دليل المرأة المسلمة
تأليف
الشيخ الدكتور:
علي بن سعيد بن علي الحجاج الغامدي
أستاذ الفقه بالمسجد النبوي الشريف
وعضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية (سابقاً)(1/1)
إن الحمد لله ، نحمده ، ونستعينه ، ونستغفره ، ونستهديه ، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ، وسيئات أعمالنا ، من يهده الله فلا مضل له ، ومن يضلل فلا هادي له ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله - صلى الله عليه وسلم - .
قال تعالى : { يَاأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا اتَّقُوا اللهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوُتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ } .
وقال تعالى : { يَاأَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ الَّذِيْ خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيْراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللهَ الَّذِيْ تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيْباً } . وقال الله تعالى : { يَاأَيُّهَا الَّذِيْنَ ءَامَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً - يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوْبَكُمْ وَمَنْ يُطِعْ اللهَ وَرَسُوْلَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزَاً عَظِيْماً } ، أما بعد :
فيقول الله تعالى : { وَمِنْ ءَايَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجَاً لِتَسْكُنَوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مِوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنْ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ } .(1)
وقال تعالى : { جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا وَمَنْ صَلَحَ مِنْ ءَابَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ وَالمَلائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلٍّ بَابٍ } .(2)
__________
(1) سورة الروم ، آية ( 21 ) .
(2) سورة الرعد ، آية ( 23 ، 24 ) .(2/1)
وقال الله تعالى : { إِنَّ المُسْلِمِينَ وَالمُسْلِمَاتِ وَالمُؤْمِنِيْنَ وَالمُؤْمِنَاتِ وَالقَانِتِيْنَ وَالقَانِتَاتِ وَالصَّادِقِيْنَ وَالصَّادِقَاتِ وَالخَاشِعِيْنَ وَالخَاشِعَاتِ وَالمُتَصَدِّقِيْنَ وَالمُتَصَدِّقَاتِ وَالصَّائِمِيْنَ وَالصَّائِمَاتِ وَالحَافِظِيْنَ فُرُوْجَهُمْ وَالحَافِظَاتِ وَالذَّاكِرِيْنَ اللهَ كَثِيْراً وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرَاً عَظِيْمَاً } .(1)
وقال الله تعالى : { يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَآءِ المُؤْمِنِيْنَ يُدْنِيْنَ عَلَيْهِنََّ مِنْ جَلابِيْبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللهُ غَفُوراً رَحِيْماً } .(2)
__________
(1) سورة الأحزاب ، آية ( 35 ) .
(2) سورة الأحزاب ، آية ( 59 ) .(2/2)
وقال الله تعالى : { وَقُلْ لِلمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوْجَهُنَّ وَلا يُبْدِيْنَ زِيْنَتَهُنَّ إِلاَّ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَليَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوْبِهِنَّ وَلا يُبْدِيْنَ زِيْنَتَهُنَّ إِلاَّ لِبُعُوْلَتِهِنَّ أَوْ ءَابَائِهِنَّ أَوَ آبَاءِ بُعُوْلَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاءِ بُعُوْلَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَائِهِنَّ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ أَوْ التَّابِعِيْنَ غَيْرِ أُوْلِي الإِرْبَةِ مِنْ الرِّجَالِ أَوْ الطِّفْلِ الذِيْنَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاءِ وَلا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِيْنَ مِنْ زِيْنَتِهِنَّ وَتُوبُوا إِلَى اللهِ جَمِيعاً أَيُّهَا المُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ - وَأَنْكِحُوا الأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِيْنَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ إِنْ يَكُونُوا فُقَرَآءَ يُغْنِهِمْ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ } . (1)
وقال الله تعالى : { وَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تُقْسِطُوا فِي اليَتَامَى فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنْ النِّسَآءِ مَثْنَى وَثُلاثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَنْ لا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ لا تَعُولُوا - وَءَاتُوا النِّسَآءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْسَاً فَكُلُوْهُ هَنِيْئاً مَرِيْئاً } .(2)
__________
(1) سورة النور ، آية ( 31 ـ 33 ) .
(2) سورة النساء ، آية ( 3 ، 4 ) .(2/3)
وقال الله تعالى : { لِلرِّجَالِ نَصِيْبٌ مِمَّا تَرَكَ الوَالِدَانِ وَالأَقْرَبُونَ وَلِلنِّسَاءِ نَصِيْبٌ مِمَّا تَرَكَ الوَالِدَانِ وَالأَقْرَبُونَ مِمَّا قَلَّ مِنْهُ أَوْ كَثُرَ نَصِيْبَاً مَفْرُوضَاً } . (1)
وقال الله تعالى : { يَا أَيُّهَا الَّذِيْنَ ءَامَنُوا لا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّسَآءَ كَرْهَاً وَلا تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ مَا ءَاتَيْتُمُوهُنَّ إِلاَّ أَنْ يَأْتِيْنَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ وَعَاشِرُوْهُنَّ بِالمَعْرُوْفِ فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئَاً وَيَجْعَلَ اللهُ فِيْهِ خَيْرَاً كَثِيراً - وَإِنْ أَرَدْتُمْ اسْتِبْدَالَ زَوْجٍ مَكَانَ زَوْجٍ وَءَاتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنْطَارَاً فَلا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئَاً أَتَأْخُذُوْنَهُ بُهْتَانَاً وَإِثْمَاً مُبِيْنَاً - وَكَيْفَ تَأْخُذُوْنَهُ وَقَدْ أَفْضَى بَعْضُكُمْ إِلَى بَعْضٍ وَأَخَذْنَ مِنْكُمْ مِيْثَاقَاً غَلِيْظَاً - وَلا تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ ءَابَاؤُكُمْ مِنْ النِّسَآءِ إِلاَّ مَا قَدْ سَلَفَ إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَمَقْتَاً وَسَآءَ سَبِيْلاً - حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ وَعَمَّاتُكُمْ وَخَالاتُكُمْ وَبَنَاتُ الأَخِ وَبَنَاتُ الأُخْتِ وَأُمَّهَاتُكُمْ الَّلاتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ مِنْ الرَّضَاعَةِ وَأُمَّهَاتُ نِسَآئِكُمْ وَرَبَآئِبُكُمْ الَّلاتِي فِي حُجُوْرِكُمْ مِنْ نِسَآئِكُمْ الَّلاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَإِنْ لَمْ تَكُونُوا دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ وَحَلائِلَ أَبْنَآئِكُمْ الَّذِيْنَ مِنْ أَصْلابِكُمْ وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الأُخْتَيْنِ إِلاَّ مَا قَدْ سَلَفَ إِنَّ اللهَ كَانَ غَفُوْراً رَحِيْماً - وَالمُحْصَنَاتُ مِنْ
__________
(1) سورة النساء ، آية ( 7 ) .(2/4)
النِّسَاءِ إِلاَّ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ كَتَابَ اللهَ عَلَيْكُمْ وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَآءَ ذَلِكُمْ أَنْ تَبْتَغُوا بِأَمْوَالِكُمْ مُحْصِنِيْنَ غَيْرَ مُسَافِحِيْنَ فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوْهُنَّ أُجُوْرَهُنَّ فَرِيْضَةُ وَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيْمَا تَرَاضَيْتُمْ بِهِ مِنْ بَعْدِ الفَرِيْضَةِ إِنَّ اللهَ كَانَ عَلِيْمَاً حَكِيْمًاً - وَمْنَ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلاً أَنْ يَنْكِحَ المُحْصَنَاتِ المُؤْمِنَاتِ فَمِنْ مَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ مِنْ فَتَيَاتِكُمْ المُؤْمِنَاتِ وَاللهُ أَعْلَمُ بِإِيْمَانِكُمْ بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ فَانْكِحُوْهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ وَءَاتُوْهُنَّ أُجُوْرَهُنَّ بِالمَعْرُوْفِ مُحْصَنَاتٍ غَيْرِ مُسَافِحَاتٍ وَلا مُتَّخِذَاتِ أَخْدَانٍ فَإِذَا أُحْصِنَّ فِإِنْ أَتَيْنَ بِفَاحِشَةٍ فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى المُحْصَنَاتِ مِنْ العَذَابِ ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ العَنَتَ مِنْكُمْ وَأَنْ تَصْبِرُوا خَيْرٌ لَكُمْ وَاللهُ غَفُورٌ رَحِيْمٌ } . (1)
__________
(1) سورة النساء ، الآيات ( 19 ـ 25 ) .(2/5)
وقال الله تعالى : { الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَآءِ بِمَا فَضَّلَ اللهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِلغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللهُ وَالَّلاتِي تَخَافُوْنَ نُشُوْزَهُنَّ فَعِظُوْهُنَّ وَاهْجُرُوْهُنَّ فِي المَضَاجِعِ وَاضْرِبُوْهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلاً إِنَّ اللهَ كَانَ عَلِيَّاً كَبِيراً - وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَمَاً مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَماً مِنْ أَهْلِهَا إِنْ يُرِيْدَا إِصْلاحَاً يُوَفِّقِ اللهُ بَيْنَهُمَا إِنَّ اللهَ كَانَ عَلِيْمَاً خَبِيْراً } . (1)
وقال الله تعالى : { وَلا تَتَمَنَّوا مَا فَضَّلَ اللهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ لِلرِّجَالِ نَصِيْبٌ مِمَّا اكْتَسَبُوا وَلِلنِّسَاءِ نَصِيْبٌ مِمَّا اكْتَسَبْنَ وَاسْئَلُوا اللهَ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّ اللهَ كَانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيْمَاً } . (2)
وقال الله تعالى : { أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفُثُ إِلَى نِسَآئِكُمْ هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ عَلِمَ اللهُ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَخْتَانُوْنَ أَنْفُسَكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ وَعَفَا عَنْكُمْ فَالآنَ بَاشِرُوْهُنَّ وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللهُ لَكُمْ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمْ الخَيْطُ الأَبْيَضُ مَنْ الخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنْ الفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ وِلا تُبَاشِرُوْهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُوْنَ فِي المَسَاجِدِ تِلْكَ حُدُوْدُ اللهِ فَلا تَقْرَبُوهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللهُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُوْنَ } . (3)
__________
(1) سورة النساء ، آية ( 34 ، 35 ) .
(2) سورة النساء ، آية ( 32 ) .
(3) سورة البقرة ، آية ( 187 ) .(2/6)
وقال الله تعالى : { وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَآءً بِمَا كَسَبَا نَكَالاً مِنْ اللهِ وَاللهُ عَزِيْزٌ حَكِيْمٌ } . (1)
وقال الله تعالى : { وَرَاوَدَتْهُ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِهَا عَنْ نَفْسِهِ وَغَلَّقَتْ الأَبْوَابَ وَقَالَتْ هَيْتَ لَكَ قَالَ مَعَاذَ اللهِ إِنَّهُ رَبِّيْ أَحْسَنَ مَثْوَايَ إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الظَّالِمُوْنَ } . (2)
وقال الله تعالى حكاية عن ابنة شعيب : { فَجَآءَتْهُ تَمْشِيْ عَلَى اسْتِحْيَاءٍ قَالَتْ إِنَّ أَبِيْ يَدْعُوْكَ لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ مَا سَقَيْتَ لَنَا .. } . (3)
وقال الله تعالى : { ضَرَبَ اللهُ مَثَلاً لِلَّذِيْنَ كَفَرُوا امْرَأَتَ نُوْحٍ وَامْرَأَتَ لُوْطٍ كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَالِحَيْنِ فَخَانَتَاهُمَا فَلَمْ يُغْنِيَا عَنْهُمَا مِنْ اللهِ شَيْئَاً وَقِيْلَ ادْخُلا النَّارِ مَعَ الدَّاخِلِيْنَ - وَضَرَبَ اللهُ مَثَلاً لِلَّذِيْنِ ءَامَنُوا امْرَأَتَ فِرْعَوْنَ إِذْ قَالَتْ رِبِّ ابْنِ لِي عَنْدَكَ بَيْتَاً فِي الجَنَّةِ وَنَجِّنِي مِنْ فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ وَنَجِّنِي مِنْ القَوْمِ الظَّالِمِيْنَ - وَمَرْيَمَ ابْنَةَ عِمْرَانَ الَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيْهِ مِنْ رُوْحِنَا وَصَدَّقَتْ بِكَلِمَاتِ رَبِّهَا وَكُتُبِهِ وَكَانَتْ مِنْ القَانِتِيْنَ } .(4)
وقال الله تعالى : { تَبَّتْ يَدَا أَبِيْ لَهَبٍ وَتَبَّ - مَا أَغْنَى عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَبَ - سَيَصْلَى نَارَاً ذَاتَ لَهَبٍ - وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الحَطَبِ - فِي جِيْدِهَا حَبْلٌ مِنْ مَسَدٍ } . (5)
__________
(1) سورة المائدة ، آية ( 38 ) .
(2) سورة يوسف ، آية ( 23 ) .
(3) سورة القصص ، آية ( 25 ) .
(4) سورة التحريم ، الآيات ( 10 ـ 12 ) .
(5) سورة المسد .(2/7)
وقال الله تعالى : { وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِمَا ضَرَبَ لِلَّرَّحْمَنِ مَثَلاً ضَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدّاً وَهُوَ كَظِيْمٌ - أَوَ مَن يُّنشَّأُ فِي الحِلْيَةِ وَهُوَ فِي الخِصَامِ غُيْرُ مُبِيْنٍ } . (1)
وقال الله تعالى : { وَإِذَا المَوْؤُدَةُ سُئِلَتْ - بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ } . (2)
وقال تعالى : { وَلا تَنْكِحُوا المُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ وَلأَمَةٌ مُؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكَةٍ وَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ وَلا تَنْكِحُوا المُشْرِكِيْنَ حَتَّى يُؤْمِنُوا وَلَعَبْدٌ مُؤْمِنٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكٍ وَلَوْ أَعْجَبَكُمْ أُوْلَئِكَ يَدْعُوْنَ إِلَى النَّارِ وَاللهُ يَدْعُوْ إِلَى الجَنَّةِ وَالمَغْفِرَةِ بِإِذْنِهِ وَيُبَيِّنُ ءَايَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُوْنَ } . (3)
وقال الله تعالى : { وَيَسْأَلُوْنَكَ عَنْ المَحِيْضِ قُلْ هُوَ أَذَىً فَاعْتَزِلُوا النِّسَآءَ فِي المَحِيْضِ وَلا تَقْرَبُوْهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوْهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمْ اللهُ إِنَّ اللهَ يُحِبُّ التَّوَّابِيْنَ وَيُحِبُّ المُتَطَهِّرِيْنَ - نِسَآؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ وَقَدِّمُوا لأَنَفُسِكُمْ وَاتَّقُوا اللهَ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ مُلاقُوْهُ وَبَشِّرِ المُؤْمِنِيْنَ } .(4)
__________
(1) الزخرف ، آية ( 17 ، 18 ) .
(2) سورة التكوير ، آية ( 8 ، 9 ) .
(3) سورة البقرة ، آية ( 221 ) .
(4) سورة البقرة ، آية ( 222 ، 223 ) .(2/8)
وقال الله تعالى : { لِلَّذِيْنَ يُؤْلُوْنَ مِنْ نِسَآئِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَإِنْ فَاءُوا فَإِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيْمٌ - وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلاقَ فِإْنْ اللهَ سَمِيْعٌ عَلِيْمٌ - وَالمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوْءٍ وَلا يَحِلُّ لَهُنَّ أَنْ يَكْتُمْنَ مَا خَلَقَ اللهُ فِي أَرْحَامِهِنَّ إِنْ كُنَّ يُؤْمِنَّ بِاللهِ وَاليَوْمِ الآخِرِ وَبُعُوْلَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذَلِكَ إِنْ أُرَادُوا إِصْلاحَاً وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالمَعْرُوْفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةً وَاللهُ عَزِيْزٌ حَكِيْمٌ } . (1)
__________
(1) سورة البقرة ، الآيات ( 226 ـ 228 ) .(2/9)
وقال تعالى : { وَإِذَا طَلَّقْتُمْ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوْهُنَّ بِمَعْرُوْفٍ أَوْ سَرِّحُوْهُنَّ بِمَعْرُوْفٍ وَلا تُمْسِكُوْهُنَّ ضِرَارَاً لِتَعْتَدُوا وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ وَلا تَتَّخِذُوا آيَاتِ اللهِ هُزْواً وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللهِ عَلَيْكُمْ وَمَآ أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ الكِتَابِ وَالحِكْمَةِ يَعِظُكُمْ بِهِ وَاتَّقُوا اللهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيْمٌ - وَإِذَا طَلَّقْتُمْ النِّسَآءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلا تَعْضُلُوْهُنَّ أَنْ يَنْكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ إِذَا تَرَاضَوا بَيْنَهُمْ بِالمَعْرُوفِ ذَلِكَ يُوْعَظُ بِهِ مَنْ كَانَ مِنْكُمْ يُؤْمِنُ بِاللهِ وَاليَوْمِ الآخِرِ ذَلِكُمْ أَزْكَى لَكُمْ وَأَطْهَرُ وَاللهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُوْنَ - وَالوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ وَعَلَى المَوْلُوْدِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالمَعْرُوْفِ لا تُكَلَّفُ نَفْسٌ إِلاَّ وُسْعَهَا لا تَضَارَّ وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا وَلا مَوْلُوْدٌ لَهُ بِوَلَدِهِ وَعَلَى الوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ فَإِنْ أَرَادَا فِصَالاً عَنْ تَرَاضٍ مِنْهُمَا وَتَشَاوُرٍ فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا وَإِنْ أَرَدْتُمْ أَنْ تَسْتَرْضِعُوا أَوْلادَكُمْ فَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِذَا سَلَّمْتُمْ مَآ ءَاتَيْتُمْ بِالمَعْرُوفِ وَاتَّقُوا اللهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيْرٌ - وَالَّذِيْنَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُوْنَ أَزْوَاجَاً يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرَاً فِإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيْمَا فَعَلْنَ فِي أَنْفُسِهِنَّ بِالمَعْرُوفِ وَاللهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ }(2/10)
. (1)
وقال تعالى : { وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوْهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيْضَةً فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ إِلاَّ أَنْ يَعْفُوْنَ أَوْ يَعْفُوَ الَّذِيْ بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ وَأَنْ تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَلا تَنْسَوُا الفَضْلَ بَيْنَكُمْ إِنَّ اللهَ بِمَا تَعْمَلُوْنَ بَصِيرٌ } . (2)
وقال تعالى : { وَلِلمُطَلَّقَاتِ مَتَاعٌ بِالمَعْرُوْفِ حَقَّاً عَلَى المُتَّقِيْنَ } . (3)
وقال تعالى : { يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمْ النِّسَآءَ فَطَلِّقُوْهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ وَأَحْصُوا العِدَّةَ وَاتَّقُوا اللهَ رَبَّكُمْ لا تُخْرِجُوْهُنَّ مِنْ بُيُوْتِهِنَّ وَلا يَخْرُجْنَ إِلاَّ أَنْ يَأْتِيْنَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ وَتِلْكَ حُدُوْدُ اللهِ وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُوْدَ اللهَ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ لا تَدْرِيْ لَعَلَّ اللهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْراً } . (4)
وقال تعالى : { وَالَّلائِي يَئِسْنَ مِنْ المَحِيْضِ مِنْ نِسَآئِكُمْ إِنْ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلاثَةُ أَشْهُرٍ وَالَّلائِي لَمْ يَحِضْنَ وَأُوْلاتُ الأَحْمَالَ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ .. } . (5)
__________
(1) سورة البقرة ، الآيات ( 231 ـ 234 ) .
(2) سورة البقرة ، آية ( 237 ) .
(3) سورة البقرة ، آية ( 241 ) .
(4) سورة الطلاق ، آية ( 1 ) .
(5) سورة الطلاق ، آية ( 4 ) .(2/11)
وقال تعالى : { أَسْكِنُوْهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنْتُمْ مِنْ وُجْدِكُمْ وَلا تُضَآرُّوْهُنَّ لِتُضَيِّقُوا عَلَيْهِنَّ وَإِنْ كُنَّ أُوْلاتُ حَمْلٍ فَأَنْفِقُوا عَلَيْهِنَّ حَتَّى يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوْهُنَّ أُجُوْرَهُنَّ وَأْتَمِرُوا بَيْنَكُمْ بِمَعْرُوفٍ وَإِنْ تَعَاسَرْتُمْ فَسَتُرْضِعُ لَهُ أُخْرَى - لِيُنْفِقْ ذُوْ سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رْزْقُهُ فَلْيُنْفِقْ مِمَّآ ءَاتَاهُ اللهُ لا يُكَلِّفُ اللهُ نَفْسَاً إِلاَّ مَآ ءَاتَاهَا سَيَجْعَلُ اللهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْرَاً } .(1)
وقال الله تعالى : { يَوْمَ يَفِرُّ المَرْءُ مِنْ أَخِيِهِ - وَأُمِّهِ وَأَبِيْهِ - وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيْهِ - لِكُلِّ امْرِئٍ مُنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيْهِ } . (2)
وفي الحديث الذي رواه عمرو بن الأحوص الذي في حجة الوداع : أن
النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : (( ألا واستوصوا بالنساء خيراً ، فإنهن عوان
عندكم )) . (3)
وعن عائشة رضي الله عنها قالت : قلت : يا رسول الله ! كل صواحبي لهن كنى ، قال : (( فاكتني بابنك عبد الله بن الزبير )) ، فكانت تكنى أم عبد الله.(4)
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال : نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يخطب المرء على خطبة أخيه ، ولا تسأل المرأة طلاق أختها لتكفأ ما في إنائها . (5)
وحديث عمر - رضي الله عنه - لما سأل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، فقال له - صلى الله عليه وسلم - : (( ألا أخبرك بخير ما يكنز المرء ؟ المرأة الصالحة ، إذا نظر إليها زوجها سرته ، وإذا أمرها أطاعته ، وإذا غاب عنها حفظته )) . (6)
__________
(1) سورة الطلاق ، آية ( 6 ، 7 ) .
(2) سورة عبس ، الآيات ( 34 ـ 37 ) .
(3) أخرجه الترمذي وصححه .
(4) أخرجه أبو داود .
(5) أخرجه الستة .
(6) أخرجه أبو داود .(2/12)
وحديث مرثد ، وقد استأذن النبي - صلى الله عليه وسلم - أن ينكح عناقاً ، وكانت امرأة زانية بمكة ، فأنزل الله تعالى : { الزَّانِيْ لا يَنْكِحُ إِلاَّ زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً ، وَالزَّانِيَةُ لا يَنْكِحُهَا إِلاَّ زَانٍ أَوْ مُشْرِكٍ وَحُرِّمَ ذَلِكَ عَلَى المُؤْمِنِيْنَ } (1) فقال - صلى الله عليه وسلم - : (( يا مرثد لا تنكحها )) . (2)
وعن عائشة رضي الله عنها قالت : كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا أراد سفراً ضرب القرعة بين نسائه ، فأيتهن خرج اسمها خرج بها معه . (3)
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - في تفسير قوله تعالى : { وَيُؤْثِرُوْنَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ } (4) : أن رجلاً من الأنصار بات عنده ضيف ، ولم يكن عنده إلا قوته وقوت صبيانه ، فقال لامرأته : نوِّمي الصبية ، واطفئي السراج ، وقربي للضيف ما عندك ، فنزلت الآية . (5)
وعن عبد الله بن زمعة في حديث طويل قال : سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يخطب ، فذكر النساء ووعظ بهن ، ثم قال : (( يعمد أحدكم فيجلد امرأته جلد العبد ، فلعله يضاجعها آخر يومه .. )) الحديث . (6)
وعن أم عطية رضي الله عنها قالت : (( غزوت مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سبع غزوات ، وكنت أخلفهم في رحالهم ، أصنع لهم الطعام ، وأداوي الجرحى ، وأقوم على المرضى )) . (7)
وعن أم هانئ رضي الله عنها قالت : أجرت رجلين من أحمائي ، فأرادوا قتلهما ، فأتت النبي - صلى الله عليه وسلم - فأخبرته ، فقال : (( أجرنا من أجرت يا أم هانئ )) . (8)
__________
(1) سورة النور ، آية ( 3 ) .
(2) أخرجه أصحاب السنن .
(3) رواه الخمسة إلا أبا داود .
(4) سورة الحشر ، آية ( 9 ) .
(5) أخرجه الترمذي وصححه .
(6) أخرجه الشيخان .
(7) أخرجه مسلم .
(8) أخرجه الستة إلا النسائي .(2/13)
وعن ابن جريج قال : أخبرني عطاء إذ منع ابن هشام النساء الطواف مع الرجال ، قال : كيف يمنعهن وقد طافت نساء النبي - صلى الله عليه وسلم - مع الرجال ؟ قال : قلت : أبعد الحجاب أم قبله ؟ قال : لقد أدركته بعد الحجاب ، قال: قلت : كيف يخالطن الرجال ؟ قال : لم يكن يخالطن الرجال ، كانت عائشة رضي الله عنها تطوف حَجَرة من الرجال لا تخالطهم ، فقالت امرأة : انطلقي نستلم يا أم المؤمنين ، قالت: انطلقي عنك وأبت ، وكن يخرجن متنكرات بالليل . (1)
وعن علي - رضي الله عنه - قال : نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن تحلق المرأة رأسها . (2)
وعن ميمونة رضي الله عنها أنها كانت تكبر يوم النحر ، وكان النساء يكبرن خلف أبان بن عثمان . (3)
وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : (( والمرأة في بيت زوجها راعية وهي مسؤولة عن رعيتها )) .(4)
وعن أبي بكرة - رضي الله عنه - قال : لما بلغ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن أهل فارس ملكوا عليهم بنت كسرى ، قال : (( لن يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة )) . (5)
وعن ثوبان - رضي الله عنه - قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (( أيما امرأة اختلعت من زوجها من غير ما بأس لم ترح رائحة الجنة )) . (6)
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : (( إن امرأة بغياً رأت كلباً في يوم حارٍ يطوف ببئر ، وقد أدلع لسانه من شدة العطش ، فنزعت له موقها ، فغفر لها به )) . (7)
__________
(1) أخرجه البخاري . ومعنى : ( تطوف حَجَرة ) - بفتحتين - أي : في ناحية منفردة .
(2) أخرجه الترمذي .
(3) أخرجه البخاري .
(4) أخرجه الخمسة إلا النسائي .
(5) أخرجه البخاري وغيره .
(6) أخرجه الترمذي .
(7) أخرجه أبو داود .(2/14)
وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : (( دخلت امرأة النار في هرة ، قد ربطتها فلم تطعمها ، ولم تدعها تأكل من خشاش الأرض)).(1)
وعن عائشة رضي الله عنها قالت : قال لي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : (( إن سرَّكِ اللحوق بي فليكفك من الدنيا كزاد الراكب ، وإياك ومجالسة الأغنياء ، ولا تستخلفي ثوباً حتى ترقيعه )) . (2)
وعن أنس - رضي الله عنه - ، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال لعائشة رضي الله عنها : (( يا عائشة ! لا تردي المسكين ولو بشق تمرة ، عائشة أحبي المساكين وقربيهم يقربك الله تعالى يوم القيامة )) . (3)
وعن أنس - رضي الله عنه - قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : (( حُبِّب إلي النساء والطيب ، وجعلت قرة عيني في الصلاة )) . (4)
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : (( طيب الرجال : ما ظهر ريحه وخفي لونه ، وطيب النساء : ما ظهر لونه وخفي ريحه )) .(5)
وعن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : (( لا ينظر الرجل إلى عورة الرجل ، ولا المرأة إلى عورة المرأة ، ولا يفضي الرجل إلى الرجل في الثوب الواحد ، ولا تفضي المرأة إلى المرأة في الثوب الواحد )) . (6)
وعن عائشة رضي الله عنها قالت : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : (( لا يقبل الله تعالى صلاة الحائض إلا بخمار )) . (7)
وعنها رضي الله عنها قالت: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يصلي من الليل وأنا معترضة بينه وبين القبلة كاعتراض الجنازة، فإذا أراد أن يوتر أيقظني فأوترت)).(8)
__________
(1) رواه الشيخان .
