سبيل المتقين
لعودة الأقصى وفلسطين
إعداد الباحث
أبو عبدان
العربي بن زغلول الدسوقي
عامله الله بلطفه الخفي
ييي
بسم الله الرحمن الرحيم
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره . ونعوذ بالله من شرور أنفسنا . ومن سيئات أعمالنا . من يهده الله فلا مضل له . ومن يضلل فلا هادي له . وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمداً عبده ورسوله .
{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ }
{ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَتَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً }
{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً } (1) .
أما بعد ...
__________
(1) هذه الخطبة تسمي عند العلماء «خطبة الحاجة» وهي تشرع بين يدي كل خطبة سواء كانت خطبة جمعة أو عيد أو نكاح أو درس أو محاضرة وقد جمعها العلامة الألباني في رسالة خاصة وصححها إحياء لسنة النبي - صلى الله عليه وسلم - في الخطابة أو المكاتبات .(3/1 السلسلة الصحيحة)(1/1)
إن نكبة فلسطين قد أدخلت علي كل بيت من بيوت المسلمين حزناً عميقاً , وحسرة وأسي , وإن كلمات التفجع والرثاء علي القدس تكتب اليوم بالدموع والحسرة , ولوعةً وأسفاً . ولكن البحار والمحيطات . إذا جرت دموعاً واجتمع العرب والمسلمون علي البكاء أفراداً وجماعات وشعوباً فإن هذه الدموع لا تنقذ الأقصى والقدس . ولم يسبق لأمة من الأمم أنها استطاعت أن تحول الهزيمة إلى نصر بالبكاء وحده وما يمت إلى البكاء بصلة قريبة أو بعيدة ومنها الكلام خطباً وقصائد ومقالات ومؤلفات دون أن يدعم الكلام بالعمل . وتاريخ الحروب لكل الأمم في كل العصور والأزمان خير دليل .وهل استطاع الفاتحون الأولون وعلي رأسهم الفاروق القائد أن يفتحوا القدس بالبكاء أو بالكلام ؟! وهل كان المسلمون الفاتحون الذين كانوا يحاصرون القدس سنة ست عشرة للهجرة يبكون وينتحبون ويقولون مالا يفعلون .إن الفاتحين الأولين من المسلمين وقواتهم التي كانت تحاصر القدس وتضيق عليها الخناق . وكانوا يجاهدون بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله جل جلاله وكانوا يرجون إحدى الحسنيين . الشهادة أو النصر .
كانوا يعدون أنفسهم كما في قوله تعالي : { وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ } (1) . ومفهوم الإعداد يشمل :-
الإعداد المادي: هو استحضار كل متطلبات القتال تدريباً وتسليحاً وتجهيزاً وتنظيماً وقيادة .
والإعداد الروحي: هو الإيمان بتعاليم الإسلام وإخراج هذا الإيمان من حيز الاعتقاد إلى حيز العمل
هكذا كان ينتصر أجدادنا بالإعداد الحربي للقتال إعداداً متكاملاً .
وبالإعداد الروحي الذي يجعل من جيش المسلمين جيشاً لا يقهر .
__________
(1) سورة الأنفال : 60(1/2)
لذلك كان انتصار المسلمين انتصار عقيدة . كان عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - يوصي المجاهدين وقادتهم كما في قوله لسعد بن أبي وقاص وجنده في حرب العراق « فإني آمرك ومن معك من أجناد المسلمين بتقوى الله علي كل حال فإن تقوي الله أفضل العدة علي العدو وأقوي المكيدة في الحرب وآمرك ومن معك أن تكونوا أشد احتراساً من المعاصي منكم من عدوكم فإن ذنوب الجيش أخوف عليكم من عدوهم . وإنما ينصر المسلمون بمعصية عدوهم لله . ولولا ذلك لم تكن لنا بهم قوة لأن عددنا ليس كعددهم ولا عدتنا كعدتهم فإن استوينا في المعصية كان لهم الفضل علينا في القوة . وإلا ننصر عليهم بفضلنا لم نغلبهم بقوتنا . واعلموا أنه عليكم في مسيركم حفظة من الله يعلمون ما تفعلون فاستحيوا منهم ولا تعملوا بمعاصي الله وأنتم في سبيل الله . ولا تقولوا إن عدونا شر منا فلن يسلط علينا وإن أسأنا فرب قوم سُلط عليهم شرٌ منهم كما سُلط علي بني اسرائيل لما علموا بمساخط الله . كفار المجوس فجاسوا خلال الديار وكان وعد الله مفعولاً . واسألوا الله العون علي أنفسكم كما تسألونه النصر علي عدوكم .. أسأل الله ذلك لنا ولكم (1) .
ولأن القدس لا يمكن إنقاذها بالأسى والأسف والشجب والاستنكار ولا الدموع حتي لو ابيضت عيون المسلمين من الدمع . ومع التخبط الشديد الذي تعيشه الأمة في قضية الأقصى وفلسطين منذ زمن طويل من حلول وأنصاف حلول لا تسمن ولا تغني من جوع, ، جعلت عنوان هذا البحث ..
__________
(1) العقد الفريد (1/130)(1/3)
« سبيل المتقين لعودة الأقصى وفلسطين» أعالج فيه أخطر قضية تهم المسجد الأقصى وفلسطين ألا وهى كيف نسترد الأقصى بل وفلسطين المحتلة كلها ،, لأن قضية استرداد المسجد الأقصى والقدس وفلسطين هي قضية كل المسلمين رجالاً ونساءاً في شتي أرجاء المعمورة لأنها قضية عقدية . فهي جزء لا يتجزأ من إيماننا بالله عز وجل الذي لا نقبل فيه مفاصلة ولا مفاضلة .... فهي قضية حياة لكل من رضي بالله رباً وبالإسلام دينا وبمحمداً - صلى الله عليه وسلم - نبياً ورسولاً .
ليست قضية أهل فلسطين وحدهم بل هي قضية الأمة بأسرها . وكل القضايا المتعلقة بالمسجد الأقصى سواء كانت قضية الحفريات أو قضية تهويد المسجد الأقصى. أو غيرها من مكائد اليهود التي لا حصر لها . كلها قضايا مهمة ولكن الأهم منها قضية استرداد المسجد الأقصى وفلسطين لأنها الأصل الأصيل فهي عز ضاع ومجد سلب ومقدسات منتهكة والذي ينبغي أن تعمل الأمة علي استعادته بعيداً عن المناورات السياسية وأنصاف الحلول التي لا تسمن ولا تغني من جوع والتي ملت الأمة من كثرتها . وما زادتها إلا ضعفاً .
الطريق إلى القدس والأقصى
يبدأ بإعداد العدة كما هو منهج القرآن الكريم { وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ } .
وأهم من السلاح ؛ الأفراد أنفسهم , فإعداد الفرد المسلم لا يقل أهمية عن إعداد العدة والسلاح . بل أهم منه . لأنه لا فائدة من سلاح لا يجد من يحمله .(1/4)
إعداد الأمة (1) يكون بالالتزام بالأمر الإلهي { وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ }
__________
(1) وإعداد القوة للأمة الإسلامية من فروض الإسلام للأمر بها . والأصل في الأمر أنه للوجوب إلا لقرينة صارفة له عن الوجوب ولا قرينة هنا فيبقي الأمر دالاً علي الوجوب وهو قوله تعالي { وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ ..... } الآية . والأمة هي المخاطبة بهذا الأمر . إعداد القوة والذي يمثلها ويقوم مقامها في تنفيذ هذا الأمر نيابة عنها هو وكيلها «الخليفة» فالأمة ما انتخبته إلا ليقوم مقامها مستعملاً سلطتها لتنفيذ ما هي مخاطبة به من أحكام الشرع التي تخص الأمة بمجموعها ومنها الأمر بإعداد القوة . فلا يجوز للخليفة أي لولي الأمر التقصير في هذا الواجب . وإذا قصر فعلي الأمة بجميع أفرادها لا سيما أهل الحل والعقد فيها أن يطلبوا من الخليفة القيام بإعداد القوة اللازمة لدولة الإسلام . وقد يكون من ضرورات إعداد القوة تعلم العلوم الدنيوية في المجالات المختلفة , فيكون تعلم هذه العلوم من الواجبات الكفائية لأن ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب .(1/5)
ولو نظرنا في واقع الأمة لوجدنا أنها تمر بأحوال غريبة, وأهوال عصيبة, فالخطوب تحيط بها, والأمم من كل مكان تتداعي عليها .. وإن مما يلفت النظر في هذا الشأن . غفلة الأمة عن الطريق للخروج من هذا التيه ومن هذه الخطوب المدلهمة والتي تتوالي عليها واحدة تلو الأخرى فمن صرخة إلى صرخة ومن قتل ودمار وتشريد إلي ما هو أشد منه والعجب أن الطريق واضح وبين لكل ذى لب بصير ، بينه لنا ربنا في كتابه المجيد ، ووضحته سنة نبينا صلى الله عليه وسلم أيما إيضاح ، حتي تعامى عنه المرجفون والأفاكون والخونة من العملاء ، و غيرهم ممن أخلد إلي الأرض واتبع هواه ولم يكن همه إلا نفسه ومن يعول وأصم أذنيه عن صرخات اليتامى وأنات الثكالى ولوعات الحياري التي ضجت منها جنبات الأرض والتي لم تصدر إلا من أصحاب الهوية الإسلامية فمتي ستستفيق هذه الأمة من غفلتها؟ وتقوم من رقدتها ؟، ماذا تنتظر ؟ فكانت هذه الفرصة لكتابة مثل هذه الكلمات لعل الله أن ينفع بها هو ولى ذلك والقادر عليه، واستعنت بالله
وكتبه ببنانه راجي عفو ربه المنان
أبو عبدان
العربي بن زغلول الدسوقى
ملخص البحث
مقدمه : لبيان أن أخطر قضية تحيط بالمسجد الأقصى وفلسطين هي قضية الإسترداد ..
الفصل الأول ويشتمل علي :
المرحلة الأولي من إعداد الأمة : والتي تتناول :
توبة الأمة الإسلامية وعودتها إلى الله عز وجل .
ويشمل التوبة من :
أ- الإسراف .
ب- التبعية الثقافية والفكرية .
جـ- التوبة الإعلامية
د - التوبة من التفرق والتدابر .
هـ- التوبة من التبرج .
و- التوبة من التقصير في الدعوة إلى الله عز وجل والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر
إخلاص النية لله سبحانه وتعالي والصدق معه .
تربية جيل النصر علي عقيدة أهل السنة والجماعة .
وحدة الأمة الإسلامية علي أساس من وحدة العقيدة . يعني كلمة التوحيد مع توحيد الكلمة.
تحرير الولاء لله ورسوله والمؤمنين وبغض اليهود والنصاري والشيوعيين وكل الكافرين .(1/6)
الزهد وقصر الأمل والبعد عن الترف واللهو وحب الموت وكراهية الدنيا .
تفعيل دور العلماء الربانيين في إيقاظ الأمة .
التوكل علي الله وحده .
بالدعاء والعبرات يتنزل النصر من السماوات .
الجهاد في سبيل الله سبيلنا الوحيد .
الثقة واليقين بنصر الله للمؤمنين وأن شمس الإسلام لا تغيب والغد كل الغد لنا في القدس والأقصى
الصبر والمصابرة والمرابطة .
ذكر الله تعالي .
الإيمان الصادق بالله تعالي .
العمل الصالح .
الثبات عند لقاء العدو .
طاعة الله وطاعة رسوله - صلى الله عليه وسلم - .
تجنب التنازع والشقاق .
الأخذ بالحيطة والحذر .
عدم الغرور والرياء .
تقوي الله تعالي .
نصرة الدين علي مستوي الأفراد والجماعات .
الفصل الثاني : ويحتوي علي :
المرحلة الثانية : الإعداد المادي. ويشمل :
إعداد القوة .
إذكاء الروح المعنوية .
الراية الإسلامية لمعركتنا القادمة .
تبصير المؤمنين بحال وحقيقة اليهود المجرمين .
استراتيجية إسلامية بعيدة المدي وكوادر علمية تحيط بالواقع علماً .
قيام سوق اقتصادية إسلامية لتحقيق التكامل بين الدول الإسلامية وسد احتياجاتها .
المقاطعة التامة لبضائع اليهود وأمريكا الصليبية .
خاتمة البحث . : { وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ * بِنَصْرِ اللَّهِ ... }
وهذا أوان الشروع في المقصود ... فنقول مستعينين بالله
المرحلة الأولي
الإعداد الروحي (الإيماني)
وهذه المرحلة تحتاج من الأمة وقفة صادقة لتحدد مكانها ومسارها وأين هي من أمر ربها وسنة
نبيها - صلى الله عليه وسلم - وأين هي من الأخذ بالأسباب الشرعية والمادية الجالبة للنصر والعزة والتمكين , فمتي علمت الأمة مكانها من كتاب ربها وسنة نبيها - صلى الله عليه وسلم - علمت أن الذل والهوان والخذلان هو واقعها الذي تعيشه وتحياه بسبب بعدها عن كتاب ربها وسنة نبيها - صلى الله عليه وسلم - , ولكل داء دواء , فدواء هذه الأمة في عدة أمور نذكر منها
ما تيسر لنا جمعه ..(1/7)
توبة الأمة الإسلامية وعودتها إلى الله عز وجل وبعدها عن المعاصي, فإنما تنصر الأمة بالطاعة :
إذا تحدث متحدث عن التوبة تبادر إلى الذهن توبة الأفراد فحسب , أما توبة الأمة بعامة فقلَّ أن تخطر بالبال وهذا من الأخطاء في باب التوبة؛ ذلك أن سنته عز وجل في الأفراد, وفي مغفرته للتائبين هي هي سنته سبحانه في الأمم والشعوب .
فالأمة التي تعود إلى طريق الرشاد, وتَصْدُق في التوبة والإنابة إلى رب العباد؛ يفتح الله لها , ويرفع من شأنها , ويعيدها إلى عزتها, وينجيها من الخطوب التي تحيط بها ؛ نتيجة الذنوب التي ارتكبتها , والمنكرات التي أشاعتها من شرك , وبدع , وحكم بغير ما أنزل الله , وموالاة لأعداء الله , وخذلان لأوليائه, وتقصير في تبليغ دعوة الله , والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر , وتركٍ للصلوات, ونحو ذلك مما هو مؤذن بالعقوبة, وحلول اللعنة كالربا والفسوق, والمجون ونقص المكاييل .. وغير ذلك .
فإذا تابت إلى ربها؛ متعها الله بالحياة السعيدة , وجعل لها الصولة والدولة , ورزقها الأمن والأمان , ومكن لها في الأرض , قال تعالي: { وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمْ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً ..... } [سورة النور:55]
مثال علي توبة الأمة من القرآن :
وهو قوله تعالي: { فَلَوْلا كَانَتْ قَرْيَةٌ آمَنَتْ فَنَفَعَهَا إِيمَانُهَا إِلاَّ قَوْمَ يُونُسَ لَمَّا آمَنُوا كَشَفْنَا عَنْهُمْ عَذَابَ الْخِزْيِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَتَّعْنَاهُمْ إِلَى حِينٍ } [يونس:98](1/8)
ومعني الآية: أن قوم يونس - عليه السلام - لما أظلهم العذاب, وظنوا أنه قد دنا منهم , وأنهم قد فقدوا يونس قذف الله في قلوبهم التوبة , وفرقوا بين كل أنثي وولدها , وعَجُّوا إلى الله أربعين ليلة أي رفعوا أصواتهم بالتلبية والدعاء , فلما علم الله منهم صدق التوبة ؛ كشف عنهم العذاب , وقال { وَمَتَّعْنَاهُمْ إِلَى حِينٍ } أي لم نعاجلهم بالعقوبة , فاستمتعوا بالحياة الدنيا إلى انتهاء أعمارهم .
فما أحوج أمتنا اليوم أن تعد إلى الله منيبة تائبة , ليرضي عنها, ويرفع عنها ما هي فيه من الذلة, والمهانة, والتبعية لأعدائها . ويرد عليها مقدساتها السليبة , ويحقن دماء أبنائها التي سالت في كل وادٍ , حتي صارت دمائهم أرخص الدماء . كما هو الحال في فلسطين والعراق والشيشان ... الخ .
مما تتوب الأمة؟
1- التوبة من الإسراف: فهو مؤذن بالهلاك , وينبت في النفوس أخلاقاً مرذولة, ومنها :
أ- أنه يدعو إلى الجبن: لأن شدة تعلق النفوس بالزينة واللذائذ يقوي حرصها علي الحياة, فتجنب مواقع الحروب, وإن كانت مواقف شرف, وذود عن الدين, والنفس, والمال, والعرض.
ب- أنه يسهل علي النفوس ارتكاب الجور: لأن المنغمس في الترف يحرص علي اكتساب المال ليشبع شهواته, فلا يبالي أن يأخذه من طرق غير مشروعة .
ج- أنه يذهب بالأمانة: لأن الغريق في الترف همه الوصول إلى زينة, أو لذة, أو مطعم, ونحوه, وكثيراً ما تدفعه هذه الشهوات إلى أن يخون من ائتمنه, فيمد يده إلى المال الذي ائتمن عليه, وينفقه في شهواته الطاغية
د- أنه يمسك الأيدي عن فعل الخير: فالترف أعظم قصده من جمع المال انفاقه فيما يلذه من مأكول, أو يتزين به من ملبوس أو مفروش, لذلك كان الغالب علي المترفين المسرفين قبض أيديهم حيث يبسط غيرهم يده, إسعاداً لذوي الحاجات من الفقراء والمنكوبين, إو إجابة لما تدعو اليه المروءة والمكارم .(1/9)
ومن هنا نستبين أن للإسراف سيئة أخري هي: قطع صلة التعاطف والتوادد بين كثير من أفراد الأمة
ولهذا تجد من الموسرين المترفين من ينفق الأموال الطائلة في سبيل لذاته وشياطينه, وإذا سئل بذل القليل في مشروع جليل أعرض ونأي جانبه .
كيف يتأتي النصر بالمترفين الذين نسوا السلاح وباعوا القضية, من الذين يعيشون عيشة الأباطرة والقياصرة في أفخم القصور علي شواطئ الريفيرا والريف الانجليزي .
أيرجي النصر ومن أغنياء المسلمين من مات عنده الإحساس فاشتري مخلفات عربة ديانا المحطمة بأربعة ملايين دولار .. تكفي لإطعام مخيم سنة كاملة ؟! ...
هـ- للإسراف في الترف أثر كبير في إهمال النصيحة والدعوة إلى الحق: فمن اعتاد التقلُب في الزينة, وألفت نفسه العيش الناعم يغلب عليه الحرص علي هذا الحال؛ فيتجنب المواقف التي يمكن أن تكون سبباً لفوات بعض النعيم .
و- وللإسراف أثر في الصحة: فالمسرف لا يتمتع بالصحة التي يتمتع بها المقتصدون فيما
يأكلون ويشربون .
ز- والإسراف في الترف يقل معه النبوغ في العلم: فمرتبة العبقرية لا تُدرك إلا باحتمال مصاعب, واقتحام أخطار, والمسرف في الترف ضعيف العزيمة لا يثبت أمام المكاره والشدائد .
هذه بعض مضار الإسراف؛ فحق الأمة التي تريد النهوض من كبوتها أن تقلع عن الإسراف في الرفاهية, وتضع مكان الإسراف بذلاً في وجوه البر والإصلاح ؛ فمما تشكو منه الأمة إطلاق الأيدي بإنفاق المال في غير جدوي, وتدبير المال علي غير حكمة وحسن تقدير, قال العلامة محمد البشير الإبراهيمي: «إن أمة تنفق الملايين في الشهر علي القهوة والدخان, وتنفق مثلها علي المحرمات, وتنفق مثلها علي البدع الضارة, وتنفق أمثال ذلك كله علي الكماليات التي تنقص الحياة ولا تزيد فيها, ثم تدعي الفقر إذا دعاها داعي العلم لما يحييها؛ لأمة كاذبة علي الله , سفيهة في تصرفاتها ».(1/10)
وإذا كان الإسراف يوقع الأفراد والجماعات في مضار كثيرة كان واجباً علي أولياء الأمور ودعاة الإصلاح أن يتعاونوا علي الجهاد في هذا السبيل؛ حتي يبتعد الناس عن الإسراف في مآكلهم , ومشاربهم , ملابسهم , ومراكبهم , ومساكنهم , وأمتعة بيوتهم .
وحين يحذر من عواقب الإسراف, ويدعي إلى الاقتصاد يبين أنه لا فضيلة في الاقتصاد إلا بعد أن يؤدي الرجل حق المال من نحو النفقات الواجبات عليه لأقاربه , والزكوات المفروضة لأهلها , وبعد أن يبسط يده بالإعانة علي بعض المصالح العامة كإنشاء مساجد, أو مدارس, أو مستشفيات, أو ملاجئ,
أو إعداد وسائل الاحتفاظ بسيادة الأمة والدفاع عن حقوقها .
2- التوبة من التبعية الثقافية والفكرية: فمما يؤسف عليه, ما يُري من حال كثير من مثقفينا ومفكرينا, فلا تراهم يرفعون بالإسلام رأساً , ولا يهزون لنصرته قلماً. ولا يحفلون إلا بزبالة أفكار الغرب, ولا يثقون إلا بما يصدر من مشكاته .إن كثيراً من هؤلاء الذين تخرجوا في المؤسسات الحضارية الغربية, وعاشوا في المجتمعات الإسلامية يجهلون الإسلام جهلاً كاملاً :
فيجهلون نظرة الإسلام إلى الكون والحياة , والإنسان .
ويجهلون حقائق الإسلام, وشرائعه الحكيمة, ومقاصده النبيلة .
ويجهلون قيم الإسلام, ومُثُله , وأخلاقه, وخصائص حضارته , وتطوراتها , ومراحلها .
ويجهلون أسباب تقدم المسلمين في التاريخ, وأسباب تأخرهم .
ويجهلون القوي التي حاربتهم, والمؤامرات التي نسجت عبر التاريخ للقضاء عليهم .(1/11)
فهؤلاء الذي نسميهم مثقفين ومفكرين عندما واجهوا الغرب , وحضارته, وفنه , وأدبه لم يواجهوه إلا بعقول خواء, وأفئدة هواء, ونفوس مجردة من معاني الأصالة والعزة والأنفة؛ فلم يواجهوا الحضارة الحاضرة مواجهة مدركة, فاحصة, مقومة, وإنما واجهوها سطحية تنطلق من مواطن الجهل, والذلة, والشعور بالهزيمة, فانبهروا بكل ما فيه دونما تمييز بين الحق والباطل, والضار والنافع؛ فنكسوا رؤوسهم حطةً أمام الغرب. وإذا ذكر الله ورسوله اشمأزت قلوبهم, واستولي عليهم الشعور بالهزيمة والذلة .
وأكثر هؤلاء لا يتبرؤون من الإسلام, بل يصرحون بانتمائهم للأمة الإسلامية, ولكنهم يفهمون الإسلام من إطار المفهوم الغربي للدين, والمفهوم الغربي للدين يتلخص في أن الدين عبارة عن رابطة فردية خاصة بين الإنسان وربه؛ فالإنسان يؤمن بمجموعة من القيم والأخلاق التي يستقيها من إيمانه بالله, تصوغ شخصيته, وتجعل منه إنساناً اجتماعياً يستقيم سلوكه العام في إطار الإيمان الديني .
أما الحياة بشمولها فإنها في نظرهم لابد أن تخضع لحركة العقل المتغير عبر الزمان والمكان .
ثم إن نظرة كثير من أولئك تجاه المسلمين وقضاياهم هي هي نظرة الغرب؛ فالغرب يري أن الإسلام دين قسوة وهمجية, وأن أهله قساة عتاة أجلاف غلاظ الأكباد .. وينطلي هذا الهراء علي كثير من أولئك المثقفين، فيسايرون أعداءهم, ويسيرون في ريحهم .
وما علموا أن أمة الإسلام خير أمة أخرجت للناس, وما الحسام الذي يأمر الإسلام بانتضائه للجهاد في سبيل الله إلا كمبضع طبيب ناصح يشرط به جسم عليل؛ لينزف دمه الفاسد؛ حرصاً علي سلامته, وما الجهاد دفعاً كان أوطلباً إلا تخلص للعباد من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد, وما هو إلا وسيلة للحياة الكريمة .
وأمة الإسلام خير أمة جاهدت في سبيل الله, فانتصرت, وغلبت, فرحمت , وحكمت, فعدلت, وساست , فأطلقت الحرية من عقالها, وفجرت ينابيع المعارف بعد نضوبها ... واسأل التاريخ .(1/12)
أفغير المسلمين يقوم بمثل هذا ؟ آلغرب يقدم لنا مثل هذه النماذج ؟
الجواب ما تراه وتسمعه؛ فمن أين خرج هتلر, وموسوليني, ولينين, وستالين, ومجرموا الصرب ؟! أليست أوربا هي التي أخرجت هؤلاء الطواغيت الشياطين الذين قتلوا الملايين من البشر, والذين لاقت البشرية منهم الويلات إثر الويلات.؟ ألا يعد أولئك هم طلائع حضارة أوربا؟ فمن الهمج العتاة القساة الأجلاف إذاً ؟
ثم من الذي صنع القنابل النووية والجرثومية , وأسلحة الدمار الشامل ؟ ومن الذين لوثوا الهواء بالعوادم , والأنهار بالمبيدات ؟ ومن الذي يدعم اليهود وهم في قمة الإرهاب والتسلط والظلم ؟
وماذا صنعت , أو تصنعه أمريكا من التسلط , والصلف, وهي التي تدعي أنها حاملة لواء السلام؟ فماذا صنعت بأطفال أفغانستان وشعبه البائس , وماذا فعلت بشعب فلسطين الذي بات لا يعرف لما هو فيه من نهاية من قتل وضياع وتشريد , وماذا ستفعله في العراق وغيره ؟! أما آن لكثير من مثقفينا أن يصحوا من رقدتهم ؟ وألا ينظروا إلى الغرب بعين عوراء متغافلين عن ظلمة, وإفلاسه .
