دور الأفراد ومسؤوليتهم في النهوض بهذا الفرض
يربي الإسلام المؤمن على تحمّل المسؤولية تجاه الحق والقيام به وأن لا ينتظر ليرى إقدام غيره أو إحجامه ، بل يبادر ولا يتقاعس بحجة تخلف غيره .
{ فقاتل في سبيل الله لا تكلف إلا نفسك وحرض المؤمنين عسى الله أن يكف بأس الذين كفروا والله أشد بأسا وأشد تنكيلا } [ النساء 84 ]
قال القرطبي وقيل : هي متعلقة بقوله : وما لكم لا تقاتلون في سبيل الله فقاتل كأن هذا المعنى : لا تدع جهاد العدو والاستنصار عليهم للمستضعفين من المؤمنين ولو وحدك لأنه وعده بالنصر قال الزجاج : أمر الله تعالى رسوله - صلى الله عليه وسلم - بالجهاد وإن قاتل وحده لأنه قد ضمن له النصرة.
قال ابن عطية : هذا ظاهر اللفظ إلا أنه لم يجئ في خبر قط أن القتال فرض عليه دون الأمة مدة ما فالمعنى والله أعلم أنه خطاب له في اللفظ وهو مثال ما يقال لكل واحد في خاصة نفسه أي أنت يا محمد وكل واحد من أمتك القول له ( فقاتل في سبيل الله لا تكلف إلا نفسك ) ولهذا ينبغي لكل مؤمن أن يجاهد ولو وحده ومن ذلك قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: ( والله لأقاتلنهم حتى تنفرد سالفتي ) وقول أبي بكر وقت الردة : ولو خالفتني يميني لجاهدتها بشمالي.
وضرب الله لنا قدوة ومثالاً مؤمن آل فرعون في تحمله الصدع بالحق والبذل له { وقال رجل مؤمن من آل فرعون يكتم إيمانه أتقتلون رجلا أن يقول ربي الله وقد جاءكم بالبيِّنات من ربكم وإن يك كاذبا فعليه كذبه وإن يك صادقا يصبكم بعض الذي يعدكم إن الله لا يهدي من هو مسرف كذاب } [غافر 28 ]
ومؤمن آل يسين يعلن إيمانه ولو كان ثمن ذلك روحه التي بين جنبيه { وجاء من أقصى المدينة رجل يسعى قال يا قوم اتبعوا المرسلين } [ يس 20 ](1/1)
وقصة الغلام وثباته أمام بطش الطاغية وعدم انتظاره للراهب أو غيره ليتولى مهمة فضح الطاغية وتبديد ظلامه وهداية الناس إلى الحق مثال شامخ للنفوس الصادقة في تحمل المسؤولية وعدم التواكل بحجة وجود الغير.
فعن صهيب أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : ( كان ملك فيمن كان قبلكم وكان له ساحر فلما كبِر قال للملك إني قد كبرت فأبعث إلي غلاما أعلمه السحر فبعث إليه غلاما يعلمه فكان في طريقه إذا سلك راهب فقعد إليه وسمع كلامه فأعجبه فكان إذا أتى الساحر مر بالراهب وقعد إليه فإذا أتى الساحر ضربه فشكى ذلك إلى الراهب فقال إذا خشيت الساحر فقل حبسني أهلي وإذا خشيت أهلك فقل حبسني الساحر فبينما هو كذلك إذ أتى على دابة عظيمة قد حبست الناس فقال اليوم أعلم الساحر أفضل أم الراهب أفضل فأخذ حجرا فقال اللهم إن كان أمر الراهب أحب إليك من أمر الساحر فاقتل هذه الدابة حتى يمضى الناس فرماها فقتلها ومضى الناس فأتى الراهب فأخبره فقال له الراهب أي بني أنت اليوم أفضل مني قد بلغ من أمرك ما أرى وانك ستبتلى فإن ابتليت فلا تدل علي - وكان الغلام يبرئ الأكمه والأبرص ويداوى الناس من سائر الأدواء - فسمع جليس للملك كان قد عمي فأتاه بهدايا كثيرة فقال ما هاهنا لك أجمع إن أنت شفيتني فقال إني لا أشفي أحدا إنما يشفي الله فإن أنت آمنت بالله دعوت الله فشفاك فآمن بالله فشفاه الله فأتى الملك وجلس إليه كما كان يجلس فقال له الملك من رد عليك بصرك قال ربي قال و لك رب غيري قال ربي وربك الله فأخذه فلم يزل يعذبه حتى دلّ على الغلام فجيء بالغلام فقال له الملك أي بني قد بلغ من سحرك ما تبرئ الأكمه والأبرص وتفعل وتفعل فقال إني لا أشفى أحدا إنما يشفي الله فأخذه فلم يزل يعذبه حتى دل على الراهب فجيء بالراهب فقيل له ارجع عن دينك فأبى فدعا بالمئشار فوضع المئشار في مفرق رأسه فشقه حتى وقع شقاه ثم جيء بجليس الملك فقيل له ارجع عن دينك فأبى فوضع(1/2)
المئشار في مفرق رأسه فشقه به حتى وقع شقاه ثم جيء بالغلام فقيل له ارجع عن دينك فأبى فدفعه إلى نفر من أصحابه فقال اذهبوا به إلى جبل كذا وكذا فاصعدوا به الجبل فإذا بلغتم ذروته فإن رجع عن دينه وإلا فاطرحوه فذهبوا به فصعدوا به الجبل فقال اللهم أكفنيهم بما شئت فرجف بهم الجبل فسقطوا وجاء يمشى إلى الملك فقال له الملك ما فعل أصحابك قال كفانيهم الله فدفعه إلى نفر من أصحابه فقال اذهبوا به فاحملوه في قرقور فتوسطوا به البحر فإن رجع عن دينه وإلا فاقذفوه فذهبوا به فقال اللهم أكفنيهم بما شئت فانكفأت فغرقوا وجاء يمشى إلى الملك فقال له الملك ما فعل أصحابك قال كفانيهم الله فقال للملك إنك لست بقاتلي حتى تفعل ما آمرك به قال وما هو قال تجمع الناس في صعيد واحد وتصلبني على جذع ثم خذ سهما من كنانتي ثم ضع السهم في كبد القوس ثم قل باسم الله رب الغلام ثم ارمني فإنك إذا فعلت ذلك قتلتني فجمع الناس في صعيد واحد وصلبه على جذع ثم أخذ سهما من كنانته ثم وضع السهم في كبد القوس ثم قال باسم الله رب الغلام ثم رماه فوقع السهم في صدغه فوضع يده في صدغه في موضع السهم فمات فقال الناس آمنا برب الغلام آمنا برب الغلام آمنا برب الغلام فأتى الملك فقيل له أرأيت ما كنت تحذر قد والله نزل بك حذرك قد آمن الناس فأمر بالأخدود في أفواه السكك فخدّت وأضرم النيران وقال من لم يرجع عن دينه فأحموه فيها أو قيل له اقتحم ففعلوا حتى جاءت امرأة ومعها صبي لها فتقاعست أن تقع فيه فقال لها الغلام يا أمه اصبري فإنك على الحق)(1)[1]).
