مصطفي بن حليم:
ما فيه شك، عبد الرازق السنهوري باشا هو اللي وضع القوانين بتاعتنا، كانت العلاقة بيننا -وحيجي الكلام- علاقة ممتازة مع مصر.
أحمد منصور:
ما هو شكل التواجد الأجنبي في عهد الاستقلال؟ هل تغير شيء من الذي كان موجود من قبل؟
مصطفي بن حليم:
ليلة الاستقلال، قبل الاستقلال، قبل ما يعلن الاستقلال اضطر (محمود المنتصر) أن يوقع على 3 اتفاقيات مؤقتة.
أحمد منصور:
ما هي؟
مصطفي بن حليم:
مع بريطانيا، مع فرنسا، ومع أمريكا، أن تظل هذه الاتفاقات اللي تسمح لهم ببقاء قواتهم نافذة إلى أن يحل محلها اتفاقات يوافق عليها البرلمان الليبي.
أحمد منصور:
يعني ما كانش فيه استقلال؟
مصطفي بن حليم:
فيه استقلال، ولكن..
أحمد منصور:
فيه استقلال اسمي فقط.
مصطفي بن حليم:
اسمي، اسمي.
أحمد منصور:
في 19 فبراير 1952م تمت الانتخابات النيابية في ليبيا، هل بلد مستقل بشكل حديث، نسبة التعليم فيه كانت منخفضة للغاية، وضع البنية الأساسية غير موجودة بالشكل الذي أشرت إليه، استقلال شكلي، وليس استقلال كامل كانت مهيأة لقيام انتخابات نيابية فيها؟
مصطفي بن حليم:
والله الدستور كان ينادي بذلك.
أحمد منصور:
الواقع كان يؤدي إلى ذلك؟
مصطفي بن حليم:
هذا سؤال واسع، أنا شخصيا أرى الحديث عن الديمقراطية التي تأتي من فوق حديث فارغ، أنا لا أومن بأيها ديمقراطية لا تقوم على وعي شعبي، وعلى الحقوق الدستورية، أيها..أيها ديمقراطية تأتي من فوق، وأمامنا عدة أمثلة، خذ زيمبابوي، (موجابي) هذا انتخب انتخاب حر، ثم ماذا صار؟ انقلب إلى ديكتاتور من الدرجة الأولى.. ليش؟ لأن ما كان فيه الأرضية اللي نحكي عليها.. طيب، الدستور يقول فيه هذا، لكن لاحظ حاجة، لاحظ أنه لما أعلن الاستقلال ما حصل أوتوماتيكيا أن الليبيين استلموا كل شيء.
أحمد منصور:
هو ما فيش حاجة اتغيرت إلا مجرد إعلان الاستقلال.
مصطفي بن حليم:
(13/87)
الشرطة الطرابلسية كان أغلب ضباطها بريطانيين، أنا يعني احتفظت بقائد الشرطة البريطاني لأسباب تانية بعدين أحكي عنها عشان موضوع الجزائر.
أحمد منصور:
في وزارتك يعني؟.
مصطفي بن حليم:
في وزارتي، خليته 6 شهور وبعدين طردته، طبعا لا بد من إقامة انتخابات، طبعا الانتخابات هذه صار فيها تزوير.
أحمد منصور:
لصالح مين؟
مصطفي بن حليم:
لصالح الأحزاب اللي تميل للحكومة.
أحمد منصور:
والأحزاب الأخرى لم تحصل إلا على أصوات قليلة.
مصطفي بن حليم:
قليلة، فقامت مظاهرات كبرى، وصار قتل، فإيجوا [جاءوا] الضباط البريطانيين في الشرطة الطرابلسية، حركة المقاومة كانت من جماعة (بشير السعداوي)، بس...
أحمد منصور:
ده الحزب الوطني كان.
مصطفي بن حليم:
لا.. لا.. لا.. حزب المؤتمر، وهو كان أكبر الأحزاب، وبيني وبينك..
أحمد منصور:
وحصل على 5 مقاعد فقط.
مصطفي بن حليم:
وبيني وبينك كان هو الحزب الوحيد الذي لم يتلق معونة من خارج ليبيا.
أحمد منصور:
يعني كل الأحزاب كانت تتلقى معونات خارجية.
مصطفي بن حليم:
مع الآسف، يا إما إيطاليا يا إما فرنسا.
أحمد منصور:
ما كانش هناك ولاءات وطنية إلا هذا الحزب فقط، وحورب هذا الحزب، وقبض على بعض أعضائه.
مصطفي بن حليم:
وبعدين اتهمت أن أنا من أنصاره، وأنا بجيلك في الكلام، فصارت مظاهرات، وحدث قتل فالضباط الإنجليز قدموها لمحمود المنتصر على أنها ثورة لعمل انقلاب، محمود المنتصر -الله يرحمه- أخذ الموضوع، وراح للملك.. الملك قال له حل الأحزاب، واتفقوا على أن بشير السعداوي لأنه سعودي الجنسية يطلع من ليبيا، وهذه كانت أكبر خطأ ارتكبه محمود المنتصر.
(13/88)
وأنا قلت له كم مرة، قلت له: يا محمود -وكان عزيز علي كثير- لن يلومك التاريخ على المعاهدة مع بريطانيا، لأنه كان فيه أسباب تدعو لها، تجبرك عليها، ولكن سيلومك التاريخ على تزوير هذه الانتخابات، وعلى رضوخك للبريطانيين وقبولك أن هذا انقلاب وطرد بشير السعداوي، لأن هذا قضى على المعارضة، قضى على الأحزاب.
أحمد منصور:
بعد طرد السعداوي من ليبيا، هذا أعطى صورة عن الوضع والحكم الموجود لا سيما وحل الأحزاب، وبالتالي الانتخابات لم يكن لها قيمة بعد ذلك، في أكتوبر 1952 طلب منك أن تقدم استقالتك، واتهمت بأنك قمت بسرقة بعض الأنابيب التي كان يعدها الطليان لمشروع مياه (درنة).
مصطفي بن حليم:
لا. مشروع مياه الدبوسية.
أحمد منصور:
وأنت بعتها في مصر، ودي كانت بتعتبر في المعايير اتهام وزير بهذا الاتهام إنهاء لحياته السياسية.
مصطفي بن حليم:
اللي صار كالآتي، يوم صباحا استدعاني حسين مازق وحسين مازق إلى اليوم بينا ود وأحترمه ويحترمني، وقد اختلفنا كثير في السياسة، ولكني أعتبره رجل فاضل ورجل أصيل، كان هو الوالي، وكان فيه حرج، قلت يا حسين بيه تفضل، قال لي والله مولانا الملك طلب منك أنك تقدم استقالتك، خدت ورقة، وكتبت الاستقالة.
أحمد منصور:
دون أن تسأل ما السبب؟
مصطفي بن حليم:
قلت له بس أنا بدي أعرف ما هو السبب؟ قال لي: لا يهمك هذا، لا بد من ظهور الحقيقة.
أحمد منصور:
هو كان يعرف؟
مصطفي بن حليم:
نعم، بس ما رضى يقول لي، لأنه عارف التهمة.. مع الأسف التهمة هذي جابها أحد أعضاء العائلة السنوسية.
أحمد منصور:
من؟ لا زال حي؟
مصطفي بن حليم:
ميت.
أحمد منصور:
طيب قول الحقيقة.
مصطفي بن حليم:
ما فيه داعي، على أي حال..
أحمد منصور (مقاطعًا):
يعني إظهار الحقيقة الآن لتهمة أنت من الناحية التاريخية لا زال.
مصطفي بن حليم:
السيد (إبراهيم السنوسي) OK، الابن الأكبر.
أحمد منصور:
ما مصلحته في أن يصفك..؟
(13/89)
مصطفي بن حليم:
لأن في عطاءات، ما عطاءات..رفضتها وعملتها.
أحمد منصور:
عطاءات حكومية؟
مصطفي بن حليم:
عطاءات حكومية، ما هو مصيبتنا الكبرى..
أحمد منصور(مقاطعًا):
يَعني كان في Corruption وكان في فساد في تلك المرحلة؟
مصطفي بن حليم:
كان في Corruption في كل وقت.
أحمد منصور:
وأنت كنت وزير الأشغال المسؤول عن المشاريع الأساسية، وأن تقبل هذه الأشياء وترفضها؟
مصطفي بن حليم:
أي أشياء؟
أحمد منصور:
أي مشروعات تقدم وترفضها، أن تقبل أو ترفض المشروعات والشركات التي كانت تتقدم بالعطاءات.
مصطفي بن حليم:
أنا ما وافقت على مشروع إلا بعد ما جات لجنة العطاءات ووافقت عليه، ومرات كثيرة وقفت ضد جماعة كبار في العائلة السنوسية، وقلت لهم آسف، لا يمكن، على أي حال مش هذا الموضوع.
أحمد منصور:
أنت في المرحلة دي بدأت مشاريعك الخاصة؟
مصطفي بن حليم:
لم أعمل أي مشروع خاص إلا بعد خروجي من الوزارة، حتى بعد خروجي من الوزارة، بعد خروجي من منصب السفير.
أحمد منصور:
شكلت أي ثروات في تلك المرحلة؟ ثرواتك كانت إيه؟
مصطفي بن حليم:
ثرواتي لما خرجت من الحكومة...
أحمد منصور:
لا..في 51..52.
مصطفي بن حليم:
شيء بسيط، الشيء اللي ورثته من والدي، والتجارة اللي عندنا مع إخوتي، بس ما كان عندنا شيء، بس أنا أريحك.
أحمد منصور:
يعني كنت توصف بأنك رجل ثري في تلك المرحلة؟
مصطفي بن حليم:
متوسط الحال، بس فيه حاجة أقولها لك لما جا الانقلاب هذا عمل محكمة من أين لك هذا؟ المشهورة، وطلبوا من كل واحد أن يقدم إيش كان عنده..؟
أحمد منصور:
أنا سأصل بالتفصيل لموضوع ثروتك، لكن أنا بسأل عن ثروتك في 52 حينما اتهمت بموضوع سرقة الأنابيب.
مصطفي بن حليم:
لا..خليني أرد على موضوع سرقة الأنابيب، وأريحك منها.
أحمد منصور:
طيب ريحني.
مصطفي بن حليم:
(13/90)
فأنا طلبت قلت له يا حسين بيه أنا بس بدي من مولانا الملك يحقق فيما وصله، إذا كان وصله شيء (يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا)، مريت على الديوان الملكي، كان قريب لي، رئيس الديوان رفض أن يقابلني، وقلت والله دي حاجة سيئة فرجعت في بيتي، وكنت أبغى إني أرجع إلى مصر.
أحمد منصور:
ألم يكن (الشلحي) رئيس الديوان في ذلك الوقت؟ من كان؟
مصطفي بن حليم:
الشلحي عمره ما كان رئيس ديوان، كان ناظر الخاصة الملكية.
أحمد منصور:
إبراهيم الشلحي.
مصطفي بن حليم:
ولم يكن في ليبيا موجود.
أحمد منصور:
طيب من كان رئيس الديوان في ذلك الوقت؟
مصطفي بن حليم:
عمر شنيب.
أحمد منصور:
عمر؟
مصطفي بن حليم:
عمر شنيب، وكان بينه وبيني حاجة لأنه كان على علاقة مع.. ما في داعي لذكر هذه الأشياء، وأنا رفضت ذلك فعلى أي حال بقيت في البيت وبعدين..
أحمد منصور:
شعورك كان إيه؟
مصطفي بن حليم:
شعوري شعور إحباط، أنا طلب مني أن أستقيل، وما اني عارف إيش التهمة اللي وجهت لي، ما هو المصيبة أني مش عارف إيش التهمة.
أحمد منصور:
ولا أحد أنبأك بها؟
مصطفي بن حليم:
ولا أحد قال لي، كان حسين مازق يزورني في البيت، قلت له أنا بدي أروح لمصر، قال لي لا.. ما تذهب، خليك، حوالي 14 يوم.
أحمد منصور:
وأنت تجلس في البيت.
مصطفي بن حليم:
مش عارف إيش يصير، اللي صار أن حسين مازق راح للملك، وقال له مولانا الكلام هذا لا أساس له من الصحة.. ما رأي مولانا أننا نكون لجنة تحقيق؟ وكون لجنة تحقيق.
أحمد منصور:
بس يقال إن الملك نفسه هو رأى الأنابيب، وكان في طريقه إلى مصر.
مصطفي بن حليم:
لا.. ده كلام فارغ.
أحمد منصور:
وسأل إلى أين هذا؟ فقالوا: بن حليم باع الأنابيب لمصر، وهو نفسه الذي تحرك في المسألة.
مصطفي بن حليم:
(13/91)
لا.. لا.. لا.. لا.. هذا كله كلام كله كلام فارغ، فعملوا لجنة تحقيق، اتضح يا مولانا أن في حوالي 5 كيلو متر من الأنابيب نقلت من مكانها إلى درنة -بلدنا درنة- لإيصال المياه من خزان المياه اللي على الجبل شوية إلى البلد، وإن هذا العطاء -عطاء نقل الأنابيب- تم قبل رجوعي إلى ليبيا بعدة شهور، ونفذ قبلما توليت وزارة الأشغال، وذهبوا إلى الحدود، وحققوا مع ضباط الحدود، وثبت إن لم تمر سيارة واحدة تحمل أنبوبة واحدة إلى مصر.
أحمد منصور:
فتم تبرئتك.
مصطفي بن حليم:
فجاب حسين مازق المسائل هذه للملك، جايز إن اللي شاف الأنابيب هذه تنقل إلى هناك فافتكر إن، لكن هذا كان صار قبل ما أنا أتولى وزارة الأشغال، هذه اللجنة اللي منها حسين مازق، مرسوم ملكي يقول فيه ما معناه إني أعود إلى منصبي، ويلغى المرسوم الأولاني، وكأن لم يكن، قلت له يا حسين أنا ما بدي أرجع، أنا في نظام اتهم فيه هذه التهمة وتصدق، ما عندي مصلحة، خليني أنا أرجع للبلد اللي كنت عايش فيها، ألح علي، وبقي وكذا، إلى أن في الآخر قال لي يا أخي إيش بدك؟ بدك أن السيد إدريس يجي يعتذر لك؟ اقرأ المرسوم؟
أحمد منصور:
طيب طبيعة علاقتك إيه بالملك؟
مصطفى بن حليم:
علاقة ممتازة.
أحمد منصور:
هل كانت وشاية كافية أن تدمر هذه العلاقة؟
مصطفى بن حليم:
وشاية من أخو مرته [زوجته].
أحمد منصور:
في فبراير 1952 توجهت في زيارة إلى القاهرة، وتزوجت من السيدة (يسرا راشد كنعان)، أنا أريد أقف عند زواجك، لأني أنا التقيت بها قبل عدة أشهر أثناء عملية التحضير للبرنامج -وأرجو هي ألا تغضب مني- وجدت فيها سيدة قوية وكان لها نفوذ وتأثير خاص في حياتك.
مصطفى بن حليم:
أولا: أنا لم أذهب للقاهرة لمصر حتى أتزوج، أنا ذهبت لمصر لتأدية مهمة رسمية، ما كنت راضي عنها.
أحمد منصور:
ما هي هذه المهمة؟
مصطفى بن حليم:
(13/92)
كان رئيس الوزارة -وقلت لك عقليته كانت..- بده يقدم هدية لبيلت مستر إدريان بيلت اللي هو مندوب هيئة الأمم المتحدة، بس بده هدية اللي لا تصنع في طرابلس، لأن طرابلس منافسة لنا، ولا تونس، فقال لا بد أن أذهب أنا لمصر -باعتباري أنا باعرف مصر- وأجيب صورة من الدستور الليبي معايا، واحطها في صندوق من الذهب ونقدمها له.. يا ريس احنا بلد فقير!
أحمد منصور(مقاطعًا):
محمود المنتصر.
مصطفى بن حليم:
لا، لا، لا محمد الساقذلي، كان والي.
أحمد منصور:
وكانت البلد عايشة على الشحاتة والتسول.
مصطفى بن حليم:
وبعدين قلت له أنا ما عندي فيزا، وكل الحجج كسرها لي، فقلت سبحان الله ...
أحمد منصور:
عشان تتزوج.
مصطفى بن حليم:
ما تعرف، على أي حال سافرت، وكانت والدتي في الإسكندرية، ودائما أنا كان مشغول، وعندي أخوات صغار جوزتهم وكذا، والوالد -الله يرحمه- كان يعتمد علي حتى اللي أكبر مني.. فكنت علي مسؤوليات خاصة، فجيت الإسكندرية، وأنا أبغى أني أروح للقاهرة، أخذت إذن بتصدير جزء من الذهب، وأنا وصلت إلى حل، ساعدوني بعض الأصدقاء، جيت لواحد جواهرجي، خذ لي علبة فضة، وحطينا عليها (بلاك) بالذهب فيها الإهداء، يعني عشر التكاليف أو أقل من عشر التكاليف، ورحت للقاهرة، وقابلت وكيل وزارة حتى يعطيني الإذن بتصدير هذا، وذهب معي أخي محمود -الله يرحمه-، وأنا والدتي تقول لي والله شفنا فلان، ومش عارف إيه...
أحمد منصور:
أنا لا أريد أن أغرق في التفاصيل -أيضا- أنا أريد أصل للـ..
مصطفي بن حليم:
(OK)، فبعد الخارجية رحت إلى الحاج عبد الحميد الشومان أبو الجماعة الموجودين هنا.
أحمد منصور:
اللي هو صاحب البنك العربي أو مؤسس البنك العربي.
مصطفي بن حليم:
(13/93)
مؤسس البنك العربي، وكان رجل مسلم، وكان رجلا كذا، وبيننا علاقة طيبة، فقال نتغدا في (سميراميس) فذهبنا، ورحنا اتغدينا في(سميراميس) وبعد الغداء أخويا محمود يوطي على الحاج عبد الحميد، ويقول له يا حاج عبد الحميد ما رأيك في (محمد راشد كنعان)؟ قال أعوذ بالله، محمد راشد كنعان من أحسن رجالنا ومش عارف إيه وكذا و...
ليش بتسألني السؤال هذا؟ قال له: والله بدنا نقنع أخي مصطفى إنه يخطب بنته فلانة، قام جابوا له التليفون، وقال كلم راشد كنعان، إحنا جايين بكرة نتعشى عندهم.
أحمد منصور:
كنت تعرفها؟
مصطفي بن حليم:
أبدًا.
أحمد منصور:
لم تلتق بها من قبل؟
مصطفي بن حليم:
أبدًا،أبدًا أبدا أبدا، أنا ما أكذب لك، تاني يوم رحنا وخطبتها.
أحمد منصور:
عجبتك من أول مرة؟
مصطفي بن حليم:
آه آه، والزواج الإسلامي..الكلام الفارغ هذا ما باحبه، وسافرت ثاني يوم كان يوم 13.
أحمد منصور:
تزوجتها على طول؟
مصطفي بن حليم:
لا.. لا.
أحمد منصور:
خطبت فقط؟
مصطفي بن حليم:
سافرت، وسافر معايا الحاج...
أحمد منصور (مقاطعًا):
أنا عايز أصل لحاجة محددة، تأثير زوجتك إيه في حياتك، وأنت رجل سياسي وهي سيدة لها حضور، ولها شخصية قوية؟
مصطفي بن حليم:
كان لها توجه عروبي قوي مثلا...
أحمد منصور:
هي فلسطينية طبعا.
مصطفي بن حليم:
طبعا، مثلا لما إيجا عندنا (ريتشارد نيكسون) كان نائب رئيس الجمهورية، وكانت جالسة بجنبه، فمسكته على موضوع فلسطين، وأنا محرج لأنه مهما كان الرجل جاينا عشان ليبيا، وقال لي: لا، خليها تحكي معاي، ثاني يوم كان فيه غدا رسمي تاني، قال لي لا بد أنها تقعد معايا، لما وصل إلى واشنطن بعث لي برقية يقول لي استمع لما أقوله، وقال فيها: إنه لا يمكن حل قضية فلسطين إلا بموضوع.. يعني كلام طيب.
أحمد منصور:
تأثيرها إيه في حياتك؟
مصطفي بن حليم:
(13/94)
أنا جاي لك لمثال تاني، أنا قاعد في الحديقة وكان -أفتكر يوم إجازة-، وباسمع خطاب من (جمال عبد الناصر)..
أحمد منصور:
سنة كام؟
مصطفي بن حليم:
سنة 56 اللي بيأمم فيه...
أحمد منصور:
قناة السويس.
مصطفي بن حليم:
قناة السويس، قالت: هلا [الآن] لازم تبعت برقية تأييد.
أحمد منصور:
كنت أنت رئيس الوزراء.
مصطفي بن حليم:
كنت رئيس الوزراء، طبعا أنا.. بس هي حماسها بعثت له برقية تأييد، وطعن كبير في الدول الغربية اللي اتهمتها أنها تساعد الـYes people اللي يرضخوا لها وتعارض التانيين، والله تاني يوم وجدت الملك إدريس يبعث لي برقية عمري ما تلقيت في حياتي برقية أسوأ من تلك البرقية.
أحمد منصور:
قال لك إيه؟
مصطفي بن حليم:
هذا تصرف خاطئ، ما لك صلاحية في الكلام هذا، وليش تعمله؟ خادت طيارة ورحت له، كنا على وشك إنه نسافر إلى تركيا، دخلت عنده مع لطف، ومع كذا، ما عرفش يتفاهم، قلت له أنا كرئيس حكومة ما أستطيع إني أخضع كل القرارات، وبعدين كل العرب أيدوا جمال عبد الناصر، ما معقول احنا ما نؤيده.
أحمد منصور:
أنا عايز هنا أشير لك..
مصطفي بن حليم :
خليني أقول لك الملك إدريس ما كان....
أحمد منصور:
سنعود بالتفصيل لعلاقتك بعبد الناصر، سأعود لها بالتفصيل، أنا الآن لسه في الفترة 52..53 بعد زواجك وتلك المرحلة، علاقتك كانت إيه بالملك في تلك المرحلة؟
مصطفي بن حليم:
سنة كام؟
أحمد منصور:
53 قبل سقوط حكومة (محمود المنتصر).
مصطفي بن حليم:
علاقة ممتازة.
أحمد منصور:
كنت أنت وقتها ناظرًا، ولست وزيراً في الحكومة، ناظرًا في حكومة ولاية برقة.
مصطفي بن حليم:
لأن محمود المنتصر حاول عدة مرات يأخدني في الوزارة، والملك اعترض.
أحمد منصور:
كان يريدك أن تبقى في حكومة ولاية برقة.
مصطفى بن حليم:
وقالها لي محمود المنتصر.
أحمد منصور:
(13/95)
ما طبيعة الصراع الذي كان موجود ما بين الحكومة الاتحادية وما بين الحكومات الإقليمية في برقة وفزان وطرابلس؟
مصطفي بن حليم:
موضوع صلاحيات.
أحمد منصور:
كان لصالح مين هذا الخلاف الموجود؟
مصطفي بن حليم:
طبعا ما كان لصالح ليبيا.
أحمد منصور:
كان لصالح البريطانيين والفرنسيين والأمريكيين.
مصطفي بن حليم:
لا، ما كان لصالح ليبيا بس.. يعني، بس الخلاف اللي صار الخطير فيه مش هو هذا الخلاف، مش هذا الذي طير [أطاح] وزارة محمود المنتصر، الخلاف كان ما بين محمود المنتصر والناظر الخاص بالملكية.
أحمد منصور:
اللي هو إبراهيم الشلحي.
مصطفي بن حليم:
اللي هو إبراهيم الشلحي.
أحمد منصور:
كيف كانت العلاقة بين الشلحي والمنتصر؟
مصطفي بن حليم:
سيئة، ليش؟ لأن إبراهيم الشلحي في الأول كان يؤيد محمود المنتصر، باعتباره أول رئيس حكومة وكذا، وبعدين شعر بأن محمود المنتصر يساعد عيلة سيد أحمد.
أحمد منصور:
أحمد الشريف السنوسي اللي هو الجزء الثاني من العائلة السنوسية.
مصطفي بن حليم:
وها دول يعتبروا أعداء لإبراهيم الشلحي، فانقلب عليه.
أحمد منصور:
الملك كان متجوز بنت أحمد الشريف؟
مصطفي بن حليم:
لا تزال حية في القاهرة، سيدة فاضلة.
أحمد منصور:
الملكة فاطمة.
مصطفي بن حليم:
أيوه، أنا حاولت، حتى مرة من المرات جمعتهما هما الاثنين، اجتمعنا في بيت رئيس الحكومة حاولت بكل الطرق، لأني كنت مؤمن أن محمود المنتصر مهما كان..
أحمد منصور:
ما قلتلناش إيه سبب العداء بين قسمي العائلة السنوسية؟
مصطفي بن حليم:
العداء اللي كان ما كان عداء مفتوح بين الفرعين، كان عداء ما بين عيلة السيد أحمد وإبراهيم الشلحي، قديم لأنه كان..
أحمد منصور:
يعني إبراهيم الشالحي هو السبب في تفجر هذا العداء.
مصطفي بن حليم:
كان فيه أرضية كذلك.
أحمد منصور:
تأثير الش الحي إيه على الملك؟
مصطفي بن حليم:
قوي.
أحمد منصور:
(13/96)
صحيح كان الملك ألعوبة في يد الش الحي؟
مصطفي بن حليم:
لا، ألعوبة عمره ما كان ألعوبة في يد حد.
أحمد منصور:
مش لازم ألعوبة، لكن كان يخضع لتأثير الش الحي بشكل كبير.
مصطفي بن حليم:
يخضع كمان، ياخد رأيه، وفي أغلب الأحيان يتفق معاه.
أحمد منصور:
لكن الش الحي كان هو الذي يقيل الوزارات، ويعينها بقرار ملكي.
مصطفي بن حليم:
ما كانش يقيل، كان يعمل لهم عراقيل فيستقيلوا أو يقالوا.
أحمد منصور:
وكان أيضا يقنع الملك بذلك.
مصطفي بن حليم:
طبعا، فأنا جمعت الاثنين.
أحمد منصور:
كان له دور رئيسي إذن في الحكم؟
مصطفي بن حليم:
إبراهيم الش الحي بدأ كخادم مع السيد أحمد، والسيد أحمد عطاه للسيد إدريس، بس خادم مش كلمة وضيعة، خادم للسيد السنوسي هذه شرف، عندنا في ليبيا كانت شرف، شرف كبير أن يكون هو خادم خاص له.
أحمد منصور:
زي البرامكة في عهد الأمويين[العباسين].
مصطفي بن حليم:
جايز، جايز، وطلع، وترقى وكذا إلى أن أصبح هو الرجل اللي آخر من يشوفه في الليل، وأول من يشوفه الصبح، وبرغم أن امرأة الملك (زوجة الملك) بنت السيد أحمد الشريف ما كانش لها تأثير عليه مثل تأثير الشلحي.
بعدين اللي صار كيف في أثناء الهجرة كان في واحد من قبيلة البراعصة دخل المستشفى ومات، ويقال -أنا ما أقدر أشهد عليها لأن الشهادة شيء مهم، ولكن أنا بانقل لك ما قيل- قيل إن إبراهيم الشلحي سمه.
أحمد منصور:
علاقتك إيه كانت بالشلحي؟
مصطفي بن حليم:
كانت علاقة جيدة، وكان رجل وطني، وكان رجل مخلص للملك.
أحمد منصور:
هل صحيح أنك استغليت علاقتك بالشلحي لبقائك في الحكومة؟
مصطفي بن حليم:
قالوه هاالكلام هذا، ولكن مات الشلحي بعدما بقي لي في الحكومة 3-4 شهور.
أحمد منصور:
لا، هذا لرئاستك للوزارة، لكن بقاؤك في الحكومة المحلية أنا أقصد..
مصطفي بن حليم:
الحكومة المحلية؟
أحمد منصور:
(13/97)
رضا الشالحي عنك هو الذي أبقاك في النظارة بعد الحكومة الأولى.
مصطفي بن حليم:
أعوذ بالله، أعوذ بالله، أعوذ بالله، كنت أنا من أقرب المقربين للملك، وبده يعينن، شوف مش لها الدرجة هذه، فيه مبالغات، وتعرف احنا في بلاداتنا في بلادنا دائمًا الاتهامات، في فرق ما بين الاتهامات والإدانات.
أحمد منصور:
لكن الشلحي كان هو المفتاح للملك.
مصطفي بن حليم:
في بعض الأمور.
أحمد منصور:
ما هي هذه الأمور؟
مصطفي بن حليم:
ما يخص الملك، بعدين الشلحي كان وطني كتير.
أحمد منصور:
أنا لا أتكلم عن وطنيته، أنا أتكلم عن نفوذه الآن، وسيطرته على الملك، وعلى التوجهات، وعلى عرقلته للحكومات، وتأثيره فيها وإقالته، وأريد أن نفهم ما هي السلطات التي كانت في يد الملك؟ وما هي السلطات التي كانت في يد الشلحي؟ يمكن أن يكون الملك هو الملك، لكن ليس هو الذي يحكم.
مصطفي بن حليم:
شوف، اسمعني بس، الشلحي كان في منتهى الإخلاص للملك، ولا أذكر أيها نصيحة قدمها للملك إلا في صالح الملك وصالح الوطن، ما عدا..
أحمد منصور:
كل هذا شيء كويس.
مصطفي بن حليم:
ما عدا أنه كان يخشى من عيلة السيد أحمد الشريف اللي اتهموه بسم [بتسميم] الرجل البرعصي، قبيلة البراعصة قبيلة قوية، فاضطر أن يدافع عن نفسه ويحطها.
أحمد منصور:
سنة كام اتهموه هذا الاتهام؟
مصطفي بن حليم:
ما أذكر.
أحمد منصور:
في الأربعينات؟
مصطفي بن حليم:
في العشرينات، فأحاط نفسه بمجموعة من قبيلة البراعصة، وفي نفس الوقت قرب مجموعة تانية من السنوسيين حتى يدافعوا عنه، فيما عدا هذا المجال اللي هو مجال خطير أنا أؤكد لك أن الشالحي ما أعطى نصيحة للملك إلا في صالح الملك وصالح الوطن.
أحمد منصور:
ما هي الأسباب الحقيقية وراء سقوط حكومة محمود المنتصر في فبراير 54؟
مصطفي بن حليم:
(13/98)
سقوطه كان بده صلاحيات، وكتب للمحكمة العليا، صلاحياته كرئيس حكومة، وكمان كان فيه عرقلة من إبراهيم الشلحي، وقلت لك إن إبراهيم الشلحي كان يعتقد أن هذا صديق أعدائه، فكان يعرقل له الأمور فما استقال.
أحمد منصور:
يعني كان رئيس حكومة بدون صلاحيات؟
مصطفي بن حليم:
مبالغات، هذي كلها مبالغات.
أحمد منصور:
يعني الآن حضرتك بتقول إنه كان بيطلب صلاحيات، معنى ذلك أنه كان بدون صلاحيات.
مصطفي بن حليم:
لا، كان بينصح الملك، عمره ما تولى صلاحية هو، صلاحية سياسية.
أحمد منصور:
لا أقصد الشلحي، أقصد المنتصر.
مصطفي بن حليم:
آه، المنتصر كان يطلب صلاحياته السياسية مع الولايات، كان يود أن يفرض عليهم نوع من الرقابة، والملك ما كان موافق على هذا، واستعملها الشلحي في التنغيص عليه.
أحمد منصور:
يعني الصراعات ما بين الحكومة الاتحادية وما بين حكومات الولايات كان الملك مرتاح لهذا الوضع؟
مصطفي بن حليم:
كان إبراهيم الشلحي يغذي هذا الوضع، مرة تانية.
أحمد منصور:
من أجل ماذا؟
مصطفي بن حليم:
من أجل التنغيص على محمود المنتصر اللي بيعتقد إنه صديق أعدائه.
أحمد منصور:
اللي هم القسم الثاني من العائلة السنوسية.
مصطفي بن حليم:
اللي هم عيلة السيد أحمد.
أحمد منصور:
يعني استقالة محمود المنتصر تعود إلى صراعات؟
مصطفي بن حليم:
ما استقالة.
أحمد منصور:
إقالة.
مصطفي بن حليم:
شوف، جاني من الملك قبل الانقلاب بشهور، رجل مسلم أمين وكذا، وسيرد كلامه بعدين، قال له يا فلان..
أحمد منصور:
من هو؟ احنا تاريخ الآن يا سيدي.
مصطفي بن حليم:
خطاب محمد، خطاب بيه محمد، رجل اسأل عنه، رجل في منتهى الأمانة، وفي منتهى الأخلاق الكريمة، ورجل مهم كان يستعمل في المملكة السعودية كخبير للموانئ، وكان أستاذ في جامعة الإسكندرية في الموانئ، وصديق للملك، ورجل علامة في الدين، يعني يجيد القراءات السبع، على أي حال..
أحمد منصور:
(13/99)
ماذا قال؟
مصطفي بن حليم:
قال له الوحيد اللي استقال وأسفت على استقالته هو فلان.
أحمد منصور:
عليك أنت؟
مصطفي بن حليم:
نعم.
أحمد منصور:
يعني الباقين كلهم أقيلوا من الملك؟
مصطفي بن حليم:
ما أقيلو، هلا أحكي لك.
أحمد منصور:
طلب منهم أن يقدموا استقالتهم.
مصطفي بن حليم:
هلا أحكي لك مثلا، لو انتقلنا لحكومة محمد الساقذلي وكيف..؟
أحمد منصور:
لا، أنا لسه الآن في المنتصر.
مصطفي بن حليم:
يعني طلب منه إنه يستقيل، لا استنى، هو كان مقدم استقالة من زمان، خليني أكون أمين، كان مقدم استقالة من 3-4 شهور، فلما الملك قال كذا، قال قبلنا استقالته اللي من 3-4 شهور.
أحمد منصور:
في 13 فبراير 1954، تم تشكيل حكومة محمد الساقذلي، وعدت أنت فيها وزيرًا للأشغال العامة والمواصلات.
مصطفي بن حليم:
للمواصلات.
أحمد منصور:
واستمرت هذه الحكومة من 18 فبراير 54 إلى 11 أبريل 54، وكانت أقصر حكومة في تلك الفترة، وكانت استقالتها أو إقالتها أو سقوطها بسبب أزمة دستورية كبيرة، حيث اخترت أنت في 12 أبريل 54 رئيسا للوزراء.
في الحلقة القادمة أبدأ معك من هذه النقطة.. حكومة محمد الساقذلي أقصر حكومة في العهد الملكي الليبي من فبراير 54 إلى أبريل 54، ربما أقل من شهرين تقريبا، ثم مجيئك أنت بعد ذلك رئيسا للوزراء.
أشكرك شكرا جزيلا، كما أشكركم مشاهدينا الكرام على حسن متابعتكم.
في الحلقة القادمة -إن شاء الله- نواصل الاستماع إلى شهادة السيد مصطفى أحمد بن حليم رئيس وزراء ليبيا الأسبق.
في الختام أنقل لكم تحيات فريق البرنامج، وهذا أحمد منصور يحييكم.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.(13/100)
الحلقة4(13/101)
مقدم الحلقة
أحمد منصور
ضيف الحلقة
مصطفى أحمد بن حليم، رئيس وزراء ليبيا الأسبق
تاريخ الحلقة
19/08/2000
مصطفى بن حليم، رئيس وزراء ليبيا الأسبق - الحلقة 4
أحمد منصور
مصطفى بن حليم
أحمد منصور:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
وأهلا بكم في حلقة جديدة من برنامج (شاهد على العصر)، حيث نواصل الاستماع إلى شهادة السيد (مصطفى أحمد بن حليم) رئيس وزراء ليبيا الأسبق، مرحبا سيد (بن حليم).
مصطفى بن حليم:
السيد أحمد أنا بدي استأذنكم في دقائق معدودة لتصحيح انطباع حدث عندي -أعتقد- في إحدى الحلقات السابقة، هذا الانطباع بخصوص الجيش السنوسي، طبعا لك الحق في أن المعلومات التي اطلعت عليها قد تبرر لك أن تنظر له على أنهم مجموعة من المرتزقة الذين تطوعوا في الجيش البريطاني، هذا بعيد عن الحق، كل من تطوع في الجيش السنوسي تطوع ليحارب الطليان في ليبيا، وفي برقة بالخصوص، كذلك صحيح أن التمويل كان بريطاني 100%، ولكن التدريب لم يكن بريطاني 100%، كثير من الضباط الذين اشتركوا في الجهاد الأول اشتركوا في تدريب الجيش السنوسي، أذكر منهم المرحوم (علي جعودة) كان وزير دفاع في إحدى وزاراتي، أذكر منهم السيد(عبد الحميد بيدرنا) الذي كان له دور أساسي في تهريب السلاح إلى الجزائر عندما انتقل إلى شرطة طرابلس وتولى منصب عقيد، أذكر منهم اللواء (نور الصديق بن إسماعيل) اللي كان رئيس أركان حرب الجيش الليبي في الستينات، وعرفت كثير منهم بل كثير منهم كانوا أقربائي، وكلهم تطوع لمحاربة الطليان، وتحرير بلدهم من الطليان، طبعا هذي كانت نقطة ارتكاز استعملها القائد السياسي الأمير (إدريس) في تذكير البريطانيين دائما بأن احنا حاربنا معكم احنا ساعدناكم، ولذلك وصل إلى ما وصل إليه بالتدريج إلى أن وصلنا في الآخر إلى الاستقلال، ثم أتممناه إلى استقلال تام، هذه هي النقطة الهامة.
أحمد منصور:
(13/102)
أشكرك على هذا التوضيح فيما يتعلق بالجيش السنوسي، وإن كان هذا أيضا يظل الطرف الآخر ثابتًا باتهاماته، وتظل هناك تساؤلات.. هل يجوز استبدال الاحتلال باحتلال آخر؟ هذه أيضا ستبقى علامة فاصلة تاريخية، ستظل بحاجة إلى شكل من أشكال التوضيح دون طعن في نوايا الناس الذين تطوعوا في هذا الجيش أو الذين قاموا بمقاومة الطليان.
مصطفى أحمد بن حليم:
سيد أحمد.. هناك فرق كبير بين من تطوع مع مستعمر استعمر بلدك، ونقل عائلات إيطالية حتى تعيش في أرضك وتستعمرها، وتطوع مع حليف لك وعدك بأنه سيحرر بلدك، وسيساعدك في الاستقلال ثم...
أحمد منصور:
ثم احتل بعد ذلك، ولم يخرج إلا بعد..
مصطفى أحمد بن حليم:
النتيجة يا سيد أحمد أن احنا وصلنا في آخر المطاف إلى استقلال تام، وهذا لم يكن بجهودي أنا، أنا اشتركت وكانت مساهمتي بسيطة، ربما بالنسبة لكل الحكومات الأخرى، ولكن خطوة خطوة أوصلتنا إلى الاستقلال في النهاية، على أي حال هذا الموضوع أحببت أن أوضحه ولا داعي لأن نعود إليه من جديد.
أحمد منصور:
في 18 فبراير 54 أسست حكومة (محمود الساقذلي) خلفًا لحكومة (محمود المنتصر)التي كانت أول حكومة ليبية بعد الاستقلال، وبقيت حكومة (الساقذلي) فقط إلى 11 أبريل 1954، وكانت أقصر الحكومات عمرا، وأنت كنت وزيرا للمواصلات في هذه الحكومة، ما هو أسباب اتقالة حكومة المنتصر وأسباب تعيين الساقذلي رئيسا للوزراء؟
مصطفى أحمد بن حليم:
(13/103)
أعتقد أسباب خروج المرحوم (محمود المنتصر) ذكرناه في الحلقة الماضية، كان مقدم استقالة منذ عدة شهور، وبعدين لما اشتدت الخلافات بينه وبين الديوان الملكي قبلت استقالته، وعين السيد (محمد الساقذلي)، السيد محمد الساقذلي كان رئيسي في الأول في حكومة برقة، وعرفته عن كثب، وهو كان رجل نزيه شغال مخلص للملك إخلاص تام، ولكن آراءه برقاوية (100%) يعني لا يؤمن بوحدة ليبيا والشيء الخطير أنه كان تحت رحمة أو كان تحت تأثير المستشار القانوني لحكومة برقة، واستمر هذا المستشار..
أحمد منصور:
المستشار القانوني البريطاني؟
مصطفى أحمد بن حليم:
نعم، البريطاني اسمه (هوبر)، وهذه قصة مشهورة في ليبيا على كل الألسن، وطبعا أنا كان بيني وبين..
أحمد منصور:
أيه دوافع الملك لاختياره رئيسا للوزراء؟
مصطفى بن حليم:
رجل خدم معاه من أيام الجهاد.. كان من أيام الجهاد
أحمد منصور:
هل كان يملك مقومات لأن يكون رجل دولة ورئيس حكومة؟
مصطفى بن حليم:
ما فيه داعي أني أنا أحكم عليه فيه، لكن هو كان عنده.. كان رجل يشتغل 14 ساعة، ولكن مش من النوع اللي يشتغل، وينتج مثل الطاحونة التي تدور، كان رجل أمين ونزيه، ولكن عقليته ضيقة، ويرى أن كل شيء في برقة، ما فيه داعي لغير برقة.
أحمد منصور:
كان كثير الغضب سريع الغضب؟
مصطفى أحمد بن حليم:
(13/104)
كان مش سريع الغضب.. سريع النرفزة زي ما يقولوا، ولكن قلبه طيب، وكان ينظر لي نظرة أني أنا نوع مشاغب، شاب صغير والإنجليز يشكو مني بعد سنتين في حكومة برقة كانت العلاقات -وسترد في جهة تانية- سيئة خصوصا مع (هوبر)، لأن هوبر كان عضو في مجلس الخدمة المدنية اللي أنا كنت عضوا فيه كذلك، وكانت العلاقة بين محمد الساقذلي -رحمه الله- وبيني ربما مشدودة نوعا ما، فلما ناداني، وكلفني بالاشتراك معه استغربت، فاستمهلته وذهبت لزيارة الملك، وقلت له المسألة، قال: لا.. اقبل لأني أنا اللي قلت له، قلت: يا مولاي، أنت تعرف محمد الساقذلي مع كل احترامي العمل صعب شويه العمل معاه، قال لي: لا، اذهب وعاون بقدر الإمكان.
أحمد منصور:
من الذي أبلغك بالمنصب؟
مصطفى أحمد بن حليم:
محمد الساقذلي نفسه.
أحمد منصور:
مباشرة لك
مصطفى بن حليم:
استدعاني، وقال لي: أنا أبغاك تكون وزير مواصلات معاي.
أحمد منصور:
طيب، الوزارة بقيت فترة قصيرة للغاية لم تكمل شهرين تقريبا ما أسباب قصر مدة هذه الوزارة؟
مصطفى بن حليم:
فيه حاجات ظهرت، ومع الأسف كانت مؤسفة، بدينا نتفاوض مع الفرنسيين، وأنا كنت عضو اليمين في الوفد، كان الوفد من رئيس الحكومة وأنا والدكتور(على العنيزي)، واستغربنا استغراب كبير، طبعا احنا مجموعتنا كانت ترى أنه لا يمكن أي اتفاق مع فرنسا، أي اتفاق عسكري لا يمكن، لأن فرنسا كانت لها مطامع في ليبيا في فزان وإذ به يقترح أن القوات الفرنسية تبقى في فزان، ولكن بلباس غير اللباس العسكري الفرنسي.
أحمد منصور:
دا اقتراح رئيس الحكومة؟!
مصطفى بن حليم:
(13/105)
هذا تجده كذلك في الوثائق البريطانية، لا تعتمد على كلامي فقط، أنا طبعا ذهلت أنا والعنيزي، وخشيت أن يكون أقنع الملك بهذا فذهبت للملك، وقلت له: يا مولانا كذا كذا، قال: ما عندي علم، فعارضت هذا الموقف معارضة شديدة. أرجع وأقول: الرجل لم يقترح هذا بناء على خيانة، ولكنه كان يرى أن هذا حل مؤقت، بس السبب اللي تسبب في خروج الساقذلي هو أزمة المحكمة العليا..
أحمد منصور:
نأتي لأزمة المحكمة العليا بشكل من أشكال التفصيل، ولعل حل البرلمان أو المجلس التشريعي هو الذي سبب هذا الأمر.
مصطفى بن حليم:
المجلس التشريعي مسألة ولائية تامة، لا دخل للحكومة الاتحادية فيها، يعني الولاية فيها والي وفيها رئيس المجلس تنفيذي، وفيها مجلس تشريعي، الوالي كان على خلاف مع رئيس المجلس التشريعي.
أحمد منصور:
اللي هو كان مين الوالي؟
مصطفى بن حليم:
الصديقي المنتصر.
أحمد منصور:
ورئيس المجلس التشريعي (على الديب).
مصطفى بن حليم:
الأستاذ على الديب والأمزجة المختلفة و(الصديقي المنتصر) -الله يرحمه- كان به نوع من المس، الشعور بالعظمة، نوع من الجنون يعني، فطلب (الصديق المنتصر) من الديوان إنهاء..حل المجلس التشريعي، يبدو أن المرسوم ما حضره المستشار القانوني للديوان، ولكن سكرتير الملك أخذ مرسوم تاني، ونقل المقدمة مع تغيير القوانين التي بيستند عليها، وجابوا المرسوم للملك والملك وقع عليه.
أحمد منصور:
يعني كانت فضيحة.
مصطفى بن حليم:
(علي الديب) طبعا الملك كان عنده ثقة في جماعته، وقع على المرسوم كأي مرسوم تاني..
أحمد منصور:
لم يطلع الملك على ما وقع عليه؟!
مصطفى بن حليم:
(13/106)
اطلع، وفيه حاجتين فيه أمر ملكي لا يوقع عليه إلا الملك، وهناك مرسوم ملكي يوقع عليه الملك ومسؤول، فظن أنه أمر ملكي، على الديب رفع قضية في المحكمة العليا صاحبة الاختصاص.. المحكمة العليا حكمت بأن المرسوم الملكي ناقص، ويجب أن يكون مصحوب بإمضاء رئيس الحكومة.
أحمد منصور:
رئيس المحكمة العليا كان المستشار (علي منصور) المحامي المصري؟
مصطفى بن حليم:
لا.. لا.. أنا أجي لك الآن، هنا خطأ كبير بعد حنجيلو له، رئيس الحكومة لا دخل له، كان يجب أن يكون المرسوم جديد بإمضاء الملك ومسؤول في الولاية، لأن هناك فرق بين الولاية والاتحاد، استشرنا نحن كثير من خبراء الدساتير الاتحادية، وقالوا لنا مثل هذا فيما بعد، على أي حال صدر الحكم، ومع الأسف كانت (شوشرة) كبيرة قائمة.
أحمد منصور:
صدر الحكم في 5 أبريل بعدم دستورية المرسوم الملكي.
مصطفى بن حليم:
وقامت شوشرة كبيرة، يعني وبعدين اكتشفنا أن كان فيه عنصر سياسي، يعني السفارة المصرية -مع الأسف- كانت توعز للقضاة أو للقاضي (علي علي منصور) بأن يجب أن تقفوا في صف الشعب، ولا تقفوا في صف الملك، كأن المسألة خلاف بين الشعب والملك..
أحمد منصور:
أنت الآن بتطعن في القضاء.
مصطفى بن حليم:
أنا جاي لك، جاي لك، أنا لا أقول لك شيء إلا بدليل وبرهان.
