سلسلة تزكية النفوس يهدى ولا يباع
(5)
شرف المؤمن
قال عمر بن الخطاب>:
إن نمت الليل ضيعت حظي مع الله
تأليف
الفقير إلى عفو ربه
أبي أنس
ماجد إسلام البنكاني
حقوق الطبع لكل من يريد طبعه وتوزيعه مجاناً
إن الحمد لله، نحمده، ونستعينه، ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله، فلا مضلَّ له، ومن يُضلل، فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله. وبعد، فإن قيام الليل من أفضل القربات إلى الله تعالى، حيث فيه العزة والشرف والنجاة عند الله يوم القيامة، وقد مدحهم الله سبحانه وتعالى وفضلهم على غيرهم. قال الله تعالى:[أَمّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا يَحْذَرُ الْآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ}.قال السعدي:هذه مقابلة بين العامل بطاعة اللّه وغيره،وبين العالم والجاهل، وأن هذا من الأمور التي تقرر في العقول تباينها، وعلم علما يقينا تفاوتها، فليس المعرض عن طاعة ربه،المتبع لهواه،كمن هو قانت أي:مطيع للّه بأفضل العبادات وهي الصلاة، وأفضل الأوقات وهو أوقات الليل، فوصفه بكثرة العمل وأفضله،ثم وصفه بالخوف والرجاء، وذكر أن متعلق الخوف عذاب الآخرة، على ما سلف من الذنوب، وأن متعلق الرجاء، رحمة اللّه، فوصفه بالعمل الظاهر والباطن.
تمهيد
قيام الليل هو سنّة الأنبياء الأصفياء الأتقياء، ودأب الصالحين الأوفياء الطاهرة قلوبهم من الداء الذي أحاط بالأدعياء، فالصدق مقصدهم، والنعيم موعدهم .(1/1)
كان الفضيل بن عياض رحمه الله يقول:"كان يقال من أخلاق الأنبياء والأصفياء الأخيار،الطاهرة قلوبهم، خلائق ثلاثة: الحلم والإنابة وحظ من قيام الليل". وأخذ الفضيل رحمه الله بيد الحسين بن زاد وقال: يا حسين، ينزل الله تعالى كل ليلة إلى سماء الدنيا فيقول الرب: "كذب من ادعى محبتي، فإذا جنّه الليل نام عني!! أليس كل حبيب يحب خلوة حبيبه؟ ها أنا مُطَّلع على أحبائي إذا جنّهم الليل، مثلت نفسي بين أعينهم فخاطبوني على المشاهدة، وكلَّموني على حضوري، غداً أقر أعين أحبائي في جناتي".
وقال رحمه الله: أدركت أقواماً يستحيون من الله سواد الليل من طول الهجعة، إنما هو على الجنب، فإذا تحرك قال: ليس هذا لك، قومي خذي حظك من الآخرة.
وكان رحمه الله يقول: إني لأقوم الليلة فيطلع الفجر فيرجف قلبي وأقول: جاء النهار بما فيه من الآفات".
وصلى علي بن أبي طالب> صلاة الفجر فلما سلم انتقل عن يمينه ثم مكث كأن عليه كآبة حتى إذا كانت الشمس على حائط المسجد قيد رمح قلب يده فقال: لقد رأيت أثراً من أصحاب رسول الله@ فما أرى أحداً يشبههم, والله إن كانوا ليصبحون شعثاً غبراً صفراً , بين أعينهم أمثال ركب المعزى, قد باتوا يتلون كتاب الله يراوحون بين أقدامهم وجباههم, إذا ذكر الله مادوا كما تميد الريح في يوم ريح فانهمرت أعينهم حتى تبل والله ثيابهم، والله لكأن القوم باتوا غافلين. بأبي وأمي أناس تشتاق إليهم الجنة لعبادتهم، كم بيننا وبينهم؟! كم في الصحابة رسول الله@ من أواهٍ تالٍ.. ما المجتهد فيمن بعدهم إلا كاللاعب، لقد سبقوا على خيل ضمر، واتعبوا من خلفهم.(1/2)
وهاهي هند زوج أبي سفيان وقد أتت زوجها صبيحة فتح مكة, ورأت تهجد الصحابة فقالت لزوجها:إني أريد أن أبايع محمداً @ قال أبو سفيان:قد رأيتك تكفرين. قالت: إي والله! والله ما رأيت الله تعالى عُبد حق عبادته في هذا المسجد قبل الليلة, والله إن باتوا إلا مصلين قياماً وركوعاً وسجوداً.حياة الصحابة(496).
هذا الموقف وهذا التهجد الطيب الصادق الذي شعَّ صِدْقَهُ ونوره, ورف نداه في جنبات مكة حتى أَثَّر في صخرها .. أثر في هند ومس شغاف قلبها ودفعها لتنضم لقافلة النور، وانظر إلى موقف آخر، والخير ما شهدت به الأعداء، عن عروة قال:لما تدانى العسكران[يوم اليرموك] بعث القبقلاء رجل عربياً، فذكر الحديث, وفيه: فقال:ما وراءك؟ قال: بالليل رهبان وبالنهار فرسان. موقف آخر: لما هزمت جنود هرقل أمام المسلمين, قال لهم:فما بالكم تنهزمون؟فقال شيخ من عظمائهم:من أجل أنهم يقومون الليل ويصومون النهار.انظر إلى عظيم الروم بعد خروجه من بيت المقدس إلى غير رجعة، قال: عليك السلام يا سورية سلاماً لا اجتماع بعده، ويرحل إلى عاصمة ملكه، وهناك يسأل رجلاً ممن اتبعه كان قد أسر مع المسلمين،فقال:أخبرني عن هؤلاء القوم.قال: أخبرك كأنك تنظر إليهم، هم فرسان بالنهار، رهبان بالليل، لا يأكلون في ذمتهم إلا بثمن، ولا يدخلون إلا بسلام، يقفون على من حاربوه حتى يأتوا عليه، فقال: لئن صدقت ليملكن موضع قدمي هاتين."البداية والنهاية" (7/59).وفي الصحيحين لما تُوفي عمر قال عليّ:ما خلفت أحداً أحب أن ألقى الله بمثل عمله منك يا عمر" كان في وجهه خطان أسودان مثل الشراك من البكاء، وكان يمر بالآية من ورده بالليل فيبكي حتى يسقط ويبقى في البيت حتى يُعاد للمرض. التبصرة (1/421).
