى ...
المبحث الأربعون-أماني أهل الجنة
المبحث الواحد والأربعون-في الجنة ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر
المبحث الثاني والأربعون-في خلود أهل الجنة فيها وأهل النار فيها.(1/2)
ولا شك بأن الذي يقرأ هذا الكلام ويصدِّقُ به يعمل ليل نهار من أجل الحصول عليه ، ذلك لأنه لا يمكن مقارنته بنعيم الدنيا الزائل المكدر بالهم والغم ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - « يُؤْتَى بِأَنْعَمِ أَهْلِ الدُّنْيَا مِنْ أَهْلِ النَّارِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَيُصْبَغُ فِى النَّارِ صَبْغَةً ثُمَّ يُقَالُ يَا ابْنَ آدَمَ هَلْ رَأَيْتَ خَيْرًا قَطُّ هَلْ مَرَّ بِكَ نَعِيمٌ قَطُّ فَيَقُولُ لاَ وَاللَّهِ يَا رَبِّ.وَيُؤْتَى بِأَشَدِّ النَّاسِ بُؤْسًا فِى الدُّنْيَا مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ فَيُصْبَغُ صَبْغَةً فِى الْجَنَّةِ فَيُقَالُ لَهُ يَا ابْنَ آدَمَ هَلْ رَأَيْتَ بُؤْسًا قَطُّ هَلْ مَرَّ بِكَ شِدَّةٌ قَطُّ فَيَقُولُ لاَ وَاللَّهِ يَا رَبِّ مَا مَرَّ بِى بُؤُسٌ قَطُّ وَلاَ رَأَيْتُ شِدَّةً قَطُّ ».(1)
فكن من طالبي الجنة ، ولا تغفل عنها قبل أن يأتيك هادم اللذات ومفرق الأمم والجماعات ،فعَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ قَالَ : كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فِى جِنَازَةٍ فَلَمَّا انْتَهَيْنَا إِلَى الْقَبْرِ جَثَا عَلَى الْقَبْرِ فَاسْتَدَرْتُ فَاسْتَقْبَلْتُهُ فَبَكَى حَتَّى بَلَّ الثَّرَى ثُمَّ قَالَ :« إِخْوَانِى لِمِثْلِ هَذَا الْيَوْمِ فَأَعِدُّوا »(2).
هذا وقد قمت بشرح الآيات القرآنية بشكل مختصر ، وتخريج الأحاديث النبوية بشكل مختصر أيضاً ، وشرحت غريبها ، وعلقت على بعض الأحاديث المشكلة .
وذكرت المصادر بآخر هذا الكتاب .
سائلا المولى عز وجل أن يرحمنا وإياكم ، ويغفر لنا ولكم وأن يدخلنا في مستقر رحمته ، وأن ينفع بها كاتبها وقارئها وناقلها والدال عليها في الدارين ، وأن يجعلنا وإياكم من ورثة جنة النعيم .
وكتبها
الباحث في القرآن والسنة
علي بن نايف الشحود
في 11 شعبان 1429 هـ الموافق ل 13/8/2008 م
- - - - - - - - - - - - -
__________
(1) - صحيح مسلم (7266 )
(2) - السنن الكبرى للبيهقي(ج 3 / ص 369)(6750) صحيح(1/3)
المبحث الأول
حُفَّت الجنة بالمكاره
عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - « حُفَّتِ الْجَنَّةُ بِالْمَكَارِهِ وَحُفَّتِ النَّارُ بِالشَّهَوَاتِ ».(1)
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - : لَمَّا خَلَقَ اللَّهُ الْجَنَّةَ ، قَالَ : يَا جِبْرِيلُ ، اذْهَبْ فَانْظُرْ إِلَيْهَا ، فَذَهَبَ فَنَظَرَ ، فَقَالَ : يَا رَبِّ ، وَعِزَّتِكَ لاَ يَسْمَعُ بِهَا أَحَدٌ ، إِلاَّ دَخَلَهَا ، فَحَفَّهَا بِالْمَكَارِهِ ، ثُمَّ قَالَ : اذْهَبْ فَانْظُرْ إِلَيْهَا فَذَهَبَ فَنَظَرَ إِلَيْهَا ، فَقَالَ : يَا رَبِّ ، لَقَدْ خَشِيتُ أَنْ لاَ يَدْخُلُهَا أَحَدٌ ، فَلَمَّا خَلَقَ اللَّهُ النَّارَ ، قَالَ : يَا جِبْرِيلُ ، اذْهَبْ فَانْظُرْ إِلَيْهَا ، فَذَهَبَ فَنَظَرَ إِلَيْهَا ، فَقَالَ : يَا رَبِّ ، وَعِزَّتِكَ لاَ يَسْمَعُ بِهَا أَحَدٌ ، فَيَدْخُلُهَا ، فَحَفَّهَا بِالشَّهَوَاتِ ، ثُمَّ قَالَ : اذْهَبْ فَانْظُرْ إِلَيْهَا ، فَذَهَبَ فَنَظَرَ إِلَيْهَا ، فَقَالَ : يَا رَبِّ ، وَعِزَّتِكَ لَقَدْ خَشِيتُ أَنْ لاَ يَبْقَى أَحَدٌ إِلاَّ دَخَلَهَا.(2)
ولعلّ هذا هو السبب الذي جعل جبريل-عليه السلام- عندما رأى ما أعده الله تعالى من النعيم المقيم لعباده في الجنة,ظنّ أن كل من يسمع بالجنة ونعيمها سيعمل من أجل أن يدخلها, لذا قال" فوعزتك لا يسمع بها أحدٌ إلا دخلها".
__________
(1) - صحيح مسلم (7308 )
(2) - صحيح ابن حبان - (ج 16 / ص 406)(7394) صحيح(1/4)
بعد أن قال جبريل- عليه السلام- ذلك, أمر الله تعالى بالجنة فحفّت بالمكاره, ثمّ قال لجبريل:ارجع إليها فانظر إلى ما أعددت لأهلها فيها, فرجع إليها,فإذا هي قد حفّت بالمكاره .فعلم بذلك أنّه لم يعد الطريق إليها سهلاً, بل هو طريق وعرٌ محفوف بالمتاعب والآلام والدموع والعرق والدم والتضحيات, وبذل كل ما في الوسع, ليس طريقًا مليئًا بالمتع والشهوات والنزوات, فمن أراد الجنة ونعيمها فليوطِّن نفسه لتحمل هذه المكاره التي حُفت بها الجنة- وهي الأمور التي تكرهها النفس لمشقتها- فلا يصل إلى الجنة أحدٌ إلا إذا تجرَّع من غصص هذه المكاره التي تحيط بها, ففي الحديث الشريف قد شبه حال التكاليف الشاقة على النفس-التي حُفت بها الجنة-والتي ينبغي على من يريد الجنة أن يؤديها ويقوم بها خير قيام كالصبر على المحن والبلايا والمصائب, والصبر على الطاعات التي تشق على النفس كالجهاد في سبيل الله وغير ذلك, شبّه كل ذلك بحال أسوار ٍكثيفةٍ من الأشواك التي يكمن فيها كل حيوان ضارٍّ من الوحوش والحيات والعقارب, وهذه الأسوار الكثيفة الكريهة محيطة ببستان ٍعظيم ٍتلتف به من كل مكان بحيث لا يستطيع أن يصل أحدٌ إلى هذا البستان ولا يحظى بالتنعم بما فيه إلا بعد أن يتخطى هذه الأسوار البغيضة, ويتجشم المشاق التي تلحقه حين سلوكه فيها,ولا شك أن ذلك يحتاج إلى جهادٍ طويل شاق,وصبر ٍدائم, كذلك الجنة لا ينالها ويحظى بنعيمها الدائم إلا من تخطى شدائد دنياه, مجاهدًا نفسه,صابرًا على ما يصيبه, راضيًا بقضاء الله تعالى,قائمًا بتكاليف الإسلام خير قيام,مضحيًا بالنفس والمال في سبيل نيل مطلوبه,فالجنة هي الثمن الذي اشترى الله به نفوس المؤمنين وأموالهم, قال تعالى: ( إنّ اللهَ اشترى من المؤمنين أنفُسَهمْ وأموالَهمْ بأنَّ لهمُ الجنّة َيُقاتِلون في سبيل ِاللهِ فيَقتُلونَ ويُقتَلونَ وعْدًا عليهِ حقًا في التوراةِ والإنجيل ِوالقرآن ِومَنْ أَوْفَى بعهدِهِ مِنَ(1/5)
اللهِ فاسْتَبشِرُوا بِبَيْعكمُ الذي بايَعْتُمْ به وذلك هو الفوزُ العظيمُ) {التوبة:111} قال شمر بن عطية:ما من مسلم ٍإلا لله عزّ وجلّ في عنقه بيعة, وفَّّى بها أو مات عليها ثمّ تلا الآية السابقة(1).
بل أكدَّ الله تعالى الوعد الذي ذكره في هذه الآية وأخبر بأنّه قد كتبه على نفسه الكريمة وأنزله على رسله في كتبه العظيمة : التوراة والإنجيل والقرآن, ثمّ بشَّر من قام بمقتضى هذا العقد, ووفََّّى بهذا العهد بالفوز العظيم والنعيم المقيم.
ورحم الله من قال:
يا سلعةَ الرحمن ِلست رخيصة ً......... بل أنتِ غالية ٌعلى الكسلان ِ
يا سلعة الرحمن ليس ينالُها ......... في الألفِ إلا واحدٌ لا اثنان ِ
يا سلعة الرحمن أين المشتري........ِ . فلقد عُرِضتِ بأيسر الأثمان ِ
يا سلعة الرحمن هل من خاطب ٍ......... فالمهرُ قبل الموتِ ذو إمكان
يا سلعة الرحمن لولا أنَّها ......... حُجِبَتْ بكلِّ مكاره ِالإنسان
ِما كان قطُّ من متخلفٍ ......... وتَعَلتْ دارُ الجزاءِ الثاني
لكنَّها حُجِبَتْ بكلِّ كريهةٍ.......... ليُصدَّ عنها المبطلُ المتواني
وتنالها الهممُ التي تَسْمُو ........ إلى ربِّ العلا بمشيئةِ الرحمن ِ
فاتْعَبْ ليوْم ِمعادِك الأدنى ......... تَجِدْ راحاتهِ يومَ المعادِ الثاني
ولنذكر- الآن- طرفًا من بعض التكاليف التي قد حُفَّت بها الجنة مع مشقتها على النفس:
1-الجهاد في سبيل الله:
__________
(1) - تفسير ابن كثير(2/399)(1/6)
وهو فرض كفاية على المسلمين ليكفُّوا شرَّ الأعداء عن حوزة الإسلام, ولنشر تعاليم الدين السمحة, وفضله عظيم،فعَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ - رضى الله عنه - أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ « تَكَفَّلَ اللَّهُ لِمَنْ جَاهَدَ فِى سَبِيلِهِ ، لاَ يُخْرِجُهُ إِلاَّ الْجِهَادُ فِى سَبِيلِهِ وَتَصْدِيقُ كَلِمَاتِهِ ، بِأَنْ يُدْخِلَهُ الْجَنَّةَ ، أَوْ يَرْجِعَهُ إِلَى مَسْكَنِهِ الَّذِى خَرَجَ مِنْهُ { مَعَ مَا نَالَ } مِنْ أَجْرٍ أَوْ غَنِيمَةٍ »(1).
وعَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - « تَضَمَّنَ اللَّهُ لِمَنْ خَرَجَ فِى سَبِيلِهِ لاَ يُخْرِجُهُ إِلاَّ جِهَادًا فِى سَبِيلِى وَإِيمَانًا بِى وَتَصْدِيقًا بِرُسُلِى فَهُوَ عَلَىَّ ضَامِنٌ أَنْ أُدْخِلَهُ الْجَنَّةَ أَوْ أَرْجِعَهُ إِلَى مَسْكَنِهِ الَّذِى خَرَجَ مِنْهُ نَائِلاً مَا نَالَ مِنْ أَجْرٍ أَوْ غَنِيمَةٍ. وَالَّذِى نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ مَا مِنْ كَلْمٍ يُكْلَمُ فِى سَبِيلِ اللَّهِ إِلاَّ جَاءَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَهَيْئَتِهِ حِينَ كُلِمَ لَوْنُهُ لَوْنُ دَمٍ وَرِيحُهُ مِسْكٌ وَالَّذِى نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ لَوْلاَ أَنْ يَشُقَّ عَلَى الْمُسْلِمِينَ مَا قَعَدْتُ خِلاَفَ سَرِيَّةٍ تَغْزُو فِى سَبِيلِ اللَّهِ أَبَدًا وَلَكِنْ لاَ أَجِدُ سَعَةً فَأَحْمِلَهُمْ وَلاَ يَجِدُونَ سَعَةً وَيَشُقُّ عَلَيْهِمْ أَنْ يَتَخَلَّفُوا عَنِّى وَالَّذِى نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ لَوَدِدْتُ أَنِّى أَغْزُو فِى سَبِيلِ اللَّهِ فَأُقْتَلُ ثُمَّ أَغْزُو فَأُقْتَلُ ثُمَّ أَغْزُو فَأُقْتَلُ »(2). الكلم : الجرح
__________
(1) - صحيح البخارى(3123 ) ومسلم (4969 )
(2) - صحيح مسلم (4967 )(1/7)
وعَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - « مَنْ مَاتَ وَلَمْ يَغْزُ وَلَمْ يُحَدِّثْ بِهِ نَفْسَهُ مَاتَ عَلَى شُعْبَةٍ مِنْ نِفَاقٍ »(1).
وهو مع فرضيته وفضيلته إلا أنه مكروه على النفس, وذلك لأنَّ فيه مشقة وشدة, فإنَه إما أن يُقتل الإنسان أو يجرح, مع مشقة السفر ومجالدة الأعداء, ومع أن النفس تكرهه إلا أنه خيرٌ لها, لذا قال تعالى: ( كُتِبَ عليكم القتالُ وهو كُرْهٌ لَّكُم وعَسى أنْ تَكرهوا شَيْئًا وهو خَيرٌ لَّكم وعسى أنْ تُحبُّوا شيئًا وهو شرٌّ لكم والله يعلمُ وأنتم لا تعلمون) {البقرة:216}.
كَمَا أَمَرَ اللهُ تَعَالَى بِالإِنْفَاقِ عَلَى اليَتَامَى وَالمَسَاكِينِ لِحِمَايَةِ المُجْتَمَعِ مِنْ دَاخِلِهِ ، كَذلِكَ فَرَضَ اللهُ الجِهَادَ عَلَى المُسْلِمِينَ ، وَمُحَارَبَةِ أَعْدَاءِ الدِّينِ ، لِيَكُفُّوا عَنْ الجَمَاعَةِ المُسْلِمَةِ شَرَّ أَعْدَائِها . وَالجِهَادُ فَرْضُ كِفَايَة إِذَا قَامَ بِهِ بَعْضُ الأُمَّةِ سَقَطَ عَنِ البَاقِينَ ، وَالجِهَادُ وَاجِبٌ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ غَزا أَوْ قَعَدَ ، فَالقَاعِدُ عَلَيهِ أَنْ يُعينَ إِذا اسْتَعَانَ بِهِ النَّاسُ ، وَأَنْ يُغيثَ إِذَا اسْتَغَاثُوا بِهِ ، وَأَنْ يَنْفِرَ إِذا اسُتُنْفِرَ .
__________
(1) - صحيح مسلم (5040 )(1/8)
وَيَذْكُرُ اللهُ تَعَالَى : أَنَّ الجِهَادَ فِيهِ كُرْهٌ وَمَشَقَّةٌ عَلَى الأَنْفُسِ ، مِنْ تَحَمُّلِ مَشَقَّةِ السَّفَرِ ، إِلَى مَخَاطِرِ الحُرُوبِ وَمَا فِيهَا مِنَ جَرْحٍ وَقَتْلٍ وَأَسْرٍ ، وَتَرْكٍ لِلْعِيَالِ ، وَتَرْكٍ لِلتِّجَارَةِ وَالصَّنْعَةِ وَالعَمَلِ . . إلخ ، وَلكِنْ قَدْ يَكُونُ فِيهِ الخَيْرُ لأَنَّهُ قَدْ يَعْقُبُهُ النَّصْرُ وَالظَّفَرُ بِالأَعْدَاءِ ، وَالاستِيلاءُ عَلَى أَمْوَالِهِمْ وَبِلاَدِهِمْ . وَقَدْ يُحِبُّ المَرْءُ شَيئاً وَهُوَ شَرٌّ لَهُ ، وَمِنْهُ القُعُودُ عَنِ الجِهَادِ ، فَقَدْ يَعْقُبُهُ استِيلاءُ الأَعْدَاءِ عَلَى البِلادِ وَالحُكْمِ ، وَاللهُ يَعْلَمُ عَوَاقِبَ الأُمُورِ أَكْثَرَ مِمَّا يَعْلَمُها العِبَادُ .
2-الصبر على النوائب, والرضا بقضاء الله:
قال تعالى: (أَمْ حَسِبتمْ أن تَدْخلُوا الجنَّة َوَلَمَّا يعلمِ اللهُ الذين جاهدوا منكم ويعلمَ الصابرين){آل عمران:142}
وَلاَ تَحْسَبُوا أَنَّكُمْ تَدْخُلُونَ الجَنَّةَ قَبْلَ أَنْ يَخْتَبِرَكُمُ اللهُ تَعَالَى وَيُمَحِّصَكُمْ فِي الشَّدَائِدِ وَالجِهَادِ لِيَرَى صِدْقَ إيمَانِكُمْ ، وَيَرَى مَنْ يَسْتَجِيبُ للهِ ، وَيُخْلِصُ فِي طَاعَتِهِ ، وَقِتَالِ أًَعْدَائِهِ ، وَيَصْبِرُ عَلَى مَكَارِهِ الحُرُوبِ .
وقال تعالى: (أَمْ حَسبْتُمْ أن تَدْخُلوا الجنَّة َوَلَمَّا يَأْتِكُم مَّثَلُ الذين خَلَوْا من قبلِكم مَّسَّتْهُمُ البَأْساءُ والضراءُ وزُلْزِلُوا حتى يقولَ الرسولُ والذين آمنُوا مَعَهُ مَتَى نصرُ اللهِ أَلا إنَّ نَصْرَ اللهِ قريبٌ){البقرة:214}(1/9)
يُخَاطِبَ اللهُ تَعَالَى الذِينَ هَدَاهُمْ إِلى السِّلْمِ ، وَإِلَى الخُرُوجِ مِنْ ظُلْمَةِ الاخْتِلاَفِ ، إِلى نُورِ الوِفَاقِ ، بِاتِّبَاعِهِمْ هُدَى الكِتَابِ زَمَنَ التَّنْزيلِ ، الذِينَ يَظُنُّونَ مِنْهُمْ أَنَّ انْتِسَابَهُمْ إِلى الإِسْلاَمِ فِيهِ الكِفَايَةُ لِدُخُولِ الجَنَّةِ دُونَ أَنْ يَتَحَمَّلُوا الشَّدَائِدَ وَالأَذَى فِي سَبيلِ الحَقِّ ، وَهِدَايَةِ الخَلْقِ ، جَهْلاً مِنْهُمْ بِسُنَّةِ اللهِ تَعَالَى فِي أَهْلِ الهُدَى مُنْذُ أَنْ خَلَقَهُمْ . فَيَقُولُ لَهُمْ : هَلْ تَحْسَبُونَ أَنَّكُمْ تَدْخُلُونَ الجَنَّةَ قَبْلَ أَنْ تُبْتَلَوا وَتُخْتَبَرُوا كَمَا فُعِلَ بِالذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ مِنَ الأُمَمِ الذِينَ ابْتُلُوا بِالفَقْرِ ( البَأَسَاءُ ) ، وَبِالأَسْقَامِ وَالأَمْرَاضِ ( الضَّرَّاءُ ) ، وَخُوِّفُوا وَهُدَّدُوا مِنَ الأَعْدَاءِ ( زُلْزِلُوا ) ، وَامتُحِنُوا امْتِحَاناً عَظِيماً ، وَاشْتَدَّتِ الأُمُورُ بِهِمْ حَتَّى تَسَاءَلَ الرَّسُولُ وَالمُؤْمِنُونَ قَائِلِينَ : مَتَى يَأْتِي نَصْرُ اللهِ .وَحِينَما تَثْبُتُ القُلُوبُ عَلَى مِثْلِ هذِهِ المِحَنِ المُزَلْزِلَةِ ، حِينَئِذٍ تَتِمُّ كَلِمَةُ اللهِ ، وَيَجِيءُ نَصْرُهُ الذِي يَدَّخِرُهُ لِمَنْ يَسْتَحِقُّهُ مِنْ عِبَادِهِ الذِينَ يَسْتَيْقِنُونَ أَنْ لاَ نَصْرَ إِلاَّ نَصْرُ اللهِ .
إنه مدخر لمن يستحقونه . ولن يستحقه إلا الذين يثبتون حتى النهاية . الذين يثبتون على البأساء والضراء . الذين يصمدون للزلزلة .الذين لا يحنون رؤوسهم للعاصفة . الذين يستيقنون أن لا نصر إلا نصر الله ، وعندما يشاء الله . وحتى حين تبلغ المحنة ذروتها ، فهم يتطلعون فحسب إلى { نصر الله } ، لا إلى أي حل آخر ، ولا إلى أي نصر لا يجيء من عند الله . ولا نصر إلا من عند الله .(1/10)
بهذا يدخل المؤمنون الجنة ، مستحقين لها ، جديرين بها ، بعد الجهاد والامتحان ، والصبر والثبات ، والتجرد لله وحده ، والشعور به وحده ، وإغفال كل ما سواه وكل من سواه .
إن الصراع والصبر عليه يهب النفوس قوة ، ويرفعها على ذواتها ، ويطهرها في بوتقة الألم ، فيصفو عنصرها ويضيء ، ويهب العقيدة عمقاً وقوة وحيوية ، فتتلألأ حتى في أعين أعدائها وخصومها . وعندئذ يدخلون في دين الله أفواجاً كما وقع ، وكما يقع في كل قضية حق ، يلقى أصحابها ما يلقون في أول الطريق ، حتى إذا ثبتوا للمحنة انحاز إليهم من كانوا يحاربونهم ، وناصرهم أشد المناوئين وأكبر المعاندين . .
على أنه - حتى إذا لم يقع هذا - يقع ما هو أعظم منه في حقيقته . يقع أن ترتفع أرواح أصحاب الدعوة على كل قوى الأرض وشرورها وفتنتها ، وأن تنطلق من إسار الحرص على الدعة والراحة ، والحرص على الحياة نفسها في النهاية . . وهذا الانطلاق كسب للبشرية كلها ، وكسب للأرواح التي تصل إليه عن طريق الاستعلاء . كسب يرجح جميع الآلام وجميع البأساء والضراء التي يعانيها المؤمنون ، والمؤتمنون على راية الله وأمانته ودينه وشريعته .
وهذا الانطلاق هو المؤهل لحياة الجنة في نهاية المطاف . . وهذا هو الطريق . .
هذا هو الطريق كما يصفه الله للجماعة المسلمة الأولى ، وللجماعة المسلمة في كل جيل .
هذا هو الطريق : إيمان وجهاد . . ومحنة وابتلاء . وصبر وثبات . . وتوجه إلى الله وحده . ثم يجيء النصر . ثم يجيء النعيم . .
وابتلاء الله تعالى للعباد وامتحانهم إنَّما يكون لتنقيتهم وترقيتهم وليميز الخبيث من الطيب, قال تعالى: (ألم* أَحَسِبَ النَّاسُ أن يُتْرَكُوا أن يقولوا آمنَّا وهم لا يُفتنون*ولقد فتنَّا الذين من قبلهم فَلَيَعْلَمَنَّ اللهُ الذين صَدَقُوا ولَيَعْلَمَنَّ الكاذبين) {العنكبوت:1-3}.(1/11)
إن الإيمان ليس كلمة تقال إنما هو حقيقة ذات تكاليف؛ وأمانة ذات أعباء؛ وجهاد يحتاج إلى صبر ، وجهد يحتاج إلى احتمال . فلا يكفي أن يقول الناس : آمنا . وهم لا يتركون لهذه الدعوى ، حتى يتعرضوا للفتنة فيثبتوا عليها ويخرجوا منها صافية عناصرهم خالصة قلوبهم . كما تفتن النار الذهب لتفصل بينه وبين العناصر الرخيصة العالقة به وهذا هو أصل الكلمة اللغوي وله دلالته وظله وإيحاؤه وكذلك تصنع الفتنة بالقلوب .
هذه الفتنة على الإيمان أصل ثابت ، وسنة جارية ، في ميزان الله سبحانه :
{ ولقد فتنا الذين من قبلهم ، فليعلمن الله الذين صدقوا وليعلمن الكاذبين } . .
والله يعلم حقيقة القلوب قبل الابتلاء؛ ولكن الابتلاء يكشف في عالم الواقع ما هو مكشوف لعلم الله ، مغيب عن علم البشر؛ فيحاسب الناس إذن على ما يقع من عملهم لا على مجرد ما يعلمه سبحانه من أمرهم . وهو فضل من الله من جانب ، وعدل من جانب ، وتربية للناس من جانب ، فلا يأخذوا أحداً إلا بما استعلن من أمره ، وبما حققه فعله . فليسوا بأعلم من الله بحقيقة قلبه!
ونعود إلى سنة الله في ابتلاء الذين يؤمنون وتعريضهم للفتنة حتى يعلم الذين صدقوا منهم ويعلم الكاذبين .
إن الإيمان أمانة الله في الأرض ، لا يحملها إلا من هم لها أهل وفيهم على حملها قدرة ، وفي قلوبهم تجرد لها وإخلاص . وإلا الذين يؤثرونها على الراحة والدعة ، وعلى الأمن والسلامة ، وعلى المتاع والإغراء . وإنها لأمانة الخلافة في الأرض ، وقيادة الناس إلى طريق الله ، وتحقيق كلمته في عالم الحياة . فهي أمانة كريمة؛ وهي أمانة ثقيلة؛ وهي من أمر الله يضطلع بها الناس؛ ومن ثم تحتاج إلى طراز خاص يصبر على الابتلاء .(1/12)
ومن الفتنة أن يتعرض المؤمن للأذى من الباطل وأهله؛ ثم لا يجد النصير الذي يسانده ويدفع عنه ، ولا يملك النصرة لنفسه ولا المنعة؛ ولا يجد القوة التي يواجه بها الطغيان . وهذه هي الصورة البارزة للفتنة ، المعهودة في الذهن حين تذكر الفتنة . ولكنها ليست أعنف صور الفتنة . فهناك فتن كثيرة في صور شتى ، ربما كانت أمر وأدهى .
هناك فتنة الأهل والأحباء الذين يخشى عليهم أن يصيبهم الأذى بسببه ، وهو لا يملك عنهم دفعاً . وقد يهتفون به ليسالم أو ليستسلم؛ وينادونه باسم الحب والقرابة ، واتقاء الله في الرحم التي يعرضها للأذى أو الهلاك . وقد أشير في هذه السورة إلى لون من هذه الفتنة مع الوالدين وهو شاق عسير .وهناك فتنة إقبال الدنيا على المبطلين ، ورؤية الناس لهم ناجحين مرموقين ، تهتف لهم الدنيا ، وتصفق لهم الجماهير ، وتتحطم في طريقهم العوائق ، وتصاغ لهم الأمجاد ، وتصفو لهم الحياة . وهو مهمل منكر لا يحس به أحد ، ولا يحامي عنه أحد ، ولا يشعر بقيمة الحق الذي معه إلا القليلون من أمثاله الذين لا يملكون من أمر الحياة شيئاً .
وهنالك فتنة الغربة في البيئة والاستيحاش بالعقيدة ، حين ينظر المؤمن فيرى كل ما حوله وكل من حوله غارقاً في تيار الضلالة؛ وهو وحده موحش غريب طريد وهناك فتنة من نوع آخر قد نراها بارزة في هذه الأيام . فتنة أن يجد المؤمن أمماً ودولاً غارقة في الرذيلة ، وهي مع ذلك راقية في مجتمعها ، متحضرة في حياتها ، يجد الفرد فيها من الرعاية والحماية ما يناسب قيمة الإنسان . ويجدها غنية قوية ، وهي مشاقة لله!(1/13)
وهنالك الفتنة الكبرى . أكبر من هذا كله وأعنف . فتنة النفس والشهوة . وجاذبية الأرض ، وثقلة اللحم والدم ، والرغبة في المتاع والسلطان ، أو في الدعة والاطمئنان . وصعوبة الاستقامة على صراط الإيمان والاستواء على مرتقاه ، مع المعوقات والمثبطات في أعماق النفس ، وفي ملابسات الحياة ، وفي منطق البيئة ، وفي تصورات أهل الزمان!
فإذا طال الأمد ، وأبطأ نصر الله ، كانت الفتنة أشد وأقسى . وكان الابتلاء أشد وأعنف . ولم يثبت إلا من عصم الله . وهؤلاء هم الذين يحققون في أنفسهم حقيقة الإيمان ، ويؤتمنون على تلك الأمانة الكبرى ، أمانة السماء في الأرض ، وأمانة الله في ضمير الإنسان .وما بالله حاشا لله أن يعذب المؤمنين بالابتلاء ، وأن يؤذيهم بالفتنة . ولكنه الإعداد الحقيقي لتحمل الأمانة . فهي في حاجة إلى إعداد خاص لا يتم إلا بالمعاناة العملية للمشاق؛ وإلا بالاستعلاء الحقيقي على الشهوات ، وإلا بالصبر الحقيقي على الآلام ، وإلا بالثقة الحقيقية في نصر الله أو في ثوابه ، على الرغم من طول الفتنة وشدة الابتلاء .والنفس تصهرها الشدائد فتنفي عنها الخبث ، وتستجيش كامن قواها المذخورة فتستيقظ وتتجمع . وتطرقها بعنف وشدة فيشتد عودها ويصلب ويصقل . وكذلك تفعل الشدائد بالجماعات ، فلا يبقى صامداً إلا أصلبها عوداً؛ وأقواها طبيعة ، وأشدها اتصالاً بالله ، وثقة فيما عنده من الحسنيين : النصر أو الأجر ، وهؤلاء هم الذين يسلَّمون الراية في النهاية . مؤتمنين عليها بعد الاستعداد والاختبار .وإنهم ليتسلمون الأمانة وهي عزيزة على نفوسهم بما أدوا لها من غالي الثمن؛ وبما بذلوا لها من الصبر على المحن؛ وبما ذاقوا في سبيلها من الآلام والتضحيات . والذي يبذل من دمه وأعصابه ، ومن راحته واطمئنانه ، ومن رغائبه ولذاته . ثم يصبر على الأذى والحرمان؛ يشعر ولا شك بقيمة الأمانة التي بذل فيها ما بذل؛ فلا يسلمها رخيصة بعد كل هذه التضحيات والآلام .(1/14)
فأما انتصار الإيمان والحق في النهاية فأمر تكفل به وعد الله .وما يشك مؤمن في وعد الله . فإن أبطأ فلحكمة مقدرة ، فيها الخير للإيمان وأهله . وليس أحد بأغير على الحق وأهله من الله . وحسب المؤمنين الذين تصيبهم الفتنة ، ويقع عليهم البلاء ، أن يكونوا هم المختارين من الله ، ليكونوا أمناء على حق الله . وأن يشهد الله لهم بأن في دينهم صلابة فهو يختارهم للابتلاء
قَالَ أَبَو هُرَيْرَةَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : « مَنْ يُرِدِ اللَّهُ بِهِ خَيْرًا يُصِبْ مِنْهُ »(1).
وعَنْ أَنَسٍ ، عَنْ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - ، أَنَّهُ قَالَ: عِظَمُ الْجَزَاءِ مَعَ عِظَمِ الْبَلاَءِ ، وَإِنَّ اللهَ إِذَا أَحَبَّ قَوْمًا ابْتَلاَهُمْ ، فَمَنْ رَضِيَ فَلَهُ الرِّضَا ، وَمَنْ سَخِطَ فَلَهُ السُّخْطُ.(2)
( فمن رضي فله الرضا ) أي رضا الله تعالى عنه جزاء لرضاه . أو فله جزاء رضاه . وكذلك قوله فله السخط . ثم الظاهر أنه تفصيل لمطلق المبتلين لالمن أحبهم فابتلاهم . إذ الظاهر أنه تعالى يوفقهم للرضا فلا يسخط منهم أحد
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، قَالَ : قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - : مَا يَزَالُ الْبَلاءُ بِالْمُؤْمِنِ فِي جَسَدِهِ وَمَالِهِ ، حَتَّى يَلْقَى اللَّهَ تَعَالَى ، وَمَا عَلَيْهِ خَطِيئَةٌ"(3)
__________
(1) - صحيح البخارى(5645 )
(2) - سنن ابن ماجه (4167) صحيح لغيره
(3) - المستدرك للحاكم (7879) صحيح(1/15)
وعَنْ سَعْدٍ قَالَ : سُئِلَ النَّبِىُّ - صلى الله عليه وسلم - : أَىُّ النَّاسِ أَشَدُّ بَلاَءً؟ قَالَ :« الأَنْبِيَاءُ ثُمَّ الأَمْثَلُ فَالأَمْثَلُ ، يُبْتَلَى الرَّجُلُ عَلَى حَسَبِ دِينِهِ فَإِنْ كَانَ فِى دِينِهِ صَلاَبَةٌ زِيدَ صَلاَبَةً ، وَإِنْ كَانَ فِى دِينِهِ رِقَّةٌ خُفِّفَ عَنْهُ ، وَلاَ يَزَالُ الْبَلاَءُ بِالْعَبْدِ حَتَّى يَمْشِىَ عَلَى الأَرْضِ مَا لَهُ خَطِيئَةٌ ».(1)
3- الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر:
وهي عبادة شاقة على النفس, وغالبًا ما يحدث للقائم بها شدائد ومشاكل وصعوبات كثيرة, لذا بعدما أوصى لقمان ابنه بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أوصاه بالصبر لما سيقابله بسبب ذلك من إيذاء ومشقة,كما حكاه القرآن الكريم: (يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلاة َوَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ المُنكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الأُمُورِ) {لقمان:17}.
ثُمَّ قَالَ لُقمَانُ لابنِهِ ، يَا بُنَيَّ أَدِّ الصَّلاَة في أَوْقَاتِها ، وَأَتْمِمْهَا بِرُكُوعِها وَسُجُودِها وَخُشُوعِها ، لأَنَّ الصَّلاةَ تُذَكِّرُ العَبْدَ بِرَبِّهِ ، وَتَحْملُهُ عَلَى فِعْلِ المَعْرُوفِ ، والانْتِهَاءِ عَنْ فِعْلِ المُنْكَرِ ، وإِذا فَعَلَ الإنسَانُ ذلِكَ تَصْفُو نَفْسُهُ وَتَسْمُو ، وَيَسْهُلُ عَلَيها احْتِمَالُ الصِّعَابِ في اللهِ ، ثمَّ حَثَّ لُقْمَانُ ابْنَهُ عَلَى احتِمَالِ أَذَى النَّاسِ إِذا قَابَلُوه بِالسُّوءِ والأَذى عَلَى حَثِّهِ إِيًَّاهُمْ عَلَى فِعْلِ الخَيرِ ، والانْتِهَاءِ عَنْ فِعْلِ المُنْكَرِ ، ثُمَّ قَالَ لَهُ : إِنَّ هذا الذي أَوْصَاهُ بِهِ هُوَ مِنَ الأمُورِ التي يَنْبَغِي الحِرْصُ عَليها ، والتَّمَسُّكُ بِهَا ( مِنْ عَزْمِ الأُمُورِ ) .
4-وغير ذلك من تكاليف الإسلام:
__________
(1) - سنن الدارمى (2839) صحيح(1/16)
فالصلاة- مثلاً- أثقل شيءٍ على المنافقين, وعلى النفوس الضعيفة قال تعالى: (وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلاَّ عَلَى الخَاشِعِينَ ) {البقرة:45}.
يَأْمُرُ اللهُ تَعَالَى عِبَادَهُ بِالاسْتِعَانَةِ عَلَى أَدَاءِ التَّكَالِيفِ ، وَمَا فَرَضَهُ عَلَيْهِمْ ، بِالصَّبْرِ عَلَى الفَرَائِضِ ، وَضَبْطِ النَّفْسِ عَنِ المَعَاصِي ، وَبِالصَّلاةِ ، لَعَلَّهُمْ يَبْلُغُونَ مَا يُؤمِّلُونَ مِنْ خَيْرِ الدُّنيا وَالآخِرَةِ . وَيُنَبِّهُهُمُ اللهُ تَعَالَى إِلَى أَنَّ القِيَامَ بِهذِهِ الوَصِيَّةِ التِي يَطْلبُ مِنَ النَّاسِ الأَخْذَ بِهَا مِنْ صَبْرٍ وَصَلاةٍ . . . أَمْرٌ شَاقٌ ثَقِيلٌ عَلَى النُّفُوسِ ، إِلاَّ النُّفُوسَ المُؤْمِنَةَ الخَاشِعَةَ المُسْتَكِينَةَ لِطَاعَةِ اللهِ ، المُتَذَلِّلَةَ مِنْ مَخَافَتِهِ .
والزكاة والصدقة ثقيلتان وشاقتان على البخلاء والحريصين على جمع المال , ولا تخفى مشقة الحج وما يتطلبه من جهدٍ وسفر وصعوبات وإنفاق وصبر ٍوجَلَد, والصيام وما يتطلبه من صبر ٍعلى الجوع والعطش والشهوةِ نهارًا, وغير ذلك من المشقات.
ولعلي أكون قد بيَّنتُ جانبًا من المكاره التي حُفت بها الجنة, والتي على المسلم أن يتحمل ما يعرض له منها ويصبر على ذلك ليفوز بنعيم الجنة,وهي وإن كانت تكاليف شاقَّة إلا أنّه لا يُدرك الغالي إلا بالعمل الشاق, فعن أبي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - :« مَنْ خَافَ أَدْلَجَ وَمَنْ أَدْلَجَ بَلَغَ الْمَنْزِلَ أَلاَ إِنَّ سِلْعَةَ اللَّهِ غَالِيَةٌ أَلاَ إِنَّ سِلْعَةَ اللَّهِ الْجَنَّةُ »(1). أدلج : سار ليلا
ولعلَّ هذا هو السبب الذي جعل جبريل-عليه السلام- بعدما رأى حقيقة الجنة وقد حُفت بالمكاره يخشى ألا يدخلها أحد, لذا قال لربّه تعالى: "وعزَّتك لقد خفتُ ألا يدخلها أحد".
ـــــــــــــــ
__________
(1) - سنن الترمذى(2638 ) صحيح(1/17)
المبحث الثاني
الترغيب في الجنة ونعيمها
عَنْ أَبِي بَكْرَةَ ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - ، قَالَ : مَنْ قَتَلَ نَفْسًا مُعَاهَدَةً بِغَيْرِ حَقِّهَا لَمْ يَرَحْ رَائِحَةَ الْجَنَّةِ ، وَإِنَّ رِيحَ الْجَنَّةِ لَيُوجَدُ مِنْ مَسِيرَةِ مِائَةِ عَامٍ..(1)
وعَنْ أَبِي بَكْرَةَ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - : مَنْ قَتَلَ مُعَاهَدًا فِي عَهْدِهِ لَمْ يَرَحْ رَائِحَةَ الْجَنَّةِ ، وَإِنَّ رِيحَهَا لَيُوجَدُ مِنْ مَسِيرَةِ خَمْسِ مِائَةِ عَامٍ.(2)
قَالَ أَبُو حَاتِمٍ : هَذِهِ الأَخْبَارُ كُلُّهَا مَعْنَاهَا لاَ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ يُرِيدُ جَنَّةً دُونَ جَنَّةِ الْقَصْدِ مِنْهُ ، الْجَنَّةُ الَّتِي هِيَ أَعْلَى وَأَرْفَعُ يُرِيدُ مَنْ فَعَلَ هَذِهِ الْخِصَالَ ، أَوِ ارْتَكَبَ شَيْئًا مِنْهَا حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ ، أَوْ لاَ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ الَّتِي هِيَ أَرْفَعُ الَّتِي يَدْخُلُهَا مَنْ لَمْ يَرْتَكِبْ تِلْكَ الْخِصَالَ ، لأَنَّ الدَّرَجَاتِ فِي الْجِنَانِ يَنَالُهَا الْمَرْءُ بِالطَّاعَاتِ ، وَحَطُّهُ عَنْهَا يَكُونُ بِالْمَعَاصِي الَّتِي ارْتَكَبَهَا.
__________
(1) - صحيح ابن حبان - (ج 16 / ص 391)(7382) صحيح
(2) - صحيح ابن حبان - (ج 16 / ص 392)(7383) صحيح(1/18)
وعَنْ عَطِيَّةَ ، أَنَّهُ سَمِعَ رَبِيعَةَ الْجُرَشِيَّ ، يَقُولُ : إِنَّ نَبِيَّ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - أُتِيَ ، فَقِيلَ لَهُ : لِتَنَمْ عَيْنُكَ وَلْتَسْمَعْ أُذُنُكَ وَلْيَعْقِلْ قَلْبِكَ ، قَالَ : فَنَامَتْ عَيْنِي وَسَمِعَتْ أُذُنِي وَعَقَلَ قَلْبِي ، قَالَ : فَقِيلَ لَهُ : سَيِّدٌ بنى دَارًا وَصَنَعَ مَأْدُبَةً فَأَرْسَلَ دَاعِيًا فَمَنْ أَجَابَ الدَّاعِيَ دَخَلَ الدَّارَ ، وَأَكَلَ مِنَ الْمَأْدُبَةِ ، وَرَضِيَ عَنْهُ السَّيِّدُ ، وَمَنْ لَمْ يُجِبِ الدَّاعِيَ لَمْ يَدْخُلِ الدَّارَ ، وَلَمْ يَنَلِ الْمَأْدُبَةَ ، وَسَخَطَ عَلَيْهِ السَّيِّدُ ، فَالسَّيِّدُ اللَّهُ ، وَالدَّاعِي مُحَمَّدٌ - صلى الله عليه وسلم - ، وَالْمَأْدُبَةُ الْجَنَّةُ "(1)
قال تعالى : {وَاللّهُ يَدْعُو إِلَى دَارِ السَّلاَمِ وَيَهْدِي مَن يَشَاء إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ} (25) سورة يونس
وعَنْ سَمُرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - :"جَنَّةُ الْفِرْدَوْسِ هِيَ رَبْوَةُ الْجَنَّةِ الْعُلْيَا الَّتِي هِيَ أَوْسَطُهَا وَأَحْسَنُهَا".
وعَنْ سَمُرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - :"الْفِرْدَوْسُ رَبْوَةُ الْجَنَّةِ، وَأَعْلاهَا وَأَوْسَطُهَا، وَمِنْهَا تَفَجَّرُ أَنْهَارُ الْجَنَّةِ".(2)
__________
(1) - المعجم الكبير للطبراني - (ج 4 / ص 455)(4463) حسن ، وربيعة مختلف في صحبته
(2) - المعجم الكبير للطبراني - (ج 6 / ص 353)(6742و6743 ) حسن(1/19)
وعَنْ عَلِيٍّ ؛ فِي هَذِهِ الآيَةِ : {يَوْمَ نَحْشُرُ الْمُتَّقِينَ إِلَى الرَّحْمَنِ وَفْدًا} (85) سورة مريم ، قَالَ : ثُمَّ قَالَ : هَلْ تَدْرُونَ عَلَى أَيِّ شَيْءٍ يُحْشَرُونَ ؟ أَمَا وَاللهِ مَا يُحْشَرُونَ عَلَى أَقْدَامِهِمْ ، وَلَكِنَّهُمْ يُؤْتَوْنَ بِنُوقٍ لَمْ تَرَ الْخَلاَئِقُ مِثْلَهَا ، عَلَيْهَا رِحَالُ الذَّهَبِ ، وَأَزِمَّتُهَا الزَّبَرْجَدُ ، فَيَجْلِسُونَ عَلَيْهَا ، ثُمَّ يُنْطَلَقُ بِهِمْ حَتَّى يَقْرَعُوا بَابَ الْجَنَّةِ.(1)
__________
(1) - مصنف ابن أبي شيبة (ج 13 / ص 119)(35148) ضعيف(1/20)
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - أَنَّهُ قَالَ : " سِرْتُ وَسَارَ مَعِي جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ ، فَأَتَيْنَا عَلَى وَادٍ ، فَوَجَدْتُ رِيحًا طَيِّبَةً وَوَجَدْتُ رِيحَ الْمِسْكِ ، وَسَمِعْتُ صَوْتًا فَقُلْتُ : يَا جِبْرِيلُ مَا هَذِهِ الرِّيحُ الْبَارِدَةُ الطَّيِّبَةُ , وَرِيحُ الْمِسْكِ ؟ ومَا هَذَا الصَّوْتُ ؟ قَالَ : هَذَا صَوْتُ الْجَنَّةِ تَقُولُ : يَا رَبِّ أَهْنِنِي بِأَهْلِي وَمَا وَعَدْتَنِي فَقَدْ كَثُرَ حَرِيرِي ، وَسُنْدُسِي ، وَإِسْتَبْرَقِي ، وَعَبْقَرِيِّي ، وَلُؤْلُؤِي ، وَمَرْجَانِي ، وَفِضَّتِي ، وَذَهَبِي وَأَبَارِيقِي ، وَفَوَاكِهِي ، وَعَسَلِي ، وَمَائِي ، فَآتِنِي مَا وَعَدْتَنِي قَالَ : لَكِ كُلُّ مُسْلِمٍ وَمُسْلِمَةٍ وَمُؤْمِنٍ وَمُؤْمِنَةٍ وَمَنْ آمَنَ بِي وَبِرُسُلِي وَعَمِلَ صَالِحًا ، وَلَمْ يُشْرِكْ بِي شَيْئًا وَلَمْ يَتَّخِذْ مِنْ دُونِي أَنْدَادًا وَمَنْ خَشِيَنِي ، وَمَنْ سَأَلَنِي أَعْطَيْتُهُ وَمَنْ أَقْرَضَنِي جَزَيْتُهُ ، وَمَنْ تَوَكَّلَ عَلَيَّ كَفَيْتُهُ ، أَنَا اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا ، لَا أُخْلِفُ الْمِيعَادَ قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ , تَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ ، قَالَتْ : قَدْ رَضِيتُ "(1).
__________
(1) - صِفَةُ الْجَنَّةِ لِأَبِي نُعَيْمٍ الْأَصْبهَانِيِّ (22 ) حسن(1/21)
وعَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ ، قَالَ : قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - ذَاتَ يَوْمٍ لأَصْحَابِهِ : أَلاَ هَلْ مُشَمِّرٍ لِلْجَنَّةِ ، فَإِنَّ الْجَنَّةَ لاَ خَطَرَ لَهَا هِيَ ، وَرَبِّ الْكَعْبَةِ نُورٌ يَتَلَأْلَأُ ، وَرَيْحَانَةٌ تَهْتَزُّ ، وَقَصْرٌ مُشَيَّدٌ ، وَنَهْرٌ مُطَّرِدٌ ، وَفَاكِهَةٌ كَثِيرَةٌ نَضِيجَةٌ ، وَزَوْجَةٌ حَسْنَاءُ جَمِيلَةٌ ، وَحُلَلٌ كَثِيرَةٌ فِي مَقَامٍ أَبَدًا فِي حَبْرَةٍ وَنَضْرَةٍ فِي دَارٍ عَالِيَةٍ سَلِيمَةٍ بَهِيَّةٍ ، قَالُوا : نَحْنُ الْمُشَمِّرُونَ لَهَا يَا رَسُولَ اللهِ ، قَالَ : قُولُوا : إِنْ شَاءَ اللَّهُ ، ثُمَّ ذَكَرَ الْجِهَادَ وَحَضَّ عَلَيْهِ.(1)
مشمر للجنة : ساع لها غاية السعي ، طالب لها عن صدق ورغبة -مطرد : جارٍ يتبع بعضه بعضا
وعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ، يُحَدِّثُ عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - وَذَكَرَ الْجَنَّةَ فَقَالَ : أَلَا مُشَمِّرٌ لَهَا ، هِيَ وَرَبِّ الْكَعْبَةِ رَيْحَانَةٌ تَهْتَزُّ وَنُورٌ يَتَلَأْلَأُ ، وَنَهْرٌ مُطَّرِدٌ ، وَزَوْجَةٌ لَا تَمُوتُ فِي خُلُودٍ ، وَنَعِيمٍ فِي مَقَامٍ آبِدٍ "(2)
وعَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - « مَا رَأَيْتُ مِثْلَ النَّارِ نَامَ هَارِبُهَا وَلاَ مِثْلَ الْجَنَّةِ نَامَ طَالِبُهَا ».(3)
__________
(1) - صحيح ابن حبان - (ج 16 / ص 389)(7381) حسن
(2) - صِفَةُ الْجَنَّةِ لِأَبِي نُعَيْمٍ الْأَصْبهَانِيِّ (25) حسن
(3) - سنن الترمذى (2805 ) والصحيحة (903) و جرجان 343 و 377 و صحيح الجامع (5622) صحيح لغيره(1/22)
وعَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - : إنَّمَا يُدْخِلُ اللَّهُ الْجَنَّةَ مَنْ يَرْجُوهَا ، وَإِنَّمَا يُجَنِّبُ النَّارَ مَنْ يَخْشَاهَا ، وَإِنَّمَا يَرْحَمُ اللَّهُ مَنْ يَرْحَمُ.(1)
وعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : ، لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ إِلَّا حَرِيصٌ عَلَيْهَا "(2)
وعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ : " يُؤْتَى بِأَشَدِّ الْمُؤْمِنِينَ ضُرًّا فِي الدُّنْيَا فَيُقَالُ : اغْمِسُوهُ غَمْسَةً فِي الْجَنَّةِ قَالَ : فَيَنْغَمِسُ غَمْسَةً فِي الْجَنَّةِ فَيُقَالُ : هَلْ رَأَيْتَ ضُرًّا قَطُّ ؟ فَيَقُولُ : لَا "(3)
وعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - : يُؤْتَى بِأَنْعَمِ أَهْلِ الدُّنْيَا ، مِنْ أَهْلِ النَّارِ ، يَوْمَ الْقِيَامَةِ ، فَيُصْبَغُ فِي النَّارِ صَبْغَةً ، ثُمَّ يُقَالُ لَهُ : يَا ابْنَ آدَمَ ، هَلْ رَأَيْتَ خَيْرًا قَطُّ ؟ هَلْ مَرَّ بِكَ نَعِيمٌ قَطُّ ؟ فَيَقُولُ : لاَ ، وَاللهِ ، يَا رَبِّ ، وَيُؤْتَى بِأَشَدِّ النَّاسِ فِي الدُّنْيَا ، مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ ، فَيُصْبَغُ فِي الْجَنَّةِ صَبْغَةً ، فَيُقَالُ لَهُ : يَا ابْنَ آدَمَ ، هَلْ رَأَيْتَ بُؤْسًا قَطُّ ؟ هَلْ مَرَّ بِكَ شِدَّةٌ قَطُّ ؟ فَيَقُولُ : لاَ ، وَاللهِ ، يَا رَبِّ ، مَا مَرَّ بِي بُؤُسٌ قَطُّ ، وَلاَ رَأَيْتُ شِدَّةً قَطُّ..(4)
__________
(1) - مصنف ابن أبي شيبة (ج 13 / ص 232)(35490) صحيح مرسل
(2) - صِفَةُ الْجَنَّةِ لِأَبِي نُعَيْمٍ الْأَصْبهَانِيِّ (31 ) حسن
(3) - صِفَةُ الْجَنَّةِ لِأَبِي نُعَيْمٍ الْأَصْبهَانِيِّ (32 ) حسن
(4) - صحيح مسلم (7266)(1/23)
وعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - : يُؤْتَى بِأَشَدِّ النَّاسِ كَانَ بَلاَءً فِي الدُّنْيَا ، مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ ، فَيَقُولُ : اصْبُغُوهُ صَبْغَةً فِي الْجَنَّةِ ، فَيُصْبَغُ فِيهَا صَبْغَةً ، فَيَقُولُ اللهُ ، عَزَّ وَجَلَّ : يَا ابْنَ آدَمَ ، هَلْ رَأَيْتَ بُؤْسًا قَطُّ ؟ أَوْ شَيْئًا تَكْرَهُهُ ؟ فَيَقُولُ : لاَ وَعِزَّتِكَ ، مَا رَأَيْتُ شَيْئًا أَكْرَهُهُ قَطُّ ، ثُمَّ يُؤْتَى بِأَنْعَمِ النَّاسِ كَانَ فِي الدُّنْيَا ، مِنْ أَهْلِ النَّارِ ، فَيَقُولُ : اصْبُغُوهُ فِيهَا صَبْغَةً ، فَيَقُولُ : يَا ابْنَ آدَمَ ، هَلْ رَأَيْتَ خَيْرًا قَطُّ ؟ قُرَّةَ عَيْنٍ قَطُّ ؟ فَيَقُولُ : لاَ وَعِزَّتِكَ ، مَا رَأَيْتُ خَيْرًا قَطُّ ، وَلاَ قُرَّةَ عَيْنٍ قَطُّ.(1)
وعَنْ عَبْدِ اللهِ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - : الْجَنَّةُ أَقْرَبُ إِلَى أَحَدِكُمْ مِنْ شِرَاكِ نَعْلِهِ ، وَالنَّارُ مِثْلُ ذَلِكَ.(2).الشراك : أحد السيور من الجلد والتي تمسك بالنعل على ظهر القدم
__________
(1) - مسند أحمد(14010) صحيح
(2) - صحيح البخارى(6488)(1/24)
وعَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِي الْهُذَيْلِ ؛ أَنَّ مُوسَى ، أَوْ غَيْرَهُ مِنَ الأَنْبِيَاءِ ، قَالَ : يَا رَبِ ، كَيْفَ يَكُونُ هَذَا مِنْك ؟ أَوْلِيَاؤُك فِي الأَرْضِ خَائِفُونَ يُقْتَلُونَ ، وَيُطْلبُونَ وَيُقَّطَّعُون ، وَأَعْدَاؤُك يَأْكُلُونَ مَا شَاؤُوا ، وَيَشْرَبُونَ مَا شَاؤُوا ، وَنَحْوَ هَذَا ، فَقَالَ : انْطَلِقُوا بِعَبْدِي إِلَى الْجَنَّةِ ، فَيَنْظُرُ مَا لَمْ يَرَ مِثْلَهُ قَطُّ ، إِلَى أَكْوَابٍ مَوْضُوعَةٍ ، وَنَمَارِقَ مَصْفُوفَةٍ وَزَرَابِيِّ مَبْثُوثَةٍ ، وَإِلَى الْحُورِ الْعِينِ ، وَإِلَى الثِّمَارِ ، وَإِلَى الْخَدَمِ كَأَنَّهُمْ لُؤْلُؤٌ مَكْنُونٌ ، فَقَالَ : مَا ضَرَّ أَوْلِيَائِي مَا أَصَابَهُمْ فِي الدُّنْيَا إِذَا كَانَ مَصِيرُهُمْ إِلَى هَذَا ؟ ثُمَّ قَالَ : انْطَلِقُوا بِعَبْدِي ، فَانْطَلِقْ بِهِ إِلَى النَّارِ ، فَيَخْرُجُ مِنْهَا عُنُقٌ فَصُعِقَ الْعَبْدُ ، ثُمَّ أَفَاقَ ، فَقَالَ : مَا نَفَعَ أَعْدَائِي مَا أَعْطَيْتُهُمْ فِي الدُّنْيَا إِذَا كَانَ مَصِيرُهُمْ إِلَى هَذَا ؟ قَالَ : لاَ شَيْءَ.(1)
__________
(1) - مصنف ابن أبي شيبة (ج 13 / ص 115)(35142) حسن مقطوع(1/25)
وعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ : " إِنَّ مُوسَى قَالَ : أَيْ رَبِّ ، إِنَّ عَبْدَكَ الْمُؤْمِنَ تَقْتُرُ عَلَيْهِ فِي الدُّنْيَا ، قَالَ : فَيُفْتَحُ لَهُ بَابٌ إِلَى الْجَنَّةِ فَيَنْظُرُ إِلَيْهَا فَيَقُولُ : يَا مُوسَى ، هَذَا مَا أَعْدَدْتُ لَهُ . فَيَقُولُ مُوسَى : وَعِزَّتِكَ وَجَلَالِكَ ، لَوْ كَانَ أَقْطَعَ الْيَدَيْنِ وَالرِّجْلَيْنِ يُسْحَبُ عَلَى وَجْهِهِ مُنْذُ يَوْمِ خَلَقْتَهُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ ، وَكَانَ هَذَا مَصِيرَهُ لَمْ يَرَ بُؤْسًا قَطُّ " . قَالَ : " ثُمَّ قَالَ مُوسَى : أَيْ رَبِّ ، عَبْدُكَ الْكَافِرُ تُوَسِّعُ عَلَيْهِ فِي الدُّنْيَا ، قَالَ : فَيُفْتَحُ لَهُ بَابٌ مِنَ النَّارِ فَيَقُولُ : يَا مُوسَى ، هَذَا مَا أَعْدَدْتُ لَهُ . فَقَالَ مُوسَى : أَيْ وَعِزَّتِكَ وَجَلَالِكَ ، لَوْ كَانَتْ لَهُ الدُّنْيَا مُنْذُ يَوْمَ خَلَقْتَهُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَكَانَ هَذَا مَصِيرَهُ ، لَمْ يَرَ خَيْرًا قَطُّ "(1).قط : بمعنى أبدا ، وفيما مضى من الزمان
وعَنْ أَنَسٍ أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - ، قَالَ : حُفَّتِ الْجَنَّةُ بِالْمَكَارِهِ ، وَحُفَّتِ النَّارُ بِالشَّهَوَاتِ..(2)
__________
(1) - مسند أحمد(12086) حسن
(2) - صحيح مسلم(7308 )(1/26)
وعَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ « لَمَّا خَلَقَ اللَّهُ الْجَنَّةَ وَالنَّارَ أَرْسَلَ جِبْرِيلَ إِلَى الْجَنَّةِ فَقَالَ انْظُرْ إِلَيْهَا وَإِلَى مَا أَعْدَدْتُ لأَهْلِهَا فِيهَا قَالَ فَجَاءَهَا وَنَظَرَ إِلَيْهَا وَإِلَى مَا أَعَدَّ اللَّهُ لأَهْلِهَا فِيهَا قَالَ فَرَجَعَ إِلَيْهِ قَالَ فَوَعِزَّتِكَ لاَ يَسْمَعُ بِهَا أَحَدٌ إِلاَّ دَخَلَهَا. فَأَمَرَ بِهَا فَحُفَّتْ بِالْمَكَارِهِ فَقَالَ ارْجِعْ إِلَيْهَا فَانْظُرْ إِلَى مَا أَعْدَدْتُ لأَهْلِهَا فِيهَا قَالَ فَرَجَعَ إِلَيْهَا فَإِذَا هِىَ قَدْ حُفَّتْ بِالْمَكَارِهِ فَرَجَعَ إِلَيْهِ فَقَالَ وَعِزَّتِكَ لَقَدْ خِفْتُ أَنْ لاَ يَدْخُلَهَا أَحَدٌ. قَالَ اذْهَبْ إِلَى النَّارِ فَانْظُرْ إِلَيْهَا وَإِلَى مَا أَعْدَدْتُ لأَهْلِهَا فِيهَا. فَإِذَا هِىَ يَرْكَبُ بَعْضُهَا بَعْضًا فَرَجَعَ إِلَيْهِ فَقَالَ وَعِزَّتِكَ لاَ يَسْمَعُ بِهَا أَحَدٌ فَيَدْخُلُهَا. فَأَمَرَ بِهَا فَحُفَّتْ بِالشَّهَوَاتِ فَقَالَ ارْجِعْ إِلَيْهَا. فَرَجَعَ إِلَيْهَا فَقَالَ وَعِزَّتِكَ لَقَدْ خَشِيتُ أَنْ لاَ يَنْجُوَ مِنْهَا أَحَدٌ إِلاَّ دَخَلَهَا ».(1)
وذلك من التمثيل الحسن , إذ جعل الجنة والنار محجوبتان بالمكاره والشهوات ,فمن هتك الحجاب وصل إلى المحجوب ,فهتك حجاب الجنة باقتحام بالمكاره-وهى العبادات الشاقة على النفس- وهتك حجاب النار بارتكاب الشهوات المحرمة
__________
(1) - سنن الترمذى(2758 ) قَالَ أَبُو عِيسَى هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ.(1/27)
وعَنْ شَدَّادِ بْنِ أَوْسٍ ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ : أَلَا إِنَّ الْخَيْرَ بِحَذَافِيرِهِ فِي الْجَنَّةِ ، أَلَا وَإِنَّ الشَّرَّ بِحَذَافِيرِهِ فِي النَّارِ ، أَلَا وَإِنَّ الْجَنَّةَ حَزْنَةٌ بِرَبْوَةٍ ، أَلَا وَإِنَّ النَّارَ سَهْلَةٌ بِشَهْوَةٍ فَمَتَى مَا يُكْشَفُ بِرَجُلٍ حِجَابُ شَهْوَةٍ وَهَوًى أَشْفَى عَلَى النَّارِ وَكَانَ مِنْ أَهْلِهَا ، وَمَتَى مَا يُكْشَفُ بِرَجُلٍ حِجَابُ صَبْرٍ وَكُرْهٍ أَشْفَى عَلَى الْجَنَّةِ ، وَكَانَ مِنْ أَهْلِهَا ، فَاعْمَلُوا بِالْحَقِّ تَنْزِلُوا بِالْحَقِّ مَنَازِلَ أَهْلِ الْجَنَّةِ يَوْمَ لَا يُقْضَى إِلَّا بِالْحَقِّ "(1)
وعَنْ شَدَّادِ بْنِ أَوْسٍ قَالَ : كَانَتْ خُطْبَةُ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - إِنَّ الدُّنْيَا عَرَضٌ حَاضِرٌ يَأْكُلُ مِنْهَا الْبَرُّ وَالْفَاجِرُ ، وَإِنَّ الآخِرَةَ وَعَدٌ صَادِقٌ يَقْضِى فِيهَا مَلِكٌ قَادِرٌ ، أَلاَ وَإِنَّ الْخَيْرَ كُلُّهُ بِحَذَافِيرِهِ فِى الْجَنَّةِ ، أَلاَ وَإِنَّ الشَّرَ كُلُّهُ بِحَذَافِيرِهِ فِى النَّارِ ، وَاعْمَلُوا وَأَنْتُمْ مِنَ اللَّهِ عَلَى حَذَرٍ ، وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ مَعْرُوضُونَ عَلَى أَعْمَالِكُمْ وَأَنَّكُمْ مُلاَقُو اللَّهِ رَبِّكُمْ لاَ بُدَّ مِنْهُ فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ (7) وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ (8) سورة الزلزلة ».(2)
أشفى : قارب
__________
(1) - صِفَةُ الْجَنَّةِ لِأَبِي نُعَيْمٍ الْأَصْبهَانِيِّ(42 ) حسن
(2) - السنن الكبرى للبيهقي(ج 3 / ص 216)(6018) حسن لغيره(1/28)
وعَنْ بُكَيْرُ بْنُ فَيْرُوزَ قَالَ : سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - : مَنْ خَافَ أَدْلَجَ وَمَنْ أَدْلَجَ بَلَغَ الْمَنْزِلَ أَلاَ إِنَّ سِلْعَةَ اللهِ غَالِيَةٌ أَلاَ إِنَّ سِلْعَةَ اللهِ الْجَنَّةُ "(1)
الإدلاج : السير في أول الليل والمراد التشمير والجد في الطاعة
وعَنِ الطُّفَيْلِ بْنِ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ ، عَنْ أَبِيهِ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : مَنْ خَافَ أَدْلَجَ ، وَمَنْ أَدْلَجَ فَقَدْ بَلَغَ الْمَنْزِلَ ، أَلا إِنَّ سِلْعَةَ اللَّهِ غَالِيَةٌ ، أَلا إِنَّ سِلْعَةَ اللَّهِ الْجَنَّةُ ، جَاءَتِ الرَّاجِفَةُ تَتْبَعُهَا الرَّادِفَةُ ، جَاءَ الْمَوْتُ بِمَا فِيهِ "(2)
__________
(1) - سنن الترمذى(2638 ) حسن
(2) - المستدرك للحاكم (7852) حسن(1/29)
وعَنْ عَاصِمِ بْنِ لَقِيطٍ ، أَنَّ لَقِيطًا خَرَجَ وَافِدًا إِلَى رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - ، وَمَعَهُ صَاحِبٌ لَهُ ، يُقَالُ لَهُ : نَهِيكُ بْنُ عَاصِمِ بْنِ مَالِكِ بْنِ الْمُنْتَفِقِ ، قَالَ لَقِيطٌ: فَخَرَجْتُ أَنَا وَصَاحِبِي ، حَتَّى قَدِمْنَا عَلَى رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - ، لاِنْسِلاَخِ رَجَبٍ ، فَأَتَيْنَا رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - ، فَوَافَيْنَاهُ حِينَ انْصَرَفَ مِنْ صَلاَةِ الْغَدَاةِ ، فَقَامَ فِي النَّاسِ خَطِيبًا ، فَقَالَ : أَيُّهَا النَّاسُ ، أَلاَ إِنِّي قَدْ خَبَّأْتُ لَكُمْ صَوْتِي مُنْذُ أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ ، أَلاَ لأُسْمِعَنَّكُمْ ، أَلاَ فَهَلْ مِنِ امْرِئٍ بَعَثَهُ قَوْمُهُ ؟ فَقَالُوا : اعْلَمْ لَنَا مَا يَقُولُ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - ، أَلاَ ثُمَّ لَعَلَّهُ أَنْ يُلْهِيَهُ حَدِيثُ نَفْسِهِ ، أَوْ حَدِيثُ صَاحِبِهِ ، أَوْ يُلْهِيَهُ الضَّلاَلُ ، أَلاَ إِنِّي مَسْؤُولٌ ، هَلْ بَلَّغْتُ ؟ أَلاَ اسْمَعُوا تَعِيشُوا ، أَلاَ اجْلِسُوا ، أَلاَ اجْلِسُوا ، قَالَ : فَجَلَسَ النَّاسُ ، وَقُمْتُ أَنَا وَصَاحِبِي ، حَتَّى إِذَا فَرَغَ لَنَا فُؤَادُهُ وَبَصَرُهُ ، قُلْتُ : يَا رَسُولَ اللهِ ، مَا عِنْدَكَ مِنْ عِلْمِ الْغَيْبِ ؟ فَضَحِكَ لَعَمْرُ اللهِ ، وَهَزَّ رَأْسَهُ ، وَعَلِمَ أَنِّي أَبْتَغِي لِسَقَطِهِ ، فَقَالَ : ضَنَّ رَبُّكَ ، عَزَّ وَجَلَّ ، بِمَفَاتِيحِ خَمْسٍ مِنَ الْغَيْبِ لاَ يَعْلَمُهَا إِلاَّ اللهُ ، وَأَشَارَ بِيَدِهِ ، قُلْتُ : وَمَا هِيَ ؟ قَالَ : عِلْمُ الْمَنِيَّةِ ، قَدْ عَلِمَ مَتَى مَنِيَّةُ أَحَدِكُمْ وَلاَ تَعْلَمُونَهُ ، وَعِلْمُ الْمَنِيِّ حِينَ يَكُونُ فِي الرَّحِمِ ، قَدْ عَلِمَهُ وَلاَ تَعْلَمُونَهُ ، وَعِلْمُ مَا فِي غَدٍ ، وَمَا أَنْتَ طَاعِمٌ غَدًا وَلاَ تَعْلَمُهُ ، وَعِلْمُ يَوْمِ(1/30)
الْغَيْثِ يُشْرِفُ عَلَيْكُمْ آزِلِينَ آزِلِينَ مُشْفِقِينَ ، فَيَظَلُّ يَضْحَكُ ، قَدْ عَلِمَ أَنَّ غِيَرَكُمْ إِلَى قُرْبٍ ، قَالَ لَقِيطٌ : قُلْتُ : لَنْ نَعْدَمَ مِنْ رَبٍّ يَضْحَكُ خَيْرًا ، وَعِلْمُ يَوْمِ السَّاعَةِ ، قُلْتُ : يَا رَسُولَ اللهِ ، عَلِّمْنَا مِمَّا تُعَلِّمُ النَّاسَ وَمَا تَعْلَمُ ، فَإِنَّا مِنْ قَبِيلٍ لاَ يُصَدِّقُ تَصْدِيقَنَا أَحَدٌ ، مِنْ مَذْحِجٍ الَّتِى تَرْبُو عَلَيْنَا ، وَخَثْعَمٍ الَّتِي تُوَالِينَا ، وَعَشِيرَتِنَا الَّتِي نَحْنُ مَنْهَا ، قَالَ : تَلْبَثُونَ مَا لَبِثْتُمْ ، ثُمَّ يُتَوَفَّى نَبِيُّكُمْ - صلى الله عليه وسلم - ، ثُمَّ تَلْبَثُونَ مَا لَبِثْتُمْ ، ثُمَّ تُبْعَثُ الصَّائِحَةُ ، لَعَمْرُ إِلَهِكَ مَا تَدَعُ عَلَى ظَهْرِهَا مِنْ شَيْءٍ إِلاَّ مَاتَ ، وَالْمَلاَئِكَةُ الَّذِينَ مَعَ رَبِّكَ ، عَزَّ وَجَلَّ ، فَأَصْبَحَ رَبُّكَ ، عَزَّ وَجَلَّ ، يُطِيفُ فِي الأَرْضِ ، وَخَلَتْ عَلَيْهِ الْبِلاَدُ ، فَأَرْسَلَ رَبُّكَ ، عَزَّ وَجَلَّ ، السَّمَاءَ بِهَضْبٍ مِنْ عِنْدِ الْعَرْشِ ، فَلَعَمْرُ إِلَهِكَ مَا تَدَعُ عَلَى ظَهْرِهَا مِنْ مَصْرَعِ قَتِيلٍ ، وَلاَ مَدْفَنِ مَيِّتٍ ، إِلاَّ شَقَّتِ الْقَبْرَ عَنْهُ ، حَتَّى تَجْعَلَهُ مِنْ عِنْدِ رَأْسِهِ ، فَيَسْتَوِي جَالِسًا ، فَيَقُولُ رَبُّكَ : مَهْيَمْ ، لِمَا كَانَ فِيهِ ، يَقُولُ : يَا رَبِّ ، أَمْسِ الْيَوْمَ ، وَلِعَهْدِهِ بِالْحَيَاةِ يَحْسَبُهُ حَدِيثًا بِأَهْلِهِ ، فَقُلْتُ : يَا رَسُولَ اللهِ ، كَيْفَ يَجْمَعُنَا بَعْدَ مَا تُمَزِّقُنَا الرِّيَاحُ وَالْبِلَى وَالسِّبَاعُ ؟ قَالَ : أُنَبِّئُكَ بِمِثْلِ ذَلِكَ فِي آلاَءِ اللهِ ، الأَرْضُ أَشْرَفْتَ عَلَيْهَا وَهِيَ مَدَرَةٌ بَالِيَةٌ ، فَقُلْتَ : لاَ تَحْيَا أَبَدًا ، ثُمَّ أَرْسَلَ رَبُّكَ ، عَزَّ وَجَلَّ ، عَلَيْهَا(1/31)
السَّمَاءَ ، فَلَمْ تَلْبَثْ عَلَيْكَ إِلاَّ أَيَّامًا ، حَتَّى أَشْرَفْتَ عَلَيْهَا وَهِيَ شَرْبَةٌ وَاحِدَةٌ ، وَلَعَمْرُ إِلَهِكَ لَهُوَ أَقْدَرُ عَلَى أَنْ يَجْمَعَهُمْ مِنَ الْمَاءِ عَلَى أَنْ يَجْمَعَ نَبَاتَ الأَرْضِ ، فَيَخْرُجُونَ مِنَ الأَصْوَاءِ ، أَوْ مِنْ مَصَارِعِهِمْ ، فَتَنْظُرُونَ إِلَيْهِ وَيَنْظُرُ إِلَيْكُمْ ، قَالَ : قُلْتُ : يَا رَسُولَ اللهِ ، وَكَيْفَ وَنَحْنُ مِلْءُ الأَرْضِ وَهُوَ شَخْصٌ وَاحِدٌ ، نَنْظُرُ إِلَيْهِ وَيَنْظُرُ إِلَيْنَا ؟ قَالَ : أُنَبِّئُكَ بِمِثْلِ ذَلِكَ فِي آلاَءِ اللهِ ، عَزَّ وَجَلَّ ، الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ آيَةٌ مِنْهُ صَغِيرَةٌ ، تَرَوْنَهُمَا وَيَرَيَانِكُمْ سَاعَةً وَاحِدَةً ، لاَ تُضَارُّونَ فِي رُؤْيَتِهِمَا ، وَلَعَمْرُ إِلَهِكَ لَهُوَ أَقْدَرُ عَلَى أَنْ يَرَاكُمْ وَتَرَوْنَهُ مِنْ أَنْ تَرَوْنَهُمَا وَيَرَيَانِكُمْ ، لاَ تُضَارُّونَ فِي رُؤْيَتِهِمَا ، قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ ، فَمَا يَفْعَلُ بِنَا رَبُّنَا ، عَزَّ وَجَلَّ ، إِذَا لَقِينَاهُ ؟ قَالَ : تُعْرَضُونَ عَلَيْهِ بَادِيَةٌ لَهُ صَفَحَاتُكُمْ ، لاَ يَخْفَى عَلَيْهِ مِنْكُمْ خَافِيَةٌ ، فَيَأْخُذُ رَبُّكَ ، عَزَّ وَجَلَّ ، بِيَدِهِ غَرْفَةً مِنَ الْمَاءِ ، فَيَنْضَحُ قَبِيلَكُمْ بِهَا ، فَلَعَمْرُ إِلَهِكَ مَا تُخْطِئُ وَجْهَ أَحَدِكُمْ مِنْهَا قَطْرَةٌ ، فَأَمَّا الْمُسْلِمُ فَتَدَعُ وَجْهَهُ مِثْلَ الرَّيْطَةِ الْبَيْضَاءِ ، وَأَمَّا الْكَافِرُ فَتَخْطُمُهُ بِمِثْلِ الْحَمِيمِ الأَسْوَدِ ، أَلاَ ثُمَّ يَنْصَرِفُ نَبِيُّكُمْ - صلى الله عليه وسلم - ، وَيَفْتَرِقُ عَلَى أَثَرِهِ الصَّالِحُونَ ، فَيَسْلُكُونَ جِسْرًا مِنَ النَّارِ ، فَيَطَأُ أَحَدُكُمُ الْجَمْرَ، فَيَقُولُ : حَسِّ ، يَقُولُ رَبُّكَ ، عَزَّ وَجَلَّ : وَإِنُّهُ ، أَلاَ فَتَطَّلِعُونَ عَلَى حَوْضِ(1/32)
الرَّسُولِ - صلى الله عليه وسلم - ، عَلَى أَظْمَإِ وَاللهِ نَاهِلَةٍ قَطُّ مَا رَأَيْتُهَا ، فَلَعَمْرُ إِلَهِكَ مَا يَبْسُطُ وَاحِدٌ مِنْكُمْ يَدَهُ إِلاَّ وَقَعَ عَلَيْهَا قَدَحٌ ، يُطَهِّرُهُ مِنَ الطَّوْفِ وَالْبَوْلِ وَالأَذَى ، وَتُحْبَسُ الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ ، وَلاَ تَرَوْنَ مِنْهُمَا وَاحِدًا ، قَالَ : قُلْتُ : يَا رَسُولَ اللهِ ، فَبِمَا نُبْصِرُ ؟ قَالَ : بِمِثْلِ بَصَرِكَ سَاعَتَكَ هَذِهِ ، وَذَلِكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ ، فِي يَوْمٍ أَشْرَقَتْهُ الأَرْضُ ، وَأَجَهَتْ بِهِ الْجِبَالَ ، قَالَ : قُلْتُ : يَا رَسُولَ اللهِ ، فَبِمَا نُجْزَى مِنْ سَيِّئَاتِنَا وَحَسَنَاتِنَا ؟ قَالَ : الْحَسَنَةُ بِعَشْرِ أَمْثَالِهَا ، وَالسَّيِّئَةُ بِمِثْلِهَا ، إِلاَّ أَنْ يَعْفُوَ ، قَالَ : قُلْتُ : يَا رَسُولَ اللهِ ، أَمَّا الْجَنَّةُ ، أَمَّا النَّارُ؟ قَالَ : لَعَمْرُ إِلَهِكَ إِنَّ لِلنَّارِ لَسَبْعَةَ أَبْوَابٍ ، مَا مِنْهُنَّ بَابَانِ إِلاَّ يَسِيرُ الرَّاكِبُ بَيْنَهُمَا سَبْعِينَ عَامًا ، وَإِنَّ لِلْجَنَّةِ لَثَمَانِيَةَ أَبْوَابٍ ، مَا مِنْهُنَّ بَابَانِ إِلاَّ يَسِيرُ الرَّاكِبُ بَيْنَهُمَا سَبْعِينَ عَامًا ، قُلْتُ : يَا رَسُولَ اللهِ ، فَعَلَى مَا نَطَّلِعُ مِنَ الْجَنَّةِ ؟ قَالَ : عَلَى أَنْهَارٍ مِنْ عَسَلٍ مُصَفًّى ، وَأَنْهَارٍ مِنْ كَأْسٍ ، مَا بِهَا مِنْ صُدَاعٍ وَلاَ نَدَامَةٍ ، وَأَنْهَارٍ مِنْ لَبَنٍ لَمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ ، وَمَاءٍ غَيْرِ آسِنٍ ، وَبِفَاكِهَةٍ ، لَعَمْرُ إِلَهِكَ مَا تَعْلَمُونَ ، وَخَيْرٌ مِنْ مِثْلِهِ مَعَهُ ، وَأَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ ، قُلْتُ : يَا رَسُولَ اللهِ ، أَوَ لَنَا فِيهَا أَزْوَاجٌ ، أَوْ مِنْهُنَّ مُصْلِحَاتٌ ؟ قَالَ : الصَّالِحَاتُ لِلصَّالِحِينَ ، تَلَذُّونَهُنَّ مِثْلَ لَذَّاتِكُمْ فِي الدُّنْيَا ، وَيَلْذَذْنَ(1/33)
بِكُمْ ، غَيْرَ أَنْ لاَ تَوَالُدَ ، قَالَ لَقِيطٌ : فَقُلْتُ : أَقُضِىَ مَا نَحْنُ بَالِغُونَ وَمُنْتَهُونَ إِلَيْهِ ؟ فَلَمْ يُجِبْهُ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - ، قُلْتُ : يَا رَسُولَ اللهِ ، عَلَى مَا أُبَايِعُكَ ؟ قَالَ : فَبَسَطَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - يَدَهُ ، وَقَالَ : عَلَى إِقَامِ الصَّلاَةِ ، وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ ، وَزِيَالِ الْمُشْرِكِ ، وَأَنْ لاَ تُشْرِكَ بِاللهِ إِلَهًا غَيْرَهُ ، قُلْتُ : وَأَنَّ لَنَا مَا بَيْنَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ ؟ فَقَبَضَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - يَدَهُ ، وَبَسَطَ أَصَابِعَهُ ، وَظَنَّ أَنِّي مُشْتَرِطٌ شَيْئًا لاَ يُعْطِينِيهِ ، قَالَ : قُلْتُ : نَحِلُّ مِنْهَا حَيْثُ شِئْنَا ، وَلاَ يَجْنِي امْرُؤٌ إِلاَّ عَلَى نَفْسِهِ ؟ فَبَسَطَ يَدَهُ، وَقَالَ : ذَلِكَ لَكَ ، تَحِلُّ حَيْثُ شِئْتَ ، وَلاَ يَجْنِي عَلَيْكَ إِلاَّ نَفْسُكَ ، قَالَ : فَانْصَرَفْنَا عَنْهُ ، ثُمَّ قَالَ : هَا إِنَّ ذَيْنِ ، هَا إِنَّ ذَيْنِ ، لَعَمْرُ إِلَهِكَ مِنْ أَتْقَى النَّاسِ فِي الأُولَى وَالآخِرَةِ، فَقَالَ لَهُ كَعْبُ ابْنُ الْخُدَارِيَّةِ ، أَحَدُ بَنِي بَكْرِ بْنِ كِلاَبٍ ، مَنْ هُمْ يَا رَسُولَ اللهِ ؟ قَالَ : بَنُو الْمُنْتَفِقِ أَهْلُ ذَلِكَ ، قَالَ : فَانْصَرَفْنَا ، وَأَقْبَلْتُ عَلَيْهِ ، فَقُلْتُ : يَا رَسُولَ اللهِ ، هَلْ لأَحَدٍ مِمَّنْ مَضَى مِنْ خَيْرٍ فِي جَاهِلِيَّتِهِمْ ؟ قَالَ : قَالَ رَجُلٌ مِنْ عُرْضِ قُرَيْشٍ : وَاللهِ إِنَّ أَبَاكَ الْمُنْتَفِقَ لَفِي النَّارِ ، قَالَ : فَلَكَأَنَّهُ وَقَعَ حَرٌّ بَيْنَ جِلْدِي وَوَجْهِي وَلَحْمِي ، مِمَّا قَالَ لأَبِي عَلَى رُؤُوسِ النَّاسِ ، فَهَمَمْتُ أَنْ أَقُولَ : وَأَبُوكَ يَا رَسُولَ اللهِ ، ثُمَّ إِذَا الأُخْرَى أَجْمَلُ ، فَقُلْتُ : يَا رَسُولَ اللهِ ، وَأَهْلُكَ ؟(1/34)
قَالَ : وَأَهْلِي لَعَمْرُ اللهِ ، مَا أَتَيْتَ عَلَيْهِ مِنْ قَبْرِ عَامِرِيٍّ ، أَوْ قُرَشِيٍّ ، مِنْ مُشْرِكٍ ، فَقُلْ : أَرْسَلَنِي إِلَيْكَ مُحَمَّدٌ ، فَأُبَشِّرُكَ بِمَا يَسُوؤُكَ : تُجَرُّ عَلَى وَجْهِكَ وَبَطْنِكَ فِي النَّارِ ، قَالَ : قُلْتُ : يَا رَسُولَ اللهِ ، مَا فَعَلَ بِهِمْ ذَلِكَ ، وَقَدْ كَانُوا عَلَى عَمَلٍ لاَ يُحْسِنُونَ إِلاَّ إِيَّاهُ ، وَكَانُوا يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ مُصْلِحُونَ ؟ قَالَ : ذَلِكَ بِأَنَّ اللهَ ، عَزَّ وَجَلَّ ، بَعَثَ فِي آخِرِ كُلِّ سَبْعِ أُمَمٍ ، يَعْنِى نَبِيًّا ، فَمَنْ عَصَى نَبِيَّهُ كَانَ مِنَ الضَّالِّينَ ، وَمَنْ أَطَاعَ نَبِيَّهُ كَانَ مِنَ الْمُهْتَدِينَ.(1)
ـــــــــــــــ
المبحث الثالث
أسماءُ الجنَّة
لبيان شرف الجنة فإنه قد ذُكِر لها عدة أسماء في القرآن الكريم باعتبار صفاتها
وإن كان مسماها واحداً باعتبار الذات,فالاسم العام المتناول لتلك الدار وما فيها من النعيم هو( الجنة), قال تعالى : ( تِلْكَ الجَنَّةُ الَتِي نُورِثُ مِنْ عِبَادِنَا مَن كَانَ تَقِياًّ){مريم:63 }
وقال تعالى : (وَنُودُوا أَن تِلْكُمُ الجَنَّةُ أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ){الأعراف 43 }.
__________
(1) - المسند الجامع - (ج 15 / ص 15)(11297) ومسند أحمد (16635) حسن
الحميم : الماء الحار - تخطم : تسم -الريطة : الملاءة تكون من قطعة واحدة -الزيال : الفراق -الأصواء : القبور وأصلها من الصوى الأعلام فشبه القبور بها -تضارون : لا تتخالفون ولا تتجادلون فى صحة النظر -تضارون : لا تتخالفون ولا تتجادلون فى صحة النظر -القبيل : الجماعة من الناس من قوم شتى أو من نحو واحد وربما كانوا من أب واحد -المدرة : الطين اليابس -مهيم : ما شأنك وما خبرك ؟ -الناهلة : التى شربت حتى رويت -تهضب : تمطر(1/35)
*ومن أسمائها(دار السلام) لقوله تعالى : (لَهُمْ دَارُ السَّلامِ عِندَ رَبِّهِمْ وَهُوَ وَلِيُّهُم بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) {الأنعام127}.
*ومنها(دار المقامة) ففي الآية الكريمة(الَّذِي أَحَلَّنَا دَارَ المُقَامَةِ مِن فَضْلِهِ لاَ يَمَسُّنَا فِيهَا نَصَبٌ وَلاَ يَمَسُّنَا فِيهَا لُغُوبٌ ) {فاطر35}.
*ومنها(جنة المأوى ) لقوله تعالى : (عِندَهَا جَنَّةُ المَأْوَى ) {النجم 15 }.
*ومنها(جنات عدن) قال تعالى :( جَنَّاتِ عَدْنٍ الَتِي وَعَدَ الرَّحْمَنُ عِبَادَهُ بِالْغَيْبِ )
{مريم61 } . وقال بعض العلماء:هذا الاسم لجميع الجنان إذ معنى عدن "إقامة "
*ومنها(دار الحيوان) إذ هي دار الحياة الدائمة التي لا موت فيها قال تعالى: (وَإِنَّ الدَّارَ الآخِرَةَ لَهِيَ الحَيَوَانُ) {العنكبوت 64}.
ومنها(الفردوس) قال تعالى : (أُوْلَئِكَ هُمُ الوَارِثُونَ* الَّذِينَ يَرِثُونَ الفِرْدَوْسَ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ ) {المؤمنون10-11}.
وفى صحيح البخارى قال النبي - صلى الله عليه وسلم - :" ِذَا سَأَلْتُمُ اللَّهَ فَاسْأَلُوهُ الْفِرْدَوْسَ ، فَإِنَّهُ أَوْسَطُ الْجَنَّةِ وَأَعْلَى الْجَنَّةِ ، أُرَاهُ فَوْقَهُ عَرْشُ الرَّحْمَنِ ، وَمِنْهُ تَفَجَّرُ أَنْهَارُ الْجَنَّةِ(1)" .
*ومنها(المقام الأمين) قال تعالى : ( إِنَّ المُتَّقِينَ فِي مَقَامٍ أَمِينٍ) {الدخان 51 }
*ومنها(مقعد صدق) قال تعالى: ( إِنَّ المُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ *فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِندَ مَلِيكٍ مُّقْتَدِرٍ) {القمر54-55}
*ومنها(جنات النعيم) وهو اسمٌ جامع لجميع الجنات وما تشتمل عليه من النعيم الظاهر والباطن, قال تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ جَنَّاتُ النَّعِيمِ) { لقمان 8 }.
__________
(1) - صحيح البخارى (2790 )(1/36)
أَمَّا المُؤْمِنُونَ الأَبْرارُ الصَّالِحُونَ فإِنَّ الله تَعَالى سَيَجْزِيهِمْ بإِدْخَالِهِمْ ، يَوْمَ القِيَامَةِ ، فِي جَنَّاتٍ يَنْعَمُونَ فِيها .
ـــــــــــــــ
المبحث الرابع
أول من يدخلون الجنة وصفاتهم
إن أول البشر دخولاً إلى الجنة على الإطلاق هو رسولنا محمد - صلى الله عليه وسلم - ، وأول الأمم دخولا إلى الجنة هم أمته، وأول من يدخل الجنة من هذه الأمة هو أبو بكر الصديق رضي الله عنه . وقد وردت الأحاديث في ذلك:
فعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - : أَنَا أَكْثَرُ الأَنْبِيَاءِ تَبَعًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ ، وَأَنَا أَوَّلُ مَنْ يَقْرَعُ بَابَ الْجَنَّةِ.(1)
وعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - « آتِى بَابَ الْجَنَّةِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَأَسْتَفْتِحُ فَيَقُولُ الْخَازِنُ مَنْ أَنْتَ فَأَقُولُ مُحَمَّدٌ. فَيَقُولُ بِكَ أُمِرْتُ لاَ أَفْتَحُ لأَحَدٍ قَبْلَكَ ».(2)
وعن عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ هُرْمُزَ الأَعْرَجَ مَوْلَى رَبِيعَةَ بْنِ الْحَارِثِ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ - رضى الله عنه - أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ : « نَحْنُ الآخِرُونَ السَّابِقُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ، بَيْدَ أَنَّهُمْ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِنَا ، ثُمَّ هَذَا يَوْمُهُمُ الَّذِى فُرِضَ عَلَيْهِمْ فَاخْتَلَفُوا فِيهِ ، فَهَدَانَا اللَّهُ ، فَالنَّاسُ لَنَا فِيهِ تَبَعٌ ، الْيَهُودُ غَدًا وَالنَّصَارَى بَعْدَ غَدٍ »(3).
__________
(1) - صحيح مسلم (505 )
(2) - صحيح مسلم(507)
(3) - صحيح البخارى(876 ) ومسلم (2015 )(1/37)
وعَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - « نَحْنُ الآخِرُونَ الأَوَّلُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَنَحْنُ أَوَّلُ مَنْ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ بَيْدَ أَنَّهُمْ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِنَا وَأُوتِينَاهُ مِنْ بَعْدِهِمْ فَاخْتَلَفُوا فَهَدَانَا اللَّهُ لِمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ مِنَ الْحَقِّ فَهَذَا يَوْمُهُمُ الَّذِى اخْتَلَفُوا فِيهِ هَدَانَا اللَّهُ لَهُ - قَالَ يَوْمُ الْجُمُعَةِ - فَالْيَوْمُ لَنَا وَغَدًا لِلْيَهُودِ وَبَعْدَ غَدٍ لِلنَّصَارَى ».(1)
فهذه الأمة المحمدية أسبق الأمم خروجاً من الأرض, وأسبقهم إلى أعلى مكان في الموقف, وأسبقهم إلى ظلّ العرش , وأسبقهم إلى الفصل والقضاء بينهم, وأسبقهم إلى جواز الصراط , وأسبقهم إلى دخول الجنة.
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - : أَتَانِى جِبْرِيلُ فَأَخَذَ بِيَدِى فَأَرَانِى بَابَ الْجَنَّةِ الَّذِى تَدْخُلُ مِنْهُ أُمَّتِى . فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ يَا رَسُولَ اللهِ وَدِدْتُ أَنِّى كُنْتُ مَعَكَ حَتَّى أَنْظُرَ إِلَيْهِ . فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - أَمَا إِنَّكَ يَا أَبَا بَكْرٍ أَوَّلُ مَنْ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ مِنْ أُمَّتِى.(2)
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : أَخَذَ جِبْرِيلُ بِيَدِي فَأَرَانِي بَابَ الْجَنَّةِ الَّذِي تَدْخُلُ مِنْهُ أُمَّتِي ، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، وَدِدْتُ أَنِّي كُنْتُ مَعَكَ حَتَّى أَرَاهُ ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : أَمَا إِنَّكَ أَوَّلُ مَنْ يَدْخُلُهُ مِنْ أُمَّتِي "(3)
__________
(1) - صحيح مسلم(2017 )
(2) - سنن أبى داود(4654 ) حسن
(3) - المستدرك للحاكم (4444) صحيح(1/38)
وعَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو ، عَنْ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - ، أَنَّهُ قَالَ : هَلْ تَدْرُونَ مَنْ أَوَّلُ مَنْ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ مِنْ خَلَقِ اللهِ ؟ قَالُوا : اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ ، قَالَ : أَوَّلُ مَنْ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ مِنْ خَلَقِ اللهِ الْفُقَرَاءُ الْمُهَاجِرُونَ الَّذِينَ يُسَدُّ بِهِمُ الثُّغُورُ ، وَتُتَّقَى بِهِمُ الْمَكَارِهُ ، وَيَمُوتُ أَحَدُهُمْ ، وَحَاجَتُهُ فِي صَدْرِهِ لاَ يَسْتَطِيعُ لَهَا قَضَاءً ، فَيَقُولُ اللَّهُ لِمَنْ يَشَاءُ مِنْ مَلاَئِكَتِهِ : إِيتُوهُمْ فَحَيُّوهُمْ ، فَيَقُولُ الْمَلاَئِكَةُ : رَبَّنَا نَحْنُ سُكَّانُ سَمَاوَاتِكَ ، وَخِيرَتُكَ مِنْ خَلْقِكَ أَفَتَأْمُرُنَا أَنْ نَأْتِيَ هَؤُلاَءِ ، فَنُسَلِّمَ عَلَيْهِمْ ، قَالَ : إِنَّهُمْ كَانُوا عِبَادًا يَعْبُدُونِي لاَ يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا ، وَتُسَدُّ بِهِمُ الثُّغُورُ ، وَتُتَّقَى بِهِمُ الْمَكَارِهُ ، وَيَمُوتُ أَحَدُهُمْ ، وَحَاجَتُهُ فِي صَدْرِهِ لاَ يَسْتَطِيعُ لَهَا قَضَاءً ، قَالَ : فَتَأْتِيهِمُ الْمَلاَئِكَةُ عِنْدَ ذَلِكَ ، فَيَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بَابٍ : {سَلاَمٌ عَلَيْكُمْ بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ} [الرعد].(1)
__________
(1) - صحيح ابن حبان - (ج 16 / ص 438)(7421) صحيح(1/39)
وقد ذكر النبي - صلى الله عليه وسلم - صفات أول من يدخلون الجنة ، فعَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ - رضى الله عنه - قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - « أَوَّلُ زُمْرَةٍ تَلِجُ الْجَنَّةَ صُورَتُهُمْ عَلَى صُورَةِ الْقَمَرِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ ، لاَ يَبْصُقُونَ فِيهَا وَلاَ يَمْتَخِطُونَ وَلاَ يَتَغَوَّطُونَ ، آنِيَتُهُمْ فِيهَا الذَّهَبُ ، أَمْشَاطُهُمْ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ ، وَمَجَامِرُهُمُ الأَلُوَّةُ ، وَرَشْحُهُمُ الْمِسْكُ ، وَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ زَوْجَتَانِ ، يُرَى مُخُّ سُوقِهِمَا مِنْ وَرَاءِ اللَّحْمِ ، مِنَ الْحُسْنِ ، لاَ اخْتِلاَفَ بَيْنَهُمْ وَلاَ تَبَاغُضَ ، قُلُوبُهُمْ قَلْبٌ وَاحِدٌ ، يُسَبِّحُونَ اللَّهَ بُكْرَةً وَعَشِيًّا »(1).
قَوْلُهُ : ( يُسَبِّحُونَ اللَّه بُكْرَة وَعَشِيًّا ) أَيْ قَدْرهمَا ، قَالَ الْقُرْطُبِيّ : هَذَا التَّسْبِيح لَيْسَ عَنْ تَكْلِيف وَإِلْزَام ، وَقَدْ فَسَّرَهُ جَابِر فِي حَدِيثه عِنْد مُسْلِم بِقَوْلِهِ : " يُلْهَمُونَ التَّسْبِيح وَالتَّكْبِير كَمَا يُلْهَمُون النَّفَس " وَوَجْه التَّشْبِيه أَنَّ تَنَفُّس الْإِنْسَان لَا كُلْفَة عَلَيْهِ فِيهِ وَلَا بُدّ لَهُ مِنْهُ ، فَجَعَلَ تَنَفُّسهمْ تَسْبِيحًا ، وَسَبَبه أَنَّ قُلُوبهمْ تَنَوَّرَتْ بِمَعْرِفَةِ الرَّبّ سُبْحَانه وَامْتَلَأَتْ بِحُبِّهِ ، وَمَنْ أَحَبَّ شَيْئًا أَكْثَرَ مِنْ ذِكْره(2).
__________
(1) - صحيح البخارى(3245) ومسلم (7330)
(2) - فتح الباري لابن حجر - (ج 10 / ص 30)(1/40)
وعَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ - رضى الله عنه - قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - « إِنَّ أَوَّلَ زُمْرَةٍ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ عَلَى صُورَةِ الْقَمَرِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ ، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ عَلَى أَشَدِّ كَوْكَبٍ دُرِّىٍّ فِى السَّمَاءِ إِضَاءَةً ، لاَ يَبُولُونَ وَلاَ يَتَغَوَّطُونَ وَلاَ يَتْفِلُونَ وَلاَ يَمْتَخِطُونَ ، أَمْشَاطُهُمُ الذَّهَبُ ، وَرَشْحُهُمُ الْمِسْكُ ، وَمَجَامِرُهُمُ الأَلُوَّةُ الأَنْجُوجُ عُودُ الطِّيبِ ، وَأَزْوَاجُهُمُ الْحُورُ الْعِينُ ، عَلَى خَلْقِ رَجُلٍ وَاحِدٍ عَلَى صُورَةِ أَبِيهِمْ آدَمَ ، سِتُّونَ ذِرَاعًا فِى السَّمَاءِ »(1).
الألوة : العود الذى يتبخر به -المجامر : جمع مجمر وهو الذي يوضع فيه النار للبخور -الأنجوج : لغة فى العود الذي يتبخر به
وعَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - « أَوَّلُ زُمْرَةٍ تَدْخُلُ الْجَنَّةَ مِنْ أُمَّتِى عَلَى صُورَةِ الْقَمَرِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ عَلَى أَشَدِّ نَجْمٍ فِى السَّمَاءِ إِضَاءَةً ثُمَّ هُمْ بَعْدَ ذَلِكَ مَنَازِلُ لاَ يَتَغَوَّطُونَ وَلاَ يَبُولُونَ وَلاَ يَمْتَخِطُونَ وَلاَ يَبْزُقُونَ أَمْشَاطُهُمُ الذَّهَبُ وَمَجَامِرُهُمُ الأَلُوَّةُ وَرَشْحُهُمُ الْمِسْكُ أَخْلاَقُهُمْ عَلَى خُلُقِ رَجُلٍ وَاحِدٍ عَلَى طُولِ أَبِيهِمْ آدَمَ سِتُّونَ ذِرَاعًا »(2). الألوة :
ومعنى( رشحهم المسك) أي:عرقهم كالمسك في طيب رائحته,و(المجامر): جمع[مِجْمَر] و[مُجْمَر],والأول: هو الذي يوضع فيه النار للبخور, والثاني : هوالذي يُتبخر به وأُعدّ له الجمر.
__________
(1) - صحيح البخارى(3327) وصحيح مسلم(7328 )
(2) - :صحيح مسلم(7329)(1/41)
ومعنى(الألوة):العود الهندي الذي يُتبخر به, وقال الحافظ ابن حجر في الفتح: الألنجوج هو العود الذي يُتبخر به, ولفظ (الألنجوج) هنا تفسير ( الألوة), و(العود) تفسير التفسير وقوله(ستون ذراعًا في السماء)أي: في العلو والارتفاع"(1)
وَقَدْ يُقَال إِنَّ رَائِحَة الْعُود إِنَّمَا تَفُوح بِوَضْعِهِ فِي النَّار وَالْجَنَّة لَا نَار فِيهَا وَمِنْ ثَمَّ قَالَ الْإِسْمَاعِيلِيّ بَعْد تَخْرِيج الْحَدِيث الْمَذْكُور : يُنْظَر هَلْ فِي الْجَنَّة نَار ؟ وَيُجَاب بِاحْتِمَالِ أَنْ يَشْتَعِل بِغَيْرِ نَار بَلْ بِقَوْلِهِ : كُنْ ، وَإِنَّمَا سُمِّيَتْ مِجْمَرَة بِاعْتِبَارِ مَا كَانَ فِي الْأَصْل ، وَيُحْتَمَل أَنْ يَشْتَعِل بِنَارٍ لَا ضَرَر فِيهَا وَلَا إِحْرَاق ، أَوْ يَفُوح بِغَيْرِ اِشْتِعَال
وَقَالَ الْقُرْطُبِيّ : قَدْ يُقَال أَيّ حَاجَة لَهُمْ إِلَى الْمُشْط وَهُمْ مُرْد وَشُعُورهمْ لَا تَتَّسِخ ؟ وَأَيّ حَاجَة لَهُمْ إِلَى الْبَخُور وَرِيحهمْ أَطْيَب مِنْ الْمِسْك ؟
قَالَ : وَيُجَاب بِأَنَّ نَعِيم أَهْل الْجَنَّة مِنْ أَكْل وَشُرْب وَكِسْوَة وَطِيب وَلَيْسَ عَنْ أَلَم جُوع أَوْ ظَمَأ أَوْ عُرْي أَوْ نَتْن ، وَإِنَّمَا هِيَ لَذَّات مُتَتَالِيَة وَنِعَم مُتَوَالِيَة ، وَالْحِكْمَة فِي ذَلِكَ أَنَّهُمْ يُنَعَّمُونَ بِنَوْعِ مَا كَانُوا يَتَنَعَّمُونَ بِهِ فِي الدُّنْيَا .
وَقَالَ النَّوَوِيّ : مَذْهَب أَهْل السُّنَّة أَنَّ تَنَعُّم أَهْل الْجَنَّة عَلَى هَيْئَة تَنَعُّم أَهْل الدُّنْيَا إِلَّا مَا بَيْنهمَا مِنَ التَّفَاضُل فِي اللَّذَّة ، وَدَلَّ الْكِتَاب وَالسُّنَّة عَلَى أَنَّ نَعِيمهمْ لَا اِنْقِطَاع لَهُ(2).
__________
(1) - فتح الباري للحافظ ابن حجر(9/590)
(2) - فتح الباري لابن حجر - (ج 10 / ص 30)(1/42)
وأول ثلاثة يدخلون الجنة بعد أولئك فعَنْ أَبِى هُرَيْرَةَهُرَيْرَةَ يَقُولُ : قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - : عُرِضَ عَلَيَّ أَوَّلُ ثَلاَثَةٍ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ : الشَّهِيدُ ، وَعَبْدٌ مَمْلُوكٌ أَحْسَنَ عِبَادَةَ رَبِّهِ وَنَصَحَ لِسَيِّدِهِ ، وَعَفِيفٌ مُتَعَفِّفٌ ذُو عِيَالٍ.(1)
وعن أبي هُرَيْرَةَ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : عُرِضَ عَلَيَّ أَوَّلُ ثَلاثَةٍ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ ، وَأَوَّلُ ثَلاثَةٍ يَدْخُلُونَ النَّارَ ، فَأَمَّا أَوَّلُ ثَلاثَةٍ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ : فَالشَّهِيدُ ، وَعَبْدٌ مَمْلُوكٌ أَحْسَنَ عُبَادَةَ رَبِّهِ وَنَصَحَ لِسَيِّدِهِ ، وَعَفِيفٌ ، مُتَعَفِّفٌ ذُو عِيَالٍ ، وَأَمَّا أَوَّلُ ثَلاثَةٍ يَدْخُلُونَ النَّارَ : فَأَمِيرٌ مُسَلَّطٌ ، وَذُو ثَرْوَةٍ مِنْ مَالٍ لاَ يُؤَدِّي حَقَّ اللَّهِ فِي مَالِهِ ، وَفَقِيرٌ فَجُورٌ "(2)
ــــــــــــــ
__________
(1) - صحيح ابن حبان - (ج 10 / ص 151)(4312) حسن
(2) - المستدرك للحاكم(1429) حسن(1/43)
المبحث الخامس
آخر من يدخل الجنة من الموحدين
عَنْ الشَّعْبِيَّ ، قَالَ : سَمِعْتُ الْمُغِيرَةَ بْنَ شُعْبَةَ ، عَلَى الْمِنْبَرِ ، يَرْفَعُهُ إِلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: إِنَّ مُوسَى سَأَلَ رَبَّهُ ، عَزَّ وَجَلَّ ، فَقَالَ : أَيْ رَبِّ ، أَيُّ أَهْلِ الْجَنَّةِ أَدْنَى مَنْزِلَةً ؟ فَقَالَ : رَجُلٌ يَجِيءُ بَعْدَ مَا دَخَلَ أَهْلُ الْجَنَّةِ الْجَنَّةَ ، فَيُقَالُ لَهُ : ادْخُلْ ، وَقَدْ نَزَلُوا مَنَازِلَهُمْ، وَأَخَذُوا أَخَذَاتِهِمْ ، قَالَ : فَيُقَالُ لَهُ : أَتَرْضَى أَنْ يَكُونَ لَكَ مِثْلُ مَا كَانَ لِمَلِكٍ مِنْ مُلُوكِ الدُّنْيَا ؟ قَالَ : فَيَقُولُ : نَعَمْ ، أَيْ رَبِّ ، قَدْ رَضِيتُ ، قَالَ : فَيُقَالُ لَهُ : فَإِنَّ لَكَ هَذَا وَمِثْلَهُ وَمِثْلَهُ وَمِثْلَهُ وَمِثْلَهُ ، قَالَ : فَيَقُولُ : رَضِيتُ أَيْ رَبِّ ، قَالَ : فَقَالَ لَهُ : فَإِنَّ لَكَ هَذَا وَعَشْرَةَ أَمْثَالِهِ مَعَهُ ، فَيَقُولُ : رَضِيتُ أَيْ رَبِّ ، قَالَ : فَيُقَالُ لَهُ : فَإِنَّ لَكَ مَعَ هَذَا مَا اشْتَهَتْ نَفْسُكَ ، وَلَذَّتْ عَيْنُكَ ، فَقَالَ مُوسَى : أَيْ رَبِّ ، فَأَيُّ أَهْلِ الْجَنَّةِ أَرْفَعُ مَنْزِلَةً ؟ قَالَ: إِيَّاهَا أَرَدْتُ ، وَسَأُحَدِّثُكَ عَنْهُمْ ، إِنِّي غَرَسْتُ كَرَامَتَهُمْ بِيَدِي ، وَخَتَمْتُ عَلَيْهَا ، فَلاَ عَيْنٌ رَأَتْ ، وَلاَ أُذُنٌ سَمِعَتْ ، وَلاَ خَطَرَ عَلَى قَلْبِ بَشَرٍ ، قَالَ : وَمِصْدَاقُ ذَلِكَ فِي كِتَابِ اللهِ ، عَزَّ وَجَلَّ : {فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَّا أُخْفِيَ لَهُم مِّن قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاء بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} (17) سورة السجدة(1)
__________
(1) - صحيح مسلم(485)(1/44)
وعن الشَّعْبِيِّ ، قالَ : سَمِعْتُ الْمُغِيرَةَ بْنَ شُعْبَةَ عَلَى الْمِنْبَرِ ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - : أَنَّ مُوسَى ، قَالَ : رَبِّ ، أَيُّ أَهْلِ الْجَنَّةِ أَدْنَى مَنْزِلَةً ؟ فَقَالَ : رَجُلٌ يَجِيءُ بَعْدَمَا يَدْخُلُ أَهْلُ الْجَنَّةِ ، فَيُقَالُ : ادْخُلِ الْجَنَّةَ ، فَيَقُولُ : كَيْفَ أَدْخُلُ وَقَدْ نَزَلَ النَّاسُ مَنَازِلَهُمْ وَأَخَذُوا أَخَذَاتِهِمْ ، فَيُقَالُ لَهُ : تَرْضَى أَنْ يَكُونَ لَكَ مِنَ الْجَنَّةِ مِثْلَ مَا كَانَ لِمَلِكٍ مِنْ مُلُوكِ الدُّنْيَا ، قَالَ : فَيَقُولُ : نَعَمْ أَيْ رَبِّ ، فَيُقَالُ : لَكَ هَذَا وَمِثْلُهُ وَمِثْلُهُ وَمِثْلُهُ ، فَيَقُولُ : أَيْ رَبِّ رَضِيتُ ، فَيُقَالُ لَهُ : إِنَّ لَكَ هَذَا وَعَشَرَةَ أَمْثَالِهِ مَعَهُ ، فَيَقُولُ : أَيْ رَبِّ رَضِيتُ ، فَيُقَالُ لَهُ : لَكَ مَعَ هَذَا مَا اشْتَهَتْ نَفْسُكَ وَلَذَّتْ عَيْنُكَ(1).
