رعاية المسنين في الإسلام
إعداد
عبد الله بن ناصر بن عبد الله السدحان
بسم الله الرحمن الرحيم
المقدمة
…
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد
فلقد مضت سنة الله في الإنسان أن جعله يمر بمراحل متعددة في رحلته الدنيوية ، فيبدأ وليداً ضعيفاً ، ثمَّ شاباً قوياً ، وأخيراً شيخاً ضعيفاً . قال تعالى : {الله الَّذي خَلَقَكُم مِن ضَعفٍ ثمَّ جَعَلَ مِن بَعد ضَعفٍ قُوَّةً ثمَّ جَعَلَ مِن بَعدِ قُوَّةٍ ضَعفاً وَشَيبَةً يَخلُقُ مَا يَشَاءُ وَهُوَ العَلِيمُ القَدِيرُ } [ الروم 54 ] ولقد عنيت الشريعة برعاية هذا الإنسان منذ نعومة أظفاره وحتى مماته .
ولئن كانت هذه الرعاية تمتد طوال حياة الإنسان فإن ما يهمنا هنا المرحلة الأخيرة منها ، وهي مرحلة الشيخوخة . فلقد حرص الإسلام على هذه المرحلة وجعلها محطة تكريم وعناية خاصة وأوصى بأهلها مزيد رعاية ، واحترام وتوقير ، وبخاصة الوالدين . ذلك أن صاحبها يتصف بالضعف وحاجته إلى الآخرين لخدمته والقيام بشؤونه الدنيوية ، فهي مرحلة عصيبة ، ولا عجب أن الرسول ??? تعوَّذ منها فلقد روى أنس - رضي الله عنه - أن النبي ??? كان يقول : (( اللهم إني أعوذ بك من العجز والكسل والجبن والهرم ...)) وفي رواية أخرى تعوَّذ ??? من أن يُرد إلى أرذل العمر (1).
ولقد تزايد في الآونة الأخيرة التنادي بالاهتمام بهذه الفئة ، كما بُذلت جهود عملية لخدمتهم وانصبَّت تلك الجهود على النواحي المادية الصرفة فظهر ما يسمى بنظام التقاعد ، والتأمينات الاجتماعية ، كما تمَّ تخصيص عام 1999م سنة دولية للمُسنِّين بدعوة من الجمعية العامة للأمم المتحدة لتركيز الجهد من أجل بحث قضايا المسنِّين ومناقشتها ، ومعالجة مشاكلهم ، وزيادة الاهتمام برعايتهم الاجتماعية ، والصحية ، والنفسية ، والمعيشية .(1/1)
وإن كان هذا التنادي بين الدول المعاصرة لم يبرز إلا في السنوات الأخيرة، فإن الإسلام قد نظم هذا الأمر وأكد عليه قبل أكثر من أربعة عشر قرناً، ولقد انعكس ذلك على سلوك وممارسات المسلمين في تعاملهم مع المسنِّين، وخاصة الوالدين ، بل إن الرعاية التي منحها الإسلام تمتاز بشموليتها وتنوعها.
وتم ترتيبها وفق التقسيم التالي :
الفصل الأول : ويشتمل على ما يلي :
أولاً :…تعريف المصطلحات .
ثانياً :…التغيرات التي يمر بها كبير السن .
ثالثاً :…موقف الإسلام من هذه التغيرات .
الفصل الثاني : رعاية المسنِّين في الإسلام . ويشتمل على ما يلي :
أولاً :…أسس رعاية المسنِّين في الإسلام .
ثانياً :…رعاية الوالدين كمظهر من مظاهر رعاية المسنِّين في الإسلام .
ثالثاً :…رعاية صديق الوالدين كمظهر من مظاهر رعاية المسنِّين في الإسلام .
رابعاً :…رعاية المسنِّين في المجتمع المسلم .
خامساً :…رعاية المسنِّين في الحروب من قبل الجيوش المسلمة .
سادساً : بعض الأحكام الشرعية الخاصة بالمسنِّين .
وختمت الدراسة بقائمة المراجع التي اعتمدت عليها ، والله أسأل أن ينفع بها ، والله الموفق
………………المؤلف
………………ص. ب ( 7351 )
………………الرياض 11462
الفصل الأول
أولاً :…تعريف المصطلحات .
ثانياً :…التغيرات التي يمر بها المسن.
ثالثاً :…موقف الإسلام من هذه التغيرات.
أولاً : تعريف المُسِنّ
استعمل العرب كلمة ( المُسِنّ ) للدلالة على الرجل الكبير ، فتقول : (( أسَنَّ الرجل : كَبُر ، وكبرت سِنُّة . يُسنُ إسناناً فهو مسن )) . كما تستخدم العرب ألفاظاً مرادفة للمسن فتقول : (شيخ) ، وهو (( من استبانت فيه السِّنُّ وظهر عليه الشيب )) ، وبعضهم يطلقها على من جاوز الخمسين. وقد تقول : ( هَرِم ) ، وهو (( أقصى الكبر ))(2)، وتقول كذلك : (كهل) وجميع هذه الألفاظ تدل على كبر السن .(1/2)
ونقل عن بعض الحكماء قوله : الأسنان أربعة : سن الطفولة ، ثمَّ الشباب، ثمَّ الكهولة ، ثمَّ الشيخوخة (3). إلا أنه يمكن ترتيب مراحل عمر الإنسان استظهاراً من معاجم اللغة بعد مرحلة المراهقة كالتالي : شاب ، ثمَّ كهل، ثمَّ شيخ ، ثمَّ هَرِم . فكل من تجاوز مرحلة الشباب - وهي إلى الأربعين - فهو مُسِن في اللغة ، ونلحظ أن آخر هذه المراحل هي مرحلة الهرم ، وهو : الزيادة في كبر السن (4)، الذي هو أرذل العمر ، وهذا هو الذي تعوذ منه الرسول ??? في قوله : (( اللهم إني أعوذ بك من العجز والكسل والجبن والهرم )) (5) ، كما عدّ الرسول ??? هذه المرحلة آخر مرحلة قبل الموت ، فيما رواه أبو هريرة - رضي الله عنه - ، أن رسول الله ??? قال : (( بادروا بالأعمال سبعاً ، هل تنتظرون إلا فقراً منسياً ، أو غنىً مطغياً ، أو مرضاً مفسداً أو هرماً مُفنَّداً أو موتاً مجهزاً .. )) (6) ، وروى عبدالله بن الشخير عن أبيه - رضي الله عنهما - عن النبي ??? قال : (( مثل ابن آدم وإلى جنبه تسع وتسعون منية ، إن أخطأته المنايا وقع في الهرم حتى يموت )) (7) .
وهذا اللفظ كثيراً ما يرتبط لدى بعض الباحثين في علم الاجتماع بسن معينة وهو سن الستين ، فيقال : المُسِنُّ هو : من تجاوز عمره الستين (8) . ومن المعلوم أن هذه المرحلة نسبية وتتفاوت من فرد لآخر ، فبعض من بلغ هذا العمر، أو تجاوزه قد يكون نشيطاً ولا تظهر عليه بوادر السن أو الشيخوخة ، والعكس كذلك . فإننا قد نجد من هو دون هذا العمر وقد ضعف واشتعل رأسه شيباً ، لذا نستطيع القول : أن العمر التاريخي للإنسان يُعدُّ معياراً غير دقيق لتحديد مرحلة وصفه بـ ( المُسِنّ ) .(1/3)
ومن هنا نجد بعضهم يتخذ أكثر من مقياس لتحديد هذه المرحلة ، فيتخذ العمر الزمني مقياساً يتعامل به مع عدد السنين ، والعمر البيولوجي ، وهو مقياس وصفي يتناول الجوانب العضوية للإنسان ، والعمر الاجتماعي ، ويتناول فيه الأدوار الاجتماعية التي يمارسها الفرد وعلاقاته بالآخرين ، وأخيراً العمر النفسي ، ويحدد بالخصائص النفسية والتغيرات في سلوك الفرد وحاجاته ودوافعه(9). وعلى ذلك عرّف (أغآ) المُسِنّ بأنه : (( من دخل طور الكبر )) ، ثمَّ يحدد الكبر بأنه : ((حقيقة بيولوجية تميز التطور الختامي في دورة حياة البشر ))(10). كما نجد من يُعَرِّف المرحلة التي يصل إليها المسنّ تعريفاً وظيفياً ، حيث يرى (إسماعيل ) أنها : ((حالة يصبح فيها الانحدار في القدرات الوظيفية البدنية والعقلية واضحاً يمكن قياسه وله آثاره على العمليات التوافقية ))(11). ومما تجدر الإشارة إليه أن الأمم المتحدة ، وجامعة الدول العربية قد عرفتا المسنّ تعريفاً إجرائياً تسهيلاً للتعامل مع هذا المصطلح . وذلك بأن حددتاه بمن تجاوز عمره الستين سنة .
وأياً كان الاختلاف ، فمن المؤكد أنه ليس هناك حدّ فاصل واحد نستطيع القول عنده أن الإنسان قد أصبح مسناً ، خاصة إذا تعاملنا وفق المقاييس السابقة مجتمعة وهي : العمر الزمني ، والعمر البيولوجي ، والعمر الاجتماعي ، والعمر النفسي. ولكننا نستطيع القول بأن المُسِنّ هو : ((كل فرد أصبح عاجزاً عن رعاية نفسه وخدمتها ، إثر تقدمه في العمر ، وليس بسبب إعاقة أو شبهها )) . وبهذا نخرج من إشكالية تحديد السَّن الزمني الذي يتفاوت الناس فيه .
ثانياً : المتغيرات التي تصاحب مرحلة الشيخوخة(1/4)
يصاحب مرحلة الكبر لدى الإنسان ضعف عام ، قال تعالى : } الله الَّذي خَلَقَكُم مِن ضَعفٍ ثمَّ جَعَلَ مِن بَعد ضَعفٍ قُوَّةً ثمَّ جَعَلَ مِن بَعدِ قُوَّةٍ ضَعفاً وَشَيبَةً يَخلُقُ مَا يَشَاءُ وَهُوَ العَلِيمُ القَدِيرُ { [ الروم 54 ] فالإنسان يمر بثلاث مراحل رئيسة: ضعف ، ثمَّ قوة ، ثمَّ ضعف ، ولكن هذا الضعف الأخير نسبي بين البشر عموماً والمؤمنين خصوصاً ، وسيتضح ذلك بعد عرضٍ موجز للتغيرات التي تصيب الإنسان في حالة كبره .
التغيرات الجسمية :
تظهر بعض التغيرات المرئية على جسم الإنسان في حالة تقدمه في السنّ مثل : تجعُّد الجلد وجفافه ، وثقل في السمع ، وضعف في البصر والشم والحواس بشكل عام ، وبطء الحركة ، وترهل بعض العضلات ، وتغير لون الشعر ، كما أن هناك تغيرات جسمية غير مرئية مثل ما يحدث من ضعف في العظام ، وانخفاض لحرارة الجسم نتيجة لقلة الحركة ، إضافة لارتفاع نسبة الإصابة ببعض الأمراض ، مثل : ارتفاع ضغط الدم ، والسكر ، والقبض المزمن (12).
التغيرات الاجتماعية :
أبرز ما تتصف به هذه التغيرات لدى المسنِّين تقلُّص علاقاتهم الاجتماعية ، إذ تقتصر على الأصدقاء القدامى ومن كان يسكن بقربه نظراً لصعوبة تنقلاته بسبب التغيرات الجسمية آنفة الذكر ، كما ينتج عن هذا التغير مظهر جديد في حياة المسنّ ألا وهو : الفراغ والعزلة ، وذلك نتيجة للانسحاب المتبادل بين المسن والمجتمع الذي يؤدي بدوره إلى ضيق الاتصال بالمجتمع ، وإلى تدهور المشاركة الاجتماعية لديه (13) وهذه المظاهر الجديدة في حياة المسنّ تساعد على بروز التغيرات النفسية التي فيما يلي عرضٌ لها :
التغيرات النفسية والانفعالية :(1/5)
ترتبط التغيرات النفسية بالتغيرات السابقة بشكل كبير ، وإن كان ارتباطها بالتغيرات الاجتماعية يبدو واضحاً بشكل أكبر ، وأبرز هذه التغيرات : تغيُّر مفهوم الفرد عن ذاته ، وبروز القلق والاكتئاب والملل كمظهر جديد في حياة المسنّ ، كما يصاحب ذلك توهم المرض ، وكثرة الشكوى ، والحساسية الزائدة ، والإعجاب بالماضي ، والعناد والشك ، وعدم الثقة في الآخرين ، كما تتغير اهتمامات المسنّ فتتركز حول الجوانب الشخصية ، إضافة إلى أن (( الاهتمامات الدينية تزيد مع التقدم في العمر )) (14) .
التغيرات العقلية :
من أبرز مظاهر هذه التغيرات لدى المسن ، ضعف الذاكرة والنسيان ، وبخاصة المعلومات الحديثة ، إضافة إلى ظهور خَرفَ الشيخوخة لدى البعض ، ويتمثل ذلك في تكرار الحديث مرات ومرات ، وعدم التعرف على الأبناء والأقارب، كما تضعف القدرة على الإدراك والتعلم (15).
التغيرات الاقتصادية :
عادة ما ينخفض دخل المسنّ وهذا عائد في الغالب إلى إحالته للتقاعد عند بلوغه السن النظامية ، وبالتالي يؤدي ذلك إلى عجزه عن تلبية العديد من الحاجيات ، وبخاصة إذا اقترن ذلك بتوقع إصابة المسن ببعض الأمراض وما تحتاجه من زيارات للطبيب وشراء الأدوية ، فهو يعاني من انخفاض في الدخل مع تزايد في الأعباء المالية ، ويصاحب ذلك الغلاء المتزايد للأسعار وضعف القوة الشرائية للنقود ، لذلك نرى بعض الدول تقوم بتعديل معاشات الأفراد المتقاعدين مرة كل سنة (16)، وكل ذلك لمواجهة هذه المتغيرات الاقتصادية في حياة المسنّ (17) .
ولقد أفاض ابن الجوزي - رحمه الله - في وصف وتحليل مرحلة الشيخوخة وما يصاحبها من التغيرات الجسمية والعقلية منها بخاصة ، وكان له بذلك السبق على غيره من العلماء الذين كتبوا عن هذه المرحلة (18).(1/6)
ولقد وصف أبو العريان ،الهيثم بن الأسود النخعي حالة من كبرت سنُّه نثراً وشعراً عندما سأله صاحبه عن حاله ، فقال : (( أجدني قد ابيضّ مني ما كنت أحب أن يسودّ ، واسودّ مني ما كنت أحب أن يبيضّ ، ولان مني ما كنت أحب أن يشتدّ ، واشتدّ مني ما كنت أحب أن يلين ، و أجدني يسبقني من بين يديّ ، ويدركني من خلفي ، وأنسى الحديث ، وأذكر القديم ، وأنعس في الملأ، وأسهر في الخلاء ، وإذا قمتُ قربت الأرض مني ، وإذا قعدتُ بعدت عني )) ، ثمَّ أنشد شعراً :
فاسمع أنبئك بآيات الكبر
تقارب الخطو وضعف البصر
وقلة الطعم إذا الزاد حضر
وكثرة النسيان ما بي مُدّكر
وقلة النوم إذا الليل اعتكر
أوله نومٌ وثلثاه سهر
وسعلة تعتادني مع السحر
وتركي الحسناء في حين الطُهر
وحذراً أزداده إلى حذر
والناس يبلون كما يبلى الشجر (19)
وسأل الحجاج رجلاً من بني ليث ، قد بلغ سناً كبيرة ، قال : كيف طعمك ؟ قال : إذا أكلت ثقلت ، وإذا تركت ضعفت . قال : فكيف نكاحك ؟ قال : إذا بُذل لي عجزت ، وإذا منعت شرهت . قال : كيف نومك ؟ قال : أنام في المجمع وأسهر في المضجع . قال : كيف قيامك وقعودك ؟ قال : إذا أردت الأرض تباعدت منّي ، وإذا أردت القيام لزمتني . قال : كيف مشيتك ؟ قال : تعقلني الشعرة وأعثر بالبعرة .
ولبعض حكماء العرب قصيدة يصف فيها مراحل الإنسان العمرية التي يمر بها وحالته في كل مرحلة من المراحل ، يقول فيها (20):
ابنُ عشرٍ من السنين غلام
همه اللعبُ مولع بالحمامِ
وابنُ عشرين مولع بالغواني
لا يبالي ملامة اللوَّامِ
والذي يبلغ الثلاثين عاماً
فضروب لدى الوغى بالحسامِ
فإذا جاوزها بعشر سنين
كان أقوى من كل قرن مُسامِ
وابن خمسين للنوائب يرجى
ولنقض الأمور والإبرامِ
وابن ستين حازم الرأي طب
كامل العقل ضابط للكلامِ
وابن سبعين قد تولى وأودى
وتثنى فما له من قوامِ
والذي يبلغ الثمانين عاماً
ذاهب الذهن دائبُ الأسقامِ
وابن تسعين تائهٌ قد تناهى(1/7)
إن تسعين غاية الأعوامِ
فإذا جازها بعشر فحي
مثلُ ميت مودع بالسلامِ
ثالثاً : موقف الإسلام من التغيرات التي تصاحب مرحلة الشيخوخة
مما ذكر من المتغيرات تتضح عظمة القرآن ودقة تصويره للحالة التي قد يعيشها الإنسان في هذه المرحلة عندما وصفها الله عز وجل بأنها عودة إلى أرذل العمر في قوله تعالى : } واللهُ خَلَقَكُم ثمَّ يَتَوَفَّاكُم ومِنكُم مَّن يُرَدُّ إلى أَرذَلِ العُمُرِ لِكَي لا يَعلَمَ بَعدَ عِلمٍ شَيئاً إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ قَدِيرٌ { [ النحل : 70 ] . وأرذل العمر كما ذكر المفسرون هو : أخسّه وأدونه وآخره الذي تضعف فيه القوى ، وتفسد فيه الحواس ، ويختل فيه النطق والفكر ، ويحصل فيه قلة العلم وسوء الحفظ والخرف ، وخصّه الله بالرذيلة لأنه حالة لا رجاء بعدها لإصلاح ما فسد (21).