أحمد منصور:
طيب، أنا حتى لا أدخل هنا ما بين فترة محمد الساقذلي وفترتك أنت، محمد الساقذلي سقطت حكومته في 11 إبريل، وأنت في 12 إبريل عينت رئيسا للوزراء أو كلفت بتشكيل الحكومة الجديدة، في وسط معمعة الأزمة الدستورية التي كانت قائمة، وحكم المحكمة ببطلان الأمر الملكي الصادر بحل البرلمان، الذي كان في 19 يناير 54.
مصطفى بن حليم:
مش البرلمان.. المجلس التشريعي.
أحمد منصور:
المجلس التشريعي.
مصطفى بن حليم:
أخ أحمد.. لو تتركني بس أعطي لك التفاصيل.
أحمد منصور:
أنا حضرتك مطلع عليها، وأنت كاتبها ومطلع عليها في مصادر عديدة.
(13/107)
مصطفى بن حليم:
لازم المشاهدين يطلعوا على التفاصيل هذه، اللي صار أن الوالي استمر في انتخابات جديدة في طرابلس، وكنا احنا مجتمعين في مجلس الوزراء، هذه نقطة كتير مهمة كنا مجتمعين في مجلس الوزراء في البرلمان، فجتنا برقية من رئيس الشرطة الاتحادية يقول فيها: إن الوالي مستمر في الانتخابات..
أحمد منصور:
في الدعوة لانتخابات جديدة.
مصطفى بن حليم:
في الدعوة لانتخابات جديدة ومتجاهل حكم المحكمة السيد محمد الساقذلي أنا كنت جالس جنبه فقلنا نتشاور، فأوقفت الجلسة، وانتقلنا إلى غرفة رئيس مجلس النواب وتشاورنا، كان فيه تيارين، تيار من (خليل الجلال) اللي كان -أعتقد- وزير العدل يقول: إنه يجب على رئيس الوزارة أن يتصل فورا بالملك، ويطلب منه أمر الوالي بإيقاف الاستعداد لانتخابات جديدة، وأنا رأيت أن في هذا خطورة.
أحمد منصور:
على من؟
مصطفى بن حليم:
على رئيس الحكومة، وكان مغرب، كنا في المغرب، والملك عادة يدخل في الصلاة من المغرب إلى -تقريبا- العشاء، أنا نصحت حاجة أحسن من هذا بالطريقة التي تجعل كل شخص أمام مسؤوليته قلت: يا دولة الرئيس أعتقد أن أحسن حل هو أن نتصل بمولانا الملك، ونطلب منه عقد جلسة برئاسته هو في قصر الغدير ونضع كل الأمور أمامه، هو مهما كان هو ملك البلد، والمحكمة تحكم باسمه، هذه محكمته، ولا بد أن نصل معه إلى حل يرضي الجميع، مال إلى رأيي، أنا كان عندي سؤالين ثلاثة في مجلس النواب، وكنت انتهيت منهم فاستأذنت، في تاني يوم الصبح بدري مريت على رئيس الحكومة، مكتب رئيس الحكومة على زعم أن احنا نتصل بمولانا الملك، ونطلب اجتماع عاجل، فوجدت رئيس الحكومة في وضع، يعني يختلف تماما.
أحمد منصور:
ما هو الوضع؟
مصطفى بن حليم:
(13/108)
الوضع أن هو اتصل بالملك، وكلم رئيس التشريفات (أحمد محيي الدين السنوسي)، وقال له: مولانا بيصلي ربما تطلبه بعدين، قال: لا، أنا أنتظر ولو ساعة، وبقى أكثر من ربع ساعة ينتظر -هذا كلامه هو-، وبعدين لما جاء الملك قال له رئيس الحكومة: يا مولانا يجب أنك تصدر أمر الآن للوالي بإيقاف الانتخابات، قال الملك: يا محمد بيه هذا موضوع نبحثه بكرة، هذا موضوع ما بالتليفون، قال له: لا.. لا، يا مولانا، وتعرف محمد الساقذلي ربما قلبه طيب ورغبته طيبة، ولكن طريقة أداؤه لفكرته ربما تكون عنيفة إلى درجة أن الملك قفل التليفون في وجه رئيس الحكومة، أنا لما قال لي هيك قلت: يا ريس الوضع سيئ، نحن لا نستطيع أن نبقى في هذا.
أحمد منصور:
كان بتاريخ كم الكلام ده؟
مصطفى بن حليم:
تاني يوم.. يوم 10 كان الاجتماع، يوم 11 كان الكلام هذا.
أحمد منصور:
اليوم الذي أقيلت فيه الحكومة.
مصطفى بن حليم:
(13/109)
دقيقة واحدة.. فدخلنا في مجلس الوزراء، وتقاطر الوزراء كلهم، وقال لهم اللي صار، بعضهم ما كان موجود عندما حدث هذا الكلام طلبت الكلمة قلت: يا دولة الرئيس بعدما حدث ماحدث أعتقد حفظا لكرامتنا يجب علينا أن نستقيل، وإذا بمحمد بيه ينفعل: لا يا مصطفى بيه.. مصطفى بيه أنت دائما متسرع هكذا، قلت: يا ريس هذه مسألة خطيرة، مولانا يغلق التليفون في وجه رئيس الحكومة معناها عدم ثقة، معناها وجود شيء، على أي حال كما ترى والقلم نزلته، وحطيته إلى جانبي، في هذه اللحظة جاء سكرتير رئيس الحكومة، وقال له كلمتين في ودنه فاستأذن وخرج ورجع بعد 5 دقائق، وجهه أحمر، قال: كان عندي وكيل الديوان الملكي (فتحي العبدية) والمستشار القانوني للديوان (محمد خليل) -محمد خليل على فكرة حي يرزق في فلسطين-، و(فتحي العبدية) موجود في ليبيا، وقالوا لي: إن مولانا الملك يطلب استقالتك، أنا في الواقع تأثرت كثير لأنه لو بدينا نكتب كنا دخلنا في التاريخ -على الأقل أمام أنفسنا- كأنا مستقيلين.
أحمد منصور:
أنتم دخلتم التاريخ كمقالين.
مصطفى بن حليم:
لا.. افهمني لو احنا بدينا نكتب استقالة، كتبنا الاستقالة، وجاءنا طلب بتقديم الاستقالة احنا استقلنا عن رغبتنا احنا.
أحمد منصور:
هل تعتقد في دول العالم الثالث أن هناك فرق كبير بين الإقالة والاستقالة؟
مصطفى بن حليم:
والله بالنسبة لي كان فيه فرق كبير.
أحمد منصور:
كلفت في 12 إبريل 54 بتشكيل حكومة جديدة.
مصطفى بن حليم:
خليني وحدة وحدة، على أي حال كتبنا الاستقالة..
أحمد منصور:
يعني نحن كده سنسهب في تفصيلات واسعة ربما لا تهم المشاهد كثيرا.
مصطفى بن حليم:
لا.. هذه نقاط مهمة حتى نبني عليها الكلام اللي جاي: أنا رجعت لبيتي وقلت لزوجتي: اشرأيك نأخذ إجازة في مصر؟ وطلبت من السائق أن يروح، ويحضر السيارة حتى بكرة نروح وحوالي الساعة الخامسة، يضرب جرس التليفون، وبيكلمني السيد (أحمد محيي الدين) .
(13/110)
أحمد منصور:
من (أحمد محيي الدين)؟
مصطفى بن حليم:
رئيس التشريفات أحمد محيي الدين السنوسي وجده السيد (أحمد الشريف) يقول لي: مولانا الملك يدعوك للشاي، والله ما أخدت إلا سيارة ابن عمي كان عندي، قلت له أوصلني، فذهبت وصدقني لم يكن في ذهني أني سأكلف بحكومة، قلت ربما يريد الملك أن يستشيرني أو كذا، أنا عمري 33 سنة ، يعني ما كانت المطامح هذه في رأسي، على أي حال دخلت على الملك، رحب وكذا، وبدأ يحكي لي على أن الساقذلي ما كان عند حسن ظنه وتسرعه وكذا، حاولت أدافع عن الساقذلي بقدر الإمكان، لكن وجدته..
أحمد منصور:
أيه الدفاع اللي أنت بتدافعه وأنت مش مقتنع أصلا بهذا الدفاع؟
مصطفى بن حليم:
كيف مش مقتنع بهذا الدفاع؟
أحمد منصور:
أنت مقتنع بالدفاع عن الساقذلي؟ وأنت تحمله مسؤولية كبيرة فيما حدث؟
مصطفى بن حليم:
أي مسؤولية اللي حملتها له؟
أحمد منصور:
مسؤوليته في أنه إنسان متسرع وأنه..
مصطفى بن حليم:
هذا شيء والمسؤولية شيء آخر، أنا كان بدي أن الملك يترك له فرصة أخرى، لا يغضب عليه، يستعمله لأنه رجل له فوائد ثانية، له ميزات، لا يوجد رجل خال من العيوب، الملك قال: لا.. لا، هذا ما يصلح، يا فلان، أنا ابغي أكلفك بتشكيل حكومة، في الواقع قلت: يا مولانا أنا عمري 33 سنة، قال لي: أعرف هذا، قلت: ولا خبرة لي قال لي: سأساعدك، قلت له: مولانا فيه حكم من المحكمة، وأنا لا أستطيع أن أدعو زملاء محترمين، أود أن يشاركوني في الحكم ما لم أنه حكم المحكمة هذا وأجد له حل.
أحمد منصور:
مش قلت إن حكم المحكمة المفروض ما لوش علاقة بالحكومة؟
مصطفى بن حليم:
بس هذا حكم صدر.
أحمد منصور:
فيما يتعلق بولاية (برقة).
مصطفى بن حليم:
بولاية طرابلس.
أحمد منصور:
بولاية طرابلس.
مصطفى بن حليم:
(13/111)
بس هلا باجي لك الكلام بعدين، صحيح أنا قلت لك إننا استشرنا فيما بعد مستشارين، ومن ضمنهم دكتور (زيفيغر) أستاذ القانون الدستوري في جامعة (زيورخ) وكلهم قالوا لنا: إن التمسك بإمضاء رئيس الحكومة خطأ.
ولكن -وهذه كانت وجهة نظري- خطأ أو غير خطأ هذا حكم من المحكمة يجب احترامه فقلت: يا مولانا لا بد أن نجد حل، فرد علي قال أيها حل مقبول ما عدا الحل الذي يرجع هؤلاء الناس ورئيسهم.
أحمد منصور:
يبقى إذن لا حل.
مصطفى بن حليم:
لا.. فيه حلول.
أحمد منصور:
حلول كلها قائمة على عدم احترام النص.. الحكم القانوني الذي صدر، والحكم القضائي الذي صدر والشرعية التي منحها الشعب لهؤلاء الناس.
مصطفى بن حليم:
أرجو ألا تتسرع في الحكم، وخليني أسرد لك الكلام، قلت له: كذلك يا مولانا أنا أبغى أني يشترك معي بعض الجماعة المعارضين من حزب (بشير السعداوي) قال لي: هذه مسؤوليتك، قلت له: أنا سأواجه أزمات كبرى، وبودي أن تكون الوزارة مطعمة بآراء وبرجال لهم قيمتهم، قال لي: هذه لك، ذهبت من القصر إلى وزارة المواصلات وزارتي، اتصلت بالمحكمة العليا في طرابلس، ولمعلوماتك ساعتها مواصلات طيبة بين طرابلس وبنغازي، التليفون كان باللاسلكي، كلمت رئيس المحكمة السيد (محمد صبري العقاري) رجل مسلم، رجل قاض ورع، قلت له: يا صبري بك.. أنا مولانا الملك كلفني بتشكيل الحكومة، وأنا قلت له، إني لن أشكل حكومة إلا بعد أن أجد حل لموضوع المحكمة، فهل لي أن أطلب منك تأتي تقابلني بأسرع ما يمكن، والله كان رده: مسافة الطريق يا فلان، قلت له: أنا بيتي في جليانا على البحر شقة رقم كذا، أنتظرك على صلاة الفجر ونفطر مع بعض، وبالفعل جاء رئيس المحكمة العليا السيد (محمد صبري العقاري) قلت له: يا صبري بك.. أنت هنا عربي مسلم، في بلد عربي مسلم في أول استقلاله..
أحمد منصور:
طبعا ده كان قاضي مصري.
مصطفى بن حليم:
(13/112)
طبعا، وأود أن تساعدني في تجنيب هذا البلد، البلد الصغير، البلد الحديث العهد بالاستقلال، أزمة دستورية كبرى، ما هي الحلول؟ أنا الملك أعطاني الصلاحية، أيها حلول ما عدا عودة الجماعة هذول، قال لي: بسيطة فيه عدة حلول، أبسطها أن يصدر مرسوم ملكي جديد توقع عليه أنت.
أحمد منصور:
ينص على؟
مصطفى بن حليم:
محل المرسوم.
أحمد منصور:
اللي فيه أخطاء.
مصطفى بن حليم:
اللي فيه أخطاء، قلت: هذا سهل، قال لي: بس أنا لا بد أن أتشاور مع (علي علي منصور) قلت له: لك ما تشاء قال: لكن هذا حل دستوري صحيح، هنا أنا ارتكبت خطأ.
أحمد منصور:
ما هو؟
مصطفى بن حليم:
هنا كان يجب علي أن أستصدر المرسوم أو بعد حلف اليمين، استصدر المرسوم ولا أترك مجالا للمبايعات والأخذ والعطاء، راح السيد (صبري العقاري) إلى طرابلس وجتنا معلومات أن فيه لسه فيه أخذ وعطاء، وإذ بالمحكمة العليا تفاجئنا بأزمة دستورية ثانية.
أحمد منصور:
ما هي؟
مصطفى بن حليم:
(13/113)
تعرف المحكمة العليا كانت مقسمة إلى دوائر، الدائرة الأولى المحكمة أعتقد أنا كتبت الأسامي هنا حتي لا أنساها لأن الذاكرة -الحمد لله عليها- الدائرة الأولى، دائرة القضاء الإداري كان (علي علي منصور) و(حسن أبو علم) و(عبد الحميد الذيباني) هذا ليبي، اللي حكمت هذا الحكم، لكن عندما حكمت هذا الحكم ما كان فيه نائب عام معين بمرسوم ملكي -كما ينص عليه قانون المحكمة-، فعلي علي منصور اختار أحد المستشارين التانيين واحد اسمه (المسلاني)، وعينه هو كنائب عام، وأصدر الحكم اللي حكينا عنه، جاءت المحكمة الثانية واللي هي القضاء المدني برئاسة (حسن أبو علم) الذي كان نمرة 2 في المحكمة الأولى، والدكتور (عثمان رمزي) والدكتور (عوني الدجاني) لينظروا في القضية، وإذ برئيس المحكمة والقضاة يقولوا: لا يمكننا أن نصدر أيها حكم طالما لا يوجد مستشار.. نائب عام معين من الملك، بمعنى أن التعيين اللي صار في المحكمة الأولى تعيين خاطئ، ورفضت النظر، وبلغونا بالحكم.
فالملك قال لي: والله المحكمة ألغت حكمها، قلت: يا مولانا لا يجوز، مهما كان فيه حكم لا بد أن ينفذ الحكم الأول، والله بقيت 4 أو 5 شهور حتى أقنعته، واستصدرنا مرسوم بإمضائي يحل محل المرسوم الخاطئ.
السيد (علي الديب) ..
أحمد منصور:
الأزمة الدستورية.. اسمح لي حضرتك أنت الآن عرضت الموضوع بشكل فيه إسهاب واسع جدا جدا، وأنا تركتك يعني توضح الصورة، لكن القضية كلها أنك توليت الحكومة في وجود أزمة دستورية، وسعيت لإرضاء الملك ضد القانون أو ضد الحكم الذي صدر، وضد الرغبة الشعبية في حل مجلس تشريعي منتخب من الناس، وله الحق في ذلك، ويعني من الناحية التاريخية أنت متهم من خصومك، وعلى رأسهم رئيس المجلس التشريعي (علي الديب) بأنك قمت بوأد الديمقراطية مع أول مسؤولية توليتها، وكان هدفك الرئيسي هو إرضاء الملك على حساب كل شيء.
مصطفى بن حليم:
(13/114)
يا سلام.. يا سلام.. شوف يا أخي، السيد علي الديب مع احترامي كان يرى أيها حل لا يرجعه رئيس المجلس التشريعي هو حل باطل، وضد الديمقراطية، أنا يا أخ أحمد كنت أمام أزمة عميقة، لا أستطيع أن أطعن في مؤسسة الملك، وطالما وجدت..
أحمد منصور:
لكن طعنت في مؤسسة القضاء اللي هي المفروض هي أكبر مؤسسة.
مصطفى بن حليم:
لم أطعن -أنا آسف- لم أطعن فيها.
أحمد منصور:
حضرتك بتقول إن القضاة كانوا يأخذون أوامرهم من السفارة المصرية.
مصطفى بن حليم:
استناني بس واحدة.. واحدة حتى لا نخلط الوحدة بالثانية، أنا ما طعنت في القضاء، أنا قلت إن اللي كان يوجه هو القاضي المصري، مدير بنك مصر في القاهرة -رحمه الله- توفي، لا أتذكر اسمه الآن، قال لي: أنا نقلت جهات شكوت منها لجمال عبد الناصر، وقال لي: يا أخي أنا تعبان منهم أكثر منك.
أحمد منصور:
تعبان من القضاة، وأزمة (السنهوري) مشهورة مع (عبد الناصر) يعني دائما حينما يكون هناك استبداد يكون هناك غضب على القضاء؟
مصطفى بن حليم:
يا سيدي.. ما كان فيه..احنا لم نمس القضاء، نحن أمامنا حكمين..
أحمد منصور:
هناك تشكيك أصلا في القضاء في تلك الفترة، وفي القضاة بشكل عام.. أن القضاة ناس نزهاء، ولم يكن لهم أن يصدروا هذه الأحكام التي يصدرونها.
مصطفى بن حليم:
صححنا لك كل هذه الأوضاع، أولا: كان لا يجوز أن يكون القضاة في المحكمة العليا الاتحادية لا خبرة لهم بالشؤون الاتحادية.
ثانيا: من الخطر أن يكون رئيس المحكمة و2 من كبار المستشارين من جنسية واحدة، لا سيما وإنا تأكدنا من توجيه من السفارة المصرية.
أحمد منصور:
أيضا هناك هجوم صار على المحكمة الدستورية في الصحافة، صحيفة (الأخبار)، هناك مظاهرات قامت تندد بالقضاء، وده كان مذبحة للقضاء في ليبيا، تماما كالتي حدثت للقضاء في مصر.
مصطفى بن حليم:
(13/115)
سيدي، هذه عانينا منها معاناة شديدة، وأوردتها في كتابي، وكان سخطنا عليها شديد، وهذه كلها كان قائم بها (عبد الله عابد) وجماعة من جماعته من أنصار (الصديق المنتصر)، وانتهى المطاف بعدين بأني نقلت (الصديقي المنتصر) لأن (الصديق المنتصر).. كان مفهمين الملك أنو الرجل الوحيد اللي ممكن يحافظ على طرابلس جزء من ليبيا، أعني أن المسائل دي ما كانت ترضينا، تقوم مظاهرات ضد المحكمة، مسألة المحكمة علاجها من أبسط ما يمكن في كل الدول الدستورية من حق رئيس الدولة أن يحل المجلس.
أحمد منصور:
وأن يطرد المستشارين الذين أصدروا الحكم.
مصطفى بن حليم:
لم يطردوا.
أحمد منصور:
طردوا وأرجعوا.
مصطفى بن حليم:
سوري..أنا آسف.. ما طردوا، ما طردوا، تغير قانون المحكمة، وأصبح رئيس المحكمة يجب أن يكون ليبي، ولا غبار على هذا.. أن تكون رئاسة المحكمة العليا لقاض ليبي، فما أصبح لهم مكان، واستبقينا 2 من القضاة، ما طردنا..أنا آسف أن المبالغات هذه جعلت الموضوع وكأنه اعتداء على الديمقراطية، احنا شو عملنا؟ المحكمة العليا اتخذت هذا المرسوم غير القانوني، مطعون فيه لأنه ما فيه إمضاء من مسؤول، استصدرنا مرسوم فيه إمضائي أنا، وحل محل المرسوم الأولاني إيش فيه من الاعتداء على الديمقراطية؟
أحمد منصور:
تفصيل قوانين بما يتناسب مع رغبة الملك في عدم عودة هؤلاء مرة أخرى.
مصطفى بن حليم:
والملك رجل محتال أو رجل استعماري؟! ما هو ملك البلد..
أحمد منصور:
لكن هناك ادعاء بأنه ضد الديمقراطية، وهذا يدفعني للسؤال عن موقف الملك من الديمقراطية، هل كان الملك يؤمن بوجود ديمقراطية؟ بوجود انتخابات فعلية أم كان رجل مستبد شأنه شأن الآخرين؟
مصطفى بن حليم:
صارت انتخابات في ليبيا.. بعد ما انتهى الملك هل صارت انتخابات في ليبيا؟
أحمد منصور:
(13/116)
لكن الملك كان بينظر إلى الأحزاب كلها تقريبا على أنها عميلة لجهات خارجية ومن ثم موقفه من الديمقراطية، من الأحزاب لم يكن فيه أي شيء من الإيجابية.
مصطفى بن حليم:
يا أستاذ أحمد، يعني الجمع بهذه الطريقة هذي مش عادل، ليش؟ لأن الأحزاب الطرابلسية ما عدا حزب واحد كلها كانت مرتشاة، مرشية من الخارج، ووجدنا في وثائق السفارة الإيطالية لما في مناسبة من المناسبات فتشها البوليس.. المبالغ اللي كانت تدفع لحزب الاستقلال، فيه حزب تاني بتاعت (علي رجب) كان ينادي بالانضمام إلى مصر.
يا أخي لما وجد كل الأحزاب.. أصل خطأ أن يلغي كل الأحزاب خطأ، وقلنا له كم مرة لا، ولكن رغبته أن هذه الأحزاب خلينا الآن إلى أن تستقر الأمور وبعدين نسمح بها، أنا لا أوافق الملك على هذا، لكن لا أقول إنه ضد الديمقراطية.
أحمد منصور:
يقال إن عملية اختيارك لرئاسة الحكومة في عمر لا يتجاوز الثالثة والثلاثين وخبرة سياسية محدودة كان بسبب علاقتك الوثيقة بإبراهيم الشلحي الذي كان عين الملك وأذنه.
مصطفى بن حليم:
أنا لا أستطيع أن أنفي ولا أستطيع أن أؤكد.
أحمد منصور:
يعني الشلحي كان له دور في اختيارك؟
مصطفى بن حليم:
عمره ما قال لي الكلام ده، وعمري ما شعرت بأنه هو الذي اختارني، ولو أنه اختارني ما كنت قبلت، أنا أشتغل مع الملك، ما أشتغل مع إبراهيم الشلحي.
أحمد منصور:
لكن الشلحي ما لعب دور بعد ذلك في توثيق علاقتك بالملك؟
مصطفى بن حليم:
جاي لك بعدين، جاي لك بعدين.. جاي لك ، مش إبراهيم الشلحي، ابنه، جاي لك في تفاصيل إلى الأمام.
أحمد منصور:
الآن ما هي الأشياء الأساسية التي كانت أمامك، للتحديات الأساسية أمام حكومتك، البرامج الأساسية التي كنت تسعى بنية القيام بها؟
مصطفى بن حليم:
(13/117)
هذا كلام إيجابي، احنا جينا اجتمعنا، وكان عندنا نوع من النواة، مش نواة أغلبية الوزراء اللي أنا أثق بهم ثقة مطلقة، تعرف أنك لما تكون حكومة في بلد فيه التيارات الكبيرة، وفيه النفوذ.. قد تضطر أنك تضع بعض الأشخاص اللي ما تثق بهم 100%.
أحمد منصور:
ممكن بإيجاز أن تذكر لنا أهم التيارات السياسية التي كانت موجودة في ليبيا في ذلك الوقت؟
مصطفى بن حليم:
الفرنساويين عندهم تيار، الإنجليز عندهم تيار ثاني، الطليان عندهم تيار ثالث.
أحمد منصور:
مين اللي كان على رأس كل تيار من هذه التيارات؟
مصطفى بن حليم:
ما فيه داع لذكر الأسماء.
أحمد منصور:
لا.. تاريخ يا سيدي، لا بد أن تذكر لنا الأسماء.
مصطفى بن حليم:
يعني ما فيه داعي.
أحمد منصور:
ما هو التيار اللي كان يوالي الإيطاليين؟ ومن كان على رأسه؟ وهذه أشياء مذكورة في الكتب.
مصطفى بن حليم:
الإيطاليين كان (سالم المنتصر) الله يرحمه.
أحمد منصور:
وكان عامل حزب؟
مصطفى بن حليم:
حزب الاستقلال.
أحمد منصور:
الفرنسيين.
مصطفى بن حليم:
أغلب جماعة (فزان) ما عدا عائلة (سيف النصر).
أحمد منصور:
كلهم كانوا..
مصطفى بن حليم:
أغلبهم، أغلبهم.
أحمد منصور:
البريطانيين؟
مصطفى بن حليم:
البريطانيين بعض أعضاء في حكومة برقة، بعض جماعة، البريطانيين كان عندهم جهاز مخابرات من أقوى ما يمكن، وكان..
أحمد منصور:
داخل ليبيا؟
مصطفى بن حليم:
في ليبيا، وكانوا جايبين فيه جماعة ممن عملوا في الجيش السنوسي (سيسل دلتل) وبعدين طردناه، لكن خليني أحكي لك كيف.. ؟
أحمد منصور:
الجيش السنوسي ظهر أنه في النهاية يعمل لصالح البريطانيين.
مصطفى بن حليم:
ما كانش الجيش السنوسي، كان عندهم جماعة ممن عملوا في الجيش السنوسي لكن (سيسل دلتل) ما كان في الجيش السنوسي، كان مرافق للملك قد وضعوه وكذا..
أحمد منصور [مقاطعا]:
هل كان فيه أي أثر للتيار القومي أو التيارات الأخرى.
(13/118)
مصطفى بن حليم:
طبعا حزب المؤتمر كله تيار قومي.
أحمد منصور:
وهذا الذي تعتبره حزب وطني بالدرجة الأولى.
مصطفى بن حليم:
حزب وطني، وبعدين عمر المختار.. جمعية عمر المختار اللي أنا قلت لك كان دائما ميولي لها تيار وطني 100%، بس كان أمامنا عثرات..
أحمد منصور:
شكلت حكومتك من كل هؤلاء؟
مصطفى بن حليم:
حكومتي اللي احنا وضعا السياسة الاستراتيجية اللي أنا طبقتها ، واللي تفرعت في عدة أمور، اشترك معي فيها الدكتور (عبد السلام البوصيري) وزير الخارجية، وهذا من الوطنيين الكبار الذين جاهدوا، وبعدين راح لتركيا، ووصل لدرجة والي ولاية، بعدين اشتغل في وزارة الخارجية، وكان الدكتور (علي العنيزي) وهو كان في الشؤون الاقتصادية، كان فيها (عبد الرحمن جلهوت)..
أحمد منصور:
ينتموا لأيه دول؟ قل لنا الانتماء السياسي لكل منهم.
مصطفى بن حليم:
(عبد الرحمن الغلهوت) و(مصطفى السراج) حزب المؤتمر.
أحمد منصور:
دول الاثنين المعارضين اللي ضميتهم للحكم.
مصطفى بن حليم:
(عبد السلام البوصيري) وزير الخارجية طرابلسي، ومن المجاهدين القدامى (علي العنيزي) كذلك ميوله ميول (عمر المختار) وخبرته الأكثر في الشؤون المالية و(خليل الجلال) خليل الجلال كان وسط ما بين عمر المختار وحزب برقة.
أحمد منصور:
لكن أنت لم تختر أيا من الوزراء من الأحزاب التي توالي البريطانيين أو الإيطاليين أو الفرنسيين؟
مصطفى بن حليم:
عندما اخترت الوزراء ما كنتش أعرف، وبعدين اتضح لي أن واحد منهم كان يوالي الفرنسيين، وواحد منهم كان يوالي البريطانيين.
أحمد منصور:
وماذا فعلت؟
مصطفى بن حليم:
انتهوا بعدين على خير.
أحمد منصور:
هل أقلتهم في التغيير الذي حدث؟
مصطفى بن حليم:
في التغييرات الأخيرة.
أحمد منصور:
تأثيرهم كان أيه داخل حكومتك لصالح الجهات التي يعملوا لها؟
مصطفى بن حليم:
لا تأثير.
أحمد منصور:
كانت وزارات خدمية أم وزارات سيادية؟
(13/119)
مصطفى بن حليم:
وزارات خدمات ولا تأثير، خليني أقول لك كيف احنا؟
أحمد منصور :
هل ضغط عليك أي شخص معين أم كان الاختيار مطلقا منك أنت؟
مصطفى بن حليم:
واحد فقط حاول يضغط علي ورفضت ضغطه.
أحمد منصور:
مين اللي ضغط عليك؟
مصطفى بن حليم:
(سيف النصر عبد الجليل) من فزان كان بيود واحد من جماعته.. وقال: إن هذا يكون ممثل عنهم قلت له: لا، ما فيش..
أحمد منصور:
الملك طلب منك حد معين تعينوا في الوزراء؟ واللا الاختيار كان مطلق لك، والملك اعتمده؟
مصطفى بن حليم:
الملك ما تدخل.
أحمد منصور:
إبراهيم الشالحي كان له دور في تعيين أي شخص أو التوصية لأحد؟
مصطفى بن حليم:
ولا عنده علم بشيء، مع الأسف، فيه كثير في عالمنا العربي لا نفرق ما بين الإشاعات والإدانات.
أحمد منصور:
لكن أنت أيضا كنت في عمر صغير، ومعرفتك بالناس ربما لم تكن كبيرة واعتمادك على أنك وحدك اللي تختار الوزراء أمر -أيضا- في حاجة أيضا إلى أن يفهم بشكل قوي، مين اللي عاونك في عملية الاختيار؟
مصطفى بن حليم:
شوف.. أنا لم أنقطع عن ليبيا كما تتصور، كنا احنا كل سنة نرجع لليبيا، وكنا دائما على اتصال بليبيا، بعدين أن كنت رجعت لليبيا سنة 50، وإلى سنة 54 كنت براجع كل الحاجات هذه وأتتبعها، وكنت معجب ببشير السعداوي إلى مدى كبير.
أحمد منصور:
الذي نفي من ليبيا.
مصطفى بن حليم:
مع الأسف، مع الأسف ويا ماعملت كثير مع (محمود المنتصر) الله يرحمه، على أي حال المجموعة هذه قلنا لا بد أن نضع سياسة طويلة المدى.
أحمد منصور:
أهم نقاط هذه السياسة؟
مصطفى بن حليم:
بدنا الحل طويل المدى، هو أن نحصل على ثروة ليبية لتمويل ليبيا، لبناء مدارس ليبيا، لبناء مستشفيات ليبيا، لبناء طرق ليبيا، لبناء كينونة ليبيا، بدنا مال ليبي حتى نتخلص من كل ربقة، ومن كل ضغط، هذا كان الهدف.
أحمد منصور:
(13/120)
في عهد حكومتك التي بدأت في عام 54 في شهر إبريل، وبقيت إلى العام 57 رغم أنها مدة قصيرة إلا أنها توصف بأنها أغنى الحكومات التي وقعت فيها أحداث سياسية في ليبيا خلال الخمسين عاما الماضية، في عهد حكومتك اكتشف النفط، وأنت الذي أصدرت قانون النفط، واتفقت مع شركات النفط، وقعت اتفاقات مع الحكومة البريطانية، مع الفرنسيين، مع الأمريكيين، قمت بجولات خارجية كثيرة، وقع الاعتداء على مصر في العام 56، اكتشف النفط وغيرها من الأمور الأخرى.
في الحلقة القادمة أبدأ معك في هذه المحاور الرئيسية محورا محورا، لتفصيل أهم الأحداث التي وقعت في عهد حكومتك، أشكرك شكرا جزيلا.
مصطفى بن حليم:
كما ترى.. كما ترى.
أحمد منصور:
كما أشكركم مشاهدينا الكرام على حسن متابعتكم، في الحلقة القادمة -إن شاء الله- نواصل الاستماع إلى شهادة السيد (مصطفى أحمد بن حليم) رئيس وزراء ليبيا الأسبق.
وفي الختام أنقل لكم تحية فريق البرنامج وهذا (أحمد منصور) يحييكم.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.(13/121)
الحلقة5(13/122)
مقدم الحلقة
أحمد منصور
ضيف الحلقة
مصطفى أحمد بن حليم، رئيس وزراء ليبيا الأسبق
تاريخ الحلقة
26/08/2000
مصطفى بن حليم، رئيس وزراء ليبيا الأسبق - الحلقة 5
أحمد منصور
مصطفى بن حليم
أحمد منصور:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
وأهلا بكم في حلقة جديدة من برنامج (شاهد على العصر)، حيث نواصل الاستماع إلى شهادة السيد (مصطفى أحمد بن حليم) رئيس وزراء ليبيا الأسبق.
سيد (بن حليم) مرحبا بك.
مصطفى بن حليم:
مرحبا.
أحمد منصور:
توقفنا في الحلقة الماضية عند محور تشكيل الحكومة وبداية الخطة الاستراتيجية التي وضعتها للحكومة.
مصطفى بن حليم:
كان عندنا خطتين.. خطة طويلة المدى، وسنحكي عليها بالتفصيل في المستقبل، اللي هي ملخصها أن نبحث عن ثروة ليبية لكي نمول بها تقدم ليبيا، هذا هو الملخص، والخطة التانية أن نستغل ونستنزف أصحاب القواعد الموجودة في ليبيا ما عدا الفرنسيين.
أحمد منصور:
يعني الأمريكان والبريطانيين.
مصطفى بن حليم:
البريطانيين.
أحمد منصور:
إيشمعنى الفرنسيين لا؟
مصطفى بن حليم:
هاجي لك فيها، فقلت للملك: حتى أمشي في الخطة القصيرة المدى لا بد من أن أتفاهم مع جمال عبد الناصر.. يا مولانا ما فيه شيء، أنا بدي أعرض له وضعنا، وهو كرجل إنسان وعربي ومسلم سيفهم أوضاعنا، وإذا ما فهم أوضاعنا والله احنا نمشي في طريقنا.
مع الأمريكان بدينا نتكلم معهم وجدنا عبارة عن صلابة من أغرب ما يمكن، مليون دولار في السنة..
أحمد منصور:
تكلمت مع مين؟
مصطفى بن حليم:
مع السفارة ومع مندوبين جاءوا من أمريكا.
أحمد منصور:
مليون دولار للقاعدة.
مصطفى بن حليم:
(13/123)
للقاعدة، يعني مبلغ مضحك، فالملك أشار علي، قال لي: أنا أعرف أن الأتراك أولا أصدقاؤنا ولنا تاريخ ماضي معاهم، ويقدسوه ويقدسوا السنوسية، وأعرف أن علاقتهم ممتازة مع الأمريكان.. ما رأيك في أن تستنجد بهم، وتجعلهم يساعدوك وينصحوك، قلت له: كويس، ولكن -يا مولانا- أهم من هذا أن أذهب إلى جمال عبد الناصر، كان متردد، ليش متردد؟ لأن الإذاعة المصرية وصوت العرب والجرائد المصرية يعني (شرشحت)..
أحمد منصور:
كانت عاملة رعب.
مصطفى بن حليم:
(شرشحت) (محمود المنتصر) لاتفاقيته مع بريطانيا، قلت له: خلينا نذهب، قال لي: طيب، ولكن تذهب له لوحدك، ما عرفت ماذا يعني، فهمت بعد ذلك، كان يعني (إبراهيم السنوسي) الذي ورد ذكره -وكان هو سفيرنا هناك- وهو لم يكن يريد أن يحضر هناك، فرحت لتركيا، وأكرمونا كرم كبير.
أحمد منصور:
كانت حكومة (عدنان مندريس) وكان جلال بيار رئيس الدولة.
مصطفى بن حليم:
(عدنان مندريس) وأنا أعتبره من أحسن رؤساء الحكومات هو وجلال بيار وأعتقد أنه لو كان دام بقاؤه كان من الممكن أن نجلبه إلى الناحية العربية وحاولنا كتير فيها، بس هذا موضوع آخر.
أحمد منصور:
طبعا الحكومة دي استمرت من سنة 50 إلى سنة 60 وانتهت بانقلاب عسكري وأُعدم كلا الرجلين.
مصطفى بن حليم:
مع الأسف، لا أعدم (عدنان) بس، جلال بيار ما أعدم.. على كل حال ذهبت وكان جلال بيار وعدنان مندريس وعدانا بالاتصال بإيزنهاور وبدالاس وهكذا، وبالفعل، وكان في منتهى اللطف، من ضمن لطف عدنان مندريس وهو يودعني إلى الطيارة (طيارة عسكرية) قال لي: أنا قررت إرسال معونة لكم، لأن كانت سنة جفاف، قررت إرسال 4000 طن عبارة عن قمح لكم (لليبيا) لكن قالها لي على بعد 5 خطوات من سلم الطيارة، أشكره قال: لا أنا قلت لك هذا الكلام حتى لا تشكرني.
أحمد منصور:
إيه المحاور الأساسية التي دارت في النقاش بينك وبين عدنان مندريس؟
مصطفى بن حليم:
(13/124)
فيه محاور كثيرة، لكن حنخرج عن الموضوع.
أحمد منصور:
لا.. أنا فقط أقصد العلاقة الخاصة، لأن تركيا ظلت لها علاقة خاصة في حكومتك وجاء عدنان مندريس بعد ذلك إلى طرابلس.
مصطفى بن حليم:
شوف، احنا سعينا وفشلنا في تقريب عدنان مندريس من جمال عبد الناصر، وكانت عنده نية طيبة، هذا قبل (حلف بغداد) مع الأسف اللي تردد هو جمال -الله يرحمهم جميعا-، على أي حال الموضوع الرئيسي أننا نبغاهم يساعدونا مع الأمريكان ووعدوا ونفذوا.
أحمد منصور:
صحيح، أنا هنا عايز أسألك عن محور مهم جدا، حكومة عدنان مندريس وجلال بيار كان معروف أنها حكومة يعني لا تتوافق مع التيار العلماني اللي بدأه (أتاتورك) في تركيا في الثلاثينيات، والجيش انقلب عليها في سنة 60 كيف كانت علاقتها وثيقة بأمريكا في الوقت اللي كان لها أيضا توجه...؟
مصطفى بن حليم:
إسلامي.
أحمد منصور:
يوصف بأنه توجه إسلامي؟
مصطفى بن حليم:
والله أنا لا أرى مانع من أن تكون عندك علاقة مع أمريكا طالما هي علاقة نظيفة، وفيه عندك توجه إسلامي، أنا لا أرى.. يعني ما كنت عامل علاقة طيبة مع أمريكا، وكان توجهنا إسلامي مطلق، ما فيه ما فيه تعارض.
أحمد منصور:
هنا مفهوم التوجه الإسلامي برضو يختلف، مفهوم التوجه الإسلامي ممكن ياخد التوجه العروبي المختلط..
مصطفى بن حليم:
لا توجهنا كان إسلامي إسلامي.
أحمد منصور:
هل إسلامي يعني حكومة إسلامية؟ حكومة السنوسي إسلامية كانت يعني؟
مصطفى بن حليم:
سبحان الله، إذا كانت حكومة السنوسي، وإذا كانت السنوسية ليست إسلامية..
أحمد منصور:
هل كنتم تطبقون الحدود، وبتطبقوا كل ما يتعلق بالشرع الإسلامي؟
مصطفى بن حليم:
القوانين الليبية اللي وضعها (السنهوري) كانت تقول: إن المصدر الرئيسي هو الشريعة الإسلامية.
أحمد منصور:
كل الدول بتقول كده.
مصطفى بن حليم:
(13/125)
شوف، ما فيه شك ما فيه شك أن الدولة الليبية كانت أقرب إلى الإسلام من أية دولة في ذلك الوقت على كل حال خلينا نرجع لموضوعنا الأول.
من تركيا بعثت برقية لجمال عبد الناصر، قلت له: أنا أود أني أزورك، رد علي فورا: مرحبا، أهلا وسهلا.
أحمد منصور:
التقيت للمرة الأولى مع جمال عبد الناصر في يونيو 54.
مصطفى بن حليم:
رحت له، وكان اجتماع من أهم الاجتماعات في حياتي السياسية.
أحمد منصور:
ما هو أهم ما دار فيه؟
مصطفى بن حليم:
قلت له: بصراحة أخ جمال أنا في حاجة إلى عون مالي، بلدي خربانة، وحكيت له قصة بلدي كما هي وكما هو يعرفها عن طريق سفارته، ولا أمل لي في المدى القصير إلا بمعونة أمريكية قوية، فيه كذلك البريطانيين هتدور عليهم بعدين بس فيه فرنسيين بدي أحكي معاك فيهم، هذول لا يمكن أن نتفاهم معهم، ولا يمكن أن نسمح لهم ببقاء عسكري واحد في بلدنا.
أحمد منصور:
لماذا؟ ما الذي يختلفون به عن الأمريكان والبريطانيين؟
مصطفى بن حليم:
سؤال في محله، لأنه لا الأمريكان ولا الإنجليز عندهم مطمع في أراضينا.
أحمد منصور:
إزاي وهم واخدين قواعد وقاعدين فيها؟
مصطفى بن حليم:
قواعد لمدة 20 سنة، التانيين كانوا مطالبين ببلدين (غات وغدامس) غدامس لتونس وغات للجزائر، كان عندهم مطامع، وكانوا على علاقة بكثير من زعماء الفزازنة حتى إنهم يطالبوا بالانضمام إلى فرنسا.
أحمد منصور:
سآتي بشأن التفصيل لفرنسا بعد ذلك.
مصطفى بن حليم:
نعم؟
أحمد منصور:
سأفصل معك موضوع فرنسا.
مصطفى بن حليم:
(13/126)
وبعدين فيه نقطة مهمة جدا، ساعتها كانت فرنسا ألعن دولة في نظر المسلمين، لأعمالها القمعية في شمال إفريقيا. قلت له: وأنا أخشى أني ما حاقدر أواجههم إلا بمساعدة منك. قال لي: ستأمر، وسأنفذ بالنص. قال لي: أما اتفاقك مع أميركا أنا أشجعك عليه، فاستغربت، قال لي: شوف يا فلان، أمريكا دولة -في أيامها- ما لها مطامع سياسية، ما لها مطامع استعمارية بدها تجارة، بدها تمشي معها كذا.
أحمد منصور:
كان لسه مبدأ (إيزنهاور) لم يتم؟
مصطفى بن حليم:
لا.. ما زال، وكانت له هو ميوله في التفاهم مع الأمريكان، وأنا أشجعك، بل أقول لك حاجة، ممكن أنكم تساعدونا، لأن عندك الإنجليز إشكال الإنجليز، كان الإنجليز ساعتها ما طلعوش قلت له يا ريس أنت بتضحك أو لا؟ نحن نقدر نساعدك؟ قال نعم.. السعوديون ساعدونا، وأنتم لما تكون عندكم علاقة مع الأمريكان تقدروا تساعدونا، وأنا على أي حال باساعدك، قلت له: شوف أنا أعدك بأن الاتفاقية التي سأبرمها مع أمريكا هاعرضها عليك، وإذا قلت لي: إنه ما فيه شيء ضدك (ضد مصر) فسأوقعها، لكن لا أريد أن أسمع كلمة واحدة جارحة لا في صوت العرب ولا في الإذاعة المصرية ولا في الجرائد المصرية.
أحمد منصور:
معنى ذلك أن عبد الناصر كان عنده موافقة على القواعد الأمريكية في ليبيا؟
مصطفى بن حليم:
Yes Sir [نعم سيدي]
أحمد منصور:
والقواعد البريطانية في ليبيا؟
مصطفى بن حليم:
القواعد البريطانية لا.. أنا آسف.
أحمد منصور:
ما الذي قاله لك بشأن القواعد البريطانية؟
مصطفى بن حليم:
أنا قلت له: القواعد البريطانية هارجع لهم بعدين، وبالفعل رجعت عنهم بعدين خليني أقول لك حاجة قد لا تعجبك، لكن هذا هو الواقع: أنا في الفترة الأولى من استقلال ليبيا لم أكن معارض لقاعدة بريطانية وقاعدة أمريكية طالما لمدة محدودة وطالما بحصل منهم على مال كافي حتى أطور بلدي.
أحمد منصور:
(13/127)
إيه الفرق بين الإيجار والاحتلال؟ إيه الفرق بين الإيجار والاحتلال؟
مصطفى بن حليم:
الإيجار لما تنتهي مدته تقول له: مع السلامة.
أحمد منصور:
يجوز تأجير الأراضي لدول أخرى لاستغلالها كقواعد عسكرية ومراكز تجسس ومراكز لانطلاق قواعدها لضرب دول عربية أخرى أو غيرها؟
مصطفى بن حليم:
لم يحدث، وأنا أتحدى أي إنسان يعارض في هذه الكلمة أن قاعدة أمريكية أو قاعدة بريطانية استعملت ضد أي بلد عربي.
أحمد منصور:
ألم تضرب مصر من القواعد الليبية سنة 56 من القواعد البريطانية سنة 56؟
مصطفى بن حليم:
أعوذ بالله، أعوذ بالله، جمال عبد الناصر عندي نص خطابه هنا، شكر ليبيا لأنها منعت القوات البريطانية من الدخول لمصر، بس هذا مجال سنأتي عليه بعدين، ما بدنا نقطع عليه من الآن إذا Disbach الجنرال سير (تشارلز كيتمي) قائد الحملة وصورة منه في هذه المذكرة هنا.
أحمد منصور:
سنأتي لها بالتفصيل. بعد لقائك مع عبد الناصر والحديث معاه بشأن الاتفاقية الأمريكية - الليبية كيف كانت العلاقات مع مصر؟ سأبقى الآن معك في شق العلاقات المصرية الليبية وتطورها.
مصطفى بن حليم:
لا.. ما انتهتش منها، ما انتهتش قلت له: طيب ما دمت أنت، يعني احنا اتفقنا على هذا الكلام، وأنا أشعر بأنك صادق في كلامك هذا، ليش يعني بعثت لي سفير يتدخل في شؤوننا. قال لي: من؟ قلت له: فلان.
أحمد منصور:
من؟
مصطفى بن حليم:
اللي هو.
أحمد منصور:
هو مين؟
مصطفى بن حليم:
واحد.
أحمد منصور:
اسمه إيه؟
مصطفى بن حليم:
اسمه يحيى.. الأديب المشهور.
أحمد منصور:
يحيى حقي؟
مصطفى بن حليم:
(13/128)
يحيى حقي.. قال لي: أشيله، قلت له: المسألة مش في أنك تشيله، المسألة فيمن يحل محله، فسكت.. سكت.. سكت، وقال لي: اسمع أنا سأرشح لك واحد كان أستاذي في الكلية العسكرية وموضع ثقتي، وكان قائد المدفعية في فلسطين ورجل وطني درجة أولى، قلت له بدون ما أعرف اسمه: إذا كانت فيه هذه الصفات أنا موافق عليه، بس اترك لي بروتوكوليا أن أستأذن الملك، اللواء (أحمد حسن الفقي) وبالفعل لم يأت لليبيا سفير كفؤ، وعنده رغبة عربية إسلامية وتعاون مثل هذا الرجل -الله يرحمه-.
