بسم الله الرحمن الرحيم
المقدمة
الحمد لله الذي شرع لعباده طرق الخير ويسرها، وصلى الله وسلم على نبينا محمد الهادي إلى سبل الفضائل ومُبَيِّنِها.
وبعد:
فقد كنت كتبت في مسألة جلوس المصلي في مصلاه بعد صلاة الفجر إلى طلوع الشمس، ثم صلاته بعد طلوعها ركعتين، وطبع ما كتبته في كتيب عام 1420هـ.
إلا إني بعد طباعته وقفت على زيادة طرق للأحاديث الواردة في ذلك وشواهد، ونظائر، وأقوال لأهل العلم تؤيد ما كتبته.
لذا أحببت إضافة ما وقفت عليه إلى ذلك تتميماً للفائدة، وأملاً في انتفاع المسلمين به.
ثم إني رأيت أن أجعله في فصول أربعة، على النحو التالي:
الفصل الأول: في فضل الجلوس في المسجد بعد صلاة الفجر حتى تطلع الشمس.
الفصل الثاني: في فضل ختم الجلوس بعد صلاة الفجر بصلاة ركعتين فأكثر عقب طلوع الشمس.
الفصل الثالث: في أن تعقيب جلوس المصلي في مصلاه بصلاة ركعتين بعد طلوع الشمس يعدل أجر حجة وعمرة.
الفصل الرابع: فيما يؤيد حديث أنس وما في معناه من الأحاديث.
وسميته =رفع اللبس عما ورد في فضل الجلوس لذكر الله بعد صلاة الفجر حتى تطلع الشمس+.
والله أسأل أن يجعله خالصاً لوجهه الكريم نافعاً لي ووالدي، وسائر المسلمين.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد الأمين، وآله وصحبه أجمعين.
فريح بن صالح البهلال
28/8/1420هـ
الفصل الأول:
في فضل الجلوس في المسجد بعد صلاة الفجر، حتى تطلع الشمس
عن جابر بن سمرة ÷ قال:
=كان رسول الله " إذا صلى الفجر جلس في مصلاه، حتى تطلع الشمس، فيتحدث أصحابه، ويذكرون حديث الجاهلية وينشدون الشعر، ويضحكون، ويبتسم+.
أخرجه ابن أبي شيبة(1) وأحمد(2) ومسلم(3) وابن خزيمة(4)
__________
(1) المصنف (2/404).
(2) مسند أحمد (5/88، 91، 100، 101، 105، 107).
(3) صحيح مسلم (1/463) رقم670.
(4) صحيح ابن خزيمة (1/373) رقم757.(1/1)
وأبو داود(1) والنسائي(2) والترمذي(3) وعبدالرزاق(4) والبيهقي(5) والبغوي(6) والطبراني(7).
وزاد: =يذكر الله حتى تطلع الشمس+.
وقال: =لم يروه عن داود بن أبي هند إلا عدي بن عبدالرحمن، ولا عنه إلا الزبيدي، تفرد به عمران، عن الربيع، عن محمد بن حرب+(8).
وعن أنس بن مالك قال: قال رسول الله":
=لأن أقعد مع قوم يذكرون الله تعالى، من صلاة الغداة، حتى تطلع الشمس، أحب إليَّ من أن أعتق أربعة من ولد إسماعيل، ولأن أقعد مع قوم يذكرون الله من صلاة العصر إلى أن تغرب الشمس أحب إليَّ من أعتق أربعة+.
أخرجه أبو داود(9) والبيهقي(10).
من طريق أبي ظفر عبدالسلام بن مطهر، والطبراني(11) من طريقه أيضاً، ومن طريق سعيد بن سليمان.
كلاهما عن موسى بن خلف العمِّي، عن قتادة، عن أنس به إسناده حسن، رجاله ثقات رجال الصحيح غير العمِّي؛ فإنه صدوق له أوهام، قاله الحافظ في التقريب.
__________
(1) سنن أبي داود (2/65) رقم1294، (5/178) رقم4850.
(2) المجتبى للنسائي (3/80) والكبرى (1/104) رقم 1280، وعمل اليوم والليلة رقم170.
(3) سنن الترمذي (2/480) رقم585.
(4) مصنف عبدالرزاق (1/530) رقم2026.
(5) السنن الكبرى (2/186)، والجامع لشعب الإيمان (6/217) رقم2698.
(6) شرح السنة (3/220) رقم709، 711.
(7) الكبير للطبراني (2/رقم1885، 1888، 1913، 1927، 1948، 1960، 1982، 1990، 2006، 2013، 2019، 2045، والمعجم الصغير (2/150).
(8) المعجم الصغير (2/150).
(9) سنن أبي داود (4/73) رقم3667.
(10) الجامع لشعب الإيمان (2/454) رقم558.
(11) الدعاء للطبراني (3/1638) رقم1878.(1/2)
وعنه _ رضي الله عنهما _ قال: قال رسول الله ": =لأن أقعد مع قوم، يذكرون الله من بعد صلاة الفجر إلى أن تطلع الشمس، أحب إلي من أعتق أربعة من بني إسماعيل، دية كل رجل منهم اثنا عشر ألفاً، ولأن أقعد مع قوم يذكرون الله من بعد صلاة العصر إلى أن تغرب الشمس أحب إلي من أعتق أربعة من بني إسماعيل، دية كل رجل منهم اثنا عشر ألفاً+.
أخرجه أبو يعلى(1) وابن عدي(2).
من طريق الفضل بن الصباح، حدثنا أبو عبيدة، عن محتسب، عن ثابت عن أنس به.
قال الهيثمي: =رواه أبو يعلى، وفيه محتسب أبو عائذ، وثقه ابن حبان، وضعفه غيره، وبقية رجاله ثقات+(3)اهـ.
وقال ابن عدي في محتسب: =يروي أحاديث ليست بمحفوظة+.قلت: محتسب هو ابن عبد الرحمن أبو عائذ الأعمى سكت عليه ابن أبي حاتم(4).
وذكره ابن حبان في الثقات(5) كما قال الهيثمي آنفاً.
وأخرجه أحمد بن منيع:
ثنا عبدالملك بن عبدالعزيز، ثنا حماد، عن يزيد الرَّقَاشِي، عن أنس قال:
قال رسول الله ": الحديث(6) إلا انه قال في آخره:
=أحب إلي من أن أعتق ثمانية رقاب....الخ
وأخرجه الطبراني:
حد ثنا يوسف القاضي، ثنا أبو الربيع الزهراني، ثنا حماد ابن زيد، عن يزيد الرقاشي عن أنس بن مالك ÷ قال: قال رسول الله ":
=لأن أجلس مع قوم يذ كرون الله _ عزوجل _ من صلاة العصر إلى أن تغرب الشمس أحب إليَّ من أن أعتق ثمانية من ولد إسماعيل+.(7)
ومن طريق حماد بن زيد أخرجه ابن السُّنِّي(8) وأبو يعلى(9) مثل لفظ الطبراني سواء.
وجاء عنه ÷ بلفظ:
__________
(1) مسند أبي يعلى (6/119) رقم3392.
(2) الكامل لابن عدي (6/2457).
(3) مجمع الزوائد (10/105).
(4) الجرح والتعديل (8/439)رقم2001.
(5) الثقات لابن حبان(7/528).
(6) انظرالمطالب العالية(8/270) رقم3735.
(7) الدعاء للطبراني(3/1638) رقم1879.
(8) عمل اليوم والليلة ص 316رقم670.
(9) مسند أبي يعلى(7/154) رقم4126.(1/3)
=لأن أصلي الفجر، وأجلس مع قوم يذكرون الله إلى طلوع الشمس، أحب إليَّ مما طلعت عليه الشمس، ولأن أصلي العصر، وأجلس مع قوم يذكرون الله إلى غروب الشمس، أحب إليَّ من أن أعتق ثمانية رقاب من ولد إسماعيل، دية كل رقبة اثنا عشر ألفاً+.
أخرجه الحارث بن أبي أسامة (1) والبيهقي (2) وأبو داود الطيالسي(3) وأبو القاسم الأصبهاني (4) وأبو يعلى(5) .
كلهم من طريق يزيد الرقاشي، عن أنس بن مالك ÷ به.
وهذا لفظ الحارث، والبقية نحوه إلا لفظ الإصبهاني فهو هكذا:
=ما من عبد صلى صلاة الصبح، ثم جلس في مجلسه، حتى تطلع الشمس، ثم يقوم فيصلي ركعتين، أو أربع ركعات إلا كان خيراً له مما طلعت عليه الشمس . وما من عبد صلى العصر ثم جلس في مجلسه، يذكر الله حتى يصلي المغرب إلا كان خيراً له من ثمانية يعتقهم من ولد إسماعيل _ عليه السلام _ دية(6) كل واحد منهم اثنا عشر ألفاً+.
وزاد الطيالسي: =فحسبنا دياتهم في مجلس، فبلغت ستة وتسعين ألفاً، وها هنا من يقول: =أربعة من ولد إسماعيل =والله ما قال+ إلا ثمانية دية كل واحد منهم اثنا عشر ألفاً+.
قال الهيثمي: رواه أبو يعلى، عن المعلى بن زياد، عن يزيد الرَّقَاشي، ويزيد ضعفه الجمهور، وقد وثق+(7).
قلت: سنده حسن، فقد قال أبو حفص عمرو بن علي الفلاس: =كان يحيى بن سعيد لا يحدث عن يزيد الرقاشي، وكان عبد الرحمن يحدث عنه "(8).
وإذا اختلف يحيى وعبدالرحمن في الرجل فحديثه حسن كما تقرر عند أهل العلم، ويؤيد هذا أمران:
__________
(1) بغية الباحث(2/950) رقم 1048.
(2) الجامع لشعب الإيمان(2/454) رقم556.
(3) مسند الطيالسي ص281 رقم2104.
(4) الترغيب والترهيب (2/795) رقم1945.
(5) مسند أبي يعلى (7/154) رقم4125.
(6) في الأصل ، وُُُُُُُُجد هكذا: =وبه+ وهو تحريف والصواب ما أثبتناه.
(7) مجمع الزوائد (10/105).
(8) الجرح والتعديل (9/251) رقم 1053.(1/4)
أحدهما: أن العراقي قال في سند أبي داود: =الحديث رواه أبو داود بإسناد حسن+(1).
الثاني: أنه تابع يزيدَ الرَّقَاشيَ قتادةُ بن دعامة عند البيهقي، وذلك من طريق العباس ابن الفضل الأسفاطي، ثنا سعيد بن سليمان، ثنا موسى بن خلف، عن قتادة، عن أنس، ويزيد الرقاشي، عن أنس به(2).
والإسفاطي لم أقف على حاله إلا أنه ذكره الذهبي في وفيات 238هـ(3)، ولم يذكر فيه جرحاً ولا تعديلاً .
وعنه أيضاً ÷ قال: سمعت رسول الله " يقول: =لأن أقعدن مع قوم يذكرون الله بعد صلاة الغداة إلى أن تطلع الشمس أحب إليّ من أن أحرر أربعة مُحَرَّرينَ من ولد إسماعيل+ أخرجه أبو نعيم (4).
من طريق عبد المؤمن بن سالم، قال: ثنا سليمان، عن أنس به.
ثم قال: غريب من حديث سليمان، تفرد به عنه عبدالمؤمن =قلت: وسليمان هو ابن طرخان التيمي الإمام، وعبد المؤمن بن سالم هو ابن ميمون أورد له العقيلي حديث: =من كذب عليَّ متعمداً فليتبؤأ مقعده من النار+.
وقال: =لا يتابع على حديثه+(5).
قال شمس الحق العظيم آبادي معنى الذكر الوارد في هذا الحديث، وما في معناه من الأحاديث:
=يذكرون الله تعالى+ من قراءة القرآن والتسبيح والتهليل والتحميد، والصلاة على النبي " ويلحق به ما في معناه كدرس علم التفسير، والحديث، وغير ذلك من علوم الشريعة+اهـ(6).
__________
(1) المغني عن حمل الأسفار (1/44).
(2) السنن الكبرى (8/79)، والجامع لشعب الإيمان (2/455) رقم 558.
(3) انظر تاريخ الإسلام حوادث ووفيات 281_290هـ ص11 ،وسير أعلام النبلاء (13/387) ترجمة الباغندي رقم 186.
(4) انظر حلية الأولياء (3/ 35) ، ومعرفة الصحابة (1/238) رقم 828 وأخبار أصبهان (1/200).
(5) الضعفاء للعقيلي (3/93) رقم 1066.
(6) عون المعبود (10/72) رقم 3662.
* ويجب الشمس =سقطت للمغيب كما في النهاية لابن الأثير (5/154).(1/5)
وعن أبي هريرة ÷ قال: =قال رسول الله ": =لئن أصبر من صلاة الفجر، إلى طلوع الشمس، أحب إليَّ من أن أعتق أربع محررين من ولد إسماعيل، ولئن أصبر نفسي مع ملأ
من أمتي يذكرون الله عز وجل من صلاة العصر إلى أن يجب * الشمس أحب إليَّ من أن أعتق أربع محررين من ولد إسماعيل+أخرجه الطبراني: حدثنا الحسين بن إسحاق التُسْتَري، ثنا أحمد بن عبدة الضبي، ثنا المعتمر بن نافع أبو الحكم الباهلي، عن سليمان التيمي، عن أبي قلابة، عن أبي هريرة ÷ به.(1)
أبو قلابة هو عبد الله بن زيد الجرمي ثقة فاضل، قال الحافظ المزي: =قيل: إنه لم يسمع من أبي هريرة(2).
والمعتمر بن نافع قال الذهبي: قال البخاري: منكر الحديث(3).
لكن ابن أبي حاتم سأل أباه عنه، فقال: شيخ(4) وقد قال في باب بيان درجات رواة الآثار:
=وإذا قيل: شيخ فهو بالمنزلة الثالثة، يكتب حديثه وينظر فيه+(5) وذكره ابن حبان في الثقات، وقال: ربما أخطأ(6).
وأخرجه إسحاق بن راهويه(7) من طريق كلثوم بن محمد ابن أبي سدرة، نا عطاء بن أبي مسلم الخراساني، عن أبي هريرة به.
وعطاء لم يسمع من أبي هريرة قاله أبو موسى المديني.(8)
وعن أنس أيضاً، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: لأن أذكر الله مع قوم بعد صلاة الفجر، إلى طلوع لشمس، أحب إلي من الدنيا وما فيها، ولأن أذكر الله مع قوم بعد صلاة العصر، إلى أن تغيب الشمس أحب إلي من الدنيا وما فيها+ أخرجه البيهقي(9) وابن عدي(10) من طريق يحيى بن عيسى الرملي، عن الأعمش، عن أنس به.
__________
(1) الدعاء للطبراني (3/1639) رقم 1881.
(2) تهذيب الكمال (544/14).
(3) ميزان الاعتدال (142/4) رقم 8649.
(4) الجرح والتعديل (8/403) رقم4847.
(5) الجرح والتعديل (2/37).
(6) الثقات لابن حبان (7/522).
(7) مسند إسحاق (1/371) رقم 384.
(8) انظر جامع التحصيل رقم 522.
