سورة يوسف فوائد و فرائد
(1)
محمد بن خالد الخضير
للمراسلة
khdair90@yahoo.com
مقدمة
شرف علم التفسير
الحمد لله وحده ، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده .. وبعد
فإن قيمة أي علم وأهميته إنما تقاس بأهمية المعلوم، والغرض من تعلمه، وبمقدار حاجة العباد إلى ذلك العلم وضرورتهم إليه، ومن ثَم كان علم تفسير القرآن من أجل علوم الشريعة وأرفعها قدرًا، إذ هو أشرف العلوم موضوعا وغرضا وحاجة إليه _ لأن موضوعه كلام الله تعالى الذي هو ينبوع كل حكمة، ومعدن كل فضيلة ولأن الغرض منه هو الاعتصام بالعروة الوثقى والوصول إلى السعادة الحقيقية .
وحاجة الناس إليه وضرورتهم له فوق كل حاجة ، وأعظم من كل ضروروة، وإنما اشتدت الحاجة إليه لأن كل كمال ديني أو دنيوي لا بد وأن يكون موافقا للشرع ، وموافقته تتوقف على العلم بكتاب الله . وبمعرفة التفسير يعرف الإنسان منهج الله الذي أودعه كتابه، وما في هذا المنهج من الراحة والطمأنينة والرفعة والبركة والطهارة، كما يعلم أيضا منهج الشيطان ، ووهو كل منهج خالف منهج القرآن ، وما في هذه المناهج من الفساد والضياع والضنك والضلال ( فمن اتبع هداي فلا يضل ولا يشقى، ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكى ونحشره يوم القيامة أعمى).
الأمر بتدبر القرآن
لما كان القرآن الكريم رسالة الله إلى عباده ودستوره الذي أنزله إليهم ليعملوا به ويتحاكموا إليه كان لابد لهم أن يفتحوا تلك الرسالة ويقرؤوها ويفهموا ما فيها حتى يمكنهم أن ينفذوا ما فيها ويطبقوه؛ ولذلك أمرهم الله سبحانه بتدبره وتفهمه وحثهم عليه فقال سبحانه : ( كتاب أنزلناه إليك مبارك ليدبروا آياته وليتذكر أولوا الألباب ) وقال : ( أفلا يتدبرون القرآن أم على قلوب أقفالها )، ( أفلا يتدبرون القرآن ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا )
وقال تعالى: ( يؤتي الحكمة من يشاء ومن يؤت الحكمة فقد أوتي خيرا كثيرا ) ، قال ابن عباس :(1/1)
"الحكمة: المعرفة بالقرآن ناسخه ومنسوخه ومحكمه ومتشابهه ومقدمه ومؤخره وحلاله وحرامه وأمثاله". (أخرجه ابن أبي حاتم وغيره)
وقال تعالى: (وتلك الأمثال نضربها للناس وما يعقلها إلا العالمون). أخرج ابن أبي حاتم عن عمرو ابن مرة قال: ما مررت بآية في كتاب الله لا أعرفها إلا أحزنتني؛ لأني سمعت الله يقول : " وتلك الأمثال نضربها للناس وما يعقلها إلا العالمون ".
اهتمام السلف بتفسير القرآن
ذكر الإمام الطبري بسنده عن ابن مسعود قال : كان الرجل مِنَّا إذا تعلَّم عَشر آيات لم يجاوزهُنَّ حتى يعرف معانيهُنَّ ، والعمل بهنَّ .
وعن أبي عبد الرحمن السلمي قال: حدثنا الذين كانوا يُقرئوننا القرآن: أنهم كانوا يستقرئون من النبي صلى الله عليه وسلم ، فكانوا إذا تعلَّموا عَشر آيات لم يخلِّفوها حتى يعملوا بما فيها من العلم والعمل ، فتعلَّمنا القرآن والعلم والعمل جميعًا .
وعن عبد الله ـ يعني ابن مسعود ـ قال: والذي لا إله غيره، ما نزلت آية في كتاب الله إلا وأنا أعلم فيمَ نزلت، وأين نزلت، ولو أعلم مكان أحدٍ أعلم بكتاب الله مِنّي تنالُه المطايا لأتيته .
قال ابن عبد البر رحمه الله : فأول العلم حفظ كتاب الله عز وجل وتفهمه ، وكل ما يعين على فهمه فواجب معه .
وقال ابن تيمية رحمه الله : قد فتح الله علَيَّ في هذه المرة من معاني القرآن ومن أصول العلم بأشياء كان كثير من العلماء يتمنونها وندمت على تضييع أكثر أوقاتي في غير معاني القرآن .
قال العلامه الشيخ ابن عثيمين رحمه الله في كتابه أصول التفسير :
"إن من أجل فنون العلم، بل هو أجلها وأشرفها، علم التفسير الذي هو تبيين معاني كلام الله -عز وجل-"؛ لأن شرف العلم يشرف بموضوعه، وموضوع علم التفسير كلام الله -عز وجل- فالاعتناء به أهم من الاعتناء بشرح الحديث، وأهم من الاعتناء بشرح متن من متون العلماء؛ لأنه تفسير لكلام الله -عز وجل- والعلوم تشرف بحسب موضوعها.
لماذا قصة يوسف ؟(1/2)
قصة يوسف لأنها أكمل قصة في القرآن وأشمل .
أيضا فيها عجائب من البلاء والفوائد أيضا لأنه كل من ذكر فيها من الأشخاص كانت نهايتهم سعيدة فهي محل فأل .فقال بعضهم: سميت أحسن القصص؛ لأنها وردت متكاملة من أولها إلى آخرها في نفس السورة، أما بقية القصص فتذكر في عدة مواضع. قصة موسى -عليه السلام- مثلاً، أشمل موضع ذكرت فيه هو سورة القصص، ومع ذلك فصل فيها في سور أخرى.
وقال ابن عطاء: لا يسمع سورة يوسف مخزون إلا استراح إليها
قال العلامة القرطبي: ذكر الله أقاصيص الأنبياء في القرآن، وكررها بمعنى واحد، وفي وجوه مختلفة، وبألفاظ متباينة، على درجات البلاغة والبيان، وذكر قصة يوسف عليه السلام ولم يكررها، فلم يقدر مخالف على معارضة المكرر، ولا على معرضة غير المكرر، والإعجاز واضح لِمَنْ تأمل. وصدق الله {لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لأُوْلِي الأَلْبَابِ}!.
قال ابن القيم رحمه الله في كتابه الجواب الكافي في معرض كلامه عن قصة يوسف :
{ وفي هذه القصة من العبر والفوائد والحكم ما يزيد على ألف فائدة لعلنا إن وفقنا الله أن نفردها في مصنف مستقل }
بَيْن يَدَيْ السُّورَة
…*سورة يوسف إحدى السور المكية التي تناولت قصص الأنبياء، وقد أفردت الحديث عن قصة نبي الله "يوسف بن يعقوب" وما لاقاه عليه السلام من أنواع البلاء، ومن ضروب المحن والشدائد، من إخوته ومن الآخرين، في بيت عزيز مصر، وفي السجن، وفي تآمر النسوة، حتى نجاه الله من ذلك الضيق، والمقصودُ بها تسلية النبي صلى الله عليه وسلم بما مرَّ عليه من الكرب والشدة، وما لاقاه من أذى القريب والبعيد.
* سورة يوسف مكية، نزلت بعد سورة يونس وعدد آياتها إحدى عشرة و مائة(1/3)
وهذا يبين لنا المدة الحرجة التي نزلت فيها السورة، وبالأخص إذا علمنا أن وقت نزولها كان في عام الحزن نزلت سورة يوسف في فترة الحزن على وفاة خديجة-رضي الله عنها-وأبي طالب-عم النبي ?-الذي كان يحميه،وهي فترة اشتدّ فيها أذى المشركين للنبي ? واجترأوا علي لوفاة عمه،ولم تَعُدْ معه الزوجة الصالحة التي كانت تسلِّيه وتواسيه،فكان بحاجة إلى تسلية تخفف عنه ما يلقاه من الأذى وما يعانيه من الحزن
اشتد فيها أذى قريش، حتى أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أذن لأصحابه بالهجرة إلى الحبشة، فقد بلغة الشدة والأذى والابتلاء والتعذيب مبلغها من كفار قريش لصحابة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بل لمحمد - صلى الله عليه وسلم –
فنزلت هذه السورة تسلية للنبي - صلى الله عليه وسلم - ولصحابته، فهي تقول لهم: إن يوسف - عليه السلام - الذي مر بمصائب عظام، وشدائد جسام، ومحن يرقق بعضها بعضاً، قد نجا منها جميعاً، وكانت عاقبته تلك العاقبة الحميدة، فاصبروا كما صبر الرسل، وثقوا بموعود الله لكم، فإنكم بعد هذا البلاء وهذا الأذى ستنتصرون - بإذن الله - ولذلك قال الله - تعالى - في آخرها: "حَتَّى إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا جَاءَهُمْ نَصْرُنَا فَنُجِّيَ مَنْ نَشَاءُ" (يوسف: من الآية110).
إن سورة يوسف تقول لخاتم الأنبياء محمد ? :لئن ابتليت بفقد الأبوين فقد ابتلي يوسف بالحرمان منهما، وبحسَد الإخوة،
ولئن ابتليت بفقد الزوجة المؤمنة الحانية، وفقد العم الشفيق، فقد ابتلي يوسف بقعر بئر لا يجد فيها أنيساً،وبقلوب إخوةٍ لا رحمة فيها وسيارةٍ لا يعنيهم إلا ما يصيبون من الثمن الزهيد،
ولئن ابتليت بالتهم والتشويه فقد اتهم يوسف وسجن بهذه التهم،(1/4)
ولئن تطلَّعَتْ نفسك إلى النصر والرخاء والتمكين فلا تنس أن ذلك كله ابتلاء، فقد ابتلي يوسف بما تشتهيه النفوس فثبتَ،فَابْقَ أنت على ثباتك حين عَرَضُوا عليك أن يسوِّدوك فلا يقطعوا أمرا دونك، وأن يزوجوك مَنْ أحببتَ من نسائهم وأن يجمعوا لك من أموالهم حتى تكونَ أكثرهم مالاً، كما ثبتَ يوسف حين عُرضتْ عليه الشهوة وحين سُوِّدَ وجُعل على خزائن الأرض، واعلم أن العاقبة لك ولدينك والمؤمنين معك كما كانت العاقبة ليوسف.
…*والسورة الكريمة أسلوبٌ فذٌ فريد، في ألفاظها، وتعبيرها، وأدائها، وفي قَصَصها الممتع اللطيف، تسري مع النفس سريان الدم في العروق، وتجري-برقتها وسلاستها- في القلب جريان الروح في الجسد، فهي وإن كانت من السورة المكية، التي تحمل -في الغالب- طابع الإنذار والتهديد، إلا أنها اختلفت عنها في هذا الميدان، فجاءت طريَّةً نَدِيّة، في أسلوب ممتع لطيف، سَلِسٍ رقيق، يحمل جو الأنس والرحمة، والرأفة والحنان،
قال عطاء: "لا يسمع سورة يوسف محزونٌ إلا استراح إليها".…
…*هذا هو جوُّ السورة، وهذه إيحاءاتُها ورموزُها.. تُبشِّر بقرب النصر، لمن تمسَّك بالصبر، وسار على طريق الأنبياء والمرسلين، والدعاء المخلصين، فهي سلوى للقلب، وبلسمٌ للجروح، وقد جرت عادة القرآن الكريم بتكرير القصة في مواطن عديدة، بقصد "العظة والاعتبار" ولكنْ بإيجاز دون توسع، لاستكمال جميع حلقات القصة، وللتشويق إلى سماع الأخبار دون سآمة أو ملل، وأما سورة يوسف فقد ذُكرت حلقاتها هنا متتابعة بإسهاب وإطناب، ولم تكرر في مكان آخر كسائر قَصص الرسل، لتشير إلى "إعجاز القرآن" في المجمل والمفصَّل، وفي حالتي الإيجاز والإطناب، فسبحان المَلِك العلي الوهاب.(1/5)
…قال العلامة القرطبي: ذكر الله أقاصيص الأنبياء في القرآن، وكررها بمعنى واحد، وفي وجوه مختلفة، وبألفاظ متباينة، على درجات البلاغة والبيان، وذكر قصة يوسف عليه السلام ولم يكررها، فلم يقدر مخالف على معارضة المكرر، ولا على معرضة غير المكرر، والإعجاز واضح لِمَنْ تأمل. وصدق الله {لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لأُوْلِي الأَلْبَابِ}!.
قال السعدي رحمه الله :
فإن الله تعالى قصها علينا مبسوطة , وقال في آخرها : { لقد كان في قصصهم عبرة لأولي الألباب } [ سورة يوسف : الآية 111 ] والعبرة ما يعتبر به ويعبر منه إلى معان وأحكام نافعة وتوجيهات إلى الخيرات وتحذير من الهلكات ; وقصص الأنبياء كلها كذلك , لكن هذه القصة خصها الله بقوله : { لقد كان في يوسف وإخوته آيات للسائلين } [ سورة يوسف : الآية 7 ] ففيها آيات وعبر منوعة لكل من يسأل ويريد الهدى والرشاد , لما فيها من التنقلات من حال إلى حال , ومن محنة إلى محنة , ومن محنة إلى منحة , ومنه ومن ذلة ورق إلى عز وملك , ومن فرقة وشتات إلى اجتماع وإدراك غايات , ومن حزن وترح إلى سرور وفرح , ومن رخاء إلى جدب , ومن جدب إلى رخاء , ومن ضيق إلى سعة
المقطع الأول(1/6)
(الر تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْمُبِينِ (1) إِنَّا أَنزَلْنَاهُ قُرْآناً عَرَبِيّاً لَّعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (2) نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ بِمَا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ هَذَا الْقُرْآنَ وَإِن كُنتَ مِن قَبْلِهِ لَمِنَ الْغَافِلِينَ (3) إِذْ قَالَ يُوسُفُ لِأَبِيهِ يَا أَبتِ إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَباً وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي سَاجِدِينَ (4) قَالَ يَا بُنَيَّ لاَ تَقْصُصْ رُؤْيَاكَ عَلَى إِخْوَتِكَ فَيَكِيدُواْ لَكَ كَيْداً إِنَّ الشَّيْطَانَ لِلإِنسَانِ عَدُوٌّ مُّبِينٌ (5) وَكَذَلِكَ يَجْتَبِيكَ رَبُّكَ وَيُعَلِّمُكَ مِن تَأْوِيلِ الأَحَادِيثِ وَيُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَعَلَى آلِ يَعْقُوبَ كَمَا أَتَمَّهَا عَلَى أَبَوَيْكَ مِن قَبْلُ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ إِنَّ رَبَّكَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (6))
المقصود بالحروف المقطعة في القرآن :
قال العلامة الشيخ محمد العثيمين في تفسيره لسورة البقرة :
هذه الحروف الهجائية اختلف العلماء فيها، وفي الحكمة منها على أقوال كثيرة يمكن حصرها في أربعة أقوال
القول الأول: أن لها معنًى؛ واختلف أصحاب هذا القول في تعيينه: هل هو اسم لله عزّ وجلّ؛ أو اسم للسورة؛ أو أنه إشارة إلى مدة هذه الأمة؛ أو نحو ذلك؟
القول الثاني: هي حروف هجائية ليس لها معنًى إطلاقاً..
القول الثالث: لها معنًى الله أعلم به؛ فنجزم بأن لها معنًى؛ ولكن الله أعلم به؛ لأنهم يقولون: إن القرآن لا يمكن أن ينزل إلا بمعنى..
القول الرابع: التوقف، وألا نزيد على تلاوتها؛ ونقول: الله أعلم: أَلَها معنًى، أم لا؛ وإذا كان لها معنًى فلا ندري ما هو..(1/7)
وأصح الأقوال فيها القول الثاني؛ وهو أنها حروف هجائية ليس لها معنًى على الإطلاق؛ وهذا مروي عن مجاهد؛ وحجة هذا القول: أن القرآن نزل بلغة العرب؛ وهذه الحروف ليس لها معنًى في اللغة العربية، مثل ما تقول: ألِف؛ باء؛ تاء؛ ثاء؛ جيم؛ حاء...؛ فهي كذلك حروف هجائية..
أما كونه تعالى اختار هذا الحرف دون غيره، ورتبها هذا الترتيب فهذا ما لا علم لنا به..
هذا بالنسبة لذات هذه الحروف؛ أما بالنسبة للحكمة منها فعلى قول من يعين لها معنًى فإن الحكمة منها: الدلالة على ذلك المعنى . مثل غيرها مما في القرآن..
وأما على قول من يقول: "ليس لها معنًى"؛ أو: "لها معنًى الله أعلم به"؛ أو: "يجب علينا أن نتوقف" فإن الحكمة عند هؤلاء على أرجح الأقوال . وهو الذي اختاره ابن القيم، وشيخ الإسلام ابن تيمية، واختاره تلميذه الحافظ الذهبي، وجمع كثير من أهل العلم . هو الإشارة إلى بيان إعجاز القرآن العظيم، وأن هذا القرآن لم يأتِ بكلمات، أو بحروف خارجة عن نطاق البشر؛ وإنما هو من الحروف التي لا تعدو ما يتكلم به البشر؛ ومع ذلك فقد أعجزهم..
فهذا أبين في الإعجاز؛ لأنه لو كان في القرآن حروف أخرى لا يتكلم الناس بها لم يكن الإعجاز في ذلك واقعاً؛ لكنه بنفس الحروف التي يتكلم بها الناس . ومع هذا فقد أعجزهم .؛ فالحكمة منها ظهور إعجاز القرآن الكريم في أبلغ ما يكون من العبارة؛ قالوا: ويدل على ذلك أنه ما من سورة افتتحت بهذه الحروف إلا وللقرآن فيها ذكر؛ إلا بعض السور القليلة لم يذكر فيها القرآن؛ لكن ذُكر ما كان من خصائص القرآن:.