أحمد منصور:
إيه شكل التدخل اللي كان بيقوم به يحيى حقي في الشؤون الليبية؟
مصطفى بن حليم:
اللي ذكرته لك، سواء عن طريقه أو عن طريق جماعة المخابرات اللي عنده.
أحمد منصور:
ما الذي كانوا يفعلونه؟ مظاهرات؟
مصطفى بن حليم:
لا.. لا، إيعاز للمستشارين..
أحمد منصور:
تدخل في القضاء؟
مصطفى بن حليم:
إيعاذ للمستشارين، يا جماعة خذوا بالكم للشعب أنتم قادمون للشعب، كانت المسألة، مسألة ملك إنجليزي وشعب عربي، يعني حاجات مزرية، على أي حال قال لي وبالفعل بدأ يا أخ بيننا عهد 3 سنوات لم يحدث ما بين ليبيا ومصر من تعاون كذلك التعاون..
أحمد منصور:
إيه أشكال التعاون اللي كانت بين مصر وليبيا؟
مصطفى بن حليم:
مئات الأنواع..كنا نعمل مناورات على الإنجليز.
أحمد منصور:
كيف؟
مصطفى بن حليم:
والله جمال عبد الناصر وعدني بأنه حيعطيني مدرعات.. أرجوك..
أحمد منصور:
تخبر الإنجليز بذلك يعني؟
مصطفى بن حليم:
آه.. آه، تجيني المدرعات من الإنجليز والأمريكان..
أحمد منصور:
يعني يتسابقوا، يزايدوا على عبد الناصر.
مصطفى بن حليم:
العرض الروسي، ما أنا مرتبه أنا وجمال عبد الناصر، عملنا أعمال كثيرة جدا، تعاون كثير جدا، ساعدناهم، تفاهمنا معهم، طيب..
أحمد منصور:
قمت بزيارتك الثانية لمصر في أكتوبر 54، الأولى كانت في يونيه، والثانية في أكتوبر 54.
مصطفى بن حليم:
(13/129)
باستدعاء من جمال.
أحمد منصور:
إيه سبب الاستدعاء؟
مصطفى بن حليم:
الجزائر.
أحمد منصور:
ماذا دار بينك وبينه فيما يتعلق بالجزائر؟
مصطفى بن حليم:
قال لي: والله -شوف يا أحمد- احنا السعودية بتمول السلاح للجزائر، الأمير فيصل والملك سعود يعطوا لنا المال اللازم، جماعتي يشترونه، بدنا نمرره من ليبيا، ولما سألوني: كيف حتمرره؟ قلت لهم: والله أنا التقيت بشخص شكرني كتير، كذا.. كذا، وأعتقد عليه، ولذلك يا مصطفى أنا بدي أتفاهم على طريقة لإمرار السلاح، وتسليمه للجزائريين، وعرفني في ذلك الاجتماع (بأحمد بن بلا) .
أحمد منصور:
ومن هنا بدأت صداقتك التي لا زالت قائمة مع (بن بلا)؟
مصطفى بن حليم:
أيوه، حتى من 3 سنوات (أحمد بن بلا) كان مدعو في (سيرت) في احتفالات الفاتح من سبتمبر..
أحمد منصور:
3 سنوات يعني 1997 م
مصطفى بن حليم:
أظن، وخطب، وشكر ليبيا على مساعداتها وكذا كذا كذا، وكلام كتير ولولا المساعدات ما حدث، وقال اللي ساعدونا هم الملك (إدريس) و(مصطفى بن حليم) طبعا، هذه لم ترض النظام الحالي في ليبيا فمسحوها في الإذاعة التانية، على أي حال قلت له: يا ريس مسألة من أصعب ما يمكن يا أخ أحمد، مر السلاح تحت أنوف الفرنسيين.
أحمد منصور:
سآتي معك بالتفصيل إلى موقفكم من الثورة الليبية
مصطفى بن حليم:
الجزائرية...
أحمد منصور:
الجزائرية عفوا .. هذه إحدى المحاور الرئيسية التي سأتناولها معك، كيف كانت العلاقة بعد ذلك مع جمال عبد الناصر؟
مصطفى بن حليم:
ممتازة إلى حادث الملحق العسكري اللي سيأتي الكلام عنه.
أحمد منصور:
أثر إعلان تأميم قناة السويس عليكم؟
مصطفى بن حليم:
ولا شيء، أيدنا جمال عبد الناصر تأييد تام، مش بس تأييد بل جرحنا في الدول المانحة للمعونات.
أحمد منصور:
كانت علاقتك بعبد الناصر إلى ذلك الوقت جيدة.
مصطفى بن حليم:
(13/130)
إلى نوفمبر 56، ولكي أكون منصف تبين لي فيما بعد أنه كان مظلوم، وأن اللي كان مسؤول هو (عبد الحكيم عامر).
أحمد منصور:
وقع العدوان الثلاثي على مصر في 29 أكتوبر 56.. كيف كان موقفكم وأنتم دولة بها قواعد بريطانية كانت تهاجم، أو اتهمت بأن الطائرات البريطانية أقلعت منها وضربت مصر.
مصطفى بن حليم:
أرجو أن تمحو من ذهنك أيها شك في أن أيها قاعدة في ليبيا استعملت ضد مصر أو ضد أي بلد عربي، يعني هذه عندي إيمان بها.
أحمد منصور:
كيف أمنت عدم انطلاق الطائرات ولم تكن لديك أية سيطرة على الطائرات البريطانية؟
مصطفى بن حليم:
هذا السؤال الطيب، كان يسبق هذا الكلام كلام كثير، بمجرد ما بدأت الأزمة، بلغنا البريطانيين أنه لا يمكن أن احنا نسمح باستعمال القواعد، فديروا بالكم، وما فيه داعي للكلام هذا كله، ويجب أن تحاولوا أن تتفاهموا، أشياء كثيرة جدا... مني.. من وزير الخارجية، من الملك، إلى أن جاء يوم التأميم يوم التهديد، التهديد كان كام يوم قبل الاعتداء، مش هيك؟ فأنا كنت عند الملك لتعديل وزاري، والتبديل الوزاري ما كانشي عاجبني، لأن..
أحمد منصور:
26 مارس 56، التعديل الوزاري في حكومتك 26 مارس 56.
مصطفى بن حليم:
لا.. التعديل الوزاري في آخر أكتوبر 56.
أحمد منصور:
تعديل آخر يعني، كم تعديل تم على حكومتك؟
مصطفى بن حليم:
3 أو 4، لا أذكر يعني.
(13/131)
أنا كنت شاعر بأن فيه خطر، والملك تحت تأثير (بصير الشلحي) كان بده يحط (علي الساحلي) وزير خارجية، وأنا كان في ذهني أن هذا أسوأ وقت لعلي الساحلي، علي الساحلي شاب ممتاز، دكتور في القانون وكذا، ولكن ضعيف الرواية وضعيف الشخصية، ولكن أمام الأزمة اضطريت أني أقبل، أنا عارف أني في أزمة، وصلت إلى طرابلس، في راديو السيارة بلغني الإنذار، كلمت وزارة الخارجية وقلت لهم: السفير البريطاني يجيني الآن، هذه تفاصيل مهمة تفهمها، إيجا السفير البريطاني، وكان من أخطائي أني لم أثق فيه، في حين أنه كان في صفنا.
أحمد منصور:
تفتكر اسمه؟
مصطفى بن حليم:
غرام (وولتر غرام).. Mr. ambassador [سيادة السفير] بلغني كذا وكذا وكذا، وكان كلام من أفظع ما يمكن، من ألعن ما يمكن، Mr. ambassador [سيادة السفير] لن تدخلوا مصر إلا على أشلائنا، سنحاربكم، كان عندنا 3 كتايب، لكن المسألة مسألة أنه لن يتم هذا إلا بالرغم منا، كان وقت كان مقابلة عنيفة سيئة ما فيها دبلوماسية، ذكروها هنا وقالوا: إن عمرنا ما شفنا رئيس حكومة خارج عن طوره..
أحمد منصور:
في الوثائق البريطانية.
مصطفى بن حليم:
(13/132)
في الوثائق البريطانية، وبدي أفهم منك شيء بكرة، تاني يوم الصبح ما نمت بالليل حضرت مذكرة لإيزنهاور، منشورة، استنجدت به، قلت له: مبادئكم كذا وكذا، وأنا قبل هيك لما كنت عند جمال عبد الناصر آخر مرة يوم 12 أغسطس حكيت له، وكان بيننا حكي صريح، قلت له: يا أخي قبل ما تعمل مجزرة كهذه شاورنا. قال لي: أشاوركم في إيه؟ قلت له كان عندك عرض روسي أمام مناورة مثل المناورات التي نقوم بها مع بعضنا؟ قال: لا.. كان عندي عرض روسي قلت له: ليه أنت ما قبلته؟ قال: أنت مصطفى بن حليم تقول لي هذا الكلام؟! بهذا النص قلت له: آه أنا. قال لي: لو أنا عملته كنت أول واحد تيجي تحتج علي قلت له: ليه؟ قال لي: الشيوعية تدخل مصر؟ قلت له: يعني أنت ضد الشيوعية وخايف منها؟ قال لي: إيوه. قلت له: تسمح لي أني أبلغ الكلام هذا لـ(إيزنهاور) قال لي: إيوه نعم، تفضل، بكل سرور، لما رجعت (طرابلس) أرسلت رسالة إلى (دالاس) وإلى (إيزنهاور) قلت لهم: يا جماعة لا يغركم البريطانيين، البريطانيين بدهم يوقعوا بينكم وبين جمال عبد الناصر.. عبد الناصر ضد الشيوعية على أي حال، فأنا انتهزت فرصة وأرسلت الرسائل..
أحمد منصور:
رد عليك (إيزنهاور)؟
مصطفى بن حليم:
الرد منشور هنا، طيب طلع النهار استدعيت السفير البريطاني، يجيني رد: The Ambassador is not available
أحمد منصور:
غير موجود.
مصطفى بن حليم:
The ambassador is not available؟! قلت لوزير الخارجية بدك تجيب لي السفير البريطاني من تحت الأرض. كيف available Not؟ لا يجوز للسفير أن يترك محل سفارته إلا باستئذانه من الحكومة اللي معتمد عندها. available not! قلت لهم: جيبوا لي رئيس الـChancellery [مبنى السفارة]. جاني رئيس الـChancellery، وجا معه المسؤول عن المخابرات، وأنا أرجوك أن تقرأ الرسالة اللي أرسلها.
أحمد منصور:
قرأتها.
مصطفى بن حليم:
(13/133)
في منتهى...، يعني أنا خرجت عن طوري، أنا خايف خايف أنهم يعني يباغتونا بشيء يذهب بسمعتنا إلى أبد الآبدين. available Not!
أحمد منصور:
كل الذي كنت تريده هو عدم استخدام القواعد العسكرية لضرب مصر؟
مصطفى بن حليم:
لا.. جاي لك جاي لك الآن، أكتر من هيك كتير، فيه فرق كبير بين ما طلبته وما تم، بالليل اتصل بي السفير، قال لي: أقدر أقابلك؟ قلت له: أنا بانتظرك طول النهار، جاني في البيت، قال لي: أنا بعد كلامي معك أمس شعرت بأننا أمام أزمة شديدة، ونظرا لرغبتي في أن أساهم في إزالة أي شك، أنا ذهبت أخذت طائرة (فولكان) الطيارات العسكرية الجيت وذهبت إلى لندن، واجتمعت مع وزير الخارجية، لأن السيفر (كامب) مش ممكن توصل له رسالة، وأنا مصرح لي بأن أقول لك: إن القوات البريطانية في ليبيا لا تستعمل ضد مصر، بس بدنا نطلعها منها.. قلت له: لا.. أخاف أن يخرجوها إلى مالطا ابعثوها هناك. قال لي: احنا مش هنستعملها. قلت له: إذن دعوها هنا.
أحمد منصور:
أنت إيه القوة اللي تملكها علشان تمنعهم؟
مصطفى بن حليم:
والله هي قوة معنوية، قوة من عند الله، هم يعرفون، وتعرف والله كنت مخاطر برأسي.
أحمد منصور:
أنت متأكد أنه ما فيش طيارات طلعت من القواعد؟ كان فيه حركة نشطة للطيران في القاعدة الليبية قبل ضرب مصر في 31 أكتوبر.
مصطفى بن حليم:
أنا باحكي لك من يوم الاعتداء لم تذهب طائرة واحدة، أنا قبل هيك ما كان عندي اهتمام.
أحمد منصور:
كيف كنتم بتراقبوا الطيارات طيب؟ ما الضمانات التي أعطاها لك؟
مصطفى بن حليم:
أنا جاي لك الآن، واحدة واحدة، فقط اصطبر علي، طلباتي أن القوات تجمد. نمرة 2 يكون عندنا في كل قاعدة مراقبين، نمرة 3 ما تيجي باخرة محملة عتاد ولا تطلع منها، كان عندي الطلبات موجودة هنا كلها.
(13/134)
قال لي: كويس، هذا كلها بنقدر نعملها، حاجة نقدر نعملها علنا، وحاجة نقدر نعملها مع جنرال نسيت اسمه كان قائد القوات البريطانية. بس قال لي: عندي طلبات.. إيش هي الطلبات؟ قال: القوات هذه حتكون في حراستكم، وحتخرج، بس احنا عندنا معلومات بأن الملحق العسكري المصري بيوزع سلاح للهجوم على القواعد البريطانية.
أرجع بس يومين في... أرجع بس يوم واحد حاجة مهمة.. أنا في اليوم اللي قبل منه، في نفس اليوم اللي هو جاء فيه بالليل، يومها لما أنا شعرت بأن available not available not جاتني الشكوك في نفسي، فقررت أن نحتاط وأن نجعل طريقة لمقاومة البريطانيين، ناديت قائد القوات الليبية (اللواء سنوسي العطيش) وقلت له: تضع السلاح اللي عندك تحت تصرف بعض الجماعة اللي حأدلك على أساميهم، وناديت جماعة من الثوار اللي كانوا بيقوموا بعمليات جهادية من عائلة (المريِّث) كانت جماعة قتل وهكذا.
أحمد منصور:
كان إيه السلاح اللي بتملكوه في الجيش؟
مصطفى بن حليم:
هاه؟
أحمد منصور:
سلاحكم كان إيه وقتيها؟
مصطفي بن حليم:
السلاح العادي، بس ما كملت أنا.
أحمد منصور:
إيه السلاح العادي؟ يعني عندكم مدرعات؟ عندكم دبابات؟
مصطفى بن حليم:
لا.. المدرعات هلا باجي لك فيها، ما تقدر تعطي لجماعة بدهم يعملوا حرب عصابات تعطيهم مدرعات، مش معقول.
أحمد منصور:
يعني أسلحة (كلاشينكوف) خفيفة؟
مصطفى بن حليم:
جاي لك، طلبت منه كذلك كنا بدنا نروح نستلم القاعدة الفرنسية، قلت له: لا.. ابعث الآن قواتنا كلها على الحدود..
أحمد منصور:
الحدود المصرية الليبية؟
مصطفى بن حليم:
(13/135)
الحدود المصرية الليبية، ويا سنوسي لو متنا احنا كلنا أشرف لنا من أن نبقى، وهو كان من عائلة ممتازة، كان من إخوة (صالح باشا) أحد كبار المجاهدين، طيب ناديت سالم، سالم هذا نسيت اسمه هلا اتذكره، ابن البريث وباعرفه، مجرم من المجرمين الكبار، وقلت له: السلاح هيكون عندك، والمال ناديت وزير المالية وكيل المالية، وقلت له: أعطي له كذا.
أحمد منصور:
كان معاكم فلوس [أموال]؟
مصطفى بن حليم:
آه، ساعتها كانت فيه دولة بتدت تتحرك، وناديت رئيس العمال رئيس نقابات العمال (سالم شيتا) يا سالم ساعة الصفر حاقول لك نبدأ حركات.
أحمد منصور:
نسقت مع مين قبل كل هذه الأشياء؟ نسقت مع مين.. أنت الآن وضعت الدولة في حالة حرب.. مع مين نسقت؟
مصطفى بن حليم:
طيب، أعلنا حالة طورائ، وكان معنا الجماعة المخلصين اللي مطمئنين لهم، كنا بنخطط معهم.
أحمد منصور:
أعلمت مصر بالخطوات التي قمت بها؟
مصطفى بن حليم:
جاي لك الآن، جاي لك، أنا خشية أن يصير شيء ناديت القائم بالأعمال المصري، لأن (أحمد حسن الفقي) كان في القاهرة أو جاي في الطريق، وجاب معاه (إسماعيل صادق) اللي هو الملحق العسكري، وهذا أنا أعترف بأنه خطأ مني، وقلت لهم: يا جماعة سرا أنا في أزمة كبرى مع الإنجليز ومش عارف كيف حتتم، ولكن احتياطا أنا عملت كذا وكذا وكذا وكذا.. ولكن أرجو ألا يعلم هذا أحد.
جا (إسماعيل) وقال لي: احنا.. قلت له: لا، من فضلك أرجوك لا تقرب هذا الموضوع. فاترك الموضوع هذا لنا، وسأخبركم، طلع من عندي، بدأ يوزع سلاح...
أحمد منصور:
منين؟ منين؟
مصطفى بن حليم:
احنا كنا متعاونين معهم في تهريب السلاح.
أحمد منصور:
للجزائر؟
مصطفى بن حليم:
للجزائر، ويعرفوا مواقع السلاح، فراح أخذ السلاح هذا، ودخلوه السفارة.
أحمد منصور:
وزعه على مين؟
مصطفى بن حليم:
على الغوغاء.
أحمد منصور:
غوغاء مين؟ الناس الشعب الليبي يعني؟
مصطفى بن حليم:
(13/136)
غوغاء الليبيين، كل شعب فيه غوغاء.
أحمد منصور:
علشان يعملوا إيه؟
مصطفى بن حليم:
علشان يعملوا يفرقعوا الدنيا، هلا بجي لك بعدين في التفاصيل، فإجا السفير البريطاني واتفقنا وأصبح حراسة القوات البريطانية في ليبيا عمل وطني.
أحمد منصور:
نعم.
مصطفى بن حليم:
شوف المصايب كيف تكون، أنا لازم أحافظ عليهم ما يعتدي عليهم أحد حتى لا تخرجوا.
أحمد منصور:
كان عدد القوات البريطانية كم؟
مصطفى بن حليم:
حوالي 15 ألف، كانت الفرقة العاشرة المدرعة مجهزة لمثل..
أحمد منصور:
يعني 15 ألف جمدوا فعلا زي ما أنت قلت.
مصطفى بن حليم:
ولا طلع منهم مخلوق.
أحمد منصور:
ولا طيارة ولا دبابة؟
مصطفى بن حليم:
ولا دبابة، ولا أي شيء، يا أخي أكثر من أني..
أحمد منصور:
طيب أنت كان عندك 15 ألف يعني إذا هم 15 ألف كان عندك كم؟
مصطفى بن حليم:
3000.
أحمد منصور:
3000 يحموا 15 ألف؟!
مصطفى بن حليم:
يا سيدي ما يحموا لا، كان فيه البوليس، الحماية هي أنك تبعد عنهم أي واحد يرمي قنابل، يعني 1000 ، 5000 ممكن يحميهم 100 واحد.. مش مسألة أرقام متقابلة.
أحمد منصور:
في مقابل إيه الحماية دي؟
مصطفى بن حليم:
في مقابل أن ينفذوا الكلام اللي بيننا وبينهم، اللي هو..
أحمد منصور:
إيه الضمانات؟ ما كانش فيه أي ضمانات.
مصطفى بن حليم:
قلت لك: إن كان فيه خبراء ليبيين من الجيش مراقبين داخل القواعد.
أحمد منصور:
كيف كانت علاقتك بالبريطانيين بعد ذلك؟ أنت ترددت على بريطانيا عدة مرات، التقيت مع (إيدن) أكثر من مرة، التقيت مع مسؤولين آخرين بريطانيين كيف كانت علاقتك بالبريطانيين؟
مصطفى بن حليم:
علاقة صعبة، مجاملات سطحية، لكن لا كانوا يثقوا في، ولا كنت أثق فيهم.
أحمد منصور:
لأنهم كانوا يعتبرونك رجل الأمريكان.
مصطفى بن حليم:
(13/137)
لا.. يا ريت، كانوا يعتبروني -والوثائق تدل- كانوا يعتبروني عضو في عصابة جمال عبد الناصر، بل في تقارير منهم كانوا يقولوا: إن جمال عبد الناصر كان بيدفع لي رشوة، يا أخي جاتني الاتهامات من كل جهة، والحمد لله اللي ربي أنقذني من هذه الاتهامات.
أحمد منصور:
لكن أنت بدأت تتوجه باتجاه الولايات المتحدة، ويعني بريطانيا كانت تعتبر نفسها هي الوصية على ليبيا، ألم يؤثر هذا أيضا في أن البريطانيين ساءت علاقتهم بك من هذا الباب؟
مصطفى بن حليم:
سيدي، اللي أثر في علاقتي مع البريطانيين شيء محدد وواضح، أنا قلت للبريطانيين: يا أصدقاءنا لا بد أن نكتب المعاهدة اللي بيننا وبينكم بحبر هذا العصر، هذه المعاهدة في نظري ما هي إلا ستار على اتفاقية تأجير قواعد، لنسمها بأسمائها، وإلا إذا كنتم تودوا أن تبقى معاهدة صداقة وتحالف لا يعقل أن تكون صداقة ما بين شعب جعان وشعب من أغنى شعوب العالم، ولا يعقل أن يكون هناك حلف ما بين جيش من أكبر جيوش العالم وجيوش من 3000 جندي، فلذلك يجب أن نعيد التوازن، وتدريجيا وصارت مناطق كثيرة جدا والمحاضر محاضر الاجتماعات في لندن موجودة هناك يا أخ أحمد..
أحمد منصور:
معاهدة الصداقة والتحالف حددت مليونين و750 ألف جنيه سنويا قيمة لإيجار القواعد البريطانية تدفع لكم.
مصطفى بن حليم:
ومليون للتنمية، يعني أربعة إلا ربع، وكنت أنا أراها أن هذه تافه شيء تافه، وكانت طلباتي لما حسبوها تتعدى العشرين مليون.
أحمد منصور:
لكن هم كانوا قلقين أيضا من توجهك إلى أمريكا.
مصطفى بن حليم:
(13/138)
بالعكس بالعكس كان توجهي إلى أمريكا، حاولوا أن يكون نوع من التخفيض عن أعبائهم، هم كانوا يتهموني، أنا أقول لك حاجة: اجتماعي مع (إيدن) كان معي (محمود المنتصر) -الله يرحمه- سفيرنا هناك، قعدنا ساعة ونصف و (إيدن) يخبط لي الطاولة على (جمال عبد الناصر) ويقول لي: إذا كان كذا، هذا ديكتاتور هاكسر رأسه، وأعمل كذا. أنا أقول له: يا مستر إيدن أنا كنت أتوقع أني ألتقي مع دبلوماسي شهير، هذا ما هو كلام تقوله، هذا ما معقول، وإذا كنت تتوقع أن أنا انقله، أنا ما أنقله، اتهامهم لي ووارد في كل مذكراتهم السرية أني أنا كنت مع جمال عبد الناصر ضدهم، ولذلك هم استدعوا مين؟ استدعوا (نوري باشا السعيد) استدعوه من بغداد، وجلس معي، وقال لي بصراحة: أنا قالوا لي أني أنصحك.
أحمد منصور:
التقيت به في بريطانيا في 55؟
مصطفى بن حليم:
التقيت به في لندن، وحكى لي، قال لي: يا فلان دير بالك، برضه الإنجليز ساعدوك وهكذا. قلت له: يا باشا أنا ما عندي اعتراض، لا تسيء فهمي، أنا لا أستطيع أن أقول لهم اخرجوا بره، لأني في حاجه لهم، لكن يا أخي معقول أن يكون فيه تحالف ما بين جيش من العرايا وجيش من أكبر جيوش العالم؟!
أحمد منصور:
بعد ذلك توجهك إلى الولايات المتحدة كان بارز جدا، وقمت بعدة زيارات إليها، والتقيت مع..
مصطفى بن حليم:
قمت بزيارة واحدة رسمية.
أحمد منصور:
وباقي الزيارات؟
مصطفى بن حليم:
وأنا رئيس حكومة قمت بزيارة واحدة فقط لا غير.
أحمد منصور:
في عام 54؟
مصطفى بن حليم:
عام 54.
أحمد منصور:
هذه التي رتبها لك (عدنان مندريس)؟
مصطفى بن حليم:
ساعدني فيها عدنان مندريس، وقال لي الطريقة..
أحمد منصور:
في يوليو 54 سافرت إلى الولايات المتحدة.
مصطفى بن حليم:
(13/139)
واستقبلت كذا، ونزلت في ضيافة الرئيس إيزنهاور، وقلت له: شوف أنا ما أنا جاي أتماكس معاكم على إيجار قاعدة، أنتم بتقولوا تقولوا: إن هذه هي القاعدة اللي تستعملوها للدفاع عن العالم الحر، ضد الشيوعية، لنفرض هذا، ونحن نؤيدكم في هذا، ولكن يا فلان لا يمكن لشعب جعان أن يفكر في الشيوعية، بالعكس يفكر فيها كحليف له لأنه قد تساعده، فلذلك أنا بدي أقول لكم حاجة: أنا ما بدي إيجار منكم، أنا بدي أن تتعهدوا بتنمية الاقتصاد الليبي داخل خطة نضعها نحن وأنتم.
أحمد منصور:
أليس هذا دعوة للتدخل في شؤون ليبيا؟
مصطفى بن حليم:
لا.. أبدا.
أحمد منصور:
كيف؟
مصطفى بن حليم:
خليني أقول لك، خليني أقول لك، نحن ما يصلنا منكم من إيجار نجعله في لجنة مشتركة يرأسها ليبي وغالبيتهم ليبيين، وفيها خبراء منكم، ولا يصرف شيء من هذه الأموال إلا في مشروعات التنمية.
أحمد منصور:
خصومك هنا يتهمونك عند هذه النقطة بشكل خاص أنك دعوت الأمريكان لكي يكون لهم مشاركة فعلية في إدارة شؤون ليبيا عن طريق هذه اللجنة المشتركة، تماما كما كان هناك أوصياء بريطانيين على الحكومة من قبل.
مصطفى بن حليم:
الطريقة الوحيدة أنك تحصل على مساعدات كبرى من الكونجرس هي أن تؤكد لهم وتشعرهم بأنك ستستعمل هذه الاعتمادات في تنمية بلدك، ولا تستعملها في حسابات في سويسرا.
أحمد منصور:
الآن أنت تعطيهم قاعدة، من حقك أن تأخذ الأموال في المقابل دون أن يكون لهم أي تدخل فيما تنفق هذه الأموال.
مصطفى بن حليم:
يا سيدي الفاضل هم يصروا بأنهم لا يدفعوها ثمن لقاعدة.
أحمد منصور:
يعني احتلال صار.
مصطفى بن حليم:
لا يصل إلى.. طيب إيه القوة اللي عندي إني أطلعهم؟ الشيء موجود أمامي، قبل استقلال ليبيا، فالطريقة المثلى هي أني أستغلهم بقدر الإمكان، وأنا عطيتهم الطريقة اللي..
أحمد منصور:
بشكل من الاستقلال، وليس بالمشاركة كما فعلت.
مصطفى بن حليم:
(13/140)
يا سيدي كونهم يشتركوا في لجنة تشرف على التنمية الليبية وأغلبيتها ليبيين ورئيسها هو وكيل وزارة المالية.
أحمد منصور:
لكن كل مسؤول ليبي معه مسؤول أمريكي، تماما كما كان كل مسؤول ليبي معه مسؤول بريطاني.
مصطفى بن حليم:
لا. أنا آسف، أغلبية ليبيين، وما فيه مستشار وغير مستشار، فيه لجنة تشرف على صرف هذه المبالغ.
أحمد منصور:
لكن لها اليد..الكلمة الأولى والأخيرة، الكلمة الأولى والأخيرة باعتبار أنها هي التي تمول.
مصطفى بن حليم:
عندك أغلبية ليبية، كيف الطريقة؟ كيف أعمل؟ أنا بدي أؤكد لهم أن ها المال هذا سيصرف في التنمية.
أحمد منصور:
لكن أنت في البداية قدمت تنازلات، ولم تصبر معهم في التفاوض.
مصطفى بن حليم:
إيش التنازلات اللي قدمتها؟
أحمد منصور:
اللي هي أن تكون هناك لجنة مشتركة، ولم تصبر معهم في التفاوض بأن تكون لك اليد العليا باعتبارك صاحب الأرض حتى وإن كنت ليست لديك القوة.
مصطفى بن حليم:
اليد العليا لما يكون الرئيس ليبي، وأغلبية الأعضاء ليبيين..أي...
أحمد منصور:
لكن من الذي في يده المال؟ هم الأمريكان.. من الذي يقرر؟
مصطفى بن حليم:
وجينا بعدين.. ما يمكن أن تأخذ الموضوع بالذات، بعد ذلك جينا، وعملنا عليهم مناورات، لأن إيزنهاور وعدني.
أحمد منصور:
أنت قبلت مبدأ إيزنهاور؟
مصطفى بن حليم:
احنا كان عندنا معاهدة صداقة وتحالف مع بريطانيا العظمى.. كويس؟ وعندنا اتفاقية تأجير قاعدة بطريقة (اللارك) اللي احنا حكينا عنها، ماذا في مشروع إيزنهاور؟
أحمد منصور:
استبدال احتلال باحتلال.
مصطفى بن حليم:
آسف، مشروع إيزنهاور يقول: في حالة ما دولة من دول الشرق الأوسط ترى نفسها مهددة بخطر شيوعي، وتستدعينا فنحن نساعدها، وإلى أن يتم هذا... مؤقتا، نحن نعطي أموال حتى ينموا اقتصادهم وهكذا.
أحمد منصور:
وكان المبدأ الأساسي هو مبدأ ملء الفراغ بعد هزيمة بريطانيا، وبعد تقلص..
مصطفى بن حليم:
(13/141)
يا سيدي أنا ما لي دخل بملء الفراغ.
أحمد منصور:
لا أنت تقبل المبدأ بشكل عام، مبدأ إيزنهاور بعمومه، أنك تقبل أن يستبدل الاحتلال البريطاني لبلدك باحتلال أمريكي، وأنت أجرت للأمريكان قواعد، وسمحت لهم بالبقاء فيها.
مصطفى بن حليم:
يا سيدي، كلام احتلال أمريكي كلام كبير جدا، لا صلة له بالواقع، مبدأ إيزنهاور أكرر ولك أن تطلع عليه، يقول: إن لكل دولة من دول الشرق الأوسط الحق إذا ما هددت تهديد شيوعي أن تستدعينا لمساعدتها، ومقابل هذا، وإلا حتى تكون مستعدة حتى تدافع عن نفسها هي، مستعدين أن نعطيها أموال، هل هذا يمس من جهة من الجهات ليبيا؟ احنا عندنا ارتباط مع الدول...
أحمد منصور:
لكن رفض من الدول العربية الأخرى..رفض من الدول الأخرى
مصطفى بن حليم:
يا سيدي أنا عمر ما كانت سياستي أن نمشي في موكب مع الناس التانيين، لا.. أنا كل شيء أحددها بناء على مصلحة بلدي طالما ليس فيه ضرر على الدول العربية الأخرى، ولم أر فيها ضرر، وعرضت في مجلس الوزراء، ونوقشت نقاش تام وجانا مندوب إيزنهاور، ورفضنا المعونة بتاعته، ورجع بعدين وزاد المعونة، كل هذا موجود.
أحمد منصور:
في الحلقة القادمة أتناول معك إنشاء بنك ليبيا المركزي من الأموال الأمريكية، الاتفاق مع الفرنسيين، دعمكم للثورة الجزائرية، واكتشاف النفط في ليبيا.
أشكرك شكرا جزيلا، كما أشكركم مشاهدينا الكرام على حسن متابعتكم، في الحلقة القادمة -إن شاء الله- نواصل الاستماع إلى شهادة السيد مصطفى أحمد بن حليم رئيس وزراء ليبيا الأسبق.
في الختام أنقل لكم تحيات فريق البرنامج وهذا (أحمد منصور) يحييكم.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.(13/142)
الحلقة6(13/143)
مقدم الحلقة
أحمد منصور
ضيف الحلقة
مصطفى أحمد بن حليم، رئيس وزراء ليبيا الأسبق
تاريخ الحلقة
2/9/2000
مصطفى بن حليم، رئيس وزراء ليبيا الأسبق - الحلقة 6
أحمد منصور
مصطفى بن حليم
أحمد منصور:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، أهلاً بكم في حلقة جديدة من برنامج (شاهد على العصر) حيث نواصل الاستماع إلى شهادة السيد مصطفى أحمد بن حليم (رئيس وزراء ليبيا الأسبق) مرحبًا سيد بن حليم.
مصطفى بن حليم:
مرحبًا.
أحمد منصور:
توقفنا في الحلقة الماضية عند توقيع الاتفاقية مع الأمريكيين، وبداية وصول الأموال الأمريكية إلى حكومتكم، وكذلك الأموال البريطانية، وبدأتم مشروع تأسيس البنك المركزي الليبي من خلال التمويل الأمريكي، ما هي قصة البنك المركزي الليبي؟
مصطفى بن حليم:
البنك المركزي الليبي أسس فيسنة.. أول عهدي.
أحمد منصور:
1954م.
مصطفى بن حليم:
أيوه،ما كان في ليبيا هو الآتي: كان بنك باركليز وبنك الدولة.
أحمد منصور:
كانت العملة أيه؟
مصطفى بن حليم:
العملة كانت الجنيه الليبي، وكانت هناك لجنة اسمها لجنة العملة، لجنة بريطانية واضعين فيها اثنين ليبيين: محمود المنتصر-الله يرحمه-وعبد الرازق شلوف حتى يمضوا على العملة، وطبعًا لا علاقة للحكومة الليبية بالإصدار ولا بالعملة، فجئنا نحن وقلنا: لا، لابد أن يكون لنا نحن بنك مركزي، اعترض البريطانيون على ذلك.
أحمد منصور:
بسبب؟
مصطفى بن حليم:
(13/144)
بسبب قولهم إن الإعانة التي يدفعونها لنا، أو هي الإيجار، هم يسمونها إعانة، تستمر طالما الترتيبات المالية الموجودة الآن تستمر، كانت وجهة نظرنا أننا لم نبدل الترتيبات المالية، نحن باقون في منطقة الإسترليني لم نخرج منها، وبدل أن نصدر العملة من لجنة بريطانية نريد أن نصدرها من بنك مركزي، وحتى ممكن أن نسيطر على التضخم، حتى ممكن أن نوازن حاجات كثيرة جدًّا، ثم ليس من المعقول أن يستمر بنك باركليز هو بنك الدولة، صارت عدة (ملاطم) ثم أنا ناديت كان عندي (جون بايك).
أحمد منصور:
من جون بايك؟
مصطفى بن حليم:
جون بايك ذكرت أنني قابلته أو تعرفت عليه عندما ذهبت إلى بريطانيا أول
مرة، وكنت أستعمله.
أحمد منصور:
كمستشار.
مصطفى بن حليم:
ليس كمستشار، ولكن أطلب منه آراء في بعض الأحيان،وسأحكي لكم بعض الأمور، المستشار الذي يأتي ليشير عليك، لكن أنت عندما يكون موظفًا عندك تطلب منه، ما رأيك في كذا وكذا؟ اكتبه لي وتأخذه أو تتركه أنت حر.
أحمد منصور:
هذه أيضًا وظيفة المستشار، يعني ليس المستشار هو من يشير بدون طلب.
مصطفى بن حليم:
على أي حال هو كان في هذا الوضع، فأرسلته إلى (أنطوني إيدل) الذي كان وزير الخارجية وقتها، قلت له: انظر يا جون أنا سائر في هذا البنك سواء وافق البريطانيون أو لا، ربما أحسن لنا ولهم أن نعمله بمساعدات منهم.
أحمد منصور:
كان هدفك أيه من إنشاء بنك مركزي؟
مصطفى بن حليم:
هدفي أن يكون للدولة بعض مقوماتها.
أحمد منصور:
يعني شكل من أشكال الاستقلال والمقومات؟
مصطفى بن حليم:
تصدر العملة، يعني تأثيره في الاقتصاد حاجة من أهم ما يمكن، كانت هناك
مؤسسات، أنشأنا مؤسسات.
أحمد منصور:
ما معنى أيضًا أن ينشئه لك البريطانيون أو تنشئه بأموال أمريكية.
مصطفى بن حليم:
لم ينشئه لي البريطانيون.
أحمد منصور:
أنت طلبت منهم ذلك؟
مصطفى بن حليم:
(13/145)
أنا ما طلبت منهم أن ينشئوه لي، طلبت منهم أن يعطوني خبير، فالبريطانيين أعطوني خبيرًا، والمصريين أعطوني خبيرًا، لا أعرف كم دولة أخرى طلبنا منهم خبراء؟ لكن عملنا نحن ما نريد، وأنشأنا البنك، وجئت لوزير المالية الدكتور علي نور الدين العنيزي-يرحمه الله- وكان من أكفأ الناس، ومن أخلص الناس، ونزيه إلى درجة شديدة، وعينته محافظًا للبنك، وعلى يد الدكتور العنيزي والخبراء الذين كانوا تدربوا كل كبار الموظفين اللي الآن في البنوك الليبية وغيرها.
والواقع هناك قصة جانبية لكن عزيزة على نفسي، أعطوني رقم واحد في الحساب، ما كانوا يستطيعون أن يعطوني هدية طبعًا، أعطوني الحساب رقم واحد، حولت فيه كل ما يأتيني من الدولة، وخصصته لمساعدة طلبة فلسطينيين -خمسة عشر طالبًا فلسطينيًّا- بالتفاهم مع السيد (بوصير) اللي كان في الخارج، مع الأسف عندما زج مع النظام الحالي أوقف هذا، على أي حال.
أحمد منصور:
ماذا أوقفوا؟ وضح لنا الأمور.
مصطفى بن حليم:
أوقفوا هذه الإعانة التي كنت أدفعها لخمسة عشر طالبًا وأنا كنت في الخارج، وليس عندي شيء أستمر به.
أحمد منصور:
يعني أنت عندما فتحت الحساب كان ما يأتي من معاشك.
مصطفى بن حليم:
يُحوَّل، يعني كان يأتي إليه دخل وعليه التزام للطلبة هذول، لكن أنشأننا كذلك البنك الزراعي، والبنك الزراعي لا يقل أهمية عن البنك المركزي.
أحمد منصور:
لكن أعتقد أن دوره كان أكثر سلاسة من العقبات التي واجهتكم في إنشاء البنك المركزي؟
مصطفى بن حليم:
لا، البنك الزراعي لم تكن فيه عقبات، وكان دوره أن يسلف يقرض المزارعين ويساعدهم.
أحمد منصور:
(13/146)
الآن آجي لمحور هام جدًّا وهو محور الفرنسيين، أنت رحبت بالأمريكيين وعقدت معهم اتفاقية، ولم يكن لديك مانع من وجود البريطانيين، وكان أيضًا هناك معهم اتفاقية، وكان لك رفض تام للوجود الفرنسي، واستعنت بإيزنهاور من أجل طرد الفرنسيين من ليبيا، لماذا هذا الموقف من الفرنسيين؟
مصطفى بن حليم:
أخ أحمد هذا نفس السؤال اللي وجهه لي (بييرمان ديس فرانس).
أحمد منصور:
رئيس وزراء فرنسا.
مصطفى بن حليم:
رئيس وزراء فرنسا، على أي حال دعني أقول لك كيف، أنا استعنت بإيزنهاور، وجئت من واشنطن إلى باريس، كانت مقابلة عاصفة.. ما فيه داعي أن أتوسع فيها سيئة بدرجة أنهم كانوا في تقاريرهم السرية يقولون: نحن قدمنا له أقل مقدار ممكن من المجاملات الدبلوماسية.
أحمد منصور:
الفرنسيين؟
مصطفى بن حليم:
الفرنسيين.
أحمد منصور:
أعتقد أنك تعرضت لها في كتابك وذكرت حتى أنكم كنتم تستخدمون سيارات الأجرة في الانتقال.
مصطفى بن حليم:
فعلى أي حال جئنا إلى طرابلس، وأرسلنا جوابًا إلى السفارة الفرنسية أن تجديد الاتفاقية هذه لن يجدد بعد آخر السنة.
أحمد منصور:
أيضًا كانوا سيدفعون لكم أموالاً، وأنتم كنتم بحاجة إليها.
مصطفى بن حليم:
نحن لم نكن نريد لا أموال فرنسا ولا وجود فرنسا، ما كان بدي هذا، كنت أريد أن..
أحمد منصور [مقاطعًا]:
يعني الدولار أحلى من الفرنك؟
مصطفى بن حليم:
لا..لا، الفرنك مسموم.
أحمد منصور:
والدولار؟ والجنيه الإسترليني؟
مصطفى بن حليم:
(13/147)
أنا أقول لك ليشا مسموم؟ فعلى أي حال صار أخذ ورد وعلاقات سيئة، وإذ بييرمان ديس فرانس يبعث لي رسالة يقول لي فيها: لا شك أنك تعلم موقفي من تونس، وهو في الواقع كان موقفه حسنًا جدًّا من تونس، ساعد في حل موضوع تونس، أنا أود أن أدعوك أو من ترى أن يحل محلك، يعني ينوب عنك لنتفاهم مباشرة، وتأكد أنك ستجد مني كل تفهم، أنا لم يكن في استطاعتي أن أقبل لأنه لم تكن عندي الأدوات التي..
أحمد منصور [مقاطعًا]:
هذا بعد الزيارة الأولى؟ بعد عودتك من واشنطن إلى باريس؟
مصطفى بن حليم:
طبعًا، الكلام هذا في ديسمبر سنة (1954م) فأرسلت رسالة للأخ جمال قلت له يا جمال هناك دعوة كذا كذا، أنا أود أن ألبيها ما رأيك؟ وإذا كان رأيك يوافق رأيي فأنا أبغى منك اثنين من أحسن الخبراء في القانون الدولي.
أحمد منصور:
هذا في 31 ديسمبر 1954م.
مصطفى بن حليم:
أرسل لي اثنين، واحد منهم توفي، نسيت اسمه، والثاني السيد أحمد خيرت السعيد قيل لي من كم سنة أنه كان حيًّا يرزق، وكان عنده كتب،مكتب في القاهرة، هذا الذي تولى فيما بعد منصب نائب وزير الخارجية، جئنا في الأول لم تكن هناك طائرات مباشرة لباريس فطرنا إلى لندن، جاءني وزير الدولة للشئون الخارجية، كان (إيدن) خارج البلاد، فجاءني لورد لاأتذكر اسمه، وفي نوع ما يعني شوف هؤلاء حلفاؤنا، ولابد أن تتفاوضوا معهم، طبعًا كان موقف.. يعني تقريبًا قلنا له: حِل عنا، لا يوجد داعي، وإذا كنتم تريدون أن تعاملونا كحلفاء، أنتم تروحو تنصحوا فرنسا أن تحل عنا.
كان موقفًا سيئًا بيننا وبين.. الآن سأتذكر اسمه، وأكملت إلى باريس، لحقوا بي عن طريق السفير البريطاني في باريس الآن سأتذكر اسمه هو الآخر على أي حال جئنا إلى باريس استقبلونا، استقبلنا السفير الفرنسي في طرابلس ومعه موظف من الخارجية، وفي السيارة، واحنا ماكان عندنا سفارة في باريس، واستقبلني كذلك..
أحمد منصور [مقاطعًا]:
(13/148)
أظن أنك أنت الذي افتتحتها بعد ذلك، أنت الذي افتتحت السفارة الليبية في باريس.
مصطفى بن حليم:
بعد ذلك بأربع سنوات، من الذي كان مستشارًا ثقافيًّا هناك من مجلس قيادة الثورة هو من جماعة الضباط الأحرار؟ الآن سأتذكر اسمه، ركبت معه أنا وزوجتي في سيارته.
أحمد منصور:
ثروت عكاشة.
مصطفى بن حليم:
ثروت عكاشة رحم الله والديك، وباقي الوفد ركبوا تاكسيات، ونزلنا في (جور سانج) أصريت على أن تبدأ المفاوضات يوم 31 ديسمبر على أساس أن الاتفاقية المؤقتة جددت في 31 ديسمبر، تبدأ الاتفاقيات الثانية بعد ذلك، فذهبنا إلى وزارة الخارجية أيضًا في سيارات تاكسي، وقابلت (بييرمان ديس فرانس) وكان عنده وزير الدولة للشؤون الخارجية اسمه مسيو (دي موتيه)..أيه السفير البريطاني كان السير (جلاد وينجيب) وكان يضغط علي.
أحمد منصور:
ماذا كان يريد بالضبط؟
مصطفى بن حليم:
كانوا يقولون لنا حاجة بسيطة جدًّا: نحن مسئولون عن الدفاع عن ليبيا، لكن نحن أوكلنا الدفاع عن جنوب ليبيا لفرنسا، فلذلك اتفقوا مع فرنسا.. انظر إلى المكر.
أحمد منصور [مقاطعًا]:
يعني توقعون على اتفاق معهم.
مصطفى بن حليم:
انظر إلى المكر والخبث إلى أي درجة، نحن قلنا لهم، أنا قلت لهم كلمة.. يعني أنتم اتفقتم من الباطن بدون الرجوع إلينا..
أحمد منصور:
أنت ما الأوراق التي كانت في يدك حتى تضغط بها على فرنسا حتى تقبل ذلك؟
مصطفى بن حليم:
(13/149)
أنا آتيك واحدة واحدة، فجئنا في اجتماع، واتفقنا على أن يعقد الاجتماع الثاني يوم 3 يناير، يوم 3 يناير الاجتماع الساعة العاشرة، الساعة التاسعة ونص ضرب التليفون، وكان إلى جانبي أحمد خيرت السعيد وبعض وزرائنا.. بعض أعضاء الوفد يقولون: إن مسيو بييرمان ديس فرانس مشغول اليوم صباحًا، ولذلك مسيو دي موتيه سيحل محله، أنا على طول قلت لوكيل الخارجية: قل لهم إن رئيس حكومتنا مشغول اليوم، وسيحل محله الدكتور علي نور الدين العنيزي، ونزلت تحديًا وبقلة حياء، نزلت أنا وزوجتي نعمل شوي لمشتروات في شارع الشانزليزيه، طبعًا فهموا الإشارة، ورجعت إلى الفندق وإذ بالدنيا مقلوبة، هناك اجتماع مساء الساعة 3 مع بييرمان ديس فرانس، أنا طبعًا باجتمع مع الخبراء المصريين، لم يكن عندي أحد، أخ أحمد عدد الخريجين الليبيين يوم الاستقلال كانوا أقل من عشرة، الناس ما هم فاهمينا.
أحمد منصور:
الخريجون الجامعيون؟
مصطفى بن حليم:
جامعيون، كانوا أقل من عشرة.
أحمد منصور:
عشرة؟!
مصطفى بن حليم:
أقل من عشرة.
أحمد منصور:
سنة 1951م؟
مصطفى بن حليم:
نعم، سنة 1951م على أي حال، ذهبنا، فهموها، فعملوا الاجتماع الساعة الثالثة، أرسلوا لنا سيارة، فقلنا لهم لا..