إلا أن من المفسرين من ذكر أن بعض المؤمنين يُستثنون من حالة الردّ إلى أرذل العمر . قال القرطبي رحمه الله : (( إن هذا لا يكون للمؤمن ـ يعني الخرف والرد إلى أرذل العمر ــ ، لأن المؤمن لا يُنزع عنه علمه )) (22)، وورد عن ابن عباس - رضي الله عنه - قوله : (( ليس هذا في المسلمين لأن المسلم لا يزداد في طول العمر والبقاء إلا كرامة عند الله وعقلاً ومعرفة )) ، كما نُقل عن عكرمة قوله : (( من قرأ القرآن لم يُرَد إلى أرذل العمر حتى لا يعلم بعد علم شيئاً )) (23) وقال طاووس : (( إن العالم لا يخرف )) (24) ، وذكر السيوطي عن عبد الملك بن عمير أنه قال : (( كان يقال : إن أبقى الناس عقولاً قُرّاء القرآن )) (25) . كما ذكر ابن أبي الدنيا عن الشعبي أنه قال : (( من قرأ القرآن لم يخرف )) (26) .(1/8)
وقال الشنقيطي عند تفسير الآية السابقة : (( إن العلماء العالمين لا ينالهم هذا الخرف وضياع العلم والعقل من شدة الكبر ، ويُستروح لهذا المعنى من بعض التفسيرات في قوله تعالى : } ثمَّ رَدَدنَاهُ أَسفَلَ سَافِلِينَ ( إِلا الَّذيِنَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصالحاتِ ... { [ التين : 5،6 ] وأن الاستثناء ( إلا الذين آمنوا ) فإنهم لا يصلون إلى حالة الخرف وأرذل العمر (27)، ولأن المؤمن مهما طال عمره فهو في طاعة وفي ذكر الله ، فهو كامل العقل ، وقد تواتر عند العامة والخاصة أن حافظ كتاب الله المداوم على تلاوته لا يُصاب بالخرف ولا بالهذيان )) (28).
وقال عكرمة عند تفسير قوله تعالى : } ثمَّ رَدَدنَاهُ أَسفَلَ سَافِلِينَ ( إِلاَّ الَّذيِنَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصالِحَاتِ ... { [ التين : 5،6 ] : (( ولا ينزل تلك المنزلة أحد قرأ القرآن ـ أي حفظه ـ )) (29) . ونُقل عن محمد بن كعب القرظي قوله : (( من قرأ القرآن مُتِّع بعقله وإن بلغ من العمر مائتي سنة))(30)، وجزم ابن فورك : (( أن صاحب البر تُنفى عنه الآفات في فهمه وعقله حال كبره )) (31).(1/9)
وما تقدم ذكره يتناول حفظ الله لعقل المسلم العامل الحافظ للقرآن ، أما عن حفظ الله لقوة المسلم عند كبره فقد ذكر ابن رجب عند شرحه لقوله ??? (( احفظ الله يحفظك ، احفظ الله تجده تجاهك ، تعرف على الله في الرخاء يعرفك في الشدة ... )) الحديث(32)، أن من (( حفظ الله في صباه وقوته حفظه الله في حال كبره وضعف قوته ، ومتعه بسمعه وبصره وحوله وقوته وعقله )) (33) ، وفي الحديث أن رسول الله ??? قال : (( عليكم بقيام الليل فإنه دأب الصالحين قبلكم ، وقربة إلى الله تعالى ، ومنهاة عن الإثم ، وتكفير للسيئات ، ومطردة للداء عن الجسد )) (34)، والشاهد هنا أن قيام الليل ـ وهو نوع من أنواع العبادة ـ يزيد في عافية البدن ويطرد الداء عن الجسد ، وبالتالي يمتعه الله بقوته . كما أظهرت الأبحاث الطبية الحديثة أن الصوم يُطيل مرحلة الشباب ويؤخر أعراض الشيخوخة (35).
وتروي كتب السِّيَر حوادث عديدة تأكيداً لذلك الأمر ، فهذا أبو الطيب الطبري قد جاوز المائة سنة وهو ممتّع بقوته وعقله ، فركب مرة سفينة فلما خرج منها قفز قفزة قوية لا يستطيعها الشباب فقيل له : ما هذا يا أبا الطيب ؟ فقال : ولِمَ ؟ وما عصيت الله بواحدة منها قط (36)، على العكس من ذلك رأى أحد السلف شيخاً يسأل الناس فقال : إن هذا ضيّع الله في صغره ، فضيعه الله في كبره (37).(1/10)
وعلى كل حال فغالب المسلمين لا يصلون إلى هذه المرحلة التي تحدث فيها هذه التغيرات ، وهذا التدهور الصحي ، والبدني ، والنفسي ، ذلك أن أعمار المسلمين غالباً بين الستين إلى السبعين ، قال رسول الله ??? : (( أعمار أمتي ما بين الستين إلى السبعين ، وأقلهم من يجوز ذلك )) (38)، وهذا بشكل عام يشمل جميع المسلمين إلا أنه يمكننا القول أيضاً : أن المسلم المؤمن الحافظ لحدود الله، الحافظ للقرآن ، لا تصيبه المتغيرات التي تحدث للإنسان في مرحلة الشيخوخة وبخاصة التغيرات الجسمية والعقلية والنفسية ، وإن حدثت فهي أقل ولا شك مما يصيب الآخرين ، أو تتأخر فلا تحدث إلا في آخر أيامه . و مما يعضد هذا الرأي ما رواه ابن عمر - رضي الله عنهما - أنه قال : قلما كان رسول الله ??? يقوم من مجلس حتى يدعوا بهؤلاء الدعوات لأصحابه : (( اللهم اقسم لنا من خشيتك ما يحول بيننا وبين معاصيك ، ومن طاعتك ما تبلغنا به جنتك ، ومن اليقين ما تُهون به علينا مصيبات الدنيا ، ومتعنا بأسماعنا وأبصارنا وقوتنا ما أحييتنا ، واجعله الوارث منا ... الحديث )) (39). والوارث : هو الباقي ، والمراد إبقاء قُوَّتِه إلى وقت الكبر ، وروى الإمام مالك - رحمه الله - في الموطأ أن رسول الله ??? كان يدعو فيقول : (( اللهم فالق الإصباح وجاعل الليل سكناً .. امتعني بسمعي وبصري وقوتي في سبيلك )) (40)، والشاهد هنا : أنه لو لم تكن إمكانية إبقائها والتمتع بها إلى آخر لحظة في العمر واردة وممكنة لما دعا الرسول ??? بهذه الدعوات وشرع لأمته أن تدعو بها من بعده .(1/11)
يضاف إلى ذلك أن الرسول ??? دعا لبعض أصحابه بطول العمر ، ولو كان طول العمر شراً للمؤمن أو سوءًا ما دعا به ??? لأصحابه ، ولما شرع لأمته من بعده أن تدعو به ، ففي الحديث الذي يرويه أنسّ - رضي الله عنه - أن رسول الله ??? دعا له فقال : (( اللهم أكثر ماله وولده ، وأطل حياته ، واغفر له )) (41)، ولقد طالت حياته - رضي الله عنه - ، وعاش بعد هذه الدعوة، وتوفى وعمره قد جاوز المائة عام ، وفي الحديث الآخر أن أم قيس - رضي الله عنها - قالت : توفى ابني فجزعت عليه فقلت للذي يغسله : لا تغسل ابني بالماء البارد وتقتله ، فانطلق عكاشة بن محصن إلى رسول الله ??? فأخبره بقولها ، فتبسم ، ثمَّ قال : (( ما قالت طال عمرها )) قال فلا أعلم امرأة عمّرت ما عُمّرت(42)، بل عدَّ الرسول ??? طول العمر من السعادة ، فقد أخرج الإمام أحمد رحمه الله في مسنده ، أن الرسول ??? قال: (( ... وإن من السعادة أن يطول عمر العبد ويرزقه الله الإنابة ))(43). ولذا استدل كثير من العلماء بهذه الأحاديث لجواز الدعاء للإنسان بطول العمر .
كما أن الله يكافئ بعض عباده الأصفياء بإطالة أعمارهم وإحيائهم في عافية إلى أن يقبض أرواحهم ، روى عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه - أن رسول الله ??? قال : (( إن لله عباداً يضنُّ بهم عن الفناء ، ويطيل أعمارهم في حسن العمل ، ويحسن أرزاقهم ، ويحييهم في عافية ، ويقبض أرواحهم في عافية ... الحديث ))(44).(1/12)
ولقد دلنا الرسول ??? إلى بعض الأعمال التي بسببها يطول عمر الإنسان، وعدَّ إطالة العمر جزاء لهذه الأعمال الفاضلة ، ومن ذلك : بر الوالدين، وصلة الرحم ، وحُسن الخُلق ، وحُسن الجوار ، وتقوى الله . روى أنس بن مالك - رضي الله عنه - أن رسول الله ??? قال : (( من أحب أن يُبسط له في رزقه، ويُنسأ له في أثره فليصل رحمه )) (45)، قال ابن حجر : يُنسأ له في أثره أي : يؤخر في أجله (46)، وقال الترمذي : الزيادة في العمر (47). وحدثت عائشة - رضي الله عنها - أن النبي ??? قال : (( إنه من أُعطي حظّه من الرفق ، فقد أُعطي حظه من خير الدنيا والآخرة ، وصلة الرحم ، وحُسن الخلق ، وحسن الجوار يعمران الديار ويزيدان في الأعمار )) (48)، وروى سهل بن معاذ عن أبيه -رضي الله عنهما - قال : قال النبي ??? : (( من برَّ والديه طوبى له ، زاد الله عز وجل في عمره ))(49)، كما ورد عن الرسول ??? قوله: (( لا يرد القضاء إلا الدعاء ، ولا يزيد في العمر إلا البرَّ )) (50). ولقد فسَّر بعض العلماء رحمهم الله زيادة العمر بأنها البركة في العمر ، وبعضهم أوَّلَها بالذكر الحسن بعد وفاة الإنسان فلا يضمحلُّ ذكره في الدنيا سريعاً، وبعضهم قال : إن الزيادة في العمر هي الذرية الصالحة يدعون له من بعده(51).
وقيل أيضاً : إن الزيادة في العمر : نفي الآفات ، والزيادة في الأفهام والعقول والبصائر ، كما قيل إن المقصود بزيادة العمر : السعة في الرزق واليَسَار والزيادة فيه ، لأن الفقر موت ، كما في الأخبار : إن الله تعالى أعلم موسى عليه السلام ، بأنه يموت عدوّه ثمَّ رآه بعد ذلك ، ينسج الخوص ، فقال : يارب وعدتني أن تميته. قال : قد فعلت ، ذلك لأني أفقرته (52).(1/13)
والذي يترجح أن زيادة العمر الواردة في الآثار السابقة هي على حقيقتها، لكثرة القائلين به من الصحابة ، والتابعين ومنهم : عمر بن الخطاب ، وعبدالله بن مسعود ، وأبو وائل ، وكعب ، وجمع غفير (53). وهو القول الذي رجحه كل من شيخ الإسلام ابن تيمية ، والسيوطي ، وابن حجر ، وابن قتيبة ، وابن فورك ، وابن سعدي - رحمهم الله - (54) ولقد انتصر لهذا القول الأخير الشوكاني - رحمه الله- في رسالة نفيسة جمع فيها الأقوال ، ورجح أن الزيادة في العمر على حقيقتها إذا عمل الإنسان لذلك وقام بالأسباب التي تزيد في العمر والمذكورة في الآثار السابقة (55)، وكذلك ممن انتصر لهذا القول أحمد المفتي بغلبة - رحمه الله - وهو من علماء الدولة العثمانية في رسالة صغيرة (56).
وهناك من العلماء من قال بعدم الزيادة في العمر ، وذلك خروجاً من إشكال قد يرد وهو التعارض مع ما تقرر أن الآجال مضروبة ومقدرة ، أخذاً من حديث أم حبيبة زوج النبي ??? عندما قالت : اللهم أمتعني بزوجي رسول الله ??? ، وبأبي أبي سفيان ، وبأخي معاوية ، فقال رسول الله ??? : (( قد سألت الله لآجال مضروبة ، وأيام معدودة ، وأرزاق مقسومة ، لن يعجل شيئاً قبل حله ، أو يؤخر شيئاً عن حله ...)) الحديث (57).(1/14)
ولقد حقق الشيخ مرعي المقدسي - رحمه الله - هذه المسألة تحقيقاً مستفيضاً في رسالة جامعة أورد فيها أدلة القائلين بمنع الزيادة في العمر وأدلة القائلين بالزيادة في العمر ، وردود كل فريق على الآخر ، وانتهى إلى قول السيوطي - رحمه الله - : إنه قد تظاهرت الأحاديث والآثار على زيادة العمر ونقصه ، بالنسبة لما في اللوح المحفوظ ، أو برز إلى الملائكة ، لا بالنسبة إلى ما علم الله تعالى ، فإن علمه أزلي لا يتغير ، والأشياء كلها واقعة على وفق علمه في الأزل من غير زيادة ونقص . فعلم الله لا يتغير ولا يتبدل ، وما في اللوح المحفوظ يغير ويبدل ، وهذا ما يقول به كل من شيخ الإسلام ، وابن العربي المالكي ، وابن حجر ، والشوكاني ـ رحمهم الله ـ (58).
ويتلخص من كل ما سبق : أن الزيادة في العمر على حقيقتها ، له مستند من الشرع وهو مقتضى النصوص ، وبه قال عدد من الأئمة والعلماء - رحمهم الله - كما أنه أمر مرغوب وهو من السعادة في الإسلام إذا اقترن بالعمل الصالح ، ويُدعى به للآخرين ، بل يكافئ الله عز وجل بعض عباده بإطالة أعمارهم في الدنيا حين قيامهم ببعض الأعمال الفاضلة ، كما أن الله يُمتِّع عباده بقواهم وسمعهم وبصرهم وعقولهم إثر أعمال صالحة نشأوا عليها .
بقيت الإشارة في هذا الخصوص إلى أن هناك محاولات لعلاج أمراض الشيخوخة والهرم الذي يصيب بعض الناس في كبرهم ، وهذه المحاولات تكثر في العالم الغربي بشكل واضح ، وقد ينجرف معها بعض الأطباء المسلمين ، إلا أن هذه المحاولات مكتوب لها الفشل مسبقاً بنص حديث رسول الله ??? الذي رواه أسامة بن شريك - رضي الله عنه -أن الأعراب قالت : يا رسول الله ألا نتداوى ، قال (( نعم يا عباد الله تداووا ، فإن الله لم يضع داءً إلا وضع له شفاءً إلا داءً واحداً قالوا : يارسول الله وما هو قال : الهرم )) (59).(1/15)
ومن هنا يتضح أنه لا علاج للشيخوخة أو الهرم وفق حديث رسول الله ??? ، ولكن بالتزام الإنسان المسلم حدود الله ، وحفظه للقرآن قد تنعدم أعراض الشيخوخة أو تتأخر على الأقل ، أما علاجها بشكل كامل كما تجري المحاولات الآن فذاك مما لا يمكن .
الفصل الثاني
رعاية المسنِّين في الإسلام
أولاً : أسس رعاية المسنِّين في الإسلام .
ثانياً : رعاية الوالدين كمظهر من مظاهر رعاية المسنِّين .
ثالثاً : رعاية صديق الوالدين كمظهر من مظاهر رعاية المسنِّين .
رابعاً : رعاية المسنِّين في المجتمع المسلم .
خامساً : رعاية المسنِّين في الحروب من قبل الجيوش المسلمة.
سادساً : بعض الأحكام الشرعية الخاصة بالمسنِّين .
أولاً : أسس رعاية المسنِّين في الإسلام
تقوم رعاية المسنِّين في الإسلام على أسس عدة تنطلق منها أوجه الرعاية التي تُقدم لهذه الفئة من المجتمع ، وأبرز هذه الأسس ما يلي :
1-…الإنسان مخلوق مكرم ، ومكانته محترمة في الإسلام :
لقد أسجد الله له ملائكته حين خلقه ، قال تعالى : } إِذ قَالَ رَبُّكَ لِلمَلائِكَةِ إِنّيِ خَالِقٌ بَشَراً مّنِ طِينٍ ( فَإِذَا سَوَّيتُهُ وَنَفَختُ فِيهِ مِن رُوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ ( فَسَجَدَ المَلائِكَةُ كُلُهُم أَجمَعُونَ { [ ص : 71-73 ] ، وهو سجود إكرام وإعظام واحترام كما ذكر المفسرون (60)، وقال تعالى : } وَلَقَد كَرَّمنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلنَاهُم فِي البَرِ وَالبَحرِ ورَزَقنَاهُم مِّنَ الطَّيِبَاتِ وَفَضَّلنَاهُم عَلَى كَثِيرٍ مِّمّن خَلَقنَا تَفضِيلاً { [ الإسراء : 70 ] ، فالمسنُّ له منزلته ومكانته في الإسلام بشكل عام، إلا أنه مع ذلك له منزلة خاصة ستتبين في ثنايا هذا المبحث بإذن الله .
2-…المجتمع المسلم مجتمع متراحم متماسك متوادّ :(1/16)
قال تعالى : } مُحَمَّدٌ رَّسُولُ اللهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَينَهُم ... { الآية [ الفتح : 29 ] ، وقال تعالى واصفاً المؤمنين : } ثمَّ كَانَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا وتَوَاصَوا بِالصَّبرِ وتَوَاصَوا بِالمَرحَمَةِ { [ البلد : 17 ] ، ويصف الرسول ??? المؤمنين بأنهم كالجسد الواحد ، وذلك فيما رواه النعمان بن بشير - رضي الله عنهما - أن رسول الله ??? قال : ((ترى المؤمنين في تراحمهم وتوادهم وتعاطفهم كمثل الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر جسده بالسهر والحمى)) (61). وعن أنس - رضي الله عنه - أن النبي ??? قال : ((لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه)) (62)، وفي الحديث الصحيح أن رسول الله ??? قال : ((لا يرحم الله من لا يرحم الناس)) (63)، كما قال ??? : ((الراحمون يرحمهم الله ، ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء)) (64)، كما دلنا ??? على طريقة تكفل للمجتمع المسلم أن يكون مجتمعاً متحاباً فيما بينه ، ففي الحديث أن رسول الله ??? قال : ((والذي نفسي بيده لا تدخلون الجنة حتى تؤمنوا ، ولا تؤمنوا حتى تحابوا ، أوَلا أدلكم على شيء إذا فعلتموه تحاببتم ؟ أفشوا السلام بينكم))(65).