فهذا القول الذي اختاره شيخ الإسلام ابن تيمية، واختاره جمع من أهل العلم هو الراجح: أن الحكمة من هذا ظهور إعجاز القرآن في أبلغ صوره، حيث إن القرآن لم يأتِ بجديد من الحروف؛ ومع ذلك فإن أهل اللغة العربية عجزوا عن معارضته وهم البلغاء الفصحاء..
قال الشيخ محمد الأمين الشنقيطي رحمه الله في كتابه أضواء البيان :(1/8)
أما القول الذي يدل استقراء القرآن على رجحانه فهو: أن الحروف المقطعة ذكرت في أوائل السور التي ذكرت فيها بياناً لإعجاز القرآن، وأن الخلق عاجزون عن معارضته بمثله مع أنه مركب من هذه الحروف المقطعة التي يتخاطبون بها. وحكى هذا القول الرازي في تفسيره عن المبرد، وجمع من المحققين، وحكاه القرطبي عن الفراء وقطرب، ونصره الزمخشري في الكشاف.
قال ابن كثير: وإليه ذهب الشيخ الإمام العلامة أبو العباس بن تيمية، وشيخنا الحافظ المجتهد أبو الحجاج المزي، وحكاه لي عن ابن تيمية.
ووجه شهادة استقراء القرآن لهذا القول: أن السور التي افتتحت بالحروف المقطعة يذكر فيها دائماً عقب الحروف المقطعة الانتصار للقرآن وبيان إعجازه، وأنه الحق الذي لا شك فيه.
وذكر ذلك بعدها دائماً دليل استقرائي على أن الحروف المقطعة قصد بها إظهار إعجاز القرآن، وأنه حق.
قال تعالى في البقرة: {ال?م?} واتبع ذلك بقوله {ذَالِكَ الْكِتَابُ لاَ رَيْبَ فِيهِ}
وقال في آل عمران {ال?م?} واتبع ذلك بقوله: {اللَّهُ لا? اله إِلاَّ هُوَ الْحَىُّ الْقَيُّومُنَزَّلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ}.
وقال في الأعراف: {ال?م?ص?} ثم قال: {كِتَابٌ أُنزِلَ إِلَيْكَ} الآية.
وقال في سورة يونس: {ال?ر} ثم قال: {تِلْكَ ءايَاتُ الْكِتَابِ الْحَكِيمِ}
وقال في سورة هود {ال?ر} ثم قال: {كِتَابٌ أُحْكِمَتْ ءايَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِن لَّدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ}،
وقال في يوسف: {ال?ر} ثم قال: {تِلْكَ ءايَاتُ الْكِتَابِ الْمُبِينِ} {إِنَّآ أَنْزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا}.
وقال في الرعد: {ال?م?ر} ثم قال: {تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ وَالَّذِى? أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ الْحَقُّ}،
وقال في سورة إبراهيم {ال?ر} ثم قال: {كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ}.(1/9)
وقال في الحجر: {ال?رَ} ثم قال {تِلْكَ ءايَاتُ الْكِتَابِ وَقُرْءَانٍ مُّبِينٍ}
وقال في سورة طه {طه} ثم قال: {مَآ أَنَزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْءَانَ لِتَشْقَى}
وقال في الشعراء: {طس?م?} ثم قال {تِلْكَ ءَايَاتُ الْكِتَابِ الْمُبِينِلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَّفْسَكَ}.
وقال في النمل: {طس?} ثم قال {تِلْكَ ءَايَاتُ الْقُرْءَانِ وَكِتَابٍ مُّبِينٍ}
وقال في القصص {طس?م?} ثم قال {تِلْكَ ءَايَاتُ الْكِتَابِ الْمُبِينِ} {نَتْلُواْ عَلَيْكَ مِن نَّبَإِ مُوسَى وَفِرْعَوْنَ}.
وقال في لقمان {ال?ـم?} ثم قال {تِلْكَ ءاَيَاتُ الْكِتَابِ الْحَكِيمِ} {هُدًى وَرَحْمَةً لِّلْمُحْسِنِينَ}
وقال في السجدة {ال?ـم?} ثم قال {تَنزِيلُ الْكِتَابِ لاَ رَيْبَ فِيهِ مِن رَّبِّ الْعَالَمِينَ}
وقال في يس {يس?} ثم قال {وَالْقُرْءَانِ الْحَكِيمِ}
وقال في ص {وَالْقُرْءَانِ ذِى الذِّكْرِ}
وقال في سورة المؤمن {حم?} ثم قال {تَنزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ}.
وقال في فصلت {حم?} ثم قال {تَنزِيلٌ مِّنَ الرَّحْمَانِ الرَّحِيمِكِتَابٌ فُصِّلَتْ ءَايَاتُهُ قُرْءَاناً عَرَبِيّاً لِّقَوْمٍ يَعْلَمُونَ} وقال في الشورى {حم?ع?س?ق?} ثم قال {كَذَلِكَ يُوحِى? إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكَ}
وقال في الزخرف {حم?} ثم قال {وَالْكِتَابِ الْمُبِينِإِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْءَاناً عَرَبِيّاً}
وقال في الدخان {حم?} ثم قال {وَالْكِتَابِ الْمُبِينِإِنَّآ أَنزَلْنَاهُ فِى لَيْلَةٍ مُّبَارَكَةٍ}
وقال في الجاثية {حم?} ثم قال {تَنزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِإِنَّ فِى السَّمَاوَاتِ وَالاٌّرْضِ لاّيَاتٍ لِّلْمُؤْمِنِينَ}
وقال في الأحقاف {حم?} ثم قال: {تَنزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِمَا خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالاٌّرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَآ إِلاَّ بِالْحَقِّ}.(1/10)
وقال في سورة ق {ق?} ثم قال {وَالْقُرْءَانِ الْمَجِيدِ}.
أن القرآن هو الكتاب المبين الذي يهدي من عقله وتدبره، وينيرُ له السبيلَ ويعصمه من التيه والضلال.
فضل اللغة العربية و أنها لغة القرآن ، قال ابن كثير رحمه الله في تفسيره :
{ وذلك لأن لغة العرب أفصح اللغات وأبينها وأوسعها وأكثرها تأدية للمعاني التي تقوم بالنفوس, فلهذا أنزل أشرف الكتب بأشرف اللغات, على أشرف الرسل بسفارة أشرف الملائكة, وكان ذلك في أشرف بقاع الأرض, وابتدىء إنزاله في أشرف شهور السنة, وهو رمضان, فكمل من كل الوجوه }
أن قصص القرآن أحسن القصص فليس فيه إلا ما يفيد وتؤخذ منه العبر والدروس وتستفاد الأحكام.
( لعلكم تعقلون ) موضوع العقل :العقل هو الذي يعقل به الإنسان الأشياء وبه يميز .ويحتاجه الإنسان في كثير من أمور الدنيا.ويمنع صاحبه مما لا يليق به لذلك سمي حبل الدابة عقال
قاعدة ( العاطفة تعاد إلى العقل والعقل يعاد إلى الشرع )
( أحسن القصص )
قال الامام القرطبي رحمه الله في تفسيره :(1/11)
{ واختلف العلماء لم سميت هذه السورة أحسن القصص من بين سائر الأقاصيص؟ فقيل: لأنه ليست قصة في القرآن تتضمن من العبر والحكم ما تتضمن هذه القصة؛ وبيانه قوله في آخرها: "لقد كان في قصصهم عبرة لأولي الألباب" [يوسف: 111]. وقيل: سماها أحسن القصص لحسن مجاوزة يوسف عن إخوته، وصبره على أذاهم، وعفوه عنهم - بعد الالتقاء بهم - عن ذكر ما تعاطوه، وكرمه في العفو عنهم، حتى قال: "لا تثريب عليكم اليوم" [يوسف: 92]. وقيل: لأن فيها ذكر الأنبياء والصالحين والملائكة والشياطين، والجن والإنس والأنعام والطير، وسير الملوك والممالك، والتجار والعلماء والجهال، والرجال والنساء وحيلهن ومكرهن، وفيها ذكر التوحيد والفقه والسير وتعبير الرؤيا، والسياسة والمعاشرة وتدبير المعاش، وجمل الفوائد التي تصلح للدين والدنيا. وقيل لأن فيها ذكر الحبيب والمحبوب وسيرهما. وقيل: "أحسن" هنا بمعنى أعجب. وقال بعض أهل المعاني: إنما كانت أحسن القصص لأن كل من ذكر فيها كان مآله السعادة؛ انظر إلى يوسف وأبيه وإخوته، وامرأة العزيز؛ قيل: والملك أيضا أسلم بيوسف وحسن إسلامه، ومستعبر الرؤيا الساقي، والشاهد فيما يقال: فما كان أمر الجميع إلا إلى خير.}
القرآن الكريم اشتمل على أحسن القصص فلا معنى لسماع قصص غيره.
أهمية القصة في القرآن .
عني القرآن بالقصص، وأولاها أهمية خاصة لما لها من أثر في العمل والدعوة والتربية والجهاد، ومن عناية القرآن بالقصص، تسمية سورة كاملة بسورة القصص. هذه السورة العظيمة التي تقع بين سورتي النمل والعنكبوت، التي قص الله - جل وعلا - علينا فيها نبأ موسى وفرعون وهامان وقارون من أولها إلى آخرها، يتجلى فيها هذا المعنى.(1/12)
وفي سورة الكهف قص الله عدداً من القصص،ومن جملتها قصة موسى مع الخضر التي يقول النبي - صلى الله عليه وسلم - فيها: "وددنا أن موسى صبر حتى يقص الله علينا من أمرهما"(2) ، وما ذاك إلاّ لفوائد القصص، فالقصة أيها الأحبة مؤثرة، واستخدامها كما استخدمت في القرآن والسنة، يؤدي إلى نتائج باهرة عجيبة يصعب حصرها في هذه العجالة، ولذلك كان محمد - صلى الله عليه وسلم - وهو قدوتنا وأسوتنا يعنى بالقصة مع صحابته، يأتونه يشكون إليه أمراً من الأمور، فيعالج الأمر بقصة، عندما جاؤوا وهو في ظل الكعبة، فقالوا له: يا رسول الله ألا تدع لنا، ألا تستنصر لنا، فإذا به - صلى الله عليه وسلم - يعالج هذا الموقف بداية بذكر قصة من أخبار القرون الماضية "كان الرجل فيمن كان قبلكم يؤتى به فيوضع في الحفرة ويشق مابين لحمه وعظمه..." الحديث(3).
وكتب السنة فيها عشرات القصص، التي تعالج قضايا اجتماعية .
والقصة في القرآن على ثلاثة أقسام :
1- قسم عن الأنبياء والرسل ، وما جرى لهم مع المؤمنين بهم والكافرين .
2- وقسم عن أفراد وطوائف ، جرى لهم ما فيه عبرة ، فنقلة الله تعالى عنهم ، كقصة مريم ، ولقمان ، والذي مر على قرية وهي خاوية على عروشها ، وذي القرنين ، وقارون ، وأصحاب الكهف ، وأصحاب الفيل ، وأصحاب الأخدود وغير ذلك .
3- وقسم عن حوادث وأقوام في عهد النبي صلى الله عليه وسلم ، كقصة غزوة بدر ، وأحد ، والأحزاب ، وبني قريظة ، وبني النضير ، وزيد بن حارثة ، وأبي لهب ، وغير ذلك .
وللقصص في القرآن حكم كثيرة عظيمة منها :
1- بيان حكمة الله تعالى فيما تضمنته هذه القصص ؛ قوله تعالى : (وَلَقَدْ جَاءَهُمْ مِنَ الْأَنْبَاءِ مَا فِيهِ مُزْدَجَرٌ) (القمر:4) (حِكْمَةٌ بَالِغَةٌ فَمَا تُغْنِ النُّذُرُ) (القمر:5)(1/13)
2- بيان عدله تعالى بعقوبة المكذبين ؛ لقوله تعالى عن المكذبين : ( وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ وَلَكِنْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ فَمَا أَغْنَتْ عَنْهُمْ آلِهَتُهُمُ الَّتِي يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ لَمَّا جَاءَ أَمْرُ رَبِّك)(هود: الآية 101)
3- بيان فضله تعالى بمثوبة المؤمنين ؛ لقوله تعالى : (إِلَّا آلَ لُوطٍ نَجَّيْنَاهُمْ بِسَحَر نعمة من عندنا كذلك نجزي من شكر ٍ) (القمر:34-35)
4- تسلية النبي صلى الله عليه وسلم عما أصابه من المكذبين له ؛ لقوله تعالى : (وَإِنْ يُكَذِّبُوكَ فَقَدْ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ جَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ وَبِالزُّبُرِ وَبِالْكِتَابِ الْمُنِيرِ) (فاطر:25) (ثُمَّ أَخَذْتُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَكَيْفَ كَانَ نَكِيرِ) (فاطر:26) .
5- ترغيب المؤمنين في الإيمان بالثبات عليه والازدياد منه ، إذ علموا نجاة المؤمنين السابقين، وانتصار من أمروا بالجهاد ، لقوله تعالى : (فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ) (الأنبياء:88) وقوله : (وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ رُسُلاً إِلَى قَوْمِهِمْ فَجَاءُوهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَانْتَقَمْنَا مِنَ الَّذِينَ أَجْرَمُوا وَكَانَ حَقّاً عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ) (الروم:47)
6- تحذير الكافرين من الاستمرار في كفرهم ، لقوله تعالى : (أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ دَمَّرَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَلِلْكَافِرِينَ أَمْثَالُهَا) (محمد:10) .(1/14)
7- إثبات رسالة النبي صلى الله عليه وسلم فإن أخبار الأمم السابقة لا يعلمها إلا الله عز وجل ، لقوله تعالى: (تِلْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهَا إِلَيْكَ مَا كُنْتَ تَعْلَمُهَا أَنْتَ وَلا قَوْمُكَ مِنْ قَبْلِ هَذَا فَاصْبِرْ إِنَّ الْعَاقِبَةَ لِلْمُتَّقِينَ) (هود:49) وقوله: (أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَبَأُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ قَوْمِ نُوحٍ وَعَادٍ وَثَمُودَ وَالَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ لا يَعْلَمُهُمْ إِلَّا اللَّهُ )(إبراهيم: الآية 9) .
ما فيها من الأدلة على صحة نبوة محمد صلى الله عليه وسلم، حيث قصَّ على قومه هذه القصة الطويلة، وهو لم يقرأ كتب الأولين ولا دارس أحدا.
يراه قومه بين أظهرهم صباحا ومساء، وهو أمِّيٌّ لا يخط ولا يقرأ، وهي موافقة، لما في الكتب السابقة، وما كان لديهم إذ أجمعوا أمرهم وهم يمكرون.
قوة الارتباط بين الابن وأبيه حيث ربي الابن على الرجوع إلى أبيه في كل شئ .وهذا من أهم أمور التربية ولابد أن ينمى في نفوس الأطفال
* العلاقة الوثيقة بين الوالدين و أبنائهم من الأولاد و البنات و أهمية ذلك ...
* أن تكون هذه العلاقة مبنية على الصراحة و الاستماع الى مشاكلهم و ما يواجهونه في الحياة
* حتى لا يبحث أبناؤنا عن البديل الذي يجدون فيه حل لمشاكهلم و قد يكون هذا البديل حسن أو سيء
* أكثر من يعرف خطورة هذه المسألة أهل التربية و التعليم .
* لنا في نبينا صلى الله عليه و سلم قدوة في معاملته مع الصغار و الكبار و كيف كان يستمع اليهم و يوجههم
قصة الشاب الذي طلب من النبي صلى الله عليه و سلم أن يأذن له بالزنا .
الأدب مع الوالدين بعدم منادتهما بأسمائهما ( ياأبتي ، أبي ، والدي .......)
منادة الأبناء بأحب الألقاب و تسميتهم بأحسن الأسماء فقد كان يعقوب عليه السلام ينادي أبناءه "يا بني" وحتى في المواقف العصيبة، ظل عليه السلام الأب الحاني الذي يشملهم بأبوته العظيمة. …(1/15)
"قال يا بني لا تقصص رؤياك على إخوتك فيكيدوا لك كيدا" آية 5
"قال يا بني لا تدخلوا من باب واحد وادخلوا من أبواب متفرقة" آية67
"يا بني اذهبوا فتحسسوا من يوسف وأخيه وتيأسوا من روح الله" آية87
أن الرؤيا الصالحة من الله وذلك لأن يوسف رأى رؤيا حق و أمره أبوه ألا يقص الرؤيا على اخوته .
أن رؤيا الصغار تقع وقد يكون لها شأن عظيم للأمة .
أن كتم التحدث بالنعمة للمصلحه جائز[ استعينوا على إنجاح الحوائج بالكتمان ، فإن كل ذي نعمة محسود ] صححه الألباني و لذلك قال (لا تقصص رؤياك على اخوتك) مع إن الرؤيا نعمة هنا ( فيكيدوا لك كيدا ) إذاً لو كتم إنسان نعمة الله عليه و لم يفشها لئلا يتضرر من الحسد فهذا لا بأس به ، وأما التحدث بالنعمة فيكون عند أمْن الحسد فيذكر الإنسان نعمة ربه عليه .
حسن توجيه يعقوب عليه السلام( يا بني لا تقصص ......) جمع بين النهي والتعليل والتوجيه وهذا غاية التربية مع الابن فليس أمر ونهي فقط . كذلك حادثة النبي صلى الله عليه وسلم مع الحسن رضي الله عنه عندما أخذ منه تمره الصدقة قال له كخ كخ لم يكتفي بالنهي فقط بل زاد أما علمت أنا لا نأخذ الصدقة كأنه يخاطب رجل .
16- أن الشيطان يدخل بين الإخوة ، فيوغر صدور بعضهم على بعض مع كونهم أشقاء فيصيرهم أعداء
و لذلك لا بد من تحصين الأبناء و ذلك بالتوجيه و تعويدهم على الأذكار في الصباح و المساء وعند النوم.