أحمد منصور [مقاطعًا]:
نحن لا نريد أن ندخل في التفاصيل الدقيقة.
مصطفى بن حليم:
التفاصيل تدلك على الجو كيف كان؟
أحمد منصور:
يعني الجو كان مكهرب، لم يكن طبيعيًّا.
مصطفى بن حليم:
كان مكهربًا، دخلت أنا في الاجتماع ووجدت اثني عشر واحدًا بما فيهم بييرمان ديس فرانس، ثلاثة منهم بدقون، أنا انزعجت، كيف أعرف أن أتحدث مع هؤلاء؟
أحمد منصور:
ذقون ماذا؟ يهود يعني؟
مصطفى بن حليم:
لا، لا.. خبراء.
أحمد منصور:
وماذا في الذقن؟!
مصطفى بن حليم:
لا، يعني خبراء، قلت أنا: أنت يا مصطفى بن حليم كيف تعرف تعوم مع هؤلاء؟ فالتزمت..
أحمد منصور [مقاطعًا]:
(13/150)
لا، قل لي إيحاء ثلاثة بذقون ماذا؟ ما هو إيحاؤها؟ تقصد عجائز.. كبار؟
مصطفى بن حليم:
الخبراء الفرنسيون هؤلاء في شئون الشرق الأوسط، كل الذين عندهم ذقون هؤلاء كتبوا كتب ومؤلفات.
أحمد منصور:
نعم، يعني أنا حسبت أن الذقن تعطي ميزة، تخوف يعني.
مصطفى بن حليم:
أنا رجل مهندس وخبرتي قليلة، كيف أتفاوض مع الجماعة هذول؟ رحم الله امرءًا عرف قدر نفسه، جلست في منتهى التحفظ، مناقشة ما بين طرش، بعدين توقفنا لنأخذ فنجان قهوة، وأنا واقف مع الدكتور علي العنيزي من ناحيتنا، شوي بجيني بييرمان ديس فرانس، ويسألني نفس السؤال الذي سألته لي الآن، قال لي: يا فلان أنا أعرف أنك كنت متزنًا، وحصلت على معونة معقولة من أمريكا، وعملت معهم اتفاق معقول، كذلك أعرف أن ثقافتك فرنسية، طيب ليش أنت معترض علينا هذا الاعتراض الشديد؟ قلت له: انظر هناك شيئان:
أولاً: أعمالكم في شمال إفريقيا.
أحمد منصور:
تقصد الجزائر وتونس.
مصطفى بن حليم:
كان ذبح وقتل، كان شيئ فظيع، أنا أريد أن أرجعك للأجواء العربية في سنة 1954م و 1955م.
أحمد منصور:
يعني البريطانيون كانوا حنونين.
مصطفى بن حليم:
أعوذ بالله، كانوا جنة بالنسبة للفرنسيين، كان أكره شيء عند العرب الفرنسيين، هذه واحدة ثم يا فلان الأمريكان، والإنجليز عندهم قوات وعندهم تأجير لمدة وبعدين يطلعوا لكن أنتم عندكم مطامع فينا، قال لي: كيف مطامع؟ قلت له: نعم..
أحمد منصور:
هو عايز يؤجر هو كمان.
مصطفى بن حليم:
ماذا؟
أحمد منصور:
طالما البلد مفتوحة للإيجار فهو يريد أن يؤجر.
مصطفى بن حليم:
(13/151)
لا.. قلت له تعال، قال: ماذا؟ قلت له: انظر إلى الخريطة التي أقدمها لك (غدامس) قال: لا، هذه غلط، قلت له: على أي حال، انظر يا فلان دعني أقول لك قصة، وهذه القصة نكتة حلوة، قلت له: أنا أخشى الاجتماع هذا، ما أعرف أعوم فيه، أنا قصتي قصة بائع شيكولاتة، وهذه قصة مضبوطة، كان والدي عنده محل تجاري كبير في الإسكندرية، وكان هناك بائع شيكولاتة يبيع الحتة بقرش، والشلن كان فيه عشرة قروش صاغ، كنا نضحك عليه..
أحمد منصور [مقاطعًا]:
الشلن خمسة قروش.
مصطفى بن حليم:
لا، خمسة قروش صاغ.
أحمد منصور:
عشرة قروش تعريفه يعني.
مصطفى بن حليم:
عشرة قروش تعريفه، كنا نقول له: لا، نحن نريد تسعة بشلن، يقول لك: لا، أديني قرش أديلك حتة، قلت له: ولذلك فالحاجة الوحيدة التي تجعلني أحكي معكم هو أنك تقولون إنك مستعدون أن تخرجوا من ليبيا بدون أية مطامع في أراضي ليبيا، إذا قلتم هذا نحكي في التفاصيل، ما رد عليَّ.
أحمد منصور:
نيته سيئة.
مصطفى بن حليم:
لا، نيته كانت طيبة، كان رجلاً ممتازًا، يهودي لكنه كان ممتاز.
أحمد منصور:
فيه يهودي ممتاز؟
مصطفى بن حليم:
والله كان ممتازًا، لدرجة أن بورقيبة كان صديقه جدًّا، وساعد بورقيبة، فذهب وقال بدون أن يشاور الآخرين، قال أن اتفقت مع رئيس حكومة ليبيا بأن نقول له: إننا مستعدون للجلاء عن ليبيا في المدة اللي نتفق عليها، لكن لابد لنا من بعض التسهيلات المؤقتة، لابد أن نتفق عليها، ابتدأنا نحكي.
أحمد منصور:
يعني بدأتم الآن تدخلون في تفاصيل معاهدة الصداقة وحسن الجوار.
مصطفى بن حليم:
أي معاهدة مستعد أن أعملها لك، أي شيء، ثقافة..
أحمد منصور [مقاطعًا]:
حسن الجوار -طبعًا- باعتبارهم محتلين للجزائر، ومحتلين لتشاد، ومحتلين للمغرب..
مصطفى بن حليم:
محتلين كل المنطقة، وكلها أرض فرنسية، ماذا نعمل.. يعني تحالف تحالف..
أحمد منصور:
يعني أنتم أقررتم هكذا باحتلال فرنسا لهذه البلاد.
(13/152)
مصطفى بن حليم:
لم نقر بشيء يا أخي، العالم أقر به..
أحمد منصور:
كونك تعقد اتفاق جوار مع فرنسا وهي ليست جارة، هو إقرار باحتلال فرنسا لدول الجوار.
مصطفى بن حليم:
بس في الواقع أنا كنت أهلك في فرنسا، أنا كنت أعطي سلاحًا للجزائريين حتى يهلكوا فرنسا.
أحمد منصور:
قصة سأدخل معك فيها بالتفصيل، الآن هذه الاتفاقية تضمن تنازلك عن بعض مناطق جنوب ليبيا وهي إقليم شريط (أوزو) الذي تبلغ مساحته أربعة عشر ألف كيلو متر لصالح تشاد.
مصطفى بن حليم:
يا سيدي هذه قصة كذلك من القصص الطريفة، سنة (1935م) كانت فيه لحكومة يمينية في فرنسا، وكان (بيير لافال) اللي بعدين شنق بعد ذلك، وزير خارجيتها، وكان يبغي أن يستميل (موسوليني) فعقد معه اتفاقية لتعطي له وتعطي إيطاليا خط أوزو هذا بالكامل، وتعديلات في حدود جيبوتي، وتعديلات حتى على الثانية، والبرلمان الفرنسي وافق عليها والبرلمان الإيطالي تلكأ، ثم تطورت الأمور، صارت حرب الحبشة سنة 1936م وموسوليني نظر إلى فرنسا كأنها دولة معادية له، فبدأ يتراجع، ثم أوعز إلى البرلمان الإيطالي برفض الاتفاقية.
أحمد منصور:
قبل أن توقع.
مصطفى بن حليم:
قبل أن توقع، كويس.
أحمد منصور:
هل كانت هذه الاتفاقية في صالحكم أنتم؟ في صالح وضع ليبيا الجغرافي؟
مصطفى بن حليم:
طبعًا، كانت أوزو سترجع لنا، لكن ليست هذه هي النقطة الأساسية الخطيرة، وصارت حاجات كثيرة ذكرتها أنا في كتابي، خطب من موسوليني وكذا كذا، ووزير الخارجية نادى سفير فرنسا وقال له: هذه المعاهدة سقطت وكذا وبعد ذلك، وهذه نقطة كثير مهمة، هذه ترد على كل التساؤلات لما إيطاليا سلمت وعقدت معاهدة مع الحلفاء، الحلفاء جعلوا مادة تقول: إن كل المعاهدات بين أي حليف من الحلفاء وإيطاليا، أية اتفاقية سابقة لهذا التاريخ للدولة الحليفة أن تختار ما تشاء فتقرره، وما لا تقرره يسقط.
أحمد منصور:
(13/153)
يعني هنا إلغاء لكم كليبيين وأن هم الحلفاء عمالين يوزعون الأمور فيما بينهم.
مصطفى بن حليم:
سنة 1947م سقط الحق الإيطالي اللي ما كان ش في ليبيا، مائة في المائة خلاص، فرنسا قالت: إن هذه المعاهدة..لم تشر إليها فسقطت، طيب ماذا نستطيع أن نفعل؟ برغم هذا، ونحن نعرف كل شيء جاء وقت التعداد، وكان عندنا خبير مصري، رجل ممتاز (الشنواني) أوعزت لهم أن مساعدًا متصرف من (بنغازي) مع قوة من شرطة قوة دفاع (برقة) ومع الشنواني يروحو يعملوا تعدادًا لمنطقة أوزو، أول ما قابلهم الفرنسيين مسكوهم ورجعوهم.. وجاءنا احتاج، ليس احتاج إلينا، جاء احتجاج من فرنسا إلى هيئة الأمم المتحدة، كيف موظف كبير من هيئة الأمم المتحدة يتدخل في مسائل مثل هذه؟
أحمد منصور:
يعني هكذا فرنسا تعتبرها من ممتلكاتها.
مصطفى بن حليم:
طبعًا؛ لأنها أصبحت من ممتلكاتها، طيب نحن ماذا نفعل؟ نحن نريد أن نخرج الفرنسيين.
أحمد منصور:
نناضل من أجل الحصول على هذا الحق.
مصطفى بن حليم:
أناضل مع من؟ أناضل بماذا؟
أحمد منصور:
يعني هي الحكاية إن الإيطاليين والفرنسيين هم الذين يحددون لمن تكون البلد؟ وأهل البلد لا يملكون شيئًا؟!
مصطفى بن حليم:
يا سيدي هذا الواقع، قبل ما تقوم ليبيا، ليبيا كانت مستعمرة إيطالية، في نظر القانون الدولي استقلال ليبيا قام على حدود المعاهدات القائمة فعلاً، وهذه المعاهدة ساقطة.
أحمد منصور:
القائمة بين هذه الدول المحتلة كلها.
مصطفى بن حليم:
سمها ما تسمى، هذا هو الواقع.
أحمد منصور:
ما اسمها؟ هل لها اسم آخر يمكن أن نطلقه على هذه الدولة المحتلة؟
مصطفى بن حليم:
يا سيدي كانت هناك حرب ما بين فرنسا وإيطاليا.
أحمد منصور:
ونحن أصحاب الأرض، أصحاب الحق.
مصطفى بن حليم:
نحن أيامها لم نكن أصحاب شيء، القانون الدولي شيء وشعورنا شيء ثاني، في نظر القانون الدولي نحن كنا مستعمرة إيطالية لا أكثر ولا أقل.
أحمد منصور:
(13/154)
يعني إذن هذه القوانين أيضًا وضعت لخدمة المستعمر والمحتل، وانتهاك حقوق الشعوب الضعيفة.
مصطفى بن حليم:
يا سيدي، مش هذي بس، كل الحدود في هذه المناطق كلها، كانت تسويات ما بين الدول الكبرى، هناك معاهدة ما بين فرنسا وما بين بريطانيا تطلق يدها في مصر، والثانية تطلق يدها في المغرب، اقرأ التاريخ، التاريخ من أسود ما يمكن، لكن تلك هي الدول التي كانت مسيطرة على الوضع.
أحمد منصور:
الرئيس (القذافي) اتهمك باعتبارك كنت رئيسًا للوزراء في ذلك الوقت، بأنك تواطأت مع الفرنسيين، وبعت لهم قطعة كبيرة من الأرض الليبية هي شريط أوزو، وأن هذا البيع تمَّ باتفاقية سرية، وأنت قبضت ثمن هذا عشرات الملايين من الدولارات التي تعيش في نعيمها الآن.
مصطفى بن حليم:
آه..لما يكون هناك نزاع حدودي بين (تشاد) و(ليبيا) وهناك نزاع على الحدود، إذا كانت هناك اتفاقية سرية ألا ترى أنه من المنطق أن تظهرها تشاد، وتقول: والله مصطفى بن حليم باع لنا هذا الشيء.
أحمد منصور:
لا، أصلها سرية، ستبقى سرية.
مصطفى بن حليم:
ويش قيمتها إذا لم تأت حتى ترد لهم الأرض؟
أحمد منصور:
ولكنك اتفقت مع الفرنسيين وليس مع التشاديين.
مصطفى بن حليم:
أي فرنسويين؟
أحمد منصور:
هذه الاتفاقية تمت مع الفرنسيين سنة 1955م.
مصطفى بن حليم:
يا سيدي، الاتفاقية مع فرنسا تمت في مراحل ذكرتها، وعرضت على مجلس النواب ومجلس الشيوخ، وصدر بها قانون، ولم يكن فيها شيء سري.
أحمد منصور:
يعني، يعتبر مجلس النواب الليبي أقر التنازل عن إقليم (أوزو)؟
مصطفى بن حليم:
ما تنازل عن شيء، وضعنا نحن الدستوري في نظر القانون الدولي، نحن ورثنا الحكومة الإيطالية في ليبيا، وحدودنا هي الحدود القائمة فعلاً يوم إعلان استقلالنا.
أحمد منصور:
لماذا لم تلجئوا إلى القانون الدولي، إلى محكمة العدل الدولية؟
مصطفى بن حليم:
كيف نلجأ؟ نلجأ لشيء متنازل عنه من قبل منا؟ أي حقوق لنا؟
(13/155)
أحمد منصور:
هل الاتفاقية التي وقعتموها مع الفرنسيين هي التي ساعدت بالفعل على خروجهم من ليبيا؟
مصطفى بن حليم:
نعم، هي التي أخرجتهم من ليبيا.
أحمد منصور:
في 30 نوفمبر 1956 كان تاريخ تمام الجلاء، في أول ديسمبر 1956م أنزل العلم الفرنسي من على قاعدة (سبها) انسحبت القوات، أصبحت فزان كلها تابعة لليبيا، للحكومة الاتحادية؟
مصطفى بن حليم:
بالضبط، بعدين أنا بدي لو تقرأ التقارير السرية الفرنسية ستجد فيها الشتائم والأوصاف واتهامي بأني رئيس عصابة (عصابة جمال عبد الناصر) هل الرجل الذي اتهم بهذه الاتهامات هذي عاقد اتفاقية سرية وقابض ملايين؟ يا جماعة أين العقل؟
أحمد منصور:
لكن أنا أريد أن أفهم وأن أعرف ما الذي أجبر فرنسا القوية على أن تفرض عليها حكومة ضعيفة لا تملك مقومات للقوة تفرض عليها هذه الاتفاقية وتخرج فرنسا في موعدها؟ هذا الذي دفعهم إلى اتهامك بأنك أخذت رشوة من الفرنسيين.
مصطفى بن حليم:
مش معقول عندما ينجح واحد في شيء تتهمه بأنه أخذ رشوة فيه، ليس معقولاً هذا الكلام، وإلا لم يعد أحد يعمل حاجة، يا سيدي كل ما كان عندهم أربعمائة من الفورليج....
أحمد منصور:
هذا بموافقة الأمريكان.
مصطفى بن حليم:
لا، مش بموافقة الأمريكا.
أحمد منصور:
الأمريكان، إيزنهاور قال لك: ليست هناك مشكلة أن يبقى هؤلاء.
مصطفى بن حليم:
ليس بموافقة الأمريكان، الأمريكان ساعدونا لأنهم رأوا أن أربعمائة ليس لهم دخل في الدفاع عن العالم الحر، وأنا عندما قال لي بييرمان ديس فرانس في المفاوضات: نحن ندافع عن العالم الحر،قلت له: أي عالم حر الذي تدافعون عنه بأربعمائة جندي؟!
ثم قال لي: أية دولة ثانية التي تدافعون عنها؟ قال لي: مدغشقر، قلت له: مدغشقر مستعمرة فرنسية، يا سيدي إذا كانت فيه معاهدة سرية يظهرونها أم ماذا؟
أحمد منصور:
(13/156)
ما هي مقومات القوة التي اعتمدت عليها في إجبار الفرنسيين على الخروج والالتزام بهذه الشروط؟
مصطفى بن حليم:
والله، استعمال كل صداقاتنا مع الأمريكان..
أحمد منصور:
الأمريكان ساعدوك؟
مصطفى بن حليم:
طبعًا.
أحمد منصور:
أيه الضغوط التي مارسوها على الفرنسيين؟
مصطفى بن حليم:
اقرأ هنا.
أحمد منصور:
أنا قرأت، وأريدك أن تقول للناس.
مصطفى بن حليم:
حاجات كثيرة جدًّا، قالوا لهم: موقفكم هذا غير معقول، لو ليبيا جاءت إلى هيئة الأمم المتحدة سنضطر أن نقف معها، فرأوا أنه..
وبعد ذلك حدث أخذ ورد، في وقت من الأوقات الحكومة الفرنسية تنكرت لاتفاقية بييرمان ديس فرانس، بعدين فيه حاجة في ذهن القذافي، دعني أقولها لك.
أحمد منصور:
ما هي؟
مصطفى بن حليم:
القذافي كان قديمًا عمل اتفاقية مع فرانسوا..
أحمد منصور:
ميتران؟
مصطفى بن حليم:
لا، فرانسوا الخاص بتشاد (فرانسوا بلاباي) واللا مش عارف أيش، واتفق معه على أن يكتب له رسالة يقول له: قطاع أوزو لكم، فاعتقد في ذهنه أن هناك اتفاقيات سرية، ومصطفى بن حليم وقع وحده فقط، لكن مع فرنسا، فرنسا اللي عندها خبراء في القانون الدولي كله، هل ممكن أن تعقد اتفاقية مع واحد لا يملك شيئًا يعطيه لها، أعطني عقلك، بالله عليك فكر..
أحمد منصور:
سيد بن حليم، هذه المرحلة لا كان عندكم قوات تضرب في الفرنسيين، ولم تكن عندكم حرب عصابات ضد الفرنسيين يخوفونهم، بالعكس كانت الجزائر أولى أن يخرج منها الفرنسيين، وخرجوا منها في وقت متأخر بعد ذلك، خرجوا من ليبيا بدون أن تكون هناك أية مقاومة ضدهم، بدون أن تكون هناك مقاومات، هل فقط بالضغط الأمريكي؟
مصطفى بن حليم:
(13/157)
الضغط الليبي كذلك، الضغط الليبي.. والتهديد بأننا سنذهب إلى هيئة الأمم المتحدة، فيه حاجات كثيرة جدًّا، ثم لا تقارن ما بين خروجهم من ليبيا (أربعمائة جندي) وخروجهم من الجزائر التي كانوا يعتبرونها جزءًا من فرنسا، هذه مقارنة غير عادلة لا أساس لها من الصحة، خروجهم من الجزائر دولة كانت تابعة لهم أم خروج أربعمائة.
أحمد منصور:
الحدود رسمت في عهدك أنت؟ الحدود بين ليبيا وتشاد والجزائر.
مصطفى بن حليم:
بدأت في الأول وبعدين استمرت بعد خروجي من الحكم.
أحمد منصور:
لكن لازلت أنت اللي تحمل مسئولية رسم هذه الحدود باعتبارك أنت الذي وقعت الاتفاق.
مصطفى بن حليم:
والله رئيس الحكومة مايرسم الحدود، هناك خبراء، وهناك كذا، ليس هذا شغل رئيس الحكومة، كانت هناك لجنة من حوالي اثني عشر شخصًا من خيرة الناس.
أحمد منصور:
في الأول من نوفمبر عام 1954م اندلعت الثورة الجزائرية، ولعبت دورًا كبيرًا مع عبد الناصر في دعم الثورة هناك، كيف بدأت علاقتك بالثورة الجزائرية؟
مصطفى بن حليم:
بدأت يوم أول نوفمبر سنة 1954م.
أحمد منصور:
يوم اندلاعها؟
مصطفى بن حليم:
ما كنت أعرف أنا اندلعت أم لا، كنت مع جمال عبد الناصر وقال لي: يا أخ مصطفى، نحن هنا أمام مشروع سري خطير، لكن أهميته العربية الإسلامية من أعلى ما يمكن.
أحمد منصور:
عبد الناصر استدعاك طبعًا؟
مصطفى بن حليم:
طبعًا، ما استدعاني، قال لي: إذا كان تقدر تمر عليَّ، ما كان بيننا استدعاء.
أحمد منصور:
طلبك للزيارة.
مصطفى بن حليم:
نعم، وهذا مشروع، ونحن كبلد عربي إسلامي علينا أن ننقل شعلة الحرية إلى البلاد العربية واحدة واحدة، الملك سعود والأمير فيصل يمولوا بكل كرم وبكل إغداق مشترى السلاح للثورة الجزائرية، ونحن: يعني جمال وجماعة المخابرات المنتشرون في أوروبا بيشترو السلاح.
أحمد منصور:
المخابرات المصرية؟
مصطفى بن حليم:
طبعًا.
أحمد منصور:
(13/158)
من أي مكان كانوا يشترونه؟
مصطفى بن حليم:
ما سألت،ونود أن نوصله للحدود الليبية وتتولى أنت والأخ أحمد بن بيلا، وعرفني بالأخ أحمد بن بيلا، تتولى نقله إلى الحدود الجزائرية، و تتخذوا كل الإجراءات اللازمة.
قلت له مبدئيًّا: ما فيه مانع برغم أن فيه مخاطر كبرى لكن لابد أن نفعله، طبعًا أنا كان بالنسبة لي شيء..من ناحية سررت بأني أعاون بلد عربي خصوصًا ضد فرنسا التي كنا نكرهها كراهة التحريم، أنا أكرر هذا الكلام، لأن فرنسا كانت مكروهة كراهة التحريم في أوائل الخمسينات، بس أمامي مشاكل كبرى، قلت له: فقط اتركني عدة أيام، جئت إلى (طبرق) وقبل أن أدخل عند الملك قابلت (بوصيري الشلحي) وكان بوصيري الشلحي في منتهى الوطنية وعروبته من أرقى ما يمكن، ونزيه نزاهة مطلقة، ولكنه مجنون، مجنون إذا أحب ومجنون إذا كره، وبعدين تطورت العلاقات بيننا..
أحمد منصور [مقاطعًا]:
سآتي إليها بالتفصيل عندما نتحدث عن استقالتك.
مصطفى بن حليم:
على أي حال قلت له: يا بوصيري، أنا الملك سأحكي له، ليست عندي مشكلة معه، وسيوافق لكن أنا أريد أن تحكي مع زوج أختك الذي هو الفريق محمود بوبطين، محمود بوبطين ضابط ليبي كبير، وكان من جماعة الجيش السنوسي اللي كنا نحكي عنه بدري، حتى لا يعترض، لأن هذا حريص على ألا يمر سلاح مصري بدون رقابته، أنا مستعد أن أجعل ترتيبًا الذي به في الحدود ليستلموه ضباط من قوة دفاع (برقة) إلى الحدود الطرابلسية.
أحمد منصور:
ماذا كان وضع هذا الضابط الذي يريد استئذانه؟
مصطفى بن حليم:
هذا الضابط ليبي مخلص للملك، ويخشى..يخشى من مصر..
أحمد منصور [مقاطعًا]:
كان رئيس أركان، كان وزير دفاع؟
مصطفى بن حليم:
(13/159)
لا، كان قائد قوة دفاع برقة التي هي القوة الضاربة، دخلت عند الملك قلت له: يا مولانا كذا كذا، قال لي: طيب، لكن يا مصطفى دير بالك، طيب وبعد ذلك إذا اكتشف الفرنسيون؟قلت له: يا مولانا ولا حاجة، إذا اكتشفها الفرنسويين اطردني، وقال: أنا اكتشفت أنه يهرب سلاحًا للجزائر..وهذا يكون أكبر وسام تعطيه لي، ضحكنا، قلت له: اتركني أنا في ذهني حركة لابد أعملها، طبعًا أنا اطمأننت من ناحية برقة، ثاني يوم كلمني بوصيري، قال لي: مشت، طبعًا حدثت معركة بينه وبين زوج أخته، وبعد ذلك فرضها عليه.
رحت أنا إلى طرابلس كما ذكرت لك كان عندي زميل كنا في الدراسة مع بعضنا، هو كان في الأزهر وأنا كنت في كلية الهندسة (عبد الحميد بديرنه) من عائلة (الكرملي) اللي كانوا حاكمين ليبيا من قبل، وشاب وطني ممتاز نزيه، كان برتبة عقيد، أجبته عندي، قلت له: يا عبد الحميد هناك مسألة كذا كذا.. قال لي: طيب ماذا تريد مني؟ قلت له: أريد مجموعة من سبعة ضباط تختارهم، تكون فيهم الوطنية المطلقة والإخلاص التام، قال لي: و(جايلس)؟ كان رئيس شرطة طرابلس (بريجريد جايلس).
أحمد منصور:
بريطاني.
مصطفى بن حليم:
بريطاني، وكنت على وشك أن أنصح الوالي أن يعزله، لكن ساعتها قلت: لا، خليه، قلت له: أنا سأدبر أمره، قلت للوالي وكان صديق المنتصر ساعتها لم أرد أن أقول له السر، قلت له فقط: ابعث لي جايلس عندي كلام معه، جاءني جايلس، تعظيم سلام وكذا.
(13/160)
قلت له: بريجريد جايلس، فيه مؤامرة مصرية خطيرة، لا أستطيع أن أكلفك بها، ولكن هؤلاء ضباط تعتبرهم في إجازة لمدة ستة شهور، وسيراجعوني أنا شخصيًّا لأنه لو اكتشفنا المؤامرة المصرية لا يقال إن الإنجليز هم اللي فعلوها، قال لي: والله عندك حق، من فضلك ابعث لي هؤلاء، أنا ما باعرفهم، لكن (عبد الحميد بديرنه) عملت نفسي كأني لا أعرفهم، جاء عبد الحميد بدير ثاني يوم وجماعة آخرون، وابتدأت الحركة، بعثت لجمال وقلت له: O.K ماشي، أول شحنة جاءت في (فخر البحار) .
أحمد منصور:
دا أيه؟
مصطفى بن حليم:
يخت من يخوت الملك، وجاءت بيخت لكي نغطي دعوت (حسن إبراهيم) وقلنا: إنه قادم في فخر البحار، ودعوته إلى افتتاح البرلمان.
أحمد منصور:
حسن إبراهيم كان قائد الجناح..
مصطفى بن حليم:
والإنجليز انتقدوا كيف أنا مصطفى بن حليم يسمح لنفسه أن يدعو.. (وزاد في الطنبور نغمة) كراهيته لي زادت أكثر، وبعدما حدثت الاحتفالات وكذا طلع اليخت في ميناء صغير، نزلوه ضباطنا نحن، مع طبعًا..
أحمد منصور [مقاطعًا]:
ما هي نوعية الأسلحة؟ هل هي أسلحة خفيفة؟
مصطفى بن حليم:
والله يا أخي ما كشفت على الصناديق، هناك مرة واحدة كشفت على الصناديق وأنا بجيب هالك، هو ابتدأ، ثم ابتدأت بالسيارات، وكنا متعاونين مع السفارة المصرية، السفارة المصرية أيامها جا رجل في منتهى الإخلاص ومنتهى الكفاءة.
أحمد منصور:
السفير أحمد الفقي.
مصطفى بن حليم:
أحمد حسن الفقي، ومتعاونون مع بعضنا، تأتي أسلحة فتخزن،وعليها رقابة وعليها كذا ثم تتنقل وماشي الحال، كل المساعدات التي عملناها للتوانسة بمجرد ما يمسكوا واحد منهم يقول كل شيء.
أحمد منصور:
التوانسة؟
مصطفى بن حليم:
لقد ساعدنا التوانسة كذلك في مجال ثاني، لكن الجزائريين لم ينطق واحد منهم بكلمة، ولم يعرفوا الفرنسيين بشيء، ومشي الحال، بعد فترة شعر الفرنسويين..
أحمد منصور [مقاطعًا]:
(13/161)
إلى أين كنتم توصلون السلاح؟
مصطفى بن حليم:
كنا نوصله إلى الحدود.
أحمد منصور:
الليبية الجزائرية؟
مصطفى بن حليم:
الليبية الجزائرية.
أحمد منصور:
مناطق معينة متفق عليها؟
مصطفى بن حليم:
تعرف، وبعض الأحيان من تونس.
أحمد منصور:
هل كان بن بيلا موجودًا في طرابلس في ذلك الوقت؟
مصطفى بن حليم:
يتردد، لكن يتردد بصورة خفية خفية، ما كان مثل جماعة الفلسطينيين هؤلاء الذين كانوا يذهبون وكذا، لا.
أحمد منصور:
هل كان يأتيك، تقابله، يذهب إليك؟
مصطفى بن حليم:
كان يأتيني عن طريق مخابراتنا، وأنا أحكي لك قصة مضحكة أيضًا لا يزال كل مرة يقابلني يذكرني بها، طيب مشى الحال.
أحمد منصور:
احكها لنا، احك لنا هذه القصة طريفة مازال كل ما ناتقي يحكيها لنا.
مصطفى بن حليم:
كنت يومًا على موعد من أحمد وبعض مساعديه، وطبعًا قادم من ناحيتي أنا عبد الحميد بديرنه والضباط، وكان الموضوع اختيار مواقع أخرى، فطبعًا لابد أن يشاوروني، ويعطوني علم حتى إذا حدث شيء نستطيع أن نغطيهم، وأنا خارج وكنت وزير خارجية في نفس الوقت إذا بالسفارة الفرنسية تتصل برسالة مستعجلة من (إدغار فور) رئيس وزراء فرنسا، كوزير خارجية لا أستطيع أن أرفض استلام رسالة، حاولت أن يستلمها وكيل الخارجية، لكن قالوا: لا قالوا: هذي من رئيس الحكومة، مع نسياني الموعد، خليه اجيني في البيت الساعة الخامسة.
أحمد منصور:
وأنت أعطيت موعدًا لابن بيلا في نفس الوقت.
مصطفى بن حليم:
(13/162)
لا، موعدي مع بن بيلا الساعة الثانية والنصف، غداء وكذا، ورجعت الساعة الثانية والنصف ثلاثة إلا ربع، كان يوم خميس، وكان يوم الجمعة ليس هناك شيء، فبحثنا وكذا وطال الكلام، وكان عندنا صالونين في بيت رئيس الحكومة وهو فيلا، وكان عندي رئيس المباشرين من جماعة البربر، يتكلم الفرنسية، أسود، فجاءني، وقال لي في أذني: مسيو دي مرسيه أدخلته في الصالون، قلت له: أحمد، يا جماعة استمروا في كلامكم، ورحتأنا إلى السفير الفرنسي، قلت له: أهلاً وكذا كذا.. قال لي: والله هناك رسالة، وشرح لي الرسالة بأن هناك واحد طريد العدالة الفرنسية اسمه أحمد بن بيلا.
أحمد منصور:
يجلس في الصالون الآخر.
مصطفى بن حليم:
يجلس في الصالون الآخر، ونبغى يعني نود من الحكومة الليبية أن تساعدنا في القبض عليه، قلت له: طيب، بكل سرور.
أحمد منصور:
ماذا كان انطباعك؟ ماذا كان شعورك بهذا الأمر؟
مصطفى بن حليم:
أنا ماسك أعصابي على الآخر، خائف أن أضحك، مصيبة كبرى قدامي، أخاف أن أضحك فيفضح الموضوع، وأنا آتيك في الكلام، وحتى أطول الكلام قلت له: يا أخي، فقط جيبو لنا صورة مواجهة وصورة بروفيل وكذا مع أوصافه، وأنا أبعثها لجايلس، وأبعثها لمحمود بوبطين، أما تجيني برسالة من مسيو (إدجار فور) ونقول لي: اقبضوا على أحمد بن بيلا، من هو أحمد بن يبلا؟ جاء عيسى البرشوشي رئيس المباشرين، نظر إلي هكذا، فنظرت إليه بنظرة قاتلة، وأحضر لنا القهوة وخرج، أنا خرجت، وودعت السفير.. أحمد بقول لي: ماذا؟ قلت له بلهجة ليبية: يا كاظي، كاظي كلمة دارجة فيها إهانة بسيطة.. يعني يا (هنوتي) أو شيء مثل هذا، هذا قادم يريد أن يطلبك، فقلت له فقط أحضر كذا.. ضحكنا عليها، كل مرة يقابلني فيها أحمد يقول لي: فاكر القصة؟
على أي حال استمر الحال هذا إلى أن شعر الفرنسيون أن أحمد بن بيلا موجود..
أحمد منصور [مقاطعًا]:
عندكم في طرابلس؟
مصطفى بن حليم:
(13/163)
في طرابلس، شعروا أن الحكومة الليبية ما بدها تتعاون فيه، فأرسلوا واحدًا من جماعة اليد الحمراء الفرنسية، وكان أحمد ينزل في Hotel فندق درجة ثالثة، ودخل على أحمد وأطلق عليه الرصاص.
أحمد منصور:
فعلاً؟
مصطفى بن حليم:
فعلاً، لكن لم يصبه.
أحمد منصور:
في أي تاريخ؟
مصطفى بن حليم:
1955م، أحمد أطلق عليه الرصاص، جرى الفرنسي، كلموني قلت لهم: من تحت الأرض لابد تمسكوه، طلع وراءه البوليس الليبي، أدركه قبل الحدود، ولكن جروحه ما وصل المستشفى إلا ميتًا، لكن ثبت عليه أنه فرنسي.
طبعًا احتججنا على الحكومة الفرنسية، واحتججنا كذا كذا، قالوا: ألم يكن عندكم أحمد؟ قلنا لهم: لا لم يكن، هذا جاء.. على كل حال، بعدين كانت هناك مجموعة ثانية، وهذه ورطتنا ورطة كبيرة، مجموعة ثانية كان يتولى موضوعها واحد اسمه (بوجملين) وكم واحدًا آخرين، ويساعده في عمل نوع من المظاهرات، وكانوا جايبين شحنة من السلاح، عبارة عن مسدسات كبيرة ورصاصها كبير هكذا، وهذه نستعمل في الشوارع لإقامة ضجة كبرى.
مع الأسف أنا كنت معين لهم واحد صديقنا وصديق للعائلة، تاجر كبير في طرابلس، الحاج (سالم أنديره) الله يرحمه، أي حاجة يبعثونها باسمه نمررها، هم ذهبوا يريدون أن يشحنوا الشحنة في Britich Air Ways من (بروكسل) Britich Air ways شعروا بأن الحكاية فيها شيء، فرفضوا، راحوا هم إلى سابينا، تتبعتهم المخابرات البريطانية في بروكسل، ما أشعر يومها بعد الظهر إلا وجاءني اثنان (كوماندان ليزا) و (سيزو جرتيروكس) واحد مخابرات فرنسية والثاني مخابرات إنجليزية، ولحسن الحظ جايين ينذرونا أو يلفتوا نظرنا، لأن هناك واحدًا يهرب أسلحة لليبيا، فديرو بالكم، جاي على..
أحمد منصور:
طيران سابينا.
مصطفى بن حليم:
(13/164)
على طيران سابينا، فأنا تصرفت وقلت لهم: أنا أشكركم، وتأكدوا إذا كان هناك كذا سنعمل كذا، وناديت اللواء (محمد الزنتوتي) مدير الشرطة الاتحادية، و(محمد عبد الكافي السمين) مدير عام الجمارك، والاثنان يعتمد عليهم.
قلت لهما: تذهبا إلى المطار، وستجدو ليزا وجريتروكس، وستجدان شحنة تصادروها، وتنقلانها لمخازن الشرطة وتجوني بكرة في الليل، وهذا ما حدث، استلما الشحنة، وثاني يوم جاءني السفير الفرنسي، كذا ونريد أن تعرف من أين؟ قلت له: انظر، نحن سنصادر شيئًا سنرميها في البحر.
أحمد منصور:
في الحلقة القادمة آخذ هذه الأشياء، اكتشاف النفط في ليبيا، والدور الذي لعبته بالنسبة للنفط، واستقالتك من الحكومة في نهاية العام 1957م.
أشكرك شكرًا جزيلاً، كما أشكركم مشاهدينا الكرام على حسن متابعتكم، في الحلقة القادمة إن شاء الله نواصل الاستماع إلى شهادة السيد مصطفى أحمد بن حليم رئيس وزراء ليبيا الأسبق، في الختام أنقل لكم تحيات فريق البرنامج، وهذا أحمد منصور يحييكم، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.(13/165)
الحلقة7(13/166)
مقدم الحلقة
أحمد منصور
ضيف الحلقة
مصطفى أحمد بن حليم، رئيس وزراء ليبيا الأسبق
تاريخ الحلقة
9/09/200
مصطفى بن حليم، رئيس وزراء ليبيا الأسبق - الحلقة 7
أحمد منصور
مصطفى بن حليم
أحمد منصور:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
وأهلا بكم في حلقة جديدة من برنامج (شاهد على العصر)، حيث نواصل الاستماع إلى شهادة السيد مصطفى أحمد بن حليم رئيس وزراء ليبيا الأسبق.
مرحبا بك
مصطفى بن حليم:
مرحبا أستاذ أحمد.
أحمد منصور:
من المفترض أن نبدأ اليوم بالحديث عن قصة اكتشاف النفط في ليبيا حيث اكتشف في عهد رئاستك للحكومة، وأنت الذي قمت بترتيب قانون البترول وبالتعامل مع معظم الشركات التي بدأت عن التنقيب عن النفط في ليبيا في فترة الخمسينات.
قبل أن أبدأ في موضوع النفط هناك معلومة أود أن أعود لها فيما يتعلق بالعلاقات مع تركيا، وحقيقة أن تركيا لعبت دورا في إمداد الثورة الجزائرية بالسلاح في الوقت الذي كانت فيه تعتبر عضو في حلف الناتو وفرنسا كانت دولة في الناتو أيضا، وأنت كنت وسيطا في هذه المسألة.. ما طبيعة الدور الذي لعبته تركيا؟
مصطفى بن حليم:
سيد أحمد من أي الموضوعين تبدأ؟ لأن كلا الموضوعين له أهمية كبرى.
أحمد منصور:
أبدأ بموضوع تركيا حتى نغلقه لأن احنا فتحناه في حلقات سابقة.
مصطفى بن حليم:
(13/167)
موضوع تركيا كما شرحت في حلقة من الحلقات السابقة، أنا زرت تركيا بإيعاز من الملك إدريس أو بتشجيع من الملك إدريس واجتمعت بعدنان مندريس وبجلال البيار، وكان فيه ترحيب كبير، وأعانونا إعانة كبرى في موضوع أميركا فانتهزتها فرصة مع (عدنان مندريس)، لأني شعرت بأن الرجل منفتح على الناحية الإسلامية، لا أستطيع أن أقول إن كان كيف رئيس الحكومة السابق هذا، ولكن يعني قابل الحديث في الشؤون الإسلامية، عنده استعداد فقلت يا عدنان بيه أنت كرئيس للحكومة التركية التي خلفت الخلافة الإسلامية، ألا ترى إنه من غير المعقول أن تعترفوا بإسرائيل، تتعاونوا مع إسرائيل، واليونان الدولة المسيحية لا تعترف بإسرائيل؟
كان رده رد قوي، وأعترف بأنه مقنع قال لي: أولا: نحن أعضاء في الأمم المتحدة، ونحن لنا علاقة كبرى مع أميركا لا حبا في أميركا، ولكن لأن مخاوفنا من روسيا تجعلنا نتعاون مع أمريكا تعاون شديد، وكلا المنظمتين يعني سواء أمريكا أو هيئة الأمم المتحدة يسرهم كثيرا أن نعترف بإسرائيل، ولكن برغم اعترافنا بإسرائيل اعترافنا محدد بقائم بأعمال، وتجارتنا مع إسرائيل لا تزيد عن عشر تجارة اليونان التي ذكرتها أنت.
ولكن يا أخي إذا كنت تود أن تحكي في موضوع إسرائيل خلينا نحكي في موضوع إسلامي عربي، وأنا مستعد أن أجلس مع الزعماء العرب ونطرح المشاكل الإسلامية، مشكلة إسرائيل، مشكلة قبرص، مشكلة كشمير، وغيرها، ونبحثها بصراحة وبإيجابية كطريقة للمباحثات، قلت له: أهم ما في الموضوع أن نجتمع مع (جمال عبد الناصر) وأنا ذاهب له بعد كم يوم لأني كنت في طريق العودة حمر على جمال عبد الناصر، قال لي: أنا مستعد أن ألتقي مع الرئيس جمال عبد الناصر في ليبيا وبحضورك وبحضور الملك إدريس ونطرح كل المشاكل الإسلامية على الطاولة.
أحمد منصور:
(13/168)
يعني (عدنان مندريس) بهذا كان عنده شكل من أشكال الانفتاح على العالم الإسلامي، رغم أن تركيا بعد سقوط الخلافة في عام 1924م ومجيء (أتاتورك) كان توجهها توجه غربي بحت وبدأت تنفصل، وتبتعد عن المنطقة العربية الإسلامية.
مصطفى بن حليم:
ما عدا عهد (جلال البيار– عدنان مندريس) ..
مصطفى بن حليم:
ولهذا السبب عملوا عليه انقلاب وشنقوه، على أي حال فأنا بعد كلامي الأول مع الرئيس جمال اللي ذكرته أنا في حلقة سابقة قلت له يا أخي جمال: أنا حكيت مع عدنان مندريس، وشرحت اللي صار، قال لي خلي الموضوع هذا بعدين يعني رأيت نوع من التسويف المهذب.
أحمد منصور:
يعني عبد الناصر لم يرحب بالعلاقة مع تركيا؟
مصطفى بن حليم:
أقول: نوع من التسويف المهذب، لم يقل لي لا، ولكن لم يقول أيوه، طبعا بعد شهرين ثلاثة أبلغت عدنان مندريس إنه، حل تاني، ربما الرئيس جمال يشعر بأنه هو أعلى مرتبة من أن يذهب إلى ليبيا ويجتمع مع عدنان مندريس، فرد علي فورا وقال لي: أنا مستعد أن أذهب شخصيا لجمال عبد الناصر في القاهرة.
أحمد منصور:
يعني إلى هذا الحد كان مندريس لديه..
مصطفى بن حليم:
(13/169)
هذه شهادتي أمام الله، وقال لي: بحضورك أو بغير حضورك، ونبحث كل المواضيع الإسلامية بالطريقة اللي اتفقنا عليها، طبعا جمال عبد الناصر –الله يرحمه- سوَّف في هذا الموضوع فتركنا هذا الموضوع، ولم نبحثه إطلاقا لعدم الفائدة منه إلى أن صار تأميم القناة سنة 56 وكنت في استانبول مع الملك إدريس –الله يرحمه- في زيارة رسمية، وإذ ببرقية مستعجلة شفرية طبعا من سفارتنا في القاهرة يقول فيها القائم بالأعمال عند ذلك الوقت كان (وهبي البوري) موجود الآن في بنغازي تقدر تسأله عن هذا.. يقول فيها: استدعاني الرئيس جمال، وقال له: هذه رسالة تبلغها لفلان اللي هو أنا، ملخصها إنه أنا أعرف علاقتك الطيبة مع الأتراك والآن في مؤتمر المنتفعين تذكر سيادتك إنه كان فيه مؤتمر دعت له بريطانيا مؤتمر المنتفعين قبل الاعتداء، محاولة جعل نوع من التفاهم الدولي، وتركيا طبعا دولة أساسية لأن المعاهدات معاهدة القناة كانت معمولة في تركيا كان أيام الخلافة وأود أن كذا، أود أنه يكون موقفهم محايد على الأقل.. فأنا استصعبت الموضوع..
أحمد منصور:
استصعبت أن تتحدث مع الأتراك وسبق إن أنت.. مندريس دعا إلى إن هو يزور عبد الناصر.
مصطفى بن حليم:
فكنت في حيص بيص، سألت الملك إدريس، قلت والله في برقية كذا كذا كذا.. وعلى الأقل يعني بكره إحنا ذاهبين للصلاة صلاة الجمعة في مسجد الصحابي سيدنا أيوب، إذ به يقول لي: مساعدتك لمصر أهم عند الله من صلاتك في..
أحمد منصور:
في مسجد أبو أيوب الأنصاري القريب من استانبول.
مصطفى بن حليم:
فبرضه ترددت فقلت له يا مولانا: أعتقد أنه لا بد من أن أستعمل سلاح خاص، قال لي ما هو؟ قلت: لابد من أستعمل أن هذا المسعى باسمك وبترحيب منك وإنك ستكون شاكر لو استجابوا لك في هذا الأمر. فقال لي كلمة: اللي تلعب بيه أغلب بيه أيها شيء يساعد مصر اعمله.
(13/170)
فاتصلت بعدنان بيه في نفسه الليلة، واتفقنا على اجتماع على ضفاف البسفور تعرف قصر طلما بخشري بيه من في القصر، لكن فيه كشك من الكشكات اللي هناك، اتفقنا على الساعة عشرة كان يوم جمعة، وكان فيه عدنان مندريس ووزير الخارجية ووكيل وزارة الخارجية -ووكيل وزارة الخارجية حطه بين قوسين لأني سأرجع، إليه كثير- ومن ناحيتنا كان فيه سفيرنا في أنقرة وهو رجل من أقدر الدبلوماسيين، علي أسعد الجاربي -الله يرحمه- وكان أخوه الوكيل الدائم لوزارة الخارجية سليمان الجاربي، وكان معي عبد الناصر شغلوف وكيل المالية، ولا أذكر مين ثاني الآن على أي حال، وبدينا حديث طويل من أصعب الأحاديث اللي أجريتها في حياتي السياسية..
أحمد منصور [مقاطعا]:
ما هي صعوبته؟
مصطفى بن حليم:
صعوبته إنه –يعني- كيف تريدنا أن تساعد دولة هي ضدنا في كل المجالات ساعتها كانت تفجرت أزمة حلف بغداد والعلاقات من أسوأ ما يمكن بين تركيا ومصر، فحاولت بكل الطرق كذا كذا.. لكن في الآخر قلت له شوف، عدنان بيه أنا ما كنت أبغى أن أقول لك هذا الكلام من الأول، لكن حدث ما إن إحنا وصلنا إلى مفترق طرق فأنا باقول لك إن هذا المسعى من الملك إدريس، ولا شك أنكم تذكروا موقف السنوسية منكم، موقف ليبيا منكم التي خاطرت باستقلالها في سبيل نصرة خليفة المسلمين، الآن جاء الدور عليكم لتساعدونا وتساعدوا المسلمين فابتديت ألعب على الناحية الإسلامية.
أحمد منصور:
العاطفية الإسلامية.
مصطفى بن حليم:
ابتدا يلين، ولكن اللي كان بيحاول أن يجعل في كل موضوع عقبة وكيل الخارجية التركي إلى درجة في الآخر عدنان قال له: اسكت. ما سمعت منه إلا كلمة شيطان.
