|
وأيضًا:
الكتاب : منهجية قراءة الكتب
ألقى الشيخ صالح بن محمد الأسمري محاضرتين في ذلك :
الأولى : بعنوان (قراءة الكتب لماذا؟ وكيف؟ ) .
الثانية : بعنوان (قواعد فهم كتب العلماء ) .
وقد جمعتا في (ألبوم) بعنوان :(منهجية قراءة الكتب) .
تم استيراده من نسخة : أ/علي عبد الباقي
ركائز في القراءة
القراءة فنٌ سامق ، ومركبٌ ذلولٌ لمريد المعرفة، إلا أن جمهرةً من المثقفين ـ بله غيرهم ـ افتَأتوا عن ركائزَ تحكُمُه ، وثوابتَ تضبطه، حتى أصبح مُنْتَجَعاً قليل الكلأ، وَالِجُهُ لصيق الهُزَال العلمي !
لذا : فهذا رسمٌ لشيء من تلك الركائز، بُغْيَة الإصلاح .
الركيزة الأولى : أن الإيغال في بطون الكتب، والإِمعان في فهم مقاصد أصحابها، معقودةُ زمائمه بالبِنْية العلمية للناظر قوةً وضعفاً، وهي مُحَصِّلة التَّلقي عن الأشياخ، أو ما هو آيب إِليه، ومن ثم : نسطيع (تفسير) إفادة شخص من كتاب أكثر من آخر ، وفي هذا يقول الإمام الشاطبي (رحمه الله) في "موافقاته" : "وإذا ثبت أنه لابد من أخذ العلم عن أهله فلذلك طريقان :
أحدهما : المشافهة،وهي أنفع الطريقين وأسلمهما،…
الطريق الثاني : مطالعة كتب المصنفين، ومدوني الدواوين . وهو أيضاً نافع في بابه بشرطين :
ـ الشرط الأول : أن يحصل له من فهم مقاصد ذلك العلم المطلوب ومعرفة اصطلاحات أهله: ما يتم له به النظر في الكتب ، وذلك يحصل بالطريق الأول من مشافهة العلماء، أو مما هو راجع إِليه؛ وهو معنى قول من قال : "كان العلم في صدور الرجال، ثم انتقل إلى الكتب ، ومفاتحه بأيدي الرجال". والكتب وحدها لا تفيد الطالب منها شيئاً، دون فتح العلماء، وهو مشاهد معتاد .
ـ الشرط الثاني : أن يتحرَّى كتب المتقدمين من أهل العلم المراد؛ فإنهم أقعد به من غيرهم من المتأخرين" (1) .
لذا : نجد العلماء العارفين يحثون المتعلم على تلقف العلوم من أفواه ذوي الذِّكر ، حتى تتكون عنده النواة العلمية المطلوبة، والحصانة المانعة من ولوج حُثالة الأفكار، وزُبالة الأسفار، إلى مسارب النفس ، بل "إذا وردت عليه ردَّها حرسُ العلم وجيشه مغلولة مغلوبة"(2) .
(1/1)
الركيزة الثانية : مما لا ريب فيه أن الأسلاف الأول أرسخ في العلم قدماً، وَأَسَدُّ فهماً ممن أتى بعدهم، هذا في العلوم المشتركة بين السابق واللاحق، وأصل ذلك: التجربة والخبر .
ـ أما التجربة، فهو أمر مشاهد في أي علم كان، فالمتأخر لا يبلغ من الرسوخ ـ في علمٍ ما ـ ما بلغه المتقدم، وحسبك من ذلك أهل كل علم عملي أو نظري ، فأعمال المتقدمين في إصلاح دنياهم ودينهم على خلاف أعمال المتأخرين، وعلومهم في التحقيق أقعد، فتحقق الصحابة بعلوم الشريعة ليس كتحقق التابعين، والتابعون ليسوا كتابعيهم، وهكذا إلى الآن ، ومن طالع سيرهم وأقوالهم رأى العجب في هذا المعنى .
