رمضان
في الحضارة العربية الإسلامية
تأليف
محمّد رجب السامرّائي
صدر الكتاب عن دار الأوائل للنشر والخدمات الطباعية- دمشق، سورية 2002م
بسم الله الرحمن الرحيم
" مَثَلُ الشهور الاثنيّ عَشَر، كَمَثَلِ أولاد يعقوب، وكما أَنَّ يُوسُفَ أحبُّ أولاد يَعْقُوب إليهِ، كذلك رَمَضان أحَبُّ الشُهُورِ إلى اللهِ وكما غَفَرَ لهم بِدَعوةِ وَاحِدٍ مِنْهُم وَهُو يُوسُف كذلك يَغْفِرُا للهُ ذنوب أحَدَ عَشَرَ شَهْراً بِبَركَة ِرَمَضَان".
الإمام ابن الجوزي
في "بستان الواعظين ورياض السامعين"
بسم اللّه الرّحمن الرّحيم
المقدمة
الحمد لله الذي فرض على عباده الصيام والقيام في رمضان، وأظلهم فيه بليلة هي خيرمن ألف شهر، والصلاة على النبي الخاتم -صلى الله عليه وسلم- وعلى أله وأصحابه الكرام وبعد:
فشهر رمضان الذي يترقب المسلمون في كل عام غُرّته المباركة في كبد السماء ليطالعوها ويقرأوا في قسماته وعلى جنباته آية الخالق الكبرى، وليتوسموا في أقماره تحقيق الآمال التي تحيا بها الأمم. ويدعون ربّهم في أيامه ولياليه المباركات أنْ ينزل عليهم رحمته الواسعة ويحطّ خطاياهم ويستجيب دعاءهم في كل حين.
... وإنّ حكايات شهر الصيام وافرة في المظان الشرعية والتاريخية والأدبية، وبغية أن نلمّ بأطراف الحديث وسردّ أقباس عن الشهر المبارك بعيداً عن التكرار الذي شمل أغلب الكتب المخصصة لشهر الصيام، ولهذا آثرنا أن نعقد فصول الكتاب للوقوف على أبرز محطات الضيف الكريم في سياحة شملت الكتب الشرعية والتاريخية واللغوية والأدبية والموسوعات، إضافة إلى الحديث المعاصر عن طريق التحقيقات الحيّة مع أبناء الدول العربية والإسلامية لإضفاء الشمولية في استعراض مشاهد وصور رمضان في هذه الدول كافة.(1/1)
وقد عقدنا خمسة فصول لكتابنا، توزعت على ثلاثة مباحث لكل فصل. فعرض الفصل الأول: (الرؤية والتهاني والتوحيش)، وتناول المبحث الأول منه ( رؤية الهلال)، ثلاثة عناوين: هلال رمضان، واللهم اجعله هلال رشد، والمأمون والمصابيح. وجاء المبحث الثاني ليحكي عن (التهاني والتبريكات)، واختار موضوعين هما: من القطع النثرية وتهاني الشعراء. أما المبحث الثالث فأشار إلى (التوحيش.. الوداع)، مبيناً مادتين حول مقطوعات نثرية ووداع الشعراء في هذا الجانب.
... وتناول الفصل الثاني (بين اللغة والأدب العربي)، في المبحث الأول (لرمضان والصوم)، مشيراً إلى مواضيع: رمضان في اللغة، وفي الصوم وابن الجوزي والشهور، والشعراء ورمضان. بينما ركز المبحث الثاني( في الفطور الرمضاني) ليذكر شيئاً عن الفطور والجوع والتمر. وجاءت ( مفاكهات الصائمين)، عنواناً للمبحث الثالث الذي تضمن مواضيع: من المفاكهات، ومع الفقيه، وأشعب والجدي، والرجل البخيل، وبين نصيب والأحوص.
... أما فصل الكتاب الثالث وهو: ( ابتهالات الروح)، فتضمن ثلاثة مباحث أيضاً قدم الأول( تلاوة الذكر الحكيم)، لحُسْنِ التلاوة، وبسم الله، ومعاني الكتاب، ولا تسافروا بالقرآن، في حين شمل ( فضائل رمضان)، من المبحث الثاني للحديث حول بيان خمس خصال، وموسم خصب للعبادة، والصيام وصفاء النفس، وتدريب الصائمين ، والعمرة أيام الصيام، والتسبيح في رمضان، وتبت إليك، وأحداث رمضانية. وعرض المبحث الثالث ( الجود والإنفاق)، لثلاثة مواضيع: أجود الناس، وصدقة رمضان وموسم التفطير والخيرات.(1/2)
أما(رمضان في ذاكرة المسلمين) فهو عنوان الفصل الرابع في هذا الكتاب إذ اشتمل مبحثه الأول( المجالس والرحالة في رمضان ) للإشارة إلى الأربعة عشر موضوعاً فيه حيث تناول: المجالس العربية، والمجالس النبوية، ومجالس الخاصة والعامة، وأقدم المجالس، والمحاكي أيام العباسين، ومجالس الحكايات الشعبية، وعرض المبحث الثاني( رمضان عند الرحالة)، لرحلات ابن جبير، وابن جبير في مكة وليلة أهل الهلال ورحلة ابن بطوطة وفي مكة والقدر وختم القرآن والمكيون وعيد الفطر. وتناول رمضان في الدول العربية والإسلامية من المبحث الثاني لتقديم صورة عن عادات وتقاليد صيام أربعين دولة عربية وإسلامية، أعقبه المبحث الثالث(العيد في الدول العربية والإسلامية) ليعرض عادات خمس وثلاثين دولة عربية وإسلامية لاحتفالاتها بمناسبة عيد الفطر المبارك.
... وختم الكتاب ( بمظاهر رمضانية)، عنوان الفصل الخامس إذ تناول في المبحث الأول منه( التراويح والسحور) لثلاثة عشر موضوعاً خاصاً عن: التراويح، والسحور، وأيام النبي الكريم،و المسحراتي، ونداءات التسحير، والزمزمي في مكة، وابن نقطة في بغداد، وابن عنتبة في مصر، وعند ابن جبير وهورنيكا وسحور مكة والشعراء والفانوس وأخرها حكاية الفانوس. ثم خصص المبحث الثاني (لليلة القدر المباركة) وفيه حديث عن القدر في اللغة ومن المعاني وإحياء العشر الأواخر ومن الليالي ليلة القدر وتلاه المبحث الثالث ( الحلويات الرمضانية)، ليسلط الضوء على ثلاثة أنواع من حلويات رمضان المعروفة عند ابن الجزار والكنافة، والقطايف: دثار مخمل، والزلابية شبابيك الذهب!
وأرجو في الختام أن يتقبل الله تعالى ثواب هذا الكتاب إلى روح والديّ رحمهما الله وأسأله أن يمطر عليهما شآبيب رحمته الواسعة في عليين، إنّه سميع مجيب الدعاء وهو حسبنا ونعم الوكيل والهادي إلى سواء السبيل، والحمد لله ربّ العالمين.
محمّد رجب السامرّائي(1/3)
شوال 1422هـ ، كانون الثاني( يناير) 2002م
أبو ظبي
موبايل: 971504467854
الفصل الأول
الرُؤيّة والتهاني والتوحيش
المبحث الأول: رُؤية الهلال
المبحث الثاني: التهاني والتبريكات
المبحث الثالث: التوحيش.. الوداع
المبحث الأول
رُؤية الهلال
كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم - إذا دخل شهر رجب فإنّه يرفع يديه ليدعو خالقه بقوله الكريم: " اللّهم بارك لنا في رجب وشعبان وبلغنا رمضان". ويُعدُ يوم الثلاثين من شهر شعبان يوم شك عند المسلمين، فقد يشاهد هلال رمضان جماعة ولم يشهد برؤيته من لم تقبل شهادتهم، فيبقى الشك يساور المسلمين: هل هو من رمضان وغرته، أو هذا اليوم مكمل لشهر شعبان؟ وقد رسمَ هذا الموقف المشكوك فيه الشاعر ابن الوردي قائلا:
قلتُ هِلالُ الصِّيامِ لَيسَ يُرَى فَلا تَصُومُوا وارْضَوْا بقولِ ثِقَهْ
فغالطُوني حَقِّقُوا فَرَأَوا وكُلُّ هذا من قُوّةِ الحَدَقَهْ
ويروى بأن جماعة وفيهم الصحابي أنس بن مالك- رضي الله عنه- قد حضر لمشاهدة هلال شهر رمضان،وكان عمره قارب المائة سنة،فقال الصحابي أنس: رأيته هو ذاك وجعل يشير إلى الهلال فلا يراه أصحابه! وكان القاضي إياس حاضراً مع الجماعة المتطلعة صوب السماء، وهو ذو فراسة وذكاء، فنظر إلى الصحابي أنس بن مالك- رضي الله عنه- وإذا بشعرة بيضاء قد انثنت من حاجبه فوق عينيه، فمسحها القاضي، ثم قال للصحابي أنس: يا أبا حمزة انظر؟ فنظر الصحابي ابن مالك وأجابه: لا أراه!
هلال رمضان(1/4)
... يترقب المسلمون بلهفة وشوق إلى كبد السماء علّهم يلمحون هلال شهر رمضان المبارك فيقرؤون في قسماته، وعلى جنباته آية الله الكبرى، تحلل الحلال وتحرم الحرام لينعم المسلمون الصائمون في مشارق الأرض ومغاربها بهذا الشهر الفضيل الذي يحمل عليهم أجراً كبيراً من الله عزّ وجل. ويتطلع المسلمون كافة إلى هلال رمضان متوسمين في مطالع أقماره تحقيق الآمال التي تحياها الأمم، ولديها تترخص الحياة.. فإليك يارب العالمين ندعوك ها هنا كما دعاك رسولنا العظيم –محمد- صلى الله عليه وسلم وقد ترامت إلى نظراته الكريمة هلال الصوم المبارك قائلين في بداية الشهر الكريم: " الّلهم أهله علينا بالأمن والإيمان، والسلامة والإسلام، هلال خيرٍ ورُشد، ربّنا وربُّك الله، آمنا بالذي خلقك، اللهم إنّا نسألك خير ما في هذا الشهر وخير ما بعده ... "
وتولي الدول العربية والإسلامية اهتمامها برصد هلال رمضان عناية كبيرة فترصد مطالعه حتى تتثبت من رؤيته، فيتحقق أول شهر الصيام، ويحق الصيام فيُعْلَن للنّاس عبر وسائل الإعلام المسموعة والمرئية والمقروءة. وبعدما تثبت رؤية الهلال ويكون ذلك من الليالي الغر المشهورة فتنار مآذن المساجد والجوامع، وتحتفل الإذاعات، وتعلن التهاني بقدوم شهر الطاعة وتطلق المدافع ويزداد إقبال المصلين على أداء الفروض وحضور مجالس الوعظ إثر صلاة العصر، إضافة إلى احتفال الصحف بالشهر الكريم بتخصيص أعمدة بالمناسبة الكريمة وبالزائر بعد غياب عام.(1/5)
وكان المسلمون قديماً يستزيدون من إنارة المساجد عند رؤية هلال شهر رمضان فقال أحمد بن يوسف الكاتب العباسي: أمرني الخليفة المأمون، أن أكتب إلى جميع العمال في أخذ الناس بالاستكثار من المصابيح في شهر رمضان، وتعريفهم ما في ذلك من الفضل. قال: فما دريت أن أكتب، ولا ما أقول في ذلك، إذ لم يسبقني إليه أحد، فأسلك طريقه. واتفق أن نمت وقت القيلولة، فآتاني آت في منامي، فقال اكتب: " فإن في ذلك أُنْسَاً للسابلة، وإضاءةً للمتهجدين ونقياً لمظان الريب، وتنزيها لبيوت الله ـ عزّ وجل ـ من وحشة الظلم"
اللّهم اجعله هلال رشد
أما شهر الصيام فجاء صيامه على المسلمين بقوله الحقّ في سورة البقرة/183:
" يا أيُّها الَّذين آمنُوا كُتِبَ عليكُم الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ على الَّذين مِنْ قَبلِكُم لَعَلَّكُم تَتَقُّوُن". وفُرِضَ صيام شهر رمضان الكريم على المسلمين في أرض المدينة المنورة دار الهجرة والإيمان، حيث خرج سيد الكائنات النبي محمد- صلى الله عليه وسلم - من داره قاصداً المسجد ليخاطب أصحابه وليبشرهم بفرض صيام رمضان، ومنوِّها بفضائله ونفحاته المتجلية بقوله الكريم: " آتاكم شهر رمضان خير وبركة،يغشاكم الله فينزل فيه الرحمة ويحط الخطايا، ويستجيب الدعاء فأروا الله فيه من أنفسكم خيرا فإن الشقي من حرم فيه رحمة الله عزّ وجل". وكان النبي الكريم -عليه الصلاة والسلام- يقول عند رؤيته هلال الشهر الكريم: "اللهم اجعله هلال رشد وخيرا آمنت بالذي خلقك"، ثم يقول:" الحمد لله الذي ذهب بشهر شعبان وأتى بشهر رمضان".(1/6)
وكان -صلى الله عليه وسلم - يقف ليخطب في المسلمين في آخر يوم من شهر شعبان ويقول: " يا أيها الناس قد أظلكم شهر عظيم مبارك، شهر فيه ليلة خير من ألف شهر جعل الله صيامه فريضة وقيام ليله تطوعاً. مَنْ تَقَرَب فيه بخطوة من الخير كان كمن أدى فريضة فيما سواه وهو شهر الصبر، والصبر ثوابه الجنة، وشهر المواساة وشهر يزداد فيه رزق المؤمنين. مَنْ فَطَرَّ فيه صائماً كان مغفرة لذنوبه وعتق رقبته من النار وكان له مثل أجره من غير أن ينتقص من أجره شيء ". فقال الناس: يا رسول الله ليس كلنا يجد ما يفطر الصائم ؟ فأجابه رسول الله عليه الصلاة والسلام: " يعطي الله هذا الثواب لمن فطر صائما على تمرة أو شربة ماء أو مضغة لبن ".
وبين الصحابي الجليل عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه- فضائل خصها الله عزّوجل الصائمين في شهره فقال: سمعت رسول الله يوم أهل رمضان يقول: " لو يعلم العباد ما رمضان لتمنت أمتي أن تكون السنة كلها رمضان". وعن ثبوت رؤية هلال الصيام، يقول ابن عمر- رضي الله عنهما- عنه عن رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم : " لا تصوموا حتى تروا الهلال ولا تفطروا حتى تروه فإن غُمّ عليكم فاقدروا له".
المأمون والمصابيح(1/7)
... يرصد المسلمون جميعاً في كل بقاع الأرض هلال رمضان الكريم لتحديد بداية غُرّة الشهر المبارك فيقف الناس فوق سطوح المنازل والمناطق المرتفعة، واليوم يحدده لنا علماء الفلك عبر المراصد الدقيقة، وبعد رؤية هلال الصيام الكريم تُنار المساجد ويؤمها المصلون لأداء الصلوات فيها وتلاوة القرآن الكريم. وذكر أحمد بن يوسف الكاتب بأنّ الخليفة العباسي المأمون بن هارون الرشيد قد أمره بالكتابة ليحثوا الناس على الإكثار من المصابيح في شهر رمضان لما لها من فضل. ويقول أحمد بن يوسف: فما دريت ما أكتب ولا ما أقول في ذلك، إذ لم يسبقني إليه أحد، فاسلك طريقه ومذهبه، وأضاف: فبعد أن نمت أتاني آت فقال لي: أكتب فإن في ذلك أنسا للسابلة وإضاءة للمتهجدين، ونفيا لرمضان الريب،وتنزيها لبيوت الله عز وجل من وحشة الظلم.فانتبهت وقد انفتح لي ما أريد، فابتدأت بهذا وأتممت عليه وصف ابن يوسف القيرواني صاحب العمدة هلال الصيام:
لاحَ لِي حاجِبُ الهِلالِ عَشِيَّا
فتَمَنَّيتُ أنّهُ مِنْ سَحَابِ
قُلْتُ أهلاً، وليسَ أهلاً لما قُلْـ
تُ ولكن أسْمَعْتُها أصْحَابِي
... أما الشاعر ابن حمديس الصقلي فرحب بهلال رمضان قائلا:
قُلْتُ والنّاسُ يَرقُبونَ هِلالاً
يُشْبِهُ الصَبَّ مِنْ نَحَافةِ جِسْمِهْ
مَنْ يَكُنْ صَائماً فذا رَمضانُ
خَطَّ بالنُّورِ للورى أوَّل اسْمِهْ
المبحث الثاني
التهاني والتبريكات
يتبادل النّاس في كل مكان التهاني ويرسلون التبريكات عند مقدم شهر رمضان المبارك، وفي المناسبات الخاصة والعامة. ولمّا حلّ شهر الصيام علينا ضيفاً مُحملاً بالبركات والخيرات الوفيرة، والهداية الحقّة ورفع التهاني بحلوله بين الجهات الرسمية والشعبية ما يزال جارياً إلى يومنا هذا. ونجد أدبنا العربي قد حفل بالعديد من قصائد التهنئة أي - رسم التهنئات-وفي مقطوعات نثرية بليغة.
من القطع النثرية(1/8)
هنأ الأدباء والكُتّاب بقطع نثرية جميلة مرسلة حلول غُرة شهر رمضان الكريم، فكتب الإمام جعفر الصادق عليه السلام قائلاً: " الصوم جُنَّة من آفات الدنيا، وحجابٌ من عذاب الآخرة، فإذا صمت فإنّه بصومك كفُّ النفس عن الشهوات وقطع الهمة عن خطوات الشياطين".
وكتب الإمام الحسن البصري -رحمه الله- عن شهر الصيام قائلاً:" إنّ الله تعالى قد جعل رمضان مضماراً لخلقه، يَسْتَبِقُونَ فيه بطاعته، فسبق قوم ففازوا، وتخلف آخرون فخابوا فالعجب للضاحك اللاّعب في اليوم الذي فاز فيعه المسارعون، وخابَ فيه الباطلون، فالله الله عباد الله اجتهدوا أن تكونوا من السابقين ولا تكونوا من الخائبين، في شهر شرَّفَهُ ربّ العالمين ... .
أمّا الصاحب بن عبّاد فأرسل قطعة نثرية يهنئ فيها أحد الأمراء بمقدم شهر الطاعة والغفران جاء فيها:" كتابي أطال الله بقاء الأمير، غُرّة شهر رمضان، جعل الله أيامه غرّاء، وأعوامه زهراء، وأوقاته إسعاداً، وساعاته أعياداً، وأتاه في هذا الشهر الكريم مورده ومأتاه أفضل ما قسم فيه لمن تقبل أعماله فبلغه آماله ... ".
ومن القطع النثرية ما كتبه أبو الحسن سعد مُهنئاً أحد الأصدقاء بحلول شهر الصيام قائلاً: " جمع الله لمولاي في هذا الشهر الشريف، شروط آماله، وأحكام أماليه، في حاضر أمره وعاقبته، وعاجل دنياه وأخرته، وأبقاه لأمثاله بقاء لا يتناهى أمده في ظل عيش يرضاه ويحمده". وله أيضاً في تهنئة أحد الولاة بقوله: " عرف الله مولانا بركة هذا الشهر الشريف وأيامه، وأعانك على صيامه وقيامه، ووصل لكَ ما يزيد من فضله وإكرامه، وتابع لكَ المزيد من مَنائِحِه، وإنعامِهِ، وختم لكَ بالسعادة العظمى بعد الانتقال في الجّاهِ والرّياسةِ إلى أبعد المدى، وفي الخير والثروة إلى أقصى المُنى".(1/9)
ونقرأ من الأدب العربي الحديث تهاني لعدد من الأدباء، ومنهم لصاحب وحيّ القلم الأديب مصطفى صادق الرافعي الذي قال: " شهرٌ هو أيامه قلبية في الزمن، متى أشرفت على الدنيا قال الزمن لأهله: هذه أيام من أنفسكم لا من أيامي، ومن طبيعتكم لا من طبيعتي، فيقبل العالم كله على حالة نفسية بالغة السمو، يتعهد فيها النفس برياضتها على معالي الأمور ومكارم الأخلاق، ويفهم الحياة على وجه آخر غير وجهها الكالح، ويراها كأنما أجيعت من طعامها اليومي كما جاع هو".
وعبّر الأديب عباس محمود العقاد عن شهر رمضان شهر الإرادة قائلاً: "رمضان شهر الإرادة.. أدبه أدب الإرادة، وليست الإرادة بالشيء اليسير في الدين وما الخلق إلاّ تبعات وتكاليف، وعماد التبعات والتكاليف جميعا إنها تُنَاطُ بمريد ومن ملك الإرادة فزمام الخلق جميعاً في يديه".
تهاني الشعراء
وبعث الشعراء قصائد شعرية تضمنت تهانيهم بحلول أيام الصيام، ومن إضمامة الشعر الفواحة أبيات الشاعر ابن حمديس الصقلي الذي هنأ بها الأمير أبا الحسن علي ابن يحيى بحلول شهر رمضان:
... واقتَضَى الشَّهرُ من مَعَالِيكَ صُنْعَاً
... مُعْلِياً مِنْهُ هِمّةً باهتِمَامِ
وهنأ الصقلي قدوم الشهر الفضيل بقوله أيضاً:
صُمْتَ للهِ صَوْمَ خَرْقٍ هُمَامٍ
مُفِطِّر الكَفايا بالعَطايا الجِسَامِ
أطلعَ اللهُ للصِيامِ هِلالاً
ولنا مِنْ عُلاَكَ بَدْرَ تَمَامِ
... وهنأ بحلول رمضان بأبيات شعرية عبد الصمد بن بابك للصاحب بن عباد فكتب إليه:
... كَساكَ الصّومُ أعمارَ اللَّيالي
وأعقبكَ الغنيمةَ في المَآبِ
... ولا زالتْ سُعُودُكَ في خُلُوْدٍ
... تَبَارِي بالمَدى يومَ الحِسَابِ
وكتب الشاعر ابن دراج القسطلي مهنئاً :
... ويُهَنِيْكَ شهرٌ عند ذِي العَرشِ شَاهِدٌ
بأنّكَ بَرٌّ للصِّيامِ وُصَولُ
... فَوَفَّيتَ اجْرَ الصّابرينَ ولا عَدَا
مَسَاعيكَ فَوزٌ عَاجِلٍ وقَبُولُ
أما تميم بن المعز فقال في تهنئته بالشهر الكريم:(1/10)
ليُهنِئكَ أنِّ الصَوْمَ فَرْضٌ مُؤْكَدٌ
مِنَ اللهِ مَفْرُوْضٌ على كُلِ مُسْلمِ
وانّكَ مَفْرُوْضُ المَحَبَةِ مِثْلُهُ
علينا بِحَقٍ قُلْتَ لا بالتَّوَهُمِ
وبعث أحد الشعراء الأبيات التالية مُهنئاً صديقه بحلول شهر رمضان:
... شَهْرُ الصِّيام جرى باليُمْنِ طَائِرُهُ ودَامَ قَصْرُكَ مَرْفُوعاً مَجَالِسُهُ
... عَليكَ مَاجِدُ بَادِيْهِ وحَاضِرِهِ لِزَائِرِيْهِ وَمَنْصُوْبَاً مَوَائِدُهُ
المبحث الثالث
التوحيش.. الوداع
اعتاد مؤذنو المساجد والجوامع في الأيام الأواخر من شهر رمضان الكريم، أنْ يودعوه بكلمات ذات نبرات مؤسية، ونغم حزين، لها وقعها على آذان السامعين، حيث يكون الضيف الكريم قد جهزّ نفسه ليودعنا بعد أن حلّ بين ظهرانينا حاملاً معه الخير والعطاء، والأجر والثواب وهو أكرم الشهور، شهر الله وشهر القرآن المنزل على خاتم الأنبياء والمرسلين عليه الصلاة والسلام. وقد رددّ المؤذنون من المأثور عن الوداع- التوحيش- قائلين:
لا أوحشَ الله منك يا رمضان؟
لا أوحشَ الله منك ياشهر القرآن
لا أوحشَ الله منك ياشهر الصيام
لا أوحشَ الله منك ياشهر القيام
لا أوحشَ الله منك ياشهر الكرم والجود
لا أوحشَ الله منك ياشهر الولائم
لا أوحشَ الله منك ياشهر العزائم ...
وقال الخوارزمي في معنى: "لا أوحش الله منك"، أي لا أذهبك الله، فتوحش أحباءك من جانبك بالفراق، ومنه قول الشاعر الأبله البغدادي:
مَادَامَ جُودُ يَدَيْكَ مَوْ جُوْداً فما مَاتَ الكِرَام
لا أُوحَشَتْ دَارُ السّلا مِ مِنْ ارتيَاحِكَ والسَّلام
وأشار أبو العلاء المعري إلى ذات المعنى ببيته القائل:
لا أوْحَشَتْ دَارك من شَمْسِها ولا خَلا غَابُكَ مِنْ أُسْدِه
مقطوعات نثرية(1/11)
وكتب الكُتّاب العرب مقطوعاتً نثريّة، بيَّنوا في ثناياها بأسلوبهم وبيانهم الرشيق ألم الفراق الذي سيتركه الشهر الفضيل وهو يشد رِحاله مودعاً على أمل العودة في العامالقادم، فكتب أحدهم عن تلك اللحظات الأليمة على نفوس الصائمين قائلاً:
" يا شهر رمضان أين أرباب القيام؟ أين المجتهدون في جنح الظلام ؟ أين الذين يهجرون المنام؟ وتمنوا لو كان رمضان على الدوام ذهبوا إلاَّ قليلاً منهم فعليهم السلام، كانوا قليلاً من الليل يهجعون و بالأَسْحَارِ هم يستغفرون".
وكتب آخر عن لحظات الوداع لأيام التلاوة والذكر والصيام والقيام بقوله: " ياشهر رمضان، أين أرباب القيام، أين المجتهدون في جُنْحِ الظلام؟ أين الذين يهجرون المنام؟ ويتمنون لو كان رمضان على الدوام؟ ذهبوا إلاّ قليلاً منهم فعليهم السلام كانوا قليلاً من الليل يهجعون، وبالأسحار هم يستغفرون؟
وداع الشعراء
أودع الشعراء العرب في وداع شهر رمضان الكثير من القصائد الشعرية عبر العصور الأدبية المختلفة، والتي توضح اهتمامهم بهذا الشهر وما يتركه في نفوسهم من حسرة على أيامه المباركات، فقال بعض الشعراء القدامى، وهو ماكان يهتف به من مآذن المساجد، ويسمعه الصائمون في كل مكان:
ياصَائِمِي رَمَضانَ فُوْزُوا بالمُنَى وتَحَقَّقُوا نَيْلَ السَّعادةِ والغِنَى
وَثِقُوا بِوَعْدِ اللهِ إذْ فيهِ الهَنَا أوَ ليسَ هذا القَوْلُ قولَ إلهِنَا
الصومُ لي وأنا أجزي بهِ
مَنْ صَامَ نالَ الفَوزَ من رَبِّ العُلا وَبِوَجهِهِ أضْحَى عَلَيهِ مُقَبِّلا
يَامَنْ يَرُومُ تَوَسُّلاً وتَوصُّلاً صُمْ رَغْبَةً في قولِ ربٍّ قَدْ عَلا
الصومُ لي وأنا أجزي بهِ
وكتب الشاعر الأبيوردي قصيدة في مدح الوزير رشيد الدولة ابن أبي الفرج، مودعاً شهر الصيام الكريم، ذاكراً في أبياتها محاسن رمضان، وكونه ليس أول من يرحل عنه ويتركه فقال فيها:
صَوْمٌ أغارَ عليهِ فِطْر كالنَجْمِ بَزَّ سَنَاهُ جَمْر(1/12)
بِنْ ياصِيَامُ فَلَمْ تَزَلْ فَرْعَاً لهُ الإفطارُ نَجْر
ولهُ الشُّهُورُ وإنّما لكَ مِنْ جميعِ الحَوْلِ شَهْر
ما كنتَ أوّلَ راحِلٍ ودَّعتَ والزَّفَراتُ جَمْر
كالظَّعنِ ليلةَ فاحَ في جَيْبِ التَنُوفَةِ منهُ عِطْر
بَدَأوا بأخذِ قُلُوبِنا زَاداً وقَالوا نَحْنُ سَفر
ومَضُوا وما بِقِبَابِهِم إلاّ عَجَاْجُ الخيَلِ سِتْر
وبيّن أحد الشعراء في قصيدته كيف سيكون مآلهم، عندما يودعون أيام الصيام، فهل ستقبل أعمالهم أم لا؟ فقال:
أيُّ شَهْرٍ قَد تَوَلَّى يا عِبَادَ اللهِ عنّا
حَقَّ أن نَبْكِي عَلَيهِ بِدمَاء لو عَقِلْنَا
كيفَ لا نَبْكِي لِشَهرٍ مَرّض بالغَفْلَةِ عنّا
ثُمَّ لا نَعْلَمُ إنّا قَدْ قُبِلْنَاَ أو طُرِدْنَا
ليتَ شِعْرِي مَنْ هُوَ المَحْ رُومُ والمطرود منّا
وَمَن المَقبولُ مِمّن صَائِمٌ مِنّا فَيَهْنا
الفصل الثاني
بين اللغة والأدب العربي
المبحث الأول: رمضان والصوم
المبحث الثاني: في الفطور الرمضاني
المبحث الثالث: مفاكهات الصائمين
المبحث الأول
رمضان والصوم
حفل اسم رمضان والصوم والصيام العديد من الاهتمامات التي سطرها المصنفون العرب في مؤلفاتهم التي تركوها خلال العصور الإسلامية، لاسيما في كتب التاريخ والتراجم وفي دواوين الشعراء، وعند اللغويين والكُتّاب أصحاب البلاغة والبيان.
رمضان في اللغة
هنالك اختلاف في اسم رمضان عند علماء اللغة السمحة. فيعني الفعل رَمَضَ: الحجارة، والرَمْضَاء هي: الأرض الشديدة الحرارة من وهج الشمس. وقال النبي محمد صلى الله عليه وسلم: " صلاة الأوّابين إذا رَمَضَتْ الفصال "، أي إذا أحرقت الرمضاء لِخِفَافِها فَبُورِكت من شدة الحرِّ. وتكون صلاة الأوّابين في وقت الضحى.(1/13)
وشاءت المصادفات أن كان الوقت حاراً عندما أرادت العرب تسمية الشهور فسميّ الشهر ذاك بشهر رمضان. ويقال رَمَضَتْ النصل، إذا دفعته بين حجرين لِيَرُّقَ، وسميَّ رمضان لأن العرب كانوا يَرْمِضُوْنَ فيه أسلحتهم استعداداً للقتال في شهر شوال الذي يسبق الأشهر الحرم.
وقد أطلق رَمَضَانُ على شهر الصيام لأنه يَرْمِضُ الذنوب أي يحرقها أما عند الخليل بن أحمد الفراهيدي فإنه: مشتق من الرمضاء وهو:مطر يأتي قبل فصل الخريف.
في الصوم ...
واشتُق الصوم في اللغة العربية من المصدر، صامَ يصوُمُ ومن مصادره: الصيام فتقول: رجل صائم وصَوْمَان على الوصف بالمصدر، وهو ما يوصف به المذكر والمؤنث والمفرد والمثنى والجمع. ويجمع الصائم على: صُوّام وصِيّام وصُوَّم وصِيَّم وصَيامَى، وتدور جميعها حول الأصل، ففي قولنا: صامَ الرجل، امتنع وفي قول الحق تعالى على لسان مريم في سورة مريم/26 :" إنّي نَذَرْتُ للرَّحْمَنِ صَوْمَاً فَلَنْ أُكَلِّمَ اليَوْمَ إنْسِيَّا"، بمعنى امتنع، لأن المراد بالصوم بالآية المباركة هو الصمت والامتناع عن الكلام.
ابن الجوزي والشهور
... إنّ لشهر الصيام طقوساً ونكهة يتذوقها المسلمون طيلة أيامه الكريمات. ولرمضان عند السلف في ماضي أيامه أثار عن فضائله وتفرده عن سائر شهور السنة كلها. فقال وكيع في تفسير قوله تعالى: " كُلُوا واشْربُوا هَنِيْئاً بِمَا أَسْلَفْتُم في الأيَّام الخالية". إنّها أيام الصوم تركوا فيها الأكل والشرب. وروي عن قتادة انه كان يقول: "مَنْ لم يغفر له في شهر رمضان فلن يغفر له في غيره".(1/14)
ولبيان منزلة رمضان بين أشهر السنة والفصول نشير إلى ما كتبه الإمام ابن الجوزي في بستان الواعظين فقال: " مثل الشهور الاثني عشر، كمثل أولاد يعقوب،وكما أنّ يوسف أحب أولاد يعقوب إليه، كذلك رمضان أحب الشهور إلى الله وكما غفر لهم بدعوة واحدة منهم وهو يوسف كذلك يغفر الله ذنوب أحد عشر شهرا ببركة رمضان". وقال الرازي عن الشهر المبارك: " إنّ الله سبحانه وتعالى خصه بأعظم آيات الربوبية، وهو أنه أنزل فيه القرآن فلا يبعد أيضا أن يخصصه بنوع عظيم من آيات العبودية، وهو الصوم".
