سبل النجاة من الفتنة
( وفيه تسعة مباحث )
المبحث الأول
الاعتصام بالكتاب والسنة
…إن الكتاب والسنة الصحيحة هما المصدر الأساسي للحق ، والمنبع الصافي لدين الإسلام ، فيهما المنهج الكامل لحياة البشر ، وهما الميزان الصحيح الذي توزن به الأقوال والأعمال والأفعال ، وبالإعراض عنهما ، والصد عن سبيلهما تقع الفتن ، وتحل الرزايا والمحن .
…ولقد تضافرت أدلة الكتاب والسنة وأقوال السلف في التنبيه على هذا الأمر العظيم ( الاعتصام بالكتاب والسنة ) ، وأن التمسك بهما سبب رئيس في النجاة من الفتن كلِّها .
…فمن أدلة القرآن على وجوب الاعتصام بالقرآن قوله - عزّ وجل - : ( واعتصموا بحبل الله جميعًا ولا تفرقوا ( (1) ، وقد جاء عن السلف تفسيرات عديدة في المراد بالحبل ، لا تعارض بينها ، ومما ذكروا في تفسير الحبل أنه القرآن (2) ، وقال الطبري عند قوله سبحانه : ( ولا تفرقوا ( : (( يعني جل ثناؤه بقوله : ( ولا تفرقوا ( ولا تتفرقوا عن دين الله وعهده الذي عهد إليكم في كتابه من الائتلاف والاجتماع على طاعته وطاعة رسوله ( والانتهاء إلى أمره )) (3) .
…وقد لخص الإمام ابن القيم - رحمه الله - حقيقة الاعتصام بالقرآن بقوله : (( وهو تحكيمه دون آراء الرجال ومقاييسهم ، ومعقولاتهم ، وأذواقهم وكشوفاتهم ومواجيدهم . فمن لم يكن كذلك فهو مُنسل من هذا الاعتصام . فالدين كله في الاعتصام به وبحبله ، علمًا وعملاً ، وإخلاصًا واستعانة ، ومتابعة ، واستمرارًا على ذلك إلى يوم القيامة )) (4) .
…وإن هذا الأمر وهو الدعوة إلى الاعتصام بالكتاب والسنة قد جاء مقررًا في القرآن بأساليب الترغيب كما في قوله سبحانه : ( وأطيعوا الله والرسول لعلكم ترحمون ( (5) ، وقوله : ( ومن يطع الله والرسول فأولئك مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقًا ( (6) .(1/1)
…ومن أسلوب الترهيب قوله - جلا وعلا - : ( وأطيعوا الله وأطيعوا الرسول واحذروا فإن توليتم فاعلموا أنما على رسولنا البلاغ المبين ( (7) .
…وقرر ربُّنا - تعالى - هذا الأمر العظيم - الاعتصام بالكتاب والسنة - بوضوح عند الحديث عن التحاكم ، وأنه يجب أن يكون إلى الكتاب والسنة ، وإلا وقعت الفتنة ، ونزلت المحنة .
…( يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ذلك خير وأحسن تأويلاً ( (8) .
…ففي هذه الآية الكريمة أمر - عزّ وجل - برد تنازع الناس كله ، في أصول الدين وفروعه إلى الكتاب والسنة ، وأن فيهما الفصل في جميع المسائل الخلافية ، وأنه لا سلامة للأمة من جميع الفتن ، وخاصة فتنة الافتراق والاختلاف إلا باتباعهما (9) .
* * *
…وكما تواترت أدلة القرآن على وجوب الاعتصام بالكتاب والسنة ، فقد جاءت كذلك أدلة السنة على هذا النحو أيضًا ، فقد ثبت في الحديث الصحيح أن الرسول ( وعظ الصحابة موعظة وجلت منها القلوب ، وذرفت منها العيون ، فقيل : يا رسول الله ، وعظتنا موعظة مودع ، فاعهد إلينا بعهد . فقال ( : (( عليكم بتقوى الله ، والسمع والطاعة ، وإنْ عبدًا حبشيًا ، وسترون بعدي اختلافًا شديدًا . فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين . عضوا عليها بالنواجذ ، وإياكم والأمور المحدثات ، فإن كلَّ بدعة ضلالة )) (10) .
…وفي الحديث الآخر : (( يا أيها الناس : إني قد تركت فيكم ، ما إن اعتصمتم به فلن تضلوا أبدًا ، كتاب الله وسنتي )) (11) .
…وفي الحديث الصحيح أيضًا : (( ألا وإني أُوتيت القرآن ومثله معه ، ألا يوشك رجل شبعان على أريكته (12) ، يقول : عليكم بهذا القرآن ، فما وجدتم فيه من حلال فأحلوه ، وما وجدتم فيه من حرام فحرموه ، وإنّ ما حرّم رسول الله ( كما حرّم الله )) (13) .(1/2)
…فهذا الحديث كله تخويف وتحذير من مغبة مخالفة سنة النبي ( مما ليس له في القرآن ذكر ، على ما ذَهَبَ إليه كثير من الفرق المبتدعة (14) ، حتى فُتنوا ، وفَتَنوا (15) .
…وكما أجمعت الأدلة من السنة على وجوب الاعتصام بالكتاب والسنة ، وعرفنا أنه بالإعراض عنهما تحصل الفتنة ، وتحل المحنة ، فقد أجمعت كذلك أقوال السلف الصالح - رحمهم الله تعالى - على وجوب الاعتصام بالكتاب والسنة ، وأن الفتنة تحدث إذا خالف الناس هذين المصدرين العظيمين .
…فهذا ابن عباس - رضي الله عنهما - يأتيه رجل ، ويقول له : أوصني ، فيقول ( : (( عليك بالاستقامة ، واتباع الأثر ، وإياك والتبدع )) (16) .
…وهذا الإمام القرطبي - رحمه الله - يقول - وهو يعلق على قوله تعالى : ( واعتصموا بحبل الله جميعًا ولا تفرقوا ( (17) - : (( أوجب تعالى علينا التمسك بكتابه ، وسنة نبيه ( ، والرجوع إليهما عند الاختلاف ، وأمر بالاجتماع على الاعتصام بالكتاب والسنة اعتقادًا وعملاً ، وذلك سبب اتفاق الكلمة ، وانتظام الشتات الذي يتم به مصالح الدنيا والدين )) (18) .
…ويقول شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - : (( يجب أن يعلم يقينًا أنه لا يسوغ لأحد كائنًا من كان ما كان يقع في قلبه من غير اعتبار بالكتاب والسنة ، وهذا مما اتفق عليه أولياء الله - عزّ وجل - ، ومَنْ خالف في هذا فليس من أولياء الله - سبحانه - الذين أمر الله باتباعهم ، بل إما أن يكون كافرًا ، وإما أن يكون مفرطًا في الجهل ، وهذا كثير في كلام المشايخ ، كقول الشيخ أبي سليمان الداراني (19) : إنه ليقع في قلبي النكتة من نكت القوم فلا أقبلها إلا بشاهدين : الكتاب والسنة )) (20) .(1/3)
…وهكذا نرى توافر الأدلة على هذا الأصل العظيم ، مما يبرهن بوضوح أنَّ المسلم لا يمكن أن ينجو من الفتن ، كلِّ الفتن ، إلا إذا تمسك بهذا الأصل ، واتخذه منهاجًا يسير عليه ، ويثبت عليه حتى الممات ، وأن الإعراض عن تحكيم هذين المصدرين العظيمين سبب كبير لحصول الفتن ، وبخاصة عند الاختلاف ، فإن مسائل النزاع التي تتنازع فيها الأمة في الأصول والفروع ، إذا لم ترد إلى الكتاب والسنة الصحيحة لم يتبين فيها الحق ، بل يصير فيها المتنازعون على غير بينه من أمرهم ، فإن رحمهم الله - تعالى - أقرَّ بعضهم بعضًا ، ولم يبغِ بعضهم على بعض ، وإن لم يرحموا وقع بينهم الاختلاف المذموم ، فبغى بعضهم على بعض ، إما بالقول مثل تكفيره وتفسيقه ، وإما بالفعل مثل حبسه وضربه وقتله ، وأيُّ فتنة أعظم من هذه الفتنة ؟!
المبحث الثاني
لزوم الجماعة
…إن من أهم الأمور التي ينجو بها المسلم من فتنة الصد عن سبيل الله - تعالى - ، وفتنة الاختلاف والتفرق لزوم الجماعة (21) ، والحذر من أسباب الفرقة والاختلاف .
…وإن في شرع ربِّنا المطهر ، المتمثل في الكتاب والسنة ما يدعو إلى لزوم الجماعة بقوة ، ويحذر من الاختلاف أيما تحذير .
…قال ربنا - عز وجل - : ( واعتصموا بحبل الله جميعًا ولا تفرقوا ( (22) ، ومما جاء في تفسير الحبل ههنا أنه : لزوم الجماعة (23) ، وقال عبدالله بن المبارك (24) - رحمه الله - :
إن الجماعة حبل الله فاعتصموا
منه بعروته الوثقى لمن دانا (25)
…وثبت في الحديث الصحيح : (( نضّر الله عبدًا سمع مقالتي هذه ، فحملها ، فرب حامل الفقه فيه غير فقيه ، ورب حامل الفقه إلى مَنْ هو أفقه منه ، ثلاث لا يغل عليهن صدر مسلم ، إخلاص العمل لله - عزّ وجل - ، ومناصحة أولي الأمر ، ولزوم جماعة المسلمين ، فإن دعوتهم تحيط من ورائهم )) (26) .(1/4)
…وثبت في الحديث الصحيح كذلك : (( إن الله لا يجمع أمتي على ضلالة ، ويد الله مع الجماعة ، ومَنْ شذّ شذّ إلى النار )) (27) .
…وفي الحديث الآخر : (( لا يجمع الله هذه الأمة على ضلالة أبدًا - قال : يد الله على الجماعة ، فاتبعوا السواد الأعظم ، فإنه من شذّ شذّ في النار )) (28) .
* * *
قال الله - تعالى - : ( ولا تكونوا كالذين تفرقوا واختلفوا من بعد ما جاءهم البينات وأولئك لهم عذاب عظيم ( (29) ، وقال سبحانه : ( إن الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعًا لست منهم في شيء إنما أمرهم إلى الله ثم ينبئهم بما كانوا يعملون ( (30) .
…يقول الحافظ ابن كثير - رحمه الله - تعليقًا على الآية الكريمة : (( والظاهر أن الآية عامة في كل من فارق دين الله ، وكان مخالفًا له ، فإن الله بعث رسوله ( بالهدى ودين الحق ، ليظهره على الدين كلِّه ، وشرعه واحد ، لا اختلاف فيه ، ولا افتراق ، فمن اختلفوا فيه وكانوا شيعًا وفرقًا كأهل الملل والنحل والأهواء والضلالات ، فإن الله قد برَّأ رسول الله ( مما هم فيه )) (31) .
…وكما جاء القرآن بالتحذير من الفرقة فقد جاء ذلك أيضًا في السنة الشريفة ، فقد ثبت في الحديث الصحيح أنه ( قال : (( من فارق الجماعة شبرًا فقد خلع ربقة الإسلام من عنقه )) (32) .
…وثبت في الحديث الصحيح كذلك : (( من فارق الجماعة فإنه يموت ميتة جاهلية )) (33) ، وفي الحديث الآخر : (( إن الله أمرني بالجماعة ، وأنه من خرج من الجماعة شبرًا فقد خلع ربقة الإسلام من عنقه )) (34) .
* * *
…وكما جاءت الآيات والأحاديث بالحث على لزوم الجماعة ، والتحذير من الفرقة ، فقد اتبع سلفنا الكرام هذا الإرشاد من الكتاب والسنة ، وحرصوا على التآلف والاجتماع حتى وإن كانوا مختلفين في مسائل يقع فيها الاجتهاد ، ولم يكن ذلك الاختلاف سبب تفرق ووحشة ، أو نزاع ومخاصمة ، أو مفاصلة وهجران ، بل بقيت الأخوة الإيمانية ، والمودة قائمة وثابتة .(1/5)
…نعم لقد كان ذلك دأب السلف الصالح ، الذين كانوا يختلفون ويتناظرون مناظرة مناصحة ومشاورة ، مع بقاء الألفة والمحبة بينهم .
…فالصحابة كم حصل بينهم من مسائل النزاع من هذا النوع في أبواب العبادات والمعاملات ؟ بل وفي مسائل قليلة من أمور الاعتقاد ، وكتب أهل العلم مليئة بالأمثلة .
…ومع ذلك لم يعرف أن ذلك كان سبب خصومة وشقاق وهجران بينهم ، وخُذْ على سبيل المثال هذه القصة التي كانت من عبدالله بن مسعود ( فإن عثمان ( لمّا أتم صلاة الظهر والعصر بمنى أربعًا قال عبدالله : لركعتان متقبلتان أحب إليّ من أربع ، ولكني أكره الخلاف في الدين ، وصلّى مع الخليفة أربعًا مع أن له مستندًا من سنة الرسول ( ، ولم يؤدِ الاختلاف بين الصحابيين إلى شقاق أو بغضاء (35) .
…ثم تأمل كذلك هذه الحادثة التي وقعت للإمام الشافعي - رحمه الله - فإنه لقي يومًا يونس الصدفي (36) - رحمه الله - فناظره في مسألة ، فافترقا ، ثم لقيه بعد ذلك ، فأخذ بيده ، وجعل يقول : ألا يستقيم أن نكون إخوانًا ، وإن لم نتفق في مسألة (37) .
* * *
…هذا وإن مما ابتليت به أمتنا اليوم ذلك التعصب الممقوت لأشخاص معينين ، ومعاداة آخين رغم أنهم من حملة الإسلام ، ودعاة القرآن ، وإن هذا لنذير هلاك إن لم ننتبه لذلك ، ونتدارك أنفسنا بالتآلف فيما بيننا ، وترك التحاسد والتباغض ، فلقد حذّر سلفنا الكرام من هذا الفعل الذميم ، والجرم الشنيع ؛ كل ذلك لما يترتب عليه من نتائج فاسدة ، وعواقب وخيمة .
…يقول شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - : (( وليس لأحد أن ينصب للأمة شخصًا يدعو إلى طريقته ، ويوالي ، ويعادي عليها ، غير النبي ( ، ولا ينصب لهم كلامًا يوالي عليه ويعادي غير كلام الله ورسوله ، وما اجتمعت عليه الأمة ، بل هذا من فعل أهل البدع الذين ينصبون لهم شخصًا أو كلامًا يفرقون به بين الأمة ، يوالون به على ذلك الكلام ، أو تلك السُنة ، ويعادون )) (38) .
* * *(1/6)
أسباب التفرق والاختلاف
…إن المتأمل في أسباب الفرقة والاختلاف يجد أن أبرزها ثلاثة أسباب : الابتداع ، واتباع الهوى ، والتعصب والتحزب .
1- الابتداع :
…والابتداع هو : ما خالف الكتاب والسنة أو إجماع سلف الأمة ، من الاعتقادات والعبادات ، وكل من دان بشيء لم يشرعه الله فذاك بدعة ، وإن كان متأولاً فيه (39) .
…وإن مما لاشك فيه أن للبدعة أثرًا كبيرًا في إلقاء العداوة ، والبغضاء بين أهل الإسلام ، ولهذا قال شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - : (( والبدعة مقرونة بالفرقة ، كما أن السنة مقرونة بالجماعة )) (40) .
…وزيادة على أن البدعة تورث العداوة والبغضاء بين الناس ، فهي تورث أهلها الخزي في الدنيا ، والعذاب في الآخرة ، قال ابن عباس - رضي الله عنهما - عند قوله - تعالى - : ( يوم تبيض وجوه وتسود وجوه ( (41) قال : (( تبيض وجوه أهل السنة والجماعة ، وتسود وجوه أهل البدعة )) (42) .
…وفي الحديث الصحيح : (( من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو ردّ )) (43) .
…وقال ابن مسعود ( : (( الاقتصاد في السنة خير من الاجتهاد في البدعة )) (44) .
…ومن هنا يتبين لنا أن البدع هي سبب كل بلاء ، وعلة كل فتنة ، فقد كان المسلمون أمة واحدة ، وجماعة واحدة ، متآلفين على عقيدة واحدة ، ومنهج واحد ، على أيام رسول الله ( ثم في خلافة أبي بكر وعمر ، وبعد مقتل الخليفة الثاني بدأت الفتنة تطل برأسها ، ولا زال أهل الشر يسعون في الغواية حتى قُتل عثمان ( فتوالت الفتن ، وتتابعت ، وبدأت فرق الأهواء والبدع في الظهور (45) ، فتفرقت الكلمة ، وبدأ الانشقاق عن جماعة المسلمين ، ولا حول ولا قوة إلا بالله !
2- اتباع الهوى :
…وهو في اللغة : (( محبة الإنسان للشيء ، وغلبته على قلبه )) (46) .
…وفي الاصطلاح : (( ميلان النفس إلى ما تستلذه من الشهوات من غير داعية الشرع )) (47) .(1/7)
…واتباع الهوى من أهم أسباب نشأة كثير من الفرق الضالة ، والطوائف المنحرفة ، لأن أصحاب هذه الفرق قدّموا أهواءهم على الشرع أولاً ، ثم حاولُوا جاهدين أن يستدلوا بالشريعة على أهوائهم ، وحرفوا النصوص والأدلة لتوافق ما هم عليه من البدع ، فلم يأخذوا الأدلة الشرعية مأخذ الافتقار إليها ، بل اعتمدوا على آرائهم وعقولهم في تقرير ما هم عليه ، ثم جعلوا الشريعة مصدرًا ثانويًا ، نظروا فيها بناءً على ما قرروه وأصلوه ، ولأجل ذلك كان السلف يطلقون على أهل البدع ، وفرق الضلال لفظة (( أهل الأهواء )) (48) .
…وإن جميع البدع والمعاصي التي تنشر في المجتمعات إنما تنشأ من تقديم هوى النفس على ما في كتاب الله - تعالى - وسنة رسوله ( ولذا جاء التحذير في الكتاب والسنة من اتباع الهوى ، فقال سبحانه : ( ومن أضل ممن اتبع هواه بغير هدى من الله إن الله لا يهدي القوم الظالمين ( (49) ، وقال : ( ولا تتبع الهوى فيضلك عن سبيل الله إن الذين يضلون عن سبيل الله لهم عذاب شديد بما نسوا يوم الحساب ( (50) .
…وثبت في الحديث الصحيح : (( اللهم إني أعوذ بك من منكرات الأخلاق والأعمال والأهواء )) (51) .
…وفي الحديث الآخر : (( إن مما أخشى عليكم بعدي بطونكم وفروجكم ومضلات الأهواء )) (52) .
…حقًّا إن الهوى أصل كل شر ، وأساس كل بلوى ، وإحداث في الدين على غير منهج قويم ، ولا طريق مستقيم ، ومن هنا يتبين لنا أن اتباع الهوى مما يوقع في الفرقة والاختلاف والخروج عن الجماعة التي أُمر الإنسان بلزومها ، وخاصة فيما يتعلق باتباع الهوى في الديانات ، ولهذا قال شيخ الإسلام ابن تيمية : (( واتباع الأهواء في الديانات أعظم من اتباع الهوى في الشهوات )) (53) .(1/8)
…وكان اتباع الهوى موجبًا للفرقة والاختلاف لأنه خروج عن الالتزام بالكتاب والسنة ، وإخراج المرء من اتباع الهوى من أعظم مقاصد الشريعة ، (( فإن المقصد الشرعي من وضع الشريعة إخراج المكلف عن داعية هواه حتى يكون عبدًا لله اختيارًا كما هو عبدالله اضطرارًا )) (54) (55) .
3- التعصب والتحزب :
…وأعني بالتعصب أن يجعل العبد ما يصدر عن شخص ما من الرأي والاجتهاد حجة عليه وعلى سائر العباد .
…وأعني بالتحزب : التجمع لشخص أو طائفة أو نحوهما ، والاعتقاد أنهم على حق ، وغيرهم على باطل .
…والتعصب والتحزب شيمتان من شيم الضعف ، وخلتان من خلل الجهل ، يبتلي بهما الإنسان ، فتعميان بصره ، وتغشيان على عقله ، فلا يرى حسنًا إلا ما حسن في رأيه ، ولا صوابًا إلا ما ذهب إليه ، أو من يتعصب ويتحزب له .
…ولهذا ذمَّ الله - تعالى - ورسوله ( هذه الخصلة ، وحذَّرا منها أيما تحذير ، قال سبحانه : ( وإذا قيل لهم اتبعوا ما أنزل الله قالوا بل نتبع ما ألفينا عليه أباءنا أوَلو كان آباؤهم لا يعقلون شيئًا ولا يهتدون ( (56) ، وقال : ( وإذا قيل لهم آمنوا بما أنزل الله قالوا نؤمن بما أنزل علينا ويكفرون بما وراءه وهو الحق مصدقًا لما معهم ( (57) .
