زيادة الحسنات
في
تربية البنات
جمعه وأعده الفقير إلى عفو ربه
محمد بن علي العرفج
F
E
إن الحمد لله نحمده، ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا محمداً عبد الله ورسوله، بلغ الرسالة وأدى الأمانة ونصح الأمة وجاهد في الله حق جهاده، تركنا على المحجة البيضاء، ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين...
اللهم لا سهل إلا ما جعلته سهلاً، وأنت تجعل الحزن إذا شئت سهلاً.
اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا، إنك أنت العليم الحكيم.
اللهم يا معلم إبراهيم علمنا، اللهم يا معلم داود علمنا، اللهم يا مفهم سليمان فهمنا، اللهم يا معلم آدم علمنا، اللهم انفعنا بما علمتنا، وعلمنا ما ينفعنا، إنك أنت العليم الحكيم.
أيها الأحبة في الله عملاً بقول رسول الله @: "لا يشكر الله من لا يشكر الناس"(1)، فإني أشكر الله - سبحانه وتعالى -، ثم أشكر من كان سبباً في هذه المحاضرة، وللحضور أيضاً على حرصهم وحضورهم، أسأل الله - سبحانه وتعالى - بأسمائه الحسنى وصفاته العلى أن ينفعنا جميعاً بما نقول ونسمع، إن هذه المحاضرة تحتوي على العناصر التالية:
أولاً: نعمة الذرية.
ثانياً: الاحتساب وأثره في العمل في الدنيا والآخرة.
ثالثاً: العقيدة الإسلامية وأثرها في سلوك المسلم.
رابعاً: الحسنة وأثرها على المسلم في الدنيا والآخرة.
خامساً: أهمية التربية للبنين والبنات.
سادساً: البنات بين نور الإسلام ظلام الجاهلية.
سابعاً: فضل تربية البنات.
__________
(1) …أخرجه أبو داود، رقم (4811)، والترمذي، رقم (1954، 1955)، وقال في الموضعين: هذا حديث حسن صحيح، وصححه الألباني في صحيح الجامع، رقم (7719).…(1/1)
ثامناً: استحباب التهنئة بالبنت، وفي ذلك حوار بين الصحابيين الجليلين معاوية بن أبي سفيان وعمرو بن العاص { تحت عنوان (تفاحة القلب).
* * *
أولاً: نعمة الذرية:
فأولاً: نبدأ الحديث عن عنصر نعمة الأولاد، فالأولاد زينة الحياة الدنيا، كما قال تعالى: { الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا } [الكهف: 46]، وهم قرة عين الآباء والأمهات، ولهذا كان من دعاء عباد الرحمن الخلص: { رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ } [الفرقان: 74]، وحفاظاً على صلاح العباد والبلاد، ولما فيه خير لهم في الدنيا والآخرة، ولكي يكون الأولاد زينة وقرة عين يؤنس بهم، ورياحين تشم في هذه الحياة الدنيا، وصالحين على دين واستقامة، متجملين متحلين بخلق وأدب سعداء في الدارين، لهذا كله ولغيره من الخير العميم، أمر الله - سبحانه وتعالى - برعاية الأهل والأولاد، وتنشئتهم على خصال الخير والرشاد وما فيه رضى الله ورسوله @، وأمر سبحانه بحفظهم عن كل ما يؤدي إلى فسادهم، وما يسبب غضب الله ورسوله @.
يقول الحق سبحانه: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ } [التحريم: 6].
وعن عبد الله بن عمر { أن رسول الله @ قال: "كلكم راع، وكلكم مسؤول عن رعيته، فالرجل راع في أهله ومسؤول عن رعيته، والمرأة راعية في بيت زوجها ومسؤولة عن رعيتها"(1)، وفي رواية لمسلم: "والمرأة راعية على بيت بعلها وولده وهي مسؤولة عنهم"، وهذه التربية الصالحة التي أمرنا الله تعالى أن ننشئ أهلنا وأولادنا بها لها بركات ومنافع مشهودة، فهي تعود بكل الخير على الأولاد والأسرة والمجتمع جميعاً، وذلك في الحياة الدنيا وفي الآخرة، فآثارها الطيبة في الدنيا وفي صلاح العباد والبلاد واضحة.
__________
(1) …أخرجه البخاري، رقم (893)، ومسلم، رقم (1829).…(1/2)
وأما في الآخرة فهي حسنات جارية في صحائف الآباء والأمهات والمربين، تزداد بها حسناتهم، ويرتقون بها عند الله - سبحانه وتعالى - الدرجات العلى، ثم إن هذه المنفعة متبادلة بين الأصول والفروع، فالآباء والأمهات ينتفعون بصلاح الأولاد، والأولاد ينتفعون بصلاح آبائهم وأمهاتهم.
فعن انتفاع الأبناء بصلاح الأولاد، يقول الله - سبحانه وتعالى -:
{ وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحًا } [الكهف: 82]، ففي هذه الآية دليل على أن الرجل يحفظ في ذريته، وتشملهم بركة عبادته في الدنيا بحفظ الله لهم وفي الآخرة ورفع درجتهم في الجنة؛ لتقر عينه بهم وتكريماً للآباء الصالحين يجمع الله بينهم وبين آبائهم في مستقر رحمته ودار كرامته، كما قال سبحانه:
{ وَالَّذِينَ آَمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَمَا أَلَتْنَاهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ } [الطور: 21].
وأما عن انتفاع الآباء بالأبناء، فعن أبي هريرة > أن رسول الله @ قال: "إذا مات الإنسان انقطع عمله إلا من ثلاث إلا من صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له"(1).
__________
(1) …أخرجه مسلم، رقم (1631).…(1/3)
وعن انتفاع الطرفين الآباء والأبناء كل بالآخر، يقول - سبحانه وتعالى -: { وَالَّذِينَ صَبَرُوا ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلَانِيَةً وَيَدْرَءُونَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ أُولَئِكَ لَهُمْ عُقْبَى الدَّارِ (22) جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آَبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ وَالْمَلَائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بَابٍ (23) سَلَامٌ عَلَيْكُمْ بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ } [الرعد: 22 - 24]، ففي هذا بشارة للمطيع بكل ما يزيده سروراً وبهجة، فإذا بشر الله المكلف بأنه إذا دخل الجنة يحضر معه أهله يعظم سروره وتزداد بهجته.
