دور الأسرة في التفاعل الواعي مع وسائل الإعلام
الباحثة:
أروى بنت محمد خير الغلاييني
دراسة مقدمة ضمن أعمال المؤتمر الدولي الأول
للتربية الإعلامية
14 - 17 صفر 1428هـ
الرياض – المملكة العربية السعودية
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على رسوله الرحمة المهداة للعالمين.
المقدمة
نتفق جميعاً أن وسائل الإعلام تلعب دوراً كبيراً في مجتمعاتنا، ونتفق أيضاً أن الأسرة لها دور كبير قد يزيد وقد ينقص بالتأثيرعلى دور هذه الوسائل. لذلك جاء هذا المؤتمر بمحاوره المتعددة ليلقي الضوء على دور التربية في التعامل مع وسائل الإعلام.
إنه من الضروري بمكان تزويد الأسرة بالإجراءات والخطوات التي تساعدها بعون الله على إكساب أفرادها منذ طفولتهم المبكرة مهارة التفاعل الواعي مع وسائل الإعلام، بحيث يصبحوا مؤثرين بها أيضاً.(1/1)
وقد تم اختيار جهاز التلفاز نموذجاً لوسائل الإعلام لأنّ التلفاز من بين جميع وسائل الإعلام الأخرى هو الذي يستحوذ على أغلب أوقات أطفالنا مقارنة بالصحف والمجلات والإذاعة "ففي بعض الدول يقضي الأطفال أوقاتاً أطول في مشاهدة التلفاز من الوقت الذي يقضونه في مدارسهم"" (1) " وفي تقرير لمنظمة اليونسكو العالمية رقم (33) "يتبين أن الأطفال في البلاد العربية من سن السادسة إلى سن السادسة عشرة يقضون ما بين اثنتي عشر ساعة وأربع وعشرين ساعة أمام التلفاز أسبوعياً، وأنّ سن الخامسة حتى السابعة هي الفترة التي يبدي فيها الطفل أقصى اهتمام بمشاهدة التلفاز" (2) والسبب أن أطفالنا يختارون التلفاز لقضاء الأوقات هو أنه يخاطب حاستي السمع والبصر، إضافة للطريقة التي تقدم بها برامج الأطفال، حيث يؤكد الدكتور عاطف العبد " أن الحركات والتعبيرات التي تظهر على وجه المذيع ونسمعها منه والموجهة للأطفال تساهم في توصيل الرسالة الإعلامية وتكملتها " (3) وكل من يراقب الأطفال وهم يشاهدون برامج جذابة استخدمت فيها تقنية مُرضية من الصوت والصورة والإخراج يجدهم وقد تجمعوا أمام الشاشة فغروا لها الأفواه والأعين حتى أننا لنحسبهم رقود وهم أيقاظ !
لذلك إن استطاعت الأسرة إكساب أطفالها مهارة التفاعل الواعي مع شاشة التلفاز، فهم بالتالي سيتمكنون بإذن الله على استخدام ذات الأدوات مع بقية وسائل الإعلام.
وقد تم تقسيم هذه الورقة إلى فصلين، الفصل الأول يستعرض:-
أولاً : دلالة الأسرة في مجتمعنا.
ثانياً : مفهوم الإعلام، ومفهوم التربية الإعلامية.
ثالثاً : خصائص النمو في مرحلة الطفولة.
رابعاً : أثر التلفاز على الأطفال.
والفصل الثاني يستعرض:
__________
(1) - Grunawld Declartion on Media Education" www.meduconf.com
(2) - الفيديو والتلفزيون خطر مؤكد على الأولاد. www..quraan- radio.com
(3) - ناهد باشطح" الأطفال والتلفاز من بيده العصا". www.alriyadh.com(1/2)
أولاً : إرشادات وخطوات تكسب الطفل مهارة التفاعل الواعي مع وسائل الإعلام.
ثانياً : اقتراحات لوزارة التربية والتعليم في السعودية لمساعدة الأسرة لتبني دورها الحيوي.
إن الأمية التي على الأفراد والمجتمعات التنبه لها، ليست فقط أمية القراءة والكتابة، بل عليهم أن ينتبهوا أيضاً لأمية التلفاز، إذ أن التركيز على إصدار حكم الإدانة أو المصادقة على التأثير القوي لوسائل الإعلام قد انصرم لأنه أمرا مفروغ منه، وحان وقت التفاعل الواعي مع وسائل الإعلام واستثمارها. وهذا ما تهدف إليه الدراسة بعون الله.
الباحثة
أروى بنت محمد خير الغلاييني
الرياض – السعودية
الفصل الأول
أولاً : دلالة الأسرة في مجتمعاتنا
ورد في لسان العرب: الأسرة " هي الدرع الحصين" (1) .وفي المعجم الوسيط معنى الأسرة لغوياً: يعني القيد، يُقال: أسره أسراً وإساراً، قيدّه وأسره أخذه أسيراً، ومعناها أيضاً: الأسرة هي أهل الرجل، وعشيرته، والجماعة يربطها أمر. وتعرف الدكتورة سناء الخولي الأسرة " بأنها جماعة اجتماعية أساسية ودائمة، ونظام اجتماعي رئيس، وهي ليست أساس وجود المجتمع فحسب، بل هي مصدر الأخلاق والدعامة الأولى لضبط السلوك، والإطار الذي يتلقى منه الإنسان أول دروس الحياة الاجتماعية " (2) ودلالة الأسرة لغة واصطلاحاً في مجتمعاتنا يوحي أن الأسرة يضمها رباط وثيق هذا الرباط يعلم أفرادها القيم والأخلاق، ويقيدهم عن ارتكاب المعاصي والمنكرات.
__________
(1) - ابن منظور , لسان العرب. مادة أسرة
(2) - صلاح بن ردود الحارثي, دور التربية الإسلامية في مواجهة التحديات الثقافية للعولمة, (جده, مكتبة السوادي, 1424 ),ص250.(1/3)
والتوجيه القرآني الكريم والنبوي الشريف لم يترك خياراً للأسرة أن تقوم بدورها في التربية، وغرس الدين والأخلاق في نفوس الأطفال، بل ألزمها بذلك فكما قال صلى الله عليه وسلم فيما رواه الشيخان : ( ... والرجل راع في أهله ومسئول عن رعيته، والمرأة راعية في بيت زوجها ومسئولة عن رعيتها... ) وبالمقابل فإن هذين التوجيهين جعلا مسئولية التربية جزء من عبوديتنا لله نؤجر عليها لقوله تعالى" قل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين" الآية 162 سورة الأنعام ، وقوله صلى الله عليه وسلم ( لأن يؤدب الرجل ولده خير من أن يتصدق بصاع ) رواه الترمذي.