…وثبت في السنة الشريفة أن عدي بن حاتم (58) ( قال : أتيت رسول الله ( وفي عنقي صليب من ذهب ، فقال لي : (( اطرح هذا الوثن من عنقك )) ، قال : فطرحته . قال : وانتهيت إليه وهو يقرأ سورة براءة ، وقرأ هذه الآية : ( اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابًا من دون الله ( (59) . قال : فقلت : يا رسول الله ، إنا لسنا نعبدهم . قال : (( أليس يحرمون ما أحل الله ، فتحرمونه ، ويحلون ما حرم الله فتستحلونه )) ؟ قال : قلت : بلى . قال : (( فتلك عبادتهم )) (60) .
* * *(1/9)
…هذا وإن مما يؤلم القلوب ، ويقطع الظهور هذا الخلاف الواقع بين كثير من المنتسبين للإسلام ، حين غرهم الشيطان ، وضحك عليهم ، فزين لهم الاقتتال فيما بينهم بحرب كلامية ، لا تزيدهم إلا تباغضًا وحقدًا ، وأشغلهم عن النظر في أمور المسلمين ، فلم تؤلمهم دماء الأبرياء من المسلمين ، التي تنزف تحت براثن القهر الكافر ، ولم تقض مضاجعهم أعراض المسلمين التي تنتهك تحت وطأة المجرمين ، ولم يوجع قلوبهم تفشي الجهل في كثير من المنتسبين إلى الإسلام !
…أقول : هذا الخلاف الواقع بين أولئك قد علا سهمه ، وراج سوقه ، ونفقت بضاعته ، رغم أنه خلاف في مسائل اجتهادية ، يعذر المخالف فيها (61) .
…ولقد وُجِد في زماننا هذا أناس قد غرهم الشيطان ، وزين لهم أعمالهم ، فهم يعمهون !
…أناس سموا أنفسهم بالسلفيين ، ورموا غيرهم بالابتداع ، ووصفوهم بالأوصاف السيئة ، والخصال الشنيعة ، ممن لا يصدق عليهم هذا الوصف مطلقًا ، فنشأت عن ذلك حزبية ممقوتة ، وتصعب مذموم ، لا تزال آثارها الموجعة ، تعصف بأبناء الأمة إلى وقتنا هذا !
…وكان مما آلمني وأثار أشجاني وآلامي أنني قابلت أحد السالكين لهذا المسلك المشين ، فحدثني ، وحدثته ، ولم أكن أعرف سلوكه هذا إلا بعد أن أنكر عليَّ أني أحمل بين يدي كتابًا لداعية من أكبر دعاة الإسلام في هذا العصر (62) ، وكأنه مبتدع من أكبر مبتدعي هذا الزمان ، ولم يكن إنكاره عليَّ لشيء إلا لأن شيوخه الذين يتسمون بالسلفيين لا يحبونه ، ولا يقرأون له ، يفعل ذلك رغم أن السَّلف حذَّروا من محاكاة الرجال في اعتقاداتهم وأقوالهم ، وإن كانوا مشهورين (63) .(1/10)
…ولابد من الإشارة هنا إلى أنه وإن وردت كلمة ( السلفية ) في الآثار إلا أنها إذا استخدمت للتحزب والتعصب إلى فريق معين فإنها تكون ممقوتة في الشرع ، فقد جاء في السيرة في أحد مغازي النبي ( أنه اقتتل غلامان : غلام من المهاجرين ، وغلام من الأنصار ، فنادى المهاجر : يا لَلمهاجرين ، ونادى الأنصاري : يا لَلأنصاري ، فخرج رسول الله ( فقال : (( ما هذا ، دعوى أهل الجاهلية ؟! دعوها فإنها منتنة )) (64) ، مع أن هذين الاسمين (المهاجرين والأنصار) جاء بهما القرآن ، وهما محبوبان لله - تعالى - ولرسوله ( ولمَّا استخدما لنوع من العصبية صار ذلك من فعل الجاهلية ، وأخبر - عليه الصلاة والسلام - أن هذه الدعوى منتنة؛ لأنها تدعو إلى التفرق والتفكك (65).
…وقريب من هذا ما حصل لابن عباس - رضي الله عنهما - حسن سُئل : أأنت على ملة عليّ ، أو على ملة عثمان ؟ فقال : لستُ على ملة علي ولا على ملة عثمان ، بل أنا على ملة رسول الله ( (66) .
* * *
…ولقد كان من آثار ذلك التحزب الممقوت أنه نشأ فئام من الناس ، غَلَوا في طائفة من العلماء ، وأعرضوا بكليتهم عن جمع من العلماء والدعاة والمصلحين ، من أولئك الرجال الذين يستنار بأقوالهم ، ويستفاد من فهومهم ، وما ذاك إلا من تلبيس الشيطان عليهم ، ثم إن شيوخ هؤلاء لو كانوا عقلاء حقًا لأنكروا عليهم هذا الفعل الذميم ، كما كان السلف يفعلون ذلك ، فهذا عمر بن الخطاب ( يقول على المنبر : (( إذا أصبت فأعينوني ، وإذا أخطأت فقوموني )) . فقاله له رجل من بين الناس : (( إذا أخطأت قومناك بسيوفنا )) ! يقول عمر ما قال ، ويرضى بالرد ، لأنه لا يرضى بتعبيد الناس للناس ، ومصادرة عقولهم ، وتغييبها عن الساحة ، بل يطالبهم بالمشاركة ، والناس لا يرضون بالتبعية والعجز ، وهكذا تبنى الأمم .(1/11)
…وإن من المؤسف جدًا أنه بلغ من جراء ذلك التحزب لطائفة معينة أن بعضهم قد ضحك الشيطان عليهم ، فتركوا الاشتغال بعيوب أنفسهم ، وصار همهم الأوحد ، وشغلهم الشاغل أن ينصبوا شباكهم لرجال من علماء الإسلام ودعاته ، قد سخروا جهودهم وطاقاتهم لخدمة الإسلام وأهله ، فأخذ هؤلاء يرمونهم بأبشع الألفاظ ، وأخس الأفعال ، بل لقد بلغ بهم الخذلان من الله - تعالى - أنهم أخذوا يطلقون لفظ ( الكفر ) على هؤلاء العلماء والدعاة - عياذًا بالله تعالى - .
…وهذا والله من أعظم البلاء الذي أصيب به بعض الناس في هذا العصر ، وإنَّ رمي الإنسان بالكفر وهو منه براء جرم عظيم ، وخطر كبير ، ذلك لأن من رمى أحدًا بالكفر وهو منه بريء - رجع عليه - ولربما خُتم له بالسوء ، فمات كافرًا - نعوذ بالله تعالى - من هذه الحال .
…ومن هنا فإن ينبغي أن يفهم جيدًا أنه ليس من حق كل أحد أن يطلق التكفير ، أو يتكلم بالتكفير على الجماعات ، أو على الأفراد ، إذ هو من صلاحيات أهل العلم ، الراسخين فيه ، الذين يعرفون الإسلام ونواقضه ، ويدرسون واقع الناس والمجتمعات ، هؤلاء هم أهل الحكم بالتكفير ، أما الجهال ، وأفراد الناس ، وأنصاف المتعلمين فلا يجوز لهم التكفير ، وإن لم يتوبوا من هذا الفعل فهم على خطر عظيم (67) .
المبحث الثالث
قتال من يحاول فتنة المسلمين عن دينهم
…إن الجهاد في سبيل الله - تعالى - ليس من الأمور الاختيارية التي يسع المسلمين تركها ، ولا لهم مندوحة في عدم أدائها ، ولكنه قاعدة عريضة من قواعد الدين ، ومطلب من متطلباته الحتمية ، وهي أساس عز المسلمين ، وفلاحهم في الدنيا والآخرة .(1/12)
…ولو أن الأمة الإسلامية تقاعست عن الجهاد ، وفضلت السلامة ، وأخلدت إلى الراحة ، وركنت إلى الدعة ، واستبدلت الجهاد بالقصور والانكباب على الملذات والشهوات لسلط الله عليها أعداءها ، فأذاقوها لباس الذل والهوان ، والخوف والبؤس ، وهذه كلها داخلة في الفتنة المذكورة مرتين في قوله تعالى : ( والفتنة أشد من القتل ( (68) ، ( والفتنة أكبر من القتل ( (69) .
…وما حصل هذا الذل الذي تعيشه الأمة اليوم من تسلط الأعداء ، وشماتة الخبثاء إلا لأنها تركت هذا الواجب العظيم في دينها ، هذا الواجب الذي إذا قام به المسلمون خير قيام اندفعت عنهم مكائد الكافرين ، ونالوا بذلك العزة في الدنيا والآخرة : ( إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة يقاتلون في سبيل الله فيقتلون ويقتلون وعدًا عليه حقًا في التوراة والإنجيل والقرآن ومن أوفى بعهده من الله فاستبشروا ببيعكم الذي بايعتم به وذلك هو الفوز العظيم ( (70) .
…لقد أبلى رسول الله ( وأصحابه في قتال الكفار بلاءً حسنًا ، حتى أظهر الله - تعالى - دينه ، ونَعِمَ الخلق بحكم القرآن ، وعدل المسلمين ، وانكسرت شوكة الكفر ، واختفى أهل الباطل ، وزالت العوائق كلُّها ، وصارت كلمة الله - تعالى - هي العليا ، والقوة تحميها وتسندها ، وكلمة الباطل هي السفلى ، وأهلها مخذولون .
…ولقد استغرق القرآن الكريم والسنة الشريفة في توضيح هذا المعنى ، ولم يتركا مزيدًا عليه .
…فلماذا كل هذا الاعتناء بهذه الشعيرة الإسلامية ؟
…لماذا هذا الاهتمام البالغ ، والعناية الكبيرة بأمر الجهاد ؟
…ذلك لأن المجتمع المسلم ذا الطبيعة الرسالية مهدد بنزول الفتنة في صفوفه ، وبالتدهور من أركانه نحو نهايته ، وبسوء المصير حين يفتر أو يغفل عن الجهاد في سبيل الله - عزّ وجل - .(1/13)
…نعم إن الجهاد في الإسلام هو أساس قوة الأخلاق والسلوك ، وأساس قوة التربية والإيمان ، وأساس قوة الدولة والسياسة ، كما أنه أساس قوة المجتمع المسلم النفسي والمعنوي .
…الجهاد في سبيل الله (( هو الفِكرة المصلِحة ، تريد أن تضرب في الأرض وتعمل )) (71) .
الهدف من قتال الكفار (72)
…المتأمل في الهدف الذي شرع له القتال في الإسلام يجد أنه لا يخرج عن هدفين رئيسين :
…1- دفع الأذى والفتنة عمن يعتنقون هذا الدين ، ويعلنون تحررهم من حاكمية الإنسان ويرجعون بعبوديتهم لله وحده ، ويخرجون من العبودية للعبيد في جميع الصور والأشكال ، فهذا لا يتم إلا بوجود عصبة مؤمنة ذات تجمع حركي تحت قيادة تؤمن بهذا الإعلان العام ، وتنفذه في عالم الواقع ، وتجاهد كل طاغوت يعتدي بالأذى والفتنة على معتنقي هذا الدين ، أو يصد بالقوة ، وبوسائل الضغط والقهر والتوجيه من يريدون اعتناقه .
…وجعل الله - عز وجل - الغاية من القتال زوال الفتنة عن الدين ؛ لأن القيمة للعقيدة ، والقتال من أجلها ، والموالاة والمعاداة في سبيلها ، والجناية على العقيدة أشد من الجناية على النفس والمال والوطن ، ولهذا لا تجوز مسالمة الجاني على العقيدة بمختلف المطاعن ، في أي وسيلة من وسائل الشر الظاهر أو الدس الخفي في وسائل التعليم ، وإن أبدى المسالمة والمصادفة في الأمور السياسية رعاية لمصالحه ، فإنه لا يجوز للقيادة الإسلامية تركه يستجم ، وينمو على حساب العقيدة أبدًا .
…ومن كانت غضبته لمصالحه أو كرامته الشخصية أشد من غضبته للدين فليس من الله في شيء ، حيث لا يغضب إلا لنفسه ، ويسالم الجاني إذا تملَّقه .(1/14)
…إن الواجب على كل مسلم التمعن في حقيقة قوله - عزّ وجل - : ( والفتنة أشد من القتل ( (73) ، والتمعن أيضًا في سبب عداوة الكافر والملحد والمنافق للدين بقوله تعالى : ( ولا يزالون يقاتلونكم حتى يردوكم عن دينكم إن استطاعوا ( (74) فإنهم لا يتركون حرب المسلمين بجميع أنواع الحرب الكاوية والباردة ، الحرب الفكرية والعسكرية حتى يردوا من استطاعوا ردته عن دينه شيبًا وشبابًا ، رجالاً ونساءً (75) .
…نعم إن قتال هؤلاء الكفار حماية للأرواح والأموال من القتل والنهب ، وحماية للدين والعقيدة من أن تحرف ، أو تغير وتُبدل .
…حماية للأرواح من القتل والإزهاق ، وحماية للأموال والممتلكات من الإتلاف ، وأهم من ذلك كله حماية العقيدة التي يحملها المسلمون في قلوبهم ، ويدخل في حماية العقيدة إزالة الضغوط والحواجز التي تحول بين الناس والإسلام . وإن تلك الضغوط والحواجز كانت ولا تزال قائمة في كثير من البلاد ، سواء تمثلت في أوضاع وأنظمة قائمة على الكفر والجاهلية ، مسيطرة على الحياة العامة ، يتربى عليها الناس ، أو تمثلت في قوانين تمنع من الدخول في الإسلام ، أو تمثلت في تعذيب من أسلم ، وإكراهه على الردة .
…فرفع راية الجهاد إذًا هو تحرك عملي مشروع لرفع هذه الفتنة ، وإزالتها بالكلية ، أو تخفيفها والحد منها (76) .
…2- تحطيم كل قوة في الأرض تقوم على أساس عبودية البشر للبشر في صورة من الصور ، لضمان الهدف الأول ، ثم لإعلان أُلوهية الله - تعالى - وحدها في الأرض كلِّها ، بحيث لا تكون هناك دينونة إلا لله وحده ، وتحطيم مملكة البشر لإقامة مملكة الله - تعالى - في الأرض ، أو بالتعبير القرآني الفريد : ( وهو الذي في السماء إله وفي الأرض إله ( (77) .
( إن الحكم إلا لله أمر ألا تعبدوا إلا إياه ذلك الدين القيِّم ( (78) (79) .(1/15)
…وإذا تقرر في أذهاننا هذان الهدفان الرئيسان من قتال الكفار ، فينبغي أن يتقرر في أذهاننا أيضًا أن القتال في الإسلام لا يعني فقط قتال من يحاول الفتنة ، بل إن من حق الإسلام المطلق أن ينطلق في الأرض كلِّها لتحرير البشرية من العبودية للعباد ، وردها إلى الله - تعالى - وحده حيثما كان ذلك ممكنًا له .
…وإذا ألغينا هذا المبدأ الحق فإن دين الله - عزّ وجل - يفقد حقّه في أن يزيل العقبات المادية عن طريق الدعوة ، ويفقد كذلك جديته وواقعه في مواجهة الواقع البشري بوسائل مكافئة له في مراحل متعددة ، بوسائل متجددة ، ويصبح عليه أن يواجه القوى المادية بالدعوة العقيدية ، وهو هزال لا يرضاه الله - تعالى - لدينه في هذه الأرض .
…وإن مما يؤكد هذه الحقيقة - أعني حقيقة أن القتال في الإسلام ليس دفاعًا فقط - أنه لم يكن أحد من الصحابة والسلف الكرام يُسأل عما أخرجه للجهاد فيقول : خرجنا ندافع عن وطننا المهدد ، أو نَصُدُّ عدوان الفرس أو الروم علينا نحن المسلمين ، أو خرجنا نوسِّع رقعتنا ، ونستكثر من الغنيمة ، لقد كانت قولتهم في هذا هي قولة ربعي بن عامر (80) ( لما سُئل عما جاء به ومن معه قبل أن يدخلوا معركة القادسية (81) ، قال : (( الله جاء بنا ، وهو بعثنا لنخرج من يشاء من عباده من ضيق الدنيا إلى سعتها ، ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام ، فأرسلنا بدينه إلى خلقه لندعوهم إليه ، فمن قبل منا قبلنا منه ، ورجعنا عنه ، وتركناه وأرضه دوننا ، ومن أبى قاتلناه حتى نفضي إلى الجنة أو الظفر )) (82) .
* * *
…وهاهي الآيات القرآنية تتوالى في تقرير ما تقدم من الهدف من قتال الكفار ، وأنه خشية الفتن والمحن التي تلحق بالمؤمنين بسبب الكفار لو تُركوا من غير قتال ، يقول سبحانه :
…( وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله ، فإن انتهوا فإن الله بما يعملون بصير ( (83) .(1/16)
…وقال سبحانه : ( قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر ولا يحرمون ما حرم الله ورسوله ولا يدينون دين الحق من الذين أوتوا الكتاب حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون ( (84) .
…إن هذه الآيات الكريمة تقرر بوضوح مبررات مطاردة الشياطين ، ومناهج الشياطين ، وتحطيم سلطان البشر الذي يتعبد الناس ، والناس عبيد لله - تعالى - وحده ، لا يجوز أن يحكمهم أحد من عباده بسلطان من عند نفسه ، وبشريعة من هواه ورأيه .
…نعم إن كل جماعة أو دولة أو نحوهما ممن يريد أن يقطع الصلة بين الناس وربهم - جل وعلا - لابُد أن يقاتلوا حتى لا يخرجوا الناس من هذا الدين الذي يصل بين الإنسان وربه بالعبودية الخالصة ، والطاعة المطلقة (85) . وإن الذي يعنيه قوله - جل وعلا - في آية الأنفال السابقة ( ويكون الدين كله لله ( هو إزالة الحواجز المادية ، المتمثلة في سلطان الطواغيت ، وفي الأوضاع القاهرة للأفراد ، فلا يكون حينئذٍ سلطان في الأرض لغير الله ، ولا يدين العباد يومئذٍ لسلطان قاهر إلا سلطان الله - عزّ وجل - فإذا أُزيلت هذه الحواجز المادية ترك الناس أفرادًا يختارون عقيدتهم فرارًا من كل ضغط.
…وإن البشرية كل البشرية لن تنال الكرامة التي وهبها الله - تعالى - لها ، ولن يتحرر الإنسان من الأرض إلا حين يكون الدين كله لله - تعالى - فلا تكون هنالك دينونة لسلطان سواه ، ولهذه الغاية الكبرى تقاتل العصبة المؤمنة :
…( حتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله ( .
…فمن قَبِل هذا المبدأ ، وأعلن استسلامه له قَبِل المسلمون إعلانه هذا واستسلامه ، ولم يتفشوا عن نيته ، وما يخفي صدره ، وتركوا هذا لله الذي يعلم خائنة الأعين ، وما تخفي الصدور :
…( فإن انتهوا فإن الله بما يعملون بصير ( .
تنبيه لابد منه(1/17)
…لقائل أن يقول : إذا كانت فتنة الكفار تندفع بقتالهم وجهادهم ، فلماذا لم يفعل ذلك المسلمون في صدر الإسلام في مكة ، رغم اشتداد المحنة ، وتفاقم الفتنة ؟
…والجواب على ذلك يمكن إيجازه في سبعة أمور (86) :
…1- أن الكف عن القتال في مكة ربما كان لأن الفترة المكية كانت فترة تربية وإعداد ، في بيئة معينة ، لقوم معينين ، ومن أهداف التربية في مثل هذه البيئة تربية الفرد على الصبر على ما لا يصبر عليه عادة من الضيم حين يقع عليه ، أو على من يلوذون به .
…2- أن الدعوة السليمة كانت أشد أثرًا ، وأنفذ في مثل بيئة قريش ذات العنجهية ، والشرف ، والتي قد يدفعها القتال معها في مثل هذه الفترة إلى زيادة العناد ، ونشأة ثارات دموية .
…3- لاجتناب إنشاء معركة ومقتلة داخل كل بيت ، إذا لم تكن هنالك سلطة نظامية عامة هي التي تعذب المؤمنين ، وإنما كان ذلك موكولاً إلى أولياء كل فرد ، ولو أذن بالقتال لوقعت معركة ومقتلة في كل بيت ، ثم يقال : هذا هو الإسلام .
…4- لما يعلمه الله - عزّ وجل - من أن كثيرين من المعاندين الذين يفتنون المسلمين عن دينهم ، ويعذبونهم هم أنفسهم سيكونون من جند الإسلام المخلصين .
…5- لأن النخوة العربية في بيئة قبلية من عادتها أن تثور للمظلوم الذي يحتمل الأذى ، وبخاصة إذا كان الأذى واقعًا على كرام الناس فيهم (87) .