هذه هي حال كثير من مثقفينا ! ومع ذلك تجدهم يتصدرون وسائل الإعلام, ويتطرقون لقضايا الأمة .. فلابد إذاً من أن نكون علي مرقبة من دعايتهم, وننفق ساعات في التنبيه علي أغلاطهم, لعلهم ينصاعون إلى رشدهم, أو لعل الأمة تحذر عاقبة هذا الذي يبدوا علي أفواههم , فحقيق علي هؤلاء ألا يؤوبوا إلى رشدهم, وأن يقدموا لأمتهم ما يرفع عنها الذلة والتبعية المهينة التي جعلتها في ذيل القائمة .
3- التوبة الإعلامية: فالإعلام في كثير من بلاد المسلمين يروِّج للرذيلة, ويزري بالعفة والفضيلة, فتراه يصب في قالب العشق والصبابة, والترف والهذل , ويسعي لتضليل الأمة عن رسالتها الخالدة .
فجدير بإعلام المسلمين أن تكون له شخصيته المتميزة, وأن يكون داعية إلى كل خير وفلاح .(1/13)
وواجب علي كل إعلامي مسلم أن يتضلع بمسؤوليته, وأن يدرك حجم الأمانة الملقاة علي عاتقه, فهو يرسل الكلمة فتسير بها الركبان؛ فله غنمها وعليه غرمها . وعدم تحيد القضايا الأساسية والتي لابد للأمة وأن تحيها في كل لحظة من لحظاتها ، وذلك بعدم الكف عن طرح القضية بكل صورها وجوانبها الشرعية والإجتماعية ليرى العالم وتسمع الدنيا ما وصل إليه حال أمة الإسلام ، لعل ذلك يبعث الأمة من رقدتها ويوقظها من نومها ، فتتحرك لها قلوب وتعمل لها أبدان ،
وأيضا عدم التعامل مع قضايا الأمة علي أنها قضايا مزمنة لا حل لها كما هو الحادث في قضية فلسطين ، فالحقوق لا تسقط بالتقادم بل لابد من محاولات إعلامية جادة لتوصيل الأمة إلى الطريق الصحيح لاسترداد حقها السليب .
4- التوبة من التفرق والتدابر: فالناظر في أحوال الأمة يري عجباً؛ فأعداؤها يحيطون بما من كل جانب, ويكيدون لها ويتربصون بها الدوائر , ومع ذلك تري الفرقة, والتدابر, والتنافر, فالعقوق, والقطيعة, وإساءة الظن وقلة المراعاة لحقوق الأخوة في الله تشيع في أوساط المسلمين علي مستوي الدول وعلي مستوي الأفراد كما هو الحاصل الآن في فلسطين والعراق وفي أفغانستان والصومال ..... الخ .
ولا ريب أن ذلك مما يسخط الله ومما يفرح الأعداء, ويذهب الريح , ويورث الفشل . فواجب علي الأمة أن تجمع كلمتها علي الحق وأن ينبري أهل العلم والفضل والإصلاح لرأب الصدع, ونبذ الفرقة .
5- التوبة من التبرج: تلك السنة الجاهلية التي فتحت علي المسلمين باب شر مستطير, ففي أكثر بلدان المسلمين تخلت النساء عن الحجاب, وأخذن بالتبرج, والتهتك, والتبذل, والسفور علي تفاوت فيما بين البلدان .. وهذا نذير شر, ومؤذن لعنة وعذاب؛ فالتبرج موجب لفساد الأخلاق, وضيعة الآداب , وشيوع الجرائم والفواحش, وانعدام الغيرة, واضمحلال الحياء , وبسببه تتحطم الروابط الأسرية, وتنعدم الثقة بين أفرادها .(1/14)
وهذا التبرج لم يكن معروفاً عند المسلمين , وإنما هو سنة جاهلية انقطعت بالإسلام, قال تعالي مخاطباً نساء المسلمين : { ... وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الأُولَى ... } [الأحزاب:33] . وفي العصور المتأخرة دخل التبرج علي المسلمين بسبب الإعراض عن هداية الدين, وبسبب الحملات الضارية علي المرأة المسلمة؛ كي تتخلي عن وقاؤها وحيائها وحشمتها ودينها, كما دخل علي المسلمين من باب التقليد الأعمي للغرب ومحاولة اللحاق بركابه؛ لئلا يقال: متخلفون رجعيون ! ونحن إذا احتجنا إلى الاستفادة من خبرة الغرب, وتفوقه في الصناعات الآلية, فمن المؤكد أننا لسنا في حاجة إلى استيراد قواعد في السلوك والتربية والأخلاق, التي تدل الأمارات والبوادر علي أنها ستؤدي إلى تدمير حارته, والقضاء عليها قضاءاً تاماً في القريب العاجل
6- التوبة من التقصير في الدعوة إلى الله والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر: فالبشرية بأمسّ الحاجة إلى هداية الإسلام, ومع ذلك تجد التقصير في جانب الدعوة إلى الله, والتبعة في ذلك تقع علي أهل العلم بخاصة؛ فما بال كثير منهم يعرف مناهج الصلاح, ويبصر طائفة من قومه يتهافتون علي عماية, أو يهيمون في جهالة ولا تنهض به الهمة, ليعمل علي إفاقتهم من سكرتهم , وأراءتهم معالم فوزهم ؟!
وما بال الخلاف يدب في صفوف كثير من الدعاة , فيفشلهم , ويذهب ريحهم ؟
وما بال كثير منهم يخطئ سبيل الحكمة, ويؤثر مصلحته الخاصة علي مصلحة الأمة ؟
وما بال كثير منهم ينطوي علي نفسه غير مكترث بمصير الأمة وغير مبال بوعيد الله لمن كتم العلم؟
وما بال الشرك يضرب بجذوره في كثير من بلاد المسلمين علي مرأي ومسمع من أهل العلم
دون أن يُغيِّر , أو ينكر ؟
وما بال القبور تشيد, وتعظم , ويطاف عليها, وتعدي لها النذور, ويدعي أصحابها من
دون الله عزل وجل ؟(1/15)
إن السكوت عن الدعوة جرم عظيم , وذنب يجب التوبة منه؛ ذلك أنه إذا انزوي العارفون بوجوه الإصلاح رفع البغي لواءه , وبقي إخوان الفساد يترددون علي أماكن المنكرات . ولا يحسب الذين ينقطعون عن إرشاد الضالين , ووعظ المسرفين أن إقبالهم علي شأنههم , واقتصارهم في العمل الصالح علي أنفسهم يجعلهم في منجاة من سوء المنقلب الذي ينلقب إليه الفاسقون ؛ فالذي جرت به سنة الله في الأمم أن وباء الظلم والفسوق إذا ضرب في أرض , وظهر في أكثر نواحيها لا تنزل عقوبته بديار الظالمين , أو الفاسقين خاصة, بل تتعداها إلى ما حولها, وترمي بشرر يلفح وجوه الذين تخلوا عن نصيحتهم , ولم يأخذوا علي أيديهم, قال تعالي { ... وَاتَّقُوا فِتْنَةً لا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً ... } [الأنفال:25] .
وعن زينب بنت جحش - رضي الله عنها - قالت: يا رسول الله أنهلك وفينا الصالحون .
قال: «نعم إذا كثر الخبث» رواه البخاري ومسلم .
وكما قص علينا ربنا - جل وعلا - قصة بني إسرائيل لما تركوا واجب الأمر والنهي فقال: { لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ * كَانُوا لا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ * تَرَى كَثِيراً مِنْهُمْ يَتَوَلَّوْنَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَبِئْسَ مَا قَدَّمَتْ لَهُمْ أَنفُسُهُمْ أَنْ سَخِطَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَفِي الْعَذَابِ هُمْ خَالِدُونَ } [المائدة: 78-80] .
وإذا كان الأمر كذلك كان لزاماً علي الأمة أفراداً وجماعات أن تتوب من التقصير في الدعوة إلى الله, والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر, وأن يقوم كل فرد بحسبه بما أوجب الله عليه من نصرة دين الله .. هذا بلسانه, وهذا بقلمه, وهذا بماله , وهذا بجاهه , ولكل وجهة هو موليها, وقد علم كل أناس مشربهم .(1/16)
طريقنا إلى القدس والأقصى واضح المعالم .. وللنصر أسبابه.. إن المشوار شاق طويل, والجهد المطلوب غاية في الضخامة .. وأول الطريق خطوة .. وأول الغيث قطرة .. وأسباب الفوز سلسلة مترابطة لا تنفك واحدة منها عن بقية السلسلة ..
حتى تعود لنا القدس والأقصى ويدوي تكبيرنا علي الصخرة, والمآذن والجبال في ربوع الأرض المقدسة المباركة هناك مقومات للنصر :
توبة الأمة الإسلامية وعودتها إلى الله عز وجل وبعدها عن المعاصي , فإنما تنصر الأمة بالطاعة:
لا يتنزل النصر علي أمة ماجنة عابثة لاهية غافلة شاردة بعيدة عن الله ورسوله .
أمة لا تغوص في مستنقع المعاصي الآسن .. ولا تتمرد علي منهج ربها أمة لا تقلب الموازين , ولا تسير ضد السنن الربانية .
فيا أمة .. قصفت في ساحك القنا ... وأحنيت للأوثان هامة خاسر
بعدت عن الرحمن فاشقي وولولي ... علي غصص ملأي بقيح الجرائر
نشديك أحزان المآتم فادمعي ... ومجدك طيات الثري والمقابر
إخلاص النية لله سبحانه وتعالي والصدق معه :
هذه الأمة لن تنصر إلا بإخلاص رجالاتها وقياداتها لله عز وجل .
قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : « إنما ينصر الله هذه الأمة بضعفيها؛ بدعوتهم وصلاتهم وإخلاصهم »(1) .
وعن أبي بن كعب - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - « بشر هذه الأمة بالسناء والدين والرفعة والتمكين في الأرض, فمن عمل منهم عمل الآخرة للدنيا؛ لم يكن له في الآخرة من نصيب »(2) .
__________
(1) صحيح: رواه النسائي وغيره , وهو في البخاري وغيره دون ذكر الإخلاص , وصححه الألباني في «صحيح الترغيب» (1/6)
(2) صحيح: رواه أحمد وابن حبان في «صحيحه» والحاكم والبيهقي, وقال الحاكم: صحيح الإسناد, وصححه الألباني في «صحيح الترغيب والترهيب» (1/15-16) .(1/17)
وعند البيهقي : « بشر هذه الأمة بالتيسير والسناء والرفعة بالدين والتمكين في البلاد والنصر, فمن عمل منهم بعمل الآخرة للدنيا , فليس له في الآخرة من نصيب »
وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : « لصوت أبي طلحة في الجيش خير من ألف رجل »(1) . وذاك لصدقه وإخلاصه وإرادته وجه الله عز وجل .
وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - « كم من أشعث أغبر ذي طُمرين, لا يؤبه له , لو أقسم علي الله لأبرّه , منهم البراء بن مالك » (2) .
النصر يحتاج إلى أكف ضارعة من أنفس مخلصة مثل البراء بن مالك , والعلاء الحضرمي, وعبدالله بن المبارك ومحمد بن واسع ومعاذ بن جبل, وأبي عبيدة الأمين وقادة تعلم أن هذا طريق النصر مثلما قال قتيبة بن مسلم قائد الجيش الذي فتح كابل « أين محمد بن واسع؟» .
قالوا في أقصي الميمنة فارد إصبعه إلى السماء ؟
قال: أبشروا بالنصر .. فهذه الإصبع الفاردة أحبّ إلىّ من ألف سيف شهير وشاب طرير » فلما جاءه قال له : ما كنت تصنع ؟
قال: كنتُ آخذ لك بمجامع الطرق: الدعاء .
كم من القادة يحتاجون إلى التطامن والمسكنة وترك الأبهة والجاه .. سقطوا في وحل الرياء وحب المنزلة حتي ولو ضاعت الأمة ..
دلني علي قائد كخالد بن الوليد تنازل عن أمرة الجيش وهو من هو في فتوحات الشام !!
إن للنية الصادقة أمارات ودلائل , وللنية المضطربة إشارات وعلامات. فكيف تكون النية خالصة لله في حمي تنافس علي الدنيا, وجنون سباق علي المكاسب؟
تربية جيل النصر علي عقيدة أهل السنة والجماعة :
__________
(1) صحيح: أخرجه الحاكم عن جابر , وصححه الألباني في «صحيح الجامع» رقم (4957) .
(2) حسن صحيح: أخرجه الترمذي عن أنس بن مالك .(1/18)
الدعاة إلى الإسلام , والناشدون لتحرير القدس والأقصي لابد لهم من تربية جيل النصر المنشود علي العقيدة التي كان عليها الرسول وأصحابه .. عقيدة السلف, وتصفية العقيدة مما شابها من العقائد الباطلة والفاسدة والخرافيات والشركيات والبدع.. وأن يفهموا الأجيال الدين الذي جاء به الرسول - صلى الله عليه وسلم - المستقي من الكتاب والسنة بفهم سلف الأمة .
ولله در مالك بن أنس إمام دار الهجرة القائل: « لن ينصلح آخر هذه الأمة إلا بما صلح به أولها »
وما أجمل قول القائل: « أقيموا دولة الإسلام في قلوبكم تقم لكم علي أرضكم » .
ما سقطت القدس إلا علي أيدي أهل البدع الفاطميين , وما ضاعت إلا لما ضاع الولاء وتحالف رجال الثورة العربية مع الإنجليز ضد المسلمين من الاتراك .. ما سقطت القدس إلا بعد أن انحرف الناس عن الجادة, وصار ربان السفينة علماني, يساري , أو قومي بعثي , أو ملاحدة , أو زنادقة .
ومحال أن تعود القدس علي أيدي أهل البدع من الرافضة , وغيرهم فقد قال تعالي : { إِنْ تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ } وأي نصر لله ولدينه يأتي علي أيدي أناس يسبون صحابة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ويكفرون ويطعنون في الثوابت من هذا الدين .. وهم ومن علي شاكلتهم كانوا الخنجر الذي طعنت به الأمة « والله يفتح مغاليق الأمور لمن علم في قلبه الصدق والعزيمة, وسلامة النهج وصفاء التوحيد والولاء » (1) .
وحدة الأمة الإسلامية علي أساس من وحدة العقيدة يعني كلمة التوحيد مع توحيد الكلمة :
الأمة المتراصة أقوي عند النزال من جبهات تلتقي وتفترق , وتسير وتقف , تجمعها مصالح آنية, وتفرقها مصالح آنيتي . إنها سنة الله في الحياة الدنيا, أن تكون الأمة أقوي وأعزّ, حتي ولو قلّ العدد .
__________
(1) «عبدالله عزام » للنحوي ص(32) .(1/19)
من الأساس العقائدي السليم .. من القاعدة الإيمانية الربانية انطلقت كتائب الإسلام وتواثبت أمة الإسلام, لا يثقل مسيرتها « أحلاف وطنية » تضيع معالم الإيمان , ولا يبطل صدقها «مسارعة» في «المحدثين والعائمين» , والذين يحاربون الله ورسوله حيناً , ويتسترون حيناً آخر , صف واحد نقي لم يخالطه دخل ولا ريبة ولا وهن ولا بدع . شتان بين مسيرة يدفعها هوي وتصورات بشرية , وبين مسيرة تدفعها قواعد ربانية . شتان بين أمة ينير منهاج الله دربها , وأقوام يعطيهم الهوي بصيصاً من نور ثم ينطفئ ..
قال تعالي: { إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفّاً كَأَنَّهُمْ بُنيَانٌ مَرْصُوصٌ } [الصف:4] .
قال البربهاري - رحمه الله - : « مثل أصحاب البدع مثل العقارب , يدفنون رؤوسهم وأبدانهم في التراب , ويخرجون أذنابهم , فإذا تمكنوا لدغوا . وكذلك أهل البدع , هم مختفون بين الناس.
فإذا تمكنوا بلغوا ما يريدون »(1) أ هـ
إن وحدة الأمة الإسلامية : « مليار وربع مليار مسلم » كفيل بالقضاء علي إسرائيل « خمسة
مليون يهودي » . القدس شأن الأمة الإسلامية في مشارق الأرض ومغاربها , ولو أن الفلسطينيين تخاذلوا وسلموا في شأنها لوجب علي مسلمي العالم أن يرفضوا ذلك , ويقاوموا الفلسطينيين أنفسهم .
تحرير الولاء لله ورسوله والمؤمنين وبغض اليهود والنصاري والشيوعيين وكل الكافرين :
وهذا بيت القصيد لابد أن يعلمه القاصي والداني , الصغير والكبير من هذه الأمة .. وبغض لهؤلاء لكفرهم أولاً. ولأنهم اغتصبوا ديارنا ثانية .
« يا مسلمون .... هذه هي أمريكا ؟ » « تقرير بدون تعليق » :
__________
(1) «طبقات الحنابلة» لأبي يعلي (2/44) , و«المنهج الأحمد» (2/37) .(1/20)
بمناسبة مرور خمسين عاماً علي إنشاء دولة إسرائيل ، أصدرت جريدة هيرالد تيبيون الدولية تقريراً خاصاً في عددها رقم 35818 بتاريخ 29/4/1998 ونشرت فيه كلمات لعشرة رؤساء لأمريكا , وعلي مدي خمسين عاماً منذ نشأة إسرائيل حتي الآن .
ويؤكدون في كلماتهم ضمانهم لأمن إسرائيل . وذكرت الجريدة تعليقها « منذ تحقيق الاستقلالية سنة (1948), كان لإسرائيل مكان خاص في قلوب الأمريكيين , وفي قلوب رؤساء أمريكا , ففي كل إرادة, كان الرئيس يعترف بأهمية أمن إسرائيل بالنسبة للأهداف القومية الأمريكية .
نص ترجمة كلماتهم تحت عنوان
« الرؤساء الأمريكيون يتحدثون: ماذا تعني إسرائيل بالنسبة لي ؟ »
بيل كلينتون :
أمريكا وإسرائيل يربطهما ميثاق خاص وعلاقتنا فريدة من نوعها بين كل الأمم .
فكما هو الحال في أمريكا , فإن إسرائيل تتمتع بديمقراطية قوية, كرمز للحرية وهي واحة للاستقلال , ملجأ للمظلومين والمضطهدين !!
جورج بوش :
لقد تمتعت الولايات المتحدة وإسرائيل لأكثر من أربعين سنة بصداقة مبنية علي احترام متبادل , والتزام بمبادئ الديمقراطية . ويبدأ استمرارنا بالبحث عن السلام في الشرق الأوسط بإدراك أن الروابط التي توحد بين دولتينا لا يمكن أن تنفصم .
رونالد ريجان :
يثبت الرجال والنساء الأحرار بإسرائيل كل يوم قوة الشجاعة والإيمان , وبالرجوع لسنة 1948 عندما وجدت إسرائيل, ادعي النقاد أن الدولة الجديدة لا يمكن أن تستمر , والآن لا يشك أحد أن اسرائيل هي أرض الاستقرار والديمقراطية في منطقة الطغيان والاضطرابات (يعني بها منطقة الشرق الأوسط
وبلاد الإسلام)
جيمي كارتر :
بقاء إسرائيل ليس مجرد قضية سياسية , ولكنه التزام أدبي , وهذا هو إيماني العميق الذي ارتبط به , وهو الإيمان الذي يشاركني فيه الأغلبية العظمي من الشعب الأمريكي , فإن إسرائيل القوية الآمنة ليست مجرد اهتمام الاسرائيليين ولكنه اهتمام الولايات المتحدة, والعالم الحر كله .(1/21)
جيرالد فورد :
التزامي بأمن ومستقبل إسرائيل مبني علي مبادئ أساسية ؛ وهو اهتمام شخصي ؛ كإنسان متنور «مثقف»؛ كما أن دورنا في مساندة إسرائيل يشرف تراثنا الوطني !!
ريتشارد نيكسون :
الأمريكيون يعجبون بالشعب الذي يحفر الصحراء ويحولها لحدائق , لقد أثبت الإسرائيليون بدلالات يقبلها الأمريكيون أن لديهم الشجاعة والوطنية والمثالية , والولع بالحرية, لقد رأيت ذلك
وأؤمن بذلك .
ليندون جونسون :
إن مجتمعنا مُضاء بالإدراك الروحاني للأنبياء العبريّين ؛ كما أن أمريكا وإسرائيل لديهم حب عام للحرية الإنسانية , ولديهم إيمان الأسلوب الديمقراطي للحياة .
جون كينيدي :
إسرائيل لم تخلق لتحتفي , بل ستبقي وتزدهر, إنها وليد الأمن والوطن للشجعان , ولن تنكسر بالافتراءات , أو بإفساد معنوياتها ؛ إنها تحمل درع الديمقراطية , وتشهر سيف الحرية .
دوايت إيزنهاور :
لقد أنقذت قواتنا بقايا الشعب اليهودي بأوربا من أجل حياة جديدة, وأمل جديد في الأرض المتجددة, ونحن مع كل الرجال ذوي العزيمة الصادقة , وأحيي الدولة الصغيرة , وأتمني لها الفلاح .
هاري ترومان:
لدي إيمان بإسرائيل بل تأسيسها ؛ كما أن لدي إيماناً بها الآن , وأعتقد أنه سيكون لها مستقبل متألق أمامها , ليس لمجرد أمة مستقلة جديدة, ولكن تجسيد للمثاليات العظمي لمدنيتنا (1) .
__________
(1) «مقومات النصر وملحمة الملأ من بني إسرائيل» لصالح الحديدي ص (110 - 115) - مركز الإعلام العربي .(1/22)
وقد مرت بك تصريحاتهم من قبل وأن الحرب بيننا وبينهم دينية , وأن حبهم ولائهم لإسرائيل من منطلق ديني توارتي بحت, فهم يقدسون التوراة « العهد القديم » مثلما يقدسون الإنجيل « العهد الجديد » وقيام إسرائيل وحمايتها قام علي أساس التزام ديني من انجلترا وأمريكا . ومن قال بغير هذا فهو خائن لله ورسوله وعامة المؤمنين , لا يحل لأمة أنعم الله عليها نعمة الإسلام أن تعطي ولائها لأعداء الله ورسوله والمؤمنين . عار علي أمة أن تسلم رقابها ورقاب أبنائها وثرواتها وأرضها إلى أعدائها .
عار علي الأمة أن تتنكر لإسلامها وتتسول نفايات الفكر اليوناني الروماني العفن عار علي
الغني أن يتسول .
الزهد وقصر الأمل والبعد عن الترف واللهو وحب الموت وكراهية الدنيا :
رحم الله إمام دار الهجرة مالك بن أنس إذ يقول: «لن يصلح آخر هذه الأمة إلا بما صلح به أولها» وقد بين رسولنا - صلى الله عليه وسلم - كيف صلح أول هذه الأمة .
فعن عبدالله بن عمرو - رضي الله عنهما - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «صلاح أول هذه الأمة بالزهد واليقين, ويهلك آخرها بالبخل والأمل » (1) .
فبالزهد تستقر الأقدام علي الأرض, وتنزع الأرواح إلى السماء وترفرف إلى الآفاق اللائقة
بكمال المسلم .
__________
(1) حسن:رواه أحمد في «الزهد», والطبراني في «الأوسط», والبيهقي في «شعب الإيمان», وحسنه الألباني في «صحيح الجامع» رقم (3845)(1/23)
بالزهد يعلم المسلمون المعاصرون خسة الدنيا وقلتها وانقطاعها وسرعة فنائها , ويقيم الله في قلوبهم شاهداً يعاينون به حقيقة الدنيا والآخرة . فلا يرضونها ولا يرضون نقصها وهبوطها ولا يستغرقون فيها, فلا تهبط بهم , فيرفعون رؤوسهم إلى القمة التي أرادها لهم دينهم, ويتركون لهو الدنيا ولعبها(1) وفخرها وتكاثرها, وترفها, ولا تتشعب قلوبهم في أودية الدنيا ولا يتأرجحون ولا يتذبذبون, ولا تشتت قلوبهم, ولا تهن بالسعي وراء الشهوات والحزن علي فقدها وضياعها .
وبقصر الأمل تطلب قلوبهم الجنة في غدوهم ورواحهم طلب من لابد لهم منها فيتركون الدنيا قبل أن تتركهم, ويوجهون الهم إلى ما ينفعهم عند الله عز وجل .. وتتبدل حياتهم وتتغير فيكون النصر .
أخرج أبو داود في «سننه» عن ثوبان - رضي الله عنه - قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : «يوشك أن تداعي عليكم الأمم كما تداعي الأكلة إلى قصعتها », فقال قائل: ومن قلة نحن يومئذ؟ قال: «بل أنتم يومئذ كثير ولكنكم غثاء كغثاء السيل, ولينزعن الله من صدور عدوكم المهابة منكم, وليقذفن الله في قلوبكم الوهن», فقال قائل : يا رسول الله, وما الوهن؟ قال: «حب الدنيا وكراهية الموت» .
تفعيل دور العلماء الربانيين في إيقاظ الأمة ... نحن بحاجة إلى مثل سلطان العلماء وبائع الملوك والأمراء عز الدين بن عبدالسلام :
__________
(1) في أعقاب الكارثة المدمرة , في الخامس من حزيران 1967 , وقفت أم كلثوم تغني للمترفين, والدم البرئ يسيل علي كل رابية , والعار الأسود يجلل جباه المخدرين , ممن راحت تصنع وجوههم ولا يشعرون «هذه ليلتي وحلم حياتي» .لعل هذا الضياع الذي أصاب الأمة , وهذا الخدر الذي سري في أعصابها هو الذي دعا صحفياً إلى القول في صحيفته البيروتية , مباهياً دون خجل: «إني أعرف مكانة أم كلثوم عند العرب, وأعرف كذلك , أن حب الكثيرين لها يوازي حبهم لفلسطين» .(1/24)
إن الأمة في حاجة لمن يوقظها ويكون لها قدوة وأسوة حسنة, وليس هناك بعد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من نبي فمن أجدر من العلماء وهم ورثة الأنبياء للقيام بهذا الدور؟
إن علماءنا يحتاجون إلى أن تكون لهم مصداقية, وهذه تأتي بأن يطوع كل منهم نفسه ويقصرها
علي الحق قصراً .