هذه درجات أهل الفضائل وأهلها هم أهل الزلفى والدرجات العلى.
فضل قيام الليل وثوابه(1/3)
قال تعالى: { وعباد الرحمن الذين يمشون على الأرض هوناً وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاماً والذين يبيتون لربهم سجداً وقياماً } إلى قوله: { أولئك يجزون الغرفة بما صبروا ويُلقون فيها تحية وسلاماً خالدين فيها حسنت مستقراً ومقاما) الفرقان(63-75).وقال تعالى: { تتجافى جنوبهم عن المضاجع يدعون ربهم خوفاً وطمعاً ومما رزقناهم ينفقون فلا تعلم نفس ما أخفي لهم من قرة أعين جزاء بما كانوا يعملون } السجدة(16،17).وقال تعالى: { إن المتقين في جنات وعيون آخذين ما آتاهم ربهم إنهم كانوا قبل ذلك محسنين كانوا قليلاً من الليل ما يهجعون وبالأسحار هم يستغفرون } .الذاريات.وعن عائشة، أن رسول الله@كان يقوم من الليل حتى تتفطر قدماه، فقلت لم تصنع هذا وقد غفر لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر؟ قال: "أفلا أحب أن أكون عبداً شكوراً".(1)وعن فضالة بن عبيد، وتميم الداري، عن النبي@ أنه قال:"من قرأ عشر آيات في ليلة كتب له قنطار من الأجر ،والقنطار خير من الدنيا وما فيها ، فإذا كان يوم القيامة يقول ربك عز وجل: إقرأ وارق بكل آية درجة، حتى ينتهي إلى آخر آية معه، يقول الله عز وجل للعبد اقبض فيقول العبد بيده: يا رب أنت أعلم، يقول بهذه الخلد وبهذه النعيم".أي قبض يمينك عن الخلد وشمالك عن النعيم. صحيح الترغيب رقم(632).وعن أبي هريرة قال:قال رسول الله@: "من صلى في ليلةٍ بمائة آية لم يكتب من الغافلين ومن صلى في ليلةٍ بمائتي آية كتب من القانتين المخلصين".(2)وعن أبي هريرة قال:قال النبي@: "إن الله يتنزل إلى السماء الدنيا حتى يبقى ثلث الليل الآخر فيقول: من يدعوني فأستجب له، من يسألني فأعطيه، من يستغفرني فأغفر له".
__________
(1) رواه البخاري في التهجد(1130)،ومسلم في صفات المنافقين(7055، 7056،7057).
(2) صحيح ابن خزيمة(1143)وصفة الصلاة(ص120)،والصحيح(2/246)،وصحيح الترغيب(634).(1/4)
(1)
وعن جابر قال: سمعت رسول الله@ يقول:"إن في الليل لساعة لا يوافقها رجل مسلم يسأل الله خيراً من خير الدنيا والآخرة إلا أعطاه إياه وذلك كل ليلة".أخرجه مسلم في صلاة المسافرين برقم (1767،1768).وعن أبي سعيد، وأبي هريرة قالا: قال رسول الله@:"إن الله يمهل حتى إذا ذهب ثلث الليل الأول نزل إلى السماء الدنيا فيقول: هل من مستغفر، هل من تائب، هل من سائل، هل من داعٍ حتى ينفجر الفجر".أخرجه مسلم في كتاب صلاة المسافرين برقم (1774).قال ابن قدامة: فأما النوافل المطلقة فتشرع في الليل كله وفي النهار فيما سوى روينا النهي وتطوع الليل أفضل من تطوع النهار، قال أحمد: ليس بعد(2) المكتوبة عندي أفضل من قيام الليل والنبي@ قد أمر بذلك، قال الله تعالى [ومن الليل فتهجد به نافلة لك]،وروى أبو هريرة قال: قال رسول الله@: "أفضل الصلاة بعد الفريضة صلاة الليل" قال الترمذي هذا حديث حسن، وكان قيام الليل مفروضا بدليل قوله تعالى يا أيها المزمل قم الليل إلا قليلا نصفه ثم نسخ بقوله إن ربك يعلم أنك تقوم أدنى من ثلثي الليل.المغني(1/806)، والشرح الكبير(1/797).
وعن أبي هريرة قال:قال رسول الله:"أفضل الصيام بعد رمضان شهر الله المحرم وأفضل الصلاة بعد الفريضة صلاة الليل".رواه مسلم في كتاب الصيام (2747)قال النووي رحمه الله تعالى: فيه دليل اتفق العلماء عليه أن تطوع الليل أفضل من تطوع النهار، وفيه حجة لأبي إسحاق المروزي من أصحابنا ومن وافقه أن صلاة الليل أفضل من السنن الراتبة، وقال أكثر أصحابنا الراتبة أفضل لأنها تشبه الفرائض، والأول أقوى وأوفق للحديث والله أعلم".شرح النووي.