أمّا أبو بكر الورّاق فكتب في منزلة رمضان بين شهور السنة: " مثل رجب مثل الرياح،شعبان مثل السحاب ورمضان مثل المطر". كذلك نقرأ ما قيل بحق شهر القرآن الكريم،شهر الطاعة والغفران بأنّ: "رجب خُصّ بالمغفرة من الله وشعبان بالشفاعة، ورمضان بتضعيف الحسنات".
الشعراء ورمضان
... ويدور شهر الصوم على المسلمين عِبْرَ أيام السنة كلها فيصومه المسلمون في كل الفصول وكان الشعراء أكثر اهتماماً بنظم القصائد إذا جاء شهر رمضان في فصل الربيع، فصل البهجة والسرور، أما فصل الصيف اللاهب فيومه طويل وحرّه يفضي إلى العطش والتعب عندهم، على الرغم من أنّنا نصوم أيامه في عزّ الشتاء الماطر. وقد أنشد الشاعر السَريّ الرفّاء في طول أيام الصيام:
... إذا طالَ شَهرُ الصَّومِ قَصَّرتُ طُولَه
بِحَمْرَاءَ يَحكي الجُلّنارَ احمِرَارُها
يُقصِّر عُمْرَ الليلِ _ إنْ طالَ- شِرْبُها
ويَعْمَلُ في عُمْرِ النَّهارِ خِمَارُها
... ورسم لنا الشاعر ابن الحجاج رمضان بصورة ثانية إذا حلّ ضيفاً علينا في شهر آب اللهَّاب – أغسطس- فيقول في هذا البيت:
شهرٌ أراهُ يلجَّ مَعَ مَنْ
يغتاظُ من طولِهِ ويُدْرِدِ
... كذلك يقول ابن عون الكاتب في أيام الصوم عند حلولها في فصل الربيع النضر:
... جَاءَنا الصّومُ في الرَّبِيعِ فَهَلاّ
اختارَ رَبْعاً من سَائِرِ الأرْبَاعِ
... وكأنَّ الرَّبيعَ في الصّومِ عِقْدٌ(1/15)
فوقَ نَحْرٍ غَطّاهُ فَضْلُ قِنَاعِ
... ثم نعود إلى شهر آب وأيامه الحارة لنتمثل ذلك في قول ابن الرومي:
... شَهْرُ الصّيامِ مُبَارَكٌ
ما لم يَكُنْ في شَهْرِ آب
خِفْتُ العَذَابَ فَصُمْتُهُ
فَوَقَعْتُ في نَفْسِ العَذَاب
... وبيَّن الشاعر بشار بن بُرد شدة تعبه من الصوم والجهد ونحول جسمه أيام رمضان فقال:
... قُلْتُ لَشَهْرَ الصّيامِ انْحَلْتَ جِسْمِي
فمتى يا تُرَى طُلوعُ الهِلالِ
... اجْهِدِ الآنَ كلّ جُهْدِكَ فِيَنا
... سَنَرَى مَا يَكُونُ في شَوّالِ
***
المبحث الثاني
في الفُطور الرمضاني
... يكثر في أيام رمضان استعمال لفظ، الفطور والإفطار، ومدفع إفطار . . ومتى يحين فطور هذا اليوم وسواها الكثير. فنقول في لغتنا السمحة: فطر الصائم _ من باب نقر. افطر، أكل وشرب، والاسم الفطر، وفطّرته، وافطرته. ورجل فَطِر، أي مفطور، وهو مصدر في الأصل _ ونقول، افطر الصائم، حان له أن يُفْطِر، ودخل في وقت الإفطار، والفطور، ما يفطر عليه، وكذا الفطوري.
... أما وقت الإفطار فيكون إذا تحقق غروب الشمس بالرؤية، بإخبار عدل أو عدلين، أو تيقن الغروب باجتهاد بيِّن. وإذا كان الرسول الكريم - صلى الله عليه وسلم- صائما، أمر رجلاً فأوفى على كل شيء، فإذا قال: غربت الشمس افطر. وقال عليه الصلاة والسلام: " إذا اقبل الليل من هاهنا ، وأدبر النهار من ههنا، فقد افطر الصائم ". ومن السنة النبوية الشريفة تعجيل الفطر بقوله -عليه الصلاة والسلام-: " لا تزال أمتي بخير ما عجلوا الإفطار، وأخروا السحور ". أو قوله:" لا تزال أمتي على سنتي، مالم يفطروا بفطرهم طلوع النجوم".(1/16)
... وعن أبي عطية قال: دخلت أنا ومسروق إلى عائشة رضي الله عنها فقال لها مسروق، رجلان من أصحاب محمد - صلى الله عليه وسلم _ كلاهما لا يألوان عن الخير، أحدهما يُعجِّل الإفطار، والآخر يُؤخِّر المغرب والإفطار. فقالت، من يعجل المغرب والإفطار؟ قال، عبد الله بن مسعود. فقالت، وهكذا كان رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يصنع. وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم قال الله عز وجل : احب عبادي إليَّ أعجلهم فِطْراً". وعن أنس قال: ما رأيت النبي _ صلى الله عليه وسلم _ قط صلّى المغرب حتى يفطر، ولو كان على شربة ماء".
شيء عن الفطور
نجد لمائدة رمضان المبارك أهمية عند الصائمين في كل مدن الإسلام،حيث يرقب الصائم غروب الشمس وإعلان مدفع الإفطار لبدء الإفطار طيلة أيام الصوم الثلاثين. يقول الحقّ تعالى في سورة الإنفطار/1: "إذا السَّماءُ انفَطَرَت"، أي انشقت وقوله الجليل: "هل ترى من فطور ". ففطره بمعنى شقه، وورد في الحديث الشريف أنّه عليه الصلاة والسلام قام حتى تفطرت قدماه، أي انشقتا. ويقال أيضاً: تفطرت وانفطرت بمعنى واحد ومنه أخذ:فطر الصائم لأنه يفتح فاه.والفطور:ما يفطر عليه الصائمون قال النبي عليه الصلاة والسلام:" إذا أقبل الليل وأدبر النهار فقد أفطر الصائم" أي دخل وقت الفطر وحان له أن يفطر.
... وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أفطر في أيام شهر رمضان قال:"ذهب الظمأ وابتلت العروق وثبت الأجر إن شاء الله". ودعا عليه الصلاة والسلام عند الإفطار أيام الصيام بقوله الشريف: الحمد لله الذي أعانني فصمت ورزقني فأفطرت. وقد حثّ النبي الكريم صلّى الله عليه وسلّم المسلمين على وجوب تعجيل الإفطار أيام رمضان فعن سهل بن سعد رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:" لا يزال الناس بخير ما عجلوا الفطر".(1/17)
وكان النبي محمد صلى الله عليه وسلم يفطر قبل أن يصلي المغرب،وكان إفطاره على رطبات- تمر- إنْ وجدها، فإن لم يجدها فعلى حسوات من ماء أو لبن وهذا ما يفعله أغلب المسلمين في كل مكان ولنردد قول رسول الله صلى الله عليه وسلم في كل يوم رمضاني عند الفطور حين أفطر عند الصحابي الجليل سعد بن معاذ رضي الله عنه : أفطر عندكم الصائمون وأكل طعامكم الأبرار وصلت عليكم الملائكة.
الجوع
... يبقى الصائمون أيام رمضان الكريم ممتنعين عن تناول الطعام والشراب منذ وقت السحور إلى غياب قرص الشمس وقت الغروب، إضافة إلى تحلي الصائم بالأخلاق الحميدة الأخرى التي يجب أن يحافظ عليها كل صائم وصائمة. فالجوع نقيض الشبع..والفعل:جاع يجوع جوعاً وجوعة ومجاعة فهو: "جائع وجوعان والمرأة جوعى وهو الجمع ومثله : جياع وجُوَّع، وتقول العرب: جِعْتُ إلى لقائك وعطشت إلى لقائك".(1/18)
وقاسى النبي عليه الصلاة والسلام مع أصحابه الكرام الجوع وألمه القاسي الشديد، فلقد جاعوا وهذّبوا أنفسهم لتذل وتتهذب على الإحساس بجوع فقراء الناس، وهذا من ميزات رمضان إذ يحسّ الصائم الميسور الحال بأحوال إخوانه وجيرانه وأبناء مدينته من المحاويج الفقراء، وهم على هذه الحال طوال حياتهم. يقول رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: " عُرِضَت عليَّ مفاتيح خزائن الدنيا، وكنوز الأرض فرددتها وقلت أجوع يوماً وأشبع يوماً، أحمدك إذا شبعت وأتضرع إليك إذا جعت". وكان المصطفى -عليه الصلاة والسلام- يدخل على أهله ويسألهم: هل عندكم شيء فإن قالوا نعم أكل، وإن قالوا لا قال إنّي صائم. وهكذا سار الخلفاء الراشدون على هَدْيِّ النبي العظيم، ومثلهم الصحابة والتابعون رضي الله عنهم أجمعين. وقال النبي محمد -صلى الله عليه وسلم- في بيان الالتزام بالصيام ومعرفة الآداب الإسلامية للصائمين في قول وفعل وليس في عدم الأكل والشرب: "كم من صائم ليس له من صيامه إلاّ الجوع والعطش"، أو قوله الكريم في حديث آخر: "من لم يدع قول الزور والعمل به فليس لله حاجة في أنْ يدع طعامه وشرابه".
التّمرُ(1/19)
تحفل موائد الإفطار بألوان وأصناف من الأطعمة الرمضانية الخاصة به، ومن ضمن مائدة الفطور وجود التّمر، وقد شرِّع الإفطار على التمر، كونه حلواً وكل حلو يقويّ البصر الذي يضعف بالصوم. وحضّ رسول الله- صلى الله عليه وسلم – المسلمين أن يبدأوا فطورهم على التّمر، وهذا نابع من شفقته على المسلمين ونصحهم جميعا. وقال صلى الله عليه وسلم: " بيت لا تمر فيه جياع أهله ". وثبت عنه: أنه أكل التمر بالزبد، وأكل التمر بالخبز، وأكله مفرداً. وكان -عليه الصلاة والسلام -في غير رمضان يستحب إذا أفطر أن يكون على لبنٍ، وفي رمضان كان لا يصلي المغرب حتى يفطر، وعن أنس أنّه قال: " كان رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يفطر على رطبات قبل أن يصلي، فإن لم تكن رطبات فتمرات، فإن لم تكن تمرات، حَسَا حسوات من ماء". وعن السيدة عائشة أم المؤمنين- رضي الله عنها- أنّها قالت: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم- رأيت عمر -رضي الله عنه- يلقي إليه الصّاع من التّمر، فيأكله حتى حشفه. وفي يوم عيد الفطر كان يطعم قبل أن يخرج إلى المصلى وكان يأكل تمرات". وكان عليه الصلاة والسلام يحبُّ العراجين ويكثر منها. ويقول في التمر:" نِعْمَ غذاء المُؤمِن الحَفْنَة من التّمر". وللتّمر خاصية عجيبة، لا سيما تّمر المدينة، خاصة العجوة منه، وهو غذاء فاضل حافظ للصحة، ولا سيما لمن اعتاد الغذاء به كأهل المدينة وغيرهم. فالتمر لهم يكاد يكون بمنزلة الحنطة لغيرهم وهو قوتهم ومادتهم. ويُعد تّمر العالية من أجود أصناف تّمور، ويكون عندهم بمثابة الحنطة لغيرهم فهو شديد الطعم صادق الحلاوة.
***
المبحث الثالث
مفاكهات الصائمين(1/20)
كان لشهر الصوم مع الناس عبر أيامه المتعاقبات مواقف جادة وأخرى طريفة. وروت لنا أسفار الأدب والتراث العربي الكثير من تلك المفاكهات التي حصلت في رمضان، فاسمه رمضان له رنّة فرح وترنيمة عذبة على شفاه الصائمين، حيث تعقد في لياليه المجالس وتدار فيه الأمسيات، لتروى خلالها الحكايات والقصص وكلّ الطرائف والظرائف، ومن تلكم النوادر والمفاكهات التي جرت وقائعها أيام الصيام شذرات مما خلده الأدباء والشعراء في تلك الأيام والعصور السالفة.
من المفاكهات
جاء رجل إلى الصحابي أبي هريرة رضي الله عنه في شهر رمضان فقال له :دخلت دارا فأطعموني ولم أدر ؟ فقال له :أطعمك الله وسقاك.أي لا عليه إثم لأنه نسي أنه صائم في رمضان . وقيل لمزيد المدني: صوم يوم عرفة يعدل صوم سنة؟فصام إلى الظهر،وقال:يكفيني ستة أشهر فيها رمضان !
كذلك صعد ناس ليلة لمشاهدة هلال الصوم، لكنهم لم يروه،فلما همّوا بالانصراف شاهده صبي وأرشدهم إليه فقال له أحدهم: بشِّر أُمكَ بالجوع المضني! ورويّ أنّ أعرابياً مرَّ ذات يوم وهو يحمل رغيفاً من الخبز برجل صائم يحمل سيفا، فقال الأعرابي: أتبيعني سيفك برغيفي فأجابه الرجل: أمجنون أنت؟ فقال الإعرابي: وما أنكرت متى؟ أنظر إلى الرغيف والسيف أيهما أحسن أثراً في البطن.
وقد خرج أبو عيسى بن جبريل إلى متنزه ببغداد ومعه الحسن بن هانئ- أبو نواس- في آخر شهر شعبان، فلما كان اليوم الذي أوفى به شهر شعبان على الثلاثين قيل له: إنّ هذا يوم شك وبعض أهل العلم يصومه، فقال: لاعليك ..ليس الشك حجة على اليقين؟
مع الفقيه(1/21)
وجاء رجل يوماً إلى فقيه للفتوى في شهر رمضان فقال له: لقد أفطرت يوما بعذر؟ فأجابه الفقيه: أقضِ يوماً؟ قال الرجل: قضيت وأتيت أهلي وقد صنعوا –ميمونة- فامتدت يدي إليها وأكلت منها. قال الفقيه: اقضِ يوما آخر. قال الرجل: قضيت وأتيت أهلي وقد صنعوا- هريسة- فسبقتني يدي إليها وأكلت منهافقال الفقيه للرجل: الرأي إنك لا تصوم إلا ويدك مغلولة إلى عنقك؟
أشعب والجَدْيّ
وقال المدائني: إنّه كان لزياد بن عبد الله الحارثي جَدْيٌّ لا يمسّه أحدٌ فعشَّى قوماً في أحد أيام رمضان فيهم أشعب. فعرض أشعب للجَدْيِّ من بين القوم. فقال زياد حين رفعت المائدة: أما لأهل السجن إمام يصلي بهم؟
فقالوا: لا
... قال: فليصل بهم أشعب
فقال أشعب: أو غير ذلك أيها الأمير؟
... قال: ما هو؟
... قال أشعب: لا آكل لَحْمَ جَدْيّ أبداً !
الرجل البخيل
... كذلك قيل لبعض الناس: كيف صنعتم في رمضان؟ فأجابهم: اجتمعنا ثلاثين رجلا فصمناه في يوم واحد واسترحنا فيه. ومن مفاكهات شهر الصيام أنّ رجلاً بخيلاً كان يصوم الاثنين، فأنشد أحد الشعراء فيه قائلاً:
... أزُورُكَ يَوْمَ الصّومِ عِلْماً بأنّني
إذا جِئْتُ يِوماً غَيْرَه لا أُعْلِّمُ
... مَخافةَ قولِي:إنّني جِئْتُ جَائِعاً
ولو قُلتها أيضاً لما كُنْتُ أُطعَمُ
بين نصيب والأحوص
... يروى أن نصيباً الشاعر دقّ على الشاعر الأحوص بابه، فأبطأ عليه، وكان الأحوص حين سمع صوته راح يخفي ما كان أمامه من طعام وشراب حتى لا يراه نصيب مفطرا في شهر رمضان. فلما فتح الأحوص الباب، خاطبه نصيب قائلاً:
أراك أبطأت عليَّ ؟ فأجابه الأحوص: كنتُ أقضي حاجة. فقال له نصيب: وأين عبيدك يفتحون لي، إنّما كنت تأكل وكنت تخشى أن أراك، فأنشد الأحوص قائلاً:
اللهُ ربّي يَغْفِر الذُنُوبَا فَلا تَكُنْ من دُوْنِه رَقيبا
إنْ شِئْتَ قَدَّمْنّا لكَ الحليبا وإنْ تَشَأ فالرَّطَبَ العَجيبا
مِنْ هَجَرٍ جِئْنا بهَِ رَغيبا نُغْرِي بهِ العُيونَ والقُلوبَا(1/22)
- وأنشد الشاعر نصيب رداً على الأحوص قائلاً:
كُلْ ما تشاءُ إننّي لصَائِمُ واللهُ رَبّي بالقُلوبِ عَالِمُ
والنَارُ فيها لذُنُوبٍ جَاحِمُ وكيفَ يَنْجُو في الحِسَابِ الآثِمُ
إنّي على ذَنْبِي لَدَيْهِ نَادِمُ وليسَ لِي مِنْ نَوْمِ رَبّي عَاصِمُ
ومن طرائف الصيام أنّ أحدهم سأل طفيلياً ذات يوم: أي سورة تعجبك في القرآن؟ فأجاب: سورة المائدة. وقيل له: فأيّ الآيات منها؟ فقال له: " ذَرْهُم يَأكُلوا ويَتَمَتَّعُوا"، سورة الحجر/3
***
الفصل الثالث
ابتهالات الروح
المبحث الأول: تلاوة الذكر الحكيم
المبحث الثاني: فضائل رمضان
المبحث الثالث: الجُود والإنفاق
المبحث الأول
تلاوة الذكر الحكيم
... يحرص صائمو رمضان المبارك خلال أيامه الكريمة على تلاوة الذكر المجيد، ويبدأوا بتلاوته ليختموه في اليوم الثلاثين، لما لكتاب الله الجليل من فضل وأجر وهداية لقارئه ومرتله ودارسه. ونرى أنّ القرآن العظيم قد حث المسلم على قراءته وتدبر آياته، ومعرفة أحكامه.
ولبيان فضل كلام الله الكريم، روى الصحابي الجليل أبو موسى الأشعري رضي الله عنه، عن رسول الله عليه الصلاة والسلام إنه قال:" مثل الذي يقرأ القرآن كأترجة طعمها طيب وريحها طيب، والذي يقرأ القرآن كالثمرة طعمها طيب ولا ريح لها ومثل الفاجر الذي يقرأ القرآن كمثل الريحانة ريحها مر وطعمها مر ومثل الفاجر الذي لا يقرأ القرآن كمثل الحنظلة طعمها مُرّ ولا ريح لها".
حُسْنُ التلاوة(1/23)
أما عن حسن تلاوة القرآن العظيم، فقال النبي عليه الصلاة والسلام في حديث شريف:" الماهر بالقرآن مع الكرام البررة، وزينوا القرآن بأصواتكم"، وعن استذكار كتاب الله العزيز، فرويّ عن ابن عمر -رضي الله عنهما- أنّ رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قال: " فإنما مثل صاحب القرآن كمثل صاحب الإبل المعقلة، إنْ عاهد عليها أمسكها وإنْ أطلقها ذهبت". وروى ابن مسعود -رضي الله عنه- أنّ النبيّ -صلى الله عليه وسلم- قال: أقرأ عليّ القرآن فقلت: يا رسول الله أقرأ عليك وعليك أنزل؟ قال: إنّي أُحِبُ أنْ أسمعه من غيري، فقرأ عليه سورة النساء حتى جئت إلى هذه الآية، سورة النساء/41: " فَكَيْفَ إذا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ على هُؤلاءِ شَهِيدا". قال: حسبك الآن، فالتفت إليه فإذا عيناه تذرفان. وعن أبي موسى الشعري –رضي الله عنه- أنّ رسول الله –صلى الله عليه وسلم- قال: " لقد أوتيت اليوم مزماراً من مزامير آل داود".
بسم الله ...
... نستفتح قراءتنا لسور القرآن العظيم بلفظ: بسم الله الرحمن الرحيم، عدا سورة براءة والسبب في سقوطها منها أنّه كان من شأن العرب في الجاهلية إذا كان بينهم وبين قوم عهد وأرادوا نقضه، كتبوا لهم كتاباً، وقد يكتبون فيه البسملة، ولما نزلت سورة براءة بنقض العهد الذي كان للكفار، قرأها عليهم الخليفة الراشد علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- ولم يبسمل على ما جرت عليه عاداتهم. وقد سأل ابن عباس رضي الله عنهما علياً عن ذلك فأجابه بقوله: لأنّ البسملة أمان.
وكان الصحابي الجليل سعيد بن المسيب يستفتح قراءة القرآن ببسم الله الرّحمن الرّحيم ويقول: "إنّها أوّل شيء كتب في المصحف، وأوّل الكتب، وأوّل ما كتب به سليمان بن داود".
معاني الكتاب ...(1/24)
... ونجد من خصائص كتاب الحقّ تعالى كثرة أسمائه، وكثرة الأسماء تدل على شرف المسمى لذا سماه عزّ وجل بخمسة وخمسين اسماً، وهو أعلى الكتب المنزلة على الرسل والأنبياء، وسُمِيّ القرآن كتاباً كقوله تعالى في سورة غافر/1: " حَم والكِتابُ المُبينُ". وسمّاه قرآناً في سورة الواقعة/77: " إنّهُ لَقرآنٌ كَرِيمٌ "، وهو رحمة في سورة يونس/58: " قُلْ بِفَضْلِ اللهِ وبِرَحْمَتِهِ وبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مّمّا يجمَعُون". وشفاء في سورة الإسراء/82: "ونُنَزِّلُ مِنَ القُرآنِ ماهُوَ شِفَاءٌ ورَحْمَةٌ للمؤمِنِينَ". وقال جلّ جلاله عن القرآن العظيم بأنّه العُروة الوثقى في سورة لقمان/256: " فَقَد استَمْسَكَ بالعُرْوَةِ الوُثْقَى". ومن أسمائه في القرآن أيضاً النبأ العظيم في سورة النبأ /2: " عَمَّ يَتَساءَلُون عَنِ النَّبأ العَظِيمِ"، وسُمِيَّ الزبور في سورة الأنبياء/ 105: " وَلَقَد كَتَبْنَا في الزَّبُورِ مِن بَعْدِ الذِّكرِ أنَّ الأرضَ يَرِثُها عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ". والقرآن المعجز هو الحبل، يقول عزّ من قائل في سورة آل عمران/103: " واعتَصِمُوا بِحَبْلِ اللهِ جَمِيعاً ولا تَفَرَّقُوا ". ودستور المسلمين هو البشير والنذير لهم في سورة فُصلّت/4: " بَشِيرَاً ونَذِيْراً فأعرَضَ أكثَرُهُم فَهُمْ لا يَسْمَعُونَ". وكتاب الله الهادي للتي هي أقوم في سورة الإسراء/9:" إنّ هذا القُرآنَ يَهْدِي للَّتِي هِيَ أقْوَمُ ويُبَشِّر المُؤمِنِينَ".
" لا تسافروا بالقرآن ... "
أكد القرآن المعجز، على تذكره، وتلاوته وتدبر معانيه، وفهمه، بل ومعرفة كل حرف من حروفه المباركة. ولكون العلماء ورثة الأنبياء، فإنّ أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يكرهون أن يأخذ المعلم أجراً على تعليم الغلمان، وكانوا يكرهون بيع المصحف الشريف لأنهم يرونه شيئاً عظيماً.(1/25)
ونهى النبي صلى الله عليه وسلم عن حمل كتاب الله إلى أرض العدو، فيقول:" لا تسافروا بالقرآن إلى أرض العدو فإنِّي أخاف أن يناله العدو". ويروى عن ضرار بن عمرو عن الحسن أنّه قال عن قُرَّاء القرآن الكريم: قُرَّاء القرآن ثلاثة: رجلٌ اتخذه بضاعة ينقله من مِصْرٍ إلى مِصْرٍ -الجمع أمصار- يطلب به ما عند الناس، وقد حفظوا حروفه، وضيعوا حدوده، واستبدروا به الولاة، واستطالوا به على أهل بلادهم ورجل قرأ القرآن فبدأ بما يعلم من دواء القرآن فوضعه على داء قلبه، فسهر ليله وهملت عيناه تسربلوا الخشوع وارتدوا الحزن، وذكروا فيه محاريبهم وجنوا في برانسهم فيهم يسقي الغيث، وينزل النصر ويرفع البلاء، والله لهذا الضرب في حملة القرآن من الكبريت الأحمر".
***
المبحث الثاني
فضائل رمضان
... فرض صيام شهر رمضان في السنة الثانية من الهجرة المباركة على المسلمين، وهو موسم عبادة وذكر وقيام وتلاوة، واعتكاف في بيوت الله تعالى. وقد بينت السنة الشريفة المطهرة فضائل هذا الشهر العظيم بأحاديث صحيحة عن شارع الأمة رسول الله وخاتم الأنبياء والمرسلين صلى الله عليه وسلم.
خمس خصال
وأشار النبي -عليه الصلاة والسلام- في حديث شريف إلى بعض خصال شهر رمضان بقوله: " أعطيت أمتي خمس خصال في شهر رمضان لم تعطهن أمة قبلها.. خلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك، وتستغفر لهم الملائكة حتى يفطروا .. وتصفد فيه مردة الشياطين، ويزين الله تعالى كل يوم الجنة، ويقول: يوشك عبادي الصالحون أن يكف عنهم السوء والأذى، ويغفر لهم في آخر ليلة منه، قيل: يا رسول الله، أهي ليلة القدر؟ قال: لا، ولكن العامل يوفي أجره إذا قضى عمله".(1/26)
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله –صلى الله عليه وسلم-: ثلاثة لا ترد دعوتهم، الصائم حتى يفطر، والإمام العادل، ودعوة المظلوم يرفعها الله فوق الغمام، وتفتح لها أبواب السماء، ويقول الربّ- وعزتي وجلالي لأنْصُرنّك ولو بعد حين".
وعن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" إذا كانت أول ليلة من شهر رمضان نادى الجليل- جلّت قدرته- رضوان خازن الجنّة، فيقول: لبيك وسعديك فيقول: أدخل جنتي وزينها للصائمين من أمة محمّد ولا تغلقها حتى ينقضي شهرهم. ثم ينادي: يا مالِك - خازن النار- فيقولك لبيك وسعديك، فيقول: أغلق أبواب جهنّم عن الصائمين من أمة محمّد، ولا تفتحها حتى ينقضي شهرهم. ثم ينادي يا جبريل فيقول لبيك وسعديك فيقول: انزل إلى الأرض وصَفِّد وغَلِّل المَرَدَة عن أمة محمّد، لَئِلا يُفْسِدُوا عليهم صومهم وإفطارهم".
موسمُ خصبٍ للعبادة(1/27)
رمضان شهر القرآن العظيم، تتخلص فيه الروح من نوازع الهوى وتحصيل ما يبغي الجسد، وهو شهر التقوى والصبر والجَلَد. وأيام الصوم موسم خصب كريم للتسابق بين الصائمين نحو مرضاة الله تعالى وطلب رحمته الواسعة بإعلانهم الصيام وكبت كل الجوارح، وتطهير النفس الإنسانية من هواها لكي تصفو وتدنو من رحمة ربِّ العرش العظيم، وقدوتهم في ذلك سيرة الخاتم العاقب محمّد عليه الصلاة والسلام. فالمسلمون يحيون ليلهم الطويل في تلاوة كتاب الله العزيز، وبعث سنن المصطفى صلى الله عليه وسلم، وتقديم أنواع العبادات والطاعات. وكان المسلمون وما زالوا يطعمون الطعام أيام شهر الفضيلة إلى الفقراء نيلا للثواب وتفطير الصائمين المجاويع. ومثلما هي عادة المسلمين في إحياء العشر الأواخر من رمضان بأداء العبادة والدُعاء وختم القرآن المجيد، فقد كان ختم القرآن العزيز يتم في مكة المكرمة، وفي المدينة المنورة. أما عندما تحلّ ليلة القدر المباركة، فيحرص المسلمون على إحيائها، فيجتمع المصلون مع الأئمة لتلاوة القرآن الكريم، ويدعون من الخالق تعالى الثواب والغفران، وهم على هذه الحال حتى مطلع الفجر، وهذا ما نشاهده اليوم من مظاهر مدن الإسلام في كل حدب وصوب لتجمع المسلمين على مظهر واحد من مظاهر شريعة أمة الرسول محمّد -عليه الصلاة والسلام- لتبعث في نفوسهم القيم السَمِحَة وتمنحهم جَلال وحَلاوة الإيمان.
الصيام وصفاء النّفس
... يتدرب صائمو الشهر الفضيل على أوقات معلومة ومحددة طيلة الأيام الرمضانية، كموعد الإفطار والسحور، وصلاة التراويح، وتحرِّي ليلة القدر المباركة. يقول الحق تعالى في سورة البقرة/ 187: " وَكُلُوا واشْرَبُوا حتى يَتَبَيَّنَ لكُم الخَيطُ الأبيضُ مِنَ الخَيطِ الأسْوَدِ مِنَ الفَجْرِ ثُمّ أتِمُّوا الصِّيامَ إلى اللَّيلِ ... ".(1/28)
... ويمتنع الصائمون طيلة أيام شهر الصيام عن تناول الأكل والشرب بوقت محدد. لكنّ نِعَمَ الله عزّ وجل لا تُعَدُ ولا تُحْصَى، يقول جلّ جلاله في سورة فاطر/3:
"يا أيُّها النَّاسُ اذكُرُوا نِعْمَةَ اللهِ عَلَيْكُم هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللهِ يَرْزُقُكُم مِنَ السَّماءِ وَالأرضِ لا إلهَ إلاّ هُوَ فأنَّى تُؤْفَكُونَ ". فالصائم في شهر الطاعات سيجعل حياته في نور -باسم الله تعالى - تحيا، فيمتنع عن الأكل والشرب بأمر خالقه الرؤوف عند وقت السحور. ويفطر يوم صيامه باسمه عزّ شأنه عند سماعه نداء الله أكبر وقت المغرب. ولهذا تصفو روح الصائمين العابدين مهتدية بأمر بارئها في قوله تعالى في سورة الأنعام/162-163: " قُلْ إنَّ صَلاتِي ونُسُكِي وَمَحْيَايَ ومَمَاتِي للهِ رَبِّ العَالَمِيْنَ لا شَرِيْكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وأنَا أوَّلُ المُسلِمِيْنَ ".
... ونلحظ خلال شهر الصوم أنّ روح الصائمين ترتفع، وتسمو عواطفهم تجاه المحتاجين وذوي القربى فيتذكرون المحرومين والمحتاجين فيقدمون إليهم ما تجود به أيديهم. وقد أوصى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تسود العاطفة بين المؤمنين في الجود والكرم والإحسان، فقال: " مَنْ فَطّرَ صائِماً كان له مثل أجره غير أنّه لا ينقص من أجر الصائم شيئاً". وقال عليه الصلاة والسلام في حديث آخر: " ما من يوم يصبح العباد فيه إلاّ مَلَكَانِ يَنْزِلاَنِ فيقول أحدهما: اللّهم أعطِ مُنفقاً خَلفَا ويقول الآخر الّلهم أعطِ مُمْسِكاً تَلفا".
تدريب الصائمين(1/29)
... يأتي شهر الصيام ليعلم المسلمين نظاماً جديداً في ثلاثين يوماً، فهو يختلف عن بقية اشهر السنة المتخمة بالأكل والشرب وسائر الأفعال والأعمال. لذا نجد الصوم في رمضان دورة تدريبية للمسلم طيلة شهر رمضان، حيث تعطيه هذه الدورة الرمضانية التدريب على الصبر، والصبر على الرزق الحلال، وعلى منغصات الحياة ومصائب الأيام. ويتهذب ضمير الصائم وتتربى عواطفه الإنسانية ويتروّض لمكارم أخلاقه وشمائله، وتتألق بالصيام في الشهر المبارك الإنسانية فيتغلب عقل الإنسان على كل النوازع والهوى فيمسك بمقود الأمور وتسير حياته صوب جادة الهداية الحقّة والشرع البين. لذا يتدرب الصائمون في رمضان على إتباع نظام دقيق وصارم لا فرار منه منذ طلوع الفجر الصادق ولا يجوز لأحد أن يبدأ بتقديم هذا النظام أو تأخيره دفعاً للمشقة الزائدة عن نفسه، إذن هو ملتزم بالإمساك عن الطعام بموعد ثابت، وأن يفطر بوقت معين.