3-…إن جزاء الإحسان في الإسلام الإحسان :(1/17)
قال الله تعالى : } هَل جَزَاءُ الإِحسَانِ إِلاَّ الإِحسَانَ { [ الرحمن : 60 ] ، أي: هل جزاء من أحسن في عبادة الخالق ، ونفع عبيده ، إلا أن يحسن خالقه إليه بالثواب الجزيل ، والفوز الكبير والنعيم والعيش السليم (66). قال محمد بن علي (ابن الحنفية) - رحمه الله - في تفسير هذه الآية : هي مسجلة للبَّرِّ والفاجر(67) . و روى شداد بن أوس أن رسول الله ??? قال : ((إن الله كتب الإحسان على كل شيء ...)) الحديث (68). وعن أنس - رضي الله عنه - أن رسول الله ??? قال : (( ما أكرم شابٌ شيخاً لسنِّه إلا قيَّض الله له من يُكرمه عند سنِّه)) (69)، فهذا الحديث يبيِّن أن إحسان الشاب للشيخ يكون سبباً لأن يقيِّض الله للشاب من يكرمه عند كبره ، ومن العلماء من قال : إن في هذا الحديث دليل على إطالة عمر الشاب الذي يكرم المسنِّين (70).
4-…المجتمع المسلم مجتمع متعاطف متكاتف متعاون :
لقد حضَّ الإسلام وحرص على أن يجعل المجتمع المسلم متآزراً متعاوناً يشد بعضه بعضاً ، وذلك من خلال الحثَّ المتواصل لأفراده على خدمة بعضهم بعضاً ، وتفريج كرب إخوانهم المسلمين ، وإدخال السرور على أنفسهم ، وكفّ ضيعتهم، ورتَّب على ذلك الأجر الجزيل ، وعدَّه رسول الله ??? من أفضل الأعمال ، فعن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن رسول الله ??? سُئل: أي العمل أفضل ؟ قال : ((أفضل العمل أن تُدخل على أخيك المؤمن سروراً ، أو تقضي عنه ديناً ، أو تطعمه خبزاً)) (71). كما جعل عون الرجل لأخيه المسلم صدقة يتصدق بها عن نفسه في كل يوم ، فعن ابن عباس - رضي الله عنه - أن رسول الله ??? قال : ((في ابن آدم ستون وثلاثمائة سلامى أو عظم أو مفصل، على كل واحد في كل يوم صدقة، كل كلمة طيبة صدقة ، وعون الرجل أخاه صدقة ... )) الحديث (72).(1/18)
ولقد وصف رسول الله ??? حال المؤمن مع أخيه المؤمن في المجتمع بأبلغ عبارة وأدق وصف ، ففي الحديث أن النبي ??? قال : (( المؤمن مرآة أخيه ، والمؤمن أخو المؤمن يكفّ عليه ضيعته ، ويحوطه من ورائه )) (73) .
ويتواصل الحثُّ من الرسول ??? لأفراد المجتمع المسلم بأن يتعاونوا ويكونوا في خدمة بعضهم بعضاً ، روى جابر - رضي الله عنه - حديثاً عن الرسول ??? وفيه : (( ... ومن يكن في حاجة أخيه يكن الله في حاجته )) (74)، ويا له من عون للإنسان عندما يكون الله في حاجته ، ولكن ذلك لا يتحقق إلا حينما يكون المسلم في حاجة أخيه المحتاج لأي نوع من أنواع الحاجة .
ولقد وجَّه الرسول ??? أمته إلى نفع الناس وإدخال السرور على أنفسهم وكشف كربهم ، وعدَّ مَن يفعل ذلك بأنه أحب الناس إلى الله ، كما أخبر ابن عمر - رضي الله عنهما - أن رسول الله ??? قال : (( أحب الناس إلى الله تعالى أنفعهم للناس ، وأحب الأعمال إلى الله عز وجل سرور يدخله على مسلم ، أو يكشف عنه كربه ... )) الحديث (75).
5-المسِنّ المؤمن له مكانته عند الله ولا يُزاد في عمره إلاّ كان له خيراً :(1/19)
تضافرت الأحاديث الواردة عن الرسول ??? أن المؤمن لا يزاد في عمره إلا يكون خيراً له ، إضافة إلى أن المُسِنَّ المؤمن له مكانة خاصة تتمثل في تجاوز سيئاته وشفاعته لأهل بيته ، ففي الحديث أن رسول الله ??? قال : ((لا يتمنى أحدكم الموت ولا يدعُ به من قبل أن يأتيه إنه إذا مات أحدكم انقطع عمله وإنه لا يزيد المؤمن عمره إلا خيراً )) (76)، كما ورد عنه ??? أنه قال : (( ألا أنبئكم بخياركم. قالوا : بلى يا رسول الله . قال : خياركم أطولكم أعماراً إذا سددوا )) (77). وروى أبو هريرة - رضي الله عنه - أن رسول الله ??? قال : ((خياركم أطولكم أعماراً وأحسنكم أعمالاً )) (78)، وفي المسند أن رسول الله ??? قال : ((ليس أحد أفضل عند الله من مؤمن يُعمَّر في الإسلام لتسبيحه ، وتكبيره ، وتهليله )) (79). وثبت عنه ??? أنه قال: (( الخيرُ مع أكابركم )) (80). وأخرج الإمام أحمد رحمه الله في المسند عن أنس بن مالك - رضي الله عنه - أن رسول الله ??? قال : (( ما من مُعَمَّر يعمَّر في الإسلام أربعين سنة إلا صرف الله عنه ثلاثة أنواع من البلايا : الجنون ، والجذام ، والبرص ، فإذا بلغ خمسين سنة ليَّن الله عليه الحساب ، فإذا بلغ ستين سنة رزقه الله الإنابة إليه بما يُحب ، فإذا بلغ سبعين سنة أحبه الله وأحبه أهل السماء ، فإذا بلغ الثمانين قَبِل الله حسناته وتجاوز عن سيئاته ، فإذا بلغ تسعين غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر وسمِّي أسير الله في أرضه وشفع لأهل بيته )) (81)، وعن عبد الله بن بسر قال : أتى النبي ??? أعرابيان فقال أحدهما : من خير الرجال يا محمد ؟ . قال النبي ??? : (( من طال عمره وحسن عمله ...)) (82)، وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال : كان رجلان من (بلي) ـ حيّ من قضاعة - أسلما مع رسول الله ??? ، فاستشهد أحدهما وأُخر الآخر سنة قال طلحة بن عبيد الله - رضي الله عنه - فرأيت الجنة فرأيت المؤخر منهما أُدخل الجنة قبل(1/20)
الشهيد فتعجبت لذلك فأصبحت ، فذكرت ذلك للنبي ??? فقال رسول الله ??? (( أليس قد صام بعده رمضان ، وصلى ستة آلاف ركعة ، وكذا وكذا ركعة صلاة سنة )) (83).
وفي الحديث أنَّ الرسول ??? قال : (( إن الله يحب أبناء السبعين ويستحي من أبناء الثمانين )) ، وقال المناوي : أي يعاملهم معاملة المستحي بأن لا يعذبهم فليس المراد حقيقة الحياء الذي هو انقباض النفس عن الرذائل (84).
6-…توقير الكبير والتشبه به سمة من سمات المجتمع المسلم :
يتصف المجتمع المسلم بصفات كريمة ، منها : توقير الكبير في السن ، وقد تواتر حثُّ رسول الله ??? على إكرام الكبير ، وتوقيره ، ومن ذلك ما أخرجه البخاري - رحمه الله - أن رسول الله ??? قال : (( إن من إجلال الله إكرام ذي الشيبة المسلم ... )) (85)، كما أخرج الترمذي - رحمه الله - عن أنس - رضي الله عنه - قال : جاء شيخ يريد النبي ??? فأبطأ القوم عنه أن يوسعوا له، فقال النبي ??? : (( ليس منا من لم يرحم صغيرنا ويوقِّر كبيرنا )) (86)، وذكر بعض العلماء أن مقتضى هذه الصيغة وهي قول الشارع عليه الصلاة والسلام (( ليس منا .. )) التحريم ، ومن العلماء من جعلها كبيرة (87).
و عن أنس - رضي الله عنه - أنه قال (( ... جاء أبو بكر بأبيه أبي قحافة إلى رسول الله ??? يوم فتح مكة يحمله حتى وضعه بين يدي رسول الله ??? فقال رسول الله ??? لأبي بكر : لو أقررت الشيخ في بيته لأتيناه ... )) (88)..
وذكر ابن حجر - رحمه الله - حديثاً فيه توجيه إلهي كريم باحترام الأكابر وتقديرهم وهو قول الرسول ??? : (( أمرني جبريل أن أقدم الأكابر))(89). كما أورد الهيثمي عن معاذ بن جبل أن رسول الله ??? قال : ((إذا أتاكم كبير قوم فأكرموه )) (90). وفي الأثر ( من السنة أن يوقّر أربعة : العالم، وذو الشيبة ، والسلطان ، والوالد ... ) (91).
7-…المسنُّ ذو الشيبة المسلم له منزلة ومكانة متميزة في الإسلام :(1/21)
وذلك بما ألبسه الله من ثياب الوقار بشيبه ، فلقد روى كعب بن مرة - رضي الله عنه - أنه سمع رسول الله ??? يقول : (( من شاب شيبة في الإسلام كانت له نوراً يوم القيامة )) الحديث (92)، وعن أبي موسى - رضي الله عنه - قال: قال رسول ??? : (( إن من إجلال الله تعالى إكرام ذي الشيبة المسلم ...)) الحديث (93)، كما روى عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده - رضي الله عنه - أنه قال : نهي رسول الله ??? عن نتف الشيب ، وقال : (( هو نور المؤمن )) ، وقال : (( ما شاب رجل في الإسلام شيبة إلا رفعه الله بها درجة ، ومحيت عنه بها سيئة وكتبت له بها حسنة )) (94). وفي الموطأ عن سعيد بن المسيب - رحمه الله - أنه قال : (( كان إبراهيم - عليه السلام - أول الناس ضيَّف الضيف ، وأول الناس اختتن ، وأول الناس قصَّ الشارب ، وأول الناس رأى الشيب فقال : يارب ما هذا ؟ فقال الله تبارك وتعالى : وقار يا إبراهيم ، فقال : يارب زدني وقاراً))(95).
وقد تقدم حديث أنس بن مالك - رضي الله عنه - أن رسول الله ??? قال: (( ما من مُعمَّر يعمَّر في الإسلام أربعين سنة إلا صرف الله عنه ثلاثة أنواع من البلايا ، الجنون والجذام والبرص ، فإذا بلغ خمسين سنة ليَّن الله عليه الحساب ، فإذا بلغ ستين سنة رزقه الله الإنابة إليه بما يُحب ، فإذا بلغ سبعين سنة أحبه الله وأحبه أهل السماء ، فإذا بلغ الثمانين قبل الله حسناته وتجاوز عن سيئاته ، فإذا بلغ تسعين غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر ، وسُمي أسير الله في أرضه ، وشفَّع لأهل بيته )) (96). وعنه - رضي الله عنه - أنه قال : (( لقد قبض الله عز وجل رسوله وما فضحه بالشيب ، ما كان في رأسه ولحيته يوم مات ثلاثون شعرة بيضاء ، وقيل له : أفضيحة هو ؟ قال أما أنتم فتعدونه فضيحة وأما نحن فكنا نعده زيناً )) (97).
8-…وجوب تقديم الرعاية الشاملة للمُسنّ من قبل الدولة :(1/22)
ذلك أن المُسِنَّ يدخل ضمن الرعية التي يُعَدُّ إمام المسلمين راعياً لهم ومسؤولاً عنهم ، كما في حديث عبد الله بن عمر - رضي الله عنهما - أنه سمع رسول الله ??? يقول : (( كلكم راع ومسؤول عن رعيته ، فالإمام راع وهو مسؤول عن رعيته ... )) الحديث (98) ، وهذه المسؤولية التي تلزم إمام المسلمين تجاه رعيته ومن بينهم المسنِّين ، هي مسئولية شاملة لجوانب الرعاية كلها وما تحمله من وجوه ومعانٍ فالرعاية اقتصادية ، واجتماعية ، وطبية ، ونفسية، فعن معقل بن يسار - رضي الله عنه - قال : سمعت رسول الله ??? يقول : (( ما من عبدٍ يسترعيه الله رعية ، فلم يُحطها بنصحه ، إلا لم يجد رائحة الجنة )) (99). ومعنى (لم يحطها) : لم يتعهد أمرها ويحفظها .
وفي صحيح مسلم أن رسول الله ??? قال : (( ما من أمير يلي أمر المسلمين لا يجهد لهم وينصح إلا لم يدخل معهم الجنة )) (100). كما أن ولي أمر المسلمين هو المسؤول الأول والأخير عن الضعفاء في المجتمع ، فقد روى جابر - رضي الله عنه - أن رسول الله ??? قال : (( من ترك مالاً فلورثته ، ومن ترك ديناً أو ضياعاً(101) فعَليَّ وإليَّ وأنا أولى بالمؤمنين )) (102).
ثانياً :
رعاية الوالدين باعتبارها مظهر من مظاهر رعاية المسنِّين(1/23)
لقد أوصى الله بالوالدين خيراً ، وأمر ببرِّهما وجعل الإحسان إليهما قرين عبادته ، قال تعالى : } وَقَضَى رَبُكَ أَلاَّ تَعْبُدُوا إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً{..... [ الإسراء : 23 ] ، كما جعل شكره قريناً لشكر الوالدين ، قال تعالى : } وَوَصَّيْنَا الإِنسَانَ بِوَالدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُهُ وَهْناً عَلَى وَهْنٍ وَفِصَاُلُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ { [ لقمان : 14 ] ، وفي جعل الشكر لهما مقترناً بالشكر لله دلالة على أن حقَّهما من أعظم الحقوق على الولد وأكبرها وأشدها (103)، وعكس ذلك فقد جعل الشرك قرين العقوق لهما ، فلقد روى أنس - رضي الله عنه - أن الكبائر ذُكرت عند رسول الله ??? فقال : (( الشرك بالله ، وقتل النفس ، وعقوق الوالدين ...)) (104).
ولقد نهى الله عز وجل عن نهرهما بأدنى الكلمات ، وهي : أف ، ونقل السيوطي عن الديلمي أن الحسن بن علي - رضي الله عنهما - قال : (( لو علم الله شيئاً من العقوق أدنى من أف لحرّمه )) (105). ولقد أتى بِرُّ الوالدين في المرتبة الثانية بعد الصلاة في محبة الله، لِما رواه ابن مسعود - رضي الله عنه - قال: (( سألت رسول الله ??? : أي العمل أحب إلى الله ؟ قال : الصلاة على وقتها . قال ثمَّ أي ؟ قال : ثمَّ بر الوالدين . قال : ثمَّ أي ؟ قال : الجهاد في سبيل الله))(106).
والوالدان هما مفتاح الجنة للابن فببرهما يدخل الجنة وبخاصة من أدرك أبويه عند الكبر ، لحديث الرسول ??? : (( رغم أنفه ، ثمَّ رغم أنفه ، ثمَّ رغم أنفه . قيل مَنْ يارسول الله ؟ قال : من أدرك والديه عنده الكبر أحدهما أو كليهما ثمَّ لم يدخل الجنة )) (107).(1/24)
ولقد قدَّمَ الرسول ??? برهما على الجهاد في سبيل الله الذي هو ذروة سنام الإسلام ، ففي الحديث أن رجل جاء إلى النبي ??? يستأذنه في الجهاد فقال : (( أحيّ والداك ؟ قال نعم . قال : ففيهما فجاهد )) (108).
ثمَّ جعل الله تعالى رضاه في رضا الوالدين ، وسخطه في سخطهما ، قال رسول الله ??? : (( رضا الرب في رضا الوالد ، وسخط الرب في سخط الوالد))(109)، بل جعل للوالد حرية التصرف في مال الابن أخذاً من حديث جابر ابن عبد الله - رضي الله عنه - : (( أن رجلاً قال : يا رسول الله : إن لي مالاً وولداً ، وإن أبي يريد أن يجتاح - يستأصل - مالي ، فقال رسول الله ??? : أنت ومالك لأبيك )) (110).
قال الترمذي : (( والعمل على هذا عند بعض أهل العلم من أصحاب النبي ??? وغيرهم ، قالوا : إن يد الوالد مبسوطة في مال ولده يأخذ ما يشاء ، وقال بعضهم : لا يأخذ من ماله إلا عند الحاجة إليه )) أهـ (111).
ولقد بين الرسول ??? أن بر الوالدين سبب لإطالة العمر وزيادة الرزق، أخرج أحمد في المسند عن أنس - رضي الله عنه - أن رسول الله ??? قال : (( من أحبَّ أن يُمد له في عمره وأن يزاد له في رزقه فليبر والديه وليصل رحمه )) (112)، ومهما بذل الإنسان من عمل فلن يجزي والده إلا أن يجده مملوكاً فيشتريه ويعتقه كما أخبر بذلك الرسول ??? (113). ويؤكد ذلك ما ذكره ابن حجر: أن رجلاً كان في الطواف حاملاً أمه يطوف بها ، فسأل النبي ??? : هل أديت حقها ؟ قال : (( ولا بزفرة واحدة))(114)، وعند البخاري في الأدب المفرد أن الذي أجاب السائل هو ابن عمر وليس الرسول ??? (115).(1/25)
إن بر الوالدين لا يقتصر على الوالد المسلم أو الأم المسلمة ، بل الابن مطالب ببرهما حتى وإن كانا كافرين ، وليس هذا فحسب ، بل وإن جاهداه ليشرك بالله فعليه واجب برهما من غير طاعة لهما في الشرك . روى الإمام مسلم في صحيحه عن مصعب بن سعد عن أبيه سعد بن أبي وقاص : أنه نزل فيه آيات من القرآن قال : حلفت أم سعد أن لا تكلمه أبداً حتى يكفر بدينه ، و لا تأكل ولا تشرب ، قالت : زعمت أن الله وصاك بوالديك وأنا أمك وأنا آمرك بهذا ، قال : فمكثت ثلاثاً حتى غشي عليها من الجهد ، فقام ابن لها يقال له عمارة ، فسقاها ، فجعلت تدعو على سعد ، فأنزل الله عز وجل هذه الآية } ووصينا الإنسان بوالديه حُسناً . وإن جاهداك على أن تشرك بي { ... وفيها : }وصاحبهما في الدنيا معروفا { .. الحديث (116).