__________
(1) - صحيح ابن حبان - (ج 16 / ص 446)(7426) صحيح(1/45)
وعَنْ أَبِى سَعِيدٍ الْخُدْرِىِّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ « إِنَّ أَدْنَى أَهْلِ الْجَنَّةِ مَنْزِلَةً رَجُلٌ صَرَفَ اللَّهُ وَجْهَهُ عَنِ النَّارِ قِبَلَ الْجَنَّةِ وَمَثَّلَ لَهُ شَجَرَةً ذَاتَ ظِلٍّ فَقَالَ أَىْ رَبِّ قَدِّمْنِى إِلَى هَذِهِ الشَّجَرَةِ أَكُونُ فِى ظِلِّهَا ». وَسَاقَ الْحَدِيثَ بِنَحْوِ حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ وَلَمْ يُذْكُرْ « فَيَقُولُ يَا ابْنَ آدَمَ مَا يَصْرِينِى مِنْكَ ». إِلَى آخِرِ الْحَدِيثِ وَزَادَ فِيهِ « وَيُذَكِّرُهُ اللَّهُ سَلْ كَذَا وَكَذَا فَإِذَا انْقَطَعَتْ بِهِ الأَمَانِىُّ قَالَ اللَّهُ هُوَ لَكَ وَعَشَرَةُ أَمْثَالِهِ - قَالَ - ثُمَّ يَدْخُلُ بَيْتَهُ فَتَدْخُلُ عَلَيْهِ زَوْجَتَاهُ مِنَ الْحُورِ الْعِينِ فَتَقُولاَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِى أَحْيَاكَ لَنَا وَأَحْيَانَا لَكَ - قَالَ - فَيَقُولُ مَا أُعْطِىَ أَحَدٌ مِثْلَ مَا أُعْطِيتُ ».(1)
__________
(1) - صحيح مسلم (482 )(1/46)
وعَنْ أَبِي سَعِيدٍ ، أَنّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ : إِنَّ أَدْنَى أَهْلِ الْجَنَّةِ مَنْزِلَةً رَجُلٌ صَرَفَ اللَّهُ وَجْهَهُ عَنِ النَّارِ قَبْلَ الْجَنَّةَ ، وَمَثَلَ لَهُ شَجَرَةً ذَاتَ ظِلٍّ ، فَقَالَ : أَيْ رَبِّ ، قَدِّمْنِي إِلَى هَذِهِ الشَّجَرَةِ أَكُونُ فِي ظِلِّهَا وَآكُلُ مِنْ ثَمَرِهَا ، قَالَ اللَّهُ لَهُ : فَهَلْ عَسَيْتَ إِنْ أُعْطِيكَ أَنْ تَسْأَلَنِي غَيْرَهُ ؟ فَيَقُولُ : لا وَعِزَّتِكَ ، فَيُقَدِّمُهُ اللَّهُ إِلَيْهَا ، فَتُمَثَّلُ لَهُ شَجَرَةٌ أُخْرَى ذَاتُ ظِلٍّ وَثَمَرَةٍ وَمَاءٍ ، فَيَقُولُ : أَيْ رَبِّ ، قَدِّمْنِي إِلَى هَذِهِ الشَّجَرَةِ أَكُونُ فِي ظِلِّهَا وَآكُلُ مِنْ ثَمَرِهَا وَأَشْرَبُ مِنْ مَائِهَا ، فَيَقُولُ لَهُ : هَلْ عَسَيْتَ إِنْ فَعَلْتُ أَنْ تَسْأَلَنِي غَيْرَهُ ؟ فَيَقُولُ : لا وَعِزَّتِكَ ، لا أَسْأَلُكَ غَيْرَهُ ، فَيَبْرُزُ لَهُ بَابُ الْجَنَّةِ ، فَيَقُولُ : أَيْ رَبِّ ، قَدِّمْنِي إِلَى بَابِ الْجَنَّةِ ، فَأَكُونُ تَحْتَ نِجَافِ الْجَنَّةِ ، فَأَنْظُرُ إِلَى أَهْلِهَا ، فَيُقَدِّمُهُ اللَّهُ إِلَيْهَا ، فَيَرَى أَهْلَ الْجَنَّةِ وَمَا فِيهَا فَيَقُولُ : أَيْ رَبِّ أَدْخِلْنِي الْجَنَّةَ ، فَيُدْخِلُهُ اللَّهُ الْجَنَّةَ ، فَإِذَا دَخَلَ الْجَنَّةَ ، قَالَ : هَذَا لِي ، فَيَقُولُ اللَّهُ لَهُ : تَمَنَّ ، فَيَتَمَنَّى وَيُذَكِّرُهُ اللَّهُ سَلْ مِنْ كَذَا سَلْ مِنْ كَذَا ، حَتَّى إِذَا انْقَطَعَتْ بِهِ الأَمَانِيُّ ، قَالَ اللَّهُ لَهُ : هُوَ لَكَ وَعَشَرَةُ أَمْثَالِهِ ، ثُمَّ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ تَبْدُرُ عَلَيْهِ زَوْجَتَاهُ مِنَ الْحُورِ الْعَيْنِ ، فَتَقُولانِ لَهُ : الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَحْيَاكَ لَنَا ، وَأَحْيَانَا لَكَ ، فَيَقُولُ : مَا أُعْطِيَ أَحَدٌ مِثْلَ مَا أُعْطِيتُ "(1)
__________
(1) - مسند أبي عوانة(316 ) صحيح(1/47)
وعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - ، قَالَ : إِنَّ أَدْنَى أَهْلِ الْجَنَّةِ مَنْزِلَةً ، رَجُلٌ صَرَفَ اللَّهُ وَجْهَهُ عَنِ النَّارِ قِبَلَ الْجَنَّةِ ، وَمُثِّلَ لَهُ شَجَرَةٌ ذَاتُ ظِلٍّ ، فَقَالَ : أَيْ رَبِ ، قَدِّمْنِي إِلَى هَذِهِ الشَّجَرَةِ أَكُونُ فِي ظِلِّهَا ، فَقَالَ اللَّهُ : هَلْ عَسَيْتَ إِنْ فَعَلْتُ أَنْ تَسْأَلَنِي غَيْرَهُ ، فَقَالَ : لاَ ، وَعِزَّتِكَ ، فَقَدَّمَهُ اللَّهُ إِلَيْهَا ، وَمُثِّلَ لَهُ شَجَرَةٌ أُخْرَى ذَاتُ ظِلٍّ وَثَمَرَةٍ ، فَقَالَ : أَيْ رَبِ ، قَدِّمْنِي إِلَى هَذِهِ الشَّجَرَةِ لأَكُونَ فِي ظِلِّهَا وَآكُلَ مِنْ ثُمَّرِهَا ، فَقَالَ اللَّهُ : هَلْ عَسَيْتَ إِنْ أُعْطِيتُك ذَلِكَ أَنْ تَسْأَلَنِي غَيْرَهُ ، فَقَالَ : لاَ ، وَعِزَّتِكَ ، فَيُقَدَّمَهُ اللَّهُ إِلَيْهَا ، فَتُمَثَّلُ لَهُ شَجَرَةٌ أُخْرَى ذَاتُ ظِلٍّ وَثَمَرٍ وَمَاءٍ ، فَيَقُولُ : أَيْ رَبِ ، قَدِّمْنِي إِلَى هَذِهِ الشَّجَرَةِ ، أَكُونُ فِي ظِلِّهَا ، وَآكُلُ مِنْ ثَمَرِهَا ، وَأَشْرَبُ مِنْ مَائِهَا ، فَيَقُولُ : هَلْ عَسَيْتَ إِنْ فَعَلْتُ أَنْ تَسْأَلَنِي غَيْرَهُ ، فَيَقُولُ : لاَ ، وَعِزَّتِكَ لاَ أَسْأَلُك غَيْرَهُ ، فَيُقَدِّمُهُ اللَّهُ إِلَيْهَا.(1/48)
قَالَ : فَيَبْرُزُ لَهُ بَابُ الْجَنَّةِ ، فَيَقُولُ : أَيْ رَبِ ، قَدِّمْنِي إِلَى بَابِ الْجَنَّةِ ، فَأَكُونُ تَحْتَ نِجَافِ الْجَنَّةِ وَأَنْظُرُ إِلَى أَهْلِهَا ، فَيُقَدِّمُهُ اللَّهُ إِلَيْهَا ، فَيَرَى أَهْلَ الْجَنَّةِ وَمَا فِيهَا ، فَيَقُولُ : أَيْ رَبِ ، أَدْخِلْنِي الْجَنَّةَ ، فَيُدْخِلُهُ اللَّهُ الْجَنَّةَ ، فَإِذَا دَخَلَ الْجَنَّةَ ، قَالَ : هَذَا لِي وَهَذَا لِي ، فَيَقُولُ اللَّهُ : تَمَنَّ ، فَيَتَمَنَّى ، وَيُذَكِّرُهُ اللَّهُ : سَلْ مِنْ كَذَا وَكَذَا ، حَتَّى إِذَا انْقَطَعَتْ بِهِ الأَمَانِي ، قَالَ اللَّهُ : هُوَ لَكَ وَعَشَرَةُ أَمْثَالِهِ ، قَالَ : ثُمَّ يَدْخُلُ بَيْتَهُ ، فَيَدْخُلُ عَلَيْهِ زَوْجَتَاهُ مِنَ الْحُورِ الْعِينِ ، فَتَقُولاَنِ لَهُ : الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي اخْتَارَك لَنَا ، وَاخْتَارَنَا لَكَ ، فَيَقُولُ : مَا أُعْطِيَ أَحَدٌ مِثْلَ مَا أُعْطِيتُ.(1)
__________
(1) - مصنف ابن أبي شيبة (ج 13 / ص 118)(35147) صحيح(1/49)
وعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ ، وَأَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنهما: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ : " آخِرُ رَجُلَيْنِ يَخْرُجَانِ مِنَ النَّارِ يَقُولُ اللَّهُ لِأَحَدِهِمَا : يَا ابْنَ آدَمَ ، مَا أَعْدَدْتَ لِهَذَا الْيَوْمِ ؟ هَلْ عَمِلْتَ خَيْرًا قَطُّ ؟ هَلْ رَجَوْتَنِي ؟ فَيَقُولُ : لَا يَا رَبِّ ، فَيُؤْمَرُ بِهِ إِلَى النَّارِ ، وَهُوَ أَشَدُّ حَسْرَةً . وَيَقُولُ لِلْآخَرِ : يَا ابْنَ آدَمَ ، مَا أَعْدَدْتَ لِهَذَا الْيَوْمِ ؟ هَلْ عَمِلْتَ خَيْرًا قَطُّ ؟ هَلْ رَجَوْتَنِي ؟ فَيَقُولُ : لَا يَا رَبِّ ، إِلَّا أَنِّي كُنْتُ أَرْجُوكَ " .(1/50)
قَالَ : " فَتُرْفَعُ لَهُ شَجَرَةٌ فَيَقُولُ : يَا رَبِّ ، أَقِرَّنِي تَحْتَ هَذِهِ الشَّجَرَةِ فَأَسْتَظِلَّ بِظِلِّهَا ، وَآكُلَ مِنْ ثِمَارِهَا ، وَأَشْرَبَ مِنْ مَائِهَا ، وَيُعَاهِدُهُ أَنْ لَا يَسْأَلَهُ غَيْرَهَا ، فَيُقِرُّهُ تَحْتَهَا ، ثُمَّ يَرْفَعُ لَهُ شَجَرَةً هِيَ أَحْسَنُ مِنَ الْأُولَى ، وَأَغْدَقُ مَاءً ، فَيَقُولُ : يَا رَبِّ ، أَقِرَّنِي تَحْتَهَا لَا أَسْأَلُكَ غَيْرَهَا فَأَسْتَظِلُّ بِظِلِّهَا [ وَآكُلُ مِنْ ثَمَرِهَا ] ، وَأَشْرَبُ مِنْ مَائِهَا ، فَيَقُولُ : يَا ابْنَ آدَمَ ، أَلَمْ تُعَاهِدْنِي أَنْ لَا تَسْأَلَنِي غَيْرَهَا ؟[ فَيَقُولُ : أَيْ رَبِّ هَذِهِ لَا أَسْأَلُكَ غَيْرَهَا ] فَيُقِرُّهُ تَحْتَهَا ،[ وَيُعَاهِدُهُ أَنْ لَا يَسْأَلَهُ غَيْرَهَا ] ثُمَّ يَرْفَعُ لَهُ شَجَرَةً عِنْدَ بَابِ الْجَنَّةِ ، هِيَ أَحْسَنُ مِنَ الْأُولَيَيْنِ ، وَأَغْدَقُ مَاءً ، فَيَقُولُ : يَا رَبِّ ، هَذِهِ [ لَا أَسْأَلُكَ غَيْرَهَا فَ ] أَقِرَّنِي تَحْتَهَا [ فَأَسْتَظِلُّ بِظِلِّهَا وَآكُلُّ مِنْ ثَمَرِهَا ، وَأَشْرَبُ مِنْ مَائِهَا ، فَيَقُولُ : ابْنَ آدَمَ ، أَلَمْ تُعَاهِدُنِي أَنْ لَا تَسْأَلَنِي غَيْرَهَا ، فَيَقُولُ : أَيْ رَبِّ هَذِهِ لَا أَسْأَلُكَ غَيْرَهَا ] ، فَيُدْنِيهِ تَحْتَهَا وَيُعَاهِدُهُ أَلَّا يَسْأَلَهُ غَيْرَهَا . فَيَسْمَعُ أَصْوَاتَ أَهْلِ الْجَنَّةِ ، فَلَا يَتَمَالَكُ فَيَقُولُ : أَيْ رَبِّ ، أَدْخِلْنِي الْجَنَّةَ ، فَيَقُولُ اللَّهُ - عَزَّ وَجَلَّ - : سَلْ وَتَمَنَّ ، فَيَسْأَلُ وَيَتَمَنَّى مِقْدَارَ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ مِنْ أَيَّامِ الدُّنْيَا ، وَيُلَقِّنُهُ اللَّهُ مَا لَا عِلْمَ لَهُ بِهِ ، فَيَسْأَلُ وَيَتَمَنَّى ، فَإِذَا فَرَغَ قَالَ : [ ابْنَ آدَمَ ] لَكَ مَا سَأَلْتَ " . قَالَ أَبُو سَعِيدٍ : " وَمِثْلُهُ مَعَهُ " .(1/51)
وَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ : " وَعَشَرَةُ أَمْثَالِهِ مَعَهُ " . فَقَالَ أَحَدُهُمَا لِصَاحِبِهِ : حَدِّثْ بِمَا سَمِعْتَ ، وَأُحَدِّثُ بِمَا سَمِعْتُ .(1)
وعَنْ عَبْدِ اللهِ ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - ، قَالَ : إِنِّي لَأَعْرِفُ آخِرَ رَجُلٍ خُرُوجًا مِنَ النَّارِ رَجُلٌ خَرَجَ زَحْفًا ، فَقِيلَ لَهُ : ادْخُلِ الْجَنَّةَ ، فَيَدْخُلُ ، ثُمَّ يَخْرُجُ ، فَيَقُولُ : يَا رَبِّ ، قَدْ أَخَذَ النَّاسُ الْمَنَازِلَ ، فَيُقَالُ لَهُ : أَتَذْكُرُ الزَّمَانَ الَّذِي كُنْتَ فِيهِ فِي الدُّنْيَا ، فَيَقُولُ : نَعَمْ ، فَيَقُولُ : تَمَنَّهْ ، فَيَقُولُ : يَا رَبِّ ، تَنَافَسَ أَهْلُ الدُّنْيَا فِي دُنْيَاهُمْ ، وَتَضَايَقُوا فِيهَا ، فَأَنَا أَسْأَلُكَ مِثْلَهَا ، فَيَقُولُ : لَكَ مِثْلَهَا وَعَشَرَةَ أَضْعَافِ ذَلِكَ ، فَهُوَ أَدْنَى أَهْلِ الْجَنَّةِ مَنْزِلاً.(2)
__________
(1) - مسند أحمد (12027) حسن
(2) - صحيح ابن حبان - (ج 16 / ص 447)(7427) صحيح(1/52)
وعَنْ مَسْرُوقِ بن الأَجْدَعِ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بن مَسْعُودٍ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ:"يَجْمَعُ اللَّهُ الأَوَّلِينَ وَالآخِرِينَ لِمِيقَاتِ يَوْمٍ مَعْلُومٍ قِيَامًا أَرْبَعِينَ سَنَةً شَاخِصَةً أَبْصَارُهُمْ إِلَى السَّمَاءِ يَنْتَظِرُونَ فَصْلَ الْقَضَاءِ"، قَالَ:"وَيَنْزِلُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فِي ظُلَلٍ مِنَ الْغَمَامِ مِنَ الْعَرْشِ إِلَى الْكُرْسِيِّ، ثُمَّ يُنَادِي مُنَادٍ أَيُّهَا النَّاسُ: أَلَمْ تَرْضَوْا مِنْ رَبِّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَرَزَقَكُمْ وَأَمَرَكُمْ أَنْ تَعْبُدُوهُ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا أَنْ يُوَلِّيَ كُلَّ نَاسٍ مِنْكُمْ مَا كَانُوا يَتَوَلَّوْنَ وَيَعْبُدُونَ فِي الدِّينِ، أَلَيْسَ ذَلِكَ عَدْلا مِنْ رَبِّكُمْ؟ قَالُوا: بَلَى"، قَالَ:"فَلْيَنْطَلِقْ كُلُّ قَوْمٍ إِلَى مَا كَانُوا يَعْبُدُونَ فِي الدُّنْيَا"، قَالَ:"فَيَنْطَلِقُونَ وَيُمَثَّلُ لَهُمْ أَشْيَاءُ مَا كَانُوا يَعْبُدُونَ، فَمِنْهُمْ مَنْ يَنْطَلِقُ إِلَى الشَّمْسِ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْطَلِقُ إِلَى الْقَمَرِ، وَإِلَى الأَوْثَانِ مِنَ الْحِجَارَةِ وَأَشْبَاهِ مَا كَانُوا يَعْبُدُونَ"، قَالَ:"وَيُمَثَّلُ لِمَنْ كَانَ يَعْبُدُ عِيسَى شَيْطَانُ عِيسَى، وَيُمَثَّلُ لِمَنْ كَانَ يَعْبُدُ عُزَيْرًا شَيْطَانُ عُزَيْرٍ، وَيَبْقَى مُحَمَّدٌ - صلى الله عليه وسلم - وَأُمَّتُهُ"،قَالَ:"فَيَتَمَثَّلُ الرَّبُّ عَزَّ وَجَلَّ فَيَأَتِيهِمْ فَيَقُولُ: مَا لَكُمْ لا تَنْطَلِقُونَ كَمَا انْطَلَقَ النَّاسُ؟"، قَالَ:"فَيَقُولُونَ إِنَّ لَنَا لإِلَهًا مَا رَأَيْنَاهُ بَعْدُ، فَيَقُولُ: هَلْ تَعْرِفُونَهُ إِنْ رَأَيْتُمُوهُ؟ فَيَقُولُونَ: إنَّ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُ عَلامَةً إِذَا رَأَيْنَاهَا عَرَفْنَاهَا، قَالَ: فَيَقُولُ: مَا هِي؟ فَيَقُولُونَ: يَكْشِفُ عَنْ سَاقِهِ"،(1/53)
قَالَ:"فَعِنْدَ ذَلِكَ يُكْشَفُ عَنْ سَاقٍ فَيَخِرُّ كُلُّ مَنْ كَانَ بِظَهْرِهِ طَبَقٌ، وَيَبْقَى قَوْمٌ ظُهُورُهُمْ كَصَياصِيِّ الْبَقَرِ يُرِيدُونَ السُّجُودَ فَلا يَسْتَطِيعُونَ، وَقَدْ كَانَ يُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ وَهُمْ سَالِمُونَ، ثُمَّ يَقُولُ: ارْفَعُوا رُءُوسَكُمْ، فَيَرْفَعُونَ رُءُوسَهُمْ فَيُعْطِيهِمْ نُورَهُمْ عَلَى قَدْرِ أَعْمَالِهِمْ، فَمِنْهُمْ مَنْ يُعْطَى نُورَهُ مِثْلَ الْجَبَلِ الْعَظِيمِ يَسْعَى بَيْنَ يَدَيْهِ، وَمِنْهُمْ مَنْ يُعْطَى نُورَهُ أَصْغَرَ مِنْ ذَلِكَ، وَمِنْهُمْ مَنْ يُعْطَى نُورًا مِثْلَ النَّخْلَةِ بِيَمِينِهِ، وَمِنْهُمْ مَنْ يُعْطَى نُورًا أَصْغَرَ مِنْ ذَلِكَ، حَتَّى يَكُونَ رَجُلا يُعْطَى نُورَهُ عَلَى إِبْهَامِ قَدَمِهِ يُضِئُ مَرَّةً وَيَفِيءُ مَرَّةً، فَإِذَا أَضَاءَ قَدَّمَ قَدَمَهُ فَمَشَى، وَإِذَا طُفِئَ قَامَ"، قَالَ:"وَالرَّبُّ عَزَّ وَجَلَّ أَمَامَهُمْ حَتَّى يَمُرَّ فِي النَّارِ فَيَبْقَى أَثَرُهُ كَحَدِّ السَّيْفِ دَحْضُ مَزِلَّةٍ"، قَالَ:"وَيَقُولُ: مُرُّوا، فَيَمُرُّونَ عَلَى قَدْرِ نُورِهِمْ، مِنْهُمْ مَنْ يَمُرُّ كَطَرْفِ الْعَيْنِ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَمُرُّ كَالْبَرْقِ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَمُرُّ كَالسَّحَابِ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَمُرُّ كَانْقِضَاضِ الْكَوْكَبِ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَمُرُّ كَالرِّيحِ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَمُرُّ كَشَدِّ الْفَرَسِ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَمُرُّ كَشَدِّ الرَّجُلِ، حَتَّى يَمُرَّ الَّذِي أُعْطِيَ نُورَهُ عَلَى إِبْهَامِ قَدَمَيْهِ يَحْبُو عَلَى وَجْهِهِ وَيَدَيْهِ وَرِجْلَيْهِ تَخِرُّ رِجْلُ، وَتَعْلَقُ رِجْلٌ، وَيُصِيبُ جَوَانُبَهُ النَّارُ، فَلا يَزَالُ كَذَلِكَ حَتَّى يَخْلُصَ، فَإِذَا خَلَصَ وَقَفَ عَلَيْهَا، ثُمَّ قَالَ: الْحَمْدُ لِلَّهِ لَقَدْ أَعْطَانِي اللَّهُ مَا لَمْ يُعْطِ أَحَدًا أَنْ(1/54)
نَجَّانِي مِنْهَا بَعْدَ إِذْ رَأَيْتُهَا"، قَالَ:"فَيُنْطَلَقُ بِهِ إِلَى غَدِيرٍ عِنْدَ بَابِ الْجَنَّةِ، فَيَغْتَسِلُ فَيَعُودُ إِلَيْهِ رِيحُ أَهْلِ الْجَنَّةِ وَأَلْوَانِهُمْ، فَيَرَى مَا فِي الْجَنَّةِ مِنْ خِلالِ الْبَابِ فَيَقُولُ: رَبِّ أَدْخِلْنِي الْجَنَّةَ، فَيَقُولُ اللَّهُ لَهُ: أَتَسْأَلُ الْجَنَّةَ، وَقَدْ نَجِّيتُكَ مِنَ النَّارِ؟ فَيَقُولُ: رَبِّ اجْعَلْ بَيْنِي وَبَيْنَهَا حِجَابًا لا أَسْمَعُ حَسِيسَهَا"، قَالَ:"فَيَدْخُلُ الْجَنَّةَ"، قَالَ:"فَيَرَى أَوْ يُرْفَعُ لَهُ مَنْزِلٌ أَمَامَ ذَلِكَ كَأَنَّمَا هُوَ فِيهِ إِلَيْهِ حُلْمٌ، فَيَقُولُ: رَبِّ أَعْطِنِي ذَلِكَ الْمَنْزِلَ، فَيَقُولُ لَهُ: فَلَعَلَّكَ إِنْ أَعْطَيْتُكَهُ تَسْأَلُ غَيْرَهُ، فَيَقُولُ: لا وَعِزَّتِكَ لا أَسْأَلُكَ غَيْرَهُ، وَأَيُّ مَنْزِلٍ يَكُونُ أَحْسَنَ مِنْهُ، قَالَ: وَيَرَى أَوْ يُرْفَعُ لَهُ أَمَامَ ذَلِكَ مَنْزِلٌ آخَرُ كَأَنَّمَا هُوَ إِلَيْهِ حُلْمٌ، فَيَقُولُ: أَعْطِنِي ذَلِكَ الْمَنْزِلَ، فَيَقُولُ اللَّهُ جَلَّ جَلالُهُ: فَلَعَلَّكَ إِنْ أَعْطَيْتُكَهُ تَسْأَلُ غَيْرَهُ، قَالَ: لا وَعِزَّتِكَ لا أَسْأَلُ غَيْرَهُ وَأَيُّ مَنْزِلٍ يَكُونُ أَحْسَنَ مِنْهُ، قَالَ: فَيُعْطَاهُ فَيَنْزِلَهُ ثُمَّ يَسْكُتُ فَيَقُولُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: مَا لَكَ لا تَسْأَلُ؟ فَيَقُولُ: رَبِّ لَقَدْ سَأَلْتُكَ حَتَّى اسْتَحْيَيْتُكَ، وَأَقْسَمْتُ لَكَ حَتَّى اسْتَحْيَيْتُكَ، فَيَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى: أَلَمْ تَرْضَ أَنْ أُعْطِيَكَ مِثْلَ الدُّنْيَا مُنْذُ خَلَقْتُهَا إِلَى يَوْمِ أَفْنَيْتُهَا وَعَشَرَةَ أَضْعَافِهِ؟ فَيَقُولُ: أَتَسْتَهْزِئُ بِي، وَأَنْتَ رَبُّ الْعِزَّةِ، فَيَضْحَكُ الرَّبُّ عَزَّ وَجَلَّ مِنْ قَوْلِهِ"، قَالَ: فَرَأَيْتُ عَبْدَ اللَّهِ بن مَسْعُودٍ إِذَا بَلَغَ هَذَا(1/55)
الْمَكَانَ مِنْ هَذَا الْحَدِيثِ ضَحِكَ، فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ: يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ، قَدْ سَمِعْتُكَ تُحَدِّثُ هَذَا الْحَدِيثَ مِرَارًا كُلَّمَا بَلَغْتَ هَذَا الْمَكَانَ ضَحِكْتَ، فَقَالَ: إِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يُحَدِّثُ هَذَا الْحَدِيثَ مِرَارًا كُلَّمَا بَلَغَ هَذَا الْمَكَانَ مِنْ هَذَا الْحَدِيثِ ضَحِكَ حَتَّى تَبْدُوَ أَضْرَاسُهُ، قَالَ:"فَيَقُولُ الرَّبُّ عَزَّ وَجَلَّ: وَلَكِنِّي عَلَى ذَلِكَ قَادِرٌ، سَلْ، فَيَقُولُ: أَلْحِقْنِي بِالنَّاسِ، فَيَقُولُ: الْحَقِ النَّاسَ، قَالَ: فَيَنْطَلِقُ يَرْمُلُ فِي الْجَنَّةِ حَتَّى إِذَا دَنَا مِنَ النَّاسِ رُفِعَ لَهُ قَصْرٌ مِنْ دُرَّةٍ فَيَخِرُّ سَاجِدًا، فَيُقَالَ لَهُ: ارْفَعْ رَأْسَكَ مَا لَكَ؟ فَيَقُولُ: رَأَيْتُ رَبِّي أَوْ تَرَاءَى لِي رَبِّي فَيُقَالُ لَهُ: إِنَّمَا هُوَ مَنْزِلٌ مِنْ مَنَازِلِكَ، قَالَ: ثُمَّ يَلْقَى رَجُلا فَيَتَهَيَّأُ لِلسُّجُودِ لَهُ فَيُقَالَ لَهُ: مَهْ، مَا لَكَ؟ فَيَقُولُ: رَأَيْتُ أَنَّكَ مَلَكٌ مِنَ الْمَلائِكَةِ، فَيَقُولُ: إِنَّمَا أَنَا خَازِنٌ مِنْ خُزَّانِكَ، عَبْدٌ مِنْ عَبِيدِكَ تَحْتَ يَدِي أَلْفُ قَهْرَمَانٍ عَلَى مِثْلِ مَا أَنَا عَلَيْهِ، قَالَ: فَيَنْطَلِقُ أَمَامَهُ حَتَّى يَفْتَحَ لَهُ الْقَصْرَ"، قَالَ:"وَهُوَ فِي دُرَّةٍ، مُجَوَّفَةٍ سَقَائِفُهَا، وَأَبْوَابُهَا، وَأَغْلاقُهَا، وَمَفَاتِيحُهَا مِنْهَا تَسْتَقْبِلُهُ جَوْهَرَةٌ خَضْرَاءُ مُبَطَّنَةٌ بِحَمْرَاءَ كُلُّ جَوْهَرَةٍ تُفْضِي إِلَى جَوْهَرَةٍ عَلَى غَيْرِ لَوْنِ الأُخْرَى فِي كُلِّ جَوْهَرَةٍ سُرَرٌ وَأَزْوَاجٌ، وَوَصَائِفُ أَدْنَاهُنَّ حَوْرَاءُ عَيْنَاءُ عَلَيْهَا سَبْعُونَ حُلَّةً يُرَى مُخُّ سَاقِهَا مِنْ وَرَاءِ حُلَلِهَا، كَبِدُهَا مِرْآتُهُ وَكَبِدُهُ مِرْآتُهَا، إِذَا(1/56)
أَعْرَضَ عَنْهَا إِعْرَاضَةً ازْدَادَتْ فِي عَيْنِهِ سَبْعِينَ ضِعْفًا عَمَّا كَانَتْ قَبْلَ ذَلِكَ، وَإِذَا أَعْرَضَتْ عَنْهُ إِعْرَاضَةً ازْدَادَ فِي عَيْنِهَا سَبْعِينَ ضِعْفًا عَمَّا كَانَ قَبْلَ ذَلِكَ، فَيَقُولُ لَهَا: وَاللَّهِ لَقَدِ ازْدَدْتِ فِي عَيْنِي سَبْعِينَ ضِعْفًا، وَتَقُولُ لَهُ: وَأَنْتَ وَاللَّهِ لَقَدِ ازْدَدْتَ فِي عَيْنِي سَبْعِينَ ضِعْفًا، فَيُقَالُ لَهُ: أَشْرِفْ، قَالَ: فَيُشْرِفُ، فَيُقَالُ لَهُ: مُلْكُكَ مَسِيرَةُ مِائَةِ عَامٍ يَنْفُذُهُ بَصَرُهُ".(1/57)
قَالَ: فَقَالَ عُمَرُ: أَلا تَسْمَعُ مَا يُحَدِّثُنَا ابْنُ أُمِّ عَبْدٍ يَا كَعْبُ عَنْ أَدْنَى أَهْلِ الْجَنَّةِ مَنْزِلا، فَكَيْفَ أَعْلاهُمْ، فَقَالَ كَعْبٌ:"يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ: مَا لا عَيْنٌ رَأَتْ، وَلا أُذُنٌ سَمِعَتْ، إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ جَعَلَ دَارًا فَجَعَلَ فِيهَا مَا شَاءَ مِنَ الأَزْوَاجِ، وَالثَّمَرَاتِ، وَالأَشْرِبَةِ، ثُمَّ أَطْبَقَهَا، ثُمَّ لَمْ يَرَهَا أَحَدٌ مِنَ خَلْقِهِ، لا جِبْرِيلُ وَلا غَيْرُهُ مِنَ الْمَلائِكَةِ"، ثُمَّ قَرَأَ كَعْبٌ: "فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيَنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ" [السجدة: 17]، قَالَ:"وَخَلَقَ دُونَ ذَلِكَ جَنَّتَيْنِ وَزَيَّنَهُمَا بِمَا شَاءَ وَأَرَاهُمَا مَنْ شَاءَ مِنْ خَلْقِهِ،ثُمَّ قَالَ: مَنْ كَانَ كِتَابُهُ فِي عِلِّيِّينَ نَزَلَ تِلْكَ الدَّارَ الَّتِي لَمْ يَرَهَا أَحَدٌ حَتَّى إِنَّ الرَّجُلَ مِنْ أَهْلِ عِلِّيِّينَ لَيَخْرُجُ فَيَسِيرُ فِي مُلْكِهِ فَمَا تَبْقَى خَيْمَةٌ مِنْ خِيَمِ الْجَنَّةِ إِلا دَخَلَهَا مِنْ ضَوْءِ وَجْهِهِ فَيَسْتَبْشِرُونَ بِرِيحِهِ، فَيَقُولُونَ: وَاهًا لِهَذَا الرِّيحِ، هَذَا رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ عِلِّيِّينَ، قَدْ خَرَجَ يَسِيرُ فِي مُلْكِهِ"، فَقَالَ: وَيْحَكَ يَا كَعْبُ، إِنَّ هَذِهِ الْقُلُوبَ قَدِ اسْتَرْسَلَتْ وَاقْبِضْهَا، فَقَالَ كَعْبٌ:"وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ إِنَّ لِجَهَنَّمَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ لَزَفْرَةً مَا مِنْ مَلَكٍ مُقَرَّبِ، وَلا نَبِيٍّ مُرْسَلٍ إِلا يَخِرُّ لِرُكْبَتَيْهِ، حَتَّى إِنَّ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلَ اللَّهِ لَيَقُولُ: رَبِّ نَفْسِي نَفْسِي، حَتَّى لَوْ كَانَ لَكَ عَمَلُ سَبْعِينَ نَبِيًّا إِلَى عَمَلِكَ لَظَنَنْتَ أَنَّكَ لا تَنْجُو"(1)
__________
(1) - المعجم الكبير للطبراني - (ج 8 / ص 305)(9647 و9648) صحيح(1/58)
- الغمام : السحاب - الأوثان : جمع وَثَن وهو الصنم، وقيل : الوَثَن كلُّ ما لَه جُثَّة مَعْمولة من جَواهِر الأرض أو من الخَشَب والحِجارة، كصُورة الآدَميّ تُعْمَل وتُنْصَب فتُعْبَد وقد يُطْلَق الوَثَن على غير الصُّورة، والصَّنَم : الصُّورة بِلا جُثَّة - الدحض : الدحض والمزلة بمعنى واحد . وهو الموضع الذي تَزَلُّ فيه الأقدام ولا تستقر - مزلة : تنزلق فيه الأقدام - استحيا : انقبض وانزوى -القهرمان : الخازن الأمين المحافظ على ما في عهدته -مجوفة : مفرغة - الحُلَّة : ثوبَان من جنس واحد -الحلل : جمع الحُلَّة وهي ثوبَان من جنس واحد - الإعراض : الصد والانصراف - أشرف : أطل وأقبل واقترب وعلا ونظر وتطلع - عِلِّيُّون : اسم للسماء السابعة، وقيل : هو اسمٌ لدِيوَان الملائكة الحَفَظَة، تُرْفَع إليه أعمالُ الصالحين من العباد، وقيل : أراد أعْلَى الأمْكِنَة وأشْرَفَ المرَاتِب من اللّه في الدار الآخرة.
قال أبو سليمان الخطابي رحمه الله : « هذا الحديث مما تهيب القول فيه شيوخنا ، فأجروه على ظاهر لفظه ، ولم يكشفوا عن باطن معناه ، على نحو مذهبهم في التوقف عن تفسير كل ما لا يحيط العلم بكنهه من هذا الباب ، وقد تأوله بعضهم على معنى قوله : {يَوْمَ يُكْشَفُ عَن سَاقٍ وَيُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ فَلَا يَسْتَطِيعُونَ} (42) سورة القلم، فروي عن ابن عباس أنه قال : عن شدة وكرب . قال أبو سليمان : فيحتمل أن يكون معنى قوله : » يوم يكشف ربنا عن ساقه « . أي عن قدرته التي تنكشف عن الشدة والمعرة(1)
__________
(1) - الأسماء والصفات للبيهقي - (ج 2 / ص 287)(1/59)
وعَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، أَنّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ : آخِرُ مَنْ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ رَجُلٌ يَمْشِي عَلَى الصِّرَاطِ مَرَّةً ، وَيَكْبُو أُخْرَى ، وَيَمْشِي مَرَّةً وَيَحْبُو أُخْرَى ، وَتَصْفَعُهُ النَّارُ مَرَّةً ، فَإِذَا جَاوَزَهَا الْتَفَتَ إِلَيْهَا ، فَقَالَ : الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي نَجَّانِي مِنْكِ لَقَدْ أَعْطَانِي شَيْئًا لَمْ يُعْطَهُ أَحَدٌ مِنَ الأَوَّلِينَ ، وَلَنْ يُعْطِيَهُ أَحَدًا مِنَ الآخِرِينَ قَالَ : وَتُرْفَعُ لَهُ شَجَرَةٌ ، فَيَقُولُ : أَيْ رَبِّ ، أَدْنِنِي مِنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ لأَسْتَظِلَّ بِظِلِّهَا وَلأَشْرَبَ مِنْ مَائِهَا ، فَيَقُولُ : لَعَلِّي إِنْ أَعْطَيْتُكَهَا أَنْ تَسْأَلَنِي غَيْرَهَا ؟ فَيُعَاهِدُهُ أَنْ لا يَسْأَلَهُ غَيْرَهَا وَرَبُّهُ عَزَّ وَجَلَّ يَعْلَمُ أَنَّهُ سَيَفْعَلُ ، وَرَبُّهُ تَعَالَى يَعْذِرُهُ لأَنَّهُ يَرَى مَا لا صَبْرَ لَهُ عَلَيْهِ ، فَيُدْنِيهِ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ مِنْهَا فَيَشْرَبُ مِنْ مَائِهَا وَيَسْتَظِلُّ بِظِلِّهَا ،فَتُرْفَعُ لَهُ شَجَرَةٌ أُخْرَى هِيَ أَحْسَنُ مِنَ الأُولَى ، فَيَقُولُ : أَيْ رَبِّ ، أَدْنِنِي مِنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ فَلأَسْتَظِلَّ بِظِلِّهَا وَلأَشْرَبْ مِنْ مَائِهَا ، فَيَقُولُ : يَا ابْنَ آدَمَ ، أَلَمْ تُعَاهِدْنِي أَنْ لا تَسْأَلَنِي غَيْرَهَا ، فَيَقُولُ : بَلَى ، أَيْ رَبِّ ، وَلَكِنْ هَذِهِ فَأَدْنِنِي لا أَسْأَلُكَ غَيْرَهَا فَلأَسْتَظِلَّ بِهَا وَأَشْرَبْ مِنْ مَائِهَا ، فَيُدْنِيهِ مِنْهَا فَيَسْتَظِلُّ وَيَشْرَبُ مِنْ مَائِهَا ، فَتُرْفَعُ لَهُ شَجَرَةٌ أُخْرَى عَلَى بَابِ الْجَنَّةِ هِيَ أَحْسَنُ مِنَ الأُولَيَيْنِ ، فَيَقُولُ : أَدْنِنِي مِنْ هَذِهِ فَلأَسْتَظِلَّ بِظِلِّهَا وَلأَشْرَبْ مِنْ مَائِهَا ، فَيَقُولُ :(1/60)
يَا ابْنَ آدَمَ ، أَلَمْ تُعَاهِدْنِي أَنْ لا تَسْأَلَنِي غَيْرَهَا ، فَيَقُولُ : بَلَى يَا رَبِّ ، وَلَكِنْ هَذِهِ فَلأَسْتَظِلَّ بِظِلِّهَا وَأَشْرَبْ مِنْ مَائِهَا لا أَسْأَلُكَ غَيْرَهَا ، فَيُعَاهِدُهُ أَنْ لا يَسْأَلَهُ غَيْرَهَا ، وَرَبُّهُ عَزَّ وَجَلَّ يَعْلَمُ أَنَّهُ سَيَسْأَلُهُ غَيْرَهَا ، وَرَبُّهُ تَعَالَى يَعْذِرُهُ لأَنَّهُ يَرَى مَا لا صَبْرَ لَهُ عَلَيْهِ ، فَيُدْنِيهِ اللَّهُ تَعَالَى مِنْهَا فَيَسْمَعُ أَصْوَاتَ أَهْلِ الْجَنَّةِ ،فَيَقُولُ : يَا رَبِّ أَدْخِلْنِي الْجَنَّةَ ، يَا رَبِّ أَدْخِلْنِي الْجَنَّةَ لا أَسْأَلُكَ غَيْرَهَا ، فَيَقُولُ : يَا ابْنَ آدَمَ ، أَيُرْضِيكَ أَنْ أُعْطِيَكَ مِثْلَ الدُّنْيَا وَمِثْلَهَا مَعَهَا ؟ فَيَقُولُ : أَيْ رَبِّ ، أَتَسْتَهْزِئُ بِي وَأَنْتَ رَبُّ الْعَالَمِينَ ، فَيَضْحَكُ ابْنُ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، وَقَالَ : أَلا تَسْأَلُونِي مِمَّا ضَحِكْتُ ؟ قَالُوا : وَمِمَّ ضَحِكْتُ ؟ فَقَالَ : هَكَذَا فَعَلَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - ، فَقَالَ : أَلا تَسْأَلُونِي مِمَّ أَضْحَكُ ؟ قَالُوا : وَمِمَّ تَضْحَكُ يَا رَسُولَ اللهِ ؟ قَالَ : مِنْ ضَحِكِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ، فَيَقُولُ : إِنِّي لا أَسْتَهْزِئُ مِنْكَ وَلَكِنِّي عَلَى مَا أَشَاءُ قَدِيرٌ"(1)
__________
(1) - الآحاد والمثاني (248) ومسلم(481 )(1/61)
وعَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ ، عَنْ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - ، قَالَ : إِنَّ آخِرَ مَنْ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ رَجُلٌ يُمْشِي عَلَى الصِّرَاطِ ، فَهُوَ يَكْبُو مَرَّةً ، وَتَسْفَعُهُ النَّارُ أُخْرَى حَتَّى إِذَا جَاوَزَهَا الْتَفَتَ إِلَيْهَا ، فَيَقُولُ : تَبَارَكَ الَّذِي نَجَّانِي مِنْهَا فَوَاللَّهِ لَقَدْ أَعْطَانِي شَيْئًا مَا أَعْطَاهُ أَحَدًا مِنَ الْعَالَمِينَ ، قَالَ : ثُمَّ تُرْفَعُ لَهُ شَجَرَةٌ ، فَيَقُولُ : يَا رَبِّ ، أَدْنِنِي مِنْهَا لَعَلِّي أَسْتَظِلُّ بِظِلِّهَا وَأَشْرَبُ مِنْ مَائِهَا ، قَالَ : فَيَقُولُ اللَّهُ : يَا ابْنَ آدَمَ لَعَلِّي إِنْ أَعْطَيْتُكَهُ سَأَلْتَنِي غَيْرَهَا ، فَيَقُولُ : لاَ يَا رَبِّ ، وَيُعَاهِدُهُ أَنْ لاَ يَفْعَلَ ، وَهُوَ يَعْلَمُ أَنَّهُ فَاعِلُهُ لِمَا يَرَى مِمَّا لاَ صَبَرَ لَهُ عَلَيْهِ ، فَيُدْنِيهِ مِنْهَا فَيَسْتَظِلُّ بِظِلِّهَا وَيَشْرَبُ مِنْ مَائِهَا ، ثُمَّ تُرْفَعُ لَهُ شَجَرَةٌ أُخْرَى هِيَ أَحْسَنُ مِنَ الْأُولَى ، فَيَقُولُ : يَا رَبِّ ، أَدْنِنِي مِنْهَا لأَسْتَظِلَّ بِظِلِّهَا وَأَشْرَبَ مِنْ مَائِهَا ، فَيَقُولُ : أَلَمْ تُعَاهِدْنِي أَنْ لاَ تَسْأَلَنِي غَيْرَهَا ؟ فَيَقُولُ : بَلَى يَا رَبِّ ، وَلَكِنْ أَدْنِنِي مِنْهَا لأَسْتَظِلَّ بِظِلِّهَا وَأَشْرَبَ مِنْ مَائِهَا ، فَيُعَاهِدُهُ أَنْ لاَ يَسْأَلَهُ غَيْرَهَا فَيُدْنِيهِ ، مِنْهَا وَيَعْلَمُ أَنَّهُ سَيَسْأَلُهُ غَيْرَهَا لِمَا يَرَى مَا لاَ صَبَرَ لَهُ عَلَيْهِ ، قَالَ : فَتُرْفَعُ لَهُ شَجَرَةٌ أُخْرَى عِنْدَ بَابِ الْجَنَّةِ هِيَ أَحْسَنُ مِنَ الْأُولَيَيْنِ ، فَيَقُولُ : يَا رَبِّ ، أَدْنِنِي مِنْهَا لأَسْتَظِلَّ بِظِلِّهَا وَأَشْرَبَ مِنْ مَائِهَا ، فَيَقُولُ : أَلَمْ تُعَاهِدْنِي أَنْ لاَ تَسْأَلَنِي غَيْرَهَا ، فَيَقُولُ :(1/62)
بَلَى يَا رَبِّ ، وَلَكِنْ أَدْنِنِي مِنْهَا ، فَإِذَا دَنَا مِنْهَا سَمِعَ أَصْوَاتَ أَهْلِ الْجَنَّةِ ، فَيَقُولُ : يَا رَبِّ ، أَدْخِلْنِي الْجَنَّةَ ، فَيَقُولُ اللَّهُ جَلَّ وَعَلاَ : أَيُرْضِيكَ يَا ابْنَ آدَمَ أَنْ أُعْطِيكَ الدُّنْيَا وَمِثْلَهَا مَعَهَا ، فَيَقُولُ : أَتَسْتَهْزِئُ بِي وَأَنْتَ رَبُّ الْعَالَمِينَ ؟ فَيَقُولُ : مَا أَسْتَهْزِئُ بِكَ ، وَلَكِنَّنِي عَلَى مَا أَشَاءُ قَادِرٌ ، قَالَ : فَكَانَ ابْنُ مَسْعُودٍ إِذَا ذَكَرَ قَوْلَهُ : أَتَسْتَهْزِئُ بِي ؟ ضَحِكَ ، ثُمَّ قَالَ : أَلاَ تَسْأَلُونِي مِمَّا أَضْحَكُ ؟ فَقِيلَ : مِمَّ تَضْحَكُ ؟ فَقَالَ : كَانَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - إِذَا ذَكَرَ ذَلِكَ ضَحِكَ.(1)
__________
(1) - صحيح ابن حبان - (ج 16 / ص 455)(7430) صحيح(1/63)
وعَنْ أَبِي أُمَامَةَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - :"إِنَّ آخِرَ رَجُلٍ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ رَجُلٌ يَتَقَلَّبُ عَلَى الصِّرَاطِ ظَهْرًا لِبَطْنٍ، كَالْغُلامِ يَضْرِبُهُ أَبُوهُ وَهُوَ يَفِرُّ مِنْهُ يَعْجِزُ عَنْهُ عَمَلُهُ أَنْ يَسْعَى، فَيَقُولُ: يَا رَبِّ بَلِّغْ بِيَ الْجَنَّةَ، وَنَجِّنِي مِنَ النَّارِ، فَيُوحِي اللَّهُ تَعَالَى إِلَيْهِ: عَبْدِي إِنْ أَنَا نَجَّيْتُكَ مِنَ النَّارِ، وَأَدْخَلْتُكَ الْجَنَّةَ، أَتَعْتَرِفُ لِي بِذُنُوبِكَ وَخَطَايَاكَ؟ فَيَقُولُ الْعَبْدُ: نَعَمْ،يَا رَبِّ، وَعِزَّتِكَ وَجَلالِكَ لَئِنْ تُنْجِينِي مِنَ النَّارِ لأَعْتَرِفَنَّ لَكَ بِذُنُوبِي وَخَطَايَايَ، فَيَجُوزُ الْجِسْرَ، وَيَقُولُ الْعَبْدُ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ نَفْسِهِ: لَئِنِ اعْتَرَفَتُ لَهُ بِذُنُوبِي وَخَطَايَايَ لَيَرُدَّنِي إِلَى النَّارِ، فَيُوحِي اللَّهُ إِلَيْهِ، عَبْدِي، اعْتَرِفْ لِي بِذُنُوبِكَ وَخَطَايَاكَ، أَغْفِرُهَا لَكَ وَأُدْخِلُكَ الْجَنَّةَ، فَيَقُولُ الْعَبْدُ: لا، وَعِزَّتِكَ مَا أَذْنَبْتُ ذَنْبًا قَطُّ، وَلا أَخْطَأْتُ خَطِيئَةً قَطُّ، فَيُوحِي اللَّهُ إِلَيْهِ، عَبْدِي إِنَّ لِي عَلَيْكَ بَيِّنَةً، فَيَلْتَفِتُ الْعَبْدُ يَمِينًا وَشِمَالا فَلا يَرَى أَحَدًا، فَيَقُولُ: يَا رَبِّ، أَرِنِي بَيِّنَتَكَ، فَيَسْتَنْطِقُ اللَّهُ جِلْدَهُ بِالْمُحَقَّرَاتِ، فَإِذَا رَأَى ذَلِكَ الْعَبْدُ، يَقُولُ: يَا رَبِّ، عِنْدِي وَعِزَّتِكَ الْعَظَائِمُ الْمُضْمَرَاتُ، فَيُوحِي اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ إِلَيْهِ عَبْدِي، أَنَا أَعْرَفُ بِهَا مِنْكَ، اعْتَرِفْ لِي بِهَا، أَغْفِرُهَا لَكَ، وَأُدْخِلُكَ الْجَنَّةَ، فَيَعْتَرِفُ الْعَبْدُ بِذُنُوبِهِ، فَيَدْخُلُ الْجَنَّةُ، ثُمَّ ضَحِكَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه(1/64)
وسلم - حَتَّى بَدَتْ نَوَاجِذُهُ، يَقُولُ: هَذَا أَدْنَى أَهْلِ الْجَنَّةِ مَنْزِلَةً، فَكَيْفَ بِالَّذِي فَوْقَهُ؟".(1)
"العظائم المضمرات" : الخفية التى لم يطلع عليها أحد غير الله .
قال الحافظ المنذري : ولا منافاة بين هذه الأحاديث ؛لأنه قال في حديث أبي سعيد أدنى أهل الجنة الذي له ثمانون ألف خادم، وقال في حديث أنس من يقوم على رأسه عشرة آلاف خادم، وفي حديث أبي هريرة من يغدوعليه ويروح خمسة عشر ألف خادم .
فيجوز أن يكون له ثمانون ألف خادم يقوم على رأسه منهم عشرة آلاف ويغدو عليه منهم كل يوم خمسة عشر ألفا والله سبحانه أعلم.
ـــــــــــــــ
المبحث السادس
بعض من نص على أنهم من أهل الجنة
جعفر بن أبي طالب رضي الله عنه ، فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : رَأَيْتُ جَعْفَرَ بْنَ أَبِي طَالِبٍ مَلَكًا يَطِيرُ مَعَ الْمَلائِكَةِ بِجَنَاحَيْنِ"(2)
وعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِي اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : رَأَيْتُ جَعْفَرَ بن أَبِي طَالِبٍ ، مَلَكًا يَطِيرُ فِي الْجَنَّةِ ، ذَا جَنَاحَيْنِ يَطِيرُ بِهِمَا ، حَيْثُ يَشَاءُ مَقْصُوصَةٌ قَوَادِمُهُ بِالدِّمَاءِ"(3).
حمزة بن عبد المطلب رضي الله عنه ، فعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : دَخَلْتُ الْجَنَّةَ الْبَارِحَةَ فَنَظَرْتُ فِيهَا فَإِذَا جَعْفَرٌ يَطِيرُ مَعَ الْمَلائِكَةِ ، وَإِذَا حَمْزَةُ مُتَّكِئٌ عَلَى سَرِيرٍ "(4)
__________
(1) - المعجم الكبير للطبراني - (ج 7 / ص 171)(7567 ) فيه مجاهيل
(2) - المستدرك للحاكم (4935) صحيح لغيره
(3) - المعجم الكبير للطبراني - (ج 2 / ص 132)(1449) صحيح لغيره
(4) - المستدرك للحاكم (4890) صحيح(1/65)
وعَنْ جَابِرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ : سَيِّدُ الشُّهَدَاءِ حَمْزَةُ بْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ ، وَرَجُلٌ قَالَ إِلَى إِمَامٍ جَائِرٍ ، فَأَمَرَهُ وَنَهَاهُ فَقَتَلَهُ "(1)
وعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَقِيلٍ ، قَالَ : سَمِعْتُ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا ، يَقُولُ : فَقَدَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَوْمَ أُحُدٍ حَمْزَةَ حِينَ فَاءَ النَّاسُ مِنَ الْقِتَالِ ، قَالَ : فَقَالَ رَجُلٌ : رَأَيْتُهُ عِنْدَ تِلْكِ الشَّجَرَةِ ، وَهُوَ يَقُولُ : أَنَا أَسَدُ اللَّهِ ، وَأَسَدُ رَسُولِهِ ، اللَّهُمَّ إِنِّي أَبْرَأُ إِلَيْكَ مِمَّا جَاءَ بِهِ هَؤُلاءِ لأَبِي سُفْيَانَ وَأَصْحَابِهِ ، وَأَعْتَذِرُ إِلَيْكَ مِمَّا صَنَعَ هَؤُلاءِ مِنِ انْهِزَامِهِمْ ، فَسَارِ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - نَحْوَهُ ، فَلَمَّا رَأَى جَبْهَتَهُ بَكَى ، وَلَمَّا رَأَى مَا مُثِّلَ بِهِ شَهِقَ ، ثُمَّ قَالَ : أَلا كُفِّنَ ؟ فَقَامَ رَجُلٌ مِنَ الأَنْصَارِ فَرَمَى بِثَوْبٍ ، قَالَ جَابِرٌ : فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : سَيِّدُ الشُّهَدَاءِ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى يَوْمَ الْقِيَامَةِ حَمْزَةُ"(2)
__________
(1) - المستدرك للحاكم (4884) صحيح لغيره
(2) - المستدرك للحاكم(4900) حسن(1/66)
عبد الله بن سلام رضي الله عنه ، فعَنْ يَزِيدَ بْنِ عَمِيرَةَ ، أَنَّ مُعَاذَ بْنَ جَبَلٍ لَمَّا حَضَرَتْهُ الْوَفَاةُ ، قَالُوا : يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَوْصِنَا ، قَالَ : أَجْلِسُونِي ، ثُمَّ قَالَ : إِنَّ الْعَمَلَ وَالإِيمَانَ مَظَانَّهُمَا مَنِ الْتَمَسَهُمَا وَجَدَهُمَا ، وَالْعِلْمُ وَالإِيمَانُ مَكَانَهُمَا مَنِ الْتَمَسَهُمَا وَجَدَهُمَا ، فَالْتَمِسُوا الْعِلْمَ عِنْدَ أَرْبَعَةٍ : عِنْدَ عُوَيْمِرٍ أَبِي الدَّرْدَاءِ ، وَعِنْدَ سَلْمَانَ الْفَارِسِيِّ ، وَعِنْدَ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ ، وَعِنْدَ عَبْدِ اللهِ بْنِ سَلاَمٍ الَّذِي كَانَ يَهُودِيًّا فَأَسْلَمَ ، فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - ، يَقُولُ : إِنَّهُ عَاشِرُ عَشْرَةٍ فِي الْجَنَّةِ.(1)
وعَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَلاَّمٍ عَاشِرُ عَشَرَةٍ فِي الْجَنَّةِ.(2)
__________
(1) - صحيح ابن حبان - (ج 16 / ص 122)(7165) صحيح
(2) - مسند الشاميين(1637) صحيح(1/67)
وعَنِ ابْنِ سِيرِينَ، قَالَ: قَالَ قَيْسُ بن عَبَّادٍ: كُنْتُ فِي حَلَقَةٍ فِيهَا سَعْدُ بن مَالِكٍ، وَابْنُ عُمَرَ، فَمَرَّ عَبْدُ اللَّهِ بن سَلامٍ، فَقَالُوا: هَذَا رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ، فَتَبِعْتُهُ، فَقُلْتُ لَهُ: إِنَّهُمْ قَالُوا: كَذَا وَكَذَا، قَالَ: سُبْحَانَ اللَّهِ، مَا يَنْبَغِي لَهُمْ أَنْ يَقُولُوا مَا لَيْسَ لَهُمْ بِهِ عِلْمٌ، إِنَّمَا رَأَيْتُ كَأَنَّ عَمُودًا وُضِعَ فِي رَوْضَةٍ خَضْرَاءَ، فَنُصِبَ فِيهَا، وَفِي وَسَطِهَا عُرْوَةٌ، وَفِي أَسْفَلِهَا مَنْصَفٌ مِثْلُ مَنْصَفِ الْوَصِيفِ، فَقِيلَ لِي: ارْقَهُ، فَرَقَيْتُ، ثُمَّ أَخَذْتُ بِالْعُرْوَةِ، فَقَصَصْتُهَا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - :"يَمُوتُ عَبْدُ اللَّهِ بن سَلامٍ وَهُوَ آخِذٌ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى"(1)
__________
(1) - المعجم الكبير للطبراني - (ج 18 / ص 441)(154 ) صحيح(1/68)
وعَنْ مُحَمَّدِ بن سِيرِينَ، عَنْ قَيْسِ بن عَبَّادٍ، قَالَ: دَخَلْتُ مَسْجِدَ الْمَدِينَةِ، فَجَاءَ رَجُلٌ، فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ، فَتَجَوَّزَ فِيهِمَا عَلَيْهِ أَثَرٌ مِنَ الْخُشُوعِ، فَقَالَ رَجُلٌ: مَنْ سَرَّهُ أَنْ يَنْظُرَ إِلَى رَجُلٍ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ، فَلْيَنْظُرْ إِلَى هَذَا، فَاتَّبَعْتُهُ، فَأَخْبَرْتُهُ، فَقَالَ: سُبْحَانَ اللَّهِ، مَا يَنْبَغِي لأَحَدٍ أَنْ يَقُولَ مَا لا يَعْلَمُ، وَسَأُحَدِّثُكُ لِمَ ذَلِكَ،"إِنِّي رَأَيْتُ رُؤْيَا فَقَصَصْتُهَا عَلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - ، رَأَيْتُ كَأَنِّي فِي رَوْضَةٍ، فَذَكَرَ مِنْ سَعَتِهَا، وَحُسْنِهَا، وَخَضَرِهَا، فِي وَسَطِهَا عَمُودٌ مِنْ حَدِيدٍ أَسْفَلُهُ فِي الأَرْضِ، وَأَعْلاهُ فِي السَّمَاءِ، فِي رَأْسِهِ عُرْوَةٌ، فَقَالَ لِي: اصْعَدْ، فَقُلْتُ: لا أَسْتَطِيعُ، فَأَتَانِي مُنْصِبٌ، فَقَالَ بِثِيَابِي مِنْ خَلْفِي، فَصِرْتُ فِي أَعْلاهَا، فَقَالَ: اسْتَمْسِكْ، فَاسْتَيْقَظْتُ، وَإِنَّهَا لَفِي يَدِي، فَقَصَصْتُهَا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - ، فَقَالَ:"الرَّوْضَةُ: الإِسْلامُ، وَالْعَمُودُ: عَمُودُ الإِسْلامِ، وَالْعُرْوَةُ: الْوُثْقَى، فَأَنْتَ عَلَى الإِسْلامِ". فَإِذَا هُوَ عَبْدُ اللَّهِ بن سَلامٍ"(1)
__________
(1) - المعجم الكبير للطبراني - (ج 18 / ص 442)(155 ) صحيح(1/69)
وعَنْ خَرَشَةَ بن الْحُرِّ، قَالَ: قَدِمْتُ الْمَدِينَةَ، فَجَلَسْتُ إِلَى مَشْيَخَةٍ فِي مَسْجِدِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - ، فَجَاءَ شَيْخٌ يَتَوَكَّأُ عَلَى عَصًا لَهُ، فَقَالَ لَهُ بَعْضُ الْقَوْمِ: هَذَا رَجُلٌ مِنْ أَهْلَ الْجَنَّةِ، فَقَامَ خَلْفَ سَارِيَةٍ فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ، فَقُمْتُ إِلَيْهِ، فَقُلْتُ:"زَعَمَ بَعْضُ الْقَوْمِ أَنَّكَ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ، فَقَالَ: الْجَنَّةُ لِلَّهِ، يُدْخِلُهَا مَنْ يَشَاءُ، وَإِنَّنِي رَأَيْتُ رُؤْيَا عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - ، رَأَيْتُ كَأَنَّ رَجُلا أَتَانِي، فَقَالَ لِي: انْطَلِقْ، فَذَهَبَ بِي، فَأَخَذَنِي مَنْهَجًا عَظِيمًا، فَعَرَضَتْ لِي طَرِيقٌ عَنْ يَسَارِي، فَأَرَدْتُ أَسُلُكَها، فَقَالَ: إِنَّكَ لَسْتَ مِنْ أَهْلِهَا، ثُمَّ عَرَضَتْ لِي طَرِيقٌ أُخْرَى عَنْ يَمِينِي فَسَلَكْتُ، حَتَّى انْتَهَيْتُ إِلَى جَبَلٍ زَلِقٍ، فَأَخَذَ بِيَدِي، فَزَجَلَ بِي، فَإِذَا أَنَا عَلَى ذِرْوَتِهِ، فَلَمْ أَتَقَارَّ وَلَمْ أَتَمَلَّكْ، وَإِذَا أَنَا بِعَمُودٍ فِي أَعْلاهُ عُرْوَةٌ مِنْ ذَهَبٍ، فَأَخَذَ بِيَدِي، فَزَجَلَ بِي حَتَّى أَخَذْتُ بِالْعُرْوَةِ، فَقَصَصْتُهَا عَلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - ، فَقَالَ:"رَأَيْتَ خَيْرًا، أَمَّا الْمَنْهَجُ الْعَظِيمُ: فَالْمَحْشَرُ، وَأَمَّا الطَّرِيقُ الَّتِي عُرِضِتْ لَكَ عَنْ يَسَارِكَ: فَطَرِيقُ أَهْلِ النَّارِ، وَلَسْتَ مِنْ أَهْلِهَا، وَأَمَّا الطَّرِيقُ الَّتِي عُرِضَتْ لَكَ عَنْ يَمِينِكَ:فَطَرِيقُ أَهْلِ الْجَنَّةِ، وَأَمَّا الْجَبَلُ الزَّلِقُ: فَمَنْزِلَةُ الشُّهَدَاءِ، وَأَمَّا الْعُرْوَةُ الَّتِي اسْتَمْسَكْتَ بِهَا: فَعُرْوَةُ الإِسْلامِ، وَأَنْتَ مُسْتَمْسِكٌ بِهَا إِنْ شَاءَ اللَّهُ حَتَّى تَمُوتَ".(1/70)
وَأَنَا أَرْجُو أَنْ أَكُونَ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ، وَهُوَ عَبْدُ اللَّهِ بن سَلامٍ.(1)
وعَنْ خَرَشَةَ بن الْحُرِّ، قَالَ: كُنْتُ جَالِسًا فِي حَلَقَةٍ فِي مَسْجِدِ الْمَدِينَةِ فِيهَا شَيْخٌ حَسِنُ الْهَيْئَةِ، وَهُوَ عَبْدُ اللَّهِ بن سَلامٍ، فَجَعَلَ يُحَدِّثُهُمْ حَدِيثًا حَسَنًا، فَلَمَّا قَامَ، قَالَ الْقَوْمُ: مَنْ سَرَّهُ أَنْ يَنْظُرَ إِلَى رَجُلٍ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ، فَلْيَنْظُرْ إِلَى هَذَا، قُلْتُ: وَاللَّهِ لأَتْبَعَنَّهُ، فَلأَعْلَمَنَّ مَكَانَ بَيْتِهِ، قَالَ: فَتَتَبَّعْتُهُ حَتَّى كَادَ أَنْ يَخْرُجَ مِنَ الْمَدِينَةِ، ثُمَّ دَخَلَ مَنْزِلَهُ، فَاسْتَأْذَنْتُ، فَأَذِنَ لِي، فَقَالَ: مَا حَاجَتُكَ يَا ابْنَ أَخِي، قُلْتُ لَهُ: سَمِعْتُ الْقَوْمَ يَقُولُونَ لَكَ لَمَّا قُمْتَ: مَنْ سَرَّهُ أَنْ يَنْظُرَ إِلَى رَجُلٍ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ، فَلْيَنْظُرْ إِلَى هَذَا، فَأَعْجَبَنِي أَنْ أَكُونَ مَعَكَ، قَالَ: اللَّهُ أَعْلَمُ بِأَهْلِ الْجَنَّةِ، وَسَأُحَدِّثُكَ مِمَّ قَالُوا ذَلِكَ: إِنِّي بَيْنَمَا أَنَا نَائِمٌ إِذْ أَتَانِي آتٍ، فَقَالَ: قُمْ، فَأَخَذَ بِيَدِي، فَانْطَلَقْتُ مَعَهُ، فَإِذَا أَنَا بِجَوَادٍ عَلَى شِمَالِي، فَذَهَبْتُ لآخُذَ فِيهَا، فَقَالَ لِي: لا تَأْخُذْ فِيهَا، فَإِنَّهَا طُرُقُ أَصْحَابِ الشِّمَالِ، وَإِذَا جَوَادٌ عَلَى يَمِينِي، فَقَالَ لِي: خُذْ هَاهُنَا، فَأَتَيْنَا جَبَلا، فَقَالَ: اصْعَدْ فَوْقَ هَذَا، فَجَعَلْتُ إِذَا أَرَدْتُ أَنْ أَصْعَدَ خَرَرْتُ عَلَى اسْتِي، فَفَعَلْتُ ذَلِكَ مِرَارًا، ثُمَّ انْطَلَقَ بِي حَتَّى أَتَى بِي عَمُودًا رَأْسُهُ فِي السَّمَاءِ، وَأَسْفَلُهُ فِي الأَرْضِ، فِي أَعْلاهُ حَلَقَةٌ، فَقَالَ لِي: اصْعَدْ إِلَى فَوْقِ هَذَا، قُلْتُ: كَيْفَ
__________
(1) - المعجم الكبير للطبراني - (ج 18 / ص 445)(159 ) صحيح لغيره(1/71)
أَصْعَدُ فَوْقَ هَذَا وَرَأْسُهُ فِي السَّمَاءِ، فَأَخَذَ بِيَدِي فَزَجَلَ بِي، فَإِذَا أَنَا مُتَعَلِّقٌ بِالْحَلَقَةِ، ثُمَّ صَرَفَ الْعَمُودَ، فَخَرَّ، وَبَقِيتُ مُتَعَلِّقًا بِالْحَلَقَةِ حَتَّى الصُّبْحِ، فَأَتَيْتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - ، فَأَخْبَرْتُهُ، فَقَصَصْتُهَا عَلَيْهِ، قَالَ:"الطُّرُقُ الَّتِي رَأَيْتَ عَنْ يَسَارِكَ، فَهِيَ طُرُقُ أَصْحَابِ الشِّمَالِ، وَأَمَّا الطُّرُقُ الَّتِي رَأَيْتَ عَنْ يَمِينِكَ، فَهِيَ طُرُقُ أَصْحَابِ الْيَمِينِ، وَأَمَّا الْجَبَلُ: فَهُوَ مَنْزِلَةُ الشُّهُدَاءِ، وَلَنْ تَنَالَهُ، وَأَمَّا الْعَمُودُ، فَهُوَ عَمُودُ الإِسْلامِ، وَأَمَّا الْعُرْوَةُ: فَهِيَ عُرْوَةُ الإِسْلامِ، وَلَنْ تَزَالَ مُتَمِسِّكًا بِهَا حَتَّى تَمُوتَ"(1)
زيد بن حارثة رضي الله عنه ، فعَنِ ابْنِ بُرَيْدَةَ ، عَنْ أَبِيهِ ، أَنّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ : دَخَلْتُ الْبَارِحَةَ الْجَنَّةَ فَإِذَا أَنَا بِجَارِيَةٍ ، فَقُلْتُ : لِمَنْ أَنْتِ يَا جَارِيَةُ ؟ قَالَتْ : لِزَيْدِ بْنِ حَارِثَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، فَبَشَّرَهُ بِهَا حِينَ أَصْبَحَ"(2)
__________
(1) - المعجم الكبير للطبراني - (ج 18 / ص 446)(160 ) صحيح
(2) - الآحاد والمثاني(256) صحيح(1/72)
قادة غزوة مؤتة الثلاث ،فعَنْ عَبَّادِ بن عَبْدِ اللَّهِ بن الزُّبَيْرِ، قَالَ: قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي الَّذِي أَرْضَعَنِي، وَكَانَ أَحَدُ بني مُرَّةَ بن عَوْفٍ، وَكَانَ فِي تِلْكَ الْغَزَاةِ غَزْوَةِ مُؤْتَةَ، قَالَ: وَاللَّهِ، لَكَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَى جَعْفَرٍ حِينَ اقْتَحَمَ عَنْ فَرَسٍ لَهُ شَقْرَاءَ، ثُمَّ عَقَرَهَا، ثُمَّ قَاتَلَ الْقَوْمَ حَتَّى قُتِلَ، فَلَمَّا قُتِلَ جَعْفَرٌ، أَخَذَ عَبْدُ اللَّهِ بن رَوَاحَةَ الرَّايَةَ، ثُمَّ تَقَدَّمَ بِهَا وَهُوَ عَلَى فَرَسِهِ، فَجَعَلَ يَسْتَنْزِلُ نَفْسَهُ، وَيَتَرَدَّدُ بَعْضَ التَّرَدُّدِ، ثُمَّ قَالَ:
أَقْسَمْتُ يَا نَفْسُ لَتَنْزِلنَّهْ لَتَنْزِلنَّهْ طَائِعَةً أَوْ لَتُكْرَهِنَّهْ
مَالِي أَرَاكِ تَكْرَهِينَ الْجَنَّهْ إِنْ أَجْلَبَ النَّاسُ وَشدُّوُا الرَّنَّهْ
لَطَالَمَا قَدْ كُنْتِ مُطْمَئِنَّهْ هَلْ أَنْتَ إِلا نُطْفَةٌ فِي شَنَّهْ
وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بن رَوَاحَةَ:
يَا نَفْسُ إِنْ لَمْ تُقْتَلِي تَمُوتِي هَذَا حِمَامُ الْمَوْتِ قَدْ صَلِيتِ
وَمَا تَمَنَّيْتِ فَقَدْ أُعْطِيتِ إنْ تَفْعَلِي فِعْلَهُمَا هُدِيتِ(1/73)
يَعْنِي: صَاحِبَيْهِ زَيْدًا، وَجَعْفَرًا. ثُمَّ نَزَلَ، فَلَمَّا نَزَلَ أَتَاهُ ابْنُ عُمَرَ لَهُ بِعَظْمٍ مِنْ لَحْمٍ، فَقَالَ: اشْدُدْ بِهَذَا صُلْبَكَ، فَإِنَّكَ قَدْ لَقِيتَ أَيَّامَكَ هَذِهِ مَا قَدْ لَقِيتَ، فَأَخَذَهُ مَنْ يَدِهِ فَانْتَهَشَ مِنْهُ نَهْشَةً، ثُمَّسَمِعَ الْحُطَمَةَ فِي نَاحِيَةِ النَّاسِ، فَقَالَ: وَأَنْتَ فِي الدُّنْيَا، ثُمَّ أَلْقَاهَا مِنْ يَدِهِ، ثُمَّ أَخَذَ سَيْفَهُ، فَتَقَدَّمَ، فَقَاتَلَ، حَتَّى قُتِلَ، فَأَخَذَ الرَّايَةَ ثَابِتُ بن أَقْرَمَ أَحَدُ بَلْعَجْلانَ، وَقَالَ: يَا أَيُّهَا النَّاسُ، اصْطَلِحُوا عَلَى رَجُلٍ مِنْكُمْ، قَالُوا: أَنْتَ. قَالَ: مَا أَنَا بِفَاعِلٍ. فَاصْطَلَحَ النَّاسُ عَلَى خَالِدِ بن الْوَلِيدِ، فَلَمَّا أَخَذَ الرَّايَةَ دَافَعَ الْقَوْمَ، ثُمَّ انْحَازَ، حَتَّى انَصَرَفَ بِالنَّاسِ، وَلَمَّا أُصِيبُوا، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - :"أَخَذَ الرَّايَةَ زَيْدُ بن حَارِثَةَ، فَقَاتَلَ بِهَا حَتَّى قُتِلَ شَهِيدًا، ثُمَّ أَخَذَهَا جَعْفَرٌ، فَقَاتَلَ بِهَا حَتَّى قُتِلَ شَهِيدًا". ثُمَّ صَمَتَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - ، حَتَّى تَغَيَّرَتْ وُجُوهُ الأَنْصَارِ، وَظَنُّوا أَنَّهُ كَانَ فِي عَبْدِ اللَّهِ بن رَوَاحَةَ بَعْضَ مَا يَكْرَهُونَ، قَالَ:"ثُمَّ أَخَذَهَا عَبْدُ اللَّهِ بن رَوَاحَةَ، فَقَاتَلَ بِهَا حَتَّى قُتِلَ شَهِيدًا"، ثُمَّ قَالَ:"لَقَدْ رُفِعُوا لِي فِي الْجَنَّةِ فِيمَا يَرَى النَّائِمَ عَلَى سُرُرٍ مِنْ ذَهَبٍ، فَرَأَيْتُ فِي سَرِيرِ عَبْدِ اللَّهِ بن رَوَاحَةَ ازْوِرَارًا عَنْ سَرِيرَيْ صَاحِبَيْهِ، فَقُلْتُ: بِمَ هَذَا؟ فَقِيلَ لِي: مَضَيَا، وَتَرَدَّدَ عَبْدُ اللَّهِ بن رَوَاحَةَ بَعْضَ التَّرَدُّدِ، وَمَضَى".(1)
__________
(1) - المعجم الكبير للطبراني - (ج 18 / ص 474)(196) حسن(1/74)
الرجل الأسود ،فعَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، أَنَّ رَجُلا أَسْوَدَ أَتَى النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - ، فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، إِنِّي رَجُلٌ أَسْوَدُ ، مُنْتِنُ الرِّيحِ ، قَبِيحُ الْوَجْهِ ، لاَ مَالَ لِي ، فَإِنْ أَنَا قَاتَلْتُ هَؤُلاءِ حَتَّى أُقْتَلَ ، فَأَيْنَ أَنَا ؟ قَالَ : فِي الْجَنَّةِ ، فَقَاتَلَ حَتَّى قُتِلَ ، فَأَتَاهُ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ : قَدْ بَيَّضَ اللَّهُ وَجْهَكَ ، وَطَيَّبَ رِيحَكَ ، وَأَكْثَرَ مَالَكَ ، وَقَالَ لِهَذَا أَوْ لِغَيْرِهِ : لَقَدْ رَأَيْتُ زَوْجَتَهُ مِنَ الْحُورِ الْعِينِ ، نَازَعَتْهُ جُبَّةً لَهُ مِنْ صُوفٍ ، تَدْخُلُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ جُبَّتِهِ"(1)
__________
(1) - المستدرك للحاكم(2463) صحيح(1/75)
عَمْرُو بْنُ الْجَمُوحِ ، فعَنْ أَشْيَاخٍ مِنْ بَنِى سَلَمَةَ قَالُوا : كَانَ عَمْرُو بْنُ الْجَمُوحِ أَعْرَجَ شَدِيدَ الْعَرَجِ وَكَانَ لَهُ أَرْبَعَةُ بَنُونَ شَبَابٌ يَغْزُونَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - إِذَا غَزَا فَلَمَّا أَرَادَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَتَوَجَّهُ إِلَى أُحُدٍ قَالَ لَهُ بَنُوهُ إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ قَدْ جَعَلَ لَكَ رُخْصَةً فَلَو قَعَدْتَ فَنَحْنُ نَكْفِيكَ فَقَدْ وَضَعَ اللَّهُ عَنْكَ الْجِهَادَ فَأَتَى عَمْرُو بْنُ الْجَمُوحِ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ بَنِىَّ هَؤُلاَءِ يَمْنَعُونِى أَنْ أَخْرُجَ مَعَكَ وَاللَّهِ إِنِّى لأَرْجُو أَنْ أُسَتَشْهَدَ فَأَطَأَ بِعُرْجَتِى هَذِهِ فِى الْجَنَّةِ. فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - :« أَمَّا أَنْتَ فَقَدْ وَضَعَ اللَّهُ عَنْكَ الْجِهَادَ ». وَقَالَ لِبَنِيهِ :« وَمَا عَلَيْكُمْ أَنْ تَدْعُوهُ لَعَلَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يَرْزُقُهُ الشَّهَادَةَ؟ ». فَخَرَجَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فَقُتِلَ يَوْمَ أُحُدٍ شَهِيدًا.(1)
__________
(1) - السنن الكبرى للبيهقي (ج 9 / ص 24)(18277) حسن(1/76)
وعَنْ أَبِى قَتَادَةَ، أَنَّهُ حَضَرَ ذَلِكَ، قَالَ: أَتَى عَمْرُو بْنُ الْجَمُوحِ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَرَأَيْتَ إِنْ قَاتَلْتُ فِى سَبِيلِ اللَّهِ حَتَّى أُقْتَلَ أَمْشِى بِرِجْلِى هَذِهِ صَحِيحَةً فِى الْجَنَّةِ؟ وَكَانَتْ رِجْلُهُ عَرْجَاءَ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : نَعَمْ، فَقُتِلُوا يَوْمَ أُحُدٍ هُوَ وَابْنُ أَخِيهِ، وَمَوْلًى لَهُمْ، فَمَرَّ عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - ، فَقَالَ: كَأَنِّى أَنْظُرُ إِلَيْكَ تَمْشِى بِرِجْلِكَ هَذِهِ صَحِيحَةً فِى الْجَنَّةِ، فَأَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - بِهِمَا وَبِمَوْلاهُمَا فَجُعِلُوا فِى قَبْرٍ وَاحِدٍ.(1)
وعن جَابِر ، قالَ : جَاءَ عَمْرُو بْنُ الْجَمُوحِ إِلَى رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَوْمَ أُحُدٍ ، فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللهِ ، مَنْ قُتِلَ الْيَوْمَ دَخَلَ الْجَنَّةَ ؟ قَالَ : نَعَمْ. ، قَالَ : فَوَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ ، لاَ أَرْجِعُ إِلَى أَهْلِي حَتَّى أَدْخُلَ الْجَنَّةَ ، فَقَالَ لَهُ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ : يَا عَمْرُو ، لاَ تَألَّ عَلَى اللهِ ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - : مَهْلاً يَا عُمَرُ ، فَإِنَّ مِنْهُمْ مَنْ لَوْ أَقْسَمَ عَلَى اللهِ لَأَبَرَّهُ : مِنْهُمْ عَمْرُو بْنُ الْجَمُوحِ ، يَخُوضُ فِي الْجَنَّةِ بِعَرْجَتِهِ.(2)
__________
(1) - غاية المقصد فى زوائد المسند(3797 ) صحيح
(2) - صحيح ابن حبان - (ج 15 / ص 493)(7024) صحيح(1/77)
زيد بن عمرو بن نفيل : روى ابن عساكر عن عائشة قالت: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : ( دَخلْتُ الْجَنَّة فَرأيتُ لِزَيدٍ بنِ عِمرو بنِ نُفَيلٍ دَرجتَينِ)(1)، وزيد هذا كان يدعو إلى التوحيد في الجاهلية ، وكان على الحنيفية ملة إبراهيم عليه السلام
الرميصاء أم أنس بن مالك ، فعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - « دَخَلْتُ الْجَنَّةَ فَسَمِعْتُ خَشْخَشَةً بَيْنَ يَدَىَّ فَإِذَا هِىَ الْغُمَيْصَاءُ بِنْتُ مِلْحَانَ أُمُّ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ »(2).
وعَنْ أَنَسٍ عَنِ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ « دَخَلْتُ الْجَنَّةَ فَسَمِعْتُ خَشْفَةً فَقُلْتُ مَنْ هَذَا قَالُوا هَذِهِ الْغُمَيْصَاءُ بِنْتُ مِلْحَانَ أُمُّ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ »(3).
بلال المؤذن ، فعَنْ بُرَيْدَةَ ، أَنّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ : سَمِعْتُ حَشَفَةً أَمَامِي ، فَقُلْتُ : مَنْ هَذَا ؟ فَقَالُوا : بِلالٌ ، فَأَخْبَرَهُ ، وَقَالَ : بِمَ سَبَقْتَنِي إِلَى الْجَنَّةِ ؟ قَالَ : يَا رَسُولَ اللهِ ، مَا أَحْدَثْتُ إِلا تَوَضَّأْتُ ، وَلا تَوَضَّأْتُ إِلا رَأَيْتُ أَنَّ لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ رَكْعَتَيْنِ أُصَلِّيهِمَا قَالَ : بِهَا "(4)
__________
(1) - أخرجه : ابن عساكر (19/512) والصحيحة (1406) وصحيح الجامع (3367) حسن
(2) - مسند أحمد (12279) صحيح -الخشخشة : صوت احتكاك الشىء اليابس
(3) - صحيح مسلم (6474 ) - الخشفة : حركة المشى وصوته
(4) - الآحاد والمثاني (263) صحيح(1/78)
وعَنْ بُرَيْدَةَ ، أَنّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ : سَمِعْتُ خَشْفَةً أَمَامِي حِينَ دَخَلْتُ الْجَنَّةَ ، فَقُلْتُ : مَنْ هَذَا ؟ قَالُوا : بِلالٌ ، فَأَخْبَرَهُ ، فَقَالَ : بِمَ تَسْبِقُنِي إِلَى الْجَنَّةِ ؟ فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، مَا أَحْدَثْتُ إِلا تَوَضَّأْتُ ، وَلا تَوَضَّأْتُ إِلا صَلَّيْتُ عَلَى أَثَرِ الْوُضُوءِ رَكْعَتَيْنِ.(1)
وعَنْ برَيْدَةَ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - : مَا دَخَلْتُ الْجَنَّةَ إِلاَّ سَمِعْتُ خَشْخَشَةً ، فَقُلْتُ : مَنْ هَذَا ؟ فَقَالُوا : بِلاَلٌ ، ثُمَّ مَرَرْتُ بِقَصْرٍ مُشَيَّدٍ بَدِيعٍ ، فَقُلْتُ : لِمَنْ هَذَا ؟ قَالُوا : لِرَجُلٍ مِنْ أُمَّةِ مُحَمَّدٍ - صلى الله عليه وسلم - ، فَقُلْتُ : أَنَا مُحَمَّدٌ ، لِمَنْ هَذَا الْقَصْرُ ؟ قَالُوا : لِرَجُلٍ مِنَ الْعَرَبِ ، فَقُلْتُ : أَنَا عَرَبِيٌّ ، لِمَنْ هَذَا الْقَصْرُ ؟ قَالُوا : لِعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، فَقَالَ لِبِلاَلٍ : بِمَ سَبَقْتَنِي إِلَى الْجَنَّةِ ؟ قَالَ : مَا أَحْدَثْتُ إِلاَّ تَوَضَّأْتُ ، وَمَا تَوَضَّأْتُ إِلاَّ صَلَّيْتُ ، وَقَالَ لِعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : لَوْلاَ غَيْرَتُكَ لَدَخَلْتُ الْقَصْرَ ، فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللهِ ، لَمْ أَكُنْ لأَغَارَ عَلَيْكَ.(2)
وعَنْ جَابِرٍ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - : أُدْخِلْتُ الْجَنَّةَ ، فَسَمِعْتُ خَشْفَةً أَمَامِي ، فَقُلْتُ : مَنْ هَذَا ؟ قَالَ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلاَمُ : هَذَا بِلاَلٌ.(3)
__________
(1) - المعجم الكبير للطبراني - (ج 1 / ص 435)(1005) صحيح
(2) - صحيح ابن حبان - (ج 15 / ص 561)(7086) صحيح
(3) - صحيح ابن حبان - (ج 15 / ص 559)(7084) صحيح(1/79)
وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ : لَيْلَةَ أُسْرِيَ بِنَبِيِّ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - دَخَلَ الْجَنَّةَ ، فَسَمِعَ وَجْسًا ، فَقَالَ : " يَا جِبْرِيلُ ، مِنْ هَذَا ؟ " . قَالَ : هَذَا بِلَالٌ الْمُؤَذِّنُ ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - لِلنَّاسِ حِينَ جَاءَ : " قَدْ أَفْلَحَ بِلَالٌ ، رَأَيْتُ لَهُ كَذَا وَكَذَا "(1).
حارثة بن النعمان ، فعَنْ عَائِشَةَ ، أَنّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ : دَخَلْتُ الْجَنَّةَ ، فَسَمِعْتُ فِيهَا قِرَاءَةً ، فَقُلْتُ : مَا هَذِهِ ؟ قَالُوا : حَارِثَةُ بْنُ النُّعْمَانِ ، كَذَاكُمُ الْبِرُّ ، كَذَاكُمُ الْبِرُّ ، كَذَاكُمُ الْبِرُّ ، وَكَانَ بَرًّا بِأُمِّهِ"(2)
وعن أبي هريرة رضي الله عنه ، قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : « بينا أنا أمشي في الجنة سمعت صوت رجل بالقرآن فقلت : من هذا ؟ قالوا : هذا حارثة بن النعمان ، كذلكم البر كذلكم البر »(3)البر : اسم جامع لكل معاني الخير والإحسان والصدق والطاعة وحسن الصلة والمعاملة
__________
(1) - مسند أحمد (2366) والصحيحة (1405) والإتحاف 9/279 وصحيح الجامع (3372) صحيح لغيره
(2) - مسند أبي يعلى الموصلي(4425) و والحميدي (285) ومجمع 9/313 وصحيح الجامع (3371) صحيح
(3) - خلق أفعال العباد للبخاري(245 ) صحيح(1/80)
أبو الدحداح :روى مسلم في صحيحه عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ قَالَ صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - عَلَى ابْنِ الدَّحْدَاحِ ثُمَّ أُتِىَ بِفَرَسٍ عُرْىٍ فَعَقَلَهُ رَجُلٌ فَرَكِبَهُ فَجَعَلَ يَتَوَقَّصُ بِهِ وَنَحْنُ نَتَّبِعُهُ نَسْعَى خَلْفَهُ - قَالَ - فَقَالَ رَجُلٌ مِنَ الْقَوْمِ إِنَّ النَّبِىَّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ « كَمْ مِنْ عِذْقٍ مُعَلَّقٍ - أَوْ مُدَلًّى - فِى الْجَنَّةِ لاِبْنِ الدَّحْدَاحِ ». أَوْ قَالَ شُعْبَةُ « لأَبِى الدَّحْدَاحِ »(1).
وعَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ أَنَّ رَجُلا أَتَى أَتَى النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - ، فَقَالَ:يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ لِفُلانٍ نَخْلَةً وَأَنَا أُقِيمُ حَائِطِي بِهَا فَأَمْرُهْ أَنْ يُعْطِينِي إِيَّاهَا حَتَّى أُقِيمَ بِهَا حَائِطِي، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : أَعْطِهَا إِيَّاهُ بنخْلَةٍ فِي الْجَنَّةِ، فَأَبَى، فَأَتَى أَبُو الدَّحْدَاحِ الرَّجُلَ، فَقَالَ: بِعْنِي نَخْلَتَكَ بِحَائِطِي، فَفَعَلَ، فَأَتَى أَبُو الدَّحْدَاحِ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِإِنِّي قَدِ ابْتَعْتُ النَّخْلَةَ بِحَائِطِي، فَاجْعَلْهَا لَهُ وَقَدْ أَعْطَيْتُكَهَا، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : كَمْ مِنْ عِذْقِ رَدَاحٍ لأَبِي الدَّحْدَاحِ مِرَارًا، فَأَتَى أَبُو الدَّحْدَاحِ امْرَأَتَهُ، فَقَالَ: يَا أُمَّ الدَّحْدَاحِ اخْرُجِي مِنَ الْحَائِطِ فَقَدْ بِعْتُهُ بنخْلَةٍ فِي الْجَنَّةِ، فَقَالَتْ: رَبِحَ الْبَيْعُ أَوْ كَلِمَةً تُشْبِهُهَا.(2)
__________
(1) - صحيح مسلم (2283 )
العذق : غصن النخلة فيه التمر كالعنقود من العنب -العرى : لا سرج عليه -عَقل : أمسكه له وحبسه -يتوقص : يتوثب ويقارب الخطو
(2) - المعجم الكبير للطبراني - (ج 16 / ص 165)(18214 ) صحيح(1/81)
وعَنْ أَبِي مَسْعُودٍ، قَالَ:لَمَّا نَزَلَتْ: "مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا"[الحديد آية 11] ، قَالَ أَبُو الدَّحْدَاحِ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُرِيدُ مِنَّا الْقَرْضَ؟ قَالَ: نَعَمْ، يَا أَبَا الدَّحْدَاحِ، قَالَ: أَرِنِي يَدَكَ، فَنَاوَلَهُ يَدَهُ، فَقَالَ: إِنِّي قَدْ أَقْرَضْتُ رَبِّي حَائِطِي، وَفِي حَائِطِي سِتَّ مِائَةٍ نَخْلَةٍ، ثُمَّ جَاءَ إِلَى الْحَائِطِ فَنَادَى يَا أُمَّ الدَّحْدَاحِ، وَهِيَ فِي الْحَائِطِ، فَقَالَتْ: لَبَّيْكَ، فَقَالَ: اخْرُجِي فَقَدْ أَقْرَضْتُهُ رَبِّي.(1)
ورقة بن نوفل ، فعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا ، أَنّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - ، قَالَ : لاَ تَسُبُّوا وَرَقَةَ فَإِنِّي رَأَيْتُ لَهُ جَنَّةً أَوْ جَنَّتَيْنِ "(2)
وورقة بن نوفل آمن بالرسول - صلى الله عليه وسلم - عندما جاءته خديجة بالرسول - صلى الله عليه وسلم - في أول أمره ، وتمنى على الله أن يدرك ظهور أمر الرسول - صلى الله عليه وسلم - لينصره.
ـــــــــــــــ
المبحث السابع
أسياد أهل الجنة
سيدا كهول أهل الجنة، فعَنْ عَوْنِ بْنِ أَبِي جُحَيْفَةَ ، عَنْ أَبِيهِ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - : أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرَ سَيِّدَا كُهُولِ أَهْلِ الْجَنَّةِ مِنَ الأَوَّلِينَ وَالآخِرِينَ إِلاَّ النَّبِيِّينَ وَالْمُرْسَلِينَ.(3)
__________
(1) - المعجم الكبير للطبراني - (ج 16 / ص 165)(18215 ) ومجمع الزوائد ( 10870 و15792) صحيح لغيره
(2) - المستدرك للحاكم ( 4211) ومجمع 9/416 وفتح 8/720 والصحيحة ( 405) وصحيح الجامع ( 7320 ) صحيح
(3) - صحيح ابن حبان - (ج 15 / ص 330)(6904) صحيح لغيره(1/82)
وعَنْ عَلِىٍّ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - « أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ سَيِّدَا كُهُولِ أَهْلِ الْجَنَّةِ مِنَ الأَوَّلِينَ وَالآخِرِينَ إِلاَّ النَّبِيِّينَ وَالْمُرْسَلِينَ لاَ تُخْبِرْهُمَا يَا عَلِىُّ مَا دَامَا حَيَّيْنِ »(1).
وعَنْ عَوْنِ بن أَبِي جُحَيْفَةَ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - :أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ سَيِّدَا كُهُولِ أَهْلِ الْجَنَّةِ مِنَ الأَوَّلِينَ، وَالأَخِرِينَ مَا خَلا النَّبِيِّينَ وَالْمُرْسَلِينَ.(2)
وعَنْ عَلِىِّ بْنِ أَبِى طَالِبٍ قَالَ كُنْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - إِذْ طَلَعَ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - « هَذَانِ سَيِّدَا كُهُولِ أَهْلِ الْجَنَّةِ مِنَ الأَوَّلِينَ وَالآخِرِينَ إِلاَّ النَّبِيِّينَ وَالْمُرْسَلِينَ يَا عَلِىُّ لاَ تُخْبِرْهُمَا ».(3)
وعَنْ عَلِيٍّ ، قَالَ : كُنْتُ جَالِسًا عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فَأَقْبَلَ أَبُو بَكْرٍ ، وَعُمَرُ ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : هَذَانِ سَيِّدَا كُهُولِ أَهْلِ الْجَنَّةِ مِنَ الأَوَّلِينَ وَالآخِرِينَ إِلا النَّبِيِّينَ وَالْمُرْسَلِينَ ، يَا عَلِيُّ ، لا تُخْبِرْهُمَا"(4)
وعَنْ عَلِيٍّ ، قَالَ : كُنْتُ عِنْدَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - فَأَقْبَلَ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ ، فَقَالَ : هَذَانِ سَيِّدَا كُهُولِ أَهْلِ الْجَنَّةِ مِنَ الأَوَّلِينَ ، وَالآخِرِينَ ، إِلا النَّبِيِّينَ وَالْمُرْسَلِينَ"(5)
__________
(1) - سنن ابن ماجه(100 ) صحيح لغيره
(2) المعجم الكبير للطبراني - (ج 15 / ص 478)(17717) صحيح لغيره
(3) - سنن الترمذى(4027 ) و(4028 ) صحيح لغيره
(4) - مسند أبي يعلى الموصلي(533) صحيح
(5) - مسند أبي يعلى الموصلي (624) صحيح(1/83)
وعَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - ، قَالَ : كُنْتُ مَعَهُ ، فَأَقْبَلَ أَبُو بَكْرٍ ، وَعُمَرُ ، فَقَالَ : هَذَانِ سَيِّدَا كُهُولِ أَهْلِ الْجَنَّةِ مِنَ الأَوَّلِينَ وَالآخِرِينَ إِلاَّ النَّبِيِّينَ وَالْمُرْسَلِينَ ،(1)
وعَنْ أَنَسٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - لأَبِى بَكْرٍ وَعُمَرَ « هَذَانِ سَيِّدَا كُهُولِ أَهْلِ الْجَنَّةِ مِنَ الأَوَّلِينَ وَالآخِرِينَ إِلاَّ النَّبِيِّينَ وَالْمُرْسَلِينَ ».(2)
وعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - : أَبُو بَكْرٍ ، وَعُمَرُ سَيِّدَا كُهُولِ أَهْلِ الْجَنَّةِ"(3)
وعَنْ جَابِرٍ ، قَالَ : قَالَ عَلِيٌّ : كُنْتُ عِنْدَ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - ، فَأَقْبَلَ أَبُو بَكْرٍ ، وَعُمَرُ ، فَقَالَ : هَذَانِ سَيِّدَا كُهُولِ أَهْلِ الْجَنَّةِ مِنَ الأَوَّلِينَ وَالآخِرِينَ ، إِلاَّ النَّبِيِّينَ وَالْمُرْسَلِينَ ، لاَ تُخْبِرْهُمَا يَا عَلِيُّ.(4)
وعَنْ عَلِىٍّ قَالَ كُنْتُ عِنْدَ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - فَأَقْبَلَ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ فَقَالَ « يَا عَلِىُّ هَذَانِ سَيِّدَا كُهُولِ أَهْلِ الْجَنَّةِ وَشَبَابِهَا بَعْدَ النَّبِيِّينَ وَالْمُرْسَلِينَ »(5).
__________
(1) - مسند البزار (831) صحيح لغيره
(2) - سنن الترمذى(4026) ومسند البزار(7224) صحيح لغيره
(3) - المعجم الصغير للطبراني(976) صحيح لغيره
(4) - مسند البزار (490) صحيح
(5) - مسند أحمد (612) صحيح لغيره(1/84)
قال أبو جعفر : وأسنان الكهول يدخل في أسنان الشباب ، لأنه يقال : شاب كهل ، فيجعل كهلا وهو شاب ، ولا يقال شيخ كهل ، إنما يكون شيخا بعدما يخرج من التكهل ، والتكهل هو آخر مدة الشباب ، ومنه قالوا : قد اكتهل هذا الزرع ، يعنون : إذا بلغ الحال الذي يحصد مثله عليها ، والله نسأله التوفيق(1)
وَقَالَ الْجَزَرِيُّ فِي النِّهَايَةِ: الْكَهْلُ مِنَ الرِّجَالِ مَنْ زَادَ عَلَى ثَلَاثِينَ سَنَةً إِلَى الْأَرْبَعِينَ وَقِيلَ مِنْ ثَلَاثٍ وَثَلَاثِينَ إِلَى تَمَامِ الْخَمْسِينَ ، وَقَدْ اُكْتُهِلَ الرَّجُلُ وَكَاهَلَ إِذَا بَلَغَ الْكُهُولَةَ فَصَارَ كَهْلًا ، وَقِيلَ أَرَادَ بِالْكَهْلِ هَهُنَا الْحَلِيمُ الْعَاقِلُ أَيْ أَنَّ اللَّهَ يُدْخِلُ أَهْلَ الْجَنَّةِ الْجَنَّةَ حُلَمَاءَ عُقَلَاءَ(2).
فَاعْتُبِرَ مَا كَانُوا عَلَيْهِ فِي الدُّنْيَا حَالَ هَذَا الْحَدِيثِ، وَإِلَّا لَمْ يَكُنْ فِي الْجَنَّةِ كَهْلٌ كَقَوْلِهِ تَعَالَى { وَآتُوا الْيَتَامَى أَمْوَالَهُمْ } .
وَقِيلَ: سَيِّدَا مَنْ مَاتَ كَهْلًا مِنَ الْمُسْلِمِينَ فَدَخَلَ الْجَنَّةَ ، لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهَا كَهْلٌ ،بَلْ مَنْ يَدْخُلُهَا اِبْنَ ثَلَاثٍ وَثَلَاثِينَ ، وَإِذَا كَانَا سَيِّدَيْ الْكُهُولِ فَمِنْ أَوْلَى أَنْ يَكُونَا سَيِّدَيْ شَبَابِ أَهْلِهَا اِنْتَهَى . قُلْت وَقَعَ فِي رِوَايَةِ أَحْمَدَ : هَذَانِ سَيِّدَا كُهُولِ أَهْلِ الْجَنَّةِ وَشَبَابِهَا بَعْدَ النَّبِيِّينَ وَالْمُرْسَلِينَ "(3)
سيدا شباب أهل الجنة ، فعَنْ أَبِى سَعِيدٍ الْخُدْرِىِّ رضى الله عنه قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - « الْحَسَنُ وَالْحُسَيْنُ سَيِّدَا شَبَابِ أَهْلِ الْجَنَّةِ »(4).
__________
(1) - مشكل الآثار للطحاوي(1680 )
(2) - تحفة الأحوذي - (ج 9 / ص 75)
(3) - تحفة الأحوذي - (ج 9 / ص 76)
(4) - سنن الترمذى(4136 ) صحيح(1/85)
وعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، عن النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - أَنَّهُ قَالَ : الْحَسَنُ وَالْحُسَيْنُ سَيِّدَا شَبَابِ أَهْلِ الْجَنَّةِ إِلاَّ ابْنَيِ الْخَالَةِ"(1)
وعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - ، قَالَ : الْحَسَنُ وَالْحُسَيْنُ سَيِّدَا شَبَابِ أَهْلِ الْجَنَّةِ ، إِلاَّ ابْنَيِ الْخَالَةِ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ ، وَيَحْيَى بْنَ زَكَرِيَّا.(2)
وعَنْ أَبِى سَعِيدٍ الْخُدْرِىِّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : الْحَسَنُ وَالْحُسَيْنُ سَيِّدَا شَبَابِ أَهْلِ الْجَنَّةِ، وَفَاطِمَةُ سَيِّدَةُ نِسَائِهِمْ، إِلاَّ مَا كَانَ لِمَرْيَمَ بِنْتِ عِمْرَانَ.(3)
وعَنْ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : الْحَسَنُ وَالْحُسَيْنُ سَيِّدَا شَبَابِ أَهْلِ الْجَنَّةِ ، وَأَبُوهُمَا خَيْرٌ مِنْهُمَا"(4)
وعَنْ حُذَيْفَةَ ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - ، قَالَ : أَتَانِي جِبْرِيلُ - صلى الله عليه وسلم - ، فَقَالَ : إِنَّ الْحَسَنَ وَالْحُسَيْنَ سَيِّدَا شَبَابِ أَهْلِ الْجَنَّةِ"(5)
__________
(1) - المستدرك للحاكم (4778) صحيح وقال : هَذَا حَدِيثٌ قَدْ صَحَّ مِنْ أَوْجُهٍ كَثِيرَةٍ ، وَأَنَا أَتَعْجَبُ أَنَّهُمَا لَمْ يُخَرِّجَاهُ
(2) - صحيح ابن حبان - (ج 15 / ص 411)(6959) صحيح
(3) - غاية المقصد فى زوائد المسند(3724 ) صحيح لغيره
(4) - المستدرك للحاكم (4779) صحيح
(5) - المستدرك للحاكم(5630) صحيح(1/86)
وعَنْ حُذَيْفَةَ قَالَ سَأَلَتْنِى أُمِّى مَتَى عَهْدُكَ - تَعْنِى - بِالنَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - . فَقُلْتُ مَا لِى بِهِ عَهْدٌ مُنْذُ كَذَا وَكَذَا. فَنَالَتْ مِنِّى فَقُلْتُ لَهَا دَعِينِى آتِى النَّبِىَّ - صلى الله عليه وسلم - فَأُصَلِّىَ مَعَهُ الْمَغْرِبَ وَأَسْأَلُهُ أَنْ يَسْتَغْفِرَ لِى وَلَكِ. فَأَتَيْتُ النَّبِىَّ - صلى الله عليه وسلم - فَصَلَّيْتُ مَعَهُ الْمَغْرِبَ فَصَلَّى حَتَّى صَلَّى الْعِشَاءَ ثُمَّ انْفَتَلَ فَتَبِعْتُهُ فَسَمِعَ صَوْتِى فَقَالَ « مَنْ هَذَا حُذَيْفَةُ ». قُلْتُ نَعَمْ. قَالَ « مَا حَاجَتُكَ غَفَرَ اللَّهُ لَكَ وَلأُمِّكَ ». قَالَ « إِنَّ هَذَا مَلَكٌ لَمْ يَنْزِلِ الأَرْضَ قَطُّ قَبْلَ هَذِهِ اللَّيْلَةِ اسْتَأْذَنَ رَبَّهُ أَنْ يُسَلِّمَ عَلَىَّ وَيُبَشِّرَنِى بِأَنَّ فَاطِمَةَ سَيِّدَةُ نِسَاءِ أَهْلِ الْجَنَّةِ وَأَنَّ الْحَسَنَ وَالْحُسَيْنَ سَيِّدَا شَبَابِ أَهْلِ الْجَنَّةِ »(1).
وعَنْ حُذَيْفَةَ ، قَالَ : أَتَيْتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - فَصَلَّيْتُ مَعَهُ الْمَغْرِبَ ، ثُمَّ قَامَ يُصَلِّي حَتَّى صَلَّى الْعِشَاءَ ، ثُمَّ خَرَجَ ، فَاتَّبَعْتُهُ ، فَقَالَ : عَرَضَ لِي مَلَكٌ اسْتَأْذَنَ رَبَّهُ أَنْ يُسَلِّمَ عَلَيَّ ، وَبَشَّرَنِي أَنَّ الْحَسَنَ وَالْحُسَيْنَ سَيِّدَا شَبَابِ أَهْلِ الْجَنَّةِ.(2)
__________
(1) - سنن الترمذى(4150 ) حسن
(2) - صحيح ابن حبان - (ج 15 / ص 413)(6960) صحيح(1/87)
وعَنْ حُذَيْفَةَ , قَالَ : أَتَيْتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - فَصَلَّيْت مَعَهُ الْمَغْرِبَ , ثُمَّ قَامَ يُصَلِّي حَتَّى صَلَّى الْعِشَاءَ , ثُمَّ خَرَجَ فَاتَّبَعْتُهُ , فَقَالَ : مَلَكٌ عَرَضَ لِي اسْتَأْذَنَ رَبَّهُ أَنْ يُسَلِّمَ عَلَيَّ وَيُبَشِّرَنِي أَنَّ الْحَسَنَ وَالْحُسَيْنَ سَيِّدَا شَبَابِ أَهْلِ الْجَنَّةِ.(1)
وعَنْ حُذَيْفَةَ قَالَ أَتَيْتُ النَّبِىَّ - صلى الله عليه وسلم - فَصَلَّيْتُ مَعَهُ الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ وَالْمَغْرِبَ وَالْعِشَاءَ ثُمَّ تَبِعْتُهُ وَهُوَ يُرِيدُ يَدْخُلُ بَعْضَ حُجَرِهِ فَقَامَ وَأَنَا خَلْفَهُ كَأَنَّهُ يُكَلِّمُ أَحَداً - قَالَ - ثُمَّ قَالَ « مَنْ هَذَا ». قُلْتُ حُذَيْفَةُ.قَالَ « أَتَدْرِى مَنْ كَانَ مَعِى ». قُلْتُ لاَ. قَالَ « فَإِنَّ جِبْرِيلَ جَاءَ يُبَشِّرُنِى أَنَّ الْحَسَنَ وَالْحُسَيْنَ سَيِّدَا شَبَابِ أَهْلِ الْجَنَّةِ ». قَالَ فَقَالَ حُذَيْفَةُ فَاسْتَغْفِرْ لِى وَلأُمِّى. قَالَ « غَفَرَ اللَّهُ لَكَ يَا حُذَيْفَةُ وَلأُمِّكَ ».(2)
وعَنْ عَلِيٍّ , قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - : الْحَسَنُ وَالْحُسَيْنُ سَيِّدَا شَبَابِ أَهْلِ الْجَنَّةِ.(3)
وقد ورد من طرق كثيرة تبلغ مبلغ التواتر(4)
__________
(1) مصنف ابن أبي شيبة(ج 12 / ص 96)(32841) صحيح
(2) - مسند أحمد(24034) صحيح
(3) - مصنف ابن أبي شيبة (ج 12 / ص 97)(32843) صحيح لغيره
(4) - انظر :مجمع الزوائد ( 15082-15093 )(1/88)
قال أبو جعفر فقال قائل كيف تقبلون هذا عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مع علمكم أن هذا القول كان منه والحسن والحسين يومئذ طفلان ليسا بشابين وإنما هذا القول إخبار أنهما سيدا شباب أهل الجنة وليسا حينئذ من الشباب فكذا جوابنا له في ذلك بتوفيق الله عز وجل وعونه أنهما قد كانا في الوقت الذي كان من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - هذا القول فيهما ليسا بشابين كما ذكرت، ولكن بمعنى أنهما سيكونان شابين سيدي شباب أهل الجنة، وكان منه - صلى الله عليه وسلم - علما من أعلام نبوته؛ لأنه أخبر أنهما يكونان شابين في المستأنف ،وذلك لا يكون منه إلا بإعلام الله عز وجل إياه أنه سيكون ويكونان به كما قال، ولولا ذلك لما قال فيهما ذلك القول، إذ كانا لولا ذلك القول قد يجوز عنده أن يموتا قبل أن يكونا شابين أو يموت أحدهما قبل ذلك، ولما كان له - صلى الله عليه وسلم - أن يقول لهما ذلك القول، فكان فيه حقيقة بلوغهما أن يكونا كما قال عقلنا أن ذلك إنما جاز له لإعلام الله عز وجل إياه أنه كائن فيهما ، فأما قوله عليه أفضل الصلاة والسلام إلا ابني الخالة عيسى ابن مريم ويحيى فلاستثنائه إياهما يومئذ من شباب أهل الجنة بتحقيقه الشباب لهما لأنهما خرجا من الدنيا وهما كذلك والله الموفق"(1)
__________
(1) - بيان مشكل الآثار ـ الطحاوى - (ج 5 / ص 93)(1/89)
سيدات نساء أهل الجنة، السيدة الفاضلة هي التي يرضى عنها ربها، ويتقبلها بقبول حسن، وأفضل النساء هن اللواتي يحزن جنات النعيم، ونساء أهل الجنة يتفاضلن ، وسيدات نساء أهل الجنة : خديجة ، وفاطمة ، ومريم ، وآسية بنت مزاحم ، فعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا ، قَالَ : خَطَّ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - أَرْبَعَ خُطُوطٍ ، ثُمَّ قَالَ : أَتَدْرُونَ مَا هَذَا ؟ قَالُوا : اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ ، قَالَ : إِنَّ أَفْضَلَ نِسَاءِ أَهْلِ الْجَنَّةِ خَدِيجَةُ بِنْتُ خُوَيْلِدٍ ، وَفَاطِمَةُ بِنْتُ مُحَمَّدٍ ، وَمَرْيَمُ بِنْتُ عِمْرَانَ ، وَآسِيَةُ بِنْتُ مُزَاحِمٍ امْرَأَةُ فِرْعَوْنَ مَعَ مَا قَصَّ اللَّهُ عَلَيْنَا مِنْ خَبَرِهَا فِي الْقُرْآنِ ، قَالَتْ رَبِّ ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ وَنَجِّنِي مِنْ فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ وَنَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ "(1)
وعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا ، قَالَ : خَطَّ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فِي الأَرْضِ أَرْبَعَةَ خُطُوطٍ ، وَقَالَ : أَتَدْرُونَ مَا هَذَا ؟ فَقَالُوا : اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : أَفْضَلُ نِسَاءِ أَهْلِ الْجَنَّةِ : خَدِيجَةُ بِنْتُ خُوَيْلِدٍ ، وَفَاطِمَةُ بِنْتُ مُحَمَّدٍ ، وَمَرْيَمُ بِنْتُ عِمْرَانَ ، وَأَحْسِبُهُ قَالَ : وَامْرَأَةُ فِرْعَوْنَ "(2)
__________
(1) - المستدرك للحاكم (3836) صحيح
(2) المستدرك للحاكم(4852) صحيح(1/90)
وعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ، قَالَ : خَطَّ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فِي الأَرْضِ خُطُوطًا أَرْبَعَةً ، قَالَ : أَتَدْرُونَ مَا هَذَا ؟ قَالُوا : اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - : أَفْضَلُ نِسَاءِ أَهْلِ الْجَنَّةِ خَدِيجَةُ بِنْتِ خُوَيْلِدٍ ، وَفَاطِمَةُ بِنْتُ مُحَمَّدٍ ، وَمَرْيَمُ بِنْتُ عِمْرَانَ ، وَآسِيَةُ بِنْتُ مُزَاحِمٍ امْرَأَةُ فِرْعَوْنَ.(1)
وعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - :سَيِّدَاتُ نِسَاءِ أَهْلِ الْجَنَّةِ: مَرْيَمُ بنتُ عِمْرَانَ، ثُمَّ فَاطِمَةُ بنتُ مُحَمَّدٍ، ثُمَّ خَدِيجَةُ، ثُمَّ آسِيَةُ امْرَأَةُ فِرْعَوْنَ.(2)
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ :نَزَلَ مَلَكٌ مِنَ السَّمَاءِ ، فَبَشَّرَنِي ؛ أَنَّ فَاطِمةَ سِيِّدَةُ نِسَاءِ أمَّتِي ، وَأنَّ الْحَسَنَ وَالْحُسَيْنَ سَيِّدَا شَبَابِ أهْلِ الْجَنَّة.(3)
وعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَعْفَرٍ قَالَ سَمِعْتُ عَلِيًّا - رضى الله عنه - يَقُولُ سَمِعْتُ النَّبِىَّ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ « خَيْرُ نِسَائِهَا مَرْيَمُ ابْنَةُ عِمْرَانَ ، وَخَيْرُ نِسَائِهَا خَدِيجَةُ »(4).
وعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنَ جَعْفَرٍ قال: سَمِعْتُ عَلِيًّا بِالْكُوفَةِ يَقُولُ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ « خَيْرُ نِسَائِهَا مَرْيَمُ بِنْتُ عِمْرَانَ وَخَيْرُ نِسَائِهَا خَدِيجَةُ بِنْتُ خُوَيْلِدٍ ».وَأَشَارَ وَكِيعٌ إِلَى السَّمَاءِ وَالأَرْضِ.(5)
__________
(1) - صحيح ابن حبان - (ج 15 / ص 470)(7010) صحيح
(2) - المعجم الكبير للطبراني - (ج 16 / ص 314)(18536 ) صحيح
(3) - أخرجه النسائي في "الكبرى( 11949 ) صحيح
(4) - صحيح البخارى(3432 )
(5) - صحيح مسلم (6424 )(1/91)
وعَنْ أَنَسٍ، أَنّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - ، قَالَ:حَسْبُكَ مِنْ نِسَاءِ الْعَالَمِينَ: مَرْيَمُ بنتُ عِمْرَانَ، وَخَدِيجَةُ بنتُ خُوَيْلِدٍ، وَفَاطِمَةُ بنتُ مُحَمَّدٍ، وَآسِيَةُ امْرَأَةُ فِرْعَوْنَ.(1)
وعَنْ أَبِى مُوسَى الأَشْعَرِىِّ عَنِ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ كَمَلَ مِنَ الرِّجَالِ كَثِيرٌ ، وَلَمْ يَكْمُلْ مِنَ النِّسَاءِ إِلاَّ مَرْيَمُ بِنْتُ عِمْرَانَ وَآسِيَةُ امْرَأَةُ فِرْعَوْنَ ، وَفَضْلُ عَائِشَةَ عَلَى النِّسَاءِ كَفَضْلِ الثَّرِيدِ عَلَى سَائِرِ الطَّعَامِ »(2).
وعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بن زِيَادٍ الأَسَدِيِّ، قَالَ: سَمِعْتُ عَمَّارَ بن يَاسِرٍ، يَقُولُ:لَقَدْ سَارَتْ أُمُّنَا مَسِيرَهَا، وَأَنَّهَا لَتَعْلَمُ أَنَّهَا زَوْجَةُ نَبِيِّنَا - صلى الله عليه وسلم - فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ، وَلَكِنَّ اللَّهَ ابْتَلانَا لِيَعْلَمَ إِيَّاهَا نُطِيعُ أَوْ إِيَّاهُ.(3)
وعَنْ عَمْرِو بن غَالِبٍ، أَنَّ رَجُلا نَالَ مِنْ عَائِشَةَ عِنْدَ عَلِيٍّ، فَقَالَ لَهُ عَمَّارٌ:اسْكُتْ مَقْبُوحًا مَنْبُوحًا، أَتُؤْذِي حَبِيبَةَ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - .(4)
وعَنْ عَرِيبِ بن حُمَيْدٍ أَوْ حُمَيْدِ بن عَرِيبٍ، قَالَ: كَانَ رَجُلٌ عِنْدَ عَلِيٍّ فَتَنَاوَلَ عَائِشَةَ، فَقَالَ لَهُ عَمَّارٌ:مَنْ ذَا الَّذِي تَتَنَاوَلُ زَوْجَةَ نَبِيِّنَا - صلى الله عليه وسلم - فِي الْجَنَّةِ؟ اسْكُتْ مَقْبُوحًا.(5)
__________
(1) - المعجم الكبير للطبراني - (ج 16 / ص 314)(18537 ) صحيح
(2) - صحيح البخارى(5418)
(3) - المعجم الكبير للطبراني - (ج 16 / ص 346)(18631 ) صحيح
(4) - المعجم الكبير للطبراني - (ج 16 / ص 346)(18632 ) صحيح
(5) - المعجم الكبير للطبراني - (ج 16 / ص 346)(18633 ) صحيح(1/92)
وعَنْ عَائِشَةَ - رضى الله عنها - أَنَّ نِسَاءَ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - كُنَّ حِزْبَيْنِ فَحِزْبٌ فِيهِ عَائِشَةُ وَحَفْصَةُ وَصَفِيَّةُ وَسَوْدَةُ ، وَالْحِزْبُ الآخَرُ أُمُّ سَلَمَةَ وَسَائِرُ نِسَاءِ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - ، وَكَانَ الْمُسْلِمُونَ قَدْ عَلِمُوا حُبَّ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - عَائِشَةَ ، فَإِذَا كَانَتْ عِنْدَ أَحَدِهِمْ هَدِيَّةٌ يُرِيدُ أَنْ يُهْدِيَهَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - أَخَّرَهَا ، حَتَّى إِذَا كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فِى بَيْتِ عَائِشَةَ بَعَثَ صَاحِبُ الْهَدِيَّةِ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فِى بَيْتِ عَائِشَةَ ، فَكَلَّمَ حِزْبُ أُمِّ سَلَمَةَ ، فَقُلْنَ لَهَا كَلِّمِى رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يُكَلِّمُ النَّاسَ ، فَيَقُولُ مَنْ أَرَادَ أَنْ يُهْدِىَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - هَدِيَّةً فَلْيُهْدِهِ إِلَيْهِ حَيْثُ كَانَ مِنْ بُيُوتِ نِسَائِهِ ، فَكَلَّمَتْهُ أُمُّ سَلَمَةَ بِمَا قُلْنَ ، فَلَمْ يَقُلْ لَهَا شَيْئًا ، فَسَأَلْنَهَا . فَقَالَتْ مَا قَالَ لِى شَيْئًا . فَقُلْنَ لَهَا فَكَلِّمِيهِ . قَالَتْ فَكَلَّمَتْهُ حِينَ دَارَ إِلَيْهَا أَيْضًا ، فَلَمْ يَقُلْ لَهَا شَيْئًا ، فَسَأَلْنَهَا . فَقَالَتْ مَا قَالَ لِى شَيْئًا . فَقُلْنَ لَهَا كَلِّمِيهِ حَتَّى يُكَلِّمَكِ . فَدَارَ إِلَيْهَا فَكَلَّمَتْهُ . فَقَالَ لَهَا « لاَ تُؤْذِينِى فِى عَائِشَةَ ، فَإِنَّ الْوَحْىَ لَمْ يَأْتِنِى ، وَأَنَا فِى ثَوْبِ امْرَأَةٍ إِلاَّ عَائِشَةَ » . قَالَتْ فَقَالَتْ أَتُوبُ إِلَى اللَّهِ مِنْ أَذَاكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ .(1/93)
ثُمَّ إِنَّهُنَّ دَعَوْنَ فَاطِمَةَ بِنْتَ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فَأَرْسَلْنَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - تَقُولُ إِنَّ نِسَاءَكَ يَنْشُدْنَكَ اللَّهَ الْعَدْلَ فِى بِنْتِ أَبِى بَكْرٍ . فَكَلَّمَتْهُ . فَقَالَ « يَا بُنَيَّةُ ، أَلاَ تُحِبِّينَ مَا أُحِبُّ » . قَالَتْ بَلَى . فَرَجَعَتْ إِلَيْهِنَّ ، فَأَخْبَرَتْهُنَّ . فَقُلْنَ ارْجِعِى إِلَيْهِ . فَأَبَتْ أَنْ تَرْجِعَ ، فَأَرْسَلْنَ زَيْنَبَ بِنْتَ جَحْشٍ ، فَأَتَتْهُ فَأَغْلَظَتْ ، وَقَالَتْ إِنَّ نِسَاءَكَ يَنْشُدْنَكَ اللَّهَ الْعَدْلَ فِى بِنْتِ ابْنِ أَبِى قُحَافَةَ .
فَرَفَعَتْ صَوْتَهَا ، حَتَّى تَنَاوَلَتْ عَائِشَةَ . وَهْىَ قَاعِدَةٌ ، فَسَبَّتْهَا حَتَّى إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - لَيَنْظُرُ إِلَى عَائِشَةَ هَلْ تَكَلَّمُ قَالَ فَتَكَلَّمَتْ عَائِشَةُ تَرُدُّ عَلَى زَيْنَبَ ، حَتَّى أَسْكَتَتْهَا . قَالَتْ فَنَظَرَ النَّبِىُّ - صلى الله عليه وسلم - إِلَى عَائِشَةَ ، وَقَالَ « إِنَّهَا بِنْتُ أَبِى بَكْرٍ »(1).