أن على الأب أن يعدل بين أولاده ما أمكن وانه لو كان أحد الأولاد يستحق مزيد عناية فإن على الأب ألا يظهر ذلك قدر الإمكان حتى لا يوغر صدور الاخرين .(1/16)
أن الله سبحانه و تعالى يجتبى من يشاء من عباده و يصطفى و هذا الاصطفاء من الله عز و جل نعمه ، فأنت مثلاً تأمَّل كيف أن الله سبحانه وتعالى اصطفاك فلم يجعلك جماداً بل جعلك إنساناً ، تأمل كيف اصطفاك الله فلم يجعلك كافراً بل جعلك مسلماً ، تأمل أن الله عز وجل لم يجعلك من أهل الكبائر الفسقه المجرمين من أهل البدعة بل جعلك من أهل السنة ، وإذا لم تكن من أهل الكبائر فتأمل اصطفاء الله ولم يجعلك من أهل الكبائر وجعلك من أهل الاستقامة والطاعة والدين ، وإذا كنت طالب علم فان الله اصطفاك اصطفاء أخر بأن جعلك صاحب علم ، وإذا كنت داعيه فهذا اصطفاء أخر من الله بأن جعلك ليس فقط من أصحاب العلم بل جعلك تدعو إلى هذا العلم ، وهكذا ، فإذا هي اصطفاءات من الله سبحانه و تعالى للعباد .
أن البيت الطيب يخرج منه الابن الطيب انظر إلي قوله تعالى (وَكَذَلِكَ يَجْتَبِيكَ رَبُّكَ وَيُعَلِّمُكَ مِن تَأْوِيلِ الأَحَادِيثِ وَيُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَعَلَى آلِ يَعْقُوبَ كَمَا أَتَمَّهَا عَلَى أَبَوَيْكَ مِن قَبْلُ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ إِنَّ رَبَّكَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ ) .
ربط الأبناء بآبائهم الصالحين (ويعلمك ربك من تأويل الأحاديث ويتم نعمته عليك وعلى آل يعقوب ....)الآيات .
أن الأجداد يقال لهم أباء ,كذلك الأعمام .
إعادة الفضل لأهله (وكذلك يجتبيك ربك ...) الآيات.وهذا ظاهر في قصة يوسف .عكس ما قال قارون (إنما أوتيته على علم عندي ..) قبله إبليس (قال أنا خير منه ..)
أن في قصة يوسف وإخوته آياتٌ وعبرٌ وعظاتٌ من أعظمها أن الابتلاء سنة ماضية،والنصر لمن اتقى وصبر.(1/17)
أن نعمة الله على العبد، نعمة على من يتعلق به من أهل بيته وأقاربه وأصحابه، وأنه ربما شملتهم، وحصل لهم ما حصل له بسببه، كما قال يعقوب في تفسيره لرؤيا يوسف { وَكَذَلِكَ يَجْتَبِيكَ رَبُّكَ وَيُعَلِّمُكَ مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ وَيُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَعَلَى آلِ يَعْقُوبَ } ولما تمت النعمة على يوسف، حصل لآل يعقوب من العز والتمكين في الأرض والسرور والغبطة ما حصل بسبب يوسف.( السعدي تفسيره )…
وقفة مع الرؤيا :
قال العلامة السعدي رحمه الله :
{ فمن فوائد هذه السورة أن فيها أصولا لعلم تعبير الرؤيا , فإن علم تعبير الرؤيا علم عظيم مهم , مبناه على حسن الفهم , والعبور من الألفاظ والمحسوسات والمعنويات أو ما يناسبها بحسب حال الرائي وبحسب الوقت والحال المتعلقة بالرؤيا , وقد أثنى الله على يوسف عليه الصلاة والسلام بعلمه بتأويل الأحاديث , تأويل أحاديث الأحكام الشرعية والأحاديث المتعلقة بتعبير الرؤيا }
* الرؤيا الصادقة وهي من أجزاء النبوة كما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال الرؤيا الصادقة جزء من ستة وأربعين جزءا من النبوة .( البخاري 6472 ومسلم 4201)
* والرؤيا مبدأ الوحي .( البخاري 3 وسلم 231 )
* وصدقها بحسب صدق الرائي ، وأصدق الناس رؤيا أصدقهم حديثا . ( مسلم 4200 )
وهي عند اقتراب الزمان لا تكاد تخطىء كما قال النبي صلى الله عليه وسلم وذلك لبعد العهد بالنبوة وآثارها فيكون للمؤمنين شيء من العوض بالرؤيا التي فيها بشارة لهم أو تصبير وتثبيت على الدّين . ( البخاري 6499 وسلم 4200 )
أن ما يراه النائم ينقسم إلى أقسام ثلاثة :
1- الرؤيا من الله .
2- تخويف الشيطان .
3- أحاديث النفس .
وقال النبي صلى الله عليه وسلم "الرؤيا ثلاثة رؤيا من الله ورؤيا تحزين من الشيطان ورؤيا مما يحدث به الرجل نفسه في اليقظة فيراه في المنام" . ( البخاري 6499 ومسلم 4200 )(1/18)
* ورؤيا الأنبياء وحي فإنها معصومة من الشيطان وهذا باتفاق الأمة ولهذا أقدم الخليل على تنفيذ أمر الله له في المنام بذبح ابنه إسماعيل عليهما السلام .
* وأما رؤيا غير الأنبياء فتُعرض على الوحي الصريح فإن وافقته وإلا لم يعمل بها . وهذا مسألة خطيرة جدا ضلّ بها كثير من المُبتدعة من الصوفية وغيرهم .
* ومن أراد أن تصدق رؤياه فليتحرّ الصدق وأكل الحلال والمحافظة على الأمر الشرعي واجتناب ما نهى الله عنه ورسوله صلى الله عليه وسلم وينام على طهارة كاملة مستقبل القبلة ويذكر الله حتى تغلبه عيناه فإن رؤياه لا تكاد تكذب البتة .
وأصدق الرؤى رؤى الأسحار فإنه وقت النزول الإلهي واقتراب الرحمة والمغفرة وسكون الشياطين وعكسه رؤيا العَتَمة عند انتشار الشياطين والأرواح الشيطانية .
إذا رأى في منامه ما يكره فيسن له إذا أصبح أو استيقظ :
- الاستعاذة بالله من شر ما رأى .
- الاستعاذة من الشيطان ثلاثاً .
- التفل عن اليسار ثلاثاً .
- التحوّل عن الجنب الذي كان نائماً عليه .
- الصلاة .
- أن لا يحدث بها أحداً .
- ولا يفسرها لنفسه .
وإن رأى في منامه ما يسره ويعجبه فيسن له حين يصبح أو يستيقظ :
- أن يحمد الله تعالى عليها .
- أن يستبشر بها .
- أن يتحدث بها لمن يحب دون من يكره .
- أن يفسرها تفسيرا حسناً صحيحاً .
ودليل ذلك كله الآثار الواردة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم :
جاء عند البخاري عن ابي سعيد الخدري رضي الله عنه أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول : " إذا رأى أحدكم رؤيا يحبها فإنما هي من الله فليحمد الله عليها وليحدث بها ، وإذا رأى غير ذلك ممايكره فإنما هي من الشيطان فليستعذ من شرها ولا يذكرها لأحد فإنها لا تضره "
وعند الترمذي عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إذا رأى أحدكم الرؤيا الحسنة فليفسرها وليخبر بها ، وإذا رأى الرؤيا القبيحة فلا يفسرها ولا يخبر بها "(1/19)
وعند الشيخين عن أبي سلمة رضي الله عنه قال : لقد كنت أرى الرؤيا فتمرضني حتى سمعت أبا قتادة يقول : وأنا كنت أرى الرؤيا تمرضني حتى سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول : " الرؤيا الحسنة من الله فإذا رأى أحدكم ما يحب فلا يحدث به إلا من يحب ، وإذا رأى ما يكره فليتعوذ بالله من شرها ومن شر الشيطان وليتفل ثلاثاً ولا يحدث بها أحدا فإنها لن تضره "
وفي رواية لمسلم : " فإن رأى رؤيا حسنة فليبشر "
وعند مسلم من حديث جابر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " إذا رأى أحدكم الرؤيا يكرهها فليبصق عن يساره ثلاثاً وليستعذ بالله من الشيطان ثلاثاً وليتحوّل عن جنبه الذي كان عليه "
وعنده من حديث أبي هريرة : " فإن رأى ما يكره فليقم فليصلّ ولا يحدث بها الناس
* حكم الكذب في الرؤيا .
قال صلى الله عليه وسلم : (من تحلم ما لم يحلم كلف أن يعقد بين شعيرتين)
لا يجزم بالتعبير وإنما هي بشرى لـ: أ- لأنه قد يكون الرائي كاذب . ب- وقد لا يكون الرأي دقيق في نقل الرؤيا . ج- ولا تدري هل هي رؤيا صالحة أو حديث نفس أو من الشيطان . د- قد لايكون المعبر من أهل التعبير لأنها صارت تجارة . هـ - أن المعبر قد يصيب أو يخطئ
المقطع الثاني
لَّقَدْ كَانَ فِي يُوسُفَ وَإِخْوَتِهِ آيَاتٌ لِّلسَّائِلِينَ (7) إِذْ قَالُواْ لَيُوسُفُ وَأَخُوهُ أَحَبُّ إِلَى أَبِينَا مِنَّا وَنَحْنُ عُصْبَةٌ إِنَّ أَبَانَا لَفِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ (8) اقْتُلُواْ يُوسُفَ أَوِ اطْرَحُوهُ أَرْضاً يَخْلُ لَكُمْ وَجْهُ أَبِيكُمْ وَتَكُونُواْ مِن بَعْدِهِ قَوْماً صَالِحِينَ (9) قَالَ قائل مَّنْهُمْ لاَ تَقْتُلُواْ يُوسُفَ وَأَلْقُوهُ فِي غَيَابَةِ الْجُبِّ يَلْتَقِطْهُ بَعْضُ السَّيَّارَةِ إِن كُنتُمْ فَاعِلِينَ (10)
26-أن في قصة يوسف وإخوته آياتٌ وعبرٌ وعظاتٌ من أعظمها أن الابتلاء سنة ماضية،والنصر لمن اتقى وصبر.(1/20)
27- أن الغيرة تدفع أصحابها للضرر والإيذاء فإنه لما غاروا من أخيهم سعوا في إيذاءه .
28- أن هذه الغيرة يمكن أن تؤدى إلي الكيد والقتل و ليس مجرد الإيذاء فان هذه القضية قد أوصلتهم إلى أن يسعوا إلى قتل أخيهم (اقتلوا يوسف)
29- تبييت التوبة قبل الذنب توبة فاسدة ؛ يعنى إذا قال أحد نذنب ثم نتوب فهو مجرد ذنب ثم نستقيم ...... فلنذنب ، هذه توبة فاسدة ، لماذا ؟ قال تعالى (اقْتُلُواْ يُوسُفَ أَوِ اطْرَحُوهُ أَرْضاً يَخْلُ لَكُمْ وَجْهُ أَبِيكُمْ وَتَكُونُواْ مِن بَعْدِهِ قَوْماً صَالِحِينَ) إذاً هم قالوا نذنب ثم نتوب ، هذه توبة فاسدة . وما أدراهم أنهم سيستقيمون على الدين و الصلاح ، فبعض الناس يقول له الشيطان أنت الآن أذنِب ثم تتوب ، فينتكس هذا المسكين و يذهب على وجهه في المعاصي .
30- خطوات الشيطان في الاضلال
قال الله تعالى : ( يَأَيُّهَا اْلنَّاسُ كُلُواْ مِمَّاْ فِي الأَرْضِ حَلاَلاً طَيِّباً وَلاَ تَتَّبِعُواْ خُطُوَتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ ) ( البقرة :
قال الله تعالى: ( إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاْتَّخِذُوْهُ عَدُوًّا إِنَّمَاْ يَدْعُواْ حِزْبَهُ لِيَكُوْنُواْ مِنْ أَصْحَبِ اْلسَّعِيْرِ )
قال الله تعالى : ( وَلَقَدْ صَدَّقَ عَلَيْهِمْ إِبْلِيْسُ ظَنَّهُ فَاتَّبَعُوهُ إِلاَّ فَرِيقًا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ ) ( سبأ : 20)
من أساليب الشيطان : التزيين – التلبيس – التسويف – تهوين المعصية –
الأماني و حصائد الغرور { يَعِدُهُمْ وَيُمَنّيهِمْ وَمَا يَعِدُهُمْ الشَّيْطَانُ إِلاَّ غُرُوراً } [النساء:120]. { وَمَا كَانَ لِىَ عَلَيْكُمْ مّن سُلْطَانٍ إِلاَّ أَن دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِى فَلاَ تَلُومُونِى وَلُومُواْ أَنفُسَكُمْ } [إبراهيم:22]. { فَلَمَّا تَرَاءتِ الْفِئَتَانِ نَكَصَ عَلَى عَقِبَيْهِ وَقَالَ إِنّي بَرِىء مّنْكُمْ }(1/21)
31/ أن بعض الشر أهون من بعض، وارتكاب أخف الضررين أولى من ارتكاب أعظمهما، فإن إخوة يوسف، لما اتفقوا على قتل يوسف أو إلقائه أرضا، وقال قائل منهم: { لَا تَقْتُلُوا يُوسُفَ وَأَلْقُوهُ فِي غَيَابَةِ الْجُبِّ } كان قوله أحسن منهم وأخف، وبسببه خف عن إخوته الإثم الكبير .
32- مسألة :
هل أخوة يوسف أنبياء أم لا ؟
اختلف العلماء في هذه المسألة فذهب بعض أهل العلم الى أنهم أنبياء بينما ذهب آخرون الى أنهم ليسوا بأنبياء
قال ابن كثير رحمه الله في تفسيره :
{ واعلم أنه لم يقم دليل على نبوة إخوة يوسف, وظاهر هذا السياق يدل على خلاف ذلك, ومن الناس من يزعم أنهم أوحي إليهم بعد ذلك, وفي هذا نظر, ويحتاج مدعي ذلك إلى دليل, ولم يذكروا سوى قوله تعالى: {قولوا آمنا بالله وما أنزل إلينا وما أنزل إلى إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط} وهذا فيه احتمال لأن بطون بني إسرائيل يقال لهم الأسباط, كما يقال للعرب قبائل وللعجم شعوب, يذكر تعالى أنه أوحى إلى الأنبياء من أسباط بني إسرائيل فذكرهم إجمالاً لأنهم كثيرون, ولكن كل سبط من نسل رجل من إخوة يوسف, ولم يقم دليل على أعيان هؤلاء أنهم أوحي إليهم, والله أعلم }
قال القرطبي رحمه الله في تفسيره :
{ ومن هذا ومن فعلهم بيوسف يدل على أنهم كانوا غير أنبياء في ذلك الوقت، ووقع في كتاب الطبري لابن زيد أنهم كانوا أنبياء، وهذا يرده القطع بعصمة الأنبياء عن الحسد الدنيوي، وعن عقوق الآباء، وتعريض مؤمن للهلاك، والتآمر في قتله، ولا التفات لقول من قال إنهم كانوا أنبياء، ولا يستحيل في العقل زلة نبي، إلا أن هذه الزلة قد جمعت أنواعا من الكبائر، وقد أجمع المسلمون على عصمتهم منها، وإنما اختلفوا في الصغائر على ما تقدم ويأتي }(1/22)
وقال ابن عطية المفسر رحمه الله في تفسير قوله تعالى: "يا بني لا تقصص رؤياك على إخوتك" الآية: (تقتضي هذه الآية أن يعقوب عليه السلام كان يحس من بنيه حسد يوسف وبغضته، فنهاه عن قصص الرؤيا عليهم، خوفاً أن يشعل بذلك غل صدروهم، فيعملوا الحيلة في هلاكه، ومن هنا ومن فعلهم بيوسف – الذي يأتي ذكره – يظهر أنهم لم يكونوا أنبياء، وهذا يرده القطع بعصمة الأنبياء عن الحسد الدنيوي، وعن عقوق الأنبياء، وتعريض مؤمن للهلاك، والتوافر على قتله).9
وقال شيخ الإسلام أحمد بن عبد الحليم بن تيمية رحمه الله وقد سئل عن إخوة يوسف هل كانوا أنبياء؟: (الذي يدل عليه القرآن واللغة والاعتبار أن إخوة يوسف ليسوا بأنبياء، وليس في القرآن، وليس عن النبي صلى الله عليه وسلم، بل ولا عن أصحابه خبر بأن الله تعالى نبأهم، وإنما احتج من قال أنهم نبئوا بقوله في آيتي البقرة والنساء "والأسباط"، وفسر الأسباط بأنهم أولاد يعقوب، والصواب أنه ليس المراد بهم أولاده لصلبه بل ذُرِّيَّتُه، كما يقال فيهم أيضاً "بنو إسرائيل"، وكان في ذريته الأنبياء، فالأسباط من بني إسرائيل كالقبائل من بني إسماعيل.