(9) الجامع لشعب الإيمان (2/453) رقم555
(10) الكامل لابن عدي (7/2674)(1/6)
قال ابن عدي في الرملي هذا:
=وعامة رواياته لا يتابع عليه+ وقال العجلي:
=يحي بن عيسى، ثقة سكن الرملة، وكان فيه تشيع+(1) وقال الحافظ ابن حجر: =ذكره ابن حبان في الثقات، وقال مسلمة: لا بأس به. (2) وقال في التقريب: صدوق يخطئ.
قلت: وأخرج له مسلم في الصحيح.
وعن أبي أمامة ÷ قال: قال رسول الله ": =لأن أقعد أذكر الله، وأكبره، وأحمده، وأسبحه، وأهلله حتى تطلع الشمس أحب إليّ من أن أعتق رقبتين أو أكثر من ولد
إسماعيل ومن بعد العصر حتى تغرب الشمس أحب إلي من أن أعتق أربع رقاب+.
أخرجه أحمد(3) والطبراني (4).
من طريق حماد بن سلمة، أنا علي بن زيد، عن أبي طالب الضُّبَعي، عن أبي أُمامة به.
قال المنذري: إسناده حسن(5).
وقال الهيثمي: أسانيده حسنة(6).
قلت: علي بن زيد هو ابن جدعان ضعفوه، لكن روى له مسلم في الصحيح مقروناً بغيره، وبقية رجاله، رجال الصحيح.
وأبو طالب الضُّبَعي، وثقه وكيع، وأبو زرعه وأبو حاتم(7) وابن حبان (8).
وعنه أيضاً ÷قال: خرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على قاص يقص؛ فأمسك.
فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : =قُصَّ، فلأن أقعد غدوة إلى أن تشرق الشمس أحب إليَّ من أن أعتق أربع رقاب، وبعد العصر، حتى تغرب الشمس أحب إليَّ من أن أعتق أربع قاب+.
أخرجه أحمد(9) والطبراني(10) وأبو علي الطوسي(11).
__________
(1) ثقات العجلي (2/356) رقم 1992.
(2) تهذيب التهذيب (11/263) رقم 527.
(3) منسد أحمد (5/254/255).
(4) الكبير للطبراني( 8/317) رقم8028، والدعاء(3/1639) رقم 1882.
(5) الترغيب والترهيب (1/236).
(6) مجمع الزوائد (10/104).
(7) انظر الجرح والتعديل لابن أبي حاتم (9/397).
(8) الثقات لابن حبان (5/574).
(9) مسند أحمد (5/261).
(10) الكبير للطبراني (8/312) رقم 8013.
(11) مستخرج الطوسي على جامع الترمذي (3/151) رقم550.(1/7)
من طريق شعبة، عن أبي التياح، قال: سمعت أبا الجعد، يحدث عن أبي أُمامة...الحديث
قال الطوسي: =يقال: هذا حديث حسن غريب من حديث شعبة+.
وقال الهيثمي: =رواه أحمد، والطبراني في الكبير، إلا أن لفظ الطبراني: =قص، فلأن أقعد، هذا المقعد من حين تُصَلى الغداة إلى أن تشرق الشمس+... فذكر الحديث. ورجاله موثقون، إلا أن فيه أبالجعد، عن أبي أُمامة... فإن كان هو الغطفاني فهو من رجال الصحيح، وإن كان غيره فلا أعرفه(1).
=قلت: هو هو كما في التذكرة بمعرفة رجال العشرة(2) وذكره ابن حبان في الثقات(3)، وروى له مسلم في الصحيح , قال الحافظ في التقريب: وثقه ابن حبان , وقيل له صحبة.
وعن علي بن أبي طالب ÷, قال: سمعت رسول الله " يقول: =من صلى الفجر، ثم جلس في مصلاه صلت عليه الملائكة، وصلاتهم عليه: اللهم اغفر له، اللهم ارحمه، ومن ينتظر الصلاة صلت عليه الملائكة وصلاتهم عليه: اللهم اغفر له اللهم ارحمه+.
أخرجه أحمد (4)والبزار(5) و البيهقي(6) وابن جرير(7) من طرق, عن إسرائيل, عن عطاء بن السائب , قال:
دخلت على أبي عبد الرحمن السلمي, وقد صلى الفجر, وهو جالس في المجلس, فقلت: لو قمت إلى فراشك كان أوطأ لك ! فقال: سمعت علياً ÷ يقول: سمعت رسول الله ".. الحديث.
__________
(1) مجمع الزوائد (1/190).
(2) انظر التذكرة بمعرفة رجال العشرة (1/470) رقم 1836.
(3) الثقاب لابن حبان (4/235).
(4) مسند أحمد (1/144_147).
(5) البحر الزخار (2/210) رقم 596، 597.
(6) الجامع لشعب الإيمان (6/220) رقم2700.
(7) عزاه إليه الشوكاني في تحفة الذاكرين ص15.(1/8)
قال البراز: =وقد رواه عن النبي "أبو هريرة وأبو سعيد الخدري و جماعة, فذكرناه عن علي ÷ ,واقتصرنا عليه، وهذا الحديث لا نعلمه يروى عن علي ÷ عن النبي " إلا من هذا الوجه, وقد رواه أبو أحمد ,عن إسرائيل, عن عطاء ابن السائب,عن أبي عبدالرحمن, عن علي÷ عن النبي" قال الهيثمي: رواه أحمد ,وفيه عطاء بن السائب, وهو ثقة, ولكنه اختلط في آخر عمره+(1).
وقال أحمد شاكر: إسناده حسن, عطاء بن السائب اختلط بآخره, ولم يذكروا إسرائيل بن يونس فيمن سمع منه قديماً قبل اختلا طه اهـ.(2)
=وعن سهل بن سعد الساعدي الأنصاري÷ عن النبي" قال: =لأن أصلي الصبح, ثم أجلس أذكر الله تعالى حتى تطلع الشمس أحب إلي من شد على جياد الخيل في سبيل الله عز وجل +.
أخرجه ابن أبي عاصم(3) وابن الأثير(4) والطبراني(5) وابن أبي شيبة(6) وأبو نعيم(7) والخطيب البغدادي(8).
وقال الطبراني: لم يرو هذا الحديث عن أبي حازم إلا حماد بن أبي حميد، وهو محمد بن أبي حميد.
أهل المدينة يقولون: حماد بن حميد+اهـ .(9)
وقال الهيثمي: =رواه الطبراني بأسانيد في الكبير والأوسط، وأسانيده ضعيفة في بعضها محمد بن أبي حميد، وفي بعضها المقدام بن داود وغيره وكلهم ضعفاء(10).
قلت: وهو كما قال. محمد بن أبي حميد ضعيف جداً.
وعنه× قال: قال ":
__________
(1) مجمع الزوائد (10/107).
(2) شرح مسند أحمد رقم 1218 _1250.
(3) الآحاد والمثاني (4/214 ) رقم 2199.
(4) أسد الغابة (6/27 ) رقم 5705.
(5) الكبير (6/137 ) رقم 5638 ،5761 والأوسط (9/386) رقم 8831 .
(6) مسند ابن أبي شيبة (2/152 ) رقم639.
(7) معرفة الصحابة (3/1313 ) رقم3301، 3310.
(8) موضح أوهام الجمع والتفريق (2/414 ) رقم 417.
(9) قاله الطبراني في الأوسط.
(10) مجمع الزوائد (10 /106).(1/9)
=لأن أصلي الصبح ثم أجلس في مجلسي، فأذكر الله حتى تطلع الشمس، أحب إلي من شد على جياد الخيل في سبيل الله+. أخرجه عبد الرزاق(1) والبزار(2) والطبراني(3) من طريق محمد بن أبي حميد، قال: أخبرنا حازم بن تمام، عن عباس ابن سهل عن أبيه به.
هذا لفظ عبد الرزاق والطبراني.
ولفظ البزار: =أحب إلي من أن أعتق أربع رقاب من ولد إسماعيل+.
قال البزار:
=إنما يرويه إسحاق، عن ابن أبي حميد عن العباس بن سهل عن أبيه، ولا نعلم أحداً نازع إسحاق على هذه الرواية+اهـ.
وقال الهيثمي:
=رواه البزار والطبراني إلا أنه قال: =لأن أصلي الغداة وأذكر الله تعالى أحب إلي من شد على الخيل في سبيل الله حتى تطلع الشمس+ وفي إسنادهما محمد بن أبي حميد وهو ضعيف+(4).
قلت: محمد بن أبي حميد تقدم أنه ضعيف جداً عند أهل العلم إلا أن عمر بن شاهين ذكره في الثقات وقال: =وقال أحمد بن صالح: محمد بن أبي حميد ثقة، لاشك فيه، حسن الحديث روى عنه أهل المدينة، يقولون حماد، وغيرهم يقولون: محمد بن أبي حميد...الخ+(5).
وعن الحسن بن علي ÷ الله عنهما، قال: قال رسول الله":
=من صلى الغداة، ثم قعد يذكرا لله، حتى تطلع الشمس جعل الله بينه وبين النار ستراً+.
أخرجه البزار(6) وأحمد بن منيع(7) وأبو القاسم الإصبهاني(8) وابن عدي(9) والبيهقي(10) من طريق سعد بن طريف الحذاء، عن عمير بن مأمون، عن الحسن به، هذا لفظ البزار.
__________
(1) مصنف عبدالرزاق (1 /530) رقم 2027.
(2) كشف الأستار (4/17 ) رقم 3090.
(3) الكبير للطبراني (6/129) رقم 5737.
(4) مجمع الزوائد ( 10 /106)
(5) الثقات لابن شاهين ص 209 رقم 1260
(6) البحر الزخار (4/ 173 ) رقم 1335
(7) المطالب العالية ( 3/ 38 ) رقم 652
(8) الترغيب والترهيب ( 2/ 794 ) رقم 1943
(9) الكامل لابن عدي (3/ 1187 )
(10) الجامع لشعب الإيمان (6/ 217) رقم 2697(1/10)
ولفظ الإصبهاني: =من صلى الغداة فجلس في مصلاه حتى تطلع الشمس كان له حجاباً من النار+.
وزاد البيهقي وابن منيع:
=ثم قام فصلى ركعتين حرمه الله على النار أن تلفحه أو تطعمه+.
قال الهيثمي: =فيه سعد بن طريف الحذاء، وهو متروك+اهـ(1).
قلت: وهو كما قال .
وأخرجه مسدد (2) وابن السني(3) والطبراني(4).
من طرق، عن محمد بن جُحادة، عن الحكم بن عتيبة، عن الحسن بن علي _ رضي الله عنهما _ قال: قال رسول الله ":
=من صلى الصبح , ثم جلس يذكر الله تعالى، حتى تطلع الشمس كان له ستراً أو حجاباً من النار+.
قال الطبراني: =لم يرو هذا الحديث عن محمد بن جُحادة إلا الحسن بن أبي جعفر، تفرد به المنذر عن أبيه. وزاد في الصغير: =ولا يروى عن الحسن بن علي إلا بهذا الإسناد+.
وقال الهيثمي:
=وفيه الحسن بن أبي جعفر الجفري، وهو ضعيف من قبل حفظه وهو في نفسه صدوق، وبقية رجاله رجال الصحيح+اهـ(5).
قلت: لم يتفرد به الجفري فقد تابعه سليمان بن حفص عند مسدد في هذا الحديث نفسه إلا أن البوصيري نص على أنه ضعيف(6).
قلت: وفي سنده انقطاع عند الطبراني وابن السني، فإن الحكم لم يسمع من الحسن بن علي _رضي الله عنهما_ حيث كانت وفاة الحسن سنة =49+هـ،ومولد الحكم سنة =50+هـ أو قريباً منها.
وذكر مسدد في سنده الواسطة بينهما وهو رجل من بني دارم.
وقد ذكر هذه الواسطة ابن أبي شيبة أيضاً، فقال: =حدثنا غندر، عن شعبة، عن الحكم، بلغني عن رجل من بني تميم، أنه دخل على الحسن بن علي وهو قاعد في مصلاه.
__________
(1) مجمع الزوائد (10/106).
(2) المطالب العالية (4/255) رقم543، تحقيق: د. أم عبدالله البدراني.
(3) عمل اليوم والليلة ص75 رقم146.
(4) الأوسط للطبراني (10/218) رقم9479، والصغير (2/131).
(5) مجمع الزوائد (10/106).
(6) انظر حاشية المطالب العالية، تحقيق أم عبدالله مجلد (4/256) رقم543.(1/11)
وقال: =ما من مسلم يصلي الصبح ثم يقعد في مصلاه إلا كان له حجاباً من النار+(1).
وهذا سند صحيح إلى الحكم بن عتيبة وتبقى هذه الواسطة مجهولة .
وعن سهل بن سعد، عن أبيه، قال: قال رسول الله ":
=من صلى الفجر، ثم قعد يذكر الله حتى تطلع الشمس، وجبت له الجنة+.
أخرجه أبو يعلى(2).
من طريق زبان بن فائد، عن سهل بن سعد به.
قال: الهيثمي: =فيه زبان بن فائد ضعفه الجمهور، وقال أبو حاتم: صالح، وبقية رجاله حديثهم حسن+اهـ(3).
الفصل الثاني
في فضل ختم الجلوس بعد صلاة الفجر
بصلاة ركعتين فأكثر عقب طلوع الشمس
عن عائشة _رضي الله عنها_ قالت: سمعت رسول الله" يقول:
=من صلى الفجر _ أو قال الغداة _ فقعد في مصلاه، فلم يلغ بشيء من أمر الدنيا، ويذكر الله، حتى يصلي الضحى أربع ركعات خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه، لا ذنب له+.
أخرجه أبو يعلى(4) والطبراني(5) وابن السني(6) من طريق شيبان بن فروخ، قال: حدثنا الطيب بن سلمان قال: سمعت عمرة، تقول: سمعت عائشة تقول.....الحديث.
قال الطبراني: =لم يروه عن عمرة بنت أرطاة، وهي العدوية بصرية ـ وليس بعمرة بنت عبدالرحمن ـ إلا الطيبُ بنُ سلمان المؤدب، ويكنى أبا حذيفة بصري ثقة+اهـ.
وقال الهيثمي:
=رواه أبو يعلى والطبراني في الأوسط بنحوه، وفيه الطيب بن سلمان، وثقة ابن حبان، وضعفه الدار قطني وبقية رجال أبى يعلى رجال الصحيح+اهـ(7).
وحسَّن إسناده البوصيري(8).
وقال السيوطي: إسناده حسن(9).
__________
(1) المصنف (2/404).
(2) مسند أبي يعلى (3/61) رقم 1487.
(3) مجمع الزوائد (10/105).
(4) مسند أبي يعلى (7/330) رقم 4365، والمقصد العلي (4/325) رقم 1641.
(5) الأوسط للطبراني (6/437) رقم 5936.
(6) عمل اليوم والليلة ص75 رقم145.
(7) مجمع الزوائد (10/105).
(8) انظر حاشية المطالب العالية للحافظ ابن حجر ،تحقيق د. هيا البدراني (4/579) رقم 655.
(9) الحاوي للفتاوى (1/46).(1/12)
وعن معاذ بن أنس الجهني ÷ أن رسول الله " قال: =من قعد في مصلاه حين ينصرف من صلاة الصبح,حتى يسبح ركعتي الضحى, لا يقول إلا خيراً غفر له خطاياه, وإن كانت أكثر من زبد البحر+.