علي كل عالم في هذه الأمة أن يكون إسلاماً يمشي علي قدمين, يضرب المثل في إيمانه واعتصامه بحبل الله, لا يأمر بالمعروف إلا وقد أمر نفسه به أولاً والتزم به, أن يكون مثالاً في الزهد والتواضع والتضحية والإيثار ... أن يتقدم الصف حتي يتبعه الناس .
إن تربية جيل النصر علي العقيدة الصحيحة, واستعادة القيم الإسلامية وتربية الأجيال القادمة علي قيم الإسلام علي حب الجهاد في سبيل الله., وعلي طلب العلم, والإقبال علي العمل وإتقانه , وعلي الاعتصام بحبل الله ونبذ الفرقة , والاهتمام بعظائم الأمور , وعدم الانشغال بتوافهها , وألا تتولي إلا الله ورسوله والذين آمنوا , والغيرة علي الحرمات, وإعادة بناء الإنسان المسلم علي أساسها دور كبير ينتظر العلماء الصادقين .
الدور الأكبر الذي ينتظر العلماء الربانيين تصفية عقيدة الأجيال القادمة مما شابها من العقائد الباطلة والفاسدة والخرافات والشركيات, وتصفية السنة مما شابها, وتصفية التاريخ الإسلامي مما شابه من الغث لإبراز لآلئ تاريخ أمتنا العظيم لاستخلاص العبر, وتصفية الفقه مما شابهُ من الآراء والمحدثات المخالفة, وتصفية الوعظ مما شابه من الإسرائيليات والخرافات وأحاديث القُصّاص , وتربية الأجيال علي هذا , هذا هو أسّ أي إصلاح لإقامة دولة الإسلام .
وينبغي علي العلماء أن يوجهوا المربين إلى إصلاح مناهج التعليم والتربية (1)
__________
(1) التعليم عند اليهود : يدرس التلاميذ في المرحلة الابتدائية الحكومية مواد تتلائم والأهداف العامة التي حددتها وزارة المعارف وهي تشمل
(14) مادة إلزامية على النحو التالي: (الدين اليهودي ـ اللغة العبرية ـ التاريخ ـ الجغرافيا ـ الوطن والمجتمع ـ الحساب ـ الطبيعة ـ البيئة ـ المدنيات ـ اللغة الأجنبية ـ الأشغال اليدوية ـ الفنون ـ الرياضة ـ التدبير المنزلي( . يدرس التلاميذ في المرحله الاعداديه الحكوميه (10) وهي ما يلي : (الدين اليهودي ـ اللغة العبرية ـ التاريخ ـ جغرافية "إسرائيل" ـ الرياضيات ـ العلوم الطبيعة ـ المدنيات ـ اللغة الأجنبية ـ الفنون ـ الرياضة( أما بالنسبة للمرحلة الثانوية فهي تخضع لنوع الثانوية، ففي الكيان الصهيوني أنواع مختلفة من الثانويات وهي:
الثانوية الأكاديمية "أدبي وعلمي
الثانوية المهنية.
الثانوية الزراعية.
الثانوية الدينية.
نماذج ونصوص من المناهج التعليمية للحكومة العلمانية الصهيونية :
يخضع الطفل اليهودي في الكيان الصهيوني لعملية غسيل دماغ منذ اليوم الأول الذي يعي فيه الحياة، وتكرس في ذهنة مجموعة رهيبة من التعاليم اليهودية تجاه الآخر (العربي) أو غير اليهودي، فلا يلبث الطفل اليهودي حتى يتحول إلى أداة حرب ضد كل ما هو عربي
أو إسلامي.
عينات من قصص الأطفال في المناهج الصهيونية:
قصة بعنوان (مقاصد الأثر من الحدود الشمالية) جاء فيها الكثير من العداء تجاه العرب ومن ذلك هذا النص: "أي نوع من الرجال هؤلاء العرب؟ لا يقتلون إلا العزل من الأطفال والنساء والشيوخ! لماذا لا يقتلوننا نحن الجنود؟"
قصة بعنوان (افرات) جاء فيها: "لقد أتى العرب أعمالاً وحشية ضد اليهود، بحيث بدا العربي كائناً لا يعرف معنى الرحمة أو الشفقة، فالقتل والإجرام غريزة وهواية عنده، حتى صار لون الدم من أشهى ما يشتهيه .. لقد باغت العرب اليهود واعتدوا عليهم كالحيوانات المفترسة، وراحوا يسلبون ممتلكاتهم، حتى المدارس والمعابد الدينية لم تسلم من بطشهم .. نساء وفتيات اليهود تعرضن للاغتصاب من قِبل العرب لأجل إشباع نزواتهم !
قصة بعنوان (خريف أخضر) وهي قصة تحكي قصة أسير عربي متقدم في السن وقع في أيدي الجنود اليهود،" وتبرز القصة شخصية الأسير العربي كشخصية هزيلة جبانة يُفضي بأسرار بلده من الخوف والجبن من دون أن يطلبها منه أحد، ويُصر في تذلل على تقبيل أيدي الجنود اليهود، في حين يمتنع اليهودي من الموافقة على ذلك التقبيل!" وجاء هذا المقطع في هذه القصة، يقول الجندي اليهودي: "لقد نفَّذ كل ما أمرته به، أحضر الماء، كما قام بمهمات مختلفة كنت أكلفه بها، وكان يعود في كل مرة كالكلب العائد إلى كوخه!" وفي نهاية القصة يستخدم الجنود اليهود هذا الأسير العربي مع كلاب الألغام وينفجر به لغم فيقوم الجنود اليهود بإحراق جثته!
قصة بعنوان (غبار الطرف) جاء فيها على لسان يهودي ينصح يهودي آخر: "العرب مثل الكلاب، إذا رأوا أنك مرتبك ولا تقوم برد فعل على تحرشاتهم يهجمون عليك، وأما إذا قمت بضربهم فإنهم سيهربون كالكلاب!"
قصة بعنوان (القرية العربية) جاء فيها: "إن شروط النظافة والمحافظة على الصحة تكاد تنعدم بين العرب، والإجراءات الصحية التي لا يستطيع الإنسان العيش ساعة واحدة بدونها غير متوفرة في أي قرية عربية، حتى في القرى الكبرى الغنية، ولعدم وجود المراحيض يقضي العرب حاجاتهم في أي مكان، فالأولاد يقضون حاجاتهم في الساحة أو في الحظيرة أو في البيت، أما الكبار فيأخذ الواحد منهم إبريقا ويخرج إلى الحقل. وعادة الاستحمام تكاد تكون غير مألوفة عند العرب، وهناك بعض الفلاحين الذين لم يمس الماء أجسادهم منذ زمن طويل، وامرأة عربية أقسمت بالله أنها ولدت ستة أولاد دون أن يمس الماء جسدها، وهناك مثل عند العرب يقول "الطفل الوسخ أصح وأشد ! العرب يرتدون الثياب ولا يغيرونها إلى أن تبلى، حيث يغدو مليئا بالقمل والبراغيث ويكلح لونه، والعربي صانع القهوة يبصق في الفناجين كي ينظفها!
مواصفات العربيّ في ذهن الناشئة اليهود والشباب في عدة دراسات صهيونية علمية عن صفات وطبائع العربي، جاءت نتائج الاستبيانات التي وزعت على الشباب اليهود وغيرهم بالصفات التالية:
قاس وظالم ومخادع وجبان وكاذب ومتلون وخائن وطماع ولص ومخرب وقنَّاص قاتل ومختطف للطائرات ويحرق الحقول ... إلخ
وفي دراسة تناولت كتب الأطفال الأدبية والقصصية جاءت مواصفات العربي فيها كما يلي:
أحول العينين ـ وجهه ذو جروح ـ أنفه معقوف ـ ملامحه شريرة ـ شارب مبروم ـ ذو عاهة ـ أسنانه صفراء متعفنة ـ عيونه تبعث الرعب ... إلخ.
يقول الباحث الصهيوني (يشعيا هوريم) : " الصورة النمطية للشخصية العربية تتشكل في وجدان الأطفال اليهود منذ الصغر!
وفي دراسة أجراها يهود في معهد (فان لير) استهدفت معرفة رأي الشبيبة الصهيونية 600 شاب وفتاة في العرب ووجودهم في فلسطين والعلاقة معهم، وهذه الأسئلة وجهت للشريحة التي في عمر 15-18 فكانت النتيجة:
92% منهم يرون أن لليهود الحق الكامل في فلسطين
50% منهم يرون ضرورة تقليص الحقوق المالية للعرب في داخل فلسطين.
56% منهم يرفضون المساواة بالعرب كلياً، و 37% يريدون فقط مساواة العرب لهم في خدمة الجيش!
40% منهم أبدوا تأييدهم لأي حركة سرية تنتقم من العرب.
30% منهم أيدوا حركة (كاخ) الإرهابية.
60% منهم وافقوا على طرد كل عربي من فلسطين.
لماذا انتصر الكيان الصهيوني على العرب في عام 1967م؟
تساءل اليهود داخل الكنيست في تفسير السر وراء انتصار جيش الدفاع الإسرائيلي على العرب في حزيران/يونيو عام 1967م؟
فقام فيهم وزير الشؤون الدينية معرباً عن جوابه الأكيد، حيث قال: "أنا أريد أن ألخص الانتصار وأفسره في كلمتين اثنتين هما: إننا آمنا بعقيدة التوراة ثم خدمنا هذه العقيدة"!
وقد صفق له معظم أعضاء الكنيست موافقين ومؤيدين.
يقول اليهودي (يهيل مايكل باينز): "إن أي شعب آخر يمكن أن تكون لديه تطلعات وطنية منفصلة عن الدين، أما نحن اليهود فإننا لا نستطيع ذلك."
ويقول اليهودي (مارتن بوير): "إن الإسرائيليين شعب فريد يختلف عن بقية الشعوب الأخرى، فهو الشعب الوحيد في العالم الذي يُعتبر شعباً ويعتبر في الوقت نفسه مجتمعاً دينياً، وكل من يقطع العلاقة بين هذين العنصرين يقطع حياة إسرائيل نفسها."
ويقول اليهودي (سولومون سكتشر) : "إن إعادة ولادة ضمير إسرائيل الوطني وانبعاث دينها أمران لا ينفصلان."
وجاء في المؤتمر اليهودي للتربية والتعليم: أنه يُقر بأن التربية اليهودية والصهيونية يجب أن تكون قائمة على أساس القيم اليهودية والتراث والتقاليد اليهودية، وأنها سوف تتولى كافة المجالات التربوية بكل فروعها الرسمية وغير الرسمية لتربية الأطفال والشبيبة والطلبة الأحداث.
المادة العلمية التي بين يديّ عن مناهج التعليم في الكيان الصهيوني كبيرة، وقد تثاقلت عن نقلها واكتفيت بشيء منها، وإلا فإن أي مادة تدرس فإنها تحمل طابع العنصرية.
فالمواد الدينية تتعرض بالشتم لنبينا محمد صلى الله عليه وسلم ولعيسى عليه السلام ولدين الإسلام، غير التشويه العنصري للإسلام وتعاليمه.
والمواد الجغرافية ترسم في عقول الأطفال والشباب خريطة "إسرائيل الكبرى" والتي تمتد حتى المدينة المنورة
والمواد التاريخية تشويه لكل ما هو عربي وإسلامي.
والمواد الدينية تكريس للعداء والتكفير لكل ما هو غير يهودي ... وهكذا.(1/25)
لإعداد النشء علي حب الجهاد , وأن يضع نصب عينيه تاريخ القادة العظام الذين دوّخوا الكافرين . أمثال أبي عبيدة ومعاذ وخالد بن الوليد والمثني بن حارثة ونور الدين محمود زنكي وصلاح الدين الأيوبي وقطز وبيبرس , وأن يدرس لهذا النشء معارك الإسلام الفاصلة, وإلهاب عاطفتهم من الصغر علي حب البذل والعطاء لدينهم .
الواجب علي العلماء الربانيين أن يأمروا بالمعروف وينهو عن المنكر, ويواجهوا الشر وهبوط الأرواح , وكلل العزائم , ويصونوا الأمة أن يعبث لها كل ذي هوي , وكل ذي شهوة .
لابد أن يُصلح العلماء اعوجاج الأمة وقادتها وفيهم الجبار الغاشم , والمتسلط , وفيهم الهابط الذي يكره الصعود, والمسترخي الذي يكره الاشتداد , والمنحل الذي يكره الجدّ , والظالم الذي يكره العدل وفيهم المنحرف الذي يكره الاستقامة وفيهم وفيهم , ممن ينكرون المعروف, ويعرفون المنكر , ولن تعود القدس إلا أن يقود العلماء الربانيين مسيرة الأمة ويوجهون الحكام إلى الخير .
* عز الدين بن عبدالسلام ينكر علي ملك دمشق التنازل عن ديار المسلمين, وعقد الصلح مع الفرنجة الصليبيين المعتدين :
لابد أن يرفع العلماء لواء الخير في الأمة ويجهروا بكلمة الحق أمام من يتنازل عن ديار المسلمين ,
أو يعقد صلحاً مع اليهود المعتدين ... ولهم قدوة وأسوة بعز الدين بن عبدالسلام سلطان العلماء, فإنه لما تحالف الصالح اسماعيل حاكم دمشق مع الصليبيين , وأسلمهم قلعة صفد, وقلعة الشقيف , وصيدا , وبعض ديار المسلمين اختياراً ؛ لينجدوه علي الصالح نجم الدين أيوب , ودخل الصليبيون دمشق لشراء السلاح , لقتال أهل مصر, واستفتي أهل دمشق الشيخ في مبايعة الفرنج السلاح قال سلطان العلماء: يحرم عليكم مبايعتهم ؛ لأنكم تتحققون أنهم يشترونه ليقاتلوا به إخوانكم المسلمين .(1/26)
وترك عز الدين الدعاء للحاكم في الخطبة , وجدد دعاءه في الجامع الذي كان يدعو به إذا فرع من الخطبتين : «اللهم أبرم لهذه الأمة أمر رشد تُعز فيه وليك, وتذل فيه عدوك, ويعمل فيه بطاعتك , وينهي فيه عن معصيتك» .
والناس يبتهلون بالتأمين والدعاء للمسلمين والنصر علي أعداء الله واعتقل الشيخ, وبقي مدة معتقلاً , وأخرج الشيخ من معتقله فأقام مدة في دمشق , ثم انتزح عنها إلى بيت المقدس , وجاء الصالح إسماعيل والملك المنصور صاحب حمص وملوك الفرنج بعساكرهم وجيوشهم إلى بيت المقدس يقصدون الديار المصرية, فسيَّر الصالح إسماعيل بعض خواصه إلى الشيخ بمندليه, وقال له: تدفع منديلي إلى الشيخ وتتلطف به غاية التلطف وتستنزله , وإن خالفك فاعتقله في خيمة إلى جانب خيمتي, فلما اجتمع اغلرسول بالشيخ شرع في مسايسته وملاينته, ثم قال له: بينك وبين أن تعود إلى مناصبك وما كنت عليه وزيادة أن تنكسر للسلطان , وتقبل يده لا غير .
وهنا قال سلطان العلماء كلماته النيرة , فيها استعلاء أهل العلم , قال: «والله يا مسكين , ما أرضاه أن يقبل يدي, فضلاً أن أقبل يده. يا قوم , أنتم في وادٍ , وأنا في وادٍ , الحمد لله الذي عافاني مما ابتلاكم به»(1) .
عزة سلطان العلماء بربه .. يصون يده المتوضئة عن ملامسة عميل للصليبيين, وإن كان سلطان دمشق .. يصون يده التي تكتب العلم وتسجد لمولاها .
«فقال له: قد رسم لي إن لم توافق علي ما يُطلب منك وإلا اعتقلتك.
فقال: افعلوا ما بدا لكم . فأخذه واعتقله في خيمة إلى جانب خيمة السلطان . وكان الشيخ يقرأ القرآن والسلطان يسمعه , فقال يوماً لملوك الفرنج: تسمعون هذا الشيخ الذي يقرأ القرآن ؟ قالوا: نعم قال: هذا أكبر قسوس المسلمين, وقد حبسته لإنكاره عليّ تسليمي لكم حصون المسلمين , وعزلته عن الخطابة بدمشق وعن مناصبه , ثم أخرجته فجاء إلى القدس, وقد جددت حبسه واعتقاله لأجلكم .
__________
(1) «طبقات الشافعية» (8/243-244) .(1/27)
فقالت له ملوك الفرنج: لو كان هذا قسيسنا لغلسنا رجليه , وشربنا مرقتها »(1) .
هذه شهادة الكفار في حق العلماء الربانيين .
الأمة تحتاج إلى مثال عبدالله بن محيريز , وسعيد بن المسيب , وجهبز العلماء سعيد بن جبير والأوزاعي والثوري إمام الدنيا الذي كان يبول الدم إذا رأي المنكر ولم يتكلم , وابن أبي ذئب
والعمري , وأبي حاتم
الأعر ج, وطاووس, وزياد العبدي, وعطاء بن أبي رباح, والطرطوشي وشيخ الإسلام ابن تيمية
إن أمة يقودها علماءها الربانيون بكتاب الله وسنة رسوله , ويخضع لهم القاصي والداني والصغير والكبير .. لن تُخطئ الطريق إلى القدس والأقصي .. مثلما قاد الشيخ آق شمس الدين تلميذه محمد الفاتح إلى فتح القسطنطينية .
التوكل علي الله وحده :
وأعلي التوكل التوكل علي الله في نصرة دينه, ودفع فساد اليهود المفسدين, واسترجاع القدس درة بلاد المسلمين, هذا التوكل يجعل المتوكلين من جيل النصر يلهجون بما قاله محمد - صلى الله عليه وسلم - حين قالوا له:
{ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَاناً وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ } [آل عمران:173] .
عندما يتوكل القلب علي الله , ويتصل بالله, وينفض يده من كل الأشباح الزائفة والأسباب الباطلة للنصرة والحماية والالتجاء, ويتوكل علي الله وحده يأتي نصر الله ومدده وفرجه .
بتوكل المؤمن علي الله وحده, وهو مطمئن إلى موقفه وطريقه, مالئ يديه من وليه وناصره, يعلم أن الله الذي يهدي السبيل لابد أن ينصر ويعين ويثبت , يحس القلب أن عناية الله سبحانه تقود خطاه
وتهديه السبيل .
__________
(1) «طبقات الشافعية» (8/244) .(1/28)
تستشعر القلوب التي وجهت وجههاً لفاطر السماوات والأرض ترجوا رحمته في نصرة دينه أن الأمر كله بيد الله, وعموم قدرته, وكمال ملكه وتمام عدله وعظم إحسانه , فتتفتح كوي النور أمامها, وتبصر الآفاق المشرقة, وتستروح أنسام الإيمان والمعرفة, فلا تتخلي عن دربها وطريقها .. تضع أمامها قول نبيها - صلى الله عليه وسلم - «يا أبا بكر ما ظنك باثنين الله ثالثهما » , وقول أم اسماعيل: « إذن لا يضيعنا » , وقول جبريل - عليه السلام - لأم اسماعيل: « إلي من وكلكما؟ » قالت : إلي الله . قال: وكلكما إلى خير كاف .. لا تخشي الضيعة .. إن الله يضيع أهله » .
بالدعاء والعبرات يتنزل النصر من السماوات :
* عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : «من سره أن يستجيب الله له عند الشدائد والكرب فليكثر الدعاء في الرخاء»(1) .
وهذا الطريق عرفه السابقون من كرام الأمة .. بكي النبي - صلى الله عليه وسلم - ليلة بدر وتضرع إلى ربه حتي أصبح فكان النصر .
ودعا محمد بن واسع عند فتح كابل؛ فكان النصر .
إنما يتنزل النصر علي الأتقياء .. من ساروا علي طريق الذل والانكسار والافتقار إلى الله .. وهو أقرب من كل طريق, وما أدني النصر والرحمة والرزق من قلوب منكسرة .. وما أنفع هذا الذل لملك الملوك لها, وأجداه عليها .
إذ استكان العبد, ووضع خده علي عتبة العبودية, ونظر بقلبه إلى ربه ووليه نظر الذليل إلى العزيز الرحيم, وتملق لربه خاضعاً له, باكياً مستعطفاً .. أمات بالذل عزته, وجعل إلى الله وحده حاجته, وأرسل علي الوجنة عبرته , وسأل بالدعاء رحمته, وشكا إلى الله غربته نزل النصر من السماء وأعز الله دينه وملته , ورجعت القدس لؤلؤة المسلم ودرته .
الجهاد في سبيل الله سبيلنا الوحيد .. سبيل المتقين لعودة القدس وفلسطين :
__________
(1) حسن: رواه الترمذي, والحاكم عن أبي هريرة , وحسنه الألباني في «صحيح الجامع» رقم (6290) .(1/29)
إنه جوهر الأمن في أمتنا .. إنه ذروة سنام ديننا .. إنه باب من أبواب الجنة .. إنه انطلاق من قيد الأرض, وارتفاع من ثقلة اللحم والدم .. انه الطريق الذي تجزع منه الأرواح الهزيلة المنخوبة .. إنه الأفق العالي الذي تتخاذل دونه النفوس الصغيرة المهزولة .. الجهاد شرف للذين يسيرون علي طريقه الصاعد إلى الآفاق الكريمة , أما الذين يعيشون علي حاشية الحياة, وإن خُيل إليهم أنهم بلغوا منافع ونالوا مطالبة, واجتنبوا أداء الثمن الغالي, فالثمن القليل لا يشتري سوي التافه الرخيص, فما لهؤلاء والجهاد .
* قال تعالي: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنجِيكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ * تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنتُمْ تَعْلَمُونَ * يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَيُدْخِلْكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ } [الصف: 1-12] .
* وقال تعالي: { إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنْ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمْ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْداً عَلَيْهِ حَقّاً فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنْ اللَّهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمْ الَّذِي بَايَعْتُمْ بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ } [التوبة:111] .(1/30)
* وقال تعالي: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمْ انفِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الأَرْضِ أَرَضِيتُمْ بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنْ الآخِرَةِ فَمَا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الآخِرَةِ إِلاَّ قَلِيلٌ * إِلاَّ تَنفِرُوا يُعَذِّبْكُمْ عَذَاباً أَلِيماً وَيَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ وَلا تَضُرُّوهُ شَيْئاً وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ } [التوبة:38-39] .
كيف تنام الأمة عن الجهاد في سبيل الله والأحاديث النبوية تحدو بها ليل نهار :
* قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : «أفضل الناس مؤمن يجاهد في سبيل الله بنفسه وماله, ثم مؤمن في شعب من الشعاب يتقي الله ويدع الناس من شره » (1) .
* وقال - صلى الله عليه وسلم - : «أفضل العمل الصلاة لوقتها , والجهاد في سبيل الله » (2) .
ويكفي الجهاد فضلاً تمني الرسول - صلى الله عليه وسلم - ألا يقعد خلف سرية, ويكفي الشهادة فخراً تمني
رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لها .
* قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : «انتدب الله لمن خرج في سبيله , لا يخرجه إلا إيمانٌ بي, وتصديق برسلي, أن أرجعه بما نال من أجرٍ أو غنيمة, أو أُدخله الجنة, ولولا أن أشق علي أمتي, ما قعدت خلف سرية , ولوددت أن أقتل في سبيل الله, ثم أحيا ثم أقتل, ثم أحيا ثم أقتل » (3) .
ولما تمني سليمان - عليه السلام - كثرة الاولاد؛ ليكونوا فرساناً يجاهدون في سبيل الله .
__________
(1) رواه أحمد , والبخاري, ومسلم , والترمذي , والنسائي , وابن ماجة عن أبي هريرة .
(2) صحيح: رواه البيهقي في «شعب الإيمان» عن ابن مسعود, وصححه الألباني في «صحيح الجامع» رقم (1123) رقم (1123), وعند البخاري ومسلم: «ثم بر الوالدين ثم الجهاد في سبيل الله» .
(3) رواه أحمد, والبخاري, ومسلم, والنسائي عن أبي هريرة .(1/31)
* عن أبي هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : «قال سليمان بن داود: لأطوفن الليلة علي سبعين امرأة, تحمل كلُ امرأة فارساً يجاهد في سبيل الله. فقال له صاحبه: إن شاء الله. فلم يقل, ولم تحمل شيئاً, إلا واحداً ساقطاً أحد شقيه » , فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : « لو قالها لجاهدوا في سبيل الله» . رواه البخاري ومسلم .
قال شعيب وابن أبي الزناد: «تسعين» . وهو أصح .
* وقال - صلى الله عليه وسلم - : « إن أبواب الجنة تحت ظلال السيوف»(1) .
* وقال - صلى الله عليه وسلم - : «إن سياحة أمتي الجهاد في سبيل الله »(2) .
* وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لأبي ذر : «أوصيك بتقوي الله تعالي , فإنه رأس كل شئ, وعليك بالجهاد, فإنه رهبانية الإسلام, وعليك بذكر الله تعالي, وتلاوة القرآن , فإنه روحك في السماء وذكرك في الأرض»(3) .
* وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : « أيما مسلم رمي بسهمٍ في سبيل الله ، فبلغ مخطئاً أو مصيباً , فله من الاجر كرقبةٍ أعتقها من ولد إسماعيل ... »(4) .
__________
(1) رواه أحمد, ومسلم , والترمذي عن بي موسي .
