دليل المقابر
تأليف
د. طارق بن محمد الطواري
دعاء دخول المقابر
عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتى المقبرة فقال : (( السلام عليكم أهل الديار من المؤمنين والمسلمين ، وإنا إن شاء الله بكم لاحقون نسأل الله لنا ولكم العافية ))
أخرجه مسلم ( 3/64 ) .
وكان صلى الله عليه وسلم إذا زار مقبرة البقيع يقول : (( السلام عليكم دار قوم مؤمنين ، وأتاكم ما توعدون غدا مؤجلون ، وإنا إن شاء الله بكم لاحقون ، اللهم اغفر لأهل بقيع الغرقد (( أخرجه مسلم (3/63) .
* * *
شكر وتقدير
الحمد لله رب العالمين الذي أنعم علينا بنعمه الكثيرة (( وما بكم من نعمة فمن الله )) (النحل : آية 53) . والتي لا تعد ولا تحصى (( وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها )) ( النحل : آية 18) .
فله الحمد كم يليق بجلال وجهه وعظيم سلطانه على نعمه وآلائه وإحسانه . والصلاة والسلام على رسولنا محمد صلى الله عليه وسلم الذي دلنا على الخير والهدى وأوضح لنا الطريق ،
وأسأل الله أن يجعل هذا العمل خالصا لوجهه الكريم صالحا متقبلا وأن يرحم به كاتبه وأهله ووالديه وجمع المسلمين .
وصلى الله وسم على نبينا محمد وعلى آله وصحابته والتابعين .
المؤلف
* * *
مقدمة
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحابته والتابعين .
وبعد ,,,
فهذا كتيب متواضع صغير في حجمه كبير في علمه .
حاولت فيه جاهدا أن ألخص وأرتب وأهذب كل ما يتعلق بالميت مما تدعو الحاجة لمعرفته منذ احتضاره إلى استقرار روحه عند ربه عز وجل مرورا بالاحتضار والغسل والكفن والجنازة والقبر ثم ما ينفع الميت بعد موته ثم مستقر الأرواح ثم الخاتمة .(1/1)
هذا وقد اجتهدت ألا يكون الكتيب طويلا مملا ولا قصيرا مخلا ، وإنني بهذا الكتاب لم أقدم لعالم التأليف أي جديد وإنما التأليف أن تجمع بين قول هذا وقمل هذا وتولف بينهما فالسلم لم يتركوا للخلف إلا النادر اليسير مما لم يؤلفوا فيه فكل من جاء بعدهم فهو إما شارحا لكتبهم أو موضحا أو مختصرا أو معلقا أو مهذبا أو مكملا .
هذا وقد لخصت في هذا البحث جملة أقوال سلف الأمة معتمدا على كتبهم في أصول مذهبهم كالإمام مالك والشافعي وأحمد وشيخ الإسلام ابن تيميه كما لا غنى لنا عن آراء وأقوال وكتب علماءنا ومنارات عصرنا كالشيخ ناصر الدين الألباني والشيخ عبد العزيز بن باز والسيد سابق رحمهم الله جميعا ومتع الناس بعلمهم وأعظم لهم المثوبة والعطاء وجزاهم الله عنا وعن أمة الإسلام كل خير .
* * *
دليل المقابر
ما يسن عند الاحتضار
1 ـ أن يحسن الظن بالله :
أي يرجو مغفرة الله لذنوبه ويخاف عقابه سبحانه وتعالى لقول النبي صلى الله عليه وسلم (( لا يموتن أحدكم إلا وهو يحسن الظن بالله تعالى )) روه مسلم (8/165) عن جابر رضي الله عنه .
2 ـ أن يؤدي الحقوق لأهلها إن تيسر له ذلك :
لوصية النبي صلى الله عليه وسلم بذلك فقد قال صلى الله عليه وسلم :
(( من كانت عنده مظلمة لأخيه من عرضه أو ماله فليؤدها إليه ، قبل أن يأتي يوم القيامة لا يقبل فيه دينار ولا درهم ، إن كان له عمل صالح ، أخذ منه ، وأعطى صاحبه ، وإن لم يكن له عمل صالح ، أخذ من سيئات صاحبه فحملت عليه )) رواه البخاري . (3/369) .
3 ـ تلقين المحتضر الشهادتين :
لقول النبي صلى الله عليه وسلم : (( لقنوا موتاكم لا إله إلا الله )) رواه مسلم (3/38) .
وذلك من غير إلحاح عله لئلا يضجر فيتكلم بكلام لا يليق .
4 ـ توجيهه إلى القبلة مضطجع على شقه الأيمن :
لحديث الرسول صلى الله عليه وسلم عن البيت الحرام : (( قبلتكم أحياء وأمواتا )) رواه أبو داود (2875 ) .(1/2)
6 ـ تغطيته لئلا ينكشف وسترا لصورته المتغيرة عن الأعين :
فعن عائشة رضي الله عنها : (( أن النبي صلى الله عليه وسلم حين توفي سجي ببرد حبرة )) متفق عله ورواه البيهقي (3/334) .
كما يجوز تقبيل الميت إجماعا لفعل النبي صلى الله عليه وسلم مع عثمان بن مظعون وهو ميت . أخرجه االترمذي (2/130) هوه صحيح .
8 ـ قضاء ما عليه من دين :
بعد التأكد من قدر الدين والمدين له سواء كانت حقا لله أو حقا لخلقه إلا أن يبرئه الدائن لحديث سعد بن الأطول رضي اله عنه : (( أن أخاه مات وترك ثلاثمائة درهم ، وترك عيالا ، قال : فأردت أن أنفقها على عياله : فقال لي النبي صلى الله عليه وسلم : إن أخاك محبوس بدينه فاذهب فاقضي عنه )) أخرجه أحمد بإسناد صحيح (4/136،175) .
9 ـ الاسترجاع عند الموت (( إنا لله وإنا إليه راجعون )) :
قال تعالى : (( الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة وألئك هم المهتدون )) البقرة (155/157) .
ولما روى مسلم عن أم سلمة رضي الله عنها قالت : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : (( ما من عبد تصيبه مصيبة فيقول إنا لله وإنا إليه راجعون . اللهم أجرني في مصيبتي أخلف لي خيرا منها )) قالت فلما توفي أبو سلمة قلت كما أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فأخلف الله لي خيرا منه (( رسول الله صلى الله عليه وسلم )) أخرجه مسلم ( 3/37) وأحمد ( 6/309) ,
10 ـ إعلام الناس وإخبارهم بوفاة الميت :
استحب العلماء إعلام أهل الميت وقرابته وأصدقائه وأهل الصلاح بموته ليكون لهم أجر المشاركة في تجهيزه وليشفعوا له حين الصلاة عليه .
لما روى البخاري ومسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم نعى للناس النجاشي في اليوم الذي مات فيه وخرج بهم إلى المصلى فصف أصحابه وكبر عليه أربعا . أخرجه البخاري (3/90،145) ومسلم (3/54) .
البكاء على الميت من غير نياحة ولا رفع صوت(1/3)
لقول النبي صلى الله عليه وسلم (( إن الله لا يعذب بدمع العين ولا بحزن القلب ولكن يعذب أو يرحم )) وأشار إلى لسانه وبكى لموت ابنه لإبراهيم وقال : (( إن العين تدمع والقلب ولا نقول إلا ما يرضي ربنا ، وإنا بفراقك يا إبراهيم لمحزونون )) أخرجه البخاري (3/153) ومسلم (4/69) .
النياحة على الميت
وهي رفع الصوت بالبكاء وشق الجيوب وضرب الخدود لما في من الاعتراض على قدر الله .
فعن أبي مالك الأشعري : أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (( أربع في أمتي من أمر الجاهلية لا يتركونهن الفخر في الأحساب ، والطعن في الأنساب ، والاستسقاء بالنجوم ، والنياحة )) وقال صلى الله عليه وسلم : (( النائحة إذا لم تتب قبل موتها تقام يوم القيامة وعليها سربال من قطران ودرع من جرب )) أخرجه مسلم (3/45) .
ولحديث (( اثنان في الناس هما بهم كفر : الطعن في النسب والنياحة على الميت )) . رواه مسلم وأحمد .
الإحداد على الميت
أي الحزن على الميت وترك التطيب والتزين حزنا على المتوفى ، ثلاثة أيام لقريباته وأربعة أشهر وعشرة لزوجاته ـ لما روى البخاري ومسلم عن أم عطية أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (( لا تحد المرأة على ميت فوق ثلاث إلا على زوج فإنها تحد عليه أربعة أشهر وعشرا ... إلخ الحديث )) أخرجه البخار ي ( 3/114 ، 9/400 ـ 401 ) .