وهذا المفهوم الجميل للتربية حولها إلى سوار يزين المعصم, وليس عبئاً يثقل الكاهل , خاصة إن تمت عملية التربية بإتقان ، فإن ذلك يورث محبة الله جل وعلا للعبد, لقوله صلى الله عليه وسلم (إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملاً أن يتقنه) رواه الطبراني, وماذا من الأعمال أجل وأشرف من إتقان تربية الطفل وتعهده بحسن الرعاية ,حتى يصبح الاستثمار الأمثل للمجتمعات والأوطان والأمة, محققا بذلك السعادة والنجاح لنفسه في الدارين ؟ يقول الإمام الغزالي في إحيائه " الصبي أمانة عند والديه, وقلبه الطاهر جوهرة نفسية, فإن عودًه الخير وعلمه نشأ عليه, وسعد في الدنيا والآخرة, وإن عودًه الشر وأهمل إهمال البهائم شقي وهلك, وصيانته بأن يؤدبه ويهذبه ويعلمه محاسن الأخلاق " (1)
__________
(1) - صلاح بن ردود الحارثي , المصدر السابق.(1/4)
إن من دور الأسرة الحيوي ومسؤوليتها في هذا الزمن الذي وٌسم بتدفق المعلومات تدريب أطفالها من سن مبكرة (من الرابعة) على التحدث عن أثر وسائل الإعلام وخطورتها, خاصة برامج التلفاز ويستمر هذا في جميع مراحل نموهم, حتى إن أصبحوا شباباً, صاروا قادرين بكفاءة على نقدها, وتحليل مضامينها, ثم يتمكنوا بفعالية على استخدامها بنضج وذكاء لإيصال أفكارهم وتطلعاتهم ونموذجهم الذي يمثلهم - فعلاً - إلى المجتمع ليتحمل المجتمع مسؤولياته تجاه الشباب ويساعده بتحقيق هذا النموذج. وقد حذر د. إيهاب رمضان استشاري المخ والأعصاب والصحة النفسية من خطر التلفاز وآثاره السلبية قائلاً " إن الحل لا يكمن في الابتعاد عن التلفاز نهائيا, ولكن لابد أن يكون وفق نظام محدد, مع ديمومة التشجيع على التواصل العاطفي والنفسي بين أفراد الأسرة, والتركيز على تعلم الطفل القيم الاجتماعية, وتعريفه بالخطأ والصواب" . (1)
هذا النظام المحدد من شأنه أن ينقل الأسرة إلى حالة استثمار لجهاز التلفاز, بدلاً من أن تكون في حالة حرب أو في وضع الهزيمة, وعدم الاقتصار على نقد محتوى برامج التلفاز, بل تستخدم هذا المحتوى في تحويله إلى أداة تثري ملكة النقد عند الطفل, والقدرة على الاختيار, ومهارة الحوار, واستخدام المنطق في الحكم على الأشياء. (2)
__________
(1) نوره خالد السعد " الآثار التربوية لبرامج التلفزيون على الأطفال" www.almokhtsar.com
www.almokhastar.com
(2) - انظر الفصل الثاني من هذه الدراسة.(1/5)
إن على الأب والأم والراشد في الأسرة استشعار مسؤولياتهم وفهم التحدي خاصة "أن الخطاب الإعلامي بصفة خاصة هو خطاب (مؤدلج) , وليس صحيحاً ما يردده بعض الإعلاميين والمثقفين العرب بقولهم أن الحيادية أساس الرسالة الإعلامية, فكل إعلام منتم إما لعقيدة أو وطن أو نظام. ومثل الإعلام غير المنتمي مثل بائع الصحف الذي يوزع مضامين لا يفقه معناها. ودلائل هذه الحقيقة مبثوثة في الواقع المشاهد وفي بطون الكتب الإعلامية المتخصصة" (1) وبرامج الأطفال وما يبث لهم والتي أكثرها مستوردة غير مستثناة من هذا الخطاب.
إن عند استخدام التلفاز لا بد من الأخذ بالاعتبار أنه ليس شيئاً محايداً في المنزل, وأنه في اللحظة التي تضاء فيها الشاشة يتًحد ذهن ومشاعر المشاهد في عملية معقدة لإدراك وفهم واستيعاب ما يُعرض خاصة لدى الطفل، والآباء الحريصون على تربية أطفالهم عليهم أن يستخدموا هذا الجهاز لينقل الطفل من حالة (الضحية) أو (المنهزم) التي تشكو منها أكثر الأسر إلى وضع المنتصر والمستثمر لهذه الأداة , والسبيل إلى هذا بعون الله هو التربية الإعلامية التي نتناولها فيما يلي.
الفصل الأول
ثانياً: مفهوم الإعلام ومعناه ومفهوم التربية الإعلامية
الإعلام:
__________
(1) - محمد بن سعود البشر: " حتى لا ننهزم بسلطة الإعلام" www.Islamtoday.net(1/6)
ورد في المعجم العربي الأساسي ص860 الصادر عن المنظمة العربية للتربية والثقافة" العلوم: (إعلام) مصدره (علم) وهو النشر بواسطة الإذاعة والتلفزيون والصحافة. ومعنى الإعلام مجرداً "هو حمل الخبر أو النبأ من جهة إلى أخرى, ثم تطور حتى صار مفهومه تبني قضية من القضايا وطرحها من خلال قناعات معينة بقصد إيصالها إلى المتلقي سامعاً أو مشاهداً أو قارئا" (1) . "والإنسان في نظر رجال الإعلام (نفس إعلامية) تتغذى بالخبر وتنمو بالفكر وتتعافى باللحن". (2)
التربية الإعلامية:
عرف مؤتمر (التربية من أجل عصر الإعلام والتقنية الرقمية (الذي عقد في فينا بتاريخ 18-20 أبريل 1999م) التربية الإعلامية بأنها (التربية التي تختص في التعامل مع كل وسائل الإعلام الاتصالي وتشمل الكلمات والرسوم المطبوعة والصوت والصورة الساكنة والمتحركة التي يتم تقديمها عن طريق أي نوع من أنواع التقنيات" (3)
وإذا نظرنا إلى تطور التربية الإعلامية نجد أن الفهم السائد في الخمسينات والستينات الميلادية عن عقل المشاهد أنه كاللوح الأملس, فكانت الأجندة التعليمية هي (التطعيم), وجعل المشاهد يميز بين الإعلام الجيد والإعلام الفاسد, وأن يقدر جمال الإعلام الجيد.هذا المفهوم تطور في السبعينات والثمانينات الميلادية إلى توجيه أسئلة(إيديولوجية) للإعلام, بدلاً من الأسئلة الجمالية, على سبيل المثال:
كيف ولمصلحة من يعمل الإعلام, كيف ينتظمون, كيف ينتجون المعاني, كيف يعبرون عن الواقع؟ واقع من هو الذي يعبرون عنه؟
ثم وفي التسعينات الميلادية لم يعد الجمهور متلقياً أو ناقداً فحسب بل ومنتجاً للمعاني الإعلامية ذات الصلة بالنواحي الشخصية وبالمجتمع. (4)
__________
(1) 1 -
(2) 2- منى حداد يكن, أبناؤنا بين وسائل الإعلام وأخلاق الإسلام, (بيروت- مؤسسة الرسالة, 1403هـ- 1983م)ص15.