(2) صحيح: أخرجه أبو داود, والحاكم في «المستدرك» وصححه, والبيهقي في «شعب الإيمان» عن أبي أمامة, وأخرجه ابن عساكر وابن المبارك عن سعيد بن مسعود الكندي, وصححه الألباني في «صحيح الجامع» رقم (2093) .
(3) حسن: رواه أحمد عن أبي سعيد, وحسنه الألباني في «الصحيحة» رقم (555) , و «صحيح الجامعة» رقم (2543) .
(4) صحيح: رواه الطبراني في «الكبير» عن عمرو بن عبسة, وأحمد في «مسنده» , وصححه الألباني في «صحيح الجامع» رقم (2739) , و«الصحيحة» رقم (1756) .(1/32)
* وقال - صلى الله عليه وسلم - : «تكفل الله لمن جاهد في سبيله , لا يخرجه من بيته إلا الجهاد في سبيله , وتصديق كلماته, بأن يدخله الجنة, أو يرجعه إلى مسكنه الذي خرج منه مع ما نال من أجر أو غنيمة »(1) .
* وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : «ثلاث كلهم ضامن علي الله : رجل خرج غازياً في سبيل الله فهو ضامن علي الله حتي يتوفاه , فيدخله الجنة أو يرده بما نال من أجر أو غنيمة .... »(2) .
* وقال - صلى الله عليه وسلم - : « ثلاثة في ضمان الله عز وجل : رجل خرج إلى مسجد من مساجد الله عز وجل, ورجل خرج غازياً في سبيل الله تعالي, ورجل خرج حاجاً »(3) .
* وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : عليكم بالجهاد في سبيل الله , فإنه باب من أبواب الجنة يُذهب الله
به الهم والغم »(4) .
* وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : « الروحة والغدوة في سبيل الله, أفضل من الدنيا وما فيها »(5) .
* وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : « غدوة في سبيل الله أو روحة, خير مما طلعت عليه الشمس وغربت»(6) .
__________
(1) رواه البخاري, ومسلم, والنسائي عن أبي هريرة .
(2) صحيح: رواه أبو داود, وابن حبان, والحاكم وصححه عن أبي أُمامة, وصححه الألباني في «تخريج المشكاة» (727) , «وصحيح الجامع» رقم (3053) .
(3) صحيح : رواه أبو نعيم في الحلية عن أبي هريرة , وصححه الألباني في «صحيح الجامع» رقم (3051) , و«الصحيحة» رقم (598) .
(4) صحيح: رواه الطبراني في «الأوسط» عن أبي أمامة , وأحمد والحاكم والهيثم , وابن بشران والضياء عن عبادة, وصححه الألباني في «الصحيحة» رقم (1941) , و «صحيح الجامع» (4063) .
(5) رواه البخاري, ومسلم , والنسائي , عن أبي سعيد .
(6) رواه أحمد , ومسلم , والنسائي عن أبي أيوب .(1/33)
* وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: « قيام ساعة في الصف للقتال في سبيل الله خير من قيام ستين سنة» (1) .
* وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: « قيام ساعةٍ في سبيل الله, خيرٌ من قيام ليلة القدر عند الحجر الأسود »(2) .
* وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في حديث معاذ: « وذروة سنامه: الجهاد» .
* وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: « ما أغبرت قدما عبدٍ في سبيل الله, إلا حرم الله عليه النار »(3) .
* وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: « مثل المجاهد في سبيل الله - والله أعلم بمن يجاهد في سبيله - كمثل الصائم الدائم, الذي لا يفتر من صيام ولا صدقة, حتي يرجع , وتوكل الله للمجاهد في سبيله إن توفاه أن يدخله الجنة, أو يرجعه سالماً مع أجرٍ أو غنيمة»(4) .
* وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «مثل المجاهد في سبيل الله - والله أعلم بمن يجاهد في سبيله - كمثل الصائم القائم الخاشع الراكع الساجد »(5) .
* وقال - صلى الله عليه وسلم -: « ما خالط قلب امرئ مسلم رهجٌ في سبيل الله إلا حرم الله عليه النار »(6) .
__________
(1) صحيح: أخرجه ابن عدي, وابن عساكر عن أبي هريرة, وصححه الألباني في «صحيح الجامع» رقم (4429) .
(2) صحيح: رواه ابن حبان, والبيهقي في «الشعب» عن أبي هريرة, وصححه الألباني في «صحيح الجامع» رقم (6636) .
(3) صحيح: رواه الشيرازي في «الألقاب» عن عثمان, والبخاري, والترمذي, والنسائي, وأحمد عن عبدالرحمن بن جبر, وأحمد الدارمي عن مالك بن عبدالله , والطيالسي وأحمد عن جابر .
(4) رواه البخاري, ومسلم, والنسائي , والترمذي عن أبي هريرة .
(5) صحيح: رواه النسائي عن أبي هريرة, وصححه الألباني في «صحيح الجامع» رقم (5850) .
(6) رواه أحمد عن عائشة , وصححه الألباني في «الصحيحة» (2227) , و «صحيح الجامع» رقم (5616) .
... والرهج : الغبار .(1/34)
* وقال - صلى الله عليه وسلم -: « من راح روحة في سبيل الله, كان له بمثل ما أصابه من الغبار مسكاً يوم القيامة »(1) .
* وقال - صلى الله عليه وسلم -: « من قاتل في سبيل الله فواق ناقةٍ , فقد وجبت له الجنة, ومن سأل القتل في سبيل الله من نفسه صادقاً, ثم مات, أو قُتل, فإن له أجر شهيد, ومن جرح جرحاً في سبيل الله, أو نكب نكبة, فإنها تجئ يوم القيامة كأغزر ما كانت, لونها لون الزعفران, وريحها ريح المسك , ومن خرج به خراج في سبيل الله كان عليه طابع الشهداء »(2) .
* وقال - صلى الله عليه وسلم -: «والذي نفسي بيده , لو أن رجالاً من المؤمنين لا تطيب أنفسهم أن يتخلفوا عني , ولا أجد ما أحملهم عليه, ما تخلفت عن سرية تغزو في سبيل الله, والذي نفسي بيده, لوددت أني أقتل في سبيل الله ثم أحيا, ثم أقتل ثم أحيا , ثم أقتل ثم أحيا , ثم أقتل »(3) .
* وقال - صلى الله عليه وسلم -: « لا تفعل , فإن مقام أحدكم في سبيل الله, أفضل من صلاته في بيته سبعين عاماً, ألا تحبون أن يغفر الله لكم ويدخلكم الجنة؟ اغزوا في سبيل الله, من قاتل في سبيل الله فواق ناقةٍ,
وجبت له الجنة» (4) .
__________
(1) حسن: رواه ابن ماجة والضياء عن أنس, وصححه الألباني في «الصحيحة» رقم (2338) , و«صحيح الجامع» رقم (6260) .
(2) رواه أحمد , وأبو داود, والترمذي , والنسائي, وابن حبان عن معاذ , وصححه الألباني في «صحيح الجامع» رقم (6416) .
(3) رواه أحمد , والبخاري, ومسلم, والنسائي عن أبي هريرة .
(4) حسن: رواه الترمذي , والحاكم عن أبي هريرة , وحسنه الألباني في «صحيح الجامع» رقم (7379) , و«تخريج المشكاة» (3830) .(1/35)
* وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «يا أبا سعيد , من رضي بالله رباً , وبالإسلام ديناً , وبمحمد نبياً , وجبت له الجنة , وأخري يرفع بها العبد مائة درجة في الجنة , ما بين كل درجتين كما بين السماء والأرض ؛ الجهاد في سبيل الله, الجهاد في سبيل الله » (1) .
* قال تعالي: { أَجَعَلْتُمْ سِقَايَةَ الْحَاجِّ وَعِمَارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ كَمَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَجَاهَدَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ لا يَسْتَوُونَ عِنْدَ اللَّهِ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ * الَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ أَعْظَمُ دَرَجَةً عِنْدَ اللَّهِ وَأُوْلَئِكَ هُمْ الْفَائِزُونَ * يُبَشِّرُهُمْ رَبُّهُمْ بِرَحْمَةٍ مِنْهُ وَرِضْوَانٍ وَجَنَّاتٍ لَهُمْ فِيهَا نَعِيمٌ مُقِيمٌ * خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ } [التوبة:19-22] .
* وقال - صلى الله عليه وسلم - : «إن أرواح الشهداء في جوف طير خضر, لها قناديل معلقة تحت العرش, تسرح من الجنة حيث شاءت, ثم تأوي إلى تلك القناديل, فاطلع إليهم ربهم اطلاعة فقال: هل تشتهون شيئاً؟ قالوا: أي شئ نشتهي ونحن نسرح من الجنة حيث شئنا؟ فيفعل ذلك بهم ثلاث مراتٍ , فلمّا رأوْا أنهم لم يتركوا من أن يسألوا, قالوا: يا رب , نريد أن ترد أرواحنا في أجسادنا, حتي نرجع إلى الدنيا فنقتل في سبيلك مرة أخري . فلما رأي أن ليس لهم حاجة تركوا »(2) .
__________
(1) رواه أحمد , ومسلم, والنسائي عن أبي سعيد .
(2) رواه مسلم, والترمذي عن ابن مسعود .(1/36)
* وقال - صلى الله عليه وسلم - : «للشهيد عند الله سبع خصال : يغفر له في أول دفعة من دمه ويري مقعده من الجنة, ويُحلي حلة الإيمان, ويزوج اثنتين وسبعين زوجة من الحور العين, ويجار من عذاب القبر, ويأمن من الفزع الأكبر , ويوضع علي رأسه تاج الوقار, الياقوتة منه خيرٌ من الدنيا وما فيها , ويشفع في سبعين إنساناً من أهل بيته »(1) .
* وقال - صلى الله عليه وسلم - : «ما من مكلومٍ يكلم في سبيل الله, إلا جاء يوم القيامة وكلمه يدمي, اللون لون الدم والريح ريح المسك »(2) .
* وقال - صلى الله عليه وسلم - : «من سأل الله الشهادة بصدق, بلغه الله منازل الشهداء وإن مات علي فراشه»(3) .
* وقال - صلى الله عليه وسلم - : «يؤتي بالرجل يوم القيامة من أهل الجنة, فيقول له: يابن آدم, كيف وجدت منزلك؟ فيقول: أي رب, خير منزلٍ. فيقول: سل وتمنَّ. فيقولك يا رب, ما أسأل ولا أتمني إلا أن تردني إلى الدنيا, فأُقتل في سبيلك عشر مرارٍ , لما يري من فضل الشهادة .... »(4) .
* وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : «يضحك الله إلى رجلين قتل أحدهما الآخر, يدخلان الجنة, يقاتل هذا في سبيل الله فيقتل, ثم يتوب الله علي القاتل فيسلم, فيقاتل في سبيل الله فيستشهد »(5) . وإنا لنرجو أن يكون عكاشة بن محسن وطليحة الأسدي من هؤلاء .
* وقال - صلى الله عليه وسلم - : «يُغفر للشهيد كل ذنب إلا الدين»(6) .
__________
(1) صحيح: رواه أحمد, والترمذي , وابن ماجة عن المقدام بن معدي كرب , وصححه الألباني في صحيح الجامع رقم (5812) وأحكام الجنائز (35-36) .
(2) رواه البخاري عن أبي هريرة .
(3) رواه مسلم, وأبو داود, والترمذي, والنسائي, وابن ماجة عن سهل بن حنيف .
(4) رواه أحمد , ومسلم, والنسائي عن أنس .
(5) رواه أحمد , والبخاري, ومسلم , والنسائي , وابن ماجة عن أبي هريرة .
(6) رواه أحمد , ومسلم عن ابن عمرو .(1/37)
* وقال - صلى الله عليه وسلم - : «لما أصيب إخوانكم بأحد , جعل الله أرواحهم في جوف طير خضر ترد أنهار الجنة, تأكل من ثمارها, وتأوي إلى قناديل من ذهب, معلقة في ظل العرش, فلما وجدوا طيب مأكلهم ومشربهم مقيلهم, قالوا: من يبلغ عنا أنا احياء في الجنة نرزق؛ لئلا يزهدوا في الجهاد, ولا يتكلوا عند الحرب؟
فقال الله تعالي: أنا أبلغهم عنكم »(1) .
* وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : «عجب ربنا من رجل غزا في سبيل الله فانهزم أصحابه, فعلم ما عليه, فرجع حتي أُهريق , فيقول الله عز وجل لملائكته: انظروا إلى عبدي, رجع رغبةً فيما عندي, وشفقةً مما عندي,حتي أُهريق دمه »(2) .
* وقال - صلى الله عليه وسلم - : « عينان لا تريان النار: عين بكت وجلاً من خشية الله, وعين باتت تكلأ في سبيل الله»(3)
* ويبين - صلى الله عليه وسلم - أن الشهيد لا يفتن في قبره فقال: «كفي ببارقة السيوف علي رأسه فتنة »(4) .
* وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - «رباط شهرٍ خير من صيام دهرٍ, ومن ما مرابطاً في سبيل الله أمن من الفزع الأكبر, وغدي(5) عليه برزقه , وريح(6) من الجنة, ويجري عليه أجر المرابط حتي يبعثه الله »(7) .
__________
(1) صحيح: رواه أحمد, وأبو داود, والحاكم عن ابن عباس , وصححه الحاكم, والألباني في «صحيح الجامع» رقم (5205) .
(2) صحيح: رواه أبو داود عن ابن مسعود, وصححه الألباني في «صحيح الجامع» رقم (3981) .
(3) صحيح: رواه الطبراني في «الأوسط» عن أنس, وصححه الألباني في «صحيح الجامع» رقم (4111) .
(4) صحيح: رواه النسائي عن رجل, وصححه الألباني في «صحيح الجامع» رقم (4483) .
(5) مُرَّ عليه برزقه .
(6) طيب
(7) صحيح: رواه الطبراني في «الكبير» عن أبي الدرداء, وصححه الألباني في «صحيح الجامع» رقم (3479) .(1/38)
* وقال - صلى الله عليه وسلم - : « رباط يوم في سبيل الله خير من الدنيا وما عليها, وموضع سوط أحدكم من الجنة خيرٌ من الدنيا وما عليها , والروحة يروحها العبد في سبيل الله أو الغدوة خيرٌ من الدنيا وما فيها »(1) .
* وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : «القتلي ثلاثة: رجلٌ مؤمنٌ جاهد بنفسه وماله في سبيل الله, حتي إذا لقي العدو قاتلهم حتي يُقتل, فذلك الشهيد الممتحن في خيمة الله تحت عرشه, ولا يفضله النبيون إلا بفضل درجة النبوة . ورجل مؤمن قرف علي نفسه من الذنوب والخطايا, جاهد بنفسه وماله في سبيل الله حتي إذا لقي العدو قاتل حتي قُتل , فتلك مصمصةٌ محت ذنوبة وخطاياه؛ إن السيف محاءٌ للخطايا , وأُدخل من أي أبواب الجنة شاء , فإن لها ثمانية أبواب - ولجهنم سبعة أبواب - وبعضها أفضل من بعضٍ . ورجل منافق, جاهد بنفسه وماله في سبيل الله , حتي إذا لقي العدو قاتل حتي قُتل , فذلك في النار, إن السيف
لا يمحو النفاق »(2) .
* وقال - صلى الله عليه وسلم - : « أفضل الشهداء من سفك دمه وعقر جواده »(3) .
__________
(1) رواه مسلم عن سلمان .
(2) إسناده حسن: رجاله ثقات رجال الصحيح غير أبي المثني - فقد روي عنه اثنان . أخرجه ابن حبان واللفظ له , والطيالسي ومن طريقه البيهقي, وأخرجه أحمد والدارمي, والطبراني , وقال الهيثمي: ورجال أحمد رجال الصحيح خلا أبي المثني وهو ثقة .
... والشهيد الممتحن: المصفي المهذب , وعند أحمد والطبراني «المفتخر» , وقرف: أي كسب, ومصمصة: أي مطهرة من دنس الخطايا .
(3) صحيح: رواه الطبراني في «الكبير» عن أبي أمامة, وأحمد, وأبو داود, عن عبدالله بن حبشي, وصححه الألباني في «الصحيحة»
رقم (1504) , وصحيح الجامع رقم (1108) .(1/39)
* وقال - صلى الله عليه وسلم - : « أفضل الشهداء الذين يقاتلون في الصف الأول, فلا يلتفون وجوههم حتي يقتلوا, أولئك يتلبطون(1) في الغرف العلا من الجنة يضحك إليهم ربك فإذا ضحك ربك إلى عبدٍ في موطنٍ , فلا حساب عليهم »(2) .
اللهم اضحك إلينا , وارزقنا أعلي درجات الشهداء , واحشرنا إليك من حواصل الطيور .
يا ويح نفسي وما ارتفعت بنا همم ... إلى الجنان وتالي القومِ أوابُ
إلى كواعب للأطراف قاصرة ... وظل طوبي وعطرُ الشدو ينسابُ
إلى قناديل عُلقت شرفاً ... بعرض ربي لمن قُتلوا ومن غابوا
قال أنس: أنزل الله في الذين قتلوا ببئر معونة قرآناً قرأناه حتي نسخ بعد: (أن بلغوا قومنا أن قد لقينا ربنا فرضي عنا ورضينا عنه ) (3) .
* وقال - صلى الله عليه وسلم - : «أنا زعيم - والزعيم : الحميل - لمن آمن بي وأسلم وهاجر, ببيت في ربض الجنة, وببيت في وسطة الجنة , وأنا زعيمٌ لمن آمن بي وأسلم وجاهد في سبيل الله, ببيت في ربض الجنة, وببيت في وسط الجنة , وببيت في أعلي غُرف الجنة, فمن فعل ذلك, لم يدع للخير مطلباً, ولا من الشر مهرباً, يموت حيث شاء أن يموت » .
والزعيم هو الحميل, هو الكفيل , وهو مدرج في الحديث (4) .
فمتي يشنف أسماعنا خفق البنود وزئير الأسود من رجال الله لفك القيود عن قدسنا الحبيب ... متي نسمع صوت المعركة ؟
الثقة واليقين بنصر الله للمؤمنين, وأن شمس الإسلام لا تغيب, والغد كل الغد لنا في القدس والأقصي:
__________
(1) أي: يتمرغون .
(2) صحيح: رواه أحمد , والطبراني في الكبير عن نعيم بن همار, وأخرجه أبو يعلي , وصححه الألباني في «صحيح الجامع» رقم (7-11) .
(3) رواه البخاري, ومسلم, والبغوي, وابن حبان .
(4) إسناده صحيح: رواه ابن حبان واللفظ له, والنسائي , والطبراني في «الكبير» , والبيهقي في «السنن», والحاكم في «المستدرك» وصححه, ووافقه الذهبي .(1/40)
لا مكان لليأس فسيبزغ الفجر .. لا مكان له في زمن الله القادم , الثقة واليقين بوعد الله لعباده المؤمنين تملأ نفوسنا بالأمثل بأن المستقبل كل المستقبل لنا في قدسنا الحبيب فلا عذر لمتخاذل
كسول قانط يائس .
* قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : « نجا أول هذه الأمة باليقين والزهد , ويهلك آخرها بالبخل والأمل »(1) .
* وقال تعالي: { إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الأَشْهَادُ } [غافر:51] .
* وقال تعالي: { وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا الْمُرْسَلِينَ * إِنَّهُمْ لَهُمْ الْمَنصُورُونَ * وَإِنَّ جُندَنَا لَهُم الْغَالِبُونَ } [الصافات:171-173] .
* وقال تعالي: { يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّهُ إِلاَّ أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ * هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ } [التوبة:32-33] .
* وقال تعالي: { وَلا تَهِنُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمْ الأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ } [آل عمران:139] .
* وقال تعالي: { إِنَّ الَّذِينَ يُحَادُّونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَئِكَ فِي الأَذَلِّينَ * كَتَبَ اللَّهُ لأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ } [المجادلة:20-21] .
* وقال تعالي: { وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ } [الحج:40] .
* وقال تعالي: { إِنَّ الَّذِينَ يُحَادُّونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ كُبِتُوا كَمَا كُبِتَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ .... } [المجادلة:5] .
الصبر والمصابرة والمرابطة :
__________
(1) حسن: رواه ابن أبي الدنيا(1/41)
قال تعالي: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ } [آل عمران:200]
أي اصبروا علي ما يلحقكم من الأذي في قتال العدو ومدافعته. وصابروا الأعداء الذي يقاومونكم ليغلبوكم علي أمركم ويخذلون الحق الذي في أيديكم ولا تكونوا أقل صبراً منهم. فالمصابرة تعني مقاومة العدو أو الخصم في ميدان الصبر «ورابطوا» أي أقيموا الثغور رابطين خيولكم فيها استعداداً للقتال , ومترصدين للعدو لئلا يتسلل إلى داخل بلادكم .
وفي زماننا ينبغي أن يكون مع المرابطين كل أنواع الأسلحة الحديثة اللازمة لحماية البلاد وثغورها من الأعداء . وقوله تعالي { وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ } والمعني فإنكم لم تؤمروا بالجهاد من غير تقوي ومصابرة الأعداء والمرابطة في ثغور بلاد المسلمين وتقوي الله باجتناب معاصيه. وفعل ما يرضيه كلها من عوامل النصر علي الأعداء في الدنيا كما أنها مع حسن النية وقصد إقامة الحق والعدل ودين الله - الإسلام - الذي هو شأن المسلم في قتاله وجهاده من أسباب الفوز والفلاح في الآخرة .
هذا وإن الأمر بالصبر والمصابرة والمرابطة وإن فسرها المفسرون علي أنها في مواجهة الأعداء وقتالهم إلا أن ظاهرها يتسع للقول بأنها تشمل كل حالة مع العدو تستلزم الصبر والمصابرة معه كما في حال المجادلة معهم أو في حال أذي أهل الباطل لأهل الحق أو مقاطعتهم ونحو ذلك مما يحصل لدعاة الحق مع خصومهم في دار الإسلام .
ذكر الله :
من عوامل النصر للمؤمنين ذكر الله كثيراً . قال تعالي { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيراً لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ } [الأنفال:45] .(1/42)
والمعني. يا أيها الذين آمنوا إذا لقيتم فئة من أعدائكم الكفار وكذا من البغاة في القتال فاثبتوا لهم ولا تفروا من أمامهم فإن الثبات قوة معنوية طالما كانت هي السبب الأخير للنصر والغلبة بين الأفراد والجيوش «واذكروا الله كثيراً» أي وأكثروا من ذكر الله في أثناء القتال وقبله اذكروه في قلوبكم بذكر قدرته ووعده بنصر رسله والمؤمنين وبمعيته الخاصة للمؤمنين الصابرين وبذكر نهيه تعالي لكم عن اليأس مهما اشتد اليأس بأن النصر بيده تعالي ينصر من يشاء وهو القوي العزيز .
فمن ذكر هذا وتذكره وتأمله لا تهوله قوة عدوه واستعداه . لإيمانه بأن الله تعالي أقوي من عدوه . وفي الأمر بذكر الله تعالي كثيراً إشعار بأن علي المسلم ألا يفتر عن ذكر ربه أشغل ما يكون قلباً وأكثر ما يكون هماً لعلكم تفلحون .
والذكر علي كل حال وبكل وسيلة فلابد وأن يلهث أفراد الأمة بذكر الله تعالي ولابد وأن لا يكف إعلام الأمة عن ذكر الله بشتي صوره وأشكاله سواء بتلاوة كتابه أو تعليم سنة نبيه - صلى الله عليه وسلم - . لابد وأن تعيش الأمة علي ذكر الله عز وجل .
الإيمان الصادق بالله تعالى:
وهو أهم أسباب النصر؛ فقد تكفل ربنا تعالى بنصر المؤمنين، كما تكفل بنصر المرسلين عليهم السلام: ? إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ ? [غافر: 51].(1/43)
بالحجة والظفر والانتقام لهم من الكفرة بالاستئصال والقتل والسبي وغير ذلك من العقوبات (1)؛ وسواء كان ذلك بحضرتهم أو في غيبتهم أو بعد موتهم... وهذه سنة الله تعالى في خلقه في قديم الدهر وحديثه أنه ينصر عباده المؤمنين في الدنيا، ويقرّ أعينهم ممن آذاهم(2) ، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : (( إن الله قال: من عادى لي ولياً فقد آذنته بالحرب )) (3)؛ فالمؤمنون أتباع الرسل، ونصر المؤمنين الصادقين نصر للرسل المكرمين، بل جعل الله نصر المؤمنين حقاً واجباً عليه تكرماً منه وفضلاً : ? وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ رُسُلاً إِلَى قَوْمِهِمْ فَجَاؤُوهُم بِالْبَيِّنَاتِ فَانتَقَمْنَا مِنَ الَّذِينَ أَجْرَمُوا وَكَانَ حَقّاً عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ ? [الروم: 47].
وهذا إخبار من الله سبحانه بأن نصره لعباده المؤمنين حق عليه، وهو صادق الوعد لا يخلف الميعاد، وفيه تشريف للمؤمنين، ومزيد تكرمة لعباده الصالحين (4).
وقد أكرم الله أهل الإيمان بتثبيت الملائكة: ? إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلآئِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُواْ الَّذِينَ آمَنُواْ سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُواْ الرَّعْبَ فَاضْرِبُواْ فَوْقَ الأَعْنَاقِ وَاضْرِبُواْ مِنْهُمْ كُلَّ بَنَانٍ ? [الأنفال: 12]،
بل بمعيته لهم، فقال مخاطباً كفار قريش: ? ... وَلَن تُغْنِيَ عَنكُمْ فِئَتُكُمْ شَيْئاً وَلَوْ كَثُرَتْ
__________
(1) تفسير أبي السعود 7/280.
(2) تفسير ابن كثير 4/106.
(3) أخرجه البخاري (6137) 5/2384. وولي الله: هو العالم بدين الله تعالى، المواظب على طاعته، المخلص في عبادته.قال تعالى : ? أَلا إِنَّ أَوْلِيَاء اللّهِ لاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ * الَّذِينَ آمَنُواْ وَكَانُواْ يَتَّقُونَ ? [يونس: 62-63].