... فرمضان شهر تدريب على الجوع والشهوات والصبر والصحة، حيث يعطي الصيام الإنسان درساً في الصحة العامة كي تستريح أجهزة الهضم التي تعمل في كل أشهر السنة لكنها في رمضان تأخذ قسطاً من الراحة للإدامة. وهذا كله يحتاج إلى راحة وخلود بعد تعب وجهد طويلين. ولا يكون هذا الخلود إلا بتوفر صوم الإنسان في رمضان حيث ينشأ الصائم متدرباً على الإمساك منذ الفجر إلى المغرب ليعطي لأجهزة جسمه نوعا من الراحة بعد التعب لتستمر بعملها بعد انتهاء رمضان الكريم بما خلقها تعالى لتؤدي مسيرتها بكل نشاط.(1/30)
... ويحفل الشهر الكريم على العديد من الفضائل التي سمت به إلى المنزلة الرفيعة بين أشهر السنة كلها. فقد رُوِيّ عن النبي محمد – عليه الصلاة والسلام- الكثير من الأحاديث الخاصة بفضائل الصوم في رمضان. فقال صلى الله عليه وسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال:" إذا نَسِيّ فأكل وشرب فليتم صومه فإنما أطعمه الله وسقاه". وعن سهل بن سعد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:" لا يزال الناس بخير ما عجلوا في الفطر". وعن الترغيب في السحور في رمضان، فعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" تسَحَرُوا فإنّ في السحور بركة".
... وأخرج الإمام البخاري رضي الله عنه في قيام الليل بشهر رمضان، أنه عليه الصلاة والسلام قال:" مَن قام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه". وعن سماع آذان بلال بن رباح -رضي الله عنه- قالت السيدة عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها: أنّ بلالاً كان يُؤذن بالليل فقال رسول الله صلى عليه وسلم :" كُلوا واشربوا حتى يُؤذن ابن أم مكتوم فإنه لا يؤذن حتى يطلع الفجر". وكان النبي عليه الصلاة والسلام يُفطر قبل أن يُصلي، وكان إفطاره على رطبات فإن لم يجدها فعلى تمرات فإن لم يجدها فعلى حسوات من ماء.
العمرة أيام الصيام
الحجّ من أركان الإسلام وفرض على كل مسلم ومسلمة من استطاع إليه سبيلا. وهناك من يود أن يعتمر إلى البيت الحرام ليس في وقت الحج المعلوم، إنما في كل أيام السنة ونجد من يحب العمرة في أيام شهر رمضان الكريم.(1/31)
فالعُمْرَة والعُمُرُ والعَمْرُ: الحياة يقال قد أطال الله عَمَرّهُ وعَمَرَهُ وإذا أقسموا قالوا: لَعَمْرُكَ وسُمٍيَّ الرجل عُمَرَاً تفاؤلا أن يبقى . فتقول العرب في القسم: لَعَمْرِي ولَعَمْرُكَ. يقول الله عزّ وجل في سورة الحجر/72: " لَعَمْرُك إنَّهم لَفِي سَكْرَتِهِم يَعْمَهُون". وقوله الكريم في سورة البقرة/196: " وأتِمُّوا الحجَّ والعُمْرَةَ للهِ ". وقال عالم اللغة الزَجّاج معنى العمرة في العمل:" الطواف في البيت والسعيّ بين الصفا والمروة فقط". وأخذت العمرة من الاعتمار وهي: الزيارة، قال الأسود: خرجنا عُمّاراً فلما انصرفنا مررنا بأبي ذر فقال: أطلقتم الشعث وقضيتم التفث عُمَاراً؟ أي مُعتمرين. ...
وقد اعتَمَرَ النبي محمد –عليه الصلاة والسلام –في ذي القعدة لفضيلة هذا الشهر وكذلك لمخالفة الجاهلية في ذلك، لأنهم كانوا يرونه من أفجر الفجور ففعله رسول الله –صلى الله عليه وسلم- في هذا الشهر ليكون أبلغ في بيان جَوَازِه فيها وأبلغ في إبطال ما كان عليه العرب قبل ظهور الإسلام الحنيف.
التسبيح في رمضان
... يُسَبِّحُ المسلمون خالقهم الجليل، ويسَبِّح له ما في السماوات والأرض ، والتّسبيح في كل الفروض والأوقات وحتى بعد الصلاة وأيام الصيام له أجر عظيم، ويضاعف الله عزَّ شأنه الثواب لكل مُسَبِّحٍ. وسُبحان في اللغة هي: تنزيه الله تعالى عن السوء. فتقول سَبّحْتُ الله تسبيحاً له أي نَزّهته تَنْزِيها، يقول عالم اللغة ابن جِنِّي: سُبحان اسم عَلَم لمعنى البراءة والتنزيه. أما العالِم الزَجّاج فقال في قول الحقّ تعالى في سورة الإسراء/1: " سُبْحَانَ الّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً ..". أي: أسبح لله تسبيحاً.(1/32)
... وسميت الصلاة تسبيحاً، لأن التّسبيح تعظيم الله الجليل، وتنزيها من كل سوء وروى أبو هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-:" إنّ لله ملائكة يطوفون في الطرقات، يلتمسون أهل الذكر فإذا وجدوا قوماً يذكرون الله تنادوا أنْ هلمّوا إلى حاجتكم فَيَحِفُونَ إلى السماء الدنيا. قال: فيسألهم ربّهم وهو أعلم بهم ما يقول عبادي". وسُبُحات وجه الله جلّ جلاله: أنواره وجلاله وعظمته. قال جبريل عليه السلام: إنّ لله دون العرش سبعين حجاباً لو دنا من أحدهما لأحرقتنا سُبُحات وجه ربّنا.
تُبْتُ إليكَ ...
تشهد أيام الصيام الكريم الكثير من الذين يتوبون إلى بارئهم، والرجوع إلى طاعته وعبادته بعد معصية، ليغفر الله القدير ويكفِّر عن خطاياهم وتكون توبتهم توبة نصوحة خالصه لوجهه العظيم.
وإنَّ من فضل الخالق التوّاب على عباده أنّه يتوب عليهم حين يعودون طالبين منه جلّت قدرته الهداية والرشاد والمغفرة بعد اقتراف الآثام والمحرمات. فالتوبة: الرجوع من الذنب، وفي الحديث: "الندم توبة". يقول الأخفش عالم اللغة: التّوْب جمع تَوْبَة مثل عَزْمَة وعَزْم. أما تاب إلى الله تعالى يتوب توباً وتَوْبَة ومَتَاباً بمعنى: أناب ورجع عن المعصية إلى الطاعة، وأنشد الشاعر:
تُبْتُ إليكَ، فَتَقَبَّلَ تَابَتِي وَصُمْتُ رَبِّي فَتَقَبَّلَ صَاَمَتِي(1/33)
... واصل تابَ في اللغة العربية بمعنى: عادَ إلى الله تعالى ورجع وأناب. وتاب الله عليه أي عاد إليه بالمغفرة. كذلك فالتوبة هي الرجوع من الذنب، والتوّاب هو الخالق القدير المُعِيد إلى عبده فضل رحمته ، إذا هو رجع إلى طاعته ، وندم على معصيته، وكلما تكررت توبة العبد الفقير تكرر القبول من عند الله التوّاب . يقول جلّت قدرته في سورة التوبة/104: " ألَمْ يَعْلَمُوا أنّ اللهَ هُوَ يَقْبَلُ التَوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ ويَأخُذُ الصَّدَقَاتِ وإنَّ اللهَ هُوَ التَوَّابُ الرَّحِيمُ ". وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: سمعت رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- يقول:" والله إنِّي أستغفر الله وأتوب إليه في اليوم أكثر من سبعين مرة". وقال -عليه الصلاة والسلام- في حديث عن عبد الله بن عمر بن الخطاب- رضي الله عنهما- :" إنّ الله عزّ وجل يقبل توبة العبد مالم يُغَرْغِر".
أحداثٌ رمضانيّة
كانت أمة شريعة محمد النبي صلى الله عليه وسلم على موعد سابق مع القدر المكتوب خاصة في شهر رمضان المبارك. فقد وقعت أحداث وحدثت مناسبات سجلها التاريخ عبر أوراقه، لتدلل على منزلة وفضل شهر الله شهر القرآن والمغفرة، ونورد أربعاً من تلك الأحداث الرمضانية:
فقد بدأت في شهر رمضان أولى ومضات الوحي المرسل وابتدأ فيه نزول كتاب الله العزيز على النبي عليه الصلاة والسلام في غار حرّاء بجبل ثور في مكة المكرمة، وذلك مصداقاً لقوله تعالى في سورة البقرة/ 185: " شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيْهِ القُرْآن هُدَىً للنّاسِ وَبَيِنّاتٍ مِنَ الهُدَى والفُرْقَانِ ".(1/34)
وكان بدء نزول الوحي جبريل- عليه السلام- على النبيّ الكريم- صلّى الله عليه وسلّم في ليلة القدر من يوم الاثنين السابع والعشرين من شهر رمضان عام 12 قبل الهجرة الشريفة، الأربعين بعد عام الفيل، الموافق ليوم 19 من شهر آب- أغسطس- 610 م، وتصديقاً لقول الحق تعالى في سورة القدر/1-5: " إنّا أَنْزَلْنَاه في لَيْلَةِ القَدْرِ، وَمَا أدْرَاكَ مَا لَيلَةُ القَدْرِ، لَيْلَةُ القَدْرِ خيرٌ مِنَ ألفِ شَهرٍ، تَنَزَّل المَلائِكَةِ والرُّوحِ فيها بإذنِ ربّهِم مِنْ كّلِّ أَمْرٍ سَلامٌ هِيَ حَتَى مَطْلَعِ الفَجْرِ".
ووقعت غزوة بدر الكبرى في يوم الجمعة السابع عشر من شهر رمضان من السنة الثانية من الهجرة المباركة، الموافق الثالث عشر من شهر آذار- مارس- عام 624م، خرج رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في أصحابه وهم ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلاً فيهم فرسان، وكان معهم سبعون من الإبل يتعاقبون عليها. فكانت هذه الغزوة أول انتصار بارز للمسلمين على مشركي قريش. فقال تعالى في سورة الأنفال/ 9:
" إذْ تَسْتَغِيْثُوْنَ رَبّكُم فاسْتَجَابَ لَكُم أَنِّي مُمِدُّكُم بألفٍ مِنَ المَلائِكَةِ مُرْدِفِيْنَ ".(1/35)
كذلك أتمّ الله تعالى على نبيّه المصطفى الكريم- صلّى الله عليه وسلّم- فتح مكة فدخلها مع المسلمين في العشرين من شهر رمضان من السنة الثامنة للهجرة، الموافق لعام 630م، وقد تجهزَّ رسول الله –عليه الصلاة والسلام لهذا الفتح المبين، وأمر النّاس بالتجهُّز للمسير إلى مكة، وقال: " اللّهم خُذْ العُيون والأخبار عن قريش حتى نَبْغَتها في بلادها". وخرج الرسول الكريم مع أصحابه في العاشر من شهر رمضان من السنة الثامنة للهجرة، فصام وصام معه الناس، وعند وصول جيش المسلمين إلى مكة، قسّمه رسول الله - صلّى الله عليه وسلّم- إلى أربعة أقسام لدخولها، ودخلها وقد تعمم بشقة بُرْدٍ حَبِرة، وكان ليضع رأسه تواضعاً لله عزّ وجل حين رأى ما أكرمه تعالى به من الفتح المبين، وخاطب أهل مكة قائلاً: " يا معشر قريش، ويا أهل مكة، ما ترون أنّي فاعلٌ بكم؟" فأجاب سهيل بن عمرو: ( نقول خيراً، ونظن خيراً، أخ كريم، وابن أخٍ كريم، وقد قدرت)، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: " أقولُ كما قال أخي يوسف: لا تثريبَ عليكم اليوم، يغفر الله لكم وهو أرحم الراحمين، اذهبوا فأنتم الطُلقاء".(1/36)
وهيأ الله تعالى للمسلمين في شهر رمضان أن أتم على أيديهم فتح بلاد الأندلس، بقيادة القائد طارق بن زياد، الذي عبر مضيق جبل طارق الذي عُرف باسمه، ثم نزل في جنوبي الأندلس في عام 92هجرية، الموافق للعام 711م، واختار ابن زياد استعداداته للمعركة الحاسمة مع القوط- الإسبان- في شبه الجزيرة الإيبرية وأختار موقعاً مناسباً في وادي لكة، يستند في أجنحته على موانع طبيعية لحماية جيشه، ونظّم قوّاته، وأرسل عدّة فرق قسم إلى قرطبة، وإلى غرناطة، وإلى مالقة، وسار معظم الجيش الإسلامي مع طارق بن زياد إلى طليطلة، ورافق القائد موسى بن نصير جيش آخر توجه لفتح قرمونة، واشبيلية، وماردة، وسرقوسطة، وأوربونة ففتحوها كلها، لينتشر الإسلام الحنيف ولتصبح شبه الجزيرة الإيبرية من ضمن ولايات الدولة العربية الإسلامية، وأصبحت الأندلس إدارياً بعد فتحها ولاية لأفريقيا.
وظهرت دعوة العباسيين في شهر رمضان المبارك في خراسان بزعامة أبي مسلم الخراساني سنة 129هـ- 747م، ، وقام أبو العباس السفاح بالاستيلاء على الخلافة ليُصبح أول خلفاء بني العباس، لينهي بذلك الدولة الأموية في دمشق في سنة 132هـ – 750م، واتخاذ العباسيين لبغداد دار السلام عاصمة للخلافة العربية الإسلامية، وشهدت الدولة العباسية سبعاً وثلاثين خليفة، أولهم أبو العباس السفاح، وآخرهم عبدالله المستعصم بالله، واستمر حكم الخلافة العباسية من عام 132-656هجرية، الموافق للعام 749 – 1258 ميلادية.
***
المبحث الثالث
الجود والأنفاق(1/37)
رمضان شهر الجوع والعطش وشهر الأجر والمثوبة والزكاة والصدقات، وفيه يمتحن الإنسان بإرادته، لأنه ثورة تدور كل عام على الإنسان لتهز كيانه وتروضها نحو الصبر والحرمان من الملذات والشبع وليحسّ الصائم بألم جوع الفقير كيف يلذع ويصبر عليه صابراً مُحتسباً، لينال الصائم بتقديم صدقة الفطر على مستحقيها الأجر والثواب من عند الله تعالى. وشهر الصيام شهر برٍّ وانفاق وإحسان للمحتاجين وفيه يتوسل المسلمون المثوبة وطلب الغفران، فيمدون يدّ العون والمساعدة لطالبها، فيقيم الصائمون مآدب الإفطار الحافلة بالأطعمة الخاصة، ويقدمون الأشربة، ويظهرون التجمل والإنفاق الكبير في أيامه المعدودات، ويكثرون من الصدقات لذوي الحاجة والعوز.
أجود الناس؟
وُصِفَ الرسول -عليه الصلاة والسلام- بأنه أجود الناس، ولكنه في شهر رمضان كان أجود بالخير من الريح المرسلة لا يسأل عن شيء يقدر عليه إلا أعطاه.
وصدقة الفطر، من الواجبات التي يحرص الصائمون على تقديمها للفقراء والمحتاجين، ففيها طهارة للصائم وأجر كبير عند الله تعالى. فعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: فرض رسول الله -صلى الله عليه وسلم- زكاة الفطر، صاعاً من تمر وصاعاً من شعير، على العبد والحُر، والذكر والأنثى، والصغير والكبير، من المسلمين، وأمر بها أن تؤدى قبل خروج الناس إلى الصلاة. وقد سئل النبي الكريم عليه الصلاة والسلام:أي الصدقة أفضل؟ قال: صدقة في رمضان.
صدقة رمضان(1/38)
وصيام شهر رمضان المبارك رياضة شاقة ومُكْلِفَة على الصائمين، بل هو أشقُّ التكاليف والواجبات على الذين تنعموا في حياتهم، ولهذا فإن ثواب وأجر الصائم نجده عظيماً عند الخالق عزّ وجل، فصيام رمضان مضاعف الحسنات من غير حصرٍ، وكل عمل مقدّرُ الأجر، إلاّ الصيام فجزاؤه عند الله سبحانه وتعالى، ولا يستطيع أحد أن يدرك مداه. يقول النبي -عليه الصلاة والسلام-: " كل عمل ابن أدم له إلاّ الصوم فإنه لي وأنا أجزي به". فعلى الصائمين أن يتصدقوا على المحتاجين بما تجود بهِ أيديهم ليفرحوا معهم في صبيحة عيد الفطر المبارك لأنّه كما يقول رسول الله- صلى الله عليه وسلم-:" من تطوع في رمضان بخصلة من خصال الخير كان كمن أدى فريضة فيما سواه".
موسم للتفطير والخيرات
اتخذ الخلفاء والولاة على مر العصور في الحضارة العربية الإسلامية من شهر الصوم المبارك، موسماً لمساعدة المحاويج، وإطعام الفقراء والمساكين وصلة الإخوان والأصدقاء، ومن ثم اجزال الهبات لذوي القربى والأرحام. واحتفل الفاطميون في مصر بشهر رمضان المبارك، وكان يرسل في أول يوم من أيام شهر رمضان من دار الخلافة في القاهرة لجميع الأمراء وسواهم من أصحاب المناصب، ولكل واحد طبق ولكل واحد من أولاده ونسائه طبق فيه حلوى وبوسطه صُرّة من ذهب ! فيعم ذلك سائر أهل الدولة، ويقال لذلك غرّة رمضان.
وكان الصاحب بن عباد يحتفل بهذا الشهر الميمون فرويّ عنه بأنّه حضر مجلس الوزير الأديب ابن العميد عشية من عشايا رمضان، وقد حضره الفقهاء والمتكلمون للمناظرة، فلما انصرف القوم وقد حلّ الإفطار أنكرت ذلك بيني وبين نفسي واستقبحت إغفال الأمير تفطير الحاضرين مع وفور رياسته، واتساع حاله، واعتقدت ألاّ أخل بما أخلّ به، إذا قمت يوما مقامه.(1/39)
وقال أبو الحسين محمد بن الحسين النحوي، فكان الصاحب لا يدخل عليه في شهر رمضان بعد العصر كائنا من كان فيخرج من داره إلاّ بعد الإفطار عنده! وكانت داره لا تخلو في كل ليلة من ليالي شهر رمضان من ألف نفس مفطرة فيها. وكانت صِلاتُ الصاحب بن عباد وصدقاته في هذا الشهر الجليل تبلغ مبلغ ما يطلق منها في جميع شهور السنة كاملة.
ويذكر أنّ أحمد بن طولون زار مسجده في القاهرة في أثناء بنائه وكان ذلك في أيام شهر الصيام فرأى الصُنّاع يعملون إلى وقت الغروب، فقال: متى يشتري هؤلاء إفطاراً لعيالهم؟ فأمر ابن طولون أن يتركوا العمل وقت العصر، ولما انتهى شهر رمضان، قيل له: قد انقضى شهر رمضان فيعودون إلى عاداتهم. فقال: قد بلغني دعاءهم، وقد تبركت به وليس هذا مما يوفر العمل.
***
الفصل الرابع
رمضان في ذاكرة المسلمين
المبحث الأول : المجالس والرحالة في رمضان
المبحث الثاني: رمضان في الدول العربية والإسلامية
المبحث الثالث: العيد في الدول العربية والإسلامية
المبحث الأول
المجالس والرحالة في رمضان
تطورت الأعياد في الحضارة العربية والإسلامية خلال القرون الهجرية الماضية، لأنّ من سُنّة الحياة والمظاهر الاجتماعية في حياة الناس التجديد والتغيير حسب التطور الذي يشمل مناحي الحياة المختلفة. وعلى هذا الأساس فقد خضع شهر رمضان والعيدان- الفطر والأضحى- إلى تبدل مظاهر الاحتفاء والاحتفال بهما في ديار الإسلام، وسنتحدث في هذا المبحث بلمحة يسيرة عن مظاهر شهر رمضان الفضيل في الحضارة الإسلامية، ثم نُعرِّج إلى عَلَمَيْنِ من أعْلاَم الجغرافيين العرب هما الجغرافيان الرحالان: ابن جبير وابن بطوطة، لنلقي الضوء من خلال رحلتيهما المعروفتين، على ما أفردا من انطباعاتهما حول رمضان والعيد في ثنايا الرحلتين الجغرافيتين للمدن والبلدان الإسلامية التي زاراها، ودونوا تلك الانطباعات في الرحلتين.
المجالس العربية(1/40)
بقيّ الإنسان العربي عبر توالي الأيام محافظاً على الإرث الحضاري والعادات والتقاليد الأصيلة النابعة من ألق حضارتنا العربية. وتعد المجالس من تلك العادات الاجتماعية التي بقيت ولم تندثر على الرغم من النقلة الجديدة التي عصفت بالمجتمعات مع الثورة العلمية والعولمة التي أرادت أن تقتلع هوية الناس والإنسان العربي بالذات وتجرده من موروثاته المتأصلة والمستمدة من ذاكرة الآباء والأجداد.
وتعبر المجالس بصفتها العامة عن حبّ الضيف وتقريب الغريب عن الديار، وكانت المجالس العربية تعقد في العراء وتضم نخبة من الرجال يتداولون في مسامراتهم شؤون التجارة والحياة، وكانت تنضم الأسواق الأدبية التي غايتها التبادل التجاري أولا، ومن ثم تناشد الأشعار كما حصل في سوق عكاظ في الجزيرة وسوق المربد بالبصرة في العراق. ولكن المجالس تلك أخذت بعدا مغايرا في ظل الإسلام، عندما بدأ المسلمون يتعلمون كتاب الله العزيز.
المجالس النبويّة
كان النبي الخاتم محمد -صلى الله عليه وسلم -دائم الصلة بالمسلمين، ووظيفته تبليغ الناس الرسالة، لهذا يكون بيته مجلسا صغيرا لهم، ومسجده هو مجلسه الكبير، وبين المجلسين كان عليه الصلاة والسلام يرافقهم ويلتقي بهم في السواق والمناسبات الاجتماعية، علاوة على صحبته لهم في أثناء الغزوات وفي الأسفار كما حصل في حجة الوداع.(1/41)
ولقد أشار ابن اسحق إلى أنّ المسجد النبوي قد بُنِيّ من حجارة منضودة، بعضها على بعض، وجعلت عمده من جذوع النخيل، وسقف بالجريد، وجعلت قبلته من اللّبِن أما بيوته -عليه الصلاة والسلام- فكانت تسعة، بعضها جريد وطين وسقفها جريد، وبعضها من حجارة مرضومة، بعضها فوق بعض، ومسقفة بالجريد أيضاً، وقال الحسن بن أبي الحسن: كنت أدخل بيوت النبي -صلى الله عليه وسلم- وأنا غلام.. فأنال السقف بيدي، وكانت حجرته -عليه الصلاة والسلام -أكسية من شعر مربوطة من خشب عرعر وكان بابه- صلى الله عليه وسلم- يقرع بالأظافر أي لاحلق له، ولما توفي أزواجه، خلطت البيوت والحجر بالمسجد، وذلك في زمن عبد الملك بن مروان.(1/42)
... واتسمت مجالس الرسول -صلى الله عليه وسلم- بالبساطة والتواضع فقد روى البغوي عنه -صلى الله عليه وسلم- قال: "آكل كما يأكل العبد، وأجلس كما يجلس". وهذا التواضع النبويّ يجعل الأعرابي الذي يدخل مسجده حين يسأل: أيُّكم محمد؟ فلم يكن النبي الكريم ليتميز من أصحابه بمقعد أو ملبس معين أو زيٍّ بل كان –عليه الصلاة والسلام- واحداً منهم. وكان النبي –صلى الله عليه وسلم –يلتقي في البداية أصحابه في مجلس خاص بمكة يعرف بدار الأرقم يعلمهم الكتاب والحكمة، ولمّا ازداد عدد المؤمنين به وبدعوته صار يلتقي بهم في ساحة المسجد وفي كل مكان ومناسبة،ويتميز مجلسه بالجد وقت الجد، فكان المجلس النبويّ عند نزول القرآن المعجز خاشعاً جاداً، فروي عن النبيّ –صلى الله عليه وسلم- :" أنّه كان إذا أُنْزِلَ عليه الوحيّ كرب لذلك وتربَّد في وجهه، فلما أتليَ عنه أي سُرِّيّ عنه وكشف رفع رأسه" . وكان رسول الله لا يسرد الحديث في مجلسه كسردنا، فهو أبعد الناس عن التطويل والإطناب الممل. تقول السيدة عائشة أم المؤمنين- رضي الله عنها-: " كان يحدث حديثا لوعدّه العَّاد لأحصاه". ومن ملامح المجلس الشريف أنه- صلى الله عليه وسلم- كان يسقي ضيفه أولاً ثم يشرب بعده، وكان يتخول أصحابه بالموعظة، لأن القلوب قد يصيبها الكلل والملل والسآمة من كثرة المواعظ فتفقد المواعظ قيمتها.
مجالس الخاصة والعامة
ووجدت مجالس القصص في العهد النبوي الشريف حيث كان الناس يتداولون رواية أخبار الجاهلية وقصصها في المسجد، ثم تطورت تلك المجالس لتشمل قصص الأنبياء وحكايات الأمم السالفة، وكان عبد الله بن سلام -رضي الله عنه- من أبرز رواة القصص، ووهب بن منبه وطاووس بن كيسان وموسى بن سيار في عصر التابعين، وعبيد بن عمر الذي يعد أوّل من قَصَّ في عهد الخليفة الراشد عمر بن الخطاب رضي الله عنه.(1/43)
وحفلت الأمصار الإسلامية على مجالس خاصة وعامة إبان الخلافة الإسلامية المتعاقبة فيعني الجلوس في اللغة القعود،و الجلسة هي الهيئة التي تجلس عليها، والمجلس موضع الجلوس. والتراث القصصي متصل الحلقات، وتتميز القصص العربية بفيض حكائي يشمل تركيب شكلها القصصي جميعة. ومادامت القصص قد عبرت عن الحياة الإنسانية بمختلف شؤونها ، وأصبحت صورة حيَّة للذات، فإنها واكبت مسيرتها وعكست ما استجد في كل زمان وفي كل مكان، فالرغبة في القصّ والحكي وصياغتها وروايتها للمتلقي، إنما هي رغبة متأصلة، بل إنها تعبير وتجسيد لحالات إنسانية مُلحَّة وأساسية لازمت وجود الإنسان، وعبرت عن طبيعة مسيرته الدائبة في مراحل تطوره كافة.
وهناك مجلس للخاصة وآخر لمجالس القصّاص في أيام الدولة العباسية، واختصت المجالس الخاصة بالحكايات القصيرة، من نوع الحكايات المرحة والنوادر والأحاديث التي تكون سرعة البديهة حاضرة فيها عند المجيب مع الجواب المسكت، أما مجالس القصاص فتروى فيها الحكايات الطويلة. وكانت على سبيل الذكر طرقات بغداد عاصمة الخلافة الإسلامية مليئة بالقصاصين، ويبدو ـ لكثرتهم في هذا العصر أنْ أمر الخليفة العباسي المعتمد على الله في سنة 279هـ في عاصمة الخلافة- سُر مَنْ رَأى - سامرّاء الحالية، بالنداء بأن يقعد على الطريق ولا في المسجد قاصّ ولا صاحب نجوم ولا زاجر، وحلف الوراقين ألا يبيعوا كتب علم الكلام والجدل والفلسفة.
أقدم المجالس؟(1/44)
تحفل المصادر العربية بالكثير من الكتب التي أفردت للمجالس صفحاتها، فكتاب السمر العربي- ألف ليلة وليلة- مجلس للقصّ والحكي بين السائل الملك شهريار والراوية شهرزاد التي تلهبه بحكاياتها الشائعة عن قتل بنات جنسها. وهناك مجالس للوعظ الديني مثل مجلس الإمام ابن الجوزي الذي كان مجلسه ببغداد يضم آلاف الناس حتى تسدّ بهم الشوارع، ومجلس الوزير أبو عبد الله العارض المعروف بابن سعدان وهو يستمع في مجلسه لأحاديث الأديب أبو حيّان التوحيدي فيلسوف الأدباء وأديب الفلاسفة( ت 414هـ)، حيث سامر التوحيدي ابن سعدان عبر أربعين ليلة بمواضيع فلسفية ومثاقفة، ضمها كتابه الكبير: "الإمتاع المؤانسة". وهناك في الأدب العربي أحاديث لابن دريد وهي أربعون حديثاً، ومقامات بديع الزمان الهمذاني، أربعمائة مقامة، وهذه الأرقام تدل على الكثرة. ويرجح أن يكون أقدم مجلس ـ صالون أدبي ـ يعود تاريخه إلى النصف الأول من القرن الأول للهجرة على حدّ قول أبي الفرج الأصفهاني لوهب بن زمعة المُكنى بأبي دهبل.
المحاكي أيام العباسيين(1/45)
... تطورت الحياة بمناحيها خلال العصر العباسي وما طرأ عليها من تلاقح حضاري في حركة إحياء العلوم، وبعد نضج العقول عاد القصاص إلى المسجد فوجد الواعظ قد سبقه فقد استغنى الخليفة العباسي عن القصاص، وانقلب الواعظ إلى العامة مجبرا يسامرهم في مجالسهم ويشاطرهم أفراحهم بمآثر من أيام العرب حتى صار ظاهرة من ظواهر المجتمع، بعد أن فقد القصاصون ثقة أهل التقى وبدأت الثقة تتحول عنهم إلى طائفة خلفتهم هي طائفة المذكرين، ويعرف مجلسهم بمجلس الذكر. وإن أفول نجم القاص قد أدى من ناحية إلى ظهور شخصية أخرى هي المُحاكي. وهناك نماذج أدبية عباسية تشبه المحاكاة، تبرز قدرة المحاكي على التأليف، لما يتميز به من قوة الملاحظة وقدرة على التقليد، فضلاً عن أنّ الواقع قد يتطلب بفعل الضرورة المحتمة وجود حكاية مبتكرة تلبي الحاجة الماسة. وقد اتسع نطاق المحاكاة ليشمل فن القصاصين وهم الذين تميزوا بقدرتهم على الملاحظة والتقليد، فمنهم المداح والمقلد والحكواتي العربي.(1/46)
ووجد عند المحاكي التسلية المحببة، يلتقي الفريقان في أزقة وحارات بغداد إذ يقص المحاكي على المستمعين نوادر الأخبار وغرائبها، ويتفنن في تقليد هازل للنازلين ببغداد من الأعراب وغيرهم وهنا يجد العامة عنده المتنفس لما يعانوه من ضيق وكرب، جيث كان المحاكي لسان العامة في الهزء من معايب الحياة الاجتماعية التي أثرت في انجذابهم إلى المحاكي الشعبي الذي يعد وسيلة ترفيه من جهة ووسيلة تعبير عن الواقع من جهة أخرى. ومن سمات المحاكي الممثل الشعبي ما يقوله الأديب العربيّ الجاحظ( ت 255هـ) في البيان والتبيين بأن: الحاكية من الناس يحكي ألفاظ سكان اليمن مع مخارجهم في النطق وكذا يفعل في تقليد الخراساني والسندي والحبشي وغيرهم حتى لتكاد تجده أطبع منهم، فإذا حكى (الفأفأء) فكأنما قد جمعت كل طرف في كل فأفأء في الأرض في لسان واحد، ويعطي الجاحظ أمثلة لفنانين موهوبين من فناني الحكاية أمثال أبو دبدوبة مولى آل زياد الذي كان يقف بباب الكرخ- إحدى مناطق بغداد العباسية والحالية- فينهق فلا يبقى حمار مريض ولا هرم جسيد ولا متعب بهير إلا نهق".
وكانت بداية المرحلة الأخرى من مراحل تطور فن الحكواتي بالقرن الخامس الهجري " القرن الحادي عشر الميلادي " وتنتهي بسقوط بغداد عام 656 هجرية _ 1278 ميلادية إثر سقوط الخليفة عبد الله المستعصم قتيلا على يد هولاكو المغولي. وفي هذه المرحلة التي هي مرحلة ظهور ونمو فن مُحاكي العامة تكون قد حلت مرحلة ظهور فن الحكواتي العربي في المجالس لروايتها للناس في الساحات وفي الطرقات العامة .
مجالس الحكايات الشعبية(1/47)
... عرفت المدن العربية قبل عقود قصيرة تنظيم مجالس خاصة تعقد لرواية حكايات من التاريخ والتراث ، أو الاستماع إلى الراوي وهو يقص على مستمعيه بصوت مسموع وبحركات تمثيلية تلك الإخبار والحكايات ، وبعض من السير الشعبية أمثال سيرة الشاعر عنترة بن شداد العبسي أو سيرة بني هلال، أو الزير سالم، أو حكايات ألف ليلة وليلة مثل سندباد البحري، أو علي الزيبق وغيرها. وانتشر هذا الراوي في العواصم العربية مثل بغداد ودمشق والقاهرة ، حيث يحتشد حوله المستمعون ليروي لهم حكاياته، والتي كان غالباً ما يتوقف في ختام كل مجلس عند حدث يشدّ معه تشوق المستمعين لمتابعة الحكاية في الغد القادم.
رمضان عند الرحالة
حافظ العرب على رحلة التجارة ورحلة الجهاد والسفارة، ضمن ما وصلهم من التركة الحضارية التي وصلتهم وقد حرص المسلمون في طلب الرحلة، ولكنهم أضافوا ثلاث حاجات جديدة إليها حتى تلبي أو تجاوب متطلبات الحياة المتنوعة، والتي تمثلت وعبرّت عن مبلغ تنشيط تلك الرحلة في: رحلة الحجّ ورحلة طلب العلم ورحلة التجول والطواف.