وهذه أسماء بنت أبي بكر - رضي الله عنهما - تقدم عليها أمها ( قتيلة بنت عبد العُزَّى ) وهي كافرة ، فتستفتي رسول الله ??? قائلة له : (( إن أمي قدمت وهي راغبة )) ، وفي رواية : (( وهي راغمة )) - أي : ساخطة وكارهة للإسلام - (( أفأصل أمي ؟ قال : نعم . صلي أمك )) (117). ونزل قوله تعالى : }لا يَنْهَاكُمُ اللهُ عَنِ الَّذِيَن لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدّيِنِ ... الآية { [ الممتحنة : 8 ] .
ولا يمنع كُفر الوالدين برَّ الأبناء بهما ، ولا حتى نفاق الوالدين وهو أشد من الكفر ، ففي الحديث (( أن رسول الله ??? مرّ على عبد الله بن أبي بن سلول وهو في ظل ، فقال : غبَّر علينا ابن أبي كبشة . فقال ابنه عبد الله بن عبد الله : والذي أكرمك وأنزل عليك الكتاب لئن شئت لآتينك برأسه . فقال رسول الله ??? : لا ولكن برّ أباك وأحسن صحبته )) (118).(1/26)
ويستمر البرُّ بالوالدين الكافرين حتى بعد مماتهما فعن علي - رضي الله عنه - أنه أتى النبي ??? فقال : إن أبا طالب مات . فقال له ??? (( اذهب فواره )) . فقال : إنه مات مشركاً ، فقال : (( اذهب فواره ... )) وفي الحديث أن عليّا - رضي الله عنه - عاد إلى رسول الله ??? بعد ما واراه ، فدعا له الرسول ??? (119)، وأخذاً من هذا الحديث فإنه يشرع للمسلم أن يتولى دفن قريبه المشرك ، وأن ذلك لا ينافي بغضه إياه لشركه ، ودفن الولد أبيه المشرك أو أمه المشركة هو آخر ما يملكه الولد من حسن صحبة الوالد المشرك في الدنيا (120).
ولقد تمثَّل المسلمون تلك التوجيهات وتعدَّدت قصصهم في ذلك فهذا محمد بن المنكدر - رحمة الله - يقول : ( بات عمر أخي يصلي وبت أغمز رجل أمي ، وما أحب أن ليلتي بليلته ) (121)، فلقد فضّل تغميز قدميّ أمه على قيام الليل، وما ذلك إلا لفقهه رحمه الله .
وأخرج عبد الرزاق في ( المصنف ) عن طاووس قال : ( كان رجل له أربعة بنين فمرض ، فقال أحدهم : إما أن تمرضوه ، وليس لكم من ميراثه شيء، وإما أن أمرضه وليس لي من ميراثه شيء ، قالوا : بل مرّضه وليس لك من ميراثه شيء، فمرّضه حتى مات ، ولم يأخذ من ماله شيئاً ) (122). فلقد تنازل عن نصيبه من الميراث حتى يضمن قيامه بآخر حق لوالده عليه .
والمرأة التي غفر الله لها كما أخبر بذلك الرسول ??? إنما كان بسبب برها بوالديها ، ذلك أنه كان لها أم عجوز كبيرة فجاءهم النذير أن العدو يريد أن يغير عليكم الليلة ، فارتحلوا ليلحقوا بعظيم قومهم ولم يكن معها ما تحتمل عليه، فعمدت إلى أمها ، فجعلت تحملها على ظهرها ، فإذا أعيت وضعتها ، ثمَّ ألصقت بطنها ببطن أمها ، وجعلت رجليها تحت رجلي أمها من الرمضاء حتى نجت فغفر الله لها (123).(1/27)
وعلى كل حال فما سبق من الآثار والأحاديث في بر الوالدين يتضح لنا أمراً جلياً آخر مصاحب للبر وهو أن كل هذه الرعاية التي تقدم للوالدين يمكننا أن نعدها مظهراً من مظاهر رعاية المسنِّين في المجتمع المسلم ، إذ الغالب الأعم أن الوالدين كبيران في السن ، فإلى جانب البر الذي أمر الله به للوالدين نجد هناك رعاية للمسن في المجتمع ، وهذا النوع من أظهر أنواع رعاية المسنِّين في المجتمع المسلم لوجوده في غالب أُسره .
ولقد دلَّس الشيطان على بعض الأبناء وأوحى إليهم أن الرعاية التي تقدمها الدولة أو الجمعيات الخيرية من خلال دور رعاية المسنِّين أفضل وأشمل من الرعاية التي يقدمها الأبناء ، وبخاصة إذا كان الابن فقيراً ، ومن هنا يسوغ له أن يودعهما الدار أو أحدهما براً بهما وخدمة لهما حسب ظنه .... ، ولقد صدرت الفتوى بعدم جواز التخلِّي عن الوالدين أو أحدهما بحجة أن الخدمة التي تقدمها الدولة لهم من خلال دور رعاية المسنِّين أفضل وأشمل من الخدمة والرعاية التي قد يقدمها لهما الأبناء في المنزل بسبب فقر الأبناء ، لأن ولاية الدولة ولاية عامة ، وولاية الولد ولاية خاصة ، وهذه الولاية الخاصة أوجب وألزم من الولاية العامة (124) .
ثالثاً : رعاية صديق الوالدين بوصفهما مظهراً من مظاهر رعاية المسنِّين في الإسلام(1/28)
لقد أوصى الإسلام ببر الوالدين في حياتهما ، كما فتح باب البر حتى بعد وفاتهما ، وجعل من أبواب برهما صلة صديقهما بعد وفاتهما، ففي الحديث أن رسول الله ??? قال : ((من البر أن تصل صديق أبيك )) (125)، بل عده الرسول ??? من أبرِّ البر، أخرج الإمام مسلم عن ابن عمر - رضي الله عنهما - أن رسول الله ??? قال : ((إن من أبر البر صلة الرجل أهل ودِّ أبيه )) (126)، وإضافة إلى كونها صلة لصديق الأب فهي إكرام لصديق الوالدين أيضاً ، وهذه خصلة زائدة على الصلة ، فلقد روى البخاري أن أبا أسيد - رضي الله عنه - قال : (( كنا عند النبي ??? فقال رجل : يا رسول الله : هل بقي من بر أبوي شيء بعد موتهما ؟ قال : نعم . خصال أربع : الدعاء لهما، والاستغفار لهما ، وإنفاذ عهدهما ، وإكرام صديقهما .... )) (127).
وهذا أمر صريح من الرسول ??? بحفظ ودّ الأب ؛ ولذا حذر من قطعه بالعقوبة فقال ??? : (( احفظ ودّ أبيك لا تقطعه فيطفئ الله نورك )) (128) .
ولقد تمثل المجتمع الإسلامي الأول ذلك البر وتعامل معه واقعاً عملياً وتطبيقياً فيروي لنا الإمام مسلم في صحيحه أن عبد الله بن عمر - رضي الله عنهما - كان إذا خرج إلى مكة له حمار يتروح عليه إذا ملّ ركوب الراحلة ، وعمامة يشدّ بها رأسه ، فبينما هو يوماً على ذلك الحمار ، إذ مر به أعرابي فقال : ألست ابن فلان ابن فلان ؟ قال : بلى. فأعطاه الحمار ، وقال : اركب هذا ، والعمامة قال : اشدد بها رأسك، فقال له بعض أصحابه : غفر الله لك أعطيت هذا الأعرابي حماراً كنت تتروح عليه ، وعمامة كنت تشد بها رأسك ، فقال : إني سمعت رسول الله ??? يقول : (( إن من أبر البر صلة الرجل أهل ودِّ أبيه بعد أن يولي وإن أباه كان صديقاً لعمر - رضي الله عنه - )) (129).(1/29)
وبلغ بهم الأمر أن يسافر أحدهم ليصل أصدقاء أبيه ، ففي المسند أن يوسف بن عبد الله بن سلام قال : (( أتيت أبا الدرداء في مرضه الذي قُبض فيه ، فقال لي : يا ابن أخي : ما أعمدك إلى هذا البلد ؟ أو ما جاء بك ؟ قال : قلت : لا . إلا صلة ما كان بينك وبين والدي عبدالله بن سلام .... )) (130).
وها هو عبد الله بن عمر - رضي الله عنهما - يكرّر الأمر مع أبي بردة ، فعن هدبة بن خالد عن أبي بردة قال : قدمت المدينة فأتاني عبدالله بن عمر فقال : أتدري لم أتيتك ؟ قال : قلت : لا . قال : سمعت رسول الله ??? يقول : (( من أحب أن يصل أباه في قبره فليصل إخوان أبيه بعده ))، وأنه كان بين أبي عمر وبين أبيك إخاء وودٌّ(131) ، فأحببت أن أصل ذلك .
إن رعاية المسنِّين قد لا تبدو ظاهرة من هذه الآثار ، ولكن بتأمل بعض جوانبها يتضح لنا ذلك ، فمما لا شك فيه أن صديق الوالدين في الغالب الأعم كبير السن ، فعندما يقوم المسلم بصلة صديق والديه وإكرامه فهو في حقيقة الأمر قام برعاية لمسن في المجتمع ، إلى جانب بره بوالديه ، وهذه إحدى صور البر الرائعة في المجتمع المسلم ، والتي تساعد أفراد المجتمع على القيام بدمج المسن في المجتمع ، كما يؤدي ذلك إلى القضاء على العزلة التي قد يمر بها كبير السن أو يشعر بها ، وبهذا التوجيه الكريم استطاع الإسلام أن يخفف من آثار التغيرات الاجتماعية التي يمر بها المسنُّ والتي ذكرت في الفصل السابق ، وليس هذا فحسب بل والتغيرات النفسية ، لأن بينهما علاقة تأثيرية متبادلة كما ذُكر .(1/30)
فحين يزور أفراد المجتمع أصدقاء آبائهم فهم بذلك يبرُّوا آباءهم، وذلك يعني أن الجيل المتوسط في المجتمع قد ارتبط تلقائياً بجيل كبار السن، وأصبح المِسنُّون جزءً لا يتجزأ من المجتمع بخلاف ما يحدث في المجتمعات غير المسلمة ، إذ تطالعنا الأخبار بين حين وآخر عما يحدث لبعض المسنِّين هناك ، فهذا مسنٌّ يبقى متوفياً داخل شقته لمدة أربع سنوات ولم تكتشف جثته إلا صدفة (132). أترى لو كان أبناء أصدقائه يزورونه ويصلونه هل سيصل إلى هذه الحالة ؟!! وهذا تقرير يصدر عن وزارة الأسرة والشبيبة والكهولة في ألمانيا جاء فيه : أن هناك (440 ) ألف مسنّ تعرضوا لإيذاء جسدي ومعاملة سيئة مرة واحدة على الأقل عام 1993م (133) ، والغريب في الأمر أن ذلك الإيذاء صادر من أفراد الأسرة ، فهل ينتظر من أفراد الأسرة تلك صلة صديق والدها ؟
وهذه عجوز تموت جوعاً في شقتها بسبب ابنها الذي قطع عنها الماء والكهرباء والغاز ، وأصبحت رهينة شقتها عاجزة عن الحركة حتى اكتشف الجيران أمرها ، ولكن بعد فوات الأوان ! ويضيف الخبر أن أقرباء المسنَّة لم يبدوا أيَّ اهتمام تجاه الأمر (134) !!
ولا يقتصر الأمر على العالم الغربي فحسب ! بل حتى العالم الشرقي عمّه هذا البلاء ، فقد ذكرت مجلة ( فوكوس ) اليابانية أنه عُثر على جثّة مسن بعد مضي سنة ونصف من وفاته في شقته بأحد الأحياء الراقية جداً في مدينة طوكيو ، وهذه مسنة عثر عليها في شقتها بمدينة طوكيو وقد ماتت جوعاً ، وأشدها غرابة ذلك العجوز الذي توفي وقد تجاوز عمره التسعين عاماً ، إلا أن أحداً لم يدر بموته إلا بعد خمسة أيام، ومبعث الاستغراب أنه مات في دار خاصة بالمسنِّين في مدينة (سابور) باليابان ولم يشعر العاملون بموته رغم وجوده في دار خاصة برعايته والعناية به !!! ، وقد علم بوفاته بعض أفراد عائلته عندما جاؤا لزيارته ، (135).
رابعاً : رعاية المسنِّين في المجتمع المسلم(1/31)
للمسنّ مكانته المتميزة في المجتمع المسلم ، فهو يتعامل معه بكل توقير واحترام ، يحدوه في ذلك قول الرسول ??? (( ليس منا من لم يرحم صغيرنا ويوقّر كبيرنا )) (136)، ويظهر ذلك التوقير والاحترام في العديد من الممارسات العملية في حياة المجتمع المسلم ، وجميع هذه الممارسات لها أصل شرعي ، بل فيها حث وتوجيه نبوي فضلاً عن ممارساته ??? مع المسنِّين وتوجيه أصحابه نحو العناية بالمسنِّين ، وتوقيرهم واحترامهم وتقديمهم في أمور كثيرة ، فها هو ??? يأمر خادمه أنساً - رضي الله عنه - صراحة بذلك ففي الحديث : (( يا أنس ارحم الصغير ووقر الكبير ... )) الحديث (137)، وفي إلقاء السلام أمر ??? أن (( يسلم الصغير على الكبير ... )) الحديث (138) ، وأن يبدأ الصغير بالتحية ويلقيها على الكبير احتراماً وتقديراً له . وفي الكلام أمر ??? ، ألا يتكلم الصغير في أمر دون الكبير ، روى رافع بن خديج وسهل بن أبي حثمة أن عبد الله بن سهل ومحيصة بن مسعود أتيا خيبر فتفرقا في النخل ، فقتل عبد الله بن سهل فجاء عبدالرحمن بن سهل وحويصة ومحيصة أبناء مسعود إلى النبي ??? فتكلموا في أمر صاحبهما فبدأ عبدالرحمن وكان أصغر القوم ، فقال النبي ??? : (( كبر الكُبَر . قال يحيى - أحد رواة الحديث - يعني ليلي الكلام الأكبر ... )) (139) ففي هذا الحديث إرشاد إلى الأدب في تقديم كبار السن في الحديث .
ولقد أمر ??? أن يُبدأ بتقديم الشراب للأكابر ففي الحديث أن رسول الله ??? إذا سُقي قال : (( أبدؤا بالكبراء أو قال : بالأكابر (140) ، ولقد مارس ذلك ??? عملياً تقول عائشة - رضي الله عنها - : (( كان يستنُّ وعنده رجلان فأوحى إليه : أن أعطِ السواك الأكبر (141) وقال ابن بطال : فيه تقديم ذي السن في السواك ، ويلحق به الطعام والشراب والمشي والكلام )) (142) .(1/32)
وفي فعله ??? عندما أتاه عيينة بن حصن وعنده أبو بكر وعمر - رضي الله عنهم - وهم جلوس جميعاً على الأرض فيدعوا لعيينة بنمرقة - وسادة - فأجلسه عليها ، وقال : (( إذا أتاكم كريم قوم فأكرموه )) ، وفي رواية أخرى : ((إذا أتاكم كبير قوم فأكرموه )) (143)، وعند الحاكم أن رسول الله ??? كان يأتي ضعفاء المسلمين ويزورهم ويعود مرضاهم ، ويشهد جنائزهم (144) ، ولا شك أن المسنِّين في المجتمع هم من ضعفاء المسلمين . ولمكانة المسن ووقاره حثّ رسول الله ??? الشباب على التشبه بكبار السن لما لديهم من خصال لا تكون عند الشباب غالباً ، فمما روي عنه ??? قوله: (( خير شبابكم من تشبَّه بكهولكم ... )) (145)، أي : التشبه في سيرتهم فإنه يغلب عليهم الوقار والحلم .
وهكذا فالمسن له مكانته في حياة الرسول ??? ، ولقد اتبع ذلك أصحابه - رضي الله عنهم - ومن بعدهم ، فهذا عمر الفاروق - رضي الله عنه- يتعاهد امرأة عجوزاً في بيتها ، فتورد كتب التاريخ أن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - خرج في سواد الليل ، فرآه طلحة ، فذهب عمر فدخل بيتاً ثمَّ دخل بيتاً آخر ، فلما أصبح طلحة ذهب إلى ذلك البيت ، فإذا عجوز عمياء مقعدة . فقال لها : (( ما بال هذا الرجل الذي يأتيك ؟ قالت : إنه يتعاهدني منذ كذا وكذا ، يأتيني بما يصلحني ويخرج عني الأذى ... )) (146).
ولقد تطبّع أفراد المجتمع المسلم بذلك الخلق وتوارثوا توقير الكبير واحترامه وتقديره ، واتباعاً لسنة رسولهم ??? ، فكان الإمام أحمد بن حنبل - رحمه الله - من أشد الناس توقيراً لإخوانه ولمن هو أسن منه ، فقد روى عنه المروزي أنه جاءه أبو همام راكباً على حماره ، فأخذ له الإمام أحمد بالركاب . وقال المروزي : رأيته فعل هذا بمن هو أسن منه من الشيوخ (147).(1/33)
وذكر ابن الجوزي عن ابن سعيد الأشج أنه قال : (( حدثنا ابن إدريس، عن ليث ، قال : كنت أمشي مع طلحة بن مصرف فقال : لو كنت أسن مني بليلة ما تقدمتك )) (148) ، فهذا خلقهم فالأسن مقدم ولو كان الفارق ليلة فكيف بسنة أو سنوات ؟! فذلك من باب أولى ، وروى الحسن بن منصور قال : كنت مع يحيى وإسحاق بن راهويه يوماً نعود مريضاً فلما حاذينا الباب تأخر إسحاق ، وقال ليحيى : تقدم أنت ، قال : يا أبا زكريا أنت أكبر مني (149).
وتتوالى الوصايا من الآباء إلى الأبناء بامتثال ذلك الخلق والحث على التحلي به وعدم التفريط فيه . فهذا البخاري يروي أن قيس بن عاصم السعدي أوصى بنيه حين حضرته الوفاة وصية طويلة جاء فيها : ( ... وسودوا أكابركم ؛ فإنكم إذا سودتم أكابركم لم يزل لأبيكم فيكم خليفة ، وإذا سودتم أصاغركم هان أكابركم على الناس ، وزهدوا فيكم ... ) (150) . بل وصل بهم الأمر إلى التشديد في هذه المسألة ، فلقد رأى إبراهيم بن سعد شباباً قد تقدموا على المشايخ فقال : ما أسوأ أدبكم ، لا أحدثكم سنة (151).