(4) فتح القدير للشوكاني 4/327. وانظر: تفسير ابن كثير 3/578.(1/44)
وَأَنَّ اللّهَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ ? [الأنفال: 19]، ومن كان الله معه فمعه الفئة التي لا تُغلب.
والمؤمن يثق بربه سبحانه وتعالى، ويثق بوعده بالنصر لعباده المؤمنين .
العمل الصالح:
وهو قرين الإيمان كما جاء في كثير من الآيات القرآنية، ومن هذه الأعمال الصالحةِ التي تحفظ تماسك الأمة وتستجلب النصر:
الأمرُ بالمعروف والنهي عن المنكر، لأنهما يحفظان الأمة من الهلاك، فقد سألت السيدة زينب بنت جحش النبيَّ - صلى الله عليه وسلم -؛ قالت: يا رسول الله، أنهلِك وفينا الصالحون ؟ قال: (( نعم، إذا كَثُر الخَبَث )) (1). والقعود عن هذا الواجب يحجب النصر، قال - صلى الله عليه وسلم -: (( يا أيها الناس، إن الله عز وجل يقول: مُروا بالمعروف، وانهوا عن المنكر، من قبل أن تدعوني فلا أجيبكم، وتسألوني فلا أعطيكم، وتستنصروني فلا أنصركم )) (2).
ومن الأعمال الصالحة الجهادُ في سبيل الله، وهو سبيل العزة والنصر؛ فهو يحفظ كرامة الأمة وعزتها، ويحمي طريق الدعوة لتصل كلمة الحق إلى الآفاق، ولأن عدونا لا يطيب له عيش ولا يهنأ له بال حتى يردّنا إلى الكفر والتخلي عن ديننا الذي ارتضاه ربنا لنا، وصدق الله العظيم إذ يقول: ? وَلاَ يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّىَ يَرُدُّوكُمْ عَن دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُواْ وَمَن يَرْتَدِدْ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُوْلَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَأُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ ? [البقرة: 217].
__________
(1) أخرجه البخاري (3168) 3/1221. ومسلم (2880) 4/2207. والخَبَث بفتح الخاء والباء فسره الجمهور بالفسوق والفجور، وقيل: المراد الزنى خاصة، وقيل: أولاد الزنى والظاهر أنه المعاصي مطلقاً . شرح النووي على صحيح مسلم 18/3.
(2) أخرجه أحمد في المسند (25294) 6/159. وهو حسن لغيره: (إسناده ضعيف).(1/45)
وهذا بيان لاستحكام عداوتهم وإصرارهم على الفتنة في الدين حتى يردوكم عن دينكم الحق إلى دينهم الباطل (1). فهم لا يزالون مستمرين على قتالكم وعداوتكم حتى يردّوكم عن الإسلام إلى الكفر إن استطاعوا ذلك وتهيأ لهم منكم، وهذه الغاية لما يريدونه من المقاتلة للمؤمنين(2). فهم لا يتركونكم وإن تركتموهم أنتم، حتى يحققوا رغبتهم فيكم إن استطاعوا وهي اتباع أهوائهم، كما قال تعالى: ? وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ... ?. [البقرة: 120]، وإن أوقفوا المواجهة المسلّحة فسيلجأون إلى مواجهة من نوع آخر؛ ثقافية، اقتصادية ...
ومن ذلك أيضاً: الإكثار من النوافل؛ فإنها طريق لولاية الله تعالى، ومن تولاه الله فهو منصور لا محالة، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (( إن الله قال: من عادى لي ولياً فقد آذنته بالحرب، وما تقرب إلي عبدي بشيء أحب إلي مما افترضت عليه، وما يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه؛ فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ويده التي يبطش بها، ورجله التي يمشي بها، وإن سألني لأعطينه، ولئن استعاذني لأعيذنه، وما ترددت عن شيء أنا فاعله ترددي عن نفس المؤمن، يكره الموت وأنا أكره مساءته )) (3). وولي الله: هو العالم بدين الله تعالى، المواظب على طاعته، المخلص في عبادته.
الثبات عند لقاء العدو:
__________
(1) تفسير أبي السعود 1/217.
(2) فتح القدير للشوكاني 1/331.
(3) أخرجه البخاري (6137) 5/2384.(1/46)
الثبات من توابع الصبر ومن مستلزمات النصر، فأثبتُ الفريقين أغلبُهما، وأعظم ما تشتد الحاجة إليه عندما يضطرب الأمر، ويدبّ الذعر، وتنتشر الشائعات، وتشيع الهزيمة في نفوس المقاتلين، وقد جاء الأمر به عند اللقاء مع العدو، قال تعالى: ? يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُواْ وَاذْكُرُواْ اللّهَ كَثِيراً لَّعَلَّكُمْ تُفْلَحُونَ ? [الأنفال: 45].
وهذا تعليم من الله تعالى لعباده المؤمنين آداب اللقاء وطريق الشجاعة عند مواجهة الأعداء(1) أي: إذا حاربتم جماعة من الكفرة فاثبتوا للقائهم في مواطن الحرب(2)، ولا تجْبُنوا عنهم، وهذا لا ينافي الرخصة في قوله: ? إِلاَّ مُتَحَرِّفاً لِّقِتَالٍ أَوْ مُتَحَيِّزاً إِلَى فِئَةٍ ? [الأنفال: 16]، فإن الأمر بالثبات هو في حال السعة، والرخصة هي في حال الضرورة، وقد لا يحصل الثبات إلا بالتحرف والتحيّز.
ثم أمر بالذكر؛ فإن ذكر الله يعين على الثبات في الشدائد، وقيل المعنى: اثبتوا بقلوبكم واذكروا بألسنتكم فإن القلب قد يسكن عند اللقاء ويضطرب اللسان، فأمرهم بالذكر حتى يجتمع ثبات القلب واللسان(3).
وقد جاء في دعاء طالوت وأصحابه، لما برزوا لجالوت وجنوده، طلبُ الثبات: ? رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْراً وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ ? [البقرة: 250] , فكانت العاقبة لهم: ? فَهَزَمُوهُم بِإِذْنِ اللّهِ وَقَتَلَ دَاوُودُ جَالُوتَ ? [البقرة: 251].
__________
(1) تفسير ابن كثير 2/417.
(2) تفسير أبي السعود 4/25.
(3) فتح القدير للشوكاني 2/457.(1/47)
ومن دعاء المجاهدين - أصحاب الأنبياء- بالثبات: ? ربَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسْرَافَنَا فِي أَمْرِنَا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ ? [آل عمران: 147] ، فكانت الغلبة لهم: ? فَآتَاهُمُ اللّهُ ثَوَابَ الدُّنْيَا وَحُسْنَ ثَوَابِ الآخِرَةِ وَاللّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ ? [آل عمران: 147].
كما وعد الله من ينصر دينه بأن ينصره ويثبته، قال تعالى: ? يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ ? [محمد: 7].
أي: يقوِّكم عليهم ويجرِّئكم حتى لا تولوا عنهم وإن كثر عددهم وقل عددكم(1). وتثبيت الأقدام عند القتال، أو على الإسلام أو على الصراط. أو المراد: تثبيت القلوب بالأمن؛ فيكون تثبيت الأقدام عبارة عن النصر والمعونة في موطن الحرب، وهذا كقوله تعالى: ? إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلآئِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُواْ الَّذِينَ آمَنُواْ ? [الأنفال: 12]، فأثبت هناك واسطة ونفاها هنا، كقوله تعالى:? قُلْ يَتَوَفَّاكُم مَّلَكُ الْمَوْتِ ? [السجدة: 11]
ثم نفاها بقوله: ? اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ ثُمَّ رَزَقَكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ? [الروم: 40] (2).
وكما يكون الثبات حسياً يكون معنوياً، فيثبت المقاتل أمام شائعات العدو وأراجيفهم بما آتاه الله من قوة إيمان وسلامة عقيدة.
ومما يعين على الثبات ذكر الله والدعاء .
طاعة الله وطاعة رسوله - صلى الله عليه وسلم - :
أمر الله تعالى المؤمنين بطاعته فيما يأمرهم به، وطاعة رسوله - صلى الله عليه وسلم - فيما يرشدهم إليه، وحذر من مخالفة رسوله - صلى الله عليه وسلم - فقال : ? يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَلاَ تَوَلَّوْا عَنْهُ وَأَنتُمْ تَسْمَعُونَ ? [الأنفال: 20]
__________
(1) تفسير الطبري 11/309.
(2) تفسير القرطبي 16/232.(1/48)
أي لا تتولوا عن الرسول - صلى الله عليه وسلم -، فإن المراد هو الأمر بطاعته والنهي عن الإعراض عنه، وذكَر طاعته تعالى للتمهيد والتنبيه على أن طاعته تعالى في طاعة رسوله - صلى الله عليه وسلم - : ? مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللّهَ ? [النساء: 80]
وقوله تعالى: ? وَأَنتُمْ تَسْمَعُونَ ? جملة حالية واردة لتأكيد وجوب الانتهاء عن التولي مطلقاً، لا لتقييد النهي عنه بحال السماع، أي: لا تتولوا عنه والحال أنكم تسمعون القرآن الناطق بوجوب طاعته، والمواعظ الزاجرة عن مخالفته، سماع فهم وإذعان(1)؛ لأن التولي عنه ومخالفته معصية تحبط العمل .
قال تعالى: ? يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَلَا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ ? [محمد: 33].
قال الطبري: أطيعوا الله وأطيعوا الرسول في أمرهما ونهيهما، ولا تبطلوا بمعصيتكم إياهما وكفركم بربكم ثواب أعمالكم، فإن الكفر بالله يحبط السالف من العمل الصالح(2).
كما جعله الله من عوامل النصر التي ذكرها في قوله: ? يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُواْ وَاذْكُرُواْ اللّهَ كَثِيراً لَّعَلَّكُمْ تُفْلَحُونَ * وَأَطِيعُواْ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَلاَ تَنَازَعُواْ فَتَفْشَلُواْ وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُواْ إِنَّ اللّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ ? [الأنفال: 45-46] ؛ لأن الطاعة توحّد الصف، وتمحو الخلاف ، وتُكسب القوة في مواجهة العدو.
__________
(1) تفسير أبي السعود 4/15-16.
(2) تفسير الطبري 11/326.(1/49)
وكما أمرنا الله تعالى بطاعته وطاعة رسوله - صلى الله عليه وسلم - أمرنا بطاعة أولي الأمر من المؤمنين، قال تعالى: ? يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً ? [النساء: 59].
وأولو الأمر هم: العلماء والأمراء؛ فتجب طاعتهم فيما وافق الحق(1)، فالطاعة تكون لله ولرسوله - صلى الله عليه وسلم -، وتكون للقيادة المؤمنة، « إنها طاعة القيادة العليا فيها، التي تنبثق منها طاعة الأمير الذي يقودها، وهي طاعة قلبية عميقة لا مجرد الطاعة التنظيمية في الجيوش التي لا تجاهد لله، ولا يقوم ولاؤها للقيادة على ولائها لله أصلاً » (2). وقد جاءت الوصية بالطاعة والتحذير من المعصية في كثير من وصايا الخلفاء لأمراء الجيوش(3).
__________
(1) انظر: الوجيز للواحدي 271.
(2) في ظلال القرآن 3/1529.
(3) انظر ما كتبه أمير المؤمنين عمر بن الخطاب إلى سعد بن أبي وقاص، ومن معه من الأجناد رضي الله عنهم، في : جمهرة خطب العرب في عصور العربية الزاهرة، أحمد زكي صفوت 1/225. وقد تقدم بعض هذه الوصية ص 12.(1/50)
يقول الحافظ ابن كثير: وقد كان للصحابة رضي الله عنهم في باب الشجاعة والائتمار بما أمرهم الله ورسوله به وامتثال ما أرشدهم إليه ما لم يكن لأحد من الأمم والقرون قبلهم، ولا يكون لأحد ممن بعدهم؛ فإنهم ببركة الرسول - صلى الله عليه وسلم - وطاعته فيما أمرهم فتحوا القلوب والأقاليم شرقاً وغرباً، في المدة اليسيرة، مع قلة عددهم بالنسبة إلى جيوش سائر الأقاليم من الروم والفرس والترك والصقالبة والبربر والحبوش وأصناف السودان والقبط وطوائف بني آدم ، قهروا الجميع حتى علت كلمة الله، وظهر دينه على سائر الأديان، وامتدت الممالك الإسلامية في مشارق الأرض ومغاربها في أقل من ثلاثين سنة، فرضي الله عنهم وأرضاهم أجمعين ، وحشرنا في زمرتهم إنه كريم وهاب(1).
تجنب التنازع والشقاق :
توحيد صف المسلمين، وجمع كلمتهم لإعلاء كلمة الله تعالى من أجلّ مقاصد الإسلام، فقد أمر الله بالجماعة ونهى عن الفُرقة بقوله: ? وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعاً وَلاَ تَفَرَّقُواْ وَاذْكُرُواْ نِعْمَتَ اللّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاء فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَاناً وَكُنتُمْ عَلَىَ شَفَا حُفْرَةٍ مِّنَ النَّارِ فَأَنقَذَكُم مِّنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ ? [آل عمران: 103]. كما قال: ? وَلاَ تَكُونُواْ كَالَّذِينَ تَفَرَّقُواْ وَاخْتَلَفُواْ مِن بَعْدِ مَا جَاءهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُوْلَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ ? [آل عمران: 105]
__________
(1) تفسير ابن كثير 2/417.(1/51)
وإن الله لَيرضى من عباده المؤمنين إذا صفوا مواجهين لأعداء الله في حومة الوغى، يقاتلون في سبيل الله من كفر بالله، لتكون كلمة الله هي العليا، ودينه هو الظاهر العالي على سائر الأديان(1): ? إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفّاً كَأَنَّهُم بُنيَانٌ مَّرْصُوصٌ ? [الصف: 4].
صافين أنفسهم، أو مصفوفين. مشبهين في تراصهم من غير فرجة وخلل بنياناً رُصّ بعضه إلى بعض، ورصف حتى صار شيئاً واحداً (2)، قال الفراء: مرصوص بالرصاص. قال المبرد: هو مأخوذ من رصصت البناء: إذا لايمت بينه وقاربت حتى يصير كقطعة واحدة، وقيل: هو من الرصيص وهو ضم الأشياء بعضها إلى بعض، والتراص : التلاصق (3). وهذا الصف الظاهري ينبئ عن وحدة وتماسك داخلي.
وقد جعل الله اتفاق الكلمة وعدم التنازع من أسباب النصر، قال تعالى: ? يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُواْ وَاذْكُرُواْ اللّهَ كَثِيراً لَّعَلَّكُمْ تُفْلَحُونَ * وَأَطِيعُواْ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَلاَ تَنَازَعُواْ فَتَفْشَلُواْ وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُواْ إِنَّ اللّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ ? [الأنفال: 45-46]
ومن كلام ابن القيم في استنباطه أسباب النصر من هاتين الآيتين : « الرابع: اتفاق الكلمة وعدم التنازع الذي يوجب الفشل والوهن، وهو جند يقوّي به المتنازعون عدوهم عليهم، فإنهم في اجتماعهم كالحزمة من السهام لا يستطيع أحد كسرها، فإذا فرقها وصار كل منهم وحده كسرها كلها (4).
__________
(1) تفسير ابن كثير 4/458.
(2) تفسير أبي السعود 8/243.
(3) فتح القدير 5/308.
(4) الفروسية لابن القيم 506.(1/52)
ويعلل سيد قطب الفشل الناتج عن التنازع بأنه اتباع الهوى، يقول: فما يتنازع الناس إلا حين تتعدد جهات القيادة والتوجيه، وإلا حين يكون الهوى المطاع هو الذي يوجه الآراء والأفكار، فإذا استسلم الناس لله ورسوله - صلى الله عليه وسلم - انتفى السبب الأول الرئيسي للنزاع بينهم - مهما اختلفت وجهات النظر في المسألة المعروضة - فليس الذي يثير النزاع هو اختلاف وجهات النظر، إنما هو الهوى الذي يجعل كل صاحب وجهة يصرّ عليها مهما تبين له وجه الحق فيها؛ وإنما هو وضع الذات في كفة، والحق في كفة، وترجيح الذات على الحق ابتداء (1)!
الأخذ بالحيطة والحذر :
الحذر مطلوب لبلوغ النصر . قال تعالي { وَإِذَا كُنتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمْ الصَّلاةَ فَلْتَقُمْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا أَسْلِحَتَهُمْ فَإِذَا سَجَدُوا فَلْيَكُونُوا مِنْ وَرَائِكُمْ وَلْتَأْتِ طَائِفَةٌ أُخْرَى لَمْ يُصَلُّوا فَلْيُصَلُّوا مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا حِذْرَهُمْ وَأَسْلِحَتَهُمْ وَدَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ تَغْفُلُونَ عَنْ أَسْلِحَتِكُمْ وَأَمْتِعَتِكُمْ فَيَمِيلُونَ عَلَيْكُمْ مَيْلَةً وَاحِدَةً وَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِنْ كَانَ بِكُمْ أَذًى مِنْ مَطَرٍ أَوْ كُنتُمْ مَرْضَى أَنْ تَضَعُوا أَسْلِحَتَكُمْ وَخُذُوا حِذْرَكُمْ إِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْكَافِرِينَ عَذَاباً مُهِيناً } [النساء:102] .
__________
(1) انظر: في ظلال القرآن، سيد قطب 3/1528-1529.(1/53)
الخطاب في هذه الآية للرسول - صلى الله عليه وسلم - وفيها بيان لكيفية الصلاة والمسلمون في مواجهة العدو للقتال . والمعني أنه لما رخص الله لهم في وضع السلاح حال المطر وحال المرض أمرهم الله تعالي مرة أخري بالتيقظ والتحفظ والمبالغة في الحذر لئلا يجترئ العدو عليهم احتيالاً في الميل عليهم والآية دلت علي وجوب الحذر من العدو في الحرب فيدل ذلك علي وجوب الحذر من جميع المضار المحتملة . بل إن الحذر من العدو قبل الحرب مطلوب مادامت العداوة قائمة فلا مانع أبداً من متابعة أخبار العدو متابعة دقيقة وذلك بكل وسيلة ممكنة ومتاحة مثل إرسال العيون والجواسيس لأرض العدو لنقل أخبارهم إلى المسلمين ففي الصحيحين من حديث جابر بن عبدالله رضي الله عنه قال . قال النبي - صلى الله عليه وسلم - من يأتيني بخبر القوم يوم الأحزاب ! قال الزبير: أنا. فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - «إن لكل نبي حواري وحواري الزبير» . وكذا ورد من متابعة النبي - صلى الله عليه وسلم - لأخبار قريش عن عددهم وعدتهم في أكثر من موقعة .وذلك من باب الحيطة والحذر وأخذ العدة حتي لا تفاجأ الأمة بشئ عند ملاقاة عدوها .
عدم الغرور والرياء .
أن لا تغتر الأمة بقوتها أو بعددها وتنسي خالقها سبحانه وتعالي لا سيما عند الخروج للقتال فلا بطر ولا فخر ولا رياء بل ذلة واستكانة وجد ودعاء وتضرع إلى الله عز وجل أن ينصر الله الأمة علي
عدوها وضرب الله لنا مثالاً بذلك فقال تعالي { وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بَطَراً وَرِئَاءَ النَّاسِ... } الآية [الأنفال:46] .
تقوي الله :
قال تعالي { إِذْ تَقُولُ لِلْمُؤْمِنِينَ أَلَنْ يَكْفِيَكُمْ أَنْ يُمِدَّكُمْ رَبُّكُمْ بِثَلاثَةِ آلافٍ مِنْ الْمَلائِكَةِ
مُنْزَلِينَ * بَلَى إِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا وَيَأْتُوكُمْ مِنْ فَوْرِهِمْ هَذَا يُمْدِدْكُمْ رَبُّكُمْ بِخَمْسَةِ آلافٍ مِنْ(1/54)
الْمَلائِكَةِ مُسَوِّمِينَ } [آل عمران:124-125] .
وجاء في تفسيرهما . والظاهر في المدد أن الملائكة يشركون الجيش في القتال إن وقعت الحاجة إليهم . ويجوز أن لا تقع الحاجة إليهم في نفس القتال. وأن يكون مجرد حضورهم كافياً في تقوي القلب . وجعل مجئ خمسة آلاف من الملائكة مشروطاً بثلاثة أشياء الصبر والتقوي ومجئ الكفار علي النور فمدد الملائكة للمؤمنين كان بسبب تقواهم , لأن صبرهم من جملة تقواهم لأن التقوي كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية قدوس الله روحه «التقوي تجمع فعل ما أمر الله به وترك ما نهي عنه » [مجموعة الفتاوي 8/526]
والصبر من جملة ما أمر الله به . ثم إن مدد الملائكة للمؤمنين لتحقيق نصرهم علي الكفار فكانت التقوي - تقوي الله - من العوامل المؤكدة لنصر المؤمنين حسب سنة الله .
نصرة الدين :
من عوامل النصر التي جعلها الله تعالي في سنته في نصر المؤمنين وهم يدافعون الباطل وأهله, قيامهم بنصرة الدين. الإسلام . بكل ما أوتوا من قوة . قال تعالي { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ } [محمد:7] .
وجاء في تفسيرها إن تنصروا الله أي تنصروا دين الله ورسوله ينصركم علي عدوكم ويفتح لكم ويثبت أقدامكم في مواطن الحرب أو علي محجة الإسلام .
قال الرازي في تفسيره . وفي نصر الله تعالي وجوه (الأول) أن تنصروا دين الله وطريقه .
(الثاني) إن تنصروا حزب الله وفريقه (1) .
__________
(1) الرازي (28/48)(1/55)
ونصرة دين الله تتحقق بأن يسلم المسلم نفسه بالكلية لله رب العالمين . فلا يبقي فيه شئ خارج عن الاستسلام المطلق والانقياد التام لله رب العالمين ويظهر هذا الخضوع والاستسلام بالاستسلام الكامل لشرع الله تعالي وهذا في نفسه وما ينطوي عليه قلبه وتقوم به جوارحه ثم تظهر النصرة لدين الله بجهاد المسلمين الدائم لإقامة شرع الله في الأرض بحيث يكون الشرع هو المهيمن والحاكم لجميع العلاقات بين الناس فلا يتحاكمون إلا إليه ولا يقبلون إلا إياه .
ومسألة أخري مهمة جداً فيما تتحقق به النصرة لله تعالي وهي التي أشار إليها الرازي في أحد وجوه نصرة الله حيث قال - رحمه الله - : « إن تنصروا حزب الله وطريقه » . ومن المعلوم أن حزب الله هو الذي يقوم بنصرة الله أي بنصرة دينه . أي بإقامة شرع الله في الأرض ولا شك أن بانضمام جهود المؤمنين بعضهم إلى بعض لإقامة شرع الله وبالتناصر فيما بينهم علي هذا المقصد الشريف تتحقق منهم النصرة لدين الله بشكل أسرع وأكمل مما لو قاموا بالنصرة لدين الله وهم فرادي متفرقون . وبهذا يتحقق منهم ما شرطه الله عليهم لينالوا ما وعدهم الله به من نصرة . وعلي هذا فبمقدار ما يقوم به المؤمنون من نصرة لدين الله وجهاد في سبيله وإعداد لوسائل الجهاد ونصرة الدين . يتحقق لهم النصر حسب سنة الله تعالي التي وضعها
لنصر المؤمنين .
وتأمل { وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنصُرُهُ ....... } [الحج:40] .
ولينصرن الله من ينصر دينه وأولياءه وقد بينا كيفية قيام المسلم بنصرة الله وذلك ببذل جهد في إقامة دين الله في الأرض فيكون هو الحاكم علي جميع تصرفات وأفعال وعلاقات البشر .
إننا عندما نحقق هذه المعاني نكون جديرين حقاً بالانتصار علي اليهود واسترداد الأقصى وفلسطين
*****
المرحلة الثانية
الإعداد المادي
إعداد العدة :(1/56)
أمر الله المؤمنين بإعداد الجهاد وآلة الحرب، وما يتقوون به على جهاد عدوه وعدوهم من المشركين؛ من السلاح والرمي وغير ذلك، ورباط الخيل(1)، قال تعالى: ? وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدْوَّ اللّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِن دُونِهِمْ لاَ تَعْلَمُونَهُمُ اللّهُ يَعْلَمُهُمْ وَمَا تُنفِقُواْ مِن شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنتُمْ لاَ تُظْلَمُونَ ? [الأنفال: 60]؛ فهو يأمر بإعداد القوة على اختلاف صنوفها وألوانها وأسبابها(2)؛ من كل ما يتقوى به في الحرب كائناً ما كان(3)، إلى أقصى حدود الطاقة، بحيث لا يقعد المسلمون عن سبب من أسباب القوة يدخل في طاقتهم(4)، والرباط: اسم للخيل التي تربط في سبيل الله تعالى، وعطفها على القوة مع كونها من جملتها للإيذان بفضلها على بقية أفرادها(5)، كما ورد تفسير القوة بالرمي في قول
النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو على المنبر: (( ألا إن القوة الرمي، ألا إن القوة الرمي، ألا إن القوة الرمي )) (6)، ولعل تخصيصه إياه بالذكر لإضافته على نظائره من القوى (7).
__________
(1) تفسير الطبري 6/274.
(2) في ظلال القرآن، سيد قطب 3/1543.
(3) تفسير أبي السعود 4/32.
(4) انظر: في ظلال القرآن، سيد قطب 3/1544.
(5) تفسير أبي السعود 4/32.
(6) أخرجه مسلم (1917) 3/1522. وأبو داود (2514) 2/16. والترمذي (3083) 5/270. وابن ماجه (2813) 2/ 940. والدارمي (2404) 2/269.
