سباق أهل الإيمان
إلى قصور الجنان
بقلم
أبي أنس
مَاجد إسلام البنكاني
ijk
إن الحمد لله، نحمده ، ونستعينه، ونستغفره ، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا ، من يهده الله، فلا مضلَّ له ، ومن يُضلل ، فلا هادي له ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله .
{ يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتُنَّ إلا وأنتم مسلمون } .(1)
{ يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفسٍ واحدةٍ وخلق منها زوجها وبث منهما رجالاً كثيراً ونساءً واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيباً } .(2)
{ يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولاً سديداً، يُصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم ومن يُطِع الله ورسوله فقد فاز فوزاً عظيماً } .(3)
أما بعد،،
فإن خير الكلام كلام الله تعالى،وخير الهدى هدي محمد - صلى الله عليه وسلم - ، وإن شر الأمور محدثاتها،وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار .
أخي الكريم هناك بعض الأعمال اليسيرة والتي لم يكن فيها الجهد الكبير ، ومع ذلك فهي تحتوي على الأجور العظيمة ، ويكون بسببها بناء بيتٍ لك في الجنة بإذن المولى جل وعلا ، وهي القصور الشاقة ، وهذا من رحمة الله تعالى علينا . قال الله تعالى :
{ لَكِنِ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ لَهُمْ غُرَفٌ مِنْ فَوْقِهَا غُرَفٌ مَبْنِيَّةٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَعْدَ اللَّهِ لا يُخْلِفُ اللَّهُ الْمِيعَادَ } .(4)
قال ابن كثير : أخبر عز وجل عن عباده السعداء أن لهم غرفا في الجنة وهي القصور أي الشاهقة من فوقها غرف مبنية طباق فوق طباق مبنيات محكمات مزخرفات عاليات .(5)
__________
(1) آل عمران الآية (102).
(2) النساء الآية (1).
(3) الأحزاب الآية (70-71) .
(4) سورة الزمر الآية (20) .
(5) تفسير ابن كثير (4/50) .(1/1)
وكل شيء في هذه الدنيا مصيره إلى النفاد والزوال ، سوى ما عند الله تعالى ، قال الله تعالى : { ما عندكم ينفد وما عند الله باق } .(1)
وكان السبب في تأليف هذا الكتاب هو عندما رأينا في هذا الزمان حيث اجتهد الناس في عمارة الدنيا ، وانشغلوا عن الآخرة إلا من رحم الله تعالى .
فقمت بجمع بعض النصوص من الآيات والأحاديث الصحيحة بهذا الخصوص في هذا البحث ترغيباً لهم على فعل هذه الأعمال ، والذي أسميته :
سباق أهل الإيمان إلى قصور الجنان .
لعل أن يكون هذا الكتاب سبباً لصلاحهم وحثهم على فعل الطاعات التي تقربهم من الله تعالى وتكون سبب لدخول الجنة بإذن الله تعالى .
ولا نريد منكم سوى الدعاءِ لنا بظهر الغيب ، ونسأله سبحانه وتعالى الإخلاص في القول والعمل ، وأن يتقبل منا أعمالنا . آمين .
والله أسأل أن يجعل عملي هذا خالصاً لوجهه الكريم، ولا يجعل لأحد فيه نصيباً، وأن يجعل له القبول في الأرض وأن ينفعني به في يوم لا ينفع فيه مال ولا بنون ، إنه ولي ذلك والقادر عليه.
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .
وكتب / ماجد البنكاني
أبو أنس العراقي
3/صفر/1424هـ .
23/3/2004م
- - -
معنى السباق
قال تعالى: { والسابقون السابقون أولئك المقربون في جنات النعيم ثلةٌ من الأولين وقليلٌ من الآخرين على سررٍ موضونةٍ متكئين عليها متقابلين يطوف عليهم وِلدانٌ مخلدون بأكوابٍ وأباريق وكأسٍ من معين لا يصدعون عنها ولا ينزفون وفاكهةٍ مما يتخيرون ولحم طيرٍ مما يشتهون } - إلى قوله تعالى { وثلة من الآخرين } .(2).
السبق لغةً :
القدمة في الجري وفي كل شيء ، تقول : له في كل أمر سُبقة ، وسابقة ، وسبق ، وفي الحديث : "أنا سابق العرب - يعني الإسلام - وصهيب سابق الروم ، وبلال سابق الحبشة ، وسلمان سابق الفرس" .(3)
__________
(1) سورة النحل الآية (96) .
(2) سورة الواقعة (10-40).
(3) ضعفه الشيخ الألباني في ضعيف الجامع برقم (1315) .(1/2)
وقوله : { ثم أورثنا الكتاب الذين اصطفينا من عبادنا فمنهم ظالم لنفسه ومنهم مقتصد ومنهم سابق بالخيرات بإذن الله } .(1) ، وأسبق القوم إلى الأمر وتسابقوا : بادروا ، وسبق على قومه : علاهم كرماً .(2)
ومرادنا بالسباق : تسابق الخلق في أعمال الخير والطاعات سواء كانت هذه الأعمال من جنس :
أ ـ العبادات : كالصلاة والصيام وقراءة القرآن .
ب ـ المعاملات: كصلة الرحم وبر الوالدين، والإحسان إلى الجار ورعاية الأيتام .
ج ـ الأخلاق : كالصدق والأمانة والوفاء والعدل والعفو والكرم .
د ـ العادات : كاطلب العلم والسعي على الرزق والنكاح إذا صاحب هذه الأعمال نية صالحة .
وعلى هذا فليس السباق إلى إحراز اللهو واللعب والتفاخر بسباق يليق بمن شبوا عن الطوق ، وتركوا عالم اللهو واللعب للأطفال والصغار لِلَّهِ إنما السباق إلى ذلك الأفق ، وإلى ذلك الهدف ، وإلى ذلك الملك العريض { وجنة عرضها كعرض السماء والأرض } .(3) .(4)
يقول تعالى ذكره : سابقوا أيها الناس إلى عمل يوجب لكم مغفرة من ربكم وجنة عرضها كعرض السماء والأرض أعدت هذه الجنة للذين آمنوا بالله ورسله يعني الذين وحدوا الله وصدقوا رسله .(5)
فإن المراد بالسابقين هم المبادرون إلى فعل الخيرات كما أمروا كما قال الله عالى وسارعوا إلى مغفرة من ربكم وجنة عرضها السماوات والأرض وقال تعالى سابقوا إلى مغفرة من ربكم وجنة عرضها كعرض السماء والأرض فمن سابق في هذه الدنيا وسبق إلى فعل الخير كان في الآخرة من السابقين إلى الكرامة فإن الجزاء من جنس العمل وكما تدين تدان ولهذا قال تعالى أولئك المقربون في جنات النعيم .اهـ .(6)
__________
(1) سورة فاطر الآية (32) .
(2) لسان العرب لابن منظور (3/1928-1929) .
(3) الحديد (21)
(4) سباق نحو الجنان (11-12) .
(5) تفسير الطبري (27/233) .
(6) تفسير ابن كثير (4/284) .(1/3)
وقال رحمه الله تعالى : فليتنافس المتنافسون أي وفي مثل هذا الحال فليتفاخر المتفاخرون وليتباهى ويكاثر ويستبق إلى مثله المستبقون كقوله تعالى لمثل هذا فليعمل العاملون .(1)
معنى الجنة
قال ابن القيم : الجنة اسم شامل لجميع ما حوته من البساتين والمساكن والقصور وهي جنات كثيرة جدا كما روى البخاري في صحيحه عن أنس بن مالك أن أم الربيع بنت البراء وهي أم حارثة بن سرقة أتت رسول الله عليه وسلم فقالت يا نبي الله ألا تحدثني عن حارثة وكان قتل يوم بدر أصابه سهم غريب فإن كان في الجنة صبرت وأن كان غير ذلك اجتهدت عليه في البكاء قال يا أم حارثة أنها جنان في الجنة وإن أبنك أصاب الفردوس الأعلى وفي الصحيحين من حديث أبي موسى الاشعري عن رسول الله أنه قال جنتان من ذهب آنيتهما وحليتهما وما فيهما وجنتان من فضة آنيتهما وحليتهما وما فيهما وما بين القوم وبين أن ينظروا إلى ربهم إلا رداء الكبرياء على وجهه في جنة عدن وقد قال تعالى ولمن خاف مقام ربه جنتان فذكرهما ثم قال ومن دونهما جنتان فهذه أربع . حادي الأرواح (1/71) .
وقال ابن القيم أيضاً : عدد الجنات وأنها نوعان جنتان من ذهب وجنتان من فضة . حادي الأرواح (1/71) .
الإتباع
سبب لدخول الجنة
قال الله تعالى: { قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم والله غفور رحيم } .(2)
وقال تعالى: { من يطع الرسول فقد أطاع الله } .(3)
وقال تعالى: { إنما قول المؤمنين إذا دعوا إلى الله ورسوله ليحكم بينهم أن يقولوا سمعنا وأطعنا وأولئك هم المفلحون ومن يطع الله ورسوله ويخشى الله ويتقه فأولئك هم الفائزون } .(4)
__________
(1) تفسير ابن كثير (4/488) .
(2) آل عمران: (31).
(3) النساء: (80).
(4) سورة النور: (51-52).(1/4)
وقال الله تعالى: { فالذين آمنوا به وعزروه ونصروه واتبعوا النور الذي أنزل معه أولئك هم المفلحون } إلى قوله تعالى { واتبعوه لعلكم تهتدون } .(1)
والآيات في الباب كثيرة.
فالمحبة تكون بالإتباع والنصرة وليس بالكلام فقط كما هي طبيعة المنافقين، فتكون نتيجة الإتباع هي المحبة من الله تعالى وغفران الذنوب.
عن أبي نجيح العرباض بن سارية رضي الله عنه قال: وعظنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - موعظة بليغة وجلت منها القلوب وذرفت منها العيون فقلنا: يا رسول الله كأنها موعظة مودع فأوصنا قال: "أوصيكم بتقوى الله والسمع والطاعة وإن تأمر عليكم عبد وإنه من يعش منكم فسيرى اختلافا كثيرا فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين عضوا عليها بالنواجذ وإياكم ومحدثات الأمور فإن كل بدعة ضلالة".(2)
النواجذ: بالذال المعجمة: الأنياب وقيل: الأضراس، ومعناه: ألزموا السنة واحرصوا عليها كما يلزم العاض بنواجذه الشيء حرصا عليه وخوفا من ذهابه.
موعظة: هي النصح والتذكير بالعواقب.
بليغة: مؤثرة تبلغ سويداء القلب.
وجلت: خافت.
ذرفت: سالت.
النجاة في زمن ووقت الغربة والإختلاف هو بالتزام كتاب الله وسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم - بفهم اصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - .
__________
(1) سورة الأعراف: (157-158).
(2) أخرجه أبو داود برقم (4607) والترمذي برقم (2676) وابن ماجة برقم (43 و 44) من طريق عبد الرحمن عن عمرو السلمي، وصححه الألباني في الإرواء (2455) والطحاوية (501) والترغيب (34) والسنة (31، 54، 1037 - 1045) والمشكاة (165).(1/5)
وعن أبي شريح الخزاعي رضي الله عنه قال، خرج علينا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: "أليس تشهدون أن لا إله إلا الله وأني رسول الله" قالوا: بلى: قال: "إن هذا القرآن طرفه بيد الله وطرفه بأيديكم فتمسكوا به فإنكم لن تضلوا ولن تهلكوا بعده أبداً".(1)
وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "من تمسك بسنتي عند فساد أمتي فله أجر شهيد".(2)
وعن ابن عمرو رضي الله عنهما قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "لكل عمر شرةً ولكل شرةٍ فترة فمن كانت فترته إلى سنتي فقد اهتدى ومن كانت فترته إلى غير ذلك
فقد هلك".(3)
الشرة بكسر الشين المعجمة هو النشاط والهمة.
وعن كثير بن عبد الله بن عمرو بن عوف عن أبيه عن جده رضي الله عنه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال لبلال بن الحارث يوماً: "اعلم يا بلال" قال: ما أعلم يا رسول الله؟ قال: "اعلم أن من أحيا سنة من سنتي قد أُميتت بعدي كان له من الأجر مثل من عمل بها من غير أن ينقص من أجورهم شيئاً ومن ابتدع بدعة ضلالة لا يرضاها الله ورسوله كان عليه مثل آثام من عمل بها لا ينقص ذلك من أوزار الناس شيئاً".(4)
وعن أبي هريرة رضي الله عنه: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "كل أمتي يدخلون الجنة إلا من أبى" قيل: ومن يأبى يا رسول الله؟ قال: "من أطاعني دخل الجنة ومن عصاني
فقد أبى".(5)
__________
(1) رواه الطبراني بإسناد جيد، قال في المجمع (1/169): (رواه الطبراني في الكبير ورجاله رجال الصحيح)، وصححه الألباني في الترغيب والترهيب برقم (38).
(2) قال الهيثمي في مجمع الزوائد (1/132) (رواه الطبراني في الأوسط وفيه محمد بن صالح العدوي ولم أر من ترجم له وبقية رجاله ثقات).
(3) رواه ابن حبان، الترغيب (55،56)، السنة (51).
(4) رواه ابن ماجة والترمذي وقال: (حديث حسن).
(5) أخرجه البخاري (13/249، فتح).(1/6)
تكون نجاة المرء في الدنيا والآخرة باتباع هدى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - .
وعن أبي شريح الخزاعي قال: خرج علينا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: "أليس تشهدون أن لا إله إلا الله، وأني رسول الله؟" قالوا: بلى. قال: "إن هذا القرآن طرفه بيد الله، وطرفه بأيديكم، فتمسكوا به، فإنكم لن تضلوا ولن تهلكوا بعده أبداً".(1)
وعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: "الاقتصاد في السنة أحسن من الاجتهاد في البدعة".(2)
وعن أبي أيوب الأنصاري قال: خرج علينا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو مرعوب فقال: "أطيعوني ما كنت بين أظهركم، وعليكم بكتاب الله، أحِلوا حلاله وحرموا حرامه".(3)
وعن عبد الله بن مسعود قال: "إن هذا القرآن شافع مشفع، من اتبعه قاده إلى الجنة، ومن تركه أو أعرض عنه (أو كلمة نحوها) زخَّ في قفاه إلى النار".(4)
زخ بالزاي والخاء المعجمتين أي دفع.
وعن عابس بن ربيعة قال: "رأيت عمر بن الخطاب رضي الله عنه يُقبل الحجر (يعني الأسود) ويقول: إني لأعلم أنك حجر لا تضرّ ولا تنفع ولولا أني رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقبلك ما قبلتك".(5)
__________
(1) رواه الطبراني في الكبير بإسناد جيد وصححه الألباني في الترغيب برقم (35).
(2) رواه الحاكم موقوفاً وقال : (إسناده صحيح على شرطهما) ، وهو في صحيح الترغيب برقم (37) .
(3) رواه الطبراني في الكبير ورواته ثقات، صحيح الترغيب (38).
(4) رواه البزار موقوفاً على ابن مسعود، صحيح الترغيب (39).
