رسالة إلى فتاة الإسلام
بقلم
عبد الغني شحاتة فتح الله
تقديم
فضيلة الشيخ عوض بن محمد القرني
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على الرسول الأمين وبعد:
فقد اطلعت على ما كتبه الأخ عبد الغني شحاتة فتح الله بعنوان (رسالة إلى فتاة الإسلام) فوجدته يفيض غيرة على أعراض المسلمين وحماسًا لدينهم وحرصًا على مستقبلهم وأجيالهم، صرخات من قلب محترق على أمته أرجو أن تجد لها مكانًا في كل قلب تصل إليه. ولئن اشتكى بعض القراء من حرارة العبارة أحيانًا؛ فما ذلك إلا لشدة الغيرة؛ فلتحمل على أحسن المحامل.
أدعو الله له ولي ولجميع المسلمين بالسداد والتوفيق والأجر على كل عمل؛ إنه ولي ذلك والقادر عليه.
كتبه
عوض بن محمد القرني
كلية الشريعة ـ أبها
الإهداء
إلى كل فتاة تؤمن بالله ربًا وبالإسلام دينًا وبمحمد - صلى الله عليه وسلم - نبيًا ورسولاً.
إلى كل فتاة التزمت بكتاب ربها تلاوة وتدبرًا وعملاً، وبسنة رسولها - صلى الله عليه وسلم - فهمًا وعملاً.
إلى كل فتاة تسلم أمرها إلى الله تعالى وتقتدي بأمهات المؤمنين.
إلى كل فتاة تصفع بتمسكها والتزامها دعاة التبرج والسفور وتحرير المرأة قائلة...
بيد العفاف أصون عز حجابي
وبفكرة وقادة وقريحة
ما ضرني أدبي وحسن تعلمي
ما عاقني خجلي عن العليا
المقدمة
الحمد لله الذي كرم المرأة ورفع شأنها، فشرع لها من الدين ما يصون عفتها وكرامتها من أن تنال بسوء فقال: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً}[الأحزاب:59].
والحمد لله الذي حرم على المرأة التبرج سترًا للعورات، ووقاية للمجتمع من أسباب الفساد، فقال: {وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى} [الأحزاب:33].(1/1)
والحمد لله الذي حرم علينا الاختلاط بين الرجال والنساء، وإن كانوا من أتقى الناس، صيانة للأعراض وبعدًا عن الشبهات فقال: {وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعاً فَاسْأَلوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ} [الأحزاب: 53].
والحمد لله الذي أمرنا بغض الأبصار، صيانة لنا من الوقوع في المحرمات فقال: {قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ. وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ} [النور: 30، 31].
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، شرع لعباده دينًا قويمًا وهداهم إليه صراطًا مستقيمًا، فيجب عليهم التمسك بتعاليم هذا الدين صغيرها وكبيرها غير كارهين ولا متبرمين.
وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، أرسله ربه بالهدى ودين الحق ليخرج الناس من الظلمات إلى النور بإذن ربهم، ويهديهم إليه صراطًا مستقيمًا.
أما بعد:
فإن رفع الحجاب والاختلاط كليهما أمنية يتمناها أعداء الإسلام من قديم الزمان لغاية يدركها كل من وقف على مقاصد أعداء الإسلام بالعالم الإسلامي.
فلقد أدرك أعداء الإسلام دور المرأة في تنشئة الأجيال وتوجيهها الوجهة السليمة، وفي المحافظة على حصانة المجتمع الإسلامي، وأن في فسادها وتحللها إفسادًا للمجتمع كله فوجهوا إليها جهودهم الخبيثة لرفع حجابها وسلخها عن هويتها الإسلامية، لتكون حربًا على دينها.
يقول الطبيب (جان بول رو):
إن التأثير الغربي الذي يظهر في كل المجالات ويقلب المجتمع الإسلامي رأسًا على عقب، لا يبدو في جلاء أفضل بما يبدو في تحرير المرأة.
وتقول إحدى الكافرات:
ليس هناك طريق أقصر مسافة لهدم الإسلام من إبعاد المرأة المسلمة عن آداب الإسلام.
ويقول أحد كبار الماسونية:(1/2)
يجب علينا أن نكسب المرأة فأي يوم مدت إلينا يدها، فزنا بالمراد وتبدد جيش المنتصرين للدين.
ومن المضحكات المبكيات أننا نجد بعضًا ممن ينتسبون إلى أهل العلم زورًا وبهتانًا من الذين تربوا على موائد الغرب وتشبعوا بأفكارهم يعقدون الندوات والمحاضرات، ويوظفون أقلامهم في الصحف والمجلات لمهاجمة حجاب المرأة المسلمة، حيث وصفوه بأنه رجعية وتطرف ووصفوه بأنه خيمة وأنه حبس للحرية.
وصوروا المرأة وقد امتهنت كرامتها وديست حريتها بالحجاب، ويفتعلون الشبهات حول موقف الإسلام من المرأة.
فكانت دعوات التبرج والسفور، ومساواة المرأة بالرجل، وتحرير المرأة...، وما إلى ذلك من الشعارات الرنانة والدعوات البراقة، والتي تدعوا إلى التحلل والانحراف عن قيم الإسلام ومبادئه.
ويا ليتهم وظفوا أقلامهم في الصحف والمجلات لمهاجمة هذا التبرج المشين والاختلاط المستهتر الذي فشا في المجتمعات الإسلامية والعري الذي انتشر في الشوارع والملاهي ودور السينما ومسارح الرقص والغناء وشواطئ البحار حيث الوحوش البشرية والبهائم الآدمية في أوضاع مزرية، وهاجموا وسائل الإعلام التي استغلت أسوأ استغلال لبث الفوضى والانحلال الخلقي، فمن أغان خليعة ماجنة وأحيانًا كافرة إلى أفلام ومسرحيات وتمثيليات وإعلانات فاجرة، يندى لها الجبين خجلاً وحياء.
وعلى الرغم من كثرة ما كتب حول موضوع المرأة المسلمة، إلا أنه لابد من الوقوف من حين لآخر في وجه هذه الدعوات الهدامة الموجهة للإسلام في صورة المرأة المسلمة.
وبما أنني كغيري من المسلمين أغار على ديني وعلى أعراض المسلمين وحرماتهم فقد حدا بي ما أرى وما أسمع وما أقرأ، عما وصل إليه حال المرأة المسلمة من المهانة والازدراء بنفسها إلى الحد الذي تعرض جسمها وأنوثتها هذا العرض المخجل في الشوارع والملاهي وأماكن العمل وشواطئ البحار، مقلدة بذلك أعداء الإسلام.
حدا بي أن أكتب هذه الرسالة الموجزة، مبينًا فيها:(1/3)
(1) حال المرأة قبل الإسلام، وما وصلت إليه من الذل والمهانة والاحتقار.
(2) حال المرأة بعد الإسلام، وما أعطاها الإسلام من حقوق تحسدها عليها نساء العالم.
(3) مؤامرة أعداء الإسلام ومن سار على نهجهم وما أثاروه من شبهات حول حجاب المرأة المسلمة.
(4) ثم رددت عليهم بما جاء على لسان بعض الغربيين من باب قولهم: (الحق ما شهدت به الأعداء).
(5) حكم الاختلاط بين الرجال والنساء غير المحارم، ونتائجه.
(6) حكم خلوة المرأة المسلمة بالرجل الأجنبي.
(7) حكم مصافحة المرأة المسلمة لغير المحارم.
(8) غض البصر وفوائده.
(9) التبرج، أسبابه وأضراره.
(10) حجاب المرأة المسلمة، وشروطه وفضائله.
(11) نداء إلى الأخت المسلمة.
(12) من باب الدين النصيحة، كتبت كلمة إلى الأب والأم.
(13) كلمة أخيرة إلى الأخت المسلمة.
أسأل الله تبارك وتعالى بأسمائه الحسنى وصفاته العلى أن يعصمنا من الزلل وأن يرزقنا الإخلاص في القول والعمل إنه ولي ذلك والقادر عليه.
وصلى اللهم وبارك على محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
عبد الغني شحاتة فتح الله
- - -
المرأة قبل الإسلام
لا يمكن للمرأة أن تعرف نعم الله عليها حتى ترجع إلى الوراء، لتسأل التاريخ وتستنطقه كيف كانت المرأة تعيش؟ وكيف كانت تعامل؟ كما لا يعرف الإسلام إلا من درس الجاهلية.
كانت المرأة في الديانة اليهودية المحرفة في مرتبة الخدم، وكان لأبيها الحق في بيعها، ولم يكن لها أية حقوق، فهي لا ترث ولا تملك المال، وكانت لا تؤاكل ولا تجالس في فترة حيضها ويعتبرونها نجسة(1).
ولقد أهدر رجال الكنيسة كرامتها، فكانوا يقولون عن النساء:
"إنه أولى لهن أن يخجلن من أنهن نساء، وأن يعشن في ندم متصل جزاء ما جلبن على الأرض من لعنات"(2).
__________
(1) ... المرأة في التصور الإسلامي، عبد المتعال محمد الجبري، بتصرف.
(2) ... نفحات من السنة، كامل سلامة الدقس.(1/4)
فهم يرون أن المرأة ينبوع المعاصي، وأصل السيئة والفجور وأن المرأة للرجل باب من أبواب جهنم، من حيث هي مصدر تحركه وحمله على الآثام ومنها انبجست عيون المصائب على الإنسانية جمعاء.
والمرأة في الهند إذا مات زوجها وجب عليها أن تحرق نفسها بالنار معه، وعند قبائل أخرى تورث المرأة بعد موت زوجها كجزء من تركته ولقد ذكروا في شريعة مانو "أن الوباء والجحيم والنار والسم والأفاعي خير من المرأة"(1).
وفي شريعة حمورابي "كانت المرأة تحسب في عداد الماشية المملوكة حتى أن من قتل بنتًا لرجل كان عليه أن يسلم بنته ليقتلها أو يتملكها"(2).
والمرأة عند الأفريقيين، كانت محتقرة مهينة حتى سموها رجسًا من عمل الشيطان، وكانت عندهم كسقط المتاع، تباع وتشترى في الأسواق مسلوبة الحقوق محرومة من حق الميراث وحق التصرف في المال(3).
وكان الفرس، ينفون المرأة خلال أيام الدورة الشهرية إلى مكان بعيد ولا يجوز لأحد مخالطتها أو الاقتراب منها، وكان للرجل حق قتل زوجته في أي وقت شاء، كما كان للرجال الحق في الزواج من أمهاتهم أو أخواتهم أو عماتهم أو خالاتهم أو بنات إخوانهم أو بنات أخواتهم(4).
والمرأة عند الصينيين، شبهت بالمياه المؤلمة التي تغسل السعادة والمال، وللصيني الحق في أن يبيع زوجته كالجارية، وإذا ترملت المرأة الصينية أصبح لأهل الزوج الحق فيها كثروة وتورث، وللصيني الحق في أن يدفن زوجته حية.
ومما لاقته المرأة في العصور الرومانية تحت شعارهم المعروف (ليس للمرأة روح) تعذيبها بسكب الزيت الحار على بدنها وربطها بالأعمدة، بل كانوا يربطون البريئات بذيول الخيول ويسرعون بها إلى أقصى سرعة حتى تموت(5).
__________
(1) ... المرأة بين الحجاب والسفور، أبو رضوان زغلول بن السنوسي.
(2) ... المرأة بين الفقه والقانون، د. مصطفى السباعي.
(3) ... المصدر السابق.
(4) ... حقوق المرأة في الإسلام، محمد رشيد رضا، بتصرف.
(5) ... المرأة في الإسلام، سكينة زيتون.(1/5)
أما حال المرأة عند العرب. يقول عمر بن الخطاب رضي الله عنه: "والله إن كنا في الجاهلية ما نعد للنساء أمرًا حتى أنزل الله فيهن ما أنزل وقسم لهن ما قسم"(1).
فكانت المرأة عند العرب في العصر الجاهلي لا تستطيع أن تمتلك مالاً أو تنال ميراثًا؛ بحجة أنها لا تقاتل ولا تدافع عن العشيرة.
وكان العرب يقولون: "وكيف يعطى المال من لا يركب فرسًا ولا يحمل سيفًا ولا يقاتل عدوًا"(2).
وحكى ابن جرير رحمه الله أن الرجل في الجاهلية كان يموت أبوه أو أخوه أو ابنه فإذا مات وترك امرأته، فإن سبق وارث الميت فألقى عليها ثوبه فهو أحق بها أن ينكحها بمهر صاحبه، أو ينكحها فيأخذ مهرها، وإن سبقته إلى أهلها فهي أحق بنفسها(3).
وكان الرجل في بعض القبائل إذا ولدت له أنثى اكتنفه الحزن الشديد وأخذ يفكر أيبقيها على مضض ومهانة، أم يتخلص منها بوأدها خوفًا من العار أو الفقر؟!
يقول تعالى: {وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالْأُنْثَى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدّاً وَهُوَ كَظِيمٌ. يَتَوَارَى مِنَ الْقَوْمِ مِنْ سُوءِ مَا بُشِّرَ بِهِ أَيُمْسِكُهُ عَلَى هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرَابِ أَلا سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ} [النحل: 58، 59].
وفي كثير من الأحيان كان يلجأ إلى وأدها، يقول تعالى: {وَإِذَا الْمَوْؤُودَةُ سُئِلَتْ. بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ} [التكوير: 8، 9].
يقول أحد الشعراء:
جعلت فداك من التائبات
سروران ما لهما ثالث
وأصدق من ذين قول الحكيم
ولعل الأبيات الثلاثة التالية لإحدى النساء تعبر تمامًا عن هذه الحالة عندما وضعت أنثى وغضب زوجها فامتنع عن البقاء في بيتها فقالت وهي تلاطف طفلتها:
ما لأبي حمزة لا يأتينا
غضبان أن لا نلد البنينا
بل نحن كالأرض لزارعينا
وإنما نأخذ ما أعطينا
__________
(1) ... فتح الباري (10/301).
(2) ... المواريث في الشريعة الإسلامية، محمد علي الصابوني.
(3) ... تفسير القرطبي (4/307).(1/6)
فلما سمعها أبو حمزة عرف قبح ما فعل وأرجع امرأته(1).
وانتشرت في العصر الجاهلي بعض الزيجات المنافية للفطرة السليمة ومنها:
1ـ نكاح الاستبضاع، وفيه يذهب الرجل بزوجته بعد أن تطهر من الحيض إلى رجل آخر ذي جاه وسلطان أو من الرجال المتصفين بالجمال أو الشجاعة أو الكرم، ثم يتركها عنده كي تمكنه من نفسها لتحصل على طفل يحمل صفات الرجل الذي مكنته من نفسها، ثم يقوم زوجها بنسبة هذا الطفل إلى نفسه.
2ـ نكاح البدل أو المبادلة، وفيه يتنازل كل من الرجلين للآخر عن زوجته بعد أن يتفقا على هذه المبادلة.
3ـ نكاح المجموعة، وفيه يشترك مجموعة من الرجال في الدخول على امرأة واحدة، فإن حملت كان لها الحق في أن تنسب الولد إلى من شاءت منهم.
4ـ نكاح الشغار، وفيه يزوج الرجل ابنته أو أخته مقابل زواجه من بنت أو أخت الرجل الذي تزوج ابنته أو أخته دون صداق لهذه أو تلك.
- - -
المرأة بعد الإسلام
جاء الإسلام ليسحق الظلم ويبدد الظلمات التي كانت تعيش فيها المرأة ويعيد لها كرامتها ويعترف بإنسانيتها ويقرر لها من الحقوق ما لم تنله في أحدث التشريعات الوطنية التي تسعى لإنصاف المرأة.
فلقد أعلى الإسلام قدر المرأة وجعلها ذلك النصف المكمل للرجل في عمران الدنيا وقيام الحياة واستمرارها. قال تعالى: {وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجاً وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ بَنِينَ وَحَفَدَةً وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ أَفَبِالْبَاطِلِ يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَتِ اللَّهِ هُمْ يَكْفُرُونَ} [النحل:72].