__________
(1) - صحيح مسلم 17 باب قصة أصحاب الأخدود والساحر والراهب والغلام 3005(1/3)
في رواية الترمذي عن صهيب (فقال الناس لقد علم هذا الغلام علما ما علمه أحد فإنا نؤمن برب هذا الغلام قال فقيل للملك أجزعت أن خالفك ثلاثة فهذا العالم كلهم قد خالفوك قال فخد أخدودا ثم ألقى فيها الحطب والنار ثم جمع الناس فقال من رجع عن دينه تركناه ومن لم يرجع ألقيناه في هذه النار فجعل يلقيهم في تلك الأخدود قال يقول الله تعالى قتل أصحاب الأخدود النار ذات الوقود حتى بلغ العزيز الحميد)(1)[2])
وأدبنا النبي - صلى الله عليه وسلم - بالتخلق بصفة الإحسان ولو أساء الناس ، وهي تربية وتوطين للنفس.
فعن حذيفة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : ( لا تكونوا إمعة تقولون إن أحسن الناس أحسنا وإن ظلموا ظلمنا ولكن وطنوا أنفسكم إن أحسن الناس أن تحسنوا وإن أساءوا فلا تظلموا )(2)[3])
ونخلص من هذا إلى أنه ينبغي على كل منا وأيا كانت طاقته وإمكاناته أن يسهم في دعم جمعيات تحفيظ القرآن الكريم ليتحقق منها الهدف الذي أنشئت من أجله.
دور العلماء في دعم جمعيات تحفيظ القرآن الكريم
وأهم أفراد المجتمع وأعظمهم مسؤولية عن دعم جمعيات تحفيظ القرآن الكريم العلماء ، فهم أعلم الناس به وبفضله وأقدرهم على المساهمة والدعم ، لا يقدِّرُها حق قدرها ولا يقدر عليها إلا أهل العلم.
ويتمثل دعمهم المهم في المشاركة في هذه الجمعيات إدارة وتنفيذا و تخطيطا ، ولعل هذا الملتقى وأمثاله وما يقدم فيه من بحوث نوع من أنواع مساهمة العلماء وطلبة العلم في دعم الجمعية.
كما أن تعليم القرآن وتأليف الكتب والمناهج المتعلقة بالقرآن وعلومه وتدريسها من الأعمال التي يحسنها أهل العلم دون غيرهم.
__________
(1) - الترمذي 3340
(2) - سنن الترمذي باب ما جاء في الإحسان والعفو 2007 عن حذيفة ، قال أبو عيسى هذا حديث حسن غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه(1/4)
قال تعالى : { وإذ أخذ الله ميثاق الذين أوتوا الكتاب لتبيننه للناس ولا تكتمونه فنبذوه وراء ظهورهم واشتروا به ثمنا قليلا فبئس ما يشترون } [ آل عمران 187 ]
قال ابن كثير رحمه الله عند تفسيره لهذه الآية : [هذا توبيخ من الله وتهديد لأهل الكتاب الذين أخذ الله عليهم العهد على ألسنة الأنبياء أن يؤمنوا بمحمد - صلى الله عليه وسلم - وأن ينوهوا بذكره في الناس فيكونوا على أهبة من أمره فإذا أرسله الله تابعوه فكتموا ذلك وتعوضوا عما وعدوا عليه من الخير في الدنيا والآخرة بالدون الطفيف والحظ الدنيوي السخيف فبئست الصفقة صفقتهم وبئست البيعة بيعتهم ، وفي هذا تحذير للعلماء أن يسلكوا مسلكهم فيصيبهم ما أصابهم ويسلك بهم مسلكهم فعلى العلماء أن يبذلوا ما بأيديهم من العلم النافع الدال على العمل الصالح ولا يكتموا منه شيئا فقد ورد في الحديث المروي من طرق متعددة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - : (أنه قال من سئل عن علم فكتمه ألجم يوم القيامة بلجام من نار) ] .
وبين المفسرون ومنهم الإمام القرطبي رحمه الله عند تفسيرهم لهذه الآية أن هذه فيها توبيخ لليهود حيث أمروا بالإيمان بمحمد - صلى الله عليه وسلم - وبيان أمره فكتموا نعته ولم يؤمنوا به فالآية توبيخ لهم.
وهي أيضا خبر عام لهم ولغيرهم كما قال الحسن وقتادة رحمهم الله تعالى : هي في كل من أوتى علم شيء من الكتاب فمن علم شيئا فليعلمه وإياكم وكتمان العلم فإنه هلكة.
وقال محمد بن كعب : لا يحل لعالم أن يسكت على علمه ولا للجاهل أن يسكت على جهله قال الله تعالى { وإذ أخذ الله ميثاق الذين أوتوا الكتاب } الآية وقال : { فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون } .
وقال الصحابي الجليل أبو هريرة - رضي الله عنه -: لولا ما أخذ الله على أهل الكتاب ما حدثتكم بشيء ثم تلا هذه الآية { وإذ أخذ الله ميثاق الذين أوتوا الكتاب } .(1/5)
وقال الحسن بن عمارة : أتيت الزهري بعد ما ترك الحديث فألفيته على بابه فقلت : إن رأيت أن تحدثني فقال : أما علمت أني تركت الحديث فقلت : إما أن تحدثني وإما أن أحدثك قال حدثني قلت : حدثني الحكم ابن عتيبة عن يحيى بن الجزار قال سمعت علي بن أبي طالب يقول : (ما أخذ الله على الجاهلين أن يتعلموا حتى أخذ على العلماء أن يعلموا ) قال : فحدثني أربعين حديثا.
ونجد النبي - صلى الله عليه وسلم - يأتيه الأعرابي من البادية أو غيره من أدنى القرى أو أقصاها فيستضيفه في المدينة ويعلمه ولم يجد بدّاً من القيام بهذا الفرض إلا أن ينشغل بأمر من أمور الأمة يستغرق جهده فيكل التعليم إلى من يحسنه ممن حوله.
ويكفينا في الدلالة على خطورة إعراض أهل العلم عن تعليم غيرهم ما جاء في سورة "عبس"
حيث عاتب الله نبيه - صلى الله عليه وسلم - على تأجيل مصلحة تعليم عبدالله بن أم مكتوم لتحقيق مصلحة محتملة وهي إسلام بعض أشراف قريش وهي ولا شك مصلحة شرعية ومع ذلك جاءه هذا العتاب الشديد والتنبيه الصريح بقوله تعالى : { عبس وتولى - أن جاءه الأعمى - وما يدريك لعله يزكى - أو يذكر فتنفعه الذكرى - أما من استغنى - فأنت له تصدى - وما عليك ألا يزكى - وأما من جاءك يسعى - وهو يخشى - فأنت عنه تلهى - كلا إنها تذكرة } [ عبس 1-11 ]
عتاب شديد ، ومن صور التشديد على هذا المبدأ أن سمّى الله تعالى الانشغال عن تعليم من يحتاج إلى العلم بما هو دونه تلهياً.(1/6)
وذكر غير واحد من المفسرين - ابن كثير وغيره – في هذه الحادثة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يوما يخاطب بعض عظماء قريش وقد طمع في إسلامه فبينما هو يخاطبه ويناجيه إذ أقبل ابن أم مكتوم - رضي الله عنه - وكان ممن أسلم قديما فجعل يسأل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من شيء ويلح عليه وود النبي - صلى الله عليه وسلم - أن لو كف ساعته تلك ليتمكن من مخاطبة ذلك الرجل طمعا ورغبة في هدايته وعبس في وجه ابن أم مكتوم وأعرض عنه وأقبل على الأخر فأنزل الله تعالى : { عبس وتولى - أن جاءه الأعمى - وما يدريك لعله يزكى } أي يحصل له زكاة وطهارة في نفسه : { أو يذكر فتنفعه الذكرى } أو يحصل له اتعاظ وانزجار عن المحارم : { أما من استغنى - فأنت له تصدى } أي أما الغني فأنت تتعرض له لعله يهتدي: { وما عليك ألا يزكى } أي ما أنت بمطالب منه إذا لم يحصل له زكاة : { وأما من جاءك يسعى - وهو يخشى } أي يقصدك ويؤمك ليهتدي بما تقول له : { فأنت عنه تلهى } أي تتشاغل.