(5) رواه البخاري في كتاب الحج برقم (1597)، ومسلم في كتاب الحج برقم (1270).(1/7)
قال الطبري: إنما قال ذلك عمر لأن الناس كانوا حديثي عهد بعبادة الأصنام، فخشي عمر أن يظن الجهال أن استلام الحجر من باب تعظيم الأحجار كما كانت العرب تفعل في الجاهلية، فأراد عمر أن يعلم الناس أن استلامه اتباعٌ لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - لا لأن الحجر ينفع ويضر بذاته كما كانت الجاهلية تعتقده في الأوثان. أ.هـ.فتح الباري: (3/463)
وعن مجاهد قال: "كنا مع ابن عمر رحمه الله في سفر فمر بمكان فحاد عنه فسئل: لم فعلت ذلك؟ قال: رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فعل هذا ففعلت".(1)
وعن ابن عمر رضي الله عنهما: "أنه كان يأتي شجرة بين مكة والمدينة فيقيل تحتها ويخبر أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يفعل ذلك".(2)
وعن واثلة بن الأسقع رضي الله عنه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "من سنَّ سنة حسنة فله أجرها ما عُمل بها في حياته وبعد مماته حتى تترك، ومن سن سنة سيئة فعليه إثمها حتى تترك، ومن مات مرابطاً جرى عليه عمل المرابط حتى يبعث يوم القيامة".(3)
وعن سهل بن سعد رضي الله عنهما أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "إن هذا الخير خزائن وتلك الخزائن مفاتيح فطوبى لمن جعله الله عز وجل مفتاحاً للخير مغلاقاً للشر، وويل لعبدٍ جعله الله مفتاحاً للشر مغلاقاً للخير".(4)
__________
(1) رواه أحمد والبزار بإسناد جيد وهو في صحيح الترغيب برقم (43).
(2) رواه البزار بإسناد لا بأس به وصححه الألباني في الترغيب (44).
(3) رواه الطبراني في "الكبير" بإسناد لا بأس به، وحسنه الألباني في الترغيب برقم (62).
(4) رواه ابن ماجة واللفظ له وابن أبي عاصم، وحسنه الألباني في الترغيب برقم (62).(1/8)
وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "مَنْ دَعَا إلى هدَّى كان له من الأجر مثل أجور من اتبعه، لا ينقص ذلك من أُجورهم شيئاً، ومن دعا إلى ضلالة كان عليه من الإثم مثل آثام من اتبعه، لا ينقص ذلك من آثامهم شيئاً".(1)
الإنفاق في سبيل الله
سببٌ لدخول الجنة
وقال تعالى : { الذين ينفقون في السراء والضراء والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس والله يحب المحسنين والذين إذا فعلوا فاحشةً أو ظلموا أنفسهم ذكروا الله فاستغفروا لذنوبهم ومن يغفر الذنوب إلا الله ولم يصروا على ما فعلوا وهم يعلمون أولئك جزاؤهم مغفرة من ربهم وجنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها ونعم أجر العاملين } .(2)
"ينفقون أموالهم" أي : يبذلون أموالهم في سبيل الله تعالى.
"في السراء" يعني في حال الرخاء والانبساط وكثرة المال والسرور.
"والضراء" أي في حال الضيق والانقباض.
وقال الله تعالى: { لا خير في كثير من نجواهم إلا من أمر بصدقة أو معروفٍ أو إصلاح بين الناس ومن يفعل ذلك ابتغاء مرضات الله فسوف نؤتيه أجراً عظيماً } .(3)
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله تعالى: وفي هذا دليل على أن المصالح والمنافع إذا انتفع الناس بها كانت خيراً لصاحبها وإن لم ينو فإن نوى زاد خيراً على خير
وآتاه الله تعالى من فضله أجراً عظيماً.أ.هـ.رياض الصالحين (3/235)
عن أنس بن مالك رضي الله عنه: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "إن الصدقة تطفئ غضب الرب وتدفع ميتة السوء".(4)
__________
(1) رواه مسلم في كتاب العلم برقم (2674).
(2) آل عمران (134-136).
(3) النساء (114).
(4) رواه الترمذي برقم (664) وابن حبان (816) موارد، والبغوي في شرح السنة (6/133) وغيرهم الإرواء (885)، المشكاة (1909).(1/9)
وعن معاذ بن جبل رضي الله عنه قال: كنت مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في سفر فأصبحت يوماً قريباً منه ونحن نسير فقال: "ألا أدلك على أبواب الخير؟ الصوم جنة والصدقة تطفئ الخطيئة كما يطفئ الماء النار وصلاة الرجل في جوف الليل شعار الصالحين ثم تلا { تتجافى جنوبهم عن المضاجع يدعون ربهم خوفاً وطمعاً ومما رزقناهم ينفقوه } "(1).(2)
قال العلامة ابن عثيمين رحمه الله: ولهذا سميت الصدقة صدقة لدلالتها على صدق باذلها فالإنسان ينبغي له أن ينفق من أطايب ماله وينبغي له أن ينفق مما يحب حتى يصدق في تقديم ما يحبه الله عز وجل على ما تهواه نفسه.
ثم قال: والمال كله محبوب لكن بعضه أشد محبة من بعض فإذا أنفقت مما تحب كان ذلك دليلاً على أنك صادق ثم نلت بذلك مرتبة الأبرار. أ.هـ. شرح رياض الصالحين (5/186 و 187)
غرف مبنية
للذين آمنوا وعملوا الصالحات
{ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَنُبَوِّئَنَّهُمْ مِنَ الْجَنَّةِ غُرَفاً تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا نِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ } .(3) { وَمَا أَمْوَالُكُمْ وَلا أَوْلادُكُمْ بِالَّتِي تُقَرِّبُكُمْ عِنْدَنَا زُلْفَى إِلَّا مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً فَأُولَئِكَ لَهُمْ جَزَاءُ الضِّعْفِ بِمَا عَمِلُوا وَهُمْ فِي الْغُرُفَاتِ آمِنُونَ } .(4)
قال القرطبي : قوله تعالى : { لكن الذين اتقوا ربهم } لما بين أن للكفار ظللا من النار من فوقهم ومن تحتهم بين أن للمتقين غرفا فوقها غرف لأن الجنة درجات يعلو بعضها بعضا .(5)
__________
(1) السجدة (16)
(2) رواه الترمذي، وابن ماجة برقم (2973)، صحيح الترغيب (868 و 983 و 2866).
(3) العنكبوت الآية (58) .
(4) سبأ الآية (37) .
(5) تفسير القرطبي (15/245) .(1/10)
وقال ابن كثير : هذه الغرف أجراً على أعمال المؤمنين الذين صبروا أي على دينهم وهاجروا إلى الله ونابذوا الأعداء وفارقوا الأهل والأقرباء ابتغاء وجه الله ورجاء ما عنده وتصديق موعودة .(1)
وقال في موضع آخر : قال الله تعالى : { إلا من آمن وعمل صالحا } ، أي : إنما يقربكم عندنا زلفى الإيمان والعمل الصالح فأولئك لهم جزاء الضعف بما عملوا ، أي : تضاعف لهم الحسنة بعشرة أمثالها إلى سبع مئة ضعف وهم في الغرفات آمنون ، أي في منازل الجنة العالية آمنون من كل بأس وخوف وأذى ومن كل شر يحذر .(2)
غرف مبنية للمتقين
قال الله تعالى: { لكن الذين اتقوا ربهم لهم غرفٌ من فوقها غرفٌ مبنية تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَعْدَ اللَّهِ لا يُخْلِفُ اللَّهُ الْمِيعَادَ } .(3)
التقوى سبباً لدخول الغرف التي في الجنة .
قال ابن كثير : أخبر عز وجل عن عباده السعداء أن لهم غرفا في الجنة ، وهي القصور أي الشاهقة من فوقها غرف مبنية طباق فوق طباق مبنيات محكمات مزخرفات عاليات .(4)
غرف الجنة
للذين آمنوا وصدقوا المرسلين
عن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - ، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال :
"إنَّ أهل الجنَّة ليتراءونَ أهل الغرف من فوقِهِم، كما يتراءون الكوكب الدُرّيّ الغابِرَب في الأُفق، من المشْرقِ والمغرب لتفاضُل ما بينهم " قالوا : يا رسول الله، تلك منازل الأنبياء ، لا يبلغها غيرهم ؟
قال : "بلى والذي نفسي بيده، رجالٌ آمنوا بالله وصدّقو ا المرسلين" .(5)
وفي رواية لهما: "كما تراءون الكوكب الغارب" بتقديم الراء على الباء .(6)
__________
(1) تفسير ابن كثير (3/421) .
(2) تفسير ابن كثير (3/542) .
(3) سورة الزمر الآية (20).
(4) تفسير ابن كثير (4/50) .
(5) رواه البخاري في كتاب بدء الخلق برقم (3256)، ومسلم في كتاب الجنة وصفة نعيمها برقم (2831).
(6) البخاري كتاب الرقاق رقم (6556) .(1/11)
وفي صحيح مسلم الغابر ..
الغابر والغارب بمعنى ، وهو الذاهب الماشي، أي الذي تدلى للغروب وبعد عن العيون.
قال المناوي : الغرف جمع غرفة وهو بيت صغير فوق الدار والمراد هنا القصور العالية في الجنة .
"كما يتراءون" : بفتح التحتية والفوقية والهمزة بعدها تحتية ، وفي رواية للبخاري تتراءون بفوقيتين بغير تحتية بعد العمزة ، الكواكب في السماء ، يريد أنهم يضيئون لأهل الجنة إضاءة الكواكب لأهل الأرض .
"إن أهل الجنة ليتراءون أهل الغرف من فوقهم كما تراءون" .
أنتم يا أهل الدنيا فيها : الكوكب الدري ، بضم فكسر مشدداً نسبة إلى الدر لصفاء لونه وخلوص نوره الغابر : بموحدة من الغبور أي الباقي في الأفق وهو من الأضداد ويقال للماضي وللباقي غابر والماد الباقي بعد انتشار الفجر وحينئذ يرى أضوأ وفي الموطأ بالهمز بدل الموحدة من الغبور وهو السقوط والذهاب يعني الذاهب الذي قد تدلى للغروب ودنا منه وانحط إلى الجانب الغربي وفي الترمذي الغارب بتقديم الراء على الموحدة وفي التمثيل به دون بقية الكواكب المسامتة للرس وهي أعلى .
فائدتان : إحداهما بعده عن العيون والثانية أن الجنة درجات بعضها أعلى من بعض ، وإن لم تسامت العليا السفلى كالبساتين الممتدة من رأس الجبل إلى ذيله ذكره ابن القيم وبه يعرف أن ما زعمه التوربشتي من أن رواية الهمز تصحيف لما فيها من الركاكة لأن الساقط في الأفق لا يراه إلا بعض الناس وما الجنة يراه جميع أهلها غفلة عن هذا التوجيه الوجيه ومما يصرح برده خبر أحمد إن أهل الجنة ليتراءون في الجنة كما تراءون أو ترون الكوكب الدري الغارب في الأفق الطالع في الدرجات فقوله الطالع صفة للكوكب وصفه بكونه غارباً وبكونه طالعاً وقد صرح في هذا خبر ابن المبارك عن أبي هريرة : إن أهل الجنة ليتراءون في الغرف كما يرى الكوكب الشرقي والكوكب الغربي في الأفق في تفاضل الدرجات .(1/12)
في رواية لمسلم من، الأفق : متعلق بمحذوف أي قريبه أو هو بيان للمحل الذي يقر فيه الكوكب والأفق بضمتين أو بضم فسكون كعسر وعسر كما في الصحاح وغيره فمن اقتصر على الأول كالمصباح لم يصب الناحية من السماء أو الأرض والأول هو المراد هنا ،من المشرق والمغرب ، شبه رؤية الرائي في الجنة صاحب الغرفة برؤية الرائي الكوكب المضيء في جانب الشرق والغرب في الإضاءة مع البعد ، لتفاضل ما بينهم ، يعني يرى أهل الغرف كذلك لتزايد درجاتهم على من عداهم وإنما قال من المشرق أو المغرب ولم يقل في السماء أي في كبدها لأنه لو قيل في السماء كان القصد الأولى بيان الرفعة ويلزم منه البعد وفي ذكر المشرق والمغرب القصد الأول منه البعد ويلزم منه الرفعة وفيه سمت من معنى التقصير بخلاف الأول فإن فيه نوع اعتذار .
القتال في سبيل الله في الصف الأول
سبب لدخول الغرف التي في الجنة
عن نعيم بن همار ، عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، أنه قال : "أفضل الشهداء الذين يقاتلون في الصف الأول فلا يلفتون وجوههم حتى يقتلوا ، أولئك يتلبطون في الغرف العلى من الجنة يضحك إليهم ربك ، فإذا ضحك ربك إلى عبد في موطن فلا حساب عليه" .(1)
__________
(1) صحيح الجامع حديث رقم (1107) .(1/13)
هذا ترغيب في جهاد أهل الطغيان بحد السيف والسنان ، وإعلام بالتربية بما تحصل به التصفية بما يؤدي إلى مناصبة الكفار ومقارعة أهل دار البوار ، وفي الخبر إشعار بأن فضل الشهادة أرفع من فضل العلم ، وإليه ذهب جمع فاحتجوا له بما منه أن العلم يحصله العبد في الحياة الدنيا ليتقرب إلى اللّه زلفى والأجر في الآخرة يلغى ، والشهادة تحصل للعبد عند خروج روحه من بدنه فهي ثواب اللّه الذي لا يبلغ أحد أقصى أمده فالعلم مثاب عليه والشهادة من الثواب وفي تفاضل الثواب والمثاب عليه نظر لا يخفى على أولي الألباب وأيضاً فالشهادة درجة عند اللّه سبحانه وتعالى والعلم يحصله العبد في الدنيا ليكمل به عمله وإيمانه والشهادة متى اتصف بها العبد حصلت له الدرجة العالية بيقين والعلم قد يتصف به من لا يكون من المتقين فيرجع علمه وبالاً عليه ولا يرغب بحق فيما لديه لأن الشهادة اسم مدح في كل حال والمتصف بها مخصوص بالأجر الذي لا تنقطع دونه الأماني وتنتهي إليه الآمال والعلم في نفسه ينقسم إلى محمود ومذموم والمتصف بالممدوح مثاب ومعاقب ومرحوم والتحقيق أنه لا يمكن إطلاق القول بتفضيل العلم ولا الشهادة وأن ذلك لا يقاس بتفضيل عبادة على عبادة .اهـ.
الذهاب إلى المسجد
عن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "من غدا إلى المسجد أو راح أعد الله له في الجنة نزلاً كلما غدا أو راح" .(1)
النزل: ما يهيأ للضيف من كرامة عند قدومه.
قوله : "من غدا إلى المسجد"، وفي رواية "خرج"، وفي رواية "يخرج".
وراح : أي ذهب ورجع ، وأصل الغدو الرواح بغدوة والرجوع بعشية استملال في كل ذهاب ورجوع توسعاً .
"أعد اللّه" أي هيأ "له نزلاً"، أي محلاً ينزله، والنزل بضمتين المحل الذي يهيأ للنزول فيه وبضم فكون ما يهيأ للقادم من نحو ضيافة .
__________
(1) أخرجه البخاري في كتاب الأذان برقم (662)، ومسلم في كتاب المساجد برقم (1522).(1/14)
فعلى الأول من في قوله : "من الجنة" للتبعيض وعلى الثاني للتبيين .
وفي رواية بدل من في وهي محتملة لهما وفي رواية للبخاري أو راح بأو فعلى الواو لا بد من الأمرين حتى يعدّ له النزل وعلى أو يكفي أحدهما في الإعداد ، وكذا يقال في قوله : "كلما غدا وراح" ، أي بكل غدوة وروحة إلى المسجد ، قال بعضهم : الغدو والرواح كالبكرة والعشي في قوله : { ولهم رزقهم فيها بكرة وعشياً } أراد بهما الديمومة لا الوقتين المعلومين لأن المسجد بيت اللّه فمن دخله لعبادة أي وقت كان أعد اللّه له أجره لأنه أكرم الأكرمين لا يضيع أجر المحسنين وفي قوله كلما إيماء إلى أن الكلام فيمن تعود ذلك .