أخرجه أبو داود(1) ,من طريق يحيى بن أيوب,وأحمد(2) من طريق حسن ,ثنا ابن لهيعة, والخطيب البغدادي(3) من طريق أبي الحجاج المهري, ثلاثتهم, عن زبان بن فايد, عن سهل بن معاذ، عن أبيه به.إسناده ضعيف؛ لضعف زبان, وقد سكت عليه أبو داود, وقال أبو حاتم الرازي: صالح(4).
وعن أبي هريرة÷ قال: بعث رسول الله" بعثاً, فأعظموا الغنيمة، وأسرعوا الكرة, فقال رجل يا رسول الله, ما رأينا بعث قوم أسرع كرةً, ولا أعظم غنيمة من هذا البعث؟!
فقال رسول الله ":
=ألا أخبركم بأسرع كرة, وأعظم غنيمة من هذا البعث؟!
رجل توضأ في بيته, فأحسن وضوءه, ثم تحمَّل إلى المسجد فصلى فيه الغداة, ثم عقب بصلاة الضحى. فقد أسرع,وأعظم الغنيمة+.
أخرجه ابن حبان(5) وأبو يعلى(6) وابن عدي(7) من طرق، عن حاتم بن إسماعيل, عن حميد بن صخر, عن المقبري, عن أبى هريرة به.
قال المنذري: رواه أبو يعلى ورجال إسناده رجال الصحيح+هـ(8).
وقال الألباني: صحيح(9).
وقال الهيثمي:
=رواه أبو يعلى، ورجاله رجال الصحيح+(10).
__________
(1) سنن أبي داود(2/26) رقم1287.
(2) مسند احمد(3/438).
(3) موضح أوهام الجمع والتفريق (2/90) رقم188.
(4) انظر الجرح والتعديل لابن أبي حاتم (3/616) رقم2788.
(5) صحيح ابن حبان (6/276) رقم2535.
(6) مسند أبي يعلى(11/رقم6473, 6559).
(7) الكامل لابن عدي(2/691).
(8) الترغيب والترهيب (2/57).
(9) صحيح الترغيب والترهيب ص277 رقم 667.
(10) مجمع الزوائد (2/235).(1/13)
قلت: وهو كما قالا، إلا أن في سنده حميد بن صخر، وهو حميد بن زياد أبو صخر الخراط صاحب العباء. ضعفه النسائي وابن معين. وسئل عنه الإمام أحمد، فقال: ليس به بأس، وقال يحيى بن معين في رواية أخرى عنه: ثقة ليس به بأس+(1).
وعلى هذا فالسند صحيح، بلا مرية، ويؤيده أن الرجل يروي عنه الإمام يحيى ابن سعيد القطان، وأن الإمام مسلماً خرج له في صحيحه.
وأخرج أحمد من طريق ابن لهيعة(2) و الطبراني من طريق عبدا لله بن وهب(3) كلا هما عن حُييَ بن عبدالله، أن أبا عبدالرحمن الحُبُلي حدثه، عن عبد الله بن عمرو ابن العاص، قال: بعث رسول لله " سرية فغنموا وأسرعوا الرجعة...الحديث.
قال المنذري ×:
=رواه أحمد من رواية ابن لهيعة، والطبراني بإسناد جيد+اهـ(4).
وقال الهيثمي ×:
=رواه أحمد والطبراني في الكبير، وفيه ابن لهيعة، وفيه كلام، ورجال الطبراني ثقات، لأنه جعل بدل ابن لهيعة ابن وهب+اهـ(5).
وقال أحمد شاكر: إسناده صحيح(6).
وقال الأ لباني: صحيح(7).
وقال البزار ×:
=حدثنا رجل من أصحابنا, عن زيد بن الحُباب، قال: حدثني حميد مولى بني علقمة،
عن عطاء بن أبي ر باح، عن أبي هريرة، قال: =بينما النبي" جالس، وأبو بكر ÷ وابن مسعود، ومعاذ بن جبل، ونعيم بن سلامة، إذ قدم بريد على النبي " من بعث بعثه، فقال أبو بكر: يا رسول الله، ما رأينا بعثًا أسرع إيابًا، ولا أكثر مغنماً من هؤلاء؟! فقال النبي ":
=يا أبا بكر، أ لا أدلك على ما هو أسرع إياباً، وأفضل مغنماً؟:
=من صلى الغداة في جماعة، ثم ذكر الله حتى تطلع الشمس+(8).
__________
(1) انظر تهذيب الكمال للحافظ المزي (7/366) رقم 1526.
(2) مسند أحمد (2/175).
(3) الكبير (13/42) رقم 100.
(4) الترغيب و الترهيب (2/65 ) رقم968.
(5) مجمع الزوائد (2/235 ).
(6) شرح المسند (10/125 ) رقم 6638.
(7) صحيح الترغيب والترهيب ص277 رقم666.
(8) كشف الأستار (4/18) رقم 3092.(1/14)
قال البزا ر: لا نعلم أحداً شارك حميدا في هذاً ولا نعلم رواه عن عطاء، عن أبي هريرة غيره+.
وقال ا لهيثمي:
=فيه حميد مولى ابن علقمة، و هو ضعيف+ا هـ(1).
قلت: حميد هذا قال فيه الحافظ في التقريب: مجهول .
وعن عمر بن الخطاب ÷ أن النبي " بعث بعثًا قِبَل نجد، فغنموا غنائم كثيرة، فأسرعوا الرجعة، فقال رجل ممن لم يخرج: ما رأينا بعثاً أسرع رجعة، ولا أفضل غنيمة من هذا البعث ! فقال النبي ":
=ألا أدلكم على قوم أفضل غنيمة، وأسرع رجعة؟ قوم شهدوا صلاة الصبح، ثم جلسوا يذكرون الله حتى طلعت عليهم الشمس، فأولئك أسرع رجعة، وأفضل غنيمة+.
أخرجه الترمذي(2).
وقال: هذا حديث غريب، لا نعرفه إلا من هذا الوجه، وحماد بن أبي حميد، هو أبو إبراهيم الأنصاري الزرقي، وهو محمد بن أبي حميد المدني، وهو ضعيف في الحديث+ا هـ.
وقال الحافظ في التقريب في حماد هذا: ضعيف.
قلت: وبقية رجال السند رجال الصحيح.
وقال ابن أبي شيبة ×:
=حدثنا أبو أسامة، عن موسى بن عبد الله بن إسحاق بن طلحة، عن موسى بن طلحة، قال: كان طلحة يثبت في مصلاه حيث صلى، فلا يبرح، حتى تحضر السبحة، فيسبح+(3).
إسناده حسن، رجاله ثقات غير موسى بن عبد الله فلم يوثقه غير ابن حبان(4).
فائدة:
قال البغوي ×:
=قال علقمة بن قيس: بلغنا أن الأرض تعج إلى الله من نومة العالم بعد صلاة الصبح+(5)، وذكره النووي عن البغوي في الأذكار ص 36.
الفصل الثالث
في أن تعقيب جلوس المصلي في مصلاه بصلاة ركعتين بعد طلوع الشمس يعدل أجر حجة وعمرة
عن أنس بن مالك _رضي الله عنهما_ قال: قال رسول الله": =من صلى صلاة الغداة في جماعة، ثم قعد يذكر الله، حتى تطلع الشمس، ثم صلى ركعتين، كانت له كأجر حجة، وعمرة تامة، تامة، تامة+.
__________
(1) مجمع الزوائد (10/106).
(2) سنن الترمذي (5/559) رقم 3561.
(3) المصنف (2/404).
(4) انظر الثقات لابن حبان (7/449).
(5) شرح السنة (3/222).(1/15)
أخرجه الترمذي(1) وأبو القاسم الإصبهاني(2) والبغوي(3) والحافظ ابن حجر(4) .
من طريق عبدالعزيز بن مسلم القسملي، أخبرنا أبو ظلال عن أنس به.
قال الترمذي:
هذا حديث حسن غريب .
وقال البغوي: قال أبو عيسى: حسن غريب.
وحكم عليه في كتاب المصابيح بأنه حسن(5) وأقر جماعة من الحفاظ تحسين الترمذي له، واحتجوا به، منهم الإمام المنذري(6) والنووي(7) والعراقي(8) وعلي القاري(9) والشوكاني(10) .
وقال الألباني: صحيح(11) وفي موضع آخر قال: حسن(12) وذكره أبو الفضل الحسيني
من الصحيح(13).
وقال الألباني في موضع آخر، سنده ضعيف لكن للحديث شواهد ذكرها المنذري في الترغيب يرقى الحديث إلى درجة الحسن(14).
قلت: الحديث في سنده هلال بن أبي هلال أبو ظلال القسملي الأعمى البصري، وفيه مقال عند أهل العلم.
قال الإمام يحيى بن معين:
=هلال بن أبي هلال أبو ظلال القسملي ليس بشيء، وفي رواية قال: أبو ظلال هلال القسملي ضعيف+(15).
وقال الإمام النسائي:
=هلال أبو ظلال القسملي ضعيف+(16).
وقال الإمام يعقوب بن سفيان: أبو ظلال القسملي لين الحديث(17).
__________
(1) سنن الترمذي (2/481) رقم 586.
(2) الترغيب والترهيب (2/790) رقم 1930.
(3) شرح السنة (3/221) رقم 710 ، ومصابيح السنة (1/362) رقم 692.
(4) نتائج الأفكار (2/301).
(5) مصابيح السنة (1/362) رقم 692.
(6) الترغيب والترهيب (1/234).
(7) الأذكار للنووي ص 36، والمجموع شرح المهذب (3/430).
(8) المغني عن حمل الأسفار (1/395).
(9) المرقاة للقارئ (2/24).
(10) تحفة الذاكرين ص 15.
(11) انظر صحيح الجامع الصغير رقم 6222.
(12) انظر صحيح سنن الترمذي رقم 480، وصحيح الترغيب والترهيب ص188.
(13) الكنز الثمين ص575 رقم 3376.
(14) تحقيق مشكاة المصابيح (1/306) رقم971.
(15) تاريخ ابن معين (2/624) رقم3357.
(16) الضعفاء والمتروكين رقم 606.
(17) المعرفة (2/161).(1/16)
وقال الآجري: سألت أبا داود عن أبي ظلال، فلم يرضه وغمزه(1).
وقال أبو أحمد بن عدي: =ولأبي ظلال غير ما ذكرت، وعامة ما يروي ما لا يتابعه الثقات عليه+(2).
وقال الإمام ابن حبان فيه:
=يروي عن أنس ما ليس من حديثه، لا يجوز الإحتجاج به بحال+(3).
قلت: أما من ضعفه، ولم يفسر سبب الضعف فيتوقف في جوابه.
وأما من فسر ضعفه _ كابن عدي _ وابن حبان فجوابهما ما يلي:
أما قول ابن عدي ×: =وعامة ما يرويه لا يتابعه الثقات عليه، فجوابه فيما أسنده هو عنه بقوله:
=ثنا حسين بن عبد الله بن يزيد، ثنا أيوب الوزان،ثنا مروان، ثنا أبو ظلال، ثنا أنس بن مالك، قال:
=كان رجل يكتب بين يدي النبي " قد تعلم القرآن، ثم إنه ارتد بعد إسلامه كافراً، فلم يلبث أن مات، فجاء أهل دعوته، فدفنوه فأصبحوا وقد نبذت به الأرض، فانطلقوا فراراً من عنده، وتركوه.. الحديث(4) .
وقد تابع أبا ظلال حميد ٌ الطويل عند أحمد(5) وعبد العزيز بن صهيب عند البخاري(6) وثابت البناني عند مسلم(7) ثلاثتهم عن أنس بن مالك، أنه قال:
=كان رجل نصرانياً فأسلم، وقرأ البقرة وآل عمران، فكان يكتب للنبي " فعاد نصرانياً، فكان يقول: ما يدري محمد إلا ما كتبت له، فأماته الله فدفنوه، فأصبح، وقد لفظته الأرض، فقالوا: هذا فعل محمد وأصحابه، لما هرب منهم نبشوا عن صاحبنا، فألقوه، فحفروا له، فأعمقوا، فأصبح وقد لفظته الأرض..الحديث.
قال الإمام البخاري ×:
حدثنا عبد الله بن يوسف, أخبرنا الليث، قال: حدثني ابن الهاد، عن عمرو مولى المطلب، عن أنس بن مالك ÷ قال: سمعت النبي " يقول:
=إذا ابتليت عبدي بحبيبتيه، فصبر عوضته الجنة+ يريد عينيه.
__________
(1) سؤالات الآجري لأبي داود(1/391) رقم 749.
(2) الكامل لابن عدي (7/2579).
(3) المتروكين (3/85).
(4) الكامل لابن عدي (7/2579).
(5) مسند أحمد (3/ 120 ،121).
(6) صحيح البخاري (4/181).
(7) صحيح مسلم (4/2145) رقم 2782.(1/17)
تابعه أشعث بن جابر، وأبو ظلال بن هلال، عن أنس عن النبي+(1) .
قلت متابعة أبي ظلال لعمرو مولى المطلب جاءت عند عبد بن حميد(2) وأبي يعلى(3) والحافظ ابن حجر(4) من طريق يزيد بن هارون.
وعند الترمذي من طريق عبدالعزيز بن مسلم القسملي(5) وعند الدولابي من طريق مروان بن معاوية الفزاري(6) والطبراني(7) والبيهقي(8) من طريق أشرس بن الربيع أبي شيبان الهذلي.
وعند ابن سعد، من طريق حماد بن سلمة(9) خمستهم عن أبي ظلال القسملي قال:
=دخلت على أنس بن مالك، فقال لي: متى ذهب بصرك؟ قال: وأنا ابن سنتين _ فيما حدثني أهلي _ قال: أفلا أبشرك؟ فقلت بلى، فقال: مَرَّ ابن أم مكتوم على رسول الله " فسلم عليه، ثم مضى، فقال رسول الله ":
=إن الله يقول: ما لمن أخذت كريمتيه عندي جزاء إلا الجنة+.
وأما ذكر ابن حبان أبا ظلال في كتاب الضعفاء، وقوله فيه:
=يروي عن أنس ما ليس من حديثه، لا يجوز الاحتجاج به بحال+ فقد وهم في ذلك، قال الإمام الدارقطني×: =قد وهم أبو حاتم في هذا الباب، فأما أبو ظلال فهو هلال ابن أبي هلال الأعمى، شيخ من أهل البصرة، قديم الوفاة، روى عنه سلاَّمُ بن مسكين، وجعفر بن سليمان الضُبَعي، وأشباههما.
ولأهل البصرة شيخ آخر، يقال له: هلال بن أبي هلال، تأخرت وفاته بعد أبي ظلال، وهو أيضاً يروي عن أنس، روى عنه يحيى بن المتوكل وطبقته.
__________
(1) صحيح البخاري/ فتح الباري (10/116) رقم5653 كتاب المرضى، باب فضل من ذهب بصره.
(2) المنتخب لعبد بن حميد (3/115) رقم1225.
(3) مسند أبي يعلى (7/215) رقم4211.
(4) تغليق التعليق (5/36).
(5) سنن الترمذي (4/602) رقم2400.
(6) الكنى (2/19).
(7) الأوسط للطبراني (9/395) رقم8850.