…6- لقلة عدد المسلمين حينذاك ، وانحصارهم في مكة ، وفي مثل هذه الحالة قد تنتهي المعركة المحدودة إلى قتل المجموعة المسلمة القليلة ، ولا يقدم للإسلام في الأرض نظام ، ولا يوجد له كيان واقعي ، وهو دين جاء ليكون منهج حياة ، ونظام دنيا وآخرة .
…7- أنه لم تكن هناك ضرورة قاهرة ملحة ، لتجاوز هذه الاعتبارات كلِّها ، والأمر بالقتال ، ودفع الأذى ؛ لأن الدعوة قائمة ، وقائد الدعوة موجود ممكن له ، لم يجرؤ أحد على منعه من إبلاغ دعوته ، وإعلانها في ندواتهم ، وتجمعاتهم .(1/18)
…فهذه الاعتبارات كلها كانت بعض الأسباب التي دعت المسلمين للكف عن القتال في بداية الدعوة في مكة ، وحثهم على إقام الصلاة ، وإيتاء الزكاة ، لتتم تربيتهم ، وإعدادهم ، وليقف المسلمون في انتظار أمر القيادة في الموقف المناسب ، وليخرجوا أنفسهم من المسألة كلِّها ، فلا يكون لذواتهم فيها حظ ، لتكون خالصة لله ، وفي سبيل الله ، والله أعلم .
المبحث الرابع
الصبر
…من أعظم الأسلحة النافعة في أيام الفتن والمحن سلاح (( الصبر )) .
…الصبر أمام الفتن التي يتميز بسببها الصادقون من الكاذبين ، والمؤمنون من المنافقين ، والطيبون من الخبيثين .
…الفتن التي من صبر علها كانت رحمة في حقه ، ونجا بصبره تجاهها من فتنة أعظم منها ، ومن لم يصبر عليها وقع في فتنة أشد منها (88) .
…نعم .. إن الصبر أمام الفتن تربية للنفوس ، وإعداد لها كي لا تطير شعاعًا مع كل نازلة ، ولا تذهب حسرة مع كل فاجعة ، ولا تنهار جزعًا أمام الشدة . إنه التجمل والتماسك والثبات حتى تنقشع الغاشية ، وترحل النازلة ، ويجعل الله - تعالى - بعد عسر يسرًا (89) .
الصبر مفتاح ما يُرجّى
وكل صعب به يهونُ
فاصبر ، وإن طالت الليالي
فربّما أسلس الحرُون (90)
وربّما نيل باصطبار
ما قيل هيهات لا يكونُ (91)
…وقد أحسن من قال :
فاصبر فإنك في النوازل رائد
والدرب نعلم شائك وطويلُ
فالصبر روضات لأبناء الهدى
ولجنة الرحمن تلك سبيلُ (92)
المقصود بالفتنة التي يقف المسلم تجاهها بالصبر(1/19)
…المقصود بالفتنة التي يقف المسلم تجاهها بسلاح الصبر هي تلك الفتنة ، وذلك الابتلاء الذي لا يقدر على إزالته بنفسه (93) ، وذلك مثل المصائب التي تصيب المسلم في بدنه ، أو أهله ، أو ما يحل بالبلاد الإسلامية من حروب طاحنة ، وكوارث مدمرة ، وهجوم من أعداء الله - تعالى - على الإسلام وأهله ، وكذا ما يسعى إليه العدو الكافر بمعسكراته الصليبية والصهيونية والعلمانية من محاولات سريعة ماكرة لتدمير البلاد الإسلامية ، وتقويض مقوماتها الدينية والعسكرية والاقتصادية ونحو ذلك من ابتلاءات وفتن .
…ويدخل في الفتنة التي يجب أن يقف المسلم تجاهها بسلاح الصبر ما يقدر الإنسان على إزالته بنفسه ، لكنه يحتاج إلى مقاومة الصراع والكيد الذي يبذله إبليس وأعوانه من شياطين الإنس والجن لإضلال البشر ، وهي فتنة المعصية .
…ومن هنا فإنه يمكن أن يقال على سبيل المثال ، إن من الفتن التي ينبغي مواجهتها بسلاح الصبر (( المعصية )) ؛ إذ إن النفس البشرية ميالة إلى الشهوات ، فإذا قهرها الإنسان بالصبر عنها نجا ، وإلا وقَعَ في شر عظيم ، وبلاء عريض ، ولهذا نجد أبا طالب المكي (94) صاحب كتاب (( قوت القلوب )) يقول : (( واعلم أن كثرة معاصي العباد في شيئين : قلة الصبر عما يحبون ، وقلة الصبر عما يكرهون )) (95) .
…وإن من أهم المعاصي التي ينبغي التنبه لها ، والحذر منها ، ومقاومتها بسلاح الصبر تفشي المنكرات ، والمجاهرة بالفسق والفساد ، حتى إنه ليصبح المتمسك بالسنة ، الصابر على الدين مثل الممسك بالجمر ، يشعر بحرارتها ، وإحراقها ، ويهمُّ في كل لحظة بتركها وإلقائها .
…وفي الحديث أنه ( قال : (( يأتي على الناس زمان ، الصابر فيهم على دينه كالقابض على الجمر )) (96) .(1/20)
…وفي الحديث الآخر : (( ويل للعرب من شر قد اقترب ، فتنًا كقطع الليل المظلم ، يصبح الرجل مؤمنًا ، ويمسي كافرًا ، يبيع قوم دينهم بعرض من الدنيا قليل ، المتمسك يومئذٍ بدينه كالقابض على الجمر ، أو قال : على الشوك )) (97) .
…ومعنى الحديث : (( كما أنه لا يمكن القبض على الجمرة إلا بصبر شديد ، وتحمل غلبة المشقة ، كذلك في ذلك الزمان لا يُتصور حفظ دينه ، ونور إيمانه إلا بصبر شديد عظيم ، وتعب جسيم )) (98) .
…ومن المعاصي الفاتنة التي يجب مواجهتها بالصبر ما يكون ميسرًا فعله كمعاصي للسان من الغيبة والنميمة ، والكذب ، والمراء ونحوها ، فإن الصبر على مثل هذه المعاصي أثقل ، وقد يرى الإنسان يلبس حريرًا فيستنكر ذلك ، ويغتاب أكثر نهاره ، فلا يستنكر ذلك ، فأي فتنة أعظم من هذه الفتنة ، وأي صبر أعظم من الصبر عن مثلها (99) .
…هذا فضلاً عن المعاصي الأخرى التي عمت وطمت هنا وهناك (100) ، ولا حول ولا قوة إلا بالله .
* * *
…ومن الفتن التي لابد للإنسان أن يقف أمامها بسلاح الصبر فتنة الدنيا وزينتها ، تلك الفتنة التي إذا أقبلت على الإنسان أخذت بمجامع قلبه ونفسه ، ولم يسلم منها إلا منتبه متيقظ . إنها الفتنة بالسراء لا بالضراء ، وبالمغنى لا بالفقر ، وقد قال سبحانه : ( ونبلوكم بالشر والخير فتنة ( (101) .
…نعم إن المؤمن محتاج إلى الصبر على فتن الدنيا وشهواتها ، فلا يطلق لنفسه العنان للجري وراء شهواتها .. فإنه إن لم يضبط نفسه عن الاسترسال ، والركون إليها ، والانهماك فيها أخرجه ذلك إلى البطر والطغيان ، فوقع في الفتنة .
…ولهذا قال بعض الصالحين : البلاء يصبر عليه المؤمن والعوافي (102) لا يصبر عليها إلا صدّيق (103) .
…وقال أحدهم : الصبر على العافية أشد من الصبر على البلاء ، ولما فُتحت أبواب الدنيا على الصحابة الأبرار ( قال بعضهم : (( ابتلينا بفتنة الضراء فصبرنا ، وابتلينا بفتنة السراء فلم نصبر )) (104) .(1/21)
…ومن الصبر على فتن الدنيا الصبر على التطلع إلى دنيا الآخرين ، والاغترار بما ينعمون به من مال وبنين ، وبخاصة الطغاة المغرورين منهم ، فإن ما في أيديهم إنما ظاهره نعمة ، وباطنه نقمة :
…( ولا تمدن عينيك إلى ما متعنا به أزواجًا منهم زهرة الحياة الدنيا لنفتنهم فيه ورزق ربك خير أبقى ( (105) .
…نعم إنه لابد من الصبر على ما يفعله بعض الحكام - وخاصة في هذا الزمان - من محاولة لإغراء العلماء والدعاة بالمال والمنصب والجاه وسائر الحظوظ الدنيوية لصرفهم عما هم عليه ، لابد هنا من الصبر ومقاومة الإغراء ، ولابد كذلك إذا استعلى العالم أو الداعية على الإغراء المادي أن يصبر على التهديد والتخويف والتضييق ، ولربما أخرج من بلده ، أو قُتل ، أو أُوذي في نفسه وأهله وماله ، ولابد من احتمال هذا الأذى أيضًا في سبيل الله - تعالى - .
…ولابد كذلك من الصبر على الفتنة التي تصيب الإنسان في نفسه أو ماله أو ولده أو دعوته ، قال سبحانه : ( ولنبلونكم بشيء من الخوف والجوع ونقص من الأموال والأنفس والثمرات وبشر الصابرين . الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون ( (106) .
…فالفتنة هنا فتنة عامة ، تصيب القلوب بالخوف ، والبطون بالجوع ، والأموال بالنقص ، والأنفس بالموت ، والثمرات بالآفات .
…ولقد ضرب الله - عز وجل - في القرآن أمثلة ، هي زاد لكل من ابتلي بمثل هذه الأمور ، لأن يواجهها بسلاح الصبر ، كيف لا وهي أمثلة من واقع حياة الأنبياء ، أفضل الخلق على الإطلاق .
…فحين أخبرنا الله - عزّ وجل - عن نبيه أيوب - عليه الصلاة والسلام - لما ابتلاه بالمرض بين لنا أنه واجه هذه الفتنة بسلاح الصبر ، فقال سبحانه : ( إنا وجدنا صابرًا نعم العبد إنه أواب ( (107) .
…ولما ابتُلي يعقوب - عليه الصلاة والسلام - بفراق ابنه ، وقرة عينه يوسف ( اعتصم بالصبر ، فقال : ( فصبر جميل والله المستعان على ما تصفون ( (108) .(1/22)
…اعتصم بالصبر ، ولجأ إلى الله - عزّ وجل - لأن تلك المؤامرة لم تكن من أعداء غرباء ، أو قطاع وطريق أشقياء ، إذ لو كان الأمر كذلك لهان الخطْب ، ولَسهلت المصيبة ، لكن المكر والكيد والخداع جاء من إخوة لأخيهم ، والكذب من أبناء على أبيهم ، وقد قيل :
وظلم ذوي القربى أشد مضاضة
على النفس من وضع الحسام المهند(109)
…وهاهو موسى كليم الله ( بعثه الله - تعالى - ليواجه طاغوت فرعون ، وجبروت هامان ، وكبرياء قارون .
…فما أن بلغ موسى رسالة ربه حتى قام فرعون يرغي ويزبد ، ويتهدد ويتوعد ، تارة بالسحن : ( قال لئن اتخذت إلهًا غيري لأجعلنك من المسجونين ( (110) .
…وطورًا بالقتل : ( وقال فرعون ذروني أقتل موسى وليدع ربه إني أخاف أن يبدل دينكم أو أن يظهر في الأرض الفساد ( (111) .
…ومع تفاقم هذا البلاء ، وشدة هذه الفتنة نجد موسى ( يصبر على هذا كله ، ويوجه قومه إلى معين الصبر ليغترفوا منه ، ويواجهوا به الفتنة : ( قال موسى لقومه استعينوا بالله واصبروا إن الأرض لله يورثها من يشاء من عباده والعاقبة للمتقين ( (112) .
…ولابُد كذلك من الصبر عند حدوث الفتنة المتمثلة في ظهور أصحاب البدع والأهواء من الفرق الضالة ، والمذاهب المنحرفة ، إذ إنَّ بعضهم على الباطل بلا خفاء ، لكن طوائف أخرى تلبس الحق بالباطل ، فيغتر بها الناس ، ويقبلون ما عندهم من الحق والباطل بلا تمييز ، وهذه الفتنة المتمثلة في محاولة هؤلاء إضلال الناس تحتاج إلى صبر ومجاهدة في بيان الحق للناس ، وتحذيرهم من ضده ، وتحتاج كذلك إلى وجود قيادات سُنية طاهرة ، يتبعها الناس ؛ لأن العامة من الناس في كل زمان لا تملك التمييز بنفسها ، بل بواسطة من تثق به من العلماء الربانيين الصابرين (113) .(1/23)
…ولابُد كذلك من الصبر عند مواجهة الفتنة المتمثلة في الحرب الكلامية التي يعلنها اليهود والنصارى لتشويه دعوة المؤمنين ، وتلويث سمعتهم ، والتشكيك في سيرتهم وسريرتهم ، إنها حرب أسلحتها الدس والتحريف والافتراء ، فلابُد للمؤمنين عند مواجهة هذه الفتنة أن يوطّنوا أنفسهم على احتمال مكارهها ، ويصبروا على تجرع غصصها حتى يحق الله الحق ، ويبطل الباطل ، قال الله - تعالى - : ( لتبلون في أموالكم وأنفسكم ولتسمعن من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم ومن الذين أشركوا أذى كثيرًا وإن تصبروا وتتقوا فإن ذلك من عزم الأمور ( (114) .
…وههنا أمر مهم جدًا يتعلق بعلماء الإسلام ودعاته ، الذين يتعرضون للفتنة والمحنة ، بسبب دعوتهم إلى الله - تعالى - إذ لابد لهم عند مواجهة الفتنة من الصبر والاحتمال ، وإلا وقعوا في فتنة أعظم ، وبلية أكبر .
…هاهو القرآن العظيم يحث نبي الله محمدًا ( وهو موعظة لكل مؤمن يسير على نهجه - عليه الصلاة والسلام - يحثه على مواجهة فتنة قومه بالصبر والمصابرة في أكثر من موضع من القرآن الكريم : ( واصبر وما صبرك إلا بالله ولا تحزن عليهم ولا تكُ في ضيق مما يمكرون ( (115) . ( فاصبر كما صبر أولو العزم من الرسل ولا تستعجل لهم ( (116) . ( واصبر على ما يقولون واهجرهم هجرًا جميلاً ( (117) .
…نعم إن هذه الآيات الكريمة درس بليغ ، وموعظة عظيمة لكل داع إلى الله - تعالى - يواجه من قومه الاضطهاد والتعذيب .
…درس له أن يأخذ من هذا التوجيه الرباني زادًا يتزود به في هذا الطريق الشاق الذي إذا صبر عليه الإنسان نال العاقبة الحميدة ، لأن الله - تعالى - يقول وقوله الحق : ( فاصبر إن العاقبة للمتقين ( (118) .
…وإنَّ من كان على هذه الطريق فقد استحق الإمامة في الدين مصداقًا لقول العليم الخبير : ( وجعلنا منهم أئمة يهدون بأمرنا لما صبروا وكانوا بآياتنا يوقنون ( (119) (120) .(1/24)
…وإذا ما صبر العالم والداعية على هذه الفتنة فلن يخرجه ذلك عن طوره ، ولن يدعوه إلى التسرع أو التهور أو الاستعجال ، بل سيظل على منهجه الذي آمن به ، واطمأن إليه ، ولن يستجيب لاستفزاز الذين لا يوقنون ، وهذا من أعظم أسباب التمكين في الأرض .
المبحث الخامس
اللجوء إلى الله - تعالى -
…اللجوء إلى الله - عز وجل - وبخاصة في أيام الفتن من أهم الأمور ، وأقوم السبل للخلاص والنجاة من الفتن كبيرها وصغيرها .
…نعم إن المرء إذا تأمل في أي فتنة من الفتن ، فتنة الدنيا بما فيها من شهوات وأهواء ، وفتنة الممات والحشر والنشر وأهوال الآخرة ، فتنة التسلط والقتال والحرب ، فتنة الغرور والإعجاب بالنفس ، فتنة قلب الحقائق ، واختلال الموازين ، وكبت صوت الحق ، وارتفاع صوت الباطل ، كل هذه الفتن ، وتلك المحن لابد للنجاة منها من لجوء إلى الله - تعالى - وابتهال بين يديه أن ينقذ النفوس منها ، وينجيهم من شرها .
…* ففتنة الدنيا بما فيها من نساء وملهيات وشهوات لابد فيها من لجوء إلى الله - تعالى - .
…فالنساء مثلاً من أخطر الفتن وأشدها على الرجال ، ولهذا قال نبي الله يوسف - عليه الصلاة والسلام - عندما خشي الفتنة بالنساء : ( وإلا تصرف عني كيدهن أصبُ إليهن وأكن من الجاهلين ( (121) .
…وفتنة الأموال لابد فيها من لجوء إلى الله - تعالى - أيضًا ، ولهذا كان نبي الهدى ( يستعيذ من شر فتنة الغنى ، فيقول - عليه الصلاة والسلام - كما في الحديث الصحيح ، في أثناء استعاذته من فتن الدنيا المتعددة : (( ومن شر فتنة الغنى )) (122) .(1/25)
…والأهل والولد فتنة من أعظم فتن الدنيا : ( إن من أزواجكم وأولادكم عدوًا لكم فاحذروهم ( (123) ، ولهذا نجد في القرآن أن من صفات عباد الرحمن - جل وعلا - أنهم يدعون ربهم - تعالى - ويلجؤون إليه أن يجعل الأزواج والأولاد قرة أعين لهم ، وما هذا إلا لأنهم يعلمون عظم الفتنة بهم ، يقول سبحانه : ( والذين يقولون ربنا هب لنا من أزواجنا وذرياتنا قرة أعين واجعلنا للمتقين إمامًا ( (124) .
…فالدنيا إذًا بكل ما فيها من شهوات فتنة تصد العبد عن ربه - عز وجل - ولابد للعبد من لجوء إلى ربه - سبحانه - أن يصرف عنه فتنتها ، كما كان نبينا ( يفعل ذلك ، حيث كان من دعائه : (( وأعوذ بك من فتنة المحيا )) (125) .
…* وفتنة الشيطان - هذا العدو اللدود الذين يزين تلك الشهوات والشبهات للإنسان ليضله عن سواء السبيل - من أعظم الفتن التي يمر بها الإنسان منذ ولادته وإلى حين وفاته ، ولهذا حثنا الله - تعالى - في القرآن العظيم على الاستعاذة من همزات الشياطين ، فقال : ( وقل ربِّ أعوذ بك من همزات الشياطين . وأعوذ بك رَب أن يحضرون ( (126) .
…وبيَّن نبي الله ( أن ذكر الله - عز وجل - وهو دعاء أقوى الأمور التي يجابه بها المسلم الشيطان الرجيم ، ولهذا ثبت عنه ( من حديث عثمان بن عفان ( قال : قال رسول الله ( : (( ما من عبد يقول في صباح كل يوم ومساء كل ليلة : بسم الله الذي لا يضر مع اسمه شيء في الأرض ولا في السماء وهو السميع العليم ، ثلاث مرات لم يضره شيء )) (127) .
…ولما طلب أبو بكر ( من الرسول ( أن يذكر له كلمات يقولها ويدعو بها إذا أصبح وأمسى ، فكان مما قال له أنه حثه على أن يستعيذ بالله من الشيطان وشركه فيقول : (( وأعوذ بك من شر نفسي ، وشر الشيطان وشركه )) (128) .(1/26)
…ورحم الله تلك المرأة الصالحة في عهد التابعين ، التي كانت تدعو ، وتقول : (( اللهم إن إبليس عبد من عبيدك ، ناصيته بيدك ، يراني من حيث لا أراه ، وأنت تراه من حيث لا يراك . اللهم إنك تقدر على أمره كله ، وهو لا يقدر من أمرك على شيء . اللهم إن أرادني بشر فأرْدِهْ ، وإن كادني فكِده ، أدرأ بك في نحره ، وأعوذ بك من شره )) (129) .
* * *
…* والفتنة بقتال الكفار من أعظم الفتن التي تواجه المؤمنين في كل مكان وزمان ، ولهذا ذكر الله - عز وجل - عن المؤمنين من أصحاب طالوت - عليه السلام - أنهم لما لاقوا أعداءهم من جالوت وجنوده لجؤوا إلى الله - تعالى - بالدعاء ، قال سبحانه : ( ولما برزوا لجالوت وجنوده قالوا ربنا أفرغ عليا صبرًا وثبت أقدامنا وانصرنا على القوم الكافرين ( (130) .