ومن هاهنا أمر الله تعالى رسوله - صلى الله عليه وسلم - أن لا يخص بالإنذار أحدا بل يساوي فيه بين الشريف والضعيف والفقير والغني والسادة والضعيف والرجال والنساء والصغار والكبار ثم الله تعالى يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم وله الحكمة البالغة والحجة الدامغة .
وعن أنس رضي الله عنه في قوله تعالى { عبس وتولى } : ( جاء ابن أم مكتوم إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو يكلم أبي بن خلف فأعرض عنه فأنزل الله عز وجل { عبس وتولى أن جاءه الأعمى } فكان النبي - صلى الله عليه وسلم - بعد ذلك يكرمه) قال قتادة وأخبرني أنس بن مالك قال رأيته يوم القادسية وعليه درع ومعه راية سوداء يعني ابن أم مكتوم(1)[4]).
__________
(1) - أخرجه الحافظ أبو يعلى في مسنده 3123 .، الترمذي 3328 ، الموطأ 1/203(1/7)
وروى ابن جرير وابن أبي حاتم أيضا من طريق العوفي عن ابن عباس قوله { عبس وتولى - أن جاءه الأعمى } قال : ( بينا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يناجي عتبة بن ربيعة وأبا جهل بن هشام والعباس بن عبد المطلب وكان يتصدى لهم كثيرا ويحرص عليهم أن يؤمنوا فأقبل إليه رجل أعمى يقال له عبد الله بن أم مكتوم يمشي وهو يناجيهم فجعل عبد الله يستقرئ النبي - صلى الله عليه وسلم - آية من القرآن وقال يا رسول الله علمني مما علمك الله فأعرض عنه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وعبس في وجهه وتولى وكره كلامه وأقبل على الآخرين فلما قضى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نجواه وأخذ ينقلب إلى أهله فأمسك الله بعض بصره وخفق برأسه ثم أنزل الله تعالى { عبس وتولى - أن جاءه الأعمى - وما يدريك لعله يزكى - أو يذكر فتنفعه الذكرى } فلما نزل فيه ما نزل أكرمه رسول الله)(1)[5]).
وقوله تعالى آمرا نبيه - صلى الله عليه وسلم - وأمته تبعا له في ذلك : { يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك وإن لم تفعل فما بلغت رسالته والله يعصمك من الناس إن الله لا يهدي القوم الكافرين } [ المائدة 67 ]
قال ابن كثير رحمه الله عند تفسيره لهذه الآية:[يقول تعالى مخاطبا عبده ورسوله محمدا - صلى الله عليه وسلم - باسم الرسالة وآمرا له بإبلاغ جميع ما أرسله الله به وقد امتثل عليه أفضل الصلاة والسلام ذلك وقام به أتم القيام]
__________
(1) - انظر الروايات في تفسير بن جرير عند تفسيره لهذه الآية ، والدر المنثور للسيوطي.(1/8)
وعن عائشة رضي الله عنها قالت : ( من حدثك أن محمدا كتم شيئا مما أنزل الله عليه فقد كذب وهو ويقول { يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك } الآية )(1)[6])
وفي الصحيحين عنها أيضا أنها قالت : (لو كان محمدا - صلى الله عليه وسلم - كاتما شيئا من القرآن لكتم هذه الآية { وتخفي في نفسك ما الله مبديه وتخشى الناس والله أحق أن تخشاه } )
وأخرج ابن أبي حاتم بسنده عن هارون بن عنترة عن أبيه قال كنت عند ابن عباس - رضي الله عنهم - فجاء رجل فقال له إن ناسا يأتونا فيخبرونا أن عندكم شيئا لم يبده رسول الله - صلى الله عليه وسلم - للناس! فقال ابن عباس ألم تعلم أن الله تعالى قال { يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك } والله ماورّثَنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سوداء في بيضاء) وإسنادهـ جيد .
وقال البخاري رضي الله عنه قال الزهري منا الرسالة وعلى الرسول البلاغ وعلينا التسليم(2)[7]).
__________
(1) - البخاري 4612 هكذا رواه هاهنا مختصرا وقد أخرجه في مواضع من صحيحه مطولا ، وكذا رواه مسلم في كتاب الإيمان 177 ، والترمذي 3068 ، والنسائي في الكبرى 11532 في كتاب التفسير من سننهما من طرق عن عامر الشعبي عن مسروق بن الأجدع عنها رضي الله عنها.
(2) - صحيح البخاري كتاب التفسير باب قول الله تعالى: { يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك وإن لم تفعل فما بلغت رسالته } وقال الزهري من الله الرسالة وعلى رسول الله صلى الله عليه وسلم البلاغ وعلينا التسليم.(1/9)
وقد شهدت له أمته بإبلاغ الرسالة وأداء الأمانة واستنطقهم بذلك في أعظم المحافل في خطبته يوم حجة الوداع وقد كان هناك من أصحابه نحو من أربعين ألفا- رضي الله عنهم - وختمها بأن ( رفع أصبعه إلى السماء فقال اللهم هل بلغت مرارا ثم قال ألا فليبلغ الشاهد الغائب لا ترجعوا بعدي كفارا يضرب بعضكم)(1)[8])
وقصة الأشعريين قوم أبي موسى الأشعري - رضي الله عنهم -كافية لكي يستشعر طلبة العلم واجبهن تجاه نشر العلم والصبر عليه وأنه ليس لهم مناص وأقصى مهلة ليعلم كل منا من حوله عام ، بل ربما أقل لتوفر وسائل التعليم وتطورها ووسائل الاتصال والمواصلات .
دور التجار وأصحاب الأموال
ودور من أنعم الله عليهم ببسطة الرزق واستخلافهم في الأموال أيضا له أثره وأهميته ، وعليهم مسؤولية دعم الجمعيات ماديا ، إذ لا يتصور في هذا العصر عصر المؤسسات والجمعيات أن ينجح العمل الفردي المشتت ، والعمل المؤسسي يحتاج إلى الدعم المادي ليحصل له الاستقرار والاستمرار.
وجمعيات التحفيظ تتحمل أعباء مادية جمة من أهمها رواتب مدرسي الحلقات ، وتكاليف تجهيز أو مقرات لدور التحفيظ ، بالإضافة إلى تكاليف التسيير والنقل وغيرها.
كما أن طريقة إيصال التبرعات المالية تيسرت في هذا العصر بشكل يجعل المتبرع يحس بالأمان أن تبرعه وصل للجمعية وتحت إشراف إدارتها ومكاتب الإشراف المحاسبي وتدخل ضمن ميزانية الجمعية.
حيث إن الجمعيات تتمتع بالشخصية الاعتبارية المستقلة ولها مجالس إدارة بالإضافة إلى إشراف الأجهزة الحكومية المختصة التي تتولى دعم ومتابعة سير هذه الجمعيات وتحقيقها لأهدافها.