والإسلام أعطى المرأة حق التملك والتصرف في الأموال كما هو شأن الرجل، قال تعالى: {لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ مِمَّا قَلَّ مِنْهُ أَوْ كَثُرَ نَصِيباً مَفْرُوضاً} [النساء:7].
__________
(1) ... صون المكرمات برعاية البنات، بتصرف.(1/7)
والمرأة في ميزان الإسلام كالرجل فرض الله عليهما القيام بالتكاليف الشرعية وهي تحمد إذا استجابت لأمر الله وتذم إذا لم تستجب لأمر الله.
قال تعالى: {مَنْ عَمِلَ سَيِّئَةً فَلا يُجْزَى إِلَّا مِثْلَهَا وَمَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ يُرْزَقُونَ فِيهَا بِغَيْرِ حِسَابٍ} [غافر:40].
والإسلام أحل للمرأة من المتعة والزينة ما حرم على الرجال، فقد خرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يومًا وهو يمسك بالذهب والحرير، ثم قال: ((هذان حرام على ذكور أمتي حل لإناثهم))(1).
والإسلام يعتبر البنت من أسباب دخول الجنة للرجل، فعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((لا يكون لأحد ثلاث بنات أو ثلاث أخوات يحسن إليهن إلا دخل الجنة))(2).
والإسلام يعتبر ولاية البنت والإحسان إليها ستر من النار، لقوله - صلى الله عليه وسلم -: ((من ابتلي من البنات بشيء فأحسن إليهن كن له سترًا من النار))(3).
وجعل الإسلام من حق المرأة أن تُسْتَأْذَنَ في أمر زواجها، وليس لولي أمرها أن يلزمها بالزواج ممن لا ترضاه زوجًا، لحديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((الأيم أحق بنفسها من وليها، والبكر تُسْتَأْذَنَ في نفسها، وإذنها صمتها))(4).
__________
(1) ... رواه الإمام أحمد والنسائي وابن ماجه وابن حبان.
(2) ... رواه الترمذي.
(3) ... رواه مسلم.
(4) ... رواه مسلم.(1/8)
ولو زوجها وليها من غير رغبة منها فأكرهها على الزواج ممن لا ترضاه زوجًا، فالشرع جعل الأمر إليها إن شاءت أجازت وإن شاءت ألغت، فإنَّ امرأةً زَوَّجَهَا أبوها لابن أخيه وهي كارهة فجاءت إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - تقول: "يا رسول الله، إن أبي زوجني من ابن أخيه ليرفع بي خسيسته"، فدعا الرسول - صلى الله عليه وسلم - أباها وجعل الأمر إليها، فقالت: "أجزت ما صنع أبي، ولكن أردت أن تعلم النساء أن ليس للآباء من الأمر شيء"(1).
وجعل الإسلام للمرأة حقوقًا على زوجها، كما جعل للزوج حقوقًا عليها.
قال تعالى: {وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ} [البقرة: 228].
والمراد بهذه الدرجة القوامة التي نص الله تعالى عليها في قوله: {الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ} [النساء: 34].
والإسلام جعل المرأة من آيات خلقه لأنه سبحانه وتعالى جعلها سكنًا ومودة ورحمة.
قال تعالى: {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ} [الروم:21].
واعتبر الإسلام مقياس مروءة الرجل وكرامته بمقدار إكرامه لأهله وحسن معاملته لنسائه؛ لقوله - صلى الله عليه وسلم -: ((خيركم خيركم لأهله وأنا خيركم لأهلي))(2).
والمرأة في الإسلام لها أن تتعلم ما ينفعها من علوم الدنيا والآخرة، على أن ذلك لا يعني إباحة تعليمها جميع العلوم ولاسيما التي تتنافى مع طبيعتها وفطرتها التي فطرها الله عليها.
__________
(1) ... رواه ابن ماجه.
(2) ... رواه الترمذي وابن ماجه وصححه الألباني.(1/9)
فلها أن تتعلم الدين وأحكامه، فقد ثبت تعليم الرسول - صلى الله عليه وسلم - للنساء وحضور النساء الجمعة، واستماعهن لخطب الرسول - صلى الله عليه وسلم - والدليل على ذلك المرأة التي جاءت إلى الرسول - صلى الله عليه وسلم - فقالت: يا رسول الله، ذهب الرجال بحديثك فاجعل لنا من نفسك يومًا نأتي فيه تعلمنا مما علمك الله، فقال - صلى الله عليه وسلم -: ((اجتمعن يوم كذا وكذا))، فجاء رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فعلمهن مما علمه الله تعالى"(1).
كما للمرأة أن تتعلم القراءة والكتابة، فقد ثبت أن الشفاء بنت عبد الله القرشية علمت أم المؤمنين حفصة الكتابة، وكان ذلك بإقرار الرسول - صلى الله عليه وسلم - إياها على ذلك.
كما أنها تتعلم من المواد العلمية التي تعين بها مجتمعها إذا أجبرتها الضرورة على العمل الذي تتوافر فيه الشروط الشرعية كالعمل مدرسة للبنات أو طبيبة للنساء أما العلوم التي لا تتلاءم مع طبيعتها كالعلوم السياسية والنيابية والهندسية(2) فلا إلى غير ذلك من حقوق تتمتع بها المرأة في ظل الدين الإسلامي الحنيف فاحمدي الله أيتها الأخت المسلمة على ما أنعم الله به عليك من هدايتك لهذا الدين الذي كفل لك حقوقًا لا تحلم بها المرأة في أي عصر وفي أي مكان.
- - -
المؤامرة على المرأة المسلمة
لما رأى أعداء الإسلام ما نالته المرأة المسلمة من كرامة وعزة ومكانة في ظل الدين الإسلامي، حسدوها على ذلك، فكادوا لها المكائد وتربصوا بها الدوائر لأنهم يريدون أن تكون المرأة المسلمة أداة تدمير للدين الإسلامي.
__________
(1) ... رواه مسلم.
(2) ... دور الأم في تربية الطفل المسلم، خيرية حسين طه صابر، بتصرف.(1/10)
فأتوا بحركات مسمومة ظاهرها الرحمة وباطنها من قبله العذاب، فكانت دعوات التبرج والسفور، ومساواة المرأة بالرجل وتحرير المرأة، وما إلى ذلك من الشعارات البراقة والدعوات الهدامة والتي تدعو إلى التبرج والسفور والبعد عن تعاليم الإسلام ومبادئه.
فكان التركيز على نزع حجاب المرأة المسلمة، هو حجر الأساس لهدم الدين الإسلامي.
تقول الطبية (آنا مليجان):
ليس هناك طريقة لهدم الإسلام أقصر مسافة من خروج المرأة المسلمة سافرة متبرجة(1).
ويقول الطبيب (غلادستون):
"لن يستقيم حال الشرق ما لم يرفع الحجاب عن وجه المرأة ويغطى به القرآن"(2).
ووجدت المرأة محررين ومحررات من بني جلدتنا ويتكلمون بألسنتنا أظهروا أسماء المسلمين وأبطنوا قلوب الذئاب، ممن تربوا على أعين الغرب وغسلت أدمغتهم في دهاليز الكفر وترعرعوا في كنف الإلحاد، وعادوا إلى بلاد لترتفع على أكتافهم أعمدة الهيكل العلماني من أمثال قاسم أمين وسعد زغلول وهدى شعراوي وصفية زغلول وطه حسين وفرج فودة ونجيب محفوظ ونوال السعداوي وأمينة (خائنة) السعيد... وغيرهم(3).
إلى علماء ضلال يضعون على رءوسهم العمائم ويعدون بأصابعهم حبات المسابح وهم يسيرون في قوافل الأعداء.
ينادون زورًا بتحرير المرأة ويحرضونها على ترك تعاليم الإسلام حيث وصفوها بأنها متخلفة، ولن تكون عصرية متطورة إلا إذا سايرت المرأة الغربية في كل سلوكها وتصرفاتها في عادتها وتقاليدها؛ لأنها نالت حريتها وهي محاولات رخيصة يروج لها أدعياء العلم والمعرفة والحضارة.
قالوا كلامًا لا يسر عن الحجاب
قالوا ظلامًا حالكًا بين الثياب
قالوا الرشاقة والتطور في غياب
__________
(1) في مسألة السفور والتبرج، د. عبد الودود شلبي. ...
(2) ... فصل الخطاب في مسألة الحجاب والنقاب.
(3) ... يراجع: كتاب عودة الحجاب، للشيخ محمد أحمد إسماعيل المقدم، ونحن ننصح أخواتنا المسلمات باقتناء هذا الكتاب وقراءته.(1/11)
رسموا طريقًا للتبرج لا يضيعه الشباب(1)
قالوا: إن حجاب المرأة الحقيقي في قلبها وليس غطاء يلقى ويسدل على جسمها.
قالوا ارفعي عنك الحجابا
واستقبلي عهد السفور
عهد السفور لقد تباعد
ثم لم يزالوا في دسائسهم حتى انطلقت المرأة متأثرة بهذا الواقع المرير لاهثة وراء المرأة الغربية معجبة بما هي عليه، نبذت كتاب ربها وسنة رسولها - صلى الله عليه وسلم - وراء ظهرها فيما يتعلق بموضوع الحجاب.
وهذا واقع كثير من النساء اليوم لباسهن لا يمت إلى الإسلام بصلة لا من قريب ولا من بعيد، اللباس قصير وخفيف يصف تقاطيع جسمها.
حتى قال الشاعر:
لحد الركبتين تشمرينا
كأن الثوب ظل في الصباح
تظنين الرجال بلا شعور
عبثت بشعرها، لعبت بأجفانها وبعينها وحواجبها، أطالت أظافرها.
حتى قال الشاعر:
قل للجميلة أرسلت أظافرها
بالأمس أنت قصصت شعرك غيلة
(2)
وغدًا نراك نقلت ثغرك للقفا
من علم الحسناء أن جمالها
إن الجمال من الطبيعة رسمه
إنه مسخ للمرأة وقضاء على عفتها وهتك لحرمتها وتحرير لها من عقيدتها وخلقها باسم النظم والحضارة.
"لقد كرم الإسلام المرأة كتابًا وسنة وحفلت شريعته برفع شأنها وصيانة حقوقها، لكنها أذلت نفسها لما اتبعت الذين حرضوها ضد فطرتها ودينها، فسلخوها من دينها وأبعدوها عن ربها، وألقوا بها في متاهات الحياة لتقاسي شظف العيش ومكاره المحن، التي ناء بها كاهل الرجل فضلاً عن المرأة.
لقد حملوها حملاً على أن تصطف في طابور المنقادين لحضارة الغرب لتدخل جنته المنشودة، ولكن بعد أن تخلع على أعتابها إيمانها بالله واليوم الآخر(3). اهـ.
- - -
الحق ما شهدت به الأعداء
__________
(1) ... من أناشيد خلاد.
(2) ... نقلنا كلام الشاعر بنصه مع وجود خطأ في التعبير، وهو إسناد الفعل للطبيعة، وهو خطأ في العقيدة، إذ يوهم أن وضع الحاجب هكذا ليس من صنع الله، وإنما من صنع الطبيعة، ولا يصح هذا التعبير وإن لم يقصده قائله.
(3) ... عودة الحجاب، محمد أحمد إسماعيل.(1/12)
إلى أولئك الذين يرون في الغرب مثلهم الأعلى، وإلى الذين يزعمون أنهم يريدون نهضة المجتمع ورقيه، وإليك أنت أختي المسلمة لكي تكوني على بينة من أمرك وإليكم جميعًا بعض آراء الغربيين. من باب قوله تعالى: {وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِنْ أَهْلِهَا} [يوسف: 26] ومن باب قولهم: "الحق ما شهدت به الأعداء".
قال جوستاف لوبون عن تأثير الإسلام في أوضاع المرأة:
"إن الإسلام قد أثر تأثيرًا حسنًا في رفع مقام المرأة أكثر من كثير من قوانينا الأوربية، وخير طريقة لنقد التأثير الذي أحدثه الإسلام في تحسين حال المرأة في الشرق أن نبحث عما كان عليه حالها قبل القرآن"(1).
وتقول الكاتبة الشهيرة آنا رورد في مقالة نشرتها في جريدة الاسترت ميل: "لأن تشتغل بناتنا في البيوت خوادم أو كالخوادم خير وأخف بلاء من اشتغالهن في المعامل حيث تصبح البنت ملوثة بأدران تذهب برونق حياتها إلى الأبد ـ ألا ليت بلادنا كبلاد المسلمين، فيها الحشمة والعفاف رداء، إنه لعار على بلاد الإنجليز أن تجعل بناتها مثلاً للرذائل بكثرة مخالطة الرجال، فما لنا لا نسعى وراء ما يجعل البنت تعمل بما يوافق فطرتها الطبيعية ومن القيام في البيت وترك أعمال الرجال للرجال سلامة لشرفها"(2).
وتقول الكاتبة الأمريكية (هيلبن ستانبري):
"إن المجتمع العربي مجتمع كامل سليم ومن الخليق بهذا المجتمع أن يتمسك بتقاليده التي تقيد الفتاة والشاب، وإن هذا المجتمع يختلف عن المجتمع الأوربي والأمريكي.
ففي المجتمع العربي تقاليد موروثة تحتم تقييد المرأة وتحتم احترام الأب والأم بل وتحتم أكثر من ذلك عدم الإباحية الغربية، التي تهدد اليوم المجتمع والأسرة في أوربا وأمريكا.
__________
(1) ... المرأة في سوق النخاسة العالمي، محمد بن سعيد القحطاني.
(2) ... المرأة بين الفقه والقانون، د. مصطفى السباعي نقلاً عن مجلة المنار للسيد رشيد رضا.(1/13)
ولذلك فإن القيود التي يفرضها المجتمع الإسلامي على الفتاة صالحة ونافعة ولهذا أنصح بأن تتمسكوا بتقاليدكم وأخلاقكم، وامنعوا الاختلاط وقيدوا حرية الفتاة بل ارجعوا إلى عصر الحجاب، فهذا خير لكم من إباحية وانطلاق ومجون أوربا وأمريكا"(1).
فهذا كلام بعض الغربيين، فماذا يقول دعاة التحلل والتبرج والسفور؟
إن الذي يعايش المسلمين ويعرف الإسلام يدرك أن المرأة المسلمة تتبوأ في المجتمع الإسلامي مكانة عالية، مكانة تحفظ لها كرامتها وتحفظ إنسانيتها.
فهيا يا أختي المسلمة إلى أحكام الإسلام وآداب الشريعة الربانية ولله درُّ القائل:
إذ المرء لم يلبس ثيابًا من التقى
وخير لباس المرء طاعة ربه
الاختلاط
إن من يسر الإسلام وسماحته أنه حرم اختلاط النساء بالرجال الأجانب وإن كانوا من أتقى الناس صيانة للأعراض وبعدًا عن الشبهات ورعاية لمصالح الناس الدنيوية والأخروية؛ لأنه بذلك يصونهم عن الوقوع في الحرام.
والاختلاط هو اجتماع الرجال بالنساء غير المحارم في مكان واحد يمكنهم فيه الاتصال فيما بينهم بالنظر أو الإشارة أو بالكلام.
يقول الله تعالى: {وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعاً فَاسْأَلوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ} [الأحزاب: 53].
فهذه الآية الكريمة نص واضح في وجوب تحجب النساء عن الرجال وتسترهن منهم، وقد أوضح الله تعالى في هذه الآية، أن التحجب أطهر لقلوب الرجال والنساء وأبعد عن الفاحشة وأسبابها.
فعن أبي أسيد مالك ابن ربيعة رضي الله عنه، أنه سمع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول وهو خارج المسجد، وقد اختلط الرجال بالنساء في الطريق: ((استأخرن، فليس لكن أن تحققن الطريق، عليكن بحافات الطريق)).
فكانت المرأة تلصق بالجدار، حتى أن ثوبها ليتعلق بالجدار من لصوقها به(2).
__________
(1) ... في محكمة التاريخ، د. عبد الودود شلبي.
(2) ... رواه أبو داود.(1/14)
ومعنى تحققن الطريق أي تتوسطن الطريق، حتى لا يتم الاختلاط بين الرجال والنساء أثناء السير في الطريق.
