شروط الدعاء وموانع الإجابة
في ضوء الكتاب والسنة
تأليف الفقير إلى الله تعالى
سعيد بن علي بن وهف القحطاني(1/1)
بسم الله الرحمن الرحيم
إن الحمد لله، نحمده ونستعينه، ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين وسلم تسليماً كثيراً. أما بعد:
فهذه رسالة مختصرة في شروط الدعاء وموانع إجابته، أخذتها وأفردتها من كتابي "الذكر والدعاء والعلاج بالرقى"(1) وزدت عليها فوائد مهمة يحتاجها المسلم في دعائه، ورتبتها كالتالي:
الفصل الأول: مفهوم الدعاء وأنواعه.
الفصل الثاني: فضل الدعاء.
الفصل الثالث: شروط الدعاء وموانع الإجابة.
الفصل الرابع: آداب الدعاء وأحوال وأوقات الإجابة.
الفصل الخامس: عناية الأنبياء بالدعاء واستجابة الله لهم.
الفصل السادس: الدعوات المستجابات.
الفصل السابع: أهم ما يسأل العبد ربه.
والله أسأل أن يجعله عملاً صالحاً متقبلاً، نافعاً لي ولكل من انتهى إليه؛ فإنه ولي ذلك والقادر عليه، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، وخيرته من خلقه، نبينا، وإمامنا، وقدوتنا، وحبيبنا، محمد بن عبد الله، وعلى آله، وأصحابه، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
المؤلف
حرر في ضحى يوم الجمعة 17/6/1416هـ
الفصل الأول: مفهوم الدعاء وأنواعه
المبحث الأول: مفهوم الدعاء
الدعاء لغة: الطلب والابتهال: يُقال: دعوتُ الله أدعوه دعاءً: ابتهلت إليه بالسؤال ورغبت فيما عنده من الخير(2) ودعا الله: طلب منه الخير ورجاه منه، ودعا لفلان: طلب الخير له، ودعا على فلان: طلب له الشر(3).
__________
(1) من ص 186-123 نشر مكتبة الرشد بالرياض عام 1407هـ.
(2) المصباح المنير 1/194.
(3) المعجم الوسيط1/268.(1/2)
والدعاء: سؤال العبد ربه على وجه الابتهال، وقد يطلق على التقديس والتحميد ونحوهما(1).
والدعاء نوع من أنواع الذكر؛ فإن الذكر ثلاثة أنواع:
النوع الأول: ذكر أسماء الله وصفاته ومعانيها والثناء على الله بها، وتوحيد الله بها وتنزيهه عما لا يليق به. وهو نوعان أيضاً:
إنشاء الثناء عليه بها من الذاكر وهذا النوع هو المذكور في الأحاديث نحو: ”سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر“.
الخبر عن الرب تعالى بأحكام أسمائه وصفاته نحو قولك: الله عز وجل على كل شيء قدير، وهو أفرح بتوبة عبده من الفاقد لراحلته، وهو يسمع أصوات عباده، ويرى حركاتهم، ولا تخفى عليه خافية من أعمالهم، وهو أرحم بهم من أمهاتهم وآبائهم.
النوع الثاني: ذكر الأمر، والنهي، والحلال والحرام، وأحكامه فيعمل بالأمر ويترك النهي، ويُحرِّمُ الحرامَ ويُحلُّ الحلالَ، وهو نوعان أيضاً:
ذكره بذلك إخباراً عنه بأنه أمر بكذا ونهى عن كذا، وأحب كذا، وسخط كذا، ورضي كذا.
ذكره عند أمره فيبادر إليه ويعمل به، وعند نهيه فيهرب منه ويتركه.
النوع الثالث: ذكر الآلاء والنعماء والإحسان، وهذا أيضاً من أجَلِّ أنواع الذكر، فهذه خمسة أنواع.
وهي تكون ثلاثة أنواع أيضاً:
ذكرٌ يتواطأ عليه القلب واللسان، وهو أعلاها.
ذكرٌ بالقلب وحده، وهو في الدرجة الثانية.
ذكرٌ باللسان المجرد، وهو في الدرجة الثالثة(2).
ومفهوم الذكر: هو التخلص من الغفلة والنسيان، والغفلة: هي تركٌ باختيار الإنسان، والنسيان تركٌ بغير اختياره.
والذكر على ثلاث درجات:
الذكر الظاهر: ثناءً على الله تعالى كقول: ”سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر“.
__________
(1) القاموس الفقهي لغة واصطلاحاً ص 131.
(2) مدارج السالكين لابن القيم 2/430 و1/23، والوابل الصيب لابن القيم ص 178-181.(1/3)
أو ذكر دعاء: نحو {قَالاَ رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنفُسَنَا وَإِن لَّمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ}(1). ونحو قوله: "يا حي يا قيوم برحمتك أستغيث". ونحو ذلك.
أو ذكر رعاية: مثل قول القائل: الله معي، الله ينظر إليَّ، الله شاهدي، ونحو ذلك مما يستعمل لتقوية الحضور مع الله، وفيه رعاية لمصلحة القلب، ولحفظ الأدب مع الله والتحرز من الغفلة، والاعتصام بالله من الشيطان وشر النفس.
والأذكار النبوية تجمع الأنواع الثلاثة، فإنها تضمنت الثناء على الله، والتعرض للدعاء والسؤال، والتصريح به. وهي متضمنة لكمال الرعاية، ومصلحة القلب، والتحرز من الغفلات، والاعتصام من الوساوس والشيطان.
الذكر الخفي: وهو الذكر بمجرد القلب والتخلص من الغفلة، والنسيان، والحجب الحائلة بين القلب وبين الرب سبحانه، وملازمة الحضور بالقلب مع الله كأنه يراه.
3- الذكر الحقيقي: وهو ذكر الله تعالى للعبد(2) {فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُواْ لِي وَلاَ تَكْفُرُونِ}(3).
وقال صلى الله عليه وعلى آله وسلم: "يقول الله تعالى: أنا عند ظنّ عبدي بي، وأنا معه إذا ذكرني، فإن ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي، وإن ذكرني في ملأٍ ذكرته في ملأٍ خيرٍ منهم، وإن تقرّب إليَّ شبراً تقرّبتُ إليه ذراعاً، وإن تقرّب إليَّ ذراعاً تقربتُ إليه باعاً، وإن أتاني يمشي أتيته هرولة"(4).
__________
(1) سورة الأعراف، الآية: 23.
(2) مدارج السالكين 2/434-435.
(3) سورة البقرة، الآية: 152.
(4) البخاري واللفظ له برقم 7405، ومسلم 4/2061، برقم 2675، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.(1/4)
المبحث الثاني: أنواع الدعاء
النوع الأول: دعاء العبادة: وهو طلب الثواب بالأعمال الصالحة: كالنطق بالشهادتين والعمل بمقتضاهما، والصلاة، والصيام، والزكاة، والحج، والذبح لله، والنذر له، وبعض هذه العبادات تتضمن الدعاء بلسان المقال مع لسان الحال كالصلاة. فمن فعل هذه العبادات وغيرها من أنواع العبادات الفعلية فقد دعا ربه وطلبه بلسان الحال أن يغفر له، والخلاصة أنه يتعبد لله طلباً لثوابه وخوفاً من عقابه. وهذا النوع لا يصح لغير الله تعالى، ومن صرف شيئاً منه لغير الله فقد كفر كفراً أكبر مخرجاً من الملة، وعليه يقع قوله تعالى(1): {وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِين}(2). وقال تعالى: {قُلْ إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، لاَ شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَاْ أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ}(3).
النوع الثاني: دعاء المسألة: وهو دعاء الطلب: طلب ما ينفع الداعي من جلب نفع أو كشف ضر، وطلب الحاجات، ودعاء المسألة فيه تفصيل كالتالي:
إذا كان دعاء المسألة صدر من عبد لمثله من المخلوقين وهو قادر حي حاضر فليس بشرك. كقولك: اسقني ماءً، أو يا فلان أعطني طعاماً، أو نحو ذلك فهذا لا حرج فيه، ولهذا قال صلى الله عليه وسلم: "من سأل بالله فأعطوه، ومن استعاذ بالله فأعيذوه، ومن دعاكم فأجيبوه، ومن صنع إليكم معروفاً فكافئوه، فإن لم تجدوا ما تكافئونه فادعوا له حتى تروا أنكم قد كافأتموه"(4).
__________
(1) انظر: فتح المجيد ص 180 والقول المفيد على كتاب التوحيد للعلامة ابن عثيمين 1/117، وفتاوى ابن عثيمين 6/52.
(2) سورة غافر، الآية: 60.
(3) سورة الأنعام، الآيتان: 162، 163.
(4) أبو داود برقم 1672، والنسائي 5/82، وأحمد في المسند 2/68، 99، وانظر: التعليق المفيد على كتاب التوحيد لسماحة الشيخ العلامة ابن باز ص 91 وص 245.(1/5)
أن يدعو الداعي مخلوقاً ويطلب منه ما لا يقدر عليه إلا الله وحده، فهذا مشرك كافر سواء كان المدعو حيّاً أو ميتاً، أو حاضراً أو غائباً، كمن يقول: يا سيدي فلان اشف مريضي، رد غائبي، مدد مدد، أعطني ولداً، وهذا كفر أكبر مخرج من الملة، قال الله تعالى: {وَإِن يَمْسَسْكَ اللّهُ بِضُرٍّ فَلاَ كَاشِفَ لَهُ إِلاَّ هُوَ وَإِن يَمْسَسْكَ بِخَيْرٍ فَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدُير}(1). وقال سبحانه: {وَلاَ تَدْعُ مِن دُونِ اللَّهِ مَا لاَ يَنفَعُكَ وَلاَ يَضُرُّكَ فَإِن فَعَلْتَ فَإِنَّكَ إِذًا مِّنَ الظَّالِمِينَ، وَإِن يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلاَ كَاشِفَ لَهُ إِلاَّ هُوَ وَإِن يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلاَ رَآدَّ لِفَضْلِهِ يُصيبُ بِهِ مَن يَشَآءُ مِنْ عِبَادِهِ وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ}(2).
وقال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ عِبَادٌ أَمْثَالُكُمْ فَادْعُوهُمْ فَلْيَسْتَجِيبُواْ لَكُمْ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ}(3).
وقال سبحانه: {وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِهِ لاَ يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَكُمْ وَلآ أَنفُسَهُمْ يَنصُرُونَ}(4).
وقال تعالى: {وَمِنَ النَّاسِ مَن يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَى حَرْفٍ فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ انقَلَبَ عَلَى وَجْهِهِ خَسِرَ الدُّنْيَا وَالآخِرَةَ ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ، يَدْعُواْ مِن دُونِ اللَّهِ مَا لا يَضُرُّهُ وَمَا لا يَنفَعُهُ ذَلِكَ هُوَ الضَّلالُ الْبَعِيدُ، يَدْعُواْ لَمَن ضَرُّهُ أَقْرَبُ مِن نَّفْعِهِ لَبِئْسَ الْمَوْلَى وَلَبِئْسَ الْعَشِيرُ}(5).
__________
(1) سورة الأنعام، الآية: 17.
(2) سورة يونس، الآيتان: 106، 107.
(3) سورة الأعراف، الآية: 194.
(4) سورة الأعراف، الآية: 197.
(5) سورة الحج، الآيات: 11-13.(1/6)
وقال تعالى: {يَآ أَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُواْ لَهُ إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ لَن يَخْلُقُواْ ذُبَابًا وَلَوِ اجْتَمَعُواْ لَهُ وَإِن يَسْلُبْهُمُ الذُّبَابُ شَيْئًا لا يَسْتَنقِذُوهُ مِنْهُ ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ، مَا قَدَرُواْ اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ}(1).
وقال تبارك وتعالى: {مَثَلُ الَّذِينَ اتَّخَذُواْ مِن دُونِ اللَّهِ أَوْلِيَاءَ كَمَثَلِ الْعَنكَبُوتِ اتَّخَذَتْ بَيْتًا وَإِنَّ أَوْهَنَ الْبُيُوتِ لَبَيْتُ الْعَنكَبُوتِ لَوْ كَانُواْ يَعْلَمُونَ، إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا يَدْعُونَ مِن دُونِهِ مِن شَيْءٍ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ، وَتِلْكَ الأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ وَمَا يَعْقِلُهَآ إِلا الْعَالِمُونَ}(2).
وقال سبحانه: {قُلِ ادْعُواْ الَّذِينَ زَعَمْتُم مِّن دُونِ اللَّهِ لا يَمْلِكُونَ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلا فِي الأَرْضِ وَمَا لَهُمْ فِيهِمَا مِن شِرْكٍ وَمَا لَهُ مِنْهُم مِّن ظَهِيرٍ، وَلا تَنفَعُ الشَّفَاعَةُ عِندَهُ إِلا لِمَنْ أَذِنَ لَهُ حَتَّى إِذَا فُزِّعَ عَن قُلُوبِهِمْ قَالُواْ مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ قَالُواْ الْحَقَّ وَهُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ}(3).
قال عز وجل: {ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِهِ مَا يَمْلِكُونَ مِن قِطْمِيرٍ، إِن تَدْعُوهُمْ لا يَسْمَعُواْ دُعَاءَكُمْ وَلَوْ سَمِعُواْ مَا اسْتَجَابُواْ لَكُمْ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ وَلا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ}(4).
__________
(1) سورة الحج، الآيتان: 73-74.
(2) سورة العنكبوت، الآيات: 41-43.
(3) سورة سبأ، الآيتان: 22، 23.
(4) سورة فاطر، الآيتان: 13، 14.(1/7)
قال الله تعالى: {وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّن يَدْعُواْ مِن دُونِ اللَّهِ مَن لا يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلَى يَومِ الْقِيَامَةِ وَهُمْ عَن دُعَآئِهِمْ غَافِلُونَ، وَإِذَا حُشِرَ النَّاسُ كَانُواْ لَهُمْ أَعْدَآء وَكَانُواْ بِعِبَادَتِهِمْ كَافِرِينَ}(1). وكل من استغاث بغير الله أو دعا غير الله دعاء عبادة أو دعاء مسألة فيما لا يقدر عليه إلا الله فهو مشرك مرتد كما قال سبحانه: {لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُواْ إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ وَقَالَ الْمَسِيحُ يَا بَنِي إِسْرَآئِيلَ اعْبُدُواْ اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ إِنَّهُ مَن يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنصَارٍ}(2).
وقال تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَآءُ وَمَن يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلاَلاً بَعِيدًا}(3).
وقال تعالى: {فَلا تَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ فَتَكُونَ مِنَ الْمُعَذَّبِينَ}(4).
وقال عز وجل: {وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ، بَلِ اللَّهَ فَاعْبُدْ وَكُن مِّنَ الشَّاكِرِينَ}(5).
وقال سبحانه: {وَلَوْ أَشْرَكُواْ لَحَبِطَ عَنْهُم مَّا كَانُواْ يَعْمَلُونَ}(6).
الفرق بين الاستغاثة والدعاء:
الاستغاثة: طلب الغوث: وهو إزالة الشدة، كالاستنصار: طلب النصر، والاستغاثة: طلب العون.
__________
(1) سورة الأحقاف، الآيتان: 5، 6.
(2) سورة المائدة، الآية: 72.
(3) سورة النساء، الآية: 116، وفي آية 48 {فَقَدِ افْتَرَى إِثْمًا عَظِيمًا}.
(4) سورة الشعراء، الآية: 213.
(5) سورة الزمر، الآيتان: 65، 66.
(6) سورة الأنعام، الآية: 88.(1/8)
فالفرق بين الاستغاثة والدعاء: أن الاستغاثة لا تكون إلا من المكروب، والدعاء أعم من الاستغاثة، لأنه يكون من المكروب وغيره.
فإذا عُطِفَ على الدعاء الاستغاثة فهو من باب عطف العام على الخاص، فبينهما عموم وخصوص مطلق، يجتمعان في مادة، وينفرد الدعاء عنها في مادة، فكل استغاثة دعاء وليس كل دعاء استغاثة.
ودعاء المسألة متضمن لدعاء العبادة، ودعاء العبادة مستلزم لدعاء المسألة، ويراد بالدعاء في القرآن دعاء العبادة تارة، ودعاء المسألة تارة، ويراد به تارة مجموعهما(1).
الفصل الثاني: فضل الدعاء
جاء في فضل الدعاء آيات وأحاديث كثيرة منها:
1 ـ قال الله تعالى: {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُواْ لِي وَلْيُؤْمِنُواْ بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ}(2).
2 ـ وقال تعالى: {وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ}(3).
3 ـ وقال تعالى: {ادْعُواْ رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُعْتَدِين، وَلاَ تُفْسِدُواْ فِي الأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاَحِهَا وَادْعُوهُ خَوْفًا وَطَمَعًا إِنَّ رَحْمَتَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِّنَ الْمُحْسِنِينَ}(4).
4 ـ وقال تبارك وتعالى: { فَادْعُواْ اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ }(5).
5 ـ وقال عز وجل: {هُوَ الْحَيُّ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ فَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ}(6).
__________
(1) انظر: فتح المجيد ص 180.
(2) سورة البقرة، الآية: 186.
(3) سورة غافر، الآية: 60.
(4) سورة الأعراف، الآيتان: 55، 56.
(5) سورة غافر، الآية: 14.
(6) سورة غافر، الآية: 65.(1/9)
6 ـ وعن النعمان بن بشير رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ”الدُّعاءُ هوَ العبادةُ“. وقرأ: {وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ }(1).
7 ـ وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ”ليس شيءٌ أكرَمَ على الله تعالى من الدعاء“(2).
8 ـ وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم قال: ”منْ لم يَسألِ الله يَغْضَبْ عليهِ“(3).
وأنشد القائل:
لا تَسأَلنَّ بُنَيَّ آدم حاجةً
وسلِ الذي أبوابه لا تحجبُ
اللهُ يغضبُ إن تركت سؤاله
وبُنيَّ آدم حين يُسأل يغضبُ
9 ـ وعن أبي سعيد رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ”ما من مسلم يدعو الله بدعوةٍ ليس فيها إثمٌ ولا قطيعةُ رحم إلا أعطاه الله بها إحدى ثلاث: إما أن تعجل له دعوته، وإما أن يدخرها له في الآخرة، وإما أن يصرف عنه من السوء مثلها“. قالوا: إذاً نكثر. قال: ”الله أكثر“.
__________
(1) أبو داود 2/77، برقم 1479، والترمذي 5/211 برقم 2969، وابن ماجه 2/1258، والبغوي في شرح السنة5/184، وانظر: صحيح الجامع الصغير 3/150 برقم 3401، وصححه الشيخ محمد ناصر الدين الألباني في صحيح الترمذي 1/138.
(2) الترمذي 5/456، برقم 3373، وابن ماجه 2/1258، وأحمد 2/442، وحسن إسناده الألباني في صحيح الترمذي 3/138.
(3) أحمد في المسند 3/18، وفي الترمذي عن جابر بن عبد الله برقم 3381، وعن عبادة بن الصامت برقم 3573، وحسنهما الألباني في صحيح الترمذي 3/140، 181.(1/10)
10 ـ وعن سلمان الفارسي رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إنَّ ربَّكُم تبارك وتعالى حييُّ كَرِيمٌ يستَحي مِنْ عبدهِ إذا رفع يديه إليه أن يردَّهما صِفراً"(1).
والدعاء من أقوى الأسباب في دفع المكروه، وحصول المطلوب، وهو من أنفع الأدوية، وهو عدو البلاء، يدافعه ويعالجه،ويمنع نزوله،ويرفعه، أو يخففه إذا نزل،وهو سلاح المؤمن، وللدعاء مع البلاء ثلاث مقامات:
1- أن يكون الدعاء أقوى من البلاء فيدفعه.
2- أن يكون أضعف من البلاء فيقوى عليه البلاء فيصاب به العبد، ولكن يخففه وإن كان ضعيفاً.
3- أن يتقاوما ويمنع كل واحد منهما صاحبه(2).
وعن ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال: "الدعاء ينفع مما نزل ومما لم ينزل فعليكم عباد الله بالدعاء"(3).
وعن سلمان رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: "لا يردُّ القضاء إلا الدعاء، ولا يزيد في العُمرِ إلا البر"(4).
__________
(1) أبو داود 2/78 برقم 1488، والترمذي 5/557، وابن ماجه 2/1271، والبغوي في شرح السنة 5/185، وصححه الألباني في صحيح الترمذي 3/179 وصحيح ابن ماجه برقم 3865.
(2) الجواب الكافي للإمام ابن القيم ص22، 23، 24. نشر مكتبة دار التراث 1408هـ الطبعة الأولى، وطبع دار الكتاب العربي، ط2، 1407هـ ص25، وطبع دار الكتب العلمية ببيروت، ص4، وهي طبعة قديمة بدون تاريخ.
(3) الحاكم 1/493، وأحمد 5/234 وحسنه الألباني في صحيح الجامع 3/151 برقم 3402.
(4) الترمذي بلفظه برقم 2239، والحاكم بنحوه 1/493 من حديث ثوبان وصححه، ووافقه الذهبي، وحسنه الترمذي 2/225، لشاهده من حديث ثوبان عند الحاكم كما تقدم، وعند ابن ماجه برقم 4022، وأحمد 5/277.(1/11)
الفصل الثالث: شروط الدعاء وموانع الإجابة
"الأدعية والتعوذات بمنزلة السلاح، والسلاحُ بضاربه، لا بحده فقط، فمتى كان السلاحُ سلاحاً تامّاً لا آفة به، والساعدُ ساعداً قوياً، والمانعُ مفقوداً، حصلت به النكاية في العدو، ومتى تخلَّف واحدٌ من هذه الثلاثة تخلَّف التأثير، فإن كان الدعاءُ في نفسه غير صالح، أو الداعي لم يجمع بين قلبه ولسانه، أو كان ثَمَّ مانعٌ من الإجابة، لم يحصل التأثير"(1)، وإليك شروط الدعاء وموانع الإجابة في المبحثين الآتيين:
المبحث الأول: شروط الدعاء
الشرط: لغة العلامة، واصطلاحاً: ما يلزم من عدمه العدم ولا يلزم من وجوده وجود، ولا عدم لذاته(2).