__________
(1) - صحيح البخارى(2581 )(1/94)
وعَنْ عروةَ، قَالَ كَانَ النَّاسُ يَتَحَرَّوْنَ بِهَدَايَاهُمْ يَوْمَ عَائِشَةَ قَالَتْ عَائِشَةُ فَاجْتَمَعَ صَوَاحِبِى إِلَى أُمِّ سَلَمَةَ ، فَقُلْنَ يَا أُمَّ سَلَمَةَ ، وَاللَّهِ إِنَّ النَّاسَ يَتَحَرَّوْنَ بِهَدَايَاهُمْ يَوْمَ عَائِشَةَ ، وَإِنَّا نُرِيدُ الْخَيْرَ كَمَا تُرِيدُهُ عَائِشَةُ ، فَمُرِى رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - أَنْ يَأْمُرَ النَّاسَ أَنْ يُهْدُوا إِلَيْهِ حَيْثُ مَا كَانَ أَوْ حَيْثُ مَا دَارَ ، قَالَتْ فَذَكَرَتْ ذَلِكَ أُمُّ سَلَمَةَ لِلنَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَتْ فَأَعْرَضَ عَنِّى ، فَلَمَّا عَادَ إِلَىَّ ذَكَرْتُ لَهُ ذَاكَ فَأَعْرَضَ عَنِّى ، فَلَمَّا كَانَ فِى الثَّالِثَةِ ذَكَرْتُ لَهُ فَقَالَ « يَا أُمَّ سَلَمَةَ لاَ تُؤْذِينِى فِى عَائِشَةَ ، فَإِنَّهُ وَاللَّهِ مَا نَزَلَ عَلَىَّ الْوَحْىُ وَأَنَا فِى لِحَافِ امْرَأَةٍ مِنْكُنَّ غَيْرِهَا » .(1)
__________
(1) - صحيح البخارى(3775 )(1/95)
وعَنْ أُمِّ سَلَمَةَ ، قَالَتْ : كَلَّمْنَنِي صَوَاحِبِي أَنْ أُكَلِّمَ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - أَنْ يَأْمُرَ النَّاسَ فَيُهْدُوا لَهُ حَيْثُ كَانَ ، فَإِنَّ النَّاسَ يَتَحَرَّوْنَ بِهَدَايَاهُمْ يَوْمَ عَائِشَةَ ، وَإِنَّا نُحِبُّ الْخَيْرَ كَمَا تُحِبُّ عَائِشَةَ ، فَسَكَتَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - ، وَلَمْ يُرَاجِعْنِي ، فَجَاءَنِي صَوَاحِبِي ، فَأَخْبَرْتُهُنَّ أَنَّهُ لَمْ يُكَلِّمْنِي ، فَقُلْنَ وَاللَّهِ لاَ نَدَعُهُ ، قَالَتْ : فَكَلَّمْتُهُ مِثْلَ الْمَقَالَةِ الْأُولَى مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلاَثًا كُلُّ ذَلِكَ يَسْكُتُ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - ، ثُمَّ قَالَ : يَا أُمَّ سَلَمَةَ لاَ تُؤْذِينِي فِي عَائِشَةَ ، فَإِنِّي وَاللَّهِ مَا نَزَلَ الْوَحْيُ عَلَيَّ وَأَنَا فِي بَيْتِ امْرَأَةٍ مِنْ نِسَائِي غَيْرَ عَائِشَةَ ، قَالَتْ : فَقُلْتُ : أَعُوذُ بِاللَّهِ أَنْ أَسُوءَكَ فِي عَائِشَةَ.(1)
وعن عائشة أنها قالت ما غرت على امرأة لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - كما غرت لخديجة لكثرة ذكر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إياها وثنائه عليها وقد أوحي إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يبشرها ببيت في الجنة .(2)
وعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ : قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فِي مَرَضِهِ الَّذِي قُبِضَ فِيهِ : إِنَّهُ لَيُهَوِّنُ عَلَيَّ الْمَوْتَ أَنِّي أُرِيتُكِ زَوْجَتِي فِي الْجَنَّةِ"(3)
__________
(1) - صحيح ابن حبان - (ج 16 / ص 43)(7109) صحيح
(2) - السنن الكبرى للإمام النسائي الرسالة - (ج 5 / ص 274)(8303) صحيح
(3) - الآحاد والمثاني (3008) صحيح(1/96)
وعَنْ عَائِشَةَ ، قَالَتْ : جَاءَ بِي جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلاَمُ إِلَى رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فِي خِرْقَةِ حَرِيرٍ ، فَقَالَ : هَذِهِ زَوْجَتُكَ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ.(1)
وعَنْ عَائِشَةَ ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - ذَكَرَ فَاطِمَةَ ، قَالَتْ : فَتَكَلَّمْتُ أَنَا ، فَقَالُ : أَمَا تَرْضَيْنَ أَنْ تَكُونِي زَوْجَتِي فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ ؟ قُلْتُ : بَلَى وَاللَّهِ ، قَالَ : فَأَنْتِ زَوْجَتِي فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ.(2)
وعَنْ عَائِشَةَ ، أَنَّهَا قَالَتْ : يَا رَسُولَ اللهِ ، مَنْ أَزْوَاجُكَ فِي الْجَنَّةِ ؟ قَالَ : أَمَا إِنَّكِ مِنْهُنَّ ، قَالَتْ : فَخُيِّلَ إِلَيَّ أَنَّ ذَاكَ أَنَّهُ لَمْ يَتَزَوَّجْ بِكْرًا غَيْرِي.(3)
وقال تعالى عن أسيا بنت مزاحم وعن مريم بنت عمران عليهما السلام :{ وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِلَّذِينَ آَمَنُوا اِمْرَأَةَ فِرْعَوْنَ إِذْ قَالَتْ رَبِّ ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ وَنَجِّنِي مِنْ فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ وَنَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (11) وَمَرْيَمَ ابْنَتَ عِمْرَانَ الَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهِ مِنْ رُوحِنَا وَصَدَّقَتْ بِكَلِمَاتِ رَبِّهَا وَكُتُبِهِ وَكَانَتْ مِنَ الْقَانِتِينَ (12) } [التحريم/11، 12]
__________
(1) - صحيح ابن حبان - (ج 16 / ص 6)(7094) صحيح
(2) - صحيح ابن حبان - (ج 16 / ص 6)(7095) صحيح
(3) - صحيح ابن حبان - (ج 16 / ص 6)(7096) صحيح(1/97)
وَهَذَا مَثَلٌ آخَرُ ضَرَبَهُ اللهُ تَعَالَى لِلْمُؤْمِنِينَ عَلَى أَنَّهُمْ لاَ تَضُرُّهُمْ مُخَالَطَةُ الكَافِرِينَ إِذَا كَانُوا مُحْتَاجِينَ إِليهِمْ ، فَقَدْ كَانَتِ امْرَأَةُ فِرْعَوْنَ مُؤْمِنَةً مُخْلِصَةً للهِ ، وَكَانَ فِرْعَوْنُ طَاغِيَةً جَبَّاراً ، فَمَا ضَرَّ امْرأَتَهُ كُفْرُ زَوْجِهَا حِينَ أَطَاعَتْ رَبَّهَا لِيَعْلَمَ النَّاسُ أَنَّ اللهَ حَكِيمٌ عَادِلٌ ، لاَ يُؤَاخِذُ أَحَداً بِذَنْبِ غَيْرِهِ . وَقَدْ سَأَلَت امْرأَةُ فِرْعَوْنَ رَبَّهَا أَنْ يَجْعَلَهَا قَرِيبَةً مِنْ رَحْمَتِهِ ، وَأَنْ يَبْنِيَ لَهَا عِنْدَهُ بَيتاً فِي الجَنَّةِ ، وَأَنْ يُنْقِذَهَا مِنْ فِرْعَوْنَ وَأَعْمَالِهِ الخَبِيثَةِ ، وَأَنْ يُنَجِّيهَا مِنْ قَوْمِهِ الظَّالِمِينَ .
وَضَرَبَ اللهُ مَثَلاً آخَرَ لِلَّذِينَ آمَنُوا حَالَ مَرْيَمَ ابنة عِمْرَانَ ، وَمَا أُوتِيَتْ مِنْ كَرَامَةٍ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ فاصْطَفَاهَا اللهُ رَبُّهَا ، وَأَرْسَلَ إِليهَا مَلَكاً كَرِيماً مَنْ مَلاَئِكَتِهِ تَمَثَّلَ لَهَا فِي صَورَةِ بَشَرٍ دَخَلَ عَلَيهَا ، وَهِيَ فِي خَلْوَتِهَا ، فَاسْتَعَاذَتْ بِاللهِ مِنْ شَرِّهِ ، فَبَشَّرَهَا بِأَنَّهَا سَيَكُونُ لَهَا وَلَدٌ يُولَدُ بِكَلِمَةٍ مِنَ اللهِ ، وَيَكُونَ نِبِيّاً كَرِيماً .
وَنَفَخَ فِيهَا المَلَكُ مِنْ رُوحِ اللهِ فَحَمَلَتْ بِعِيسَى ، عَلَيْهِ السَّلاَمُ ، وَصَدَّقَتْ مَرْيَمُ بِشَرَائِعِ اللهِ ، وَبِكُتُبِهِ التِي أَنْزَلَهَا عَلَى رُسُلِهِ وَأَنْبِيَائِهِ ، وَكَانَتْ فِي عِدَادِ القَانِتِينَ العَابِدِينَ المُطِيعِينَ للهِ تَعَالَى .(1/98)
وقال تعالى بحق مريم عليها السلام { وَإِذْ قَالَتِ الْمَلَائِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاكِ وَطَهَّرَكِ وَاصْطَفَاكِ عَلَى نِسَاءِ الْعَالَمِينَ (42) يَا مَرْيَمُ اقْنُتِي لِرَبِّكِ وَاسْجُدِي وَارْكَعِي مَعَ الرَّاكِعِينَ (43)} [آل عمران/42-43]
ينوه تعالى بفضيلة مريم وعلو قدرها، وأن الملائكة خاطبتها بذلك فقالت { يا مريم إن الله اصطفاك } أي: اختارك { وطهّرك } من الآفات المنقصة { واصطفاك على نساء العالمين } الاصطفاء الأول يرجع إلى الصفات الحميدة والأفعال السديدة، والاصطفاء الثاني يرجع إلى تفضيلها على سائر نساء العالمين، إما على عالمي زمانها، أو مطلقا، وإن شاركها أفراد من النساء في ذلك كخديجة وعائشة وفاطمة، لم يناف الاصطفاء المذكور، فلما أخبرتها الملائكة باصطفاء الله إياها وتطهيرها، كان في هذا من النعمة العظيمة والمنحة الجسيمة ما يوجب لها القيام بشكرها، فلهذا قالت لها الملائكة: { يا مريم اقنتي لربك }
{ اقنتي لربك } القنوت دوام الطاعة في خضوع وخشوع، { واسجدي واركعي مع الراكعين } خص السجود والركوع لفضلهما ودلالتهما على غاية الخضوع لله، ففعلت مريم، ما أمرت به شكرا لله تعالى وطاعة، ولما أخبر الله نبيه بما أخبر به عن مريم، وكيف تنقلت بها الأحوال التي قيضها الله لها، وكان هذا من الأمور الغيبية التي لا تعلم إلا بالوحي.(1)
ـــــــــــــــ
__________
(1) - تفسير السعدي - (ج 1 / ص 130)(1/99)
المبحث الثامن
في صفة دخول أهل الجنة الجنَّةَ
عن علي ، قال : يُسَاقُ الَّذِينَ اتَّقُوا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَرًا ، حَتَّى إِذَا أَتَوْا إِلَى بَابٍ مِنْ أَبْوَابِهَا , وَجَدُوا عِنْدَهُ شَجَرَةً يَخْرُجُ مِنْ تَحْتِ سَاقِهَا عَيْنَانِ تَجْرِيَانِ ، فَعَمَدُوا إِلَى أَحَدِهِمَا كَأَنَّمَا أُمِرُوا فَشَرِبُوا مِنْهَا ، فَأَذْهَبَتْ مَا فِي بُطُونِهِمْ مِنْ قَذَرٍ وَأَذًى أَوْ بَأْسٍ ، ثُمَّ عَمَدُوا إِلَى الْأُخْرَى فَتَطَهَّرُوا مِنْهَا فَجَرَتْ عَلَيْهِمْ بِنَضْرَةِ النَّعِيمِ ، فَلَمْ يُغَيِّرُوا وَلَمْ تُغَيَّرْ أَبْشَارُهُمْ بَعْدَهَا أَبَدًا ، وَلَمْ تَشْعَثْ أَشْعَارَهُمْ كَأَنَّمَا دُهِنُوا بِالدِّهَانِ ، ثُمَّ انْتَهَوْا إِلَى خَزَنَةِ الْجَنَّةِ فَقَالُوا: {وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَرًا حَتَّى إِذَا جَاؤُوهَا وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا سَلَامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ} (73) سورة الزمر، قال : قَالَ : ثُمَّ تَلْقَاهُمْ أَوْ تَلَقَّتْهُمُ الْوِلْدَانُ يُطَيَّفُونَ بِهِمْ ، كَمَا يُطَيَّفُ وَلَدَانُ أَهْلِ الدُّنْيَا بِالْحَمِيمِ يَقْدَمُ مِنْ غَيْبَتِهِ يَقُولُونَ لَهُ : أَبْشِرْ بِمَا أَعَدَّ اللَّهُ لَكَ مِنَ الْكَرَامَةِ ، ثُمَّ يَنْطَلِقُ غُلَامٌ مِنْ أَهْلِ أُولَئِكَ الْوِلْدَانِ إِلَى بَعْضِ أَزْوَاجِهِ مِنَ الْحُورِ الْعِينِ فَيَقُولُ : قَدْ جَاءَ فُلَانٌ بِاسْمِهِ الَّذِي كَانَ يُدْعَى بِهِ فِي الدُّنْيَا فَيَقُولُونَ : أَنْتَ رَأَيْتَهُ ؟ فَيَقُولُ : أَنَا رَأَيْتُهُ ، وَهُوَ ذَا يَأْتِي فَيَسْتَخِفُّ إِحْدَاهُنَّ الْفَرَحَ حَتَّى تَقُومَ عَلَى بَابِهَا ، فَإِذَا انْتَهَى إِلَى مَنْزِلِهِ نَظَرَ إِلَى أَسَاسِ بُنْيَانِهِ ، فَإِذَا جَنْدَلُ اللُّؤْلُؤِ فَوْقَهُ أَخْضَرُ ، وَأَصْفَرُ وَأَحْمَرُ مِنْ كُلِّ لَوْنٍ ، ثُمَّ(1/100)
رَفَعَ رَأْسَهُ إِلَى سَقْفِهِ فَإِذَا مِثْلُ الْبَرْقِ ، فَلَوْلَا أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَدَّرَهُ لَأَلَمَّ أَنْ يَذْهَبَ بَصَرُهُ ، ثُمَّ رَأْسَهُ فَنَظَرَ إِلَى أَزْوَاجِهِ ، وَأَكْوَابٍ مَوْضُوعَةٍ ، مَصْفُوفَةٍ ، وَزَرَابِيٍّ مَبْثُوثَةٍ ، فَنَظَرَ إِلَى تِلْكَ النِّعْمَةِ ، ثُمَّ اتَّكَوْا فَقَالُوا : {وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِم مِّنْ غِلٍّ تَجْرِي مِن تَحْتِهِمُ الأَنْهَارُ وَقَالُواْ الْحَمْدُ لِلّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلا أَنْ هَدَانَا اللّهُ لَقَدْ جَاءتْ رُسُلُ رَبِّنَا بِالْحَقِّ وَنُودُواْ أَن تِلْكُمُ الْجَنَّةُ أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ} (43) سورة الأعراف، ثُمَّ يُنَادِي مُنَادٍ تَحْيَوْنَ فَلَا تَمُوتُونَ أَبَدًا ، وَتُقِيمُونَ فَلَا تَظْعَنُونَ أَبَدًا ، وَتَصِحُّونَ فَلَا تَمْرَضُونَ أَبَدًا "(1)
أبشار : جمع بشرة وهي جلد الإنسان - الأسكفة : عتبة تكون تحت الباب - المرج : الأرض الواسعة ذات الكلأ والماء
__________
(1) - صفة الجنة لأبي نعيم الأصبهاني (295 ) والمطالب العالية للحافظ ابن حجر العسقلاني(4725 ) هذا حديث صحيح وحكمه حكم المرفوع ، إذ لا مجال للرأي في مثل هذه الأمور .(1/101)
وعَنْ خَالِدِ بْنِ عُمَيْرٍ الْعَدَويِّ ، قَالَ : خَطَبَنَا عُتْبَةُ بْنُ غَزْوَانَ ، فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ ، ثُمَّ قَالَ : أَمَّا بَعْدُ ، فَإِنَّ الدُّنْيَا قَدْ آذَنَتْ بِصُرْمٍ ، وَوَلَّتْ حَذَّاءَ ، وَلَمْ يَبْقَ مِنْهَا إِلاَّ صُبَابَةٌ كَصُبَابَةِ الإِنَاءِ ، يَتَصَابُّهَا صَاحِبُهَا ، وَإِنَّكُمْ مُنْتَقِلُونَ مِنْهَا إِلَى دَارٍ لاَ زَوَالَ لَهَا ، فَانْتَقِلُوا بِخَيْرِ مَا بِحَضْرَتِكُمْ ، فَإِنَّهُ قَدْ ذُكِرَ لَنَا أَنَّ الْحَجَرَ يُلْقَى مِنْ شَفَةِ جَهَنَّمَ ، فَيَهْوِي فِيهَا سَبْعِينَ عَامًا ، لاَ يُدْرِكُ لَهَا قَعْرًا ، وَوَاللهِ لَتُمْلأَنَّ ، أَفَعَجبْتُمْ ، وَلَقَدْ ذُكِرَ لَنَا أَنَّ مَا بَيْنَ مِصْرَاعَيْنِ مِنْ مَصَارِيعِ الْجَنَّةِ مَسِيرَةُ أَرْبَعِينَ سَنَةً ، وَلَيَأْتِيَنَّ عَلَيْهَا يَوْمٌ وَهُوَ كَظِيظٌ مِنَ الزِّحَامِ ؛ وَلَقَدْ رَأَيْتُنِي سَابِعَ سَبْعَةٍ مَعَ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - ، مَا لَنَا طَعَامٌ إِلاَّ وَرَقُ الشَّجَرِ ، حَتَّى قَرِحَتْ أَشْدَاقُنَا ، فَالْتَقَطْتُ بُرْدَةً ، فَشَقَقْتُهَا بَيْنِي وَبَيْنَ سَعْدِ بْنِ مَالِكٍ ، فَاتَّزَرْتُ بِنِصْفِهَا.
وَاتَّزَرَ سَعْدٌ بِنِصْفِهَا ، فَمَا أَصْبَحَ الْيَوْمَ مِنَّا أَحَدٌ ، إِلاَّ أَصْبَحَ أَمِيرًا عَلَى مِصْرٍ مِنَ الأَمْصَارِ ، وَإِنِّي أَعُوذُ بِاللهِ أَنْ أَكُونَ فِي نَفْسِي عَظِيمًا ، وَعِنْدَ اللهِ صَغِيرًا ، وَإِنَّهَا لَمْ تَكُنْ نُبُوَّةٌ إِلاَّ تَنَاسَخَتْ ، حَتَّى يَكُونَ آخِرُ عَاقِبَتِهَا مُلْكًا ، فَسَتَخْبُرُونَ وَتُجَرِّبُونَ الأُمَرَاءَ بَعْدَنَا ".(1)
__________
(1) - صحيح مسلم (7625 )(1/102)
آذن : أعلم - حذاء : مسرعة الانقطاع - الأشداق : جوانب الفم -الصبابة : البقية اليسيرة من الشراب تبقى أسفل الإناء -الصرم : الانقطاع والذهاب -قرحت : خرجت بها قروح -الكظيظ : الممتلئ المزحوم
وعَنْ خَالِدِ بْنِ عُمَيْرٍ ، قَالَ : خَطَبَ عُتْبَةُ بْنُ غَزْوَانَ ، فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ ، ثُمَّ قَالَ : أَمَّا بَعْدُ فَإِنَّ الدُّنْيَا قَدْ آذَنَتْ بِصُرْمٍ ، وَوَلَّتْ حَذَّاءَ ، وَإِنَّمَا بَقِيَ مِنْهَا صُبَابَةٌ كَصُبَابَةِ الإِنَاءِ صَبَّهَا أَحَدُكُمْ ، وَإِنَّكُمْ مُنْتَقِلُونَ مِنْهَا إِلَى دَارٍ لاَ زَوَالَ لَهَا ، فَانْتَقِلُوا مَا بِحَضْرَتِكُمْ - يُرِيدُ مِنَ الْخَيْرِ - فَلَقَدْ بَلَغَنِي أَنَّ الْحَجَرَ يُلْقَى مِنْ شَفِيرِ جَهَنَّمَ ، فَمَا يَبْلُغُ لَهَا قَعْرًا سَبْعِينَ عَامًا ، وَايْمُ اللهِ لَتُمْلَأَنَّ ، أَفَعَجِبْتُمْ وَلَقَدْ ذُكِرَ لِي أَنَّ مَا بَيْنَ مِصْرَاعَيِ الْجَنَّةِ مَسِيرَةَ أَرْبَعِينَ عَامًا ، وَلَيَأْتِيَنَّ عَلَيْهِ يَوْمٌ وَهُوَ كَظِيظٌ مِنَ الزِّحَامِ ، وَلَقَدْ رَأَيْتُنِي سَابِعَ سَبْعَةٍ مَعَ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - مَا لَنَا طَعَامٌ إِلاَّ وَرَقُ الشَّجَرِ حَتَّى قَرِحَتْ مِنْهُ أَشْدَاقُنَا ، وَلَقَدِ الْتَقَطْتُ بُرْدَةً ، فَشَقَقْتُهَا بَيْنِي وَبَيْنَ سَعْدٍ ، فَاتَّزَرْتُ بِنِصْفِهَا ، وَاتَّزَرَ سَعْدٌ بِنِصْفِهَا مَا مِنَّا أَحَدٌ الْيَوْمَ حَيٌّ إِلاَّ أَصْبَحَ أَمِيرًا عَلَى مِصْرٍ مِنَ الأَمْصَارِ ، وَأَعُوذُ بِاللَّهِ أَنْ أَكُونَ عَظِيمًا فِي نَفْسِي صَغِيرًا عِنْدَ اللهِ ، وَإِنَّهَا لَمْ تَكُنْ نُبُوَّةٌ إِلاَّ تَنَاسَخَتْ حَتَّى تَكُونَ عَاقِبَتُهَا مُلْكًا سَتُبْلُونَ الْأُمَرَاءَ بَعْدَنَا.(1)
__________
(1) - صحيح ابن حبان - (ج 16 / ص 60)(7121) صحيح(1/103)
وعَنْ حَكِيمِ بْنِ مُعَاوِيَةَ ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - : مَا بَيْنَ كُلِّ مِصْرَاعَيْنِ مِنْ مَصَارِيعِ الْجَنَّةِ سَبْعِينَ سَنَةً ، وَإِنَّ فِي الْجَنَّةِ بَحْرَ الْمَاءِ ، وَبَحْرَ الْخَمْرِ ، وَبَحْرَ اللَّبَنِ ، وَبَحْرَ الْعَسَلِ ، ثُمَّ تُشَقَّقُ مِنْهُ بَعْدُ الأَنْهَارُ"(1)
وعَنْ حَكِيمِ بْنِ مُعَاوِيَةَ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ « أَنْتُمْ تُوفُونَ سَبْعِينَ أُمَّةً أَنْتُمْ آخِرُهَا وَأَكْرَمُهَا عَلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَمَا بَيْنَ مِصْرَاعَيْنِ مِنْ مَصَارِيعِ الْجَنَّةِ مَسِيرَةُ أَرْبَعِينَ عَاماً وَلَيَأْتِيَّنَّ عَلَيْهِ يَوْمٌ وَإِنَّهُ لَكَظِيظٌ »(2). الكظيظ : الممتلئ المزحوم
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - ، قَالَ : وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ ، إِنَّ مَا بَيْنَ الْمِصْرَاعَيْنِ مِنْ مَصَارِيعِ الْجَنَّةِ لَكَمَا بَيْنَ مَكَّةَ وَهَجَرَ ، أَوْ كَمَا بَيْنَ مَكَّةَ وَبُصْرَى.(3)
وعَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ قَالَ قَالَ النَّبِىُّ - صلى الله عليه وسلم - « لَيَدْخُلَنَّ الْجَنَّةَ مِنْ أُمَّتِى سَبْعُونَ أَلْفًا أَوْ سَبْعُمِائَةِ أَلْفٍ - شَكَّ فِى أَحَدِهِمَا - مُتَمَاسِكِينَ ، آخِذٌ بَعْضُهُمْ بِبَعْضٍ ، حَتَّى يَدْخُلَ أَوَّلُهُمْ وَآخِرُهُمُ الْجَنَّةَ ، وَوُجُوهُهُمْ عَلَى ضَوْءِ الْقَمَرِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ »(4).
__________
(1) - الآحاد والمثاني(1475) صحيح
(2) - مسند أحمد (20558) صحيح
(3) - صحيح ابن حبان - (ج 16 / ص 401)(7389) صحيح ورواه البخاري ومسلم مطولا
(4) - صحيح البخارى (6543 )(1/104)
وعَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ « لَيَدْخُلَنَّ الْجَنَّةَ مِنْ أُمَّتِى سَبْعُونَ أَوْ سَبْعُمِائَةِ أَلْفٍ - لاَ يَدْرِى أَبُو حَازِمٍ أَيُّهُمَا قَالَ - مُتَمَاسِكُونَ ، آخِذٌ بَعْضُهُمْ بَعْضًا ، لاَ يَدْخُلُ أَوَّلُهُمْ حَتَّى يَدْخُلَ آخِرُهُمْ ، وُجُوهُهُمْ عَلَى صُورَةِ الْقَمَرِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ »(1).
وعَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ أَنَّ النَّبِىَّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ « يَدْخُلُ أَهْلُ الْجَنَّةِ الْجَنَّةَ جُرْدًا مُرْدًا مُكَحَّلِينَ أَبْنَاءَ ثَلاَثِينَ أَوْ ثَلاَثٍ وَثَلاَثِينَ سَنَةً ».(2)
الجرد : جمع أجرد وهو الذى نزع عنه الشعر -المرد : جمع أمرد والمَرد نقاء الخدين من الشعر
وعَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - « أَهْلُ الْجَنَّةِ جُرْدٌ مُرْدٌ كُحْلٌ لاَ يَفْنَى شَبَابُهُمْ وَلاَ تَبْلَى ثِيَابُهُمْ ».(3)
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - ، قَالَ : يَدْخُلُ أَهْلُ الْجَنَّةِ الْجَنَّةَ جُرْدًا ، مُرْدًا ، بيضًا ، جِعَادًا ، مُكَحَّلِينَ ، أَبْنَاءَ ثَلاَثٍ وَثَلاَثِينَ ، عَلَى خَلْقِ آدَمَ ، طُولُهُ سِتُّونَ ذِرَاعًا فِي عَرْضِ سَبْعِ أَذْرُعٍ.(4)
الجرد : جمع أجرد وهو الذى نزع عنه الشعر -الجعاد : جمع جعد وهو منقبض الشعر غير منبسطه -المرد : جمع أمرد والمَرد نقاء الخدين من الشعر
__________
(1) - صحيح البخارى (6554) وحيح مسلم (548 )
(2) - سنن الترمذى (2742 ) حسن
(3) - سنن الترمذى(2735 ) حسن
(4) - مصنف ابن أبي شيبة (ج 13 / ص 114)(35140) حسن(1/105)
وعَنِ الزُّبَيْدِيِّ ، حَدَّثَنَا سُلَيْمُ بْنُ عَامِرٍ ، أَنَّ الْمِقْدَامَ بْنَ مَعْدِي كَرِبٍ الْكِنْدِيَّ حَدَّثَهُمْ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ : مَا مِنْ أَحَدٍ يَمُوتُ - سَقَطًا وَلاَ هَرَمًا ، إِنَّمَا النَّاسُ فِيمَا بَيْنَ ذَلِكَ - إِلاَّ بُعِثَ ابْنَ ثَلاَثِينَ سَنَةً ، فَمَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ كَانَ عَلَى مَسَحَةِ آدَمَ وَصُورَةِ يُوسُفَ وَقَلْبِ أَيُّوبَ ، وَمَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ النَّارِ عُظِّمُوا وَفُخِّمُوا كَالْجِبَالِ.(1)
وعن سُلَيْمَ بن عَامِرٍ الْكَلاعِيِّ، قَالَ: قُلْنَا لِلْمِقْدَامِ بن مَعْدِي كَرِبٍ الْكِنْدِيِّ: يَا أَبَا كَرِيمَةَ، إِنَّ النَّاسَ يَدَّعُونَ أَنَّكَ لَمْ تَرَ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - ، قَالَ: بَلَى وَاللَّهِ، لَقَدْ رَأَيْتُهُ، وَلَقَدْ أَخَذَ بِشَحْمَةِ أُذُنِي هَذِهِ وَإِنِّي لأَمْشِي مَعَ عَمٍّ لِي، ثُمَّ قَالَ لِعَمِّي:أَتَرَى أَنَّهُ يَذْكُرُهُ؟ قُلْنَا: يَا أَبَا كَرِيمَةَ. حَدِّثْنَا مَا سَمِعْتَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - ، قَالَ: سَمِعْتُهُ يَقُولُ:يُحْشَرُ مَا بَيْنَ السِّقْطِ إِلَى الشَّيْخِ الْفَانِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِي خَلْقِ آدَمَ، وَقَلْبِ أَيُّوبَ، وَحُسْنِ يُوسُفَ مُرْدًا مُكَحَّلِينَ، قُلْنَا: يَا نَبِيَّ اللَّهِ، فَكَيْفَ بِالْكَافِرِ؟ قَالَ:يُعَظَّمُ لِلنَّارِ حَتَّى يَصِيرَ غِلَظُ جِلْدِهِ أَرْبَعِينَ ذِرَاعًا، وَقَرِيضَةُ النابِ مِنْ أَسْنَانِهِ مِثْلُ أُحُدٍ.(2)-السقط : الذي لم يكتمل خلقه
ـــــــــــــــ
__________
(1) - مسند الشاميين (ج 3 / ص 82)(1839) حسن
(2) - المعجم الكبير للطبراني - (ج 15 / ص 214)(17053 و 17054 ) حسن(1/106)
المبحث التاسع
فيما لأدنى أهل الجنة فيها
عَنْ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - : إِنَّ أَدْنَى أَهْلِ الْجَنَّةِ مَنْزِلَةً ، مَنْ يَتَمَنَّى عَلَى اللهِ ، فَيُقَالَ لَهُ : ذَلِكَ لَكَ وَمِثْلُهُ مَعَهُ ، وَيُلَقَّنُ كَذَا وَكَذَا ، فَيُقَالَ لَهُ : ذَلِكَ لَكَ وَمِثْلُهُ مَعَهُ ، فَقَالَ أَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيُّ : قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - : ذَلِكَ لَكَ وَعَشْرَةُ أَمْثَالِهِ.(1)
وعَنْ عُبَيْدِ بْنِ عُمَيْرٍ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - : إِنَّ أَدْنَى أَهْلِ الْجَنَّةِ مَنْزِلَةً ، لَرَجُلٌ لَهُ دَارٌ مِنْ لُؤْلُؤَةٍ وَاحِدَةٍ ، مِنْهَا غُرَفُهَا وَأَبْوَابُهَا.(2)
وَعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ : سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ : " إِنَّ أَسْفَلَ أَهْلِ الْجَنَّةِ أَجْمَعِينَ دَرَجَةً لَمَنْ يَقُومُ عَلَى رَأْسِهِ عَشَرَةُ الْآفٍ ، بِيَدِي كُلِّ وَاحِدٍ صَحِيفَتَانِ ، وَاحِدَةٌ مِنْ ذَهَبٍ ، وَالْأُخْرَى مِنْ فِضَّةٍ ، فِي كُلِّ وَاحِدَةٍ لَوْنٌ لَيْسَ فِي الْأُخْرَى مِثْلُهُ ، يَأْكُلُ مِنْ آخِرِهَا مِثْلَ مَا يَأْكُلُ مِنْ أَوَّلِهَا ، يَجِدُ لِآخِرِهَا مِنَ الطِّيبِ وَاللَّذَّةِ مِثْلَ الَّذِي يَجِدُ لِأَوَّلِهَا ، ثُمَّ يَكُونُ ذَلِكَ رِيحَ الْمِسْكِ الْأَذْفَرِ ، لَا يَبُولُونَ ، وَلَا يَتَغَوَّطُونَ ، وَلَا يَتَمَخَّطُونَ ، إِخْوَانًا عَلَى سُرُرٍ مُتَقَابِلِينَ "(3).
-أذفر : جيد إلى الغاية رائحته شديدة - التغوُّط : التبرُّز - الامتخاط : الاستنثار وإلقاء مخاط الأنف
__________
(1) - مصنف ابن أبي شيبة (ج 13 / ص 110)(35133) صحيح
(2) - مصنف ابن أبي شيبة (ج 13 / ص 110)(35131) صحيح مرسل
(3) - المعجم الأوسط للطبراني(7889 ) ومجمع الزوائد(18670 ) رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي الْأَوْسَطِ ، وَرِجَالُهُ ثِقَاتٌ .(1/107)
وعن عبد الله بن عمر ، قَالَ : سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ : " أَلَا أُخْبِرُكُمْ بِأَسْفَلِ أَهْلِ الْجَنَّةِ دَرَجَةً ؟ " قَالُوا : بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ ، قَالَ : " رَجُلُ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ مِنْ بَابِ الْجَنَّةِ فَيَتَلَقَّاهُ غِلْمَانُهُ فَيَقُولُونَ مَرْحَبًا بِسَيِّدِنَا قَدْ آنَ لَكَ أَنْ تَزُورَنَا قَالَ : فَتُمَدُّ لَهُ الزَّرَابِيُّ أَرْبَعِينَ سَنَةً ثُمَّ يَنْظُرُ عَنْ يَمِينِهِ وَعَنْ شِمَالِهِ فَيَرَى الْجِنَانَ فَيَقُولُ : لِمَنْ هَذَا ؟ فَيُقَالُ لَكَ حَتَّى إِذَا انْتَهَى رُفِعَتْ لَهُ يَاقُوتَةٌ حَمْرَاءُ وَزَبَرْجَدَةٌ خَضْرَاءُ لَهَا سَبْعُونَ شِعْبًا فِي كُلِّ شِعْبٍ سَبْعُونَ غَرْفَةً فِي كُلِّ غَرْفَةٍ سَبْعُونَ بَابًا فَيَقُولُونَ اقْرَأْ وَارْقَهْ ، فَيَرْقَى حَتَّى إِذَا انْتَهَوْا إِلَى سَرِيرِ مُلْكِهِ اتَّكَأَ عَلَيْهِ سَعَتُهُ مِيلٌ فِي مِيلٍ لَهُ فِيهِ فُصُولٌ فَيُسْعَى إِلَيْهِ بِسَبْعِينَ صُحْفَةً مِنْ ذَهَبٍ لَيْسَ فِيهَا صُحْفَةٌ مِنْ لَوْنِ أُخْتِهَا يَجِدُ لَذَّةَ آخِرِهَا كَمَا يَجِدُ لَذَّةَ أَوَّلِهَا ثُمَّ يُسْعَى عَلَيْهِ بِأَلْوَانِ الْأَشْرِبَةِ فَيَشْرَبُ مِنْهَا مَا اشْتَهَى ثُمَّ يَقُولُ الْغِلْمَانُ : اتْرُكُوهُ وَأَزْوَاجَهُ فَيَنْطَلِقُ الْغِلْمَانُ ثُمَّ يَنْظُرُ فَإِذَا حَوْرَاءُ مِنَ الْحُورِ الْعِينِ جَالِسَةٌ عَلَى سَرِيرِ مُلْكِهَا عَلَيْهَا سَبْعُونَ حُلَّةً لَيْسَ مِنْهَا حُلَّةٌ مِنْ لَوْنِ صَاحِبَتِهَا فَيَرَى مُخَّ سَاقِهَا مِنْ وَرَاءِ اللَّحْمِ وَالدَّمِ وَالْعَظْمِ وَالْكِسْوَةُ فَوْقَ ذَلِكَ فَيَنْظُرُ إِلَيْهَا فَيَقُولُ : مَنْ أَنْتِ ؟ فَتَقُولُ : أَنَا مِنَ الْحُورِ الْعِينِ مِنَ اللَّاتِي خُبِّئْنَ لَكَ فَيَنْظُرُ إِلَيْهَا أَرْبَعِينَ سَنَةً لَا يَصْرِفُ بَصَرَهُ ثُمَّ(1/108)
يَرْفَعُ بَصَرَهُ إِلَى الْغُرَفِ فَوْقَهُ فَإِذَا أُخْرَى أَجْمَلُ مِنْهَا فَتَقُولُ : أَمَا آنَ لَكَ أَنْ يَكُونَ لَنَا فِيكَ نَصِيبٌ فَيَرْتَقِي إِلَيْهَا أَرْبَعِينَ سَنَةً لَا يَصْرِفُ بَصَرَهُ عَنْهَا حَتَّى إِذَا بَلَغَ النَّعِيمُ مِنْهُمْ كُلَّ مَبْلَغٍ وَظَنُّوا أَنْ لَا نَعِيمَ أَفْضَلُ مِنْهُ تَجَلَّى لَهُمُ الرَّبُّ عَزَّ وَجَلَّ فَيَنْظُرُونَ إِلَى وَجْهِ الرَّحْمَنِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى فَيَقُولُ : يَا أَهْلَ الْجَنَّةِ هَلِّلُونِي فَيَتَجَاوَبُونَ بِتَهْلِيلِ الرَّحْمَنِ ، ثُمَّ يَقُولُ : يَا دَاوُدُ قُمْ فَمَجِّدْنِي كَمَا كُنْتَ تُمَجِّدُنِي فِي الدُّنْيَا فَيُمَجِّدُ دَاوُدُ عَلَيْهِ السَّلَامُ رَبَّهُ عَزَّ وَجَلَّ "(1)
وعَنْ ثُوَيْرٍ قَالَ سَمِعْتُ ابْنَ عُمَرَ يَقُولُ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : إِنَّ أَدْنَى أَهْلِ الْجَنَّةِ مَنْزِلَةً لَمَنْ يَنْظُرُ إِلَى جِنَانِهِ وَأَزْوَاجِهِ وَنَعِيمِهِ وَخَدَمِهِ وَسُرُرِهِ مَسِيرَةَ أَلْفِ سَنَةٍ وَأَكْرَمَهُمْ عَلَى اللَّهِ مَنْ يَنْظُرُ إِلَى وَجْهِهِ غُدْوَةً وَعَشِيَّةً ثُمَّ قَرَأَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - (وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ).(2)
__________
(1) - صِفَةُ الْجَنَّةِ لِابْنِ أَبِي الدُّنْيَا (326 ) حسن
(2) - سنن الترمذى(2750 ) ضعيف(1/109)
وعَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : إِنَّ أَدْنَى أَهْلِ الْجَنَّةِ مَنْزِلَةً لَمَنْ يَرَى فِي مُلْكِهِ أَلْفَيْ سَنَةٍ ، وَإِنَّ أَفْضَلَهُمْ مَنْزِلَةً لَمَنْ يَنْظُرُ فِي وَجْهِ اللَّهِ تَعَالَى كُلَّ يَوْمٍ مَرَّتَيْنِ ، ثُمَّ تَلا : وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ ، قَالَ : الْبَيَاضُ وَالصَّفَاءُ ، إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ ، قَالَ : يَنْظُرُ كُلَّ يَوْمٍ فِي وَجْهِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ "(1)
وعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ ، عَنْ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - ، أَنَّهُ قَالَ : إِنَّ أَدْنَى أَهْلِ الْجَنَّةِ مَنْزِلَةً الَّذِي لَهُ ثَمَانُونَ أَلْفَ خَادِمٍ ، وَاثْنَانِ وَسَبْعُونَ زَوْجًا ، وَيُنْصَبُ لَهُ قُبَّةٌ مِنْ لُؤْلُؤٍ وَزَبَرْجَدٍ وَيَاقُوتٍ ، كَمَا بَيْنَ الْجَابِيَةِ إِلَى صَنْعَاءَ.(2)
نصب : أقام ورفع - الزبرجد : حجر كريم من الجواهر وهو الزمرد
وعن أبي هريرة ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : " إِنَّ أَدْنَى أَهْلِ الْجَنَّةِ مَنْزِلَةً وَلَيْسَ فِيهِمْ لَمَنْ عَلَيْهِ كُلَّ يَوْمٍ وَيَرُوحُ خَمْسَةَ عَشَرَ أَلْفَ خَادِمٍ ، لَيْسَ مِنْهُمْ خَادِمٌ إِلَّا مَعَهُ طُرْفَةٌ لَيْسَتْ مَعَ صَاحِبِهِ "(3)
الدني : الخسيس الحقير - الغُدُو : السير أول النهار
__________
(1) - المستدرك للحاكم(3880) ضعيف
(2) - صحيح ابن حبان - (ج 16 / ص 414)(7401) حسن
(3) - صِفَةُ الْجَنَّةِ لِابْنِ أَبِي الدُّنْيَا(202 ) فيه جهالة(1/110)
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ , قال : قَالَ رَسُول اللهِ - صلى الله عليه وسلم - : إِنَّ أَدْنَى أَهْلِ الْجَنَّةِ مَنْزِلَةً إِنَّ لَهُ لَسَبْعَ دَرَجَاتٍ وَهُوَ عَلَى السَّادِسَةِ وَفَوْقَهُ السَّابِعَةُ وَإِنَّ لَهُ لَثَلاَثَمِائَةِ خَادِمٍ وَيُغْدَى عَلَيْهِ وَيُرَاحُ كَلَّ يَوْمٍ ثَلاَثُمِائَةِ صَحْفَةٍ - وَلاَ أَعْلَمُهُ إَلاَّ قَالَ مِنْ ذَهَبٍ - فِى كُلِّ صَحْفَةٍ لَوْنٌ لَيْسَ فِى الأُخْرَى وَإِنَّهُ لَيُلَذُّ أَوَّلَهُ كَمَا يُلَذُّ آخِرَهُ وَإِنَّهُ لَيَقُولُ يَا رَبِّ لَوْ أَذِنْتَ لِى لأَطْعَمْتُ أَهْلَ الْجَنَّةِ وَسَقَيْتُهُمْ لَمْ يَنْقُصْ مِمَّا عِنْدِى شَىْءٌ وَإِنَّ لَهُ مِنَ الْحُورِ الْعِينِ لاَثْنَيْنِ وَسَبْعِينَ زَوْجَةً سِوَى أَزْوَاجِهِ مِنَ الدُّنْيَا وَإِنَّ الْوَاحِدَةَ مِنْهُنَّ لَيَأْخُذُ مَقْعَدُهَا قَدْرَ مِيلٍ مِنَ الأَرْضِ.(1)
وعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو ، قَالَ : " إِنَّ أَدْنَى أَهْلِ الْجَنَّةِ مَنْزِلًا مَنْ يَسْعَى إِلَيْهِ أَلْفُ خَادِمٍ كُلُّ خَادِمٍ عَلَى عَمَلٍ لَيْسَ عَلَيْهِ صَاحِبُهُ " ، قَالَ : وَتَلَا هَذِهِ الْآيَةَ: {وَيَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدَانٌ مُّخَلَّدُونَ إِذَا رَأَيْتَهُمْ حَسِبْتَهُمْ لُؤْلُؤًا مَّنثُورًا } (19) سورة الإنسان(2)
__________
(1) - مسند أحمد (11223) حسن
(2) - البعث والنشور للبيهقي(362 ) حسن(1/111)
وعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو ، فِي هَذِهِ الْآيَةِ :{يُطَافُ عَلَيْهِم بِصِحَافٍ مِّن ذَهَبٍ وَأَكْوَابٍ وَفِيهَا مَا تَشْتَهِيهِ الْأَنفُسُ وَتَلَذُّ الْأَعْيُنُ وَأَنتُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} (71) سورة الزخرف، قَالَ : " مَا مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ أَحَدٌ إِلَّا يَسْعَى عَلَيْهِ أَلْفُ خَادِمٍ ، كُلُّ غُلَامٍ عَلَى عَمَلٍ لَيْسَ عَلَيْهِ صَاحِبُهُ "(1)
ـــــــــــــــ
__________
(1) - صِفَةُ الْجَنَّةِ لِأَبِي نُعَيْمٍ الْأَصْبهَانِيِّ (354 ) والزُّهْدُ لِهَنَّادِ بْنِ السَّرِيِّ (171) صحيح موقوف(1/112)
المبحث العاشر
في درجات الجنة
قال تعالى: {وَمَنْ يَأْتِهِ مُؤْمِنًا قَدْ عَمِلَ الصَّالِحَاتِ فَأُوْلَئِكَ لَهُمُ الدَّرَجَاتُ الْعُلَى} (75) سورة طه، وقال سبحانه:{وَمَا لَكُمْ أَلَّا تُنفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلِلَّهِ مِيرَاثُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَا يَسْتَوِي مِنكُم مَّنْ أَنفَقَ مِن قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ أُوْلَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِّنَ الَّذِينَ أَنفَقُوا مِن بَعْدُ وَقَاتَلُوا وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ} (10) سورة الحديد ، وقال تعالى : (لَا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ عَلَى الْقَاعِدِينَ دَرَجَةً وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى وَفَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ عَلَى الْقَاعِدِينَ أَجْرًا عَظِيمًا (95) دَرَجَاتٍ مِنْهُ وَمَغْفِرَةً وَرَحْمَةً وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا (96) [النساء/95-96] )، وقال تعالى: {الَّذِينَ آمَنُواْ وَهَاجَرُواْ وَجَاهَدُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ أَعْظَمُ دَرَجَةً عِندَ اللّهِ وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ} (20) سورة التوبة ، وقال تعالى: ({يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قِيلَ لَكُمْ تَفَسَّحُوا فِي الْمَجَالِسِ فَافْسَحُوا يَفْسَحِ اللَّهُ لَكُمْ وَإِذَا قِيلَ انشُزُوا فَانشُزُوا يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ} (11) سورة المجادلة.(1/113)
ومن الذين وضحوا هذه المسألة شيخ الإسلام ابن تيمية، قال: "وَالْجَنَّةُ دَرَجَاتٌ مُتَفَاضِلَةٌ تَفَاضُلًا عَظِيمًا، وَأَوْلِيَاءُ اللَّهِ الْمُؤْمِنُونَ الْمُتَّقُونَ فِي تِلْكَ الدَّرَجَاتِ بِحَسَبِ إيمَانِهِمْ وَتَقْوَاهُمْ . قَالَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى : { مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاءُ لِمَنْ نُرِيدُ ثُمَّ جَعَلْنَا لَهُ جَهَنَّمَ يَصْلَاهَا مَذْمُومًا مَدْحُورًا (18) وَمَنْ أَرَادَ الْآَخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ كَانَ سَعْيُهُمْ مَشْكُورًا (19) كُلًّا نُمِدُّ هَؤُلَاءِ وَهَؤُلَاءِ مِنْ عَطَاءِ رَبِّكَ وَمَا كَانَ عَطَاءُ رَبِّكَ مَحْظُورًا (20) انْظُرْ كَيْفَ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَلَلْآَخِرَةُ أَكْبَرُ دَرَجَاتٍ وَأَكْبَرُ تَفْضِيلًا (21) } [الإسراء/18-21] .
فَبَيَّنَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَنَّهُ يَمُدُّ مَنْ يُرِيدُ الدُّنْيَا وَمَنْ يُرِيدُ الْآخِرَةَ مِنْ عَطَائِهِ ،وَأَنَّ عَطَاءَهُ مَا كَانَ مَحْظُورًا مِنْ بَرٍّ وَلَا فَاجِرٍ ثُمَّ قَالَ تَعَالَى : { انْظُرْ كَيْفَ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَلَلْآخِرَةُ أَكْبَرُ دَرَجَاتٍ وَأَكْبَرُ تَفْضِيلًا }.(1/114)
فَبَيَّنَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ أَنَّ أَهْلَ الْآخِرَةِ يَتَفَاضَلُونَ فِيهَا أَكْثَرُ مِمَّا يَتَفَاضَلُ النَّاسُ فِي الدُّنْيَا ،وَأَنَّ دَرَجَاتِهَا أَكْبَرُ مِنْ دَرَجَاتِ الدُّنْيَا، وَقَدْ بَيَّنَ تَفَاضُلَ أَنْبِيَائِهِ عَلَيْهِمْ السَّلَامُ كَتَفَاضُلِ سَائِرِ عِبَادِهِ الْمُؤْمِنِينَ فَقَالَ تَعَالَى : {تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ مِّنْهُم مَّن كَلَّمَ اللّهُ وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجَاتٍ وَآتَيْنَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّنَاتِ وَأَيَّدْنَاهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ وَلَوْ شَاء اللّهُ مَا اقْتَتَلَ الَّذِينَ مِن بَعْدِهِم مِّن بَعْدِ مَا جَاءتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَلَكِنِ اخْتَلَفُواْ فَمِنْهُم مَّنْ آمَنَ وَمِنْهُم مَّن كَفَرَ وَلَوْ شَاء اللّهُ مَا اقْتَتَلُواْ وَلَكِنَّ اللّهَ يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ} (253) سورة البقرة، وَقَالَ تَعَالَى : { وَلَقَدْ فَضَّلْنَا بَعْضَ النَّبِيِّينَ عَلَى بَعْضٍ وَآتَيْنَا دَاوُودَ زَبُورًا} (55) سورة الإسراء.
وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : « الْمُؤْمِنُ الْقَوِىُّ خَيْرٌ وَأَحَبُّ إِلَى اللَّهِ مِنَ الْمُؤْمِنِ الضَّعِيفِ وَفِى كُلٍّ خَيْرٌ احْرِصْ عَلَى مَا يَنْفَعُكَ وَاسْتَعِنْ بِاللَّهِ وَلاَ تَعْجِزْ وَإِنْ أَصَابَكَ شَىْءٌ فَلاَ تَقُلْ لَوْ أَنِّى فَعَلْتُ كَانَ كَذَا وَكَذَا. وَلَكِنْ قُلْ قَدَرُ اللَّهِ وَمَا شَاءَ فَعَلَ فَإِنَّ لَوْ تَفْتَحُ عَمَلَ الشَّيْطَانِ »(1).
__________
(1) - صحيح مسلم (6945 )(1/115)
وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ أَبِى قَيْسٍ مَوْلَى عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ عَنْ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : يَقُولُ « إِذَا حَكَمَ الْحَاكِمُ فَاجْتَهَدَ ثُمَّ أَصَابَ فَلَهُ أَجْرَانِ ، وَإِذَا حَكَمَ فَاجْتَهَدَ ثُمَّ أَخْطَأَ فَلَهُ أَجْرٌ »(1).
__________
(1) - صحيح البخارى (7352 ) 133/9 ومسلم (4584 )(1/116)
وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى : {وَمَا لَكُمْ أَلَّا تُنفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلِلَّهِ مِيرَاثُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَا يَسْتَوِي مِنكُم مَّنْ أَنفَقَ مِن قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ أُوْلَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِّنَ الَّذِينَ أَنفَقُوا مِن بَعْدُ وَقَاتَلُوا وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ} (10) سورة الحديد، وَقَالَ تَعَالَى : { لَا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ عَلَى الْقَاعِدِينَ دَرَجَةً وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى وَفَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ عَلَى الْقَاعِدِينَ أَجْرًا عَظِيمًا (95) دَرَجَاتٍ مِنْهُ وَمَغْفِرَةً وَرَحْمَةً وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا (96) } [النساء/95، 96]، وَقَالَ تَعَالَى : { أَجَعَلْتُمْ سِقَايَةَ الْحَاجِّ وَعِمَارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ كَمَنْ آَمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَجَاهَدَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ لَا يَسْتَوُونَ عِنْدَ اللَّهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (19) الَّذِينَ آَمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ أَعْظَمُ دَرَجَةً عِنْدَ اللَّهِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ (20)يُبَشِّرُهُمْ رَبُّهُمْ بِرَحْمَةٍ مِنْهُ وَرِضْوَانٍ وَجَنَّاتٍ لَهُمْ فِيهَا نَعِيمٌ مُقِيمٌ (21) خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ (22) } [التوبة/19، 22]، وَقَالَ تَعَالَى : {أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاء اللَّيْلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا يَحْذَرُ الْآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ(1/117)
وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُوْلُوا الْأَلْبَابِ} (9) سورة الزمر، وَقَالَ تَعَالَى : {.. يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ} (11) سورة المجادلة(1).
قال القرطبي:( واعلم أن هذه الغرف مختلفة في العلو والصفة بحسب اختلاف أصحابها في الأعمال، فبعضها أعلى من بعض وارفع...... فعَنْ أَبِى سَعِيدٍ الْخُدْرِىِّ - رضى الله عنه - عَنِ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ « إِنَّ أَهْلَ الْجَنَّةِ يَتَرَاءَيُونَ أَهْلَ الْغُرَفِ مِنْ فَوْقِهِمْ كَمَا يَتَرَاءَيُونَ الْكَوْكَبَ الدُّرِّىَّ الْغَابِرَ فِى الأُفُقِ مِنَ الْمَشْرِقِ أَوِ الْمَغْرِبِ ، لِتَفَاضُلِ مَا بَيْنَهُمْ » . قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ ، تِلْكَ مَنَازِلُ الأَنْبِيَاءِ لاَ يَبْلُغُهَا غَيْرُهُمْ قَالَ « بَلَى وَالَّذِى نَفْسِى بِيَدِهِ ، رِجَالٌ آمَنُوا بِاللَّهِ وَصَدَّقُوا الْمُرْسَلِينَ »(2).
__________
(1) - مجموع الفتاوى - (ج 11 / ص 188) فما بعدها
(2) - صحيح البخارى(3256 ) -الغَابر : الذاهب الماشى(1/118)
ولم يذكر عملا، ولا شيئا سوى الإيمان والتصديق للمرسلين، ذلك ليعلم أنه عنى الإيمان البالغ وتصديق المرسلين من غير سؤال آية ولا تلجلج، وإلا فكيف تنال تلك الغرفات بالإيمان والتصديق الذي للعامة، ولو كان كذلك كان جميع الموحدين في أعالي الغرفات و أرفع الدرجات ، و هذا محال ، و قد قال الله تعالى: {أُوْلَئِكَ يُجْزَوْنَ الْغُرْفَةَ بِمَا صَبَرُوا وَيُلَقَّوْنَ فِيهَا تَحِيَّةً وَسَلَامًا} (75) سورة الفرقان ، والصبر بذل النفس الثبات له وقوفاً بين يديه بالقلوب عبودية وهذه صفة المقربين . و قال في آية أخرى: {وَمَا أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُم بِالَّتِي تُقَرِّبُكُمْ عِندَنَا زُلْفَى إِلَّا مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَأُوْلَئِكَ لَهُمْ جَزَاء الضِّعْفِ بِمَا عَمِلُوا وَهُمْ فِي الْغُرُفَاتِ آمِنُونَ} (37) سورة سبأ ، فذكر شأن الغرفة و أنها لا تنال بالأموال والأولاد ، و إنما تنال بالإيمان والعمل الصالح ، ثم بين لهم جزاء الضعف وأن محلهم الغرفات ، يعلمك أن هذا إيمان طمأنينة وتعلق قلب مطمئناً به في كل ما نابه ، وبجميع أموره وأحكامه ، فإذا عمل عملاً صالحاً فلا يخلطه بضده وهو الفاسد . فلا يكون العمل الصالح الذي لا يشوبه فساد إلا مع إيمان بالغ مطمئن صاحبه بمن آمن وبجميع أموره و أحكامه ، والمخلط ليس إيمانه وعمله هكذا . فلهذا كانت منزلته دون غيره(1).
__________
(1) - التذكرة في أحوال الموتى وأمور الآخرة - (ج 2 / ص 101)(1/119)
قلت: إنَّ درجاتِ الجنَّة كثيرةٌ ، فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - : مَنْ آمَنَ بِاللهِ وَبِرَسُولِهِ وَأَقَامَ الصَّلاَةَ وَصَامَ رَمَضَانَ ، كَانَ حَقًّا عَلَى اللهِ أَنْ يُدْخِلَهُ الْجَنَّةَ جَاهَدَ فِى سَبِيلِ اللهِ ، أَوْ جَلَسَ فِى أَرْضِهِ الَّتِى وُلِدَ فِيهَا . فَقَالُوا يَا رَسُولَ اللهِ أَفَلاَ نُبَشِّرُ النَّاسَ . قَالَ: « إِنَّ فِى الْجَنَّةِ مِائَةَ دَرَجَةٍ أَعَدَّهَا اللَّهُ لِلْمُجَاهِدِينَ فِى سَبِيلِ اللهِ ، مَا بَيْنَ الدَّرَجَتَيْنِ كَمَا بَيْنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ ، فَإِذَا سَأَلْتُمُ اللَّهَ فَاسْأَلُوهُ الْفِرْدَوْسَ ، فَإِنَّهُ أَوْسَطُ الْجَنَّةِ وَأَعْلَى الْجَنَّةِ ، أُرَاهُ فَوْقَهُ عَرْشُ الرَّحْمَنِ ، وَمِنْهُ تَفَجَّرُ أَنْهَارُ الْجَنَّةِ .(1)
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، عَنْ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - ، قَالَ : إِنَّ فِي الْجَنَّةِ مِائَةَ دَرَجَةٍ أَعَدَّهَا اللَّهُ لِلْمُجَاهِدِينَ فِي سَبِيلِهِ بَيْنَ الدَّرَجَتَيْنِ ، كَمَا بَيْنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ ، فَإِذَا سَأَلْتُمُ اللَّهَ فَاسْأَلُوهُ الْفِرْدَوْسَ ، فَهُوَ أَوْسَطُ الْجَنَّةِ ، وَهُوَ أَعْلَى الْجَنَّةِ ، وَفَوْقَهُ الْعَرْشُ ، وَمِنْهُ تَفَجَّرُ أَنْهَارُ الْجَنَّةِ.(2)
قَالَ أَبُو حَاتِمٍ : قَوْلُهُ - صلى الله عليه وسلم - : فَهُوَ أَوْسَطُ الْجَنَّةِ يُرِيدُ بِهِ أَنَّ الْفِرْدَوْسَ فِي وَسَطِ الْجِنَّانِ ، فِي الْعَرْضِ ، وَقَوْلُهُ وَهُوَ أَعْلَى الْجَنَّةِ يُرِيدُ بِهِ : فِي الاِرْتِفَاعِ.
__________
(1) - صحيح البخارى(2790 )
(2) - صحيح ابن حبان - (ج 10 / ص 471)(4611) صحيح(1/120)
وعَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ رضب الله عنه قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - « فِى الْجَنَّةِ مِائَةُ دَرَجَةٍ مَا بَيْنَ كُلِّ دَرَجَتَيْنِ مِائَةُ عَامٍ ».(1)
والحديثُ يدلُّ على أنها غاية في العلو والارتفاع , ولا ينفي أن يكون درج الجنة أكثر من مائة,إذ المراد منه الإخبار بأن هذه الدرجات المائة هي للمجاهدين في سبيل الله,لا الإخبار بحصر درجات الجنة,ويؤيد ذلك أن منزلة النبي - صلى الله عليه وسلم - فوق هذا كله ,فهو فى درجة ليس فوقها درجة,أمَّا هذه الدرجات المائة ينالها آحاد أمته بالجهاد. ونظير ذلك قوله - صلى الله عليه وسلم - :" إِنَّ لِلَّهِ تِسْعَةً وَتِسْعِينَ اسْمَا مِائَةً إِلاَّ وَاحِدًا مَنْ أَحْصَاهَا دَخَلَ الْجَنَّةَ . "(2)
__________
(1) سنن الترمذى (2721 ) قَالَ أَبُو عِيسَى هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ.
(2) - صحيح البخارى(2736 )(1/121)
فالمراد من هذا الحديث الإخبار عن دخول الجنة بإحصاء هذه الأسماء وحفظها ,لا الإخبار بحصر هذه الأسماء , ومما يؤيد أن لله تعالى أكثر من تسعة وتسعين اسمًا حديث ابْنِ مَسْعُودٍ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - : مَا قَالَ عَبْدٌ قَطُّ ، إِذَا أَصَابَهُ هَمٌّ أَوْ حُزْنٌ : اللَّهُمَّ إِنِّي عَبْدُكَ ابْنُ عَبْدِكَ ابْنُ أَمَتِكَ ، نَاصِيَتِي بِيَدِكَ ، مَاضٍ فِيَّ حُكْمُكَ ، عَدْلٌ فِيَّ قَضَاؤُكَ ، أَسْأَلُكَ بِكُلِّ اسْمٍ هُوَ لَكَ ، سَمَّيْتَ بِهِ نَفْسَكَ ، أَوْ أَنْزَلْتَهُ فِي كِتَابِكَ ، أَوْ عَلَّمْتَهُ أَحَدًا مِنْ خَلْقِكَ ، أَوِ اسْتَأْثَرْتَ بِهِ فِي عِلْمِ الْغَيْبِ عِنْدَكَ ، أَنْ تَجْعَلَ الْقُرْآنَ رَبِيعَ قَلْبِي ، وَنُورَ بَصَرِي ، وَجِلاَءَ حُزْنِي ، وَذَهَابَ هَمِّي ، إِلاَّ أَذْهَبَ اللَّهُ هَمَّهُ وَأَبْدَلَهُ مَكَانَ حُزْنِهِ فَرَحًا , قَالُوا : يَا رَسُولَ اللهِ , يَنْبَغِي لَنَا أَنْ نَتَعَلَّمَ هَذِهِ الْكَلِمَاتِ ؟ قَالَ : أَجَلْ ، يَنْبَغِي لِمَنْ سَمِعَهُنَّ أَنْ يَتَعَلَّمَهُنَّ.(1).
الناصية : مقدم الرأس ، والمراد أنه مالكه يتصرف فيه حيث شاء - الماضي : النافذ - الاستئثار : الانفراد بالشيء
وهذا حديث يؤيد ذلك ، فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : " الْجَنَّةُ مِائَةُ دَرَجَةٍ ، مَا بَيْنَ كُلِّ دَرَجَتَيْنِ مَسِيرَةُ خَمْسِمِائَةِ عَامٍ "(2).
وأهل الجنَّة تتفاوت منازلهم بحسب درجاتهم في العمل والفضل حتى أن أهل الدرجات العلى ليراهم من هو أسفل منهم كالنجوم في السماء
__________
(1) - صحيح ابن حبان - (ج 3 / ص 253)(972) صحيح لغيره
(2) - البعث لابن أبي داود السجستاني (62 ) والعظمة لأبي الشيخ الأصبهاني(563 ) صحيح(1/122)
فعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - ، قَالَ : إِنَّ أَهْلَ الْجَنَّةِ لَيَتَرَاءَوْنَ أَهْلَ الْغُرَفِ مِنْ فَوْقِهِمْ ، كَمَا تَرَاءَوْنَ الْكَوْكَبَ الدُّرِّيَّ الْغَابِرَ ، أَوِ الْغَائِرُ فِي الْأُفُقِ مِنَ الْمَشْرِقِ أَوِ الْمَغْرِبِ ، قَالُوا : يَا رَسُولَ اللهِ ، تِلْكَ مَنَازِلُ الأَنْبِيَاءِ لاَ يَبْلُغُهَا غَيْرُهُمْ ، قَالَ : بَلَى وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ ، رِجَالٌ آمَنُوا بِاللَّهِ وَصَدَّقُوا الْمُرْسَلِينَ..(1)
وعَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - أَنَّهُ قَالَ « إِنَّ أَهْلَ الْجَنَّةِ لَيَتَزَاوَرُونَ فِيهَا » وفي رواية« لَيَتَرَاءَوْنَ فِيهَا كَمَا تَرَاءَوْنَ الْكَوْكَبَ الشَّرْقِىَّ وَالْكَوْكُبَ الْغَرْبِىَّ الْغَارِبَ فِى الأُفُقِ الطَّالِعَ فِى تَفَاضُلِ الدَّرَجَاتِ ». قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ أُولَئِكَ النَّبِيُّونَ قَالَ « بَلَى وَالَّذِى نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ أَقْوَامٌ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَصَدَّقُوا الْمُرْسَلِينَ(2)
تراءى : نظر ورأى -الغرفة : العِلِّيَّةُ والحجرة مطلقا ، والجمع غرف وغرفات
وعَنْ سَهْلٍ عَنِ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ « إِنَّ أَهْلَ الْجَنَّةِ لَيَتَرَاءَوْنَ الْغُرَفَ فِى الْجَنَّةِ كَمَا تَتَرَاءَوْنَ الْكَوْكَبَ فِى السَّمَاءِ » وزاد عن أبي سعيد« كَمَا تَرَاءَوْنَ الْكَوْكَبَ الْغَارِبَ فِى الأُفُقِ الشَّرْقِىِّ وَالْغَرْبِىِّ »(3).
__________
(1) - صحيح مسلم (7322)
(2) - مسند أحمد(8647) صحيح
(3) - صحيح البخارى (6555 و6556)(1/123)
وعَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ إتحاف اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - :" إِنَّ أَهْلَ الْجَنَّةِ لَيَتَرَاءَوْنَ أَهْلَ الْغُرَفِ فِى الْجَنَّةِ كَمَا تَرَوْنَ الْكَوْكَبَ الدُّرِّىَّ فِى السَّمَاءِ "(1).
وعَنْ سَهْلِ بن سَعْدٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - :"إِنَّ أَهْلَ الْجَنَّةِ لَيَتَرَاءَوْنَ أَهْلَ الْغُرَفِ فَوْقَهُمْ، كَمَا تَرَوْنَ الْكَوْكَبَ الدُّرِّيَّ الْغَابِرَ فِي الأُفُقِ وَالْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ لِتَفَاضُلِ مَا بَيْنَهُمْ".(2)
وعَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ « إِنَّ أَهْلَ الْجَنَّةِ لَيَتَرَاءَوْنَ فِى الْغُرْفَةِ كَمَا تَتَرَاءَوْنَ الْكَوْكَبَ الشَّرْقِىَّ أَوِ الْكَوْكَبَ الْغَرْبِىَّ الْغَارِبَ فِى الأُفُقِ أَوِ الطَّالِعَ فِى تَفَاضُلِ الدَّرَجَاتِ ». فَقَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ أُولَئِكَ النَّبِيُّونَ . قَالَ « بَلَى وَالَّذِى نَفْسِى بِيَدِهِ وَأَقْوَامٌ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَصَدَّقُوا الْمُرْسَلِينَ ».(3)
والكوكب الغربي أو الغارب على الشك الغابر بالغين المعجمة والباء الموحدة المراد به هنا هو الذاهب الذي تدلى للغروب
__________
(1) - سنن الدارمى(2886) وصحيح مسلم(7319 )
(2) - المعجم الكبير للطبراني - (ج 5 / ص 416)(5644) صحيح لغيره
(3) - سنن الترمذى (2754 ) قَالَ أَبُو عِيسَى هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ.(1/124)
وفى الجنة جنانٌ كثيرة ، فعَنْ قَتَادَةَ حَدَّثَنَا أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ أَنَّ أُمَّ الرُّبَيِّعِ بِنْتَ الْبَرَاءِ وَهْىَ أُمُّ حَارِثَةَ بْنِ سُرَاقَةَ أَتَتِ النَّبِىَّ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَتْ يَا نَبِىَّ اللَّهِ ، أَلاَ تُحَدِّثُنِى عَنْ حَارِثَةَ وَكَانَ قُتِلَ يَوْمَ بَدْرٍ أَصَابَهُ سَهْمٌ غَرْبٌ ، فَإِنْ كَانَ فِى الْجَنَّةِ ، صَبَرْتُ ، وَإِنْ كَانَ غَيْرَ ذَلِكَ اجْتَهَدْتُ عَلَيْهِ فِى الْبُكَاءِ . قَالَ « يَا أُمَّ حَارِثَةَ ، إِنَّهَا جِنَانٌ فِى الْجَنَّةِ ، وَإِنَّ ابْنَكِ أَصَابَ الْفِرْدَوْسَ الأَعْلَى »(1).
الغَرب : الذي لا يعرف راميه
وعَنْ أَنَسٍ قَالَ : انْطَلَقَ حَارِثَةُ بْنُ عَمَّتِي نَظَّارًا يَوْمَ بَدْرٍ مَا انْطَلَقَ لِقِتَالٍ ، فَأَصَابَهُ سَهْمٌ ، فَقَتَلَهُ ، فَجَاءَتْ عَمَّتِي أُمُّهُ إِلَى رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - ، فَقَالَتْ : يَا رَسُولَ اللهِ ، ابْنِي حَارِثَةُ إِنْ يَكُنْ فِي الْجَنَّةِ أَصْبِرْ ، وَأَحْتَسِبْ ، وَإِلاَّ فَسَتَرَى مَا أَصْنَعُ ، فَقَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - : يَا أُمَّ حَارِثَةَ ، إِنَّهَا جِنَانٌ كَثِيرَةٌ ، وَإِنَّ حَارِثَةَ فِي الْفِرْدَوْسِ الأَعْلَى.(2)
__________
(1) - صحيح البخارى(2809)
(2) - صحيح ابن حبان - (ج 10 / ص 520)(4664) صحيح(1/125)
والجنانُ نوعان:من ذهب , ومن فضة,وتكون لمن خاف مقام ربه,وعلى قدر هذا الخوف ، قال تعالى : { وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ (46) فَبِأَيِّ آَلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (47) ذَوَاتَا أَفْنَانٍ (48) فَبِأَيِّ آَلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (49) فِيهِمَا عَيْنَانِ تَجْرِيَانِ (50) فَبِأَيِّ آَلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (51) فِيهِمَا مِنْ كُلِّ فَاكِهَةٍ زَوْجَانِ (52) فَبِأَيِّ آَلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (53) مُتَّكِئِينَ عَلَى فُرُشٍ بَطَائِنُهَا مِنْ إِسْتَبْرَقٍ وَجَنَى الْجَنَّتَيْنِ دَانٍ (54) فَبِأَيِّ آَلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (55) فِيهِنَّ قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنْسٌ قَبْلَهُمْ وَلَا جَانٌّ (56) فَبِأَيِّ آَلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (57) كَأَنَّهُنَّ الْيَاقُوتُ وَالْمَرْجَانُ (58) فَبِأَيِّ آَلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (59) هَلْ جَزَاءُ الْإِحْسَانِ إِلَّا الْإِحْسَانُ (60) فَبِأَيِّ آَلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (61) وَمِنْ دُونِهِمَا جَنَّتَانِ (62) فَبِأَيِّ آَلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (63) مُدْهَامَّتَانِ (64) فَبِأَيِّ آَلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (65) فِيهِمَا عَيْنَانِ نَضَّاخَتَانِ (66) فَبِأَيِّ آَلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (67) } [الرحمن/46-67]
وَمَنْ خَشِيَ ربَّهُ ، وَرَاقَبَهُ في أعْمَالِهِ ، واعْتَقَدَ أنَّهُ قَائِمٌ عَلَيهِ ، مُشْرِفٌ عَلَى أعْمالِِهِ ، عَارِفٌ بِمَا يُكِنُّهُ صَدْرُهُ ، فَإِنَّ اللهَ سَيَجْزِيهِ بِجِنَّتَيْنِ في الآخِرَةِ .فَبأيِّ أَنْعُمِ اللهِ السَّالِفَةِ تُكَذِّبُونَ يَا مَعْشَرَ الجِنِّ وَالإِنّسِ؟(1/126)
وَهَاتَانِ الجَنَّتَانِ اللَّتَانِ يَجْزِي اللهُ بِهِما عِبَادَهُ المُتَّقِينَ هُما ذَوَاتَا أنْواعٍ وَألوانٍ مِنَ الأشْجَارِ وَمِنَ الثِّمَارِ .فَبأيِّ أَنْعُمِ اللهِ السَّالِفِ ذِكْرُها تُكَذِّبُونَ يَا مَعْشَرَ الجِنِّ وَالإِنّسِ؟
وَفي هَاتَينِ الجَنَّتَينِ تُوجَدُ عَيْنَا مَاءٍ تَجْرِيَانِ فِيهِمَا .
وَفِيهِما مِنْ كُلِّ نَوْعٍ مِنْ أنْواعِ الفَوَاكِهِ صِنْفَانِ :صِنْفٌ رَطْبٌ وَصِنْفٌ يَابِسٌ .( أوْ مَعْرُوفٌ وَغَرِيبٌ )
وَيَضْطَجِعُ هَؤُلاءِ الأبْرَارُ السُّعَداءُ ، الذِينَ أكْرَمَهُم اللهُ تَعَالى بِالجَنَّتَينِ ، عَلَى فُرُشٍ ، بَطَائنُها مِنْ غَلِيظِ الدِّيبَاجِ ( اسْتَبْرَقٍ ) ( وَلَم يَذْكُرِ اللهُ تَعَالى الظَّهَائِرَ لأنَّ البَطَائِنَ إذا كَانَتْ مِنَ الدِّيبَاجِ فإنَّ الظَّهَائِرَ سَتَكُونُ أهَمَّ وَأحْسَنَ ) ، وَتَكُونُ ثِمَارُ الجَنَّتَيْنِ دَانِيَةً مِنْهُمْ يَسْتَطِيعُونَ قِطَافَها وَهُمْ جُلُوسٌ حِينَما يُرِيدُونَ .
وَفي هَذِهِ الجَنَّاتِ نِسَاءٌ غَضِيضَاتُ البَصَرِ فَلاَ يَنْظُرْنَ إلى غَيْرِ أزْوَاجِهِنَّ ، فَلاَ يَريْنَ فِيهَا شَيْئاً أحْسَنَ مِنْهُم ، وَهُنَّ أبْكَارٌ لَمْ يَمْسَسْهُنَّ قَبْلَ أزْوَاجِهِنَّ أحَدٌ لا مِنَ الإِنْسِ وَلاَ مِنَ الجِنِّ .
وَهَؤُلاءِ النِّسْوَةُ الغَضِيضَاتُ الطَّرْفِ كَأنَّهُنَّ في جَمَالِهِنَّ ، وَبَهائِنَّ ، وَصَفَاءِ ألوانِهِنَّ : اليَاقُوتُ وَالمَرْجَانُ .لَيْسَ لِمَنْ أحْسَنَ العَمَلَ في الدُّنيا إلا الجَزَاءُ الحَسَنُ عنْدَ اللهِ في الآخِرَةِ { لِّلَّذِينَ أَحْسَنُواْ الحسنى وَزِيَادَةٌ . }(1/127)
وَمِنْ وَرَاءِ هَاتَيْنِ الجَنَّتَينِ ، السَّالِفِ وَصْفُهُمَا ، جَنَّتَانِ أُخْرَيَانِ أَقَلُّ مِنْهُما فَضْلاً وَصِفَةً ، أعَدَّهُما اللهُ تَعَالى لِلْمُتَّقِينَ مِنْ عِبَادِهِ ممَّنْ لاَ يَرْتَفِعُونَ بِأعْمالِهِمْ إلى مَرْتَبِةِ المُقَرَّبينَ .
وَتَنْبُتُ في هَاتَينِ الجَنَّتَيْنِ النَّبَاتَاتُ وَالرَّيَاحِينُ الخُضْرُ ، التِي يَضْرِبُ لَوْنُها إلى السَّوادِ ، مِنْ شِدَّةِ خُضْرَتِها .فيهما عَيْنَانِ تَفُورَانِ بالمَاءِ وَلاَ تَنْقَطِعَانِ
قال ابن شَوْذب، وعطاء الخراساني: نزلت هذه الآية: { وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ } في أبي بكر الصديق.
والصحيح أن هذه الآية عامة كما قاله ابن عباس وغيره، يقول تعالى: ولمن خاف مقامه بين يدي الله، عز وجل، يوم القيامة، { وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى } [ النازعات:40 ]، ولم يطغ، ولا آثر الدنيا، وعلم أن الآخرة خير وأبقى، فأدى فرائض الله، واجتنب محارمه، فله يوم القيامة عند ربه جنتان، فعَنْ أَبِى بَكْرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ قَيْسٍ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ « جَنَّتَانِ مِنْ فِضَّةٍ ، آنِيَتُهُمَا وَمَا فِيهِمَا وَجَنَّتَانِ مِنْ ذَهَبٍ آنِيَتُهُمَا وَمَا فِيهِمَا ، وَمَا بَيْنَ الْقَوْمِ وَبَيْنَ أَنْ يَنْظُرُوا إِلَى رَبِّهِمْ إِلاَّ رِدَاءُ الْكِبْرِ عَلَى وَجْهِهِ فِى جَنَّةِ عَدْنٍ »(1)
وعن أبي بكر بن أبي موسى، عن أبيه، قال: حماد لا أعلمه إلا رفعه في قوله:( وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ ) قال: جنتان من ذهب للمقرّبين أو قال: للسابقين، وجنتان من ورق لأصحاب اليمين.(2)
__________
(1) - صحيح البخارى (4878 ) وصحيح مسلم (466 )
(2) - تفسير الطبري - (ج 23 / ص 57) صحيح(1/128)
وعن أَبِي الدَّرْدَاءِ أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - وَهُوَ يَقُولُ عَلَى الْمِنْبَرِ : وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ ، فَقُلْتُ : وَإِنْ زَنَى وَإِنْ سَرَقَ يَا رَسُولَ اللَّهِ ؟ فَقَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - الثَّانِيَةَ : وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ ، فَقُلْتُ : وَإِنْ زَنَى وَإِنْ سَرَقَ يَا رَسُولَ اللَّهِ ؟ فَقَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - الثَّالِثَةَ : وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ ، فَقُلْتُ : وَإِنْ زَنَى وَإِنْ سَرَقَ يَا رَسُولَ اللَّهِ ؟ فَقَالَ :" نَعَمْ ، وَإِنْ رَغِمَ أَنْفُ أَبِي الدَّرْدَاءِ "(1)
وعَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : {وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ} فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ , وَإِنْ زَنَى وَإِنْ سَرَقَ ؟ قَالَ : وَإِنْ زَنَى وَإِنْ سَرَقَ , قَالَ : فَكَرَّرْتُهَا عَلَيْهِ فَقُلْتُ : وَإِنْ زَنَى وَإِنْ سَرَقَ , وَإِنْ زَنَى وَإِنْ سَرَقَ ؟ قَالَ : وَإِنْ زَنَى وَإِنْ سَرَقَ وَإِنْ رَغِمَ أَنْفُكَ يَا عُوَيْمِرُ.(2)
وهذه الآية عامة في الإنس والجن، فهي من أدلِّ دليل على أن الجن يدخلون الجنة إذا آمنوا واتقوا؛ ولهذا امتن الله تعالى على الثقلين بهذا الجزاء فقال: { وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ . فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ } .
ثم نعت هاتين الجنتين فقال: { ذَوَاتَا أَفْنَانٍ } أي: أغصان نَضِرَة حسنة، تحمل من كل ثمرة نضيجة فائقة، { فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ } . هكذا قال عطاء الخراساني وجماعة: إن الأفنان أغصان الشجَر يمس بعضُها بعضا.
__________
(1) - مسند أحمد(8917) صحيح
(2) - مسند الشاميين(973) صحيح لغيره(1/129)
وعن عكرِمة( ذَوَاتَا أَفْنَانٍ ) قال: ظل الأغصان على الحيطان، قال: وقال الشاعر:
ما هاجَ شَوْقَكَ مِنْ هَدِيل حَمامَة تَدْعُو على فَنن الغُصُونِ حَماما
تَدْعُوا أبا فَرْخَين صَادَفَ ضاريا ذا مِخْلَبين مِنَ الصُّقُّورِ قَطاما(1)
وعن ابن عباس: { ذَوَاتَا أَفْنَانٍ } : ذواتا ألوان. و قد روي عن سعيد بن جبير، والحسن، والسدي، وخُصَيف، والنضر بن عربي ، وأبي سِنَان مثل ذلك. ومعنى هذا القول أن فيهما فنونا من الملاذ، واختاره ابن جرير.
وقال عطاء: كل غصن يجمع فنونا من الفاكهة، وقال الربيع بن أنس:{ ذَوَاتَا أَفْنَانٍ} واسعتا الفناء.
وكل هذه الأقوال صحيحة، ولا منافاة بينها، والله أعلم. وقال قتادة: { ذَوَاتَا أَفْنَانٍ } ينبئ بسعتها وفضلها ومزيتها على ما سواها.
وعَنْ أَسْمَاءَ ابْنَةِ أَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ : سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - وَذَكَرَ سِدْرَةَ الْمُنْتَهَى ، فَقَالَ : يَسِيرُ فِي ظِلِّ الْفَنَنِ مِنْهَا الرَّاكِبُ مِئَةَ سَنَةٍ ، وَيَسْتَظِلُّ بِالْفَنَنِ مِنْهَا مِائَةُ رَاكِبٍ ، فِيهَا فِرَاشُ الذَّهَبِ كَأَنَّ ثَمَرَهَا الْقِلالُ"(2)
سِدْرَةُ المُنْتهى : شجرة في أقْصَى الجنة إليها يَنْتهي عِلُم الأولّين والآخِرين ولا يتعدَّاها.- القلال : جمع القلة وهي الجرة الكبيرة(3)
وفي قوله تعالى : "( وَمِن دُونِهِمَا جَنَّتَانِ " قال ابن عباس:ومن دونهما فى الدَّرج ,
__________
(1) - تفسير الطبري - (ج 23 / ص 59)حسن مقطوع
(2) - الآحاد والمثاني(3141) والزهد لهناد بن السري(113 ) صحيح
(3) - انظر تفسير ابن كثير - (ج 7 / ص 501) فما بعدها(1/130)
وقال ابن زيد:ومن دونهما فى الفضل,وهذا هو الراجح عند المفسِّرين, فالجنتان الأوليان:فيهما عينان تجريان ,أما الثانيتان :ففيهما عينان نضاختان,النضخ دون الجري ,والنضاخة:هي الفوارة,أما الجارية:فهي السارحة وهى أفضل من الفوارة لأنها تتضمن الفوران والجريان,وقال ابن جريج :هي أربع:جنتان منها للسابقين المقربين(فيهما من كل فاكهة زوجان) و(عينان تجريان),وجنتان لأصحاب اليمين (فيهما فاكهة ونخل ورمان) و(فيهما عينان نضاختان) وقال ابن زيد:إن الأوليين من ذهب للمقربين,والأُخريين من وَرِق ٍلأصحاب اليمين.(1)
قال القرطبي: فإن قيل : كيف لم يذكر أهل هاتين الجنتين كما ذكر أهل الجنتين الأوليين ؟ قل : الجنان الأربع لمن خاف مقام ربه إلا أن الخائفين لهم مراتب ، فالجنتان الأوليان لأعلى العباد رتبة في الخوف من الله تعالى ، والجنتان الأخريان لمن قصرت حال في الخوف من الله تعالى. ومذهب الضحاك أن الجنتين الأوليين من ذهب وفضة ، والأخريين من ياقوت وزمرد وهما أفضل من الأوليين ، وقوله : {وَمِنْ دُونِهِمَا جَنَّتَانِ} أي من أمامهما ومن قبلهما. وإلى هذا القول ذهب أبو عبدالله الترمذي الحكيم في "نوادر الأصول" فقال : ومعنى {وَمِنْ دُونِهِمَا جَنَّتَانِ} أي دون هذا إلى العرش ، أي أقرب وأدنى إلى العرش ، وأخذ يفضلهما على الأوليين ..، وقال مقاتل : الجنتان الأوليان جنة عدن وجنة النعيم ، والأخريان جنة الفردوس وجنة المأوى.(2)
ـــــــــــــــ
المبحث الحادي عشر
أبوابُ الجنة
قال تعالى:( جَنَّاتِ عَدْنٍ مُّفَتَّحَةً لَّهُمُ الأَبْوَابُ ){ص:50}
وَهَذَا المآبُ الحَسَنُ هُوَ جَنّاَتُ اسْتِقْرَارٍ وَإِقَامَةٍ مُفَتَّحَةٌ أَبْوَابُهَا إِكْرَاماً لَهُمْ لِيَدْخُلُوهَا آمِنِينَ .
__________
(1) - تفسير القرطبي (17/140) , الوَرِق:الفضة.
(2) - تفسير القرطبي (ج 17 / ص 184)(1/131)
وعن الحسن، وذكر أبواب الجنة، فقال: أبواب يُرى ظاهرها من باطنها، فَتكلم وتَكلم، فتهمهم انفتحي انغلقي، فتفعل.(1)
وعَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ - رضى الله عنه - قَالَ أُتِىَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - بِلَحْمٍ ، فَرُفِعَ إِلَيْهِ الذِّرَاعُ ، وَكَانَتْ تُعْجِبُهُ ، فَنَهَسَ مِنْهَا نَهْسَةً ثُمَّ قَالَ « أَنَا سَيِّدُ النَّاسِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ، وَهَلْ تَدْرُونَ مِمَّ ذَلِكَ يُجْمَعُ النَّاسُ الأَوَّلِينَ وَالآخِرِينَ فِى صَعِيدٍ وَاحِدٍ ، يُسْمِعُهُمُ الدَّاعِى ، وَيَنْفُذُهُمُ الْبَصَرُ ، وَتَدْنُو الشَّمْسُ ، فَيَبْلُغُ النَّاسَ مِنَ الْغَمِّ وَالْكَرْبِ مَا لاَ يُطِيقُونَ وَلاَ يَحْتَمِلُونَ فَيَقُولُ النَّاسُ أَلاَ تَرَوْنَ مَا قَدْ بَلَغَكُمْ أَلاَ تَنْظُرُونَ مَنْ يَشْفَعُ لَكُمْ إِلَى رَبِّكُمْ فَيَقُولُ بَعْضُ النَّاسِ لِبَعْضٍ عَلَيْكُمْ بِآدَمَ فَيَأْتُونَ آدَمَ عليه السلام فَيَقُولُونَ لَهُ أَنْتَ أَبُو الْبَشَرِ خَلَقَكَ اللَّهُ بِيَدِهِ .
__________
(1) - تفسير الطبري - (ج 18 / ص 221) حسن(1/132)
وَنَفَخَ فِيكَ مِنْ رُوحِهِ ، وَأَمَرَ الْمَلاَئِكَةَ فَسَجَدُوا لَكَ ، اشْفَعْ لَنَا إِلَى رَبِّكَ ، أَلاَ تَرَى إِلَى مَا نَحْنُ فِيهِ أَلاَ تَرَى إِلَى مَا قَدْ بَلَغَنَا فَيَقُولُ آدَمُ إِنَّ رَبِّى قَدْ غَضِبَ الْيَوْمَ غَضَبًا لَمْ يَغْضَبْ قَبْلَهُ مِثْلَهُ وَلَنْ يَغْضَبَ بَعْدَهُ مِثْلَهُ ، وَإِنَّهُ نَهَانِى عَنِ الشَّجَرَةِ فَعَصَيْتُهُ ، نَفْسِى نَفْسِى نَفْسِى ، اذْهَبُوا إِلَى غَيْرِى ، اذْهَبُوا إِلَى نُوحٍ ، فَيَأْتُونَ نُوحًا فَيَقُولُونَ يَا نُوحُ إِنَّكَ أَنْتَ أَوَّلُ الرُّسُلِ إِلَى أَهْلِ الأَرْضِ ، وَقَدْ سَمَّاكَ اللَّهُ عَبْدًا شَكُورًا اشْفَعْ لَنَا إِلَى رَبِّكَ ، أَلاَ تَرَى إِلَى مَا نَحْنُ فِيهِ فَيَقُولُ إِنَّ رَبِّى عَزَّ وَجَلَّ قَدْ غَضِبَ الْيَوْمَ غَضَبًا لَمْ يَغْضَبْ قَبْلَهُ مِثْلَهُ ، وَلَنْ يَغْضَبَ بَعْدَهُ مِثْلَهُ ، وَإِنَّهُ قَدْ كَانَتْ لِى دَعْوَةٌ دَعَوْتُهَا عَلَى قَوْمِى نَفْسِى نَفْسِى نَفْسِى اذْهَبُوا إِلَى غَيْرِى ، اذْهَبُوا إِلَى إِبْرَاهِيمَ ، فَيَأْتُونَ إِبْرَاهِيمَ ، فَيَقُولُونَ يَا إِبْرَاهِيمُ ، أَنْتَ نَبِىُّ اللَّهِ وَخَلِيلُهُ مِنْ أَهْلِ الأَرْضِ اشْفَعْ لَنَا إِلَى رَبِّكَ أَلاَ تَرَى إِلَى مَا نَحْنُ فِيهِ فَيَقُولُ لَهُمْ إِنَّ رَبِّى قَدْ غَضِبَ الْيَوْمَ غَضَبًا لَمْ يَغْضَبْ قَبْلَهُ مِثْلَهُ وَلَنْ يَغْضَبَ بَعْدَهُ مِثْلَهُ ، وَإِنِّى قَدْ كُنْتُ كَذَبْتُ ثَلاَثَ كَذَبَاتٍ - فَذَكَرَهُنَّ أَبُو حَيَّانَ فِى الْحَدِيثِ - نَفْسِى نَفْسِى نَفْسِى ، اذْهَبُوا إِلَى غَيْرِى اذْهَبُوا إِلَى مُوسَى ، فَيَأْتُونَ مُوسَى ، فَيَقُولُونَ يَا مُوسَى أَنْتَ رَسُولُ اللَّهِ ، فَضَّلَكَ اللَّهُ بِرِسَالَتِهِ وَبِكَلاَمِهِ عَلَى النَّاسِ ، اشْفَعْ لَنَا إِلَى رَبِّكَ أَلاَ تَرَى إِلَى مَا نَحْنُ فِيهِ فَيَقُولُ(1/133)
إِنَّ رَبِّى قَدْ غَضِبَ الْيَوْمَ غَضَبًا لَمْ يَغْضَبْ قَبْلَهُ مِثْلَهُ ، وَلَنْ يَغْضَبَ بَعْدَهُ مِثْلَهُ ، وَإِنِّى قَدْ قَتَلْتُ نَفْسًا لَمْ أُومَرْ بِقَتْلِهَا ، نَفْسِى نَفْسِى نَفْسِى ، اذْهَبُوا إِلَى غَيْرِى ، اذْهَبُوا إِلَى عِيسَى ، فَيَأْتُونَ عِيسَى فَيَقُولُونَ يَا عِيسَى أَنْتَ رَسُولُ اللَّهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِنْهُ ، وَكَلَّمْتَ النَّاسَ فِى الْمَهْدِ صَبِيًّا اشْفَعْ لَنَا أَلاَ تَرَى إِلَى مَا نَحْنُ فِيهِ فَيَقُولُ عِيسَى إِنَّ رَبِّى قَدْ غَضِبَ الْيَوْمَ غَضَبًا لَمْ يَغْضَبْ قَبْلَهُ مِثْلَهُ ، وَلَنْ يَغْضَبَ بَعْدَهُ مِثْلَهُ - وَلَمْ يَذْكُرْ ذَنْبًا - نَفْسِى نَفْسِى نَفْسِى ، اذْهَبُوا إِلَى غَيْرِى اذْهَبُوا إِلَى مُحَمَّدٍ - صلى الله عليه وسلم - فَيَأْتُونَ مُحَمَّدًا - صلى الله عليه وسلم - فَيَقُولُونَ يَا مُحَمَّدُ أَنْتَ رَسُولُ اللَّهِ وَخَاتَمُ الأَنْبِيَاءِ ، وَقَدْ غَفَرَ اللَّهُ لَكَ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ ، اشْفَعْ لَنَا إِلَى رَبِّكَ أَلاَ تَرَى إِلَى مَا نَحْنُ فِيهِ فَأَنْطَلِقُ فَآتِى تَحْتَ الْعَرْشِ ، فَأَقَعُ سَاجِدًا لِرَبِّى عَزَّ وَجَلَّ ثُمَّ يَفْتَحُ اللَّهُ عَلَىَّ مِنْ مَحَامِدِهِ وَحُسْنِ الثَّنَاءِ عَلَيْهِ شَيْئًا لَمْ يَفْتَحْهُ عَلَى أَحَدٍ قَبْلِى ثُمَّ يُقَالُ يَا مُحَمَّدُ ارْفَعْ رَأْسَكَ ، سَلْ تُعْطَهْ ، وَاشْفَعْ تُشَفَّعْ ، فَأَرْفَعُ رَأْسِى ، فَأَقُولُ أُمَّتِى يَا رَبِّ ، أُمَّتِى يَا رَبِّ فَيُقَالُ يَا مُحَمَّدُ أَدْخِلْ مِنْ أُمَّتِكَ مَنْ لاَ حِسَابَ عَلَيْهِمْ مِنَ الْبَابِ الأَيْمَنِ مِنْ أَبْوَابِ الْجَنَّةِ وَهُمْ شُرَكَاءُ النَّاسِ فِيمَا سِوَى ذَلِكَ مِنَ الأَبْوَابِ ، ثُمَّ قَالَ وَالَّذِى نَفْسِى بِيَدِهِ إِنَّ مَا بَيْنَ(1/134)
الْمِصْرَاعَيْنِ مِنْ مَصَارِيعِ الْجَنَّةِ كَمَا بَيْنَ مَكَّةَ وَحِمْيَرَ ، أَوْ كَمَا بَيْنَ مَكَّةَ وَبُصْرَى »(1).
نهس : قبض على اللحم وانتزعه بمقدم الأسنان
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - ، قَالَ : وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ ، إِنَّ مَا بَيْنَ الْمِصْرَاعَيْنِ مِنْ مَصَارِيعِ الْجَنَّةِ لَكَمَا بَيْنَ مَكَّةَ وَهَجَرَ ، أَوْ كَمَا بَيْنَ مَكَّةَ وَبُصْرَى.(2)
وعَنْ حَكِيمِ بْنِ مُعَاوِيَةَ ، عَنْ أَبِيهِ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - : مَا بَيْنَ مِصْرَاعَيْنِ مِنْ مَصَارِيعِ الْجَنَّةِ مَسِيرَةُ سَبْعِ سِنِينَ.(3)
وللجنة ثمانية أبواب ، فعَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ - رضى الله عنه - عَنِ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ « فِى الْجَنَّةِ ثَمَانِيَةُ أَبْوَابٍ ، فِيهَا بَابٌ يُسَمَّى الرَّيَّانَ لاَ يَدْخُلُهُ إِلاَّ الصَّائِمُونَ »(4).
__________
(1) - صحيح البخارى(4712 ) وصحيح مسلم (501)
(2) - صحيح ابن حبان - (ج 16 / ص 401)(7389) صحيح
(3) - صحيح ابن حبان - (ج 16 / ص 400)(7388) صحيح
(4) - صحيح البخارى(3257 )(1/135)
وعَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ - رضى الله عنه - أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ « مَنْ أَنْفَقَ زَوْجَيْنِ فِى سَبِيلِ اللَّهِ نُودِىَ مِنْ أَبْوَابِ الْجَنَّةِ يَا عَبْدَ اللَّهِ ، هَذَا خَيْرٌ . فَمَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الصَّلاَةِ دُعِىَ مِنْ بَابِ الصَّلاَةِ ، وَمَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الْجِهَادِ دُعِىَ مِنْ بَابِ الْجِهَادِ ، وَمَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الصِّيَامِ دُعِىَ مِنْ بَابِ الرَّيَّانِ ، وَمَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الصَّدَقَةِ دُعِىَ مِنْ بَابِ الصَّدَقَةِ » . فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ - رضى الله عنه - بِأَبِى أَنْتَ وَأُمِّى يَا رَسُولَ اللَّهِ ، مَا عَلَى مَنْ دُعِىَ مِنْ تِلْكَ الأَبْوَابِ مِنْ ضَرُورَةٍ ، فَهَلْ يُدْعَى أَحَدٌ مِنْ تِلْكَ الأَبْوَابِ كُلِّهَا قَالَ « نَعَمْ . وَأَرْجُو أَنْ تَكُونَ مِنْهُمْ »(1).
الضرورة : الضرر أى لا يزاحم بعضهم بعضا
__________
(1) - صحيح البخارى(1897 ) ومسلم (2418)(1/136)
وعَنِ الزُّهْرِيِّ ، أَخْبَرَنِي حُمَيْدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ ، أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ ، قَالَ : سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - ، يَقُولُ : مَنْ أَنْفَقَ زَوْجَيْنِ مِنْ شَيْءٍ مِنَ الأَشْيَاءِ فِي سَبِيلِ اللهِ دُعِيَ مِنْ أَبْوَابِ الْجَنَّةِ : يَا عَبْدَ اللهِ ، هَذَا خَيْرٌ ، وَلِلْجَنَّةِ أَبْوَابٌ ، فَمَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الصَّلاَةِ دُعِيَ مِنْ بَابِ الصَّلاَةِ ، وَمَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الْجِهَادِ دُعِيَ مِنْ بَابِ الْجِهَادِ ، وَمَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الصَّدَقَةِ دُعِيَ مِنْ بَابِ الصَّدَقَةِ ، وَمَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الصِّيَامِ دُعِيَ مِنْ بَابِ الرَّيَّانِ قَالَ : فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ : يَا رَسُولَ اللهِ ، مَا عَلَى أَحَدٍ يُدْعَى مِنْ تِلْكَ الأَبْوَابِ مِنْ ضَرُورَةٍ ، هَلْ يُدْعَى مِنْهَا كُلُّ أَحَدٍ يَا رَسُولَ اللهِ ؟ قَالَ : نَعَمْ وَأَرْجُو أَنْ تَكُونَ مِنْهُمْ.(1)
وَقَوْله : ( فِي سَبِيل اللَّه ) قِيلَ : هُوَ عَلَى الْعُمُوم فِي جَمِيع وُجُوه الْخَيْر ، وَقِيلَ : هُوَ مَخْصُوص بِالْجِهَادِ ، وَالْأَوَّل أَصَحّ وَأَظْهَر . هَذَا آخِر كَلَام الْقَاضِي .
__________
(1) - صحيح ابن حبان - (ج 8 / ص 206)(3418) صحيح(1/137)
قَوْله - صلى الله عليه وسلم - : ( نُودِيَ فِي الْجَنَّة : يَا عَبْد اللَّه هَذَا خَيْر ) قِيلَ : مَعْنَاهُ : لَك هُنَا خَيْر وَثَوَاب وَغِبْطَة . وَقِيلَ : مَعْنَاهُ هَذَا الْبَاب فِيمَا نَعْتَقِدهُ خَيْر لَك مِنْ غَيْره مِنَ الْأَبْوَاب لِكَثْرَةِ ثَوَابه وَنَعِيمه ، فَتَعَالَ فَادْخُلْ مِنْهُ ، وَلَا بُدّ مِنْ تَقْدِير مَا ذَكَرْنَاهُ أَنَّ كُلّ مُنَادٍ يَعْتَقِد ذَلِكَ الْبَاب أَفْضَل مِنْ غَيْره . قَوْله - صلى الله عليه وسلم - : ( فَمَنْ كَانَ مِنْ أَهْل الصَّلَاة دُعِيَ مِنْ بَاب الصَّلَاة ) وَذَكَرَ مِثْله فِي الصَّدَقَة وَالْجِهَاد وَالصِّيَام . قَالَ الْعُلَمَاء : مَعْنَاهُ : مَنْ كَانَ الْغَالِب عَلَيْهِ فِي عَمَله وَطَاعَته ذَلِكَ .
قَوْله - صلى الله عليه وسلم - فِي صَاحِب الصَّوْم : ( دُعِيَ مِنْ بَاب الرَّيَّان ) قَالَ الْعُلَمَاء : سُمِّيَ بَاب الرَّيَّان تَنْبِيهًا عَلَى أَنَّ الْعَطْشَان بِالصَّوْمِ فِي الْهَوَاجِر سَيُرْوَى وَعَاقِبَتُهُ إِلَيْهِ ، وَهُوَ مُشْتَقٌّ مِنَ الرِّيِّ(1).
قال الحافظ ابن حجر : " وَقَعَ فِي الْحَدِيث ذِكْر أَرْبَعَة أَبْوَاب مِنْ أَبْوَاب الْجَنَّة ، وَتَقَدَّمَ فِي أَوَائِل الْجِهَاد ، وَبَقِيَ مِنَ الْأَرْكَان الْحَجّ فَلَهُ بَابٌ بِلَا شَكّ ، وَأَمَّا الثَّلَاثَة الْأُخْرَى فَمِنْهَا بَابُ الْكَاظِمِينَ الْغَيْظ وَالْعَافِينَ عَنْ النَّاس رَوَاهُ أَحْمَد بْن حَنْبَل عَنْ رَوْح بْن عُبَادَةَ عَنْ أَشْعَث عَنْ الْحَسَن مُرْسَلًا " إِنَّ لِلَّهِ بَابًا فِي الْجَنَّة لَا يَدْخُلهُ إِلَّا مَنْ عَفَا عَنْ مَظْلِمَة "(حسن مرسل)
__________
(1) - شرح النووي على مسلم - (ج 3 / ص 475)(1/138)
وَمِنْهَا الْبَابُ الْأَيْمَن وَهُوَ بَاب الْمُتَوَكِّلِينَ الَّذِي يَدْخُل مِنْهُ مَنْ لَا حِسَاب عَلَيْهِ وَلَا عَذَاب ، وَأَمَّا الثَّالِث فَلَعَلَّهُ بَابُ الذِّكْر فَإِنَّ عِنْد التِّرْمِذِيّ مَا يُومِئ إِلَيْهِ ، وَيَحْتَمِل أَنْ يَكُون بَاب الْعِلْم وَاَللَّه أَعْلَم ، وَيَحْتَمِل أَنْ يَكُون بِالْأَبْوَابِ الَّتِي يُدْعَى مِنْهَا أَبْوَاب مِنْ دَاخِل أَبْوَاب الْجَنَّة الْأَصْلِيَّة لِأَنَّ الْأَعْمَال الصَّالِحَة أَكْثَر عَدَدًا مِنْ ثَمَانِيَة ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ"(1).
قال القرطبي : " قلت : فذكر الترمذي الحكيم أبو عبد الله أبواب الجنة في نوادر الأصول فذكر باب محمد - صلى الله عليه وسلم - ، وهو باب الرحمة ، وهو باب التوبة ، فهو منذ خلقه الله مفتوح لا يغلق ، فإذا طلعت الشمس من مغربها أغلق فلم يفتح إلى يوم القيامة ، وسائر الأبواب مقسومة على أعمال البر . فباب منها للصلاة ، وباب للصوم ، وباب للزكاة و الصدقة ، وباب للحج ، وباب للجهاد ، وباب للصلة ، وباب للعمرة ، فزاد باب الحج ، وباب العمرة ، و باب الصلة ، فعلى هذا أبواب الجنة أحد عشر باباً .
ثم قال : قلت : قد ذكرنا أنها أكثر من ثمانية و بالله توفيقنا ، و أما كون الواو في و فتحت أبوابها واو الثمانية ، و أن أبواب الجنة كذلك ثمانية أبواب ، فقد جاء ما يدل على أنها ليست كذلك في قوله تعالى هو الله الذي لا إله إلا هو الملك القدوس السلام المؤمن المهيمن العزيز الجبار المتكبر ، فخلو المتكبر وهو ثامن اسم من الواو يدلُّ على بطلان ذلك القول وتضعيفه .
__________
(1) - فتح الباري لابن حجر - (ج 10 / ص 464) والتذكرة للقرطبي: ص 487(1/139)
وعَنْ خَالِدِ بْنِ عُمَيْرٍ الْعَدَويِّ ، قَالَ : خَطَبَنَا عُتْبَةُ بْنُ غَزْوَانَ ، فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ ، ثُمَّ قَالَ : أَمَّا بَعْدُ ، فَإِنَّ الدُّنْيَا قَدْ آذَنَتْ بِصُرْمٍ ، وَوَلَّتْ حَذَّاءَ ، وَلَمْ يَبْقَ مِنْهَا إِلاَّ صُبَابَةٌ كَصُبَابَةِ الإِنَاءِ ، يَتَصَابُّهَا صَاحِبُهَا ، وَإِنَّكُمْ مُنْتَقِلُونَ مِنْهَا إِلَى دَارٍ لاَ زَوَالَ لَهَا ، فَانْتَقِلُوا بِخَيْرِ مَا بِحَضْرَتِكُمْ ، فَإِنَّهُ قَدْ ذُكِرَ لَنَا أَنَّ الْحَجَرَ يُلْقَى مِنْ شَفَةِ جَهَنَّمَ ، فَيَهْوِي فِيهَا سَبْعِينَ عَامًا ، لاَ يُدْرِكُ لَهَا قَعْرًا ، وَوَاللهِ لَتُمْلأَنَّ ، أَفَعَجبْتُمْ ، وَلَقَدْ ذُكِرَ لَنَا أَنَّ مَا بَيْنَ مِصْرَاعَيْنِ مِنْ مَصَارِيعِ الْجَنَّةِ مَسِيرَةُ أَرْبَعِينَ سَنَةً ، وَلَيَأْتِيَنَّ عَلَيْهَا يَوْمٌ وَهُوَ كَظِيظٌ مِنَ الزِّحَامِ "(1)
وعَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ « لَيَدْخُلَنَّ الْجَنَّةَ مِنْ أُمَّتِى سَبْعُونَ أَوْ سَبْعُمِائَةِ أَلْفٍ - لاَ يَدْرِى أَبُو حَازِمٍ أَيُّهُمَا قَالَ - مُتَمَاسِكُونَ ، آخِذٌ بَعْضُهُمْ بَعْضًا ، لاَ يَدْخُلُ أَوَّلُهُمْ حَتَّى يَدْخُلَ آخِرُهُمْ ، وُجُوهُهُمْ عَلَى صُورَةِ الْقَمَرِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ »(2).
فهذه الأحاديث مع صحتها تدلُّ على أنها أكثر من الثمانية إذ هي غير ما تقدم(3)
ـــــــــــــــ
المبحث الثاني عشر
خزنة الجنة
خزنة:جمع خازن , كحفظة :جمع حافظ
__________
(1) - صحيح مسلم (7625 )
(2) - صحيح البخارى(6554) ومسلم (548 )
(3) - التذكرة في أحوال الموتى وأمور الآخرة - (ج 2 / ص 91) فما بعد(1/140)
قال تعالى: (وَسِيقَ الَذينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الجَنَّةِ زُمَراً حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا سَلامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ ) {الزمر 73}
وَيُوِجَّهُ المُتَّقُونَ إِلَى الجَنَّةِ جَمَاعَاتٍ إِثْرَ جَمَاعَاتٍ : المُقَرَّبُونَ ، ثُمَّ الأَبْرَارُ ، ثُمَّ الذِينَ يَلُونَهُمْ ، ثُمَّ الذِينَ يَلُونَهُمْ . . فَإِذَا وَصَلُوا الجَنَّةَ تُفْتَحُ لَهُمْ أَبْوَابُهَا لاسْتِقْبَالِهِمْ ، وَيَسْتَقْبِلُهُمْ حُرَّاسُهَا ( خَزَنُتهَا ) بالتَّحِيَةِ وَالسَّلاَمِ ، وَيَقُولُونَ لَهُمْ : طَابَتْ أَعْمَالُكُمْ وَأَقْوَالُكُمْ ، وَطَابَ سَعْيُكُمْ وَجَزَاؤُكُمْ ، فَادْخُلُوا الجَنَّةَ لِتَمْكُثُوا فِيهَا خَالِدِينَ أَبَداً .
وهذه الآية الكريمة تثبت وجود خزنة للجنة, وهم من الملائكة ، وعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - « آتِى بَابَ الْجَنَّةِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَأَسْتَفْتِحُ فَيَقُولُ الْخَازِنُ مَنْ أَنْتَ فَأَقُولُ مُحَمَّدٌ. فَيَقُولُ بِكَ أُمِرْتُ لاَ أَفْتَحُ لأَحَدٍ قَبْلَكَ »(1).
وهذا الحديث كما يثبت وجود خزنة للجنَّة, يثبت كذلك فضل النبي - صلى الله عليه وسلم - وكرامته.
__________
(1) - صحيح مسلم(507 )(1/141)
وعن الْحَسَنَ ، قَالَ : قَالَ صَعْصَعَةُ بْنُ مُعَاوِيَةَ عَمُّ الأَحْنَفِ : أَتَيْتُ أَبَا ذَرٍّ بِالرَّبَذَةِ ، فَقُلْتُ : يَا أَبَا ذَرٍّ مَا مَالُكَ ؟ قَالَ : مَالِي عَمَلِي ، فَقُلْتُ : حَدَّثَنَا عَنْ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - حَدِيثًا سَمِعْتَهُ مِنْهُ ، قَالَ : سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ : مَنْ أَنْفَقَ زَوْجَيْنِ مِنْ مَالِهِ فِي سَبِيلِ اللهِ ابْتَدَرَتْهُ خَزَنَةُ الْجَنَّةِ ، قَالَ : قُلْتُ : وَمَا زَوْجَانِ ؟ قَالَ : فَرْسَانِ مِنْ خَيْلِهِ بَعِيرَانِ مِنْ إِبِلِهِ ، عَبْدَانِ مِنْ رَقِيقِهِ.
قَالَ أَبُو حَاتِمٍ : الْعَرَبُ فِي لُغَتِهَا تُسَمِّي الْفَرْدَيْنِ الْمُتَلاَزِمَيْنِ زَوْجَيْنِ ، قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ : {وَمِنْ كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ} [الذاريات].(1)
__________
(1) - صحيح ابن حبان - (ج 10 / ص 502)( 4644) صحيح(1/142)
وعَنِ الْحَسَنِ ، قَالَ : حَدَّثَنِي صَعْصَعَةُ بْنُ مُعَاوِيَةَ ، قَالَ : لَقِيتُ أَبَا ذَرٍّ بِالرَّبَذَةِ وَقَدْ أَوْرَدَ رَوَاحِلَ لَهُ ، فَسَقَاهَا ، ثُمَّ أَصْدَرَهَا وَقَدْ عَلَّقَ قِرْبَةً فِي عُنُقِ رَاحِلَةٍ لَهُ مِنْهَا ، لِيَشْرَبَ مِنْهَا ، وَيَسْقِي أَصْحَابَهُ ، وَذَلِكَ خُلُقٌ مِنْ أَخْلاَقِ الْعَرَبِ ، فَقُلْتُ : يَا أَبَا ذَرٍّ : مَا مَالُكَ ؟ قَالَ : مَالِي عَمَلِي ، قُلْتُ : يَا أَبَا ذَرٍّ ، مَا سَمِعْتَ مِنْ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ ؟ قَالَ : سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ : مَنْ أَنْفَقَ زَوْجَيْنِ مِنْ مَالِهِ ابْتَدَرَتْهُ حَجَبَةُ الْجَنَّةِ ، قُلْتُ : يَا أَبَا ذَرٍّ مَا هَذَانِ الزَّوْجَانِ ؟ فَقَالَ : إِنْ كَانَ رِجَالاً فَرَجُلاَنِ ، وَإِنْ كَانَتْ خَيْلاً فَفَرَسَانِ ، وَإِنْ كَانَتْ إِبِلاً فَبَعِيرَانِ ، حَتَّى عَدَّ أَصْنَافَ الْمَالِ كُلَّهُ.قُلْتُ : إِيهٍ يَا أَبَا ذَرٍّ ، فَقَالَ : سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ : مَا مِنْ مُسْلِمَيْنِ يَمُوتُ لَهُمَا ثَلاَثَةُ أَوْلاَدٍ إِلاَّ أَدْخَلَهُمَا اللَّهُ الْجَنَّةَ بِفَضْلِ رَحْمَتِهِ.(1)
__________
(1) - صحيح ابن حبان - (ج 10 / ص 502)( 4645) صحيح(1/143)
وعَنْ عَلِيٍّ قَالَ : " ذَكَرَ النَّارَ فَعَظَّمَ أَمْرَهَا ذِكْرًا لَا أَحْفَظُهُ ، ثُمَّ قَالَ : وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبِّهِمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَرًا حَتَّى إِذَا انْتَهَوْا إِلَى بَابٍ مِنْ أَبْوَابِهَا ، وَجَدُوا عِنْدَهُ شَجَرَةً تَخْرُجُ مِنْ تَحْتِ سَاقِهَا عَيْنَانِ تَجْرِيَانِ فَعَمَدُوا إِلَى إِحْدَاهُمَا ، كَأَنَّمَا أُمِرُوا بِهِ فَشَرِبُوا مِنْهَا ، فَأَذْهَبَ مَا فِي بُطُونِهِمْ مِنْ قَذًى أَوْ أَذًى أَوْ بَأْسٍ ، ثُمَّ عَمَدُوا إِلَى الْأُخْرَى فَتَطَهَّرُوا مِنْهَا فَجَرَتْ عَلَيْهِمْ نَضْرَةُ النَّعِيمِ وَلَمْ تُغَيَّرْ أَشْعَارُهُمْ بَعْدَهَا أَبَدًا ، وَلَا تَشْعَثُ رُءُوسُهُمْ أَبَدًا كَأَنَّمَا دُهِنُوا بِالدِّهَانِ ، ثُمَّ انْتَهَوْا إِلَى الْجَنَّةِ ، فَقَالُوا : سَلَامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ ، ثُمَّ تَلْقَاهُمُ الْوِلْدَانُ يَطِيفُونَ كَمَا يَطِيفُ وِلْدَانُ أَهْلِ الدُّنْيَا بِالْحَمِيمِ يَقْدُمُ عَلَيْهِمْ مِنْ غَيْبَتِهِ يَقُولُونَ لَهُ : أَبْشِرْ بِمَا أَعَدَّ اللَّهُ لَكَ مِنَ الْكَرَامَةِ كَذَا قَالَ : ثُمَّ يَنْطَلِقُ غُلَامٌ مِنْ أُولَئِكَ الْوِلْدَانِ إِلَى بَعْضِ أَزْوَاجِهِ مِنَ الْحُورِ الْعَيْنِ ، فَيَقُولُ : قَدْ جَاءَ فُلَانٌ بِاسْمِهِ الَّذِي كَانَ يُدْعَى بِهِ فِي الدُّنْيَا قَالَتْ : أَنْتَ رَأَيْتَهُ قَالَ : أنَا رَأَيْتُهُ وَهُوَ بِأَثَرِي فَيَسْتَخِفُّ إِحْدَاهُنَّ الْفَرَحُ حَتَّى تَقُومَ عَلَى أُسْكُفَّةِ بَابِهَا ، فَإِذَا انْتَهَى إِلَى مَنْزِلِهِ نَظَرَ إِلَى أَسَاسِ بُنْيَانِهِ ، فَإِذَا جَنْدَلٌ اللُّؤْلُؤُ فَوْقَهُ ، صَرْحٌ أَخْضَرُ وَأَحْمَرُ وَأَصْفَرُ مِنْ كُلِّ لَوْنٍ ، ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ ، فَنَظَرَ إِلَى سَقْفِهِ ، فَإِذَا مِثْلُ الْبَرْقِ ، وَلَوْلَا أَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ(1/144)
قَدَّرَهُ لَأَلَمَّ أَنْ يَذْهَبَ بَصَرُهُ ، ثُمَّ طَأْطَأَ رَأْسَهُ ، فَإِذَا أَزْوَاجُهُ وَأَكْوَابٌ مَوْضُوعَةٌ وَنَمَارِقُ مَصْفُوفَةٌ ، وَزَرَابِيُّ مَبْثُوثَةٌ ، ثُمَّ اتَّكَئُوا فَقَالُوا : :( الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلا أَنْ هَدَانَا اللَّهُ ) قال: فتناديهم الملائكة:( أَنْ تِلْكُمُ الْجَنَّةُ أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ ) ثُمَّ يُنَادِي مُنَادٍ : تَحْيَوْنَ فَلَا تَمُوتُونَ أَبَدًا وَتُقِيمُونَ فَلَا تَظْعَنُونَ أَبَدًا وَتَصْحَوْنَ _ أُرَاهُ قَالَ _ فَلَا تَمْرَضُونَ أَبَدًا "(1)
ـــــــــــــــ
__________
(1) - مُسْنَدُ ابْنِ الْجَعْدِ (2147 ) حسن موقوف(1/145)
المبحث الرابع عشر
في بناء الجنة وترابها وحصبائها وغير ذلك
عن أبي الَمُدِلَّةِ مَوْلَى أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ قُلْنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّا إِذَا رَأَيْنَاكَ رَقَّتْ قُلُوبُنَا وَكُنَّا مِنْ أَهْلِ الآخِرَةِ وَإِذَا فَارَقْنَاكَ أَعْجَبَتْنَا الدُّنْيَا وَشَمَمْنَا النِّسَاءَ وَالأَوْلاَدَ. قَالَ « لَوْ تَكُونُونَ - أَوْ قَالَ لَوْ أَنَّكُمْ تَكُونُونَ - عَلَى كُلِّ حَالٍ عَلَى الْحَالِ الَّتِى أَنْتُمْ عَلَيْهَا عِنْدِى لَصَافَحَتْكُمُ الْمَلاَئِكَةُ بِأَكُفِّهِمْ وَلَزَارَتْكُمْ فِى بُيُوتِكُمْ وَلَوْ لَمْ تُذْنِبُوا لَجَاءَ اللَّهُ بِقَوْمٍ يُذْنِبُونَ كَىْ يَغْفِرَ لَهُمْ ». قَالَ قُلْنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ حَدِّثْنَا عَنِ الْجَنَّةِ مَا بِنَاؤُهَا قَالَ « لَبِنَةُ ذَهَبٍ وَلَبِنَةُ فِضَّةٍ وَمِلاَطُهَا الْمِسْكُ الأَذْفَرُ وَحَصْبَاؤُهَا اللُّؤْلُؤُ وَالْيَاقُوتُ وَتُرَابُهَا الزَّعْفَرَانُ مَنْ يَدْخُلُهَا يَنْعَمُ لاَ يَبْأَسُ وَيَخْلُدُ لاَ يَمُوتُ لاَ تَبْلَى ثِيَابُهُ وَلاَ يَفْنَى شَبَابُهُ ثَلاَثَةٌ لاَ تُرَدُّ دَعْوَتُهُمْ الإِمَامُ الْعَادِلُ وَالصَّائِمُ حَتَّى يُفْطِرَ وَدَعْوَةُ الْمَظْلُومِ تُحْمَلُ عَلَى الْغَمَامِ وَتُفْتَحُ لَهَا أَبْوَابُ السَّمَوَاتِ وَيَقُولُ الرَّبُّ عَزَّ وَجَلَّ وَعِزَّتِى لأَنْصُرَنَّكِ وَلَوْ بَعْدَ حِينٍ »(1).