يقول الإمام ابن القيم رحمه الله:
"ولا ريب أن تمكين النساء من اختلاطهن بالرجال أصل كل بلية وشر، وهو من أعظم أسباب نزول العقوبات العامة، كما أنه من أسباب فساد أمور العامة والخاصة واختلاط الرجال بالنساء سبب لكثرة الفواحش والزنا، وهو من أسباب الموت العام والطواعين المتصلة"(1). اهـ.
وتقول الكاتبة الإنجليزية (اللادي كوك):
إن الاختلاط يألفه الرجال، ولهذا طمعت المرأة بما يخالف فطرتها، وعلى قدر كثرة الاختلاط تكون كثرة أولاد الزنا، وهاهنا البلاء العظيم على المرأة(2). اهـ.
فكيف بالله استباح الرجال والنساء الاختلاط حتى لكأنه أمر عادي مألوف؟!
بل نجد الرجل يسمح لأمه بمجالسة أصدقائه واستقبالهم كما يسمح لزوجته وابنته بذلك، ويكن في الغالب متبرجات.
كما يحدث تبادل النظرات والملامسات بالمصافحة ونحوها، بل وتبادل الضحكات والغمزات أحيانًا، فهل هذا من أخلاق الإسلام.
وليت الأمر يقتصر على ذلك، بل نجد هؤلاء القوم يخرجون للنزهة نساء ورجالاً، وكأنهم أسرة واحدة ليس بينها حرمة، كما نجد المرأة من هؤلاء تسمح للرجل الأجنبي أن يراقصها في الحفلات والملاهي فيحتضن جسدها وتلتصق الأعضاء بمرأى ومسمع من زوجها الخبيث الذي لا يبالي(3).
ومن صور الاختلاط المحرم:
1ـ اختلاط البنات مع ابن العم أو ابن العمة وابن الخال وابن الخالة.
2ـ خلو خطيب الفتاة بها وخروجه معها وحديثه، وذلك قبل العقد، بحجة التعارف ومدارسة بعضهم بعضًا.
3ـ اختلاط النساء بالرجال الأجانب عمومًا بحجة أن القلوب بيضاء.
4ـ اختلاط الطالبات بالطلاب في صفوف الدراسة بالجامعات والمعاهد والمدارس.
__________
(1) ... الطرق الحكمية في السياسة الشرعية، ابن القيم.
(2) ... المرأة بين الفقه والقانون، د. مصطفى السباعي.
(3) ... المتبرجات، فاطمة بنت عبد الله.(1/15)
5ـ استقبال المرأة أقارب زوجها الأجانب، أو أصدقائه في حالة غيابه ومجالستهم والكلام معهم، بل وممازحتهم.
6ـ خلوة المدرسين الخصوصيين بالطالبات بحجة التدريس.
7ـ اختلاط النساء بالرجال في المعامل والصيدليات والمستشفيات والمكاتب بدعوى ضرورة ذلك في العمل.
8ـ خلو الطبيب بالمريضة من غير محرم لها.
9ـ ما يسمى بالجلسات العائلية والتي يختلط فيه الرجال بالنساء وما يحدث فيها من تبادل الحديث، والمزاح الهابط والنكتة اللاذعة.
وإليكم بعض نتائج الاختلاط في الجامعات والمعاهد في إحدى الدول الإسلامية التي تمنع الطالبات المنتقبات من دخول الجامعات:
1ـ ذهاب الطالبات إلى الجامعة أو المعهد وهن يلبسن آخر صيحات الموضة سافرات الوجوه والسيقان والأذرع، حاسرات الرءوس، مسبوغات الوجوه والعيون.
2ـ كثرة الفواحش والمنكرات، وانحراف كثير من الشباب من سوء ما يرى.
3ـ استغلال وقت المحاضرات لتذهب الفتاة مع الشاب إلى السينما، والحجة أنها كانت في المحاضرة.
4ـ ذهاب الطالبات إلى الكافيتيريا بمناسبة وغير مناسبة للالتقاء بالزملاء والحديث معهم.
5ـ اشتراك الطالبات في الرحلات، وقيامهن بالرقص والغناء، وهلم جرا.
6ـ اشتراك الطالبات في نشاط الأسر والاحتجاج بالتأخير للانشغال باجتماعاتهم واحتفالاتهم الليلية، وحدث ولا حرج.
7ـ مراسلة بعض الطالبات لبعض الأساتذة(1).
__________
(1) ... ولقد تأكدت من ذلك؛ حيث وقعت في يدي رسالة من إحدى الطالبات بالمرحلة الثانوية، أرسلتها إلى أستاذها من إحدى الدول العربية، الذي أطلعنا على الرسالة بلا خجل ولا حياء وكأن شيئًا لم يحدث، بحجة أن الرسالة ليس بها ما يخدش الحياء، وإني أتساءل أليس في إرسال الرسالة وحدها ما يخدش الحياء؟!(1/16)
إن الذين يتهاونون في الاختلاط الآثم بين النساء والرجال بدعوى أنهم ربوا على الاستجابة لنداء الفضيلة ورعاية الخلق، مثل قوم وضعوا كمية من البارود بجانب نار متوقدة، ثم ادعوا أن الانفجار لا يكون لأن على البارود تحذيرًا من الاشتعال والاحتراق... إن هذا خيال بعيد عن الواقع ومغالطة للنفس وطبيعة الحياة وأحداثها(1).
- - -
مصافحة المرأة لغير المحارم
من المخالفات التي يتساهل كثير من النساء فيها، مصافحة غير المحارم وهذا محرم لا يجوز.
قال الحافظ ابن كثير رحمه الله عند قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا جَاءَكَ الْمُؤْمِنَاتُ يُبَايِعْنَكَ عَلَى أَنْ لا يُشْرِكْنَ بِاللَّهِ شَيْئاً وَلا يَسْرِقْنَ وَلا يَزْنِينَ وَلا يَقْتُلْنَ أَوْلادَهُنَّ} [الممتحنة: 12].
روى البخاري عن عروة، عن عائشة زوج النبي - صلى الله عليه وسلم - أخبرته أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - كان يمتحن من هاجر إليه من المؤمنات بهذه الآية {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا جَاءَكَ الْمُؤْمِنَاتُ يُبَايِعْنَكَ ...} إلى قوله: {غَفُورٌ رَحِيمٌ} [الممتحنة:12].
قال عروة: قالت عائشة: فمن أقر بهذا الشرط من المؤمنات قال لها رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((قد بايعتك))، كلامًا، لا والله ما مست يده امرأة في المبايعة قط، ما يبايعهن إلا بقوله: ((قد بايعتك على ذلك)) هذا لفظ البخاري. وروى الإمام أحمد عن أمية بنت رقية قالت: أتيت رسول الله في نساء لنبايعه، فأخذ علينا ما في القرآن "أن لا نشرك بالله شيئًا" وقال: ((فيما استطعتن وأطقتن)) قلن: الله ورسوله أرحم بنا من أنفسنا.
قلن: يا رسول الله ألا تصافحنا؟ قال: ((إني لا أصافح النساء، إنما قولي لامرأة واحدة، قولي لمائة امرأة))(2).
قال الشيخ/ محمد أمين الشنقيطي رحمه الله:
__________
(1) ... عودة الحجاب، محمد أحمد إسماعيل.
(2) ... تفسير القرآن العظيم لابن كثير.(1/17)
اعلم أنه لا يجوز للرجل الأجنبي أن يصافح امرأة أجنبية منه ولا يجوز أن يمس شيئًا من بدنها، والدليل على ذلك أمور:
الأول: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - ثبت عنه أنه قال: ((إني لا أصافح النساء)) الحديث، والله يقول: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ} [الأحزاب: 21] فيلزمنا ألا نصافح النساء اقتداء به - صلى الله عليه وسلم -.
وكونه - صلى الله عليه وسلم - لا يصافح النساء وقت المبايعة، دليل واضح على أن الرجل لا يصافح المرأة ولا يمس شيء من بدنه شيئًا من بدنها؛ لأن أخف أنواع اللمس المصافحة، فإذا امتنع منها - صلى الله عليه وسلم - في الوقت الذي يقتضيها وهو وقت المبايعة، دل ذلك على أنها لا تجوز، وليس لأحد مخالفته لأنه المشرع.
الأمر الثاني: هو ما قدمناه من أن المرأة كلها عورة يجب أن تحتجب، وإنما أمر بغض البصر خوف الوقوع في الفتنة، ولا شك أن مس البدن للبدن أقوى في إثارة الغريزة وأقوى داعيًا إلى الفتنة من النظرة بالعين وكل منصف يعلم ذلك.
الأمر الثالث: أن ذلك ذريعة إلى التلذذ بالأجنبية لقلة تقوى الله في هذا الزمان وضياع الأمانة، وعدم التورع عن الريبة(1). اهـ.
وقال الشيخ محمد تقي الدين رحمه الله:
من المعلوم أن النبي معصوم من الذنوب، وأن المبايعة وهي المعاهدة كان الرجال يصافحونه عندها، فامتنع النبي - صلى الله عليه وسلم - من مصافحة النساء حتى يبين أن مصافحة النساء للرجال حرام، وحتى لا يقتدي به الخلفاء الذين يجيئون من بعده، ثم إن مصافحة الرجل للنساء الأجنبيات، مأخوذ من الأوربيين النصارى وقد أمرنا بمخالفتهم وهم لا يكتفون بالمصافحة، بل يرقص الرجل مع المرأة بطنًا لبطن، فمن تشبه بهم فهو منهم كما قال النبي - صلى الله عليه وسلم -.
__________
(1) ... أضواء البيان، محمد أمين الشنقيطي.(1/18)
فالواجب على المرأة المسلمة أن لا تسمح لرجل أجنبي أن يلمس شيئًا من جسمها لا اليدين ولا غيرها، إلا إذا كانت مريضة، ولم تجد امرأة تداويها، فحينئذ يجوز للطبيب أن يداويها ولو لمس جسمها، ولا يستثنى من ذلك زوج الأخت ولا حمو المرأة وهو أخ زوجها ولا ابن عمها ولا ابن خالها لأنهم أجانب شرعًا(1). اهـ.
وقال سماحة الشيخ/ عبد العزيز بن باز "حفظه الله":
لا تجوز مصافحة النساء غير المحارم مطلقًا سواء كن شابات أم عجائز، وسواء كان المصافح شابًا أو شيخًا كبيرًا، لما في ذلك من خطر الفتنة لكل منهما، وقد صح عن الرسول - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: ((إني لا أصافح النساء))، وقالت عائشة رضي الله عنها: "ما مست يد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يد امرأة قط ما كان يبايعهن إلا بالكلام"، ولا فرق بين كونها مصافحة بحائل أو بدون حائل، لعموم الأدلة ولسد الذرائع المفضية إلى الفتنة(2).اهـ.
وقد تقول بعض النساء أن هذه عادة لا نستطيع تركها خشية الإنكار علينا وكثرة العتاب، نقول: قال الله تعالى: {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً} [الطلاق: 2].
وقال - صلى الله عليه وسلم -: ((من أرضى الناس بسخط الله، وكله الله إلى الناس، ومن أسخط الناس برضا الله كفاه الله مؤنة الناس))(3).
فيا أيتها الأخت المسلمة اصدقي مع الله وستجدين من الله ما يسرك ويشرح صدرك.
- - -
الخلوة
الخلوة:
هي أن ينفرد رجل بامرأة أجنبية عنه في غيبة عن أعين الناس وهذا محرم لا يجوز، بغض النظر عن المستوى الخلقي لكل منهما.
فعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: سمعت النبي - صلى الله عليه وسلم - يخطب يقول: ((لا يخلون رجل بامرأة إلا معها ذو محرم))(4).
__________
(1) ... حكم مصافحة المرأة المسلمة للرجال الأجانب، محمد تقي الدين الهلالي.
(2) ... كتاب الدعوة، الفتاوى (1/182ـ 185).
(3) ... أخرجه الترمذي.
(4) ... متفق عليه.(1/19)
وعن عامر بن ربيعة رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((لا يخلون رجل بامرأة لا تحل له، فإن ثالثهما الشيطان))(1).
وقد يتساهل بعض الناس بأنواع من الخلوة منها:
خلوة المرأة مع قريب زوجها وكشف وجهها عنده، وهذه الخلوة أعظم خطرًا من غيرها، قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((إياكم والدخول على النساء)) فقال رجل من الأنصار: يا رسول الله، أرأيت الحمو؟ فقال: ((الحمو الموت))(2).
قال الحافظ ابن حجر: قال النووي: اتفق أهل العلم على أن الأحماء أقارب زوج المرأة كأبيه وعمه وأخيه وابن أخيه وابن عمه ونحوهم، وقال أيضًا: المراد به في الحديث أقارب الزوج غير آبائه وأبنائه؛ لأنهم محارم للزوجة، يجوز لهم الخلوة بها ولا يوصفون بالموت.
قال: وجرت العادة بالتساهل فيخلو الأخ بامرأة أخيه فشبه بالموت وهو أولى بالمنع(3).
وقال الشيخ/ محمد لطفي الصباغ:
إن الخلوة بالمرأة الأجنبية، والاختلاط المستهتر بين الرجال والنساء حرام في دين الله، وهما من عوامل الهدم لأخلاق أمتنا الاجتماعية والإسلامية، ومدعاة لغضب الله وعذابه.
فلنتقِ الله في بناتنا ونسائنا وزوجاتنا ولنعلم أننا مسئولون عنهن بين يدي الله الذي ائتمننا عليهن، قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلائِكَةٌ غِلاظٌ شِدَادٌ لا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ}
[التحريم:6]
لقد حرم الإسلام ذلك تحريمًا قاطعًا بغض النظر عن المستوى الخلقي للرجل والمرأة، والخلوة حرام ولو كانت بين أصلح الخلق وأتقاهم، وبين أية امرأة أجنبية كما حرم الاختلاط المستهتر، رعاية لمصالح الناس الدنيوية والأخروية لأنه بذلك يصونهم عن الوقوع في الحرام.
وقال:
__________
(1) ... رواه أحمد في المسند (3/446).
(2) ... متفق عليه.
(3) ... فتح الباري (9/243).(1/20)
وكذلك ما شاع لدى فئة من أتباع الغرب ممن لا يخافون الله، ولا يرعون حرماته، من استقبال المرأة صديق زوجها في حال غيابه والسماح له بالدخول إلى بيتها، والجلوس معه ومؤانسته والتبسط له في القول وممازحته... وما إلى ذلك.
إن هذه خلوة محظورة ممنوعة شرعًا، ولا يجوز التساهل بها بحجة الثقة بالصديق والزوجة، وليست تحمد عواقبها، ولا يمكن أن يرضى بها إلا إنسان مريض القلب، فاقد الغيرة عديم المروءة(1).
ولله در القائل:
مررت على المروءة وهي تبكي
قالت كيف لا أبكي وأهلي ... فقلت علام تنتحب الفتاة
جميعًا دون خلق الله ماتوا
- - -
غض البصر
البصر من نعم الله العظمى التي أنعم بها على الإنسان، ولا يعرف قدر هذه النعمة حق المعرفة إلا من ابتلى بذهاب بصره، والبصر أداة خير إذا استعمل فيما شرع له النظر إليه والتفكر فيه، قال تعالى: {قُلِ انْظُرُوا مَاذَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ} [يونس: 101]، وقد يكون وسيلة شر على صاحبه إذا استعمله في المحرمات والنظر إلى العورات لذا أمر الله تعالى المؤمنين بالغض من أبصارهم، فقال تعالى: {قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ} [النور:30].
قال الحافظ ابن كثير رحمه الله:
هذا أمر من الله تعالى لعباده أن يغضوا من أبصارهم عما حرم عليهم فلا ينظروا إلا إلى ما أباح النظر إليه وأن يغضوا أبصارهم عن المحارم، فإن اتفق أن وقع البصر على المحارم من غير قصد فليصرف بصره عنه سريعًا.