فالذهاب والإياب إلى المسجد لكل صلاة يكون لك نزلاً في الجنة بإذن الله تعالى ، فكيف لو ذهبت إلى المسجد في اليوم خمس مرات،فاحرص على هذا الأجر.
فنرجوا من الذين يصلون في البيوت أن يحرصوا على الصلاة في المسجد ، لأن المسجد يصنع الرجال ، قال الله تعالى :
{ فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ رِجَالٌ لا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْماً تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ } .(1)
عيادة المريض وزيارة المسلم
والدعاء سبب لبناء بيت في الجنة
عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "من عاد مريضاً ناداه منادٍ من السماء طبت وطاب ممشاك وتبوأت من الجنة منزلاً" .(2)
ورواه ابن حبان إلا أنه قال : "إذا عاد الرجل أخاه أو زاره قال الله تعالى : طبت وطاب ممشاك وتبوأت من الجنة منزلاً".
قوله : "من عاد مريضا" ، أي محتسبا .
__________
(1) سورة النور الآية (36-37) .
(2) رواه الترمذي (969)،وأبو داود (3098) ،وابن ماجة (1442)،الصحيحة (1367).(1/15)
"أو زار أخا له":أي في الدين في الله أي لوجه الله لا للدنيا ناد مناد ، أي ملك أن طبت دعاء له بطيب عيشه في الدنيا والأخرى وطلب ممشاك مصدر أو مكان أو زمان مبالغة .
وقال الطيبي :كناية عن سيره وسلوكه طريق الاخرة بالتعري عن رذائل الأخلاق والتحلي بمكارمها وتبوأت أي تهيأت من الجنة أي من منازلها العالية منزلا أي منزلة عظيمة ومرتبة جسيمة بما فعلت .اهـ.(1)
قصر في الجنة
للمتحابين
عن ابن عباس رضي الله عنهما: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "إن لله جلساء يوم القيامة عن يمين العرش وكلتا يدي الله يمين على منابر من نور وجوههم من نور ليسوا بأنبياء ولا شهداء ولا صديقون " قيل يا رسول الله من هم قال:"هم المتحابون بجلال الله تبارك وتعالى"(2).
وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - "ألا أُخبركم برجالكم في الجنة؟" قالوا: بلى يا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: "النبي في الجنة والصديق في الجنة والرجل يزور أخاه في ناحية المصر لا يزوره إلا لله في الجنة"(3).
وعن معاذ - رضي الله عنه - قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "قال الله عز وجل: المتحابون في جلالي لهم منابر من نور يغبطهم النبيون والشهداء"(4).
منابر: جمع منبر وهو المكان العالي.
يغبطهم: يتمنون أن لهم مثلهم من المنزلة والشرف دون زوالهما عنهم وهو حسد الغِبطة.
المتحابين في جلال الله تعالى لهم منزلة عظيمة ومقام كريم في مقعد صدق عند مليك مقتدر.
__________
(1) تحفة الأحوذي (6/124) .
(2) رواه أحمد بإسناد حسن، قال في مجمع الزوائد (10/277): "رواه الطبراني ورجاله وثقوا"، وصححه الألباني في الترغيب برقم (9022).
(3) رواه الطبراني بإسناد حسن، الصحيحة (287).
(4) أخرجه الترمذي (2390) وأحمد (5/236-237) ، المشكاة (5011) وقال الألباني: "صحيح"، الترغيب (3019).(1/16)
وعن أبي إدريس الخولاني رحمه الله تعالى قال: دخلت مسجد دمشق فإذا فتى بَرَّاق الثنايا وإذا الناس معه فإذا اختلفوا في شيء أسندوه إليه وصدروا عن رأيه فسألت عنه فقيل: هذا معاذ بن جبل رضي الله عنه فلما كان من الغد هجرت فوجدته قد سبقني بالتهجير ووجدته يصلي فانتظرته حتى قضى صلاته ثم جئته من قبل وجهه فسلمت عليه ثم قلت والله إني لأحبك في الله فقال: آلله ؟فقلت: الله فقال: آلله؟ فقلت: الله فأخذني بحبوة ردائي فجذبني إليه فقال: أبشر فإني سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "قال الله تعالى وجبت محبتي للمتحابين فيَّ والمتجالسين فيَّ والمتزاورين فيَّ والمتباذلين فيَّ"(1).
هجرت: أي بكرت وهو بتشديد الجيم.
آلله ، فقلت الله: الأول بهمزة ممدودة للاستفهام والثاني بلا مدّ.
براق الثنايا: مضيء الأسنان حسن الثغر لا يرى إلا مُبتسماً.
أسندوه: سألوه.
صدروا عن رأيه: رجعوا عنه وأخذوا به.
حبوة ردئي: أحذ بردائي من عند سرتي.
المتباذلين : المتعاونين والمنفقين من أجلي.
قصر الحمد
لمن فقد ولده فصبر
عن أبي موسى - رضي الله عنه - ، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "إذا مات ولد العبد قال الله تعالى لملائكته: قبضتم ولد عبدي؟ فيقولون: نعم،فيقول: قبضتم ثمرة فؤاده ؟فيقولون: نعم،فيقول: فماذا قال عبدي؟فيقولون: حمدك واسترجع،فيقول الله تعالى: ابنوا لعبدي بيتاً في الجنة وسموه بيت الحمد" . (2)
__________
(1) أخرجه مالك في "الموطأ" (2/953-954)، وابن حبان (575)، وأحمد (5/229 و 233 و247)والحاكم (4/169 و170)،وصححه الألباني،صحيح الجامع(4321)،والترغيب (3018).
(2) رواه الترمذي ، وحسنه ابن ماجه ، و كذلك حسنه العلامة الألباني رحمه الله، صحيح الجامع رقم (807)،السلسلة الصحيحة رقم(1408) .(1/17)
إذا مات ولد العبد ، أي الإنسان ولو أنثى ، قال الله تعالى لملائكته الموكلين بقبض الأرواح : قبضتم ولد عبدي أي روحه ، فيقولون : نعم فيقول : قبضتم ثمرة فؤاده ، أي نتيجته كالثمرة تنتجها الشجرة ، فيقولون : نعم ، فيقول :ماذا قال عبدي ، فيقولون : حمدك واسترجع ، أي قال : إنا لله وإنا إليه راجعون .(1/18)
قال الطيبي : رجع السؤال إلى تنبيه الملائكة على ما أراد الله من التفضل على عبده الحامد لأجل تصبره على المصائب وعدم تشكيه بل إعداده إياها من النعم الموجبة للشكر ثم استرجاعه وأن نفسه ملك لله وإليه المصير ، وقال أولا ولد عبدي أي فرع شجرته ثم ترقى إلى ثمرة فؤاده أي نقاوة خلاصته ، فإن خلاصة المرء الفؤاد ، والفؤاد إنما يعتد به لمكان اللطيفة التي خلق لها فحقيق لمن فقد تلك النعمة فتلقاها بالحمد أن يكون هو محمودا حتى المكان الذي يسكنه ، ولذلك قال فيقول الله تعالى لملائكته أو لمن شاء من خلقه ابنوا لعبدي بيتا في الجنة يسكنه في الآخرة وسموه بيت الحمد أخذ من تسميته به أن الأسقام والمصائب لا يثاب عليها لأنها ليست بفعل اختياري بل هو على الصبر وهو ما عليه ابن عبد السلام وابن القيم قالا فهو إنما نال ذلك البيت بحمده واسترجاعه لا بمصيبته وإنما ثواب المصيبة يكفر الخطايا لكن الأصح خلافه تنبيه ظاهر ترتيب الأمر ببناء البيت على الحمد والاسترجاع معا أنه لو أتى بأحدهما دون الآخر لا يبنى له شيء وعليه فكان القياس في وجه التسمية أن يقال سموه بيت الحمد والاسترجاع لكن الأقرب أن الخصلة التي يستحق بها ذلك إنما هي الحمد وذلك الاسترجاع معه كالتتمة والرديف بدليل إفراده بالتسمية تتمة قال المصنف موت الأولاد فلذ الأكباد ومصابهم من أعظم مصاب وفراقهم يقرع القلوب والأوصال والأعصاب يا له من صدع لا يشعب يوهي القوي ويقوي الوهي ويوهن العظم ويعظم الوهن مر المذاق صعب لا يطاق يضيق عنه النطاق شديد على الإطلاق لا جرم أن الله تعالى حث فيه عليه الصبر الجميل ووعد عليه بالأجر الجزيل وبنى له في الجنة ذاك البناء الجليل .اهـ .(1)
الدعاء سبب لبناء بيت في الجنة
__________
(1) فيض القدير (1/440) .(1/19)
عن أبي هريرة - رضي الله عنه - ، "إن فرعون أوتد لامرأته أربعة أوتاد في يديها ورجليها ،فكان إذا تفرقوا عنها ظللتها الملائكة،فقالت : { رَبِّ ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتاً فِي الْجَنَّةِ وَنَجِّنِي مِنْ فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ وَنَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ } .(1)
فكشف لها عن بيتها في الجنة" .(2)
قال أبو العالية : يتحقق فرعون على إيمان امرأته فخرج على الملأ فقال لهم ما تعلمون من آسية بنت مزاحم فأثنوا عليها فقال لهم إنها تعبد ربا غيري فقالوا له اقتلها فأوتد لها أوتادا وشد يديها ورجليها فقالت رب ابن لي عندك بيتا في الجنة ووافق ذلك حضور فرعون فضحكت حين رأت بيتها في الجنة فقال فرعون ألا تعجبون من جنونها إنا نعذبها وهي تضحك فقبض روحها وقال فيما روى عنه عثمان النهدي كانت تعذب بالشمس فإذا أذاها حر الشمس أظلتها الملائكة بأجنحتها وقيل سمر يديها ورجليها في الشمس ووضع على ظهرها رحى فأطلعها الله حتى رأت مكانها في الجنة ، وقيل : لما قالت : { رَبِّ ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتاً فِي الْجَنَّةِ } أريت بيتها في الجنة يبنى وقيل إنه من درة عن الحسن ولما قالت ونجني نجاها الله أكرم نجاة فرفعها إلى الجنة فهي تأكل وتشرب وتتنعم ومعنى من فرعون وعمله تعني ومعناه الكفر وقيل من عمله من عذابه وظلمه وشماتته وقال ابن عباس الجماع ونجني من القوم الظالمين أهل مصر مقاتل القبط قال الحسن وابن كيسان نجاها الله أكرم نجاة ورفعها إلى الجنة فهي فيها تأكل وتشرب.(3)
هذا الدعاء قد يكون سبباً لبناء البيت في الجنة فاحرص عليه .
صلاة ثنتي عشرة ركعة في اليوم
سبب لبناء بيت في الجنة
اعلم أخي في الله أن النوافل لها أجر عظيم ، وثبت في السنة الصحيحة أن لبعض النوافل ثواباً وهو بناء بيت في الجنة .
__________
(1) التحريم الآية (11) .
(2) السلسلة الصحيحة (2508) .
(3) تفسير القرطبي (18/203) .(1/20)
فعن أم المؤمنين أم حبيبة ، رملة بنت أبي سفيان رضي الله عنهما قالت : سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : "ما من عبدٍ مسلم يصلي لله تعالى في كل يوم ثنتي عشرة ركعة تطوعاً غير الفريضة إلا بنى الله له بيتاً في الجنة" قالت أم حبيبة : فما برحت أصليهن بعد. (1)
وقال عمرو: ما برحت أصليهن بعد، وقال النعمان مثل ذلك.
وزاد الترمذي "أربعاً قبل الظهر، وركعتين بعدها، وركعتين بعد المغرب، وركعتين بعد العشاء، وركعتين قبل صلاة الغداة".
وعنها رضي الله عنها سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "من صلى اثنتي عشرة ركعة في يوم وليلة بني له بيتاً في الجنة".
قالت أم حبيبة : فما تركتهن منذ سمعتهن من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - .(2)
وقال عنبسة: فما تركتهن منذ سمعتهن من أم حبيبة.
وقال عمرو بن أوس: ما تركتهن منذ سمعتهن عن عنبسة.
وقال النعمان: ما تركتهن منذ سمعتهن من عمرو بن أوس.
وعنها قالت: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "ما من عبد مسلم توضأ فأسبغ الوضوء ثم صلى في كل ليلة اثنتي عشرة ركعة تطوعاً غير فريضة إلا بنى الله له بيتاً في الجنة".(3)
عن أم حبيبة ، عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : "من صلى في يوم و ليلة ثنتي عشرة ركعة بني له بيت في الجنة : أربعا قبل الظهر ، و ركعتين بعدها ، و ركعتين بعد المغرب ، و ركعتين بعد العشاء ، و ركعتين قبل صلاة الغداة" .(4)
__________
(1) أخرجه مسلم في كتاب صلاة المسافرين برقم (1693) ، وأبو داود في كتاب الصلاة برقم (1250) ، وأخرجه النسائي.
(2) أخرجه مسلم في كتاب صلاة المسافرين.
(3) أخرجه مسلم.
(4) صحيح الجامع حديث رقم (6362) .(1/21)
وعن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "من ثابر على ثنتي عشرة ركعةً في اليوم والليلة دخل الجنة، أربعاً قبل الظهر، وركعتين بعدها، وركعتين بعد المغرب، وركعتين بعد العشاء وركعتين قبل الفجر".(1)
وفي رواية عنها رضي الله عنها ، عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : "من ثابر على اثنتي عشرة ركعة من السنة بنى الله له بيتا في الجنة : أربع ركعات قبل الظهر و ركعتين بعدها و ركعتين بعد المغرب و ركعتين بعد العشاء و ركعتين قبل الفجر" .(2)
"ثابر" : بالثاء المثلثة وبعد الألف باء موحدة ثم راء أي: لازم وواظب.
قال المناوي : قوله : "من صلى الضحى ثنتي عشرة ركعة" : قال الحافظ الزين العراقي في شرح الترمذي : يحتمل أن يكون الضحى مفعول صلى ، أي صلاة الضحى ، وثنتي عشرة تمييز ، ويحتمل أن يكون مفعول صلى ثنتي عشرة ، وأن يكون الضحى ظرفاً ، أي من صلى وقت الضحى ومسك به من جعل الضحى ثنتي عشرة ركعة ، وهو ما في الروضة كأصلها ، لكن الأصح عند الشافعية أن أكثرها ثمان ولا خلاف في أن أقلها ركعتان ، ووقتها من ارتفاع الشمس إلى الزوال ، ووقتها المختار إذا مضى ربع النهار ، وكان المصطفى - صلى الله عليه وسلم - يصليها في بعض الأحيان ويتركها في بعض خوف أن يعتقد الناس وجوبها كما ترك المواظبة على التراويح لذلك .
فاحرص أخي ، يا رعاك الله على السنن القبلية والبعدية ، لكي لا يفوتك هذا الأجر العظيم
والثواب الجزيل ، وهذه الحسنات تنفعك يوم القيامة { يَوْمَ لا يَنْفَعُ مَالٌ وَلا بَنُونَ } .(3)
حديثان ضعيفان
__________
(1) رواه النسائي وهذا لفظه، والترمذي وابن ماجة، وصححه الألباني في الترغيب برقم (577).
(2) صحيح الجامع حديث رقم (6183) .
قال الألباني : "صحيح" ، صحيح ابن ماجه رقم (935) .
(3) سورة الشعراء الآية (88) .(1/22)
عن أنس - رضي الله عنهم - ، عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "من صلى الضحى ثنتي عشرة ركعة بنى الله له قصرا في الجنة من ذهب" .(1)
عن أبي هريرة - رضي الله عنهم - ، عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : "من صلى في يوم ثنتي عشرة ركعة بنى الله له بيتا في الجنة : ركعتين قبل الفجر و ركعتين قبل الظهر و ركعتين بعد الظهر و ركعتين قبل العصر و ركعتين بعد المغرب و ركعتين بعد العشاء الآخرة" .(2)
ضعيف .