أحمد منصور:
ما اسمه كان وكيل الخارجية لو تذكر؟
مصطفى بن حليم:
(13/171)
ما أذكر أسمه، لكن اكتبه في المذكرة، يعني في الآخر توصلنا أنه بعض الحاجات اللي هي تجعل تركيا تقف موقف محايد أميل إلى مصر بدون عداء ظاهر ولا باطن وأخدت طيارة ثاني يوم، وذهبت إلى القاهرة، وبلغت جمال، وكان شاكر جدا وحديثي لجمال هذا افتكر أوردناه في حلقة ثانية ما فيه داعي نضيع فيه وقت ثاني و..
أحمد منصور:
أنت في هذه الجلسة فتحت قضية إمداد الجزائر بالمساعدات؟
مصطفى بن حليم:
لا لا لا.
أحمد منصور:
متى تحدثت مع مندريس بخصوص الجزائر؟
مصطفى بن حليم:
جاي.. طبعا بعد القناة بعد الاعتداء الثلاثي وسوء الفهم اللي صار ما صار أي اتصال مع جمال عبد الناصر، ولكن جات زيارة عدنان مندريس إلى ليبيا، وأيامها كانوا الجزائريين يحتاجوا إلى سلاح أكثر، فتركت الموضوع إلى ما بعد زيارة عدنان مندريس إلى الملك إدريس في طبرق، وفي طريق طبرق (درنة)، (درنة) إلى الغرب من طرق 170 كيلو متر، فبعد زيارته للملك إدريس، وغداه مع الملك إدريس وترحيب من الملك إدريس ذهبنا للمبيت في درنة، وطلبت أنا أن يعد لنا فيلا على البحر وطلبت أن أكون على انفراد مع عدنان، لما انفردنا، بديت أحكي له يا عدنان بيه انتم خلفاء الخليفة العثماني ومهما كان رأيكم في بعض العرب دي ناحية إسلامية، ولا يجوز أنكم تمتنعوا عن مساعدة إخوان لكم في الإسلام، وكانوا في وقت من الأوقات جزء من الإمبراطورية الإسلامية اللي كانت عاصمتها استانبول.
قال: والله احنا بنساعد ففي الجزائر كتبنا مذكرات، وتدخلنا وكذا وكذا مع الحكومة الفرنسية ونصحناهم.
قلت: أنا أشكرك على هذا كله، لكن ما هذا اللي عنيته، أنا اللي عنيته أنكم تقدموا مساعدة مادية، ما فهم قصدي، قال: مادية تبغي أنا نعطيهم اعتمادات كذا..
(13/172)
قلت لا.. لا.. ما أقصد هذا، أنا أقصد تعطيهم سلاح هم ليسوا في حاجة إلى المال في حاجة إلى سلاح يحاربوا بيه الفرنسيين فانزعج انزعاج شديد، وشعرت بأن الرجل أصابته رهبة، قال لي: مصطفى بيك تود إني أنا عضو في الناتو أعطي سلاح لمن يحارب دولة تانية في الناتو؟ قلت له: لا.. عدنان بيه أنا أود عدنان بيه الذي خلف الخلافة الإسلامية يعطي سلاح لمسلمين مثله حتى يحارب الكفار اللي احتلوا بلدهم، وفيه فرق بين هذا وذاك، ابتدينا من هذه الناحية، واشتغلت عليه إلى درجة أنه في الآخر كانت دموعه ظاهرة في عيونه، قال لي: طيب لو فرضنا إن احنا نعطيهم سلاح، كيف تعمل لو اكتشف في فرنسا؟
أحمد منصور:
من الفرنسيين.
مصطفى بن حليم:
قلت له: هذا موضوع نتولاه نحن، قال: كيف؟ قلت: نحن نهرب السلاح للجزائر من 3 سنوات، كان ساعتها بقي له من 3 سنوات وأكثر.
أحمد منصور:
من 54 لـ 57
مصطفى بن حليم:
ولم تحصل فرنسا على دليل واحد على إن احنا داخلين فيه احنا لنا طريقة خاصة. قال: لكن ها السلاح عليه علامات. قلت له: اسمع كذلك تعطونا أجزاء لنا لنهربها، وابتدينا ندخل في التفاصيل..
أحمد منصور:
يعني دخلتم في تفصيلات دقيقة لكيفية التغلب على هذه العقبات، اقتنع مندريس أن يرسل سلاح من تركيا؟
مصطفى بن حليم:
وأرسل السلاح، واستعرض في شوارع طرابلس وصوره..
أحمد منصور [مقاطعا]:
على إنه سلاح تركي؟
مصطفى بن حليم:
على إنه سلاح تركي للجيش الليبي.
أحمد منصور:
للجيش الليبي.. لكن هو في الأصل كان للمجاهدين الجزائريين.
مصطفى بن حليم:
أغلبيته، طبعا المدافع لم نعطيها لأن المدافع كبيرة وفيه صور هنا مشهورة للسفير التركي معي أنا ونستعرض السلاح وكذا كذا..
أحمد منصور:
لكن في الأصل السلاح التركي الذي تم تقديمه إلى ليبيا في العام 57، كهدية من تركيا كان سلاح مقدم إلى المجاهدين الجزائريين بالدرجة الأولى.
مصطفى بن حليم:
(13/173)
ما كان مقدم لليبيا، ليبيا يعني استعملناها كستار.
أحمد منصور:
هل كشف هذا الأمر بعد ذلك؟
مصطفى بن حليم:
كشف أخيرا من سنتين أو ثلاثة في تصريح لي لجريدة من الجرائد، وقامت القيامة في تركيا.
أحمد منصور:
يعني سنة 98
مصطفى بن حليم:
98 في كتابي أعتقد كان نشر فسألني صحافي، اتصلوا بي من الجرائد من تركيا من جماعة أنصار عدنان مندريس، وطلبوا إني أزور تركيا، قلت: يا جماعة ده تاريخ، خلاص، ولكن..
أحمد منصور:
يعني تركيا الحكومة التركية في عهد عدنان مندريس في العام 1957 قامت بتمويل الثورة الجزائرية بالسلاح عبر ليبيا حينما كنت أنت رئيسا لوزراء ليبيا في ذلك الوقت.
مصطفى بن حليم:
تمويلها بالسلاح يعني تمويلها بالسلاح بالضبط، وهذا أنا أعتبرها من أحد نجاحاتنا اللي نفخر بها.
أحمد منصور:
أنت تعتبر أيضا أن العرب قصروا كثيرا في الاتصال بحكومة مندريس بحيث يقوموا بتوثيق العلاقات التركيبة العربية في تلك الفترة؟
مصطفى بن حليم:
سيدي.. أنا قرأت في مجلة.. مجلة (جون أفريك) اللي بيصدرها (بن يحمد) في مقال يقول جزء فيه إن الشرق الأوسط فيه 3 جنسيات وجنسية رابعة فرضت عليه، فيه العرب وفيه الفرس وفيه الأتراك، الثلاثة هادول [هؤلاء] يجمعهم دين واحد وتاريخ واحد، وفرض عليهم جنسية تانية هيه إسرائيل.
أحمد منصور:
اليهود.
مصطفى بن حليم:
وقد نجح الثلاثة في أن تكون علاقاتهم أسوأ علاقات مع بعض، بدل من أن تكون أحسن علاقات، ويواجهوا إسرائيل، هل هذا رد على سؤالك؟
أحمد منصور:
آمل أن يكون ردا عليه، أنتقل إلى نقطة مهمة وهي زيارتك لاجتماعك مع عبد الناصر في 12 أغسطس 1956م، هل ده كان اجتماعك الأخير بعبد الناصر؟
مصطفى بن حليم:
ده كان اجتماعي الأخير اللي من بعد منها صارت أزمة الملحق العسكري.
أحمد منصور:
وساءت العلاقات المصرية الليبية.
مصطفى بن حليم:
(13/174)
ساءت العلاقات، لأن في الوقت اللي احنا كنا نخاطر باستقلالنا، وأنا لا أستعمل كلمات أكثر مما يستوجب الأمر، احنا خاطرنا باستقلالنا، والملك إدريس كان يخشى من أن تحتل بريطانيا ليبيا وتقامر مرة ثانية بعلاقتها مع العرب، وثبتت الوثائق الرسمية إن الملك إدريس كان أبعد نظر مني، لأن هذا ما كان يدور في ذهن الإنجليز، لجنة الحرب، وكانوا محضرين 3 كتائب لحرب شعواء، على أي حال في نفس الوقت، وأنا شرحت لك إن احنا كنا نضعهم في الصورة المصريين وكان أحمد حسن الفقي غائب.
أحمد منصور:
السفير
مصطفى بن حليم
غائب، والملحق العسكري جاني هو والقائم بالأعمال بعدين ابتدا يوزع سلاح.
أحمد منصور:
أنت، تكلمنا عن قصة السلاح، تأثير قصة توزيع السلاح إيه على إساءة العلاقات بين مصر وليبيا؟
مصطفى بن حليم:
ماذا تتوقع من سفارة توزع سلاح على الغوغاء؟
أحمد منصور:
من أجل ضرب الإنجليز.
مصطفى بن حليم:
يا سيدي سبق وأن قلت لك إنا اتفقنا مع الإنجليز اتفاق في صالح العرب 1000% وهو تجميد قواتهم، وتمكيننا من جعل مراقبين داخل القواعد حتى نطمئن.
أحمد منصور:
أنت بتؤكد هنا في شهادتك على أن لم تطلق رصاصة واحدة من الأراضي الليبية، أو تنطلق طائرة لضرب مصر في العدوان البريطاني الفرنسي الإسرائيلي على مصر في العام 56.
مصطفى بن حليم:
يا سيدي أكثر من شهادة جمال عبد الناصر نفسه وشهادة القائد العام البريطاني لا أستطيع أن أقضيك دليل أكثر من هذا، جمال عبد الناصر شكر ليبيا لأنها منعت القوات البريطانية من أن تهاجم مصر.
أحمد منصور:
طب إذن لماذا استمرت العلاقات المصرية الليبية سيئة في الفترة من أكتوبر 56 وحتى تقديمك لاستقالتك في 26 مايو 57، طوال هذه الفترة لم تسع لإعادة تحسين العلاقات المصرية الليبية، وكانت علاقتك بعبد الناصر جيدة؟
منصور بن حليم:
(13/175)
يا سيدي اكتشفنا في يوم من أواخر أكتوبر 56 مخزن للسلاح يكفي لنسف مدينة طرابلس وخطة لنسف أهم نقاط في مدينة طرابلس.
أحمد منصور:
مين اللي أعد هذه الخطة؟ ومن اللي خزن هذا السلاح؟
مصطفى بن حليم:
الملحق العسكري.
أحمد منصور:
لمصلحة مين كان سيقوم بهذا الأمر؟
مصطفى بن حليم:
والله ما أستطيع أن أرد عنه، الله يرحمه توفى بس مساعده وكان شاب فلسطيني أقر بكل شيء.
أحمد منصور:
ماذا قال؟ كان مؤامرة على الحكومة الليبية؟
مصطفى بن حليم:
طبعا كان مؤامرة، كان مؤامرة لخراب البلد، الرجل أعتقد أنا إنه كان تحت شعور إنه هذه فرصة اللي كان يظهر فيها.
أحمد منصور:
يظهر.. هيعمل انقلاب على حكومة وهو من دولة أخرى؟
مصطفى بن حليم:
ما هو هذا اللي انعمل، وبعدين احنا لما اكتشفنا هذا كله والسفير المصري أحمد حسن الفقي أقر، قال لي صحيح، أكثر من هذا استخرجنا من السفارة المصرية 365 متريليوز.
أحمد منصور:
مدفع رشاش.
مصطفى بن حليم:
مدفع رشاش بعد ما سافر وسلموهم لنا، في الوقت اللي احنا اكتشفنا فيه هذا الاكتشاف في الوقت في نفس الساعة كلمت زوجتي في البيت، قالوا لي في السفارة المصرية رايحة تشجعهم، وتظهر لهم وهذا شعورنا كلنا، كلنا كنا مع مصر، يا أخي كيف تتوقع إن احنا ما نحمي مصر وأنا والدتي موجودة في مصر، إخوتي موجودين في مصر، دمي من مصر، يعني بعض التهم اللي سخيفة بدرجة إنه لا تستاهل الرد وهذه واحدة منهم.
كلمتها وقلت لها: ارجعي للبيت لأن الجماعة اللي إنتي بتواسيهم اكتشفنا إنهم سينسفونا، طلبت السفير المصري، وقلت له: هذا الرجل لا بد أن يخرج، ولك عدة طرق..
أحمد منصور:
الملحق العسكري.
مصطفى بن حليم:
يا إما يأخذ إجازة ويطلع، وإلا يبقى بدون أي حركة داخل السفارة وإلا سأضطر إلى طلب سحبه.
أحمد منصور:
(13/176)
اسمح لي حضرتك، مين اللي كان هنا ينفذ مخطط الانقلاب ده؟ يعني أي سفارة موجودة سفير وملاحق وموظفين دبلوماسيين عندهم سلاح، كان مين اللي هينفذ المخطط؟ مين الجهة المتآمرة المساعدة؟
مصطفى بن حليم:
ذكرت لك في الأول إنه كان فيه تعاون بيننا وبين إدارة الملحق العسكري المصري في تهريب السلاح، ولذلك كان عنده مدخل لهذا السلاح، وكانت السفارة على علاقة بكثير من..
أحمد منصور:
ثبت تورط ليبيين معاهم في مثل هذه المؤامرة التي تتحدث عنها.
مصطفى بن حليم:
لا أذكر، ولكن في الغالب صحيح.
أحمد منصور:
قبضتم على أحد؟ حاكمتم أحد؟
مصطفى بن حليم:
بالعكس وقد تستغرب هذا، بالعكس رغبنا في كتمان الموضوع.
أحمد منصور:
الحكومة المصرية ردها إيه كان على هذا الموضوع؟
مصطفى بن حليم:
جاي لك في الموضوع، فالسفير رغم إنه رجل ممتاز زي ما حكيت لك قال لي: يا فلان ما باستطيع، سفير لا يستطيع، فإذا كان تبغي في إن (إسماعيل صادق) يغادر لا بد أن تكتب لي مذكرة، قلت له: حاضر، حررت مذكرة بيدي.
أحمد منصور:
ماذا قلت فيها بإيجاز؟
مصطفى بن حليم:
مقدمة إن في الوقت اللي ليبيا بتسعى كذا كذا وبتعمل كذا كذا وكل مشاعرها وكل تأييدها لمصر وكذا كذا صار إن اكتشفنا إن الملحق العسكري يقوم بأعمال في غير صالح ليبيا، ولذلك نطلب سحبه بعد ساعتين من وصول هذه المذكرة نشرت في طرابلس، الجزء الأخير، ولم ينشر المقدمة، مع تعليق (مصطفى بن حليم كلب الإنجليز).
أحمد منصور:
يعني وزعت كمنشور؟
مصطفى بن حليم:
وزعوا هم المنشور السفارة لأنه كان عنده علاقة بغوغاء.
أحمد منصور:
رغم إنك أنت باعتها للسفير؟
مصطفى بن حليم:
باعتها للسفير طبعا، وهذا كله.. اتفقنا على إنه جاء في هذه الأثناء برقية مستعجلة من الرئيس جمال عبد الناصر إنه بلغه فقط الآن موضوع الملحق العسكري، ولذلك يرحل فورا إلى مصر..إلى الآن كلام طيب.
أحمد منصور:
(13/177)
أنت كده شعرت بأن ما فعله الملحق العسكري لم يكن لعبد الناصر دخل فيه؟
مصطفى بن حليم:
شعرت بأن فيه شك
أحمد منصور:
لكن أنت كان اعتقادك إن عبد الناصر له دور في المسألة؟
مصطفى بن حليم:
أنا اعتقادي إن مصر يحكمها جمال عبد الناصر البلاد هذه اللي بتحكمها ديكتاتورية فيه واحد يقدر يشترك مع الرئيس في الحكم.. هذا طبعا شعوري يعني مهما يقول الديكتاتور إنه هو ما عنده شيء.. فالكلام ده كلام فارغ فقررنا ارساله مع اثنين من الضباط الليبيين بمنتهى اللياقة وكذا، واحد منهم اللي كان رئيس كان عقيد توفى عبد الله.. نسيت اسمه على أي حال والثاني لا يزال موجود حي، انتهى بأنه كان مستشار للسلطان قابوس، وهو الآن في (جنيف) (يحيى عمرو) كان ملازم أول كان في الحرس الملكي. فأرسلته لأني باعرف أنه من عائلة طيبة وكذا وحتى وكان متعلم في مصر حتى يكون..
هناك النقطة المهمة في اللي صار، في السلوم استقبل من الضباط اللي جاءوا لاستقباله استقبال الأبطال، وذهب للقاهرة، وأتوقع أنا إذا كان جمال عبد الناصر مش راضي عنه أن يحاكم، هذا رجل..
أحمد منصور [مقاطعا]:
تآمر على دولة صديقة وجارة.
مصطفى بن حليم:
لم يحاكم..أنا في الواقع كانت صعبة علي كتير ربما أنا أخطأت لأني بالغت في شعوري، يعني تجد نفسك في وضع، ساعدت بلد بأخطر ما تمتلك، وفي أخطر الظروف، تشعر في نفس الوقت إن أحد أبناءها يطعنك من الخلف، صعبة علي، أنا ما عندي المرونة.
أحمد منصور:
أنت الآن اللي تبنيت الموقف الغاضب من مصر بسبب ما خطط له الملحق العسكري المصري؟
مصطفى بن حليم:
طبعا..
أحمد منصور:
لم يصلك من عبد الناصر أي شكل من أشكال التعليق أو شكل من أشكال توضيح الموقف بعد ذلك؟
مصطفى بن حليم:
جمال عبد الناصر أرسل رسالة للملك إدريس يعتذر فيها عن كل شيء.
أحمد منصور:
عما حدث.. ألم تكن هذه كافية؟
مصطفى بن حليم:
(13/178)
فيه فرق بين أن تعتذر عن شيء وأن تعامل المجرم معاملة طيبة.
أحمد منصور:
طيب احكي لنا ما الذي حدث بعد ذلك؟ وما الذي ثبت لك من وراء هذا؟
مصطفى بن حليم:
وبعدين السفير المصري حاول عدة مرات، والحق أنا يعني كانت صعبة عليه كثير جدا، إنه البلد اللي أنا مؤتمن له واللي متعاون معها يطعنا الطعنة دي يعني وقفت موقف ما هو معادي، ولكن موقف محايد شوية، وحاولنا أن نقوي موقفنا العربي، طبعا كان موقفنا العربي 50% أو 60% منه عن طريق مصر، فحاولنا أن نقوي موقفنا العربي بتوجهات عربية ثانية.
أحمد منصور:
مين اللي ثبت إنه كان وراء المحاولة دي؟
مصطفى بن حليم:
أي محاولة؟
أحمد منصور:
محاولة قلقلة الوضع في ليبيا عبر الملحق العسكري.
مصطفى بن حليم:
فيما بعد علمت –بس بعد إيه- بعد ما خرجت من الحكم المخابرات المصرية وعبد الحكم عامر.
أحمد منصور:
إيه مصلحة عبد الحكيم عامر في هذا الموضوع؟
مصطفى بن حليم:
والله اسأله هو..يعني المخابرات المصرية كان لها أعمال يعني.
أحمد منصور:
تفتكر هذا حدث دون موافقة عبد الناصر ودون علمه؟
مصطفى بن حليم:
جمال عبد الناصر.. خليني أكمل لك وربما تجد فيها الرد على سؤالك؟
أحمد منصور:
لا أنا عايز رد مباشر على سؤالي وبعدين.
مصطفى بن حليم:
الرد هايجيلك أنا طبعا بعد ما خرجت من الحكم جريدة الأهرام المصرية نشرت ثلاثة أيام من الطعن ومن البذاءة.
أحمد منصور:
خرجت من الحكم في 26 مايو 57.
مصطفى بن حليم:
(13/179)
بعد منها بكام يوم أنا بدون موعد أنا خارج من البيت مع زوجتي والأولاد شوية باشوف عبد الخالق حسونة.. مرحبا أهلا وسهلا دخلنا جوه، عبد الخالق حسونة باعرفه وباحترمه كثير وهو رجل الله يرحمه لا يضر وينفع قليل يعني دبلوماسي.. مرحبا يا باشا أهلا وسهلا قال لي: والله أنا الرئيس جمال لما عرف إن أنا مسافر إلى ليبيا استدعاني، وقال لي تذهب للأخ مصطفى، وتعتذر له على كل ما صار وإني آسف على كل ما صار.
أحمد منصور:
تفتكر تاريخ إمتى مقابلتك مع عبد الخالق حسونة؟
مصطفى بن حليم:
بعد استقالتي بكم يوم.
أحمد منصور:
آه بعد الاستقالة.
مصطفى بن حليم:
باقول لك أنا طالع بره –بدي- كان يوم جمعة، وكنت لا زلت في بيت رئيس الحكومة لأن كنت بصلح بيت حتى أنقل فيه وما كانش تم طبعا الملك قدم..فقلت له يا باشا قلت له بالإنجليزي I Wish I can believe him كم أتمنى لو أصدقه على أي حال ما تقوله الكلمة دي.
أحمد منصور:
إلى هذه الدرجة؟
مصطفى بن حليم:
أنا باقول لك اللي صار، وأنا لا أخجل مما عملت، قلت له أنا كل ما بدي أقولك تقوله له مثل مصري مشهور (تشتمني في زفة وتعتذر لي في عطفة) طبعا المخابرات المصرية نشرت 3 أيام هذي بكل التهم البذيئة.
أحمد منصور:
ماذا قالوا عنك؟
مصطفى بن حليم:
من ضمنها إن الملك إدريس اكتشف إني بتآمر على مصر وطردني، عمر ما الديوان الملكي الملك إدريس يصدر بيان من الديوان يكذب صحيفة إلا يومها.
أحمد منصور:
الأهرام.. هذا الذي جعلك تدخل في قضايا بعد ذلك مع الأهرام، ودخلت معهم في.. ؟
مصطفى بن حليم:
(13/180)
لما نشرت الأهرام ما نشرت، كان رد فعلي في منتهى البساطة ومنتهى الحكمة، كان أخي محمود مقيم في مصر قلت له: يا محمود ابحث لي عن محامي جدير بأن يقف أمام الأهرام فاختار الأستاذ مصطفى مرعي، مصطفى مرعي طلب أن أقدم له الدوسيه كامل، بعد ما اطلع عليه، قال له أنا أود أن أقابل أخاك، وبالفعل تقابلنا في (ميونخ) تعرفت عليه، وكانت صداقة من أجمل الصداقات، مصطفى مرعي..
أحمد منصور:
أنت بتصادق الناس كلها اللي بتلقاهم.
مصطفى بن حليم:
يعني مصطفى مرعي كرجل محامي ووزير ووطني من الطراز الأول.
أحمد منصور:
بشكل عام عندك قدرة كبيرة يعني، على بناء صداقات سريعة مع الناس؟
مصطفى بن حليم:
والله، أنا بابدأ دائما بالصداقة إلى أن يثبت غيرها، على أي حال، قال لي بس أنا مستعد أن أقوم بالقضية هذه، وبسبب إني اطلعت على الدوسيه ووجدت أنك ساعدت بلدي مساعدة كبرى ومن في الحكم اليوم ووصفهم بصفات لا داعي لذكرها لم يجازوك إلا جزاء (سنمار).
أحمد منصور:
كان سنة كام هذا؟
مصطفى بن حليم:
هذا كان سنة 57.
أحمد منصور:
كنت وقتها مستشار للملك بدرجة رئيس وزراء، واخترت لكي تكون سفير لليبيا في فرنسا.
مصطفى بن حليم:
بعدين بعدين، قال لي هو شرطي الوحيد هو أن لا أتناول أي أتعاب منك، هو ده شرط معقول، لأن أنا أشعر بأن أنا رد الجميل بعثت كل الأوراق ورفع القضية على الأهرام وإذ برئاسة الأهرام تتبدل ويجيء فيها محمد حسنين هيكل، ومحمد حسنين هيكل له علاقة بمصطفى مرعي، لأنه مصطفى مرعي أنقذه من فاروق لما كان نشر كتاب عن كذا كذا أفتكر عن الثورة الإيرانية، القصر بدأ يحاول أن.. فأبوه راح لمصطفى مرعي، لما القصر سمع إن مصطفى مرعي هو المحامي تركه..
(13/181)
على أي حال محمد حسنين هيكل سأله صاحبك بده أديش قال له صاحبي، ما بده إلا حاجة واحدة، تكذبوا ما ثبت لكم إنه كذب، هذا اللي صار، شاورني قال لي يا فلان أنا أضمن لك 100% أن يصدر لك حكم كامل، ولكن ما أضمن لك إنه ينفذ هذا الحكم، وبعدين أمامك هذا الاعتذار من الأهرام ما هو غرضك؟ قلت له أنا ما غرضي إلا أن تعتذر، وأن تكذب ما نشرت هذا اللي صار.
أحمد منصور:
أنت الآن متهم في هذه الفترة بأنك أسأت للعلاقات المصرية الليبية، ولم تترك الوزارة إلا والعلاقات المصرية الليبية سيئة جدا.
مصطفى بن حليم:
والله هو في الواقع العلاقات الليبية المصرية كانت سيئة، ولكن أنا الضحية ولست أنا المسيء، اللي أساء العلاقات الليبية المصرية هم بعض رجال الحكومة المصرية، إما أن يكون هو عامر أو جمال عبد الناصر هذا علمه عند الله، في الغالب عامر.
أحمد منصور:
لو طلبت منك من خلال معرفتك الوثيقة بجمال عبد الناصر في تلك المرحلة وأكيد يعني كنت تراقب الأمور فيما بعد أن تقيم شخصية عبد الناصر، وتدلي بشهادة تاريخية عنه.
مصطفى بن حليم:
لا شك إنه جمال عبد الناصر كان عنده نية طيبة، نوايا طيبة وأنه جاء في فترة كانت في مصر ما فيها عدالة اجتماعية، يعني كان فيها عدد قليل من الناس يمتلكوا أراضي مصر، كان فيه جوع للحرية، جوع للإنصاف، وأول عهد ولو أنه تطرف كان ممكن أن يعملوا بطريقة تانية، ولكن رجل عسكري وثقافته الاقتصادية قليلة شوية، فبنية طيبة عمل بعض الإصلاحات اللي كانت قاسية شوية، يبدو وكانت علاقتي به يعني تفاهم، ولكن..
أحمد منصور:
لم تطال أملاكك التأميم الذي أعلن عبد الناصر؟
مصطفى بن حليم:
لا لا.
أحمد منصور:
هل تحاشى أن يؤمم أملاكك يعني؟
مصطفى بن حليم:
ما كان عندي إلا ها العمارة هادي وما أممش عمارات.
أحمد منصور:
فقط دي كلها كانت أملاكك في مصر؟
مصطفى بن حليم:
(13/182)
دي كل ما كنت أمتلك في مصر، بس هو يبدو لي أنا وهذا التحليل شخصي أنه بعض الأخطاء اللي قام بيها كانت نتيجة محاولة المزايدة على الإخوان المسلمين وعلى الوفد.
أحمد منصور:
كيف؟
مصطفى بن حليم:
هاقول لك، حادث أنا باستقرئ حاجات فجائية باستقرئ منها حاجات كتيرة أعتقد في أوائل سنة 56 للتاريخ طبعا.. كان نشر مشروع الدستور، وإحنا دايما لما نجتمع أول مرة كام نكتة وكذا تعرف نقول.. وبعدين بيقول لي: يا مصطفى شفت الدستور الجديد اللي أنا عملته قلت له: والله شفته وأنا حتى أغمز من قناته قلت له: بس يا ريس يا جمال كترت الشروط، قال: يعني إيه؟ قلت له يعني خليت الشروط اللي لازم تتوفر في رئيس الجمهورية يعني كترتها، كان ناقص عليك تحط يعني إن اسمه لازم يبقى بـ ج. ع، قام ضحك، في نص الضحكة وقف قال يعني بدك أنا أتركها سبهللة عشان ياخدها مني النحاس، أنا ضربت في رأسي، معنى ذلك إنه إلى سنة 56 كان يشعر بأن سنده الوحيد هو الجيش، ولذلك بعض الخطب اللي ألقاها جمال وبعض التهجمات اللي عملها على الدول الغربية وعلى الدول الشرقية وعلى إنه كانت رغبة إنه ينشئ لنفسه نوع من الشعبية من كدبه وكان هو عنده كاريزما، ولكن مع الأسف لم يستعمل السياسة طويلة المدى، الكاريزما كويسة بشرط أنك لا تهدم حاجات أساسية هذه مسألة، الناحية الثانية: كان يستخف بالآراء المدروسة، شوف صعب أنك تقول إنه أخطأ 100% وصعب أنك تقول إنه أصاب 100%، لا شك إنه عمل حاجات طيبة جدا.
أحمد منصور:
إيه الحاجات الطيبة في تصورك؟
مصطفى بن حليم:
إنه رفع اسم مصر، إنه تخلص من البريطانيين، طبعا ساعدوه الأمريكان، إنه عمل نوع من العدالة الاجتماعية..
أحمد منصور:
ساعدوه الأمريكان، ده هو كان بيشتم في الأمريكان دايما.
مصطفى بن حليم:
(13/183)
على بابا؟!!، جزء من اتفاقية الجلاء كتبت في بيت (كافري) السفير الأمريكي في أول عهد عبد الناصر كان على علاقة طيبة جدا بالأمريكان بعدين اختلف ما فيه في السياسة يا أخ أحمد حاجة دائمة، ما فيه صداقات دايمة، ساعدوه فيها على أي حال.
أحمد منصور:
لا وضح لنا طبيعة علاقته بالأمريكان، وأنت برضه كان علاقتك بالأمريكان جيدة.
مصطفى بن حليم:
وأنا حكيت له كتير، وهو شجعني على الاتفاق مع الأمريكان، ذكرت لك أنا فيما مضى، بعدين اختلف الوضع بينهم.
أحمد منصور:
أسباب اختلافه إيه؟
مصطفى بن حليم:
لا شك إنه فيه جزء كبير من غطرسة الأمريكان ما فيه شك، أنا مرة من المرات هذيي من كام شهر.. سنة باحكي مع أمريكي كبير قلت له انتو سياستكم..
أحمد منصور :
مين؟ كان مين؟
مصطفى بن حليم:
لأن الأوضاع الجديدة غير الأوضاع القديمة.
أحمد منصور:
لا زال في السلطة يعني؟
مصطفى بن حليم:
واحد أمريكاني كبير قلت له أنتم سياستكم..
أحمد منصور:
حضرتك قول لنا مين.. شهادة للتاريخ.
مصطفى بن حليم:
لا أعتقد دي لا أهمية لها في التاريخ، قلت له إنتو سياستكو عبارة عن مزيج من الـ Ignorance والـArrogance من الجهل والعنجهية، وأستغرب إنه قال لي ربما أقول لك إن عندك حق، يعني (دالاس) كان عنيف معاه.
أحمد منصور:
جان فوستر دالاس.
مصطفى بن حليم:
جان فوستر دالاس، وهو كان رده عنيف كمان معاهم، وبعدين تطرف الموضوع إلى إنه رضخ لهم في حاجات كثير، مثلا..
أحمد منصور [مقاطعا]:
آه رضخ في إيه؟.
مصطفى بن حليم:
(13/184)
أقول لك رضخ في إيه، خطب خطاب سنة 64 قال فيه: إن سبب عدم معالجتنا للأمر مع إسرائيل على تحويل المياه إن فيه قواعد أمريكية في ليبيا، فقامت القيامة في ليبيا مظاهرات وغير ذلك، والوزارة –وزارة محمود المنتصر– كانت أيامها الوزارة التانية اتصلت بالأمريكان، وقالت لهم لا بد أن تخرجو وكده، الملك زعل (غضب) ما حد شاوره، وجد إنه يعني رئيس دولة ثانية يخطب خطاب يقيم القيامة.
أحمد منصور:
كان بيخطب خطابات تؤدي إلى انقلابات في دول زي العراق مثلا.
مصطفى بن حليم:
هذا ما رأى فيها طبعا هو سياسته العربية أقولك سياسته العربية، هو عروبي 100% بشرط أن تكون مصر هي القائدة، ويكون هو قائد مصر.
أحمد منصور:
له الحق؟
مصطفى بن حليم:
مصر لها الحق، لكن هو مالوش الحق.
أحمد منصور:
ليه؟
مصطفى بن حليم:
لأنه شخص والشخص هذا..
أحمد منصور:
بيقود بلد.
مصطفى بن حليم:
بيقود بلد، كان هو حاكم البلد الوحيد.
أحمد منصور:
يعني كان ديكتاتور؟
مصطفى بن حليم:
بعدين خلينا نرجع بس للموضوع الأولاني وإلا حننساه، وهذه قالها لي وكيل وزارة الخارجية الأمريكية.
أحمد منصور:
مين؟
مصطفى بن حليم:
بعدين هلا [الآن] اتذكر اسمه، المسألة من 40 سنة.
أحمد منصور:
أنا أعرف أنا أعرف أني أشق عليك كثيرا.
مصطفى بن حليم:
لا لا بس الذاكرة تجيني بقول لك على اسمه قال لي: دخل على الرئيس (جونسون) وأنا جونسون التقيت بيه مرة لما كان Majority leader رئيس الأغلبية في المجلس، لاقيته في اجتماع خاص عند بعض أصدقائه في (هيوستن) ولم –يعني- ما شعرت بأن هذا الرجل ممكن أن يقود العالم، ولا يقود بلده حتى رجل كاوبوي Cow boy دخل عليه وكيل الوزارة ليوقع على قمح وكذا لمصر وكان جمال عبد الناصر خاطب خطابه المشهور يشربوا من البحر الأحمر إذا كان..الإخوة وصلوا قطعة مما نشر في الجريدة، حطوها قدام الرئيس، الرئيس قرأها دخل عليه الوكيل بعد منها بده يوقع له.
(13/185)
أحمد منصور:
على قمح لمصر.
مصطفى بن حليم:
قال له: اطلع من هنا I Will Sign When Hell Freezes سأوقع عليها عندما تثلج في جهنم، هذا تعبير أمريكي معناها المستحيل، ثم أرسل لجمال عبد الناصر السفارة قالت له: إنه لا يمكن أنك تتوقع إنه نساعدك وأنت قاعد بتخرب علينا سياستنا كان حسين مازج..
أحمد منصور :
سأعود إلى حكومة حسين مازج.
مصطفى بن حليم:
لا استناني بس خليني أقول النقطة هذه لأنها كتير مهمة، هذه قالها حسين مازج في محكمة الشعب، كان عنده جراءة ورجولة أن يقولها هناك.
أحمد منصور:
الحلقة القادمة أسمعها منك، سأكمل معك هذا الجانب، وأبدأ باستكمال شخصية..
مصطفى بن حليم:
هذه نقطة كتير مهمة أخ أحمد.
أحمد منصور:
نبدأ بالمهم في الحلقة القادمة، وأشكرك شكرا جزيلا كما أشكركم مشاهدينا الكرام على حسن متابعتكم.
في الحلقات القادمة -إن شاء الله- نواصل الاستماع إلى شهادة السيد (مصطفى أحمد بن حليم) رئيس وزراء ليبيا الأسبق.
وفي الختام أنقل لكم تحية فريق البرنامج، وهذا أحمد منصور يحييكم.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.(13/186)
الحلقة8(13/187)
مقدم الحلقة
أحمد منصور
ضيف الحلقة
مصطفى أحمد بن حليم، رئيس وزراء ليبيا الأسبق
تاريخ الحلقة
16/09/200
مصطفى بن حليم، رئيس وزراء ليبيا الأسبق - الحلقة 8
أحمد منصور
مصطفى بن حليم
أحمد منصور:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
وأهلا بكم في حلقة جديدة من برنامج "شاهد على العصر"، حيث نواصل الاستماع إلى شهادة السيد مصطفى أحمد بن حليم رئيس وزراء ليبيا الأسبق.
مرحبا سيد بن حليم
مصطفى بن حليم:
أهلا وسهلا.
أحمد منصور:
في الحلقة الماضية توقفنا عند تقييمك لعلاقتك مع جمال عبد الناصر وللدور الذي لعبه عبد الناصر، وكنت تتحدث عن رواية لحسين مازج وزير خارجية ليبيا في عهد حكومة محمود المنتصر الثانية، تفضل.
مصطفى بن حليم:
في الواقع هي ما هي رواية، هي رواية مؤكدة لأن حسين مازج كان عنده الشجاعة والرجولة أن يذكرها في محكمة الشعب مما أثار..
أحمد منصور:
متى محكمة الشعب؟
مصطفى بن حليم:
محكمة الشعب الأخيرة هذه في.. بعد الانقلاب في ليبيا، كونوا محكمة الشعب وكانوا بيحاكموه لماذا لم يجر الاتفاقات مع أمريكا، فقال له هذا الكلام وعلى أي حال، جمال عبد الناصر استدعاه، وقال له سلم لي على جلالة الملك إدريس وقل له واحدة واحدة مع الأمريكان، ما فيش داعي يعني..
أحمد منصور:
واحدة واحدة إزاي وهو الآن يهاجم ليبيا بسبب موقفها من الأمريكان؟
مصطفى بن حليم:
ما هو مصيبتنا الكبرى يا أخ أحمد إن شعوبنا تصدق كل ما ينشر، والدعايات الفارغة ولا تحكم العقل، ولا ترجع إلى الحقائق اللي تدار في الكواليس، الواقع إن جمال عبد الناصر لما هددوه الأمريكان تدخل عند ليبيا إن هي توقف، هو يعرف تمام المعرفة إن الأمريكان لن يهاجموه، ولكنه حتى يكسب شعبية في ذلك الوقت على أي حال.
أحمد منصور:
(13/188)
لا مش على أي حال، خليني في النقطة هذه الآن دي نقطة تاريخية مهمة جدا أنتم الآن كان لديكم قواعد أمريكية في ليبيا، جمال عبد الناصر في العام 1964م هاجم وجود القواعد الأمريكية في ليبيا، تحركت الحكومة الليبية في ذلك الوقت وكانت حكومة المنتصر الثانية من أجل إخراج الأمريكان من (مصر).. أنت تقول إن الأمريكان ضغطوا على عبد الناصر فطلب من الليبيين ألا يقوموا بالسعي أو بالنقاش مع الأمريكان لطردهم، هذا ما حدث؟
مصطفى بن حليم:
هذا ما حدث.
أحمد منصور:
ماذا يعني ذلك؟
مصطفى بن حليم:
يعني أنه.. والله جمال عبد الناصر ما بده إن احنا نستعجل معاهم، هانخليهم يخلصوا مدتهم ويرحلوا، وعلى فكرة اليوم اللي جاء الانقلاب الليبي كان فاضل للأمريكان سنة ونص، وكانوا هيخرجوا..
أحمد منصور:
تفتكر كانوا هيخرجوا؟
مصطفى بن حليم:
بدون أي شك.
أحمد منصور:
كانوا يجددوا إيجار القواعد.
مصطفى بن حليم:
ما جددوا، ولا كان فيه إمكانية تجديد لأن سبب قبول ليبيا -ما هو هذه المسألة- سبب قبول ليبيا لبقاء الأمريكان هو رغبتنا في المعونة الاقتصادية، عندما ربي من علينا من علينا بنعمة البترول وإيرادات ليبية لتمويل الاقتصاد الليبي وتمويل التطوير الليبي، انتفت الحاجة إلى وجود قاعدة أمريكية، قلنا لهم يعني كنا على وشك أن نقول لهم مع السلامة.
أحمد منصور:
قبل أن أنتقل إلى قصة النفط، علاقتك بعبد الناصر بعد خروجك من الوزارة في العام 57، هل كان هناك أي علاقة؟
مصطفى بن حليم:
امتنعت إطلاقا عن أي علاقة معاه.
أحمد منصور:
هل سعى عبد الناصر للاتصال بك؟
مصطفى بن حليم:
هو ما سعى، ولكن السفير عندما كنت في الحكومة، لأن فيه فترة ما بين خلافنا وبين خروجي، سعى كم مرة..
أحمد منصور:
السفير المصري في ليبيا؟
مصطفى بن حليم:
(13/189)
السفير المصري، ومثلما قلت لك كان راجل مخلص وصديق حميم لنا، وسعى كثير قلت له ما في داعي، وربما هذا خطأ مني حقيقة ربما هذا خطأ مني..
أحمد منصور:
طيب الآن أنتقل إلى قصة اكتشاف النفط في ليبيا، ومشروع قانون البترول اللي صدر في التاسع عشر من شهر يونيو في العام 55، عمل به في 19 يوليو 55 أثناء وجودك في رئاسة الوزراء في ليبيا، احكي لنا قصة اكتشاف النفط والتوقيع مع الشركات لأنها تمت في عهد حكومتك؟
مصطفى بن حليم:
لا، فيه حاجة أهم من هذا بكثير قبل اكتشاف النفط وقبل اتفاقنا مع الشركات، طبعا أنا ذكرت لك إن الاستراتيجية طويلة الأمد اللي اتجهت إليها وزارتي كان هو محاولة البحث والتنقيب عن البترول، وسبقتني وزارة محمود المنتصر الأولى حيث إنها أصدرت قانون يسمح للشركات المهتمة بالبترول في ليبيا بالبحث عنه ببحث قبل التنقيب.
أحمد منصور:
دي حكومة محمود المنتصر من 51 إلى 54.
مصطفى بن حليم:
محمود المنتصر نعم، وكلفت المستشار القانوني للحكومة وكان اسمه (مستر ديل) بوضع مسودة مشروع البترول>
وأتوقف هنا لحظات بسيطة ونرجع ماذا كان من شركات البترول، شركات البترول البريطانية خصوصا كانت تنادي بحق الأولوية، حق الأولوية هذه كلمة صغيرة لكن معناها خطير، حق الأولوية يعني أن تجعل للشركة حرية الاختيار إلى أن تكتفي ثم تطرح الباقي في السوق معناها أن ليبيا تتحول إلى IPC واللا أرامكو Aramco وإلى حاجة زي كده، شركة واحدة ومعناها أن لن يكون لنا أي سلطة في التدخل فيها وإلى إجبارها على شيء.
أحمد منصور:
كان في الوقت ده هناك 3 شركات تحتكر استخراج النفط في 3 دول عربية كبرى Aramco في السعودية وIPC في الكويت.
مصطفى بن حليم:
لا، لا، K.O.C.
أحمد منصور:
K.O.C في الكويت.
مصطفى بن حليم:
وIPC في العراق.
أحمد منصور:
وIPC في العراق، نعم.
مصطفى بن حليم:
(13/190)
وأنا كنت حريص، كنا يعني في رهبة من أن نضطر إلى هذا، شركة SHELL بالتعاون مع British Petroleum انتدبت..
أحمد منصور:
دول شركتين بريطانيتين؟
مصطفى بن حليم:
واحدة منهم نص بريطانية ونص هولندية انتدبوا الجنرال (لويس لاش)، من هو لويس لاش؟ لويس لاش كان هو أول حاكم لولاية طرابلس الغرب عندما دخل (مونتغمري) إلى طرابلس، وعين لأنه كان حاكم طرابلس لمدة حوالي 10 سنوات، ويخجل أمامه كل زعماء طرابلس، طبعا لسوء حظه جيت أنا، وأنا لا من طرابلس ولا بعرفه، وكان هذا يدعي إن له دالة على الحكومة، بل أكثر من دالة، يعني هو ينصح الحكومة ماذا تعمل، وكان طلبهم أن يكون لهم حق الأولوية في القانون، ومع الأسف حكومة محمود المنتصر -بدون ما تشعر- المستشار الإنجليزي أدخل مادة في هذا القانون اللي تجعل الباب موارب لموضوع الأولوية.. هذه نقطة كتير مهمة، فلما جينا احنا أو أنا في الواقع..
أحمد منصور:
هنا الأولوية تعني الاحتكار؟
مصطفى بن حليم:
بالضبط.
أحمد منصور:
تعني أن نفط البلد يكون ملك -بنسبة عالية جدا- للشركات الأجنبية أو للشركة التي تتولى عملية التنقيب.
مصطفى بن حليم:
(13/191)
لولا محاربتنا للاحتكار، ولولا وصولنا إلى وضع سأحكي لك عليه، ما كان معمر القذافي ممكن أن يفرض للشركات أسعار سنة 73، ما كان ممكن لأنه لما تكون شركة واحدة أقبل وإلا لا تقبل، على أي حال فحاربنا هذا محاربة شديدة وأنا استعنت بأحد المستشارين القانونيين، أنا كنت معجب به، في الواقع إعجابي به لم يخيب أبدا، الدكتور أنيس مصطفى القاسم فلسطيني عنده دكتوراه في القانون من جامعة لندن، وكان بيعمل في إدارة التشريع والقضايا، فأخذته وقلت له: يا أنيس أنا ما أنا قانوني، أنا بدي تحاول إيجاد قانون اللي يحمي مصالحنا، وأنا أكره ما عندي هو موضوع الأولوية، على أي حال أنيس القاسم والدكتور علي نور الدين العنيزي اللي كان وزير المالية معي، معي أنا احنا التلاتة اللي تولينا المشروع هذا..
أحمد منصور:
عشان كده إنتوا التلاتة متهمين أنكوا حصلتوا على امتيازات مالية كثيرة من الشركات..
مصطفى بن حليم:
أعوذ بالله، أعوذ بالله.
أحمد منصور:
لا سيما الشركات الأمريكية، وإنكم نحيتوا الشركات البريطانية، لأن الشركات الأمريكية دفعت لكم مبالغ جيدة.
مصطفى بن حليم:
على أي حال، خلي اللي ينبح ينبح، على أي حال خلينا نيجي في الجديات، شاف القانون، ولأنه وزع على الشركات -وهذه مصيبة- فعدينا قانون تاني وقلت له: القانون عليك إنك أنت تراجع الشركات والشركات اللي كانت مقدمة عندنا، جاية عندنا من عدة أنواع فيها أمريكية وفيها إنجليزية وفيها فرنسية وفيها ألمانية.
أحمد منصور:
كل ده وافق على أنه يسعى لاكتشاف النفط في ليبيا؟
مصطفى بن حليم:
كلهم بيسعوا، بس فيه كمان فروقات كبرى في الأمريكان، الأمريكان عندهم شركات تسمى مستقلة، وشركات..
أحمد منصور:
حكومية.
مصطفى بن حليم:
لأ، دولية.
أحمد منصور:
دولية.
مصطفى بن حليم:
(13/192)
الدولية هذه هي السبعة، السبع أخوات المستقلة ما عندها أي نشاط بترولي في الشرق الأوسط، ولذلك هي تسعى لاكتشاف البترول بأسرع ما يمكن. الدولية لا تسعى بالسرعة الممكنة لأن عندها ارتباطات تانية، الأمريكان فهمونا بلغة ما فيها أي شك أنه لا يمكن يقبلوا أن يسبقهم أي احتكار تاني، وإنه يجب أن يكون الباب مفتوح للجميع..
أحمد منصور:
الأمريكان اللي قالوا كده؟
مصطفى بن حليم:
الـIndependent.
أحمد منصور:
آه المستقلين.
مصطفى بن حليم:
أيوه، على أي حال وضع أنيس بالتعاون مع الشركات وبالتفاهم معاهم قانون اللي تفاصيله منشورة هنا و..