ـ وأما الخبر ، ففي الحديث : "خيرُ القرونِ قرني، ثمَّ الذين يلونَهم، ثم الذين يلونَهم" ، وفي هذا إشارة إلى أن كل قرن مع ما بعده كذلك (3).
فابقِ الأولوية لكتب الأوائل الأقدمين؛ قراءةً وفهماً وحفظاً، ولا يُغْتَر بما يُرى للمتأخرين من كثرة كلام في كراريسهم ومكتوبهم؛ حيث فتن كثير من المتأخرين بهذا، فظنوا أن من كثر كلامه وجداله وخصامه في مسائل الدين ، فهو أعلم ممن ليس كذلك ، وهذا جهل محض .
وانظر إلى أكابر الصحابة وعلمائهم؛ كأبي بكر وعمر وعلي ومعاذ وابن مسعود وزيد بن ثابت، كيف كانوا ؟ ، كلامهم أقل من كلام ابن عباس، وهم أعلم منه ، وكذلك كلام التابعين أكثر من كلام الصحابة، والصحابة أعلم منهم، وكذلك تابعوا التابعين : كلامهم أكثر من كلام التابعين، والتابعون أعلم منهم، فليس العلم بكثرة الرواية، ولا بكثرة المقال، ولكنه نور يقذف في القلب، يفهم به العبد الحق، ويميز به بينه وبين الباطل، ويعبر عن ذلك بعبارات وجيزة محصلة للمقاصد (4) .
ومع هذا التفضيل الإجمالي للأولين فإن الثَّقِف مَن يُفِيد من رُقُم الآخرِين، في توضيح مسألة ، وإلحاق فرع بأصل ، ونحوهما .
(1/2)
الركيزة الثالثة : إِن فَلْي الكتب ، وتأرُّض مكانها ؛ جادةٌ مطروقةٌ، لكن بقصد تحقيق البصيرة عند العمل، ومعرفة السبيل الأقوم عند الواقعة ؛ لأن العامل "لا يكون عمله صالحاً إن لم يكن بعلم وفقه" (5) .
فالنظر الجالب للعمل المفيد هو العلم النافع؛ لأن العلم الحق "هو العلم الباعث على العمل" (6) ، "والمسكين كل المسكين من ضاع عمره في علم لم يعمل به، ففاته لذات الدنيا، وخيرات الآخرة ، فقَدِمَ مفلساً مع قوة الحجة عليه!"(7) .
هذا ، والله الموفق والمعين .
_______________
(1) الموافقات : ج1، ص 96 ـ 97 .
(2) مفتاح دار السعادة لابن القيم : ج1، ص 140 .
(3) الموافقات : ج1، ص 97 .
(4) فضل علم السلف على الخلف لابن رجب : ص 92-94، تحقيق : مروان العطية .
(5) رسالة : الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لابن تيمية : ص 48ـ49 .
(6) الموافقات : ج1، ص 69 .
(7) صيد الخاطر لأبي الفرج ابن الجوزي : ص 144 .
(1/3)
مَلَكَةُ العِلْم
المَلَكَة ) ؛ لأحرفها جَرْس يَنْبعث من أعطافها ، ولتَرْكِيْبةِ رَسْمِها سمتٌ يُضْفِي عليها الوقار والعظمة .
غير أن تكييف وجودها وتشخيصه على أرضيَّة العلم والمعرفة ـ يعني تَنْحية زَغَل المعرفة ، وفضول العلم … مع التطلُّع إلى اليد المُمْسِكة بآليَّة افتراع العلم وبَعْثه ، بعيداً عن أُخْذَة رَسْم القلم ، وَوَقْع اللَّسَن .
وتوصيف ( المَلَكَة ) ـ عند استنطاق الفصاحة ـ مُعْجِرٌ ؛ لما فيه من اتحاد أجزاء المعاني وتداخلها ، واشتداد ارتباط ثانٍ منها بأوَّل … وليس لِمَا شأنه أن يجئ ، على هذا الوصف حَدٌّ يَحْصره ، وقانون يُحِيط به .