__________
(1) - كما ثبت في صحيح مسلم1218 عن جابر بن عبد الله- رضي الله عنه - ، وعند الإمام أحمد 1/230 عن عكرمة عن ابن عباس وغيرهم من الصحابة - رضي الله عنهم -(1/10)
ولعل التبرعات التي تصل من المتبرعين ذوي الدخل المحدود من خلال الاستقطاع الشهري لا تقل أهمية عن التبرعات السخية من التجار بل ربما فاقتها في بعض الأحيان.
إلا انه تبقى مسؤولية التجار خاصة عن المشاريع والبرامج الكبرى للجمعيات قائمة وهم السند بعد الله لهذه الجمعيات.
فشراء مقرات دور التحفيظ وخاصة النسائية وكذا المسابقات سواء المحلية أو الدولية أو الخاصة بالمدينة أو الحي تحتاج إلى دعم التجار.
كما أن تكاليف التسيير الرئيسية كالرواتب أيضا تحتاج إلى التاجر الذي يتعهد بعدد من الموظفين والمعلمين لتتمكن الجمعية من وضع الخطط والبرامج وهي مطمئنة إلى أن لديها ما يغطي التكاليف المتوقعة.
دور الآباء والأسر وبقية أفراد المجتمع
وختاما فإن جميع أفراد المجتمع بشتى مواقعهم وإمكانياتهم عليهم أيضا المسؤولية كل بحسبة عن نجاح جمعيات التحفيظ ( إمام ومؤذن المسجد – أهل الحي – المدرسين في المدرسة – أفراد وسائل الإعلام – الجامعات ومنسوبيها - ......)
فكل منهم بإمكانه من خلال الكلمة أو الرأي والفكرة أو التشجيع والتسديد أن يدفعوا مسيرة الجمعيات إلى المراتب العليا من النجاح وتحقيق الرسالة والوصول للأهداف.
بل إن الأسرة التي تشجع أبناءها على الالتحاق بحلق القرآن وتتعاون مع القائمين عليها في متابعة سلوك وحفظ أبنائها من أهم أسباب نجاح حلقات ودور القرآن في إكساب أبنائهم كثيرا من المهارات والآداب بالإضافة إلى مستوى جيد في حفظ القرآن وفهمه.
ولذا ندعوا جميع المتسابقين للدائرين الآخرة إلى المسارعة في إنجاح سفينة القرآن الكريم المتمثلة في هذه الجمعيات المباركة و ليدخلوا في الخيرية (خيركم من تعلم القرآن وعلمه).
روى أبو داود عن عبدالله بن عمرو - رضي الله عنهم -قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (يقال لصاحب القرآن اقرأ وارتق ورتل كما كنت ترتل في الدنيا فإن منزلتك ثم آخر آية تقرؤها)(1/11)
وأخرجه ابن ماجه عن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : (يقال لصاحب القرآن إذا دخل الجنة اقرأ واصعد فيقرأ ويصعد بكل آية درجة حتى يقرأ آخر شيء معه)
وفق الله الجميع لما يحبه ويرضاه ، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أعدّ هذا البحث المتواضع د.عبدالمحسن بن عبدالله الزكري
القاضي بديوان المظالم
المشرف على إدارة الدعوة بالندوة العالمية للشباب الإسلامي
المشرف على فرع جمعية البر بحي الروضة وعضو الجمعية العمومية
عضو المركز الخيري لتعليم القرآن الكريم بالرياض
1- مقدمة البحث.
2- تمهيد يتضمن فضل القرآن وتعلمه وتعليمه.
3- وجوب تعلم القرآن وتعليمه وأنه من فروض الكفايات على الأمة.
4- ضرورة الجمعيات والمؤسسات التي ترعى تعليم القرآن ونشره
5- أهمية القرآن في المحافظة على هوية الأمة وأبنائنا وخاصة في هذه الفترة.
6- أهمية القرآن في المحافظة على السلوك والتوجه العام للمجتمع.
7- دور الأفراد ومسؤوليتهم في النهوض بهذا الفرض.
8- دور العلماء .
9- دور التجار وأصحاب الأموال.
10- دور الآباء والأسر .
11- دور أفراد المجتمع (إمام ومؤذن المسجد – أهل الحي – المدرسين في المدرسة – أفراد وسائل الإعلام – الجامعات ومنسوبيها - ......)
سنن الدارمي ج: 1 ص: 82(1/12)
212 بسنده عن قيس بن أبي حازم قال : دخل أبو بكر على امرأة من أحمس يقال لها زينب قال فراها لا تتكلم فقال مالها لا تتكلم قالوا نوت حجة مصمتة فقال لها تكلمي فإن هذا لا يحل هذا من عمل الجاهلية قال فتكلمت فقالت من أنت قال أنا امرؤ من المهاجرين قالت من أي المهاجرين قال من قريش قالت فمن أي قريش أنت قال انك لسؤول أنا أبو بكر قالت ما بقاؤنا على هذا الأمر الصالح الذي جاء الله به بعد الجاهلية فقال بقاؤكم عليه ما استقامت بكم أئمتكم قالت وأيما الأئمة قال أما كان لقومك رؤساء وأشراف يأمرونهم فيطيعونهم قالت بلى فهم مثل أولئك على الناس.
تفسير القرطبي ج: 1 ص: 5(1/13)
عن علي رضي الله عنه وخرجه الترمذي(1)[9]) قال سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم -يقول ستكون فتن كقطع الليل المظلم قلت يا رسول الله وما المخرج منها قال كتاب الله تبارك وتعالى فيه نبأ من قبلكم وخبر ما بعدكم وحكم ما بينكم هو الفصل ليس بالهزل من تركه من جبار قصمه الله ومن ابتغى الهدى في غيره أضله الله هو حبل الله المتين ونوره المبين والذكر الحكيم وهو الصراط المستقيم وهو الذي لا تزيغ به الأهواء ولا تلتبس به الألسنة ولا تتشعب معه الآراء ولا يشبع منه العلماء ولا يمله الأتقياء ولا يخلق على كثرة الرد ولا تنقضي عجائبه وهو الذي لم تنته الجن إذ سمعته أن قالوا إنا سمعنا قرآنا عجبا من علم علمه سبق ومن قال به صدق ومن حكم به عدل ومن عمل به أجر ومن
__________
(1) -سنن الترمذي ج: 5 ص: 172 كتاب فضائل القرآن باب ما جاء في فضل القرآن 2911 عن الحارث الأعور قال : مررت في المسجد فإذا الناس يخوضون في الأحاديث فدخلت على علي فقلت يا أمير المؤمنين ألا ترى أن الناس قد خاضوا في الأحاديث قال وقد فعلوها قلت نعم قال أما إني قد سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم -يقول ألا إنها ستكون فتنة فقلت ما المخرج منها يا رسول الله قال كتاب الله فيه نبأ ما كان قبلكم وخبر ما بعدكم وحكم ما بينكم وهو الفصل ليس بالهزل من تركه من جبار قصمه الله ومن ابتغى الهدى في غيره أضله الله وهو حبل الله المتين وهو الذكر الحكيم وهو الصراط المستقيم هو الذي لا تزيغ به الأهواء ولا تلتبس به الألسنة ولا يشبع منه العلماء ولا يخلق على كثرة الرد ولا تنقضي عجائبه هو الذي لم تنته الجن إذ سمعته حتى قالوا إنا سمعنا قرآنا عجبا يهدي إلى الرشد من قال به صدق ومن عمل به أجر ومن حكم به عدل ومن دعا إليه هدى إلى صراط مستقيم خذها إليك يا أعور قال أبو عيسى هذا حديث لا نعرفه إلا من هذا الوجه وإسناده مجهول وفي الحارث مقال ، وسنن الدارمي برقم 3331 بنفس سند الترمذي.(1/14)