صنع الطعام لأهل الميت
لأن ذلك من فعل البر والمعروف والتقرب إلى الأهل والجيران ويلح عليهم لأكلوا لئلا يضعفوا بتركه استحياء أو جزعا .
فعن عبد الله بن جعفر قال ك قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( اصنعوا لآل جعفر طعاما فإنه قد أتاهم أمر يشغلهم )) أخرجه أبو داود ( 2/59 ) وهو صحيح الإسناد . انظر أحكام الجنائز ص211 .
قال الإمام الشافعي في الأم ( 1/247 ) :(1/4)
(( واجب لجيران الميت أو ذي القرابة أن يعملوا لأهل الميت في يوم يمون وليلته طعاما يشبعهم ن فإن ذلك سنة وذكر كريم ، وهو من فعل أهل الخير قبلنا وبعدنا )) .
استحباب طلب الموت في أحد الحرمين ( مكة أو المدينة )
وبوب البخاري باب من أحب الدفن في الأرض المقدسة أو نحوها (1/1274 ) .
ثم ساق حديث طلب موسى أن يقربه الله من الأرض المقدسة قدر رمية بحجر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( فلو كنت ثم لأريتكم قبره ، إلى جانب الطريق ، عند الكثيب الأحمر )) البخاري ( 1/1274 ) .
ولما روي عن حفصة رضي الله عنها أن عمر رضي الله عنه قال اللهم ارزقني شهادة في سبيلك واجعل موتي في بلد رسولك صلى الله عليه وسلم فقلت : أنى هذا ؟ فقال : يأتيني له الله به إن شاء .
ثواب من مات له ولد
روى البخار ومسلم عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن النساء قلن للنبي صلى الله عليه وسلم اجعل لنا يوما ، فوعظهن وقال أيما امرأة مات لها ثلاثة من الولد كانوا لها حجابا من النار )) قالت امرأة : واثنان قال : (( واثنان )) أخرجه البخاري (3/94) ومسلم (4/67) .
علامات حسن الخاتمة
وهي بشائر تدل على الخير الذي سيقدم عليه إن وقعت له قبل موته .
منها :
1 ـ النطق بالشهادتين قبل الموت لحديث (( من كان آخر كلامه لا إله إلا الله دخل الجنة )) أخرجه الحاكم بسند حسن عن معاذ .
2 ـ الموت ليلة الجمعة لحديث (( ما من مؤمن يموت يوم الجمعة أو ليلة الجمعة ، إلا وقاه الله فتنة القبر )) أخرجه أحمد ( 6582 ) وهو صحيح .
3 ـ الاستشهاد في ساحة القتال للآيات والأحاديث الكثيرة التي تدل على فضل الشهادة في سبيل الله .
4 ـ الموت بالأمراض والأوجاع ، كداء البطن والسل ن انظر البخاري ( 10/156 ) وموت المرأة في نفاسها إن كانوا صابرين محتسبين للأجر من الله .(1/5)
5 ـ الموت على عمل صالح ، لحديث : (( من قال لا إله إلا اله ابتغاء وجه الله ختم له بها ، ودخل الجنة ومن صام يوما ابتغاء وجه الله ختم له بها ، خل الجنة ، ومن تصدق بصدقة ابتغاء وجه الله ختم له بها ، دخل الجنة )) . أخرجه أحمد ( 5/391 ) حذيفة وانظر الصحيحة رقم ( 374 ) .
تنبيه : ـ بوب البخاري في صحيحه ( 6/89 ) باب (( لا يقول : فلان شهيد )) . فهذا مما يتساهل فيه كثير من الناس ، لأن الشهادة هي شهادة الملائكة له بدخول الجنة وقبول الله لعمله وهو من علم الغيب .
الموت راحة
لما روى البخاري ومسلم عن أبي قتادة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مُر عليه بجنازة ، فقال : مستريح ومستراح منه )) فقالوا : يا رسول الله وما مستريح وما مستراح منه ؟ فقال (( العبد المؤمن مستريح من نصب الدنيا ، والعبد الفاجر يستريح منه العباد والبلاد والشجر والدواب )) أخرجه البخاري ( 5/6147 ) ومسلم ( 3/54 ) عن أبي قتادة .
كيفية غسل الميت
وهو خاص بالمسلم الذي لم يقتل بالمعركة بأيدي الكفار ويشرحه حديث أم عطية رضي الله عنها في وصف غسلهم لزينب رضي الله عنها كما أمرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم .
1 ـ أن يوضع الميت فوق مكان مرتفع ويجرد من ثيابه .
2 ـ أن يوضع عليه ساتر يستر عورته إلا الصبي فإن كان مميزا مشتهى فإنه تستر عورته وإلا فلا . أخرجه البخاري ( 3/99 ) ومسلم ( 3/47 ) ومضمونه .
3 ـ يغسل المرأة النساء ويجوز للزوج أن يغسل زوجته ويغسل الرجل الرجال ويجوز أن تغسله زوجته .
4 ـ أن يختار ثقة أمينا صالحا لغسل الميت ليستر ما يظهر له من الشر وينشر ما يرى من الخير .
5 ـ النية ومحلها القلب .
6 ـ يلف على يده خرقة غليظة حتى لا يتحسس عورته يمسح بها عورته .
7 ـ يعصر بطن الميت عصرا رقيقا لإخراج ما يكون في البطن من الفضلات .
8 ـ ويزيل ما خرج من النجاسة .
9 ـ ثم يوضئ الميت وضوءه للصلاة .(1/6)
10 ـ ثم يغسله بالماء والصابون ثلاثا أو خمسا بدءاُ بالجنب الأيمن ثم الجنب الأيسر ويخلط معه شيء من الطيب والسدر .
11 ـ ثم يعم الماء على جميع البدن بدءا بالرأس .
12 ـ إن كانت امرأة نقض شعر رأسها يدخله الماء ثم أعيد كما كان يضفر شعر المرأة ثلاث ضفائر .
13 ـ تنشيفه بعد الانتهاء من الغسل .
14 ـ إن خرج من الميت شيء من النجاسة استحب إعادة وضوئه مرة أخرى .
15 ـ إذا لم يوجد الماء فإن الميت ييمم بضربتين بالتراب الطاهر بيد المغسل يمسح بهما وجهه وظاهر كفيه .
الكفن
ويجب تكفين الميت لأمر النبي صلى الله عليه وسلم بذلك : البخاري ( 3/110 ) ومسلم ( 3/48 ) .
ويستحب في الكفن أن يكون :
1 ـ حسنا نظيفا سترا للبدن لحديث : (( إذا كفن أحدكم أخاه فليحسن كفنه )) مسلم ( 3/50 ) .
2 ـ أن يكون أبيض اللون لقول النبي صلى الله عليه وسلم : (( البسوا من ثيابكم البيض فإنها من خير ثيابكم وكفنوا بها موتاكم )) أحمد ( 3426 ) وهو صحيح .
3 ـ أن يبخر ويطيب . روى حديثه أحم
( 3/331 ) .
4 ـ أن يكون ثلاث لفائف توضع واحدة فوق الأخرى للرجل وخمس لفائف للمرأة إزار وقميص وخمار ولفافتين واحدة فوق الأخرى وإن التزم فجعل المرأة كالرجل فلا بأس إذ لا دليل على التفريق .
الكفن من الحرير
لا يحل للرجل الكفن من الحرير ويحل للمرأة . لقول النبي صلى الله عليه وسلم : (( أنهما حرام على ذكور أمتي حل لإناثها )) ولكن تركه أولى لما فيه من الإسراف .
الصلاة على الميت
ولها فضل عظيم .
لما روى البخار ومسلم عن أبي هريرة : أن الني صلى الله عليه وسلم قال : (( من تبع جنازة وصلى عليها فله قيراط ومن تبعها حتى يفرغ منها فله قيراطان ، أصغرهما مثل أحد )) أو أحدهما مثل أحد . أخرجه البخار ( 1/89 ) ومسلم ( 3/51 ) .
شروطها وأركانها
1 ـ الطهارة من الحدث الأكبر ( الجنابة ، الحيض ، النفاس ) والأصغر .
2 ـ استقبال القبلة .
3 ـ ستر العورة .(1/7)
4 ـ طهارة البدن والثوب والمكان .
5 ـ النية ومحلها القلب .
6 ـ القيام القادر على القيام .
7 ـ التكبيرات الأربع وتشمل الفاتحة والصلاة على النبي والدعاء للميت .