هذا ، و( الملكة ) أصلُ العلم ، وبريد الحَذْق فيه ، يقول ابن خلدون ـ يرحمه الله ـ : (( الحذق في العلم ، والتَّفَنُّن فيه ، والاستيلاء عليه ـ إنما هو بحصول ملكة في الإحاطة بمبادئه وقواعده ، والوقوف على مسائله ، واستنباط فروعه من أصول . وما لم تَحْصُل هذه الملكة لم يكن الحذق في ذلك المُتَنَاوَل حاصِلاً ))(1) .
وارتياد نواحي الظَّفَر ، بتوخِّي وجوه النُّجْح لنيل ( الملكة ) : يقوم على قوائم :
-أولها : نفس قابلة ، لها طبع إذا قَدَحْتَه وَرِي ، وقلب إذا أَرَيْتَه رأى . قد صَفَتْ قريحتها ، وصحَّ ذَوْقها ، وتمَّت أداتها .
وأما من كان مَيْسَم نفسه بلادة الطبع ، يؤمُّها تَقَالُّ الآلة ـ فكالنافخ في الفَحَم من غير نار ، وكالُملْتَمِس الشمَّ من أَخْشَم ! .
(2/1)
-وثانيها : يَعْتَلِق بالعلم المُنْتَسِبة إليه المَلَكَة ؛ بأن يُنْكَفأ عليه فَوْقَ انكِفاء الأم على واحدها ، وإلا كان بَصَره به مدخولاً . ولذلك مَبْدأ ذَكَرَه السِّعْدي يرحمه الله بقوله : (( يَنْبغي للمتعلم إذا دخل في فن من فنون العلم ـ أن يَنْظر إلى كل باب من أبواب العلم ، فَيَحْفظ منه الأشياء المهمة ، وبحوثه النافعة ، فيُحَقِّقها ويتصوّرها كما ينبغي ، ويحرص على مآخذها ، وما هي مبنية عليه ، فإنه لا يزال على هذه الحال حتى يَحْصل له خير كثير ، وعلم غزير )) (2) .
ثم الصَّدَر عن ذلك يَفْتَح عَيْن القلب في ذلك العلم فَيُحْتَفى به مدارسةً ومزاولةً، و( المزاولات تُعْطي الملكات ، والتمرينات ترقِّي صاحبها لِدَرَج الكمالات ) (3) .
-وثالثها : مَدُّ جسرِ المعرفة للعلوم التي بينها وبين ( علم الملكة ) ـ سبب وثيق ، ولا يكاد صِنْف من العلم يَتَوَحَّد ، يقول الدَّلَجي ـ يرحمه الله ـ : (( العلوم مربوطٌ بعضها ببعض ومتعلِّق به ، إما على سبيل الاستلزام ، أو على سبيل الاستمداد ))(4).
وتلك العلوم الآليَّة لغيرها ( لا ينبغي أن يُنْظَر فيها إلا مِنْ حيث هي آلة لذلك الغير فقط ، ولا يُوَسَّع فيها الكلام ، ولا تُفَرَّع المسائل ؛ لأن ذلك مُخْرِجٌ لها عن المقصود ، إذ المقصود منها ما هي آلة له لا غير ، فكلما خرجتْ عن ذلك خرجتْ عن المقصود ، وصار الاشتغال بها لَغْواً مع ما فيه من صعوبة الحصول على ملكتها بطولها وكثرة فروعها ) (5) .
ومِنْ كُلِّ ذلك يَبِيْن الفَارِق بين الملكة التي هي عمود العلم ، وبين مُجرَّد حفظ مفردات العلم وفهمها ، يقول ابن خلدون يرحمه الله : (( الملكة هي غير الفهم والوعي ؛ لأنا نجد فهم المسألة الواحدة من الفن الواحد ووعيها ـ مشتركاً بين مَنْ شَدَا في ذلك الفن وبين مَنْ هو مبتدئ فيه ، وبين العامِّي الذي لم يُحَصِّل علماً وبين العالم النِّحْرِير )) (6).