وقال رحمه الله عند قوله تعالى: {ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ} أي أطهر لقلوبهم وأنقى لدينهم، كما قيل: من حفظ بصره أورثه الله نورًا في بصيرته.
__________
(1) ... تحريم الخلوة بالأجنبية والاختلاط المستهتر، محمد بن لطفي الصباغ.(1/21)
وقال تعالى: {وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ} [النور: 31] قال رحمه الله: هذا أمر من الله تعالى للنساء المؤمنات وغيرة منه لأزواجهن عباده المؤمنين وتمييزًا لهن عن صفة نساء الجاهلية، وخصال المشركات(1).
قال الإمام ابن القيم رحمه الله:
وأما اللحظات فهي رائدة الشهوة ورسولها، وحفظها أصل حفظ الفرج، فمن أطلق نظره أورد نفسه موارد الهلاك، وقد قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((يا علي لا تتبع النظرة النظرة فإنما الأولى لك)). المراد بها نظرة الفجأة التي تقع بدون قصد، وفي المسند عنه - صلى الله عليه وسلم -: ((النظر سهم مسموم من سهام إبليس))(2).اهـ.
وقال الإمام ابن تيمية رحمه الله:
وأما نظرة الفجأة فهو عفو إذا صرف بصره، كما ثبت في "الصحاح" عن جرير قال: سألت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن نظرة الفجأة فقال: ((اصرف بصرك))، وفي السنن أنه قال: ((يا علي لا تتبع النظرة النظرة؛ فإنما الأولى لك وليست لك الثانية)).
وفي الحديث الذي في المسند وغيره ((النظر سهم مسموم من سهام إبليس))، وفيه: ((من نظر إلى محاسن امرأة ثم غض بصره، أورثه الله في قلبه حلاوة عبادة يجدها إلى يوم القيامة)) أو كما قال.
__________
(1) ... تفسير ابن كثير، سورة النور.
(2) ... الجواب الكافي لمن سأل عن الدواء الشافي، ابن القيم.(1/22)
ولهذا يقال: إن غض البصر عن الصورة التي ينهى عن النظر إليها كالمرأة والأمرد الحسن، يورث ذلك ثلاث فوائد جليلة القدر؛ إحداها: حلاوة الإيمان ولذته التي هي أحلى وأطيب مما تركه لله؛ فإن من ترك شيئًا لله عوضه الله خيرًا منه. وأما الفائدة الثانية عن غض البصر: فهو يورث نور القلب والفراسة، قال تعالى عن قوم لوط: {إِنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ} [الحجر: 72] فالتعلق بالصور يوجب فساد العقل وعمى البصيرة، وسكر القلب، بل جنونه وذكر الله سبحانه آية النور عقيب آيات غض البصر، فقال: {اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ} [النور: 35] وكان شاه بن شجاع الكرماني لا تخطئ له فراسة، وكان يقول: من عمَّر ظاهره باتباع السنة وباطنه بدوام المراقبة، وغض بصره عن المحارم، وكف نفسه عن الشهوات، وذكر خصلة خامسة أظنه هو أكل الحلال لم يخطئ له فراسة.
والله تعالى يجزي العبد على عمله بما هو من جنس عمله فيطلق نور بصيرته ويفتح عليه باب العلم والمعرفة والكشوف، ونحو ذلك مما ينال ببصيرة القلب.
الفائدة الثالثة:
قوة القلب وثباته وشجاعته، فيجعل الله له سلطان البصيرة مع سلطان الحجة، فإن الرجل الذي يخالف هواه يفرق الشيطان من ظله، ولهذا يوجد في المتبع هواه من ذل النفس وضيقها ومهانتها ما جعله الله لمن عصاه(1). اهـ.
فعليك أختي المسلمة أن تغضي بصرك عن الرجال الأجانب سواء في الشارع أو التلفاز أو المجلة أو الجريدة؛ لأن الله سبحانه وتعالى جعل العين مرآة القلب؛ فإذا غض العبد بصره غض شهوته، وإذا أطلق العبد بصره أطلق شهوته.
- - -
التبرج
التبرج هو إظهار المرأة لأعضاء من جسدها، أو لزينتها من حلي وغيره أو بتمايلها في مشيتها وحركاتها، أو إبراز محاسنها بأي شكل من الأشكال، وكذلك إبراز محاسن ثيابها، وذلك كله لغير زوجها أو ذوي محارمها.
__________
(1) ... حجاب المرأة المسلمة ولباسها في الصلاة، ابن تيمية.(1/23)
قال الشيخ أبو الأعلى المودودي(1):
وكلمة التبرج إذا استعملت للمرأة في الشرع كان لها ثلاثة معان:
(1) أن تبدي للأجانب جمال وجهها ومفاتن جسدها.
(2) أن تبدي لهم محاسن ملابسها وحليها.
(3) أن تبدي لهم نفسها بمشيتها وتمايلها وتبخترها.
والإسلام حين أمر النساء بالاحتجاب عن الرجال الأجانب لأن منهم البر والفاجر، والحجاب يمنع الفتنة ويدعو إلى العفة والحياء، ويبعد عن مظان التهمة ويحفظ النساء من تعرض بعض الفساق لهن بالأذى والكلام القبيح والنظر السيئ وغير ذلك من المفاسد والمساوئ. وحفظًا للمجتمع من ضرر التبرج وإبعادًا لنفوس الرجال من الإغراء والتدهور، فقد حرم الإسلام التبرج كتابً وسنة.
أولاً: الأدلة من القرآن الكريم(2):
(1) قال تعالى: {وَالْقَوَاعِدُ مِنَ النِّسَاءِ اللَّاتِي لا يَرْجُونَ نِكَاحاً فَلَيْسَ عَلَيْهِنَّ جُنَاحٌ أَنْ يَضَعْنَ ثِيَابَهُنَّ غَيْرَ مُتَبَرِّجَاتٍ بِزِينَةٍ وَأَنْ يَسْتَعْفِفْنَ خَيْرٌ لَهُنَّ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} [النور:60].
وفي هذه الآية الكريمة يعطي الحق جل شأنه رخصة للقواعد(3) من النساء بأنه يجوز لهن عدم ارتداء الحجاب، قال ابن مسعود رضي الله عنه: "إنما أبيح لهن وضع الجلباب الذي فوق الخمار والرداء" وليس المراد بوضع الثياب أن تخلع المرأة كل ما عليها من الثياب فتصبح عارية، فلأجل ذلك فقد اتفق الفقهاء والمفسرون على أن المراد بالثياب ـ في هذه الآية ـ الجلاليب التي أمر الله أن تخفي بها الزينة.
__________
(1) ... المتبرجات للسيدة فاطمة بنت عبد الله، باختصار وبتصرف.
(2) ... تفسير آيات الحجاب، أبو الأعلى المودودي.
(3) ... معنى القواعد: جمع قاعد، وهي العجوز، فقيل: هي التي قعدت عن الولد، وقيل: التي قعدت عن التصرف، وقيل: التي إذا رأيتها استقذرتها. التسهيل لعوم التنزيل للكلبي.(1/24)
والمعروف أن الجلباب هو ما غطى جميع جسم المرأة، فقد أباح الله تعالى للعجوز التي لا تثير شهوة للرجال لكبر سنها وعجزها عدم ارتدائه، واشترط عليها عدم التبرج بالزينة، بل بين لها أن الستر أفضل، إن هذه الرخصة في وضع الجلباب ليست إلا للنسوة العجائز اللاتي لم يعدن يرغبن في التزين، وانعدمت فيهن الغرائز الجنسية.
فلتتأمل المتبرجة كيف أن الله تعالى لم يبح لأي صنف من النساء كشف وجوههن إلا للقواعد اللاتي لم يرغب فيهن الرجال لكبرهن، ومع أن الله تعالى قد كشف وجوههن بشرط أساسي وهو عدم التبرج. فبالله ماذا تتصور المتبرجة أن يفعل الله المنتقم الجبار بها وهي التي في ريعان شبابها تخرج متبرجة عارية تؤجج نيران الفتنة والغواية؟ ألا تستحي من نفسها وهي تسمع أمر الله للعجائز اللاتي لا تهفو إليهن نفس رجل بعدم التبرج، برغم أن تبرجهن لا يثير أحدًا، وذلك منعًا للغواية وصيانة للمرأة؟
(2) قال تعالى: {وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى} [الأحزاب: 33] أي الزمن بيوتكن فلا تخرجن لغير حاجة لأنه أسلم وأحفظ لكن لا تتبرجن تبرج الجاهلية الأولى، أي مثل ما كانت نساء الجاهلية يفعلن من الانكشاف والتعرض للنظر والمشية على تغنج وتكسير، إلى غير ذلك مما لا يجوز شرعًا.
وهاهن كثير من نساء المسلمين اليوم قد تبرجن مثل تبرج الجاهلية الأولى، بالفعل، إعادةً للحالة المزرية التي سبقت ظهور الإسلام... هاهن قد عدن بنا إلى الوراء القبيح، هؤلاء هن الرجعيات حقًا، لا ما عليه المتحجبات الحقيقيات من الالتزام بأوامر الله، إنهن غافلات مغموسات في الإثم غمسًا، وإلى جانب ذلك فإنهن غير مباليات بصنيعهن، احتالت عليهن شياطين الإنس والجن ليتلوثن تحت ستار كاذب وسراب خداع اسمه التقدم والحضارة وتحرير المرأة.(1/25)
وسقطت المرأة المسلمة، لتسقط بسقوطها، حضارة الإسلام العظيمة، وتغيب عن الوجود شمسها المشرقة، وهاهي اليوم مجتمعاتنا الإسلامية تعيش أتعس أيامها من تردي وتمزق وفرقة وخلاف وجحود وتأخر، حتى أصبحت متخلفة تعيش على فتات ونفايات الأعداء.
فإذا كان التبرج في الجاهلية الأولى يتضمن إظهار المرأة لوجهها وعنقها وحليها وتمشي بين الرجال بهذه الهيئة، فإن في هذا العصر أصبحنا نرى المرأة لا تكاد تغطي شيئًا من حرمات الله. اهـ.
فمن مظاهر التبرج أن تظهر المرأة محاسنها ومفاتنها للرجال كالوجه والنحر والصدر والذراعين والكفين والساقين والقدمين وشعر الرأس... وغير ذلك من الجسد.
ومن مظاهر التبرج، أن تزين المرأة رأسها بأخمرة تتفنن في ربطها وإضافة الحلي إليها مما يزيد من فتنتها مع صبغ وجهها بمختلف الأصباغ ومواد التجميل مع تغييرها خلق الله بالنمص، وهو نتف شعر حاجبيها وترقيقهما.
ومن مظاهر التبرج، أن ترتدي المرأة ثوبًا طويلاً ولكنه منقوش مزين، تلفت به أنظار الرائحين والغادين في الطريق، أو ترتدي ثيابًا تحدد من شكل صدرها وخصرها، وغير ذلك من الأماكن البارزة من جسدها، وتشتد الفتنة عندما تكون المرأة ممتلئة الجسم، فتصبح بذلك أكثر إغراءً من تلك الكاشفة لأجزاء من جسمها.
ومن مظاهر التبرج: أن ترتدي المرأة البنطلون(1)، أو تلبس الميني جيب والميكرو جيب لتفزع الناس بساقيها الوارمتين أو ساقيها النحيلتين.
ومن مظاهر التبرج: أن تنتعل المرأة حذاءً رفيع الكعب صارخ الصوت، تنتقل عليه بدلال وتتمايل مع أنغامه التي يصدرها ذات اليمين وذات الشمال.
__________
(1) ... ولقد ظهر في هذا العصر موضة جديدة تسمى بالبنطلون (الاسترتش) عندما تلبسه المرأة فإنه يصف عورتها تمامًا، وتكون أشد إثارة ممن لو صارت عارية، ولو أنك قلت لإبليس ارتدي مثل هذا اللباس لقال لك: ألا تستحي!!!(1/26)
ومن مظاهر التبرج: أنك تجدين المرأة ذات الشفتين الغليظتين والفم الذي تقع ساحته على مشارق الوجه إلى مغاربه تحدد طوله وعرضه بالأصباغ وتبرز اتساعه وضخامته، وتستلف الأنظار إلى مساحته الشاسعة.
ومن مظاهر التبرج: أنك تجدين المرأة وقد رسمت بالأصباغ حول عينيها الجاحظتين وفوق جفنيها البارزين كجفون الضفدع، هالة سوداء أو زرقاء فتبرز عيونها بدهن تلك القباب الشامخة.
ومن مظاهر التبرج: ما يحدث على شواطئ البحار حيث الوحوش البشرية والبهائم الآدمية في أوضاع مزرية يندى لها الجبين خجلاً وحياءً، حيث النساء والرجال في عري تام وملاعبة فاحشة وأوضاع خبيثة، كأنهم وحوش الغابات وحيوانات الأدغال، أو كأنهم مسخوا قردة وخنازير وكلابًا وحميرًا.
ثانيًا: الأدلة من السنة النبوية المطهرة(1):
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((صنفان من أهل النار لم أرهما؛ قوم معهم سياط كأذناب البقر يضربون بها الناس، ونساء كاسيات عاريات، مائلات مميلات رؤوسهن كأسنمة البخت المائلة، لا يدخلون الجنة ولا يجدون ريحها، وإن ريحها ليوجد من مسيرة كذا وكذا))(2).
وفي رواية: ((العنوهن فإنهن ملعونات)).
ولقد تحققت نبوة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في هذا الصنف من النساء.
__________
(1) ... النساء والموضة والأزياء، خالد بن عبد الرحمن الشايع، باختصار.
(2) ... رواه مسلم.(1/27)
فلقد سمعنا ورأينا الكاسيات العاريات؛ بمعنى أن بعض الجسد مكسو والآخر عريان، نعم لبست الثياب ولكنه مشقوق إلى حد الركبة أو نصف الساق أو أن تكون ثيابًا تشف عما تحتها، أو أن تكون الثياب ضيقة تفصل جسم المرأة، أو أجزاءه، فأبدت أجزاء من جسمها وفتنت الناس فهي وإن كانت كاسية ولكنها في الحقيقة أقرب إلى العري، وهي كاسية من نعم الله ولكنها تعرت من شكرها، وبذلك صارت "مميلة مائلة" فتجدينها في مشيتها تتمايل يمنة ويسرة، متبخترة بنفسها زيادة في التبرج والانحلال، أو لأنها لبست الحذاء ذي الكعب العالي، فأصبحت بعملها هذا مميلة للناس عارية من الحشمة والعفاف مائلة في نفسها عن الهدى إلى التبرج والضلال.
((رؤوسهن كأسنمة البخت المائلة)):
والبخت نوع من الإبل، فترين المرأة وقد أشبه رأسها سنام البعير حيث جمعت شعرها بطريقة ملفتة، وربما ذهبت إلى الكوافير ليعمل بها ذلك، ولذا كان جزاؤهن من الله ألا يدخلن الجنة ولا يقربن منها.
ولشدة وفظاعة هذا النوع من النساء على الأمة أمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بلعنهن". اهـ.
"بذلك كله نرى أن معصية التبرج لها في ميزان الآثام ثقل كبير، وبها تسقط المرأة في براثن الشيطان، لتصبح شيطانة ظاهرة للعيون تفوق في فسادها وإفسادها ما يفعله الشيطان بأتباعه، كأن لسان حاله يردد قول القائل:
وكنت امرأ من جند إبليس فارتقى
بي الدهر حتى صار إبليس من جندي
فلو مات قبلي كنت أحسن بعده
طرائق فسق ليس يحسنها بعدي(1/28)
إن معصية التبرج ليست معصية فردية بل هي معصية جماعية، تشترك فيها المتبرجة مع أولي أمرها الذين يسمحون لها بذلك، ولا يمنعونها، ويشترك فيها أفراد المجتمع الذين لا يبالون بزجر المتبرجة وردعها عن غيرها، لذلك فقد استقحت تلك المتبرجة اللعن والحرمان من الجنة، بل وحتى من شم رائحتها، واستحق ولي أمرها لقب الديوث وهو الذي لا يبالي بفساد أهله، بالإضافة إلى أنه مسئول ومحاسب أمام الله تعالى على سوء تربيته، وعدم عنايته بصلاح وإصلاح زوجته أو ابنته أو ذوات محارمه المتبرجات، ومشترك معهن في الوزر؛ لأن الرضا بالمعصية معصية في حد ذاته"(1).