أحمد منصور:
اطلعت عليه، وبيعتبر من القوانين اللي بتراعي المصلحة الوطنية للبلد بالدرجة الأولى.
مصطفى بن حليم:
بالرغم إن احنا قبضنا كتير فلوس عليها..
أحمد منصور:
آه ما أنا عايز أسألك عن القبض هنا، يعني..
مصطفى بن حليم:
شوف يا أخ أحمد، خليني أجيلك في الكلام هذا، أنا أتحدى أي مخلوق أن يثبت أن مليم واحد دفع لأي من الثلاثة هدول في طول عهدي.
أحمد منصور:
جايز بعده.
مصطفى بن حليم:
نعم؟
أحمد منصور:
بعده، أخذته.
مصطفى بن حليم:
بعده ما باعرف، ما أخذت أنا شئ لا قبل ولا بعد، على أي حال..
أحمد منصور:
طب عاوز أسألك عن أسلوب تعامل شركات النفط مع المسؤولين في الدول النفطية ألا تلجأ هذه الشركات -حقيقة- إلى دفع رشاوى لهم؟
مصطفى بن حليم:
خليني أشرح لك، وبعدين تقدر تحكم.
أحمد منصور:
لا، حضرتك جاوبني على السؤال.
مصطفى بن حليم:
في ليبيا ما كانش فيه مجال.
أحمد منصور:
أنا ما بسألش عن ليبيا، ما هو اللي بيتبع مع ليبيا يتبع مع الكل.
مصطفى بن حليم:
لأ، لأ.
أحمد منصور:
لا تسعى الشركات لدفع..؟ كيف الشركات الآن بتتنافس وممكن تقدم مشروعات متقاربة؟
مصطفى بن حليم:
(13/193)
لو تعرف الطريقة اللي عملناها تجد أنه ما فيه داعي للتنافس، ولا داعي لدفع المصاري [الأموال] عملنا القانون بتفاصيله اللي بتراعي مصلحة البلد مية المية، وترفض حق الأولوية اللي جعل (لاش) يلجأ للسفارة البريطانية، ويعطيني السفير البريطاني، ويحتج وأقول له يا سفير أنا كنت بتعامل معك على أنك سفير جلالة الملكة اليزابيث، ما كنت أعرف إنك أنت سفير Biritish Petroleum واللا سفير Shell أزمة كبرى كانت صارت وإحنا انتهينا منها. في اليوم المحدد فتح الباب، تقدمت الشركات.
أحمد منصور:
في ديسمبر 55.
مصطفى بن حليم:
تقدمت الشركات.
أحمد منصور:
ويناير 56 تمت.
مصطفى بن حليم:
كل شركة مؤهلة، كل شركة مؤهلة، افهمني كويس حتى ترى إن ما كان فيه موضع لرشوة، كل شركة مؤهلة تأخذ أية منطقة تتقدم فيها طالما ما فيه طلب تاني من شركة تانية عليه هذي أول خطوة، الخطوة الثانية: إذا كان فيه تطابق، أول حاجة الشركات تبحث فيما بعدها كيف تعوض بعضها، الطبقة الثالثة هي إذا لم يحدث اتفاق فيما بينهم يرجع الموضوع إلى لجنة البترول، وخليني أرجع كمان 5 دقائق ورا للجنة البترول.
لجنة البترول كانت من الأفكار النيرة اللي تمكنا من عملها، ليش؟ لأن صلاحيات الدستور الليبي تعطي التنفيذ -تنفيذ شؤون البترول إلى الولايات- وتعطي التشريع فقط والرقابة للحكومة الاتحادية.
(13/194)
والقانون الأول اللي وضعه المستشار القانوني الإنجليزي كان يجعل 4 جهات تتولى موضوع البترول، وممكن أن تتصور ماذا يحدث عندما تكون 4 مؤسسات تتولى نفس الموضوع.. طبعا احنا رفضنا هذا، ولجأنا إلى حل ذكي وقلنا للولايات: نحن نعمل مجلس ولجنة نسميها لجنة البترول يصدر بها مرسوم ملكي، كل ولاية تضع عضو منها، تختار عضو منها، والاتحاد يعين رئيس للجنة، هذه اللجنة الرباعية هي اللي تتولى الأمور كلها بالنسبة لصلاحيات الولايات وصلاحيات الاتحاد، طيب كيف تخطينا الناحية هذه؟ صعوبة ثانية طيب في أول يوم فتح المجال، الشركات اللي تقدمت بطلبات على أراضي غير منافسة فيها تاخدها، والشركات اللي فيها منافسة تتفق فيما بينها، إذا ما صار اتفاق يرجع الموضوع للجنة البترول، صار إن كل مناطق ليبيا اتفق عليها ما عدا منطقة واحدة.
أحمد منصور:
اللي هي؟
مصطفى بن حليم:
جاي لك عليها، منطقة في برقة اسمها (جردس العبيد)، لأن الطليان كانوا عملوا أبحاث فيها، ويظنوا أن فيها بترول فكل شركة بدها إياها، من ضمنهم (برغديرناش) جماعة (برغدير ناش)، فكيف نعمل؟ قلت لأنيس قاسم هدفنا نحن هو اكتشاف البترول بأسرع ما يمكن، ما هدفنا أن نطلب منهم دفعات، لأن الشركات عادة في البلاد البترولية تقدم عطاء وتقدم دفعة، احنا قلنا: ما بدنا دفعات بدنا نكتشف البترول فقلنا قلت لأنيس: قدم لي مشروع بأسرع طريقة للتنقيب في المنقطة هذي.
أحمد منصور:
نعم.
مصطفى بن حليم:
مع بعض الخبراء اللي عندنا قدمنا مشروع قرار نعرضه على الشركات، احنا نبغى أنه في داخل سنتين تحفر 3 آبار، سنتين قد تراها فترة طويلة، ولكن في منطقة يجب أنك تجلب الأدوات من أميركا، وتنقلها إلى (جردس العبيد) وتبدأ الحفر. البير الأول لازم يحفر في داخل 6 شهور قلت له: اعرضه على الشركات وشوف من يقبل بها.
أحمد منصور:
أنا مش عاوز أدخل في التفصيلات الدقيقة دي قوي.
مصطفى بن حليم:
(13/195)
ما هو حتى أرد على تهمة الرشوة اللي بتقولها، وإلا مصيبة تكون تهم بدون الرد عليها، جعلنا هذا المشروع أمام الشركات كل الشركات رفضتها، ما عدا شركة صغيرة اسمها Texas Producing.
أحمد منصور:
أمريكية؟
مصطفى بن حليم:
أمريكية مستقلة، تقدمت وقبلت، الشركة هذه كان عندها Concession في منطقة تانية ما عليها منافسة من حد تاني، جابوا معداتهم، ونفذوا أول بير طلعت جافة شوية ورئيس اللجنة قالوا له: احنا بدنا نتنازل، قلنا لهم: لأ، لازم تحفروا الاتنين التانيين، تجاهلوا ارتباطاتهم وواجباتهم على الـ Concession التاني، واحد جنب (فزان) والتاني في (سرت) واستمروا بعدين في فترة احنا عندنا الشركة إذا كان ما قامت بكذا كذا تسحب منها الـ Concession جاءني رئيس اللجنة، قال لي: والله الشركة احنا فرضنا عليها كذا، ولكن أهملت، طيب وإيش الحل في الإهمال؟ قال لي السحب.. قلت له: اسحبه منها، في الأثناء الأولى بريغدير ناش كان يذيع إن الحكومة قبضت من الشركة.
أحمد منصور:
صحيح.
مصطفى بن حليم:
لكن لما وجد إن احنا سحبنا منها Concession وهذه أكبر إهانة تجعلها لشركة، الإشاعات ماتت.
أحمد منصور:
طب إنتم موقفكم إيه لما الإشاعة دي ترددت من بريجدير لاش؟
مصطفى بن حليم:
وإيش نعمل فيها؟ نعمل فيها إيش؟ أنقطع ألسنة الناس؟
أحمد منصور:
طيب أنت قبل كده الأهرام طلعت عليك إشاعة، ورفعت عليها قضية.
مصطفى بن حليم:
ما طلعتش إشاعة، نشرت.
أحمد منصور:
نشرت طيب، ده طلع إشاعة.
مصطفى بن حليم:
ما نشروا، أشاعوا، واحنا ردينا عليهم الرد الكافي الوافي.
أحمد منصور:
فيه هنا برضو شبهات كثيرة تحيط بلجنة البترول باعتبارها اللجنة التي ترسي العطاءات على الشركات.
مصطفى بن حليم:
لجنة البترول طالما كانت تحت أنيس القاسم، أنيس القاسم حي يرزق على فكرة يعني، ومحامي كبير في لندن الآن، ولو أنه فقير ما عندوش المبالغ اللي بتقولوا عليها.
أحمد منصور:
(13/196)
محامي كبير، يبقى عنده فلوس.
مصطفى بن حليم:
لا، مسكين مسكين.
أحمد منصور:
فيه محامي كبير مسكين؟ احنا اللي مساكين.
مصطفى بن حليم:
هذا الواقع..هذا الواقع، لأنه الآن بيشتغل.
أحمد منصور:
كبير في السن تقصد يعني؟
مصطفى بن حليم:
من سني يعني، أو يمكن أصغر مني بسنة، ورجل من أنزه ما يمكن، ومن أكفأ ما يمكن، على أي حال قلت لك: تصل الإشاعات وبعدين لما، طب الإشاعات وشركة أنت رشياك (أرشتك) كيف إن أنت تسحب منها Concession وكلام أصبح مختلف الناس ابتدت لا تصدق بالكلام هذا وبعدين قلنا لشركة Shell من المستحسن أن تسحبوا (بريغدير لاش) سحبوه وانتهت الإشاعات، طبعا أين تتوقع من واحد كان جاي وقائل لشركته إن هو مساعد لملك ليبيا، وبعدين يطرد من البلد طبعا هذا شيء..
أحمد منصور:
من الملاحظ أن النفط اكتشف بسرعة في ليبيا.
مصطفى بن حليم:
هذا بسبب القانون، لو تقرأ القانون تجد إن الشركة مهددة بأن أجزاء من Concession تبعها ستسحب منها، ولذلك لا بد أن تنشط، الفلسفة أمام القانون، الفلسفة الأساسية وراء القانون الليبي هو السرعة في الاكتشاف.
أحمد منصور:
لا زال بيطبق إلى اليوم نفس القانون اللي وضعتوه؟
مصطفى بن حليم:
جايز تعدل فيه، لكن لا يزال يحمل توقيعي.
أحمد منصور:
لا يزال يحمل توقيعك؟
مصطفى بن حليم:
طبعا القانون الأساسي، يعني أهم شي أن هذا يتمشى مع السياسة الاستراتيجية الأولى في ليبيا، احنا قلنا أيش بدنا نكتشف البترول بأسرع ما يمكن حتى نمول ليبيا من مال ليبي.
أحمد منصور:
ومول ليبيا؟ مولت ليبيا من البترول؟
مصطفى بن حليم:
طبعا.
أحمد منصور:
في الفترة من 59 إلى 69 كانت مداخيل ليبيا من النفط ملياري دولار و784960.
مصطفى بن حليم:
(13/197)
هذا الرقم هذا أنا جبته [أحضرته] بعد فحص طويل مع الأوبك ومع بنك ليبيا نفسه ونشرته (مباشرة) دعني أقول لك حاجة دخل ليبيا إلى يوم الانقلاب كان أقل أو أكثر قليلاً من 2 مليار، دخل ليبيا إلى اليوم يقارب 350 مليار دولار.
أحمد منصور:
من بداية اكتشاف النفط أو من 69 إلى اليوم؟
مصطفى بن حليم:
من بداية اكتشاف النفط، السؤال اللي يطرح..
أحمد منصور:
350 مليار دولار؟
مصطفى بن حليم:
نعم، لما أنا عملت تقرير..
أحمد منصور:
دخل ليبيا من النفط؟
مصطفى بن حليم:
نعم دخلها إلى اليوم.
أحمد منصور:
يعني احنا إذا طلعنا المليارين اللي قبل 69 يعني قول 340 مليار دولار دخل ليبيا من النفط؟
مصطفى بن حليم:
نعم.
أحمد منصور:
وأين ذهبت هذه الأموال؟
مصطفى بن حليم:
هذا سؤال توجهه أنت إلى النظام الحالي.
أحمد منصور:
لا، أنت تقول لنا.
مصطفى بن حليم:
يا سيدي، هانا جينا في مرحلة اللي أنا كشاهد على العصر يجب أن أتحفظ قليلا لأن الشاهد يجب أن يكون مطلع على كل شيء لامسها، إحنا في ديننا اليقين ثلاث درجات علم يقين وعين يقين وحق يقين، أنا حتى أقول لك شيء لازم أكون متأكد منه.
على أي حال، باطلاعي وبقراءة التقارير وبتصريحات من العقيد نفسه اللي سمعتها على التليفزيون وكذا أتساءل أنا أين الـ350 مليار دولار؟ عمل النهر العظيم.. على العين والراس ليكن..
أحمد منصور:
تكلف 20 مليار.
مصطفى بن حليم:
وليكن.
أحمد منصور:
20 مليار تكلفته؟.
مصطفى بن حليم:
يا سيدي أنا يوم اللي كتبت كتابي، وعملته على أبحاث، حالة التعليم في ليبيا أقلها من تونس ومصر، الحالة الصحية وتوقع الحياة في ليبيا أقل من مصر ومن تونس يا سيدي الفاضل، كان فيه منظمات، كان فيه مؤسسات، كان فيه دائرة المراجع العام، كان لا يمكن أن نحول بند من بنود الميزانية إلى بند تاني إلا بعد استئذان البرلمان، إلا في الحاجات الصغيرة الثانية أين هي الآن؟
أحمد منصور:
(13/198)
أنت حوكمت بتهمة أنك اعتديت على الديمقراطية و..
مصطفى بن حليم:
لم أحاكم بـ..
أحمد منصور:
حوكمت من محكمة الشعب بهذه التهمة في العام 72م و71 في أنك يعني وأدت الحياة الديمقراطية أثناء وجودك في السلطة.
مصطفى بن حليم:
يا سيدي الفاضل، ما بدي أدخل في مسائل زي دي، لكن خليني أقول لك...
أحمد منصور:
سأدخل معك بعد قليل، ولكن أنا الآن أريد أعود إلى مرحلة وجودك في السلطة، والآن اتكلمنا عن دورك في قضية النفط وترتيبات اكتشافه والتعاون مع الشركات وقانون النفط الذي أسسته والذي لا زالت ليبيا تعمل به إلى الآن.
في العام 57 بدأت علاقتك تتدهور (بالبوصيري الشلحي) ناظر الخاصة الملكية، وبدأ قدمت استقالتك الأولى أسباب تدهور علاقتك بالبوصيري الشلحي إيه؟
مصطفى بن حليم:
قلت لك في حلقة سابقة إن البوصيري الشلحي كان من أكثر الليبيين وطنية ونزاهة، ولكنه عنيف في صداقته، وعنيف في عدائه، وكان مع الأسف يستمع لبعض جلسائه اللي كانوا يدفعوه للانتقام لقتل والده، والده قتل واغتيل وصارت محاكمة القاتل، وأُعدم.
أحمد منصور:
والده إبراهيم الشلحي، اغتيل في 5 أكتوبر 54 وكنت أنت آخر من لقيه طيب، كيف تم اغتيال إبراهيم الشلحي؟
مصطفى بن حليمة:
قتله الشريف محيي الدين.
أحمد منصور:
أمام مقر مجلس الوزراء.
مصطفى بن حليم:
بعد خروجه من مجلس الوزراء.
أحمد منصور:
بعد لقاء كان معك؟
مصطفى بن حليم:
نعم.
أحمد منصور:
ما الذي دار بينك وبينه قبل اغتياله؟
مصطفى بن حليم:
كان أيامها كان فيه، كنت أبغى أني أشوف الملك بسرعة، لأن الملك كان أصدر أمر ملكي بإيقاف والي برقة، لأنه فيه قصة (كوت سفورز) أراضي، إيطالي كان جاي واتفق مع عبد الله..
أحمد منصور:
في العهد الإيطالي الذي..
مصطفى بن حليم:
(13/199)
يعني إيقاف والي من ولاية من أكبر الولايات بدون محاكمة، بدون استشارة الحكومة الاتحادية، الهزة اللي فيه.. يعني فيه ما يدعو إني أنا أقابل الملك بسرعة، وأقول له وجهة نظري، الملك عادة كنت أقابله في نفس اليوم، شعرت بأن فيه نوع من التراخي، من التسويف، فكلمت إبراهيم الشلحي، قلت له: يا إبراهيم بيه أنا أود أن أراك، قال لي: أنا جاي لك، أنا في طريقي إلى قصر الغدير باجي لك، جاني فقلت له: يا إبراهيم يا أخي هذه مسألة خطيرة، يوقف والي برقة بدون ما يحقق معاه، بدون ما يسأل، هذا عمل غير دستوري، بعدين فيها هذه هزة ورجة للبلد لا يجوز عملها.. ولذلك أنا حاولت أكله.. قال لي: يا فلان أرجوك الملك في وضع خاص الأيام هذه، وحتى والله يا فلان ما استشارني في هذا الموضوع، وها الأيام هذي ما بيسمع كلامي، استغربت، إيش القصة هذه.. قلت له: شوف أنا إلى بكرة بالكثير، ولكن بعد هيك لازم نقابل الملك، هذا موضوع خطير يجب أن أقول له: هذا خطأ ما فيه واحد طاعن في المحكمة العليا على الأقل يعني أقول له: طيب. ودعته للباب ونزل، إذا بي أسمع طلقات. واللي مسك القاتل هو ياوري الخاص.
أحمد منصور:
ياورك أنت؟
مصطفى بن حليم:
ياوري أنا، كان بيودعه تحت على أي حال..
أحمد منصور:
قتله الشريف محيي الدين السنوسي؟
مصطفى بن حليم:
أيوه.
أحمد منصور:
أنا عايز عن حاجة هنا، لما حكم بالإعدام على الشريف محيي الدين السنوسي قاتل الشلحي، صحيح أن الملك أصدر أمر باعتقال كل أفراد عائلة السنوسي ووضعهم تحت الإقامة الجبرية وكده؟
مصطفى بن حليم:
لا.. لا.. هذه وقفناها، بعدين هتيجي بعدين، سنة 56 صار حاجة تانية ما نخلطش التواريخ مع بعضها.
أحمد منصور:
طيب، سنة 56 الملك أصدر قرار فعلا باعتقال كل عائلة السنوسي؟
مصطفى بن حليم:
في الأول علاقتي مع البوصيري الشلحي، وليش ساءت بعدين.
أحمد منصور:
بإيجاز.
مصطفى بن حليم:
(13/200)
علاقتي مع البوصيري الشلحي، قلت لك أنه كان وطني من الدرجة الأولى وعروبي من الدرجة الأولى، نزيه من الدرجة الأولى، الآن في دار الحق وأنا لا بد أدلي بشهادتي عنه، ولكنه كان عنيف في صداقته وفي عداوته، في سنة 56 ديسمبر 56 ما أشعر إلا بأنه يبلغني عن طريق الملكة فاطمة، عن طريق زوجتي، إن فيه صدر أمر سري باعتقال كل عائلة السيد أحمد الشريف، ونقلهم إلى منطقة في (جادو) في جنوب طرابلس.
أحمد منصور:
يعني إيه اعتقال عائلة؟ يعني اعتقال قبيلة كاملة.
مصطفى بن حليم:
مش قبيلة، هو عائلة يعني.
أحمد منصور:
عائلة فقط يعني.
مصطفى بن حليم:
عائلة، عائلة في..
أحمد منصور:
هم السنوسية كانوا عددهم قليل؟
مصطفى بن حليم:
لا.. بس عيلة السيد أحمد كانوا 60.. 70 شخص يعني، الفروع كده، أنا استغربت.
أحمد منصور:
كله؟ نساء وأطفال وكله؟
مصطفى بن حليم:
أنا استغربت، استهجنت الكلام واستغربته مش معقول يصدر، فطلبت مقابلة سريعة مع الملك، الملك كان في طرابلس.
أحمد منصور:
الملكة فاطمة بنت أحمد الشريف السنوسي؟
مصطفى بن حليم:
(13/201)
نعم، طبعا أمها من اللي حيعتقلوا ورحت وقلت له: مولانا بلغني كذا كذا، قال لي: صحيح. قلت له: بس هذا قال: وأيش دخلك أنت؟ قلت له: كيف وأين دخلني؟ قال لي: هذه عائلتي. قلت له مولانا، مولانا أصدر أمر ملكي حدد فيه العائلة المالكة في شخص مولانا الملك والملكة وولي العهد وزوجته، ولذلك الآن هاذول مواطنين عاديين لهم حقوقهم الدستورية، وواجبي أن أحميهم، قال: تحميهم مني؟ قلت: يا مولانا أستغفر الله ما أحميهم منك، صار مناقشة شوية فيها نوع من العنف، ووجدت الملك يعني مصرّ قلت له: يا مولاي.. سبق أن قلت لك حاجة، أود أن أصححها قال لي: ما هي؟ قلت له: سبق أن قلت لك: إني لا أخشى عليك من حكم الله، ولكني أخشى عليك من حكم التاريخ، الآن أنا أخشى عليك من حكم الله قبل التاريخ. قال لي: ليش؟ قلت: لأن ربي يقول "ولا تزر وازرة وزر أخرى* وأن ليس للإنسان إلا ما سعى" قلت له كام آية كنت محضرهم قال لي: وا، قلت: يا مولانا سبق إن مولانا الملك كان يود أن يؤلف مجلس عسكري لمحاكمة قاتل إبراهيم الشلحي، وأنا اعترضت ونصحت مولانا بأن القضاء الليبي فيه الكفاية والنزاهة بحيث يجري العدالة، صحيح قال لي قلت له فيه القضاء الليبي إذا فيه العائلة فيها مفسد أو مفسدون قل لي عليهم نقدمهم للنائب العام.
(13/202)
لكن شعرت لما قلت له: إني أخشى عليك من حكم الله إن الرجل انهز، ثم دخلت فيها أكثر مولانا أترى من العدل أن تعتقل سيدة عجوز وطفل رضيع ورجل عاجز؟ لماذا؟ ليش؟ يا مولانا من مصلحة عيلة الشلحي أن يوقف هذا الدم اللي بيجري بينهم، يا مولانا ابتديت عليه، والله يا أخ أحمد شعرت بأن الرجل فيه نوع من هزة هيك فيه قال لي: يا مصطفى بيه أنا أشكرك. قلت له: مولانا هو كان أصدر أمره مباشرة لقائد قوة دفاع (برقة) والفريق وقلت له: يا مولانا: حيث إن ربي هدانا إلى الحق أرجو يا مولاي، وأشرت إلى التليفون مسك التليفون، وقال لهم: اطلبوا لي (محمود بوغوتيل) في بنغازي، احنا كنا في طرابلس.
أحمد منصور:
اللي هو القائد الـ..؟
مصطفى بن حليم:
أيوه المكلف، ما يعرف إيش اللي قال في الناحية الثانية، ولكن أسمع الملك يقول له: أيوه نهائيا، طلعت أشهد بالله أني كنت في غاية الرضا، مش على أي شيء بس لأني نصحت الرجل اللي أحترمه واللي أعزه بأن يتجنب جناية كبرى، جناية الاعتداء على ناس..
أحمد منصور:
معنى ذلك أن الملك كان صدره أوغر وضغط عليه حتى يأخذ مثل هذا القرار؟
مصطفى بن حليم:
طبعا ما فيه شك، للمرة العاشرة أقولها: الملك كشخص لا يأتي منه إلا الخير ولكن -مع الأسف- البطانة السيئة، البطانة السيئة تقلب نبي إلى شيطان، يا أخي التاريخ الليبي، التاريخ العربي كله مليان من هذه المسائل هذه كلها، على أي حال رجعت، وما أشعر بعد العشاء إلا البوصيري جاي كالمجنون: أنت خائن، أنت كذا، أنت..
(13/203)
أخذته بالهادئ ما في فايدة، رجل، قلت له: اسمع أنت مجنون وأنت حتضر عائلتك، قلت له: أنتم إيش قيمتكم في هذا البلد بدون السيد إدريس؟ لو مات الملك إدريس من اللي يرعاكم؟ أنت تتمكن من إنك أنت تقف أمام السيد أحمد الشريف؟ عيلة السيد أحمد الشريف اللي لهم كذا، السيد أحمد الشريف إلى اليوم كل الليبيين اللي عرفوه واللي سمعوا عنه يجلوه، ماذا صار؟ صارت ساعة من الغضب ومن الكذا وخرج من عندي، وبدأت معركة من أسوأ ما يمكن، بعض منها كان حاجات تافهة، حاجات تافهة.
أحمد منصور:
بدأت الأمور الآن تتصاعد من ديسمبر 56 إلى أن استقلت في مايو 57 بينك وبين الشلحي.
مصطفى بن حليم:
كم مرة آجي للملك، وأقول له: يا مولاي أنا نجحت عندما كنت، بوصيري الشلحي عندما جاء.. أشرح لك موضوع عمله اللي كان بيساعدني مساعدة كبيرة، الملك محاط بجماعة سيئين، بس بوصيري متمشي معي في السياسة العربية..
أحمد منصور:
مين (من) دول السيئين؟
مصطفى بن حليم:
كثيرين.
أحمد منصور:
أهمهم؟
مصطفى بن حليم:
سكرتيره الخاص بالقاسم الغماري، ابن خاله اللي تولى بعديه سكرتيره الخاص إدريس بوسيف، ياوره، كلهم...
أحمد منصور:
كان سوءهم في إيه؟
مصطفى بن حليم:
جماعة مستغلين، جماعة لهم أغراض خاصة، لهم.. جماعة من عائلة الشلحي، محمد عبد السلام الغماري.
أحمد منصور:
كانوا بيعملوا إيه يعني اللي كان بيخلي وضعهم سيئ.
مصطفى بن حليم:
مع الملك ويزينوا له في كذا ويحسنوا له حاجة وهكذا..دور...
أحمد منصور:
ما الذي يستفيدونه من وراء ذلك؟
مصطفى بن حليم:
هم اللي بيستفيدوا..
أحمد منصور:
استفادة شخصية يعني؟
مصطفى بن حليم:
طبعا، واحدة من المرات، واحدة من بنات الشلحي دخلت على الملك وأقنعته بأنه يعطيها أرض، قدام رئيس الحكومة، وباعتها طلعت من عنده وباعتها بربع مليون جنيه، يقال: إن آخر رئيس حكومة اللي جابوه ها البنت هذه من بنات الشلحي.
أحمد منصور:
(13/204)
آخر رئيس حكومة (ونيس) القذافي؟
مصطفى بن حليم:
أيوه، على أي حال يقال: إن هي اللي جابته، على أي حال خلنا نرجع للبوصيري، ابتدا تنغيص تعرف جينا الملك نقول له يا مولانا..
أحمد منصور:
اسمح لي هنا يعني كان أسلوب استغلالهم للملك من أي المداخل بيدخلوا إليه؟
مصطفى بن حليم:
كل المداخل، ليش؟ واحد ابن خاله والثاني سكرتيره والثالث ابن كذا.. خادم إليه، وهكذا.
أحمد منصور:
طيب هذه كان تأثيرها إيه؟ المرأة هذه على الملك؟
مصطفى بن حليم:
أي مرأة؟
أحمد منصور:
التي قلت: أنها أثرت حتى أقنعت الملك بأن يعين رئيس حكومة ونيس القذافي.
مصطفى بن حليم:
بدك أكثر من أنها تؤثر عليه بيعين رئيس حكومة لأنه ينصاع لتوجيهاتهم؟
أحمد منصور:
واحدة طيب اللي أثرت عليه، تأثير المرأة، الملك معروف إنه ما كان عنده..
مصطفى بن حليم:
لأن ها دول يرعاهم، أنا شرحت لك أن بعد قتل إبراهيم الشلحي كان يشعر بأنه مدين..
أحمد منصور:
أنا أقصد هنا ممكن يفهم كجانب أخلاقي للملك فيما يتعلق أن امرأة تؤثر عليه وتجعله يمنحها أرض وربع مليون جنيه.
مصطفى بن حليم:
أعوذ بالله، ناحية يعني جنسية؟ أعوذ بالله.
أحمد منصور:
أمال تقصد تأثير امرأة هنا عليه إيه؟ يعني إيه قوة امرأة أن تسيطر إذا لم يرغب فيها الملك؟
مصطفى بن حليم:
إذا المرأة هذه بنت خادم مخلص له، وعارفها مربيها وهي صغيرة، يا مولانا بدي ها الأرض هذه، بدي أبني فيها كذا.. على أي حال، إلى أن.. كل مرة آجي للملك أقول له: يا مولانا أنا نجحت مما كان كل شيء ماشي بالأصول، وما في حد، لأن بوصيري الشلحي كنت أنا آجي مع الملك، أتفق معه على كيـ.. هو يرعى ها المواضيع هذه مع الملك إلى أن أرجع أنا مرة ثانية، لأني أنا كنت باجي له مرة كل أسبوع.
أحمد منصور:
ساءت علاقتك الآن بالبوصيري؟
مصطفى بن حليم:
البوصيري جئت للملك قلت له: أنا بدي أستقيل، قال: لا خليك.
أحمد منصور:
(13/205)
متى عرضت على الملك الاستقالة أول مرة؟
مصطفى بن حليم:
شفوية كم مرة في يناير/ فبراير.
أحمد منصور:
57؟
مصطفى بن حليم:
أيوه، بس في أواخر فبراير كان فيه زيارة الملك سعود.
أحمد منصور:
أثناء عودته من الولايات المتحدة.
مصطفى بن حليم:
وأنا.. الملك أصر على أني أنا أروح أدعوه، لأني كانت علاقتي ممتازة معه والبوصيري هذا ابتدا يلعب مع جماعة بروتوكول القصر.. جعل إن رئيس بعثة الشرف يتقدم علي في البروتوكول، ما سألت، جعل في المائدة الرئيسية اللي عاملها الملك جعل ترتيبي في آخر الطاولة، جئت أجلس آخر الطاولة، الملك سعود -الله يرحمه- رأى أن الموضع هذا، قال له: قم يا محمد، أخ مصطفى تعال هنا، الملك إدريس شعر بأن فيه شيء خطأ.. حاجات تنغيص، ومش بس تنغيص وتنغيص هذه الواحد يهمله، لكن علاقتي مع الملك ابتدأت تتأثر، فجينا ودعنا الملك سعود، وجاي بوصيري يبغى إنه رئيسة بعثة الشرف هو اللي يركب مع الملك، أنا ما بيهمني، وإذ الملك يقول له: لأ ارجع أنت، كان عند الدكتور علي الساحلي صديق..
تعال يا فلان.
أحمد منصور:
عليك أنت.
مصطفى بن حليم:
ركبنا في سيارة كاديلاك فيها القاطوع، ويومها أسفت كثير جدا على ما صدر مني، وأنا إلى الآن أحمل هذا الأسف.
أحمد منصور:
ما صدر منك في هذا الوقت؟
مصطفى بن حليم:
في هذه الرحلة.
أحمد منصور:
ما الذي صدر منك؟
مصطفى بن حليم:
فركبنا في السيارة، الملك شكرني، شعر بأني أنا كذا، شكر وأكثر في كذا وقال: والله أنا أشكرك ولولا كذا.
أحمد منصور:
الملك مين فيهم؟ سعود؟
مصطفى بن حليم:
لا، الملك إدريس، الملك سعود سافر وركبت أنا مع الملك..
أحمد منصور:
وأنت راجع.
مصطفى بن حليم:
(13/206)
وأنا آسف وكذا، إذا كان تعبتك، ووالله لو.. وأنا مسافر بكرة إن شاء الله طبرق قلت له: يا مولاي، أرجوك من غير مقاطعة، عندنا يعني ما بدي.. خليك كام يوم، قال لي: ليش؟ قلت له: شوف لك وزارة جديدة، فيه الزرار هذا عمله هيك، طلع القاطوع، قال لي ليش، هذه الكلمة اللي أكاد أبكي قبل ما أقولها، قلت له: يا مولاي لا أستطيع أن أحكم البلد مع ملكين قال: كيف؟ قلت له: ولا أدري من منكم يتقدم على الآخر.
وشعرت بأني يعني وقعت في حالة نفسانية سيئة، هذا الرجل اللي أجله، كيف أقول له هذا الكلام، ولكن كنت في غاية، في رغبة إني أخرج، ما عاد بدي ها الشغلة هذه اللي أصبحت تنغص. قال لي -مش عارف إيش الكلمة اللي قالها-، قال: أستغفر الله، أستغفر الله وسكت، وكانت الرحلة من المطار إلى قصر الخلد من أصعب الرحلات على نفسي.
أحمد منصور:
ساد الصمت بعدما قلت ما عندك.
مصطفى بن حليم:
ساد الصمت، قبل ما نوصل للقصر قال لي: يا فلان أنت تعبان، استريح بكرة وأنا أشوفك بعد بكرة.
أحمد منصور:
الملك كان تأثيره إيه بعدما أنت قلت الكلمة القوية ده؟
مصطفى بن حليم:
يعني شعر بها أنها إهانة، وأنا مع الأسف ما كان في استطاعتي أن أعمل أي شيء تاني بعد ما صدرت مني ها القنبلة هذه.
أحمد منصور:
بعدما صدرت منك حسيت بإيه؟
مصطفى بن حليم:
حسيت بنوع من الغضب من نفسي أن تضعف أعصابي بحيث إني تخرج هذه الصيغة مني.
أحمد منصور:
لكن ألم تكن حقيقة؟
مصطفى بن حليم:
نعم!.
أحمد منصور:
ألم تكن حقيقة هذه الكلمة؟
مصطفى بن حليم:
حقيقة، ولكن فيه طريقة بين الحقيقة وكيف تقدم الحقيقة، تاني يوم طلبت الموعد أخروه 3 أيام.
أحمد منصور:
والملك لا يقابلك.
مصطفى بن حليم:
لا يقابلني، بعدين حدد لي موعد.
أحمد منصور:
هل ترى أن الغضب كان مستبدا به بسبب رفضه أن يقابلك؟
مصطفى بن حليم:
لأ، هو..
أحمد منصور:
الألم.
مصطفى بن حليم:
(13/207)
الألم لأنه هو كان في وضع مؤلم، لا يستطيع أن يستغني عن بوصيري الشلحي لأنه بيعرف عنه إنه مجنون وإنه كذا كذا، وإنه يتناول الخمر وكل شيء، ولكن ابن رجل هو خدمه خدمات طائلة، ولا يود أن.. في نفس الوقت كان يشعر بأني أنا باخدم البلد، وربما كان خاطئ في هذا، ولكن كان يشعر بأنه في حاجة لي على أي حال ذهبت واستقالتي في جيبي.
أحمد منصور:
خلال الثلاثة أيام دول أوصف لي أحاسيسك إيه؟ شعورك إيه؟
مصطفى بن حليم:
أحاسيسي استعداد للاستقالة، خلاص.
أحمد منصور:
لم تكن تمارس عملك؟
مصطفى بن حليم:
أمارس عملي، لأني ما قلت لأحد، حتى في الاستقالة الفعلية ما قلت لوزرائي أنا باجي لك في الكلام. ثاني يوم رحت له: يا مولاي أنا آسف مما صدر مني، ولكن هو الواقع، لأن المسألة وصلت إلى درجة إنه ما معقول مش من مصلحة البلد أن أبقى، أنا وجودي في رئاسة الحكومة ضرر على البلد، لأن ألعن شيء أن تكون البلد مهزوزة مع مش معروف من هو صاحب القرار، ولذلك.. ومولانا الملك بيستمع لي ويرد علي بلهجة مصرية.. قال لي: يا مصطفى بيه فاكرني أنا ولد؟ -بالنص هيك- اذهب لمزاولة عملك والبوصيري مين اللي يدخل في شؤونك؟ شو بدي أعمل؟ طلعت، قطّعت الاستقالة، بعد منها صارت عدة مسائل وكم مرة أقول له، ويقول لي: لا.
وأنا كنت أعرف إنه يعني إن أنا أبقى في الحكومة، يود أن يجد، قلت لك: إن احنا بدينا بالتفاوض مع بريطانيا على تعديل الاتفاقية، وكانت طلباتي شديدة قوية.
أحمد منصور:
اسمح لي في الحلقة القادمة أستمع إلى هذا التفاوض وإلى الأسباب الحقيقية التي دفعتك إلى الاستقالة النهائية في السادس والعشرين من مايو 1957، ووضعك بعد خروجك من الحكومة ومحاولة اختطافك واغتيالك في بيروت 1972.
أشكرك شكرا جزيلا كما أشكركم مشاهدينا الكرام على حسن متابعتكم.
في الحلقة القادمة -إن شاء الله- نواصل الاستماع إلى شهادة السيد مصطفى أحمد بن حليم رئيس وزراء ليبيا الأسبق.
(13/208)
في الختام أنقل لكم تحيات فريق البرنامج، وهذا أحمد منصور يحييكم.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.(13/209)
الحلقة9(13/210)
مقدم الحلقة
أحمد منصور
ضيف الحلقة
مصطفى أحمد بن حليم، رئيس وزراء ليبيا الأسبق
تاريخ الحلقة
23/09/200
مصطفى بن حليم، رئيس وزراء ليبيا الأسبق – الحلقة9
أحمد منصور
مصطفى بن حليم
أحمد منصور:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وأهلاً بكم في حلقة جديدة من برنامج (شاهد على العصر) حيث نواصل الاستماع إلى شهادة السيد مصطفى أحمد بن حليم رئيس وزراء ليبيا الأسبق، سيد بن حليم مرحبًا بك.
مصطفى بن حليم:
مرحبًا بلك، يا أهلاً وسهلاً.
أحمد منصور:
نبدأ هذه الحلقة من حيث تقديمك لاستقالتك الأخيرة التي قُبلت في السادس والعشرين أو التي تقدمت بها في السادس والعشرين من مايو عام 1957م، ما هي الأسباب الحقيقية التي دفعتك إلى الاستقالة؟
مصطفى بن حليم:
في الواقع، الأسباب الحقيقية، كان لها أسباب سياسية عميقة، ذكرت لك إن بدينا (بدأنا) نتفاوض مع البريطانيين بعد الاعتداء الثلاثي، وكنت بديت أتفاوض معاهم حتى قبل الاعتداء الثلاثي، عندما زرت لندن، وكانت طلباتنا كثيرة، زيادة العون أنا كان ملخص كلامي إنه لا يمكن أن يكون فيه معاهدة صداقة وتحالف ما بين جيش ثلاثة آلاف جندي وحفاة غير مدربين، وجيش من أكبر جيوش العالم وشعب من أفقر شعوب العالم وشعب من أغنى.. يعني إذا كان نبغي أن تكون معاهدة صادقة لابد أن يكون فيه نوع من التوازن، طبعًا بعد الاعتداء الثلاثي زادت بعض المطالب مطالب نطلب منهم أن يكون لنا رقابة على قواتهم، ونتأكد تأكد بدون أي شك في إنهم بيقبلوا أن يكونوا تحت رقابتنا في حالة وجود أي طوارئ، في الشرق الأوسط.
يعني شروط صعبة، ولكني كنت أعتقد أن الظروف مواتية حتى أقلب هذه المعاهدة إلى شيء أقرب إلى مصالح ليبيا بكثير.
أحمد منصور:
قَبِل البريطانيون هذه الإضافات التي أضفتها؟
مصطفى بن حليم:
قبلوا الدخول في المفاوضات، وكلفت محمود المنتصر سفيرنا هناك وهو الذي وقع الاتفاقية الأولى..
أحمد منصور(مقاطًعا):
(13/211)
كان رئيس وزراء من قبل.
مصطفى بن حليم:
كان طبعًا من قبل أنه يبدأ، أعطيته الخطوط الرئيسية، وكنت أشعر بأنه متردد ولكني استعلمت الناحية الوطنية، قال لي سأعمل جهدي..
أحمد منصور(مقاطًعا):
صحيح كان المنتصر يميل إلى البريطانيين؟
مصطفى بن حليم:
طبعًا،كان يميل إليهم، وهو يثق فيهم أكثر، على أي حال، مع الأسف، وشيء ما كنت متوقعة أبدًا من محمود، وما اطلعت عليه إلا أخيرًا عندما اطلعت على الوثائق الرسمية السرية، محمود لم ينقل وجهة نظري بأمانة بل لم يؤيدها، هذا السبب ما هو السبب اللي سبب الاستقالة، اللي سبب الاستقالة هي إن مع الأسف جماعة من المستفيدين في طبرق، مستفيدين من التأجير، شقق وفيلات للقوات لبريطانية، بعض منهم من أفراد الحاشية مع الأسف.
عملوا نوع من الوفد، وكتبوا مضبطة وقدموها لمولانا الملك، يطبلوا منه أن يحميهم من الضرر اللي سيقع بهم من خروج البريطانيين..
أحمد منصور(مقاطًعا):
كأن خروج البريطانيين أصبح وافقًا الآن الكل أصبح يتحسب له؟
مصطفى بن حليم:
طبعًا فيه مفاوضات ستبدأ، المفاوضات هذه إما تفشل وإما تنجح، إذا نجحت معناه هيخرجوا، مع الأسف الملك تحت الرغبة في إرضاء الجميع وتحت الرغبة في حماية الناس دول، لم ينظر إلى الناحية الوطنية السياسية الكبيرة، فوعدهم ونادى السفير البريطاني، وقال له، ما فيه مفاوضات الآن جاءني السفير البريطاني، وقال لي: والله يا فلان إحنا، أنا زرت جلالة الملك، وقال لي: كذا كذا وأنت ملح على التفاوض ولو أنا إحنا نصحناك بأنه ربما الوقت مش مناسب، ولكن سنبدأ على أي حال، أسأل: بس قول لي: من هو اللي أتبع كلامه؟
أنا بدون تفكير قلت له: أنت علاقتك بوازرة الخارجية، وما يأتيك من وزارة الخارجية هو اللي يمثل ليبيا، وأخذت طيارة، ورحت للملك، قابلت الملك، قلت له قال لي: صحيح جاني فلان وفلان وفلان، وأنا رغبة في حمايتهم..
أحمد منصور(مقاطًعا):
فلان وفلا مين دول؟
(13/212)
مصطفى بن حليم:
من سكان طبرق، وجماعة يعني، هو ما شعر بأن اللي دفشهم حواليه هو جماعة الحاشية بس لم يكن فيهم (البوصيري الشلحي) ولكن هم البوصيري ترك الموضوع يمشيه.
أحمد منصور:
يعني هم يريدون البريطانيين يستمرون في احتلال ليبيا لأنهم يؤجرون بيوتهم للبريطانيين، وبالتالي لو خرج البريطانيون سيخسرون هذا الإيجار، يعني قضية احتلال البلد أو البقاء فيها لا تهمهم بحال من الأحوال.
مصطفى بن حليم:
ما هي احتلال مرة ثانية، أقول، هم كانوا يروا إن فائدتهم في بقاء القوات البريطانية حتى يؤجروا بيوتهم.
أحمد منصور:
يعني البلد مؤجرة قاعدة، ودول مؤجرين بيوت، نفس المعادلة يعني.
مصطفى بنت حليم:
على أي حال، هذا الذي حدث وطبعًا قلت هذا ما هو الطريق لمعالجة الموضوع الطريق إن إذا كان فيه بطالة، وكان فيه كذا ممكن أن نعمل مشروعات كذا واقتصادية، فرجعت بشعور تام إن ما عاد فيه فايدة من بقائي، من ناحية فيه تكسير عصيان مع الحاشية، وفيه تأثير على الملك، وما فيه من يدافع عن هذه السياسة عند الملك، وأنا مهما كان إيش اللي طالع لي من الشغلة دي، وقلت، ولكن..
أحمد منصور(مقاطًعا):
طالع لك من شغلة إيه؟
إنك تكون رئيس وزراء؟
مصطفى بن حليم:
رئيس الحكومة يعني.
أحمد منصور:
طبعًا إزاي يعني كل الناس تصبو إلى الحكم وإلى السلطة؟
مصطفى بن حليم:
والله أنا ساعتها كنت أرغب في الاستقالة، وأصارحك بأني كنت أسعد الناس لو قبلت استقالتي، لأنه عبء أكثر من اللازم، على أي حال.
مصطفى بن حليم:
لكن مع وجود العبء أيضًا هناك وجود للسلطة والسيطرة والنفوذ والوجاهة وكل ما يسعى الناس إلى الوصول إلى السلطة فيها.
مصطفى بن حليم:
أنا ما كنت أشعر الشعور هذا.
أحمد منصور:
ما فيه أحد بيتقدم في العالم العربي إلى السلطة، ويكون موجود فيها ثم يفكر لحظة في الاستقالة.
مصطفى بن حليم:
(13/213)
سيجيك رواية تانية بعدين تؤكد لك مع الأسف أقولها لك: إني الوحيد اللي استقلت، كل رؤساء وزارات ليبيا، وإن الملك كان آسف جدًّا عن أنه يقبل هذه الاستقالة على أي حال، هذا هو الواقع لأن ما فيه سلطة وأنا كل يوم بتنافر وبتصارع مع جماعة القصر فيه نرفزة، فيه عكننة، ما تستطيع، ولو كان فيه مع الملك مباشرة والله ما فيه إشكال.
أحمد منصور:
لكن كان هؤلاء يحولوا فيما بينك وبين الملك في كثير من الأحيان.
مصطفى بن حليم:
طبعًا، شرحت لك إنه كان أحكي مع الملك وأتفاهم معها، وأنا أطلع من هناك يتبدل من هنا على أي حال.
أحمد منصور:
يعني صعوبة التفاهم ربما تكون السبب والدافع الرئيسي لتقديم الاستقالة؟
مصطفى بن حليم:
شعرت بأن أنا ماشي في سياسة خطيرة مهمة للبلد، وإني غير مؤيد من أهم عناصر في الدولة.
أحمد منصور:
حينما تقدمت باستقالتك، قبلها الملك هذه المرة مباشرة؟
مصطفى بن حليم:
خليني أنا أحكي لك، فكتبت استقالة بسبب آخر، الاستقالة كان سببها نقل صديق المنتصر وعدم نقله وكذا وكذا، موضوع تافه، سفير في القاهرة ومشاغب وكذا على أي حال كلمت الملك، وقلت له ما كلمت الملك، آنا آسف، أرسلت برقية للملك وكانت برقية شديدة جدًّا، كانت زوجتي دايمًا تقول استقيل يا مصطفى، اخرج مالك ومال ها الشغلة هذه، يا أخي أنت في شغلك المهني أحسن لك ميت (مائة) مرة، لما دخلت علي وأنا بمضي بالبرقية السرية للملك، ابتدت تصرخ كيف تكتب هذا، أرجوكي..
أحمد منصور:
تصرخ إيه؟تعترض على استقالتك؟
مصطفى بن حليم:
تعترض على اللهجة.
أحمد منصور:
ما الذي ذكرته؟ وما الأسلوب الذي استخدمته؟
مصطفى بن حليم:
قلت له: إنه ما عاد أستطيع أن أحكم البلد بهذه الطريقة، وفيه تردد مولانا الملك ما يجعلني أضحوكة أمام الناس، وهذا.. يعني كلام كان شديد، وأرسلت، رد بعد منها بساعتين، يقول فيه: إني أنا أتعبتك.