و الشيخ السعدي رحمه الله له قولان في المسألة :
فقد قال في كتابه فوائد من قصة يوسف :
{ قيل إن الله جعلهم أنبياء , كما قاله غير واحد من المفسرين في تفسير الأسباط : إنهم إخوة يوسف الاثنا عشر . وقيل بل كانوا قوما صالحين ; كما قاله آخرون ; وهو الظاهر , لأن المراد بالأسباط قبائل بني إسرائيل , وهو اسم لعموم القبيلة لأولاد يعقوب الاثني عشر فهم آباء الأسباط وهم من الأسباط ولهذا في رؤيا يوسف رآهم بمنزلة الكواكب في إشراقها وعلوها , وهذه صفة أهل العلم والإيمان والله أعلم }
و قال في تفسيره تيسير الكريم الرحمن :(1/23)
{ ولهذا - في أصح الأقوال - أنهم كانوا أنبياء لقوله تعالى: { وَأَوْحَيْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ } وهم أولاد يعقوب الاثنا عشر وذريتهم، ومما يدل على ذلك أن في رؤيا يوسف، أنه رآهم كواكب نيرة، والكواكب فيها النور والهداية الذي من صفات الأنبياء، فإن لم يكونوا أنبياء فإنهم علماء هداة }
المقطع الثالث
(قَالُواْ يَا أَبَانَا مَا لَكَ لاَ تَأْمَنَّا عَلَى يُوسُفَ وَإِنَّا لَهُ لَنَاصِحُونَ (11) أَرْسِلْهُ مَعَنَا غَداً يَرْتَعْ وَيَلْعَبْ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ (12) قَالَ إِنِّي لَيَحْزُنُنِي أَن تَذْهَبُواْ بِهِ وَأَخَافُ أَن يَأْكُلَهُ الذِّئْبُ وَأَنتُمْ عَنْهُ غَافِلُونَ 13) قَالُواْ لَئِنْ أَكَلَهُ الذِّئْبُ وَنَحْنُ عُصْبَةٌ إِنَّا إِذاً لَّخَاسِرُونَ (14) فَلَمَّا ذَهَبُواْ بِهِ وَأَجْمَعُواْ أَن يَجْعَلُوهُ فِي غَيَابَةِ الْجُبِّ وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِ لَتُنَبِّئَنَّهُم بِأَمْرِهِمْ هَذَا وَهُمْ لاَ يَشْعُرُونَ (15) وجاءوا أَبَاهُمْ عِشَاء يَبْكُونَ (16) قَالُواْ يَا أَبَانَا إِنَّا ذَهَبْنَا نَسْتَبِقُ وَتَرَكْنَا يُوسُفَ عِندَ مَتَاعِنَا فَأَكَلَهُ الذِّئْبُ وَمَا أَنتَ بِمُؤْمِنٍ لِّنَا وَلَوْ كُنَّا صَادِقِينَ (17) وجاءوا عَلَى قَمِيصِهِ بِدَمٍ كَذِبٍ قَالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنفُسُكُمْ أَمْراً فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ (18)
33- أن الإنسان إذا ظن سوء بإنسان فلا يصلح أن يلقنه حجة لأنه يستخدمها عليه ولذلك يعقوب لما قال (وأخاف أن يأكله الذئب ) هو لقنهم حجه استعملوها بعد ذلك قالوا حصل ما تكره وتركنا يوسف عند متاعنا وأكله الذئب ، لذا لا ينبغي لإنسان إن شك في شخص أن يلقنه حجة يمكن أن يستخدمها بعد ذلك .
34- تقرير قاعدة: لا حذر مع القدر أي لا حذر ينفع في ردّ المقدور.(1/24)
35- أن المتظاهر بالأمر ينكشف أمره لأهل البصيرة ولو استخدم التمثيل فإنهم جاءوا أباهم عشاء يبكون فهذا تمثيل (قَالُواْ يَا أَبَانَا إِنَّا ذَهَبْنَا نَسْتَبِقُ وَتَرَكْنَا يُوسُفَ عِندَ مَتَاعِنَا فَأَكَلَهُ الذِّئْبُ) .
- فضح أهل المعاصي و انهم معروفون من تصرفاتهم و أعمالهم و أقوالهم
36- العمل بالقرائن ومشروعية العمل بالقرائن فإن يعقوب رأى قميصاً لم تعمل فيه أنياب الذئاب قميص سليم مغموس بدم فكيف أكله الذئب- ما هذا الذئب الذي له ذوق يأتي للولد ويخلع قميصه ثم يأكله-كيف يأكله الذئب والقميص سليم ما به تمزيق .
37- جواز المسابقة ومشروعيتها ، فالمسابقة تكون على الخيل و السهام …..لا تبقى إلا في نصل أو خف أو حافر أي على الإبل و الخيل و السهام .
38- إنباء المشكوك في أمره بذلك لعله يتوب قال ( بل سولت لكم أنفسكم )
39- الصبر الجميل ما هو الفرق بينه وبين الصبر العادي
الصبر الجميل : قال العلماء الذين ليس فيه تشكي ولا جزع يعني يصبر بدون تشكي ولا جزع
40- ان مع العسر يسرا و بشارة ليوسف عليه السلام بأنه سينجو مما وقع فيه و أن الله سيجمعه بأهله و أخوته على وجه العز و التمكين ....
قال الرازي: وفائدة هذا الوحي تأنيسُه، وتسكينُ نفسه، وإزالةُ الغمّ والوحشةِ عن قلبه، بأنه سيحصل له الخلاص من هذه المحنة
41- أن الله عز و جل ثبَّت يوسف من بدء أمره فإنه لما كان في البئر (وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِ لَتُنَبِّئَنَّهُم بِأَمْرِهِمْ هَذَا وَهُمْ لاَ يَشْعُرُونَ) ولكن ومتى تحدث هذه التنبئة ؟ بعد حين
42- {وَمَا أَنْتَ بِمُؤْمِنٍ لَنَا وَلَوْ كُنَّا صَادِقِينَ} أي لست بمصدّق لنا في هذه المقالة ولو كنا في الواقع صادقين، فكيف وأنت تتهمنا وغير واثق بقولنا؟ وهذا القول منهم يدل على الارتياب، وكما قيل: يكاد المريبُ يقول خذوني(1/25)
43- الحذر من الذنوب , خصوصا الذنوب التي يترتب عليها ذنوب أخر ويتسلسل شرها , كما فعل إخوة يوسف بيوسف , فإنه نفس فعلهم فيه عدة جرائم في حق الله وفي حق والديه وقرابته وفي حق يوسف ; ثم يتسلسل كذبهم كلما جرى ذكر يوسف وقضيته أخبروا بهذا الكذب الفظيع ولهذا حين تابوا وخضعوا وطلبوا من أبيهم السماح : { قالوا يا أبانا استغفر لنا ذنوبنا إنا كنا خاطئين } [ سورة يوسف : الآية 97 ]
44- {وأوحينا إليه لتنبئنهم بأمرهم هذا وهم لا يشعرون}, يقول تعالى ذاكراً لطفه ورحمته وعائدته وإنزاله اليسر في حال العسر: إنه أوحى إلى يوسف في ذلك الحال الضيق تطييباً لقلبه وتثبيتاً له, إنك لا تحزن مما أنت فيه, فإن لك من ذلك فرجاً ومخرجاً حسناً, وسينصرك الله عليهم ويعليك ويرفع درجتك وستخبرهم بما فعلوا معك من هذا الصنيع .
45- سكرة المعصية تخرج الانسان من انسانيته و تغطي على عقله كما قال تعالى عن قوم لوط ( بل هم في سكرتهم يعمهون )
46- استدراج الله لأهل المعاصي فانه قد يمكنه من فعل المعصية و لكن هذا من باب الاستدراج كما ثبت في الحديث : ( اذا رأيت الله يعطي العبد من النعم و هو مقيم على معاصيه فانما ذلك استدراج )
47- أهل المعاصي يشجع بعضهم بعضا{وأجمعوا أن يجعلوه في غيابة الجب}قال ابن كثير رحمه الله :
هذا فيه تعظيم لما فعلوه, أنهم اتفقوا كلهم على إلقائه في أسفل ذلك الجب .
و هذا يبين لنا خطورة أصحاب السوء
48- أهمية جبر الخواطر المنكسرة , فان يوسف عليه السلام لما أبعد عن أبيه و ألي في البئر المظلم جبر الله خاطره بأن أوحي اليه تطيبا لقلبه و تثبيتا له .(1/26)
49- قال محمد بن إسحاق بن يسار: لقد اجتمعوا على أمر عظيم من قطيعة الرحم, وعقوق الوالد, وقلة الرأفة بالصغير الضرع الذي لا ذنب له, وبالكبير الفاني ذي الحق والحرمة والفضل, وخطره عند الله مع حق الوالد على ولده, ليفرقوا بينه وبين أبيه وحبيبه على كبر سنه ورقة عظمه, مع مكانه من الله فيمن أحبه طفلاً صغيراً, وبين ابنه على ضعف قوته وصغر سنه وحاجته إلى لطف والده وسكونه إليه, يغفر الله لهم وهو أرحم الراحمين, فقد احتملوا أمراً عظيماً . ( تفسير ابن كثير )
50- سبب منع يعقوب عليه السلام ليوسف عليه السلام للخروج مع أخوته أمرين:
الأول : {إني ليحزنني أن تذهبوا به} أي يشق علي مفارقته مدة ذهابكم به إلى أن يرجع, وذلك لفرط محبته له
الثاني : {وأخاف أن يأكله الذئب وأنتم عنه غافلون} أخشى أن تشتغلوا عنه برميكم ورعيكم فيأتيه ذئب فيأكله وأنتم لا تشعرون.
51- {وهم لا يشعرون} أي: سيكون منك معاتبة لهم، وإخبار عن أمرهم هذا، وهم لا يشعرون بذلك الأمر، ففيه بشارة له، بأنه سينجو مما وقع فيه، وأن الله سيجمعه بأهله وإخوته على وجه العز والتمكين له في الأرض. و قال بعض المفسرين أن المقصود {وهم لا يشعرون} بإيحاء الله إلي يوسف عليه السلام .
52- ( فصبر جميل و الله المستعان على ما تصفون ) استدلت بها أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها في حادثة الأفك كما في الحديث الطويل الثابت في صحيح البخاري و مسلم عن عائشة رضي الله عنه و مما جاء فيه :
قالت : فبينا نحن على ذلك دخل علينا رسول الله صلى الله عليه و سلم فسلم ثم جلس قالت و لم يجلس عندي منذ قيل ما قيل قبلها و قد لبث شهرا لا يوحى إليه في شأني قالت: فتشهد رسول الله و سلم حين جلس ثم قال : أما بعد , يا عائشة فإنه بلغني عنك كذا و كذا , فإن كنت بريئة فسيبرؤك الله و إن كنت ألممت بذنب فاستغفري الله و توبي إليه فإن العبد إذا اعترف بذنبه ثم تاب إلى الله تاب الله عليه.(1/27)
قالت فلما قضى رسول الله مقالته قلص دمعي حتى ما أحس منه قطرة فقلت لأبي : أجب رسول الله فيما قال , قال : و الله ما أدري ما أقول لرسول الله صلى الله . فقلت لأمي : أجيبي رسول الله قالت و الله ما أدري ما أقول لرسول الله قالت فقلت _و أنا جارية حديثة السن لا أقرأ كثيرا من القرآن_ : إني و الله لقد سمعت هذا الحديث حتى استقر في أنفسكم و صدقتم به, فلئن قلت لكم إني بريئة _و الله يعلم أني منه بريئة_ لا تصدقوني بذلك و لئن اعترفت لكم بأمر _ والله يعلم أني منه بريئة _ لتصدقني.
و الله ما أجد لكم مثلا إلا قول أبي يوسف قال(( فصبر جميل و الله المستعان على ما يصفون))
53- القميص ذكر في ثلاثة مواطن في سورة يوسف :
الأول: ( و حاءوا على قميصه بدم كذب )
الثاني : ( و قدت قميصه ) و قول الشاهد : ( ان كان قميصه قد من قبل ............)
الثالث : ( اذهبوا بقميصي هذا فألقوه على وجه أبي يأت بصيرا )
المقطع الرابع
( وَجَاءتْ سَيَّارَةٌ فَأَرْسَلُواْ وَارِدَهُمْ فَأَدْلَى دَلْوَهُ قَالَ يَا بُشْرَى هَذَا غُلاَمٌ وَأَسَرُّوهُ بِضَاعَةً وَاللّهُ عَلِيمٌ بِمَا يَعْمَلُونَ (19) وَشَرَوْهُ بِثَمَنٍ بَخْسٍ دَرَاهِمَ مَعْدُودَةٍ وَكَانُواْ فِيهِ مِنَ الزَّاهِدِينَ (20) وَقَالَ الَّذِي اشْتَرَاهُ مِن مِّصْرَ لاِمْرَأَتِهِ أَكْرِمِي مَثْوَاهُ عَسَى أَن يَنفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَداً وَكَذَلِكَ مَكَّنِّا لِيُوسُفَ فِي الأَرْضِ وَلِنُعَلِّمَهُ مِن تَأْوِيلِ الأَحَادِيثِ وَاللّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ (21)
وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ آتَيْنَاهُ حُكْماً وَعِلْماً وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ 22
54- "وجاءت سيارة"، وهم القوم المسافرون، سموا سيارة لأنهم يسيرون في الأرض .
55- من رحمة الله أن أرسل السيارة فالفرج يأتي بعد الشدة.(1/28)
56- قوله: {وأسروه بضاعة} أي وأسره الواردون من بقية السيارة وقالوا: اشتريناه وتبضعناه من أصحاب الماء مخافة أن يشاركوهم فيه إذا علموا خبره , و القول الثاني إخوة يوسف أسروا شأنه, وكتموا أن يكون أخاهم, وقالوا أن هذا عبدا هارب .
,
57- إن السارق يتصرف في البضاعة بسرعة ولو كان بأبخس الأثمان .
58- البشارة بالأمر السار ( قال يا بشرى هذا غلام ) وقد تكون البشارة بالأمر السيئ ( فبشرهم بعذاب أليم ) لكن اكثر ما تستعمل البشارة في الأمر الحسن
59- يجوز إعطاء مقابل لمن بشرك بالخير كما أن كعب (رضى الله عنه) لما جاءه الذي يبشره بتوبة الله عليه خلع له قميصه فأعطاه إياه .
60- {والله عليم بما يعملون} قال ابن كثير رحمه الله : أي عليم بما يفعله إخوة يوسف ومشتروه, وهو قادر على تغيير ذلك ودفعه, ولكن له حكمة وقدر سابق, فترك ذلك ليمضي ما قدره وقضاه {ألا له الخلق والأمر تبارك الله رب العالمين} وفي هذا تعريض لرسوله محمد صلى الله عليه وسلم وإعلام له بأني عالم بأذى قومك لك, وأنا قادر على الإنكار عليهم, ولكني سأملي لهم ثم أجعل لك العاقبة والحكم عليهم, كما جعلت ليوسف الحكم والعاقبة على إخوته .
61- أن الشراء يطلق على البيع و الشراء قال (وشروه بثمن بخس)يعنى باعوه بثمن بخس.
أن بيع الحر و أكل ثمنه من الكبائر العظيمة و هكذا فعل هؤلاء باعوا حراً وأكلوا ثمنه 9-
62- قال ابن كثير رحمه الله في تفسيره :
قوله: {وشروه} عائد على إخوة يوسف. وقال قتادة: بل هو عائد على السيارة. والأول أقوى, لأن قوله: {وكانوا فيه من الزاهدين} إنما أراد إخوته لا أولئك السيارة, لأن السيارة استبشروا به وأسروه بضاعة, ولو كانوا فيه زاهدين لما اشتروه, فترجح من هذا أن الضمير في {شروه}
63- مِنَّة الله على يوسف أن جعله يتربى في بيت عز و ليس أن يكون ذليلا مهاناً ، لذا قال عزيز مصر لامرأته( أكرمي مثواه عسى أن ينفعنا أو تتخذه ولدا ) .(1/29)
64- أن الشاب إذا نشأ في طاعة الله فان الله يؤتيه علماً و حكمةً . (وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ آتَيْنَاهُ حُكْماً وَعِلْماً وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ)
65- فراسة العزيز حيث أمل في يوسف فقال أكرمي مثواه ,
قال عبد الله بن مسعود : أفرس الناس ثلاثة: عزيز مصر حين قال لامرأته: {أكرمي مثواه}, والمرأة التي قالت لأبيها {يا أبت استأجره} الاَية, وأبو بكر الصديق حين استخلف عمر بن الخطاب رضي الله عنهما
66- أن العبرة ليس في العدد وأن مقياس القلة والكثرة لا ينبني عليه حكم فقد يكون الحق مع القلة .
67- يوسف ارتبط معه الإحسان في حياته منذ الصغر وهو عند العزيز وهو في السجن وهو ملك وعندما جاء أخوته وعندما عرفه أخوته , فإحسان يوسف هو الذي جعله له التمكين .
ومن صور إحسان يوسف
الامتناع عن إتيان امرأة العزيز عل نفسه وعلى المرأة وعلى العزيز
68- جاء ذكر الاحسان في سورة يوسف في خمسة مقاطع :
{وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ آتَيْنَاهُ حُكْمًا وَعِلْمًا وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ(22)}
{وَدَخَلَ مَعَهُ السِّجْنَ فَتَيَانِ قَالَ أَحَدُهُمَا إِنِّي أَرَانِي أَعْصِرُ خَمْرًا وَقَالَ الآخَرُ إِنِّي أَرَانِي أَحْمِلُ فَوْقَ رَأْسِي خُبْزًا تَأْكُلُ الطَّيْرُ مِنْهُ نَبِّئْنَا بِتَأْوِيلِهِ إِنَّا نَرَاكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ(36
وَكَذَلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي الأرْضِ يَتَبَوَّأُ مِنْهَا حَيْثُ يَشَاءُ نُصِيبُ بِرَحْمَتِنَا مَنْ نَشَاءُ وَلا نُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ(56
{قَالُوا يَا أَيُّهَا الْعَزِيزُ إِنَّ لَهُ أَبًا شَيْخًا كَبِيرًا فَخُذْ أَحَدَنَا مَكَانَهُ إِنَّا نَرَاكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ(78)
{قَالُوا أَئِنَّكَ لأَنْتَ يُوسُفُ قَالَ أَنَا يُوسُفُ وَهذَا أَخِي قَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا إِنَّهُ مَنْ يَتَّقِ وَيَصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ(90)(1/30)
69- انواع الاحسان ثلاثة هي :
أ/ إحسان المسلم إلى نفسه بتزكية النفس بطاعة الله، وتصفية وتنقيته.
ب / الإحسان إلى عباد الله كافة، سيما ذوي الضعف والفاقة والمسكنة والحاجة واليتم من المسلمين وفي مقدمة ذلك الإحسان إلى الوالدين وذوي القربى: وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوالِدَيْنِ إِحْسَاناً إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاَهُمَا فَلاَ تَقُل لَّهُمَا أُفّ وَلاَ تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلاً كَرِيمًا وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُل رَّبّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِى صَغِيرًا
ج/ الإحسان إلى كل ذي كبد رطبة، من حيوان وطير وغير ذلك، قال عليه الصلاة والسلام: ((دخلت النار امرأة في هرة سجنتها حتى ماتت، لا هي أطعمتها وسقتها، ولا تركتها تأكل من خشاش الأرض)) رواه مسلم، وغفر الله لبغيٍّ من بني إسرائيل؛ لأنها سقت كلبا كاد يقتله العطش، كما قاله عليه الصلاة والسلام فيما رواه مسلم].