وملاطها المسك: أي طينها المسك. قال ابن القيم:والغالب أن تراب الجنة من الزعفران فإذا عُجِن بالماء الطيب صار مسكا(2)
__________
(1) - مسند أحمد (8264) صحيح لغيره
(2) - حادي الأرواح إلى بلاد الأفراح لابن القيم : ص 128(1/146)
وعن أبي الْمُدِلَّةِ عُبَيْدُ اللهِ بْنُ عَبْدِ اللهِ مَوْلَى أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ ، أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ ، يَقُولُ : قُلْنَا : يَا رَسُولَ اللهِ ، إِنَّا إِذَا كُنَّا عِنْدَكَ رَقَّتْ قُلُوبَنَا ، وَكُنَّا مِنْ أَهْلِ الآخِرَةِ ، وَإِذَا فَارَقْنَاكَ أَعْجَبَتْنَا الدُّنْيَا ، وَشَمَمْنَا النِّسَاءَ وَالأَوْلاَدَ ، فَقَالَ : لَوْ تَكُونُونَ عَلَى كُلِّ حَالٍ عَلَى الْحَالِ الَّذِي أَنْتُمْ عَلَيْهِ عِنْدِي لَصَافَحَتْكُمُ الْمَلاَئِكَةُ بِأَكُفِّكُمْ ، وَلَوْ أَنَّكُمْ فِي بُيُوتِكُمْ ، وَلَوْ لَمْ تُذْنِبُوا لَجَاءَ اللَّهُ بِقَوْمٍ يُذْنِبُونَ كَيْ يَغْفِرَ لَهُمْ ، قَالَ : قُلْنَا : يَا رَسُولَ اللهِ ، حَدِّثْنَا عَنِ الْجَنَّةِ مَا بِنَاؤُهَا ؟ قَالَ : لَبِنَةٌ مِنْ ذَهَبٍ ، وَلَبِنَةٌ مِنْ فِضَّةٍ وَمِلاَطُهَا الْمِسْكُ الأَذْفَرُ ، وَحَصْبَاؤُهَا اللُّؤْلُؤُ أَوِ الْيَاقُوتُ ، وَتُرَابُهَا الزَّعْفَرَانُ ، مَنْ يَدْخُلْهَا يَنْعَمْ ، فَلاَ يَبْؤُسُ ، وَيَخْلُدْ لاَ يَمُوتُ لاَ تَبْلَى ثِيَابُهُ ، وَلاَ يَفْنَى شَبَابُهُ ، ثَلاَثَةٌ لاَ تُرَدُّ دَعْوَتُهُمُ : الإِمَامُ الْعَادِلُ ، وَالصَّائِمُ حِينَ يُفْطِرُ ، وَدَعْوَةُ الْمَظْلُومِ تُحْمَلُ عَلَى الْغَمَامِ وَتُفْتَحُ لَهَا أَبْوَابُ السَّمَاوَاتِ ، وَيَقُولُ الرَّبُّ : وَعِزَّتِي لَأَنْصُرَنَّكِ وَلَوْ بَعْدَ حِينٍ.(1)
الملاط : الطين الذى يطلى به الحائط
اللَّبِنَة : واحدة اللَّبِن وهي التي يُبْنَى بها الجِدَار -الرَّض : الدَّق الجَرِيشُ والكسر ، والرضاض صغار الحصى المنكسر
وعن أبي هريرة ، عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : « إن حائط الجنة لبنة من ذهب ، ولبنة من فضة »(2)
__________
(1) - صحيح ابن حبان - (ج 16 / ص 396)(7387) صحيح لغيره
(2) - البعث والنشور للبيهقي(246 ) صحيح(1/147)
وعَنِ ابْنِ عُمَرَ ، قَالَ : سُئِلَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - عَنِ الْجَنَّة : كَيْفَ هِيَ ؟ قَالَ : مَنْ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ يَحْيَى لاَ يَمُوتُ ، وَيَنْعَمُ لاَ يَبْأَسُ ، وَلاَ تَبْلَى ثِيَابُهُ ، وَلاَ يُبْلَى شَبَابُهُ ، قِيلَ : يَارَسُولَ اللهِ ، كَيْفَ بِنَاؤُهَا ؟ قَالَ : لَبِنَةٌ مِنْ فِضَّةٍ ، وَلَبِنَةٌ مِنْ ذَهَبٍ ، مِلاَطُهَا مِسْكٌ ، وَحَصْبَاؤُهَا اللُّؤْلُؤُ وَالْيَاقُوتُ ، وَتُرَابُهَا الزَّعْفَرَانُ.(1)
وعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ ، قَالَ : قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - : " إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ أَحَاطَ حَائِطَ الْجَنَّةِ لَبِنَةً مِنْ ذَهَبٍ ، وَلَبِنَةً مِنْ فِضَّةٍ ، ثُمَّ شَقَّقَ فِيهَا الْأَنْهَارَ ، وَغَرَسَ فِيهَا الْأَشْجَارَ ، فَلَمَّا نَظَرَ الْمَلَائِكَةُ إِلَى حُسْنِهَا ، وَزَهْرِهَا ، قَالَتْ : طُوبَاكَ فِي مَنَازِلِ الْمُلُوكِ "(2)
وعَنْ أَبِي سَعِيدٍ قَالَ : حَائِطُ الْجَنَّةِ لَبِنَةٌ مِنْ ذَهَبٍ ، وَلَبِنَةٌ مِنْ فِضَّةٍ ، وَغَرَسَ غَرْسَهَا بِيَدِهِ ثُمَّ قَالَ لَهَا : تَكَلَّمِي فَقَالَتْ : قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ . فَقَالَتِ الْمَلَائِكَةُ : طُوبَاكِ مَنْزِلَ الْمُلُوكِ "(3)
وعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ , يَرْفَعُهُ , قَالَ: خَلَقَ اللَّهُ جَنَّةَ عَدْنٍ بِيَدِهِ , وَدَلَّى فِيهَا ثِمَارَهَا , وَشَقَّ فِيهَا أَنْهَارَهَا , ثُمَّ نَظَرَ إِلَيْهَا , فَقَالَ:قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ , قَالَ: وَعِزَّتِي لا يُجَاوِرُنِي فِيكِ بِخَيْلٌ.(4)
__________
(1) - مصنف ابن أبي شيبة (ج 13 / ص 95)(35087) صحيح لغيره
(2) - البعث والنشور للبيهقي(251 ) ضعيف والصواب وقفه
(3) - صِفَةُ الْجَنَّةِ لِأَبِي نُعَيْمٍ الْأَصْبهَانِيِّ (242 ) صحيح موقوف
(4) - المعجم الكبير للطبراني - (ج 10 / ص 293)(12555 ) حسن(1/148)
وَعَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : " إِنَّ فِي الْجَنَّةِ مَرَاغًا مِنْ مِسْكٍ مِثْلَ مَرَاغِ دَوَابِّكُمْ فِي الدُّنْيَا "(1).
وعَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رضي الله عنهما قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - لِلْيَهُودِ : " إِنِّي سَائِلُهُمْ عَنْ تُرْبَةِ الْجَنَّةِ ، وَهِيَ دَرْمَكَةٌ بَيْضَاءُ ". فَسَأَلَهُمْ فَقَالُوا : خُبْزَةٌ يَا أَبَا الْقَاسِمِ ، فَقَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - : " الْخُبْزُ مِنَ الدَّرْمَكِ "(2).
الخبزة : الخبز -الدرمك : الدقيق الخالص المنقَّى الأبيض -الدرمكة : الدقيق الخالص المنقَّى الأبيض أى أن تربة الجنة فى بياضه
وعَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ ، قَالَ : قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - ذَاتَ يَوْمٍ لأَصْحَابِهِ : أَلاَ هَلْ مُشَمِّرٍ لِلْجَنَّةِ ، فَإِنَّ الْجَنَّةَ لاَ خَطَرَ لَهَا هِيَ ، وَرَبِّ الْكَعْبَةِ نُورٌ يَتَلَأْلَأُ ، وَرَيْحَانَةٌ تَهْتَزُّ ، وَقَصْرٌ مُشَيَّدٌ ، وَنَهْرٌ مُطَّرِدٌ ، وَفَاكِهَةٌ كَثِيرَةٌ نَضِيجَةٌ ، وَزَوْجَةٌ حَسْنَاءُ جَمِيلَةٌ ، وَحُلَلٌ كَثِيرَةٌ فِي مَقَامٍ أَبَدًا فِي حَبْرَةٍ وَنَضْرَةٍ فِي دَارٍ عَالِيَةٍ سَلِيمَةٍ بَهِيَّةٍ ، قَالُوا : نَحْنُ الْمُشَمِّرُونَ لَهَا يَا رَسُولَ اللهِ ، قَالَ : قُولُوا : إِنْ شَاءَ اللَّهُ ، ثُمَّ ذَكَرَ الْجِهَادَ وَحَضَّ عَلَيْهِ.(3)
مشمر للجنة : ساع لها غاية السعي ، طالب لها عن صدق ورغبة - مطرد : جارٍ يتبع بعضه بعضا - نضيجة : مكتملة النمو - الحبرة : النعيم العظيم
__________
(1) - المعجم الأوسط للطبراني(1828 ) حسن
(2) - مسند أحمد (15264) حسن
(3) - صحيح ابن حبان - (ج 16 / ص 389)(7381) حسن لغيره(1/149)
قال أبو محمد رحمه الله : هذا أوجز ما يكون من الكلام وأحسنه ، وتقديره : إن ريحانتها نضرة أبدا غضة ، ونورها مشرق لا يتغاير ، وأنهارها جارية ، ولأهلها أزواج لا يموتون ، ولا يهرمون ، ولا ينفد نعيمهم ، وهم فيها خالدون(1)
وعَنْ أَبِي سَعِيدٍ ، قال : قال رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - لابْنَ صَائِدٍ : ما تُرْبَةِ الْجَنَّةِ ؟ قَالَ : دَرْمَكَةٌ بَيْضَاءُ مِسْكٌ ، يا أَبَا القاسِمِ ، قَالَ : صَدَقْتَ.(2).
الدرمكة : الدقيق الخالص المنقَّى الأبيض أى أن تربة الجنة فى بياضه
ـــــــــــــــ
المبحث الخامس عشر
خيامُ الجنة وأسرَّتها وأرائكها
قال تعالى: (حُورٌ مَّقْصُورَاتٌ فِي الخِيَامِ){الرحمن:72}
وفي الجَنَّةِ نِسَاءٌ حِسَانُ الوُجُوهِ ، حُورُ العُيُونِ ، قَدْ قَصَرْنَ طَرْفَهُنَّ عَن النَّظَرِ إلى غَيرِ أزْواجِهِنَّ ، وَقَدْ لاَزَمْنَ بُيُوتَهُنَّ ، فَلَسْنَ بِطَوَّافَاتٍ في الطُّرُقَاتِ .
وهذه الخيام غير الغرف, فعَنْ أَبِى بَكْرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ قَيْسٍ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ « إِنَّ فِى الْجَنَّةِ خَيْمَةً مِنْ لُؤْلُؤَةٍ مُجَوَّفَةٍ ، عَرْضُهَا سِتُّونَ مِيلاً ، فِى كُلِّ زَاوِيَةٍ مِنْهَا أَهْلٌ ، مَا يَرَوْنَ الآخَرِينَ يَطُوفُ عَلَيْهِمُ الْمُؤْمِنُونَ »(3).
وعَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ عبد الله بْنِ قَيْسٍ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قال: إِنَّ لِلْمُؤْمِنِ فِي الْجَنَّةِ لَخَيْمَةً مِنْ لُؤْلُؤَةٍ وَاحِدَةٍ مُجَوَّفَةٍ طُولُهَا سِتُّونَ مِيلاً ،لِلْمُؤْمِنِ فِيهَا أَهْلُونَ يَطُوفُ عَلَيْهِمُ الْمُؤْمِنُ ، فَلاَ يَرَى بَعْضُهُمْ بَعْضًا.(4)
__________
(1) - الأمثال للرامهرمزي(109)
(2) - صحيح مسلم(7535)
(3) - صحيح البخارى(4879 )
(4) - صحيح مسلم (7337 )(1/150)
وعَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي مُوسَى ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - ، قَالَ : إِنَّ الْخَيْمَةَ دُرَّةٌ ، طُولُهَا سِتُّونَ مِيلاً ، فِي كُلِّ زَاوِيَةٍ مِنْهَا أَهْلٌ لِلْمُؤْمِنِ ، لاَ يَرَاهُمْ غَيْرُهُمْ.(1)
وعَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ قَيْسٍ ، عَنْ أَبِيهِ ، أَنّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - ، قَالَ : إِنَّ فِي الْجَنَّةِ خَيْمَةً مِنْ لُؤْلُؤَةٍ مُجَوَّفَةٍ ، عَرْضُهَا سِتُّونَ مِيْلا ، فِي كُلِّ زَاوِيَةٍ مِنْهَا أَهْلٌ لا يَرَاهُمُ الآخِرُونَ ، يَطُوفُ عَلَيْهِمُ الْمُؤْمِنُ "(2)
وقال تعالى: (فِيهَا سُرُرٌ مَّرْفُوعَةٌ *ٌ وَأَكْوَابٌ مَّوْضُوعَةٌ * وَنَمَارِقُ مَصْفُوفَةٌ * وَزَرَابِيُّ مَبْثُوثَةٌ) {الغاشية:13-16},
والنمارق:هي الوسائد,والزرابى:هي البُسُط.وتأمل كيف وصف الله تعالى الفُرش بأنها مرفوعة,والزرابى بأنها مبثوثة,والنمارق بأنها مصفوفة.فرفع الفرش دال ٌعلى سمكها ولينها, بثُّ الزرابِّي: دالٌ على كثرتها وانتشارها في كل موضع, وصفُّ المساند: دالٌ على أنها مهيأة للاستناد إليها دائماً وأنها ليست مخبأة تُصفُّ في وقتٍ دون وقت(3)
__________
(1) - مصنف ابن أبي شيبة (ج 13 / ص 105)(35117) صحيح
(2) - مسند أبي يعلى الموصلي(7331) صحيح
(3) - حادي الأرواح لابن القيم ص:198(1/151)
وقال تعالى : (مُتَّكِئِينَ عَلَى رَفْرَفٍ خُضْرٍ وَعَبْقَرِيٍّ حِسَانٍ){الرحمن:76}, قال الحسن وغيره:الرفارف:البسط,وقال ابن كيسان:المرافق,وقال الزجاج:قالوا: الرفرف هنا رياض الجنة, وقالوا:الوسائد,وقالوا: المحابس, قال في الصحاح : الرفرف ثيابٌ خضر يُتخذ منها المحابس ,الواحدة:رفرفة.ومعنى العبقري:الزرابي, والطنافس الموشية الثمينة , قال أبو عبيدة: كل وشي من البسط عبقري, قال الجوهري: العبقري موضع تزعم العرب أنه من أرض الجن,ثم نسبوا إليه كل شيء تعجبوا من حذقه وجودة صنعته وقوته فقالوا:عبقري,وهو واحد وجمع(1)
وفى الجنة غرف وقصور عظيمة , يدلُّ على ذلك قول الله تعالى: { لَكِنِ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ لَهُمْ غُرَفٌ مِّن فَوْقِهَا غُرَفٌ مَّبْنِيَّةٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَعْدَ اللَّهِ لَا يُخْلِفُ اللَّهُ الْمِيعَادَ} (20) سورة الزمر، أَمَّا المُتَّقُونَ مِنْ عِبَادِ اللهِ ، فَإِنَّ اللهَ يَجْزِيهِمْ عَلَى إِيْمَانِهِمْ وَعَمَلِهِم الصَّالِحِ بِإِدْخَالِهِم الجَنَّةَ ، وَبِأَنْ يَجْعَلَ لَهُمْ فِيهَا دُوْراً شَاهِقَةً ( غُرَفٌ ) مِنْ فَوْقِها غُرَفٌ مُحْكَمةُ البُنْيَانِ ، وَتَجْرِي الأَنْهَارُ خِلاَلَ أَشْجَارِهَا ، وَهَذَا وَعْدٌ مِنَ اللهِ حَقٌّ لِلمُتَّقِينَ ، وَاللهُ لاَ يُخْلِفُ وَعْدَهُ أبداً .
فأخبر تعالى أنها غُرف فوق غرف , وأنها مبنيةٌ, حتى لا تتوهم النفوس أن في ذلك تمثيل أو خيال,بل هو على الحقيقة .
وقال تعالى: { وَمَا أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُم بِالَّتِي تُقَرِّبُكُمْ عِندَنَا زُلْفَى إِلَّا مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَأُوْلَئِكَ لَهُمْ جَزَاء الضِّعْفِ بِمَا عَمِلُوا وَهُمْ فِي الْغُرُفَاتِ آمِنُونَ} (37) سورة سبأ.
__________
(1) - تفسير فتح القدير للشوكانى (5/143)(1/152)
قُلْ لَهُمْ يَا مُحَمَّدُ : إِنَّ أمْوَالَكُمُ التي تُفَاخِرُونَ النَّاسَ بِها ، وَأَوْلادَكُم الذِينَ تَسْتَكْبِرُونَ بِهِمْ عَلَى النَّاسِ ، لا تُقرِّبُكُمْ مِنَ اللهِ ، وَليسَتْ دَليلاً عَلَى عِنَايَتِهِ بِكُمْ ، وَاللهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً جَزَاءَ عَمَلِهِ فَيَجْزِيهِ بِالحَسَنَةِ عَشَرَةَ أَمْثَالِها إِلى سَبْعِ مِئَةِ ضِعْفٍ ، وَيُدْخِلُهُ الجَنَّةَ ، وَيَجْعَلُ مَسْكَنَهُ فِي غُرُفَاتِها العَالِيَةِ ، وَهُوَ آمِنٌ مِنْ كُلِّ خَوْفٍ وَشَرٍّ وَهَوْلٍ .
وقال تعالى: {أُوْلَئِكَ يُجْزَوْنَ الْغُرْفَةَ بِمَا صَبَرُوا وَيُلَقَّوْنَ فِيهَا تَحِيَّةً وَسَلَامًا} (75) سورة الفرقان
وهؤُلاءِ المؤمِنُونَ المُتَّصِفُون بالصِّفَاتِ السَّابِقَةِ ، يُجْزَوْنَ ، يومَ القِيامةِ ، بالدَّرَجاتِ العَالية ، والمنَازِلِ الرَّفيعةِ ، في الجَنَّةِ ، لصَبْرِهِمْ على القِيَامِ بِمَا أَمَرَ اللهُ ، وتَتلقاهُمُ المَلائِكَةُ في الجَنَّةِ بالتَّحِيةِ والسَّلامِ ، فلهُمُ السَّلامُ ، وعليهمُ السَّلامُ .
وأخبر عن امرأة فرعون { وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِّلَّذِينَ آمَنُوا اِمْرَأَةَ فِرْعَوْنَ إِذْ قَالَتْ رَبِّ ابْنِ لِي عِندَكَ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ وَنَجِّنِي مِن فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ وَنَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ} (11) سورة التحريم.(1/153)
وَهَذَا مَثَلٌ آخَرُ ضَرَبَهُ اللهُ تَعَالَى لِلْمُؤْمِنِينَ عَلَى أَنَّهُمْ لاَ تَضُرُّهُمْ مُخَالَطَةُ الكَافِرِينَ إِذَا كَانُوا مُحْتَاجِينَ إِليهِمْ ، فَقَدْ كَانَتِ امْرَأَةُ فِرْعَوْنَ مُؤْمِنَةً مُخْلِصَةً للهِ ، وَكَانَ فِرْعَوْنُ طَاغِيَةً جَبَّاراً ، فَمَا ضَرَّ امْرأَتَهُ كُفْرُ زَوْجِهَا حِينَ أَطَاعَتْ رَبَّهَا لِيَعْلَمَ النَّاسُ أَنَّ اللهَ حَكِيمٌ عَادِلٌ ، لاَ يُؤَاخِذُ أَحَداً بِذَنْبِ غَيْرِهِ . وَقَدْ سَأَلَت امْرأَةُ فِرْعَوْنَ رَبَّهَا أَنْ يَجْعَلَهَا قَرِيبَةً مِنْ رَحْمَتِهِ ، وَأَنْ يَبْنِيَ لَهَا عِنْدَهُ بَيتاً فِي الجَنَّةِ ، وَأَنْ يُنْقِذَهَا مِنْ فِرْعَوْنَ وَأَعْمَالِهِ الخَبِيثَةِ ، وَأَنْ يُنَجِّيهَا مِنْ قَوْمِهِ الظَّالِمِينَ .
وعَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ , أَنَّ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - , قَالَ: إِنَّ أَهْلَ الْجَنَّةِ لَيَتَرَاءَوْنَ الْغُرْفَةَ فِى الْجَنَّةِ , كَمَا تَرَاءَوْنَ الْكَوْكَبَ فِى السَّمَاءِ.(1)
وعَنْ أَبِى سَعِيدٍ الْخُدْرِىِّ ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - ، قَالَ: إِنَّ أَهْلَ الْجَنَّةِ لَيَتَرَاءَوْنَ أَهْلَ الْغُرَفِ مِنْ فَوْقِهِمْ ، كَمَا تَتَرَاءَوْنَ الْكَوْكَبَ الدُّرِّىَّ الْغَابِرَ مِنَ الأُفُقِ ، مِنَ الْمَشْرِقِ أَوِ الْمَغْرِبِ ، لِتَفَاضُلِ مَا بَيْنَهُمْ. قَالُوا : يَا رَسُولَ اللهِ ، تِلْكَ مَنَازِلُ الأَنْبِيَاءِ لاَ يَبْلُغُهَا غَيْرُهُمْ. قَالَ : بَلَى وَالَّذِى نَفْسِى بِيَدِهِ ، رِجَالٌ آمَنُوا بِاللهِ وَصَدَّقُوا الْمُرْسَلِينَ.(2)
__________
(1) - صحيح البخارى(6555 ) ومسلم (7319 )
(2) - صحيح مسلم (7322)(1/154)
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - . قَالَ : إِنَّ أَهْلَ الْجَنَّةِ لَيَتَرَاءَوْنَ فِى الْجَنَّةِ كَمَا تَرَاءَوْنَ أَوْ تَرَوْنَ الْكَوْكَبَ الدُّرِّىَّ الْغَارِبَ فِى الأُفُقِ وَالطَّالِعَ فِى تَفَاضُلِ الدَّرَجَاتِ . قَالُوا يَا رَسُولَ اللهِ أُولَئِكَ النَّبِيُّونَ قَالَ بَلَى وَالَّذِى نَفْسِى بِيَدِهِ وَأَقْوَامٌ آمَنُوا بِاللهِ وَصَدَّقُوا الْمُرْسَلِينَ.(1)
ويستفاد من هذا الحديث أن هذه الغرف مختلفة في العلو والصفة, بحسب اختلاف أصحابها في الأعمال, فبعضها أعلى من بعض وأرفع .
وعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِى أَوْفَى قَالَ اعْتَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - وَاعْتَمَرْنَا مَعَهُ فَلَمَّا دَخَلَ مَكَّةَ طَافَ وَطُفْنَا مَعَهُ ، وَأَتَى الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ وَأَتَيْنَاهَا مَعَهُ ، وَكُنَّا نَسْتُرُهُ مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ أَنْ يَرْمِيَهُ أَحَدٌ . فَقَالَ لَهُ صَاحِبٌ لِى أَكَانَ دَخَلَ الْكَعْبَةَ قَالَ لاَ ،قَالَ فَحَدِّثْنَا مَا قَالَ لِخَدِيجَةَ . قَالَ « بَشِّرُوا خَدِيجَةَ بِبَيْتٍ فِى الْجَنَّةِ مِنْ قَصَبٍ لاَ صَخَبَ فِيهِ وَلاَ نَصَبَ »(2). القصب : لؤلؤ مجوف واسع كالقصر المنيف
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، قَالَ : أَتَى جِبْرِيلُ - صلى الله عليه وسلم - النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - ، فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللهِ ، هَذِهِ خَدِيجَةُ أَتَتْكَ بِإِنَاءٍ فِيهِ طَعَامٌ أَوْ شَرَابٌ ، فَإِذَا هِيَ أَتَتْكَ فَاقْرَأْ عَلَيْهَا مِنْ رَبِّهَا السَّلاَمَ وَبَشِّرْهَا بِبَيْتٍ فِي الْجَنَّةِ مِنْ قَصَبٍ ، لاَ سَخَبَ فِيهِ وَلاَ نَصَبَ.(3).
__________
(1) - مسند أحمد (8695) صحيح
(2) - صحيح البخارى(1791 ) ومسلم (6427)
(3) - صحيح مسلم (6426 ) وصحيح ابن حبان - (ج 15 / ص 469)(7009)(1/155)
وعَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ جَعْفَرٍ ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - ، قَالَ : أُمِرْتُ أَنْ أُبَشِّرَ خَدِيجَةَ بِبَيْتٍ فِي الْجَنَّةِ مِنْ قَصَبٍ ، لاَ سَخَبَ فِيهِ ، وَلاَ نَصَبَ.(1)
قيل:لأنها حازت قصب السبق في التصديق بالرسالة فكان جزاؤها قصراً من قصب ..
وعَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - « دَخَلْتُ الْجَنَّةَ فَإِذَا أَنَا بِقَصْرٍ مِنْ ذَهَبٍ ، فَقُلْتُ لِمَنْ هَذَا فَقَالُوا لِرَجُلٍ مِنْ قُرَيْشٍ . فَمَا مَنَعَنِى أَنْ أَدْخُلَهُ يَا ابْنَ الْخَطَّابِ إِلاَّ مَا أَعْلَمُ مِنْ غَيْرَتِكَ » . قَالَ وَعَلَيْكَ أَغَارُ يَا رَسُولَ اللَّهِ"(2)
وعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - : دَخَلْتُ الْجَنَّةَ ، فَإِذَا أَنَا بِقَصْرٍ مِنْ ذَهَبٍ ، فَقُلْتُ : لِمَنْ هَذَا الْقَصْرُ ؟ فَقَالُوا : لِفَتًى مِنْ قُرَيْشٍ ، فَظَنَنْتُ أَنَّهُ لِي ، قُلْتُ : مَنْ هُوَ ؟ قِيلَ : عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ يَا أَبَا حَفْصٍ لَوْلاَ مَا أَعْلَمُ مِنْ غَيْرَتِكَ لَدَخَلْتُهُ ، فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللهِ ، مَنْ كُنْتُ أَغَارُ عَلَيْهِ ، فَإِنِّي لَمْ أَكُنْ أَغَارُ عَلَيْكَ.(3)
وعَنْ أَبِى بَكْرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ قَيْسٍ عَنْ أَبِيهِ عَنِ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ « إِنَّ فِى الْجَنَّةِ جَنَّتَيْنِ آنِيَتُهُمَا وَمَا فِيهِمَا مِنْ فِضَّةٍ وَجَنَّتَيْنِ آنِيَتُهُمَا وَمَا فِيهِمَا مِنْ ذَهَبٍ وَمَا بَيْنَ الْقَوْمِ وَبَيْنَ أَنْ يَنْظُرُوا إِلَى رَبِّهِمْ إِلاَّ رِدَاءُ الْكِبْرِيَاءِ عَلَى وَجْهِهِ فِى جَنَّةِ عَدْنٍ ».
__________
(1) - صحيح ابن حبان - (ج 15 / ص 466)(7005) صحيح
(2) - صحيح البخارى(7024 )
(3) - صحيح ابن حبان - (ج 1 / ص 250)(54) صحيح(1/156)
وَبِهَذَا الإِسْنَادِ عَنِ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ « إِنَّ فِى الْجَنَّةِ لَخَيْمَةً مِنْ دُرَّةٍ مُجَوَّفَةٍ عَرْضُهَا سِتُّونَ مِيلاً فِى كُلِّ زَاوِيَةٍ مِنْهَا أَهْلٌ مَا يَرَوْنَ الآخَرِينَ يَطُوفُ عَلَيْهِمُ الْمُؤْمِنُ ».(1)
وعَنْ عُبَيْدِ بْنِ عُمَيْرٍ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : " إِنَّ أَدْنَى أَهْلِ الْجَنَّةِ مَنْزِلَةً لَرَجُلٌ لَهُ دَارٌ مِنْ لُؤْلُؤَةٍ وَاحِدَةٍ ، مِنْهَا غُرَفُهَا وَأَبْوَابُهَا . وَإِنَّ أَدْنَى أَهْلِ النَّارِ عَذَابًا لَرَجُلٌ عَلَيْهِ نَعْلَانِ مِنْ نَارٍ يَغْلِي مِنْهُمَا دِمَاغُهُ كَمَا يَغْلِي الْمِرْجَلُ . مَسَامِعُهُ جَمْرٌ ، وَأَضْرَاسُهُ جَمْرٌ ، وَأَشْفَارُهُ لَهَبُ النَّارِ ، وَتَخْرُجُ أَحْشَاؤُهُ مِنْ جَنْبَيْهِ وَقَدَمَيْهِ , وَسَائِرُهُمْ كَالْحَبِّ الْقَلِيلِ فِي الْمَاءِ الْكَثِيرِ يَفُورُ(2)
وعَنْ عُبَيْدِ بْنِ عُمَيْرٍ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - : إِنَّ أَدْنَى أَهْلِ النَّارِ عَذَابًا ، لَرَجُلٌ عَلَيْهِ نَعْلاَنِ يَغْلِي مِنْهُمَا دِمَاغُهُ كَأَنَّهُ مِرْجَلٌ ، مَسَامِعُهُ جَمْرٌ ، وَأَضْرَاسُهُ جَمْرٌ ، وَأَشْفَارُهُ لَهَبُ النَّارِ ، وَتَخْرُجُ أَحْشَاءُ جَنْبَيْهِ مِنْ قَدَمَيْهِ ، وَسَائِرُهُمْ كَالْحَبِّ الْقَلِيلِ فِي الْمَاءِ الْكَثِيرِ ، فَهُوَ يَفُورُ.(3)
المرجل : إناء يغلى فيه الماء ، سواء كان مِن نحاس وغيره ، وله صوت عند غليان الماء فيه
__________
(1) - سنن الترمذى(2719و2620) قَالَ أَبُو عِيسَى هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ.
(2) - الزهد لأسد بن موسى (8 ) صحيح مرسل
(3) - مصنف ابن أبي شيبة (ج 13 / ص 157)(35270) صحيح مرسل(1/157)
وعن عبد الله ، قال : لكل مسلم خيرة ، ولكل خيرة خيمة ، ولكل خيمة أربعة أبواب ، تدخل عليها كل يوم من كل باب تحفة وهدية وكرامة لم تكن قبل ذلك ، لا مراحات ، ولا ذفرات ، ولا سخرات ، ولا طماحات حور عين كأنهن بيض مكنون "(1)
وعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ، قَالَ : الْخَيْمَةُ لُؤْلُؤْة مُجَوَّفَةٌ ، فَرْسَخٌ فِي فَرْسَخٍ ، لَهَا أَرْبَعَةُ آلاَفِ مِصْرَاعٍ مِنْ ذَهَبٍ.(2)
وعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ؛ {حُورٌ مَقْصُورَاتٌ فِي الْخِيَامِ} ، قَالَ : قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ : الْخَيْمَةُ دُرَّةٌ مُجَوَّفَةٌ ، فَرْسَخٌ فِي فَرْسَخٍ ، فِيهِ أَرْبَعَةُ آلاَفِ مِصْرَاعٍ.(3)0 المصراع : جانب الباب
وعَنْ أَبِي مَالِكٍ الأَشْعَرِيِّ ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - ، قَالَ : إِنَّ فِي الْجَنَّةِ غُرَفًا يُرَى ظَاهِرُهَا مِنْ بَاطِنِهَا ، وَبَاطِنُهَا مِنْ ظَاهِرِهَا ، أَعَدَّهَا اللَّهُ لِمَنْ أَطْعَمَ الطَّعَامَ ، وَأَفْشَى السَّلاَمَ ، وَصَلَّى بِاللَّيْلِ وَالنَّاسُ نِيَامٌ.(4)
وعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - ، قَالَ: إِنَّ فِى الْجَنَّةِ غُرْفَاً يُرَى ظَاهِرُهَا مِنْ بَاطِنِهَا، وَبَاطِنُهَا مِنْ ظَاهِرِهَا.فَقَالَ أَبُو مُوسَى الأَشْعَرِىُّ: لِمَنْ هِىَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: لِمَنْ أَلاَنَ الْكَلاَمَ، وَأَطْعَمَ الطَّعَامَ، وَبَاتَ لِلَّهِ قَائِمًا وَالنَّاسُ نِيَامٌ.(5)
__________
(1) - صفة الجنة لابن أبي الدنيا (306) ضعيف
(2) - مصنف ابن أبي شيبة (ج 13 / ص 133)(35193) صحيح ومثله لا يقال بالرأي
(3) - مصنف ابن أبي شيبة(ج 13 / ص 135)(35197) صحيح لغيره
(4) - صحيح ابن حبان - (ج 2 / ص 262)(509) صحيح
(5) - غاية المقصد فى زوائد المسند(4018 ) صحيح لغيره(1/158)
وعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - ، قَالَ : إِنَّ فِي الْجَنَّةِ غُرَفًا يُرَى ظَاهِرُهَا مِنْ بَاطِنِهَا وَبَاطِنُهَا مِنْ ظَاهِرِهَا ، فَقَالَ أَبُو مَالِكٍ الأَشْعَرِيُّ : لِمَنْ يَا رَسُولَ اللَّهِ ؟ قَالَ : لِمَنْ أَطَابَ الْكَلامَ ، وَأَطْعَمَ الطَّعَامَ ، وَبَاتَ قَائِمًا وَالنَّاسُ نِيَامٌ"(1)
وعَنْ أَبِي مَالِكٍ الأَشْعَرِيِّ ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - ، قَالَ : إِنَّ فِي الْجَنَّةِ غُرَفًا يُرَى ظَاهِرُهَا مِنْ بَاطِنِهَا ، وَبَاطِنُهَا مِنْ ظَاهِرِهَا ، أَعَدَّهَا اللَّهُ لِمَنْ أَطْعَمَ الطَّعَامَ ، وَأَفْشَى السَّلاَمَ ، وَصَلَّى بِاللَّيْلِ وَالنَّاسُ نِيَامٌ.(2)
وعَنِ ابْنِ عُمَرَ ، أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ : إِنَّ فِي الْجَنَّةِ غُرَفًا يُرَى ظَاهِرُهَا مِنْ بَاطِنِهَا , وَيُرَى مِنْ بَاطِنِهَا فِي ظَاهِرُهَا , قِيلَ : لِمَنْ هِيَ يَا رَسُولَ اللَّهِ ؟ قَالَ : لِمَنْ أَطَابَ الْكَلاَمَ وَأَفْشَى السَّلاَمَ وَأَطْعَمَ الطَّعَامَ وَأَدَامَ الصِّيَامَ وَبَاتَ بِاللَّيْلِ قَائِمًا وَالنَّاسُ نِيَامٌ "(3)
وعَنْ عَلِيٍّ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - : إِنَّ فِي الْجَنَّةِ غُرَفًا يُرَى ظَاهِرُهَا مِنْ بَاطِنِهَا ، وَبَاطِنُهَا مِنْ ظَاهِرُهَا ، فَقَالَ رَجُلٌ : يَا رَسُولَ اللهِ تِلْكَ مَنَازِلُ الأَنْبِيَاءِ ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - : أَعَدَّهَا اللَّهُ لِمَنْ أَطْعَمَ الطَّعَامَ ، وَأَفْشَى السَّلامَ ، وَأَدَامَ الصِّيَامَ ، وَصَلَّى بِاللَّيْلِ وَالنَّاسُ نِيَامٌ.(4)
__________
(1) - المستدرك للحاكم (270) صحيح
(2) - صحيح ابن حبان - (ج 2 / ص 262)(509) صحيح
(3) - مسند الشاميين(1247) صحيح لغيره
(4) - مسند البزار (702) صحيح لغيره(1/159)
وعن علي ، رضي الله عنه قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : " إِنَّ فِي الْجَنَّةِ غُرَفًا يُرَى ظُهُورُهَا مِنْ بُطُونِهَا ، وَبُطُونُهَا مِنْ ظُهُورِهَا " ، فَقَامَ أَعْرَابِيٌّ فَقَالَ : لِمَنْ هِيَ يَا رَسُولَ اللَّهِ ؟ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : " لِمَنْ قَالَ طَيِّبَ الْكَلَامِ ، وَأَفْشَى السَّلَامَ ، وَأَطْعَمَ الطَّعَامَ ، وَصَلَّى بِاللَّيْلِ وَالنَّاسُ نِيَامٌ "(1)
__________
(1) - شعب الإيمان للبيهقي (3210 ) صحيح لغيره(1/160)
وعن جابر بن عبد الله ، قَالَ : قَالَ لَنَا النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - : " أَلَا أُحَدِّثُكُمْ بِغُرَفِ الْجَنَّةِ ؟ " ، قَالَ : قُلْتُ : بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ بِأَبِينَا أَنْتَ وَأَمِّنَا ، قَالَ : " إِنَّ فِي الْجَنَّةِ غُرَفًا مِنْ أَصْنَافِ الْجَوْهَرِ كُلِّهِ يُرَى ظَاهِرُهَا مِنْ بَاطِنِهَا ، وَبَاطِنُهَا مِنْ ظَاهِرِهَا ، فِيهَا مِنَ النَّعِيمِ وَاللَّذَّاتِ وَالسَّرَفِ ، مَا لَا عَيْنٌ رَأَتْ ، وَلَا أُذُنٌ سَمِعَتْ " ، قَالَ : قُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ وَلِمَنْ هَذِهِ الْغُرَفُ ؟ قَالَ : " لِمَنْ أَفْشَى السَّلَامَ ، وَأَطْعَمَ الطَّعَامَ ، وَأَدَامَ الصِّيَامَ ، وَصَلَّى بِاللَّيْلِ وَالنَّاسُ نِيَامٌ " ، قَالَ : قُلْنَا : يَا رَسُولَ اللَّهِ وَمَنْ يُطِيقُ ذَلِكَ ؟ قَالَ : " أُمَّتِي تُطِيقُ ذَلِكَ ، وَسَأُخْبِرُكُمْ عَنْ ذَلِكَ : مَنْ لَقِيَ أَخَاهُ فَسَلَّمَ عَلَيْهِ أَوْ رَدَّ عَلَيْهِ فَقَدْ أَفْشَى السَّلَامَ ، وَمَنْ أَطْعَمَ أَهْلَهُ وَعِيَالَهُ مِنَ الطَّعَامِ حَتَّى يُشْبِعَهُمْ ، فَقَدْ أَطْعَمَ الطَّعَامَ ، وَمَنْ صَامَ رَمَضَانَ ، وَمِنْ كُلِّ شَهْرٍ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ ، فَقَدْ أَدَامَ الصِّيَامَ ، وَمَنْ صَلَّى الْعِشَاءَ الْآخِرَةَ ، وَصَلَّى الْغَدَاةَ فِي جَمَاعَةٍ ، فَقَدْ صَلَّى اللَّيْلَ وَالنَّاسُ نِيَامٌ ، وَالْيَهُودُ ، وَالنَّصَارَى ، وَالْمَجُوسُ "(1)
__________
(1) - البعث والنشور للبيهقي(243 ) حسن لغيره(1/161)
وعَنْ عِمْرَانَ بن حُصَيْنٍ، وأبي هريرة، قَالا: سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - عَنْ قَوْلِهِ: "وَمَسَاكِنَ طَيْبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ"[الصف آية 12] قَالَ:"قَصْرٌ فِي الْجَنَّةِ مِنْ لُؤْلُؤَةٍ، فِيهَا سَبْعُونَ دَارًا مِنْ يَاقُوتَةٍ حَمْرَاءَ، فِي كُلِّ دَارٍ سَبْعُونَ بَيْتًا مِنْ زُمُرُّدَةٍ خَضْرَاءَ، وَكُلُّ بَيْتٍ سَبْعُونَ سَرِيرًا، عَلَى كُلِّ سَرِيرٍ سَبْعُونَ فِرَاشًا مِنْ كُلِّ لَوْنٍ، عَلَى كُلِّ فِرَاشٍ امْرَأَةٌ، فِي كُلِّ بَيْتٍ سَبْعُونَ مَائِدَةً عَلَى كُلِّ مَائِدَةٍ سَبْعُونَ لَوْنًا مِنَ الطَّعَامِ، فِي كُلِّ بَيْتٍ سَبْعُونَ وَصِيْفًا وَوَصِيفَةً، وَيُعْطَى الْمُؤْمِنُ مِنَ الْقُوَّةِ مَا يَأْتِي عَلَى ذَلِكَ كُلِّهِ فِي غَدَاةٍ وَاحِدَةٍ".(1)
واعلم أن أهل الجنة يعرفون غرفهم ومساكنهم حين دخولهم الجنة وإن لم يروها قبل ذلك , قال تعالى: ( وَالَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَلَنْ يُضِلَّ أَعْمَالَهُمْ (4) سَيَهْدِيهِمْ وَيُصْلِحُ بَالَهُمْ (5) وَيُدْخِلُهُمُ الْجَنَّةَ عَرَّفَهَا لَهُمْ (6) [محمد/4-7]) .
والذين قُتلوا في سبيل الله من المؤمنين فلن يُبْطِل الله ثواب أعمالهم، سيوفقهم أيام حياتهم في الدنيا إلى طاعته ومرضاته، ويُصْلح حالهم وأمورهم وثوابهم في الدنيا والآخرة، ويدخلهم الجنة، عرَّفهم بها ونعتها لهم، ووفقهم للقيام بما أمرهم به -ومن جملته الشهادة في سبيله-، ثم عرَّفهم إذا دخلوا الجنة منازلهم بها. وعن مجاهد، في قوله( وَيُدْخِلُهُمُ الْجَنَّةَ عَرَّفَهَا لَهُمْ ) قال: يهتدي أهلها إلى بيوتهم ومساكنهم، وحيث قسم الله لهم لا يخطئون، كأنهم سكانها منذ خلقوا لا يستدلون عليها أحدا.(2)
__________
(1) - المعجم الكبير للطبراني - (ج 13 / ص 49)(14768 ) ضعيف
(2) - تفسير الطبري - (ج 22 / ص 160) حسن(1/162)
وقال ابن زيد، في قوله( وَيُدْخِلُهُمُ الْجَنَّةَ عَرَّفَهَا لَهُمْ ) قال: بلغنا عن غير واحد قال: يدخل أهل الجنة الجنة، ولهم أعرف بمنازلهم فيها من منازلهم في الدنيا التي يختلفون إليها في عمر الدنيا; قال: فتلك قول الله جلّ ثناؤه( وَيُدْخِلُهُمُ الْجَنَّةَ عَرَّفَهَا لَهُمْ ).(1)
وقال القرطبي :" قال أكثر أهل التفسير : إذا دخل أهل الجنة الجنة يقال لهم تفرقوا إلى منازلكم فهم أعرف بمنازلهم من أهل الجمعة إذا انصرفوا إلى منازلهم"(2).
وعَنْ أَبِى الْمُتَوَكِّلِ النَّاجِىِّ أَنَّ أَبَا سَعِيدٍ الْخُدْرِىَّ - رضى الله عنه - قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : « يَخْلُصُ الْمُؤْمِنُونَ مِنَ النَّارِ ، فَيُحْبَسُونَ عَلَى قَنْطَرَةٍ بَيْنَ الْجَنَّةِ وَالنَّارِ ، فَيُقَصُّ لِبَعْضِهِمْ مِنْ بَعْضٍ ، مَظَالِمُ كَانَتْ بَيْنَهُمْ فِى الدُّنْيَا ، حَتَّى إِذَا هُذِّبُوا وَنُقُّوا أُذِنَ لَهُمْ فِى دُخُولِ الْجَنَّةِ ، فَوَالَّذِى نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ لأَحَدُهُمْ أَهْدَى بِمَنْزِلِهِ فِى الْجَنَّةِ مِنْهُ بِمَنْزِلِهِ كَانَ فِى الدُّنْيَا »(3).
__________
(1) - تفسير الطبري - (ج 22 / ص 160) صحيح
(2) - التذكرة في أحوال الموتى وأمور الآخرة - (ج 1 / ص 441)
(3) - صحيح البخارى(6535 )(1/163)
قَالَ الْقُرْطُبِيُّ : وَقَعَ فِي حَدِيث عَبْد اللَّه بْن سَلَام أَنَّ الْمَلَائِكَة تَدُلُّهُمْ عَلَى طَرِيق الْجَنَّة يَمِينًا وَشِمَالًا ، وَهُوَ مَحْمُول عَلَى مَنْ لَمْ يُحْبَسْ بِالْقَنْطَرَةِ أَوْ عَلَى الْجَمِيع ، وَالْمُرَاد أَنَّ الْمَلَائِكَة تَقُول ذَلِكَ لَهُمْ قَبْلَ دُخُولِ الْجَنَّةِ ، فَمَنْ دَخَلَ كَانَتْ مَعْرِفَتُهُ بِمَنْزِلِهِ فِيهَا كَمَعْرِفَتِهِ بِمَنْزِلِهِ فِي الدُّنْيَا . قُلْت : وَيَحْتَمِل أَنْ يَكُون الْقَوْل بَعْد الدُّخُول مُبَالَغَةٌ فِي التَّبْشِير وَالتَّكْرِيم ، وَحَدِيث عَبْد اللَّه بْن سَلَام الْمَذْكُور أَخْرَجَهُ عَبْد اللَّه بْن الْمُبَارَك فِي الزُّهْد وَصَحَّحَهُ الْحَاكِم .(1)
ـــــــــــــــ
__________
(1) - فتح الباري لابن حجر - (ج 18 / ص 382)(1/164)
المبحث السادس عشر
نور الجنة
قال القرطبي : " قوله تعالى : { وَلَهُمْ رِزْقُهُمْ فِيهَا بُكْرَةً وَعَشِيّاً } أي لهم ما يشتهون من المطاعم والمشارب بكرة وعشيا؛ أي في قدر هذين الوقتين؛ إذ لا بكرة ثَمَّ ولا عشياً؛ كقوله تعالى : { غُدُوُّهَا شَهْرٌ وَرَوَاحُهَا شَهْرٌ } [ سبأ : 12 ] أي قدر شهر؛ قال معناه ابن عباس وابن جريج وغيرهما . وقيل : عرّفهم اعتدال أحوال أهل الجنة؛ وكان أهنأ النعمة عند العرب التمكين من المطعم والمشرب بكرة وعشيا . قال يحيى بن أبي كثير وقتادة : كانت العرب في زمانها من وجد غداء وعشاء معاً فذلك هو الناعم؛ فنزلت . وقيل : أي رزقهم فيها غير منقطع ، كما قال : " لاَ مَقْطُوعَةٍ وَلاَ مَمْنُوعَةٍ " وهو كما تقول : أنا أصبح وأمسي في ذكرك . أي ذكري لك دائم . ويحتمل أن تكون البكرة قبل تشاغلهم بلذاتهم ، والعشي بعد فراغهم من لذاتهم؛ لأنه يتخللها فترات انتقال من حال إلى حال . وهذا يرجع إلى القول الأوّل . وروى الزبير بن بكار عن إسماعيل بن أبي أويس قال : قال مالك بن أنس : طعام المؤمنين في اليوم مرتان ، وتلا قول الله عز وجل : { وَلَهُمْ رِزْقُهُمْ فِيهَا بُكْرَةً وَعَشِيّاً } ثم قال : وعوّض الله عز وجل المؤمنين في الصيام السحور بدلاً من الغداء ليقووا به على عبادة ربهم . وقيل : إنما ذكر ذلك لأن صفة الغداء وهيئته غير صفة العشاء وهيئته؛ وهذا لا يعرفه إلا الملوك . وكذلك يكون في الجنة رزق الغداء غير رزق العشاء تتلون عليهم النعم ليزدادوا تنعماً وغبطة . وخرج الترمذي الحكيم في «نوادر الأصول» من حديث أبان(1)عن الحسن وأبي قِلابة قالا : " قال رجل : يا رسول الله هل في الجنة من ليل؟ قال : «وما هيّجك على هذا» قال : سمعت الله تعالى يذكر في الكتاب { وَلَهُمْ رِزْقُهُمْ فِيهَا بُكْرَةً وَعَشِيّاً } فقلت : الليل بين البكرة والعشي .
__________
(1) - أبان ضعيف(1/165)
فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : «ليس هناك ليل إنما هو ضوء ونور يردُّ الغدوّ على الرواح والرواح على الغدوّ وتأتيهم طُرَف الهدايا من الله تعالى لمواقيت الصلاة التي كانوا يصلون فيها في الدنيا وتسلم عليهم الملائكة» " وهذا في غاية البيان لمعنى الآية ، وقد ذكرناه في كتاب «التذكرة» . وقال العلماء : ليس في الجنة ليل ولا نهار ، وإنما هم في نور أبداً؛ إنما يعرفون مقدار الليل من النهار بإرخاء الحجب ، وإغلاق الأبواب ، ويعرفون مقدار النهار برفع الحجب وفتح الأبواب . ذكره أبو الفرج الجوزيّ والمهدويّ وغيرهما .(1)
وقال الطبري(2): " وقوله( وَلَهُمْ رِزْقُهُمْ فِيهَا بُكْرَةً وَعَشِيًّا ) يقول: ولهم طعامهم وما يشتهون من المطاعم والمشارب في قدر وقت البُكرة ووقت العشيّ من نهار أيام الدنيا، وإنما يعني أن الذي بين غدائهم وعشائهم في الجنة قدر ما بين غداء احدنا في الدنيا وعشائه، وكذلك ما بين العشاء والغداء وذلك لأنه لا ليل في الجنة ولا نهار، وذلك كقوله( خَلَقَ الأرْضَ فِي يَوْمَيْنِ) و(خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ) يعني به: من أيام الدنيا.
كما حدثنا عليّ بن سهل، قال: ثنا الوليد بن مسلم، قال: سألت زهير بن محمد، عن قول الله:( وَلَهُمْ رِزْقُهُمْ فِيهَا بُكْرَةً وَعَشِيًّا ) قال: ليس في الجنة ليل، هم في نور أبد، ولهم مقدار الليل والنهار، يعرفون مقدار الليل بإرخاء الحجب وإغلاق الأبواب، ويعرفون مقدار النهار برفع الحجب، وفتح الأبواب.
حدثنا عليّ، قال: ثنا الوليد، عن خليد ، عن الحسن، وذكر أبواب الجنة، فقال: أبواب يُرى ظاهرها من باطنها، فَتكلم وتَكلم، فتهمهم انفتحي انغلقي، فتفعل.
__________
(1) - الجامع لأحكام القرآن للقرطبي - (ج 1 / ص 3520) والتذكرة في أحوال الموتى وأمور الآخرة - (ج 2 / ص 147)
(2) - وتفسير الطبري - (ج 18 / ص 220) وانظر تفسير ابن كثير - (ج 5 / ص 248)(1/166)
حدثني ابن حرب، قال: ثنا موسى بن إسماعيل، قال: ثنا عامر بن يساف، عن يحيى، قال: كانت العرب في زمانهم من وجد منهم عشاء وغداء، فذاك الناعم في أنفسهم، فأنزل الله( وَلَهُمْ رِزْقُهُمْ فِيهَا بُكْرَةً وَعَشِيًّا ) : قدر ما بين غدائكم في الدنيا إلى عشائكم.
حدثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن قتادة ، في قوله:( وَلَهُمْ رِزْقُهُمْ فِيهَا بُكْرَةً وَعَشِيًّا ) قال: كانت العرب إذا أصاب أحدهم الغداء والعشاء عجب له، فأخبرهم الله أن لهم في الجنة بكرة وعشيا، قدر ذلك الغداء والعشاء.
حدثنا الحسن، قال: أخبرنا عبد الرزاق، فال: أخبرنا الثوريّ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد، قال: ليس بكرة ولا عشيّ، ولكن يؤتون به على ما كانوا يشتهون في الدنيا.
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادةقَوْله :{ وَلَهُمْ رِزْقهمْ فِيهَا بُكْرَة وَعَشِيًّا } فِيهَا سَاعَتَانِ بُكْرَة وَعَشِيّ , فَإِنَّ ذَلِكَ لَهُمْ لَيْسَ ثَمَّ لَيْل , إِنَّمَا هُوَ ضَوْء وَنُور .(1)
وعن الحسن: { وَلَهُمْ رِزْقُهُمْ فِيهَا بُكْرَةً وَعَشِيًّا } قال: البكور يرد على العشي، والعشي يرد على البكور، ليس فيها ليل.(2)
وقال ابن كثير(3): " وقوله: { وَلَهُمْ رِزْقُهُمْ فِيهَا بُكْرَةً وَعَشِيًّا } أي: في مثل وقت البُكُرات ووقت العَشيّات، لا أن هناك ليلا أو نهارًا ولكنهم في أوقات تتعاقب، يعرفون مضيها بأضواء وأنوار،
__________
(1) - تفسير الطبري (17944 ) صحيح مرسل
(2) - تفسير ابن كثير - (ج 5 / ص 248) صحيح مقطوع
(3) - تفسير ابن كثير - (ج 5 / ص 247)(1/167)
فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، قَالَ : وَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - : أَوَّلُ زُمْرَةٍ تَلِجُ الْجَنَّةَ صُوَرُهُمْ عَلَى صُورَةِ الْقَمَرِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ ، لاَ يَبْصُقُونَ فِيهَا ، وَلاَ يَمْتَخِطُونَ فِيهَا ، وَلاَ يَتَغَوَّطُونَ فِيهَا آنِيَتُهُمْ ، وَأَمْشَاطُهُمْ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ ، وَمَجَامِرُهُمُ الأَلُوَّةُ ، وَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ زَوْجَتَانِ يُرَى مُخُّ سُوقِهِمَا مِنْ وَرَاءِ اللَّحْمِ ، لاَ اخْتِلاَفَ بَيْنَهُمْ ، وَلاَ تَبَاغُضَ قُلُوبُهُمْ عَلَى قَلْبٍ وَاحِدٍ يُسَبِّحُونَ اللَّهَ بَكْرَةً وَعَشِيًّا.(1)
وعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - : الشُّهَدَاءُ عَلَى بَارِقِ نَهْرٍ بِبَابِ الْجَنَّةِ فِي قُبَّةٍ خَضْرَاءَ يَخْرُجُ إِلَيْهِمْ رِزْقُهُمْ مِنَ الْجَنَّةِ بُكْرَةً وَعَشِيًّا.(2)
ويقول ابن تيمية في هذا الموضوع :" وَالْجَنَّةُ لَيْسَ فِيهَا شَمْسٌ وَلَا قَمَرٌ وَلَا لَيْلٌ وَلَا نَهَارٌ لَكِنْ تُعْرَفُ الْبُكْرَةُ وَالْعَشِيَّةُ بِنُورِ يَظْهَرُ مِنْ قِبَلِ الْعَرْشِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ "(3)
ــــــــــــــ
__________
(1) - مسلم (7330) وصحيح ابن حبان - (ج 16 / ص 463)(7436)
(2) - صحيح ابن حبان - (ج 10 / ص 515)(4658) صحيح
(3) - مجموع الفتاوى - (ج 4 / ص 312)(1/168)
المبحث السابع عشر
ريح الجنة
للجنة رائحةٌ عبقةٌ زكية تملأ جنباتها ، وهذه الرائحة يجدها المؤمنون من مسافات شاسعة,وجاءت السنة بإثبات ذلك,وأن بعض الذنوب تحرم صاحبها رائحة الجنة, فعَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ عَنْ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - ، قَالَ : صِنْفَانِ مِنْ أُمَّتِي لَمْ أَرَهُمَا : قَوْمٌ مَعَهُمْ سِيَاطٌ مِثْلُ أَذْنَابِ الْبَقَرِ يَضْرِبُونَ بِهَا النَّاسَ وَنِسَاءٌ كَاسِيَاتٌ عَارِيَاتٌ مَائِلاَتٌ مُمِيلاَتٌ رُؤُوسُهُنَّ مِثْلُ أَسْنِمَةِ الْبُخْتِ الْمَائِلَةِ لاَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ ، وَلاَ يَجِدُونَ رِيحَهَا ، وَإِنَّ رِيحَهَا لَتُوجَدُ مِنْ مَسِيرَةِ كَذَا وَكَذَا.(1).
البخت : واحدتها البختية وهى الناقة طويلة العنق ذات السنامين
__________
(1) - صحيح مسلم ( 5704 ) وصحيح ابن حبان - (ج 16 / ص 500)(7461)
ذكر العلماء في معنى( كاسيات عاريات)أوجه:منها أن تستر بعض بدنها وتكشف بعضه إظهارا لجمالها ومنها: أن يلبسن ثيابًا رقاقًا تصف ما تحتها.و(مميلات مائلات)أي:مميلات للرجال بزينتهن,مائلات إليهم وقيل:مائلات متبخترات في مشيتهن مميلات أكتافهن,و(البخت)هى نوع من الإبل.والحديث من نبوءات النبي - صلى الله عليه وسلم -(1/169)
وعَنْ ثَلاَثِينَ مِنْ أَبْنَاءِ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - عَنْ آبَائِهِمْ دِنْيَةً عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ :« أَلاَ مَنْ ظَلَمَ مُعَاهَدًا وَانْتَقَصَهُ وَكَلَّفَهُ فَوْقَ طَاقَتِهِ أَوْ أَخَذَ مِنْهُ شَيْئًا بِغَيْرِ طِيبِ نَفْسٍ مِنْهُ فَأَنَا حَجِيجُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ». وَأَشَارَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - بِإِصْبَعِهِ إِلَى صَدْرِهِ :« أَلاَ وَمَنْ قَتَلَ مُعَاهَدًا لَهُ ذِمَّةُ اللَّهِ وَذِمَّةُ رَسُولِهِ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ رِيحَ الْجَنَّةِ وَإِنْ رِيحَهَا لَتُوجَدُ مِنْ مَسِيرَةِ سَبْعِينَ خَرِيفًا ».(1)
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - :قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : مَنْ صَلَّى الْغَدَاةَ ، فَهُوَ فِي ذِمَّةِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ ، فَلا يَتَّبِعَنَّكُمُ اللَّهُ مِنْ ذِمَّتِهِ ، أَلا وَمَنْ قَتَلَ مُعَاهَدًا لَهُ ذِمَّةُ اللَّهِ وَذِمَّةُ رَسُولِهِ ، فَقَدْ خَفَرَ ذِمَّةَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ ، لا يَرِيحَ رِيحَ الْجَنَّةِ ، وَإِنَّ رِيحَهَا لَتُوجَدُ مِنْ مَسِيرَةِ سَبْعِينَ خَرِيفًا"(2)
الغداة : الصبح - الذمة والذمام : العَهْد، والأمَانِ، والضَّمان، والحُرمَة، والحقِّ -ذمة الله : عهده وأمانه في الدنيا والآخرة - الخَرِيف : الزَّمَانُ المَعْرُوفُ من فصول السَّنّة ما بين الصَّيف والشتاء ويطلق على العام كله
__________
(1) - السنن الكبرى للبيهقي (ج 9 / ص 205)(19201) صحيح
(2) - مسند أبي يعلى الموصلي (6452) حسن(1/170)
وعَنْ أَبِي بَكْرَةَ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - : مَنْ قَتَلَ نَفْسًا مُعَاهَدَةً بِغَيْرِ حَقِّهَا حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ أَنْ يَشُمَّ رِيحَهَا.(1)
وعَنْ أَبِي بَكْرَةَ ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - ، قَالَ : مَنْ قَتَلَ نَفْسًا مُعَاهَدَةً بِغَيْرِ حَقِّهَا لَمْ يَرَحْ رَائِحَةَ الْجَنَّةِ ، وَإِنَّ رِيحَ الْجَنَّةِ لَيُوجَدُ مِنْ مَسِيرَةِ مِائَةِ عَامٍ.(2)
وعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو عَنِ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ « مَنْ قَتَلَ نَفْسًا مُعَاهَدًا لَمْ يَرَحْ رَائِحَةَ الْجَنَّةِ ، وَإِنَّ رِيحَهَا يُوجَدُ مِنْ مَسِيرَةِ أَرْبَعِينَ عَامًا »(3).
وعَنْ مُجَاهِدٍ أَبِي الْحَجَّاجِ ، أَنَّ نَبِيَّ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - ، قَالَ : " ثَلَاثَةٌ لَا يَجِدُونَ رِيحَ الْجَنَّةِ ، وَإِنَّ رِيحَهَا لَتُوجَدُ مِنْ مَسِيرَةِ خَمْسِمِائَةِ عَامٍ : الْعَاقُّ لِوَالِدَيْهِ ، وَمُدْمِنُ الْخَمْرِ ، وَالْبَخِيلُ الْمَنَّانُ "(4)
العقوق : الاستخفاف بالوالدين وعصيانهما وترك الإحسان إليهما - المنان : الفخور على من أعطى حتى يُفسِدَ عطاءَهُ
__________
(1) - صحيح ابن حبان - (ج 11 / ص 240)(4882) صحيح
(2) - صحيح ابن حبان - (ج 16 / ص 391)(7382) صحيح
(3) - صحيح البخارى (6914 )
(4) - تهذيب الآثار للطبري(1566 ) صحيح مرسل(1/171)
َقَالَ الْكَرْمَانِيُّ : يَحْتَمِل أَنْ لَا يَكُون الْعَدَد بِخُصُوصِهِ مَقْصُودًا بَلِ الْمَقْصُود الْمُبَالَغَة فِي التَّكْثِير ، وَلِهَذَا خَصَّ الْأَرْبَعِينَ وَالسَّبْعِينَ؛ لِأَنَّ الْأَرْبَعِينَ يَشْتَمِلُ عَلَى جَمِيع أَنْوَاع الْعَدَد لِأَنَّ فِيهِ الْآحَاد وَآحَاده عَشَرَة وَالْمِائَة عَشَرَات وَالْأَلْف مِئَات وَالسَّبْع عَدَد فَوْق الْعَدَد الْكَامِل وَهُوَ سِتَّة إِذْ أَجْزَاؤُهُ بِقَدْرِهِ وَهِيَ النِّصْف وَالثُّلُث وَالسُّدُس بِغَيْرِ زِيَادَة وَلَا نُقْصَان ، وَأَمَّا الْخَمْسمِائَةِ فَهِيَ مَا بَيْن السَّمَاء وَالْأَرْض .
قُلْت : وَاَلَّذِي يَظْهَر لِي فِي الْجَمْع أَنْ يُقَال : إِنَّ الْأَرْبَعِينَ أَقَلُّ زَمَن يُدْرِكُ بِهِ رِيح الْجَنَّة مَنْ فِي الْمَوْقِف ، وَالسَّبْعِينَ فَوْق ذَلِكَ أَوْ ذُكِرَتْ لِلْمُبَالَغَةِ ، وَالْخَمْسمِائَةِ ثُمَّ الْأَلْف أَكْثَرُ مِنْ ذَلِكَ ، وَيَخْتَلِف ذَلِكَ بِاخْتِلَافِ الْأَشْخَاص وَالْأَعْمَال ، فَمَنْ أَدْرَكَهُ مِنَ الْمَسَافَة الْبُعْدَى أَفْضَلُ مِمَّنْ أَدْرَكَهُ مِنَ الْمَسَافَة الْقُرْبَى وَبَيْنَ ذَلِكَ ، وَقَدْ أَشَارَ إِلَى ذَلِكَ شَيْخنَا فِي شَرْح التِّرْمِذِيّ فَقَالَ : الْجَمْعُ بَيْن هَذِهِ الرِّوَايَات أَنَّ ذَلِكَ يَخْتَلِف بِاخْتِلَافِ الْأَشْخَاص بِتَفَاوُتِ مَنَازِلهمْ وَدَرَجَاتهمْ . ثُمَّ رَأَيْت نَحْوه فِي كَلَام اِبْن الْعَرَبِيّ فَقَالَ : رِيحُ الْجَنَّة لَا يُدْرَك بِطَبِيعَةٍ وَلَا عَادَة وَإِنَّمَا يُدْرَك بِمَا يَخْلُق اللَّه مِنْ إِدْرَاكه فَتَارَة يُدْرِكهُ مَنْ شَاءَ اللَّهُ مِنْ مَسِيرَة سَبْعِينَ وَتَارَة مِنْ مَسِيرَة خَمْسمِائَةٍ(1).
ـــــــــــــــ
__________
(1) - فتح الباري لابن حجر - (ج 19 / ص 369)(1/172)
المبحث الثامن عشر
أهل الجنة يرثون أهل النار
جعل الله لكل واحد من بني آدم منزلين : منزلا في الجنة ومنزلا في النار ، ثم إن من كتب له الشقاوة من أهل الكفر والشرك يرثون منازل أهل الجنة التي كانت لهم في النار ، والذين كتب لهم السعادة من أهل الجنة يرثون منازل أهل النار التي كانت لهم في الجنة ، قال تعالى في حق المؤمنين المفلحين بعد أن ذكر أعمالهم التي تدخلهم الجنة : ( أُولَئِكَ هُمُ الْوَارِثُونَ (10) الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (11) [المؤمنون/10-11] )
عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - « مَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ إِلاَّ لَهُ مَنْزِلاَنِ مَنْزِلٌ فِى الْجَنَّةِ وَمَنْزِلٌ فِى النَّارِ فَإِذَا مَاتَ فَدَخَلَ النَّارَ وَرِثَ أَهْلُ الْجَنَّةِ مَنْزِلَهُ فَذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى ( أُولَئِكَ هُمُ الْوَارِثُونَ) ».(1)
وعن أبي هريرة، في قوله،( أُولَئِكَ هُمُ الْوَارِثُونَ ) قال: يرثون مساكنهم، ومساكن إخوانهم التي أعدّت لهم لو أطاعوا الله.(2)
وعن ابن جُرَيج، قال: الوارثون الجنة أورثتموها، والجنة التي نورث من عبادنا هن سواء، قال ابن جريج: قال مجاهد: يرث الذي من أهل الجنة أهله وأهل غيره، ومنزل الذين من أهل النار، هم يرثون أهل النار، فلهم منزلان في الجنة وأهلان، وذلك أنه منزل في الجنة، ومنزل في النار، فأما المؤمن فَيَبْنِي منزله الذي في الجنة، ويهدم منزله في النار. وأما الكافر فيهدم منزله الذي في الجنة. ويبني منزله الذي في النار.(3)
__________
(1) سنن ابن ماجه (4485) صحيح
(2) - تفسير الطبري - (ج 19 / ص 12) صحيح
(3) - تفسير الطبري - (ج 19 / ص 13) صحيح(1/173)
وقد قيل: إنّ معنى"خسارتهم أنفسهم"، أن كل عبد له منزل في الجنة ومنزل في النار. فإذا كان يوم القيامة، جعل الله لأهل الجنة منازلَ أهل النار في الجنة، وجعل لأهل النار منازلَ أهل الجنة في النار، فذلك خسران الخاسرين منهم، لبيعهم منازلهم من الجنة بمنازل أهل الجنة من النار، بما فرط منهم في الدنيا من معصيتهم الله، وظلمهم أنفسهم، وذلك معنى قول الله تعالى ذكره: الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ ، [سورة المؤمنون: 11](1).
فالمؤمنون يرثون منازل الكفار ، لأنهم خلقوا لعبادة الله وحده لا شريك له ، فلما قام هؤلاء بما وجب عليهم من العبادة ، وترك أولئك ما أمروا به مما خلقوا له ، أحرز هؤلاء نصيب أولئك لو كانوا أطاعوا ربهم عز وجل ، بل أبلغ من هذا أيضا ، وهو ما ثبت في صحيح مسلم عن أبي موسى عَنِ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ « يَجِىءُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ نَاسٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ بِذُنُوبٍ أَمْثَالِ الْجِبَالِ فَيَغْفِرُهَا اللَّهُ لَهُمْ وَيَضَعُهَا عَلَى الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى ».(2)
وعَنْ أَبِى مُوسَى قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - « إِذَا كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ دَفَعَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ إِلَى كُلِّ مُسْلِمٍ يَهُودِيًّا أَوْ نَصْرَانِيًّا فَيَقُولُ هَذَا فَكَاكُكَ مِنَ النَّارِ ».(3)
وهذا الحديث كقوله تعالى {تِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي نُورِثُ مِنْ عِبَادِنَا مَن كَانَ تَقِيًّا} (63) سورة مريم ، وقوله تعالى: {وَتِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ} (72) سورة الزخرف ، فهم يرثون نصيب الكفار في الجنان .(4)
__________
(1) - تفسير الطبري - (ج 11 / ص 294)
(2) - صحيح مسلم (7190 )
(3) - صحيح مسلم(7187 )
(4) - تفسير ابن كثير - (ج 5 / ص 464) فما بعد(1/174)
قَالَ الْبَيْهَقِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ : " وَيُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ هَذَا الْحَدِيثُ تَفْسِيرًا لِحَدِيثِ الْفِدَاءِ ، وَالْكَافِرُ إِذَا أُورِثَ عَلَى الْمُؤْمِنِ مَقْعَدَهُ مِنَ الْجَنَّةِ ، وَالْمُؤْمِنُ إِذَا أُورِثَ عَلَى الْكَافِرِ مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ يَصِيرُ فِي التَّقْدِيرِ كَأَنَّهُ فُدِيَ الْمُؤْمِنُ بِالْكَافِرِ ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ . وَقَدْ عَلَّلَ الْبُخَارِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ حَدِيثَ الْفِدَاءِ بِرِوَايَةِ بُرَيْدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ وَغَيْرِهِ ، عَنْ أَبِي بُرْدَةَ ، عَنْ رَجُلٍ مِنَ الْأَنْصَارِ ، عَنْ أَبِيهِ وَبِرِوَايَةِ أَبِي حُصَيْنٍ عَنْهُ ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يَزِيدَ ، وَبِرِوَايَةِ حُمَيْدٍ عَنْهُ ، عَنْ رَجُلٍ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - ، ثُمَّ قَالَ الْخَبَرُ عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - فِي الشَّفَاعَةِ ، وَأَنَّ قَوْمًا يُعَذَّبُونَ ثُمَّ يَخْرُجُونَ مِنَ النَّارِ أَكْثَرَ وَأَبَيْنَ .(1/175)
وَحَدِيثُ أَبِي بُرْدَةَ بْنِ أَبِي مُوسَى ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَدْ صَحَّ عِنْدَ مُسْلِمِ بْنِ الْحَجَّاجِ وَغَيْرِهِ رَحِمَهُمُ اللَّهُ مِنَ الْأَوْجُهِ الَّتِي أَشَرْنَا إِلَيْهَا وَغَيْرِهَا وَوَجْهُهُ مَا ذَكَرْنَاهُ ، وَذَلِكَ لَا يُنَافِي حَدِيثَ الشَّفَاعَةِ ، فَإِنَّ حَدِيثَ الْفِدَاءِ وَإِنْ وَرَدَ مَوْرِدَ الْعُمُومِ فِي كُلِّ مُؤْمِنٍ فَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِهِ كُلَّ مُؤْمِنٍ قَدْ صَارَتْ ذُنُوبُهُ مُكَفَّرَةً بِمَا أَصَابَهُ مِنَ الْبَلَايَا فِي حَيَاتِهِ فَفِي بَعْضِ أَلْفَاظِهِ ، إِنَّ أُمَّتِي أُمَّةٌ مَرْحُومَةٌ جَعَلَ اللَّهُ عَذَابَهَا بِأَيْدِيهَا ، فَإِذَا كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ دَفَعَ اللَّهُ إِلَى كُلِّ رَجُلٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ رَجُلًا مِنْ أَهْلِ الْأَدْيَانِ فَكَانَ فِدَاؤُهُ مِنَ النَّارِ ، وَحَدِيثُ الشَّفَاعَةِ يَكُونُ فِيمَنْ لَمْ تَصِرْ ذُنُوبُهُ مُكَفَّرَةً فِي حَيَاتِهِ ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ هَذَا الْقَوْلُ لَهُمْ فِي حَدِيثِ الْفِدَاءِ بَعْدَ الشَّفَاعَةِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَأَمَّا حَدِيثُ :أَبِى بُرْدَةَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ « عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ : " يَجِيءُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ نَاسٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ بِذُنُوبٍ مِثْلِ الْجِبَالِ يَغْفِرُهَا اللَّهُ لَهُمْ وَيَضَعُهَا عَلَى الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى " " فِيمَا أَحْسِبُ أَنَا قَالَهُ بَعْضُ رُوَاتِهِ ، فَهَذَا حَدِيثٌ شَكٌّ فِيهِ رَاوِيهِ ، وَشَدَّادُ أَبُو طَلْحَةَ مِمَّنْ تَكَلَّمَ أَهْلُ الْعِلْمِ بِالْحَدِيثِ فِيهِ ، وَإِنْ كَانَ مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ اسْتَشْهَدَ بِهِ فِي كِتَابِهِ فَلَيْسَ هُوَ مِمَنْ يُقْبَلُ مِنْهُ مَا يُخَالِفُ فِيهِ كيف ، وَالَّذِينَ خَالَفُوهُ فِي لَفْظِ الْحَدِيثِ عَدَدٌ وَهُوَ(1/176)
وَاحِدٌ ، وَكُلُّ وَاحِدٍ مِمَّنْ خَالَفَهُ أَحْفَظُ مِنْهُ فَلَا مَعْنَى لِلِاشْتِغَالِ بِتَأْوِيلِ مَا رَوَاهُ مَعَ خِلَافِ ظَاهِرِ مَا رَوَاهُ الْأُصُولَ الصَّحِيحَةَ الْمُمَهَّدَةَ فِي : وَاللَّهُ أَعْلَمُ "(1)
ـــــــــــــ
المبحث التاسع عشر
في أنهار الجنة
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - « الْكَوْثَرُ نَهْرٌ فِى الْجَنَّةِ حَافَّتَاهُ مِنْ ذَهَبٍ وَمَجْرَاهُ عَلَى الدُّرِّ وَالْيَاقُوتِ تُرْبَتُهُ أَطْيَبُ مِنَ الْمِسْكِ وَمَاؤُهُ أَحْلَى مِنَ الْعَسَلِ وَأَبْيَضُ مِنَ الثَّلْجِ »(2)
وعَنِ ابْنِ عُمَرَ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - : الْكَوْثَرُ نَهْرٌ فِي الْجَنَّةِ حَافَتَاهُ مِنْ ذَهَبٍ , وَمَجْرَاهُ عَلَى الْيَاقُوتِ وَالدُّرِ , تُرْبَتُهُ أَطْيَبُ مِنَ الْمِسْك , وَمَاؤُهُ أَحْلَى مِنَ الْعَسَلِ وَأَشَدُّ بَيَاضًا مِنَ الثَّلْجِ.(3)
وعَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ قَالَ لَنَا رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - « الْكَوْثَرُ نَهْرٌ فِى الْجَنَّةِ حَافَّتَاهُ مِنْ ذَهَبٍ وَالْمَاءُ يَجْرِى عَلَى اللُّؤْلُؤِ وَمَاؤُهُ أَشَدُّ بَيَاضاً مِنَ اللَّبَنِ وَأَحْلَى مِنَ الْعَسَلِ »(4).
الياقوت : حجر كريم من أجود الأنواع وأكثرها صلابة بعد الماس ، خاصة ذو اللون الأحمر
__________
(1) - شعب الإيمان للبيهقي(402)
(2) - سنن الترمذى(3686 ) وقَالَ هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ.
(3) - مصنف ابن أبي شيبة (ج 11 / ص 440)(32319) صحيح
(4) - مسند أحمد (5479) صحيح(1/177)
وعن ابن عباس ، في قوله عز وجل : {إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ} (1) سورة الكوثر، قال : هو :« نهر في الجنة عمقه في الأرض سبعون ألف فرسخ ، ماؤه أشد بياضا من اللبن ، وأحلى من العسل ، شاطئاه اللؤلؤ ، والزبرجد والياقوت خص الله عز وجل به نبيه - صلى الله عليه وسلم - دون الأنبياء عليهم السلام »(1)
وعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ ، قَالَ : " لَعَلَّكُمْ تَظُنُّونَ أَنَّ أَنْهَارَ الْجَنَّةِ أُخْدُودٌ فِي الْأَرْضِ ، لَا وَاللَّهِ إِنَّهَا لَسَائِحَةٌ عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ ، أَحَدُ حَافَّتَيْهَا اللُّؤْلُؤُ وَالْأُخْرَى الْيَاقُوتُ وَطِينُهُ الْمِسْكُ الْأَذْفَرُ " ، قُلْتُ : مَا الْأَذْفَرُ ؟ قَالَ : " الَّذِي لَا خِلْطَ لَهُ "(2)- أذفر : جيد إلى الغاية رائحته شديدة
وعَنِ الزُّهْرِيِّ ، أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ ، قَالَ : " إِنَّ فِي الْجَنَّةِ نَهَرًا يُقَالُ لَهُ الْبَيْدَخُ عَلَيْهِ قِبَابُ الْيَاقُوتِ تَحْتَهُ جَوَارٍ نَابِتَاتٌ ، يَقُولُ أَهْلُ الْجَنَّةِ : انْطَلِقُوا بِنَا إِلَى الْبَيْدَخِ فَيَجِيئُونَ فَيَتَصَفَّحُونَ تِلْكَ الْجَوَارِيَ ، فَإِذَا أَعْجَبَتْ رَجُلًا مِنْهُمْ جَارِيَةٌ مَسَّ مِعْصَمَهَا فَتَبِعَتْهُ وَنَبَتَ مَكَانَهَا أُخْرَى(3)
البيدج والبيدخ : نهر في الجنة - القبة : الخيمة الصغيرة أو البناء المستدير المقوس المجوف
__________
(1) - صفة الجنة لابن أبي الدنيا (141 ) فيه ضعف
(2) - صفة الجنة لابن أبي الدنيا (66 ) صحيح
(3) - صفة الجنة لابن أبي الدنيا (67 ) رجاله ثقات لكن الزهري لم يسمع من ابن عباس(1/178)
وعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - : دَخَلْتُ الْجَنَّةَ ، فَإِذَا أَنَا بِنَهَرٍ حَافَّتَاهُ مِنَ اللُّؤْلُؤِ ، فَضَرَبْتُ بِيَدِي مَجْرَى الْمَاءِ ، فَإِذَا مِسْكٌ أَذْفَرُ ، فَقُلْتُ : يَا جِبْرِيلُ ، مَا هَذَا ؟ قَالَ : هَذَا الْكَوْثَرُ أَعْطَاكَهُ اللَّهُ ، أَوْ أَعْطَاكَ رَبُّكَ.
وعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ ، أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ : دَخَلْتُ الْجَنَّةَ ، فَإِذَا أَنَا بِنَهَرٍ يَجْرِي ، بَيَاضُهُ بَيَاضُ اللَّبَنِ ، وَأَحْلَى مِنَ الْعَسَلِ ، وَحَافَّتَاهُ خِيَامُ اللُّؤْلُؤِ ، فَضَرَبْتُ بِيَدِي ، فَإِذَا الثَّرَى مِسْكٌ أَذْفَرُ ، فَقُلْتُ لِجِبْرِيلَ : مَا هَذَا ؟ فَقَالَ : هَذَا الْكَوْثَرُ الَّذِي أَعْطَاكَهُ اللَّهُ.
ذِكْرُ الْبَيَانِ بِأَنَّ قَوْلَهُ - صلى الله عليه وسلم - : حَافَّتَاهُ مِنَ اللُّؤْلُؤِ ، أَرَادَ بِهِ : قِبَابَ اللُّؤْلُؤِ الْمُجَوَّفِ.
وعَنْ أَنَسٍ ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - حَدَّثَ ، قَالَ : بَيْنَا أَنَا أَسِيرُ فِي الْجَنَّةِ إِذْ عَرَضَ لِي نَهَرٌ ، حَافَّتَاهُ قِبَابُ اللُّؤْلُؤِ الْمُجَوَّفِ ، فَقَالَ الْمَلَكُ الَّذِي مَعَهُ : أَتَدْرِي مَا هَذَا ؟ هَذَا الْكَوْثَرُ الَّذِي أَعْطَاكَ رَبُّكَ ، وَضَرَبَ بِيَدِهِ إِلَى أَرْضِهِ ، فَأَخْرَجَ مِنْ طِينِهِ الْمِسْكَ.(1)
الحَافة : ناحِية الموضع وجانبه - أذفر : جيد إلى الغاية رائحته شديدة
__________
(1) - صحيح ابن حبان - (ج 14 / ص 390)(6472- 6474) صحيح(1/179)
وعَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَنَسٍ عَنِ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - . قَالَ « بَيْنَمَا أَنَا أَسِيرُ فِى الْجَنَّةِ إِذَا أَنَا بِنَهَرٍ حَافَتَاهُ قِبَابُ الدُّرِّ الْمُجَوَّفِ قُلْتُ مَا هَذَا يَا جِبْرِيلُ قَالَ هَذَا الْكَوْثَرُ الَّذِى أَعْطَاكَ رَبُّكَ . فَإِذَا طِينُهُ - أَوْ طِيبُهُ - مِسْكٌ أَذْفَرُ »(1).
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - : أَنْهَارُ الْجَنَّةِ تَخْرُجُ مِنْ تَحْتِ تِلاَلِ - أَوْ مِنْ تَحْتِ جِبَالِ - مِسْكٍ.(2)
وعن زميل بن سماك ، أَنَّهُ سَمِعَ أَبَاهُ ، يَقُولُ : قَالَ : قُلْتُ لِابْنِ عَبَّاسٍ : مَا أَرْضُ الْجَنَّةِ ؟ قَالَ : " مَرْمَرَةٌ بَيْضَاءُ مِنْ فِضَّةٍ ، كَأَنَّهَا مِرْآةٌ " . قُلْتُ : فَمَا نُورُهَا ؟ قَالَ : " أَمَا رَأَيْتَ السَّاعَةَ الَّتِي تَكُونُ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ ؟ كَذَلِكَ نُورُهَا إِلَّا أَنَّهُ لَيْسَ فِيهَا شَمْسٌ ، وَلَا زَمْهَرِيرٌ " . قُلْتُ : فَمَا أَنْهَارُهَا ؟ أَفِي خُدَّةٍ ؟ قَالَ : " لَا ، وَلَكِنَّهَا تَجْرِي عَلَى أَرْضِ الْجَنَّةِ مُنْسَكِبَةً ، لَا تَفِيضُ هَاهُنَا ، وَلَا هَاهُنَا ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى لَهَا كُونِي "(3)
المَرْمَر : وهو نوعٌ من الرُّخامِ صُلْبٌ -الزَّمْهَرِير : شِدَّةُ البرْد وهو الذي أعدّه اللّه عَذاباً للكفَّار في الدَّار الآخرة
__________
(1) - صحيح البخارى (6581 )
(2) - صحيح ابن حبان - (ج 16 / ص 423)(7408) صحيح لغيره
(3) - العظمة لأبي الشيخ الأصبهاني(585) حسن
فيه زميل بن سماك الحنفي روى عن أبيه روى عنه عبد ربه بن بارق بن سماك الحنفي وزميل خاله سمعت أبي يقول ذلك الجرح والتعديل [ ج 3 -ص620 ]( 2807 )(1/180)
وعن زميل بن سماك ، أَنَّ سِمَاكًا سَمِعَ أَبَاهُ ، يُحَدِّثُ أَنَّهُ لَقِيَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَبَّاسٍ بِالْمَدِينَةِ بَعْدَمَا كُفَّ بَصَرُهُ فَقَالَ : يَا ابْنَ عَبَّاسٍ مَا أَرْضُ الْجَنَّةِ ؟ قَالَ : " مَرْمَرَةٌ كَأَنَّهَا مِرْآةٌ " قُلْتُ : مَا نُورُهَا ؟ قَالَ : " أَمَا رَأَيْتَ السَّاعَةَ الَّتِي تَكُونُ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ فَذَلِكَ نُورُهَا إِلَّا أَنَّهُ لَيْسَ فِيهَا شَمْسٌ وَلَا زَمْهَرِيرُ " ، قَالَ : قُلْتُ : فَمَا أَنْهَارُهَا ؟ أَفِي أُخْدُودٍ ؟ قَالَ : " لَا وَلَكِنَّهَا تَجْرِي عَلَى أَرْضِ الْجَنَّةِ مُسْتَكِنَّةً لَا تُفِيضُ هَاهُنَا وَلَا هَاهُنَا ، قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ لَهَا كُونِي فَكَانَتْ " . قُلْتُ : فَمَا حُلَلُ الْجَنَّةِ ؟ قَالَ : " شَجَرَةٌ فِيهَا ثَمَرٌ كَأَنَّهُ الرُّمَّانِ ، فَإِذَا أَرَادَ وَلِيُّ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ مِنْهَا كِسْوَةً انْحَدَرَتْ إِلَيْهِ مِنْ غُصْنِهَا فَانْفَلَقَتْ لَهُ عَنْ سَبْعِينَ حُلَّةً أَلْوَانًا بَعْدَ أَلْوَانٍ ثُمَّ تَنْطَبِقُ فَتَرْجِعُ كَمَا كَانَتْ "(1)
وعن حكيم بن معاوية القشيري ، عن أبيه قَالَ : سَمِعْتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ : " فِي الْجَنَّةِ بَحْرٌ لِلْمَاءِ ، وَبَحْرٌ لِلَّبَنِ ، وَبَحْرٌ لِلْعَسَلِ ، وَبَحْرٌ لِلْخَمْرِ ، ثُمَّ تُشْتَقُّ الْأَنْهَارُ مِنْهَا بَعْدُ " قَالَ عَلِيُّ بْنُ عَاصِمٍ : فَحَدَّثْتُ بِهَذَيْنِ الْحَدِيثَيْنِ بَهْزَ بْنَ حَكِيمٍ فَقَالَ : لَمْ أَسْمَعْهُمَا(2)
__________
(1) - صفة الجنة لا بن أبي الدنيا (140) حسن وحسنه المنذري في الترغيب
(2) - البعث والنشور للبيهقي(229) فيه ضعف(1/181)
وعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ ، قَالَ : " لَعَلَّكُمْ تَظُنُّونَ أَنَّ أَنْهَارَ الْجَنَّةِ أُخْدُودٌ فِي الْأَرْضِ ، لَا وَاللَّهِ إِنَّهَا لَسَائِحَةٌ عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ ، أَحَدُ حَافَّتَيْهَا اللُّؤْلُؤُ وَالْأُخْرَى الْيَاقُوتُ وَطِينُهُ الْمِسْكُ الْأَذْفَرُ " ، قُلْتُ : مَا الْأَذْفَرُ ؟ قَالَ : " الَّذِي لَا خِلْطَ لَهُ " "(1)- أذفر : جيد إلى الغاية رائحته شديدة
وعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - مَا الْكَوْثَرُ قَالَ « ذَاكَ نَهْرٌ أَعْطَانِيهِ اللَّهُ يَعْنِى فِى الْجَنَّةِ أَشَدُّ بَيَاضًا مِنَ اللَّبَنِ وَأَحْلَى مِنَ الْعَسَلِ فِيهَا طَيْرٌ أَعْنَاقُهَا كَأَعْنَاقِ الْجُزُرِ ». قَالَ عُمَرُ إِنَّ هَذِهِ لَنَاعِمَةٌ. قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - « أَكَلَتُهَا أَنْعَمُ مِنْهَا ».(2)
الجزر : جمع جزور وهو البعير
ـــــــــــــــ
المبحث العشرون
في شجر الجنة وثمارها
قال الله تعالى-فى وصف الجنتين الأوليين,في سورة الرحمن: (ذَوَاتَا أَفْنَان) {آية48} أي:أغصان,وفي وصف الجنتين الثانيتين قال: (فِيهِمَا فَاكِهَة ٌوَنَخْلٌ وَرُمَّان){آية68}
__________
(1) - صفة الجنة لأبي نعيم الأصبهاني(337 ) وصفة الجنة(66 ) صحيح موقوف
(2) - سنن الترمذى (2738 ) حسن(1/182)
وقال تعالى : (وَأَصْحَابُ اليَمِينِ مَا أَصْحَابُ اليَمِينِ * فِي سِدْرٍ مَّخْضُودٍ * وَطَلْحٍ مَّنضُود ٍ* وَظِلٍّ مَّمْدُودٍ){الواقعة27-30} والسدر:شجر النبق,ووصفه بأنه مخضود:أي لا شوك فيه,وقيل:قطع شوكه وجعل مكانه ثمراًعظيماً ،فعَنْ أَبِي أُمَامَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، قَالَ : كَانَ أَصْحَابُُ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - ، يَقُولُونَ : إِنَّ اللَّهَ يَنْفَعُنَا بِالأَعْرَابِ وَمَسَائِلِهِمْ أَقْبَلَ أَعْرَابِيٌّ يَوْمًا ، فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، لَقَدْ ذَكَرَ اللَّهُ فِي الْقُرْآنِ شَجَرَةً مُؤْذِيَةً وَمَا كُنْتُ أَرَى أَنَّ فِي الْجَنَّةِ شَجَرَةٌ تُؤْذِي صَاحِبَهَا ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : وَمَا هِيَ ؟ قَالَ : السِّدْرُ ، فَإِنَّ لَهَا شَوْكًا ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : فِي سِدْرٍ مَخْضُودٍ يَخْضِدُ اللَّهُ شَوْكَهُ فَيُجْعَلُ مَكَانَ كُلِّ شَوْكَةٍ ثَمَرَةٌ ، فَإِنَّهَا تُنْبِتُ ثَمَرًا تُفْتَقُ الثَّمَرَةُ مَعَهَا عَنِ اثْنَيْنِ وَسَبْعِينَ لَوْنًا مَا مِنْهَا لَوْنٌ يُشْبِهُ الآخَرَ "(1)
.وقال أمية بن أبى الصلت-يصف الجنة-:
إن الحدائق في الجنان ظليلة. فيها الكواعب سدرها مخضود(2)
والطلح:هو شجر الموز,قاله أكثر المفسرين,وهو قول ابن عباس وعلى وأبوهريرة وأبو سعيد الخدرى-رضى الله عنهم-.
وأما الظل الممدود:فيفسره حديث أَبِى هُرَيْرَةَ - رضى الله عنه - يَبْلُغُ بِهِ النَّبِىَّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ : « إِنَّ فِى الْجَنَّةِ شَجَرَةً يَسِيرُ الرَّاكِبُ فِى ظِلِّهَا مِائَةَ عَامٍ لاَ يَقْطَعُهَا ، وَاقْرَءُوا إِنْ شِئْتُمْ {وَظِلٍّ مَّمْدُودٍ } (30) سورة الواقعة»(3).
__________
(1) - المستدرك للحاكم(3778) حسن
(2) - تفسير القرطبي (17/158)
(3) - صحيح البخارى (4881 )(1/183)
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، قَالَ : وَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - : فِي الْجَنَّةِ شَجَرَةٌ يَسِيرُ الرَّاكِبُ فِي ظِلِّهَا مِائَةَ سَنَةٍ ، لاَ يَقْطَعُهَا.(1)
وعَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ « إِنَّ فِى الْجَنَّةِ لَشَجَرَةً يَسِيرُ الرَّاكِبُ فِى ظِلِّهَا مِائَةَ عَامٍ لاَ يَقْطَعُهَا ».
وزاد أَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِىُّ عَنِ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ « إِنَّ فِى الْجَنَّةِ شَجَرَةً يَسِيرُ الرَّاكِبُ الْجَوَادَ الْمُضَمَّرَ السَّرِيعَ مِائَةَ عَامٍ مَا يَقْطَعُهَا ».(2)
وعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ ، عَنْ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - ، أَنَّهُ قَالَ لَهُ رَجُلٌ : يَا رَسُولَ اللهِ ، مَا طُوبَى ؟ قَالَ : شَجَرَةٌ فِي الْجَنَّةِ مَسِيرَةُ مِائَةِ سَنَةٍ ، ثِيَابُ أَهْلِ الْجَنَّةِ تَخْرُجُ مِنْ أَكْمَامِهَا.(3)
المضمر : المعد للسباق بالعلف والتمرين
__________
(1) - صحيح ابن حبان - (ج 16 / ص 428)(7412) صحيح
(2) - صحيح مسلم(7316و7317 )
(3) - صحيح ابن حبان - (ج 16 / ص 429)(7413) حسن(1/184)
وعن عَامِرَ بْنِ زَيْدٍ الْبِكَالِيِّ ، أَنَّهُ سَمِعَ عُتْبَةَ بْنَ عَبْدٍ السُّلَمِيَّ ، يَقُولُ : قَامَ أَعْرَابِيٌّ إِلَى رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - ، فَقَالَ : مَا فَاكِهَةُ الْجَنَّةِ ؟ قَالَ : فِيهَا شَجَرَةٌ تُدْعَى طُوبَى ، فَقَالَ : أَيُّ شَجَرِنَا تُشْبِهُ ، قَالَ : لَيْسَ تُشْبِهُ شَجَرًا مِنْ شَجَرِ أَرْضِكَ ، وَلَكِنْ أَتَيْتَ الشَّامَ ؟ قَالَ : لاَ يَا رَسُولَ اللهِ ، قَالَ : وَإِنَّهَا شَجَرَةٌ بِالشَّامِ تُدْعَى الْجُمَيْزَةَ تَشْتَدُّ عَلَى سَاقٍ ، ثُمَّ يُنْشَرُ أَعْلاَهَا ، قَالَ : مَا عِظَمُ أَصْلِهَا ؟ قَالَ : لَوِ ارْتَحَلْتَ جَذَعَةً مِنْ إِبِلِ أَهْلِكَ مَا أَحَطْتَ بِأَصْلِهَا حَتَّى تَنْكَسِرَ تُرْقُوَتَاهَا هَرَمًا.(1)
وعَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِى بَكْرٍ قَالَتْ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ وَذُكِرَ لَهُ سِدْرَةُ الْمُنْتَهَى قَالَ « يَسِيرُ الرَّاكِبُ فِى ظِلِّ الْفَنَنِ مِنْهَا مِائَةَ سَنَةٍ أَوْ يَسْتَظِلُّ بِظِلِّهَا مِائَةُ رَاكِبٍ شَكَّ يَحْيَى فِيهَا فَرَاشُ الذَّهَبِ كَأَنَّ ثَمَرَهَا الْقِلاَلُ »(2).
الفنن : الغصن - القلال : جمع قلة أى كقلال هجر فى الكبر
__________
(1) - صحيح ابن حبان - (ج 16 / ص 430)(7414) حسن
(2) - سنن الترمذى(2737 ) صحيح لغيره(1/185)
وعَنْ زِيَادٍ مَوْلَى بَنِي مَخْزُومٍ ، قَالَ : سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ ، يَقُولُ : إِنَّ فِي الْجَنَّةِ لَشَجَرَةٌ يَسِيرُ الرَّاكِبُ فِي ظِلِّهَا مِئَةَ عَامٍ ، وَاقَرَؤُوا إِنْ شِئْتُمْ : {وَظِلٍّ مَمْدُودٍ} ، فَبَلَغَ ذَلِكَ كَعْبًا ، فَقَالَ : صَدَقَ ، وَالَّذِي أَنْزَلَ التَّوْرَاةَ عَلَى لِسَانِ مُوسَى ، وَالْفُرْقَانَ عَلَى لِسَانِ مُحَمَّدٍ - صلى الله عليه وسلم - ، لَوْ أَنَّ رَجُلاً رَكِبَ حِقَّةً ، أَوْ جَذَعَةً ، ثُمَّ أَدَارَ بِأَصْلِ تِلْكَ الشَّجَرَةِ ، مَا بَلَغَهَا حَتَّى يَسْقُطَ هَرِمًا ، إِنَّ اللَّهَ غَرَسَهَا بِيَدِهِ ، وَنَفَخَ فِيهَا مِنْ رُوحِهِ ، وَإِنَّ أَفْنَانَهَا مِنْ وَرَاءِ سُوَرِ الْجَنَّةِ ، وَمَا فِي الْجَنَّةِ نَهْرٌ إِلاَّ يَخْرُجُ مِنْ أَصْلِ تِلْكَ الشَّجَرَةِ.(1)
وعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ، قَالَ : " الظِّلُّ الْمَمْدُودُ شَجَرَةٌ فِي الْجَنَّةِ عَلَى سَاقٍ قَدْرَ مَا يَسِيرُ الرَّاكِبُ الْمُجِدُّ فِي ظِلِّهَا مِائَةَ عَامٍ فِي كُلِّ نَوَاحِيهَا " . قَالَ : " فَيَخْرُجُ إِلَيْهَا أَهْلُ الْجَنَّةِ ، أَهْلُ الْغُرَفِ وَغَيْرُهُمْ فَيَتَحَدَّثُونَ فِي ظِلِّهَا ، فَيَشْتَهِي بَعْضُهُمْ وَيَذْكُرُ لَهْوَ الدُّنْيَا ، فَيُرْسِلُ اللَّهُ رِيحًا مِنَ الْجَنَّةِ فَتُحَرِّكُ تِلْكَ الشَّجَرَةَ بِكُلِّ لَهْوٍ كَانَ فِي الدُّنْيَا "(2)
__________
(1) - مصنف ابن أبي شيبة (ج 13 / ص 105)(35116) حسن
(2) - صفة الجنة لابن أبي الدنيا (43 ) حسن(1/186)
وعَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ - رضى الله عنه - قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - « قَالَ اللَّهُ أَعْدَدْتُ لِعِبَادِى الصَّالِحِينَ مَا لاَ عَيْنَ رَأَتْ ، وَلاَ أُذُنَ سَمِعَتْ ، وَلاَ خَطَرَ عَلَى قَلْبِ بَشَرٍ ، فَاقْرَءُوا إِنْ شِئْتُمْ {فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَّا أُخْفِيَ لَهُم مِّن قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاء بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} (17) سورة السجدة(1).
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، يَبْلُغُ بِهِ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - ، قَالَ : قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى : أَعْدَدْتُ لِعِبَادِي الصَّالِحِينَ مَا لاَ عَيْنٌ رَأَتْ ، وَلاَ أُذُنٌ سَمِعَتْ ، وَلاَ خَطَرَ عَلَى قَلْبِ بَشَرٍ ، وَمِصْدَاقُ ذَلِكَ فِي كِتَابِ اللهِ : { فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَّا أُخْفِيَ لَهُم مِّن قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاء بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} (17) سورة السجدة.(2)
وقَالَ عَامِرُ بْنُ زَيْدٍ الْبَكَالِيُّ ، أَنَّهُ سَمِعَ عُتْبَةَ بْنَ عَبْدٍ السُّلَمِيَّ ، يَقُولُ : قَامَ أَعْرَابِيٌّ إِلَى رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - ، فَقَالَ : مَا حَوْضُكَ الَّذِي تُحَدِّثُ عَنْهُ ؟ فَقَالَ : هُوَ كَمَا بَيْنَ صَنْعَاءَ إِلَى بُصْرَى ، ثُمَّ يُمِدُّنِي اللَّهُ فِيهِ بِكُرَاعٍ لاَ يَدْرِي بَشَرٌ مِمَّنْ خُلِقَ أَيُّ طَرَفَيْهِ ، قَالَ : فَكَبَّرَ عُمَرُ ، فَقَالَ - صلى الله عليه وسلم - : أَمَّا الْحَوْضُ فَيَزْدَحِمُ عَلَيْهِ فُقَرَاءُ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ يُقْتُلُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ ، وَيَمُوتُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ ، وَأَرْجُو أَنْ يُورِدَنِيَ اللَّهُ الْكُرَاعَ فَأَشْرَبَ مِنْهُ.(3)
__________
(1) - صحيح البخارى(3244 ) ومسلم (7310 )
(2) - صحيح ابن حبان - (ج 2 / ص 91)(369) صحيح
(3) - صحيح ابن حبان - (ج 14 / ص 361)(6450) حسن(1/187)
وعَنْ عُتْبَةَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ : جَاءَ أَعْرَابِيٌّ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ : مَا حَوْضُكَ الَّذِي تُحَدِّثُ عَنْهُ ؟ قَالَ : " كَمَا بَيْنَ الْبَيْضَاءِ إِلَى بُصْرَى ، يُمِدُّنِي اللَّهُ فِيهِ بِكُرَاعٍ ، لَا يَدْرِي إِنْسَانٌ [ مِمَّنْ ] خُلِقَ أَيْنَ طَرَفَاهُ ؟ " . فَكَبَّرَ عُمَرُ ، فَقَالَ : " أَمَّا الْحَوْضُ فَيَرِدُ عَلَيْهِ فُقَرَاءُ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ، وَيَمُوتُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ، وَأَرْجُو أَنْ يُورِدَنِي الْكُرَاعَ فَأَشْرَبَ مِنْهُ " . وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : " إِنَّ رَبِّي وَعَدَنِي أَنْ يُدْخِلَ الْجَنَّةَ مِنْ أُمَّتِي سَبْعِينَ أَلْفًا بِغَيْرِ حِسَابٍ ، ثُمَّ يَشْفَعُ كُلُّ أَلْفٍ لِسَبْعِينَ أَلْفًا ، ثُمَّ يَحْثِي رَبِّي - تَبَارَكَ وَتَعَالَى - بِكَفَّيْهِ ثَلَاثَ حَثَيَاتٍ " . فَكَبَّرَ عُمَرُ ، وَقَالَ : " إِنَّ السَّبْعِينَ الْأُولَى يُشَفِّعُهُمُ اللَّهُ فِي آبَائِهِمْ ، وَأَبْنَائِهِمْ ، وَعَشَائِرِهِمْ ، وَأَرْجُو أَنْ يَجْعَلَنِي اللَّهُ فِي إِحْدَى الْحَثَيَاتِ الْأَوَاخِرِ . فَقَالَ الْأَعْرَابِيُّ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، فِيهَا فَاكِهَةٌ ؟ قَالَ : " نَعَمْ . وَفِيهَا شَجَرَةٌ تُدْعَى طُوبَى ، طَابِقُ الْفِرْدَوْسِ " ، فَقَالَ : أَيُّ شَجَرِ أَرْضِنَا تُشْبِهُ ؟ قَالَ : " لَيْسَ تُشْبِهُ شَيْئًا مِنْ شَجَرِ أَرْضِكَ ، وَلَكِنْ أَتَيْتَ الشَّامَ ؟ " . قَالَ : لَا يَا رَسُولَ اللَّهِ ، قَالَ : " فَإِنَّهَا تُشْبِهُ شَجَرَةً بِالشَّامِ تُدْعَى الْجَوْزَةَ ، تَنْبُتُ عَلَى سَاقٍ وَاحِدٍ ، ثُمَّ يَنْتَشِرُ أَعْلَاهَا " .(1/188)
قَالَ : فَمَا عُظْمُ أَصْلِهَا ؟ قَالَ : " لَوِ ارْتَحَلَتْ جَذَعَةٌ مِنْ إِبِلِ أَهْلِكَ لَمَا قَطَعَتْهَا حَتَّى تَنْكَسِرَ تَرْقُوَتُهَا هَرَمًا " . قَالَ : فِيهَا عِنَبٌ ؟ قَالَ : " نَعَمْ " . قَالَ : مَا عُظْمُ الْعُنْقُودِ فِيهَا ؟ . قَالَ : " مَسِيرَةُ شَهْرٍ لِلْغُرَابِ الْأَبْقَعِ ، لَا يَنْثَنِي وَلَا يَفْتُرُ " . قَالَ : فَمَا عُظْمُ الْحَبَّةِ مِنْهُ ؟ قَالَ : " هَلْ ذَبَحَ أَبُوكَ تَيْسًا مِنْ غَنَمِهِ عَظِيمًا ؟ " . قَالَ : نَعَمْ . قَالَ : " فَسَلَخَ إِهَابَهَا فَأَعْطَاهُ أُمَّكَ ، فَقَالَ : ادْبَغِي هَذَا ، ثُمَّ أَفْرِي لَنَا مِنْهُ ذَنُوبًا نَرْوِي [ بِهِ ] مَاشِيَتَنَا ؟ " . قَالَ : نَعَمْ . قَالَ : " فَإِنَّ تِلْكَ الْحَبَّةَ تُشْبِعُنِي وَأَهْلَ بَيْتِي ؟ " . فَقَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - : " وَعَامَّةَ عَشِيرَتِكَ "(1).
الحوض : نهر الكوثر - الحثو والحثي : الاغتراف بملء الكفين ، وإلقاء ما فيهما
- التَرْقُوَة : عظمة مشرفة بين ثغرة النحر والعاتق وهما ترقوتان - الهرم : كِبر السّن وضعفه - الأبْقع : الذي فيه سواد وبياض - الإهاب : الجلد من البقر والغنم والوحش ما لم يدبغ
وعن عبد الله بن أبي الهذيل ، قال : كنا مع عبد الله بالشام أو بعمان ، فتذاكروا الجنة ، فقال : « إن العنقود من عناقيدها من هاهنا إلى صنعاء »(2)
__________
(1) - المعجم الأوسط للطبراني(409 ) حسن
(2) - صفة الجنة لابن أبي الدنيا (44 ) حسن(1/189)
وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ : أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ : " عُرِضَتْ عَلَيَّ الْجَنَّةُ فَذَهَبْتُ أَتَنَاوَلُ مِنْهَا قِطْفًا أُرِيكُمُوهُ فَحِيلَ بَيْنِي وَبَيْنَهُ " . فَقَالَ رَجُلٌ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، مَا مَثَلُ الْحَبَّةِ مِنَ الْعِنَبِ ؟ قَالَ : " كَأَعْظَمِ دَلْوٍ فَرَتْ أُمُّكَ قَطُّ "(1).
الدلو : إناء يُستقى به من البئر ونحوه - قط : بمعنى أبدا ، وفيما مضى من الزمان
وعَنْ جَرِيرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ ، قَالَ : " نَزَلْنَا لِلصِّفَاحِ ، فَإِذَا رَجُلٌ نَائِمٌ تَحْتَ شَجَرَةٍ قَدْ كَادَتِ الشَّمْسُ أَنْ تَبْلُغَهُ قَالَ : فَقُلْتُ لِلْغُلَامِ : انْطَلِقْ بِهَذَا النِّطْعِ فَأَظِلَّهُ ، قَالَ : فَانْطَلَقَ فَأَظَلَّهُ ، فَلَمَّا اسْتَيْقَظَ إِذَا هُوَ سَلْمَانُ ، فَأَتَيْتُهُ أُسَلِّمُ عَلَيْهِ ، فَقَالَ : يَا جَرِيرُ تَوَاضَعْ لِلَّهِ ، فَإِنَّهُ مَنْ تَوَاضَعَ لِلَّهِ فِي الدُّنْيَا رَفَعَهُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ، يَا جَرِيرُ هَلْ تَدْرِي مَا الظُّلُمَاتُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ؟ قُلْتُ : لَا أَدْرِي ، قَالَ : ظُلْمُ النَّاسِ بَيْنَهُمْ ، ثُمَّ أَخَذَ عُوَيْدًا لَا أَكَادُ أَرَاهُ بَيْنَ أُصْبُعَيْهِ ، فَقَالَ : يَا جَرِيرُ لَوْ طَلَبْتَ فِي الْجَنَّةِ مِثْلَ هَذَا لَمْ تَجِدْهُ ، قُلْتُ : يَا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ ، فَأَيْنَ النَّخْلُ وَالشَّجَرُ ؟ قَالَ : " أُصُولُهَا اللُّؤْلُؤُ ، وَالذَّهَبُ ، وَأَعْلَاهَا الثَّمَرُ(2)
__________
(1) - مسند أبي يعلى الموصلي(1147) حسن
(2) - البعث والنشور للبيهقي(276 ) حسن(1/190)
وعَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ ، فِي قَوْلِهِ : {وَدَانِيَةً عَلَيْهِمْ ظِلَالُهَا وَذُلِّلَتْ قُطُوفُهَا تَذْلِيلًا} (14) سورة الإنسان، قَالَ : " إِنَّ أَهْلَ الْجَنَّةِ يَأْكُلُ مِنْ ثِمَارِ الْجَنَّةِ قِيَامًا ، وَقُعُودًا ، وَمُضْطَجِعِينَ ، عَلَى أَيِّ حَالٍ شَاءُوا "(1)
وعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا ، فِي قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ : {فِيهِمَا فَاكِهَةٌ وَنَخْلٌ وَرُمَّانٌ} (68) سورة الرحمن، قَالَ : " نَخْلُ الْجَنَّةِ جُذُوعُهَا زُمُرُّدٌ أَخْضَرُ وَكَرَانِيفُهَا ذَهَبٌ أَحْمَرُ ، وَسَعَفُهَا كِسْوَةٌ لِأَهْلِ الْجَنَّةِ مِنْهَا مُقَطَّعَاتُهُمْ وَحُلَلُهُمْ وَثَمَرُهَا أَمْثَالُ الْقِلَالِ أَوِ الدِّلَاءِ أَشَدُّ بَيَاضًا مِنَ اللَّبَنِ ، وَأَحْلَى مِنَ الْعَسَلِ ، وَأَلْيَنُ مِنَ الزُّبْدِ ، وَلَيْسَ لَهَا عَجْمٌ "(2)
الكرب بفتح الكاف والراء بعدهما باء موحدة هو أصول السعف الغلاظ العراض
وعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ ، عَنْ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - ، أَنَّهُ قَالَ لَهُ رَجُلٌ : يَا رَسُولَ اللهِ ، مَا طُوبَى ؟ قَالَ : شَجَرَةٌ فِي الْجَنَّةِ مَسِيرَةُ مِائَةِ سَنَةٍ ، ثِيَابُ أَهْلِ الْجَنَّةِ تَخْرُجُ مِنْ أَكْمَامِهَا.(3)
ـــــــــــــــ
المبحث الواحد والعشرون
في أكل أهل الجنة
ذكره الله-عز وجل- في قوله: (وَفَاكِهَةٍ مِمَّا يَتَخَيَّرُونَ (20) وَلَحْمِ طَيْرٍ مِمَّا يَشْتَهُونَ (21) [الواقعة/20، 21])
__________
(1) - البعث والنشور للبيهقي(273 ) حسن
(2) - المستدرك للحاكم(3776) والبعث والنشور للبيهقي (271 ) حسن
(3) - صحيح ابن حبان - (ج 16 / ص 429)(7413) حسن(1/191)
أي :وَيَطُوفُ الوِلْدَانُ المُخَلَّدُونَ عَلَى هَؤُلاَءِ الأَبْرَارِ مِنَ السَّابِقِينَ بِأَلْوانٍ كَثِيرَةٍ مِنَ الفَاكِهَةِ ، فَيَخْتَارُونَ مِنْهَا مَا تَمِيلُ إِلَيهِ نُفُوسُهُمْ . وَيَطُوفُونَ عَلَيْهِمْ بِأَصْنَافٍ مِنْ لُحُومِ الطَّيْرِ ، فَيَأْخُذُونَ مِنْهَا مَا يَشْتَهُونَ .