__________
(1) أخرجه البخاري في التهجد برقم (1345)،وفي التوحيد برقم(7494)، وفي الدعوات برقم (6321)، وأخرجه مسلم في صلاة المسافرين (1769).
(2) سقطت هذه الكلمة في الطبعة السابقة،فأصبحت العبارة:ليس المكتوبة،وهو خطأ،نستغفر الله تعالى.(1/5)
وعن أبي هريرة قال:قال رسول الله@:"رحم الله رجلاً قام من الليل فصلى وأيقظ امرأته فإن أبت نضح في وجهها الماء، رحم الله امرأة قامت من الليل فصلت وأيقظت زوجها فإن أبى نضحت في وجهه الماء". صحيح الجامع(3488)،وصحيح الترغيب(619).
وعن أبي مالك الأشعري عن النبي@ أنه قال: "إن في الجنة غرفاً يرى ظاهرها من باطنها وباطنها من ظاهرها أعدها الله لمن أطعم الطعام وأفشى السلام وصلى بالليل والناس نيام".(1)
وعن سهل بن سعد قال: جاء جبريل إلى النبي@ فقال: "يا محمد عش ما شئت فإنك ميت واعمل ما شئت فإنك مجزي به وأحبب من شئت فإنك مفارقه واعلم أن شرف المؤمن قيام الليل وعزه استغناؤه عن الناس". الصحيحة برقم (831)، وتمام المنة (ص 245).
وعن ابن مسعود عن النبي@ قال: "عجب ربنا من رجلين رجل ثار عن وطائه ولحافه من بين أهله وحبه إلى صلاته فيقول الله جل وعلا: انظروا إلى عبدي ثار عن فراشه ووطائه من بين حبه وأهله إلى صلاته رغبة فيما عندي وشفقة مما عندي، ورجل غزا في سبيل الله وانهزم أصحابه فعلم ما عليه في الإنهزام وماله في الرجوع فرجع حتى يهريق دمه فيقول الله: انظروا إلى عبدي رجع رجاء فيما عندي وشفقة مما عندي حتى يهريق دمه". صحيح الجامع (3876).
__________
(1) المشكاة (1232،1233)، صحيح ابن خزيمة (2137)، وصحيح الترغيب (612).(1/6)
وعن أبي الدرداء عن النبي@ قال:"ثلاثة يحبهم الله، ويضحك إليهم ويستبشر بهم: الذي إذا انكشفتْ فئةٌ قاتلَ وراءها بنفسه لله عزوجل، فإما أن يُقَتَلَ، وإما أن ينصرَه الله ويكفيه، فيقول: انظروا إلى عبدي هذا كيف صبر لي بنفسه؟ والذي له امرأَة حَسنةٌ وفراشٌ لين حسن فيقوم من الليل فيقول: يَذَرُ شهوتَه ويذكرني ولو شاء رَقَدَ، والذي إذا كان في سفر، وكان معه ركب، فسهروا، ثم هَجَعُوا فقام من السحر في ضراءَ وسراءَ".صحيح الترغيب برقم(623). وقال رسول الله@: "شرف المؤمن صلاته بالليل وعزه استغناءه عما في أيدي الناس". السلسلة الصحيحة رقم(1903).
وعن أبي هريرة وأبي سعيد قالا: قال رسول الله@: "إذا أيقظ الرجل أهله من الليل فصليا أو صلى ركعتين جميعاً كتبا في الذاكرين والذاكرات". وصححه الألباني في الترغيب برقم(620).
وعن عمرو بن عبسة أنه سمع النبي@ يقول: "أقرب ما يكون الرب من العبد في جوف الليل الآخر فإن استطعت أن تكون ممن يذكر الله في تلك الساعة فكن". صحيح الترغيب (622).
وعن عبد الله بن سلام قال: أول ما قدم رسول الله@ المدينة أنجفل الناس إليه فكنت فيمن جاءه فلما تأملت وجهه واستثبته عرفت أن وجهه ليس بوجه كذاب، قال: وكان أول ما سمعت من كلامه أنه قال: "أيها الناس أفشوا السلام وأطعموا الطعام وصلوا بالليل والناس نيام تدخلوا الجنة بسلام".صحيح الترغيب (610).
انجفل الناس:ذهبوا إليه بأجمعهم مسرعين.استثبته:أي:تحققته وتبينته.
وعن ابن مسعود، عن النبي@ قال: "إن الله ليضحك إلى رجلين: رجل قام في ليلةٍ باردةٍ من فِراشه لِحافِه ودِثاره فتوضأ، ثم قام إلى الصلاة، فيقول الله عز وجل لملائكته: ما حَمَلَ عبدي هذا على ما صَنع؟ فيقولون: ربنا رجاءَ ما عندك، وشفقة مما عندك فيقول: فإني قد أعطيتُه ما رجا، وأمَّنتُه مما يخاف."وذكر بقيته.صحيح الترغيب(624).(1/7)
وعن نافع: كان ابن عمر يصلي بالليل فيمر بالآية فيها ذكر الجنة فيقف فيسأل الله الجنة، ويدعو، وربما بكى، ويمر بالآية فيها ذكر النار، فيقف، ويتعوذ باالله من النار، ويدعو ربه، وربما بكى. وقرأ:(ويل للمطففين)فلما أتى على هذه الآية(يوم يقوم الناس لرب العالمين) بكى حتى خن .أخرجه البخاري مختصراً واللفظ له. وحتى انقطع عن قراءة ما بعدها ، وكان > يقول: ((لأن أدمع دمعة من خشية الله أحب إلي من أن أتصدق بألف دينار)) ا.هـ.