(8) عزاه إليه الحافظ ابن حجر في تغليق التعليق (5/36).
(9) الطبقات لابن سعد (4/206).(1/18)
وأما هذا ابن سويد الأحمري، فيكنى أبا المعلى، وهو شيخ من أهل الكوفة، وهو الذي روى عنه مروان بن معاوية الفزاري حديث الطوائر الثلاثة، وهو والد المعلى بن هلال، وهو ضعيف، وابنه المعلى كذاب، فإن وافق الثقات من حديثه معتبر، فلا ضير+اهـ(1).
قلت: وقد ذكر جماعة من الحفاظ أن ابن حبان ذكر أبا ظلال في الثقات منهم الحافظ المزي(2) والذهبي(3) والهيثمي(4) وقد اعترض على ذلك الحافظ ابن حجر × فقال عند قول المزي وذكره ابن حبان في الثقات.
=قلت: إنما ذكر ابن حبان في الثقات هلال بن أبي هلال، يروي عن أنس، وعنه يحيى ابن المتوكل.
وأما أبو ظلال، فقد ذكره في الضعفاء، فقال: =شيخ مغفل، لا يجوز الاحتجاج به بحال، يروي عن أنس ما ليس من حديثه+.
وقد فرق البخاري في التاريخ بينه وبين أبي ظلال، وكلام المزي يقتضي أنهما واحد، فلذلك ذكر يحيى بن المتوكل في الرواة عن أبي ظلال+اهـ(5).
وقال في التقريب: هلال بن أبي هلال بصري مجهول من الخامسة أيضاً لم يرو عنه إلا يحيى بن المتوكل، ووهم من خلطه بالأول+.
قلت: يعني بالأول =أبا ظلال+.
قلت: لم يهم من خلطه بالأول، وذلك أن ابن حبان ذكر في الثقات ما نصه:=هلال ابن أبي هلال، يروي عن أنس بن مالك، روى عنه يحيى بن المتوكل(6) .
وهو نفسه هلال أبو ظلال القسملي بدليل أن يحيى بن المتوكل صرح بأنه هو في بعض الروايات.
فقد جاء عند العقيلي في الضعفاء أنه قال:
__________
(1) تعليقات الدارقطني على المجروحين لابن حبان البستي ص474 رقم378.
(2) تهذيب الكمال (30/350).
(3) الكاشف (3/202) رقم3363.
(4) مجمع الزوائد (2/309)، (1/36)، و(10/382).
(5) تهذيب التهذيب (11/85).
(6) الثقات لابن حبان (5/504).(1/19)
=ومن حديثه _ يعني أبا ظلال _ ما حدثناه حباب بن صالح الواسطي بواسط، قال: حدثنا محمد بن حرب الواسطي، قال: حدثنا يحيى بن المتوكل، عن هلال بن أبي هلال، وهو أبو ظلال القسملي، عن أنس، قال: قال رسول الله ": =عينان لا تمسهما النار: عين بكت من خشية الله، وعين باتت تحرس في سبيل الله عز وجل+(1) .
وكذلك جاء عند البهيقي(2) وابن عدي(3) بالسند إلى يحيى بن المتوكل قال: =عن هلال بن أبي هلال القسملي+.
يؤيد هذا، أن ابن عدي، والعقيلي لم يترجما لأحد بهذه الترجمة، إلا أن البخاري(4) وابن أبي حاتم(5) والمزي(6) ترجموا لهلال بن أبي هلال مولى بني كعب المذحجي، حليف بني مذحج، روى عن أبي هريرة، روى عنه محمد بن هلال+ فقط.
فهذا الذي فرق البخاري في التاريخ بينه وبين أبي ظلال، ولم أجد أنه فرق بين أبي ظلال وبين هلال بن أبي هلال الذي يروي عن أنس، وعنه يحيى بن المتوكل البتة. والله أعلم.
إذا تقرر هذا، فاعلم أن ابن حبان قد خلط بين أبي ظلال وبين هلال بن سويد الأزدي الأحمري(7) وتبعه على ذلك السمعاني، حيث نقل عنه كلامه بحروفه(8) وقد فرق بينهما طائفة من الحفاظ، منهم الإمام البخاري(9) وابن أبي حاتم(10) والعقيلي(11) وابن عدي(12) والدارقطني حيث ترجموا لكل واحد منهما بترجمة خاصة مغايرة للأخرى.
إذا ثبت هذا، فإليك ما قاله الإمام البخاري × في أبي ظلال:
__________
(1) الضعفاء الكبير (4/345) رقم 1952.
(2) الجامع لشعب الإيمان (14/187) رقم7672.
(3) الكامل لابن عدي (7/2579).
(4) التاريخ الكبير (8/203) رقم2761.
(5) الجرح والتعديل (9/73) رقم 284.
(6) تهذيب الكمال (30/352) رقم 6632.
(7) انظر الضعفاء (3/85).
(8) الأنساب للسمعاني (1/90) و (4/500).
(9) التاريخ الكبير (8/205) رقم2723، 2736، 2738.
(10) الجرح والتعديل (9/74) رقم291.
(11) الضعفاء للعقيلي (4/346) رقم1953.
(12) الكامل لابن عدي (7/2581).(1/20)
قال أبو عيسى الترمذي ×:
=وسألت محمداً عن أبي ظلال، عن أنس، فقال، هو رجل قليل ا لحديث ليس له كبير شيء، ورأيته حسن الرأي فيه.
قلت: ما اسمه؟ قال : اسمه هلال، بصري+(1).
وقال في موضع آخر:
=وسألت محمد بن إسماعيل، عن أبي ظلال، فقال :اسمه هلال، بصري+(2).
وقال الحافظ ابن حجر ×: =هلال أبو ظلال، عن أنس، ضعفه ابن معين والنسائي، وقال البخاري : مقارب الحديث، له موضع متابعة، عن أنس في فضل العمى(3) يعني عند البخاري في الصحيح(4) ودافع عنه في القول المسدد في الذب عن مسند الإمام أ حمد بقوله: =قلت: قد أخرج له الترمذي، وحسن له بعض حديثه، وعلق له البخاري، حديثاً..
وأبو ظلال، قد قال فيه البخاري أنه مقارب الحديث+اهـ(5).
وقال الخزرجي × في أبي ظلال:
=حسن الترمذي حديثه، وقال البخاري: هو مقارب الحديث+اهـ(6).
قلت: نعم قد حسن له الترمذي في جامعه في موضعين _ فيما أعلم _:
أحدهما: هذا الحديث.
والثاني: حديث ذهاب البصر(7) .
الحاصل:أن أبا ظلال هلال بن أبى هلال القسملي الأعمى البصري مقارب الحديث، كما قال الإمام البخاري، وأنه قد تابعه الثقات على ما يرويه، وأنَّ ذكر ابن حبان له في الضعفاء لا يعتد به؛ لأنه ذكره في الثقات على سبيل الوهم، كما خلطه بهلال بن سويد الأحمري أبي المعلى الكوفي.
شواهد حديث أنس بن مالك ÷.
اعلم أن لحديث أنس شواهد كثيرة منها:
حديث ابن عمر وأبي أمامه، وعتبة بن عبد السلمي.
أما حديث ابن عمر _ رضي الله عنهما _ فأخرجه الطبراني:
__________
(1) العلل الكبير للترمذي (2/962) رقم426.
(2) سنن الترمذي (2/482) رقم586.
(3) مقدمة فتح الباري ص458.
(4) فتح الباري (10/117) كتاب المرضى _ باب فضل من ذهب بصره.
(5) القول المسدد ص84 الحديث السادس.
(6) خلاصة الخزرجي ص412.
(7) سنن الترمذي (4/603) رقم 2400،كتاب الزهد ـ باب ما جاء في ذهاب البصر.(1/21)
حدثنا محمد بن عبدالله الحضرمي، ثنا محمد بن عمر بن هياج، ثنا الفضل بن موفق، ثنا مالك بن مغول، عن نافع، عن ابن عمر، قال:
=كان رسول الله " إذا صلى الفجر، لم يقم من مجلسه، حتى يمكنه الصلاة، وقال:
=من صلى الصبح ثم جلس في مجلسه، حتى يمكنه الصلاة، كانت بمنزلة عمرة وحجة متقبلتين+(1).
قال الطبراني: =لم يرو هذا الحديث، عن مالك بن مغول إلا الفضل بن موفق+.
وقال المنذري: =رواته ثقات إلا الفضل بن الموفق، ففيه كلام+اهـ(2).
وقال الهيثمي: =فيه الفضل بن موفق، وثقه ابن حبان، وضعف حديثه أبو حاتم الرازي، وبقية رجال ثقا ت+اهـ(3).
قلت ولفظ أبى حاتم ×: =ضعيف الحديث، كان شيخاً صالحاً، قرابة لابن عيينة، وكان يروي أحاديث موضوعة+(4).
وذكره ابن حبان في الثقات(5).
وقال الحافظ في التقريب: فيه ضعف.
وقال الألباني :حسن(6).
طريق أخرى:
قال أبو نعيم :حدثنا الحسين بن محمد، ثنا إسماعيل بن العباس الوراق، ثنا عباد بن الوليد الغبري، ثنا سلم بن المغيرة، ثنا أبو معاوية الضرير، عن مسعر، عن خالد ابن معدان، عن ابن عمر، قال: قال رسول الله ":
=من صلى الغداة، ثم جلس في مسجد، حتى يصلي الضحى، كتبت له حجة وعمرة متقبلتين+(7).
قال أبو نعيم: تفرد به سلم، عن أبى معاوية.
ومن طريق أبى نعيم أخرجه الحافظ ابن حجر، إلا أنه سقط عنده سلم بن المغيرة.
قال الحافظ بعد إخراجه: هذا حديث حسن، أخرجه الطبراني من وجه آخر، عن ابن عمر، لكن سنده ضعيف، ورجال هذا السند ثقات، لكن في سماع خالد بن معدان من ابن عمر نظر+(8).
قلت: الأولى أنه سمع منه لأمور:ـ
__________
(1) الأوسط للطبراني(6/280) رقم5598.
(2) الترغيب والترهيب (1/236).
(3) مجمع الزوائد (10 / 105).
(4) الجرح والتعديل (7/ 68).
(5) الثقات لابن حبان (9/6).
(6) صحيح الترغيب والترهيب ص 189.
(7) الحلية لأبي نعيم (7/237).
(8) نتائج الأفكار (2/303).(1/22)
الأول: أنه لم ينقل ابن أبي حاتم، ولا العلائي في المراسيل لهما، عن أحد من أهل العلم أنه لم يسمع من ابن عمر _ رضي الله عنهما _.
الثاني: أن بين وفاة خالد، ووفاة ابن عمر ثلاثين سنة، فقد توفي الأول سنة =103+هـ، والثاني سنة =73+هـ.
الثالث: أن خالداً قال عن نفسه: أدركت سبعين رجلاً من الصحابة+(1)، والعلم عند الله تعالى.
طريق أخرى:
جاء في مسند الدليمي: =ابن عمر، من صلى صلاة الفجر، ثم لم يبرح من مجلسه، يذكر الله _ عز وجل _ حتى تطلع الشمس، ثم صلى الضحى كانت له كحجة، وعمرة متقبلتين+(2).
قال محققه: رواه ابن منيع، عن أبي معاوية، عن الأحوص ابن حكيم، عن راشد بن سعد، عن ابن عمر _ رضي الله عنهما _ مرفوعاً+اهـ.
وقال أبو أحمد بن عدي ×:
ثنا الحسين بن عبدالله بن يزيد القطان، ثنا موسى بن مروان، ثنا أبو معاوية عن الأحوص، عن ابن عمر، قال: قال رسول الله ": =من صلى الفجر، وجلس في مصلاه، يذكر الله _ عز وجل _ حتى تطلع الشمس، ثم يصلي ركعتين من الضحى، كأن صلاته عدل حجة وعمرة متقبلة+(3).
وسقط عنده =راشد بن سعد+.
قلت: الأحوص بن حكيم أكثر أهل العلم على تضعيفه.
يقول الإمام أحمد: =لا يسوى حديثه شيئاً، ومرة قال: واهٍ+.
وقال يحيى بن معين: ليس بشيء، وقال النسائي: ليس بثقة، ومرة قال:ضعيف.
وخالفهم آخرون:
فقال سفيان بن عيينة: ثقة.
وقال علي بن المديني: صالح، ومرة قال: ثقة.
وقال العجلي: لا بأس به.
وقال محمد بن عبدالله الموصلي: صالح(4).
وتوسط فيه آخرون:
__________
(1) انظر تهذيب الكمال للمزي (8/170) رقم1653.
(2) فردوس الأخبار (4/54) رقم5659.
(3) الكامل لابن عدي (1/406).
(4) انظر المراجع الآتية: تاريخ دمشق لابن عساكر(7/355، 358) وتهذيب الكمال(2/291_293)والجرح والتعديل لابن أبي حاتم(2/327) رقم 1252،والثقات للعجلي(1/213) رقم 50.(1/23)
فقال الحافظ الدار قطني: =يعتبر به إذا حدث عنه ثقة+(1).
وقال ابن عدي: وللأحوص بن حكيم روايات غير ما ذكرت، وهو ممن يكتب حديثه، وقد حدث عنه جماعة من الثقات، مثل ابن عيينة، وعيسى بن يونس، ومروان الفزاري، وغيرهم، وليس له فيما يرويه متن منكر إلا أنه يأتي بأسانيد لا يتابع عليها+(2).
قلت: وقد حدث عنه في هذا السند أبو معاوية محمد بن خازم الضرير، وهو ثقة، حافظ.
وعلى قول الدارقطني فيعتبر به.
الحاصل: أن حديث ابن عمر، جاء من طرق ثلاث _ كما علمت _ وفي كل منها مقال، إلا أنه يقوي بعضها بعضاً، ويكون الحديث حسناً، إن شاء الله تعالى.
وأما حديث أبي أمامة صدي بن عجلان،فأخرجه الطبراني:
حدثنا الحسين بن إسحاق التُستَري، ثنا المغيرة بن عبدالرحمن الحراني، ثنا عثمان بن عبدالرحمن، عن موسى بن علي، عن يحيى بن الحارث، عن القاسم، عن أبي أمامة÷ قال: قال رسول الله ":
=من صلى صلاة الغداة في جماعة، ثم جلس يذكر الله، حتى تطلع الشمس، ثم قام فركع ركعتين، انقلب بأجر حجة وعمرة+(3).
قال الهيثمي(4) والمنذري(5) وعلي القارئ(6): إسناده جيد.
وقال الألباني: حسن(7).
قلت: عثمان بن عبدالرحمن هو الحراني الطرائفي، قال فيه الحافظ في التقريب: صدوق، أكثر الرواية عن الضعفاء والمجاهيل، فضعف بسبب ذلك، حتى نسبه ابن نمير إلى الكذب.
وقد وثقه ابن معين+اهـ.
قلت: الرجل، قال فيه ابن معين ثقة، وقال أبو حاتم الرازي: صدوق وأنكر على البخاري إدخال اسمه في كتاب الضعفاء.
__________
(1) انظر تاريخ دمشق لابن عساكر(7/358).
(2) الكامل لابن عدي(1/406).
(3) الكبير (8/209) رقم7741، ومسند الشاميين (2/42) رقم885.
(4) مجمع الزوائد (10/104).