(7) تفسير أبي السعود 4/32.(1/57)
والغرض من إعداد القوة هو إلقاء الرعب والرهبة في قلوب أعداء الله الذين هم أعداء المسلمين في الأرض؛ الظاهرين منهم الذين يعلمهم المسلمون، ومَن وراءهم ممن لا يعرفونهم، أو لم يجهروا لهم بالعداوة. وهؤلاء ترهبهم قوة الإسلام ولو لم تمتد بالفعل إليهم، وأن يبلغ الرعب بهؤلاء الأعداء أن لا يفكروا في الاعتداء على المسلمين، أو الوقوف في وجه الدعوة الإسلامية(1).
فالمسلمون مكلفون أن يكونوا أقوياء ، وأن يحشدوا ما يستطيعون من أسباب القوة مادياً ومعنوياً سياسياً وإعلامياً واقتصادياً وعسكرياً بالأسلحة المتطورة والجنود الأكفاء، ليكونوا مرهوبي الجانب، ولتكون كلمة اللّه هي العليا.
وهذا الإعداد هو إعداد للسلاح والتدرب عليه، وإعداد للمال الذي يجهز به الجيش والسلاح، وكذلك هو إعداد للجندي الذي يستخدم السلاح وللقائد الذي يدير المعركة، وهذا كله من أسباب النصر:
فوجود القيادة المؤمنة القوية من أسباب النصر؛ إذ لا يتصور أن تقوم معركة ناجحة يتحقق فيها النصر دون أن تكون هناك قيادة ناجحة، وقد كان النبي - صلى الله عليه وسلم - هو القائد العام في عصره، كما كان يختار القادةَ ويعدّهم لتحمّل المسؤولية، وكذلك كان الخلفاء من بعده نافذي البصيرة في اختيار القادة، كاختيار أبي بكر لخالد بن الوليد في حروب الردة والحروب الفارسية، واختيار عمر لسعد بن أبي وقاص في القادسية، والنعمان بن مقرن في نهاوند، وأبي عبيدة في فتوح الشام، وغير هؤلاء وهؤلاء.
والقائد الناجح ينبغي أن تتحقق فيه جملة صفات أهمها:
1- القابلية على إعطاء القرار السريع الصحيح: ويستند هذا إلى عاملين: القابلية العقلية للقائد، والحصول على المعلومات من خلال دوريات القتال والاستطلاع والعيون واستنطاق الأسرى والاستطلاع الشخصي واستشارة ذوي الرأي.
2- الشجاعة الشخصية. ... ... 3- الإرادة القوية الثابتة. ... 4- تحمّل المسؤولية بلا تردد.
__________
(1) في ظلال القرآن، سيد قطب 3/1543.(1/58)
5- معرفة مبادئ الحرب. ... ... 6- نفسية لا تتبدل في حالتي النصر والاندحار.
7- سبق النظر. ... 8- معرفة نفسيات مرؤوسيه وقابلياتهم. ... 9- ثقة قطعاته به وثقته بقطعاته.
10- المحبة المتبادلة بينه وبين قواته. 11- شخصية قوية نافذة. 12- قابلية بدنية.
13- ماضٍ ناصع مجيد.
هذه هي الصفات المثالية للقائد الممتاز، وهي نتيجة لدراسة شخصيات أبرز القادة في التاريخ؛ لذلك هي مجموعة من مزايا شخصيات كثيرة لا شخصية واحدة، ومن الممكن أن تتوفر في شخص واحد(1).
هذه الصفات الممتازة للقائد تحتاج إلى جندي ممتاز يتحلى بصفات أهمها:
1- عقيدة راسخة. ... 2- معنويات عالية. ... ... 3- ضبط قوي.
4- تدريب جيد. ... 5- تنظيم صحيح. ... ... 6- تسليح ممتاز.
تلك هي مزايا الجندي الممتاز في كل زمان ومكان(2).
فالقيادة الممتازة التي تتحلى بهذه الصفات، إذا اجتمعت مع جيش يتحلى بصفات الجندي الممتاز تحقق النصر والتمكين بإذن الله تعالى.
وإعداد المال للجهاد في سبيل الله وردت فيه آيات وأحاديث كثيرة، تأمر وترغّب فيه، منها
قوله تعالى: ? انْفِرُواْ خِفَافاً وَثِقَالاً وَجَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ ? [التوبة: 41].
وجاء عثمان رضي الله عنه إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - بألف دينار حين جهز جيش العُسْرة، ففرغها عثمان في حجر
النبي - صلى الله عليه وسلم -، فجعل النبي - صلى الله عليه وسلم - يقلّبها ويقول : (( ما ضرَّ عثمان ما عمل بعد هذا اليوم )) قالها مراراً (3).
__________
(1) الرسول القائد، محمود شيت خطاب 300-301.
(2) الرسول القائد، محمود شيت خطاب 326.
(3) أخرجه الحاكم في المستدرك (4553) 3/110. وقال: صحيح الإسناد. ووافقه الذهبي. والترمذي (3701) 5/626. وقال : حديث حسن غريب من هذا الوجه.(1/59)
وقد طَمْأن الله المنفقين بأن لا يضيع لهم عند الله أجر الإنفاق في الآخرة، وعاجل خلفه في الدنيا؛ فما أنفقتم أيها المؤمنون من نفقة في شراء آلة حرب من سلاح أو حراب أو كراع أو غير ذلك من النفقات في جهاد أعداء الله المشركين يخلفه الله عليكم في الدنيا، ويدّخر لكم أجوركم على ذلك عنده حتى يوفيكموها يوم القيامة (1).
وقد أمر الإسلام بالتدريب على السلاح، ونهى عن التخلف عنه، وشجع المتفوقين فيه، وكرَّمهم في حياتهم وبعد موتهم؛ إذ لا قيمة لأي سلاح إلا باستعماله، والتدريبُ على استعماله تدريباً راقياً دائباً هو الذي يمنح المقاتل ثقته بسلاحه، وحرْص المسلمين على التدريب، وتفوقهم فيه، كان سبباً من أسباب انتصارهم في المعارك التي خاضوها(2).
وقد رغّب النبي - صلى الله عليه وسلم - بالرمي وركوب الخيل - وهو سلاح ذلك العصر- وحذّر من ترك الرمي فقال:
«إن الله يُدخل بالسهم الواحد ثلاثةَ نفرٍ الجنةَ؛ صانعَه يحتسب في صنعه الخير والرامي به ومنبله، وارموا واركبوا وأن ترموا أحَبّ إليّ من أن تركبوا، وليس اللهو إلا في ثلاثة؛ تأديب الرجل فرسه وملاعبته امرأته ورميه بقوسه ونبله، ومن ترك الرمي بعد ما علمه رغبة عنه فإنها نعمة كفرها - أو - قال كفر بها» (3).
وتعلم الفروسية واستعمال الأسلحة فرض كفاية، وقد يتعين(4). أي يصير فرض عين.
__________
(1) تفسير الطبري 6/274.
(2) انظر: العسكرية العربية الإسلامية، محمود شيت خطاب 107-108.
(3) أخرجه النسائي في السنن (3578) 6/222. وأبو داود (2513) 2/16. والترمذي (1637) 4/174. وقال: حسن صحيح. وابن ماجه (2811) 2/940. والدارمي (2405) 2/269، وإسناده جيد.
منبله: هو الذي يناوله النبل واحداً واحداً، ويرد عليه النبل المرمي به.
(4) تفسير القرطبي 8/36.(1/60)
وإذا كان الرمي والفروسية أساليب الجهاد في القديم، فهذا يتطلب أن يبذل المسلمون أقصى استطاعتهم في تعلم وابتكار الأساليب القتالية الحديثة، ومتابعة التقدم العلمي، ودراسة آخر نتائج الفكر العسكري، بل إن الإسلام قد حض على أبعد من ذلك وهو أن يعتمد المسلمون على التصنيع الحربي، ولا يعتمدوا على عدوهم أن يصدّر لهم السلاح؛ إذ لا يعقل أن يعطينا العدو سلاحاً قوياً متطوراً ليُضرب به، ولعل هذا المعنى نلمحه من الحديث النبوي السابق : ((صانعه يحتسب في صنعه الخير )) ومن الحديث الذي يرويه علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: كانت بيد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قَوْس عربية، فرأى رجلاً بيده قوس فارسية، فقال: (( ما هذه؟ أَلْقِها، وعليك بهذه وأشباهها، ورِماح القَنَا، فإنهما يؤيد الله بهما في الدِّين، ويمكِّن لكم في البلاد )) (1). وقد أجاب ابن القيم عن هذا الحديث، بأن النهي كان في وقت مخصوص وهو حين كانت العرب هم عسكر الإسلام وقسيّهم العربية، فكلامهم بالعربية، وأدواتهم عربية ، وفروسيتهم عربية، وكان الرمي بغير قسيهم والكلام بغير لسانهم حينئذ تشبهاً بالكفار من العجم وغيرهم(2).
لكن يمكن أن نفهم من هذا الحديث أن يعتمد المسلمون على السلاح الوطني، تصنيعاً وتدريباً .
إذكاء الروح المعنوية:
__________
(1) أخرجه ابن ماجه (2810) 2/939. وإسناده ضعيف. وأبو داود الطيالسي في المسند (154) 23. والطبراني في المعجم الكبير
(351) 17/141.
(2) الفروسية لابن القيم 423. كما ذكر احتمالاً آخر وهو أن يكون منَع الرجل من حملها لعدم معرفته بها، وتكلفه الرمي بها، والخروج عن عادته وعادة أهل الإسلام حينئذ، ولهذا قال: (( وعليكم برماح القنا )) فلو قاتلنا أمة لا تنفع معهم الرماح بل السهام والسيوف لم تستعمل الرماح حينئذ، واستعمل معهم ما يخافون شوكته من السلاح.(1/61)
من الأسباب المساعدة على حصول النصر رفع الروح المعنوية لدى المقاتل؛ إذ لا قيمة لأي جيش ما لم تكن معنوياته عالية، وقد اعتنى الإسلام بهذا الجانب؛ فقد كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يشجع أصحابه قبل المعارك وأثناءها؛ ففي غزوة بدر فيما يرويه أنس بن مالك رضي الله عنه قال: ... دنا المشركون، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (( قوموا إلى جنة عرضها السماوات والأرض)) قال: يقول عمير بن الحمام الأنصاري: يا رسول الله، جنة عرضها السماوات والأرض؟ قال: (( نعم )). قال: بخ بخ. فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (( ما يحملك على قولك بخ بخ ؟)) قال: لا، والله يا رسول الله! إلا رجاءة أن أكون من أهلها، قال: (( فإنك من أهلها )). فأخرج تمرات من قرنه، فجعل يأكل منهن، ثم قال: لئن أنا حييت حتى آكل تمراتي هذه إنها لحياة طويلة، قال: فرمى بما كان معه من التمر، ثم قاتلهم حتى قتل (1).
بل إن الأحداث الصغار كانت معنوياتهم عالية، قال عبد الرحمن بن عوف: إني لفي الصف يوم بدر إذ التفتّ فإذا عن يميني وعن يساري فتيان حديثا السن، فكأني لم آمن بمكانهما ، إذ قال لي أحدهما سراً من صاحبه: يا عم، أرني أبا جهل. فقلت: يا ابن أخي، وما تصنع به! قال: عاهدت الله إن رأيته أن أقتله أو أموت دونه. فقال لي الآخر سراً من صاحبه مثله، قال: فما سرني أني بين رجلين مكانهما، فأشرت لهما إليه، فشدّا عليه مثل الصقرين حتى ضرباه ، وهما ابنا عفراء(2).
__________
(1) أخرجه مسلم (1901) 3/1509. قرنه: جعبة النشاب.
(2) أخرجه البخاري (3766) 4/1464. وانظر: البداية والنهاية لابن كثير 3/288.
لم آمن بمكانهما: أي خشيت أن ينالني العدو من جهتهما، فلا يستطيعان حمايتي لأنهما صغيران.(1/62)
وبعد أُحد خاطب الله المؤمنين يشجعهم ويقوي قلوبهم ويسليهم عما أصابهم يوم أُحد من القتل والقرح: ? وَلاَ تَهِنُوا وَلاَ تَحْزَنُوا وَأَنتُمُ الأَعْلَوْنَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ ? [آل عمران: 139]. أي: لا تضعفوا عن الجهاد بما نالكم من الجراح، ولا تحزنوا على من قتل منكم، وأنتم الأعلون الغالبون دون عدوكم؛
فإن مصير أمرهم إلى الدمار، حسبما شاهدتم من أحوال أسلافهم، فهو تصريح بالوعد بالنصر والغلبة
بعد الإشعار به(1).
كما أمرهم أن لا يضعفوا في طلب أبي سفيان ومن معه حين انصرفوا من أُحد فقال: ? وَلاَ تَهِنُواْ فِي ابْتِغَاء الْقَوْمِ إِن تَكُونُواْ تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمونَ وَتَرْجُونَ مِنَ اللّهِ مَا لاَ يَرْجُونَ وَكَانَ اللّهُ عَلِيماً
حَكِيماً ? [النساء: 104].
فليس ما تقاسونه من الآلام مختصاً بكم بل هو مشترك بينكم وبينهم، ثم إنهم يصبرون على ذلك، فما لكم لا تصبرون! مع أنكم أولى به منهم، حيث ترجون من الله من إظهار دينكم على سائر الأديان، ومن الثواب في الآخرة مالا يخطر ببالهم(2).
فخرج النبي - صلى الله عليه وسلم - بأصحابه الذين اشتركوا بأُحد فقط في اليوم الثاني من أُحد، لمطاردة قوات قريش، فلما وصل موضع حمراء الأسد جاءه من يخبره بأن قريشاً قررت السير إليه، فلم تتضعضع معنويات المسلمين، وقرروا لقاء قريش، وبقوا ينتظرون هناك هذا الوعيد ثلاثة أيام، فلما علموا بانسحاب قريش عادوا أدراجهم إلى المدينة.
وبهذه الحركة الجريئة استرد المسلمون كثيراً من مكانتهم التي فقدوها في أُحد؛ فخفّفت من وقع الهزيمة في أُحد، وردّت إليهم معنوياتهم، وأدخلت الرهبة إلى روع اليهود والمنافقين، وأعادت لهم سلطانهم بيثرب قوياً كما كان(3).
__________
(1) تفسير أبي السعود 2/89.
(2) تفسير أبي السعود 2/228.
(3) الرسول القائد، محمود شيت خطاب 118-119.(1/63)
وكما عمل الرسول - صلى الله عليه وسلم - على رفع معنويات أصحابه في سائر الغزوات عمل على تحطيم معنويات أعدائه بشتى الطرق والمناسبات، وما كانت غزوة الحديبية وعمرة القضاء وغزوة تبوك إلا معارك معنويات لا معارك ميدان.
إن عمرة القضاء فتحت قلوب أهل مكة لأنها حطمت معنوياتهم، وغزوة الفتح فتحت أبواب مكة، كما أن نتيجة غزوة تبوك اندحار معنوي للروم، وبذلك اطمأن العرب إلى أنه بإمكانهم مقاتلة الروم، وكانوا سابقاً يظنون أن ذلك من المستحيلات.
إن أكثر غزوات الرسول - صلى الله عليه وسلم - كانت معارك معنويات تؤثر على النفوس والقلوب لا معارك خسائر تؤثر على الأرواح والممتلكات(1). إنه كان حريصاً على هدايتهم وقتل كفرهم لا قتلهم هم.
الراية الإسلامية لمعركتنا القادمة :
هذه الراية هي حياتنا .. أملنا .. نور أبصارنا وبصيرتنا , وهي الراية الوحيدة لمعركتنا القادمة مع اليهود .. ليس لهذه الأمة الإسلامية إلا راية واحدة وشعار واحد لا يتبدل مع المصالح الطارئة والرغبات الآنية, والارتجال والتقليد والتبعية . ولكنها راية الإيمان تخفق بالعزة والاستقلال, وشعار الإسلام يموج بالحرية والوعي . وأهم ما يميز راية الإيمان وشعاره هي مطابقتهما للممارسة الواقعية , فلا يتناقض وعمل , ولا تتعارض راية مع خطوة { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لا تَفْعَلُونَ * كَبُرَ مَقْتاً عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لا تَفْعَلُونَ * إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفّاً كَأَنَّهُمْ بُنيَانٌ مَرْصُوصٌ } [الصف: 2-4] .
إن راية القومية وراية العلمانية لا تجديان شيئاً في معركتنا القادمة .
__________
(1) الرسول القائد، محمود شيت خطاب 329.(1/64)
إن اليهود والنصاري يحاربونا بالتوراة المحرفة حرباً دينية تحت شعار الصليب والنجمة فلا نحاربهم إلا بالقرآن , وإذا رجعوا إلى تعاليم التلمود رجعنا إلى البخاري ومسلم , وإذا قالوا: نعظم السبت. قلنا : نعظم الجمعة , وإذا قالوا: الهيكل , قلنا : الأقصي , وإذا قاتلونا تحت راية اليهودية والنصرانية قاتلناهم تحت راية الإسلام .
قال اللواء أركان حرب فوزي محمد طايل :
« إن فكرة القومية العربية هي فكرة خالية من العقيدة, بل من الأيديولوجية , فهي ليست إلا نعرة فارغة لا يقرها الإسلام تمخضت عن جسد ميت يُدعي «الجامعة العربية» يحاول البعض - لأغراض
خفية - نفث الروح فيه دون جدوي, فكان التسليم لإسرائيل وأطماعها خطوة خطوة , منذ عام 1947 وحتي الآن »
العالم المصري الفذ جمال حمدان وقوله عن الإسلام:
« ما دخل العرب التاريخ إلا بفضل الإسلام »
يقول الدكتور جمال حمدان (1) :
«ما دخل العرب التاريخ إلا بفضل الإسلام بعد ان حاربوه طويلاً وبضراوة , قَبِل العرب الإسلام, وأقبلوا عليه بحماس لا يقل هوادة , ربما لأنهم أدركوا أنه أعظم استثمار قومي أتيح لهم في التاريخ. ولعلهم انقضوا عليه لينشروه بقوة وعنف خارج الجزيرة , فعن طريقه فرضوا سيادتهم ولسانهم علي المنطقة وعلي عالم بأسره ,وكوّنوا لأنفسهم رصيداً تاريخياً قومياً يعيشون عليه إلى الأبد فضلاً عن المكاسب المادية البحتة »
« لقد خرج العرب من الصحراء , ودخلوا التاريخ بفضل الإسلام , وما كان لهم هذا ولا ذاك بدونه, لم يكن الإسلام بالنسبة للعرب رسالة من السماء فقط , ولكن أيضاً نجدة من السماء » .
__________
(1) انظر كتاب «جمال حمدان صفحات من أوراقه الخاصة» للدكتور عبدالحميد صالح حمدان ص (92) .(1/65)
«قَبْل الإسلام لم يكن عرب الجزيرة أمة, ولا كان لهم تاريخ, حتي أمة بلا تاريخ لم يكونوا, بل مجرد حفنة أو شرذمة من القبائل المتحاربة المتعاركة , المتطاحنة المتعددة اللهجات وأحياناً اللغات , وهي إن لم تكن تقع خارج التاريخ , فإن لها تاريخ فولكلوري علي أكثر تقدير ».
ويقول: الإسلام جاء ليبقي .
ويقول: عودة الإسلام ليقود من جديد (1) :
«عودة الإسلام أصبحت حقيقة واقعة في أكثر من مكان » .
هذا قول الكبار أما الصغار من الزنادقة الذين يشوهون الإسلام ويبرزونه علي أنه مصدر
للتخلف (2) , وغير قادر علي التعامل مع العالم المعاصر فهؤلاء وأقوالهم مصيرهم إلى مزبلة التاريخ :
وما أصدق قول الشاعر فيهم :
يرمرم من فتات الكفر قوتاً ... ويلعق من كؤوسهم الثمالة
يقبل راحة الطاغوت حيناً ... ويلثم دونما خجل نعاله
تبصير المؤمنين بحال وحقيقة اليهود المجرمين :
قال اللواء أركان حرب « د. فوزي محمد طايل أستاذ الاستراتيجية الشاملة بأكاديمية ناصر العسكرية في كتابه «النظام السياسي في أسرائيل» تحت عنوان (هل يمكن لإسرائيل أن تقيم سلاماً؟) يقول: «قامت إسرائيل علي أيدي مقاتلي عصابات مسلحة, وأقامت هيكل الدولة علي أساس انها أمة مسلحة» ومزجت في المستعمرات بين «الزراعة والدفاع» وجعلت من «نظرية الأمن» أسلوبًا لإدارة الدولة, وأقامت نظاماً للحكم يوصف بأنه « ديمقراطية الدولة المعسكر» .
__________
(1) المصدر السابق ص(133-134) .
(2) انظر إلى كتاب «نقد الخطاب الديني» لنصر حامد أبو زيد - سينا للنشر طبعة 1 عام 1992 , وكتاب فرح فودة «الملعوب» دار مصر الجديدة للنشر- طبعة 1988م , وكتب سعيد العشماوي ومنها «الإسلام السياسي» الأهرام للإعلان 1992 , وكتب حسن حنفي .(1/66)
وجعلت اقتصادها عسكرياً «قلباً وقالباً» وجعلت من فكرة «الخطر الدائم» الوسيلة الرئيسية لإحداث التماسك الاجتماعي, وأفرز مجتمعها «نخبة عسكرية خالصة» وربطت بين «الهجرة والاستيطان والاغتصاب بالقوة» .
فإسرائيل كما يقول «بن جوريون» : « لا يمكن أن تبقي إلا بقوة السلاح » (1) .
يقول جابوتنسكي: إن التوراة والسيف أنزلتا علينا من السماء .
ويقول تلميذه مناحيم بيجين الذي وقع اتفاقية السلام: إن قوة التقدم في التاريخ ليست للسلام وإنما للسيف . وانطلاقاً من هذه الخلفية الثقافية أيضاً يؤمن قادة إسرائيل جميعاً بلا استثناء سواء ما يسمونهم الصقور أو ما يسمونهم الحمائم, أن الوسيلة الوحيدة لتحقيق أمن اسرائيل جميعاً هي الهجوم والتوسع علي حساب الأرض العربية والسكان العرب » (2) .
ولقد عرض اللواء أ.ح. د. فوزي محمد طايل لأسلوب تفكير القادة الصهاينة من خلال كتاب (ريموند كوهين) «الثقافة والصراع في العلاقات المصرية الإسرائيلية » .
وذكر ما قاله (إشحاق شامير) لجريدة ها آرتس في يناير سنة 1987 : « لا سلام يدون مع الأبد ، إن الاستقرار الدولي والإقليمية يقوم علي قواعد للعبة قوامها «الردع المستمر » .
__________
(1) «النظام السياسي في إسرائيل» للواء فوزي محمد طايل ص (306-311) - دار الوفاء .
(2) انظر هامش ص (11) من كتاب «قراءة في فكر علماء الاستراتيجية - الجولة الإسرائيلية - العربية السادسة»(1/67)
يقول فوزي طايل: « قد أزعم أني لا أتجاوز الحقيقة إذا قلت: أنه بينما كان العرب في غفلة قامت إسرائيل بتمهيد الظروف الدولية - الإقليمية والمحلية - وقامت بدعم قواتها البشرية والاقتصادية والاجتماعية والعسكرية استعداداً لجولة عقد التسعينات وربما لا أتجاوز الحقيقة إن قلت: إن هذا الاستعداد الضخم قد استغرق أكثر من عشرين عاماً من العمل المتواصل لتحقيق أهداف محددة » (1) .
يقول اللواء فوزي طايل: « لقد بدأت إرهاصات هذه الجولة تتكشف , بل وبدأت اجراءات «الحرب النفسية» السابقة عليها من خلال مجموعة من التصريحات التي تهدف إلى «الردع» من خلال «الإخافة» أو «الغموض» ولعل أشهر وأهم التصريحات هي ما أعلنه مساعد رئيس الأركان الإسرائيلي في حزيران (يونيو) 1995 أن حرباً مع الدول العربية المجاورة لإسرائيل سوف تقع حتماً, وعندها لن تتوقف قوات جيش الدفاع عند الضفة الشرقية لقناة السويس , بل سوف تتجاوزها إلى الغرب !
وصرح الرئيس الإسرائيلي (حاييم هرتزوغ) في الثالث عشر من تشرين الثاني (نوفمبر) عام 1995 ولأول مرة أن إسرائيل لا تمتلك سلاحاً نووياً وقد كرر إسحاق رابين وزير الدفاع الإسرائيلي هذا الإعلان في محاضرة ألقاها في جامعة «حيفا» ضمن ندوة أقيمت في الأسبوع الأول من حزيران (يونيو) عام 1991 أن بلاده تمتلك أسلحة نووية , وأسلحة دمار شامل , قادرة علي إبادة أي دولة, وأنه يتعين علي جيش الدفاع الإسرائيلي أن يظل هجومياً بكل ما في الكلمة من معني, وأنه قادر علي بقاء القوات الإسرائيلية الأقوي والأفضل تسليحاً بالمنطقة » (2) .
ويواصل اللواء حديثه فيقول:
__________
(1) مجلة «استراتيجيا» العدد 109- السنة التاسعة ص(28-33) - انظر مقال «الجولة الإسرائيلية العربية السادسة» للواء فوزي محمد طايل من كتاب «قراءة في فكر علماء الاستراتيجية» الكتاب الأول .