دعا إليه هدى إلى صراط مستقيم خذها إليك يا أعور الحارث رماه الشعبي بالكذب وليس بشيء ولم يبن من الحارث كذب وإنما نقم عليه إفراطه في حب علي وتفضيله له على غيره ومن ها هنا والله أعلم كذبه الشعبي لأن الشعبي يذهب إلى تفضيل أبي بكر وإلى أنه أول من أسلم قال أبو عمر بن عبد البر وأظن الشعبي عوقب لقوله في الحارث الهمداني حدثني الحارث وكان أحد الكذابين وأسند أبو بكر محمد بن القاسم بن بشار بن محمد الدفع النحوي اللغوي في كتاب الرد على من خالف مصحف عثمان عن عبدالله بن مسعود قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -إن هذا القرآن مأدبة الله فتعلموا من مأدبته ما استطعتم إن هذا حبل الله وهو النور المبين والشفاء النافع عصمة من تمسك به ونجاة من اتبعه لا يعوج فيقوم ولا يزيغ فيستعتب ولا تنقضي عجائبه ولا يخلق عن كثرة الرد فاتلوه فإن الله يأجركم على تلاوته بكل حرف عشرة حسنات أما إني لا أقول آلم حرف ولا ألفين أحدكم واضعا إحدى رجليه يدع أن يقرأ سورة البقرة فإن الشيطان يفر من البيت الذي تقرأ فيه سورة البقرة وإن أصفر البيوت من الخير البيت الصفر من كتاب الله وقال أبو عبيدة في غريبه عن عبدالله قال إن هذا القرآن مأدبة الله فمن دخل فيه فهو آمن قال وتأويل الحديث أنه مثل شبه القرآن بصنيع صنعه الله عز وجل للناس لهم فيه خير ومنافع ثم دعاهم إليه يقال مأدبة ومأدبة فمن قال مأدبة أراد الصنيع يصنعه الإنسان فيدعو إليه الناس ومن قال مأدبة فإنه يذهب به إلى الأدب يجعله مفعلة من الأدب ويحتج بحديث الآخر إن هذا القرآن مأدبة الله عز وجل فتعلموا من مأدبته وكان الأحمر يجعلهما لغتين بمعنى واحد ولم أسمع أحد يقول هذا غيره قال والتفسير الأول أعجب إلي وروى البخاري عن عثمان بن عفان عن النبي - صلى الله عليه وسلم -قال خيركم من تعلم القرآن وعلمه وروى مسلم عن أبي موسى قال:قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -مثل المؤمن الذي يقرأ(1/15)
القرآن مثل الأترجة ريحها طيب وطعمها طيب ومثل المؤمن الذي لا يقرأ القرآن مثل التمرة لا ريح لها وطعمها حلو ومثل المنافق الذي يقرأ القرآن مثل الريحانة ريحها طيب وطعمها مر ومثل المنافق الذي لا يقرأ القرآن كمثل الحنظلة لا ريح لها وطعمها مر وفي رواية مثل الفاجر بدل المنافق وقال البخاري مثل المؤمن الذي يقرأ القرآن كمثل الأترجة طعمها طيب وريحها طيب ومثل المؤمن الذي لا يقرأ القرآن كمثل التمرة وذكر الحديث
وذكر أبو بكر الدفع وقد أخبرنا أحمد بن يحيى الحلواني حدثنا يحيى بن عبد الحميد حدثنا هشيم ح وأنبأنا إدريس حدثنا خلف حدثنا هشيم عن العوام بن حوشب أن أبا عبدالرحمن السلمى كان إذا ختم عليه الخاتم القرآن أجلسه بين يديه ووضع يده على رأسه وقال له ياهذا اتق الله فما أعرف أحدا خيرا منك إن عملت بالذي عملت وروى الدارمي عن وهب الذماري قال من آتاه الله القرآن فقام به آناه الليل وآناء النهار وعمل بما فيه ومات على الطاعة بعثه الله يوم القيامة مع السفرة والأحكام قال سعيد السفرة الملائكة والأحكام الأنبياء وروى مسلم عن عائشة قالت قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -الماهر بالقرآن مع السفرة الكرام البررة والذي يقرأ القرآن ويتتعتع فيه وهو عليه شاق له أجران التتعتع التردد في الكلام عيا وصعوبة وإنما كان له أجران من حيث التلاوة ومن حيث المشقة ودرجات الماهر فوق ذلك كله لأنه قد كان القرآن متعتعا عليه ثم ترقى عن ذلك إلى أن شبه بالملائكة والله أعلم وروى الترمذي عن عبدالله بن مسعود قال قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -من قرأ حرفا من كتاب الله فله به حسنة والحسنة بعشر أمثالها لا أقول الم حرف ولكن ألف حرف ولام حرف وميم حرف قال حديث حسن صحيح غريب من هذا الوجه وقد روي موقوفا وروى مسلم عن عقبة بن عامر قال خرج علينا رسول الله - صلى الله عليه وسلم -ونحن في الصفة فقال أيكم يحب أن يغدو كل يوم إلى بطحان أو إلى العقيق(1/16)
فيأتي منه بناقتين كوماوين إثم ولا قطع رحم فقلنا يا رسول الله كلنا نحب ذلك قال أفلا يغدو أحدكم إلى المسجد فيعلم أو يقرأ آيتين من كتاب الله عز وجل خير من ناقتين وثلاث خير له من ثلاث وأربع خير له من أربع ومن أعدادهن من الإبل وعن أبي هريرة قال قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -من نفس عن مسلم كربة من كرب الدنيا نفس الله عنه كربة من كرب يوم القيامة ومن يسر على معسر يسر الله عليه في الدنيا والآخرة ومن ستر مسلما ستره الله في الدنيا والآخرة والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه ومن سلك طريقا يلتمس فيه علما سهل الله له طريقا إلى الجنة وما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم إلا نزلت عليهم السكينة وغشيتهم الرحمة وحفتهم الملائكة وذكرهم الله فيمن عنده ومن أبطأ به عمله لم يسرع به نسبه وروى أبو داود والنسائي والدارمي والترمذي عن عقبة بن عامر قال سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم -يقول الجاهر بالقرآن كالجاهر بالصدقة والمسر بالقرآن كالمسر بالصدقة قال الترمذي حديث حسن غريب وروى الترمذي عن أبي هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم -قال يجيء القرآن يوم القيامة فيقول يا رب حلة فيلبس تاج الكرامة ثم يقول يا رب زده فيلبس حلة الكرامة ثم يقول يا رب ارض عنه فيرضى عنه فيقال له اقرأ وارق ويزاد بكل آية حسنة قال حديث صحيح وروى أبو داود عن عبدالله بن عمرو قال قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -يقال لصاحب القرآن اقرأ وارتق ورتل كما كنت ترتل في الدنيا فإن منزلتك ثم آخر آية تقرؤها وأخرجه ابن ماجه في سننه عن أبي سعيد الخدري قال قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -يقال لصاحب القرآن إذا دخل الجنة اقرأ واصعد فيقرأ ويصعد بكل آية درجة حتى يقرأ آخر شيء معه وأسند أبو بكر الدفع عن أبي أمامة الحمصي قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -من أعطي ثلث القرآن فقد أعطي ثلث النبوة ومن أعطي(1/17)