(2) أخرجه الترمذي .
(3) أخرجه الترمذي .
(4) أخرجه النسائي .
(5) أخرجه الترمذي والنسائي .
(6) أخرجه مسلم .
(7) أخرجه أبو داود والترمذي .
(8) أخرجه الستة إلا الترمذي .(2/15)
وعن أم هشام بنت حارثة بن النعمان قالت : ما أخذت { قَ - وَالقُرْآنِ المَجِيدِ } إلا من لسان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوم الجمعة ، يقرأ بها على المنبر في كل جمعة .(1)
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : (( رحم الله رجلاً قام من الليل فصلى وأيقظ امرأته ، فإن أبت نضح في وجهها الماء ، رحم الله امرأة قامت من الليل فصلت وأيقظت زوجها، فإن أبى نضحت في وجهه الماء )) .(2)
وعن أم عطية رضي الله عنها قالت : أمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يخرج في العيد العواتق وذوات الخدور ، والحيض ، فأما الحيض فيشهدن جماعة المسلمين ودعاءهم، ويعتزلن مصلاهم . (3)
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - : أن امرأة سوداء كانت تقم المسجد ، ففقدها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فسأل عنها ، فقالوا : ماتت ، فقال : (( أفلا كنتم آذنتموني ؟ )) فكأنموا صغروا أمرها ، فقال : (( دلوني على قبرها )) ، فدلوه ، فصلى عليها ، ثم قال : (( إن هذه القبور مملوءة ظلمة على أهلها ، وإن الله تعالى ينورها لهم بصلاتي عليهم )) . (4)
وعن أسامة بن زيد رضي الله عنهما قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (( ما تركت بعدي فتنة هي أضر على الرجال من النساء )) . (5)
وعن عائشة رضي الله عنها قالت : (( كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يعطيني السواك لأغسله ، فأبدأ به فأستاك ، ثم أغسله فأدفعه إليه )) . (6)
__________
(1) أخرجه مسلم .
(2) أخرجه أبو داود والنسائي .
(3) أخرجه الخمسة .
(4) أخرجه الشيخان .
(5) أخرجه الشيخان .
(6) أخرجه أبو داود .(2/16)
وعن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - قال : قالت النساء للنبي - صلى الله عليه وسلم - يا رسول الله ! غلبنا عليك الرجال ، فاجعل لنا يوماً من نفسك ، فوعدهن يوماً ، فوعظهن وأمرهن ، وكان فيما قال لهن : (( ما منكن امرأة تقدم ثلاثة من ولدها إلا كان ذلك لها حجاباً من النار )) ، فقالت امرأة : يا رسول الله! واثنين ؟ قال :
(( واثنين )) . (1)
وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : (( من جر ثوبه خيلاء لم ينظر الله إليه يوم القيامة )) ، فقالت أم سلمة رضي الله عنها : كيف تصنع النساء بذيولهن ؟ قال : (( يرخين شبراً )) قالت : إذاً تنكشف أقدامهن ، قال : (( فيرخين ذراعاً ولا يزدن عليه )) . (2)
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : (( لا تحقرن جارة لجارتها ولو فرسن شاة )) . (3)
وعن ابن مسعود - رضي الله عنه - قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : (( لا تباشر المرأة المرأة فتنعتها لزوجها كأنه ينظر إليها )) . (4)
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : (( صنفان من أهل النار لم أرهما : قوم معهم سياط كأذناب البقر يضربون بها الناس ، ونساء كاسيات عاريات، مائلات مميلات ، رؤوسهن كأسنمة البخت ، لا يدخلن الجنة ، ولا يرحن ريحها ، وإن ريحها ليوجد من مسيرة كذا وكذا )) . (5)
وعن ابن عمر رضي الله عنهما ، عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : (( المرأة عورة، وإنها إذا خرجت من بيتها استشرفها الشيطان ، وإنها لا تكون أقرب إلى الله منها في قعر بيتها )) . (6)
__________
(1) أخرجه الشيخان .
(2) أخرجه أصحاب السنن .
(3) أخرجه الترمذي . وفرسن الشاة : ظلفها .
(4) أخرجه أبو داود والترمذي .
(5) أخرجه مسلم .
(6) رواه الطبراني في الأوسط ، ورجاله رجال الصحيح .(2/17)
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - : أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : (( لا يحل لامرأة أن تصوم وزوجها شاهد إلا بإذنه ، ولا تأذن في بيته إلا بإذنه )) . (1)
وعن أبي سعيد - رضي الله عنه - قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : (( إن من شر الناس عند الله منزلة يوم القيامة : الرجل يفضي إلى امرأته وتفضي إليه ، ثم ينشر أحدهما سر صاحبه )) . (2)
وفي الصحيحين من حديث ابن عمر ، وابن مسعود رضي الله عنهم ، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لعن الواشمة والمستوشمة ، والواصلة والمستوصلة ، والنامصة والمتنمصة ، ولعن المتفلجات للحسن ، المغيرات لخلق الله .
وعن عقبة بن عامر - رضي الله عنه - : أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يمنع أهله الحلية والحريرة، ويقول : (( إن كنتم تحبون حلية الجنة وحريرها فلا تلبسوها في الدنيا )). (3)
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : (( إذا صلت المرأة خمسها، وحصنت فرجها، وأطاعت بعلها، دخلت من أي أبواب الجنة شاءت )) . (4)
هذه النصوص من القرآن والسنة غيض من فيض مما عنى به الإسلام في شأن المرأة ، فقد أمر باحترامها وإعزازها وإكرامها ، سواء كانت أماً أم زوجة ، أم أختاً ، أم بنتاً .
__________
(1) متفق عليه .
(2) رواه مسلم .
(3) رواه النسائي ، والحاكم ، وقال : (( صحيح على شرطهما )) .
(4) رواه ابن حبان في صحيحه .(2/18)
وقد تناول الباحثون موضوع المرأة منذ الزمن الغابر بالبحث والتفصيل في أحكام النساء ، فجاءت كتاباتهم بين مطوَّل قد لا يستفيد منه إلا المختصات بالبحث ، وبين قصير اختص كاتبه ببحث بعض ما يتعلق بالمرأة ، فرأيت أن الحاجة ماسة إلى كتيب يصلح دليلاً للمرأة ، يجمع بين طياته بيان عقيدة المرأة المسلمة إجمالاً ، ثم يبين عبادتها ، ويبرز ما عليها من واجبات ، وما لها من الحقوق، ثم يتحدث بالتفصيل في الأحكام الخاصة بها ، وبخاصة تلك الأمور المتعلقة بزينتها مما استحدث .
وقد حصرت مباحثه في الخطة التالية :
مقدمة ، تمهيد ، ثلاثة أبواب
تحدثت في المقدمة عن مكانة المرأة من حيث هي ، مع ذكر بعض ما قصه علينا كتاب الله تعالى من أمر النساء ، سواء الصالحات منهن أو الطالحات.
واستعرضت في المقدمة أيضاً باختصار مكانة المرأة عند الأقدمين ، كاليونان، والرومان ، واليهود ، والنصارى ، والفرس ، والعرب الجاهليين قبيل الإسلام .
أما التمهيد فكان الحديث فيه عن تكريم الإسلام للمرأة ، أياً كانت قرابتها، أو منزلتها .
أما أبواب البحث فهي ثلاثة :
الباب الأول : المرأة وأركان الإسلام
فيه تمهيد ، وخمسة فصول :
التمهيد : في بيان عقيدة المرأة المسلمة إجمالاً ، ويشمل :
1 ـ تعريف العقيدة .
2 ـ أهمية العقيدة .
3 ـ بيان مراتب الدين الثلاثة : الإسلام ، الإيمان ، الإحسان .
الفصل الأول : الشهادتان ، ويشمل :
1 ـ تعريف موجز بشطر الشهادتين .
2 ـ فضل الشهادتين ، ومنزلتهما من الدين ، ولماذا كانتا ركناً واحداً .
3 ـ شروط تحققهما إجمالاً .
4 ـ نواقضهما إجمالاً .
5 ـ الآثار المترتبة على تطبيق العقيدة ، أو الانحراف عنها.
الفصل الثاني : الصلاة ، وفيها تمهيد وسبعة مباحث :
التمهيد : وفيه بيان منزلة الصلاة من الدين .
المبحث الأول : حكم الصلاة وبيان عقوبة تاركها .
المبحث الثاني : شروطها .
المبحث الثالث : أركانها .
المبحث الرابع : واجباتها .(2/19)
المبحث الخامس : سننها .
المبحث السادس : مبطلاتها .
المبحث السابع : صلاة التطوع .
الفصل الثالث : الزكاة ، وفيه ستة مباحث :
المبحث الأول : الأصل فيها ، وبيان حكمها .
المبحث الثاني : شروطها ، وبيان ما تجب فيه .
المبحث الثالث : تفصيل أنصبة الزكاة ، وتحديد القدر الواجب إخراجه.
المبحث الرابع : زكاة الفطر .
المبحث الخامس : صدقة التطوع .
المبحث السادس : مصارف الزكاة .
الفصل الرابع : الصيام ، وفيه خمسة مباحث :
المبحث الأول : تعريفه ، والأصل فيه ، وبيان فوائده .
المبحث الثاني : أنواعه ، وشروطه ، وفرضه .
المبحث الثالث : السنن فيه .
المبحث الرابع : ما تتجنبه وهي صائمة ، والعمل إذا حاضت المرأة أو نفست فيه ، وأحوال المرأة في الصوم .
المبحث الخامس : صيام التطوع .
الفصل الخامس : الحج والعمرة ، وفيه خمسة مباحث :
المبحث الأول : الأصل فيه ، وشروطه ، وحكم الإنابة فيه .
المبحث الثاني : أنواع النسك ، وبيان أفضلها .
المبحث الثالث : صفة العمرة .
المبحث الرابع : صفة الحج .
المبحث الخامس : أحكام الزيارة .
الباب الثاني : واجبات المرأة المسلمة وحقوقها
وفيه فصلان :
الفصل الأول : واجباتها ، ومسؤوليتها ، وفيه ثمانية مباحث :
المبحث الأول : واجبها نحو ربها .
المبحث الثاني : واجبها نحو نبيها - صلى الله عليه وسلم - .
المبحث الثالث : مسؤوليتها نحو دينها .
المبحث الرابع : مسؤوليتها نحو نفسها .
المبحث الخامس : مسؤوليتها نحو والديها .
المبحث السادس : مسؤوليتها نحو زوجها .
المبحث السابع : مسؤوليتها نحو أولادها .
المبحث الثامن : مسؤوليتها نحو أقاربها .
الفصل الثاني : حقوق المرأة المسلمة ، وفيه ثلاثة مباحث :
المبحث الأول : الحقوق العامة ، وفيه : تمهيد ، وسبع مسائل :
التمهيد : يبين فيه تعريف الحق ومصدره ، والقصد منه ، وترتيب الحقوق، وانتفاء الضرر باستعمال الحق ، ثم بيان تنوع الحق .(2/20)
المسألة الأولى : حرية المرأة الشخصية .
المسألة الثانية : حرية المسكن .
المسألة الثالثة : حق حرية إبداء الرأي .
المسألة الرابعة : حق التعليم .
المسألة الخامسة : حق المرأة في التملك .
المسألة السادسة : حق المرأة في الزواج .
المسألة السابعة : حق المرأة في الوصية .
المبحث الثاني : الحقوق الخاصة ، وفيه ثلاث مسائل :
المسألة الأولى : حقها على أبيها وأمها .
المسألة الثانية : حقها على زوجها .
المسألة الثالثة : حقها على المجتمع .
المبحث الثالث : الحقوق المشتركة ، وفيه أربع مسائل :
المسألة الأولى : حسن العشرة والمعاشرة .
المسألة الثانية : التعاون على البر والتقوى .
المسألة الثالثة : حق التوارث .
المسألة الرابعة : حق الترويح عن النفس .
الباب الثالث : الأحكام الخاصة بالمرأة
وفيه ثلاثة فصول :
الفصل الأول : أحكام الطهارة ، وفيه أربعة مباحث :
المبحث الأول : أحكام الحيض ، وفيه ثلاث مسائل :
المسألة الأولى : الأصل فيه ، وتعريفه .
المسألة الثانية : تحديد زمنه ، وبيان مدته .
المسألة الثالثة : الأحكام التي تتعلق بالحائض .
المبحث الثاني : أحكام الاستحاضة .
المبحث الثالث : أحكام النفاس .
المبحث الرابع : أحكام الجنابة ، وفيه مسائل ثلاث رئيسة :
المسألة الأولى : آداب الجماع .
المسألة الثانية : صفة الغسل الكامل .
المسألة الثالثة : أحكام تتعلق بالغسل .
الفصل الثاني : أحكام المعاشرة ، وفيه ثلاثة مباحث :
المبحث الأول : أحكام النكاح ، وفيه سبع مسائل :
المسألة الأولى : تعريفه ، والأصل فيه ، وبيان فضله .
المسألة الثانية : الخطبة ، وآدابها .
المسألة الثالثة : أركان النكاح ، وشروطه .
المسألة الرابعة : عقد النكاح .
المسألة الخامسة : العيوب فيه .
المسألة السادسة : أحكام الصداق .
المسألة السابعة : الشروط فيه .
المبحث الثاني : أحكام المفارقة ، وفيه ستة مطالب :
المطلب الأول : الطلاق ، وفيه ست مسائل .(2/21)
المسألة الأولى : تعريفه ، والأصل فيه ، وبيان حكمه .
المسألة الثانية : الحكمة فيه .
المسألة الثالثة : أنواع الطلاق ، وأقسام المطلقات .
المسألة الرابعة : الألفاظ التي يقع بها ، وحكم تعليقه .
المسألة الخامسة : الحلف بالطلاق .
المسألة السادسة : حكم التوكيل فيه .
المطلب الثاني : الرجعة .
المطلب الثالث : الإيلاء .
المطلب الرابع : الظهار .
المطلب الخامس : الخلع .
المطلب السادس : اللعان .
المبحث الثالث : العدة والإحداد ، وفيه مطلبان :
المطلب الأول : العدة .
المطلب الثاني : الإحداد .
المبحث الرابع : الرضاع .
المبحث الخامس : الكفالة .
الفصل الثالث : زينة المرأة المسلمة ، وفيه :
مقدمة : يبين فيها معنى الزينة ، وقيمة الحياء في حياة الإنسان .
المبحث الأول : زينة المرأة في اللباس ، وفيه ثلاث مسائل :
المسألة الأولى : لباس النساء في العهد النبوي .
المسألة الثانية : الضوابط الشرعية للباس المرأة المسلمة .
المسألة الثالثة : حذاء المرأة المسلمة .
المبحث الثاني : زينة المرأة في التحلي :
أ ـ ما يباح منها .
ب ـ ما يحرم منها .
المبحث الثالث : الطيب ، وفيه أربعة مسائل :
المسألة الأولى : حكمه ، وبيان الأصل فيه .
المسألة الثانية : صفة المسنون فيه للرجال والنساء .
المسألة الثالثة : حكم خروج المرأة متطيبة .
المسألة الرابعة : حكم استعمال العطور المخلوطة بالكحول .
المبحث الرابع : وسائل التجميل ، وفيها ثلاث مسائل :
المسألة الأولى : حث الشارع المرأة على التزين بالمباح .
المسألة الثانية : حكم استعمال وسائل التجميل الحديثة ، وهل لذلك
أضرار ؟
المسألة الثالثة : حكم جراحة التجميل .
المبحث الخامس : الزينة المحرمة ، وفيه خمس مسائل .
المسألة الأولى : التبرج .
المسألة الثانية : وصل الشعر بغيره .
المسألة الثالثة : الوشم .
المسألة الرابعة : النمص .
المسألة الخامسة : التفليج ، والوشر .(2/22)
المبحث السادس : الزينة المتعلقة بشعر المرأة ، وفيه ست مسائل :
المسألة الأولى : أهمية تربية الشعر للمرأة .
المسألة الثانية : حكم ترجيله، ودهنه، والتوقيت في ذلك .
المسألة الثالثة : حكم فرق الشعر ، وجعله ذوائب .
المسألة الرابعة : حكم تقصيره وقصه ، ونتف الشيب .
المسألة الخامسة : حكم خضابه ، والصبغات المحدثة .
المسألة السادسة : حكم الذهاب لمزينة الشعر المعروفة بـ ( الكوافيرة ) .
وبعد فأحسب أن هذا الكتيب جمع ما تفرق من أحكام في شأن المرأة ، ولعله يسد حاجة عصرية قائمة في حقها ، وأسأل الله تعالى أن ينفع به ، وأن يجعله عملاً خالصاً لوجهه يوم نلقاه .
هذا وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين ، وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا ونبينا محمد وآله وصحبه وسلم .
... ... ... ... كتبه الفقير إلى الله تعالى
... ... علي بن سعيد بن علي الحجاج الغامدي
... في صبيحة يوم الخميس الموافق 8/ 10/ 1418هـ(2/23)
تقديم :
النساء شقائق الرجال ، وقد اقتضت حكمة الشارع الحكيم استخلاف آدم في الأرض ليعمرها بشرع الله فخلق من تلك النفس امرأة تعينها على القيام بتلك المهمة ، قال تعالى : { وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجَاً لِتَسْكُونُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِيْ ذَلِكَ لآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ } . (1)
فعمارة الأرض منوطة بهذا الكائن البشري المكوَّن من الرجل والمرأة ، والأصل في منهج حياة هذا الكائن الذي أسكنه الله في الأرض : الوحي المنزَّل من خالق الكون والحياة الذي سيعيده إليه : { كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيْدُهُ وَعْدَاً عَلَيْنَا إِنَّا كُنَّا فَاعِلِينَ } . (2)
ولقد قصَّ علينا القرآن مواقف للمرأة متباينة ، فأثنى على موقف زوجة إبراهيم وامرأة فرعون ومريم ابنة عمران ، وذكر حياء ابنة شعيب . ولا شكَّ أن هناك نساءً كُثر لهنَّ نفس المواقف كُنَّ عوناً على نشر الدين وإحقاق الحق ومساعدة الأزواج في القيام بمهام الحياة .
وذكر نوعاً آخر من النساء فذمَّ مواقفهنَّ كامرأة نوحٍ وامرأة لوطٍ وامرأة العزيز .
ولا شكَّ أن الخلق منذ بدء الخليقة إلى بعث نبينا محمدٍ صلى الله عليه وآله وسلم وهم بين مدٍّ وجزرٍ ، وبعث أنبياء ورسل ، وفترات من الوحي .
ونحن نجزم أن المرأة كانت ترتفع مكانتها إبَّان نزول الوحي كما أنها قد تفقد مركزها ومكانتها في الفترات التي تغيب فيها شمس الوحي ، ولعل مما وصلنا من تلك الأحوال والتشريعات البشرية التي هضمت المرأة حقوقها ، بل واعتبرتها من سقط المتاع ما حفظه لنا التاريخ من قانون اليونان ، والرومان ، والفرس ، واليهود ، والنصارى ، وما كان عليه العرب الجاهليون قبل بزوغ شمس الإسلام وإنصاف المرأة ووضعها في المكانة التي تليق بها .
__________
(1) سورة الروم - الآية ( 21 ) .
(2) سورة الأنبياء - الآية ( 104 ) .(3/1)
مكانة المرأة عند اليونان :
حضارة اليونان كتب عنها المؤرخون ولا يزال من أحفادهم من يتغنى بما كانوا عليه من التمدن ، ومع ذلك كانت المرأة لا شأن لها إلا لذة جسم الرجل والاستيلاد ، ولا تعدو وظيفة الخادم هذا من الناحية القانونية وإن حصل بعض التحسن بسبب قوة بعض النساء .
واستمر الحال إلى أن طغت الشهوات وجمحت الغرائز البهيمية وساد الترف عند ذلك تبوأت العاهرات والمومسات مكانة عالية في المجتمع اليوناني حتى أصبحت منازلهن مأوى علية القوم ومكان انعقاد شوراهم فلا يقطع القوم برأي إلا بإشراف أولئك النسوة حتى بلغ بعضهن رتبة أن تعبد كأفروديت .
مكانة المرأة عند الرومان :
لم يكن حظ المرأة عند الرومان بأحسن حالاً منه عند من سبقهم كاليونان بل نص قانونهم على انعدام شخصية المرأة حتى أصبحت الأنوثة سبباً من أسباب انعدام الأهلية كالجنون وحداثة السن ، بل إذا تحولت المرأة إلى بيت زوجها ذابت في أسرته وانقطعت صلتها بأسرتها السابقة ، وكان من حق الزوج أن يحاكم المرأة إذا اتهمت ويصدر عليها من الأحكام ما شاء حتى الإعدام ، ثم ضعف رباط الزوجية وكثر الطلاق وانتشرت الفواحش وكان للعاهرات والمومسات شأن خفف من تسلط الرجال على النساء ، ولعل ذلك من أسباب سرعة سقوط الدولة الرومانية .
مكانة المرأة عند اليهود :
من النصوص الواردة في التوراة : (( المرأة أمرّ من الموت ، وأن الصالح أمام الله ينجو منها رجلاً واحداً بين ألف وجدت ، أما امرأة فبين كل أولئك لم أجد)) .
فعندهم المرأة لعنة ، ولا تستحق الميراث مع إخوة ذكور ، بل جعلت أساطيرهم حواء : العين التي تنشق منها جداول الآلام والشدائد .
المرأة عند النصارى :(3/2)
وهؤلاء بالغوا وتطرفوا في شأن المرأة فمن تعاليم الكنيسة أن المرأة مدخل الشيطان إلى نفس الإنسان ، بل عندهم أن الشيطان مولع بالظهور في شكل الأنثى وحتى سنة ( 586 م ) لم تكن الكنيسة تعترف بإنسانية المرأة ويرون أنها تقرب إلى النار والشر ويفضلون العزوبة على النكاح .
ولاشك أن ما ذُكر في التوراة أو الأناجيل عن المرأة مما حرفه اليهود والنصارى وليس هو ما نزل من عند الله فدين الله واحد كرم فيه المرأة ووضعها في المكان اللائق بها في كل عصر .
المرأة عند الفرس :
لم تكن المرأة عند الفرس تزيد عن سلعة أو متاع ، وإذا حاضت أو نفست فإنها تنبذ خارج البلد في خيمة ، وأجازت أنظمة الفرس الزواج من القريبات وانتهى الأمر عندهم بالشيوع فيها والاشتراك كحق المشاركة في الماء والكلأ والنار ، فاختلطت الأنساب واعُتدي على الأعراض والأموال ، بل كان ذلك نظاماً يُتبع ويُحمل عليه الملوك ويُهدَّدون بالطرد والخلع إذا هم تنكروا لذلك أو لم يؤيدوه ، وفي أخلاقهم ما يثبت هذه الدعوى .
المرأة عند الجاهليين العرب :
يصور العليم الخبير شعور الجاهليين من العرب عند مولد الأنثى أدق تصوير حيث يقول جل وتعالى : { وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالأُنْثَى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَداً وَهُوَ كَظِيمٌ - يَتَوَارَى مِنَ القَوْمِ مِنْ سُوءِ مَا بُشِّرَ بِهِ أَيُمْسِكُهُ عَلَى هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرَابِ أَلا سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ } . (1)
وذكر عنهم القرآن أنهم كانوا يئدون البنت أي يدفنونها حية خشية العار أو أن تُطْعَمَ معهم ، وذكر أنهم كانوا يرونها من الحقوق الموروثة حتى إن الرجل منهم لينكح زوجة أبيه ويحجر عليها فلا تتزوج .
__________
(1) سورة النحل - الآية ( 58 - 59 ) .(3/3)
وإن حصل شيء من التكريم لبعض النساء عند البعض منهم ، فليس ذلك اعترافاً بحق من حقوقها ولكن لحبه لها كما يحب المرء فرسه أو أي شيء آخر من ممتلكاته . (1)
تكريم الإسلام المرأة أُمّاً وزوجة وبنتاً وفرداً من أفراد المجتمع :
الإسلام هو الدين الخالد ، وخاتمة الأديان ، من خصائصه الشمول والتوازن، أعطى كل ذي حق حقه ، ولم تنل المرأة رعاية منذ طفولتها حتى مماتها إلا في ظل الإسلام ، ويظهر ذلك :
1- نجد الإسلام يعيب على الجاهليين وأد البنات ويتوعد على ذلك بفضح من يفعله على رؤوس الخلائق : { وَإِذَا المَوْؤُدَةُ سُئِلَتْ - بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ } (2) فهي مخلوقة لحكمة لا غنى للرجل عنها ولا غنى لها عن الرجل ، والكل قد تكفل الله برزقه وشرع لحفظ العرض ما يصونه إذاً لا خوف ولا خطر .
2- حث الإسلام على رعاية البنت وجعل الجنة وهي سلعة الله الغالية مثوى من اعتنى بشأنها ، فعن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (( من ابُتلي من هذه البنات بشيء فأحسن إليهن كن له ستراً من النار )) . متفق عليه . (3)
وعن أنس بن مالك - رضي الله عنه - عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال : (( من عال جاريتين حتى تبلغا ، جاء يوم القيامة أنا وهو كهاتين )) . (4) وأشار بالسَبَّاحة والتي تليها .
__________
(1) يراجع بتوسع في هذه المقدمة : المرأة بين الفقه والقانون للدكتور مصطفى السباعي
( ص: 13 - 22 ) ، حقوق المرأة في الإسلام للشيخ محمد بن عبد الله عرفه ( ص : 20 34 ) .
(2) سورة التكوير - الآية ( 8 - 9 ) .
(3) أخرجه البخاري في الزكاة - باب اتقوا النار ولو بشق تمرة حديث 1418 من الفتح
( 3 / 283 ) ، ومسلم في البر - باب فضل الإحسان إلى البنات حديث 2629 .
(4) رواه مسلم كما سبق حديث ( 2631 ) .(3/4)
وهذا حث من الشارع الكريم على إكرام البنت والعناية بها والاهتمام بتربيتها حتى تسلم إلى زوجها لتقوم معه بمهمة الحياة الملقاة على عاتقهما .
3- لا خلاف بين أهل العلم أن نفقة البنت واجبة على من عليه إعالتها ، وإذا عدم كان على السلطان نفقتها فهو ولي من لا ولي له . فهي مكفولة بكل حال في ظل الإسلام حتى إن الزوج لو أعسر بالنفقة وطالبته بها كان من حقها ذلك ، ولو طالبت بالفراق بسبب ذلك سمعه القاضي وله أن يحكم به حين عجزه عنها . وسيأتي مزيد تفصيل لذلك . إن شاء الله .
4- إذا بلغت سن الزواج لها كامل الحرية في اختيار زوجها وفق الضوابط الشرعية، وليس لأحد أن يسلبها تلك الحرية التي منحها الله تعالى ، فقد جاءت فتاة إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم تشكو إليه ما صنع أبوها من تزويجها بمن لا ترضاه ، فجعل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الأمر إليها ورد نكاحها.(1)
5- إذا تزوجت كان لها من الحقوق على زوجها مثل الذي له عليها ، قال الله تعالى : { وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالمَعْرُوفِ } . (2)
وقال صلى الله عليه وآله وسلم : (( استوصوا بالنساء خيراً )) . (3)
وقال صلى الله عليه وآله وسلم : (( خيركم خيركم لأهله وأنا خيركم
لأهلي )) . (4)
6- قرر الإسلام حق تملك المرأة للمال وأعطاها الحرية الكاملة فيما تملكه ، فلها حق الميراث بعد أن كانت تُورث كالمتاع ، وأباح لها العمل بالطرق المشروعة والضوابط الشرعية في غير اختلاط وابتذال وما أكثر المجالات التي عملت فيها المرأة وهي محترمة معززة .
