( سهم يمنع العذاب )
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته...
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا, من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً. ... ...
أما بعد:
فإني أحمد الله تعالى على ما من به من هذا اللقاء في هذا المخيم المبارك. وأسأل الله تعالى أن يجزي القائمين عليه خير الجزاء وأن يجزي من حضر خير الجزاء إنه ولي ذلك والقادر عليه.
أيها الإخوة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر دعامة وشعيرة عظيمة من شعائر الإسلام ودعامة راسخة من دعائم هذا المجتمع الرباني دل على ذلك النصوص وشهد به الواقع ونطق به التاريخ والأمة اليوم تحتاج إلى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أشد حاجة وحاجتها إليه أكثر من أي زمن مضى لأنها به تنفض عنها ما علق بها من الغبار الذي أثاره عليها الكيد الداخلي والخارجي على هذه الأمة. هذا الكيد الذي لم يتوقف لحظة واحدة من لحظات التاريخ منذ العهد النبوي وحتى زماننا هذا يريدون ليطفؤا نور الله بأفواههم والله متم نوره ولو كره الكافرون.(1/1)
إخواني العقود المتأخرة شهدت هجمات عنيفة على هذه الأمة شهدت حملات كبيرة ومؤامرات ومكائد قوية لا تحصى عداً ولا تقدر ضخامةً وشدة تستهدف النيل من الإسلام تستهدف القضاء عليه تستهدف أن تحول بين الأمة وبين فهم هذا الدين وبين العمل به وكان أثر ذلك ما نراه في واقعنا ونراه في أنفسنا , ألست ترى الآن أن المنكرات أصبحت جارية في دماء بعضنا ألست ترى أن المنكرات أصبحت معروفة مألوفة في مجتمعاتنا , والغناء مثلاً يا إخواني وهو المنكر الواضح الذي يعرف الجميع أنه محرم. إذا قام شخص وبين تحريمه وإن سماع الغناء محرم ألا تجد كثيراً من الناس يستغربون هذا ولسان حالهم يقول كيف يكون حرام ونحن نرى هذه الاحتفالات الغنائية تقام في كل مكان ونسمع الغناء في وسائل الإذاعة والتلفاز وفي كل مكان نرى ونسمع من يتابع أخبار المغنين والمغنيات هكذا يتعجبون ولا يقع في أذهانهم أبداً أن هذا منكر ومحرم والسبب في هذا أنهم ألفوه واستمرؤوه. والربا مثلاً هذا المنكر الذي توعد الله فاعله بالحرب ألست تجده منتشراً فلا يخلوا بنك ولا مؤسسة ولا شركة ولا دائرة تجارية إلا وهي تتعاطى هذا الربا المحرم وتفعله دون أن يقع في ذهن من يتعاطاه أنه محرم حتى أصبحنا نعيش مصداق خبر النبي صلى الله عليه وسلم يأتي على الناس زمان لا يبالي المرء بما أخذ المال أمن حرام أو من حلال. رواه البخاري.(1/2)
أرأيت إن جاء من يتحدث عن الربا أو يرى تحريم بعض صوره أو يقول للناس إنها محرمة ألا ترى الناس يستغربون كلامه وينتقدونه ويتفاجؤن به ويستغربون منه إن ذلك سبب من أسباب استمراء المنكر وانتشاره ولو أنكر وجُد من الأصل من ينكره ويبذل جهده في النهي عنه لما كان عند الناس القبول له وكذلك النساء اللاتي يتبرجن كما نشاهده على الشواطئ وفي المستشفيات وفي الجامعات وفي أماكن كثيرة ألسنا نرى تبرجاً يؤذي كل غيور ويفزع كل محب للخير ويضايق كل مؤمن؟ هذا التبرج أليس من المنكرات المعروفة ومع ذلك نراها واقعة منتشرة لا نجد من يستغرب هذا الأمر ولا من يتعجب منه ولا من يقول ما الذي غير مجتمعنا الطاهر والمجتمع الإسلامي لينتشر فيه التبرج والسفور كل هذا من استمراء المنكر الذي حصل بتركنا للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أيها الإخوة إن المنكرات إذا كثر ورودها وتكررت مشاهدتها ذهبت من القلوب وحشتها وأصبحت النفوس تعتادها ولذا يقول بعض الصالحين إن الخوف كل الخوف من استئناس القلوب بالمنكرات لأنها بذلك لا تعود مبغضة لها ولا كارهة لها نعم يا إخواني هذا هو الواقع الذي نعيشه وهاهي سفينة المجتمع تمخر عباب الماء وقد بدأ بعض ركابها يحاول أن يخرقها فهل نقوم بحماية السفينة ؟ وهل نمنع عنا العذاب ؟ هذا السؤال الذي نطرحه اليوم ويطرحه كل مخلص يحب لنفسه ولمجتمعه النجاة يحتاج منا إلى جواب وجوابه يتضح في خلال نقاط هذه المحاضرة التي تنتظم في ست فقرات. بداية بمقدمة لابد منها.(1/3)
أولاً: المقدمة التي لابد منها أتكلم فيها لماذا نأمر بالمعروف وننهى عن المنكر ؟ إن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر سهم من سهام الإسلام. جاء رجل إلى عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه فقال: إني أعمل أعمال الخير كلها إلا خصلتين الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. فقال عمر رضي لله عنه: لقد طمست سهمين من سهام الإسلام إن شاء الله غفر لك وإن شاء عذبك. وترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر هو من أسباب العقوبات التي سنها الله تعالى في حق كل أمة تخلت عن هذه الشعيرة وتركتها وسكتت عن المنكر ولم تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر وعن قيس بن حازم يقول سمعت أبابكر الصديق رضي الله عنه وهو على المنبر يقول يا أيها الناس إني أراكم تتأولون هذه الآية " يا أيها الذين آمنوا عليكم أنفسكم لا يضركم من ضل إذا اهتديتم". وإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول إن الناس إذا عُمل فيهم بالمعاصي فلم يغيروا أوشك الله أن يعمهم بعقاب أخرجه الترمذي في سننه في باب ما جاء في نزول العذاب إذا لم يغير المنكر ولذا يقول ابن العربي المالكي رحمه الله تعالى: السكوت على المنكر تتعجل عقوبته في الدنيا بنقص الأموال والأنفس والثمرات وركوب الذل من الظلمة للخلق. وروى حذيفة رضي الله تعالى عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال والذي نفسي بيده لتأمرن بالمعروف ولتنهوُن عن المنكر أو ليوشكن الله أن يبعث عليكم عقاب منه ثم تدعونه فلا يستجاب لكم أخرجه الترمذي بسندٍ حسن.(1/4)
والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر عبادة يفعلها المؤمن فيؤجر عليها وقد جاء في الحديث أمرٌ بالمعروف صدقة ونهيٌ عن المنكر صدقة وهو كذلك مكفر للذنوب والمعاصي, يستعمله العبد ليكفر سيئاته ويمحوا خطاياه فعن حذيفة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ( فتنة الرجل في أهله وماله ونفسه وولده وجاره يعني ما يصيبه من الذنوب بسببهم يكفرها الصيام والصلاة والصدقة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ). متفق عليه.