(2) المصدر السابق ص (18/19) .(1/68)
« تعتنق إسرائيل مبدأ «دفع الحدود إلى الامام » , وذلك استناداً إلى «معيار القوة المتقدمة» , ومفاده أن القوة التي لا تتقدم فلابد أن تتقهقر , وأن الدولة التي لا تنموا من كل النواحي «بشرياً وجغرافياً وعسكرياً» تنهار تدريجياً , ولهذا فهي تخوص جولة كل عقد من الزمان , وتصاحب هذه الجولة عملية طرد تدريجي للسكان, واستيلاء علي الأراضي, انطلاقاً من فكرة أن أرض «إسرائيل الكبري» لابد من أن تخلص لليهود وحدهم , فهي لا تتسع لحضارتين أو لعقيدتين دينيتين , لا يمكن قيام تصالح بينهما , وأن حل هذه المشكلة لا يكون إلا بالوسائل العسكرية علي حد تعبير يوسف أولمرت » .
* معرفتنا للعدو وامتثال لأمر ربنا { وَكَذَلِكَ نُفَصِّلُ الآيَاتِ وَلِتَسْتَبِينَ سَبِيلُ الْمُجْرِمِينَ } [الأنعام:55]
* قال تعالي: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا خُذُوا حِذْرَكُمْ } [النساء:71] .
ومن باب التعرف علي خطط أعدائنا التي وضعوها للاستحواذ علي بلاد المسلمين
وردهم عن دينهم .
يقول الأستاذ الدكتور حامد ربيع رئيس قسم العلوم السياسية بكلية الاقتصاد جامعة القاهرة سابقاً في مقال له تحت عنوان «مصر والحرب القادمة» : « إن قادة الصهيونية بصفة عامة, والإسرائيليين بصفة خاصة, لا يرون تناقضاً بين عرض السلام في الوقت الذي يعدون فيه لاستخدام القوة, بل إنهم لا يرون أي اتفاقية للسلام - بما في ذلك الاتفاقية الإسرائيلية المصرية - ليست سوي مجرد نصوص لوقف مؤقت لإطلاق النار لا تعدو قيمتها قيمة قصاصة من الورق, وإن قيمتها الحقيقية ستظهر أثناء الحرب القادمة»(1)
يقول الأستاذ الدكتور حامد عبدالله ربيع أنه بإمكاننا هزيمة العدو إذا أخذنا بزمام المبادرة, ولم ننتظر الضربة الأولي والقاضية (2) .
__________
(1) «قراءة في فكر علماء الاستراتيجية» مصر والحرب القادمة» أ.د حامد ربيع ص(23) دار الوفاء .
(2) «مصر والحرب القادمة» أ.د حامد ربيع ص(130) .(1/69)
* عوامل الضعف الخطيرة التي تهدد الكيان الإسرائيلي بالهزيمة :
يقول اللواء د. فوزي طايل - رحمه الله - :
«سوف يظلّ العامل البشري أخطر نقاط الضعف في إسرائيل, حتي لو هاجر إليها كل يهود الاتحاد السوفيتي, لذا فهناك حساسية شديدة لدي إسرائيل تجاه الخسائر البشرية , وقد حاولوا التغلب علي هذه النقطة من خلال توفير أقصي وقاية ممكنة للدبابات (ميركافا) وبتوفير درع المشاة, ومهمات الوقاية «التقنية الحديثة» والطائرات من دون طيار, وتكتيكات جديدة, بيد أن هذه الأمور جميعها لم تقلل من نقطة الضعف هذه كثيراً » .
« يقع 90% من سكان إسرائيل, 90% من منشآتها للصواريخ أرض/أرض علي بقطعة محدودة من الأراضي, يمكن أن تصل اليها الصواريخ من أراضي العراق أو سوريا خلال بضع دقائق .. كما يمكن أن تحقق المفاجأة , إذا ما وجهّت دول أخري كإيران والمملكة العربية السعودية ومصر صواريخها بشكل مكثف إلى هذه الأهداف » .
« تشكل قوات الاحتياط الإسرائيلية 80 - 85% من إجمالي قواتها, وهذه تحتاج قرابة 48 ساعة كي تعبأ وتنضم إلى صفوف القوات العاملة, فإذا ما وجهت «ضربة إحباط» Premptive Strike أو تم شن «هجوم استباقي» من الجبهة السورية أو الأردنية خلال هذه المدة فسوف تتغير نتيجة المعركة » .
* «نحو استراتيجية لمواجهة الخطر الصهيوني» :
تحت هذا العنوان واصل (فوزي طايل) الحديث بقوله :
« ليست إسرائيل سوي الكيان الدولي الرسمي الظاهر للحركة الصهيونية العالمية ذات القدرة علي الحركة (الكوكبية) , وعلي هذا فمواجهة إسرائيل والتغافل عن النشاط الصهيوني العالمي لن يكن له نتيجة تذكر, وبالتالي فلابد من تحرك استراتيجي (كوكبي) أيضاً لمواجهة ذلكم الخطر الصهيوني » .(1/70)
« مثل هذه الاستراتيجية يستحيل علي دولة عربية واحدة, أو تجمع عربي أو شبه إقليمي أن يقوم بها, إذن فلا بديل عن وحدة الأمة »(1) .
* صدام محتمل من أجل القدس :
يقول اللواء أ. ح. د. فوزي محمد طايل (2) :
«إذا ما حاولنا التعرف علي ما يجري علي الساحة الدولية - إعداداً لصدام محتمل من أجل القدس - نجد أن القوات الأمريكية تقوم - لمصلحة الصهيونية العالمية - بتأمين البحر المتوسط والبلقان , وتأمين الخليج والبحر الأحمر , فضلاً عن أمرين آخرين هامين :
غرس ثقافة السلام .
استعداد العالم علي الإسلام .
* ثقافة السلام :
ثقافة السلام تعني محاولة تبديل سنة الله تعالي .. قال تعالي: { لَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتْ الأَرْضُ وَلَكِنَّ اللَّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِينَ } [البقرة:251] .
ومهما فعلوا فلن تجد لسنة الله تبديلا , ولن تجد لسنة الله تحويلا , من أجل ذلك يحاولون استبدال الصراع من أجل السيطرة علي البيئة , بالصراع الذي تحركه العقيدة؛ لأن ثقافة السلام تعني فرض الاسترخاء التام بين الناس , ودفعهم إلى التمتع بالمتع الحسية غير المشروعة, وبثّ شعور عام: أنه لا يوجد ما يستحق أن يضحي الإحسان من أجله بماله أو بنفسه .
يعني باختصار إلغاء فريضة الجهاد من خلال القفز فوق سنة التدافع التي جعلها الله تعالي بين البشر وإلا فسدت الأرض , وهدمت صوامع وبيع وصلوات ومساجد يذكر فيها اسم الله كثيراً .
__________
(1) وهذا ما طالب به الدكتور فوزي طايل في كتابه «نحو نهضة أمة, كيف نفكر استراتيجياً» طبعة مركز الإعلام العربي ص (134) .
(2) هذه المقالة كانت آخر الكلمات لعالم الاستراتيجية الشاملة أ. ح . د. فوزي طايل الذي التحق بالرفيق الأعلي في ليلة الجمعة 13 رمضان 1416هـ , فبراير 1992م وكأنها وصية مودع إلى علماء وجماهير الأمة .(1/71)
فثقافة السلام هي بمثابة دعوة لأن (يسود الفساد الأرض) وأن يبلغ التسامح بين البشر حد
نبذ العقيدة . لذا ففي ظل ثقافة السلام لا يكون لهدم المسجد الأقصى أي مدلول , ولا يكون للأرض المقدسة حرمة .
ويفهم الإسرائيليون ثقافة السلام كما يلي :
أ- إحداث تغيير في التوجهات والمفاهيم والقيم (1) .
ب- أو كما يقول (موردخاي جور) النائب السابق لوزير الدفاع الإسرائيلي: « إدارة أعمال سياسية قادرة علي ايجاد مثل هذه الحلول » .
وقد ذكرت دراسة بمركز جافي للدراسات الاستراتيجية في 15/12/1989م عن نزع السلاح: إن ثقافة السلام المزعومة لتستهدف عقيدة المسلمين بالدرجة الأولي, فهي صد عن سبيل الله , ومحاولة لنزع شوكة المسلمين وإبعادهم عن أداء فريضة الجهاد , والتي لا تسقط عن هذه الأمة حال ضعفها ولا حال قوتها, فالجهاد ماض إلى يوم القيامة . صدق رسول الله - صلى الله عليه وسلم - .
ولو راجعنا كلمات (موردخاي جور) التي قرأتها حالاً؛ لوجدناها هي نفس الكلمات التي ألقيت للأبواق الموجودة في بلادنا, فرددوها كما هي.
* استعداء العالم علي الإسلام :
لو اجتمعت الإنس والجن علي تجفيف منابع عقيدتنا الإسلامية, فلن يستطيعوا, ولو كان بعضهم لبعض ظهيراً, ولذا فإذا لقينا المجترئين علي دين الله كفانا { قُلْ اللَّهُ ثُمَّ ذَرْهُمْ فِي خَوْضِهِمْ يَلْعَبُونَ } [الأنعام:91]
يقول اللواء فوزي طايل - رحمه الله - :
الولايات المتحدة الأمريكية هي مقر الجسم الرئيسي للصهيونية العالمية, منذ بدأت تلكم الحركة .
تغلغل الصهيونية في المجتمع الأمريكي (من مؤسسة الرئاسة وحتي الكنائس, مروراً بالإعلام والاستخبارات والقوات المسلحة وغيرها)
مثال: «التصويت علي قرار الكونجرس بخصوص نقل السفارة الأمريكية إلى القدس في أكتوبر 1995م كان بأغلبية 93% عضو مجلس شيوخ .
__________
(1) يراجع في ذلك كتاب «ثقافتنا في ظل النظام العالمي» للواء. أ.ح . د. فوزي طايل - مركز الإعلام العربي .(1/72)
وبالبحث وُجد أن هؤلاء جميعاً ما بين يهودي, وبين ما يشكل نسبة 100% كل أعضاء مكتبه الاستشاري (السفير د. عمر عامر نائب مساعد وزير الخارجية المصري في ندوة القدس بجامعة الأزهر يوم 12/11/1995 .
مثال ثان علي مدي هيمنة الصهيونية علي عقلية المفكر الاستراتيجي الأمريكي: مراكز الدراسات الاستراتيجية بالولايات المتحدة كلها تابعة لمجلس رؤساء المنظمات الصهيونية بأمريكا وأهمها: مركز الدراسات الاستراتيجية للشرق الأدني .
مثال ثالث: أحد إصدارات معهد بحوث القوات الجوية الأمريكية تحت عنوان
(Respoding tolow-Tuensity conflict challenges) وفيه تناول الدكتور
(Levis ware) موضوع «الصراع منخفض المستوي في الشرق الأوسط » في بدايته يحاول أن يرر لماذا العداء للإسلام ؟ فيقول: تميز الإسلام بنظرة شاملة للكون ولمكان الإنسان فيه فهو بذلك يشكل تحدياً أمام انتشار الثقافة والقيم الغربية .. ثم ينهي بحثه بقوله :
«إن خطورة الإسلام هي خطورة دائمة وممتدة , تهدد إسرائيل والحضارة الغربية » , ويقول: « إن العرب هم أداة الشر المطلق الذي يسعي إلي افساد برنامج الرب لشعبه المختار في أرض الميعاد . هناك حكمة يهودية تقول : «إذا أمسكت بالأسد فلا تدعه يفلت منك وإلا التهمك» .
وهذا هو ما نادي به ريتشارد نيكسون في كتابه المشهور «انتهزوا هذه اللحظة » .
فهلا أبطلنا هذه المقولة, وفوتنا عليهم فرصتهم المتوهمة ؟
وواصل اللواء فوزي كلمته : «لكن القدس ستكون سبب وحدة المسلمين بإذن الله »
فما من شئ يستنفر إرادة الأمم ويوحد صفها بقدر ما تفعل الأخطار .. خاصة إذا اقتربت من أمور تمس العقيدة, والأمة مهددة في مقدساتها, وقيمها , وثراتها, وأراضيها وأبنائها ... فماذا يبقي منها؟ ومتي يكون الجهاد في سبيل الله إن لكن يكن الآن ؟
* طبيعة الجولة القادمة مع الصهيونية :
يقول اللواء أ.ح د. فوزي طايل :(1/73)
«هناك جولة قادمة لا محالة .. وهي قريبة, كما أن أمامنا عمل جاد طويل وشاق؛ ولنمحو به ما علق بحياتنا منشوائب, ولنخطو أول خطواتنا نحو نهضة شاملة بإذن الله .
فأما عن طبيعة الحركة في المدي القريب , فالجولة القادمة مع الصهيونية هي جولة قتال متلاحم أشبه بقتال العصر الأول في الإسلام .
والعدو يدافع عن عقيدة - وإن كانت فاسدة - إلا أنه يؤمن بها إيماناً راسخاً, ويعلم أنه يخوض من أجلها معركة حياة أو موت . والحقيقة أنهم ليسوا علي حق, فهم لا يتمنون الموت أبداً, قال تعالي: { وَلا يَتَمَنَّوْنَهُ أَبَداً بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ } [الجمعة:7] .
أي أن طبيعة الجولة القادمة مع الصهيونية كالآتي:
أ- حرب شاملة عامة علي طول الأرض , وعرضها .
ب- ليست ككل الحروب التقليدية , ولا يمكن أن تلعب الأسلحة النووية فيها أي دور .
جـ- وقد أتصور أن استعادة القدس تحتاج إلى تعبئة عامة للأمة, وعدم التحويل علي ما كان يسمي «الرأي العام العالمي» ولا المجتمع الدولي, ولا الشرعية الدولية لماذا ؟ لأن كل هذه العناصر صهيونية أكثر من اليهود (1) .
__________
(1) «حصر الأستاذ فهمي هويدي في مقاله «دعوة للفهم وليس لليأس» الأهرام في 3 ديسمبر 1991 ص(7) الفريق الأمريكي للإشراف علي المفاوضات فوجده : رئيس الفريق (دينيس روس) , ومعه (دنيال كورتسر) و (أرون ميلر) و(ريتسارد هاس) - وجميعهم من اليهود, و(ويليام بيرنز) وهو النصراني الوحيد في الفريق !! » أ . هـ .
... انظر هامش ص(131) من كتاب «قراءة في فكر علماء الاستراتيجية - مصر والحروب القادمة» أ . د حامد ربيع .(1/74)
ولا سبيل إلا بانتفاضة إسلامية تشمل الأرض كلها, تتحول إلى ثورة بكل مفهوم هذه الكلمة .. ثورة تغير «النظام العالمي الجديد» أسسه , وأفكاره , ومبادئه , ومؤسساته , ورموزه , من خلال الجهاد في سبيل الله, وهو أمر يتحسب له التحالف الصهيوني الصليبي المعادي, ويعمل علي إقامة تحالف دولي جديد من أجل خوضه » .
* كيف تفكر إسرائيل؟ للأستاذ الدكتور حامد ربيع :
هذا الكتاب هام جداً لمعرفة سبيل المجرمين من اليهود أعداء الدين وهو لعالم متخصص في العلوم السياسية شغل من قبل (رئيس قسم العلوم السياسية بكلية الاقتصاد جامعة القاهرة) وننصح بقراءته وهو يتناول: الاستراتيجية الإسرائيلية , وخصائصها الحركية , والمنطق العسكري والحرب القادمة, وميدان المعركة , ومفاهيم اليهود للسيطرة علي المنطقة, والسلاح الصاروخي وموازين القوي في الشرق الأوسط وعملية تخريب إسرائيل للمجتمع العربي من الداخل ومن حرب علي الإسلام من داخل المجتمع العربي .
* انهيار الولايات المتحدة قريباً جداً :
ومن معرفة سبيل المجرمين معرفة آمال الحضارة الأمريكية عدوة المسلمين الأولي, وكلام علماء الاستراتيجية حولها:
يقول الدكتور جمال حمدان تحت عنوان: «انهيار الولايات المتحدة قريباً جداً» : «الآن تتصارع الولايات المتحدة للبقاء علي القمة, ولكن الانحدار لأقدامها سارٍ وصارم, والانكشاف العام تمّ, الانزلاق النهائي قريباً جداً في انتضار أي ضربة من المنافسين الجدد - أوربا , ألمانيا , اليابان » .
« وأمريكا تختلف عن كل دول الاستعمار السابق, لا في أنها فقط تنكر أي علاقة لها بالاستعمار , ولكن أساساً في أنها أول مستعمر وقح متبجح بصورة علنية فاجرة, فالمستعمرون قبلها كانوا يعرفون أنهم لصوص, ولكن لا يدعون حقاً في اللصوصية , إلا أمريكا فإنها لأول مرة تعلن بكل وقاحة أنها لصة(1/75)
ولها حق اللصوصية » (1) .
* هل تمثل أمريكا اليوم مرحلة احتضار الحضارة ؟
يقول الدكتور جمال حمدان: «بداية نهاية الاتحاد السوفيتي - نقولها للمرة الألف بعد المليون! كانت هزيمة يونيو 1967م . منذ ذلك التاريخ أصبح خطر الاتحاد السوفيتي في الصراع العالمي مع أمريكا في النازل , ويدها السفلي المهتزة المنكسرة بل المكسورة .
ولذا من السفه النظرية المجنونة إن السوفيت هم الذين خدعوا مصر والعرب استدرجوهم إلى الحرب والهزيمة, حتي لو كانت نواياهم غير طيبة (ومن المسلم به أنهم لم يكونوا معنا قط 100% , ولا حتي 50% , وكانت اسرائيل عندهم فوق العرب قطعاً , وأهم وأبقي وأقرب ) .
« الاتحاد السوفيتي والولايات كما قاما معاً في غفلة من الزمن ستسقطان معاً في ساعة الحقيقة, ولقد سقط الاتحاد والدور الآن علي الولايات المتحدة والايام بيننا » .
ثم يقول الدكتور جمال حمدان :
« النظام العالمي الجديد (2) لا يوجد في عقل العالم , وإنما في «فراغ» عقل العالم العربي فقط, ولربما لو لم يوجد, لأوجده العرب» (3) .
استراتيجية إسلامية بعيدة المدي وكوادر علمية تحيط بالواقع علماً:
__________
(1) انظر كتاب: «جمال حمدان صفحات من أوراقه الخاصة» للدكتور عبدالحميد صالح حمدان - دار الغد العربي ص (164) .
(2) أي : أمريكا
(3) «جمال حمدان - صفحات من أوراقه الخاصة» ص (180-182) .(1/76)
المسيرة نحو القدس لها خطها ونهجها , ولها أهدافها ووسائلها , وكلها أهداف ووسائل ربانية إيمانية, ولكنها لا يمكن أن تسير دون نهج مفصل واضح , يسمح لأفرادها أن يعرفوا ماذا يريدون, قال تعالي: { وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لا تَعْلَمُونَهُمْ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ وَمَا تُنفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لا تُظْلَمُونَ } [الأنفال:60] .
لابد من توضيح جملة حقائق :
أ- من هم أعداؤنا ؟
ب- كيف يفكر كل عدو من أعدائنا , وما هي إمكانياتهم ؟
جـ- ماذا أعد كل عدو من أعدائنا ؟
د- هل أعددنا أنفسنا لمواجهة هذه التحديات ؟ لماذا نجح العدو في تحقيق أهدافه ؟
س- لماذا نجح العدو في تكبيل الأمة بالأغلال؟ وإجبارها علي التسليم له وقد اغتصب مقدساتها وأرضها وثراتها , وسخر من عقيدتها ؟
س- لماذا تقف الأمة موقف السلبية تجاه هذا الخطر الماحق الذي يتهدد وجودها ؟
س- لماذا أصبحت الأمة لا تغار علي عرض ولا دين ولا علي مقدسات ؟
والسبب في ذلك كله : جهل الأمة بالإسلام والمقاصد الشرعية لهذا الدين, وبعد الأمة عن ربها وضعف الإيمان بالله في قلوب أبنائها . الفساد العقدي, والفساد السياسي والسلوكي والأخلاق, والوقوع في الحرام . وأكل الحرام, وتعطيل فراض الله وخاصة فريضة الجهاد في سبيل الله , وعدم تحرير الولاء والبراء
إن السبب يكمن في جهل الأمة بدينها, وبرسالتها التي من أجلها خلقت واستخلفت
في هذه الأرض .
لقد ضربت خلافتها ومزقت وحدتها وعطلت شريعتها , وتسلط عليها الأعداء, وهي لا تحرك ساكناً { ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّراً نِعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَى قَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ } [الأنفال:53] .
والحل سهل مع صدق النية واللجوء إلى الله عز وجل:(1/77)
تحصيل العلوم الشرعية النافعة .
تحصيل العلوم الكونية والعسكرية ومواكبة العصر الحديث وإعداد كوادر علمية وعسكرية علي مستوي العصر .
الإيجابية في مواجهة تحديات العصر, ووضع الرجل المناسب في المكان المناسب, وإعداد الكوادر القيادية يضع كل فرد من أفرادها في اعتباره أن نصرة دينه, ونصرة أمته وتحرير القدس فريضة في رقبته .
قال تعالي: { فَقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ لا تُكَلَّفُ إِلاَّ نَفْسَكَ وَحَرِّضْ الْمُؤْمِنِينَ.... } [النساء:84] .
وهذه التحديات تستلزم جهداً جماعياً .
هذه الكوادر تضع نصب عينيها أن قضية فلسطين والقدس هي شغلها الشاغل بعد توحيد الله وعبادته .. لهذه القضية تحيا وتعيش, وتوالي وتعادي, يقول الدكتور الفذ جمال حمدان :
«إن قبول العرب نهائياً بضياع فلسطين نهائياً, وتثبيت إسرائيل وهو مقابل الخروج الأندلسي مع فروق, سيكون اعترافاً من العرب عن إنهاء وحل العروبة نهائياً والي الأبد , بمعني أن أمة قررت حل نفسها, واعتبار ذاتها ليست أمة - تماماً - كما أعلن الاتحاد السوفيتي حل نفسه وإنهاء وجوده كدولة »
« وفي الحالين فإنه انتحار سياسي وقومي علي مبدأ «بيدي لا بيد عمرو» والعدو المضاد في حالتنا هو إسرائيل , وفي حالة الاتحاد السوفيتي أمريكا, وفي الحالين فإن أمريكا هي القاتل النهائي عن بُعد » .
«إذا كان اليهود يقولون: لا معني لإسرائيل بدون القدس, فنحن نقول لهم: لا معني للعرب
بدون فلسطين » .
* تعبئة الموارد الإسلامية وتحقيق الاكتفاء الذاتي في مجال الطعام والسلاح :
لأنه أني لأمة أن تنتصر علي عدو تتسول منه رغيف الخبز والسلاح !!؟
* استراتيجية إسلامية طويلة المدي :
ومن الإعداد لابد أن تكون لنا خطة استراتيجية طويلة المدعي في مواجهة هذه التحديات(1/78)
المعاصرة (1) , استراتيجية مستمدة من «هوية الإسلام» التي ضعنا يوم أن ضيعناها, قال تعالي: { صِبْغَةَ اللَّهِ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنْ اللَّهِ صِبْغَةً وَنَحْنُ لَهُ عَابِدُونَ } [البقرة:138] .
وينبغي أن يسمع لأهل الرأي والذكر في كل موقع من مواقع الحياة . وأن تحترم التخصصات , وخاصة في المجالات العسكرية, وتكون الصدارة والمكانة فيها لأصحاب الكفاءات والجندية والتجرد لا للولاءات الشخصية التي دمرت الأمة في أكبر نكبة حلت بها في يونيو 1967م .
لابد من تفريع كوادر علمية في المجال النووي والكيميائي وإنشاء الصواريخ والطائرات كفيلة لإنهاء غطرسة اليهود والصليبيين في هذا المجال .
حظر البترول, واستخدام هذا السلاح الفتاك ضد أمريكا والصليبيين ؛ لشل حركة الحياة عند الصليبيين , وهذا السلاح سلاح فتاك فعال يصيب أمريكا ودول الغرب في مقتل إذا أجيد استخدامه .
سحب الأموال العربية والإسلامية من بنوك أمريكا والغرب: فليس من المعقول أن أموال العرب والمسلمين تستخدم لضربهم , من يتصور أن «لوكهيد» التي تصنع طائرات الفانتوم التي قتلتنا معظم رأس مالها من أموال العرب المسلمين !!
يكفيك أن عدانا أهدروا دمنا ... ... ... ونحن من دمنا نحسو ونحتلبُ
قيام سوق اقتصادية إسلامية لتحقيق التكامل بين الدول الإسلامية وسد احتياجاتها:
__________
(1) انظر كتاب «كيف نفكر استراتيجياً» للواء أ.ح .د. فوزي طايل - الناشر الإعلام للنشر والتوزيع .(1/79)
إن من أسباب التمكين أن تهتم الدول الإسلامية بالجانب الاقتصادي، لأن القوة الاقتصادية هي عصب الحياة الدنيا وقوامها، والضعيف فيها يقهر ولا يحسب له حساب إلا في ظل شرع الله حين يحكم، ولذلك ينبغي على الدول الإسلامية أن تعتمد على الذات في موارد ثابتة، وهذا من النفرة التي أمرنا الله (عز وجل) بإعدادها لمواجهة الأعداء وتشر الدين، والاستغناء عن مد يد الاستجداء، مما يوفر للدعوة والدعاة حرية التحرك، واتخاذ القرار دون ضغوط كابحة للنشاط الإسلامي من أي جهة كانت، إضافة إلى ما توفر القوة المادية من ثقل إعلامي واجتماعي وسياسي هي بأمس الحاجة إليه (1) .
كما أن حاجات العمل المتعددة تحتاج إلى أموال طائلة لتغطيتها، والمطلوب من الدول الإسلامية أن تعد من رجالها من التجار المسلمين من تظهر على سلوكه أخلاق الإسلام في التعاملات التجارية وتزوده بالخبرات الميدانية بحيث يقتحم مع إخوانه مجالات التجارة الدولية والأسواق العالمية ويعمل على توحيد جهود التجار المسلمين وإيجاد شبكات للتعاون المثمر بحيث يقارعوا الشركات اليهودية والشيوعية والنصرانية ويبذلوا ما في وسعهم من أجل هيمنة الاقتصاد الإسلامي على الأسواق العالمية ويحرروا شعوب المسلمين من سيطرة الفكر الرأسمالي الدخيل والشيوعي.