ولا شك أن مقتضى التوقير والاحترام للمسنِّين في المجتمع المسلم الاستفادة من خبرتهم وحكمتهم وتجاربهم في الحياة ، لذلك قام الإمام أبو حاتم السجستاني ( ت235هـ ) ، بتأليف كتاب سماه : ( المعمّرين من العرب ) جمع فيه أخبار أكثر من ( 100 ) معمّر من العرب ، أورد على لسانهم بعض الحكم وتجارب الحياة الطويلة التي مرت عليهم ، وبعض القصائد والأبيات الشعرية في الحياة الطويلة وما يمر على الإنسان فيها .(1/34)
ولقد تشرب المجتمع المسلم ذلك الطبع وهذا الاحترام والتوقير لكبار السن ، وأصبح سمة من سماته ، فلا تكاد تجد كتاب حديث ، أو زهد ، أو توجيهات ، أو نصح إلا ويعقد فيه باب أو أكثر عن توقير الكبير ، أو تسويده ، أو احترامه ، أو إكرامه ، بل وضعوا قواعد لذلك ، فيقرر ابن عقيل أن من مشى مع إنسان أكبر منه فيمشي عن يمينه يقيمه مقام الإمام في الصلاة ، وإن كانوا جماعة فيستحب مشي الجماعة خلف الكبير (152).
إذاً فالمسنُّ في المجتمع المسلم يعيش في كنف أفراده ، ويجد له معاملة خاصة تتميز عن الآخرين ، ولم تقتصر هذه الرعاية والعناية على المسن المسلم ، بل امتدت يد الرعاية لتشمل غير المسلم طالما أنه يعيش بين ظهراني المسلمين.
فها هي كتب التاريخ تسطر بأحرف ساطعة موقف عمر - رضي الله عنه- مع ذلك الشيخ اليهودي الكبير ، فقد مرّ عمر بن الخطاب - رضي الله عنه- بباب قوم وعليه سائل يسأل ، شيخ كبير ضرير البصر ، فضرب عضده من خلفه فقال : من أيّ أهل الكتب أنت ؟ قال : يهودي. قال : فما ألجأك إلى ما أرى ؟ قال : أسأل الجزية والحاجة والسن . قال : فأخذ عمر - رضي الله عنه - بيده فذهب به إلى منزله ، فرضخ له - أي أعطاه- من المنزل بشيء ثمَّ أرسل إلى خازن بيت المال فقال : انظر هذا وضرباءه ، فوالله ما أنصفناه إذا أكلنا شبيبته ثمَّ نخذله عند الهرم ، (( إنما الصدقات للفقراء والمساكين )) فالفقراء هم المسلمون والمساكين من أهل الكتاب ، ووضع عنه الجزية وعن ضربائه )) (153).
وهذا خالد بن الوليد يمارس دوره في رعاية المسنِّين ويعطيهم حقهم من الرعاية والعناية في المجتمع ، حتى وإن لم يكونوا مسلمين، فلقد صالح أهل الحيرة ، وجاء في صلحه معهم أنه قال : (( وجعلت لهم أيما شيخ ضعف عن العمل ، أو أصابته آفة من الآفات ، أو كان غنياً فافتقر وصار أهل دينه يتصدقون عليه ، طرحت جزيته وعيل من بيت المسلمين ... )) (154).(1/35)
ومن بعد خالد بن الوليد - رضي الله عنه - يسير عمر بن عبد العزيز -رحمه الله - في ذلك الركب المبارك ويؤدي دوره الرعوي نحو رعيته فها هو يكتب لعامله عدي بن أرطأة في رسالة طويلة ما نصه : (( ... وانظر مَنْ قبلك من أهل الذمَّة من قد كبرت سنه وضعفت قوته ، وولت عنه المكاسب فأجرِ عليه من بيت مال المسلمين ما يصلحه ... )) (155) . ولقد قرر أبو يوسف في كتابه ( الخراج ) أن الجزية لا تؤخذ من الشيخ الكبير الذي لا يستطيع العمل ، ولا شيء له (156) .
وإضافة لتلك الرعاية الخاصة يمكننا أن نلمس صوراً من الرعاية العامة للمسنِّين ، وذلك حينما تعجز الأسر عن تقديم الرعاية اللازمة للمسن ، أو حينما لا يكون هناك ثمة راعٍ أو معين لذلك المسن ، فلقد برز في المجتمع المسلم ما يسمى ( بالأربطة ) وهي أماكن تُهيَّأ وتُعد لسكنى المحتاجين ، وأصبح بعضها ملاجئ مستديمة لكبار السن (157) ، فالأصل هو رعاية المسن في أسرته فهو قربة لله عز وجل ثمَّ الفرع وهو ظهور هذه المؤسسات الاجتماعية مثل : الأربطة ، والأوقاف : والدور الاجتماعية، وهي في نبعها جهود شعبية من أفراد المجتمع المسلم ، ثمَّ دخلت الدولة في تنظيمها والإشراف عليها .
وفي الوقت الذي كان المسن يجد فيه كل تقدير واحترام ورعاية وتوقير في المجتمع المسلم ، وبتوجيه من دينه الحنيف ، وتأييد من رسوله العظيم ??? نجد أن المسن يعيش في حالة متردية في بعض الحضارات الأخرى . فها هو أفلاطون مثلاً يرى أن (( العناية يجب أن توجه إلى أصحاب الأجسام السوية ، والعقول القوية ، وأما ما عداهم فيهملون ليكون نصيبهم الموت)) (158).(1/36)
ولقد استمد بعض علماء الغرب ومفكريهم في عصرنا الحالي هذا الرأي من أفلاطون . فنرى مستشار الرئيس الفرنسي السابق يقترح في إحدى الدراسات ألاّ يعطى الشيوخ علاجاً طبياً مكثفاً إذا تجاوز سناً معينة من أجل التعجيل بوفاته ، وها هي إحدى المستشفيات الدنمركية ترفض استقبال المرضى المسنِّين لأن إقامتهم في المستشفى قد تطول ، ويجب أن تعطى أولوية العلاج للعاملين الذين يسهمون في تمويل صناديق الرعاية بما يدفعونه من ضرائب ، فقيمة الإنسان لديهم ليست في ذاته وإنما في قدرته على الإنتاج ، فهو عندهم أشبه ما يكون بـ(الآلة) (159).
لذلك لا عجب أن تجد الدراسات حول سوء معاملة المسنِّين في الغرب قد تزايدت مؤخراً ، بل بدأت تأخذ فصولاً عديدة في القانون الأمريكي ، وأصبحت قضاياهم تمثل نسبة مرتفعة من الدعاوى في المحاكم الجزائية ، فمع بداية عام 1985م قامت عدة ولايات أمريكية بسنِّ القوانين التي تتعلق بسوء معاملة المسنِّين واعتبرت المسيء إلى المسنِّين بالضرب أو منع الطعام بمثابة المخل بالقانون (160) ، وهذا أدى بدوره إلى تزايد ظاهرة إنشاء مساكن للمسنِّين في عدد من الدول الغربية لاستنقاذهم من الإهمال الذي قد يجدونه من أسرهم (161).
وبلغ الأمر إلى أن ( مجلس مراكز الرعاية في المملكة المتحدة ) تلقى عام 1995م ( 805 ) شكوى عن اعتداءات على المسنِّين من قبل الممرضات العاملات في مراكز العجزة ، وقد أدان المجلس (96) ممرضة بسبب سوء معاملتهن للمسنِّين ، كما وصف المجلس بعض هذه الاعتداءات بأنها إرهابية ومروعة ووحشية ، بل وصف التقرير بعض مراكز العجزة في بريطانيا بأنها : ( معسكرات يتعرض فيها كبار السن للإرهاب ) (162).
خامساً : رعاية المسنِّين في الحروب من قبل الجيوش المسلمة(1/37)
لم يعرف العالم الحديث آداب الحرب إلا في القرن الماضي ، في حين جاء بها الإسلام قبل أكثر من أربعة عشر قرناً ، ولم تظهر معاهدة رسمية حول آداب الحرب إلا في عام 1856م ، والتي تسمى ( تصريح باريس البحري ) ، ثمَّ توالت الاتفاقات وأبرزها اتفاقات جنيف التي دوّنت عام 1949م والخاصة بمعاملة جرحى وأسرى الحرب ، وحماية الأشخاص المدنيين ، وهذه المعاهدة لاتطبق إلا في حالة قيام الحرب بين دولتين موقعتين على المعاهدة (163).
أما في الإسلام فكانت هذه الآداب الحربية تطبق ابتداءً ، حتى ولو لم يكن هناك أية اتفاقات أو معاهدات ، فها هي سرايا رسول الله ??? تنطلق يمنة ويسرة ناشرة الخير والنور ، ولقد اشتملت وصاياه ??? وخلفائه من بعده إلى الجيوش على عدد من التوجيهات والوصايا وشملت جوانب عدة منها : العناية بالشيوخ وكبار السن والاهتمام بهم وعدم قتلهم أو التعرض لهم .
روى الطبراني عن سليمان بن بريدة عن أبيه قال : (( كان رسول الله ??? إذا بعث جيشاً أو سرية دعا صاحبهم ، فأمره بتقوى الله وبمن معه من المسلمين خيراً ، ثمَّ قال : اغزوا بسم الله ، وفي سبيل الله ، قاتلوا من كفر بالله، لا تغلوا وتغدروا ، ولا تمثلوا ، ولا تقتلوا وليداً ولا شيخاً كبيراً ... )) (164).
ويتضح من نص الحديث أن ذلك كان ديدنه ??? في كل غزوة أو سرية ، ولم تكن محض صدفة أو مقولة يتيمة خرجت من فيّ رسول الله ??? فالراوي يقول : ( كان رسول الله ??? إذا بعث جيشاً أو سرية... ) فاللفظ يدل على تكرار ذلك الفعل منه ??? ، وعند البيهقي أن رسول الله ??? خرج مشيعاً لأهل مؤتة حتى بلغ ثنية الوداع ، فوقف ووقفوا حوله ، فقال : اغزوا باسم الله فقاتلوا عدوّ الله وعدوكم، ولا تقتلوا امرأة ولا صغيراً ضرماً ولا كبيراً فانياً ، ولا تقطعن شجرة ، ولا تعقرن نخلاً ، ولا تهدموا بيتاً )) (165).(1/38)
ولم يتوقف الأمر على وصية من رسول الله ??? بعدم قتل الشيوخ ، بل هدد من قتل شيخاً أنه لن يسلم من تبعة ذلك الفعل ، ففي الحديث أن رسول الله ??? قال: (( من قتل صغيراً أو كبيراً أو أحرق نخلاً أو قطع شجرة مثمرة أو ذبح شاة لإهابها لم يرجع كفافاً )) (166). ولا يتنافى هذا مع حديث الرسول ??? الذي يرويه أبو داود عن سمرة ابن جندب أن رسول الله ??? قال : (( اقتلوا شيوخ المشركين واستحيوا أشرافهم )) (167) وفي لفظ : (( استبقوا شرخهم )) والشرخ : الغلمان الذين لم ينبتوا ، فقتل الشيخ من المشركين محمول على أنه إذا كان يقدر على القتال أما من كان منهم لا يطيق القتال ولا ينتفع به في رأي فلا يقتل ، وعليه يحمل حديث منع القتل وهذا هو مذهب جمهور الفقهاء (168).
ولقد اقتدى الخلفاء الراشدون بهدي رسول الله ??? فهذا الصديق رضي الله عنه يوصي أسامة بن زيد - رضي الله عنه - حين بعثه إلى الشام إنفاذاً لأمر رسول الله ??? قبل وفاته بوصايا نفيسة وكان مما جاء فيها : ((يا أيها الناس قفوا أوصيكم بعشر ، فاحفظوها عني : لا تخونوا ، ولا تغلوا ، ولا تمثلوا ، ولا تقتلوا طفلاً صغيراً ، ولا شيخاً كبيراً ولا أمرأة ... )) (169).
ولم يتوقف الأمر عند هذه الغزوة أو هذا الجيش فحسب ، بل تكرر ذلك منه - رضي الله عنه - . فيروي مالك في الموطأ أن أبا بكر الصديق بعث جيوشاً إلى الشام ، فخرج يمشي مع يزيد بن أبي سفيان وكان أمير ربع من تلك الرباع ... ثمَّ قال : ... وإني موصيك بعشر : لا تقتل امرأة ، ولا صبياً ، ولا كبيراً هرماً ، ولا تقطعن شجراً مثمراً ، ولا تخربن عامراً ... (170).
وعلى الدرب نفسه سار عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - فلقد أوصى قادة جيشه وكان مما قاله : (( .. لا تقتلوا هرماً ، ولا امرأة ، ولا وليداً ، وتوقوا قتلهم إذا التقى الزحفان ، وعند حمة النهضات ، وفي شن الغارات .. )) (171).(1/39)
ولا عجب أن تتوالى هذه الوصايا بالمسنِّين والحث على رعاية الشيوخ والتأكيد على قادة الجيوش بالحرص على ذلك الأمر من الرسول ??? ثمَّ الخلفاء الراشدين من بعده ، فالمصدر واحد والمشرب من نبع صاف هو الإسلام.
سادساً : بعض الأحكام الفقهية الخاصة بالمسنِّين
امتازت شريعة الإسلام باليسر والتخفيف على أتباعها . قال تعالى في محكم كتابه : }... يُرِيدُ اللهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ ... { [سورة البقرة : أية 185 ] ، ومن المعلوم أن الله لا يكلِّف نفساً إلا وسعها ، ولئن كان هذا لعموم المسلمين فهو لكبار السن والضعفاء بشكل أخص ، انطلاقاً من القاعدة الفقهية ( المشقة تجلب التيسير ) ، ومن هنا نجد الإسلام قد راعى في أحكامه الضعف الذي يعيشه كبير السن ، ورتب على ذلك أحكاماً خاصة بهم تتصف باليسر والتجاوز مراعاة لحالتهم الصحية والبدنية ، فنجد في بعض العبادات لهم معاملة وأحكاماً خاصة وفيما يلي عرض لها بشكل موجز :
أ-…الترخيص لكبير السن في إنابة من يحج عنه لكبر سنه وعجزه عن ذلك ، أخرج البخاري ـ رحمه الله ـ عن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال : ((جاءت امرأة من خثعم عام حجة الوداع قالت : يا رسول الله إن فريضة الله على عباده في الحج أدركت أبي شيخاً كبيراً لا يستطيع أن يستوي على الراحلة فهل يقضي عنه أن أحج عنه ؟ قال : نعم )) (172) فهذه الرخصة خاصة بكبير السن دون الصغير .(1/40)
ب-…الرخصة لكبير السن بالإفطار في شهر رمضان حين عجزه ، والإطعام عن كل يوم مسكيناً أخذاً من قوله تعالى : } يَا أَيُّهَا الَّذيِنَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَكُمْ تَتَقُونَ ( أَيَّاماً مَّعْدُودَاتٍ فَمَن كَانَ مِنْكُم مَّرِيضاً أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ فَمَن تَطَوَّعَ خَيْراً فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ وأَن تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِن كُنُتمْ تَعْلَمُونَ { [ البقرة الآية 183-184 ] . وذكر ابن كثير عند تفسير هذه الآية : أن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال : نزلت هذه الآية في الشيخ الكبير الذي لا يطيق الصوم ثمَّ ضعف ، فرخص له أن يطعم مكان كل يوم مسكيناً (173) .
ج-…أمر النبي ??? الأئمة الذين يصلون بالناس بالتخفيف في صلاتهم مراعاة لمن للضعفاء وكبار السن . فعن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن رسول الله ??? قال : (( إذا صلى أحدكم للناس فليخفف فإن منهم الضعيف والسقيم والكبير ، وإذا صلى أحدكم لنفسه فليطوِّل ما شاء )) (174). كما أن الأكبر سناً مقدم في الإمامة في الصلاة إذا تساووا في قراءة القرآن . فعن مالك بن الحويرث قال : أتيت النبي ??? أنا وصاحب لي ، فلما أردنا الإقفال من عنده قال لنا : (( إذا حضرت الصلاة فأذِّنا ، ثمَّ أقيما ، وليؤمّكما أكبركما )) (175).(1/41)
د-…الرخصة لكبير السن في القبلة والمباشرة وهو صائم ، فلا حرج عليه فيها ، بخلاف الشاب الذي يُمنع من ذلك فعن عبدالله بن عمرو بن العاص - رضي الله عنهما - قال : كنا عند النبي ??? فجاء شاب فقال : يا رسول الله أُقبّل وأنا صائم ، قال : لا . فجاء شيخ فقال : أُقبل وأنا صائم قال : نعم . قال : فنظر بعضنا إلى بعض ، فقال رسول الله ???: (( قد علمت لِمَ نظر بعضكم إلى بعض ؟ إن الشيخ يملك نفسه )) (176) ، وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن رجلاً سأل النبي ??? عن المباشرة للصائم فرخص له ، وأتاه آخر فسأله فنهاه فإذا الذي رخص له شيخ ، والذي نهاه شاب(177).وفي الموطأ أن عبد الله بن عباس - رضي الله عنهما - سئل عن القبلة للصائم فأرخص فيها للشيخ وكرهها للشاب(178) .
هـ -…الإذن للمرأة كبيرة السن في ترك الحجاب الشرعي الذي تؤمر به صغيرة السن الشابة قال تعالى : } والقواعد من النساء اللآتي لا يرجون نكاحاً فليس عليهن جناح أن يضعن ثيابهن غير متبرجات بزينة وأن يستعففن خير لهن والله سميع عليم { [ النور : 60 ] قال المفسرون عند هذه الآية : إن الله رخص للمرأة الكبيرة أن تضع ثيابها عنها ، والمراد هنا ما كان على ظاهر البدن لا الثياب التي على العورة الخاصة ، فأباح الله لهن ما لم يبح لغيرهن (179).(1/42)
و-…ذكر بعض الأئمة أن جلسة الاستراحة في الصلاة ـ وهي الجلسة التي تكون بعد الفراغ من السجدة الثانية ؛ وقبل النهوض إلى الركعة الثانية والرابعة ـ ، ذكروا أنها خاصة بمن كبر سنه وهذا قول أبي حنيفة ومالك ، وأحمد في أحد روايتيه (180) ، فهذا حكم خاص بكبار السن مراعاة لضعفهم ، وذلك بعدم القيام مباشرة للركعة بل يأخذ حقه من الراحة ثمَّ يقف ليتابع الإمام ولقد ثبت أن الرسول???كان يفعلها بعد أن بدن جسمه وكبر سنه (181) فعند البخاري أن مالك بن الحويرث الليثي - رضي الله عنه - قال : أنه رأى النبي ??? يصلي ، فإذا كان في وتر من صلاته ، لم ينهض حتى يستوي قاعداً (182)، وكذلك فعل مالك بن الحويرث عندما صلى بأصحابه ليريهم صلاة النبي ??? ، وكان يجلس إذا رفع رأسه من السجود ، قبل أن ينهض في الركعة الأولى (183).