ثلثي القرآن فقد أعطي ثلثي النبوة ومن قرأ القرآن كله فقد أعطي النبوة أنه لا يوحى إليه ويقال له يوم القيامة اقرأ وارق فيقرأ آية ويصعد درجة حتى ينجز ما معه من القرآن ثم يقال له اقبض فيقبض ثم يقال له أتدري ما في يديك فإذا في يده اليمنى الخلد وفي اليسرى النعيم حدثنا إدريس بن خلف حدثنا إسماعيل بن عياش عن تمام عن الحسن قال قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -من أخذ ثلث القرآن وعمل به فقد أخذ أمر ثلث النبوة ومن أخذ نصف القرآن وعمل به فقد أخذ أمر نصف النبوة ومن أخذ القرآن كله فقد أخذ النبوة كلها قال وحدثنا محمد بن يحيى المروزي أنبأنا محمد وهو ابن سعدان حدثنا الحسين بن محمد عن حفص عن كثير بن زاذان عن عاصم بن ضمرة عن علي رضي الله عنه قال قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -من قرأ القرآن وتلاه وحفظه أدخله الله الجنة وشفعه في عشرة من أهل بيته كل قد وجبت له النار وقالت أم الدرداء دخلت على عائشة رضي الله عنها فقلت لها ما فضل من قرأ القرآن على من لم يقرأه ممن دخل الجنة فقالت عائشة رضي الله عنها إن عدد آي القرآن على عدد درج الجنة فليس أحد دخل الجنة أفضل ممن قرأ القرآن ذكره أبو محمد مكي وقال ابن عباس من قرأ القرآن واتبع ما فيه هداه الله من الضلالة ووقاه يوم القيامة سوء الحساب وذلك بأن الله تبارك وتعالى يقول فمن اتبع هداي فلا يضل ولا يشقى قال ابن عباس فضمن الله لمن اتبع القرآن ألا يضل في الدنيا ولا يشقى في الآخرة ذكره مكي أيضا وقال الليث يقال ما الرحمة إلى أحد بأسرع منها إلى مستمع القرآن لقول الله جل ذكره { وإذا قريء القرآن فاستمعوا له وأنصتوا لعلكم ترحمون } و لعل من الله واجبة وفي مسند أبي داود الطيالسي وهو أول مسند ألف في الإسلام عن عبدالله بن عمرو عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال من قام بعشر آيات لم يكتب من الغافلين ومن قام بمائة آية كتب من القانتين ومن قام بألف آية كتب من(1/18)
المقنطرين والآثار في معنى هذا الباب كثيرة وفيما ذكرنا كفاية والله الموفق للهداية
{ يا أيها الذين آمنوا لا تحلوا شعائر الله ولا الشهر الحرام ولا الهدي ولا القلائد ولا آمين البيت الحرام يبتغون فضلا من ربهم ورضوانا وإذا حللتم فاصطادوا ولا يجرمنكم شنآن قوم أن صدوكم عن المسجد الحرام أن تعتدوا وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان واتقوا الله إن الله شديد العقاب } [ المائدة 2 ]
{ وما كان المؤمنون لينفروا كافة فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة ليتفقهوا في الدين ولينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم لعلهم يحذرون } [ التوبة 122 ]
{ الله نور السماوات والأرض مثل نوره كمشكاة فيها مصباح المصباح في زجاجة الزجاجة كأنها كوكب دري يوقد من شجرة مباركة زيتونة لا شرقية ولا غربية يكاد زيتها يضيء ولو لم تمسسه نار نور على نور يهدي الله لنوره من يشاء ويضرب الله الأمثال للناس والله بكل شيء عليم - في بيوت أذن الله أن ترفع ويذكر فيها اسمه يسبح له فيها بالغدو والآصال [ النور35- 36 ]
{ فإذا قرأت القرآن فاستعذ بالله من الشيطان الرجيم } [ النحل 98 ]
{ وإذا قرأت القرآن جعلنا بينك وبين الذين لا يؤمنون بالآخرة حجابا مستورا - وجعلنا على قلوبهم أكنة أن يفقهوه وفي آذانهم وقرا وإذا ذكرت ربك في القرآن وحده ولوا على أدبارهم نفورا - نحن أعلم بما يستمعون به إذ يستمعون إليك وإذ هم نجوى إذ يقول الظالمون إن تتبعون إلا رجلا مسحورا [ الإسراء 45- 47 ]
{ ولقد صرفنا في هذا القرآن ليذكروا وما يزيدهم إلا نفورا } [ الإسراء 41 ]
{ ولقد صرفنا للناس في هذا القرآن من كل مثل فأبى أكثر الناس إلا كفورا } [ الإسراء 89 ]
{ ولقد صرفنا في هذا القرآن للناس من كل مثل وكان الإنسان أكثر شيء جدلا } [ الكهف 54 ]
{ وإذ صرفنا إليك نفرا من الجن يستمعون القرآن فلما حضروه قالوا أنصتوا فلما قضي ولوا إلى قومهم منذرين } [ الأحقاف 29 ](1/19)
{ قل أوحي إلي أنه استمع نفر من الجن فقالوا إنا سمعنا قرآنا عجبا } [ الجن 1 ]
{ إنا أنزلناه قرآنا عربيا لعلكم تعقلون } [ يوسف 2 ]
{ ولو أن قرآنا سيرت به الجبال أو قطعت به الأرض أو كلم به الموتى بل لله الأمر جميعا أفلم ييأس الذين آمنوا أن لو يشاء الله لهدى الناس جميعا ولا يزال الذين كفروا تصيبهم بما صنعوا قارعة أو تحل قريبا من دارهم حتى يأتي وعد الله إن الله لا يخلف الميعاد } [ الرعد 31 ]
{ وكذلك أنزلناه قرآنا عربيا وصرفنا فيه من الوعيد لعلهم يتقون أو يحدث لهم ذكرا } [ طه 113 ]
{ ولقد ضربنا للناس في هذا القرآن من كل مثل لعلهم يتذكرون - قرآنا عربيا غير ذي عوج لعلهم يتقون } [ الزمر27- 28 ]
{ كتاب فصلت آياته قرآنا عربيا لقوم يعلمون } [ فصلت 3 ]
{ وكذلك أوحينا إليك قرآنا عربيا لتنذر أم القرى ومن حولها وتنذر يوم الجمع لا ريب فيه فريق في الجنة وفريق في السعير } [ الشورى 7 ]
{ إنا جعلناه قرآنا عربيا لعلكم تعقلون } [ الزخرف 3 ]
{ ولقد ضربنا للناس في هذا القرآن من كل مثل ولئن جئتهم بآية ليقولن الذين كفروا إن أنتم إلا مبطلون } [ الروم 58 ]
المستدرك على الصحيحين ج: 1 ص: 218(1/20)