__________
(1) رواه البخاري في النكاح - باب إذا زوج الرجل ابنته وهي كارهة حديث 5138 من الفتح ( 9 / 194 ) .
(2) سورة البقرة - الآية ( 228 ) .
(3) رواه البخاري في النكاح - باب الوصاة بالنساء حديث 5186 .
(4) صحيح ابن ماجه 1608 في النكاح - باب حسن معاشرة النساء .(3/5)
كما قرر أن لها حق الإنفاق والتصرف فيما تملكه لا وصاية لأحد عليها إلا في حال الصغر والسفه .
وقد حث نبي الإسلام عليه أفضل الصلاة والسلام النساء على الصدقة فتصدقن من حليهن وهو أغلى ما تملكه المرأة . (1)
وجاءت زينب زوج عبد الله بن مسعود تستأذن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أن تدفع زكاة مالها إلى زوجها عبد الله بن مسعود ، فإنه كان خفيف ذات اليد فأمرها أن تدفعها إليه ، وأخبرها أنها صدقة وصلة . (2)
7- كرم الإسلام المرأة إذا صارت أُمّاً ، فجعل لها حق الاحترام والتقدير وحسن الصحبة ، كما قال الله تعالى : { وَقَضَى رَبُّكَ أَنْ لا تَعْبُدُوا إِلا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاهُمَا فَلا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلاً كَرِيماً - وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيراً } (3) والشاهد : أن الله قرن حق الوالدين بحقه .
وذكّر بحق الأم خاصة لما تعانيه من أمر الحمل والولادة والرعاية للطفل فقال: { وَوَصَّيْنَا الإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْناً عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ المَصِيرُ } .(4)
__________
(1) رواه البخاري في العيدين - باب موعظة الإمام النساء يوم العيد حديث 978 ، 979 من الفتح ( 2 / 466 ) .
(2) خرّجه مسلم في الزكاة - باب فضل النفقة والصدقة على الأقربين والزوج حديث 1000 .
(3) سورة الإسراء - الآية ( 23 - 24 ) .
(4) سورة لقمان - الآية ( 14 ) .(3/6)
وفي الحديث الذي رواه أبو هريرة رضي الله عنه عن المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم : أن رجلاً قال : يا رسول الله من أحق الناس بحسن صحبتي؟ قال : (( أمك )) قال: ثم من ؟ قال : (( ثم أمك )) قال: ثم من ؟ قال: (( ثم أمك )) قال: ثم من ؟ قال: (( أبوك )).(1)
فذكر صلى الله عليه وآله وسلم حق الأم ثلاث مرات ثم ذكر حق الأب وهذا يدل على عظم منزلة المرأة إذا صارت أُمّاً .
وقد جعل الإسلام من أكبر الكبائر الإشراك بالله ثم عقوق الوالدين .
وألزم ببرهما ولو كانا مشركين قال الله تعالى : { وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلَى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفاً } . (2)
والمرأة فرد من أفراد المجتمع المسلم تتمتع بروح وجسد إنسانيين كالرجل سواء بسواء ، فالحقوق مشتركة ، ولهذا جاءت حرمة الدم والعرض والمال والكرامة بلفظ مشترك ، يقول صلى الله عليه وآله وسلم: (( كل المسلم على المسلم حرام دمه وماله وعرضه )) . (3)
وكما أن الرجل راع ومسؤول فالمرأة كذلك راعية في بيت زوجها ومسؤولة عنه وعن أبنائها وعن دينها ولها الأجر والثواب على عملها وتعاقب وتسأل عن أخطائها قال الله تعالى : { مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ } . (4)
__________
(1) متفق عليه: خرّجه البخاري في الأدب - باب من أحق الناس بحسن الصحبة حديث 5971 من الفتح (10 / 401)، ومسلم في البر - باب الوالدين حديث 2528 .
(2) سورة لقمان - الآية ( 15 ) .
(3) رواه مسلم في البر - باب تحريم ظلم المسلم حديث 2564 .
(4) سورة النحل - الآية ( 97 ) .(3/7)
وقال تعالى : { وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِما كَسَبَا نَكَالاً مِنَ اللهِ } .(1)
وللمرأة الحرية التامة في حق التملك بكل الوسائل المشروعة والتعبير عن الرأي والإدلاء به حين تطالب به ، كما لها حق المطالبة بحقها إذا هضم ، وبالجملة فقد كفل لها الإسلام حياة مستقرة آمنة كريمة لا فرق بينها وبين الرجل ، وكل منهما يكمل الآخر ، وللرجال عليهن درجة وهي القوامة التي لابد منها لنجاح الإدارة وهذا لا يغض من حق المرأة ولا ينقص من كرامتها بل يرفع شأنها ويضعها في المركز اللائق بها .
__________
(1) سورة المائدة - الآية ( 38 ) .(3/8)
الباب الأول : المرأة وأركان الإسلام
(عقيدة المرأة المسلمة إجمالاً )
1- تعريف العقيدة :
العقيدة لغة : هي الحكم الذي لا يقبل الشك فيه لدى معتقده سواء كان حقاً أم باطلاً ، مأخوذة من العقد وهو الإحكام والربط بقوة .
العقيدة الإسلامية اصطلاحاً : عقد القلب الجازم على الإيمان بالله وما يترتب على ذلك من وجوب الطاعة والإيمان بملائكة الله وكتبه ورسله واليوم الآخر وبالقدر خيره وشره من الله تعالى وكل ما ثبت من المغيبات والقطعيات وما صحت به أخباره صلى الله عليه وآله وسلم مما لا يسع أحداً أن يجهله .
2- أهمية العقيدة الإسلامية :
والعقيدة الإسلامية الصحيحة هي أصل دين الإسلام ، وأساس الملة ، ومعلوم بالأدلة الشرعية من نصوص الكتاب والسنة أن الأعمال والأقوال إنما تصح وتقبل إذا صدرت عن عقيدة صحيحة ، وإذا بطلت العقيدة بطل ما تفرع عنها ؛ لأن ما بني على الباطل فهو باطل .
قال الله تعالى : { وَمَنْ يَكْفُرْ بِالإِيْمَانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الخَاسِرِينَ } (1)، وقال تعالى : { وَلَقَدْ أُوْحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الخَاسِرِينَ } . (2)
3- تعريف الإسلام والإيمان والإحسان ( أصول الدين )
__________
(1) سورة المائدة - الآية ( 5 ) .
(2) سورة الزمر - الآية ( 65 ) .(4/1)
هذه الثلاثة أصول الدين التي جاء جبريل عليه السلام يسأل عنها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ليعلمها الصحابة (1) ؛ لأنه كان يسأله ويصدقه ، فلما سأله عن الإسلام أجابه صلى الله عليه وسلم بأن يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، ويقيم الصلاة، ويؤتي الزكاة، ويصوم رمضان، ويحج البيت إن استطاع إليه سبيلاً ، وهذه هي الأعمال الظاهرة وسأخصها بمزيد تفصيل إن شاء الله تعالى .
ثم سأله عن الإيمان فأجابه بأن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله وباليوم الآخر وبالقدر خيره وشره من الله تعالى .
وإذا أطلق الإسلام دخلت أركان الإيمان فيه ، وإذا أطلق الإيمان دخلت أركان الإسلام فيه ، أما إذا ذكرا معاً فيختص الإسلام بالأعمال الظاهرة ، والإيمان بالأعمال الباطنة .
فالإسلام والإيمان أصلان متلازمان إذا اجتمعا افترقا ، وإذا افترقا اجتمعا ، ثم يتوج ذلك بالأصل الثالث وهو الإحسان وهي درجة المراقبة ولهذا فسره النبي صلى الله عليه وآله وسلم بأن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك ، والعبادة اسم جامع لكل ما يحبه الله ويرضاه من الأقوال والأعمال الظاهرة كالشهادتين والصلاة والزكاة ونحوها ، والباطنة كالحب في الله والبغض فيه .
ومما ينبغي معرفته أن الإيمان اعتقاد بالجنان ، وقول باللسان ، وعمل بالأركان ، يزيد بطاعة الرحمن ، وينقص بطاعة الشيطان .
معنى الإيمان بالله تعالى :
أنه الخالق الرازق المحيي المميت المتصرف في كل مخلوق بما يشاء والمستحق لجميع أنواع العبادة ، الموصوف بصفات الكمال ونعوت الجلال المنزه عن كل نقص أو عيب .
معنى الإيمان بملائكة الله تعالى :
__________
(1) أخرجه البخاري في الإيمان - باب سؤال جبريل النبي صلى الله عليه وآله وسلم حديث 50 من الفتح (1/114 ) .(4/2)
أنهم خلق خاص من النور خلقهم الله لعبادته وطاعة أمره لا يعصونه ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون ، كلف كل صنف منهم بوظيفة يقوم بها على الوجه الذي كلفهم به ، فمنهم المكلف بالوحي وهو أشرفهم وهو جبريل عليه السلام ، ومنهم من هو مكلف بالرزق وهو ميكائيل عليه السلام ، ومنهم من مكلف بالنفخ للإحياء والإماتة وهو إسرافيل وهكذا ولكلٍ أعوان .
معنى الإيمان بكتب الله :
أنه سبحانه أنزل كتباً فمنها ما كتبه بيده سبحانه (1) ، ومنها ما أوحاه عن طريق من طرائق الوحي المعلومة ، والمشهور منها كما في القرآن : التوراة ، والإنجيل ، والزبور ، والفرقان ، وصحف إبراهيم ، والقرآن الكريم وهو خاتمها وناسخها والمهيمن عليها وهو كلام الله منزل غير مخلوق منه بدأ وإليه يعود من تمسك به هدي إلى صراط مستقيم، ومن ابتغى الهدى في غيره أضله الله، وهو مع ما صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم دين الله الذي لا يقبل الله غيره من أحد.
معنى الإيمان بالرسل الكرام عليهم أفضل الصلاة والسلام :
أن نؤمن بأن الله لم يترك الخلق هملاً كما أنه لم يخلقهم عبثاً ، وأنه أرسل إليهم رسلاً وأنبياء بلغوا رسالاته وأدوا ما حملوا من الأمانة ابتداء من أبينا آدم عليه السلام وختاماً بسيد الأنبياء والمرسلين محمد بن عبد الله صلى الله عليه وآله وسلم وفيهم أولوا العزم ، فالوحي أصل في هداية البشرية .
وجميع أنبياء الله ورسله جاهدوا في الله حق جهاده ، وأقاموا شريعة الله في أممهم لم تأخذهم في الله لومة لائم وكلهم يقول : يا قوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره ، وأنهم احتسبوا البلاغ وما وقع لهم مع أممهم لله تعالى لا يسألون أحداً أجراً عليه إلا الله تعالى ، وأولهم يبشر بآخرهم ، وآخرهم يصدق أولهم .
__________
(1) كما جاء ذلك في محاجة آدم لموسى وفيه فقال آدم : ( أنت موسى اصطفاك الله بكلامه وخط لك التوراة بيده … الحديث ) رواه أبو داود وابن ماجه وأحمد في مسنده .(4/3)
ولا يسع أحداً بعد بعث نبينا محمد صلى الله عليه وآله وسلم إلا اتباع دينه وتحكيم شريعته والرضا بما جاء به مع الحب له والإخلاص في متابعته واعتقاده أنه صلى الله عليه وآله وسلم بين الشريعة أكمل بيان وأنه ترك الأمة على المحجة البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك ، وأن عيسى عليه السلام عبد الله ورسوله وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه وأنه سينزل من السماء حكماً عدلاً يكسر الصليب ويقتل الخنزير ويحكم بشريعة محمد صلى الله عليه وآله وسلم .
كما أن مما يجب اعتقاده أن الشفاعة الكبرى والشفاعة لأهل الجنة خاصة بنبينا محمد صلى الله عليه وآله وسلم لا يشركه فيها أحد ، وأن له عند ربه درجة ومنزلة لا يبلغها ملك مقرب ولا نبي مرسل .
معنى الإيمان باليوم الآخر :
الموت حق ولكل مخلوق خلقه الله أجل ، وعقيدة كل مسلم أن الله يبعث الخلائق ويحشرهم إليه ، وأن الذي خلق الخلق من العدم وعلى غير مثال سابق قادر على إعادتهم وهي أهون عليه .
وقد دلت النصوص من الكتاب والسنة أن الكون كله يهدم وتبدل الأرض غير الأرض والسماوات ويبعث الناس من قبورهم ويحشرون إلى أرض المحشر وهناك أحداث عظام ، منها مجيء الرب سبحانه وتعالى لفصل القضاء بين الخلائق واجتماع الخلائق في صعيد واحد ، ومنها الإيمان بحوض نبينا محمد صلى الله عليه وآله وسلم وما ورد في وصفه ومنها الميزان وتطاير الصحف فآخذ كتابه بيمينه وآخذ كتابه بشماله من وراء ظهره ومنها ضرب الصراط على متن جهنم والناس يمرون عليه على قدر أعمالهم ثم يستقر أهل الجنة فيها فلا شقاء أبداً ويستقر أهل النار ممن كتب الله عليه الخلود فيها فلا سعادة أبداً ، وفي الجنة درجات نسأل الله من فضله ، وفي النار دركات أجارنا الله منها .
معنى الإيمان بالقضاء والقدر خيره وشره من الله تعالى :(4/4)
يجب أن يؤمن العبد أن الله علم ما كان وما سيكون وأمر القلم أن يكتب فكتب ما سيكون وذلك قبل أن يخلق السماوات والأرض بخمسين ألف سنة وكان عرشه على الماء .
وما كتبه سيقع بأسباب يسلكها العباد فمن علم الله أنه من أهل السعادة يسره لها ، ومن علم أنه من أهل الشقاوة يسره لها ، ثم إن العباد مختارون وميسرون وعلى ما اختاروا سيحاسبون ، وما اختاروه وسلكوه خلق لله تعالى، فكل عمل للعبد فيه عمل لله وعمل للمخلوق .
فهذه مراتب القدر الأربع : علم الله السابق للأشياء قبل كونها ثم كتابته لها وفق علمه ثم مشيئتها ثم خلقها .
والعبد مطالب باتخاذ الأسباب وكل ميسر لما خلق له ومطلوب منه أن يتوكل على الله حق التوكل ، ويعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه وما أخطأه لم يكن ليصيبه .
ولا يجوز الاحتجاج بالقدر في المعايب مثل أن تقول لشخص : لماذا لم تصل؟ فيقول : حتى يريد الله ، وإنما يحتج به في نزول المصائب كقدر الله على أبينا آدم الخروج من الجنة ، فهذه مصيبة ، أما معصية الله وهي الأكل من الشجرة فهذا ذنب قد غفره الله فالاحتجاج بالقدر ليس بحجة ولو جعل حجة لسادت الفوضى .
وأكثر احتجاج الناس بالقدر في المعايب ليخلو أنفسهم من المسؤولية .
وليس معنى قضاه الله أي أجبره عليه ، وإنما علمه وكتبه ثم شاءه وقدره بناء على اختيار العبد وميله ثم يسره إليه وخلق فعله فيه . والله أعلم .
الفصل الأول : الشهادتان وفيه مباحث :
المبحث الأول : معناهما ومنزلتهما من الدين :
الشهادتان هما قاعدتا الدين وبوابته التي لا مدخل إليه إلا منها .
وهذه القاعدة ذات شطرين :(4/5)
الشطر الأول : أشهد أن لا إله إلا الله ، ومعنى ذلك : لا معبود بحق إلا الله ، فلا إله نافياً جميع ما يعبد من دون الله وإلا الله مثبتاً جميع أنواع العبادة لله وحده لا شريك له، ومعنى الإله المعبود بحق ، فكما أنه لا شريك له في ربوبيته وأسمائه وصفاته فكذلك لا شريك له في ألوهيته واستحقاقه للعبادة دون سواه .
وهذا التفسير هو الصحيح لما يترتب على غيره من المحاذير ، ومن فسرها بغير ذلك فقد أخطأ .
وهذا الشطر يشمل أنواع التوحيد الثلاثة : الربوبية ، الألوهية ، الأسماء والصفات.
فتوحيد الربوبية : هو توحيد الله بأفعاله فهو الخالق الرازق المحيي المميت ما شاء كان وما لم يشأ لم يكن .
وتوحيد الألوهية : هو توحيد الله بأفعال العباد فلا يصلى إلا لله ولا يحج إلا بيته ولا يستغاث إلا به ولا يستجار إلا به ولا يدعى فيما لا يقدر عليه إلا هو وهكذا جميع أنواع العبادة .
وتوحيد الأسماء والصفات : وهو وصف الله تعالى بما وصف به نفسه أو وصفه به رسوله من صفات الكمال ونعوت الجلال مع تنزيهه عن النقائص والعيوب إثباتاً بلا تمثيل وتنزيهاً بلا تعطيل على حد قوله تعالى : { لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ } .
والشطر الثاني : وهو أشهد أن محمداً رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم
ويتلخص معنى الشطر الثاني فيما يلي :
طاعته فيما أمر - وتصديقه فيما أخبر - واجتناب ما نهى عنه وزجر - وأن لا يُعبد الله إلا بما شرع .(4/6)
وإذا تقرر بشرط الشهادة الأول أن الله هو المستحق لجميع أنواع العبادة وهذا يتضمن نبذ عبادة ما سواه وهو معنى الكفر بالطاغوت والإيمان بالله ، فإن شطرها الثاني وهو شهادة أن محمداً رسول الله يحدد الطريق الذي يجب اتباعه في تطبيقات العبادة ، فنصدقه في كل ما أخبرنا به وصح عنه ، لأنه وحي: { وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الهَوى - إِنْ هُوَ إِلا وَحْيٌ يُوحَى } (1) فمتى صح الخبر عنه صلى الله عليه وآله وسلم وخلا عن الشذوذ والعلة فيجب تصديقه والعمل به استوعبته عقولنا أو لم تستوعبه.
وطاعته فيما أمر : أن نمتثل كلما أمرنا به ونأتي منه ما استطعنا .
واجتناب ما نهى عنه وزجر : أن لا نقع في محرم أو مكروه إلا لعذر يقبله الشرع .
وأن لا يعبد الله إلا بما شرع : المراد بهذا توحيد المتابعة ، فإن العمل لا يقبل إلا إذا كان خالصاً لله تعالى صواباً على سنة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : { قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللهُ } (2) ، وفي الحديث قال صلى الله عليه وآله وسلم : (( من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد )) . (3)
المبحث الثاني : فضل الشهادتين :
__________
(1) سورة النجم - الآية ( 3 - 4 ) .
(2) سورة آل عمران - الآية ( 30 ) .
(3) متفق عليه أخرجه البخاري في مواطن منها : الاعتصام - باب إذا اجتهد العامل أو الحاكم ، وفي الصلح - باب إذا اصطلحوا على صلح جور حديث 2697 من الفتح ( 5 / 301 ) ، ومسلم في الأقضية حديث 1718 .(4/7)
حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : (( بني الإسلام على خمس شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله ، وإقام الصلاة ، وإيتاء الزكاة ، والحج ، وصوم رمضان )) . (1)
2- حديث عبادة بن الصامت - رضي الله عنه - قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول : (( من شهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله حرم الله عليه النار )) . (2)
3- وعنه - رضي الله عنه - قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : (( من
قال : أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأن محمداً عبده ورسوله ، وأن عيسى عبد الله وابن أمته ، وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه ، وأن الجنة حق وأن النار حق ، أدخله الله من أي أبواب الجنة الثمانية شاء )) .
وفي لفظ : (( أدخله الله الجنة على ما كان من عمل )) . (3)
4- حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - قال : قلت : يا رسول الله من أسعد الناس بشفاعتك يوم القيامة ؟ قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : (( لقد ظننت يا أبا هريرة أن لا يسألني عن هذا الحديث أحد أول منك لما رأيت من حرصك على الحديث : أسعد الناس بشفاعتي يوم القيامة من قال : لا إله إلا الله خالصاً من قلبه أو نفسه )) . (4)
__________
(1) رواه البخاري في الإيمان - باب قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم : (( بني الإسلام على خمس )) ، باب دعاؤكم إيمانكم حديث 8 من الفتح ( 1 / 49 ) .
(2) رواه مسلم في الإيمان - باب الدليل على أن من مات على التوحيد دخل الجنة قطعاً حديث 29 .
(3) المصدر السابق حديث 28 .
(4) رواه البخاري في العلم - باب الحرص على الحديث ( 1 / 193 ) من الفتح حديث 99 .(4/8)
5- وعنه - رضي الله عنه - أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال : (( من قال لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير في يوم مائة مرة كانت له عدل عشر رقاب ، وكتبت له مائة حسنة ومحيت عنه مائة سيئة ، وكانت له حرزاً من الشيطان يومه ذلك حتى يمسي ، ولم يأت أحد بأفضل مما جاء به إلا أحد عمل أكثر من ذلك )) . (1)
وإنما كانت الشهادتان ركناً واحداً ، لأن الله تعالى خلق الخلق لعبادته كما قال : { وَمَا خَلَقْتُ الجِنَّ وَالإِنْسَ إِلا لِيَعْبُدُونِ } (2) ، ولا تصح عبادة إلا بتحقيق الشهادتين ، ولهذا اشترط في صحة العمل وقبوله أن يكون خالصاً لله تعالى وهذا لا يتحقق إلا بشهادة أن لا إله إلا الله ، وأن يكون صواباً ولا يتحقق هذا إلا بمتابعة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كما تقدم .
المبحث الثالث : شروطهما :
وهي التي لابد من توفرها لتحقيق الشهادتين إذ لا يكفي مجرد النطق بهما بل لابد من توفر شروط سبعة :
الأول : العلم قال الله تعالى : { فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلا اللهُ } . (3)
الثاني: اليقين قال تعالى: { إِنَّمَا المُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا } .
الثالث : القبول لما اقتضته هذه الكلمة بالقلب واللسان وعدم الاستكبار عن قولها أو العمل بها .
الرابع: الانقياد لما دلت عليه قال تعالى: { وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ } (4)
__________
(1) متفق عليه : أخرجه البخاري في الدعوات - باب فضل التهليل ( 11 / 201 ) ، ومسلم في كتاب الذكر والدعاء - باب فضل التهليل والتسبيح حديث 2691 .
(2) سورة الذاريات - الآية ( 56 ) .
(3) سورة محمد - الآية ( 19 ) .
(4) سورة الزمر - الآية ( 54 ) .(4/9)
وقال صلى الله عليه وآله وسلم: (( لا يؤمن أحدكم حتى يكون هواه تبعاً لما جئت به)) . (1)
الخامس : الصدق بأن يكون القلب مواطئاً للسان ، ولهذا وصف الله المنافقين بالمخادعة لأنهم يظهرون الإيمان ويبطنون الكفر .
السادس : الإخلاص : والمقصود أن يكون العمل خالصاً من شوائب الشرك ، قال تعالى : { أَلا لِلَّهِ الدِّينُ الخَالِصُ } (2) ، وقال تعالى : { وَمَا أُمِرُوا إِلا لِيَعْبُدُوا اللهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ } . (3)
السابع : المحبة : بأن يحب الشهادتين وما دلتا عليه وما اقتضته مع حبه لأهلها العاملين بها المحققين لشروطها وبغض ما ناقض ذلك .
قال الله تعالى : { وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللهِ أَنْدَاداً يُحِبُونَهُمْ كَحُبِّ اللهِ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُباً لِلَّهِ } .
المبحث الرابع : نواقض الشهادتين :
إن من أشهر نواقض التوحيد وأكثر ما يقع فيه البشر مما ينافي الإيمان ما
يلي :
1- الشرك في عبادة الله : قال الله تعالى : { إِنَّ اللهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ } (4) ، وقال تعالى : { إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللهُ عَلَيْهِ الجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ } . (5)
ومن مظاهره : دعاء الأموات ، والاستغاثة بهم ، والنذر لغير الله ، وكذلك الذبح والسجود لغير الله .
2- من جعل بينه وبين الله وسائط يدعوهم ويسألهم ويتوكل عليهم فقد كفر إجماعاً .
__________
(1) انظر : جامع العلوم والحكم ( 2 / 393 ) ط الرسالة .
(2) سورة الزمر - الآية ( 3 ) .
(3) سورة البينة - الآية ( 5 ) .
(4) سورة النساء - الآية ( 48 ) ، والآية ( 116 ) .
(5) سورة المائدة - الآية ( 72 ) .(4/10)
والمتتبع لآيات القرآن الكريم يجد أن كفار قريش مقرين بتوحيد الربوبية إقراراً تاماً لكنهم يشركون مع الله في ألوهيته ويجعلون بينهم وبينه وسائط يعتقدون أنها تقربهم إليه زلفاً ويقولون : { مَا نَعْبُدُهُمْ إِلا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللهِ زُلْفاً } .(1)
3- من لم يكفر المشركين أو شك في كفرهم أو صحح مذهبهم ، وهذا مما يجري على ألسنة وأقلام بعض المسلمين إما حباً في الكفار أو مجاملة لهم .
4- من اعتقد أن هدي غير النبي صلى الله عليه وآله وسلم أكمل من هديه أو أن حكم غيره أحسن من حكمه أو أنه خاص في الرسالة بالعرب أو أنه خاص بفترة محددة قال الله تعالى : { وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلا رَحْمَةً لِلعَالَمِينَ } . (2)
5- من أبغض شيئاً مما جاء به الرسول صلى الله عليه وآله وسلم فقد كفر ولو أنه عمل به لقوله تعالى : { ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَرِهُوا مَا أَنْزَلَ اللهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ } .(3)
6- من استهزأ بشيء من دين الرسول صلى الله عليه وآله وسلم أو ثوابه أو عقابه فقد كفر لقوله تعالى في المنافقين الذين استهزؤوا برسول الله ومن معه: { قُلْ أَبِاللهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ . لا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيْمَانِكُمْ } . (4)
وممن يقع في هذا الذين يسبون الدين في هذا الزمان، ويصفونه بأنه أفيون الشعوب.
__________
(1) سورة الزمر - الآية ( 3 ) .
(2) سورة الأنبياء - الآية ( 107 ) .
(3) سورة محمد - الآية ( 9 ) .
(4) سورة التوبة - الآية ( 65 - 66 ) .(4/11)
7- السحر ومنه الصرف - كصرف الإنسان عما يحبه ويهواه مثل صرفه عن زوجته - ومنه العطف وهو عمل سحري يقصد منه ترغيب الشخص فيما لا تميل إليه نفسه . والدليل على كونه كفراً قوله تعالى : { وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلا تَكْفُرْ } . (1)
وقد انتشر في الآونة الأخير في كثير من بلاد المسلمين حتى عم به البلاء وخدع السحرة الناس وبخاصة النساء فنهبوا أموالهم وأوقعوا بينهم العداوة والبغضاء.
8- مظاهرة المشركين ومناصرتهم على المسلمين ، قال تعالى : { وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللهَ لا يَهْدِي القَوْمَ الظَّالِمِينَ } . (2)
وقد كثر هذا في طوائف من أبناء المسلمين ممن لا يريدون انتصار الإسلام ويكرهون رجوع الناس إلى الدين ومن شاد الدين غلبه .