وبرز في التراث الجغرافي العربي وعبر القرون الإسلامية المتعاقبة رحالة مسلمون جابوا الآفاق ودوَّنوا بقلمهم ما وصلوا إليه من مدن وبلدان وأصقاع تجاوز بعضهم فيها رقعة الخلافة، وسجلوا لنا تفاصيل عديدة عن عادات وتقاليد الحياة الاجتماعية لتلك الأقوام والمِلَل والنِحَل التي قصدوها، فكانت بحق سجلاً لأولئك الناس أحتفظ بها العرب في مُصنفاتهم الجغرافية ونهل منها الغربيون ما شاء أن ينهلوا وأعجبوا وأشادوا بكل فخر واعتزاز بتلك الرحلات العربية في مؤلفاتهم الصادرة لاحقاً.(1/48)
وقد دونّ الرحالة العرب الذين قصدوا جزيرة العرب ما شاهدوه من احتفالات تقام خاصة في استقبال الأشهر العربية، ورسموا في رحلاتهم صورة ناطقة حيّة عن احتفالات المسلمين بشهر رمضان المبارك في كلٍ من مكة المكرمة والمدينة المنورة، واخترنا رحالتين يُعدان من اشهر رحالة العرب هما: ابن جبير، وابن بطوطة اللذان وصفا لنا حياة الناس خلال الشهر الكريم بكل أمانة وصدق.
رحلات ابن جبير
ولد أبو الحسن محمد بن أحمد بن جبير الكناني، الشاطبي، البلنسي، في عام 540هـ، الموافق 1145م في مدينة بلنسية من أسرة عربية عريقة، وبدأ ابن جبير بعد أن تلقى علوم الدين والشريعة في شاطبة، وبرز كشاعر وكاتب لدى حاكم غرناطة بالأندلس، رحلته إلى الأراضي الحجازية مع صديقه أحمد بن حسّان، فزار مكة المكرمة وأقام فيها قُرابة نصف عام، ثم قصد المدينة في طريقه إلى الكوفة وبغداد وسامراء والموصل في العراق، بعدها زار حلب ودمشق في الشام. وقام ابن جبير في الرحلة الثانية التي استمرت عامين عند سماعه نبأ تحرير بيت المقدس على يد القائد صلاح الدين الأيوبي عام 583هـ – 1187م، وأما رحلته الثالثة والأخيرة فبدأها وعمره في الثالثة والسبعين ولم يعد إلى مسقط رأسه حتى توفاه تعالى في الإسكندرية عام 614هـ – 1217م.
ابن جبير في مكة
وصف الرحالة ابن جبير في كتابه : " تذكرة الأخبار عن اتفاقات الأسفار" المعروف- برحلة ابن جبير - شهر رمضان في مكة المكرمة والاحتفالات الخاصة بقدوم وإحياء لياليه المباركة لعاميّ 578 -579 هجرية، فسجل مظاهر ختم القرآن الكريم فيها في كل وتر من الليالي العشر الأواخر في رمضان. فوصف في رحلته إلى مكة الأركان الأربعة للحرم، وبإزاء المقام الكريم منبر الخطيب، فقال:" وهو أيضاً على بكرات أربع.. فإذا كان يوم الجمعة، وقرب وقت الصلاة، ضمّ إلى صفحة الكعبة الذي يقابل المقام، وهو بين الركن الأسود والعراقي، فيسند إليه المنبر".(1/49)
وأشار ابن جبير بإسهاب إلى توجُّه الخطيب إلى باب النبي- صلّى الله عليه وسيلّم- وهو يقابل في البلاط الآخذ من الشرق إلى الشمال، ويصف لنا ملابس الخطيب ولون عمامته السوداء والطيلسان الذي يرتديه، وإذا قرب الخطيب من المنبر يقول عنه ابن جبير: " فإذا قرب من المنبر عرّج إلى الحجر الأسود فقبلّه ودعا عنده، ثم سعى إلى المنبر، والمؤذن الزمزمي- رئيس المؤذنين بالحرم الشريف- ساعياً أمامه، لابساً السواد أيضاً ... .". ويشير إلى جلوسه ومبادرة المؤذنين بإعلان الآن بلسان واحد، ثم تلاوة الخطبة.
ليلة أَهَلَّ الهلال
عرفنا ابن جبير في رحلته عن الاحتفاء بالأهِلَة في مكة، وما يجرى فيها من احتفالات وكيف دخل أمير مكة مكثر المذكور داخل الحرم الشريف مع طلوع الشمس، والاحتفال بشهر رمضان فيها، فسجل الاهتمام الكبير بزيادة أحجام وأعداد وسائل الإضاءة منذ صلاة المغرب- الفطور وحتى الفجر- السحور- وتجديد فُرُش الحرم الشريف من الحصير عند دخول غُرّة الشهر الكريم.
وأشار الرحالة إلى إقامة صلاة التراويح في الحرم المكي في عدّة أماكن متفرقة، وكان لكل فرقة إمامها، وأن عدد ركعات التراويح بلغت أربعاً وعشرين ركعة خارجاً عن الشفع والوتر، مع تعدد مرات الطواف حول الكعبة المشرفة فيما بينها. وذكر ابن جبير عن السحور في مكة، الذي كان يتم من المئذنة التي توجد في الركن الشرقي للمسجد الحرام، وذلك بسبب قربها من دار شريف مكة، فيقوم الزمزمي بأعلاها وقت السحور داعياً ومُذكِراً ومُحرِّضاً على السحور ومعه أخوان صغيران يجاوبانهِ ويقاولانهِ. ونظراً لترامي الدُور بعيداً عن الحرم المكي حيث يصعب وصول صوت المؤذن كانت تنصب في أعلى المئذنة كما يقول ابن جبير:(1/50)
" خشبة طويلة في رأسها عمود كالذراع وفي طرفيه بَكْرَتان صغيرتان يرفع عليهما قنديلان من الزجاج كبيران لا يزالان يُوقِدان مُدّة التسحير فإذا قَرُبَ تبيّن خطى الفجر ووقع الإيذان بالقطع مرّة بعد مرّة حطَّ المؤذن المذكور القنديلين من أعلى الخشبة وبدأ وثُوب المؤذنين من كل ناحية بالأذان. وعندما يرى أهل مكة من سطوح منازلهم العالية القنديلين قد أُطفئا علموا أنّ الوقت قد أنقطع".
كذلك دوّن ابن جبير في أثناء إقامته في مكة لمظاهر ختم القرآن الكريم في كل وتر من الليالي العشر الأواخر في رمضان، حيث كان أبناء مكة من الصبية يتنافسون في ختمه والاحتفال بذلك بإيقاد الشموع والثريات وتقديم الطعام. وأشار الرحالة إلى ابن إمام الحرم الذي ختم القران في ليلة خمس وعشرين وأعقب ذلك بخطبة بليغة نالت استحسان الحضور على الرغم من صغر سن الخطيب. ونقل حكاية أخرى عن غلام مكيّ من ذوي اليَسار دون الخامس عشر احتفل أبوه به عند ختم للقران العظيم في ليلة ثلاث وعشرين، حيث أعدّ له ثريا صُنِعت من الشمع وذات غصون علقت فيها أنواع الفواكه اليابسة والرطبة، وأعدّ لها والده شمعاً كثيراً، ووضع وسط الحرام شبيه المحراب المربع أقيم على قوائم أربعة تدلت منه قناديل مُسرجة أحاط دائرة المحراب المربع بمسامير مدببة الأطراف غرز فيها الشمع وأوقدت الثريا المغصّنة ذات الفواكه، ووضع الأب بمقربة من المحراب مِنْبَرا مُجللاً بكسوة مجزعة مختلف الألوان، وحضر الأمام الطفل فصلى التراويح وختم وقد ملىء المسجد بالرجال والنساء وهو في محرابه وحوله الشمع المضاء.
رحلة ابن بطوطة(1/51)
أمّا أبو عبدالله محمد بن إبراهيم اللواتي، نسبة إلى لواته، المعروف بابن بطوطة، فقد ولد في مدينة طنجة بالمغرب، ومكث فيها إلى أن بلغ الثانية والعشرين، فاندفع بدافع التقوى إلى أداء فريضة الحج، وانساق بحبه الأسفار إلى التجوال في بلدان العالم المعروف في أيامه. ويعتبر ابن بطوطة سيّد الرحالة العرب والمسلمين، وأمضى ما يقارب من نصف عُمره وهو يتجول بين البلدان، واستغرقت رحلات ابن بطوطة زهاء تسعٍ وعشرين سنة، أطولها الرحلة الأولى التي لم يترك ناحية من نواحي المغرب والمشرق إلاّ زارها. وقد خرج من طنجة وعمره اثنان وعشرون عاماً وعاد إليها وقد أشرف على الخمسين، وقُدِّر ما قطعه في رحلاته بما يربو على خمسة وسبعين ألف ميل، وشملت جولاته بلدان المغرب العربي، ومصر، وبلاد الشام، وشبه جزيرة العرب، والعراق، وجزءاً من الساحل الشرقي لأفريقية، والأندلس والهند وروسية الجنوبية، وغيرها.
واختزن هذا الرحالة في ذاكرته المشاهد والصور والأخبار التي سردها، وأنّ قصة رحلاته من أطرف القصص وأجزلها نفعاً، لما فيها من وصف للعادات والأخلاق، ولما فيها من فوائد تاريخية وجغرافية، ومن ضبط لأسماء الرجال والنساء، والمدن والأماكن التي زارها وعاش فيها، وجاءت أوصافه بأسلوب فكهٍ، توخى فيه الأمانة، حتى لو كان الأمر لنفسه، وهذا ما جعل المستشرق دوزي يلقبه بالرحالة الأمين.
في مكة
يُعدّ ابن بطوطة شاهد عيان على حلول غرّة شهر الصوم المبارك في مكة المكرمة، فذكر لنا في رحلته تفاصيل عديدة عن عادات أهلها استهلال الشهور، ومنها شهرا رمضان وشوال، فقال عن عادات المكيين في استهلال الشهور قائلاً:(1/52)
" وعادتهم في ذلك أن يأتي أمير مكة في أول يوم من الشهر، وقوّاده يحفلون به، وهو لابس البياض معمم، متقلدٌ سيفاً، وعليه السَكينة والوقار، فيصلي عند المقام الكبير ركعتين ثم يقبل الحجر، ويشرع في طواف أسبوع، ورئيس المؤذنين على أعلى قبة زمزم، فعندما يكمل الأمير شوطاً واحداً ويقصد الحجر لتقبيله يندفع رئيس المؤذنين بالدعاء له والتهنئة بدخول الشهر رافعاً بذلك صوته ثم يذكر شعراً في مدحه ومدح سلفه الكريم ، ويفعل به هكذا في سبعة أشواط، فإذا فرغ منها ركع عند الملتزم ركعتين ثم ركع خلف المقام أيضاً ركعتين ثم انصرف، ومثل هذا سواء يفعل إذا أراد سفراً وإذا قدم من سفر أيضاً". ثم عرض لنا عادة أهل مكة في شهر رمضان المُعظّم فقال:
" وإذا أهلَّ هلال رمضان تضرب الطبول والدبادب عند أمير مكة، ويقع الاحتفال بالمسجد الحرام من تجديد الحصر وتكثير الشمع والمشاعل حتى يتلألأ الحرم نورا، ويسطع بهجة وإشراقا، وتتفرق الأئمة فرقاً ... من القُرّاء يتناوبون القراءة ويوقدون الشمع ولا تبقى في الحرم زاوية ولا ناحية إلاّ وفيها قارئ يصلي بجماعته، فيرتج المسجد لأصوات القُرّاء، وترقّ النفوس وتحضر القلوب وتهمل الأعين.
ومن الناس من يقتصر على الطواف والصلاة في الحجر منفردا، والشافعية أكثر الأئمة اجتهادا، وعاداتهم أنهم إذا أكملوا التراويح المعتادة، وهي عشرون ركعة، يطوف إمامهم وجماعته، فإذا فرغ من الأسبوع ضربت الفرقعة التي ذكرنا أنها تكون بين يدي الخطيب يوم الجمعة وكان ذلك إعلاما بالعودة إلى الصلاة ، ثم يصلي ركعتين ثم يطوف أسبوعاً، هكذا إلى أن يتم عشرين ركعة أخرى، ثم يصلون الشفع والوتر، وينصرفون.(1/53)
... وسائر الأئمة لا يزيدون على العادة شيئاً، وإذا كان وقت السحور يتولى المؤذن الزمزمي التسحير في الصومعة التي بالركن الشرقي من الحرم، فيقوم داعياً ومذكراً ومحرضاً على السحور ، والمؤذنون في سائر الصوامع، فإذا تكلم أحد منهم أجابه صاحبه، وقد نصبت في أعلى كل صومعة خشبة على رأسها عود معترض قد علق فيه قنديلان من الزجاج كبيران يقدان، فإذا قرب الفجر، ووقع الأذان بالقطع مرة بعد مرة حطَّ القنديلان، وابتدأ المؤذنون بالأذان، وأجاب بعضهم بعضاً. ولديار مكة، شرّفها الله، سطوح فمن بَعُدَت داره بحيث لا يسمع الأذان يبصر القنديلين المذكورين فيتسحر حتى إذا لم يبصرهما أقلع عن الأكل. وفي ليلة وتر من ليالي العشر الأواخر من رمضان يختمون القرآن، ويحضر الختم القاضي والفقهاء والكبراء، ويكون الذي يختم بهم أحد أبناء كبراء أهل مكة، فإذا ختم نصب له منبر مزين بالحرير، وأُوقِدَ الشمع، وخطب، فإذا فرغ من خطبته استدعى أبوه الناس إلى منزله فأطعمهم الأطعمة الكثيرة والحلاوات". وعن الاحتفال بليلة القدر المباركة وختم القرآن الكريم قال ابن بطوطة:
القدر وختم القرآن(1/54)
"وكذلك يصنعون في جميع ليالي الوتر، وأعظم تلك الليالي عندهم ليلة سبع وعشرين، واحتفالهم لها أعظم من احتفالهم لسائر الليالي، ويختم بها القرآن العظيم خلف المقام الكريم، وتقام إزاء حطيم الشافعية خشب عظام توصل بالحطيم، وتعرض بينها ألواح طوال، وتجعل ثلاث طبقات، وعليها الشمع وقنديل الزجاج، فيكاد يُغَشِّي الأبصار شُعاع الأنوار، ويتقدم الإمام فيصلي فريضة العشاء الآخرة، ثم يبتدئ قراءة سورة القدر، وإليها يكون انتهاء قراءة الأئمة في الليلة التي قبلها، وفي تلك الساعة يمسك جميع الأئمة عن التراويح تعظيماً لختمة المقام، ويحضرونها متبركين، فيختم الإمام في تسليمتين ثم يقوم خطيباً مستقبل المقام فإذا فرغ من ذلك عاد الأئمة إلى صلاتهم وانفض الجمع، ثم يكون الختم ليلة تسع وعشرين في المقام المالكي في منظر مختصر، وعن المباهاة مُنزّه موقر، فيختم ويخطب".
المكيُّون وعيد الفطر(1/55)
أما عادة أهل مكة خلال شهر شوّال فذكر عنها بأنّ من:" عادتهم في شوال، وهو مفتتح أشهر الحج المعلومات، أن يوقدوا المشاعل ليلة استهلاله، ويُسرِجوا المصابيح والشمع على نحو فعلهم في ليلة سبع وعشرين من رمضان، وتوقد السّرُج في الصوامع من جميع جهاتها، ويوقد سطح الحرم كلّه، وسطح المسجد بأعلى أبي قُبيس_ جبل بمكة- ويُقيم المؤذّنون ليلتهم تلك في تهليل وتكبير وتسبيح، والناس مابين طواف وصلاة وذِكرٍ ودُعاء، فإذا صلّوا صلاة الصبح أخذوا في أهبة العيد، ولبسوا أحسن ثيابهم وبادروا لأخذ مجالسهم بالحرم الشريف به يصلّون صلاة العيد لأنّه لا موضع أفضل منه. ويكون أوّل مَنْ يُبَكِّر إلى المسجد الشّيبيون، فيفتحون باب الكعبة المُقدّسة ويقعد كبيرهم على عتبتها، وسائرهم بين يديه إلى أن يأتي أمير مكة فيتلقونه ويطوف عليهم بالبيت أسبوعاً، والمؤذن الزمزمي فوق سطح قبّة زمزم على العادة رافعاً صوته بالثناء والدعاء له ولأخيه كما ذكر، ثم يأتي الخطيب بين الرايتين السوداوين والفرقة أمامه، وهو لابسٌ السواد، فيصلّي خَلف المقام الكريم، ثمّ يصعد المنبر ويخطب خطبة بليغة، ثمّ إذا فرغ منها أقبل الناس بعضهم على بعض بالسلام والمصافحة والاستغفار، ويقصدون الكعبة الشريفة فيدخلونها ثمّ يخرجون إلى مقبرة باب المعلّى تبرّكاً بمن فيها من الصحابة وصدور السلف، ثم ينصرفون".
المبحث الثاني
رمضان في الدول العربية والإسلامية
الإمارات
... تنتشر في الإمارات موائد الإفطار الجماعي في الفريج الواحد – الحيّ - بعد أن يتفق أهله على نوعية الطعام الذي سيقدمونه للضيوف الصائمين، لتكون المائدة عامرة بكل أصناف الطعام الذي يتضمن الهريس والثريد، علاوة على اللقيمات والساقو، والكاستر، وغيرها من الحلويات والفواكه مع شرب القهوة والشاي.(1/56)
وتنتشر المجالس العربية في منطقة الخليج العربي وتعرف باسم مجلس أو ديوانية، وتنظم على فرش يوضع على الأرض كالسجاد عند الموسرين، أو بوضع حصيرة عند متوسطي الدخل. وكانت للميالس للمجالس- الإماراتية ومازالت نكهتها التي لا تنسى بعد أن شهدها الناس على طريقة معينة في أيام شهر رمضان المبارك. ولكن نجد مجالس الماضي بمثابة مكان لتجمع أهل المنطقة ليتبادلوا رواية أخبار الغوص والأسفار أو لإنشاد الشعر حيث كان الحاضرون في المجلس يطلبون من الشعراء الحاضرين إنشادهم لأحدث ما نظموه، ومثل ما قال الشاعر الإماراتي المرحوم علي بن ثاني الرميثي :" ثمن القصيدة طلبته".
وعادة ما يكون الشعر مادة خصبة ضمن المجالس حيث تبدأ أولاً بنماذج شعرية بعد التقاء الجيران والأصدقاء في مجلس معين، وكان للشعر مجلس بليلتين في الأسبوع الواحد، وتتباين أغراض الشعر الملقى في الليلتين من شاعر إلى آخر، وغالبا ما كان الصغار يحضرون هذه المجالس ويستمعون إلى شعر وحديث الكبار لأن المجالس كما قيل مدارس. وشهر رمضان الكريم شهر العبادات والصلوات، وتتضاعف فيه الزيارات العائلية حيث تمتد السهرات والجلسات فيه حتى أذان الفجر عقب انتهاء فترة السحور، كذلك تكثر الحكايات وسرد السوالف والذكريات عن السنين الماضية ولهذا فإنّ المجالس في الإمارات لم تكن تقفل أبوابها سابقاً، غذ تبقى مشرعة حتى طلوع الفجر. وغالباً ما كانت المجالس الكبيرة مكاناً يتناول فيها الحضور الأحاديث الثنائية بين الجالسين، وتقدم لهم في المجلس القهوة العربية الشاي، إضافة إلى الهريس الذي يقدم طيلة الشهر الكريم، فهو طبق لكل وقت وليس خاصاً برمضان.(1/57)
ويجلس ربّ الأسرة في مقدمة مجلسه وهو الذي يقوم باستقبال زائري مجلسه المفتوح. ويبدأ الضيوف بالقدوم إلى المجلس عقب أداء صلاة التراويح في المساجد، ويبدأ المجلس أولاً بالصلاة والسلام على خير الأنام محمّد – صلّى الله عليه وسلّم- وبصوت مسموع للجميع، ثم يردد الجميع الصلاة على رسول الله هذا ويبقى مَنْ في المجلس يتجاذبون أطراف الحديث وسرد الحكايات، إلى أنْ ينفضّوا عقب وقت السحور، ثم يؤدون جميعاً صلاة الفجر في المسجد القريب، بعدها يذهب كلّ واحد إلى بيته.
قطر
... تعد احتفالات دق وطحن الحبوب من الظواهر الثقافية الاجتماعية الموسمية العميقة الجذور في نفوس القطريين، وكان ذلك الاحتفال ـ دق وطحن الحبوب ـ من الأعياد السنوية التي تستغرق طوال شهر شعبان، حيث تقوم فيه الدقاقات والطحانات بالمشاركة في إنجاز كميات كبيرة من القمح المدقوق أو المطحون تكفي احتياجات العوائل طوال شهر رمضان المبارك.
... والاحتفال بطحن الحبوب على الرحى في قطر، غالبا ما يفتتح بأغان تعبر عن الفرحة بحلول شهر شعبان الذي يعني قرب هلال شهر الصيام ومن هذه الأغاني:
... هلَ شعبان وهلَ شهر الصيام
... وأشوف خلي ثالث العيد مطروح
البحرين ...
وكما يعمل في دولة قطر، فإن دق الحَبْ مهمة تستعد لها النساء مبكراً في البحرين لصنع الهريس وكذلك كانت حرفة " صفار القدور " من الحرف الشعبية التي ترتبط بالشهر المبارك، حيث كان الصفّار يدور في الطرقات وهو يردد: صفار القدور، وكان أبو طبلية يدور ليوقظ النائمين لتناول السحور أما الآن فإن الناس لا ينامون قبل السحور فراحت على المسحراتي أيامه.. وتلك الكميات من الأرز والسكر والطحين التي كانوا يقدمونها له.(1/58)
... أما الحلويات فهي من الصناعات الشعبية المتوارثة في البحرين، وقد ذاع صيت الحلوى البحرينية في العاصمة المنامة وفي المحرق. والحلوى عبارة عن خلطة مركبة من النشا والسكر والدهن والزعفران والهيل وماء الورد والجوز أو اللوز، وتوضع الحلوى بعد تجهيزها في طشوت معدنية لتباع للناس في الدكاكين، وهناك حلوى يقبل عليها الصائمون في البحرين وتصنع في معامل خاصة مثل الزلابية والرهش والعسلية.
الكويت
... تُعدّ لعبة الكركيعان مناسبة عزيزة على الصبيان والبنات في الكويت، وتكون عادة ليالي الرابع عشر والخامس عشر والسادس عشر من رمضان. ففي تلك الليالي العامرة وبعد انقضاء فترة الفطور يترك الأولاد بيوتهم ويتجمعون في الأحياء والمناطق ويكونون بالاتفاق فيما بينهم مجموعات ويختار لكل مجموعة رئيس، وتطوف تلك المجموعات على منازل الحي حاملين الأكياس والطبول والطاسات وغالبا ما يتنكرون بملابس الغاصة السوداء، أو وضع اللحى أو الشوارب لجلب الانتباه وهم يرددون بالدعاء التالي:
... سَلّم ولدهم يا لله
خَلّه لأمّه يا لله
... هذا إذا لم يكونوا يعرفون اسم هذا الولد وفي حالة تعريفهم عليه من قبل أهل المنزل يذكرون اسمه أو اسمها قائلين بصوت واحد:
... سلم " عبد الله " "أو فاطمة " وعادة ما تقوم ربة البيت أو من ينوب عنها لتقدم لهم صحنا مليئا بالكركيعان وهو عبارة عن بعض المكسرات كالمِلّبَسْ والسِبّال المحموس والنُّقُلْ والتين والحَبْ والقناطي" والنقود أحيانا ـ تقدمه إلى كبير المجموعة الذي يجمعه في كيسه فيفرح به الجميع ويدعون لهم.
السعودية
... وتنفرد السعودية بتوجه قلوب المسلمين لها في رمضان حيث الحرمان الشريفان.. وهناك يفطر الصائمون على تمرات ... وينتظرون في المساجد يتلون القرآن الكريم إلى ما بعد أذان الفجر .. وتتعطل لذلك المدارس هناك، حيث يزيد المساجد عُمّارها من عباد الله، وتقام حلقات الدروس الدينية، ويجتهد الجميع في العبادة.
عُمان(1/59)
... يجهز العمانيون احتياجات شهر رمضان منذ العشرين من شهر شعبان حيث يخزنون العيش" الأرز " والتمر المعمول بالسّنوت ويتمسك أهل عمان الرجال الكبار بفطورهم في البيت، وإذا لم يكن ذلك، فإنهم يفطرون في الفريج " الحي " حيث يفطر الرجال بجهة والنساء بجهة أخرى. وبعد أول أيام رمضان تتبادل العوائل الزيارات الرمضانية، فيفطرون يوما في بيت الأخ وفي اليوم الثاني عند الأخت، والثالث عند الأقارب وهكذا.. علما بأن الذي يذهب لتناول الفطور في بيت صديقه مثلاً، يجب أن يكون طعام الفطور جاهزا في مجلس داره.
... ويتناول العمانيون في فطورهم التمر والقهوة، ويشربون الشربت – العصير-مع لُقيمات القاضي، ثم يعودون بعد صلاة المغرب لتناول الثريد والعيش " الأرز" واللحم وبعد أداء صلاة العشاء والتراويح في المساجد، تقام المجالس الخاصة التي يحضرها الأصدقاء ويتبادلون خلال أماسيهم الجميلة القصص والأحاديث والسير، وكذلك يتناولون الفواكه المتلفة والشمام واليح_ الرَكِي- مع القهوة. وينهض العُمانيون وقت السحور لتناول طعامهم خاصة في القرى العمانية على صيحة الديك الأولى، ويأكلون اللحم مع الأرز مع شرب الشاي والقهوة.
اليمن
... يختلف أهل اليمن في استقبال رمضان بين المدينة والبادية، فيما يذبح البدوي الأغنام في أول رمضان ويعرف بـ " مدخل " ويوزع اللحم لأهله، ويهدي قسماً منه إلى للجيران، نلحظ قيام الجمعيات الخيرية بتفطير الصائمين في المدن اليمنية.
... ويفطر صائمو البادية على التمر والماء طيلة أيام شهر الصوم، ثم يتمون فطورهم عند أهلهم بأكل السمبوسة واللحوم. ويقدم في العاصمة صنعاء الملوج وهو عبارة عن خبز ولحم ومرق، مع تناولهم للتمر والزبيب الأسود الذي يستعدون لشرائه قبل حلول الشهر الكريم ليجري توزيعه على المساجد القريبة لإفطار الصائمين.(1/60)
... وبعد انقضاء اليوم العاشر من رمضان يبدأ اليمنيون إحياء ليال تنافسية في إلقاء الشعر، وأداء الرقصات الشعبية وارتداء الأقنعة على الوجه. كذلك يحرص أهل اليمن خلال الشهر للاحتفال بالراغبين في الزواج ليلة العشرين من رمضان، ويعد هذا إعلانا بأنهم سيدخلون عش الزوجية بعد انتهاء الشهر المبارك. ويتبارى العرسان بإظهار قوتهم من خلال" المدارة " وهي لعبة شعبية، حيث يربط حبلان غليظان بجذع شجرة ضخمة تعرف بالنالوق، ويثبت بها كرسي والقوي من الشباب من يحقق أعلى ارتفاع في الهواء في أثناء القفز، وهناك لجنة تحكيمية من كبار السن، أما الفائز من الشباب فيفرح بتقدير أقرانه واللجنة المحكمة، مع إعجاب عروسه التي ترقب اللعبة مع زميلاتها عن بعد.
ولعل ابرز مظاهر رمضان في اليمن" التماسي " التي كان الأطفال يتهيأون لأدائها من أواخر شعبان وينتظرون بهجة التماسي التي يكسبون بها مقادير قليلة من النقود، وكان شعر التماسي وأداؤه مختلفاً عن الأهازيج لأن ذلك الأداء هو نشيد الطفولة إذ لا تؤديه إلاّ مجاميع من الأطفال الذين يجتمعون حول بيوتهم في الأسبوع الأول يرددون التماسي الخاصة بالأدعية لآبائهم:
يا رمضان يا بو الحمائم
أدي لأبي قرعة دراهم
يا رمضان يا بو المدافع
أدي لنا مخزن بضائع
... وعندما ينتهي الأسبوع الأول نشاهد الأطفال في اليمن ينطلقون صوب البيوت في الأحياء المجاورة بعد أن تبدأ إضاءة الليالي، ويستطيع الأطفال الحركة وأداء النشيد وليؤدوا أغاني التمسيه بصوت مسموع:
... يا مساء أسعد الله مساء
يا مساجد الله الكسا
... وعندما يلاصقون باب البيت ينتظرون قطعة النقود التي يرميها عميد العائلة فيرددون:
يا مساجيت أمسي عندكم
يا مسا والجمالة هي لكم
العراق(1/61)
... يبدو رمضان في العراق قبل قدومه بأيام عديدة، فتكون الحركة غير اعتيادية في الأسواق والمحلات، وباستطاعة المرء أن يشاهدها، لتدل على مجيئه الكريم. ويُعد سوق الشورجة القديم في قلب العاصمة بغداد أكبر سوق تجاري في العراق. فيذهب الناس إليه ليتبضعوا ويشتروا لوازم شهر الصوم من مواد تموينية مثل العدس والماش والحبيِّة، والنومي بصرة والقمر الدين، والطرشانة، والحمص، إضافة إلى شراء اللحوم بمختلف أنواعها.
... وتحرص العوائل العراقية على أن يذهب الأب مع أولاده إلى المسجد القريب من سكناهم، وهم يحملون صينية مليئة بالطعام لتوضع على مناضد في حديقة المسجد، لتفطير الصائمين. ومن العادات التي يحرص الأولاد على ترديدها في ليالي رمضان الكريم، هي الماجينة، الأغنية الشعبية المتوارثة عند أطفال مناطق العراق، حيث تقوم مجموعة من الأطفال وعقب تناول طعام الإفطار بالتجمع في الأحياء، ويحمل أكبرهم سنّاً كيساً من القماش أو النايلون، ليدور مع زملائه على بيوت الحي، فيبدأ أحد الأطفال بطرق أحد أبواب الجيران، ويردد مع الآخرين بصوت واحد:
"ماجينة ياماجينة
حلُّوا الجِيس- الكيس- وأنطونه- أعطونا-
تنطونه- تعطونا-لو ننطيكم-نعطيكم-
بيت مكة أنوديكم
يا أهل السطوح:
تنطونا لو نروح"
... وما إنْ تسمع ربّة المنزل هذا النداء الطفولي، حتى تخرج إليهم حاملة بيديها أو بوساطة وعاء كمية من الحلويات أو النقود لتوزعها عليهم، وعندها يتسلّم كل واحد نصيبه من الهدايا، وهنا يقفون أمام البيت نفسه، ليرددوا باسم صاحبه، فإذا كان ابن صاحب الدار اسمه محمد، فإنهم يصغرون هذا الاسم إلى حمودي، فيقولون مرددين معاً:
الله يخلِّي حمودي ... آمين
ابجاه الله واسماعيل ... آمين(1/62)
... وإثر ذلك ينتقل أهل الماجينة ليطرقوا بابا آخر في الحي، ليعودوا إلى بيوتهم محملين هدايا وافرة من الجيران وسكان الطَرَف-الحيّ-ويحرص العراقيون ـ الرجال فقط ـ بعد أداء صلاتي العشاء والتراويح على إجراء مسابقات شعبية تعرف بالمحيبس - الخاتم- وتضم عدداً كبيراً من أهل المحلات - الحي أو الشارع- وتشمل حتى المدن ليشاركوا في هذه الألعاب التي تمتد حتى وقت السحور طيلة شهر الصيام المبارك.
سورية
... ويتفنن السوريون بقدوم شهر الصيام بإعطائه الاهتمام المميز، حيث تستعد العوائل بتهيئة عدد من الأكلات السورية المعروفة كالمقبلات نحو التبولة، والمنتوشة، وتقديم الوجبات الرمضانية الخاصة كفتة الحمص، وداوود باشا، والكوسة المحشوة والكبة المقلية وكبة لبنية، والباذنجان المحشو، وورق العنب، والمقلوبة، والملوخية بالدجاج. أما الحلويات في سورية، فتزدهر محلات بيعها أيام رمضان، مثل القطايف بالجبنة، وبالجوز، والهريسة، والقشطلية، والمهلبية.
كذلك يجتمع الأطفال قبيل آذان المغرب في رمضان تحت مئذنة المسجد في حيِّهم، وهم يحملون بأيديهم فطورهم، ينتظرون بفارغ الصبر انطلاق المؤذن بالآذان ويقولون:
يا مؤذن قولها رِيْت دّقْنَكْ طُولها- طول المئذنة-
وإنْ كنت ما بتقولها تُوْقَع من فوق الماْدِنَه!