أحسن إلى الناس تستعبد قلوبهم فطالما استعبد الإنسانَ إحسانُ
70- حسن الجزاء مشروط بحسن القصد والعمل .
71- قال ابن الجوزي في كتابه زاد المسير :
وكان بعض الصالحين يقول: والله ما يوسف ـ وإن باعه أعداؤه ـ بأعجب منك في بيعك نفسك بشهوة ساعة من معاصيك
المقطع الخامس(1/31)
وَرَاوَدَتْهُ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِهَا عَن نَّفْسِهِ وَغَلَّقَتِ الأَبْوَابَ وَقَالَتْ هَيْتَ لَكَ قَالَ مَعَاذَ اللّهِ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ إِنَّهُ لاَ يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ (23) وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا لَوْلا أَن رَّأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاء إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ (24) وَاسُتَبَقَا الْبَابَ وَقَدَّتْ قَمِيصَهُ مِن دُبُرٍ وَأَلْفَيَا سَيِّدَهَا لَدَى الْبَابِ قَالَتْ مَا جَزَاء مَنْ أَرَادَ بِأَهْلِكَ سُوَءاً إِلاَّ أَن يُسْجَنَ أَوْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (25) قَالَ هِيَ رَاوَدَتْنِي عَن نَّفْسِي وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِّنْ أَهْلِهَا إِن كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِن قُبُلٍ فَصَدَقَتْ وَهُوَ مِنَ الكَاذِبِينَ (26) وَإِنْ كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِن دُبُرٍ فَكَذَبَتْ وَهُوَ مِن الصَّادِقِينَ (27) فَلَمَّا رَأَى قَمِيصَهُ قُدَّ مِن دُبُرٍ قَالَ إِنَّهُ مِن كَيْدِكُنَّ إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ (28) يُوسُفُ أَعْرِضْ عَنْ هَذَا وَاسْتَغْفِرِي لِذَنبِكِ إِنَّكِ كُنتِ مِنَ الْخَاطِئِينَ (29
72- هذه المحنة العظيمة أعظم على يوسف من محنة إخوته، وصبره عليها أعظم أجرا، لأنه صبر اختيار مع وجود الدواعي الكثيرة، لوقوع الفعل، فقدم محبة الله عليها، وأما محنته بإخوته، فصبره صبر اضطرار، بمنزلة الأمراض والمكاره التي تصيب العبد بغير اختياره وليس له ملجأ إلا الصبر عليها، طائعا أو كارها
73- اسلوب القرآن في الحديث عن هذه القصة ( أدب الألفاظ )
74- خطورة فتنة النساء، وأنها أعظم ما ينبغي الحذر منه من الشهوات، (ما تركت فتنة أضر على الرجال من النساء )
لذلك فان أعداء الله عرفوا هذه الحقيقة فنجد حرصهم الكبير على فساد المرأة المسلمة لأنهم يعرفون أنه متى ما فسدت المرأة فان المجتمع سيكون فاسدا ؟ و متى ما صلحت صلح المجتمع ؟(1/32)
الأم مدرسة اذا أعددتها أعددت شعبا طيب الأعراق
75- خطورة الخلوة بالمرأة في البيت (وَرَاوَدَتْهُ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِهَا عَن نَّفْسِهِ وَغَلَّقَتِ الأَبْوَابَ) فهذه الخلوة المحرمة تؤدى إلى المصائب العظيمة.
عن عقبة بن عامر : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : (إياكم والدخول على النساء . فقال رجل من الأنصار : يا رسول الله ، أفرأيت الحمو ؟ قال الحمو الموت ) (رواه البخاري /ح4934) ، (ومسلم / 5638) ، والترمذي (1171)
76- كيد المرأة بيوسف فإنها استعانت عليه لإيقاعه في الحرام بأمور كثيرة ذكرها ابن القيم في كتاب الجواب الكافي حيث ذكر ثلاثة عشر وجها و هي باختصار :
أولاً: ما ركب الله سبحانه في طبع الرجل من ميله الى المرأة .
ثانيا : أن يوسف عليه السلام كان شابا.
ثالثا : أنه كان عزبا لا زوجة له .
رابعا : أنه كان في بلاد غربة .
خامسا : أن المرأة كانت ذات منصب وجمال .
سادسا : أنها غير آبية ولا ممتنعة .
سابعا : أنها طلبت وأرادت وبذلت الجهد .
ثامنا : إنه في دارها وتحت سلطانها وقهرها .
تاسعا : إنه لا يخشى أن تنمي عليه هي ولا أحد من جهتها فإنها هي الطالبة والرغبة وقد غلقت الأبواب وغيبت الرقباء .
عاشرا : أنه كان مملوكا لها في الدار .
حادي عشر : أنها استعانت عليه بأئمة المكر والإحتيال فأرته إياهن وشكت حالها إليهن لتستعين بهن عليه فاستعان هو بالله عليهن فقال وإلا تصرف عني كيدهن أصب إليهن وأكن من الجاهلين .
ثاني عشر : أنها تواعدته بالسجن والصغار .
ثالث عشر : أن الزوج لم يظهر منه الغيرة والنخوة ما راحم به بينهما ويبعد كلا منهما عن صاحبه بل كان غاية ما خاطبهما به أن قال ليوسف أعرض عن هذا وللمرأة إستغفري لذنبك إنك كنت من الخاطئين وشدة الغيرة للرجل من أقوى الموانع.
و بعد أن ذكر ابن القيم هذه الوجوه قال :(1/33)
(مع هذه لدواعي كلها فآثر مرضات الله وخوفه وحمله حبه لله على أن اختار السجن على الزنا فقال رب السجن أحب إلي مما يدعونني إليه وعلم أنه لا يطيق صرف ذلك عن نفسه وان ربه تعالى لم يعصمه ويصرف عنه كيدهن صبا إليهن بطبعه وكان من الجاهلين وهذا من كمال معرفته بربه وبنفسه ) .
77- أن الله تعالى يُعِين أولياءه في اللحظات العصيبة بأمور تثبتهم (لولا أن رأى برهان ربه ) فهو إذاً كاد ، لكن أراه الله برهاناً جعله ينصرف ، فالله يعين وليه في اللحظات العصيبة .
78- أن الإنسان لولا معونة الله لا يثبت على الحق ، لولا توفيق الله و تسديده لا يثبت على الحق ( كذلك لنصرف عنه السوء والفحشاء)
79- أن شهادة القريب علي قريبه أقوى من شهادة البعيد على القريب (وشهد شاهد من أهلها ) قال ابن عباس : هو رجل كبير ذو لحيه ، وهذا أصح مما قيل انه صغير أنطقه الله ، أما قصه الرضيع فضعيفة في الشاهد هذا والراجح أنه رجل كبير ذو لحيه و فيه العمل بالقرائن كما تقدم . يعنى إذا كان قميصه ممزق من الخلف معناه هي التي تطارده وهو يهرب . لو كان قميصه ممزق من الأمام هو يهجم عليها و هي تدافع عن نفسها .
80- عظم كيد المرأة قال تعالى ( إن كيدكن عظيم ) والذي يتأمل كيف حاكت هذه المرأة المؤامرة و غلقت الأبواب و قالت هيت لك واستعانت بالنسوة . يعنى أن المرأة إذا أرادت أن تكيد كادت ، وهذا شئ خلقه الله واستعظمه عن أسامة بن زيد عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (مَا تَرَكْتُ بَعْدِي فِتْنَةً أَضَرَّ عَلَى الرِّجَالِ مِنْ النِّسَاءِ) .البخاري(1/34)
81- عظم جمال يوسف عليه السلام الذي أخذ بالألباب وقال عليه الصلاة والسلام ( إن يوسف أوتى شطر الحسن ) جزء من حديث الإسراء قال صلي الله علية وسلم ( ثم عرج بي إلى السماء الثالثة. فاستفتح جبريل. فقيل: من أنت؟ قال جبريل. قيل: ومن معك؟ قال: محمد صلى الله عليه وسلم . قيل: وقد بعث إليه؟ قال: قد بعث إليه: ففتح لنا. فإذا أنا بيوسف صلى الله عليه وسلم . إذا هو قد أعطي شطر الحسن. قال: فرحب ودعا لي بخير.رواه مسلم
82- قوله تعالى : ( ولقد همت به وهما بها ..) أصح الأقوال قي معنى هذه الآية قولان :
الأول / في الكلام تقديما وتأخيرا، تقديره: ولقد همت به، ولولا أن رأى برهان ربه لهم بها، فلما رأى البرهان، لم يقع منه الهم , و هذا القول يرجحه الشيخ الشنيقطي رحمه الله في كتابه أضواء البيان .
الثاني / إن المراد بهم يوسف هو الميل الطبيعي والشهوة الغريزية المزمومة بالتقوى، وهذا لا معصية فيه. لأنه أمر جبلي لا يتعلق به التكليف بل هذه صفة مدح لأنه امتنع مع وجود أسباب المعصية فالأحاديث جاءت أن الإنسان لا يحاسب على هم القلب وإنما على الفعل فيوسف هنا لم يذنب بدليل أنه لم يرد بعد ذلك استغفار له لأنه لم يذنب نبي في القرآن إلا وجاء بعده استغفار كما ذكر شيخ الاسلام ابن تيمه في مجموع الفتاوى و هذا القول يرجحه شيخ الاسلام ابن تيميه و السعدي في تفسيره و سماحة الشيخ ابن باز رحمه .
قال شيخ الاسلام ابن تيميه :
(أن الهم من يوسف لما تركه للّه كان له به حسنة، ولا نقص عليه . وثبت في الصحيحين من حديث السبعة الذين يظلهم اللّه في ظله يوم لا ظل إلا ظله : ( رجل دعته امرأة ذات منصب وجمال، فقال : إني أخاف اللّه رب العالمين ) وهذا لمجرد الدعوة، فكيف بالمراودة والاستعانة والحبس ؟ )
و يدل على ذلك أنه صلى الله عليه وسلم كان يقسم بين نسائه فيعدل ثم يقول
«اللهم هذا قسمي فيما أملك، فلا تلمني فيما لا أملك» يعني ميل القلب الطبيعي.(1/35)
ومثال هذا ميل الصائم بطبعه إلى الماء البارد، مع أن تقواه تمنعه من الشرب وهو صائم.
عن أبي هريرة رضي الله عنه. قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يقول الله تعالى: إذا هم عبدي بحسنة فاكتبوها له حسنة, فإن عملها فاكتبوها له بعشر أمثالها, وإن هم بسيئة فلم يعملها فاكتبوها حسنة, فإنما تركها من جرائي, فإن عملها فاكتبوها بمثلها»رواه البخاري ومسلم
قال السعدي رحمه الله :
فإن الهم والهوا ونحوها إذا قاومه العبد وقدم عليه الخوف والإيمان فهو كمال , كما قال تعالى : { ولمن خاف مقام ربه جنتان } [ سورة الرحمن : الآية 46 ] . وكما ثبت في الصحيح مرفوعا : من هم بسيئة فلم يعملها كتبها الله حسنة كاملة - فإنه إنما تركها من جرائي , أي تركه لها لأجل الله خوفا من عقابه ورجاء لثوابه من أكبر العبادات والله أعلم .
83- الايجاز في الحديث عن السوء و الشر فيوسف لم يفصل بل قال ( هي روادتني عن نفسي)
ينبغي للناصح و الواعظ عدم التفصيل في أمور الشر
84- احفظ الله يحفظك ( كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاء إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ )10-
85- أن تقوى الله وخشيتَه ومراقبتَه هي الحاجز المنيع الذي يقي الإنسان بإذن الله كيد الشيطان وما يزينه من معصية.
86- الله تعالى جعل للحق والصدق علامات وأمارات تدل عليه
87- مشروعية الدفاع عن النفس ولو بما يُسئُ إلى الخصم
88 – الابتعاد عن أسباب الفتن و الهروب منها اذا وقعت .
89- شهادة العدل قد توجد عن الكفار و لذلك يقول شيخ الاسلام اين تيمية أن الله يقيم بالعدل الدولة الكافرة .
90- خطورة الدياثة و اقرار المنكر في الأهل
صاحب الغيرة ليخاطر بحياته ويبذل مهجته، ويعرض نفسه لسهام المنايا عندما يرجم بشتيمة تلوث كرامته. يهون على الكرام أن تصان الأجسام لتسلم العقول والأعراض
أصون عرضي بمالي لا أدنسه لا بارك الله بعد العرض في المال(1/36)
. وقد بلغ دينكم في ذلك الغاية حين أعلن نبيكم محمد : ((من قتل دون أهله فهو شهيد))
يقول ابن القيم رحمه الله: (إذا رحلت الغيرة من القلب ترحَّلت المحبة، بل ترحل الدين كله). ولقد كان أصحاب رسول الله من أشد الناس غيرة على أعراضهم، روي عن رسول الله أنه قال يومًا لأصحابه: ((إن دخل أحدكم على أهله ووجد ما يريبه أَشْهَدَ أربعًا. فقام سعد بن معاذ متأثرًا فقال يا رسول الله: أأدخل على أهلي فأجد ما يريبني انتظر حتى أشهد أربعًا؟! لا والذي بعثك بالحق!! إن رأيت ما يريبني في أهلي لأطيحنَّ بالرأس عن الجسد ولأضربنَّ بالسيف غير مصفح[3] وليفعل الله بي بعد ذلك ما يشاء. فقال عليه الصلاة والسلام: أتعجبون من غيرة سعد؟؟ والله لأنا أغير منه، والله أغير مني؛ ومن أجل غيرة الله حرَّم الفواحش ما ظهر منها وما بطن...))[4] الحديث وأصله في الصحيحين.
من حُرم الغيرة حرم طُهر الحياة، ومن حرم طُهر الحياة فهو أحطُّ من بهيمة الأنعام.
ولا يمتدح بالغيرة إلا كرام الرجال وكرائم النساء.
إن الحياة الطاهرة تحتاج إلى عزائم الأخيار، وأما عيشة الدَّعارة فطريقها سهل الإنحدار والإنهيار، وبالمكاره حفت الجنة وبالشهوات حفَّت النار
91- يوسف عليه السلام امتنع عن فعل الفاحشة لثلاثة أسباب :
الأول / حق الله تعالى { مَعَاذَ اللَّهِ }
الثاني / حق الخلق { إِنَّهُ رَبّى أَحْسَنَ مَثْوَاىَّ }
الثالث / حق النفس { إِنَّهُ لاَ يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ }
قال الرازي رحمه الله في تفسيره :(1/37)
( هذا الترتيب في غاية الحسن، وذلك لأن الانقياد لأمر الله تعالى وتكليفه أهم الأشياء لكثرة إنعامه وألطافه في حق العبد فقوله: { مَعَاذَ اللَّهِ } إشارة إلى أن حق الله تعالى يمنع عن هذا العمل، وأيضاً حقوق الخلق واجبة الرعاية، فلما كان هذا الرجل قد أنعم في حقي يقبح مقابلة إنعامه وإحسانه بالإساءة، وأيضاً صون النفس عن الضرر واجب، وهذه اللذة لذة قليلة يتبعها خزي في الدنيا، وعذاب شديد في الآخرة، واللذة القليلة إذا لزمها ضرر شديد، فالعقل يقتضي تركها والاحتزاز عنها فقوله: { إِنَّهُ لاَ يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ } إشارة إليه، فثبت أن هذه الجوابات الثلاثة مرتبة على أحسن وجوه الترتيب )
المقطع السادس
وَقَالَ نِسْوَةٌ فِي الْمَدِينَةِ امْرَأَةُ الْعَزِيزِ تُرَاوِدُ فَتَاهَا عَن نَّفْسِهِ قَدْ شَغَفَهَا حُبّاً إِنَّا لَنَرَاهَا فِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ (30) فَلَمَّا سَمِعَتْ بِمَكْرِهِنَّ أَرْسَلَتْ إِلَيْهِنَّ وَأَعْتَدَتْ لَهُنَّ مُتَّكَأً وَآتَتْ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِّنْهُنَّ سِكِّيناً وَقَالَتِ اخْرُجْ عَلَيْهِنَّ فَلَمَّا رَأَيْنَهُ أَكْبَرْنَهُ وَقَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ وَقُلْنَ حَاشَ لِلّهِ مَا هَذَا بَشَراً إِنْ هَذَا إِلاَّ مَلَكٌ كَرِيمٌ (31) قَالَتْ فَذَلِكُنَّ الَّذِي لُمْتُنَّنِي فِيهِ وَلَقَدْ رَاوَدتُّهُ عَن نَّفْسِهِ فَاسَتَعْصَمَ وَلَئِن لَّمْ يَفْعَلْ مَا آمُرُهُ لَيُسْجَنَنَّ وَلَيَكُوناً مِّنَ الصَّاغِرِينَ (32))
(قَالَ رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ وَإِلاَّ تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُن مِّنَ الْجَاهِلِينَ (33) فَاسْتَجَابَ لَهُ رَبُّهُ فَصَرَفَ عَنْهُ كَيْدَهُنَّ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (34) ثُمَّ بَدَا لَهُم مِّن بَعْدِ مَا رَأَوُاْ الآيَاتِ لَيَسْجُنُنَّهُ حَتَّى حِينٍ (35))(1/38)
92- سرعة سريان الشائعات بين النساء .