…ولنتأمل أيضًا لجوء إبراهيم وموسى - عليهما الصلاة والسلام - وقومهما من المؤمنين إلى الله - تعالى - ودعاءهم إياه أن لا يجعلهم فتنة للذين كفروا ، فيسلطوا عليهم بالفتنة والصد عن سبيل الله ، قال - عز وجل - في شأن قوم موسى : ( وقال موسى يا قوم إن كنتم آمنتم بالله فعليه توكلوا إن كنتم مسلمين . فقالوا على الله توكلنا ربنا لا تجعلنا فتنة للقوم الظالمين . ونجنا برحمتك من القوم الكافرين ( (131) ، وذكر - جل وعلا - عن إبراهيم وقومه المؤمنين أنهم دعوا الله - تعالى - قائلين : ( ربنا لا تجعلنا فتنة للذين كفروا واغفر لنا ربنا إنك أنت العزيز الحكيم ( (132) .(1/27)
…وثبت في الحديث الصحيح عن عمر بن الخطاب ( قال : لما كان يوم بدر نظر رسول الله ( إلى المشركين وهم ألف ، وأصابه ثلاثمائة وتسعة عشر رجلاً . فاستقبل نبي الله ( القبلة . ثم مَدَّ يديه ، فجعل يهتف بربه : (( اللهم أنجز لي ما وعدتني . اللهم آت ما وعدتني . اللهم إن تهلك هذه العصابة من أهل الإسلام لا تعبد في الأرض )) فما زال يهتف بربه ، مادًا يديه ، مستقبل القبلة ، حتى سقط رداؤه على منكبيه . فأتاه أبو بكر ، فأخذ رداءه ، فألقاه على منكبية . ثم التزمه من ورائه ، وقال : يا نبي الله ! كذاك مناشدتك ربك ، فإنه سينجز لك ما وعدك . فأنزل الله - عز وجل - : ( إذ تستغيثون ربكم فاستجاب لكم أني ممدكم بألف من الملائكة مردفين ( فأمده الله بالملائكة .. الحديث (133) .
* * *
…وهنا أود التنبيه إلى أمر غفل عنه كثير من المسلمين في هذا الزمان ، ذلكم هو اللجوء إلى الله - تعالى - بالدعاء أن يكشف البلاء عن المؤمنين الذين يئنون ويتألمون تحت وطأة القهر الصليبي والصهيوني والعلماني في كثير من بلاد الإسلام (134) .
…أقول : لابد أن يشعر الواحد منا بأنه مع هؤلاء المستضعفين من المؤمنين كالبنيان المرصوص ، يشد بعضه بعضًا ، فيلهج إلى الله - تعالى - بالدعاء أن يكشف البلاء عنهم عاجلاً غير آجلٍ ، إضافة إلى المظلومين والمقهورين من أبناء الإسلام الصادقين ودعاته المخلصين في الأرض كلِّها ، وإننا إذا لم نفعل ذلك فلربما اتصفنا بصفة من صفات أعداء الله من الكافرين ، حيث قال عنهم سبحانه : ( ولقد أخذناهم بالعذاب فما استكانوا لربهم وما يتضرعون ( (135) .(1/28)
…* ومن الفتن التي يجب أن يُلجأ فيها إلى الله - تعالى - بالدعاء فتنة الغرور والإعجاب بالنفس ، تلك الصفة التي قال الله عنها : ( ولا تمش في الأرض مرحًا إنك لن تخرق الأرض ولن تبلغ الجبال طولاً ( (136) ، ويُخص بذلك من كانت عليه واجبات تجاه دينه وأمته ، من نشر علم ودعوة وجهاد ونحو ذلك مما يحتاجه المسلمون في هذا الزمان ، فهؤلاء لابُد أن يحذروا من هذه الفتنة بكثرة اللجوء إلى الله - تعالى - والانكسار بين يديه أن لا يجعل أعمالهم من الأعمال التي قال عنها سبحانه : ( وقدمنا إلى ما عملوا من عمل فجعلناه هباءً منثورًا ( (137) .
…وإن للعاملين في حقل الدعوة إلى الله - تعالى - قدوة حسنة بنبي الهدى ( الذي كان يقول في دعائه : (( اللهم إني أعوذ بك من شر ما علمتُ ومن شر ما لم أعمل )) (138) .
…وهذا عمر بن الخطاب ( الذي ذل له شيطانه ، فما يستطيع أن يسلك طريقًا يسلكه عمر ، وهذا الإمام العادل مع فتوحاته المظفرة ، وانتصاراته العجيبة ، وعدله الذي اعترفت به العرب والعجم ، رغم هذا كله لم يتطرق الغرور إلى قلبه طرفة ، ولم يقترب من نفسه مرة واحدة ، حتى إنه لمَّا طُعن قال لابنه عبدالله كلامًا ، ستظل الأجيال تردده مهما طال الزمان ، قال لابنه عبدالله ، وكان رأسه على فخذ هذا الابن البار : ضَعْ رأسي على الأرض . قال عبدالله : فقلت : وما عليك ، كان على فخذي أم على الأرض ؟ قال : ضَعْه على الأرض . قال : فوضعته على الأرض ، فقال عمر : ويلي ، وويل أمي إن لم يرحمني ربي (139) .(1/29)
…وانظر معي إلى حال شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - ذلك العَلَم الرباني المجاهد ، الذي بلغ علمه الآفاق ، وانتشرت كتبه في كل مكان ، ولم يسمع به كثير من المؤمنين في عصره والعصر الذي بعده إلى اليوم ، إلا انتفع به ، وشهد له بالخير ، هذا الإمام الذي اعترف بعلمه القاصي والداني كان يقول كثيرًا : (( مالي شيء ، ولا مني شيء ، ولا فيَّ شيء )) . وكان كثيرًا ما يتمثل بهذا البيت :
أنا المكدي وابن المكدي
وهكذا كان أبي وجدي (140)
…وكان إذا أُثني عليه في وجهه يقول : (( والله إني إلى الآن أجدِّد إسلامي ، وما أسلمت بعدُ إسلامًا جيدًا )) (141) .
…إنها أعمال جليلة ، وصور مشرقة من أحوال سلفنا الكرام ، تعطي الدعاة إلى الله - تعالى - زادًا يحملونه في مسيرتهم الطويلة أن لا يغتروا بأعمالهم مهما بلغت ، وأن يتذكروا أنهم إلى ربهم - تعالى - قادمون غدًا ، فمجزيون بتلك الأعمال ، فحذار أن يلقى الواحد منا ربَّه وفي قلبه عجب أو غرور ، ولتكن هذه الآية الكريمة أمام ناظرينا دائمًا وأبدًا : ( وبدا لهم من الله ما لم يكونوا يحتسبون ( (142) .
…وفتنة الآخرة وما فيها منذ دخول العبد القبر إلى يوم القيامة وما فيه من أهوال ، كل هذا لابد فيه من لجوء إلى الله - عز وجل - حتى يسلم العبد من أهوالها ، ويدخل - بفضل ربه ورحمته - واسع رحمته وجنته .
…فمن أعظم فتن الآخرة فتنة القبر حين يُسئل العبد عن ربه ودينه ونبيه ( ، فإن كان مفرطًا ظالمًا لنفسه باء بالخسران ، وتكلم بالكفران ، نعوذ به - تعالى - من الخذلان .
…ولهذا ثبت في الحديث الصحيح أن النبي ( كان يستعيذ من عذاب القبر ، فيقول : (( وأعوذ بك من عذاب القبر )) (143) ، وما ذاك إلا لأن للقبر فتنة لا ينجو منها إلا امرؤ صالح مستقيم .(1/30)
…* وفتنة المسيح الدجال فتنة من أعظم الفتن التي ستمر بالإنسان قُبيل قيام الساعة ، لأنه من علامات الساعة الكبرى ، وإذا ظهر المسيح الدجال فقد قرُب قيام الساعة ، وأزف تحول الدنيا (144) .
…والمهم الذي أريد بيانه هنا هو أنه لا نجاة من هذه الفتنة إلا باللجوء إلى الله - عز وجل - ولهذا كان نبي الله ( يستعيذ بالله - تعالى - من فتنة الدجال ، فيقول : (( وأعوذ بك من فتنة المسيح الدجال )) (145) .
…وثبت في الحديث الصحيح أن من قرأ العشر الأوائل من سورة الكهف عُصم من فتنة الدجال ، كما قال ( : (( من قرأ عشرات آيات من أول سورة الكهف عُصم من الدجال )) وفي رواية : (( من قرأ العشر الأواخر من سورة الكهف عُصم من فتنة الدجال )) (146) .
…وسر العصمة من الدجال لمن قرأ أوائل الكهف وأواخرها - والله أعلم - أن فيهما لجوءًا واعتصامًا بالله - عز وجل - كما أن الحقائق التي جاءت في أولها وآخرها حقائق عظيمة ، مَنْ قرأها متدبرًا فإن الكذابين لا يستطيعون أن يموهوا عليه ، وعلى رأسهم المسيح الدجال .
…* ومن فتنة الآخرة فتنة عذاب جهنم - أعاذنا الله منها - وكفى بها فتنة وعذابًا ، ولهذا حثنا الله - تعالى - في القرآن على الاستعاذة من عذاب جهنم ، عندما ذكر سبحانه أن من صفات عباده الصالحين أنهم يدعون ربهم - سبحانه - أن ينجيهم من النار وعذابها ، قال سبحانه : ( والذين يقولون ربنا اصرف عنا عذاب جهنم إن عذابها كان غرامًا . إنها ساءت مستقرًا ومقامًا ( (147) .
…وكان النبي ( يستعيذ بالله - تعالى - من جنهم وعذابها ، فيقول كما ثبت في الحديث الصحيح : (( اللهم إني أعوذ بك من الكسل والهرم ، والمأثم والمغرم ، ومن فتنة القبر ، ومن فتنة النار ، وعذاب النار )) (148) .
…فنسأل الله - تعالى - أن يحفظنا من الفتن ما ظهر منها وما بطن ، وأن يعيذنا من عذاب القبر ، وفتنة المحيا والممات ، وفتنة المسيح الدجال ، إنه أرحم الراحمين ، وأكرم الأكرمين .(1/31)
المبحث السادس
مقاومة أسباب الفتنة
…تقدم في الفصل الثاني من الباب الثاني التفصيل في أسباب الفتنة ، وذكرت أنها تكمن في خمسة أسباب هي :
1- الأموال والأولاد .
2- المعصية .
3- اتباع الشيطان .
4- موالاة الكافرين .
5- اتباع المتشابه .
…* فأما ما يتعلق بفتنة الأموال والأولاد فقد تقدم في المبحث نفسه طريقة مقاومة هذه الفتنة ، وأزيد هنا أمرًا مهمًا يتعلق بكيفية اتقاء هذه الفتنة ، وهو أن يجعل المسلم طاعة ربه ، وذكره ، والثناء عليه ديدنه في كل وقت وآن ، فإذا ما جعل هذا الأمر طريقه الذي يسلكه لم يهمه المال ، ولم يفتنه ، وصار وجوده مثل عدمه ، إن جاء أنفقه على أهله وأولاده ، وتصدق به هنا ، وهناك في وجوه الخير ، وسبل الرشاد ، ويفعل هذا كلَّه خشية الفتنة بالمال كما حصل من فتنة قارون وصاحب الجنتين وغيرهما ممن يسلك مسلكهما إلى يوم القيامة ، ويتيقظ إلى أنه إن جعل نفسه ميّالة إلى المال ميلاً يؤدي به إلى عبادته ، وميلاً يؤدي به إلى عدم إخراج زكاته ، وميلاً يؤدي إلى الشح والبخل به عن إنفاقه على المحتاجين والمعْوِزين من الفقراء والمساكين وغيرهم من ذوي الحاجات ، فإنه والحالة هذه مفتون مفتون ، يُخشى أن يكون من الهالكين .
…نعم لابد أن يكون راسخًا في ذهنه أنه إن لم يكن في ماله شيء يخدم به دينه ، ويعلي راية إسلامه ، فيُخشى أن يكون من أهل هذه الآية : ( فلا تعجبك أموالهم ولا أولادهم إنما يريد الله ليعذبهم بها في الحياة الدنيا ( (149) .
…فهذا ما يتعلق بكيفية توقي فتنة المال .(1/32)
…* أما فتنة الأولاد فسيأتي في مبحث اللجوء إلى الله - تعالى - بيان له (150) ، وأزيد هنا شيئًا لابد منه ، وهو أن مقاومة هذه الفتنة - فتنة الولد - ليس فقط بمجرد ولادته ، إنما قبل ولادته ، وذلك عندما يعزم الإنسان على الزواج ، ولهذا حث النبي ( على اختيار الزوجة الصالحة ، فقال : (( تنكح المرأة لأربع : لمالها ، ولحسبها ، ولجمالها ، ولدينها ، فاظفر بذات الدين تربت يداك )) (151) .
…ومن طرق مقاومة فتنة الولد الحرص على ذكر الله - تعالى - عند الجماع ، ولهذا قال ( : (( أما إن أحدكم إذا أتى أهله ، وقال : بسم الله ، اللهم جنبنا الشيطان ، وجنب الشيطان ما رزقتنا ، فرزقا ولدًا لم يضره الشيطان )) (152) .
…ومن طرق مقاومة فتنة الولد كذلك أن يحرص الوالدان على تربيته تربية إسلامية صحيحة ، على منهج الكتاب والسنة ، وطريق سلف الأمة ، وأن يلهجا بالدعاء فإن ذلك كله كفيل - بإذن الله - في وقاية المرء من شر هذه الفتنة العظمى .
…أما المعصية ، وهي السبب الثاني من أسباب الفتنة فإن توقيها يكون على النحو التالي :
أ - فيما يتعلق بمعصية الإنسان :
…هذه الفتنة يكمن توقيها في أمرين :
…1- إشعار النفس بعظم الذنب الذي تأتيه ، وأن هذا الذنب حتى ولو كان في نظره صغيرًا فربما صار بعد الاستمرار عليه كبيرة من الكبائر ، قد تؤدي به إلى سوء الخاتمة - عياذًا بالله تعالى منها - .
…2- تجديد التوبة والاستغفار ، كلما تكرر الذنب ، ومعاهدة الله - تعالى - على عدم العودة إلى هذا الذنب مرة أخرى ، فإن عاد تاب ، وهكذا .
ب - أما ما يتعلق بكيفية توقي معاصي الآخرين :
…فإن ذلك يكون بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر .
…والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر له وسائل متعددة ، يمكن ذكرها باختصار في الأمور التالية :
…1- سلاح الكلمة ، ويشمل الأمر والنهي باللسان ، أو بالكتابة ، بأي طريقة كانت .(1/33)
…2- الاهتمام بتربية الجيل وبنائه بناءً إسلاميًا متكاملاً ، والتركيز على البناء الخلقي والسلوكي والعقلي والعاطفي ، والعناية بغرس قضية الدعوة إلى الله - تعالى - والجهاد في سبيل الله باللسان والسنان ، والغيرة على الحرمات ، وهو ما يجعل حلقات الدروس والعلم محاضن لتربية الجيل ، وحمايتهم من فساد البيئة ، وتهيئة الجو المعين على الاستقامة والصلاح .
…3- ضرورة العمل الجاد على تدعيم مكانة العلماء والدعاة والغيورين في المجتمعات الإسلامية ، حتى تكون كلمتهم نافذة ، ورأيهم مسموعًا ، فإن الثقل الذي يملكه العالم أو الداعية بين الناس من أقوى الوسائل في تغيير المنكرات وهزها ، بل وهز أصحابها والمنافحين عنها .
…4- اعتزال المنكرات وهجرها ، ومجانبة أصحابها والقائمين عليها ، فإن الواجب على مَنْ لا يرضون المنكر ألا يتلبسوا بشيء منه ، وألا يجالسوا متعاطيه مجالسة المقر والمؤيد والموافق .
…وقد بين الله - تعالى - أن منهج الأنبياء وأتباعهم اعتزال المنكرات ، واعتزال أهلها والداعين إليها ، كما ذكر سبحانه قول إبراهيم - عليه الصلاة والسلام - لقومه : ( وأعتزلكم وما تدعون من دون الله وأدعو ربي عسى ألا أكون بدعاء ربي شقيًا ( (153) .
…وهذا الأمر ، وهو اعتزال المنكر ومكان فعله وفاعليه وإن كان في الظاهر شيئًا سلبيًا إلا أنَّ له أثرًا عظيمًا ، يتمثل في الآتي :
…أ - إشعار الواقعين في المنكر المقترفين له بخطأ ما هم عليه وخطره ، ومخالفته للشرع ، إشعارًا علميًا قويًا ، وليس بمجرد القول باللسان ، وهذا قد يدعوهم إلى ترك المنكر ، والتوبة منه .
…ب - تبليغ الناس كافة بأن هذا العمل منكر ، وأن هؤلاء القوم الفاسقين مخطئون ، مخالفون للشرع ، متعدون لحدود الله .(1/34)
…جـ - حماية المؤمنين المبتعدين عن المنكر من آثار المنكر وأضراره ، إذ إن اعتيادهم على رؤية المنكر ، ومعايشته ، ومصاحبة أهله دون أي جهد منهم في الإنكار عليهم ، هذا الأمر يضعف من اليقظة الإيمانية في قلوبهم ضد هذه المعاصي والفواحش ، وقد يتدرج الحال بهم إلى مواقعتها أو إلى إلفها وعدم إنكارها بالعكس ، وهذه نهاية خطيرة ؛ لأنها تعني زوال أضعف الإيمان من القلب ، وماذا يبقى من الإيمان إذا زال أضعفه (154) .
* * *
…* وأما السبب الثالث من أسباب الفتنة وهو اتباع الشيطان فإن توقي هذه الفتنة يكون بالحذر من الشيطان وكيده ، وهذا قد سبق الحديث عنه مفصلاً في الأثر السادس من آثار الفتنة ، وهو المبحث السادس من مباحث الفصل الأول في الباب الثالث .
* * *
…* وأما السبب الرابع من أسباب الفتنة فهو موالاة الكافرين ، وتوقي هذه الفتنة يكون باتباع الخطوات التالية :
…1- عدم الرضى بكفر الكافرين ، وإشعارهم بأنهم أعداء لنا ، وأننا لا يمكن بأي حال من الأحوال أن نجاريهم على مذاهبهم الإلحادية (155) .
…2- عدم اتخاذهم أعوانًا وأنصارًا وأولياء .
…3- عدم الإيمان بما هم عليه من الكفر ، أو التحاكم إليهم دون كتاب الله - تعالى - (156) .
…4- ترك مودتهم ومحبتهم (157) .
…5- عدم طاعتهم فيما يأمرون به ويشيرون (158) .
…6- عدم الدخول عليهم وقت استهزائهم بآيات الله - تعالى - (159) .
…7- عدم توليتهم أمرًا من أمور المسلمين كالإمارة والكتابة ونحوها (160) .
…8- الحذر من الرضى بأعمالهم ، أو التشبه بهم ، والتزي بزيهم (161) .
…9- الحذر من مساعدتهم على الظلم والعدوان (162) .
…10- ترك تعظيمهم ، وإطلاق الألقاب عليهم (163) .
…11- الحذر من السكنى معهم في ديارهم من غير ضرورة (6) .
…12- الحذر من التآمر معهم ، وتنفيذ مخططاتهم ، والدخول في أحلافهم وتنظيماتهم ، والتجسس من أجلهم ، ونقل عورات المسلمين وأسرارهم إليهم ، والقتال في صفهم (7) .(1/35)
…* وأما السبب الخامس من أسباب الفتنة فهو اتباع المتشابه ، وتوقي هذه الفتنة ومقاومتها يكون بالحذر من أولئك الذين يتبعون المتشابه ليضلوا ، ويُضلوا ، مما تقدم في مبحث ( اتباع المتشابه ) بيان أمثلتهم من الزنادقة والجهمية والمعتزلة ، ممن يلوي أعناق النصوص ليجعلها متمشية مع المنهج الضال الذي يريد إثباته ، وتقريره ، والحذر منهم يكون بالنظر في كتب التفسير المعتمدة ، والتي سلكت مسلك السلف ، وبخاصة في المسائل العقدية ، ومنها على سبيل المثال تفسير الطبري ، وتفسير ابن كثير .
…والحذر منهم أيضًا يكون بقراءة الكتب التي صنفت للتحذير من مناهجهم الضالة مثل كتاب (( الرد على الزنادقة والجهمية )) للإمام أحمد والمجلد الخامس من مجموع الفتاوى لشيخ الإسلام ابن تيمية ، ونحوها من الكتب .
…والله أعلم .
المبحث السابع
الحذر من الأعداء
…إن من أعظم الموضوعات الإسلامية التي يجب أن يفقهها المسلمون جميعًا موضوع الولاء والبراء في الإسلام ، وهذا المبحث الذي بين أيدينا جزء لا يتجزأ من هذا الموضوع العظيم ، موضوع الولاء والبراء .