8 ـ السلام .
كيفية أدائها
يكبر التكبيرة الأولى رافعا يديه مع كل تكبيرة لفعل ابن عمر وعدم إنكار الصحابة عليه وهو قول ابن المبارك والشافعي وأحمد وإسحاق ثم يقرأ بفتحة الكتاب وسورة لحديث ابن عباس في البخاري
( 3158 ) ثم يكبر فيصلي على النبي صلى الله عليه وسلم لحديث أبي أمامة رضي الله عنه أخرجه الشافعي في الأم ( 1/239 ) وهو صحيح .
ثم يكبر فيدعو للميت وأهله .
ثم يكبر فيدعو لنفسه .
ثم يسلم تسليمة واحدة عن يمينه لحديث أبي هريرة عند الدارقطني (191) وهو صحيح . ,عن سلم تسليمتين جاز له ذلك . وقد فصلها حديث أبي هريرة الذي رواه البخاري (3/90,45 ) ومسلم ( 3/54 ) .
بعض الأدعية التي تقال للميت
بعد التكبيرة الثالثة
مما ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم
1 ـ (( اللهم اغفر وارحمه واعف عنه وعافه واكرم نزله ووسع مدخله ، ونقه من الخطايا كما ينفى الثوب الأبيض من الدنس ، وأبدله دارا خير من داره وأهلا خيرا من أهله وزوجا خيرا من زوجه ، وقه فتنة القبر وعذاب القبر )) رواه مسلم ( 3/59,60) وأحمد (6/23 ) .
2 ـ (( اللهم اغفر لحينا وميتنا ، وشاهدنا وغائبنا ، وصغيرنا وكبيرنا ، وذكرنا وأنثانا ، اللهم من أحييته منا فأحيه على الإسلام ، ومن توفيته منا فتوفه على الإيمان ، اللهم لا تحرمنا أجره ، ولا تفتنا بعده )) أخرجه أحمد (2/368) وهو صحيح .
موقف الإمام من الرجل والمرأة(1/8)
من السنة أن يقوم الإمام عند رأس الرجل ، وعند وسط المرأة لفعل أنس رضي الله عنه أنه صلى على جنازة رجل فقام عند رأسه فلما رفعت أتي بجنازة امرأة فصلى عليها فقام وسطها فسئل عن ذلك وقيل له : هكذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقوم من الرجل حيث قمت ومن المرأة حيث قمت ، قال : نعم . رواه أحمد (3/118,204) وأبو داود (2/66 ) وهو صحيح .
وإذا اجتمع أكثر من ميت رجالا ونساء صفوا صفا واحدا وراء بعض بين الإمام والقبلة الرجال ثم النساء على أن يكون رأس الرجل عند وسط المرأة ويقدم الأصلح فالأصلح ويجوز أن يصلى على الرجال وحدهم وعلى النساء وحدهم وإن وجد أطفال فإنهم يكونون بعد الرجال وقبل النساء . انظر عبد الرزاق (3/465) ، النسائي (1/280) ، أحكام الجنائز 132 للألباني .
استحباب الجمع الكثير للصلاة على الميت
لقول النبي صلى الله عليه وسلم : (( ما من ميت يصلي عليه أمة من المسلمين يبلغون مائة . كلهم يشفعون له إلا شفعوا )) رواه مسلم ( 3/53) وأحمد (6/32) .
وقال صلى الله عليه وسلم : (( ما من رجل مسلم يموت فيقوم على جنازته أربعون رجلا ، لا يشركون بالله شيئا إلا شفعهم الله به )) رواه مسلم ( 2/64 ) وأحمد (2509) .
المسبوق ومن فاتته صلاة الجنازة
من فاتته بعض التكبيرات في صلاة الجنازة فله أن يسلم مع الإمام وله أن يأتي بالتكبيرات التي فاتته إن شاء .
فإن سلم قبل القضاء فلا شيء عليه وهو قول : ابن عمر والحسن والأوزاعي وأحمد .
وإن قضى ما عليه ثم سلم فهو الأولى وهو قول : الزهري ومالك والشافعي ( انظر المغاني لابن قدامة ج 2/376 ) .
ومن فاتته صلاة الجنازة فله أن يصلي على الميت منفردا لوحده لأن يقف على قبره ويصلي عليه بعدما ينصف عنه الناس لفعل النبي صلى الله عليه وسلم مع المرأة السوداء . حينما صلوا عليها هو وأصحابه بعدما دفنت . أخرجه البخاري ( 1/438 ) ومسلم (3/56 ) .
الصلاة على السقط(1/9)
يصلى على الطفل إن تحرك في بطن أمه بعد أربعة أشهر ثم مات لأن الروح قد دبت فيه فصار نفسا فيغسل ويصلى عليه لقول النبي صلى الله عليه وسلم : (( والسقط يصلى عليه ويدعى لوالديه بالمغفرة والرحمة )) رواه أحمد ( 4/247 ) وأبو داود ( 2/65 ) وهو صحيح .
الصلاة على الصالح والطالح ما لم يأت بكفر لم يتب منه
ذهب جمهور العلماء إلى أنه يصلى على قاتل نفسه وعلى العصاة وعلى السارق وعلى كل مسلم بر وفاجر وكذلك المبتدع ما لم يبلغ الكفر وعلى من قتل نفسه أن قتل غيره . إذا مات مسلما كما يصلى على المرجوم وعلى ولد الزنا وعلى الذي يفر من الزحف وعلى المتلاعنين ولم يكن سلف الأمة يمنعون الصلاة عن أحد من أهل القبلة ، والحكمة في ذلك أن الفاسق والعاصي أحوج إلى دعاء إخوانه المؤمنين من الصالح المرحوم . انظر اختيارات شيخ الإسلام ابن تيمية ( ص 52 ) .
الصلاة على الغائب
يجوز الصلاة على الغائب في بلد خر سواء كان البلد قريبا أم بعيدا بشرط أن يموت في بلد ليس فيها من يصلي عليه صلاة الحاضر ـ وهو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية ، انظر زاد المعاد لابن القيم وللتفصيل انظر أحكام الجنائز للشيخ الألباني ص 118 فيستقبل المصلي القبلة وإن لم يكن الميت الغائب في جهة القبلة وينوي الصلاة عليه في قلبه ويصلي صلاة الجنازة .
ولحديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم نعى للناس النجاشي في اليوم الذي مات فيه ، وخرج بهم إلى المصلى فصف أصحابه وكبر أربع تكبيرات . البخاري (3/90،145 ) ومسلم ( 3/54 ) وأحمد ( 2/241 ) .
الصلاة على الميت في أي مسجد(1/10)
لا بأس بالصلاة على الميت بالمسجد والأفضل أن يصلى عليه خارج المسجد ، قال ابن القيم : (( ولم يكن من هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم الراتب ـ المستمر ـ الصلاة على الميت في المسجد ، وإنما كان يصلي على الجنازة خارج المسجد إلا لعذر ، وربما صلى أحيانا على الميت ـ أي داخل المسجد ـ كما صلى على ابن بيضاء ـ سهيل بن بيضاء ـ وكلا الأمرين جائز ـ خارج المسجد )) زاد المعاد . انظر مسلم (3/63) حديث عائشة وأحمد ( 5/ 289 ) .
جواز صلاة النساء على الجنازة
يجوز للمرأة أن تصلي على الجنازة مثل الرجل ، سواء صلت منفردة أو صلت مع جماعة فق ثبت ذلك عن عائشة رضي الله عنها أنها أمرت أن يؤتى بجنازة سعد بن أبي وقاص لتصلي عليه .
أخرجه مسلم (3/63) .
ما يشرع عند حمل الجنازة والسير بها
1 ـ الإسراع بها لحديث النبي صلى الله عليه وسلم : (( أسرعوا بالجنازة فإن تك صالحة فخير تقدمونها إليه وإن تك سوى ذلك فشر تضعونه عن رقابكم )) متفق عليه ( 3/142 ) وأحمد ( 2/240 ) من طريق عن أبي هريرة .
2 ـ المشي أمامها أو خلفها أو عن يمينها أو عن شمالها أو قريبا منها لفعل النبي صلى الله عليه وسلم ولأمره بذلك أخرجه أحمد (4/247 ) وأخرجه أبو داود ( 2/65 ) الترمذي ( 2/144 ) وهو صحيح .