من أعظم وأهم شروط قبول الدعاء ما يأتي:
الشرط الأول: الإخلاص: وهو تصفية الدعاء والعمل من كل ما يشوبه، وصرف ذلك كله لله وحده، لا شرك فيه، ولا رياء ولا سمعة، ولا طلباً للعرض الزائل، ولا تصنعاً وإنما يرجو العبد ثواب الله ويخشى عقابه، ويطمع في رضاه(3).
__________
(1) الجواب الكافي لمن سأل عن الدواء الشافي للإمام ابن القيم رحمه الله تعالى ص36 دار الكتاب العربي الطبعة الأولى 1407هـ.
(2) الفوائد الجلية في المباحث الفرضية لسماحة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز ص12 وعدة الباحث في أحكام التوارث للشيخ عبد العزيز الناصر الرشيد ص4.
(3) انظر: مقومات الداعية الناجح للمؤلف ص283.(1/12)
وقد أمر الله تعالى بالإخلاص في كتابه الكريم فقال تعالى: {قُلْ أَمَرَ رَبِّي بِالْقِسْطِ وَأَقِيمُواْ وُجُوهَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ كَمَا بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ}(1). وقال: {فَادْعُواْ اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ}(2). وقال تعالى: {أَلا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ وَالَّذِينَ اتَّخَذُواْ مِن دُونِهِ أَوْلِيَآءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلا لِيُقَرِّبُونَآ إِلَى اللَّهِ زُلْفَى إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فِي مَا هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي مَنْ هُوَ كَاذِبٌ كَفَّارٌ}(3). وقال سبحانه: {وَمَآ أُمِرُواْ إِلا لِيَعْبُدُواْ اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَآءَ}(4).
وعن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما قال: كنت خلف النبي صلّى الله عليه وسلّم فقال: ”يا غُلامُ إني أُعلِّمك كلمات: احفظ الله يحفظْكَ، احفظِ الله تجدْهُ تُجاهك، إذا سألت فاسأل الله، وإذا استعنت فاستعن بالله، واعلم أنَّ الأُمة لَوِ اجتمعت على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوكَ إلا بشيء قد كتبه الله لك، وإن اجتمعوا على أن يضروك بشيء لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك، رُفعتِ الأقلامُ وجفَّت الصُّحفُ“(5).
وسؤال الله تعالى: هو دعاؤه والرغبة إليه كما قال تعالى: {وَسْئَلُواْ اللَّهَ مِن فَضْلِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا}(6).
__________
(1) سورة الأعراف، الآية: 29.
(2) سورة غافر، الآية: 14.
(3) سورة الزمر، الآية: 3.
(4) سورة البينة، الآية: 5.
(5) أخرجه الترمذي 4/667 وقال: حديث حسن صحيح، وأحمد 1/293، وصححه الألباني في صحيح الترمذي 2/309.
(6) سورة النساء، الآية: 32.(1/13)
الشرط الثاني: المتابعة، وهي شرط في جميع العبادات، لقوله تعالى: {قُلْ إِنَّمَآ أَنَا بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَآ إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَمَن كَانَ يَرْجُواْ لِقَآءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحًا وَلا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا}(1). والعمل الصالح هو ما كان موافقاً لشرع الله تعالى ويُراد به وجه الله سبحانه. فلا بد أن يكون الدعاء والعمل خالصاً لله صواباً على شريعة رسول الله صلى الله عليه وسلم(2)، ولهذا قال الفضيل بن عياض في تفسير قوله تعالى: {تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ، الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ}(3). قال: هو أخلصه وأصوبه. قالوا: يا أبا علي ما أخلصه وأصوبه؟ فقال: ”إن العمل إذا كان خالصاً ولم يكن صواباً لم يقبل، وإذا كان صواباً ولم يكن خالصاً لم يقبل، حتى يكون خالصاً صواباً. والخالص أن يكون لله، والصواب أن يكون على السنة“(4). ثم قرأ قوله تعالى: {قُلْ إِنَّمَآ أَنَا بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَآ إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَمَن كَانَ يَرْجُو لِقَآءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحًا وَلا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا}(5). وقال تعالى: {وَمَنْ أَحْسَنُ دِينًا مِّمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ للَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ واتَّبَعَ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَاتَّخَذَ اللَّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلاً}(6) وقال تعالى: {وَمَن يُسْلِمْ وَجْهَهُ إِلَى اللَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى
__________
(1) سورة الكهف، الآية: 110.
(2) انظر: تفسير ابن كثير 3/109.
(3) سورة الملك، الآيتان: 1، 2.
(4) انظر: مدارج السالكين لابن القيم 2/89.
(5) سورة الكهف، الآية: 110.
(6) سورة النساء، الآية: 125.(1/14)
وَإِلَى اللَّهِ عَاقِبَةُ الأُمُورِ}(1).
فإسلامُ الوجه: إخلاصُ القصد والدعاء والعمل لله وحده، والإحسانُ فيه: متابعة رسول الله صلى الله عليه وسلم وسنته(2).
فيجب على المسلم أن يكون متبعاً للنبي صلى الله عليه وسلم في كل أعماله، لقوله تعالى: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُواْ اللَّهَ وَالْيَوْمَ الآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا}(3). وقال: {قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ}(4). وقال تعالى: {وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ}(5). وقال: {قُلْ أَطِيعُواْ اللَّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ فَإِن تَوَلَّواْ فَإِنَّمَا عَلَيْهِ مَا حُمِّلَ وَعَلَيْكُم مَّا حُمِّلْتُمْ وَإِن تُطِيعُوهُ تَهْتَدُواْ وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلاَّ الْبَلاغُ الْمُبِينُ}(6).
ولا شك أن العمل الذي لا يكون على شريعة النبي صلى الله عليه وسلم يكون باطلاً، لحديث عائشة رضي الله عنها عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ”من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو ردٌّ“.
الشرط الثالث: الثقة بالله تعالى واليقين بالإجابة(7):
__________
(1) سورة لقمان، الآية: 22.
(2) انظر: مدارج السالكين 2/90.
(3) سورة الأحزاب، الآية: 21.
(4) سورة آل عمران، الآية: 31.
(5) سورة الأعراف، الآية: 158.
(6) سورة النور، الآية: 54.
(7) انظر: جامع العلوم والحكم 2/407 ومجموع فتاوى ابن باز جمع الطيار 1/258.(1/15)
فمن أعظم الشروط لقبول الدعاء الثقة بالله تعالى، وأنه على كل شيء قدير، لأنه تعالى يقول للشيء كن فيكون، قال سبحانه: {إِنَّمَا قَوْلُنَا لِشَيْءٍ إِذَآ أَرَدْنَاهُ أَن نَّقُولَ لَهُ كُن فَيَكُونُ}(1). وقال سبحانه: {إِنَّمَآ أَمْرُهُ إِذَآ أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ}(2). ومما يزيد ثقة المسلم بربه تعالى أن يعلم أن جميع خزائن الخيرات والبركات عند الله تعالى، قال سبحانه: {وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلاَّ عِندَنَا خَزَآئِنُهُ وَمَا نُنَزِّلُهُ إِلاَّ بِقَدَرٍ مَّعْلُومٍ}(3).
__________
(1) سورة النحل، الآية: 4.
(2) سورة يس، الآية: 82.
(3) سورة الحجر، الآية: 21.(1/16)
وقال صلى الله عليه وسلم في الحديث القدسي الذي رواه عن ربه تبارك وتعالى: ”... يا عبادي لو أن أوَّلكم وآخركُم وإنسَكُم وجنَّكم قاموا في صعيدٍ واحدٍ فسألوني، فأعطيتُ كلَّ إنسانٍ مسألته، ما نقص ذلك مما عندي إلا كما يَنْقُصُ المِخْيَطُ إذا أُدخِلَ البَحْرَ“(1). وهذا يدل على كمال قدرته سبحانه وتعالى، وكمال ملكه، وأن ملكه وخزائنه لا تنفد ولا تنقص بالعطاء، ولو أعطى الأولين والآخرين: من الجن والإنس جميع ما سألوه في مقام واحد(2)، ولهذا قال صلى الله عليه وسلم: ”يدُ الله(3) ملأى لا يَغِضُها نَفَقةٌ سحّاءُ(4) الليلَ والنهارَ أرأيتُم ما أنفقَ مُذْ خلَقَ السماءَ(5) والأرض فإنه لم يغِضْ ما في يده وكان عرشُهُ على الماءِ وبيده(6) الميزان يخفض ويرفع“(7).
__________
(1) مسلم عن أبي ذر رضي الله عنه برقم 2577.
(2) جامع العلوم والحكم 2/48.
(3) في رواية مسلم: ”يمين الله ملأى“ رقم 993.
(4) سحَّاءُ: أي دائمة الصب تصب العطاء صبّاً ولا ينقصها العطاء الدائم في الليل والنهار، انظر: الفتح 13/395.
(5) في رواية للبخاري بالجمع للسموات والأرض برقم 7441.
(6) وفي رواية للبخاري ومسلم ”وبيده الأخرى“ رقم 7411، وفي مسلم 993، والترمذي برقم 3045.
(7) البخاري بلفظه عن أبي هريرة رضي الله عنه برقم 4684، ومسلم بنحوه برقم 993، والترمذي بلفظ: ”يمين الرحمن ملأى“ برقم 3045.(1/17)
فالمسلم إذا علم ذلك فعليه أن يدعو الله وهو موقن بالإجابة، لما تقدم، ولحديث أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ”ادعوا الله وأنتم موقنون بالإجابة...“(1) الحديث. ولهذا بين صلى الله عليه وسلم أن الله يستجيب دعاء المسلم الذي قام بالشروط وعمل بالآداب، وابتعد عن الموانع فقال: ”ما من مسلم يدعو الله بدعوة ليس فيها إثم ولا قطيعة رحم إلا أعطاه الله بها إحدى ثلاث“(2) الحديث.
الشرط الرابع: حضور القلب والخشوع والرغبة فيما عند الله من الثواب والرهبة مما عنده من العقاب، فقد أثنى الله تعالى على زكريا وأهل بيته فقال تعالى: {وَزَكَرِيَّا إِذْ نَادَى رَبَّهُ رَبِّ لا تَذَرْنِي فَرْدًا وَأَنتَ خَيْرُ الْوَارِثِينَ، فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَوَهَبْنَا لَهُ يَحْيَى وَأَصْلَحْنَا لَهُ زَوْجَهُ إِنَّهُمْ كَانُواْ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا وَكَانُواْ لَنَا خَاشِعِينَ}(3).
__________
(1) الترمذي 5/517 وحسنه الشيخ ناصر الدين الألباني، في الأحاديث الصحيحة برقم 594، وفي صحيح الترمذي برقم 2766، وأخرجه أحمد 2/177، والحاكم 1/493.
(2) أحمد في المسند 3/18، وفي الترمذي عن جابر بن عبد الله برقم 3381، وعن عبادة بن الصامت برقم 3573، وحسنهما الألباني في صحيح الترمذي 3/140، 181.
(3) سورة الأنبياء، الآيتان: 89، 90.(1/18)
فلا بد للمسلم في دعائه من أن يحضر قلبه، وهذا أعظم شروط قبول الدعاء كما قال الإمام ابن رجب رحمه الله تعالى(1)، وقد جاء في حديث أبي هريرة عند الإمام الترمذي: ”ادعوا الله وأنتم موقنون بالإجابة، واعلموا أن الله لا يستجيب دعاءً من قلب غافل لاهٍ“(2). وقد أمر الله تعالى بحضور القلب والخشوع في الذكر والدعاء، فقال سبحانه: {وَاذْكُر رَّبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعاً وَخِيفَةً وَدُونَ الْجَهْرِ مِنَ الْقَوْلِ بِالْغُدُوِّ وَالآصَالِ وَلاَ تَكُن مِّنَ الْغَافِلِينَ}(3).
الشرط الخامس: العزمُ والجَزم ُوالجِدُّ في الدعاء:
المسلم إذا سأل ربه فإنه يجزم ويعزم بالدعاء، ولهذا نهى صلى الله عليه وسلم عن الاستثناء في الدعاء، فعن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ”إذا دعا أحدكم فليعزم في الدعاء ولا يقلْ اللهم إن شئت فأعطني فإن الله لا مُسْتَكْرِهَ لهُ“(4). وفي رواية: ”فإن الله لا مُكْرِهَ له“(5).
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: ”لا يَقُولَنَّ أحدكم: اللهم اغفر لي إن شئت، اللهم ارحمني إن شئت، ولكن ليعزم المسألة وليُعظِّم الرغبة فإن الله لا يتعاظمُهُ شيءٌ إلا أعطاه“(6).
المبحث الثاني: موانع إجابة الدعاء
__________
(1) جامع العلوم والحكم 2/403.
(2) الترمذي برقم 3479، وله شاهد عند أحمد 2/177 من حديث عبد الله بن عمر ولكنه من طريق ابن لهيعة، والحديث حسنه الألباني في الأحاديث الصحيحة برقم 594، وفي صحيح سنن الترمذي برقم 2766.
(3) سورة الأعراف، الآية: 205.
(4) البخاري برقم 6338، ومسلم برقم 2678.
(5) والمراد باللفظين جميعاً أن الذي يحتاج إلى التعليق بالمشيئة هو الذي يحصل إكراهه على الشيء فيُخفف الأمر عليه حتى لا يشق عليه والله مُنزّهٌ عن ذلك فتح الباري 11/140 وشرح النووي 17/10.
(6) البخاري برقم 339، ومسلم واللفظ له برقم 2679.(1/19)
المانع: لغة: الحائل بين الشيئين، واصطلاحاً: ما يلزم من وجوده العدم ولا يلزم من عدمه وجود، ولا عدم لذاته، عكس الشرط(1).
ومن هذه الموانع ما يأتي:
المانع الأول: التوسع في الحرام: أكلاً، وشرباً، ولبساً، وتغذية(2).
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ”يا أيها الناس إن الله طيّبٌ لا يقبلُ إلا طيباً، وإن الله تعالى أمر المؤمنين بما أمر به المرسلين، فقال تعالى: {يَآ أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُواْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُواْ صَالِحًا إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ}(3). وقال: {يَآ أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُلُواْ مِن طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ}(4). ثم ذكر الرجل يطيل السفر أشعث أغبر يمد يديه إلى السماء: يا ربِّ! يا ربِّ! ومطعمُهُ حرامٌ، ومشربُهُ حرامٌ، وملبسُهُ حرامٌ، وغُذِيَ بالحرام فأنَّى يُستجاب لذلك“(5). وقد قيل كما ذكر ابن رجب رحمه الله تعالى في معنى هذا الحديث: إن الله لا يقبل من الأعمال إلا ما كان طيباً طاهراً من المفسدات كلها: كالرياء، والعجب، ولا من الأموال إلا ما كان طيباً حلالاً، فإن الطيب توصف به الأعمال، والأقوال، والاعتقادات(6) والمراد بهذا أن الرسل وأممهم مأمورون بالأكل من الطيبات والابتعاد عن الخبائث والمحرمات، ثم ذكر في آخر الحديث استبعاد قبول الدعاء مع التوسع في المحرمات: أكلاً، وشرباً، ولبساً، وتغذيةً. ولهذا كان الصحابة والصالحون يحرصون أشد الحرص على أن يأكلوا من الحلال ويبتعدوا عن الحرام، فعن عائشة رضي الله عنها قالت: ”كان لأبي بكر غلامٌ
__________
(1) الفوائد الجلية في المباحث الفرضية لسماحة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز ص12، وعدة الباحث في أحكام التوارث للشيخ عبد العزيز الناصر الرشيد ص7.
(2) جامع العلوم والحكم 1/277.
(3) سورة المؤمنون، الآية: 51.
(4) سورة البقرة، الآية: 172.
(5) مسلم برقم 1015.
(6) جامع العلوم والحكم 1/259.(1/20)
يُخرج له الخراجَ وكان أبو بكر يأكل من خراجه(1)، فجاء يوماً بشيء فأكله أبو بكر فقال له الغلام: أتدري ما هذا؟ فقال أبو بكر: وما هو؟ قال: كنتُ تكهَّنتُ لإنسانٍ في الجاهلية وما أُحسِنُ الكِهانةَ إلا أني خَدعتُهُ فأعطاني بذلك، فهذا الذي أكلتَ منه، فأدخل أبو بكر يده(2) فقاءَ كلَّ شيء في بطنه“(3). ورُوي في رواية لأبي نُعيم في الحلية وأحمد في الزهد ”فقيل له يرحمك الله كلُّ هذا من أجل هذه اللقمة؟ قال: لو لم تخرج إلا مع نفسي لأخرجتها، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ”كلُّ جسد نبت من سُحْتٍ فالنارُ أولى به“ فخشيت أن ينبت شيء من جسدي من هذه اللقمة(4).
ففي حديث الباب أن هذا الرجل الذي قد توسع في أكل الحرام قد أتى بأربعة أسباب من أسباب الإجابة:
__________
(1) أي يأتيه بما يكسبه والخراج ما يقرره السيد على عبده من مال يحضره له من كسبه. الفتح 7/154.
(2) فأدخل أبو بكر يده: أي أدخلها في حلقه.
(3) البخاري برقم 3842، مع الفتح 7/149.
(4) أخرجه أبو نعيم في الحلية 1/31، وأحمد في الزهد بمعناه ص164، وصححه الألباني في صحيح الجامع عن جابر عند أحمد والدارمي والحاكم. انظر: صحيح الجامع 4/172.(1/21)
الأول: إطالة السفر، والثاني: حصول التبذل في اللباس والهيئة، ولهذا قال صلى الله عليه وسلم: ”ربَّ أشْعَثَ(1) مدفوع بالأبواب لو أقسم على الله لأبره“(2). والثالث: يمد يديه إلى السماء ”إن الله حيي كريم يستحي من عبده إذا رفع إليه يديه أن يردهما صفراً خائبتين“(3). والرابع: الإلحاح على الله بتكرير ذكر ربوبيته وهو من أعظم ما يطلب به إجابة الدعاء ومع ذلك كله قال صلى الله عليه وسلم: ”فأنى يستجاب لذلك“ وهذا استفهام وقع على وجه التعجب والاستبعاد(4).
فعلى العبد المسلم التوبة إلى الله تعالى من جميع المعاصي والذنوب، ويرد المظالم إلى أهلها حتى يسلم من هذا المانع العظيم الذي يحول بينه وبين إجابة دعائه.
المانع الثاني: الاستعجال وترك الدعاء:
من الموانع التي تمنع إجابة الدعاء أن يستعجل الإنسان المسلم ويترك الدعاء، لتأخر الإجابة(5)، فقد جعل رسول الله صلى الله عليه وسلم هذا العمل مانعاً من موانع الإجابة حتى لا يقطع العبد رجاءه من إجابة دُعائه ولو طالت المدة، فإنه سبحانه يحب الملحين في الدعاء(6).
عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ”يُستجاب لأحدكم ما لم يعجلْ فيقول: قد دعوتُ فلم يُستجَبْ لي“(7).
__________
(1) الأشعث: الملبد الشعر المغبر غير مدهون ولا مرجل.
(2) مسلم برقم 2622.
(3) أبو داود 2/78 برقم 1488، والترمذي 5/557، وابن ماجه 2/1271، والبغوي في شرح السنة 5/185، وصححه الألباني في صحيح الترمذي 3/179 وصحيح ابن ماجه برقم 3865.
(4) جامع العلوم والحكم 1/269، 275 و1/269-275.
(5) جامع العلوم والحكم 2/403.
(6) جامع العلوم والحكم 2/403.
(7) البخاري برقم 6340، ومسلم برقم 2735.(1/22)
وعنه رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ”لا يزالُ يستجاب للعبد ما لم يدعُ بإثم أو قطيعةِ رحمٍ ما لم يستعجل“. قيل: يا رسول الله! ما الاستعجال؟ قال: ”يقول قد دعوتُ، وقد دعوتُ فلم أرَ يستجيبُ لي فيستحسر(1) عند ذلك ويدعُ الدعاءَ“(2).
فالعبد لا يستعجل في عدم إجابة الدعاء، لأن الله قد يؤخر الإجابة لأسباب: إما لعدم القيام بالشروط، أو الوقوع في الموانع، أو لأسباب أخرى تكون في صالح العبد وهو لا يدري، فعلى العبد إذا لم يستجب دعاؤه أن يراجع نفسه ويتوب إلى الله تعالى من جميع المعاصي، ويبشر بالخير العاجل والآجل، والله تعالى يقول: {وَلاَ تُفْسِدُواْ فِي الأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاَحِهَا وَادْعُوهُ خَوْفًا وَطَمَعًا إِنَّ رَحْمَتَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِّنَ الْمُحْسِنِينَ}(3). فما دام العبد يلحُّ في الدعاء ويطمعُ في الإجابة من غير قطع فهو قريب من الإجابة، ومن أدمن قرع الباب يوشك أن يفتح له(4).
وقد تُؤخرُ الإجابة لمدة طويلة كما أخر سبحانه إجابة يعقوب في رد ابنه يوسف إليه، وهو نبي كريم، وكما أخر إجابة نبيه أيوب عليه الصلاة والسلام في كشف الضر عنه، وقد يُعطى السائل خيراً مما يسأل، وقد يُصرف عنه من الشر أفضل مما سأل(5).
المانع الثالث: ارتكاب المعاصي والمحرمات:
قد يكون ارتكاب المحرمات الفعلية مانعاً من الإجابة(6)، ولهذا قال بعض السلف: لا تستبطئ الإجابة وقد سددت طريقها بالمعاصي، وأخذ هذا بعض الشعراء فقال:
نحنُ ندعو الإله في كلِّ كربٍ
ثمَّ ننساه عند كشف الكروبِ
__________
(1) ومعنى يستحسر: أي ينقطع عن الدعاء ومنه قوله تعالى: {لا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ وَلا يَسْتَحْسِرُونَ} أي لا ينقطعون عنها. انظر: شرح النووي، والفتح 11/141.
(2) مسلم 4/2096.
(3) سورة الأعراف، الآية: 56.
(4) جامع العلوم والحكم 2/404.
(5) انظر: مجموع فتاوى العلامة ابن باز 1/261 جمع الطيار.