9- من اعتقد أن بعض الناس يسعه الخروج عن شريعة محمد صلى الله عليه وسلم فهو كافر، قال تعالى : { وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلامِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الخَاسِرِينَ } . (3)
ويدخل تحت هذا القسم والقسم الرابع : تحكيم القوانين الوضعية والسلوم والعادات المضادة لشرع الله تعالى .
10- الإعراض عن دين الله فلا يتعلمه مع إمكانه ، ولا يعمل بشيء من شرائعه وعنده القدرة على ذلك ، قال الله تعالى : { وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ ذُكِّرَ بِآيَاتِ رَبِّهِ ثُمَّ أَعْرَضَ عَنْهَا إِنَّا مِنَ المُجْرِمِينَ مُنْتَقِمُونَ } . (4)
الآثار المترتبة على تطبيق العقيدة أو الانحراف عنها :
__________
(1) سورة البقرة - الآية ( 102 ) .
(2) سورة المائدة - الآية ( 51 ) .
(3) سورة آل عمران - الآية ( 85 ) .
(4) سورة السجدة - الآية ( 22 ) .(4/12)
لا ريب أن الأنبياء عليهم الصلاة والسلام كان جهدهم الجاهد وشغلهم الشاغل دعوة الناس إلى توحيد الله وعبادته وحده ونبذ عبادة ما سواه ، ولقد استمرت دعوة نبينا محمد صلى الله عليه وآله وسلم بمكة ثلاثة عشر عاماً وهو يغرس في نفوس أتباعه العقيدة الصحيحة السليمة الخالية عن الشوائب ، ويذم الشرك وأهله ويسفه أحلامهم ، حتى زرع في قلوب أتباعه خوف الله وحده ، والتوجه إليه بجميع أنواع العبادة وحده لا شريك له ، فأنشأ مجتمعاً إيمانياً ربانياً خلع على عتبة الجاهلية كل ماضيه ، وبدأ حياة إيمانية توحيدية وكانت تلك العصبة التي آمنت برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بحق القاعدة الصلبة للدعوة ، وهذا يدل على أهمية العقيدة ولعل أهم الثمار التي جنتها الأمة بسبب قوة العقيدة ومتانتها ما يلي :
1- بروز ذلك الجيل القرآني الرباني الذي استحق أن يكون أكرم جيل وأعظم أجراً من غيره بيد أنه سبقه مجتمعات صدقت أنبيائها وناصرتهم ، ولهذا قال صلى الله عليه وآله وسلم : (( نحن الآخرون السابقون )) (1) أي الآخرون زماناً السابقون رتبة عند الله ، وإذا أردنا أن تقوم قائمة الدين فلابد أن نحتذي حذو ذلك المجتمع في إيمانه وسلوكه وأخلاقه وقيمه وخضوعه لله تعالى واتباعه لرسوله صلى الله عليه وآله وسلم في كل شأن من الشؤون .
2- العقيدة أساس كأساس البنيان وكل بناء لا أساس له لا استقرار لبنائه .
3- قامت فروع الدين بيسر وسهولة ، لأن الشجرة تضرب بأغصانها في السماء بقدر ما تكون أصولها ثابتة في الأرض .
4- انتشر الدين وعم الخير وساد العدل والرخاء كل جزء دخله الإسلام ، وضربت خيمته بأطنابها أكثر أرجاء المعمورة في مدة قياسية لم يسبق لها في التاريخ مثيل .
__________
(1) متفق عليه : أخرجه البخاري في مواطن متعددة منها : الوضوء - باب البول في الماء الدائم حديث 238 من الفتح ( 1 / 345 ) ، ومسلم في الجمعة - باب هداية هذه الأمة ليوم الجمعة حديث 855 .(4/13)
5- تم الانتصار على أعداء الله بالصبر على الأذى في غرس العقيدة بإذن الله، وهذه ثمرة قل ما تحصل إلا لمن علم الله منه قوة الإيمان ورسوخ الاعتقاد، وصدق التوجه واللجاء إلى الله تعالى ، فإن النصر إنما هو من عند الله ينزله على من يرى أنه أهل له .
6- تنزلت البركات من السماء على الأرض حتى اهتزت وربت وأنبتت من كل زوج بهيج وضرب الناس بعض وأغناهم الله بعد الافتقار : { وَأَنْ لَوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لأَسْقَيْنَاهُمْ مَاءً غَدَقاً } . (1)
{ وَمَنْ يَتَّقِ اللهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً . وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبْ } . (2)
ولعل مما جنته الأمة بسبب التفريط في العقيدة ما يلي :
1- اختلاط المشارب حتى شابت المصادر الشرعية الأساسية كعلم الفلسفة والتصوف وغيرهما فتخرج جيل مختلط المشارب .
2- ضياع الأمة وتخبطها ، فإذا ضاعت الأصول خربت الفروع .
3- انحسار مفهوم الدين في الأمور التعبدية وفصل الأمة عن ماضيها المجيد، وفرض قوانين تحرم الجهاد ، بينما أعداء الله يبيدون المسلمين في مدنهم وقراهم ولو انبرى أحد للدفاع عن نفسه أو عرضه أو بلده وصف بأقبح الأوصاف وأشنعها وتكالبوا عليه .
4- الخذلان الذي أصاب الأمة والوهن بحب الدنيا وكراهية التضحية والموت في سبيل المبادئ الصحيحة حتى تداعت الأمم على أمة الإسلام كالأكلة تتداعى على قصعتها.
5- التبعية المطلقة للأمم الكافرة حتى لو دخلوا جحر ضب لدخلته أمة المسلمين ، وقلدوهم تقليداً أعمى في الضار دون النافع ، وهذا عمى البصيرة والعياذ بالله وضعف الإيمان والبعد عن منهج الكتاب والسنة .
6- رفع البركة حتى إن الأمطار لا تكاد تنزل وإن نزلت فلا أثر لها إلا اليسير ، وربما خربت الزروع واجتاحت الأراضي والمساكن عقوبة من الله تعالى لبعد الناس عن العقيدة الصحيحة .
__________
(1) سورة الجن - الآية ( 16 ) .
(2) سورة الطلاق - الآية ( 2 - 3 ) .(4/14)
الفصل الثاني: وهو الركن الثاني من أركان الإسلام : الصلاة
تمهيد حول بيان منزلة الصلاة من الدين :
تبرز أهمية الصلاة في الإسلام في أمور :
1- كونها الركن العملي الأول للإسلام وركنه الثاني بعد الشهادتين .
2- إن الله تعالى فرضها على رسوله صلى الله عليه وآله وسلم ليلة المعراج دون واسطة ، ولهذا كان تردده بين ربه عز وجل ، ونبي الله موسى عليه السلام من أجل التخفيف، وبلغ النبي صلى الله عليه وآله وسلم تلك الليلة مبلغاً أعظم من منزلة جبريل عليه السلام إذ وقف عند سدرة المنتهى ولو تقدم لاحترق ، فتجاوز صلى الله عليه وآله وسلم ذلك حتى لم يبق بينه وبين ربه إلا حجابه النور فكلمه ربه وفرض عليه الصلوات ، وهذا يدل على عظم شأنها ورفيع منزلتها .
3- أن من حفظها فهو لما سواها أحفظ ، ومن ضيعها فهو لما سواها أضيع.
4- ليس في أركان الإسلام شيء تركه كفر إلا الصلاة كما جاء في الأثر.
5- تذهب بالأدران والخطايا كما يذهب بها الماء .
6- توزيع أوقاتها بين اليوم والليلة بشكل يجعل العبد دائم الصلة بربه .
7- حرصه صلى الله عليه وآله وسلم على تعليم أصحابه الصلاة ، ووصيته لهم بها حتى قرب موته .
8- جعل الإسلام النداء إلى الاجتماع للصلاة فرضاً على الأمة تأثم بتركه وتستحق أن تحارب إذا هي تركته .
9- ما جاء في نصوص الكتاب الكريم والسنة المطهرة من الأمر بالمحافظة عليها في أوقاتها ، وبيان أنها تنهى عن الفحشاء والمنكر ، وأنه لا حظ في الإسلام لمن لا صلاة له ، وأن الصلاة فيها راحة نفسية وجعلت قرة عينه صلى الله عليه وآله وسلم فيها .
المبحث الأول : حكم الصلاة ، وبيان عقوبة تاركها :
الصلاة ركن عظيم من أركان الإسلام، وبناء من مبانيه العظام، وهي عمود الدين.
قال الله تعالى : { وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ } . (1)
__________
(1) سورة البقرة - الآية ( 43 ) .(4/15)
وقال تعالى : { وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلا عَلَى الخَاشِعِينَ } . (1)
وقال تعالى : { إِنَّ الصَّلاةَ كَانَتْ عَلَى المُؤْمِنِينَ كِتَاباً مَوْقُوتاً } . (2)
وقال تعالى : { حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلاةِ الوُسْطَى وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ } . (3)
وقال تعالى : { وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا } . (4)
وقال تعالى : { إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الفَحْشَاءِ وَالمُنْكَرِ } . (5)
والآيات في مدح المصلين والثناء عليهم كثيرة لا يبلغها الحصر .
وفي السنة أحاديث كثيرة متنوعة تبين فرضية الصلاة وأهميتها والمحافظة عليها في أوقاتها ومن ذلك :
حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - : أن أعرابياً أتى النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقال : يا رسول الله دلني على عمل إذا عملته دخلت الجنة ، قال : (( تعبد الله لا تشرك به شيئاً ، وتقيم الصلاة المكتوبة ، وتؤتي الزكاة المفروضة ، وتصوم رمضان )) قال : والذي نفسي بيده لا أزيد على هذا - ولعل الحج لم يفرض بعد - فلما ولى ، قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم : (( من سرّه أن ينظر إلى رجل من أهل الجنة فلينظر إلى هذا )) رواه البخاري ومسلم . (6)
__________
(1) سورة البقرة - الآية ( 45 ) .
(2) سورة النساء - الآية ( 103 ) .
(3) سورة البقرة - الآية ( 238 ) .
(4) سورة طه - الآية ( 132 ) .
(5) سورة العنكبوت - الآية ( 45 ) .
(6) أخرجه البخاري في الزكاة - باب وجوب الزكاة ( 3 / 361 ) ، ومسلم في الإيمان - باب بيان الإيمان الذي يدخل به الجنة ( 1 / 44 ) .(4/16)
وعنه - رضي الله عنه - قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول :
(( أرأيتم لو أن نهراً بباب أحدكم يغتسل فيه كل يوم خمس مرات هل يبقى من درنه شيء ؟)) قالوا : لا يبقى من درنه شيء ، قال : (( فكذلك مثل الصلوات الخمس يمحو الله بهن الخطايا )) . متفق عليه . (1)
وترك الصلاة كفر ينقل عن الملة ويستحق تاركها أشد أنواع العذاب ، كما قال الله تعالى: { فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيّاً } (2) والغي : بئر في أسفل جهنم .
وقال تعالى : { مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ - قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ المُصَلِّينَ } . (3)
ومن السنة : قوله صلى الله عليه وآله وسلم : (( بين الرجل وبين الكفر ترك الصلاة )) رواه مسلم من حديث جابر وأهل السنن وصححه الترمذي . (4)
وقوله صلى الله عليه وآله وسلم : (( العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة ، فمن تركها فقد كفر )) رواه أحمد وأصحاب السنن . (5)
وعن معاذ بن جبل - رضي الله عنه - قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : (( من ترك صلاة مكتوبة متعمداً فقد برئت منه ذمة الله )) رواه أحمد . (6)
__________
(1) أخرجه البخاري في المواقيت - باب الصلوات الخمس كفارة ، الفتح ( 2 / 11 ) ، ومسلم في المساجد - باب المشي إلى الصلاة ( 1 / 462 ) .
(2) سورة مريم - الآية ( 59 ) .
(3) سورة المدثر - الآية ( 42 - 43 ) .
(4) صحيح مسلم في الإيمان ( حديث 82 ) .
(5) مسند أحمد ( 5 / 346 ) ، وانظر : صحيح الترمذي للألباني ( رقم 2113 ) .
(6) المسند ( 5 / 238 ) ، ( 6 / 421 ) .(4/17)
فهذه النصوص وغيرها فيها وعيد شديد لتارك الصلاة ، وإذا كانت الصلاة عمود الإسلام فإنه يتقوض بسقوط عموده ، فلا إسلام لمن ترك الصلاة ، وقد بين النبي صلى الله عليه وآله وسلم أن الله نهاه عن قتل المصلين ، وهذا يدل على أن الذي لا يصلي لم ينهه عن قتله .
ولأهمية الصلاة في حياة المسلمين أمر أن يعلموها صبيانهم إذا بلغوا سبع سنين وأن يضربوهم على تركها لعشر سنين .
وكان الصحابة رضوان الله تعالى عليهم يعرفون المنافقين بتخلفهم عن صلاتي العشاء والفجر مع أنهم يصلون معهم غيرهما .
فلا يترك الصلاة عامداً عالماً إلا فاسد الطوية ، ذاهب الإيمان ، مضيع للأمانة، لا يستحق وصف الإسلام فضلاً عن الإيمان .
ولعل من أهم أسباب ترك الصلوات ارتكاب المعاصي ومرافقة أهل السوء وضعف عامل التربية من الصغر عليها ، وترك واجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وعدم التعاون مع أهل الحسبة .
ولأجهزة الإعلام دور بارز لو أرادت الإصلاح والتعاون على الخير ، ومن ذلك إبراز أهمية الصلاة في حياة المسلمين .
المبحث الثاني : شروط الصلاة :
الشرط لغة : العلامة .
واصطلاحاً : ما يلزم من عدمه عدم المشروط ، ولا يلزم من وجوده وجود ولا عدم لذاته .
وهذا يدل على أهمية الشرط فلا بد من معرفتها وتحصيلها لتصح الصلاة وتؤدى على الوجه المطلوب ؛ بل إن انعدامها كلها أو بعضها مبطل للصلاة ، ولو كان ترك ذلك سهواً أو جهلاً فضلاً عن العمد ، وهي :
الشرط الأول : النية ، قال الله تعالى : { وَمَا أُمِرُوا إِلا لِيَعْبُدُوا اللهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ } (1) ، وقال صلى الله عليه وآله وسلم : (( إنما الأعمال بالنيات ، وإنما لكل امرئ ما نوى )) .(2)
ولا تصح النية إلا بتحقق ثلاثة شروط هي : الإسلام ، العقل ، التمييز .
__________
(1) سورة البينة - الآية ( 5 ) .
(2) خرّجه البخاري في بدء الوحي - باب كيف كان بدء الوحي ( حديث 1 ) .(4/18)
ومحل النية القلب ، وحقيقتها : العزم على فعل الشيء .
وكان السلف الصالح يجاهدون أنفسهم على النية ما لا يجاهدونها على غيرها.
ولابد من استمرارها واستصحاب حكمها حتى نهاية الصلاة .
ولابد من تعيين الصلاة هل هي فرض أو نفل ؟ أداء أو قضاء .
وإذا نوت المرأة أن تصلي نفلاً فلا يجوز أن تقلبها إلى فرض لضعف النية ، ويصح لها أن تقلب نية الفرض إلى نفل لغرض صحيح مثل أن تشرع في صلاة العصر في أول وقتها وتريد أن تحولها إلى السنة القبلية فتقع سنة ثم تصلي بعد ذلك الغرض فهذا غرض صحيح .
الشرط الثاني : الطهارة من الأحداث والنجاسات :
والحدث وهو الوصف المانع من الصلاة ونحوها وهو نوعان : أصغر ويكفي فيه الوضوء ، وينبغي للمسلمة أن تتعلم فروضه وسننه وأكمله ثلاثاً ثلاثاً إلا مسح الرأس والأذنين فيكفي مرة واحدة وهي أخف من الرجل فيه .
أما سائر الأعضاء فلابد من إسباغها ، لأنه مما تُنال به الدرجات العالية ، وقد نقل الصحابة رضوان الله عليهم صفة وضوئه صلى الله عليه وآله وسلم نقلاً تاماً ، وأنه صلى الله عليه وآله وسلم توضأ ثلاثاً ثلاثاً وهذا أكثر حاله وهو أكمل أنواع الوضوء ، وتوضأ مرتين مرتين ومرة مرة ليدل على الجواز لكن بشرط أن يعم بها محل الفرض .
وقد ثبت في السنة أن الذنوب تخرج من البدن مع ماء الوضوء .
كما أن من السنة تقليل ماء الوضوء وعدم الإسراف فيه كما يفعل الكثير من الرجال والنساء في أيامنا هذه ، وكان صلى الله عليه وآله وسلم (( يتوضأ بالمد - وهو ملء حفنتي الرجل المتوسط - ويغتسل بالصاع )) . (1)
كما أن على المسلمة إذا استيقظت من نومها وكان ماء وضوئها في إناء فلا تدخل يدها فيه حتى تغسلها ثلاثاً ثم تدخلها الإناء وتغترف بها وهذا مما يحقق عدم الإسراف في ماء الوضوء وهو استعمال الإناء في الوضوء .
__________
(1) رواه البخاري في الوضوء - باب الوضوء بالمد حديث 201 ، من فتح الباري ( 1 / 304 ) والحفنة هي الكف .(4/19)
وتجتنب وسوسة الشيطان ولا تطيعه ولا تلتفت إليه ، فإنه يسعى للإلباس عليها في الوضوء ، ولا يزيد على الثلاث في الوضوء إلا مفتون (1) أو مبتدع .
وتتحرى في أن يكون الماء طهوراً وهو الباقي على خلقته التي خلقه الله عليها سواء نزل من السماء أو نبع من الأرض ، فإذا عدم الماء أو عجزت المسلمة عن استعماله لمرض أو برد شديد فإنها تتيمم بتراب طاهر له غبار .
ويقوم التراب مقام الماء في الطهارتين الكبرى والصغرى بصفة واحدة ، وهي: أن تنوي ثم تسمي ثم تضرب بيديها مفرجتي الأصابع على التراب الطاهر ثم تنفخ فيهما ليخف ما حملته يداها من الغبار ، ولا مانع أن تضع راحتيهما بعضهما على بعض ليبلغ الغبار جميع الراحتين ثم تمسح بأطراف الأصابع وجهها وظهر كفها الأيمن بباطن كفها الأيسر وظاهر كفها الأيسر بباطن كفها الأيمن ، وهذه الصفة هي الثابتة عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم (2) ، كما جاء ذلك في حديث عمار - رضي الله عنه - . كما يجوز لها أن تمسح على الخفين والجوربين يوماً وليلة للمقيمة وثلاثة أيام بلياليهن للمسافرة مسحة واحدة على ظهر القدم .
كما لابد أن تجتنب المرأة المسلمة النجاسات فتطهر ثيابها من البول والدم والمذي وقيء الطفل إذا كان كثيراً ، وتنظف بدنها مما يقع عليه من النجاسات وكذلك لا تصلي إلا على مكان طاهر ، فاجتناب النجاسة شرط من شروط تحقق الطهارة في البدن والثوب والبقعة التي تصلي عليها (3).
__________
(1) المفتون: الموسوس .
(2) أخرجه البخاري في التيمم - باب التيمم للوجه والكفين حديث 339 ، من فتح الباري ( 1 / 444 ) .
(3) ومما ينبغي التنبيه عليه أن الإستنجاء وهو غسل الفرج بالماء لايلزم عند كل طهارة كما يظن البعض ، وإنما يكون بعد قضاء الحاجة . كما أن الإستجمار بالحجارة والمناديل وما يقوم مقامها تجزئ عن الاستنجاء بالماء ولايشترط في استعمالها عدم وجود الماء أو انعدام القدرة على استعماله .(4/20)
وأما الحدث الأكبر فلابد فيه من الغسل ، إلا إذا عدم الماء ولم تستطع استعماله ؛ فلها أن تتيمم كما سبق ، وسيأتي مزيد توضيحٍ في أحكام الجنابة إن شاء الله .
الشرط الثالث : التيقن من دخول وقت الصلاة :
فلو صلت قبل دخول وقتها لم تقع فرضاً ، وقد علّم جبريل عليه السلام نبينا محمداً صلى الله عليه وآله وسلم أوقات الصلاة وعلمها صلى الله عليه وآله وسلم لأصحابه ونستطيع أن نوجز ذلك فيما يلي :
1- وقت صلاة الظهر يبدأ إذا زالت الشمس عن كبد السماء ومالت إلى جهة الغروب ويستمر حتى يصير ظل كل شيء مثله عداء ظل الزوال ، وهو يختلف من مكان إلى آخر وكذلك من الشتاء إلى الصيف فلابد من مراعاة ذلك .
2- وقت العصر المختار من خروج وقت الظهر إلى أن يصير ظل كل شيء مثليه غير ظل الزوال ثم يدخل وقت الضرورة إلى غروب الشمس .
3- وقت المغرب من غروب الشمس إلى اشتباك النجوم فيما تراه العين هذا الوقت المختار ثم يكون وقت ضرورة إلى غياب الشفق الأحمر .
4- وقت العشاء من غروب الشفق الأحمر إلى منتصف الليل ويقدر بحسب طول الليل وقصره من الغروب إلى طلوع الفجر ، ثم يدخل وقت الضرورة من منتصف الليل إلى طلوع الشمس .
وتؤدى الصلاة في الوقت المختار ويستحب المبادرة بفعلها في أول الوقت مع الاحتياط في دخول الوقت لأن الناس اليوم يعتمدون على التقويم الحسابي وقد لا ينطبق على ما جعله الشارع علامة على دخول الوقت فالأولى أن تتأخر المسلمة بعد الأذان إلى عشر دقائق ثم تصلي لتقع الصلاة بيقين في وقتها .
ولا يجوز أن تؤخر الصلاة إلى وقت الضرورة إلا لعذر .
وتأخير العشاء إلى الثلث الأول من الليل أفضل ليكون آخر أعمالها الصلاة فتنام على ذكر وطهر ، وهذا لا يشق عليها لأنها في بيتها وهو مملكتها إلا إذا أدى ذلك إلى الإضرار بزوجها فتصلي في أول الوقت لتتهيأ له .(4/21)
وإذا حافظت المسلمة على الصلاة في وقتها حفظ الله لها كل شأنها ، وبارك لها في وقتها وعمرها ، وأعانها على شؤون منزلها .
وإذا فاتت المرأة صلاة وجب قضاؤها ، وإن تعددت وجب الترتيب بينها كما فعل صلى الله عليه وآله وسلم يوم الأحزاب ، إلا أن يكثر عليها فتصلي مع كل وقت وقتاً آخر ليسهل عليها ، ولورود ذلك في بعض الآثار .
الشرط الرابع : التستر بما لا يصف البدن أو يشف عنه ، بل يكون واسعاً فضفاضاً سابغاً يغطي القدمين ولا تكشف المرأة في الصلاة إلا وجهها إذا لم يكن عندها من يراها من الرجال الأجانب ، فإن وجد وجب تغطية بدنها كله حتى وجهها ، وقد أمر النبي صلى الله عليه وآله وسلم المرأة بتغطية رأسها فقال : (( لا يقبل الله صلاة حائض إلا بخمار )) (1) ، فإذا بلغت المرأة سن الحيض وجب أن تغطي رأسها في صلاتها ولو لم يكن عندها أحد ، وكثير من الأخوات المسلمات يتساهلن في هذا الموضوع ، وربما كشف بعضهن عن الساق أو الأيدي أو ظهر منها شعر الرأس وتصلي وهي على تلك الحال ، وهذا مما يبطل الصلاة ، بل لا تنعقد مع هذا الكشف صلاة ما دامت قادرة على تغطيته ، وهذا من الزينة التي أمر الله بها في قوله تعالى : { يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ } (2) أي ستر العورة .
الشرط الخامس : استقبال القبلة مع القدرة على ذلك :
فإذا كانت المرأة في منزلها أو في المسجد أو خارجهما وهي على الأرض وجب عليها أن تتحرى جهة القبلة عند صلاتها وتتجه إليها ، وإذا كانت داخل المسجد الحرام وترى الكعبة وجب عليها إصابة عينها .
__________
(1) رواه أبو داود والنسائي والشافعي والحاكم والبيهقي ، وذكر الشيخ الألباني تحسينه في الإرواء ( 267 ) .
(2) سورة الأعراف - الآية ( 30 ) .(4/22)
قال الله تعالى : { فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ المَسْجِدِ الحَرَامِ } (1) ، وفي الحديث قال صلى الله عليه وآله وسلم : (( إذا قمت إلى الصلاة فأسبغ الوضوء ، ثم استقبل القبلة )) .(2)
ومن عجز عن استقبال القبلة صلى حيث توجه ، فإن هذا حدود استطاعته ، قال تعالى : { فَاتَّقُوا اللهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ } (3) ، وهذا في الفرض .
أما النافلة فكذلك إذا كانت في المنزل أو المسجد ونحوهما لزم استقبال القبلة، أما إذا كانت المرأة راكبة في السيارة أو الطيارة أو على دابة وأرادت أن تصلي نافلة فتصلي حيث توجهت بها راحلتها ، وقد كان صلى الله عليه وآله وسلم وهو في السفر (( يتنفل على راحلته حيث توجهت به )) (4) ، وإذا حضرت المكتوبة نزل وصلى نحو القبلة . وإذا زارت المرأة أختاً لها وأرادت الصلاة سألتها عن القبلة لتصلي إليها بيقين .
وإنما كانت الشروط خمسة لدخول بعضها في بعض كما في الشرط الأول .
المبحث الثالث : أركانها :
__________
(1) سورة البقرة - الآية ( 144 ) ، ( 149 - 150 ) .
(2) متفق عليه : رواه البخاري في الأيمان - باب إذا حنث ناسياً حديث 6667 من الفتح ( 11 / 549 ) ، ومسلم في الصلاة - باب وجوب قراءة الفاتحة حديث 397 ، وهو حديث المسيء في صلاته .
(3) سورة التغابن - الآية ( 16 ) .
(4) رواه أحمد في مسنده ( 2 / 46 ) ، وأخرجه البخاري في تقصير الصلاة - باب صلاة التطوع حديث 1093 ، 1094 من الفتح ( 2 / 573 ) ، وفي باب ينزل للمكتوبة حديث 1097 من الفتح ( 2 / 574 ، 575 ) .(4/23)
1- القيام في الفرض مع القدرة : وهو انتصاب الصلب ، قال الله تعالى: { وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ } (1) ، وقال صلى الله عليه وآله وسلم لعمران بن حصين :
(( صل قائماً ، فإن لم تستطع فقاعداً ، فإن لم تستطع فعلى جنب )) . (2)
2- تكبيرة الإحرام : وهي قول الله أكبر ، وتكون بالعربية إجماعاً ، وهذا الذي كان عليه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وعلمها المسيء في صلاته فقال: (( إذا قمت إلى الصلاة فكبر )) . (3)
وفي الحديث قال صلى الله عليه وآله وسلم : (( مفتاح الصلاة الطهور ، وتحريمها التكبير ، وتحليلها التسليم )) (4) ، وعلى هذا عمل الناس .
3- قراءة الفاتحة : سواء كانت المسلمة إمامة للنساء أو مأمومة أو
منفردة ، ويجب تعلمها والعناية بتجويدها والإتيان بالشدات فيها ، فإن كل شدة تقوم مقام حرف وترك شدة ترك الحرف، والدليل على ركنيتها قوله صلى الله عليه وآله وسلم: (( لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب )) متفق عليه.(5)
والفاتحة أعظم سورة في القرآن وبها آية هي أعظم آية أنزلها الله في كتابٍ من كتبه وهي قوله: { إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينَ } . (6)
__________
(1) سورة البقرة - الآية ( 238 ) .
(2) خرّجه البخاري في تقصير الصلاة باب إذا لم يطق قاعداً صلى على جنب حديث 1117 من الفتح ( 2 / 587 ) .