إطعام الطعام وإفشاء السلام وقيام الليل
سبب لبناء غرف الجنة
عن أبي مالك الأشعري - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "إن في الجنة غرفاً يرى ظاهرها من باطنها وباطنها من ظاهرها أعدها الله لمن أطعم الطعام وأفشى السلام وصلى بالليل والناس نيام".(3)
يرى ظاهرها من باطنها وباطنها من ظاهرها لكونها شفافة لا تحجب ما وراءها .
قالوا لمن هي يا رسول اللّه ، قال : أعدها اللّه تعالى ، أي هيأها لمن أطعم الطعام في الدنيا للعيال والفقراء الأضياف والإخوان ونحوهم وألان الكلام ، أي تملق للناس واستعطفهم ، قال في الصحاح اللين ضد الخشونة وقد لان الشيء ليناً وألينه صيره ليناً وقد ألانه أيضاً على النقصان والتمام وتلين تملق . انتهى .
__________
(1) أخرجه الترمذي والبيهقي، وضعفه الألباني في ضعيف الجامع ، حديث رقم (5658).
(2) ضعفه الألباني في ضعيف الجامع حديث رقم (5672).
(3) صحيح ابن خزيمة رقم (2137) ، المشكاة (1232، 1233) ، والترغيب رقم (612) ، صحيح الجامع رقم (2123) .(1/23)
قال الطيبي: جعل جزاء من تلطف في الكلام الغرفة كما في قوله تعالى: { أُولَئِكَ يُجْزَوْنَ الْغُرْفَةَ بِمَا صَبَرُوا وَيُلَقَّوْنَ فِيهَا تَحِيَّةً وَسَلاماً } .(1) { وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْناً وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلاماً } .(2) . وفيه إيذان بأن لين الكلام من صفات الصالحين الذين خضعوا لبارئهم وعاملوا الخلق بالرفق في الفعل والقول ولذا جعلت جزاء من أطعم الطعام كما في قوله تعالى { وَالَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَاماً } .(3)فدل على أن الجواد شأنه توخي القصد في الإطعام والبذل ليكون من عباد الرحمن وإلا كان من إخوان الشيطان .اهـ .(4)
وعن عبد الله بن عمرو رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "اعبدوا الرحمن وأطعموا الطعام وأفشوا السلام تدخلوا الجنة بسلام".(5)
وعنه أيضاً عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "إن في الجنة غرفاً يرى ظاهرها من باطنها وباطنها من ظاهرها" فقال أبو مالك الأشعري: لمن هذا يا رسول الله؟ قال: "لمن أطاب الكلام، وأطعم الطعام، وبات قائماً والناسُ نيامُ".(6)
وعن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "في الجنة غرفةٌ يُرى ظاهرها من باطنها وباطنها من ظاهرها" فقال أبو مالك الأشعري: لمن هي يا رسول الله؟ قال: "لمن أطاب الكلام، وأطعم الطعام، وباتَ قائماً والناس نيام".(7)
وقال الله تعالى :
{
__________
(1) الفرقان الآية (75) .
(2) الفرقان الآية (63) .
(3) الفرقان الآية (67) .
(4) فيض القدير .
(5) رواه الترمذي وقال: "حديث حسن صحيح"، وصححه الألباني في الترغيب برقم (945).
(6) سبق تخريجه.
(7) صحيح الترغيب (624).(1/24)
لا خير في كثير من نجواهم إلا من أمر بصدقة أو معروفٍ أو إصلاح بين الناس ومن يفعل ذلك ابتغاء مرضات الله فسوف نؤتيه أجراً عظيماً } .(1)
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله تعالى : وفي هذا دليل على أن المصالح والمنافع إذا انتفع الناس بها كانت خيراً لصاحبها وإن لم ينو فإن نوى زاد خيراً على خير وآتاه الله تعالى من فضله أجراً عظيماً. أ.هـ.(2)
إطعام الطعام ، وإفشاء السلام ، وقيام الليل ، سبب لبناء الغرف التي في الجنة ، فاحرص أُخي قبل فوات الأوان
صلاة الضحى
سببٌ لبناء بيت في الجنة
عن أبي الدرداء - رضي الله عنه - قال، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "من صلى الضحى ركعتين لم يكتب من الغافلين ومن صلى أربعاً كُتب من العابدين ومن صلى ستاً كُفيَ ذلك اليوم، ومن صلى ثمانية كتبه الله من القانتين، ومن صلى ثنتي عشرة ركعة بني له بيتاً في الجنة، وما من يوم ولا ليلة إلا له من يمن به على عباده صدقة وما مَنَّ الله على أحد من عباده أفضل من أن يلهمه ذكره".(3)
وعن أبي موسى - رضي الله عنهم - ، عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : "من صلى الضحى أربعا و قبل الأولى أربعا بني له بيت في الجنة" .(4)
قال المناوي : المراد بقوله وقبل الأولى الظهر فإنها أول الصلوات المفروضة في ليلة الإسراء وهي أول الفرائض المفعولة في الضحى والضحى كما يراد به صدر النهاريراد به النهار كما في قوله تعالى : { أن يأتيهم بأسنا ضحى } في مقابلة قوله : { بياتاً } وفيه ندب صلاة الضحى وهو المذهب المنصور وزعم أنها بدعة مؤول .
__________
(1) النساء (114).
(2) رياض الصالحين (3/235) .
(3) رواه الطبراني في "الكبير" ورواته ثقات، وقال الألباني رحمه الله حسن الترغيب برقم (671).
(4) صحيح الجامع حديث رقم (6340) .(1/25)
قال الحافظ العراقي : وقد اشتهر بين العوام أن من صلاها ثم قطعها عمي فتركها كثير خوفاً من ذلك ولا أصل له . اهـ .(1)
وللطبراني في الأوسط عن أبي موسى رفعه : "من صلى الضحى أربعا بنى الله له بيتا في الجنة" .
"الأوابين" : جمع أواب ، وهو كثير الرجوع إلى الله سبحانه وتعالى بالتوبة .
قال الشيخ الألباني رحمه الله تعالى : "قلت : وفي الحديث رد على الذين يسمون الست ركعات التي يصلونها بعد المغرب بـ "صلاة الأوابين" ، فإن هذه التسمية لا أصل لها وصلاتها بالذات غير ثابتة كما تقدم" .(2)
حديث موضوع .
عن عائشة رضي الله عنها ، عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : "من صلى بين المغرب و العشاء عشرين ركعة بنى الله له بيتا في الجنة".
موضوع .
أخرجه البيهقي، قال المناوي: رواه البيهقي عن عائشة ، ورواه الترمذي عنها مقطوع السند .
وقال العلامة الألباني : موضوع ، انظر ضعيف الجامع حديث رقم (5662) .
حديث ضعيف :
عن عائشة رضي الله عنها ، عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : "أفضل الصلاة عند الله المغرب و من صلى بعدها ركعتين بنى الله له بيتا في الجنة يغدو و يروح" .(3)
ضعيف .
بناء المساجد
سبب لبناء بيت في الجنة
عن عثمان بن عفان رضي الله عنه أنه قال عند قول الناس فيه حين بني مسجد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : إنكم أكثرتم عليَّ وإني سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "من بنى مسجداً يبتغي به وجه الله، بنى الله له بيتاً في الجنة".
وفي رواية: "بنى الله له مثله في الجنة".(4)
"مثله": أي في الشرف والفضل والتوقير لأنه جزاء المسجد فيكون مثلاً له في صفات الشرف.
__________
(1) فيض القدير .
(2) الترغيب (1/352) .
(3) أخرجه الطيالسي عن عائشة رضي الله عنها ، وضعفه شيخنا الألباني في ضعيف الجامع حديث رقم (1021) .
(4) رواه البخاري في كتاب الصلاة برقم (450) ومسلم في كتاب المساجد برقم (533).(1/26)
وعن أبي ذر - رضي الله عنهم - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "من بنى لله مسجداً قدر مفحص قطاةٍ بنى الله له بيتاً في الجنة".(1)
"مفحص" أي : محل فحصها للتبيض والفحص الكشف والبحث.
وعن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "من بنى لله
مسجداً يُذكرُ فيه، بنى الله له بيتاً في الجنة".(2)
وعن جابر بن عبد الله رضي الله عنه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "من حَفَرَ بئر ماءٍ لم يشرب منه كبدٌ حَرّى من جن ولا إنس ولا طائر إلا آجره الله يوم القيامة، ومن بنى مسجداً كمفحص قطاةٍ أو أصغر بنى الله له بيتاً في الجنة".(3)
"حَرّى" : أي عطش وهي فعل من الحر تأنيث حران وهما للمبالغة يريد أنها لشدة حرها قد عطشت ويبست من العطش ، كما في "اللسان".
وعن أنس رضي الله عنه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "من بنى لله مسجداً صغيراً كان أو كبيراً
بنى الله له بيتاً في الجنة".(4)
وعن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "من بنى لله مسجداً بنى الله له بيتاً في الجنة أوسع منه".(5)
__________
(1) رواه البزار واللفظ له والطبراني في "الصغير" وابن حبان في "صحيحه" وصححه العلامة الألباني في الترغيب (263).
(2) رواه ابن ماجة وابن حبان في "صحيحه"، وصححه الشيخ الألباني في الترغيب برقم (264).
(3) رواه ابن خزيمة في "صحيحه" وروى ابن ماجة منه ذكر المسجد فقط بإسناد صحيح قاله الألباني في الترغيب (265).
(4) رواه الترمذي وحسنه الألباني في الترغيب (267).
(5) رواه أحمد وحسنه الألباني في الترغيب (268).(1/27)
وعن بشر بن حيان قال: جاء واثلة بن الأسقع ونحن نبني مسجداً، قال: فوقف علينا فسلم ثم قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "من بنى مسجداً يصلى فيه بنى الله عز وجل له في الجنة أفضل منه".(1)
وعن عائشة رضي الله عنها عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "من بنى مسجداً لا يريد به رياءً ولا
سمعةً بنى الله له بيتاً في الجنة".(2)
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "إن مما يلحق المؤمن من عمله وحسناته بعد موته، علماً عَلَّمه ونَشَرَه، أو ولداً صالحاً تركه أو مصحفاً وَرَّثه أو مسجداً بناه، أو بيتاً لابن السبيل بناه، أو نهراً أجراه، أو صدقةً أخرجها من مالهِ في صحته وحياته، تلحَقُهُ من بعد موته".(3)
فاحرص أخي المسلم على بناء مسجد ، لتنال هذا الأجر .
"فمن بنى لله تعالى" ، أي لأجله ابتغاء لوجهه " بيتاً" مكاناً يصلى فيه وتقييد البعض بالجماعة غير معتبر
"بنى الله له بيتاً في الجنة" سعته كسعة المسجد عشر مرات فأكثر ، كما يفيده التنكير الدال على التعظيم : { مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا وَمَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلا يُجْزَى إِلَّا مِثْلَهَا وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ } .(4).
__________
(1) رواه أحمد والطبراني، وحسنه العلامة الألباني في الترغيب برقم (269).
(2) رواه الطبراني في "الأوسط"، وحسنه الألباني في الترغيب برقم (270).
(3) رواه ابن ماجة واللفظ له وابن خزيمة في "صحيحه" والبيهقي وإسناد ابن ماجة حسن، وقال الألباني رحمه الله: "حسن" الترغيب رقم (271).
(4) الأنعام:160)(1/28)
قال الحافظ العراقي : ولا بد لحصول هذا الثواب من اسم البناء فلا يكفي جعل الأرض مسجداً بدونه ، ولا نحو تحويطه بطين أو تراب ، ولا يتوقف حصوله على بنائه بنفسه بل أمره كاف ، والأوجه عدم دخول الباني لغيره بأجرة ، وقضية إناطة الحكم بالبناء عدم حصوله لمن اشترى بناء ووقفه مسجداً والظاهر خلافه اعتباراً بالمعنى. انتهى.
وتبعه تلميذه ابن حجر .
قال الراغب: والبناء اسم لما يبنى. وقال الزمخشري: مصدر سمى به المبني بيتاً أو قبة أو خباء ومنه بنى على امرأته لأنهم كانوا إذا تزوجوا ضربوا عليها خباء جديداً والبيت مأوى الإنسان بالليل ثم قيل من غير اعتبار الليل فيه وجمعه أبيات وبيوت لكن البيوت بالمسكن أخص والأبيات بالشعر أخص ويقع على المتخذ من حجر ومدر وصوف ووبر وبه شبه بيت الشعر ويعبر عن مكان الشيء بأنه بيته . ولما قال المصطفى ذلك قالوا : يا رسول الله وهذه المساجد التي تبنى في الطريق؟ قال : " نعم "
وفيه ندب بناء المساجد .
قال النووي : ويدخل فيه من عمره إذا استهدم فيتأكد بناءه وعمارته وإصلاح ما تشعب منه ويسن بناؤه في الدور والمراد بها كما قال ابن دقيق العيد القبائل .
وفيه ندب كنسه وتنظيفه وتحريم تقذيره حتى بطاهر لأنه استهانة به .
عن أبي هريرة رضي الله عنه : "أن امرأة سوداءَ كانت تَقُم المسجد ففقدها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فسأل عنها بعد أيام فقيل له: إنها ماتت. قال: "فهلا آذنتموني؟" فأتى قبرها فصلى عليها".(1)
"تقم المسجد" : تجمع القمامة، وهي الكناسة.
"امرأة سوداء" واسمها أم محجن كما رواه البيهقي من حديث بريدة ورواه أبو الشيخ في حديث آخر .
__________
(1) رواه البخاري في كتاب الصلاة برقم (458)،ومسلم في الجنائز برقم (956).(1/29)
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله : "في الحديث فضل تنظيف المسجد ، والسؤال عن الخادم والصديق إذا غاب ، وفيه المكافأة بالدعاء والترغيب في شهود جنائز أهل الخير " . اهـ .(1)
وعن عائشة رضي الله عنها قالت: "أمرنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ببناء المساجد في الدور
وأن تنظف وتطيب".(2)
وعن سمرة بن جندب رضي الله عنه قال: "أمرنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن نتخذ المساجد في ديارنا وأمرنا أن ننظفها".(3)
قال الشيخ الألباني رحمه الله تعالى :
فائدة : قال ابن الجوزي : من كتب اسمه على المسجد الذي يبنيه كان بعيداً من الإخلاص .اهـ.
ومن بناه بالأجرة لا يحصل له هذا الوعد المخصوص لعدم الإخلاص ، وإن كان يؤجر بالجملة . اهـ .(4)
رص الصفوف وسد فرجة في الصلاة
سبب لبناء بيت في الجنة
عن عائشة رضي الله عنها قالت : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "من سد فرجة رفعه الله بها درجة وبنى له بيتاً في الجنة".(5)
وعن أبي جحيفة رضي الله عنه: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "من سد فرجة من الصف غفر له".(6)
والفرجة التي تكون بينك وبين صاحبك الذي بجانبك في الصلاة ، فمجرد أن تضع قدمك بجانب قدمه في الاصطفاف للصلاة تنال هذا الأجر ، ونرى وللأسف من يبعد قدمه عن قدم صاحبه ، فاحرص أخي على الأجر والثواب العظيم ، ورص قدمك مع قدم صاحبك.
حديث ضعيف
__________
(1) فتح الباري .
(2) رواه أحمد وأبو داود وابن ماجة وابن خزيمة في "صحيحه" ورواه الترمذي مسنداً مرسلاً وقال في المرسل: "هذا أصح"، وصححه الألباني في الترغيب (275)
(3) رواه أحمد، وقال الألباني رحمه الله تعالى: "صحيح" الترغيب (274).
(4) الثمر المستطاب (1/457-458) .