أما عن الفاكهة في الجنة: فقد وصفها الله تعالى بقوله: {وَبَشِّرِ الَّذِين آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ كُلَّمَا رُزِقُواْ مِنْهَا مِن ثَمَرَةٍ رِّزْقاً قَالُواْ هَذَا الَّذِي رُزِقْنَا مِن قَبْلُ وَأُتُواْ بِهِ مُتَشَابِهاً وَلَهُمْ فِيهَا أَزْوَاجٌ مُّطَهَّرَةٌ وَهُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} (25) سورة البقرة.
يُبَشِّرُ اللهُ تَعَالى الذِينَ آمَنُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ ، وَعَمِلُوا الأَعْمَالَ الصَّالِحَةَ ، أَنَّ لَهُمْ عِنْدَهُ في الآخِرَةِ جَنَّاتٍ تَجْرِي الأَنْهَارُ في جَنَبَاتِهَا ، وَلَهُمْ فِيها أَزْواجٌ مُطَهَّرةٌ مِنَ الدَّنَسِ وَالأَذى وَالآثامِ ومسَاوِئِ الأَخْلاَقِ ، كَالََكَيْدِ والمَكْرِ والخَدِيعَةِ . . وَتَأْتِيهِمُ الثِّمَارُ في الجَنَّةِ فَيَظُنُّونَ أَنَّهَا مِنَ الثِّمَارِ التِي عَرَفُوهَا في الدُّنيا ( أَوْ أَنَّهَا مِنَ الثِّمَارِ التِي أَتَتْهُمْ قَبْلَ ذلِكَ فِي الجَنَّةِ ، وَتَخْتَلفُ عَنْهَا طَعْماً مَعَ أَنَّهَا تُشْبِهُهَا فِي شَكْلِها وَمَنْظَرِهَا ) . وَكُلَّمَا رُزِقُوا مِنْها ثَمَرَةً قَالُوا : هذا مَا وُعِدْنا بِهِ في الدُّنيا جَزَاءً عَلَى الإِيمَان وَالعَمَلِ الصَّالِحِ . والذِينَ آمَنُوا إِيمَاناً صَادِقاً ، وَعَملُوا عَمَلاً صَالِحاً يَبْقَوْوَ في الجَنَّةِ خَالِدينَ أبداً ، لاَ يَمُوتُونَ فِيها وَلا يَحُولُونَ عَنْها .(1/192)
وقال القرطبي : " ومعنى {مِنْ قَبْلُ} يعني في الدنيا ، وفيه وجهان : أحدهما : أنهم قالوا هذا الذي وعدنا به في الدنيا. والثاني : هذا الذي رزقنا في الدنيا ، لأن لونها يشبه لون ثمار الدنيا ، فإذا أكلوا وجدوا طعمه غير ذلك وقيل : "من قبل" يعني في الجنة لأنهم يرزقون ثم يرزقون ، فإذا أتوا بطعام وثمار في أول النهار فأكلوا منها ، ثم أتوا منها في آخر النهار قالوا : هذا الذي رزقنا من قبل ، يعني أطعمنا في أول النهار ، لأن لونه يشبه ذلك ، فإذا أكلوا منها وجدوا لها طعما غير طعم الأول.
قوله : {وَأُتُوا} فعلوا من أتيت. وقرأه الجماعة بضم الهمزة والتاء. وقرأ هارون الأعور "وأتوا" بفتح الهمزة والتاء. فالضمير في القراءة الأولى لأهل الجنة ، وفي الثانية للخدام. {بِهِ مُتَشَابِهاً} حال من الضمير في "به" ، أي يشبه بعضه بعضا في المنظر ويختلف في الطعم. قاله ابن عباس ومجاهد والحسن وغيرهم. وقال عكرمة : يشبه ثمر الدنيا ويباينه في جل الصفات. ابن عباس : هذا على وجه التعجب ، وليس في الدنيا شيء مما في الجنة سوى الأسماء ، فكأنهم تعجبوا لما رأوه من حسن الثمرة وعظم خلقها. وقال قتادة : خيارا لا رذل فيه ، كقوله تعالى : {كِتَاباً مُتَشَابِهاً} [الزمر : 23] وليس كثمار الدنيا التي لا تتشابه ، لأن فيها خيارا وغير خيار.(1)
ووصف فاكهة الجنة-أيضاً- بأنها كثيرة ودائمة لا تنقطع , ولا ُتُمنع ممن أرادها,
فقال تعالى: {وَفَاكِهَةٍ كَثِيرَةٍ (32) لَا مَقْطُوعَةٍ وَلَا مَمْنُوعَةٍ (33) } [الواقعة/32-34].
وَيَتَمَتَّعُونَ فِي الجَنَّةِ بِأَلْوانٍ كَثِيرَةٍ مِنَ الفَاكِهَةِ . لاَ تَنْقَطِعُ عَنْهُمْ أَبَداً ، فَهُمْ يَجِدُونَهَا فِي كُلِّ حِينٍ .
__________
(1) - تفسير القرطبي (ج 1 / ص 240)(1/193)
قال ابن كثير : "وقوله: { وَفَاكِهَةٍ كَثِيرَةٍ . لا مَقْطُوعَةٍ وَلا مَمْنُوعَةٍ } أي: وعندهم من الفواكه الكثيرة المتنوعة في الألوان ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر، { كُلَّمَا رُزِقُوا مِنْهَا مِنْ ثَمَرَةٍ رِزْقًا قَالُوا هَذَا الَّذِي رُزِقْنَا مِنْ قَبْلُ وَأُتُوا بِهِ مُتَشَابِهًا } [البقرة: 25] أي: يشبه الشكلُ الشكلَ، ولكن الطعم غيرُ الطعم. فعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قال : ثُمَّ ذَهَبَ بِى إِلَى السِّدْرَةِ الْمُنْتَهَى وَإِذَا وَرَقُهَا كَآذَانِ الْفِيَلَةِ وَإِذَا ثَمَرُهَا كَالْقِلاَلِ "(1)
وعن أنس بن مالك، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " رَكَبْتُ البُرَاقَ ثُمَّ ذُهِبَ بي إلى سدْرَة المُنتهَى، فَإِذَا وَرَقُها كآذَانِ الفِيلَةِ، وإذَا ثمَرُها كالقلال ; قال: فَلَمَّا غَشِيَها مِنْ أمْرِ الله ما غَشيَها تَغَيَّرتْ، فَمَا أحَدٌ يَسْتَطيعُ أنْ يصِفَها مِنْ حُسْنها، قال: فأَوْحَى اللهُ إليّ ما أوْحَى".(2)
__________
(1) - صحيح مسلم(429 )
(2) - تفسير الطبري - (ج 22 / ص 516) صحيح(1/194)
وعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ قَالَ انْخَسَفَتِ الشَّمْسُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - ، فَصَلَّى رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - ، فَقَامَ قِيَامًا طَوِيلاً نَحْوًا مِنْ قِرَاءَةِ سُورَةِ الْبَقَرَةِ ، ثُمَّ رَكَعَ رُكُوعًا طَوِيلاً ، ثُمَّ رَفَعَ فَقَامَ قِيَامًا طَوِيلاً ، وَهْوَ دُونَ الْقِيَامِ الأَوَّلِ ، ثُمَّ رَكَعَ رُكُوعًا طَوِيلاً ، وَهْوَ دُونَ الرُّكُوعِ الأَوَّلِ ، ثُمَّ سَجَدَ ، ثُمَّ قَامَ قِيَامًا طَوِيلاً وَهْوَ دُونَ الْقِيَامِ الأَوَّلِ ، ثُمَّ رَكَعَ رُكُوعًا طَوِيلاً ، وَهْوَ دُونَ الرُّكُوعِ الأَوَّلِ ، ثُمَّ رَفَعَ فَقَامَ قِيَامًا طَوِيلاً ، وَهْوَ دُونَ الْقِيَامِ الأَوَّلِ ، ثُمَّ رَكَعَ رُكُوعًا طَوِيلاً ، وَهْوَ دُونَ الرُّكُوعِ الأَوَّلِ ، ثُمَّ سَجَدَ ، ثُمَّ انْصَرَفَ وَقَدْ تَجَلَّتِ الشَّمْسُ ، فَقَالَ - صلى الله عليه وسلم - « إِنَّ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ آيَتَانِ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ ، لاَ يَخْسِفَانِ لِمَوْتِ أَحَدٍ وَلاَ لِحَيَاتِهِ ، فَإِذَا رَأَيْتُمْ ذَلِكَ فَاذْكُرُوا اللَّهَ » . قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ ، رَأَيْنَاكَ تَنَاوَلْتَ شَيْئًا فِى مَقَامِكَ ، ثُمَّ رَأَيْنَاكَ كَعْكَعْتَ . قَالَ - صلى الله عليه وسلم - « إِنِّى رَأَيْتُ الْجَنَّةَ ، فَتَنَاوَلْتُ عُنْقُودًا ، وَلَوْ أَصَبْتُهُ لأَكَلْتُمْ مِنْهُ مَا بَقِيَتِ الدُّنْيَا ، وَأُرِيتُ النَّارَ ، فَلَمْ أَرَ مَنْظَرًا كَالْيَوْمِ قَطُّ أَفْظَعَ ، وَرَأَيْتُ أَكْثَرَ أَهْلِهَا النِّسَاءَ » . قَالُوا بِمَ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ « بِكُفْرِهِنَّ » .(1/195)
قِيلَ يَكْفُرْنَ بِاللَّهِ قَالَ « يَكْفُرْنَ الْعَشِيرَ ، وَيَكْفُرْنَ الإِحْسَانَ ، لَوْ أَحْسَنْتَ إِلَى إِحْدَاهُنَّ الدَّهْرَ كُلَّهُ ، ثُمَّ رَأَتْ مِنْكَ شَيْئًا قَالَتْ مَا رَأَيْتُ مِنْكَ خَيْرًا قَطُّ »(1).
وعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ ، قَالَ : خَسَفَتِ الشَّمْسُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - ، فَصَلَّى رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - ، وَالنَّاسُ مَعَهُ ، فَقَامَ قِيَامًا طَوِيلاً نَحْوًا مِنْ سُورَةِ الْبَقَرَةِ ، ثُمَّ رَكَعَ رُكُوعًا طَوِيلاً ، ثُمَّ رَفَعَ ، فَقَامَ قِيَامًا طَوِيلاً ، وَهُوَ دُونَ الْقِيَامِ الأَوْلِ ، ثُمَّ رَكَعَ رُكُوعًا طَوِيلاً ، وَهُوَ دُونَ الرُّكُوعِ الأَوْلِ ، ثُمَّ سَجَدَ ، ثُمَّ قَامَ قِيَامًا طَوِيلاً ، دُونَ الْقِيَامِ الأَوْلِ ، ثُمَّ رَكَعَ رُكُوعًا طَوِيلاً وَهُوَ دُونَ الرُّكُوعِ الأَوْلِ ، ثُمَّ رَفَعَ ، فَقَامَ قِيَامًا طَوِيلاً ، وَهُوَ دُونَ الْقِيَامِ الأَوْلِ ، ثُمَّ رَكَعَ رُكُوعًا طَوِيلاً ، وَهُوَ دُونَ الرُّكُوعِ الأَوْلِ ، ثُمَّ سَجَدَ ، ثُمَّ انْصَرَفَ وَقَدْ تَجَلَّتِ الشَّمْسُ ، فَقَالَ : إِنَّ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ آيَتَانِ مِنْ آيَاتِ اللهِ ، لاَ يَخْسِفَانِ لِمَوْتِ أَحَدٍ ، وَلاَ لِحَيَاتِهِ ، فَإِذَا رَأَيْتُمْ ذَلِكَ ، فَاذْكُرُوا اللَّهَ.
__________
(1) - صحيح البخارى(1052 ) ومسلم (2147)(1/196)
فَقَالُوا : يَا رَسُولَ اللهِ رَأَيْنَاكَ تَنَاوَلْتَ شَيْئًا فِي مَقَامِكَ هَذَا ، ثُمَّ رَأَيْنَاكَ تَكَعْكَعْتَ ، قَالَ : إِنِّي رَأَيْتُ الْجَنَّةَ - أَوْ أُرِيتُ الْجَنَّةَ - ، فَتَنَاوَلْتُ مِنْهَا عُنْقُودًا ، وَلَوْ أَخَذْتُهُ لَأَكَلْتُمْ مِنْهُ مَا بَقِيَتِ الدُّنْيَا ، وَرَأَيْتُ النَّارَ ، فَلَمْ أَرَ كَالْيَوْمِ مَنْظَرًا قَطُّ ، وَرَأَيْتُ أَكْثَرَ أَهْلِهَا النِّسَاءَ قَالُوا : بِمَ يَا رَسُولَ اللهِ ؟ قَالَ : بِكُفْرِهِنَّ قِيلَ : يَكْفُرْنَ بِاللَّهِ ؟ قَالَ : يَكْفُرْنَ الْعَشِيرَ ، وَيَكْفُرْنَ الإِحْسَانَ ، لَوْ أَحْسَنْتَ إِلَى إِحْدَاهُنَّ الدَّهْرَ ، ثُمَّ رَأَتْ مِنْكَ شَيْئًا قَالَتْ : وَاللَّهِ مَا رَأَيْتُ مِنْكَ خَيْرًا قَطُّ.(1)-تكعكعت : تأخرت
__________
(1) - صحيح ابن حبان - (ج 7 / ص 72)(2832) صحيح(1/197)
وَعَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ : بَيْنَا نَحْنُ صُفُوفٌ خَلْفَ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فِي الظُّهْرِ أَوِ الْعَصْرِ إِذْ رَأَيْنَاهُ يَتَنَاوَلُ شَيْئًا بَيْنَ يَدَيْهِ فِي الصَّلَاةِ لِيَأْخُذَهُ ثُمَّ يَتَنَاوَلَهُ لِيَأْخُذَهُ، ثُمَّ حِيلَ بَيْنَهُ ، ثُمَّ تَأَخَّرَ وَتَأَخَّرْنَا ثُمَّ تَأَخَّرَ الثَّانِيَةَ وَتَأَخَّرْنَا ، فَلَمَّا سَلَّمَ قَالَ أُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ : يَا رَسُولَ اللَّهِ رَأَيْنَاكَ الْيَوْمَ تَصْنَعُ فِي صَلَاتِكَ شَيْئًا لَمْ تَكُنْ تَصْنَعُهُ قَالَ : " إِنِّي عُرِضَتْ عَلَيَّ الْجَنَّةُ بِمَا فِيهَا مِنَ الزَّهْرَةِ وَالنَّضْرَةِ فَتَنَاوَلْتُ قِطْفًا مِنْهَا لِآتِيَكُمْ بِهِ ، وَلَوْ أَخَذْتُهُ لَأَكَلَ مِنْهُ مَنْ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ لَا يَنْقُصُونَهُ فَحِيلَ بَيْنِي وَبَيْنَهُ ، ثُمَّ عَرَضَتْ عَلَيَّ النَّارُ فَلَمَّا وَجَدْتُ حَرَّ شُعَاعِهَا تَأَخَّرْتُ، وَأَكْثَرُ مَنْ رَأَيْتُ فِيهَا النِّسَاءُ اللَّاتِي إِنِ ائْتُمِنَّ أَفْشَيْنَ ، [ وَإِنْ يُسْأَلْنَ بَخِلْنَ ] ، وَإِنْ سَأَلْنَ أَخْفَيْنَ - قَالَ زَكَرِيَّا : أَلْحَفْنَ - وَإِنْ أُعْطِينَ لَمْ يَشْكُرْنَ، وَرَأَيْتُ فِيهَا لِحَيَّ بْنَ عَمْرٍو يَجُرُّ قَصَبَهُ ، وَأَشْبَهُ مَنْ رَأَيْتُ بِهِ مَعْبَدُ بْنُ أَكْثَمَ " ، قَالَ مَعْبَدٌ : أَيْ رَسُولَ اللَّهِ يُخْشَى عَلَيَّ مِنْ شَبَهِهِ فَإِنَّهُ وَالِدٌ ؟ قَالَ : " لَا أَنْتَ مُؤْمِنٌ وَهُوَ كَافِرٌ وَهُوَ أَوَّلُ مَنْ جَمَعَ الْعَرَبَ عَلَى عِبَادَةِ الْأَصْنَامِ "(1).
__________
(1) - مسند أحمد(15180) حسن(1/198)
ووصف ما يُقطف منها-وهي الثمار- بأنها دانية قريبة ممن يتناولها,فقال تعالى: (فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَيَقُولُ هَاؤُمُ اقْرَءُوا كِتَابِيَهْ (19) إِنِّي ظَنَنْتُ أَنِّي مُلَاقٍ حِسَابِيَهْ (20) فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ (21) فِي جَنَّةٍ عَالِيَةٍ (22) قُطُوفُهَا دَانِيَةٌ (23) كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئًا بِمَا أَسْلَفْتُمْ فِي الْأَيَّامِ الْخَالِيَةِ (24) [الحاقة/19-25])
وَيُعْطَى النَّاسُ صُحُفَ أَعْمَالِهِمْ ، فَمَنْ تَنَاوَلَ صَحِيفَةَ عَمَلِهِ بِيمِيِنِهِ فَيَقُولُ فَرِحاً مَسْرُوراً لِكُلِّ مَنْ يَلْقَاهُ : هَذِهِ هِيَ صَحِيفَةُ أَعْمَالِي ، خُذُوهَا فَاقْرَؤُوهَا ، لأَنَّهُ يَعْلَمُ أَنَّ مَا فِيهَا خَيرٌ وَحَسَنَاتٌ ، لأَنَّهُ مِمَّنْ بَدَّلَ اللهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ .إِنَّنِي كُنْتُ فِي الدُّنْيَا أَعْتَقِدُ يَقِيناً بِأَنَّنِي سَأْحَاسَبُ أَمَامَ اللهِ فِي هَذَا اليَوْمِ ، فَعَمِلْتُ خَيْراً قَدْرَ مَا اسْتَطَعْتُ ، وَكُنْتُ أُؤَمِّلُ أَنْ يُحَاسِبَنِي اللهُ عَلَى أَعْمَالِي حِسَاباً يَسِيراً ، وَقَدْ صَدَقَ مَا اعْتَقَدْتُ وَمَا تَوَقَّعْتُ ، فَكَانَ حِسَابِي يَسِيراً .
فَهُوَ يَعِيشُ عِيشَةً رَاضِيَةً خَالِيَةً مِنَ الهُمُومِ والأَكْدَارِ . فِي جَنَّةٍ رَفِيعَةِ المَكَانِ والدَّرَجَاتِ ، فِيهَا الخُضْرَةُ وَالمِيَاهُ وَالظَّلاَلُ الوَارِفَةُ .فِيهَا أَشْجَارٌ ثِمَارُهَا دَانِيَةٌ مِمَّنْ يُرِيدُونَ قَطْفَهَا ، فَيَأْخُذُونَهَا بِدُونِ عَنَاءٍ .(1/199)
وَيُقَالُ لَهُمْ : كُلُوا يَا أَيُّهَا الأَبْرَارُ مِنْ ثِمَارِ هَذِهِ الجَنَّةِ هَنِيئاً ، وَاشْرَبُوا مِنْ خَمْرِهَا وَمِيَاهِهَا مَريئاً ، لاَ تَغَصُّونَ بِهِ ، وَلاَ تَتَأَذَّوْنَ ، وَذَلِكَ جَزَاءٌ مِنَ اللهِ لَكُمْ ، وَثَوَابٌ عَلَى مَا عَمِلْتُمْ فِي الحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنْ صَالِحِ الأَعْمَالِ ، وَكَرِيمِ الطَّاعَاتِ الخَالِصَةِ لِوَجْهِ اللهِ تَعَالَى .
وقال تعالى: {وَدَانِيَةً عَلَيْهِمْ ظِلَالُهَا وَذُلِّلَتْ قُطُوفُهَا تَذْلِيلًا} (14) سورة الإنسان.
وَتَدْنُو أَشْجَارُ الجَنَّةِ بِظِلالِهَا عَلَى هَؤُلاَءِ الأَبْرَارِ السُّعَدَاءِ ، وَتُسَخِّرُ قُطُوفَهَا لأَمْرِهِمْ لِيَنَالُوا مِنْهَا مَا شَاؤُوا .
وعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا ، فِي قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ : {فِيهِمَا فَاكِهَةٌ وَنَخْلٌ وَرُمَّانٌ} (68) سورة الرحمن، قَالَ : " نَخْلُ الْجَنَّةِ جُذُوعُهَا زُمُرُّدٌ أَخْضَرُ وَكَرَانِيفُهَا ذَهَبٌ أَحْمَرُ ، وَسَعَفُهَا كِسْوَةٌ لِأَهْلِ الْجَنَّةِ مِنْهَا مُقَطَّعَاتُهُمْ وَحُلَلُهُمْ وَثَمَرُهَا أَمْثَالُ الْقِلَالِ أَوِ الدِّلَاءِ أَشَدُّ بَيَاضًا مِنَ اللَّبَنِ ، وَأَحْلَى مِنَ الْعَسَلِ ، وَأَلْيَنُ مِنَ الزُّبْدِ ، وَلَيْسَ لَهَا عَجْمٌ "(1)
وَعَنْ ثَوْبَانَ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : " إِنَّ الرَّجُلَ إِذَا نَزَعَ ثَمَرَةً مِنَ الْجَنَّةِ عَادَتْ مَكَانَهَا أُخْرَى " . رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ(2)
__________
(1) - المستدرك للحاكم (3776) صحيح
(2) - المجمع (18731 ) والصحيحة ( 1598) وصحيح الجامع ( 1617) صحيح(1/200)
وَعَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَبْدٍ السُّلَمِيِّ قَالَ : كُنْتُ جَالِسًا مَعَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - فَجَاءَ أَعْرَابِيٌّ ، فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، أَسْمَعُكَ تَذْكُرُ فِي الْجَنَّةِ شَجَرَةً لَا أَعْلَمُ أَكْثَرَ شَوْكًا مِنْهَا - يَعْنِي الطَّلْحَ - . فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : " يَجْعَلُ مَكَانَ كُلِّ شَوْكَةٍ مِنْهَا خَصْوَةَ التَّيْسِ الْمَلْبُودِ - يَعْنِي الْخَصِيَّ - مِنْهَا سَبْعُونَ لَوْنًا مِنَ الطَّعَامِ ، لَا يُشْبِهُ لَوْنٌ آخَرَ "(1)
وعَنْ ثَوْبَانَ ، قَالَ : قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - : إِنَّ الرَّجُلَ إِذَا نَزَعَ مِنَ الْجَنَّةِ عَادَتْ مَكَانَهَا أُخْرَى.(2)
وعن مسروق، قال: نخل الجنة نَضيدٌ من أصْلها إلى فرعها، وثمرها أمثالُ القِلال، كلما نُزعت ثمرة عادتْ مكانها أخرى، وماؤها يَجري في غير أخدود(3).
وأهل الجنة يأكلون ويشربون ولايتغوطون,فعَنِ جَابِرَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - :« يَأْكُلُ أَهْلُ الْجَنَّةِ فِيهَا وَيَشْرَبُونَ وَلاَ يَتَغَوَّطُونَ وَلاَ يَمْتَخِطُونَ وَلاَ يَبُولُونَ وَلَكِنْ طَعَامُهُمْ ذَاكَ جُشَاءٌ كَرَشْحِ الْمِسْكِ يُلْهَمُونَ التَّسْبِيحَ وَالْحَمْدَ كَمَا يُلْهَمُونَ النَّفَسَ ».(4)
الجشاء : تنفس المعدة من الامتلاء
__________
(1) - البعث لابن أبي داود السجستاني(70) صحيح
(2) - المعجم الكبير للطبراني - (ج 2 / ص 124)(1431) صحيح لغيره
(3) - تفسير الطبري - (ج 1 / ص 384)(509) صحيح
(4) - صحيح مسلم(7333 )(1/201)
وعَنْ جَابِرٍ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - : أَهْلُ الْجَنَّةِ يَأْكُلُونَ ، وَيَشْرَبُونَ ، وَلاَ يَبُولُونَ ، وَلاَ يَتَغَوَّطُونَ ، وَلاَ يَمْتَخِطُونَ ، وَلاَ يَبْزُقُونَ يُلْهَمُونَ الْحَمْدَ وَالتَّسْبِيحَ كَمَا يُلْهَمُونَ النَّفَسَ طَعَامُهُمْ لَهُ جُشَاءٌ وَرِيحُهُمُ الْمِسْكُ.(1)
وعَنْ أَنَسٍ ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ : أَوَّلُ شَيْءٍ يَأْكُلُهُ أَهْلُ الْجَنَّةِ زِيَادَةُ كَبِدِ الْحُوتِ.(2)
وعَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ سَلاَمٍ , قَالَ: لَمَّا أَرَدْتُ أَنْ أُسْلِمَ ، أَتَيْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - ، فَقُلْتُ : إِنِّي سَائِلُكَ . فَقَالَ : سَلْ عَمَّا بَدَا لَكَ ، قَالَ : قُلْتُ : مَا أَوَّلُ مَا يَأْكُلُ أَهْلُ الْجَنَّةِ . فَذَكَرَ الْحَدِيثَ.(3)
زيادة كبد الحوت : القطعة المنفردة المتعلقة بكبد الحوت ، وهي أطيبها وألذها
__________
(1) - صحيح ابن حبان - (ج 16 / ص 462)(7435) صحيح
(2) - مسند الطيالسي(2164) صحيح
(3) - مسند أحمد(12385) صحيح(1/202)
وعَنْ زَيْدٍ - يَعْنِى أَخَاهُ - أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا سَلاَّمٍ قَالَ حَدَّثَنِى أَبُو أَسْمَاءَ الرَّحَبِىُّ أَنَّ ثَوْبَانَ مَوْلَى رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - حَدَّثَهُ قَالَ كُنْتُ قَائِمًا عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فَجَاءَ حَبْرٌ مِنْ أَحْبَارِ الْيَهُودِ فَقَالَ السَّلاَمُ عَلَيْكَ يَا مُحَمَّدُ. فَدَفَعْتُهُ دَفْعَةً كَادَ يُصْرَعُ مِنْهَا فَقَالَ لِمَ تَدْفَعُنِى فَقُلْتُ أَلاَ تَقُولُ يَا رَسُولَ اللَّهِ. فَقَالَ الْيَهُودِىُّ إِنَّمَا نَدْعُوهُ بِاسْمِهِ الَّذِى سَمَّاهُ بِهِ أَهْلُهُ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - « إِنَّ اسْمِى مُحَمَّدٌ الَّذِى سَمَّانِى بِهِ أَهْلِى ». فَقَالَ الْيَهُودِىُّ جِئْتُ أَسْأَلُكَ. فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - « أَيَنْفَعُكَ شَىْءٌ إِنْ حَدَّثْتُكَ ». قَالَ أَسْمَعُ بِأُذُنَىَّ فَنَكَتَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - بِعُودٍ مَعَهُ. فَقَالَ « سَلْ ». فَقَالَ الْيَهُودِىُّ أَيْنَ يَكُونُ النَّاسُ يَوْمَ تُبَدَّلُ الأَرْضُ غَيْرَ الأَرْضِ وَالسَّمَوَاتُ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - « هُمْ فِى الظُّلْمَةِ دُونَ الْجِسْرِ ». قَالَ فَمَنْ أَوَّلُ النَّاسِ إِجَازَةً قَالَ « فُقَرَاءُ الْمُهَاجِرِينَ ». قَالَ الْيَهُودِىُّ فَمَا تُحْفَتُهُمْ حِينَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ قَالَ « زِيَادَةُ كَبِدِ النُّونِ » قَالَ فَمَا غِذَاؤُهُمْ عَلَى إِثْرِهَا قَالَ « يُنْحَرُ لَهُمْ ثَوْرُ الْجَنَّةِ الَّذِى كَانَ يَأْكُلُ مِنْ أَطْرَافِهَا ».(1/203)
قَالَ فَمَا شَرَابُهُمْ عَلَيْهِ قَالَ « مِنْ عَيْنٍ فِيهَا تُسَمَّى سَلْسَبِيلاً ». قَالَ صَدَقْتَ. قَالَ وَجِئْتُ أَسْأَلُكَ عَنْ شَىْءٍ لاَ يَعْلَمُهُ أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ الأَرْضِ إِلاَّ نَبِىٌّ أَوْ رَجُلٌ أَوْ رَجُلاَنِ. قَالَ « يَنْفَعُكَ إِنْ حَدَّثْتُكَ ». قَالَ أَسْمَعُ بِأُذُنَىَّ.(1)
النون : الحوت - الجشاء: تنفس المعدة من الاٍمتلاء, أو هو صوت مع ريح يخرج من الفم عند الشبع
وعَنْ جَابِرٍ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - : أَهْلُ الْجَنَّةِ يَأْكُلُونَ ، وَيَشْرَبُونَ ، وَلاَ يَبُولُونَ ، وَلاَ يَتَغَوَّطُونَ ، وَلاَ يَمْتَخِطُونَ ، وَلاَ يَبْزُقُونَ يُلْهَمُونَ الْحَمْدَ وَالتَّسْبِيحَ كَمَا يُلْهَمُونَ النَّفَسَ طَعَامُهُمْ لَهُ جُشَاءٌ وَرِيحُهُمُ الْمِسْكُ.(2)
وعَنْ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - : إِنَّ الرَّجُلَ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ لَيُعْطَى قُوَّةَ مِئَةِ رَجُلٍ فِي الأَكْلِ ، وَالشُّرْبِ ، وَالْجِمَاعِ ، وَالشَّهْوَةِ ، فَقَالَ رَجُلٌ مِنَ الْيَهُودِ : فَإِنَّ الَّذِي يَأْكُلُ وَيَشْرَبُ تَكُونُ لَهُ الْحَاجَةُ ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - : حَاجَةُ أَحَدِكُمْ عَرَقٌ يَفِيضُ مِنْ جِلْدِهِ ، فَإِذَا بَطْنُهُ قَدْ ضَمُرَ.(3)
__________
(1) - صحيح مسلم (742)
(2) - صحيح ابن حبان - (ج 16 / ص 462)(7435) صحيح
(3) - مصنف ابن أبي شيبة (ج 13 / ص 108)(35127) صحيح(1/204)
وعَنْ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ قَالَ : بَيْنَا نَحْنُ عِنْدَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - إِذْ أَقْبَلَ رَجُلٌ مِنَ الْيَهُودِ يُقَالُ لَهُ : ثَعْلَبَةُ بْنُ الْحَارِثِ ، فَقَالَ : السَّلَامُ عَلَيْكَ يَا مُحَمَّدُ ، فَقَالَ : " وَعَلَيْكُمْ " . فَقَالَ الْيَهُودُ : تَزْعُمُ أَنَّ فِي الْجَنَّةِ طَعَامًا ، وَشَرَابًا ، وَأَزْوَاجًا ، فَقَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - : " نَعَمْ تُؤْمِنُ بِشَجَرَةِ الْمِسْكِ ؟ " . قَالَ : نَعَمْ . قَالَ : " وَتَجِدُهَا فِي كِتَابِكُمْ ؟ " . قَالَ : نَعَمْ . قَالَ : " فَإِنَّ الْبَوْلَ وَالْجَنَابَةَ عَرَقٌ يَسِيلُ مِنْ تَحْتِ ذَوَائِبِهِمْ إِلَى أَقْدَامِهِمْ مِسْكًا "(1).
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - : أَوَّلُ زُمْرَةٍ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ مِنْ أُمَّتِي عَلَى صُورَةِ الْقَمَرِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ ، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ عَلَى أَشَدِّ نَجْمٍ فِي السَّمَاءِ إِضَاءَةً ، ثُمَّ هُمْ بَعْدَ ذَلِكَ مَنَازِلَ ، لاَ يَتَغَوَّطُونَ ، وَلاَ يَبُولُونَ ، وَلاَ يَتَمَخَّطُون ، وَلاَ يَبْزُقُونَ ، أَمْشَاطُهُمُ الذَّهَبُ ، وَمَجَامِرُهُمْ الأَلُوَّةُ ، قَالَ أَبُو بَكْرٍ : يَعْنِي الْعُوْدَ ، وَرَشْحُهُمُ الْمِسْكُ ، أَخْلاَقُهُمْ عَلَى خَلْقِ رَجُلٍ وَاحِدٍ ، عَلَى صُورَةِ أَبِيهِمْ آدَمَ سِتُونَ ذِرَاعًا.(2)
__________
(1) - المعجم الأوسط للطبراني(7957 ) حسن
(2) - مصنف ابن أبي شيبة (ج 13 / ص 109)(35129) صحيح(1/205)
وَعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ : سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ : " إِنَّ أَسْفَلَ أَهْلِ الْجَنَّةِ أَجْمَعِينَ دَرَجَةً لَمَنْ يَقُومُ عَلَى رَأْسِهِ عَشَرَةُ الْآفٍ ، بِيَدِي كُلِّ وَاحِدٍ صَحِيفَتَانِ ، وَاحِدَةٌ مِنْ ذَهَبٍ ، وَالْأُخْرَى مِنْ فِضَّةٍ ، فِي كُلِّ وَاحِدَةٍ لَوْنٌ لَيْسَ فِي الْأُخْرَى مِثْلُهُ ، يَأْكُلُ مِنْ آخِرِهَا مِثْلَ مَا يَأْكُلُ مِنْ أَوَّلِهَا ، يَجِدُ لِآخِرِهَا مِنَ الطِّيبِ وَاللَّذَّةِ مِثْلَ الَّذِي يَجِدُ لِأَوَّلِهَا ، ثُمَّ يَكُونُ ذَلِكَ رِيحَ الْمِسْكِ الْأَذْفَرِ ، لَا يَبُولُونَ ، وَلَا يَتَغَوَّطُونَ ، وَلَا يَتَمَخَّطُونَ ، إِخْوَانًا عَلَى سُرُرٍ مُتَقَابِلِينَ "(1)
أذفر : جيد إلى الغاية رائحته شديدة - التغوُّط : التبرُّز -الامتخاط : الاستنثار وإلقاء مخاط الأنف
__________
(1) - المعجم الأوسط للطبراني(7889 ) حسن(1/206)
وعَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : إِنَّ أَدْنَى أَهْلِ الْجَنَّةِ مَنْزِلَةً، إِنَّ لَهُ لَسَبْعَ دَرَجَاتٍ، وَهُوَ عَلَى السَّادِسَةِ، وَفَوْقَهُ السَّابِعَةُ، وَإِنَّ لَهُ لَثَلاَثَ مِائَةِ خَادِمٍ، وَيُغْدَى عَلَيْهِ كُلَّ يَوْمٍ وَيُرَاحُ بثَلاَثُ مِائَةِ صَحْفَةٍ. وَلاَ أَعْلَمُهُ إِلاَّ قَالَ: مِنْ ذَهَبٍ فِى كُلِّ صَحْفَةٍ لَوْنٌ لَيْسَ فِى الأُخْرَى، وَإِنَّهُ لَيَلَذُّ أَوَّلَهُ كَمَا يَلَذُّ آخِرَهُ، وَإِنَّهُ لَيَقُولُ: يَا رَبِّ لَوْ أَذِنْتَ لِى لأَطْعَمْتُ أَهْلَ الْجَنَّةِ، وَسَقَيْتُهُمْ لَمْ يَنْقُصْ مِمَّا عِنْدِى شَىْءٌ، وَإِنَّ لَهُ مِنَ الْحُورِ الْعِينِ لاَثْنَيْنِ وَسَبْعِينَ زَوْجَةً سِوَى أَزْوَاجِهِ مِنَ الدُّنْيَا، وَإِنَّ الْوَاحِدَةَ مِنْهُنَّ لَيَأْخُذ مَقْعَدُتهَا قَدْرَ مِيلٍ مِنَ الأَرْضِ.(1)
وَعَنْ أَنَسٍ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : " إِنَّ طَيْرَ الْجَنَّةِ كَأَمْثَالِ الْبُخْتِ ، تَرْعَى فِي شَجَرِ الْجَنَّةِ " . فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، إِنَّ هَذِهِ لَطَيْرٌ نَاعِمَةٌ ! فَقَالَ : " أَكَلَتُهَا أَنْعَمُ مِنْهَا - قَالَهَا ثَلَاثًا - وَإِنِّي لَأَرْجُو أَنْ أَكُونَ مِمَّنْ يَأْكُلُ مِنْهَا [ يَا أَبَا بَكْرٍ ] "(2)
البخت بضم الموحدة وإسكان الخاء المعجمة هي الإبل الخراسانية
وعَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - : إِنَّكَ لَتَنْظُرُ إِلَى الطَّيْرِ فِي الْجَنَّةِ فَتَشْتَهِيهِ فَيَجِيءُ مَشْوِيًّا بَيْنَ يَدَيْكَ.(3)
__________
(1) - غاية المقصد فى زوائد المسند(5122 ) حسن
(2) - مسند أحمد (13657) صحيح
(3) - مسند البزار (2032) ضعيف(1/207)
وقال عَمْرُو بْنُ قَيْسٍ : إِنَّ الرَّجُلَ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ لَيَشْتَهِي الثَّمَرَةَ ، فَتَجِيءُ حَتَّى تَسِيلَ فِي فِيهِ ، وَإِنَّهَا فِي أَصْلِهَا فِي الشَّجَرَةِ.(1)
وعن بكر بن عبد الله المزني ، قال : بلغني أن الرجل من أهل الجنة ليشتهي اللحم ، فيجيء الطائر فيقع قدامه ، فيقول : يا ولي الله ، شربت من السلسبيل ، ورعيت من الزنجبيل ، ورتعت بين العرش والكرسي فكلني "(2)
وعَنْ مَيْمُونَةَ ، أَنَّهَا سَمِعَتِ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ : " إِنَّ الرَّجُلَ لَيَشْتَهِي الطَّيْرَ فِي الْجَنَّةِ فَيَجِيءُ مِثْلَ الْبُخْتِيِّ حَتَّى يَقَعَ عَلَى خِوَانِهِ لَمْ يُصِبْهُ دُخَانٌ وَلَمْ تَمَسَّهُ نَارٌ فَيَأْكُلُ مِنْهُ حَتَّى يَشْبَعَ ثُمَّ يَطِيرُ "(3)
الخوان : ما يوضع عليه الطَّعام عند الأكل
وعَنْ كَعْب قَالَ : إِنَّ طَائِر الْجَنَّة أَمْثَال الْبُخْت يَأْكُل مِنْ ثَمَرَات الْجَنَّة وَيَشْرَب مِنْ أَنْهَار الْجَنَّة فَيَصْطَفِفْنَ لَهُ فَإِذَا اِشْتَهَى مِنْهَا شَيْئًا أَتَى حَتَّى يَقَع بَيْن يَدَيْهِ فَيَأْكُل مِنْ خَارِجه وَدَاخِله ثُمَّ يَطِير لَمْ يَنْقُص مِنْهُ شَيْء "(4).
__________
(1) - مصنف ابن أبي شيبة (ج 13 / ص 100)(35102) صحيح مقطوع
(2) - صفة الجنة لأبي نعيم الأصبهاني(291 ) حسن
(3) - صفة الجنة (119 ) فيه جهالة
(4) - ابن أبي حاتم تفسير ابن كثير - (ج 7 / ص 524) صحيح مقطوع(1/208)
وعَنْ أَبِي أُمَامَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، قَالَ : كَانَ أَصْحَابُُ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - ، يَقُولُونَ : إِنَّ اللَّهَ يَنْفَعُنَا بِالأَعْرَابِ وَمَسَائِلِهِمْ أَقْبَلَ أَعْرَابِيٌّ يَوْمًا ، فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، لَقَدْ ذَكَرَ اللَّهُ فِي الْقُرْآنِ شَجَرَةً مُؤْذِيَةً وَمَا كُنْتُ أَرَى أَنَّ فِي الْجَنَّةِ شَجَرَةٌ تُؤْذِي صَاحِبَهَا ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : وَمَا هِيَ ؟ قَالَ : السِّدْرُ ، فَإِنَّ لَهَا شَوْكًا ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : فِي سِدْرٍ مَخْضُودٍ يَخْضِدُ اللَّهُ شَوْكَهُ فَيُجْعَلُ مَكَانَ كُلِّ شَوْكَةٍ ثَمَرَةٌ ، فَإِنَّهَا تُنْبِتُ ثَمَرًا تُفْتَقُ الثَّمَرَةُ مَعَهَا عَنِ اثْنَيْنِ وَسَبْعِينَ لَوْنًا مَا مِنْهَا لَوْنٌ يُشْبِهُ الآخَرَ "(1)
واعلم أن صفة طعام أهل الجنة الدوام وعدم النقصان , قال تعالى: {مَّثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ أُكُلُهَا دَآئِمٌ وِظِلُّهَا تِلْكَ عُقْبَى الَّذِينَ اتَّقَواْ وَّعُقْبَى الْكَافِرِينَ النَّارُ} (35) سورة الرعد
__________
(1) - المستدرك للحاكم (3778) حسن(1/209)
صِفَةُ الجَنَّةِ التِي وَعَدَ اللهُ بِهَا المُتَّقِينَ ، وَنَعَتَهَا ، أَنَّهَا تَجْرِي الأَنْهَارُ فِي أَرْجَائِهَا وَجَوَانِبِهَا ، وَحَيْثُ شَاءَ أَهْلُهَا يُفَجِّرُونَهَا تَفْجِّيراً ، فِيهَا الفَوَاكِهُ وَالمَطَاعِمُ وَالمَشَارِبُ ، لاَ انْقِطَاعَ لَهَا وَلاَ فَنَاءَ ( أُكُلُها دَائِمٌ ) ، وَظِلُّهَا دَائِمٌ لاَ يَنْكَمِشُ وَلاَ يَزُولُ . وَهَذِهِ الجَنَّةُ التَي تَقَدَّمَتْ صِفَتُهَا ، هِيَ جَزَاءُ المُتَّقِينَ عِنْدَ رَبِّهِمْ ( عُقْبَى الذِينَ اتَّقَوا ) ، أَمَّا الكَافِرُونَ فَعُقْبَاهُمْ وَمَصِيرُهُمُ النَّارُ . وَلاَ يَسْتَوِي أَصْحَابُ الجَنَّةِ وَأَصْحَابُ النَّارِ .
وقال تعالى : {وَأَمَّا الَّذِينَ سُعِدُواْ فَفِي الْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ إِلاَّ مَا شَاء رَبُّكَ عَطَاء غَيْرَ مَجْذُوذٍ} (108) سورة هود
أَمَّا السُّعَدَاءُ الذِينَ اتَّبَعُوا الرُّسُلَ ، وَآمَنُوا بِاللهِ ، وَعَمِلُوا صَالِحاً ، فَيَصِيرُونَ إِلى الجَنَّةِ ، وَيَمْكُثُونَ فِيهَا خَالِدِينَ أَبداً ، مَا دَامَتْ هُنَاكَ سَمَاوَاتٌ وَأَرْضٌ ، إِلاَّ مَا شَاءَ اللهُ .
وقال تعالى: {إِنَّ هَذَا لَرِزْقُنَا مَا لَهُ مِن نَّفَادٍ} (54) سورة ص
وَهَذَا النَّعِيمُ ، وَتِلْكَ الكَرَامَةُ ، عَطَاءٌ مِنَ اللهِ تَعَالَى ، لاَ يْنْفَدُ ، وَلاَ يَنْقَطِعُ عَنْ أَهْلِ الجَنَّةِ .
وقال تعالى : { وَفَاكِهَةٍ كَثِيرَةٍ (32) لَا مَقْطُوعَةٍ وَلَا مَمْنُوعَةٍ (33) [الواقعة/32، 33]}
وَيَتَمَتَّعُونَ فِي الجَنَّةِ بِأَلْوانٍ كَثِيرَةٍ مِنَ الفَاكِهَةِ ، لاَ تَنْقَطِعُ عَنْهُمْ أَبَداً ، فَهُمْ يَجِدُونَهَا فِي كُلِّ حِينٍ(1/210)
وقال النووي رحمه الله :" مَذْهَب أَهْل السُّنَّة وَعَامَّة الْمُسْلِمِينَ أَنَّ أَهْل الْجَنَّة يَأْكُلُونَ فِيهَا وَيَشْرَبُونَ ، يَتَنَعَّمُونَ بِذَلِكَ وَبِغَيْرِهِ ، مِنْ مَلَاذّ وَأَنْوَاع نَعِيمهَا تَنَعُّمًا دَائِمًا لَا آخِر لَهُ ، وَلَا اِنْقِطَاع أَبَدًا ، وَإِنَّ تَنَعُّمهمْ بِذَلِكَ عَلَى هَيْئَة تَنَعُّم أَهْل الدُّنْيَا إِلَّا مَا بَيْنهمَا مِنَ التَّفَاضُل فِي اللَّذَّة وَالنَّفَاسَة ، الَّتِي لَا يُشَارِك نَعِيم الدُّنْيَا إِلَّا فِي التَّسْمِيَة ، وَأَصْل الْهَيْئَة ، وَإِلَّا فِي أَنَّهُمْ لَا يَبُولُونَ وَلَا يَتَغَوَّطُونَ وَلَا يَتَمَخَّطُونَ وَلَا يَبْصُقُونَ ، وَقَدْ دَلَّتْ دَلَائِل الْقُرْآن وَالسُّنَّة فِي هَذِهِ الْأَحَادِيث الَّتِي ذَكَرَهَا مُسْلِم وَغَيْره ، أَنَّ نَعِيم الْجَنَّة دَائِم لَا اِنْقِطَاع لَهُ أَبَدًا ."(1)
ـــــــــــــــ
المبحث الثاني والعشرون
شراب أهل الجنة
قال تعالى: (إِنَّ الأَبْرَارَ يَشْرَبُونَ مِن كَأْسٍ كَانَ مِزَاجُهَا كَافُوراً* عَيْناً يَشْرَبُ بِهَا عِبَادُ اللَّهِ يُفَجِّرُونَهَا تَفْجِيراً) {الإنسان :5-6} .
إِنَّ الكرَامَ البَرَرَةَ الذِينَ أَطَاعُوا اللهَ ، يَشْرَبُونَ مِنْ خَمْرٍ كَانَ مَا يُمْزَجُ بِهَا مَاءَ الكَافُورِ .وَهَذَا المِزَاجُ مِنْ عَيْنٍ يَشْرَبُ بِهَ عِبَادُ اللهِ المُتَّقُونَ ، وَهُمْ فِي الجَنَّاتِ يَتَصَرَّفُونَ فِيهَا كَيْفَ شَاؤُوا ، وَيُجْرُونَها حَيْثُ أَرَادُوا مِنْ دُورِهِمْ وَمَنَازِلِهِمْ وَمَجَالِسِهِمْ .
وقال مقاتل:ليس هو كافور الدنيا,وإنما سمَّى الله ما عنده بما عندكم حتى تهتدي له القلوب.
__________
(1) - شرح النووي على مسلم - (ج 9 / ص 219)(1/211)
وقوله(يفجرونها تفجيرا)أي:يشقونها شقاًكما يفجر الرجل النهر هاهنا وهاهنا إلى حيث يريد,وقال مجاهد:يقودونها حيث شاءوا,وتتبعهم حيثما مالوا مالت معهم(1).
وقال تعالى : (وَيُسْقَوْنَ فِيهَا كَأْساً كَانَ مِزَاجُهَا زَنجَبِيلاً* عَيْناً فِيهَا تُسَمَّى سَلْسَبِيلاً)
{الإنسان:17-18}
وَيُسْقَى هُؤَلاَءِ الأَبْرَارُ فِي الجَنَّةِ كَأْساً مِنْ خَمْرِ الجَنَّةِ مُزِجَتْ بِالزَّنْجِبِيلِ ( فَهُمْ يُمْزَجُ الشَّرَابُ لَهُمْ مَرَّةً بِالكَافُورِ وَمَرَّةً بِالزَّنْجَبِيلِ فَالكَافُورُ بَارِدٌ وَالزَّنْجَبِيلُ حَارٌّ ) .
وَيُسْقَونَ فِي الجَنَّةِ مِنْ عَيْنٍ غَايَةٍ فِي السَّلاَسَةِ وَالاسْتِسَاغَةِ .
أي أن أهل الجنة يُسقَوْن كأساً من خمر الجنة ممزوجة بالزنجبيل وكانت العرب تستلذ من الشراب ما يمزج بالزنجبيل لطيب رائحته .
وكلمة (سلسبيل) مأخوذة من السلاسة, والسلسبيل: هو الشراب اللذيذ(2).
ونجد مما سبق أن الله تعالى أخبر أن شراب أهل الجنة يمزج بشيئين: الكافور
والزنجبيل,فيمزج بالكافور لأنه يمتاز بالبرد وطيب الرائحة, ثم بالزنجبيل لأنه يمتاز بالحرارة وطي
وقال تعالى : (وَسَقَاهُمْ رَبُّهُمْ شَرَاباً طَهُوراً ){الإنسان:21}
، وَيَسْقِيِهِمْ رَبُّهُمْ شَرَاباً طَهُوراً يُطَهِّرُ بَاطِنَ شَارِبِهِ مِنَ الحَسَدِ ، وَالحِقْدِ ، وَالغِلِّ ، وَرَدِيءِ الأَخْلاَقِ ،فوصف الشراب بأنه طهور وليس بنجس كخمر الدنيا.ب الرائحة, مما يحدث بذلك أكمل اللذة وأطيبها(3).
__________
(1) - تفسير القرطبي (19/96)
(2) - نفس المصدر(19/107)
(3) - حادي الأرواح لابن القيم (175 )(1/212)
وعَنْ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ قَالَ : أَتَى النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - رَجُلٌ مِنَ الْيَهُودِ ، فَقَالَ : يَا أَبَا الْقَاسِمِ أَلَسْتَ تَزْعُمُ أَنَّ أَهْلَ الْجَنَّةِ يَأْكُلُونَ وَيَشْرَبُونَ فِيهَا ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - : وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ ، إِنَّ أَحَدَهُمُ لَيُعْطَى قُوَّةَ مِئَةِ رَجُلٍ فِي الْمَطْعَمِ وَالْمَشْرَبِ وَالشَّهْوَةِ وَالْجِمَاعِ ، فَقَالَ لَهُ الْيَهُودِيُّ : فَإِنَّ الَّذِي يَأْكُلُ وَيَشْرَبُ تَكُونُ لَهُ الْحَاجَةُ ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - : حَاجَتُهُمْ عَرَقٌ يَفِيضُ مِنْ جُلُودِهِمْ مِثْلُ الْمِسْكِ ، فَإِذَا الْبَطْنُ قَدْ ضَمُرَ.(1)
وعَنْ عَبْدِ اللهِ ، قَالَ : إِنَّ الرَّجُلَ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ لَيُؤْتَى بِالْكَأْسِ وَهُوَ جَالِسٌ مَعَ زَوْجَتِهِ ، فَيَشْرَبُهَا ، ثُمَّ يَلْتَفِتُ إِلَى زَوْجَتِهِ فَيَقُولُ : قَدَ ازْدَدْتِ فِي عَيْنِي سَبْعِينَ ضِعْفًا حُسْنًا.(2)
وعَنْ أَبِي أُمَامَةَ ، قَالَ : " إِنَّ الرَّجُلَ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ لَيَشْتَهِي الشَّرَابَ مِنْ شَرَابِ الْجَنَّةِ فَيَجِيءُ الْإِبْرِيقُ فَيَقَعُ فِي يَدِهِ فَيَشْرَبُ ثُمَّ يَعُودُ إِلَى مَكَانِهِ "(3)
ـــــــــــــــ
__________
(1) - صحيح ابن حبان - (ج 16 / ص 444)(7424) صحيح
(2) - مصنف ابن أبي شيبة (ج 13 / ص 108)(35126) صحيح
(3) - صفة الجنة(128 ) حسن(1/213)
المبحث الثالث والعشرون
أنهار الجنة
فى الجنة أنهار كثيرة ذات أنواع متعددة,وقد جاء في القرآن في عدة مواضع قول الله تعالى:{وَبَشِّرِ الَّذِين آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ كُلَّمَا رُزِقُواْ مِنْهَا مِن ثَمَرَةٍ رِّزْقاً قَالُواْ هَذَا الَّذِي رُزِقْنَا مِن قَبْلُ وَأُتُواْ بِهِ مُتَشَابِهاً وَلَهُمْ فِيهَا أَزْوَاجٌ مُّطَهَّرَةٌ وَهُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} (25) سورة البقرة
وقال تعالى :{أَيَوَدُّ أَحَدُكُمْ أَن تَكُونَ لَهُ جَنَّةٌ مِّن نَّخِيلٍ وَأَعْنَابٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ لَهُ فِيهَا مِن كُلِّ الثَّمَرَاتِ وَأَصَابَهُ الْكِبَرُ وَلَهُ ذُرِّيَّةٌ ضُعَفَاء فَأَصَابَهَا إِعْصَارٌ فِيهِ نَارٌ فَاحْتَرَقَتْ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللّهُ لَكُمُ الآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ} (266) سورة البقرة
وقال تعالى : {قُلْ أَؤُنَبِّئُكُم بِخَيْرٍ مِّن ذَلِكُمْ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا عِندَ رَبِّهِمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَأَزْوَاجٌ مُّطَهَّرَةٌ وَرِضْوَانٌ مِّنَ اللّهِ وَاللّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ} (15) سورة آل عمران
وقال تعالى : {أُوْلَئِكَ جَزَآؤُهُم مَّغْفِرَةٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ} (136) سورة آل عمران
وقال تعالى : {فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لاَ أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِّنكُم مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى بَعْضُكُم مِّن بَعْضٍ فَالَّذِينَ هَاجَرُواْ وَأُخْرِجُواْ مِن دِيَارِهِمْ وَأُوذُواْ فِي سَبِيلِي وَقَاتَلُواْ وَقُتِلُواْ لأُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلأُدْخِلَنَّهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ ثَوَابًا مِّن عِندِ اللّهِ وَاللّهُ عِندَهُ حُسْنُ الثَّوَابِ} (195) سورة آل عمران(1/214)
وفى موضع آخر : {وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُم بِإِحْسَانٍ رَّضِيَ اللّهُ عَنْهُمْ وَرَضُواْ عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} (100) سورة التوبة
وفى موضع آخر: {وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِم مِّنْ غِلٍّ تَجْرِي مِن تَحْتِهِمُ الأَنْهَارُ وَقَالُواْ الْحَمْدُ لِلّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلا أَنْ هَدَانَا اللّهُ لَقَدْ جَاءتْ رُسُلُ رَبِّنَا بِالْحَقِّ وَنُودُواْ أَن تِلْكُمُ الْجَنَّةُ أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ} (43) سورة الأعراف
وهذا يدل على أمور:
أحدها: وجود الأنهار حقيقة.
ثانيها:أنها أنهار جارية لا واقفة .
ثالثها:أنها تحت غرفهم وقصورهم وبساتينهم.
وقال تعالى: ( وَمَاء مَّسْكُوبٍ){الواقعة:31} قال مسروق:أنهار تجرى في غير أخدود.
وقال تعالى: {مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ فِيهَا أَنْهَارٌ مِّن مَّاء غَيْرِ آسِنٍ وَأَنْهَارٌ مِن لَّبَنٍ لَّمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ وَأَنْهَارٌ مِّنْ خَمْرٍ لَّذَّةٍ لِّلشَّارِبِينَ وَأَنْهَارٌ مِّنْ عَسَلٍ مُّصَفًّى وَلَهُمْ فِيهَا مِن كُلِّ الثَّمَرَاتِ وَمَغْفِرَةٌ مِّن رَّبِّهِمْ كَمَنْ هُوَ خَالِدٌ فِي النَّارِ وَسُقُوا مَاء حَمِيمًا فَقَطَّعَ أَمْعَاءهُمْ} (15) سورة محمد .(1/215)
يَصِفُ اللهُ تَعَالى الجَنَّةَ التي وَعَدَ المُتَّقينَ بإدخَالِهم إليها ، فَيَقُولُ تَعَالى : إنَّها جَنَّةٌ تَجري فيها أنْهَارٌ مِنْ مِيَاهٍ غَيرِ مَتَغَيِّرةِ الطَعْمِ واللَّوِنِ والرَّائِحَةِ ، لطُولِ مُكْثِها وَرُكُودِها ، وَفيها أنْهَارٌ مِنْ لَبنٍ لم يَتَغيّرْ طَعْمُهُ وَلَمْ يَفْسُدْ ، وَفِيها أنْهارٌ مِنْ خَمْرٍ لَذِيذَةِ الطَّعْمِ وَالمَذَاقِ لِشَاربيها ، لاَ تَغْتَالُ العُقُولَ ، وَلا يُنْكِرُهَا الشَّارِبُون ، وَفِيها أَنْهَارٌ مِنْ عَسَلٍ قَدْ صُفِّي مِنَ الشَّمْعِ والفَضَلاتِ . ولِلْمُتَّقِينَ فِي الجَنَّةِ مِنْ جَميعِ الفَوَاكهِ المُخْتَلِفَةِ الأَنْواعِ والطُّعُومِ وَالمَذَاقِ والرَّائِحَةِ . وَلَهُمْ فَوْقَ ذلكَ مَغْفِرَةٌ مِنَ اللهِ تَعَالى ، فَهُو يَتَقَّبَلُ مَا قَدَّمُوه مِنْ عَمَلٍ ، وَيَتَجَاوَزُ عَنْ هَفَواتِهِمِ التِي اقْتَرَفُوهَا في الدُّنيا .
فَهَلْ يَتَسَاوى هَؤُلاءِ المُتَّقُونَ النَّاعِمُونَ في رِضْوانِ اللهِ ، وَجَنَّاتِهِ ، مَعَ الأشقِياءِ الذِين أدْخَلَهُمُ اللهُ النَّارَ لِيَبْقَوا فِيها خَالِدِينَ أبَداً ، جَزاءً لَهُمْ عَلَى كُفْرِهِم وتكْذِيبهِمُ رُسُلَ رَبِّهم ، وَأعْمَالِهم السَّيِّئَةِ؟ إِنَّهُمْ لاَ يَتَسَاوَوْنَ أبَداً . وَإذا طَلَبَ هَؤُلاءِ الأشقِيَاءُ ، وَهُمْ يُعَذَّبُونَ في نَارِ جَهَنَّمَ ، الماءَ لِيُطْفِئُوا ظَمَأهُم فَإنَّهُم يُسْقَوْنَ مَاءً شَدِيدَ الحَرَارةِ إذا شَرِبُوهُ قَطَّعَ أمْعَاءَهُمْ .
وقد ذكر الله تعالى هذه الأجناس الأربعة, ونفى عن كل واحد منها آفاته التي تعرض له في الدنيا.فآفة اللبن أن يتغير طعمه إلى الحموضة, وآفة الماء أن يأسن ويأجن من طول مكثه,وآفة الخمر كراهة مذاقها المنافي للذة شربها, وآفة العسل عدم تصفيته.
وهذا من آيات الله أن تجرى أنهار من أجناس لم تجر العادة في الدنيا بجريانها.(1/216)
ومجريها في غير أخدود, وينفى عنها الآفات التي تمنع كمال اللذة,كما ينفي عن خمر الجنة جميع الآفات التي في خمر الدنيا من الصداع والغول واللغو والاٍنزاف وعدم اللذة, وهى رجس من عمل الشيطان : توقع العداوة والبغضاء بين الناس,وتصد عن ذكر الله وعن الصلاة,وتدعو إلى الزنا والفجور,وتذهب الغيرة,وهي أم الخبائث ومنها يولد كل خبيث وقبيح , فنزَّه الله-عز وجل- خمر الجنة عن كل هذا.
وتأمل اجتماع هذه الأنهار التي هي أفضل أشربة الناس, فهذا لشربهم وطهورهم, وهذا لقوتهم وغذائهم, وهذا للذتهم وسرورهم,وهذا لشفائهم ومنفعتهم.(1)
وهذه الأنهار تنفجر من أعلى الجنة إلى أدناها ، فعَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ - رضى الله عنه - قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : « إِنَّ فِى الْجَنَّةِ مِائَةَ دَرَجَةٍ أَعَدَّهَا اللَّهُ لِلْمُجَاهِدِينَ فِى سَبِيلِ اللَّهِ ، مَا بَيْنَ الدَّرَجَتَيْنِ كَمَا بَيْنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ ، فَإِذَا سَأَلْتُمُ اللَّهَ فَاسْأَلُوهُ الْفِرْدَوْسَ ، فَإِنَّهُ أَوْسَطُ الْجَنَّةِ وَأَعْلَى الْجَنَّةِ ، أُرَاهُ فَوْقَهُ عَرْشُ الرَّحْمَنِ ، وَمِنْهُ تَفَجَّرُ أَنْهَارُ الْجَنَّةِ »(2).
وعَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - « سَيْحَانُ وَجَيْحَانُ وَالْفُرَاتُ وَالنِّيلُ كُلٌّ مِنْ أَنْهَارِ الْجَنَّةِ »(3).
أي أن هذه الأنهار أصلها من الجنة, كما أن أصل معظم الماء-المطر- من السماء,مع أنه يجرى في الأنهار.
__________
(1) - حادي الأرواح للإمام ابن القيم(170-171) بتصرف.
(2) - صحيح البخارى(2790 )
(3) - صحيح مسلم (7340 )(1/217)
وعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - مَا الْكَوْثَرُ قَالَ « ذَاكَ نَهْرٌ أَعْطَانِيهِ اللَّهُ يَعْنِى فِى الْجَنَّةِ أَشَدُّ بَيَاضًا مِنَ اللَّبَنِ وَأَحْلَى مِنَ الْعَسَلِ فِيهَا طَيْرٌ أَعْنَاقُهَا كَأَعْنَاقِ الْجُزُرِ ». قَالَ عُمَرُ إِنَّ هَذِهِ لَنَاعِمَةٌ. قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - « أَكَلَتُهَا أَنْعَمُ مِنْهَا ».(1)-الجزر : جمع جزور وهو البعير
ـــــــــــــــ
المبحث الرابع والعشرون
عيون الجنة
أخبر الله تعالى بوجود العيون في الجنة فقال : {إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ} (45) سورة الحجر
ذَكَرَ اللهُ تَعَالَى حَالَ أَهْلِ الجَنِّةِ ، فَقَالَ : إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّقُوا رَبَّهُمْ ، لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ ، وَتَنْبُعُ فِي أَرْضِهَا عُيُونُ المَاءِ .
وقال تعالى : ( إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ (15) آَخِذِينَ مَا آَتَاهُمْ رَبُّهُمْ إِنَّهُمْ كَانُوا قَبْلَ ذَلِكَ مُحْسِنِينَ (16) كَانُوا قَلِيلًا مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ (17) وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ (18) وَفِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ (19) [الذاريات/15-19])
وقال تعالى: (عَيْناً فِيهَا تُسَمَّى سَلْسَبِيلاً) {الإنسان18: }
يشربون مِن عينٍ في الجنة تسمى سلسبيلا؛ لسلامة شرابها وسهولة مساغه وطيبه.
وقال: (عَيْناً يَشْرَبُ بِهَا عِبَادُ اللَّهِ يُفَجِّرُونَهَا تَفْجِيراً) {الإنسان:6}
__________
(1) - سنن الترمذى (2738 ) صحيح لغيره(1/218)
ويدور عليهم الخدم بأواني الطعام الفضيَّة، وأكواب الشراب من الزجاج، زجاج من فضة، قدَّرها السقاة على مقدار ما يشتهي الشاربون لا تزيد ولا تنقص، ويُسْقَى هؤلاء الأبرار في الجنة كأسًا مملوءة خمرًا مزجت بالزنجبيل، يشربون مِن عينٍ في الجنة تسمى سلسبيلا؛ لسلامة شرابها وسهولة مساغه وطيبه.
وقال الطبري : "وَالصَّوَاب مِنَ الْقَوْل فِي ذَلِكَ عِنْدِي أَنَّ قَوْله : { تُسَمَّى سَلْسَبِيلَا } صِفَة لِلْعَيْنِ , وُصِفَتْ بِالسَّلَاسَةِ فِي الْحَلْق , وَفِي حَال الْجَرْي , وَانْقِيَادهَا لِأَهْلِ الْجَنَّة يَصْرِفُونَهَا حَيْثُ شَاءُوا , كَمَا قَالَ مُجَاهِد وقَتَادَة ،وَإِنَّمَا عُنِيَ بِقَوْلِهِ { تُسَمَّى } تُوصَف .وَإِنَّمَا قُلْت ذَلِكَ أَوْلَى بِالصَّوَابِ لِإِجْمَاعِ أَهْل التَّأْوِيل عَلَى أَنَّ قَوْله : { سَلْسَبِيلَا } صِفَة لَا اِسْم .(1)
ـــــــــــــــ
المبحث الخامس والعشرون
آنية الجنة
ذكر الله تعالى الآنية التي يأكلون فيها ويشربون في قوله تعالى: {يُطَافُ عَلَيْهِم بِصِحَافٍ مِّن ذَهَبٍ وَأَكْوَابٍ وَفِيهَا مَا تَشْتَهِيهِ الْأَنفُسُ وَتَلَذُّ الْأَعْيُنُ وَأَنتُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} (71) سورة الزخرف
وَبَعْدَ أَنْ يَسْتَقِرُّوا فِي الجَنَّةِ يُطَافُ عَلَيْهِمْ بِأَوَانٍ مِنْ ذَهَب عَلَيْهَا أَنْوَاعُ الطَّعَامِ ، وَيُطَافُ عَلَيْهِمْ بِأَكْوَابٍ لِلشَّرَابِ مِنْ ذَهَبٍ ، وَفِي كُلٍّ مِنَ الأَوَانِي والأَكْوَابِ مَا تَشْتَهِيهِ الأَنْفُسُ ، وَتَتَلَذُّذُ بِهِ الأَعْيُنُ ، فَيَأْكُلُونَ وَيَشْرَبُونَ وَيَنْعَمُونَ وَيَتَلَذَّذُونَ ، وَيُقَالُ لَهُمْ إِكْمَالاً لِسُرُورِهِمْ : إِنَّهُمْ بَاقُونَ فِي هَذَا النَّعِيمِ فِي الجَنَّةِ خَالِدِينَ أَبَداً .
__________
(1) - تفسير الطبري - (ج 32 / ص 31)(1/219)
وقوله تعالى : ( وَيُطَافُ عَلَيْهِمْ بِآَنِيَةٍ مِنْ فِضَّةٍ وَأَكْوَابٍ كَانَتْ قَوَارِيرَ (15) قَوَارِيرَ مِنْ فِضَّةٍ قَدَّرُوهَا تَقْدِيرًا (16) [الإنسان/15، 16])
وَيَطُوفُ عَلَيْهِمْ خَدَمُ الجَنَّةِ بِأَوَانِي الطَّعَامِ ، وَهِيَ مِنْ فِضَّةٍ خَالِصَةٍ ، وَبِأَكْوَابِ الشَّرَابِ ، وَهِيَ أَيْضاً مِنْ فِضَّةٍ ، وَقَدْ جُعِلَتْ هَذِهِ الأَكْوَابُ جَامِعَةً بَيَاضَ الفِضَّةِ ، وَصَفَاءَ الزُّجَاجِ وَشَفَافِيَّتَهُ . وَهذِهِ القَوَارِيرُ يَحْمِلُهَا إِلَيهِم السُّعَاةُ وَقَدْ قَدَّرُوا مَا صَبُّوهُ فِيهَا عَلَى قَدَرِ كِفَايَةِ الشَّارِبِينَ وَرَيهِّمْ ، لاَ تَزِيدُ وَلاَ تَنْقُصُ .
والأكواب:هي الأباريق التى ليس لها خراطيم,وقيل:التي ليس لها آذان.
وإبريق: افعيل من البريق, وهو الصفاء, وأباريق الجنة من فضة صافية صفاء القوارير,يرى ما في باطنها من ظاهرها,والقوارير:الزجاج,شبه صفاءها بصفاء الزجاج- وهى ليست من الزجاج بل من فضة,لذا قال تعالى( قوارير من فضة) حتى لا يتوهم أحدٌ أنها من الزجاج.. وكل آنية الجنة من الذهب والفضة, فعَنْ عَبْدِ الرَّحْمنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى ، أَنَّهُمْ كَانُوا عِنْدَ حُذَيْفَةَ ، فَاسْتَسْقَى ، فَسقَاهُ مَجُوسِيٌّ ، فَلَمَّا وَضَعَ الْقَدَحَ فِي يَدِهِ رَمَاهُ بِهِ ، وَقَالَ : لَوْلاَ أَنِّي نَهَيْتُهُ غَيْرَ مَرَّةٍ وَلاَ مَرَّتَيْنِ (كَأَنَّهُ يَقُولُ لَمْ أَفْعَلْ هَذَا) وَلَكِنِّي سَمِعْتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: لاَ تَلْبَسُوا الْحَرِيرَ ، وَلاَ الدِّيبَاجَ ، وَلاَ تَشْرَبُوا فِي آنِيَةِ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ ، وَلاَ تَأْكُلُوا فِي صِحَافِهَا ، فَإِنَّهَا لَهُمْ فِي الدُّنْيَا ، وَلَنَا فِي الآخِرَةِ.(1)
__________
(1) - صحيح البخارى(5426 ) ومسلم (5521 )(1/220)
وعَنِ ابْنِ أَبِى لَيْلَى قَالَ خَرَجْنَا مَعَ حُذَيْفَةَ وَذَكَرَ النَّبِىَّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: « لاَ تَشْرَبُوا فِى آنِيَةِ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ ، وَلاَ تَلْبَسُوا الْحَرِيرَ وَالدِّيبَاجَ ، فَإِنَّهَا لَهُمْ فِى الدُّنْيَا وَلَكُمْ فِى الآخِرَةِ »(1).
ـــــــــــــــ
المبحث السادس والعشرون
لباسُ أهل الجنة وحُليّهم
قال تعالى: ( إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي مَقَامٍ أَمِينٍ (51) فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ (52) يَلْبَسُونَ مِنْ سُنْدُسٍ وَإِسْتَبْرَقٍ مُتَقَابِلِينَ (53) كَذَلِكَ وَزَوَّجْنَاهُمْ بِحُورٍ عِينٍ (54) يَدْعُونَ فِيهَا بِكُلِّ فَاكِهَةٍ آَمِنِينَ (55) لَا يَذُوقُونَ فِيهَا الْمَوْتَ إِلَّا الْمَوْتَةَ الْأُولَى وَوَقَاهُمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ (56) فَضْلًا مِنْ رَبِّكَ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (57) [الدخان/51-58])
بَعدَ أَنْ ذَكَرَ اللهُ تَعَالَى الأَشْقِياءَ وَحَالَهم يَوْمَ القِيَامةِ ، وَمَا يُلاَقُونَهُ مِنْ أهوالٍ وعَذابٍ ، أَتبَع ذَلِكَ بِبيَانِ حَالِ المؤْمِنينَ الصَّالِحِينَ في ذَلِكَ اليَومِ الشَّدِيدِ الهَوْلِ ، فَقَالَ تَعَالَى : إِنَّ الذِينَ اتَّقُوا اللهَ في الدُّنيا سَيكُونُونَ في مَكَانٍ يُقِيمُونَ فيهِ ، وَيَأْمَنُونَ فيهِ المَوْتَ وَالهَمَّ والحُزْنَ والعَذَابَ .
وَسَيكُونُونَ في حَدَائِقَ وَارِفَةِ الظِّلاَلِ ، كَثِيرَةِ الفَواكِهِ ، كَثِيرةِ المِياهِ ، وَالأنهارُ تَسْرَحُ في أَرْجَائِها ، وَسَيكُونُ لَهُمْ حَقُّ التَّمتُّعِ بِجَميعِ ما فِيها منَ النَّعِيم بِدُونِ حِسَابٍ ولا تَحدِيدٍ
__________
(1) - صحيح البخارى(5633 )(1/221)
ويَلبَسُونَ ، وَهُم في هذا النَّعِيمِ ، ثِيَاباً مِنَ الحَريرِ الرَّفِيعِ ( سُنَدُسٍ ) ، وَثِيَاباً مِنْ قماشٍ مُزَيَّنٍ بأَشْياءَ ذَاتِ بَريقٍ وَلَمَعَانٍ ( إِستَبْرَقٍ ) ، وَيَجْلِسُونَ في الجَنَّةِ عَلَى سُرُرٍ وَهُمْ مُتَقَابِلُونَ شَأْنَ المُتَحَابِّينَ الذِينَ يُقْبِلُ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ في الحَدِيثِ ، وَذلِكَ زِيَادَةً في الإِينَاسِ .
وَفَوْقَ هذا العَطَاءِ الكَرِيمِ فإِنَّ اللهَ تَعَالى مَنَحَهُمْ زَوْجَاتٍ حِسَاناً وَاسِعَاتِ العُيُون ( عِينٍ ) .
وَيَطلُبُونَ مَا يَشْتَهُونَ مِنْ أَنواعِ الفَاكِهَةِ وَهُمْ آمِنُونَ مِنْ أَنْ تَنْقَطِعَ عَنْهُم ،وَمِنْ أَنْ يُصِيبَهُمْ مِنْها أذًى .
وَلاَ يَخْشَوْنَ في الجَنَّةِ مَوْتاً أَبَداً ، بَعْدَ أَنْ ذَاقُوا ، طَعْمَ المَوْتَةِ الأُولى حِينَ انْقِضَاءِ آجَالِهمْ فِي الحِيَاةِ الدُّنيا ، وَقَدْ وَقَاهُمُ اللهُ وَنَجَّاهُمْ مِنْ عَذابِ جَهَنَّمَ الأَلِيمِ .
وقال تعالى: {أُوْلَئِكَ لَهُمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهِمُ الْأَنْهَارُ يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِن ذَهَبٍ وَيَلْبَسُونَ ثِيَابًا خُضْرًا مِّن سُندُسٍ وَإِسْتَبْرَقٍ مُّتَّكِئِينَ فِيهَا عَلَى الْأَرَائِكِ نِعْمَ الثَّوَابُ وَحَسُنَتْ مُرْتَفَقًا} (31) سورة الكهف.(1/222)
فَهؤُلاَءِ السُّعَدَاءُ الأَبْرَارُ يَدْخُلُونَ الجَنَّةَ لِيُقِيمُوا فِيهَا أَبَداً ، وَتَجْرِي الأَنْهَارُ وَالمِيَاهُ فِي جَنَبَاتِهَا ، وَيَلْبِسُونَ فِيهَا حُلِيّاً ، هِيَ أَسَاوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وَلُؤْلُؤٍ ، وَيَلْبَسُونَ فِيهَا ثِيَاباً مِنَ الحَرِيرِ خَضْرَاءَ اللَّوْنِ ( كَمَا جَاءَ فِي آيَةٍ أُخْرَى ) ، مِنْهَا ثِيَابٌ رَقِيقَةٌ كَالقُمْصَانِ ، وَمَا مَاثَلَهَا ، ( مِنْ سُنْدُسٍ ) ، وَمِنْهَا ثِيَابٌ غَلِيظَةٌ ، كَالدِّيبَاجِ لَهُ بَرِيقٌ ( مَنْ إِسْتَبْرَقٍ ) ، وَيَجْلِسُونَ عَلَى الأَرَائِكِ وَالأَسِرَّةِ مُسْتَنِدِينَ ( مُتَّكِئِينَ ) ، لِيَرْتَاحُوا فِي جَلْسَتِهِمْ . وَحَسُنَتِ الجَنَّةُ ثَوَاباً لَهُمْ عَلَى أَعْمَالِهِمْ ، وَحَسُنَت مَنْزِلاً وَمَقِيلاً .
وقال تعالى : {جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِن ذَهَبٍ وَلُؤْلُؤًا وَلِبَاسُهُمْ فِيهَا حَرِيرٌ} (33) سورة فاطر
وهؤلاءِ الكِرَامُ الذِينَ اصْطَفَاهُمْ اللهُ من عباده ، الذين أُوْرِثُوا القُرآنَ ، والكُتُبَ السَّابِقَةَ ، سَتَكُونُ جَنَّاتُ الإِقَامَةِ ( جَنَّاتُ عَدْنٍ ) هِيَ مأْوَاهُمْ ، يَوْمَ القِيَامَةِ ، وَيَلْبَسُونَ فِيها حَلِيّاً مِنْ ذَهَبٍ ، وَلُؤْلُؤٍ ، وَيَلْبَسُونَ فِيهَا ثِيَاباً مِنْ حَرِيرٍ ، وَهذِهِ الجَنَّاتُ هِيَ الفَضْلُ الكَبِيرُ الذِي مَنَّ اللهُ بِهِ عَلَيْهِمْ .
وقال تعالى :{إِنَّ اللَّهَ يُدْخِلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِن ذَهَبٍ وَلُؤْلُؤًا وَلِبَاسُهُمْ فِيهَا حَرِيرٌ} (23) سورة الحج(1/223)
لَمَّا أَخْبَرَ اللهُ تَعَالَى عَنْ حَالِ أَهْلِ النَّارِ ، وَمَا يُلاقُونَهُ مِنَ العَذَابِ وَالنَّكَالِ وَالحَرِيقِ وَالأًَغْلالِ ، وَمَا أُعدَّ لَهُمْ منْ ثِيابٍ مِنْ نَارٍ ، ذَكَرَ حالَ أَهْلِ الجَنَّةِ فَقَالَ تَعَالَى : إِنَّهُ يُدْخِلُ الذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي الأَنْهَارُ في أَرْجَائِها ، وَيُلْبِسُهُمْ رَبُّهُمْ فِيها حُلِيّاً : مِنْها أَسَاوِرُ مِنْ ذَهَبٍ ، وَمِنْها لُؤْلُؤْ .
والسندس :ما رق من الديباج(الحرير),والإستبرق أغلظ منه . وأحسن الألوان الأخضر وألين اللباس الحرير,لذا جمع الله لهم بين أحسن المناظر وألين الملابس.
فعَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ قَالَ أُهْدِىَ إِلَى النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - سَرَقَةٌ مِنْ حَرِيرٍ ، فَجَعَلَ النَّاسُ يَتَدَاوَلُونَهَا بَيْنَهُمْ ، وَيَعْجَبُونَ مِنْ حُسْنِهَا وَلِينِهَا ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - « أَتَعْجَبُونَ مِنْهَا » . قَالُوا نَعَمْ يَا رَسُولَ اللَّهِ . قَالَ « وَالَّذِى نَفْسِى بِيَدِهِ لَمَنَادِيلُ سَعْدٍ فِى الْجَنَّةِ خَيْرٌ مِنْهَا »(1).
وعَنِ الْبَرَاءِ ، قَالَ : أُهْدِيَ لِرَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - حُلَّةَ حَرِيرٍ ، فَجَعَلَ أَصْحَابُهُ يَلْمِسُونَهَا ، فَقَالَ : أَتَعْجَبُونَ مِنْ لِينِ هَذَا ؟ لَمَنَادِيلُ سَعْدٍ فِي الْجَنَّةِ أَلْيَنُ مِنْ هَذَا"(2)
__________
(1) - صحيح البخارى(6640 )
(2) - مسند أبي يعلى الموصلي(1731) صحيح(1/224)
وعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ : أَنَّ أُكَيْدِرَ دُومَةَ أَهْدَى إِلَى النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - جُبَّةً قَالَ سَعِيدٌ : أَحْسَبُهُ قَالَ : سُنْدُسٍ قَالَ : وَذَلِكَ قَبْلَ أَنْ يُنْهَى عَنِ الْحَرِيرِ قَالَ فَلَبِسَهَا فَعَجِبَ النَّاسُ مِنْهَا فَقَالَ :« وَالَّذِى نَفْسِى بِيَدِهِ لَمَنَادِيلُ سَعْدٍ فِى الْجَنَّةِ أَحْسَنُ مِنْهَا »(1).
الجبة : ثوب سابغ واسع الكمين مشقوق المقدم يلبس فوق الثياب -السُّندس : ما رقَّ من الدِّيباج ورفع وإنَّما اختار المناديل لأنها أقل الأشياء قيمة ًعند الإنسان,فإذا كانت بهذا الحسن في الجنة فما بالك بما هو أعظم منها. وإنما حظي سعد بن معاذ- رضي الله عنه- بهذا التكريم لمكانته في الإسلام فهو في الأنصار بمنزلة الصديق في المهاجرين,واهتز لموته عرش الرحمن,وكان لا تأخذه في الله لومة لائم,وآثر رضا الله ورسوله على رضا قومه وعشيرته,ووافق حكمه الذي حكم به- في بني قريظة- حكم الله من فوق سبع سماوات,ونعاه جبريل-عليه السلام- إلى النبى - صلى الله عليه وسلم - يوم موته , فاستحق أن تكون مناديله في الجنة أحسن من حلل الملوك.
وعَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنِ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: « مَنْ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ يَنْعَمُ لاَ يَبْأَسُ لاَ تَبْلَى ثِيَابُهُ وَلاَ يَفْنَى شَبَابُهُ ».(2)
وعَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ :« مَنْ دَخَلَ الْجَنَّةَ يَنْعَمُ لاَ يَبْؤُسُ ، لاَ تَبْلَى ثِيَابُهُ ، وَلاَ يَفْنَى شَبَابُهُ ، فِى الْجَنَّةِ مَا لاَ عَيْنٌ رَأَتْ ، وَلاَ أُذُنٌ سَمِعَتْ ، وَلاَ خَطَرَ عَلَى قَلْبِ بَشَرٍ »(3).
__________
(1) - السنن الكبرى للبيهقي(ج 3 / ص 274)(6323) صحيح
(2) - صحيح مسلم (7335)
(3) - سنن الدارمى (2875) صحيح(1/225)
وعن أبي الْمُدِلَّةِ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ عَبْدِ اللهِ مَوْلَى أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ ، أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ ، يَقُولُ : قُلْنَا : يَا رَسُولَ اللهِ ، إِنَّا إِذَا كُنَّا عِنْدَكَ رَقَّتْ قُلُوبَنَا ، وَكُنَّا مِنْ أَهْلِ الآخِرَةِ ، وَإِذَا فَارَقْنَاكَ أَعْجَبَتْنَا الدُّنْيَا ، وَشَمَمْنَا النِّسَاءَ وَالأَوْلاَدَ ، فَقَالَ : لَوْ تَكُونُونَ عَلَى كُلِّ حَالٍ عَلَى الْحَالِ الَّذِي أَنْتُمْ عَلَيْهِ عِنْدِي لَصَافَحَتْكُمُ الْمَلاَئِكَةُ بِأَكُفِّكُمْ ، وَلَوْ أَنَّكُمْ فِي بُيُوتِكُمْ ، وَلَوْ لَمْ تُذْنِبُوا لَجَاءَ اللَّهُ بِقَوْمٍ يُذْنِبُونَ كَيْ يَغْفِرَ لَهُمْ ، قَالَ : قُلْنَا : يَا رَسُولَ اللهِ ، حَدِّثْنَا عَنِ الْجَنَّةِ مَا بِنَاؤُهَا ؟ قَالَ : لَبِنَةٌ مِنْ ذَهَبٍ ، وَلَبِنَةٌ مِنْ فِضَّةٍ وَمِلاَطُهَا الْمِسْكُ الأَذْفَرُ ، وَحَصْبَاؤُهَا اللُّؤْلُؤُ أَوِ الْيَاقُوتُ ، وَتُرَابُهَا الزَّعْفَرَانُ ، مَنْ يَدْخُلْهَا يَنْعَمْ ، فَلاَ يَبْؤُسُ ، وَيَخْلُدْ لاَ يَمُوتُ لاَ تَبْلَى ثِيَابُهُ ، وَلاَ يَفْنَى شَبَابُهُ ، ثَلاَثَةٌ لاَ تُرَدُّ دَعْوَتُهُمُ : الإِمَامُ الْعَادِلُ ، وَالصَّائِمُ حِينَ يُفْطِرُ ، وَدَعْوَةُ الْمَظْلُومِ تُحْمَلُ عَلَى الْغَمَامِ وَتُفْتَحُ لَهَا أَبْوَابُ السَّمَاوَاتِ ، وَيَقُولُ الرَّبُّ : وَعِزَّتِي لَأَنْصُرَنَّكِ وَلَوْ بَعْدَ حِينٍ.(1)
__________
(1) - صحيح ابن حبان - (ج 16 / ص 396)(7387) صحيح لغيره(1/226)
وعَنْ عَبْدِ اللَّهِ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - ، قَالَ:أَوَّلُ زُمْرَةٍ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ كَأَنَّ وُجُوهَهُمْ ضَوْءُ الْقَمَرِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ، وَالزُّمْرَةُ الثَّانِيَةُ عَلَى لَوْنِ أَحْسَنِ كَوْكَبٍ دُرِّيٍّ فِي السَّمَاءِ، لِكُلِّ رَجُلٍ مِنْهُمْ زَوْجَتَانِ مِنَ الْحُورِ الْعَيْنِ، عَلَى كُلِّ زَوْجَةٍ سَبْعُونَ حُلَّةً،يُرَى مُخُّ سُوقِهِمَا مِنْ وَرَاءِ لُحُومِهِمَا، وَحُلَلِهِمَا كَمَا يُرَى الشَّرَابُ الأَحْمَرُ فِي الزُّجَاجَةِ الْبَيْضَاءِ.(1)
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، قَالَ : وَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - : أَوَّلُ زُمْرَةٍ تَلِجُ الْجَنَّةَ صُوَرُهُمْ عَلَى صُورَةِ الْقَمَرِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ ، لاَ يَبْصُقُونَ فِيهَا ، وَلاَ يَمْتَخِطُونَ فِيهَا ، وَلاَ يَتَغَوَّطُونَ فِيهَا آنِيَتُهُمْ ، وَأَمْشَاطُهُمْ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ ، وَمَجَامِرُهُمُ الأَلُوَّةُ ، وَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ زَوْجَتَانِ يُرَى مُخُّ سُوقِهِمَا مِنْ وَرَاءِ اللَّحْمِ ، لاَ اخْتِلاَفَ بَيْنَهُمْ ، وَلاَ تَبَاغُضَ قُلُوبُهُمْ عَلَى قَلْبٍ وَاحِدٍ يُسَبِّحُونَ اللَّهَ بَكْرَةً وَعَشِيًّا.(2)
الألوة : العود الذى يتبخر به
__________
(1) - المعجم الكبير للطبراني - (ج 9 / ص 2)(10168 ) حسن
(2) - سنن الترمذى(2733 ) وصحيح ابن حبان - (ج 16 / ص 463)(7436) صحيح(1/227)
وعنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ كُنَّا عِنْدَهَ فَإِمَّا تَفَاخَرُوا وَإِمَّا تَذَاكَرُوا فَقَالَ الرِّجَالُ فِى الْجَنَّةِ أَكْثَرُ مِنَ النِّسَاءِ. فَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ أَوَ لَمْ يَقُلْ أَبُو الْقَاسِمِ - صلى الله عليه وسلم - « إِنَّ أَوَّلَ زُمْرَةٍ مِنْ أُمَّتِى تَدْخُلُ الْجَنَّةَ وُجُوهُهُمْ عَلَى صُورَةِ الْقَمَرِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ وَالزُّمْرَةُ الثَّانِيَةُ عَلَى أَضْوَإِ كَوْكَبٍ دُرِّىٍّ فِى السَّمَاءِ لِكُلِّ رَجُلٍ مِنْهُمْ زَوْجَتَانِ مِنَ الْحُورِ الْعِينِ يُرَى مُخُّ سُوقِهِمَا مِنْ وَرَاءِ الْحُلَلِ وَالَّذِى نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ مَا فِيهَا مِنْ أَعْزَبَ »(1).
الزمرة : الجماعة من الناس
وعَنْ أَبِى سَعِيدٍ الْخُدْرِىِّ وَأَبِى هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ « يُنَادِى مُنَادٍ إِنَّ لَكُمْ أَنْ تَصِحُّوا فَلاَ تَسْقَمُوا أَبَدًا وَإِنَّ لَكُمْ أَنْ تَحْيَوْا فَلاَ تَمُوتُوا أَبَدًا وَإِنَّ لَكُمْ أَنْ تَشِبُّوا فَلاَ تَهْرَمُوا أَبَدًا وَإِنَّ لَكُمْ أَنْ تَنْعَمُوا فَلاَ تَبْتَئِسُوا أَبَدًا ». فَذَلِكَ قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ {وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِم مِّنْ غِلٍّ تَجْرِي مِن تَحْتِهِمُ الأَنْهَارُ وَقَالُواْ الْحَمْدُ لِلّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلا أَنْ هَدَانَا اللّهُ لَقَدْ جَاءتْ رُسُلُ رَبِّنَا بِالْحَقِّ وَنُودُواْ أَن تِلْكُمُ الْجَنَّةُ أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ} (43) سورة الأعراف(2)
__________
(1) - مسند أحمد (10873) صحيح
(2) - صحيح مسلم(7336 )(1/228)
وعَنْ أَبِي سَللَّام الْأَسْوَد قَالَ : سَمِعْت أَبَا أُمَامَة الْبَاهِلِيّ قَالَ : قَالَ رَسُول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - ": مَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَد يَدْخُل الْجَنَّة إِلَّا اِنْطُلِقَ بِهِ إِلَى طُوبَى فَتُفْتَح لَهُ أَكْمَامهَا فَيَأْخُذ مِنْ أَيّ ذَلِكَ شَاءَ إِنْ شَاءَ أَبْيَض وَإِنْ شَاءَ أَحْمَر وَإِنْ شَاءَ أَصْفَر وَإِنْ شَاءَ أَسْوَد مِثْل شَقَائِق النُّعْمَان وَأَرَقّ وَأَحْسَن "(1)
وعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، عن النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - ، فِي قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ : {كَأَنَّهُنَّ الْيَاقُوتُ وَالْمَرْجَانُ} (58) سورة الرحمن ، قَالَ : يَنْظُرُ إِلَى وَجْهِهِ فِي خَدِّهَا أَصْفَى مِنَ الْمَرْآةِ ، وَإِنَّ أَدْنَى لُؤْلُؤَةٍ عَلَيْهَا لَتُضِيءُ مَا بَيْنَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ ، وَإِنَّهَا يَكُونُ عَلَيْهَا سَبْعُونَ ثَوْبًا يَنْفُذُهَا بَصَرُهُ حَتَّى يَرَى مُخَّ سَاقِهَا مِنْ وَرَاءِ ذَلِكَ "(2)
__________
(1) - صفة الجنة(142 ) ضعيف
(2) - المستدرك للحاكم(3774) حسن(1/229)
وعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ ، أَنَّهُ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - : إِنَّ الرَّجُلَ فِي الْجَنَّةِ لَيَتَّكِئُ سَبْعِينَ سَنَةً قَبْلَ أَنْ يَتَحَوَّلَ ، ثُمَّ تَأْتِيهِ الْمَرْأَةُ ، فَتَقْرُبُ مِنْهُ ، فَيَنْظُرُ فِي خَدَّهَا أَصْفَى مِنَ الْمِرْآةِ ، فَتُسَلِّمُ عَلَيْهِ ، فَيَرُدُّ السَّلاَمَ ، وَيَسْأَلُهَا مَنْ أَنْتِ ؟ فَتَقُولُ : أَنَا مِنَ الْمَزِيدِ ، وَإِنَّهُ يَكُونُ عَلَيْهَا سَبْعُونَ ثَوْبًا ، فَيَنْفُذُهَا بَصَرُهُ حَتَّى يَرَى مُخَّ سَاقِهَا مِنْ وَرَاءِ ذَلِكَ ، وَإِنَّ عَلَيْهِنَّ التِّيجَانَ ، وَإِنَّ أَدْنَى لُؤْلُؤَةٍ عَلَيْهَا لَتُضِيءُ مَا بَيْنَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ.(1)
وعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ : أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - ، قَالَ : غَدْوَةٌ فِي سَبِيلِ اللهِ ، أَوْ رَوْحَةٌ خَيْرٌ مِنَ الدُّنْيَا ، وَمَا فِيهَا وَلَقَابُ قَوْسِ أَحَدِكُمْ ، أَوْ مَوْضِعُ قَدَمٍ مِنَ الْجَنَّةِ خَيْرٌ مِنَ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا ، وَلَوْ أَنَّ امْرَأَةً اطَّلَعَتْ إِلَى الأَرْضِ مِنْ نِسَاءِ أَهْلِ الْجَنَّةِ لَأَضَاءَتْ مَا بَيْنَهُمَا ، وَلَمَلَأَتْ مَا بَيْنَهُمَا رِيحًا ، وَلَنَصِيفُهَا عَلَى رَأْسِهَا خَيْرٌ مِنَ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا.(2)
__________
(1) - صحيح ابن حبان - (ج 16 / ص 409)(7397) حسن
(2) - صحيح ابن حبان - (ج 16 / ص 411)( 7398) صحيح(1/230)
وعن شريح بن عبيد الحضري قال : قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ لِكَعْبٍ : خَوِّفْنَا يَا ، فَقَالَ : " وَاللَّهِ إِنَّ لِلَّهِ مَلَائِكَةً قِيَامًا مُنْذُ خَلَقَهُمُ اللَّهُ ، مَا ثَنَوْا أَصْلَابَهُمْ ، وَآخَرِينَ رُكُوعًا ، مَا رَفَعُوا أَصْلَابَهُمْ ، وَآخَرِينَ سُجُودًا ، مَا رَفَعُوا رُءُوسَهُمْ حَتَّى يُنْفَخَ فِي الصُّوَرِ النَّفْخَةَ الْآخِرَةَ ، فَيَقُولُونَ جَمِيعًا : سُبْحَانَكَ وَبِحَمْدِكَ ، مَا عَبَدْنَاكَ كَكُنْهِ مَا يَنْبَغِي لَكَ أَنْ تُعْبَدَ " ، ثُمَّ قَالَ : " وَاللَّهِ لَوْ أَنَّ لِرَجُلٍ يَوْمَئِذٍ كَعَمَلِ سَبْعِينَ نَبِيًّا ، لَاسْتَقَلَّ عَمَلَهُ مِنْ شِدَّةِ مَا يُرَى يَوْمَئِذٍ ، وَاللَّهِ لَوْ دُلِّيَ مِنْ غِسْلِينَ دَلْوٌ وَاحِدٌ فِي مَطْلَعِ الشَّمْسِ ، لَفُلَّتْ مِنْهُ جَمَاجِمُ قَوْمٍ فِي مَغْرِبِهَا ، وَاللَّهِ لَتَزْفُرَنَّ جَهَنَّمُ زَفْرَةً لَا يَبْقَى مَلَكٌ مُقَرَّبٌ ، وَلَا غَيْرُهُ إِلَّا خَرَّ جَاذِيًا - أَوْ جَاثِيًا - عَلَى رُكْبَتَيْهِ يَقُولُ : نَفْسِي نَفْسِي ، وَحَتَّى نَبِيِّنَا وَإِبْرَاهِيمَ ، وَإِسْحَاقَ ، يَقُولُ : رَبِّ أَنَا خَلِيلُكَ إِبْرَاهِيمَ " ، قَالَ : فَأَبْكَى الْقَوْمَ حَتَّى نَشَجُوا ، فَلَمَّا رَأَى ذَلِكَ عُمَرُ ، قَالَ : يَا كَعْبُ ، بَشِّرْنَا ، فَقَالَ : " أَبْشِرُوا ، فَإِنَّ لِلَّهِ تَعَالَى ثَلَاثَمِائَةٍ وَأَرْبَعَ عَشْرَةَ شَرِيعَةً ، لَا يَأْتِي أَحَدٌ بِوَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ مَعَ كَلِمَةِ الْإِخْلَاصِ إِلَّا أَدْخَلَهُ اللَّهُ الْجَنَّةَ بِفَضْلِ رَحْمَتِهِ ، وَاللَّهِ لَوْ تَعْلَمُونَ كُلَّ رَحْمَةِ اللَّهِ تَعَالَى لَأَبْطَأْتُمْ فِي الْعَمَلِ ، وَاللَّهِ لَوْ أَنَّ امْرَأَةً مِنْ نِسَاءِ أَهْلِ الْجَنَّةِ اطَّلَعَتْ مِنْ هَذِهِ السَّمَاءِ الدُّنْيَا فِي لَيْلَةٍ ظَلْمَاءَ مُغْدِرَةٍ ، لَأَضَاءَتْ(1/231)
لَهَا الْأَرْضُ أَفْضَلَ مِمَّا يُضِيءُ الْقَمَرُ لَيْلَةَ الْبَدْرِ ، وَلَوَجَدَ رِيحَ نَشْرِهَا جَمِيعُ أَهْلِ الْأَرْضِ ، وَاللَّهِ لَوْ أَنَّ ثَوْبًا مِنْ ثِيَابِ أَهْلِ الْجَنَّةِ نُشِرَ الْيَوْمَ فِي الدُّنْيَا ، لَصَعِقَ مَنْ يَنْظُرُ إِلَيْهِ ، وَمَا حَمَلَتْهُ أَبْصَارُهُمْ "(1)
الدلو : إناء يُستقى به من البئر ونحوه -خر : سقط وهوى بسرعة -الجثو : الجلوس على الركبتين -صعق : غشي عليه
ـــــــــــــ
المبحث السابع والعشرون
أطفال المؤمنين في الجنة
أطفال المؤمنين الذين لم يبلغوا الحلم هم في الجنة إن شاء الله تعالى بفضل الله ورحمته ، قال تعالى: {وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُم بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَمَا أَلَتْنَاهُم مِّنْ عَمَلِهِم مِّن شَيْءٍ كُلُّ امْرِئٍ بِمَا كَسَبَ رَهِينٌ} (21) سورة الطور .
يُخْبِرُ اللهُ تَعَالى العِبَادَ عَمَّا يَتَفَضَّلُ بهِ عَلَى المُؤْمِنينَ الصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِهِ ، فَإِنَّهُ تَعَالى يُلحِقُ بِهِمْ مَنْ آمَنَ مِنْ ذُرِّيتهِم ، في المَنْزِلةِ ، لِتَقرَّ بِهِمْ عُيونُهُمْ فِي الجَنَّةِ ، وَإِنْ كَانَ عَمَلُ هؤُلاءِ لا يُبَلِّغُهُمْ هذِهِ المَنْزِلَةَ ، فَيتَفَضَّلُ اللهُ تَعَالى بِرَفْعِ نَاقِصِي العَمَلِ إِلى مَرْتَبةِ الكَامِلي العَمَلِ ، تَكرُّماً مِنْهُ ، وَتَفَضُّلاً عَلَى هؤُلاءِ الكِرامِ البَرَرَةِ ، وَلاَ يُنْقِصُ اللهُ تَعَالى دَرجَاتِ الآباءِ بِسَببِ ذُنُوبِ أبْنَائِهِمْ بَلْ يَرْفَعُ مَنْزلةَ الأَبْنَاءِ .ثُمَّ يُخْبِرُ تَعَالى بِأَنَّ العَدْلَ يَقْضِي بِأَلاَّ يُؤاخَذَ بِذَنْبِ أَحَدٍ ، وَأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مُرْتَهنٌ بِعَمَلِهِ ، وَلاَ يُحمَلُ عَليهِ ذَنْبُ غَيْرِهِ مِنَ النَّاسِ .
__________
(1) - الزهد والرقائق لابن المبارك(225 ) فيه انقطاع(1/232)
وعَنْ أَبِي سَهْلٍ ، قَالَ : سَمِعْتُ ابْنَ عُمَرَ ، قَالَ فِي هَذِهِ الآيَةِ : {كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ إِلاَّ أَصْحَابَ الْيَمِينِ} . قَالَ : أَطْفَالُ الْمُسْلِمِينَ.(1)
وعن علي رضي الله عنه في قوله عز وجل : كل نفس بما كسبت رهينة إلا أصحاب اليمين قال هم أطفال المسلمين"(2)،يعني أن أطفال المؤمنين في الجنة ، لأنهم لم يكتسبوا فيرتهنوا بكسبهم.
وقد جاءت نصوص صريحة في إدخال ذرية المؤمنين الجنة، فمن ذلك حديث عَلِىٍّ قَالَ: سَأَلَتْ خَدِيجَةُ النَّبِىَّ - صلى الله عليه وسلم - عَنْ وَلَدَيْنِ مَاتَا لَهَا فِى الْجَاهِلِيَّةِ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : هُمَا فِى النَّارِ قَالَ: فَلَمَّا رَأَى الْكَرَاهِيَةَ فِى وَجْهِهَا قَالَ: لَوْ رَأَيْتِ مَكَانَهُمَا لأَبْغَضْتِهِمَا قَالَتْ [.....] يَا رَسُولَ اللَّهِ فَوَلَدِى مِنْكَ قَالَ: فِى الْجَنَّةِ، ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : إِنَّ المسلمين وَأَوْلاَدَهُمْ فِى الْجَنَّةِ وَإِنَّ الْمُشْرِكِينَ وَأَوْلاَدَهُمْ فِى النَّارِ، ثُمَّ قَرَأَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : {وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّاتِهِمْ} [الطور: 21](3).
__________
(1) - مصنف ابن أبي شيبة (ج 13 / ص 325)(35781) صحيح
(2) - المستدرك للحاكم (3874) صحيح
(3) - غاية المقصد فى زوائد المسند(3173 ) حسن(1/233)
وقَالَ ابْنَ سِيرِينَ : حَدَّثَتْنِي حَبِيبَةُ ، أَنَّهَا كَانَتْ قَاعِدَةً فِي بَيْتِ عَائِشَةَ ، فَجَاءَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - ، حَتَّى دَخَلَ عَلَيْهِنَّ ، فَقَالَ : مَا مِنْ مُسْلِمَيْنِ يَمُوتُ لَهُمَا ثَلاثَةٌ مِنَ الْوَلَدِ ، لَمْ يَبْلُغُوا الْحِنْثَ ، إِلا جِيءَ بِهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ، حَتَّى يُوقَفُوا عَلَى بَابِ الْجَنَّةِ ، فَيَقُولُونَ : حَتَّى يَدْخُلَ آبَاؤُنَا قَالَ ابْنُ سِيرِينَ : وَلا أَدْرِي فِي الثَّالِثَةِ ، أَوْ فِي الثَّانِيَةِ ، ادْخُلُوا الْجَنَّةَ أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ ، فَقَالَتْ عَائِشَةُ لِلْمَرْأَةِ : سَمِعْتِ ؟ قَالَتْ : نَعَمْ(1)
وعَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - « مَا مِنْ مُسْلِمَيْنِ يَمُوتُ لَهُمَا ثَلاَثَةُ أَوْلاَدٍ لَمْ يَبْلُغُوا الْحِنْثَ إِلاَّ أَدْخَلَهُمُ اللَّهُ وَإِيَّاهُمْ بِفَضْلِ رَحْمَتِهِ الْجَنَّةَ . وَقَالَ يُقَالُ لَهُمُ ادْخُلُوا الْجَنَّةَ. قَالَ فَيَقُولُونَ حَتَّى يَجِىءَ أَبَوَانَا - قَالَ ثَلاَثَ مَرَّاتٍ - فَيَقُولُونَ مِثْلَ ذَلِكَ فَيُقَالُ لَهُمُ ادْخُلُوا الْجَنَّةَ أَنْتُمْ وَأَبَوَاكُمْ »(2).
__________
(1) - الآحاد والمثاني (3304) صحيح
(2) - مسند أحمد(10903) صحيح(1/234)
وعَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - :« مَا مِنْ مُسْلِمَيْنِ يَمُوتُ لَهُمَا ثَلاَثَةٌ مِنَ الْوَلَدِ لَمْ يَبْلُغُوا الْحِنْثَ إِلاَّ أَدْخَلَهُمُ اللَّهُ وَأَبَوَيْهِمُ الْجَنَّةَ بِفَضْلِ رَحْمَتِهِ - قَالَ - وَيَكُونُونَ عَلَى بَابٍ مِنْ أَبْوَابِ الْجَنَّةِ فَيُقَالُ لَهُمُ ادْخُلُوا الْجَنَّةَ فَيَقُولُونَ حَتَّى يَجِىءَ أَبَوَانَا فَيُقَالُ لَهُمُ ادْخُلُوا الْجَنَّةَ أَنْتُمْ وَأَبَوَاكُمْ بِفَضْلِ رَحْمَةِ اللَّهِ »(1).
وعَنْ مُعَاذِ بن جَبَلٍ، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ:"مَا مِنْ مُسْلِمَيْنِ يَمُوتُ لَهُمَا ثَلاثَةٌ مِنَ الْوَلَدِ، إِلا أَدْخَلَ اللَّهُ وَالِدَيْهِمُا الْجَنَّةَ بِفَضْلِ رَحْمَتِهِ"، قَالُوا: وَاثْنَيْنِ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ:"وَاثْنَيْنِ"، قَالُوا: وَوَاحِدٌ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ:"وَوَاحِدٌ"، ثُمَّ حَدَّثَ أَنَّ:"السِّقْطَ لَيَجُرُّ أُمَّهُ بِسَرَرِهِ إِلَى الْجَنَّةِ"(2)
__________
(1) - السنن الكبرى للبيهقي (ج 4 / ص 68)(7395) صحيح
(2) - المعجم الكبير للطبراني - (ج 15 / ص 67)(16720 ) صحيح لغيره(1/235)
وعَنْ أَبِى حَسَّانَ قَالَ قُلْتُ لأَبِى هُرَيْرَةَ إِنَّهُ قَدْ مَاتَ لِىَ ابْنَانِ فَمَا أَنْتَ مُحَدِّثِى عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - بِحَدِيثٍ تُطَيِّبُ بِهِ أَنْفُسَنَا عَنْ مَوْتَانَا قَالَ قَالَ نَعَمْ « صِغَارُهُمْ دَعَامِيصُ الْجَنَّةِ يَتَلَقَّى أَحَدُهُمْ أَبَاهُ - أَوْ قَالَ أَبَوَيْهِ - فَيَأْخُذُ بِثَوْبِهِ - أَوْ قَالَ بِيَدِهِ - كَمَا آخُذُ أَنَا بِصَنِفَةِ ثَوْبِكَ هَذَا فَلاَ يَتَنَاهَى - أَوْ قَالَ فَلاَ يَنْتَهِى - حَتَّى يُدْخِلَهُ اللَّهُ وَأَبَاهُ الْجَنَّةَ ».(1)
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فِيمَا يَعْلَمُ - مُوسَى بْنُ وَرْدَانَ يَشُكُّ - قَالَ : " ذَرَارِيُّ الْمُسْلِمِينَ فِي الْجَنَّةِ يَكْفُلُهُمْ إِبْرَاهِيمُ - صلى الله عليه وسلم - " . رَوَاهُ أَحْمَدُ(2)
وعن أبي هريرة قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : « أطفال المسلمين في جبل في الجنة يكفلهم إبراهيم وسارة حتى يدفعوهم إلى آبائهم يوم القيامة »(3)
ـــــــــــــ
__________
(1) - صحيح مسلم(6870 ) -الدعموص : جمع الدعموص وهو دويبة تكون فى الماء أى أنهم صغار الجنة لا يفارقونها -الصنفة : طرف الثوب
(2) - مسند أحمد(8547) حسن
(3) - أمالي ابن بشران(925) وأخبار أصبهان (1490) حسن وانظر التذكرة في أحوال الموتى وأمور الآخرة - (ج 2 / ص 156)(1/236)
المبحث الثامن والعشرون
أكثر أهل الجنة
أكثر من يدخل الجنة الضعفاء الذين لا يأبه الناس لهم ، ولكنهم عند الله عظماء ، لإخباتهم لربهم ، وتذللهم له ، وقيامهم بحق العبودية لله ، روى البخاري ومسلم عَنْ مَعْبَدِ بْنِ خَالِدٍ قَالَ سَمِعْتُ حَارِثَةَ بْنَ وَهْبٍ الْخُزَاعِىَّ قَالَ سَمِعْتُ النَّبِىَّ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ « أَلاَ أُخْبِرُكُمْ بِأَهْلِ الْجَنَّةِ كُلُّ ضَعِيفٍ مُتَضَعِّفٍ لَوْ أَقْسَمَ عَلَى اللَّهِ لأَبَرَّهُ ، أَلاَ أُخْبِرُكُمْ بِأَهْلِ النَّارِ كُلُّ عُتُلٍّ جَوَّاظٍ مُسْتَكْبِرٍ »(1).
قال النووي في شرحه للحديث : "وَمَعْنَاهُ : يَسْتَضْعِفهُ النَّاس وَيَحْتَقِرُونَهُ وَيَتَجَبَّرُونَ عَلَيْهِ لِضَعْفِ حَاله فِي الدُّنْيَا ، يُقَال : تَضَعَّفَه وَاسْتَضْعَفَهُ ، وَأَمَّا رِوَايَة الْكَسْر فَمَعْنَاهَا : مُتَوَاضِع مُتَذَلِّل خَامِل وَاضِع مِنْ نَفْسه ، قَالَ الْقَاضِي : وَقَدْ يَكُون الضَّعْف هُنَا : رِقَّة الْقُلُوب وَلِينهَا وَإِخْبَاتهَا لِلْإِيمَانِ ، وَالْمُرَاد أَنَّ أَغْلَب أَهْل الْجَنَّة هَؤُلَاءِ ، كَمَا أَنَّ مُعْظَم أَهْل النَّار الْقِسْم الْآخَر ، وَلَيْسَ الْمُرَاد الِاسْتِيعَاب فِي الطَّرَفَيْنِ"(2).
__________
(1) - صحيح البخارى (4918 ) وصحيح مسلم(7366 )
الجواظ : الجموع المنوع الذى يجمع المال من أى جهة ويمنع صرفه فى سبيل الله -العتل : الشديد الجافى الغليظ من الناس
(2) - شرح النووي على مسلم - (ج 9 / ص 234)(1/237)
وفي صحيح البخاري عَنْ أُسَامَةَ عَنِ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ « قُمْتُ عَلَى بَابِ الْجَنَّةِ فَكَانَ عَامَّةَ مَنْ دَخَلَهَا الْمَسَاكِينُ ، وَأَصْحَابُ الْجَدِّ مَحْبُوسُونَ ، غَيْرَ أَنَّ أَصْحَابَ النَّارِ قَدْ أُمِرَ بِهِمْ إِلَى النَّارِ ، وَقُمْتُ عَلَى بَابِ النَّارِ فَإِذَا عَامَّةُ مَنْ دَخَلَهَا النِّسَاءُ »(1).
وفي الصحيح عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ عَنِ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ « اطَّلَعْتُ فِى الْجَنَّةِ فَرَأَيْتُ أَكْثَرَ أَهْلِهَا الْفُقَرَاءَ ، وَاطَّلَعْتُ فِى النَّارِ فَرَأَيْتُ أَكْثَرَ أَهْلِهَا النِّسَاءَ »(2).
وعَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - ، قَالَ : دَخَلْتُ الْجَنَّةَ فَإِذَا أَكْثَرُ أَهْلِهَا الْفُقَرَاءُ ، وَاطَّلَعْتُ فِي النَّارِ فَإِذَا أَكْثَرُ أَهْلِهَا النِّسَاءُ ، وَرَأَيْتُ فِيهَا ثَلاَثَةً يُعَذَّبُونَ : امْرَأَةً مِنْ حِمْيَرَ طُوَالَةً رَبَطَتْ هِرَّةً لَهَا لَمْ تُطْعِمْهَا ، وَلَمْ تَسْقِهَا ، وَلَمْ تَدَعْهَا تَأْكُلُ مِنْ خَشَاشِ الأَرْضِ ، فَهِيَ تَنْهَشُ قُبُلَهَا وَدُبُرَهَا وَرَأَيْتُ فِيهَا أَخَا بَنِي دَعْدَعٍ الَّذِي كَانَ يَسْرِقُ الْحَاجَّ بِمِحْجَنِهِ فَإِذَا فُطِنَ لَهُ ، قَالَ : إِنَّمَا تَعَلَّقَ بِمِحْجَنِي ، وَالَّذِي سَرَقَ بَدَنَتَيْ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - .(3)
وتخاصم الرجال والنساء زمن الصحابة في أكثر أهل الجنة ، هل هم الرجال أم النساء ؟
__________
(1) - صحيح البخارى(5196 ) -الجد : الحظ والسعادة والغنى
(2) - صحيح البخارى(3241 ) وصحيح مسلم(7114 ) عبن ابن عباس
(3) - صحيح ابن حبان - (ج 16 / ص 534)(7489) صحيح(1/238)
ففي صحيح مسلم عَنْ مُحَمَّدٍ قَالَ إِمَّا تَفَاخَرُوا وَإِمَّا تَذَاكَرُوا الرِّجَالُ فِى الْجَنَّةِ أَكْثَرُ أَمِ النِّسَاءُ فَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ أَوَلَمْ يَقُلْ أَبُو الْقَاسِمِ - صلى الله عليه وسلم - « إِنَّ أَوَّلَ زُمْرَةٍ تَدْخُلُ الْجَنَّةَ عَلَى صُورَةِ الْقَمَرِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ وَالَّتِى تَلِيهَا عَلَى أَضْوَإِ كَوْكَبٍ دُرِّىٍّ فِى السَّمَاءِ لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ زَوْجَتَانِ اثْنَتَانِ يُرَى مُخُّ سُوقِهِمَا مِنْ وَرَاءِ اللَّحْمِ وَمَا فِى الْجَنَّةِ أَعْزَبُ ».(1)
وعن مُحَمَّدٍ قال : اخْتَصَمَ الرِّجَالُ وَالنِّسَاءُ أَيُّهُمْ فِي الْجَنَّةِ أَكْثَرُ فَأَتَوْا أَبَا هُرَيْرَةَ ، فَسَأَلُوهُ ، فَقَالَ : قَالَ أَبُو الْقَاسِمِ - صلى الله عليه وسلم - : أَوَّلُ زُمْرَةٍ تَدْخُلُ الْجَنَّةَ مِنَ أُمَّتِي عَلَى صُورَةِ الْقَمَرِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ ، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ عَلَى أَضْوَأِ كَوْكَبٍ فِي السَّمَاءِ دُرِّيٍّ أَوْ دُرِّيءٍ - شَكَّ سُفْيَانُ - لِكُلِّ رَجُلٍ مِنْهُمْ زَوْجَتَانِ اثْنَتَانِ يُرَى مُخُّ سُوقِهِنَّ مِنْ وَرَاءِ اللَّحْمِ ، وَمَا فِي الْجَنَّةِ أَعْزُبُ.(2)
__________
(1) - صحيح مسلم(7325 )
(2) - صحيح ابن حبان - (ج 16 / ص 437)(7420) صحيح(1/239)
والحديث واضح الدلالة على أن النساء في الجنة أكثر من الرجال ، وقد احتج بعضهم على أن الرجال أكثر بحديث (رأيتكن أكثر أهل النار ) ، والجواب أنه لا يلزم من كونهن أكثر أهل النار أن يكن أقل ساكني الجنة كما يقول ابن حجر العسقلاني ، فيكون الجمع بين الحديثين أن النساء أكثر أهل النار وأكثر أهل الجنة ، وبذلك يكنَّ أكثر من الرجال وجودا في الخلق. ويمكن أن يقال : إن حديث أبي هريرة رضي الله عنه يدلُّ على أن نوع النساء في الجنة أكثر سواء كن من نساء الدنيا أو من الحور العين ، والسؤال هو أيهما أكثر في الجنة : رجال الدنيا أم نساؤها ؟ وقد وفق القرطبي بين النصين بأن النساء يكن أكثر أهل النار قبل الشفاعة وخروج عصاة الموحدين من النار ، فإذا خرجوا منها بشفاعة الشافعين ورحمة أرحم الراحمين كن أكثر أهل الجنة.