والأمر بالمعروف سبب لحياة القلب هذا القلب من أسباب حياته أمرك بالمعروف ونهيك عن المنكر يقول ابن القيم رحمه الله تعالى واستمع لهذا الكلام العظيم من هذا العالم الرباني يقول: وأي دين وأي خير فيمن يرى محارم الله تنتهك ويرى حدوده تضاع ودينه يترك وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم يرغب عنها وهو بارد القلب ساكت اللسان شيطان أخرس وهل بليت الدين إلا من هؤلاء الذين إذا سلمت لهم مآكلهم وسلمت لهم رياساتهم فلا مبالاة لهم بما جرى على الدين وهؤلاء مع سقوطهم من عين الله ومقت الله لهم قد بلوا في الدنيا بأعظم بلية تكون. وهم لا يشعرون وهي موت القلوب فإن القلب كلما كانت حياته أكبر كان غضبه لله ورسوله أتم وأقوى وكان انتصاره للدين أكمل.
وقد ذكر الإمام أحمد رحمه الله تعالى أثراً أن الله تعالى أوحى إلى ملك من الملائكة أوحى إلى هذا الملك فقال له: أخسف بقرية كذا وكذا. فقال الملك: يا رب كيف أخسف بهم وفيهم فلان رجل صالح رجل عابد. قال: به فابدأ فإنه لم يتمعر وجهه فيّ يوماً قط. انتهى كلامه رحمه الله. ومصداق كلامه قول النبي صلى الله عليه وسلم: من رأى منكم منكراً فليغيره بيده فإن لم يستطع فبلسانه فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان. وفي رواية وليس وراء ذلك من الإيمان حبة خردل. فأي إيمان أيّ دين بعد ذلك.(1/5)
الأمر بالمعروف أيها الإخوة يمنع تسلط الأعداء الذين يؤذون المسلمين ويستبيحون بيضتهم يشهد بذلك التاريخ وينطق به الواقع وتأمل هزائم المسلمين وما منوا به من ضعفٍ وقلة وعدم تمكين تجد أن سببه إعراضهم عن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وهذه كلها من تأملها وجدها نماذج تحقق قدر الله السابق في قوله " ولينصرن الله من ينصره إن الله لقوي عزيز " الذين إن مكناهم في الأرض أقاموا الصلاة وآتوا الزكاة وأمروا بالمعروف ونهو عن المنكر". فبهذه الشروط يتحقق للأمة التمكين والنصر وإلا فلا ينصر الله تعالى من لا ينصره.
أولى فقرات هذه المحاضرة: ما السبب ؟ لابد أيها الإخوة أن نلاحظ أن وجود المنكرات في المجتمع الإسلامي أمرٌ لابد منه ولم يخلو مجتمع من المجتمعات من منكرات وأخطاء بل حتى ذلك الجيل الفريد الذي تربى على يد المصطفى عليه الصلاة والسلام. وتحت نظرة وقع فيهم بعض المعاصي وفي الصحيحين قصة ماعز بن مالك الأسلمي رضي الله عنه أنه وقع في الزنا لكن هذه الجرائم التي كانت تقع في ذلك العهد وهذه المنكرات التي كانت تحصل إنما كانت تحصل على وجه الخفية على وجه الاستخفاء عن الناس وعدم المجاهرة بها ثم إن أولئك كان عندهم قوة إيمان ومن قوة الوازع ما يحملهم على المبادرة في التوبة النصوح التي تمحي الخطايا. لكن الأمر الخطير هو أن يعلن أصحاب المنكر منكرهم وأن يجاهروا بمعاصيهم وفسقهم ولا يستحيون من إظهاره لأن هذا يدل على هيمنة المنكر وأهله ويدل على ضعف المعروف وأصحابه والذي يتأمل حال المجتمع الإسلامي وظهور المنكرات فيه وتفشيها بعدما كانت عليه من صلاح ونقاء واستقامة يجد أسباب متداخلة كثيرة متنوعة ومن أهم هذه الأسباب.(1/6)
أولاً: ضعف الإيمان: فضعيف الإيمان يفعل المنكرات لأن الإيمان إنما يضعف وينقص بفعل المعاصي وضعف الإيمان من أهم أسباب انتشار المنكرات فقوي الإيمان لا يسكت عن المنكر إذا رآه ولا يترك فاعل المنكر إلا وينصحه وذلك لما يسببه قوة الإيمان من غيرةٍ على محارم الله أما ضعيف الإيمان فلهب الغيرة منطفيء في قلبه ولذا تتعطل جوارحه عن الإنكار فلا يأمر بالمعروف ولا ينهى عن المنكر ولا يتمعر وجهه خوفاً من الله ويصف النبي صلى الله عليه وسلم هذا الضعف في الحديث الذي رواه مسلم في صحيحه فيقول: تعرض الفتن على القلوب كعرض الحصير عوداً عوداً فأي قلب أشربها يعني دخلت فيه الفتن دخولاً تاماً نكت فيه نكتة سوداء, يعني وضع فيه على هذا القلب أو عليه نقطة سوداء حتى تصير القلوب على قلبين قلب أسود مرباد كالكوز مجخياً يعني كالكوز مقلوب لا يعرف معروفاً ولا ينكر منكراً. بل أعظم من ذلك أن ضعيف الإيمان قد يسمع بالمنكر الذي يقع في الأرض بعيداً عنه ومع ذلك