ولم يفرق الإسلام بين الذكور والإناث في تربيتهم والإحسان إليهم جميعاً، والتسوية والعدل بينهم والثواب العظيم في ذلك.
ولأهمية الذرية الصالحة عند الآباء والأمهات كانت الذرية الصالحة مطلباً للأنبياء عليهم الصلاة والسلام، فهذا خليل الله # يقول: { رَبِّ هَبْ لِي مِنَ الصَّالِحِينَ } [الصافات: 100]، وهذا نبي الله زكريا يقول: { رَبِّ هَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعَاءِ } [آل عمران: 38]، فهؤلاء الأنبياء وغيرهم ممن ذُكروا في القرآن صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين، طلبوا منه جل وعلا وسألوه أن يجعل ذريتهم صالحين طيبين.(1/4)
ودعاء الله من أعظم الأسباب، وأهمها، ومن فُتِحَ له باب الدعاء فقد فتح له باب خير كبير، والله لا يرد السائلين، ولذلك يقول عمر >: "إني لا أحمل هم الإجابة وإنما أحمل هم الدعاء"، يعني إذا الله تعالى ألهمني ووفقني للدعاء فإني واثق باستجابة الله - سبحانه وتعالى -، وهذا من باب الثقة والاطمئنان بالله - سبحانه وتعالى - وحسن الظن به، وحيث إن رسول الله @ أمرنا بحسن الظن بالله فقال: "لا يموتن أحدكم إلا وهو يحسن الظن بالله - عز وجل -"(1).
* * *
ثانياً: الاحتساب وأثره في الدنيا والآخرة:
لابد للمسلم أن يستحضر النية الصالحة في تربية البنات، وغيره من الأعمال الصالحة، ويحتسب الأجر من الله - سبحانه وتعالى -.
قال الكفوي ~: "الاحتساب هو طلب الأجر من الله تعالى، فالصبر على البلاء مطمئنة نفس المحتسب غير كارهة لما نزل من البلاء، وهو طلب الأجر عند الصبر على البلاء".
وقال ابن الأثير ~: "الاحتساب في الأعمال الصالحة وعند المكروهات هو البدار إلى طلب الأجر وتحصيله بالتسليم والصبر أو باستعمال أنواع البر، والقيام على الوجه المرسوم فيها طلباً للثواب المرجو منها".
والاحتساب أيها الأحباب ثلاثة أنواع:
أولاً: احتساب الأجر من الله تعالى عند الصبر على المكاره، ومنها: فقد الأبناء إذا كانوا كباراً.
ثانياً: احتساب الأجر من الله تعالى عند عمل الطاعات، ينبغي بها وجهه الكريم، كما في صوم رمضان إيماناً واحتساباً وكذا في سائر الطاعات، كما ثبت عن رسول الله @ في قوله: "من صام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه"(2).
__________
(1) …أخرجه مسلم، رقم (2877).…
(2) …أخرجه البخاري (رقم /38)، ومسلم (رقم /759).…(1/5)
ثالثاً: احتساب المولى جل وعلا ناصراً ومعيناً للعبد عند تعرضه لأنواع الابتلاء من نحو منع وعطاء أو خوف وقوع ضرر، ومعنى الاحتساب في هذا النوع الثالث الاكتفاء بالمولى جل وعلا ناصراً ومعيناً والرضا بما قسمه للعبد قل أو كثر، وللاحتساب فوائد كثيرة:
منها: الاحتساب في الطاعات بجعلها خالصة لوجهه الكريم، وليس لها جزاء إلا الجنة.
ومنها: الاحتساب في المكاره يدفع الحزن ويجلب السرور، ويحول ما يظنه الإنسان نقمة إلى نعمة.
* * *
ثالثاً: العقيدة الإسلامية وأثرها في سلوك المسلم:
لقد مكث النبي @ ثلاثة عشر عاماً يدعو الناس إلى توحيد الله تعالى، حتى إذا خالطت بشاشة الإيمان قلوبهم انقادوا إلى طاعة الله والتسليم لأوامره، وتحكيم كتابه وسنة رسوله @ في كل شيء، كما قال سبحانه عنهم: { وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُبِينًا } [الأحزاب: 36].
ومن صريح العقيدة وصحيحها الصبر على أقدار الله وعدم التسخط، وعلى قدر قوة هذا الإيمان وضعفه يكون الرضا والتسخط، ويتجلى هذا الأمر فيما رواه صهيب > عن النبي @ قال: "عجباً لأمر المؤمن! إن أمره كله خير، وليس ذاك لأحد إلا للمؤمن، إن أصابته سراء شكر فكان خيراً له، وإن أصابته ضراء صبر فكان خيراً له"(1).
وعن أنس >، عن النبي @ قال: "إن عظم الجزاء مع عظم البلاء، وإن الله إذا حب قوماً ابتلاهم، فمن رضي فله الرضا، ومن سخط فله السخط"(2).
__________
(1) …أخرجه مسلم، رقم (2999).…
(2) …أخرجه الترمذي، رقم (2396)، وقال: هذا حديث حسن غريب، وحسنه الألباني في صحيح الجامع، رقم (2110).…(1/6)
وفي كراهة التسخط على البنات وأنه فعل الجاهلية قال الله - سبحانه وتعالى -: { لِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ يَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ إِنَاثًا وَيَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ الذُّكُورَ (49) أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرَانًا وَإِنَاثًا وَيَجْعَلُ مَنْ يَشَاءُ عَقِيمًا إِنَّهُ عَلِيمٌ قَدِيرٌ } [الشورى: 49 - 50].