إن على التجار المسلمين أن يستوعبوا علم الاقتصاد الإسلامي الذي ينسجم مع تصور الإسلام للكون والإنسان والحياة، والذي في طياته حل لمتطلبات العصر الحديث وبخاصة أن العالم الإسلامي يمتلك من الطاقات البشرية والمادية ما يمكنه من بناء اقتصاد سليم قوي يواجه التيارات الاقتصادية المتصارعة وينقذ البشرية من الويلات الاقتصادية التي تعيشها.
__________
(1) البيان: العدد 118 جمادى الآخرة 1418هـ، ص9.(1/80)
وعليهم أن يسعوا إلى أسلمة المؤسسات الاقتصادية بحيث تنسجم مع النظام الإسلامي على جميع المستويات، كما عليهم أن يعمقوا فاعلية المؤسسات الإسلامية حتى يتم تطويرها ويستفاد من أخطائها وتعالج العوائق التي تحدث في طريقها، ولقد نجحت الحركة الإسلامية في تركيا نجاحاً جيداً وأصبحت لها مؤسسات قوية ثابتة ولها تأثير وأداء متميز في الشارع التركي، ولقد استطاعت الحركة الإسلامية في السودان أن تخوض تجارب رائدة في البنوك الإسلامية وفي المؤسسات الاقتصادية وتوظيف فريضة الزكاة لحل مشاكل المسلمين، وكذلك الدول الإسلامية في اليمن والأردن وماليزيا وأندونيسيا، وأصبح بحمد الله لها بنوك اسلامية ومستشفيات ومؤسسات عملاقة إلا أن الأعداء يضيقون عليها ويحاربونها.
إن الدول الإسلامية فهمت معادلة المال وهيمنة الاقتصاد فهماً جيداً وأصبحت ترى التاجر المسلم من صناع الحياة؛ بل هم صناع الصناع يقول الأستاذ محمد أحمد الراشد في هذا الصدد: (وعلى خطة الدعوة أن تتوب توبة نصوحة من إسرافهم القديم في تعليم كراهة المال وحب الوظائف الحكومية.. )(1) .
وطلب في كتاب صناعة الحياة من الدعاة أن يهتموا بجمع المال ولينزل منهم نفر إلى السوق؛ لأن في ذلك مردود دعوى، وذكر اليهود الذين استحوذوا على الأموال والأسواق ونحن لا نجيد إلا سبهم، ونضجر من المارون والأقباط والبُهرة والقاديانية والمبتدعة والأقليات إذ كان منهم السبق إلى المال، بتسهيل الدوائر الاستعمارية لهم ذلك في فترة الاستعمار جزماً؛ وبمساعدة من قوى خفية أخرى، ولكننا لم نحسن غير سبهم وشتمهم.
إن قوة الاقتصاد الإسلامي ووصول الأموال إلى قبضة المسلمين ستكون عاملاً من عوامل قوة الدعوة الإسلامية وستتحكم المنظومة الإسلامية على الاقتصاد العالمي وستعرض على العالم سوقاً اسلامياً ومنظومة شركات إسلامية.
__________
(1) صناعة الحياة: ص46.(1/81)
وسترتفع رايات المسلمين ومعنوياتهم عندما يرون رجال المال المسلمين الذين ينفقون أموالهم سراً وعلانية ابتغاء مرضاة الله وينطلق الدعاة في كل مكان مبشرين ومنذرين وخلفهم مؤسسات وشركات تدعمهم وتقف بجانبهم، كل على ثغر، وكل يسعى لتمكين دين الله في الأرض.
إن الإعداد المالي والقوة الاقتصادية ستكون في خدمة الأمة والدعوة والسياسة والفكر. وسيسند حركة التغيير الشاملة من أجل التمكين لدين الله في الأرض.
ولابد أن تهتم الدول الإسلامية بميدان الصناعة والزراعة والعقار والاستيراد والتصدير. وبخاصة في البلاد الحرة التي لا ينال أموالنا فيها ظلم، وفي العالم الكبير الفسيح متسع للاستثمار (1) .
إن الهيمنة على الاقتصاد وتحكيم شرع الله فيه جهاد عظيم ولها آثار على المجتمعات البشرية من أهمها:
1- إنقاذ البشرية وبخاصة المسلمين من مساوىء الأنظمة الوضعية حتى أن علماء الغرب يقولون بذلك. يقول جاك أوستري: إن طريق الانتماء ليس محصوراً في المذهبين المعروفين بل هناك مذهب اقتصادي ثالث راجح هو المذهب الإسلامي (2)، وبذلك يتحرر المسلمون من التبعية الاقتصادية ويبرز للعالم هذا النظام، ومن هنا تأتي أهمية طرح النظام الاقتصادي في الإسلام، وبيان الأحكام الشرعية لمعالجة جميع مشاكل الحياة.
2- استغلال الموارد البشرية والمادية الإسلامية استغلالاً اقتصادياً يؤدي إلى الرفاهية العامة للشعوب الإسلامية مما يساعد المسلمين على قيام الصناعات الثقيلة وبذلك تتحقق للمسلمين القوة والمنعة التي تحرر أراضيهم المحتلة كل ذلك وفق برامج تنمية متكاملة، فالإسلام ليس مجرد تراث؛ بل فيه طريق التنمية السليم، وبذلك لا يبقى العالم الإسلامي مجرد سوق مالي وسلعي للشرق أو الغرب.
__________
(1) المصدر نفسه: ص 46، 47.
(2) الإسلام والتنمية الاقتصادية جاك أوستري ترجمة نبيل الطويل ص1000.(1/82)
3- وجود الاقتصاد الإسلامي يؤدي إلى الوحدة السياسية بين شعوب الإسلام، حيث إن الاقتصاد ينطلق من الشريعة، والشريعة تنادي بوحدة المسلمين لأن وحدة الاقتصاد تؤدي إلى وحدة السياسة، وهذا ما تسعى إليه دول غير إسلامية مثل دول السوق الأوروبية المشتركة.
4- تحقيق القوة الاقتصادية والسياسية يؤدي إلى عودة الإسلام إلى أيامه الزاهرة ويؤدي بالتالي إلى سيطرة الإسلام على مسرح السياسة والاقتصاد في العالم، وتصبح الأمة الإسلامية خير أمة، وأقوى قوة فكرية وحضارية ومادية في العالم.
5- إذا بني الفكر الاقتصادي الإسلامي على أساس سليم من العقيدة والأسس التي وضحناها فإن الطريق إلى الاكتشافات والمخترعات الحديثة سيكون مفتوحاً، وستوظف المفاهيم إلى واقع حي عملي في معترك الحياة، وبذلك نبعد جميع الأفكار الدخيلة على الأمة الإسلامية، من رأسمالية واشتراكية.
إن العقيدة الإسلامية ما جاءت إلا لهداية البشر إلى ما فيه السعادة في الدارين (1) ، والتي من ضمنها الجانب المادي الاقتصادي.
ولقد اهتم الإسلام بالموارد المالية وبيّن طرق الكسب المشروع، كالبيوع والميراث والوصايا والهبات وغيرها، ووضح طرق الكسب الغير مشروع، كالربا والغرر، والغش والاحتكار وغيرها وكانت موارد الدولة الإسلامية في زمن النبي - صلى الله عليه وسلم - والخلفاء من بعده من الزكاة، والغنائم والفىء، والخراج والتجارة.
إن الدول الإسلامية التي تسعى لتقوية جوانبها الاقتصادية والمالية وتوظيفها في دعوة الله تعالى قد أخذت بسبب مهم من أسباب التمكين المادي.
إن من القواعد المهمة في الاقتصاد الإسلامي: العمل على تحقيق الاكتفاء الذاتي للأمة.
__________
(1) انظر: النظام الاقتصادي في الإسلام محمود الخطيب ص74، 75.(1/83)
بمعنى أنها يجب أن يكون لديها من الخبرات والوسائل والأدوات ما يجعلها قادرة على أن تنتج ما يفي بحاجاتها المادية والمعنوية، ويسد ثغراتها المدنية والعسكرية، عن طريق ما يسميه الفقهاء فروض الكفاية، وهي تشمل كل علم أو عمل أو صناعة أو مهارة يقوم بها أمر الناس في دينهم أو دنياهم، فالواجب عليهم حينئذ تعلمها وتعليمها وإتقانها حتى لا يكون المسلمون عالة على غيرهم، ولا يتحكم فيهم سواهم من الأمم الأخرى.
وبغير هذا الاستغناء والاكتفاء، ليتحقق لهم العزة التي كتبت الله لهم في كتابه:
{ وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ } [المنافقون: 8] .
وبغيره لن يتحقق لهم الاستقلال والسيادة الحقيقية، وهو ما ذكره القرآن:
{ وَلَن يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً } [النساء: 141] .
ولن يتحقق لهم مكانة الأستاذية والشهادة على الأمم، وهو المذكور في قوله سبحانه:
{ وَكَذَالِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِّتَكُونُواْ شُهَدَآءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا، } [البقرة: 143] .
فلا عزة لأمة يكون سلاحها من صنع غيرها، يبيعها منه ما يشاء، متى شاء، بالشروط التي يشاء، ويكف يده عنها أنى شاء، وكيف شاء.
ولا سيادة حقيقية لأمة تعتمد على خبراء أجانب عنها في أخص أمورها، وأدق شئونها، وأخطر أسرارها.
ولا استقلال لأمة لا تملك زراعة قوتها في أراضها، ولا تجد الدواء لمرضاها، ولا تقدر على النهوض بصناعة ثقيلة، غلا باستيراد الآلة والخبرة من غيرها.
ولا أستاذية لأمة، لا تستطيع أن تبلغ دعوتها عن طريق الكلمة المقروءة أو المسموعة، أو المصورة المرئية إلا بشرائها من أهلها القادرين عليها. ما دامت لا تصنع مطبعة ولابد لتجار المسلمين ورجال الأموال أهل التخصص في الاقتصاد من دول إسلامية وعموم الأمة أن يسلكوا سبيل الاكتفاء ولتحرر من التبعية الغريبة أو الشرقية.(1/84)
المقاطعة التامة لبضائع اليهود وأمريكا الصليبية :
لقد تزامنت المقاطعة الاقتصادية لإسرائيل مع بداية الهجرة اليهودية إلى فلسطين , وفي عام 1922 طالب المؤتمر العربي الخامس, والذي عقد في مدينة نابلس الفلسطينية بمقاطعة جميع البضائع اليهودية, ثم تلا ذلك المؤتمر الإسلامي العالمي الذي عقد في عام 1931 , ومع انطلاق ثورة 1936 تزايدات الحملة الشعبية للمنتجات اليهودية .
«وقد قدرت مجموعة اقتصادية إسرائيلية خسائر إسرائيل من جراء المقاطعة منذ عام 1948 بأكثر من 76 مليار دولار أمريكي (1) .
وفي عام 1979 نصت معاهدة السلام المصرية الإسرائيلية صراحة علي إنهاء المقاطعة الاقتصادية بين مصر وإسرائيل. وأغرقت البضائع الإسرائيلية الأسواق العربية .
لقد وقفت المقاطعة العربية لإسرائيل ومنذ نشأتها حائلاً أمام تحقيق إسرائيل لأطماعها وأهدافها الاقتصادية في المنطقة وحرمتها من الاستفادة من المقدرات والثروات الطبيعية التي حبا الله بها هذه المنطقة .
هذا السلاح هو سلاح مؤثر فعال . بل هو السلاح الوحيد المؤثر نسبياً في سجل الماجهة مع إسرائيل في وقتنا الحاضر .
يقول روجيه جارودي: « يجب أن نلتزم بمقاطعة جذرية لكل ما هو أمريكي, سواء كانت منتجات صناعية بدءاً من الكوكاكولا .. إلى أفلام , وكذلك مقاطعة إسرائيل .. أعتقد أن هذا هو السلاح الوحيد المتاح » (2) , (3) . الآن
ويقول شاؤول مزراحي - وهو أحد كبار الاقتصاديين الإسرائيليين - بأنه لا يمكن لإسرائيل أن تجد وسيلة لاستكمال إمكانيات صناعاتها بزيادة الصادرات إلى البلدان السائرة في طريق النمو ما دامت مبتورة عن بلدان المنطقة الذين هم أقرب جيرانها ويشكلون بذلك سوقاً طبيعياً لمنتجاتها .
__________
(1) صحفية نيويورك تايمز 25/7/1991م
(2) «الأساطير المؤسسة للسياسة الإسرائيلية » لروجيه جارودي ص (369) .
(3) شركة «كوكاكولا» يملكها الثري اليهودي روبرت ماكسويل .(1/85)
قال اسحاق رابين في تصريح له في الكنيست في عام 1975م :
« بأن المقاطعة العربية إذا ما استمرت لسنوات أخري, فإنها سوف تؤثر وبشكل كبير علي قدرة إسرائيل في اجتذاب الاستثمارات الخارجية, لذا فيجب علينا مواجهتها وتحطيمها (1) .
ويقول أحد الخبراء الاقتصاديين الأمريكيين: «بأن الأثر الأكبر علي إسرائيل من جراء المقاطعة هو مجال الاستثمار وليس في مجال التبادل التجاري, ويكفي أن المقاطعة الهزيلة في السنوات الماضية أفزعتهم حتي أن الرئيس الأمريكي يصرح لصحيفة لوفيجارو 10/7/1991 وصحيفة النيورويك تايمز ويقول: «إنني أود أن أري نهاية المقاطعة العربية لإسرائيل» .
ورئيس الوزراء الإسرائيلي السابق «بعث برسالة إلى قادة الدول الصناعية السبع الكبري قبل اجتماعهم في لندن يحثهم فيها علي اتخاذ موقف حازم ضد المقاطعة العربية لإسرائيل , وعلي وضع قانون يحظر علي المؤسسات الخاصة في هذه الدول الخضوع لقرارات المقاطعة العربية » (2) .
يقول الدكتور القرضاوي في فتواه بمقاطعة البضائع الإسرائيلية والأمريكية: «ها نحن نري اليوم إخواننا وأبناءنا في القدس الشريف , وفي أرض فلسطين المباركة يبذلون الدماء بسخاء .. فعلينا نحن المسلمون في كل مكان - أن نعاونهم بكل ما نستطيع من قوة { وَإِنْ اسْتَنصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمْ النَّصْرُ } { وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى } .
ومن وسائل هذه المعاونة مقاطعة البضائع الإسرائيلية والأمريكية مقاطعة تامة, فإن كل ريال أو درهم أو قرش , أو فلس نشتري به سلعهم يتحول إلى رصاصة تطلق في صدور إخواننا في فلسطين .
__________
(1) «حتي تكون مقاطعة العرب لإسرائيل سلاحاً إيجابياً» - مقال عبدالمنعم سليم - مجلة الدعوة المصرية العدد (15) أغسطس 1977م.
(2) وكالات الأنباء 13/7/1991 , مجلة السنة العدد (17) سنة 1412هـ ص (52 - 53) .(1/86)
لهذا وجب علينا ألا نعينهم علي إخواننا بشراء بضائعهم ؛ لأنها إعانة علي الإثم والعدوان.
لما أسلم ثمامة بن أثال الحنفي- رضي الله عنه - ثم خرج معتمراً , فلما قدم مكة قالوا: أصبوت يا ثمامة؟ فقال: لا , ولكني اتبعت خير الدين, دين محمد, ولا والله لا تصل إليكم حبة من اليمامة حتي يأذن فيها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - , ثم خرج إلى اليمامة, فمنعهم أن يحملوا إلى مكة شيئاً , فكتبوا إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : إنك تأمر بصلة الرحم, وإنك قد قطعت أرحامنا, وقد قتلت الآباء بالسيف, والأبناء بالجوع, فكتب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إليه أن يخلي بينهم وبين الحمل » !
والبضائع الأمريكية مثل البضائع الإسرائيلية في حرمة شرائها والترويج لها , فأمريكا اليوم هي إسرائيل الثانية, ولولا التأييد المطلق والانحياز الكامل للكيان الصهيوني الغاصب لما استمرت إسرائيل تمارس عدوانها علي أهل المنطقة, ولكنها تصول وتعربد ما شاءت بمال الأمريكي, والسلاح الأمريكي, والفيتو الأمريكي .
وأمريكا تفعل ذلك منذ عقود من السنين, ولم تر أي أثر لموقفها هذا ولا أي عقوبة من
العالم الإسلامي .
وقد آن الأوان لأمتنا الإسلامية أن تقول: لا لأمريكا ولبضائعها التي غزت أسواقنا , حتي أصبحنا نأكل ونشرب , ونلبس ونركب مما تصنع أمريكا .
إن الأمة الإسلامية التي تبلغ ملياراً وثلث المليار من المسلمين في أنحاء العالم يستطيعون أن يوجعوا أمريكا وشركائها بمقاطعتها , وهذا ما يفرضه عليهم دينهم وشرع ربهم .
«فكل من اشتري البضائع الإسرائيلية والأمريكية من المسلمين فقد ارتكب حراماً, واقترف إثماً مبيناً , وباء بالوز عند الله والخزى عند الناس .
إن المقاطعة سلاح فعال من أسلحة الحرب قديماً وحديثاً , وقد استخدمه المشركون في محاربة(1/87)
النبي - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه فأذاهم إيذاءاً بليغاً , وهو سلاح في أيدي الشعوب والجماهير وحدها, لا تستطيع الحكومات أن تفرض علي الناس أن يشتروا بضاعة من مصدر معين, فلنستخدم هذا السلاح لمقاومة أعداء ديننا وأمتنا حتي يشعروا بأننا أحياء , وأن هذه الأمة لم تمت , ولن تموت بإذن الله .
علي أن في المقاطعة معاني أخري غير المعني الاقتصادي: إنها تربية للأمة من جديد علي التحرر من العبودية لأدوات الآخرين الذين علموها الإدمان لأشياء لا تنفعها , بل كثيراً ما تضرها .. وهي إعلان أخوة الإسلام , ووحدة أمته, أننا لن نخون إخواننا الذين يقدموا الضحايا كل يوم , بالإسهام في أرباح أعدائهم, وهي لون من المقاومة السلبية يضاف إلى رصيد المقاومة الإيجابية, التي يقوم بها الإخوة في أرض النبوات , أرض الرباط والجهاد .
وإذا كان كل يهودي يعتبر نفسه مجنداً لنصرة إسرائيل بكل ما يقدر عليه, فإن كل مسلم في أنحاء الأرض مجنداً لتحرير الأقصى, ومساعدة أهله بكل ما يمكنه من نفس ومال , وأدناه مقاطعة بضائع الأعداء, وقد قال تعالي: { وَالَّذِينَ كَفَرُوا بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ إِلاَّ تَفْعَلُوهُ تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الأَرْضِ
وَفَسَادٌ كَبِيرٌ } [الأنفال:73] .
وإذا كان شراء المستهلك للبضائع اليهودية والأمريكية حراماً وإثماً, فإن شراء التجار لها ليربحوا من ورائها , وأخذهم توكيلات شركاتهم أشد حرمة , وأعظم جرماً , وأعظم إثماً , وإن تخفت تحت أسماء يعلمون أنها مزورة , وأنها إسرائيلية الصنع يقيناً .
قال تعالي: { فَلا تَهِنُوا وَتَدْعُوا إِلَى السَّلْمِ وَأَنْتُمْ الأَعْلَوْنَ وَاللَّهُ مَعَكُمْ وَلَنْ يَتِرَكُمْ أَعْمَالَكُمْ } ا. هـ(1/88)
وأخيراً ... مما سبق يتضح لنا أن للنصر أسبابٌ وموانع , فعندما تأخذ الأمة بكل الأسباب وتترك كل الموانع فإننا سنسترد المسجد الأقصى وفلسطين بل لن يكون هناك شبراً واحداً من بلاد المسلمين إلا وهو تحت وطأة وسيطرة الأمة المسلمة التي نسأل الله تعالي أن يبعثها من رقدتها ويرفع عنها غفلتها هو ولي ذلك والقادر عليه .
قال تعالي: { وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ * بِنَصْرِ اللَّهِ يَنصُرُ مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ * وَعْدَ اللَّهِ لا يُخْلِفُ اللَّهُ وَعْدَهُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ }
هذا ... وبالله التوفيق
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين
كتبه
أبو عبدان
العربي بن زغلول الدسوقي السيد
فهرس المراجع
* القرآن الكريم
التفسير
تفسير الطبري - لابن جرير الطبري
تفسير القرطبي
تفسير ابن كثير
تفسير الفخر الرازي
تفسير أبي السعود
تفسير فتح القدير للشوكاني
زاد المسير - لابن الجوزي
محاسن التأويل - للبغوي
تفسير المنار - لمحمد رشيد رضا
في ظلال القرآن - لسيد قطب
أسباب النزول - للواحدي
الوجيز - للواحدي
السنة
فتح الباري بشرح صحيح البخاري
شرح صحيح مسلم للنووي
تحفة الأحوذي شرح سنن الترمذي
صحيح سنن الترمذي للألباني
صحيح سنن أبي داود للألباني
صحيح سنن النسائي للألباني
صحيح سنن ابن ماجة للألباني
مسند أحمد بن حنبل
صحيح ابن خزيمة
صحيح الترغيب والترهيب للألباني
صحيح الجامع الصغير للألباني
السلسلة الصحيحة للألباني
إرواء الغليل للألباني
شرح السنة للإمام البغوي
الموطأ للإمام مالك
معالم السنن للخطابي
الفقه وأصوله
المجموع للنووي
المغني لابن قدامة
روضة الطالبين للنووي
الأم للشافعي
مجموع فتاوي شيخ الإسلام ابن تيمية
السيل الجرار للشوكاني
الروضة الندية شرح الدرر البهية
زاد المعاد لابن القيم
إعلام الموقعين عن رب العالمين
مجموع فتاوي مقالات الشيخ ابن باز
عقيدة(1/89)
اقتضاء الصراط المستقيم لابن تيمية
شرح السنة للبربهاري
الشريعة للأجري
معارج القبول للشيخ حافظ حكمي
لا إله إلا الله للدكتور ياسر برهامي
فقه الخلاف دكتور ياسر برهامي
وجاء دور المجوس دكتور عبدالله الغريب
أمل والمخيمات الفلسطينية دكتور عبدالله الغريب
اليهود في السنة المطهرة دكتور عبدالله بن ناصر الشقاري
معركتنا مع اليهود - سيد قطب
مقارنة الأديان اليهودية - أحمد شلبي
مكائد يهودية عبر التاريخ - عبدالرحمن حنبكة
تعصب اليهود - عمر عبدالعزيز قرشي
القرآن لا يشهد للتوراة للواء د. أحمد عبدالوهاب
الحقيقة التوراتية للموقف الأمريكي
قادة الغرب يقولون دمروا الإسلام وأبيدوا أهله - جلال علي
عقيدة اليهود في تملك فلسطين وتفنيدها - عابد الهاشمي
فكر
موسوعة اليهودية والصهيونية - د. عبدالوهاب المسيري
اليهود انثروبلوجيا - د. جمال حمدان
القدس بين الوعد الحق والوعد المفتري - د. سفر الحوالي
من يحكم واشنطن وموسكو - لودنيس هافي - اعداد . زهدي الفاتح
السلام الضائع في كامب ديفيد - لمحمد كامل
كتاب الثورة - مناحم بيجن
المنظمات اليهودية الأمريكية - للي أوبرين
الجهاد لأبي الأعلى المودودي
القدس قضية كل مسلم - د. القرضاوي
تاريخ انهيار دولة إسرائيل - اللواء د. أحمد عبدالوهاب
مصر والحرب القادمة أ.د. حامد ربيع
نحو نهضة أمة - كيف نفكر استراتيجياً للواء د. فوزي طايل
فلسطيني بلا هوية - صلاح خلف
نقد الخطاب الديني - نصر أبو زيد
العسكرية العربية الإسلامية - محمود شيت خطاب
الرسول القائد - محمود شيت خطاب
الإسلام والتنمية الاقتصادية - ترجمة نبيل الطويل
النظام الاقتصادي في الإسلام - محمود الخطيب .
الأساطير المؤسسة للسياسة الإسرائيلية - روجيه جارودي
حتي تكون مقاطعة العرب لإسرائيل سلاحاً إيجابياً-مجلة الدعوة المصرية- مقال أ/عبدالمنعم سليم
صناعة الحياة - للراشد
ثقافتنا في ظل النظام العالمي - د. فوزي طايل
تاريخ(1/90)
تاريخ بغداد - للخطب البغدادي
تاريخ دمشق - لابن عساكر
سير أعلام النبلاء - للذهبي
بيت المقدس والمسجد الأقصي - لمحمد حسن شراب
الطريق إلى دمشق - أحمد عادل كمال
جهاد شعب فلسطين في نصف قرن - صالح مسعود أبو بصير
أهداف إسرائيل التوسعية - محمود شيت خطاب
ثورة العالم المجاهد عز الدين القسام - لعوني جدوع العبيدي
بطولات من أرض الإسراء - لعوني جدوع العبيدي
مذبحة الحرم الإبراهيمي - محمد عبدالله السمان
اليهود تاريخ إفساد وانحلال ودمار - د. توفيق الواعي
جمال حمدان صفحات من أوراقه الخاصة - د. عبدالحميد صالح حمدان
مجلات
مجموع مقالات نشرت بجريدة الأهرام المصرية
مجموع مقالات نشرت بمجلة التقوي
مجموع مقالات نشرت بمجلة التوحيد
مجموع مقالات نشرت بمجلة الهدي النبوي
مجموع مقالات نشرت بمجلة روز اليوسف
مجموع مقالات نشرت بمجلة آخر ساعة
مجموع مقالات نشرت بمجلة القدس
مجموع مقالات نشرت بمجلة صوت الازهر
مجموع مقالات نشرت بمجلة البيان
صحيفة نيويورك تايمز(1/91)