ما يكره مع الجنازة
1 ـ رفع الصوت سواء كان بذكر أو قراءة أو غير ذلك قال الإمام النووي في كتاب الأذكار ص 203 (( واعلم أن الصواب ما كان عليه السلف من السكوت حال السير مع الجنازة فلا يرفع صوت بقراءة ولا ذكر ولا غيرهما ، لأنه أسكن لخاطره وأجمع لفكره فيما يتعلق بالجنازة وهو المطلوب في هذا الحال . وأما ما يفعله بعض الجهلة ... فحرام بالإجماع )) مسلم ( 1/ 78 ) وأحمد ( 4 / 199 ) .(1/11)
2 ـ أن يمشي وراءها أو أمامها بشعلة نار لأنه من أمور الجاهلية وقد ثبت النهي عن عائشة وأسماء وأبو سعيد الخدري وعبادة ابن الصامت وأبو هريرة وأبو موسى الأشعري يرفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم ولحديث (( لا تتبع الجنازة يصوت ولا نار )) أخرجه أحمد ( 2 / 427 ) وأبو داود ( 2 / 64 ) وهن ضعيف ولكن يتقوى بشواهده المرفوعة وبعض الآثار الموقوفة / انظر أحكام الجنائز ص 91 .
3 ـ القعود قبل أن توضع الجنازة .
إلا لكبير في السن أو مضطر أو محتاج لذلك القعود . قال البخاري : (( من تبع جنازة فلا ب\يقعد حتى توضع عن مناكب الرجال )) ثم ساق حديثا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( إذا رأيتم الجنازة فقوموا . فمن تبعها فلا يقعد حتى توضع )) أخرجه البخاري (1 / 1248 ) عن أبي سعيد رضي الله عنه . والقيام لها حينما تمر منسوخ لحديث علي رضي الله عنه في مسلم ( 2 / 59 ) إلا أن القعود قبل أن توضع مكروه للحديث السابق .
4 ـ اتباع النساء للجنازة .
لحديث أم عطية قالت : (( نهيها عن أن نتبع الجنائز ولم يعز علينا )) البخاري ( 1/ 328 ) ومسلم ( 3 / 47 ) وأحمد ( 6 / 408 ) .
5 ـ التدخين والكلام في أمر الدنيا .
يكره أن يجاهر الرجل بما لا يليق مع هذا المقام العظيم من التدخين لأن في إيذاء للملائكة التي تحضر المقابر وتسير معك في الجنازة ، كما يكره الكلام في أمر الدنيا من الحديث عن الأموال والعقار وما خلف الميت لولده من الدور والأموال وغير ذلك بل ويجب إنكار هذه التصرفات متى ما رآها العبد .
قال الإمام ابن قدامة في المغني (( فإن كان من الجنازة منكر يراه ويسمعه ، فإن قدر على إزالته أزاله ، وإن لم يقدر على إزالته فإما أن يرجع أو أنه ينكر ويتبعها فيسقط فرضه بالإنكار ولا يترك حقا لباطل )) .
الدفن(1/12)
يستحب الدفن بالنهار مع جواز الدفن بالليل ( مع الكراهة ) لم ثبت من دفن النبي صلى الله عليه وسلم لبعض الصحابة ليلا ولدفن علي رضي الله عنه لفاطمة ليلا .
وكذلك دفن أبو بكر وعثمان وعائشة وابن مسعود ليلا ولحديث (( أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أدخل رجلا قبره ليلا وأسرج له )) أخرجه الترمذي ( 2 / 157 ) وهو حسن . إلا أن يخشى أن يفوت من حقوق الميت شيء بالليل كقلة المصلين والصلاة عليه فإنه يدفن بالنهار .
ولحديث (( لا تدفنوا بالليل إلا أن تضطروا )) أخرجه مسلم ( 3 / 50 ) كما يكره الدفن أول ما تطلع الشمس وحين تكون في كبد السماء ( قبل أذان الظهر بدقائق ) وحينما تغرب الشمس لما ثبت في مسلم عن عقبة بن عامر رضي الله عنه قال : (( ثلاث ساعات كان النبي صلى الله عليه وسلم ينهانا أن نصلي فيها أو نقبر فيها موتانا : حين تطلع الشمس بازغة حتى تميل الشمس ، وحين تضيف الشمس للغروب حتى تغرب )) رواه مسلم ( 2 / 208 ) وأحمد ( 4 / 152 ) .
صفة القبر
استحب الشارع أن يكون القبر عميقا حتى يوارى فيه الميت وتحجب رائحته وتمنع السباع والطيور عنه فينبغي أن يكون القبر على قدر قامه ( أي طول الرجل ) لقول الرسول صلى الله عليه وسلم عن قتلى أحد حينما حفروا لهم (( احفروا واعمقوا وأحسنوا وادفنوا الاثنين والثلاثة في قبر واحد ... الحديث )) أخرجه أحمد ( 4 / 19 ) وهو صحيح ويستحب أن يكون في جانب القبر شقا وهو المسمى باللحد لينصب عليه اللبن ( الطوب ) المسقوف وحتى لا يتأذى بالتراب حينما يهال عليه ولقول النبي صلى الله عليه وسلم : (( اللحد لنا والشق لغيرنا )) أخرجه أبو داود ( 2 / 69 ) والترمذي ( 2 / 152 ) وصححه ابن السكن . انظر أحكام الجنائز ص 184 .
كيفية إدخال الميت لقبره وماذا يقال(1/13)
من السنة أن يدخل الميت من قبل رجليه ثم رأسه فإن تعسر أدخل كيف أمكن وهذه هي السنة انظر ابن أبي شيبة في المصنف ( 4 / 130 ) والبيهقي ( 4 54 ) ويمسك به رجل في القبر حتى لا يقع على الأرض ، ثم يدخله في اللحد . فيجعل في لحده على جنبه الأيمن ووجهه إلى القبلة ويقول واضعه ( بسم الله أو على ملة رسول الله وعلى سنة رسول الله ) رواه أحمد ( 4990 ) وهو صحيح عن ابن عمر . ويحل ربطة الكفن .
ويستحب أن يوسد (أي يوضع تحت رأسه كالوسادة ) ، رأس الميت بلبنة أو حجر أو تراب ثم يكشف عن وجهه وخده فيوضع على التراب أو على اللبنة .
الدعاء للميت بعد الفراغ من دفنه
يستحب الدعاء للميت والاستغفار له عند الفراغ من دفنه وسؤال التثبيت له لأنه يسأل في هذه الحالة فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا فرغ من دفن الميت وقف عليه فقال : (( استغفروا لأخيكم وسلوا له التثبيت فإنه الآن يسأل )) رواه أبو داود ( 2 / 70 ) والحاكم ( 1 / 370 ) وهو صحيح الإسناد .
كم يرفع القبر من الأرض
من السنة أن يرفع القبر من الأرض قدر شبر ، ليعرف أنه قبر ويحرم رفعه زيادة على ذلك لما روى مسلم عن هارون أن ثمامة بن شقي حدثه . قال ك كنا مع فضالة بن عبيد بأرض الروم ( برودس ) فتوفي صاحب ن فأمر فضالة بن عبيد بقبره فسوي ثم قال ك سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمر بتسويتها . رواه أحمد ( 6 / 18 ) وإسناده حسن .
ولحديث جابر ( أن النبي صلى الله عليه وسلم ألحد له لحد ، ونصب عليه اللبن نصبا ورفع قبره من الأرض نحوا من شبر ) رواه ابن حبان في صحيحه ( 2160 ) وإسناده حسن .
قال الإمام الشافعي في الأم ( 1 / 245 ) واحب ألا يزاد في القبر تراب من غيره وإنما أحب أن يشخص ( أي يرفع ) على وجه الأرض شبرا أو نحوه وأحب ألا يبنى ولا يجصص فإن ذلك يشبه الزينة والخيلاء وليس الموت موضع واحد منهما ، ولم أر قبور المهاجرين والأنصار مجصصة . أ.هـ.(1/14)
والأفضل في القبر أن يكون مسنما ( أي على شكل سنام ) وليس مستويا لأن سفيان التمار رأى قبر النبي صلى الله عليه وسلم مسنما . رواه البخاري ( 3 / 198 ـ 199 ) .
تعليم القبر بعلامة ليعرف بها
ويجوز أن توضع على القبر علامة
من حجر أو خشب ليعرف بها لما روى أنس بن مالك أن النبي صلى الله عليه وسلم (( أعلم قبر عثمان بن مظعون بصخرة )) أي وضع عليه الصخرة ليتبين به . رواه داود ( 2 / 69 ) وسنده حسن .