(3) 1 -قضايا التربية الإعلامية www.meduconf.com
(4) 2 - المرجع السابق.(1/7)
والهدف من التربية الإعلامية هو "تمكن أفراد المجتمع من الوصول إلى فهم لوسائل الإعلام الاتصالية التي تستخدم في مجتمعهم والطريقة التي تعمل بها هذه الوسائل, ومن ثم تمكنهم من اكتساب المهارات في استخدام وسائل الإعلام للتفاهم مع الآخرين" (1) . والمتأمل لتعريف التربية الإعلامية وإلى الهدف الذي تسعى لتحقيقه وتطورها حتى وصلت إلى ما وصلت إليه يدرك أنها لا تخاطب ولا تحمل وسائل الإعلام بشكل مباشر مسؤولية الآثار السلبية التي يتعرض لها الأطفال إثر تعرضهم لهذه الوسائل, بل تتجه إلى متلقي ومستخدم وسائل الإعلام, مطالبة الأسرة والتي هي الحضن الأول للمتلقي,والدرع الحصين له أن تؤهل الطفل لفهم ماهية الإعلام ووسائله منذ طفولته المبكرة وأول ما تفعله الأسرة هو التعرف على خصائص نمو المرحلة .
الفصل الأول
ثالثاً: خصائص النمو لدى الطفل
يقسم العلماء مراحل نمو الطفل إلى الطفولة المبكرة التي تبدأ من الميلاد حتى سن السادسة, والطفولة المتأخرة من سن السادسة وتستمر حتى سن الثانية عشر.
ونستعرض هنا خصائص النمو الإدراكي, والنمو الانفعالي, والنمو الديني والخلقي ،والنمو الاجتماعي والوجداني للطفل من سن الرابعة إلى سن السابعة ليدرك الآباء مدى تأثير التلفاز على الأطفال في هذه السن.
__________
(1) 3- المرجع السابق.(1/8)
1- النمو الإدراكي : يفكر الطفل من الثالثة إلى السادسة عن طريق حواسه، وفي هذه المرحلة تطغي عليه قوة التخيل ويخلط بين الحقيقة والخيال ويميل للعب الإيهامي فيحول العصا حصاناً أو حماراً يركبه، وتحول الفتاة دميتها إلى بنت ترعاها وتهتم بها. لذلك فالطفل حينما يرى برامج التلفاز، خاصة برامج العنف أو الإثارة أو الرعب أو حينما يرى الشخصيات النمطية التي تقدمها الأفلام المستوردة كانتصار الرجل الأبيض وقدرته الخارقة على الطيران والقفز (والخلوص من المآزق) يظن أن هذا واقعاً يستطيع محاكاته، والشواهد كثيرة على ذلك نقرأ عنها في الصحف بشكل شبه يومي لأطفال تعرضوا لمخاطر جسيمة نتيجة لهذه المحاكاة.
وعندما يكبر الطفل يصبح دقيق الملاحظة مما يؤدي إلى دقة الإدراك الحسي لديه، ويتطور الخيال عنده فيتحول إلى النوع الإبتكاري الذي يتصل بالحقيقة والواقع. وتشتد لدى الطفل من سن السادسة إلى الثانية عشرة قوة العمليات العقلية كالتصور والتخيل والتذكر، ويعتمد نوعاً ما على التصور البصري، ويبدأ بالانتقال تدريجياً من المحسوسات إلى المعنويات ويفكر بها منطقياً. (1)
وهذا أمر على الأسرة التنبه له حيث تسمح بعض الأسر للأطفال ( حتى السابعة من عمرهم ) بمشاهدة بعض البرامج ( الخاصة بالكبار) بحجة أنهم لم يفهموا بعد، أو أنهم لا يعون ما يُعرض! بل إن الطفل بهذا السن يمتلك دقة الملاحظة، ويعتمد على بصره في التخيل وفي التذكر، ويحاول إيجاد منطق وتفسير لما يراه، ويؤثر على إدراكه سلباً أن يرى المُنكر والباطل ( والعيب )الذي يُنهى عنه بالبيت وبالمدرسة، جميلاً ومنمقاً بالتلفاز. (2)
__________
(1) - طه البنا وعبد المنعم بيومي, كتاب علم النفس المرحلة الثانوية, (السعودية,1417هـ )ص89-90
(2) - أنظر في هذه الدراسة عن ضرورة مرافقة الأطفال أثناء مشاهدتهم التلفاز.(1/9)
2- النمو الانفعالي: في نهاية السنة الثالثة تبلغ الانفعالات أقصاها لدى الطفل خوفاً مما لم يقع في خبرته من قبل، وإن علمت الأُسر أن معظم برامج التلفاز التي تصنف أنها مُخصصة للأطفال ( خاصة المستوردة ) تنقل لأطفالنا الكثير ممّا لم يقع في خبرتهم من قبل، أدركت حجم الخطأ الذي يعامل به الأطفال، ويزداد الوضع سوءاً بالبرامج غير المخصصة للأطفال والتي يبثها التلفاز آناء الليل وأطراف النهار على مرأى ومسمع من الأطفال دون توجيه أو رقيب.
بعد سن السادسة تقل حدة الانفعالات عند الطفل وتزداد سيطرته عليها، ويصبح النمو الانفعالي لديه نمواً وجدانياً اجتماعياً فيقل اعتماده على أبويه، ويرفض نوعاً ما الخضوع لاستبداد الكبار ويندمج أكثر في مجموعة الأطفال يستشعر القوة معهم ويدين لهم بالولاء. (1) لذلك لابد للأسرة أن تتخذ من الحوار والنقاش الهادئ سبيلاً مع طفلها بهذه السن لإقناعه واستمالته لفكرة ما. ولنا في رسول الله صلى الله عليه وسلم الأسوة الحسنة، فهو عليه الصلاة والسلام حينما أراد تعليم عبد الله بن عباس رضي الله عنه وهو غلام صغير كلمات هامة، لم يقلها عليه الصلاة والسلام مباشرة، إنما أردفه خلفه على بغلة ، ثم مشى به مليا لإشباع رغبة الغلام في الركوب ، وبعد ذلك خاطبه الرسول بأسلوب ملاطفة وسؤال "يا غلام _ وفي رواية يا غليم: أولا أعلمك كلمات تحفظهن أحفظ الله يحفظك..." رواه الترمذي. والغلام لغةً، تطلق على الصبي من سن السابعة إلى العاشرة.
__________
(1) - طه البنا وعبد المنعم بيومي, المصدر السابق, ص 90-91.(1/10)
3- النمو الديني والخلقي: في نهاية السنة الثالثة (وربما قبل ذلك) إلى السادسة من عمره يُكثر الطفل من الأسئلة عن محيطه، ومهمة الأسرة أن تحسن تعليل الأمور للطفل دون زجر أو كبت أو قهر، وفي هذا يقول سيدنا عمر رضي الله عنه لا تجبروا أولادكم على أخلاقكم فإنهم خلقوا لزمان غير زمانكم. (1)
وفي سن السابعة يبدأ الطفل بالتمييز، ويبني على ذلك كثيرا من الأحكام، وفي هذا السن وجهّنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نبدأ بتعليم أولادنا الصلاة بقوله " علموا الصبي الصلاة لسبع سنين واضربوه عليها ابن عشر سنين، وفرقوا بينهما في المضاجع " رواه أبو داود وهذا الحديث المعجز في تلخيصه للنمو الديني والخلقي للطفل من سن السابعة حتى العاشرة، يثبت أن الطفل من السابعة قادر على التمييز بين الحق والباطل، فلابد للأسرة أن تعلمه وتوجهه ليتحمل مسؤولياته، وإن أخل بها فلابد من محاسبته على هذا التقصير. وفي هذه المرحلة من النمو الفكري تتكون لديه الكثير من السلوك والتصرفات.