(5) الترغيب والترهيب (1/236).
(6) مرقاة المفاتيح (2/24).
(7) صحيح الترغيب والترهيب ص189.(1/24)
وقال: يحول منه، وقال: يروي عن الضعفاء، يشبه ببقية في روايته عن الضعفاء+اهـ(1).
وقال أبو حفص بن شاهين: ثقة، ثقة، إلا أنه كان يروي عن الضعفاء والأقوياء+اهـ(2).
ودافع عنه الحافظ الذهبي، فقال: =وكذا أسرف فيه محمد بن عبدالله بن نمير، فقال: هو كذاب... وهو لا بأس به في نفسه+اهـ(3).
وقال ابن عدي: =وهو في نفسه ثقة لا بأس به، صدوق، ما يقع في حديثه من الإنكار؛ فإنما يقع من جهة من يروي عنه+اهـ(4).
قلت: عثمان هذا، قد وثقه يحيى بن معين، وأبو حاتم الرازي، وهما من المتشددين في الجرح والتعديل، فإذا وثقا أحداً فَعَضَّ عليه بالنواجذ.
وزيادة على هذا أن أهل العلم بالرجال حكموا على إسناد هذا الحديث بالجودة وحسنوه _كما سلف آنفاً_ والعلم عند الله تعالى.
طريق أخرى:
أخرج الطبراني(5) وابن عساكر(6).
من طريق الأحوص بن حكيم، عن عبدالله بن غابر، عن أبي أُمامة به.
والأحوص قد تقدم الكلام فيه، وأنه يعتبر به إذا حدث عنه ثقة، وقد حدث عنه هنا محمد بن فضيل بن غزوان الضبي وهو ثقة، ومعه غيره.
وأخرجه الحاكم(7) والطبراني(8) وابن عساكر(9).
من طريق الأحوص بن حكيم _ أيضاً _ عن عبدالله بن غابر الألهاني، عن عتبة بن عبدٍ السلمي، وأبي أُمامة معاً به.
وقد وقع تصحيف في اسم =غابر+ عند الحاكم وابن عساكر، حيث جاء عند الأول:
=عامر+، وعند الثاني =عابر+.
والصواب: =غابر+ بالغين المعجمة والباء الموحدة.
__________
(1) انظر الجرح والتعديل لابن أبي حاتم (6/157) رقم868.
(2) الثقات لابن شاهين ص138 رقم735.
(3) ميزان الاعتدال (3/45).
(4) الكامل لابن عدي (5/1821).
(5) الكبير (8/180) رقم7663.
(6) تاريخ ابن عساكر (7/353) رقم2000.
(7) المستدرك: عزاه إليه الإمام ابن القيم في زاد المعاد (1/350).
(8) الكبير (8/174) رقم7649، و(17/129) رقم317.
(9) تاريخ دمشق (7/352) رقم1999.(1/25)
ووقع _ أيضاً _ عند الحاكم =منيب بن عيينة بن عبدالله السلمي+.
والصواب: =عتبة بن عبدٍ السلمي+.
قال المنذري: رواه الطبراني، وبعض رواته مختلف فيه، وللحديث شواهد كثيرة+اهـ(1).
وقال الهيثمي: رواه الطبراني، وفيه الأحوص بن حكيم، وثقه العجلي وغيره، وضعفه جماعة وبقية رجاله ثقا ت، وفي بعضهم خلاف لا يضر+اهـ(2).
وقال الألباني: حسن(3).
وأخرجه ابن قانع(4).
من طريق الأحوص بن حكيم _ أيضاً _ عن عبدالله بن غابر، عن عتبة بن عبدٍ به.
الحاصل: أن حديث: =من صلى الفجر في جماعة... إلخ.
جاء من حديث أنس بن مالك، وابن عمر، وأبي أمامة، وعتبة بن عبدٍ.
والأول حسن، وكذلك الثاني، والثالث، وأما الرابع فحسن بشواهده، وبمجموع طرقه يكون صحيحاً _ إن شاء الله _ لغيره.
وهذه الصلاة تسمى عند أهل العلم صلاة الإشراق.
قال المباركفوري: قال الطيبي:
=أي ثم صلى بعد أن ترتفع الشمس قدر رمح، حتى يخرج وقت الكراهة، وهذه الصلاة تسمى صلاة الإشراق، وهي أول صلاة الضحى...
وقال المباركفوري أيضاً:
=قال: قال رسول الله ": =تامة، تامة، تامة+ صفة لحجة وعمرة كررها ثلاثاً للتأكيد, وقيل أعاد القول؛ لئلا يتوهم أن التأكيد بالتمام, وتكراره من قول أنس.
قال الطيبي: =هذا التشبيه من باب إلحاق الناقص بالكامل؛ ترغيباً أو شبه استيفاء أجر المصلي تاماً بالنسبةِ إليه، باستيفاء أجر الحاج تاماً بالنسبة إليه، وأما وصف الحج والعمرة بالتمام,=فـ+ إشارة إلى المبالغة+اهـ(5).
وقال الشوكاني:
__________
(1) الترغيب و الترهيب(1/236).
(2) مجمع الزوائد(10/104).
(3) صحيح الترغيب والتر هيب ص 189.
(4) معجم الصحابة لابن قانع (2/267).
(5) تحفة الأحوذي(3/194), ومرقاة المفاتيح لعلي القاري(2/24).(1/26)
=وفي تكرير قوله: =تامة, تامة, تامة+ تأكيد لرفع توهم أنه لم يرد الحجة والعمرة على التمام, وهو تأكيد راجع إلى الحجة والعمرة, فكأنه قال: =كأجر حجة تامة, تامة, تامة+, =وعمرة تامة, تامة, تامة+ وهذا الأجر المذكور يحصل بمجموع ما اشتمل عليه الحديث من صلاة الفجر في جماعة, ثم القعود للذكر, حتى تطلع الشمس, ثم صلاة ركعتين بعد طلوع الشمس+اهـ(1).
الفصل الرابع
فيما يؤيد حديث أنس وما في معناه من الأحاديث:
اعلم، أنه قد أنكر بعض المتأخرين من أهل العلم حديث أنس بن مالك وأبي أمامة، وعتبة بن عبدٍ السلمي، وقد يكون الحامل لهم على الإنكار شيئين:_
أحدهما: ضعف سنده عندهم.
الثاني: أن فيه هذا الثواب العظيم لمن عمل ذلك العمل اليسير.
والجواب: أن السند قد صح بحمد الله، كما رأيت، وأما المتن فلا ينكر لوجوه:_
الأول: ورود أحاديث تؤيده، منها:
حديث سهل بن حنيف _ رضي الله عنهما _ قال: قال رسول الله ": =من خرج من بيته، حتى يأتي هذا المسجد _ يعني مسجد قباء _ فيصلي فيه كان كعدل عمرة+.
أخرجه أحمد(2) والنسائي(3) والبخاري(4) وابن ماجة(5) والطبراني(6) وأبو نعيم(7) والبيهقي(8) والعقيلي(9) وابن عبد البر(10) والمزي(11) والحاكم(12).
من طرق، عن محمد بن سليمان الكرماني، عن أبي أمامة بن سهل بن حنيف، عن أبيه به.
قال الحاكم: صحيح الإسناد، ووافقه الذهبي.
__________
(1) تحفة الذاكرين للشوكاني ص15.
(2) مسند أحمد(3/487).
(3) المجتبى(2/37)، والسنن الكبرى (1/258) رقم 777.
(4) التاريخ الكبير (1/96) رقم 266.
(5) سنن ابن ماجة (1/453) رقم 1412.
(6) الكبير للطبراني (6/74) رقم 5562،5561،5559،5558.
(7) معرفة الصحابة (2/130) رقم 700.
(8) الجامع لشعب الإيمان (8/121) رقم 3893.
(9) الضعفاء الكبير (4/450) رقم 2078.
(10) التمهيد لابن عبد البر(13/265).
(11) تهذيب الكمال (25/356) رقم 5260.
(12) المستدرك (3/12).(1/27)
وقال العراقي : إسناده صحيح(1) .
وقال الألباني : صحيح(2) .
وقال ابن عبد البر : إسناده فيه لين +(3) .
قلت: إسناده حسن، محمد بن سليمان الكرماني هو القبائى المدني ذكره ابن حبان في الثقات(4) وقال الذهبي: وثق(5).
وقال الحافظ في التقريب : مقبول.
وقد تابع محمدَ بنَ سليمان يوسفُ بنُ طهمان, عن أبي أُمامة سهل بن حنيف , عن أبيه, قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - :
=من توضأ , فأحسن وضوءه , ثم جاء مسجد قباء فركع فيه أربع ركعات, كان ذلك كعدل عمرة+.
أخرجه ابن أبي شيبة(6) والطبراني(7) والعقيلي(8) والبخاري(9) وعبد بن حميد(10) .
وجاء عند الطبراني بدل=عمرة+: =رقبة+.
قال الهيثمي:
=رواه الطبراني في الكبير , وفيه موسى بن عبيدة, وهو ضعيف+(11).
قلت: ويوسف بن طهمان قال فيه الذهبي: واهٍ(12) وذكره ابن حبان في الثقات(13) وسكت عليه ابن أبي حاتم(14) .
وتابع موسى بنَ عبيدة وهو الرَّبَذِي إسماعيل بنُ المعلى بن إسماعيل عند البخاري(15) وإسماعيل قال أبو حاتم الرازي: مجهول(16) وذكره ابن حبان في الثقات(17).
وقال ابن حبان ×:
__________
(1) المغني عن حمل الأسفار (1/308).
(2) صحيح الجامع الصغير رقم 6030 _ 2516 , وصحيح سنن ابن ماجة (1/238) رقم 1160.
(3) التمهيد (13 /265).
(4) الثقات لابن حبان (7/372 ).
(5) الكاشف للذهبي (3 /44) رقم 4962.
(6) المصنف (2 /372) , و(12/210) رقم 12571.
(7) الكبير (6/75) رقم 5560.
(8) الضعفاء الكبير (4/449) رقم 2078.
(9) التاريخ الكبير (8/379) رقم 3389.
(10) المنتخب (1/422) رقم 468.
(11) مجمع الزوائد (4/11).
(12) ميزان الاعتدال (4/467) رقم 9873.
(13) الثقات لابن حبان (5/552).
(14) الجرح والتعديل (9/224) رقم 941.
(15) التاريخ الكبير(8/379) رقم3389.
(16) الجرح والتعديل (2/200) رقم 673.
(17) الثقات لابن حبان (8/89).(1/28)
ذكر تفضل الله جل وعلا على المصلي في مسجد قباء بكتب أجر عمرة له بصلاته تلك.
أخبرنا الحسن بن سفيان، حدثنا أحمد بن إبراهيم الدورقي، حدثنا شبابة، حدثنا عاصم بن سويد، حدثني داود ابن إسماعيل الأنصاري، عن ابن عمر، أنه شهد جنازة بالأوساط، في دار سعد بن عبادة، فأقبل ماشياً إلى بني عمرو ابن عوف، بفناء بني الحارث ابن الخزرج، فقيل له: أين تؤمُ يا أبا عبدالرحمن؟ قال: أؤم هذا المسجد في بني عمرو ابن عوف، فإني سمعت رسول الله " يقول:
=من صلى فيه، كان كعدل عمرة+(1).
إسناده حسن، رجاله ثقات، غير عاصم بن سويد بن عامر الأنصاري إمام مسجد قباء، قال فيه أبو حاتم الرازي: شيخ محله الصدق(2) .
وذكره ابن حبان في الثقات(3) وأخرج له الأربعة.
وكذا داود بن إسماعيل الأنصاري، وهو ابن مجمع سكت عليه ابن أبي حاتم(4) والبخاري(5) .
وذكره ابن حبان في الثقات(6) وخرج حديثه هذا في صحيحه.
وقال ابن أبي شبية ×:
حدثنا أبو خالد سليمان بن حيان، عن سعد بن إسحاق، عن سليط بن سعد، قال: سمعت ابن عمر يقول :
=من خرج يريد قباء، لا يريد غيره فصلى فيه كان كعمرة+(7) وهذا موقوف صحيح، رجاله ثقات.
أبو خالد سليمان بن حيان وهو الأحمر، صدوق يخطىء، أخرج له الجماعة.
وسعد بن إسحاق، هو ابن كعب بن عجرة القضاعي المدني، ثقة، وأخرج له الأربعة.
وسليط بن سعد هو السالمي، سكت عليه ابن أبي حاتم(8) وذكره ابن حبان في الثقات(9). وقال العجلي: مدني تابعي ثقة(10).
__________
(1) صحيح ابن حبان (4/507) رقم 1627.
(2) الجرح والتعديل(6/344) رقم1903.
(3) الثقات لابن حبان(7/259).
(4) الجرح والتعديل (3/406) رقم 1862.
(5) التاريخ الكبير (4/231) رقم 777.
(6) الثقات لابن حبان (4/217).
(7) المصنف (2/373).
(8) الجرح والتعديل (4/286)ررقم 1233.
(9) الثقات لابن حبان (4/312).
(10) الثقات للعجلي (1/424) رقم 654.(1/29)
وروي عن كعب بن عجرة _ رضي الله عنهما _ أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال:
=من توضأ فأسبغ الوضوء، ثم عمد إلى مسجد قباء، لا يريد غيره، ولم يحمله على الغدو إلا الصلاة في مسجد قباء، فصلى فيه أربع ركعات، يقرأ في كل ركعة بأم القرآن، كان له مثل أجر المعتمر إلى بيت الله+.
أخرجه الطبراني(1).
قال الهيثمي: =وفيه يزيد بن عبدالملك النوفلي، وهو ضعيف+(2).
وقال المنذري:
=وهذه الزيادة في الحديث منكرة +(3).
قلت إسناده ضعيف، ولم أدر ما هي الزيادة المنكرة؟
وعن أُسَيد بن ظُهَيْر الأنصاري ÷ عن النبي " قال:
=صلاة في مسجد قباء كعمرة+.
أخرجه الترمذي(4) وابن أبي شيبة(5) وابن ماجة(6) وابن سعد(7) والبخاري(8) وأبو يعلى(9) والطبراني(10) وابن أبي عاصم(11) والحاكم(12) والبغوي(13) وأبو نعيم(14) والطوسي(15) والبيهقي(16) وعز الدين ابن الأثير(17) والمزي(18).
من طريق أبي أسامة، حماد بن أسامة، عن عبدالحميد بن جعفر الأنصاري قال: ثنا أبو الأبرد مولى بني خطمة، أنه سمع أُسَيد بن ظهير الأنصاري وكان من أصحاب النبي" يحدث عن النبي " قال: الحديث.
__________
(1) الكبير للطبراني (19/146) رقم 319.
(2) مجمع الزوائد (4/11).
(3) الترغيب والترهيب (3/54) رقم 1746.
(4) سنن الترمذي (2/145) رقم 324.
(5) المصنف (2/373) و(12/210) رقم 12570.
(6) سنن ابن ماجة (1/453) رقم 1411.
(7) الطبقات (1/246).
(8) التاريخ الكبير (2/47) رقم 1641.
(9) مسند أبي يعلى (13/17) رقم 7172.
(10) الكبير للطبراني (1/210) رقم 570.
(11) الآحاد والمثاني (4/43) رقم 1989.
(12) المستدرك (1/487).