الكتابة فوق قبر الميت
اختلف العلماء في حكم كتابة اسم المتوفى على قبره قال الحاكم : إن أئمة المسلمين من الشرق والغرب يكتبون على قبورهم وهو شيء أخذه الخلف عن السلف وقال الذهبي هو محدث ولم يبلغهم النهي عنه من حديث الرسول صلى الله عليه وسلم : (( نهى أن تجصص القبور ، وأن يكتب عليها وأن يبنى عليها وأن توطأ )) رواه مسلم ( 3 / 62 ) .
وذهب الحنابلة إلى الكراهة سواء كان اسما لميت أو قرآنا واستثنى الشافعية قبر العالم والصالح فإنه يكتب عليه اسمه ليميز ويعرف .
والظاهر أن ترك الكتابة على القبور أولى لظاهر حديث النبي صلى الله عليه وسلم ولعدم فعل الصحابة ويستغنى عن كتابة الاسم بعلامة يعلم بها القبر .
وضع الجريد ( سعف النخل ) والزهور على القبر
لا يشرع وضع الجريد ولا الزهور فوق القبر ولم ينقل عن أحد من الصحابة أنه وضع جريدا ولا أزهارا على قبره أ.هـ .
وما ورد في حديث ابن عباس إنما هو خاص لنيل بركة دعاء النبي صلى الله عليه وسلم وليس في السعف ولا في الورد خاصية دفع العذاب عن الميت .(1/15)
فعن ابن عباس ـ رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم مر على قبرين فقال : (( إنما يعذبان ، وما يعذبان في كبير ، أمنا هذا فكان لا يستنزه من البول ، وأما هذا فكان يمشي بالنميمة ثم دعا بعسيب رطب فشقه باثنين ، ثم غرس على هذا واحدا وعلى هذا واحدا وقال : (( لعله يخفف عنهما ما لم ييبسا )) رواه البخاري . قال الإمام الخطابي : (( فهو من التبرك بأثر النبي صلى الله عليه وسلم ودعائه بالتخفيف عنهما مدة بقاء النداوة في هذا العسيب أ.هـ .
استحباب خلع النعال في المشي بين القبور
يستحب خلع النعال في المشي بين القبور إلا إذا خشي على نفسه الأذى كالشوكة والنجاسة قاله الإمام أحمد لحديث بشير مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نظر إلى رجل يمشي في القبور عليه نعلا فقال : (( يا صاحب السبتيتين ويحك ألق سبتيك )) أخرجه أحمد ( 5/83 ) والحاكم ( 1/ 373 ) وقال صحيح الإسناد ووافقه الذهبي وأقره الحافظ في الفتح ( 3/ 160 )
النهي عن الجلوس على القبر والاستناد عليه أو المشي عليه
لحديث النبي صلى الله عليه وسلم : (( لأن يجلس أحدكم على جمرة فتحرق ثيابه فتخلص إلى جلده خير له من أن يجلس على قبر )) رواه مسلم ( 3 / 62 ) وأحمد ( 2 / 311 ) .
النهي عن سب الأموات
لا يجوز سب أموات المسلمين ولا التكلم فيهم ولا في مساوئهم لما روت عائشة رضي الله عنها ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : (( لا تسبوا الأموات فإنهم قد أفضوا إلى ما قدموا )) رواه البخاري ( 1 / 1328 ) عن عائشة رضي الله عنها .(1/16)
أما المسلم الذي كان يجاهر بعمله السيئ فإنه يباح ذكر مساوئهم إذا وجدت مصلحة تدعو لذلك التحذير من حالهم والتنفير من قولهم وارك الاقتداء بهم وإلم تكن هناك مصلحة فلا يجوز لما روى أنس رضي الله عنه قال : (( مروا بجنازة فأثنوا عليها خيرا . فقال النبي صلى الله عليه وسلم (( وجبت )) ثم مروا بأخرى فأثنوا عليها شرا ، فقال : (( وجبت )) ، فقال عمر رضي الله عنه : ما وجبت ؟ قال : (( هذا أثنيتم عليه خيرا فوجبت له الجنة ، وذا أثنيتم عليه شرا فوجبت له النار . أنتم شهداء الله في الأرض )) . أخرجه مسلم ( 3 / 52 ) .
أما موتى الكفار فيجوز سبهم ولعنهم قال تعالى : (( لعن الذين كفروا من بني إسرائيل )) وقال تعالى : (( تبت يدا أبي لهب وتب )) ولعن فرعون وأمثاله وسب الله الظالمين (( ألا لعنة الله على الظالمين )) .
قراءة الفاتحة أو أي شيء من القرآن عند القبر
اختلف الفقهاء في حكم قراءة القرآن عند القبر ، فذهب إلى استحبابها الشافعي ومحمد بن الحسن ، لتحصل بركة المجاورة ووافقهما القاضي عياض والقرافي من المالكية ويرى أحمد أنه لا يقرأ عند القبر شيء وهو آخر قوليه كما في مسائل أبو داود ص 158 وكرهها مالك وأبو حنيفة لأنها لم ترد بها السنة ويستغنى عن هذا بالاستغفار والدعاء لثبوته ولوروده عن النبي صلى الله عليه وسلم .
نقل الميت من مكان لآخر
يحرم عند الشافعية نقل الميت من بلد إلى بلد إلا أن يكون مكة أو المدينة أو بيت المقدس فإنه يجوز النقل إلى إحدى هذه البلاد لشرفها وفضلها .
ويرى الإمام أحمد أنه لا بأس بنقل الرجل إذا مات من بلد لآخر ، وقد سئل الإمام الزهري عن ذلك ؟ فقال : حمل سعد بن أبي وقاص وسعيد بن زيد من العقيق إلى المدينة وهذا هو الأظهر أنه لا بأس بنقل الميت من بلد إلى بلد لزيارة أهله له أو لدفنه بينهم .
زيارة القبور والحكمة منها(1/17)
تستحب زيارة القبور للرجال للعظة وللاعتبار ولتذكر الآخرة وللدعاء للموتى ولاغتنام فرصة الحياة والإكثار من الحسنات قبل مباغتة الممات لما ثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال : (( كنت نهيتكم عن زيارة القبور فزوروها فإنها تذكركم الآخرة )) رواه مسلم ( 3/65 ) وأحمد ( 5/350 ) . وكان النهي لقرب عهده في الجاهلية .
صفة الزيارة
يستحب للمسلم أن يقطع من وقته بين الفترة والأخرى فيدخل إلى المقابر ونظر إلى حال الموتى وكيف أن الدنيا قد سارت بأهلها فاجتمع تحت التراب الجميع الصالح والطالح الغني والفقير الشريف والوضيع الحاكم والمحكوم وتخلى عنهم كل شيء فلم يبق معهم إلا عملهم الصالح فهم إما سعيد ناج مرحوم ، وإما شقي هالك محروم ، الموت كأس وكل الناس تشربه والقبر دار وكل الناس تسكنه ثم يستقبل بوجهه الموتى ويسلم عليهم ويدعو لهم ويقول :
(( السلام عليكم أهل الديار من المؤمنين والمسلمين وإنا إن شاء الله بكم لاحقون ، أنتم فرطنا ونحن لكم تبع ، ونسأل الله لنا ولكم العافية )) رواه مسلم ( 3/14 ) .
ويدعو في المقبرة لمن شاء ويترحم عليهم فلعلها توافق رقة قلب وساعة استجابة .
زيارة النساء للقبور
لا بأس بزيارة النساء للقبور للاتعاظ ولتذكر الآخرة وللعبرة وللدعاء للموتى ولكن دون الإكثار من الزيارة والتردد على القبور .
وقد كانت تفعل ذلك أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها ووجد النبي صلى الله عليه وسلم امرأة تبكي عند قبر صبي فقال لها : (( اتقي الله واصبري )) رواه البخاري ( 3/115 ) ومسلم (3 / 40 ) . ولم ينهها عن زيارة القبر حينما رآها أو حينما ذهبت لتعتذر إليه صلى الله عليه وسلم عما بدر منها .(1/18)
وكره بعض العلماء الزيارة للنساء لقلة صبرهن وكثرة جزعهن ولقول الرسول صلى الله عليه وسلم : (( لعن الله زوارات القبور )) رواه أحمد ( 2/337 ) وهو صحيح . قال القرطبي : اللعن المذكور إنما هو للمكثرات من الزيارة لصيغة المبالغة ولعل السبب ما يفضي إليه ذلك من تضييع حق الزوج والتبرج ، وما ينشأ من الصياح ، ونحو ذلك وقد يقال إذا أمن جمع ذلك فلا مانع من الإذن لهن ، لأن تذكر الموت يحتاج إليه الرجال والنساء )) ووافقه الإمام الشوكاني في ذلك . انظر نيل الأوطار ( 4/95 ) وأحكام الجنائز للألباني ص 299 مسألة 166 في استحباب زيارة النساء للقبور .