(13/214)
الملك كان لطيف وحيكم ومن الصعب إغضابه، أنا أتعبتك وكذا، وعلى أي حال..
أحمد منصور(مقاطًعا):
يعني معلش، يعني دي شهادة تاريخية للحظة حاسمة في حياتك السياسية وفي تاريخ ليبيا السياسي، فصل لي في ها الكلام اللي ذكرته للملك في البرقية، ونص الكلام أيضًا ذكره لك الملك.
مصطفى بن حليم:
صعب علي أني أتذكر الكلام، أصل..
أحمد منصور:
لأن أنا شفت في مذكراتك كلام تاني غير اللي أنت بتقوله دلوقتي.
مصطفى بن حليم:
إيش اللي شفته؟
أحمد منصور:
يعني اللهجة القاسية التي تتحدث عنها وهذه الأشياء، والسبب الرئيسي في موضوع تأجير البيوت للبريطانيين، هذه أشياء أنت ربما تتحدث عنها للمرة الأولى.
مصطفى بن حليم:
أتحدث عليها للمرة الأولى لإلحاحك علي، أما أنا ما رغبت أبدًا أن أنشر الأسباب الحقيقية اللي كانت تمس الملك.
أحمد منصور:
إحنا عاوزين الأسباب الحقيقية لأن الناس لازم تعرف.
مصطفى بن حليم:
هذه هي الأسباب الحقيقية، لم أقلها في ساعتها لأني كنت أخشى أن تفسر تفسير سيئ للملك، أما الآن وقد شرحت الموضوع، وشرحت الأسباب اللي أفهمها ولكني لا أوافق عليها اللي دعت مولانا الملك أن يتخذ هذا القرار أمكني أن أقول القصة كاملة، لكن أنا في الأول.
أحمد منصور:
طب كمل لي القصة بالكلام اللي دار بينك وبين الملك في البرقيات الأخيرة.
مصطفى بن حليم:
البرقية الأولى كانت شديدة مني، إني أشعر بأني لا يمكن أستطيع أستمر في الحكم وكل يوم فيه تردد، بنتفق على شيء ثم نرجع مرة ثانية، ومن هذا الكلام هذا.
أحمد منصور:
يعني أليس هذا اتهام للملك يقارب نفس الاتهام اللي اتهمته به أثناء رجوعك من وداع الملك سعود؟
مصطفى بن حليم:
(13/215)
أيوه بس فيه فرق بين غني انفجر وفيه فرق بين إني أملي برقية، لما تملي برقية بتستعمل ألفاظ أقل شراسة وأقل عنف، فرد قال أنا أتعبتك، وربما المسألة من إن إحنا ما بنشوف بعضنا أكثر، على أي حال، ابعث لي استقالة بس بلاش اللهجة هذه، فكتبت استقالة هي اللي أعلنت وأرسلتها مع..
أحمد منصور(مقاطًعا):
عبد المجيد كعبار.
مصطفى بن حليم(مستأنفًا):
وعبد الرازق شلوف ليش عبد الرازق شلوف؟
لأن عبد الرازق شلوف شديد يعني صريح مع الملك، وكنت أخشى دائمًا لأن عدة استقالات لم تقبل أخشى إني.. وقلت له يا عبد الرازق..
أحمد منصور(مقاطًعا):
لماذا لم تذهب لتقديمها بنفسك؟
مصطفى بن حليم:
لأني كنت في حالة عصبية، وكنت أخشى إن يزعل مني الملك ساعتها.
أحمد منصور:
ليه اخترت عبد المجيد كعبار؟
مصطفى بن حليم:
لأنه كان نائب رئيس الحكومة.
أحمد منصور:
انطباع كعبار إيه والرسول الآخر لما قلت لهم عن دي استقالتك، وأنت قلت لي إنك لم تخبر أحد عن نيتك الاستقالة؟
مصطفى بن حليم:
لم أخبر أحد تاني من مجلس الوزراء وجاي لك في التفصيل، والسبب سأذكره لك وقلت لعبد الرازق: إذا الملك تردد، قل له مصطفى سيغادر البلد بكرة، أنا أعرف إن عبد المجيد ما يقولها له، لكن إنت تقدر تقولها له: عبد الرازق أقرب لي من عبد المجيد، ولا مطمع له في رياسة الحكومة، وذهبا.. ليلتها كنت بأدافع في مجلس النواب عن موضوع كنت معارضة معارضة شديدة، والملك فرضه فرض، لما ما استطاع أن يقنعني، اتصل بالولايات، مسألة تعديل حدود الولايات.
أحمد منصور:
نعم.
مصطفى بن حليم:
وجعلني أمام الأمر الواقع، واضطريت أن أدافع عن الملك وعن خطة أنا كنت كارهها، ولا أوافق عليها.
أحمد منصور:
وده أدى إلى أزمة سياسية، تعديل حدود الولايات.
مصطفى بن حليم:
(13/216)
أيوه، مرة تانية، كان باستطاعتي إني أقول، والله يا جماعة ها الخطة هذه اللي (ترسلوها) ما أنا موافق عليها، كنت أقدر أطلعهم على ردودي على جلالة الملك وكان دوسيه كامل فيه مراسلات، لكن أنا مرة ثانية أحافظ على مؤسسة الملك لأني دائمًا كنت أرى إن هذه المؤسسة مهمة جدًّا الوزارات تروح وترجع، مؤسسة الملك يجب أن يُحافظ عليها.
طيب، رجعت بعد جلسة مجلس النواب، جاءني عبد المجيد وعبد الرازق وقالا إن الملك يقدر عملك، وقبول استقالتي منشورة هنا شكر على أعمالي الممتازة في خدمة ليبيا، وهذا لم يرد في قبول استقالة أي رئيس حكومة قبل مني أو بعد مني.
أحمد منصور:
إذن أنت بتقول إن مفيش حد استقال، يعني أقيلوا.
مصطفى بن حليم:
لكن علنًا، كانت استقالا ت، وقالا إن الملك اشترط علينا حاجتين، أن تعين مستشار خاص له، بمرتب رئيس حكومة وبروتوكول رئيس حكومة، وحتى لا يقال إن هناك عنصرية لأن أنا من برقة، والملك فيعين كذلك محمود المنتصر في نفس المنصب.
أحمد منصور:
يعني وضعك بعد الاستقالة أنك عينت مستشارًا خاصًّا للملك براتب رئيس وزراء؟ وعين محمود المنتصر رئيس أول حكومة بعد الاستقلال في نفس الدرجة؟
كان لك أي دور في عملية الاستشارة هذه؟
مصطفى بن حليم:
لم أقم بأي استشارة.
أحمد منصور:
ولم يستدعك الملك لأي شيء؟
مصطفى بن حليم:
المسائل الشخصية، المسائل الاجتماعية.
أحمد منصور:
كيف كانت حياتك بعد الاستقالة؟
مصطفى بن حليم:
بعد كام شهر رحت للملك قلت: والله أنا أشكرك، مرتب كبير، وكذا لكن..
أحمد منصور:
كام وقتها كان يوازي؟
مصطفى بن حليم:
ما أذكر والله يا أخ أحمد.
أحمد منصور:
تذكر ثروتك كانت كام بعد ما خرجت من الحكومة؟
مصطفى بن حليم:
(13/217)
ثروتي بعد ما خرجت من الحكومة كتبت بها بيان كامل لمحكمة من أين لك هذا التي أنشأها الانقلاب، عندما قام الانقلاب كونوا هذه المحكمة، وطلبوا من جميع المسئولين الليبيين إلى درجة مدير عام أن يقدموا ثروتهم عندما استقالوا من خدمة الدولة.
في حدود خمسة عشر يوم كتبت لهم كل شيء وبمصدره من الأول إلى الآخر.
أحمد منصور:
ممكن تقول لنا مصدر ثروتك كانت كام لما خرجت من الحكومة؟ وكان مصدرها إيه؟ لو تفتكر.
مصطفى بن حليم:
عدة آلاف من الجنيهات، والله ما أذكر، عدة آلاف من الجنيهات يمكن عشرين خمسة وعشرين ألف جنيه.
أحمد منصور:
فقط؟
مصطفى بن حليم:
فقط، فقط، فقط، والدليل على هذا أني لم أقدم للمحكمة لمحكمة.
أحمد منصور:
من أين لك هذا؟
مصطفى بن حليم:
لأنه ما كان فيها، كل شيء في مصدره.
أحمد منصور:
من 1957م إلى 1969م وهو تاريخ الانقلاب تحولت إلى ملياردير في ليبيا، وأصبح لك شركات وبنوك ومؤسسات،..
مصطفى بن حليم(مقاطًعا):
لا ملياردير لا.
أحمد منصور:
مليونير وقتها ملياردير في هذا العصر.
مصطفى بن حليم:
خليني ارجع قبل هيك كان فيه لما جيت أنا للملك وقلت له: أنا تعبان، لأني ما بعمل شيء والله ما بدي أفرض عليك رأي ولا شيء، ما أنت في حاجة لاستشارتي فأنا اتركني أخش.
فال: لا لا أنا أبغي إنك أنت تروح تكمل عملك نحو الجزائر.
أحمد منصور:
الجزائر؟
مصطفى بن حليم:
لا، عملك مع الجزائريين يعني.
(13/218)
وأبغي إنك أنت تذهب إلى باريس كسفير، مولانا الملك أنا أذهب لباريس كسفير والفرنساويين عارفين نشاطي، فقال: لا لا.. هم يصدقوك أكثر من أي حد تاني لأنهم يعرفوا إنك أنت كلمتك ستصدق عندنا، والجزائريين، والله يا أخي لقيتها فرصة قلت خليني أطلع من هنا.. البلبلة هذه اشترطت على الملك أن تكون فترة سفارتي سنتين أو أن تبدأ مفاوضات أولية بين الجزائريين والفرنسيين، وهذا ما حدث، لما جيت لباريس،جئت لديجول وعدة مقابلات وعدة كلام مع ديجول ومع أنصاره، وكان عندي بعض الأصدقاء حواليه من الجماعة الليبرال خصوصًا الله يرحمه (موريس ديمرفيه) اللي توفى من كام يوم، وهذا قصته من أغرب ما يمكن سنة 1950م كنت ذاهب إلى الإسكندرية في سيارتي الخاصة، وأصر قائد الحدود الليبية أن يرافقني إلى السلوم، في السلوم وجدت شخص أجنبي بس معها سيارة سيتروين ولعينتا شارة هيئة سياسية، ما هو قادر.. يتفق مع مأمور المركز، وكان لا يتحدث الإنجليزية.
فقلت له، قال لي: أنا فلان سفير فرنسا في القاهرة تدخلت و..
أحمد منصور:
ترجمت بينهم.
مصطفى بن حليم:
ترجمت بينهم، مش هذا المهم، وبعدين قلت للعقيد (قيس قدورة) أتذكر اسمه الله يرحمه، قلت له: شوف، ما عندنا إمكانيات وحاجة، فدير بالك منه، ووصي متصرف طبرق ومتصرف إدرنة، بالفعل يعني، أخذه معاه.
وأنا كملت إسكندرية..
أحمد منصور(مقاطًعا):
فنشأت بينك وبينه علاقة أنت في لقاءاتك مع ديحول أثناء وجودك كسفير لليبيا في فرنسا بعد سنة 1957م هل لعبت دور فيما يتعلق بالثورة الجزائرية وكان (بن بيلا) والمجموعة التي اختلفت من قادة الثورة الجزائرية من قبل الفرنسيين أثناء عبورهم بطائرة من بين الرباط وبين تونس.. هل لعبت أي دور في وضع بن بيلا وفي وضع اتفاقية (إيفيانو) وغيرها من الأمور المتعلقة..؟
مصطفى بن حليم(مقاطًعا):
أدوار.
أحمد منصور:
أدوار.. بإيجاز ممكن تقول لنا طبيعة الدور اللي لعبته؟
(13/219)
مصطفى بن حليم(مقاطًعا):
كان بيني وبين أحمد بن بيلا صلة مباشرة عن طريق محاميه المغربي، وكان هو في سجن (لاسونتيه) اللي في باريس، وأدوار كثيرة جدًّا آخرها، واحد منها كان يعني كان فكاهي شوية، بحكي مع الجنرال ديجول بأقوله بالفرنسية طبعًا، ديجول تتفاهم معها بالفرنسية وإلا لا تتفاهم، بأقوله جنرال يعني، الآن أنتم نقلتم، كانوا ساعتها نقول أحمد بن بيلا من السجن إلى إقامة جبرية، بأقول له: إذا نحن في العالم الإسلامي كله نرى إن من المهم جدًّا أن يكون الجنرال ديجول على رأس فرنسا حتى تتفاوض مع الجزائريين في نفس الوضع، في نفس الفكرة إحنا نرى ضرورة أن يكون أحمد بن بيلا رئيس الوفد الجزائري وإذ بديجول وجهه يصفر، وقال لي بالفرنسية بطريقة هيك كده
Vous… Le general Degole et Legeneral Ben Bella
تود أن تقول الجنرال ديجول والجنرال بن بيلا أنا ساعتها أدركت، أدركت الخطأ الكبير اللي وقعت فيه، قلت له: يا جنرال أنا لا أعني المقارنة ولو أني كمسلم عندما أقارنك برجل مجاهد لاستقلال بلده، فأنا لا أظلمك، لأنك أنت جاهدت في استقلال بلدك، وأنت رفضت أن تخضع للألمان، ابتدا وجهه.. فقال لي: أنا أشكرك على فصاحتك، ولكني هذه الفصاحة لن تجعلني أبدل اسمي إلى (شارل بن بيلا) بس بعد هيك، عينه (لوين جاك..) أخر عهدي معها في باريس، العقد الأول كان صعب كتير جدًّا، وكانت أول مقابلة، مقابلة شديدة لأن كان فيه موضوع خاص بفلسطين و(بجولدا مائير) وزعل (غضب) الجنرال وقال كلام شديد بأنه معجب بإسرائيل ومعجب بكذا كذا، على أي حال.
أحمد منصور:
إلى متى بقيت سفير في فرنسا؟
مصطفى بن حليم:
هقول لك، إلى شهر يناير سنة 1960م.
أحمد منصور:
بعد يناير 1960م إلى 1 سبتمبر 1969م ما طبيعة الدور السياسي الذي كنت تلعبه؟
مصطفى بن حليم:
حاجات بسيطة جدًّا.
أحمد منصور:
أهمها؟
مصطفى بن حليم:
(13/220)
أهمها محاولة إعادة فكرة الجمهورية اللي كلفني بها الملك، بس هادي هتاخد وقت كتير.
أحمد منصور:
ما أريد أغرق فيها، خاصة إنها محتلة جزء كبيرة في مذاكرتك، متى بدأت أعمالك الخاصة؟
مصطفى بن حليم:
بمجرد خروجي.
أحمد منصور:
يعني في الفترة من 1950م إلى 1960م وهي فترة تواجدك في السلطة في ليبيا كوزير..
مصطفى بن حليم:
لم تكن لدي..
أحمد منصور(مقاطًعا):
كناظر، كرئيس وزراء، كسفير.
مصطفى بن حليم:
لم تكن لدي أي أعمال خاصة بل رفضت مشاركات عدة من أصدقاء لي، بعض منهم غير ليبيين كذلك، قلت لهم لا يمكن أن أتهم بأني بستغل مركزي الحكومي بعد ما أخرج يكون خير إن شاء الله.
أحمد منصور:
كنت تسعى للقيام بأعمال خاصة، أو طبيعة تركك لمسئولياتك الحكومية هي التي دفعتك إلى أن تفكر في العمل الخاص؟
مصطفى بن حليم:
أنا أرى أنه من الخطر على كيان الدولة أن يتولى المسئول عمل خاص له علاقة بالدولة.
أحمد منصور:
لكن أنت بتهتم إن أنت استغليت فترة وجودك في السلطة لبناء علاقات مع الشركات استغليتها بعد كده في بناء الإمبراطورية الصناعية الخاصة بك والمالية؟
مصطفة بن حليم:
العلاقات اللي بنيتها مع شركات البترول اللي أفادتني فايدة كبيرة هي علاقات مبينة على الاحترام المبتادل، وعلى علاقة أساسها العدل والتفاهم.
لما خرجت من الحكومة تسابقت الشركات في التعامل معي..
أحمد منصور(مقاطًعا):
كإيه؟ التعامل معاك كإيه؟
مصطفى بن حليم:
أنا أول ما علمت، أول ما خرجت من الحكومة أو قبل ما اتصل بالحكومة، اتصلت بي شركة (بكتل) وقالوا إنهم يرغبوا أن أكون وكيل لهم قلت لهم: أنا لن أكون وكيل لأحد، أنا عندما أخرج من الحكومة سأكون شركتين شركة للهندسة والإنشاء، إذا تبغوا تساهموا فيها مرحبًا بكم.
أحمد منصور:
شركة (بكتل) كبرى الشركات الأمريكية العالمية في موضوع الإنشاء و..
مصطفى بن حليم:
(13/221)
ودعتني شركة (براون أروت) بعتوا مندوبين كبار منهم.
أحمد منصور:
تتبع أي إيش هذه الشركة؟
مصطفى بن حليم:
براونا أروت رقم اتنين في الولايات في العالم.
أحمد منصور:
برضو في الإنشاءات وفي الهندسة؟
مصطفى بن حليم:
في الإنشاءات البترولية، وصلتهم قوية (بجونسون) وقابلت جونسون، ذكرت لك قبل كده، قابلت جونسون وهو زعيم الأغلبية عندما كان في بيت هيرمان براون أحد أصحاب الشركة، فاتفقوا معي على إنهم يساهموا في الشركة.
أحمد منصور:
يساهموا في أي شركة؟ أنت أموالك كانت إيه في الفترة دي عشان تدخل في مساهمات مع شركات عالمية؟
مصطفى بن حليم:
آه.. سؤال وجيه جدًّا، الشركة هذه يا سيدي قبلوا أن تكون في الحدود اللي أستطيع أن أساهم فيها..
أحمد منصور(مقاطًعا):
سنة 1957م كان عندك خمسة وعشرين ألف جنيه، سنة 1960م كان عندك كام؟
مصطفى بن حليم:
الشركة اللي أسسناها كان رأسي مالها خمسة عشر ألف جنيه.
أحمد منصور:
فقط.
مصطفى بن حليم:
دفعت فيها أنا سبع آلاف وستمائة وهم دفعوا الباقي.
أحمد منصور:
ده كان مبلغ كافي لتأسيس شركة؟
مصطفى بن حليم:
مبدئيًّا كان كافي.
أحمد منصور:
إيه دور الشركة هذه؟
مصطفى بن حليم:
دور الشركة هذه الدخول في عطاءات، وأنت معاك شركة كبيرة، فوراءك المعدات وكذا اللي تقدر تستغلها، فيه الشركات اللي فيها أدوار كثيرة جدًّا بتقدر.. فدخلنا ودخلنا في أول عطاء.
أحمد منصور:
كان؟
مصطفى بن حليم:
كان لشركة (إسو) Esso ال System تبعها جلب البترول إلى البحر.
أحمد منصور:
جلب البترول إلى البحر؟
مصطفى بن حليم:
أيوه.
أحمد منصور:
يعني جلب البترول من الصحراء إلى البحر عبر أنابيب؟
مصطفى بن حليم:
عبر أنابيب ثم تحميله أنابيب بحرية.
أحمد منصور:
كان رأس مال المشروع ده قد إيه؟ أو عطاؤه قيمة العطاء.
مصطفى بن حليم:
من عشرة إلى اثنا عشر مليون، كان سنتها كان المبالغ بسيطة لسه.
أحمد منصور:
(13/222)
عشرة، اثنا عشر مليون ورأس مال شركتك خمسة عشر ألف جنيه؟
مصطفى بن حليم:
سيادتك بتخلط ما بين حاجتين ثمن المشروع شيء ورأس مال الشركة اللي تقوم به شيء، رأس مال الشركة ممكن أن تزوده بقروض، وممكن تزوده بمعدات وحاجات كتيرة جدًّا، قدمنا إحنا وبراون أروت، براونت أروت قدمت.
أحمد منصور:
أنت شريك مقيم يعني؟
مصطفى بن حليم:
هم كشركاء معايا في الليبية للهندسة والإنشاء وكذلك براون أروت مع الأسف كنا أعلى عطاء، فجاءني رئس مجلس إدارة ال (إسو) ليبيا اللي هو (إكسون) هو كان صديق، ويعرفني من أيام زمان قال لي: يا فلان إحنا نأسف كتير جدًّا.
أحمد منصور:
يعني لم يرسَ عليكم العطاء؟
مصطفى بن حليم:
نعم؟ لأ، والعطاء رسا على شركة (بكتيل) هذه القصة كتير مهمة، وتنفي عني كثير من الشبهات، ولكن نحن، هذه فرصة إن إحنا نرد لك بعض الجمايل، لأنه في عهدك كان عهد نظيف، يعني ناس كان في عهد تفاهم وتعاون ونظيف، جاء بعد مني عهد لا داعي لذكره طيب..
أحمد منصور(مقاطًعا):
لا أنا سأتناول معك الوزارات كلها إلى الفاتح من سبتمبر.
مصطفى بن حليم:
خلينا واحدة واحدة، فنحن نود أن نتفاوض مع شركتك في جزئين، في جزء يسمى أنابيب التجميع وأنت في الحقل جمع سموها Gathering System والـ Gas-oil Separator آلات اللي تفصل الغاز عن الـ..
أحمد منصور(مقاطًعا):
عن البترول.
مصطفى بن حليم:
هذا التفاوض فيه، يعني التفاوض غير العطاء.
أحمد منصور:
يعني أنت الآن تدخل مقاول من الباطن مع الشركة التي رسا عليها العطاء.
مصطفى بن حليم:
لا، لا ،لا.. الشركة اللي رسا عليها العطاء رسا عليها Trunk line والـ Sea line هذا مهما كان.
أحمد منصور:
كده مش عطاء الآن اتفاق مباشرة.
مصطفى بن حليم:
اتفاق مباشر، اتفاق مباشر بالتفاوض التفاوض طبعًا، أجدى كثير للمقاول.
(13/223)
فشكرته قلت له: ممتاز، جبنا (كرو) أنا وجماعة من براون أروت، وبدينا نتفاوض معاهم.. قدمنا في الـ System الثاني اللي كان لشركة أواسيز Oasis اللي هي مجموعة من ثلاث شركات ماراثون أويل.
Marathon Oil
وكونتيننتال أوبل Continental Oil وأميرادا Amerada وكان اتفاقهم، إن كان سنتين تتولى شركة إدارة مصالح الشركة قدمنا، وما جاني رد، وبعدين رئيس مجلس إدارة ماراثون اللي كانت متولية الموضوع، وبعرفه، صديقي، أرسل لي أحد مساعديه اللي بعرفه أنا، الله يرحمه اسمه (ألبرت لاجر) جاني إلى طرابلس قال لي: فلان يدعوك إلى اجتماع في نيويورك هو بييجي من (فيل) (لأوهايو) إلى.. وأنت رحت، والله ما أنا عارف على إيش متوقع إنه هيكون فيه كلام على العطاء الأخير فجيت حكيت، معاه إيش فيه؟
قال لي: والله يا فلان مع الأسف أنتم أعلى عطاء كل مرة أعلى عطاء، بس أنا وجدت وطريقة لحل الموضوع هذا، إذا توافقني، أنا أعملها على طول الآن، إيش؟ قال لي: أسمع أنت شركاؤك براون أروت اللي هي ملك هيرمان وجورج براون هادول أصدقائي أستطيع أن أراضيهم اليوم وأغضبهم بكرة، بس أنت صديقنا ونحن نود لك كل خير ولا ننسى التفاهم اللي كان بيننا، وأؤكد لك كان تفاهم نظيف وأنا فخورة به.
أحمد منصور:
دي مش رشوة طيب؟
مصطفى بن حليم:
والله حسب ما تراها، خليني أكمل لك القصة وبعدين أنت، رشوة بعد ما خرجت من الحكم.
أحمد منصور:
يعني مكافئة لك على الخدمات التي قدمتها لهم أثناء وجودك في السلطة.
مصطفى بن حليم:
يا سيدي، الرشوة مبلغ يدفع لشخص كي يعطيك شيء لا تستحقه أو يحرم الدولة من شيء تستحقه.
أحمد منصور:
ما هو الآن دخل تفاوض مباشر معاك؟
مصطفى بن حليم:
برغبة منه إذا كنت تسميها دي رشوة أنا..
أحمد منصور:
كشكل من المكافئة لك على ما قدمته من خدمات.
مصطفى بن حليم:
(13/224)
لا، ما قدمت لهم خدمات، قدمت للكل، ولوطني قبل منهم، أنا ما قدمت الخدمات هذه للشركات، قدمتها لوطني، لأن فيه قانون للبترول وأبقى أن يكون هذا القانون مثالي للجميع، وأن تأتي الشركات، وتبحث عن البترول في جو من النزاهة، وهذا اللي أفادنا في الأول، ما قدمت خدمات لشركات البترول، قدمت لوطني، وهم شعروا بأنهم استفادوا من هذه فإذا جاءوا بعدين وحاولوا أن يجاملوني، إذا كنت تسميها رشوة، والله سميها رشوة.. أنا ما عندي مانع في..
أحمد منصور:
ليس أنا الذي سميت، ولكن الذين يتهمونك بالاتهامات المالية المختلفة هم الذين أطلقوا ذلك.
مصطفى بن حليم:
والله ليطلقوا ما يطلقوا، ما كان لله بقي واستقر وما كان لغير الله ذهب على أي حال، إيش يا: هو كان اسمه (جيم دنالي سكند) إيش جيم، إيش الحل اللي ترى؟ قال: أنا أبغي إنك تتركك شركاءك ما دول.
احمد منصور:
أنا أود ألا نغرق في التفاصيل في هذا الأمر، ولكن ربما هذا كبداية لبداية علاقاتك التجارية وغيرها فتركت لك الفرصة للإسهاب، أرجو أن نسعى لمسلمة الموضوع.
مصطفى بن حليم:
ولا أنا كمان.. سيد أحمد، أنا لا أدخل في التفاصيل إلا ردًّا على اتهامات، ما معقول أن تقول لي بيتهموك بكذا، ولا أرد عليهم.
أحمد منصور:
تفضل.
مصطفى بن حليم:
على أي حال، جيم دنالي سكند رئيس مجلس إدارة ماراثون أويل بيكلم
(ستيف بكتل) ويقول له: هذا الرجل الظاهر تقاليده العربية تمنعه من أنه يترك أصدقاءه، حاولت أقنعه بكل الطرق ما فيه فايدة، إذا كان افتقتم فيما بينكم لكن الموضوع، إذا ما كذا ستجعلني في موضوع حظر، ما عارف التاني كان بيرد عليه إيه، في الآخر قال لي عندك مانع تحكي مع مستر بكتل؟ قلت له: أبدًا، حكيت معاه؟ How do you do?
How do you do?
(13/225)
قال لي أنا بدي أدعوك إلى سان فرانسيسكو قلت له: أنا آتي لوحدي معايا شركائي قال أعني أنت وشركاءك، وتأكد أنا سنجد فرصة أن نتفاهم على كل شيء، طيب اتفقنا، أجيلك بكرة إن شاء الله، سافرة ليلتها إلى هوستن مقر براون أروت.
شركائي، استغربت إنهم استقبلوني استقبال الأبطال، كيف ها الرجل الأهبل أو اللي كذا اللي يرفض أن يتركنا حتى على أي حال، وهيرمان براون الله يرحمه أعطاني طيارته، ورحنا فيها مع كام واحد، واتفقنا مع بكتيل، وحطينا كل أعمالنا مع بعض وابتدينا من أيامها نشتغل في ثلاث شركات.
أحمد منصور:
فالآن بدأ الفتح المالي عليك.
مصطفى بن حليم:
وبعدين هذا جعل (ستيف بكتيل) يصادقني صداقة منقطعة النظير، ويصدق كل ما أقوله ومعجب بأخلاقي هذا اللي صار، طبعًا دخلنا في..
أحمد منصور:
إيه نوعية الشركات اللي دخلتم فيها والأعمال؟
مصطفى بن حليم:
كلها شركات هندسية، بعد في مرحلة ثانية عملنا شركات صناعية.
أحمد منصور:
مثل؟
مصطفى بن حليم:
مثل شركة الصابون والمواد الكيماوية، كل الصابون، أمموها، بعدين شركة الغازات الليبية، عدة شركات، شركة..
أحمد منصور:
يعني أصبحت رجل الأعمال الأول في ليبيا؟
مصطفى بن حليم:
لا مش الأول، أحد رجال الأعمال، وبعدين العمال والتجارة يا أخي تقليد من تقاليد عائلتي.
أحمد منصور:
يعني خلال تسع سنوات أصبح لك إمبراطورية صناعية وتجارية في ليبيا؟
مصطفى بن حليم:
إمبراطورية كلمة كبيرة.
أحمد منصور:
يعني بمفهوم ليبيا، إمبراطورية يعني.
مصطفى بن حليم:
إذا كانت عندي إمبراطورية فلا شك أنها كانت إمبراطورية تأتي في المرتبة العاشرة أو العشرين في إمبراطوريات ليبية ثانية.
أحمد منصور:
كان لك أعمال خارج ليبيا؟
مصطفى بن حليم:
أنا ما كان عندي أي.
أحمد منصور:
ما كان لك مشاركات خارجية، ما كان لك شيء كل مشاريعك داخل ليبيا؟
مصطفى بن حليم:
(13/226)
بالعكس كنت أرفض، يعني مثلاً كان شركائي في شركة الصابون يقولون يا فلان فيه أماكن نقدر نعمل فيها في الخارج وكذا، قلت لهم: لا لسبب بسيط كنا نعمل 20%.
أحمد منصور:
كان لك أي دور سياسي؟
مصطفى بن حليم:
الدور السياسي المهم هو الدور اللي استدعاني عليه الملك سنة 1964م، عندما رجع عن الاستقالة، وحاول يعيد فكرة الجمهورية اللي حكينا فيها..
أحمد منصور:
هل عرض عليك الملك السلطة مرة أخرى؟
مصطفى بن حليم:
عرض علي.
أحمد منصور:
متى؟
مصطفى بن حليم:
مرتين.
أحمد منصور:
متى ومتى؟
مصطفى بن حليم:
يعني هم أربعة، لكن الجادتين مرتين بعد ما اتفقت معاه، وكان محمود المنتصر حاضر في الإصلاحات الدستورية سنة 1964م وعمل الجمهورية كذا، لأن أنا كنت قلت للملك لا يجوز أن تكون مملكة، وفيها ملك بدون ولي عهد مرضي عنه، وحاول الملك يتجوز، وقلت له مفيش حل إلا الحل هـ.
أحمد منصور:
الملك ما كان عنده أولاد؟
مصطفى بن حليم:
ما كان عنده.
أحمد منصور:
وتزوج ولم ينجب.
مصطفى بن حليم:
وما صار منها شيء Ok فعلى أي حال بعد ما خلصنا مشروع الإصلاحات قال لي تذهب إلى جنيف حتى تتفاهم مع (أدريان برت) أدريان برت اللي كان مندوب هيئة الأمم المتحدة في استقلال ليبيا، وكان معها اثنين خبراء في القانون، واحد منهم من جماعتي أنا.
أحمد منصور:
سنة كام؟
مصطفى بن حليم:
الكلام هذا سنة 1964م، واحد منهم دكتور (زنفيجا) اللي كنت جبته أنا كمستشار قانوني عندي والثاني واحد..
أحمد منصور:
أيام الأزمة الدستورية عندكم.
مصطفى بن حليم:
والثاني دكتور من السويد، وقبل ما تسافر وقبل ما ترجع تتولى تنفيذه أنا ما قدرت أرد عليه ساعتها، ولكن ارتكبت خطأ كبير.
أحمد منصور:
جيت لزوجتي، وقلت لها اسمعي، أنا فيه أمرين كلاهما مر أن أقبل رئاسة الحكومة وأنا ما أبغاها، وصدقني يا أخ أحمد، صدقني.
أحمد منصور:
طبعًا جنب الإمبراطورية المالية.
(13/227)
مصطفى بن حليم:
غير هيك، أنا مالي ومال، لو لبست بدلة كويسة يقول لك هذا سرقها، ما هو مصيبة شعبنا إنه يصدق كل شيء فشفاش (غير حقيقي) كل الدعايات، ولا يستعمل العقل في فهم كل شيء طيب وكذلك مصيبتنا إنه ما كان فيه شفافية ولا فيه إعلام هادف.
أحمد منصور:
لكن كان أيضًا في وقتها مشهور الفساد السياسي كان واسع يعني.
مصطفى بن حليم:
ما كان لي، أنا مهنتي مهنة عمل، مهنة إنشاء شيء، عمل شيء، المهنة هذه الثانية ما..
أحمد منصور:
ماذا قالت لك زوجتك؟
مصطفى بن حليم:
قلت لزوجتي شوفي، أنا لا أستطيع أن أرفض طلب الملك أو أغضبه، من الناحية الداخلية، وفي نفس الوقت ما بدي كذلك أنت تتركيني وتروحي، لأنها كانت مهدداني، أنت ترجع للحكومة أنا بتركك.
أحمد منصور:
أنت كنت بتستشيرها في كل شيء؟
مصطفى بن حليم:
لأ.
أحمد منصور:
إيه اللي كنت بتستشيرها فيه والذي لا تستشيرها؟
مصطفى بن حليم:
فيه بعض الحاجات اللي يعني تمس السياسة العربية كذا، لكن غير هيك وبعض الحاجات.
أحمد منصور:
لكن هي لها حضور قوي ومتابعة سياسية ما كانت هي تجبرك وتناقشك وتفتح.
مصطفى بن حليم:
أعوذ بالله، أعوذ بالله.
أحمد منصور:
يعني في النقاش يعني؟
مصطفى بن حليم:
لا، لا، ما عندنا الكلام هذه ما عندما.
طيب والحل إيه؟ قلت لها الحل أن تذهبي للملكة فاطمة وترجوها أن تتدخل عند مولانا الملك، ويبعد عني.
أحمد منصور:
يعني طريق النساء ده طريق عجيب جدًّا في التأثير على القرار السياسي.
مصطفى بن حليم:
والله هذا اللي صار، أنا بقول لك أنا ارتكبت خطأ، وهاتجيلك الأسباب، بلغني بعدين إنها راحت للملكة، كانوا صديقات كثير الملك كان يعتبرها مثل بنته، قالت لها يا مولاتي أنا عمري ما طلبت منك طلب، قالت لها: اطلبي، إيش تريدين؟
(13/228)
قالت لها كلمة شديدة شوية، قالت لها: ما يشفع لك جدك رسول الله إذا ما تدخلت، وبعدتم عن مصطفى، أعوذ بالله، فيه إيه، أعوذ بالله، إيش الكلام هذا اللي بتقوليه، مصطفى Please
أحمد منصور:
طيب أنت مش عايز قل أنا مش عايز لازمتها إيه النساء و..
مصطفى بن حليم:
يا أخي يا أخي، أرجع مرة ثانية ما بدي أغضب هذا الرجل، ما بدي أغضبه تحملت كثير في نفس حتى أحافظ على الصرح هذا، فأنا رجعت، وجدت البلد مضطربة اللي صار بعدين حكى لي الملك، قال لما عرفت إنك ما تريد الوزارة، ناديت
حسين مازق كان رئيس حكومة، وحسين مازق، أكرر أنا أحمل له كل احترام وكل تقدير، وأختلف معه في الرأي، رأيه ملكي 100%،ورأيه قبلي 80%.
أحمد منصور:
هذه حكومة حسين مازق التي أسست في مارس 1965م إلى يونيو 1967م وبعد ذلك كانت حكومة عبد المجيد كعبار من مايو 1957م إلى أكتوبر 1960م، وحكومة محمد بن عثمان السعيد أكتوبر 1960م إلى مارس 1963م، محيي الدين فكيني من مارس 1963م إلى نوفمبر 1964م محمود المنتصر، مرة أخرى من يناير 1964م إلى مارس 1965م، حكومة حسين مازق من مارس 1965م، إلى يونيو 1967م
عبد القادر البدري يونيو 1967م إلى أكتوبر 1967م، عبد الحميد البكوش من أكتوبر 1967م إلى سبتمبر 1968م، ونيس القذافي آخر حكومة في العهد المكي من سبتمبر 1968م إلى الفاتح من سبتمبر 1969م حيث وقعت الثورة المجيدة في ليبيا.
مصطفى بن حليم:
طيب أكمل لك تقييمي للموضوع.
أحمد منصور:
تقييمك، قيم لي الحكومات هذه بشكل سريع.
مصطفى بن حليم:
حكومة عبد المجيد كعبار كان فيها بعض عناصر طيبة، وما كان لها سياسة قوية اللي تغضب بعض الناس التي تتعامل معاها، يعني كانت بتحاول أن تراضي الكل، وهذا السبب في فشلها في الآخر، إنه صار أزمة تاريخ فزان، عبد الله عامل وكذا.. وكذا..
أحمد منصور(مقاطًعا):
حكومة السعيد؟
مصطفى بن حليم:
مين؟
أحمد منصور:
محمد عثمان السعيد.
(13/229)
مصطفى بن حليم:
لا مش السعيد، السيد.
أحمد منصور:
السيد.. عفوًا.
مصطفى بن حليم:
أنا آسف إن هذه أسوأ حكومة تولت الحكم في ليبيا، ويكفي أن أقول هذا.
أحمد منصور:
هو كتب في كتابه أيضًا ينتقد حكومتك أنت.
مصطفى بن حليم:
اللي ينتقد كان وزير معايا.
أحمد منصور:
محي الدين فكيني.
مصطفى بن حليم:
من أكفأ الناس، ومع الأسف إنه كان متسرع شوية، ولكن لا شك إنه نظيف ومدرك، وعلى ثقافة عالية، ووطنية كبيرة، ومن عائلة ممتازة.
أحمد منصور:
محمود المنتصر؟
مصطفى بن حليم:
محمود المنتصر من أهم شخصيات ليبيا، له سمعه ممتازة ووطنية، ميله للغرب، من النوع الساسة القدامى الذين كانوا يخشوا من الغرب، من الخواجة زي ما بيقولوا ولكنه من أظرف ال..
أحمد منصور(مقاطًعا):
حسين مازق؟
مصطفى بن حليم(مستأنفًا):
ولكن من أنظف ما يكون، حسين مازق من أقوى قبائل برقة تعلم بنفسه، وله خبرة خصوصًا من الشئون الداخلية، وحسين مازق رجل إن عاديته أو صادقته.
أحمد منصور:
عبد القادر البدري؟
مصطفى بن حليم:
يعني عبد القادر البدري، ما أقدر أقولك إني عرفته كتير، بس ما يستاهل أن يكون رئيس حكومة.
أحمد منصور:
عبد الحميد البكوش؟
مصطفى بن حليم:
ممتاز.
أحمد منصور:
ونيس القذافي؟
مصطفى بن حليم(مستأنفًا):
ونيس القذافي أول ما عرفته كان كاتب طابع في مجلس الخدمة المدنية، سنة 1950م.
أحمد منصور:
في الحلقة القادمة نتناول ثورة الفاتح من سبتمبر، ومقارنة بينها وبين عهدكم الملكي شكرًا جزيلاً لك، كما أشكركم مشاهدينا الكرام على حسن متابعتكم، في الحلقة القادمة والأخيرة إن شاء الله نواصل الاستماع إلى شهادة السيد
مصطفى أحمد بن حليم رئيس وزراء ليبيا الأسبق، في الختام أنقل لكم تحيات فريق البرنامج، في الختام أنقل لكم تحيات فريق البرنامج، وهذا أحمد منصور يحييكم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.(13/230)
الحلقة10(13/231)
مقدم الحلقة
أحمد منصور
ضيف الحلقة
مصطفى أحمد بن حليم، رئيس وزراء ليبيا الأسبق
تاريخ الحلقة
30/09/200
مصطفى بن حليم، رئيس وزراء ليبيا الأسبق – الحلقة10 والأخيرة
أحمد منصور
مصطفى بن حليم
أحمد منصور:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وأهلاً بكم في حلقة جديدة من برنامج (شاهد على العصر) حيث نواصل الاستماع إلى شهادة السيد مصطفى أحمد بن حليم رئيس وزراء ليبيا الأسبق.
سيد بن حليم، مرحبًا بك.
مصطفى بن حليم:
أهلاً وسهلاً بك.
أحمد منصور:
استعرضنا في نهاية الحلقة الماضية الحكومات الليبية التي تعاقبت على حكومتك، وكانت آخرها حكومة (ونيس القذافي) التي بدأت من سبتمبر 68 إلى الفاتح من سبتمبر 1969م، حيث اندلعت الثورة الليبية بقيادة العقيد القذافي، ما هي الظروف السياسية التي.. أو الأجواء السياسية في ليبيا التي سبقت اندلاع الثورة؟
مصطفى بن حليم:
تسمح لي بأن أصحح حاجة بسيطة؟
أحمد منصور:
تفضل.
مصطفى بن حليم:
لم تقم في ليبيا ثورة، قام في ليبيا انقلاب.
أحمد منصور:
ما الفرق بينهما؟
مصطفى بن حليم:
الثورة انتفاضة شعبية كبرى لتبديل المفاهيم الموجودة، ومحاربة الفساد الشديد يدفع الناس إليها الجوع إلى الحرية، والهروب من العنف، ومن القهر، و من غياب حقوق الإنسان، ومن غياب العدل، ومن غياب كل مقومات الإنسان.
اللي قام في ليبيا ضباط من رتب صغيرة، قاموا بحركة انقلابية ثم تطورت الأوضاع عندهم، وانتقلت السلطة إلى شخص واحد منهم، وكون ما يظن إن هو من مقومات الثورة، كتاب أخضر، اللجان الشعبية، وحاجات زي هيك وقالوا إن هذه ثورة، فإذن خلينا نتفق على المفاهيم، ما قام في ليبيا أقصى ما أقبله هو إنها حركة.
أحمد منصور:
وجهة نظرك، تفضل بوصف الوضع السياسي في ليبيا قبل..
مصطفى بن حليم[مقاطعاً]:
اللي سبق في ليبيا لا أنكر إن كان فيه فساد..
أحمد منصور[مقاطعاً]:
سياسي.
مصطفى بن حليم:
(13/232)
سياسي، وكان فيه -مع الأسف- الفساد، هذا كان وصل إلى مقامات عالية طبعاً لم يمس الملك أبدًا، ولكن حواشيه.
أحمد منصور:
وكان الملك على دراية به ويسكت عنه.
مصطفى بن حليم:
من الصعب التحديد، من الصعب التحديد هذا، وما أعتقد أنه كان يعلم به ولم يوقفه، على أي حال، ولكن الشيء المهم إن هذا الفساد استعملوه بعض الظباط هادول في نشر معلومات تضخم من هذا الفساد، وتفتح مجالات جديدة لفساد لم يكن موجود، ومع الأسف لم تكن فيه شفافية، ولم يكن فيه إعلام هادف.
أحمد منصور:
الفساد السياسي الذي كان موجودًا في عهد الملك –بالذات في السنوات الأخيرة من فترة حكمه – ألم يكن ينبئ بأن هناك تحركاً يمكن أن يقوم به الشعب، أو يمكن أن يقوم به الجيش، في ظل انتشار الثورات والحركات العسكرية، السودان كان فيها انقلاب 1968م، والكثير من الدول العربية، سوريا، ولبنان.. وغيرها كانت مليئة بالانقلابات العسكرية؟ ألم يكن هذا إشارة إلى إمكانية قيام انقلاب عسكري، أو ثورة عسكرية؟
مصطفى بن حليم:
جايلك في الكلام، ولو صبرت لوصلنا للكلام هذا، فاللي صار إن كان (معمر) كان برتبة ملازم أول، وبعض الضباط معاه كانوا يفكروا في حركة، وللأسف الشديد، كان النظام الملكي يعلم بهم، في معسكر قار يونس الليس كان فيه معمر ضابط كانوا يتخذوه هزؤا وهو يهزأ بهم كانوا يضحكوا عليه وهو يضحك عليهم في الآخر وكانوا يستدعوه ويقولو له يا معمر جهز الحركة [...] ويقولوا عنه إنه هذا فقيه بمعنى درويش المهم أكثر من هذا وأخطر
أحمد منصور [مقاطعاً]:
مين الذي قال هذا؟أنت سمعت هذا؟ممن عرفت هذه المعلومات
مصطفى بن حليم:
ما فيه داعي أني أذكر أسامي لأن فيه خطورة على الأشخاص..
أحمد منصور:
لازالوا مقيمين في ليبيا؟
مصطفى بن حليم:
لايزالوا مقيمين وخارج ليبيا
أحمد منصور:
اللي خارج ليبيا قول اسمه
مصطفى بن حليم:
ما اقدر أقولوا لأنه على علاقة بليبيا
أحمد منصور:
(13/233)
هذا الكلام نشر في أي مكان آخر غير هذا؟
مصطفى بن حليم:
ياسيدي هذا الكلام مضمون ماية الماية [100%]
أحمد منصور:
ماهي ضماناته؟
مصطفى بن حليم:
من عدة أشخاص في نفس الكلام ومن أشخاص أحترمهم واشخاص بيني وبينهم يعني ود كثير..أشخاص أنا ساعدتهم في الأول قالوا الكلام هذا مش طعنا فيهم؟
أحمد منصور:
مافيش شخص مات تقول إسمه؟
مصطفى بن حليم:
لأ..
أحمد منصور:
كلهم أحياء؟
مصطفى بن حليم:
كلهم أحياء..
أحمد منصور:
ماطبيعة الرواية التي رووها لك؟
مصطفى بن حليم:
مش هذا المهم..المهم أكثر من هذا كانت القيادة، قيادة الجيش –تعلم بإن فيه (معمر) في المعسكر الفلاني، ويسعى لعمل حركة..
أحمد منصور [مقاطعاً]:
مين قائد الجيش كان؟
مصطفى بن حليم:
قائد الجيش الصوري كان (السنوسي شمس الدين) من العائلة السنوسية، ورجل مسكين مريض حطوه برتبة، وحطوه كواجهة.
أحمد منصور:
ومن الذي كان يسير أمور الجيش حقيقة؟
مصطفى بن حليم:
يعني جماعة الشلحي، وجماعة أصدقائهم، وكذا هم اللي..
أحمد منصور:
مين أبرز الشخصيات اللي كانت؟
مصطفى بن حليم:
عبد العزيز.
أحمد منصور:
الشلحي؟
مصطفى بن حليم:
أي نعم، فكانوا..
أحمد منصور:
كان على دراية بالحركة العسكرية؟
مصطفى بن حليم:
كانوا حاطين ظابط ملكي حتى يراقب القذافي.
أحمد منصور:
مين الضابط ده؟
مصطفى بن حليم:
الشلماني، والشلماني علم بإن جماعة معمر سيتحركون..
أحمد منصور:
وعرف التاريخ؟
مصطفى بن حليم:
وحاول يتصل بالقيادة في طرابلس، وقيل له إن الشخص المطلوب غير موجود.
أحمد منصور:
مين القيادة اللي حاول يتصل فيها؟
مصطفى بن حليم:
حاول يتصل ببيت عبد العزيز الشلحي، وقيل له –لأسباب لا أعلمها- إنه غير موجود، اتصل مرة ثانية، قالوا له غير موجود.
أحمد منصور:
قبل الحركة بكام؟
مصطفى بن حليم:
عدة ساعات، وكان ممكن قمعها في ساعتها.