إن خصائص النمو الديني والخلقي والاجتماعي لتنذر بالخطر الشديد من يترك للطفل الحبل على غاربه لمشاهدة التلفاز دون أن يرافقه أثناء ذلك، لأن عقل الطفل سيضج بالأسئلة وإن لم يجد من يجيبه عليها سيعيق نموه السليم. وتدريجياً ولما للتلفاز من سلطة جذابة واستحواذ على عقل الطفل ومخيلته وحواسه سيصبح التلفاز هو المكون لسلوك وتصرفات الطفل، يحاكي من يراهم، أكثر من محاكاته لوالديه وأفراد أسرته، وهذه لعلها من أكثر الآثار السلبية على الطفل.
الفصل الأول
رابعاً : الآثار السلبية والآثار الأخرى للتلفاز
__________
(1) - طه البنا وعبد المنعم بيومي, المصدر السابق, ص 90-91.(1/11)
ربما لم يجمع الخبراء والعلماء على تعدد لغاتهم ومعتقداتهم ومشاربهم على أمر قدر إجماع خبراء وعلماء التربية وعلم النفس وعلم الاجتماع على خطر جهاز التلفاز وآثاره السلبية خاصة على الطفل، حتى الذين يرون بالتلفاز بعض فائدة فهم يؤكدون على ضرورة وجود الراشد مع الطفل ليلفت نظره لهذه الفائدة.
بعض الآثار السلبية للتلفاز من جوانب نفسية واجتماعية وصحية نذكر منها :-
1- يوّلد التلفاز الغلظة في المشاعر والبلادة في الأحاسيس، وذلك لأن الطفل يختلط لديه التمثيل بالواقع.
2- يولد الميول العدوانية لدى الطفل ويتعهدها بالرعاية، فالعنف يُكتسب أسرع من المهارات الذهنية.
3- يُغذي التلفاز الطفل بالقيم الهابطة.
4- يُنّحي الأسرة عن دورها في التربية خاصة بعد خروج الأم للعمل، فصار مصدر القيم وسائل الإعلام، خاصة التلفاز.
5- يُساهم في تدني الذوق العام، حيث يتقبل الأطفال ويتجاوبون مع عروضه السمجة.
6- يثير الغرائز الجنسية مبكرا، قبل أن ينضج الطفل.
7- يصور الكذب والخداع والمراوغة بأنها ذكاء وحيلة ومهارة.
8- يصبغ المفهوم الحضاري صبغة مغايرة لحقيقته, فلفظة النجوم والأبطال لا يقصد بها الشخصيات التي أثرت وصنعت الأحداث(كالأنبياء والرسل عليهم صلوات الله, أو الصحابة, أو الكتاب والأدباء والأطباء والمعلمين وغيرهم ) بل نجدهم حصراً من ساحة الفن والطرب والرياضة والتمثيل, أو الأبطال الأفلام الكرتونية المدبلجة. (1)
9- يصرف الأطفال عن واقعهم وحقائقهم, ويحذرهم فلا يكاد الطفل المسلم يعرف عن حقيقة الحرب بين المسلمين واليهود وحقيقة المسجد الأقصى, ولا عن حقيقة الاحتلال الأمريكي للعراق.
10- يعرض صحة الطفل للخطر بسبب الأرق والقلق.
11- يؤثر على بنية الطفل من حيث استقامة الظهر.
__________
(1) 1- يفسر أ / عمرو خالد وجود أبطال كرتونية مثل (سوبر مان, وبات مان, وسبايدر مان)لأن تاريخهم يخلو من الأبطال الحقيقيين, فصنعوا لأنفسهم أبطالاً من الورق.(1/12)
12- يحد التلفاز من ممارسة الطفل للعب والحركة.
13- يستنزف طاقتهم على الحفظ والتذكر بما يبثه من أغان قد تدعو كلماتها للعنف أو الإثارة أو التمرد على أوامر الكبار. وهذا الاستنزاف يأتي على حساب اهتمامهم بحفظ القرآن الكريم, وحفظ دروسهم وحفظ المعاني التي تعزز عندهم العفة والأخلاق والقيم. (1)
14- وُجد أن هناك علاقة وثيقة بين السمنة عند الأطفال وبين مداومة مشاهدة التلفاز, ذلك لأن الجلوس عند التلفاز لا يحتاج إلا إلى طاقة قليلة جداً , مقارنة بالأنشطة الأخرى, وغالباً يتعرض الطفل – وهو يشاهد التلفاز – لتأثير الإعلانات التي تزين له الأطعمة ذات السعرات الحرارية العالية غير المفيدة, - والتي تسمى (بالأطعمة الفارغة), وبالتالي يستجيب الطفل لهذه المغريات ويتناول هذه الأطعمة.
15- يهدد الهوية الثقافية بواسطة تدفق المعلومات والأفكار فيما بين الثقافات. (2)
16- يضعف قدرة الطفل على القراءة لأنه يتعود على الصور السريعة المتداخلة والملونة الشيء الذي لا يجده في صفحات الكتب, وضعف الطفل على القراءة تقوده إلى ضعف التحصيل العلمي الذي يتلقى بشكل رئيسي من الكتب الدراسية.
17- يحتل التلفاز مكان الحياة الأسرية والاجتماعية فبوجوده يتضاءل وقت الكلام, والحوار, أو حتى الشكوى بين أفراد الأسرة, ويحل محل الأصدقاء فيقلل ذلك من اكتساب الخبرات. (3)
__________
(1) 2-النقاط من 1إلى 13من كتاب طيبة اليحيى, بصمات على ولدي(حولي, الكويت , مكتبة المنار الإسلامية, 1409هـ) ص 23-40.بتصرف
(2) 1- Grunwald Declaration on Media Education : www.Meduconf. .com
(3) 2-" قراءة في كتاب مخاطر التلفاز على مخ الطفل" www.islamtoday.net(1/13)
أما الآثار الأخرى للتلفاز التي قد يطلق عليها (الإيجابية), أرى أن يتم استبدال مصطلح إيجابية بـ (الآثار غير الضارة للتلفاز: أو الآثار الأخرى للتلفاز) ذلك لأن ما يعده البعض آثار إيجابية يستطيع الطفل تحصيلها من مصادر أخرى غير برامج التلفاز وبشكل آمن وفعّال أكثر.