فتوى عن حكم تخلِّي الولد عن رعاية والديه أو أحدهما
المنشورة في مجلة البحوث الفقهية المعاصرة العدد العاشر الصادرة في شهر محرم 1412هـ بالرياض
س : هل يجوز للولد أن يتخلّى عن رعاية والديه أو أحدهما مما يلجئهما إلى دور الرعاية الاجتماعية ، متعلِّلاً في ذلك بعجزه عن رعايتهما لكبرهما ، أو لعدم استطاعة زوجته رعايتهما ، أو رفضها ذلك ، أو لكون دخله لا يكفي إلا لنفقة أولاده ، أو لكون الدولة توفر لهما رعاية أفضل مما يستطيعه هو ؟
ج : لا يجوز له أن يتخلّى عن واجبه في رعاية أبويه أو أحدهما بفعل هذه الأعذار ، والأساس قوله تعالى : } وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحسانا إما يبلغن عندك الكبر أحدهما أو كلاهما فلا تقل لهما أف ولا تنهرهما وقل لهما قولاً كريما ( واخفض لهما جناح الذل من الرحمة وقل رب ارحمهما كما ربياني صغيراً { (الإسراء آية : 23-24) .(1/43)
…والقضاء هنا بمعنى الأمر والوجوب والإلزام بالإحسان إلى الوالدين أو أحدهما ، والإحسان إليهما يشمل برهما في أوسع معانيه ، ومن ذلك التأدب معهما وملاطفتهما ورعايتهما وطاعتهما فيما يأمران به ما لم يكن ذلك في معصية الله ، ويأتي في مقدمة الإحسان إليهما الإنفاق عليهما وعدم إلجائهما لمذلّة السؤال، أو للعمل الشاق لكسب عيشهما . وقد خص الله حالة الكبر بالذكر لكونهما مرحلة الضعف التي يحتاج الوالدان فيها للرعاية من جانب ، ويثقل على الولد فيها من جانب آخر برهما لما يتطلبه البر في تلك المرحلة من التضحية .
…كما خصَّ الله تعالى بالذكر بعض العبارات التي تؤدي إلى الإساءة إليهما من تأفف أو غلظة أو خشونة في القول ، وفي ذلك روى الإمام علي بن أبي طالب ـ رضي الله عنه ـ أن رسول الله ??? قال : (( لو علم الله من العقوق شيئاً أردأ من ( أف ) لذكره فليعمل البارُّ ما يشاء أن يعمل فلن يدخل النار ، وليعمل العاقُّ ما شاء أن يعمل فلن يدخل الجنة )) (184) .
…ثمَّ أمر الله أن يكون التخاطب معهما كريماً أي : في لفظه ومعناه ، ثمَّ أكد في آخر الآية على خفض الجناح لهما بما يعنيه ذلك من الاحترام وحسن العلاقة والتلطُّف بهما والحنو عليهما بالشفقة والرحمة والتذلل ، وفي ذلك قال رسول الله ??? : (( رغم أنفه ثمَّ رغم أنفه ، ثمَّ رغم أنفه ، قيل من يا رسول الله قال : من أدرك والديه عند الكبر أحدهما أو كليهما ثمَّ لم يدخل الجنة )) (185).
…وفي ختام الآية أمر الله الولد بالترحم عليهما جزاء قيامهما بتربيته في حال صغره وعجزه ، وما ذاك إلا لتذكيره بما قاما به في تلك المرحلة من تربية ، وما عانياه من مشقة ، وما يجب عليه لقاء ذلك من جزائهما بالدعاء لهما وبرهما .(1/44)
…ورغم عظم الكفر لم يسقط الله بسببه حقهما بل أمر بمصاحبتهما بالمعروف في قوله تعالى : } وإن جاهداك على أن تشرك بي ما ليس لك به علم فلا تطعهما وصاحبهما في الدنيا معروفاً { (لقمان آية : 15) ورغم عظم الجهاد لم يرخِّص فيه رسول الله ??? للولد إلا بإذنهما لما رواه ابن عمر أن رجلاً جاء يستأذنه عليه الصلاة والسلام في الجهاد فقال (( أحيِّ والداك )) ؟ قال : نعم . قال : (( ففيهما فجاهد )) ، وفي لفظ آخر قال : نعم وتركتهما يبكيان . قال : ((اذهب فأضحكهما كما أبكيتهما )) (186).
…وقد بنى الفقهاء على هذه القواعد عدداً من مسائل وأحكام النفقة فيما يتعلق بوجوبها ، وشروطها ، ونطاقها ، ففي المذهب الحنفي: تجب النفقة للأبوين والأجداد والجدات إذا كانوا فقراء وإن خالفوا ولدهما في الدين (187) .
…وفي المذهب المالكي : تجب النفقة على الولد إذا كان موسراً ، كبيراً أو صغيراً ، ذكراً كان أو أنثى ، واحداً أو متعدداً ، مسلماً كان أو كافراً ، صحيحاً أو مريضاً ، ويرى الباجي من علماء المالكية وجوب هذه النفقة ولو كان الأب ممن يقدر على الكسب (188).
…وفي المذهب الشافعي : تكون نفقة الوالد على الولد أوجب إذا صار الوالد في حال لا يقدر أن يغني فيها نفسه (189) ، وأن تكون هذه النفقة شاملة للدواء وأجرة الطبيب والخادم الذي يحتاجه الوالد مع عدم جواز تكليفه بالكسب لما في ذلك من منافاة للمعاشرة بالمعروف التي أمر الله بها (190) .
…وفي المذهب الحنبلي : يجب أن تشمل نفقة الوالد نفقة زوجته والأخوة الصغار للولد المنفق ، ويشترط لذلك إيسار الولد وكون الوالدين فقراء لا مال لهم ولا كسب يستغنون به عن إنفاق غيرهم . كما يشترط أن تكون لمن تجب عليه النفقة ما يتفق عليهم فضلاً عن نفقة نفسه ، إما من ماله وإما من كسبه ، وأن يكون المنفق وارثاً (191) .(1/45)
…ومع تباين بعض هذه الآراء في مسألة النفقة واشتراط بعض الشروط لها كما في المذهب الحنبلي ، إلا أنها كلها تتفق في وجوب الرعاية الملقاة على الولد نحو أبويه ، وعلى الأخص عند كبرهما أو مرضهما أو عدم قدرتهما على إعالة أنفسهما . وإن التعلُّل بالعجز أو عدم استطاعة زوجته أو رفضها للعيش معهما لا يبرر عقوق الولد لوالديه أو هجرهما أو التخلِّي عن رعايتهما ، فقد روى الترمذي عن ابن عمر قال : كانت تحتي امرأة أحبها وكان أبي يكرهها فأمرني أن أطلقها فأبيت ، فذكرت ذلك للنبي ??? فقال : (( يا عبد الله بن عمر طلق امرأتك )) (192).
…كما أن التعلُّل بقيام الدولة أو الجمعيات برعاية الوالدين لقدرتهما على ذلك لا يسقط عن الولد واجبه في بر أبويه ، لأن ولاية الدولة ولاية عامة ، وولاية الولد ولاية خاصة ، وهذه الولاية أوجب وألزم من الأولى .
…وفي ضوء الأحكام والآداب والقواعد الإسلامية ليس من صفات المسلم بل ولا من الإسلام في شيء أن يتنعم الولد وزوجته وأولاده وأبواه يبحثان عن لقمة العيش تحت مذلة السؤال أو قسوة الكسب أو في دور الرعاية الاجتماعية . وقد سبق أن نقلنا ما قاله الإمام ابن حزم بأنه " ليس من العقوق أكثر من أن يكون الابن غنياً ذا مال ويترك أباه أوجده يكنس الكنف ، أو يسوس الدواب ، ويكنس الزبل ، أو يحجم ، أو يغسل الثياب للناس ، أو يوقد في الحمام ، ويدع أمه أوجدته تخدم الناس ، وتسقي الماء في الطرقات، فما خفض لهما جناح الذل من الرحمة من فعل ذلك بلا شك " (193).
والله أعلم
المراجع
1 ) إرشاد ذوي العرفان لما للعمر من الزيادة والنقصان ، مرعي المقدسي الكرمي، تحقيق : مشهور حسن محمود ، دار عمار ، عمان ، 1408هـ .
2 ) أضواء البيان ، الشنقيطي ، مكتبة ابن تيمية ، القاهرة ، 1408هـ.
3 ) أضواء على الرعاية الاجتماعية في المملكة العربية السعودية ، وزارة العمل والشؤون الاجتماعية ، مطابع الخالد ، الرياض ، 1412هـ .(1/46)
4 ) إفادة الخبر بنصه في زيادة العمر ونقصه ، أبي الفضل السيوطي، تحقيق : عبد الحميد شانوحة ،مكتبة دار الوفاء ، جدة، 1407 هـ
5 ) أوجز المسالك إلى موطأ مالك ، محمد زكريا الكاندهلوي ، المكتبة الإمدادية ، مكة المكرمة ، 1394هـ .
6 ) الأبعاد الاجتماعية لرعاية المسنَّين ، علي فؤاد أحمد ، في ( رعاية المسنَّين في المجتمعات المعاصرة ) ، المكتب التنفيذي لمجلس وزراء العمل والشؤون الاجتماعية بدول مجلس التعاون لدول الخليج العربية ، البحرين ، 1992م .
7 ) الآداب الشرعية والمنح المرعية ، ابن مفلح الحنبلي ، رئاسة إدارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد ، الرياض ، 1977م.
8 ) الأدب المفرد ، البخاري ، تحقيق : كمال الحوت ، عالم الكتب ، بيروت ، 1405هـ .
9 ) الأموال ، أبو عبيد القاسم بن سلام ، تحقيق : محمد عمارة ، دار الشروق ، بيروت ، 1409هـ .
10 ) البداية والنهاية ، ابن كثير ، مكتبة المعارف ، بيروت .
11 ) التربية والشيخوخة : دراسة للأبعاد التربوية لظاهرة الشيخوخة في فكر الإمام ابن الجوزي ، حسن إبراهيم عبدالعال ، مجلة رسالة الخليج ، مكتب التربية العربي لدول الخليج ، العدد 48 ، 1414هـ .
12 ) الترغيب والترهيب ، المنذري ، تحقيق مصطفى عمارة، المكتبة العصرية ، بيروت .
13 ) التوافق عند المسنَّين ، هالة العمران ، في ( رعاية المسنَّين في المجتمعات المعاصرة) ، المكتب التنفيذي لمجلس وزراء العمل والشؤون الاجتماعية بدول مجلس التعاون لدول الخليج العربية ، البحرين ، 1992م .
14 ) التيسير بشرح الجامع الصغير ، المناوي ، مكتبة الإمام الشافعي ، الرياض .
15 ) الجامع لأحكام القرآن ، القرطبي ، دار الكتاب العربي ، القاهرة.
16 ) الخراج ، أبو يوسف ، تحقيق : محمد إبراهيم البنا ، دار الإصلاح، 1981م .
17 ) الدر المنثور في التفسير بالمأثور ، السيوطي ، دار الفكر ، بيروت ، 1403هـ .(1/47)
18 ) السنن الكبرى ، البيهقي ، دار الكتب العلمية ، بيروت ، 1414هـ .
19 ) الشيخوخة ، عزت إسماعيل ، وكالة المطبوعات ، الكويت ، 1983م .
20 ) الشيخوخة ، فادي غندور ، الدار العربية للعلوم ، 1410هـ .
21 ) الكامل في التاريخ ، ابن الأثير ، دار الكتاب العربي ، بيروت ، 1403هـ .
22 ) المؤسسات الاجتماعية في الحضارة العربية ، سعيد عاشور ، في (موسوعة الحضارة العربية الإسلامية ) ، المؤسسة العربية للدراسات والنشر ، 1987م .
23 ) المتقاعدون : بعض مشكلاتهم الاجتماعية ودور الخدمة الاجتماعية في مواجهتها ، عبد العزيز الغريب ، شركة مطابع نجد التجارية ، الرياض ، 1416هـ .
24 ) المستدرك على الصحيحين ، الحاكم ، دار الكتاب العربي ، بيروت .
25 ) المسند ، أحمد بن حنبل ، تحقيق : محمد سليم سمارة ، المكتب الإسلامي، 1413هـ .
26 ) المصنف ، عبد الرزاق الصنعاني ، تحقيق : حبيب الرحمن الأعظمي، المكتب الإسلامي ، بيروت ، 1392هـ .
27 ) المعجم الأوسط ، الطبراني ، تحقيق : محمود الطحان ، مكتبة المعارف ، الرياض ، 1405هـ .
28 ) المعجم الكبير ، الطبراني ، تحقيق : حمدي السلفي ، مكتبة ابن تيمية ، القاهرة .
29 ) المعجم الوسيط ، إبراهيم مصطفى وآخرون ، دار الدعوة ، تركيا، 1410هـ.
30 ) المعوق والمجتمع في الشريعة الإسلامية ، سعدي أبو حبيب ، دار الفكر، دمشق،1982م.
31 ) المنجد ، دار الشرق ، بيروت ، 1975م .
32 ) بدائع التفسير الجامع لتفسير ابن قيم الجوزية ، جمع يسري السيد محمد ، دار ابن الجوزي ، الدمام ، 1414هـ .
33 ) برنامج رعاية المسنَّين ودور الخدمة الاجتماعية فيها ، أسماء الخميس، رسالة ماجستير غير منشورة ، جامعة الملك سعود ، كلية الآداب ، 1409هـ .
34 ) بهجة المجالس وأنس المجالس وشحذ الذاهن والهاجس ، ابن عبد البر ، تحقيق محمد مرسي الخولي ، دار الكتب العلمية ، بيروت 1981م .(1/48)
35 ) بهجة قلوب الأبرار ، عبدالرحمن بن سعدي ، مركز بن صالح الثقافي ، عنيزة، 1412هـ .
36 ) تأملات بين الألوان والغرائز والشيخوخة ، جمال محمّد سعيد ، مكتبة الزهراء، القاهرة ، 1998م .
37 ) تاريخ الطبري ، ابن جرير الطبري ، تحقيق : محمد أبو الفضل إبراهيم ، دار المعارف ، القاهرة ، بدون تاريخ .
38 ) تاريخ عمر بن الخطاب ، ابن الجوزي ، مكتبة المؤيد ، الطائف ، 1987م .
39 ) تفسير القرآن العظيم ، ابن كثير ، دار الباز ، مكة المكرمة .
40 ) تنبيه الأفاضل على ما ورد في زيادة العمر ونقصانه من الدلائل ، محمد بن علي الشوكاني ، تحقيق : عقيل المقطري ، مكتبة دار القدس، صنعاء 1411هـ.
41 ) تنبيه النائم الغمر على مواسم العمر ، ابن الجوزي ، تحقيق : عرفة علمي عباس ، دار الحديث ، القاهرة 1992م .
42 ) تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان ، عبدالرحمن بن سعدي، مركز ابن صالح الثقافي ، عنيزة ، 1412هـ .
43 ) جامع الأحاديث القدسية ، أبو عبدالرحمن عصام الدين الصبابطي ، 1991م.
44 ) جامع البيان عن تأويل آي القرآن ،الطبري ، مكتبة مصطفى البابي الحلبي .
45 ) جامع العلوم والحكم ، ابن رجب الحنبلي ، تحقيق شعيب الأرناؤوط وإبراهيم باجس، مؤسسة الرسالة ، بيروت ، 1412هـ .
46 ) جمع جهود الحفاظ النقلة بتواتر روايات زيادة العمر بالبر والصلة، لطفي بن محمد الصغير ، دار أضواء السلف ، الرياض ، 1418هـ .
47 ) خطب أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه ، ووصاياه ، محمد أحمد عاشور ، دار الاعتصام ، القاهرة ، بدون تاريخ .
48 ) دراسة سوسيولوجية حول ظاهرة الشيخوخة ، جلال الدين الغزاوي ، جامعة الكويت ، حوليات كلية الآداب ، الحولية التاسعة، 1408هـ .
49 ) دنيا ، مالك الأحمد ، مطابع طيبة ، الرياض ، 1416هـ .
50 ) رسالة فيما يزيد الأعمار ويرد القضاء ، أحمد المفتي بغلبة ، تحقيق: عامر الزيباري ، دار ابن حزم ، بيروت ، 1416هـ .(1/49)
51 ) رعاية المسنَّين اجتماعياً ، محمد سيد فهمي ، المكتب الجامعي الحديث ، 1984م .
52 ) رعاية المسنَّين في التراث العربي الإسلام ، عبد العزيز كامل ، في (رعاية المسنَّين في المجتمعات المعاصرة ) المكتب التنفيذي ، البحرين 1993م .
53 ) رياض الصالحين ، النووي ، تحقيق : عبد العزيز رباح ، وأحمد الدقاق ، دار الوراق ، الرياض ، 1416هـ .
54 ) زاد المسير في علم التفسير ، ابن الجوزي ، دار الكتب العلمية ، 1414هـ .
55 ) سلسلة الأحاديث الصحيحة وشيء من فقهها وفوائدها ، محمد ناصر الدين الألباني .
56 ) سنن أبي داود ، الحافظ أبي داود،دار الجنان ، بيروت، 1409هـ .
57 ) سنن ابن ماجة ، ابن ماجة ، تحقيق محمد فؤاد عبد الباقي ، المكتبة العلمية ، بيروت .
58 ) سير أعلام النبلاء ، الذهبي ، مؤسسة الرسالة ، بيروت ، 1404هـ .
59 ) شرح الزركشي على مختصر الخرقي ، محمد بن عبد الله الزركشي، تحقيق عبد الله بن عبدالرحمن الجبرين ، دار أولي النهى، بيروت، 1414هـ .