قال ابن القيم ~ في تحفة الودود: "فقسم سبحانه حال الزوجين إلى أربعة أقسام، أشتمل عليها الوجود كله، وأخبر أن ما قدره بينهما من الولد فقد وهبهما إياه، وكفى بالعبد تعرضاً لمقته أن يتسخط ما وهبه".
وبدأ سبحانه بذكر البنات في قوله تعالى: { يَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ إِنَاثًا } [الشورى: 49]، جبراً لخاطرهن لأجل استثقال الوالدين لهن.
وقيل: إنما قدمهن لأن سياق الكلام أنه فاعل ما يشاء لا ما يشاء الأبوان، فإن الأبوين لا يريدان إلا الذكور غالباً، فهو - سبحانه وتعالى - قد أخبر أنه يخلق ما يشاء، فبدأ بذكر الصنف الذي يشاء وهو الأنثى، وافق رغبة الأبوين أو خالفهما.
وعن ثوبان > قال: بينما كنت قائماً عند رسول الله @ فجاء حبر من أحبار اليهود، وذكر الحديث وفيه: قال: أي الحبر: جئت أسالك عن الولد؟، قال @: "ماء الرجل أبيض وماء المرأة أصفر، فإذا اجتمعا فعلا منيُّ الرجل مني المرأة أذكرا بإذن الله - أي صار ذكراً - وإذا علا مني المرأة مني الرجل أنثا - أي صار أنثى - بإذن الله"(1)، فعلم بهذا أن الأمور في شأن الأولاد تجري وفق أقدار مقدرة، لا اعتراض لأحد عليها.
وقد أنكر الله - سبحانه وتعالى - على الجاهلين تسخطهم عند ولادة الأنثى، فقال سبحانه: { وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالْأُنْثَى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ (58) يَتَوَارَى مِنَ الْقَوْمِ مِنْ سُوءِ مَا بُشِّرَ بِهِ أَيُمْسِكُهُ عَلَى هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرَابِ } [النحل: 58 - 59].
__________
(1) …أخرجه مسلم، رقم (315).…(1/7)
ويكفي في ذم التسخط عند ولادة الأنثى أن المتسخط لا يرضى ما أعطاه الله، والأنبياء عليهم الصلاة والسلام وهم القدوة آباء لبنات، فهذا نبي الله محمد @ أب لفاطمة وزينب ورقية وأم كلثوم.
موعظة إلى الساخط على البنات:
يقول أحد الدعاة إلى كل ساخط على إنجاب البنات: كل شيء بيد الله سبحانه، فهو الذي يخلق الذكر والأنثى، فعدم الرضا طعن في قضاء الله يؤدي إلى الكفر أحياناً، قال تعالى: { اللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَحْمِلُ كُلُّ أُنْثَى وَمَا تَغِيضُ الْأَرْحَامُ وَمَا تَزْدَادُ وَكُلُّ شَيْءٍ عِنْدَهُ بِمِقْدَارٍ } [الرعد: 8].
وقال تعالى: { هُوَ الَّذِي يُصَوِّرُكُمْ فِي الْأَرْحَامِ كَيْفَ يَشَاءُ } [آل عمران: 6]، ولماذا يسخط الإنسان على ما منح الله؟!، هل دفع عربون ذكر فأعطاه الله أنثى؟!.
يجب أن يهدأ هذا التأثر ويفكر في عاقبة ظنه ونهاية انفعاله، لا تدري أيها الساخط في أي الجنسين يكون الخير، فربما كان الولد سبب شقائك ونكبتك بالعقوق والكيد، وتمني موتك ليتمتع بخيرك ويجلس مجلسك!!، وبسوء سلوكه الذي يسبب لك المتاعب، وربما كانت البنت مفتاح الخير لك، وقل أن تفكر هي في سوء أهلها؛ لضعفها وحاجتها إليهم، فهي تهتم بهم وتتمنى لهم الخير، وتدفع عنهم الضر، خصوصاً قبل أن تستغني عن رعايتهم بالزواج.
ولتعتبر بابنتي الرجل الصالح، فقد تزوجت إحداهما برسول من أولي العزم هو موسى # فكان لها ولأبيها شأن بأن أصهر إلى نبي خدم أباها عدة سنوات كمهر لها، فكان نعم القوي الأمين.
واعتبر أيضاً بفاطمة بنت محمد @ التي كانت أساس السلسلة المباركة من آل البيت المجيد.
وكانت مريم $ وقد تمنت أمها أن تكون ذكراً لتخدم المسجد كانت أماً لرسول كريم هو عيسى #، وقال الله فيها: { وَإِذْ قَالَتِ الْمَلَائِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاكِ وَطَهَّرَكِ وَاصْطَفَاكِ عَلَى نِسَاءِ الْعَالَمِينَ } [آل عمران: 42].(1/8)
وكم نبغ من الإخوة بنات وفشل بنون؟!!
وكم وكم، إلى أمثلة كثيرة، وعتها بطون الكتب وسجلها التاريخ.
فلا ينبغي التبرم بما أعطى الله فهو أعلم بالخير لك:
{ وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ } [البقرة: 216]، وقوله تعالى: { فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا } [النساء: 19].
ثم ما ذنب الأم المسكينة أن تعامل بهذه المعاملة القاسية من أجل أنها ولدت بنتاً؟!! ولو كانت تستطيع أن تسرك لسرتك فولدت لك ذكراً!!.
قف أنت مكانها هل تستطيع أن تصنع لنفسك ما تريد من الذكور!!
ثم أحذر كما يقول العلماء أن يعاقبك الله على كراهيتك للبنات فيكثرهن لك فهل تستطيع أن تحارب الله بعنادك وبيده كل شيء؟!.
واعتقد أن الله يرزقك إكراماً لها فهي ضعيفة، والنبي @ قال: "أبغوني الضعفاء فإنما ترزقون وتنصرون بضعفائكم".
ثم اعلم أنك لست الوحيد الذي رزق البنات، فقد رزقهن من هو أكرم منك عند الله تعالى مثل لوط وشعيب عليهما الصلاة والسلام.