وإنه من الصعوبة بمكان تحديد الآثار غير الضارة بشكل مطلق وعام. لأن (غير الضارة)يتحدد حسب خلفية الطفل الدينية بالدرجة الأولى, ثم بالخلفية الثقافية والاجتماعية له. فلو قلنا مثلاً أن من الآثار غير الضارة لبرامج التلفاز : التسلية والترفيه, الثقافة والإطلاع, والتعرف على حل للمشاكل الاجتماعية, فأي من هذه البرامج تؤدي فعلاً الغرض الذي أعدت من أجله دون أن تتعارض مع تعاليم ديننا الحنيف وأخلاقه؟ (1)
لذلك لا مناص من التعامل مع التلفاز كأداة نديرها ونستثمرها, نعلم أولادنا كيفية التفاعل الواعي معها فيتكون لديهم الحس النقدي و القدرة على اختيار ما يناسب تعاليم دينهم ويرفضون ما سواه. وهذا الذي سنتطرق إليه بإذن الله في الفصل الثاني من الدراسة.
الفصل الثاني
أولاً: إرشادات وخطوات تكسب الطفل مهارة التفاعل الواعي
مع التلفاز
__________
(1) - في نهاية السبعينات الميلادية عرضت مسرحية (مدرسة المشاغبين)التي اعتبرت من أكثر المسرحيات (ترفيهية), كان الممثل يردد فرحاً مسروراً (هي هي أبوي أحترق) وكان الجمهور يضحك على هذه المقولة! هذا غير البرامج والمسلسلات التي صار من أساليب إضحاكها للجمهور السخرية من مظهر الشخص الملتزم بالسنة النبوية الشريفة.(1/14)
عندما تتولى الأسرة دورها في تشكيل التفاعل الواعي مع وسائل الإعلام لدى أولادها, وتستشعر مسؤولياتها, لابد أن تلتفت إلى الجوانب الثلاثة للإنسان:الجانب المعرفي (التفكير) والجانب الانفعالي (المشاعر والعواطف) والجانب السلوكي,وذلك لتحقيق أفضل النتائج بإذن الله, والاكتفاء بواحد دون الآخر لن يحقق النتيجة المرجوة لأن " القيم الخلقية تتكون عند الإنسان عن طريق العمل ومواقف الخبرة, وذلك أنه لا يجب أن تنحصر الاهتمامات الأخلاقية على العقل فقط, بل يجب أن تكون لنا بمثابة طرق العمل نجربها في إزالة أسباب الشرور, ومصادر المتاعب والتناقض في مواجهة المواقف المختلفة , فهي وإن كانت غايات إلا أنها أدوات ووسائل للعمل" (1)
فبعد أن يتم شرح الفكرة الطيبة وغرسها في النفس غراسا صحيحا، ستثمر عنها عواطف ومشاعر نبيلة تحرك الإنسان (في الغالب ) دون مؤثر خارجي للقيام بسلوك إيجابي يترجم تلك الفكرة و هذه المشاعر. والجوانب الثلاثة للإنسان متداخلة تداخلاً كبيراً، ويؤثر الواحد منهما بالآخر. (2)
وفيما يلي تستعرض الدراسة بعض الإرشادات والخطوات التي تراعي الجوانب الثلاثة لدى الإنسان حتى تطبقها الأسرة مع أطفالها لتكسبهم مهارة التفاعل الواعي مع التلفاز.
وهذه الخطوات والإرشادات منها ما يختص بتهيئة الأبوين أنفسهما ( أو الراشد الذي يتولى التربية ) لتولي مسؤوليته المُكلف بها، ومنها ما له علاقة بإدارة التلفاز ذاته كجهاز، ومنها ما يختص بالطريقة التي يشاهد بها الطفل التلفاز. وهذه الأمور الثلاثة لا يمكن الفصل بينها، إنما تم تقسيمها ليسهل متابعتها وتطبيقها، ومن البديهي أن الاعتناء بها جميعاً يحقق نتائج أفضل.
__________
(1) - صابر طعيمه, منهج الإسلام في تربية النشء وحمايته, (بيروت, دار الجيل, 1414هـ),ص337
(2) - انظر في البرمجة اللغوية العصبية (نموذج مرسيدس).(1/15)
لعل من أول ما يعتني به الأبوان، أن يكونا قدوة حسنة لأطفالهما. وهذا الجانب من الأسبقيات التي دأب المسلمون على التواصي بها. فقد روى الجاحظ أن عتبة بن أبي سفيان " لما دفع ولده إلى المؤدب قال له ليكن أول ما تبدأ به من إصلاح بنيّ إصلاح نفسك، فإن أعينهم معقودة بعينك، فالحسن عندهم ما استحسنت، والقبيح ما استقبحت " وقد أثبتت الدراسات أن هناك علاقة وثيقة بين مشاهدة الكبير في البيت للتلفاز وبين مشاهدة الطفل له.
والوالدان اللذان يوجهان أولادهما للإقلال من مشاهدة التلفاز، ويمارسان هذا الفعل لن تلق كلماتهما وقعاً طيباً في نفوس الأطفال، حتى لو نفذ الطفل الأمر يبقى غير مقتنعاً بما يفعله، وما أن يغيب الرقيب عنه غالبا سيعود للمارسة السلوك الذي توقف عنه دون قناعة داخلية منه، وكم هي جميلة هذه العبارة ( لا تتكلم فسلوكك يسمعني )! إن الآباء يدركون تماماً أن هناك فرق بين خبرة وثقافة الراشد و بين ثقافة وخبرة الطفل، ولكن الطفل لا يفهم هذا و بالتالي لا يفهم لماذا يمنعه والداه من فعل سلوك، ثم يقومان بممارسته.
ومن الأخطاء الجسيمة التي تقع فيها الأمهات هي استخدام التلفاز بمثابة (جليس أطفال ) لانشغالها وعدم تمكنها من اللعب مع طفلها أو الاهتمام به. ولتصحيح هذا الخطأ نوصي الأم بأن تضع في متناول طفلها الصغير بدائل آمنة كالمكعبات، والألوان، والتراكيب، والكتب، والقصص، والصور وأطقم السفرة الخاصة بالأطفال بحيث يشغل الطفل بها نفسه وتنصرف الأم لشؤونها، (1) دون أن تلجأ للتلفاز لأنها أن فعلت عودت طفلها ( دون أن تقصد) بأن تكون شاشة التلفاز هي أولى اختياراته في وقت الفراغ، معللاً نفسه أن هذا هو سلوك والدته من قبل.
__________
(1) - Wayne Eastman: المرجع السابق.(1/16)
والحديث عن خطورة أن يتحول التلفاز إلى ( جليس أطفال ) في السن الصغيرة يقودنا إلى ضرورة أن تُوجد الأسرة لأولادها بمرحلة الطفولة المتأخرة والمراهقة المبكرة بدائل وأنشطة متنوعة ومتعددة وممتعة تغنيهم عن هذه الشاشة، وتعمق عندهم مفهوم العبودية لله جل وعلا وأن الوقت أغلى ما يملكون، وعليهم استثماره بما يسعدهم بالدنيا والآخرة (1) .