(13) شرح السنة (2/344) رقم 459.
(14) معرفة الصحابة (2/263) رقم 884.
(15) المستخرج (2/215) رقم 304.
(16) السنن الكبرى (5/248)، والجامع لشعب الإيمان(8/119) رقم 3892 .
(17) أسد الغابة (1/145).
(18) تهذيب الكمال(9/528) رقم 2078.(1/30)
قال ابن العربي ×:
وقد ورد في فضل مسجد قباء أحاديث صحاح، وضعيفة، فمن الصحاح: إتيان رسول الله " إياه، ومن الضعيف: ما ذكره أبو عيسى أن الصلاة فيه كعمرة، خرجه عن أُسَيْد بن ظهير، وليس له غيره عن النبي "+اهـ(1).
وقال الذهبي ×:
=زياد أبو الأبرد، عن أُسَيْد بن ظُهَيْر، صحح له الترمذي حديثه، وهو صلاة في مسجد قباء كعمرة، وهذا حديث منكر، روى عنه عبدالحميد بن جعفر فقط+اهـ(2).
قلت: الحديث صححه أهل العلم.
قال الترمذي: =حديث أسيد حسن غريب، ولا نعرف لأسيد بن ظهير شيئاً يصح غير هذا الحديث، ولا نعرفه إلا من حديث أبي أسامة، عن عبدالحميد بن جعفر، وأبو الأبرد اسمه =زياد+ مديني+اهـ.
ونقل الحافظ المزي عن الترمذي أنه قال: حسن صحيح(3).
وكذلك قال الحافظ ابن كثير عن الترمذي أنه قال: حسن صحيح(4).
وقال الحاكم: صحيح الإسناد، ولم يخرجاه، إلا أن أبا الأبرد مجهول، وأقره الذهبي.
وقال النووي: =وقال الترمذي: هو حديث حسن صحيح+(5).
وقال المنذري: =ولا نعرف لأسيد حديثاً صحيحاً غير هذا، والله أعلم+(6).
وقال البغوي: حسن غريب.
وقال الألباني: صحيح(7).
وقال أبو المحاسن الحسيني: صحح الترمذي حديثه(8).
وقال المباركفوري في قول الذهبي: =هذا حديث منكر+.
=قلت: لا أدري ما وجه كونه منكراً، ويشهد له حديث سهل بن حنيف، وحديث كعب بن عجرة+اهـ(9).
قال الحافظ ابن حجر × في قول الحافظ المزي ×:
=زياد، أبو الأبرد المدني مولى بني خطمة+:
__________
(1) عارضة الأحوذي (2/121).
(2) ميزان الاعتدال (2/96) رقم2980.
(3) تحفة الأشراف (1/75) رقم 155، وتهذيب الكمال (9/528) رقم2078.
(4) جامع المساند (1/296) رقم483.
(5) المجموع شرح المهذب (8/208).
(6) الترغيب والترهيب (3/54) رقم1743.
(7) صحيح سنن الترمذي (1/104) رقم267، وصحيح سنن ابن ماجة (1/237) رقم1159.
(8) كتاب التذكرة (1/532) رقم2082.
(9) تحفة الأحوذي (2/280) رقم323.(1/31)
=قلت: تبع المصنف _ يعني المزيَ _ في ذلك كلامَ الترمذي، وهو وهم، وكأنه اشتبه عليه بأبي الأوبر الحارثي، فإن اسمه زياد، كما قال ابن معين، وأبو أحمد الحاكم، وأبو بشر الدولابي وغيرهم.
والمعروف أن أبا الأبرد لا يعرف اسمه، وقد ذكره فيمن لا يعرف اسْمُهُ أبو أحمد الحاكم في الكنى وابن أبي حاتم.
وأما الحاكم أبو عبدالله، فقال في المستدرك: اسمه موسى بن سليم+اهـ(1).
قلت: وصدق الحافظ في ذلك، فقد وقفت على أقوال جماعة من هؤلاء الأئمة، لم يذكروا لأبي الأبرد اسماً، بل فرقوا بينه وبين أبي الأوبر زياد الحارثي، وممن وقفت عليه منهم ما يلي:
قال الإمام البخاري:
=أبو الأبرد مولى بني خطمة الأنصاري المدني+(2).
وقال أبو أحمد الحاكم:
=أبو الأبرد، الأنصاري، مولى بني خطمة+(3).
وقال ابن حبان:
=أبو الأبرد مولى بني خطمة+(4).
وقال ابن أبي حاتم:
=أبو الأبرد، مولى بني خطمة(5).
وقال الذهبي:
=أبو الأبرد، الأنصاري(6).
وأما أبو الأوبر فقد سموه: زياد بن الحارث، من بني الحارث بن كعب نص عليه يحيى ابن معين(7) والدولابي(8) وأبو أحمد الحاكم(9) وابن حبان(10) والذهبي(11) وابن ماكولا(12) وابن عساكر(13) وابن حجر(14).
قلت: قال الحافظ ابن حجر ×: =زياد بن الحارث، عن أبي هريرة، وعنه عبد الملك ابن عمير، قال شيخنا: =لا أعرفه+.
__________
(1) تهذيب التهذيب (3/391).
(2) الكنى للبخاري (8/8) رقم48.
(3) الكنى للحاكم (2/94) رقم466.
(4) الثقات (5/580).
(5) الجرح والتعديل (9/336) رقم 1487.
(6) الكنى للذهبي (1/80) رقم 330.
(7) التاريخ (2/181) رقم 2838.
(8) الكني للدولابي (1/117).
(9) الكني للحاكم (2/71) رقم 438.
(10) الثقات (5/580).
(11) الكني للذهبي (1/97) رقم 525.
(12) الإكمال (1/53).
(13) تاريخ دمشق (19/242) رقم 2318.
(14) الإصابة(1/181) رقم 2992.(1/32)
قلت، أي الحافظ: جزم الحسيني بأنه أبو الأوبر، وهو معروف، ولكنه مشهور بكنيته أكثر من اسمه، وقد سَّماه زياداً النسائيُ والدولابيُ، وأبو أحمد الحاكم، وغيرهم، ووثقه ابن معين، وابن حبان، وصحح حديثه+اهـ(1).
قلت: ولعله يعني بشيخه الحافظَ الذهبيَ × فإنه قال في المغني(2): زياد أبو الأوبر، مدني تابعي، لا يعرف+، وقد رمز له ت،ق يعني أن الترمذي وابن ماجة رويا له.
وقال في الكاشف(3) تحت رقم:1732_ م: زياد أبو الأبرد الخطمي، عن أسيد بن ظهير، وعنه: عبدالحميد بن جعفر، وثق+.
ورمزه بـ=م+ يعني أن مسلماً روى له.
وقال أيضاً: ت: ق: أبو الأبرد، عن أسيد هو زياد(4).
وكلام الذهبي الذي يظهر منه أنه لم يعرف أبا الأبرد. ولذلك: سمَّاهُ زياداً، وذلك مخالف لما عليه الأئمة، كما سلف.
قلت: وأما أبو الأبرد، مولى بني خطمة الأنصاري المدني فهو معروف أيضاً.
فقد ذكره ابن حبان في الثقات(5).
وقال الذهبي: وثق، كما تقدم آنفاً.
وقال الحافظ في التقريب: مقبول.
وسكت عليه البخاري وابن أبي حاتم كما تقدم آنفاً.
والمقبول في اصطلاح الحافظ: =من ليس له من الحديث إلا القليل، ولم يثبت فيه ما يترك حديثه من أجله، وإليه الإشارة بلفظ مقبول حيث يتابع، وإلا فلين الحديث+اهـ(6).
وعلى هذا يكون السند حسناً.
وأما الحديث فصحيح لغيره لكثرة شواهده المتقدمة، ولتصحيح أهل الفن له، والعلم عند الله.
وأخرج الإمام أبو داود × ومن طريقه أخرجه البيهقي: =حدثنا أبو توبة, حدثنا الهيثم بن حميد, عن يحيى بن الحارث, عن القاسم أبي عبد الرحمن,عن أبي أُمامة,أن رسول الله " قال:
__________
(1) تعجيل المنفعة ص 141 رقم 343.
(2) 1/245) رقم2258.
(3) 1/263) رقم1732.
(4) الكاشف(3/269)رقم2 الكني.
(5) الثقات(5/580).
(6) التقريب ص10.(1/33)
=من خرج من بيته متطهراً إلى صلاة مكتوبة, فأجره كأجر الحاج المحرم ومن خرج إلى تسبيح الضحى, لا ينصبه إلا إياه, فأجره كأجر المعتمر, وصلاة على إثر صلاة, لا لغو بينهما, كتابٌ في عليين+(1).
قال المنذري:
القاسم أبو عبدالرحمن فيه مقال(2).
قلت: الإمام أحمد يضعف القاسم هذا.
ولكن وثقه جماعة من الأئمة كالإمام يحي بن معين والترمذي والعجلي ويعقوب بن شيبة وأبي إسحاق الحربي ويعقوب بن سفيان,وغيرهم.
وقال أبو حاتم: حديث الثقات عنه مستقيم,لا بأس به, وإنما يُنكر عنه الضعفاء(3).
وعلى قول أبى حاتم يكون السند مستقيماً, لأنه رواه عنه ثقة وهو يحيى بن الحارث الذماري، وقد حسنه الألباني(4).
الوجه الثاني: أن الأجر العظيم يحصل بالعمل اليسير, فقد روى أبو سعيد الخدري ÷ أن رجلاً سمع رجلاً يقرأ =قل هو الله أحد+ يرددها، فلما أصبح جاء إلى رسول الله " فذكر ذلك له, وكأن الرجل يتقالها, فقال رسول الله ":
=والذي نفسي بيده, إنها لتعدل ثلث القران+.
أخرجه أحمد(5) ومالك(6) والبخاري(7) وأبو داود(8) والنسائي(9).
وجاء من حديث أبى هريرة ÷.
أخرجه الترمذي(10) وابن ماجة(11).
ومن حديث أبي مسعود الأنصاري ÷ عند أحمد(12) وابن ماجة(13).
__________
(1) سنن أبي داود(1/377) رقم 558 وسنن البيهقي (3/63).
(2) مختصر المنذري(1/296) رقم526.
(3) انظر تهذيب الكمال للمزي(23\383) رقم4800, وتاريخ دمشق(49/101).
(4) صحيح سنن أبى داود(1\111) رقم558, وصحيح الجامع الصغير رقم6104.
(5) مسند أحمد(3/23، 35، 43).
(6) الموطأ لمالك(1/ 208).
(7) صحيح البخاري(6/105),و(7/221),و(8/164).
(8) سنن أبي داود(2/152)رقم1461.
(9) المجتبى للنسائي(2/171).
(10) سنن الترمذي(5/168) رقم2899.
(11) سنن ابن ماجة(2/1244)رقم3787.
(12) مسند أحمد (4/122).
(13) سنن ابن ماجة (2/1245) رقم3789.(1/34)
ورواه أنس بن مالك ÷ عندا بن ماجة(1).
وعن أبي سعيد الخدري ÷ قال: قال رسول الله " لأصحابه: =أيعجز أحدكم أن يقرأ ثلث القران في ليلة؟! فشق ذلك عليهم,وقالوا: أينا يطيق ذلك يا رسول الله؟! فقال رسول الله ": =الله الصمد؛ ثلث القران+.
أخرجه أحمد(2) والبخاري(3).
وهو عند مسلم(4) والدارمي(5) من حديث أبي الدرداء÷.
إذا تقرر هذا,فاعلم , أنه جاء عن النبي " أنه قال: =من قرأ حرفاً من كتاب الله, فله به حسنة ,والحسنة بعشر أمثالها,لا أقول: =الم+ حرف, ولكن ألف حرف, ولام حرف, وميم حرف+. رواه الترمذي بقوله:
=حدثنا محمد بن بشار , حدثنا أبو بكر الحنفي, حدثنا الضحاك بن عثمان ,عن أيوب بن موسى,قال: سمعت محمد ابن كعب القرظي,قال: سمعت عبدالله بن مسعود, يقول: قال رسول الله ": ....الحديث(6).
وقال البخاري: =حدثني ابن بشار به(7).
ومن طريق البخاري أخرجه ابن عساكر(8).
وقال أبو القاسم بن منده: =أخبرنا أبي × أخبرنا محمد بن علي بن عمر, حدثنا أحمد بن الأزهر , حدثنا ابن أبي فُدَيْك, عن الضحاك بن عثمان به(9).
قال الترمذي: هذا حديث حسن , صحيح, غريب من هذا الوجه.
وقال الألباني: صحيح(10).
قلت: الحديث معلول بالانقطاع, قال البخاري ×:
=محمد بن كعب, كان أبوه ممن لم ينبت يوم قريظة, فترك ثم ساق الحديث بسنده المذكور ,ثم قال:
__________
(1) سنن ابن ماجة (2/1245) رقم3788.
(2) مسند أحمد (3/8).
(3) صحيح البخاري(6/105).
(4) صحيح مسلم (1/556) رقم811.
(5) سنن الدارمي(2/916) رقم3307.
(6) سنن الترمذي (5/175) رقم2910.
(7) التاريخ الكبير(1/216) رقم679.
(8) تاريخ دمشق(55/137).
(9) الرد على من يقول )ألم) حرف ص54 رقم14.
(10) انظر صحيح جامع الترمذي (3/9) رقم 2327, ومشكاة المصابيح (1/659) رقم 2137,وصحيح الجامع الصغير رقم 6345, وتخريج أحاديث شرح العقيدة الطحاوية ص201 الطبعة الرابعة, والسلسلة الصحيحة رقم660.(1/35)
=لا أدري حفظه, أم لا ؟+اهـ _ يعني محمد بن كعب.
وقال الحافظ المزي:
وقال يعقوب بن شيبة السدوسي في محمد بن كعب القرظي: يُعَدُّ في الطبقة الثالثة ممن روى عن أبي هريرة, وأبي سعيد، وابن عمر, وابن عباس ,ووُلِدَ في آخر خلافة علي ابن أبي طالب, في سنة أربعين هـ، ولم يسمع من العباس؛ توفي العباس في خلافة عثمان+اهـ(1).
وحجة الإمام الترمذي في تصحيح الحديث قوله: =سمعت قتيبة, يقول: بلغني أن محمد بن كعب القرظي ولد في حياة النبي"+.
وقال المزي:
=وقال أبو داود: =سمعت قتيبة بن سعيد , يقول: بلغني أن محمد بن كعب القرظي رأى النبي"+.
وقال أيضاً: =وقال أبو داود: =سمع من علي ومعاوية، وعبدالله بن مسعود+اهـ(2).
وَرَدَّ ذلك الحفاظُ من أهل العلم.
قال الحافظ الذهبي في قول قتيبة:
=هذا قول منقطع شاذ+اهـ(3).
وقال الحافظ بن حجر:
قلت: وما تقدم نقله عن قتيبة من أنه ولد في عهد النبي " لا حقيقة له، وإنما الذي ولد في عهده هو أبوه؛ فقد ذكروا أنه كان من سبي قريظة ممن لم يحتلم ولم ينبت، فخلو سبيله، حكى ذلك البخاري في ترجمة محمد+اهـ(4).