وعقب تناول الفطور، يتجمع أطفال الحيّ، وبيد كلّ واحد منهم صحن فارغ، ويدورون على بيوت الأغنياء منهم ليأخذوا السحور، ويقولون عند باب البيت:
محمّد على فَرسُه
ويقول لها دُورِي
يامَحْرَمَه من دَهَبْ
والشَّبَ غنْدُورِي
باريتني دُوْدِه على الحِيط مصْمُودَه
وعَرُوسْتَكْ يا محمّد مكحّله ومَصْمُودَه
ولولا محمّد ماجِيْنَا يحلّ الكِيس ويَعطِينا
يعطينا مِصْرِيَّه، ماكَفَتْنَا الخَرْجِيّه
أعطونا سحور أحسن
ما نخلع الباب والناجور!
لبنان(1/63)
... ويبرز دور التكافل الاجتماعي بصورته الكبيرة خلال أيام الصوم المبارك في لبنان.. حيث تقوم الجمعيات الخيرية بدورها في مساعدة المحتاجين والمتعففين، كذلك يقوم المحسنون بتقديم وجبات الإفطار للصائمين والمحتاجين عن طريق أحد الموسرين.
... ونجد حلقات حفظ القرآن الكريم تكثر في المساجد اللبنانية، حيث يقوم حفظة كتاب الله العزيز بإعادة ختمه على شكل حلقات.. وتبرز مظاهر الاحتفالات برمضان من خلال أعلام الزينة التي ترتفع في كل مكان، واطلاق الأسهم النارية. وأما المقاهي الشعبية فيؤمها مرتادوها بعد صلاة التراويح لقضاء ساعات من السمر الثقافي والاستماع إلى بعض الدروس، ومشاهدة بعض الفنون المحلية. ومن مظاهر رمضان في لبنان في النصف الثاني منه مشاهدة الأطفال" الوداع" الذين يشكلون حلقة ذكر " النوبة" تطوف بإدارة المسحراتي إلى كل بيوت المنطقة فيأخذون العيدية وهم يحملون الرايات الملونة والطبل والصنوج للإعلان عن وقت السحور في ليالي الصيام.
الأردن
... ومما يميز شهر الصيام في الأردن تلك الخيام التي تنصب في الأحياء لاستخدامها في الجلسات الرمضانية ويشهد السوق الأردني حركة شراء واسعة لتأمين احتياجات الناس من المؤن مثل الأرز والتمر هندي والحلويات وأنواع العصير. ويتم تبادل الأطعمة بين الجيران، علاوة على تبادل الزيارات بين الأهل والأقارب وتفطيرهم في البيوت حيث ينتظر الجميع إعلان أذان المغرب ومدفع الإفطار، ليبدءوا فطورهم الجماعي، بعدما يؤدي الرجال والنساء صلاتي العشاء والتراويح في مساجد الأحياء القريبة.
فلسطين
تتسِّم ليالي الصيام الرمضاني في المدن والقرى الفلسطينية بالسّهر والبهجة والترفيه البريء، فعقب غروب الشمس تُضاء الطرقات والشوارع والمآذن والمحلات التجارية في الأسواق، التي تعرض أنواعاً من الحلويات والبذورات والأشربة الخاصة بصائمي رمضان.(1/64)
ولليالي الشهر الكريم في الأرض المحتلة طعمها الخاص للتواصل مع العادات المتوارثة بين الأجيال، ومن تلك العادات التي تقدم في ليالي رمضان المبارك تشكيل فرقة جوالة تعرف بـ " الحوّاية"، أو" المدّاحة" التي تجوب الأحياء والأزقة بعد تناول الفطور. ويقف أفرادها في زاوية مظلمة من دهاليز أحد البيوت ويشرعون منشدين بصوت واحد:
لولا فلان ما جينا( يسمون صاحب البيت)،
حلُّو الكيس وأعطونا،
أعطونا حلاوانا، صحنين بقلاوة،
جاي علينا جاي،
بأيدنا العصاي نضرب الحواية،
وإرغيفين شلبيات،
وارغيفين حلبيات،
حي الله يا بلاد الشام،
فيها الخوخ والرمان،
دولابي يا دولابي،
يا سكر حلابي" .
... وعندما يسمع نداء الأولاد يتجمع الأطفال الآخرون معهم، وسرعان ما ينفرد أحد الأولاد ليصبح رئيسا عليهم ويصعد على كتف أقواهم، وينادي بصوت عال مخاطبا صاحب الدار وعائلته
... الله يخلي له أمه
الله يخلي له أبوه
... الله يخلي له ابنه
... وتردد الجماعة بعده آمين. وما إنْ يسمع أهل الدار هذا الدعاء، حتى يخرج عليهم أحدهم ليوزع لكل واحد ما يحمل من حلوى كالزلابية والقطائف، بينما يتسلم رئيس الأولاد قطعا نقدية، فيغادرون هذا البيت، ليزوروا بيتا آخر يقيمون أمامه الحوايّة من جديد.
ولعلّ أهم أحداث ليالي رمضان في فلسطين المحتلة تقديم فصول القرقوز- الكراكوز-، ويعني باللغة التركية: " العيون السُود"، وتهدف من خلال سردها لحكايات فكهة إلى توجيه النقد اللاذع لعدد من الظواهر الاجتماعية المحليّة، علاوة على تقديم السلوى البريئة والترفيه الذي لايخلو للمشاهدين من فائدة، بقضاء ليالي رمضان في سهرات جماعية تضم الأهل والأصدقاء.
مصر(1/65)
... رمضان بأيامه الجميلة له طعمه الخاص في مصر، فإقبال المصلين الصائمين على المساجد وكثرة حلقات الدروس والوعظ وتلاوة القرآن الكريم وهو ما يلفت النظر في المدن المصرية .. وغالبا ما يستقبل الشهر الفضيل بالألحان والأغاني الدينية، علاوة على ازدحام المساجد منذ رؤية الهلال وحتى وداع هذا الشهر المبارك، ويتميز ليل رمضان في مصر بالسهر، حيث الأمسيات الثقافية والأدبية، وتقدم الفنون الشعبية المصرية، ويشاهد المرء الأحياء المعروفة في القاهرة مليئة بالناس مثل حي سيدنا الحسين، والسيدة زينب أما الأطفال فلهم طقسهم وفرحهم الخاص بهم، وهم يطوفون في الأزقة والحارات حاملين فوانيس رمضان التي عرفتها مصر عندما دخلها معز الله الفاطمي فخرج أهل مصر لاستقباله وهم يحملون في الليل الفوانيس، فصارت عادة عندهم هي الفوانيس الرمضانية لأن ذلك قد حدث في ليالي الشهر الكريم.. أجل فالأطفال يطوفون ليترنموا بأغنية وحوي المشهورة:
... وحوي يا وحوي ..إياحه
... وكمان وحوي إياحه
... رحت يا شعبان.. إياحه
وجيت يا رمضان.. إياحه
السودان ...
... من التقاليد الموروثة عند السودانيين أن أحدهم لا يستطيع الفطور لوحده، إذ لا بد من مشاركة أحد الصائمين له في إفطاره . ونجد السودانيين يجتمعون في الحي الواحد وتفرش الموائد قبيل وقت الفطور ويضع كل واحد طعامه على المائدة، ويجتمع الجميع لتناول الفطور الجماعي الذي يتكون من حبات التمر ثم يؤدون الصلاة، ويبدؤون فطورهم المكون من لحم أم دكوكة، والعصيدة، والبليلة " لوبيا عدس" وتؤكل مع التمر ويشربون الأبرية " حلو ومر"
... وبعد صلاة التراويح يجلس الرجال للمسامرة وتبادل الزيارات بين الأصدقاء، ويقرأ كبار السن القرآن الكريم ويتجول الشباب لزيارة الأقارب والأصدقاء، بينما يمارس الأطفال إحدى الألعاب الشعبية مثل ترديدهم للأغنية المتوارثة والتي تجري بينهم:
... الأول : شليل وينو
الجماعة : أكل الودو
الأول : شليل وين راح(1/66)
الجماعة :أكل التمساح
... ثم يرمي الأول حجراً بعيداً عن تجمعهم وهو يقول:
" شل إيد الرجال ما تنحل"
وهنا يتراكض الأطفال المشاركين ليحاولوا التقاط الحجر والعودة به إلى صاحبهم الذي رماه.
ليبيا
... تنفرد ليالي الصيام في ليبيا، حيث يطول سهر الناس حتى الهزيع الأخير من الليل، بوجود النوبادجي – المسحراتي- الذي يحمل النوبة على كتفه وهي عبارة عن طبلة كبيرة ينقرها بوساطة عصاتين تكون الأولى مقوّسة الشكل وتستعمل في الدُّمْ، وبينما تكون العصا الثانية أرفع من الأولى وتستعمل للتيك، في أوزان آلات النقر.
ويرافق النوبادجي في أثناء تجواله عبر أزقة وشوارع الحيّ في القرى والمدن الليبية، رفيق يحمل الفنار- الفانوس- الذي يضيء طريقهما الذي يسلكانه في عتمة الظلام، حيث يشتركان في إيقاظ النائمين لوقت السحور، وذلك حين كانا يرددان على أوزان هذه النوبة أغنية تؤكد بأنّه قد حلّ عليهم فلا ينزعجون منه. ويأتي دور " سهر الليل" أو" الطبيبيلة"، ويعرف في أغلب الأقطار العربية باسم المسحراتي، ويسير هذا الرجل في الطرقات حاملاً بين يديه طبلته الصغيرة التي ينقرها بوساطة عصاً صغيرة مردداً هذه الكلمات:
يا سهر الليل
نوضوا- استيقضوا- تسحروا يا صائمين
توكلوا على الله يا صائمين
تونس
... وتشهد تونس المدينة العتيقة في العاصمة تونس مهرجان المدينة الذي يقدم فيه المنشدون المحليون والعرب ألواناً من الغناء والتواشيح والمعزوفات التي يقبل عليها الجمهور من كل مكان. أمّا الأولاد فيسمح لهم أهلهم بالطواف في ليالي الشهر الكريم للتجول في الأزقة، يقدمون أناشيد وأغانيّ خاصة بهم.
ويتزاور التونسيون فيما بينهم، ويدعو أحدهم الآخر لتناول طعام الفطور في بيته، ويبدأون فطورهم بتناول التمر مع خلطة الزبدة أو اللوز، واحتساء الشوربة، ثم يقدمون على مائدة فطورها الرمضاني أكلات خاصة مثل: البريك، والكُسْكُسي، والنواصر، والحلويات، والشاي الأخضر.(1/67)
... ويكون الفريس طعام السحور في تونس، ويشربون معه الحليب، طيلة أيام الصيام، ولا ننسى الطابع الاحتفالي الخاص الذي يحييه أهل تونس لليلة القدر المباركة، إذ بعد إحيائها غالباً ما يقوم الشباب باستغلالها لاعلان الخطوبة، ويكثرون فيها التزاور وتقديم الهدايا للأهل والأصدقاء.
الجزائر
... ينطلق الأطفال عند سماعهم صوت المؤذن وقت المغرب وهم يصيحون " أذن كأس لبن " وأذن بمعنى أذن المؤذن" فهات كأس لبن لنشرب.. وإذا لم يسمع الناس الأذان فصياح الأطفال يعرفهم بأنَّ موعد الفطور قد حان ... ويفرح الأطفال برمضان لأنه موسم يتبارى فيه الأباء مع أبنائهم لتعويدهم على صيام الشهر المبارك. ويأخذ الوالد أولاده الصائمين إلى أداء صلاتي العشاء والتراويح في المسجد ثم ينطلق الصغار عقب الصلاة ليلتقوا مع أصدقائهم ويطوفون مرددين:
رمضان كريم .. رحمن رحيم
وبالعبادة تلقي السعادة
تلقى السعادة وتلقى النعيم
رمضان كريم رمضان كريم
... ويحرص الجزائريون في الشهر الفضيل خاصة بعد إحياء ليلة القدر المباركة على إعلان الخطبة، وختان أولادهم بالليلة الخالدة.
المغرب
... احتفالات المغاربة في رمضان تختلف من المدينة إلى الريف والبادية، فالقرية بحكم بساطتها، فإن لشهر الصوم طابعا خاصا، حيث تكثر الزيارات بين الأهل والأصدقاء، وتكون فترة الظهيرة للنوم، وبعد العصر يجتمع الرجال لتبادل رواية سير العظماء والأحداث الماضية، أما عند موعد الفطور فلا بد من اجتماع أسرتين أو أكثر على مائدة واحدة لتناول الفطور، وينقسم الرجال على سفرة وكذلك النساء والأطفال، لكل واحد منهم سفرته الخاصة، ويؤدي الجميع صلاة التراويح ويستمعون إثرها لقراءة القرآن الكريم والأحاديث النبوية.(1/68)
... ومما يميز السحور في القرى المغربية خروج الرجال وهم يحملون الطبول والمزامير لينبهوا الصائمين على وقت السحور، وهنا يكون الأطفال حلقات ومجاميع مع هؤلاء المسحراتية وهم في غاية الفرح ويتنافس أطفال القرى على الصيام، لذا تقام احتفالات خاصة للأولاد أو البنات عند صيامهم للمرة الأولى حيث يقدمون لهم الهدايا من الحلويات والملابس أما الصيام في المدن المغربية، فنجد أنَّ حركة الناس غالبا ما تبدأ في الليل، حيث يذهب قسم إلى المقاهي الشعبية أو التزاور، وفيما يخص الأكلات المغربية التي تقدم للفطور فتكون الحريرة هي المشروب المعروف عند المغاربة وتصنع من الطحين والتوابل ولحم الأغنام أو الدجاج، ولقريشلة، ومسمن وحلوى.
... وتكون مساجد المغرب في ليلة السادس والعشرين من رمضان على صباح يوم السابع والعشرين منه في أبهى زينتها من الشموع والبخور، وتقام عقب صلاة التراويح وتلاوة القرآن الكريم مائدة السحور في ليلة القدر، حيث يشربون الشاي الأخضر المعروف عند المغاربة. مع بعض الأكلات الخفيفة.
الصومال
... تبدو ملامح رمضان في الصومال قبيل حلوله فهم يستعدون لاستقباله بصورة تتضح في الأسواق التي تعج بالمتبضعين،كذلك يحرص الصوماليون على أداء الفروض والعبادات في المساجد وحتى في المدارس التي تبرز أيام شهر الصوم المسابقات القرآنية للحفظ والتلاوة، مع تنظيم حلقات الإرشاد والتوعية والموعظة، وختم قراءة القرآن في أيام الصوم المبارك.
... ويفطر الصوماليون على أكلة العركيك ـ اللحوح ـ مع السمن والحليب، مع السمن والحليب، ويفطرون على" السمبوسة " إضافة إلى تناول لحم الجِمَال والأرز وبعض الخضراوات.
... كذلك يؤدي الصوماليون صلاة التهجد، حيث يطوف أحد الرجال في الشوارع ليضرب بعصاه على الطبل ليوقظ النائمين للسحور وفي سحورهم يتناولون " الهريس" وهو من لحم الجمل والبطاطا، والطماطم بشكل مرق مع شرب عصير التفاح والبرتقال.
موريتانيا(1/69)
... ويقوم الموريتانيون بذبح الذبائح إذا أوشك هلال رمضان على الظهور، فيعدون لحومها مجففة على هيئة قديد قابل للخزن على مدى أشهر طويلة، ويحرصون على خزن تمور أدرار التي لا يمكن الاستغناء عنها للصائمين، وتقوم النساء بإعداد كميات مناسبة من هريسة الهبيد أو الفستق أو النبق ـ شجرة السدرـ كذلك تجهز النسوة أوعية خاصة ملآى بالكُسْكُسي الذي يجري تجفيفها لتكون جاهزة للتحضير السريع. ويشرب الصائمون ألبان الإبل على وفق طريقة خاصة يمكن إعادة استعمالها كشراب وقت الإفطار برمضان في تحضير شراب الأقط – القارص-. ويدعو شيخ القبيلة في أيام الصيام سكان الحي ليفطرهم جميعا، ويقدم لهم الأكلة الرئيسية الكسكسي، مع الملوخية، والمعكرونة، ويشربون الشاي الأخضر.
ويحرص صائمو الشهر الفضيل في أدائهم صلاة العشاء والتراويح على إنهاء جزء من كتاب الله الكريم، ثم يقرأون كتب الحديث النبوي، وكتاب الشفاء للقاضي عياض، وشرح الأربعين النووية. وتقام في المساجد الموريتانية عقب صلاة التراويح محاضرات دينية لمن هم فوق سن العشرين عاما، وإثر الصلاة يجتمع أهل الحي أمام بيوتهم، حيث يجلس الرجال في خيمة منفردة، وتذهب النسوة للاجتماع بمكان خاص،ويتناولون في أمسياتهم الرمضانية بعض الحلويات، والشاي الأخضر، ويبقون في مجالسهم التي تمتد حتى وقت السحور، حيث يدخل كل واحد داره ليتناول سحوره ويؤدي صلاة الفجر.
أثيوبيا(1/70)
... ولرمضان في أثيوبيا طعمه الخاص، حيث يجهزون للشهر الكريم حاجياتهم التموينية من المأكولات والمشروبات، ومن المأكولات الرمضانية القمح المطحون ويعمل مثل الخبز الطري، ويشبه " السمبوسة ". ويتناوله الأثيوبيون في وقت إفطارهم، ويشربون الشوربة المعمولة من القمح أيضاً، بينما يأكل بعضهم طعام "انجرا " ويعرف بطيف وهو أصغر من حبة الأُرز وله مذاق خاص. وكذلك تتم دعوة الأقارب والأصدقاء أيام شهر رمضان للإفطار الجماعي في البيوت، حيث تخصص أيام معينة فيه لكل عائلة.
جيبوتي
... وفي جيبوتي تفتح المساجد أبوابها وتنار طيلة الأيام المباركة، وتغلق المدارس لمدة خمسة عشر يوما، وعندما يعود الطلاب إلى مدارسهم، يبدءون مدة الأيام الثلاثة الأولى من دوامهم بحفظ جزء من كتاب الله العزيز لتلاميذ المرحلة الابتدائية من سن الخامسة إلى العاشرة، الذين يحفظون جزأين ويقرأ الكبار خمسة أجزاء من القرآن الكريم.
... ويتبادل الجيبوتيون تناول طعام الفطور مع أقاربهم وأصدقائهم في رمضان _ وتقدم فيها الأكلة الشعبية وهي – اللحوح- المعمولة من الطحين والزيت والعسل، ويقدم للصائمين في إفطارهم الهريس والثريد مع لحم الغنم .
... ويتجمع أهل جيبوتي في ليالي الشهر العظيم خارج البيوت في العراء، ويفصل مجلس النساء اللواتي يقدمن بعض الأكلات الخفيفة في المجالس وكذلك يجتمع الرجال بأولادهم في المجالس ليرووا لهم القصص ذات العبرة والموعظة من سيرة النبي ـ عليه الصلاة والسلام ـ والصحابة ـ رضي الله عنهم ـ وعندما تحين ليلة القدر المباركة يحيي المسلمون في جيبوتي ليلتهم في مصلى العيد ويعودون إلى بيوتهم بعد صلاة الفجر.
جُزُر القُمْر
... عندما يحين يوم التاسع والعشرين من شهر شعبان، يتحرى أهل جزر القمر هلال رمضان ، وعند ثبوته يؤدون صلاة التراويح، وتستمر الحياة بصورة عادية لكن الدوام في المدارس قصير، في حين تكثر المحاضرات والدروس في كل عصر يوم رمضاني.(1/71)
... ويتناول أهل جزر القمر في فطورهم وجبة خفيفة من الشوربة بعد طحن الأرز مع إضافة اللحم، مع تناول الموز والفرياب الذي يشمل اللحم أو السمك مع إضافة الموز المقلي بالزيت إليه. بينما يتناولون في سحورهم الأرز مع اللبن أو الأرز مع السعلون -الخضراوات -وأقداح من الشاي.
بنغلادش
... وفي بنغلادش تغلق المدارس أبوابها، ويتهيأ الجميع لفظ وتلاوة القرآن، وهناك من يختم قراءته لمرتين أو ثلاث مرات. ومن الأكلات البنغلاديشية الحمص المقلي، وهو أهم شيء عندهم، مع تناولهم للأرز والسنكرا -اللحم والبطاطا- إضافة إلى تناولهم الفلافل، والفواكه.. ويكون طعام سحورهم الرئيسي هو الأرز والسمك مع حليب البقر والشاي.
كينيا ...
... وقبل يومين من إطلالة رمضان يتبادل الكينيون الاتصالات حول رؤية الهلال ما بين المدن خاصة المدن التي يقل فيها المسلمون. ويتغير إيقاع الحياة عند أهل كينيا طيلة الشهر الكريم، إذ يبدأ منذ أول يوم رمضاني تقديم الدروس الوعظية الدينية عقب صلاة العصر. وتشمل المائدة الرمضانية التي يحرص الكينيون على تناولها: الفيازي، والمهوكو- البطاطا الكبيرة جدا- والماتوكي، الذي يطبخ مع الموز مع إضافة الفول السوداني المطحون، ويتناولون مع هذه الأكلات عصير البرتقال الذي يكثر في كينيا، مع الشراب التقليدي أوجي، وهو من دقيق الذرة والماء المحلى بالسكر ويشرب حارا وباردا، وتكون مائدة السحور عندهم من الأرز وكالي مع شرب الشاي بالحليب.
سيراليون
... بالنظر لعدم وجود التوقيت العربي في سيراليون، فإنهم يحرصون على مراقبة هلال الصوم عيانا أسوة بالرسول الكريم ـ صلى الله عليه وسلم ـ ونرى أهل سيراليون طيلة رمضان يعدون الطعام ويضعونه في المساجد لتفطير الصائمين، وعادة ما يكون طعامهم من الأرز ونوع يطلقون عليه تسمية" باب " ويتكون من الأرز المطحون مع السكر والماء.(1/72)
... ويتناولون الكاسابا من الأسماك المقلية، ويحولونه إلى طعام لآخر يعرف " بالطوب " بعد خلطه بالسكر، علاوة على صنف يسمى " بطاطا " يطبخ مع السمك. وتغلق الأسواق في سيراليون منذ المغرب، ليتفرغوا لتناول الفطور، والذهاب لأداء صلاة التراويح، ومن ثم الاستماع إلى الدروس الدينية، ومن فعاليات رمضان في سيراليون، أن يقدم الرجال والنساء رقصة -وات نايت - لتعبر عن الفرح الشعبي الذي يعم الجميع.
أوغندا
... يستعد المسلمون في أوغندا لرمضان منذ شهر شعبان، إذ يحرص الخطباء على التذكير بفضائله وأجره وفي رمضان تقام أيضا الحلقات العلمية، حيث يفد العلماء المسلمون من خارج أوغندا لإلقاء دروسهم خلال الأيام المباركة مع تعيين إمام خاص لشهر رمضان.
... وتزدهر موائد إفطار الصائمين، حيث تفضل كل قبيلة طعاما معينا، فإحدى القبائل مثلاً تقدم مانوكي أي- الموز بعد طبخه- أو تناوله مستقلا، كذلك قبيلة أخرى تفضل طبخ الموز مع الفاصوليا بهيئة مرق، أو تناوله مع اللحم، في حين يفضل الصائمون الآخرون تناول الموكو، وهو ـ الجزر ـ المطبوخ مع الفاصوليا أيضاً.
بنين
تتوقف الدراسة في مدارس بنين طيلة شهر الصوم الفضيل، وتفتح المدارس أبوابها لتتم فيها إقامة دورات تحفيظ القرآن الكريم، ونرى أهل بنين يجتمعون ليلا عند باب دار إمام المدينة في مكان واسع لقراءة كتاب الله المجيد، ومن ثم أداء صلاة التهجد جماعة. وبخصوص الأكلات البنينية يقدم الأرز مع المديد " شعير وذرة " والذين يعملون منه شرابا يفطر عليه الصائمون ومن العادات المتبعة عندهم أن يقدم الزوج هدية لأهل زوجته.
توغكو(1/73)
... يجتمع الصائمون في توغو على مائدة كبيرة جماعية عند الفطور، وتقدم لهم الأكلات الشعبية وأبرزها: " تو " وهي من الذرة المطحونة واليامس - تشبه البطاطا-ويبدأ الصائمون بتلاوة القرآن الكريم إثر صلاة التراويح، ليتموا في نهاية الشهر ختم الكتاب العزيز كذلك تقام في توغو وسط الساحات العامة احتفالات يشارك فيها الأهالي يقدمون فيها ألوانا متعددة من التراث المحلي من الأناشيد والفنون المختلفة.
ساحل العاج
... يعد المديد " القمح " والأرز والسكر " الوجبة الرئيسة التي يفطر عليها سكان ساحل العاج، في حين نجد الأرز والعصير من المانجو هو طعام سحورهم المفضل .
السنغال
... وكل يوم عقب الدوام الرسمي، يجتمع المسلمون في مساجد السنغال لتدبر القرآن الكريم. أما فطور السنغاليين فهو عبارة عن الأرز واللبن والسمك، في حين يتناولون طعام السحور من الأرز واللبن والتمر.
غامبيا
... وفي غامبيا هناك عدة أكلات تقدم على المائدة الرمضانية.. إذ لكل قبيلة أكلتها الخاصة. لذا يحرص الصائمون عند الفطور على تناول الشوربة وتتكون من الشعير والأرز، ونادرا ما يتناولون التمر عند الإفطار لكونه غير متوفر في بلادهم.
... وتقام في المساجد المحاضرات الدينية عقب صلاة العصر، وتلاوة القرآن الكريم، وكذلك تقام هذه الدروس والقراءات بعد الانتهاء من صلاة العشاء والتراويح.. ويتم تزاور العائلات في كل يوم، ويقوم الأولاد بترديد بعض الأناشيد الدينية المعروفة.
الكونغو(1/74)
... تتمثل مظاهر شهر رمضان في الكونغو بتلك الاحتفالات التي يشهدها الرجال والنساء وسط الساحات العامة في المدن، مستخدمين السيارات التي تجوب الشوارع كافة، وسط قرعات الطريق والموسيقى الشعبية معبرين عن فرحتهم بالشهر الكريم. وتكون الأيام العشرة الأولى من رمضان مزدحمة بالمصلين بدءا، ثم تزداد أعداد المصلين في مساجد الكونغو بشكل ملحوظ في العشر الأواخر ، حين يكون قيام الليل كبيرا، أما في الليلة المباركة ـ القدر ـ فلها احتفالها واحتفاء الكنغونويين الخاص بها"
أما فطور الصائمين نرى أهل الكونغو يتناولون الفول السوداني المطحون والبطاطا الحلوة والموز الأفريقي، والجزر وكلها توضع في قدر لتطبخ على نار هادئة، وتكون وجبات سحورهم هي: الأرز والسمك والشاي وبعض الخضراوات.
بوركينا فاسو
... عند مقدم الشهر الفضيل .. تغلق مدارس بوركينا فاسو أبوابها، وتزدحم المساجد بالمصلين ويتبادل الأهالي الزيارات . ويفطرون على المشروبات الغازية، إضافة إلى تناول الأرز واللحم والبطاطا والموز، ثم يتناولون بعض الحلويات المحلية عقب صلاة التراويح.
الهند ...
... يُعد كودوتكلور أول مسجد بُني في المليبار بالهند منذ سنين طويلة لذلك يعتز به المسلمون الهنود ويحرصون على إقامة الصلوات به وإحياء ليلة القدر، وصلاة يوم الجمعة. ويقوم الأهالي الموسرون بعمل أسماط لتفطير الصائمين أيام رمضان، يقدمون فيها أصناف الطعام من السمك واللحوم. وتعقد في المساجد طيلة الشهر محاضرات وندوات لشرح تعاليم الإسلام والسيرة النبوية الشريفة.
ماليزيا(1/75)
... وفي ماليزيا تخفض ساعات الدوام الرسمي، وتنظم الحكومة مسابقات لتلاوة القرآن الكريم لجميع الفئات العمرية وعلى مستوى الدولة، ثم على المستوى الإقليمي بين دول جنوب شرق آسيا حيث تعقد في كوالالمبور في ماليزيا وعلى المستوى الدولي في مكة المكرمة. وهو عندهم شهر التسامح.. وأداء الصلوات جماعة في مسجد الاستقلال الذي يعد أكبر مسجد في آسيا .
... ويبدأ الماليزيون في تناول فطورهم أيام شهر الصوم إما بسماع طلقة المدفع أو المزمار الكهربائي، ومن أكلاتهم الشعبية الأرز مع السمك أو اللحم أو الخضراوات، وهناك الراندج، وهو عبارة عن لحم بارد متبل بالبهارات وأبرز الحلوى عند الصائمين الكولاك وهي الموز المطبوخ بالسكر وجوز الهند مع قليل من الملح والفواكه الطازجة أما الجودك فيُحضر قبل حلول رمضان الكريم بعدة أشهر، ويظل صالحا لفترة طويلة ويحرص الماليزيون على بدء الإفطار بالتمر ثم يتناولون لبن جوز الهند المثلج.
إيران
... يفطر الصائمون في إيران على التمر واللبن، ويؤدون صلاة المغرب، ثم يعملون الخمير " العجين " مع شرب الشاي الأحمر، ويأكلون العيش وبعض الفواكه. وغالبا ما تحلب النسوة في مناطق إيران الأبقار والأغنام لعمل اللبن وإعداده للفطور، كذلك يعملن الحلويات مثل: الزلابية، والكاستر، ويعملن أيضا عصير الرمان، وعصير الجوز ويكون ثخيناً.
... ومن عادات الإيرانيين تقديم صحن من الأرز وإبريق من العصير إلى المسجد القريب من المنطقة أو المحلة لتفطير الصائمين المصلين، وغالبا ما نجد الرجال يفطرون في المساجد، أما النساء والأطفال فيفطرون في البيت. ويذبح الإيرانيون عدة رؤوس من الأغنام ويجففون لحومها ليتناولوه وقت السحور حيث يعملون منه البرياني والمكدوس، والعيش صدري راشتي.
أوزبكستان(1/76)
... إنّ المآذن المشعشعة بأنوارها الوهاجة، ومعالم الزينة المرفوعة، هو ما يلفت نظر المرء في كل الأرجاء الأوزبكية، وهو ما يراه الجميع في مدن سمرقند وبخارى وخيوى وغيرها.. فالمسلمون في تلك البلاد ينتظرون قدوم هلال الصوم على امتداد أحد عشر شهرا، كي تتحول بلادهم إلى مهرجان حقيقي، أيام رمضان، وهم يسمعون عند غروب كل يوم الأذان باللغة العربية.
... ويتناول الصائمون في أوزبكستان الماء أولا عند سماع أذان المغرب، ويتناولون حبات التمر أسوة بسيرة النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ ويؤدون صلاة المغرب جماعة، ثم يجلس الكبار والصغار على مائدة الإفطار وتعرف عندهم بـ سحرليك الذي يتصدر الحساء المائدة ويتكون من لحم الغنم مع قطع من الجزر والبصل والخضراوات، وتأتي السمبوسة كطبق مفضل عند الأوزبكيين، يعقبه المانطري الذي يشبه السمبوسة ولكنه يطهى على البخار. ومن الحلويات عند سكان أوزبكستان النيشالا وهي بيضاء مثل العسل ذات طعم ومذاق طيب، أما السحور فهو وجبة خفيفة من الحليب والخبز.
تركيا
ولشهر رمضان في تركيا ألقه الخاص، لذا يستعد الأتراك لاستقباله منذ شهر رجب ويحرصون على قراءة القرآن الكريم وحضور الدروس والمحاضرات التي تقام في المساجد وموائد الإفطار تضم أنواعا عديدة من الأكلات التركية كالكباب والكبة بأنواعها والشوربة واللحم المشوي.. وتطلق عند أذان المغرب سبع طلقات من المدافع إيذانا ببدء الفطور، وتقدم بعد طعام الفطور الحلويات مثل البقلاوة، وحلاوة الجزر مع الفواكه والعصير
البوسنة
... من الممارسات التي يحرص عليها البوسنيون طيلة شهر رمضان إغلاق المطاعم العامة نهاراً، وفتحها عند موعد الإفطار، ويتناولون في فطورهم التّمر اقتداء بسنة رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ كما تنشط النساء قبل رمضان بشراء السلع كاللحوم والفواكه المجففة والخضراوات مثل( القراصيا)، وتحضر النسوة طورشيا ـ الطرشي ـ وهي المخللات مثل القرنابيط والخيار والفجل.(1/77)
... وتبرز مظاهر رمضان بصورة أكبر عقب الإفطار فهناك الأناشيد المتميزة والأغاني المذاعة، ودائما نجد عند البوسنيين اتفاقا مسبقا على أداء صلاة التراويح ثم التجمع عند أحدهم للتسامر حتى وقت السحور، ودائما ما يقوم الموسرون بدعوة كل المصلين لتناول الحلوى والعصير حتى وقت السحور. أما الأطعمة البوسنية في رمضان فغالبا ما تكون من اللحوم والدجاج والأسماك، وتستخدم النسوة طريقة التدخين لطهي اللحوم ويستخدمون لهذا الغرض أغصان شجرة معينة تعطي اللحم نكهة ورائحة خاصة. ويتناول الصائمون في فطورهم الباك وهو نوع من الشوربة وتشمل قطعا من اللحم والأرز والحمص والبسلة والجزر وصفار البيض . ومن الحلوى التي يتناولها البوسنيون في رمضان البقلاوة، وحلوى أخرى تعرف بالقذائف، وتشبه الكنافة، وحلوى خورماشيتا، التي تماثل لقمة القاضي.