وقد يعمد بعض الآباء والأمهات إلى مشاهدة برامجهم الخاصة بهم, بينما أولادهم الصغار في صحبتهم. ظناً منهم أن الأولاد لا يلتفتوا ولا ينجذبوا لهذه البرامج لعدم فهمهم لها, والواقع المعايش والمشاهد يثبت عكس ذلك. فمن المهم أن ندرك أن الأطفال اليوم يعرفون أكثر مما يفهمون, وإنهم يحبون أن يظهروا بمظهر الكبار, وأن يتحدثوا مثلهم, غير أن تفكيرهم ومستوى فهمهم ما زال طفلاً كأعمارهم, والسماح لهم بمشاهدة البرامج الموجهة والمعدة للكبار يعزز من هذه النزعة لدى الأطفال, خاصة أنهم سيشاهدون في البرامج الخاصة بالكبار ما يغريهم بتقليده فهم لا يفرقون بين الحقيقة والخيال. (2)
وعندما نستخدم مصطلح (إدارة التلفاز) فإننا نعني أن تختار الأسرة بعناية وقت المشاهدة ومحتوى المشاهد (بضم الميم وفتح الهاء). فبعض الأسر تتبع أسلوباً رسمياً نوعاً ما فهي تقوم بتحديد الوقت والمحتوى بداية مع أطفالهم, وبعض الأسر تقوم بإطفاء التلفاز حينما تشعر أن أولادها قد مكثوا وقتاً طويلاً أمامه, أو أنهم يشاهدون مالا يناسبهم. (3)
__________
(1) - أنظر طيبة اليحيى (بصمات على ولدي)ص 81-83 فقد ذكرت بدائل متنوعة ومتميزة.
(2) - انظر سابقاً خصائص النمو لدى الأطفال في هذه الدراسة.
(3) - لم يحدد الخبراء في هذا المجال مفهوم (الوقت الطويل في مشاهدة التلفاز) فبعضهم يقارنه بالوقت الذي تستغرقه الأنشطة الأخرى, وبعضهم يعتبر أن أربع ساعات أكثر من المطلوب في الطفولة المبكرة.(1/17)
ولتسهيل المهمة نقترح أن تضع الأسرة مسبقاً هدفها من (إدارة التلفاز), هذا الهدف الذي قد يتغير أو يتطور تبعاً لسن الطفل وكأمثلة لهذه الأهداف نورد ما يلي:- (الإقلال من مشاهدة أطفالي لمشاهد العنف ),(ألا يتعود أولادي على الشاشات لملء وقت فراغهم),(أن يمارس أولادي أنشطة أخرى تنشط خلايا دماغهم وتحرك عضلاتهم), (أن أقلل من الجمود الذي يعتري الأولاد أثناء مشاهدة التلفاز ولأن يتواصلوا أكثر), (أن أحمي أولادي من تأثير الإعلانات التجارية) وهكذا. ولا يكتفى بوضع الهدف (وفرضه) على الأطفال من قبل الأسرة, إذ لا بد من الحوار والنقاش معهم حول هذا الهدف, ومن البدهي أن تستخدم الأسرة مع أطفالها الصغار اللغة التي يفهمونها لإيصال هذه المعاني لهم. ومن ثم يعمل أفراد الأسرة على استخلاص الإرشادات التي تعينهم على تحقيق هدفهم الذي اتفقوا عليه جميعاً. على أن تصاغ الإرشادات بأسلوب الإثبات وليس النفي, ويتم إخراجها بشكل جميل, وتعلق قرب التلفاز, وفي غرف الأطفال حتى يقرئونها باستمرار, وتنتقل إلى عقلهم الباطن الذي يقوم بترجمتها سلوكاً وممارسات. (1)
ولابد للأبوين – بطبيعة الحال – من متابعة الأطفال لقياس مدى تطبيقهم لهذه الإرشادات ومدى فعالية الإرشادات لتحقيق هدف الأسرة. وكمثال على هذه الإرشادات إن كان الهدف (أن يمارس الأطفال أنشطة حركية تمرن عضلاتهم) فمن غير المجدي أن يقال للأطفال (لا تشاهدوا التلفاز) بل تكون التعليمات شبيهة بـ (بعد أن تفرغوا من اللعب بالحديقة, أو بعد عودتكم من النادي الرياضي بإمكانكم مشاهدة التلفاز). (2)
__________
(1) - أنظر البرمجة اللغوية العصبية : الرسائل الإٌيجابية للذات.
(2) - Wayne Eastman المرجع السابق.(1/18)
ومن أهم نقاط (إدارة التلفاز) اختيار وقت ومدة المشاهدة, ويساهم استخدام جهاز التسجيل في مساعدة الأسرة على التحكم بالوقت, فإن كان وقت البرنامج غير مناسب لجدول الأسرة, يتم تسجيله وعرضه في الوقت المناسب، وإن كان البرنامج جيداً في مجمله لكنه يتضمن بعض اللقطات والمشاهد التي تتعارض مع أخلاق الأسرة يقوم الأبوان بحذف هذه المشاهد ثم عرضه لأطفالهم. (1)
وينصح باستخدام (دليل قنوات التلفاز) إن توفر أو الرجوع إلى مواقع القنوات عن طريق الانترنت لمعرفة البرامج وأوقات عرضها, فمن الخطأ أن تتعرف الأسرة على البرامج وأوقاتها عن طريق تقليب القنوات, فقد يشاهد الأطفال ويتعرضوا لما لا يناسبهم. ولإثراء خبرات الأطفال وتعليمهم مهارة الاختيار وتنظيم الوقت يطلب منهم إعداد دليل خاص ببرامجهم, بحيث يتم اختيار البرامج بعد مشاورة الأبوين بم يتفق وعمر وقدرات الطفل, واحتياجاته ومشاعره. (2)
ومن الأدوات الفعالة والمفيدة للأسر لإكساب أطفالها مهارة التفاعل مع التلفاز تصميم واستخدام (ملف الأسرة التلفزيوني) حيث يسجل يومياً على مدار الأسبوع: وقت تشغيل التلفاز, وقت إطفاءه, البرامج التي شوهدت, من الذي شاهدها, ثم بنهاية الأسبوع يتم رصد ما يلي:-
__________
(1) 1- المرجع السابق.
(2) 2- المرجع السابق.(1/19)
عدد ساعات المشاهدة، من شاهد أكثر، من شاهد أقل، متى تواجدت الأسرة معاً، وما الذي تم مشاهدته. (1) ثم يدور نقاش مع الأولاد حول رصيد الأسبوع, بحيث يتم توجيههم وتحفيزهم ومكافئتهم, وليس بالضرورة أن يتولى إدارة النقاش أحد الأبوين, بل يمكن إسناده لأحد الأطفال (جميل أن يكون مدير الحوار هو الطفل الأقل مشاهدة), ومن الأسئلة التي توجه في النقاش للطفل الأقل مشاهدة: ماذا فعل بالوقت الذي لم يشاهد به التلفاز, وماذا اكتسب خلال هذا الوقت , وما أنجز وما هي مشاعره بهذا الانجاز, وعلى الأبوين إدارة دفة الحوار بشكل غير مباشر لتبيين للأطفال الجدوى والمكسب من ممارسة أنشطة غير مشاهدة التلفاز.