…وإن الناظر والمتأمل في هذه الفتن والمحن التي عصفت بكثير من المجتمعات الإسلامية اليوم يجد أن من أكبر أسبابها ، وأعظم عِلَلها عدم إعداد العدة ، وترك الحذر من الأعداء ، وخصوم العقيدة .
…إذًا فالنجاة من الفتن والمحن كامن في أمور عديدة ، والحذر من الأعداء ، وإعداد العدة لمواجهتهم من أعظم هذه الأمور .
…وسأوجز الحديث في هذا المبحث الخطير حول مطلبين رئيسين :
أ - الأعداء الذين يجب الحذر منهم .
ب - طرق مقاومة هؤلاء الأعداء .
* * *
…أ - فأما الأعداء الذين يجب الحذر منهم فهم كثر ، وسأذكر ههنا ما يخص وقتنا المعاصر ، وهم ثلاث طوائف :
1- اليهود ، والنصارى (164) .……2- الشيعة الإمامية .……3- المنافقون .
1- اليهود(1/36)
…حذرنا الله - تعالى - من هذه الطائفة الخبيثة بقوله - عز وجل - : ( واحذرهم أن يفتنوك ( (165) ، ويمكنني أن أبين خطر هذه الطائفة فيما يلي :
…لقد كان النفوذ اليهودي قائمًا في العالم الغربي من الثورة الصناعية التي وقعت تلقائيًا في أيدي المرابين اليهود ، ولكنه لم يتغلغل ، ولم يبرز قط كما تغلغل بعد الحرب العالمية الثانية ، وسيطر على كلا المعسكرين في الشرق والغرب ، وصارت السياسة العالمية في يد اليهود ، بمساعدة الدولتين الخبيثتين : أمريكا وروسيا ، حتى وصل اليهود إلى قلب المنطقة الإسلامية ، وأقاموا دولتهم في فلسطين ، وسخروا لذلك كُلاًّ من الدولتين المتوحشتين المتسلطتين ، فكانت أمريكا أول دولة اعترفت بالدولة اليهودية ، وبعدها بعشر دقائق اعترفت روسيا بالدولة القائمة صراحة على أساس ديني ، بينما المذهب الشيوعي كله يرفض ذلك رفضًا باتًا ، ويندد به (166) .
* * *
…وبعد ذلك سعى اليهود بمساعدة أمريكا وروسيا إلى مرحلة التحطيم العنيف ، متمثلة في خطين رئيسين :
1- التذبيح الوحشي للمسلمين .
2- التفتيت المستمر للدول القائمة في العالم الإسلامي ، والعالم العربي بصفة خاصة .
* * *
…فأما التعذيب الوحشي فقد سعى إليه اليهود بمساعدة بريطانيا حين بدأ اعتقال الإخوان المسلمين (167) في مصر ، وقُتل قائدة الجماعة الأستاذ حسن البنا (168) - رحمه الله - ، وتوالت المذابح الوحشية (169) ، وتصعّدت معها في الوقت ذاته محاولة إفساد الأخلاق في جميع المجالات (170) .
…وأما الخط الثاني ، وهو التفتيت المستمر للدول القائمة في العالم الإسلامي ، والعالم العربي بصفة خاصة فيكفي في بيانه المقال الذي نشر في صحيفة يهودية (171) قبل ثلاثة عشر عامًا تقريبًا ، وذلك لبيان السياسة المطلوب اتباعها في المنطقة المحيطة بإسرائيل ، وأنا الآن أذكر مقتطفات من هذا المقال الخطير ، لنرى هذا المكر الكُبّار الذي يحاك لنا ونحن نائمون :(1/37)
…1- الوضع الاقتصادي في مصر ، وطبيعة النظام الموجود بها ، وسياستها العربية ، كل هذا سيؤدي إلى مجموعة ظروف تدفع بإسرائيل إلى التدخل .. فمصر بسبب نزاعاتها الداخلية لم تعد تشكل بالنسبة لنا مشكلة استراتيجية ... لقد ماتت أسطورة مصر ( زعيمة العالم العربي ) وفقدت مصر 50% من قدراتها .. وكبناء موحد أصبحت مصر جثة هامدة ، وبخاصة إذا أخذنا في الاعتبار المجابهة المتزايدة والمتصاعدة بين المسلمين والمسيحيين بها . ويحب أن يكون هدفنا هو تقسيمها إلى أقاليم جغرافية متباينة في الثمانينات .
…2- فإذا ما تمت تجزئة مصر ، وإذا فقدت سلطتها المركزية ، فلن تلبث بلدان مثل ليبيا والسودان ، وبلدان أخرى أبعد من ذلك أن يصيبها التحلل وتشكيل حكومة قبطية في مصر العليا ، وإقامة كيانات صغيرة إقليمية ، هو مفتاح تطور تاريخي ، يؤخره حاليًا اتفاق السلام ، ولكنه تطور آتٍ لا محالة على الأجل الطويل .
…3- ومشكلات الجبهة الشرقية أكثر وأشد تعقيدًا من مشكلات الجبهة الغربية .. وهذا على عكس ما يبدو في الظاهر ، وتقسيم لبنان إلى خمسة أقاليم .. يوضح ما يجب أن ينفذ في البلدات العربية .
…وتفتيت العراق وسوريا إلى مناطق تحدد على أساس عنصري أو ديني ، يجب أن يكون هدفًا ذا أولوية بالنسبة إلينا ، على الأجل الطويل . وأول خطوة لتحقيق ذلك هو تدمير القوة العسكرية لتلك الدول .
…4- والتشكيل السكاني لسوريا يعرضها لتمزق قد يؤدي إلى إنشاء دولة شيعية على الساحل ، ودولة سنية في منقطة حلب ، وأخرى في دمشق ...(1/38)
…5- وأما العراق فهي غنية بالبترول ، وفريسة لصراعات داخلية ، وسيكون تفككها أهم بالنسبة لنا من تحلل سوريا ؛ لأن العراق يمثل على الأجل القصير أخطر تهديد لإسرائيل . وقيام حرب سورية عراقية سيساعد على تحطيم العراق داخليًا قبل أن يصبح قادرًا على الانطلاق في نزاع كبير ضدنا . وكل نزاع داخلي عربي سيكون في صالحنا ، وسيساعد على تفكك العرب .. وربما ساعدت الحرب العراقية الإيرانية على ذلك الانحلال ، والضعف في صفوف العرب ...
* * *
…فإذا كانت هذه مخططات بنهي صهيوان لتدمير المسلمين وإضعافهم أوليس جديرًا بنا نحن المسلمين أن ندرك الخطر ، ونحذر هذا الماكر العنيد قبل أن يحكم قبضته علينا .
3- الشيعة الإمامية (172)
…فهذه الفرقة الخبيثة من ألد أعداء هذا الدين ، الذين سعوا لفتنة المسلمين عن دينهم ، ومحاولة استئصال شأفتهم ، وتمزيق وحدتهم ، وما فعله أجدادهم القرامطة بالحجاج من تذبيح وتشريد إلا أكبر دليل على ذلك ، وسوف أعرض الآن لشيء قليل من كثير كثير ، يبين لنا خططهم الخبيثة ، وأساليبهم الرعناء التي يريدون من ورائها الكيد للإسلام وأهله ، فإلى بيانها :
1- تخطيطهم لقتل السنة :
…فإن من صميم عقيدتهم الفاسدة أنه سيخرج قائمهم أو من يقوم مقامه موتورًا ، غضبان أسفًا ، يجرد السيف على عاتقه ، فيحصد أهل السنة الذين تلقبهم وثائق الرافضة بالمرجئة حتى قالوا : (( ويح هذه المرجئة ، إلى من يلجئون غدًا إذا قام قائمنا ، يذبحهم والذي نفسي بيده ، كما يذبح القصاب شاته )) (173) .
2- تخطيطهم لقتل الحجاج بين الصفا والمروة :
…فقد جاء من ضمن بروتوكولاتهم السرية المقدسة ما نصه : (( كأني بحمران بن أعين وميسر بن عبدالعزيز يخبطان الناس بأسيافهما بين الصفا والمروة )) (174) ، وهذا نص خطير ، وحلم رافضي قديم ، كان رؤساء الرافضة يمنون أتباعهم بحصوله ، ويترقبون وقوعه بين حين وآخر .
3- قطع أيدي وأرجل المشرفين على الحرم :(1/39)
…فمن ضمن نصوصهم المقدسة : (( كيف بكم ( يعني الحجبة على الكعبة ) لو قد قطعت أيديكم وأرجلكم ، وعُلقت في الكعبة ، ثم يقال لكم : نادوا : نحن سراق الكعبة )) (175) .
4- القذف العام بالزنا للناس كلهم ما عدا طائفتهم :
…فمن نصوصهم : (( إن الناس كلهم أولاد بغايا ، ما خلا شيعتنا )) (176) .
5- هدم الحجرة النبوية ، وإخراج الجسدين الطاهرين للخليفتين الراشدين أبي بكر وعمر - رضي الله عنهما - :
…يقول أحد نصوصهم : (( وأجيء إلى يثرب ، فأهدم الحجرة ، وأخرج من بها ، وهما طريان ، فآمر بهما تجاه البقيع ، وآخر بخشبتين يصلبان عليهما ، فتورقان من تحتهما ، فيفتتن الناس بهما أشد من الأولى )) (177) .
6- هدم المسجد الحرام ، والمسجد النبوي :
…حيث يقرر القوم عبر بروتوكولاتهم بأن منتظرهم سيقوم بهدم المسجدين الشريفين ، ويتستر بدعوى أنه سيردهما إلى أساسهما .
…يقول بعضهم : (( إن القائم يهدم المسجد الحرام حتى يرده إلى أساسه ، ومسجد الرسول ( وآله إلى أساسه )) (178) .
7- محاولة تغيير الكتاب والشريعة :
…فأما محاولة تغيير الكتاب ( القرآن ) فيقول نصهم : (( كأني بالعجم ، فساطيطهم في مسجد الكوفة ، يعلمون الناس القرآن كما أنزل . قلت ( الراوي ) : أوليس كما أنزل ؟ قال : لا ، محي منه سبعون من قريش بأسمائهم ، وأسماء آباء آبائهم ، وما ترك أبو لهب (179) إلا إزراءً على رسول الله ( وآله ؛ لأنه عمه )) (180) .
…وأما محاولة تغيير الشريعة فإن دولة الغائب أو نائبه ( حسب مذهب الرافضة ) تقوم على الحكم لأهل كل ملة بكتابهم مع أن الإسلام لم يجز لأحد أن يحكم بغير شريعة القرآن باتفاق المسلمين ، تقول بروتوكولاتهم : (( إذا قام القائم استخرج التوراة وسائر كتب الله - تعالى - من غار بأنطاكية (181) حتى يحكم بين أهل التوراة بالتوراة ، وبين أهل الإنجيل بالإنجيل ، وبين أهل الزبور بالزبور ، وبين أهل القرآن بالقرآن )) (182) .(1/40)
…وهكذا يتبين لنا من خلال هذه المخططات التي نصت عليها كتب الشيعة أنفسهم يتبين لنا مدى الخطر العظيم الذي سيحدق بالمسلمين ما لم ينتبهوا لهم .
3- المنافقون
…فإن المتأمل في تاريخ الإسلام العريض يجد أن المنافقين كان لهم دور كبير في الانتكاسات التي مرت بها دولة الإسلام ، والتي أفضت إلى زوالها ، أو كادت ، ثم في الفوضى الخلقية التي عمرت كثيرًا من المجتمعات الإسلامية .
…هؤلاء هم الذين حذرنا الله - تعالى - من مكائدهم بقوله : ( ولو خرجوا فيكم ما زادوكم إلا خبالاً ولأوضعوا خلالكم يبغونكم الفتنة وفيكم سماعون لهم ( (183) .
…ومن أراد أن ينظر إلى مثال يبين له خطر المنافقين ، وحرصهم على الفتك بالإسلام وأهله ، مما يوجب الحذر منهم ، والوقوف بالصمود أمامهم ، فلينظر إلى هذا المثال ، وهو ثورة المنافقين على الخليفة الراشد عثمان بن عفان ( .
…كان الذي دبّر هذه الثورة هو عبدالله بن سبأ ، وهو يهودي أظهر الإسلام نفاقًا ليصل إلى أغراضه الهدامة في تفريق المسلمين إلى أحزاب متعارضة ، وهدم الخلافة الإسلامية ، ولهذا الهدف طاف في بلاد الإسلام ، وأخذ ينفث فيها سمومه القاتلة ، وكانت باكورة عمله هي إثارة الناس على عثمان ( فجاء إلى العراق ، ووجد في أهلها بعض الاستجابة لأفكاره ، فكوَّن له فيها أنصارًا ، وانتقل إلى مصر ، فوجد فيها جوًا صالحًا لنشر أفكاره ، واستطاع أن يستميل عددًا كبيرًا من أهلها ، ولما تم له ما أراد من تأليب الناس على الخليفة بدأ الثورة من هناك ، فخرج من مصر ، ومعه من تأثر به من أهلها ، بعدما اتفق مع أهل العراق على الخروج في وقت محدد ، ووصلوا المدينة ، فحاصروا عثمان ( ، وجرت منهم إهانات كثيرة له ( ثم قتلوه بعدما أبى أن يستجيب لمطلبهم في خلع نفسه من الخلافة (184) .(1/41)
…ولم يكتف ابن سبأ ( الخبيث ) بهذا القدر من محاولة هدم الخلافة ، وإثارة النزاع بين المؤمنين ، بل أصبح يتابع الحلقات التي بدأها بمقتل عثمان ( فصار يصير الخلاف بين الصحابة كلما تقاربوا ، وأوشكوا على الاتفاق واجتماع الكلمة (185) .
…وهكذا أنجز ابن سبأ هذه الإنجازات الضخمة من أعمال الهدم والإفساد في سنوات قلائل ، وكان العامل الأول في نجاحه هو تستره بالنفاق ، إضافة إلى غفلة المسلمين عن أعدائهم من المنافقين ، وضعف تلك الحواجز الواقية التي تحول بين المؤمنين ، وتسرب مثل هذه السموم إلى مجتمعهم .
* * *
العلمانيون والحداثيون
…ولا يمكنني هنا وأنا أتحدث عن الحذر من المنافقين أن أغفل الحديث عن ذنب من أذنابهم الخبيثة الفاجرة ، هي طائفة العلمنة والحداثة (186) ، واللتان تسيران جنبًا إلى جنب ، وفي خط واحد لمحاربة الإسلام !
…* إن من يتأمل أفعال هؤلاء يجد حرصهم الدؤوب على وضع المناهج التعليمية الفاسدة التي تدفع المسلمين دفعًا في تيار التغريب الذي تنصهر فيه شخصيتهم ، ويؤدي بهم إلى الضياع ، وإن تعلموا من العلم بعض القشور ، وذلك بدلاً من المناهج الدينية الصالحة التي كانت تعلم الناس أن الإسلام هو الأصل في حياة المسلمين ، وأنه من لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون .
…* تأمل أفعالهم تجد حرصهم على نشر الخمر ، والتعالن بها ، حتى أعطيت لهم التصاريح الرسمية لفتح حانات الخمر ، وكتب عليها مشروبات روحية ، على نفس الطريقة التي أصبح الاحتلال بها استعمارًا ، واللادينية علمانية (187) .
…* تأمل أفعالهم تجد تعظيم الملحدين ، والزنادقة ، وتمجيدهم ، ورفع مكانتهم رغم فحشهم وفسادهم (188) .
…* تأمل أفعالهم تجد حرصهم على نشر الفاحشة ، وإغراء المرأة بخلع حجابها ، وخروجها بعد ذلك سافرة كاسية عارية ، فضلاً عن تجريدها من حيائها الفطري على الشواطئ التي تختلط فيها كتل اللحم العريان (189) .(1/42)
…نعم إنهم يريدون من بناتنا ونسائنا أن يخرجن متبرجات ، ملقيات للحجاب الذي أمرهن به ربهنَّ - جل وعلا - ، يريدون منهن أن يختلطن بالأجانب من الفساق ، ويجلسن بينهم في الصفوف ، وبجانبهم في المقاعد ، كما حصل هذا منهم أنفسهم في مهرجاناتهم (190) ، لا بارك الله فيها ، ولا في القائمين عليها .
…* تأمل أفعالهم تجد الاستهزاء بالله - تعالى - وبرسوله ( وبدين الله .
…هاهو أحدهم يقف فيسخر من الله الذي خلقه وأنطقه ، فيقول - تعالى الله عما يقول هذا الأفاك علوًا كبيرًا - يقول :
(( الله في مدينتي يبيعه اليهود
الله في مدينتي مشرد طريد
أراده الغزاة أن يكون
لهم أجيرًا شاعرًا قواد
يخدع في قيثاره المذهّب العباد
لكنه أصيب بالجنون
لأنه أراد أن يصون زنباق الحقول من جرادهم
أراد أن يكون )) (191) .
…فأي إلحاد وفسوق بعد هذا الكلام ؟!!
* ومن استهزائهم بالرسول ( ما يقوله أحدهم ضمن قصيدة له يسخر فيها منه ( ، وينبزه بأنه حوَّل الأرض التي بلَّغ فيها رسالة الإسلام إلى أرض قاحلة ، غارقة في الظلام ، فيقول :
أرضنا البيد غارقة
طوف الليل أرجاءها
وكساها بعسجده الهاشمي فدانت لعادته مَعْبَدًا (192)
…واستمع إلى آخر وهو يكتب عن الغناء ، وأزمة الفن بأسلوب يسخر فيها بطريقة المسلمين في حفظ السنة النبوية ، حين قال ، وبئس ما قال :
…(( حدثنا الشيخ إمام ، عن صالح بن عبدالحي ، عن سيد بن درويش ، عن أبيه ، عن جده ، قال : يأتي على هذه البلاد زمان ، إذا رأيتم فيه أن الفن أصبح جثة هامدة فلا تلوموه ، ولا تعذلوه أهله ، بل لوموا أنفسكم ، قالها وهو ينتحب ، فتغمده الله برحمته وغفر له ذنوبه )) (193) !
…وهكذا لم يجد هذا الحداثي الأفاك طريقة يتحدث بها عن الغناء والمغنين ، إلا أن يقلد سند حديث النبي ( ، بل يقلد الحديث الشريف ذاته في ألفاظه ، فحسبنا الله ، ونعم الوكيل .
* * *
ب - طرق مقاومة هؤلاء الأعداء :(1/43)
…وبعد أن عرفنا أعداءنا ، وتبينت لنا طرقهم الماكرة ، ووسائلهم الخبيثة لفتنة المسلمين عن دينهم ، فإن مقاومتهم هي الحل الوحيد لكف شرهم ، ويمكنني أن أوجز طرق مقاومتهم في الأمور التالية :
…1- الاعتناء الشديد بأمر الجهاد في سبيل الله - تعالى - وإعداد العُدة الكافية لملاقاة الأعداء عملاً بقوله تعالى : ( وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ... ( (194) ، وذلك أن روح الجهاد متى ما سادت أي مجتمع إسلامي أدى ذلك إلى حماية وجوده ، وتعزيز وحدته ، وضمان ديمومته العقائدية ، وإبداعه الحضاري ، واتساع ميادين نشاطه في العالم ، وحيثما افتقدت هذه الروح الجهادية وطمس عليها في مجتمع آخر فإنه يفقد وجوده ، وتتمزق وحدته ، وتتباطأ اندفاعيته العقائدية ، ويتسلط أعداؤه عليه ، وتضمحل منجزاته الحضارية ، ويتقلص دوره في العالم ، ويؤول أمره إلى التدهور والسقوط ، وإن تاريخنا المعاصر ليقدم لنا عشرات الأمثلة التطبيقية على صدق هذه المعادلة ، ولقد كان أبو بكر ( واضح الرؤية عندما قال مخاطبًا منتخبيه : (( إنه ما ترك قوم الجهاد قط إلا عمهم الله - تعالى - بالبلاء )) (195) .
…2- محاولة الدراسة العميقة لمؤامرات الأعداء ، وخططهم لاحتلال البلاد الإسلامية ، أو إضعافها ، ثم إصدار الأوامر الجادة التي تنفذ فورًا لمقابلة الهجمات الصليبية والصهيونية الموجهة لبلاد المسلمين .
…3- تمكين العلماء الربانيين ، من فضح مخططات هؤلاء الأعداء ، وكشف ألاعيبهم ومؤامراتهم .
…4- الاهتمام الكبير بإنشاء هيئات الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لمقاومة الإفساد والمفسدين ، والضرب بيد من حديد على يد كل من تسول له نفسه العبث ، والفساد .
…5- إيجاد الدراسات الإسلامية القوية ، والبحوث العميقة التي تكشف ألاعيب هؤلاء الأعداء ، وتحذر منهم .(1/44)
…6- إصدار التعليمات لكل القطاعات في الدول الإسلامية ، ووسائل الإعلام فيها ، والتعليم ، النشر ، بتمكين العلماء من أداء واجبهم الشرعي ، والأخذ بنصائحهم . ويشجع هؤلاء العلماء لبيان الحق ، والدعوة إليه في كل المجالات ، وفي التجمعات العامة ، وفي المناسبات التي تمر بالأمة ، وفي الصحف والمجلات .