93- أن المسلم إذا خُيِّر بين المعصية و بين الصبر على الشدة . يصبر على الشدة و يُؤثر أن يطيع الله ولو رَمَوه بسوء (قَالَ رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ)
94-استعانة يوسف بالله (وَإِلاَّ تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ) يعنى الإنسان ضعيف و يوسف يقول هذا أن الإنسان بدون توفيق من الله ضعيف والمقاومة تنهار فأي واحدٍ يتعرَض لحرام فالمفروض أن يلجأ إلى الله بالدعاء أن يُخَلِصَه من هذا وإنه يصرف عنه الشرَّ و الفحشاء
95- استجابةُ الله لأوليائه والدعاة المخلصين (فَاسْتَجَابَ لَهُ رَبُّهُ فَصَرَفَ عَنْهُ كَيْدَهُنَّ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ) يسمع دعاء عبده (الْعَلِيمُ ) بحال هذا العبد الذي يدعوه.
96- تلبيس الباطل بلباس الحق و تزيينه ( انا لنراها في ضلال مبين ) .....
كما فعل فرعون عندما قال لقومه ( وقال فرعون يا قوم اتبعوني اهديكم سبيل الرشاد ...) ( اني أخاف أن يبدل دينكم أو أن يظهر في الأرض الفساد )
97- عدم اظهار الشماته بالناس ( لا تظهر الشماته بأخيك فيعافيه الله و يبتليك ) ( كذلك كنتم من قبل فمنا الله عليكم )
98- خطورة اشاعة الفاحشة بين الناس مما يجرىء أهل المعاصي و خطورة المجاهرة بالمعصية
( ان الذين يحبون أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا
( كل أمتي معافى الا المجاهرون )
99- الجمال يكون في الظاهر و الباطن و قد اجتمعت في يوسف عليه السلام
فإنه عليه السلام كان قد أعطي شطر الحسن كما ثبت ذلك في الحديث الصحيح في حديث الإسراء أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مر بيوسف عليه السلام في السماء الثالثة, قال «فإذا هو قد أعطي شطر الحسن»
و الجمال الباطن وهو العفة والإخلاص الكامل والصيانة .
ليس الجمال يأثواب تزيننا ان الجمال جمال الدين و الخلق
100- أثر الايمان بالأسماء و الصفات ( انه هو السميع العليم )(1/39)
101- قال ابن القيم رحمه الله في كتاب اغاثة اللهفان :
( وهذا الكلام متضمن لوجوه من المكر :
أحدها قولهن امرأة العزيز تراود فتاها ولم يسموها باسمها بل ذكروها بالوصف الذي ينادى عليها بقبيح فعلها بكونها ذات بعل فصدور الفاحشة منها أقبح من صدورها ممن لا زوج لها
الثاني أن زوجها عزيز مصر ورئيسها وكبيرها وذلك أقبح لوقوع الفاحشة منها
الثالث أن الذي تراوده مملوك لا حر وذلك أبلغ في القبح الرابع أنه فتاها الذي هو في بيتها وتحت كنفها فحكمه حكم أهل البيت بخلاف من طلب ذلك من الأجنبي البعيد
الخامس أنها هي المراودة الطالبة
السادس أنها أنها قد بلغ بها عشقها له كل مبلغ حتى وصل حبها له إلى شغاف قلبها
السابع أن في ضمن هذا أنه أعف منها وأبر وأوفى حيث كانت هي المراودة الطالبة وهو الممتنع عفافا وكرما وحياء وهذا غاية الذم لها
الثامن أنهن أتين بفعل المرادودة بصيغة المستقبل الدالة على الإستمرار والوقوع حالا واستقبالا وأن هذا شأنها ولم يقلن راودت فتاها وفرق بين قولك فلان أضاف ضيفا وفلان يقري الضيف ويطعم الطعام ويحمل الكل فإن هذا يدل على أن هذا شأنه وعادته
التاسع قولهن إنا لنراها في ضلال مبين أي إنا لنستقبح منها ذلك غاية الإستقباح فنسبن الإستقباح إليهن ومن شأنهن مساعدة بعضهن بعضا على الهوى ولا يكدن يرين ذلك قبيحا كما يساعد الرجال بعضهم بعضا على ذلك فحيث استقبحن منها ذلك كان هذا دليلا على أنه من أقبح الأمور وأنه مما لا ينبغي أن تساعد عليه ولا يحسن معاونتها عليه(1/40)
العاشر أنهن جمعن لها في هذا الكلام واللوم بين العشق المفرط والطلب المفرط فلم تقتصد في حبها ولا في طلبها أما العشق فقولهن قد شغفها حبا أي وصل حبه إلى شغاف قلبها وأما الطلب المفرط فقولهن تراود فتاها والمراودة الطلب مرة بعد مرة فنسبوها إلى شدة العشق وشدة الحرص على الفاحشة فلما سمعت بهذا المكر منهن هيأت لهن مكرا أبلغ منه فهيأت لهن متكأ ثم أرسلت إليهن فجمعتهن وخبأت يوسف عليه السلام عنهن وقيل إنها جملته وألبسته أحسن ما تقدر عليه وأخرجته عليهن فجأة فلم يرعهن إلا وأحسن خلق الله وأجملهم قد طلع عليهن بغتة فراعهن ذلك المنظر البهي وفي أيديهن مدى يقطعن بها ما يأكلنه فدهشن حتى قطعن أيديهن وهن لا يشعرن وقد قيل إنهن أبن أيديهن والظاهر خلاف ذلك وإنما تقطيعهن أيديهن جرحها وشقها بالمدى لدهشهن بما رأين
فقابلت مكرهن القولي بهذا المكر الفعلي وكانت هذه في النساء غاية في المكر (
102- قال شيخ الاسلام ابن تيميه :
( وفى قول يوسف : { رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ وَإِلاَّ تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُن مِّنَ الْجَاهِلِينَ }
عبرتان :
إحداهما : اختيار السجن والبلاء على الذنوب والمعاصى .
والثانية : طلب سؤال الله ودعائه أن يثبت القلب على دينه، ويصرفه إلى طاعته، وإلا فإذا لم يثبت القلب، وإلا صَبَا إلى الآمرين بالذنوب، وصار من الجاهلين .
ففى هذا توكل على الله، واستعانة به أن يثبت القلب على الإيمان والطاعة، وفيه صبر على المحنة والبلاء والأذى الحاصل إذا ثبت على الإيمان والطاعة . ) مجموع الفتاوى
103- من ترك شيئا لله عوضه الله خيرا منه في الدنيا و الآخرة .
قال شيخ الاسلام ابن تيميه :(1/41)
(ومن احتمل الهوان والأذى فى طاعة الله على الكرامة والعز فى معصية الله، كما فعل يوسف ـ عليه السلام ـ وغيره من الأنبياء والصالحين، كانت العاقبة له فى الدنيا والآخرة، وكان ما حصل له من الأذى قد انقلب نعيمًا وسرورًا، كما أن ما يحصل لأرباب الذنوب من التنعم بالذنوب ينقلب حزنًا وثبورًا )
و ثبت في الحديث الصحيح الأجر العظيم لمن ترك المعصية خوفا من الله بأن يكون من السبعة الذين يظلهم الله في ظله
«سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله: إمام عادل, وشاب نشأ في عبادة الله, ورجل قلبه معلق بالمسجد إذا خرج منه حتى يعود إليه, ورجلان تحابا في الله اجتمعا عليه وتفرقا عليه, ورجل تصدق بصدقة فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما أنفقت يمينه, ورجل دعته امرأة ذات منصب وجمال فقال: إني أخاف الله, ورجل ذكر الله خالياً ففاضت عيناه».
104- تقديم الخوف من الخالق على الخوف من المخلوق .
قال شيخ الاسلام ابن تيميه :
(وكذلك المؤمن من أمة محمد صلى الله عليه وسلم يختار الأذى في طاعة اللّه على الإكرام مع معصيته، كأحمد بن حنبل اختار القيد والحبس والضرب على موافقة السلطان وجنده، على أن يقول على اللّه غير الحق في كلامه، وعلى أن يقول ما لا يعلم ـ أيضاً ـ فإنهم كانوا يأتون بكلام يعرف أنه مخالف للكتاب والسنة، فهو باطل، وبكلام مجمل يحتاج إلى تفسير، فيقول لهم الإمام أحمد : ما أدري ما هذا ؟ فلم يوافقهم على أن يقول على اللّه غير الحق، ولا على أن يقول على اللّه ما لا يعلم )
105- تقديم اللذة الحاضرة الزائلة على اللذة الباقية الدائمة يوم القيامة من أعظم الجهل .(1/42)
106- ينبغي للعبد أن يلتجئ إلى الله عند خوف الوقوع في فتن المعاصي والذنوب , مع الصبر والاجتهاد في البعد عنها , كما فعل يوسف ودعا ربه قال : { وإلا تصرف عني كيدهن أصب إليهن وأكن من الجاهلين } وإن العبد لا حول له ولا قوة ولا عصمة إلا بالله , فالعبد مأمور بفعل المأمور وترك المحظور والصبر على المقدور مع الاستعانة بالملك الشكور .
المقطع السابع
(وَدَخَلَ مَعَهُ السِّجْنَ فَتَيَانَ قَالَ أَحَدُهُمَا إِنِّي أَرَانِي أَعْصِرُ خَمْراً وَقَالَ الآخَرُ إِنِّي أَرَانِي أَحْمِلُ فَوْقَ رَأْسِي خُبْزاً تَأْكُلُ الطَّيْرُ مِنْهُ نَبِّئْنَا بِتَأْوِيلِهِ إِنَّا نَرَاكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ (36) قَالَ لاَ يَأْتِيكُمَا طَعَامٌ تُرْزَقَانِهِ إِلاَّ نَبَّأْتُكُمَا بِتَأْوِيلِهِ قَبْلَ أَن يَأْتِيكُمَا ذَلِكُمَا مِمَّا عَلَّمَنِي رَبِّي إِنِّي تَرَكْتُ مِلَّةَ قَوْمٍ لاَّ يُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَهُم بِالآخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ (37)وَاتَّبَعْتُ مِلَّةَ آبَآئِي إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ مَا كَانَ لَنَا أَن نُّشْرِكَ بِاللّهِ مِن شَيْءٍ ذَلِكَ مِن فَضْلِ اللّهِ عَلَيْنَا وَعَلَى النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَشْكُرُونَ (38) يَا صَاحِبَيِ السِّجْنِ أَأَرْبَابٌ مُّتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ اللّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ (39) مَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِهِ إِلاَّ أَسْمَاء سَمَّيْتُمُوهَا أَنتُمْ وَآبَآؤُكُم مَّا أَنزَلَ اللّهُ بِهَا مِن سُلْطَانٍ إِنِ الْحُكْمُ إِلاَّ لِلّهِ أَمَرَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ (40) يَا صَاحِبَيِ السِّجْنِ أَمَّا أَحَدُكُمَا فَيَسْقِي رَبَّهُ خَمْراً وَأَمَّا الآخَرُ فَيُصْلَبُ فَتَأْكُلُ الطَّيْرُ مِن رَّأْسِهِ قُضِيَ الأَمْرُ الَّذِي فِيهِ تَسْتَفْتِيَانِ (41) وَقَالَ لِلَّذِي(1/43)
ظَنَّ أَنَّهُ نَاجٍ مِّنْهُمَا اذْكُرْنِي عِندَ رَبِّكَ فَأَنسَاهُ الشَّيْطَانُ ذِكْرَ رَبِّهِ فَلَبِثَ فِي السِّجْنِ بِضْعَ سِنِينَ (42) )) .
107- أن افتعال الأسباب وتلفيق التهم لسجْنِ الدعاة منهجٌ قديمٌ .
108- أن سيما الصالحين تُعرَف في وجوههم .
109 - أن الداعي إلى الله حريصٌ على تبليغ دين الله والدعوة إليه في كل فرصة.
110 - أهمية أن يكسب الداعية ثقة الناس حتى يستمعوا له و يأخذوا بكلامه.
111- أن الداعي أول ما يبدأ به التوحيد ، فلقد أرسل الرسول - صلي الله عليه وسلم - معاذاً إلى اليمن وقال : (إِنَّكَ تَقْدَمُ عَلَى قَوْمٍ أَهْلِ كِتَابٍ فَلْيَكُنْ أَوَّلَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ عِبَادَةُ اللَّهِ فَإِذَا عَرَفُوا اللَّهَ فَأَخْبِرْهُمْ أَنَّ اللَّهَ قَدْ فَرَضَ عَلَيْهِمْ خَمْسَ صَلَوَاتٍ فِي يَوْمِهِمْ وَلَيْلَتِهِمْ فَإِذَا فَعَلُوا فَأَخْبِرْهُمْ أَنَّ اللَّهَ فَرَضَ عَلَيْهِمْ زَكَاةً مِنْ أَمْوَالِهِمْ وَتُرَدُّ عَلَى فُقَرَائِهِمْ فَإِذَا أَطَاعُوا بِهَا فَخُذْ مِنْهُمْ وَتَوَقَّ كَرَائِمَ أَمْوَالِ النَّاسِ )
112- أنه يبدأ بالأهم فالأهم، وأنه إذا سئل المفتي، وكان السائل حاجته في غير سؤاله أشد أنه ينبغي له أن يعلمه ما يحتاج إليه قبل أن يجيب سؤاله، فإن هذا علامة على نصح المعلم وفطنته، وحسن إرشاده وتعليمه، فإن يوسف - لما سأله الفتيان عن الرؤيا - قدم لهما قبل تعبيرها دعوتهما إلى الله وحده لا شريك له.
113-أن تعبير الرؤيا فتوى (قُضِيَ الأَمْرُ الَّذِي فِيهِ تَسْتَفْتِيَانِ) ولذلك قال العلماء لا يجوز لمن لا يعرف في تعبير الرؤى أن يتكلم فيها
قال الشيخ سعد بن سعدي رحمه الله(1/44)
(أن علم التعبير من العلوم الشرعية، وأنه يثاب الإنسان على تعلمه وتعليمه، وأن تعبير المرائي داخل في الفتوى، لقوله للفتيين: { قُضِيَ الْأَمْرُ الَّذِي فِيهِ تَسْتَفْتِيَانِ } وقال الملك: { أَفْتُونِي فِي رُؤْيَايَ } وقال الفتى ليوسف: { أَفْتِنَا فِي سَبْعِ بَقَرَاتٍ } الآيات،.فلا يجوز الإقدام على تعبير الرؤيا من غير علم )
114- أن اتخاذ الأسباب للحصول على أمرٍ، أو للنجاة من مكروه لا ينافي التوكل على الله?وقال للذي ظن أنه ناج منهما اذكرني عند ربك.
115- نسبة النعم الى الله و ليس للنفس ذلكما مما علمني ربي .
116- اللطف و الرحمة في دعوة الناس و استخدام الأساليب و العبارات المناسبة .
117- صلاح الآباء و الأجداد و أثره في صلاح الأبناءواتبعت ملة آبائي إبراهيم وإسحاق ويعقوب
118- شكر نعم الله ( باللسان – القلب – الجوارح )
وحقيقةُ الشكر الاعترافُ بالإحسان والفضلِ والنّعَم وذِكرُها والتحدُّث بها وصَرفها فيما يحبّ ربُّها ويرضَى واهبها. شُكرُ العبد لربِّه بظهورِ أثَر نعمتِه عليه، فتظهَر في القلب إيمانًا واعترافًا وإِقرارًا، وتظهَر في اللسان حمدًا وثناء وتمجيدًا وتحدّثًا، وتظهَر في الجوارح عبادةً وطاعة واستعمالاً في مَراضي الله ومُباحاتِه.
ولقد مكناكم في الأرض وجعلنا لكم فيها معايش قليلا ما تشكرون {الأعراف:10}، قل هو الذي أنشأكم وجعل لكم السمع والأبصار والأفئدة قليلا ما تشكرون {الملك:23}
قال ابن القيم –رحمه الله: (الشكر ظهور أثر نعمة الله على لسان عبده ثناءً واعترافًا، و على قلبه شهودًا ومحبةً، وعلى جوارحه انقيادًا و طاعة)اهـ.
119- الكثرة ليست دليل على الحق و انما ماجاء به الأنبياء و المرسلين .
120- الأنبياء دينهم واحد و شرائعهم شتى .
121- تقدير الله للعباد أفضل من تقديرهم لأنفسهم .
122- { فَلَبِثَ فِي السِّجْنِ بِضْعَ سِنِينَ } والبضع من الثلاث إلى التسع، ولهذا قيل: إنه لبث سبع سنين .(1/45)
123- فسر يوسف عليه السلام رؤيا من رأى أنه يعصر خمرا أنه ينجو من سجنه ويعود إلى مرتبته وخدمته لسيده , فيعصر له العنب الذي يؤول إلى الخمر , وفسر رؤيا الآخر فيقتل ثم يصلب فتأكل الطير من رأسه .
قال الشيخ السعدي رحمه الله :
(فالأول رؤياه جاءت على وجه الحقيقة , والآخر رؤياه جاءت على وجه المثال وأنه يقتل , ومع قتله يصلب ولا يدفن حتى تأكل الطيور من رأسه . وهذا من الفهم العجيب والغوص على المعاني الدقيقة , وذلك أن العادة أن المقتول يدفن في الحال ولا تتمكن السباع والطيور من الأكل منه . ففهم أن هذا سيقتل ولا يدفن سريعا حتى يصل إلى هذه الحال )
124- أنه كما على العبد عبودية لله في الرخاء، فعليه عبودية له في الشدة، فـ "يوسف" عليه السلام لم يزل يدعو إلى الله، فلما دخل السجن، استمر على ذلك، ودعا الفتيين إلى التوحيد، ونهاهما عن الشرك .
125- يوسف عليه السلام دعاهما إلى الله بأمرين :
أحدهما بحاله وما هو عليه من الوصف الجميل الذي أوصله إلى هذه الحال الرفيعة , بقوله : { ذلكما مما علمني ربي إني تركت ملة قوم لا يؤمنون بالله وهم بالآخرة هم كافرون واتبعت ملة آبائي إبراهيم وإسحاق ويعقوب ما كان لنا أن نشرك بالله من شيء ذلك من فضل الله علينا وعلى الناس ولكن أكثر الناس لا يشكرون }
الأمر الثاني : دعاهما بالبرهان الحقيقي الفطري فقال : { يا صاحبي السجن أأرباب متفرقون خير أم الله الواحد القهار ما تعبدون من دونه إلا أسماء سميتموها أنتم وآباؤكم ما أنزل الله بها من سلطان إن الحكم إلا لله أمر ألا تعبدوا إلا إياه ذلك الدين القيم ولكن أكثر الناس لا يعلمون } .