(3) متفق عليه وتقدم قريباً .
(4) رواه أبو داود في الطهارة - باب فرض الوضوء حديث 61 .
(5) أخرجه البخاري في الأذان - باب وجوب القراءة للإمام والمأموم حديث 756 من فتح الباري ( 2 /237)، ومسلم في الصلاة - باب وجوب قراءة الفاتحة في كل ركعة حديث 394 .
(6) سورة الفاتحة - الآية ( 5 ) .(4/24)
ومن عجز عن تعلمها أو استغلق عليه وهذا نادر فيجزئه في الصلاة قول :
(( سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر، ولا حول ولا قوة إلا بالله )). (1)
4- الركوع : لقول الله تعالى : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا واسْجُدُوا } (2) وقوله صلى الله عليه وآله وسلم للمسيء في صلاته : (( ثم اركع حتى تطمئن راكعاً )) (3) ، والإجماع منعقد عليه ، وأقله الانحناء بحيث يمكنه مس ركبتيه ، وأكمله أن يمد ظهره مع الاستواء ولا يرفع رأسه ولا يخفظه بل يكون بحذاء بدنه وكان صلى الله عليه وآله وسلم إذا ركع أمكن يديه من ركبتيه وهصر ظهره (4) ولم يرفع رأسه ولم يخفضه ، ويقول فيه : سبحان ربي العظيم ، ويجتهد في تعظيم الرب فيه .
5- الرفع من الركوع حتى الاعتدال ورجوع كل عضو إلى فقاره : وقد علمه صلى الله عليه وآله وسلم للمسيء في صلاته فقال : (( ثم ارفع حتى تعتدل قائماً )) . ويتهاون كثير من الناس في الاعتدال ، وكان صلى الله عليه وآله وسلم يقول : (( سمع الله لمن حمده إذا رفع رأسه من الركوع ، فإذا اعتدل قال : ربنا لك الحمد حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه ملء السماوات وملء الأرض وملء ما شئت من شيء بعد )) .
__________
(1) أخرجه أبو داود في الصلاة - باب ما يجزئ الأمي والأعجمي من القراءة حديث 832 ، والنسائي برقم 925 .
(2) سورة الحج - الآية ( 77 ) .
(3) متفق عليه : أخرجه البخاري في الأذان - باب أمر النبي صلى الله عليه وآله وسلم الذي لا يتم ركوعه بالإعادة حديث 793 من الفتح ( 2 / 276 ) ، ومسلم في الصلاة - باب وجوب قراءة الفاتحة حديث 397 .
(4) أخرجه البخاري في الأذان - باب سنة الجلوس في التشهد حديث 828 .(4/25)
زاد أبو سعيد الخدري عن رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( أهل الثناء والمجد أحق ما قاله العبد وكلنا لك عبد ، لا مانع لما أعطيت ولا معطي لما منعت ولا ينفع ذا الجد منك الجد )) . (1)
وهذا يدل على أن الاعتدال لابد منه .
وبعضهم يعد الرفع ركناً والاعتدال ركناً آخر .
6- السجود : للآية السابقة في الركوع ، ولقوله صلى الله عليه وآله وسلم للذي أساء في صلاته : (( ثم اسجد حتى تطمئن ساجداً )) (2) ولا يصح إلا على الأعضاء السبعة وهي: الجبهة والأنف ، واليدان ، والركبتان ، وأطراف القدمين كما صح بذلك الحديث.
ومن عجز عن الركوع أو السجود أومأ إيماءً بقدر ما يمكنه لقوله تعالى: { فَاتَّقُوا اللهَ مَا اسْتَطَعْتُم } (3)، ولقوله صلى الله عليه وسلم: (( إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم )).(4)
7- الرفع من السجود : لفعله صلى الله عليه وآله وسلم وتعليمه المسيء في صلاته .
8- الجلوس بين السجدتين : للحديث السابق ، وقوله صلى الله عليه وآله وسلم فيه : (( ثم ارفع - أي من السجود - حتى تطمئن جالساً )) . (5)
9- التشهد الأخير : وهو الذي يجمع الصلاة الإبراهيمية مع التحيات ، وقد علمه النبي صلى الله عليه وآله وسلم أصحابه ، وأصح حديث فيه حديث ابن مسعود - رضي الله عنه - : (( عملني رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم التشهد وكفي بين كفيه كما يعلمني السورة من القرآن ... )) الحديث . (6)
__________
(1) رواه مسلم في الصلاة - باب ما يقول إذا رفع رأسه من الركوع حديث 477 ، وأبو داود فيها حديث 847 .
(2) تقدم تخريجه .
(3) سورة التغابن - الآية ( 16 ) .
(4) رواه مسلم في الفضائل - باب توقيره صلى الله عليه وآله وسلم حديث 1337 .
(5) هذا حديث المسيء في صلاته وهو متفق عليه وتقدم تخريجه .
(6) متفق عليه : رواه البخاري في الاستئذان ، باب الأخذ باليد حديث 6265 ، ومسلم في الصلاة حديث 59.(4/26)
10- الجلوس للتشهد الأخير : وكل من وصف صلاته صلى الله عليه وآله وسلم فرضاً أو نفلاً يذكر تشهده جالساً ، كما في حديث أبي حميد الساعدي . (1)
11- التسليمتان : لقوله صلى الله عليه وآله وسلم في الصلاة : (( تحريمها التكبير وتحليلها التسليم )) (2) ، وفعله صلى الله عليه وآله وسلم وكان يداوم على ذلك في صلاته كلها ، وربما تجزئ التسليمة عن اليمين في النفل .
12- الطمأنينة في جميع الأركان : وهي عود كل عضو إلى فقاره ، وقد أمر بها النبي صلى الله عليه وآله وسلم المسيء في صلاته في قيامه وركوعه وسجوده وجلوسه ، وهذا يدل على أنها ركن ولم يخل بها صلى الله عليه وآله وسلم لا في فرض ولا نفل حتى لو تَجَوَّز في بعض صلاته أتي بالقدر المجزئ من ذلك . والله أعلم .
13- الترتيب : فلا يُقدم سجود على ركوع ، بل تصلى مرتبة لتعليمه صلى الله عليه وآله وسلم المسيء في صلاته الصلاة مرتبة واستعمل حرف العطف المرتب ( ثم ) ، ولأنه صلى الله عليه وآله وسلم صلاها مرتبة وقال : (( صلوا كما رأيتموني أصلي )) . (3)
ولا يسقط الركن بحال من الأحوال ، فإن أسقطه عمداً بطلت صلاته ، وإن أسقطه سهواً رجع إليه وأتى به وما ينبني عليه ، وإن أُسقِطَ جهلاً ثم علم وجب عليه الإعادة كالذي أساء في صلاته ، فقد أعاد مرتين أو ثلاثاً ثم طلب من النبي صلى الله عليه وآله وسلم أن يعلمه ثم صلى حسب تعليمه .
ولابد للأخت المسلمة أن تتعلم هذه الأركان نظرياً بحفظها وعملياً بتطبيقها.
المبحث الرابع : واجبات الصلاة :
وضابط الواجب في الصلاة هو : ما تجب المحافظة عليه والإتيان به وتبطل بتركه الصلاة عمداً ويجبره سجود السهو إذا نسيه .
وهذه الواجبات هي :
__________
(1) رواه البخاري برقم 828 ، الفتح ( 2 / 305 ) .
(2) رواه أبو داود في الطهارة برقم 61 .
(3) رواه البخاري في الأذان - باب الأذان للمسافر حديث 631 من الفتح ( 2 / 111 ) .(4/27)
1- التكبير لغير الإحرام : ويسمى بتكبير النقل ، وقد فعله صلى الله عليه وآله وسلم وحافظ عليه ، يقول ابن مسعود - رضي الله عنه - : (( رأيت النبي صلى الله عليه وآله وسلم يكبر في كل رفع وخفض وقيام وقعود )) . (1)
وأمر به الذي أساء في صلاته بقوله : (( ثم كبر )) .
وإذا جاءت المسلمة والإمام راكع وكبرت للإحرام ثم ركعت ولم تكبر للركوع كفاها ذلك لاندراج تكبيرة الركوع في تكبيرة الإحرام من باب تداخل العبادات .
2- قول : سمع الله لمن حمده للإمام والمنفرد: لحديث أبي هريرة - رضي الله عنه - أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان يقول : (( سمع الله لمن حمده حين يرفع صلبه من الركعة )) .(2)
3- قول : ربنا لك الحمد للمأموم : لحديث أبي هريرة - رضي الله عنه - أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال : (( وإذا قال - يعني الإمام - سمع الله لمن حمده فقولوا : اللهم ربنا لك الحمد )) . (3)
وكان صلى الله عليه وآله وسلم يقولها بعد أن يستتم قائماً ، والأولى أن يجمعها الإمام والمنفرد مع قول سمع الله لمن حمده .
4- قول : سبحان ربي العظيم مرة في الركوع : لحديث حذيفة - رضي الله عنه -
قال : (( كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم يقول في ركوعه : سبحان ربي العظيم )) (4) ، وقوله صلى الله عليه وآله وسلم : (( أما الركوع فعظموا فيه الرب )) (5) ونهى عن قراءة القرآن فيه . وأدنى مراتب الكمال ثلاث مرات .
__________
(1) رواه أحمد في مسنده ( 1 / 386 ) ، وفي البخاري عن ابن عباس نحوه حديث 787 .
(2) رواه مسلم في الصلاة - باب ما يقول إذا رفع رأسه من الركوع حديث 476 .
(3) رواه البخاري في الأذان - باب فضل اللهم ربنا لك الحمد حديث 796 ( 2 / 283 )
(4) خرجه أبو داود في الصلاة - باب ما يقول الرجل في ركوعه وسجوده حديث 781 .
(5) رواه مسلم في الصلاة - باب النهي عن القراءة في الركوع والسجود حديث 479 ، وأبو داود برقم 876 .(4/28)
5- قول : سبحان ربي الأعلى في السجود مرة : لحديث حذيفة السابق وفيه : (( وكان يقول في سجوده : سبحان ربي الأعلى )) . (1)
ولقوله صلى الله عليه وآله وسلم : (( وأما السجود فاجتهدوا في الدعاء فقمن أن يستجاب لكم فيه )) (2) ، ولقوله صلى الله عليه وآله وسلم : (( أقرب ما يكون العبد إلى ربه وهو ساجد فأكثروا الدعاء )) (3) ، وتسبيح الله من أعظم الذكر .
وأدنى الكمال ثلاث .
6- قول : رب اغفر لي بين السجدتين مرة: لحديث حذيفة السابق: (( وأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان يقول بين السجدتين : رب اغفر لي، رب اغفر لي )) . (4)
7- التشهد الأول : وهو التحيات دون الصلاة الإبراهيمية لفعله صلى الله عليه وآله وسلم ، وقوله : (( صلوا كما رأيتموني أصلي )) (5) ، وإذا سهى الإمام وقام ولم يرجع وجبت متابعته ويجبره بسجود السهو مع الإمام .
8- الجلوس للتشهد الأول : فلا يصح أن تأتي به حال قيامها لفعله صلى الله عليه وآله وسلم ، ولحديث رفاعة بن رافع أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال : (( فإذا جلست في وسط الصلاة فاطمئن وافترش فخذك اليسرى ثم تشهد )) (6)، ولأنه صلى الله عليه وآله وسلم عندما نسي وقام دون أن يتشهد سجد سجدتين قبل أن يسلم مكان ما نسي ولا يفعل ذلك إلا أن يكون واجباً على الأقل .
المبحث الخامس : سنن الصلاة :
أ- سنن الأقوال :
__________
(1) تقدم تخريجه آنفاً .
(2) تقدم تخريجه قريباً .
(3) رواه مسلم في الصلاة - باب ما يقال في الركوع والسجود حديث 482 .
(4) رواه أبو داود في الصلاة - باب الدعاء بين السجدتين حديث 850 .
(5) رواه البخاري ، وتقدم تخريجه .
(6) رواه أبو داود في الصلاة - باب صلاة من لا يقيم صلبه حديث 860 .(4/29)
1- دعاء الاستفتاح : وللأخت المسلمة أن تتخير من الأدعية الثابتة ما تشاء، ولو نوعت في ذلك كان أحسن ، ولعل الدعاء الذي اختاره الإمام أحمد إمام أهل السنة من أنسبها وأجمعها وهو ما روي عن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - أنه كان يدعو في الاستفتاح بـ (( سبحانك اللهم وبحمدك وتبارك اسمك وتعالى جدك ولا إله غيرك )) . (1)
وذكرت عائشة وأبو سعيد أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان إذا استفتح الصلاة قال ذلك .
2- التعوذ بالله من الشيطان الرجيم من همزه ونفخه ونفذه : لأنك تقرأين القرآن ، وقد قال الله تعالى : { وَإِذَا قَرَأْتَ القُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ } (2) ولثبوته عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في أحاديث تصل إلى درجة الحسن أو الصحيح . (3)
3- البسملة : لحديث أم سلمة رضي الله عنها : (( أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان يقطّع قراءته آية آية : بسم الله الرحمن الرحيم ، الحمد لله رب العالمين ... )) الحديث . (4)
وأغلب أحيانه أنه كان يسر بها ، والمرأة إذا صلت بالنساء جهرت بالقراءة إذا لم يكن هناك رجال يسمعونها ، وإذا صلت وحدها أسرت وإن جهرت في محل الجهر؛ جاز.
__________
(1) ذكرهما الشيخ الألباني في الإرواء حديث 340 - 341 ، وصححهما واستوفى طرقهما ( 2 / 48 - 53 ) وهو الذي اختاره عمر رضي الله عنه وكان يرفع صوته ليعلمه الناس كما في صحيح مسلم .
(2) سورة النحل - الآية ( 98 ) .
(3) رواه أبو داود في الصلاة - باب ما يستفتح به الصلاة من الدعاء حديث 764 ، وصححه الشيخ الألباني بزيادة : (( من همزه ونفخه ونفذه )) الإرواء ( 2 / 53 ) .
(4) خرجه أبو داود في الحروف والقراءات - باب (1) حديث 4001 ، وأحمد في المسند ( 6 / 302 ) .(4/30)
4- قول : آمين بعد الانتهاء من الفاتحة : لحديث : (( وإذا أمَّن الإمام فأمنوا )) (1) وتسرها المرأة ويجهر بها الرجال خلف الإمام .
5- قراءة سورة من القرآن أو ما يسره الله بعد الفاتحة : ويتأكد ذلك في الركعتين الأوليين من كل صلاة .
6- الذكر الزائد بعد التحميد : مثل : (( ملء السموات وملء الأرض وملء ما شئت من شيء بعد )) لما جاء في حديث أبي سعيد وابن أبي أوفى أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان يقول ذلك بعد قوله : ربنا لك الحمد ، ولا بأس بقول : (( حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه )) قبله . (2)
كما يسن قول : (( حمداً يليق بجلال وجهك وعظيم سلطانك )) لإقراره صلى الله عليه وآله وسلم الصحابي عندما قال ذلك .
7- ما زاد على المرة في التسبيح في الركوع والسجود: وقد كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم يزيد على ذلك، وقد اتفق العلماء على أن أدنى مراتب الكمال ثلاث. (3)
8- الدعاء بعد الفراغ من التشهد الأخير : وقد أمر صلى الله عليه وآله وسلم إذا انتهى أحدنا من التشهد الأخير أن يتعوذ من أربع : (( من عذاب جهنم ، ومن عذاب القبر ، ومن فتنة المحيا والممات ، ومن شر فتنة المسيح الدجال )) . (4)
وجاء في الحديث أنه صلى الله عليه وآله وسلم قال : (( ثم ليتخير من المسألة بعد ما شاء )) (5) ، فتدعو الأخت بما فتح الله عليها مما تحتاجه من خيري الدنيا والآخرة ما لم يكن إثماً أو قطيعة رحم .
__________
(1) خرجه البخاري في الأذان - باب جهر الإمام بآمين حديث 780 من الفتح ( 2 / 262) .
(2) صحيح مسلم ، وتقدم تخريجه .
(3) انظر : سنن أبي داود في الصلاة - باب مقدار الركوع والسجود حديث 885 ، 886 ، 888 ، ولعله أصحها .
(4) رواه مسلم في المساجد - باب ما يستعاذ منه في الصلاة حديث 588 .
(5) رواه مسلم في الصلاة - باب التشهد في الصلاة حديث 402 .(4/31)
9- من السنة أن تزيد المسلمة بعد السلام عليكم ورحمة الله: ((وبركاته)) (1) لثبوت ذلك عنه صلى الله عليه وآله وسلم .
10- المحافظة على الذكر بعد الصلاة مثل : استغفر الله ثلاثاً ، اللهم أنت السلام ... إلخ ، وقول : لا إله إلا الله وحده لا شريك له … إلخ ، لا حول ولا قوة إلا بالله ، اللهم لا مانع لما أعطيت ... إلخ .
ب- سنن الأفعال :
1- رفع اليدين مع تكبيرة الإحرام وعند تكبيرة الركوع وعند الرفع منه : ولا ترفع عند إرادة السجود وإذا نهضت المرأة من التشهد الأول في ثلاثية أو رباعية ترفعها ، وقد جاء ذلك في حديث مالك بن الحويرث وغيره . (2)
2- وضع اليد اليمنى على اليسرى فوق السرة أو الصدر : لثبوت ذلك عنه صلى الله عليه وآله وسلم ولعدم ثبوت وضعهما تحت السرة . (3)
3- جعل النظر موضع السجود : لأنه أكمل في الخشوع ، ولانعقاد الإجماع على أنه أحفظ لنظره ، ولأنه نهى عن رفع البصر إلى السماء وهو في الصلاة . (4)
4- قبض الركبتين باليدين مفرجتي الأصابع : لحديث مصعب بن سعد عن أبيه رضي الله عنهما . (5)
5- مد الظهر وجعل الرأس حياله من غير خفض أو رفع : لما جاء في وصف أبي حميد الساعدي لصلاته صلى الله عليه وآله وسلم (6) ، وحديث عائشة رضي الله عنها(7) ، وغيرهما .
__________
(1) رواه أبو داود في الصلاة - باب في السلام حديث 997 .
(2) أخرجه مسلم في الصلاة - باب استحباب رفع اليدين حذو المنكبين حديث 391 .
(3) انظر : صحيح سنن أبي داود حديث 686 ، 687 .
(4) رواه مسلم في الصلاة - باب النهي عن رفع البصر إلى السماء في الصلاة حديث 428 ، 429 .
(5) رواه البخاري في الأذان حديث 790 من الفتح ( 2 / 273 ) ، ومسلم في المساجد حديث 535 .
(6) رواه البخاري في الأذان - باب سنة الجلوس في التشهد ( حديث 828 ) .
(7) رواه مسلم في الصلاة - باب ما يجمع صفة الصلاة ( حديث 498 ) .(4/32)
6- وضع الركبتين ثم اليدين ثم الجبهة والأنف عند السجود : لحديث وائل بن حجر (1) ، ولا مانع من وضع اليدين قبل الركبتين ، وقد انعقد الإجماع على جواز الأمرين ، وإنما وقع الخلاف في بيان الأفضل ولكل وجهة نظر وفهم من الأدلة ، ولعل ذلك مما وسع الله فيه .
7- تمكين أعضاء السجود من الأرض : لفعله صلى الله عليه وآله وسلم.
8- تضم المرأة أطرافها مع بدنها ولا تجافي : لأنه أستر لها وأبعد عن التكشف بخلاف الرجل فالسنة المجافاة بين الأعضاء، ولو جافت مع الستر ولم يكن ثمَّ رجال؛ جاز.
9- جلسة الاستراحة بعد الانتهاء من الركعة الأولى والثالثة : وقد فعلها صلى الله عليه وآله وسلم كما جاء في حديث مالك بن الحويرث قال :
(( رأيت النبي صلى الله عليه وآله وسلم إذا كان في وتر من صلاته لم ينهض حتى يستوي قاعداً )) . (2)
10- النهوض على القدمين مع الاعتماد على الركبتين : لحديث أبي هريرة : (( كان صلى الله عليه وآله وسلم ينهض على صدور قدميه )) . (3)
ويجوز النهوض مع الاعتماد على اليدين لثبوت ذلك عنه صلى الله عليه وآله وسلم، وهو أصح دليل من النهوض على صدور القدمين ، وأيهما فعلتِ فهو جائز.
__________
(1) أخرجه أصحاب السنن ، انظره في : سنن أبي داود في الصلاة - باب كيف يضع ركبتيه قبل يديه ( حديث 838 ) .
(2) رواه البخاري في الأذان - باب من استوى قاعداً في وتر ( حديث 823 ) ، وأبو داود في الصلاة برقم ( 844 ) .
(3) رواه الترمذي في الصلاة - باب ما جاء في النهوض من السجود ( حديث 288 ) قال أبو عيسى : العمل عليه عند أهل العلم .(4/33)
11- الافتراش للرجل اليسرى بين السجدتين وفي التشهد الأول : لحديث أبي حميد الساعدي في وصفه صلاة النبي صلى الله عليه وآله وسلم : (( ثم ثنى رجله اليسرى وقعد عليها )) ، وقال: (( وإذا جلس في الركعتين جلس على اليسرى ونصب الأخرى )).(1)
12- التورك في التشهد الثاني : للحديث السابق قال أبو حميد : (( فإذا كانت السجدة التي فيها التسليم أخرج رجله اليسرى وجلس متوركاً على شقه الأيسر وقعد على مقعدته )) .
13- وضع اليدين على الركبتين مبسوطتي الأصابع بين السجدتين : وتضم أصابع اليمنى في التشهد مع التحليق ورفع السبابة وتحريكها للدعاء بها : لحديث ابن عمر ووائل بن حجر في وصف صلاته صلى الله عليه وآله وسلم . (2)
14- الالتفات يميناً وشمالاً مع التسليم وتبالغ المسلمة في الالتفات : لفعله صلى الله عليه وآله وسلم كما جاء في حديث عامر بن سعد عن أبيه قال : (( كنت أرى النبي صلى الله عليه وآله وسلم يسلم عن يمينه وعن يساره حتى يرى بياض خده )) . (3)
15- إذا صلت خلف الرجال تصف وحدها وصلاتها صحيحة : لحديث أنس قال : (( صليت في بيتنا خلف النبي صلى الله عليه وآله وسلم وأمي أم سليم خلفنا )) . (4)
المبحث السادس : ما يبطلها وينقص من كمالها :
وهناك أمور ينبغي للأخت المسلمة أن تعرفها لتتجنبها في صلاتها .
__________
(1) حديث أبي حميد الساعدي أخرجه الجماعة إلا مسلماً ، وهو في البخاري في الأذان - باب سنة الجلوس في التشهد ( حديث 828 ) ، وفي الترمذي في الصلاة - باب ( 227 ) حديث 304 ، قال أبو عيسى : هذا حديث حسن صحيح .
(2) رواه مسلم في المساجد - باب صفة الجلوس في الصلاة ( حديث 579 ) .
(3) خرجه أصحاب السنن ، وانظره في سنن أبي داود في الصلاة - باب في السلام ( حديث 996 ) .
(4) خرجه البخاري في الأذان - باب المرأة وحدها تكون صفاً حديث 727 من فتح الباري ( 2 / 212 ) .(4/34)
فكل إخلال بشرط أو ركن عمداً أو سهواً مبطل للصلاة ، وكل إخلال بواجب عمداً فهو مبطل للصلاة . وكذلك الأكل والشرب والضحك والحركة الكثيرة من غير حاجة فهي مبطلة للصلاة .
وهناك أمور ينبغي تجنبها لأنها تنقص من كمال الصلاة منها :
1- الاقتصار على الفاتحة دون قراءة شيء من القرآن في الركعتين الأوليين .
2- الالتفات من غير حاجة داعية إلى ذلك .
3- إغماض العينين في الصلاة ، لأنه من فعل اليهود ومظنة النوم .
4- كل ما أذهب الخشوع .
5- افتراش الذراعين حال السجود للنهي عنه .
6- الحركات عبثاً من غير حاجة داعية إلى ذلك .
7- التخصر وهو وضع اليدين على الخاصرتين لنهيه صلىالله عليه وسلم عن ذلك.
8- استقبال ما يشغله أو يلحق العبادة بطريقة الأوثان كاستقبال النار والصور والصلاة إلى من يتحدث .
9- فرقعة الأصابع والتشبيك بينها للنهي عن ذلك .
10- تغطية الوجه إلا إذا وجد الرجال غير المحارم ، فإنها تغطي وجهها .
وقد جاء في الحديث : (( إن الرجل لينصرف وما كتب له إلا عشر صلاته ، تسعها، ثمنها ، سبعها ، سدسها ، خمسها ، ربعها ، ثلثها ، نصفها )) . (1)
وليس للمرء من صلاته إلا ما عقل ، ولتحذر الأخت وسوسة الشيطان لعنه الله ، وإذا نابها شيء من ذلك وهي في الصلاة نفخت عن يسارها ثلاثاً واستعاذت بالله من الشيطان الرجيم فإنه يذهب وسوسته ، كما جاء في الحديث قال صلى الله عليه وآله وسلم : (( ذاك شيطان يقال له خنزب ، فإذا أحسسته فتعوذ بالله منه واتفل على يسارك ثلاثاً )) قال : ففعلت ذلك فأذهبه الله عني . (2)
وليس للمرأة أن تؤذن للصلاة أو تقيم لها لعدم ثبوت ذلك.
__________
(1) أخرجه أبو داود في الصلاة - باب ما جاء في نقصان الصلاة ( حديث 796 ) .
(2) رواه مسلم من حديث عثمان بن أبي العاص في السلام - باب التعوذ من شيطان الوسوسة في الصلاة حديث 2203 ( 4 / 1728 ) .(4/35)
ولها أن تصلي على الجنازة كالرجل تكبر أربع تكبيرات تقرأ بعد الأولى بالفاتحة ثم تكبر وتصلي على النبي صلى الله عليه وآله وسلم الصلاة الإبراهيمية، ثم تكبر وتجتهد في الدعاء للميت ثم تكبر وتسلم تسليمة واحدة عن يمينها .
وإذا اجتمع النساء للصلاة سواء مع الإمام أو وحدهن فلا بد من تسوية صفوفهن كالرجال لكن إن أمَّتهُنَّ امرأة كانت في وسط الصف الأول ولاتبرز أمام الصف كالرجال ، وإذا صلت مع الرجل وليس معها نساء وقفت خلفه وحدها .
وللمرأة أن تحمل طفلها في الصلاة فتضعه إذا سجدت وتحمله إذا قامت كما فعل صلى الله عليه وسلم بأمامة .
المبحث السابع : صلاة التطوع :
حدثنا الشيخ حماد الأنصاري بسنده المتصل إلى البخاري رحمه الله وحدث البخاري بسنده المتصل إلى أبي هريرة - رضي الله عنه - قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (( إن الله قال : من عادى لي ولياً فقد آذنته بالحرب ، وما تقرب إليّ عبدي بشيء أحب إلي مما افترضته عليه ، وما يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه ، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به ، وبصره الذي يبصر به ، ويده التي يبطش بها، ورجله التي يمشي عليها ، وإن سألني لأعطينه ، ولئن استعاذ بي لأعيذنه ، وما ترددت عن شيء أنا فاعله ترددي عن نفس المؤمن يكره الموت وأنا أكره مساءته )) . (1)
فهذا الحديث أصل عظيم في الحث على فعل الطاعات وأعظمها تقرباً إلى الله فعل الفرائض وأداؤها كاملة الأركان والشرائط ثم السنن ولا شك أن من حافظ عليها حري به أن يتزود من النوافل ، فإنها متممات للفرائض سادات لما انتقص فيهن .