أحمد منصور:
(13/234)
كان عدد الضباط كام، اللي كانوا..
مصطفى بن حليم:
يقال إنهم كانوا 12.
أحمد منصور:
اثنا عشر! زي مصر يعني.
مصطفى بن حليم:
أيوه.
أحمد منصور:
زي ثورة يوليو، 12 أيضًا.
مصطفى بن حليم:
ما هو معمر كان مغرم بحكاية الضباط الأحرار في مصر، بل كان يحفظ خطب جمال عبد الناصر، ويخطبها أمام المراية حتى يعرف يقلده ويعمل، فالجماعة هذول كانوا ميولهم ناصرية ميه لميه في الأول، مع انتشار الإشاعات عن فساد في ليبيا، وعدم رد عليه، بل رد عليه –يعني- وزير الإعلام اللي كان موجود.
أحمد منصور:
مين كان؟
مصطفى بن حليم:
أحمد الصالحين الهوني، من ضمن ما كانوا يقولوا: إن مولانا الملك جاء في الاحتفال، وأشار إلى الجماهير بعصاته الكريمة، عصاته الكريمة، هذا المدح اللي ينقلب إلى الذم، يعني ما كان فيه إعلام هادف، إعلام يرد عليه، على أي حال.
أحمد منصور:
نظام الملك إذن يتحمل مسؤولية كبيرة؟
مصطفى بن حليم:
نعم؟
أحمد منصور:
نظام الملك يتحمل مسؤولية كبيرة.
مصطفى بن حليم:
وبعدين، تعال أنت تعال أنت إلى المسؤولين اللي في مراكز المفاتيح، قوة دفاع برقة أكبر قوة ضاربة كان قائدها (محمود بوجودين) وضابط من الدرجة الأولى من جماعة الجيش السنوسي مدرب تدريبًا، ورجل حازم قوي، توفي قبل هيك بكذا سنة، فعين واحد من قبيلته لا يفقه شيء، لا يفقه شيء، ومن النوع الألاوي اللي كذا، ما عنده discipline ما عنده نظام دقيق، هذه واحدة، أهم قوة ضاربة..أغلب الوزراء اللي في المراكز المفاتيح كانوا لا يليقوا في مراكزهم، رئيس الحكومة كان من أنزه الناس..
أحمد منصور [مقاطعاً]:
ونيس القذافي؟
مصطفى بن حليم:
ونيس القذافي، ومن أكفأ الناس ككاتب وباشكاتب، ولكن لا شخصية له.. أذكر عندما.
أحمد منصور [مقاطعاً]:
من الذي اختاره لهذا المنصب؟
مصطفى بن حليم:
نعم؟
أحمد منصور:
من الذى اختاره لهذا المنصب؟
مصطفى بن حليم:
(13/235)
والله اللي اختاره رسمياً هو الملك اللي بيعين.
أحمد منصور:
يعني الملك يتحمل مسؤولية كبيرة؟
مصطفى بن حليم:
مع الأسف، مع الأسف، ما أعتقد إن هو اللي جاء في خاطره، ولكن ربما دُفع..
أحمد منصور:
أنت دائمًا تبرئ ساحة الملك، والملك يتحمل المسؤولية الكبرى في كل ما حدث.
مصطفى بن حليم:
أنا لا أبرئ ساحة الملك، لكن كذلك لما يكون رجل في أواخر عمره، الشيخوخة وهنته، ويحاط بجماعة أذكياء وخبثاء.
أحمد منصور:
هذا يبرئ ساحته تاريخياً؟
مصطفى بن حليم:
مش يبرئ ساحته، أرد عليك في نفس الكلام اللي قاله لي الملك، قال أنا يهمني علاقتي مع الله، ما يهمني علاقتي مع أحد.
أحمد منصور:
لكن هو بيحكم شعب، لأن و مسؤول عنه أمام الله.
مصطفى بن حليم:
على أي حال، هذا اللي صار، اللي صار إنه تعين..
أحمد منصور:
علاقته مع الله يتعبد ويترك الناس.
مصطفى بن حليم:
كان بده يترك، وقال أنا بدي أترك، وأنا عاجز، وقامت القيامة، وآلاف مئات الآلاف، وأنا وقفت في الطوابير إلى أن جيت له، وهو حضني، وقال لي: ابقى جبني.
أحمد منصور:
خلاص هو الآن بيترك بشكل آخر يعني.
مصطفى بن حليم:
لا يعني.
أحمد منصور:
هو بيترك السلطة بشكل آخر.
مصطفى بن حليم:
لا.. يعني هو كان يشعر بإنه بده يطلع ما كان له رغبة، على أي حال، ونيس القذافي..
أحمد منصور:
القذافي جه حقق له رغبته.
مصطفى بن حليم:
نعم؟
أحمد منصور:
العقيد القذافي جاء حقق له رغبته.
مصطفى بن حليم:
أيوه.. بس ما حققش رغبة الشعب ربما، ربما، يعني خليني أقول لك شيء: أنا لما جاء القذافي وجماعته برغم الكلام البذيء اللي قالوه عن الملك، قلت إحنا نسعى للإصلاح، إذا جاءنا الإصلاح عن طريق الجماعة ها دول أهلاً وسهلاً بهم.
أحمد منصور:
نعود إلى الظروف السياسية التي سبقت قيام ثورة الفاتح من سبتمبر.
مصطفى بن حليم:
(13/236)
أقول لك: أنا لما جيت أهنئ هذا، يعني شعر بأني.. قال لي يا فلان، تعرف يحترمني لأني كنت رئيسه عدة مرات يعني..
أحمد منصور:
ونيس؟
مصطفى بن حليم:
ونيس، قال لي: إنت بتقول، قلت له: أنا بأقول لك حاجة بس يا ونيس، أنت رجل كفء، ورجل نزيه، ولكن مركزك هذا يستدعي أن تكون تعرف كيف تستعمل كلمة (لا) بالقراءات السبعة، لأ، ولأ قوية، ولا، ولأ، للملك كذلك بإخلاص، لا يا مولانا ما بيصير هذا، وأنت مع الأسف بينطبق عليك قول الفرزدق، قال لي: ما قال الفرزدق؟ قلت له: قال: ذكر عن سيدنا زين العابدين
ما قال لا قط إلا في تشهده
لولا الشهادة كانت لاؤه نعم
أنت عندك نعم، ما عندك لأ، ولذلك هيكون عليك من الصعب، هذا اللي صار، كان في الوزارة فيه بعض عناصر ممتازة (علي عتيقة) مثلاً اللي موجود الآن في الأردن كان واحد منهم.
أحمد منصور:
يعني الآن –بشكل عام- كان أيضًا المسؤولين السياسيين، وحتى العسكريين غير ملائمين للمواقع التي كانوا يشغلونها..
مصطفى بن حليم:
وفيه تسيب، والملك..
أحمد منصور [مقاطعاً]:
وكل هذا يمكن أن يساعد أي حركة تأتي، لكي تزيل هؤلاء، وتسيطر على الوضع في البلد.
مصطفى بن حليم:
وأؤكد لك لو جاء من شاء لصفقوا له، وهذا ما حدث في ليبيا، لأنهم لم يعلنوا عن أسمائهم، والشعب كله رحب بهم، ويكذب من يقول لك: إن الانقلاب لم يكن شعبي في أيامه الأولى؟
أحمد منصور:
كان شعبياً في أيامه الأولي.
مصطفى بن حليم:
في أيامه الأولى كان شعبي.
أحمد منصور:
إذن ثورة يا سيدي.
مصطفى بن حليم:
لا يا سيدي، الثورة تكون من الشعب، هذه..
أحمد منصور [مقاطعاً]:
الشعب أيدها أيضًا.
مصطفى بن حليم:
والله يا أخي قد نختلف في المفاهيم معلش، على أي حال، الشعب أيدها لأن كان فيه فراغ سياسي.
أحمد منصور:
يعني الآن الأمر وصل في ليبيا في 1969م إلى فراغ سياسي، وإلى رغبة عارمة في التغيير أياً كان هذا التغيير؟
مصطفى بن حليم:
(13/237)
فراغ سياسي، والملك اللي هو رأس التغيير –إذا كان راغب في التغيير- ما كان عنده رغبة، كان يا أخي، يا جماعة خلوني أرتاح، هذا اللي صار، فانتهزوا الفرصة وفي غيبة من الزمن استولوا على السلطة، فيه نقطة..
أحمد منصور [مقاطعاً]:
أين كنت حينما قامت الـ..
مصطفى بن حليم [مقاطعًا]:
لا فيه نقطة كثير مهمة، وأود أن أتكلم فيها، لم تكن.. لم يكن لهذا الانقلاب أي صلة لا بمصر، ولا بأمريكا.
أحمد منصور:
لأن دي نقطة مهمة عايز أسألك عنها.
مصطفى بن حليم:
لم يكن لهما، لا لمصر، ولا لأمريكا أي..
أحمد منصور:
لم يكن هناك أي دعم خارجي للانقلاب؟ لم تكن هنا أي قوة من الدول المحيطة أو من الدول الخارجية التي كانت عملية الانقلابات في المنطقة أصبحت شائعة ويقال أنها تقف وراءها..
مصطفى بن حليم:
أستطيع أن أؤكد أن لم تكن للانقلاب أي صلة لا بمصر، ولا بأمريكا مع تحفظ..
أحمد منصور:
إذن كيف..
مصطفى بن حليم:
مع تحفظ سآتي له في اللقاء، ولا أستطيع أن أؤكد أنفي، أو أؤكد صلة له، أو لم تكن له صلة ببريطانيا.
أحمد منصور:
ببريطانيا؟
مصطفى بن حليم:
أو أقول، لا أستطيع أن أؤكد، أو أنفي.
أحمد منصور:
يعني ممكن أن يكون هناك صلة بالبريطانيين؟
مصطفى بن حليم:
ما أدري، لأني بالنسبة لمصر دليلي الشهير يعرفه كل بيت، لما وصل محمد حسنين هيكل مندوب عن جمال عبد الناصر لتهنئة الثورة..فاكرين إنها ثورة (عبد العزيز الشلحي) قال: وفين عبد العزيز بيه؟ قالوا له: عبد العزيز بيه في السجن، كويس؟ هذا دليل قاطع إنه..
أحمد منصور:
ليه؟ لم يكن أعلن عن أسماء قادة الثورة حتى يأتي هيكل، ولا يعرف من الذي قام بها؟
مصطفى بن حليم:
أسماء قادة الثورة أعلنت بعد خمسة، أو ستة أيام، استعملوا اسم (عز الدين شويرب.. بوشويرب)، ضابط كان برتبة كولونيل، وشعبي كتير وشفته أنا بعد..
أحمد منصور [مقاطعاً]:
كولونيل، مقدم يعني؟
مصطفى بن حليم:
(13/238)
مقدم، أيوه مقدم، شفته أنا بعد منها قال لي: أنا بلغني الخبر في روما فاختفيت خفت..
أحمد منصور:
كان خارج ليبيا يعني؟
مصطفى بن حليم:
كان في روما، وبلغه إن هو اللي قام بالانقلاب فاختفى، يعني الناس كانوا ضباط قليلين، يعني ضباط برتب قليلة بحيث إنهم تستروا وراء (بوشويرب) وشافوا إن الناس ساعدتهم، بعدين فيه نقطة كتير مهمة، بمجرد ما قام الانقلاب، ونجح في السيطرة على ليبيا، تسارعت أمريكا، وتسارعت مصر لتأييده وحمايته.
أحمد منصور:
قل لي كيف يستطيع 12 ضابط من رتب صغيرة أن يسيطروا على بلد شاسعة المساحة مثل ليبيا؟
مصطفى بن حليم:
تفاصيل كثيرة، مثلاً: قوة دفاع برقة أكبر قوة ضاربة سيطروا عليها بإنهم أدخلوا اثنين من جماعتهم، الاثنين واحد منهم، بعدين حاكموهم الاثنين، أدخلوهم في قوة دفاع برقة، مع اللعب، مداهنة مع قائد قوة دفاع برقة، وأدخلهم في قسم اللاسلكي، فسيطروا على الاتصالات وجعلوا (قرنادا) اللي هي مركز قوة دفاع برقة معزولة، قبضوا على القائد، واستولوا على القوة، هذه واحدة.
بعدين بمجرد ما يقوم انقلاب، ويشعروا الضباط التانيين بأنه قاموا وانتشر، الكل بيدي له ولاء، قامت الخميرة، والخميرة..
أحمد منصور [مقاطعاً]:
لكن هناك رتب كتيرة في الجيش أعلى منهم يعني.
مصطفى بن حليم:
انضموا لهم.
أحمد منصور:
انضموا لهم.
مصطفى بن حليم:
كان فيه اثنين، واحد عقيد، وواحد رائد، أو واحد مقدم اللي أدخلوهم في..
أحمد منصور:
موقفك إيه من الثورة، أو من الانقلاب؟
مصطفى بن حليم:
أنا كنت في (زيوريخ) وكنا سنرجع يوم 29 أغسطس، ولكن لأسباب شخصية طبيب زوجتي وكذا فتأخرنا إلى يوم 2 سبتمبر، فجاءنا الخبر يوم 1 سبتمبر واللـ..
أحمد منصور:
قررت البقاء خارج ليبيا؟
مصطفى بن حليم:
لأ.. في الأول ما قررت، انتقلنا إلى روما على أساس إن نأخذ أول طيارة.
أحمد منصور:
نعم.
مصطفى بن حليم:
(13/239)
الجماعة ذول جايين ضد الفساد، وأنا ما عندي شيء أخاف منه، كنت دايمًا أقول اللي ما دفعت عنها ضريبة ياخذوها.
أحمد منصور:
كيف كانت علاقتك بثورة الفاتح من سبتمبر بعد ذلك وقادتها؟
مصطفى بن حليم:
بمجرد ما جيت لروما بعتوا لي أهلي من هنا قالوا لي اسمع: خليك بره خليك، لا ترجع، بالمناسبة بعثت رسالة لمصطفى بن عامر.
أحمد منصور:
مين مصطفى بن عامر؟
مصطفى بن حليم:
مصطفى بن عامر، وطني درجة أولى في برقة، وكان معارض للملك، رغم إنه من عائلة سنوسية، ورجل خريج كلية الآداب من الثلاثينات، ومشهور، القذافي عينه وزير معارف بدون ما يعرفه، من سمعته، وهذا كان دائماً يترد علي، لأن بينا قرابة، وكان معارض في البرلمان، وكنت أرد عليه، لكن كان بيننا علاقة طيبة، فبعت له رسالة قلت له: يا أخي، أنت تعرف موقفي، فاذكرني عند ربك، فرد على برسالة من ألطف ما يمكن، لا تزال موجودة، عندي أفتكر في الرياض، يقول لي أنا بأعرف اهتمامك بتربية الأولاد، أنا أنصح إنك أنت تدخلهم في مدارس طيبة.. وكذا كذا، وتشرف عليهم، وطالما قلت: يا فلان الله يرحم والديك على ما كنت تقوله في، إيش كنا نقوله؟ كان ييجي لي ويشكو لي من الوضع، أنا أقول له: والله فيك أكثر مما تقول، يقول لي: سبحان الله، طب كيف ساكت؟ روح احكي للملك، أقول له: يا أخي أنا مالي صفة أنا حكيت بما فيه الكفاية، لكن يا مصطفى، دير بالك يا أخي، قد يأتي يوم نتندم فيه على أيام الملك، يقول لي: أعوذ بالله، هذا كلام هذا؟ لذلك أشار إلي بطرف خفي إن الوضع منهار..
أحمد منصور:
هل أرسلت مايعة إلى العقيد القذافي بعد قيام الثورة؟
مصطفى بن حليم:
أعوذ بالله..أعوذ بالله.
أحمد منصور:
ليه أعوذ بالله؟
مصطفى بن حليم:
لأني لم أباعيه، لأني لو بايعته كان علي واجبات والحمد لله أني ما بايعته.
أحمد منصور:
هل أرسلت له رسالة تقول: أنك مستعد لمساعدته ومعاونته؟
مصطفى بن حليم:
أبداً.
أحمد منصور:
(13/240)
أمال اذكرني عند ربك دي كان هدفك منها إيه؟
مصطفى بن حليم:
هدفي منها إنهم يوقفوا الحملة لأنهم نشروا..
أحمد منصور [مقاطعاً]:
حملة على مين؟
مصطفى بن حليم:
علي أنا.
أحمد منصور:
إيه الحملة اللي شنوها عليك؟
مصطفى بن حليم:
كل ما يخطر ببال البذيء كتبوه علي.
أحمد منصور:
عنك أنت دون باقي عهد الملك؟
مصطفى بن حليم:
على الملك، وعلي، وعلى محمود المنتصر، وأعتقد حسين مازق.
أحمد منصور:
فقط أنتم؟ وباقي رؤساء الوزارات والمسؤولين؟
مصطفى بن حليم:
كانوا عندهم في السجن، وحتى محمود كان عندهم في السجن، وحسين مازق عنده في السجن.
أحمد منصور:
من الذي أفلت من عهد الملك من الاعتقال؟
مصطفى بن حليم:
الملك وأنا.
أحمد منصور:
الملك كان في الخارج في ذلك الوقت؟
مصطفى بن حليم:
في الخارج، أي نعم.
أحمد منصور:
كان في مصر؟
مصطفى بن حليم:
لأ.
أحمد منصور:
كان في روما؟
مصطفى بن حليم:
لا.. لا.. كان في الاستشفاء في مصحة بجوار أثينا، كان ما بين تركيا والـ.
أحمد منصور [مقاطعاً]:
اتصلت بالملك بعد قيام الانقلاب؟
مصطفى بن حليم:
اتصلت به، ما اتصلت به مباشرة، لكن اتصلنا بالملكة، قالت هو مستريح ومرتاح، وبعدين ما اتصلت بيه إلا في سنة 75، كان بينا رسائل يعني، بس ما كنت أقدر أروح له مصر، لأن كان مصر ساعتها مش.
أحمد منصور [مقاطعاً]:
لجأ إلى مصر بعد ذلك وعاش فيها؟
مصطفى بن حليم:
فيه قصة طريفة هنا، سألت الملك، قلت له: يا مولانا، كنت آمل بعدما قام الانقلاب أن تاخد طيارة، هو ما كان يركب الطيارة.
أحمد منصور:
يخاف يعني؟
مصطفى بن حليم:
ما يركب الطيارة، يقول (ومنها جائر).
أحمد منصور:
يعني كان يروح في البحر إلى أوروبا؟
مصطفى بن حليم:
البحر، أو البر، أو.. قلت له: ما كان ممكن يعني برقة كلها وليبيا كلها ما تستاهل إنك تاخد طيارة وترجع؟ فبص نحو الملكة وقال لها: ردي عليه، أنا على طاولة الأكل.
(13/241)
أحمد منصور:
يرجع فين؟
مصطفى بن حليم:
يرجع لليبيا..
أحمد منصور:
بعد ما سيطر القذافي على الحكم؟
مصطفى بن حليم:
ما سيطر عليه إلا بعد كام يوم، ولو رجع الملك إدريس كان كل شيء انتهى، قالت لي: جاتنا رسالة من القاهرة بإن عودتكم خطرة، المعنى في بطن الشاعر، وأحسن تأتوا للقاهرة، قلت له:مولانا الملك قد..
أحمد منصور:
رسالة من القاهرة من عبد الناصر يعني؟
مصطفى بن حليم:
هذا ما أعنيه؟
أحمد منصور:
طب.. ما تقول لنا جات رسالة من عبد الناصر.
مصطفى بن حليم:
ما بدنا نفتح.
أحمد منصور:
يا سيدي هذا حق الأجيال الآن، لابد أن تتكلم.
مصطفى بن حليم:
هو قال له: تعال عندنا هنا ستكون محل إكرام، وبالفعل، في القاهرة احترموه وكذا، وعاملوه كرجل ورع وحطوا له فيلا سكن فيها إلى أن توفى، وبعدين الملكة..
أحمد منصور:
توفى العام 1983م في القاهرة.
مصطفى بن حليم:
أيوه 1983م.
أحمد منصور:
الملكة لا زالت على قيد الحياة؟
مصطفى بن حليم:
مازالت على قيد الحياة.
أحمد منصور:
طبيعة علاقتك إيه بعد ذلك بقادة الثورة في ليبيا؟ ممتلكاتك ما الذي حدث لها؟
مصطفى بن حليم:
كلها صودرت.
أحمد منصور:
ماذا كنت تملك حينما قام الانقلاب في 69؟
مصطفى بن حليم:
(13/242)
عندما قام الانقلاب في ليبيا غير عندما استقلت، لأن ساعتها صارت حوالي عشر سنوات من العمل اللي، كنت أمتلك أولاً: المسكن اللي كنت فيه، ما ورثته من والدي في (درنة) وكذا، وكنت أمتلك 10% من أسهم بنك شمال إفريقيا، و 100% من أسهم الشركة الليبية للهندسة والإنشاء، وحوالي 15% من شركة الصابون والمواد الكيماوية، و 10% من شركة (ماجوبار) اللي هي تصنع (الظبط) اللي يستعمل في آبار البترول، و15% من شركة الغازات الليبية، فيه كان شركة ثانية في بنغازي، الغازات الحديثة، كنت كذلك أمتلك نفس الشيء، وعديد من الـ.. أنا قبل الانقلاب بشهرين اشتريت أرض بـ 180 ألف جنيه، وكنت أود أن ابني فيها برج طرابلس، حتى أنقل مكاتبي فيها، وزوجتي كانت ضد الفكرة، وما سألت فيها..
أحمد منصور:
دايماً لها رأي في..
مصطفى بن حليم:
أيوه.. بس بعض الأحيان، مع الأسف، يا ريت تتبعت رأيها، وكان من شروط العقد إنه، لأن كان فيه واحد يهودي عنده جزء من الأرض هذه، فقلت –الله يرحمه- المالك اللي هو السنوسي الأشهب، قلت له: أنا لا أشتري شيء من يهودي، فأنت حررها من اليهودي أدفع لك باقي المبلغ، ونسجلها، طبعاً راحت وراح المائة ألف جنيه.
أحمد منصور:
كانت ممتلكاتك تقدر بكام مليون في ذلك الوقت؟
مصطفى بن حليم:
بما فيها المسكن بما فيها كذا، أربع، خمس ملايين جنيه بالكثير.
أحمد منصور:
سنة 1969م.
مصطفى بن حليم:
أيوه.
أحمد منصور:
كان لك ممتلكات خارج ليبيا؟
مصطفى بن حليم:
لا.
كان لك أموال في بنوك خارج ليبيا؟
مصطفى بن حليم:
يا ريت.
أحمد منصور:
كم المبلغ الذي توفر معك حال قيام الانقلاب، وأنت موجود في سويسرا؟
مصطفى بن حليم:
توفر معي 22800 دولار هي قيمة شيكات المسافرين اللي كانت تحتفظ بهم زوجتي.
أحمد منصور:
قررت إن أنت تعاود نشاطك التجاري مرة أخرى في الخارج؟
مصطفى بن حليم:
(13/243)
قبل هيك ذهبت إلى شركائي (بكتل) وكان إحنا بنتحاسب مرة كل سنة، وكان لي عندهم أكثر من مليون دولار، المفروض أن تدفع لي باسم شركتي، فدفعوا لي جزء منها كما لو كانت دفعت للشركة، وهذا كان الرأسمال اللي..
أحمد منصور:
بدأت به مرة أخرى.
مصطفى بن حليم [مستأنفاً]:
اللي بديت به مرة ثانية.
أحمد منصور:
وعملت مشروعات عملاقة أيضاً في الخارج.
مصطفى بن حليم:
في الأول كانت المشروعات بسيطة، ساعدوني جماعة (بكتل) بره، وبعدين..
أحمد منصور:
لازلت شريكاً لبكتل؟
مصطفى بن حليم:
نعم؟
أحمد منصور:
لازلت شريكاً لبكتل؟
مصطفى بن حليم:
لا، لا..
أحمد منصور [مقاطعاً]:
الآن شركاتك ومؤسساتك..
مصطفى بن حليم [مستأنفاً]:
بعد خروجي من ليبيا كانت بيننا صداقة، وساعدوني، ساعدوا شركتي لكن ما كان بيننا مشاركة.
أحمد منصور:
بعد ذلك مشروعاتك فين؟ أين أقمت مشروعاتك التجارية وحياتك؟
مصطفى بن حليم:
مشروعاتي اللي موجودة إلى الآن هي الشركة، شركة (اليسر-تاوز آند بوتوم) Towers and Bottom هذه شركة كنا عملناها، كان في الأول شركة االبسر عملناها في الرياض، بعدين دخلت معانا شركة (تاوز آند بوتوم) أمريكية مشهورة، بعد كذا سنة اشترينا تاورز آند بوتوم، واستمرينا بالاسم هذه شركة متخصصة في أعمال الكهربا، الإنشاءات الكهربائية والإنشاءات الميكانيكية، والـ Instrumentation .
أحمد منصور:
ما هي ممتلكاتك الأخرى؟ ممتلكاتك الأخرى.
مصطفى بن حليم:
بس خليني أصارحك.
أحمد منصور:
مش عاوز أسهب في التفصيل.
مصطفى بن حليم:
ممتلكاتي الأخرى إيش يعني؟
أحمد منصور:
ما هي الممتلكات الأخرى التي تملكها؟
مصطفى بن حليم:
بيتي هنا، وها الممتلكات ها دي اللي في السعودية، والحمد لله.
أحمد منصور:
كل هذه الأشياء من حر مالك ليس هناك أي شيء من الأشياء اللي تتهم بها من أنك أخذتها أثناء وجودك في السلطة.
مصطفى بن حليم:
(13/244)
يا أخي.. يعني حتى لو تود أن تصدق الإشاعات أكثر من هيك، أنا لما خرجت من ليبيا خرجت ممحو، الحمد لله، بديت من جديد يعني..
أحمد منصور [مقاطعاً]:
كيف كانت علاقتك بعد ذلك بالثورة في ليبيا؟
مصطفى بن حليم:
مرة واحدة جوا وطلبوا مني أن أساعدهم في موضوع لوكيربي، قبل ما توقع..
أحمد منصور [مقاطعاً]:
قبل لوكيربي، لوكيربي مؤخرًا، أنت الآن حوكمت واتهمت من ثورة الفاتح من سبتمبر بأنك أفسدت الحياة السياسية في ليبيا، وقمت بتزوير انتخابات عام 1956م.
مصطفى بن حليم:
هذه التهمة من ألذ ما يمكن، التهمة هذه جاءت كالآتي: الأخ المغيربي، أنا نسيت أسمه الأولاني، على أي حال هلا أتذكره، ادعى أمام محكمة الشعب، بدي تفهم التفاصيل هذه حتى تقيم الاتهام، بأني أرسلت له ناظر الداخلية في برقة، وقلت له أن يهدده، ويمنعه من دخول الانتخابات، كويس؟ (بشير المغيربي) المحكمة استجوبت (ناصر الكزة) اللي هو ناظر الداخلية فنفى التهمة، وقال لهم: لم تكن لي علاقة مع رئيس الحكومة، وأنا ساعتها مرتبط بولاية برقة، ولا أتلقي الأوامر من رئيس الحكومة، ولم يحدث إني أنا تدخلت عند بشير ولا عند أي واحد ثاني، فبرئ (ناصر الكزة) كويس، وحكم علي بعشر سنوات.
أحمد منصور:
حكم عليك في 30 سبتمبر 1971م.
مصطفى بن حليم:
خليني أكرر بُرئ الشخص اللي مفروض إنه نفذ التهمة، وحوكمت أنا، فهل بالله عليك، أليس هذا هو حكم قراقوش؟!
أحمد منصور:
ألم تسعى لتبرئة نفسك؟ أنت أرسلت للعقيد القذافي رسالة في 4 أكتوبر 71 تدافع فيها عن نفسك.
مصطفى بن حليم:
منشورة هنا، منشورة هنا.
أحمد منصور:
طيب إذا كان هذا الاتهام غير صادق لم حفلت به، ولم أرسلت رسالة الدفاع؟
مصطفى بن حليم:
أرسلت أنا رسالة الدفاع؟
أحمد منصور:
لماذا أرسلتها؟
مصطفى بن حليم:
(13/245)
قبل ما يصدر الحكم، قبل ما يصدق على الحكم، فيه، أنا بدي تاخد بالك من ها النقطة، العنصر الأساسي اللي جاب التهمة برئ، إذن التهمة سقطت، واللا إيه؟ بُرئ وحُكم علي أنا بعشر سنوات.
أحمد منصور:
في 28 نوفمبر 1972م كنت في بيروت وتم اختطافك، وكانت كأنها محاولة لاغتيالك أو لاختطافك؟!
مصطفى بن حليم:
نعم.
أحمد منصور:
ما هي تفاصيل ما حدث بالضبط؟
مصطفى بن حليم:
مرة ثانية، هاديك مسائل شخصية لا تنبئ المشاهدين بأي شيء جديد.
أحمد منصور:
لم يكن لها أي علاقة، أو اتهام للنظام في ليبيا؟
مصطفى بن حليم:
أمال يعني مين اللي بده يخطفني وينقلني إلى ليبيا؟
أحمد منصور:
يعني أنت تتهم النظام بذلك؟
مصطفى بن حليم:
طبعاً.
أحمد منصور:
لماذا يختطفونك؟
مصطفى بن حليم:
والله اسألهم هم، عاشقين إنهم يشوفوني.
أحمد منصور:
ما هو الدافع الأساسي لديهم لهذا؟
مصطفى بن حليم:
والله فيه حاجة لو تساعدني في نفيها، يعني نفيها عن (ذهن) العقيد القذافي، هو يعتقد إني أنا منافسة، وأنا والله، صدقني.
أحمد منصور:
منافسة على السلطة؟
مصطفى بن حليم:
صدقني.. لا السلطة تسعى لي، ولا أنا بأسعى لها، أنا مستعد أكتب لهم في أيها تسجيل عقاري إني أنا متنازل، مالي أي مطامع في المسألة هذي كلها، ولذلك حاول عدة مرات، عدة محاولات، ما في داعي لذكرها الآن، هذا كله كلام شخصي..
أحمد منصور [مقاطعاً]:
ألم تتآمر على العقيد القذافي، وعلى الثورة الليبية في خلال الثلاثين سنة الماضية؟
مصطفى بن حليم:
لم أشترك في أي مؤامرة ضد القذافي، بل عندما قامت جبهة إنقاذ ليبيا بعملها العسكري ضد النظام في ليبيا، انتقدت الدكتور (المقريف) انتقاد شديد.
أحمد منصور:
لماذا؟
مصطفى بن حليم:
(13/246)
لأن المسألة مسألة تغيير بالأفكار، ما ممكن إنا نحنا بالدم نعالج الأمور، ما فيه على أي حال، وبعدين حاجة، أنا غايتي في ليبيا أن يكون فيها إصلاح، أن يتوقف هذا النزيف الفكري، المالي، نزيف الحريات..وربنا يهدي النظام أنا باطلب من الله باضرع له كل يوم أن تتحقق معجزة ويهديهم ويرجعهم عن طريق الضلال إلى طريق الهداية..
أحمد منصور:
بصفتك من العهد، أو من رجال العهد الملكي الرجعي في وصف الثورة الليبية، والآن مضى ثلاثون عاماً تقريباً على قيام ثورة الفاتح من سبتمبر، وليبيا بقيت تحت الاستقلال ثمانية عشر عاماً، وقبلها فترة حكم الملك، كيف تقيم بين العهدين؟
مصطفى بن حليم:
والله.. طبعًا أنا لم.. أنا فرضت على نفسي الغربة بمجرد ما قام الانقلاب، بعدت عنه، ولذلك مثل ما بيقول الفقهاء (الحكم على الشيء فرع من تصوره) ولكني ممكن أن أتصور النظام مما ينشر عنه، ومما أراه من العقيد من تصريحاته ومن كلامه وكذا، من التصرفات اللي سايره، طبعاً المقارنة مفقودة..
أحمد منصور:
كيف مفقودة، أنتم ناس رجعيين، أنتم أفسدتم الحياة السياسية و..
مصطفى بن حليم[مقاطعاً]:
بس إحنا لسنا الرجعيين، يا أخ أحمد، كان عندنا برلمان وراجع مضابطه تجد إنه كانت الحكومة تراعى هذا المجلس..
أحمد منصور:
طيب، أنا –حتى أكون دقيقا- لو قارنا بين الحياة السياسية في عهد الملك والحياة السياسية الآن في العهد التقدمي، في عهد الجماهيرية، في عهد حكم الشعب للشعب.
مصطفى بن حليم:
شوف، هذه أكذوبة كبرى، الشعب ما بيحكم الشعب، اللي بيحكم شعب ليبيا هو معمر القذافي، وكل ما يقال عن غير هذا لا يصدقه فتى في الرابعة عشر من عمره، هذا الكلام كلام.. أرجو أن يقلعوا عن هذا الكلام، في النظام الملكي لم يسجن شخص واحد بدون محاكمة، الآن السجون مليانة.
أحمد منصور:
الناس يقومون بأعمال ضد النظام.
مصطفى بن حليم:
(13/247)
قبل ما تسجنهم حاكمهم، أنا قلت..لم أقل: إن ما كان فيه سجون في ليبيا أيام العهد الملكي.
أحمد منصور:
العقيد القذافي ينفي وجود مساجين سياسيين في ليبيا.
مصطفى بن حليم:
والله كل الأخبار اللي بتبلغنا، إنما السجون مليانة، هذه واحدة، كان فيه مؤسسات تراقب الحكومة، كان فيه بنك ليبيا، كان فيه..
أحمد منصور [مقاطعاً]:
الشعب يراقب، الشعب الليبي يراقب كل شيء.
مصطفى بن حليم:
ما هو رجعنا لنفس الأضحوكة، ما فيه، هذا الكلام كلام لا معنى له، فاضي اللي يتولى الحكم في ليبيا هو العقيد معمر القذافي، أنا أتمنى من الله أن يصلحه..وأن يهديه إلى طريق الصواب..أن يرحم هذا الشعب يا أخي ما فيه أي..
أحمد منصور [مقاطعاً]:
الشعب مبسوط وسعيد.
مصطفى بن حليم:
مين اللي قال هذا الكلام؟ الشعب يا سيدي كل مثقفيه ورجاله الذين يفهمون كلهم صوتوا بأرجلهم، فيه عشرات الآلاف من الليبيين بدرجة الدكتوراة وبدرجة الماجستيرات، كلهم خرجوا من ليبيا، هل هذا معناه الشعب سعيد.
يا أخي.. كان باثنين مليار دولار، كل ما وصلنا من دخل البترول كان الشعب سعيد، ماشي حاله، فيه نوع من الديمقراطية، فيه صحافة وحرية نوعاً ما، سجون ما يدخلها حد إلا بعد محاكمة ما فيه قمع، ما فيه زوار الليل، الآن شوف الحالة اللي موجودة هناك، أنت تصدق إن فيه شعب بيحكم شعب بنفسه؟ تصدق.
أحمد منصور:
الشعب الليبي يحكم نفسه.
مصطفى بن حليم:
رد عليَّ بالله عليك يا أخ أحمد، أنا أسألك أنت، هل تصدق إن ما فيه ديمقراطية في تاريخ البشرية إلا الديمقراطية اللي أقامها معمر القذافي.
أحمد منصور:
هكذا هو يقول.
مصطفى بن حليم:
أنا بأسألك أنت.
أحمد منصور:
أنا لم أذهب إلى ليبيا بعد.
مصطفى بن حليم:
يا أخي، أنا أفهم إنك أنت تتجنب الرد، ولكن هذه المساخر اللي جاية في ليبيا، برغم هذا أتمنى من الله أن يصلح حالهم، وأن يهديهم إلى الطريق..
أحمد منصور:
(13/248)
أنت بدقة، ما هو الذي تعترض عليه في حكم العقيد القذافي؟
مصطفى بن حليم:
الفساد الذي يعادل ألف مرة الفساد اللي كان موجود قبل هيك، يا أخي فيه من أنصار القذافي من يحملوا بلايين الدولارات.
أحمد منصور:
يحملوه فين؟
مصطفى بن حليم:
في بنوك سويسراً، وبنوك أمريكا، وبنوك العالم.
أحمد منصور:
ادعاءات منكم أنتم المعارضة؟
مصطفى بن حليم:
رأيت بعض منهم.
أحمد منصور:
تذكر لنا بعض أسمائهم؟
مصطفى بن حليم:
ما باذكر، مرة ثانية، بدك أضيع الناس في بتاع، يا أخي.
أحمد منصور:
مش هتضيع الناس الآن، مش ناس موجودة في السلطة؟
مصطفى بن حليم:
لا.. موجودين جوه.
أحمد منصور:
وناس نهبوا الأموال كما تقول.
مصطفى بن حليم:
اسمعني بس.
أحمد منصور:
نهبوا أموال الشعب والبلد.
مصطفى بن حليم:
يا سيدي.. يا سيدي.. بلاش من هذه خليني..
أحمد منصور:
350 مليار دولار من أموال النفط تحدث عنها.
مصطفى بن حليم:
قرأت في الجرايد، وسمعت منه إنه تبرع بمائتين مليون دولار، لتعليم الأفريقيين عن طريق اليونسكو، في حين أن المدارس الليبية خربة، ده كتب الدراسة غير موجودة المعلمين لم يتناولوا مرتباتهم لعدة شهور.
أحمد منصور:
شعب مش عايز يتعلم، ماذا يفعل هو؟
مصطفى بن حليم:
لا.. لا.. الدفاع هذا دفاع، يعني، أنا أحترمك أكثر من هذا القول يعني، وبعدين يتبرع بخمسين.. هو والصين مش عارف مين منهم الأكثر، تبرعوا بخمسمائة مليون دولار لنصرة الصرب، الصرب اللي يقتلوا المسلمين، وينتهكوا أعراض المسلمات؟! هذا منشور في الجرايد، ولم يكذب.
أحمد منصور:
الوضع الاقتصادي.
مصطفى بن حليم:
(13/249)
استناني بس، ابنه (محمد القذافي) يتفق مع (مارادونا) يدربه بخمسة مليون دولار، معمر القذافي يقول –من كذا سنة- إنه ما كان عنده ثمن الضحية واستلف من جنود ثمن الضحية، ومظهره ولبسه وحركاته بملايين الدولارات يا أخي الحق بين، تلزمنا الشجاعة، وبرغم هذا أنا لا أحمل ضغينة لأحد، أنا ما يهمني هو أن تصلح أمور هذا الشعب المسكين هذا الشعب بقى له أكثر من قرن وهو ما بين حروب، أو حكم جائر، من الأتراك ثم حرب ضروس مع الطليان، ثم استقلال لفترة بسيطة، ما بدينا نكون دولة إلا جاء معمر القذافي، حاجة غريبة، يعني يتقي الله في شعبه أنا أتمنى أن يصلح الله أموره ويهديه إلى طريق الصواب ويتوقف عن الكلام الفارغ اللي بقوله حتى يجنب ليبيا دماء ثانية ويجنب ليبيا الخراب اللي صار في النفوس الخراب صعب صعب اقتلاعه فيه ثلاثين سنة من الدعاية المركزة..غسيل المخ في ليبيا حاجة غريبة أستطيع أن أكتب، وأحكي، وأعمل..ثلاثمائة وخمسين (350) مليار دولار يا أخ/ أحمد، أين ذهبت؟
أحمد منصور:
أين ذهبت؟ قل لنا أين ذهبت؟
مصطفى بن حليم:
أنا بأسأل، أنا بأسأل.
أحمد منصور:
ذهبت في إيه؟
مصطفى بن حليم:
يا سيدي..يا سيدي قيل في الاقتصاد: إن لا حدود للمال الذي يمكن أن تسرفه، ولكن هناك حدود للمال الذي توظفه توظيف مضبوط.
أحمد منصور:
وُظف في طرق مضبوطة.
مصطفى بن حليم:
وين هم؟ وين هي؟ فين الثلاثمائة وخمسين مليار دولار؟
أحمد منصور:
دعم الشعوب المكافحة في أمريكا الجنوبية وفي إفريقيا، والثورات المختلفة، و غيرها ..
مصطفى بن حليم:
يا أخ أحمد، أن نتنكر لعروبتنا، عروبتنا نتنكر لها ونتجه نحو إفريقيا..
أحمد منصور:
لأن العرب ليس منهم فائدة.
مصطفى بن حليم:
(13/250)
لا.. بالعكس، ما وقف معنا في حربنا الاستقلالية إلا العرب والمسلمين الإمدادات التي كانت تأتي من مصر، لما توقفت صارت مجاعة في ليبيا، الإمدادات والتأييد اللي كان من سوريا، كبار المجاهدين لما انتهى جهادهم لجئوا فين؟ ما لجئوا في إفريقيا، لجئوا عند الملك عبد العزيز، لجأ (سليمان باشا الباروني) لجأ عند سلطان عمان، الحركات المؤيدة للشعب الليبي في سوريا، في الأردن، هذا اللى كان صاير بين الدول العربية، إيش اللي بينا وبين إفريقيا؟ اللي هلكونا في الحرب هم الإريتريين، الفيالق الإريترية والفيالق الصومالية، كان فيه بينا –قبل ما ييجي القذافي، وقبل ما ييجي الاستقلال- كان فيه بينا علاقة مع إفريقيا، ذكرتها لك أربع ملايين وثني اعتنقوا الإسلام على يد الحركة السنوسية، ما فيه مانع إن تكون بينا علاقة مع إفريقيا، لكن أن تصرف مئات الملايين، حتى القذافي يروح يصلي ببعض الإفريقيين، حرام، حرام هذا مال عام، هذا مال شعب، هذا مال مسلمين، يا أخي ليجعلوا نوع من الرقابة المالية، ما فيه ديوان عام.
أحمد منصور [مقاطعاً]:
الشعب يراقب.
مصطفى بن حليم:
فيه ديوان عام كان فيه رئيسه (محمد المقريف)، هو اللي حطه، بعد سنة قدم تقرير سيئ، السنة اللي بعد منها قدم تقرير أسوأ، فقالوه إلى سفير مش عارف في باكستان واللا في الهند، ثم انقلب عليهم وعمل حركة، يا أخي تحتاج إلى رغبة في إصلاح الأمور وخشية لله.
أحمد منصور:
من يتحمل المسؤولية تجاه الأوضاع التي يعيشها الليبيين الآن، بشكل عام؟
مصطفى بن حليم:
في الـ..
أحمد منصور:
منذ 1951م تاريخ الاستقلال وحتى اليوم، خمسين عاماً أنت تشارك في السلطة شاركت في السلطة عشر سنوات متواصلة فيها، من العام 50 إلى العام 60 وكنت قريباً من السلطة إلى العام 69، وبعد ذلك أيضًا –يعني- لك دور في الحياة في ليبيا.
مصطفى بن حليم:
طيب.. إيش مسؤوليتي يعني؟
أحمد منصور:
(13/251)
تقييمك إيه؟ من المسؤول عن هذا الوضع الذي وصلت؟
مصطفى بن حليم:
الآن المسؤول الأول: هو معمر القذافي.
أحمد منصور [مقاطعاً]:
لكن ألم يكن..
مصطفى بن حليم[مستأنفاً]:
المسؤول الثاني هو: الشعب الليبي اللي ما يقوم ينصحه ويقول له: لا، ما يجوز، لكن مع الأسف قمع كل من يعارض وكل من.. وأصبح الشعب يخشى.
أحمد منصور:
ومين المسؤول عن الفترة من 1951م إلى 1969م؟
مصطفى بن حليم:
نعم؟
أحمد منصور:
من المسؤول عن الفترة من 1951م إلى 1969م؟
مصطفى بن حليم:
طبعاً النظام الملكي ونحن فيه، وأنا لا أتهرب من مسؤوليتي، وحتى الأعمال الجيدة اللي قمت بها، ما قمت بها لوحدي، إصلاح الاستقلال من استقلال ناقص إلى استقلال كامل، اشترك فيه عديد من الوزارات، وعملوا أعمال أكثر من أعمالي، وهذا ما كان عمل لفرد واحد، أو لحكومة واحدة.
أحمد منصور:
ما هو الشيء الذي تندم عليه في حياتك السياسية؟
مصطفى بن حليم:
هو أن أرى بلدي، وطني في هذا الوضع، يا أخ/ أحمد أن تضطر إلى الهجرة من بلدك، وللغربة مش مسألة سهلة في هذا العمر المتقدم، وأن تضطر لهذا لأنك لا تشعر بإن القانون له أي احترام، وإنك أنت ما فيه عدالة أمامك، ولا فيه حرية أمامك، وتضطر أن تقبل الغربة أنت، وأولادك، وأحفادك، هذا.. هذه مش تضحية؟ هذا يدلك على إيش؟ على إن الوضع سيئ جدًا، والوضع يود، يرغب في الإصلاح، والإصلاح ممكن لو هداهم الله..أنا لا أود، لا أتمنى أن يقوم انقلاب ثاني يصير دماء، ويصير.. كذا كذا، أتمنى من الله أن يصلحه و..
أحمد منصور [مقاطعاً]:
هل أنت راضٍ عن حياتك السياسية؟
مصطفى بن حليم:
نعم؟
أحمد منصور:
هل أنت راضٍ عن الدور السياسي الذي لعبته في تاريخ ليبيا الحديث؟
مصطفى بن حليم:
(13/252)
والله بقدر الإمكان أنا أشهد لله إني راضي عنه، وأحمد الله على أنه مكني من هذا، وإذا كان وفقت أنا في شيء، فهو بتوفيق من عند الله، وآسف إذا أخطأت بعض الأخطاء، وكلنا يخطئ وكلنا يخطئ.
أحمد منصور:
ما هي رؤيتك لمستقبل ليبيا السياسي؟
مصطفى بن حليم:
كل هذا يتوقف على المسؤولين الآن، ليبيا عندها إمكانات كبرى، ولكن لا معنى، يا سيدي أنا عندي نظرية، ووجدت أنها تطبق مضبوط، أهم عنصر في ثروة بلد هى نوع الزعامة التي تتولى، وهل هي زعامة مسلمة نظيفة تقبل ما يريده الشعب، وتتجاوب معاه، واللا لا؟
أحمد منصور:
ما الذي تقوله في ختام هذه الشهادة -التي تقدمها إلى الأجيال- على العصر؟
مصطفى بن حليم:
أنا أتمنى على الليبيين أن يذكروا ويتذكروا إن في ليبيا كان فيه نظام، وكان فيه تاريخ، وكان فيه عدالة، وكان فيه حرية، وكان فيه إنصاف، وأتمنى من الله أن ينعم عليهم بنفس النعمة هذه في ظروف أحسن، وأن يهدي المسؤولين، وأن يولي خيارهم، ويشتت أشرارهم، وإلى الله أحتكم.
أحمد منصور:
مشاهدينا الكرام، آمل أن تكون هذه الشهادة التي قدمها السيد (مصطفى أحمد بن حليم) رئيس وزراء ليبيا الأسبق، قد أماطت اللثام عن كثير من خفايا وأسرار الحياة السياسية في ليبيا خلال الخمسين عاماً الماضية.
كما آمل أن أوفق دائماً في أن أقدم لكم شهوداً على العصر يضيفون إليكم الكثير، والمزيد من المعلومات عن الحياة السياسية في العالم العربي خلال العقود الخمسة، أو الستة الماضية.
في الختام أنقل لكم تحيات فريق البرنامج، وهذا أحمد منصور يحييكم، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته..(13/253)