(5) رواه الطبراني بإسناد لا بأس به ، وأخرجه المحاملي في الأمالي ، وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة برقم (1892).
(6) رواه الطبراني بإسناد حسن.(1/30)
عن أبي قرصافة ، عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : ابنوا المساجد و أخرجوا القمامة منها فمن بنى لله بيتا بنى الله له بيتا في الجنة و إخراج القمامة منها مهور الحور العين .
ضعيف .
قال المناوي : أخرجه الطبراني ، وكذا ابن النجار والضياء المقدسي في كتاب الأحاديث المختارة مما ليس في الصحيحين عن أبي قرصافة بكسر القاف وفاء مخففة الكناني واسمه جندرة بن خيشنة نزل عسقلان روت عنه ابنته .
رمز المؤلف لصحته . وإن تعجب فعجب رمزه مع حكم الحافظ المنذري بضعفه وإعلال زين الحفاظ العراقي في شرح الترمذي له بأن في إسناده جهالة وقول الحافظ الهيثمي وغيره في إسناده لكن المؤلف اغتر بتصحيح الضياء . اهـ . فيض القدير .
وضعفه الشيخ الألباني في ضعيف الجامع حديث رقم ( 53) .
دعاء دخول السوق
سبب لدخول الجنة
عن ابن عمر - رضي الله عنه - قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "من دخل السوق فقال : لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، له الملك وله الحمد يحيي و يميت و هو حي لا يموت بيده الخير وهو على كل شيء قدير ، كتب الله له ألف ألف حسنة ، ومحا عنه ألف ألف سيئة ، ورفع له ألف ألف درجة و بنى له بيتا في الجنة" .(1)
عن ابن عمر بن الخطاب رضي الله عنهما، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال:" من دخل السوق فقال: لا إله إ لا الله وحده لا شريك له، له المُلك وله الحمد يحيي ويميت وهو حي لا يموت بيده الخير، وهو على كل شيءٍ قدير، كتب الله له ألف ألف حسنة ومحا عنه ألف ألف سيئة ورفع له ألف ألف درجة "(2).
وفي رواية : "وبنى له بيتاً في الجنة" .
__________
(1) صحيح الجامع حديث رقم (6231) .
(2) أخرجه الترمذي في الدعوات برقم (3668) ، وابن ماجة في التجارات برقم (2235) ، وصححه الشيخ الألباني رحمه الله تعالى في صحيح الترمذي (2726) والكلم (229) والمشكاة برقم (2431) وقال الألباني في الترغيب: :حسن لغيره"، برقم (1694).(1/31)
وفيه من الزيادة : قال الرواي : فقدمت خراسان ، فأتيت قتيبة بن مسلم ، فقلت : أتيتك بهدية فحدثته بالحديث ، فكان قتيبة بن مسلم يركب في موكبه حتى يأتي السوق فيقولها ثم ينصرف"(1).
ذكر الله عند النوم
سبب لبناء بيت في الجنة
عن البراء بن عازب ، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "إذا أخذت مضدجعك فتوضأ وضوءك للصلاة ثم اضطجع على شقك الأيمن ثم قل: اللهم إني أسلمت وجهي إليك وفوضت أمري إليك آمنت بكتابك الذي أنزلت وبنبيك الذي أرسلت واجعلهن من آخر كلامك فإن مت من ليلتك مت وأنت على الفطرة" واجعلهن آخر ما تتكلم به".
قال: فرددتهن لاستذكرهن فقلت: آمنت برسولك الذي أرسلت قال: "قل: آمنت بنبيك الذي أرسلت" وزاد في حديث حصين: "وإن أصبح أصاب خيراً".
وفي رواية : "ومات على ذلك بنى له بيت في الجنة ، أو بوئ له بيت في الجنة" .(2)
"أسلمت نفسي إليك" أي: توكلت عليك واعتمدتك في أمري كله كما يعتمد الإنسان بظهره إلى ما يسنده.
"رغبة ورهبة" أي طمعاً في ثوابك وخوفا من عذابك.
"مت على الفطرة" أي: الإسلام.
"وإن أصبحت أصبت خيراً" أي: حصل لك ثواب هذه السنن واهتمامك بالخير ومتابعتك أمر الله ورسوله - صلى الله عليه وسلم - .
قال النووي رحمه الله: وفي هذا الحديث ثلاث سنن مهمة مستحبة ليست بواجبة:
إحداها: الوضوء عند إرادة النوم فإن كان متوضأ كفاه ذلك الوضوء لأن المقصود النوم على طهارة مخافة أن يموت في ليلته وليكون أصدق الرؤيا وأبعد من تلعب الشيطان به في منامه وترويعه إياه.
الثانية: النوم على الشق الأيمن لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يحب التيامن ولأنه أسرع إلى الانتباه.
الثالثة: ذكر الله تعالى ليكون خاتمة عمله.
__________
(1) رواه الحاكم في المستدرك على الصحيحين من طرق كثيرة . صحيح الجامع رقم (6231).
(2) رواه البخاري برقم (247) في الوضوء ، ومسلم برقم (2710) في الاستغفار .(1/32)
قوله - صلى الله عليه وسلم - : "لا، ونبيك الذي ارسلت " قال الألباني رحمه الله تعالى: "فيه تنبيه قوي على أن الأوراد والأذكار توقيفية، وأنه لا يجوز فيها التصرف بزيادة أو نقص، ولو بتغيير لفظ لا يفسد المعنى فإن لفظ "الرسول" أعم من لفظة "النبي" ومع ذلك رده النبي - صلى الله عليه وسلم - ، مع أن البراء - رضي الله عنه - قاله سهواً لم يتعمده! فأين منه أولئك المبتدعة؟ الذين لا يتحرجون من أي زيادة في الذكر، أو نقص منه ؟! فهل من معتبر؟
أحاديث ضعيفة
عن أبي هريرة : "أربع من كن فيه كان من المسلمين ، و بنى الله له بيتا في الجنة أوسع من الدنيا و ما فيه :
من كان عصمة أمره لا إله إلا الله ، و إذا أصاب ذنبا قال : أستغفر الله ، و إذا أعطي نعمة قال : الحمد لله ، و إذا أصابته مصيبة قال : إنا لله و إنا إليه راجعون" .(1)
عن أبي سعيد - رضي الله عنهم - ، عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : "من أخرج أذى من المسجد بنى الله له بيتا في الجنة" .(2)
ضعيف .
عن أبي أمامة - رضي الله عنهم - ، عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : "من قرأ { حم } الدخان في ليلة جمعة أو يوم جمعة بنى الله له بيتا في الجنة" .(3)
ضعيف جداً .
قراءة سورة الإخلاص عشر مرات
سبب لدخول الجنة
__________
(1) أخرجه أبو إسحاق المراغي في ثواب الأعمال ، وضعفه الألباني في ضعيف الجامع حديث رقم (762) .
(2) أخرجه البيهقي ، قال المناوي : أخرجه البيهقي عن أبي سعيد الخدري ، وفيه عبد الرحمن بن سليمان بن أبي الجون قال في الكاشف : ضعفه أبو داود .
، وضعفه الألباني في ضعيف الجامع حديث رقم (5367) .
(3) أخرجه الطبراني عن أبي أمامة ، قال الهيثمي : فيه فضالة بن جبير ضعيف جداً . وضعفه الألباني في ضعيف الجامع حديث رقم (5768).(1/33)
عن معاذ بن أنس ، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "من قرأ قل هو الله أحد عشر مرات بنى الله له بيتاً في الجنة".(1)
وفي رواية :
"من قرأ قل هو اللّه أحد حتى يختمها" . هكذا هو ثابت في رواية أحمد فكأنه سقط من قلم المصنف .
"عشر مرات بنى اللّه له بيتاً في الجنة" ، تمامه عند مخرجه أحمد .
فقال عمر : إذن نستكثر يا رسول اللّه ، فقال رسول اللّه - صلى الله عليه وسلم - : "اللّه أكبر وأطيب" .
قال المناوي : في هذا الحديث إثبات فضل { قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ } ، وقد قال بعضهم : إنها تضاهي كلمة التوحيد لما اشتملت عليه من الجمل المثبتة والنافية مع زيادة تعليل ومعنى النفي أنه الخالق الرزق المعبود لأنه ليس فوقه من يمنعه من ذلك كالوالد ولا من يساويه كالكفؤ ولا من يعينه كالولد . اهـ .(2)
وسورة الإخلاص فيها التوحيد الخالص ، وهي تعدل ثلث القرآن كما أخبر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن ذلك فعن أبي الدرداء - رضي الله عنه - ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "أيعجز أحدكم أن يقرأ في ليلة ثلث القرآن" قالوا: وكيف
يقرأ ثلث القرآن؟ قال: "قل هو الله أحد تعدل ثلث القرآن".
وفي رواية "إن الله عز وجل جزأ القرآن بثلاثة أجزاء فجعل (قل هو الله أحد) جزءاً من أجزاء القرآن".(3)
وعن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - ، أن رجلاً سمع رجلاً يقرأ: (قل هو الله أحد) يرددها فلما أصبح جاء إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فذكر ذلك له وكان الرجل يتقالها فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "والذي نفسي بيده إنها لتعدل ثلث القرآن".(4)
وأصل علوم القرآن ثلاثة :
__________
(1) السلسلة الصحيحة رقم (589) ، وصحيح الجامع رقم (6472) ، والمشكاة رقم (2185) .
(2) فيض القدير .
(3) أخرجه مسلم في كتاب صلاة المسافرين برقم (811).
(4) أخرجه البخاري في كتاب فضائل القرآن برقم(5013).(1/34)
توحيد وتذكير وأحكام . فالتوحيد يدخل فيه معرفة المخلوقات ومعرفة الخالق بأسمائه وصفاته وأفعاله ، والتذكير منه الوعد والوعيد والجنة والنار . والأحكام منها التكاليف كلها وتبيين المنافع والمضار والنهي والندب ولهذا كانت الفاتحة أم القرآن لأن فيها الأقسام الثلاثة .
وسورة الأخلاص ثلثه لأن فيها أحد الأقسام وهو التوحيد .(1)
حديث ضعيف
عن خالد بن زيد:"من قرأ { قل هو الله أحد } عشرين مرة بنى الله له قصرا في الجنة" .(2)
ضعيف .
قصر في أعلى الجنة
زعيمه النبي - صلى الله عليه وسلم -
عن أبي أمامة - رضي الله عنه - ، قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "أنا زعيم بيت في ربض الجنة لمن ترك المراء وإن كان محقاً، وببيت في وسط الجنة لمن ترك الكذب وإن كان مازحاً ، وببيت في أعلى الجنة لمن حسُن خلقه"".(3)
ربض الجنة : أي ما حولها .
وفي رواية عن فضالة بن عبيد ، عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : "أنا زعيم لمن آمن بي و أسلم و هاجر ببيت في ربض الجنة ، و بيت في وسط الجنة ، و بيت في أعلى غرف الجنة ، و أنا زعيم لمن آمن بي و أسلم و جاهد في سبيل الله ببيت في ربض الجنة ، و بيت في وسط الجنة ، و بيت في أعلى غرف الجنة ، فمن فعل ذلك لم يدع للخير مطلبا و لا من الشر مهربا يموت حيث شاء أن يموت .(4)
صفة الجنة
__________
(1) مختصر الاتقان في علوم القرآن (ص96-98) .
(2) أخرجه ابن زنجويه عن خالد بن زيد ، وضعفه الألباني في ضعيف الجامع حديث رقم (5779) .
(3) رواه أبو داود، الصحيحة رقم (273)، صحيح الجامع رقم (1464).
(4) صحيح الجامع حديث رقم (1465) .(1/35)
قال الله تعالى: { إن المتقين في مقام أمين في جناتٍ وعيون يلبسون من سندس وإستبرق متقابلين كذلك وزوجناهم بحورٍ عين يدعون فيها بكل فاكهة آمنين لا يذوقون فيها الموت إلا الموتة الأولى ووقاهم عذاب الجحيم فضلاً من ربك ذلك هو الفوز العظيم } (1).
وقال تعالى: { يبشرهم ربهم برحمةٍ منه ورضوان وجناتٍ لهم فيها نعيم مقيم خالدين فيها
أبداً إن الله عند أجرٌ عظيم } (2).
وقال تعالى: { إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات إنا لا نضيع أجر من أحسن عملاً أولئك لهم جنات عدنٍ تجري من تحتهم الأنهار يحلون بفيها من أساور من ذهب ويلبسون ثياباً خضراً من سندسٍ وإستبرق متكئين فيها على الأرائك نِعمَ الثواب وحسنت مرتفقاً } (3).
وقال تعالى : { وعد الله المؤمنين والمؤمنات جناتٍ تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها ومساكن طيبة في جنات عدنٍ ورضوان من الله أكبر ذلك هو الفوز العظيم } .(4)
قال القرطبي رحمه الله تعالى : "قوله تعالى : { وعد الله المؤمنين والمؤمنات جنات } أي بساتين { تجري من تحتها الأنهار } من تحت أشجارها وغرفها الأنهار ، وقد تقدم في سورة البقرة أنها تجري منضبطة بالقدرة في غير أخدود { خلدين فيها ومساكن طيبة } قصور من الزبرجد والدر والياقوت ، يفوح طيبها من مسيرة خمسمائة عام { في جنات عدن } ، أي في دار إقامة ، يقال : عدن بالمكان إ1ا أقام به ، ومنه المعدن ، وقال عطاء الخراساني : { جنات عدن } هي قصبة الجنة ، وسقفها عرش الرحمن جل وعزّ ، وقال ابن مسعود : هي من ذهب لا يدخلها إلا نبي أو صديق أو شهيد أو حكم عدل ، ونحوه الضحاك .
__________
(1) سورة الدخان الآية (51-57).
(2) سورة التوبة الآية (21،22).
(3) سورة الكهف الآية (31).
(4) سورة التوبة الآية (72) .(1/36)
وقال مقاتل والكلبي: عدن أعلى درجة في الجنة ، وفيها عين التسنيم ، والجنان حولها محفوظة بها، وهي من يوم خلقها الله حتى ينزلها الأنبياء والصديقون والشهداء والصالحون ومن يشاء الله { ورضوان من الله أكبر } أي: أكبر من ذلك { ذلك هو الفوز العظيم } .اهـ .(1)
وقال تعالى: { إن المتقين في جنات وعيون ادخلوها بسلام آمنين ونزعنا ما في صدورهم من غلٍ إخواناً على سررٍ متقابلين لا يمسهم فيها نصبٌ وما هم منها بمخرجين } (2).
وقال تعالى : { هذا ذكر وإن للمتقين لحُسن مآبٍ جنات عدنٍ مفتحة لهم الأبواب متكئين فيها يدعون بفاكهةٍ كثيرة وشرابٍ وعندهم قاصرات الطرف أتراب هذا ما توعدون ليوم الحساب إن هذا لرزقنا ما له من نفاد } (3).
وقال تعالى: { مثل الجنة التي وُعِد المتقون فيها أنهارٌ من ماءٍ غير آسن وأنهارٌ من لبنٍ لم يتغير طعمه وأنهارٌ من خمرٍ لذةٍ للشاربين وأنهارٌ من عسلٍ مصفى ولهم فيها من كل الثمرات } (4).
وقال تعالى: { والسابقون السابقون أولئك المقربون في جنات النعيم ثلةٌ من الأولين وقليلٌ من الآخرين على سررٍ موضونةٍ متكئين عليها متقابلين يطوف عليهم وِلدانٌ مخلدون بأكوابٍ وأباريق وكأسٍ من معين لا يصدعون عنها ولا ينزفون وفاكهةٍ مما يتخيرون ولحم طيرٍ مما يشتهون } - إلى قوله تعالى { وثلة من الآخرين } .(5).