______________
(2/2)
(1) المقدمة (2/111ـ112) طبعة : مؤسسة الكتب الثقافية .
(2) الفتاوي ، ص 101 .
(3) المصدر السابق .
(4) الفلاكة والمفلوكون ، ص 41 .
(5) المقدمة ، لابن خلدون يرحمه الله (2/238) .
(6) المصدر السابق (2/112) .
(2/3)
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على إمام المتقين وسيد المرسلين سيدنا ونبينا محمد ، وعلى آله وصحبه أجمعين أما بعد :
فإن الكتب هي ثاني طرق التعلم ، ولذا فقد عني بها العلماء قديماً وحديثاً ، ونظراً لتخبط بعضٍ في طرق الاستفادة منها ؛ كان لا بد من بيان أهميتها ، وكيفية الاستفادة منها ، ومعرفة قواعد مهمة لفهم كلام أصحابها .
وسداً لهذه الحاجة ، فقد ألقى فضيلة الشيخ الفقيه صالح بن محمد الأسمري ـ حفظه الله ـ محاضرتين في ذلك :
الأولى : بعنوان (قراءة الكتب لماذا؟ وكيف؟ ) .
الثانية : بعنوان (قواعد فهم كتب العلماء ) .
وقد جمعتا في (ألبوم) بعنوان :(منهجية قراءة الكتب) .
ولأهمية تلكم المحاضرتين أحببنا تلخيصها وتهذيبها في هذه الصفحة المباركة.
قراءة الكتب لماذا؟ وكيف؟
قراءة الكتب لماذا ؟ :
ـ لا شك أن قراءة الكتب تعود على المتعلم بفائدة عظيمة .
وقد دل على ذلك دلائل كثيرات ،منها مايعود إلى الشرع ، ومنها ما يعود إلى النظر.
قراءة الكتب كيف؟.
هناك أمور ثلاثة :(
1- أصول موصولة .
2- متممات مكملة .
3- وصايا موجهة .
أولاً : أصول موصلة
قراءة أي كتاب يقوم على ركائز ثلاث لابد منها :
الركيزة الأولى : أن يكون القارئ على معرفة بلغة الكتاب .
الركيزة الثانية : أن يحدد القارئ هدفه من قراءة الكتاب .
والأهداف التي يتوخاها الإنسان عند قراءته لكتاب ما على أنواع غير محصورة فمنها : قراءة تسلية ، قراءة فهم وتدبر لمعرفة مقصود الكتاب ...
الركيزة الثالثة : المعرفة بالطريقة التي تتناسب مع الهدف.
وتختلف الطرائق باختلاف الأهداف ، فمن أراد أن يختصر كتاباً ـ مثلاً ـ فله طريقة معينة ، وهكذا على حسب اختلاف الأهداف .
ثانياً : متممات مكملة
هي محصلة ركائز ثلاث :
الركيزة الأولى : التدرج في القراءة وخطواتها .
فلا بد في البداءة بالقراءة في الكتب الواضحة قبل الغامضة المشكلة .
(1/1)
وها هنا أمران مهمان عند ذكر التدرج :
ـ الأول : أهمية حفظ أصول العلم ، فإن به يحصل ضبط المسائل والفصول.
ـ الثاني : أنه من الآفات أن يكون الإنسان صاحب تناتيف من العلوم ، فينظر في علوم كثيرة ، ولا يبلغ الإمامة في شيء منها.
الركيزة الثانية : القراءة الصحية .
يذكرها أهل الصحة والتطبب ، ومرجعها إلى مراعاة ثلاثة أشياء:
أولها : هيئة القراءة : وينبغي أن يجتمع فيها شرطان :
(1) أن تكون مريحة للعين الباصرة . (2) أن تكون مريحة البدن .