وعن أبي مليكة قال: بينما عبد الله بن عمر وراء المقام يصلي وقد شفا، القمر أن يغيب، مر به عبد الله بن طارق فوقف، فقال له: مالك يا ابن أخي؟ أتعجب مني أن أبكي!! فو الله إن هذا القمر ليبكي من خشية الله، أما والله لو تعلمون حق العلم لبكى أحدكم حتى ينقطع صوته، ولسجد حتى ينكسر صلبه)). شفا: قرب.
قال أبو الدرداء حكيم الأمة: إن العبد المسلم ليغفر له وهو نائم، فقالت أم الدرداء: وكيف ذاك؟ قال: يقوم أخوه من الليل فيتهجد، فيدعو الله فيستجيب له، ويدعوا لأخيه فيستجيب له. وكان رحمه الله قد بات ليلته يصلي فجعل يبكي ويقول:"اللهم أحسنت خَلْقِي فأحسن خُلُقي" حتى أصبح .
قيام أبي هريرة (راوية الإسلام):عن أبي عثمان النهدي قال: تضيَّفتُ أبا هريرة سبعاً، فكان هو وامرأته وخادمه يقسمون الليل ثلاثاً يصلي هذا ثم يوقظ هذا."الإصابة لابن حجر(ج4ص209).وفي رواية أخرى: أن أبا هريرة كان يقوم ثلث الليل، وتقوم امرأته ثلث الليل،ويقوم ابنه ثلث الليل إذا نام هذا قام هذا .وكان وأصحابه إذا صاموا قعدوا في السحر قالوا: نطهر سيئاتنا، رحمه الله ورضي عنه: فقد كان يسبح كل يوم اثنتي عشرة ألف تسبيحة، يقول: أسبح بقدر ذنوبي، فحياته حديث وتسبيح واستغفار وقيام.(1/8)
قيام ترجمان القرآن وحبر الأمة عبد الله بن عباس: عن عبد الله بن أبي مليكةقال: صحبت ابن عباس {من مكة إلى المدينة فكان إذا نزل قام شطر الليل فسأله أيوب:كيف كانت قراءته؟ قال:قرأ(وجاءت سكرة الموت بالحق ذلك ما كنت منه تحيد) فجعل يرتل ويكثر في ذلكم النشيج من الليل فدعا له.
قيام سيد التابعين: سعيد بن المسيب رحمه الله، عن عبد الله بن إدريس عن أبيه قال: صلى سعيد بن المسيب الغداة بوضوء العتمة خمسين سنة, وكان يسرد الصوم)). وعن ابن حرملة, قلت لبرد مولى ابن المسيب: ما صلاة ابن المسيب في بيته؟ قال: ما أدري, إنه ليصلي صلاة كثيرة،إلا أنه يقرأ بـ (ص والقرآن ذي الذكر) .
قال عاصم بن العباس الأسدي: "وكان سعيد بن المسيب يذكر ويخوف, وسمعته يقرأ في الليل على راحته فيكثر, وسمعته يجهر ببسم الله الرحمن الرحيم, وكان يحب أن يسمع الشعر, وكان لا ينشده, ورأيته يمشي حافياً " .
قال إبراهيم بن محمد: كان لمسروق ستر بينه وبين أهله فيقبل على صلاته , أو عبادته ويخلي بينهم وبين دنياهم .
أبي العالية _ رحمه الله، قال رحمه الله:"كنا نعد من أعظم الذنب أن يتعلم الرجل القرآن ثم ينام لا يقرأ منه شيئاً ".
أبو قلابة: الحافظ القدوة العابد محدث البصرة عبد الملك بن محمد بن عبد الله الرقاشي، قال أحمد بن كامل القاضي: قيل أن أبي قلابا كان يصلي في اليوم والليلة أربعمائة ركعة.
قيل: إن أم أبي قلابة أريت وهي حامل به كأنها ولدت هدهداً، فقال لها عابر: إن صدقت رؤياك تلدين ولداً يكثر الصلاة .
قيام مالك بن دينار: قال: لو استطعت أن لا أنام لم أنم مخافة أن ينزل العذاب وأنا نائم، ولو وجدت أعواناً لفرقتهم ينادون في سائر الدنيا كلها: أيها الناس النار..النار.. الحلية (ج2ص369).(1/9)
وقال المغيرة بن حبيب: تعاهدت مالكاً ذات ليلة فجئت، وقد لبست قطيفة في ليالي الشتاء، قال: فطرحت نفسي على باب البيت، قال فدخل مالك فاستقبل القبلة، وأخذ بلحيته، وجعل يقول: يا رب إذا جمعت الأولين والآخرين فحرّم شيبة مالك على النار، فما زال كذلك حتى يطلع الفجر. الزهد(325)،الحلية(ج2ص361).
وكان إذا قام في محرابه يقول: يا رب قد عرفت ساكن الجنة وساكن النار فأي الدارين دار مالك؟ ثم يبكي .
قيام أيوب السختياني: سيد الفتيان، وفتى العباد والرهبان، السختياني أيوب بن كيسان كان "سيد الفقهاء" كما يقول شعبة و"سيد الفتيان" كما يقول الحسن .كان يقوم الليل كله فيخفي ذلك، فإذا كان عند الصبح رفع صوته كأنه قام تلك الساعة.ولكن كيف يخفي الليل بدراً ساطعاً؟رحمك الله يا سختياني.قال ابنه: كان يجهر بالقرآن من الليل، وكان يقوم بالسحر الأعلى .