ولم يعش للنبي @ ولد، وبارك الله في فاطمة وذريتها، فارض بما قسم الله لك، واشكره على نعمته، ولا تكن من الجاهلين ولا تيأس فقد يأتيك الله بما تريد ولو بعد حين.
* * *
رابعاً: الحسنة وأثرها على المسلم في الدنيا والآخرة:
أخي المسلم: ما أحوجنا إلى الحسنات لرفع الدرجات وتكفير السيئات، وأنواع الحسنات كثيرة في العبادات والمعاملات والأخلاق والآداب وغيرها، جعل الله سبحانه كسبها والعمل بها طريقاً موصلاً إلى الله والدار الآخرة، وهذا فضل من الله ومنة.(1/9)
عن ابن عباس { قال: "إن للحسنة نوراً في القلب، وضياء في الوجه، وقوة في البدن، وزيادة في الرزق، ومحبة في قلوب الخلق، وإن للسيئة سواداً في الوجه، وظلمة في القلب، ووهناً في البدن، ونقصاً في الرزق، وبغضة في قلوب الخلق"(1).
وهذا يعرفه صاحب البصيرة ويشاهده من نفسه ومن غيره، ولاسيما صاحب القلب الشفاف ومن لديه إحساس وعنده إيمان، أما الكافر والفاجر والمنافق فإنه لا يشعر بشيء من هذا، فما حصل للعبد من حال مكروهة قط إلا بذنب، وما يعفو الله عنه أكثر، قال تعالى: { وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ } [الشورى: 30].
* * *
خامساً: أهمية التربية للبنين والبنات:
لكي نوجد نشأ صالحاً فلابد للمربي من إخلاص النية لله سبحانه وابتغاء وجهه الكريم، ولابد من وجود قدوة صالحة في الخير، فإن فاقد الشيء لا يعطيه.
قال عمرو بن عتبة يوصي مؤدب ولده: "يا أبا عبد الصمد ليكن أول إصلاحك بنيَّ إصلاحك نفسك، فإن عيونهم معقودة بعينك - أي بشخصك - فالحسن عندهم ما فعلت، والقبيح عندهم ما تركت"(2).
* * *
سادساً: البنات بين نور الإسلام وظلام الجاهلية:
__________
(1) …انظر: مدارج السالكين (1/424)، وروضة المحبين (1/441) كلاهما لابن قيم الجوزية. وانظر أيضاً: ذم الهوى (1/181)
لأبي الفرج ابن الجوزي.…
(2) …الدراري في ذكر الذراري، ص (56).…(1/10)
كان الناس في الجاهلية يحبون البنين على البنات، بل كان أحدهم يغضب على زوجته ويهجرها، لأنها أنجبت له البنات ولم تنجب له البنين، وهكذا كان المرغوب في الحمل عند العربي هو الولد الذكر، لأنهم قوم عصبية وحروب ورغبة في الذكر مستمدة من طبيعة حياتهم، فجاء الإسلام بنوره الوهاج، وسطعت شمسه على البلاد والعباد، فإذا به ينادي بفضل تربية البنات، وما أعد من الحسنات والثواب الجزيل لمن يقوم بهذه الغاية النبيلة، بل كان بعض العرب لخفة عقولهم أو لجهلهم بصفات ربهم - سبحانه وتعالى - يدس ما يولد من البنات في التراب، فيدفنها وهي حية، ولقد جعل الإسلام الإحسان إلى البنات قربة من القربات التي تصل بالمسلم والمسلمة إلى العتق من النار والفوز بالجنة، فلا ينبغي التفريق أبداً في المعاملة بين الذكور والإناث، فكلاهما عطية وهبة من الله تعالى، وأما مبدأ حب البنين على البنات في المعاملة فهذا هو ظلام الجاهلية، ومع الأسف الشديد لا زالت آثاره موجودة حتى الآن، لكنها تضعف عند ناس وتقوى عند آخرين بحسب قوة إيمانهم بالله - سبحانه وتعالى - أو بحسب ضعف إيمانهم.
* * *
سابعاً: فضل تربية البنات والصبر عليهن:
البنات منهن المسلمات والمؤمنات والقانتات والصادقات والصابرات والخاشعات والمصليات والصائمات المتصدقات والذاكرات؛ بل نحن نشاهد في زماننا هذا وفي عصرنا هذا أن كثيراً من بناتنا ولله الحمد صرن يهتممن بالأذكار وبالعبادات الطيبة، وبالإنفاق في سبيل الله، فنجد المسابقات في المراكز الصيفية وغيرها أكثر ما يجيب عليها البنات، وإذا دعوا إلى نفقات نجد كثيراً منهن من تتصدق بحليها، وذلك يذكرنا بفعل صحابيات رسول الله @، وتلك نعمة لابد أن تبقى، كما أخبر النبي @ في قوله: "لا تزال طائفة من أمتي على الحق منصورة لا يضرهم من خذلهم ولا من خالفهم حتى يأتي أمر الله"(1).
__________
(1) …أخرجه البخاري، رقم (71)، ومسلم، رقم (1920).…(1/11)
البنات هن حبّات القلوب ومهج النفوس، وهن قرة عيون الآباء والأمهات في الحياة وبعد الممات، كما أنهن هبة الله لمن يشاء من عباده، أليست هي الأم والأخت والزوجة؟، فمن بعد هذا يكره تربية البنات؟!!
إن تربية البنات ستر من النار، فعن عائشة < قالت: دخلت امرأة ومعها ابنتان لها تسأل، فلم تجد عندي شيئاً غير تمرة، فأعطيتها إياها فقسمتها بين أبنتيها، ولم تأكل منها ثم قامت فخرجت، فدخل النبي @ وسلّم علينا فأخبرته فقال: "من ابتلي من هذه البنات بشيء فأحسن إليهن كن له ستراً من النار"(1)، ففي هذا الحديث دلالة ظاهرة على حنان الأم وبلوغها القمة في الشفقة والعطف والحنان، وفي قوله @: "من ابتلي من هذه البنات بشيء"، دلالة على أنه يشمل حتى البنت الواحدة.