60 ) شرح السنة ، البغوي ، المكتب الإسلامي ، بيروت . بدون تاريخ .
61 ) صحيح البخاري ،البخاري،تحقيق مصطفى البغا،دار القلم ، بيروت ، 1401هـ .
62 ) صحيح الجامع الصغير وزيادته ، الألباني ، المكتب الإسلامي ، 1402هـ .
63 ) صحيح سنن ابن ماجة ، الألباني ، المكتب الإسلامي ، بيروت 1408هـ .
64 ) صحيح مسلم ، مسلم بن الحجاج ، دار الباز ، مكة المكرمة ، بدون تاريخ .
65 ) صحيفة الجزيرة السعودية ، عدد 7751 ، و عدد 8793
66 ) صحيفة الرياض السعودية ، عدد 9858 ، و عدد 10192
67 ) صحيفة الشرق الأوسط ، عدد 6452 ، و عدد 5985 .
68 ) صحيفة المدينة السعودية ، عدد 12175 .
69 ) صحيفة اليوم السعودية ، عدد 8542 .
70 ) صحيفة عكاظ ، عدد 10967 ، و عدد 11104 .
71 ) صفة الصفوة . ابن الجوزي ، تحقيق محمد فاخوري ، دار المعرفة ، بيروت 1399هـ .(1/50)
72 ) طب الشيخوخة والمريض المسن ، ستيفن وشرودر ، ترجمة ماجد العطار ، دار القلم العربي ، سوريا ، 1413هـ .
73 ) عارضة الأحوذي لشرح صحيح الترمذي ، ابن العربي ، دار الكتاب العربي ، بيروت.
74 ) فتح الباري شرح صحيح البخاري ، ابن حجر ، مكتبة الرياض الحديثة ، الرياض ، بدون تاريخ .
75 ) فتح القدير ، الشوكاني ، دار الفكر العربي ، بيروت ، 1403هـ.
76 ) فتوح الشام ، الواقدي ، الناشر عبد الحميد أحمد حنفي ، القاهرة.
77 ) فن الحرب عند العرب في الجاهلية والإسلام ، جمال محفوظ ، في (موسوعة الحضارة العربية الإسلامية ) ، المؤسسة العربية للدراسات والنشر ، بيروت 1987م .
78 ) قضايا الشيخوخة ، خالد الطحان ، في ( التقدم في السن ، دراسة اجتماعية نفسية ) ، تحرير : عزت إسماعيل ، دار القلم ، الكويت، 1404هـ .
79 ) كتاب الحدائق في علم الحديث والزهديات ، ابن الجوزي ، تحقيق مصطفى السبكي ، دار الكتب العلمية ، بيروت ، لبنان ، 1409هـ .
80 ) كتاب العمر والشيب ، ابن أبي الدنيا ، تحقيق : نجم خلف ، مكتبة الرشد ، الرياض ، 1412 هـ .
81 ) لباب التأويل في معاني التنزيل ،الخازن ، دار الكتب العلمية ، بيروت ، 1415هـ .
82 ) لسان العرب ، ابن منظور ، دار صادر ، بيروت ، بدون تاريخ .
83 ) مجلة البحوث الفقهية المعاصرة ، الرياض ، العدد العاشر، محرم 1412هـ .
84 ) مجلة الفيصل عدد 243 ، رمضان 1417هـ .
85 ) مجلة المجلة الصادرة برقم 748 في 12-18/6/1994م .
86 ) مجمع الزوائد ومنبع الفوائد ، الهيثمي ، مؤسسة المعارف ، بيروت، 1406هـ .
87 ) مجموع فتاوى شيخ الإسلام أحمد بن تيمية،جمع عبد الرحمن بن قاسم .
88 ) مختصر المقاصد الحسنة ، الزرقاني ، تحقيق : محمد الصباغ ، المكتب الإسلامي .
89 ) مختصر زوائد مسند البزار ، ابن حجر العسقلاني ، تحقيق صبري ابن عبد الخالق مؤسسة الكتب الثقافية ، بيروت ، 1412هـ .(1/51)
90 ) مختصر سنن أبي داود، تحقيق أحمد شاكر ومحمد الفقي ، دار المعرفة، بدون تاريخ .
91 ) مسند أبي يعلى الموصلي ، أحمد بن علي التميمي ، تحقيق ، حسين أسد ، دار المأمون ، للتراث ، بيروت .
92 ) مشكلات التقدم في السن ، كمال آغا ، في ( التقدم في السن ، دراسة اجتماعية نفسية ) ، تحرير عزت إسماعيل ، دار القلم ، الكويت ، 1404هـ.
93 ) موطأ الإمام مالك ، إعداد أحمد عرموش ، رئاسة إدارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد ، الرياض ، 1404هـ .
94 ) نحو برامج مواجهة للعمل الاجتماعي مع المسنَّين ، جنان العمري، في (دراسات وقضايا من المجتمع العربي الخليجي ) مكتب المتابعة، البحرين ، 1985م .
95 ) نيل الأوطار من أحاديث سيد الأخيار ، الشوكاني ، دار الجيل ، 1973م .
فهرس الموضوعات
الموضوع
الصفحة
مقدمة
7
الفصل الأول : ( مقدمات أساسية )
11
أولاً :…تعريف المصطلحات
13
ثانياً :…المتغيرات التي يمر بها المسن
17
ثالثاً :…موقف الإسلام من المتغيرات.
23
الفصل الثاني : ( رعاية المسنَّين في الإسلام )
35
أولاً :…أسس رعاية المسنَّين في الإسلام .
37
ثانياً :…رعاية الوالدين باعتبارها مظهر من رعاية المسنَّين في الإسلام
50
ثالثاً :…رعاية صديق الوالدين باعتبارها مظهر من مظاهر رعاية المسنَّين في الإسلام .
57
رابعاً :…رعاية المسنَّين في المجتمع المسلم .
62
خامساً :…رعاية المسنَّين في الحروب من قبل الجيوش المسلمة.
71
سادساً :…بعض الأحكام الفقهية الخاصة بالمسنَّين .
75
المراجع
165
فهرس الموضوعات
173
1 )…صحيح البخاري ، محمد بن إسماعيل البخاري ، تحقيق مصطفى البُغا ، دار القلم ، بيروت ، 1401هـ ، جزء 3 ، ص 1039 .
1) لسان العرب ، ابن منظور ، دار صادر ، بيروت ، بدون تاريخ ، جزء 13 ، ص 222 . وكذلك المعجم الوسيط ، إبراهيم مصطفى ، دار الدعوة ، تركيا ، 1410هـ ، ص 983 .(1/52)
2) فتح الباري شرح صحيح البخاري ، ابن حجر ، مكتبة الرياض الحديثة ، الرياض ، بدون تاريخ ، جزء 11 ، ص 240 .
3) فتح الباري شرح صحيح البخاري ، ابن حجر ، مرجع سابق ، جزء 11، ص 178 .
1) صحيح البخاري ، مرجع سابق ، جزء 3 ، ص 1039 .
2) عارضة الأحوذي لشرح صحيح الترمذي ، ابن العربي المالكي ، دار الكتاب العربي ، بيروت ، بدون تاريخ ، جزء 9 ، ص 185 ، وقال الترمذي حديث حسن غريب .
3) عارضة الأحوذي ، مرجع سابق ، جزء 9 ، ص 280 .
4) انظر مثلاً : نحو برامج مواجهة للعمل الاجتماعي مع المسنِّين ، جنان العمري ، في ( دراسات وقضايا من المجتمع العربي الخليجي ) مكتب المتابعة ، البحرين ، ص 350 . وكذلك : دور طريقة تنظيم المجتمع في إشباع الاحتياجات الاجتماعية للمسنين ، منى شويكة ، رسالة دكتوراه غير منشورة ، كلية الخدمة الاجتماعية ، الرياض، 1404هـ ، ص 12 . وكذلك : برامج رعاية المسنِّين ودور الخدمة الاجتماعية فيها ، أسماء الخميس ، رسالة ماجستير غير منشورة ، جامعة الملك سعود ، 1409هـ ، ص 13 . وكذلك : المشاكل التي يعاني منها المسنون في المملكة العربية السعودية ، ثريا عبد الرؤوف جبريل ، مجلة الخدمة الاجتماعية ، الجمعية المصرية للأخصائيين الاجتماعيين ، القاهرة ، العددان 34-35 ، السنة 11 ، يونيو 1992م .
1) المتقاعدون : بعض مشكلاتهم ودور الخدمة الاجتماعية في مواجهتها ، عبد العزيز الغريب ، شركة مطابع نجد التجارية ، الرياض ، 1416هـ ، ص 49-51 .
2) مشكلات التقدم في السن ، كمال أغآ ، في ( التقدم في السن - دراسة اجتماعية نفسية ) ، تحرير: عزت إسماعيل ، دار القلم ، الكويت ، 1404هـ ، ص 157 .
3) الشيخوخة ، عزت إسماعيل ، وكالة المطبوعات ، الكويت ، 1983م ، ص 17 .
1) طب الشيخوخة والمريض المسن ، ستيفن وشرودر ، ترجمة ماجد العطار ، دار القلم العربي ، سوريا، 1413هـ ، ص 6 .(1/53)
1) التوافق عند المسنِّين ، هالة العمران ، في : (رعاية المسنِّين في المجتمعات المعاصرة) ، المكتب التنفيذي لمجلس وزراء العمل والشؤون الاجتماعية بدول مجلس التعاون لدول الخليج العربية ، البحرين ، 1992م ، ص 71 .
2) المتقاعدون ، مرجع سابق ، ص 56 .
1) قضايا الشيخوخة ، خالد الطحان ، في (التقدم في السن - دراسة اجتماعية نفسية - ) ، تحرير : عزت إسماعيل ، دار القلم ، الكويت ، 1404هـ ، ص 134 .
2) رعاية المسنِّين اجتماعياً ، محمد فهمي ، المكتب الجامعي، الإسكندرية ، 1984م ، ص 119 .
3) ورد عن الرسول ??? قوله (( اللهم اجعل أوسع رزقك علي عند كبر سني ، وانقطاع عمري)) انظر الحديث في صحيح الجامع الصغير ، محمد ناصر الدين الألباني ، جزء 1 ، ص 396
1) انظر في ذلك : تنبيه النائم الغمر على مواسم العمر ، ابن الجوزي ، تحقيق : عرفة حلمي ، دار الحديث ، القاهرة . وكذلك : صيد الخاطر ، ابن الجوزي ، تحقيق علي الطنطاوي ،دار الفكر دمشق 1399هـ ، ص 114،139،219،290،315،401 . وكذلك : التربية والشيخوخة، دراسة للأبعاد التربوية لظاهرة الشيخوخة في فكر الإمام ابن الجوزي ، حسن إبراهيم عبدالعال، مجلة رسالة الخليج العربي ، مكتب التربية العربي لدول الخليج ، الرياض ، العدد 48 ، 1414هـ ، ص 15-54 .
1) بهجة المجالس وأنس المجالس وشحذ الذاهن والهاجس ، ابن عبدالبر ، تحقيق : محمد مرسي الخولي ، دار الكتب العلمية ، بيروت ، 1981م ، جزء 2 ، ص.ص 227-232 .
2) بهجة المجالس وأنس المجالس ، مرجع سابق ، جزء 2 ، ص 227 ـ 242 .
1) تفسير القرآن العظيم ، ابن كثير ، دار الباز ، مكة المكرمة ، جزء 2 ، ص 577 . وكذلك : فتح القدير ، الشوكاني ، دار الفكر العربي ، بيروت ، 1403هـ ، جزء 3 ، ص 437 . وكذلك : أضواء البيان ، الشنقيطي ، مكتبة ابن تيمية ، القاهرة ، 1408هـ ، جزء 3 ، ص 285 .(1/54)
2) الجامع لأحكام القرآن ، القرطبي ، دار الكتاب العربي ، القاهرة ، جزء 10 ، ص 141 .
3) لباب التأويل في معاني التنزيل ، الخازن ، دار الكتب العلمية ، 1415هـ ، ج 3 ، ص 28 .
1) فتح القدير ، مرجع سابق ، جزء 3 ، ص 179 .
2) الدر المنثور في التفسير المأثور ، السيوطي ، دار الفكر ، 1403هـ ، جزء 5 ، ص 146
3) كتاب العمر والشيب، ابن أبي الدنيا،تحقيق: نجم خلف ،مكتبة الرشد ، 1412 هـ ،ص 75.
4) قال بهذا القول كل من : ابن عباس ، وعكرمة ، وقتادة ، وعطاء ، والكلبي ، وابن جرير الطبري، انظر : جامع البيان عن تأويل آي القرآن ، ابن جرير الطبري ، ج 30 ، ص 244 ، وهناك من قال : أن المقصود بأسفل سافلين النار . قال ذلك : علي بن أبي طالب ، ومجاهد ، والحسن ، وأبو العالية ، وانتصر لهذا الرأي ابن القيم . انظر : بدائع التفسير الجامع لتفسير ابن قيم الجوزية ، جمع يسري السيد محمد ، دار ابن الجوزي ، 1414هـ ، جزء 5 ، ص 270.
5) أضواء البيان ، مرجع سابق ، جزء 9 ، ص 334 . ثمَّ ذكر أن شيخ القراء بالمدينة المنورة الشيخ ( حسن الشاعر ) لا زال على قيد الحياة عند كتابة هذه الأسطر وقد تجاوز المائة بكثير وهو لا يزال يقرئ تلاميذه القرآن ، ويعلمهم القراءات العشر ، وقد يسمع لأكثر من شخص يقرءون في أكثر من موضع وهو يضبط على الجميع .
1) الدر المنثور ، مرجع سابق ، جزء 8 ، ص 558 .
2) البداية والنهاية ، ابن كثير ، مكتبة المعارف ، بيروت ، جزء 9 ، ص 258 . وكذلك صفة الصفوة ، ابن الجوزي ، تحقيق محمود فاخوري ، دار المعرفة ، بيروت ، جزء 2 ، ص 133 .
3) فتح الباري ، مرجع سابق ، جزء 10 ، ص 416 .
4) المسند ، أحمد بن حنبل ، المكتب الإسلامي ، بيروت ، 1413هـ ، جزء 1 ، ص 377 .
5) جامع العلوم والحكم ، ابن رجب ، مؤسسة الرسالة، بيروت، 1412هـ ، ج 1 ، ص 466 .
6) عارضة الأحوذي ، مرجع سابق ، باب الدعوات: وكذلك صحيح الجامع ، ج 4 ، ص50 .(1/55)
1) مجلة الفيصل ، عدد 243 ، رمضان 1417هـ ، ص 42 .
2) سير أعلام النبلاء ، الذهبي ، مؤسسة الرسالة ، بيروت، 1404هـ ، جزء 17 ، ص 670 .
3) جامع العلوم والحكم ، مرجع سابق ، جزء 1 ، ص 466 .
4) المستدرك على الصحيحين ، الحاكم ، دار الكتاب العربي ، بيروت ، بدون تاريخ ، جزء 2 ، ص427 . وقال الحاكم : صحيح على شرط مسلم ووافقه الذهبي .
1) عارضة الأحوذي ، مرجع سابق ، جزء 13 ، ص 31 . وقال الترمذي : حديث حسن غريب .
2) موطأ الإمام مالك ، رئاسة إدارات البحوث العلمية والإفتاء ، 1404هـ ، ص 142 .
3) الأدب المفرد ، البخاري ، تحقيق : كمال الحوت ، عالم الكتب ، بيروت ، 1405هـ ، ص223.
1) الأدب المفرد ، مرجع سابق ، ص 222 ، وكذلك المسند ، مرجع سابق ، جزء 6 ، ص 399.
2) المسند ، مرجع سابق ، جزء 3 ، ص 422 ، وقال الهيثمي : إسناده حسن ، مجمع الزوائد ومنبع الفوائد ، الهيثمي ، مؤسسة المعارف ، بيروت ، جزء 10 ، ص 206 .
3) المعجم الكبير ، الطبراني ، تحقيق حمدي السلفي ، مكتبة ابن تيمية ، القاهرة ، جزء10 ، ص 217 .
1) صحيح البخاري ، مرجع سابق ، جزء 5 ، ص 2232 .
2) فتح الباري ، مرجع سابق ، جزء 10 ، ص 416 .
3) عارضة الأحوذي ، مرجع سابق ، جزء 8 ، ص 150 .
4) المسند، مرجع سابق،ج 6،ص181 . وذكره الألباني في السلسلة الصحيحة،حديث رقم 519 .
5) الأدب المفرد ، مرجع سابق ، ص 24 .
6) المستدرك على الصحيحين ، مرجع سابق ، جزء 1 ، ص 493 . وقال الحاكم : صحيح ، ووافقه الذهبي ، ومن أراد الاستزادة فيمكنه الرجوع الى كتاب : جمع جهود الحفاظ النقلة بتواتر روايات زيادة العمر بالبر والصلة ، لطفي الصغيّر ، دار أضواء السلف ، 1418 هـ .
7) فتح الباري ، مرجع سابق ، جزء 10 ، ص 416 .
1) إرشاد ذوي العرفان لما للعمر من الزيادة والنقصان ، مرعي المقدسي الكرمي الحنبلي ، تحقيق : مشهور حسن محمود سليمان ، دار عمار ، عمان ، 1408هـ ، ص 58-59 .(1/56)
2) إرشاد ذوي العرفان ، مرجع سابق ، ص 41 .
3) فتاوى شيخ الإسلام أحمد بن تيمية ، جمع وترتيب عبدالرحمن بن قاسم ، ج 8 ، ص 517، وابن حجر في : فتح الباري ، مرجع سابق ، ج 11 ، ص 488 ، وانظر قول السيوطي في : إرشاد ذوي العرفان ، مرجع سابق ، ص 60 ، وانظر قول ابن سعدي في بهجة قلوب الأبرار وقرة عيون الأخبار في شرح جوامع الأخبار ، عبدالرحمن بن سعدي ، مركز صالح الثقافي ، عنيزة، 1412هـ ، ج 2 ، ص 160 .
4) تنبيه الأفاضل على ما ورد في زيادة العمر ونقصانه من الدلائل ، محمد بن علي الشوكاني ، تحقيق: عقيل المقطري ، مكتبة دار القدس ، صنعاء ، 1411هـ .