(6) جامع العلوم والحكم 1/275.(1/23)
كيف نرجو إجابةً لدُعاءٍ
قد سددْنا طريقها بالذنوب(1)
ولا شك أن الغفلة والوقوع في الشهوات المحرمة من أسباب الحرمان من الخيرات. وقد قال تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ وَإِذَآ أَرَادَ اللَّهُ بِقَوْمٍ سُوءًا فَلاَ مَرَدَّ لَهُ وَمَا لَهُم مِّن دُونِهِ مِن وَالٍ}(2).
المانع الرابع: ترك الواجبات التي أوجبها الله:
كما أن فعل الطاعات يكون سبباً لاستجابة الدعاء فكذلك ترك الواجبات يكون مانعاً من موانع استجابة الدعاء(3)، ولهذا جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم هذا المعنى، فعن حذيفة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ”والذي نفسي بيده لتأْمُرُنَّ بالمعروفِ ولتنهوُنَّ عن المنكر، أو ليُوشِكَنَّ اللهُ أنْ يبعثَ عليكم عِقاباً منه ثمَّ تدعونَهُ فلا يُستجابُ لكم“(4).
المانع الخامس: الدعاء بإثم أو قطيعة رحم.
المانع السادس: الحكمة الربانية فيُعطى أفضل مما سأل:
__________
(1) جامع العلوم والحكم 1/377، وانظر: الحاكم 2/302 وسلسلة الأحاديث الصحيحة برقم 1805.
(2) سورة الرعد، الآية: 11.
(3) جامع العلوم والحكم 1/275.
(4) الترمذي 4/468 وحسنه برقم 2169، والبغوي في شرح السنة 14/345، وأحمد 5/388، وانظر: صحيح الجامع برقم 6947، 6/97، وفي الباب عن عائشة رضي الله عنها ترفعه: ”يا أيها الناس إن الله تبارك وتعالى يقول لكم: مروا بالمعروف وانهوا عن المنكر قبل أن تدعوني فلا أستجيب لكم، وتسألوني فلا أعطيكم، وتستنصروني فلا أنصركم“ أحمد 6/159. وانظر: المجمع 7/266.(1/24)
عن أبي سعيد رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ”ما من مسلم يدعو الله بدعوةٍ ليس فيها إثم ولا قطيعة رحم إلا أعطاه الله بها إحدى ثلاث: إما أن تُعجَّل له دعوته، وإما أن يدخرها له في الآخرة، وإما أن يصرف عنه من السوء مثلها“. قالوا: إذاً نكثِرَ. قال: ”الله أكثر“(1). فقد يظن الإنسان أنه لم يجب وقد أجيب بأكثر مما سأل أو صرف عنه من المصائب والأمراض أفضل مما سأل أو أخَّره له إلى يوم القيامة(2).
الفصل الرابع: آداب الدعاء وأماكن وأوقات الإجابة
المبحث الأول: آداب الدعاء
يبدأ بحمد الله، ويصلي على النبي صلى الله عليه وسلم ويختم بذلك.
عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: ”كلُّ دُعاءٍ محجوب حتَّى يُصلَّى على محمد صلى الله عليه وسلم وآل محمد“(3).
__________
(1) أحمد في المسند 3/18 وتقدم تخريجه ص20.
(2) انظر: مجموع فتاوى ابن باز 1/258-268 جمع الطيار.
(3) أخرجه الطبراني في الأوسط 4/448 مصورة الجامعة الإسلامية موقوفاً على علي رضي الله عنه. قال الهيثمي في مجمع الزوائد 10/160: رجاله ثقات، ووافقه الألباني في سلسلة الأحاديث الصحيحة 5/57، والحديث له شواهد كثيرة عن معاذ بن جبل مرفوعاً، وعن عبد الله بن بسر مرفوعاً، وعن أنس رضي الله عنه، وعن عمر قال: ”إن الدعاء موقوف بين السماء والأرض لا يصعد منه شيء حتى تصلي على نبيك صلّى الله عليه وسلّم“. الترمذي برقم 490 قال العلامة الألباني: وخلاصة القول: أن الحديث بمجموع هذه الطرق والشواهد لا ينزل عن مرتبة الحسن إن شاء الله تعالى على أقل الأحوال. انظر: الأحاديث الصحيحة 5/57، رقم 2035، وصحيح الجامع 4/73، وصحيح الترمذي 1/150.(1/25)
عن فضالة بن عبيد الله رضي الله عنه قال: سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلاً يدعو في صلاته لم يمجِّد الله تعالى، ولم يصلِّ على النبي صلى الله عليه وسلم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ”عجَّل هذا“ ثم دعاه فقال له أو لغيره: ”إذا صلى أحدكم فليبدأ بتحميد الله والثناء عليه، ثم يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم، ثم يدعو بعدُ بما شاء“(1). ورأى رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلاً آخر يصلي فمجَّد الله، وحمده، وصلى على النبي صلى الله عليه وسلم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ”أيها المصلي ادعُ تُجَبْ [وسَلْ تُعْطَ]“(2).
عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: كنت أصلي والنبي صلى الله عليه وسلم وأبو بكر وعمر معه فلما جلست بدأت بالثناء على الله، ثم الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، ثم دعوت لنفسي، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ”سَلْ تُعطَهْ، سَلْ تُعطَهْ“(3).
وقد ذكر الإمام ابن القيم رحمه الله تعالى أن للصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم عند الدعاء ثلاث مراتب:
المرتبة الأولى: أن يصلي عليه صلى الله عليه وسلم قبل الدعاء وبعد حمد الله تعالى.
المرتبة الثانية: أن يصلي عليه صلى الله عليه وسلم في أول الدعاء، وفي أوسطه، وفي آخره.
المرتبة الثالثة: أن يصلي عليه صلى الله عليه وسلم في أوله، وآخره، ويجعل حاجته متوسطة بينهما(4).
__________
(1) أبو داود 2/77 برقم 1481، والترمذي 5/516 برقم 3477، وصححه الألباني في صحيح أبي داود برقم 1314، وصحيح الترمذي برقم 2767.
(2) النسائي 3/44، والترمذي 5/516 برقم 3476، وما بين المعكوفين عند النسائي، وصححه الألباني في صحيح النسائي برقم 1217، وفي صحيح الترمذي برقم 2765.
(3) الترمذي 2/488، وقال حديث حسن صحيح، وحسنه الألباني في مشكاة المصابيح 1/294 برقم 931.
(4) انظر: جلاء الأفهام في فضل الصلاة والسلام على محمد خير الأنام صلّى الله عليه وسلّم ص375.(1/26)
الدعاء في الرخاء والشدة:
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ”منْ سَرَّهُ أنْ يستَجيبَ الله لهُ عِندَ الشَّدائدِ والكُرَبِ فلْيُكثِر الدُّعاءَ في الرَّخاءِ“(1).
والمعنى: من أحب أن يستجيب الله له عند الشدائد، وهي الحادثة الشاقة، والكُرَب: وهي الغم الذي يأخذ النفس، فليكثر الدعاء في حالة الصحة والفراغ والعافية، لأن من شيمة المؤمن أن يلجأ إلى الله تعالى ويكون دائم الصلة به، ويلتجئ إليه قبل الاضطرار(2). قال الله تعالى في يونس عليه الصلاة والسلام حينما دعاه فأنجاه واستجاب له: {فَلَوْلا أَنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ، لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ}(3).
لا يدعو على أهله، وماله، أو ولده، أو نفسه:
عن جابر رضي الله عنه في الرجل الذي لعن بعيره، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ”من هذا اللاعِنُ بعيرَهُ“؟ قال: أنا يا رسول الله! قال: ”انزل عنهُ فلا تصحبنا بملعونٍ، لا تدعوا على أنفسكم، ولا تدعوا على أولادكم، ولا تدعوا على أموالكم، لا توافقُوا من الله ساعةً يُسألُ فيها عطاءٌ فيستجيبُ لكم“(4).
4- يخفِضُ صوته في الدعاء بين المخافتة والجهر:
أ ـ قال الله تعالى: {ادْعُواْ رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ}(5).
ب ـ وقال سبحانه: {وَاذْكُر رَّبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعاً وَخِيفَةً وَدُونَ الْجَهْرِ مِنَ الْقَوْلِ بِالْغُدُوِّ وَالآصَالِ وَلاَ تَكُن مِّنَ الْغَافِلِينَ}(6).
__________
(1) أخرجه الترمذي 5/462، برقم 3382، والحاكم 1/544، وصححه ووافقه الذهبي، وحسنه الألباني في صحيح الترمذي 3/140، وانظر: الأحاديث الصحيحة برقم 593.
(2) انظر: تحفة الأحوذي 9/324.
(3) سورة الصافات، الآيتان: 143، 144.
(4) أخرجه مسلم 4/2304 برقم 3009.
(5) سورة الأعراف، الآية: 55.
(6) سورة الأعراف، الآية: 205.(1/27)
جـ ـ وعن أبي موسى رضي الله عنه قال: كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في سفر فجعل الناس يجهرون بالتكبير، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ”أيها الناس اربعوا على أنفسكم إنكم [لا تدعون] أصمَّ ولا غائباً، إنكم تدعون سميعاً قريباً، وهو معكم“(1). والمعنى وهو معكم بعلمه واطلاعه، لأن المعية معيتان: معية عامة ومعية خاصة، فالعامة: معية العلم والاطلاع وهو مستوٍ على عرشه، كما يليق بجلاله، ويعلم ما في نفوس عباده لا تخفى عليه خافية.
والمعية الخاصة: معية النصر، والتأييد والتوفيق، والإلهام لعباده المؤمنين.
5 ـ يتضرع إلى الله في دعائه:
الضراعة: الذل والخضوع والابتهال، يقال: ضَرَعَ، يَضْرَعُ ضراعةً: خضع وذلَّ واستكان وتضرع إلى الله: ابتهل(2).
أ ـ قال الله تعالى: {فَأَخَذْنَاهُمْ بِالْبَأْسَآءِ وَالضَّرَّآءِ لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ، فَلَوْلا إِذْ جَآءَهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُواْ وَلَكِن قَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ}(3).
ب ـ وقال سبحانه: {قُلْ مَن يُنَجِّيكُم مِّن ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ تَدْعُونَهُ تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً لَّئِنْ أَنجَانَا مِنْ هَذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ}(4).
جـ ـ وقال تعالى: {وَاذْكُر رَّبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعاً وَخِيفَةً}(5).
6 ـ يلحُّ على ربه في دعائه:
__________
(1) البخاري برقم 4205 ومسلم بلفظه برقم 2704 إلا ما بين المعكوفين لفظ البخاري.
(2) انظر: المصباح المنير ص361، والقاموس المحيط ص958، والمعجم الوسيط ص538، ومفردات ألفاظ غريب القرآن للأصفهاني ص506.
(3) سورة الأنعام، الآيتان: 42، 43.
(4) سورة الأنعام، الآية: 63.
(5) سورة الأعراف، الآية: 205.(1/28)
الإلحاح: الإقبال على الشيء ولزوم المواظبة عليه، يقال: ألحَّ السحابُ: دام مطره، وألحَّت الناقة: لزمت مكانها، وألحَّ الجمل: لزم مكانه وحَرَن، وألحَّ فلان على الشيء: واظب عليه، وأقبل عليه(1). وعن أنس رضي الله عنه يرفعه: ”ألظُّواْ بياذا الجلالِ والإكرام“(2).
فالعبد يكثر من الدعاء، ويكرره، ويلحُّ على الله بتكرير ربوبيته وإلهيته، وأسمائه وصفاته، وذلك من أعظم ما يطلب به إجابة الدعاء، كما ذكر صلى الله عليه وسلم(3): ”الرجل يطيل السفر أشعث أغبر يمد يديه إلى السماء يا ربِّ يا ربِّ“. الحديث(4). وهذا يدل على الإلحاح في الدعاء، ولهذا قال صلى الله عليه وسلم: ”يستجاب لأحدكم ما لم يعجل، فيقول: قد دعوت فلم يستجب لي“(5).
7 ـ يتوسل إلى الله تعالى بأنواع التوسل المشروعة:
والوسيلة لغة: القربة، والطاعة، وما يتوصل به إلى الشيء ويتقرب به إليه. يقال: وسَّل فلان إلى الله تعالى توسيلاً: عمل عملاً تقرب به إليه. ويقال: وسَلَ فلان إلى الله تعالى بالعمل يَسِلُ وَسْلاً وتوسُّلاً وتوسيلاً: رغب وتقرب إليه. أي: عمل عملاً تقرب به إليه(6).
__________
(1) انظر: النهاية في غريب الحديث لابن الأثير 4/236، والمصباح المنير ص550، والقاموس المحيط ص306.
(2) الترمذي برقم 3773-3775 وصححه الألباني في صحيح الترمذي 3/172.
(3) انظر: جامع العلوم والحكم لابن رجب 1/269-275.
(4) مسلم برقم 1015.
(5) البخاري مع الفتح 11/140، ومسلم 4/2095.
(6) انظر: النهاية في غريب الحديث لابن الأثير 5/185، والقاموس المحيط ص1379، والمصباح المنير ص660.(1/29)
قال الراغب الأصفهاني: الوسيلة: التوصل إلى الشيء برغبة، وهي أخص من الوصيلة لتضمُّنها معنى الرغبة، قال تعالى: {وَابْتَغُواْ إِلَيهِ الْوَسِيلَةَ}(1). وحقيقة الوسيلة إلى الله تعالى مراعاة سبيله بالعلم، والعبادة، وتحري مكارم الشريعة.وهي كالقربة، والواسِلُ: الراغب إلى الله تعالى(2).
ومعنى قوله تعالى: {وَابْتَغُواْ إِلَيهِ الْوَسِيلَةَ} أي تقربوا إليه بطاعته والعمل بما يرضيه(3).
النوع الأول: التوسل في الدعاء باسم من أسماء الله تعالى أو صفة من صفاته، كأن يقول الداعي قي دعائه: اللهم إني أسألك بأنك أنت الرحمن الرحيم، اللطيف الخبير، أن تعافيني، أو يقول: أسألك برحمتك التي وسعت كل شيء أن ترحمني وتغفر لي، ولهذا قال تعالى: {وَلِلَّهِ الأَسْمَآءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا}(4). ومن دعاء سليمان عليه الصلاة والسلام ما قال الله تعالى: {وَقَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ}(5).
__________
(1) سورة المائدة، الآية: 35.
(2) مفردات غريب ألفاظ القرآن ص871.
(3) تفسير ابن كثير 2/53، وانظر: قاعدة جليلة في التوسل والوسيلة لشيخ الإسلام ابن تيمية، ص5-160. والتوسل أنواعه وأحكامه للشيخ الألباني، ص8-156.
(4) سورة الأعراف، الآية: 180.
(5) سورة النمل، الآية: 19.(1/30)
وعن عبد الله بن بريدة عن أبيه أن رسول صلى الله عليه وسلم سمع رجلاً يقول: ”اللهم إني أسألك بأني أشهد أنك أنت الله لا إله إلا أنت، الأحد الصمد الذي لم يلد ولم يولد، ولم يكن له كفواً أحد“ قال فقال: ”والذي نفسي بيده لقد سأل الله باسمه الأعظم الذي إذا دُعي به أجاب، وإذا سُئل به أعطى“(1). وفي رواية: ”لقد سألت الله عز وجل باسمه الأعظم“.
وعن أنس بن مالك رضي الله عنه أنه كان مع رسول الله صلى الله عليه وسلم جالساً ورجل يصلي ثم دعا ”اللهم إني أسألك بأن لك الحمد لا إله إلا أنت المنان، بديع السماوات والأرض، يا ذا الجلال والإكرام، يا حي يا قيوم“. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ”لقد دعا الله باسمه العظيم الذي إذا دُعي به أجاب وإذا سُئل به أعطى“(2).
وعن محجن بن الأدرع أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل المسجد فإذا هو برجل قد قضى صلاته وهو يتشهد، وهو يقول: ”اللهم إني أسألك يا الله الواحد الأحد الصمد الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفواً أحد، أن تغفر لي ذنوبي إنك أنت الغفور الرحيم“. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ”قد غفر له، قد غفر له، قد غفر له“ ثلاث مرات(3).
__________
(1) أبو داود 2/79، والترمذي 5/515، وأحمد 5/260، وابن ماجه 2/1267، والحاكم 1/604، وقال: صحيح على شرط الشيخين، ووافقه الذهبي، وابن حبان وصححه الألباني في صحيح الترمذي 3/163.
(2) أبو داود بلفظه 2/80 وابن ماجه 2/1268 والترمذي 5/550 وأحمد 3/120، والنسائي 3/52 وصححه ابن حبان برقم 2382 (موارد) والحاكم 1/503 ووافقه الذهبي وهو كما قالا، وصححه الألباني في صحيح النسائي 1/279.
(3) أحمد 4/338 والنسائي 3/52 وأبو داود، وصححه الألباني في صحيح النسائي 1/280، وصحيح أبي داود 1/185.(1/31)
وعن سعد قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ”دعوة ذي النون إذ دعا وهو في بطن الحوت: لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين، فإنه لم يدع بها رجل مسلم في شيء قط إلا استجاب الله له“(1).
النوع الثاني: التوسل إلى الله تعالى بعملٍ صالح قام به الداعي، كأن يقول المسلم: اللهم بإيماني بك، أو محبتي لك، أو اتباعي لرسولك أن تغفر لي.
أو يقول: اللهم إني أسألك بمحبتي لمحمد صلى الله عليه وسلم، وإيماني به أن تفرج عني. ومن ذلك أن يذكر الداعي عملاً صالحاً ذا بال، فيه خوفه من الله سبحانه، وتقواه إياه، وإيثاره رضاه على كل شيء، وطاعته له جل شأنه، ثم يتوسل به إلى الله في دعائه، ليكون أرجى لقبوله وإجابته.
ويدل على مشروعية ذلك قوله تعالى: {الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَآ إِنَّنَا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ}(2).
وقوله تعالى: {رَبَّنَآ آمَنَّا بِمَآ أَنزَلَتْ وَاتَّبَعْنَا الرَّسُولَ فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ}(3).
ومن ذلك ما تضمنته قصة أصحاب الغار فإن كلاً منهم ذكر عملاً صالحاً تقرب به إلى الله ابتغاء وجهه سبحانه، فتوسل بعمله الصالح فاستجاب الله له(4).
النوع الثالث: التوسل إلى الله تعالى بدعاء الرجل الصالح الحي الحاضر:
__________
(1) الترمذي 5/529، وأحمد 1/170، والحاكم وصححه ووافقه الذهبي 1/505، قال الأرنؤوط في تخريجه للكلم ص86 وهو كما قالا وحسنه ابن حجر، وصححه الألباني في صحيح الترمذي 3/168.
(2) سورة آل عمران، الآية: 16.
(3) سورة آل عمران، الآية: 53.
(4) أخرجه البخاري 4/37 ومسلم 4/3099.(1/32)
كأن يقع المسلم في ضيق شديد، أو تحل به مصيبة كبيرة، ويعلم من نفسه التفريط في جنب الله تبارك وتعالى، فيحب أن يأخذ بسبب قوي إلى الله تعالى، فيذهب إلى رجل يعتقد فيه الصلاح، والتقوى، أو الفضل والعلم بالكتاب والسنة فيطلب منه أن يدعو له ربه، ليفرج عنه كربه، ويزيل عنه همه. ومن ذلك ما رواه أنس بن مالك رضي الله عنه قال: أصابت الناس سَنَةٌ على عهد النبي صلى الله عليه وسلم، فبينما النبي صلى الله عليه وسلم يخطب في يوم الجمعة قام أعرابي فقال: يا رسول الله! هلك المال وجاع العيال فادع الله لنا. فرفع يديه ثم قال: ”اللهم أغثنا، اللهم أغثنا، اللهم أغثنا“ وما نرى في السماء قَزَعةً، فوالذي نفسي بيده ما وضعها حتى ثار السحاب أمثال الجبال، ثم لم ينزل من منبره حتى رأيت المطر يتحادر عن لحيته صلى الله عليه وسلم، فمطرنا يومنا ذلك، ومن الغد، وبعد الغد، والذي يليه، حتى الجمعة الأخرى، وقام ذلك الأعرابي أو قال غيره فقال: يا رسول الله، تهدم البناء، وغرق المال، فادع الله لنا، فرفع يديه فقال: ”اللهم حوالينا ولا علينا“ فما يشير بيده إلى ناحية من السحاب إلا انفرجت وصارت المدينة مثل الجوبة، وسال الوادي قناة شهراً ولم يجيء أحد من ناحية إلا حدَّث بالجود“(1).
ومن ذلك سؤال أبي هريرة رضي الله عنه للنبي صلى الله عليه وسلم أن يدعو لأمه بالهداية إلى الإسلام، فدعا لها صلى الله عليه وسلم فهداها الله تعالى(2).
ومن ذلك أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه كان يطلب من العباس عم النبي صلى الله عليه وسلم أن يدعو لهم الله عز وجل أن يغيثهم فيغيثهم سبحانه(3).
__________
(1) أخرجه البخاري 1/224، ومسلم 2/612 برقم 897.
(2) مسلم 4/1939 ويأتي تخريجه في ص107.
(3) انظر: البخاري مع الفتح 2/494 كتاب الاستسقاء باب سؤال الناس الإمام الاستسقاء إذا قحطوا. حديث رقم 1008.(1/33)
ومن ذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم لعمر رضي الله عنه: ”يأتي عليكم أويس بن عامر مع أمداد أهل اليمن من مراد ثم من قرن، كان به برص فبرأ منه إلا موضع درهم، له والدة هو بها بر، لو أقسم على الله لأبره، فإن استطعت أن يستغفر لك فافعل“(1).
8 ـ الاعتراف بالذنب والنعمة حال الدعاء:
عن شداد بن أوس رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: سيد الاستغفار أن تقول: ”اللهم أنت ربي، لا إله إلا أنت، خلقتني وأنا عبدك، وأنا على عهدك ووعدك ما استطعت. أعوذ بك من شر ما صنعت، أبوء لك بنعمتك علي، وأبوء بذنبي، فاغفر لي فإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت“. قال: ”ومن قالها من النهار موقناً بها فمات من يومه قبل أن يمسي فهو من أهل الجنة، ومن قالها من الليل وهو موقن بها فمات قبل أن يصبح، فهو من أهل الجنة“(2).