ويمكن تقسيم صلاة التطوع إلى ثلاث شعب رئيسة :
__________
(1) رواه البخاري واللفظ له في الرقاق - باب التواضع ( حديث 6502 ) من فتح الباري ( 11 / 340 ) .(4/36)
الشعبة الأولى : ما شرعت له الجماعة مثل : الكسوف ، والاستسقاء ، والتراويح، وكان النساء يصلين هذه الصلوات مع النبي صلى الله عليه وآله وسلم لكنهن يخرجن تفلات غير متعطرات ولا متزينات ولا فاتنات كما يفعله كثير من النساء هداهن الله في أيامنا هذه ، فقد أنصف الإسلام المرأة ونهى النبي صلى الله عليه وآله وسلم الرجال أن يمنعوهن من الخروج إلى المساجد ليشهدن الخير ويشاركن الرجال في أجر الجماعة لكن ذلك بضوابطه الشرعية من الاحتشام والتستر وعدم استعمال الطيب أو السير وسط الطريق ، فإذا أخذت المرأة بهذه الآداب فلا تمنع من الخروج إلى المساجد والمصليات وصلاتها في قعر بيتها خير لها .
الشعبة الثانية : السنن : وهي نوعان : رواتب وغير رواتب :
أ- وأهم السنن الرواتب : الوتر : وأقله ركعة ولا حد لأكثره على الصحيح، لكن الأفضل أن تقتصر على إحدى عشرة ركعة مع طول القراءة والركوع والسجود والخشوع لله تعالى ، وأدنى الكمال ثلاث ، وكان النبي صلى الله عليه وآله وسلم يحافظ عليه سفراً وحضراً . (1)
ثم سنة الفجر : لحديث عائشة رضي الله عنها مرفوعاً : (( ركعتا الفجر خير من الدنيا وما فيها )) (2) ، ولمحافظته صلى الله عليه وآله وسلم عليها أيضاً حضراً وسفراً .
ركعتان قبل الظهر وركعتان بعدها ، وركعتان بعد المغرب ، وركعتان بعد العشاء: لحديث ابن عمر رضي الله عنهما (3) ، وإذا فاتت على المسلمة بعذر قضتها لفعله صلى الله عليه وآله وسلم لما قضى ركعتي الظهر بعد العصر عندما شغله وفد عبد القيس . (4)
__________
(1) انظر : صحيح البخاري في الوتر حديث 100 من الفتح ( 2 / 489 ) .
(2) رواه مسلم في صلاة المسافرين - باب استحباب ركعتي الفجر ( حديث 725 ) .
(3) أخرجه البخاري في التهجد - باب الركعتان قبل الظهر ( حديث 1180 ) .
(4) رواه البخاري في السهو - باب إذا كلم وهو يصلي حديث 1233 من فتح الباري ( 3 / 105 ) .(4/37)
ب- السنن الأخرى : مثل : صلاة الضحى لحديث أبي الدرداء المشهور الذي أوصاه النبي صلى الله عليه وآله وسلم بالمحافظة عليها (1) ، والمحافظة على أربع قبل الظهر وأربع بعدها لقوله صلى الله عليه وآله وسلم : (( من حافظ على أربع قبل الظهر وأربع بعدها حرمه الله على النار )) . (2)
وكذلك أربع ركعات قبل العصر لقوله صلى الله عليه وسلم : (( رحم الله امرءاً صلى قبل العصر أربعاً )) . (3)
وإحياء ما بين المغرب والعشاء ، وقد كان صلى الله عليه وآله وسلم يفعله أحياناً فيستغرق ما بين المغرب والعشاء بالصلاة ، كما في حديث ابن عباس ليلة مبيته عند رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم (4) ، وحديث حذيفة - رضي الله عنه - قال: (( صليت مع النبي صلى الله عليه وآله وسلم المغرب ، فلما قضى صلاته قام ، فلم يزل يصلي حتى صلى العشاء ثم خرج )) . (5)
ومن السنن المباركة التي كان صلى الله عليه وآله وسلم يحافظ عليها قيام الليل ، بل قام أول الدعوة حتى تفطرت قدماه ، وكان يقوم من الليل من أوله ووسطه وآخره ثم انتهى وتره إلى السحر صلى الله عليه وآله وسلم . (6)
__________
(1) رواه مسلم في المسافرين ( حديث 722 ) ، في المسألة حديث أبي هريرة في البخاري في التهجد ( حديث 1178 ) .
(2) رواه أبو داود في الصلاة - باب الأربع قبل الظهر ( حديث 1269 ) ، وحسنه الترمذي برقم ( 427 ) في الصلاة .
(3) رواه أبو داود في الصلاة - باب الصلاة قبل العصر ( حديث 1271 ) ، وحسنه الترمذي ( 430 ) .
(4) أصلها في البخاري في مواضع منها : العلم - باب السمر في العلم حديث 117 من الفتح ( 1 / 212 ) ، ( 3 / 482 ) .
(5) مسند الإمام أحمد ( 5 / 391 ) .
(6) رواه البخاري في الوتر - باب ساعات الوتر حديث 996 من الفتح ( 3 / 486 ) .(4/38)
ومن السنة المحافظة على تحية المسجد ، ولو دخلت المرأة المسجد وقت نهي وأرادت الجلوس فيه لتنتظر الصلاة ، فتصلي ركعتين تحية المسجد لعموم
حديث : (( إذا دخل أحدكم المسجد فلا يجلس حتى يصلي ركعتين )) . (1)
ومن السنن المرغب فيها سنة الوضوء : لحديث بلال (2) ، ولقوله صلى الله عليه وآله وسلم : (( ما من عبد يتوضأ فيحسن الوضوء ، ثم يقوم فيصلي ركعتين لا يحدث فيهما نفسه إلا غفر له ما تقدم من ذنبه )) . (3)
الشعبة الثالثة : النفل المطلق بالليل أو النهار ما عدا ساعات الكراهة التي يمسك فيها عن الصلاة وهي : إذا صلى الفجر حتى تطلع الشمس وترتفع قد رمح ، وإذا قام قائم الظهيرة حتى تزول ، وإذا صلى العصر حتى تغرب الشمس ، وما عدا ذلك فتتطوع المسلمة ما شاءت لعموم قوله صلى الله عليه وآله وسلم : (( خير فعلكم الصلاة فاستكثروا منها )) (4) ، وقوله صلى الله عليه وآله وسلم : (( صلاة الليل مثنى مثنى )) (5) ، وروي لزبيدة زوج الرشيد رؤياً طيبة ، فقيل : أنلت هذه المنزلة بإجرائك عين زبيدة ؟ قالت : بل بركعتين كنت أصليهما في جوف الليل . (6)
__________
(1) رواه مسلم في صلاة المسافرين - باب استحباب تحية المسجد ( حديث 714 ) .
(2) رواه البخاري في التهجد - باب فضل الطهور بالليل والنهار حديث 1149 ( 3 / 34) .
(3) أصله في البخاري من حديث عثمان - رضي الله عنه - في الوضوء - باب الوضوء ثلاثاً حديث 159 ( 1 / 259 ) ، ومسلم في الطهارة ( حديث 226 ) .
(4) صحيح ابن ماجه في الطهارة - باب المحافظة على الوضوء ( حديث 224 ) .
(5) رواه البخاري في التهجد - باب كيف صلاة النبي صلى الله عليه وآله وسلم حديث 1137 من الفتح ( 3 / 20 ) .
(6) البداية والنهاية لابن كثير ( 10 / 271 ) .(4/39)
وعلى الأخت المسلمة أن تسدد وتقارب وتستغل وقت الشباب وما قبل الزواج فتكثر من الصلاة النافلة ، فإنها إذا تزوجت وأنجبت كثرت المسؤولية والحقوق ، وعليها حينئذ أن توازن فتؤدي حقوق الزوج والمنزل وتحتسب ذلك عند الله ، فهي مقدمة على نوافل الصلاة ، ثم تستغل الفرصة فتصلي في أوقات الفراغ ، ومن يتق الله يجعل له مخرجاً ويرزقه من حيث لا يحتسب .
وللمرأة أن تحضر صلاة العيد والاستسقاء والكسوف وتشهد الخير وتُؤَمِّن على الدعاء ، حتى لو كانت حائضاً إلا أنها تعتزل المصلى .
الفصل الثالث: الزكاة وهي ركن الإسلام الثالث، وفيه مباحث :
المبحث الأول : الأصل فيها وبيان حكمها وقتال مانعيها :
قال الله تعالى : { الم - ذَلِكَ الكِتَابُ لا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلمُتَّقِينَ - الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةِ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ } . (1)
وقال تعالى : { وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ } . (2)
وأمر سبحانه بإيتاء الزكاة في مواضع كثيرة من كتابه وقرنها بالصلاة لعظم شأنها ومنزلتها من الدين .
وجعل منعها من وصف أهل الشرك فقال تعالى : { وَوَيْلٌ لِلمُشْرِكِينَ - الَّذِينَ لا يُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ بِالآخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ } . (3)
وقاتل أبو بكر - رضي الله عنه - مانعي الزكاة وجعلها حق المال . (4)
وتوعد الشارع من منعها أن تؤخذ منه وشطر ماله . (5)
__________
(1) سورة البقرة - الآية ( 1 - 3 ) .
(2) سورة الأنعام - الآية ( 141 ) .
(3) سورة فصلت - الآية ( 6 - 7 ) .
(4) متفق عليه : البخاري في الزكاة - باب وجوب الزكاة حديث 1400 ( 3 / 262 ) ، ومسلم في الإيمان ( حديث 32 ) .
(5) رواه أحمد في المسند ( 5 / 2 ، 4 ) ، وخرجه النسائي وأبو داود كلاهما في الزكاة .(4/40)
وأمر النبي صلى الله عليه وآله وسلم معاذاً لما بعثه إلى اليمن أن يدعوهم إلى التوحيد، ثم الصلاة ، ثم الزكاة ، وأمره أن يأخذ منهم ويتوقى كرائم أموالهم . (1)
وذكر المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم الوعيد الشديد في حق من منع الزكاة وأنه يعذب بماله ، فإنه كان ماله من بهيمة الأنعام سلطت عليه تطأه وتنطحه، وإن كان من ذهب أو فضة صفحت له صفائح ثم تحمى في النار فيكوى بها جنبيه وظهره وجبينه حتى يقضى بين الناس فيرى مصيره إما إلى الجنة وإما إلى النار . (2)
وقد سبق الحديث في الشهادتين وأن مما بني عليه الإسلام : الزكاة . (3)
والإجماع منعقد على أن الزكاة ركن من أركان الإسلام ومبانيه العظام.(4)
والزكاة لغة : النماء والزيادة .
واصطلاحاً : حق خاص في مال مخصوص لطائفة مخصوصة يجب بتوفر شرائط معلومة .
والزكاة تنمي المال وتطهره وتزكي صاحب المال ، وتحقق العدالة الاجتماعية فلا تمتلئ نفوس بالجشع والطمع ولا أخرى بالحقد والضغينة ، ولو أخرج كل صاحب مال زكاة ماله لما احتاج العالم الإسلامي إلى فُتات الخبز وجرعة الدواء التي يقدمها الغرب الصليبي له بيد والإنجيل والصليب بيد أخرى .
المبحث الثاني : شروطها وبيان ما تجب فيها :
أ- الشروط التي لابد من توفرها : الإسلام ، الحرية ، ملك تمام النصاب ، وتمام الحول في غير الخارج من الأرض .
وتزيد في بهيمة الأنعام بأن تتخذ للدر والنسل والقسمين ، وأن تسوم بأن ترعى من المباح أكثر الحول . أما المعلوفة فلا تجب فيها الزكاة إلا أن تعد للتجارة .
__________
(1) متفق عليه ، انظر : اللؤلؤ والمرجان حديث 11 ( 1 / 5 ) .
(2) متفق عليه : رواه البخاري في الزكاة - باب إثم مانع الزكاة ، ومسلم كذلك حديث
( 987 ) .
(3) رواه البخاري في الإيمان - باب قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم : بني الإسلام على خمس .
(4) الإجماع لابن المنذر ( ص : 46 ) ، والإفصاح لابن هبيرة ( 1 / 195 ) .(4/41)
ب- بيان ما تجب فيه : تجب في السائمة من بهيمة الأنعام وهي الإبل ، البقر، الغنم ، وفي الأثمان وهي الذهب والفضة وما قام مقامهما من الأوراق المالية ، وفيما خرج من الأرض بضوابط مستنبطة من الأدلة .
وهذا لا خلاف فيه بحمد الله تعالى ، كما أن في الركاز الخمس للحديث الذي رواه الجماعة : (( وفي الركاز الخمس )) . (1)
زاد بعض أهل العلم العسل ، فأوجب فيه الزكاة إذا بلغ النصاب ، لحديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده : (( أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كان يؤخذ في زمانه من قرب العسل من كل عشر قرب قربة من أوسطها )).(2)
وأخذ عمر - رضي الله عنه - من أهل العسل الزكاة من كل عشرة أفراق فرقاً .
ويظهر أن العشر إنما هو على من حمى له السلطان ، أو أن ذلك من باب الندب لا من باب الوجوب والحديث لم يصح في زكاة العسل ، والله أعلم .
المبحث الثالث :
تفصيل أنصبة الزكاة والواجب في كل نصاب :
1 - زكاة بهيمة الأنعام :
أ- الإبل : من خمس إلى تسع فيها شاة ، ومن عشر إلى أربع عشرة شاتان، ومن خمس عشرة إلى تسع عشرة ثلاث شياه ، ومن عشرين إلى أربع وعشرين أربع شياه .
__________
(1) رواه الجماعة . انظر : البخاري في الزكاة - باب في الركاز الخمس حديث 1499 من الفتح ( 3 / 364)، ومسلم في الحدود - باب جرح العجماء ( حديث 1710 ) .
(2) رواه أبو داود في الزكاة - باب زكاة العسل حديث 1600 ، 1601 ، 1602 .(4/42)
ومن خمس وعشرين إلى خمس وثلاثين بنت مخاض وهي ما تم له سنة وإن لم يجدها أخذ ابن لبنون ، ومن ست وثلاثين إلى خمس وأربعين بنت لبون وهي ما تم له سنتان ، وفي ست وأربعين إلى ستين حقه وهي ما تم له ثلاث سنين ، وفي إحدى وستين إلى خمس وسبعين جذعة وهي ما تم لها أربع سنين ، وفي ست وسبعين إلى تسعين ابنتا لبون ، وفي إحدى وتسعين إلى مائة وعشرون حقتان ، وفي مائة وإحدى وعشرين إلى مائة وتسع وعشرين ثلاث بنات لبون ، وفي مائة وثلاثين تستقر الفريضة فيحسب في كل أربعين بنت لبنون وفي كل خمسين حقه .
ففي المائة وثلاثين : حقة (50) + بنتا لبون (40+40) = 130 .
وفي المائة والأربعين : حقتان (100) + بنت لبون (40) = 140 .
وفي المائة وخمسين : ثلاث حقاق (50 ( 3) = 150 .
وفي المائة وستين : أربع بنات لبون ( 4 ( 4 ) = 160 .
ولا شيء في الأوقاص (1) على الصحيح ، ومما تستوي فيه الفريضة المائتان ففيها إما أربع حقاق ، وإما خمس بنات لبون .
ب ـ زكاة البقر : لا زكاة فيما دون ثلاثين إلا أن يشاء ربها .
وفي الثلاثين منها : تبيع أو تبيعة ، وهو ماله سنة . إلى تسع وثلاثين .
وفي الأربعين : مسنة ، وهو ما له سنتان . إلى تسع وخمسين .
وفي الستين : تبيعان ، ثم في كل ثلاثين تبيع وفي كل أربعين مسنة.
ففي السبعين مثلاً : تبيع ومسنة ، وفي الثمانين : مسنتان ، وفي التسعين ثلاثة أتبعة، وفي المائة مسنة وتبيعان .
ولا شيء في الأوقاص لحديث معاذ - رضي الله عنه - .
ج ـ زكاة الغنم : لا زكاة فيها حتى تبلغ أربعين .
فإذا بلغت الأربعين ففيها شاة ، إلى مائة وعشرين .
وفي مائة وإحدى وعشرين إلى مائتين : شاتان .
وفي مائتين وواحدة إلى ثلاثمائة وتسع وتسعين : ثلاث شياه .
وهو أكبر وقص بين النصابين ، ثم في أربع مائة : أربع شياه ، وتستقر الفريضة ، في كل مائة شاةٍ شاةٌ ، ولا شيء في الأوقاص .
__________
(1) الأوقاص : جمع وقص وهو ما بين النصابين في بهيمة الأنعام خاصة .(4/43)
والأصل في هذا التقدير : حديث أنس - رضي الله عنه - : أنا أبا بكر - رضي الله عنه - كتب له حين وجهه إلى البحرين : ( بسم الله الرحمن الرحيم ، هذه فريضة الصدقة التي فرضها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على المسلمين ، أمر الله بها رسوله - صلى الله عليه وسلم - .. ) الحديث (1) وذكر فيه صدقة الغنم والإبل كما فصلت .
والأصل في زكاة البقر : حديث معاذ - رضي الله عنه - قال : بعثني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أصدق أهل اليمن ، فأمرني أن آخذ من البقر من كل ثلاثين تبيعاً ، ومن كل أربعين مسنة . (2)
2 ـ زكاة النقدين ( أو الأثمان ) الذهب والفضة :
وهي العملة التي كانوا يتعاملون بها في العهد النبوي وما بعده إلى وقت قريب من زماننا ، وكانت العملة بالذهب تسمى بالدينار ، وعملة الفضة بالدرهم وبالورق .
ثم الفلوس ، وهي من المعدن دون الفضة ، وهي الأجزاء التي تصرف بها الفضة .
وكل ذهب أو فضة بلغ النصاب وزناً ففيه الزكاة ، ولو لم يكن عملة كالأجزاء المعدة للبيع والشراء في خزانات المصارف ، سواء بلغت القطعة كيلو جرام أو دون ذلك كالأونصات ، فإذا اجتمع منها ما يبلغ النصاب وجبت في قيمته الزكاة .
وأقل نصاب تجب فيه زكاة الذهب عشرون مثقالاً ، وهو يساوي بالتقريب: خمسة وثمانين جراماً ذهبياً .
وأقل نصاب من الفضة تجب فيه الزكاة ما بلغ مائتي درهم ، وهو ما يساوي بالتقريب : خمسمائة وخمسة وتسعين جراماً منها .
والذي يؤخذ من ذلك ربع العشر ، وهو ما يساوي في النسبة : اثنين ونصف في المائة .
والأصل في ذلك :
__________
(1) رواه بطوله البخاري في صحيحه ( كتاب الزكاة ـ باب زكاة الغنم ـ ح1454 ، 1453 ـ 3/316 ، 317 مع الفتح ) .
... وأبو داود في سننه ( كتاب الزكاة ـ باب في زكاة السائمة ـ ح1567 بأطول منه ) .
(2) أخرجه أبو داود في سننه ( كما سبق ـ ح1576 ) ، والترمذي في سننه ( كتاب الزكاة ـ باب زكاة البقر ـ ح623 ) وحسنه .(4/44)
أما الذهب فحديث عائشة ، وابن عمر مرفوعاً : كان - صلى الله عليه وسلم - يأخذ من كل عشرين مثقالاً نصف مثقال (1) ، وهو ربع عشرها ، ولا خلاف في وجوب ربع العشر فيها .
وأما الفضة فحديث أنس - رضي الله عنه - مرفوعاً: وفي الرقة ربع العشر. متفق عليه(2).
ويضم الذهب والفضة في إكمال النصاب لاتحاد المقصد منهما .
والعملة الورقية تقوم مقام الذهب والفضة اليوم .
ويقدر النصاب فيها بالأحظ للفقراء ، وفي وقتنا الحاضر الأحظ : أن يقدر بالفضة؛ لأن قيمة النصاب فيها أقل من قيمة الذهب ويقدر النصاب بملك (85) جراماً من الذهب أو (595) جراماً من الفضة لانضباطه في سائر الأوقات ويعرف المقدار بحسب سعر الجرام في كل بلد بحسبه، فإذا ملكت المسلمة ما يعادل ست مائة ريال سعودي وجب فيها الزكاة ، في كل مائة ريالان ونصف، ففي الست مائة : خمسة عشر ريالاً ، وفي الألف ريال : خمسة وعشرون ريالاً ، وهكذا ، كلما زاد المبلغ يضرب في اثنين ونصف ، وهو ربع العشر .
وجميع الأوقاص فيها زكاة بخلاف بهيمة الأنعام .
وهنا تساؤل يثار في كل وقت ، وهو : هل في الحلي زكاة ؟
والجواب : الذي عليه الفتوى عند مشائخنا أن ما بلغ النصاب من الذهب والفضة أو منهما معاً وجب فيه الزكاة ، لأن الشارع أوجب الزكاة على من ملك عين ذهب أو فضة ، من غير تفريق ، وهذا أحوط .
__________
(1) أخرجه ابن ماجة في السنن ( كتاب الزكاة ـ باب زكاة الورق والذهب ـ ح1791 ) وضعف إسناده في الزوائد ، لكن للحديث شواهد ترفعه ، انظر : إرواء الغليل ( 3/289 ) .
(2) رواه البخاري في الصحيح ( كتاب الزكاة ـ باب زكاة الورق ـ ح1447 ) ، ومسلم في صحيحه ( ح 979 ) .(4/45)
وذهب بعض أهل العلم في زماننا إلى التفريق ؛ فما كان ملبوساً على الدوام فلا زكاة فيه ، فهو أشبه بالملابس ، وما ليس كذلك كالمكنوز والمؤجر والمعد للبيع، والذي لا يلبس إلا نادراً فهذا فيه الزكاة إذا بلغ نصاباً ، لشبهه بالكنز ، وهو قوي في النظر . والعرف والعادة تُحّكم في ما يعد للاستعمال وما يكون شبيهاً بالكنز .
3 ـ زكاة عروض التجارة :
وهي كل ما أعد للبيع والشراء من سيارات ، وعقار ، ومواد غذائية ، ومواد بناء ، ومواد طبية .. وغير ذلك مما يتبايعه الناس ، حتى بهيمة الأنعام إذا لم تكن سائمة ، وكانت تشرى لتباع ، فهي من عروض التجارة ، تقوّم عند نهاية الحول ، فإذا بلغت قيمتها نصاباً زكيت القيمة بواقع اثنين ونصف في المائة ، أي: ربع العشر؛ لأنها تقدر بالأثمان ، أو ما يقوم مقامها ، وإذا عجز الإنسان عن إخراج الزكاة لعدم توفر السيولة النقدية ، فله أن يخرج من أعيان تجارته بقدر قيمة الزكاة ، بشرط أن توضع في موضعها الذي نص عليه الشارع ، وهم مصارف الزكاة الثمانية كما يأتي ، وأن يكون في ذلك سد لحاجة من تدفع إليه ، ولا يكلف الاستدانة لإخراج الزكاة ، لأنه أدى ما استطاع ، ولكون الزكاة وجبت مواساة .
4 ـ زكاة الخارج من الأرض :
أ / الأصل فيها : الكتاب ، والسنة ، والإجماع .
فمن الكتاب قوله تعالى : { يَأَيُّها الَّذِينَ ءامَنُوا أَنْفِقُوا مِن طَيِّباتِ مَا كَسَبْتُم وَمِمَّا أخْرَجْنا لَكُم مِنَ الأَرْضِ } (1)، وقوله تعالى: { وَءاتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ } (2).
ومن السنة : قوله - صلى الله عليه وسلم - : (( فيما سقت السماء والعيون ، أو كان عثرياً العشر، وفيما سقي بالنضح نصف العشر )) رواه البخاري . (3)
__________
(1) سورة البقرة ، الآية ( 267 ) .
(2) سورة الأنعام ، الآية ( 141 ) .
(3) في الصحيح ( كتاب الزكاة ـ باب العشر فيما يسقى من ماء السماء ـ ح1483 ) .
... ومعنى : (( عثرياً )) أي : يسقى بلا كلفة أو مشقة .
... ومعنى : (( بالنضح )) أي : بالسواني ، وهي النواضح .(4/46)
وقوله - صلى الله عليه وسلم - : (( ليس فيما دون خمسة أوسق صدقة )) متفق عليه. (1)
وانعقد الإجماع على وجوبها في الحنطة ، والشعير ، والتمر ، والزبيب .(2)
ب / الأصناف التي تجب فيها الزكاة مما يخرج من الأرض :
ومن النصوص السابقة ، والإجماع استنبط أحمد رحمه الله أنها تكون في نوعين :
الأول : كل مكيل يمكن ادخاره ففيه الزكاة ، فيدخل من الأصناف في ذلك: القمح ، الشعير ، الذرة ، الدخن ، الحمص ، العدس ، الباقلاء ، السمسم، الكراويا ، الكسفرة ، الأبازير ، بزر القطن والكتان ، وبزر البطيخ ، الأرز ، اللوبيا، الحلبة ، حب الرشاد ، بزر القثاء والخيار .
ويمكن تصنيف ما سبق إلى ثلاثة أصناف : الغذاء ، الدواء ، الأبازير .
الثاني : ما يبس من الثمار ، ويدخله الكيل مثل : الزبيب ، والتمر ، واللوز، والفستق ، والبندق ، والجوز .
ولا يدخل ما لم يجمع الأوصاف السابقة ، فلا زكاة في الخضار بعامة، ولا في الفواكه كالبرتقال ، والموز ، والمشمش ، والرمان ، والخوص ، والأجاص ، والكمثرى .. وما شابه ذلك ، ولم يكن يأخذ عماله - صلى الله عليه وسلم - من هذه الفواكه والخضار زكاة ، ولو أخذوا لَنُقِل .
لكن ينبغي للمرأة المسلمة أن تتصدق مما يخرج لها من تلك الفواكه والخضروات ، لتعلق نفوس الفقراء والمحاويج بذلك ، ولأجل أن تحصل البركة في الزروع والثمار والخضار والفاكهة من الله تعالى .
ويوم كان الناس يتصدقون من شجرهم وخضارهم ، كانت البركة عامة ، والخير كثير .
ج / المقدار الذي تجب فيه الزكاة ( النصاب ) .
من النصوص السابقة نستطيع التحديد ، فالشارع قال : (( ليس فيما دون خمسة أوسق صدقة )) . (3)
__________
(1) أخرجه البخاري في الصحيح ( كتاب الزكاة ـ باب زكاة الورق ـ ح447 ) ، ومسلم ( كتاب الزكاة ـ ح979 ) .
(2) انظر : الإفصاح ( 1/205 ) .
(3) ... متفق عليه ، وتقدم تخريجه .(4/47)
والوسق : ستون صاعاً ، والصاع : أربعة أمداد ، والمد : ملءُ حفنتي الرجل المتوسط ، وهي تبلغ ما يزيد على ستمائة جرام ، فيكون الصاع تقريباً : كيلين ونصف الكيل ، ومجموع النصاب بالكيلو جرام : 5(60(2.5 = 750 كيلو جرام تقريباً .
فمن ملك هذا القدر وجبت عليه فيه الزكاة .
د / مقدار الزكاة ( أي المخرج ) في النصاب الواحد :
ينظر إلى الخارج من الأرض ؛ فإن كان في أرض تسقى بماء المطر ، وما ليس فيه مؤنة ففيه العشر : ثلاثون صاعاً ، بما يعادل خمسة وسبعين كيلاً تقريباً، وإن كان السقي بمؤنة ، كالمكائن التي تخرج المياه من الآبار ، أو تجلبها من الأنهار ، ونحو ذلك ففيه نصف العشر ، خمسة عشر صاعاً ، أي ما يعادل سبعة وثلاثين كيلاً ونصف الكيل .