ثانيها: مراعاة الوقت : بأن يكون زمن القراءة فيه أريحية نفس وراحة تامة .
ثالثها: المكان : بأن يكون خالياً من الضجيج والأصوات المزعجة ، أو الصور التي تأخذ النفس وتأسرها .
الركيزة الثالثة : أن يتعرف المرء على جهات الخلل في أي كتاب يقرؤه .
فإن هناك جهات ثمان ، لا يمكن أن يأتي الخلل إلى المكتوب إلا عن طريق واحد منها ، حصرها وعدها عداً الإمام الماوردي - يرحمه الله - كما في " أدب الدنيا والدين " ،وخلاصتها:
1- إسقاط ألفاظ من الكلام .
2- زيادة ألفاظ أثناء الكلام يُشكل بها معرفة الصحيح غير الزائد من معرفة السقيم الزائد فيصير الكل مشكلاً .
3- إسقاط حروف من أثناء الكلمة الواحدة والكلمة نوعان :
- كلمة إذا سقط منها حرف بان عند تلاوتها لترددها أو شهرتها .
- كلمة أخرى إذا سقط منها حرف انقلبت إلى كلمة أخرى تتلى على معنى آخر .
4- زيادة حروف في أثناء الكلمة .
5- وصل الحروف الموصولة ، وفصل الحروف الموصولة .
6- تغيير الحروف عن أشكالها ، وإبدالها بأغيارها .
7- ضعف الخط عن تقويم الحروف على أشكالها الصحيحة ، حتى تصير العين الموصولة كالفاء ـ مثلاً ـ .
8- إغفال النقط والأشكال التي تتميز به الحروف المشتبهة ، وذلك أن الأوائل لم يكونوا ذوي عناية بتنقيط ما كان معجماً من الحروف .
ثالثاً : وصايا موجهة
(1/2)
الوصية الأولى : لابد لطالب العلم أن يكوّن مكتبة في منزله ومقر وجوده ؛لأنها آلة التحصيل.
الوصية الثانية : ألا يقدم على شراء كتاب إلى بعد الاختيار ، بأن يكون معتمداً عند أهل فنه .
والاختيار يختلف باختلاف الناس ، فمنهم العالم القادر على تقويم الكتب ، ومنهم من ليس كذلك ، فهؤلاء يأخذون مبدأ الاستشارة في شراء الكتب .
والاستشارة لها شرط وهو أن توقف المستشار على مبتغاك مع كونك تختار المستشار ، ولها أدب وهو أن تتأدب مع من تستشيره ، فلا تخالفه بعد الاستشارة لهوى نفس لا شيء آخر .
ومن الكتب التي تعين في معرفة أفضل كتب الفن ، ما يسمى
بـ ( الكتب الوصفية ) وهي التي تعنى بتوصيف كتب فنّ معين ، تستقرئ قديمها وحديثها ، ثم تقومه في ميزان النقل والتقويم الحق ، فمثلاً في النحو تجد ـ مثلاً ـ كتاب " نشأة النحو " لطنطاوي .
الوصية الثالثة : ينبغي عند شراء الكتب أن تراعي أمور ثلاثة :
1- أن يعلم أن تكوين مكتبة لطالب علم لا تأتي في عشية وضحاها في حال جملة الناس ، وهناك صنف من الناس قد كساه الله بالثراء فله أن يفعل مكتبة في عشية وضحاها .
2- إذا أراد أن يشتري كتاباً عاجلاً فليقدم نوعين من الكتب :
- الكتب الأصلية في فنها .
- ما يحتاجه من كتب في دراسة أو حلقة علم أو نحو ذلك .
3- عند شراء المرء الكتاب لابد أن تراعى دور النشر التي ثمنها زهيد حتى يضع بقية النقود في كتب أخرى ، وأن يتفقد الكتاب الذي اشتراه وخلوه من العيوب الطباعية ، ثم يتأكد من هو الكتاب المطلوب لا غيره.