9 ـ عدم تكلف السجع في الدعاء:
عن ابن عباس قال: حدث الناس كل جمعة مرة، فإن أبيت فمرتين، فإن أبيت فثلاث مرار، ولا تمل الناس هذا القرآن، ولا ألفينك تأتي القوم وهم في حديث من حديثهم فتقص عليهم فتقطع عليهم حديثهم فتملهم، ولكن أنصت فإذا أمروك فحدثهم وهم يشتهونه، فانظر السجع من الدعاء فاجتنبه، فإني عهدت رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه لا يفعلون إلا ذلك – يعني لا يفعلون إلا ذلك الاجتناب –(3).
10 ـ الدعاء ثلاثاً:
__________
(1) أخرجه مسلم 4/1968، برقم 2542.
(2) البخاري 7/144 و150 برقم 6306 والترمذي 5/467، والنسائي 8/279، في الاستعاذة باب الاستعاذة من شر ما صنع وأحمد 4/122.
(3) البخاري 7/197، برقم 6337.(1/34)
عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي عند البيت، وأبو جهل وأصحابٌ له جلوس. إذ قال بعضهم لبعض: أيكم يجيء بسلا جزور بني فلان فيضعه على ظهر محمد إذا سجد، فانبعث أشقى القوم فجاء به، فنظر حتى إذا سجد النبي صلى الله عليه وسلم وضعه على ظهره بين كتفيه، وأنا أنظر لا أغني شيئاً لو كان لي منعة. قال: فجعلوا يضحكون ويميل بعضهم على بعض، ورسول الله صلى الله عليه وسلم ساجد لا يرفع رأسه، حتى جاءته فاطمة فطرحته عن ظهره، فرفع رأسه ثم قال: ”اللهم عليك بقريش“ ثلاث مرات. فشق عليهم إذ دعا عليهم قال: وكانوا يرون أن الدعوة في ذلك البلد مستجابة ثم سمى: ”اللهم عليك بأبي جهل، وعليك بعتبة بن ربيعة، وشيبة بن ربيعة، والوليد بن عتبة، وأمية بن خلف، وعقبة بن أبي معيط“. وعد السابع فلم نحفظه قال: فوالذي نفسي بيده لقد رأيت الذين عَدّ رسول الله صلى الله عليه وسلم صرعى في القليب. قليب بدر(1).
11 ـ استقبال القبلة:
عن عبد الله بن زيد قال: خرج النبي صلى الله عليه وسلم إلى هذا المصلى يستسقي فدعا واستسقى، ثم استقبل القبلة وقلب رداءه(2).
12 ـ رفع الأيدي في الدعاء:
قال أبو موسى الأشعري رضي الله عنه: دعا النبي صلى الله عليه وسلم ثم رفع يديه، ورأيت بياض إبطيه(3).
وقال ابن عمر رفع النبي صلى الله عليه وسلم يديه وقال: ”اللهم إني أبرأ إليك مما صنع خالد“(4).
__________
(1) أخرجه البخاري 1/74 في كتاب الوضوء باب إذا ألقي على ظهر المصلي جيفة لم تفسد صلاته برقم 240، ومسلم 3/1418 كتاب الجهاد والسير باب ما لقي النبي صلّى الله عليه وسلّم من أذى المشركين والمنافقين حديث رقم 1794.
(2) أخرجه البخاري بلفظ 7/99، برقم 6343 في كتاب الدعوات باب الدعاء مستقبل القبلة.
(3) البخاري 7/198 كتاب الدعوات باب رفع الأيدي في الدعاء قبل رقم 6341.
(4) البخاري 7/198 كتاب الدعوات باب رفع الأيدي في الدعاء قبل رقم 6341.(1/35)
وعن أنس أن النبي صلّى الله عليه وسلّم رفع يديه حتى رأيت بياض إبطيه(1).
وعن سلمان رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ”إن ربكم تبارك وتعالى حييٌّ كريم، يستحي من عبده إذا رفع يديه إليه أن يردهما صفراً“(2).
13 ـ الوضوء قبل الدعاء إن تيسر(3):
__________
(1) البخاري 7/198 كتاب الدعوات باب رفع الأيدي في الدعاء قبل رقم 6341.
(2) أبو داود 2/78 والترمذي 5/557 وغيرهما وقال ابن حجر سنده جيد، وصححه الألباني في صحيح الترمذي 3/179.
(3) الوضوء قبل الدعاء مستحب. وقد كان النبي صلّى الله عليه وسلّم يذكر الله على كل أحيانه وعلى هذا فالدعاء جائز للجنب، لكنه لا يقرأ شيئاً من القرآن حتى يغتسل.(1/36)
عن أبي موسى رضي الله عنه قال: لما فرغ النبي صلى الله عليه وسلم من حنين بعث أبا عامر على جيش إلى أوطاس، فلقي دريد بن الصمة فقتل دريد وهزم الله أصحابه. قال أبو موسى: وبعثني مع أبي عامر فرُمِيَ أبو عامر في ركبته. رماه جشميٌّ بسهم فأثبته في ركبته فانتهيت إليه، فقلت: يا عم من رماك؟ فأشار إلى أبي موسى فقال: ذاك قاتلي الذي رماني، فقصدت له فلحقته، فلما رآني ولَّى فاتبعته وجعلت أقول له: ألا تستحي ألا تثبت فكف. فاختلفنا ضربتين بالسيف فقتلته، ثم قلت لأبي عامر: قتل الله صاحبك قال: فانزع هذا السهم فنزعته فنزا منه الماء فقال: يا ابن أخي ! انطلِقْ إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأقرئهُ منِّي السلام، وقل له: يقول لك أبو عامر: استغفر لي. قال: واستعملني أبو عامر على الناس فمكث يسيراً ثم مات، فرجعت فدخلت على النبي صلى الله عليه وسلم في بيته على سرير مُرْمَلٍ وعليه فراش قد أثر رمال السرير في ظهره وجنبه. فأخبرته بخبرنا وخبر أبي عامر وقلت له: قال: قل له: استغفر لي، فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم بماءٍ فتوضأ منه ثم رفع يديه فقال: ”اللهم اغفر لعبيد أبي عامر“ ورأيت بياض إبطيه ثم قال: ”اللهم اجعله يوم القيامة فوق كثير من خلقك، أو من الناس“. فقلت: ولي يا رسول الله، فاستغفر، فقال: ”اللهم اغفر لعبد الله ابن قيس ذنبه وأدخله يوم القيامة مُدْخَلاً كريماً“(1).
14 ـ البكاء في الدعاء من خشية الله تعالى:
__________
(1) أخرجه البخاري 5/101 ومسلم 4/1943، وانظر: الفتح فهناك فوائد 8/42.(1/37)
عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم تلا قول الله عز وجل في إبراهيم: {رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيرًا مِّنَ النَّاسِ فَمَن تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي}(1). وقول عيسى: {إِن تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِن تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ}(2). فرفع يديه وقال: ”اللهم أمتي أمتي وبكى“ فقال الله عز وجل: ”يا جبريل اذهب إلى محمد – وربك أعلم – فسله ما يبكيك؟ فأتاه جبريل عليه الصلاة والسلام فسأله، فأخبره رسول الله صلى الله عليه وسلم بما قال. وهو أعلم، فقال الله: يا جبريل اذهب إلى محمد فقل: إنا سنرضيك في أمتك ولا نسوءُك“(3).
15 ـ إظهار الافتقار إلى الله تعالى، والشكوى إليه:
قال الله تعالى: {وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ}(4).
ومن ذلك دعاء زكريا: {رَبِّ لا تَذَرْنِي فَرْدًا وَأَنتَ خَيْرُ الْوَارِثِينَ}(5).
ودعاء إبراهيم عليه الصلاة والسلام: {رَّبَّنَآ إِنِّي أَسْكَنتُ مِن ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِندَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُواْ الصَّلاَةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِّنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُم مِّنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ}(6).
16 ـ يبدأ الداعي بنفسه إذا دعا لغيره:
__________
(1) سورة إبراهيم، الآية: 36.
(2) سورة المائدة، الآية: 118.
(3) مسلم 1/191 كتاب الإيمان باب دعاء النبي صلّى الله عليه وسلّم لأمته وبكائه شفقة عليهم.
(4) سورة الأنبياء، الآية: 83.
(5) سورة الأنبياء، الآية: 89.
(6) سورة إبراهيم، الآية: 37.(1/38)
عن أُبيّ بن كعب رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا ذكر أحداً فدعا له بدأ بنفسه(1). وثبت أنه صلى الله عليه وسلم لم يبدأ بنفسه، كدعائه لأنس، وابن عباس، وأمِّ إسماعيل رضي الله عنهم(2).
17 ـ لا يعتدي في الدعاء:
عن ابن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه قال: سمعني أبي وأنا أقول: اللهم إني أسألك الجنة ونعيمها، وبهجتها، وكذا وكذا، وأعوذ بك من النار وسلاسلها وأغلالها، وكذا وكذا فقال: يا بني: إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ”سيكون قوم يعتدون في الدعاء“ فإياك أن تكون منهم، إن أُعطيت الجنة أُعطيتها وما فيها، وإن أُعذت من النار أُعذت منها وما فيها من الشر(3).
وعن أبي نعامة أن عبد الله بن مغفل سمع ابنه يقول: اللهم إني أسألك القصر الأبيض عن يمين الجنة إذا دخلتها، فقال: أي بني: سل الله الجنة، وتعوذ به من النار فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ”سيكون في هذه الأمة قوم يعتدون في الطهور والدعاء“(4).
18 ـ التوبة ورد المظالم:
__________
(1) أخرجه الترمذي 5/463 وقال: حديث حسن غريب صحيح. وحسنه الشيخ عبد القادر الأرناؤوط في تخريجه لجامع الأصول 4/175.
(2) انظر: شرح النووي على صحيح مسلم 15/144 وفتح الباري 1/218، وتحفة الأحوذي شرح سنن الترمذي 9/328.
(3) أبو داود 2/77 وصحيح الجامع 3/218 برقم 3565 وحسنه الألباني في صحيح أبي داود 1/277.
(4) أبو داود 1/24 وصححه الألباني في صحيح أبي داود 1/21 وإرواء الغليل 1/171 برقم 140، وأخرجه أحمد 4/87.(1/39)
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ”أيها الناس إن الله طيّب لا يقبل إلا طيّباً، وإن الله أمر المؤمنين بما أمر به المرسلين فقال: {يَآ أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُواْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُواْ صَالِحًا إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ}(1). وقال: {يَآ أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُلُواْ مِن طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ}(2) ثم ذكر الرجل يطيل السفر أشعث أغبر، يمد يديه إلى السماء يا رب، يا رب، ومطعمه حرام، ومشربه حرام، وملبسه حرام، وغُذِيَ بالحرام فأنَّى يُستجابُ لذلك“(3).
19 ـ يدعو لوالديه مع نفسه:
قال الله تعالى: {وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُل رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا}(4). وقال تعالى عن إبراهيم عليه الصلاة والسلام: {رَبَّنَا اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِلْمُؤْمِنِينَ يَوْمَ يَقُومُ الْحِسَابُ}(5).
وقال تعالى إخباراً عن نوح عليه الصلاة والسلام: {رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِمَن دَخَلَ بَيْتِيَ مُؤْمِنًا وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَلا تَزِدِ الظَّالِمِينَ إِلاَّ تَبَارًا}(6).
20 ـ يدعو للمؤمنين والمؤمنات مع نفسه:
قال الله تعالى: {وَاسْتَغْفِرْ لِذَنبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ}(7).
21 ـ لا يسأل إلا الله وحده:
__________
(1) سورة المؤمنون، الآية: 51.
(2) سورة البقرة، الآية: 172.
(3) مسلم 4/703.
(4) سورة الإسراء، الآية: 24.
(5) سورة إبراهيم، الآية: 41.
(6) سورة نوح، الآية: 28.
(7) سورة محمد، الآية: 19.(1/40)
عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: كنت خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: ”يا غلام إني أعلمك كلمات: احفظ الله يحفظك، احفظ الله تجده تجاهك، إذا سألت فاسأل الله، وإذا استعنت فاستعن بالله، واعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك، وإن اجتمعوا على أن يضروك بشيء لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك، رفعت الأقلام وجفت الصحف“(1).
المبحث الثاني: أوقات وأحوال وأوضاع الإجابة
1 ـ ليلة القدر:
قال الله تعالى: {إِنَّآ أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ، وَمَآ أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ، لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِّنْ أَلْفِ شَهْرٍ، تَنَزَّلُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِم مِّن كُلِّ أَمْرٍ، سَلامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ}(2).
وعن عائشة رضي الله عنها قالت: قلت: يا رسول الله! أرأيت إن علمت أي ليلةٍ ليلةَ القدر. ما أقول فيها ؟ قال: ”قولي: اللهم إنك عفو كريم تحب العفو فاعف عني“(3).
2 ـ دبر الصلوات المكتوبات:
عن أبي أمامة الباهلي رضي الله عنه قال: قيل يا رسول الله! أي الدعاء أسمع ؟ قال: ”جوف الليل الآخر، ودبر الصلوات المكتوبات“(4).
3 ـ جوف الليل الآخر:
__________
(1) أخرجه الترمذي 4/667، وقال: حسن صحيح، وأحمد 1/293، وصححه الألباني في صحيح الترمذي 2/309.
(2) سورة القدر، الآيات: 1-5.
(3) الترمذي 5/534 وصححه، وابن ماجه 2/1265 وأحمد 6/182 وصححه الألباني في صحيح الترمذي 3/170، وصحيح ابن ماجه 2/328، وانظر: مشكاة المصابيح بتحقق الشيخ الألباني 1/648.
(4) الترمذي 5/526 برقم 3499 وحسنه وله شواهد انظرها في جامع الأصول 4/143، وحسنه الألباني في صحيح سنن الترمذي 3/168.(1/41)
وعن عمرو بن عبسة رضي الله عنه أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ”أقرب ما يكون الرب من العبد في جوف الليل الآخر، فإن استطعت أن تكون ممن يذكر الله في تلك الساعة فكن“(1).
وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ”ينزل ربنا تبارك وتعالى كل ليلة إلى السماء الدنيا، حين يبقى ثلث الليل الآخر فيقول: من يدعوني فأستجيب له، من يسألني فأعطيه، من يستغفرني فأغفر له“(2).
وعن عثمان بن أبي العاص عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ”تفتح أبواب السماء نصف الليل فينادي مناد: هل من داعٍ فيستجاب له، هل من سائل فَيُعطى، هل من مكروب فَيُفَرج عنه، فلا يبقى مسلم يدعو بدعوة إلا استجاب الله تعالى له، إلا زانية تسعى بفرجها، أو عشاراً“(3).
وقد مدح الله المستغفرين بالأسحار فقال سبحانه وتعالى: {كَانُواْ قَلِيلاً مِّنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ، وَبِالأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ}(4).
4 ـ بين الأذان والإقامة:
__________
(1) الترمذي 5/569 برقم 3579 وصححه وهو كما قال وأخرجه ابن خزيمة في صحيحه والنسائي والحاكم وصححه. انظر: جامع الأصول 4/144 وصححه الألباني في صحيح الترمذي 3/173.
(2) البخاري 2/59، برقم 1145، ومسلم 1/521، برقم 758، وانظر: روايات مسلم 4/521-523.
(3) أخرجه الطبراني في المعجم الأوسط، وصحح إسناده الشيخ الألباني في سلسلة الأحاديث الصحيحة 3/126 رقم 1073، وصحيح الجامع الصغير 3/47 برقم 2968. والعشَّار هو الذي يأخذ أموال الناس بالباطل عن طريق القوة والجاه ومثلها الضرائب وهي المكوس، انظر: المرجع السابق 3/126.
(4) سورة الذاريات، الآيتان: 17، 18. وانظر: سورة آل عمران، الآية: 17.(1/42)
عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ”الدعاء لا يرد بين الأذان والإقامة فادعوا“(1).
5 ـ عند النداء للصلوات المكتوبات:
عن سهل بن سعد قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ”ثنتان لا تردان، أو قلما تردان: الدعاء عند النداء، وعند البأس حين يلحم بعضهم بعضاً“(2).
6 ـ عند إقامة الصلاة:
وعن سهل رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ”ساعتان لا تُرَدُّ على داع دعوته: حين تقام الصلاة وفي الصف في سبيل الله“(3).
7 ـ عند نزول الغيث وتحت المطر:
عن سهل بن سعد قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ”ثنتان لا تردان أو قلما تردان: الدعاء عند النداء، وعند البأس حين يلحم بعضهم بعضاً“. وفي الحديث من طريق موسى عن رزق عن أبي حازم عن سهل ابن سعد به: ”ووقت المطر“ ولفظ الحاكم: ”وتحت المطر“(4).
8 ـ عند زحف الصفوف في سبيل الله:
عن سهل بن سعد رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ”ثنتان لا تردان، أو قلما تردان: الدعاء عند النداء، وعند البأس حين يلحم يعضهم بعضاً“(5).
9 ـ ساعة من كل ليلة:
__________
(1) أخرجه الترمذي 1/415 و5/577، وأبو داود 1/144، وأحمد 3/155 و3/225، وصححه الألباني في صحيح الترمذي 3/185، وإرواء الغليل رقم 244، 1/261 وصحيح الجامع 3/150.
(2) أبو داود 3/21، وصححه الألباني في صحيح أبي داود 2/483، وفي رواية له ووقت المطر. والدارمي 1/217 وقال الحافظ ابن حجر: حديث حسن صحيح، وانظر تخريجه في الدارمي 1/217 وانظر ما بعده.
(3) ابن حبان في صحيحه (موارد) وصححه الشيخ ناصر الألباني في صحيح الترغيب والترهيب 1/106 برقم 256، ورقم 262.
(4) أخرجه أبو داود 3/21 وحسنه الشيخ ناصر الألباني في سلسلة الأحاديث الصحيحة برقم 1469، 3/453-454، وأخرجه الحاكم وصححه ووافقه الذهبي 2/114.
(5) أبو داود 3/21 والدارمي 1/217 وصححه الألباني في صحيح أبي داود 2/283.(1/43)
عن جابر رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ”إن في الليل لساعة، لا يوافقها رجل مسلم يسأل الله خيراً من أمر الدنيا والآخرة إلا أعطاه إياه، وذلك كل ليلة“(1).
10 ـ ساعة من ساعات يوم الجمعة:
عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكر يوم الجمعة فقال: ”فيه ساعة لا يوافقها عبد مسلم، وهو قائم يصلي يسأل الله تعالى شيئاً إلا أعطاه إياه“ وأشار بيده يقللها(2).
وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ”إن في الجمعة لساعة لا يوافقها عبد مسلم يسأل الله فيها خيراً إلا أعطاه إياه وهي بعد العصر“(3).
وعن جابر رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ”يوم الجمعة اثنا عشر ساعة، فيها ساعة لا يوجد مسلم يسأل الله فيها شيئاً إلا أعطاه، فالتمسوها آخر ساعة بعد العصر“(4).
وعن أبي بردة بن أبي موسى الأشعري قال: قال عبد الله بن عمر: أسمعت أباك يحدث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في ساعة الجمعة ؟ قال: قلت: نعم سمعته يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ”هي ما بين أن يجلس الإمام إلى أن تُقضى الصلاة“(5).
ورجح ابن القيم رحمه الله تعالى وغيره من أهل العلم: أن الساعة في يوم الجمعة هي بعد العصر(6).
__________
(1) مسلم 1/521.
(2) البخاري 1/253، برقم 935، ومسلم 2/583، برقم 852.
(3) أحمد 2/272 ويشهد له ما بعده.
(4) أبو داود 1/275 برقم 1048 والنسائي 3/99-100 في الجمعة باب وقت الجمعة وإسناده جيد وصححه الحاكم 1/279 ووافقه الذهبي. وانظر: زاد المعاد بتحقيق الأرناؤوط 2/391 والفتح 2/351.
(5) مسلم 1/584، برقم 853.
(6) انظر: زاد المعاد 2/388-397.(1/44)
قال ابن القيم: ”وعندي أن ساعة الصلاة ساعة تُرجى فيها الإجابة أيضاً، فكلاهما ساعة إجابة، وإن كانت الساعة المخصوصة هي آخر ساعة بعد العصر فهي ساعة معينة من اليوم، لا تتقدم ولا تتأخر. وأما ساعة الصلاة فتابعة للصلاة تقدمت أو تأخرت، لأن لاجتماع المسلمين وصلاتهم وتضرعهم وابتهالهم إلى الله تعالى تأثيراً في الإجابة. فساعة اجتماعهم ساعة تُرجى فيها الإجابة وعلى هذا تتفق الأحاديث كلها...“(1).
11 ـ عند شرب ماء زمزم مع النية الصالحة:
عن جابر رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ”ماء زمزم لما شُرِبَ له“(2).
12 ـ في السجود:
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ”أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد فأكثروا الدعاء“(3).
13 ـ عند الاستيقاظ من النوم ليلاً والدعاء بالمأثور:
عن عبادة بن الصامت رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ”من تعارَّ من الليل فقال: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك، وله الحمد، وهو على كل شيء قدير. الحمد لله، وسبحان الله، ولا إله إلا الله، والله أكبر، ولا حول ولا قوة إلا بالله. ثم قال: اللهم اغفر لي – أو دعا - استجيب له. فإن توضأ وصلى قبلت صلاته“(4).
14 ـ عند الدعاء بـ”دعوة ذي النون“:
__________
(1) زاد المعاد بتحقيق الأرناؤوط 2/394.
(2) ابن ماجه 2/1018 وأحمد 3/357 و372 وصححه الألباني في إرواء الغليل 4/320 برقم 1123 وفي الأحاديث الصحيحة برقم 883 وفي صحيح الجامع 5/116 برقم 5378، وفي صحيح ابن ماجه 3/386.
(3) مسلم 1/350.
(4) البخاري مع الفتح 3/39 برقم 1154، والترمذي 5/480.(1/45)
عن سعد قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ”دعوة ذي النون إذ دعا بها وهو في بطن الحوت لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين، لم يدعُ بها رجل مسلم في شيء قط إلا استجاب الله له“(1).
15 ـ عند الدعاء في المصيبة بالمأثور:
عن أم سلمة رضي الله عنها أنها قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ”ما من مسلم تصيبه مصيبة فيقول ما أمره الله: إنا لله وإنا إليه راجعون، اللهم أجُرْني في مصيبتي، وأَخْلِفْ لي خيراً منها إلا أخلف الله له خيراً منها“(2).