وقال في موضع آخر في محمد بن كعب:
=ولد سنة أربعين على الصحيح، ووهم من قال: =ولد في عهد النبي " فقد قال البخاري: إن أباه ممن لم ينبت من سبي قريظة، مات سنة مائة وعشرين هجري، وقيل: قبل ذلك+(5).
وقال أيضاً:
=وجاءت عنه رواية عن ابن مسعود، واستبعدها ابن عساكر... ولم يسمع من العباس، لأن العباس مات في خلافة عثمان، وولد محمد بن كعب في آخر خلافة علي سنة أربعين، وكانت وفاته سنة ثمان ومائة، وقيل: بعد ذلك، حتى قيل: مات سنة عشرين، فعلى هذا يُقْطَعُ بأنه لم يولد إلا بعد النبي"+اهـ(6).
وقال الذهبي أيضاً:
__________
(1) تهذيب الكمال (26/344).
(2) المرجع نفسه (26/343).
(3) سير أعلام النبلاء (5/67).
(4) تهذيب التهذيب(9/422).
(5) تتقريب التهذيب.
(6) الإصابة (3/517)رقم 8536.(1/36)
=قيل: ولد محمد بن كعب في حياة النبي =,ولم يصح ذلك+اهـ(1).
قلت: وهذا هو الصحيح، فقد قال بعض المؤرخين: أن محمد بن كعب القرظي مات وهو ابن 78 سنة.
وعلى قول من قال: إنه مات سنة 108هـ يكون مولده سنة 30هـ، وقد مات عبدالله ابن مسعود ÷ سنة 32هـ.
وعلى قول من قال: أنه مات سنة 117هـ يكون مولده سنة 39هـ.
وعلى قول من قال: أنه مات سنة 118هـ يكون مولده سنة 40هـ.
وعلى قول من قال: أنه مات سنة 119هـ يكون مولده سنة 41هـ.
وعلى قول من قال: أنه مات سنة 120هـ يكون مولده سنة 42هـ.
وعلى هذا فَيُقْطَعُ بأنه لم يدرك عبدالله بن مسعود ولم يسمع منه شيئاً البتة.
والعلم عند الله.
وأما قول محمد بن كعب في سند الحديث: =سمعت عبدالله ابن مسعود+ فوهم من بعض الرواة.
وقد وصله أبو الأحوص عوف بن مالك الجُشَمِي عن ابن مسعود بسند صحيح.
قال أبو بكر الخطيب:
أخبرنا أبو عمر عبد الواحد بن محمد بن عبدالله بن مهدي، قال: أنبأنا محمد بن مخلد العطار، قال: نبأنا محمد بن أحمد بن الجنيد، قال: نا أبو عاصم، عن سفيان(2).
وقال أبو القاسم بن منده:
أخبرنا أبي × أخبرنا علي بن محمد بن نصر، حدثنا محمد بن غالب بن حرب، حدثنا معلى بن منصور، حدثنا حماد بن زيد(3).
وقال أيضاً: =أخبرنا سهل بن محمد بن الحسن, أخبرنا جدي , أخبرنا محمد بن أحمد ابن أبي يحي الزهري , حدثنا إسماعيل بن يزيد القطان, حدثنا أبو داود حدثنا همام ابن يحيى(4).
ثلاثتهم، عن عطاء بن السائب، عن أبي الأحوص، عن عبدالله قال: قال رسول الله": =اقرؤا القرآن؛ فإنكم تؤجرون عليه، وكل حرف عشر حسنات, أما إني لا أقول: =الم+ حرف، ولكن ألف عشر، ولام عشر، وميم عشر, فتلك ثلاثون+.
وأخرجه ابن مندة أيضاً من طريق الطبراني بقوله:
__________
(1) سير أعلام النبلاء(5/65).
(2) تاريخ بغداد(1/285)رقم133.
(3) ا لرد على من يقول (ألم)حرف ص41رقم4.
(4) المرجع السابق ص 42 رقم 5.(1/37)
وأخبرنا علي بن يحي بن جعفر الإمام، أخبرنا الطبراني، حدثنا أحمد بن زهير التُستَري حدثنا محمد بن أحمد بن الجنيد الدقاق، حدثنا أبو عاصم حدثنا سفيان به.
ثم قال: قال الطبراني: =رفعه أبو عاصم ووقفه عبدالرزاق والناس+اهـ(1).
قلت: أبو عاصم هو الضحاك بن مخلد الشيباني البصري، ثقة ثبت حافظ، ولم يتفرد برفعه عن سفيان وهو الثوري، فقد رفعه حماد بن زيد وهمام بن يحيي كما رأيت.
والرواة إلى أبي عاصم ثقات مأمونون(2) غير الدقاق فقد ذكره ابن حبان في الثقات(3) وقال أبو حاتم الرازي: صدوق(4) ووثقه أحمد بن إسحاق بن البهلول قاله الألباني(5).
ورواية حماد بن زيد والثوري عن عطاء بن السائب صحيحة بالاتفاق؛ لأنها قبل اختلاطه, وعطاء ثقة وقد تابعه عاصم بن النجود عن أبي الأحوص عن عبد الله ابن
مسعود مرفوعاً عند الحاكم(6).
وقال: هذا حديث صحيح الإسناد, وأقره الذهبي.
وتابعهما إبراهيم بن مسلم الَهَجري، عند الحاكم(7) ومحمد بن نصر(8) وأبي عبيد(9) وابن الضريس(10) والآجري(11) وأبي القاسم بن منده(12) وابن حبان(13).
عن أبي الأحوص, عن عبدالله بن مسعود,عن النبي" به.
قال الحاكم: هذا حديث صحيح الإسناد ,ولم يخرجاه بصالح بن عمر.
وقال الذهبي:
__________
(1) المرجع السابق ص44 رقم 6.
(2) أما أبو عمر بن مهدي فقال الخطيب في تاريخ بغداد (11/13): كان ثقة مأموناً وأما العطار فقال فيه الخطيب في تاريخ بغداد (3/310): =وقال الدار قطني ثقة مأمون+.
(3) الثقات لابن حبان(9/140).
(4) الجرح والتعديل (7/183) رقم 1039.
(5) انظر السلسلة الصحيحة للألباني (2/268)رقم 660.
(6) المستدرك (1/566).
(7) المستدرك (1/555).
(8) مختصر قيام الليل ص171.
(9) فضائل القرآن ص21رقم7_1.
(10) فضائل القرآن ص46رقم58.
(11) أخلاق أهل القرآن ص52 رقم11.
(12) الرد على من يقول (ألم) حرف ص45 رقم7.
(13) المجروحين (1/100).(1/38)
=تفرد به صالح بن عمر عنه _ يعني إبراهيم الهجري _ وهو صحيح.
قلت: صالح ثقة خرج له مسلم,لكن إبراهيم بن مسلم ضعيف+اهـ.
قلت: قال أبو أحمد بن عدي:
=وإبراهيم الَهَجري هذا حدث عنه شعبة والثوري وغيرهما, وأحاديثه, عامتها مستقيمة المعنى, وإنما أنكروا عليه كثرة روايته عن أبي الأحوص, عن عبدالله, وهو عندي ممن يكتب حديثه+اهـ (1).
وقال يعقوب بن سفيان:
سئل أبو عبدالله _ يعني الأمام أحمد _ عن الَهَجري يحدث عنه؟
قال: قد روى عنه شعبة+اهـ(2).
وكون الأمام أحمد يجيب السائل بذلك يرى أنه قوي, ويحدث عنه.
لكن قال أبو القاسم بن منده في حديثه هذا:
=رفعه يزيد بن عطاء، وأبو اليقظان، وغيرهما.
ووقفه ابن عيينة، وزائدة وأبو شهاب، ويحيى بن عثمان الحنفي، وجعفر بن عون، وعلي بن عاصم، وغيرهم+(3).
قلت: وممن رفعه _ فيما وفقت عليه _ عن الهَجَري ثمانية رجال وهم:
1) صالح بن عمر عند الحاكم.
2) أبو معاوية محمد بن خازم الضرير عند ابن نصر.
3) أبو اليقظان عمار بن محمد الثوري عند أبي عبيد.
4) جرير بن عبد الحميد عند ابن الضريس.
5) علي بن عاصم عند الآجري.
6) علي بن مسهر عند ابن منده.
7) ومحمد بن فضيل عند ابن منده, وابن حبان.
8) ابن الأجلح، عبد الله بن الأجلح الكندي عند ابن حبان _ أيضاً _.
لكن قطع العلامة عبد الله بن يوسف الجد يع _ حفظه الله _ في تحقيقه لكتاب:
=الرد على من يقول =الم+ حرف لأبي القاسم بن منده, أن هذا الحديث صحيح موقوف , لا مرفوع+.
__________
(1) الكامل لابن عدي (1/216).
(2) المعرفة والتاريخ (2/190).
(3) الرد على من يقول (ألم) حرف ص 47.(1/39)
قلت: جاءت طرق لهذا الحديث مرفوعة صحيحة _ كما سلف _ وجاء ت طرق أخرى موقوفة صحيحة، والموقوف _ عندي _ لا يعارض المرفوع، بل يقويه؛ لأن مثله مما لا مجال للرأي فيه، فلا يقال بالرأي فله حكم الرفع ولهذا احتج الأئمة بهذا الحديث مرفوعه وموقوفه على المبتدعة، مثل أبي القاسم بن منده في رده عليهم حين قالوا: =الم+ حرف.
وكذلك شيخ الإسلام ابن تيمية(1) وابن أبي العز الحنفي في شرح العقيدة الطحاوية(2) وغيرهم.
وفائدة بحث هذا الحديث:
أن عدد حروف القرآن الكريم 321180، وقيل: 323015، وقيل: 340740 حرفاً، كما ذكر الحافظ ابن كثير × في مقدمة تفسيره عن أهل العلم.
وعلى حديث عبدالله بن مسعود ÷ يضاعف ثواب قراءة الحرف الواحد إلى عشر حسنات، فتكون تلك الأعداد مضاعفة عشرة أمثالها.
فإذا قرأ المسلم سورة الإخلاص، التي هي سطر واحد ثلاث مرات حصل على هذا الثواب العظيم.
قال شيخ الإسلام × في جواب سؤال هذا نصه:
=وسئل عمن يقرأ القرآن، هل يقرأ سورة الإخلاص مرة، أو ثلاثاً، وما السنة في ذلك؟
فأجاب: إذا قرأ القرآن كله ينبغي أن يقرأها كما في المصحف مرة واحدة، هكذا قال العلماء، لئلا يزاد على ما في المصحف.
وأما إذا قرأها وحدها، أو مع بعض القرآن، فإنه إذا قرأها ثلاث مرات عدلت القرآن. والله أعلم+اهـ(3).
قلت: =ونظير ذلك قوله ": =من قال: =لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، له الملك، وله الحمد، وهو على كل شيء قدير، في يوم مائة مرة، كانت له عَدِلَ عشر رقاب، وكتبت له مائة حسنة، ومحيت عنه مائة سيئة، وكانت له حرزاً من الشيطان يومه ذلك، حتى يمسي، ولم يأت أحد بأفضل مما جاء به إلا أحد عمل أكثر من ذلك+، من حديث أبي هريرة÷.
__________
(1) انظر مجموع فتاوى شيخ الإسلام (12/103) و(23/282).
(2) شرح العقيدة الطحاوية ص201 الطبعة الرابعة، المكتب الإسلامي.
(3) مجموع فتاوى شيخ الإسلام (17/213).(1/40)
أخرجه أحمد(1) والبخاري(2) ومسلم(3) والترمذي(4) وابن حبان(5) والبغوي(6) وابن ماجة(7).
الوجه الثالث: أن حديث أنس بن مالك _ رضي الله عنهما _ وما جاء في معناه من الأحاديث أوردها أهل العلم في كتب الأذكار، والترغيب على سبيل الاحتجاج بها والتقرير، وهذه تراجمهم لها توضح ذلك:
قال الإمام أبو داود: باب صلاة الضحى(8)
قال الإمام الترمذي ×:
=باب ذكر ما يستحب من الجلوس في المسجد بعد صلاة الصبح+(9).
وقال الإمام البغوي ×:
=باب ما يستحب من الجلوس في المسجد بعد صلاة الصبح+(10).
وقال أبو القاسم الإصبهاني ×:
=باب الترغيب في صلاة الضحى+(11).
وقال المنذري ×:
=الترغيب في جلوس المرء في مصلاه بعد صلاة الصبح، وصلاة العصر+(12).
وقال النووي ×:
=باب الحث على ذكر الله تعالى بعد صلاة الصبح+(13).
وقال الإمام ابن القيم ×:
=فصل في هديه " في صلاة الضحى+.
ثم ذكر فيه حديث أبي أمامة(14).
وقال ضياء الدين المقدسي ×:
=ومن فضل صلاة الضحى أيضاً+:
عن معاذ بن أنس الجهني ÷ أن رسول الله " قال:
=من قعد في مصلاه حين ينصرف من صلاة الصبح، حتى يسبح ركعتي الضحى، لا يقول إلا خيراً، غفر له خطاياه، وإن كانت أكثر من زبد البحر+ أخرجه أبو داود+(15).
__________
(1) مسند أحمد (2/302، 375).
(2) صحيح البخاري (4/95)، (7/167).
(3) صحيح مسلم (3/2071) رقم2691.
(4) سنن الترمذي (5/512) رقم3468.
(5) صحيح ابن حبان (3/129) رقم1272.
(6) شرح السنة (5/53) رقم1272.
(7) سنن ابن ماجة (2/1248) رقم3798.
(8) سنن أبي داود (2/62) رقم 1287
(9) سنن الترمذي (2/480).
(10) شرح السنة (3/220).
(11) الترغيب والترهيب (2/789).
(12) الترغيب والترهيب للمنذري (1/234).
(13) الأذكار النووية ص36.
(14) زاد المعاد (1/341).
(15) فضائل الأعمال ص15.(1/41)
وقد سئل الحافظ السخاوي × عن هذه الأحاديث، فأجاب عليها بجواب شيخه الحافظ بن حجر العسقلاني × مقررين لها، وموضحين.
وهذا نص السؤال والجواب:
=مسألة: الأحاديث الواردة فيمن قعد يذكر الله تعالى بعد صلاة الصبح حتى تطلع الشمس، ثم صلى ركعتين، التي منها: ما للترمذي، عن أنس رفعه =من صلى الفجر في جماعة، ثم قعد يذكر الله _ عز وجل _ حتى تطلع الشمس ثم صلى ركعتين، كانت له كأجر حجة وعمرة تامة، تامة، تامة+. وقال عَقِبَه: حسن غريب.
وأخرجه الطبراني من حديث أبي أمامة الباهلي مثله، لكن قال:
=من صلى صلاة الغداة+، وقال: =جلس+، وقال: =انقلب بأجر حجة، وعمرة+، وعنده من حديث أبي أمامة، وعتبة بن عبدٍ السلمي، بلفظ:
=صلاة الصبح في جماعة، ثم ثبت، حتى يسبح تسبيحة الضحى، كان له كأجر حاج، ومعتمر، تاماً له حجته، وعمرته+(1) فأفاد أن الصلاة المذكورة صلاة الصبح، فأخرج النفل المطلق، وما كان لسبب آخر.