- - -
أسباب التبرج
إن البعد عن منهج الله تعالى انحراف وضلال، والمرأة التي لا تلتزم بشرع ربها ولا تتقيد بأحكام دينها ولاسيما في لباسها، على خطر عظيم.
فالتبرج داء وبيل وخطر عظيم عرف من قديم الزمان، وقد أقر بذلك العقلاء في كل زمن مسلمهم وكافرهم غربيهم وشرقيهم، وقد أدى ذلك التبرج إلى انتشار الفساد بين الرجال والنساء، وهذا ما حذر منه النبي - صلى الله عليه وسلم - بقوله: ((ما تركت فتنة أضر على الرجال من النساء))(2).
ومن أسباب التبرج:
(1) ضعف الوازع الديني وعدم الخوف من الله عند كثير من النساء لأسباب عديدة من أهمها، فساد البيت الذي نشأت فيه، والمرأة ناقصة في دينها وناقصة في عقلها، فكيف إذا نشأت في أسرة لا تهتم بتنشئة أفرادها على الدين والخلق والفضيلة، ومن النساء من تجهل أشياء كثيرة من أحكام الزينة واللباس، كما تجهل أشياء من أحكام الطهارة والصلاة، ومن النساء من تعرف الكثير من ذلك ولكنها لا تقيم لحكم الشرع وزنًا في مقابل تلبية شهواتها لأنها لا تجد من يقوم اعوجاجها ويعالج انحرافها(3). اهـ.
__________
(1) ... المتبرجات، فاطمة بنت عبد الله.
(2) ... متفق عليه.
(3) ... زينة المرأة المسلمة، عبد الله بن صالح الفوزان.(1/29)
والمرأة إذا نسيت عقاب الله لها لمخالفة أمره فإنها تفعل ما تشاء لتمكن الشيطان منها.
(2) مصائد الشيطان:
فالتبرج هو بأمر الشيطان وأعداء الله وفعل من أفعالهم وتقليد أعمى لمن هم قد خرجوا عن ملة الإسلام والذين لم يعترفوا به ولا بشرائعه ولا بأحكامه، وعلى المرأة المسلمة أن تتجنبه وتبتعد عنه لأنه مسلك سيئ يحط من شأنها ومن شرفها ويخفض من قدرها ويجعلها سلعة رخيصة لدعاة الشر والفساد وعرضة لأعين السوء(1).
(3) سوء فهم الإسلام:
لقد حل بالمسلمين الضعف بعد قوتهم، والهوان بعد عزتهم، وقد نال ذلك جميع جوانب الحياة، ورأوا الكفار، وما هم عليه من قوة مع تفسخهم من الأخلاق والدين، فرد السفهاء ضعفهم لما هم عليه من بقية قيمهم وأخلاقهم وبخاصة أوضاع المرأة، وظنوا أنها من قبيل العادات، مثل الحجاب وتعدد الزوجات، فبدأ تحللهم من هذه القيم ونبذوها وراءهم واستبدلوا بها عادات الكفرة وطرائقهم(2).
(4) فساد التربية:
لا ريب أن مصير المجتمعات مرتهن بالمعتقدات التي يتمسك بها أفرادها، وبخاصة التي ينشأ الأجيال عليها، فالتربية توجيه عملي وتنشئة على المعتقدات والأخلاق فإذا أهملت الأسر تنشئة أفرادها على الخير سارت في سبل الضلال، فينشأ الأطفال ويتربون على ما قد لقنوه، وعلى ما رأوه من مربيهم.
فالفتاة تتربى وتأخذ عن أهلها، فإذا رأيت نفسها متبرجة، أو تبرجت الفتاة بنفسها ولم تنه عن ذلك، تفسخت شيئًا فشيئًا، وشق تقويمًا بعد ذلك.
__________
(1) ... مقارنة بين الحجاب والسفور، هالة بنت عبد الله.
(2) ... النساء والموضة والأزياء، خالد بن عبد الرحمن الشايع.(1/30)
هذا مع اعتقاد البعض أن التبرج حرية وتطور، فيقرونه لو رأوا بنتهم متبرجة ويقولون: حريتها الشخصية!! وهذه بداية الهاوية. ألم يأمر الله تعالى نبيه - صلى الله عليه وسلم - وأشرف خلقه بستر نسائه ونساء المؤمنين، فقال تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً} [الأحزاب:59].
إن كثيرًا من أولياء الأمور أهملوا مسئولية تربية المرأة ورعايتها حتى أن بعضهم يحتاج إلى تربية ورعاية؛ لأنه مصاب بدينه ومصاب بعقله، ولا يعرف من أمر الحياة الزوجية، إلا أن له بيتًا يأوي إليه ليستريح، أو يأكل وينام ثم يخرج ثانية، وهكذا يقضي حياته لا يدري ما عليه بيته وأسرته من خير أو شر، لا يعرف معروفًا ولا ينكر منكرًا، وإلا فأين الغيرة؟ وأين الرعاية؟ وأين القيام بحق الرعاية لامرأة تفتن عباد الله؟!
لقد ضاعت المسئولية وتبلد الشعور حتى صارت هذه الظاهرة المنكرة من الأمور العادية لدى كثير من الأسر(1).اهـ.
(5) وسائل الإعلام:
فمع تنوع وسائل الإعلام الحديثة، واتساع انتشارها صارت في متناول أيدي الجميع، فقد عمد أعداء الفضيلة لتسخيرها في مآربهم.
__________
(1) ... زينة المرأة المسلمة، عبد الله بن صالح الفوزان.(1/31)
فقد انتشرت المصورات العادية والمجلات والكتب الإباحية، وسهلت وسائل الإعلام المرئية والمسموعة والمقروءة، كل السبل أمام انتشار الفواحش؛ فالأغاني تدعو إلى الغش، والأفلام السينمائية والمسلسلات التليفزيونية حتى الدينية منها تبرز النساء بطاقتهن الإغوائية كاملة حتى الإعلانات أصبحت يندى لها الجبين، وتراها تحتل مكانًا بارزًا في الشوارع وعلى شاشة التليفزيون، وهناك الفيديو الذي يعرض الأفلام الإباحية الداعرة التي لا يتسنى للسينما والتليفزيون عرضها كاملة(1).اهـ.
- - -
أضرار التبرج
لو أردنا أن نستعرض الأضرار الدنيوية للتبرج، فإننا نجد ذلك واضحًا في المجتمعات الأجنبية، أما عندنا فإنها تبدو لنا بصورة تدريجية نظرًا للتدرج في التردي في هاوية التقليد الأعمى لكل ما هو أجنبي، خاصة وأن الإعلام العربي يشجع ذلك ويباركه سواء أكان بالإذاعة أم التليفزيون أم بالمطبوعات الماجنة التي تشجع الفساد والانحلال وغير ذلك، ومن العجيب أن يلتبس الأمر على أذهان البعض فيعتبرون أن التمثيليات التليفزيونية والمسرحيات والأفلام (التي لا هم لها إلا تعليم الناس بأسلوب خفي كيف يفسقون) قد أفادتهم كثيرًا ووسعت خبرتهم بالحياة.
__________
(1) ... الموضة في التصور الإسلامي، فاطمة بنت عبد الله.(1/32)
أقول: نعم، لقد وسعت خبرتهم في كل ما يؤدي إلى إفسادهم، ويحللهم من أخلاقهم فما من أفلام وتمثيليات حتى الدينية منها إلا ويدخلون فيها عنصر العشق والغرام، ويركزون على المرأة بصورتها المغرية، بل وحتى الإعلانات التليفزيونية أصبحت لا تخلو من ذلك، فنجد المرأة بشحناتها الإغوائية تبدو في إعلانات السمن، والبطاريات، والمشروبات، والحلويات، والمبيدات الحشرية، والمنظفات المنزلية، وطلاء الجدران، وما يستلزم وجودها وما لا يستلزم، وهي تستعرض فتنتها، وتبرز أجزاء حساسة من جسمها كي يستشري الفساد، وتنهدم الأمة الإسلامية، لتتبع في انحلالها سائر بلدان العالم المنحلة الفاسدة التي لا يهذبها دين ولا يقومها خلق.
وإنما الأمم الأخلاق ما بقيت
فإن هم ذهبت أخلاقهم ذهبوا(1)
فمن أضرار التبرج ما يلي:
أولاً: على المرأة:
(1) تمرد المرأة على مجتمعها المسلم وعصيانها لأوامر خالقها عز وجل ولشريعة دينها الحنيف والسنة النبوية المطهرة.
(2) كون المرأة مستعبدة لتبرجها، فتستغل من أجل ذلك، وتصبح سلعة رخيصة ولا أدل على ذلك من الدعايات والإعلانات التجارية، فالمرأة عنصرها الأساسي ولو كانت البضاعة شفرات حلاقة أو زجاجة شامبو.
(3) التبرج لافتة تعلق على رأس كل امرأة خلعت ثوب الحياء وجف وجهها من مائه وهو سر أنوثة المرأة، وسبب ميل الرجل إليها.
(4) اتباع المرأة لما يفرضه الغرب عليها من الأفكار والمعتقدات، وتقليدها لهم حيث العادات والتقاليد.
(5) عدم اكتفاء الرجل بزوجته ولا المرأة بزوجها، وتطلع كل منهما إلى غير الآخر.
(6) التبرج يجعل المرأة عرضة للاغتصاب وسلب عرضها، وهذا مما نسمع ونقرأ ونرى في المجتمعات التي تدعي الحضارة والتقدم، كما حصل لإحدى الفتيات في كبرى الميادين، بإحدى الدول العربية الإسلامية، على مرأى ومسمع من الناس، الذين تبلد شعورهم.
ثانيًا: على المجتمع:
__________
(1) ... المتبرجات، فاطمة بنت عبد الله.(1/33)
(1) هدم المجتمع الإسلامي ومحو للشخصية الإسلامية، حيث أن المرأة المتبرجة تنبذ الحجاب الذي فرضه الإسلام تحصينًا للأسرة والمجتمع، وضمانًا للطهارة القلبية بين الجنسين، كما أنها تأنف من اتباع التعاليم الإسلامية الواجبة، كالقرار في البيت وعدم الخروج إلا للضرورة، والاستئذان من الزوج عند الخروج، وعدم الاختلاط بالرجال، فضلاً عن أهمية عدم مجالستهم ومصافحتهم، وغير ذلك من الأمور الشرعية.
حتى أصبحنا في مجتمعاتنا الإسلامية نفتقد البيت الإسلامي المتكامل، والصورة الصحيحة للمجتمع المسلم، حتى رأينا المنكر معروفًا والمعروف منكرًا، واعتبر البيت الذي يريد الالتزام بالصورة الصحيحة للبيت المسلم بيتًا شاذًا عن كثير من بيوت المجتمع والتي غرق في أوحال الجاهلية والتقليد الأعمى للأجانب.
ووجد الرجل نفسه محاطًا بالنسوة المتبرجات رغمًا عنه في الطرق العامة، وأماكن العمل، ووسائل المواصلات، والمرافق المختلفة، فلا يستطيع الرجل أن يحافظ على كيانه الإسلامي صحيحًا، فهو على الأقل لا يقدر على غض بصره عن محارم الله، وأين سيغضه؟
إلى اليمين، فعن يمينه امرأة كاسية عارية، أم إلى اليسار، فعن يساره مثلها ومن خلفه كذلك، أم إلى الأمام، فأمامه قطيع كامل من ذوات اللحوم الكاسية العارية، أم سيرفعه إلى السماء ليشكو بثه وحزنه إلى الله؟! فلا يلبث أن يرتد إليه بصره حسيرًا وهو يصطدم بهن على شرفات المنازل، أم يغض بصره إلى الأرض ليبتلى بالاحتكاك مع إحداهن رغمًا عنه كذلك، فيكون المصاب أعظم(1).
(2) التهيج الجنسي أو البرود الجنسي، لمن يتعرض لتلك المناظر، وذلك يؤدي إلى شلل العقل والفكر السليم.
__________
(1) ... النساء والموضة والأزياء، خالد بن عبد الرحمن الشايع.(1/34)
(3) ظهور الزنا وانتشاره في المجتمع، إذ التبرج من أكبر دواعيه ومسبباته، فيتحلل المجتمع بأسره، فتحل العقوبة والنقمة بالجميع، وتنتشر الأمراض والأوبئة مثل الإيدز، والاستمناء باليد، واللواط، والسحاق وغيرها، كما هو الحال في بلاد السفور.
(4) تفكك الأسر؛ حيث تفتر المشاعر الزوجية بين الزوجين للبرود الجنسي بينهما بسبب مناظر التبرج، وربما مال الزوج عن زوجته بسبب نظرة نظرها لمتبرجة فأعجبته، وحينئذ تقع المشكلات والمصاعب، بما يؤثر على سلوك الأولاد، وربما آل الأمر إلى الطلاق فتتفرق الأسرة بعد اجتماعها، ولذلك رصيد من الواقع(1).
(5) انهيار الاقتصاد، حيث تصرف الأموال على الزينة والأزياء وبيوتها في الاستيراد والتصنيع وشغل الطاقات في أمور لا تسمن ولا تغني من جوع وخصوصًا عند الأزمات(2).
(6) الإخلال بالأمن؛ لأن المتبرجة قنبلة موقوتة، إن ركبت في سيارة أو سارت في الشارع بسبب تعريضها نفسها للمعاكسة أو الخطف أو الاغتصاب وربما القتل، وهذا عين الإخلال بالأمن(3).اهـ. كما هو مشاهد ملموس وعلى صفحات الجرائد منشور.
وإني لأعجب أشد العجب من علماء الضلال الذين يفتون بمنع الفتاة المسلمة العفيفة الطاهرة من دخول الجامعة وهي منتقبة في إحدى الدول الإسلامية بحجة الدواعي الأمنية، بينما يؤيدون ويباركون دخول الفتاة المتبرجة الخليعة بالميني جيب والميكرو جيب، فإنا لله وإنا إليه راجعون.
- - -
حجج واهية للمتبرجات
والرد عليها
الحجة الأولى:
من تدعي أن طهارة القلب وسلامة النية يغنيان عن الحجاب.
__________
(1) ... النساء والموضة والأزياء، خالد بن عبد الرحمن الشايع.
(2) ... النساء والموضة والأزياء، خالد بن عبد الرحمن الشايع.
(3) ... النساء والموضة والأزياء، خالد بن عبد الرحمن الشايع.(1/35)
إن التي تخرج عن تعاليم الإسلام، ثم تزعم أن طهارة القلب وسلامة النية كافيان لرضاء الله تعالى عنها بغير حجاب ولا صوم، أو غير ذلك من الأمور الشرعية التي لا يصح الإسلام إلا بتطبيقها، فهي كإبليس اللعين؛ لأن إبليس كان مؤمنًا بوجود الله فكل من أبى الانقياد والامتثال لأمر الله فهو كإبليس وإن صدق بوجود الله والبعث والنشور، ومن لم يمارس الإيمان عملاً وتطبيقًا واستجابة لأمر الله، فهو من أصحاب إبليس.
فكيف أيتها المتبرجة تدعين أن إيمانك يكفي لرضاء الله عنك، بينما ترفضين الانقياد لله الذي أمرك بعدم التبرج، فقال: {وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى} [الأحزاب: 33].
الحجة الثانية:
من تدعي أن الصوم والصلاة يغنيان عن الحجاب.
قد تدعي المتبرجة أيضًا أنها تصوم وتصلي وتتصدق على الفقراء، وذات خلق حسن وأن الحجاب مظهر من المظاهر الجوفاء، ليست له أهمية ولا ضرورة.
كيف بالله تعتقد ذلك بينما الحجاب ونبذ التبرج من أهم ما فرضه الله تعالى على المرأة؟ إذ قرن النهي عن التبرج بالأمر بإقامة الصلاة وإيتاء الزكاة وطاعة الله ورسوله، وذلك في قوله تعالى: {وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى وَأَقِمْنَ الصَّلاةَ وَآتِينَ الزَّكَاةَ وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ} [الأحزاب: 33].