المقطع الثامن
(وَقَالَ الْمَلِكُ إِنِّي أَرَى سَبْعَ بَقَرَاتٍ سِمَانٍ يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجَافٌ وَسَبْعَ سُنبُلاَتٍ خُضْرٍ وَأُخَرَ يَابِسَاتٍ يَا أَيُّهَا الْمَلأُ أَفْتُونِي فِي رُؤْيَايَ إِن كُنتُمْ لِلرُّؤْيَا تَعْبُرُونَ (43)(1/46)
قَالُواْ أَضْغَاثُ أَحْلاَمٍ وَمَا نَحْنُ بِتَأْوِيلِ الأَحْلاَمِ بِعَالِمِينَ (44) وَقَالَ الَّذِي نَجَا مِنْهُمَا وَادَّكَرَ بَعْدَ أُمَّةٍ أَنَاْ أُنَبِّئُكُم بِتَأْوِيلِهِ فَأَرْسِلُونِ (45) يُوسُفُ أَيُّهَا الصِّدِّيقُ أَفْتِنَا فِي سَبْعِ بَقَرَاتٍ سِمَانٍ يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجَافٌ وَسَبْعِ سُنبُلاَتٍ خُضْرٍ وَأُخَرَ يَابِسَاتٍ لَّعَلِّي أَرْجِعُ إِلَى النَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَعْلَمُونَ (46) قَالَ تَزْرَعُونَ سَبْعَ سِنِينَ دَأَباً فَمَا حَصَدتُّمْ فَذَرُوهُ فِي سُنبُلِهِ إِلاَّ قَلِيلاً مِّمَّا تَأْكُلُونَ (47) ثُمَّ يَأْتِي مِن بَعْدِ ذَلِكَ سَبْعٌ شِدَادٌ يَأْكُلْنَ مَا قَدَّمْتُمْ لَهُنَّ إِلاَّ قَلِيلاً مِّمَّا تُحْصِنُونَ (48) ثُمَّ يَأْتِي مِن بَعْدِ ذَلِكَ عَامٌ فِيهِ يُغَاثُ النَّاسُ وَفِيهِ يَعْصِرُونَ (49) )
قد تكون في محنة وترى جميع الأبواب مغلقة لكن يجعل الله لك مخرج من حيث لا تحتسب لكن بشرط التقوى ( ومن يتق الله يجعل له مخرجا )
خطورة الاعجاب بالنفس لأن الملأ جزموا بأنها أضغاث أحلام و لم يقولوا : لا نعلم تأويلها فجمعوا بين الجهل و الجزم .
أن العالِم ينبغي أن يُرشد المستفتي إلى ما ينفعه ولو لم يسأل عن ذلك .
المصلحة العامة مقدمة على المصلحة الخاصة:
أن في هذه الآية من أصول الاقتصاد وحفظ المال ما فيها . لماذا ؟
لأنه قال ذروه في سنبله وإذا فرط الحب معرض للتلف أكثر مما إذا بقي في السنبل لذلك قال (فذروه في سنبله ) لأنه أحفظ
فَذَرُوهُ فِى سُنبُلِهِ هذه الآية الكريمة تتفق مع ما وصل إليه العلم الحديث، من أن ترك الحب في سنابله عند تخزينه، وقاية له من التلف بالعوامل الجوية والآفات، وفوق ذلك يبقيه محافظاً على محتوياته الغذائية كاملة. فسبحان الله علم الإنسان ما لم يعلم(1/47)
كرم خلق يوسف حيث لم يعاتب الساقي على نسيانه بل أجابه بسرعة ولم يطلب الخروج أو مقابلة الملك في التعبير أو اشتراط الخروج.
قوله تعالى قَالُوا أَضْغَاثُ أَحْلامٍ وَمَا نَحْنُ بِتَأْوِيلِ الْأَحْلامِ بِعَالِمِينَ) (يوسف:44)
لماذا قالوا هذا الكلام قال المفسرون هذه مشكلة الملأ حول الملك يضلونهم وهي مشكلة كل من يقرب أهل السوء فهولاء ضلوا الملك رغم أن الرؤيا أصبحت سبب في نجاة البلد من مجاعة .
133- أن تعبير يوسف لم يكن أبتداء وإنما عندما عجزوا عن التعبير
قال الشيخ السعدي : فانه لو عبرها ابتداء قبل أن يعرضها على الملأ من قومه و علمائهم فيعجزوا عنها لم يكن لها ذلك الموقع و لكن لما عرضها عليهم فعجزوا عن الجواب و كان الملك مهتما لها غاية الاهتمام فعبرها يوسف وقعت عندهم موقعا عظيما و هذا نظير اظهار الله فضل آدم ، فعلمهم أسماء كل شيء فحصل بذلك زيادة فضله
و كما يظهر فضل أفضل خلقه محمد صلى الله عليه و سلم في القيامة أن يلهم الله الخلق أن يتشفعوا بآدم ثم بنوح ثم ابراهيم ثم موسى ثم عيسى عليهم السلام فيعتذرون عنها ثم يأتون محمدا صلى الله عليه و سلم فيقول : أنا لها فيشفع في جميع الخلق و ينال ذلك المقام المحمود الذي يغبطه الأولون و الآخرون .
134- الرؤيا فتوى لقوله ( أفتنا ...)
135- رؤيا الملك وتعبير يوسف لها وتدبيره ذلك التدبير العجيب من رحمة الله العظيمة على يوسف وعلى الملك وعلى الناس . فلولا هذه الرؤيا وهذا التعبير والتدبير لهجمت على الناس السنون المجدبات قبل أن يعدوا لها عدتها.
136- الصديق كثير الصدق ( وما يزال الرجل يصدق ويتحرى الصدق حتى يكتب عند الله صديقا ) قال العلماء هي درجة بعد النبوة لذلك وصف بها أبو بكر
كيف عرف يوسف أنه سيأتي عام رقم خمسة عشر رخاء؟(1/48)
قال الشيخ السعدي : قوله : { ثم يأتي من بعد ذلك عام فيه يغاث الناس وفيه يعصرون } [ سورة يوسف : الآية 49 ] أي يحصل للناس فيه غيث مغيث , تعيد الأراضي خصبها , ويزول عنها جدبها , وذلك مأخوذ من تقييد السنين المجدبات بالسبع ; فدل هذا القيد على أنه يلي هذه السبع ما يزيل شدتها , ويرفع جدبها ; ومعلوم أن توالي سبع سنين مجدبات لا يبقي في الأرض من آثار الخضر والنوابت والزروع ونحوها لا قليلا ولا كثيرا , ولا يرفع هذا الجدب العظيم إلا غيث عظيم ; وهذا ظاهر جدا , أخذه من رؤيا الملك ومن العجب أن جميع التفاسير التي وقفت عليها لم يذكروا هذا المعنى , مع وضوحه , بل قالوا : لعل يوسف صلى الله عليه وسلم جاءه وحي خاص في هذا العام الذي فيه يغاث الناس وفيه يعصرون . والأمر لا يحتاج إلى ما ذكروه , بل هو ولله الحمد ظاهر من مفهوم العدد , وأيضا ظاهر من السياق . فإنه جعل هذا التعبير والتفسير توضيحا لرؤيا الملك
وجه المناسبة في تفسير البقرات والسنابل بالسنين ظاهرا في البقر من وجهين :
أحدهما أنها هي التي في الغالب يحرث عليها الأرض , والحروث والزروع وتوابعها تبع للسنين في خصبها وجدبها .
والوجه الثاني : البقر من المواشي التي سمنها وعجفها تبع للسنين أيضا , فإذا أخصبت سمنت وإذا جدبت عجفت وهزلت ; وكذلك السنابل تزهو الزروع وتكمل وتنمو مع كثرة الماء والسنين المخصبات , وتضعف وتيبس مع السنين المجدبات , فكانت رؤياه في البقر والسنابل من أوصاف السنين وآثارها ومن ذكر الوسائل والغايات . فالحرث للأراضي وسيلة , ونمو الزرع وحصول السمن في المواشي هو الغاية من ذلك والمقصود .
139- تعبير يوسف فيه حكم :
أ- سبب في خروجه من السجن
ب- أنه سبب في قربه من الملك .
ج- أنه سبب في براءته .
د- أنه وسيلة من أكبر الوسائل في معرفة الناس به .
ه- سبب في توليه مصر .
و- سبب في قدوم أخوته وأبويه
المقطع التاسع(1/49)
(وَقَالَ الْمَلِكُ ائْتُونِي بِهِ فَلَمَّا جَاءهُ الرَّسُولُ قَالَ ارْجِعْ إِلَى رَبِّكَ فَاسْأَلْهُ مَا بَالُ النِّسْوَةِ اللاَّتِي قَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ إِنَّ رَبِّي بِكَيْدِهِنَّ عَلِيمٌ (50) قَالَ مَا خَطْبُكُنَّ إِذْ رَاوَدتُّنَّ يُوسُفَ عَن نَّفْسِهِ قُلْنَ حَاشَ لِلّهِ مَا عَلِمْنَا عَلَيْهِ مِن سُوءٍ قَالَتِ امْرَأَةُ الْعَزِيزِ الآنَ حَصْحَصَ الْحَقُّ أَنَاْ رَاوَدتُّهُ عَن نَّفْسِهِ وَإِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ (51) ذَلِكَ لِيَعْلَمَ أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ بِالْغَيْبِ وَأَنَّ اللّهَ لاَ يَهْدِي كَيْدَ الْخَائِنِينَ (52)وَمَا أُبَرِّئُ نَفْسِي إِنَّ النَّفْسَ لأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلاَّ مَا رَحِمَ رَبِّيَ إِنَّ رَبِّي غَفُورٌ رَّحِيمٌ (53) وَقَالَ الْمَلِكُ ائْتُونِي بِهِ أَسْتَخْلِصْهُ لِنَفْسِي فَلَمَّا كَلَّمَهُ قَالَ إِنَّكَ الْيَوْمَ لَدَيْنَا مِكِينٌ أَمِينٌ (54) قَالَ اجْعَلْنِي عَلَى خَزَآئِنِ الأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ (55) وَكَذَلِكَ مَكَّنِّا لِيُوسُفَ فِي الأَرْضِ يَتَبَوَّأُ مِنْهَا حَيْثُ يَشَاءُ نُصِيبُ بِرَحْمَتِنَا مَن نَّشَاء وَلاَ نُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ (56) وَلَأَجْرُ الآخِرَةِ خَيْرٌ لِّلَّذِينَ آمَنُواْ وَكَانُواْ يَتَّقُونَ (57))
140-…امتنع عن المبادرة إلى الخروج، حتى تتبين براءته التامة، وهذا من صبره وعقله ورأيه التام.
لم يستغرق يوسف في اللحظة الحاضرة رغم طول سجنه .
خطورة الاستعجال و أهمية التأني :
قال: خُلِقَ الْأِنْسَانُ مِنْ عَجَلٍ [الأنبياء:37]، وقال عز وجل: وَكَانَ الْأِنْسَانُ عَجُولاً [الإسراء:11] فالإنسان بطبيعته عجول، والنفس الإنسانية بطبيعتها عجلة،
قال حاتم الأصم رحمه الله : العجلة من الشيطان الإ في خمس مواضع فإنها من سنن الرسول صلى الله عليه وسلم(1/50)
إطعام الضيف اذا نزل ، وتجهيز الميت اذا مات ، وتزويج البنت اذا بلغت ، وقضاء الدين اذا وجد ، والتوبه من الذنب اذا أفرط .
143-الحرص على نقاء العِرض وتبرئة النفس من التهم الكاذبة .
144-أن الصبر مفتاح الفَرَجِ، وأن من يتق الله يجعل له مخرجاً ويجعل له من أمره يسراً،فيوسف لَمَّا صبر واتقى عوضه الله من قعر الجب قصرَ العزيز، ومن ضيق السجن الوزارةَ والنفوذَ يتبوأُ من الأرض حيث يشاء، هذا مع ما ادَّخر الله له من جزيل الثواب في الآخرة
145- أنواع النفوس، وطريق تزكيتها :
أنواع النفس المذكورة في القرآن الكريم ثلاثة: النفس الأمارة بالسوء، والنفس اللوامة، والنفس المطمئنة.
فالأمارة بالسوء: هي التي تأمر صاحبها بما تهواه من الشهوات المحرمة واتباع الباطل.
وأما اللوامة: فهي التي تلوم صاحبها على ما فات من الخير وتندم عليه.
وأما المطمئنة: فهي التي سكنت إلى ربها وطاعته وأمره وذكره، ولم تسكن إلى سواه.
قال العلامة ابن القيم: فكونها مطمئنة وصف مدح لها، وكونها أمارة بالسوء وصف ذم لها، وكونها لوامة ينقسم إلى المدح والذم بحسب ما تلوم عليه.
وطريق تزكية النفس إلزامها بطاعة الله تعالى، ومنعها من معصيته، ومنعها من شهواتها المحرمة
146- كل خائن، لا بد أن تعود خيانته ومكره على نفسه، ولا بد أن يتبين أمره.
147- قال الشيخ ناصر العمر : هل يجوز أن يقول المسجون لا أخرج حتى تظهر براءتي الصحيح لا .و يوسف سجن بتهمه تخص عرضه أما الداعية سجن لأنه داعية فمن أي شي تريد براءة .فرق بين من يقول لا أتنازل ومن يقول أريد أن اقدم براءتي.
148-…قال القرطبي رحمه الله :
"فاسأله ما بال النسوة" ذكر النساء جملة ليدخل فيهن امرأة العزيز مدخل العموم بالتلويح حتى لا يقع عليها تصريح؛ وذلك حسن عشرة وأدب
149-…قال ابن عطية: كان هذا الفعل من يوسف عليه السلام أناة وصبرا، وطلبا لبراءة الساحة
150-…فضيلة الحلم والأناة وعدم التسرع في الأمور(1/51)
151- قال ابن الجوزي رحمه الله في زاد المسير :
( فإن قيل: كيف مدح نفسه بهذا القول، ومن شأن الأنبياء والصالحين التواضع.
فالجواب: أنه لما خلا مدحه لنفسه من بغي وتكبر، وكان مراده به الوصول إلى حق يقيمه وعدل يحيه وجور يبطله، كان ذلك جميلا جائزا، وقد قال نبينا صلى الله عليه وسلم: أنا أكرم ولد آدم على ربه وقال علي بن أبي طالب عليه السلام: والله ما من آية إلا وأنا أعلم أبليل نزلت، أم بنهار. وقال ابن مسعود: لو أعلم أحدا أعلم بكتاب الله مني تبلغه الإبل لأتيته. فهذه الأشياء، خرجت مخرج الشكر لله، وتعريف المستفيد ما عند المفيد، ذكر هذا محمد بن القاسم.
قال القاضي أبو يعلى: في قصة يوسف دلالة على أنه يجوز للانسان أن يصف نفسه بالفضل عند من لا يعرفه، وأنه ليس من المحظور في قوله: {فَلاَ تُزَكُّواْ أَنفُسَكُمْ } )
152- ما ادخره الله تعالى لنبيه يوسف عليه السلام في الدار الاَخرة أعظم وأكثر وأجل مما خوله من التصرف والنفوذ في الدنيا .
153- سعة رحمة الله و أنه غفور لمن تجرأ على الذنوب والمعاصي، إذا تاب وأناب
154-…قوله تعالى: "وقال الملك ائتوني به أستخلصه لنفسي" لما ثبت للملك براءته مما نسب إليه؛ وتحقق في القصة أمانته، وفهم أيضا صبره وجلده عظمت منزلته عنده، وتيقن حسن خلال قال: "ائتوني به استخلصه لنفسي" فانظر إلى قول الملك أولا - حين تحقق علمه - "ائتوني به" فقط، فلما فعل يوسف ما فعل ثانيا قال: "ائتوني به استخلصه لنفسي" ( تفسير القرطبي )
155- الاعتراف بالذنب و الرجوع الى الحق خير من التمادي في الباطل.
156- قال الشيخ السعدي رحمه الله :(1/52)
( فعلى العبد أن يسعى في إصلاح نفسه وإخراجها من هذا الوصف المذموم , وهو أنها أمارة بالسوء , وذلك بالاجتهاد وتخلقها بأحسن الأخلاق وسؤال الله على الدوام , وأن يكثر من الدعاء المأثور : اللهم اهدني لأحسن الأعمال والأخلاق , لا يهدي لأحسنها إلا أنت , واصرف عني سيئ الأعمال والأخلاق , لا يصرف عني سيئها إلا أنت . )
157- قوله تعالى{ذَلِكَ لِيَعْلَمَ أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ بِالْغَيْبِ وَأَنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي كَيْدَ الْخَائِنِينَ} و قوله {وَمَا أُبَرِّئُ نَفْسِي إِنَّ النَّفْسَ لأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلا مَا رَحِمَ رَبِّي إِنَّ رَبِّي غَفُورٌ رَحِيمٌ}قيل انه من كلام بوسف عليه السلام و الصحيح كما رجحه شيخ الاسلام ابن تيميه و ابن القيم و ابن كثير و السعدي أنه من قول امرأة العزيز
قال شيخ الاسلام ابن تيميه :
( أن قوله : { ذَلِكَ لِيَعْلَمَ أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ بِالْغَيْبِ } [ يوسف : 52 ] ، إذا كان معناه ـ على ما زعموه : أن يوسف أراد أن يعلم العزيز أني لم أخنه في امرأته ـ على قول أكثرهم، أو ليعلم الملك أو ليعلم اللّه لم يكن هنا ما يشار إليه، فإنه لم يتقدم من يوسف كلام يشير به إليه،ولا تقدم / ـ أيضاً ـ ذكر عفافه واعتصامه؛ فإن الذي ذكره النسوة قولهن : { مَا عَلِمْنَا عَلَيْهِ مِن سُوءٍ } [ يوسف : 51 ] ، وقول امرأة العزيز : { أَنَاْ رَاوَدتُّهُ عَن نَّفْسِهِ } [ يوسف : 51 ] ، وهذا فيه بيان كذبها فيما قالته أولا، ليس فيه نفس فعله الذي فعله هو .