وهناك ما يدلُّ على قلة النساء في الجنة وهو ما رواه أحمد عَنْ عُمَارَةَ بْنِ خُزَيْمَةَ ، قَالَ : بَيْنَا نَحْنُ مَعَ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ فِي حَِجٍّ ، أَوْ عُمْرَةٍ ، فَقَالَ: بَيْنَمَا نَحْنُ مَعَ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فِي هَذَا الشِّعْبِ ، إِذْ قَالَ : انْظُرُوا ، هَلْ تَرَوْنَ شَيْئًا ؟ فَقُلْنَا : نَرَى غِرْبَانًا فِيهَا غُرَابٌ أَعْصَمُ ، أَحْمَرُ المِنْقَارِ وَالرِّجْلَيْنِ ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - : لاَ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ مِنَ النِّسَاءِ ، إِلاَّ مَنْ كَانَ مِنْهُنَّ مِثْلَ هَذَا الْغُرَابِ فِي الْغِرْبَانِ"(1)
ــــــــــــــ
__________
(1) - مسند أحمد(18243) صحيح(1/240)
المبحث التاسع والعشرون
مقدار ما يدخل الجنة من هذه الأمة
يدخل من هذه الأمة الجنة جموع كثيرة الله أعلم بعددهم ، ففي صحيح البخاري عَنْ حُصَيْنٍ قَالَ كُنْتُ عِنْدَ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ فَقَالَ حَدَّثَنِى ابْنُ عَبَّاسٍ قَالَ قَالَ النَّبِىُّ - صلى الله عليه وسلم - « عُرِضَتْ عَلَىَّ الأُمَمُ ، فَأَخَذَ النَّبِىُّ يَمُرُّ مَعَهُ الأُمَّةُ ، وَالنَّبِىُّ يَمُرُّ مَعَهُ النَّفَرُ ، وَالنَّبِىُّ يَمُرُّ مَعَهُ الْعَشَرَةُ ، وَالنَّبِىُّ يَمُرُّ مَعَهُ الْخَمْسَةُ ، وَالنَّبِىُّ يَمُرُّ وَحْدَهُ ، فَنَظَرْتُ فَإِذَا سَوَادٌ كَثِيرٌ قُلْتُ يَا جِبْرِيلُ هَؤُلاَءِ أُمَّتِى قَالَ لاَ وَلَكِنِ انْظُرْ إِلَى الأُفُقِ . فَنَظَرْتُ فَإِذَا سَوَادٌ كَثِيرٌ . قَالَ هَؤُلاَءِ أُمَّتُكَ ، وَهَؤُلاَءِ سَبْعُونَ أَلْفًا قُدَّامَهُمْ ، لاَ حِسَابَ عَلَيْهِمْ وَلاَ عَذَابَ . قُلْتُ وَلِمَ قَالَ كَانُوا لاَ يَكْتَوُونَ ، وَلاَ يَسْتَرْقُونَ ، وَلاَ يَتَطَيَّرُونَ ، وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ » . فَقَامَ إِلَيْهِ عُكَّاشَةُ بْنُ مِحْصَنٍ فَقَالَ ادْعُ اللَّهَ أَنْ يَجْعَلَنِى مِنْهُمْ . قَالَ « اللَّهُمَّ اجْعَلْهُ مِنْهُمْ » . ثُمَّ قَامَ إِلَيْهِ رَجُلٌ آخَرُ قَالَ ادْعُ اللَّهَ أَنْ يَجْعَلَنِى مِنْهُمْ . قَالَ « سَبَقَكَ بِهَا عُكَّاشَةُ »(1).
__________
(1) - صحيح البخارى(6541 )(1/241)
وعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رضى الله عنهما - قَالَ خَرَجَ عَلَيْنَا النَّبِىُّ - صلى الله عليه وسلم - يَوْمًا فَقَالَ « عُرِضَتْ عَلَىَّ الأُمَمُ فَجَعَلَ يَمُرُّ النَّبِىُّ مَعَهُ الرَّجُلُ وَالنَّبِىُّ مَعَهُ الرَّجُلاَنِ ، وَالنَّبِىُّ مَعَهُ الرَّهْطُ ، وَالنَّبِىُّ لَيْسَ مَعَهُ أَحَدٌ ، وَرَأَيْتُ سَوَادًا كَثِيرًا سَدَّ الأُفُقَ فَرَجَوْتُ أَنْ يَكُونَ أُمَّتِى ، فَقِيلَ هَذَا مُوسَى وَقَوْمُهُ . ثُمَّ قِيلَ لِى انْظُرْ . فَرَأَيْتُ سَوَادًا كَثِيرًا سَدَّ الأُفُقَ فَقِيلَ لِى انْظُرْ هَكَذَا وَهَكَذَا . فَرَأَيْتُ سَوَادًا كَثِيرًا سَدَّ الأُفُقَ فَقِيلَ هَؤُلاَءِ أُمَّتُكَ ، وَمَعَ هَؤُلاَءِ سَبْعُونَ أَلْفًا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ بِغَيْرِ حِسَابٍ » . فَتَفَرَّقَ النَّاسُ وَلَمْ يُبَيَّنْ لَهُمْ ، فَتَذَاكَرَ أَصْحَابُ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالُوا أَمَّا نَحْنُ فَوُلِدْنَا فِى الشِّرْكِ ، وَلَكِنَّا آمَنَّا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ، وَلَكِنْ هَؤُلاَءِ هُمْ أَبْنَاؤُنَا ، فَبَلَغَ النَّبِىَّ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ « هُمُ الَّذِينَ لاَ يَتَطَيَّرُونَ ، وَلاَ يَسْتَرْقُونَ ، وَلاَ يَكْتَوُونَ ، وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ » . فَقَامَ عُكَّاشَةُ بْنُ مِحْصَنٍ فَقَالَ أَمِنْهُمْ أَنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ « نَعَمْ » . فَقَامَ آخَرُ فَقَالَ أَمِنْهُمْ أَنَا فَقَالَ « سَبَقَكَ بِهَا عُكَّاشَةُ »(1).
__________
(1) - صحيح البخارى(5752 )(1/242)
وعن ابْنِ عَبَّاسٍ عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ : عُرِضَتْ عَلَيَّ الْأُمَمُ ، فَرَأَيْتُ النَّبِيَّ وَمَعَهُ رَهْطٌ ، وَالنَّبِيَّ وَمَعَهُ رَجُلٌ ، وَالنَّبِيَّ وَلَيْسَ مَعَهُ أَحَدٌ ، إِذْ رُفِعَ لِي سَوَادٌ عَظِيمٌ ، فَقُلْتُ : هَذِهِ أُمَّتِي ؟ فَقِيلَ : هَذَا مُوسَى وَقَوْمُهُ ، وَلَكِنِ انْظُرْ إِلَى الْأُفُقِ ، فَنَظَرْتُ ، فَإِذَا سَوَادٌ عَظِيمٌ ، ثُمَّ قِيلَ لِي : انْظُرْ إِلَى هَذَا الْجَانِبِ الآخَرِ ، فَإِذَا سَوَادٌ عَظِيمٌ ، فَقِيلَ لِي : أُمَّتُكَ وَمَعَهُمْ سَبْعُونَ أَلْفًا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ بِغَيْرِ حِسَابٍ وَلاَ عَذَابٍ ، ثُمَّ نَهَضَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - ، فَدَخَلَ ، فَخَاضَ الْقَوْمُ فِي ذَلِكَ ، وَقَالُوا : مَنْ هَؤُلاَءِ الَّذِينَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ بِغَيْرِ حِسَابٍ ؟ فَقَالَ : بَعْضُهُمْ لَعَلَّهُمُ الَّذِينَ صَحِبُوا النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ : لَعَلَّهُمُ الَّذِينَ وُلِدُوا فِي الإِسْلاَمِ ، وَلَمْ يُشْرِكُوا بِاللَّهِ قَطُّ ، وَذَكَرُوا أَشْيَاءَ ، فَخَرَجَ إِلَيْهِمُ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - ، فَقَالَ : مَا هَذَا الَّذِي كُنْتُمْ تَخُوضُونَ فِيهِ ؟ فَأَخْبَرُوهُ بِمَقَالَتِهِمْ ، فَقَالَ : هُمُ الَّذِينَ لاَ يَكْتَوُونَ ، وَلاَ يَسْتَرْقُونَ ، وَلاَ يَتَطَيَّرُونَ ، وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ ، فَقَامَ عُكَّاشَةُ بْنُ مِحْصَنٍ الأَسَدِيُّ ، فَقَالَ : أَنَا مِنْهُمُ يَا رَسُولَ اللهِ ؟ قَالَ : أَنْتَ مِنْهُمْ ، ثُمَّ قَامَ رَجُلٌ آخَرُ فَقَالَ : أَنَا مِنْهُمُ يَا رَسُولَ اللهِ ؟ قَالَ : سَبَقَكَ بِهَا عُكَّاشَةُ.(1).
__________
(1) - صحيح مسلم(549 ) وصحيح ابن حبان - (ج 14 / ص 339)(6430)(1/243)
وقَالَ حَدَّثَنَا ابْنُ عَبَّاسٍ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - « عُرِضَتْ عَلَىَّ الأُمَمُ ، فَجَعَلَ النَّبِىُّ وَالنَّبِيَّانِ يَمُرُّونَ مَعَهُمُ الرَّهْطُ ، وَالنَّبِىُّ لَيْسَ مَعَهُ أَحَدٌ ، حَتَّى رُفِعَ لِى سَوَادٌ عَظِيمٌ ، قُلْتُ مَا هَذَا أُمَّتِى هَذِهِ قِيلَ هَذَا مُوسَى وَقَوْمُهُ . قِيلَ انْظُرْ إِلَى الأُفُقِ . فَإِذَا سَوَادٌ يَمْلأُ الأُفُقَ ، ثُمَّ قِيلَ لِى انْظُرْ هَا هُنَا وَهَا هُنَا فِى آفَاقِ السَّمَاءِ فَإِذَا سَوَادٌ قَدْ مَلأَ الأُفُقَ قِيلَ هَذِهِ أُمَّتُكَ وَيَدْخُلُ الْجَنَّةَ مِنْ هَؤُلاَءِ سَبْعُونَ أَلْفًا بِغَيْرِ حِسَابٍ ، ثُمَّ دَخَلَ وَلَمْ يُبَيِّنْ لَهُمْ فَأَفَاضَ الْقَوْمُ وَقَالُوا نَحْنُ الَّذِينَ آمَنَّا بِاللَّهِ ، وَاتَّبَعْنَا رَسُولَهُ ، فَنَحْنُ هُمْ أَوْ أَوْلاَدُنَا الَّذِينَ وُلِدُوا فِى الإِسْلاَمِ فَإِنَّا وُلِدْنَا فِى الْجَاهِلِيَّةِ . فَبَلَغَ النَّبِىَّ - صلى الله عليه وسلم - فَخَرَجَ فَقَالَ هُمُ الَّذِينَ لاَ يَسْتَرْقُونَ ، وَلاَ يَتَطَيَّرُونَ ، وَلاَ يَكْتَوُونَ وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ » . فَقَالَ عُكَّاشَةُ بْنُ مِحْصَنٍ أَمِنْهُمْ أَنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ « نَعَمْ » . فَقَامَ آخَرُ فَقَالَ أَمِنْهُمْ أَنَا قَالَ « سَبَقَكَ عُكَّاشَةُ »(1).
وعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - : عُرِضَتْ عَلَيَّ الأُمَمُ ، فَإِذَا سَوَادٌ عَظِيمٌ ، فَقُلْتُ : هَذِهِ أُمَّتِي ؟ فَقِيلَ : هَذَا مُوسَى وَقَوْمُهُ ، قَالَ : ثُمَّ قِيلَ لِي : اُنْظُرْ إِلَى الأُفُقِ ، فَنَظَرْتُ فَإِذَا سَوَادٌ قَدْ مَلأَ الأُفُقِ ، قَالَ : فَقِيلَ : هَذِهِ أُمَّتُكَ ، وَيَدْخُلُ الْجَنَّةَ سِوَاهَا سَبْعُونَ أَلْفًا بِغَيْرِ حِسَابٍ.
__________
(1) - صحيح البخارى(5705 )(1/244)
ثُمَّ دَخَلَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - وَلَمْ يُبَيِّنْ لَهُمْ ، فَأَفَاضَ الْقَوْمُ ، فَقَالُوا : نَحْنُ الَّذِينَ آمَنَّا بِاَللَّهِ وَاتَّبَعْنَا رُسُولَهُ ، فَنَحْنُ هُمْ ، أَوْ أَوْلاَدُنَا الَّذِينَ وُلِدُوا فِي الإِسْلاَمِ ، قَالَ : فَبَلَغَ ذَلِكَ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ : هُمُ الَّذِينَ لاَ يَسْتَرْقُونَ ، وَلاَ يَتَطَيَّرُونَ ، وَلاَ يَكْتَوُونَ ، وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ.(1)
__________
(1) - مصنف ابن أبي شيبة(ج 7 / ص 425)(24088) صحيح(1/245)
وعَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : تَحَدَّثْنَا عِنْدَ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - ، ذَاتَ لَيْلَةٍ حَتَّى أَكْثَرْنَا الْحَدِيثَ ثُمَّ تَرَاجَعْنَا إِلَى الْبُيُوتِ ، فَلَمَّا أَصْبَحْنَا غَدَوْنَا إِلَى رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - ، فَقَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - : عُرِضَتْ عَلَيَّ الأَنْبِيَاءُ عَلَيْهِمُ السَّلامُ اللَّيْلَةَ بِأَتْبَاعِهَا مِنْ أُمَمِهِمْ ، فَجَعَلَ يَجِيءُ النَّبِيُّ وَمَعَهُ الثَّلاثَةُ مِنْ قَوْمهِ ، وَالنَّبِيُّ وَمَعَهُ الْعِصَابَةُ ، وَالنَّبِيُّ وَمَعَهُ النَّفَرُ مِنْ قَوْمِهِ ، وَالنَّبِيُّ لَيْسَ مَعَهُ مِنْ قَوْمِهِ أَحَدٌ ، حَتَّى أُتِيَ عَلَى مُوسَى بْنِ عِمْرَانَ - صلى الله عليه وسلم - ، فِي كَبْكَبَةٍ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ فَلَمَّا رَأَيْتُهُمْ أَعْجَبُونِي ، فَقُلْتُ : مَنْ هَؤُلاءِ ؟ فَقَالَ : هَذَا أَخُوكَ مُوسَى بْنُ عِمْرَانَ عَلَيْهِ السَّلامُ وَمَنْ تَبِعَهُ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ ، قُلْتُ : رَبِّ ، فَأَيْنَ أُمَّتِي ؟ قَالَ : انْظُرْ عَنْ يَمِينِكَ ، فَإِذَا الظِّرَابُ ظِرَابُ مَكَّةَ قَدْ سُدَّ بِوُجُوهِ الرِّجَالِ ، فَقُلْتُ : رَبِّ ، مَنْ هَؤُلاءِ ؟ فَقِيلَ : أُمَّتُكَ ، فَقِيلَ : هَلْ رَضِيتَ ؟ فَقُلْتُ : رَضِيتُ ، ثُمَّ قِيلَ : انْظُرْ عَنْ يَسَارِكَ ، فَإِذَا الأُفُقُ قَدْ سُدَّ بِوُجُوهِ الرِّجَالِ ، ثُمَّ قِيلَ لِي : إِنَّ مَعَ هَؤُلاءِ سَبْعِينَ أَلْفًا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ بِلا حِسَابٍ عَلَيْهِمْ قَالَ : فَأَنْشَأَ عُكَّاشَةُ بْنُ مِحْصَنٍ أَخُو بَنِي أَسَدِ بْنِ خُزَيْمَةَ ، فَقَالَ : يَا نَبِيَّ اللهِ ، ادْعُ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ أَنْ يَجْعَلَنِي مِنْهُمْ قَالَ : اللَّهُمَّ اجْعَلْهُ مِنْهُمْ قَالَ : ثُمَّ أَنْشَأَ رَجُلٌ آخَرَ ، فَقَالَ : يَا نَبِيَّ(1/246)
اللهِ ، ادْعُ رَبَّكَ عَزَّ وَجَلَّ أَنْ يَجْعَلَنِي مِنْهُمْ قَالَ : لَقَدْ سَبَقَكَ بِهَا عُكَّاشَةُ ، ثُمَّ قَالَ نَبِيُّ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - : فِدَاءٌ لَكُمْ أَبِي وَأُمِّي ، إِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ تَكُونُوا مِنَ السَّبْعِينَ أَلْفًا فَكُونُوا ،(1)
__________
(1) - الآحاد والمثاني(250) صحيح(1/247)
وعَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ ، قَالَ : تَحَدَّثْنَا عِنْدَ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - ذَاتَ لَيْلَةٍ حَتَّى أَكْرَيْنَا الْحَدِيثَ ، ثُمَّ رَجَعْنَا إِلَى مَنَازِلِنَا ، فَلَمَّا أَصْبَحْنَا غَدَوْنَا عَلَيْهِ ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - : عُرِضَتْ عَلَيَّ اللَّيْلَةَ الأَنْبِيَاءُ وَأُمَمُهُمْ وَأَتْبَاعُهَا مِنْ أُمَمِهَا ، فَجَعَلَ النَّبِيُّ يَمُرُّ ، وَمَعَهُ الثَّلاَثَةُ مِنْ أُمَّتِهِ ، وَجَعَلَ النَّبِيُّ يَمُرُّ ، وَمَعَهُ الْعِصَابَةُ مِنْ أُمَّتِهِ ، وَالنَّبِيُّ وَلَيْسَ مَعَهُ إِلاَّ الْوَاحِدُ مِنْ أُمَّتِهِ ، وَالنَّبِيُّ لَيْسَ مَعَهُ أَحَدٌ مِنْ أُمَّتِهِ ، حَتَّى مَرَّ مُوسَى بْنُ عِمْرَانَ فِي كَبْكَبَةٍ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ فَلَمَّا رَأَيْتُهُمْ أَعْجَبُونِي ، فَقُلْتُ : يَا رَبِّ ، مَنْ هَؤُلاَءِ ؟ قَالَ : أَخُوكَ مُوسَى بْنُ عِمْرَانَ ، وَمَنْ تَبِعَهُ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ قُلْتُ : يَا رَبِّ ، فَأَيْنَ أُمَّتِي ؟ قَالَ : انْظُرْ عَنْ يَمِينِكِ ، فَنَظَرْتُ ، فَإِذَا الظِّرَابُ ظِرَابُ مَكَّةَ ، قَدِ اسْوَدَّ بِوجُوهِ الرِّجَالِ ، فَقُلْتُ : يَا رَبِّ ، مَنْ هَؤُلاَءِ ؟ قَالَ : هَؤُلاَءِ أُمَّتُكَ ، أَرَضِيتَ ؟ فَقُلْتُ : يَا رَبِّ ، قَدْ رَضِيتُ ، قَالَ : انْظُرْ عَنْ يَسَارِكِ ، فَنَظَرْتُ ، فَإِذَا الْأُفُقُ قَدْ سُدَّ بِوجُوهِ الرِّجَالِ ، فَقُلْتُ : يَا رَبِّ ، مَنْ هَؤُلاَءِ ؟ قَالَ : هَؤُلاَءِ أُمَّتُكَ ، أَرَضِيتَ ؟ فَقُلْتُ : رَبِّ رَضِيتُ ، قِيلَ : فَإِنَّ مَعَ هَؤُلاَءِ سَبْعِينَ أَلْفًا بِلاَ حِسَابٍ ، قَالَ : فَأَنْشَأَ عُكَّاشَةُ بْنُ مِحْصَنٍ أَحَدُ بَنِي أَسَدِ بْنِ خُزَيْمَةَ ، فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللهِ ، ادْعُ اللَّهَ أَنْ يَجْعَلَنِي مِنْهُمْ ، قَالَ : فَإِنَّكَ مِنْهُمْ ، قَالَ : ثُمَّ(1/248)
أَنْشَأَ آخَرُ ، فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللهِ ، ادْعُ اللَّهَ أَنْ يَجْعَلَنِي مِنْهُمْ ، قَالَ : سَبَقَكَ بِهَا عُكَّاشَةُ بْنُ مِحْصَنٍ.(1)
وعَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ : أُرِيتُ الأُمَمَ بِالْمَوْسِمِ فَرَأَيْتُ أُمَّتِي قَدْ مَلَئُوا السَّهْلَ وَالْجَبَلَ فَأَعْجَبَنِي كَثْرَتُهُمْ وَهَيْأَتُهُمْ فَقِيلَ لِي : أَرَضِيتَ ؟ قُلْتُ : نَعَمْ ، قَالَ : وَمَعَ هَؤُلاَءِ سَبْعُونَ أَلْفًا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ بِغَيْرِ حِسَابٍ لاَ يَكْتَوُونَ وَلاَ يَتَطَيَّرُونَ وَلاَ يَسْتَرْقُونَ وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ ، فَقَامَ عُكَّاشَةُ بْنُ مِحْصَنٍ الأَسَدِيُّ فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللهِ ادْعُ اللَّهَ أَنْ يَجْعَلَنِي مِنْهُمْ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - : اللَّهُمَّ اجْعَلْهُ مِنْهُمْ ، فَقَامَ آخَرُ فَقَالَ : ادْعُ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ أَنْ يَجْعَلَنِي مِنْهُمْ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - : سَبَقَكَ بِهَا عُكَّاشَةُ.(2)
__________
(1) - صحيح ابن حبان - (ج 16 / ص 341)(7346) صحيح
(2) - مسند الطيالسي(350) صحيح(1/249)
ولا شك أن أمة محمد - صلى الله عليه وسلم - أكثر من بني إسرائيل بكثير ، ومن كل الأمم مجتمعة ، فعن عَطَاءَ بن يَسَارٍ أَنَّ رِفَاعَةَ الْجُهَنِيَّ حَدَّثَهُ قَالَ : أَقْبَلْنَا مَعَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - حَتَّى إِذَا كُنَّا بِالْكَدِيدِ ، جَعَلُوا يَسْتَأْذِنُونَ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - إِلَى أَهَالِيهِمْ ، فَيَأْذَنُ لَهُمْ ، فَقَالَ : مَا بَالُ شِقِّ الشَّجَرَةِ الَّتِي تَلِي رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - أَبْغَضُ إِلَيْكُمْ مِنَ الشِّقِّ الآخَرِ ؟ فَلَمْ يُرَ بَعْدَ ذَلِكَ مِنَ الْقَوْمِ إِلا بَاكٍ ، فَقَالَ رَجُلٌ مِنَ الْقَوْمِ : يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ الَّذِي يَسْتَأْذِنُكَ بَعْدَ هَذَا لَسَفِيهٌ ، فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى خَيْرًا ، ثُمَّ قَالَ : أَشْهَدُ عِنْدَ اللَّهِ لا يَمُوتُ عَبْدٌ شَهِدَ شَهَادَةَ أَنَّ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ صِدْقًا مِنْ قَلْبِهِ ، ثُمَّ يُسَدِّدُ إِلا سُلِكَ بِهِ فِي الْجَنَّةِ ، وَلَقَدْ وَعَدَنِي رَبِّي أنْ يُدْخِلَ الْجَنَّةَ مِنْ أُمَّتِي سَبْعِينَ أَلْفًا لا حِسَابَ عَلَيْهِمْ وَلا عَذَابَ ، وَإِنِّي لأَرْجُو أَنْ لا تَدْخُلُوا حَتَّى تَتَبَوَّءُوا أَنْتُمْ وَمَنْ صَلَحَ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ وَذَرَارِيِّكُمْ مَسَاكِنَ فِي الْجَنَّةِ(1).
__________
(1) - المعجم الكبير للطبراني - (ج 4 / ص 436)(4429) صحيح(1/250)
وعَنْ مُحَمَّدِ بْنِ زِيَادٍ ، قَالَ : سَمِعْتُ أَبَا أُمَامَةَ الْبَاهِلِيَّ يَقُولُ : سَمِعْت رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ : وَعَدَنِي رَبِّي أَنْ يُدْخِلَ الْجَنَّةَ مِنْ أُمَّتِي سَبْعِينَ أَلْفًا , مَعَ كُلِّ أَلْفٍ سَبْعُونَ أَلْفًا , لاَ حِسَابَ عَلَيْهِمْ ، وَلاَ عَذَابَ , وَثَلاَثُ حَثَيَاتٍ مِنْ حَثَيَاتِ رَبِّي.(1)
حثيات : الحثيات جمع حثية ، وهي الغرفة بالكف ، يقال : حثا يحثو ويحثي.
وعَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - : كَيْفَ أَنْتُمْ وَرُبُعُ الْجَنَّةِ , لَكُمْ رُبُعُهَا , وَلِسَائِرِ النَّاسِ ثَلاَثَةُ أَرْبَاعِهَا ، قَالَ : فَقَالُوا : اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ ، قَالَ : فَكَيْفَ أَنْتُمْ وَثُلُثُهَا ، قَالُوا : فَذَاكَ كَثِيرٌ ، قَالَ : فَكَيْفَ أَنْتُمْ وَالشَّطْرُ ، قَالُوا : فَذَاكَ أَكْثَرُ ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - : أَهْلُ الْجَنَّةِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عِشْرُونَ وَمِئَةُ صَفٍ , أَنْتُمْ ثَمَانُونَ صَفًّا.(2)
وعَنْ كَعْبٍ ، قَالَ : أَهْلُ الْجَنَّةِ عِشْرُونَ وَمِئَةُ صَفٍّ ، ثَمَانُونَ مِنْ هَذِهِ الأُمَّةِ.(3)
__________
(1) - مصنف ابن أبي شيبة (ج 11 / ص 471)(32372) صحيح لغيره
(2) - مصنف ابن أبي شيبة (ج 11 / ص 471)(32373) صحيح
(3) - مصنف ابن أبي شيبة (ج 11 / ص 472)(32374) صحيح(1/251)
وعَنْ أَبِى سَعِيدٍ الْخُدْرِىِّ - رضى الله عنه - عَنِ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ « يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى يَا آدَمُ . فَيَقُولُ لَبَّيْكَ وَسَعْدَيْكَ وَالْخَيْرُ فِى يَدَيْكَ . فَيَقُولُ أَخْرِجْ بَعْثَ النَّارِ . قَالَ وَمَا بَعْثُ النَّارِ قَالَ مِنْ كُلِّ أَلْفٍ تِسْعَمِائَةٍ وَتِسْعَةً وَتِسْعِينَ ، فَعِنْدَهُ يَشِيبُ الصَّغِيرُ ، وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا ، وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى ، وَمَا هُمْ بِسُكَارَى ، وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ » . قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ وَأَيُّنَا ذَلِكَ الْوَاحِدُ قَالَ « أَبْشِرُوا فَإِنَّ مِنْكُمْ رَجُلٌ ، وَمِنْ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ أَلْفٌ » . ثُمَّ قَالَ « وَالَّذِى نَفْسِى بِيَدِهِ ، إِنِّى أَرْجُو أَنْ تَكُونُوا رُبُعَ أَهْلِ الْجَنَّةِ » . فَكَبَّرْنَا . فَقَالَ « أَرْجُو أَنْ تَكُونُوا ثُلُثَ أَهْلِ الْجَنَّةِ » . فَكَبَّرْنَا . فَقَالَ « أَرْجُو أَنْ تَكُونُوا نِصْفَ أَهْلِ الْجَنَّةِ » . فَكَبَّرْنَا . فَقَالَ « مَا أَنْتُمْ فِى النَّاسِ إِلاَّ كَالشَّعَرَةِ السَّوْدَاءِ فِى جِلْدِ ثَوْرٍ أَبْيَضَ ، أَوْ كَشَعَرَةٍ بَيْضَاءَ فِى جِلْدِ ثَوْرٍ أَسْوَدَ »(1).
وعَنِ ابْنِ بُرَيْدَةَ ، عَنْ أَبِيهِ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - : أَهْلُ الْجَنَّةِ عِشْرُونَ وَمِائَةُ صَفٍّ هَذِهِ الْأُمَّةُ مِنْهَا ثَمَانُونَ صَفًّا.(2)
وعَنْ ابن عَبَّاسٍ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - ، قَالَ:أَهْلُ الْجَنَّةِ عِشْرُونَ وَمِائَةُ صَفٍّ، ثَمَانُونَ مِنْهَا أُمَّتِي.(3)
__________
(1) - صحيح البخارى(3348 )
(2) - صحيح ابن حبان - (ج 16 / ص 498)(7459) صحيح
(3) - المعجم الكبير للطبراني - (ج 9 / ص 156)(10534 ) صحيح لغيره(1/252)
وعَنِ الْمُخْتَارِ بْنِ فُلْفُلٍ قَالَ قَالَ أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ قَالَ النَّبِىُّ - صلى الله عليه وسلم - « أَنَا أَوَّلُ شَفِيعٍ فِى الْجَنَّةِ لَمْ يُصَدَّقْ نَبِىٌّ مِنَ الأَنْبِيَاءِ مَا صُدِّقْتُ وَإِنَّ مِنَ الأَنْبِيَاءِ نَبِيًّا مَا يُصَدِّقُهُ مِنْ أُمَّتِهِ إِلاَّ رَجُلٌ وَاحِدٌ »(1).
وعَنِ الْمُخْتَارِ بْنِ فُلْفُلٍ ، قَالَ : قَالَ أَنَسٌ : بَيْنَمَا نَحْنُ ذَاتَ يَوْمٍ نَذْكُرُ الأَنْبِيَاءَ ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : أَنَا أَوَّلُ شَفِيعٍ فِي الْجَنَّةِ ، وَأَنَا أَكْثَرُ الأَنْبِيَاءِ تَبَعًا ، وَإِنَّ مِنَ الأَنْبِيَاءِ مَنْ يَأْتِي اللَّهَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَا مَعَهُ مُصَدِّقٌ إِلا رَجُلٌ وَاحِدٌ .(2)
والسِّرُّ في كثرة من آمن من هذه الأمة أن معجزة الرسول - صلى الله عليه وسلم - الكبرى كانت وحيا متلوًّا يخاطب العقول والقلوب ، وهي معجزة باقية محفوظة إلى قيام الساعة، ففي الصحيحين عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ النَّبِىُّ - صلى الله عليه وسلم - « مَا مِنَ الأَنْبِيَاءِ نَبِىٌّ إِلاَّ أُعْطِىَ مَا مِثْلُهُ آمَنَ عَلَيْهِ الْبَشَرُ ، وَإِنَّمَا كَانَ الَّذِى أُوتِيتُ وَحْيًا أَوْحَاهُ اللَّهُ إِلَىَّ فَأَرْجُو أَنْ أَكُونَ أَكْثَرَهُمْ تَابِعًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ »(3).
ـــــــــــــــ
المبحث الثلاثون
في فرش الجنة
عَنْ أَبِى سَعِيدٍ الْخُدْرِىِّ رضى الله عنه عَنِ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - فِى قَوْلِهِ {وَفُرُشٍ مَّرْفُوعَةٍ} (34) سورة الواقعة، قَالَ: « ارْتِفَاعُهَا كَمَا بَيْنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ وَمَسِيرَةُ مَا بَيْنَهُمَا خَمْسُمِائَةِ عَامٍ »(4).
__________
(1) - صحيح مسلم (506 )
(2) - مسند أبي عوانة (243) صحيح
(3) - صحيح البخارى(4981 ) وصحيح مسلم(402 )
(4) - سنن الترمذى(3605 ) حسن(1/253)
َقَالَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ وَارْتِفَاعُهَا كَمَا بَيْنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ،قَالَ : ارْتِفَاعُ الْفُرُشِ الْمَرْفُوعَةِ فِى الدَّرَجَاتِ وَالدَّرَجَاتُ مَا بَيْنَ كُلِّ دَرَجَتَيْنِ كَمَا بَيْنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ.
وعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ : أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - ، قَالَ : {وَفُرُشٍ مَرْفُوعَةٍ} [الواقعة] وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ ، إِنَّ ارْتِفَاعَهَا لَكَمَا بَيْنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ لِمَسِيرَةِ خَمْسِ مِائَةِ سَنَةٍ.(1)
وعَنْ أَبِي أُمَامَةَ، قَالَ: سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - ، عَنِ الْفُرُشِ الْمَرْفُوعَةِ، فَقَالَ:"لَوْ طُرِحَ فِرَاشٌ مِنْ أَعْلاهَا لَهَوَى إِلَى قَرَارِهَا مِائَةَ خَرِيفٍ".(2)
وعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه في قوله عز وجل: {مُتَّكِئِينَ عَلَى فُرُشٍ بَطَائِنُهَا مِنْ إِسْتَبْرَقٍ وَجَنَى الْجَنَّتَيْنِ دَانٍ} (54) سورة الرحمن ، قال: أخبرتم بالبطائن فكيف بالظهائر؟ "(3)
ـــــــــــــــ
المبحث الواحد و الثلاثون
غلمانُ أهل الجنة وخدمُهم
قال تعالى: ( وَيَطُوفُ عَلَيْهِمْ غِلْمَانٌ لَّهُمْ كَأَنَّهُمْ لُؤْلُؤٌ مَّكْنُونٌ) {الطور:24}
وَيَطُوفُ عَلَيهِمْ بِكُؤُوسِ الخَمْرِ هذِهِ غِلْمانٌ مُعَدُّونَ لِخدْمَتِهِمْ ، يَعْمَلُون بِأْمْرِهِمْ ، وَيَنْتَهُونَ بِنَهيِهِمْ ، وَهُمْ في حُسْنِهم وَبَهائِهم كَأَنَّهُمْ لُؤْلُؤٌ نَاصِعُ الَبَيَاضِ لَمْ يَخْرُجْ مِنْ أصْدافِهِ ، وَلَم يَتَعَرَّضْ لِلنُّورِ وَلَفْحِ الشَّمْسِ وَالرِّيَاحِ .
__________
(1) - صحيح ابن حبان - (ج 16 / ص 418)(7405) حسن
(2) - المعجم الكبير للطبراني - (ج 7 / ص 278)(7874 ) وسنده واه وصوب المنذري وقفه
(3) - المستدرك للحاكم(3773) صحيح(1/254)
وقال تعالى: (وَيَطُوفُ عَلَيْهِمْ وَلْدَانٌ مُّخَلَّدُونَ إِذَا رَأَيْتَهُمْ حَسِبْتَهُمْ لُؤْلُؤاً مَّنثُوراً) {الإنسان:19}
وَيَطُوفُ عَلَى أَهْلِ الجَنَّةِ غِلْمَانٌ ( وِلْدَانٌ ) يَخْدِمُونَهُمْ ، وَهُمْ شَبَابٌ ، وُجُوهُهُمْ نَضِرَةٌ ، كَأَنَّهُمْ لِحُسْنِ أَلْوَانِهِمْ ، وَنَضْرَةِ وُجُوهِهِمْ ، وَكَثْرَةِ انْتِشَارِهِمْ فِي قَضَاءِ الحَاجَاتِ ، اللًّؤْلُؤْ المَنْثُورُ ، وَهُمْ لاَ يَهْرَمُونَ وَلاَ يَشِيبُونَ ، وَلاَ تَتَبَدَّلُ أَحْوَالُهُمْ .
ومعنى(مخلدون):لا يهرمون ولا يتغيرون ولا يموتون. وقيل: مقرطون بالخلدة .وجمع قوم بين المعنيين فقالوا:لا يتغيرون ولا يهرمون وفي آذانهم القراطة .وقد شبَّههم الله تعالى باللؤلؤ المنثور لما فيه من البياض وحسن الخلق.وفى كونه منثوراً فائدتان:
الأولى: تدل على أنهم مبثوثون في خدمتهم وحوائجهم ,وغير معطلين .
الثانية: أن اللؤلؤ إذا كان منثوراً- لاسيما على بساطٍ من ذهب أو حرير - كان أحسن لمنظره من كونه مجموعاً في مكان ٍ واحد .وللعلماء في هؤلاء الغلمان قولان:الأول: أنهم أولاد المسلمين الذين يموتون بلا حسنة ولا سيئة ٍ, فيكونون من خدم أهل الجنة. ومنهم من قصر ذلك على أولاد المشركين.الثاني: أنهم مخلوقون في الجنة خدماً لأهلها , أنشأهم الله - عز وجل- كالحور العين,وهذا القول هو الأشبه - والله أعلم - لأن من تمام نعمة الله تعالى وكرامته لأهل الجنة أن يجعل أولادهم مخدومين معهم, لا غلماناً لهم يخدمونهم.
قلت: وصح في بعض الأخبار أن أطفال المشركين هم خدم أهل الجنة ، فلا مانع من الجمع بين القولين ، والله أعلم .(1)
__________
(1) - انظر تفسير ابن كثير - (ج 5 / ص 57) والتذكرة في أحوال الموتى وأمور الآخرة - (ج 2 / ص 161)(1/255)
وعن عبد الله بن عمرو قَالَ : " مَا مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ أَحَدٌ إِلَّا يَسْعَى عَلَيْهِ أَلْفُ خَادِمٍ ، كُلُّ غُلَامٍ عَلَى عَمَلٍ لَيْسَ عَلَيْهِ صَاحِبُه "(1)
ـــــــــــــــ
المبحث الثاني و الثلاثون
في وصف نساء أهل الجنة
قد وصف الله تعالى نساء أهل الجنة- الحور العين- وحسنهن وجمالهن الظاهر والباطن في كتابه العزيز بأوصاف ٍعدة هي:
أولاً: قال تعالى: (وَزَوَجْنَاهُم بِِحُور ٍعِينٍ){الدخان:54}, والحور:جمع حوراء, وهي المرأة الشابة الحسناء الجميلة البيضاء شديدة سواد العين. وقال زيد بن أسلم:" الحوراء: التي يحار فيها الطرف".وقال مجاهد: يحار الطرف في حسنهن وبياضهن وصفاء لونهن". ومعنى عين: أي حسان الأعين, قال القرطبي:العين جمع عيناء, وهي الواسعة العظيمة العينين(2).
وقوله(زوجناهم) يفهم منها معنيان:الأول:جعلناهم أزواجاً اثنين اثنين.
الثاني:قرناهم بهن, وليس من عقد التزويج ، لأن العرب تقول:تزوجتها , ولا تقول: تزوجت بها, وقيل: بل هي لغة تميم فهم يقولون : تزوجت بامرأة.
والظاهر- والله أعلم- أن الآية تحمل المعنيين معًا,فلفظ التزويج يدل على النكاح, و(الباء) تدلُّ على الاقتران والضم, وهذا أبلغ من حذفها.
ثانيًا:قال تعالى: (لَهُمْ فِيهَا أَزْوَاجٌ مُّطَهَّرَةٌ){البقرة:25} فقد وصفهن الله تعالى بأنهن مطهرات ,أي: من الحيض والنفاس والبول والغائط والمخاط والبصاق وكل قذر وأذى يكون من نساء الدنيا, فطهُر مع ذلك باطنهن من الأخلاق السيئة والصفات الذميمة, وطهُرت ألسنتهن من الفحش والبذاءة , وطهُر طرفهن من أن تطمع به إلى غير زوجها, وهذا المعنى يظهر جليًا في الآتي:
__________
(1) - الزهد والرقائق لابن المبارك (1560 ) و صِفَةُ الْجَنَّةِ لِأَبِي نُعَيْمٍ الْأَصْبهَانِيِّ (354) صحيح
(2) - تفسير القرطبي: (16/120)(1/256)
ثالثًا:قال تعالى: (فِيهِنَّ قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنسٌ قَبْلَهُمْ وَلاَ جَانٌّ) {الرحمن:56} وقال تعالى: (وَعِندَهُمْ قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ عِينٌ){الصافات:48}, فوصفهن بأنهن يقصرن أطرافهن على أزواجهن فلا يبغين غيرهنّ .
رابعًا: قال تعالى:( إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ مَفَازاً* حَدَائِقَ وَأَعْنَاباً* وَكَوَاعِبَ أَتْرَاباً){النبأ:31-33 }
وَيُخْبِرُ اللهُ تَعَالَى عَنِ السُّعَدَاءِ ، وَمَا أَعَدَّ لَهُمْ مِنَ الكَرَامَةِ ، وَالنَّعِيمِ المُقِيمِ ، فَيَقُولُ تَعَالَى : إِنَّ لِلْمُؤْمِنِينَ الذِينَ يَتَّقُونَ رَبَّهُمْ جَنَّاتٍ وَمُتَنَزَّهَاتٍ نَضِرَةً ، وََفَوْزاً بِالنَّعِيمِ وَالثَّوَابِ ، وَبِالنِّجَاةِ مِنَ العِقَابِ .
وَلَهُمْ بَسَاتِينُ مُسَوَّرَةٌ ( حَدَائِقَ ) فِيهَا أَشْجَارُ النَّخَيلِ وَالأَعْنَابِ ، وَكُلِّ الثَّمَرَاتِ .
وَلَهُمْ فِيهَا حُورٌ حِسَانٌ صِبَاحُ الوُجُوهِ ، قَدْ تَكَعَّبَتْ أَثْدَاؤُهُنَّ وَلَمْ تَتَرَهَّلْ ، وَهَذَا دَلِيلٌ عَلَى صِغَرِ سِنِّهِنَّ ، وَهُنَّ أَبْكَارٌ مُتَمَاثِلاَتٌ فِي الأَعْمَارِ .
وقال تعالى: (عُرُبًا أَتْرَابًا){الواقعة:37}, فوصفهن-تبارك و تعالى- بأنهن أتراب: أي على سن ٍواحدة ٍ, بنات ثلاث وثلاثين سنة, وقال مجاهد: أتراب: أمثال , وقال أبو عبيدة: أقران. أما قوله (كواعب):جمع كاعب وهي الناهد, والمراد أن ثديهن نواهد مستديرة كالرمان ليست متدلية لأسفل. وأما قوله (عربًا) جمع :عروب , وهنَّ المتحببات إلى أزواجهن,وقال المبرد: العاشقة لزوجها, وقال أبو عبيدة: الحسنة التبعل.
خامسًا: وصفهن الله تعالى بالبكارة كما في قوله: (لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنسٌ ٌقَبْلَهُمْ وَلاَ جَانٌّ) {الرحمن:56}أي:لم يطأهن ولم يجامعهن إنس ولا جان قبل أزواجهم.(1/257)
سادسًا:وصفهن بالصفاء, فقال تعالى: (كَأَنَّهُنَّّ الْيَاقُوتُ وَالْمَرْجَانُ){الرحمن:58} قال المفسرون:أراد صفاء الياقوت في بياض المرجان. وفي الصحيحين عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ - رضى الله عنه - أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ « أَوَّلُ زُمْرَةٍ تَدْخُلُ الْجَنَّةَ عَلَى صُورَةِ الْقَمَرِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ ، وَالَّذِينَ عَلَى إِثْرِهِمْ كَأَشَدِّ كَوْكَبٍ إِضَاءَةً ، قُلُوبُهُمْ عَلَى قَلْبِ رَجُلٍ وَاحِدٍ ، لاَ اخْتِلاَفَ بَيْنَهُمْ وَلاَ تَبَاغُضَ ، لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ زَوْجَتَانِ ، كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا يُرَى مُخُّ سَاقِهَا مِنْ وَرَاءِ لَحْمِهَا مِنَ الْحُسْنِ ، يُسَبِّحُونَ اللَّهَ بُكْرَةً وَعَشِيًّا ، لاَ يَسْقَمُونَ وَلاَ يَمْتَخِطُونَ ، وَلاَ يَبْصُقُونَ ، آنِيَتُهُمُ الذَّهَبُ وَالْفِضَّةُ ، وَأَمْشَاطُهُمُ الذَّهَبُ ، وَقُودُ مَجَامِرِهِمُ الأُلُوَّةُ - قَالَ أَبُو الْيَمَانِ يَعْنِى الْعُودَ - وَرَشْحُهُمُ الْمِسْكُ »(1).
وعَنْ مُحَمَّدٍ قَالَ إِمَّا تَفَاخَرُوا وَإِمَّا تَذَاكَرُوا الرِّجَالُ فِى الْجَنَّةِ أَكْثَرُ أَمِ النِّسَاءُ فَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ أَوَلَمْ يَقُلْ أَبُو الْقَاسِمِ - صلى الله عليه وسلم - « إِنَّ أَوَّلَ زُمْرَةٍ تَدْخُلُ الْجَنَّةَ عَلَى صُورَةِ الْقَمَرِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ وَالَّتِى تَلِيهَا عَلَى أَضْوَإِ كَوْكَبٍ دُرِّىٍّ فِى السَّمَاءِ لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ زَوْجَتَانِ اثْنَتَانِ يُرَى مُخُّ سُوقِهِمَا مِنْ وَرَاءِ اللَّحْمِ وَمَا فِى الْجَنَّةِ أَعْزَبُ ».(2)
__________
(1) - صحيح البخارى (3246 ) ومسلم (7325)
(2) - صحيح مسلم(7325 )(1/258)
سابعًا:قال تعالى: (حُورٌ مَقْصُورَاتٌ فِي الْخِيَامِ){الرحمن:72} أي:محبوسات في الخيام, وقال أبو عبيدة: خدرن في الخيام. وقال عمر- رضي الله عنه:الخيمة درة مجوفة(1)
وفي الآية معنىً آخر:أنهن محبوسات على أزواجهن, قال قتادة:مقصورات قلوبهن على أزواجهن في خيام اللؤلؤ.
ثامنًا:وصفهنّ بأنهنّ خيرات الصفات والأخلاق والشيم, وحسان الوجوه, فقال تعالى: (فِيهِنَّ خَيْرَاتٌ حِسَانٌ){الرحمن:70}, قال سعيد بن عامر: لو أن خيرة من (خيرات حسان) اطلعت من السماء لأضاءت لها, ولقهر ضوء وجهها الشمس والقمر.(2)
تاسعًا:قال تعالى: (إِنَّا أَنشَأْنَاهُنَّ إِنشَاء *فَجَعَلْنَاهُنَّ أَبْكَاراً ً* عُرُباً أَتْرَاباً * لأَصْحَابِ اليَمِينِ ) {الواقعة:35-38} وفي تفسيرها قولان:
الأول:أنها في الحور العين حيث أنشأهنّ الله وخلقهنّ خلقًا جديدًا من غير توالد.
__________
(1) - تفسير القرطبي: (17/144)
(2) - نفس المصدر (17/142) والحديث في الزهد والرقائق لابن المبارك(1872) صحيح(1/259)
والثاني:أنها في النساء الآدميات, حيث يخلقهنّ الله تعالى غير خلقهنّ الأول , ويصبحن أبكارًا, وهذا تفسير ابن عباس- رضي الله عنه-ويؤيده ما روي عَنْ عَائِشَةَ : أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - أَتَتْهُ عَجُوزٌ مِنَ الْأَنْصَارِ فَقَالَتْ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، ادْعُ اللَّهَ أَنْ يُدْخِلَنِي الْجَنَّةَ ، فَقَالَ نَبِيُّ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : " إِنَّ الْجَنَّةَ لَا تَدْخُلُهَا عَجُوزٌ " . فَذَهَبَ نَبِيُّ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فَصَلَّى ثُمَّ رَجَعَ إِلَى عَائِشَةَ فَقَالَتْ عَائِشَةُ : لَقَدْ لَقِيتُ مِنْ كَلِمَتِكَ مَشَقَّةً وَشِدَّةً ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : " إِنَّ ذَلِكَ كَذَلِكَ ، إِنَّ اللَّهَ إِذَا أَدْخَلَهُنَّ الْجَنَّةَ حَوَّلَهُنَّ أَبْكَارًا "(1).
وعَنْ سَلَمَة بْن يَزِيد , عَنْ رَسُول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - فِي هَذِهِ الْآيَة { إِنَّا أَنْشَأْنَاهُنَّ إِنْشَاء } قَالَ : " مِنْ الثَّيِّب وَالْأَبْكَار "(2). يعني من أهل الدنيا والله أعلم.
__________
(1) - صفة الجنة لأبي نعيم الأصبهاني(416 ) والمعجم الأوسط للطبراني (5703) حسن لغيره
(2) - تفسير الطبري - (ج 29 / ص 319)(25847 ) ضعيف(1/260)
قال القرطبي: واختلف أيهما أكثر حسنًا وأبهر جمالاً: الحور أو الآدميات؟ فقيل:الحور لما ذكر من وصفهن في القرآن والسنة ولقوله-عليه الصلاة والسلام- في دعائه على الميت في الجنازة: « اللَّهُمَّ اغْفِرْ لَهُ وَارْحَمْهُ وَعَافِهِ وَاعْفُ عَنْهُ وَأَكْرِمْ نُزُلَهُ وَوَسِّعْ مُدْخَلَهُ وَاغْسِلْهُ بِالْمَاءِ وَالثَّلْجِ وَالْبَرَدِ وَنَقِّهِ مِنَ الْخَطَايَا كَمَا نَقَّيْتَ الثَّوْبَ الأَبْيَضَ مِنَ الدَّنَسِ وَأَبْدِلْهُ دَارًا خَيْرًا مِنْ دَارِهِ وَأَهْلاً خَيْرًا مِنْ أَهْلِهِ وَزَوْجًا خَيْرًا مِنْ زَوْجِهِ وَأَدْخِلْهُ الْجَنَّةَ وَأَعِذْهُ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ أَوْ مِنْ عَذَابِ النَّارِ ».(1)
وقيل :الآدميات أفضل من الحور العين بسبعين ألف ضعف ...ثم ذكر قول حبان بن أبي جبلة:إن نساء الدنيا من دخل منهنّ الجنة فضلن على الحور العين بما عملن في الدنيا"(2)
وعَنْ عَمْرو بْن مَيْمُون , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد اللَّه : إِنَّ الْمَرْأَة مِنْ أَهْل الْجَنَّة لَتَلْبَس سَبْعِينَ حُلَّة مِنْ حَرِير , فَيُرَى بَيَاضُ سَاقِهَا وَحُسْنُهُ , وَمُخّ سَاقِهَا مِنْ وَرَاء ذَلِكَ , وَذَلِكَ لِأَنَّ اللَّه قَالَ : { كَأَنَّهُنَّ الْيَاقُوت وَالْمَرْجَان } أَلَا تَرَى أَنَّ الْيَاقُوت حَجَر فَإِذَا أَدْخَلْت فِيهِ سِلْكًا , رَأَيْت السِّلْك مِنْ وَرَاء الْحَجَر .(3)
وعَنْ عَمْرو بْن مَيْمُون , قَالَ : " إِنَّ الْمَرْأَة مِنَ الْحُور الْعِين لَتَلْبَس سَبْعِينَ حُلَّة , فَيُرَى مُخّ سَاقهَا كَمَا يُرَى الشَّرَاب الْأَحْمَر فِي الزُّجَاجَة الْبَيْضَاء "(4).
__________
(1) - صحيح مسلم(2276 ) - البرد : الماء الجامد ينزل من السماء قطعا صغارا -الدنس : الوسخ
(2) - تفسير القرطبي: (17/143) والحديث ضعيف
(3) - تفسير الطبري - (ج 29 / ص 249)(25646 ) صحيح
(4) - تفسير الطبري - (ج 29 / ص 249)(25647 ) صحيح مرسل(1/261)
وعَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : إِنَّ أَدْنَى أَهْلِ الْجَنَّةِ مَنْزِلَةً، إِنَّ لَهُ لَسَبْعَ دَرَجَاتٍ، وَهُوَ عَلَى السَّادِسَةِ، وَفَوْقَهُ السَّابِعَةُ، وَإِنَّ لَهُ لَثَلاَثَ مِائَةِ خَادِمٍ، وَيُغْدَى عَلَيْهِ كُلَّ يَوْمٍ وَيُرَاحُ بثَلاَثُ مِائَةِ صَحْفَةٍ. وَلاَ أَعْلَمُهُ إِلاَّ قَالَ: مِنْ ذَهَبٍ فِى كُلِّ صَحْفَةٍ لَوْنٌ لَيْسَ فِى الأُخْرَى، وَإِنَّهُ لَيَلَذُّ أَوَّلَهُ كَمَا يَلَذُّ آخِرَهُ، وَإِنَّهُ لَيَقُولُ: يَا رَبِّ لَوْ أَذِنْتَ لِى لأَطْعَمْتُ أَهْلَ الْجَنَّةِ، وَسَقَيْتُهُمْ لَمْ يَنْقُصْ مِمَّا عِنْدِى شَىْءٌ، وَإِنَّ لَهُ مِنَ الْحُورِ الْعِينِ لاَثْنَيْنِ وَسَبْعِينَ زَوْجَةً سِوَى أَزْوَاجِهِ مِنَ الدُّنْيَا، وَإِنَّ الْوَاحِدَةَ مِنْهُنَّ لَيَأْخُذ مَقْعَدُتهَا قَدْرَ مِيلٍ مِنَ الأَرْضِ.(1)
وعن عبد الله بن أبي أوفى ، ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : " إِنَّ الرَّجُلَ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ لَيُزَوَّجُ خَمْسَمِائَةِ حَوْرَاءَ ، وَأَرْبَعَ آلَافِ بِكْرٍ ، وَثَمَانِيَةَ آلَافِ ، يُعَانِقُ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ مِقْدَارَ عُمْرِهِ فِي الدُّنْيَا"(2)
الثيّب : مَن ليس ببكر، ويقع علي الذكر والأنثى، رَجُل ثُيّب وامرأة ثيب، وقد يُطْلق على المرأة البالغة وإن كانت بكْرا، مجَازا واتّساعا.
__________
(1) - مسند أحمد(11223) وغاية المقصد فى زوائد المسند(5122 ) حسن
(2) - البعث والنشور للبيهقي (364 ) فيه مبهم(1/262)
وعن عبد الرحمن بن سابط ، قال : " إِنَّ الرَّجُلَ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ لَيُزَوَّجُ خَمْسَمِائَةِ حَوْرَاءَ ، وَأَرْبَعَمِائَةِ بِكْرٍ ، وَثَمَانِيَةَ آلَافِ مَا مِنْهُمْ وَاحِدَةٌ إِلَّا يُعَانِقُهَا عُمْرَ الدُّنْيَا كُلِّهَا ، لَا يَأْجَمُ وَاحِدٌ مِنْهُمَا مِنْ صَاحِبِهِ ، وَإِنَّهُ لَتُوضَعُ مَائِدَتُهُ ، فَمَا تَنْقَضِي مِنْهَا عُمْرَ الدُّنْيَا كُلَّهُ ، وَإِنَّهُ لَيَأْتِيهِ الْمَلَكُ بِتَحِيَّةٍ مِنْ رَبِّهِ عَزَّ وَجَلَّ ، وَبَيْنَ أُصْبُعِهِ مِائَةٌ ، أَوْ سَبْعُونَ حُلَّةً ، فَيَقُولُ : مَا أَتَانِي مِنْ رَبِّي شَيْءٌ أَعْجَبُ إِلَيَّ مِنْ هَذَا ، فَيَقُولُ : أَيُعْجِبُكَ هَذَا ؟ قَالَ : نَعَمْ . قَالَ : فَيَقُولُ الْمَلَكُ شَجَرَةٍ : يَا شَجَرَةُ كُونِي لِفُلَانٍ مِنْ هَذَا مَا اشْتَهَتْ نَفْسُهُ "(1)
الثيّب : مَن ليس ببكر، ويقع علي الذكر والأنثى، رَجُل ثُيّب وامرأة ثيب، وقد يُطْلق على المرأة البالغة وإن كانت بكْرا، مجَازا واتّساعا.- الأدنى : الأقرب
وعَنْ أَنَسٍ أَنَّ أُمَّ حَارِثَةَ أَتَتْ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - وَقَدْ هَلَكَ حَارِثَةُ يَوْمَ بَدْرٍ ، أَصَابَهُ غَرْبُ سَهْمٍ . فَقَالَتْ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَدْ عَلِمْتَ مَوْقِعَ حَارِثَةَ مِنْ قَلْبِى ، فَإِنْ كَانَ فِى الْجَنَّةِ لَمْ أَبْكِ عَلَيْهِ ، وَإِلاَّ سَوْفَ تَرَى مَا أَصْنَعُ . فَقَالَ لَهَا « هَبِلْتِ ، أَجَنَّةٌ وَاحِدَةٌ هِىَ إِنَّهَا جِنَانٌ كَثِيرَةٌ ، وَإِنَّهُ فِى الْفِرْدَوْسِ الأَعْلَى ».
__________
(1) - العظمة لأبي الشيخ الأصبهاني(575 ) فيه ضعف(1/263)
وَقَالَ: « غَدْوَةٌ فِى سَبِيلِ اللَّهِ أَوْ رَوْحَةٌ خَيْرٌ مِنَ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا ، وَلَقَابُ قَوْسِ أَحَدِكُمْ أَوْ مَوْضِعُ قَدَمٍ مِنَ الْجَنَّةِ خَيْرٌ مِنَ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا ، وَلَوْ أَنَّ امْرَأَةً مِنْ نِسَاءِ أَهْلِ الْجَنَّةِ اطَّلَعَتْ إِلَى الأَرْضِ ، لأَضَاءَتْ مَا بَيْنَهُمَا ، وَلَمَلأَتْ مَا بَيْنَهُمَا رِيحًا ، وَلَنَصِيفُهَا - يَعْنِى الْخِمَارَ - خَيْرٌ مِنَ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا »(1).
والنصيف: هو الخمار(غطاء الرأس).
وعن يحيى بن أبي كثير " أَنَّ الْحُورَ الْعِينَ ، يَتَلَقَّيْنَ أَزْوَاجَهُنَّ عِنْدَ أَبْوَابِ الْجَنَّةِ فَيَقُلْنَ طَالَمَا انْتَظَرْنَاكُمْ فَنَحْنُ الرَّاضِيَاتُ فَلَا نَسْخَطُ وَالْمُقِيماتُ فَلَا نَظْعَنُ ، وَالْخَالِدَاتُ فَلَا نَمُوتُ ، بِأَحْسَنِ أَصْوَاتٍ سُمِعَتْ . وَتَقُولُ : أَنْتَ حِبِّي وَأَنَا حِبُّكَ لَيْسَ دُونَكَ قَصْدٌ وَلَا وَرَاءَكَ مَعْدًى "(2)- سخط : غضب
وقال مالك بن دينار:نمت ذات ليلة-ولم يقرأ حزبه- فإذا أنا في المنام بجاريةٍ ذات حسن ٍوجمال وبيدها رقعة, فقالت: أتحسن أن تقرأ؟ فقلت: نعم, فدفعت إليّ الرقعة فإذا مكتوبٌ فيها هذه الأبيات:
لَهَاكَ النومُ عن طلبِ الأماني.... وعن تلكَ الأَوانِس ِفي الجنانِ
تعيشُ مخلدًا لا موتَ فيها..... وتلهوُ في الخِيام ِمَعَ الحِسانِ
تنبَّهْ مِن منامك إنَّ خَيرًا..... مِن النَّومِ التهجد بالقُرَانِ(3)
__________
(1) - صحيح البخارى(6567 و6568)
(2) - الزهد والرقائق لابن المبارك (2050 ) صحيح مقطوع
(3) - التذكرة للقرطبي:ص511(1/264)
وعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ : أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - ، قَالَ : غَدْوَةٌ فِي سَبِيلِ اللهِ ، أَوْ رَوْحَةٌ خَيْرٌ مِنَ الدُّنْيَا ، وَمَا فِيهَا وَلَقَابُ قَوْسِ أَحَدِكُمْ ، أَوْ مَوْضِعُ قَدَمٍ مِنَ الْجَنَّةِ خَيْرٌ مِنَ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا ، وَلَوْ أَنَّ امْرَأَةً اطَّلَعَتْ إِلَى الأَرْضِ مِنْ نِسَاءِ أَهْلِ الْجَنَّةِ لَأَضَاءَتْ مَا بَيْنَهُمَا ، وَلَمَلَأَتْ مَا بَيْنَهُمَا رِيحًا ، وَلَنَصِيفُهَا عَلَى رَأْسِهَا خَيْرٌ مِنَ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا.(1)
النصيف : الخمار
والقاب: هو القدر، وقال أبو معمر قاب القوس من مقبضه إلى رأسه
وعَنْ مُحَمَّدٍ قَالَ إِمَّا تَفَاخَرُوا وَإِمَّا تَذَاكَرُوا الرِّجَالُ فِى الْجَنَّةِ أَكْثَرُ أَمِ النِّسَاءُ فَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ أَوَلَمْ يَقُلْ أَبُو الْقَاسِمِ - صلى الله عليه وسلم - « إِنَّ أَوَّلَ زُمْرَةٍ تَدْخُلُ الْجَنَّةَ عَلَى صُورَةِ الْقَمَرِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ وَالَّتِى تَلِيهَا عَلَى أَضْوَإِ كَوْكَبٍ دُرِّىٍّ فِى السَّمَاءِ لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ زَوْجَتَانِ اثْنَتَانِ يُرَى مُخُّ سُوقِهِمَا مِنْ وَرَاءِ اللَّحْمِ وَمَا فِى الْجَنَّةِ أَعْزَبُ ».(2)
__________
(1) - صحيح ابن حبان - (ج 16 / ص 411)(7398) صحيح
(2) - صحيح مسلم (7325 )(1/265)
وعن أَيُّوبَ ، قَالَ : سَمِعْتُ مُحَمَّدًا ، يَقُولُ : اخْتَصَمَ الرِّجَالُ وَالنِّسَاءُ أَيُّهُمْ فِي الْجَنَّةِ أَكْثَرُ فَأَتَوْا أَبَا هُرَيْرَةَ ، فَسَأَلُوهُ ، فَقَالَ : قَالَ أَبُو الْقَاسِمِ - صلى الله عليه وسلم - : أَوَّلُ زُمْرَةٍ تَدْخُلُ الْجَنَّةَ مِنَ أُمَّتِي عَلَى صُورَةِ الْقَمَرِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ ، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ عَلَى أَضْوَأِ كَوْكَبٍ فِي السَّمَاءِ دُرِّيٍّ أَوْ دُرِّيءٍ - شَكَّ سُفْيَانُ - لِكُلِّ رَجُلٍ مِنْهُمْ زَوْجَتَانِ اثْنَتَانِ يُرَى مُخُّ سُوقِهِنَّ مِنْ وَرَاءِ اللَّحْمِ ، وَمَا فِي الْجَنَّةِ أَعْزُبُ.(1)
الزمرة : الجماعة من الناس - الدري : الكوكب المتلألئ الضوء -مخ الشيء : خالصه
وعَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - ، قَالَ: إِنَّ الْمَرْأَةَ مِنْ نِسَاءِ أَهْلِ الْجَنَّةِ ، لَيُرَى بَيَاضُ سَاقِهَا مِنْ وَرَاءِ سَبْعِينَ حُلَةً ، حَتَّى يُرَى مُخُّهَا ، وَذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ يَقُولُ : {كَأَنَّهُنَّ الْيَاقُوتُ وَالْمَرْجَانُ} (58) سورة الرحمن، فَأَمَّا الْيَاقُوتُ ، فَإِنَّهُ حَجَرٌ ، لَوْ أُدْخَلْتَ فِيهِ سِلْكًا ، ثُمَّ اسْتَصْْفَيْتَهُ لأُرِيتَهُ مِنْ وَرَائِهِ.(2)
وعَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - ، قَالَ : إِنَّ الْمَرْأَةَ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ لِيُرَى بَيَاضُ سَاقِهَا مِنْ سَبْعِينَ حُلَّةِ حَرِيرٍ ، وَذَلِكَ أَنَّ اللَّهَ يَقُولُ : {كَأَنَّهُنَّ الْيَاقُوتُ وَالْمَرْجَانُ} [الرحمن] ، فَأَمَّا الْيَاقُوتُ ، فَإِنَّهُ حَجَرٌ لَوْ أَدْخَلْتَهُ سِلْكًا ثُمَّ اطَّلَعْتَ لَرَأَيْتَهُ مِنْ وَرَائِهِ.(3)
__________
(1) - صحيح ابن حبان - (ج 16 / ص 437)(7420) صحيح
(2) - سنن الترمذى(2726) صحيح لغيره
(3) - صحيح ابن حبان - (ج 16 / ص 408)(7396) صحيح(1/266)
وعَنْ سَعِيدِ بن عَامِرِ بن حِذْيَمٍ ، قَالَ : سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ : لَوْ أَنَّ امْرَأَةً مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ أَشْرَفَتْ إِلَى أَهْلِ الأَرْضِ لَمَلأَتِ الأَرْضَ رِيحَ مِسْكٍ ، وَلأَذْهَبَتْ ضَوْءَ الشَّمْسِ وَالْقَمَرِ ، وَإِنِّي وَاللَّهِ مَا كُنْتُ لأَخْتَارَكِ عَلَيْهِنَّ ، وَدَفَعَ فِي صَدْرِهَا ، يَعْنِي امْرَأَتَهُ .(1)
وعن رَبِيعََ بْنِ كُلْثُومٍ ، قَالَ : سَمِعْتُ الْحَسَنَ ، يَقُولُ : قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - : وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ ، لَوْ أَنَّ امْرَأَةً مِنْ نِسَاءِ أَهْلِ الْجَنَّةِ أَشْرَفَتْ عَلَى أَهْلِ الأَرْضِ ، لَمَلأَتِ الأَرْضَ مِنْ رِيحِ الْمِسْك ، وَلَنَصِيفُ امْرَأَةٍ مِنْ نِسَاءِ أَهْلِ الْجَنَّةِ خَيْرٌ مِنَ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا ، هَلْ تَدْرُونَ مَا النَّصِيفُ ؟ هُوَ الْخِمَارُ.(2)
__________
(1) - المعجم الكبير للطبراني - (ج 5 / ص 307)(5379) حسن
(2) - مصنف ابن أبي شيبة(ج 13 / ص 122)(35156) صحيح مرسل(1/267)
وَعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ : حَدَّثَنِي رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ : " حَدَّثَنِي جِبْرِيلُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - قَالَ : يَدْخُلُ الرَّجُلُ عَلَى الْحَوْرَاءِ فَتَسْتَقْبِلُهُ بِالْمُعَانَقَةِ وَالْمُصَافَحَةِ " . قَالَ رَسُولُ اللَّهِ : " فَبِأَيِّ بَنَانٍ تُعَاطِيهِ ! ، لَوْ أَنَّ بَعْضَ بَنَانِهَا بَدَا لَغَلَبَ ضَوْءُهُ ضَوْءَ الشَّمْسِ وَالْقَمَرِ ، وَلَوْ أَنَّ طَاقَةً مِنْ شِعْرِهَا بَدَتْ لَمَلَأَتْ مَا بَيْنَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ مِنْ طِيبِ رِيحِهَا ، فَبَيْنَا هُوَ مُتَّكِئٌ مَعَهَا عَلَى أَرِيكَةٍ إِذْ أَشْرَفَ عَلَيْهِ نُورٌ مِنْ فَوْقِهِ، فَيَظُنُّ أَنَّ اللَّهُ - عَزَّ وَجَلَّ - قَدْ أَشْرَفَ عَلَى خَلْقِهِ ، فَإِذَا حَوْرَاءُ تُنَادِيهِ : يَا وَلِيَّ اللَّهِ أَمَا لَنَا فِيكَ مِنْ دُولَةٍ ؟ فَيَقُولُ : مَنْ أَنْتِ يَا هَذِهِ ؟ فَتَقُولُ : أَنَا مِنَ اللَّوَاتِي قَالَ اللَّهُ تَعَالَى : {لَهُم مَّا يَشَاؤُونَ فِيهَا وَلَدَيْنَا مَزِيدٌ} (35) سورة ق، فَيَتَحَوَّلُ عِنْدَهَا ، فَإِذَا عِنْدَهَا مِنَ الْجَمَالِ وَالْكَمَالِ مَا لَيْسَ مَعَ الْأُولَى ، فَبَيْنَا هُوَ مُتَّكِئٌ مَعَهَا عَلَى أَرِيكَتِهِ إِذْ أَشْرَفَ عَلَيْهِ نُورٌ مِنْ فَوْقِهِ ، فَإِذَا حَوْرَاءُ أُخْرَى تُنَادِيهِ : يَا وَلِيَّ اللَّهِ أَمَا لَنَا فِيكَ مِنْ دُولَةٍ ؟ فَيَقُولُ : وَمَنْ أَنْتِ ؟ فَتَقُولُ : أَنَا مِنَ اللَّوَاتِي قَالَ اللَّهُ - عَزَّ وَجَلَّ - : {فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَّا أُخْفِيَ لَهُم مِّن قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاء بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} (17) سورة السجدة ، فَلَا يَزَالُ يَتَحَوَّلُ مِنْ زَوْجَةٍ إِلَى زَوْجَةٍ "(1).
__________
(1) - المعجم الأوسط للطبراني(9124 ) ضعيف(1/268)
البنان : أطراف الأصابع -بدا : وضح وظهر - الأريكة : كل ما اتكئ عليه من سرير أو فراش أو منصة
وعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، عن النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - ، فِي قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ : كَأَنَّهُنَّ الْيَاقُوتُ وَالْمَرْجَانُ ، قَالَ : يَنْظُرُ إِلَى وَجْهِهِ فِي خَدِّهَا أَصْفَى مِنَ الْمَرْآةِ ، وَإِنَّ أَدْنَى لُؤْلُؤَةٍ عَلَيْهَا لَتُضِيءُ مَا بَيْنَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ ، وَإِنَّهَا يَكُونُ عَلَيْهَا سَبْعُونَ ثَوْبًا يَنْفُذُهَا بَصَرُهُ حَتَّى يَرَى مُخَّ سَاقِهَا مِنْ وَرَاءِ ذَلِكَ"(1)
وعن أنس بن مالك ، قال : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : ، لَوْ أَنَّ حَوْرَاءَ بَصَقَتْ فِي سَبْعَةِ أَبْحُرٍ لَعَذُبَتِ الْبِحَارُ مِنْ عُذُوبَةِ رِيقِهَا ، وَيُخْلَقُ الْحَوْرَاءُ مِنَ الزَّعْفَرَانِ(2)
وعن أبي عياش قَالَ : كُنَّا جُلُوسًا مَعَ فَقَالَ : " لَوْ أَنَّ يَدًا مِنَ الْحَوْرَاءِ تُدْلِي بِبَيَاضِهَا وَخَوَاتِمِهَا دُلِّيَتْ ، لَأَضَاءَتْ لَهَا الْأَرْضُ كَمَا تُضِيءُ الشَّمْسُ لِأَهْلِ الدُّنْيَا " ، ثُمَّ قَالَ : " إِنَّمَا قُلْتُ يَدَهَا ، فَكَيْفَ بِالْوَجْهِ بِبَيَاضِهِ ، وَحُسنِهِ وَجَمَالِهِ ، وَتَاجِهِ بِيَاقُوتِهِ وَلُؤْلُؤِهِ وَزَبرْجَدِهِ ؟ وَلَوْ أَنَّ دَلْوًا مِنْ غِسْلِينَ دُلِّيَتْ لَمَاتَ مِنْ رِيحِهَا مَا بَيْنَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ "(3)
__________
(1) - المستدرك للحاكم(3774) حسن
(2) - صفة الجنة لأبي نعيم الأصبهاني(410 ) ضعيف
(3) - الزهد والرقائق لابن المبارك(1867 ) حسن مقطوع(1/269)
وَعَنْ أُمِّ سَلَمَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَتْ : قُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، أَخْبِرْنِي عَنْ قَوْلِ اللَّهِ - عَزَّ وَجَلَّ - : حُورٌ عِينٌ قَالَ : " حُورٌ : بِيضٌ ، عِينٌ : ضِخَامٌ، شَفْرُ الْحَوْرَاءِ بِمَنْزِلَةِ جَنَاحِ النَّسْرِ " . قُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، فَأَخْبِرْنِي عَنْ قَوْلِ اللَّهِ - عَزَّ وَجَلَّ - : كَأَنَّهُنَّ الْيَاقُوتُ وَالْمَرْجَانُ قَالَ : " صَفَاؤُهُنَّ كَصَفَاءِ الدُّرِّ الَّذِي فِي الْأَصْدَافِ الَّذِي لَا تَمَسُّهُ الْأَيْدِي " . قُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، فَأَخْبِرْنِي عَنْ قَوْلِ اللَّهِ : فِيهِنَّ خَيْرَاتٌ حِسَانٌ قَالَ : " خَيْرَاتُ الْأَخْلَاقِ ، حِسَانُ الْوُجُوهِ " . قَالَ : قُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، فَأَخْبِرْنِي عَنْ قَوْلِهِ تَعَالَى : كَأَنَّهُنَّ بَيْضٌ مَكْنُونٌ قَالَ : " رِقَّتُهُنَّ كَرِقَّةِ الْجِلْدِ الَّذِي فِي دَاخِلِ الْبَيْضَةِ مِمَّا يَلِي الْقِشْرَ " . قُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، فَأَخْبِرْنِي عَنْ قَوْلِهِ : عُرُبًا أَتْرَابًا ، قَالَ : " هُنَّ اللَّاتِي قُبِضْنَ فِي دَارِ الدُّنْيَا عَجَائِزَ ، رُمْصًا ، شُمْطًا ، خَلَقَهُنَّ اللَّهُ بَعْدَ الْكِبَرِ فَجَعَلَهُنَّ عَذَارَى " . قَالَ : " عُرُبًا : مُعَشَّقَاتٍ ، مُحَبَّبَاتٍ ، أَتْرَابًا : عَلَى مِيلَادٍ وَاحِدٍ " . قُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، أَنِسَاءُ الدُّنْيَا أَفْضَلُ أَمِ الْحُورُ الْعِينُ ؟ قَالَ : " نِسَاءُ الدُّنْيَا أَفْضَلُ مِنَ الْحُورِ الْعِينِ كَفَضْلِ الظِّهَارَةِ عَلَى الْبِطَانَةِ " .(1/270)
قُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، وَبِمَ ذَاكَ ؟ قَالَ : " بِصَلَاتِهِنَّ ، وَصِيَامِهِنَّ لِلَّهِ - عَزَّ وَجَلَّ - أَلْبَسَ اللَّهُ - عَزَّ وَجَلَّ - وُجُوهَهُنَّ النُّورَ ،وَأَجْسَادَهُنَّ الْحَرِيرَ، بِيضُ الْأَلْوَانِ ، خُضْرُ الثِّيَابِ ، صُفْرُ الْحُلِيِّ، مَجَامِرُهُنَّ الدُّرُّ ، وَأَمْشَاطُهُنَّ الذَّهَبُ ، يَقُلْنَ : أَلَا نَحْنُ الْخَالِدَاتُ فَلَا نَمُوتُ أَبَدًا ، أَلَا وَنَحْنُ النَّاعِمَاتُ فَلَا نَبْأَسُ أَبَدًا ، أَلَا وَنَحْنُ الْمُقِيمَاتُ فَلَا نَظْعَنُ أَبَدًا ، أَلَا وَنَحْنُ الرَّاضِيَاتُ فَلَا نَسْخَطُ أَبَدًا ، طُوبَى لِمَنْ كُنَّا لَهُ وَكَانَ لَنَا " . قُلْتُ : الْمَرْأَةُ مِنَّا تَتَزَوَّجُ الزَّوْجَيْنِ وَالثَّلَاثَةَ وَالْأَرْبَعَةَ فِي الدُّنْيَا، ثُمَّ تَمُوتُ فَتَدْخُلُ الْجَنَّةَ وَيَدْخُلُونَ مَعَهَا ، مَنْ يَكُونُ زَوْجَهَا مِنْهُمْ ؟ قَالَ : " يَا أُمَّ سَلَمَةَ، [ إِنَّهَا ] تُخَيَّرُ فَتَخْتَارُ أَحْسَنَهُمْ خُلُقًا " . قَالَ : " فَتَقُولُ : أَيْ رَبِّ ، إِنَّ هَذَا كَانَ أَحْسَنَهُمْ مَعِي خُلُقًا فِي دَارِ الدُّنْيَا فَزَوِّجْنِيهِ ، يَا أُمَّ سَلَمَةَ ذَهَبَ حُسْنُ الْخُلُقِ بِخَيْرِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ " . رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي الْأَوْسَطِ(1)
ورحم الله من قال:
يا خاطبَ الحُور ِفي خِدْرها .... وطالبًا ذاك على قَدرِها
انْهضْ بجد ٍلا تَكُن وانيًا ..... وجاهدْ النفسَ على صَبرها
وقُمْ إذا الليلُ بَدَا وَجْهُه .... وصم نهارًا فهو من مهرها
ـــــــــــــــ
__________
(1) - المعجم الأوسط للطبراني (3259) ومجمع الزوائد(18755) ضعيف(1/271)
المبحث الثالث و الثلاثون
نساء الدنيا
زوجة المؤمن في الدنيا تكون زوجته في الجنة أيضا إذا كانت مؤمنة ، قال تعالى { جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آَبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ وَالْمَلَائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بَابٍ (23) سَلَامٌ عَلَيْكُمْ بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ (24) [الرعد/23-24] }
وَتِلْكَ العَاقِبَةُ الحَسَنَةُ هِيَ دُخُولُ جَنَاتِ عَدْنٍ ، وَالإِقَامَةُ فِيهَا خَالِدِينَ أَبَداً ، لاَ يَخْرُجُونَ مِنْهَا . وَيَجْمَعُ اللهُ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ أَحْبَابِهِمْ مِنَ الآبَاءِ وَالأَزْوَاجِ وَالأَبْنَاءِ الصَّالِحِينَ لِدُخُولِ الجَنَّةِ ، لِتَقَرَّ بِهِمْ أَعْيُنُهُمْ؛ وَتَدْخُلُ عَلَيْهِمُ المَلائِكَةُ مِنْ كُلِّ بَابٍ مُسْلِمِينَ مُهَنِّئِينَ بِدُخُولِ الجَنَّةِ ، وَبِرِضْوَانِ اللهِ عَلَيْهِمْ .
وَتَقُولُ لَهُمُ المَلاَئِكَةُ : سَلاَمٌ عَلَيْكُمْ ، وَأَمْنٌ دَائِمٌ لَكُمْ ، لَقَدْ صَبَرْتُمْ فِي سَبِيلِ اللهِ ، وَاحْتَمَلْتُمُ المَشَاقَّ وَالآلاَمَ ، فَفُزْتُمْ بِرِضْوَانِ اللهِ ، فَنَعِمَتْ عَاقِبَتُكُمْ فِي الدَّارِ الآخِرَةِ .
وقال تعالى :{ رَبَّنَا وَأَدْخِلْهُمْ جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدْتَهُمْ وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آَبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (8) وَقِهِمُ السَّيِّئَاتِ وَمَنْ تَقِ السَّيِّئَاتِ يَوْمَئِذٍ فَقَدْ رَحِمْتَهُ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (9) } [غافر/8، 9](1/272)
وَتُتَابعَ المَلاَئِكَةُ الأَطْهَارُ دُعَاءَهُمْ لِلْمُؤْمِنِينَ التَّائِبِينَ ، فَيَسْأَلُونَ رَبَّهُم تَعَالَى أَنْ يُدْخِلَهُم الجَنَّاتِ التِي وَعَدَهُمْ تَعَالَى بِهَا عَلَى أَلْسِنَةِ رُسُلِهِ ، وَأَنْ يُدْخِلَ مَعَهُم الجَنَّاتِ الصَّالِحِينَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِيَّاتِهِمْ لِتَقَرَّ بِهِمْ أَعْيُنُهُمْ ، فَإِن الاجْتِمَاعَ بِالأَهْلِ والعَشِيرَةِ فِي مَوَاضِعِ السُّرُورُ يَكُونَ أَكْمَلَ لِلْبَهْجَةِ والأُنْسِ ، فَأَنْتَ يَا رَبّ الغَالِبُ الذِي لاَ يُقَاوَمُ ، الحَكِيمُ فِي شَرْعِهِ وَفَعْلِهِ وَتَدْبِيرِهِ .
وَاصْرِفْ عَنْهُمْ عَاقِبَةَ مَا اقْتَرَفُوهُ مِنْ فِعْلِ السَّيِّئَاتِ قَبْلَ تَوْبَتِهِمْ ( أَوِ اصْرِفْ عَنْهُمْ فِعْلَ السَّيِّئاتِ ) ، وَمَنْ تَصْرِفْ عَنْهُ عَاقِبَةَ مَا ارْتَكَبَ مِنْ السَّيِّئَاتِ يَوْمَ القِيَامَةِ فَإِنَّكَ تَكُونَ قَدْ رَحِمْتَهُ ، وَنَجَّيْنَهُ مِنْ عَذَابِكَ ، وَهَذَا هُوَ الفَوْزُ الأَكْبَرُ الذِي لاَ يَعْدِلُهُ فَوْزٌ .
وَيَكُونُ أَصْحَابُ الجَنَّةِ فِي ذَلِكَ اليَومِ فَرحِينَ سُعَدَاءَ يَتَمَتَّعُونَ بِلَذَّاتِهَا ، وَيَكُونُونَ فِي شُغَلٍ بِذَلِكَ النَّعِيمِ عَمَّا سِوَاهُ مِنَ الشَّوَاغِلِ .وَيَكُونُونَ هُمْ وَأَزْوَاجُهُمْ فِي ظِلاَلٍ وَارِفَةٍ لاَ يُصِيبُهم فِيهَا لَفْحُ الشَّمْسِ ، وَهُمْ جَالِسُونَ عَلَى الأَرَائِكِ ، وَمُتَّكِئُونَ عَلَيْهَا فِي وَضْعِ المُنعَّمِ المُرْتَاحِ فِي جَلْسَتِهِ قال تعالى : { إِنَّ أَصْحَابَ الْجَنَّةِ الْيَوْمَ فِي شُغُلٍ فَاكِهُونَ (55) هُمْ وَأَزْوَاجُهُمْ فِي ظِلَالٍ عَلَى الْأَرَائِكِ مُتَّكِئُونَ (56)[يس/55، 56]} ،
وقال تعالى : { الَّذِينَ آَمَنُوا بِآَيَاتِنَا وَكَانُوا مُسْلِمِينَ (69) ادْخُلُوا الْجَنَّةَ أَنْتُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ تُحْبَرُونَ (70) } [الزخرف/69-71](1/273)
يُبَيِّنُ اللهُ تَعَالَى فِي هَذِهِ الآيَةِ الكَرِيمَةِ صِفَةَ الذِينَ يَسْتَحِقُّونَ الأَمْنَ مِنَ اللهِ ، وَالرِّضَا ، فَلاَ يَخَافُونَ العَذَابَ ، وَلاَ يَحْزَنُونَ عَلَى مَا خَلَّفُوهُ فِي الدُّنْيَا ، فَقَالَ إِنَّ هَؤُلاَءِ هُمُ الذِينَ آمَنَتْ قُلُوبُهُمْ ، وَصَفَتْ نُفُوسُهُمْ ، وانْقَادَتْ لِشَرْعِ الله بَوَاطِنُهُمْ وَظَوَاهِرُهُمْ .
وَقَالَ لَهُمْ : ادْخُلُوا أَيُّهَا المُؤْمِنُونَ وَنُظَراؤُكُم الجَنَّةَ تَنْعَمُونَ فِيهَا وَتَسْعَدُونَ ( تُحْبَرُونَ ) بِمَا أَعَدَّهُ اللهُ تَعَالَى لَكُمْ مِنْ عَطَاءٍ غَيْرِ مَمْنُونٍ وَلاَ مَقْطُوعٍ .
والمرأة تكون لآخر أزواجها في الدنيا ، فعَنْ عَطِيَّةَ بْنِ قَيْسٍ الْكَلَاعِيِّ قَالَ : خَطَبَ مُعَاوِيَةُ بْنُ أَبِي سُفْيَانَ أُمَّ الدَّرْدَاءِ بَعْدَ وَفَاةِ أَبِي الدَّرْدَاءِ قَالَتْ أُمُّ الدَّرْدَاءِ : سَمِعْتُ أَبَا الدَّرْدَاءِ يَقُولُ : سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ : " أَيُّمَا امْرَأَةٍ تُوَفِّي عَنْهَا زَوْجُهَا فَتَزَوَّجَتْ بَعْدَهُ فَهِيَ لِآخِرِ أَزْوَاجِهَا " . وَمَا كُنْتُ لِأَخْتَارَ عَلَى أَبِي الدَّرْدَاءِ . فَكَتَبَ إِلَيْهَا مُعَاوِيَةُ : فَعَلَيْكِ بِالصَّوْمِ ، فَإِنَّهَا مَحْسَمَةٌ . رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي الْكَبِيرِ ، وَالْأَوْسَطِ(1)
__________
(1) - المعجم الأوسط للطبراني(3248 ) حسن لغيره(1/274)
وعَنْ حُذَيْفَةَ رَضِىَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ لاِمْرَأَتِهِ : إِنْ سَرَّكِ أَنْ تَكُونِى زَوْجَتِى فِى الْجَنَّةِ فَلاَ تَزَوَّجِى بَعْدِى فَإِنَّ الْمَرْأَةَ فِى الْجَنَّةِ لآخِرِ أَزْوَاجِهَا فِى الدُّنْيَا فَلِذَلِكَ حَرُمَ عَلَى أَزْوَاجِ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - أَنْ يَنْكِحْنَ بَعْدَهُ لأَنَّهُنَّ أَزْوَاجُهُ فِى الْجَنَّةِ.(1)
وعَنْ أنس رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ أُمَّ حَبِيبَةَ أَوْ غَيْرَهَا قَالَتْ لِلنَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، الْمَرْأَةُ يَمُوتُ زَوْجُهَا فَتَتَزَوَّجُ بَعْدَهُ زَوْجًا آخَرَ ثُمَّ يَمُوتُ ، لِمَنْ هِيَ ؟ قَالَ : لِأَحْسَنِهِمَا خُلُقًا كَانَ مَعَهَا "(2)
وعَن أَنَسٍ ، قال : قالت أم حبيبة : يا رسول الله المرأة يكون لها الزوجان في الدنيا ، يعني يكون زوجًا بعد زوج فيدخلون الجنة فلأيهما تكون ؟ قال : لأحسنهما خلقاً.(3)
وعَنْ أَنَسٍ ، قَالَ: قَالَتْ أُمُّ حَبِيبَة ، زَوْجُ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - : يَا رَسُولَ اللهِ ، الْمَرْأَةُ مِنَّا يَكُونُ لَهَا فِي الدُّنْيَا زَوْجَانِ ، ثُمَّ تَمُوتُ ، فَتَدْخُلُ الْجَنَّةَ هِيَ وَزَوْجَاهَا ، لأَيِّهِمَا تَكُونُ ، لِلأَوَّلِ ، أَوْ لِلأَخِيرِ ؟ قَالَ : تُخَيَّرُ أَحْسَنُهُمَا خُلُقًا كَانَ مَعَهَا فِي الدُّنْيَا ، فَيَكُونُ زَوْجَهَا فِي الْجَنَّةِ ، يَا أُمَّ حَبِيبَةَ ، ذَهَبَ حُسْنُ الْخُلُقِ بِخَيْرِ الدُّنْيَا ، وَخَيْرِ الآخِرَةِ.(4)
__________
(1) - السنن الكبرى للبيهقي (ج 7 / ص 69)(13803) صحيح موقوف ومثله لا يقال بالرأي
(2) - الكلاباذي (297) حسن
(3) - مسند البزار(6631) حسن
(4) - أخرجه عَبْد بن حُمَيْد (1212) حسن(1/275)
قَالَ الشَّيْخُ الْإِمَامُ الزَّاهِدُ رَحِمَهُ اللَّهُ (الكلاباذي): يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - عَرَفَ مِنَ السَّائِلَةِ أَنَّهَا تُرِيدُ أَنْ تَعْرِفَ أَنَّهَا تَكُونُ فِي الْآخِرَةِ لِرَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - كَمَا كَانَتْ هِيَ لَهُ فِي الدُّنْيَا ، فَإِنَّ هَذَا الْحَدِيثَ عَنْ أُمِّ حَبِيبَةَ ، وَأَنَّهَا هِيَ السَّائِلَةُ ، وَالْحَدِيثُ الْآخَرُ ، أُرَاهُ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ ، وَكِلْتَاهُمَا كَانَتَا تَحْتَ رَجُلٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ ثُمَّ تَزَوَّجَهَا ، فَعَسَى خَطَرَ بِبَالِ السَّائِلَةِ أَنَّ زَوْجَهَا لَوْ لَمْ يَمُتْ لَكَانَتْ تَحْتَهُ أُخْرَى دَهْرَهَا ، وَإِنَّمَا فَرَّقَ بَيْنَهُمَا الْمَوْتُ فَصَارَتْ لِرَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - ، فَعَسَاهَا أَشْفَقَتْ أَنْ تَكُونَ لِزَوْجِهَا الْأَوَّلِ ، أَعْنِي لَوْلَا الْمَوْتُ لَكَانَا عَلَى نِكَاحِهِمَا ، فَاسْتَخْبَرَتِ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - لِيُقَرِّرَ عِنْدَهَا أَنَّهَا تَكُونُ لَهُ فِي الْآخِرَةِ كَمَا صَارَتْ لَهُ فِي الدُّنْيَا ، فَأَخْبَرَهَا رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - إِشَارَةً أَدْرَكَتِ الْمُرَادَ فِيهِ بِقَوْلِهِ : " لِأَحْسَنِهِمَا خُلُقًا " وَأَحْسَنُ زَوْجِهَا خُلُقًا مَعَهَا النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - ؛ لِأَنَّهُ لَا أَحَدَ أَحْسَنُ خُلُقًا مِنْهُ - صلى الله عليه وسلم - ، لِقَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ ، وَسُئِلَتْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا عَنْ خُلُقِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - ؟ فَقَالَتْ : كَانَ خُلُقُهُ الْقُرْآنَ .(1/276)
فَقَوْلُهُ - صلى الله عليه وسلم - لِلسَّائِلَةِ : " لِأَحْسَنِهِمَا خُلُقًا " أَيْ أَنْتِ لِي فِي الْآخِرَةِ ، كَمَا أَنْتِ لِي فِي الدُّنْيَا ، وَلِلْأُخْرَى : " هِيَ لِآخِرِ زَوْجِهَا " كَذَلِكَ كَأَنَّهُ يَقُولُ لَهُمَا : أَنْتِ لِي إِذِ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - آخِرُ أَزْوَاجِ نِسَائِهِ ؛ لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ لِإِحْدَى نِسَاءِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - وَرَضِيَ اللَّهُ عَنْهُنَّ زَوْجًا سِوَاهُ ، لِقَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ وَقَوْلِهِ تَعَالَى ، فَإِذَا كَانَ لِآخِرِ أَزْوَاجِهَا ، وَآخِرُ أَزْوَاجَهَا النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - كَانَتْ لَهُ . وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ قَوْلُهُ - صلى الله عليه وسلم - " الْمَرْأَةُ لِآخِرِ أَزْوَاجِهَا " فِيمَنْ فَرَّقَ بَيْنَهُمَا الطَّلَاقُ لَا الْمَوْتُ ؛ لِأَنَّ الطَّلَاقَ إِذَا لَمْ يَكُنْ مِنْ بَأْسٍ فَهُوَ سُوءُ الْخُلُقِ ، لِقَوْلِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - : " إِنَّ أَبْغَضَ الْحَلَالِ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى الطَّلَاقُ "(1)
وعن معاذ بن جبل رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : " مَا خَلَقَ اللَّهُ تَعَالَى شَيْئًا عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِنَ الْعَتَاقِ ، وَلَا خَلَقَ اللَّهُ تَعَالَى شَيْئًا أَبْغَضَ مِنَ الطَّلَاقِ "(2)
__________
(1) - بَحْرُ الْفَوَائِدِ الْمُسَمَّى بِمَعَانِي الْأَخْيَارِ لِلْكَلَابَاذِيِّ ( 298 )
(2) - بَحْرُ الْفَوَائِدِ الْمُسَمَّى بِمَعَانِي الْأَخْيَارِ لِلْكَلَابَاذِيِّ (299 ) فيه انقطاع(1/277)
فَإِذَا كَانَ الطَّلَاقُ مِمَّا يُبْغِضُهُ اللَّهُ تَعَالَى فَإِنَّ الْمُؤْمِنَ لَا يَكَادُ يَفْعَلُهُ إِلَّا عَنْ بَأْسٍ ، فَإِذَا كَانَ لِلْمَرْأَةِ زَوْجٌ وَفَرَّقَ بَيْنَهُمَا الطَّلَاقُ مِنْ غَيْرِ بَأْسٍ كَانَ ذَلِكَ لِسُوءِ خُلُقٍ يَكُونُ فِي الرَّجُلِ وَقِلَّةِ مُدَارَاةٍ ، فَإِذَا كَانَ الرَّجُلُ حَسَنَ الْخُلُقِ كَانَتْ فِيهِ مَرَارَةٌ مَعَ امْرَأَتِهِ فَيَسْتَمْتِعُ بِهَا وَيَتَحَمَّلُ سُوءَ خُلُقِهَا ، فَلَا يُفَرِّقُ بَيْنَهُمَا الطَّلَاقُ ، يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ مَا روي وعن أبي هريرة رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : " إِنَّ الْمَرْأَةَ كَالضِّلَعِ إِنْ ذَهَبْتَ تُقِيمُهَا كَسَرْتَهَا ، وَإِنْ تَرَكْتَهَا اسْتَمْتَعْتَ بِهَا عَلَى عِوَجٍ "(1)
فَأَخْبَرَ أَنَّ الرَّجُلَ إِنَّمَا يَسْتَمْتِعُ بِالْمَرْأَةِ يَتَحَمَّلُ مَا يَكُونُ مِنْهَا مِنَ الِاعْوِجَاجِ ، يَكُونُ ذَلِكَ بِالْمُدَارَاةِ ، وَحُسْنِ الْخُلُقِ ، فَإِذَا حَسُنَ خُلُقُ الرَّجُلِ لَا يَكَادُ يُفَرِّقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ امْرَأَتِهِ إِلَّا الْمَوْتُ ، أَنْ يَمُوتَ عَنْهَا فَيَكُونَ آخِرَ أَزْوَاجِهَا أَحْسَنَهُمْ خُلُقًا مَعَهَا فَيَتَّفِقُ الْخَبَرَانِ ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ"
ـــــــــــــــ
__________
(1) - بَحْرُ الْفَوَائِدِ الْمُسَمَّى بِمَعَانِي الْأَخْيَارِ لِلْكَلَابَاذِيِّ (300 ) صحيح(1/278)
المبحث الرابع و الثلاثون
العشرة المبشرون بالجنة
نص الرسول - صلى الله عليه وسلم - نصا صريحا على أن عشرة من أصحابه من أهل الجنة ، فعَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ ، قَالَ : قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - : عَشْرَةٌ فِي الْجَنَّةِ : أَبُو بَكْرٍ فِي الْجَنَّةِ ، وَعُمَرُ فِي الْجَنَّةِ ، وَعُثْمَانُ فِي الْجَنَّةِ ، وَعَلِيٌّ فِي الْجَنَّةِ ، وَالزُّبَيْرُ فِي الْجَنَّةِ ، وَطَلْحَةُ فِي الْجَنَّةِ ، وَابْنُ عَوْفٍ فِي الْجَنَّةِ ، وَسَعْدٌ فِي الْجَنَّةِ ، وَسَعِيدُ بْنُ زَيْدٍ فِي الْجَنَّةِ ، وَأَبُو عُبَيْدَةَ بْنُ الْجَرَّاحِ فِي الْجَنَّةِ.(1)
وعَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ حُمَيْدٍ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ سَعِيدَ بْنَ زَيْدٍ حَدَّثَهُ فِى نَفَرٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ « عَشَرَةٌ فِى الْجَنَّةِ أَبُو بَكْرٍ فِى الْجَنَّةِ وَعُمَرُ فِى الْجَنَّةِ وَعُثْمَانُ وَعَلِىٌّ وَالزُّبَيْرُ وَطَلْحَةُ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ وَأَبُو عُبَيْدَةَ وَسَعْدُ بْنُ أَبِى وَقَّاصٍ ». قَالَ فَعَدَّ هَؤُلاَءِ التِّسْعَةَ وَسَكَتَ عَنِ الْعَاشِرِ فَقَالَ الْقَوْمُ نَنْشُدُكَ اللَّهَ يَا أَبَا الأَعْوَرِ مَنِ الْعَاشِرُ قَالَ نَشَدْتُمُونِى بِاللَّهِ أَبُو الأَعْوَرِ فِى الْجَنَّةِ. قَالَ أَبُو عِيسَى أَبُو الأَعْوَرِ هُوَ سَعِيدُ بْنُ زَيْدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ نُفَيْلٍ. وَسَمِعْتُ مُحَمَّدًا يَقُولُ هُوَ أَصَحُّ مِنَ الْحَدِيثِ الأَوَّلِ.(2)
__________
(1) - صحيح ابن حبان - (ج 15 / ص 463)(7002) صحيح
(2) - سنن الترمذى (4114 ) صحيح(1/279)
وعن رباح بن الحارث أن سعيد بن زيد قَالَ : " أَشْهَدُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - بِمَا سَمِعَتْهُ أُذُنَايَ وَوَعَاهُ قَلْبِي ، وَإِنِّي لَمْ أَكُنْ لِأَرْوِيَ عَلَيْهِ كَذِبًا يَسْأَلُنِي عَنْهُ إِذَا لَقِيتُهُ أَنَّهُ قَالَ : " أَبُو بَكْرٍ فِي الْجَنَّةِ ، وَعُمَرُ فِي الْجَنَّةِ ، وَعَلِيٌّ فِي الْجَنَّةِ ، وَعُثْمَانُ فِي الْجَنَّةِ ، وَطَلْحَةُ فِي الْجَنَّةِ وَالزُّبَيْرُ فِي الْجَنَّةِ ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ فِي الْجَنَّةِ ، وَسَعْدُ بْنُ مَالِكٍ فِي الْجَنَّةِ " وَتَاسِعُ الْمُؤْمِنِينَ لَوْ شِئْتُ أَنْ أُسَمِّيَهُ لَسَمَّيْتُهُ فَرَجَّ أَهْلُ الْمَسْجِدِ يَا صَاحِبَ رَسُولِ اللَّهِ ، - صلى الله عليه وسلم - مَنِ التَّاسِعُ ؟ قَالَ : " نَاشَدْتُمُونِي بِاللَّهِ الْعَظِيمِ ، أَنَا تَاسِعُ الْمُؤْمِنِينَ وَرَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - الْعَاشِرُ(1)
وعَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - : عَشَرَةٌ مِنْ قُرَيْشٍ فِي الْجَنَّةِ : أَبُو بَكْرٍ فِي الْجَنَّةِ ، وَعُمَرُ فِي الْجَنَّةِ ، وَعُثْمَانُ فِي الْجَنَّةِ ، وَعَلِيٌّ فِي الْجَنَّةِ ، وَطَلْحَةُ فِي الْجَنَّةِ ، وَالزُّبَيْرُ فِي الْجَنَّةِ ، وَسَعْدٌ فِي الْجَنَّةِ ، وَسَعِيدُ بْنُ زَيْدٍ فِي الْجَنَّةِ ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ فِي الْجَنَّةِ ، وَأَبُو عُبَيْدَةَ بْنُ الْجَرَّاحِ فِي الْجَنَّةِ ، رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ أَجْمَعِينَ"(2)
__________
(1) - السنن الكبرى للإمام النسائي الرسالة - (ج 5 / ص 232)(8137) صحيح
(2) - المعجم الصغير للطبراني(62) صحيح(1/280)
وعَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ قَالَ أَخْبَرَنِى أَبُو مُوسَى الأَشْعَرِىُّ أَنَّهُ تَوَضَّأَ فِى بَيْتِهِ ثُمَّ خَرَجَ ، فَقُلْتُ لأَلْزَمَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - ، وَلأَكُونَنَّ مَعَهُ يَوْمِى هَذَا . قَالَ فَجَاءَ الْمَسْجِدَ ، فَسَأَلَ عَنِ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالُوا خَرَجَ وَوَجَّهَ هَا هُنَا ، فَخَرَجْتُ عَلَى إِثْرِهِ أَسْأَلُ عَنْهُ ، حَتَّى دَخَلَ بِئْرَ أَرِيسٍ ، فَجَلَسْتُ عِنْدَ الْبَابِ ، وَبَابُهَا مِنْ جَرِيدٍ حَتَّى قَضَى رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - حَاجَتَهُ ، فَتَوَضَّأَ فَقُمْتُ إِلَيْهِ ، فَإِذَا هُوَ جَالِسٌ عَلَى بِئْرِ أَرِيسٍ ، وَتَوَسَّطَ قُفَّهَا ، وَكَشَفَ عَنْ سَاقَيْهِ وَدَلاَّهُمَا فِى الْبِئْرِ ، فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ ثُمَّ انْصَرَفْتُ ، فَجَلَسْتُ عِنْدَ الْبَابِ ، فَقُلْتُ لأَكُونَنَّ بَوَّابَ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - الْيَوْمَ ، فَجَاءَ أَبُو بَكْرٍ فَدَفَعَ الْبَابَ . فَقُلْتُ مَنْ هَذَا فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ . فَقُلْتُ عَلَى رِسْلِكَ .(1/281)
ثُمَّ ذَهَبْتُ فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ هَذَا أَبُو بَكْرٍ يَسْتَأْذِنُ . فَقَالَ « ائْذَنْ لَهُ وَبَشِّرْهُ بِالْجَنَّةِ » . فَأَقْبَلْتُ حَتَّى قُلْتُ لأَبِى بَكْرٍ ادْخُلْ ، وَرَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يُبَشِّرُكَ بِالْجَنَّةِ . فَدَخَلَ أَبُو بَكْرٍ فَجَلَسَ عَنْ يَمِينِ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - مَعَهُ فِى الْقُفِّ ، وَدَلَّى رِجْلَيْهِ فِى الْبِئْرِ ، كَمَا صَنَعَ النَّبِىُّ - صلى الله عليه وسلم - ، وَكَشَفَ عَنْ سَاقَيْهِ ، ثُمَّ رَجَعْتُ فَجَلَسْتُ وَقَدْ تَرَكْتُ أَخِى يَتَوَضَّأُ وَيَلْحَقُنِى ، فَقُلْتُ إِنْ يُرِدِ اللَّهُ بِفُلاَنٍ خَيْرًا - يُرِيدُ أَخَاهُ - يَأْتِ بِهِ . فَإِذَا إِنْسَانٌ يُحَرِّكُ الْبَابَ . فَقُلْتُ مَنْ هَذَا فَقَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ . فَقُلْتُ عَلَى رِسْلِكَ . ثُمَّ جِئْتُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ ، فَقُلْتُ هَذَا عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ يَسْتَأْذِنُ . فَقَالَ « ائْذَنْ لَهُ وَبَشِّرْهُ بِالْجَنَّةِ » . فَجِئْتُ فَقُلْتُ ادْخُلْ وَبَشَّرَكَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - بِالْجَنَّةِ . فَدَخَلَ ، فَجَلَسَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فِى الْقُفِّ عَنْ يَسَارِهِ ، وَدَلَّى رِجْلَيْهِ فِى الْبِئْرِ ، ثُمَّ رَجَعْتُ فَجَلَسْتُ ، فَقُلْتُ إِنْ يُرِدِ اللَّهُ بِفُلاَنٍ خَيْرًا يَأْتِ بِهِ . فَجَاءَ إِنْسَانٌ يُحَرِّكُ الْبَابَ ، فَقُلْتُ مَنْ هَذَا فَقَالَ عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ . فَقُلْتُ عَلَى رِسْلِكَ . فَجِئْتُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فَأَخْبَرْتُهُ .(1/282)
فَقَالَ « ائْذَنْ لَهُ وَبَشِّرْهُ بِالْجَنَّةِ عَلَى بَلْوَى تُصِيبُهُ » فَجِئْتُهُ فَقُلْتُ لَهُ ادْخُلْ وَبَشَّرَكَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - بِالْجَنَّةِ عَلَى بَلْوَى تُصِيبُكَ . فَدَخَلَ فَوَجَدَ الْقُفَّ قَدْ مُلِئَ ، فَجَلَسَ وُجَاهَهُ مِنَ الشِّقِّ الآخَرِ . قَالَ شَرِيكٌ قَالَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ فَأَوَّلْتُهَا قُبُورَهُمْ(1).
وعن ابن مسعود عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ( الْقائِمُ بعْدِى فِى الجنَّةِ ، والَّذِى يَقومُ بعْدهُ فى الجنَّةِ ، والثَّالِثُ والرَّابِعُ فِى الجنَّةِ )(2)- ومراده بالقائم بعده : الذي يلي الحكم بعد موته ، وهؤلاء الأربعة ، هم أبو بكر وعمر وعثمان وعليّ رضي الله عنهم جميعا .
وعَنْ إِسْحَاقَ بن طَلْحَةَ ، قَالَ : دَخَلْتُ عَلَى عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا ، فَقَالَتْ : إِنَّ أَبَا بَكْرٍ دَخَلَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - ، فَقَالَ لَهُ : أَنْتَ عَتِيقٌ مِنَ النَّارِ فَمِنْ يَوْمَئِذٍ سُمِّيَ عَتِيقًا(3).
وعَنْ عَامِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ الزُّبَيْرِ ، عَنْ أَبِيهِ ، قَالَ : كَانَ اسْمُ أَبِي بَكْرٍ عَبْدَ اللهِ بْنَ عُثْمَانَ ، فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - : أَنْتَ عَتِيقُ اللهِ مِنَ النَّارِ فَسُمِّيَ عَتِيقًا.(4)
ــــــــــــــــ
__________
(1) - صحيح البخارى(3674 )
(2) - أخرجه ابن عساكر (39/108) وصحيح الجامع (4435) صحيح لغيره
(3) - المعجم الكبير للطبراني - (ج 1 / ص 5)(9) صحيح لغيره
(4) - صحيح ابن حبان - (ج 15 / ص 279) (6864) صحيح(1/283)
المبحث الخامس و الثلاثون
في غناء الحور العين
عَنْ عَلِيٍّ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - : إِنَّ فِي الْجَنَّةِ سُوقًا مَا فِيهَا بَيْعٌ ، وَلاَ شِرَاءٌ ، إِلاَّ الصُّوَرُ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ ، فَإِذَا اشْتَهَى الرَّجُلُ صُورَةً دَخَلَ فِيهَا ، وَإِنَّ فِيهَا لَمُجْتَمَعًا لِلْحُورِ الْعِينِ ، يَرْفَعَنْ بِأَصْوَاتٍ لَمْ يَرَ الْخَلاَئِقُ مِثْلَهَا ، يَقُلْنَ : نَحْنُ الْخَالِدَاتُ فَلاَ نَبِيدُ ، وَنَحْنُ الرَّاضِيَاتُ فَلاَ نَسْخَطُ ، وَنَحْنُ النَّاعِمَاتُ فَلاَ نَبْؤُسُ ، فَطُوبَى لِمَنْ كَانَ لَنَا ، وَكُنَّا لَهُ.(1)
الحور العين : نساء أهل الجنة - نبيد : نهلك أو نموت - سخط : غضب -طوبى : اسم الجنة ، وقيل هي شجرة فيها
وعَنْ أَبِي أُمَامَةَ ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ : مَا مِنْ عَبْدٍ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ إِلاَّ جَلَسَ عِنْدَ رَأْسِهِ وَعِنْدَ رِجْلَيْهِ ثِنْتَانِ مِنَ الْحُورِ الْعِينِ تُغَنِّيَانِهِ بِأَحْسَنِ صَوْتٍ سَمِعَتِ الْجِنُّ وَالْإِنْسُ , وَلَيْسَ بِمَزَامِيرِ الشَّيْطَانِ , وَلَكِنْ بِتَحْمِيدِ اللَّهِ وَتَقْدِيسِهِ.(2)
__________
(1) - مصنف ابن أبي شيبة(ج 13 / ص 100)(35104) حسن لغيره
(2) - مسند الشاميين(1618) وصفة الجنة لأبي نعيم الأصبهاني(465 ) حسن لغيره(1/284)
وعَنِ ابْنِ عُمَرَ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : إِنَّ أَزْوَاجَ أَهْلِ الْجَنَّةِ لَيُغَنِّينَ أَزْوَاجَهُنَّ بِأَحْسَنِ أَصْوَاتٍ سَمِعَهَا أَحَدٌ قَطُّ إِنَّ مِمَّا يُغَنِّينَ : نَحْنُ الْخَيِّرَاتُ الْحِسَانُ أَزْوَاجُ قَوْمٍ كِرَامٍ يَنْظُرْنَ بِقُرَّةِ أَعْيَانٍ ، وَإِنَّ مِمَّا يُغَنِّينَ بِهِ : نَحْنُ الْخَالِدَاتُ فَلا يُمِتْنَهْ ، نَحْنُ الآمِنَاتُ فَلا يَخَفْنَهْ ، نَحْنُ الْمُقِيمَاتُ فَلا يَظْعَنَّ "(1)
الظعن : الارتحال والسفر
وَعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ : أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ : " إِنَّ الْحُورَ فِي الْجَنَّةِ يُغَنِّينَ يَقُلْنَ : نَحْنُ الْحُورُ الْحِسَانْ ، هُدِينَا لِأَزْوَاجٍ كِرَامْ "(2).
عن ابن أبي أوفى ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ : ، يُزَوَّجُ إِلَى كُلِّ رَجُلٍ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ أَرْبَعَةُ آلَافِ بِكْرٍ ، وَثَمَانِيَةُ آلَافِ ، وَمِائَةُ جَوَارٍ ، فَيَجْتَمِعْنَ فِي كُلِّ سَبْعَةِ أَيَّامٍ ، فَيَقُلْنَ بِأَصْوَاتٍ حِسَانٍ لَمْ يَسْمَعِ الْخَلَائِقُ مِثْلَهُنَّ : نَحْنُ الْخَالِدَاتُ فَلَا ، وَنَحْنُ النَّاعِمَاتُ فَلَا نَبْؤُسُ ، وَنَحْنُ الرَّاضِيَاتُ فَلَا ، وَنَحْنُ الْمُقِيمَاتُ فَلَا نَظْعَنُ لِمَنْ كَانَ لَنَا وَكُنَّا لَهُ "(3)
__________
(1) - المعجم الكبير للطبراني - (ج 11 / ص 364)(849) وصحيح الجامع ( 1561 ) صحيح
(2) - المعجم الأوسط للطبراني(6685 ) حسن
(3) - صفة الجنة لأبي نعيم الأصبهاني(402 ) فيه ضعف(1/285)
وعن عبد الرحمن بن سابط ، قَالَ : بَلَغَنِي أَنَّ اللَّهَ ، تَعَالَى يُزَوِّجُ الرَّجُلَ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ خَمْسَمِائَةِ حَوْرَاءَ ، وَأَرْبَعَةَ آلَافِ وَسِتَّةَ آلَافِ بِنْتٍ ، مَا مِنْهُنَّ وَاحِدَةٌ إِلَّا يُعَانِقُهَا عُمْرَ الدُّنْيَا ، مَا تَأْجِمُهُ ، وَلَا يَأْجِمُهَا ، وَإِنَّهُ لَتُوضَعُ مَائِدَةٌ ، فَمَا يَنْقَضِي شِبَعُهُ مِقْدَارَ الدُّنْيَا ، وَإِنَّهُ لَيُوضَعُ الْكَأْسُ فِي يَدِهِ ، فَمَا يَنْقَضِي رِيُّهُ مِقْدَارَ الدُّنْيَا مُذْ خُلِقَتْ إِلَى أَنْ تَبِيدَ ، فَبَيْنَا هُوَ كَذَلِكَ إِذْ أَتَاهُ مَلَكٌ مِنَ الْمَلَائِكَةِ بَيْنَ إِصْبَعَيْنِ مِنْ أَصَابِعِهِ بِمِائَةِ حُلَّةٍ هَدِيَّةً مِنْ رَبِّهِ عَزَّ وَجَلَّ فَيَقُولُ : تَبَارَكَ وَتَعَالَى مَا أَنَا بِشَيْءٍ أُوتِيتُهُ بِأَشَدَّ عُجْبًا مِنِّي بِهَذِهِ الْهَدِيَّةِ ، قَالَ : فَيَقُولُ لَهُ الْمَلَكُ : أَوَأَعْجَبَكَ ذَاكَ ؟ فَيَقُولُ : نَعَمْ ، قَالَ : فَيَقُولُ شَجَرَةٍ : أَيَّتُهَا الشَّجَرَةُ ، إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكِ أَنْ تَقْطُرِي لِعَبْدِهِ فُلَانٍ مِنْ ضَرْبِ هَذِهِ الْحُلَلِ بِمَا ادَّعَى"(1)
وعن أبي هريرة ، قال : قَالَ : " إِنَّ فِي الْجَنَّةِ نَهْرًا طُولَ الْجَنَّةِ ، الْعَذَارَى قِيَامٌ مُتَقَابِلَاتٌ ، وَيُغَنِّينَ بِأَحْسَنِ أَصْوَاتٍ يَسْمَعُهَا الْخَلَائِقُ ، حَتَّى مَا يَرَوْنَ أَنَّ فِيَ الْجَنَّةِ لَذَّةً مِثْلَهَا : ، قُلْنَا يَا أَبَا هُرَيْرَةَ وَمَا ذَلِكَ الْغِنَاءُ ؟ قَالَ : " إِنْ شَاءَ اللَّهُ التَّسْبِيحُ ، وَالتَّحْمِيدُ ، وَالتَّقْدِيسُ وَثَنَاءٌ عَلَى الرَّبِّ عَزَّ وَجَلَّ "(2)- الحَافة : ناحِية الموضع وجانبه
ـــــــــــــــ
__________
(1) - صِفَةُ الْجَنَّةِ لِأَبِي نُعَيْمٍ الْأَصْبهَانِيِّ (411 ) ضعيف
(2) - البعث والنشور للبيهقي(374 ) حسن(1/286)
المبحث السادس و الثلاثون
في سوق الجنة
عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ « إِنَّ فِى الْجَنَّةِ لَسُوقًا يَأْتُونَهَا كُلَّ جُمُعَةٍ فَتَهُبُّ رِيحُ الشَّمَالِ فَتَحْثُو فِى وُجُوهِهِمْ وَثِيَابِهِمْ فَيَزْدَادُونَ حُسْنًا وَجَمَالاً فَيَرْجِعُونَ إِلَى أَهْلِيهِمْ وَقَدِ ازْدَادُوا حُسْنًا وَجَمَالاً فَيَقُولُ لَهُمْ أَهْلُوهُمْ وَاللَّهِ لَقَدِ ازْدَدْتُمْ بَعْدَنَا حُسْنًا وَجَمَالاً. فَيَقُولُونَ وَأَنْتُمْ وَاللَّهِ لَقَدِ ازْدَدْتُمْ بَعْدَنَا حُسْنًا وَجَمَالاً »(1).