بل إن الالتزام بأداء الصلاة والصيام وغير ذلك مما أمر الشرع من عبادات وأركان يجب أن يلزمنا بفريضة الحجاب، فالله تعالى يقول: {إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ} [العنكبوت: 45].(1/36)
فإن الصلاة تهذب الخلق وتستر العورة، وتنهى صاحبها عن كل منكر وزور، فيستحيي أن يراه الله في موضع نهاه عنه، وأي فحشاء ومنكر أكبر من خروج المرأة كاسية عارية مميلة ومائلة ضالة ومضلة؟ ولو كان الحجاب مظهرًا أجوف لما توعد الله المتبرجات بالحرمان من الجنة وعدم شم ريحها.
الحجة الثالثة:
من تدعي أن حبها لله ورسوله كفيلان برضاء الله عنها بدون عمل.
قد تدعي المتبرجة أن حبها لله ورسوله كفيلان برضاء الله عنها بدون عمل، إن رضاء الله تعالى عن المرء يكمن في اتباع أوامره واجتناب نواهيه، وما هذه الحالة التي وصلنا إليها إلا بسبب أولئك الذين لا يعرفون عن القرآن سوى رسمه ومن الإسلام سوى اسمه، ويزعمون حب الله ورسوله.
فيقول قائلهم: إن الله حبيبي ولن يعذبني بعمل أو بدون عمل، ومثل من يقول ذلك كمثل اليهود والنصارى الذين قال الله عز وجل فيهم: {وَقَالَتِ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى نَحْنُ أَبْنَاءُ اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ قُلْ فَلِمَ يُعَذِّبُكُمْ بِذُنُوبِكُمْ بَلْ أَنْتُمْ بَشَرٌ مِمَّنْ خَلَقَ يَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ}
[المائدة:18]
وقال تعالى: {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ. قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْكَافِرِينَ} [آل عمران: 31، 32].
ولله در القائل:
تعصي الإله وأنت تزعم حبه
هذا لعمري في القياس بديع
لو كان حبك صادقًا لأطعته
إن المحب لمن يحب مطيع
الحجة الرابعة:
من تدعي أن الحجاب تزمت وتحتج بأن الدين يسر.(1/37)
قد تدعي المتبرجة أن الحجاب تزمت وتحتج بأن الدين يسر، نعم إن تعاليم الدين الإسلامي وتكاليفه الشرعية جميعها يسر، لا عسر فيها وكلها في متناول يد المسلم بها، وفي استطاعته تنفيذها إلا من كان من أصحاب الأعذار، فالله عز وجل قد جعل لهم أمرًا خاصًا يقول تعالى: {يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ} [البقرة: 185].
وإن يسر الدين لا يعني إلغاء أوامره، وإلا فما الفائدة من فرضيتها، وإنما تخفف لدى الضرورة فقط، وبالكيفية التي رخص لها الله ورسوله، فمثلاً يجب على المصلي أن يصلي قائمًا، ولكن إن لم يستطع القيام فليصل قاعدًا، فإن لم يستطع فبالكيفية التي قدر عليها، كما أن الصائم يرخص له الإفطار في رمضان إن كان مسافرًا أو مريضًا، ولكن لابد من القضاء، أو الفدية في بعض الحالات أو الفدية والقضاء في حالات أخرى، وكل ذلك من يسر الإسلام وسماحته، أما أن تترك الصلاة أو الصوم أو غيرها من التكاليف الشرعية جملة واحدة وتقول: "إن الدين يسر"، وما جعل الله علينا في الدين من حرج، فإن ذلك لا يجوز. وبالمثل الحجاب فإن تركه لا يجوز علمًا بأن له رخصة كغيره من أوامر الشرع وهي أن الله تعالى قد وضع الجلباب عن القواعد من النساء وحتى في هذه الحالة اشترط عليهن عدم التبرج، قال تعالى: {وَالْقَوَاعِدُ مِنَ النِّسَاءِ اللَّاتِي لا يَرْجُونَ نِكَاحاً فَلَيْسَ عَلَيْهِنَّ جُنَاحٌ أَنْ يَضَعْنَ ثِيَابَهُنَّ غَيْرَ مُتَبَرِّجَاتٍ بِزِينَةٍ وَأَنْ يَسْتَعْفِفْنَ خَيْرٌ لَهُنَّ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} [النور:60].(1/38)
وبالرغم من إعطائهن هذه الرخصة، إلا أن الله تعالى بين أن عدم أخذهن بها خير لهن وذلك في قوله تعالى: {وَأَنْ يَسْتَعْفِفْنَ خَيْرٌ لَهُنَّ} وما ذلك كله إلا لأنه من الضروري والمهم جدًا أن ترتدي المرأة المسلمة الجلباب الذي يغطي جسمها كله بدون استثناء، فكيف تبيح النساء لأنفسهن التبرج والتعري وترك الحجاب بحجج واهية.
الحجة الخامسة:
من تدعي أنها ستتحجب عندما تقتنع أولاً.
وهذه الحجة تكاد تكون وباء متفشيًا بين المتبرجات، أو أن بينهن شبه إجماع على الاحتجاج بها، وأقول هل كتاب الله الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه والذي تنزل من لدن حكيم خبير، أو أن أقوال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بحاجة إلى رأي المتبرجة القاصر وجهلها المركب؟ إن الله لغني عنها وعن اقتناعها أتحسب أن أوامر الدين ونواهيه بضاعة تقتنع بشراء بعضها وترك البعض الآخر؟
ألا تستحي هذه المتبرجة وهي ترفض أوامر الله بحجة أنها لم تقتنع بعد؟
إنها أوامر من أوجدك من العدم وخلقك خلقًا بعد خلق ورزقك من الطيبات، إنها أوامر من وهبك العقل الذي تريدين أن تستلهمي منه الاقتناع، فأي جحود ونكران لفضل الله هذا؟!
إن في آيات الله الشفاء لك من جميع الآفات الاجتماعية والنفسية وغيرها، هب أن طبيبًا وصف لك دواء وأمرك بشربة هل ستقولين له لن أشربه حتى أقتنع بأنه سيشفيني؟... بالطبع لن تترددي في شربه رغم أنه ليس مضمونًا أن يشفيك من المرض ولكنك لم تتشككي، ولم تترددي؛ لأنك ظننت أن في كلام الطبيب الصدق وأن في إطاعة أوامره صلاح جسدك وشفاءك، فكيف بالله تترددين في قبول أمر من خلقك وخلق الطبيب، ولم تصدقي أن في أمره الخير والفلاح والصلاح؟(1/39)
وإذا كنت لم تقتنعي حتى الآن بالحجاب الذي يضمن لك العفة والفضيلة فهل اقتنعت بالتبرج والانحلال والرذيلة؟! يقول تعالى: {تِلْكَ آيَاتُ اللَّهِ نَتْلُوهَا عَلَيْكَ بِالْحَقِّ فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَ اللَّهِ وَآيَاتِهِ يُؤْمِنُونَ. وَيْلٌ لِكُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ. يَسْمَعُ آيَاتِ اللَّهِ تُتْلَى عَلَيْهِ ثُمَّ يُصِرُّ مُسْتَكْبِراً كَأَنْ لَمْ يَسْمَعْهَا فَبَشِّرْهُ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ} [الجاثية: 6ـ 8].
وأوجه إليك يا من اتبعت هواك وعصيت أمر ربك قال تعالى: {أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَى بَصَرِهِ غِشَاوَةً فَمَنْ يَهْدِيهِ مِنْ بَعْدِ اللَّهِ أَفَلا تَذَكَّرُونَ} [الجاثية:23].
الحجة السادسة:
من تحتج بعدم التحجب بسبب سلوك بعض المحجبات.
إن الحجاب فريضة من فروض الدين كما أن الصوم فريضة، وأن الصلاة فريضة، وقد يحدث أن يرتكب المسلم أو المسلمة بعض الأخطاء التي لا تتفق مع مبادئ الإسلام؛ كأن يصلي المرء ويأكل أموال الناس بالباطل، أو يسعى بالفساد بين الناس، بل ربما يتخذ الصلاة وغيرها من أوامر الدين وسيلة يتستر بها على أفعاله الخبيثة، وهذا كله حرمه الله تعالى ولا يرضى به، ولكن الله فتح باب التوبة للجميع، وشرع الاستغفار لعلمه أن البشر عرضة للخطأ، قال تعالى: {وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءاً أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللَّهَ يَجِدِ اللَّهَ غَفُوراً رَحِيماً} [النساء:110].
وعن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((إن الله يبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار، ويبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل حتى تطلع الشمس من مغربها))(1).
__________
(1) ... رواه مسلم.(1/40)
وإن المتحجبة بشر تخطئ وتصيب كذلك، وليس المقصود من الحجاب هو عصمة صاحبته من الخطأ لأن كل ابن آدم خطاء، وخير الخطائين التوابون، وإن كنت أدعو كل متحجبة بأن تبتعد عما تقع فيه الكثيرات من الأخطاء، كالغيبة والنميمة وغير ذلك، وأن تجتهد في أن لا يراها مخلوق إلا حيث أمر الله تعالى، مع اجتناب نواهيه لأن صورتها في الأذهان تختلف كثيرًا جدًا عن صورة غيرها من المسلمات غير المتحجبات.
ويجب ألا نُصْدَم لأقل بادرة سيئة تصدر عن متحجبة، فنتهم جميع المتحجبات بذلك، أو نرمي جميع أوامر الدين بأنها غير صالحة؛ لأن من المتحجبات مَنْ قد تخطئ في بعض الأمور وأكثر أخطائهن لسانية، كالغيبة والنميمة مثلاً، وإن التي تمتنع عن التحجب بأن تجعل من إساءة السلوك عند بعض المتحجبات حجة لها في ذلك نقول لها: إن المتحجبة المسيئة بشرًا أساءت، وأنت بشر أسأت فهي بإساءتها آثمة إلى أن تتوب، وأنت بإساءتك آثمة إلى أن تتوبي، ومن قال لك أن تتخذي من الباقيات أو تنظرين إليهن نظرتك إلى الدين كله؟
إن الدين في كتاب الله وسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم - لا في فلانة وفلان المعرضين للخطأ ليلاً ونهارًا، وإن وجدت في البعض قدوة سيئة، فإن غيرهن الكثيرات والكثيرات ممن يعتبرون قدوة صالحة، ويا حبذا لو تحجبت وكنت قدوة صالحة لغيرك بدلاً من أن تتجمدي على معاصيك ولا تحاولي تغييرها.
الحجة السابعة:
من تتبرج لتغري الشباب بخطبتها، أي بهدف الزواج منها.(1/41)
يحدث أن تتبرج الفتاة لكي توقع في شباكها خبيثًا من الخبثاء ممن يروق لهم الزواج بمتبرجة خبيثة، فتتزين كما يزين التاجر بضاعته، وتعرض نفسها في أسواق الرجال، كي تجذب المشترين، وتبذل كل ما في وسعها وما لديها من كيد عظيم حتى تحصل على فريستها أو تعود بِخُفَّي حنين، تجتر آلامها وخيبتها، وتندب حظها العاثر وبقاياها المهلهلة، ولهذه أقول: إنك أزريت بنفسك، ونالك الكثير من الإثم بل ارتكبت أمرًا من كبائر الذنوب وهو التبرج في سبيل هدف قد يتحقق وقد لا يتحقق، فإن تحقق فاعلمي أن الرجل الذي اختارك زوجة له من أجل تبرجك، فإنه سرعان ما سيخونك، أو سيتركك إلى غيرك ليتزوج منها، أو على أقل تقدير لن تنالي السعادة المنشودة التي تطلبها كل فتاة بالزواج، وذلك عندما يجد أخريات أجمل منك؛ لأنه سيلهث وراءهن حيث أن هدفه طلب الجمال فحسب، بل إن الأمر سيتفاقم كلما كبرت في السن، وزوى جمالك شيئًا فشيئًا بسبب الحمل والولادة ومسئوليتك البيتية التي لا تعتبر أمرًا هينًا على الإطلاق وعندها سيشعرك أنك لا تساوين شيئًا وستذهب نفسك حسرات وأنت ترين زوجك يلاحق الأخريات؛ لأن من تزوج بمتبرجة لا يؤمن جانبه، كما أنه من المعروف أن المرأة كلما تقدمت في السن زهد فيها الرجال شيئًا فشيئًا، ولكن بالعكس بالنسبة للرجل إذ أنه يجد في جميع مراحل عمره من ترضى بالزواج منه.
ومن العجيب أن هناك نسبة كبيرة من الأمهات يدفعن بناتهن للتبرج ويعملن على إبرازهن أمام الشباب بشتى الوسائل، وعذر الأم في ذلك أنها تخشى أن يحجب الحجاب عن ابنتها الخُطَّاب، أَجَهِلَتْ هذه الأم أن الزواج أمر مقدور من الله وليس بالإغواء والإغراء؟!
ألم تفكري أيتها الأم بأنك تُغْرِقين ابنتك في أوحال الخطايا بدفعك أو بتشجيعك لها على التبرج، أما استحييت من الله وأنت تتركين ابنتك فريسة سائغة، تلتهمها عيون الرجال وتشتهيها، ثم تُعَرِّضِينَهَا لغضب الله ونقمته!(1/42)
إن من تحجب ابنتها لا تقذف بها إلى نار جهنم، والله تعالى يقول: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلائِكَةٌ غِلاظٌ شِدَادٌ لا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ} [التحريم:6].
الحجة الثامنة:
من تخجل من الحجاب وتخشى سخرية الناس منها لو أنها تحجبت.
عجبًا لمن تخجل من الحجاب، أتخجل منه ولا تخجل من نظرات الرجال إلى جسدها؟! ألا تخجل من عرض مفاتنها رخيصة أمام البر والفاجر؟ أتخجل من الفضيلة والشرف والحياء، ولا تخجل من الوقاحة والاستهتار ومعصية الله؟ ومن أي شيء تخجل؟
إن هذه الفتاة المخدوعة تردد أنها تخشى أن يسخر الناس منها، وأي أناس هؤلاء الذين تحسب لهم حسابًا، وتقيم لهم وزنًا؟! إن هؤلاء الذين يسخرون من المتدينين والمتدينات ممن يبتغون طاعة الله ورسوله، يعتبرون كفارًا مجرمين، وإن انتسبوا إلى الإسلام بالاسم، فتسموا بالمسلمين فإن الإسلام منهم بريء، ولتسمعوا قول الله فيهم: {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ. لا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ إِنْ نَعْفُ عَنْ طَائِفَةٍ مِنْكُمْ نُعَذِّبْ طَائِفَةَ بِأَنَّهُمْ كَانُوا مُجْرِمِينَ. الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمُنْكَرِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمَعْرُوفِ وَيَقْبِضُونَ أَيْدِيَهُمْ نَسُوا اللَّهَ فَنَسِيَهُمْ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ هُمُ الْفَاسِقُونَ. وَعَدَ اللَّهُ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْكُفَّارَ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا هِيَ حَسْبُهُمْ وَلَعَنَهُمُ اللَّهُ وَلَهُمْ عَذَابٌ مُقِيمٌ} [التوبة: 65ـ 68].(1/43)
إن كل من استهزئ بحجاب المرأة المسلمة، أو لحية الرجل المسلم، أو غيرهما من الأمور التي أمر الله بها رسوله - صلى الله عليه وسلم -، هو بمقام من استهزأ بالله وآياته ورسوله؛ لأن السخرية والاستهزاء بالأوامر هي سخرية بالأمر.
إن من يسخر منك يا أختاه، لا تأبهي له ولا يثنيك عن عزمك على التحجب، إن هؤلاء أدنى من البهائم كما وصفهم الله تعالى في آيات كثيرة، فلا تخجلي من البهائم، صم أذنيك عن سماعهم واستمعي لنداء الله؛ لأنه فيه سعادتك ونجاتك في الدنيا والآخرة، ردي على المستهزئين بما علمك الله أن يقال، قولي لهم: {إِنْ تَسْخَرُوا مِنَّا فَإِنَّا نَسْخَرُ مِنْكُمْ كَمَا تَسْخَرُونَ. فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ مَنْ يَأْتِيهِ عَذَابٌ يُخْزِيهِ وَيَحِلُّ عَلَيْهِ عَذَابٌ مُقِيمٌ} [هود: 38، 39].