قيام أبي جعفر الباقر:الإمام سيد بني هاشم في وقته محمد الباقر بن علي بن الحسين شُهر بالباقر من: بَقَر العلم، أي : شَقَّه فعرف أصله وخفيّه.ولقد كان أبو جعفر إماماً مجتهداً تالياً لكتاب الله،كبير الشأن.
قال عبد الله بن يحيى: رأيت على أبي جعفر إزاراً أصفر، وكان يُصلي كل يوم وليلة خمسين ركعة بالمكتوبة.
وعن عبد الله بن محمد بن عقيل: بلغنا أن أبا جعفر كان يصلي في اليوم والليلة مئة وخمسين ركعة. وعنه قال: أتاني جابر بن عبد الله، وأنا في الكتاب، فقال لي: اكشف عن بطنك، فكشفت، فألصق بطنه ببطني، ثم قال: أمرني رسول الله@ أقرئك منه السلام.
قيام عاصم بن سليمان الأحول: الحافظ قاضي المدائن: قال الثوري: حفاظ الناس أربعة: إسماعيل بن أبي خالد، وعاصم الأحول، ويحيى بن سعيد الأنصاري، وعبد الملك بن سليمان، وأَبى أن يجعل الأعمش معهم.قال محمد بن عباد: إن أبي قال:ربما كان عاصم الأحول صائماً فيفطر،فإذا صلى العشاء تنحى يصلي فلا يزال يصلي حتى الفجر .(1/10)
ضيغم بن مالك الراسبي: قال سيار بن حاتم العنزي: كان ورد ضيغم كل يوم أربعمائة ركعة. قال: وربما أتيته قتقول الجارية: هو في طحينه لم يفرغ منه بعد.إسناده حسن ذكره ابن أبي الدنيا في "التهجد"ص(472)، وابن الجوزي في"صفة الصفوة" (3/241)، وذكره الذهبي عن ابن الأعرابي في "السير" (8/421) .
قيام محمد بن المنكدر:"سيد القراء" كان محمد بن المنكدر ربما يقوم من الليل فيصلي ويقول: كم من عين الآن ساهرة في رزء، وكان له جار مبتلى فكان يرفع صوته من الليل يصيح، وكان محمد يرفع صوته بالحمد، فقيل له في ذلك فقال: يرفع صوته بالبلاء وأرفع صوتي بالنعمة."حلية الأولياء" (3/147) .
قيام عمران بن مسلم: القصير الرباني،العابد أبي بكر البصري. يروى عنه أنه عاهد الله ألا ينام إلا عن غلبة.سير أعلام النبلاء(6/195ـ 200).
قيام زين العابدين علي بن الحسين:السجاد ذي الثفنات:كانت لركبته ثفنات كثفنات البعير من كثرة صلاته, وكان يقطعها في الطعام مرتين وكان إذا فرغ من وضوئه للصلاة وصار بين وضوئه وصلاته أخذته رعدة ونفضه.فقيل له في ذلك، فقال:ويحكم أتدرون إلى من أقوم ؟ومن أريد أن أناجي ؟!وكان يسمى زين العابدين لعبادته. قال مالك:"لقد بلغني أنه كان يصلي في كل يوم وليلة ألف ركعة إلى أن مات" وكان أناس من أهل المدينة يعيشون لايدرون من أين كان معاشهم؟ فلما مات علي بن الحسين فقدوا ما كانوا يؤتون به في الليل, ولما مات وجدوا بظهره آثاراً مما كان يحمل بالليل جرب الدقيق إلى المساكين.
قيام طاووس بن كيسان: كان رحمه الله يفرش فراشه ثم يضطجع عليه يتقلى كما تتقلى الحبة في القلاة, ثم يثب فيدرجه ويستقل القبلة حتى الصباح ويقول: طيّر ذكر جهنم نوم العابدين .
وكان يقول: ألا رجل يقوم بعشر آيات من الليل فيصبح وقد كتب له مائة حسنة أو أكثر من ذلك .(1/11)
وحبس الناس الأسد ليلة في طريق الحج , فدق الناس بعضهم بعضاً, فلما كان السحر ذهب عنهم, فنزل الناس يميناً شمالاً فألقوا أنفسهم فناموا, وقام طاووس يصلي, فقال رجل لطاووس: فإنك قد نصبت منذ الليل؟ فقال طاووس: ومن ينام في السحر؟!
قيام مصعب بن ثابت بن عبد الله بن الزبير: الإمام القدوة أبي عبد الله الأسدي المدني كان من أعبد أهل زمانه. صام هو وأخوه نافع من عمرهما خمسين سنة, قالت عنه ابنته أسماء بنت مصعب: كان أبي يصلي في اليوم والليل ألف ركعة .وقال يحيى بن مسكين: ما رأيت أحد قط أكثر صلاة من مصعب ابن ثابت, كان يصلي في كل يوم وليلة ألف ركعة, ويصوم الدهر .
وقال مصعب بن عثمان وخالد بن وضاح: كان مصعب بن ثابت يصوم الدهر, وصلي في اليوم والليل ألف ركعة، يبس من العبادة, وكان من أبلغ أهل زمانه .
قيام هشام الدستوائي: كان شعبة يقول عنه: ما أقول لكم إن أحداً طلب الحديث يريد وجه الله تعالى إلا هشام الدستوائي. كان رحمه الله يقول: إن لله عباداً يدفعون النوم مخافة أن يموتوا في منامهم. وكان رحمه الله لا يطفي سراجه بالليل, فقالت له أمرأته:إن هذا السراج يضربنا إلى الصباح فقال:ويحك إنك إذا أطفيتيه ذكرت ظلمة القبر فلم أتقار.