يرضى به ولا يغضب فيكون عليه من الوزر مثل وزر من حضر هذا المنكر وأقره. روى أبو داود في سننه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إذا عملت الخطيئة في الأرض كان من شهدها فكرهها أو أنكرها كمن غاب عنها ومن غاب عنها فرضيها كان كمن شهدها. وفشوُ المنكرات يؤدي إلى سلب الإيمان وانطفاء جذوة الإيمان ونور القلب وموت الغيرة على محارم الله وإن كثرة رؤية المنكرات تقوم مقام ارتكابها في سلب القلب نور التمييز والإنكار يقول المصطفى صلى الله عليه وسلم: ( كلا والله لتأمرن بالمعروف ولتنهونّ عن المنكر ولتأخذن على يد الظالم ولتأطرنه على الحق أطرى أو ليضربن الله بقلوب بعضكم على بعض ثم ليلعنكم كما لعنهم). يعني بني إسرائيل رواه أبو داود والترمذي.(1/7)
ثانياً: وسائل الإعلام ولا أحد ينكر ذلك ولا ينكر خطورتها على المجتمع خاصةً في هذا الزمن الذي انتشرت فيه وسائل الإعلام وأصبح كل بيتٍ مليئاً بأجهزة الإعلام التي تربطه بالعالم والتي يبث فيها من أنحاء العالم ما يراد به فقط أن يملأ وقت الإرسال ولو كان على حساب الفضيلة والطهر والعفة وتأمل ما في هذه القنوات الفضائية وما فيها من نشر للفاحشة والمجون أليست تنشر الصور الفاضحة والمناظر المشينة التي كلها تفسد الشباب وتخرب عليه قلبه وتظلم عليه روحه وهي أيضاً تسوق أنماط الحياة الغربية فيبدأ الشاب لا ينظر إلى الحياة إلا من ذلك المنظار , ولا يرى الحياة لها طعم ولا متعة ولا لذة إلا ما كانت على وفق حياة الغرب وعلى طريتهم وبذلك رويداً رويداً ينسلخ من أمته حتى يعود غربياً وهو من أهل الشرق.
ومن الأسباب التي تدعوا إلى انتشار المنكرات الجهل ويذكر أهل العلم أن الجهل سبباً لكل فساد يلحق العبد في دينه ودنياه وكل فسادٍ سببه الجهل بل الله سبحانه وتعالى وصف أهل الجهل كالدواب يقول تعالى: " ِإن شر الدواب عند الله الصم البكم الذين لا يعقلون ". ويقول بعض الشعراء يذم الجهل فيقول:
وفي الجهل قبل الموت موتاً لأهله ............ وأجسامهم قبل القبور قبور.
وأرواحهم في وحشة من جسومهم .......... وليس بهم حتى النشور نشور.
يقول ابن القيم رحمه الله في كتابه مفتاح دار السعادة واصفاً العلم وأثره في القلب يقول وبالجملة فالعلم للقلب مثل الماء للسمك إذا فقده مات فنسبة العلم إلى القلب كنسبة ضوء العين إليها وكنسبة سمع الأذن إليها فإذا عدمه كان كالعين العمياء والأذن الصماء. ولهذا يصف الله أهل الجهل بأنهم عميٌ وصمٌ وبكم , وذلك صفة قلوبهم حيث فقدت العلم النافع فبقيت على عماها. قال تعالى: " ومن كان في هذه أعمى فهو في الآخرة أعمى وأضل سبيلاً ".(1/8)
وإذا تناولنا العلم وأثره فإنما نقصد بذلك العلم الذي يورث الخشية من الله ويورث مراقبة الله سبحانه وتعالى ويحث على اكتساب الفضائل. واستمع لما نعت الله به أهل العلم فقال: " إن الذين أوتوا العلم من قبله إذا يتلى عليهم يخرون للأذقان سجداً ويقولون سبحان ربنا إن كان وعد ربنا لمفعولا ". ويخرون للأذقان يبكون ويزيدهم خشوعاً ". ويقول ابن رجب رحمه الله: فأصل العلم العلم بالله الذي يوجب خشيته ومحبته والقرب منه والأنس به والشوق إليه ثم يتلوه العلم بأحكام الله وما يحبه ويرضاه من العبد من قول أو عمل أو حال أو اعتقاد فمن تحقق بهذين العلمين كان علمه علماً نافعاً وحصل له العلم النافع والقلب الخاشع والنفس القانعة والدعاء المسموع.انتهى كلامه رحمه الله.
الفقرة الثانية من فقرات المحاضرة: عقبات على الطريق. كثيراً من الناس يحجم عن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر مع علمه بأهميته وضرورته وذلك لأسباب يضنها عوائق في طريقه وهي أسباب ما كان لها أن تقف في طريقه بل هي أسباب وهمية أو ضعيفة ومن هذه:
أنه يخجل من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. فيعاني من الخجل والهيبة من الناس , ويعود هذا السبب إلى عدم اعتياده على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. فابدأ وحاول وسترى أن هذا الحاجز الذي يمنعك من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر سينكسر وسيزول سريعاً.