فقول القائل : إن قوله : { ذلك } من قول يوسف ـ مع أنه لم يتقدم منه هنا قول ولا عمل ـ لا يصح بحال . )
و قال شيخ الاسلام ابن تيميه :(1/53)
( واذا كان الأمر في يوسف كذلك، كان ما ذكر من قوله : { إِنَّ النَّفْسَ لأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلاَّ مَا رَحِمَ رَبِّيَ } ، إنما يناسب حال امرأة العزيز لا يناسب حال يوسف، فإضافة الذنوب إلى يوسف في هذه القضية فِرْيةُ على الكتاب والرسول، وفيه تحريف للكلم عن مواضعه، وفيه / الاغتياب لنبي كريم، وقول الباطل فيه بلا دليل، ونسبته إلى ما نزهه اللّه منه، وغير مستبعد أن يكون أصل هذا من اليهود أهل البُهْتِ [ البُهْتُ : الكذب والافتراء ] ، الذين كانوا يرمون موسي بما برأه اللّه منه، فكيف بغيره من الأنبياء ؟ وقد تلقي نقلهم من أحسن به الظن، وجعل تفسير القرآن تابعاً لهذا الاعتقاد . )
قال ابن القيم :
قوله تعالى { وما أبرىء نفسى }
فإن قيل فكيف قال وقت ظهور براءته وما أبرىء نفسى }(1/54)
قيل هذا قد قاله جماعة من المفسرين وخالفهم في ذلك آخرون أجل منهم وقالوا إن هذا من قول امرأة العزيز لا من قول يوسف عليه السلام والصواب معهم لوجوه أحدها أنه متصل بكلام المرأة وهو قولها الآن حصحص الحق أنا راودته عن نفسه وإنه لمن الصادقين ذلك ليعلم أني لم أخنه بالغيب وأن الله لا يهدي كيد الخائنين وما أبرىء نفسي ومن جعله من قوله فإنه يحتاج إلى إضمار قول لا دليل عليه في اللفظ بوجه والقول في مثل هذا لا يحذف لئلا يوقع في اللبس فإن غايته أن يحتمل الأمرين فالكلام الأول أولى به قطعا الثاني أن يوسف عليه السلام لم يكن حاضرا وقت مقالتها هذه قبل كان في السجن لما تكلمت بقولها الآن حصحص الحق والسياق صريح في ذلك فإنه لما أرسل الملك إليه يدعوه قال للرسول ارجع إلى ربك فاسأله ما بال النسوة اللاتي قطعن أيديهن فأرسل إليهم الملك وأحضرهن وسألهن وفيهن امرأته فشهدن ببراءته ونزاهته في غيبته ولم يمكنهن إلا قول الحق فقال النسوة حاش لله ما علمنا عليه من سوء وقالت امرأة العزيز أنا روادته عن نفسه وإنه لمن الصادقين فإن قيل لكن قوله ذلك ليعلم أني لم أخنه بالغيب وأن الله لا يهدي كيد الخائنين الأحسن أن يكون من كلام يوسف عليه السلام أي إنما كان تأخيري عن الحضور مع رسوله ليعلم الملك أني لم أخنه في امرأته في حال غيبته وأن الله لا يهدي كيد الخائنين ثم إنه قال وما أبرىء نفسي إن النفس لأمارة بالسوء إلا من رحم ربي إن ربي غفور رحيم وهذا من تمام معرفته بربه ونفسه فإنه لما أظهر براءته ونزاهته مما قذف به أخبر عن حال نفسه وأنه لا يزكيها ولا يبرئها فإنها أمارة بالسوء لكن رحمة ربه وفضله هو الذي عصمه فرد الأمر إلى الله بعد أن أظهر برءته قيل هذا وإن كان قد قاله طائفة فالصواب أنه من تمام كلامها فإن الضمائر كلها في نسق واحد يدل عليه وهو قول النسوة ما علمنا عليه من سوء وقول امرأة(1/55)
العزيز أنا راودته عن نفسه وإنه لمن الصادقين فهذه خمسة ضمائر بين بارز ومستتر ثم اتصل بها قوله ذلك ليعلم أني لم أخنه بالغيب فهذا هو
المذكور أولا بعينه فلا شيء يفصل الكلام عن نظمه ويضمر فيه قول لا دليل عليه فإن قيل فما معنى قولها ليعلم أني لم أخنه بالغيب قيل هذا من تمام الاعتذار قرنت الاعتذار بالاعتراف فقالت ذلك أي قولي هذا وإقراري ببراءته ليعلم أني لم أخنه بالكذب عليه في غيبته وإن خنته في وجهه في أول الأمر فالآن يعلم أني لم أخنه في غيبته ثم اعتذرت عن نفسها بقولها وما أبرىء نفسى ثم ذكرت السبب الذي لأجله لم تبرىء نفسها وهي أن النفس أمارة بالسوء فتأمل ما أعجب أخر هذه المرأة أقرت بالحق واعتذرت عن محبوبها ثم اعتذرت عن نفسها ثم ذكرت السبب الحامل لها على ما فعلت ثم ختمت ذلك بالطمع في مغفرة الله ورحمته وأنه إن لم يرحم عبده وإلا فهو عرضة للشر فوازن بين هذا وبين تقدير كون هذا الكلام كلام يوسف عليه السلام لفظا ومعنى وتأمل ما بين التقديرين من التفاوت ولا يستبعد أن تقول المرأة هذا وهي على دين الشرك فإن القوم كانوا يقرون بالرب سبحانه وتعالى وبحقه وإن أشركوا معه غيره ولا تنس قول سيدها لها في أول الحال واستغفري لذنبك إنك كنت من الخاطئين
أهـ { روضة المحبين صـ 342 ـ صـ 345 }
قال ابن كثير رحمه الله في تفسيره :
(* وما أبرىء نفسي} تقول المرأة: ولست أبرىء نفسي, فإن النفس تتحدث وتتمنى, ولهذا راودته لأن {النفس لأمارة بالسوء إلا ما رحم ربي} أي إلا من عصمه الله تعالى: {إن ربي غفور رحيم} وهذا القول هو الأشهر والأليق والأنسب بسياق القصة ومعاني الكلام.
وقد حكاه الماوردي في تفسيره, وانتدب لنصره الإمام أبو العباس بن تيمية رحمه الله, فأفرده بتصنيف على حدة )
وقال ابن كثير رحمه الله في كتابه قصص الأنبياء :(1/56)
( {وَمَا أُبَرِّئُ نَفْسِي إِنَّ النَّفْسَ لأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلا مَا رَحِمَ رَبِّي إِنَّ رَبِّي غَفُورٌ رَحِيمٌ} قيل: إنه من كلام يوسف، وقيل: من كلام زليخا، وهو مفرع على القولين الأولين. وكونه من تمام كلام زليخا أظهر وأنسب وأقوى، والله أعلم. )
قال الشيخ السعدي بعد شرح هذه الآية :
(وهذا هو الصواب أن هذا من قول امرأة العزيز، لا من قول يوسف، فإن السياق في كلامها، ويوسف إذ ذاك في السجن لم يحضر. )
158- فضيلة العلم، علم الأحكام والشرع، وعلم تعبير الرؤيا، وعلم التدبير والتربية؛ وأنه أفضل من الصورة الظاهرة، ولو بلغت في الحسن جمال يوسف، فإن يوسف - بسبب جماله - حصلت له تلك المحنة والسجن، وبسبب علمه حصل له العز والرفعة والتمكين في الأرض، فإن كل خير في الدنيا والآخرة من آثار العلم وموجباته.( تفسير السعدي )
159- اخبار الإنسان عما في نفسه من صفات الكمال من علم أو عمل، إذا كان في ذلك مصلحة، ولم يقصد به العبد الرياء، وسلم من الكذب .
160- حكم طلب الامارة :
قال القرطبي رحمه الله في تفسيره :(1/57)
(ودلت الآية أيضا على جواز أن يخطب الإنسان عملا يكون له أهلا؛ فإن قيل: فقد روى مسلم عن عبدالرحمن بن سمرة قال قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( يا عبدالرحمن لا تسأل الإمارة فإنك إن أعطيتها عن مسألة وكلت إليها وإن أعطيتها عن غير مسألة أعنت عليها ) . وعن أبي بردة قال قال أبو موسى: أقبلت إلى النبي صلى الله عليه وسلم ومعي رجلان من الأشعريين، أحدهما عن يميني والآخر عن يساري، فكلاهما سأل العمل، والنبي صلى الله عليه وسلم يستاك، فقال: ( ما تقول يا أبا موسى - أو يا عبدالله بن قيس ) . قال قلت: والذي بعثك بالحق ما أطلعاني على ما في أنفسهما، وما شعرت أنهما يطلبان العمل، قال: وكأني أنظر إلى سواكه تحت شفته وقد قلصت، فقال: ( لن - أو - لا نستعمل على عملنا من أراده ) وذكر الحديث؛ خرجه مسلم أيضا وغيره؛ فالجواب: أولا: أن يوسف عليه السلام إنما طلب الولاية لأنه علم أنه لا أحد يقوم مقامه في العدل والإصلاح وتوصيل الفقراء إلى حقوقهم فرأى أن ذلك فرض متعين عليه فإنه لم يكن هناك غيره، وهكذا الحكم اليوم، لو علم إنسان من نفسه أنه يقوم بالحق في القضاء أو الحسبة ولم يكن هناك من يصلح ولا يقوم مقامه لتعين ذلك عليه، ووجب أن يتولاها ويسأل ذلك، ويخبر بصفاته التي يستحقها به من العلم والكفاية وغير ذلك، كما قال يوسف عليه السلام، فأما لو كان هناك من يقوم بها ويصلح لها وعلم بذلك فالأولى ألا يطلب؛ لقول عليه السلام، لعبدالرحمن: ( لا تسأل، الإمارة وأيضا فإن في سؤالها والحرص عليها مع العلم بكثرة آفاتها وصعوبة التخلص منها دليل على، أنه يطلبها لنفسه ولأغراضه، ومن كان هكذا يوشك أن تغلب عليه نفسه فيهلك؛ وهذا معنى قوله عليه السلام: ( وكل إليها ) ومن أباها لعلمه بآفاتها، ولخوفه من التقصير في حقوقها فر منها، ثم إن ابتلي بها فيرجى له التخلص منها، وهو معنى قوله: ( أعين عليها ) . الثاني: أنه لم يقل: إني حسيب كريم، وإن كان(1/58)
كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: ( الكريم ابن الكريم ابن الكريم ابن الكريم يوسف بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم ) ولا قال: إني جميل مليح، إنما قال: « إني حفيظ عليم » فسألها بالحفظ والعلم، لا بالنسب والجمال. الثالث: إنما قال ذلك عند من لا يعرفه فأراد تعريف نفسه، وصار ذلك مستثنى من قوله تعالى: « فلا تزكوا أنفسكم » . الرابع: أنه رأى ذلك فرضا متعينا عليه؛ لأنه لم يكن هنالك غيره، وهو الأظهر، والله أعلم.)
قال الشيخ السعدي رحمه الله :
(وكذلك لا تذم الولاية، إذا كان المتولي فيها يقوم بما يقدر عليه من حقوق الله وحقوق عباده، وأنه لا بأس بطلبها، إذا كان أعظم كفاءة من غيره، وإنما الذي يذم، إذا لم يكن فيه كفاية، أو كان موجودا غيره مثله، أو أعلى منه، أو لم يرد بها إقامة أمر الله، فبهذه الأمور، ينهى عن طلبها، والتعرض لها.)
قال سماحة الشيخ ابن باز رحمه الله في جوابه على سؤال وجه اليه :
(المناصب الدينية من القضاء والتعليم والفتوى والخطابة، مناصب شريفة ومهمة، والمسلمون في أشد الحاجة إليها. وإذا تخلى عنها العلماء تولاّها الجهال؛ فضلوا وأضلوا.
فالواجب على من دعت الحاجة إليه من أهل العلم والفقه في الدين أن يمتثل؛ لأن هذه الأمور من القضاء والتدريس والخطابة والدعوة إلى الله، وأشباه ذلك، من فروض الكفايات، فإذا تعينت على أحد من المؤهلين وجبت عليه، ولم يجز له الاعتذار منها والامتناع، ثم لو قدّر أن هناك من يظن أنه يكفي، وأنها لا تجب عليه هذه المسألة، فينبغي له أن ينظر الأصلح، كما ذكر الله سبحانه عن يوسف عليه الصلاة والسلام أنه قال لملك مصر: {اجْعَلْنِي عَلَى خَزَآئِنِ الأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ}[1]؛ لما رأى المصلحة في توليه ذلك، طلب الولاية، وهو نبي ورسول كريم، والأنبياء هم أفضل الناس، طلبها للإصلاح؛ يصلح أهل مصر، ويدعوهم إلى الحق.(1/59)
فطالب العلم إذا رأى المصلحة في ذلك طلب الوظيفة، ورضي بها قضائية أو تدريساً أو وزارة أو غير ذلك، على أن يكون قصده الإصلاح والخير، وليس قصده الدنيا، وإنما يقصد وجه الله، وحسن المآب في الآخرة، وأن ينفع الناس في دينهم أولاً، ثم في دنياهم، ولا يرضى أن يتولى المناصب الجهال، والفسّاق، فإذا دعي إلى منصب صالح يرى نفسه أهلاً له، وأن فيه قوة عليه، فليجب إلى ذلك، وليحسن النية، وليبذل وسعه في ذلك ولا يقل أخشى كذا، وأخشى كذا.
ومع النية الصالحة والصدق في العمل يوفق العبد، ويعان على ذلك، إذا أصلح الله نيته، وبذل وسعه في الخير، وفقه الله.
ومن هذا الباب حديث عثمان بن أبي العاص الثقفي، أنه قال: ((يا رسول الله اجعلني إمام قومي، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: أنت إمامهم، واقتد بأضعفهم، واتخذ مؤذناً، لا يأخذ على أذانه أجراً))[2] رواه الإمام أحمد وأهل السنن بإسناد صحيح.
فطلب رضي الله عنه إمامة قومه؛ للمصلحة الشرعية، ولتوجيههم للخير، وتعليمهم وأمرهم بالمعروف، ونهيهم عن المنكر، مثلما فعل يوسف عليه الصلاة والسلام.
قال العلماء: إنما نهي عن طلب الإمرة والولاية، إذا لم تدع الحاجة إلى ذلك؛ لأنه خطر، كما جاء في الحديث النهي عن ذلك، لكن متى دعت الحاجة والمصلحة الشرعية إلى طلبها جاز ذلك؛ لقصة يوسف عليه الصلاة والسلام وحديث عثمان رضي الله عنه المذكور.)
قال الشيخ ابن عثيمين في شرحه لسورة ص :
(المناصب الدينية من القضاء والتعليم والفتوى والخطابة، مناصب شريفة ومهمة، والمسلمون في أشد الحاجة إليها. وإذا تخلى عنها العلماء تولاّها الجهال؛ فضلوا وأضلوا.(1/60)
فالواجب على من دعت الحاجة إليه من أهل العلم والفقه في الدين أن يمتثل؛ لأن هذه الأمور من القضاء والتدريس والخطابة والدعوة إلى الله، وأشباه ذلك، من فروض الكفايات، فإذا تعينت على أحد من المؤهلين وجبت عليه، ولم يجز له الاعتذار منها والامتناع، ثم لو قدّر أن هناك من يظن أنه يكفي، وأنها لا تجب عليه هذه المسألة، فينبغي له أن ينظر الأصلح، كما ذكر الله سبحانه عن يوسف عليه الصلاة والسلام أنه قال لملك مصر: {اجْعَلْنِي عَلَى خَزَآئِنِ الأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ}[1]؛ لما رأى المصلحة في توليه ذلك، طلب الولاية، وهو نبي ورسول كريم، والأنبياء هم أفضل الناس، طلبها للإصلاح؛ يصلح أهل مصر، ويدعوهم إلى الحق.
فطالب العلم إذا رأى المصلحة في ذلك طلب الوظيفة، ورضي بها قضائية أو تدريساً أو وزارة أو غير ذلك، على أن يكون قصده الإصلاح والخير، وليس قصده الدنيا، وإنما يقصد وجه الله، وحسن المآب في الآخرة، وأن ينفع الناس في دينهم أولاً، ثم في دنياهم، ولا يرضى أن يتولى المناصب الجهال، والفسّاق، فإذا دعي إلى منصب صالح يرى نفسه أهلاً له، وأن فيه قوة عليه، فليجب إلى ذلك، وليحسن النية، وليبذل وسعه في ذلك ولا يقل أخشى كذا، وأخشى كذا.
ومع النية الصالحة والصدق في العمل يوفق العبد، ويعان على ذلك، إذا أصلح الله نيته، وبذل وسعه في الخير، وفقه الله.
ومن هذا الباب حديث عثمان بن أبي العاص الثقفي، أنه قال: ((يا رسول الله اجعلني إمام قومي، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: أنت إمامهم، واقتد بأضعفهم، واتخذ مؤذناً، لا يأخذ على أذانه أجراً))[2] رواه الإمام أحمد وأهل السنن بإسناد صحيح.
فطلب رضي الله عنه إمامة قومه؛ للمصلحة الشرعية، ولتوجيههم للخير، وتعليمهم وأمرهم بالمعروف، ونهيهم عن المنكر، مثلما فعل يوسف عليه الصلاة والسلام.(1/61)
قال العلماء: إنما نهي عن طلب الإمرة والولاية، إذا لم تدع الحاجة إلى ذلك؛ لأنه خطر، كما جاء في الحديث النهي عن ذلك، لكن متى دعت الحاجة والمصلحة الشرعية إلى طلبها جاز ذلك؛ لقصة يوسف عليه الصلاة والسلام وحديث عثمان رضي الله عنه المذكور.)(1/62)