الْمُرَاد بِالسُّوقِ مَجْمَع لَهُمْ يَجْتَمِعُونَ كَمَا يَجْتَمِع النَّاس فِي الدُّنْيَا فِي السُّوق ، وَمَعْنَى ( يَأْتُونَهَا كُلّ جُمُعَة ) أَيْ : فِي مِقْدَار كُلّ جُمْعَة أَيْ أُسْبُوع ، وَلَيْسَ هُنَاكَ حَقِيقَة أُسْبُوع لِفَقْدِ الشَّمْس وَاللَّيْل وَالنَّهَار ، قَالَ الْقَاضِي : وَخَصَّ رِيح الْجَنَّة بِالشَّمَالِ لِأَنَّهَا رِيح الْمَطَر عِنْد الْعَرَب كَانَتْ تَهُبّ مِنْ جِهَة الشَّام ، وَبِهَا يَأْتِي سَحَاب الْمَطَر ، وَكَانُوا يَرْجُونَ السَّحَابَة الشَّامِيَّة ، وَجَاءَتْ فِي الْحَدِيث تَسْمِيَة هَذِهِ الرِّيح الْمُثِيرَة أَيْ الْمُحَرِّكَة ، لِأَنَّهَا تُثِير فِي وُجُوههمْ مَا تُثِيرهُ مِنْ مِسْك أَرْض الْجَنَّة وَغَيْره مِنْ نَعِيمهَا .(2)
__________
(1) - صحيح مسلم (7324 )
(2) - شرح النووي على مسلم - (ج 9 / ص 215)(1/287)
وعَنْ أَنَسٍ ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - ، قَالَ : إِنَّ فِي الْجَنَّةِ سُوقًا يَأْتُونَهُ كُلَّ جُمُعَةٍ فِيهِ كُثْبَانُ الْمِسْكِ ، فَتَهِيجُ رِيحُ شَمَالٍ فَتَحْثِي أَوْ فَتَسْفِي فِي وُجُوهِهِمُ الْمِسْكَ ، فَيَأْتُونَ أَهْلِيهِمْ ، فَيَقُولُونَ لَهُمْ : قَدْ زَادَكُمُ اللَّهُ بَعْدَنَا أَوِ ازْدَدْتُمْ بَعْدَنَا حُسْنًا وَجَمَالاً ، فَيَقُولُونَ لَهُمْ : وَأَنْتُمْ قَدْ زَادَكُمُ اللَّهُ بَعْدَنَا حُسْنًا وَجَمَالاً.(1)
__________
(1) - صحيح ابن حبان - (ج 16 / ص 445)(7425) صحيح(1/288)
وعَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ ، أَنَّهُ لَقِيَ أَبَا هُرَيْرَةَ ، فَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ : أَسْأَلُ اللَّهَ أَنْ يَجْمَعَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ فِي سُوقِ الْجَنَّةِ ، قَالَ سَعِيدٌ : أَوَ فِيهَا سُوقٌ ؟ قَالَ : نَعَمْ ، أَخْبَرَنِي رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - : أَنَّ أَهْلَ الْجَنَّةِ إِذَا دَخَلُوهَا نَزَلُوا فِيهَا بِفَضْلِ أَعْمَالِهِمْ ، فَيُؤْذَنُ لَهُمْ فِي مِقْدَارِ يَوْمِ الْجُمُعَةِ مِنْ أَيَّامِ الدُّنْيَا ، فَيَزُورُونَ اللَّهَ جَلَّ وَعَلاَ ، وَيُبْرِزُ لَهُمْ عَرْشَهُ وَيتَبَدَّى لَهُمْ فِي رَوْضَةٍ مِنْ رِيَاضِ الْجَنَّةِ ، فَيُوضَعُ لَهُمْ مَنَابِرُ مِنْ نُورٍ ، وَمَنَابِرُ مِنْ لُؤْلُؤٍ ، وَمَنَابِرُ مِنْ يَاقُوتٍ ، وَمَنَابِرُ مِنْ زَبَرْجَدٍ ، وَمَنَابِرُ مِنْ ذَهَبٍ ، وَمَنَابِرُ مِنْ فِضَّةٍ ، وَيَجْلِسُ أَدْنَاهُمْ - وَمَا فِيهِمْ دَنِيٌّ - عَلَى كُثْبَانِ الْمِسْكِ ، وَالْكَافُورِ مَا يَرَوْنَ أَنَّ أَصْحَابَ الْكَرَاسِيِّ أَفْضَلُ مِنْهُمْ مَجْلِسًا ، قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ : فَقُلْتُ : يَا رَسُولَ اللهِ ، وَهَلْ نَرَى رَبَّنَا ؟ قَالَ : نَعَمْ ، هَلْ تَتَمَارَوْنَ فِي رُؤْيَةِ الشَّمْسِ وَالْقَمَرِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ ، قُلْنَا : لاَ قَالَ : كَذَلِكَ لاَ تَتَمَارَوْنَ فِي رُؤْيَةِ رَبِّكُمْ ، وَلاَ يَبْقَى فِي ذَلِكَ الْمَجْلِسِ أَحَدٌ إِلاَّ حَاصَرَهُ اللَّهُ مُحَاصَرَةً ، حَتَّى إِنَّهُ لَيَقُولُ لِلرَّجُلِ مِنْهُمْ : يَا فُلاَنُ ، أَتَذْكُرُ يَوْمَ عَمِلْتَ كَذَا وَكَذَا ؟ يُذَكِّرُهُ بَعْضَ غَدَرَاتِهِ فِي الدُّنْيَا ، فَيَقُولُ : يَا رَبِّ ، أَفَلَمْ تَغْفِرْ لِي ؟ فَيَقُولُ : بَلَى ، فَبِسَعَةِ مَغْفِرَتِي بَلَغْتَ مَنْزِلَتَكَ هَذِهِ ، قَالَ : فَبَيْنَا هُمْ كَذَلِكَ غَشِيَتْهُمْ سَحَابَةٌ مِنْ فَوْقِهِمْ ، فَأَمْطَرَتْ عَلَيْهِمْ(1/289)
طِيبًا لَمْ يَجِدُوا مِثْلَ رِيحِهِ شَيْئًا قَطُّ ،ثُمَّ يَقُولُ جَلَّ وَعَلاَ : قُومُوا إِلَى مَا أَعْدَدْتُ لَكُمْ مِنَ الْكَرَامَةِ ، فَخُذُوا مَا اشْتَهَيْتُمْ ، قَالَ : فَنَأْتِي سُوقًا قَدْ حُفَّتْ بِهِ الْمَلاَئِكَةُ مَا لَمْ تَنْظُرِ الْعُيُونُ إِلَى مِثْلِهِ ، وَلَمْ تَسْمَعِ الآذَانُ ، وَلَمْ يَخْطُرْ عَلَى الْقُلُوبِ ، قَالَ : فَيُحْمَلُ لَنَا مَا اشْتَهَيْنَا لَيْسَ يُبَاعُ فِيهِ شَيْءٌ وَلاَ يُشْتَرَى ، وَفِي ذَلِكَ السُّوقِ يَلْقَى أَهْلُ الْجَنَّةِ بَعْضُهُمْ بَعْضًا ، قَالَ : فَيُقْبِلُ الرَّجُلُ ذُو الْمَنْزِلَةِ الْمُرْتَفِعَةِ ، فَيَلْقَى مَنْ هُوَ دُونَهُ ، وَمَا فِيهِمْ دَنِيٌّ فَيَرُوعُهُ مَا يَرَى عَلَيْهِ مِنَ اللِّبَاسِ ، فَمَا يَنْقَضِي آخِرُ حَدِيثِهِ حَتَّى يَتَمَثَّلَ عَلَيْهِ بِأَحْسَنَ مِنْهُ وَذَلِكَ أَنَّهُ لاَ يَنْبَغِي لأَحَدٍ أَنْ يَحْزَنَ فِيهَا ، قَالَ : ثُمَّ نَنْصَرِفُ إِلَى مَنَازِلِنَا ، فَتَلْقَانَا أَزْوَاجُنَا ، فَيَقُلْنَ : مَرْحَبًا وَأَهْلاً بِحِبِّنَا لَقَدْ جِئْتَ ، وَإِنَّ بِكَ مِنَ الْجَمَالِ وَالطِّيبِ أَفْضَلَ مِمَّا فَارَقْتَنَا عَلَيْهِ ، فَيَقُولُ : إِنَّا جَالَسْنَا الْيَوْمَ رَبَّنَا الْجَبَّارَ وَيَحُقُّنَا أَنْ نَنْقَلِبَ بِمِثْلِ مَا انْقَلَبْنَا.(1)
الكثبان : جمع كثيب وهو الرمل المستطيل
__________
(1) - صحيح ابن حبان - (ج 16 / ص 466)(7438) حسن(1/290)
وعَنِ الْأَوْزَاعِيِّ ، قَالَ : أُنْبِئْتُ أَنَّ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيِّبِ ، لَقِيَ أَبَا هُرَيْرَةَ فَقَالَ : أَسْأَلُ اللَّهَ أَنْ يَجْمَعَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ فِي سُوقِ الْجَنَّةِ . قَالَ : فَقَالَ سَعِيدٌ : يَا أَبَا هُرَيْرَةَ أَوَفِيهَا سُوقٌ ؟ قَالَ : نَعَمْ ، أَخْبَرَنِي رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - أَنَّ أَهْلَ الْجَنَّةِ إِذَا دَخَلُوهَا وَنَزَلُوهَا بِقَدْرِ أَعْمَالِهِمْ فَيُؤْذَنُ لَهُمْ فِي مِقْدَارِ يَوْمِ الْجُمُعَةِ مِنْ أَيَّامِ الدُّنْيَا فَيَزُورُونَ اللَّهَ تَعَالَى فَيُبْرِزُ لَهُمْ عَرْشَهُ وَيَبْدُو لَهُمْ فِي رَوْضَةٍ مِنْ رِيَاضِ الْجَنَّةِ فَيَضَعُ مَنَابِرَ مِنْ نُورٍ وَمَنَابِرَ مِنْ يَاقُوتٍ ، وَمَنَابِرَ مِنْ لُؤْلُؤٍ ، وَمَنَابِرَ مِنْ ذَهَبٍ ، وَمَنَابِرَ مِنْ فِضَّةٍ ، وَيَجْلِسُ أَدْنَاهُمْ عَلَى كُثْبَانِ الْمِسْكِ ، مَا يَرَوْنَ أَنَّ أَصْحَابَ الْكَرَاسِيِّ أَفْضَلُ مِنْهُمْ مَجْلِسًا . قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ : قُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ هَلْ نَرَى رَبَّنَا تَبَارَكَ وَتَعَالَى ؟ قَالَ : نَعَمْ ، هَلْ تُمَارُونَ فِي رُؤْيَةِ الشَّمْسِ وَالْقَمَرِ ، قُلْنَا : لَا قَالَ : فَكَذَلِكَ لَا تُمَارُونَ فِي رُؤْيَةِ رَبِّكُمْ ، وَحَتَّى لَا يَبْقَى فِي ذَلِكَ الْمَجْلِسِ إِلَّا حَاضِرُهُ يَقُولُ : يَا فُلَانُ ابْنَ فُلَانٍ هَلْ عَمِلْتَ فِي يَوْمِ كَذَا وَكَذَا ؟ فَيَقُولُ : يَا رَبِّ أَلَمْ تَغْفِرْ لِي ؟ فَيَقُولُ : بِمَغْفِرَتِي لَكَ بَلَغْتَ مَنْزِلَتَكَ هَذِهِ ، فَبَيْنَا هُمْ كَذَلِكَ إِذْ غَشِيَتْهُمْ سَحَابَةٌ مِنْ فَوْقَهِمْ وَأَمْطَرَتْ عَلَيْهِمْ مِسْكًا لَمْ يَجِدُوا رِيحَ شَيْءٍ قَطُّ أَطْيَبَ مِنْهُ . ؟(1/291)
قَالَ : ثُمَّ يَقُولُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ قُومُوا إِلَى مَا أَعْدَدْتُ لَكُمْ مِنَ الْكَرَامَةِ ، قَالَ : فَيَأْتُونَ سُوقًا وَقَدْ حُفَّتْ بِهِمْ مَلَائِكَةٌ بِمَا لَمْ تَنْظُرِ الْعُيُونُ وَلَمْ يَخْطُرْ عَلَى الْقُلُوبِ وَلَمْ تَسْمَعْهُ الْآذَانُ ، فَتَحْمِلُ وَيُحْمَلُ لَنَا مَا اشْتَهَيْنَا وَلَيْسَ فِيهِ أَحَدٌ يَبِيعُ وَلَا يَبْتَاعُ ، وَفِي ذَلِكَ السُّوقِ يَلْقَى أَهْلُ الْجَنَّةِ بَعْضُهُمْ بَعْضًا فَيَلْقَى الرَّجُلُ الرَّجُلَ فَيَرُوعُهُ مَا يَرَى عَلَيْهِ مِنَ اللِّبَاسِ فِيمَا يَنْقَضِي آخِرُ حَدِيثِهِ حَتَّى يَتَمَثَّلَ عَلَيْهِ أَحْسَنَ مِنْهُ وَذَلِكَ أَنَّهُ لَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ أَنْ يُحَرِّفَ فِيهِ ، قَالَ : ثُمَّ نَنْصَرِفُ إِلَى مَنَازِلِنَا فَيَلْقَانَا أَحِبَّاؤُنَا فَيَقُولُونَ : لَقَدْ جِئْتَ وَإِنَّ بِكَ مِنَ الْجَمَالِ وَالطِّيبِ أَفْضَلَ مَا فَارَقْتَنَا عَلَيْهِ فَنَقُولُ : إِنَّا جَالَسْنَا الْجَبَّارَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى الْيَوْمَ وَنَحِقُّ أَنْ نَنْقَلِبَ بِمَا انْقَلَبْنَا بِهِ "(1)
__________
(1) - صِفَةُ الْجَنَّةِ لِابْنِ أَبِي الدُّنْيَا (245 ) حسن لغيره(1/292)
وعَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ ، قَالَ : لَقِيَنِي أَبُو هُرَيْرَةَ ، فَقَالَ : " جَمَعَ اللَّهُ بَيْنِي وَبَيْنَكَ فِي سُوقِ الْجَنَّةِ " قَالَ : قُلْتُ : أَوَ فِي الْجَنَّةِ سُوقٌ ؟ قَالَ : نَعَمْ ، أَخْبَرَنِي رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - " أَنَّ أَهْلَ الْجَنَّةِ إِذَا دَخَلُوهَا " وَذَكَرَ الْحَدِيثَ بِطُولِهِ أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ خَيْثَمَةُ بْنُ سُلَيْمَانَ ، ثنا أَبُو جَعْفَرٍ أَحْمَدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ إِسْمَاعِيلَ الْفَارِسِيُّ الْوَرَّاقُ ، ثنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ الضَّحَّاكِ أَبُو سُلَيْمٍ الْبَعْلَبَكِّيُّ ، ثنا سُوَيْدُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ ، ثنا الْأَوْزَاعِيُّ ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ حَرْمَلَةَ ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ ، قَالَ : لَقِيَنِي أَبُو هُرَيْرَةَ ، فَقَالَ : أَسْأَلُ اللَّهَ أَنْ يَجْمَعَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ فِي سُوقِ الْجَنَّةِ ، فَقُلْتُ : أَوَ فِيهَا سُوقٌ ؟ قَالَ : نَعَمْ ، سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ : " إِنَّ أَهْلَ الْجَنَّةِ إِذَا دَخَلُوهَا فَنَزَلُوا فِيهَا بِفَضْلِ أَعْمَالِهِمْ ، فَيُؤْذَنُ لَهُمْ فِي مِقْدَارِ يَوْمِ الْجُمُعَةِ مِنْ أَيَّامِ الدُّنْيَا ، فَيُرَوْنَ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ وَيَبْرُزُ لَهُمْ عَرْشُهُ ، وَيَتَبَدَّى لَهُمْ فِي رَوْضَةٍ مِنْ رِيَاضِ الْجَنَّةِ " وَذَكَرَ الْحَدِيثَ(1)
__________
(1) - فَوَائِدُ تَمَّامٍ(1393) حسن(1/293)
وعَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ ، أَنَّهُ لَقِيَ أَبَا هُرَيْرَةَ ، فَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ ، أَسْأَلُ اللَّهَ أَنْ يَجْمَعَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ فِي سُوقِ الْجَنَّةِ . فَقَالَ سَعِيدٌ : أَوَ فِيهَا سُوقٌ ؟ قَالَ : نَعَمْ . أَخْبَرَنِي رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : " أَنَّ أَهْلَ الْجَنَّةِ إِذَا دَخَلُوهَا نَزَلُوهَا بِفَضْلِ أَعْمَالِهِمْ ، فَيُؤَذَنُ لَهُمْ فِي مِقْدَارِ يَوْمِ الْجُمُعَةِ مِنْ أَيَّامِ الدُّنْيَا 0 فَيَزُورُونَ اللَّهَ فِي رَوْضَةٍ مِنْ رِيَاضِ الْجَنَّةِ ، فَتُوضَعُ لَهُمْ مَنَابِرُ مِنْ نُورٍ ، وَمَنَابِرُ مِنْ لُؤْلُؤٍ ، وَمَنَابِرُ مِنْ زَبَرْجَدٍ ، وَمَنَابِرُ مِنْ يَاقُوتٍ ، وَمَنَابِرُ مِنْ ذَهَبٍ ، وَمَنَابِرُ مِنْ فِضَّةٍ ، وَيَجْلِسُ أَدْنَاهُمْ ، وَمَا فِيهِمْ دَنِيٌّ ، عَلَى كُثْبَانِ الْمِسْكِ وَالْكَافُورِ ، وَمَا يَرَوْنَ أَنَّ أَصْحَابَ الْكَرَاسِيِّ بِأَفْضَلَ مِنْهُمْ مَجْلِسًا " . قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ : فَقُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ هَلْ نَرَى رَبَّنَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ ؟ قَالَ : " نَعَمْ ، هَلْ تُمَارُونَ فِي رُؤْيَةِ الشَّمْسِ وَالْقَمَرِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ ؟ " قُلْنَا : لَا . قَالَ : " فَكَذَلِكَ لَا تُمَارُونَ فِي رُؤْيَةِ رَبِّكُمْ تَبَارَكَ وَتَعَالَى ، وَلَا يَبْقَى فِي ذَلِكَ الْمَجْلِسِ أَحَدٌ إِلَّا حَاضَرَهُ اللَّهُ مُحَاضَرَةً ، حَتَّى يَقُولَ : يَا فُلَانُ بْنَ فُلَانِ بْنِ فُلَانٍ أَتَذْكُرُ يَوْمَ فَعَلْتَ كَذَا وَكَذَا ، فَيُذَكِّرُهُ بَعْضَ غَدْرَاتِهِ فِي الدُّنْيَا ، فَيَقُولُ : بَلَى . فَيَقُولُ : يَا رَبِّ أَفَلَمْ تَغْفِرْ لِي ؟ فَيَقُولُ : بَلَى ، فِبِمَغْفِرَتِي بَلَغْتَ مَنْزِلَتَكَ هَذِهِ " .(1/294)
قَالَ : " فَبَيْنَمَا هُمْ عَلَى ذَلِكَ غَشِيَتْهُمْ سَحَابَةٌ مِنْ فَوْقِهِمْ ، فَأَمْطَرَتْ عَلَيْهِمْ طِيبًا لَمْ يَجِدُوا مِثْلَ رِيحِهِ شَيْئًا قَطُّ ، ثُمَّ يَقُولُ رَبُّنَا تَبَارَكَ وَتَعَالَى : قُومُوا إِلَى مَا أَعْدَدْتُ لَكُمْ مِنَ الْكَرَامَةِ ، فَخُذُوا مَا اشْتَهَيْتُمْ " . قَالَ : " فَيَأْتُونَ سُوقًا قَدْ حَفَّتْ بِهَا الْمَلَائِكَةُ ، فِيهِ مَا لَمْ تَنْظُرُ الْعُيُونُ إِلَى مِثْلِهِ ، وَلَمْ تَسْمَعِ الْآذَانُ ، وَلَمْ تَخْطُرْ عَلَى الْقُلُوبِ " . قَالَ : " فَيُحْمَلُ لَنَا مَا اشْتَهَيْنَاهُ ، لَيْسَ يُبَاعُ فِيهِ شَيْءٌ وَلَا يُشْتَرَى ، فِي ذَلِكَ السُّوقِ يَلْقَى أَهْلُ الْجَنَّةِ بَعْضُهُمْ بَعْضًا " . قَالَ : " فَيُقْبِلُ ذُو الْبِزَّةِ الْمُرْتَفِعَةِ ، فَيَلْقَى مَنْ هُوَ دُونَهُ ، وَمَا فِيهِمْ دَنِيٌّ ، فَيَرُوعُهُ مَا يَرَى عَلَيْهِ مِنَ اللِّبَاسِ وَالْهَيْئَةِ ، فَمَا يَنْقَضِي آخِرُ حَدِيثِهِ حَتَّى يَتَمَثَّلَ عَلَيْهِ أَحْسَنُ مِنْهُ ، وَذَلِكَ أَنَّهُ لَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ أَنْ يَحْزَنَ فِيهَا " . قَالَ : " ثُمَّ نَنْصَرِفُ إِلَى مَنَازِلِنَا فَيَلْقَانَا أَزْوَاجُنَا فَيَقُلْنَ : مَرْحَبًا وَأَهْلًا بِحِبِّنَا ، لَقَدْ جِئْتَ وَإِنَّ بِكَ مِنَ الْجَمَالِ وَالطِّيبِ أَفْضَلُ مِمَّا فَارَقْتَنَا عَلَيْهِ ، فَيَقُولُ : إِنَّا جَالَسْنَا الْيَوْمَ رَبَّنَا الْجَبَّارَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى ، وَيَحِقُّنَا أَنْ نَنْقَلِبَ بِمِثْلِ مَا انْقَلَبْنَا " .(1)
__________
(1) - السُّنَّةُ لِابْنِ أَبِي عَاصِمٍ (475 ) صحيح لغيره(1/295)
الرياض : جمع الروضة وهي البستان - الزبرجد : الزمرد وهو حجر كريم - الياقوت : حجر كريم من أجود الأنواع وأكثرها صلابة بعد الماس ، خاصة ذو اللون الأحمر - الكَثِيب : الرَّمْل المسْتَطِيل المُحْدَوْدِب - الكافور : نبات طيب الرائحة مرّ الطعم -تمارون : تشكون - غشيتهم : غطتهم وأصابتهم - حف به : استدار حوله وأحدق به - ذو البزة : صاحب المنظر والهيئة الحسنة - الدني : الخسيس الحقير - الروع : الفزع - يتمثل : يصور عليه ويلبس - انقلب : عاد ورجع - الانقلاب : الرجوع أو الإياب
وعَنْ عَلِيٍّ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - : إِنَّ فِي الْجَنَّةِ لَسُوقًا ، مَا فِيهَا شِرَاءٌ ، وَلاَ بَيْعٌ إِلاَّ الصُّوَرُ ، مَنْ أَحَبَّ صُورَةً دَخَلَ فِيهَا أَوِ اشْتَهَى صُورَةً دَخَلَ فِيهَا ، وَلِلْحُورِ مَجْمَعٌ يَجْتَمِعْنَ فِيهِ يَرْفَعْنَ بِأَصْوَاتٍ لَمْ يَسْمَعْ مِثْلَهُ أَحَدٌ ، يَقُلْنَ : نَحْنُ الْخَالِدَاتُ فَلا نَمُوتُ ، وَنَحْنُ النَّاعِمَاتُ فَلا نَبْؤُسُ ، وَنَحْنُ الرَّاضِيَاتُ فَلا نَسْخَطُ ، فَطُوبَى لِمَنْ كَانَ لَنَا ، وَكُنَّا لَهُ.(1)
وعَنْ عَلِيٍّ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - : إِنَّ فِي الْجَنَّةِ سُوقًا مَا فِيهَا بَيْعٌ ، وَلاَ شِرَاءٌ ، إِلاَّ الصُّوَرُ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ ، فَإِذَا اشْتَهَى الرَّجُلُ صُورَةً دَخَلَ فِيهَا ، وَإِنَّ فِيهَا لَمُجْتَمَعًا لِلْحُورِ الْعِينِ ، يَرْفَعَنْ بِأَصْوَاتٍ لَمْ يَرَ الْخَلاَئِقُ مِثْلَهَا ، يَقُلْنَ : نَحْنُ الْخَالِدَاتُ فَلاَ نَبِيدُ ، وَنَحْنُ الرَّاضِيَاتُ فَلاَ نَسْخَطُ ، وَنَحْنُ النَّاعِمَاتُ فَلاَ نَبْؤُسُ ، فَطُوبَى لِمَنْ كَانَ لَنَا ، وَكُنَّا لَهُ.(2)
__________
(1) - مسند البزار (703) حسن لغيره
(2) - مصنف ابن أبي شيبة (ج 13 / ص 100)(35104) حسن لغيره(1/296)
نبيد : نهلك أو نموت - طوبى : اسم الجنة ، وقيل هي شجرة فيها
وعن أنس بن مالك قَالَ : " يَقُولُ أَهْلُ الْجَنَّةِ : انْطَلِقُوا إِلَى السُّوقِ فَيَنْطَلِقُونَ إِلَى ، أَوْ قَالَ : الْجِبَالِ ، فَإِذَا رَجَعُوا إِلَى أَزْوَاجِهِمْ ، قَالُوا : إِنَّا لَنَجِدُ لَكُنَّ رِيحًا مَا كَانَتْ لَكُنَّ إِذْ خَرَجْنَا مِنْ عِنْدِكُنَّ قَالَ : فَيَقُلْنَ : لَقَدْ رَجَعْتُمْ بِرِيحٍ مَا كَانَتْ لَكُمْ إِذْ خَرَجْتُمْ مِنْ عِنْدِنَا "(1)
وعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ ، قَالَ : إِنَّ فِي الْجَنَّةِ سُوقَ كُثْبَانِ مِسْكٍ يَخْرُجُونَ إِلَيْهَا وَيَجْتَمِعُونَ إِلَيْهَا ، فَيَبْعَثُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ رِيحًا فَيُدْخِلُهَا بُيُوتَهُمْ فَيَقُولُ لَهُمْ أَهْلُوهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ : قَدِ ازْدَدْتُمْ حُسْنًا بَعْدَنَا فَيَقُولُونَ لِأَهْلِيهِمْ قَدِ ازْدَدْتُمْ أَيْضًا حُسْنًا عِنْدَنَا "(2)
ـــــــــــــــ
__________
(1) - الزهد والرقائق لابن المبارك (1852 ) صحيح موقوف
(2) - صِفَةُ الْجَنَّةِ لِابْنِ أَبِي الدُّنْيَا(247 ) صحيح(1/297)
المبحث السابع و الثلاثون
في تزاورهم ومراكبهم
إن أهل الجنة يتزاورون فيما بينهم, ويتذاكرون ما كان بينهم في الدنيا ويتحدثون, ويسأل بعضهم بعضاً عن أحوال ٍكانت لهم في الدنيا, حتى تصل بهم المحادثة والمذاكرة إلى أن قال قائلٌ منهم: إني كان لي قرين في الدنيا ينكر البعث والدار الآخرة, ثم يقول لإخوانه في الجنة:هل أنتم مطلعون في النار لننظر إلى منزلته وما صار إليه؟ فيطّلع فإذا بقرينه في وسط الجحيم قال تعالى:{ فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَسَاءَلُونَ (50) قَالَ قَائِلٌ مِنْهُمْ إِنِّي كَانَ لِي قَرِينٌ (51) يَقُولُ أَئِنَّكَ لَمِنَ الْمُصَدِّقِينَ (52) أَئِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا وَعِظَامًا أَئِنَّا لَمَدِينُونَ (53) قَالَ هَلْ أَنْتُمْ مُطَّلِعُونَ (54) فَاطَّلَعَ فَرَآَهُ فِي سَوَاءِ الْجَحِيمِ (55) قَالَ تَاللَّهِ إِنْ كِدْتَ لَتُرْدِينِ (56) وَلَوْلَا نِعْمَةُ رَبِّي لَكُنْتُ مِنَ الْمُحْضَرِينَ (57) أَفَمَا نَحْنُ بِمَيِّتِينَ (58) إِلَّا مَوْتَتَنَا الْأُولَى وَمَا نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ (59) إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (60) لِمِثْلِ هَذَا فَلْيَعْمَلِ الْعَامِلُونَ (61)[الصافات/50، 61]
وَيَأْخُذُ أَهْلُ الجِنَّةِ ، وَهُمْ فِي جلْسَتِهِمْ تِلْكَ ، فِي تَجَاذُبِ أَطْرَافِ الحَدِيثِ ، وَيَتَنَاوَلُونَ فِي أَحَادِيِثِهِمْ مَا كَانُوا عَلَيْهِ فِي الحَيَاةِ الدُّنْيَا .
قَالَ قَائِلٌ مِنْ أَهْلِ الجَنَّةِ الذِينَ يَتَحَادَثُونَ : إِنَّهُ كَانَ لِي صَاحِبٌ ( قَرِينٌ ) مُشْرِكٌ فِي الدُّنْيَا يَلُومُ المُؤْمِنِينَ عَلَى إِيْمَانِهِمْ بِالحَشْرِ والحِسَابِ ، وَيَسْخَرُ مِنْهُمْ .
وَيَقُولُ لِصَدِيقِه المُؤْمِنِ : هَلْ أَنْتَ مُصَدِّقٌ بِالبَعْثِ والنُّشُورِ والجَزَاءِ؟(1/298)
وَيَقُولُ مُتَعَجِّباً : هَلْ إِذَا أَصْبَحْنَا تُراباً وَعِظَاماً نِخْرَةً ، سَنُبَعَثُ لِنُحَاسَبَ عَلَى أَعْمَالِنَا وَنُجْزَى بِهَا؟ إِنَّ ذَلِكَ لاَ يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ أبداً .
وَيَقُولُ المُؤْمِنُ لأَصْحَابِهِ الجَالِسِينَ مَعَهُ فِي رِحَابِ الجَنَّةِ : هَلْ تَوَدُّونَ أَنْ تَطَّلِعُوا عَلَيْهِ ، وَهُوَ فِي الجَحِيمِ ، لَتَرَوْا عَاقِبَةَ أَمْرِ هَذَا القَرِينِ الكَافِرِ؟
فَاطَّلَعَ إِلَى أَهْلِ النَّارِ ، فَرَأى قَرِينَهُ وَسَطَ الجَحِيمِ ، يَتَلَظَّى بِلَهِيبِها .
فَقَالَ المُؤْمِنُ لِقَرينِهِ المُشْرِكِ مُوَبِّخاً وَمُقَرِّعاً : لَقَدْ كِدْتَ أَنْ تهْلِكَنِي لَوْ أَنَّني أَطَعْتُكَ فِي كُفْرِكَ وِعِصْيَانِكَ .
وَلَوْلاَ فَضْلُ اللهِ عَلَيَّ ، لَكُنْتُ مِثْلَكَ مُحْضَراً فِي العَذَابِ فِي سَوَاءِ الجَحِيمِ ، وَلَكِنَّ رَحْمَتَهُ تَعَالَى أَنْقَذَتْني مِنْ سُوءِ العَاقِبَةِ ، إِذْ هَدَانِي اللهُ إِلَى الإِيْمَانِ .
ثُمَّ التَفَتَ المُؤْمِنُ إِلى جُلَسَائِهِ مِنْ أَهْلِ الجَنَّةِ فَقَالَ لَهُمْ عَلَى مَسْمَعٍ مِنَ الكَافِرِ ، لِيَزِيدَ فِي ألَمِهِ وَحَسْرَتِهِ وَعَذَابِهِ : هَلْ نَحْنُ مُخَلَّدُونَ فِي الجَنَّةِ ، مُنعَّمُونَ فِيهَا ، لاَ نَمُوتُ ، وَلاَ تَزُولُ نِعَمُهَا عَنَّا؟
وَمَا نَحْنُ بِمَيِّتِينَ إِلاَّ مَوْتَتَنَا الأُوْلَى ، وَمَا نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ؟ فَقِيلَ لَهُ : لاَ .
فَقَالَ المُؤْمِنُ لأَصْحَابِهِ وَجُلَسَائِهِ : إِنَّ مَا هُمْ فِيهِ مِنَ النَّعِيم ، مَعَ مَا يَتَمَتَعُّونَ بِهِ مِنَ المَآكِلِ والمَشَارِب والملَذَّاتِ ، هُوَ الفَوْزُ العَظيمُ ، وَالنَّجَاةُ مِمَّا كُنَّا نَحْذَرُهُ مِنْ عِقَابِ اللهِ تَعَالَى .(1/299)
وعَنِ الْحَارِثِ بن مَالِكٍ الأَنْصَارِيِّ ، ،أَنَّهُ مَرَّ بِرَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - ، فَقَالَ لَهُ : " كَيْفَ أَصْبَحْتَ يَا حَارِثُ ؟ " قَالَ : أَصْبَحْتُ مُؤْمِنًا حَقًّا ، فَقَالَ : " انْظُرْ مَا تَقُولُ ؟ فَإِنَّ لِكُلِّ شَيْءٍ حَقِيقَةً ، فَمَا حَقِيقَةُ إِيمَانِكَ ؟ " فَقَالَ : قَدْ عَزَفَتْ نَفْسِي عَنِ الدُّنْيَا ، وَأَسْهَرْتُ لِذَلِكَ لِيَلِي ، وَاطْمَأَنَّ نَهَارِي ، وَكَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَى عَرْشِ رَبِّي بَارِزًا ، وَكَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَى أَهْلِ الْجَنَّةِ يَتَزَاوَرُونَ فِيهَا ، وَكَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَى أَهْلِ النَّارِ يَتَضَاغَوْنَ فِيهَا ، فَقَالَ : " يَا حَارِثُ عَرَفْتَ فَالْزَمْ " , ثَلاثًا.(1)
وعَنْ مُحَمَّدِ بْنِ صَالِحٍ الأَنْصَارِيِّ ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - لَقِيَ عَوْفَ بْنَ مَالِكٍ ، فَقَالَ : كَيْفَ أَصْبَحْت يَا عَوْفَ بْنَ مَالِكٍ ، قَالَ : أَصْبَحْت مُؤْمِنًا حَقًّا ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - : إنَّ لِكُلِّ قَوْلٍ حَقِيقَةً ، فَمَا ذَلِكَ ، فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللهِ : أَلَمْ أَظْلف نَفْسِي ، عَنِ الدُّنْيَا ، أسْهَرْت لَيْلِي وَأَظْمَأْت هَوَاجِرِي , وَكَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَى عَرْشِ رَبِّي ، وَكَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَى أَهْلِ الْجَنَّةِ يَتَزَاوَرُونَ فِيهَا ، وَكَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَى أَهْلِ النَّارِ يَتَضَاغُونَ فِيهَا ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - : عَرَفْت أَوْ آمَنْت فَالْزَمْ.(2)
__________
(1) - المعجم الكبير للطبراني - (ج 3 / ص 430)(3289) صحيح لغيره
(2) - مصنف ابن أبي شيبة(ج 11 / ص 42)(31062) صحيح لغيره(1/300)
وعَنْ زُبَيْدٍ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - : كَيْفَ أَصْبَحْت يَا حَارِثَ بْنَ مَالِكٍ ، قَالَ : أَصْبَحْت مُؤْمِنًا حَقًّا ، قَالَ : إنَّ لِكُلِّ قَوْلٍ حَقِيقَةً فَمَا حَقِيقَةُ ذَلِكَ ، قَالَ : أَصْبَحْت عَزَفَتْ نَفْسِي عَنِ الدُّنْيَا فَأَسْهَرْت لَيْلِي وَأَظْمَأْت نَهَارِي وَلكَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَى عَرْشِ رَبِّي قَدْ أُبْرِزَ لِلْحِسَابِ ، وَلكَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَى أَهْلِ الْجَنَّةِ يَتَزَاوَرُونَ فِي الْجَنَّةِ ، وَلكَأَنِّي أَسْمَعُ عُوَاءَ أَهْلِ النَّارِ ، قَالَ : فَقَالَ لَهُ : عَبْدٌ نَوَّرَ الإِيمَانِ فِي قَلْبِهِ ، إذْ عَرَفْت فَالْزَمْ.(1)
__________
(1) - مصنف ابن أبي شيبة (ج 11 / ص 43)(31064) صحيح لغيره(1/301)
وعن شفي بن ماتع أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ : " مِنْ نَعِيمِ أَهْلِ الْجَنَّةِ أَنَّهُمْ يَتَزَاوَرُونَ عَلَى الْمَطَايَا وَالنُّجُبِ ، وَإِنَّهُمْ يُؤْتَوْنَ فِي يَوْمِ الْجُمُعَةِ بِخَيْلٍ مُسَوَّمَةٍ مُلْجَمَةٍ ، لَا تَرُوثُ وَلَا تَبُولُ ، فَيَركَبُونَهَا حَتَّى يَنْتَهُوا حَيْثُ شَاءَ اللَّهُ ، فَيَأْتِيهِمْ مِثْلُ السَّحَابَةِ ، فِيهَا مَا لَا عَيْنٌ رَأَتْ ، وَلَا أُذُنٌ سَمِعَتْ ، فَيَقُولُونَ : أَمْطِرِي عَلَيْنَا ، فَمَا تَزَالُ تُمْطِرُ عَلَيْهِمْ حَتَّى يَنْتَهِيَ ذَلِكَ إِلَى فَوْقِ أَمَانِيهِمْ ، ثُمَّ يَبْعَثُ اللَّهُ رِيحًا غَيْرَ مُؤْذِيَةٍ فَتَنْسِفُ كُثْبَانًا مِنْ مِسْكٍ عَلَى أَيْمَانِهِمْ ، وَعَلَى شَمَائِلِهِمْ ، فَيَأْخُذُ ذَلِكَ الْمِسْكُ فِي نَوَاصِي خُيُولِهِمْ ، وَفِي مَعَارِفِهَا ، وَفِي رُءُوسِهَا ، وَلِكُلِّ رَجُلٍ مِنْهُمْ جُمَّةٌ عَلَى مَا اشْتَهَتْ نَفْسُهُ ، فَيَتَعَلَّقُ ذَلِكَ الْمِسْكُ فِي تِلْكَ الْجِمَامِ ، وَفِي الْخَيْلِ ، وَفِي مَا سِوَى ذَلِكَ مِنَ الثِّيَابِ ، ثُمَّ يُقْبِلُونَ حَتَّى يَنْتَهُوا إِلَى مَا شَاءَ اللَّهُ ، فَإِذَا الْمَرْأَةُ تُنَادِي بَعْضَ أُولَئِكَ : يَا عَبْدَ اللَّهِ ، أَمَا لَكَ فِينَا حَاجَةٌ ؟ فَيَقُولُ : مَا أَنْتِ ؟ وَمَنْ أَنْتِ ؟ فَتَقُولُ : أَنَا زَوْجَتُكَ ، فَيَقُولُ : مَا كُنْتُ عَلِمْتُ مَكَانَكِ ، فَتَقُولُ الْمَرْأَةُ : أَوَمَا تَعْلَمُ أَنَّ اللَّهَ قَالَ : {فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَّا أُخْفِيَ لَهُم مِّن قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاء بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} (17) سورة السجدة ، فَيَقُولُ : بَلَى وَرَبِّي ، فَلَعَلَّهُ يُشْغَلُ عَنْهَا بَعْدَ ذَلِكَ الْمَوْقِفِ مِقْدَارَ أَرْبَعِينَ خَرِيفًا ، لَا يَلْتَفِتُ وَلَا يَعُودُ ، مَا يَشْغَلُهُ عَنْهَا إِلَّا مَا هُوَ فِيهِ مِنَ(1/302)
النِّعْمَةِ وَالْكَرَامَةِ "(1)
المطايا : جمع مطية وهي الدابة التي يركب مطاها أي ظهرها ، أو هي التي تمط في سيرها أي تمدُّ - الجمة : ما ترامى من شعر الرأس على المنكبين
وعن أنس بن مالك قال قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : " إِذَا دَخَلَ أَهْلُ الْجَنَّةِ الْجَنَّةَ اشْتَاقُوا إِلَى الْإِخْوَانِ ، فَيَسِيرُ سَرِيرُ هَذَا إِلَى سَرِيرِ هَذَا ، وَسَرِيرُ هَذَا إِلَى سَرِيرِ هَذَا حَتَّى يَلْتَقِيَا ، هَذَا ، وَيَتَّكِئُ هَذَا ، فَيُحَدِّثَانِ بِمَا كَانَ فِي الدُّنْيَا حَتَّى يَقُولَ أَحَدُهُمَا لِصَاحِبِهِ : تَدْرِي يَوْمَ غَفَرَ اللَّهُ لَنَا يَوْمَ كُنَّا فِي مَوْضِعِ كَذَا وَكَذَا فَدَعَوْنَا اللَّهَ فَغَفَرَ لَنَا "(2)
اتكأ : اضطجع متمكنا والاضطجاع الميل على أحد جنبيه
وعن أبي هريرة ، قال : " إِنَّ أَهْلَ الْجَنَّةِ لَيَتَزَاوَرُونَ عَلَى الْعِيسِ الْجُونِ عَلَيْهَا رِحَالُ الْمِيسِ ، تُثِيرُ مَنَاسِمُهَا غُبَارَ الْمِسْكِ ، خِطَامُ أَوْ زِمَامُ أَحَدِهِمَا خَيْرٌ مِنَ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا "(3)
العيس إبل بيض في بياضها ظلمة خفية
والمناسم بالنون والسين المهملة جمع منسم وهو باطن خف البعير
__________
(1) - الزهد والرقائق لابن المبارك(1850 ) وصفة الجنة(235 ) حسن مرسل
(2) - الضعفاء الكبير للعقيلي(657 ) ضعيف
(3) - صفة الجنة (236 ) ضعيف(1/303)
وعن أبي هريرة ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - أَنَّهُ سَأَلَ جِبْرِيلَ عَلَيْهِ السَّلَامُ عَنْ هَذِهِ الْآيَةِ : مَنِ الَّذِي لَمْ يَشَأِ اللَّهُ أَنْ يُصْعَقُوا ؟ قَالَ : هُمُ الشُّهَدَاءُ يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ مُتَقَلِّدِينَ أَسْيَافَهُمْ حَوْلَ عَرْشِهِ تَتَلَقَّاهُمْ مَلَائِكَةٌ مِنَ الْمَحْشَرِ بِنَجَائِبَ مِنْ يَاقُوتٍ ، الدُّرُّ الْأَبْيَضُ بِرِحَالِ الذَّهَبِ ، أَعِنَّتُهَا السُّنْدُسُ ، وَزِمَامُهَا أَلْيَنُ مِنَ الْحَرِيرِ ، مَدُّ خُطَاهَا مَدُّ أَبْصَارِ الرِّجَالِ يَسِيرُونَ فِي الْجَنَّةِ عَلَى خُيُولٍ ، يَقُولُونَ عِنْدَ طُولِ النُّزْهَةِ : انْطَلِقُوا بِنَا إِلَى رَبِّنَا تَبَارَكَ وَتَعَالَى نَنْظُرْ إِلَيْهِ كَيْفَ يَقْضِي بَيْنَ خَلْقِهِ ، يَضْحَكُ اللَّهُ إِلَيْهِمْ ، وَإِذَا ضَحِكَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ إِلَى عَبْدٍ فِي مَوْطِنٍ فَلَا حِسَابَ عَلَيْهِ "(1)
الأزمة : جمع الزمام وهو الحبل الذي تقاد به الدابة - الإستبرق : نوع من الحرير السميك
__________
(1) - صِفَةُ الْجَنَّةِ لِابْنِ أَبِي الدُّنْيَا (237 ) ضعيف(1/304)
وعن علي ، قَالَ : سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ : " إِنَّ فِي الْجَنَّةِ شَجَرَةً يَخْرُجُ مِنْ أَعْلَاهَا حُلَلٌ ، وَمِنْ أَسْفَلِهَا خَيْلٌ مِنْ ذَهَبٍ مُسْرَجَةٍ مُلْجَمَةٍ مِنْ يَاقُوتٍ وَدُرٍّ ، لَا تَرُوثُ وَلَا تَبُولُ ، لَهَا أَجْنِحَةٌ خَطْوُهَا مَدُّ بَصَرِهَا فَيَرْكَبُهَا أَهْلُ الْجَنَّةِ فَتَطِيرُ بِهِمْ حَيْثُ شَاءُوا ، فَيَقُولُ الَّذِي أَسْفَلُ مِنْهُمْ دَرَجَةً : يَا رَبِّ مَا بَلَّغَ عِبَادَكَ هَذِهِ الْكَرَامَةَ ؟ فَيُقَالُ لَهُمْ : إِنَّهُمْ كَانُوا يُصَلُّونَ اللَّيْلَ وَأَنْتُمْ تَنَامُونَ ، وَكَانُوا يَصُومُونَ وَكُنْتُمْ تَأْكُلُونَ ، وَكَانُوا يُنْفِقُونَ وَكُنْتُمْ تَبْخَلُونَ ، وَكَانُوا يُقَاتِلُونَ وَكُنْتُمْ تَجْبُنُونَ "(1)
الحلل : جمع الحُلَّة وهي ثوبَان من جنس واحد - أسرج الدابة : شد عليها السرج
وعَنْ سَابِطٍ : قَالَ : جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ أَفِي الْجَنَّةِ خَيْلٌ فَإِنِّي أُحِبُّ الْخَيْلَ ؟ قَالَ : " إِنْ أَدْخَلَكَ اللَّهُ الْجَنَّةَ فَمَا تَشَاءُ أَنْ تَرْكَبَ فَرَسًا مِنْ يَاقُوتَةٍ حَمْرَاءَ لَهَا جَنَاحَانِ تَطِيرُ بِكَ فِي الْجَنَّةِ حَيْثُ شِئْتَ " فَقَالَ الْأَعْرَابِيُّ : يَا رَسُولَ اللَّهِ أَفِي الْجَنَّةِ إِبِلٌ ؟ قَالَ : " يَا أَعْرَابِيُّ ، إِنْ أَدْخَلَكَ اللَّهُ الْجَنَّةَ فَإِنَّ لَكَ فِيهَا مَا اشْتَهَتْ نَفْسُكَ وَلَذَّتْ عَيْنُكَ "(2)
__________
(1) - صفة الجنة(238 ) فيه ضعف
(2) - صِفَةُ الْجَنَّةِ لِابْنِ أَبِي الدُّنْيَا (239 ) حسن مرسل(1/305)
وعن عبد المؤمن بن عبيد الله ، قال : سمعت الحسن ، وَسَأَلَهُ رَجُلٌ عَنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ ، هَلْ فِيهَا خَيْلٌ ؟ قَالَ لَهُمْ : فِيهَا مَا تَشْتَهِي الْأَنْفُسُ وَتَلَذُّ الْأَعْيُنُ "(1)
وعن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قَالَ : فِي الْجَنَّةِ عِتَاقُ الْخَيْلِ وَكَرَائِمُ النَّجَائِبِ يَرْكَبُهَا أَهْلُهَا "(2)
وعَنْ أَبِي أَيُّوبَ ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ : " إِنَّ أَهْلَ الْجَنَّةِ يَتَزَاوَرُونَ عَلَى نَجَائِبَ بِيضٍ كَأَنَّهُمُ وَلَيْسَ فِي الْجَنَّةِ شَيْءٌ مِنَ الْبَهَائِمِ إِلَّا وَالطَّيْرُ "(3)
الياقوت : حجر كريم من أجود الأنواع وأكثرها صلابة بعد الماس ، خاصة ذو اللون الأحمر -الإبل : الجمال والنوق ليس له مفرد من لفظه
وعَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ سَاعِدَةَ قَالَ : كُنْتُ أُحِبُّ الْخَيْلَ فَقُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، هَلْ فِي الْجَنَّةِ خَيْلٌ ؟ فَقَالَ : " إِنْ أَدْخَلَكَ اللَّهُ الْجَنَّةَ يَا عَبْدَ الرَّحْمَنِ كَانَ لَكَ فِيهَا فَرَسٌ مِنْ يَاقُوتٍ ، لَهُ جَنَاحَانِ يَطِيرُ بِكَ حَيْثُ شِئْتَ "(4).
__________
(1) - صفة الجنة(240 ) صحيح مقطوع
(2) - صِفَةُ الْجَنَّةِ لِابْنِ أَبِي الدُّنْيَا (241 ) صحيح موقوف
(3) - صفة الجنة(243 ) ضعيف
(4) - البعث والنشور للبيهقي(385 ) صحيح لغيره(1/306)
وعَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ بُرَيْدَةَ ، عَنْ أَبِيهِ ؛ أَنَّ رَجُلاً سَأَلَ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - ، فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللهِ ، هَلْ فِي الْجَنَّةِ مِنْ خَيْلٍ ، قَالَ : إِنِ اللهُ أَدْخَلَكَ الْجَنَّةَ ، فَلاَ تَشَاءُ أَنْ تُحْمَلَ فِيهَا عَلَى فَرَسٍ ، مِنْ يَاقُوتَةٍ حَمْرَاءَ ، يَطِيرُ بِكَ فِي الْجَنَّةِ حَيْثُ شِئْتَ ، إِلاَّ فَعَلْتَ ، قَالَ : وَسَأَلَهُ رَجُلٌ ، فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللهِ ، هَلْ فِي الْجَنَّةِ مِنْ إِبِلٍ ؟ قَالَ : فَلَمْ يَقُلْ لَهُ مِثْلَ مَا قَالَ لِصَاحِبِهِ ، قَالَ : إِنْ يُدْخِلْكَ اللهُ الْجَنَّةَ ، يَكُنْ لَكَ فِيهَا مَا اشْتَهَتْ نَفْسُكَ ، وَلَذَّتْ عَيْنُكَ.(1)
وعَنْ أَبِى أَيُّوبَ قَالَ أَتَى النَّبِىَّ - صلى الله عليه وسلم - أَعْرَابِىٌّ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّى أُحِبُّ الْخَيْلَ أَفِى الْجَنَّةِ خَيْلٌ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - « إِنْ أُدْخِلْتَ الْجَنَّةَ أُتِيتَ بِفَرَسٍ مِنْ يَاقُوتَةٍ لَهُ جَنَاحَانِ فَحُمِلْتَ عَلَيْهِ ثُمَّ طَارَ بِكَ حَيْثُ شِئْتَ ».(2)
ـــــــــــــــ
__________
(1) - سنن الترمذى(2739) حسن
(2) - سنن الترمذى(2741 ) حسن لغيره(1/307)
المبحث الثامن و الثلاثون
في زيارة أهل الجنة ربهم تبارك وتعالى
عن علي ، قَالَ : " إِذَا سَكَنَ أَهْلُ الْجَنَّةِ ، أَتَاهُمْ مَلَكٌ يَقُولُ : إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَزُورُوهُ فَيَجْتَمِعُونَ ، فَيَأْمُرُ اللَّهُ تَعَالَى دَاوُدَ عَلَيْهِ السَّلَامُ فَيَرْفَعُ صَوْتَهُ بِالتَّسْبِيحِ ، وَالتَّهْلِيلِ ، ثُمَّ تُوضَعُ مَائِدَةُ الْخُلْدِ ، قَالُوا : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، وَمَا مَائِدَةُ الْخُلْدِ ؟ قَالَ : زَاوِيَةٌ مِنْ زَوَايَاهَا أَوْسَعُ مَا بَيْنَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ ، فَيَطْعَمُونَ ، ثُمَّ يُسْقَوْنَ ، ثُمَّ يُكْسَوْنَ ، فَيَقُولُونَ : لَمْ يَبْقَ إِلَّا النَّظَرُ فِي وَجْهِ رَبِّنَا عَزَّ وَجَلَّ ، لَهُمْ فَيَخِرُّونَ سُجَّدًا فَيُقَالُ لَهُمْ : لَسْتُمْ فِي دَارِ عَمَلٍ ، إِنَّمَا أَنْتُمْ فِي دَارِ جَزَاءٍ "(1)-يتجلى : يظهر
__________
(1) - صفة الجنة لأبي نعيم الأصبهاني(422 ) ضعيف(1/308)
وعن صيفي اليماني ، قال : سألت عبد العزيز بن مروان ، عَنْ وَفْدِ ، أَهْلِ الْجَنَّةِ قَالَ : إِنَّهُمْ يَفِدُونَ إِلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فِي كُلِّ يَوْمِ خَمِيسٍ فَيُوضَعُ لَهُمْ أَسِرَّةٌ كُلُّ إِنْسَانٍ مِنْهُمْ أَعْرَفُ بِسَرِيرِهِ مِنْكَ بِسَرِيرِكَ هَذَا الَّذِي أَنْتَ عَلَيْهِ ، قَالَ : وَأَقْسَمَ صَيْفِيٌّ عَلَى ذَلِكَ فَإِذَا قَعَدُوا عَلَيْهِ وَأَخَذَ الْقَوْمُ مَجَالِسَهُمْ قَالَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى : عِبَادِي عِبَادِي وَخَلْقِي وَجِيرَانِي وَوَفْدِي أَطْعِمُوهُمْ قَالَ : فَيُؤْتَوْنَ بِطَيْرٍ بِيضٍ أَمْثَالِ الْبُخْتِ فَيَأْكُلُونَ مِنْهَا مَا شَاءُوا ثُمَّ يَقُولُ : عِبَادِي وَخَلْقِي وَجِيرَانِي وَوَفْدِي قَدْ طَعِمُوا اسْقُوهُمْ فَيُؤْتَوْنَ بِآنِيَةٍ مِنْ أَلْوَانٍ شَتَّى مُخَتَّمَةً فَيُسْقَوْنَ مِنْهَا ، ثُمَّ يَقُولُ : عِبَادِي وَخَلْقِي وَجِيرَانِي وَوَفْدِي قَدْ طَعِمُوا وَشَرِبُوا فَكِّهُوهُمْ فَيَجِيءُ ثَمَرَاتُ شَجَرٍ مُدَلًّى فَيَأْكُلُونَ مِنْهَا مَا شَاءُوا ، ثُمَّ يَقُولُ : عِبَادِي وَخَلْقِي وَجِيرَانِي وَوَفْدِي قَدْ طَعِمُوا وَشَرِبُوا وَفَكِهُوا اكْسُوهُمْ فَتَجِيءُ ثَمَرَاتُ شَجَرٍ أَصْفَرَ وَأَخْضَرَ وَأَحْمَرَ وَكُلِّ لَوْنٍ لَمْ تُنْبِتْ إِلَّا الْحُلَلَ وَأَقْسَمَ صَيْفِيٌّ مَا أَنْبَتَتْ غَيْرَهَا فَتَنْشُرُ عَلَيْهِمْ حُلَلًا وَقُمُصًا ، ثُمَّ يَقُولُ : عِبَادِي وَخَلْقِي وَجِيرَانِي وَوَفْدِي قَدْ طَعِمُوا وَشَرِبُوا وَفَكِهُوا وَكُسُوا طَيِّبًا وَلَأَتَجَلَّيَنَّ لَهُمْ حَتَّى يَنْظُرُوا إِلَيَّ فَإِذَا تَجَلَّى لَهُمْ عَزَّ وَجَلَّ فَنَظَرُوا إِلَيْهِ نَظَرْتْ وُجُوهَهُمْ ، ثُمَّ يُقَالُ لَهُمُ : ارْجِعُوا إِلَى مَنَازِلِكُمْ فَيَقُولُ لَهُمْ أَزْوَاجُهُمْ : خَرَجْتُمْ مِنْ عِنْدِنَا عَلَى صُورَةٍ وَرَجَعْتُمْ عَلَى غَيْرِهَا(1/309)
فَيَقُولُونَ ذَلِكَ أَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ تَجَلَّى لَنَا فَنَظَرْنَا إِلَيْهِ فَنَظَرَتْ وُجُوهُنَا رواه ابن أبي الدنيا موقوفا(1)
وعن وهب بن منبه ، يقول : ، أَنَّهُ سَمِعَ ، يَقُولُ : إِنَّ فِي الْجَنَّةِ شَجَرَةً يُقَالُ لَهَا طُوبَى ، يَسِيرُ الرَّاكِبُ فِي ظِلِّهَا مِائَةَ عَامٍ لَا يَقْطَعُهَا ، زَهْرُهَا رِيَاطٌ ، وَوَرَقُهَا بُرُودٌ ، وَكُثْبَانُهَا عَنْبَرٌ ، وَبَطْحَاؤُهَا يَاقُوتٌ ، وَتُرَابُهَا كَافُورٌ ، وَوَحْلُهَا مِسْكٌ ، يَخْرُجُ مِنْ أَصْلِهَا أَنْهَارُ الْخَمْرِ وَاللَّبَنِ وَالْعَسَلِ ، وَهِيَ مَجْلِسُ أَهْلِ الْجَنَّةِ مُتَحَدَّثُ بَيْنِهِمْ ، فَبَيْنَا هُمْ يَتَحَدَّثُونَ فِي مَجْلِسِهِمْ إِذْ أَتَتْهُمْ مَلَائِكَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ يَقُودُونُ نُجُبًا مَزْمُومَةً بِسَلَاسِلَ مِنْ ذَهَبٍ وُجُوهُهَا كَالْمَصَابِيحِ مِنْ حُسْنِهَا ، وَوَبَرُهَا كَجَزَّةِ الْمَعِزَى مِنْ لِينِهِ ، عَلَيْهَا رِحَالٌ أَلْوَاحُهَا مِنْ يَاقُوتٍ ، وَدُفُوفُهَا مِنْ ذَهَبٍ ، وَثِيَابُهَا مِنْ سُنْدُسٍ وَإِسْتَبْرَقٍ ، قَالَ : فَيُنِيخُونَهَا ، وَيَقُولُونَ : إِنَّ رَبَّنَا أَرْسَلَنَا إِلَيْكُمْ لِتَزُورُوهُ وَتُسَلِّمُوا عَلَيْهِ ، قَالَ : فَيَرْكَبُونَهَا وَهِيَ أَسْرَعُ مِنَ الطَّائِرِ ، وَأَوْطَأُ مِنَ الْفَرَسِ الْمَفْرُوشِ ، نُجُبًا مِنْ غَيْرِ تَهْيِئَةٍ ، ذُلُلًا مِنْ غَيْرِ رِيَاضَةٍ ، يَسِيرُ الرَّجُلُ إِلَى جَنْبِ أَخِيهِ وَهُوَ يُكَلِّمُهُ وَيُنَاجِيهِ ، وَلَا تَسْبِقُ أُذُنُ رَاحِلَةٍ مِنْهَا أُذُنَ صَاحِبَتِهَا ، وَلَا رُكْبَةُ رَاحِلَةٍ مِنْهَا رُكْبَةَ صَاحِبَتِهَا ، حَتَّى إِنَّ الشَّجَرَةَ لَتُنَحَّى عَنْ طُرُقِهِمْ ؛ لِئَلَّا تُفَرِّقَ بَيْنَ الرَّجُلِ وَبَيْنَ أَخِيهِ ، قَالَ : فَيَأْتُونَ إِلَى الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ ،
__________
(1) - صفة الجنة(324 ) فيه ضعف(1/310)
فَيُسْفِرُ لَهُمْ عَنْ وَجْهِهِ الْكَرِيمِ حَتَّى يَنْظُرُوا إِلَيْهِ ، فَإِذَا رَأَوْهُ قَالُوا : اللَّهُمَّ أَنْتَ السَّلَامُ وَمِنْكَ السَّلَامُ وَحَقَّ لَكَ الْجَلَالُ وَالْإِكْرَامُ ، قَالَ : فَيَقُولُ رَبُّنَا تَعَالَى عِنْدَ ذَلِكَ : أَنَا السَّلَامُ وَمِنِّي السَّلَامُ وَعَلَيْكُمْ حَقَّتْ مَحَبَّتِي وَرَحْمَتِي ، مَرْحَبًا بِعِبَادِي الَّذِينَ خَشَوْنِي بِالْغَيْبِ وَأَطَاعُوا أَمْرِي ، فَيَقُولُونَ : رَبَّنَا إِنَّا لَمْ نَعْبُدْكَ حَقَّ عِبَادَتِكَ ، وَلَمْ نَقْدُرْكَ حَقَّ قَدْرِكَ فَأْذَنْ لَنَا بِالسُّجُودِ قُدَّامَكَ ، فَيَقُولُ تَعَالَى : إِنَّهَا لَيْسَتْ بِدَارِ نَصَبٍ وَلَا عِبَادَةٍ ، وَلَكِنَّهَا دَارُ مُلْكٍ وَنُعَيْمٍ ، وَإِنِّي قَدْ رَفَعْتُ عَنْكُمْ نَصَبَ الْعِبَادَةِ ، فَسَلُونِي مَا شِئْتُمْ ، فَإِنَّ لِكُلِّ رَجُلٍ مِنْكُمْ أُمْنِيَّتَهُ ، فَيَسْأَلُونَهُ حَتَّى إِنَّ أَقْصَرَهُمْ أُمْنِيَّةً ، يَقُولُ : يَا رَبِّ تَنَافَسَ أَهْلُ الدُّنْيَا فِي دُنْيَاهُمْ وَتَضَايَقُوا فِيهَا ، رَبِّ فَآتِنِي مِثْلَ كُلِّ مَا كَانُوا فِيهِ مُنْذُ يَوْمِ خَلَقْتَهَا إِلَى أَنِ انْتَهَتِ الدُّنْيَا ، فَيَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى : لَقَدْ قَصُرَتْ بِكَ أُمْنِيَّتُكَ ، وَلَقَدْ سَأَلْتَ دُونَ مَنْزِلَتِكَ ، هَذَا لَكَ مِنِّي وَسَأُتْحِفُكَ بِمَنْزِلَتِكَ ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي عَطَائِي هَلَكٌ وَلَا تَصْرِيدٌ ، قَالَ : ثُمَّ يَقُولُ : اعْرِضُوا عَلَى عِبَادِي مَا لَمْ تَبْلُغْهُ أَمَانِيُّهُمْ وَلَمْ يَخْطِرْ لَهُمْ عَلَى بَالٍ فَيُعْرَضُونَ عَلَيْهِمْ حَتَّى تَقْصُرْ بِهِمْ أَمَانِيُّهُمْ فِي أَنْفُسِهِمْ ، فَيَكُونُ فِيمَا يَعْرَضُونَ عَلَيْهِمْ بَرَاذِينُ مَقَرَّبَةٌ عَلَى كُلِّ أَرْبَعَةٍ مِنْهَا سَرِيرٌ مِنْ يَاقُوتَةٍ وَاحِدَةٍ ، وَعَلَى كُلِّ سَرِيرٍ مِنْهَا(1/311)
قُبَّةٌ مِنْ ذَهَبٍ مُفْرَغَةٌ فِي كُلِّ قُبَّةٍ مِنْهَا فَرْشٌ مِنْ فُرُشِ الْجَنَّةِ طَاهِرَةٌ ، فِي كُلِّ قُبَّةٍ مِنْهَا جَارِيَتَانِ مِنْ حُورِ الْعِينِ ، عَلَى كُلِّ جَارِيَةٍ مِنْهُنَّ ثَوْبَانِ مِنْ ثِيَابِ الْجَنَّةِ ، وَلَيْسَ فِي الْجَنَّةِ لَوْنٌ إِلَّا أَنَّهُ فِيهَا وَلَا رِيحٌ طَيِّبٌ ، إِلَّا قَدْ عُبِّقَتَا بِهِ يَنْفُذُ ضَوْءُ وُجُوهِهِمَا غِلَظَ الْقُبَّةِ حَتَّى يَظُنَّ مَنْ يَرَاهُمَا أَنَّهُمَا مِنْ دُونِ الْقُبَّةِ ، يُرَى مُخُّهَا مِنْ فَوْقِ سَاقِهَا كَالسِّلْكِ الْأَبْيَضِ فِي الْيَاقُوتَةِ الْحَمْرَاءِ ، تَرَيَانِ لِصَاحِبِهِمَا مِنَ الْفَضْلِ عَلَى صَاحِبَتَيْهِ كَفَضْلِ الدُّرِّ عَلَى الْحِجَارَةِ أَوْ أَفْضَلَ ، وَيَرَى هُوَ أَفْضَالَهُمَا مِثْلَ ذَلِكَ ، ثُمَّ يَدْخُلُ إِلَيْهِمَا فَيُحَيِّيَانِهِ ، وَتُقَبِّلَانِهِ ، وَتُعَانِقَانِهِ ، وَتَقُولَانِ لَهُ : وَاللَّهِ مَا ظَنَنَّا أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَخْلُقُ مِثْلَكَ ، ثمَّ يَأْمُرُ اللَّهُ الْمَلَائِكَةَ فَيَسِيرُونَ بِهِمْ صَفًّا فِي الْجَنَّةِ حَتَّى يَنْتَهِيَ كُلُّ رَجُلٍ مِنْهُمْ إِلَى مَنْزِلِهِ الَّذِي أُعِدَّ لَهُ "(1)
رياط : جمع الريطة ، الملاءة كلها نسج واحد وقطعة واحدة
__________
(1) - الإبانة الكبرى لابن بطة (2488 ) صحيح إلى وهب ومثله لا يقال بالرأي(1/312)
وعن أبي أمامة قَالَ : " إِنَّ أَهْلَ الْجَنَّةِ لَا ، وَلَا وَلَا يُمْنُونَ وَلَا يَبْزُقُونَ ، إِنَّمَا نَعِيمُهُمُ الَّذِي هُمْ فِيهِ مِسْكٌ يتَحَدَّرُ مِنْ جُلُودِهِمْ كَالْجُمَانِ ، وَعَلَى أَبْوَابِهِمْ كُثْبَانٌ مِنَ الْمِسْكِ ، يَزُورُونَ اللَّهَ فِي الْجُمُعَةِ مَرَّتَيْنِ ، فَيَجْلِسُونَ عَلَى كَرَاسِيٍّ مِنْ ذَهَبٍ ، مُكَلَّلَةٍ بِاللُّؤْلُؤِ ، ، وَالزَّبَرْجَدِ ، يَنْظُرُونَ إِلَى اللَّهِ ، وَيَنْظُرُ إِلَيْهِمْ ، فَإِذَا قَامُوا انْقَلَبَ أَحَدُهُمْ إِلَى الْغُرْفَةِ مِنْ غُرْفَةٍ لَهَا سَبْعُونَ بَابًا ، مُكَلَّلَةٍ بِاللُّؤْلُؤِ ، وَالْيَاقُوتِ وَالزَّبَرْجَدِ "(1)- التغوُّط : التبرُّز -امتخط : أخرج ما في أنفه من المخاط وألقى به
وعن أبي أمامة ، قال : " إِنَّ أَهْلَ الْجَنَّةِ لَا وَلَا وَلَا يُمْنُونَ ، إِنَّمَا نَعِيمُهُمُ الَّذِي هُمْ فِيهِ مِسْكٌ يَتَحَدَّرُ مِنْ جُلُودِهِمْ كَالْجُمَانِ ، وَعَلَى أَلْوَانِهِمْ مِنْ مِسْكٍ يَزُورُونَ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ فِي الْجُمُعَةِ مَرَّتَيْنِ فَيَجْلِسُونَ عَلَى كَرَاسٍ مِنْ ذَهَبٍ مُكَلَّلَةٍ بِاللُّؤْلُؤِ وَالزَّبَرْجَدِ يَنْظُرُونَ إِلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَيَنْظُرُ إِلَيْهِمْ فَإِذَا قَامُوا انْقَلَبَ أَحَدُهُمْ إِلَى الْغُرْفَةِ مِنْ غُرْفَةٍ لَهَا سَبْعُونَ بَابًا مُكَلَّلَةً بِاللُّؤْلُؤِ والياقوتِ "(2)
التغوُّط : التبرُّز - التمخط : الاستنثار وإلقاء مخاط الأنف -الكَثِيب : الرَّمْل المسْتَطِيل المُحْدَوْدِب - الياقوت : حجر كريم من أجود الأنواع وأكثرها صلابة بعد الماس ، خاصة ذو اللون الأحمر
ـــــــــــــــ
__________
(1) - الزهد والرقائق لابن المبارك(1853 ) ضعيف
(2) - صفة الجنة (95 ) ضعيف(1/313)
المبحث التاسع و الثلاثون
في نظر أهل الجنة إلى ربهم تبارك وتعالى
وهي غاية الحسنى , ونهاية النعمة, وكلّ نعمةٍ في الجنة وكلّ لذة من لذاتها يُنسى بالنسبة إلى لذة اللقاء والنظر إلى وجه الله تعالى- نسأل الله تعالى أن يمنّ علينا بذلك- قال تعالى: (وجُوهٌ يومئذٍ ناضرة ٌ*إِلََىَ رَبِّها نَاظِرَةٌ){القيامة:22-23}
وقال تعالى: (لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنََى وَزِيادَةٌ){يونس:26}
قال المفسرون: الحسنى هي الجنة , والزيادة:هي النظر إلى وجه الله الكريم،فعَنْ صُهَيْبٍ عَنِ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ : « إِذَا دَخَلَ أَهْلُ الْجَنَّةِ الْجَنَّةَ - قَالَ - يَقُولُ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى تُرِيدُونَ شَيْئًا أَزِيدُكُمْ فَيَقُولُونَ أَلَمْ تُبَيِّضْ وُجُوهَنَا أَلَمْ تُدْخِلْنَا الْجَنَّةَ وَتُنَجِّنَا مِنَ النَّارِ - قَالَ - فَيَكْشِفُ الْحِجَابَ فَمَا أُعْطُوا شَيْئًا أَحَبَّ إِلَيْهِمْ مِنَ النَّظَرِ إِلَى رَبِّهِمْ عَزَّ وَجَلَّ، ثُمَّ تَلاَ هَذِهِ الآيَةَ: {لِّلَّذِينَ أَحْسَنُواْ الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ وَلاَ يَرْهَقُ وُجُوهَهُمْ قَتَرٌ وَلاَ ذِلَّةٌ أُوْلَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} (26) سورة يونس ».(1)
__________
(1) - صحيح مسلم (467)(1/314)
وعَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى ، قِيلَ : أَرَأَيْتَ قَوْلَهُ : لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ قَالَ : " إِنَّ أَهْلَ الْجَنَّةِ أُعْطُوا فِيهَا مَا أُعْطُوا مِنَ الْكَرَامَةِ وَالنَّعِيمِ ، نُودُوا يَا أَهْلَ الْجَنَّةِ ، إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمُ الزِّيَادَةَ فَيَتَجَلَّى لَهُمْ " قَالَ ابْنُ أَبِي لَيْلَى : " فَمَا ظَنُّكَ بِهِمْ حِينَ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُمْ ، وَحِينَ صَارَتِ الصُّحُفُ فِي أَيْمَانِهِمْ ، وَحِينَ جَاوَزُوا جِسْرَ جَهَنَّمَ ، وَأُدْخِلُوا الْجَنَّةَ ، وَأُعْطُوا مَا فِيهَا مَا أُعْطُوا مِنَ الْكَرَامَةِ وَالنَّعِيمِ ؟ كَانَ ذَا لَمْ يَكُنْ شَيْئًا فِيمَا رَأَوْهُ "(1)
وعَنْ عَطَاءِ بْنِ يَزِيدَ اللَّيْثِىِّ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ أَخْبَرَهُ أَنَّ نَاسًا قَالُوا لِرَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَا رَسُولَ اللَّهِ هَلْ نَرَى رَبَّنَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - « هَلْ تُضَارُّونَ فِى رُؤْيَةِ الْقَمَرِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ ».
قَالُوا لاَ يَا رَسُولَ اللَّهِ. قَالَ « هَلْ تُضَارُّونَ فِى الشَّمْسِ لَيْسَ دُونَهَا سَحَابٌ ». قَالُوا لاَ يَا رَسُولَ اللَّهِ.
__________
(1) - الزُّهْدُ وَالرَّقَائِقُ لِابْنِ الْمُبَارَكِ (1894 ) صحيح ومثله لا يقال بالرأي(1/315)
قَالَ « فَإِنَّكُمْ تَرَوْنَهُ كَذَلِكَ يَجْمَعُ اللَّهُ النَّاسَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَيَقُولُ مَنْ كَانَ يَعْبُدُ شَيْئًا فَلْيَتَّبِعْهُ. فَيَتَّبِعُ مَنْ كَانَ يَعْبُدُ الشَّمْسَ الشَّمْسَ وَيَتَّبِعُ مَنْ كَانَ يَعْبُدُ الْقَمَرَ الْقَمَرَ وَيَتَّبِعُ مَنْ كَانَ يَعْبُدُ الطَّوَاغِيتَ الطَّوَاغِيتَ وَتَبْقَى هَذِهِ الأُمَّةُ فِيهَا مُنَافِقُوهَا فَيَأْتِيهِمُ اللَّهُ - تَبَارَكَ وَتَعَالَى - فِى صُورَةٍ غَيْرِ صُورَتِهِ الَّتِى يَعْرِفُونَ فَيَقُولُ أَنَا رَبُّكُمْ. فَيَقُولُونَ نَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْكَ هَذَا مَكَانُنَا حَتَّى يَأْتِيَنَا رَبُّنَا فَإِذَا جَاءَ رَبُّنَا عَرَفْنَاهُ. فَيَأْتِيهِمُ اللَّهُ تَعَالَى فِى صُورَتِهِ الَّتِى يَعْرِفُونَ فَيَقُولُ أَنَا رَبُّكُمْ. فَيَقُولُونَ أَنْتَ رَبُّنَا. فَيَتَّبِعُونَهُ وَيُضْرَبُ الصِّرَاطُ بَيْنَ ظَهْرَىْ جَهَنَّمَ فَأَكُونُ أَنَا وَأُمَّتِى أَوَّلَ مَنْ يُجِيزُ وَلاَ يَتَكَلَّمُ يَوْمَئِذٍ إِلاَّ الرُّسُلُ وَدَعْوَى الرُّسُلِ يَوْمَئِذٍ اللَّهُمَّ سَلِّمْ سَلِّمْ. وَفِى جَهَنَّمَ كَلاَلِيبُ مِثْلُ شَوْكِ السَّعْدَانِ هَلْ رَأَيْتُمُ السَّعْدَانَ ». قَالُوا نَعَمْ يَا رَسُولَ اللَّهِ. قَالَ « فَإِنَّهَا مِثْلُ شَوْكِ السَّعْدَانِ غَيْرَ أَنَّهُ لاَ يَعْلَمُ مَا قَدْرُ عِظَمِهَا إِلاَّ اللَّهُ تَخْطَفُ النَّاسَ بِأَعْمَالِهِمْ فَمِنْهُمُ الْمُؤْمِنُ بَقِىَ بِعَمَلِهِ وَمِنْهُمُ الْمُجَازَى حَتَّى يُنَجَّى حَتَّى إِذَا فَرَغَ اللَّهُ مِنَ الْقَضَاءِ بَيْنَ الْعِبَادِ وَأَرَادَ أَنْ يُخْرِجَ بِرَحْمَتِهِ مَنْ أَرَادَ مِنْ أَهْلِ النَّارِ أَمَرَ الْمَلاَئِكَةَ أَنْ يُخْرِجُوا مِنَ النَّارِ مَنْ كَانَ لاَ يُشْرِكُ بِاللَّهِ شَيْئًا مِمَّنْ أَرَادَ اللَّهُ تَعَالَى أَنْ يَرْحَمَهُ مِمَّنْ يَقُولُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ.(1/316)
فَيَعْرِفُونَهُمْ فِى النَّارِ يَعْرِفُونَهُمْ بِأَثَرِ السُّجُودِ تَأْكُلُ النَّارُ مِنِ ابْنِ آدَمَ إِلاَّ أَثَرَ السُّجُودِ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَى النَّارِ أَنْ تَأْكُلَ أَثَرَ السُّجُودِ. فَيُخْرَجُونَ مِنَ النَّارِ وَقَدِ امْتَحَشُوا فَيُصَبُّ عَلَيْهِمْ مَاءُ الْحَيَاةِ فَيَنْبُتُونَ مِنْهُ كَمَا تَنْبُتُ الْحِبَّةُ فِى حَمِيلِ السَّيْلِ ثُمَّ يَفْرُغُ اللَّهُ تَعَالَى مِنَ الْقَضَاءِ بَيْنَ الْعِبَادِ وَيَبْقَى رَجُلٌ مُقْبِلٌ بِوَجْهِهِ عَلَى النَّارِ وَهُوَ آخِرُ أَهْلِ الْجَنَّةِ دُخُولاً الْجَنَّةَ فَيَقُولُ أَىْ رَبِّ اصْرِفْ وَجْهِى عَنِ النَّارِ فَإِنَّهُ قَدْ قَشَبَنِى رِيحُهَا وَأَحْرَقَنِى ذَكَاؤُهَا فَيَدْعُو اللَّهَ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَدْعُوَهُ ثُمَّ يَقُولُ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى هَلْ عَسَيْتَ إِنْ فَعَلْتُ ذَلِكَ بِكَ أَنْ تَسْأَلَ غَيْرَهُ. فَيَقُولُ لاَ أَسْأَلُكَ غَيْرَهُ. وَيُعْطِى رَبَّهُ مِنْ عُهُودٍ وَمَوَاثِيقَ مَا شَاءَ اللَّهُ فَيَصْرِفُ اللَّهُ وَجْهَهُ عَنِ النَّارِ فَإِذَا أَقْبَلَ عَلَى الْجَنَّةِ وَرَآهَا سَكَتَ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَسْكُتَ ثُمَّ يَقُولُ أَىْ رَبِّ قَدِّمْنِى إِلَى بَابِ الْجَنَّةِ. فَيَقُولُ اللَّهُ لَهُ أَلَيْسَ قَدْ أَعْطَيْتَ عُهُودَكَ وَمَوَاثِيقَكَ لاَ تَسْأَلُنِى غَيْرَ الَّذِى أَعْطَيْتُكَ وَيْلَكَ يَا ابْنَ آدَمَ مَا أَغْدَرَكَ. فَيَقُولُ أَىْ رَبِّ وَيَدْعُو اللَّهَ حَتَّى يَقُولَ لَهُ فَهَلْ عَسَيْتَ إِنْ أَعْطَيْتُكَ ذَلِكَ أَنْ تَسْأَلَ غَيْرَهُ.(1/317)
فَيَقُولُ لاَ وَعِزَّتِكَ. فَيُعْطِى رَبَّهُ مَا شَاءَ اللَّهُ مِنْ عُهُودٍ وَمَوَاثِيقَ فَيُقَدِّمُهُ إِلَى بَابِ الْجَنَّةِ فَإِذَا قَامَ عَلَى بَابِ الْجَنَّةِ انْفَهَقَتْ لَهُ الْجَنَّةُ فَرَأَى مَا فِيهَا مِنَ الْخَيْرِ وَالسُّرُورِ فَيَسْكُتُ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَسْكُتَ ثُمَّ يَقُولُ أَىْ رَبِّ أَدْخِلْنِى الْجَنَّةَ. فَيَقُولُ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى لَهُ أَلَيْسَ قَدْ أَعْطَيْتَ عُهُودَكَ وَمَوَاثِيقَكَ أَنْ لاَ تَسْأَلَ غَيْرَ مَا أُعْطِيتَ وَيْلَكَ يَا ابْنَ آدَمَ مَا أَغْدَرَكَ. فَيَقُولُ أَىْ رَبِّ لاَ أَكُونُ أَشْقَى خَلْقِكَ. فَلاَ يَزَالُ يَدْعُو اللَّهَ حَتَّى يَضْحَكَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى مِنْهُ فَإِذَا ضَحِكَ اللَّهُ مِنْهُ قَالَ ادْخُلِ الْجَنَّةَ. فَإِذَا دَخَلَهَا قَالَ اللَّهُ لَهُ تَمَنَّهْ. فَيَسْأَلُ رَبَّهُ وَيَتَمَنَّى حَتَّى إِنَّ اللَّهَ لَيُذَكِّرُهُ مِنْ كَذَا وَكَذَا حَتَّى إِذَا انْقَطَعَتْ بِهِ الأَمَانِىُّ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى ذَلِكَ لَكَ وَمِثْلُهُ مَعَهُ ». قَالَ عَطَاءُ بْنُ يَزِيدَ وَأَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِىُّ مَعَ أَبِى هُرَيْرَةَ لاَ يَرُدُّ عَلَيْهِ مِنْ حَدِيثِهِ شَيْئًا. حَتَّى إِذَا حَدَّثَ أَبُو هُرَيْرَةَ أَنَّ اللَّهَ قَالَ لِذَلِكَ الرَّجُلِ وَمِثْلُهُ مَعَهُ. قَالَ أَبُو سَعِيدٍ وَعَشَرَةُ أَمْثَالِهِ مَعَهُ يَا أَبَا هُرَيْرَةَ. قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ مَا حَفِظْتُ إِلاَّ قَوْلَهُ ذَلِكَ لَكَ وَمِثْلُهُ مَعَهُ. قَالَ أَبُو سَعِيدٍ أَشْهَدُ أَنِّى حَفِظْتُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَوْلَهُ ذَلِكَ لَكَ وَعَشَرَةُ أَمْثَالِهِ. قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ وَذَلِكَ الرَّجُلُ آخِرُ أَهْلِ الْجَنَّةِ دُخُولاً الْجَنَّةَ.(1)
__________
(1) - صحيح مسلم (469)(1/318)
الحبة : بذور العشب البرية -الذكاء : لهب النار واشتعالها -تضارون : لا تتخالفون ولا تتجادلون فى صحة النظر -انفهقت : انفتحت واتسعت -قشبنى : سمنى وأهلكنى -امتحشوا : احترقت جلودهم حتى ظهرت العظام
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ : سَأَلَ النَّاسُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالُوا : يَا رَسُولَ اللهِ ، هَلْ نَرَى رَبَّنَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ ؟ قَالَ : هَلْ تُضَارُّونَ فِي رُؤْيَةِ الْقَمَرِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ لَيْسَ فِي سَحَابٍ ؟ قَالُوا : لاَ يَا رَسُولَ اللهِ ، قَالَ : فَهَلْ تُضَارُّونَ فِي رُؤْيَةِ الشَّمْسِ عِنْدَ الظَّهِيرَةِ لَيْسَتْ فِي سَحَابٍ ؟ قَالُوا : لاَ يَا رَسُولَ اللهِ ، قَالَ : فَوَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ ، لاَ تُضَارُّونَ فِي رُؤْيَةِ رَبِّكُمْ ، كَمَا لاَ تُضَارُّونَ فِي رُؤْيَتِهِمَا ، فَيُلْقَى الْعَبْدَ فَيَقُولُ : أَيْ فُلُ أَلَمْ أُكْرِمْكَ ، أَلَمْ أُسَوِّدْكَ ، أَلَمْ أُزَوِّجْكَ ، أَلَمْ أُسَخِّرْ لَكَ الْخَيْلَ وَالإِبِلَ وَأَتْرُكُكَ تَرْأَسُ وَتَرْبَعُ ، قَالَ : فَيَقُولُ بَلَى يَا رَبِّ ، قَالَ : فَظَنَنْتَ أَنَّكَ مُلاَقِيَّ ، قَالَ : لاَ يَا رَبِّ ، قَالَ : فَالْيَوْمَ أَنْسَاكَ كَمَا نَسِيتَنِي ، قَالَ : ثُمَّ يَلْقَى الثَّانِي فَيَقُولُ : أَلَمْ أُكْرِمْكَ ، أَلَمْ أُسَوِّدْكَ ، أَلَمْ أُزَوِّجْكَ ، أَلَمْ أُسَخِّرْ لَكَ الْخَيْلَ وَالإِبِلَ وَأَتْرُكَكَ تَرْأَسُ وَتَرْبَعُ ، قَالَ : فَيَقُولُ بَلَى يَا رَبِّ ، قَالَ : فَظَنَنْتَ أَنَّكَ مُلاَقِيَّ قَالَ : لاَ يَا رَبِّ ، قَالَ : فَالْيَوْمَ أَنْسَاكَ كَمَا نَسِيتَنِي ، قَالَ : ثُمَّ يَلْقَى الثَّالِثَ فَيَقُولُ : مَا أَنْتَ ؟ فَيَقُولُ : أَنَا عَبْدُكَ آمَنْتُ بِكَ ، وَبِنَبِيِّكَ ، وَبِكِتَابِكَ ، وَصُمْتُ ، وَصَلَّيْتُ ، وَتَصَدَّقْتُ ، وَيُثْنِي بِخَيْرٍ مَا اسْتَطَاعَ ، قَالَ :(1/319)
فَيُقَالُ لَهُ : أَفَلاَ نَبْعَثَ عَلَيْكَ شَاهِدَنَا ؟ قَالَ : فَيُفَكِّرُ فِي نَفْسِهِ مَنِ الَّذِي يَشْهَدُ عَلَيْهِ ، قَالَ : فَيُخْتَمُ عَلَى فِيهِ ، وَيُقَالُ لِفَخْذِهِ : انْطِقِي ، قَالَ : فَتَنْطِقُ فَخْذُهُ وَلَحْمُهُ وَعِظَامُهُ بِمَا كَانَ يَعْمَلُ ، فَذَلِكَ الْمُنَافِقُ ، وَذَلِكَ لِيُعْذِرَ مِنْ نَفْسِهِ ، وَذَلِكَ الَّذِي سَخَطَ اللَّهُ عَلَيْهِ قَالَ : ثُمَّ يُنَادِي مُنَادِي أَلاَ اتَّبَعَتْ كُلُّ أُمَّةٍ مَا كَانَتْ تَعْبُدُ ، قَالَ : فَيَتْبَعُ أَوْلِيَاءُ الشَّيَاطِينَ الشَّيَاطِينَ ، قَالَ : وَاتَّبَعَتِ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَهُمْ إِلَى جَهَنَّمَ ، ثُمَّ قَالَ : ثُمَّ يَبْقَى الْمُؤْمِنُونَ ، ثُمَّ نَبْقَى أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ ، فَيَأْتِينَا رَبُّنَا وَهُوَ رَبُّنَا ، فَيَقُولُ : عَلَى مَا هَؤُلاَءِ قِيَامٌ ؟ فَيَقُولُونَ : نَحْنُ عِبَادُ اللهِ الْمُؤْمِنُونَ وعَبَدْنَاهُ وَهُوَ رَبُّنَا وَهُوَ آتِينَا ، وَمُثِيبُنَا ، وَهَذَا مَقَامُنَا ، قَالَ : فَيَقُولُ : أَنَا رَبُّكُمْ فَامْضُوا ، قَالَ : فَيُوضَعُ الْجِسْرُ وَعَلَيْهِ كَلاَلِيبُ مِنْ نَارٍ تَخْطَفُ النَّاسَ ، فَعِنْدَ ذَلِكَ حَلَّتِ الشَّفَاعَةُ ، اللَّهُمَّ سَلِّمِ اللَّهُمَّ سَلِّمْ ، فَإِذَا جَاوَزَ الْجِسْرَ ، فَكُلُّ مَنْ أَنْفَقَ زَوْجًا مِنَ الْمَالِ مِمَّا يَمْلِكُ فِي سَبِيلِ اللهِ ، فَكُلُّ خَزَنَةِ الْجَنَّةِ تَدَعُوهُ يَا عَبْدَ اللهِ ، يَا مُسْلِمُ ، هَذَا خَيْرٌ ، فَيُقَالُ : يَا عَبْدَ اللهِ ، يَا مُسْلِمُ ، هَذَا خَيْرٌ ، قَالَ أَبُو بَكْرٍ : يَا رَسُولَ اللهِ ، إِنَّ ذَلِكَ لِعَبْدٍ لاَ تَوَى عَلَيْهِ يَدَعُ بَابًا وَيَلِجُ مِنْ آخَرَ ، قَالَ : فَضَرَبَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - عَلَى مَنْكِبَيْهِ وَقَالَ : وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ ، إِنِّي لَأَرْجُو(1/320)
أَنْ تَكُونَ مِنْهُمْ.(1)
وعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ ، قَالَ : قُلْنَا : يَا رَسُولَ اللهِ أَنَرَى رَبَّنَا ؟ قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - : هَلْ تُضَارُّونَ فِي رُؤْيَةِ الشَّمْسِ إِذَا كَانَ يَوْمَ صَحْوٍ ؟ قُلْنَا : لاَ ، قَالَ : هَلْ تُضَارُّونَ فِي رُؤْيَةِ الْقَمَرِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ إِذَا كَانَ صَحْوًا ؟ قُلْنَا : لاَ ، قَالَ : فَإِنَّكُمْ لاَ تُضَارُّونَ فِي رُؤْيَةِ رَبِّكُمْ ، إِلاَّ كَمَا لاَ تُضَارُّونَ فِي رُؤْيَتِهِمَا يُنَادِي مُنَادٍ ، فَيَقُولُ : لِيَلْحَقْ كُلُّ قَوْمٍ بِمَا كَانُوا يَعْبُدُونَ ، قَالَ : فَيَذْهَبُ أَهْلُ الصَّلِيبِ مَعَ صَلِيبِهِمْ ، وَأَهْلُ الأَوْثَانِ مَعَ أَوْثَانِهِمْ ، وَأَصْحَابُ كُلِّ آلِهَةٍ مَعَ آلِهَتِهِمْ ، وَيَبْقَى مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ مِنْ بَرٍّ وَفَاجِرٍ ، وَغُبَّرَاتٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ ، ثُمَّ يُؤْتَى بِجَهَنَّمَ تُعْرَضُ كَأَنَّهَا سَرَابٌ ، فَيُقَالُ لِلْيَهُودِ : مَا كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ ؟ فَيَقُولُونَ : كُنَّا نَعْبُدُ عُزَيْرًا ابْنَ اللهِ ، فَيُقَالُ : كَذَبْتُمْ مَا اتَّخَذَ اللَّهُ صَاحِبَةً ، وَلاَ وَلَدًا مَا تُرِيدُونَ ؟ قَالُوا : نُرِيدُ أَنْ تَسْقِيَنَا ، فَيُقَالُ : اشْرَبُوا فَيَتَسَاقَطُونَ فِي جَهَنَّمَ ، ثُمَّ يُقَالُ لِلنَّصَارَى : مَا كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ ؟ فَيَقُولُونَ : كُنَّا نَعْبُدُ الْمَسِيحَ ابْنَ اللهِ ، فَيُقَالُ : كَذَبْتُمْ لَمْ يَكُنْ لَهُ صَاحِبَةٌ ، وَلاَ وَلَدٌ مَاذَا تُرِيدُونَ ؟ قَالُوا : نُرِيدُ أَنْ تَسْقِيَنَا ، فَيُقَالُ : اشْرَبُوا فَيَتَسَاقَطُونَ فِي جَهَنَّمَ حَتَّى يَبْقَى مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ مِنْ بَرٍّ وَفَاجِرٍ ، فَيُقَالُ لَهُمْ : مَا يَحْبِسُكُمْ وَقَدْ ذَهَبَ النَّاسُ ؟ فَيَقُولُونَ : قَدْ
__________
(1) - صحيح ابن حبان - (ج 10 / ص 499)(4642) صحيح(1/321)
فَارَقْنَاهُمْ ، وَإِنَّا سَمِعْنَا مُنَادِيًا يُنَادِي لِيَلْحَقْ كُلُّ قَوْمٍ بِمَا كَانُوا يَعْبُدُونَ ، وَإِنَّا نَنْتَظِرُ رَبَّنَا ، قَالَ : فَيَأْتِيهِمُ الْجَبَّارُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ ، فَيَقُولُ : أَنَا رَبُّكُمْ ، فَلاَ يُكَلِّمُهُ إِلاَّ نَبِيٌّ ، فَيُقَالُ : هَلْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُ آيَةٌ تَعْرِفُونَهَا ؟ فَيَقُولُونَ : السَّاقُ ، فَيُكْشَفُ عَنْ سَاقٍ ، فَيَسْجُدُ لَهُ كُلُّ مُؤْمِنٍ وَيَبْقَى مَنْ كَانَ يَسْجُدُ لَهُ رِيَاءً وَسُمْعَةً ، فَيَذْهَبُ يَسْجُدُ ، فَيَعُودُ ظَهْرُهُ طَبَقًا وَاحِدًا ، ثُمَّ يُؤْتَى بِ الْجَسْرِ ، فَيُجْعَلُ بَيْنَ ظَهْرَانِي جَهَنَّمَ ، فَقُلْنَا : يَا رَسُولَ اللهِ ، وَمَا الْجِسْرُ ؟ قَالَ : مَدْحَضَةٌ مَزَلَّةٌ عَلَيْهِ خَطَاطِيفُ ، وَكَلاَلِيبُ ، وَحَسَكَةٌ مُفَلْطَحَةٌ لَهَا شَوْكٌ عُقَيْفَاءُ تَكُونُ بِنَجْدٍ ، يُقَالُ لَهَا : السَّعْدَانُ ، يَجُوزُ الْمُؤْمِنُ كَالطَّرْفِ ، وَكَالْبَرْقِ ، وَكَالرِّيحِ ، وَكَأَجَاوِيدِ الْخَيْلِ ، وَكَالرَّاكِبِ فَنَاجٍ مُسَلَّمٌ ، وَمَخْدُوشٌ مُسَلَّمٌ ، وَمَكْدُوسٌ فِي جَهَنَّمَ حَتَّى يَمُرَّ آخِرُهُمْ يُسْحَبُ سَحْبًا ، وَالْحَقُّ قَدْ تَبَيَّنَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ ، إِذَا رَأَوْا أَنَّهُمْ قَدْ نَجَوْا وَبَقِيَ إِخْوَانُهُمْ يَقُولُونَ : يَا رَبَّنَا إِخْوَانُنَا كَانُوا يُصَلُّونَ مَعَنَا وَيَصُومُونَ مَعَنَا وَيَعْمَلُونَ مَعَنَا ، فَيَقُولُ الرَّبُّ جَلَّ وَعَلاَ : اذْهَبُوا فَمَنْ وَجَدْتُمْ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالَ دِينَارٍ مِنْ إِيمَانٍ ، فَأَخْرِجُوهُ ، وَيُحَرِّمُ اللَّهُ صُوَرَهُمْ عَلَى النَّارِ ، فَيَأْتُونَهُمْ وَبَعْضُهُمْ قَدْ غَابَ فِي النَّارِ إِلَى قَدَمَيْهِ وَإِلَى أَنْصَافِ سَاقَيْهِ ، فَيَخْرُجُونَ مِنَ النَّارِ ، ثُمَّ يَعُودُونَ ثَانِيَةً ، فَيَقُولُ :(1/322)
اذْهَبُوا فَمَنْ وَجَدْتُمْ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالَ نِصْفِ دِينَارٍ مِنْ إِيمَانٍ ، فَأَخْرِجُوهُ ، فَيُخْرِجُونَ مِنَ النَّارِ ، ثُمَّ يَعُودُونَ الثَّالِثَةَ ، فَيُقَالُ : اذْهَبُوا ، فَمَنْ وَجَدْتُمْ فِي قَلْبِهِ حَبَّةً إِيمَانٍ ، فَأَخْرِجُوهُ فَيُخْرِجُونَ قَالَ أَبُو سَعِيدٍ : وَإِنْ لَمْ تُصَدِّقُونِي فَاقْرَؤُوا قَوْلَ اللهِ : {إِنَّ اللَّهَ لاَ يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا وَيُؤْتِ مِنْ لَدُنْهُ أَجْرًا عَظِيمًا} [النساء] ، فَتَشْفَعُ الْمَلاَئِكَةُ وَالنَّبِيُّونَ وَالصِّدِّيقُونَ ، فَيَقُولُ الْجَبَّارُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ : بَقِيَتْ شَفَاعَتِي ، فَيَقْبِضُ الْجَبَّارُ قَبْضَةً مِنَ النَّارِ ، فَيُخْرِجُ أَقْوَامًا قَدِ امْتُحِشُوا فَيُلْقَوْنَ فِي نَهَرٍ ، يُقَالُ لَهُ : الْحَيَاةُ فَيَنْبُتُونَ فِيهِ كَمَا تَنْبُتُ الْحَبَّةُ فِي حَمِيلِ السَّيْلِ هَلْ رَأَيْتُمُوهَا إِلَى جَانِبِ الصَّخْرَةِ ، أَوْ جَانِبِ الشَّجَرَةِ ، فَمَا كَانَ إِلَى الشَّمْسِ مِنْهَا كَانَ أَخْضَرَ ، وَمَا كَانَ إِلَى الظِّلِّ كَانَ أَبْيَضَ ، فَيَخْرُجُونَ مَثْلَ اللُّؤْلُؤَةِ ، فَيُجْعَلُ فِي رِقَابِهِمُ الْخَوَاتِيمُ ، فَيَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ ، فَيَقُولُ أَهْلُ الْجَنَّةِ : هَؤُلاَءِ عُتَقَاءُ الرَّحْمَنِ أَدْخَلَهُمُ اللَّهُ الْجَنَّةَ بِغَيْرِ عَمَلٍ عَمِلُوهُ ، وَلاَ قَدَمٍ قَدَّمُوهُ ، فَيُقَالُ لَهُمْ : لَكُمْ مَا رَأَيْتُمُوهُ وَمِثْلُهُ مَعَهُ ، قَالَ أَبُو سَعِيدٍ : بَلَغَنِي أَنَّ الْجِسْرَ أَدَقُّ مِنَ الشَّعْرِ ، وَأَحَدُّ مِنَ السَّيْفِ(1).قَالَ أَبُو حَاتِمٍ : السَّاقُ الشِّدَّةُ.
__________
(1) - صحيح ابن حبان - (ج 16 / ص 377)(7377) صحيح(1/323)
وقَالَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ : جَاءَ رَجُلٌ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ : أَخْبِرْنِي يَا رَسُولَ اللَّهِ بِجُلَسَاءِ اللَّهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ قَالَ : " هُمُ الْخَائِفُونَ ، الْخَاضِعُونَ ، الْمُتَوَاضِعُونَ ، الذَّاكِرُونَ لِلَّهِ كَثِيرًا " قَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، أَفَهُمْ أَوَّلُ النَّاسِ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ ؟ قَالَ : " لَا " قَالَ : فَمَنْ أَوَّلُ النَّاسِ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ ؟ قَالَ : " الْفُقَرَاءُ يَسْبِقُونَ النَّاسَ إِلَى الْجَنَّةِ ، فَيَخْرُجُ إِلَيْهِمْ مِنْهَا مَلَائِكَةٌ ، فَيَقُولُونَ : ارْجِعُوا إِلَى الْحِسَابِ ، فَيَقُولُونَ : عَلَامَ نُحَاسَبُ ؟ وَاللَّهِ مَا أُفِيضَتْ عَلَيْنَا مِنَ الْأَمْوَالِ فِي الدُّنْيَا فَنَقْبِضَ فِيهَا وَنَبْسِطَ ، وَمَا كُنَّا أُمَرَاءَ نَعْدِلُ وَنَجُورُ ، وَلَكِنَّا . . . اللَّهُ فَعبَدْنَاهُ حَتَّى أَتَانَا الْيَقِينُ "(1)
وعَنْ أَبِى بَكْرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ قَيْسٍ عَنْ أَبِيهِ ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - ، قَالَ : جَنَّتَانِ مِنْ فِضَّةٍ آنِيَتُهُمَا ، وَمَا فِيهِمَا وَجَنَّتَانِ مِنْ ذَهَبٍ آنِيَتُهُمَا ، وَمَا فِيهِمَا وَمَا بَيْنَ الْقَوْمِ وَبَيْنَ أَنْ يَنْظُرُوا إِلَى رَبِّهِمْ إِلاَّ رِدَاءُ الْكِبْرِ عَلَى وَجْهِهِ فِي جَنَّةِ عَدْنٍ.(2).
__________
(1) - الزُّهْدُ وَالرَّقَائِقُ لِابْنِ الْمُبَارَكِ (1895 ) حسن
(2) - صحيح البخارى(4878 ) وصحيح مسلم(466)(1/324)
وعَنْ أَبِى بَكْرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ قَيْسٍ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ « إِنَّ فِى الْجَنَّةِ خَيْمَةً مِنْ لُؤْلُؤَةٍ مُجَوَّفَةٍ ، عَرْضُهَا سِتُّونَ مِيلاً ، فِى كُلِّ زَاوِيَةٍ مِنْهَا أَهْلٌ ، مَا يَرَوْنَ الآخَرِينَ يَطُوفُ عَلَيْهِمُ الْمُؤْمِنُونَ ، وَجَنَّتَانِ مِنْ فِضَّةٍ ، آنِيَتُهُمَا وَمَا فِيهِمَا ، وَجَنَّتَانِ مِنْ كَذَا آنِيَتُهُمَا ، وَمَا فِيهِمَا ، وَمَا بَيْنَ الْقَوْمِ وَبَيْنَ أَنْ يَنْظُرُوا إِلَى رَبِّهِمْ إِلاَّ رِدَاءُ الْكِبْرِ عَلَى وَجْهِهِ فِى جَنَّةِ عَدْنٍ »(1).
وعَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ قَيْسٍ ، عَنْ أَبِيهِ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : جَنَّاتُ الْفِرْدَوْسِ أَرْبَعٌ : ثِنْتَانِ آنِيَتُهُمَا وَحُلِيُّهُمَا وَمَا فِيهِمَا مِنْ ذَهَبٍ ، وَثِنْتَانِ مِنْ فِضَّةٍ آنِيَتُهُمَا وَحُلِيُّهُمَا وَمَا فِيهِمَا ، وَمَا بَيْنَ الْقَوْمِ وَبَيْنَ أَنْ يَنْظُرُوا إِلَى رَبِّهِمْ عَزَّ وَجَلَّ إِلا رِدَاءُ الْكِبْرِيَاءِ عَلَى وَجْهِهِ فِي جَنَّةِ عَدْنٍ ، وَهَذِهِ الأَنْهَارُ تَشْخَبُ مِنْ جَنَّاتِ عَدْنٍ ثُمَّ تَصَدَّعُ بَعْدُ أَنْهَارًا "(2)
__________
(1) - صحيح البخارى (4879 )
(2) - مسند أبي عوانة (310) صحيح(1/325)
وعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : " أَتَانِي جِبْرِيلُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - وَفِي يَدِهِ مِرْآةٌ بَيْضَاءُ ، فِيهَا نُكْتَةٌ سَوْدَاءُ ، فَقُلْتُ : مَا هَذِهِ يَا جِبْرِيلُ ؟ قَالَ : هَذِهِ الْجُمُعَةُ يَعْرِضُهَا رَبُّكَ لِتَكُونَ لَكَ عِيدًا ، وَلِقَوْمِكَ مِنْ بَعْدِكَ ، تَكُونُ أَنْتَ الْأَوَّلَ ، وَتَكُونُ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى مِنْ بَعْدِكَ ، قَالَ : مَا لَنَا فِيهَا ؟ قَالَ : لَكُمْ فِيهَا خَيْرٌ ، لَكُمْ فِيهَا سَاعَةٌ مَنْ دَعَا رَبَّهُ فِيهَا بِخَيْرٍ هُوَ لَهُ قَسَمٌ إِلَّا أَعْطَاهُ إِيَّاهُ ، وَلَيْسَ لَهُ بِقَسَمٍ إِلَّا دَخِرَ لَهُ مَا هُوَ أَعْظَمُ مِنْهُ ، أَوْ تَعَوَّذَ فِيهَا مِنْ شَرٍّ هُوَ مَكْتُوبٌ إِلَّا أَعَاذَهُ مِنْ أَعْظَمَ مِنْهُ . قُلْتُ : مَا هَذِهِ النُّكْتَةُ السَّوْدَاءُ فِيهَا ؟ قَالَ : هَذِهِ السَّاعَةُ تَقُومُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ ، وَهُوَ سَيِّدُ الْأَيَّامِ عِنْدَنَا ، وَنَحْنُ نَدْعُوهُ فِي الْآخِرَةِ يَوْمَ الْمَزِيدِ " .(1/326)
قَالَ : " قُلْتُ : لِمَ تَدْعُونَهُ يَوْمَ الْمَزِيدِ ؟ قَالَ : إِنَّ رَبَّكَ - عَزَّ وَجَلَّ - اتَّخَذَ فِي الْجَنَّةِ وَادِيًا أَفْيَحَ مِنَ الْمِسْكِ أَبْيَضَ ، فَإِذَا كَانَ يَوْمُ الْجُمُعَةِ نَزَلَ - تَبَارَكَ وَتَعَالَى - مِنْ عِلِّيِّينَ عَلَى كُرْسِيِّهِ حَتَّى حَفَّ الْكُرْسِيَّ بِمَنَابِرَ مِنْ نُورٍ ، وَجَاءَ النَّبِيُّونَ حَتَّى يَجْلِسُوا عَلَيْهَا ، ثُمَّ حَفَّ الْمَنَابِرَ بِكَرَاسِيَّ مِنْ ذَهَبٍ ، ثُمَّ جَاءَ الصِّدِّيقُونَ وَالشُّهَدَاءُ حَتَّى يَجْلِسُوا عَلَيْهَا ، ثُمَّ يَجِيءُ أَهْلُ الْجَنَّةِ حَتَّى يَجْلِسُوا عَلَى الْكَثِيبِ ، فَيَتَجَلَّى لَهُمْ - تَبَارَكَ وَتَعَالَى - حَتَّى يَنْظُرُوا إِلَى وَجْهِهِ ، وَهُوَ يَقُولُ : أَنَا الَّذِي صَدَقْتُكُمْ وَعْدِي ، وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي ، هَذَا مَحَلُّ كَرَامَتِي فَسَلُونِي . فَيَسْأَلُوهُ الرِّضَا فَيَقُولُ اللَّهُ - عَزَّ وَجَلَّ - : رِضَائِي أَحَلَّكُمْ دَارِي ، وَأَنَالَكُمْ كَرَامَتِي ، فَسَلُونِي .(1/327)
فَيَسْأَلُوهُ حَتَّى تَنْتَهِيَ رَغْبَتُهُمْ ، فَيَفْتَحُ لَهُمْ عِنْدَ ذَلِكَ مَا لَا عَيْنٌ رَأَتْ ، وَلَا أُذُنٌ سَمِعَتْ ، وَلَا خَطَرَ عَلَى قَلْبِ بَشَرٍ ، إِلَى مِقْدَارِ مُنْصَرَفِ النَّاسِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ ، ثُمَّ يَصْعَدُ - تَبَارَكَ وَتَعَالَى - عَلَى كُرْسِيِّهِ فَيَصْعَدُ مَعَهُ الشُّهَدَاءُ وَالصِّدِّيقُونَ - أَحْسَبُهُ قَالَ : وَيَرْجِعُ أَهْلُ الْغُرَفِ إِلَى غُرَفِهِمْ ، دُرَّةٌ بَيْضَاءُ لَا قَصْمَ فِيهَا وَلَا فَصْمَ ، أَوْ يَاقُوتَةٌ حَمْرَاءُ أَوْ زَبَرْجَدَةٌ خَضْرَاءُ ، مِنْهَا غُرَفُهَا وَأَبْوَابُهَا مُطَّرِدَةٌ ، فِيهَا أَنْهَارُهَا مُتَدَلِّيَةٌ ، فِيهَا ثِمَارُهَا ، فِيهَا أَزْوَاجُهَا وَخَدَمُهَا ، فَلَيْسُوا إِلَى شَيْءٍ أَحْوَجَ مِنْهُمْ إِلَى يَوْمِ الْجُمُعَةِ لِيَزْدَادُوا فِيهِ كَرَامَةً ، وَلِيَزْدَادُوا فِيهِ نَظَرًا إِلَى وَجْهِهِ - تَبَارَكَ وَتَعَالَى - وَلِذَلِكَ دُعِيَ يَوْمَ الْمَزِيدِ "(1).
النُكتة : النُقطة والعلامة والأثر، وأصله من النكت في الأرض وهو التأثير فيها بعصا أو بغيره - الحف : الإحاطة - الكَثِيب : الرَّمْل المسْتَطِيل المُحْدَوْدِب
وعَنْ أَنَسٍ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - : أَتَانِي جِبْرِيلُ ، وَفِي يَدِهِ كَالْمِرْآةِ الْبَيْضَاءِ ، فِيهَا كَالنُّكْتَةِ السَّوْدَاءِ ، فَقُلْتُ : يَا جِبْرِِيلُ ، مَا هَذِهِ ؟ قَالَ : هَذِهِ الْجُمُعَة .
قَالَ : قُلْتُ : وَمَا الْجُمُعَةُ ؟ قَالَ : لَكُمْ فِيهَا خَيْرٌ . قَالَ : قُلْتُ : وَمَا لَنَا فِيهَا ؟ قَالَ : تَكُونُ عِيدًا لَكَ وَلِقَوْمِكَ مِنْ بَعْدِكَ ، وَيَكُونُ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى تَبَعًا لَكَ .
__________
(1) - المعجم الأوسط للطبراني(6906 ) ومسند البزار (7527) ومجمع الزوائد(18771 ) والأحاديث المختارة للضياء - (ج 3 / ص 132)(2291 ) حسن(1/328)
قَالَ : قُلْتُ : وَمَا لَنَا فِيهَا ؟ قَالَ : لَكُمْ فِيهَا سَاعَةٌ ، لاَ يُوَافِقُهَا عَبْدٌ مُسْلِمٌ يَسْأَلُ اللَّهَ فِيهَا شَيْئًا مِنَ الدُّنْيَا وَالأَخِرَةِ ، هُوَ لَهُ قَسَمٌ إِلاَّ أَعْطَاهُ إِيَّاهُ ، أَوْ لَيْسَ لَهُ بِقَسَمٍ إِلاَّ ذُخَرَ لَهُ عِنْدَهُ مَا هُوَ أَفْضَلُ مِنْهُ ، أَوْ يَتَعَوَّذُ بِهِ مِنْ شَرٍّ ، هُوَ عَلَيْهِ مَكْتُوبٌ إِلاَّ صَرَفَ عَنْهُ مِنَ الْبَلاَءِ مَا هُوَ أَعْظَمُ مِنْهُ .
قَالَ : قُلْتُ لَهُ : وَمَا هَذِهِ النُّكْتَةُ فِيهَا ؟ قَالَ : هِيَ السَّاعَةُ ، وَهِيَ تَقُومُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ ، وَهُوَ عِنْدَنَا سَيِّدُ الأَيَّامِ ، وَنَحْنُ نَدْعُوهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ، يَوْمَ الْمَزِيدِ .