***
المبحث الثالث
العيد في الدول العربية والإسلامية
كانت الصورة في دول الخليج واحدة تقريبا لا تختلف إلاّ في تفاصيل دقيقة، فأول ما يهتم به الناس هنا صلاة العيد في الأماكن المفتوحة .. ثم العودة إلى المنازل وتهيئة الأهل، لاستقبال المهنئين، وغالباً ما تبدأ زيارة الأقارب والأرحام خاصة بعد الظهر إذا كانوا يقيمون بعيداً أو في أماكن أو مدن أخرى، لكنّ هناك طقوساً معينة تبدأ فيها الاستعدادات للعيد قبل وصوله، ويختلف الأمر في القرى عن المدن.
الإمارات
تبدأ ربّة البيت في الإمارات بإعداد المنزل وتنظيفه وترتيبه رغم انه في الغالب يكون مرتباً .. لكن من ضروريات العيد أن يتم إعادة ترتيب البيت، وتوضع الحناء على أيدي البنات والسيدات أيضا، ويتم تجهيز الملابس الجديدة للأطفال خاصة والجميع بشكل عام، ويتم تجهيز طعام العيد خاصة اللقيمات والبلاليط وغيرها .. ثم بعض الحلويات وكميات من الفواكه توضع في المجالس لاستقبال الضيوف، وفي مقدمة ذلك كله التمر والقهوة والشاي.(1/78)
ويبدأ العيد في القرى بالصلاة في الأماكن المفتوحة والساحات العامة- مصلّى العيد- وغالباً ما يكون الرجال في كامل زينتهم من الملابس الجديدة ، وقد يكون هناك إطلاق نار في الهواء تعبيراً عن الفرح ، ويشارك الرجال في الرزفة -رقصة شعبية- تعبيراً عن الفرح بحلول عيد الفطر السعيد.
أما المدن، فالاستعدادات متشابهة فيها.. وتؤدى الصلاة في مصلّى العيد، ويكون مفتوحاً ، وإنما ينطلقون بعد الصلاة لتهنئة الأهل والأقارب بالعيد، وعقب صلاة الظهر ينطلق الأطفال والأسر بشكل عام نحو الحدائق والمتنزهات للابتهاج بهذا اليوم الجميل .. وتكون عبارة التهنئة المعتادة: مبروك عليكم العيد .. عساكم من عوّاده .
الكويت
وكما ذكرنا، فالعيد في دول الخليج متشابه غالباً. فيتغنى الأطفال في الكويت قبل حلول العيد قائلين:
باجر( غداً) العيد ونذبح ابكرة(بقرة)
وننادي مسعود جْبِير ( كبير) الخُنْفَرَة.
ويرتدي الأطفال الجديد من الثياب، ويحصلون على العيدية وتُنصب الدُّوارف، والمراجيح للعبهم، ويبتدع الصبيان والبنات الأغاني والأهازيج عند ركوبهم الدريفة. وكان الأولاد يتنقلون بالسيارات إلى مناطق متعددة مثل منطقة حولِّي والشامية، أو يذهبون بوساطة العربات التي تجرها الخيول فتجدها تسير بهم وهم يرددون بصوت واحد:
عَرَبَانَه أم حصّان
تمشي وتُلْقُط رُمّان.
البحرين
ونجد القدوع في البحرين وهو صحن كبير يضم أنواعاً كثيرة من الفواكه والحلويات يتصدر مجلس الضيوف، حيث تُقدم للضيوف هذه الأنواع ليختار منها ما يشاء عندما يحل ضيفاً على أحد البيوت.
وتقدم الحلوى البحرينية الشهيرة للضيوف، ويجتمع أفراد العائلة مع أقاربهم لتناول طعام الغداء في أيام عيد الفطر المبارك في بيت الوالد في أول يوم العيد. أما الأطفال فيطوفون من بيت إلى آخر في الفريج- الحيّ- ويغنون بصوت واحد:
عيدكم مبارك..
عساكم من عوّاده.
العراق(1/79)
كانت مناسبات الاحتفالات الشعبية العامة في الماضي تكاد تقتصر على الأعياد الدينية. وكانت تلك الاحتفالات غالباً ما تأخذ طابعها الشعبي في عموم مدن وقرى العراق. وقد ابتدع أبناء الشعب لإضفاء البهجة والفرح على حياتهم عادة" الكَسْلات" التي كانت تعقب تلك الأعياد الدينية، والتي يراد منها إطالة أمدها، والتمتع بمزيد من المباهج والاحتفالات.
ولقد كانت الكَسْلات- جمع كَسْلَة- وهي التوقف عن العمل، تنطوي على زيارات جماهيرية واسعة، تشمل عامة الشعب إلى بعض الأماكن والمزارات في العاصمة بغداد، وفي بقية المحافظات العراقية الأخرى التي تضم بعض المعَالِم التاريخية والدينية والأثرية لقضاء وقت جميل فيها.
وتبدأ مظاهر عيد الفطر في العراق على الطريق في نصب المراجيح ودواليب الهواء والفرارات وتهيئتها للأطفال. أما النساء فيشرعن بتهيئة وتحضير عمل الكِلِيْجَة "المعمول" بأنواع حشوها المتعددة، إما بالجوز المبروش أو بالتمر أو بالسمسم وإضافة السكر والهيل، والحوايج -نوع من البهارات- لتعطيها نكهة طيبة ومميزة للكِلِيْجَة العراقية، وتقدم للضيوف مع استكان شاي إضافة إلى قطع الحلويات الأخرى، والحلقوم- الرَاحَة أو - مَنْ السَما - المنّ والسلوى - أو المسقول، وتعمل النساء نوعاً من الكِلِيْجَة بدون حشو يطلق عليه الخِفِيِفِي حيث يضاف إليه قليل من السكر ويدهن بصفار البيض ويخبز إمّا بالفرن أو بالتنور. وتبدأ الزيارات العائلية عقب تناول فطور صباح الأول من أيام عيد الفطر حيث يحصل الأطفال على العيدية من الأب أولاً ثم تذهب العائلة إلى بيت الجدّ والجدّة لمعايدتهما والبقاء عندهم لتناول طعام الغذاء، ثم يغادرون منزلهما لمعايدة الأقارب والأرحام ومن ثم الأصدقاء، بعدها ينطلق الصغار إلى ساحات الألعاب لركوب دواليب الهواء والمراجيح ويؤدون بعض الأغنيات الخاصة بهم وسط الفرح الغامر.
فلسطين(1/80)
يؤدي أهل فلسطين صلاة العيد في المسجد الأقصى الشريف على الرغم من منع المحتلين لهؤلاء من أداء شعائرهم الدينية وتستعد النسوة بعمل الحلويات الشعبية مثل المعمول، وحلي سنونك، واليحميك، وسحلب كينور، وهو نبات يغلى ويحلى ويضاف إليه الزنجبيل ويقدم ساخنا للضيوف. ومما تقدمه العوائل في فلسطين المحتلة البرازق والنقوع، وهي بذور لها رائحتها الزكية، والقضاعة، " الحمص المطحون والممزوج بالملح" ويقدمون أيضا المدلوقة وتصنع بطريقة عمل الكنافة نفسها، ولكنها تؤكل نيئة من غيروضعها في النار.
وهناك أغانٍ يؤديها الأطفال في اليوم الأخير من شهر رمضان، وأغانٍ أخرى تغنى أيام عيد الفطر السعيد. ومن الأغاني التي تغنى في العيد أغنية قديمة جداً مصدرها من شمال فلسطين، يعتمد الأطفال فيها على اللحن والقافية تقول كلماتها:
والعيد رَوّح ع حيفا جاب الخُرج مليانّه
فرّق على بَنَاتُه وخلّى العروس زعلانَه
لاتزعلي يا عروس بَعْدَه الخُرج مليانّه
وإحنا بنات العيد والعيد أبونا
أجو شباب البلد تَ يخطبُوها
سورية
كان الناس في سورية في الماضي يَنْصِبُون ألعاباً للعيد في الأراضي الخالية من البناء، و تشتمل في الغالب على ناعورة كبيرة من الخشب، يجلس في محيطها الصغار، ثم يُدورُها صاحبها بهم، وتشتمل على سرير خشبيّ كبير، يُعرف بسرير الكَسْلانَة، وهناك في الناعورة دائرة كبيرة تُدعى بالدَوَخانَة، يجلس فيها الأولاد ليدورهم صاحبها وهم فرحون.(1/81)
وللعيد اليوم في سورية طعمه الخاص، والذي يحرص فيه الصائمون على أداء صلاة العيد في المسجد الأموي الكبير بدمشق، وفي مساجد المحافظات الكبيرة الأخرى. وتتم الزيارات فيما بين العوائل والاجتماع في دار كبير العائلة، وتقدم إليهم الحلويات السورية المشهورة مع عصير التمر هند، والعِرِق سوس، وشراب القمر الدين، وهذا كله في أول أيام العيد، ويخرجون في ثاني وثالث أيام عيد الفطر للحدائق والمواقع السياحية ومدن الألعاب. أما الأطفال فيدورون في أزقة الحيّ في يوم وقفة العيد مرددين:
بُكْرَه العيد ومِنْعَيِّد ونقطع راس السيِّد
والسيِّد قَتَلْ مَرْتُو- امرأته- على رغيف اللي أكلتُو- أكلته-
أكلته ماشبّعها،جاب السيف ودَبَحْها
قال لها قومي تْعَشِي، قالت برُوح نَقْشِي،
شمَّر زِنْدُه، وطَعْمَاها، طعمَاها خاروف- خروف- مَحْشِي
وجَنْبُه كَمَايِه وجِبْسِي، جابهِن من عند العَشِّي
وبُكْرَه العيد ومِنْعَيِّد، ونرفع راس السيِّد
والسيِّد كَرَّم مرْتُو،على رغيف اللي صَرِفْتُو
صَرِفْتُه للمحتاجين!
لبنان(1/82)
كان لعيد الفطر في لبنان عادات وتقاليد يحتفي بها الناس جميعاً في الماضي، فعندما يثبت حلول العيد، يصعد بضعة رجال من الأئمة والخطباء ورجال الدين إلى المئذنة بالتهليل والتكبير معلنين حلول عيد الفطر السعيد، فيفرح الناس ويتهللون ويبدأ العيد. ويتزين الرجال والنساء والأولاد قبل شروق فجر أول أيامه بأحسن ما عندهم ويذهب الرجال جماعات لأداء صلاة العيد في الجوامع والمساجد، يذهبون بعدها لزيارة موتاهم، حيث يوزع كل واحد صدقة على أرواحهم ويعطي كل واحد الفطرة المفروضة عليه للفقراء، ثم يرجعون لمعايدة الأئمة والخطباء، ويكون هؤلاء قد أعدوا السفرة في الغرفة الكبيرة عندهم، وعليها المآكل المتنوعة، مثل الكبة والشوربة والأرز المطبوخ باللحم واليخني بالحمص واللحم واللبن. فيدخل الناس قائلين: عيدكم مبارك، أو أيامكم سعيدة،. فيجيبهم صاحب البيت: علينا وعليكم، وأيامكم سعيدة. فيأكل الناس، وتبقى السفرة مفروشة من الصباح حتى المساء.
أمّا اليوم فيتهيأ الأهل للعيد عادةً لشراء الألبسة الجديدة لأولادهم. فاللباس الجديد جزء من العيد في منظور المحتفلين به. ويبدأ الاحتفال بمناسبة العيد فور إعلانه رسمياً، حيث يبدأ الأهل بتهنئة بعضهم. فيقوم أفراد العائلة بزيارة كبير العائلة وتهنئته، ثم يتابعون باتجاه الأصغر سنّاً، بعدها يعودون إلى المنزل حيث يبدأ المُهنّئون بزيارتهم بدورِهِم. وتقتصر زيارة المعايدة أيام العيد بلبنان على تقديم فنجان قهوة مع صحن معمول للضيوف.
ويذهب الأطفال في يوم العيد إلى جدهم وجدتهم فيقبلون أيديهم ويهنئونهم بحلول العيد المبارك، ويأخذون العيدية، ويعتمد الاحتفال بالعيد عند الأطفال في لبنان على المفرقعات التي ترتبط بعادة إطلاق النار عند الكبار إضافة إلى الذهاب إلى مدن الألعاب لقضاء وقت جميل فيها.
الأردن(1/83)
يستعد الناس في الليلة السابعة والعشرين من رمضان بوداعه، واستقبال عيد الفطر المبارك في الأردن، ويقوم الرجال بإحياء ليلة القدر المباركة في المساجد، بينما كان المسحرون منذ هذه الليلة يوّحشون لرمضان بأطرف المدائح قائلين:
لا أوحش الله منك يا رمضان
يا شهر الكرم والإحسان
يا شهر الخير والغفران
أما في الأيام الثلاثة الأخيرة التي يسمونها بـ " ليالي الجبر"، أي جبر خواطر الناس الفقراء والأيتام، فيقومون بإخراج زكاة الفطر. وتنهمك النسوة في ليلة العيد في تنظيف البيوت، ويعكفن على صنع الحلويات مثل المعمول والغريبة وأقراص العيد التي تقدم للضيوف مع القهوة السادة.
ويذهب الناس للترحم على الموتى في المقابر والعودة إلى البيوت، وتقسم الزيارات على عدد أيام العيد، فأول يوم العيد تتم الزيارات المكثفة للوالدين والأخوات والإخوة والجيران والأصدقاء، وتقدم العيدية للأطفال، وتعقد الاجتماعات العائلية في ثاني يوم من أيام العيد، وتتم معايدة الأصدقاء الآخرين في أخر أيام العيد ، مع اصطحاب الأولاد للتنزه في الحدائق العامة ومدن الألعاب وهم في أبهى زينة. وينشد الأطفال بعض الأغاني الخاصة بهم وهم يلهون في المراجيح ومنها أغنيتهم التي تقول:
اليوم عيدي يا لالا
والبيت جديدي يا لالا
فستان مكشكش يا لالا
ع عالصدر مرشرش يا لالا
اليوم العيد وبنعيِّد
نذبح بقرة السيِّد
والسيِّد مالو بقرة
نذبح بنته هالشقرة
اليمن
تستعد المدن اليمنية استعداداتها للاحتفال بعيد الفطر السعيد، وهناك اختلاف في العادات والتقاليد من مدينة إلى أُخرى. فتقاليد اليمنيين تبدأ باستقبال العيد قبل عشرة أيام، ومن تلك المظاهر انشغال الصغار والكبار بجمع الحطب ووضعه على هيئة أكوام عالية، ليتم حرقها ليلة العيد تعبيراً عن فرحتهم بقدوم عيد الفطر السعيد وحزناً على فراق أيامه المباركة.(1/84)
ويقوم الرجال بشراء المستلزمات والحاجات الضرورية للعيد من المحلات التي تبقى مفتوحة حتى ساعات متأخرة من الليل. بينما تسهر النساء ليلة العيد حتى الصباح ليهيئن بعض المأكولات التي ستقدم في صباح العيد للضيوف مثل الكعك، وهو غير الكعك المعروف عندنا، فهو أشبه بالكيك حيث يتكون من الطحين والبيض والسكر وبعض المواد الأخرى. ويقف الناس أمام أفران الخبز لشيّ كعك العيد، ويقمن بإعداد "جعالة العيد" وهي المخلط- الخلطة- التي تتكون من الفستق والكشمش والزبيب والفول السوداني وبعض المكسرات التي تقدم للضيوف خلال أيام العيد.
ويكاد لا يخلو بيت من الأكلات اليمنية الخاصة بمناسبة العيد مثل: "السلتة " وتتألف من الحلبة المدقوقة وقطع البطاطا المطبوخة مع قليل من اللحم والأرز والبيض، وتحرص النسوة اليمنيات على تقديم أصناف من الطعام للضيوف في العيد ومنها : "بنت الصحن" وتعملها النساء من الطحين والعسل والبيض والدهن، أو"السباية" وهي رقائق من الفطير متماسكة مع بعضها بعضاً ومخلوطة بالبيض والدهن البلدي والعسل الطبيعي.(1/85)
ونجد أهل القرى في اليمن ينحرون الذبائح ويوزعون لحومها على الجيران والأصدقاء والجلوس في مجالس طيلة أيام العيد لتبادل الحكايات المختلفة. أما في المدن فيذهبون لتبادل الزيارات العائلية عقب صلاة العيد، وتقدم للأولاد العيدية. وعندما يعود ربّ الأسرة بعد أداء الصلاة في المسجد، تستقبله الزوجة والأبناء وهم في أجمل زينة وهيئة، فالزوجة تبدأ بتهنئة زوجها، ثم يأتي دور الأبناء للتهنئة واحداً بعد الآخر، ليقبلوا أباهُم - وعادة الصنعانيين أن يقبلوا رُكبَة أبيهم- ويقدم الوالد هدية العيد لأبنائه وتعرف بـ " عسيب العيد"، ويتناولون الفطور ويخرجون لمعايدة الأقارب والجيران. وغالباً ما يذهب الأطفال إلى الملاعب القريبة من بيوتهم ليركبوا" المدارة" ومفردها" مدرهه" أو يؤجرون الدراجات لركبوها، وتنشغل النساء بالتزاور فيما بينهنّ ويسمى ذلك بـ" الفرطة"، وتقوم البنات الصغيرات بالاجتماع في أكبر بيت في المنطقة لينشدنّ جميعاً بعض الأناشيد ويلعبنّ بعض الألعاب الشعبية مثل لعبة: الكيرم، ونط الحبل".
مصر(1/86)
تتزين الأحياء الشعبية بمظاهر العيد في مصر، ويعود الأطفال والديهم محملين بالملابس الجديدة التي سيرتدونها صباح عيد الفطر. وتجد الازدحام على أشَدِّهِ قبل العيد في جميع المخابز لأنها تستعد لعمل ( الكعك)، والذي هو سِمَةٌ من سِمَاتِ ومظاهرالعيد في مصر، وتتفنن النساء في عمله مع الفطائر الأخرى والمعجنات والحلويات التي تقدم للضيوف. ويذكر بأنّ صناعة الكعك في الأعياد من أقدم العادات التي عرفها المصريون القدماء، والتي نشأت مع الأعياد ولازمت الاحتفال بأفراحهم، ولا تختلف صناعة الكعك اليوم في مصر عن الماضي، مما يؤكد أن صناعته اليوم امتداد للتقاليد الموروثة. فقد وردت صور كثيرة عن صناعة كعك العيد في مقابر طيبة، ومنف، ومن بينها ما عُثِرَ على جدران مقبرة رخمي-رع من الأسرة الثامنة عشرة، إذ توضح تبين كيف كان عسل النحل يخلط بالسمن ويقلب على النار، ثم يُصب على الدقيق ويُقلّب حتى يتحول إلى عجينة يسهل تشكيلها بالأشكال المطلوبة، ثمّ يُرصُّ على ألواح من الإردواز، ويوضع في الأفران كما كانت بعض الأنواع تُقلّى في السمن والزيت.
وكان المصريون القدامى يشكلون الكعك على هيئة أقراص بمختلف الأشكال الهندسية ذات الزخارف، كما كان بعضهم يصنع الكعك على شكل حيوانات أو أوراق الشجر وبعض الزهور، وغالباً ماكان الكعك يحشى بالتمر المجفف_ العجوة- أو التين ثم يقومون بزخرفته بالفواكه المُجففة مثل النبق أو الزبيب. وكانوا يصنعون الكعك أو الفطير عند زيارتهم المقابر في الأعياد، والمعروف محلياً بالشريك، لاستخدامه كتميمة ست- عقدة أيزيس- وهي من التمائم السحرية ذات المغزى الأسطوري بحسب معتقداتهم القديمة.(1/87)
أما المساجد اليوم فتنطلق منها التكبيرات والتواشيح الدينية في ليلة العيد، حيث يؤدي الناس صلاة العيد في الساحات الكبرى، ويتم عقب أداء صلاة العيد تبادل التهاني بقدوم العيد المبارك، وتبدأ الزيارات ما بين الأهل والأقارب وتكون فرحة الأطفال كبيرة وهم يتسلمون العيدية من الكبار، فينطلقون بملابسهم الجميلة فرحين لركوب دواليب الهواء، وركوب العربات التي تسير في شوارع المدن وهم يطلقون زغاريدهم وأغانيهم المحببة فرحين بهذه الأيام الجميلة.
السودان
يسير المصلون إثر صلاة العيد على مجاميع كثيرة ليقدموا التبريك بالعيد للجيران، فيقفون للمصافحة، وعند خروجهم يصطحبون صاحب الدار معهم لتهنئة الجار الآخر وهكذا حتى ينهوا جولتهم في الحي كله .
ومن العادات عند أهل السودان دعوة الرجل الأكبر عمراً وأيسر الناس حالاً لتناول الفطور صباح أول أيام عيد الفطر، وهو: العصيدة، والمشبك والسكسكانية والشعبية واللقيمات بالعسل الصافي، مع شرب القهوة والشاي. وتتوجه كل عائلة إلى كبيرها لقضاء أول يوم العيد في دار " البيت الكبير "، وهو بيت الجد والجدة " الحبوبة "، في حين تكون زيارة الأماكن البعيدة والأصدقاء في اليوم الثاني من العيد خارج المدن.
ومن المتعارف عليه في السودان أن يعطي الرجال أي طفل يزور داره بعض المال كعيدية ولإدخال الفرحة على نفسه. ولا يخرج السوداني من بيته في اليوم الأول لأنه يتوقع في أية لحظة بأنّ ضيفاً ما سيزوره فجأة ولهذا ينتظره بفارغ الصبر.
الجزائر(1/88)
... من العادات المتوارثة في الجزائر حرص ربّات البيوت على تقديم وتنظيم مائدة العيد، والتي تضم أنواع الحلويات والمعجنات التي يعملنها داخل البيوت وتشوى في المخابز في السوق وتضم " قرن الغزال، والكروكون، والبقلاوة، والغريبة ". وإذا ما جاء أحد الأقارب أو الضيوف مهنئاً بحلول عيد الفطر فانه يتذوق من المائدة ويحمل حصة منها إلى داره، حيث يخصص له صحن خاص، ويتناول شراب القهوة أو الحليب أو العصائر.
ويمنح الأطفال الذين صاموا الشهر الكريم الهدية وهي مكافأة العيد، كذلك يحصل الأولاد في العيد على مبالغ نقدية من أقاربهم ويضعونها في الشقشاقة أي حصالة النقود. ويتصالح الناس بعضهم مع بعض إذا ما حصلت بينهم مشكلة، فالعيد مناسبة للتسامح والصفح وإعادة الوئام بين الجميع، فيذهب الجار إلى جاره " يغافر جاره" ليبارك له مناسبة عيد الفطر وإدخال البهجة على النفوس. وتقدم الأكلات الجزائرية وقت الغداء عندما يجتمع أفراد العائلة بذويهم، فيعمل طبق الكسكسى، والشخشوخة إضافة إلى تقديم العصير والفواكه والحلويات للجميع.
... ونجد من مظاهر العيد في الجزائر شراء الأطفال للمفرقعات وإطلاقها والذهاب إلى الحدائق العامة، ويحرص الناس على تصوير يوم العيد بالكاميرا، خاصة عند ذهابهم إلى المناطق السياحية حيث توجد في منطقة بن عكلون حديقة للحيوانات ومدن الألعاب ينتقل الناس ما بين المدينة والحديقة بوساطة "التلفريك" وتناول وجبات الطعام وسط المناطق الجميلة حيث تجتمع العوائل الكثيرة من كل أنحاء البلاد.
تونس(1/89)
عندما يعلن العيد، تسهر الناس في تونس حتى الصباح، بينما تقام الاحتفالات الرسمية عقبة بن نافع في مدينة عقبة بن نافع (القيروان)، تقدم فيها المحاضرات الدينية و " الأغاني الدينية " وقسم يعمل الاحتفالات في الليلة التالية. وتنشغل النساء التونسيات بعمل البقلاوة التونسية المعروفة والملَبَّس داخل البيوت، لتقدم للضيوف أيام العيد ، مع الأكلة التي يتناولها الضيوف المهنئين وهي " البازين" العصيدة وتتكون من السكر والنشأ وتخلط مع القديد " اللحم المجفف ".
ومن العادات المحببة في تونس عقد القران وإعلان الخطبة في عيد الفطر تيمناً وتبركاً بأيامه الكريمة. وغالباً ما يقوم المسحراتي الذي عمل طيلة شهر رمضان بإيقاظ الصائمين في هزيع الليل الأخير، وهو يدور على البيوت ليتسلم من أصحاب المنازل هداياهم المجزية .
ليبيا
... يستقبل الأولاد في ليبيا العيد بالغناء والرقص، حيث يتجلّى في الأغنيات التي يردونها بمناسبة فرحة العيد :
اليوم موسم .. وغدوه العيد
وافرح يا أبو ثوب جديد
اليوم موسم .. وغدوه العيد
وافرح يا قفطان جديد
وإذا ارتدى الواحد منهم ثوباً جديداً قبل صلاة عيد الفطر، فان البقية تحذو حذو لاستقبال العيد في وقت واحد. ويقضي الأطفال عيد الفطر في الأماكن الترفيهية التي يركبون فيها " اللويدة " وهي مجموعة من المقاعد الخشبية المتحركة التي تدار يدوياً حول قاعدة رئيسية من اليمين إلى اليسار بوساطة عدد من الرجال.
أما الشقليبة التي تغري الأطفال في العيد فهي مقاعد خشبية تتحرك من الأعلى إلى الأسفل وتدار باليد أيضاً، وتبدأ إدارة الشقليبة مع الأغاني التي يرددها الصغار بقولهم:
يالويدة .. ليودي بينا
حنة وزغاريت علينا
يالويدة .. ليودي بينا
حنة وحدايد في أيدينا
يالويدة .. لويدي بينا
حنة ودبالج في أيدينا
على بينا يا وفير
شقليبتنا خير وخير
وتعني الحدايد الأساور الرفيعة، والدبالج هي الأساور العريضة، والشوفير سائق السيارة.
المغرب(1/90)
... وفي المغرب تبدأ زيارة الأقارب والأصدقاء يوم العيد، فالأطفال فرحون بملابسهم الجديدة، وتملأ السماء الألعاب النارية والأسهم الملونة. ويتجمع أفراد العائلة مع ذويهم للمباركة بقدوم عيد الفطر، وينال هدايا الآباء والأصدقاء، ويحرص الشباب في العيد على إجراء مباريات في كرة القدم في الأحياء، وسط حضور جماهيري كبير وفي مناطق مغربية أخرى تقام ألعاب بهلوانية تقدمها فرق متخصصة.
وهناك أكلات وحلويات مثل الشباكية، ولقريشلة، وملوى ومسمن، وكعب الغزال والتي تقدم للضيوف في العيد وتصنعها النساء قبل حلوله.
موريتانيا
... تقام الاحتفالات في مورتيانيا عند ثبوت رؤية شهر شوال وإعلان العيد ، ويؤدي الموريتانيون صلاة العيد في الساحة الكبيرة أمام المسجد ويمنح الأطفال إلى عمر " 15 " سنة العيدية وتعرف بالعطية ليلة العيد، أما الأكبر عُمراً فتعطى إليهم الهدايا العينية مثل الساعات أو الأقلام وغيرها.
ويتناول أهل موريتانيا فطورهم الصباحي إثر عودتهم من صلاة العيد وهي الباسي، وتتشبه الأكلة المعروفة الكُسْكُسي وهذه للنساء. أما الرجال فيتألف فطورهم من الثريد واللحم والسمك المشوي، مع تناول شراب العصير، وشرب الشاي الأخضر والحليب.
الصومال
... يشتري الصوماليون الحاجيات وبعض المواد الغذائية مثل الدقيق والسكر لعمل الكعك والمعجنات. ويتم التزاور بعد صلاة العيد في أماكن مفتوحة خارج المدينة، وتذبح الأغنام ويطبخ لحمها لعمل ولائم يدعى إليها الأقارب والأصدقاء في أول أيام العيد.
... ويأخذ الأولاد" حق العيد" من آبائهم وأقربائهم وتبقى النساء في المنازل، أو يذهبن لمباركة الأهل والجيران بالعيد، وتعقد احتفالات شعبية عصر يوم عيد الفطر وسط الساحات العامة ليؤدي الشباب بعض الألوان الشعبية من الأغاني والرقصات بمشاركة جمع كبير من الناس فرحا بهذه الأيام السعيدة.
جيبوتي(1/91)
... يبارك أهل جيبوتي بحلول العيد عقب أداء الصلاة، ويجتمعون في بيت أحد الأصدقاء ويتناولون الحلويات مثل البسبوسة والبقلاوة التي تصنعها النساء في البيوت، ويشربون القهوة والشاي. ويقوم الأطفال بارتداء ملابسهم الجديدة، ويصافحون الأقارب ليحصلوا منهم على " العطية" وهي العيدية، حيث يشرعون على شكل جماعات لقضاء أوقات من الفرح في زيارة الحدائق العامة وممارسة الألعاب المختلفة.
جزر القمر
... يتم الاحتفال الشعبي الكبير ليلة رؤية الهلال في جزر القمر، ويحيي الناس الليلة حتى الصباح ويؤدون صلاة العيد، ويذهب كل إلى داره، وينطلقون لزيارة المقابر، ويتجمع الشباب على شكل فرق في الساحات العامة ليقام سباق الجري فيما بينهم، ولأداء بعض الألعاب الرياضية التي تدل على الشجاعة والأقدام. ويزور الأطفال في جزر القمر الأقارب للحصول على هدية العيد وهم يحملون كيساً من القماش، ويصافحون أهل البيت، وهم يخاطبونهم: عيد مبارك!
أثيوبيا
... من عادة الأثيوبيين تناول الفطور المسمى " كينيكي" وهو من الحبوب، ويوزع رب العائلة زكاة الفطر ليلة العيد ، وفي صباح العيد يؤدون الصلاة في ملعب المدينة الكبير . ويجتمع الناس في مجالس خاصة وعامة ، ويتزاورون فيما بينهم، ويعطون الصغار العيدية" يعيد" ويقدمون للضيوف أكلة خاصة هي " ديفو دابو" وهي رغيف كبير يزن خمسة كيلو غرامات، تقدم قطع منه لضيوف العيد، ويغطى بورق الموز الكبير لمدة تتراوح بين 5ـ 9 ساعات.
تركيا ...
... يحرص الأتراك على التبكير في أداء صلاة العيد في مساجد المدينة، ثم يزورون أقاربهم لتهنئتهم بالعيد السعيد، وتقدم للأطفال عيدية- شَكَر بايرم- عيد السُكر، لأن السُكر يوزع أيام العيد بصورة كبيرة. ويتنقل الأتراك لزيارة الأماكن التاريخية والسياحية في البلاد لقضاء أوقات جميلة أيام العيد كله.
بنغلادش(1/92)
... عند إعلان ثبوت رؤية شهر شوال، تفتح المحلات في بنغلادش أبوابها حتى الصباح ليتسوق الناس ما يحتاجونه. وعندما يؤدي المصلون صلاة العيد يخرج الشباب على هيئة مجموعات تقوم بزيارة أقاربهم في كل حي، وتقدم لهم الحلويات والشعرية. أما النساء فيبقين طيلة اليومين الأولين للعيد في بيوتهن، لكنهن يقمن بزيارة أهلهن والأقارب في آخر أيام العيد.
... وتصرف العيدية في بنغلادش للأطفال وتسمى"أيدي " أي العيدية، ثم من قبل الوالدين والأقارب لإدخال الفرحة على الأطفال، في حين نجد الحكومة تصرف عيدية خاصة للمسلمين، وتقدم الرقصات والأغاني الشعبية بمناسبة حلول عيد الفطر في القرى والأرياف وتعرف بـ " كوبي كانا" وتتم احتفالات المدن بهذه المناسبة بعد أيام العيد في المسارح وفي الجامعات، وتقدم الجمعيات الخيرية برامج ثقافية وتربوية.
سيراليون
... تقام صلاة العيد في سيراليون في الساحات العامة، حيث يتوافد صوبها المصلون لأدائها، ويتزاور أهل سيراليون ويتناولون الطعام في البيوت، ويقدمون قطعاً من اليونس- عملة نقدية- هدية للأولاد بمناسبة العيد.
إندونيسيا
أما في إندونيسيا فتقدم في ليلة عيد الفطر الأغاني والفعاليات الشعبية التي يشارك فيها العامة، وتقدم مسابقات متنوعة. ويؤدي المسلمون صلاة العيد في الميدان العام ويزورون المقابر وقراءة الفاتحة، ثم يعودون لبيوتهم لتناول الفطور، وإثر ذلك يذهبون ليقدموا التهنئة بالعيد للجيران والأقارب والأصدقاء، وتقدم لهم الحلويات مع شراب العصير.