وقال تعالى: { إن الأبرار يشربون من كأسٍ كان مزاجها كافوراً } إلى قوله تعالى { وكان سعيهم مشكوراً } (6).
والآيات في صفة الجنة كثيرة جداً.
__________
(1) تفسير القرطبي (5/3043) .
(2) سورة الحجر الآية (45-48).
(3) سورة ص الآية (49-54).
(4) سورة محمد (15).
(5) سورة الواقعة (10-40).
(6) سورة الإنسان (5-22).(1/37)
قال الحافظ ابن كثير رحمه الله تعالى : "يخبر تعالى بما أعده للمؤمنين به والمؤمنات من الخيرات والنعيم المقيم في (جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها) ، أي : ماكقثين فيها أبداً (ومساكن طيبة) أي حسنة البناء طيبة القرار" .اهـ . تفسير ابن كثير (2/370) .
عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: "ليس في الجنة شيءٌ مما في الدنيا إلا الأسماء"(1).
وعن ابن مسعود - رضي الله عنه - : في قوله عز وجل { بطائنها من إستبرق } ، قال: أخبرهم بالبطائن، فكيف بالظهائر؟(2).
قال ابن قيم الجوزية رحمه الله تعالى: وأما الجنة فهي دار الكرامة والمنزل الذي أعده الله لأوليائه فبشروا من أول وهلة بالدخول إلى المقاعد والمنازل والخلود فيها وتأمل قوله سبحانه جنات عدن مفتحة لهم الأبواب متكئين فيها يدعون فيها بفاكهة كثيرة وشراب كيف تجد تحته معنى بديعا وهو أنهم إذا دخلوا الجنة لم تغلق أبوابها عليهم بل تبقى مفتحة كما هي .اهـ . حادي الأرواح (1/39) .
فصل
في صفة دخول أهل الجنة الجنة
عن خالد بن عمير قال : خطبنا عتبة بن عزوان رضي الله عنه، فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: أما بعد" فإن الدنيا قد آذنت بصرمٍ وولت حذَّاء، ولم يبقَ منها إلا صبابة كصبابة الإناء يتصابها صاحبها، وإنكم منتقلون منها إلى دارٍ لا زوال لها، فانتقلوا بخيرٍ ما بحضرتكم، و لقد ذكر لنا أنّ مصراعين من مصاريع الجنّة بينهما مسيرة أربعين سنة وليأتين عليه يوم وهو كظيظ من الزحام"(3).
الصُرم : بالضم : أي الانقطاع والذهاب. وحذَّاء : سريعة. والصبابة: هي البقة اليسيرة من الشيء.
ويتصابها : أي يجمعها، والكظيظ: هو الكثير الممتلئ.
__________
(1) أخرجه البيهقي في البعث (1/368) ، السلسلة الصحيحة (2188)، صحيح الترغيب (3769).
(2) رواه البيهقي موقوفاً بإسناد حسن، وقال الألباني" حسن موقوف" الترغيب (3746).
(3) رواه مسلم في كتاب الزهد برقم (2967).(1/38)
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال:"والذي نفس محمدٍ بيده إن ما بني مصراعين من مصاريع الجنة، لكما بين مكّة وهجر أو هجر ومكة" (1).
وعن سهل بن سعد - رضي الله عنه - ، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "ليدخُلن الجنّة من أُمتي سبعون ألفاً- أو سبعمائة ألفٍ- متماسكون، آخذ بعضهم ببعضٍ، لا يدخل أو لهم حتى يدخل أخرهم، وجوههم على صورة القمر ليلة البدر"(2).
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "إن أول زمرةٍ يدخلون الجنة على صورة القمر ليلة البدر، والذين يلونهم على أشدّ كوكب دري في السماء إضاءةً لا يبولون ولا يتغوطون، ولا يمتخطون، ولا يتفلون، أمشاطهم الذّهب ورشحهم المسك، ومجامرهم الألوة، أزواجهم الحور العين، أخلاقهم على خلقِ رجلٍ واحدِ على صورة أبيهم آدم ستون ذراعاً في السماء".
وفي رواية: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "أول زمرة تلج الجنّة صورهم على صورة القمر ليلة البدر، لا يبصقون فيها ولا يمتخطون، ولا يتغوطون، آنيتهم فيها الذهب وأمشاطهم من الذهب والفضة ومجامرُهم الألوة، ورشحهم المسك، لكل واحدٍ منهم زوجتان يرى مخ سوقهما من وراء اللحم من الحسن لا اختلاف بينهم ولا تباغض قلوبهم قلب واحد يسبحون الله بكرةً وعشياً"(3).
الألوة : من أسماء البخور الذي يتبخربه. والمجامر: جمع مجمرة وهي المبخرة، سميت مجمرة لأنها يوضع فيها الجمر ليفوح به ما يوضع فيها من البخور .
__________
(1) هو جزء من حديث طويل رواه البخاري في كتاب الأنبياء برقم (3340)، وفي كتاب التفسير برقم (4712) ورواه مسلم في كتاب الإيمان برقم (194).
(2) رواه البخاري في كتاب الرقاق برقم (6543) وسلم في كتاب الإيمان برقم (219).
(3) رواه البخاري في كتاب بدء الخلق برقم (3245) وفي أحاديث الأنبياء برقم (3327)، ورواه مسلم في كتاب الجنة وصفة نعيمها برقم (2834).(1/39)
وفي رواية لمسلم: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "أول زمرةٍ يدخلون الجنًّة من أمتي على صورة القمر ليلة البدر، ثم الذين يلونهم على أشد نجمٍ في السماء إضاءةً ثم هم بعد ذلك منازل"(1).
وعن معاذ بن جبل - رضي الله عنه - ، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "يدخل أهل الجنةِ الجنّةَ جُرْداً مُرداً مكحلين، بني ثلاث وثلاثين"(2).
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "أهل الجنَّة جُرْدٌ مرْدٌ كُحْلٌ لا يفنى شبابهم ولا تبلى ثيابهم"(3).
وعنه قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "يدخل أهل الجنة الجنة جُرداً مُرداً بيضاً جعاداً، مكَحًّلين، أبناء ثلاثٍ وثلاثين، وهم على خُلْقِ آدم، ستون ذراعاً"(4).
(جعاداً) : جمع (جعد) وهو هنا جعد الشعر وهو ضد السَّبَط .
بناء قصور الجنة
عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال : قلنا يا رسول الله حدثنا عن الجنة ما بناؤها قال:" لبنة من ذهب ولبنة من فضةٍ وملاطها المسك، وحصباؤها اللؤلؤ والياقوت وترابها الزعفران من يدخلها ينعم ولا ييأس ويخلد ولا يموت لا تبلى ثيابه ولا يفنى شبابه"(5).
الملاط : بكسر الملم وبالطاء المهملة هو ما يجعل بين ساقي البناء كالطين ونحوه .
__________
(1) رواه مسلم في كتاب الجنة وصفة نعيمها برقم (2834).
(2) رواه الترمذي وقال: "حديث حسن غريب"، وقال الألباني: "صحيح لغيره"، الترغيب رقم (3698).
(3) رواه الترمذي وقال: "غريب"، وصححه الألباني في الترغيب برقم (3699).
(4) رواه أحمد وابن أبي الدنيا والطبراني والبيهقي، كلهم من رواية علي بن زيد بن جدعان، عن ابن المسيب عنه، وحسنه الألباني في الترغيب برقم (3700).
(5) رواه الترمذي برقم (2526) وابن حبان وأحمد واللفظ له، و البزار والطبراني في الأوسط. وحسنه الألباني في الترغيب برقم (3711).(1/40)
وعنه قال : "حائط الجنة لبنةٌ من ذهبٍ ولبنةٌ من فضةٍ ودُرُجها الياقوت واللؤلؤ" قال: وكنا نحدَّثُ أنَّ رضراض أنهارها اللُّؤلؤ، وترابها الزعفران"(1).
(الرضراض) : بفتح الراء وبضادين معجمتين.
و(الحصباء) ممدودا ً: بمعنى واحد وهو الحصى، وقيل الرضراض: صغارها.
وعن أبي سعيد الخدري قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "إن الله عز وجل أحاطَ حائط الجنة لبنةًمن ذهبٍ، ولبنة من فضةٍ، ثم شقق فيها الأنهار، وغرس فيها الأشجار، فلما نظرت الملائكة إلى حُسنها قالت: طوبى لك منازل الملوك"(2).
قصور الفردوس
قال الله تعالى : (أولئك هم الوارثون الذين يرثون الفردوس هم فيها خالدون) . سورو الزمر الآية (19،20) .
عن أبي هريرة - رضي الله عنهم - قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "وما منكم من أحد إلا له منزلان : منزل في الجنة ، ومنزل في النار ، فإذا مات ، فدخل النار ، ورث أهل الجنة منزله ، فذلك قوله تعالى : (أولئك هم الوارثون ) .
قصر من قصب في الجنة
لأم المؤمنين خديجة رضي الله عنها
لقد نالت خديجة رضي الله عنها لشدة إيمانها وتصديقها بالنبي - صلى الله عليه وسلم - وبهذا الدين ، ومساندتها له بكل ما استطاعت فاستحقت أن يبشرها جبريل عليه السلام ببيت في الجنة .
فعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال :" أتى جبريلُ النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال :
يا رسول الله هذه خديجة قد أتتك فاقرأ عليها السلام من ربها ، ومني ،
وبشرها ببيتٍ في الجنة من قصب لا صخب فيه ولا نصب " .(3)
__________
(1) رواه ابن أبي الدنيا موقوفاً على أبي هريرة، و قال الألباني: "صحيح لغيره" الترغيب (3712).
(2) أخرجه البيهقي، وصححه الألباني في الترغيب برقم (3714).
(3) رواه البخاري ومسلم .(1/41)
وعن عبد الله بن جعفر - رضي الله عنهم - ، عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : "أُمِرْتُ أن أبشر خديجة ببيت في الجنة من قصب لا صخب فيها و لا نصب" .(1)
قال المناوي : "أمرت أن" : بضم الهمزة مبنياً للمفعول أي أمرني اللّه بأن .
"أبشر خديجة" : بنت خويلد زوجته .
"ببيت في الجنة" : أُعِدّ لها .
"من قصب" بفتح القاف والصاد يعني قصب اللؤلؤ ، هكذا جاء مفسراً في رواية الطبراني في الأوسط ، وله فيه أيضاً من القصب المنظومة الدر واللؤلؤ والياقوت .
وقال بن التين : المراد به لؤلؤة مجوفة واسعة كالقصر المنيف .انتهى .
وقال هنا أيضاً من قصب ولم يقل من لؤلؤ لمناسبة القصب لكونها أحرزت قصب السبق بمبادرتها إلى الإيمان .
قال ابن حجر : وفي القصب مناسبة أخرى من جهة استواء أكثر أنابيبه وكذا كان لخديجة من الاستواء ما ليس لغيرها إذ كانت حريصة على إرضاءِهِ بكل ممكن ولم يصدر منها ما يغضبه كما وقع لغيرها انتهى .
قال السهيلي : النكتة قي قوله : "من قصب" ، ولم يقل من لؤلؤ إن في لفظ القصب مناسبة لكونها أحرزت قصب السبق بمبادرتها إلى الإيمان دون غيرها ، ولذا وقعت هذه المناسبة في جميع ألفاظ هذا الحديث . انتهى .
وفي القصب مناسبة أخرى من جهة استواء أكثر إنابيبه ، وكذا كان لخديجة من الاستواء ما ليس لغيرها إذ كانت حريصة على رضاه بكل ممكن ولم يصدر منها ما يغضبه قط كما وقع لغيرها .
__________
(1) صحيح الجامع حديث رقم (1368) .(1/42)
وأما قوله : "ببيت" ، فقال أبو بكر الإسكاف في فوائد الأخبار : المراد به بيت زائد على ما أعد الله لها من ثواب عملها ، ولهذا قال : لا نصب فيه ، أي لم تتعب بسببه ، قال السهيلي : لذكر البيت معنى لطيف لأنها كانت ربة بيت قبل المبعث ثم صارت ربة بيت في الإسلام منفردة به فلم يكن على وجه الأرض في أول يوم بعث النبي - صلى الله عليه وسلم - بيت إسلام إلا بيتها ، وهي فضيلة ما شاركها فيها أيضا غيرها ، قال : وجزاء الفعل يذكر غالبا بلفظه وان كان أشرف منه فلهذا جاء في الحديث بلفظ البيت دون لفظ القصر . انتهى .(1)
"لا صخب فيه" : أي لا اضطراب ولا ضجة ولا صياح إذ ما من بيت يجتمع فيه أهله إلا فيه صياح وجلبة وقال بعضهم يجوز كون قوله لا صخب أي هو مخصوص فيها بلا مشارك إذ لا يكاد المشترك يسلم من التنازع المؤدي للصخب .
"ولا نصب" : أي لا تعب أي لا يكون لها ثم تشاغل يشغلها عن لذائذ الجنة ولا تعب ينغصها ، ذكره القاضي أو المراد أن ذلك ليس ثواب أعمالها بل زيادة بعد الجزاء على أعمالها ، فإن قيل كيف لم يبشرها إلا ببيت وأدنى أهل الجنة له فيها مسيرة ألف عام .
فالجواب : أن البيت عبارة عن القصر وتسمية الكل باسم الجزء معلوم في لسانهم فلما كانت خديجة رضي اللّه عنها أول من بنى بيتاً في الإسلام ولم يكن على ظهر الأرض بيت إسلام إلا بيتها عبر بلفظ البيت للمناسبة أو أنها بشرت ببيت زائد على ما أعد لها ، وخص القصب لحيازتها قصب السبق فجاء على معنى المقابلة . اهـ .
وعن عبد الله ابن أبي أوفى ، وعن عائشة ، عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - :
"بشروا خديجة ببيت في الجنة من قصب لا صخب فيه ولا نصب .(2)
قصر في الجنة لعمر بن الخطاب - رضي الله عنهم -
__________
(1) فتح الباري (7/138) .
(2) أخرجه البخاري برقم (1699) ، ومسلم برقم (2435) .(1/43)
من مناقب أمير المؤمنين عمر بن الخطاب - رضي الله عنهم - أن بشره النبي - رضي الله عنهم - بقصر رآه في الجنة .
فعن أبي هريرة - رضي الله عنهم - قال : بينا نحن عند النبي - صلى الله عليه وسلم - إذ قال : "بينا أنا نائم رأيتني في الجنة فإذا أنا بامرأة تتوضأ إلى جانب قصر فقلت : لمن هذا القصر ؟ قالوا : لعمر بن الخطاب فذكرت غيرتك فوليت مدبرا" . فبكى عمر وقال : أعليك أغار يا رسول الله .(1)
فصل
في أبواب الجنة
عن سهل بن سعد، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "في الجنة ثمانية أبواب باب منها يسمى الريان لا يدخله إلا الصائمون"(2).
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "من أنفق زوجين من ماله في سبيل الله دعي من أبواب الجنة كلها وللجنة ثمانية أبواب فمن كان من أهل الصلاة دعي من باب الصلاة ومن كان من أهل الصيام دعي من باب الصيام ومن كان من أهل الصدقة دعي من باب الصدقة ومن كان من أهل الجهاد دعي من باب الجهاد" فقال أبو بكر رضي الله عنه: والله ما على أحد من ضرورة من أيها دُعي فهل يدعي أحد منها كلها؟ قال: نعم وأرجو أن تكون منهم"(3).
باب الريان للصائمين
قال تعالى: { كلوا واشربوا هنيئاً بما أسلفتم في الأيام الخالية } .(4)
قال وكيع وغيره : هي أيام الصوم إذ تركوا فيها الأكل والشرب .