وتربية البنات توجب الجنة، فعن عائشة < قالت: جائتني مسكينة تحمل ابنتين لها فأطعمتها ثلاث تمرات فأعطت كل واحدة منهن تمرة ورفعت إلى فيها تمرة لتأكلها فاستطعمتها ابنتاها فشقت التمرة التي كانت تريد أن تأكلها بينهما فأعجبني شأنها، فذكرت الذي صنعت لرسول الله @ فقال: "إن الله قد أوجب لها بها الجنة، أو أعتقها بها من النار"(2)، هذه واقعة شبيهة بسابقتها، إلا أن التضحية فيها أظهر، والإيثار فيها أعظم، حيث لم تأكل من التمرة شيئاً وآثرت ابنتيها على نفسها.
__________
(1) …أخرجه البخاري، رقم (1418، 5995)، ومسلم، رقم (2629).…
(2) …أخرجه مسلم، رقم (2630).…(1/12)
وتربية البنات ترفع الدرجات، فعن أنس بن مالك > قال: قال رسول الله @: "من عال جاريتين حتى تبلغا جاء يوم القيامة أنا وهو"(1)، وضم أصابعه، ففي هذا الحديث بشارة عظيمة لمن رزقه الله ابنتين فأحسن تربيتهما وأنفق عليهما، فهو يحشر يوم القيامة في زمرة المصطفى @، ويكون ملازماً له كملازمة السبابة الوسطى عند ضمهما، وكفى بذلك فضلاً وفخراً، فإن من كان في جوار المصطفى @ في ذلك اليوم العظيم الذي تشتد فيه الهموم وتعظم فيه الكروب، فهو إن شاء الله من الآمنين من شر ذلك اليوم، وفي رواية: "من عال جاريتين دخلت أنا وهو الجنة كهاتين"، وأشار بأصبعيه(2)، ومعنى هذا أن يكون من السابقين الأولين إلى الجنة.
أما فضل تربية ابنة واحدة فعن ابن عباس { قال: قال رسول الله @: "من كانت له أنثى فلم يئدها ولم يهنها ولم يؤثر ولده عليها - قال: يعني الذكور - أدخله الله الجنة"(3)، فبين @ في هذا الحديث النبوي الشريف الشروط التي ينبغي على من يريد دخول الجنة بالإحسان إلى ابنته التزامه بهذه الشروط الثلاثة:
1 - يبقيها حية ولا يئدها، كما كان الجاهليون يفعلون ببناتهم، بل يكرمها ويعزها ويحصنها.
2 - أن يكرمها ولا يعاملها باحتقار وإهانة، بل بعز واحترام.
3 - ألا يؤثر أبناءه الذكور عليها، بل يعاملهم سواء بسواء.
فمن حقق هذه الشروط كان جديراً بهذا الثواب، وهو دخول الجنة.
تربية البنات حجاب من النار، فعن عقبة بن نافع > قال: قال رسول الله @: "من كان له ثلاث بنات فصبر عليهن وأطعمهن وسقاهن وكساهن من جدته - أي مما
يجد - كن له حجاباً من النار يوم القيامة"(4).
__________
(1) …أخرجه مسلم، رقم (2631).…
(2) …أخرجه الترمذي، رقم (1914) وقال: هذا حديث حسن غريب.…
(3) …أخرجه أبو داود، رقم (5146)، والحاكم (4/177)، وقال: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه، ووافقه الذهبي، وضعفه الألباني في ضعيف الجامع، رقم (5807).…
(4) …صححه الألباني في صحيح الجامع، رقم (6488).…(1/13)
فضل تربية البنات والأخوات، فعن أنس بن مالك > قال: قال رسول الله @: "من عال ابنتين أو ثلاث بنات أو أختين أو ثلاث أخوات حتى يمتن أو يموت عنهن كنت أنا وهو كهاتين وأشار بإصبعيه السبابة والوسطى"(1)، وفي لفظ: "من كان له ثلاث بنات أو ثلاث أخوات فأتقى الله - عز وجل - وأقام عليهن كان معي في الجنة"، وأشار بأصابعه.
* * *
ثامناً: استحباب التهنئة بالبنت:
لما كانت البشارة تسر العبد وتفرحه، أستحب للمسلم أن يبادر على مسرة أخيه وإعلامه بما يفرحه، ولا فرق في التهنئة بالولد عن البنت.
قال صالح بن أحمد بن حنبل: "كان أبي إذا ولد له ابنة كان يقول: الأنبياء كانوا آباء بنات".
وقال أبو بكر ابن المنذر في الأوسط: روينا عن الحسن البصري ~ أن رجلاً جاء إليه وعنده رجل قد ولد له غلام، فقال له: يهنئك الفارس، فقال الحسن ~: وما يدريك فارس هو أم حمار! قال: فكيف نقول؟ قال الحسن البصري: قل: بورك في الموهوب، وشكرت الواهب، وبلغ أشده، ورزقت بره(2).
وقال أحد الأدباء لرجل ولدت له بنت: بارك الله لك في الابنة المستفادة، وجعلها لكم زيناً وأجراً لكم عليها خيراً، فلا تكرهوهن فإنهن الأمهات والأخوات والعمات والخالات، ومنهن الصالحات القانتات الحافظات للغيب بما حفظ الله.
__________
(1) …أخرجه أحمد (3/147، 156)، وعبد بن حميد، رقم (1378).…
(2) …انظر: تحفة الودود بأحكام المولود، ص (28).…(1/14)
ونسوق حواراً لطيفاً بين صحابيين جليلين هما معاوية ابن أبي سفيان وعمرو بن العاص { ، دخل عمرو بن العاص > على معاوية بن أبي سفيان > وعنده ابنته عائشة، فقال عمرو: من هذه يا أمير المؤمنين؟ قال معاوية: هذه تفاحة القلب، فقال عمرو: انبذها عنك، فقال معاوية: ولم؟ قال عمرو: فو الله إنهن ليلدن الأعداء، ويقربن البعداء، ويورثن الضغائن، فقال معاوية: لا تقل ذلك يا عمرو! فو الله ما مرَّض المرضى، ولا ندب الموتى ولا أعان على الأحزان مثلهن، ولا بر الأحياء مثلهن، قال عمرو: ما أعلمك إلا حببَّتهن إليَّ، دخلت عليك يا معاوية وما على الأرض شيء أبغض إليَّ منهن، وإني لأخرج من عندك وما عليها شيء أحب إليَّ منهن.