قيام الأوزاعي:شيخ الإسلام أبي عمرو، قال أبو مسهر:كان الأوزاعي يحي الليل صلاة وقرآناً وبكاء. وروى عنه رحمه الله أنه حج فما نام على الراحة , إنما هوفي صلاة,فإذا نعس استند إلى القتب.
ودخلت امرأة كانت لها صلة بزوج الأوزاعي , فنظرت فوجدت بللاً في مسجده في موضع سجوده , فقالت لها : ثكلتك أمك أراك غفلت عن بعض الصبيان حتى بال في مسجد الشيخ , فقالت لها: ويحك هذا يصبح كل ليلة من أثر دموع الشيخ في سجوده .(1/12)
وكان رحمه الله يقول: من أطال القيام في صلاة الليل هون الله عليه طول القيام يوم القيامة أجذ ذلك من قوله تعالى:((ومن الليل فاسجد له وسبحه ليلاً طويلاً. إن هؤلاء يحبون العاجلة ويذرون وراءهم يوماً ثقيلاً )).
قيام أبي جعفر المنصور الخليفة العباسي:قال الحافظ ابن كثير رحمه الله: كان إذا صلى العشاء نظر في الكتب والرسائل الواردة من الآفاق، وجلس عنده من يسامره إلى ثلث الليل، ثم يقوم إلى أهله فينام في فراشه إلى الثلث الآخر، فيقوم إلى وضوئه وصلاته حتى ينفجر الصباح ثم يخرج فيصلي بالناس.وكان يقول لابنه: يا بني لا تجلس مجلساً إلا وعندك من أهل الحديث من يحدثك، فإن الزهري قال :علم الحديث ذكر لايحبه إلا ذكران الرجال ولا يكرهه إلا مؤنثوهم ، وصدق أخو زهرة )) ولقد كان في شبيبته يطلب العلم من مظانه والحديث والفقه فنال جيداً وطرفاً صالحاً. وقد قيل له يوماً: يا أمير المؤمنين هل بقي شئ من اللذات لم تنله؟ قال: شئ واحد، قالوا: وما هو؟ قال: قول المحدث للشيخ من ذكرت رحمك الله؟ فاجتمع وزراءه وكتابه، وجلسوا حوله، وقالوا: ليمل علينا أمير المؤمنين شيئاً من الحديث، فقال: لست منهم، إنما هم الدنسة ثيابهم، المشققة أرجلهم، الطويلة شعورهم،رواد الآفاق، وقطاع المسافات، تارة بالعراق وتارة بالحجاز وتارة بالشام وتارة باليمن، فهؤلاء نقلة الحديث.البداية والنهاية(10/125،126) .
وكان ابن عمر إذا أتى على هذه الآية (ألم يأن للذين آمنوا أن تخشع قلوبهم لذكر الله وما نزل من الحق)بكى وقال:بلى يا رب,بلى يا رب
قيام هرم بن حيّان رحمه الله:الهائم الولهان، القائم العطشان، عاش في حبه ولهان حرقاً، وعاد قبره حين دفن ريّان غدقاً.(1/13)
عن المعلى بن زياد قال: كان هرم بن حيّان يخرج في بعض الليالي وينادي بأعلى صوته:"عجبت من الجنة كيف ينام طالبها؟! وعجبت من النار كيف ينام هاربها؟! ثم قرأ( أفأمن أهل القرى أن يأتيهم بأسنا بياتاً وهم نائمون) ثم يقرأ ((العصر، وألهاكم ثم يرجع)).وبات رحمه الله عند حممة صاحب رسول الله@ قال: فبات حممة ليلته يبكي كلها حتى أصبح، فلما أصبح قال له هرم: يا حممة ما أبكاك؟ قال: ذكرت ليلة صبيحتها تبعثر القبور فتخرج من فيها وتتكاثر نجوم السماء فأبكاني ذلك.وتمثل محمد بن نافع في السحر ببيت من الشعر فرفع هرم عليه السوط وجلده على الظهر قائلاً له: أفي هذه الساعة التي ينزل فيها الرحمن ويستجاب فيها الدعاء تتمثل بالشعر؟ .
وعن الحسن رحمه الله وكلامه يستمطر الدمع لصدقه،وليست النائحة الثكلى كالنائحة المستعارة يقول: إن لله عز وجل عباداً كمن رأى أهل الجنة في الجنة مخلدين، وكمن رأى أهل النار في النار مخلدين: قلوبهم محزونة،وشرورهم مأمونة،حوائجهم خفيفة وأنفسهم عفيفة، صبروا أياماً قصاراً تعقب راحة طويلة.أما الليل فَمُصَّافَّةً أقدامهم، تسيل دموعهم على خدودهم، يجأرون:ربنا ربنا، وأما النهار فحلماء علماء،بررة أتقياء كأنهم القداح، ينظر إليهم الناظر فيحسبهم مرضى، وما بالقوم من مرض، أوخوالط ولقد خالط القوم من ذكر الآخرة أمر عظيم.