ماليزيا(1/93)
تسبق الاحتفال بعيد الفطر بماليزيا تجمعات الناس لرؤية الهلال- هلال شهر شوال- في مناطق متعددة من البلاد، حيث تقوم بها لجان شرعية في آخر يوم من أيام شهر الصيام، ويعلن الحامل الختم الماليزي إثبات الرؤية أو عدمها نيابة عن الحاكم الأعلى لماليزيا عبر وسائل الإعلام المختلفة . أما ليلة العيد فتعد من أجمل الليالي عندهم ، حيث يسعدون للذهاب إلى بيوت الله، يهللون ويكبرون، ويؤدون زكاة الفطر ، فيما تستعد النساء الماليزيات لتهيئة الحلويات الشعبية الخاصة بقدوم العيد هي: السائي، وآسام لاكسا، وهي معكرونة الأرز الممزوجة بحساء الليمون ورقائق السمك مضافة إليها التوابل. وهناك الطبق المميز الذي تخص به النساء أبرز ضيوف العيد ويعرف بـ - آسام ايكان بيليس - وهو طبق حار يجمع الأنشوجة ومعجون سمك الروبيان وشرائح البطل والفلفل الحار ويتناولون بعده عصير جوز الهند الأخضر ليطفئ حرارة الفلفل.
كينيا
... يسعد الكينيون لعيد الفطر منذ العشر الأواخر من رمضان، ويسمى العيد عندهم- أدي دوكوا- أي عيد الأولاد، حيث تشترى لهم الملابس الجديدة، وتقدم لهم العيدية بالعملة المحلية " الشلن " ويقدمون الأغاني الشعبية، وسط الساحات العامة في ثاني أيام العيد، بمشاركة الرجال والنساء ابتهاجا بهذه المناسبة عقب شهر الصيام.
أوغندا
... تجمع زكاة الفطر وتوزع على المحتاجين لشراء ما يلزمهم لمناسبة العيد، وعند إعلان رؤية هلال شهر شوال، تضاء المساجد في أوغندا، ويؤدي المصلون صلاة العشاء، ثم يتزاورون فيما بينهم. وعقب صلاة العيد في المسجد الكبير، يدعو أحد الناس المصلين لتناول الفطور في داره، ويحرص الأوغنديون على تقديم مبلغ من المال للأولاد ليلة العيد يعرف عندهم باسم( مبلغ العيد)، وتقام أيام عيد الفطر الموالد النبوية الشريفة، والاحتفالات الجماهيرية ويسمع ضرب الدفوف.
ساحل العاج(1/94)
... بعد أداء صلاة العيد في المسجد الكبير، تتم زيارة الأهل والأصدقاء، ويحرص أهل ساحل العاج في العيد على تبادل التهاني عبر تنقلهم من حارة إلى حارة. وتقدم للضيوف الفواكه، وتقام موائد الغذاء لهم وتشمل الأرز واللحوم، مع شرب العصير، إضافة إلى إدخال البهجة على الأولاد بإعطائهم العيدية لشراء بعض الحلويات أو الألعاب التي يلهون بها.
السنغال
... يزور السنغاليون أقاربهم لتهنئتهم بمقدم عيد الفطر ، ويقومون بذبح الخراف، ودعوة الأصدقاء لتناول وليمة طعام الغداء عندهم ، بينما يخرج الأطفال بعد تسلمهم هدية العيد " دوينان " مع أصحابهم لقضاء أوقات جميلة بممارسة الألعاب وشراء الهدايا المختلفة.
غامبيا
... تزدحم الأسواق في أواخر رمضان بالناس لشراء حاجاتهم من ملابس وأطعمة لعيد الفطر، ويعود الغامبيون إلى بيوتهم اثر أداء صلاة العيد في المسجد ويتم عندهم تبادل التهاني بمقدم العيد السعيد بعد تناول طعام الغذاء، ويقدم الرجال هديتهم للأطفال والنساء وتعرف بسلبو مع تقديم الفواكه للضيوف داخل المنازل.
تنزانيا
... يقام احتفال ديني كبير لمناسبة حلول عيد الفطر المبارك في تنزانيا، وعقب الاحتفال، يتبادل التنزانيون المباركة بقدومه، عن طريق تبادل الزيارات العائلية، ويقدمون للأطفال هدية تسمى ببركة العيد وهي إما مادية أو معنوية، وقسم من النساء يرافقن أزواجهن في هذه الزيارات، والقسم الآخر منهن يبقى في المنازل مع الأولاد.
الكونغو(1/95)
... تؤدى صلاة العيد متأخرة نسبياً إلى قُرابة الساعة 8 _ 9 صباحا في الكونغو، لان المصلين يأتون مشياً على الأقدام بعد قطعهم زُهاء 9_ 10 كم نحو المدينة، ويعودون بعد أن يوصلهم بعض أصحاب السيارات إلى بيوتهم، حيث تكون أبواب البيوت مفتوحة فيدخل الشباب على هيئة مجموعات ليسلموا على أهل كل بيت في المنطقة. ويقدم الكونغويون أيام العيد حلاوة الجزر مع عصير الموز والعسل الأصلي لضيوفهم، ويكاد لا يخلو بيت يوم العيد من الأرز. ونجد الأطفال طيلة أيام العيد وهم في فرح يتنزهون إلى الليل بعد أن يتسلموا العيدية- زوادي- من والديهم وأقاربهم.
بوركينا فاسو
... يتجمع الناس في مكان واحد لتأدية صلاة العيد في بوركينا فاسو للذهاب سوية إلى مصلى العيد، ويتبادل المصلون التهاني بقدوم العيد السعيدة، ويتناول أهل بوركينا فاسو في دعوات الغداء أيام العيد اللحوم المختلفة، والأرز والبطاطا ، بينما نجد النسوة يبقين داخل المنازل ، ويخرج الرجال لزيارة بعضهم بعضا ، يقدمون للأولاد هدية العيد والتي تعرف عندهم بـ - سيري نيهودي وري- أي العيد ليفرحوا بها مع أقرانهم.
توغو
... يرتدي التوغيون الزيّ الشعبي، ويتجمعون في مصلى العيد لأداء الصلاة ، وعندما يرجعون إلى بيوتهم ، يتم التزاور ما يبن الأهل والجيران والأصدقاء ، وهناك من يذبح الأغنام ليوزع لحومها على المحتاجين.
وتخرج بعض النساء للزيارة مع أولادهن ، وتبقى بعض النساء لتحضير وجبات الطعام، وفي الحين نجد الأطفال يلهون في الحدائق العامة مع أقرنهم، وتقدم إليهم العيدية، حيث يلفظها أطفال توغو- ببركة داسلة -أي أعطني العيدية وهي عبارة عن نقود وهدايا عينية . كذلك تقام في توغو دروس دينية بعد صلاة العشاء أيام العيد.
بِنِيْن(1/96)
... يجهز الآباء زينة العيد لأولادهم ، وبعد الصلاة في الساحات العامة ، تتم الزيارات العائلية ، ويقوم أمام المسجد بزيارة حاكم المنطقة المسلم لتهنئته بحلول عيد الفطر المبارك. ويذبح أهل بنين الذبائح من الأغنام والأبقار ويقيمون الولائم التي يدعى إليها الأصدقاء والمعارف، ويتسلم الأطفال هديتهم من الآباء والأقارب نقدا وتعرف بكومني.
***
الفصل الخامس
مظاهر رمضانية
المبحث الأول: التراويح والسحور
المبحث الثاني: القدر تاج الليالي
المبحث الثالث: الحلويات الرمضانية
المبحث الأول
التراويح والسحور
التراويح
... يؤدي الصائمون المصلون في المساجد كافة نافلةً كريمةً هي صلاة التراويح عقب صلاة العشاء في كل يوم من أيام رمضان الفضيل. وسميت التراويح بهذا الاسم عند ابن منظور في لسان العرب : " لاستراحة القوم بعد كل أربع ركعات؛ وفي الحديث صلاة التراويح؛ لأنّهم كانوا يستريحون بين كلّ تسليمتين. والتراويح: جمع تَرْوِيْحَة، وهي المرّة الواحدة من الراحة، تَفْعِيلَة منها مثل تسليمة من السّلام ".وهي عند الزمخشري في أساس البلاغة: " ... مَنْ يروِّح بالناس في مسجدكم: يصلي بهم التراويح، وقد روّحت بهم ترويحاً. وأرحته من التعب فاستراح". والتراويح جمع ترويحة، وتجمع على ترويحات، وسميت كل أربع ركعات ترويحة مجازاً، لما في آخرها من الترويحة، ونقول: " روحت بالناس" أي صليت بهم التراويح.(1/97)
وقد أدى المسلمون صلاة التراويح بقلوب عمرتها بشاشة الإيمان فصلوها جماعات ووحدانا ومضى الحال منذ عهد الرسول -صلى الله عليه وسلم- وصدر من خلافة الفاروق عمر بن الخطاب رضي الله عنه. فعن السيدة عائشة أم المؤمنين- رضيّ الله عنها- قالت: إنّ رسول الله- صلّى الله عليه وسلّم_ خرج ليلة من جوف الليل، فصلّى في المسجد، وصلّى رجال بصلاته، فأصبح الناس، فتحدثوا، فأجتمع أكثر منهم، فصلّوا معه. فلما كانت الليلة الرابعة عجز المسجد عن أهله؛ حتى خرج لصلاة الصبح، فلما قضى الفجر، أقبل على الناس فتشهد، ثم قال: " أمّا بعدُ فإنّه لم يخف على مكانكم، ولكن خَشِيتُ أن تُفرَض عليكم فتعجزوا".
وروي عن الرسول -صلى الله عليه وسلم- أنَّه قال: " إنّ أفضل النوافل ركعتان يصليهما المسلم في زاوية بيته لا يعلمهما إلا الله وحده". وقال أيضاً: " فضل صلاة المتطوع في بيته على صلاة المتطوع في المسجد كفضل الصلاة المكتوبة في المسجد على صلاته في البيت ". وقال الخليفة عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- في فضل صلاة التراويح: أوّل الليل أفضل.
وقد اختلف العلماء في عدد ركعات صلاة التراويح في شهر رمضان فقد روى ابن وهب قال: سمعت نافعاً يحدث عن عبد الله بن عمر قال: لم أدرك الناس إلا وهم يصلون تسعاً وثلاثين ركعة ويوترون بثلاث. وعن السائب بن بزيد قال: كان القيام على عهد عمر بثلاث وعشرين ركعة. وهناك رواية في الموطأ لابن مالك: أنّ الناس كانوا يقومون في زمان عمر بن الخطاب في رمضان بثلاث وعشرين ركعة. وذكر ابن عبد البرعن الأسود بن يزيد أنّه: كان يصلي أربعين ركعة ويوتر بسبع، ولم يقل أنّ الوتر من الأربعين .(1/98)
... أما اثر الخليفة الراشد عمر بن الخطاب الذي جمع الناس على صلاة واحدة لأداء التراويح في أيام رمضان، فعن السائب بن يزيد أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه جمع الناس في رمضان على أُبيّ بن كعب وعلى تميم الداري على إحدى وعشرين ركعة. وعن أبي هريرة رضي الله عنه كان النبي- صلى الله عليه وسلم- يرغب في قيام رمضان من غير أن يأمرهم فيه بعزيمة فيقول:" من قام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه". ...
السَّحُور
لعلّ مما يتفرد به شهر الطاعة والغفران، لياليه الجميلة، وإحياءها بالذكر والعبادة، حيث يستيقظ الصائمون في هزيع الليل المتأخر طيلة أيام رمضان لتناول طعام السَّحور، كي يسدوا رمقهم لأداء صيام يوم جديد. فالٍسَّحور في لغة العرب هو: طعام السَحَر وشرابه، وما يتسَّحر به الصائمون من طعام أو شراب. يقول ابن الأثير: السَّحور اسم ما يتسَّحر به من الطعام والشراب، ونقول في كلامنا: تَسَحَرَّ بمعنى أكل السَّحور. والسَّحور المصدر والفعل نفسه. وقال الأزهري :" السَّحور ما يتسَّحر به وقت السَحَر من طعام أو لبنٍ أو سُويق". والسحر: الكبد وسواد القلب، ونواصيه، وقيل بل هو القلب.
والسَحُور كالوُضُوء والسُعُوط ونحوهما: اسمٌ لما يُؤْكَل وقت السَحَر، أو ما يتسحر به من طعام وشراب، والسَّحرة ـ كسمرة ـ السَّحر الأعلى، تقول أتيته بسحر وسحره. والسُحور: فعل الصائم نفسه أي تناوله السَّحور وتَسّحر: أكل السَّحور، والسَحَر ما بين الفجر الصادق والكاذب، لأنَّ له وجهاً من النهار، ووجهاً في الليل، فلا يسمى سحوراً إلاّ ما كان في ذلك الوقت، فالسَّحور طعام السَحْرِ وشرابه.
أيام النبيّ الكريم(1/99)
والسِحْر هو البيان والوضوح في فطنة، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: "إنّ من البيان لسحرا". وورد في حديث السيدة عائشة أم المؤمنين -رضي الله عنها - قولها: " مات رسول الله صلى الله عليه وسلم بين سِحري ونَحري". فالسِحر: الرئة، أي مات عليه الصلاة والسلام وهو مستند إلى صدرها بما يحاذيه.
وحثّ رسول الله صلى الله عليه وسلم الصائمين على السحور لما فيه من البركة بقوله الكريم:" تسحروا فإن في السحور بركة". وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: كان لرسول الله مؤذنان بلال وابن أم مكتوم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" إنّ بلالاً يؤذن بليل فكلوا واشربوا حتى يؤذن ابن أم مكتوم. قال ولم يكن بينهما إلاّ أن ينزل هذا ويرقى هذا". وورد في حديث عمرو بن العاص- رضي الله عنه -أنّ رسول الله -صلى الله عليه وسلم -قال: " فعل ما بين صيامنا وصيام أهل الكتاب أكلة السحور". والفطور والسحور كلمتان تذكران طيلة أيام رمضان المبارك، إذ هما موعد بدء الإفطار والإمساك عن تناول الطعام قبيل صلاة الفجر بعد أن يستيقظ الصائمون في آخر الليل ليسدوا به رمقهم لليوم التالي من صيامهم. وللسحور أحاديث مروية، قال النبي محمد صلى الله عليه وسلم في حديث شريف: " تسحروا فإن في السحور بركة".
المسَّحَراتي(1/100)
وينفرد شهر رمضان عن سائر شهور السنة الهجرية بميزات متعددة وأنماط معينة.. أبرزها " المسَّحراتي " ذلك الرجل الذي أخذ على عاتقه إيقاظ الناس لتناول السَّحور.. بحثاً عن الثواب من عند الله.. ثم أخذ هدايا الصائمين في نهاية الشهر المبارك. وأخذ هذا الرجل أشكالاً عدة، وكان ظهوره مع فرض الصوم في شهر رمضان أيام النبيّ محمد- صلى الله عليه وسلم- وإن لم يأخذ هذا المسمى بشكل قاطع. وقد جرت السُّنَة عند المسلمين أن يتسّحر الصائم تقوياً على الصيام لأنّ الشارع الحكيم لا يريد من الصوم تعذيب النفس ولا تحطيم الجسم، بل يريد التصفية والتهذيب، ولهذا كان من السنة المباركة تعجيل الفطور وتأخير السحور، ترويحا من الجهد، وحفظا لقوام الجسد. فعن عمرو بن ميمون الأزدي قال: " كان أصحاب محمد -صلّى الله عليه وسلّم- أسرع الناس إفطاراً وأبطأهم سحورا".
وتحدث ابن القيم عن إفطار النبي عليه الصلاة والسلام فقال: " كان عليه الصلاة والسلام يعجل الفطر ويحض عليه ويتسحر ويحثُّ على السحور ويؤخره ويرغب في تأخيره" كما أنّه – عليه الصلاة والسلام- كان يعتد بأكلة السحور الخاصة بأمته، وعن عبد الله بن الحارث قال:" دخل رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم عليه فوجده يتسحر، فقال: إنها بركة أعطاكم الله إياها فلا تدعوها"
ولما كان السحور يقع في أخريات الليالي، فقد اتخذت منذ عهد النبي -صلى الله عليه وسلم- وسائل لتنبيه الصائمين لوقت التسحير، حيث كان المسلمون يعرفون جواز الأكل والشرب بآذان بلال بن رباح، ويعرفون الامتناع عنه بأذان ابن أم مكتوم، وفي الحديث الشريف:" أنّ بِلالاً ينادي بليل، فَكُلُوا واشْرَبُوا، حتى ينادي ابن أم مكتوم". وعُدّ الصحابي بلال بن رباح أوَّل مَنْ نَادى للسَّحُورِ في الإسلام.
نداءات التسحير(1/101)
... وعُرفت المآذن في بيوت الله ... كمفردة رمضانية ومصدر إعلامي يستقي الصائمون منها بلاغ المؤذنين حول بدء السحور والإمساك عنه، وان اختلفت صيغ النداء منذ عهد الرسول صلى الله عليه وسلم، وما تلا ذلك من حقب وعصور، لكنّ نداء التسحير بقيَّ طقساً راسخاً في ذاكرة الناس الجمعية، وتميز هذا الطقس بقيام المؤذنين بأداء أربعة نداءات وتذكيرات للمتسحرين، إذ كانوا يقولون في أول النداء:
... أَيُّها النُوّام قوموا للفلاح
واذكروا الله الذي أجرى الرياح
... إنّ جيش الليل قد ولّى وراح
وتدانى عسكر الصبح ولاح
... اشربوا عجلى فقد جاء الصباح
... معشر الصوّام يا بُشراكم
ربّكم بالصوم قد هنّاكم
... وجوار البيت قد أعطاكم
فافعلوا أفعال أربابِ الصلاح
اشربوا عجلى فقد ولى الصباح
... ثم يذكر المؤذنون في النداء الثاني:
كُلوا رضيّ الله عنكم،
كُلوا غفرَ الله لكم،
كُلوا ممّا في الأرض حَلالاً طيباً،
كُلوا من الطيبات واعملوا صَالحاً،
كُلوا من رزق ربِّكم واشكروا له،
بلدةٌ طيبةٌ وربّ غفور.
أما التذكير الثالث فينادون فيه:
يا مدبر الليالي والأيام،
يا خالق النور والظلام،
يا مُلْجِأ الأنام،
ياذا الطول والإنعام،
رَحِمَ اللهُ عبداً ذكرَ الله،
رَحِمَ اللهُ عبداً شكرَ الله ،
رَحِمَ اللهُ عبداً قال:
لا إلهَ إلاّ الُله محمدٌ رسول الله.
ثم يرددون مكررين في التذكير الأخير:
اشربُوا وعَجِّلُوا،
فقد قَرُبَ الصَباح
وكان الناس يدعون ربّهم في الأسحار لأن دعائهم مستجاب من الخالق الجليل نحو دُعائهم:
اذكروا الله في القُعُودِ والقِيَام،
وارغبُوا إلى الله تعالى بالدُعاء والثَناء،
اشربُوا وعَجِّلُوا فَقَد قَرُبَ الصَباح.
الزمزمي في مكة(1/102)
... عُرف المسحراتي عبر مراحل مختلفة بصور ومظاهر متنوعة، سواء من حيث الترديدات الكلامية، أو من ناحية هيئته وأدواته التي يستخدمها في تأكيد هذه الحالة الرمضانية التي تشير إلى الروابط الحميمية بين الصائمين، وهذا الرجل الذي أخذ على عاتقه ترسيخ هذا التقليد في هزيع الليل الأخير من أيام الصيام.. ولا سيما وأنّ المسلمين في عصورهم المتعاقبة قد عرفوا المسَّحراتي، واهتموا به، ووضعوا له مكانة رفيعة حتى عند عِلْيَةِ القَوْم، فقد اشتهر بالتسحير الزمزمي في مكة والذي تولى التسحير في منارته في الركن الشرقي من الحرم ومعه أخوان صغيران فيقاولانه فيقول:
... نياما قوما
... قوما للسحور
... فيردد الطفلان ما قاله الزمزمي ثم ينشد السابق ذكره:
... أيها النوّام قوموا للفلاح.
... وفي كل مرة ينادي الزمزمي بهذا النداء ثم يرخي طرف حبل جمعه في يده فينخفض فيتدلى منه قنديلان كبيران معلقان في أعلى المنارة، فمن لم يسمع نداء التسحير يبصر القنديلين ينزلان فإذا لم يشاهدهما علم أن وقت السحور قد فات.
ابن نقطة في بغداد
يُعد القوما من الفنون السبعة الشعرية عند أهل العراق والجزيرة. وكان الفن موسمياً رمضانياً أريد به إحياء لياليه حتى السحور وإنّ النساء كُنّ يشاركنّ في قوله إضافة للكان وكان، وكانت عملية التسحير بالشعر والغناء والدعاء نوبة أو دوراً يجري على فرقة المُسَحِرين واحداً واحداً لكنّ ختامها يكون بالقوما. وكان ابن نقطة من مُسَحِري شهر رمضان في العصر العباسي، إذ كان يوقظ الخليفة الناصر لدين الله في بغداد، وكان ينادي في تسحيره بأشعار القوما قائلاً:
قوما تسحر قوما
... فلما مات ابن نقطة ذهب ابنه، وكان له صوت جميل ووقف تحت قصر الخليفة الناصر لدين الله ثم أنشد بصوت مرتفع:
... يا سيد السادات
لك في الكرم آيات
أنا ابن أبو نقطة
تعيش أبويا مات(1/103)
... فأعجب الخليفة الناصر لدين الله بسلامة ذوقه، ولطف إشارته، وحسن بيانه مع إيجازه، فأحضره وخلع عليه ورتب له ضعف ما كان لوالده. ولم يقتصر التسحير على الرجال إذ عملت في هذه الحِرفة الرمضانية بعض النساء ،وقد أنشأ الشيخ زين الدين بن الوردي في إحدى المُسَحِرات في ليالي رمضان قائلاً:
... عَجِبْتُ في رَمضانٍ مِنْ مُسَحَّرَةٍ
بَديعةِالحُسْنِ إلاّ أنّها ابتَدَعَتْ
... قامَتْ تُسَحّرُنا لَيْلاً فَقُلْتُ لَها:
... كيفَ السَّحورُ وهذي الشَّمْسُ قَدْ طَلَعَتْ
ابن عنتبة في مصر
... وتشير أغلب الروايات إلى اهتمام الولاة والحكام بهذا التقليد الجميل، إذ يُعد عنتبة ابن اسحق ( ت 238هـ) والي مِصْر، أول من صاح بالتسحير في طرقاتها. إذ كان يخرج بنفسه ويسير على قدميه من مدينة العسكر بالفسطاط إلى جامع عمرو بن العاص وكان ينادي بطريقة للسحور.
... و تنوعت طرق وأساليب المسحرين في إيقاظ الصائمين النائمين، إذ كان التسحير في غير الجوامع يتم بوساطة الطبلة المعروفة لدينا الآن، يطوف بها أصحاب الأرباع وغيرهم على البيوت، ويضربون عليها، فيما كان أهل الإسكندرية واليمن وبعض أهل المغرب يسحرون بدق الأبواب على أصحاب البيوت، وينادون عليهم: قوموا كلوا، ويسحر أهل الشام بدق الطار أو الدف كما يعرف اليوم، وضرب الشبابة والعزف على العيدان والطنابير والصفافير وغناء بعض الأشعار والأهازيج الداعية إلى التسحير. وكان المغاربة يضربون بالنفير –البوق- على المنارة، ويكررونه سبع مرات، ثم يضربون بعده بالأبواق سبعاً أو خمساً، فإذا انتهوا حُرِّم على الصائمين تناول طعام السحور.
عند ابن جبير(1/104)
ويرجح الباحثون بأنّ فكرة فانوس السحور كأحد مظاهرها التقليدية والمنتشرة في مدن الإسلام قد ظهرت أولا في مكة المكرمة وفي المدينة المنورة، ومنها انتشر الفانوس سريعا إلى كل الأقطار الإسلامية. وأشار الرحالة العربي ابن جبير إلى فانوس رمضان في مكة المكرمة، عند زيارته لها في شهر رمضان للعام 578 هجرية، إذ كتب: " بأن التسحير خلال شهر رمضان كان يتم من خلال المئذنة التي في الركن الشرقي للمسجد الحرام وذلك بسبب قربها من دار شريف مكة، فيقوم المؤذن الزمزمي بأعلاها وقت السحور داعياً ومذكراً على السحور ومعه أخَوانِ صغيران يجاوبانه". وأضاف ابن جبير عن الفانوس: " ونظرا لترامي الدور بعيداً عن الحرم المكي حيث يصعب وصول صوت المؤذن كانت تنصب في أعلى المئذنة خشبة طويلة في رأسها عمود كالذراع وفي طرفيه بكرتان صغيرتان يرفع عليهما قنديلان من الزجاج كبيران لا يزالان يوقدان مدة التسحير، فإذا قرب تبين خطا الفجر ووقع الإيذان بالقطع مرة بعد مرة، حط المؤذن المذكور القنديلين من أعلى الخشبة وبدأ بالأذان وثوب المؤذنون من كل ناحية بالأذان" وعندما يرى أهل مكة من سطوح ديارهم المرتفعة أنّ القنديلين قد أُطْفِئَا علموا أنّ الوقت قد انقطع".
هورنيكا وسحور مكة
... أما الرحالة الغربيون فوصفوا طقوس شهر رمضان حيث وصف الرحالة سنوك هورنيكا السحور في مكة بقوله: " بعد منتصف الليل بحوالي نصف ساعة وطوال أيام السنة يعتلي المؤذنون منارات الحرم السبع ويقومون.. ولمدة ساعتين بالتذكير". والتسحير الذي تكون أجزاء منه بالشعر وأخرى بالنثر المسجوع ثم ينهون ذلك بالآذان الأول للصلاة.. وبعد نصف ساعة من هذا الآذان يلقون بنبرات رنانة بالإنذار الأخير.. حتى لا تفاجئ خيوط الفجر الأولى للصائمين .. وهنا تتردد في أسماعهم صيغ كثيرة منها قولهم:
أيها النُوّام قوموا للفلاح ...(1/105)
بعدها يسير المُسحرون في الشوارع وهم يقرعون طبولهم أمام كل منزل كبير حاثين ساكنيه بالصيغة التقليدية على الاستيقاظ من النوم: ويأتون في يوم العيد إلى أصحاب هذه المنازل كل على ظهر جحش ويتسلمون هدايا نقدية من بعضهم وعينية كبعض الحبوب من بعضهم الآخر. ويعطيهم الكثيرون هدية الإفطار -زكاة الفطر أو الفطرة- وهي كمية محدودة من وجبة مجهزة من دقيق القمح، وأضاف: إثر ذلك يمهد الترحيم لمدة عشر دقائق للأذان ويؤدي هذا الترحيم طوال أيام السنة وهو مثل التذكير، والتنبيه -الأذان الأول- علامة دقيقة والترحيم التضرع إلى رحمة الله:
" الصلاة يا عباد الله ، لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الحمد وله الملك يُحيي ويميت وهو حي لا يموت أبدا إليه المصير وهو على كل شيء قدير أفلحَ من يقول: لا إله إلا الله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله".
ويمر في الوقت نفسه بعض المتطوعين في شوارع مكة الرئيسة ويقفون عند ركن كل شارع يحثُّون النائمين على الاستيقاظ، منشدين بصوت عالٍ:الصلاة يا عباد الله، ويكتفي بعضهم بذلك بينما يستمر آخرون في إنشاد صيغ أخرى".
الشعراء والفانوس
... وقد حظي فانوس السحور بنصيب وافر من اهتمام الأدباء والشعراء الذين وجدوا فيه رمزا أثيرا محببا إلى النفس، فقد جلس بعض الأدباء بصحن جامع عمرو بن العاص في أوائل القرن السابع الهجري - الثالث عشر الميلادي- في إحدى ليالي رمضان وقد أوقد فانوس السحور، وقد حكى علي بن ظاهر الأزدي حكاية عن فانوس السحور فقال:
اجتمعنا ليلة في رمضان بالجامع فجلسنا بعد انقضاء الصلاة للحديث وقد أوقد فانوس السحور. فاقترح بعض الجالسين على الأديب أبي الحجاج يوسف بن علي أن يصنع في الفانوس طلبا لتعجيزه ولكنه أنشد قائلاً:
... وَنَجْمٍ مِنَ الفَانُوسِ يُشْرِقُ ضَوْؤُهُ
... ولكنّهُ دُوْنَ الكَواكِبِ لا يَسْرِي
... وَلَمْ أرَ نَجْماً قطُّ قَبْلَ طُلُوعِهِ
إذا غَابَ يَنْهِي الصَائِمِينَ عَنْ الفِطْرِ(1/106)
فعارضة علي بن ظافر مؤكداً أن هذا تعجبٌ لا يصح لأنه والحاضرين قد رأوا نجوماً لا تدخل تحت الحصر إذا غابت تنهي الصائمين عن الفطر وهي نجوم الصباح، وهنا شحذ أبو الحجاج فكره وأنشد:
... هذا لِوَاءُ سَحُورٍ يُستضاءُ بهِ
وعَسْكرُ الشُّهبِ في الظّلماءِ جَرّارُ
والصَّائِمُونَ جَمِيْعاً يَهتدُونَ بهِ
... كأنَّهُ عَلَمٌ في رَأسِهِ نَارُ
ويقول: فلما أصبحنا سمع من كان غائباً من أصحابنا في ليلتنا ما جرى، فصنع الرشيد أبو عبد الله محمد وأنشد:
... أحْبِبْ بفانُوسٍ غَدا صَاعِدا
وضَوؤُهُ دَانٍ مِنَ العَيْنِ
كذلك أنشد القاضي أبو الحسن بن نبيه في فانوس السحور:
حبّذا في الصِّيامِ مِئْذَنَةُ الجا
مِعِ واللّيلُ مُسْبِلٌ أذيَالَهْ
خِلْتُها والفَانُوسُ إذ رَفَعَتْهُ
صَائِدا واقِفاً لِصَيْدِ غَزَالهْ
... وقال أبو الفضل جعفر في الفانوس:
كأنّما الفَانُوسُ في
صَارِيَةٍ مااتّقَدَا
لِوَاءُ نَصْرٍ مُذهّبٍ
فِي رَأسِ رُمْحٍ عُقِدَا
حكاية الفانوس؟
مازالت بعض مدن العرب والمسلمين تحتفي بعادات وطقوس ليالي الصوم الكريم عبر الأيام الماضيات، حتى كدنا نتخيل مع احتفاء الأطفال بفوانيسهم وهم يطوّفون في الأزقة والأحياء لترديد الأغاني الرمضانية المتوارثة ويسيرون جماعات باتجاه أشعة الفوانيس المُوقدة والتي يضمحل وهجها وسناها مع نور المصابيح الكهربائية الحديثة المنتشرة في كل أرجاء العالم.(1/107)
ولذا يعد فانوس رمضان ابتكاراً عرفه المسلمون نتيجة تباعد الأحياء عن المسجد الجامع، فإذا بعد الصوت من المنائر للتسحير، فإنّ الضوء الذي يشع من فانوس السحور ويعلق بأعالي المآذن هو الطريقة المثلى لإيقاظ الصائمين ودعوتهم للسحور ومن ثم إمساكهم عن الطعام، إذ كان الفانوس يضاء منذ دخول صلاة المغرب وقت الإفطار ويبقى حتى قبيل أذان الفجر عند الإمساك، فإذا ما أنزل الفانوس من المآذن فإنّ الصائمين يعرفون أن الصيام ليوم رمضاني جديد قد بدأ. وأجواء الشهر الكريم وعلى الرغم من اقتحام التقنية الحديثة لكل مناحي الحياة عندنا، فقد ظل- الفانوس- بملامحه وتكوينه والاحتفاء الشعبي به محافظاً على خصوصيته وتأثيره الجمالي في عموم الصائمين صغاراً وكباراً.
ومع تطور مناحي الحياة الاجتماعية فقد اقتصر حمل الفانوس والابتهاج بمنظره على الأطفال، وأصبح عندهم اليوم وفي الكثير من أرجاء الوطن العربي بمثابة رمز تراثي، وتقليد رمضاني سنوي، ينتظرونه، ويتباهون بألوانه بين أقرانهم ويجوبون الشوارع والحارات والأزقة مرددين بعض الأغاني والأناشيد الرمضانية التي عرفت لدى آبائهم وأجدادهم مثل الأغنية المشهورة وحوي يا وحوي.