ومن اللطائف الأخرى كان رجل يسمى أبا حمزة الضبي تزوج بامرأة فأنجب منها إناثاً ولم تنجب ذكوراً، فتزوج بأخرى فأنجب منها ذكوراً فسول له عقله أن يهجر أم البنات فهجرها، وذات يوم رأته أم البنات فقالت له:
ما لأبي حمزة لا يأتينا
ڑ*ڑويظل في البيت الذي يلينا
ٹڑ
ڑغضبان ألا نلد البنينا
ڑ*ڑتا الله ما دلك في أيدينا
ٹڑ
ڑفنحن كالأرض لزارعينا
ڑ*ڑننبت ما قد زرعوه فينا
ومن اللطائف: كان لأعرابي امرأتان فولدت إحداهما جارية والأخرى غلاماً، فرقصت أم الغلام ولدها يوماً وقالت معيرة ضرتها - يعني جارتها -:
الحمد الله العظيم العالي
ڑ*ڑأنقذني العالم من الجواريٹڑ
ڑمن كل شوهاء كشن بالي
ڑ*ڑلا تدفع الضيم عن العيالي
فسمعتها ضرتها - يعني جارتها - فأقبلت ترقص ابنتها، وتقول:
وما عليَّ أن تكون جارية
ڑ*ڑتغسل رأسي وتكون الغاليةٹڑ
ڑوترفع الساقط من خماريه
ڑ*ڑحتى إذا بلغت ثمانية
ٹڑ
ڑأزرتها بنقبة يمانيه
ڑ*ڑوانكحتها مروان أو معاويةٹڑ
ڑأصهار صدق ومهور غالية(1/15)
قال: فسمعها مروان فتزوجها على مئة ألف مثقال، وقال: إن أمها لجديرة ألا يكذب ظنها... ولا يخان عهدها... فقال معاوية: لولا مروان سبقنا إليها لأضعفنا لها المهر، ولكن لا تحرم الصلة، فبعث لها بمئتي ألف درهم.
وقال آخر في حرصه على بنياته وعدم السفر عنهن:
ولولا بنيات كزغب القطا
ڑ*ڑحططن من بعض إلى بعضٹڑ
ڑلكان لي مضطرب واسع في
ڑ*ڑالأرض ذات الطول والعرضٹڑ
ڑوإنما أولادنا بيننا
ڑ*ڑأكبادنا تمشي على الأرضٹڑ
ڑلو هبت الريح على بعضهم
ڑ*ڑلامتنعت عيني عن الغمضِ
وهنا مسألة مهمة جداً، ألا وهي خطر وضرر إهمال البنات، سواء في التربية أو في الحب والعطف والحنان، أو في القسوة في التربية، الذي قد يولد آثاراً سيئة، فإذاً يجب على الآباء والأمهات أن يعتنوا ببناتهم عناية تامة، عملاً بقول رسول الله @: "كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته"(1)، فهي أمانة ملقاة على عواتق كل مسلم وكل مسلمة من الأب والأم والأخ والأخت، فكل إنسان عليه مسؤولية على قدر طاقته واستطاعته، وعلى قدر مسئوليته، وعلى قدر قرابته.
فمن ضمن ذلك الاهتمام بحجاب البنت وحشمتها وعفتها أولاً: كشراء الملابس التي تحفظ الحشمة والعفة، ويكون ذلك دائماً ديدناً لها في كل أحوالها، حتى تثبت على الإيمان وعلى الحياء، وصدق من قال:
الأم مدرسة إذا أعددتها
ڑ*ڑأعددت شعباً طيب الأعراق
__________
(1) …أخرجه البخاري (رقم 893)، ومسلم (1829).…(1/16)
ولابد من تعليمها كتاب الله وسنة رسوله @، ولاسيما في هذا الزمان الذي كثرت فيه الأمواج من الفساد المضطرب والموجه إلى كل المسلمين من أعداء الإسلام في كل بلد، بل وقد يزداد الخطر في هذا البلد لأنه آخر معقل من معاقل الإسلام إلا ما شاء الله، ففيه ولله الحمد الحشمة والعفة، وفيه حرص الناس كباراً وصغاراً على بناتهم، والحرص على تربيتهن بالكتب النافعة والأشرطة النافعة وتلاوة كتاب الله وتعليمهن سنة رسول الله @، ونحن نشاهد ولله الحمد في كل وقت حلقات تحفيظ القرآن الكريم التي ملأت كل بلد وكل مدينة وقرية، بل ونجد الحافظات الكثيرات ولله الحمد، وحرصهن بالإضافة إلى مدارس تحفيظ القرآن الكريم النسائية المدرسية في الصباح والتي أعدتها رئاسة البنات، هذا فضل من الله - عز وجل - ومنة على هذه البلاد، أن رزقها المسؤولين الذين يهتمون بهذه الجوانب الخيرة، فإذا تضافرت جهود الآباء والأمهات والمسؤولين والمربيات والمشرفات على هذه المهمة فإننا بإذن الله سنقطف ثماراً يانعة بتربية بناتنا وبإيصالهن إلى بر الأمان وشاطئ السلامة ولاسيما ما يوجه إلينا من الأطباق - الدشوش - والإنترنت وغيرها، وإن كان في بعضها صالح ولكن الأكثر الفساد، إلا من عصم الله.