ومن ذلك أن بعض الناس يقول أنا عاصي لله وصاحب ذنوب فكيف آمر بالمعروف وأنهى عن المنكر وأنا بحاجة إلى من ينصحني , كيف أغير المنكر وأنا صاحب معصية ؟ هذا خطأ منه لأن جمهور أهل العلم يقولون يجب على من فعل المنكر أن ينكر على فاعله ولا يعذر في تركه للمنكر إذا كان فاعلاً له كما قال الأول:
... إذا لم يعظ الناس من هو مذنب ......... فمن يعظ العاصين بعد محمد(1/9)
كل بني آدم خطاء وكلنا لا نخلوا من خطاء وذنوب. فإذا تركنا الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لأننا أصحاب معاصي وذنوب فمن يأمر بالمعروف ؟ إنه لا معصوم إلا من عصمه الله ولا معصوم إلا الأنبياء . فإذاً ينقطع عنّا الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر إذ لا معصوم بعد نبينا عليه الصلاة والسلام. يقولا الغزالي: ومن منا المعصوم ولو أهمل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لتعطلت الشريعة واضمحلت الديانة وعمت الغفلة وفشت الضلالة وشاعت الجهالة واستشرى الفساد واتسع الخرق وخربت البلاد وهلك العباد. وحين إذٍ يحل عذاب الله وإن عذاب الله شديد. وفي قول الله تعالى: " كانوا لا يتناهون عن منكرٍ فعلوه ". دليلاً على أنهم كانوا جميعاً يفعلون المنكر ومع ذلك ذمهم الله تعالى لأنهم لم ينهى بعضهم بعضاً عن هذا المنكر وإنما اقترفوه ولم ينهى بعضهم بعضاً عنه. وقد قال سعيد بن جبير رحمه الله تعالى: لو كان المرء لا يأمر بالمعروف ولا ينهى عن المنكر حتى لا يكون فيه شيء لم يأمر أحداً بمعروف ولا نهى أحد عن منكر. ثم إن أمرك بالمعروف ونهيك عن المنكر وأنت مذنب لعله كفارةٌ لذنبك. فإن الأمر بالمعروف كما سبق مكفر للذنوب.(1/10)
وبعض الناس يعتبر أن أمره بالمعروف ونهيه عن المنكر بأنه لن يستمع منه أحد وبأن هذا المنكر لن يزول ويقول كيف آمر والناس سيبقون على أفعالهم وسيبقون على منكرهم ولن يتغير شيء من أحوالهم وهذا الأخ الذي يقول ذلك كأنه يطلب أنه بكلمة واحدة سيتحول الناس من المنكر إلى المعروف ويتحولون من الشر إلى الخير وتنقلب المجتمعات صالحةً مباشرة بكلمة يسمعونها منه. لابد أن نعرف أن كل شيء يحصل بالتدرج وإن المنكرات يوجد من يدعمها من الفساق والمنافقين وأهل الأهواء فليحرص الإنسان على أن يبذل جهده ويأمر بالمعروف وينهى عن المنكر ويترك نتيجة ذلك إلى الله فهو بأمره بالمعروف ونهيه عن المنكر قائم بشريعة من شعائر الله يمنع عن نفسه بها العذاب. وتأمل يا رعاك الله قول فرقة من بني إسرائيل لما وقع بعضهم في اصطياد يوم السبت قالوا: ( معذرةً إلى ربكم ولعلهم يتقون ). فماذا كانت النتيجة ؟ إنما أمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر معذرةً إلى الله ليكون ذلك عذراً لهم أمام الله تعالى ولعل أولئك أن يتقون. يقول تعالى: " فلما نسوا ما ذكروا به أنجينا الذين ينهون عن السوء ". نجوا لأنهم نهو أقوامهم عن السوء. فأنت إذا نهيت عن المنكر فأنت بذلك تنجو من السوء وتنجو من العقاب والعذاب ولو لم يحصل أثر لأمرك ونهيك. ثم إنك بعد ذلك بأمرك بالمعروف ونهيك عن المنكر تحقق هذا المعروف وتمنع هذا المنكر عن نفسك. فإن الإنسان إذا أمر بمعروف أو نهى عن منكر استحى بعد ذلك أن يقع فيه وفي هذا علاج له لنفسه ولو لم يعالج مجتمعه.(1/11)
ومن مداخل الشيطان التي يحاول بها أن يثبط المسلم عن الأمر بالمعروف والقيام بالحسبة التخويف. وهذا التخويف قد يكون تخويفاً بأولياء الشيطان كما قال تعالى:" إنما ذلكم الشيطان يخوف أولياءه". يعني يخوفكم بأوليائه فيقول للإنسان: إنك بأمرك بالمعروف مؤاخذ ومحاسب ونحو ذلك من الكلام وتأمل إذا عرض لك ذلك. ما قاله هود عليه السلام فإن قومه لما توعدوه وهددوه قال: " إني توكلت على الله ربي وربكم ما من دابةٍ إلا هو آخذٌ بناصيتها إن ربي على صراطٍ مستقيم ". فنواصي العباد بيد الرحمن سبحانه يقلبها كيف يشاء وقد يكون خوف الإنسان لا من الناس بل خوفه على وظيفته ومنصبه ويخاف من الفقر وهذا من حيل الشيطان وألاعيبه كما قال تعالى: " الشيطان يعدكم الفقر ويأمركم بالفحشاء ". مع أن الله تعالى يحفظ العبد بأمره بالمعروف ونهيه عن المنكر لأن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر عملٌ صالح ومن قام به حفظه الله تعالى وتأمل القصة التي ذكرها الله تعلى في سورة الكهف عن ذلك الجدار الذي أراد أن ينقض فجاء الرجل الصالح فأقامه لما أقامه قال:" وأما الجدار فكان لغلامين يتيمين في المدينة وكان تحته كنزٌ لهما وكان أبوهما صالحاً ". فحفظ الله تعالى الطفلين بحفظ أبيهما لله سبحانه. وروى ابن عمر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: يا أيها الناس مروا بالمعروف وانهوا عن المنكر قبل أن تدعوا الله فلا يستجيب لكم , إن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لا يدفع رزقاً ولا يقرب أجلاً وإن الأحبار من اليهود لما تركوا الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لعنهم الله على لسان أنبيائهم ثم عمّوا بالبلاء ). أخرجه الأصبهاني في الترغيب والترهيب وسكت عنه المنذري وروى أحمد عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ( ألا لا يمنعن أحدكم رهبة الناس إذا رآه أو شهده فإنه لا يقرب من أجل ولا يباعد من رزق أن يقول بحق أو يذكر بعظيم).(1/12)
ومع ذلك أيها الإخوة فإن المؤمن إذا أمر بالمعروف فلابد أن يصيبه أذى وقد قال لقمان لابنه يا بني أقم الصلاة وأمر بالمعروف وأنهى عن المنكر واصبر على ما أصابك إن ذلك لمن عزم الأمور. والله تعالى يقول :" لتبلون في أموالكم وأنفسكم ولتسمعن من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم ومن الذين أشركوا أذىً كثيراً ". والأذى الذي يصيب المؤمن هو دليل على قوة إيمانه لأن المؤمن يبتلى على قدر إيمانه وطاعته ولذا كان أشد الناس بلاءً الأنبياء لأنهم أكمل الناس إيماناً.