16 ـ عند دعاء الناس بعد وفاة الميت:
عن أم سلمة رضي الله عنها قالت: دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم على أبي سلمة وقد شق بصره فأغمضه، ثم قال: ”إن الروح إذا قبض تبعه البصر“ فضج ناس من أهله فقال: ”لا تدعوا على أنفسكم إلا بخير، فإن الملائكة يؤمنون على ما تقولون“. ثم قال: ”اللهم اغفر لأبي سلمة، وارفع درجته في المهديين وأخلفه في عقبه في الغابرين، واغفر لنا وله يا رب العالمين، وأفسح له في قبره ونور له فيه“(3).
17 ـ عند قولك في دعاء الاستفتاح:
”الله أكبر كبيراً، والحمد لله كثيراً. وسبحان الله بكرة وأصيلاً“ استفتح به رجل من الصحابة فقال صلى الله عليه وسلم: ”عجبت لها فتحت لها أبواب السماء“(4).
18 ـ عند قولك في دعاء الاستفتاح:
__________
(1) الترمذي 5/529 برقم 3505 وأحمد 1/170 والحاكم 1/505 وصححه ووافقه الذهبي. قال عبد القادر الأرنؤوط في تخريجه للكلم الطيب ص86: وهو كما قالا: وحسنه ابن حجر وصححه الألباني في صحيح الترمذي 3/168.
(2) مسلم 2/632 و633.
(3) مسلم 2/634.
(4) مسلم 2/420.(1/46)
”الحمد لله حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه“ استفتح رجل به صلاته فلما قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاته قال: ”أيكم المتكلم بالكلمات“ فأرم القوم. فقال: ”أيكم المتكلم فإنه لم يقل بأساً“ فقال رجل: جئت وقد حفزني النفس فقلتها فقال: ”لقد رأيت اثني عشر ملكاً يبتدرونها أيهم يرفعها“(1).
19 ـ عند قراءة الفاتحة في الصلاة بالتدبر:
عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ”من صلى صلاة لم يقرأ فيها بأم القرآن فهي خداج“. ثلاثاً ”غير تمام“ فقيل لأبي هريرة: إنا نكون وراء الإمام. فقال: اقرأ بها في نفسك، فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ”قال الله تعالى: قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين، ولعبدي ما سأل، فإذا قال العبد: الحمد لله رب العالمين، قال الله تعالى: حمدني عبدي، وإذا قال: الرحمن الرحيم، قال الله تعالى: أثنى علي عبدي. وإذا قال: مالك يوم الدين، قال: مجدني عبدي. (وقال مرة: فوض إلي عبدي) فإذا قال: إياك نعبد وإياك نستعين. قال: هذا بيني وبين عبدي، ولعبدي ما سأل. فإذا قال: اهدنا الصراط المستقيم صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين. قال: هذا لعبدي و لعبدي ما سأل“(2).
20 ـ عند رفع الرأس من الركوع وقولك:
”ربنا ولك الحمد حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه“:
عن رفاعة قال: كنا نصلي وراء النبي صلى الله عليه وسلم فلما رفع رأسه من الركعة قال: ”سمع الله لمن حمده“. قال رجل وراءه: ”ربنا ولك الحمد حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه“ فلما انصرف قال: ”من المتكلم“؟ قال: أنا. قال: ”رأيت بضعة وثلاثين ملكاً يبتدرونها أيهم يكتبها أول“(3).
21 ـ عند التأمين في الصلاة إذا وافق قول الملائكة:
__________
(1) مسلم 2/419.
(2) مسلم 1/296.
(3) البخاري مع الفتح 2/284 وموطأ مالك 1/212 والترمذي 2/254 وأبو داود 2/204 وأحمد 4/340.(1/47)
عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ”إذا أمَّن الإمامُ فأمِّنوا فإنه من وافق تأمينه تأمين الملائكة، غفر له ما تقدم من ذنبه“(1).
وعنه رضي الله عنه أيضاً أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ”إذا قال الإمام: غير المغضوب عليهم ولا الضالين، فقولوا: آمين، فإنه من وافق قوله قول الملائكة غفر له ما تقدم من ذنبه“(2).
22 ـ عند قولك في رفعك من الركوع:
”اللهم ربنا ولك الحمد“.
عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ”إذا قال الإمام سمع الله لمن حمده، فقولوا: اللهم ربنا ولك الحمد، فإنه من وافق قوله قول الملائكة غفر له ما تقدم من ذنبه“(3).
23 ـ بعد الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم في التشهد الأخير:
عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: كنت أصلي والنبي صلى الله عليه وسلم وأبو بكر وعمر معه، فلما جلست بدأت بالثناء على الله، ثم الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، ثم دعوت لنفسي فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ”سلْ تُعطه. سلْ تُعطه“(4).
__________
(1) البخاري 1/190 ومسلم واللفظ له 1/307.
(2) البخاري واللفظ له 1/190 ومسلم 1/307.
(3) البخاري 1/193 ومسلم 1/306.
(4) أخرجه الترمذي 2/488 وقال حديث حسن صحيح، والنسائي، وأحمد 1/26 و38 وصححه الألباني في صحيح الترمذي برقم 2765، وفي صحيح النسائي برقم 1217.(1/48)
وعن فضالة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم سمع رجلاً يصلي فمجد الله وحمده وصلى على النبي صلى الله عليه وسلم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ”ادعُ تجب، وسل تُعْطَ“(1).
24 ـ عند قولك قبل السلام في الصلاة:
”اللهم إني أسألك يا الله الواحد الأحد الصمد الذي لم يلد ولم يولد، ولم يكن له كفواً أحد، أن تغفر لي ذنوبي، إنك أنت الغفور الرحيم“، قال نبي الله صلى الله عليه وسلم عندما سمع هذا الدعاء من رجل يصلي: ”قد غفر له، قد غفر له، قد غفر له“ ثلاث مرات(2).
25 ـ وكذلك عند قولك:
”اللهم إني أسألك بأن لك الحمد، لا إله إلا أنت المنان بديع السماوات والأرض، يا ذا الجلال والإكرام، يا حي يا قيوم“. قال النبي صلى الله عليه وسلم عندما سمع رجلاً يصلي يدعو بهذا الدعاء: ”لقد دعا الله باسمه العظيم الذي إذا دُعي به أجاب، وإذا سُئل به أعطى“(3).
26 ـ وكذلك عند الدعاء بهذا الدعاء:
__________
(1) أخرجه النسائي 3/44 و45 باب فضل التمجيد والصلاة على النبي صلّى الله عليه وسلّم والترمذي 5/516 قال الشيخ عبد القادر الأرناؤوط: وصححه ابن خزيمة وابن حبان "موارد" برقم 510 والحاكم 1/268 ووافقه الذهبي. انظر: شرح السنة للإمام البغوي بتحقيق الأرناؤوط 3/187، وصححه الألباني في صحيح النسائي 1/275.
(2) أخرجه أحمد 4/338 وأبو داود والنسائي 3/52 وصححه الألباني في صحيح النسائي 1/279 وقال الشيخ الألباني وأخرجه ابن خزيمة: وصححه الحاكم ووافقه الذهبي. انظر: تخريج صفة صلاة النبي صلّى الله عليه وسلّم ص203.
(3) أخرجه أبو داود 2/80 وابن ماجه 2/1268 والترمذي 5/550 وأحمد 3/120 والنسائي 3/52 وصححه ابن حبان برقم 2382 (موارد) والحاكم 1/503 ووافقه الذهبي وصححه الألباني في صحيح النسائي 1/279.(1/49)
”اللهم إني أسألك بأني أشهد أنك أنت الله، لا إله إلا أنت الأحد الصمد الذي لم يلد ولم يولد، ولم يكن له كفواً أحد“ قال صلى الله عليه وسلم لرجل سمعه يدعو بهذا الدعاء: ”لقد سألت الله عز وجل باسمه الأعظم“ وفي رواية: ”لقد سألت الله بالاسم الذي إذا سُئل به أعطى، وإذا دُعي به أجاب“(1).
27 ـ عند دعاء المسلم عقب الوضوء بالمأثور:
عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ”ما منكم من أحد يتوضأ فيسبغ الوضوء ثم يقول: أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، إلا فُتِحَتْ له أبوابُ الجنة الثمانية يدخل من أيها شاء“(2).
28 ـ عند الدعاء يوم عرفة في عرفة للحاج:
عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ”خير الدعاء يوم عرفة، وخير ما قلت أنا والنبيون من قبلي: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك، وله الحمد، وهو على كل شيء قدير“(3).
29 ـ الدعاء بعد زوال الشمس قبل الظهر:
عن عبد الله بن السائب رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يصلي أربعاً بعد أن تزول الشمس قبل الظهر، وقال: ”إنها ساعة تفتح فيها أبواب السماء، وأحب أن يصعد لي فيها عمل صالح“(4).
__________
(1) أبو داود 2/79 والترمذي 5/515 وأحمد 5/360 وابن ماجه 2/1267 والحاكم 1/504 وصححه وأقره الذهبي وصححه الألباني في صحيح الترمذي 3/163.
(2) أخرجه مسلم 1/210 وأحمد 4/146. وانظر: تخريجه بتمامه في إرواء الغليل 1/134 برقم 96.
(3) أخرجه الترمذي ومالك في الموطأ 1/422. وحسنه الألباني في صحيح الترمذي 3/184. وانظر: تخريج مشكاة المصابيح 2/797 برقم 2595 وصحيح الجامع 3/121 برقم 3269 وسلسلة الأحاديث الصحيحة 4/6 رقم 1503.
(4) أخرجه الترمذي 2/342 برقم 478 وصححه الألباني في صحيح الترمذي 1/147 انظر: مشكاة المصابيح للألباني 1/237 وأخرجه أيضاً أحمد 3/411.(1/50)
وعن أبي أيوب رضي الله عنه قال: ”إن أبواب السماء تفتح إذا زالت الشمس فلا ترتج حتى يُصَلّى الظهر، فأحب أن يصعد لي إلى السماء خير“(1).
30 ـ في شهر رمضان:
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ”إذا دخل رمضان فتحت أبواب الجنة وغلقت أبواب جهنم وسلسلت الشياطين“(2).
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ”إذا كان رمضانُ فُتحت أبواب الرحمة، وغلقت أبواب جهنم، وسلسلت الشياطين“(3).
31 ـ عند اجتماع المسلمين في مجالس الذكر:
عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ”إن لله ملائكة يطوفون في الطرق يلتمسون أهل الذكر، فإذا وجدوا قوماً يذكرون الله تنادوا: هلموا إلى حاجتكم، قال: فيحفونهم بأجنحتهم إلى السماء الدنيا، قال: فيسألهم ربهم عز وجل – وهو أعلم منهم – ما يقول عبادي؟ قالوا: يقولون يسبحونك، ويكبرونك، ويحمدونك، ويمجدونك...“ الحديث وفيه. ”فيقول: فأشهدكم أني قد غفرت لهم. قال: يقول ملك من الملائكة فيهم فلان ليس منهم إنما جاء لحاجة قال: هم الجلساء لا يشقى بهم جليسهم“(4).
وقال صلى الله عليه وسلم: ”لا يقعد قوم يذكرون الله عز وجل إلا حفتهم الملائكة، وغشيتهم الرحمة، ونزلت عليهم السكينة، وذكرهم الله فيمن عنده“(5).
32 ـ عند صياح الديكة:
__________
(1) أخرجه أحمد مرفوعاً 5/420 وأبو داود وحسنه الألباني في صحيح الجامع 2/39 برقم 1529 وصحيح الترغيب 1/238 برقم 584، وصحيح سنن أبي داود 1/236.
(2) البخاري مع الفتح 6/336 ومسلم 2/758.
(3) مسلم 2/758.
(4) البخاري 7/168 كتاب الدعوات باب فضل ذكر الله عز وجل، ومسلم 4/2069 كتاب الذكر والدعاء.
(5) أخرجه مسلم 4/2074 في كتاب الذكر والدعاء باب فضل الاجتماع على تلاوة القرآن والذكر من حديث أبي هريرة وأبي سعيد الخدري رضي الله عنهما. رقم 2700.(1/51)
”إذا سمعتم صياح الديكة فاسألوا الله من فضله، فإنها رأت ملكاً، وإذا سمعتم نهيق الحمار فتعوذوا بالله من الشيطان، فإنه رأى شيطاناً“(1).
33 ـ حالة إقبال القلب على الله واشتداد الإخلاص:
ومن الأدلة على ذلك قصة أصحاب الصخرة(2).
34 ـ الدعاء في عشر ذي الحجة:
عن ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ”ما من أيام العمل الصالح فيها أحب إلى الله من هذه الأيام“ - يعني أيام العشر – قالوا: يا رسول الله! ولا الجهاد في سبيل الله؟ قال: ”ولا الجهاد في سبيل الله إلا رجل خرج بنفسه وماله فلم يرجع من ذلك بشيء“(3).
المبحث الثالث: أماكن تجاب فيها الدعوات
1 ـ عند رمي الجمرة الصغرى والوسطى أيام التشريق:
”كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا رمى الجمرة التي تلي مسجد منى يرميها بسبع حصيات، يكبر كلما رمى بحصاة، ثم تقدم أمامها فوقف مستقبل القبلة رافعاً يديه يدعو وكان يطيل الوقوف، ثم يأتي الجمرة الثانية فيرميها بسبع حصيات يكبر كلما رمى بحصاة، ثم ينحدر ذات اليسار مما يلي الوادي، فيقف مستقبل القبلة رافعاً يديه يدعو، ثم يأتي الجمرة التي عند العقبة فيرميها بسبع حصيات يكبر عند كل حصاة، ثم ينصرف ولا يقف عندها“(4).
2 ـ الدعاء داخل الكعبة أو داخل الحجر:
عن أسامة بن زيد أن النبي صلى الله عليه وسلم لما دخل البيت دعا في نواحيه كلها(5).
__________
(1) أخرجه البخاري بلفظه 4/89، وأخرجه مسلم 4/2092 من حديث أبي هريرة رضي الله عنه وأبو داود 4/327 والترمذي 5/508 وأحمد 2/307.
(2) وتقدم تخريج الحديث، وانظر: صحيح البخاري 4/37، ومسلم 4/2099.
(3) البخاري برقم 969، وأبو داود واللفظ له برقم 2438، وغيرهما.
(4) أخرجه البخاري 2/194 من حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما.
(5) أخرجه مسلم 2/968 برقم 1320.(1/52)
وعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل الكعبة هو وأسامة بن زيد، وبلال، وعثمان بن طلحة فأغلقوا عليهم، فلما فتحوا كنت في أول من ولج، فلقيت بلالاً، فسألته هل صلى فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: نعم صلى بين العمودين اليمانيين“(1).
وعن عائشة رضي الله عنها قالت: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الجدر(2) أمن البيت هو؟ قال: ”نعم“ قلت: فلِمَ لم يدخلوه في البيت؟ قال: ”إن قومك قصرت بهم النفقة“(3).
ومن دعا داخل الحِجْرِ فقد دعا داخل الكعبة، لأن الحِجْرَ من البيت، لما سبق من الأحاديث.
3 ـ الدعاء على الصفا والمروة للمعتمر والحاج:
قال جابر رضي الله عنه في حديثه الطويل في حجة النبي صلى الله عليه وسلم ثم خرج من الباب إلى الصفا، فلما دنا من الصفا قرأ {إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِن شَعَآئِرِ اللَّهِ}(4) ”أبدأ بما بدأ الله به“ فبدأ بالصفا فرقى عليه حتى رأى البيت فاستقبل القبلة. فوحَّد الله، وكبَّرهُ، وقال: ”لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك، وله الحمد، وهو على كل شيء قدير. لا إله إلا الله وحده، أنجز وعده، ونصر عبده، وهزم الأحزاب وحده“ ثم دعا بين ذلك قال مثل هذا ثلاث مرات. الحديث. وفيه: ”ففعل على المروة كما فعل على الصفا“(5).
4 ـ الدعاء عند المشعر الحرام يوم النحر للحاج:
قال جابر رضي الله عنه عن حجة النبي صلى الله عليه وسلم: ثم ركب القصواء حتى أتى المشعر الحرام فاستقبل القبلة، فدعاه وكبَّره، وهلَّله، ووحَّده فلم يزل واقفاً حتى أسفر جداً، فدفع قبل أن تطلع الشمس“ الحديث.
5 ـ دعاء الحاج في عرفة يوم عرفة.
__________
(1) أخرجه مسلم 2/967 برقم 1329 والبخاري مع الفتح 3/463 برقم 1598.
(2) الجدر: حِجر الكعبة المعروف.
(3) أخرجه مسلم 2/973 برقم 1333 والبخاري مع الفتح 3/439 برقم 1584.
(4) سورة البقرة، الآية: 158.
(5) مسلم 2/888، برقم 1218.(1/53)
عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ”خير الدعاء يوم عرفة، وخير ما قلت أنا والنبيون من قبلي: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك، وله الحمد، وهو على كل شيء قدير“(1).
الفصل الخامس: اهتمام الرسل بالدعاء واستجابة الله لهم
اهتم الأنبياء والرسل عليهم الصلاة والسلام وأتباعهم من عباد الله الصالحين بالدعاء، فاستجاب الله دعاءهم، وهذا كثير في القرآن والسنة، وأنا أذكر نماذج من باب الأمثلة لا من باب الحصر ومن ذلك ما يأتي:
1 ـ آدم صلى الله عليه وسلم: قال تعالى: {قَالاَ رَبَّنَا ظَلَمْنَآ أَنفُسَنَا وَإِن لَّمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ}(2). فغفر الله لهما كما قال سبحانه: {فَتَلَقَّى آدَمُ مِن رَّبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ}(3). ثم أكرمه الله بالاصطفاء فقال سبحانه وتعالى: {إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحًا وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ}(4). وخصه بالاجتباء فقال تعالى: {ثُمَّ اجْتَبَاهُ رَبُّهُ فَتَابَ عَلَيْهِ وَهَدَى}(5).
__________
(1) أخرجه الترمذي ومالك في الموطأ 1/422. وحسنه الألباني في صحيح الترمذي 3/184. وانظر: تخريج مشكاة المصابيح 2/797 برقم 2595 وصحيح الجامع 3/121 برقم 3269 وسلسلة الأحاديث الصحيحة 4/6 رقم 1503.
(2) سورة الأعراف، الآية: 23.
(3) سورة البقرة، الآية: 37.
(4) سورة آل عمران، الآية: 33.
(5) سورة طه، الآية: 122.(1/54)
2 ـ نوح صلى الله عليه وسلم: قال الله تعالى: {وَلَقَدْ نَادَانَا نُوحٌ فَلَنِعْمَ الْمُجِيبُونَ، وَنَجَّيْنَاهُ وَأَهْلَهُ مِنَ الْكَرْبِ الْعَظِيمِ}(1). وقال: {وَنُوحًا إِذْ نَادَى مِن قَبْلُ فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَنَجَّيْنَاهُ وَأَهْلَهُ مِنَ الْكَرْبِ الْعَظِيمِ، وَنَصَرْنَاهُ مِنَ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَآ إِنَّهُمْ كَانُواْ قَوْمَ سَوْءٍ فَأَغْرَقْنَاهُمْ أَجْمَعِينَ}(2). وقال تعالى: {كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ فَكَذَّبُواْ عَبْدَنَا وَقَالُواْ مَجْنُونٌ وَازْدُجِرَ، فَدَعَا رَبَّهُ أَنِّي مَغْلُوبٌ فَانتَصِرْ، فَفَتَحْنَآ أَبْوَابَ السَّمَآءِ بِمَآءٍ مُّنْهَمِرٍ، وَفَجَّرْنَا الأَرْضَ عُيُونًا فَالْتَقَى الْمَآءُ عَلَى أَمْرٍ قَدْ قُدِرَ، وَحَمَلْنَاهُ عَلَى ذَاتِ أَلْوَاحٍ وَدُسُرٍ، تَجْرِي بِأَعْيُنِنَا جَزَآءً لِّمَن كَانَ كُفِرَ}(3). وقال تعالى: {وَقَالَ نُوحٌ رَّبِّ لا تَذَرْ عَلَى الأَرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّارًا، إِنَّكَ إِن تَذَرْهُمْ يُضِلُّواْ عِبَادَكَ وَلا يَلِدُواْ إِلاّ فَاجِرًا كَفَّارًا، رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِمَن دَخَلَ بَيْتِيَ مُؤْمِنًا وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَلا تَزِدِ الظَّالِمِينَ إِلاّ تَبَارًا}(4).
__________
(1) سورة الصافات، الآيتان: 75، 76.
(2) سورة الأنبياء، الآيتان: 76، 77.
(3) سورة القمر، الآيات: 9-14.
(4) سورة نوح، الآيات: 26-28.(1/55)
3 ـ إبراهيم صلى الله عليه وسلم: قال الله تعالى عن دعائه: {رَبِّ هَبْ لِي حُكْمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ، وَاجْعَل لِّي لِسَانَ صِدْقٍ فِي الآخِرِينَ، وَاجْعَلْنِي مِن وَرَثَةِ جَنَّةِ النَّعِيمِ}(1). فاستجاب الله له فقال في طلبه الأول: {فَقَدْ آتَيْنَآ آلَ إِبْرَاهِيمَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَآتَيْنَاهُم مُّلْكًا عَظِيمًا}(2). وقال في قوله: {وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ} {وَإِنَّهُ فِي الآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ}(3). وقال في قوله: {وَاجْعَل لِّي لِسَانَ صِدْقٍ فِي الآخِرِينَ} {وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِي الآخِرِينَ، سَلامٌ عَلَى نُوحٍ فِي الْعَالَمِينَ، إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ، إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُؤْمِنِينَ}(4).
4 ـ أيوب صلى الله عليه وسلم: قال الله تعالى: {وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ، فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِن ضُرٍّ وَآتَيْنَاهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُم مَّعَهُمْ رَحْمَةً مِّنْ عِندِنَا وَذِكْرَى لِلْعَابِدِينَ}(5).
5 ـ يونس صلى الله عليه وسلم: قال الله تعالى: {وَذَا النُّونِ إِذ ذَّهَبَ مُغَاضِبًا فَظَنَّ أَن لَّن نَّقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَن لا إِلَهَ إِلا أَنتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ الظَّالِمِينَ، فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذَلِكَ نُنجِي الْمُؤْمِنِينَ}(6).