الوصية الرابعة : تتعلق بإعارة الكتب .
فينبغي ألا يكون الإنسان بخيل النفس ، فيحبس الكتب عمّن يستعيرها منه ، وهو يريد أن يأخذها لمعرفة وهو مستحق لذلك العطاء وهو واثق به ، وهو أدب رفيع قلّ من تخلّق به .
إلا أن هناك شروطاً ثلاثة عند الإعارة :
1- أن يكون المستعير مستفيداً من الكتاب الذي طلبه ، ولا يكون متفكهاً بالطلب .
(1/3)
2- أن تكون على ثقة من إرجاع الكتاب إليك من قبل المستعير منك .
3- أن تُعَلّم كتابك بعلامة من العلامات حتى لا يذهب عنك ، كإثبات ملكيتك له ، أو وضع ختم لك ونحو ذلك .
وللاستعارة آداب حاصلها أربعة:
1. أن تصون الكتاب إن استعرته من غيرك .
2. الشكر لمن أعارك كتاباً .
3. ألا يطيل المرء بقاء كتاب عنه وقتاً طويلاً .
4. ألا يتصرف بالكتاب الذي استعاره بعد استئذان صاحبه .
آخر الوصايا : تتعلق بآداب متفرقات مع الكتب :
أولاً : صون الكتاب وحفظه من المعايب والمثالب.
ثانياً : مراعاة المكان الذي يوضع فيه الكتاب ونظافته ونزاهته.
ثالثاً : تتعلق بترتيب الكتب وفهرستها عند تكوين خزانة كتبية في بيت أو نحوه ، فينبغي أن يرتبها المرء على حسب مقدار علومها .
رابعاً : كتابة الحواشي والتعليقات وفق آدابها المعتبرة، ومن ذلك :
- أن يكتب التصحيحات لخطأ مطبعي أو نحوه ، على هامش الكتاب على جانبه ويضع بعدها ( صح ) كما هو هدي المحدثين .
- إذا قرأ كتاباً ثم أراد أن يقف ويرجع إليه من وقت لآخر فيكتب عند المكان الذي وقف عنده ( بلغ ) كما هو هدي المحدثين .
- إذا أراد أن يكتب فائدة على كلام مرّ عليه ، أو جملة قرأها في كتاب ، فيكتبها بادئاً بجهتها اليمنى ، بادئاً من الحاشية ، ثم يعلي الكتابة نحو أعلى الصفحة حتى إذا أراد أن يكتب شيئاً بعد ذلك السطر وجد له متسعاً وهي من الطرائق المستحسنة التي يفعلها المحدثون وغيرهم .
- وأن تكون بخط واضح .
قواعد لفهم كتب العلماء
لا شك أن( تصحيح مسار الفهم ، وتصويب سبيل المعرفة أمر مهم جداً ، ولذا كان حسن الفهم من أعظم النعم .
وجميع مايراد تفهمه يحصل بطريقتين :
الأولى : بيان المتكلم عن مراده ومفهومه .
والثانية : تمكن السامع من تفهُّم الشيء .
إلا أن الفهم له آفته كما أن للكتب آفاتها ، فلا بد من قواعد تضبط ذلك ، وهي كالتالي:
(1/4)
القاعدة الأولى : البنية المعرفية للقارئ لكتابٍ علمي تأصيلي لها أثرها الواضح في حسن الفهم لمصطلحات وأبواب ومسائل الكتاب.
ذلك أن مطالعة كتب المصنفين ومدوني الدواوين نافع في بابه بشروط ، منها : فهم مقاصد ذلك العلم المطلوب ومعرفة اصطلاحات أهله ، وذلك يحصل أخذ العلم مشافهة عن العلماء أو مما هو راجع إلى ذلك ، والكتب وحدها لا تفيد الطالب منها شيئا دون فتح العلماء وهو مشاهد معتاد .