…7- تمكين العلماء والمصلحين ، وأهل الرأي من المساهمة في البرامج الإعلامية لنفع الناس وتعليمهم ، ومنع كل ما يفسد العقائد والسلوك ، والوسائل الموصلة إليه ، ومنع الجرائد والمجلات والكتب التي تروج أفكار الكفر ، والزندقة ، والعلمنة ، والسفور ، والخلاعة ، مما غزا به الكفار بلاد المسلمين لقصد الفتنة ، والله أعلم .
المبحث الثامن
الحذر من الإشاعات
…الإشاعات جمع إشاعة ، والإشاعة في اللغة تعني الذيوع والانتشار ، يقال : شاع الشيب أي انتشر ، وشاع الخبر أي ذاع . والشاعة : الأخبار المنتشرة ، ورجل مشياع أي مذياع لا يكتم سرًا ، ويقال : شاع القوم أي انتشروا (196) .
…وأما الإشاعة المقصود بها هنا ، والتي تسبب في ظهور الفتن فهي الأحاديث والأقوال والأخبار التي يتناقلها الناس ، والقصص التي يروونها دون التثبت من صحتها ، أو التحقق من صدقها مما له أثر في إذكاء العداوة بين المؤمنين ، وإيجاد الفرقة والاختلاف بينهم .
…ومن خلال تعريف الإشاعة الآنف الذكر يمكن القول ، بأن كثيرًا من الفتن ، سببها الإشاعات ، وإليك أمثلة على ذلك :
…1- ففي العهد الأول وقعت شائعات متعددة ، كان لها آثارها في حدوث الفتنة ونزول المحنة .
…فمن ذلك الشائعة التي انتشرت أن كفار قريش أسلموا ، وذلك بعد الهجرة الأولى للحبشة ، فكان من نتيجتها أن رجع عدد من المسلمين إلى مكة ، وقبل دخولهم علموا أن الخبر كذب ، فدخل منهم من دخل ، وعاد من عاد ، فأما الذين دخلوا فأصاب بعضهم من عذاب قريش ما كان فارًا منه (197) ، فلله الأمر من قبل ومن بعد .(1/45)
…* وفي معركة أحد ، عندما أشاع الكفار أن الرسول ( قد قتل ، فَتَّ ذلك في عضد كثير من المسلمين ، حتى إن بعضهم ألقى السلاح ، وترك القتال (198) .
…* وإن ينس المرء الشائعات فلن ينسى حادثة الإفك ، تلك الحادثة التي هزت بيت النبوة شهرًا كاملاً ، بل هزت المدينة كلَّها (199) .
…2- وأدت الشائعات الكاذبة ضد الخليفة الراشد عثمان بن عفان ( إلى تجمع أخلاط من المنافقين ، ودهماء الناس ، وجهلتهم ، وأصبحت لهم شوكة ومنعة ، فقُتل على إثرها خليفة المسلمين بعد حصاره في بيته ، وقطع الماء عنه (200) .
…ومن هنا فإنه يقال : إن أعظم الناس نشرًا للشائعات هي طائفة المنافقين ، فإنهم لا يزالون يندسون في صفوف الأمة ، ويثيرون الفتنة بإشاعات يختلقونها ، يوغرون الصدور بها ، ويصدعون الصفوف ، وربما تزيوا بزي الصالحين ، بل وربما شاركوا في الأعمال الصالحة الظاهرة كالصلاة ، كما كان المنافقون ، ومآربهم الأصلية ، وربما شاركهم في أعمالهم أصحاب المطامع الأرضية الذين يتخذون النميمة سلعة يتأكلون بها (201) .
…نعم إنَّ من تأمل أحوال المنافقين ، ومن نحا نحوهم وجدهم أشد الناس نشرًا للشائعات ، كل ذلك ليتهموا البريء بما ليس فيه ، ويزرعوا الخوف والذعر في صفوف المسلمين ، ثم ينشروا بمثل هذين الفعلين الآثمين الخصومة والبغضاء بين الأفراد الجماعات ، فتتفكك بذلك وحدة الأمة ، وتضعف معنويات أفرادها ، وتتعرض سلامتها لأكبر الأخطار .
…ولعلي أبرز هذين الأمرين بشيء من التفصيل ؛ نظرًا لأهميتهما :
1- اتهام البريء بما ليس فيه :(1/46)
…إن اتهام البريء بما ليس فيه ، واختلاق الأكاذيب ، وتلفيق الاتهامات ضد المؤمنين الصادقين سمة من سمات المنافقين الخييثة ، وعلامة من علامامتهم المنكرة ، وهل ينسى المسلم ما فعله المنافقون في زمن الرسول ( حين اتهمت الطغمة الفاجرة من المنافقين عرض أم المؤمنين عائشة - رضي الله عنها - ، ذلك العرض الذي ما عرف غير الطهر والعفاف ، فأشاع المنافقون هذه الفرية ، ولفقوا هذه التهمة ليزعزعوا كيان الأمة ، ويصدعوا صفوفها ، حتى تأثر بإشاعاتهم الخبيثة من تأثر ، فينزل القرآن محذِّرًا من تصديق هذه الفرية الظالمة ، والإشاعة الآثمة :
…( إذ تلقونه بألسنتكم وتقولون بأفواهكم ما ليس لكم به علم وتحسبونه هينًا وهو عند الله عظيم . لولا إذ سمعتموه ضن قلتم ما يكون لنا أن نتكلم بهذا سبحانك هذا بهتان عظيم ( (202) .
…ثم يحذِّر - تعالى - المؤمنين من العودة مرة أخرى إلى تصديق مثل هذا الافتراء العظيم ، فيقول سبحانه :
…( يعظكم الله أن تعودوا لمثله أبدًا إن كنتم مؤمنين ( (203) .
…إن المتأمل في عصرنا هذا يرى هذا الهجوم الشرس ، والتخطيط المحكم من أعداء الرسالة المحمدية لنشر الشائعات ، وترويج الكذبات التي يساعد على نشرها الإعلام الخارجي ، ضد علماء الأمة ودعاتها الربانيين ، يتهمون الأبرياء بما ليس فيهم ، ليقطعوا الصلة بين الأمة ودعاتها الصادقين ، حيث يصفونهم بأنهم يثيرون الفتنة ! لا لشيء إلا لأنهم يأمرون بالمعروف ، وينهون عن المنكر ، وإن الواجب على الأمة ، كلِّ الأمة ، تجاه مثل هذه الإشاعات المغرضة ، والكذبات المنتنة أن يتصدوا لها بقوة المؤمن الواعي ، لما يدبّر حوله ، ويكاد له ، مُفْهمين إياهم أن أي تطاول على علمائهم ودعاتهم هو تطاول عليهم .. هذا هو منهج المؤمنين الصادقين تجاه مثل هذه الأكاذيب الفاجرة ، والافتراءات الظالمة .
2- إثارة الخوف والذعر :(1/47)
…ولقد أوضح القرآن هذا الأمر ، فلم يعد خفيًا على أحد ، قال سبحانه : ( لو خرجوا فيكم ما زادوكم إلا خبالاً ولأوضعوا خلالكم يبغونكم الفتنة وفيكم سماعون لهم ( (204) .
…فالمنافقون إذًا وقت الشدة والبأس والحرب ربما يخرجون مع المسلمين متظاهرين بأنهم يقاتلون معهم ، فإذا ما سنحت لهم الفرصة قاموا بنشر الشائعات في صفوف المؤمنين ، وأخذوا يصفون أعداءهم بأنهم أقوياء ، لن يستطيعوا مجابهتهم ، والتصدي لهم .
…نعم إن هذا الفعل هو ديدن المنافقين في كل زمان ومكان ، يصفون أولياءهم من الكافرين بأنهم الكبراء الأقوياء الذين لا يغلبون ويتحركون بخفية لمساعدة أوليائهم هؤلاء ، قاصدين من كل ذلك إضعاف شوكة المسلمين ، والتخذيل في صفوفهم ، ألا ساء ما يفعلون !
…إذًا فالإشاعة وسيلة من الوسائل الحربية الفتاكة ، إذا استخدمت بمهارة - خاصة أيام الفتن - كما يفعل المنافقون في هذا الزمان ، وفي كل زمان كان لها الأثر الكبير على مجريات الأحداث ، فكم من أمة عانت طويلاً طويلاً بسبب إشاعة أطلقها أعداؤهم .
* العلاج
…وإذا عرفنا مما سبق خطر الإشاعة ، وأثرها في إحداث الفتن وتفريق الصفوف ، وتحطيم العزائم ، ونشر العداوات ، وشماتة الأعداء ، فإن علاج ذلك إنما يكون بالحذر منها ، ولذا فإني أبرز الآن أهم الأمور التي يمكن من خلالها الحذر من الإشاعات ، في النقاط التالية :
…1- تذكير الناقل بالله - تعالى - وتحذيره من مغبة القول على الله بلا علم .
…2- تذكير الناقل بالعاقبة المتحصلة إذا كانت الإشاعة كذبًا أو مبالغًا فيها .
…3- عدم التعجل في تقبل الإشاعة دون استفهام أو اعتراض .
…4- عدم ترديد الإشاعة ؛ لأن في ترديدها زيادة انتشار لها ، مع إضفاء كثير من الكذب عليها ، وكما قيل في المثل الروسي : ( الكذبة كرة ثلجية تكبر كلما دحرجتها ) .
…5- اقتفاء خط سير الإشاعة ، وتتبع مسارها للوصول إلى جذورها ، ووضع اليد على مطلقيها ، ومحاسبتهم بحزم (205) .(1/48)
…6- عدم المبالاة ، أو إظهار التعجب والاهتمام عند سماع الإشاعة من أطراف أخرى ، والتشكيك في صحتها ، فهذا بحد ذاته يخفف وطأة ناقلي الإشاعة ، ويجعلهم يراجعون أنفسهم قبل بث تلك الإشاعة .
…وليعلم أن الإعراض عن الإشاعة وعدم الاكتراث بها سبب رئيس في إخماد الإشاعة ، (( إذ الإعراض عن القول المطَّرح أحرى لإماتته وإخماد ذكره قائله ، وأجدر أن لا يكون ذلك تنبيهًا للجُهال عليه )) (206) .
…7- عدم الاستماع بالمرة إلى ما يقوله الكذابون والمنافقون والمغتابون ، وأصحاب القلوب المريضة ، وعدم الرضى بذلك ، كما هو منهج السلف - رحمهم الله - .
…وإن الفتنة إذا وقعت عجز العقلاء فيها عن دفع السفهاء ، فصار الأكابر عاجزين عن إطفاء الفتنة ، وكف أهلها ، وهذا شأن الفتن ، إذا وقعت لم يسلم من التلوث بها إلا من عصمه الله - تعالى - (207) .
…8- أن يحاول الرد على الإشاعة في الصحف وماشاكلها إذا كانت الإشاعة ناشئة من الصحف ، أو أنها بلغت بين الناس أسرع وسيلة للقضاء عليها ، وإخماد ذكرها ، وإن لم يخمد ذكرها بالكلية فعلى الأقل إزالة القناعة التامة بها من أذهان الناس (208) .
…9- أن يسارع من تُنقل إليه الإشاعة إلى استشارة أهل العلم والفضل في أمر هذه الإشاعة ، وعليه أن يأخذ بمشورتهم ، فإنهم أدرى بالمصلحة ، بحكم علمهم وتجربتهم ، بل قد بيّن الله - تعالى - في محكم التنزيل أن هذا المسلك هو المنهج السليم في مثل هذا .
…قال تعالى : ( وإذا جاءهم أمر من الأمن أو الخوف أذاعوا به ولو ردوه إلى الرسول وإلى أولي الأمر منهم لعلمه الذين يستنبطونه منهم ولولا فضل الله عليكم ورحمته لاتبعتم الشيطان إلا قليلاً ( (209) .
…يقول الشيخ عبدالرحمن بن سعدي (210) - رحمه الله - تعليقًا على هذه الآية الكريمة :(1/49)
…(( هذا تأديب من الله لعباده عن فعلهم هذا غير اللائق ، وأنه ينبغي لهم إذا جاءهم أمر من الأمور المهمة ، والمصالح العامة ، ما يتعلق بالأمن ، وسرور المؤمنين ، أو بالخوف الذي فيه مصيبة عليهم ، أن يتثبتوا ، ولا يستعجلوا بإشاعة ذلك الخبر ، بل يردونه إلى الرسول ، وإلى أولي الأمر منهم ، أهل الرأي والعلم والنصح والعقل ، والرزانة ، الذين يعرفون الأمور ، ويعرفون المصالح وضدها .
…فإن رأوا في إذاعته مصلحة ونشاطًا للمؤمنين ، وسرورًا لهم ، وتحرزًا من أعدائهم فعلى ذلك . وإن لم يروا فيه مصلحة ، أو فيه مصلحة ، ولكن مضرته تزيد على مصلحته لم يذيعوه ، ولهذا قال : ( لعلمه الذين يستنبطونه منهم ) أي يستخرجونه بفكرهم ، وآرائهم السديدة ، وعلومهم الرشيدة .
…وفي هذا دليل لقاعدة أدبية ، وهي أنه إذا حصل بحث في أمر من الأمور ينبغي أن يولى من هو أهل لذلك ، ويجعل إلى أهله ، ولا يتقدم بين أيديهم ، فإنه أقرب إلى الصواب ، وأحرى للسلامة من الخطأ .
…وفيه النهي عن العجلة والتسرع لنشر الأمور من حين سماعها ، والأمر بالتأمل قبل الكلام ، والنظر فيه ، هل هو مصلحة ، فيقوم عليه الإنسان ، أم لا ؟ فيحجم عنه )) (211) اهـ .
المبحث التاسع
الثقة بنصر الله - تعالى -
…إن استحضار الثقة بنصر الله - تعالى - زمن الفتن والمحن أمر يجب أن لا يغفل عنه المسلمون ، وبخاصة من يقودون طلائع الجهاد الإسلامي ، ومراكز الدعوة في بلاد الإسلام .(1/50)
…وإن من يستعرض الواقع التاريخي للإسلام يجد ما يؤكد هذه الحقيقة بدون لبس أو غموض ، فبينما سراقة بن مالك (212) يطارد رسول الله ( وصاحبه أبا بكر ( وهما مهاجران خفية عن أعين الناس ، وبينما كان سراقة يعثر به فرسه كلما هم أن يتابع الرسول ( وصاحبه طمعًا في جائزة قريش المغرية التي رصدتها لمن يأتيها بمحمد ( وصاحبه ، أو يخبر عنهما ، وبينما هو يهم بالرجوع ، وقدْ عاهد النبي ( أن يكفيهما مَنْ من وراءه ، في هذه اللحظة قال النبي ( : (( يا سراقة ، كيف بك وسواري كسرى )) ؟ (213) يعده سواري كسرى ، شاهنشاه الفرس ( ملك الملوك ) !
…نعم لقد كان رسول الله ( عارفًا بالحق الذي معه ، معرفته بالباطل الذي عليه الجاهلية في الأرض كلها يومذاك .. وكان واثقًا من أن هذا الحق لابد أن ينتصر على هذا الباطل . وأنه لا يمكن أن يوجد الحق في صورته هذه ، وأن يوجد ( الباطل ) في صورته هذه ، ثم لا يكون ما يكون !
…ولقد كان سراقة يدرك تمامًا بعدما ساخت قوائم فرسه في الأرض أن هنالك قدرًا علويًا يحرك الأحداث ، ويدفعها لصالح الحق ، والحق فقط ، ولهذا كان يقول مخاطبًا أبا جهل :
أبا حكم والله لو كنت شاهدًا
لأمر جوادي إذ تسوح قوائمه
علمت ولم تشكك بأن محمدًا
رسول ببرهانٍ فمن ذا يقاومه ؟ (214)
* * *
…ونحن اليوم في مثل هذا الموقف بكل ملابساته ، وكل سماته مع الجاهلية كلِّها من حولنا ، فلا يجوز - من ثم - أن ينقصنا اليقين في العاقبة المحتومة . العاقبة التي يشير إليها كل شيء من حولنا على الرغم من جميع الفتن المحيطة بنا .
…(( إن حاجة البشرية اليوم إلى ذلك المنهج ليست بأقل من حاجتها يومذاك .. وإن وزن هذا المنهج اليوم بالقياس إلى كل ما لدى البشرية من مناهج لا يقل عنه يومذاك .
…ومن ثم لا ينبغي ألا يخالجنا الشك في أن ما وقع مرة في مثل هذه الظروف لابد أن يقع .(1/51)
…ولا يجوز أن يتطرق إلى قلوبنا الشك بسبب ما نراه من حولنا ، من الضربات الوحشية التي تكال لطلائع الجيل المسلم العائد إلى الله - تعالى - في كل مكان ، ولا بسبب ما نراه كذلك من ضخامة الأسس التي تقوم عليها الحضارة المادية .. إن الذي يفصل في الأمر ليس هو ضخامة الباطل ، وليس هو قوة الضربات التي تكال للإسلام ، إنما الذي يفصل في الأمر هو قوة الحق ، ومدى الصمود للضربات )) (215) .
…نعم إن الإسلام أضخم حقيقة ، وأصلب عودًا ، وأعمق جذورًا من أن تفلح في معالجته الجهود ، كلُّ الجهود ، ولا هذه الضربات الوحشية التي تكال للمسلمين في كثير من بلاد الإسلام ، لأن المستقبل لهذا الدين ، وهذا الدين له دوره الكبير في هذه الأرض هو مدعو لأدائه ، أراد أعداؤه أم لم يريدوا ، وإن عنصر القوة كامن في طبيعته ، كامن في بساطته ووضوحه وشموله ، وملاءمته للفطرة البشرية ، وتلبيته لحاجاتها الحقيقية ، كامن في الاستعلاء عن العبودية للعباد بالعبودية لله رب العباد ، وفي رفض التلقي إلا منه ، ورفض الخضوع إلا له من دون العالمين ، كامن كذلك في الاستعلاء بأهله على الملابسات العارضة ، كالوقوع تحت سلطان المتسلطين . فهذا السلطان يظل خارج نطاق الضمير مهما اشتدت وطأته ، ومن ثم لا تقع الهزيمة الروحية طالما عمر الإسلامُ القلب والضمير ، وإن وقعت الهزيمة الظاهرية في بعض الأحايين .
…ومن أجل هذه الخصائص في الإسلام يحاربه أعداؤه هذه الحرب الماكرة ، لأنه يقف لهم في الطريق ، يعوقهم عن أهدافهم الاستعمارية الاستغلالية ، كما يعوقعهم عن الطغيان والتأله في الأرض كما يريدون !
…ومن أجل هذه الخصائص يطلقون عليه حملات القمع والإبادة ، كما يطلقون عليه حملات التشويه والخداع والتضليل .(1/52)
…ومن أجل هذا يريدون أن يستبدلوا به قيمًا أخرى ، وتصورات أخرى ، لا تمت بسبب إلى هذا المناضل الكبير ، لتستريح الصهيونية العالمية ، والصليبية العالمية ، والاستعمار العالمي من هذا العملاق الوحيد .
…نعم إن خصائص الإسلام الذاتية هي التي تقف ضد الفتن التي يثيروها أعداؤه الطامعون في أسلاب الوطن الإسلامي ، هذه هي حقيقة المعركة ، وهذا هو دافعها الأصيل (216) .
…نعم إنها الحقيقة التي لابد أن تستقر في ذهن كل مؤمن ، وتتربع في قلب كل جيل من هذه الأمة - وهم يواجهون الفتن من مصائب وكوراث وتسجين وتقتيل - أن يعتقدوا اعتقادًا جازمًا لا يتطرق إليه أدنى شك أن النصر لهذا الدين مهما تكالبت عليه قوى الأرض جميعًا :
…( أذن للذين يقاتلون بأنهم ظلموا وإن الله على نصرهم لقدير . الذين أخرجوا من ديارهم بغير حق إلا أن يقولوا ربنا لله ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لهدمت صوامع وبيع وصلوات ومساجد يذكر فيها اسم الله كثيرًا ولينصرن الله من ينصره إن الله لقوي عزيز ( (217) ، ( يريدون أن يطفئوا نور الله بأفواههم ويأبى الله إلا أن يتم نوره ولو كره الكافرون . هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون ( (218) .
…ثم على هؤلاء أيضًا أن يتذكروا صراع الأنبياء مع أقوامهم ، ولمن كان الغلبة ؟
…( ولقد سبقت كلمتنا لعبادنا المرسلين . إنهم لهم المنصورون . وإن جندنا لهم الغالبون ( (219) . ( إنا لننصر رسلنا والذين آمنوا في الحياة الدنيا ويوم يقوم الأشهاد . يوم لا ينفع الظالمين معذرتهم ولهم اللعنة ولهم سوء الدار ( (220) .