443 ومنها ما حدثنا أبو العباس محمد بن يعقوب ثنا محمد بن إسحاق الصغاني ثنا أبو اليمان الحكم بن نافع البهراني ثنا صفوان بن عمرو عن الأزهر بن عبد الله عن أبي عامر عبد الله بن يحيى قال ثم حججنا مع معاوية بن أبي سفيان فلما قدمنا مكة أخبر بقاص يقص على أهل مكة مولى لبني فروخ فأرسل إليه معاوية فقال أمرت بهذه القصص قال لا قال فما حملك على أن تقص بغير إذن قال ننشيء علما علمناه الله عز وجل فقال معاوية لو كنت تقدمت إليك لقطعت منك طائفة ثم قام حين صلى الظهر بمكة فقال قال النبي - صلى الله عليه وسلم - إن أهل الكتاب تفرقوا في دينهم على اثنتين وسبعين ملة وتفترق هذه الأمة على ثلاث وسبعين كلها في النار إلا واحدة وهي الجماعة ويخرج من أمتي أقوام تتجارى بهم تلك الأهواء كما يتجارى الكلب بصاحبه فلا يبقى منه عرق ولا مفصل إلا دخله والله يا معشر العرب لين لم تقوموا بما جاء به محمد - صلى الله عليه وسلم - لغير ذلك أحرى أن لا تقوموا به هذه أسانيد تقام بها الحجة في تصحيح هذا الحديث وقد روي هذا الحديث عن عبد الله بن عمرو بن العاص وعمرو بن عوف المزني بإسنادين تفرد بأحدهما عبد الرحمن بن زياد الأفريقي والآخر كثير بن عبد الله المزني ولا تقوم بهما الحجة أما حديث عبد الله بن عمرو 444 فأخبرناه علي بن عبد الله الحكيمي ببغداد ثنا العباس بن محمد الدوري ثنا ثابت بن محمد العابد ثنا سفيان عن عبد الرحمن بن زياد عن عبد الله بن يزيد عن عبد الله بن عمرو قال قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -ثم ليأتين على أمتي ما أتى على بني إسرائيل مثلا بمثل حذو النعل بالنعل حتى لو كان فيهم من نكح أمه علانية كان في أمتي مثله إن بني إسرائيل افترقوا على إحدى وسبعين ملة وتفترق أمتي على ثلاث وسبعين ملة كلها في النار إلا ملة واحدة فقيل له ما الواحدة قال ما أنا عليه اليوم وأصحابي وأما حديث عمرو بن عوف المزني 445 فأخبرناه علي بن حمشاذ العدل(1/21)
ثنا إسماعيل بن إسحاق القاضي والعباس بن الفضل الأسفاطي قالا ثنا إسماعيل بن أبي أويس حدثني كثير بن عبد الله بن عمرو بن عوف بن زيد عن أبيه عن جده قال ثم كنا قعودا حول رسول الله - صلى الله عليه وسلم -في مسجده فقال لتسلكن سنن من قبلكم حذو النعل بالنعل ولتأخذن مثل أخذهم أن شبرا فشبر وإن ذراعا فذراع وإن باعا فباع حتى لو دخلوا جحر ضب دخلتم فيه إلا أن بني إسرائيل افترقت على موسى على إحدى وسبعين فرقة كلها ضالة إلا فرقة واحدة الإسلام وجماعتهم وأنها افترقت على عيسى بن مريم على إحدى وسبعين فرقة كلها ضالة إلا فرقة واحدة الإسلام وجماعتهم ثم أنهم يكونون على اثنتين وسبعين فرقة كلها ضالة إلا فرقة واحدة الإسلام وجماعتهم آخر كتاب العلم
صحيح ابن حبان ج: 3 ص: 30(1/22)
ذكر استماع الله إلى المتحزن بصوته بالقرآن 752 أخبرنا أحمد بن علي بن المثنى حدثنا إبراهيم بن الحجاج السامي حدثنا حماد بن سلمة حدثنا محمد بن عمرو حدثنا أبو سلمة حدثنا أبو هريرة قال قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثم ما أذن الله لشيء كأذنه للذي يتغنى بالقرآن يجهر به قال أبو حاتم قوله ما أذن الله يريد ما استمع الله لشيء كأذنه كاستماعه للذي يتغنى بالقرآن يجهر به يريد يتحزن بالقراءة على حسب ما وصفنا نعته ذكر الخبر الدال على صحة ما تأولنا خبري أبي هريرة اللذين ذكرناهما 753 أخبرنا عبد الله بن محمد الأزدي حدثنا إسحاق بن إبراهيم أخبرنا يزيد بن هارون أخبرنا حماد بن سلمة عن ثابت البناني عن مطرف بن عبد الله بن الشخير عن أبيه قال ثم رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم -يصلي وفي صدره أزيز كأزيز المرجل من البكاء قال أبو حاتم رضي الله عنه في هذا الخبر بيان واضح أن التحزن الذي أذن الله جل وعلا فيه بالقرآن واستمع إليه هو التحزن بالصوت مع بدايته ونهايته لأن بداءته هو العزم الصحيح على الانقلاع عن المزجورات ونهايته وفور التشمير في أنواع العبادات فإذا اشتمل التحزن على البداية التي وصفتها والنهاية التي ذكرتها صار المتحزن بالقرآن كأنه قذف بنفسه في مقلاع القربة إلى مولاه ولم يتعلق بشيء دونه
صحيح ابن حبان ج: 3 ص: 35
ذكر الزجر عن أن يختم القرآن في أقل من ثلاثة أيام إذ استعمال ذلك يكون أقرب إلى التدبر والتفهم 758 أخبرنا أبو يعلى قال حدثنا محمد بن المنهال الضرير قال حدثنا يزيد بن زريع قال حدثنا سعيد عن قتادة عن أبي العلاء يزيد بن عبد الله عن عبد الله بن عمرو قال قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -ثم لا يفقه من قرأ القرآن في أقل من ثلاث
صحيح ابن حبان ج: 3 ص: 36(1/23)
759 أخبرنا أحمد بن علي بن المثنى قال حدثنا خلف بن هشام البزار قال حدثنا حماد بن زيد عن أبي عمران الجوني عن جندب بن عبد الله رفعه إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - قال ثم اقرؤوا القرآن ما ائتلفت عليه قلوبكم فإذا اختلفتم فيه فقوموا عنه ذكر الأمر للمرء إذا قرأ القرآن أن يريد بقراءته الله والدار الآخرة دون تعجيل الثواب في الدنيا 760 أخبرنا عبد الله بن محمد بن سلم قال حدثنا حرملة بن يحيى قال حدثنا بن وهب قال أخبرني عمرو بن الحارث وذكر بن سلم آخر معه عن بكر بن سوادة عن وفاء بن شريح الصدفي عن سهل بن سعد الساعدي قال ثم خرج علينا رسول الله - صلى الله عليه وسلم -يوما ونحن نقترىء فقال الحمد لله كتاب الله واحد وفيكم الأحمر وفيكم الأسود اقرؤوه قبل أن يقرأه أقوام يقومونه كما يقوم ألسنتهم يتعجل أحدهم أجره ولا يتأجله
سنن الدارمي ج: 1 ص: 118(1/24)