قيام الربيع بن خُثيم رحمه الله: تلميذ عبد الله بن مسعود الذي كان يثني عليه فيقول:" يا أبا يزيد، لو رآك رسول الله@ لأحبك، وما رأيتك إلا ذكرت المخبتين". عن عبد الرحمن بن عجلان قال: بت عند الربيع بن بن خثيم ذات ليلة فقام يصلي، فمرّ بهذه الآية: (أم حسب الذين اجترحوا السيئات) فمكث ليلته حتى أصبح ما جاوز هذه الآية إلى غيرها ببكاء شديد. وكان أصحابه يعلَّمون شعره عند المساء، وكان ذا وفرة ثم يصبح والعلامة كما هي، فيعرفون أن الربيع لم يضع جنبه الليلة على فراشه.(1/14)
وكانت أمه تناديه: يا بني يا ربيع ألا تنام؟ فيقول: يا أمه من جنّ عليه الليل وهو يحالف البيات حق له ألا ينام.
وكانت ابنته تقول له: يا أبت مالي أرى الناس ينامون ولا أراك تنام؟! فقال: إن النار لا تدع أباك أن ينام. واشترى رحمه الله فرساً بثلاثين ألفاً فغزا عليها، ثم أرسل غلامه يسار يحتش وقام يصلي،وربط فرسه،فجاء الغلام فقال: ياربيع أين فرسك؟ قال: سُرِقت يا يسار قال: وأنت تنظر إليها؟ قال: نعم يا يسار إني كنت أناجي ربي عز وجل فلم يشغلني عن مناجاة ربي شيء، اللهم إنه سرقني ولم أكن لأسرقه، اللهم إن كان غنيّاً فاهده، وإن كان فقيراً فأغنه، ثلاث مرات.يا لروعة الموقف، ويا حسن أخلاقك يا أبا يزيد حين تدعوا لسارقك. وأنى للكلمات أن تصور رقة هذا الموقف؟ ونعم تلميذ عبد الله ابن مسعود أنت فقد ربّاك على سمعه وبصره، وصُنعت على عينه.
قيام حسان بن أبي سنان: قالت امرأة حسّان بن أبي سنان عنه: كان يجيء فيدخل في فراشي، ثم يخادعني كما تخادع المرأة صبيها، فإذا علم أني نمت سل نفسه فخرج، ثم يقوم فيصلي، قالت: فقلت له يا أبا عبدالله كم تعذب نفسك؟ ارفق بنفسك! فقال: اسكتي، ويحك! فيوشك أن أرقد رقدة لا أقوم منها زماناً.
قيام سفيان الثوري: قال عنه أبو نعيم: سمعت سفيان يقول: إني لأفرح بالليل إذا جاء .وعن زائدة عن سفيان قال: إذا جاء الليل فرحت، وإذا جاء النهار حزنت.
وقال أبو خالد الأحمر: أكل سفيان ليلة فشبع فقال: إن الحمار إذا زيد في علفه زيد في عمله فقام حتى أصبح.
قال عبد الرزاق: أضاف سفيان برجل من أهل مكة، فقرب إليه الطعام فأكل أكلاً جيداً، ثم قرب إليه التمر فأكل أكلاً جيداً، ثم قرب إليه الموز فأكل أكلاً جيداً، ثم قام فشدّ وسطه فقال: يُقال شبّع الحمار ثم كده. فلم يزل منتصباً حتى أصبح.(1/15)
وقال أبو يزيد المعنى: كان سفيان إذا أصبح مد رجليه إلى الحائط ورأسه إلى الأرض كي يرجع الدم إلى مكانه من قيام الليل، وكانت ساق سفيان كيمخت:يعني: من التورك في الصلاة عليها. وقال عنه محمد بن يوسف:كان الثوري يقيمنا بالليل فيقول: قوموا يا شباب، صلّوا ما دمتم شباباً، وفي رواية: إذا لم تصلوا اليوم فمتى؟ وكان رحمه الله يخرج يدور بالليل وينضح في عينيه الماء حتى يذهب عنه النعاس.
ولما قيل له: كيف تصنع في ليلك ؟ قال: لها عندي أول نومة تنام ما شاءت لا أمنعها فإذا استيقظت فلا أقيلها والله.
وقرأ رحمه الله ليلة:{إنا كنا قبل في أهلنا مشفقين}. فخرج فاراً على وجهه حتى لحقوه، واجتمعت بنو ثور عليه وهو شاب يناشدونه مما كان فيه من العبادة أي أقصر عن هذا. وقال عبد الرحمن ابن مهدي: ما عاشرت في الناس رجلاً أرق من سفيان الثوري، وكنت أرمقه في الليلة بعد الليلة ينهض مذعوراً ينادي: النار النار شغلني ذكر النار عن النوم والشهوات.رحمك الله يا إمام فقد كنت قواماً إذا أقبل الدّجى.. بعبرة مشتاق وقلب عميد.
قيام علي بن الفضيل بن عياض: قال الفضيل: أشرف ليلة علي وهو في صحن الدار وهو يقول: النار، ومتى الخلاص من النار؟. وكان رحمه الله يصلي حتى يزحف إلى فراشه، ثم يلتفت إلى أبيه فيقول: يا أبت سبقني المتعبدون. من كبار الأولياء: مات قبل أبيه، كان قانتاً لله، خاشعاً، وجلاً ربانياً، كبير الشأن .
قال ابن المبارك لفضيل بن عياض: يا أبي عليّ ما أحسن حال من انقطع إلى الله، فسمع ذلك علي، فسقط مغشياً عليه .(1/16)
وقال الفضيل: أشرفت ليلة على عليّ، وهو في صحن الدار، وهو يقول: النار النار، ومتى الخلاص من النار؟ وقال لي: يا أبة سل الذي وهبني لك في الدنيا أن يهبني لك في الآخرة. ثم قال: لم يزل منكسر القلب حزيناً، ثم بكى الفضيل، ثم قال: كان يساعدني على الحزن، يا ثمرة قلبي، شكر الله لك ما قد علمه فيك. قال ابن عيينة:ما رأيت أخوف من الفضيل وابنه،وقال الفضيل:اللَّهم إني اجتهدت أن أؤدب علياً، فلم أزل على تأديبه،فأدَّبه أنت لي.قال أبو سليمان الداراني:كان علي بن الفضيل لا يستطيع أن يقرأ ( القارعة) ولا تقرأ عليه .