ومن مداخل الشيطان التي تعرض للإنسان فتعيقه عن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أنه يقول إن عندي مشكلات وإن عندي مشكلة مع زوجتي أو مع أبي أو مع أمي أو مع أولادي أو مع عملي إلى غير ذلك من المشكلات فيتعذر عن القيام بهذا الواجب لأن عنده مشكلة وما علم أن القافلة تسير وموعدها الجنة والله تعالى إنما جعل للعبد فرصة واحدة أو نهاية واحدة بها يتوقف عن العمل وهي الموت كما قال تعالى:" واعبد ربك حتى يأتيك اليقين ". يقول الحسن البصري لم يجعل الله للعبد أجل في العمل الصالح دون الموت ثم تأمل هدي النبي صلى الله عليه وسلم وحاله عليه الصلاة والسلام فإنك تجده عانى أشد المعاناة. عانا في قرابته وعانا في دعوته وعانا في أمور كثيرة ومع ذلك لا تجد أثر ذلك إلا الصبر الطويل والعمل الدائب الكثير ومع ذلك ينصرف بعضنا عن الدعوة إلى الله إذا حصل له الأذى. ألم يقل الله سبحانه وتعالى: " أحسب الناس أن يتركوا أن يقولوا أمنا وهم لا يفتنون , ولقد فتنا الذين من قبلهم فليعلمن الله الذين صدقوا وليعلمن الكاذبين ".
قيل للإمام أحمد متى يجد العبد طعم الراحة. رجل تعب من كثرة السير ومن كثرة العمل فقال للإمام أحمد: يا إمام متى يجد العبد طعم الراحة قال له الإمام واستمع لهذا الجواب العظيم قال: عند أول قدم يضعها في الجنة. أما قبل ذلك فلا راحة للمؤمن. الدنيا سجن للمؤمن وهي جنة للكافر.(1/13)
ومن مداخل الشيطان على أهل الخير أنه يقول: كيف تأمرون بالمعروف ولكم أقارب من غير أهل الاستقامة. وما علم هذا أن الإنسان لا يلام على قرابته لأنه لم يختر أن يكونوا قرابته بل قدر الله ذلك عليه وإنما يلام الإنسان على رفقائه الذي اختارهم بنفسه.
الثالث من فقرات المحاضرة: وللمرأة دورها. الدعوة إلى الله والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من الأعمال الصالحة التي تناط بكل مكلف بهذه الأمة رجلٌ كان أو امرأة يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: وكل واحد من الأمة يجب عليه أن يقوم من الدعوة بما يقدر عليه إذا لم يقم به غيره وتأمل قول الله تعالى:" والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ". وتظهر أهمية قيام المرأة بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في هذا العصر بالذات حيث كثرت الوسائل المفسدة وكثرت الدعوات الحاقدة التي تدعوا المرأة إلى الانحلال والخروج عن شريعة رب العالمين بدعوى التحرر والمساواة وغير ذلك من العبارات التي ظاهرها الرحمة وباطنها العذاب. فإذا قامت المرأة المسلمة وواجهت هذا الأمر وتصدت له كان في ذلك الخير العظيم وتستطيع المرأة المسلمة الواعية أن تدخل في مجالات مباحة تؤدي من خلالها مهمتها وتقوم بمسؤوليتها فتأمر بنات جنسها بالخير وتدعوهن إلى البر وتذكرهن بالمعروف حسب طاقتها وقدرتها ففي مجال التعليم يمكنها أن تشارك طالبةً في الدعوة إلى الله ونصح زميلاتها وفي مجال تعليم غيرها إذا صارت مدرسة في توصية طالباتها وتلميذاتها وفي مجال الكتابة في الصحف وفي مجال حلقات تعليم القرآن والمدارس الشرعية كلها وسائل يمكنها أن تقوم بالدعوة من خلالها.(1/14)
رابعاً من فقرات المحاضرة: مواقف سلفية. لقد حرص علماء الأمة على الإصلاح ملتزمين طريق الصدق والثبات وهنا أسجل مواقف حية من سير سلف هذه الأمة لتبرز مواطن العبر وجوانب الحق. فهذا سفيان الثوري رحمه الله تعالى يقول عنه شماع بن الوليد: كنت أحج مع سفيان فما يكاد لسانه يفتر من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ذاهباً وراجعاً. ولشيخ الإسلام ابن تيمية موقف عظيم كبير رائع في محاسبته لقازان التتري وذلك أنه بعد أن زحف التتر على حلب فالتقوا بجيش الناصر سنة ( 699 هـ ) وبعد معركة عنيفة دارت بينهما هزم جيش الناصر وانهزم الجند ونزحوا إلى مصر يتبعون الناصر فنزح أهل البلد وحكامها وأمراؤها حتى بقيت دمشق لا حاكم فيها ولا أمير. أما شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله فقد بقي صامداً مع عامة الناس واجتمع مع كبرائهم وأتفق على تولي الأمور وعلى أن يذهب هو بنفسه على رأس وفد لمقابلة قازان. وسأدع ابن كثير رحمه الله تعالى بقلمه وأحكيه لكم بلفظي يقص عليكم هذا الموقف الذي دار بين شيخ الإسلام ابن تيمية وبين قازان التتري يقول: لما اجتمعوا قال ابن تيمية لقازان أنت تزعم أنك مسلم ومعك قاضٍ وإمام على ما بلغنا فغزوتنا وبلغت بلادنا على ماذا ؟ وأبوك وجدك كانا كافرين وما غزوا بلاد الإسلام بعد أن عاهدونا وأنت عاهدت وغدرت وقلت فما وفيت واستمر على هذه العبارات ولم يخشى إلا الله. ثم قرب قازان إلى الوفد طعاماً فأكلوا إلا ابن تيمية فقال له: لما لا تأكل ؟ فقال: كيف آكل من طعامكم وكله ما نهبتم من أغنام المسلمين وطبختموه مما قطعتموه من أشجار الناس.(1/15)