فلذلك يجب على كل مسلم ومسلمة أن يكون واعياً مدركاً لما يحيط به من خطر، فيقوي إيمان بناته وأهله وكل من تحت يده، عملاً بقول الله - عز وجل -: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ } [التحريم: 6].(1/17)
لأننا إذا فعلنا هذا العمل فإنا بإذن الله سنحصن بناتنا بحصن الأمان بالإيمان وقوة العلم والمعرفة، الذي له الأثر الكبير في صلاح بناتنا، ولا يصلح آخر هذه الأمة إلا ما صلح به أولها، وذلك بالاهتمام بكتاب الله تدبراً وقراءة وعلماً وسنة رسول الله @ عملاً بقوله @: "تركت فيكم شيئين ما إن تمسكتم بهما لن تضلوا بعدي أبداً: كتاب الله، وسنتي"(1).
إذا عملنا هذا العمل فإننا بإذن الله سنستطيع أن نسيطر على هذا الوضع، ونرد كيد الأعداء إلى نحورهم، ولاسيما أن المصطفى @ بشرنا بهذه البشارة بقوله: "لا تزال طائفة من أمتي على الحق منصورة، لا يضرهم من خذلهم ولا من خالفهم، حتى يأتي أمر الله"(2).
فالله الله أيها الأحباب من آباء وأمهات وإخوان وأخوات، لابد أن نهتم ببناتنا، وألا نهملهن، وألا نجعل للشياطين عليهن مدخلاً وأن نستفيد من هذه الآلات والمخترعات الحديثة بما ينفع، سواء الهاتف أو الإنترنت أو غيرهما بمراقبة تامة، وصدق واهتمام بالغ، لأننا إذا عملنا بهذا العمل استطعنا أن نكافح أعداء الإسلام، واستعملنا هذه الآلات بما ينفعنا في أمر ديننا، ودنيانا ففيها حفظ للوقت، وفيها جمع للمعلومات، ولكن بشروط قاسية وبشروط مهمة، فالحذر الحذر والاهتمام الاهتمام ومراقبة تامة على هذه الأطباق وغيرها وتطهير المنازل من آلات اللهو التي ضررها أكثر من نفعها، فإذا حصل هذا الأمر فإننا بحمد الله سنكون أعضاء عامرين لأسرنا وأنفسنا ولمجتمعنا ولدولتنا حرسها الله بالإسلام ووفقها لما فيه خير وصلاح الإسلام والمسلمين.
__________
(1) …أخرجه الحاكم (1/93)، وصححه الألباني في صحيح الجامع، رقم (2937).…
(2) …أخرجه البخاري، رقم (71)، ومسلم، رقم (1920).…(1/18)
أيها الأحباب إن اهتممنا ببناتنا سنقطف ثمار ذلك في هذه الدنيا ببرهن وصلاحهن وذرياتهن الصالحة في هذه الدنيا، أما في الآخرة فقد أخبر المصطفى @: "إذا مات ابن آدم انقطع عنه عمله إلا من ثلاثة: إلا من صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له"(1)، فهذه بشرى في الحديث النبوي الشريف للآباء والأمهات، بل وللمربين والمربيات من مدرسين ومدرسات، حيث قال الشيخ عبد الرحمن بن سعدي ~، في قوله @: "أو ولد صالح يدعو له".
"وجميع ما يصل إلى العبد من آثار عمله ثلاثة:
الأول: أمور عمل بها الغير بسببه وبدعايته وتوجيهه.
الثاني: أمور انتفع بها الغير أيّ نفع كان، على حسب ذلك النفع باقتدائه به في الخير.
الثالث: أمور عملها الغير وأهداها إليه، أو صدقة تصدق بها عنه أو دعا له، سواء أكان من أولاده الحسيين أو من أولاده الروحيين الذين تخرجوا بتعليمه، وهدايته وإرشاده، أو من أقاربه وأصحابه المحبين، أو من عموم المسلمين، بحسب مقاماته في الدين، وبحسب ما أوصل إلى العباد من الخير، أو تسبب به"(2).
فهنيئاً لك أيها المعلم الناس الخير، وهنيئاً لك أيتها المعلمة وأيتها المشرفة بالخير، حينما يتسلسل أجر هذا الخير الذي تدرسينه، وقد قال المصطفى @: "إن الله وملائكته ليصلون على معلم الناس الخير"(3)، وهنيئاً أيضاً لمعلم حلقات القرآن من بنين وبنات بدخولهم في الخيرية في قوله @: "خيركم من تعلم القرآن وعلمه"(4).
فبهذا إذا تضافرت الجهود من الآباء والأمهات والمسؤولين والمجتمع والمناهج، فإننا بذلك إن شاء الله سنصد كيد المعتدين، وسنصل بإذن الله إلى ما فيه صلاح البلاد والعباد في أمور الدين والدنيا.
__________
(1) …أخرجه مسلم، رقم (1631).…
(2) …بهجة قلوب الأبرار.…
(3) …أخرجه الترمذي، رقم (2685) وقال: هذا حديث حسن غريب صحيح، وصححه الألباني في صحيح الجامع، رقم (1838).…
(4) …أخرجه البخاري، رقم (5027).…(1/19)
أسأل الله - سبحانه وتعالى - بأسمائه الحسنى وصفاته العلى أن يصلح بناتنا وذرياتنا، وأن يبصرنا بمواطن الضعف في نفوسنا، وأن يلهمنا رشدنا، وأن يصلح ولاة أمرنا، ويدلهم على ما فيه صلاح العباد والبلاد، وأن يرزقنا وإياهم البطانة الصالحة الناصحة، إنه ولي ذلك والقادر عليه، وأن يرزقني الإخلاص في القول والعمل والثبات على الأمر، إنه ولي ذلك والقادر عليه، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، وأسأل الله أن ينفعنا بما علمنا وأن يعلمنا ما ينفعنا إنه ولي ذلك والقادر عليه، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
* * *
فتوى الشيخ عبد الله بن جبرين حول هذا الموضوع:
س: ما هو رأي الشرع في بعض الآباء الذين يحزنون إذا بُشروا بقدوم مولودة لهم، حيث إنهم يكرهون البنات، ويغضبون أشد الغضب، بل يصل الأمر ببعضهم إلى أن يهدد زوجته بالطلاق إذا ولدت له بنتاً؟.