قَالَ : قُلْتُ : مِمَّ ذَاكَ ؟ قَالَ : لأَنَّ رَبَّك ، تَبَارَكَ وَتَعَالَى اتَّخَذَ فِي الْجَنَّةِ وَادِيًا مِنْ مِسْكٍ أبْيَضَ ، فَإِذَا كَانَ يَوْمُ الْجُمُعَةِ هَبَطَ مِنْ عِلِّيِّينَ عَلَى كُرْسِيِّهِ ، تَبَارَكَ وَتَعَالَى ، ثُمَّ حَفَّ الْكُرْسِيَّ بِمَنَابِرَ مِنْ ذَهَبٍ مُكَلَّلَةٍ بِالْجَوَاهِرِ ، ثُمَّ يَجِيءُ النَّبِيُّونَ حَتَّى يَجْلِسُوا عَلَيْهَا ، وَيَنْزِلُ أَهْلُ الْغُرَفِ حَتَّى يَجْلِسُوا عَلَى ذَلِكَ الْكَثِيبِ ، ثُمَّ يَتَجَلَّى لَهُمْ رَبُّهُم ، تَبَارَكَ وَتَعَالَى ، ثُمَّ يَقُولُ : سَلُونِي أُعْطِكُمْ ، قَالَ : فَيَسْأَلُونَهُ الرِّضَى ، فَيَقُولُ : رِضَائِي أَحَلَّكُمْ دَارِي ، وَأَنِالُكُمْ كَرَامَتِي ، فَسَلُونِي أُعْطِكُمْ ، قَالَ : فَيَسْأَلُونَهُ الرَّضَى ، قَالَ : فَيُشْهِدُهُمْ أَنَّهُ قَدْ رَضِيَ عَنْهُمْ ، قَالَ : فَيُفْتَحُ لَهُمْ مَا لَمْ تَرَ عَيْنٌ ، وَلَمْ تَسْمَعْ أُذُنٌ ، وَلَمْ يَخْطِرْ عَلَى قَلْبِ بَشَرٍ ، قَالَ : وَذَلِكُمْ مِقْدَارُ انْصِرَافِكُمْ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ .(1/329)
قال ثُمَّ يَرْتَفِعُ ، وَيَرْتَفِعُ مَعَهُ النَّبِيُّونَ ، وَالصِّدِّيقُونَ ، وَالشُّهَدَاءُ ، وَيَرْجِعُ أَهْلُ الْغُرَفِ إِلَى غُرَفِهِمْ ، وَهِيَ دُرَّةٌ بَيْضَاءُ ، لَيْسَ فِيهَا قَصْمٌ ، وَلاَ فَصْمٌ ، أَوْ دُرَّةٌ حَمْرَاءُ ، أَوْ زَبَرْجَدَةٌ خَضْرَاءُ فِيهَا غُرَفُهَا وَأَبْوَابُهَا مَطْرُورَةٌ ، وَفِيهَا أَنْهَارُهَا وَثِمَارُهَا مُتَدَلِّيَةٌ ، قَالَ : فَلَيْسُوا إِلَى شَيْءٍ أَحْوَجَ مِنْهُمْ إِلَى يَوْمِ الْجُمُعَةِ لِيَزْدَادُوا إِلَى رَبِّهِمْ نَظَرًا ، وَلِيَزْدَادُوا مِنْهُ كَرَامَةً.(1)
__________
(1) - مصنف ابن أبي شيبة (ج 2 / ص 150)(5560) والأحاديث المختارة للضياء - (ج 3 / ص 132)(2291) صحيح لغيره(1/330)
وعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ : عُرِضَتِ الْجُمُعَةُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - ، جَاءَ جِبْرِيلُ فِي كَفِّهِ كَالْمِرَآةِ الْبَيْضَاءِ فِي وَسَطِهَا كَالنُّكْتَةِ السَّوْدَاءِ ، فَقَالَ : " مَا هَذِهِ يَا جِبْرِيلُ ؟ قَالَ : هَذِهِ الْجُمُعَةُ يَعْرِضُهَا عَلَيْكَ رَبُّكَ لِتَكُونَ لَكَ عِيدًا وَلِقَوْمِكَ مِنْ بَعْدِكَ ، وَلَكُمْ فِيهَا خَيْرٌ تَكُونُ أَنْتَ الْأَوَّلُ ، وَيَكُونُ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى مِنْ بَعْدِكَ ، وَفِيهَا سَاعَةٌ لَا يَدْعُو أَحَدٌ رَبَّهُ بِخَيْرٍ هُوَ لَهُ قَسْمٌ إِلَّا أَعْطَاهُ ، أَوْ يَتَعَوَّذُ مِنْ شَرٍّ إِلَّا دَفَعَ عَنْهُ مَا هُوَ أَعْظَمُ مِنْهُ ، وَنَحْنُ نَدْعُوهُ فِي الْآخِرَةِ يَوْمَ الْمَزِيدِ ، وَذَلِكَ أَنَّ رَبَّكَ اتَّخَذَ فِي الْجَنَّةِ وَادِيًا أَفْيَحَ مِنْ مِسْكٍ أَبْيَضَ ، فَإِذَا كَانَ يَوْمُ الْجُمُعَةِ نَزَلَ مِنْ عِلِّيِّينَ ، فَجَلَسَ عَلَى كُرْسِيِّهِ ، وَحَفَّ الْكُرْسِيَّ بِمَنَابِرَ مِنْ ذَهَبٍ مُكَلَّلَةٍ بِالْجَوَاهِرِ ، وَجَاءَ الصِّدِّيقُونَ وَالشُّهَدَاءُ فَجَلَسُوا عَلَيْهَا ، وَجَاءَ أَهْلُ الْغُرَفِ مِنْ غُرَفِهِمْ حَتَّى يَجْلِسُوا عَلَى الْكَثِيبِ ، وَهُوَ كَثِيبٌ أَبْيَضُ مِنْ مِسْكٍ أَذْفَرَ ، ثُمَّ يَتَجَلَّى لَهُمْ فَيَقُولُ : أَنَا الَّذِي صَدَقْتُكُمْ وَعْدِي ، وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي ، وَهَذَا مَحَلُّ كَرَامَتِي ، فَسَلُونِي ، فَيَسْأَلُونَهُ الرِّضَا ، فَيَقُولُ : رِضَايَ أُحِلُّكُمْ دَارِي ، وَأَنَالَكُمْ كَرَامَتِي ، فَسَلُونِي ، فَيَسْأَلُونَهُ الرِّضَا ، فَيَشْهَدُ عَلَيْهِمْ عَلَى الرِّضَا ، ثُمَّ يَفْتَحُ لَهُمْ مَا لَمْ تَرَ عَيْنٌ ، وَلَمْ يَخْطُرْ عَلَى قَلْبِ بَشَرٍ ، إِلَى مِقْدَارِ مُنْصَرَفِهِمْ مِنَ الْجُمُعَةِ ، وَهِيَ زَبَرْجَدَةٌ خَضْرَاءُ أَوْ(1/331)
يَاقُوتَةٌ حَمْرَاءُ ، مُطَّرَدَةٌ فِيهَا أَنْهَارُهَا ، مُتَدَلِّيَةٌ ، فِيهَا ثِمَارُهَا ، فِيهَا أَزْوَاجُهَا وَخَدَمُهَا ، فَلَيْسَ هُمْ فِي الْجَنَّةِ بِأَشْوَقَ مِنْهُمْ إِلَى يَوْمِ الْجُمُعَةِ لِيَزْدَادُوا نَظَرًا إِلَى رَبِّهِمْ عَزَّ وَجَلَّ وَكَرَامَتِهِ ، وَلِذَلِكَ دُعِيَ يَوْمَ الْمَزِيدِ "(1)
عِلِّيُّون : اسم للسماء السابعة، وقيل : هو اسمٌ لدِيوَان الملائكة الحَفَظَة، تُرْفَع إليه أعمالُ الصالحين من العباد، وقيل : أراد أعْلَى الأمْكِنَة وأشْرَفَ المرَاتِب من اللّه في الدار الآخرة. - الكَثِيب : الرَّمْل المسْتَطِيل المُحْدَوْدِب -أذفر : جيد إلى الغاية رائحته شديدة -الزبرجد : الزمرد وهو حجر كريم -الياقوت : حجر كريم من أجود الأنواع وأكثرها صلابة بعد الماس ، خاصة ذو اللون الأحمر
__________
(1) - المعجم الأوسط للطبراني(2165 ) حسن(1/332)
وعَنْ حُذَيْفَةَ بْنِ الْيَمَانِ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : " أَتَانِي جِبْرِيلُ ، فَإِذَا فِي كَفِّهِ مَرْآةٌ كَأَصْفَى الْمَرَايَا وَأَحْسَنِهَا ، وَإِذَا فِي وَسَطِهَا نُكْتَةٌ سَوْدَاءُ " ، قَالَ : " قُلْتُ : يَا جِبْرِيلُ ، مَا هَذِهِ ؟ ، قَالَ : هَذِهِ الدُّنْيَا صَفَاؤُهَا وَحُسْنُهَا ، قُلْتُ : وَمَا هَذِهِ اللَّمْعَةُ فِي وَسَطِهَا ؟ ، قَالَ : هَذِهِ الْجُمُعَةُ ، قُلْتُ : وَمَا الْجُمُعَةُ ؟ قَالَ : يَوْمٌ مِنْ أَيَّامِ رَبِّكِ عَظِيمٌ ، وَسَأُخْبِرُكَ بِشَرَفِهِ ، وَفَضْلِهِ ، وَاسْمِهِ فِي الْآخِرَةِ ، أَمَّا شَرَفُهُ وَفَضْلُهُ فِي الدُّنْيَا فَإِنَّ اللَّهَ جَمَعَ فِيهِ أَمْرَ الْخَلْقِ ، وَأَمَّا مَا يُرْجَى فَإِنَّ فِيهِ سَاعَةً لَا يُوَافِقُهَا عَبْدٌ مُسْلِمٌ ، أَوْ أَمَةٌ مَسْلَمَةٌ يَسْأَلَانِ اللَّهَ فِيهَا خَيْرًا إِلَّا أَعْطَاهُمَا إِيَّاهُ ، وَأَمَّا شَرَفُهُ وَفَضْلُهُ وَاسْمُهُ فِي الْآخِرَةِ ، فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى إِذَا صَيَّرَ أَهْلَ الْجَنَّةِ إِلَى الْجَنَّةِ ، وَأَهْلَ النَّارِ إِلَى النَّارِ ، وَجَرَتْ عَلَيْهِمْ أَيَّامُهَا وَسَاعَاتُهَا ، لَيْسَ بِهَا لَيْلٌ وَلَا نَهَارٌ إِلَّا قَدْ عَلِمَ اللَّهُ مِقْدَارَ ذَلِكَ وَسَاعَتَهُ ، فَإِذَا كَانَ يَوْمُ الْجُمُعَةِ فِي الْحِينِ الَّذِي يَبْرُزُ أَوْ يَخْرُجُ فِيهِ أَهْلُ الْجُمُعَةِ إِلَى جُمُعَتِهِمْ نَادَى مُنَادٍ : يَا أَهْلَ الْجَنَّةِ اخْرُجُوا إِلَى دَارِ الْمَزِيدِ ، لَا يَعْلَمُ سَعَتَهُ ، وَعَرْضَهُ ، وَطُولَهُ إِلَّا اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فِي كُثْبَانٍ مِنَ الْمِسْكِ " قَالَ " : فَيَخْرُجُ غِلْمَانُ الْأَنْبِيَاءِ بِمَنَابِرَ مِنْ نُورٍ ، وَيَخْرُجُ غِلْمَانُ الْمُؤْمِنِينَ بِكَرَاسِيَّ مِنْ يَاقُوتٍ " قَالَ : " فَإِذَا وُضِعَتْ لَهُمْ وَأَخَذَ(1/333)
الْقَوْمُ مَجَالِسَهُمْ بَعَثَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ رِيحًا تُدْعَى الْمُثِيرَةَ تُثِيرُ عَلَيْهِمْ أَثَاثِيرَ الْمِسْكِ الْأَبْيَضِ ، تَدْخِلُهُ تَحْتَ ثِيَابِهِمْ ، وَتُخْرِجُهُ فِي وُجُوهِهِمْ وَأَشْعَارِهِمْ ، فَتِلْكَ الرِّيحُ أَعْلَمُ كَيْفَ تَصْنَعُ بِذَلِكَ الْمِسْكِ مِنَ امْرَأَةِ أَحَدِكُمْ لَوْ دُفِعَ إِلَيْهَا كُلُّ طِيبٍ عَلَى وَجْهِ الْأَرْضَ لَكَانَتْ تِلْكَ الرِّيحُ أَعْلَمَ كَيْفَ تَصْنَعُ بِذَلِكَ الْمِسْكَ مِنَ تِلْكَ الْمَرْأَةِ لَوْ دُفِعَ إِلَيْهَا ذَلِكَ الطِّيبُ بِإِذْنِ اللَّهِ ، قَالَ : ثُمَّ يُوحِي اللَّهُ تَعَالَى إِلَى حَمَلَةِ الْعَرْشِ ، فَيُوضَعُ بَيْنَ ظَهْرَانَيِ الْجَنَّةِ ، وَمَا فِيهَا أَسْفَلُ مِنْهُ وَبَيْنَهُ وَبَيْنَهُمُ الْحُجُبُ ، فَيَكُونُ أَوَّلَ مَا يَسْمَعُونَ مِنْهُ أَنْ يَقُولَ : أَيْنَ عِبَادِي الَّذِينَ أَطَاعُونِي بِالْغَيْبِ وَلَمْ يَرَوْنِي ، فَصَدَّقُوا رُسُلِي ، وَاتَّبَعُوا أَمْرِي يَسْأَلُونِي فَهَذَا يَوْمُ الْمَزِيدِ ؟ قَالَ : فَيُجْمِعُونَ عَلَى كَلِمَةٍ وَاحِدَةٍ : رَبِّ رَضِينَا عَنْكَ فَارْضَ عَنَّا ، قَالَ : فَيَرْجِعُ اللَّهُ تَعَالَى فِي قَوْلِهِمْ : أَنْ يَا أَهْلَ الْجَنَّةِ إِنِّي لَوْ لَمْ أَرْضَ عَنْكُمْ لَمَا أَسْكَنْتُكُمْ جَنَّتِي ، فَسَلُونِي فَهَذَا يَوْمُ الْمَزِيدِ قَالَ : فَيُجْمِعُونَ عَلَى كَلِمَةٍ : رَضِينَا عَنْكَ فَارْضَ عَنَّا ، قَالَ : فَيَرْجِعُ اللَّهُ فِي قَوْلِهِمْ : أَنْ يَا أَهْلَ الْجَنَّةِ لَوْ لَمْ أَرْضَ عَنْكُمْ مَا أَسْكَنْتُكُمْ جَنَّتِي ، فَهَذَا يَوْمُ الْمَزِيدِ فَسَلُونِي ، قَالَ : فَيَجْتَمِعُونَ عَلَى كَلِمَةٍ وَاحِدَةٍ : رَبِّ وَجْهَكَ رَبِّ وَجْهَكَ أَرِنَا نَنْظُرُ إِلَيْكَ ، قَالَ : فَيَكْشِفُ اللَّهُ تَعَالَى تِلْكَ الْحُجُبَ ، قَالَ : وَيَتَجَلَّى لَهُمْ(1/334)
فَيَغْشَاهُمْ مِنْ نُورِهِ شَيْءٌ لَوْلَا أَنَّهُ قَضَى عَلَيْهِمْ أَنْ لَا يَحْتَرِقُوا لَاحْتَرَقُوا مِمَّا غَشِيَهُمْ مِنْ نُورِهِ " قَالَ : " ثُمَّ يُقَالُ : ارْجِعُوا إِلَى مَنَازِلِكُمْ " قَالَ : " فَيَرْجِعُونَ إِلَى مَنَازِلِهِمْ ، وَقَدْ خَفَوْا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ ، وَخَفَيْنَ عَلَيْهِمْ مِمَّا غَشِيَهُمْ مِنْ نُورِهِ ، فَإِذَا صَارُوا إِلَى مَنَازِلِهِمْ يُزَادُ النُّورُ وَأَمْكَنَ ، وَيُزَادُ وَأَمْكَنَ حَتَّى يَرْجِعُوا إِلَى صُوَرِهِمُ الَّتِي كَانُوا عَلَيْهَا " قَالَ : " فَيَقُولُ لَهُمْ أَزْوَاجُهُمْ : لَقَدْ خَرَجْتُمْ مِنْ عِنْدِنَا عَلَى صُورَةٍ ، وَرَجَعْتُمْ عَلَى غَيْرِهَا " قَالَ : " فَيَقُولُونَ : ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ تَجَلَّى لَنَا ، فَنَظَرْنَا مِنْهُ إِلَى مَا خَفِينَا بِهِ عَلَيْكُمْ " قَالَ : " فَلَهُمْ كُلَّ سَبْعَةِ أَيَّامٍ الضِّعْفُ عَلَى مَا كَانُوا فِيهِ " قَالَ : " وَذَلِكَ قَوْلُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فِي كِتَابِهِ :ْ {فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَّا أُخْفِيَ لَهُم مِّن قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاء بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} (17) سورة السجدة .(1)
__________
(1) - الْإِبَانَةُ الْكُبْرَى لِابْنِ بَطَّةَ (2475) فيه ضعف ، ويشهد له ما قبله(1/335)
وعَنْ أَبِي وَائِلٍ ، عَنْ حُذَيْفَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : " " أَتَانِي جِبْرِيلُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ فِي كَفِّهِ مِثْلُ الْمِرْآةِ فِي وَسَطِهَا لَمْعَةٌ سَوْدَاءُ ، قُلْتُ : يَا جِبْرِيلُ ، مَا هَذَا ؟ ، قَالَ : هَذِهِ الدُّنْيَا صَفَاؤُهَا ، وَحُسْنُهَا ، قُلْتُ : مَا هَذِهِ اللَّمْعَةُ السَّوْدَاءُ ؟ ، قَالَ : هَذِهِ الْجُمُعَةُ ، قُلْتُ : وَمَا يَوْمُ الْجُمُعَةِ ؟ ، قَالَ : يَوْمٌ مِنْ أَيَّامِ رَبِّكِ عَظِيمٌ ، فَذَكَرَ شَرَفَهُ ، وَفَضْلَهُ ، وَاسْمَهُ فِي الْآخِرَةِ ، فَإِنَّ اللَّهَ إِذَا صَيَّرَ أَهْلَ الْجَنَّةِ إِلَى الْجَنَّةِ ، وَأَهْلَ النَّارِ إِلَى النَّارِ لَيْسَ ثَمَّ لَيْلٌ ، وَلَا نَهَارٌ قَدْ عَلِمَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ مِقْدَارَ تِلْكَ السَّاعَاتِ ، فَإِذَا كَانَ يَوْمُ الْجُمُعَةِ فِي وَقْتِ الْجُمُعَةِ الَّتِي يَخْرُجُ أَهْلُ الْجُمُعَةِ إِلَى جُمُعَتِهِمْ ، قَالَ : فَيُنَادِي مُنَادٍ : يَا أَهْلَ الْجَنَّةِ ، اخْرُجُوا إِلَى دَارِ الْمَزِيدِ ، فَيَخْرُجُونَ فِي كُثْبَانِ الْمِسْكِ " " قَالَ حُذَيْفَةُ : وَاللَّهِ لَهُوَ أَشَدُّ بَيَاضًا مِنْ دَقِيقِكُمْ فَإِذَا قَعَدُوا وَأَخَذَ الْقَوْمُ مَجَالِسَهُمْ بَعَثَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ رِيحًا تُدْعَى الْمُثِيرَةَ فَتُثِيرُ عَلَيْهِمُ الْمِسْكَ الْأَبْيَضَ فَتُدْخِلُهُ فِي ثِيَابِهِمْ ، وَتُخْرِجُهُ مِنْ جُيُوبِهِمْ فَالرِّيحُ أَعْلَمُ بِذَلِكَ الطِّيبِ مِنِ امْرَأَةِ أَحَدِكُمْ لَوْ دُفِعَ إِلَيْهَا طِيبُ أَهْلِ الدُّنْيَا ، وَيَقُولُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ : " " أَيْنَ عِبَادِيَ الَّذِينَ أَطَاعُونِي بِالْغَيْبِ ، وَصَدَّقُوا رُسُلِي وَلَمْ يَرَوْنِي ؟ ، سَلُونِي فَهَذَا يَوْمُ الْمَزِيدِ ، فَيَجْتَمِعُونَ عَلَى كَلِمَةٍ وَاحِدَةٍ : إِنَّا قَدْ(1/336)
رَضِينَا فَارْضَ عَنَّا ، وَيَرْجِعُ إِلَيْهِمْ فِي قَوْلِهِ لَهُمْ : يَا أَهْلَ الْجَنَّةِ لَوْ لَمْ أَرْضَ عَنْكُمْ لَمْ أُسْكِنْكُمْ جَنَّتِي ، فَهَذَا يَوْمُ الْمَزِيدِ فَسَلُونِي ، فَيَجْتَمِعُونَ عَلَى كَلِمَةٍ وَاحِدَةٍ أَرِنَا وَجْهَكَ نَنْظُرْ إِلَيْهِ قَالَ : فَيَكْشِفُ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى الْحُجُبَ ، وَيَتَجَلَّى لَهُمْ تَبَارَكَ وَتَعَالَى ، فَيَغْشَاهُمْ مِنْ نُورِهِ لَوْلَا أَنَّ اللَّهَ قَضَى أَنْ لَا يَمُوتُوا لَاحْتَرَقُوا ، ثُمَّ يُقَالُ لَهُمُ : ارْجِعُوا إِلَى مَنَازِلِكُمْ ، فَيَرْجِعُونَ وَقَدْ خَفَوْا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ ، وَخَفَيْنَ عَلَيْهِمْ مِمَّا غَشِيَهُمْ مِنْ نُورِهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى فَلَا يَزَالُ النُّورُ يَتَمَكَّنُ حَتَّى يَرْجِعُوا إِلَى حَالِهِمْ أَوْ إِلَى مَنَازِلِهِمُ الَّتِي كَانُوا عَلَيْهَا ، فَيَقُولُ لَهُمْ أَزْوَاجُهُمْ : لَقَدْ خَرَجْتُمْ مِنْ عِنْدِنَا بِصُورَةٍ وَرَجَعْتُمْ إِلَيْنَا بِغَيْرِهَا ؟ ، فَيَقُولُونَ : تَجَلَّى لَنَا رَبُّنَا عَزَّ وَجَلَّ فَنَظَرْنَا إِلَى مَا خَفِينَا بِهِ عَلَيْكُمْ قَالَ : فَهُمْ يَتَقَلَّبُونَ فِي مِسْكِ الْجَنَّةِ ، وَنَعِيمِهَا فِي كُلِّ سَبْعَةِ أَيَّامٍ ، وَهُوَ يَوْمُ الْمَزِيدِ "(1)
وعَنْ ثُوَيْرٍ ، قَالَ : سَمِعْتُ ابْنَ عُمَرَ يَقُولُ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : " " إِنَّ أَدْنَى أَهْلِ الجَنَّةِ مَنْزِلَةً لَمَنْ يَنْظُرُ إِلَى جِنَانِهِ وَأَزْوَاجِهِ وَخَدَمِهِ وَسُرُرِهِ مَسِيرَةَ أَلْفِ سَنَةٍ ، وَأَكْرَمُهُمْ عَلَى اللَّهِ مَنْ يَنْظُرُ إِلَى وَجْهِهِ غُدْوَةً وَعَشِيَّةً ، ثُمَّ قَرَأَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ "(2)
__________
(1) - مسند البزار(2881) ضعيف
(2) - سنن الترمذى(3649) ضعيف(1/337)
وعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : " إِنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى يَقُولُ لِأَهْلِ الجَنَّةِ : يَا أَهْلَ الجَنَّةِ ؟ فَيَقُولُونَ : لَبَّيْكَ رَبَّنَا وَسَعْدَيْكَ ، فَيَقُولُ : هَلْ رَضِيتُمْ ؟ فَيَقُولُونَ : وَمَا لَنَا لاَ نَرْضَى وَقَدْ أَعْطَيْتَنَا مَا لَمْ تُعْطِ أَحَدًا مِنْ خَلْقِكَ ، فَيَقُولُ : أَنَا أُعْطِيكُمْ أَفْضَلَ مِنْ ذَلِكَ ، قَالُوا : يَا رَبِّ ، وَأَيُّ شَيْءٍ أَفْضَلُ مِنْ ذَلِكَ ؟ فَيَقُولُ : أُحِلُّ عَلَيْكُمْ رِضْوَانِي ، فَلاَ أَسْخَطُ عَلَيْكُمْ بَعْدَهُ أَبَدًا "(1)
__________
(1) - صحيح البخارى(7518 ) ومسلم (7318 )(1/338)
وعَنْ أَبِى سَعِيدٍ الْخُدْرِىِّ أَنَّ نَاسًا فِى زَمَنِ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ هَلْ نَرَى رَبَّنَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - « نَعَمْ ». قَالَ « هَلْ تُضَارُّونَ فِى رُؤْيَةِ الشَّمْسِ بِالظَّهِيرَةِ صَحْوًا لَيْسَ مَعَهَا سَحَابٌ وَهَلْ تُضَارُّونَ فِى رُؤْيَةِ الْقَمَرِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ صَحْوًا لَيْسَ فِيهَا سَحَابٌ ». قَالُوا لاَ يَا رَسُولَ اللَّهِ. قَالَ « مَا تُضَارُّونَ فِى رُؤْيَةِ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِلاَّ كَمَا تُضَارُّونَ فِى رُؤْيَةِ أَحَدِهِمَا إِذَا كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ أَذَّنَ مُؤَذِّنٌ لِيَتَّبِعْ كُلُّ أُمَّةٍ مَا كَانَتْ تَعْبُدُ. فَلاَ يَبْقَى أَحَدٌ كَانَ يَعْبُدُ غَيْرَ اللَّهِ سُبْحَانَهُ مِنَ الأَصْنَامِ وَالأَنْصَابِ إِلاَّ يَتَسَاقَطُونَ فِى النَّارِ حَتَّى إِذَا لَمْ يَبْقَ إِلاَّ مَنْ كَانَ يَعْبُدُ اللَّهَ مِنْ بَرٍّ وَفَاجِرٍ وَغُبَّرِ أَهْلِ الْكِتَابِ فَيُدْعَى الْيَهُودُ فَيُقَالُ لَهُمْ مَا كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ قَالُوا كُنَّا نَعْبُدُ عُزَيْرَ ابْنَ اللَّهِ. فَيُقَالُ كَذَبْتُمْ مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِنْ صَاحِبَةٍ وَلاَ وَلَدٍ فَمَاذَا تَبْغُونَ قَالُوا عَطِشْنَا يَا رَبَّنَا فَاسْقِنَا. فَيُشَارُ إِلَيْهِمْ أَلاَ تَرِدُونَ فَيُحْشَرُونَ إِلَى النَّارِ كَأَنَّهَا سَرَابٌ يَحْطِمُ بَعْضُهَا بَعْضًا فَيَتَسَاقَطُونَ فِى النَّارِ. ثُمَّ يُدْعَى النَّصَارَى فَيُقَالُ لَهُمْ مَا كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ قَالُوا كُنَّا نَعْبُدُ الْمَسِيحَ ابْنَ اللَّهِ. فَيُقَالُ لَهُمْ كَذَبْتُمْ. مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِنْ صَاحِبَةٍ وَلاَ وَلَدٍ. فَيُقَالُ لَهُمْ مَاذَا تَبْغُونَ فَيَقُولُونَ عَطِشْنَا يَا رَبَّنَا فَاسْقِنَا.(1/339)
- قَالَ - فَيُشَارُ إِلَيْهِمْ أَلاَ تَرِدُونَ فَيُحْشَرُونَ إِلَى جَهَنَّمَ كَأَنَّهَا سَرَابٌ يَحْطِمُ بَعْضُهَا بَعْضًا فَيَتَسَاقَطُونَ فِى النَّارِ حَتَّى إِذَا لَمْ يَبْقَ إِلاَّ مَنْ كَانَ يَعْبُدُ اللَّهَ تَعَالَى مِنْ بَرٍّ وَفَاجِرٍ أَتَاهُمْ رَبُّ الْعَالَمِينَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى فِى أَدْنَى صُورَةٍ مِنَ الَّتِى رَأَوْهُ فِيهَا.(1/340)
قَالَ فَمَا تَنْتَظِرُونَ تَتْبَعُ كُلُّ أُمَّةٍ مَا كَانَتْ تَعْبُدُ. قَالُوا يَا رَبَّنَا فَارَقْنَا النَّاسَ فِى الدُّنْيَا أَفْقَرَ مَا كُنَّا إِلَيْهِمْ وَلَمْ نُصَاحِبْهُمْ. فَيَقُولُ أَنَا رَبُّكُمْ. فَيَقُولُونَ نَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْكَ لاَ نُشْرِكُ بِاللَّهِ شَيْئًا - مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلاَثًا - حَتَّى إِنَّ بَعْضَهُمْ لَيَكَادُ أَنْ يَنْقَلِبَ. فَيَقُولُ هَلْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُ آيَةٌ فَتَعْرِفُونَهُ بِهَا فَيَقُولُونَ نَعَمْ. فَيُكْشَفُ عَنْ سَاقٍ فَلاَ يَبْقَى مَنْ كَانَ يَسْجُدُ لِلَّهِ مِنْ تِلْقَاءِ نَفْسِهِ إِلاَّ أَذِنَ اللَّهُ لَهُ بِالسُّجُودِ وَلاَ يَبْقَى مَنْ كَانَ يَسْجُدُ اتِّقَاءً وَرِيَاءً إِلاَّ جَعَلَ اللَّهُ ظَهْرَهُ طَبَقَةً وَاحِدَةً كُلَّمَا أَرَادَ أَنْ يَسْجُدَ خَرَّ عَلَى قَفَاهُ. ثُمَّ يَرْفَعُونَ رُءُوسَهُمْ وَقَدْ تَحَوَّلَ فِى صُورَتِهِ الَّتِى رَأَوْهُ فِيهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ فَقَالَ أَنَا رَبُّكُمْ. فَيَقُولُونَ أَنْتَ رَبُّنَا. ثُمَّ يُضْرَبُ الْجِسْرُ عَلَى جَهَنَّمَ وَتَحِلُّ الشَّفَاعَةُ وَيَقُولُونَ اللَّهُمَّ سَلِّمْ سَلِّمْ ». قِيلَ يَا رَسُولَ اللَّهِ وَمَا الْجِسْرُ قَالَ « دَحْضٌ مَزِلَّةٌ. فِيهِ خَطَاطِيفُ وَكَلاَلِيبُ وَحَسَكٌ تَكُونُ بِنَجْدٍ فِيهَا شُوَيْكَةٌ يُقَالُ لَهَا السَّعْدَانُ فَيَمُرُّ الْمُؤْمِنُونَ كَطَرْفِ الْعَيْنِ وَكَالْبَرْقِ وَكَالرِّيحِ وَكَالطَّيْرِ وَكَأَجَاوِيدِ الْخَيْلِ وَالرِّكَابِ فَنَاجٍ مُسَلَّمٌ وَمَخْدُوشٌ مُرْسَلٌ وَمَكْدُوسٌ فِى نَارِ جَهَنَّمَ.(1/341)
حَتَّى إِذَا خَلَصَ الْمُؤْمِنُونَ مِنَ النَّارِ فَوَالَّذِى نَفْسِى بِيَدِهِ مَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ بِأَشَدَّ مُنَاشَدَةً لِلَّهِ فِى اسْتِقْصَاءِ الْحَقِّ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ لِلَّهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ لإِخْوَانِهِمُ الَّذِينَ فِى النَّارِ يَقُولُونَ رَبَّنَا كَانُوا يَصُومُونَ مَعَنَا وَيُصَلُّونَ وَيَحُجُّونَ. فَيُقَالُ لَهُمْ أَخْرِجُوا مَنْ عَرَفْتُمْ. فَتُحَرَّمُ صُوَرُهُمْ عَلَى النَّارِ فَيُخْرِجُونَ خَلْقًا كَثيرًا قَدْ أَخَذَتِ النَّارُ إِلَى نِصْفِ سَاقَيْهِ وَإِلَى رُكْبَتَيْهِ ثُمَّ يَقُولُونَ رَبَّنَا مَا بَقِىَ فِيهَا أَحَدٌ مِمَّنْ أَمَرْتَنَا بِهِ. فَيَقُولُ ارْجِعُوا فَمَنْ وَجَدْتُمْ فِى قَلْبِهِ مِثْقَالَ دِينَارٍ مِنْ خَيْرٍ فَأَخْرِجُوهُ. فَيُخْرِجُونَ خَلْقًا كَثِيرًا ثُمَّ يَقُولُونَ رَبَّنَا لَمْ نَذَرْ فِيهَا أَحَدًا مِمَّنْ أَمَرْتَنَا. ثُمَّ يَقُولُ ارْجِعُوا فَمَنْ وَجَدْتُمْ فِى قَلْبِهِ مِثْقَالَ نِصْفِ دِينَارٍ مِنْ خَيْرٍ فَأَخْرِجُوهُ. فَيُخْرِجُونَ خَلْقًا كَثِيرًا ثُمَّ يَقُولُونَ رَبَّنَا لَمْ نَذَرْ فِيهَا مِمَّنْ أَمَرْتَنَا أَحَدًا. ثُمَّ يَقُولُ ارْجِعُوا فَمَنْ وَجَدْتُمْ فِى قَلْبِهِ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ مِنْ خَيْرٍ فَأَخْرِجُوهُ. فَيُخْرِجُونَ خَلْقًا كَثِيرًا ثُمَّ يَقُولُونَ رَبَّنَا لَمْ نَذَرْ فِيهَا خَيْرًا ».(1/342)
وَكَانَ أَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِىُّ يَقُولُ إِنْ لَمْ تُصَدِّقُونِى بِهَذَا الْحَدِيثِ فَاقْرَءُوا إِنْ شِئْتُمْ (إِنَّ اللَّهَ لاَ يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا وَيُؤْتِ مِنْ لَدُنْهُ أَجْرًا عَظِيمًا) « فَيَقُولُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ شَفَعَتِ الْمَلاَئِكَةُ وَشَفَعَ النَّبِيُّونَ وَشَفَعَ الْمُؤْمِنُونَ وَلَمْ يَبْقَ إِلاَّ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ فَيَقْبِضُ قَبْضَةً مِنَ النَّارِ فَيُخْرِجُ مِنْهَا قَوْمًا لَمْ يَعْمَلُوا خَيْرًا قَطُّ قَدْ عَادُوا حُمَمًا فَيُلْقِيهِمْ فِى نَهْرٍ فِى أَفْوَاهِ الْجَنَّةِ يُقَالُ لَهُ نَهْرُ الْحَيَاةِ فَيَخْرُجُونَ كَمَا تَخْرُجُ الْحِبَّةُ فِى حَمِيلِ السَّيْلِ أَلاَ تَرَوْنَهَا تَكُونُ إِلَى الْحَجَرِ أَوْ إِلَى الشَّجَرِ مَا يَكُونُ إِلَى الشَّمْسِ أُصَيْفِرُ وَأُخَيْضِرُ وَمَا يَكُونُ مِنْهَا إِلَى الظِّلِّ يَكُونُ أَبْيَضَ ». فَقَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ كَأَنَّكَ كُنْتَ تَرْعَى بِالْبَادِيَةِ قَالَ « فَيَخْرُجُونَ كَاللُّؤْلُؤِ فِى رِقَابِهِمُ الْخَوَاتِمُ يَعْرِفُهُمْ أَهْلُ الْجَنَّةِ هَؤُلاَءِ عُتَقَاءُ اللَّهِ الَّذِينَ أَدْخَلَهُمُ اللَّهُ الْجَنَّةَ بِغَيْرِ عَمَلٍ عَمِلُوهُ وَلاَ خَيْرٍ قَدَّمُوهُ ثُمَّ يَقُولُ ادْخُلُوا الْجَنَّةَ فَمَا رَأَيْتُمُوهُ فَهُوَ لَكُمْ.
فَيَقُولُونَ رَبَّنَا أَعْطَيْتَنَا مَا لَمْ تُعْطِ أَحَدًا مِنَ الْعَالَمِينَ. فَيَقُولُ لَكُمْ عِنْدِى أَفْضَلُ مِنْ هَذَا فَيَقُولُونَ يَا رَبَّنَا أَىُّ شَىْءٍ أَفْضَلُ مِنْ هَذَا. فَيَقُولُ رِضَاىَ فَلاَ أَسْخَطُ عَلَيْكُمْ بَعْدَهُ أَبَدًا »(1).
الحبة : بذور العشب البرية -الحسك : جمع حسكة وهى الشوكة الصلبة -تضارون : لا تتخالفون ولا تتجادلون فى صحة النظر -المكدوس : المدفوع من ورائه
__________
(1) - صحيح مسلم(472 )(1/343)
وعَنْ قَيْسِ بْنِ أَبِى حَازِمٍ حَدَّثَنَا جَرِيرٌ قَالَ خَرَجَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - لَيْلَةَ الْبَدْرِ فَقَالَ « إِنَّكُمْ سَتَرَوْنَ رَبَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَمَا تَرَوْنَ هَذَا ، لاَ تُضَامُّونَ فِى رُؤْيَتِهِ »(1)
تضامُّون : تزدحمون -تضامُون : لا يحصل لكم ذلٌّ
وعَنْ جَرِيرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ قَالَ النَّبِىُّ - صلى الله عليه وسلم - « إِنَّكُمْ سَتَرَوْنَ رَبَّكُمْ عِيَانًا »(2).
وعَنْ جَرِيرٍ ، قَالَ : كُنَّا جُلُوسًا عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - ، فَرَفَعَ رَأْسَهُ إِلَى السَّمَاءِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ ، فَنَظَرَ إِلَى الْقَمَرِ ، فَقَالَ : « أَمَا إِنَّكُمْ سَتَرَوْنَ رَبَّكُمْ عِيَانًا ، كَمَا تَرَوْنَ هَذَا ، لا تُضَامُونَ فِي رُؤْيَتِهِ ، فَإِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ لا تُغْلَبُوا عَلَى صَلاةٍ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِهَا ، فَافْعَلُوا »(3)
وعَنْ أَبِى بَكْرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ قَيْسٍ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ : " جَنَّتَانِ مِنْ فِضَّةٍ آنِيَتُهُمَا وَمَا فِيهِمَا ، وَجَنَّتَانِ مِنْ ذَهَبٍ آنِيَتُهُمَا وَمَا فِيهِمَا وَمَا بَيْنَ الْقَوْمِ وَبَيْنَ أَنْ يَنْظُرُوا إِلَى رَبِّهِمْ إِلَّا رِدَاءُ الْكِبْرِيَاءِ عَلَى وَجْهِهِ فِي جَنَّةِ عَدْنٍ "(4).
__________
(1) - صحيح البخارى(7436 )
(2) - صحيح البخارى (7435 )
(3) - الرد على الجهمية للدارمي (81 ) صحيح
(4) - صحيح البخارى(4878 )(1/344)
" قَالَ الْأُسْتَاذُ الْإِمَامُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : قَوْلُهُ " رِدَاءُ الْكِبْرِيَاءِ " هُوَ مَا يَتَّصِفُ بِهِ مِنْ إِرَادَةِ احْتِجَابِ الْأَعْيُنِ ، عَنْ رُؤْيَتِهِ فَإِذَا أَرَادَ إِكْرَامَ أَوْلِيَائِهِ بِهَا رَفَعَ ذَلِكَ الْحِجَابَ عَنْ أَعْيُنِهِمْ بِخَلْقِ الرُّؤْيَةِ فِيهَا لِيَرَوهُ بِلَا كَيْفٍ ، كَمَا عَرَفُوهُ بِلَا كَيْفٍ ، وَقَوْلُهُ " فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ " يَعْنِي : وَالنَّاظِرُونَ فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ " وَلِهَذِهِ الْأَخْبَارِ الصَّحِيحَةِ شَوَاهِدُ مِنْ حَدِيثِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ ، وَعَمَّارِ بْنِ يَاسِرٍ ، وَزَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ ، وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ ، وَعُبَادَةَ بْنِ الصَّامتِ ، وَجَابرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْأَنْصَارِيِّ ، وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ ، وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ ، وَعَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ ، وَأَبِي رَزِينٍ الْعُقَيْلِيِّ ، وَأَنَسِ بْنِ مَالِكٍ ، وَبُرَيْدَةَ بْنِ حُصَيْبٍ وَغَيْرِهِمْ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - ، وَقَالَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَرُوِّينَا فِي إِثْبَاتِ الرُّؤْيَةِ عَنْ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، وَحُذَيْفَةَ بْنِ الْيَمَانِ ، وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ ، وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ ، وَأَبِي مُوسَى وَغَيْرِهِمْ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ ، وَلَمْ يُرْوَ عَنْ أَحَدٍ مِنْهُمْ نَفْيُهَا ، وَلَوْ كَانُوا فِيهِ مُخْتَلِفِينَ لَنُقِلَ اخْتِلَافُهُمْ إِلَيْنَا ، وَكَمَا أَنَّهُمْ لَمَّا اخْتَلَفُوا فِي الْحَلَالِ وَالْحَرَامِ وَالشَّرَائِعِ وَالْأَحْكَامِ نُقِلَ اخْتِلَافُهُمْ فِي ذَلِكَ إِلَيْنَا ، وَكَمَا أَنَّهُمْ لَمَّا اخْتَلَفُوا فِي رُؤْيَتِهِ بِالْأَبْصَارِ فِي الدُّنْيَا نُقِلَ اخْتِلَافُهُمْ فِي ذَلِكَ إِلَيْنَا فَلَمَّا(1/345)
نُقِلَتْ رُؤْيَةُ اللَّهِ بِالْأَبْصَارِ عَنْهُمْ فِي الْآخِرَةِ وَلَمْ يُنْقَلْ عَنْهُمْ فِي ذَلِكَ اخْتِلَافٌ يَعْنِي فِي الْآخِرَةِ كَمَا نُقِلَ عَنْهُمْ فِيهَا اخْتِلَافٌ فِي الدُّنْيَا عَلِمْنَا أَنَّهُمْ كَانُوا عَلَى الْقَوْلِ بِرُؤْيَةِ اللَّهِ بِالْأَبْصَارِ فِي الْآخِرَةِ مُتَّفِقِينَ مُجْتَمِعِينَ وَبِاللَّهِ التَّوْفِيقُ(1).
ــــــــــــــ
المبحث الأربعون
أماني أهل الجنة
يتمنَّى بعض أهل الجنة فيها أماني عجيبة تتحقق على نحو عجيب ، لا تشبه حال ما يحدث في الدنيا فهذا واحد من أهل الجنة يستأذن ربه في الزرع فيأذن له ، فما يكاد يلقي البذر حتى يضرب بجذوره في الأرض ، ثم ينمو ويكتمل ، وينضج في نفس الوقت ، ففي صحيح البخاري عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ - رضى الله عنه - أَنَّ النَّبِىَّ - صلى الله عليه وسلم - كَانَ يَوْمًا يُحَدِّثُ وَعِنْدَهُ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْبَادِيَةِ « أَنَّ رَجُلاً مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ اسْتَأْذَنَ رَبَّهُ فِى الزَّرْعِ فَقَالَ لَهُ أَلَسْتَ فِيمَا شِئْتَ قَالَ بَلَى وَلَكِنِّى أُحِبُّ أَنْ أَزْرَعَ . قَالَ فَبَذَرَ فَبَادَرَ الطَّرْفَ نَبَاتُهُ وَاسْتِوَاؤُهُ وَاسْتِحْصَادُهُ ، فَكَانَ أَمْثَالَ الْجِبَالِ فَيَقُولُ اللَّهُ دُونَكَ يَا ابْنَ آدَمَ ، فَإِنَّهُ لاَ يُشْبِعُكَ شَىْءٌ » . فَقَالَ الأَعْرَابِىُّ وَاللَّهِ لاَ تَجِدُهُ إِلاَّ قُرَشِيًّا أَوْ أَنْصَارِيًّا ، فَإِنَّهُمْ أَصْحَابُ زَرْعٍ ، وَأَمَّا نَحْنُ فَلَسْنَا بِأَصْحَابِ زَرْعٍ . فَضَحِكَ النَّبِىُّ - صلى الله عليه وسلم - (2).
__________
(1) - الاعتقاد للبيهقي(72 )
(2) - صحيح البخارى(2348 )(1/346)
وهذا آخر يتمنى الولد ، فيحقق الله له أمنيته في ساعة واحدة، حيث تحمل وتضع في ساعة واحدة ،روى ابن حبان في صحيحه عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ ، أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - ، قَالَ : إِنَّ الْمُؤْمِنَ إِذَا اشْتَهَى الْوَلَدَ فِي الْجَنَّةِ كَانَ حَمْلُهُ وَوَضْعُهُ وَشَبَابُهُ ، كَمَا يَشْتَهِي فِي سَاعَةٍ.(1)
قَالَ الترمذي : وَقَدِ اخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ فِى هَذَا فَقَالَ بَعْضُهُمْ فِى الْجَنَّةِ جِمَاعٌ وَلاَ يَكُونُ وَلَدٌ. هَكَذَا رُوِىَ عَنْ طَاوُسٍ وَمُجَاهِدٍ وَإِبْرَاهِيمَ النَّخَعِىِّ.،وَقَالَ مُحَمَّدٌ قَالَ إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ فِى حَدِيثِ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - « إِذَا اشْتَهَى الْمُؤْمِنُ الْوَلَدَ فِى الْجَنَّةِ كَانَ فِى سَاعَةٍ وَاحِدَةٍ كَمَا يَشْتَهِى ». وَلَكِنْ لاَ يَشْتَهِى. قَالَ مُحَمَّدٌ وَقَدْ رُوِىَ عَنْ أَبِى رَزِينٍ الْعُقَيْلِىِّ عَنِ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ « إِنَّ أَهْلَ الْجَنَّةِ لاَ يَكُونُ لَهُمْ فِيهَا وَلَدٌ »..(2)
__________
(1) - صحيح ابن حبان - (ج 16 / ص 417)(7404) صحيح
(2) - سنن الترمذى(2762 )(1/347)
وقَالَ أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ : مَعْنَى قَوْلِهِ : غَيْرَ أَنْ لَا تَوَالُدَ أَيْ : لَا يَشْتَهُونَ الْوَلَدَ لِأَنَّ فِي خَبَرِ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ النَّاجِيِّ ، عَنْ أَبَى سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - : " إِذَا اشْتَهى أَحَدُكُمُ الْوَلَدَ فِي الْجَنَّةِ كَانَ حَمْلُهُ وَوَضْعُهُ وَسِنُّهُ فِي سَاعَةٍ وَاحِدَةٍ " ، وَاللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ قَدْ أَعْلَمَ أَنَّ لِأَهْلِ الْجَنَّةِ فِيهَا مَا تَشْتَهِي الْأَنْفُسُ وَتَلَذُّ الْأَعْيُنُ ، وَمُحَالٌ أَنْ يَشْتَهِيَ الْمُشْتَهِي فِي الْجَنَّةِ وَلَدًا فَلَا يُعْطَى شَهْوَتَهُ ، وَاللَّهُ لَا يُخْلِفُ الْوَعْدَ ، وَالْأَوْلَادُ فِي الدُّنْيَا قَدْ يَكُونُ عَلَى غَيْرِ شَهْوَةِ الْوَالِدَيْنِ ، فَأَمَّا فِي الْجَنَّةِ فَلَا يَكُونُ لِأَحَدٍ مِنْهُمْ وَلَدٌ إِلَّا أَنْ يَشْتَهِيَ فَيُعْطَى شَهْوَتَهُ عَلَى مَا قَدْ وَعَدَ رَبُّنَا أَنَّ لَهُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنْفُسُهُمْ "(1)
ـــــــــــــــ
المبحث الواحد والأربعون
في الجنة ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر
عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ - رضى الله عنه - قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - « قَالَ اللَّهُ أَعْدَدْتُ لِعِبَادِى الصَّالِحِينَ مَا لاَ عَيْنَ رَأَتْ ، وَلاَ أُذُنَ سَمِعَتْ ، وَلاَ خَطَرَ عَلَى قَلْبِ بَشَرٍ ، فَاقْرَءُوا إِنْ شِئْتُمْ {فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَّا أُخْفِيَ لَهُم مِّن قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاء بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} (17) سورة السجدة(2).
__________
(1) - التَّوْحِيدُ لِابْنِ خُزَيْمَةَ (241 )
(2) - صحيح البخارى(3244) ومسلم (7310 )(1/348)
وعن سَهْلَ بْنِ سَعْدٍ السَّاعِدِىَّ قالَ: شَهِدْتُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - مَجْلِسًا وَصَفَ فِيهِ الْجَنَّةَ حَتَّى انْتَهَى ثُمَّ قَالَ - صلى الله عليه وسلم - فِى آخِرِ حَدِيثِهِ: « فِيهَا مَا لاَ عَيْنٌ رَأَتْ وَلاَ أُذُنٌ سَمِعَتْ وَلاَ خَطَرَ عَلَى قَلْبِ بَشَرٍ ». ثُمَّ اقْتَرَأَ هَذِهِ الآيَةَ تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ (16) فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (17) [السجدة/16-17](1)
وعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : " قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ : أَعْدَدْتُ لِعِبَادِيَ الصَّالِحِينَ مَا لَا عَيْنٌ رَأَتْ ، وَلَا أُذُنٌ سَمِعَتْ ، وَلَا خَطَرَ عَلَى قَلْبِ بَشَرٍ "(2)
وعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ فِيمَا يَرْوِيهِ عَنْ رَبِّهِ عَزَّ وَجَلَّ : قَالَ : أَعْدَدْتُ لِعِبَادِيَ الصَّالِحِينَ مَا لَا عَيْنٌ رَأَتْ ، وَلَا أُذُنٌ سَمِعَتْ ، وَلَا خَطَرَ عَلَى قَلْبِ بَشَرٍ"(3)
__________
(1) - صحيح مسلم (7313 )
(2) - الْمُعْجَمُ الْأَوْسَطُ لِلطَّبَرَانِيِّ (1697) صحيح
(3) - صِفَةُ الْجَنَّةِ لِأَبِي نُعَيْمٍ الْأَصْبهَانِيِّ (116 ) صحيح(1/349)
وعن عَامِرِ بْنِ سَعْدِ بْنِ أَبِى وَقَّاصٍ , عَنْ أَبِيهِ , عَنِ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - , قَالَ: لَوْ أَنَّ مَا يُقِلُّ ظُفُرٌ مِمَّا فِى الْجَنَّةِ بَدَا , لَتَزَخْرَفَتْ لَهُ مَا بَيْنَ خَوَافِقِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ , وَلَوْ أَنَّ رَجُلاً مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ اطَّلَعَ , فَبَدَا أسِاورُهُ , لَطَمَسَ ضَوْءُهُ الشَّمْسِ كَمَا تَطْمِسُ الشَّمْسُ ضَوْءَ النُّجُومِ.(1)
وعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ , يَرْفَعُهُ , قَالَ: خَلَقَ اللَّهُ جَنَّةَ عَدْنٍ بِيَدِهِ , وَدَلَّى فِيهَا ثِمَارَهَا , وَشَقَّ فِيهَا أَنْهَارَهَا , ثُمَّ نَظَرَ إِلَيْهَا , فَقَالَ:قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ , قَالَ: وَعِزَّتِي لا يُجَاوِرُنِي فِيكِ بِخَيْلٌ.(2)
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ , قال : قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - : قَيدُ سَوْطِ أَحَدِكُمْ فِي الْجَنَّةِ خَيْرٌ مِنَ الدُّنْيَا وَمِثْلِهَا مَعَهَا. وَلَقَابُ قَوْسِ أحَدِكُمْ مِنَ الْجَنَّةِ خَيْرٌ مِنَ الدُّنْيَا وَمِثْلِهَا مَعَهَا . وَلَنَصيفُ امْرَأةٍ مِنَ الْجَنَّةِ خَيْرٌ مِنَ الدُّنْيَا وَمِثْلِهَا مَعَهَا, قال : قُلْتُ : يَا أبَا هُرَيْرَةَ ، مَا النَّصِيف ؟ قَالَ : الْخِمَار.(3)
وعَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ - رضى الله عنه - عَنِ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ : لَقَابُ قَوْسٍ فِى الْجَنَّةِ خَيْرٌ مِمَّا تَطْلُعُ عَلَيْهِ الشَّمْسُ وَتَغْرُبُ » . وَقَالَ : « لَغَدْوَةٌ أَوْ رَوْحَةٌ فِى سَبِيلِ اللَّهِ خَيْرٌ مِمَّا تَطْلُعُ عَلَيْهِ الشَّمْسُ وَتَغْرُبُ »(4).
__________
(1) - سنن الترمذى (2734) حسن صحيح
(2) - المعجم الكبير للطبراني - (ج 10 / ص 293)(12555 ) حسن
(3) - مسند أحمد(10541) صحيح لغيره
(4) - صحيح البخارى(2793 )(1/350)
وعَنْ سَهْلِ بن سَعْدٍ، قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - ، يَقُولُ:"غَدْوَةٌ فِي سَبِيلِ اللَّهِ خَيْرٌ مِنَ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا، وَرَوْحَةٌ فِي سَبِيلِ اللَّهِ خَيْرٌ مِنَ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا، وَمَوْضِعُ سَوْطٍ فِي الْجَنَّةِ خَيْرٌ مِنَ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا"(1).
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ , قال : قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - : يَقُولُ اللهِ : أعْدَدْتُ لِعِبادِي الصَّالِحِينَ مَالاَ عَيْنٌ رَأتْ ، وَلاَ أذُنٌ سَمِعَتْ ، وَلاَ خَطَرَ عَلَى قَلْبِ بَشَر،وَاقْرَؤا إِنْ شِئْتُمْ : {فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَّا أُخْفِيَ لَهُم مِّن قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاء بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} (17) سورة السجدة.
وَفِي الْجَنَّةِ شَجَرَةٌ يَسِيرُ الرًاكِبُ فِي ظِلِّهَا مِئَةَ عَامٍ لاَ يَقْطَعهَا،وَاقْرَؤا إِنْ شِئْتُمْ : {وَظِلٍّ مَّمْدُودٍ } (30) سورة الواقعة.
وَمَوْضِعُ سَوْطٍ فِي الْجَنَّةِ خَيْرٌ مِنَ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا،وَاقْرَؤا إِنْ شِئْتُمْ : { كُلُّ نَفْسٍ ذَآئِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَمَن زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَما الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلاَّ مَتَاعُ الْغُرُورِ} (185) سورة آل عمران.(2)
__________
(1) - المعجم الكبير للطبراني - (ج 5 / ص 437)(5703) صحيح
(2) - سنن الترمذى (3603 ) صحيح(1/351)
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - : مَوْضِعُ سَوْطٍ فِي الْجَنَّةِ خَيْرٌ مِنَ الدُّنْيَا ، وَمَا فِيهَا جَمِيعًا ، اقْرَؤُوا إِنْ شِئْتُمْ : {كُلُّ نَفْسٍ ذَآئِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَمَن زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَما الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلاَّ مَتَاعُ الْغُرُورِ} (185) سورة آل عمران.(1)
وعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ : أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - ، قَالَ : غَدْوَةٌ فِي سَبِيلِ اللهِ ، أَوْ رَوْحَةٌ خَيْرٌ مِنَ الدُّنْيَا ، وَمَا فِيهَا وَلَقَابُ قَوْسِ أَحَدِكُمْ ، أَوْ مَوْضِعُ قَدَمٍ مِنَ الْجَنَّةِ خَيْرٌ مِنَ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا ، وَلَوْ أَنَّ امْرَأَةً اطَّلَعَتْ إِلَى الأَرْضِ مِنْ نِسَاءِ أَهْلِ الْجَنَّةِ لَأَضَاءَتْ مَا بَيْنَهُمَا ، وَلَمَلَأَتْ مَا بَيْنَهُمَا رِيحًا ، وَلَنَصِيفُهَا عَلَى رَأْسِهَا خَيْرٌ مِنَ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا.(2)
وعَنْ أَنَسٍ : أَنَّ أُمَّ حَارِثَةَ أَتَتْ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - ، وَقَدْ هَلَكَ حَارِثَةُ يَوْمَ بَدْرٍ ، أَصَابَهُ غَرْبُ سَهْمٍ ، فَقَالَتْ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، قَدْ عَلِمْتَ مَوْقِعَ حَارِثَةَ مِنْ قَلْبِي ، فَإِنْ كَانَ فِي الجَنَّةِ لَمْ أَبْكِ عَلَيْهِ ، وَإِلَّا سَوْفَ تَرَى مَا أَصْنَعُ ؟ فَقَالَ لَهَا : " هَبِلْتِ ، أَجَنَّةٌ وَاحِدَةٌ هِيَ ؟ إِنَّهَا جِنَانٌ كَثِيرَةٌ ، وَإِنَّهُ فِي الفِرْدَوْسِ الأَعْلَى "
__________
(1) - صحيح ابن حبان - (ج 16 / ص 433)(7417) صحيح
(2) - صحيح ابن حبان - (ج 16 / ص 411)(7398) صحيح(1/352)
وَقَالَ : " غَدْوَةٌ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوْ رَوْحَةٌ خَيْرٌ مِنَ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا ، وَلَقَابُ قَوْسِ أَحَدِكُمْ ، أَوْ مَوْضِعُ قَدَمٍ مِنَ الجَنَّةِ ، خَيْرٌ مِنَ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا ، وَلَوْ أَنَّ امْرَأَةً مِنْ نِسَاءِ أَهْلِ الجَنَّةِ اطَّلَعَتْ إِلَى الأَرْضِ لَأَضَاءَتْ مَا بَيْنَهُمَا ، وَلَمَلَأَتْ مَا بَيْنَهُمَا رِيحًا ، وَلَنَصِيفُهَا - يَعْنِي الخِمَارَ - خَيْرٌ مِنَ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا "(1)
وعَنْ أَنَسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ : " غَدْوَةٌ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ، أَوْ رَوْحَةٌ خَيْرٌ مِنَ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا ، وَلَقَابُ قَوْسِ أَحَدِكُمْ فِي الْجَنَّةِ أَوْ مَوْضِعُ قِدِّهِ فِي الْجَنَّةِ خَيْرٌ مِنَ الدُّنْيَا ، وَلَوْ أَنَّ امْرَأَةً مِنْ نِسَاءِ أَهْلِ الْجَنَّةِ اطَّلَعَتْ إِلَى الدُّنْيَا لَمَلَأَتْ مَا بَيْنَهُمَا رِيحًا ، وَلَنَصِيفُهَا عَلَى رَأْسِهَا خَيْرٌ مِنَ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا "(2)
القاب هنا قيل هو القدر وقيل من مقبض القوس إلى سيته ولكل قوس قوبان
والقد بكسر القاف وتشديد الدال هو السوط ومعنى الحديث ولقدر قوس أحدكم أو قدر الموضع الذي يوضع فيه سوطه خير من الدنيا وما فيها
وعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ، قَالَ : " لَيْسَ فِي الْجَنَّةِ شَيْءٌ ، مِمَّا فِي الدُّنْيَا إِلَّا الْأَسْمَاءُ "(3)
__________
(1) - صحيح البخارى (6567 و6568)
(2) - أحَادِيثُ إِسْمَاعِيلَ بْنِ جَعْفَرٍ (56 ) صحيح
(3) - الْبَعْثُ وَالنُّشُورُ لِلْبَيْهَقِيِّ (322 ) حسن(1/353)
وعَنْ حُذَيْفَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - : أَتَانِي جِبْرِيلُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ فِي كَفِّهِ مِثْلُ الْمِرْآةِ فِي وَسَطِهَا لَمْعَةٌ سَوْدَاءُ ، قُلْتُ : يَا جِبْرِيلُ ، مَا هَذَا ؟ قَالَ : هَذِهِ الدُّنْيَا صَفَاؤُهَا ، وَحُسْنُهَا ، قُلْتُ : مَا هَذِهِ اللَّمْعَةُ السَّوْدَاءُ ؟ قَالَ : هَذِهِ الْجُمُعَةُ ، قُلْتُ : وَمَا يَوْمُ الْجُمُعَةِ ؟ قَالَ : يَوْمٌ مِنْ أَيَّامِ رَبِّكِ عَظِيمٌ ، فَذَكَرَ شَرَفَهُ ، وَفَضْلَهُ ، وَاسْمَهُ فِي الآخِرَةِ ، فَإِنَّ اللَّهَ إِذَا صَيَّرَ أَهْلَ الْجَنَّةِ إِلَى الْجَنَّةِ ، وَأَهْلَ النَّارِ إِلَى النَّارِ لَيْسَ ثَمَّ لَيْلٌ ، وَلاَ نَهَارٌ قَدْ عَلِمَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ مِقْدَارَ تِلْكَ السَّاعَاتِ ، فَإِذَا كَانَ يَوْمُ الْجُمُعَةِ فِي وَقْتِ الْجُمُعَةِ الَّتِي يَخْرُجُ أَهْلُ الْجُمُعَةِ إِلَى جُمُعَتِهِمْ ، قَالَ : فَيُنَادِي مُنَادٍ : يَا أَهْلَ الْجَنَّةِ ، اخْرُجُوا إِلَى دَارِ الْمَزِيدِ ، فَيَخْرُجُونَ فِي كُثْبَانِ الْمِسْكِ ، قَالَ حُذَيْفَةُ : وَاللَّهِ لَهُوَ أَشَدُّ بَيَاضًا مِنْ دَقِيقِكُمْ فَإِذَا قَعَدُوا وَأَخَذَ الْقَوْمُ مَجَالِسَهُمْ بَعَثَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ رِيحًا تُدْعَى الْمُثِيرَةَ فَتُثِيرُ عَلَيْهِمُ الْمِسْكَ الأَبْيَضَ فَتُدْخِلُهُ فِي ثِيَابِهِمْ ، وَتُخْرِجُهُ مِنْ جُيُوبِهِمْ فَالرِّيحُ أَعْلَمُ بِذَلِكَ الطِّيبِ مِنِ امْرَأَةِ أَحَدِكُمْ لَوْ دُفِعَ إِلَيْهَا طِيبُ أَهْلِ الدُّنْيَا ، وَيَقُولُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ : أَيْنَ عِبَادِيَ الَّذِينَ أَطَاعُونِي بِالْغَيْبِ ، وَصَدَّقُوا رُسُلِي وَلَمْ يَرَوْنِي ؟ سَلُونِي فَهَذَا يَوْمُ الْمَزِيدِ ، فَيَجْتَمِعُونَ عَلَى كَلِمَةٍ وَاحِدَةٍ : إِنَّا قَدْ رَضِينَا فَارْضَ عَنَّا ، وَيَرْجِعُ(1/354)
إِلَيْهِمْ فِي قَوْلِهِ لَهُمْ : يَا أَهْلَ الْجَنَّةِ لَوْ لَمْ أَرْضَ عَنْكُمْ لَمْ أُسْكِنْكُمْ جَنَّتِي ، فَهَذَا يَوْمُ الْمَزِيدِ فَسَلُونِي ، فَيَجْتَمِعُونَ عَلَى كَلِمَةٍ وَاحِدَةٍ أَرِنَا وَجْهَكَ نَنْظُرْ إِلَيْهِ قَالَ : فَيَكْشِفُ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى الْحُجُبَ ، وَيَتَجَلَّى لَهُمْ تَبَارَكَ وَتَعَالَى ، فَيَغْشَاهُمْ مِنْ نُورِهِ لَوْلا أَنَّ اللَّهَ قَضَى أَنْ لاَ يَمُوتُوا لاحْتَرَقُوا ، ثُمَّ يُقَالُ لَهُمُ : ارْجِعُوا إِلَى مَنَازِلِكُمْ ، فَيَرْجِعُونَ وَقَدْ خَفَوْا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ ، وَخَفَيْنَ عَلَيْهِمْ مِمَّا غَشِيَهُمْ مِنْ نُورِهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى فَلا يَزَالُ النُّورُ يَتَمَكَّنُ حَتَّى يَرْجِعُوا إِلَى حَالِهِمْ أَوْ إِلَى مَنَازِلِهِمُ الَّتِي كَانُوا عَلَيْهَا ، فَيَقُولُ لَهُمْ أَزْوَاجُهُمْ : لَقَدْ خَرَجْتُمْ مِنْ عِنْدِنَا بِصُورَةٍ وَرَجَعْتُمْ إِلَيْنَا بِغَيْرِهَا ؟ فَيَقُولُونَ : تَجَلَّى لَنَا رَبُّنَا عَزَّ وَجَلَّ فَنَظَرْنَا إِلَى مَا خَفِينَا بِهِ عَلَيْكُمْ قَالَ : فَهُمْ يَتَقَلَّبُونَ فِي مِسْكِ الْجَنَّةِ ، وَنَعِيمِهَا فِي كُلِّ سَبْعَةِ أَيَّامٍ ، وَهُوَ يَوْمُ الْمَزِيدِ.(1)
ـــــــــــــــ
المبحث الثاني والأربعون
في خلود أهل الجنة فيها وأهل النار فيها
قال تعالى : { قُلْ أَؤُنَبِّئُكُمْ بِخَيْرٍ مِنْ ذَلِكُمْ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَأَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ وَرِضْوَانٌ مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ (15) } [آل عمران/15]
__________
(1) - مسند البزار( 2881) ضعيف(1/355)
وقال تعالى : { أُولَئِكَ جَزَاؤُهُمْ مَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ (136) } [آل عمران/136]
وقال تعالى : { لَكِنِ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا نُزُلًا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَمَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ لِلْأَبْرَارِ (198) } [آل عمران/198]
وقال تعالى : { تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (13)} [النساء/13]
وقال تعالى : { وَالَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَنُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا لَهُمْ فِيهَا أَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ وَنُدْخِلُهُمْ ظِلًّا ظَلِيلًا (57) } [النساء/57]
وقال تعالى : { وَالَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَنُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا وَعْدَ اللَّهِ حَقًّا وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ قِيلًا (122) } [النساء/122]
وقال تعالى : { قَالَ اللَّهُ هَذَا يَوْمُ يَنْفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (119) } [المائدة/119]
وقال تعالى : { وَأَمَّا الَّذِينَ سُعِدُوا فَفِي الْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ عَطَاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ (108)} [هود/108]......(1/356)
وأما الذين رزقهم الله السعادة فيدخلون الجنة خالدين فيها ما دامت السموات والأرض، إلا الفريق الذي شاء الله تأخيره، وهم عصاة الموحدين، فإنهم يبقون في النار فترة من الزمن، ثم يخرجون منها إلى الجنة بمشيئة الله ورحمته، ويعطي ربك هؤلاء السعداء في الجنة عطاء غير مقطوع عنهم.
وعَنْ مُعَاذِ بن جَبَلٍ، أَنّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - بَعَثَهُ إِلَى الْيَمَنِ، فَلَمَّا قَدِمَ عَلَيْهِمْ، قَالَ: يَا أَيُّهَا النَّاسُ، إِنِّي رَسُولُ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - إِلَيْكُمْ، يُخْبِرُكُمْ"أَنَّ الْمَرَدَّ إِلَى اللَّهِ، إِلَى جُنَّةٍ أَوْ نَارٍ، خُلُودٌ وَلا مَوْتَ، وَإِقَامَةٌ وَلا ظَعْنَ"(1)
وعَنْ عَمْرِو بْنِ مَيْمُونٍ الْأَوْدِيِّ ، قَالَ : قَامَ فِينَا مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ ، فَقَالَ : " يَا بَنِي أَوْدٍ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - ، تَعْلَمُونَ الْمَعَادَ إِلَى اللَّهِ ، ثُمَّ إِلَى الْجَنَّةِ أَوْ إِلَى النَّارِ ، وَإِقَامَةٌ لَا ظَعْنَ فِيهِ ، وَخُلُودٌ لَا مَوْتٌ فِي أَجْسَادٍ لَا تَمُوتُ "(2)
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، قَالَ : قُلْنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ : مَا لَنَا إِذَا كُنَّا عِنْدَكَ رَقَّتْ قُلُوبُنَا ، وَزَهِدْنَا فِي الدُّنْيَا ، وَكُنَّا مِنْ أَهْلِ الآخِرَةِ ، فَإِذَا خَرَجْنَا مِنْ عِنْدِكَ فَآنَسْنَا أَهَالِينَا ، وَشَمَمْنَا أَوْلَادَنَا أَنْكَرْنَا أَنْفُسَنَا فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : " " لَوْ أَنَّكُمْ تَكُونُونَ إِذَا خَرَجْتُمْ مِنْ عِنْدِي كُنْتُمْ عَلَى حَالِكُمْ ذَلِكَ لَزَارَتْكُمُ المَلَائِكَةُ فِي بُيُوتِكُمْ ، وَلَوْ لَمْ تُذْنِبُوا لَجَاءَ اللَّهُ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ كَيْ يُذْنِبُوا فَيَغْفِرَ لَهُمْ " "
__________
(1) - المعجم الكبير للطبراني - (ج 15 / ص 103)(16788 ) صحيح لغيره
(2) - المستدرك للحاكم (281) صحيح(1/357)
قَالَ : قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ مِمَّ خُلِقَ الخَلْقُ ؟ قَالَ : " مِنَ المَاءِ " ، قُلْتُ : الْجَنَّةُ مَا بِنَاؤُهَا ؟ قَالَ : " لَبِنَةٌ مِنْ فِضَّةٍ وَلَبِنَةٌ مِنْ ذَهَبٍ ، وَمِلَاطُهَا الْمِسْكُ الْأَذْفَرُ ، وَحَصْبَاؤُهَا اللُّؤْلُؤُ وَاليَاقُوتُ ، وَتُرْبَتُهَا الزَّعْفَرَانُ مَنْ دَخَلَهَا يَنْعَمُ وَلَا يَبْأَسُ ، وَيَخْلُدُ وَلَا يَمُوتُ ، لَا تَبْلَى ثِيَابُهُمْ ، وَلَا يَفْنَى شَبَابُهُمْ "
ثُمَّ قَالَ : " " ثَلَاثٌ لَا تُرَدُّ دَعْوَتُهُمْ ، الإِمَامُ العَادِلُ ، وَالصَّائِمُ حِينَ يُفْطِرُ ، وَدَعْوَةُ المَظْلُومِ يَرْفَعُهَا فَوْقَ الغَمَامِ ، وَتُفَتَّحُ لَهَا أَبْوَابُ السَّمَاءِ ، وَيَقُولُ الرَّبُّ عَزَّ وَجَلَّ : وَعِزَّتِي لَأَنْصُرَنَّكِ وَلَوْ بَعْدَ حِينٍ "(1)
وعَنِ ابْنِ عُمَرَ ، رِضَى اللَّهُ عَنْهُمَا : سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - عَنِ الْجَنَّةِ فَقَالَ : " مَنْ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ يَحْيَا فِيهَا فَلَا يَمُوتُ ، وَيَنْعَمُ فِيهَا لَا يَبْؤُسُ ، لَا تَبْلَى ثِيَابُهُ ، وَلَا يَفْنَى شَبَابُهُ " قِيلَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، كَيْفَ بِنَاؤُهَا ؟ قَالَ : " لَبِنَةٌ مِنْ ذَهَبٍ ، وَلَبِنَةٌ مِنْ فِضَّةٍ ، مِلَاطُهَا الْمِسْكُ الْأَذْفَرُ ، تُرَابُهَا الزَّعْفَرَانُ ، حَصْبَاؤُهَا اللُّؤْلُؤُ وَالْيَاقُوتُ "
بَلِيَ الثوب : قَدُمَ ورثَّ وتلف - اللَّبِنَة : واحدة اللَّبِن وهي التي يُبْنَى بها الجِدَار - الملاط : الطين الذي يكون بين اللبنتين ، أو التراب الذي يخالطه الماء - الأذفر : ذو الرائحة القوية الفواحة - الحصباء : الحجارة الصغيرة - الياقوت : حجر كريم من أجود الأنواع وأكثرها صلابة بعد الماس ، خاصة ذو اللون الأحمر
__________
(1) - سنن الترمذى (2717) صحيح لغيره(1/358)
وعَنْ أَبِى سَعِيدٍ الْخُدْرِىِّ وَأَبِى هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: « يُنَادِى مُنَادٍ إِنَّ لَكُمْ أَنْ تَصِحُّوا فَلاَ تَسْقَمُوا أَبَدًا ،وَإِنَّ لَكُمْ أَنْ تَحْيَوْا فَلاَ تَمُوتُوا أَبَدًا، وَإِنَّ لَكُمْ أَنْ تَشِبُّوا فَلاَ تَهْرَمُوا أَبَدًا ،وَإِنَّ لَكُمْ أَنْ تَنْعَمُوا فَلاَ تَبْتَئِسُوا أَبَدًا ». فَذَلِكَ قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ : { وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِم مِّنْ غِلٍّ تَجْرِي مِن تَحْتِهِمُ الأَنْهَارُ وَقَالُواْ الْحَمْدُ لِلّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلا أَنْ هَدَانَا اللّهُ لَقَدْ جَاءتْ رُسُلُ رَبِّنَا بِالْحَقِّ وَنُودُواْ أَن تِلْكُمُ الْجَنَّةُ أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ} (43) سورة الأعراف(1)
__________
(1) - صحيح مسلم (7336 )(1/359)
وعَنْ أَبِي سَعِيدٍ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : " إِذَا دَخَلَ أَهْلُ النَّارِ النَّارَ ، وَأُدْخِلَ أَهْلُ الْجَنَّةِ الْجَنَّةَ ، يُجَاءُ بِالْمَوْتِ كَأَنَّهُ كَبْشٌ أَمْلَحُ ، فَيُنَادِي مُنَادٍ : يَا أَهْلَ الْجَنَّةِ ، تَعْرِفُونَ هَذَا ؟ قَالَ : فَيَشْرَئِبُّونَ وَيَنْظُرُونَ ، وَكُلٌّ قَدْ رَأَوْهُ ، فَيَقُولُونَ : نَعَمْ ، هَذَا الْمَوْتُ ، ثُمَّ يُنَادِي : يَا أَهْلَ النَّارِ ، تَعْرِفُونَ هَذَا ؟ فَيَشْرَئِبُّونَ وَيَنْظُرُونَ ، وَكُلُّهُمْ قَدْ رَأَوْهُ فَيَقُولُونَ : نَعَمْ ، هَذَا الْمَوْتُ ، فَيُؤْخَذُ فَيُذْبَحُ ، ثُمَّ يُنَادِي : يَا أَهْلَ الْجَنَّةِ ، خُلُودٌ وَلَا مَوْتَ ، وَيَا أَهْلَ النَّارِ ، خُلُودٌ وَلَا مَوْتَ ، فَذَلِكَ قَوْلُهُ : {وَأَنذِرْهُمْ يَوْمَ الْحَسْرَةِ إِذْ قُضِيَ الْأَمْرُ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ وَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ } (39) سورة مريم، قَالَ : أَهْلُ الدُّنْيَا فِي غَفْلَةٍ(1)
__________
(1) - السُّنَنُ الْكُبْرَى لِلنَّسَائِي (جامع الحديث)(9942) صحيح(1/360)
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - فِي هَذِهِ الْآيَةِ وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْحَسْرَةِ قَالَ : " يُنَادِي : يَا أَهْلَ الْجَنَّةِ ، فَيَشْرَئِبُّونَ فَيَنْظُرُونَ ، وَيُنَادِي : يَا أَهْلَ النَّارِ ، فَيَشْرَئِبُّونَ فَيَنْظُرُونَ ، فَيُقَالُ : هَلْ تَعْرِفُونَ الْمَوْتَ ؟ فَيَقُولُونَ : نَعَمْ ، فَيُجَاءُ بِالْمَوْتِ فِي صُورَةِ كَبْشٍ أَمْلَحَ ، فَيُقَالُ : هَذَا الْمَوْتُ ، فَيُقَدَّمُ فَيُذْبَحُ ، قَالَ : يَا أَهْلَ الْجَنَّةِ ، خُلُودٌ وَلَا مَوْتَ ، وَيُقَالُ : يَا أَهْلَ النَّارِ ، خُلُودٌ لَا مَوْتَ " قَالَ ثُمَّ قَرَأَ {وَأَنذِرْهُمْ يَوْمَ الْحَسْرَةِ إِذْ قُضِيَ الْأَمْرُ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ وَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ } (39) سورة مريم(1).
وعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : " يُؤْتَى بِالْمَوْتِ كَهَيْئَةِ كَبْشٍ أَمْلَحَ ، فَيُنَادِي مُنَادٍ : يَا أَهْلَ الجَنَّةِ ، فَيَشْرَئِبُّونَ وَيَنْظُرُونَ ، فَيَقُولُ : هَلْ تَعْرِفُونَ هَذَا ؟ فَيَقُولُونَ : نَعَمْ ، هَذَا المَوْتُ ، وَكُلُّهُمْ قَدْ رَآهُ ، ثُمَّ يُنَادِي : يَا أَهْلَ النَّارِ ، فَيَشْرَئِبُّونَ وَيَنْظُرُونَ ، فَيَقُولُ : وهَلْ تَعْرِفُونَ هَذَا ؟ فَيَقُولُونَ : نَعَمْ ، هَذَا المَوْتُ ، وَكُلُّهُمْ قَدْ رَآهُ ، فَيُذْبَحُ ثُمَّ يَقُولُ : يَا أَهْلَ الجَنَّةِ خُلُودٌ فَلاَ مَوْتَ ، وَيَا أَهْلَ النَّارِ خُلُودٌ فَلاَ مَوْتَ ، ثُمَّ قَرَأَ :{ وَأَنذِرْهُمْ يَوْمَ الْحَسْرَةِ إِذْ قُضِيَ الْأَمْرُ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ وَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ } (39) سورة مريم ، وَهَؤُلاَءِ فِي غَفْلَةٍ أَهْلُ الدُّنْيَا وَهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ .(2)
__________
(1) - السُّنَنُ الْكُبْرَى لِلنَّسَائِي (9943 ) صحيح
(2) - صحيح البخارى(4730 )(1/361)
يشرئب : يرفع رأسه ويمد عنقه
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : " يُؤْتَى بِالْمَوْتِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِي هَيْئَةِ كَبْشٍ أَمْلَحَ فَيُقَالُ : يَا أَهْلَ الْجَنَّةِ ، فَيَطَّلِعُونَ خَائِفِينَ وَجِلِينَ مَخَافَةَ أَنْ يَخْرُجُوا مِمَّا هُمْ فِيهِ ، فَيُقَالُ : تَعْرِفُونَ هَذَا ؟ فَيَقُولُونَ : نَعَمْ ، هَذَا الْمَوْتُ ، ثُمَّ يُقَالُ : يَا أَهْلَ النَّارِ ، فَيَطَّلِعُونَ مُسْتَبْشِرِينَ فَرِحِينَ أَنْ يَخْرُجُوا مِمَّا هُمْ فِيهِ ، فَيُقَالُ : أَتَعْرِفُونَ هَذَا ؟ فَيَقُولُونَ : نَعَمْ ، هَذَا الْمَوْتُ ، فَيَأْمُرُ بِهِ فَيُذْبَحُ عَلَى الصِّرَاطِ فَيُقَالُ لِلْفَرِيقَيْنِ : خُلُودٌ فِيمَا تَجِدُونَ لَا مَوْتَ فِيهَا أَبَدًا "(1).
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ : عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ : " يُجَاءُ بِالْمَوْتِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ , كَأَنَّهُ كَبْشٌ أَمْلَحُ أَعْفَرُ فَيُوقَفُ بَيْنَ الْجَنَّةِ وَالنَّارِ , ثُمَّ يُقَالُ : يَا أَهْلَ الْجَنَّةِ , فَيَشْرَئِبُّونَ فَيَنْظُرُونَ , ثُمَّ يُقَالُ : يَا أَهْلَ النَّارِ , فَيَشْرَئِبُّونَ فَيَنْظُرُونَ , فَيَرَوْنَ أَنَّ الْفَرَجَ قَدْ جَاءَ , فَيُدْعَى , فَيُذْبَحُ بَيْنَ الْجَنَّةِ وَالنَّارِ وَيُقَالُ : يَا أَهْلَ الْجَنَّةِ , خُلُودٌ لَا مَوْتَ فِيهِ , وَيَا أَهْلَ النَّارِ خُلُودٌ لَا مَوْتَ فِيهِ " قَالَ إِسْحَاقُ : قَالَ النَّضْرُ : مَعْنَى أَعْفَرُ : الَّذِي مِنْهُ بَيَاضٌ وَسَوَادٌ"(2).
__________
(1) - مسند البزار(7957) والْمُسْتَدْرَكُ عَلَى الصَّحِيحَيْنِ لِلْحَاكِمِ(256 ) صحيح
(2) - الشَّرِيعَةُ لِلْآجُرِّيِّ(929) صحيح(1/362)
وعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : " يُؤْتَى بِالْمَوْتِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ , كَأَنَّهُ كَبْشٌ أَمْلَحُ فَيُوقَفُ بَيْنَ الْجَنَّةِ وَالنَّارِ , فَيُقَالُ : يَا أَهْلَ الْجَنَّةِ , تَعْرِفُونَ هَذَا : فَيَشْرَئِبُّونَ وَيَنْظُرُونَ وَيَقُولُونَ هَذَا الْمَوْتُ , وَيُقَالُ يَا أَهْلَ النَّارِ تَعْرِفُونَ هَذَا : فَيَشْرَئِبُّونَ وَيَنْظُرُونَ وَيَقُولُونَ هَذَا الْمَوْتُ فَيُؤْمَرُ بِهِ فَيُذْبَحُ , ثُمَّ يُقَالُ : يَا أَهْلَ الْجَنَّةِ خُلُودٌ وَلَا مَوْتَ , وَيَا أَهْلَ النَّارِ خُلُودٌ وَلَا مَوْتَ " ثُمَّ قَرَأَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : {وَأَنذِرْهُمْ يَوْمَ الْحَسْرَةِ إِذْ قُضِيَ الْأَمْرُ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ وَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ } (39) سورة مريم ,(1)
وعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ ، قَالَ : قَرَأَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الحَسْرَةِ قَالَ : " يُؤْتَى بِالمَوْتِ كَأَنَّهُ كَبْشٌ أَمْلَحُ حَتَّى يُوقَفَ عَلَى السُّورِ بَيْنَ الجَنَّةِ وَالنَّارِ ، فَيُقَالُ : يَا أَهْلَ الجَنَّةِ فَيَشْرَئِبُّونَ ، وَيُقَالُ : يَا أَهْلَ النَّارِ فَيَشْرَئِبُّونَ ، فَيُقَالُ : هَلْ تَعْرِفُونَ هَذَا ؟ فَيَقُولُونَ : نَعَمْ ، هَذَا المَوْتُ ، فَيُضْجَعُ فَيُذْبَحُ ، فَلَوْلَا أَنَّ اللَّهَ قَضَى لِأَهْلِ الجَنَّةِ الحَيَاةَ وَالبَقَاءَ ، لَمَاتُوا فَرَحًا ، وَلَوْلَا أَنَّ اللَّهَ قَضَى لِأَهْلِ النَّارِ الحَيَاةَ فِيهَا وَالبَقَاءَ ، لَمَاتُوا تَرَحًا "(2)
يشرئبون بشين معجمة ساكنة ثم راء ثم همزة مكسورة ثم باء موحدة مشددة أي يمدون أعناقهم لينظروا
__________
(1) - الشَّرِيعَةُ لِلْآجُرِّيِّ(930) صحيح
(2) - سنن الترمذى(3450 ) وقال : " هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ " وهو كما قال(1/363)
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - : يُؤْتَى بِالْمَوْتِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ، فَيُوقَفُ عَلَى الصِّرَاطِ ، فَيُقَالُ: يَا أَهْلَ الْجَنَّةِ ، فَيَنْطَلِقُونَ خَائِفِينَ وَجِلِينَ أَنْ يَخْرُجُوا مِنْ مَكَانِهِمُ الَّذِي هُمْ فِيهِ ، ثُمَّ يُقَالُ : يَا أَهْلَ النَّارِ ، فَيَنْطَلِقُونَ فَرِحِينَ مُسْتَبْشِرِينَ أَنْ يَخْرُجُوا مِنْ مَكَانِهِمُ الَّذِي هُمْ فِيهِ ، فَيُقَالُ : هَلْ تَعْرِفُونَ هَذَا ؟ فَيَقُولُونَ : نَعَمْ رَبَّنَا هَذَا الْمَوْتُ ، فَيَأْمُرُ بِهِ فَيُذْبَحُ عَلَى الصِّرَاطِ ، ثُمَّ يُقَالُ لِلْفَرِيقَيْنِ كِلاَهُمَا : خُلُودٌ وَلاَ مَوْتَ فِيهِ أَبَدًا.(1)
وعَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : يُؤْتَى بِالْمَوْتِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَأَنَّهُ كَبْشٌ أَمْلَحُ ، فَيُوقَفُ بَيْنَ الْجَنَّةِ وَالنَّارِ ، ثُمَّ يُنَادِي مُنَادٍ : يَا أَهْلَ الْجَنَّةِ ؟ فَيَقُولُونَ : لَبَّيْكَ رَبَّنَا ، قَالَ : فَيُقَالُ : هَلْ تَعْرِفُونَ هَذَا ؟ فَيَقُولُونَ : نَعَمْ رَبَّنَا ، هَذَا الْمَوْتُ ، فَيُذْبَحُ كَمَا تُذْبَحُ الشَّاةُ ، فَيَأْمَنُ هَؤُلاءِ ، وَيَنْقَطِعُ رَجَاءُ هَؤُلاءِ "(2).
__________
(1) - صحيح ابن حبان - (ج 16 / ص 487)(7450) صحيح
(2) - مسند أبي يعلى الموصلي(2898) صحيح(1/364)
وعَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : إِذَا صَارَ أَهْلُ الْجَنَّةِ إِلَى الْجَنَّةِ ، وَأَهْلُ النَّارِ إِلَى النَّارِ ، جِىءَ بِالْمَوْتِ حَتَّى يُجْعَلَ بَيْنَ الْجَنَّةِ وَالنَّارِ ، ثُمَّ يُذْبَحُ ، ثُمَّ يُنَادِى مُنَادٍ يَا أَهْلَ الْجَنَّةِ لاَ مَوْتَ ، يَا أَهْلَ النَّارِ لاَ مَوْتَ ، فَيَزْدَادُ أَهْلُ الْجَنَّةِ فَرَحًا إِلَى فَرَحِهِمْ. وَيَزْدَادُ أَهْلُ النَّارِ حُزْنًا إِلَى حُزْنِهِمْ.(1)
وعَنْ صَالِحٍ حَدَّثَنَا نَافِعٌ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ قَالَ :إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ :« يُدْخِلُ اللَّهُ أَهْلَ الْجَنَّةِ الْجَنَّةَ وَيُدْخِلُ أَهْلَ النَّارِ النَّارَ، ثُمَّ يَقُومُ مُؤَذِّنٌ بَيْنَهُمْ فَيَقُولُ : يَا أَهْلَ الْجَنَّةِ لاَ مَوْتَ وَيَا أَهْلَ النَّارِ لاَ مَوْتَ كُلٌّ خَالِدٌ فِيمَا هُوَ فِيهِ ».(2)
وعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ - قَالَ : أَظُنُّهُ رَفَعَهُ - قَالَ : " يُؤْتَى بِالْمَوْتِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَالْكَبْشِ الْأَمْلَحِ حَتَّى يُوقَفَ بَيْنَ الْجَنَّةِ وَالنَّارِ ، فَيَقُولُ : يَا أَهْلَ الْجَنَّةِ ، هَذَا الْمَوْتُ ، يَا أَهْلَ النَّارِ ، هَذَا الْمَوْتُ قَالَ : فَيُذْبَحُ ، وَهُمْ يَنْظُرُونَ ، فَلَوْ مَاتَ أَحَدٌ فَرَحًا لَمَاتَ أَهْلُ الْجَنَّةِ فَرَحًا ، وَلَوْ مَاتَ أَحَدٌ حُزْنًا لَمَاتَ أَهْلُ النَّارِ حُزْنًا "(3)
يقول الإمام ابن القيم- رحمه الله-(4):
فللَّه ما في حَشوها من مََسرَّةٍ .... وأصنافِ لذَّات ٍبها يُتَنَعََّمُ
__________
(1) - صحيح البخارى (6548 )
(2) - صحيح مسلم(7362 )
(3) - الزُّهْدُ وَالرَّقَائِقُ لِابْنِ الْمُبَارَكِ (1893 ) صحيح لغيره
(4) - أنظر القصيدة بتمامها في كتاب حادي الأرواح لابن القيِّم:ص 7-9(1/365)
ولله بردُ العيش ِبين خِيامها ... وروضاتِها والثَّغْرُ في الروض ِيَبسمُ
ولله واديها الذي هو موعدُ الْـ ..... مَزيدِ لوفدِ الحبِّ لو كنتَ منهمُ
ولله أبصارٌ ترى اللهَ جهرة ً..... فلا الضَّيْمُ يَغشاها ولا هي تَسأَََمُ
فيا نظرة ًأهدت إلى الوجه نضرة ً ..... أَمِنْ بعدها يَسْلُو المحبُّ المتَيَّمُ
ولله كَمْ مِن خيرة ٍإنْ تبَسّمتْ ..... أضاءَ لها نورٌ من الفجر ِأعظمُ
فيا لذةََ الأبصار ِإنْ هي أقْبَلتْ ..... ويا لذَّةَ الأسماع ِحينَ تَكَلَّمُ
ويا خَجْلَةَ الغصن ِالرطيبِ إذا انْثَنتْ ....... ويا خجْلَةَ الفجرين ِحين تَبَسَّمُ
فإن كنتَ ذا قلب ٍعليل ٍبحبِّها ...... فلمْ يَبْقَ إلا وصْلُها لكَ مَرْهمُ
فيا خاطبَ الحناءِ إنْ كنتَ راغبًا..... فهذا زمان المهر فهو المُقَدَمُ
وكنْ مُبغضًا للخائناتِ لِحُبِِّّها ..... فتحظى بها من دُونِهمْ وتُنَعَّمُ
وصُمْ يومَك الأدنى لعلَّك في غد ٍ ..... تفوزُ بعيدِ الفطرِ والناسُ صُوَّمُ
وإن ضاقت الدنيا عليك بأَسْرِها....... ولمْ يكُ فيها منزلٌ لكَ يُعْلَمُ
فحيِّ على جنَّات ِعَدْن ٍفإنََََّّّها ...... منازلُنا الأولى وفيها المخيَّّمُ
وحيِّ على السوق ِالذي فيه يَلْتَقي.......المُحِبُّون ذاك السوقُ للقومِ يعلمُ
فما شئتَ خُذْ منه بلا ثمن ٍله .... فقد أسلفَ التجارُ فيه وأَسْلَموا
وحيِّ على يوم المزيد الذي به .... زيارة ُربِّ العرش ِفاليومَ موسمُ
وحيِّ على واد ٍهنالك أَفْيَح ٍ .... وتربتُهُ من إذْفرِ ِالمسكِ أََعظمُ
منابرُ من نور ٍهُنالِكَ وفضة ٍ..... ومن خالص ِالعقْيان ِلا يتَقَسَّمُ
وكُثْبانُ مسكٍ قد جُعِلنَ مقاعدًا....... لمن دونَ أصحابِ المنابر ِيُعْلَمُ
فبيناهُمو في عَيْشِهم وسرورهمْ ....... وأرزاقهُمْ تجْري عليهِمْ وتُقْسُمُ
إذا هُم بنور ٍساطع ٍأَشْرقَتْ له....... بأَقْطَارها الجنَّاتُ لا يُتَوهَّمُ(1/366)
تجلَّى لهُم ربُّّ السموات جهرة ً ..... فيضحكُ فَوقَ العرش ِثُمََََّّ يُكَلِّمُ
سلامٌ عليكُمْ يسمعون جميعُهُم ....... بأذانهم تَسْليمَهُ إذ يُسَّلِّمُ
يقلُ سَلُوني ما اشْتَهَيتُمْ فكُلَّما........ تُريدونَ عندي, إنني أنا أرحَمُ
فقالوا جميعًا نحن نسألك الرضا....... فأنْتَ الذي تُولي الجَميلَ وتَرحمُ
فَيُعطيهمُو هذا وَيشْهَدُ جَمْعُهُمْ........ عليه تعالى اللهُ, فاللهُ أَكْرَمُ
فيا بائعًا هذا ببخس ٍمُعَجَّل ٍ........ كأنَّك لا تَدْري, َبلى سَوفَ تَعْلَمُ
فإن كنتَ لا تدري فتلك مصيبة ٌ.......وإن كنتَ تَدري فالمصيبة ُأعَظمُ
- - - - - - - - - - - - - - - -
أهم المصادر والمراجع
1. تفسير الطبري الشاملة 2 + موقع التفاسير
2. تفسير ابن كثير الشاملة 2 + موقع التفاسير
3. الجامع لأحكام القرآن للقرطبي الشاملة 2 + موقع التفاسير
4. تفسير الألوسي الشاملة 2 + موقع التفاسير
5. زهرة التفاسير أبو زهرة - الشاملة 2
6. محاسن التأويل تفسير القاسمي - المطبوع
7. أيسر التفاسير لأسعد حومد الشاملة 2 + موقع التفاسير
8. التفسير الميسر الشاملة 2 + موقع التفاسير
9. تفسير السعدي الشاملة 2 + موقع التفاسير
10. تفسير ابن أبي حاتم الشاملة 2 + موقع التفاسير
11. في ظلال القرآن الشاملة 2 + موقع التفاسير
12. الوسيط لسيد طنطاوي الشاملة 2 + موقع التفاسير
13. اقتضاء الصراط المستقيم لمخالفة أصحاب الجحيم ابن تيمية الشاملة 2 = دار عالم الكتب
14. شرح الطحاوية في العقيدة السلفية= الشاملة 2
15. الصارم المسلول ابن تيمية= الشاملة 2= دار ابن حزم - بيروت
16. منهاج السنة النبوية ابن تيمية= الشاملة 2 = محمد رشاد سالم
17. موطأ مالك المكنز
18. صحيح البخارى المكنز
19. صحيح مسلم المكنز
20. سنن أبى داود المطنز
21. سنن الترمذى المكنز
22. سنن النسائى المكنز
23. سنن ابن ماجه الكننز
24. مصنف عبد الرزاق المكتب الإسلامي + الشاملة 2(1/367)
25. مصنف ابن أبي شيبة عوامة + الشاملة 2
26. مسند أحمد الكنز + الشاملة 2
27. مسند أحمد بن حنبل ( بأحكام شعيب الأرنؤوط) دار صادر
28. أخبار مكة للأزرقي الشاملة 2 + جامع الحديث النبوي
29. الإبانة الكبرى لابن بطة الشاملة 2 + جامع الحديث النبوي
30. الآحاد والمثاني لابن أبي عاصم الشاملة 2 + جامع الحديث النبوي
31. السنن الكبرى للإمام النسائي الرسالة +الشاملة 2 + جامع الحديث النبوي
32. المستدرك للحاكم دار المعرفة + الشاملة 2 + جامع الحديث النبوي
33. المعجم الكبير للطبراني الشاملة 2 + جامع الحديث النبوي
34. المعجم الأوسط للطبراني الشاملة 2 + جامع الحديث النبوي
35. المعجم الصغير للطبراني الشاملة 2 + جامع الحديث النبوي
36. تفسير ابن أبي حاتم الشمالة 2 + موقع التفاسير + جامع الحديث النبوي
37. تهذيب الآثار للطبري الشاملة 2 + جامع الحديث النبوي
38. دلائل النبوة للبيهقي الشاملة 2 + جامع الحديث النبوي
39. السنن الكبرى للبيهقي المكنز + الشاملة 2 + جامع الحديث النبوي
40. شعب الإيمان للبيهقي الشاملة 2 + جامع الحديث النبوي
41. غاية المقصد فى زوائد المسند للهيثمي الشاملة 2
42. التَّرْغِيبُ فِي فَضَائِلِ الْأَعْمَالِ وَثَوَابُ ذَلِكَ لِابْنِ شَاهِين الشاملة 2 + جامع الحديث النبوي
43. المسند للشاشي الشاملة 2
44. سنن الدارمى المكنز + الشاملة 2 + جامع الحديث النبوي
45. مسند أبي عوانة الشاملة 2 + جامع الحديث النبوي
46. مسند إسحاق بن راهويه الشاملة 2 + جامع الحديث النبوي
47. مسند البزار 1-14كاملا الشاملة 2 + جامع الحديث النبوي
48. مسند أبي يعلى الموصلي ت حسين الأسد دار المأمون + الشاملة 2 + جامع الحديث النبوي
49. مسند الحميدى المكنز + الشاملة 2 + جامع الحديث النبوي
50. مسند الروياني الشاملة 2 + جامع الحديث النبوي
51. مسند السراج الشاملة 2 + جامع الحديث النبوي(1/368)
52. سنن الدارقطنى المكنز + الشاملة 2 + جامع الحديث النبوي
53. صحيح ابن حبان مؤسسة الرسالة + الشاملة 2 + جامع الحديث النبوي
54. صحيح ابن خزيمة الشاملة 2 + جامع الحديث النبوي
55. مسند الشاميين للطبراني الشاملة 2 + جامع الحديث النبوي
56. مسند الشهاب القضاعي الشاملة 2 + جامع الحديث النبوي
57. مسند الطيالسي الشاملة 2 + جامع الحديث النبوي
58. مسند عبد بن حميد الشاملة 2 + جامع الحديث النبوي
59. مسند الشافعي الشاملة 2 + جامع الحديث النبوي
60. المنتقى من السنن المسندة لابن الجارود الشاملة 2 + جامع الحديث النبوي
61. معرفة الصحابة لأبي نعيم الأصبهاني الشاملة 2 + جامع الحديث النبوي
62. موسوعة السنة النبوية – للمؤلف مخطوط
63. الأحاديث المختارة للضياء +الشاملة 2 + جامع الحديث النبوي
64. مجمع الزوائد + دار المعرفة + الشاملة 2
65. اتحاف الخيرة المهرة بزوائد المسانيد العشرة الشاملة 2 + جامع الحديث النبوي
66. المسند الجامع مؤسسة الرسالة + الشاملة 2
67. جامع الأصول لابن الأثير ت – عبد القادر الأرناؤوط + الشاملة 2
68. المسند المستخرج على صحيح الإمام مسلم الشاملة 2 + جامع الحديث النبوي
69. الترغيب والترهيب للمنذري+ الشاملة 2 + جامع الحديث النبوي
70. أخبار أصبهان الشاملة 2 + جامع الحديث النبوي
71. أمالي ابن بشران الشاملة 2 + جامع الحديث النبوي
72. الآداب للبيهقي الشاملة 2 + جامع الحديث النبوي
73. الأدب المفرد للبخاري الشاملة 2 + جامع الحديث النبوي
74. الأسماء والصفات للبيهقي الشاملة 2 + جامع الحديث النبوي
75. الأمثال للرامهرمزي الشاملة 2 + جامع الحديث النبوي
76. الاعتقاد للبيهقي الشاملة 2 + جامع الحديث النبوي
77. صفة الجنة لأبي نعيم الشاملة 2+ جامع الحديث النبوي
78. صفة النار لأبي نعيم الشاملة 2+ جامع الحديث النبوي
79. صِفَةُ الْجَنَّةِ لِابْنِ أَبِي الدُّنْيَا الشاملة 2+ جامع الحديث النبوي(1/369)
80. البعث والنشور للبيهقي الشاملة 2+ جامع الحديث النبوي
81. البعث لابن أبي داود السجستاني الشاملة 2+ جامع الحديث النبوي
82. الدعاء للطبراني الشاملة 2 + جامع الحديث النبوي
83. الدعاء للمحاملي الشاملة 2 + جامع الحديث النبوي
84. الدعوات الكبير للبيهقي الشاملة 2 + جامع الحديث النبوي
85. الزهد الكبير للبيهقي الشاملة 2 + جامع الحديث النبوي
86. الزهد لأبي حاتم الرازي الشاملة 2 + جامع الحديث النبوي
87. الزهد لأحمد بن حنبل الشاملة 2 + جامع الحديث النبوي
88. الزهد لابن أبي عاصم الشاملة 2 + جامع الحديث النبوي
89. الزهد لهناد بن السري الشاملة 2 + جامع الحديث النبوي
90. الزهد والرقائق لابن المبارك الشاملة 2 + جامع الحديث النبوي
91. الزهد وصفة الزاهدين لأحمد بن بشر الشاملة 2 + جامع الحديث النبوي
92. السنَّة لأبي بكر بن الخلال الشاملة 2 + جامع الحديث النبوي
93. السنة لابن أبي عاصم الشاملة 2 + جامع الحديث النبوي
94. السنة لعبد الله بن أحمد الشاملة 2 + جامع الحديث النبوي
95. السنة لمحمد بن نصر المروزي الشاملة 2 + جامع الحديث النبوي
96. تعظيم قدر الصلاة لمحمد بن نصر المروزي الشاملة 2 + جامع الحديث النبوي
97. جامع بيان العلم وفضله لابن عبد البر الشاملة 2 + جامع الحديث النبوي
98. خَلْقُ أَفْعَالِ الْعِبَادِ لِلْبُخَارِيِّ الشاملة 2 + جامع الحديث النبوي
99. طبقات المحدثين بأصبهان لأبي الشيخ الأصبهاني الشاملة 2 + جامع الحديث النبوي
100. فضائل الصحابة لأحمد الشاملة 2 + جامع الحديث النبوي
101. فضائل القرآن لمحمد بن الضريس الشاملة 2 + جامع الحديث النبوي
102. فوائد تمام الشاملة 2 + جامع الحديث النبوي
103. معجم الصحابة لابن قانع الشاملة 2 + جامع الحديث النبوي
104. قصر الأمل لابن أبي الدنيا الشاملة 2 + جامع الحديث النبوي
105. المقاصد الحسنة للسخاوي الشاملة 2
106. كشف الخفاء للعجلوني الشاملة 2(1/370)
107. نظم المتناثر للكتاني الشاملة 2
108. روضة المحدثين الشاملة 2
109. تخريج أحاديث الإحياء للعراقي الشاملة 2
110. إتحاف السادة المتقين للزبيدي دار الفكر
111. تاريخ ابن معين رواية الدوري الشاملة 2
112. تاريخ معرفة الثقات لابن شاهين الشاملة 2
113. مشاهير علماء الأمصار ابن حبان الشاملة 2
114. تحفة المحتاج في تخريج أحاديث المنهاج لابن الملقن + الشاملة 2
115. البدر المنير لابن الملقن + الشاملة 2
116. السلسلة الضعيفة للألباني + الشاملة 2 + المكتب الإسلامي
117. السلسلة الصحيحة للألباني+ الشاملة 2 + المكتب الإسلامي
118. رياض الصالحين ت الألباني+ الشاملة 2 + المكتب الإسلامي
119. مشكاة المصابيح ت الألباني + الشاملة 2 + المكتب الإسلامي
120. صحيح الترغيب والترهيب + الشاملة 2 + المكتب الإسلامي
121. صحيح وضعيف سنن أبي داود الشاملة 2 + المكتب الإسلامي
122. صحيح وضعيف سنن الترمذي الشاملة 2 + المكتب الإسلامي
123. صحيح وضعيف سنن النسائي الشاملة 2 + المكتب الإسلامي
124. صحيح وضعيف سنن ابن ماجة الشاملة 2 + المكتب الإسلامي
125. صحيح وضعيف الجامع الصغير الشاملة 2 + المكتب الإسلامي
126. الجامع الصغير وزيادته الشاملة 2 + المكتب الإسلامي
127. علل الدارقطني الشاملة 2
128. تاريخ جرجان للسهمي الشاملة 2
129. موسوعة أقوال الإمام أحمد في الجرح والتعديل الشاملة 2
130. موسوعة أقوال الدارقطني الشاملة 2
131. التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد لابن عبد البر الشاملة 2
132. فتح الباري لابن حجر الشاملة 2 + موقع الإسلام
133. فتح الباري لابن رجب الشاملة 2
134. شرح البخاري ابن بطال الشاملة 2
135. شرح النووي على مسلم الشاملة 2 + موقع الإسلام
136. عون المعبود للآبادي الشاملة 2 + موقع الإسلام
137. تحفة الأحوذي المباركفوي الشاملة 2 + موقع الإسلام
138. شُكْرُ اللَّهِ عَلَى نِعَمِهِ لِلْخَرَائِطِيِّ الشاملة 2(1/371)
139. شرح الأربعين النووية في الأحاديث الصحيحة النبوية الشاملة 2
140. فيض القدير،شرح الجامع الصغير الشاملة 2
141. التيسير بشرح الجامع الصغير ـ للمناوى الشاملة 2
142. جامع العلوم والحكم الشاملة 2 + تحقيق الفحل
143. حاشية ابن القيم على سنن أبي داود الشاملة 2+ موقع الإسلام
144. مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح الشاملة 2
145. دليل الفالحين لطرق رياض الصالحين الشاملة 2
146. شرح رياض الصالحين لابن عثيمين الشاملة 2
147. فتح القوي المتين في شرح الأربعين وتتمة الخمسين الشاملة 2
148. مجموع فتاوى ابن تيمية الشاملة 2 + دار الباز
149. فتاوى الأزهر الشاملة 2
150. الموسوعة الفقهية الكويتية الشاملة 2 + موقع الإسلام + دار السلاسل
151. فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء الشاملة 2
152. مجموع فتاوى ورسائل ابن عثيمين الشاملة 2
153. فتاوى السبكي الشاملة 2
154. فتاوى الرملي الشاملة 2
155. الفتاوى الفقهية الكبرى لابن حجر الهيتمي الشاملة 2 + موقع الإسلام
156. شرح سنن أبي داود ـ عبد المحسن العباد الشاملة 2
157. لقاءات الباب المفتوح الشاملة 2
158. دروس وفتاوى الحرم المدني الشاملة 2
159. فتاوى من موقع الإسلام اليوم الشاملة 2
160. فتاوى الإسلام سؤال وجواب الشاملة 2
161. فتاوى يسألونك الشاملة 2
162. مجموع فتاوى ومقالات ابن باز الشاملة 2
163. فتاوى الإسلام سؤال وجواب الشاملة 2
164. فتاوى واستشارات الإسلام اليوم الشاملة 2
165. فتاوى الشبكة الإسلامية معدلة الشاملة 2
166. الدرر السنية في الأجوبة النجدية – الرقمية الشاملة 2
167. طرح التثريب الشاملة 2 + موقع الإسلام
168. نيل الأوطار الشاملة 2 + موقع الإسلام
169. المحلى لابن حزم الشاملة 2
170. الفواكه الدواني على رسالة ابن أبي زيد القيرواني الشاملة 2 + موقع الإسلام
171. منح الجليل شرح مختصر خليل الشاملة 2 + موقع الإسلام(1/372)
172. التذكرة في أحوال الموتى وأمور الآخرة القرطبي الشاملة 2
173. بداية المجتهد ونهاية المقتصد الشاملة 2
174. روضة الطالبين وعمدة المفتين الشاملة 2
175. المجموع شرح المهذب للنووي الشاملة 2 + موقع الإسلام
176. الحاوي في فقه الشافعي – الماوردي الشاملة 2
177. المغني لابن قدامة الشاملة 2 + موقع الإسلام
178. الإحكام في أصول الأحكام لابن حزم الشاملة 2
179. الإحكام في أصول الأحكام للآمدي الشاملة 2
180. المحصول للرازي الشاملة 2
181. المستصفى للغزالي الشاملة 2 + موقع الإسلام
182. أنوار البروق في أنواع الفروق الشاملة 2 + موقع الإسلام
183. إعلام الموقعين عن رب العالمين لابن القيم الشاملة 2 + موقع الإسلام
184. البحر المحيط للزركشي الشاملة 2 + موقع الإسلام
185. شرح الكوكب المنير للفتوحي الشاملة 2 + موقع الإسلام
186. حاشية العطار على شرح الجلال المحلي على جمع الجوامع الشاملة 2 + موقع الإسلام
187. تلقيح الأفهام العلية بشرح القواعد الفقهية الشاملة 2
188. إرشاد الفحول لتحقيق الحق من علم الأصول الشاملة 2
189. معالم أصول الفقه عند أهل السنة والجماعة الشاملة 2
190. نهاية السول شرح منهاج الوصول الشاملة 2
191. إحياء علوم الدين دار الفكر + الشاملة 2
192. حلية الأولياء لأبي نعيم الشاملة 2 + جامع الحديث النبوي
193. الأذكار للنووي الشاملة 2
194. أدب الدنيا والدين الماوردي الشاملة 2 + موقع الإسلام
195. المدخل لابن الحاج الشاملة 2 + موقع الإسلام
196. الآداب الشرعية لابن مفلح الشاملة 2 + موقع الإسلام
197. الزواجر عن اقتراف الكبائر لابن حجر المكي الشاملة 2 + موقع الإسلام
198. بريقة محمودية في شرح طريقة محمدية وشريعة نبوية الشاملة 2 + موقع الإسلام
199. غذاء الألباب في شرح منظومة الآداب السفاريني الشاملة 2 + موقع الإسلام
200. رياض الصالحين للنووي –ت الألباني – الفحل(1/373)
201. لواقح الأنوار القدسية في بيان العهود المحمدية للشعراني الشاملة 2
202. مقدمة ابن الصلاح الشاملة 2
203. قواعد التحديث من فنون مصطلح الحديث الشاملة 2
204. الكفاية في علم الرواية الشاملة 2 + جامع الحديث النبوي
205. فتح المغيث بشرح ألفية الحديث السخاوي + الشاملة 2
206. قواعد في علوم الحديث للتهانوي ت أبو غدة + الشاملة 2
207. منهج النقد في علوم الحديث - دار الفكر – العتر + الشاملة 2
208. تدريب الراوي في شرح تقريب النواوي + الشاملة 2
209. نزهة النظر في توضيح نخبة الفكر في مصطلح أهل الأثر + الشاملة 2
210. تحرير علوم الحديث لعبدالله الجديع + الشاملة 2
211. شرح شرح نخبة الفكر في مصطلح أهل الأثر + الشاملة 2
212. النكت على ابن الصلاح لابن حجر + الشاملة 2
213. الشذا الفياح من علوم ابن الصلاح العراقي + الشاملة 2
214. شرح التبصرة والتذكرة العراقي + الشاملة 2 ت الفحل
215. توجيه النظر إلى أصول الأثر الجزائري+ الشاملة 2
216. الرفع والتكميل في الجرح والتعديل للكنوي + الشاملة 2 أبو غدة
217. زاد المعاد لابن القيم + الشاملة 2+ موقع الإسلام
218. الإصابة في معرفة الصحابة للحافظ ابن حجر + الشاملة 2
219. ثقات ابن حبان + الشاملة 2
220. المجروحين ابن حبان + الشاملة 2
221. التاريخ الكبير البخاري + الشاملة 2
222. الطبقات الكبرى لابن سعد + الشاملة 2 + جامع الحديث النبوي
223. تذكرة الحفاظ للذهبي + الشاملة 2
224. ميزان الاعتدال للذهبي + الشاملة 2 دار المعرفة
225. تاريخ دمشق لابن عساكر + الشاملة 2 دار الفكر
226. الجرح والتعديل لابن أبي حاتم + الشاملة 2
227. الكامل لابن عدي + الشاملة 2
228. معرفة الثقات للعجلي + الشاملة 2
229. ضعفاء العقيلي + الشاملة 2
230. تهذيب الكمال للمزي+ الشاملة 2 ت عواد بشار مؤسسة الرسالة
231. الكاشف في معرفة من له رواية في الكتب الستة + الشاملة 2 ت عوامة(1/374)
232. تقريب التهذيب لابن حجر + الشاملة 2
233. تهذيب التهذيب لابن حجر + الشاملة 2
234. تعجيل المنفعة لابن حجر + الشاملة 2
235. لسان الميزان للحافظ ابن حجر + الشاملة 2
236. سير أعلام النبلاء مؤسسة الرسالة + الشاملة 2
237. تاريخ بغداد للخطيب البغدادي + الشاملة 2
238. النهاية في غريب الأثر + الشاملة 2
239. تاج العروس للزبيدي + الشاملة 2
240. الكليات لأبي البقاء
241. الفروق في اللغة لأبي هلال العسكري
242. لسان العرب لابن منظور + الشاملة 2
243. المعجم الوسيط مجمع اللغة العربية + الشاملة 2
244. المصباح المنير الفيومي + الشاملة 2
245. المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم للقرطبي + الشاملة 2
246. الحافظ ابن حجر ومنهجه في التقريب – للمؤلف
247. منهج دراسة الأسانيد والحكم عليها للعاني – الأردن
248. الإِْيمَانُ لاِبْنِ تَيْمِيَّةَ الشاملة 2
249. الدفاع عن كتاب رياض الصالحين للمؤلف
الفهرس العام
المبحث الأول ... 5
المبحث الأول ... 5
حُفَّت الجنة بالمكاره ... 5
1-الجهاد في سبيل الله: ... 6
2-الصبر على النوائب, والرضا بقضاء الله: ... 7
3- الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر: ... 11
4-وغير ذلك من تكاليف الإسلام: ... 12
المبحث الثاني ... 13
الترغيب في الجنة ونعيمها ... 13
المبحث الثالث ... 20
أسماءُ الجنَّة ... 20
المبحث الرابع ... 21
أول من يدخلون الجنة وصفاتهم ... 21
المبحث الخامس ... 25
آخر من يدخل الجنة من الموحدين ... 25
المبحث السادس ... 33
بعض من نص على أنهم من أهل الجنة ... 33
المبحث السابع ... 40
أسياد أهل الجنة ... 40
المبحث الثامن ... 48
في صفة دخول أهل الجنة الجنَّةَ ... 48
المبحث التاسع ... 52
فيما لأدنى أهل الجنة فيها ... 52
المبحث العاشر ... 55
في درجات الجنة ... 55
المبحث الحادي عشر ... 64
أبوابُ الجنة ... 64
المبحث الثاني عشر ... 68
خزنة الجنة ... 68
المبحث الرابع عشر ... 70
في بناء الجنة وترابها وحصبائها وغير ذلك ... 70
المبحث الخامس عشر ... 73
خيامُ الجنة وأسرَّتها وأرائكها ... 73
المبحث السادس عشر ... 80(1/375)
نور الجنة ... 80
المبحث السابع عشر ... 83
ريح الجنة ... 83
المبحث الثامن عشر ... 85
أهل الجنة يرثون أهل النار ... 85
المبحث التاسع عشر ... 88
في أنهار الجنة ... 88
المبحث العشرون ... 91
في شجر الجنة وثمارها ... 91
في أكل أهل الجنة ... 96
المبحث الثاني والعشرون ... 105
شراب أهل الجنة ... 105
المبحث الثالث والعشرون ... 107
أنهار الجنة ... 107
المبحث الرابع والعشرون ... 110
عيون الجنة ... 110
المبحث الخامس والعشرون ... 111
آنية الجنة ... 111
المبحث السادس والعشرون ... 112
لباسُ أهل الجنة وحُليّهم ... 112
المبحث السابع والعشرون ... 117
أطفال المؤمنين في الجنة ... 117
المبحث الثامن والعشرون ... 119
أكثر أهل الجنة ... 119
المبحث التاسع والعشرون ... 121
مقدار ما يدخل الجنة من هذه الأمة ... 121
المبحث الثلاثون ... 126
في فرش الجنة ... 126
المبحث الواحد و الثلاثون ... 127
غلمانُ أهل الجنة وخدمُهم ... 127
المبحث الثاني و الثلاثون ... 128
في وصف نساء أهل الجنة ... 128
المبحث الثالث و الثلاثون ... 136
نساء الدنيا ... 136
المبحث الرابع و الثلاثون ... 139
العشرة المبشرون بالجنة ... 139
المبحث الخامس و الثلاثون ... 141
في غناء الحور العين ... 141
المبحث السادس و الثلاثون ... 143
في سوق الجنة ... 143
المبحث السابع و الثلاثون ... 147
في تزاورهم ومراكبهم ... 147
المبحث الثامن و الثلاثون ... 152
في زيارة أهل الجنة ربهم تبارك وتعالى ... 152
المبحث التاسع و الثلاثون ... 155
في نظر أهل الجنة إلى ربهم تبارك وتعالى ... 155
المبحث الأربعون ... 167
أماني أهل الجنة ... 167
المبحث الواحد والأربعون ... 168
في الجنة ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر ... 168
المبحث الثاني والأربعون ... 172
في خلود أهل الجنة فيها وأهل النار فيها ... 172
أهم المصادر والمراجع ... 178
الفهرس العام ... 184(1/376)