…وإن هذه الحقيقة التي قررها القرآن لم تغفلها أيضًا السنة الصحيحة ، فقد ثبت في الحديث الصحيح أنه ( قال : (( ليبلغن هذا الأمر ما بلغ الليل والنهار ولا يترك الله بيت مدر ولا وبر إلا أدخله إياه بعز عزيز أو بذل ذليل عزًا يعز الله به الإسلام وذلاً يذل به الكفر )) (221) .(1/53)
…وإنه إذا أراد المشككون من المنافقين ونحوهم أن يزيلوا هذه الحقيقة من قلوب المسلمين ، واستمع لهم من استمع ، وصدّق كلامهم من صدّقه ، فإنني أوجه الخطاب لهؤلاء جميعًا أن ينظروا إلى المذابح والتشريد الذي تعرض له المسلمون في كثير من بلاد الإسلام ، هل أخمدهم ؟ هل قضى عليهم ؟ هل أوقف المد الإسلامي ؟ لقد قُتل مئات وألوف تحت القمع الصليبي والصهيوني والعلماني ، فإذا بالقاعدة تتسع بعد كل مذبحة ، وجاءت عينات من الشباب المسلم الواعي أكثر صلابة ، وأشد بأسًا ، وأكثر وعيًا وتصميمًا على المضي في المشوار الطويل (222) .
…وإذا تقرر مما سبق أنه عند الفتن خاصة لابد من استحضار الثقة بنصر الله - تعالى - إذا تقرر هذا فلابد أن يعلم أن الإسلام لا يعمل وحده ، إنما يعمل من خلال البشر الذين يؤمنون به ، وإن المسلمين اليوم وهم ينظرون إلى إخوانهم الذين يواجهون الفتنة في دينهم ، ثم لا تذرف لهم دمعة ، ولا يتحرك لهم ساكن ، بل يتخاذلون عن نصرة إخوانهم في العقيدة ، هؤلاء إن لم يفيقوا من غفلتهم ، وينفضوا التراب عن رؤوسهم ، فإن الله - تعالى - قادر على أن يستبدل قومًا خيرًا منهم : ( وإن تتولوا يستبدل قومًا غيركم ثم لا يكونوا أمثالكم ( (223) .
* * *
…ومما ينبغي أن يتقرر في الأذهان أن الثقة بنصر الله - تعالى - عند الفتن لا تجدي إذا تقهقر المسلمون ، وخذلوا دينهم ، وسلكوا ألوان الفساد الموجودة من خمور ومخدرات ، إلى جريمة ، إلى زيغ عقدي ، إلى ألوان الجنس المختلفة ، والفتون المتنوعة ، من جنون كرة ، إلى جنون جنس ، إلى جنون دش .. إلخ .
…فهل يعي المسلمون أنهم إن سلكوا هذه الطرق ، ونهجوا هذه السبل أنهم لن ينصروا ولو كانت الدنيا كلها معهم ، لأن الله - تعالى - ليس معهم (224) .
…وهل يَعُون أنهم إن نصروا الله - تعالى - في أنفسهم فسينصرهم الله القوي العزيز ، ولو كانت الدنيا كلها ضدهم ، هل يعون هذا كلَّه ؟
* * *(1/54)
…ومن الأمور التي ينبغي أن يفهمها المسلمون مما يدخل في الثقة بنصر الله عند مواجهة الفتن أن ذلك التمكين لأعداء الله - عز وجل - إنما يجري بمقتضى السنن الربانية . والبوار الذي ينتظر الغرب ما لم يغيروا ما بأنفسهم بجري كذلك بمقتضى السنن الربانية :
…( وتمت كلمة ربك صدقًا وعدلاً لا مبدل لكلماته وهو السميع العليم ( (225).
…( فلن تجد لسنة الله تبديلاً ولن تجد لسنة الله تحويلاً ( (226) .
…ومن هنا فإن على الذين يستبعدون انهيار ( الحضارة الغربية ) ويوسوس لهم الشيطان أن الله - تعالى - لا يمكن أن يدمر عليهم ، وهم يملكون هذا القدر الهائل من أدوات التمكين ، نحيلهم إلى أكبر انهيار في التاريخ ، لأكبر قوة طاغية في التاريخ ، وهي قوة الشيوعية ، متمثلة في الاتحاد السوفيتي ، الذي انهار كأنما في لحظات .
…والغرب دوره في الطريق ولن تمنعه قوته المادية ، ولا الحربية ، ولا السياسية عن مصيره المقدر في سنة الله - تعالى - :
…( حتى إذا أخذت الأرض زخرفها وازينت وظن أهلها أنهم قادرون عليها أتاها أمرنا ليلاً أو نهارًا فجعلناها حصيدًا كأن لم تغن بالأمس كذلك نفصل الآيات لقوم يتفكرون ( (227) .
…وإذا انهارت ( الحضارة الغربية ) فإن البديل هو الإسلام ، والإسلام وحده فقط ، فهل يعي المسلمون هم يواجهون الفتن من الكافرين هل يعون هذه الحقيقة الربانية ، والسنة الإلهية ؟(1/55)
…وهل يعون أيضًا أن الغرب نفسه بدأ يعترف بأن مصيره إلى الهاوية ما لم يعدل من حاله التعيسة ، ومصيره الشقي المنكود ، حتى قال أحدهم في تعليق له على ما يجري في أمريكا من فساد أخلاقي : (( أنا لا أعتقد أن الخطر الأكبر الذي يهدد مستقبلنا يتمثل في القنابل النووية أو الصواريخ الموجهة آليًا ، ولا أعتقد أن نهاية حضارتنا ستكون بهذه الطريقة ، إن الحضارية الأمريكية ستزول وتنهار عندما نصبح عديمي الاهتمام ، وغير مبالين بما يجري في مجتمعنا ، وعندما تموت العزيمة على إبقاء الشرف والأخلاق في قلوب المواطنين )) (228) .
…نعم إن هتافاتٍ كثيرة من هنا وهناك تنبعث من القول الحائرة ، وترتفع من الحناجر المتعبة ، تهتف بمنقذ من الفتن - كل الفتن - وتتلفت على (( مُخلِّص )) وتتصور لهذا المخلِّص سماتٍ وملامح معينة تطلبها فيه ، وإن هذه السمات ، وتلك الملامح لا تنطبق إلا على الإسلام ، والإسلام فقط ، فهل يعود المسلمون اليوم إلى دينهم عودًا حقيقيًا يدركون به هذه الحقيقة الربانية العظيمة التي سطرتها آيات القرآن ، وأوضحتها سنة رسولنا ( ؟!
(1) آل عمران : (103) .
(2) تفسير الطبري (3/379) .
(3) المرجع السابق ، الصفحة نفسها .
(4) مدارج السالكين (3/338) .
(5) آل عمران : (132) .
(6) النساء : (69) .
(7) المائدة : (92) .
(8) النساء : (59) .
(9) تفسير السعدي (2/89-90) وانظر تفسير القرطبي (5/169) .
(10) أخرجه أبو داود في كتاب السنة ، باب في لزوم السنة (4/201) برقم (4607) . والترمذي في كتاب العلم ، باب ما جاء في الأخذ بالسنة واجتناب البدع (5/44) برقم (2676) . وابن ماجه في المقدمة ، باب اتباع سنة الخلفاء الراشدين المهديين (1/15) برقم (42) . وأحمد في المسند (4/126) . والحاكم (1/95) . كلهم من حديث العرباض بن سارية ( وإسناد الحديث صحيح ، انظر ( إرواء الغليل في تخريج أحاديث منار السبيل ) للألباني (8/107) .(1/56)
(11) أخرجه مالك في الموطأ ، كتاب الجامع ، باب النهي عن القول بالقدر ، ص648 ، برقم (1619) . والحاكم في مستدركه (1/93) . وابن حزم في الأحكام (6/809) ، وهو صحيح ، من حديث عبدالله بن عباس - رضي الله عنهما - .
(12) الأريكة : السرير ، انظر ( مختار الصحاح ) ص14 مادة (أَرَكَ) .
(13) أخرجه أبو داود في كتاب السنة ، باب لزوم السنة (4/200) برقم (4640) . والترمذي في كتاب العلم ، باب ما نُهي عنه أن يقال عند حديث النبي ( (5/37) برقم (2663) . وابن ماجه في المقدمة (1/6) برقم (12) . وأحمد في المسند (4/130) . والحاكم (1/108،109) وصححه ، ووافقه الذهبي .
(14) مثل المعتزلة والرافضة قديمًا ، والقرآنيين والمستشرقين وتلاميذهم حديثًا .
(15) انظر ( الإبانة ) لابن بطة (1/223) .
(16) أخرجه الدارمي في سننه (1/53) . وابن بطة في الإبانة (1/337-339) .
(17) آل عمران : (103) .
(18) تفسير القرطبي (4/105) .
(19) هو عبدالرحمن بن أحمد بن عطية العنسي الداراني ، نسبة إلى (داريا) قرية من قرى دمشق ، إمام كبير ، وزاهد مشهور ، توفي سنة 215هـ .
(20) ( الفرقان بين أولياء الرحمن وأولياء الشيطان ) ص161 . وانظر : مجموع الفتاوى (11/623) .
(21) المراد بالجماعة هنا : الفرقة الناجية التي أمر الله - تعالى - بلزومها إذا وقعت الفرقة ، وهي السواد الأعظم ، الموافقون لما كان عليه النبي ( . انظر ( وجوب لزوم الجماعة وترك التفرق ) لجمال بادي ، ص98 .
(22) آل عمران : (103) .
(23) انظر تفسير الطبري (3/378) . والقرطبي (4/102) .(1/57)
(24) هو عبدالله بن المبارك بن واضح ، أبو عبدالرحمن الحنظلي ، عالم زمانه ، وأحد أعلام الإسلام الكبار ، ارتحل طلبًا للعلم إلى الحرمين ، والشام ، ومصر ، والعراق ، والجزيرة ، وخراسان ، وحدّث بأماكن ، وصنف المصنفات النافعة ، ومناقبه وفضائله كثيرة جدًا ، توفي سنة 181هـ . انظر سير أعلام النبلاء (8/378) ، وتهذيب التهذيب (3/247) .
(25) تفسير القرطبي (4/102) .
(26) أخرجه أحمد في مسنده (5/183) . وابن عاصم في ( السنة ) برقم (94) من حديث أنس بن مالك ( وإسناد الحديث صحيح . انظر السلسلة الصحيحة للألباني برقم (404) .
(27) رواه أبو داود في كتاب الفتن والملاحم ، باب ذكر الفتن ودلائلها (4/98) برقم (4253) . والترمذي في كتاب الفتن ، باب ما جاء في لزوم الجماعة (4/466) برقم (2167) . وابن بطة في الإبانة (1/347،348) برقم (222) ، وإسناد الحديث صححه الألباني في تخريج المشكاة ص173 ، والحديث من رواية عبدالله بن عباس - رضي الله عنهما - .
(28) رواه اللالكائي في ( شرح أصول الاعتقاد ) برقم (154) من حديث ابن عمر - رضي الله عنهما - ، وقال محقق الكتاب : سنده حسن .
(29) آل عمران : (105) .
(30) الأنعام : (159) .
(31) تفسير ابن كثير (2/196) .
(32) أخرجه الإمام أحمد في المسند (5/180) . والحاكم (1/117) . وأبو داود في كتاب السنة ، باب في قتل الخوارج (4/241) برقم (4758) من حديث أبي ذر ( وصححه الألباني . انظر صحيح سنن أبي داود (3/902) .
(33) أخرجه أحمد في المسند (2/133) . ابن أبي عاصم في ( السنة ) برقم (91) من حديث ابن عمر - رضي الله عنهما - ، وإسناده حسن ، انظر السلسلة الصحيحة للألباني (2/715) برقم (984) .
(34) أخرجه أحمد في المسند (4/130،202) . واللالكائي في ( شرح أصول الاعتقاد ) برقم (157) ، وقال محقق الكتاب : إن هذا الحديث بمجموع طرقه حسن .(1/58)
(35) انظر ( مراجعات في فقه الواقع السياسي والفكري ) إعداد وحوار الأستاذ عبدالله الرفاعي ، ص89 .
(36) هو يونس بن عبدالأعلى بن ميسرة بن حفص بن حيان الصدفي المصري ، المقرئ الحافظ ، كان من كبار العلماء في زمانه ، وكان ذا عقل وحفظ ، مقدمًا في العلم والخير والثقة حتى قال عنه يحيى بن حسان التِّنِّيسي : يونسكم هذا ركن من أركان الإسلام ، توفي غداة يوم الاثنين سنة 264هـ .
…انظر ترجمته في سير أعلام النبلاء (12/348) . وتهذيب التهذيب (6/278) .
(37) سير أعلام النبلاء (10/16) . وانظر ( فقه التعامل مع المخالف ) للأستاذ عبدالله الطريقي ، ص51 وما بعدها .
(38) مجموع الفتاوى (20/164) .
(39) انظر مجموع الفتاوى (18/346) . والاستقامة لشيخ الإسلام (1/42) . ومقدمات في الأهواء والافتراق والبدع للأستاذ ناصر العقل ، ص26 .
(40) الاستقامة (1/42) .
(41) آل عمران : (106) .
(42) تفسير ابن كثير (1/390) .
(43) أخرجه البخاري في كتاب الصلح ، باب إذا اصطلحوا على صلح جور فالصلح مردود ، (5/301) برقم (2697) . ومسلم في كتاب الأقضية ، باب نقض الأحكام الباطلة ، ورد محدثات الأمور (3/1343) برقم (1718) كلاهما من حديث عائشة - رضي الله عنها - .
(44) أخرجه الحاكم في مستدركه (1/103) وصححه ، ووافقه الذهبي .
(45) مثل الرافضة ، والخوارج ، والمرجئة ، والجهمية .
(46) لسان العرب (15/372) مادة (هوا) .
(47) ( التعريفات ) للجرجاني ، ص320 .
(48) وجوب لزوم الجماعة وترك التفرق ، ص189 .
(49) القصص : (50) .
(50) ص : (26) .
(51) أخرجه الترمذي في كتاب الدعوات ، باب دعاء أم سلمة (5/575) برقم (3591) وهو في صحيح سنن الترمذي للألباني برقم (2840) .
(52) أخرجه ابن أبي عاصم في السنة برقم (14) ، وصححه الألباني .
(53) مجموع الفتاوى (28/132) .
(54) ( الموافقات في أصول الشريعة ) للشاطبي (2/128) .(1/59)
(55) إذا أراد المرء أن ينظر إلى مثال يبين له أن اتباع الهوى يوقع في الفرقة والاختلاف ، فلينظر إلى سبب نشأة كثير من الفرق الضالة ، والمذاهب المنحرفة ، فإنه سيجد أن نشأتها بسبب مسالك الهوى الخفية ، حتى حاولوا بعد ذلك البحث عن دليل شرعي ، ليبرروا لأنفسهم ولغيرهم صحة ما هم عليه !
(56) البقرة : (170) .
(57) البقرة : (91) .
(58) هو عدي بن حاتم بن عبدالله الحشرج الطائي ، أسلم في سنة تسع أو عشر من الهجرة ، وكان نصرانيًا قبل ذلك ، وثبت على إسلامه في الردة ، وشهد فتح العراق ، ثم سكن الكوفة ، وأثر عنه أنه قال : ما أقيمت الصلاة منذ أسلمت إلا وأنا على وضوء ، توفي سنة 68هـ ، قيل وهو ابن مائة وعشرين سنة .
(59) التوبة : (31) .
(60) رواه الترمذي في كتاب تفسير القرآن ، باب ومن سورة التوبة ، (5/278) برقم (3095) . وحسنه الألباني كما في صحيح سنن الترمذي (3/56) برقم (3306) .
(61) قد تقدمت نُبذ من كلام السلف ، تبين أن الخلاف في المسائل الاجتهادية لا يجوز أن يؤدي إلى الخصام ، ونشوء الأحقاد .
(62) هو الأستاذ محمد قطب - ثبته الله - ، والكتاب هو : ( العلمانيون والإسلام ) .
(63) انظر (أدب الدنيا والدين) للماوردي، ص78 . و(موقف المسلم من الخلاف) للشيخ عبدالرحمن البراك ، ص29.
(64) أخرجه مسلم في كتاب البر والصلة والآداب ، باب نصر الأخ ظالمًا أو مظلومًا (4/1998) برقم (2584) من حديث جابر ( .
(65) ( الهوى وأثره في الخلاف ) للأستاذ عبدالله الغنيمان ، ص19 .
(66) ( الإبانة ) لابن بطة ، الحديث رقم (238) .
(67) انظر ( مراجعات في فقه الواقع السياسي والفكري ) ، ص50،51 . و( إلى متى هذا الخلاف ) ، لفضيلة الشيخ : محمد بن صالح العثيمين ، ص53 .
(68) البقرة : (191) .
(69) البقرة : (217) .
(70) التوبة : (111) .
(71) ( المشوق في الجهاد ) ، تأليف الأستاذين : عدنان الرومي وعلى الهزاع ، ص111 .(1/60)
(72) كلمة الكفار هنا عامة ، تصدق على كل من لم يتمثل الإسلام حياة ومنهجًا وسلوكًا ، سواء كان من اليهود أو النصارى ، أو العلمانيين ، أو المنافقين ، أو الرافضة ، أو غيرهم من طوائف الكفر والضلال .
(73) البقرة : (191) .
(74) البقرة : (217) .
(75) ( صفوة الآثار والمفاهيم ) ، للشيخ : عبدالرحمن الدوسري - رحمه الله - (3/226،227) .
(76) ( وسائل دفع الغربة ) للشيخ : سلمان العودة ، ص54،55 .
(77) الزخرف : (84) .
(78) يوسف : (40) .
(79) انظر ( الظلال ) (3/1508) . ومعالم في الطريق ، لسيد قطب - رحمه الله - ، ص66،67 .
(80) هو ربعي بن عامر بن خالد بن عمرو ، كان من أشراف العرب ، وله ذكر في غزوة نهاوند ، وَوَلاَّه الأحنف لما فتح خراسان على طخارستان ، وكان ممن أمدّ به عمر بن الخطاب المثنى بن حارثة في فتح العراق . انظر ترجمته في ( الإصابة ) (1/503) .
(81) القادسية : قرية قرب الكوفة من جهة البر ، وعندها كانت الوقعة العظيمة بين المسلمين والفرس ، قُتل فيها أهل الفرس ، وفُتحت بلادهم على المسلمين . انظر ( مراصد الاطلاع على أسماء الأمكنة والبقاع ) (3/1054) .
(82) ( الكامل في التاريخ ) ، لابن الأثير (2/320) ، وفي كلام ربعي ( رد واضح على أولئك السفلة من المستشرقين والمبشرين الذين يهاجمون الإسلام ودعاته المجاهدين ، ويصفونهم بأنهم سفاكون ، مصاصو دماء ، يقولون ذلك كذبًا ودجلاً ليميتوا فريضة الجهاد في نفوس المسلمين ، ويتناسون ما فعله التتار والصليبيون في بلاد المسلمين .
(83) الأنفال : (39) .
(84) التوبة : (29) .
(85) ( معالم في الطريق ) لسيد قطب - رحمه الله - ، ص83 .
(86) انظر الأمور مفصلة في : ( الظلال ) (2/714) . ومعالم في الطريق ، ص77 . والولاء والبراء في الإسلام ، ص169 وما بعدها .(1/61)
(87) من الأمثلة على ذلك أن ابن الدغنة - وهو رجل جاهلي - لم يرضَ أن يترك أبا بكر - وهو رجل كريم - يهاجر ، ويترك مكة ، بل رأى في ذلك عارًا على العرب ، وعرض عليه جواره ، وحمايته ! انظر ( الإصابة ) 2/344 .
(88) انظر إغاثة اللهفان ، ص536 .
(89) ( طريق الدعوة في ظلال القرآن ) لأحمد فائز ، ص200 .
(90) الحرون : الفرس الذي لا ينقاد ، مختار الصحاح ، ص133 ، مادة حَرَنَ .
(91) ( الصبر في القرآن ) ليوسف القرضاوي ، ص16 .
(92) من قصيدة للأستاذ مروان كجك بعنوان : ( روضات الصبر ) منشورة بمجلة البيان العدد (83) ص27،28 .
(93) انظر ( مختصر منهاج القاصدين ) لابن قدامة ، ص291 .
(94) هو الإمام الزاهد ، شيخ الصوفية ، أبو طالب ، محمد بن علي بن عطية الحارثي ، المكي المنشأ العجمي الأصل ، قيل إنه كان مجتهدًا في العبادة ، وعيب عليه أن كان يعظ في بغداد ، ويخلط في كلامه ، كان يجوع كثيرًا حتى ترك الطعام ، وتقنع بالحشيش حتى اخضر جلده ، وليس ذلك من هدي الإسلام ، توفي سنة 386هـ . راجع ترجمته في السير (16/536) .