وكذا لأحمد، وأبي داود من حديث معاذ بن أنس الجهني، بلفظ: من قعد في مصلاه، حين ينصرف من صلاة الصبح، حتى يصلي ركعتي(2) الضحى، لا يقول إلا خيراً، غفرت له خطاياه، ولو كانت أكثر من زبد البحر+.
وفي رواية لأبي يعلى: =وجبت له الجنة+.
وفي أخرى لابن أبي الدنيا، من حديث أبي أمامة: =لم تمس جلده النار+ ومثله عند البيهقي من حديث الحسن بن علي، وأفاد بقوله: =لا يقول إلا خيراً+دخول من أمر بمعروف، أو نهى عن منكر، ويلتحق به من أجاب سائلاً عن حكم شرعي مثلاً، ومن شفع شفاعة حسنة، ونحو ذلك.
ويمكن أن يدخل ذلك كله في ذكر الله.
وشرطه: أن تقتصر على الحاجة من ذلك لما لا بد منه، بلا مزيد.
__________
(1) وقع في الحديث تحريف كثير صححناه من الأصل، انظر الكبير للطبراني (8/174) رقم7649، (17/129) رقم317.
(2) وقع =ركعتين+ خطأ، والصواب ما أثبتناه.(1/42)
وعند أبي يعلى من حديث عائشة، بلفظ: =من صلى الفجر، فقعد بمقعده، فلم يلغ بشيء من أمر الدنيا، ويذكر الله حتى يصلي الضحى أربع ركعات، خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه، لا ذنب له+(1).
وكذا من الوارد من فعله " في ذلك ما للطبراني في الأوسط، عن ابن عمر، قال: =كان رسول الله " إذا صلى الفجر، لم يقم من مجلسه حتى تمكنه الصلاة+.
وعن جابر بن سمرة: =كان النبي " إذا صلى الفجر تربع في مجلسه، حتى تطلع الشمس+، أخرجه مسلم، وأصحاب السنن الثلاثة.
وللطبراني في رواية له في المعجم الكبير:
=جلس يذكر الله، حتى تطلع الشمس+.
إلى غيرها من الأحاديث في هذا المعنى، قولاً وفعلاً، لا نطيل بها؛ لحصول الغرض بما ذكر، فهل يحصل هذا الثواب لمن قعد مُحْدِثاً، أو تخلل زمانٌ بين مقعده ووضوئه؟ وهل يناله من طاف بعد صلاة الصبح، حتى تطلع الشمس، وصلى ركعتي الطواف، وهل إذا كان يطرقه النعاس، فقام يتردد في أرجاء المسجد، أو غيره من مصلاه يحصل له؟ أم القعود في مصلاه شرط في حصوله؟ وهل من شرطه الخشوع، وتدبر ما يقول، وعدم الكلام أم لا؟
الجواب: قد وقفت لشيخنا × على جواب، فأثبته بنصه، فقال:
=أكمل الأحوال، أن يستمر قاعداً، ذاكراً إلى أن يرتفع وقت الكراهة، فيصلي ركعتين، فإن تخلل بين ذلك قولٌ غير الذكر، ويدخل فيه تلاوة القرآن، وفعل ما، أو سكوت _ لم يحصل تمام الموعود، هذا ما يقتضيه ظاهر العبارة، ويلتحق بذلك حكماً اشتراط الخشوع؛ لأنه أجَلُّ ما يشترط في ذلك؛ لأن المراد بالقعود على الهيئة المذكورة: عدم التشاغل بشيء من أمور الدنيا، ويلتحق بذلك: عدم التشاغل بعبادة أخرى، كالطواف.
والمقصود من الفراغ من الأقوال والأفعال جزماً، ليس هو القعود لذاته، ولا الذكر بلسانه مجرداً.
__________
(1) وقع فيه لفظ =حين يصلي+، والصواب: =حتى يصلي+ كما عند أبي يعلى رقم4365.(1/43)
لكن التوجه التام، والإقبال على من يذكره في ذلك الوقت إلى أن تحرم بالصلاة حين يزول وقت الكراهة، فيوجد من هذا المطلوب: اشتراط الخشوع، واستمراره في تلك المدة.
لكني أقول: إن هذا يحصل (به(1)) كمال المطلوب في هذه العبادة، ولا يلزم منه حرمان من (أخل بشيء(2)) من ذلك بالتشاغل بعبادة أخرى مقصودة، أو وسيلة لمقصود، بل يحصل في الأقوال، كمن أمر بمعروف مثلاً أو نهى عن منكر مثلاً في تلك الحالة الثواب الجزيل، وفي الأفعال، كمن طاف، وكذا من اتفق له حَدَثٌ فتشاغل بالوضوء، وكذا من اشتغل عن الخشوع بفكر عرض له، فلم يسترسل معه، وكذا من غلبه(3) النعاس (فشغله(4)) مع محافظة ما ذكر أن يستمر في مجلس (قعوده(5)) ويمكن بقعدته من الأرض على وضوئه فإنه إن غلب عليه النوم، فنام لا يعدم الثواب الموعود به، لكونه لم يحصل منه تعمد ذلك، وعلى هذا فيقال:
يشترط في هذا الأخير أن بداية النعاس: أن يسعى في إذهابه بما يمكنه، ولا يسترسل معه، كما ورد في حديث النفس، بلفظ: =لا يحدث فيها نفسه، لأنه لا يملك أن لا تحدثه نفسُه، بل يملك أن لا يحدثها(6) فإنه متى حافظ على أنها إن فتحت له من ذلك باباً سده، لا يكون ممن حدثها، بل من إذا حدثته حدثها، فإنها تسترسل في تحديثه، فيخرج عن الشرط، فكذا هذا إذا بدره النعاس حافظ على دفعه بما يقدر عليه، كما تقدم. والله أعلم+اهـ(7).
قلت: ويؤيد هذا:
__________
(1) زيادة من عندي لا بد منها.
(2) في الأصل =من أجل شيء+ ولعل الصواب ما أثبته.
(3) زيادة الضمير الهاء من عندي.
(4) في الأصل =فشأنه+ ولعل الصواب ما أثبته.
(5) في الأصل =يعوده+ ولعل الصواب ما أثبته.
(6) في الأصل =تحدثها+ ولعل الصواب ما أثبته.
(7) الأجوبة المرضية فيما سئل السخاوي عنه من الأحاديث النبوية (3/1090) رقم312.(1/44)
الوجه الرابع: أنه على فرض، أن أسانيد الأحاديث الواردة في هذا الموضوع ضعيفة، فلا ينكر العمل بها عند أئمة الحديث، وذلك أنها من فضائل الأعمال، وهم لا يتشددون بها، وإنما يتشددون في أسانيد أحاديث الأحكام والحلال والحرام.
قال أبو عبدالله الحاكم × في مستدركه على الصحيحين: =وأنا بمشيئة الله أجري الأخبار التي سقطت على الشيخين في كتاب الدعوات على مذهب أبي سعيد عبدالرحمن بن مهدي في قبولها، فإني سمعت أبا زكريا يحيى بن محمد العنبري، يقول: سمعت أبا الحسن محمد بن إسحاق بن إبراهيم الحنظلي، يقول: كان أبي يحكي عن عبدالرحمن بن مهدي، يقول:
=إذا روينا عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم في الحلال والحرام والأحكام شددنا في الأسانيد، وانتقدنا الرجال، وإذا روينا في فضائل الأعمال والثواب والعقاب والمباحات والدعوات تساهلنا في الأسانيد+اهـ(1).
وقال أبو بكر الخطيب ×:
=باب التشدد في أحاديث الأحكام، والتجوز في فضائل الأعمال+.
ثم ساق بسنده عن سفيان الثوري قوله:
=لا تأخذوا هذا العلم في الحلال والحرام إلا من الرؤساء المشهورين بالعلم الذين يعرفون الزيادة والنقصان، ولا بأس بما سوى ذلك من المشايخ+.
وبسنده إلى ابن عيينة قال:
=لا تسمعوا من بقية ما كان في سُنَّة، واسمعوا منه ما كان في ثواب وغيره+.
وبسنده إلى الإمام أحمد أنه قال:
=إذا روينا عن رسول الله " في الحلال والحرام والسنن والأحكام تشددنا في الأسانيد، وإذا روينا عن النبي " في فضائل الأعمال، وما لا يضع حكماً ولا يرفعه تساهلنا في الأسانيد+.
وعنه _ أيضاً _ × أنه قال:
=أحاديث الرقاق يحتمل أن يتساهل فيها، حتى يجيء شيء فيه حكم+.
وبسنده إلى أبي زكريا العنبري قال:
__________
(1) المستدرك (1/490).(1/45)
=الخبر إذا ورد لم يحرم حلالاً، ولم يحل حراماً، ولم يوجب حكماً، وكان في ترغيب أو ترهيب أو تشديد أو ترخيص، وجب الإغماض عنه والتساهل في روايته+اهـ(1).
الخاتمة
اعلم _ وفقك الله أن الجلوس في المسجد بعد صلاة الفجر إلى طلوع الشمس وردت في فضله والترغيب فيه أحاديث كثيرة.
_ منها: أنه من السنة، فقد ثبت عن النبي " أنه كان يفعله.
_ ومنها: =أنه رغب فيه، وحث عليه ببيان ما يحصل فيه من الثواب العظيم.
فتارة يخبر _ عليه الصلاة والسلام _ عنه بأنه أحب إليه من إعتاق أربعة أنفس من ولد إسماعيل.
وتارة يخبر عنه بأنه أحب إليه مما طلعت عليه الشمس.
وأخرى يخبر بأنه أحب إليه من الدنيا وما فيها.
وتارة يخبر بأن فاعله تصلي عليه الملائكة، بقولهم: =اللهم اغفر له، اللهم ارحمه+.
وأخرى يخبر بأن من عمله أحب إليه من شد على جياد الخيل في سبيل الله.
ومرة يخبر بأن من فعله يجعل الله بينه وبين النار ستراً.
_ ومنها: أن فضل الجلوس المذكور مع صلاة ركعتين بعد طلوع الشمس يعدل أجر حجة وعمرة تامة، تامة، تامة.
_ ولا تستبعد ذلك فقد جاء عنه ": =أنه بعث بعثاً، فأعظموا الغنيمة، وأسرعوا الكرة.
فقال رجل: يا رسول الله =ما رأينا بعث قوم أسرع كرة، ولا أعظم غنيمة من هذا البعث؟!
فقال رسول الله ":
=ألا أخبركم بأسرع كرة، وأعظم غنيمة من هذا البعث؟! رجل توضأ في بيته فأحسن وضوءه، ثم تحمل إلى المسجد، فصلى فيه الغداة، ثم عقب بصلاة الضحى، فقد أسرع الكرة، وأعظم الغنيمة+.
إسناده صحيح، ومثله قوله ":
=أيعجز أحدكم أن يقرأ ثلث القرآن في ليلة؟ فشق ذلك عليهم، وقالوا: أينا يطيق ذلك يا رسول الله؟!
فقال: =الله الصمد ثلث القرآن+، أخرجه أحمد والبخاري.
فإذا قرأ المسلم سورة الإخلاص: =قل هو الله أحد.. الخ+ ثلاث مرات فقد حصل على ثواب قراءة القرآن كاملاً.
والله أعلم وصلى الله وسلم على نبينا محمد.
__________
(1) الكفاية ص133، 134 والكامل لابن عدي (1/160).(1/46)
فهرس الموضوعات
المقدمة : ... 3
الفصل الأول: في فضل الجلوس في المسجد بعد صلاة الفجر... الخ ... 5
حديث جابر بن سمرة: =كان رسول الله " إذا صلى الفجر جلس... الخ ... 5
حديث أنس: =لأن أقعد مع قوم يذكرون الله... الخ ... 7
حديث أبي هريرة: =لئن أصبر من صلاة الفجر إلى طلوع الشمس... الخ ... 17
حديث أبي أمامة: =لئن أقعد، أذكر الله، وأكبره... الخ ... 20
حديث علي بن أبي طالب: =من صلى الفجر، ثم جلس في مصلاه... الخ ... 23
حديث سهل بن سعد: =لئن أصلي الصبح، ثم أجلس أذكر الله... الخ ... 25
حديث الحسن بن علي: =من صلى الغداة ثم قعد يذكر الله... الخ ... 29
حديث سعد: =من صلى الفجر، ثم قعد يذكر الله...الخ ... 34
الفصل الثاني: في فضل ختم الجلوس بعد صلاة الفجر بصلاة ركعتين فأكثر عقب طلوع الشمس. ... 35
حديث عائشة: =من صلى الفجر فقعد في مصلاه...الخ ... 35
حديث معاذ بن أنس: =من قعد في مصلاه... الخ ... 37
حديث أبي هريرة: =بعث رسول الله " بعثاً... الخ ... 38، 41
حديث عبدالله بن عمرو بن العاص: =بعث رسول الله " سرية... الخ ... 40
حديث عمر بن الخطاب: =أن النبي " بعث بعثاً قبل نجد... الخ ... 43
ثبوت طلحة في مصلاه ... 44
قول علقمة: بلغنا أن الأرض تعج إلى الله من نومة العالم بعد صلاة الصبح. ... 44
الفصل الثالث: في أن تعقيب جلوس المصلي في مصلاه بصلاة ركعتين بعد طلوع الشمس يعدل أجر حجة وعمرة ... 45
حديث أنس: =من صلى صلاة الغداة في جماعة... الخ ... 45
شواهد حديث أنس ÷ ... 62
حديث ابن عمر: =كان رسول الله " لم يقم من مجلسه... الخ ... 63
حديث أبي أمامة: =من صلى صلاة الغداة في جماعة... الخ ... 70
حديث عتبة بن عبدٍ السلمي وأبي أمامة. ... 74
تسمية الركعتين المذكورتين بصلاة الإشراق ... 76
الفصل الرابع: فيما يؤيد حديث أنس من الأحاديث ... 79
حديث سهل بن حنيف: =من خرج من بيته حتى يأتي هذا المسجد _ يعني مسجد قباء.. الخ ... 79
حديث عبدالله بن عمر: =من صلى فيه _ يعني مسجد قباء _ كان كعدل عمرة ... 84(1/47)
حديث كعب بن عجرة: =من توضأ فأسبغ الوضوء... الخ ... 87
حديث أسيد بن ظهير: =صلاة في مسجد قباء كعمرة+. ... 88
حديث أبي أمامة: =من خرج من بيته متطهراً إلى صلاة مكتوبة... الخ ... 98
الأجر العظيم يحصل بالعمل اليسير ... 100
حديث أبي سعيد الخدري: =أن رجلاً سمع رجلاً يقرأ =قل هو الله أحد+. ... 100
حديث أبي سعيد الخدري: =أيعجز أحدكم أن يقرأ ثلث القرآن... الخ ... 101
حديث ابن مسعود: =من قرأ حرفاً من كتاب الله... الخ ... 102
حديث أبي هريرة: =من قال: لا إله إلا الله وحده لا شريك له... الخ ... 118
تراجم أهل العلم لحديث أنس ÷ ... 120
سئل الإمام السخاوي عن حكم العمل بهذه الأحاديث فأجاب هو وشيخه بتأييدها والعمل بها. ... 122
أئمة أهل العلم بالحديث لا يتشددون بأسانيد فضائل الأعمال ويتشددون في أسانيد الأحكام والحرام والحلال ... 129
الخاتمة ... 133
الفهرس ... 136(1/48)