التعزية والجلوس لها
التعزية تصبير أهل الميت وتخفيف الحزن على أهل الميت بمصابهم وتهوين المصيبة عليهم وهي مستحبة لجميع أهل الميت وأقاربه الكبار والصغار الرجال والنساء سواء قبل الدفن أو بعده .
ولقول النبي صلى الله عليه وسلم : (( من نفس عن مؤمن كربة من كرب الدنيا نفس الله عنه كربة من كرب يوم القيامة )) أخرجه مسلم ( 8 / 71 ) عن أبي هريرة رضي الله عنه ز
ولفعل النبي صلى الله عليه وسلم لها .
فهن أسامة بن زيد قال ك أرسلت ابنة النبي صلى الله عليه وسلم إليه أن ابناً لي قبض فأتنا . فأرسل يقرئ السلام ويقول : (( إن لله ما أخذ ، وله ما أعطى ، وكل شيء عنده بأجل مسمى فلتصبر ولتحتسب )) رواه البخاري ( 3 / 120 ) .
ومعنى الحديث أن العالم كله لله فلم يأخذ ما هو لكم بل أخذ ما هو له عندكم وأنه سبحانه قد أعطاكم هذه الهبة ثم سلبها منكم وهو يفعل ما يشاء .
وكل شيء عنده بأجل مسمى فلا تجزعوا فإن من قبضه الله فقد انقضى أجله المسمى فلا يتقدم ولا يتأخر فإذا علمتم ذلك فاصبروا واحتسبوا الأجر من الله على ما نزل بكم من مصيبة .
وأما الجلوس للعزاء :(1/19)
فهو مكروه قال الإمام الشافعي أكره المأتم وهي الجماعة ولم يكن لهم بكاء فإن ذلك مما يجدد الحزن ويكلف المؤونة قال النووي في المجموع ( 5 / 306 ) : قال الشافعي وأصحابه رحمهم الله :
يكره الجلوس للتعزية قالوا ويعني الجلوس أن يجتمع أهل الميت في بيت ليقصدهم من أراد التعزية ، بل ينبغي أن ينصرفوا في حوائجهم ، ولا فرق بين الرجال والنساء في كراهة الجلوس لها .
والسنة أن يعزى أهل الميت وأقاربه ثم ينصرف كل في حوائجه دون أن يجلس أحد سواء كان المعزي أو المعزى . وهذا هو مذهب السلف الصالح رحمهم الله .
ما ينفع الميت بعد موته
من المتفق عليه أن الميت ينتفع بما كان سببا فيه من أعمال البر والخير في حياته كأن يحفر بئرا في سبيل الله أو يطبع كتابا نافعا أو ينشر مصحفا أو يبني مسجدا أو يعلم الناس علما أو يترك ولدا صالحا يدوله ويستغفر له لقول النبي صلى الله عليه وسلم : (( إذا مات أحدكم انقطع عمله إلا من ثلاث : صدقة جارية ، أو علم ينتفع به أو ولد صالح يدعو له )) رواه مسلم ( 5/73 ) وأحمد ( 2/372 ) .
وقال صلى الله عليه وسلم : (( إن مما يلحق المؤمن من عمله وحسناته بعد موته ، علما علمه ونشره ، أو ولدا صالح تركه أو مصحفا ورثه ، أو بيتا بناه لابن السبيل أو نهرا أجراه أو صدقة أخرجها من ماله في صحته وحياته تلحقه من بعد موته )) رواه ابن ماجة ( 1/106 ) وإسناده حسن .
قال ابن القيم : (( وبالجملة فأفضل ما يهدى إلى الميت العتق والصدقة والاستغفار والدعاء له والحج عنه )) . ويستحب أن يقوم بذلك أبناؤه لأنهم من سعيه الذي يصل عملهم إليه بعد موته .
كما يجوز الصدقة عن الميت سواء من ماله الذي ورثه أو من مال غيره وكذا يجوز الحج والعمرة عنه وكذلكم الصوم والدعاء والاستغفار وذبح الأضحية عنه وعن سائر المسلمين بنية واحدة . لورود ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم في الأحاديث الصحيحة .(1/20)
إلا أنه لا بد من اشتراط النية إذ أنه ينوي هذا الحج وهذه الصدقة ذلك الميت ( فينوي في قلبه ذلك قبل الفعل وأثناءه ) .
قال ابن عقيل : (( إذا فعل طاعة من صيام وقراءة قرآن ، وأهداها بأن جعل ثوابها للميت المسلم فإنه يصل إليه ذلك وينفعه بشرك أن تتقدم نية الهدية على الطاعة وتقارنها )) وهو الذي رجحه ابن القيم . انظر أحكام الجنائز ص 217 ففيها تفصيل جيد .
ماذا يحدث للميت في قبره
( سؤال الملكين )
اتفق أهل السنة والجماعة على أن كل إنسان يسأل بعد موته ، قبر أم لم يقبر ، فلو أكلته السباع أو أحرق حتى صار رمادا ونسف في الهواء أو غرق في البحر ، يسأل عن أعماله وجوزي بالخير خيرا وبالشر شرا وأن النعيم أو العذاب على النفس والبدن معا .
قال الإمام ابن القيم : مذهب سلف الأمة وأئمتها أن الميت إذا مات ، يكون في نعيم أو عذاب ، أن ذلك يحصل لروحه وبدنه ، وأن الروح تبقى بعد مفارقة البدن منعمة أو معذبة ، وإنها تتصل بالبدن أحيانا ويحصل معها النعيم أو العذاب ، ثم إذا كان يوم القيامة الكبرى أعيدت الأرواح إلى الأجساد ، وقاموا من قبورهم لرب العالمين ، ومعاد الأبدان متفق عليه بين المسلمين واليهود والنصارى .
ما يحدث للميت في قبره
عن البراء بن عازب رضي الله عنه قال : (( خرجنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في جنازة رجل من الأنصار ، فانتهينا إلى القبر ولما يلحد ، فجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم [ مستقبل القبلة ] ، وجلسنا حوله ، وكأن على رؤوسنا الطير ، وفي يده عود ينكت في الأرض ، [ فجعل ينظر إلى السماء ، وينظر إلى الأرض ، وجعل يرفع بصره ويخفضه ثلاثا ] ، فقال : استعيذوا بالله من عذاب القبر ، مرتين ، أو ثلاثا ، [ ثم قال : اللهم إني أعوذ بك من عذاب القبر ] [ ثلاثا ] ، ثم قال :(1/21)
إن العبد المؤمن إذا كان في انقطاع من الدنيا ، وإقبال من الآخرة ، نزل إليه ملائكة من السماء ، بيض الوجوه ، كأن وجوههم الشمس ، معهم كفن من أكفان الجنة ، وحنوط من حنوط الجنة ، حتى يجلسوا منه مد البصر ، ثم يجيء ملك الموت عليه السلام ، حتى يجلس عند رأسه ، فيقول ك أيتها النفس الطيبة ( وفي رواية : المطمئنة ) ، أخرجي إلى مغفرة من الله ورضوان ، قال فتخرج تسيل كما تسيل القطرة من في السقاء ، فيأخذها ، ( وفي رواية : حتى إذا خرجت روحه صلى الله عليه وسلم كل ملك بين السماء والأرض ، وكل ملك في السماء ، وفتحت له أبواب السماء ، ليس من أهل باب إلا وهم يدعون الله أن يعرج بروحه من قبلهم ) ، فإذا أخذها لم يدعوها في يده طرفة عين حتى يأخذوها ، فيجعلوها في ذلك الكفن ، وفي ذلك الحنوط ، [ فذلك قوله تعالى : (( توفته رسلنا وهم لا يفرطون )) ، ويخرج منها كأطيب نفحة مسك وجدت على وجه الأرض ، قال ك فيصعدون بها فلا يمرون ـ يعني ـ بها على ملأ من الملائكة : إلا قالوا : ما هذا الروح الطيب ؟ فيقولون : فلان بن فلان ـ بأحسن أسمائه التي كانوا يسمونه بها في الدنيا حتى ينتهوا بها إلى السماء الدنيا فيستفتحون له ، فيفتح لهم ، فيشيعه من كل سماء مقربوها ، إلى السماء التي بليها ، حتى ينتهى به إلى السماء السابعة ، فيقول الله عز وجل : اكتبوا كتاب عبدي في عليين ، [ (( وما أدراك ما عليون . كتاب مرقوم . يشهده المقربون )) ، فيكتب كتابه في علييين ثم قال ] : أعيدوه إلى الأرض ، فإني [ وعدتهم أني ] منها خلقتهم ، وفيها أعيدهم ، ومنها أخرجهم تارة أخرى ، قال كم ف [ يرد إلى الأرض ] وتعاد روحه في جسده ، [ قال : فإنه يسمع خفق نعال أصحابه إذا ولوا عنه ] [ مدبرين ] ، فيأتيه ملكان [ شديدا الانتهار ] ف [ ينتهرانه ، ويجلسانه ] ، فيقولان له : من ربك ؟ فيقول ك ربي الله ، فيقولان له : ما دينك ؟ فيقول : ديني الإسلام ، فيقولان له : ما هذا الرجل(1/22)
الذي بعث فيكم ؟ فيقول : هو رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فيقولان له : وما علمك ؟ فيقول : قرأت كتاب الله ، فآمنت به ، وصدقت ، [ فينتهره فيقول : من ربك ؟ ما دينك ؟ من نبيك ؟ وهي آخر فتنة تعرض على المؤمن ، فذلك حين يقول لله عز وجل : (( يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا )) فيقول : ربي الله ، ودني الإسلام ، نبيي محمد صلى الله عليه وسلم ، فينادي مناد من السماء : أن صدق عبدي ، فافرشوه من الجنة ، وألبسوه من الجنة ، وافتحوا له بابا إلى الجنة ، قال : فيأتيه من روحها وطيبها ، ويفسح له في قبره مد بصره .