(95) قوت القلوب (1/199) .
(96) رواه الترمذي في كتاب الفتن ، باب 73 ، (4/526) برقم (2260) . وابن عدي في الكامل (5/1711) ، من حديث أنس بن مالك ( وفيه عمر بن شاكر وهو عند الجمهور ضعيف . انظر تهذيب التهذيب (4/288) ، والتقريب ، ص413 .
(97) أخرجه أحمد في المسند (2/390) ، من حديث أبي هريرة ( وفي إسناده ابن لهيعة وهو ضعيف ، لكنه أعني الحديث يصلح أن يكون شاهدًا للحديث الذي قبله .
(98) ( من وسائل دفع الغربة ) للشيخ سلمان العودة ، ص217 .
(99) انظر ( مختصر منهاج القاصدين ) لابن قدامة ، ص271 .
(100) للأستاذ محمد بن صالح المنجد كتاب قيم بعنوان ( محرمات استهان بها كثير من الناس ) يحسن بكل واحد الاطلاع عليه .
(101) الأنبياء : (35) .
(102) جمع عافية .
(103) ( الصبر في القرآن ) للأستاذ يوسف القرضاوي ، ص42 .(1/62)
(104) أخرجه الترمذي في كتاب صفة القيامة ، الباب (30) (4/642) برقم (2464) عن عبدالرحمن بن عوف ( وإسناده صحيح . انظر ( من وسائل دفع الغربة ) ص220 .
(105) طه : (131) .
(106) البقرة : (155،156) .
(107) ص : (44) .
(108) يوسف : (18) .
(109) ( الصبر الجميل في ضوء الكتاب والسنة ) للأستاذ سليم الهلالي ، ص74 .
(110) الشعراء : (29) .
(111) غافر : (26) .
(112) الأعراف : (128) .
(113) انظر ( من وسائل دفع الغربة ) ص223،224 .
(114) آل عمران : (186) .
(115) النحل : (127) .
(116) الأحقاف : (35) .
(117) المزمل : (10) .
(118) هود : (49) .
(119) السجدة : (24) .
(120) انظر ( مجموع الفتاوى ) 10/39 . وطريق الدعوة في ظلال القرآن ، ص198 .
(121) يوسف : (33) .
(122) جزء من حديث صحيح أخرجه البخاري في كتاب الدعوات ، باب التعوذ من المأثم والمغرم (11/176) برقم (6368) من حديث عائشة - رضي الله عنها - .
(123) التغابن : (14) .
(124) الفرقان : (74) .
(125) أخرجه البخاري في كتاب الدعوات ، باب التعوذ من المحيا والممات (11/176) برقم (6367) .
(126) المؤمنون : (97،98) .
(127) أخرجه أبو داود في كتاب الأدب ، باب ما يقول إذا أصبح (4/323) برقم (5088) . والترمذي في كتاب الدعوات ، باب ما جاء إذا أصبح وإذا أمسى (5/465) برقم (3388) . وابن ماجه في كتاب الدعاء ، باب ما يدعو به الرجل إذا أصبح وإذا أمسى (2/1273) برقم (3869) . وأحمد في المسند (1/62،63) ، وإسناده حسن . انظر صحيح سنن الترمذي للألباني (3/141) برقم (3628) .
(128) أخرجه أبو داود في كتاب الأدب ، باب ما يقول إذا أصبح (4/317) برقم (5067) . والترمذي في كتاب الدعوات ، باب (14) (5/467) برقم (3392) . وأحمد في المسند (2/297) . والحاكم في مستدركه (1/513) وصححه ، ووافقه الذهبي .
(129) ( نساء زاهدات ) لمحمد خير يوسف ، ص31 .
(130) البقرة : (250) .
(131) يونس : (83-86) .(1/63)
(132) الممتحنة : (5) .
(133) أخرجه مسلم في كتاب الجهاد والسير ، باب الإمداد بالملائكة في غزوة بدر (3/1383) برقم (1763) . وأحمد في المسند (1/30) . والآية المذكورة في سورة الأنفال : (9) .
(134) مثل فلسطين ومصر والجزائر وكشمير والفلبين والبوسنة والشيشان وغيرها .
(135) المؤمنون : (76) .
(136) الإسراء : (37) .
(137) الفرقان : (23) .
(138) أخرجه مسلم في كتاب الذكر والدعاء ، باب التعوذ من شر ما عمل ، ومن شر ما لم يعمل (4/2085) برقم (2716) . وأخرجه أيضًا أبو داود في كتاب الصلاة ، باب الاستعاذة (2/92) برقم (1550) . والنسائي في كتاب السهو ، باب التعوذ في الصلاة (3/47) ، كلهم من حديث عائشة - رضي الله عنها - .
(139) ( حلية الأولياء ) لأبي نعيم (1/52) .
(140) ( مدارج السالكين ) لابن القيم (1/562) .
(141) المرجع السابق ، الصفحة نفسها .
(142) الزمر : (47) .
(143) أخرجه البخاري في كتاب الدعوات ، باب التعوذ من المحيا والممات (11/176) برقم (6367) .(1/64)
(144) والمراد بفتنة الدجال هو ما بينه الرسول ( في سنته كما ثبت في الحديث الصحيح من حديث أبي أمامة ( أن النبي ( قال : (( يا أيها الناس ، إنها لم تكن فتنة على وجه الأرض منذ ذرأ الله ذرية آدم أعظم من فتنة الدجال ، وإن الله - عز وجل - لم يبعث نبيًا إلا حذر أمته من الدجال ، وأنا آخر الأنبياء ، وأنتم آخر الأمم ، وهو خارج فيكم لا محالة ، وإن يخرج وأنا بين ظهرانيكم ، فأنا حجيج لكل مسلم ، وإن يخرج من بعدي فكل حجيج نفسه ، والله خليفتي على كل مسلم ، وإنه يخرج من حلة بين الشام والعراق . فيعبث يمينًا وشمالاً . يا عباد الله : أيها الناس ، فاثبتوا ، فإني سأصفه لكم صفة لم يصفها إياه قبلي ، إنه يبدأ فيقول : أنا نبي ، ولا نبي بعدي . ثم يثني فيقول : أنا ربكم ، ولا ترون ربكم حتى تموتوا وإنه أعور ، وإن ربكم ليس بأعور .. ، وإن من فتنته أن معه جنة ونارًا ، فناره جنة ، وجنته نارٌ ، فمن ابتلي بناره فليستغث بالله ، وليقرأ فواتح الكهف ، فتكون عليه بردًا وسلامًا ، كما كانت النار على إبراهيم . وإن من فتنته أن يقول لأعرابي : أرأيت إن بعثتُ لك أباك وأمك ، أتشهد أني ربك ؟ فيقول : نعم ، فيتمثل له شيطانان في صورة أبيه وأمه ، فيقولان : يا بني ، اتبعه ، فإنه ربك . وإن من فتنته أن يسلط على نفس واحدة فيقتلها ، وينشرها بالمنشار حتى يلقى شقين ، ثم يقول : انظروا إلى عبدي هذا فإني أبعثه الآن ، ثم يزعم أنَّ له ربًا غيري ، فيبعثه الله ، ويقول له الخبيث : من ربك ؟ فيقول : ربي الله ، وأنت عدو الله ، أنت الدجال ، والله ما كنت بَعْدُ أشدَّ بصيرة بك مني اليوم . وإن من فتنة أن يأمر السماء أن تمطر فتمطر ، ويأمر الأرض أن تنبت ، فتنبت . وإن من فتنته أن يمر بالحي ، فيكذبوه ، فلا تبقى لهم سائمة إلا هلكن .. وإن من فتنته أن يمر بالحي ، فيصدقونه ، فيأمر السماء أن تمطر فتمطر ، ويأمر الأرض أن تنبت ، فتنبت ، حتى تروح مواشيهم من(1/65)
يومهم ذلك أسمن ما كانت وأعظمه ، وأمده خواطر ، وأدره ضروعًا . وإنه لا يبقى شيء من الأرض إلا وطئه وظهر عليه إلا مكة والمدينة ، لا يأتيهما من نقب من نقابهما إلا لقيته الملائكة بالسيوف صلتةً . حتى ينزل عند الظريب الأحمر ، عند منقطع السبخة ، فترجف المدينة بأهلها ثلاث رجفات ، فلا يبقى منافق ولا منافقة إلا خرج إليه ، فتنفي الخبث منها كما ينفي الكثير خبث الحديد ، ويُدعى ذلك اليوم يوم الخلاص )) الحديث رواه ابن ماجه في كتاب الفتن ، باب فتنة الدجال . والحاكم في مستدركه (4/436،437) وصححه ، ووافقه الذهبي . وذكره الألباني في السلسلة الصحيحة برقم (2457) .
(145) جزء من حديث صحيح أخرجه البخاري في صحيحه ، كتاب الدعوات ، باب التعوذ من المأثم والمغرم (11/176) برقم (6368) .
(146) أخرجه مسلم في كتاب صلاة المسافرين وقصرها ، باب فضل سورة الكهف وآية الكرسي (1/555) برقم (809) .
(147) الفرقان : (65،66) .
(148) أخرجه البخاري في كتاب الدعوات ، باب التعوذ من المأثم والمغرم (11/176) برقم (6368) .
(149) التوبة : (55) .
(150) كما تقدم تفصل ذلك أيضًا في السبب الأول من أسباب الفتنة ، وذلك في المبحث الأول من الفصل الثاني في الباب الثاني .
(151) أخرجه البخاري في كتاب النكاح ، باب الأكفاء في الدين (1329) برقم (5090) . ومسلم في كتاب الرضاع ، باب استحباب نكاح ذات الدين (2/1086) برقم (1466) ، كلاهما من حديث أبي هريرة ( .
(152) أخرجه البخاري في كتاب بدء الخلق ، باب صفة إبليس وجنوده (6/335) برقم (3271) ، ومسلم في كتاب النكاح ، باب ما يستحب أن يقوله عند الجماع (2/1058) برقم (1434) من حديث ابن عباس - رضي الله عنهما - .
(153) مريم : (48) .
(154) انظر ( من وسائل دفع الغربة ) للشيخ سلمان العودة ، ص161-183 .
(155) انظر مجموعة التوحيد ، ص271 .
(156) انظر تفسير ابن كثير (1/507) . ومجموع الفتاوى (28/199) .(1/66)
(157) انظر ( الإيمان ) لشيخ الإسلام ابن تيمية ، ص39 .
(158) انظر الولاء والبراء في الإسلام ، ص241 .
(159) انظر مبحث ( موالاة الكافرين ) في الفصل الثاني من هذا البحث .
(160) انظر الولاء والبراء ، ص242 .
(161) المرجع السابق ، ص244 .
(162) المرجع السابق ، ص244 .
(163) (6) (7) انظر الولاء والبراء ، ص245،246 .
(164) تقدم في مبحث ( التنبه لمحاولة أهل الكتاب فتنة المسلمين عن دينهم ) التفصيل في موضوع أخذ الحذر من اليهود والنصارى ، ولا مزيد بيان ههنا فيما يتعلق بالنصارى ، أما اليهود فذكروا هنا لأن فيه زيادة بيان عما تقدم في المبحث السابق ، ولذا جرى هذا التنبيه .
(165) المائدة : (49) .
(166) واقعنا المعاصر ، ص530 .
(167) ( الإخوان المسلمون ) كبرى الحركات الإسلامية المعاصرة ، نادت بالرجوع إلى الإسلام كما في الكتاب والسنة ، داعية إلى تطبيق الشريعة في واقع الحياة ، وقد وقفت متصدية لموجة المد العلماني في المنطقة العربية والإسلامية ، وعندها بعض المخالفات . انظر الموسوعة الميسرة في الأديان ، ص23 .
(168) هو الأستاذ حسن بن أحمد عبدالرحمن البنا ، مؤسس جماعة ( الإخوان المسلمين ) في مصر ، وكان نشيطًا في الدعوة إلى الله - تعالى - عن طريق الدروس والمحاضرات والندوات ، حتى نقم عليه الحاقدون من الأعداء ، فاغتاله ثلاثة منهم أمام مركز جمعية الشبان المسلمين بالقاهرة سنة 1368هـ . انظر الأعلام (2/183) .
(169) وكان منها قتل الأستاذ سيد قطب - رحمه الله - سنة 1386هـ ؛ لأنه ممن كان يحذر من اليهود وألاعيبهم الخبيثة لتدمير المسلمين ، والتي بينها في كثير من كتبه بعامة وفي الظلال على سبيل الخصوص .
(170) تم التفصيل في هذا الموضوع عند الحديث عن وسائل الكفار للصد عن سبيل الله ، وذلك في المبحث الثاني والثالث من الفصل الثالث من الباب الأول .(1/67)
(171) هي صحيفة ( كيفونيم ) . وانظر ( واقعنا المعاصر ) ص532 . وملف إسرائيل : دراسة للصهيونية العالمية لروجيه جارودي ، ص161-164 .
(172) الشيعة الإمامية : هي تلك الفرقة من أولئك الناس الذين تمسكوا بحق علي في وراثة الخلافة دون الشيخين وعثمان - رضي الله عنهم أجمعين - . وكفَّروا الشيخين وأكثر الصحابة ، وهم القسيم المقابل لأهل السنة في آرائهم وأفكارهم . انظر ( الملل والنحل ) 1/189 . والتفسير والمفسرون ، للذهبي (2/7) . والموسوعة الميسرة في الأديان ، ص299 .
(173) ( بروتوكولات حكما قم ) تأليف الأستاذ عبدالله الغفاري ، ص77 . وقد أحال في هذا المخطط إلى كتاب ( بحار الأنوار ) للمجلسي (52/357) . و الغيبة ، للنعماني ، ص190 .
(174) المرجع السابق ، ص51 ، وعزاه إلى ( بحار الأنوار ) 53/40 .
(175) المرجع السابق ، ص54 ، وعزاه إلى ( الغيبة ) للنعماني ، ص156 .
(176) المرجع السابق ، ص61 ، وأحال على ( بحار الأنوار ) 24/311 .
(177) المرجع السابق ، ص66 ، وأحال على ( بحار الأنوار ) 53/104،105 .
(178) المرجع السابق ، ص71 ، وأحال على ( بحار الأنوار ) 52/338 .
(179) قيل اسمه عبدالعزى . وهو الذي نزلت فيه سورة المسد ( تبت يدا أبي لهب وتب ... ( لما دعا رسول الله ( الكفار إلى الإسلام ، وقال لهم : ( فإني نذير لكم بين يدي عذاب شديد ( فقال أبو لهب : تبًا لك ألهذا جمعتنا ، فنزلت السورة . انظر صحيح البخاري ، كتاب التفسير (8/736) برقم (4971) .
(180) بروتوكولات حكماء قم ، ص99 ، وعزاه إلى ( الغيبة ) للنعماني ، ص171،172 .
(181) بتخفيف الياء ، مدينة من الثغور الشامية ، معروفة . انظر ( معجم ما استعجم ) 1/200 .
(182) بروتوكولات حكماء قم ، ص103 ، وعزاه إلى ( الغيبة ) للنعماني ، ص157 . وبحار الأنوار (52/351) .
(183) التوبة : (47) .
(184) المنافقون في القرآن ، ص447 .(1/68)
(185) انظر ( عبدالله بن سبأ ، وأثره في أحداث الفتنة في صدر الإسلام ) تأليف الأستاذ : سُليمان بن حمد العودة ، ص188 ، وهذا الكتاب من أحسن الكتب التي تكلمت في هذا الموضوع .
(186) الحداثة : مذهب فكري غربي ، ولد ونشأ في الغرب ، ثم انتقل إلى بلاد المسلمين ، محاولاً التشكيك في العقيدة ، والسخرية منها ، ونبذ كل ما هو شريف عن طريق ما يسميه أصحابه بالأدب ! فهم إذًا مع العلمانيين وجهان لعملة واحدة . انظر ( الحداثة في ميزان الإسلام ) لعوض القرني .
(187) انظر ( العلمانيون والإسلام ) للأستاذ محمد قطب ، ص112 .
(188) وذلك من أمثال الحلاج ، وابن عربي ، ومحمود درويش ، وأدونيس ، ولطفي الخولي . انظر ( الحداثة في ميزان الإسلام ) ص78،112 .
(189) العلمانيون والإسلام ، ص113 . و( كيف نكتب التاريخ الإسلامي ) لمحمد قطب ، ص205 .
(190) انظر ( واقعنا المعاصر ) لمحمد قطب ، ص250،295 .
(191) ( الحداثة في ميزان الإسلام ) ، ص93 .
(192) المرجع السابق ، ص69 .
(193) المرجع السابق ، ص71 .
(194) الأنفال : (60) .
(195) ( التفسير الإسلامي للتاريخ ) للأستاذ عماد الدين خليل ، ص293 .
(196) انظر ( لسان العرب ) 8/191 ، مادة شَيَعَ .
(197) انظر ( سيرة ابن هشام ) 1/364 .
(198) انظر ( سيرة ابن هشام ) 2/79،83 . والبداية والنهاية (4/36) .
(199) سيأتي ذكر هذه الحادثة المؤلمة قريبًا - إن شاء الله - .
(200) انظر ( عبدالله بن سبأ وأثره في أحداث الفتنة في صدر الإسلام ) ، ص160،161 .
(201) ( مسؤولية الكلمة ) للأستاذ عبدالله بن وكيل الشيخ ، ص52،53 .
(202) النور : (15،16) .
(203) النور (17) .
(204) التوبة : (47) .
(205) ( الإشاعة ) للأستاذ أحمد نوفل ، ص143 .
(206) مقدمة صحيح مسلم (1/29) .
(207) انظر ( منهاج السنة النبوية ) لشيخ الإسلام ابن تيمية (4/343) .
(208) ( أخي ، احذر الإشاعة ) للشيح عبدالعزيز السدحان ، ص39 .(1/69)
(209) النساء : (83) .
(210) هو الشيخ عبدالرحمن بن ناصر بن عبدالله بن ناصر بن حمد آل سعدي ، المكنى بأبي عبدالله ، الشهير بعلامة القصيم ، فقيه ، أصولي ، محقق ، مدقق ، كان على جانب كبير من التواضع ولين الجانب ، وهو مرجع بلاده وعمدتهم في جميع أموالهم وشئونهم ، وبخاصة مدينة عنيزة مسقط رأسه ، وفاته سنة 1376هـ .
انظر ( الشيخ عبدالرحمن بن سعدي وجهوده في توضيح العقيدة ) تأليف عبدالرزاق العباد ، ص17 وما بعدها .
(211) تفسير السعدي (2/113،114) .
(212) هو سراقة بن مالك بن جعشم بن مالك الكناني المدلجي ، أبو سفيان ، صحابي ، له شعر ، كان في الجاهلية قائفًا يقتص الأثر ، أسلم يوم الفتح ، وتوفي في خلافة عثمان ( سنة 24هـ وقبل بعدها . انظر ( الإصابة ) 2/19 .
(213) قصة سراقة مع الرسول ( من غير هذه الزيادة ثابتة في البخاري برقم (3906) . ومستدرك الحاكم (3/6) ، أما هذه الزيادة فذكرها ابن حجر في الإصابة (2/19) ، وفي إسنادها نظر . انظر ( السير النبوية في ضوء المصادر الأصلية ) للأستاذ مهدي رزق الله ، ص280 .
(214) الإصابة (2/19) .
(215) ( المستقبل لهذا الدين ) تأليف الأستاذ سيد قطب ، ص116،117 .
(216) ( المستقبل لهذا الدين ) ص113،114 .
(217) الحج : (39،40) .
(218) التوبة : (32،33) .
(219) الصافات : (171-173) .
(220) غافر : (51،52) .
(221) أخرجه أحمد في المسند (4/102) . وابن حبان في صحيحه برقم (1631) (1632) . وصحح إسناده الألباني كما في سلسلة الأحاديث الصحيحة (1/7) .
(222) انظر ( واقعنا المعاصر ) للأستاذ محمد قطب ، ص535،536 .
(223) محمد : (38) .
(224) انظر ( العلمانيون والإسلام ) للأستاذ محمد قطب ، ص133 .
(225) الأنعام : (115) .
(226) فاطر : (43) .(1/70)
(227) هو سراقة بن مالك بن جعشم بن مالك الكناني المدلجي ، أبو سفيان ، صحابي ، له شعر ، كان في الجاهلية قائفًا يقتص الأثر ، أسلم يوم الفتح ، وتوفي في خلافة عثمان ( سنة 24هـ وقبل بعدها . انظر ( الإصابة ) 2/19 .
(228) ( السقوط من الداخل ) تأليف الأستاذ محمد البشر ، ص87 .
??
??
??
??
13(1/71)