والعبرة ببلوغ النصاب وملكه وقت الوجوب ، وما زاد على النصاب يتبع الأصل ، فليس في الخارج من الأرض أوقاص، بل فيه العشر أو نصفه على ما سبق.
المبحث الرابع : زكاة الفطر :
وهي الصدقة عن البدن تزكية للنفس ، وتنمية لعملها ، قال الله تعالى :
{ قد أفلح من تزكى } (1) ، قال سعيد بن المسيب ، وعمر بن عبد العزيز رحمهما الله تعالى : (( هو زكاة الفطر )) ، وذكره ابن جرير عن أبي العالية(2) .
وقال ابن عمر رضي الله عنهما : ( فرض رسول الله - صلى الله عليه وسلم - زكاة الفطر من رمضان صاعاً من تمرٍ ، أو صاعاً من شعيرٍ ، على العبد والحر ، والذكر والأنثى، والصغير والكبير من المسلمين، وأمر بها أن تؤدى قبل خروج الناس إلى الصلاة) .(3)
والإجماع منعقد على وجوبها . (4)
__________
(1) سورة الأعلى ، الآية ( 14 ) .
(2) تفسير سورة الأعلى ( 30/156 ) .
(3) أخرجه البخاري في صحيحه ( كتاب الزكاة ـ باب فرض صدقة الفطر ـ ح1503 ) .
(4) الإفصاح لابن هبيرة ( 1/220 ) .(4/48)
ويجوز تقديمها قبل يوم العيد بيوم أو يومين ، لحديث ابن عمر رضي الله عنهما : كانوا يعطون قبل الفطر بيوم أو يومين . رواه البخاري . (1)
والمجزئ : صاع من برٍ ، أو شعيرٍ ، أو تمر ، أو زبيب ، أو أقط ، أو رز . وهذا غالب الطعام في كثير من البلدان اليوم .
وجاء في الحديث الذي رواه أبو سعيد قال : (( كنا نخرج زكاة الفطر إذ كان فينا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صاعاً من طعام ، أو صاعاً من شعير ، أو صاعاً من تمر ، أو صاعاً من زبيب ، أو صاعاً من أقط )). متفق عليه . (2)
وما دام نص الشارع على نوع المخرج ووسع فيه ، ولم يذكر القيمة مع إمكانها فالصحيح أنها لا تجوز ، لكن لا مانع أن يدفع صاحبها المال لمن يتولى توزيعها على مستحقيها في غير بلده ، إذا قامت ضرورة أو حاجة ملحة إلى ذلك ، والله أعلم .
المبحث الخامس : صدقة التطوع :
قال الله تعالى : { مَن ذَا الَّذي يُقْرِضُ اللهَ قرْضاً حسَنَاً فَيُضَاعِفَهُ لهُ أضْعافَاً
كَثِيرَةً } (3) ، وقال تعالى : { وَمَا تُنفِقُوا مِن خيرٍ فَإِنَّ اللهَ بِهِ عليم } (4) ، وقال تعالى : { وَانْفِقُوا مِمَّا رزَقْنَاكُم مِن قَبْلِ أَن يَّأتِيَ أَحَدَكُم الْمَوتُ فَيَقُولَ ربِّ لولآ أَخَّرْتَني إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأصْدَّقَ وأَكُن مِّنَ الصَّالِحين } (5) .
__________
(1) في ( كتاب الزكاة ـ باب صدقة الفطر على الحر والمملوك ـ ح1511 ـ 3/375 الفتح )
(2) المرجع السابق ( باب صدقة الفطر صاعاً من طعام ـ ح1506 ) .
(3) سورة البقرة ، الآية ( 245 ) .
(4) سورة البقرة ، الآية ( 273 ) .
(5) سورة المنافقون ، الآية ( 10 ) .(4/49)
وقال - صلى الله عليه وسلم - : (( إن الصدقة لتطفئ غضب الرب ، وتدفع عن ميتة السوء )) (1) وقال - صلى الله عليه وسلم - : (( من تصدق بعدل تمرة من كسبِ طيب - ولا يصعد إلى الله تعالى إلا الطيب - فإن الله تعالى يقبلها بيمينه ، ثم يربيها لصاحبها كما يربي أحدكم فلوه ، حتى تكون مثل الجبل )) متفق عليه . (2)
والفلو : ولد الفرس إذا فطم ، أو بلغ سنة .
وذكر - صلى الله عليه وسلم - من السبعة الذين يظلهم الله تحت ظله يوم لا ظل إلا ظله :
(( ورجل تصدق بصدقة ، فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه )) . (3)
وعلى الأخت المسلمة أن تتحين فضيلة المكان ، كمكة والمدينة ، وفضيلة الزمان كشهر رمضان ، ويوم الجمعة ، وأيام عشر ذي الحجة وما شابه ذلك ، فتجعل صدقتها فيها ؛ فالعمل يفضل بفضيلة الزمان والمكان .
كما ينبغي أن تكون الصدقة في أهلها ، وأفضل من يتصدق عليه : الجار المحتاج ، وذي الرحم ، فهي صدقة وصلة ، والأيتام ، والمرضى العاجزون عن العمل، وكذا الإنفاق في وجوه الخير العامة ، وبخاصة : جماعات التحفيظ والتعليم ، والدعوة إلى الله تعالى .
فالمال مال الله أعطاه الله عباده بعد أن كانوا فقراء ، وهو جلَّ وتعالى يثيبهم عليه، وهذا منتهى الإنعام والإكرام ، فله الحمد وله الشكر .
المبحث السادس : مصارف الزكاة :
__________
(1) أخرجه الترمذي في السنن ( كتاب الزكاة ـ باب ما جاء في فضل الصدقة ـ ح664 ) وحسنه .
(2) رواه البخاري في صحيحه ( كتاب الزكاة ، باب الصدقة من كسب طيب ـ ح1410 ـ 3/278 الفتح)، ومسلم في صحيحه ( كتاب الزكاة ـ باب قبول الصدقة من الكسب
الطيب ـ ح1014 ) .
(3) أخرجه البخاري في الزكاة ـ باب الصدقة باليمين ـ ح1423 ـ 3/292 الفتح ) .(4/50)
قال الله تعالى : { إَنَّما الصَّدقَاتُ للفُقَرآءِ والْمَسَاكينِ وَالعَامِلينَ عليهَا وَالْمُؤَلَّفةِ قُلُوبهمْ وفي الرِّقَابِ وَالغَارِمينَ وفي سبيلِ اللهِ وابنِ السَّبيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللهِ واللهُ عليمُ حكيمٌ } (1) .
فقد تولى الله تعالى بيان أهل الزكاة أتم بيان ، فذكر هذه الأصناف الثمانية.
والفقير من لا يجد شيئاً ، أو يجد بعض الشيء الذي لا يكفيه ، ثم يليه المسكين ، وهو المحتاج المستحي ، ثم العامل على جباية الزكاة ، وكانوا يتطوعون بذلك خدمة لبيت مال المسلمين ، ويدخل مع الجابي الحافظ لها ، والكاتب ، والقاسم إذا لم يكن لهم رواتب من بيت المال .
ثم المؤلَّف ، وهو السيد المطاع في عشيرته ، ممن يرجى إسلامه ، أو كف شره، وقد فعل ذلك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مع صفوان ، وعيينة بن حصن ، والأقرع ابن حابس ، وغيرهم ممن كان لهم شأن في قومهم .
ثم الغارمون ، وهم الذين يسعون في إصلاح ذات البين ، وكذا من استدان بدين ولو لنفسه ثم أعسر .
ثم الغازي في سبيل الله ، ومن خرج لحج أو عمرة ، أو طلب علم ، فهو في سبيل الله ، والجهاد من أعظم العبادات والقرب التي يتقرب بها إلى الله تعالى.
ثم ابن السبيل ، وهو المنقطع الذي تقطعت به السبل ، ولو كان غنياً في بلده، فيعطى ما يوصله إليها .
ولا يصح دفعها إلى كافر إلا المؤلف ، ولا إلى غني أو قوي مكتسب ، ولا إلى من تلزمه نفقته .
وإذا كانت المرأة ذات يسار وزوجها معسر محتاج ، جاز لها أن تدفع الزكاة إليه ، لقوله - صلى الله عليه وسلم - لزينب زوجة عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه - : (( زوجك وولدك أحق من تصدقت به عليهم )) (2) ، وقد سألته عن زكاة مالها ، أتدفعها إلى عبد الله ؟ وكان خفيف ذات اليد.
__________
(1) سورة التوبة ، الآية ( 60 ) .
(2) أخرجه البخاري في صحيحه - كتاب الزكاة ـ باب الزكاة على الأقارب ـ ح1462 من الفتح 3 / 325 .(4/51)
وينبغي للأخت أن تجتهد في إيصال الزكاة ، أو صدقة التطوع إلى من هو أهل لها ، لأنها تقع موقعها ، فيعظم الله لها الأجر ، وبمثل هذا تتحقق العدالة الاجتماعية ، لأن كل من بيده زكاة ، أو يريد الصدقة إذا تحرى صاحب الحاجة فأعطاها إياه توازن المجتمع ، وتحققت عدالة توزيع الثروات ، وأمن المجتمع المسلم من أعدائه الذين يدسون السم في العسل ، فيقدمون بعضاً من المساعدات الغذائية والدوائية ، ومعها إفساد للعقائد والأفكار والخلق والسلوك ، كما يفعله النصارى وغيرهم من أعداء الله تعالى في بلاد المسلمين .
الفصل الرابع : الصيام ، وفيه مباحث :
المبحث الأول : الأصل فيه ، وتعريفه ، وفوائده :
أولاً : الأصل فيه :
قال الله تعالى : { شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِيْ أُنْزِلَ فِيْهِ القُرْآنُ هُدَىً للنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنْ الهُدَى وَالفُرْقَانِ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَنْ كَانَ مَرِيْضَاً أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أيََّّامٍ أُخَرٍ يُرِيدُ اللهُ بِكُمْ اليُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمْ العُسْرَ وَلِتُكْمِلُوا العِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُوْنَ } . (1)
وقال تعالى : { يَا أَيُّهَا الَّذِيْنَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمْ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُوْنَ } . (2)
__________
(1) سورة البقرة ، الآية ( 185 ) .
(2) سورة البقرة ، الآية ( 183 ) .(4/52)
وقال - صلى الله عليه وسلم - : في تفسير الإسلام ، عندما سأله جبريل عليه السلام : ما الإسلام؟ قال: (( أن تعبد الله ولا تشرك به شيئاً ، وتقيم الصلاة ، وتودي الزكاة المفروضة ، وتصوم رمضان ، وتحج البيت إن استطعت إليه سبيلا )) .(1)
وحديث ابن عمر رضي الله عنهما المشهور قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - :
(( بُني الإسلام على خمس : شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله ، وإقام الصلاة ، وإيتاء الزكاة ، والحج ، وصوم رمضان )) .(2)
والإجماع منعقد على أن صيام شهر رمضان ركن من أركان الدين ، مَنْ جحده وهو عالم بحكمه فهو كافر مرتد ، يستتاب ، فإن تاب وإلا قتل كفراً وردةً . (3)
ثانياً : تعريفه ، وفوائده :
الصيام لغة : الإمساك .
واصطلاحاً : الإمساك بنية عن كل مفطر من طلوع الفجر الصادق إلى غروب الشمس .
وللصوم فوائد عظيمة ، منها :
ـ أنه عبادة لله تعالى ، واحترام لشرعه .
ـ ومنها فوائد صحية تعود على بدن الصائم .
ـ ومنها أن الصوم جُنَّة ، فهو وقاية من الوقوع في المحرمات .
ـ ومنها فوائد اجتماعية ، حيث يتذكر الأغنياء الفقراء الذين يصومون أكثر العام بسبب الجوع والعدم .
ولو لم يكن في شهر رمضان إلا ليلة القدر التي يَعدل قيامها عبادة ألف شهر لكفى.
وفيه : الرحمة ، والمغفرة ، والعتق من النار ، وتصفيد مردة الشياطين ، ومضاعفة أجر الصلاة والصدقة وقراءة القرآن ، والعمرة فيه تعدل حجة مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في الأجر… وغير ذلك .
__________
(1) رواه البخاري في صحيحه كتاب الإيمان ـ باب سؤال جبريل عليه السلام ح50 من الفتح 1/114 ، ومسلم في صحيحه - كتاب الإيمان ـ ح8 .
(2) أخرجه البخاري - كتاب الإيمان ـ باب دعاؤكم إيمانكم ـ ح8 من الفتح 1 / 49 ، ومسلم - كتاب الإيمان ـ باب بيان أركان الإسلام ودعائمه العظام ـ ح 16 .
(3) الإفصاح لابن هبيرة ( 1/232 ) ، والمغني ( 4/324 ) .(4/53)
ومما تقدم يتبين أن صوم شهر رمضان واجب على كل مسلم ، عاقل ، بالغ، قادر، غير معذور .
المبحث الثاني : أنواعه ، وشروطه ، وفرضه :
أولاً : أنواع الصوم :
1 - المفروض من قبل الشارع ، وهو صيام شهر رمضان .
2 - القضاء ، وهو واجب لمن فاته شيء من الصيام المفروض ، أو ما أوجبه على نفسه ثم فات وقته .
3 - ما وجب بسبب الكفارات .
4 - الصوم الواجب بالنذر .
5 - صوم التطوع .
ثانياً : شروطه :
تنقسم إلى شروط وجوب ، وشروط صحة .
فأما شروط الوجوب فهي : الإسلام ، البلوغ ، العقل ، القدرة عليه .
وأما شروط الصحة فهي : الإسلام ، انقطاع دم الحيض والنفاس ، التمييز، العقل ، النية : وهي أن تبيت نية الصوم من الليل ، أي تكون عازمة عليه .
لحديث حفصة رضي الله عنها : أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : (( من لم يبيت الصيام من الليل فلا صيام له )) أخرجه أبو داود وابن خزيمة وغيرهما(1) .
ثالثاً : فرضه :
الإمساك بنية عن المفطرات من طلوع الفجر الصادق ، إلى غروب الشمس.
المبحث الثالث : السنن فيه :
1 ـ السحور : ويسن تأخيره لئلا ينام بعده ، فتفوت الصلاة ، قال - صلى الله عليه وسلم - :
(( تسحروا ! فإن في السحور بركة )) متفق عليه . (2)
... وقال - صلى الله عليه وسلم - : (( فصل ما بين صيامنا وصيام أهل الكتاب أكلة السحور)) رواه مسلم . (3)
... والسحور يعين على الصيام ، وأداء الواجبات أثناء النهار بإذن الله ، وهو مجرب ، وينبغي الإمساك قبيل الأذان احتياطاً ، ولأنه من باب ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب .
__________
(1) انظر تخريج الحديث وبيان درجته في إرواء الغليل للألباني (4/25) ح 914.
(2) أخرجه البخاري في كتاب الصوم ـ باب بركة السحور ـ ح1922 من الفتح 3 / 139، ومسلم في كتاب الصيام ـ باب فضل السحور ـ ح1095 .
(3) مسلم كما سبق ـ ح1096 .(4/54)
2 ـ تعجيل الفطر : لقوله - صلى الله عليه وسلم - : (( لا يزالُ الناس بخيرٍ ما عجلوا الفطر)) متفق عليه (1) ، ولا بد من التأكد من غياب الشمس .
3 ـ التزود من عمل الخير : كقراءة القرآن ، وذكر الله تعالى ، والصدقة ، وسائر أعمال البر ، لمضاعفة الأجر فيه .
4 ـ البعد عن الخصام ، وأسباب المشاجرة : فإن خاصمه أحد أو سابه فليقل: إني امرء صائم ، لحديث أبي هريرة - رضي الله عنه - مرفوعاً : (( إذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث يومئذ ولا يصخب ، فإن شاتمه أحد أو قاتله فليقل : إني امرؤٌ صائمٌ )) . (2)
5 ـ الإكثار من الدعاء والضراعة إلى الله تعالى : وبخاصة عند الإفطار، وثبت عنه - صلى الله عليه وسلم - أنه كان يقول إذا أفطر : (( ذهب الظمأ ، وابتلت العروق ، وثبت الأجر إن شاء الله )) (3) ، وتدعو الأخت المسلمة بما شاءت من خيري الدنيا والآخرة، وتشرك معها من أحبت في دعائها، وتعمم في بعضه على إخوانها وأخواتها المسلمين .
6 ـ أن تفطر المسلمة على رطب إن وجد ، فإن عدم فتمرات وتراً ، فإن عدم فعلى الماء (4) ، فإن لم يكن هناك شيءٌ نوت الإفطار ليحصل لها الأجر بإصابة السنة ، والله أعلم .
المبحث الرابع: بيان ما تتجنبه الصائمة، والعمل إذا حاضت أو نفست:
أ / بيان ما يجب على المسلمة أن تتجنبه حال صيامها :
1 ـ الأكل ، والشرب ، والجماع ودواعيه ، وبخاصة من كانت في سن الشباب فتبتعد عن الدواعي .
2 ـ الغيبة ، والنميمة فهما من كبائر الذنوب في سائر الأوقات ، ويزداد إثمهما حال الصيام تعظيماً لحرمة الزمان .
__________
(1) رواه البخاري ( كتاب الصوم ـ باب تعجيل الفطر ـ ح1957 ) ، مسلم ( كما سبق ـ ح1098 ) .
(2) رواه البخاري - كتاب الصوم ـ باب هل يقول : إني صائم إذا شتم ؟ ح1904 من الفتح 3 / 118 .
(3) أخرجه أبو داود في صحيح السنن - كتاب الصيام ـ باب القول عند الإفطار ـ ح2357 .
(4) المرجع السابق - ح2356 .(4/55)
3 ـ الحجامة ، لحديث (( أفطر الحاجم والمحجوم )) (1) ، ولخوف الضعف المفضي إلى الفطر .
4 ـ الابتعاد عما يحبط العمل ، ويوقع في الردة ، سواء كان قولاً أو عملاً أو شكاً .
5 ـ أن لا تستدعي القيء ، لحديث أبي هريرة - رضي الله عنه - مرفوعاً : (( من ذرعه القيء فليس عليه قضاء ، ومن استقاء عمداً فليقض )) (2) .
ب / إذا حاضت المرأة أو نفست وجب عليها أن تفطر ، ولو لم يبق على غروب الشمس إلا وقت يسير ، لعدم صحة صومها ، ويجب عليها أن تنوي ذلك بقلبها ، وأن تفعل ما يدل على تصديق نيتها من أكل شيءٍ أو شربه ، وإذا كانت تستحي من أولادها، أو لا تريد إخبارهم بحالها أفطرت خفية عنهم.
ج / أحوال النساء وأقسامهن في الصوم :
الحال الأولى : من كانت مكلفة قادرة على الصوم في حال الحضر ، ولم يكن هناك عذر : وجب عليها الصوم ، وحرم فطرها .
الحالة الثانية : من حاضت أو نفست أثناء النهار : وجب عليها الفطر ولم يصح صومها إن صامت .
الحالة الثالثة : يسن في حقها الفطر إذا سافرت، وإن صامت فلا شيءَ عليها.
الحالة الرابعة : يرخص لها الفطر إذا كانت حاملاً ، أو مرضعاً وخافت على نفسها أو ولدها ، وعليها القضاء ، وإذا لزم كفارة مع القضاء فعلى ولي الولد .
المبحث الخامس : صيام التطوع :
ما من عبادة من العبادات العظيمة المفروضة إلا لها نوافل وتطوع ، وهذه النوافل بمثابة السياج الذي يحمي الفرائض ، ثم إذا انتقص من أجر الفرائض شيء سدد من تلك النوافل ، ثم إن فِعْل النوافل معينٌ على أداء الفرائض .
__________
(1) رواه أبو داود في السنن ( كتاب الصوم ـ باب في الصائم يحتجم ـ ح2367 ) ، وابن ماجة في السنن ( كتاب الصوم ـ باب الحجامة للصائم ـ ح1680 ) . والجمهور من أهل العلم على أن الحجامة لا تفطر ، لثبوت الرخصة في ذلك ، لكن توقيها حال الصيام أفضل .
(2) رواه أحمد في المسند ( 2/498 ) ، وحسنه الألباني في إروائه ( رقم923 ـ 4/51 ) .(4/56)
ولعل الفرصة سانحة للمرأة أن تصوم أيام الشباب وقبل الارتباط بالزوج ، لأنها إذا تزوجت ، وكان زوجها حاضراً لم يجز لها أن تصوم تطوعاً إلا بإذنه ؛ لأنه لو طلب منها حقه في الاستمتاع لم يجز لها أن تمتنع .
كما أن من حق الزوجات على أزواجهن أن يساعدوهن على صيام التطوع، فيما لا ضرر فيه عليهم ، وما أحسن المشاركة فيه بأن يصوما معاً ، ويتفقا على ذلك .
وقبل ذكر أنواع صوم التطوع : على الأخت المسلمة أن تبادر إلى قضاء ما فاتها من رمضان ، فهي لا تدري ما يحدث لها من حمل أو ولادة أو مرض أو شغل أو موت يعاجلها ، ولها التأخير بنية القضاء ، مع وجود العذر ، وليس لها أن تتطوع قبل أن تقضي ما عليها .
أنواع صوم التطوع كما ثبت في السنة الصحيحة عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - :
1 / صيام يوم وإفطار يوم ، وهو أحب الصيام إلى الله تعالى ، وهو صوم داود عليه السلام . (1)
2 / صيام أيام البيض ، وهي : الثالث عشر ، والرابع عشر ، والخامس عشر(2) ، فإن لم يتيسر صامت المسلمة ثلاثة أيام غيرها من أي الشهر شاءت .
3 / صيام الخميس والاثنين ، لمداومته - صلى الله عليه وسلم - على ذلك ، ولما سئل أخبر أن الأعمال تعرض على الله تعالى في هذين اليومين، وأنه يحب أن يعرض عمله على ربه وهو صائم.(3)
4 / صيام ست من شوال ، لقوله - صلى الله عليه وسلم - : (( من صام رمضان ثم أتبعه ستاً من شوال فكأنما كان كصيام الدهر )) رواه مسلم .(4)
__________
(1) انظر : صحيح مسلم ( ح1159 ) .
(2) أخرجه أبو داود في السنن - كتاب الصيام ـ باب في صوم الثلاث من كل شهر ـ ح2449 .
(3) أصل الحديث في صحيح مسلم ( ح1162 )، ورواه الترمذي في السنن - كتاب الصيام ـ باب ما جاء في صوم الاثنين والخميس ـ ح747 ، وحسنه .
(4) في الصحيح - كتاب الصيام ـ باب استحباب صوم ستة أيام من شوال ـ ح1164 ـ 2/822 .(4/57)
5 / صيام شهر الله المحرم ، لما رواه أبو هريرة - رضي الله عنه - مرفوعاً : (( أفضل الصيام بعد رمضان شهر الله المحرم )) رواه مسلم (1) .
وآكده يوم عاشوراء (2) ، ويصوم يوماً قبله ، أو يوماً بعده .
6 / صيام تسع من عشر ذي الحجة، لأن العمل فيهن أحب إلى الله منه في غيرهن.
وآكدها يوم عرفة لغير الحاج ، لأن الله تعالى يكفر بصومه ذنوب سنتين غير
الكبائر . (3)
7 / الإكثار من الصوم في شعبان . (4)
ويحرم صيام يومي العيدين(5) ، وأيام التشريق(6) إلا لمن عليه دم التمتع أو القران ، ولم يجده فله أن يصومهن ، وهي : الحادي عشر ، والثاني عشر، والثالث عشر من ذي الحجة .
وكره كراهة شديدة صوم يوم الشك، وهو: الثلاثون من شعبان إذا غم عليهم .(7)
كما كره إفراد الجمعة بالصوم في التطوع المطلق ، أما إذا كان صومه لسبب؛ كالقضاء ونحوه فلا كراهة .
... وكره إفراد رجب بالصوم ، لأنه لم يؤثر عنه - صلى الله عليه وسلم - ، وكان عمر - رضي الله عنه - يستنكره ، ويأمر من يفعله بالفطر ، ويضرب أيديهم حتى يضعوها في الطعام .
... مسائل متفرقة :
1 ـ الحرص على الإكثار من السواك ، لأنه خير خصال الصائم .
2 ـ إباحة الاغتسال حال الصوم ، ولو أصبحت المرأة وعليها غسل اغتسلت وصامت .
3 ـ الحرص على إفطار الصائمين ، فإن من فطر صائماً فله مثل أجره.
4 ـ المحافظة على قيام ليل رمضان ، وتحري ليلة القدر في أوتار العشر الأواخر منه .
5 ـ الحرص على الإكثار من قراءة القرآن، وتفسيره، والتفقه في دين الله تعالى .
__________
(1) رواه مسلم أيضاً في - كتاب الصيام ـ باب فضل صوم المحرم ـ ح1163 .
(2) مسلم ( ح1130 ) .
(3) رواه مسلم - كتاب الصيام ـ باب استحباب صيام ثلاث أيام ـ ح1162 .
(4) مسلم ( ح1161 ) .
(5) انظر : صحيح مسلم ( ح1137 ) .
(6) مسلم ( ح1141 ) .
(7) رواه أبو داود في السنن - كتاب الصوم ـ ح2334 .(4/58)
6 ـ التخفيف ما أمكن من الطعام عند الإفطار ، والتقليل من الحلويات ، وما يفضي إلى السمنة .
الفصل الخامس : الحج ، و العمرة
المبحث الأول : الأصل فيه ، وبيان شروطه ، وحكم الإنابة :
أولاً : الأصل فيه : الكتاب ، والسنة ، والإجماع .
قال الله تعالى : { وَللهِ على النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطاعَ إِلَيْهِ سَبيلاً } . (1)
وقال - صلى الله عليه وسلم - : (( بني الإسلام على خمس : ... )) الحديث (2) وذكر منهن : الحج، وحديث عائشة رضي الله عنها قالت : يا رسول الله ! هل على النساء من جهاد ؟ قال : (( نعم ، عليهن جهاد لا قتال فيه : الحج والعمرة )) .(3)
وأجمعت الأمة على وجوبه على من توفرت فيه شرائطه مرة واحدة في العمر. (4) ومما جاء في فضل الحج والعمرة : حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - : أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (( العمرة إلى العمرة كفارة لما بينهما ، والحج المبرور ليس له جزاءٌ إلا الجنة )) متفق عليه .(5)
ثانياً : شروط وجوبها :
1 ـ الإسلام .
2 ـ العقل .
3 ـ البلوغ .
4 ـ كمال الحرية : ويصحان من الصغير ولو كان رضيعاً ، ومن الرقيق وعليهما بعد البلوغ وكمال الحرية حجة وعمرة أخرى.
5 ـ الاستطاعة : وهي إمكان المسير إليهما ، أو أن تملك من المال ما يمكنها من فعلهما ، أو الاستنابة عند عجزها عن المسير إليهما .
__________
(1) سورة آل عمران ، الآية ( 97 ) .
(2) متفق عليه ، وتقدم تخريجه .
(3) رواه أحمد ( 6/165 ) ، وصححه ابن خزيمة ، وأصله في البخاري - كتاب الجهاد ـ باب جهاد النساء ـ ح2875 .
(4) الإفصاح ( 1/262 ) .
(5) أخرجه البخاري في صحيحه - كتاب العمرة ـ باب وجوب العمرة وفضلها ح3006 من الفتح 6/142، ومسلم في الصحيح - كتاب الحج ـ باب في فضل الحج والعمرة ـ ح1349 .(4/59)
وعبَّر أكثر الفقهاء في تفسير الاستطاعة بملك الزاد والراحلة ، وذكر بعضهم أن الشاب إذا وجد من يؤاجره بأكله وركوبه ، فهو مستطيع لعموم النص، وأمن الطريق من الاستطاعة .