قال : ويأتيه [ وفي رواية : يمثل له ي رجل حسن الوجه ، حسن الثياب ، طيب الريح ، فيقول : أبشر بالذي يسرك ، [ أبشر برضوان من الله ، وجنات ، فيها نعيم مقيم ] ، هذا يومك الذي كنت توعد ، فيقول له : [ وأنت فبشرك الله بخير ] من انت . فوجهك الوجه يجيء بالخير ، فيقول : أنا عملك الصالح ، [ فوالله ما علمتك إلا كنت سريعا في طاعة الله ، بطيئا في معصية الله ، فجزاك اله خيرا ] ، ثم يفتح له باب من الجنة ن وباب من النار ، فيقال : هاذ منزلك لو عصيت الله ؛ أبدلك الله به هذا . فإذا رأى ما في الجنة ، قال : رب عجل قيام الساعة ، كيما أرجع إلى أهلي ومالي ، [ فيقال له : اسكن ] .(1/23)
قال وإن العبد الكافر ( وفي رواية : الفاجر ) إذا كان في انقطاع من الدنيا ، وإقبال من الآخرة ، نزل إليه من السماء ملائكة [ غلاظ شداد ] ، سود الوجوه معهم المسوح [ من النار فيجلسون منه مد البصر ، ثم يجيء ملك الموت ، حتى يجلس عند رأسه ، فيقول ك أيتها النفس الخبيثة اخرجي إلى سخط من الله وغضب ، قال : فتفرق في جسده فينتزعها كما ينتزع السفود [ الكثير الشعب ] من الصوف المبلول ، [ فتقطع معها العروق والعصب ] ، [ فيلعنه كل ملك بين السماء والأرض ، وكل ملك في السماء ، وتغلق أبواب السماء ليس من اهل باب إلا وهم يدعون الله ألا تعرج روحه من قبلهم ] ، فيأخذها ، فإذا أخذها لم يدعوها في يده طرفة عين حتى يجعلوها في تلك المسوح ، ويخرج منها كأنتن ريح جيفة وجدت على وجه الأرض ، فيصعدون بها ، فلا يمرون بها على ملأ من الملائكة إلا قالوا : ما هذا الروح الخبيث ؟ فيقولون ك فلان ابن فلان ـ بأقبح أسمائه التي كان يسمى بها في الدنيا ـ حتى ينتهي به إلى السماء الدنيا ، فيستفتح له ، فلا يفتح له ، ثم قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( لا تفتح لهم أبواب السماء ولا يدخلون الجنة حتى يلج الجمل في سم الخياط )) فيقول الله عز وجل : اكتبوا كتابه في سجين ، في الأرض السفلى [ ثم يقال : أعيدوا عبدي إلى الأرض فإني وعدتهم أني منها خلقتهم ، وفيها أعيدهم ، ومنها أخرجهم تارة أخرى ، فتطرح روحه [ من السماء ] طرحا [ حتى تقع في جسده ، ثم قرأ (( ومن يشرك بالله فكأنما خر من السماء فتخطفه الطير أو تهوي به الريح في مكان سحيق )) فتعاد روحه في جسده ، [ قال : فإنه ليسمع خفق نعال أصحابه إذا ولوا عنه ] .(1/24)
ويأتيه ملكان [ شديدا الانتهار ، فينتهرانه ويجلسانه ] ، فيقولان له : من ربك ؟ فيقول ك هاه هاه لا أدري ، فيقولان له : ما دينك ؟ فيقول : هاه هاه لا أدري ، فيقولان له : فما تقول في هذا الرجل الذي بعث فيكم ؟ فلا يهتدي لاسمه ، فيقال : محمد ! فيقول :هاه هاه لا أدري [ سمعت الناس يقولون ذاك ! قال : فيقال ك لا دريت ] ، [ ولا تلوت ] ، فينادي مناد من السماء أن كذب ، فافرشوا له من النار ، وافتحوا له بابا إلى النار ، فيأتيه من حرها وسمومها ، ويضيق عليه قبره حتى تختلف فيه أضلاعه ، ويأتيه ( وفي رواية : ويمثل له ) رجل قبيح الوجه ، قبيح الثياب ، منتن الريح ، فيقول ك أبشر بالذي يسوؤك ، هذا يومك الذي كنت توعد ، فيقول : [ وأنت فبشرك الله بالشر ] من أنت . فوجهك الوجه يجيء بالشر ! فيقول : أنا عملك الخبيث ، [ فوالله ما علمتك إلا كنت بطيئا عن طاعة الله ، سريعا إلى معصية الله ] ، [ فجزاك الله شرا ، ثم يقيض أعمى أصم أبكم في يده مرزبة ! لو ضرب بها جبل كان ترابا ، فيضربه حتى يصير بها ترابا ، ثم يعيده الله كما كان ، فيضربه ضربة أخرى فيصيح صيحة يسمعه كل شيء إلا الثقلين ، ثم يفتح له باب من النار ويمهد من فرش النار ، فيقول : رب لا تقم الساعة )) . أخرجه أحمد ( 4/782 ، 288 ، 295 ) واللفظ له .
وأبو داود ( 2/281 ) والحاكم ( 1/37 ـ 40 ) وقال صحيح على شرط الشيخين وأقره الذهبي وهو كما قالا . انظر أحكام الجنائز ( 202 ) .
أين تذهب الأرواح
) مستقر الأرواح )
قال الإمام ابن القيم في كتاب الروح ما ملخصه : الأرواح بعد وفاة الإنسان تكون في الحياة البرزخية وأما مستقرها فهي متفاوتة فمنها :
1 ـ أرواح في أعلى عليين في الملأ الأعلى وهي أرواح الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم .
2 ـ أرواح في حواصل طير خضر تسرح في الجنة حيث شاءت وهي أرواح بعض الشهداء لا جميعهم .(1/25)
3 ت أرواح محبوسة على باب الجنة كما في حديث : ( رأيت صاحبكم محبوسا على باب الجنة ) .
4 ـ أرواح محبوسة في قبورها وهم أصحاب الذنوب والمعاصي كصاحب الشملة التي غلها ـ أي سرقها ـ .
ثم استشهد فقال الناس هنيئا له الجنة فقال صلى الله عليه وسلم : (( والذي نفسي بيده إن الشملة التي غلها لتشتعل عليه نارا في قبره )) رواه مسلم .
5 ـ أرواح مقرها باب الجنة كما في حديث ابن عباس (( الشهداء على بارق نهر الجنة في قبة خضراء يخرج عليهم رزقهم من الجنة بكرة وعشيا )) ز
6 ـ أرواح محبوسة في الأرض وهي الأرواح السفلية الأرضية التي تعلقت بالأرض وزخرفها وبالدنيا وملذاتها فأنى لها أن ترقى إلى السماء ، لأن السماء لا يرقى لها إلا النفوس أو الأرواح العلوية التي كانت في الدنيا عاكفة على محبة الله وذكره والتقرب إليه فالمرء مع من احب في البرزخ ويوم القيامة ، فالطيب مع الطيبين والخبيث مع الخبيثين فالروح بعد المفارقة تلحق بأشكالها وأخواتها وأصحاب عملها فتكون معهم هناك .