__________
(1) سورة الشعراء، الآيات: 83-85.
(2) سورة النساء، الآية: 54.
(3) سورة البقرة، الآية: 30.
(4) سورة الصافات، الآيات: 108-111.
(5) سورة الأنبياء، الآيتان: 83، 84.
(6) سورة الأنبياء، الآيتان: 87، 88.(1/56)
6 ـ زكريا صلى الله عليه وسلم: قال الله تعالى: {هُنَالِكَ دَعَا زَكَرِيَّا رَبَّهُ قَالَ رَبِّ هَبْ لِي مِن لَّدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعَاءِ، فَنَادَتْهُ الْمَلآئِكَةُ وَهُوَ قَآئِمٌ يُصَلِّي فِي الْمِحْرَابِ أَنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكَ بِيَحْيَى مُصَدِّقًا بِكَلِمَةٍ مِّنَ اللَّهِ وَسَيِّدًا وَحَصُورًا وَنَبِيًّا مِّنَ الصَّالِحِينَ}(1). وقال تعالى: {وَزَكَرِيَّا إِذْ نَادَى رَبَّهُ رَبِّ لا تَذَرْنِي فَرْدًا وَأَنتَ خَيْرُ الْوَارِثِينَ، فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَوَهَبْنَا لَهُ يَحْيَى وَأَصْلَحْنَا لَهُ زَوْجَهُ إِنَّهُمْ كَانُواْ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا وَكَانُواْ لَنَا خَاشِعِينَ}(2).
__________
(1) سورة آل عمران، الآيتان: 38، 39.
(2) سورة الأنبياء، الآيتان: 89، 90.(1/57)
7 ـ يعقوب صلى الله عليه وسلم: قال الله في قصة يعقوب مع أبنائه: {وَجَآءُواْ عَلَى قَمِيصِهِ بِدَمٍ كَذِبٍ قَالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنفُسُكُمْ أَمْرًا فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ}(1). وقال الله تعالى عنهم: {قَالَ هَلْ آمَنُكُمْ عَلَيْهِ إِلاَّ كَمَآ أَمِنتُكُمْ عَلَى أَخِيهِ مِن قَبْلُ فَاللَّهُ خَيْرٌ حَافِظًا وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ}(2). وقال يعقوب: {قَالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنفُسُكُمْ أَمْرًا فَصَبْرٌ جَمِيلٌ عَسَى اللَّهُ أَن يَأْتِيَنِي بِهِمْ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ، وَتَوَلَّى عَنْهُمْ وَقَالَ يَآ أَسَفَى عَلَى يُوسُفَ وَابْيَضَّتْ عَيْنَاهُ مِنَ الْحُزْنِ فَهُوَ كَظِيمٌ، قَالُواْ تَاللَّهِ تَفْتَؤُاْ تَذْكُرُ يُوسُفَ حَتَّى تَكُونَ حَرَضًا أَوْ تَكُونَ مِنَ الْهَالِكِينَ، قَالَ إِنَّمَآ أَشْكُواْ بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللَّهِ وَأَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ، يَا بَنِيَّ اذْهَبُواْ فَتَحَسَّسُواْ مِن يُوسُفَ وَأَخِيهِ وَلاَ تَاْيْئَسُواْ مِن رَّوْحِ اللَّهِ إِنَّهُ لاَ يَاْيْئَسُ مِن رَّوْحِ اللَّهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ}(3).
__________
(1) سورة يوسف، الآية: 18.
(2) سورة يوسف، الآية: 64.
(3) سورة يوسف، الآيات: 83-87.(1/58)
ثم استجاب الله دعاءه ورد عليه يوسف وأخيه قال الله: {قَالُواْ أَإِنَّكَ لأَنتَ يُوسُفُ قَالَ أَنَاْ يُوسُفُ وَهَذَآ أَخِي قَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَآ إِنَّهُ مَن يَتَّقِ وَيِصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لاَ يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ، قَالُواْ تَاللَّهِ لَقَدْ آثَرَكَ اللَّهُ عَلَيْنَا وَإِن كُنَّا لَخَاطِئِينَ، قَالَ لاَ تَثْرَيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللَّهُ لَكُمْ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ، اذْهَبُواْ بِقَمِيصِي هَذَا فَأَلْقُوهُ عَلَى وَجْهِ أَبِي يَأْتِ بَصِيرًا وَأْتُونِي بِأَهْلِكُمْ أَجْمَعِينَ، وَلَمَّا فَصَلَتِ الْعِيرُ قَالَ أَبُوهُمْ إِنِّي لَأَجِدُ رِيحَ يُوسُفَ لَوْلاَ أَن تُفَنِّدُونِ، قَالُواْ تَاللَّهِ إِنَّكَ لَفِي ضَلاَلِكَ الْقَدِيمِ، فَلَمَّآ أَن جَآءَ الْبَشِيرُ أَلْقَاهُ عَلَى وَجْهِهِ فَارْتَدَّ بَصِيرًا قَالَ أَلَمْ أَقُل لَّكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ، قَالُواْ يَآ أَبَانَا اسْتَغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَآ إِنَّا كُنَّا خَاطِئِينَ، قَالَ سَوْفَ أَسْتَغْفِرُ لَكُمْ رَبِّيَ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ}(1).
8 ـ يوسف صلى الله عليه وسلم: قال الله تعالى عنه وعن النسوة: {قَالَتْ فَذَلِكُنَّ الَّذِي لُمْتُنَّنِي فِيهِ وَلَقَدْ رَاوَدتُّهُ عَن نَّفْسِهِ فَاسَتَعْصَمَ وَلَئِن لَّمْ يَفْعَلْ مَآ ءَامُرُهُ لَيُسْجَنَنَّ وَلَيَكُونًا مِّنَ الصَّاغِرِينَ، قَالَ رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ وَإِلاَّ تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُن مِّنَ الْجَاهِلِينَ، فَاسْتَجَابَ لَهُ رَبُّهُ فَصَرَفَ عَنْهُ كَيْدَهُنَّ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ}(2).
__________
(1) سورة يوسف، الآيات: 90-98.
(2) سورة يوسف، الآيات: 32-34.(1/59)
9 ـ موسى صلى الله عليه وسلم: قال الله عن دعائه: {قَالَ رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي، وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي، وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِّن لِّسَانِي، يَفْقَهُواْ قَوْلِي، وَاجْعَل لِّي وَزِيرًا مِّنْ أَهْلِي، هَارُونَ أَخِي، اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي، وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي، كَيْ نُسَبِّحَكَ كَثِيرًا، وَنَذْكُرَكَ كَثِيرًا، إِنَّكَ كُنتَ بِنَا بَصِيرًا، قَالَ قَدْ أُوتِيتَ سُؤْلَكَ يَا مُوسَى}(1). وقال الله تعالى عن موسى وهارون: {وَقَالَ مُوسَى رَبَّنَآ إِنَّكَ آتَيْتَ فِرْعَوْنَ وَمَلأهُ زِينَةً وَأَمْوَالاً فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا رَبَّنَا لِيُضِلُّواْ عَن سَبِيلِكَ رَبَّنَا اطْمِسْ عَلَى أَمْوَالِهِمْ وَاشْدُدْ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَلاَ يُؤْمِنُواْ حَتَّى يَرَوُاْ الْعَذَابَ الأَلِيمَ، قَالَ قَدْ أُجِيبَت دَّعْوَتُكُمَا فَاسْتَقِيمَا وَلاَ تَتَّبِعَآنِّ سَبِيلَ الَّذِينَ لاَ يَعْلَمُونَ}(2). وقال تعالى عن موسى: {قَالَ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي فَغَفَرَ لَهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ، قَالَ رَبِّ بِمَآ أَنْعَمْتَ عَلَيَّ فَلَنْ أَكُونَ ظَهِيرًا لِّلْمُجْرِمِينَ}(3).
__________
(1) سورة طه، الآيات: 25-36.
(2) سورة يونس، الآيتان: 88، 89.
(3) سورة القصص، الآيتان: 16، 17.(1/60)
10 ـ محمد صلى الله عليه وسلم وأصحابه: قال تعالى: {إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُم بِأَلْفٍ مِّنَ الْمَلآئِكَةِ مُرْدِفِينَ، وَمَا جَعَلَهُ اللَّهُ إِلاَّ بُشْرَى وَلِتَطْمَئِنَّ بِهِ قُلُوبُكُمْ وَمَا النَّصْرُ إِلاَّ مِنْ عِندِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ}(1). وقال تعالى: {وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنتُمْ أَذِلَّةٌ فَاتَّقُواْ اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ، إِذْ تَقُولُ لِلْمُؤْمِنِينَ أَلَن يَكْفِيَكُمْ أَن يُمِدَّكُمْ رَبُّكُم بِثَلاَثَةِ آلاَفٍ مِّنَ الْمَلآئِكَةِ مُنزَلِينَ، بَلَى إِن تَصْبِرُواْ وَتَتَّقُواْ وَيَأْتُوكُم مِّن فَوْرِهِمْ هَذَا يُمْدِدْكُمْ رَبُّكُم بِخَمْسَةِ آلافٍ مِّنَ الْمَلآئِكَةِ مُسَوِّمِينَ، وَمَا جَعَلَهُ اللَّهُ إِلاَّ بُشْرَى لَكُمْ وَلِتَطْمَئِنَّ قُلُوبُكُم بِهِ وَمَا النَّصْرُ إِلاَّ مِنْ عِندِ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ}(2). وقال تعالى: {الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُواْ لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَاناً وَقَالُواْ حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ، فَانقَلَبُواْ بِنِعْمَةٍ مِّنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَّمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُواْ رِضْوَانَ اللَّهِ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ}(3).
والأدعية التي دعا بها رسول الله صلى الله عليه وسلم وشوهدت إجابتها كالشمس في رابعة النهار كثيرة جدَّاً لا تُحصر، ولكن منها على سبيل المثال:
__________
(1) سورة الأنفال، الآيتان: 9، 10.
(2) سورة آل عمران، الآيات: 123-126.
(3) سورة آل عمران، الآيتان: 173، 174.(1/61)
أ ـ دعاؤه صلى الله عليه وسلم لأنس بن مالك رضي الله عنه قال صلى الله عليه وسلم: ”اللهم أكثر ماله، وولده، وبارك له فيما أعطيته(1) [وأطل حياته، واغفر له](2) قال أنس: فوالله إن مالي لكثير، وإن ولدي وولد ولدي ليتعادون نحو المائة اليوم(3) [وحدثتني ابنتي أمينة أنه دفن لصلبي مقدم الحجاج البصرة بضع وعشرون ومائة](4) وطالت حياتي حتى استحييت من الناس وأرجو المغفرة“(5).
وكان له رضي الله عنه بستان يحمل في السنة الفاكهة مرتين، وكان فيها ريحان يجيء منها ريح المسك(6).
__________
(1) البخاري مع الفتح 4/228 و11/144، ومسلم 4/1928.
(2) البخاري في الأدب المفرد برقم 653، وصححه الألباني في صحيح الأدب المفرد ص214.
(3) مسلم 4/1929.
(4) البخاري مع الفتح 4/228.
(5) الأدب المفرد وصححه الألباني في صحيح الأدب المفرد ص244.
(6) الترمذي 5/683، وانظر: صحيح الترمذي 3/234.(1/62)
ب ـ دعاؤه صلى الله عليه وسلم لأم أبي هريرة فأسلمت فوراً، قال أبو هريرة رضي الله عنه: كنت أدعو أمي إلى الإسلام وهي مشركة، فدعوتها يوماً فأسمعتني في رسول الله صلى الله عليه وسلم ما أكره، فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا أبكي. قلت: يا رسول الله إني كنت أدعو أمي إلى الإسلام فتأبى عليَّ فدعوتها اليوم فأسمعتني فيك ما أكره، فادعُ الله أن يهدي أمَّ أبي هريرة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ”اللهم اهد أمَّ أبي هريرة“ فخرجت مستبشراً بدعوة نبي الله صلّى الله عليه وسلّم فلما جئت فصرت إلى الباب فإذا هو مجافٌ(1) فسمعت أمي خشف قدميَّ(2) فقالت: مكانك يا أبا هريرة، وسمعتُ خضخضة الماء(3) قال: فاغتسلت ولبست درعها، وعجلت عن خمارها ففتحت الباب ثم قالت: يا أبا هريرة: أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً عبده ورسوله. قال: فرجعت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وأتيته وأنا أبكي من الفرح، قال قلت: يا رسول الله أبشر قد استجاب الله دعوتك وهدى أمَّ أبي هريرة، فحمد الله وأثنى عليه وقال خيراً، قال: قلت يا رسول الله! ادعُ الله أن يحببني أنا وأمي إلى عباده المؤمنين ويحببهم إلينا. قال: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ”اللهم حبب عُبيدك هذا وأمَّه إلى عبادك المؤمنين وحبب إليهم المؤمنين“ فما خُلِقَ مُؤمِنٌ يسمع بي ولا يراني إلا أحببني(4).
__________
(1) أي مغلق.
(2) أي صوتهما في الأرض.
(3) خضخضة الماء: أي صوت تحريكه.
(4) مسلم 4/1939.(1/63)
جـ ـ دعاؤه صلى الله عليه وسلم لعروة بن أبي الجعد البارقي، وذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم أعطاه ديناراً يشتري له به شاة، فاشترى له به شاتين فباع إحداهما بدينار، فجاء بدينار وشاة، فدعا له بالبركة في بيعه، وكان لو اشترى التراب لربح فيه(1). وفي مسند الإمام أحمد أنه قال له: ”اللهم بارك له في صفقة يمينه“ فكان يقف في الكوفة ويربح أربعين ألفاً قبل أن يرجع إلى أهله(2).
د ـ دعاؤه صلى الله عليه وسلم على بعض أعدائه فلم تتخلف الإجابة، ومن ذلك أن المشركين آذوا رسول الله صلى الله عليه وسلم في مكة وأمر أبو جهل بعض القوم أن يضع سلا الجزور بين كتفي النبي صلى الله عليه وسلم وهو ساجد ففعل ذلك عقبة بن أبي معيط فلما قضى النبي صلى الله عليه وسلم صلاته رفع صوته ثم دعا عليهم: ”اللهم عليك بقريش“ ثلاث مرات. فلما سمعوا صوته ذهب عنهم الضحك وخافوا دعوته ثم قال: ”اللهم عليك بأبي جهل بن هشام، وعتبة بن ربيعة، وشيبة بن ربيعة، والوليد بن عتبة، وأمية بن خلف، وعقبة بن أبي معيط“. قال ابن مسعود: فوالذي بعث محمداً صلى الله عليه وسلم بالحق لقد رأيت الذي سمّى صرعى يوم بدر، ثم سُحِبوا إلى القليب، قليب(3) بدر“(4). وفي رواية: فأقسم بالله لقد رأيتهم صرعى على بدر قد غيرتهم الشمس وكان يوماً حارّاً“(5).
__________
(1) البخاري مع الفتح 6/632.
(2) مسند أحمد 4/376.
(3) القليب: البئر التي لم تطوَ.
(4) مسلم 3/1418.
(5) مسلم 3/1420.(1/64)
هـ ـ دعاؤه صلى الله عليه وسلم على سراقة بن مالك رضي الله عنه. لحق سراقة النبي صلى الله عليه وسلم يريد أن يقتله وأبا بكر، لكي يحصل على دية كل واحدٍ منهما، لأن قريشاً جعلوا لمن يقتل رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبا بكر أو أسرهما دية كل واحد منهما، فلحق سراقة النبي صلى الله عليه وسلم وعندما رآه أبو بكر قال: يا رسول الله! هذا فارسٌ قد لحق بنا، فالتفت إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: ”اللهم اصرعه“ وساخت يدا فرس سراقة في الأرض حتى بلغت الركبتين. فقال سراقة: يا رسول الله! ادع الله لي، فدعا له رسول الله صلى الله عليه وسلم ونجحت فرسه، ورجع يخفي عنهما، فكان أول النهار جاهداً على النبي صلى الله عليه وسلم وكان آخر النهار مسلحة(1) له يخفي عنه(2).
__________
(1) المسلحة: القوم الذين يحفظون الثغور من العدو، ويرقبون العدو لئلا يطرقهم، فكذلك سراقة كان مدافعاً ومخفياً عن النبي صلّى الله عليه وسلّم، انظر النهاية 2/388، والقاموس المحيط ص287.
(2) البخاري مع الفتح 7/238 و240 و249، برقم 3906، 3908، 3911.(1/65)
و ـ دعاؤه صلى الله عليه وسلم يوم بدر، عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: لما كان يوم بدر نظر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المشركين وهم ألف، وأصحابه ثلاثمائة وتسعة عشر رجلاً، فاستقبل نبي الله صلى الله عليه وسلم القبلة، ثم مد يديه فجعل يهتف(1) بربه: ”اللهم أنجز لي ما وعدتني، اللهم آتِ ما وعدتني، اللهم إن تُهلك هذه العصابة من أهل الإسلام لا تعبد في الأرض“ فما زال يهتف بربه مادَّاً يديه مستقبل القبلة حتى سقط رداؤه عن منكبيه فأتاه أبو بكر فأخذ رداءه فألقاه على منكبيه ثم التزمه من ورائه وقال: يا نبي الله كذاك(2) مناشدتك ربك فإنه سينجز لك ما وعدك. فأنزل الله عز وجل: {إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُم بِأَلْفٍ مِّنَ الْمَلآئِكَةِ مُرْدِفِينَ}(3). فأمده الله بالملائكة(4). قال ابن عباس: بينما رجل من المسلمين يومئذ يشتد في أثر رجل من المشركين أمامه إذ سمع ضربة بالسوط فوقه، وصوت الفارس يقول أقدم حيزوم، فنظر إلى المشرك أمامه فخر مستلقياً. فنظر إليه فإذا هو قد خطم أنفه، وشق وجهه كضربة السوط فاخضرَّ ذلك أجمع، فجاء الأنصاري فحدث بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: ”صدقت ذلك من مدد السماء الثالثة“ فقتلوا يومئذ سبعين وأسروا سبعين(5).
__________
(1) يهتف: يستغيث بالله ويدعوه.
(2) كذاك: أي كفاك، وفي بعض النسخ كفاك، والمعنى صحيح.
(3) سورة الأنفال، الآية: 9.
(4) مسلم 3/1384.
(5) مسلم 3/1384-1385.(1/66)
ز ـ دعاؤه صلى الله عليه وسلم يوم الأحزاب، كان المحاربون لرسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة الأحزاب خمسة أصناف هم: المشركون من أهل مكة، والمشركون من قبائل العرب، واليهود من خارج المدينة، وبنو قريظة، والمنافقون، وكان من حضر الخندق من الكفار عشرة آلاف، والمسلمون مع النبي صلى الله عليه وسلم ثلاثة آلاف، وقد حاصروا النبي صلى الله عليه وسلم شهراً ولم يكن بينهم قتال إلا ما كان من عمرو بن وُدٍّ العامري مع علي بن أبي طالب فقتله علي رضي الله عنه، وكان ذلك في السنة الرابعة من الهجرة(1). ودعا رسول الله صلى الله عليه وسلم عليهم فقال: ”اللهم منزل الكتاب، سريع الحساب، اهزم الأحزاب، اللهم اهزمهم وزلزلهم“(2). وأرسل الله على الأحزاب جنداً من الريح فجعلت تقوِّض خيامهم، ولا تدع لهم قدراً إلا كفأته، ولا طنباً إلا قلعته، ولا يقر لهم قرار، وجند الله من الملائكة يزلزلونهم ويلقون في قلوبهم الرعب والخوف(3). قال الله تعالى: {يَآ أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اذْكُرُواْ نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَآءَتْكُمْ جُنُودٌ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا وَجُنُودًا لَّمْ تَرَوْهَا وَكَانَ اللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرًا، إِذْ جَآءُوكُم مِّن فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنكُمْ وَإِذْ زَاغَتِ الأَبْصَارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَاْ، هُنَالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُواْ زِلْزَالاً شَدِيدًا}(4).
__________
(1) انظر: زاد المعاد 3/269-276.
(2) البخاري مع الفتح 7/406 برقم 415.
(3) زاد المعاد 3/274.
(4) سورة الأحزاب، الآيات: 9-11.(1/67)
ح ـ دعاؤه صلى الله عليه وسلم يوم حنين، عن سلمة بن الأكوع رضي الله عنه في حديثه عن قتال النبي صلى الله عليه وسلم في غزوة حنين قال: ”فلما غشوا رسول الله صلى الله عليه وسلم نزل عن البغلة ثم قبض من ترابٍ من الأرض ثم استقبل به وجوههم فقال: ”شاهت الوجوه“(1) فما خلق الله منهم إنساناً إلا ملأ عينيه تراباً بتلك القبضة، فولوا مدبرين، فهزمهم الله عز وجل، وقسم رسول الله صلى الله عليه وسلم غنائمهم بين المسلمين“(2).
الفصل السادس: الدعوات المستجابات
كل من عمل بالشروط، وابتعد عن الموانع، وعمل بالآداب، وتحرّى أوقات الإجابة، والأماكن الفاضلة فهو ممن يستجيب الله دعاءه، وقد بينت السنة أنواعاً وأصنافاً ممن طبق هذه الشروط واستجاب الله دعاءهم ومنهم:
1 ـ دعوة المسلم لأخيه المسلم بظهر الغيب:
عن أم الدرداء رضي الله عنها أنها قالت لصفوان: أتريد الحج العام ؟ قال: فقلت: نعم، قالت: فادعُ الله لنا بخير فإن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول: ”دعوةُ المرء المسلم لأخيه بظهر الغيب مستجابة، عند رأسه ملك كلما دعا لأخيه بخير قال الملك الموكل به: آمين ولك بمثل“(3). وعن أبي الدرداء رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ”ما من عبد مسلم يدعو لأخيه بظهر الغيب إلا قال المَلَكُ ولكَ بِمِثلٍ“(4).
2 ـ دعوة المظلوم:
__________
(1) شاهت الوجوه: أي قبحت.
(2) مسلم 3/1402.
(3) مسلم 4/2094 برقم 2733.