1) رسالة فيما يزيد الأعمار ويردّ القضاء ، أحمد المفتي بغلبة ،دار ابن حزم ، 1416هـ ، ص 45 .
2) صحيح مسلم ، مسلم بن الحجاج ، دار الباز ، مكة المكرمة ، بدون تاريخ ، جزء 8 ، ص 55.
3) إرشاد ذوي العرفان ، مرجع سابق ، ص.ص 60-66 .
1) الأدب المفرد ، مرجع سابق ، ص 110 ، ومختصر سنن أبي داود ، الحافظ المنذري ، تحقيق : أحمد شاكر ومحمد الفقي ، دار المعرفة ، بيروت ، جزء 5 ، ص 346 . وعارضة الأحوذي، مرجع سابق ، جزء 8 ، ص 192 . وقال الترمذي هذا حديث حسن صحيح .
1) تفسير القرآن العظيم ، مرجع سابق ، جزء 4 ، ص 43 .
1) صحيح البخاري ، مرجع سابق ، جزء 5 ، ص 2238 .
2) صحيح البخاري ، مرجع سابق ، جزء 1 ، ص 14 .
3) صحيح البخاري ، مرجع سابق ، جزء 6 ، ص 2686 .
4) عارضة الأحوذي،مرجع سابق،ج 8 ، ص 111، وقال الترمذي : حديث حسن صحيح.
5) المسند ، مرجع سابق ، جزء 2 ، ص 630 .
6) تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان ، مرجع سابق ، جزء 7 ، ص 257 .
7) الأدب المفرد ، مرجع سابق ، ص 61 .
1) صحيح مسلم ، مرجع سابق ، جزء 6 ، ص 72 .
2) عارضة الأحوذي ، مرجع سابق ، جزء 8 ، ص 179 .(1/57)
3) قال ابن العربي: قال علماؤنا : في هذا دليل على أن الفتى إذا أكرم الشيخ كان ذلك علامة على طول العمر لقوله ??? : (قيض الله له عند سِنِّه ):عارضة الأحوذي،ج 8،ص 109.
4) الترغيب والترهيب ، المنذري ، تحقيق مصطفى عمارة ، المكتبة العصرية ، بيروت، جزء 3 ، ص 117 ، . وأدرجه الألباني في سلسلة الأحاديث الصحيحة، حديث رقم 2715 .
1) الأدب المفرد ، مرجع سابق ، ص 152 .
2) الأدب المفرد ، مرجع سابق ، ص 95 .
3) صحيح البخاري ، جزء 2 ، ص 863 ، وكذلك صحيح مسلم ، جزء 8 ، ص 18 .
4) المعجم الكبير ، مرجع سابق ، جزء 12 ، ص 453 .
1) صحيح مسلم ، مرجع سابق ، جزء 8 ، ص 65 .
2) مسند أبي يعلي الموصلي ، أحمد بن علي التميمي ، تحقيق : حسين أسد ، دار المأمون للتراث، جزء 6 ، ص 214 ، وقال الهيثمي في مجمع الزوائد: إسناده حسن ،جزء 10 ، ص206
3) المسند ، مرجع سابق ، جزء 2 ، ص 310 .
4) المسند ، مرجع سابق ، جزء 1 ، ص 20 ، وطرف الحديث : أن نفراً من بني عذره ... .
5) مختصر زوائد مسند البزار ، ابن حجر، مؤسسة الكتب الثقافية ،1412هـ ، ج 2 ، ص 188 ، وقال الزرقاني : صحيح ، انظر : مختصر المقاصد الحسنة ، الزرقاني ، تحقيق : محمّد الصباغ ، المكتب الإسلامي ، ص 82 ، وأورده الألباني في صحيح الجامع ،حديث رقم 2881.
1) المسند ،ج 3 ، ص 275 ، وانظر : مسند أبي يعلي الموصلي ،ج 7 ، ص 241 ، وأورده الألباني في ضعيف الجامع ،حديث رقم 4047 ، وقد ردَّ الشيخ أحمد شاكر على ابن الجوزي في إيراده هذا الحديث في كتابه: الموضوعات ، وقوَّى معنى الحديث وذكر له طرقاً . انظر : جامع الأحاديث القدسية ، الصبابطي ، 1991م ، المجلد الثالث ، ص 435 .
2) المسند ،ج 4 ، ص 258 ، وأدرجه الألباني في صحيح الجامع ،حديث رقم 3291 .
3) المسند،ج 2 ، ص 439 ، وقال الهيثمي : إسناده حسن،مجمع الزوائد، ج 10 ، ص 207 .(1/58)
4) التيسير بشرح الجامع الصغير،ج 1 ،ص 272 ، وقال الشارح : إسناده حسن ، وذكره الألباني في ضعيف الجامع ،حديث رقم 1696 .
1) الأدب المفرد ، ص 130 ، وكذلك : سنن أبي داود،دار الجنان، بيروت، ج 2 ، ص 677 .
2) عارضة الأحوذي ، مرجع سابق ، جزء 8 ، ص 107 .
3) الآداب الشرعية والمنح المرعية ، ابن مفلح الحنبلي ، الرياض ، 1977م ، جزء 1 ، ص 471 .
4) المسند،ج 3 ، ص 202 ، وذكره الألباني في سلسلة الأحاديث الصحيحة ، حديث رقم 496 .
5) فتح الباري ، جزء 1 ، ص 357 ، وكذلك : المسند ، مرجع سابق ، جزء 2 ، ص 184 .
1) مجمع الزوائد ، مرجع سابق ، جزء 7 ، ص 19 .
2) المصنف ، عبد الرزاق الصنعاني ، المكتب الإسلامي ، بيروت ،ج 11 ، ص 137 ، وكذلك : شرح السنة ، البغوي ، تحقيق : شعيب الأرناؤوط ، المكتب الإسلامي ، ج 13 ، ص 41 .
3) عارضة الأحوذي ، جزء 7 ، ص 130 ، وقال الترمذي : حديث حسن صحيح غريب .
4) الأدب المفرد ، 130 ،ص677 ، وكذلك : رياض الصالحين ، النووي ، تحقيق عبد العزيز رباح ، دار الوراق ، الرياض ، 1416هـ ، ص 148 ، وقال النووي : حديث حسن .
5) سنن ابن ماجه ،ج 2 ، ص 1226 ، وقال الألباني : حديث حسن صحيح ، أنظر : صحيح سنن ابن ماجه ، الألباني ، المكتب الإسلامي ، بيروت ، ص 304 .
1) موطأ الإمام مالك ، مرجع سابق ، ص 660 .
2) المسند ، مرجع سابق ، جزء 3 ، ص 275 .
3) المسند ، مرجع سابق ، جزء 3 ، ص 183 .
4) صحيح البخاري ، جزء 2 ، ص 848 ، وكذلك : صحيح مسلم ، جزء 6 ، ص 8 .
1) صحيح البخاري ، مرجع سابق ، جزء 6 ، ص 2614 .
2) صحيح مسلم ، مرجع سابق ، جزء 6 ، ص 9 .
3) الضياع : اسم ما هو معرض أن يضيع إن لم يتعهد ، كالذرية الصغار والزمنى .
4) صحيح سنن ابن ماجه ، مرجع سابق ، جزء 2 ، ص 53 .
1) فتح القدير ، مرجع سابق ، جزء 4 ، ص 238 .
2) صحيح البخاري ، مرجع سابق ، جزء 5 ، ص 2230 .
3) الدر المنثور ، مرجع سابق ، جزء 5 ، ص 258 .(1/59)
1) صحيح البخاري ، مرجع سابق ، جزء 1 ، ص 197 .
2) صحيح مسلم ، مرجع سابق ، جزء 8 ، ص 5 .
3) صحيح مسلم ، مرجع سابق ، جزء 8 ، ص 3 .
4) عارضة الأحوذي ، مرجع سابق ، جزء 8 ، ص 95 .
5) سنن ابن ماجه ، جزء 2 ، ص 769 ، قال المحقق: رجاله ثقات على شرط البخاري، وفي الزوائد : إسناده صحيح ، وذكره الألباني في صحيح الجامع ، حديث رقم 1498.
1) عارضة الأحوذي ، مرجع سابق ، جزء 6 ، ص 110 .
2) المسند ، مرجع سابق ، جزء 3 ، ص 291 .
3) صحيح مسلم ، مرجع سابق ، جزء 4 ، ص 218 .
4) مختصر زوائد مسند البرار على الكتب الستة ومسند أحمد ، مرجع سابق ، جزء 2 ، ص 83 .
5) الأدب المفرد ، مرجع سابق ، ص 20.
1) صحيح مسلم ، مرجع سابق ، جزء 7 ، ص 126 .
2) صحيح البخاري ، جزء 2 ، ص 924 ، وكذلك : المسند ، مرجع سابق ، جزء 4، ص 4 .
3) المعجم الأوسط ، الطبراني ، مكتبة المعارف ، الرياض ، ج 1 ، ص 177 .
1) المسند ،ج 1 ، ص 118 ، وذكره الألباني في سلسلة الأحاديث الصحيحة ،حديث رقم 161 .
2) سلسلة الأحاديث الصحيحة ، الألباني ، جزء 1 ، ص 94 .
3) الدر المنثور ، مرجع سابق ، جزء 5 ، ص 268 .
4) الدر المنثور ، مرجع سابق ، جزء 5 ، ص 268 .
1) المصنف ، مرجع سابق ، جزء 11 ، ص 133 .
2) مجلة البحوث الفقهية المعاصرة،عدد 10 ،محرم 1412هـ،الرياض وانظر نص الفتوى في صفحة رقم 159 .
1) التيسير بشرح الجامع الصغير ،ج 2 ، ص 379 .
2) صحيح مسلم ، مرجع سابق ، جزء 8 ، ص 6 .
3) الأدب المفرد ، مرجع سابق ، ص 30 .
4) الأدب المفرد ، مرجع سابق، ص 31 .
1) صحيح مسلم ، مرجع سابق ، جزء 8 ، ص 6 .
2) المسند ، مرجع سابق ، جزء 6 ، ص 500 .
1) الترغيب والترهيب ، ج 3 ، ص 323 ، وذكره الألباني في الأحاديث الصحيحة ، برقم 1432.
2) انظر : صحيفة الجزيرة السعودية ، عدد 7751 .
1) انظر: صحيفة الشرق الأوسط ، عدد 5985 .
2) انظر: صحيفة الشرق الأوسط ، عدد 6452 .(1/60)
3) انظر : جريدة اليوم السعودية ، عدد 8542 .
1) عارضة الأحوذي ، مرجع سابق ، جزء 8 ، ص 107 .
2) مسند أبي يعلى ، مرجع سابق ، جزء 7 ، ص 197 .
3) صحيح البخاري ، مرجع سابق ، جزء 5 ، ص 2302 .
1) صحيح البخاري ، ج 5 ، ص 2275 ، و صحيح مسلم ،ج 5 ، ص 99 .
2) سلسلة الأحاديث الصحيحة ، الألباني ، المكتبة الإسلامية ، عمان ، جزء 4 ، ص 381 .
3) مختصر أبي داود،ج 1 ، ص 41 . وللحديث شاهد في صحيح البخاري ، ج 1 ، ص 96.
4) سلسلة الأحاديث الصحيحة ، مرجع سابق ، جزء 4 ، ص 76 .
5) مجمع الزوائد ومنبع الفوائد ، مرجع سابق ، جزء 7 ، ص 19.
6) المستدرك على الصحيحين ، مرجع سابق ، جزء 2 ، ص 466 .
1) التيسير بشرح الجامع الصغير ،ج 1،ص 530 وقال المناوي على إسناده : وفيه من لا يعرف ... لكن تعدد طرقه تجبره . وأدرجه الألباني في ضعيف الجامع، برقم 2910 .
2) تاريخ عمر بن الخطاب ، ابن الجوزي ، مكتبة المؤيد ، الطائف ، 1987م ، ص 86 .
3) الآداب الشرعية والمنح المرعية ، مرجع سابق ، جزء 1 ، ص 470 .
1) كتاب الحدائق في علم الحديث والزهديات ، ابن الجوزي ، جزء 3 ، ص 105 .
2) الآداب الشرعية والمنح المرعية ، مرجع سابق ، جزء 3 ، ص 269 .
3) الأدب المفرد ، مرجع سابق ، ص 319 .
4) الآداب الشرعية والمنح المرعية ، مرجع سابق ، جزء 3 ، ص 269.
1) الآداب الشرعية والمنح المرعية ، مرجع سابق ، جزء 3 ، ص 266.
2) الخراج ، أبو يوسف ، تحقيق : محمد إبراهيم البنا ، دار الإصلاح ، 1981م ، ص 259.
1) الخراج ، مرجع سابق ، ص 290.
2) الأموال ، القاسم بن سلام ، تحقيق : محمد عمارة ، دار الشروق ، بيروت ، ص 121.
3) الخراج ، مرجع سابق ، ص 254.
4) المؤسسات الاجتماعية في الحضارة العربية ، سعيد عاشور ، في (موسوعة الحضارة العربية الإسلامية، المؤسسة العربية للدراسات والنشر ، بيروت ، 1987م ، جزء 3 ، ص 339.(1/61)
1) المعوق والمجتمع في الشريعة الإسلامية ، سعدي أبو حبيب ، دار الفكر ، دمشق ، ص62.
2) انظر : مجلة المجلة الصادرة برقم 748 ، في 12-18/6/1994م ، ص 46.
1) الشيخوخة ، فادي غندور ، الدار العربية للعلوم ، 1410هـ ، ص.ص 68-71.
2) انظر : صحيفة الرياض السعودية ، عدد 9858 .
3) دنيا ، مالك إبراهيم الأحمد ، مطابع طيبة ، الرياض ، 1416هـ ، ص 36.
1) فن الحرب عند العرب في الجاهلية والإسلام ، جمال محفوظ ، في (موسوعة الحضارة العربية الإسلامية) ، المؤسسة العربية للدراسات والنشر ، بيروت ، 1987م ، جزء 3 ، ص 53 .
2) المعجم الأوسط ، مرجع سابق ، جزء 2 ، ص 255 .
1) السنن الكبرى ، البيهقي ، دار الكتب العلمية ، بيروت ، 1414هـ، جزء 9 ، ص 154.
2) المسند ، مرجع سابق ، جزء 5 ، ص 347 .
3) المسند ، جزء 5 ، ص 28 ، وكذلك : مختصر سنن أبي داود ، جزء4 ، ص 13 .
4) أوجز المسالك إلى موطأ مالك ،الكاندهلوي ، المكتبة الإمدادية ، ج8 ، ص 231 .
1) تاريخ الطبري ، ابن جرير الطبري ، دار المعارف ، القاهرة ،ج 3 ، ص 226 . وكذلك : الكامل في التاريخ ، ابن الأثير ، دار الكتاب العربي ، بيروت ، 1403هـ ،ج 2 ، ص 227 .
2) موطأ الإمام مالك ، ص 297 . وكذلك : السنن الكبرى ، جزء 9، ص 152 . وكذلك : فتوح الشام ، الواقدي ، الناشر : عبدالحميد أحمد حنفي ، القاهرة ، جزء1 ، ص 4 .
3) خطب أمير المؤمنين عمر بن الخطاب ، محمد أحمد عاشور ،دار الاعتصام، ص 122 .
1) صحيح البخاري ، جزء 2 ، ص 657 ، وكذلك : صحيح مسلم ، جزء 4 ، ص 101 .
1) تفسير القرآن العظيم ، مرجع سابق ، جزء 1 ، ص 215 .
2) صحيح البخاري ، ج 1 ، ص 248 ، وكذلك : صحيح مسلم ،ج 2 ، ص 43 .
3) صحيح البخاري ،ج 1 ، ص 282، وكذلك : صحيح مسلم ، ج 2 ، ص 134 .(1/62)
1) المسند ، مرجع سابق ، جزء 2 ، ص 246 . وقال الترمذي : اختلف أهل العلم من أصحاب النبي ??? وغيرهم في القبلة للصائم فرخَّص بعض أصحاب النبي ??? في القبلة للشيخ ولم يرخصوا للشاب ، مخافة أن لا يسلم له صومه والمباشرة عندهم أشد ، ورأوا أن للصائم إذا ملك نفسه أن يقبل وإذا لم يأمن على نفسه ترك القبلة ليسلم له صومه ، وهو قول سفيان والشافعي. عارضة الأحوذي ،ج 3 ، ص 259.
2) سنن أبي داود ، مرجع سابق ، جزء 1 ، ص 726.
3) موطأ الإمام مالك ، مرجع سابق ، ص 199.
4) فتح القدير ، مرجع سابق ، جزء 4 ، ص 52.
1) مجموع فتاوى شيخ الإسلام أحمد بن تيمية ، ج 22 ، ص 451 ، انظر في ذلك : نيل الأوطار من أحاديث سيد الأخيار ، الشوكاني ، دار الجيل ، بيروت ، 1973م ، جزء 2 ، ص 301.
2) شرح الزركشي على مختصر الخرقي ، الزركشي ،دار أولي النهى ، 1414هـ ،ج 1 ، ص 577.
3) صحيح البخاري ، مرجع سابق ، جزء 2 ، ص 283 .
4) صحيح البخاري ، مرجع سابق ، جزء 2 ، ص 240 .
1) الجامع لأحكام القرآن ، القرطبي ، ج 10 ، ص 243 .
2) صحيح مسلم بشرح النووي ، ج 16 ، ص 108 .
1) صحيح مسلم بشرح النووي ، ج 16 ، ص 103 .
2) شرح فتح القدير لابن الهمام ، ج 4 ، ص 415-416، والهداية للمرغناني ، ج 2 ، ص 46
3) انظر منح الجليل على مختصر سيدي خليل لمحمد عليش ، ج 4 ، ص 414-415 ، ومواهب الجليل لشرح مختصر خليل للحطاب ، ج 4 ، ص 209-210 .
1) انظر الأم للإمام الشافعي ، ج 5 ، ص 100-101 .
2) انظر نهاية المحتاج إلى شرح المنهاج للرملي ، ج 7 ، ص 218-21 .
3) المغني،ابن قدامة ، ج 9 ، ص256-258 ، وكشاف القناع عن متن القناع ، ج5 ، ص 480.
1) سنن الترمذي ، ج 3 ، ص 494 .
2) انظر المحلى ، ج 10 ، ص 108 ، ومجلة البحوث الفقهية المعاصرة ، ع 5 ، ص 170 .
??
??
??
(13)(1/63)