7 ـ أرواح تكون في تنور الزناة والزواني .
8 ـ أرواح في نهر من دم تسبح فيه ، وتلقم الحجارة وهي أرواح أكلة الربا .
9 ـ أرواح تضرب بالحجارة على رؤوسها فتفلق ثم تخلق وهم الذي عرفوا القرآن فلم يعملوا به وناموا عن الصلاة المكتوبة .
10 ـ أرواح تشدق أفواهها بكلوب من حديد وهم المنافقون والكاذبون ـ قاله ابن القيم بتصرف عن كتاب الروح .
11- وذهب بعض السلف الى ان مقرها بعد الممات الى حيث كانت قبل دخولها في الاجساد عند الله تعالى لايعلم مكانها الا هو عز وجل
وهكذا فكل مجازى بما قدم وبما صنع في دنياه ز تفإنه يلقاه في القبر وهي حياة البرزخ قبل الآخر فإن تيسرت فما بعدها يسير وإن تعسرت فما بعدها عسير .
* * *
الخاتمة
نصيحة
وبعد هذا العرض المختصر لما سيقع لكل إنسان ، من وفاة ثم نزول في القبر ثم حساب ثم مستقر للروح إما في نعيم واما في جحيم .(1/26)
يجدر بكل مسلم أن يستعد للقاء الله عز وجل ، وأن يجعل في قرار نفسه ، أنه لا بد أن يأتي اليوم الذي سيكون فيه هو الميت ، وهو المغسل ، وهو المكفن ، وهو المصلى عليه وهو الدفون وهو المسافر للقاء ربه .
فقف مع نفسك لحظة واسألها ماذا قدمت للقاء الله9 فكما قال عمر رضي الله عنه : اليوم عمل ولا حساب , وغدا حساب ولا عمل .
ولعل الطريق الوحيد والمخرج السديد من عذاب الله يوم القيامة هو اتباع شرعه وهديه وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم كما قال الله تعالى : (( وان هذا صراطي مستقيما فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله )) الأنعام : 153 .
وكما قال تعالى : (( وإن منكم إلا واردها كان على ربك حتما مقضيا ثم ننجي الذين اتقوا ونذر الظالمين فيها جثيا )) مريم : 71 ـ 72 .
وتتحقق للإنسان النجاة من عذاب الله في أمور :
1 ـ أن يصلح الإنسان ذاته من صلاة وصيام وصدقة وكل ما فرض الله عليه وأن يصون نفسه عن كل ما حرم الله عليه سمعا وبصرا ولسانا وبطنا وعقلا .
2 ـ أن يصلح من هم في مسئوليته كزوجته وأبنائه وبناته ومخن له كلمة عليهم فكلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته .
3 ـ أن لا يجامل أحدا في الإصلا قدر ما يستطيع ، بل ينصح بالحكمة والموعظة الحسنة .
4 ـ أن يجعل بيته بيتا إسلاميا فلا يدخل فيه شيء مما حرم الله ِ، بل ويسأل عن حكم الله في كل أمر جديد
ويتخذ لنفسه في داره مصلى للنوافل وقيام الليل واقامة حلق الذكر لتدخل الملائكة وتغشاه الرحمة وتحل عليهم السكينة
ليجعل شعلة الإيمان مضيئة له ولأبنائه في حياته ولذريته بعد مماته .
5 ـ أن يدعو الله عز وجل ويسأله التوفيق وتثبيت القلب والوفاة على الإسلام وهو راض عنك سبحانه وتعالى .
6 ـ أن يكثر من فعل الطاعات وعلى رأسها الاستغفار والتوبة والندم عما فات لعل الله يرفغ بذلك الدرجات ويكفر به الخطيئات ويرحمك حيا وبعد الممات .
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .(1/27)
كتبه : طارق محمد الطواري
الكويت ـ السلام
من الغريب
للإمام علي بن الحسين بن علي بن ابي طالب
(كما تنسب اليه) زين العابدين رضي الله عنه
ليس الغريب غريب الشام واليمن
إن الغريب غريب اللحد والكفن
إن الغريب له حق لغربته
على المقيمين في الأوطان والسكن
لا تنهرن غريبا حال غربته
الدهر ينهره بالذل والمحن
سفري بعيد وزاد لن يبلغني
وقوتي ضعفت والموت يطلبني
ولي بقايا ذنوب لست أعلمها
الله يعلمها في السر والعلن
ما أحلم الله عني حيث أمهلني
وقد تماديت في ذنبي ويسترني
تمر ساعات أيامي بلا ندم
ولا بكاء ولا خوف ولا حزن
أنا الذي أغلق الأبواب مجتهدا
على المعاصي وعين الله تنظرني
يا زلة كتبت في غفلة ذهبت
يا حسرة بقيت في القلب تحرقني
دعني أنوح على نفسي وأندبها
وأقطع الدهر بالتذكير والحزن
دع عنك عذلي يا من كان يعذلني
لو كنت تعلم ما بي كنت تعذرني
دعني أسح دموعها لا انقطاع لها
فهل عسى عبرة منها تخلصني
كأنني بين تلك الأهل منطرحا
على الفراش وأيديهم تقلبني
كأنني وحولي من ينوح ومن
يبكي علي وينعاني ويندبني
وقد أتوا بطبيب كي يعالجني
ولم أر الطب هذا اليوم ينفعني
واشتد نزعي وصار الموت يجذبها
من كل عرق بلا رفق ولا هون
واستخرج الروح مني في تغرغرها
وصار ريقي مريرا حين غرغرني
وغمضوني وراح الكل وانصرفوا
بعد الإياس وجدوا في شرا الكفن
وقام من كان حب الناس في عجل
نحو المغسل يأتيني يغسلني
وقال يا قوم نبغي غسلا حذقا
حرا أديبا أريبا عارفا فطن
فجاءني رجل منهم فجردني
من الثياب وأعراني وأفردني
وأودعوني على الألواح منطرحا
وصار فوقي خرير الماء ينظفني
وأسكب الماء من فوقي وغسلني
غسلا ثلاثا ونادى القوم بالكفن
وألبسوني ثيابا لا كمام لها
وصار زادي حنوطي حين حنطني
وأخرجوني من الدنيا فوا أسفا
على رحيل بلا زاد يبلغني
وحملوني على الأكتاف أربعة
من الرجال وخلفي من يشيعني
وقدموني إلى المحراب وانصرفوا
خلف الإمام فصلى ثم ودعني(1/28)
صلوا علي صلاة لا ركوع لها
ولا سجود لعل الله يرحمني
وأنزلوني إلى قبري على مهل
وقدموا واحدا منهم يلحدني
وكشف الثوب عن وجهي لينظرني
وأسبل الدمع من عينيه أغرقني
فقام محترما بالعزم مشتملا
وصفف اللبن من فوقي وفارقني
وقال هيلوا عليه التراب واغتنموا
حسن الثواب من الرحمن ذي المنن
في ظلمة القبر لا أم هناك ولا
أب شفيق ولا أخ يؤنسني
وهالني صورة في العين إذ نظرت
من هول مطلع ما قد كان أدهشني
من منكر ونكير ما أقول لهما
قد هالني أمرهم جدا فأفزعني
وأقعدوني وجدوا في سؤالهم
مالي سواك إلهي من يخلصني
فامنن علي بعفو منك يا أملي
فإني موثق بالذنب مرتهن
تقاسم الأهل مالي بعدما انصرفوا
وصار وزري على ظهري فأثقلني
واستبدلت زوجتي بعلا لها بدلي
وحكمته في الأموال والسكن
وصيرت إبني عبدا ليخدمه
وصار مالي لهم حلا بلا ثمن
فلا تغرنك الدنيا وزينتها
وانظر إلى فعلها في الأهل والوطن
وانظر إلى من حوى الدنيا بأجمعها
هل راح منها بغير الحنط والكفن
خذ القناعة من دنياك وارض بها
لو لم يكن لك فيها ، إلا راحة البدن
يا زارع الخير تحصد بعده ثمرا
يا زارع الشر موقوف على الوهن
يا نفس ويحك توبي واعملي حسنا
عسى تجازين بعد الموت بالحسن
ثم الصلاة على المختار سيدنا
ما وضأ البرق في شام وفي يمن
والحمد لله ممسينا ومصبحنا
بالخير والعفو والإحسان والمنن
* * *
??
??
??
??
20(1/29)