(4) مسلم 4/2094.(1/68)
عن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث معاذاً إلى اليمن وساق الحديث وقال فيه: ”واتقِ دعوة المظلوم فإنها ليس بينها وبين الله حجاب“(1). ومن هذه الإجابة قصة سعد رضي الله عنه مع أبي سعدة عندما قال لمن سأله عن سعد: ”أما إذ نشدتنا فإن سعداً كان لا يسير بالسرية، ولا يقسم بالسوية، ولا يعدل في القضية، قال سعد: أما والله لأدعون بثلاث: اللهم إن كان عبدك هذا كاذباً قام رياء وسمعة فأطل عمره، وأطل فقره، وعرضه بالفتن، وكان بعد إذا سئل يقول: شيخ كبير مفتون أصابتني دعوة سعد، قال عبد الملك: فأنا رأيته بعد قد سقط حاجباه على عينيه من الكِبَر، وإنه ليتعرض للجواري في الطريق يغمزُهُن“(2).
وخاصمت أروى بنت أويس سعيد بن زيد رضي الله عنه عند مروان ابن الحكم وادعت عليه أنه أخذ من أرضها، فقال: أنا كنت آخذ من أرضها شيئاً بعد الذي سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: وما سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ”من أخذ شبراً من الأرض بغير حقه طُوِّقه إلى سبعين أرضين“ ثم قال: اللهم إن كانت كاذبة فأعم بصرها، واجعل قبرها في دارها، قال: فرأيتها عمياء تتلمس الجدر تقول: أصابتني دعوة سعيد بن زيد، فبينما هي تمشي في الدار مرت على بئر في الدار فوقعت فيها فكانت قبرها(3).
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ”دعوة المظلوم مستجابة وإن كان فاجراً ففجوره على نفسه“(4).
وأنشد بعضهم فقال:
لا تظلمنَّ إذا ما كنت مُقتدراً
__________
(1) البخاري برقم 1395، 2448.
(2) البخاري 2/236 برقم 755 ومسلم 1/334 برقم 453، وهو أسامة بن قتادة يكنى أبا سعدة.
(3) مسلم برقم 1610، 2/1230.
(4) أحمد 2/367، وأبو داود الطيالسي في مسنده برقم 1266، وحسنه الألباني في سلسلة الأحاديث الصحيحة 2/407 برقم 767، وفي صحيح الجامع 3/145 برقم 3377.(1/69)
فالظالم آخره يأتيك بالندم
نامت عيونك والمظلوم منتبه
يدعو عليك وعين الله لم تنم
3 ـ دعوة الوالد لولده.
4 ـ دعوة الوالد على ولده.
5 ـ دعوة المسافر:
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ”ثلاث دعوات يُستجاب لهن لا شك فيهن: دعوة المظلوم، ودعوة المسافر، ودعوة الوالد لولده“(1) وفي رواية أحمد والترمذي: ”على ولده“(2).
فينبغي الحذر من دعوة هؤلاء، فإن دعوتهم مستجابة.
6 ـ دعوة الصائم:
عن أبي هريرة يرفعه: ”ثلاثة لا ترد دعوتهم: الصائم حتى يفطر، والإمام العادل، ودعوة المظلوم يرفعها الله فوق الغمام، ويَفتَحُ لها أبواب السماء ويقول الرب: وعزتي لأنصرنك ولو بعد حين“(3).
7 ـ دعوة الصائم حتى يفطر.
8 ـ الإمام العادل:
عن أبي هريرة رضي الله عنه في حديثه الطويل عن النبي صلى الله عليه وسلم في صفة الجنة ونعيمها قال في آخره: ”... ثلاثة لا تُردُّ دعوتهم: الإمام العادل، والصائم حين يفطر، ودعوة المظلوم يرفعها فوق الغمام، وتُفَتَّحُ لها أبواب السماء، ويقول الربُّ عز وجل: وعزتي لأنصرنك ولو بعد حين“(4).
وعن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما يرفعه: ”إن للصائم عند فطره لدعوةً ما تُرد“(5).
__________
(1) الترمذي 4/314 برقم 1905، 5/502، برقم 3448، وأبو داود 2/89، وابن ماجه 2/1270، وحسنه الألباني في صحيح أبي داود 1/286، وفي صحيح الترمذي 3/156 وصحيح ابن ماجه 2/331.
(2) الترمذي 5/502، برقم 3448، وأحمد 2/258.
(3) الترمذي بلفظه 5/578، برقم 3598 ورواه الترمذي بإسناد آخر بعد شيخه عن أبي هريرة رضي الله عنه ولكن قال: ”الصائم حين يفطر“ 4/672 برقم 2526 وصححه الألباني في صحيح سنن الترمذي 2/311، وابن ماجه 1/557، وأخرجه أيضاً البغوي 5/196.
(4) الترمذي 4/672، برقم 2526، وصححه الألباني في صحيح الترمذي 2/311.
(5) ابن ماجه 1/557 وحسنه الحافظ في تخريج الأذكار 4/342.(1/70)
وعن أبي هريرة رضي الله عنه يرفعه: ”ثلاثة لا يُردُّ دعاؤُهم: الذاكر لله كثيراً، ودعوة المظلوم، والإمام المُقسِط“(1).
9 ـ دعوة الولد الصالح:
لحديث أبي هريرة رضي الله عنه يرفعه: ”إذا مات الإنسان انقطع عمله إلا من ثلاث: إلا من صدقةٍ جاريةٍ، أو علمٍ ينتفع به، أو ولدٍ صالحٍ يدعو له“(2).
10 ـ دعوة المستيقظ من النوم إذا دعا بالمأثور:
عن عبادة بن الصامت رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ”من تعارَّ من الليل فقال: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير، الحمد لله، وسبحان الله، ولا إله إلا الله والله أكبر، ولا حول ولا قوة إلا بالله ثم قال: اللهم اغفر لي أو دعا استُجيب [له] [فإن عزم فتوضأ ثم صلى قبلت صلاته]“(3).
11 ـ دعوة المضطر:
قال الله تعالى: {أمَّن يُجيبُ المضطَرَّ إذا دعَاهُ ويكشِفَ السُّوءَ}(4).
ومما يدل على أن من أقوى أسباب الإجابة الاضطرار حديث الثلاثة الذين آواهم المبيت إلى غار فانحطت على فم الغار صخرة من الجبل أغلقت الغار عليهم، فقال بعضهم لبعض: انظروا أعمالاً عملتموها صالحة لله تعالى واسألوا الله بها لعله يفرجها عنكم، فدعوا الله تعالى بصالح أعمالهم فارتفعت الصخرة فخرجوا يمشون(5).
__________
(1) البيهقي في الشعب 2/399، وحسنه الألباني في سلسلة الأحاديث الصحيحة 3/212 برقم 1211.
(2) مسلم 3/1255.
(3) البخاري برقم 1154 والترمذي بلفظه إلا قوله: اللهم فإنها عنده ”ربِّ“ برقم 3414.
(4) سورة النمل، الآية: 62.
(5) البخاري، كتاب الأدب، باب إجابة دعاء من بر والديه، برقم 5974، ومسلم 4/2099.(1/71)
وعن عائشة رضي الله عنها أن وليدة كانت سوداء(1) لحيٍّ من العرب فأعتقوها فكانت معهم. قالت: فخرجت صبية لهم عليها وشاح أحمر من سيور، قالت فوضعته أو وقع منها فمرت به حُديّاة(2) وهو ملقى فحسبته لحماً فخطفته قالت: فطفقوا يفتشوا حتى فتشوا قُبُلها. قالت: والله إني لقائمة معهم إذ مرت الحديّاةُ فألقته، قالت: فوقع بينهم. قالت: فقلت هذا الذي اتهمتموني به زعمتم وأنا منه بريئة وهوذا، قالت فجاءت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأسلمت. قالت عائشة فكانت لها خباء في المسجد أو حفش(3) قالت فكانت تأتيني فتحدث عندي، قالت: لا تجلس عندي مجلساً إلا قالت:
ويوم الوشاحِ من تعاجيبِ ربِّنا
ألا إنه من بلدةِ الكفر أنجاني
قالت عائشة: فقلت لها: ما شأنك لا تقعدين معي مقعداً إلا قلت هذا؟ قالت: فحدثتني بهذا الحديث(4) وهذا سبب إسلامها، فرب ضارة نافعة.
12 ـ دعوة من بات طاهراً على ذكر الله:
عن معاذ بن جبل رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ”ما من مسلم يبيتُ على ذكر الله طاهراً فيتعارَّ من الليل فيسأل الله خيراً من الدنيا والآخرة إلا أعطاه الله إياه“(5).
13 ـ دعوة من دعا بدعوة ذي النون:
قال الله تعالى: {وَذَا النُّونِ إِذ ذَّهَبَ مُغَاضِبًا فَظَنَّ أَن لَّن نَّقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَن لا إِلَهَ إِلا أَنتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ الظَّالِمِينَ، فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذَلِكَ نُنجِي الْمُؤْمِنِينَ}(6).
__________
(1) وفي رواية للبخاري في حديث رقم 3835 ”أسلمت امرأة سوداء لبعض العرب“.
(2) وفي رواية البخاري ”الحُديا“ رقم 3835.
(3) الحفش: هو البيت الضيق الصغير.
(4) البخاري برقم 439، و3835.
(5) أبو داود برقم 5042، وأحمد 4/114 وصححه الألباني في صحيح أبي داود 3/951، وصحيح الترغيب والترهيب 1/245.
(6) سورة الأنبياء، الآيتان: 87، 88.(1/72)
عن سعيد بن أبي وقاص رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ”دعوة ذِي النون إذ دعا بها وهو في بطن الحوت: لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين، فإنه لم يدع بها رجلٌ مسلمٌ في شيء قط إلا استجاب الله له“(1).
14 ـ دعوة من أصيب بمصيبة إذا دعا بالمأثور:
عن أم سلمة رضي الله عنها قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ”ما من عبد تصيبه مصيبة فيقول: إنا لله وإنا إليه راجعون، اللهم أْجُرني في مصيبتي وأَخْلِف لي خيراً منها إلا آجره الله في مصيبته وأخلف له خيراً منها“. قالت: فلما توفي أبو سلمة قلت كما أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخلف لي خيراً منه. رسول الله صلى الله عليه وسلم(2).
15 ـ دعوة من دعا بالاسم الأعظم:
عن عبد الله بن بريدة عن أبيه قال: سمع النبي صلى الله عليه وسلم رجلاً يدعو وهو يقول: اللهم إني أسألك بأني أشهد أنك أنت الله لا إله إلا أنت الأحد الصمد الذي لم يلد ولم يولد، ولم يكن له كفواً أحد، قال فقال: ”والذي نفسي بيده لقد سأل الله باسمه الأعظم الذي إذا دُعي به أجاب، وإذا سُئل به أعْطى“(3).
__________
(1) أخرجه الترمذي 5/529، وأحمد في المسند 1/170، والحاكم 1/505، وصححه ووافقه الذهبي، قال عبد القادر الأرناؤوط في تخريج الكلم: ص86: وهو كما قالا. وحسنه ابن حجر، وصححه الألباني في صحيح الترمذي 3/168، وانظر: ص56، وص79 من هذا الكتاب.
(2) مسلم 2/632 برقم 918.
(3) الترمذي 5/515 وأبو داود 2/79، وأحمد 5/360، وابن ماجه 2/1267، والحاكم 1/504، وصححه الألباني في صحيح الترمذي 3/163.(1/73)
وعن أنس رضي الله عنه أنه كان مع رسول الله صلى الله عليه وسلم جالساً ورجل يصلي ثم دعا: اللهم إني أسألك بأن لك الحمد لا إله إلا أنت، المنان، بديع السماوات والأرض، يا ذا الجلال والإكرام، يا حي يا قيوم. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ”لقد دعا الله باسمه العظيم الذي إذا دُعي به أجاب وإذا سُئل به أعطى“(1).
16 ـ دعوة الولد البار بوالديه:
عن مالك عن يحيى بن سعيد أن سعيد بن المسيب كان يقول: إن الرجل ليرفع بدعاء ولده من بعده وقال بيده نحو السماء فرفعهما(2). وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ”إن الله ليرفع الدرجة للعبد الصالح في الجنة فيقول: يا ربِّ أنَّى لي هذه ؟ فيقول باستغفار ولدك لك“(3).
وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ”إذا مات الإنسان انقطع عمله إلا من ثلاثة: إلا من صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له“(4).
ومن ذلك حديث الثلاثة الذين انحدرت عليهم الصخرة، فإن منهم رجلاً كان برَّاً بوالديه فتوسل بذلك العمل الصالح، فاستجاب الله دعاءه(5).
ومن ذلك إخبار النبي صلى الله عليه وسلم عن أفضل التابعين، وأنه لو أقسم على الله لأبره، والسبب أن له والدة هو بها برٌ.
__________
(1) أبو داود 2/80، والترمذي 5/550، وابن ماجه 2/1268، والنسائي 3/52، وصححه الألباني في صحيح النسائي 1/279.
(2) أخرجه الإمام مالك 1/217 وقال المحقق عبد الباقي: قال ابن عبد البر هذا لا يدرك بالرأي وقد جاء بسند جيد.
(3) أخرجه أحمد في المسند 2/509، وصحح إسناده ابن كثير في تفسيره، 4/243.
(4) أخرجه مسلم 3/1255 في كتاب الوصية باب ما يلحق الإنسان من الثواب بعد وفاته رقم 1631.
(5) البخاري 4/37 ومسلم 4/2099.(1/74)
فعن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ”يأتي عليكم أويس بن عامر مع أمداد أهل اليمن، من مراد، ثم من قرن، كان به برص فبرأ منه إلا موضع درهم، له والدة هو بها بر، لو أقسم على الله لأبره، فإن استطعت أن يستغفر لك فافعل“(1).
17 ـ دعوة الحاج.
18 ـ دعوة المعتمر.
19 ـ دعوة الغازي في سبيل الله:
لحديث ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ”الغازي في سبيل الله، والحاج، والمعتمر وفد الله: دعاهم فأجابوه، وسألوه فأعطاهم“(2).
20 ـ دعوة الذاكر لله كثيراً:
عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ”ثلاثة لا يُردُّ دُعاؤُهم: الذاكر لله كثيراً، ودعوة المظلوم، والإمام المقسط“(3).
21 ـ دعوة من أحبه الله ورضي عنه:
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ”إن الله تعالى قال: من عادى لي ولياً فقد آذنته بالحرب، وما تقرب إليَّ عبدي بشيء أحبّ إليَّ مما افترضته عليه، وما يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ويده التي يبطش بها، ورجله التي يمشي بها، وإن سألني لأعطينّه، ولئن استعاذني لأعيذنه، وما ترددت عن شيء أنا فاعله ترددي عن نفس المؤمن يكره المؤت وأنا أكره مساءَتهُ“(4).
__________
(1) أخرجه مسلم 4/1968 في كتاب فضائل الصحابة باب فضائل أويس القرني رقم 2542.
(2) ابن ماجه برقم 2893، وحسنه الألباني في صحيح ابن ماجه 2/149، وسلسلة الأحاديث الصحيحة برقم 182، 4/433.
(3) أخرجه البيهقي في شعب الإيمان 2/399، والطبراني في الدعاء برقم 1211، وحسنه العلامة الألباني في سلسلة الأحاديث الصحيحة 3/211 برقم 1211.
(4) البخاري، كتاب الرقاق، باب التواضع برقم 6502.(1/75)
وهذا المحبوب المقرب الذي له عند الله منزلة عظيمة إذا سأل الله شيئاً أعطاه، وإن استعاذ به من شيء أعاذه، وإن دعاه أجابه، فيصير مجاب الدعوة لكرامته على ربه عز وجل، وقد كان كثير من السلف الصالح معروف بإجابة الدعوة(1)، وفي الصحيحين أن الرُّبيِّع بنت النضر كسرت ثنية جارية فعرضوا عليهم الأرش فأبوا، فطلبوا منهم العفو فأبوا، فقضى بينهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: بالقصاص، فقال أنس بن النضر: أتُكسر ثنية الرُّبيِّع؟ والذي بعثك بالحق لا تكسر ثنيتها، فرضي القوم وأخذوا الأرش، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ”إن من عباد الله من لو أقسم على الله لأبره“(2). وعن أنس رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ”كم من ضعيف متضعَّف(3) ذي طمرين لو أقسم على الله لأبره منهم البراء بن مالك“(4). ولفظه عند الترمذي: ”كم من أشعث أغبر ذي طمرين(5) لا يُؤْبَهُ لهُ(6) لو أقسم على الله لأبرَّه منهم البراء بن مالك“(7). وكان الحرب إذا اشتدت على المسلمين في الجهاد يقولون: يا براء أقسم على ربك، فيقول: يا رب أقسمت عليك لما منحتنا أكتافهم، فَيُهزم العدو، فلما كان يوم تُستر قال: أقسمت عليك يا رب لما منحتنا أكتافهم وجعلتني أول شهيد، فمنحوا أكتافهم وقتل البراء شهيداً(8).
__________
(1) انظر: جامع العلوم والحكم 2/348.
(2) البخاري برقم 2703، ومسلم برقم 1635 وغيرهما.
(3) الذي يتضعفه الناس ويتجبرون عليه في الدنيا للفقر ورثاثة الحال.
(4) الحاكم وصححه ووافقه الذهبي 3/292.
(5) ذي طمرين: أي صاحب ثوبين خلقين.
(6) لا يؤبه له: لا يُبالى به ولا يلتفت إليه.
(7) الترمذي 5/693 برقم 3854، وقال صحيح حسن، وصححه الألباني في صحيح الترمذي 3/239.
(8) أخرجه أبو نعيم في الحلية 1/350 وانظر: أسد الغابة 1/172، وابن كثير في البداية والنهاية 7/95.(1/76)
وقد ذكر ابن رجب رحمه الله في جامع العلوم والحكم أمثلة كثيرة على استجابة الله تعالى لكثير من عباده المؤمنين(1)، وشيخ الإسلام ذكر أموراً عظيمة من ذلك في كتابه الفرقان بين أولياء الرحمن وأولياء الشيطان(2)، وأبو بكر بن أبي الدنيا ذكر في كتابه "كتاب مجابي الدعوة" أموراً عظيمة(3).
__________
(1) انظر: جامع العلوم والحكم ص348-356.
(2) ص306-320.
(3) ذكر مائة وثلاثين إجابة ص17-18.(1/77)
الفصل السابع: أهمية الدعاء ومكانته في الحياة
المبحث الأول: افتقار العباد وحاجتهم إلى ربهم
جميع الخلق مفتقرون إلى الله تعالى في جلب مصالحهم ودفع مضارهم، في أمور دينهم ودنياهم، قال تعالى: {يا أيها النَّاسُ أنتُمُ الفُقراءُ إلى اللهِ واللهُ هوَ الغنيُّ الحَميدُ}(1). ومما يوضح ذلك ويبينه حديث أبي ذر رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم فيما يرويه عن ربه عز وجل أنه قال: "يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرماً فلا تظالموا، يا عبادي كلكم ضال إلا من هديته فاستهدوني أهدكم، يا عبادي كلكم جائع إلا من أطعمته فاستطعموني أطعمكم، يا عبادي كلكم عار إلا من كسوته فاستكسوني أكسكم، يا عبادي إنكم تخطئون بالليل والنهار وأنا أغفر الذنوب جميعاً فاستغفروني أغفر لكم، يا عبادي إنكم لن تبلغوا ضري فتضروني، ولن تبلغوا نفعي فتنفعوني، يا عبادي لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم كانوا على أتقى قلب رجل واحد منكم ما زاد ذلك في ملكي شيئاً، يا عبادي لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم كانوا على أفجر قلب رجل واحد منكم ما نقص ذلك من ملكي شيئاً، يا عبادي لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم قاموا في صعيد واحد فسألوني فأعطيت كل واحد مسألته ما نقص ذلك مما عندي إلا كما ينقص المخيط إذا أدخل البحر، يا عبادي إنما هي أعمالكم أحصيها لكم ثم أوفيكم إياها، فمن وجد خيراً فليحمد الله، ومن وجد غير ذلك فلا يلومن إلا نفسه"(2).
وهذا يقتضي أن جميع الخلق مفتقرون إلى الله تعالى في جلب مصالحهم ودفع مضارهم في أمور دينهم ودنياهم، وأن العباد لا يملكون لأنفسهم شيئاً من ذلك كله، وأن من لم يتفضل الله عليه بالهدى والرزق، فإنه يحرمها في الدنيا، ومن لم يتفضل الله عليه بمغفرة ذنوبه أوْبَقَتْه خطاياه في الآخرة(3).
__________
(1) سورة فاطر، الآية: 15.
(2) مسلم برقم 2577 وغيره.
(3) جامع العلوم والحكم لابن رجب رحمه الله 2/37.(1/78)
المبحث الثاني: أهم ما يسأل العبد ربه
العبد يسأل ربه كل شيء يحتاجه في أمر دينه ودنياه، لأن الخزائن كلها بيده سبحانه وتعالى، قال سبحانه: {وإنْ من شيءٍ إلا عندَنا خزآئِنُهُ وما نُنَزِّلهُ إلا بقدَرٍ مَّعلومٍ}(1). وهو سبحانه لا مانع لما أعطى ولا معطي لما منع، كما كان النبي صلى الله عليه وسلم يقول: "اللهم لا مانع لما أعطيت ولا معطي لما منعت ولا ينفع ذا الجدِّ منك الجدُّ"(2). أي لا ينفع ذا الغنى منك غناه وإنما ينفعه الإيمان والطاعة(3).
والله تعالى يحب أن يسأله العباد جميع مصالح دينهم ودنياهم، من المطاعم والمشارب، كما يسألونه الهداية، والمغفرة، والعفو والعافية(4) في الدنيا والآخرة، قال الله تعالى: {وسئَلُواْ اللهَ من فضلِهِ إنَّ اللهَ كانَ بكلِّ شيءٍ عليماً}(5). وعن أبي مسعود البدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "سلوا الله من فضله فإن الله يحب أن يُسأل وأفضل العبادة انتظار الفرج"(6). وعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ليسأل أحدكم ربَّه حاجتهُ كلَّها حتى يسأل شِسْعَ نعْلِهِ إذا انقطع"(7).
ولكن العبد يهتم اهتماماً عظيماً بالأمور المهمة العظيمة التي فيها السعادة الحقيقية ومن أهم ذلك ما يأتي:
__________
(1) سورة الحجر، الآية: 21.