عن سهل بن سعد - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "إن في الجنة باباً يقال له الريان يدخل منه الصائمون يوم القيامة لا يدخل منه أحد غيرهم فإذا دخلوا أغلق فلم يدخل منه أحد"(5).
__________
(1) أخرجه البخاري برقم (3242) في بدء الخلق ، ومسلم برقم (2395) في فضائل عمر - رضي الله عنهم - .
(2) رواه البخاري ومسلم.
(3) سبق تخريجه.
(4) الحاقة (24).
(5) رواه البخاري في كتاب الصوم برقم (1896)، ومسلم في كتاب الصيام برقم (1152).(1/44)
ورواه ابن خزيمة في "صحيحه" إلا أنه قال: "فإذا دخل آخرهم أُغلقَ، مَن دخلَ شَرِبَ، ومن شَرِبَ لم يظمأ أبداً".
فصل
فيما لأدنى أهل الجنة فيها
عن أبي هريرة - رضي الله عنهم - ، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : "إن أدنى مقعد أحدكم في الجنة أن يقول له : تمنَّ ، فيتمنى ويتمنى فيقول له : هل تمنيت ؟ فيقول : نعم ، فيقول له : فإن لك ما تمنيت ومثله معه" .رواه مسلم برقم (182) في كتاب الإيمان .
عن المغيرة بن شعبة - رضي الله عنه - ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - : "أن موسى - عليه السلام - سأل ربه: ما أدنى أهل الجنّة منزلةً؟ فقال رجل يجيء بعدما دخل أهل الجنة الجنة؟ فيقال له: ادخل الجنة، فيقول: ربِّ! كيف وقد نزل الناس منازلهم وأخذوا أخذاتهم؟ فيقال له: أترضى أن يكون لك مثل ملكٍ من ملوك الدنيا؟ فيقول : رضيت ربِّ. فيقول له: لك ذلك ومثلُه ومثلُه ومثلُه. فقال في الخامسة : رضيت ربِّ فيقول: هذا لك وعشرةُ أمثاله، ولك ما اشتهت نفسك ولذت عينك فيقول رضيت ربِّ قال:ربِّ لِلَّهِ فأعلاهم منزلةً؟ قال: أولئك الذين أردتُ غرست كرامتهم بيدي، وختمت عليها، فلم ترعين ولم تسمع أُذنُ، ولم يخطر على قلبِ بشر"(1).
أخذاتهم : ما أخذون من كرامة مولاهم وحصلوه.
أردت : بضم التاء معناه اخترت واصطفيت.
__________
(1) رواه مسلم في كتاب الإيمان برقم(189).(1/45)
وعن أبي سعيدٍ الخدري - رضي الله عنه - ، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "إن أدنى أهل الجنة منزلةً رجل صرف الله وجهه عن النار قِبَلَ الجنَّة، ومثَّل لهُ شجرةً ذات ظل، فقال: أي ربِّ لِلَّهِ قربني من هذه الشجرة أكون في ظلها" فذكر الحديث في دخوله الجنة وتمنيه، إلى أن قال في آخره: " إذا انقطعت به الأماني، قال الله: هو لك وعشرةُ أمثاله" قال: " ثم يدخل بيته فتدخل عليه زوجتاه من الحور العين فتقولان: الحمد لله الذي أحياك لنا وأحيانا لك، قال: فيقول ما أُعطي أحدٌ مثل ما أُعطيت"(1).
وعن عبد الله بن عمرو قال : " إن أدنى أهل الجنة منزلة من يسعى عليه ألفُ خادم، كلُّ خادمٍ على عمل ليس عليه صاحبه. قال: وتلا هذه الآية { وإذا رأيتهم حَسِبْتَهُمْ لؤلؤاً منثوراً } (2).
فصل
في درجات الجنة وغرفها
قال تعالى: { لكن الذين اتقوا ربهم لهم غرفٌ من فوقها غرفٌ مبنية } (3).
عن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - ، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: " إنَّ أهل الجنَّة ليتراءونَ أهل الغرف من فوقِهِم، كما يتراءون الكوكب الدُرّيّ الغابِرَ في الأُفق، من المشْرقِ والمغرب لتفاضُل ما بينهم " قالوا: يا رسول الله، تلك منازل الأنبياء، لا يبلغها غيرهم؟ قال: "بلى والذي نفسي بيده، رجالٌ آمنوا بالله وصدّقو ا المرسلين"(4).
وفي رواية لهما : "كما تراءون الكوكب الغارب" بتقديم الراء على الباء. (5).
__________
(1) رواه مسلم في كتاب الإيمان برقم (188).
(2) رواه البيهقي ورواه أيضاً الحسين المروزي، وابن جرير الطبري بإسناد صحيح عن ابن عمر موقوفاً، وصححه الألباني في الترغيب برقم (3705).
(3) سورة الزمر الآية (20).
(4) رواه البخاري في كتاب بدء الخلق برقم (3256) ومسلم في كتاب الجنة وصفة نعيمها برقم (2831).
(5) البخاري كتاب الرقاق رقم (6556)، وفي صحيح مسلم الغابر..(1/46)
الغابر والغارب بمعنى : وهو الذاهب الماشي، أي الذي تدلى للغروب وبعد عن العيون.
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - ، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "إن في الجنة مِئَةَ درجة، أعدَّها الله للمجاهدين في سبيل الله، ما بين الدرجتين كما بين السماء والأرض"(1).
وتقدم حديث: " إن في الجنة غُرفاً يُرى ظاهرها من باطِنها، وباطنها من ظاهرها أعدّها الله لمن أطعم الطعام، وأفشى السلام، وصلى بالليل والناس نيام"(2).
وعنه - صلى الله عليه وسلم - : "الجنة مائة درجة ما بين كل درجتين كما بين السماء والأرض والفردوس أعلاها درجة ، ومنها تُفجَّر أنهار الجنة الأربعة ، ومن فوقها يكون العرش ، فإذا سألتم الله فاسألوه الفردوس". أخرجه البخاري في الجهاد برقم (2790) .
فصل
في نظر أهل الجنة إلى ربّهم تبارك وتعالى
عن أبي هريرة - رضي الله عنه - ، أن ناساً قالوا: يا رسول الله، هل نرى ربنا يوم القيامة؟ فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - "هل تضارون في رؤية القمر ليلة البدر"؟ قالوا: لا يا رسول الله، قال:" هل تضارون في الشمس ليس دونها دونها سحاب"؟ قالوا: لا، قال:" فإنكم ترونه كذلك". فذكر الحديث بطوله(3).
و عن صهيب - رضي الله عنه - قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "إذا دخل أهل الجنة الجنة يقول الله عز وجل: تريدون شيئاً أزيدكم؟ فيقولون: ألم تبيض وجوهنا؟ ألم تدخلنا ا لجنة وتنجنا من النار؟ قال: فيكشف الحجاب، فما أعطوا شيئاُ أحب إليهم من النظر إلى ربهم"
ثم تلا هذه الآية { للذين أحسنوا الحسنى وزيادة } (4).(5)
__________
(1) رواه البخاري في كتاب الجهاد برقم (2790) وفي كتاب التوحيد برقم (7423).
(2) تقدم في كتاب ا لزكاة.
(3) سبق تخريجه.
(4) سورة يونس الآية (26).
(5) رواه مسلم في كتاب الإيمان برقم (181).(1/47)
وعن أبي موسى - رضي الله عنه - ، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "إن في الجنة خيمة من لؤلؤة مجوفة عرضها ستون ميلاً، في كل زاوية منها أهل ما يرون الآخرين يطوف عليهم المؤمن وجنتان من فضة آنيتهما وما فيهما، وجنتان من كذا آنيتهما وما فيهما، وما بين القوم وبين أن ينظروا ربَّهم إلا رداءُ الكبرياء على وجهه في جنة عدنٍٍ"(1).
وعن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - ، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "إن الله عز وجل يقول لأهل الجنة:يا أهل الجنة فيقولون: لبيك ربّنا وسعديك، والخير في يديك فيقول: هل رضيتم؟ فيقولون: وما لنا لا نرضى يا ربنا، وقد أُعطيتنا ما لم تُعطِ أحداً من خلقك فيقول ألا أعطيكم أفضل من ذلك؟ فيقولون: وأي شيء أفضل من ذلك؟ فيقول: أحل عليكم رضوان فلا أسخط عليكم بعده أبداً"(2).
فصل
في سوق الجنّة
عن أنس بن مالك - رضي الله عنه - ، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "إن في الجنة لسوقاً يأتونها كلّ جمعة، فتهب ريحُ الشمال فتحثو في وجوههم وثيابهم فيزدادون حُسناً وجمالاً، فيرجعون إلى أهليهم وقد ازدادوا حُسناً وجمالاً، فيقول لهم أهلوهم: والله لقد ازددتم بعدنا حُسنا وجمالاً، فيقولون،: وأنتم والله لقد ازددتم بعدنا حُسناً وجمالاً"(3).
__________
(1) أخرجه البخاري برقم (3243) في بدء الخلق ، ومسلم برقم (2838) في الجنة وصفة نعيمها وأهلها .
(2) رواه البخاري في كتاب الرقاق برقم (6549)، ومسلم في كتاب الجنة وصفة نعيمها برقم (2829).
(3) رواه مسلم في كتاب الجنة وصفة نعيمها برقم(2833).(1/48)
ريح الشمال : هي التي تأتي دبر القبلة. قال القاضي: وخص ريح الجنة بالشمال، لأنها ريح المطر عند العرب، كانت تهب من جهة الشام، ومنها تأتي سحاب المطر، وكانوا يرجون السحابة الشامية، وجاءت في الحديث تسمية هذه الريح المثيرة، أي المحركة لأنها تثير في وجوههم ما تثيره من مسل أرض الجنة وغيره من نعيمها"(1).أ.هـ.
فصل
أكل أهل الجنة وشربهم وغير ذلك
قال تعالى: { وفاكهة مما يتخيرون ولحم طيرٍ مما يشتهون } (2).
وقال تعالى: { كلما رزقوا منها من ثمرةٍ رزقاً قالوا هذا الذي رُزقنا من قبل وأُتوا به متشابهاً } (3).
عن جابر - رضي الله عنه - قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "يأكُلُ أهلُ الجنّة ويشْربون ولا يمتخطون ولا يتغوطون ولا يبولون، طعامهم ذلك جشاءٌ كريح المِسْك يُلْهُمونَ التسبيح والتكبير كما تُلْهَمون النَفَس"(4).
الجشاء : تنفس المعدة عند الامتلاء، اللسان.
وعن زيد بن أرقم - رضي الله عنه - قال : أتى النبي - صلى الله عليه وسلم - رجل من اليهود فقال: يا أبا القاسم أنت تزعم أن أهل الجنة يأكلون ويشربون، يقول لأصحابه إن أقر لي بها خصمته فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - :"بلى والذي نفسُ محمدٍ بيده إن أحدهم ليُعطى قوة مائة رجل في المطعم والمشرب والشهوة والجماع"
فقال له اليهودي: فإن الذي يأكل ويشرب تكون له حاجة.
فقال له رسول الله - صلى الله عليه وسلم - " حاجتهم عرق يفيض من جلودهم مثل المسك فإذا البطن قد ضمر" (5).
__________
(1) شرح النووي (17/171).
(2) سورة الواقعة الآية (20-21).
(3) سورة البقرة الآية (25).
(4) رواه مسلم في كتاب الجنة وصفة نعيمها برقم (2835).
(5) رواه أحمد والنسائي بإسناد صحيح، وابن حبان وهذا لفظه.(1/49)
وعن أنس - رضي الله عنه - ، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "إن طير الجنة أمثال البخت ترعى في شجر الجنة" قال أبو بكر: يا رسول الله لِلَّهِ إن هذه الطير ناعمة قال: " أكلتها أنعم منها قالها ثلاثاً وإني أرجو أن تكون ممن يأكل منها"(1).
والبخت : هي الإبل الخرسانية .
فصلُ
في ثيابِهِمْ وحُلَلِهِمْ ونِسَائِهِم
عن أبي هريرة - رضي الله عنه - ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "من يدخل الجنة ينعم ولا ييأس لا تبلى ثيابه، ولا يفنى شبابه، وفي الجنة ما لا عينٌ رأت، ولا أُذنُ سمعت ولا خطر على قلب بشر"(2).
لا يبأس: أي لا يصيبه بأس، وهو شدة الحال والبأس.
وينعم أي : يدوم له النعيم: شرح النووي (17/174)
وعن أنس بن مالك - رضي الله عنه - ، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "لغدوة في سبيل الله أو روحة خيرٌ من الدنيا وما فيها، لو اطلعت امرأة من نساء أهل الجنة إلى الأرض لملأت ما بينهما ريحاً، ولأضاءت ما بينهما ولنصيفها على رأسها خير من الدنيا وما فيها" (3).
الغدوة : الذهاب، والروحة: المجيء.
القاب : القَدْر. فقال أبو معمر: قاب القوس، من مقصبة إلى رأسه، ولكل قوسٍ قابان.
النصيف : الخمار.
__________
(1) قال الهيثمي في مجمع الزوائد (10 - 414): "رواه الترمذي باختصار ورواه أحمد ورجاله رجال الصحيح غير يسار بن حاتم وهو تقة".
(2) رواه مسلم في كتاب الجنة وصفة نعيمها برقم (2836)
(3) رواه البخاري في كتاب الجهاد برقم (9792) وفي كتاب الرقاق برقم (6568) ومسلم في كتاب الإمارةبرقم (1880)(1/50)
عن أبي هريرة - رضي الله عنه - ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - : "إن أول زمرةٍ يدخلون الجنة على صورة القمر ليلة البدر، والتي تليها على أضوأ كوكب دُرّي في السماء، ولكل امرئٍ منهم زوجتان اثنتان، يُرى مخ سوقهما من وراء اللحم، وما في الجنة أعزب(1).
أعزب : قال النووي : والمشهور في اللغة "عَزَب" بغير الألف،وهو من لا زوجة له ، والعزوب : البعد،وسمي عزباً لبعده عن النساء . شرح النووي (17/171، 172)
وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "إن أزواج أهل الجنة ليغنين أزواجهن بأحسنِ أصواتٍ ما سمعها أحدٌ قطُّ، إن مما يُغنينَ به، نحن الخَيراتُ الحِسانُ، أزواجُ قومٍ كرامٍ، ينظُرونَ بِقُرةِ أعْيان.
وإن مما يغنينَ به:
نحنُ الخالداتُ فلا نَمُتْنَه
نحن الآمناتُ فلا نَخِفْنَهْ
نحن المقيمات فلا نَظْعَنَّهْ(2).
وقال تعالى { وزوجناهم بحورٍ عين } (3).
والحور جمع حوراء : وهي المرأة الشابة الحسناء الجميلة البيضاء شديدة سواد العين
وقال مجاهد الحوراء التي يحار فيها الطرف من رقة الجلد وصفاء اللون.
قال ابن القيم : والصحيح أن الحور مأخوذة من الحور في العين وهو شدة بياضها مع قوة سوادها فهو يتضمن الأمرين.
قال ابن القيم رحمه الله تعالى : فاسمع صفات عرائس الجنات ثم اختر لنفسك يا أخا العرفان : حور حسان قد كملن خلائقا ومحاسنا من أجمل النسوان .
قال الله تعالى : { وزوجناهم بحور عين } . الدخان .
__________
(1) رواه البخاري في كتاب بدء الخلق برقم (3245)وفي كتاب أحاديث الأنبياء برقم (3327) ورواه مسلم في كتاب الجنة وصفة نعيمها برقم (2834).
(2) رواه الطبراني في الصغير والأوسط، وصححه الألباني في الترغيب برقم (3749).