هذا وقازان مصغي لما يقول شاخص إليه لا يعرض عنه قد وقعت في قلبه هيبة الشيخ فسأل عنه فأخبر بما هو عليه من العلم والعمل فقال لابن تيمية: ادعوا الله لي يا شيخ فقال الشيخ: اللهم إن كان عبدك هذا إنما يقاتل لتكون كلمة الله هي العليا وليكون الدين كله لك فانصره وأيده وإن كان قام رياءً وسمعة وطلباً للدنيا فاخذله وزلزله ودمره واقطع دابره قال البالسي: فجعلنا نجمع ثيابنا خوفاً من أن تتلوث بدم ابن تيمية إذا قتل. قال: فخرجوا من عنده فقال من كان معه: كدت والله تهلكنا وتهلك نفسك والله لا نصحبك فانطلقوا وتأخر هو في خاصة نفسه ومعه جماعة من أصحابه فسمع به بعض الأمراء فأتوه فو الله ما وصل دمشق إلا في نحو 300 فارس في ركابه أما أولئك الذين أبوا أن يصحبوه فخرج عليهم جماعة من التتار فسلبوهم. نعم يا إخواني بمثل هذا عظم شأن العلماء وبمثل ذلك صارت القلوب تهوي إليهم وتأمل موقفاً للإمام مالك رحمه الله تعالى كيف أحبته القلوب وعظمته. بتعظيمه للأمر والنهي لما قدم الخليفة المهدي إلى المدينة بعث للإمام مالك بغلتاً ليركبها لأنه كانت به علة, فردها الإمام مالك رحمه الله وقال إني أستحي أن أركب في مدينة فيها جسد رسول الله صلى الله عليه وسلم وأتاه ماشياً ولأنه كانت به علة اتكأ على ثلاثة من كبار علماء المدينة وأشرافها فلما رآه الخليفة قال يا سبحان الله يترك ركوب بغلةٍ إجلالاً لرسول الله صلى الله عليه وسلم فيقيض الله له هؤلاء يتكأ عليهم والله لو دعوتهم أنا إلى أن اتكأ عليهم ما أجابوني فقال أحدهم يا أمير المؤمنين نحن والله قد افتخرنا على أهل المدينة لما اتكأ علينا.(1/16)
لقد كان السلف يحرصون على هداية الناس وعلى دلالتهم وتوضيح الحق لهم وأمرهم بالمعروف ونهيهم عن المنكر وروى مؤرخ تاريخ مصر أن عمر بن العاص رضي الله عنه لما فتح مصر وقع في يده عدد من الأسرى فأبدا المقوقس صاحب الإسكندرية استعداده لأداء الجزية للمسلمين على أن يردوا إليه سبايا أرضه فوافق عمر بن العاص بعد مشاورته لعمر بن الخطاب على ذلك فخير الأسرى من أختار منهم الإسلام فهو من المسلمين ومن اختار دين قومه وضعت عليه الجزية وأطلق. فجمع الأسرى وعرض عليهم الإسلام واحداً واحداً ولندع الطبري يروي القصة فيقول: عن زياد بن جزءٍ الزبيدي وكان أحد جند عمر بن العاص يقول: جعلنا نأتي بالرجل ممن في أيدينا ثم نخيره بين الإسلام والنصرانية فإذا اختار الإسلام كبرنا تكبيرةً هي أشد من تكبيرنا حين تفتح المدينة ثم نحوزه إلينا وإذا اختار النصرانية تأسفنا من ذلك وجزعنا جزعاً شديداً حتى كأنه رجل خرج منا إليهم. أنظر تأمل فرحهم بإسلام الأسرى وتأسفهم على إعراضهم عنه. وفي الصحيحين عن عائشة رضي الله تعالى عنها قالت: قلت يا رسول الله هل أتى عليك يوم هو أشد من يوم أحد ؟ قال: لقد لقيت من قومك ما لقيت وكان أشد ما لقيت يوم العقبة إذ عرضت نفسي على ابن عبد ياليل بن عبد كلال فلم يجبني فانطلقت وأنا مهموم على وجهي فلم استفق إلا بقرن الثعالب فرفعت رأسي. مشى مسافة طويلة إلى قرن الثعالب . يقول فرفعت رأسي فإذا سحابة قد أضلتني فنظرت فإذا فيها جبريل فناداني إن الله قد سمع قول قومك لك وما ردوا عليك وقد بعث إليك ملك الجبال لتأمره بما شئت فيهم. قال: فناداني ملك الجبال فسلم علي ثم قال: يا محمد إن شئت أن أطبق عليهم الأخشبين ؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: بل أرجوا أن يخرج الله من أصلابهم من يعبد الله وحده لا يشرك به شيئاً ) تأمل ها الحرص العظيم من المصطفى عليه الصلاة والسلام على هدايتهم.(1/17)
والخامس من فقرات المحاضرة: نماذج معاصرة: وهذه نماذج تستحق الإشادة والثناء والذكر:
هذه المرأة التي رأت زوجها وشريك حياتها وقد تخبطه الشيطان وبدأ الإعلام يوجه فكره فبدأت بدعوته واجتهدت في ذلك وهي مع ذلك تدعوا الله وترفع كفها إليه تسأله تعالى أن يهديه ويصلحه صبرت وعانت ووجدت المشقة والعنت حتى استقام لها الأمر بعد شهور طويلة فيها من الكلمات الجارحة والدموع والآلام ما الله به عليم وبعد كل ذلك وعندما هدئت الزوجة قال لها يوما: بماذا أجازيك على صبرك؟ لم تتمالك نفسها عند ذاك سقطت دمعة الفرح من عينيها وهي تبتسم وقالت: جمعنا الله في جنات النعيم. قال لها: لك أجر كل خير أعمله أما سمعت قول النبي صلى الله عليه وسلم من دعا إلى الهدى كان له من الأجر مثل أجور من تبعه لا ينقص ذلك من أجورهم شيئاً أخرجه مسلم وحكى لي أحد المشايخ المسؤلين عن لجان إصلاح الشباب في مكتب الدعوة يقول: في أحد المخيمات الدعوية قمنا باستقطاب مجموعة من الشباب غير المستقيم الذي أنحرف وفعل جملة من المعاصي ووقع في جملة من الأخطاء يقول وتوجهنا معهم لأداء العمرة وكان عددهم كبيراً فاحتجنا إلى أن ننقلهم بباص فرافقهم اثنان من الدعاة بذلوا الجهد معهم فأصبحت ساعات العمرة والطريق إليها فترة عجيبة أخرجتهم إلى حال الإيمان والصفاء لم يذوقوه من قبل وبعد أن أدو العمرة وهم في طريقهم إلى العودة إلى جدة عائدين من مكة بعد أداء العمرة وقف كبيرهم في هذا الباص وقال يا شيخ أنا كبير هذه المجموعة وقال إننا جميعاً شلة واحدة وجميعنا مدمن على المخدرات وجميعنا نرتكب المعاصي والموبقات فأسألك بالله الذي لا إله غيره هل لنا توبة ؟ قال: نعم ومن يحول بينك وبين التوبة؟ هذه النماذج أيها الإخوة جهود بسيطة من البعض لا تأخذ من أوقاتهم ساعات ينفع الله بها نفعاً عظيماً.(1/18)
يقول أحد الدعاة: كان أحد الأئمة إذا صلى في صلاته الجهرية وقال: ولا الضالين سمع صوت صبي خلفه يرفع صوته بقوة وهو يقول آمين. فيدوي هذا الصوت في المسجد كله فيسمعه من في داخل وخارج المسجد. يقول: فتضايقت من ذلك فلما انصرفت فإذا خلفي صبي صغير ربما عمره سبع سنوات أو ثمان سنوات يقف خلفي مباشرة , فأردت أن أنبهه إلى عدم رفع الصوت فسلكت في ذلك طريقاً لئلا أحرجه فدعوته فقلت له: في المسجد شخصاً يرفع صوته بالتأمين والمفروض أن يكون صوته كصوت غيره لا يرفعه بشدة فيرتفع ويخرج خارج المسجد بشكل غريب. فقال هذا الصغير: ليس عندكم أحد بل أنا الذي أرفع صوتي. يقول: فقلت له: لماذا تزعجنا ؟ فقال: بيتنا قريب من المسجد ووالدي لا يصلي وأحب أن يسمع والدي أني أصلي وهو لا يصلي لعل الله أن يفتح على قلبه فيأتي المسجد مصلياً. لقد ذرفت عين الإمام وعرف أنه قد قصر في نصح هذا الأب وبذل جهده في ذلك ماذا كانت النتيجة ؟ كانت النتيجة أن صار والله ممن لا تخطأه صلاة. إن الدعوة إلى الله والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ليس حكراً على أحد, بل هو مسؤلية الجميع الصغار والكبار النساء والرجال العلماء وغير العلماء.(1/19)
والسادس من فقرات المحاضرة: وماذا بعد؟ إن الله تعالى يقول: " كنتم خير أمةٍ أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله ". والله تعالى أمر أن يتفرغ إلى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر طائفة من المؤمنين فقال تعالى:" ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ". وقد توعد النبي عليه الصلاة والسلام هذه الأمة بأشد العقوبات إذا هي تخلت عن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ومن ذلك قوله صلى الله عليه وسلم: ( لم تظهر الفاحشة في قوم قط حتى يعلنوا بها إلا فشا فيهم الطاعون والأوجاع التي لم تكن قد مضت في أسلافهم الذين مضوا ولم ينقصوا المكيال والميزان إلا أُخذوا بالسنين وشدت المؤنة وجور السلطان عليهم ولم يمنعوا زكاة أموالهم إلا منعوا القطر من السماء ولم ينقضوا عهد الله وعهد رسوله إلا سلط الله عليهم عدواً من غيرهم وما لم تحكم أئمتهم بكتاب الله عز وجل وتحروا فيما أنزل الله إلا جعل الله بأسهم بينهم ). أخرجه ابن ماجه والحاكم وصححه الألباني. فأهل الدعوة وأهل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر هم أهل الحسبة وهم جبهة المسلمين في وجه أهل الشر والفساد فإذا عرفنا فضل هذا الأمر وأهميته وضرورته في المجتمع فما هي مهمتنا؟ والحقيقة أن الوسائل والأساليب التي يسلكها الإنسان ليأمر بالمعروف وينهى عن المنكر كثيرة جداً.(1/20)
فمن ذلك يمكنه أن يطلع بمتابعة سوق معين أو قطاع معين من بلدته أو حي معين أو حارة بذاتها فيتابعها من خلال دراسة ما فيها من المنكرات وكيف يمكنه إزالتها فيتابعها بإمدادها بالنشرات والكتيبات وبمناصحة من يقع منه المعصية أو بالاستعانة على ذلك بمن آتاه الله الأسلوب الحسن ونرى أن مندوبيات الدعوة قد كان لها بحمد الله بداية مشرقة تستحق الإشادة فنسأل الله تعالى أن يوفقها وندعوها إلى مزيد من ذلك ومن الوسائل التي يمكن للإنسان أن يتبعها يمكنه أن يقوم بزيارة الشباب على الطرق والشوارع والذين يمضون أوقاتهم في اللغو واللهو فهؤلاء لهم حق علينا في أن نزورهم ونحاول نصحهم وتوجيههم وإمدادهم بالوسائل الدعوية وكذلك المدارس لما لا تنشأ فيها جمعية مستقلة باسم جمعية الحسبة أو جمعية الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وفي هذا تعويد للشباب على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وتربية للناس على الاستجابة لمثل هذه الدعوات والدوائر الحكومية يمكن بالتنسيق مع مندوب الدعوة أن يتوجه شخص معهم يصلي الظهر يوماً في الأسبوع مثلاً أو كل فترة ويقوم ببيان شيء من الواجبات وبعض المنكرات بالأسلوب المناسب وخطباء المساجد لهم دور عظيم لا ينكر لم لا يوجهون المأمومين إلى ما يقع بينهم. كذلك مقاطعة صاحب المنكر فصاحب المحل التجاري الذي يبيع بعض المنكرات إذا امتنع الناس عن الشراء منه وأفهم بأنهم امتنعوا لأجل بيعه للمنكرات سيكون ذلك أثر كبير على تركه للمنكرات ويمكن أيضاً أن يتواصل الإنسان مع الجهات الرسمية مع أهل الحسبة وهيئات الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.(1/21)