قال الفضيل بن عياض: بكى عليّ ابني. فقلت يا بني ما يبكيك؟ قال: أخاف ألا تجمعنا القيامة. وقد مات عليّ رحمه الله من جرّاء آية وهي قول الله تبارك وتعالى:(ولو ترى إذ وقفوا على النار فقالوا يا ليتنا نرد). الأنعام ( 27) .
قيام الليل عند شيخ الإسلام ابن تيمية: يقول عنه شمس الدين الحنبلي:
ولم يزل في قيام الدين مجتهداً وإن خلا في الدياجي فهو مبتهل
رحمك الله يا أبا العباس، حين تقول: ماذا يصنع أعدائي بي؟ .. أنا جنتي وبستاني في صدري أينما رحت فهي معي.. إن معي كتاب الله وسنة نبيه @ إن قتلوني فقتلي شهادة ..وإن نفوني عن بلدي فنفي سياحة وإن سجنوني فأنا في خلوة مع ربي.. إن المحبوس من حبس عن ربه، وإن الأسير من أسره هواه.. نعم يا شيخ الإسلام ويا زين المجتهدين..كما يصفك ويرثيك الإمام زين الدين بن الحسام الشلبي .
يجفو المصاجع راكعاً وساجداً
أو ذاكراً لله في الظلماء
قال يحيى بن معاذ: دواء القلب خمسة أشياء: قراءة القرآن بالتفكر، وخلاء البطن، وقيام الليل، والتضرع عند السحر، ومجالسة الصالحين.
وسئل رحمه الله: ما العبادة؟ قال: حرفة حانوتها الخلوة وربحها الجنة .
وكتب إلى حذيفة المرعشي: " احسر عن رأسك قناع الغافلين، وانتبه من رقدة الموتى، وشمر للسباق غداً، فإن الدنيا ميدان المتسابقين" .(1/17)
وقال عابد بجبال بيت المقدس:" ذهبت الآلام عن أبدان الخدام، وولهت بالطاعة عن الشراب والطعام، وألفت أبدانهم طول القيام بين يدي الملك العلام" .
أسلم رجل كان عابداً للصنم، فقال لمن أسلم على أيديهم حين رآهم بعد أن جنّ عليهم الليل وصلوا العشاء أخذوا مضاجعهم، قال: هذا الإله الذي دللتموني عليه إذا جنّ عليه الليل ينام ؟ فقالوا: هو عظيم قيوم لا ينام. قال: بئس العبيد أنتم تنامون ومولاكم لا ينام.
وأخيراً إحرص أخي المسلم على قيام الليل، قال أبو ذر الغفاري:((يا أيها الناس إني لكم ناصح, إني عليكم شفيق, صلوا في ظلمة الليل لوحشة القبور, وصوموا الدنيا لحر يوم النشور, وتصدقوا مخافة يوم عسير, يا أيها الناس إني لكم ناصح أني عليكم شفيق)). الزهد لابن حنبل.
هذا وقد استفدت كثيراً من كتاب رهبان الليل للشيخ الفاضل حسين عفاني حفظه الله تعالى، حيث أخذت منه مواضيع كثيرة من باب أن يعم النفع للمسلمين، فأسأل الله عز وجل أن يجزل له المثوبة .
ونسأله سبحانه وتعالى أن يعيننا على قيامه،كما نسأله الإخلاص في القول والعمل. وبهذا تم البحث،والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات. وسبحانك اللهم وبحمدك أشهد أن لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك
وكتب الفقير إلى عفو ربه
الناصح لكم ماجد البنكاني
أبو أنس العراقي
8/صفر/ 1428هـ.
26/2/2007م
هذه الصفحة تكون على الغلاف من الخلف(1/18)
عن أبي هريرة، قال رسول الله @: "شرف المؤمن صلاته بالليل وعزه استغناؤه عما في أيدي الناس". صحيح الجامع حديث رقم(3710). يعني تهجده فيه والشرف لغة العلو وشرف كل شيء أعلاه، لما وقف في ليله وقت صفاء ذكره متذللاً متخشعاً بين يدي مولاه لائذاً بعز جنابه وحماه شرفه بخدمته ورفع قدره عند ملائكته وخواص عباده بعز طاعته على من سواه (وعزه استغناؤه عما في أيدي الناس) يعني عدم طمعه فيما في أيديهم فإنه لما أنزل فقره وفاقته برب الناس أعزه بعزه وأغناه بغناه. عن علي، قال رسول الله @: "أتاني جبريل فقال: يا محمد! عش ما شئت فإنك ميت وأحبب من شئت فإنك مفارقه واعمل ما شئت فإنك مجزي به واعلم أن شرف المؤمن قيامه بالليل وعزه استغناؤه عن الناس". صحيح الجامع رقم(73). وقد تضمن الحديث التنبيه على قصر الأمل والتذكير بالموت واغتنام العبادة وعدم الاغترار بالاجتماع والحث على التهجد وبيان جلالة علم جبريل وغير ذلك .فيض القدير .
قال عمر بن الخطاب>:
لئن نمت بالنهار لأضيعن الرعية
ولئن نمت بالليل لأضيعن حظي مع ربي(1/19)