__________
(1) 3- المرجع السابق.(1/20)
أما عن الطريقة التي يشاهد الأطفال بها التلفاز, فقد أكدت الأبحاث والدراسات المختصة على ضرورة مرافقة الراشد للطفل, والحديث معاً عن برامج التلفاز, حيث يؤدي هذا إلى جعل الطفل يفكر بمنطقية تجاه ما يعرض ويقلل من مخاطر تفسيره لكل ما يعرض له على أنه حقيقة وليست خيالاً. إثارة الحديث مع الطفل من شأنه أيضاً ردم الفجوة بين ما يراه الطفل وبين خبرته غير المتكاملة وغير الناضجة خاصة عند مشاهدته الثالوث المخيف (الرعب, والإثارة, والعنف): "إنني أنصح أن يشاهد الآباء والأطفال معاً البرامج التلفزيونية عندما يكون الأطفال تحت سن السابعة, وأن يعتادوا الحديث عن البرامج التي شاهدوها. وبمجرد أن يعتاد الطفل على هذا الأسلوب في المشاهدة يصبح من السهولة إجراء حوارات مثمرة ومفيدة,كما أن المشاهدة المشتركة مجزية, وإن كان بدرجة أقل في المرحلة الواقعة ما بين سن السابعة والحادية عشرة". (1) وأسئلة مثل (هل ما تراه حقيقياً, ما الذي تشعر به عندما ترى هذا المشهد, هل تحبه, ما الذي لا تحبه به؟ لماذا؟ ما الذي سيحدث بعد ذلك؟، لو كنت مكانه كيف ستتصرف؟ هل تعتقد أن هذه هي النهاية المناسبة؟ هل تعتقد أن هذا هو الحل الأفضل ؟ هل لو كنت أنت الأب وأنا الابن ستسمح لي بمشاهدة هذا البرنامج ؟ لماذا نعم ولماذا لا ؟ ما الذي ستنبهني منه ؟ هل ما تراه يُرضي الله جل وعلا ؟ هل يتفق مع أخلاقنا ؟ كيف نعدله؟) وغيرها من الأسئلة عندما يطرحها الأبوان على الطفل تدفعه للتفكير بمضمون البرامج التليفزيونية ولا يأخذها مُسلمات. وبذلك يتحول (التلفاز) إن اضطررنا إليه أداة توفر فرصاً إضافية للحوار ولنقاش الآباء مع الأبناء وذلك يزيد من فهم واستيعاب الأطفال.
__________
(1) - مجموعة من الباحثين, التلفزيون والأطفال , ترجمة أديب خضور , (دمشق,1990م), ص35.(1/21)
كما أن من واجب الأبوين إرواء الطفل بالإجابة على الأسئلة التي يلقيها وعدم تأجيل ذلك مطلقاً. " إن تدريب الطفل وإكسابه مهارة المشاهدة الناقدة لبرامج التلفاز تجعله أقل عرضه لأخطار التلفاز" (1) "وإذا ما كان الآباء مستعدين لترك أطفالهم يشاهدون الدسائس والمكائد في المجتمع بدون تعليق، فيجب ألا يلوموا سوى أنفسهم عندما يتقبل الطفل القيم الثابتة التي قدمتها برامج التلفاز أكثر من تقبله القيم التي يؤمن بها والديه". (2)
واستخدام جهاز التسجيل قبل عرض البرامج على الطفل، يساعد الأبوين في إعداد الأسئلة التي يريدان إلقاءها على الطفل ليثري تجربته، ويجعل الأبوين أكثر استعداداً لأسئلة الطفل إن ألقاها عليهما.
يقول جيري ماندر الخبير الأمريكي ملخصاً تجربته في حقل الإعلام أنه ربما لا نستطيع أن نفعل أي شيء ضد الهندسة الوراثية والقنابل النيتروجية، ولكننا نستطيع أن نقول (لا) للتلفزيون، ونستطيع أن نلقي بأجهزتنا في مقلب الزبالة ويؤكد ماندر أن العالم سيكون مليئاً بالفائدة لأن الشعوب ستعوض فقدان التلفاز باتصال بشري أكبر يبعث النشاط من جديد (3)
وبما أن أجهزة التلفاز لم ترم بعد، فلا أقل من أن يتولى الأبوان مسؤولياتهما في أن يكونا قدوة لأطفالهما بالإقلال من المشاهدة، وأن يدربا أطفالهما على إدارة التلفاز باختيار محتوى ووقت ومدة المشاهدة بذاتية من لدى الأطفال، وأن يجلسا مع أطفالهما أثناء المشاهدة بحيث تكون هذه الأوقات أوقات حوار ونقاش، وليس أوقات جمود لا فائدة منها.
ولكن من المسئول عن إيصال هذا الوعي للأبوين ؟ وللأسر ؟
الفصل الثاني
ثانياً: اقتراحات لوزارة التربية والتعليم
لمساعدة الأسرة لتبني دورها الحيوي
__________
(1) - المرجع السابق Wayne Eastman.
(2) - أديب خضور , المرجع السابق.
(3) - نوره السعد, المرجع السابق.(1/22)
"إن رجال التربية والإعلام يجمعون على أن التربية هي الأساس الأول في تحصين الأطفال والشباب، وأن المسئولية تبدأ في الأسرة، ومن الوالدين بالذات ثم من المدرسة والمسجد والمجتمع، فالطفل والشاب معرضان دوماً لمختلف أشكال التأثير في محيطهما حيث تأتي وسائل الإعلام بالذات في المقدمة، وما لم تتوفر للطفل والشباب قاعدة تربوية متينة توجهه وتصونه وتحفظه فإن تأثره بوسائل الإعلام يزيد مهما بلغت قلة ما يرد فيها" (1) إن إجماع رجال التربية والإعلام على أن المسؤولية في تحصين الطفل والشاب من أثر الإعلام تبدأ في الأسرة، فإن مسؤولية التربويين والإعلاميين عظيمة في إيصال هذا الوعي للأسر لتتحمل هي بدورها وتأخذ على عاتقها حماية النشء من الآفات التي تهدده وذلك بتعليم أطفالها وتدريبهم على مهارة التفاعل الواعي مع برامج التلفاز.
__________
(1) 1- عبد الرحمن الشبيلي, " خطر البث التلفزيوني على الطفل والشباب , مجلة الأمن والحياة, العدد 155.(1/23)
وإن لوزارة التربية دور كبير في ذلك، خاصة:( الإدارة العامة للتوعية الإسلامية للبنات ) و(اللجنة الوطنية السعودية للطفولة ). فقد ورد في الرؤية للإدارة العامة للتوعية الإسلامية للبنات أنها "إعداد الشخصية المتزنة المعتزة بدينها قولاً وعملاً، والمحصنة أمام الأفكار المنحرفة والاتجاهات الحديثة المضللة القادرة على التعامل مع التقنيات المتطورة بوعي وإدراك" (1) وهذه رؤية سامية ونبيلة، ولكن بالمقابل لا تجد في البرامج المقدمة من الإدارة لتحقيق هذه الرؤية ما يكسب الشريحة المستهدفة من قبل الإدارة مهارة التفاعل الواعي مع الإعلام, رغم إدراكنا جميعاً أن معظم (الأفكار المنحرفة والاتجاهات المضللة) ترد إلينا عبر وسائل الإعلام التي عبرت عنها رؤية الإدارة العامة للتوعية الإسلامية بـ ( التقنيات المتطورة ), والتي على المسلمة التفاعل معها (بوعي وإدراك), وهذا هو بعينه (التفاعل الواعي).