وإنّ تواصل هذه الأنغام والأناشيد الشعبية الرمضانية ذات الترديدات الحوارية الجماعية.. وكأنها المشهد والصورة في إطار طقس له معالمه ومفرداته، يؤكد أن جملة ما تتضمنه الأيام الرمضانية من مفردات يتسيدها المسحراتي وأناشيده وعلاقاته بالناس.. مازالت محفوظة في ذاكرة الأجيال باعتبارها جزءاً من تراثهم وموروثهم الديني والشعبي، وينسحب القول على المسحراتي نفسه، كإنسان وقيمة زمانية ومكانية، لم تتمكن الأيام وحتى زمن العولمة الجديد من محوها من الذاكرة الجمعية لأنّها ترتبط بالأصالة وتستمد ديمومتها من ثقافة إنسانية عريقة لها جذور راسخة في الوجدان العربي.(1/108)
وتشهد الأسواق التقليدية في عدد من العواصم والمدن العربية حركة دؤوبة تتمثل في التفنن في تجهيز وصناعة نماذج متنوعة من هذا الفانوس، وإذا عدنا إلى الوراء قليلاً عرفنا بأن حكاية فانوس رمضان قد بدأت متزامنة مع دخول الخليفة المعز لدين الله الفاطمي إلى مصر، ففي اليوم السادس من شهر رمضان من عام 362هـ، استقبله الناس ليلاً على مشارف صحراء مدينة الجيزة وهم يحملون بأيديهم الفوانيس المزدانة لينيروا له الطريق حتى وصل إلى مقر الخلافة الذي أعدّه قائد جيوشه جوهر الصقلي، وما لبث الأطفال والصبية الذين حملوا الفوانيس مفتونين بنورها، حتى سارعوا يغنون الأغاني الدينية في الشوارع والطرقات لِنَيْلِ الهدايا.
... ومن العادات التي ارتبطت بالفانوس آنذاك، تمثلت في عدم خروج المرأة ليلاً في شهر رمضان أو غيره من الشهور إلا ويتقدمها صبي يحمل في يده فانوساً مضاءً ليعلم المارة أن إحدى السيدات تسير كي يفسحوا لها الطريق. ووصف المقريزي في خططه سوق الشماعين الذي كان يمتد من جامع الأقمر إلى سوق الدجاجين في القاهرة، وكانت تعلق فيه الفوانيس المضاءة ليلا من مختلف الألوان البهيجة، وكانت مشاهدته في الليل من الأشياء المحببة للصائمين. ووصف المقريزي فانوس رمضان بقوله:" كان البعض منه يزن عشرة أرطال 5،4كغم- تقريبا، وكان البعض الأخر من الضخامة بحيث ينقل على محجل إذا وصل وزنه إلى قنطار. وكانت منطقة تحت الربع منذ القدم وحتى اليوم المركز الرئيسي لصناعة فوانيس رمضان بالقاهرة.
***
المبحث الثاني
ليلة القدر المباركة(1/109)
... القدر سورة كريمة في كتاب الله العزيز، بيّن الله تعالى فيها للناس منزلتها وفضلها لمن يلتمسها في العشر الأواخر من شهر رمضان، لإحيائها بالذكر والعبادة وتلاوة كتابه المعجز، فهي خير من ألف ليلة قال تعالى في سورة القدر/1-5: " إنّا أنْزَلْنَاهُ في ليلةِ القَدْرِ، وَمَا أدْرَاَك مالَيْلَةُ القَدْرِ، لَيْلَةُ القَدْرِ خَيْرٌ مِنْ ألفِ شَهْرٍ، تَنَزَّلُ المَلائِكَةُ والرُّوْحُ فِيْها بإذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أمْرٍ سَلامٌ هِيَ حتَى مَطْلَعِ الفَجْرِ".
القدر في اللغة
والقَدر في لغتنا الكريمة: الغِنَى واليَسَار والقوّة والتضييق، ومن التضييق قوله تعالى:" وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُه". أي ضيَّق. وتقول في كلامك: قدر على عياله أي قتَرّ، وقدّر الشيء: قدّرَه من التقدير، وفي حديث النبيِّ صلّى الله عليه وسلّم:" إذا غُمّ عليكم الهلال فأقْدِرُوا لهُ"، من باب ضَرَبَ ونَصَرَ: أي أتمُّوا ثلاثين.
من المعاني(1/110)
وأخذ معنى القدر من تلك المعاني والاشتقاقات اللغوية، وتباينت معانيه عند العلماء، فقيل سميت القدر بذلك من: القدر والقضاء، لما رُويّ عن ابن عباس وغيره: أنّه –تعالى- يُقَدِّرُ فيها ويقضي ما يكون في تلك السنة، من مطر ورزق، وإحياء وإماتة إلى مثلها من السنة القابلة، قال تعالى:" يُفَرَّقُ كُلُّ أمْرٍ حَكِيْمٍ". ويقول الخليل بن أحمد الفراهيدي: " ليلة التضييق؛ لأنّ الأرض تضيق فيها الملائكة". وأما الأزهري فقال عن معنى ليلة القدر:" هي ليلة العظمة والشرف، من قول الناس: لفلان عند الأمير قَدَر: أي جاه ومنزلة، ويقال: قَدَرْتُ فلاناً أي عظَمته. وقال أبو بكر بن الورّاق:" سُميت بذلك، لأنّ من لم يكن ذا قدر وخطر، يصير في هذه الليلة ذا قدر وخطر؛ إذا أدركها وأحياها". وقيل في معناها أيضاً: لأنّه نزل فيها كتاب ذو قدر، بوساطة مَلَكٍ ذي قدر، على رسول ذي قدر، لأمة ذات قدر وذكر الآلوسي بأنّ المراد بإنزال القرآن فيها: " بدء نزوله"، كما ذهب إليه الإمام الشعبي فقيه العراق.
إحياء العشر الأواخر(1/111)
ومن أجل هذا الفضل الإلهي لهذه الليلة المباركة والتي تُعدُّ تاج الليالي، فقد كان النبي الأكرم -عليه الصلاة والسلام- يستعد لها بالعبادة، ويهيئ الجوّ الروحي المناسب لنزول الملائكة والروح، وكان -صلى الله عليه وسلم- يستعد لإحياء ليلة القدر بالاعتكاف في العشر الأواخر من رمضان، فيدخل المسجد قبل غروب شمس العشرين من شهر الصيام المبارك. فروى أبو هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " من صام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه". وعن أنس- رضيّ الله عنه- قال: قال رسول الله- صلّى الله عليه وسلّم-: " إنّ هذا شهر قد حضركم، وفيه ليلة خيرٌ من ألفِ شهر، مَن حرمها فقد حرم الخير كله، ولا يحرم خيرها إلاّ محروم". وحثّ الرسول- صلّى الله عليه وسلّم- على طلب ليلة القدر المباركة، والعمل فيها، ورُويّ عن كعب أنّه قال: " اختار الله الساعات، فاختار ساعات أوقات الصلاة، واختار الأيام، فاختار يوم الجمعة، واختار الشهور، فاختار شهر رمضان، واختار الليالي؛ فاختار ليلة القدر، فهي أفضل ليلة في أفضل شهر".
من الليالي
كذلك قال قتادة عن ليلة القدر: " إنّ الله أصطفى صفايا من خلقه، واصطفى من الملائكة رُسُلاً، واصطفى من الناس رُسُلاً، واصطفى من الكلام ذكره- القرآن- واصطفى من الأرض المساجد، واصطفى من الشهور رمضان والأشهر الحُرُم، واصطفى من الأيام الجمعة، واصطفى من الليالي ليلة القدر، فعظِّمُوا ما أعظم الله. فهي ليلة شرفٍ وسنَاءٍ، وتَجَلٍ ورضاءٍ، وسلامٍ وصفاءٍ، ونزول الملائكة الأكرمين، وروح القُدُس جبريل الأمين".(1/112)
وحول العمل في العشر الأواخر من رمضان، عن السيدة عائشة أم المؤمنين- رضي الله عنها- قالت: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا دخل العشر شد مئزره، وأحيا ليله، وأيقظ أهله. وينزل جبريل- عليه السلام- في كوكبة من الملائكة يصلون ويسلمون على كل عبد قائم أو قاعد يذكر الله تعالى. و أحبُ ما يدعو المسلم الصائم في ليلة القدر المباركة، ما قالته السيدة عائشة رضي الله عنها: قلت يا رسول الله، أرأيت أنْ لو علمت أي ليلة ليلة القدر ماذا أقول فيها؟ قال: قولي: " اللهم إنّك عفوٌ تُحِب العفوّ فأعْفُ عنِّي".
***
المبحث الثالث
الحَلْويات الرمضانية
... يستعد المسلمون في المدن العربية والإسلامية بقدوم شهر رمضان الكريم، فيسارع الناس لشراء المواد الغذائية والحلوى لتحضير الأكلات الرمضانية الخاصة بهذه الأيام المباركة لشهر الصبر والتقوى والفلاح شهر المغفرة والمواساة. ومن معالم شهر رمضان إقبال الناس عامة على تناول الحلويات بأنواعها سواء المعروفة في المدن العربية كالبقلاوة والزلابية، أو الكنافة والقطايف، والزلابية، أو لُقيمات القاضي، وسواها من الحلويات الشعبية على مختلف تسمياتها الأخرى. وعُرِفَت الكنافة والقطايف منذ أمد بعيد فقيل إنها قدمت أول ما قدمت إلى الخليفة الأموي سليمان بن عبد الملك ليتسحرّ بها، وكان ذلك في أول المئة الثانية للهجرة وقد صنعها له طهاة مدينة حلب.
... ولعلّ حبّ النّاس والصائمين للكنافة والقطايف حبٌّ توارثه الآباء عن الأجداد واحتلت مكاناً ملحوظاً وبارزاً في ديوان الشعر العربي، حيث كانت من أنواع الحلوى التي قلما تخلو منها موائد الصائمين في شهر رمضان أيام حكم الفاطميين لمصر. ولم يقف حديث الأدباء وقصائد الشعراء عن الكنافة عند حد وصف موائدها بل تعدى ذلك إلى الحب.. حب الكنافة والهيام بها والتغزل فيها حتى صار لها من العاشقين من خلد ذكرها وخلدته هي!
ابن الجزّار والكُنافة(1/113)
... فكما نعرف حبّ قيس لليلاه وتدلّه جميل ببثينة وغناء ابن زيدون بولاّدة.. فقد أحب أبو الحسين يحيى الجزار الكنافة حباً مَلَكَ عليه بطنه وكل مشاعره، فتغزل فيها وهام بصوانيها. وكان الشاعر الجزّار لا ينتظر قدوم شهر الصيام ليصوم ويتعبد ولكن ليملأ الدنيا غزلاً بكنافته، فهي فتاة أحلامه والمعشوقة التي ترميه بالغدر وهو المعذب الذي يتعجب كيف ترميه وتتهمه بالهجران وهو الحافظ للودِّ، الأمين على العهد ويقول فيها:
... وَمَالِي أرَى وَجْهَ الكُنافةِ مُغْضِباً
ولولا رِضَاها لم أرِدْ رَمضَانَها
... عَجِبتُ لها في هَجْرَها كيفَ أظهرَتْ
عليَّ جَفاءً صَدَّعنِّي جِفَانَها
... تُرَى اتْهَمتَني بالقطايفِ فاغْتَدَتْ
تَصُدُُّ اعتقاداً أنّ قلبي خَانَها
... وقد قَاطَعَتَنِي ما سَمِعْتُ كلامَها
لأنّ لِساني لم يُخاطِبْ لِسَانَها
... ولما لم يجدْ الشاعر بُغيته في الكنافة فقد راح يبكي لياليها الحِسان فقال:
... سَقَى اللهُ أكْنَافَ الكُنافةِ بالقَطْرِ
وَجَادَ عليها سُكَراً دائمَ الدّرِّ
... وتبّاً لأيامِ المُخَلَلِ إنّها
تَمُرُّ بلا نَفْعٍ وتُحْسَبُ من عُمْرِي
... وَلِي زَوجةٌ إنْ تُشْتَرى قاهِريّةٌ
أقولُ لَها ما القَاهِريّةُ مِنْ مِصْرِ
كذلك طلب الإمام البوصيري كنافة من القاضي عماد الدين بن أُبَي، فكتب إليه رقعة فيها قوله:
ما أكَانا في ذا الزَّمانِ كُنَاَفه آهٍ ما بُعْدَها عَليّ مَسَافَه
قَالَ قَومٌ إنّ العِمادَ كريمٌ قُلتُ هذا عِندي حَديثُ خُرَافَه
أنَا ضَيفٌ لهُ وقد مُتُّ جُوعاً ليتَ شعري لِمْ لا تُعَدُّ الضِّيَافَه
وَهُو أنْ يُطعِمَ الطَّعامَ فَمَا يُطعمُ إلاّ لَسَمهةٍ أو مَخَافَه
وَهُو في الحَرِّ والخَريفِ وفي البيتِ بِجَمعِ الحُطامِ كالجَرافَه
فاعلِمُوه عنّي ولا تعتِبُوني أنّ عندي في الصَّوم بَعدَ الحَرَافَه
فَهُو إنْ لضمْ يخرُج قَليلاً إلى الحَا ئِطِ في لَيْلَتِي طَلَعْتُ القُرافَه
القطائف دِثار مخمل(1/114)
كان للقطائف نصيب في الأدب العربي، فالقطائف في لسان العرب: طعام يُسوى من الدقيق المرق بالماء؛ شبهت بخمل القطيفة التي تُفرَش. وعند الجوهري في الصحاح: القطيفة: دِثار مخمل، والجمع قطائف وقطف أيضاً مثل صحيفة وصُحف، كأنّها جمع قطيف وصحيف، ومنه القطائف التي تؤكل. وقد أكثر الشعراء من وصف القطائف، يقول أبو هلال العسكري عنها:
كثيفةُ الحشوِّ ولكنَّها رَقِيقةُ الجِلدِ هَوَائيّه
رُشّت بِمَاءِ الوَرْدِ أعْطَافُها مَنشورةُ الطيِّ ومَطوِيّه
كأنّها مِنْ طِيبِ أنفاسِها قد سُرِقَت من نشرِ " ماويّه"
جَاءَت منِ السُكَّرِ فُضيّةً وهي من الأدْهانِ تِبريَّه
واستخدم الصفدي التضمين في قصيدته عن القطائف التي جاء فيها:
رَعَى اللهُ نُعْمَاكِ التي منْ أقلَها قطائفُ مِنْْ قَطْرِ النباتِ لها قَطْرُ
أمُدُّّ لها كَفِي فأهتزّ فرحةً " كما انتفضَ العُصفُورُ بلَلَهُ القَطْرُ"
وأنشد السرّاج الورّاق للقطائف فقال:
قَطائِفُكَ التي رَقّت جُسُوما لماضِغِها كما كثفت قُلُوبا
كغَيْمٍ رَقّ فيهٍ قَطْرٌ غَدَا القَفْرُ الجَدِيبُ بهِ خَصِيْبَا
ولبعض الشعراء في تفضيل القطائف على سائر الحُلْويات قوله عنها:
هاتِ القطائِفَ ها هُنا فالصَّومُ حَبَّبَها لَنَا
قَدْ كانَ يأكلُها أبي وأخي وأكرَهُها أنا
لكننِّي مُذْ ذُقتها ذُقتُ السَّعادة والهَنَا
وقد فضلّ الشاعر سعد الدين بن عربي القطائف على الكنافة بقوله:
قَالَ القَطَائِفُ للكُنَافَةِ ما بَالِي أرَاكِ رقيقةَ الجَسَدِ
أنا بالقُلُوبِ حلاوتِي حُشِيَتْ فتَقطَّعي مِنْ كَثْرَة الحَسَدِ
الزَلابية شبابيك الذهب(1/115)
تعتبر الزلابية من الحُلْويات التي يقبل على تناولها الصائمون طيلة شهر رمضان، ويختلف لونها بين الأصفر أو الأحمر وتكون بأحجام مختلفة، والزلابية في اللغة: حلواء معروفة، وهي عربية الأصل لأنها وردت في أحد الأراجيز الشعرية العربية القديمة. ولكن لم نهتدِ إلى أشعار وافرة عنها في الأدب العربي، فقد قال عنها ابن شهيد الأندلسي على لسان فقيهٍ شَرِهٍ في وصف الزلابية فقال:" ورأى الزلابية، فقال: ويلٌ ..أبأحشائي نُسِجَت، أم من صفاقِ قلبي أُلِّفَت؟ فإننّي أجد مكانها من نفسي مكيناً. وحَبْلُ هواها على كَبِدِي متيناً. فمن أينَ وَصَلَت كَفُّ طابخها إلى باطنِي، فأقتطعها من دواجِنِي، والعزيز الغفّار، لأصليها بالنار".
ووصف الشاعر ابن الرومي الطباخ الذي يُقلي الزلابية، فقال:
وَمُستَقَرٍ على كُرسيِّهِ تَعِبٍ رُوحي الفِداءُ لَهُ من مُنصِبٍ تَعَبِ
رأيتُه سَحَراً يُقلِي زَلابِيةً في رقّةِ القِشْرِ، والتَجْوِيفِ كالقَصَبِ
يُلْقِي العَجِينَ لُجَيْنَاً مِنْ أنامِلِه فَيستَحِيلُ شَبَابِيكاً مِنَ الذَهَبِ
المصادر والمراجع المُعتمدة
المصادر
1. القرآن الكريم
2. ابن بطوطة: ( رحلة ابن بطوطة)، الطبعة الأولى، دار بيروت- دار النفائس للطباعة والنشر، بيروت، 1997م.
3. ابن جبير: ( رحلة ابن جبير)، دار الكتاب اللبناني، بيروت، دار الكتاب المصري، القاهرة ،( د.ت).
4. ابن الجوزي: ( بستان الواعظين ورياض السامعين)، الطبعة الأولى، دار الكتاب العربي، بيروت، 1984م
5. ابن منظور: ( لسان العرب)، الطبعة الثانية، مؤسسة التاريخ العربي، دار إحياء التراث العربي، لبنان، 1992م.
6. الزمخشري: ( أساس البلاغة)، تحقيق عبدا لرحيم محمود،(د.م)،(د.ت).
7. القيرواني: ( زهر الآداب وثمر الألباب)، تحقيق زكي مبارك، الطبعة الرابعة، دار الجيل للنشر والتوزيع، بيروت،(د.ت).
المراجع
1. أحمد الصاوي: (رمضان زمان)، مركز الحضارة العربية، جدّة، 1997م.(1/116)
2. أحمد أمين مصطفى: (الحياة في القرن الثامن الهجري كما تصورها رحلة ابن بطوطة)، الطبعة الأولى، مطبعة السعادة، 1992م.
3. أحمد عبد الرحيم نصر: (التراث الشعبي في أدب الرحلات)، الطبعة الأولى، مركز التراث الشعبي لمجلس التعاون لدول الخليج العربية، الدوحة، قطر، 1995م.
4. تاج الدين نوفل: (رمضان كريم)، الطبعة الأولى، دار الأمين، القاهرة، 1998م.
5. حسن الباش: (أغاني وألعاب الأطفال في التراث الشعبي الفلسطيني)، الطبعة الأولى، دار الجليل للطباعة والنشر، دمشق، 1986م.
6. شاكر خصباك: (ابن بطوطة ورحلته)، دار الآداب، بيروت،(د.ت).
7. سيّد صديق عبد الفتاح: (أغرب الأعياد وأعجب الاحتفالات)، الطبعة الأولى، دار الأمين، القاهرة، 1994م.
8. صلاح الدين علي الشامي: (الرحلة عين الجغرافيا المُبصرة)، منشأة المعارف، الإسكندرية،( د.ت).
9. صلاح خليفة وعبد المنعم سالم: ( ألوان من وحيّ رمضان)، مؤسسة دار العلوم، الدوحة، قطر،( د.ت).
10. عبدالله رشيد: ( ملامح الحياة الشعبية في مدينة عمّان 1878- 1940م)، وزارة الثقافة والشباب، دائرة الثقافة والفنون، عمّان، الأردن، 1983م.
11. عبدا لله بن زيد آل محمود: ( كتاب الصيام وفضل شهر رمضان)، الطبعة الثالثة، مطابع الدوحة الحديثة، قطر، 1982م.
12. عبد الحليم محمود: ( شهر رمضان كيف يستقبله المسلمون)، المكتبة العصرية، صيدا، لبنان، ( د.ت).
13. عبد الرحمن حسن جنكة الميداني: ( الصيام ورمضان في السُنّة والقرآن)، الطبعة الأولى، دار القلم، دمشق، 1987م.
14. عبدالرحمن حميدة: ( أعلام الجغرافيين العرب)، الطبعة الثانية، دار الفكر، دمشق، 1980م.
15. عبد الرزاق كيلاني: ( من التراث الشعبي في بلاد الشام)، الطبعة الأولى، مكتبة الأسد، دمشق، 1996م.
16. علي الجندي: ( قُرّة العين في رمضان والعيدين) الجزء الأول والثاني، مطابع الأهرام التجارية، القاهرة، 1969م.(1/117)
17. فادي جادة: (حدث في رمضان)، دار التقدم للطباعة والنشر والتوزيع، دمشق، ( د.ت).
18. فردريك معتوق: ( التقاليد والعادات الشعبية اللبنانية)، الطبعة الأولى، جروس برس، لبنان، 1986م.
19. فضل حسن عباس: ( التبيان والإتحاف في أحكام الصيام والاعتكاف)، الطبعة الأولى، دار الفرقان، عمّان، 1988م.
20. محمد الغزالي وجماعته: ( رمضان والصيام)، مكتبة أخبار اليوم الإسلامية، القاهرة، ( د.ت).
21. مصطفى عبدا لرحمن: ( فنون رمضان)، ( د.م)، (د.ت).
22. نجاة قصاب حسن: ( حديث دمشقي 1884-1983م)، الطبعة الأولى، طلاس للدراسات والترجمة والنشر، دمشق، 1988م.
23. يسرى جوهرية عرنيطة: ( الفنون الشعبية في فلسطين)، الطبعة الثالثة، المجمع الثقافي، أبو ظبي، دولة الإمارات العربية المتحدة، 1997م.
24. يوسف موسى خنشت: ( طرائف الأمس غرائب اليوم)، الطبعة الثالثة، دار الغصون، لبنان، 1983م.
الدوريات
أ_ المجلات
1 . ... ... ... ... ... : (في معنى رمضان)، تراث، العدد الثاني، يناير( كانون الثاني) 1999م، نادي تراث الإمارات، أبو ظبي دولة الإمارات العربية المتحدة، ص 61.
2. ... ... ... ... ... ... ..: (في معنى الصوم)، تراث العدد الثالث عشر، ديسمبر( كانون الأول) 1999م، نادي تراث الإمارات أبو ظبي، دولة الإمارات العربية المتحدة، ص 65
3. .. ... ... ... ... ... ... : (في معنى الفطر)، تراث العدد الخامس والعشرون، ديسمبر(كانون الأول) 2000م، نادي تراث الإمارات ، أبو ظبي دولة الإمارات العربية المتحدة، ص 93.
4. حميد مجيد هدو: (مظاهر الأعياد الدينية في صنعاء)، التراث الشعبي، العدد الخامس والسادس، كانون الثاني ـ شباط 1971، وزارة الإعلام، بغداد، العراق.
5. خضير عبد الأمير داود: (الرحالة ابن جبير في مكة المكرمة)، تراث، العدد السادس عشر، مارس( آذار) 2000م، نادي تراث الإمارات، أبو ظبي دولة الإمارات العربية المتحدة، ص 12- 13.(1/118)
6. سليم طه التكريتي: (كَسْلات الأعياد في بغداد)، التراث الشعبي، العدد السادس، 1980م، وزارة الإعلام ، بغداد ، العراق ص 39 ـ 40.
7. مازن ربيع: ( في مكتبة التراث الشعبي)، التراث الشعبي، العدد الثالث لسنة 2001م، وزارة الثقافة، بغداد، جمهورية العراق، ص 109-110.
8. محمد رجب السامرائي: (عادات وتقاليد المسلمين في رمضان)، تراث العدد الثالث عشر، ديسمبر( كانون الأول ) 1999م، نادي تراث الإمارات، أبو ظبي دولة الإمارات العربية المتحدة، ص 66 ـ 78.
9.نفسه: (العيد في 35 دولة إسلامية)، تراث، العدد الرابع عشر، يناير (كانون الثاني) 2000م ،نادي تراث الإمارات، أبو ظبي دولة الإمارات العربية المتحدة، ص 67 ـ 74.
10. نفسه: (المجالس مدارس)، تراث، العدد الخامس والعشرون، ديسمبر( كانون الأول) 2000م، نادي تراث الإمارات، أبو ظبي دولة الإمارات العربية المتحدة، ص 64 ـ 67.
11 ... ... ... ... ... .: (المسَّحراتي وفانوس رمضان)، تراث العدد الخامس والعشرون ديسمبر( كانون الأول) 2000م، نادي تراث الإمارات، أبو ظبي دولة الإمارات العربية المتحدة، ص 78 ـ 81.
ب _ الصحف
1. محمد رجب السامرائي: (قبس)، جريدة الدستور، عمّان، الأردن، الحلقات:(1/119)
( وارضوا بقول ثقة، 1 فبراير(شباط) 1995، واللّهم اجعله هلال رشد، 3 فبراير، وليهنئك أن الصوم فرض، 4 فبراير، وفذا رمضان، 6 فبراير، وموسم خصب للعبادة، 8 فبراير، وأفطر عندكم الصائمون، 9 فبراير، وأجوع يوماً واشبع يوماً، 10 فبراير، ورمضان والصوم في دقائق العربية، 11 فبراير، وفضائل رمضانية، 12 فبراير، وتبت إليك، 13 فبراير، ومفاكهات في الصيام، 14 فبراير، وبيت لا تَمْرَ فيه، 15 فبراير، والصوم وتدريب الصائمين، 16 فبراير، والصوم جُنّة، 18 فبراير، والنصر في بدر الكبرى، 19 فبراير، ولو يعلم العباد ما في رمضان، 20 فبراير، وقوما للسحور، 21 فبراير، والعمرة أيام الصوم، 22 فبراير، والتسبيح في رمضان، 23 فبراير، وفانوس رمضان له حكاية،24 فبراير، وطرائف رمضانية، 25 فبراير، ورمضان وفصول السنة، 26 فبراير، وفضل شهر الله، 27 فبراير).
2 . محمد رجب السامرائي: (تراث)، جريدة الدستور، عمّان، الأردن، الحلقات:
( الصيام وسُموِّ النفس، 10 يناير( كانون الثاني) 1997، وخمس خصال في رمضان، 12 يناير، وتلاوة القرآن المعجز، 13 يناير، وصدقة في رمضان، 15 يناير، وتسحروا، 16 يناير، والذكر الحكيم، 17 يناير، وذَرْهُم يأكلوا ويتمتعوا، 18 يناير، وتاج الليالي، 19 يناير، وإنّ هذا القرآن، 20 يناير، وكساك الصوم أعمار الليالي، 21 يناير، وإنّا أنزلناه في ليلة القدر، 22 يناير، ومرّ بالغفلة عنّا، 24 يناير).
3. محمد رجب السامرائي: (من وحي رمضان، ورمضان كريم)، ملحق حديث الصائم، جريدة الاتحاد، أبو ظبي، دولة الإمارات العربية المتحدة، الحلقات :
( هلال رمضان، 11 يناير ( كانون الثاني ) 1997م، وتبادل التهاني في رمضان، 12 يناير، في الفطور، 13 يناير، صوم النهار وبالليل التراويح، 20 يناير، وفانوس السحور، 23 يناير، والتمر عند الصائمين، 24 يناير، وشهر جود وإنفاق، 27يناير، والجزّار والكنافة، 1 فبراير- شباط- 1998م).
المحتويات(1/120)
المقدمة ... ... ... ... ... ......................................................................................
الفصل الأول: الرؤية والتهاني والتوحيش ... ... ... ... ... ... ... ... ... ...................
المبحث الأول: رؤية الهلال ... ... ... ... ... ... ... ... ... ............................................
? هلال رمضان ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ..
? اللّهم اجعله هلال رشد ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... .
? المأمون والمصابيح ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ...
المبحث الثاني: التهاني والتبريكات ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ..
? من القطع النثرية ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ..
? تهاني الشعراء ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... .
المبحث الثالث: التوحيش .. الوداع ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... .
? مقطوعات نثرية ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ...
? وداع الشعراء ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ...
الفصل الثاني: بين اللغة والأدب العربي ... ... ... ... ... ... ... ... ... ..................
المبحث الأول : رمضان والصوم ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ............................
? رمضان في اللغة ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ..
? في الصوم ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ..
? ابن الجوزي والشهور ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ..
? الشعراء ورمضان ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... .
المبحث الثاني: في الفطور الرمضاني ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... .
? شيء عن الفطور ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ..
? الجوع ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ..
? التّمر ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ..
المبحث الثالث: مفاكهات الصائمين ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... .
? من المفاكهات ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ...
? مع الفقيه ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... .
? أشعب والجدي ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ...
? الرجل البخيل ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ...
? بين نصيب والأحوّص ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... .
الفصل الثالث: ابتهالات الروح ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ...(1/121)
المبحث الأول: تلاوة الذكر الحكيم ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ...........................
? حُسْن التلاوة ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ...
? بسم اللّه ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ...
? معاني الكتاب ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ..
? " لا تسافروا بالقرآن ... " ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ..
المبحث الثاني: فضائل رمضان ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ...
? خمس خصال ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... .
? موسم خصب للعبادة ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ..
? الصيام وصفاء النفس ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ..
? تدريب الصائمين ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ..
? العُمرة أيام الصيام ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... .
? التسبيح في رمضان ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ..
? تبتُ إليكَ ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ..
? أحداث رمضانية ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ..
المبحث الثالث: الجود والأنفاق ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ...
? أجودُ الناس ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ..
? صدقة في رمضان ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ...
? موسم التفطير والخيرات ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... .
الفصل الرابع : رمضان في ذاكرة المسلمين ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ...
المبحث الأول: المجالس والرحالة في رمضان ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ...
? المجالس العربية ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ..
? المجالس النبويّة ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... .
? مجالس الخاصة والعامة ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ...
? أقدم المجالس ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ..
? المُحاكي أيام العباسيين ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... .
? مجالس الحكايات الشعبية ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... .
? رمضان عند الرحالة ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... .
? رحلات ابن جبير ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... .
? ابن جبير في مكة ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... .
? ليلة أهَلَّ الهِلال ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ...
? رحلة ابن بطوطة ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ..
? في مكة ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ...
? القدر وختم القرآن ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... .(1/122)
? المكيّون وعيد الفطر ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ...
المبحث الثاني: رمضان في الدول العربية والإسلامية ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ..
? الإمارات، قطر، البحرين، الكويت، السعودية، عُمان، اليمن، العراق، سورية، لبنان، الأردن، فلسطين، مصر، السودان، ليبيا، تونس، الجزائر، المغرب، الصومال، موريتانيا، أثيوبيا، جيبوتي، جُزر القُمْر، بنغلادش، كينيا، سيراليون، أوغندا، بِنِين، توغو، ساحل العاج، السنغال، غامبيا، الكونغو، بوركينا فاسو، الهند، ماليزيا، إيران، أوزبكستان، تركيا، البوسنة.
المبحث الثالث: العيد في الدول العربية والإسلامية ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ..
? الإمارات، الكويت، البحرين، العراق، فلسطين، سورية، لبنان، الأردن، اليمن، مصر، السودان، الجزائر، تونس، ليبيا، المغرب، موريتانيا، الصومال، جيبوتي، جُزر القُمْر، أثيوبيا، تركيا، بنغلادش، سيراليون، إندونيسيا، ماليزيا، كينيا، أوغندا، ساحل العاج، السنغال، غامبيا، تنزانيا، الكونغو، بوركينا فاسو، توغو، بِنِين.
الفصل الخامس : مظاهر رمضانية ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... .
المبحث الأول: التراويح السحور ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ..
? التراويح ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... .
? السَّحور ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... .
? أيام النبي الكريم ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... .
? المسَّحراتي ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ...
? نداءات التّسحير ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... .
? الزمزمي في مكة ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ..
? ابن نقطة في بغداد ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... .
? ابن عنتبة في مصر ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ...
? عند ابن جبير ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ...
? هورنيكا وسُحور مكة ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... .
? الشعراء والفانوس ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... .
? حكاية الفانوس ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ...
المبحث الثاني: القدر تاج الليالي ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... .
? القدر في اللغة ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ..
? من المعاني ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ..(1/123)
? إحياء العشر الأواخر ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... .
? من الليالي ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ..
المبحث الثالث: الحُلْويات الرمضانية ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ...
? ابن الجزّار والكنافة ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ...
? القطايف: دِثار مَخْمَل ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... .
? الزَلابية شبابيك الذهب ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ..
المصادر والمراجع المعتمدة ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... .
الهوامش ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ....................
المحتويات ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... .
هذا الكتاب
? محاولة عبر خمسة فصول وبمباحث عديدة، يرسم للقارئ الكريم صورة عن شهر رمضان في ذاكرة الإنسان العربي في الزّمان والمكان، ويسردّ سيرته العطرة في المظان العربية القديمة والمعاصرة عن طريق التدوين لهذه المظاهر الاحتفالية به، ومن أجل أن نبين ملامح الشهر الكريم في الشريعة السمحاء والتاريخ والأدب ودقائق اللغة، علاوة على التركيز لإظهار مباهجه في الموروث الشعبي مثل العادات والتقاليد والاحتفالات التي غالباً ما تبدأ حين تعلن غُرّته الكريمة، ومازال المسلمون يحرصون على إحيائها على الرغم من تبدل مسيرة الإنسان في الزّمان والمكان، إنّها قراءة في ذاكرة رمضان المتقدّة، لأكرم الشهور العربية، والله وليّ التوفيق.
******(1/124)