القاعدة الثانية : الرجوع إلى المعروف من حال المصنف ومذهبه وحاله عن وجود عبارات مشتبهة في كلامه.
القاعدة لثالثة : مراعاة أحوال المؤلف وأطواره ـ إن مر بأطوار ـ في منهجه الاعتقادي أو الفقهي أو نحو ذلك .
القاعدة الرابعة : مراعاة التراجعات العلمية . إذ إن الرجوع إلى الحق فضيلة ، وكان أسلافنا الأخيار يرجعون إلى الحق إذا بان لهم ، فعندما يصطحب الناظر في الكتب لهذه الحقيقة يعلم يقيناً أن المصنف لكتاب ، قد يرجع عن قول قرره في الكتاب نفسه أو في بعض نسخه المتأخرة أو في أي كتاب آخر ، ولذا فلا ينبغي التسرع في نقل قول عالم من كتاب إلا إذا علم أنه أقره ولم يتراجع عنه .
القاعدة الخامسة : حمل المُجمل من كلام المؤلف على المُفَسَّر في الكتاب نفسه أو في كتابٍ آخر له.
القاعدة السادسة : تفهم الكلام حسب الدلائل المعتبرة في فهم كلام المؤلفين.
إذ إن الدلائل نوعان:دلائل معنوية ،ودلائل لفظية ، والدلائل اللفظية ثلاث :دلالة موافقة ، ودلالة لزوم ، ودلالة تضمن .
وإنما يفهم من خلال دلالة المطابقة والتضمن ، أما دلالة اللزوم فلا يُعمل بها على إطلاق إلا في مجالين :
الأول : أن يلزمه صاحبه إذا ذكر له اللازم .
والثاني : أن يدل عليه ما جرى مجرى لفظه من تنبيه أو إيماء أو نحوهما من الدلالات اللفظية .
(1/5)
القاعدة السابعة : مراعاة موارد الكلام للناظر في الكتب ، فقد يكون مورد الكلام وعظاً أو محاجّة لخصم ، أومناظرة لمخالف أو نحو ذلك ، فإنه قد يتنزل الإنسان في المناظرات ما لا يتنزله في باب التقرير ، وهكذا .
فوائد تتعلق بمطالعة الكتب
الفائدة الأولى : أن تكون القراءة للكتاب بنية عدم الرجوع إليه مرة أخرى ، وفي ذلك يبادر إلى استنفار قواه العقلية .
الفائدة الثانية : مراعاة الزمن عند قراءة الكتب ، فإن العمر قصير والعلم كثير ، فينبغي على الإنسان أن يعوِّد نفسه على سرعة القراءة مع تفهم .
الفائدة الثالثة : تحديد الغاية من قراءة الكتاب من اختصارٍ أو تلخيصٍ أو جردٍ لاستخراج أشياء معينة ، وبحسب تحديد الغاية تكون الطريقة المناسبة للقراءة .
الفائدة الرابعة : الانتقاء والاختيار ، فإن الكتب كثيرة ، بل هي في كل فنّ كتب كثيرة .
خاتمة
ورغم أهمية الكتب وعِظمِ نفعها ، فإن الاعتماد عليها وحدها دون شيخٍ غيرُ نافع ، ولذلك يقول الشافعي - يرحمه الله - : ( لا تأخذ العلم عن صحفي ، ولا القرآن عن مصحفي ) .
ويقول ابن خلدون - يرحمه الله - في :"مقدمته" بعد ذكره قواعد عظمى في أخذ العلوم : ( إلا أن التلقي بالمباشرة والأخذ عن العلماء ، هو الذي يورث تمام الملكات ).
وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا ونبينا محمد وعلى آله وصحبه.
منتديات قصيمي نت
مكتبة قصيمي نت لروائع الكتب
جمع وترتيب /واس مشرف المكتبة
waas@hotmail.com
الشكر لمكتبة صيد الفوائد
(1/6)