(3) سورة الدخان الآية (54).(1/51)
الحور : جمع حوراء وهي المرأة الشابة الحسناء الجميلة البيضاء شديدة سواد العين التي يحار الطرف فيها من رقة الجلد وصفاء اللون قاله مجاهد والصحيح أن الحور مأخوذ من الحور في العين وهو شدة بياضها مع قوة سوادها فهو يتضمن الأمرين .اهـ .(1)
ومن غناء الحور العين :
يا لذة الاسماع لأتتعوضي بلذاذة الأوتار والعيدان أو ما سمعت سماعهم فيها غنا ء الحور بالاصوات والألحان واها لذياك السماع فانه ملئت به الأذنان بالاحسان واها لذياك السماع وطيبه من مثل أقمار على أغصان واها لذياك السماع فكم به للقلب من طرب ومن أشجان واها لذياك السماع ولم اقل ذياك تصغيرا له بلسان ما ظن سامعه بصوت اطيب الأصوات من حور الجنان حسان نحن النواعم والخوالد خيرا ت كاملات الحسن والاحسان لسنا نموت ولا نخاف ومالنا سخط ولا ضغن من الأضغان طوبى لمن كنا له وكذاك طو بى للذي هو حظنا لفظان في ذاك آثار روين وذكرها في الترمذي ومعجم الطبراني .(2)
فصل
في أنهار الجنة
عن أنس - رضي الله عنه - ، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "بينا أنا أسير في الجنَّة إذا أنا بنهرٍ حافَتَاه قبابُ اللُؤلؤ المجوَّف، فقلت: ما هذا يا جبريل؟ قال: هذا الكوثرُ الذي أعطاك ربُّك، قال فضربَ الملك بيده فإذا طينُه مسكٌ أذفر"(3).
وعن حكيم بن معاوية القشيري ، عن أبيه - رضي الله عنه - قال : سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "في الجنة بحرُ للماء، وبحرٌ لللبن، وبحرٌ للعَسلِ، وبحرٌ للخَمر، ثم تُشَقَّق الأنهارُ منها بَعْدُ"(4).
__________
(1) شرح قصيدة ابن القيم (2/548) .
(2) شرح قصيدة ابن القيم (2/517) .
(3) رواه البخاري في كتاب الرقاق برقم (6582)
(4) أخرحه أحمد (5/5) وابن حبان (623، موارد) والترمذي (2574)وصححه، و البيهقي، كلهم بلفظ (بحر الماء... )، وحسنه الألباني في الترغيب برقم (3722)(1/52)
وعن أنس - رضي الله عنه - قال : سُئلَ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ما الكوثر؟ قال: " ذاك نهرٌ أعطانيه الله يعني في الجنة- أشد بياضاً من اللبن، وأحلى من العسل، فيه طيرٌ أعناقُها كأعناقِ الجُزُر" قال عمر: إن هذه لناعمةٌ، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - " أكلتها أنعم منها"(1).
" الجُزُر" بضم الجيم والزاي:جمع جزور، وهو البعير
وعن عبد الله بن عمر - رضي الله عنه - قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - " الكوثر نهر في الجنة حافتاه من ذهب ومجراه على الدُر والياقوت تربته أطيب من المسك وماؤه أحلى من العسل وأبيض من الثلج"(2).
فصل
في خيام الجنة وغرفها، وغير ذلك
عن أبي موسى الأشعري - رضي الله عنه - ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "إنَّ للمؤمن في الجنّة لَخَيمةً من لؤلؤةٍ واحدة مجوفة، طولها في السماء ستون ميلاً، للمؤمن فيها أهلون يَطوفُ عليهم المؤمنُ فلا يرى بعضهم بعضاً"(3).
و في رواية " عرضها ستون ميلاً" .
الميل : هو ثلث فرسخ وكل بريد اثنا عشر ميلاً
وعن أبي هريرة وعائشة، إن جبريل قال للنبي - صلى الله عليه وسلم - : "هذه خديجة أقرئها السلام وأمره أن يبشرها ببيت من قصب لاصخب فيه ولا نصب"(4).
والقصب هنا قصب اللؤلؤ المجوف.
فصل
في الخيل في الجنة
__________
(1) رواه الترمذي وقال: "حديث حسن"، وقال الألباني: "حسن صحيح" الترغيب (3724).
(2) رواه ابن ماجه برقم (4334) والترمذي برقم (3361) وقال "حديث حسن صحيح" وصححه الألباني.
(3) رواه البخاري في كتاب بدء الخلق برقم (3243) وفي كتاب التفسير برقم (4879) ورواه مسلم في كتاب الجنة وصفة نعيمها برقم (2838).
(4) رواه البخاري ومسلم.(1/53)
عن عبد الرحمن بن ساعدة - رضي الله عنه - قال : كنت أُحب الخيل فقلت: يا رسول الله! هل في الجنة خيل؟ فقال: "إن أدخلك الله الجنة يا عبد الرحمن كان لك فيها فرس من ياقوت له جناحات يطير بك حيث شئت".(1)
فصل
في خلود أهل الجنة فيها وأهل النار فيها
وما جاء في ذبح الموت
عن أبي سعيد الخدري وأبي هريرة رضي الله عنهما، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "إذا دخل أهل الجنة الجنة ينادي منادٍ: إن لكم أن تصحوا فلا تسقموا أبداً وإن لكم أن تحيوا فلا تموتوا أبداً، وإن لكم أن تشبوا فلا تهرموا أبداً، وإن لكم أن تنعموا فلا تبأسوا أبداً، وذلك قول الله عز وجل: { ونودوا أن تلكم الجنة أورثتموها بما كنتم تعملون } "(2).(3)
وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "إذا صار أهل الجنة إلى الجنة وأهل النار إلى النار جيء بالموت حتى يجعل بين الجنة والنار فيذبح ثم ينادي منادٍ يا أهل الجنة ، لا موت ، يا أهل النار لاموت، فيزداد أهل الجنة فرحاً إلى فرحهم وأهل النار حزناً إلى حزنهم".
وفي رواية أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: " يدخل الله أهل الجنة الجنة وأهل النار النارثم يقوم مؤذنٌ بينهم فيقول: يا أهل الجنة لاموت ويا أهل النار لاموت كل خالد فيما هو فيه"(4).
__________
(1) رواه الطبراني ورجاله ثقات، وقال البيهقي في مجمع الزوائد (10/4131): "رواه الطبراني ورجاله ثقات"، وحسنه الألباني في الترغيب برقم (3755).
(2) سورة الأعراف الآية (43).
(3) رواه مسلم في كتاب الجنة وصفة نعيمها برقم (3737).
(4) رواه البخاري في كتاب الرقاق برقم (6548) ومسلم في كتاب الجنة وصفة نعيمها برقم (2850)(1/54)
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : "من يدخل الجنة ينعم ولا ييأس لا تبلى ثيابه ولا يفنى شبابُه في الجنة ما لا عينٌ رأت ولا أُذنٌ سمعت ولا خطر على قلب بشر"(1).
قالت عكرشة بنت الأطش رحمها الله تعالى : " إن الجنة دار لا يرحل عنها من قطنها ، ولا يحزن من سكنها ، ولا يموت من دخلها فابتاعوها بدار لا يدوم ، ولا ينصرم عمومها دار الخلد .تاريخ ابن عساكر (ص254) تراجم النساء ، وبلاغات النساء (ص74) .
ووصف ابن قيم الجوزية رحمه الله تعالى الجنة حيث قال :
إن سألت عن أشجارها ، فما فيها شجرة إلا وساقها من ذهب وفضة.
وإن سألت عن ثمرها ، فألين من الزبدة ، وأحلى من العسل .
وإن سألت عن أنهارها ، فأنهار من لبن لم يتغير طعمه ، وأنهار من عسل ، وأنهار من خمر لذة للشاربين .
وإن سألت عن طعامها ، ففاكهة مما يتخيرون ، ولحم طير مما يشتهون.
وإن سألت عن شرابهم ، فالتسنيم والزنجبيل ، والكافور .
وإن سألت عن آنيتهم ، فالذهب والفضة .
وإن سألت عن ظلها ، ففيها شجرة واحدة يسير الراكب المجد السريع في ظلها مائة عام ما يقطعها .
وإن سألت عن سعتها ، فأدنى أهلها يسير في ملكه ، وقصوره مسيرة ألفي عام .
وإن سألت عن عن خيامها وقبابها ، فالخيمة الواحدة من درة مجوفة واحدة طولها ستون ميلاً من تلك الخيمة .
وإن سألت عن ارتفاعها ، فالنظر إلى الكوكب الطالع أو الغارب في الأفق الذي لا تكاد تناله الأبصار .
وإن سألت عن لباس أهلها ، و الحرير الذهب .
وإن سألت عن فرشها ، فبطائنها من استبرق ، مفروشة في أعلى الرتب .
وإن سألت عن أرائكها ، فهي الأسرة ، فما لها من فروج ولا خلال .
وإن سألت عن وجوه أهلها وحسنهم ، فعلى صورة القمر .
وإن سألت عن سنهم ، فأبناء ثلاثين على صورة آدم عليه السلام أبي البشر .
__________
(1) رواه مسلم.(1/55)
وإن سألت عن سماعهم ، فغناء أزواجهم من الحور العين ، وأعلى منه سماع أصوات الملائكة والنبيين ، وأعلى منهما خطاب رب العالمين .
وإن سألت عن حليهم فأساور الذهب واللؤلؤ على الرؤوس ملابس التيجان .
وإن سألت عن عرائسهم وأزواجهم ، فهن الكواعب الأتراب ، اللاتي جرى في أعضائهن ماء الشراب .
فاللورد والتفاح ما لبسته الخدود ، واللؤلؤ المنظوم ما حوته الثغور ، تجري الشمس من محاسن وجهها إذا برزت ،ويضيء البرق من بين ثناياها
إذا ابتسمت ، يرى وجهه في صحن خدها ، ويرى مخ ساقها من وراء اللحم ، ولا يستر جلدها ، ولا عظمها ولا حللها .
ولو اطلعت على الدنيا لملأت ما بين الأرض والسماء ريحاً ، ولاستنطقت أفواه الخلائق تهليلاً ، وتكبيراً وتسبيحاً ، ولتزخرف لها ما بين الخافقين ، ولا غمضت عن غيرها كل عين ، ولطمست ضوء الشمس ، كما تطمس ضوء النجوم .
ميرأة من الحمل والولادة ، والحيض والنفاس ، مطهرة من المخاط والبصاق والبول والغائط ،وسائر الأدناس .
لا يفنى شبابها ، ولا تبلى ثيابها ، ولا يخلق ثوب جمالها ، ولا يمل طيب وصالها ، قد قصر طرفها على زوجها ، فلا تطمع لأحد سواه .
إن نظر إليها سرته ، وإن أمرها أطاعته ، وإن غاب عنها حفظته ، فهو في غاية الأماني والأمان .
هذا ولم يطمثها قبله إنس ولا جان ، كلما نظر إليها ملأت قلبه سروراً ، وكلما حدثته ملأت أذنه لؤلؤاً منظوماً ومنثوراً ، وإذا برزت ملأت القصر والغرفة نوراً .اهـ . حادي الأرواح إلى بلاد الأفراح لابن قيم الجوزية .
في الختام وبعد أن قرأنا هذا الكتاب ، فعليك أخي الحبيب ، كما عليك أختي الفاضلة أن تقدموا لأنفسكم خيراً وأن تتزودوا لهذه الأوقات { وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ } .(1)
__________
(1) البقرة الآية (197) .(1/56)
والعاقل الكيس الفطن هو من عمل كل ما يقربه إلى الله ، والذي ينظر في عمله فيصلح أعماله ويتوب عن المعاصي والذنوب ، ويكثر من الخيرات والطاعات ، وحاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا ، وزنوا أعمالكم قبل أن توزنوا .
وعلينا إخوتي في الله أن نعلم أن الدنيا فانية زائلة مصيرها إلى انقضاء ، فلا بد أن لا نحرص عليها وأن نجعل الآخرة في قلوبنا ولا تتعدى الدنيا أيدينا لأن عند الله هو خير وأبقى ،قال الله تعالى : { وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَوَاباً وَخَيْرٌ أَمَلاً } .(1)
فاحرصوا إخوتي على صالح الأعمال ، وعلى هذه الأجور العظيمة وادخروا من الحسنات ما ينفعكم في أُخراكم .
نسأله سبحانه وتعالى أن يعيننا على أدائها،كما نسأله الإخلاص في القول والعمل .
وبهذا تم الكتاب، ولله الحمد والمنَّة، فهذا هو جهدنا وهو جهد المقل، وهذه مقدرتنا، فنسأل الله العظيم أن ينفع به المسلمين، وأن يكون زاداً يتزودون به في يوم الدين ...
اللهم آمين
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على خاتم الأنبياء والمرسلين محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
كتبه
ماجد إسلام البنكاني
أبو أنس العراقي
المادة ... الصفحة
المقدمة ... ... ... ... ... ... ... ... 3
معنى السباق ..................................... ... 6
السبق لغة ...................................... ... 6
معنى الجنة ..................................... ... 8
الاتباع سبب لدخول الجنة ...................... ... 8
الانفاق سبب لدخول الجنة ...................... ... 14
غرف مبنية للذين آمنوا وعملوا الصالحات........................................ ... 15
غرف مبنية للمتقين ...................... ... 16
غرف الجنة للذين آمنوا وصدقوا المرسلين .. ... 14
القتال في سبيل الله في الصف الأول سبباً لدخول الغرف التي في الجنة .............................. ... 19
__________
(1) الكهف الآية (46) .(1/57)
الذهاب إلى المساجد ................ ... 20
عيادة المريض وزيارة المسلم سببا لبناء بيت في الجنة . ... 21
قصور الجنة للمتحابين ........................... ... 22
قصر الحمد لمن فقد ولده فصبر .................... ... 23
الدعاء سببا لبناء بيت في الجنة ..................... ... 25
صلاة ثنتي عشرة ركعة في اليوم سبباً لبناء بيت في الجنة ... 26
إطعام الطعام وإفشاء السلام وقيام الليل ... 29
صلاة الضحى ... 31
بناء المساجد ... 33
رص الصفوف وسد فرجة في الصلاة سبباً لبناء بيت في الجنة ......................................... ... 37
دعاء دخول السوق ............................. ... 38
ذكر الله عند النوم .............................. ... 39
قراءة سورة الإخلاص عشر مرات ................. ... 42
قصر في أعلى الجنة زعيمه النبي $ .............. ... 44
قراءة سورة الإخلاص عشر مرات ................. ... 36
صفة الجنة ...................................... ... 44
فصل في صفة دخول أهل الجنة الجنة .............. ... 47
بناء قصور الجنة ................................. ... 49
قصور الفردوس ................................ ... 50
قصر من قصب في الجنة لأم المؤمنين خديجة رضي الله عنها ... 50
فصل في أبواب الجنة ................................... ... 53
باب الريان للصائمين .................................. ... 54
فصل فيما لأدنى أهل الجنة فيها .......................... ... 54
فصل في درجات الجنة وغرفها .......................... ... 56
فصل في نظر أهل الجنة إلى ربهم تبارك وتعالى ............ ... 57
فصل في سوق الجنة ................................... ... 58
فصل في أكل أهل الجنة وشربهم وغير ذلك .............. ... 58
فصل في ثيابهم وحللهم ونسائهم ....................... ... 60
فصل في أنهار الجنة ..................................... ... 62
فصل في خيام الجنة وغرفها وغير ذلك ................... ... 63(1/58)
فصل في الخيل في الجنة ................................. ... 64
فصل في خلود أهل الجنة فيها وأهل النار فيها وما جاء في ذبح الموت ............................................ ... 64
الخاتمة ............................................................. ... 67
الفهرس ... ... .................................. ... 69(1/59)