إما بالتعاون معهم في غير وظيفة رسمية أو بالتبليغ عن المنكرات أو على الأقل في الدعاء لهم والذب عن أعراضهم وزيارتهم وإقامة روابط الود والمحبة معهم وبيان أن الناس لا يمتنعون عن جهودهم وهم بحاجة إليهم فإن امتنعت من ذلك كله فكف شرك عن الناس فإنها صدقة منك على نفسك كما رواه البخاري وإياك أن تقدح فيهم أو تنمهم وإمام المسجد يستطيع بحسن أدائه وقراءته وتلاوته وبوعظه لمأموميه أن يحقق لهم أعظم الأثر يقول لي أحد الدعاة وهو ممن أتاه الله الصوت الحسن في قراءة القرآن يقول في فجر يوم العيد وبعد أن صليت الفجر في مسجدي جاءني أحد المأمومين فسلم علي واقترب مني وقد رأيت في عينيه هماً عظيماً فنظرت وفكرت في حاله لكن حبل أفكاري انقطع وهو يقول لي يا شيخ أنا لست من أهل الصلاة ولا من أهل الصيام وهذا الشهر الماضي قد أفطرته لم تبقى جريمة لم أفعلها ولا معصية لم أرتكبها بل لعله لا يخطر ببالك تلك الحالة المأساوية التي وصلت إليها فإنني ليلة السابعة والعشرون من رمضان منذ ثلاث ليالٍ فقط والناس يتحرون ليلة القدر بين مصل ومعتكف ومتعبد كنت أرتكب معصية كبيرة من كبائر الذنوب يهتز لها عرش الرحمن نعم فعلت ذلك في تلك الليلة ومضى يتحدث عن جرائمه الشنيعة وذنوبه القبيحة فاقشعر جلدي ثم قال وفي ليلة التاسع والعشرون وهي آخر ليالي هذا الشهر الكريم شعرت بالملل ففكرت بفكرة شيطانية لقد قررت أن آتي إلى مسجدك وقت صلاة آخر الليل ولكن لم أكن أريد الصلاة بل أردت التعرض للنساء لعلي أنال لذة محرمة يقول لما جئت إلى مسجدك أوقفت سيارتي فإذا بسيارة تقف بجواري ينزل منها شخص من أقاربي نزلت فسلمت عليه وتظاهرت أني جئت للصلاة ووالله ما جئت للصلاة ولكن جئت للفساد يقول: ففكرت أن أدخل مكان الوضوء لأتوضأ حتى ينصرف قريبي ثم بعد ذلك أذهب إلى ما أردت.(1/22)
قال: فدخل معي إلى مكان الوضوء وخرج معي فاضطررت أن أدخل المسجد لقد وقفت في الصف وكبرت ولكن الناس في وادي وأنا في وادي. وما أن سمعتك ترتل القرآن بصوتك الندي وسمعت صوتك ينقطع ورأيت ذلك الرجل يبكي بكاءً مراً يتقطع منه القلب ورأيت ذلك المصلي بجواري يبكي وأسمع نشيجاً من مصلي آخر أنظر إليهم وأتعجب من حالهم ولكن دون إرادة مني أخذت أنا أبكي نعم أخذت أبكي والله كالطفل لا أدري لماذا بكيت وبكيت وجال في خاطري أني فعلت هذه المعاصي والذنوب فلم لا أكون كهؤلاء لم لا أكون كأحدهم لم لا أكون طاهراً نقياً تائباً إلى متى أصر على المعاصي لقد صليت خلفك صلاة لا أزال أحس بلذتها ولا أفتأ أتذكر حلاوتها وطعمها لقد رجعت إلى بيتي وحطمت ما لدي من أدوات اللهو والفساد وأتلفت ما عندي من أشرطة سيئة وأحرقت الصور السيئة التي كانت بحوزتي ولزمت المسجد لقد قرأت في آخر يوم من رمضان عشرين جزء. تأمل يا رعاك الله قصت هذا التائب كيف كان إخلاص هذا الداعية لما أمّ بالمصلين وكيف كان خشوعه في صلاته وتلاوته سبباً في توبة هذا التائب ورجوعه إلى الله فيا إمام المسجد الله الله فيمن ورائك أيها الأخوة إن الخطب صعب خطير ففي الصحيح من حديث زينب بنت جحش رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل عليها فزعاً يقول لا إله إلا الله ويلٌ للعرب من شرٍ قد اقترب فقالت زينب يا رسول الله أنهلك وفينا الصالحون قال: نعم إذا كثر الخبث. ومتى يكثر الخبث إنما يكثر إذا قل الإنكار وسكت الناس على المنكر وقالوا لا شأن لنا بهذا المنكر فحينئذٍ تزيد المنكرات وتتناما. فالمجتمع أيها الأخوة كالسفينة والمنكر إنما هو خرق في هذه السفينة فإذا كثرت الخروق فلابد أن تغرق السفينة لا محالة. فعلينا أن نسعى جميعاً للأخذ على ذلك الذي يريد أن يخرق السفينة لنحقق سهماً عظيماً من سهم الإسلام ولا نضيعه ولنمنع عنا العذاب والعقاب.(1/23)
اللهم أبرم لهذه الأمة أمر رشد يعز فيه أهل طاعتك ويذل فيه أهل معصيتك ويأمر فيه بالمعروف وينهى فيه عن المنكر يا سميع الدعاء اللهم لا تؤاخذنا بما فعل السفهاء منا اللهم أوزعنا القيام بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر اللهم أنصرنا على من بغى علينا اللهم من أراد نشر الفاحشة في الأمة اللهم أفسد سعيه واجعل كيده في نحره وتدبيره تدميراً عليه. اللهم صلى على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيداً.(1/24)