ج: على المسلم الرضا بما قسم الله له من الأولاد ذكوراً أو إناثاً، فإن الله تعالى هو المعطي المانع، كما قال تعالى:
{ يَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ إِنَاثًا وَيَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ الذُّكُورَ (49) أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرَانًا وَإِنَاثًا وَيَجْعَلُ مَنْ يَشَاءُ عَقِيمًا } [الشورى: 49 - 50].
وليس الإنسان هو الذي يخلق ولده ولو كان كذلك لأختار الأولاد الذكور، وإنما الله تعالى هو المتصرف في خلقه، فمن حكمته أن قسم نوع الإنسان إلى ذكور وإناث، كما قال تعالى: { فَجَعَلَ مِنْهُ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى } [القيامة: 39].
فلا حياة لأحد النوعين بدون الآخر، فإن الإناث هن الأمهات والمربيات، وبهن تتم الراحة والأنس والمودة والرحمة وقضاء الوطر وحصول الأولاد، كما جعل الله ذلك في جميع الدواب والحيوانات من الحشرات والطيور والأنعام والسباع والهوام وغيرها، فكلها تحتوي على ذكور وإناث.(1/20)
فعلى المسلم أن يفرح بما أعطاه الله إذا وهب له مولوداً كامل الخلق سليم الأعضاء، وأن يرضى بالإناث كما يرضى بالذكور.
وقد أنكر الله على أهل الجاهلية كراهتهم للإناث، كما قال تعالى: { وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالْأُنْثَى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ (58) يَتَوَارَى مِنَ الْقَوْمِ مِنْ سُوءِ مَا بُشِّرَ بِهِ أَيُمْسِكُهُ عَلَى هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرَابِ } [النحل: 58 - 59]، أي: أنه إما أن يمسكها وهو كاره أو يقتلها وهو الوأد للأنثى فلا يجوز للمسلم أن يتشبه بالكفار.
فكم من ذكور صاروا غيظاً على آبائهم وأذى وضرراً حتى تمنوا موتهم، وكم من إناث صالحات قانتات حفظن حق الآباء، وقمن بالبر والصلة والخدمة، فنفعت أبويها أكثر بكثير من نفع الذكور، والله أعلم.
"من كتاب الفتاوى الشرعية في المسائل الطبية"
حرر في 26/2/1426هـ
* * *
o
الموضوعڑرقم الصفحةٹڑ
ڑمقدمة…ڑ5ٹڑ
ڑأولاً: نعمة الذرية…ڑ8ٹڑ
ڑثانياً: الاحتساب وأثره في العمل في الدنيا والآخرة…ڑ14ٹڑ
ڑثالثاً: العقيدة الإسلامية وأثرها في سلوك المسلم…ڑ17ٹڑ
ڑرابعاً: الحسنة وأثرها على المسلم في الدنيا والآخرة…ڑ25ٹڑ
ڑخامساً: أهمية التربية للبنين والبنات…ڑ27ٹڑ
ڑسادساً: البنات بين نور الإسلام وظلام الجاهلية…ڑ28ٹڑ
ڑسابعاً: فضل تربية البنات…ڑ30ٹڑ
ڑثامناً: استحباب التهنئة بالبنت…ڑ36ٹڑ
ڑفتوى الشيخ عبد الله بن جبرين حول هذا الموضوع…ڑ49ٹڑ
ڑمحتويات الكتاب…ڑ52
* * *
بعض أعمال إدارة التوعية الدينية بصحة الرياض
1 - إقامة ندوة أخلاقيات العاملين في المجال الصحي على مستوى المملكة العربية السعودية، وبلغ عدد المشاركين 700 مشارك.
2 - إقامة مسابقة القرآن الكريم الثانية على مستوى منطقة الرياض، وبلغت الجوائز أكثر من أربعين ألف ريال.
3 - ضمن برنامج (لقاء العلماء بالأطباء) تم إقامة محاضرتين لكل من:(1/21)
-سماحة مفتي عام المملكة الشيخ عبد العزيز آل الشيخ بعنوان: (توجيهات سماحة المفتي للعاملين في المجال الصحي).
-سماحة الشيخ صالح اللحيدان بعنوان (الفتاوى الفقهية لمسائل الطهارة والصلاة الطبية).
-ضمن برنامج الندوات النسائية تم إقامة الندوة الثانية بعنوان (المرأة في المستشفيات حقوق وواجبات).
-إقامة برنامج بعنوان (زيارة المعلمين للمرضى المنومين) وتم إقامة حفل تعريفي لهذا البرنامج برعاية مدير عام الشئون الصحية، وبحضور عميد كلية أصول الدين.
-المشاركة في حملة وزارة الصحة (صحتنا في أمننا)، حيث شاركت الإدارة في المعرض المصاحب، وإقامة ندوة على هامش المعرض بعنوان (أمن الأوطان وصحة الأبدان).
-إقامة ندوة (الفحص الطبي قبل الزواج بين الشريعة والطب).
-عمل برنامج خاص للجالية والبنغالية في المديرية لتعليمهم بعض الأحكام الشرعية في شهر رمضان بالتعاون مع مكتب الجاليات بالروضة.
-تركيب قناة المجد في المستشفيات عدد (9).
-إقامة عدد (22) رحلة عمرة، و(13) زيارة للمدينة النبوية.
-إفطار صائم بالتعاون مع الإفطار الجوال.
إنجازات إدارة التوعية الدينية بمنطقة الرياض لعام 1435هـ
1 - الدروس العلمية.
2 - المحاضرات.
3 - الكلمات.
4 - المصاحف الموزعة.
5 - المطبوعات العربية.
6 - المطبوعات غير العربية.
7 - الأشرطة العربية.
8 - الأشرطة غير العربية.
9 - الدورات الشرعية.
10 - المعارض.
11 - المسلمين الجدد.
12 - المسابقات.(1/22)