الحجة التاسعة:
من تحتج بأنها ستتحجب عندما تكبر.
وهذا الصنف من النساء إذا ما نهيتهن عن التبرج، وأمرتهن بما أمر به الله ورسوله - صلى الله عليه وسلم - من الحجاب وسائر أمور الدين بادرن بالقول: "سنتحجب أو سنصلي أو... أو... ولكن عندما نكبر... نريد أن نتمتع بشبابنا وبالدنيا، والأيام آتية للصلاة والحجاب وغيره"!!
فأقول: هل عَلِمَتْ تلك المتبرجة أن الأجل سَيُمْهِلُهَا إلى أن تكبر؟ وهل فترة الشباب رخصة للمعاصي والسفور والمتعة الحرام؟
هل ضَمِنَتْ هذه العيش إلى أجل حددته هي، فأجَّلَتْ له الطاعات، وبادرت اليوم بارتكاب الفواحش والمنكرات؟ ألم تر أن الموت لا يفرق بين صغير أو كبير!! بل إن هناك من يولد ميتًا قبل أن يرى نور الحياة، فإنما هي آجالنا حسبت وحددت لنا من قبل الله سبحانه وتعالى القائل جل شأنه: {فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلا يَسْتَقْدِمُونَ} [الأعراف: 34]اهـ.
- - -
الحجاب الشرعي(1)
__________
(1) ... من كتاب زينة المرأة المسلمة للشيخ عبد الله بن صالح الفوزان، باختصار.(1/44)
الحجاب الشرعي هو أن تستر المرأة ما يجب عليها ستره من الوجه والكفين ومواضع الزينة من بدنها، وغير ذلك مما يستلزم النظر إليه رؤية موضعه من بدن المرأة، فستر هذا كله وإخفاؤه داخل في مفهوم الحجاب الشرعي.
وإذا كان الحجاب يطلق على ستر الوجه والكفين ومواضع الزينة فهو يطلق أيضًا على حجاب المرأة في البيوت بحيث لا يرى منها شيء، لا شخصها، ولا لباسها ولا زينتها، وعلى هذا قوله تعالى: {وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعاً فَاسْأَلوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ}[الأحزاب:53]، ويستثنى من ذلك خروج المرأة من بيتها لحاجة، كما قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((إنه قد أذن لكن أن تخرجن لحاجتكن)) (1).
ويؤكد هذا المعنى نصوص من الكتاب والسنة، تحث المرأة على البقاء في بيتها وعدم الخروج منه إلا لحاجة، حتى في الصلاة حببت إليها أن تصلي في بيتها، وإذا خرجت لحاجة فهناك شروط وضوابط لابد أن تتقيد بها.
أما أدلة الكتاب والسنة على وجوب الحجاب فمنها ما يلي:
الدليل الأول:
قوله تعالى: {وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ} [النور: 31] فقد دلت هذه الآية على وجوب ستر الوجه من خمسة أوجه:
(1) قوله تعالى: {وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ} فإن الله تعالى أمر المؤمنات بحفظ فروجهن صيانة لهن من أسباب الفتنة وتحريضًا لهن على أسباب العفة.
والأمر بحفظ الفرج أَمْرٌ به وبما يكون وسيلة إليه، ولا يرتاب عاقل أن من وسائل حفظ الفرج تغطية الوجه، فإذا وجب حفظ الفرج وجب تغطية الوجه لأن الأمر بالشيء أمر به وبما لا يتم إلا به، والوسائل لها أحكام المقاصد.
__________
(1) ... أخرجه البخاري.(1/45)
(2) قوله تعالى: {وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا} ووجه الدلالة أن الآية نهت عن إبداء الزينة إلا ما ظهر منها، والمراد الثياب، والنهي عن إبداء الزينة نهي عن إبداء مواضع الزينة، فإذا كانت مأمورة بستر زينتها من حلي ونحوه عن نظر الرجال الأجانب خشية أن يُفْتَنُوا بها، فلأن تؤمر بستر وجهها أولى وأحرى؛ لأنه زينة خَلْقِيَّة، إذ هو مَجْمَعُ المحاسن، وموضع الفتنة.
(3) قوله: {وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ}، فقد دلت الآية على أن النساء مأمورات بتغطية وجوههن، وبيان ذلك أن المرأة إذا كانت مأمورة بسدل الخمار من رأسها على جيبها لتستر صدرها، فهي مأمورة بستر ما بين الرأس والصدر وهما الوجه والرقبة، إما ضمنًا وإما قياسًا، فإنه إذا وَجَبَ ستر الرأس والصدر وجب ستر الوجه والرقبة من باب أولى؛ لأن الوجه مجمع المحاسن ومحط أنظار الرجال(1)، وإنما لم يُذْكَر هنا للعلم بأن سدل الخمار إلى أن يضرب على الجيب لابد وأن يغطي الوجه والرقبة. والله أعلم.
ولقد فهمت نساء الصحابة ـ رضي الله عنهم أجمعين ـ أن الآية تعني لزوم تغطية الوجه امتثالاً لأمر الله تعالى في قوله: {وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ}. تقول عائشة رضي الله عنها: لما نزلت هذه الآية {وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ} أخذن أزرهن فشققنها من قبل الحواشي فاختمرن بها(2).
قال الحافظ ابن حجر ـ رحمه الله ـ قوله: (فاختمرن) أي غطين وجوههن، وصفة ذلك أن تضع الخمار على رأسها وترميه بالجانب الأيمن على العاتق الأيسر وهو التقنع، وقال في موضع آخر من الفتح في سبب تسمية الخمر خمرًا: "ومنه خمار المرأة لأنه يستر وجهها"(3).
__________
(1) ... رسالة الحجاب للشيخ محمد العثيمين.
(2) ... أخرجه البخاري (18/489)، وانظر: جامع الأصول (10/643).
(3) ... فتح الباري (8/420)، (10/48).(1/46)
فهذه سنة صحيحة مفسرة لكتاب الله تعالى، تدل على وجوب ستر الوجه، وهو من أعظم الأدلة وأصرحها في لزوم الحجاب لجميع نساء المسلمين كما قال الشنقيطي رحمه الله(1).
(4) قوله تعالى: {وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ} ووجه الدلالة: أن الله تعالى لم يرخص بإبداء الزينة الباطنة لغير المحارم بعد الزوج، إلا للتابعين غير أولي الإربة من الرجال أو الطفل الذي لم يطلع على عورات النساء، فدل ذلك على أن من عداهم من الأجانب لا يحل إبداء الزينة له، فيقتضي ذلك أن المرأة مأمورة بستر وجهها عن الأجانب، ولو كان كشفه مباحًا لما كان لاستثناء هؤلاء من الأجانب فائدة.
(5) قوله تعالى: {وَلا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ} [النور: 31]، ووجه الدلالة: أن الله تعالى ينهى المرأة المؤمنة أن تضرب الأرض برجلها إذا مشت لتسمع الناس صوت خلخالها، فإذا كانت منهية عن إظهار صوت الزينة الخفية، لئلا يثير ذلك كوامن الفتنة، ويوقظ المشاعر النائمة، فكيف يباح لها أن تكشف وجهها، وأي الزينتين أولى بالستر؟ وجه ممتلئ نضارة وجمالاً، أو صوت خلخال في رجل امرأة لا يدري ما سنها؟ وما جمالها؟ فالمنصف يرى أن الآية دليل بين على ستر المرأة وجهها عن الرجال الأجانب(2).
الدليل الثاني:
قوله تعالى: {وَالْقَوَاعِدُ مِنَ النِّسَاءِ اللَّاتِي لا يَرْجُونَ نِكَاحاً فَلَيْسَ عَلَيْهِنَّ جُنَاحٌ أَنْ يَضَعْنَ ثِيَابَهُنَّ غَيْرَ مُتَبَرِّجَاتٍ بِزِينَةٍ وَأَنْ يَسْتَعْفِفْنَ خَيْرٌ لَهُنَّ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} [النور:60].
__________
(1) ... أضواء البيان (6/595).
(2) ... رسالة الحجاب للشيخ محمد العثيمين، أضواء البيان للشنقيطي(6/594).(1/47)
ووجه الدلالة: أن الله تعالى نفى الجناح ـ وهو الإثم ـ عن القواعد ـ وهن العجائز اللاتي لا يرجون نكاحًا؛ لعدم رغبة الرجال فيهن لكبر سنهن ـ نفى عنهن الإثم في وضع ثيابهن، بشرط ألا يكون الغرض من ذلك التبرج بإظهار ما يجب إخفاؤه.
ومن المعلوم ـ بداهة ـ أنه ليس المقصود بوضع الثياب أن يبقين عاريات، وإنما المراد وضع الجلباب أو الرداء ونحوهما مما يستر جميع البدن ـ كما قال ابن عباس وابن مسعود وغيرهما ـ فتخصيص الحكم بهؤلاء العجائز دليل على أن الشواب اللاتي يرجون نكاحًا لا يجوز لهن وضع شيء من ثيابهن عند الرجال الأجانب، ولو كان الحكم شاملاً للجميع، في جواز وضع الثياب ولبس درع ونحوه مما لا يستر ما ظهر غالبًا كالوجه والكفين، لم يكن لتخصيص القواعد فائدة(1).
الدليل الثالث:
قوله تعالى: {وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعاً فَاسْأَلوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ} [الأحزاب: 53]، ووجه الدلالة: أن الله تعالى يأمر المؤمنين إذا سألوا نساء النبي - صلى الله عليه وسلم - متاعًا أن يكون ذلك السؤال من وراء حجاب، فدلت الآية على وجوب الحجاب على جميع النساء، فإنه وإن كان أصل اللفظ خاصًا بهن لكن قوله: {ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ} [الأحزاب: 53] يمنع التخصيص ويوجب التعميم؛ لأن هذا علة لقول {فَاسْأَلوهُنَّ} ولا يقول أحد من المسلمين بأن غير أزواج النبي - صلى الله عليه وسلم - لا حاجة إلى أطهرية قلوبهن وقلوب الرجال من الريبة فيهن، فصح أن تكون الآية دليلاً على وجوب الحجاب لجميع النساء لعموم العلة(2).
__________
(1) ... رسالة الحجاب للشيخ محمد العثيمين، أضواء البيان للشنقيطي(6/594).
(2) ... أضواء البيان (6/584).(1/48)
قال ابن العربي: وهذا يدل على أن الله أذن في مسألتهن من وراء حجاب في حاجة تعرض أو مسألة يستفتى فيها، والمرأة كلها عورة، بدنها وصوتها، فلا يجوز كشف ذلك إلا لضرورة أو حاجة كالشهادة عليها أو داء يكون ببدنها، أو سؤالها عما يعن ويعرض عندها(1).
يقول الشنقيطي رحمه الله:
ولو فرضنا أن آية الحجاب خاصة بأزواجه - صلى الله عليه وسلم - فلا شك أنهن خير أسوة لنساء المسلمين في الآداب الكريمة المقتضية للطهارة التامة، وعدم التدنس بأنجاس الريبة، فمن يحاول منع نساء المسلمين كالدعاة للسفور والتبرج اليوم من الاقتضاء بهن في هذا الأدب السماوي الكريم المتضمن سلامة العرض والطهارة من دنس الريبة غاش لأمة محمد - صلى الله عليه وسلم -، مريض القلب كما ترى(2).
الدليل الرابع:
من السنة، عن ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((لا تنتقب المرأة المحرمة ولا تلبس القفازين))(3)، ووجه الدلالة أن نهي المحرمة عن لبس ما فُصِّلَ على قدر الوجه كالنقاب أو على قدر اليدين كالقفازين دليل على أن هذا معروف في النساء اللاتي لم يُحْرِمْن، وذلك يقتضي ستر وجوههن وأيديهن، ولو لم يكن هذا معروفًا عندهن، لم يكن هناك فائدة من هذا النهي(4).
الدليل الخامس:
من السنة أيضًا، حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((المرأة عورة؛ فإذا خرجت استشرفها الشيطان))(5).
__________
(1) ... أحكام القرآن لابن العربي (3/1567).
(2) ... أضواء البيان (6/592).
(3) ... متفق عليه.
(4) ... مجموع فتاوى ابن تيمية (37/95).
(5) ... أخرجه الترمذي (4/337) وقال: حديث حسن صحيح غريب، وفي بعض النسخ حسن غريب.(1/49)
قال في جامع الأصول: "العورة كل ما يستحيى منه إذا ظهر، والمرأة عورة؛ لأنها إذا ظهرت يستحيى منها"(1). فهذا الحديث دل على وجوب ستر الوجه؛ لأن الرسول - صلى الله عليه وسلم - أخبر بأن المرأة عورة، والعورة يجب سترها، ولا يجوز كشف شيء منها.
وفيما ذكرته من الأدلة على وجوب الحجاب، وتصحيح مفهومه لدى كثير من النساء فيه كفاية لمن أراد معرفة الحق والعمل به، وهذا هو المتعين على كل مسلم ومسلمة ليفوز بخيري الدنيا والآخرة، وإن عدم الاتعاظ ومعاندة الحق بعد معرفته علامة على قسوة القلب، واتباع الهوى.
شروط ومواصفات حجاب المرأة المسلمة
لقد حدد الإسلام شروط ومواصفات حجاب المرأة المسلمة الذي ينبغي أن تخرج به من بيتها.
(1) يجب أن يكون ساترًا لجميع البدن:
لقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً} [الأحزاب:59].
والجلباب هو ثوب واسع تستر به المرأة بدنها كله، وذلك ليكون ساترًا للعورة والزينة التي نُهِيَتْ عن إبدائها، فإن الإسلام أكثر ما يهمه من الحجاب هو الستر لا الزينة، وحجاب المرأة المسلمة لابد أن يكون ساترًا لوجهها وكفيها وقدميها وسائر جسمها قال تعالى: {وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا} والنهي عن إبداء الزينة نهي عن إبداء مواضعها من باب أولى، ولولا الحجاب لظهرت مواضع الزينة من الصدر والذراع والقدم ونحوها.
(2) ألا يكون الحجاب في نفسه زينة:
لقوله تعالى: {وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا} وقد شرع الله الحجاب ليستر زينة المرأة، فلا يعقل أن يكون هو نفسه زينة تخرج به المرأة تحرك الشهوة وتثير الرجال.
(3) أن يكون واسعًا غير ضيق:
__________
(1) ... جامع الأصول (6/665).(1/50)
لأن الغرض من الحجاب ستر العورة ومواضع الزينة، والضيق فإنه وإن ستر لون البشرة فإنه يصف جسم المرأة أو بعضه ويصوره في أعين الرجال، ومن الواجب على المرأة أن تهتم بستر حجم عظامها، والتساهل في ذلك من أعظم أسباب الفساد ودواعي الفتنة.
يقول أسامة بن زيد رضي الله عنه: كساني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قبطية كثيفة مما أهدى له دحية الكلبي، فكسوتها امرأتي، فقال: ((مالك لم تلبس القبطية؟)) قلت: كسوتها امرأتي، فقال: ((مرها فلتجعل تحتها غلالة فإني أخاف أن تصف حجم عظامها))(1). فالرسول - صلى الله عليه وسلم - يأمر أسامة أن يطلب من امرأته أن تضع تحت هذا الثوب الثخين غلالة(2) ليمنع وصف بدنها وحجم عظامها، فهذه القبطية(3) ثخينة ومع ذلك خاف رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من أن تصف حجم عظامها.
(4) أن يكون صفيقًا ثخينًا لا يشف:
لأن القصد من الحجاب الستر، وذلك لا يحصل إلا بالصفيق؛ لأن الخفيف يزيد المرأة زينة وجمالاً، وليس الحجاب الذي يشف عن الجسم ويفضح العورات بحجاب في نظر الإسلام، فحجاب المرأة لابد أن يكون صفيقًا لئلا تفتن غيرها بمحاسن جسمه،ا وقد ورد الوعيد الشديد فيمن تلبس لباسًا خفيفًا لا يستر ما أمر الله بستره.
فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((صنفان من أهل النار لم أرهما، قوم معهم سياط كأذناب البقر يضربون بها الناس، ونساء كاسيات عاريات مميلات رؤوسهن كأسنمة البخت المائلة، لا يدخلن الجنة ولا يجدن ريحها، وإن ريحها ليوجد من مسيرة كذا وكذا))(4).
(5) أن لا يكون مبخرًا مطيبًا:
__________
(1) ... أخرجه الإمام أحمد (5/305)، وانظر: حجاب المرأة المسلمة.
(2) ... الغلالة، هي: شعار يلبس تحت الثوب.
(3) ... القبطية، بضم القاف نسبة إلى "القبط" بكسر القاف وهم أهل مصر.
(4) ... رواه مسلم.(1/51)
لحديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((أيما امرأة استعطرت فمرت على قوم ليجدوا ريحها فهي زانية))(1).
(6) أن لا يشبه لباس الرجال:
لقوله - صلى الله عليه وسلم -: ((ليس منا من تشبه بالرجال من النساء ولا من تشبه بالنساء من الرجال))(2)، فإن لثوب الرجال صفات أهمها أن يكون فوق الكعبين أو إلى أنصاف الساقين، ولكن الأمر انعكس في هذا العصر، فصار ثوب كثير من النساء فوق الكعبين وبعضهن إلى أنصاف الساقين، ولربما فوق ذلك مثل الميني جيب والميكروجيب، وصار ثوب الرجال أسفل من الكعبين، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: "لعن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الرجل يلبس لبسة المرأة، والمرأة تلبس لبسة الرجل"(3).
(7) أن لا يشبه لباس الكافرات:
وذلك بأن تفصل المرأة المسلمة لباسًا تفصيلاً يتنافى مع حكم الشرع وقواعده في موضوع اللباس، ويدل على تفاهة في العقل وفقدان للحياء مما ظهر في هذا العصر وانتشر باسم "الموديلات" التي تتغير من سيئ إلى أسوأ، وكيف ترضى امرأة شرفها الله بالإسلام ورفع قدرها، أن تكون تابعة لمن يملي عليها صفة لباسها، ممن لا يؤمن بالله ولا باليوم الآخر!!
فاحذري أيتها الأخت المسلمة أن تتشبهي باليهود والنصارى أو غيرهم من المشركين في ملابسهم؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((من تشبه بقوم فهو منهم)) (4).
(8) أن لا يكون لباس شهرة:
__________
(1) ... رواه النسائي وأبو داود والترمذي وقال: حسن صحيح.
(2) ... صحيح، صحيح الجامع الصغير (5433).
(3) ... أخرجه أبو داود وابن ماجه.
(4) ... أخرجه أبو داود وأحمد.(1/52)
فلا يجوز لامرأة مسلمة أن تختار من ألوان الثياب ما ترضى به رغبة الدعاية ولا يتعلق بضرورة اللباس، وإنما لأجل أن يرفع الرجال إليها أبصارهم، وتفتن تلك النظرات الجائعة، وقد ورد عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((من لبس ثوب شهرة في الدنيا، ألبسه الله ثوب مذلة يوم القيامة ثم ألهب فيه نارًا))(1).
ولباس الشهرة هو كل ثوب يقصد به صاحبه الاشتهار بين الناس سواء كان الثوب نفيسًا يلبسه تفاخرًا بالدنيا وزينتها، أو خسيسًا يلبس إظهارًا للزهد والرياء، فهو يرتدي ثوبًا مخالفًا لألوان ثيابهم ليلفت الناس إليه، وليختال عليهم بالكبر والعجب.
- - -
فضائل الحجاب
(1) الحجاب عبادة وطاعة لله تعالى ولرسوله - صلى الله عليه وسلم -، ورد في كتاب الله العزيز وسنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، تثاب عليه المرأة كما تثاب على امتثال أحكام الشرع لأن الله تعالى أمر به، فقال: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً}[الأحزاب:59].
وقال - صلى الله عليه وسلم -: ((المرأة عورة)) يعني يجب سترها.
__________
(1) ... أخرجه الإمام أحمد.(1/53)
(2) الحجاب علامة من علامات كمال الإيمان عند المرأة التي التزمت خوفًا من الله ومرضاة له؛ لأن الله سبحانه وتعالى لم يخاطب بالحجاب إلا المؤمنات فقال سبحانه: {وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ} ولأن من التزمته، التزمت الحياء والعفة والطهارة التي هي من شعب الإيمان، فقد قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((صنفان من أهل النار لم أرهما؛ قوم معهم سياط كأذناب البقر يضربون بها الناس، ونساء كاسيات عاريات، مائلات مميلات رؤوسهن كأسنمة البخت المائلة، لا يَدْخُلْنَ الجنة ولا يَجِدْنَ ريحها، وإن ريحها ليوجد من مسيرة كذا وكذا))(1).
(3) الحجاب ستر للمرأة؛ لأن المرأة كلها عورة من منبت شعرها إلى أخمص قدميها، ومع ذلك فإن الحجاب يعلي من قدرها ويحفظ شرفها وطهارتها، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((أيما امرأة نزعت ثيابها في غير بيتها خرق الله عز وجل عنها ستره))(2).
(4) الحجاب طهارة، قال تعالى: {وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعاً فَاسْأَلوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ} [الأحزاب: 53]، فوصف الحجاب بأنه طهارة لقلوب المؤمنين والمؤمنات؛ لأن العين إذا لم تر لم يشته القلب، أما إذا رأت العين، فقد يشتهي القلب وقد لا يشتهي، ومن هنا كان القلب عند عدم الرؤيا أطهر، وعدم الفتنة حينئذ أظهر؛ لأن الحجاب يقطع أطماع مرضى القلوب، قال تعالى: {فَلا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ} [الأحزاب: 32].
__________
(1) ... رواه مسلم.
(2) ... صحيح، صحيح الجامع الصغير (2708).(1/54)
(5) الحجاب وقاية وحماية للمرأة والمجتمع بأسره؛ لأن الحجاب يساعد على غض البصر الذي أمر الله تعالى به في قوله تعالى: {وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ} ويساعد على حفظ المجتمع من أسباب الفساد؛ لأنه يقطع أطماع الفساق أصحاب النظرات الجائعة، ويساعد على ستر العورات التي توقظ المشاعر وتثير كوامن الشهوة، وهذا على عكس المرأة السافرة المتكشفة.
(6) الحجاب غيرة؛ لأنه يتناسب مع الغيرة التي جُبِلَ عليها الرجل السوي الذي يأنف أن تمتد النظرات الخائنة إلى زوجته وبناته، وكم من حروب نشبت في الجاهلية والإسلام غيرة على النساء وحمية لحرمتهن، قال علي رضي الله عنه: "بلغني أن نساءكم يزاحمن العلوج(1) في الأسواق، ألا تغارون؟ إنه لا خير فيمن لا يغار"(2).
- - -
نداء إلى الأخت المسلمة
أختاه يا بنت الإسلام تحشمي
صوني جمالك إن أردت كرامة
لا تعرضي عن هدى ربك ساعة
ما كان ربك جائرًا في شرعه
ودعي هراء القائلين سفاهة
إياك إياك الخداع بقولهم
إن الذين تبرؤوا عن دينهم
حلل التبرج إن أردت رخيصة
بنت الفضيلة ما أرى لك شيمة
حسناء يا ذات الدلال فإنني
لا تعرضي هذا الجمال على الورى
لا ترسلي الشعر الحرير مرجلاً
لا تمنحي المستشرقين تبسمًا
أنا لا أحبذ أن أراك طليقة
أنا لا أريد بأن أراك جهولة
فتعلمي وتثقفي وتنوري
لكنني أمسي وأصبح قائلاً
وأخيرًا..
أوجه كلمة إلى كُلٍّ مِنْ:
الأب
لقد أفسد الاستعمار تربيتنا ولابد من مقاومته بالعناية بتكوين الأسرة المسلمة ولن يكن ذلك إلا بالتوجيه الصحيح للزوجة والأبناء.
فالأسرة هي اللبنة التي يتكون من مجموعها بناء الأمة، فإذا قامت على مكارم الأخلاق عزت الأمة وسادت، وإذا قامت على الفوضى والتحلل ذلت الأمة وهانت.
__________
(1) ... العلوج: أي الرجال الكفار من العجم.
(2) ... الحجاب لماذا، محمد أحمد إسماعيل.(1/55)
فكل إنسان مسئول عما كلفه الله إياه ووضعه تحت يده وتحت نفوذه، وملكه قيادة زمامه، فمن أرخى الزمام كان مسئولاً عن نتيجة إهماله، ولا ينجو مستهتر من عواقب استهتاره بأمر الله.
فيا أيها الأب الكريم:
(1) هل ربيت أولادك على توحيد الله سبحانه وتعالى وحفظ فطرتهم من شوائب الشرك والذنوب.
(2) وهل ربيتهم على تقوى الله ومراقبته في السر والعلن.
(3) وهل علمتهم أركان الإيمان وأركان الإسلام والإحسان فأصبحوا نماذج حية للمسلم وللمسلمة.
(4) وهل علمتهم الصلاة وأمرتهم بها لسبع سنين وضربتهم إذا بلغوا عشرًا وفرقت بينهم في المضاجع، كما أرشد إلى ذلك رسول الله - صلى الله عليه وسلم -.
(5) وهل ربيتهم على حفظ كتاب الله منذ الصغر.
(6) وهل ربيتهم على الاقتداء برسول الله - صلى الله عليه وسلم -، لقوله تعالى: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً} [الأحزاب:21].
(7) وهل ربيت البنات منذ الصغر على عدم الاختلاط بالرجال، وعلى خلق الحياء والستر والالتزام بالحجاب الشرعي الكامل حتى يكون من فطرتهن وحتى لا يصعب عليهن بعد ارتداؤه، وإن لم يكن الأمر على وجه التكليف فإنما على وجه التأديب قياسًا على أمر الصلاة.
(8) وهل أدبتهم بالآداب الإسلامية كبرّ الوالدين وصلة الأرحام والإحسان إلى الجار وإكرام الضيف والإحسان إلى الفقراء والمساكين والصدق والأمانة والعدل وحفظ اللسان والسمع والبصر، والنصح لكل مسلم، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والإيثار والتواضع والوفاء بالعهد وغيرها من محاسن الأخلاق.
(9) وهل نهيتهم عن الأخلاق السيئة، كالظلم والكبر والغيبة والنميمة والكذب وشهادة الزور والحسد والتجسس واحتقار المسلمين والغش والخداع والغدر.(1/56)
(10) وهل كنت حريصًا على الزواج المبكر للأبناء والبنات، فالزواج حفظ وصيانة للزوجين إلى ما فيه من الآثار الطيبة.
ولقد علم دعاة الفساد من شياطين الإنس والجن أن الزواج حماية للفرد والمجتمع من طرق الفساد والشر فحرصوا أشد الحرص على صد الشباب ذكورًا وإناثًا عن الزواج في سن مبكرة بحجج واهية، مستغلين بذلك غفلة كثير من الآباء والأمهات عن إدراك خطورة هذا الأمر.
الأم
إن التربية الصالحة ليست كلمات تتلى ولا عصا ترفع، إنها حياة كاملة فيها اللين والرقة، كما أن فيها الشدة والحزم، وصدق الشاعر حين قال:
الأم مدرسة إذا أعددتها
الأم روض إن تعهد الحيا
الأم أستاذ الأساتذة الأولى
نحن نريد الأمهات كخديجة وعائشة وأمهات المؤمنين رضي الله عنهم أجمعين، نريد من نسائنا أن يُعِدُّوا أبناء الأمة للجهاد في سبيل الله، ولحمل راية الإسلام مهما واجهوا من متاعب ومصاعب.
أيتها الأم المسلمة:
أوصيك بالعناية بتربية البراعم المؤمنة من الأبناء والبنات، تربية إسلامية فإنها أمانة عظيمة ومسئولية كبيرة فارعها حق رعايتها، قال تعالى: {وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ} [المؤمنون:8]. وقال - صلى الله عليه وسلم -: ((كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته))(1).
أيتها الأم المسلمة:
ليكن البيت نموذجًا صادقًا لبيت الأسرة المسلمة، فلا يرى فيه محرم ولا يسمع فيه منكر حتى ينشأ الأولاد نشأة إيمانية متخلقين بكل خلق حسن بعيدين على كل خلق سيئ.
أيتها الأم المسلمة:
كوني قدوة صالحة لأبنائك وبناتك واحذري أن يروك مخالفة لأمر الله تبارك وتعالى وأمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فإن الأولاد يتأثرون بأمهم تأثرًا كبيرًا.
أيتها الأم المسلمة:
__________
(1) ... متفق عليه.(1/57)
كوني قدوة صالحة لبناتك بالتمسك بالحجاب الشرعي امتثالاً لأمر خالق السماوات والأرض إذ يقول: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً} [الأحزاب:59].
أيتها الأم المسلمة:
اغرسي في طفلتك حب الحجاب منذ صغرها وحببيه إليها، وإياك من التساهل في شأن التبرج بحجة أنها صغيرة أو ما إلى ذلك من الأعذار التي لا يقبلها الله عز وجل.
كلمة أخيرة إلى:
أختي المسلمة
تزودي من العلم الشرعي، من كتاب الله وسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم -، واحرصي على حفظ كتاب الله، أو ما تيسر منه، وتعلمي أركان الإيمان وأركان الإسلام والإحسان وحققيهما واقعًا ملموسًا في حياتك، وكوني ـ وفقك الله لما يحبه ويرضاه ـ قدوة لأهلك وأخواتك المسلمات.
أختي المسلمة
لا تضيعي فراغك سدى ولا تشغليه بالأغاني الخليعة أو المجلات الساقطة، بل عليك بالقرآن وتلاوة آياته، وبتدبر سيرة الرسول - صلى الله عليه وسلم - وصحابته وزوجاته أمهات المؤمنين، رضي الله عنهم أجمعين.
أختي المسلمة
تحلي بالأخلاق الفاضلة من الصدق والأمانة والحياء والتواضع والصبر، وليكن خلقك القرآن، وعليك بصلة الأرحام وبرّ الوالدين فإن لهما حقًا عظيمًا، قال تعالى: {وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً} [النساء: 36].
واحذري الأخلاق السيئة كالكبر والغيبة والنميمة والغش وغيرها.
أختي المسلمة
احذري الثرثرة وكثرة الكلام، قال تعالى: {لا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلاحٍ بَيْنَ النَّاسِ} [النساء: 114].(1/58)
واعلمي أن هناك من يحصي كلامك وبعده عليك، قال تعالى: {إِذْ يَتَلَقَّى الْمُتَلَقِّيَانِ عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ قَعِيدٌ. مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ} [ق: 17، 18].
وليكن كلامك مختصرًا وافيًا بالغرض الذي من أجله تتحدثين.
أختي المسلمة
ضعي كتاب الله تعالى وسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم - نصب عينيك في أفعالك وأقوالك وسكناتك، يقول تعالى: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالاً مُبِيناً} [الأحزاب:36].
- - -
الفهرس
الموضوع ... الصفحة
تقديم
إهداء
المقدمة
المرأة قبل الإسلام
المرأة بعد الإسلام
المؤامرة على المرأة المسلمة
الحق ما شهدت به الأعداء
الاختلاط
مصافحة المرأة لغير المحارم
الخلوة
غض البصر
التبرج
أسباب التبرج
أضرار التبرج
حجج واهية للمتبرجات والرد عليها
الحجاب الشرعي
شروط ومواصفات حجاب المرأة المسلمة
فضائل الحجاب
نداء إلى الأخت المسلمة
وأخيرًا
كلمة أخيرة إلى أختي المسلمة
الفهرس ... 5
6
7
13
20
25
33
36
42
47
51
56
66
72
79
95
105
111
114
116
121
124
- - -(1/59)