381 أخبرنا محمد بن أحمد ثنا سفيان عن داود بن شابور سمع شهر بن حوشب يقول قال لقمان لابنه ثم يا بني لا تعلم العلم لتباهي به العلماء أو تماري به السفهاء أو ترائي به في المجلس ولا تترك العلم زهادة فيه ورغبة في الجهالة وإذا رأيت قوما يذكرون الله فاجلس معهم ان تكن عالما ينفعك علمك وان تكن جاهلا علموك ولعل الله ان يطلع عليهم برحمته فيصيبك بها معهم وإذا رأيت قوما لا يذكرون الله فلا تجلس معهم ان تكن عالما لم ينفعك علمك وان تكن جاهلا زادوك غيا أو عيا ولعل الله ان يطلع عليهم بسخط فيصيبك به معهم 382 أخبرنا الحسن بن بشر قال حدثني أبي عن سفيان عن ثوير عن يحيى بن جعدة عن علي قال ثم يا حملة العلم اعملوا به فإنما العالم من عمل بما علم ووافق علمه عمله وسيكون أقوام يحملون العلم لا يجاوز تراقيهم يخالف عملهم علمهم وتخالف سريرتهم علانيتهم يجلسون حلقا فيباهي بعضهم بعضا حتى ان الرجل ليغضب على جليسه ان يجلس إلى غيره ويدعه أولئك لا تصعد أعمالهم في مجالسهم تلك إلى الله 383 أخبرنا أحمد بن عبد الله بن يونس ثنا زائدة عن الأعمش عن مسلم عن مسروق قال ثم كفى بالمرء علما ان يخشى الله وكفى بالمرء جهلا ان يعجب بعمله 384 أخبرنا الحكم بن المبارك انا يحيى بن سعيد عن عبد الله بن جبير عن معاوية بن قرة قال ثم لو ان أدنى هذه الأمة علما أخذت أمة من الأمم بعلمه لرشدت تلك الأمة 385 أخبرنا أحمد بن عبد الله ثنا زائدة عن هشام عن الحسن قال ثم إذا كان الرجل ليصيب الباب من العلم فيعمل به فيكون خيرا له من الدنيا وما فيها لو كانت له فجعلها في الآخرة قال قال الحسن كان الرجل إذا طلب العلم لم يلبث ان يرى ذلك في بصره وتخشعه ولسانه ويده وصلاته وزهده قال وقال محمد انظروا عمن تأخذون هذا الحديث فإنما هو دينكم
سنن الدارمي ج: 2 ص: 531(1/25)
3346 أخبرنا محمد بن المبارك ثنا صدقة بن خالد عن بن جابر ثنا شيخ الغرماء أبا عمرو عن معاذ بن جبل قال ثم سيبلى القرآن في صدور أقوام كما يبلى الثوب فيتهافت يقرؤونه لا يجدون له شهوة ولا لذة يلبسون جلود الضأن على قلوب الذئاب أعمالهم طمع لا يخالطه خوف إن قصروا قالوا سنبلغ وإن أساؤوا قالوا سيغفر لنا إنا لا نشرك بالله شيئا 3347 حدثنا عبيد الله بن عبد المجيد عن شعبة عن منصور قال سمعت أبا وائل عن عبد الله عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال ثم بئسما لأحدكم ان يقول نسيت آية كيت وكيت بل هو نسي واستذكروا القرآن فإنه أسرع تفصيا من صدور الرجال من النعم من عقلها 3348 حدثنا وهب بن جرير ثنا موسى يعني بن علي قال سمعت أبي قال سمعت عقبة بن عامر يقول ثم تعلموا كتاب الله وتعاهدوه وتغنوا به واقتنوه فوالذي نفسي بيده أو فوالذي نفس محمد بيده فهو أشد تفلتا من المخاض في العقل 3349 حدثنا عبد الله بن صالح قال حدثني موسى عن أبيه عن عقبة بن عامر عن أبيه ان رسول الله - صلى الله عليه وسلم -قال ثم تعلموا كتاب الله وتعاهدوا واقتنوه وتغنوا به فوالذي نفسي بيده لهو أشد تفلتا من المخاض في العقل
تفسير القرطبي ج: 1 ص: 1(1/26)
أرسله بكتابه المبين الفارق بين الشك واليقين الذي أعجزت الفصحاء معارضته وأعيت الألباء مناقضته وأخرست البلغاء مشاكلته فلا يأتون بمثله ولو كان بعضهم لبعض ظهيرا جعل أمثاله عبرا لمن تدبرها وأوامره هدى لمن استبصرها وشرح فيه واجبات الأحكام وفرق فيه بين الحلال والحرام وكرر فيه المواعظ والقصص للافهام وضرب فيه الأمثال وقص فيه غيب الأخبار فقال تعالى ما فرطنا في الكتاب من شيء خاطب به أولياءه ففهموا وبين لهم فيه مراده فعلموا فقرءة القرآن حملة سر الله المكنون وحفظة علمه المخزون وخلفاء أنبيائه وأمناؤه وهم أهله وخاصته وخيرته وأصفياؤه قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -إن لله أهلين منا قالوا يا رسول الله من هم قال هم أهل القرآن أهل الله وخاصته أخرجه ابن ماجه في سننه وأبو بكر البزار في مسنده فما أحق من علم كتاب الله أن يزدجر بنواهيه ويتذكر ما شرح له فيه ويخشى الله ويتقيه ويراقبه ويستحييه فإنه قد حمل أعباء الرسل وصار كلاهما في القيامة على من خالف من أهل الملل قال الله تعالى وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس ألا وأن الحجة على من علمه فأغفله أو كد منها على من قصر عنه وجهله ومن أوتى علم القرآن فلم ينتفع وزجرته نواهيه فلم يرتدع وارتكب من المآثم قبيحا ومن الجرائم فضوحا كان القرآن حجة عليه وخصما لديه قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -القرآن حجة لك أو عليك خرجه مسلم فالواجب على من خصه الله بحفظ كتابه أن يتلوه حق تلاوته ويتدبر حقائق عبارته ويتفهم عجائبه ويتبين غرائبه قال الله تعالى كتاب أنزلناه إليك مبارك ليتدبروا آياته وقال الله تعالى أفلا يتدبرون القرآن أم على قلوب أقفالها جعلنا الله ممن يرعاه حق رعايته ويتدبره حق تدبره ويقوم بقسطه ويوفي بشرطه ولا يلتمس الهدى في غيره وهدانا لأعلامه الظاهرة وأحكامه القاطعة الباهرة وجمع لنا به خير الدنيا والآخرة فإنه أهل التقوى وأهل المغفرة ثم جعل(1/27)
إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -بيان ما كان منه مجملا وتفسير ما كان منه مشكلا وتحقيق ما كان منه محتملا ليكون له مع تبليغ الرسالة ظهور الإختصاص به ومنزلة التفويض إليه قال الله تعالى وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم ثم جعل إلى العلماء بعد رسول الله - صلى الله عليه وسلم -استنباط ما نبه على معانيه وأشار إلى أصوله ليتوصلوا بالاجتهاد فيه إلى علم المراد فيمتازوا بذلك عن غيرهم ويختصوا بثواب اجتهادهم قال الله تعالى يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات فصار الكتاب أصلا والسنة له بيانا واستنباط العلماء له إيضاحا وتبيانا فالحمد لله الذي جعل صدورنا أوعية كتابه وآذاننا موارد سنن نبيه وهممنا مصروفة إلى تعلمهما والبحث عن معانيهما وغرائبهما طالبين بذلك رضا رب العالمين ومتدرجين به إلى علم وبعد فلما كان كتاب الله هو الكفيل بجمع علوم الشرع الذي استقل به السنة والفرض ونزل به أمين السماء إلى أمين الأرض رأيت أن أشتغل به مدى عمري واستفرغ فيه منتي بأن أكتب فيه تعليقا وجيزا يتضمن نكتا من التفسير واللغات والإعراب والقراءات والرد على أهل الزيغ والضلالات وأحاديث كثيرة شاهدة لما نذكره من الأحكام ونزول الآيات جامعا بين معانيهما ومبينا ما أشكل منهما بأقاويل السلف ومن تبعهم من الخلف وعملته تذكرة لنفسي وذخيرة ليوم رمسي وعملا صالحا بعد موتي قال الله تعالى ينبأ الإنسان يومئذ بما قدم وأخر وقال تعالى علمت نفس ما قدمت وأخرت وقال رسول الله صلى وسلم إذا مات الإنسان انقطع عمله إلا في ثلاث صدقة جارية أو علم ينتفع به أو ولد صالح يدعو له
---(1/28)