(2) أخرجه مسلم 1/415.
(3) النهاية في غريب الحديث لابن الأثير 1/244.
(4) انظر: جامع العلوم والحكم لابن رجب 2/38-40.
(5) سورة النساء، الآية: 32.
(6) الترمذي برقم 3571 في الدعوات، باب رقم 116، وحسنه الشيخ عبد القادر الأرناؤوط في تحقيقه لجامع الأصول 4/166.
(7) أخرجه الترمذي، ولم أجده في نسختي قال عبد القادر الأرناؤوط في تحقيقه لجامع الأصول 4/166: "أخرجه الترمذي رقم 3607، 3608 في الدعوات، باب 149، وحسنه الترمذي وهو كما قال".(1/79)
1 ـ سؤال الله الهداية، لقوله تعالى: {مَن يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ وَمَن يُضْلِلْ فَلَن تَجِدَ لَهُ وَلِيًّا مُّرْشِدًا}(1). والهداية نوعان: هداية مجملة، وهي الهداية للإيمان والإسلام وهي حاصلة للمؤمن، وهداية مفصلة، وهي هدايته إلى معرفة تفاصيل أجزاء الإيمان والإسلام، وإعانته على فعل ذلك، وهذا يحتاج إليه كل مؤمن ليلاً ونهاراً، ولهذا أمر الله عباده أن يقرأوا في كل ركعة من صلاتهم قوله تعالى: {إيَّاكَ نعبُدُ وإيَّاكَ نستَعينُ}(2). وكان النبي صلى الله عليه وسلم يقول في دعائه الذي يستفتح به صلاته بالليل: ”... اهدني لما اختلف فيه من الحق بإذنك إنك تهدي من تشاء إلى صراط مستقيم“(3). وأوصى معاذ بن جبل رضي الله عنه أن يقول دبر كل صلاة: ”اللهم أعني على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك“(4). ومن دعائه صلى الله عليه وسلم في استفتاح صلاة الليل: ”... اهدني لأحسن الأخلاق لا يهدي لأحسنها إلا أنت، واصرف عني سيِّئها لا يصرف عني سيئها إلا أنت“(5). وقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم علي بن أبي طالب رضي الله عنه أن يسأل الله الهُدى والسداد: ”اللهم إني أسألك الهُدى والسداد“(6). وعلم الحسن بن علي رضي الله عنهما أن يقول في قنوت الوتر: ”اللهم اهدني فيمن هديت“(7).
2 ـ سؤال الله مغفرة الذنوب، لأن من أهم ما يسأل العبد ربه مغفرة ذنوبه أو ما يستلزم ذلك كالنجاة من النار ودخول الجنة(8).
__________
(1) سورة الكهف، الآية: 17.
(2) سورة الفاتحة، الآية: 6.
(3) مسلم 1/534، برقم 770.
(4) أبو داود 2/86، والنسائي 3/53 وصححه الألباني في صحيح أبي داود 1/284.
(5) مسلم 1/534، برقم 771.
(6) مسلم 4/209 برقم 2725.
(7) أخرجه أصحاب السنن، وصححه الألباني في إرواء الغليل 2/172، وفي صحيح سنن الترمذي 1/144، وفي صحيح ابن ماجه 1/194.
(8) جامع العلوم والحكم 2/41، 404.(1/80)
والعبد محتاج إلى الاستغفار من الذنوب، وطلب مغفرة ذنوبه من الله تعالى، لأنه يخطئ بالليل والنهار، والله يغفر الذنوب جميعاً، ولعظم هذا الأمر قال عليه الصلاة والسلام: ”يا أيها الناس توبوا إلى الله فإني أتوب في اليوم إليه مائة مرة“(1). وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: إن كنَّا لنعدُّ لرسول الله صلى الله عليه وسلم في المجلس الواحد مائة مرة يقول: ”ربِّ اغفر لي وتب عليَّ إنك أنت التوابُ الرحيم“(2). ولفظ الترمذي ورواية عند الإمام أحمد: ”رب اغفر لي وتب عليَّ إنك أنت التواب الغفور“(3).
وقال صلى الله عليه وسلم: ”من قال أستغفر الله العظيم الذي لا إله إلا هو الحي القيوم وأتوب إليه غفر الله له وإن كان فرَّ من الزحف“(4).
__________
(1) مسلم 4/2076.
(2) أبو داود برقم 1516، وابن ماجه برقم 3814، وصححه الألباني في صحيح أبي داود 1/283، وصحيح ابن ماجه 2/321، وأخرجه أحمد بهذا اللفظ أيضاً 1/21.
(3) الترمذي برقم 3444 وأحمد بلفظ الترمذي إلا أنه قال بالشك ”التواب الرحيم أو التواب الغفور“ 1/67.
(4) أبو داود 2/85 والترمذي واللفظ له 5/569 والحاكم وصححه ووافقه الذهبي 1/511، وصححه الألباني في صحيح الترمذي 3/182، وانظر: تحقيق الأرناؤوط لجامع الأصول 4/389.(1/81)
والله عز وجل يقول: {وَمَن يَعْمَلْ سُوءًا أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللَّهَ يَجِدِ اللَّهَ غَفُورًا رَّحِيمًا}(1). وقال: {وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِّمَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَى}(2). وعن أنس رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ”قال الله تعالى: يا ابن آدم إنك ما دعوتني ورجوتني غفرت لك على ما كان فيك ولا أبالي، يا ابن آدم لو بلغت ذنوبك عَنَانَ السماء ثم استغفرتني غفرت لك ولا أبالي، يا ابن آدم لو أتيتني بقراب الأرض خطايا ثم لقيتني لا تشرك بي شيئاً لأتيتك بقرابها مغفرة“(3).
__________
(1) سورة النساء، الآية: 110.
(2) سورة طه، الآية: 82.
(3) الترمذي 4/122 والدارمي 2/230، وحسنه الألباني في صحيح الجامع 5/548، وانظر: تحفة الأحوذي 9/525 وجامع العلوم والحكم 2/400-418.(1/82)
وكثيراً ما يُقْرَنُ الاستغفار بذكر التوبة فيكون الاستغفار حينئذ عبارة عن طلب المغفرة باللسان، والتوبة عبارة عن الإقلاع عن الذنوب بالقلوب والجوارح، وقد وعد الله في سورة آل عمران(1) بالمغفرة لمن استغفر من ذنوبه ولم يصر على ما فعله فتحمل النصوص المطلقة في الاستغفار كلها على هذا المقيد، وأما استغفار اللسان مع إصرار القلب على الذنب فهو دعاء مجرد إن شاء الله أجابه وإن شاء رده، وقد يكون الإصرار مانعاً من الإجابة(2)، فعن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ”ارحموا تُرحموا، واغفروا يغفر الله لكم، ويل لأقماع القول(3) ويل للمصرين الذين يصرون على ما فعلوا وهم يعلمون“(4).
وإن قال أستغفر الله وأتوب إليه فله حالتان:
الحالة الأولى: أن يقول ذلك وهو مصر بقلبه على المعصية فهذا كاذب في قوله: وأتوب إليه، لأنه غير تائب، فهو يخبر عن نفسه بأنه تائب وهو غير تائب.
والثانية: أن يكون مقلعاً عن المعصية بقلبه، ويسأله توبة نصوحاً ويعاهد ربه على أن لا يعود إلى المعصية، فإن العزم على ذلك واجب عليه فقوله ”وأتوب إليه“ يخبر بما عزم عليه في الحال(5).
__________
(1) سورة آل عمران، الآية: 135.
(2) جامع العلوم والحكم 2/407-411.
(3) جمع: قمع كضلع وهو الإناء الذي يترك في رؤوس الظروف لتملأ بالمائعات من الأشربة والأدهان شبه أسماع اللذين يستمعون القول ولا يعونه ولا يحفظونه ولا يعملون كالأقماع التي لا تعي شيئاً مما يفرغ فيها فكأنه يمر عليها مجازاً كما يمر الشراب في الأقماع اجتيازاً.
(4) أخرجه أحمد 2/165، 219، ورواه البخاري في الأدب المفرد برقم 380 وحسنه الحافظ ابن حجر في فتح الباري 1/112، وصححه الألباني في صحيح الأدب المفرد ص151، وفي سلسلة الأحاديث الصحيحة برقم 482.
(5) انظر: جامع العلوم والحكم 2/410-412.(1/83)
3 ـ سؤال الله الجنة والاستعاذة به من النار، لحديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لرجلٍ: ”ما تقول في الصلاة“؟ قال: أتشهد ثم أسأل الله الجنة، وأعوذ به من النار. أما والله ما أحسن دندنتك، ولا دندنة مُعاذ. فقال: ”حولها ندندنُ“(1) يعني حول سؤال الجنة والنجاة من النار. وعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ”من سأل الله الجنة ثلاث مرات قالت الجنة: اللهم أدخله الجنة، ومن استجار من النار ثلاث مرات قالت النار: اللهم أجره من النار“(2).
وعن ربيعة بن كعب الأسلمي رضي الله عنه قال: كنت أبيت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فأتَيْتُهُ بِوَضُوئهِ وحاجته فقال لي: ”سَلْ“ فقلت: أسألك مرافقتك في الجنة. قال: ”أو غير ذلك“؟ قلت: هو ذاك. قال: ”فأعني على نفسك بكثرة السجود“(3). وهذا يدل على كمال عقل ربيعة رضي الله عنه ورغبة في أعظم المطالب العالية الباقية وقد دله صلى الله عليه وسلم على كثرة السجود، لحديث ثوبان أنه قال للنبي صلى الله عليه وسلم: أخبرني بعمل أعمله يدخلني الله به الجنة أو قال: بأحب الأعمال إلى الله فقال: ”عليك بكثرة السجود، فإنك لا تسجد لله سجدة إلا رفعك الله بها درجة وحط عنك بها خطيئة“(4).
__________
(1) أبو داود برقم 792، 793 عن جابر وبعض أصحاب النبي صلّى الله عليه وسلّم، وابن ماجه عن أبي هريرة برقم 910 وصححه الألباني في صحيح أبي داود 1/150 وصحيح ابن ماجه 1/150.
(2) الترمذي 4/700 وابن ماجه 2/1453، وغيرهما، وصححه الألباني في صحيح الترمذي 2/319 وصحيح النسائي 3/1121.
(3) مسلم 1/353 برقم 489.
(4) مسلم 1/353 برقم 488.(1/84)
4 ـ سؤال الله العفو والعافية في الدنيا والآخرة، لحديث العباس ابن عبد المطلب قال: قلت يا رسول الله علمني شيئاً أسأله الله ؟ قال: ”سل الله العافية“ فمكثت أياماً ثم جئت فقلت يا رسول الله علمني شيئاً أسأله الله ؟ فقال لي: ”يا عباسُ، يا عمَّ رسول الله: سل الله العافية في الدنيا والآخرة“(1).
ولحديث أبي بكر الصديق رضي الله عنه أن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال على المنبر: ”سلوا الله العفو والعافية، فإن أحداً لم يعط بعد اليقين خيراً من العافية“(2).
__________
(1) الترمذي 5/534 برقم 3761 وصححه الألباني في صحيح الترمذي 3/170.
(2) الترمذي برقم 3811 وحسنه الألباني في صحيح الترمذي 3/180، وصحيح ابن ماجه برقم 3849. وللحديثين شواهد في مسند الإمام أحمد بترتيب أحمد شاكر 1/156-157. ومن حديث أنس بن مالك في الترمذي برقم 3846، وانظر: صحيح الترمذي 3/170، 180، 185.(1/85)
5 ـ سؤال الله تعالى الثبات على دينه وحسن العاقبة في الأمور كلها، لحديث عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ”إنَّ قلوب بني آدم كلها بين إصبعين من أصابع الرحمن كقلب واحد، يصرِّفه حيث شاء" ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ”اللهم مصرف القلوب صرِّف قلوبنا على طاعتك“(1). وحديث أم سلمة رضي الله عنها عندما سُئِلت عن أكثر دعائه إذا كان عندها قالت: كان أكثر دعائه: ”يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك“. قالت: قلت: يا رسول الله مالِ أكثر دعائك: ”يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك“؟ قال: ”يا أم سلمة، إنه ليس آدمي إلا وقلبه بين إصبعين من أصابع الله فمن شاء أقام، ومن شاء أزاغ“(2). ولحديث بسر بن أرطأة رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعو: ”اللهم أحسن عاقبتنا في الأمور كلها وأجرنا من خزي الدنيا وعذاب الآخرة“(3).
6 ـ سؤال الله تعالى دوام النعمة والاستعاذة به من زوالها، وأعظم النعم نعمة الدين، لحديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ”اللهم أصلح لي ديني الذي هو عصمة أمري، وأصلح لي دنياي التي فيها معاشي، وأصلح لي آخرتي التي إليها معادي، واجعل الحياة زيادة لي في كل خير، واجعل الموت راحة لي من كل شر“(4). وعن عبد الله ابن عمر رضي الله عنهما قال: كان من دعاء رسول الله صلى الله عليه وسلم: ”اللهم إني أعوذ بك من زوال نعمتك، وتحول عافيتك، وفجاءة نقمتك، وجميع سخطك“(5).
__________
(1) مسلم 4/2045 برقم 2654.
(2) الترمذي 5/238، وأحمد 4/182، والحاكم 1/525 و528 وصححه ووافقه الذهبي، وصححه الألباني في صحيح الترمذي 3/171.
(3) أحمد 4/181 وعزاه الهيثمي في مجمع الزوائد 10/178 إلى الطبراني في الكبير وقال: رجال أحمد وأحد أسانيد الطبراني ثقات.
(4) مسلم 4/2087 برقم 2720.
(5) مسلم 4/2097 برقم 2739.(1/86)
7 ـ الاستعاذة بالله من جهد البلاء ودرك الشقاء، وسوء القضاء وشماتة الأعداء، لحديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم: "كان يتعوذ من سوء القضاء، ومن درك الشقاء، ومن شماتة الأعداء، ومن جهد البلاء"(1).
وهذه نماذج من أهم المطالب التي ينبغي للعبد أن لا يُغْفِلها، وعليه ألا يغفل الدعاء بالصلاح له ولذريته ولجميع المسلمين. وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
__________
(1) مسلم 4/2080 برقم 2707.(1/87)
الفهرس
الموضوع
المقدمة ...
الفصل الأول: مفهوم الدعاء وأنواعه ...
المبحث الأول: مفهوم الدعاء ...
المبحث الثاني: أنواع الدعاء ...
النوع الأول: دعاء العبادة ...
النوع الثاني: دعاء المسألة ...
الفصل الثاني: فضل الدعاء ...
الفصل الثالث: شروط الدعاء وموانع الإجابة ...
المبحث الأول: شروط الدعاء ...
الشرط الأول: الإخلاص ...
الشرط الثاني: المتابعة ...
الشرط الثالث: الثقة بالله تعالى واليقين بالإجابة ...
الشرط الرابع: حضور القلب والرغبة فيما عند الله ...
الشرط الخامس: العزم والجزم والجد في الدعاء ...
المبحث الثاني: موانع إجابة الدعاء ...
المانع الأول: التوسع في الحرام ...
المانع الثاني: الاستعجال وترك الدعاء ...
المانع الثالث: ارتكاب المعاصي والمحرمات ...
المانع الرابع: ترك الواجبات ...
المانع الخامس: الدعاء بإثم أو قطيعة رحم ...
المانع السادس: الحكمة الربانية فيُعطى خير مما سأل ...
الفصل الرابع: آداب الدعاء وأماكن وأوقات وأحوال الإجابة ...
المبحث الأول: آداب الدعاء ...
يبدأ الداعي بحمد الله والثناء عليه والصلاة على النبي صلّى الله عليه وسلّم ...
الدعاء في الرخاء والشدة ...
لا يدعو على أهله أو ماله أو ولده ...
يخفض صوته في الدعاء بين المخافتة والجهر ...
يتضرع في دعائه إلى ربه ...
يلح في دعائه ...
يتوسل إلى الله تعالى بأنواع التوسل المشروعة ...
أنواع التوسل ثلاثة: ...
النوع الأول: التوسل باسم من أسماء الله أو صفة من صفاته ...
النوع الثاني: التوسل إلى الله تعالى بعمل صالح قام به الداعي ...
النوع الثالث: التوسل إلى الله تعالى بدعاء المسلم الحي الحاضر ...
الاعتراف بالذنب والتوبة منه والاعتراف بالنعمة وشكر الله عليها ...
عدم تكلف السجع في الدعاء ...
الدعاء ثلاثاً ...
استقبال القبلة ...
رفع الأيدي في الدعاء ...
الوضوء قبل الدعاء إن تيسر ...
البكاء في الدعاء من خشية الله تعالى ...
إظهار الافتقار إلى الله تعالى والشكوى إليه ...
يبدأ الداعي بنفسه إذا دعا لغيره ...
لا يعتدي في الدعاء ...
التوبة ورد المظالم ...
يدعو لوالديه مع نفسه ...
يدعو للمؤمنين والمؤمنات مع نفسه ...
لا يسأل إلا الله وحده ...
المبحث الثاني: أوقات وأحوال وأوضاع الإجابة ...
ليلة القدر ...
دبر الصلوات المكتوبات ...
جوف الليل الآخر ...
بين الأذان والإقامة ...
عند النداء للصلوات المكتوبات ...
عند إقامة الصلاة ...
عند نزول الغيث وتحت المطر ...
عند زحف الصفوف في سبيل الله ...
ساعة من الليل ...
ساعة من ساعات يوم الجمعة ...
عند شرب ماء زمزم مع النية الصالحة ...
في السحر ...
عند الاستيقاظ من النوم ليلاً والدعاء بالمأثور ...
عند الدعاء بـ لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين ...
عند الدعاء في المصيبة بـ إنا لله وإنا إليه راجعون ...
عند الدعاء بعد وفاة الميت بالمأثور ...
عند قولك في دعاء الاستفتاح "الله أكبر كبيراً" ...
عند قولك في دعاء الاستفتاح "الحمد لله حمداً كثيراً" ...
عند قراءة الفاتحة في الصلاة واستحضار ما يقول فيها ...
عند رفع الرأس من الركوع والدعاء بالمأثور ...
عند التأمين في الصلاة إذا وافق قول الملائكة ...
عن قول "ربنا ولك الحمد" في الرفع من الركوع ...
بعد الصلاة على النبي صلّى الله عليه وسلّم في التشهد الأخير والدعاء بالمأثور ...(1/88)
عند قولك قبل السلام في الصلاة: اللهم إني أسألك يا الله ...
عند قولك قبل السلام ”اللهم إني أسألك بأن لك الحمد“ ...
عند الدعاء بـ”اللهم إني أسألك بأني أشهد أنك أنت الله“ ...
عند دعاء المسلم عقب الوضوء بالمأثور ...
عند الدعاء في عرفة للحاج في عرفة ...
الدعاء بعد زوال الشمس قبل الظهر ...
في شهر رمضان ...
عند اجتماع المسلمين في مجالس الذكر ...
عند صياح الديكة ...
الدعاء حالة إقبال القلب على الله تعالى ...
الدعاء في عشر ذي الحجة ...
المبحث الثالث: أماكن تجاب فيها الدعوات ...
عند رمي الجمرة الصغرى والوسطى أيام التشريق للحاج ...
داخل الكعبة ومن دعا أو صلى داخل الحجر فهو من البيت ...
الدعاء على الصفا والمروة للحاج والمعتمر ...
الدعاء عند المشعر الحرام للحاج يوم النحر ...
الدعاء في عرفة يوم عرفة للحاج ...
الفصل الخامس: اهتمام الأنبياء بالدعاء واستجابة الله لهم ...
آدم عليه الصلاة والسلام ...
نوح عليه الصلاة والسلام ...
إبراهيم عليه الصلاة والسلام ...
أيوب عليه الصلاة والسلام ...
يونس عليه الصلاة والسلام ...
زكريا عليه الصلاة والسلام ...
يعقوب عليه الصلاة والسلام ...
يوسف عليه الصلاة والسلام ...
موسى عليه الصلاة والسلام ...
محمد عليه الصلاة والسلام ...
دعاؤه صلّى الله عليه وسلّم لأنس بن مالك ...
دعاؤه صلّى الله عليه وسلّم لأمِّ أبي هريرة ...
دعاؤه صلّى الله عليه وسلّم لعروة البارقي ...
دعاؤه صلّى الله عليه وسلّم على بعض أعدائه ...
دعاؤه صلّى الله عليه وسلّم على سراقة بن مالك ...
دعاؤه صلّى الله عليه وسلّم يوم بدر ...
دعاؤه صلّى الله عليه وسلّم يوم الأحزاب ...
دعاؤه صلّى الله عليه وسلّم يوم حنين ...
الفصل السادس: الدعوات المستجابات ...
دعوة المسلم لأخيه المسلم بظهر الغيب ...
دعوة المظلوم ...
دعوة الوالد لولده ...
دعوة الوالد على ولده ...
دعوة المسافر ...
دعوة الصائم ...(1/89)
دعوة الصائم حين يفطر ...
دعوة الإمام العادل ...
دعوة الولد الصالح لوالديه ...
دعوة المستيقظ من النوم إذا دعا بالمأثور ...
دعوة المضطر ...
دعوة من بات طاهراً على ذكر الله ...
دعوة من دعا بدعوة ذي النون ...
دعوة من أصيب بمصيبة إذا دعا بالمأثور ...
دعوة من دعا بالاسم الأعظم ...
دعوة الولد البار بوالديه ...
دعوة الحاج ...
دعوة المعتمر ...
دعوة الغازي في سبيل الله ...
دعوة الذاكر لله كثيراً ...
دعوة من أحبه الله ورضي عنه ...
الفصل السابع: أهمية الدعاء ومكانته في الحياة ...
المبحث الأول: افتقار العباد وحاجتهم إلى ربهم ...
المبحث الثاني: أهم ما يسأل العبد ربه ...
سؤال الله الهداية ...
سؤال الله مغفرة الذنوب ...
سؤال الله الجنة والاستعاذة به من النار ...
سؤال الله العفو والعافية في الدنيا والآخرة ...
سؤال الله الثبات على دينه وحسن العاقبة ...
سؤال الله دوام النعمة والاستعاذة به من زوالها ...
الاستعاذة بالله من جهد البلاء ودرك الشقاء ...
انتهى الكتاب ولله الحمد.(1/90)