لذلك فقد تجلت الحاجة الملحة إلى ضرورة تدريب القائمين بالتوعية على إكساب الشريحة المستهدفة مهارة التفاعل الواعي مع وسائل الإعلام خاصة مع التلفاز. بحيث يتم التعامل مع التلفاز وبرامجه تعامل المنتصر القادر على التمييز بين الخير والشر, ونقد المضامين السيئة, وتقدير الجميل منها. بل تجاوز ذلك إلى الكتابة ومخاطبة القائمين على البرامج بأن يتوقفوا عن تقديم النموذج المغاير للشخصية المسلمة (كما وردت في الرؤية), وأن تحترم رغبتها في تقديم النموذج الذي يمثلها حقاً، ويكون ذلك بإشراف القائمين على التوعية.
__________
(1) 1- الإدارة العامة للتوعية الإسلامية للبنات www.moe.gov.sa(1/24)
والحديث عن الإدارة العامة للتوعية ينعطف بنا إلى الحديث عن شعبة النشاط الطلابي, وشعبة التوجيه والإرشاد, ووحدة التربية الإسلامية بإدارات التعليم بالوزارة المعنية بدعوتها إلى تضمين برامجها المقدمة لجميع الشرائح بالمجتمع (العاملين بحقول التعليم, والطلاب والطالبات ،والأسر) ما يبث الوعي بضرورة التعامل الواعي مع وسائل الإعلام بحيث يحول إلى أداة للمتُلقي ولا يكون المتلقي أسيراً له. (1)
ونستقرأ من المهام والاختصاصات للجنة الوطنية السعودية للطفولة ما يؤكد بوضع إستراتيجية وطنية للطفل تساعد الجهات المعنية في المملكة العربية السعودية على تعزيز أوجه الرعاية التي يحتاجها الطفل. (2) إن من أوجب الرعاية هي أن يعيش الطفل في بيئة آمنة توفر له النمو السليم دينياً ووجدانياً وجسدياً, وتتيح له استخدام قدراته العقلية, وذكاءه, وتثري لغته, كل هذا لن يتأتى إن بقيت الأسر تحرم أطفالها من التلفاز تماماً وتبعدهم عنه اتقاء خطره, غافلة أن ما نجنب أولادنا منه بالتلفاز يأتيهم بالحاسب الآلي, وبالجوال(البلوتوث), وأن للتلفاز سلطة جذابة لو قاومها الطفل أمام والديه فلن يقاومها ربما وهما عنه غائبان!أو إن رفعت بعض الأسر راية الاستسلام للتلفاز قائلة بإحباط لن يصلح الوعظ ما أفسده التلفاز, فيزداد الخرق اتساعاً على اتساع ولن يتمكن أمهر الرقاع من خياطته!
والحل كما تقترح هذه الدراسة يكمن في تدريب كل المتعاملين مع الأطفال على مهارة التفاعل الواعي مع وسائل الإعلام, ليتولوا نقلها لأطفالهم:
شباب وشابات الوطن: استثمار المستقبل الحقيقي.
الخاتمة
__________
(1) 1- خلال عملي في التربية منذ 1409هـ إلى الآن لم يسبق وأن علمت بمثل هذا النشاط, كان الخطاب السائد خطورة الإعلام, دون التدريب على تلافي أخطاره.
(2) 2- اللجنة الوطنية السعودية للطفولة www.moe.gov.com(1/25)
تناولت هذه الدراسة محور (دور الأسرة في التفاعل الواعي مع الإعلام) والمقدمة ضمن أعمال المؤتمر الدولي الأول للتربية الإعلامية فتعرضت بالفصل الأول منها إلى مفهوم الأسرة في مجتمعنا, وأشارت إلى قيمة (التربية) في الإسلام كما جاءت النصوص القرآنية والنبوية. ومن ثم عرفت مفهوم الإعلام بشكل عام ومفهوم مصطلح التربية الإعلامية وهدفها. ثم تطرقت الدراسة بالحديث عن خصائص النمو المختلفة للطفل في عمره ما بين الرابعة والسابعة, وربطت بين خصائص النمو وبين مشاهدة التلفاز. ثم أوجزت الدراسة الآثار السلبية للتلفاز, والآثار الأخرى التي فضلت الدراسة عدم تسميتها الآثار (الإيجابية) وعللت ذلك.
وفي الفصل الثاني أوردت الدراسة إرشادات وخطوات تساعد الأبوين على استخدام التلفاز بجعله أداة تثري خبرات الطفل, وتنمي لديه القدرة على الاختيار الناقد, والمشاهدة الناقدة, وتكسبه القدرة على الحوار ومناقشة الأفكار بعقلانية وحيوية, وراعت هذه الإرشادات الجوانب الثلاثة للإنسان الفكر والمشاعر والسلوك. مع التأكيد على ضرورة الالتزام بوقت ومدة محددة لمشاهدة, يتزامن هذا مع كون الوالدين قدوة صالحة لأطفالهما.
يقول الشاعر الأميري: (1)
طفل , وعبء الطفل يوهى القوى
أحلى المنى, حفت بديجور (2)
الطفل أحلى المنى ولكن هذه المنى حفت بالظلمة, التي يقصد بها الشاعر المتاعب والآلام يكابدها الأبوان لتحمل مسؤولية وأمانة التربية.
__________
(1) - عمر بهاء الدين الأميري, رياحين الجنة, (الرياض, العبيكان, 1426هـ), ص27.
(2) - الديجور : الظلمة.(1/26)
ولعل في المفهوم الذي تبنته الدراسة (وربما سبقت إلى ذلك) هو ضرورة أن تنتقل الأسرة العربية من معاملة التلفاز بصفته عدواً لا يرجى منه خير , أو كونه مارداً مرعباً يفتك بقيم الأسرة وأخلاقها من الاستحالة تجنب مساوئه ولا مفر من الإذعان والخضوع له , إلى مفهوم أن تستخدم الأسرة (جهاز التلفاز) وتستثمره في بناء الطفل وتحريره من آثاره السلبية, ولعل تبني هذا المفهوم يخفف من حدة الديجور وسواده بعون الله, و نكون قد داوينا بالذي كان هو الداء.
غير أن الأسرة العربية بحاجة ملحة إلى من يبثها الوعي بمسئولياتها, ويعلمها كيف تتعامل مع التلفاز، وهذا مناط بمؤسسات المجتمع الحكومية وغير الحكومية, وعلى رأسها وزارتي التربية والتعليم, ووزارة الثقافة والإعلام. وقد تقدمت الدراسة في فصلها الثاني إلى(الإدارة العامة للتوعية الإسلامية ) و (اللجنة الوطنية السعودية للطفولة) بوزارة التربية والتعليم في المملكة العربية السعودية بعدة اقتراحات بما يختص بنشر الوعي للأسر.(1/27)