6 ـ أن تجد المرأة محرماً لحديث ابن عباس رضي الله عنهما مرفوعاً : (( لا تسافر امرأة إلا مع محرم ، ولا يدخل عليها رجل إلا ومعها محرم )) رواه
البخاري . (1)
7 ـ أن لا تكون المرأة في عدة وفاة زوجها ، لأنها تكون حادة ، ولا يجوز لها الخروج حينئذٍ ، لتعارضه مع حق الزوج ، وحقوق العباد مبنية على التشاح، بخلاف حقوق الله تعالى فهي مبنية على التسامح .
ثالثاً : حكم الإنابة فيهما :
والحج والعمرة من العبادات البدنية التي تدخلها النيابة ، فمن عجز عن السعي لعذر، ككبر ، أو مرض لا يرجى برؤه ، لزمه أن يقيم نائباً عنه تتوفر فيه الشروط ، وينوب الرجل عن المرأة ، والمرأة عن الرجل لحديث الخثعمية التي قالت لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - : إن أبي أدركته فريضة الله في الحج شيخاً كبيراً لا يستطيع أن يستوي على الراحلة ، أفأحج عنه ؟ قال - صلى الله عليه وسلم - : (( حجي عنه )) (2) ، ولا بد أن يكون النائب قد حج عن نفسه لحديث: (( حج عن نفسك ، ثم حج عن شبرمة )) (3) .
ومن مات ولم يحج حج عنه قريبه ، وإلا أخذ من تركته قبل أن تقسم ما يحج به عنه ، لأنه من باب الدين ، وهو من الحقوق المتعلقة بعين التركة .
المبحث الثاني : أنواع النسك ، وبيان أفضلها :
أنواع النسك :
__________
(1) في الصحيح - كتاب الجهاد ـ باب من اكتتب في جيش ـ ح3006 من الفتح 6/142
(2) أخرجه البخاري في الصحيح - كتاب الحج ـ باب وجوب الحج وفضله ـ ح1513 .
(3) رواه أبو داود في السنن - كتاب المناسك ـ باب الرجل يحج عن غيره ـ ح1811 ، وابن ماجة في السنن - كتاب الحج ـ باب الحج عن الميت ـ ح2903 .
... وصحح إسناده البيهقي .(4/60)
وسع الله تعالى على عباده في نية النسك ، ففيهم القوي ، وفيهم الضعيف ، وفيهم الموسر ، وفيهم المعسر ، لذا نجد الشارع الحكيم خيَّر الناس في نية النسك ، وأنواع النسك ثلاثة :
1 ـ تمتع : وهو أن تأتي بعمرة في أشهر الحج ، ثم تحل منها منتظرة الحج ، ثم تهل به من عامها حتى تكمله ، فتكون متمتعة وعليها دم المتعة ، وهذا أفضل الأنساك على الصحيح ، لحديث : (( لو استقبلت من أمري ما استدبرت لما سقت الهدي ، ولأحللت ، ولجعلتها عمرة )) (1) ، وأمْرُه - صلى الله عليه وسلم - أصحابه أن يحلوا بعد أن طافوا بالبيت وبالصفا والمروة ، وغضب على من قدر عليه ولم يمتثل ، وإنما منعه من الحل سوق الهدي ، فهذا يدل على أنه أفضل الأنساك ، ولما فيه من زيادة في العمل ؛ فإن المتمتع يسعى بين الصفا والمروة مرتين ، مرة للعمرة عند قدومه ، وأخرى إذا نزل من منى لطواف الإفاضة، وهو سعي الحج .
وهذا الطواف الآخر الذي عنته عائشة رضي الله عنها : ( ثم طاف الذين كانوا حلوا طوافاً آخر ) . وتقصد به السعي بين الصفا والمروة ، وسماه الله طوافاً .
2 ـ القِران : وهو أن تحرم بالحج والعمرة معاً ، وتبقى محرمة حتى تتحلل من حجها وعمرتها ، فيدخل طواف العمرة في طواف الحج ، وسعيها في سعيه ، وهذا الذي فعله - صلى الله عليه وسلم - في حجة الوداع ، مع سوقه الهدي، وذلك الذي منعه من قلب النية إلى عمرة التمتع .
وليس فيه إلا طواف واحد واجب ، وسعي واحد كذلك ، وما يفعله الحاج من طواف إذا قدم فإنما هو تحية البيت ، ويعرف بطواف القدوم .
وعليها دم لجمعها بين نسكي الحج والعمرة في سفر واحد ، وهو نوع من التمتع .
__________
(1) انظر : صحيح البخاري - كتاب الحج ـ باب التمتع والقران والإفراد بالحج ، ونسخ الحج لمن لم يكن معه هدي ، ح1568 من الفتح 3 / 422 ، و باب تقضي الحائض المناسك ، ح1651 من الفتح 4 / 504 .(4/61)
3 ـ الإفراد : وهو أن تنوي المسلمة الحج مفردة ، فتطوف إذا قدمت طوال القدوم ، وتبقى على إحرامها حتى تتحلل منه ، ولم تكن أتت بعمرة في أشهر الحج ، وليس على المفرد دم لعدم التمتع .
والكل جائز ، وأفضلها : تمتع ، ثم قران ، ثم إفراد . وكل ذلك فعله أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - في حياته وبعد مماته .
المبحث الثالث : صفة الحج والعمرة :
ويمكن تلخيص ذلك في نقاط محددة :
أ / صفة العمرة :
1 ـ من السنة أن تتحنى المرأة في يديها ورجليها لعموم الأدلة وتخفي ذلك باللباس ، وأن تنظف بدنها من الشعور والأظفار ، وتتهيأ للإحرام ، وتكتب وصيتها قبل السفر ، وتجرد النية لله تعالى ، وتستعفي جيرانها وأقاربها ، ومن تعتقد أن له حقاً عليها .
2 ـ تغتسل ولو كانت حائضاً أو نفساء ، وهذا الغسل للإحرام
(( لأمره - صلى الله عليه وسلم - أسماء بنت عميس أن تغتسل ، فتهل )) (1) مع أنها نفساء ، وتتحفظ ، وتلبس من ثيابها التي تلبسها عادة ، وتتجنب ذات الزينة لأمن الفتنة، وليس للمرأة ثياب خاصة بالإحرام ، وما يفعله بعض النساء من لبس الأبيض الخالص غير جائز ، لما فيه من مشابهة الرجال ، ولكونه يصبح ثوب شهرة تعرف به.
ثم تتوقى النقاب ، والقفازين المعروف بجوارب اليدين ، لكن إذا مرت بالرجال الأجانب سدلت على وجهها ، فإذا جاوزنهم كشفت عن وجهها ، وفي داخل الحرم تغطي وجهها لوجود الرجال الأجانب ، وفي الكشف حينئذ مفسدة ، ودرؤها مقدم على جلب المصلحة .
__________
(1) رواه مسلم في صحيحه - كتاب الحج ـ باب إحرام النفساء ـ ح 1209 ، وأبو داود في السنن - كتاب المناسك ـ باب الحائض تهل بالحج ـ ح1743 .(4/62)
3 ـ إذا وصلت المرأة إلى الميقات نزلت وتطهرت ، فإن كان الوقت وقت صلاة مفروضة صلت ، ثم تهل عقب الصلاة ، وإن لم يكن وقت صلاة وليس هناك وقت نهي فلها أن تركع ركعتين للوضوء ، أو تحية المسجد الذي فيه الميقات ، ثم تهل عقيب الصلاة ، فتقول : لبيك اللهم بعمرة ، فإن حبسني حابس فإن محلي حيث حبستني ، وإذا لم تتمكن من المرور على الميقات فيكفيها محاذاته جواً أو براً أو بحراً فتحرم بمحاذاته .
4 ـ عليها أن تشتغل بقراءة القرآن إن لم تكن حائضاً ، وتكثر من التلبية وذكر الله حتى تصل مكة ، فإذا كانت على طهر من الحدثين دخلت المسجد الحرام ، وسن دخوله من باب السلام ، وتقول الدعاء الوارد عند دخول المسجد ، وهو : أعوذ بالله العظيم ، وبوجهه الكريم ، وسلطانه القديم من الشيطان الرجيم ، اللهم صل وسلم على نبينا محمد ، اللهم اغفر لي ذنوبي جميعاً ، وافتح لي أبواب رحمتك.
ولا يمنع إذا رأت البيت أن تكبر بصوت منخفض ، وتدعو : اللهم زد هذا البيت تعظيماً وتشريفاً ومهابةً ، وزد من عظمه وشرفه تعظيماً وتشريفاً، ممن حجه أو طافه أو اعتمره .
5 ـ وتبدأ بالطواف ابتداءً من محاذاتها للحجر الأسود ، مشيرة إليه بيدها ، لتعذر استلامه على المرأة المسلمة المحافظة على دينها وخلقها ، وما يفعله كثير من النساء اليوم من مزاحمة الرجال حرام لا يجوز بحال ، وقد كانت عائشة رضي الله عنها وهي أم المؤمنين والمؤمنات ، تشير إليه من بعيد (1)، مع أن النساء كن يطفن بالليل ، ولا تكاد توجد أنوار ، والحجر كان ينكشف ، ما مع كان في النساء والرجال من الأدب وتقوى الله عز وجل، وربما مُنِعَ الرجال من الطواف ليلاً .
__________
(1) انظر : صحيح البخاري ( كتاب الحج ـ باب طواف النساء مع الرجال ـ ح1618 ) .(4/63)
ثم تمضي تذكر الله ، وتقرأ القرآن ، وتتضرع إلى الله تعالى ، ولم يؤثر دعاء مخصوص إلا ما كان منه - صلى الله عليه وسلم - بين الركنين اليمانيين ، فقد أثر عنه - صلى الله عليه وسلم - قوله: (( ربنا آتنا في الدنيا حسنة، وفي الآخرة حسنة ، وقنا عذاب النار )) .
وتستمر حتى تقضي سبعة أشواط ، ابتداءً بالحجر الأسود وانتهاءً به ، ثم تأتي خلف المقام إن تيسر ، أو في الموضع المخصص للنساء ، وإن لم يتيسر ففي أي مكان من المسجد ، فتصلي ركعتين ، تقرأ في الأولى: ( قل يا أيها الكافرون ) ، وفي الثانية بالإخلاص (قل هو الله أحد ) لاشتمال هاتين السورتين العظيمتين على أنواع التوحيد .
ثم تشرب من ماء زمزم ، وتتضلع منه ، وتنوي به طاعة الله ، والاستشفاء به، فهو لما شرب له ، وسُمع عبد الله بن المبارك وهو يشرب من ماء زمزم ويقول : اللهم اجعله لظمأ يوم القيامة .
وتتوجه إلى البيت ، وتدعو الله تعالى بما يسره لها من الدعاء ، وتتخير من جوامع كلمه - صلى الله عليه وسلم - وما شاءت مما يقربها إلى الله ، وينفعها ولا يضر مسلماً ، بل تدعو لعموم المسلمين ومن أوصاها بالدعاء .
6 ـ ثم تتوجه إلى المسعى ، وقبل الصعود تقرأ قوله الله تعالى : { إِنَّ الصفَا وَالْمَرْوَة مِن شَعآئِرِ اللهِ فَمن حَجَّ البَيْتَ أو اعْتَمرَ فلا جُناحَ عليْهِ أن يَّطَّوفَ بهما وَمن تَطَوَّع خيراً فإنَّ الله شَاكرٌ عليمٌ } (1)، ويسن قول: أبدأ بما بدأ الله به، لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - قاله.
فإذا رقت الصفا حتى ترى البيت استقبلته ، ورفعت يديها من غير كشف لهما، بل تكون من تحت عباءتها ، ثم تكبر ثلاثاً ، وتقول : لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، له الملك وله الحمد ، وهو على كل شيءٍ قدير . ثلاثاً ، وتجتهد في الدعاء بينهن ، وتتضرع إلى الله تعالى ، فهذه مواطن إجابة بإذن الله تعالى .
__________
(1) سورة البقرة ، الآية ( 158 ) .(4/64)
ثم تنحدر وتقول : لا إله إلا الله وحده ، أنجز وعده ، ونصر عبده ، وهزم الأحزاب وحده .
وتسير سيراً عادياً ، ولا تسعى بين العلمين كالرجال ، فإنها مظنة الانكشاف، أو بروز بعض المفاتن ، وتكثر من ذكر الله ودعائه ، وقراءة القرآن، وليس هناك ذكر خاص بكل شوط ، بل تدعو وتذكر الله بما يفتحه الله عليها ، وتجتهد في الإخلاص والضراعة إلى الله تعالى .
فإذا رقت المروة فعلت مثل فعلها على الصفا ، وتكون قد أتت بشوط كامل.
ثم تستمر حتى تنهي سبعة أشواط من الصفا إلى المروة شوط ، الذهاب سعية ، والرجوع سعية أخرى ، فيكون الابتداء بالصفا ، والانتهاء بالمروة.
فإذا انتهت أخذت من كل ظفيرة من ظفائر شعرها قدر أنملة الأصبع ، فقصته بالمقص ، وهذا من الواجبات ، ولا بد منه للتحلل من العمرة، ولو تركته للزمها دم .
ولا يشترط للسعي طهارة ، ولكن الأولى أن تسعى وهي متطهرة ، أما الطواف فالطهارة شرط لصحته على أصح الأقوال ، لأنه - صلى الله عليه وسلم - منع الحائض والنفساء من الطواف بالبيت ، وقال : (( افعلي كما يفعل الحاج غير أن لا تطوفي بالبيت حتى تطهري )) .(1)
وبهذا تكون عمرتها تامة ، وحل لها كل شيءٍ كان قد حرم عليها بسبب الإحرام .
ب / صفة الحج :
إذا كانت المرأة المسلمة متمتعة ، وقد أتت بالعمرة ، فإنها تستقر بمكة أومنى وهي على إحلالها ، إلى يوم التروية ، وهو اليوم الثامن من ذي الحجة ، وقبل الزوال منه تغتسل إن أمكن ، ثم إذا صلت الظهر قصراً ركعتين نوت للحج ولبَّت ، ولا تجمع العصر مع الظهر ، بل تصليها في وقتها قصراً ، وتكثر من التلبية وذكر الله ، وتتجنب محظورات الإحرام ، وتصلي المغرب في وقتها ، من غير جمع ، ثم العشاء في وقتها قصراً .
__________
(1) رواه البخاري في صحيحه - كتاب الحج ـ باب تقضي الحائض المناسك كلها إلا الطواف بالبيت ـ ح1650 من الفتح 3 / 504 .(4/65)
وتبيت بمنى إلى أن تصلي الفجر ، فهذه هي سنة نبينا محمد - صلى الله عليه وسلم - وكان نساؤه معه.
ثم تتوجه إلى عرفات في صبيحة اليوم التالي ملبية خاشعة لله تعالى ، والأفضل أن تكون مفطرة ، ليعينها ذلك على القيام ، والدعاء ، والضراعة لله تعالى ، وتكثر في هذا اليوم من قول : لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، له الملك وله الحمد ، وهو على كل شيءٍ قدير ، وقراءة القرآن ، وذكر اله وتعظيمه .
وقد جمع الشيخ / عبد العزيز بن باز - رحمه الله - جملة من الأدعية المأثورة، ومن جوامع كلمه - صلى الله عليه وسلم - في كتابه المشهور : (( التحقيق والإيضاح لكثير من مسائل الحج والعمرة )) ، فجزاه الله خير الجزاء ، وينبغي أن يكون مع المسلمة في حجها ، والتي لا تقرأ تستعين بمن تقرأ إن تيسر ، وإلا دعت ، وذكرت الله ، وعظمته ، وابتهلت إليه .
ثم لا بد من الوقوف بعرفة داخل حدودها حتى تغرب الشمس ، وعرفة كلها موقف إلا بطن عُرنة ، ولا يلزم أن تكلف المسلمة نفسها بالذهاب إلى الجبل أو غيره ، وإنما تقف حيث ييسر الله لها ذلك ، وتجمع في هذا اليوم بين الظهر والعصر مع القصر ، ولو كانت من أهل مكة لأنه من النسك .
فإذا غربت الشمس خرجت من عرفة ملبية ، ذاكرة لله تعالى ، حامدة شاكرة لنعمة الله ، لتشملها مغفرة الله تعالى ، ولا تصلي المغرب والعشاء حتى تنزل المزدلفة ، ولو تأخر ذلك إلا أن تخشى خروج وقت العشاء فلها أن تصليهما جمعاً وقصراً.
فإذا وصلت المزدلفة ليكن أول ما تشتغل به الاستعداد للصلاة ، فتصلي المغرب والعشاء جمعاً وقصراً ، ثم تبيت مع رفقتها ، وإذا بقيت إلى صلاة الفجر فهذا أحسن ، وإن فاضت من مزدلفة بعد منتصف الليل عند غياب القمر جاز لها ذلك .(4/66)
وسن لها أن تلتقط سبع حصيات لجمرة العقبة فوق الحمص ودون البندق من المزدلفة أو من الطريق إلى منى ، وإن لم تأخذ شيئاً لقطت من منى الحصى ، ثم رمت بها ، لكن السنة الالتقاط لحصى جمرة العقبة ليوم العيد من مزدلفة ، أو من الطريق إلى منى .
فإذا وصلت إلى منى جاز لها الرمي ولو قبل طلوع الشمس ، وإنما نهى النبي - صلى الله عليه وسلم - عن الرمي قبل طلوع الشمس الغلمة الذين كانوا مع ضعفة أهله من النساء وغيرهن ، ولو أجلت الرمي حتى تطلع الشمس كان أحسن وآكد في إصابة السنة ، وجمرة العقبة هي الكبرى مما يلي مكة .
وإنما ترمي جمرة العقبة بسبع حصيات فقط .
ثم تأخذ من ظفائرها من كل ظفيرة قدر أنملة الأصبع ، كالذي أخذته في العمرة ، ومن لم يكن لها ظفائر فتجمع الشعر ثم تأخذ من رؤوسه ذلك القدر، ومن قصت مقدمة رأسها، وهو ما يعرف بالغرة ، فتجمع شعرها وتأخذ من رأسه مثل ما أخذت من الآخر.
وهذا يسمى بالتحلل الأول ، وهو أنه حل لها كل شيءٍ إلا الجماع .
ولها أن توكل في ذبح هديها ، سواء اشتري لها من الشركات المتعهدة بذلك، أو توكل أحد محارمها في شرائه ، ويذبح لها ، ويقوم بتوزيعه على الوجه المشروع ، وسن أن تأكل منه إذا تيسر ذلك .
ثم تذهب إلى مكة ، فتطوف بالبيت مثل طواف العمرة ، وتصلي خلف المقام إن تيسر ، أو في أي مكان من المسجد ، ثم تسعى سبعة أشواط بين الصفا والمروة ، لأنها متمتعة ، وقد ثبت عن عائشة رضي الله عنها : أن الذين حلوا بعمرة قبل الحج طافوا طوافاً آخر ، أي : بين الصفا والمروة ، ولا يجوز حمله على طواف الإفاضة ؛ لأنه ركن في حق الجميع ، ولا معنى لتخصيصه بطواف آخر إلا السعي .
وإذا خافت المرأة من نزول دورتها في هذا اليوم ، فلها أن تقدم طواف الإفاضة قبل الرمي ، فتفعله بعد نزولها من المزدلفة مباشرة .
ثم بعد الانتهاء من طواف الإفاضة وهو ركن ، وكذلك سعي الحج تعود إلى منى لتبيت بها ، فإن المبيت بها واجب إلا لمعذور .(4/67)
وتبقى بمنى ، فترمي الجمار الثلاث يوم الحادي عشر ، وهو يوم القر : الصغرى بسبع حصيات ، ثم تقف بعدها تدعو الله وتسأله ، ثم الوسطى كذلك ، ثم الكبرى ولا تقف بعدها .
ولا يجوز الرمي قبل الزوال بل بعده وللمرأة أن ترمي بعد المغرب وبعد العشاء إلى منتصف الليل .
وتفعل في اليوم الثاني مثل ذلك ، وهو يوم التعجل ، فإن شاءت نفرت ، وإن شاءت بقيت وباتت الليلة الثالثة ، ثم ترمي من الغد بعد الزوال ، فتكون قد أتت بالنسك كاملاً في منى .
فإذا أرادت الخروج من مكة والعودة إلى أهلها ، فيجب عليها أن تطوف للوداع ، ما لم تكن حائضاً أو نفساء ، فلها أن تنفر ويسقط عنها طواف الوداع، ولا فدية عليها ، لقصة صفية أم المؤمنين رضي الله عنها .
ولو حاضت المرأة أو نفست قبل طواف الحج ، ولم تستطع البقاء بمكة ، فلها أن تسافر إلى بلدها حتى تطهر ، وعليها بعد التطهر أن تمنع نفسها من الجماع؛ لأنها لا تحل إلا بعد الحل كله ، ثم تعود وتطوف بالبيت ، وتسعى للحج، ثم تنفر ، فإن بقيت بمكة طافت للوداع ثم نفرت .
وإن كانت من بلد بعيد ورفقتها لا يستطيعون انتظارها ، وعودتها من بلدها يشق عليها فلها أن تتحفظ وتطوف بالبيت ، وتفدي بدم في مكة . فهذا حدود استطاعتها لكن لا تفعل ذلك إلا بعد سؤال أهل العلم .
ومن لزمها دم بسبب الحج أو العمرة فإنه يذبح بمكة ، ويوزع على مساكين الحرم، ومن عجزت عنه صامت عشرة أيام ، لكن إذا كانت متمتعة أو قارنة وكانت تعلم بعجزها عن دفع قيمة الدم ، فتصوم ثلاثة أيام في الحج، ويستحب أن يكون آخرها يوم التروية وما قبل ، وسبعة إذا رجعت إلى أهلها، ولو في الطريق .
هذه صفة حج التمتع .
أما إذا كانت المرأة قارنة أو مفردة فإن الصفة من حيث العمل واحدة ، وإنما الخلاف في النية عند الإحرام ، فإن أحرمت بحج أو عمرة فهي قارنة ، وإن أحرمت بحج فقط فهي مفردة ، ويلزمها إن كانت قارنة دم الهدي ، ولا يلزمها إذا أفردت هدي .(4/68)
والصفة باختصار : أن تحرم من الميقات على ما تقدم بيانه ، فإذا جاءت إلى البيت طافت به طواف القدوم ، وهو سنة على أصح أقوال أهل العلم ، فلو تركته وذهبت إلى منى مباشرة صح حجها ، ولا شيء عليها ، لكن حجها فيه نقص من حيث الفضيلة ، وربما لا يكون مبروراً ، فلتحرص عليه .
ثم إذا طافت وصلت ركعتين حيث تيسر لها جاز لها أن تسعى ، فإن كانت قارنة وقع ذلك السعي للحج والعمرة معجلاً لدخول أعمالهما معاً ، وإن كانت مفردة فهو سعي الحج معجلاً ، واستحب أهل العلم أن تستحضر نية التعجيل .
وتبقى على إحرامها ولا تأخذ من شعرها شيئاً لأنها محرمة ، ولو أخذت ناسية أو جاهلة للحكم فعليها فدية مخيرة وكذلك تجتنب سائر المحظورات .
ثم تذهب إلى منى يوم الثامن ، وتبقى بها إلى أن تشرق الشمس من يوم عرفة، ثم تتوجه إلى عرفة وتفعل بها مثل ما فعلت أختها المتمتعة : من الوقوف، والدعاء ، والضراعة إلى الله تعالى حتى تغرب الشمس ، ثم تخرج دون أن تصلي المغرب والعشاء وتسير إلى المزدلفة ، ويكون أول عملها الصلاة، ثم المبيت ، إما إلى صلاة الفجر ، وإما إلى ما بعد منتصف الليل ، لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - رخص لضعفة أهله ، وكان من بين نسائه التي استأذنته سودة ، وكانت امرأة ثقيلة ، فأذن لها ، وتمنت عائشة أن لو استأذنت ، فصار خروج النساء ومن برفقتهن رخصة ، من بعد منتصف الليل عند غياب القمر ، وإنما كان ذلك لأجل حطمة الناس ، ولهذا رخص بعض أهل العلم للنساء في الرمي ، والطواف بعد منتصف الليل ، وإلا لم يكن للرخصة معنى . أما مرافقوهن فالأولى أن لا يرموا إلا بعد طولع الشمس ، إن كان في ذلك مشقة عليهم جاز لهم الرمي ؛ لأن التابع تابع في الحكم.
وإنما يكون الرمي في هذا اليوم لجمرة العقبة ، وهي الكبرى التي أسفل منى من جهة مكة .(4/69)
ثم تقصر من شعرها قدر أنملة الأصبع من كل ظفيرة ، وهذا تحللها الأول، ويلزمها طواف الإفاضة ، فتنزل إلى مكة وتطوف بالبيت ، ولا تسعى ؛ أن كانت قدمت سعي الحج مع طواف القدوم ، فإن لم تكن سعت قبل الحج لزمها السعي بعد طواف الإفاضة .
وعلى القارنة أن تذبح هديها ، أو توكل من يذبحه في أي يوم من أيام التشريق .
ثم تعود إلى منى للمبيت بها وجوباً ، وترمي من الغد الجمار الثلاث : الصغرى بسبع حصيات تُكَبِّر مع كل حصاة ، فإذا انتهت تقدمت ودعت الله تعالى، ثم ترمي الوسطى بسبع حصيات مثل الصغرى ، وتتقدم ثم تدعو الله تعالى بما فتحه عليها ، ثم ترمي الكبرى بسبع حصيات ولا تقف بعدها .
ثم تبيت بمنى وجوباً ، وتبقى بها حتى الزوال من يوم التعجل وهو ثاني أيام التشريق، ثم ترمي من الزوال فما بعد ، وننصح الأخوات أن لا يرمين في هذا اليوم إلا بعد صلاة العصر ، حيث يخف تزاحم الناس ، وهو مجرب لمن أراد التعجل ، وكذا من لم يرد فإن ما بعد صلاة العصر من يوم النفر أخف ، وهذا أولى من التوكيل ؛ لأن المرأة القادرة على الرمي الواجب أن تباشر نسكها بنفسها ، وإنما يدخل التوكيل في حق الكبيرة العاجزة ، والمريضة، والحامل إذا خافت سقوط حملها، ويغلط في هذا الباب كثير من الناس ، فإما أن يسمح للمرأة بالرمي قبل الزوال ، وهذا ليس وقتاً للرمي ، كمن صلى الصلاة قبل دخول وقتها ، وإما أن يأمرها بالتوكيل مع إمكان التأخير إلى ما بعد صلاة العصر ، ثم الرمي بسهولة ، بل إن السيارات في هذا الوقت تستطيع أن تقف قريباً من المرمى ، فلا عذر لمن كان رحله آخر منى من أن يرمي قبل الزوال ، لإمكانه السير حتى يقرب من المرمى بالسيارة ، ثم يرمي ومن معه من النساء .
ويخرج قبل الغروب ، لئلا يلزمه المبيت ، ولو استعد للخروج وركب سيارته ليقرب من المرمى ، وجاءه الليل لم يلزمه المبيت .(4/70)
ثم إن التأخر إلى اليوم الثالث عشر أكمل وأعظم أجراً لزيادة العمل وهو المبيت والانتظار إلى الزوال في آخر أيام التشريق ثم الرمي مع الاشتغال بذكر الله مع ما في ذلك من تيسير النفر والطواف بالبيت إذ تكون قد ذهبت حطمة الناس ، ولهذا قال الله تعالى : { فَمَن تَعَجَّلَ في يَومَينِ فلآ إِثْمَ عليْهِ وَمَن تأَخَّر فلآ إِثْم عَلَيه لِمَنِ اتَّقَى } (1)، فجعل التأخر من التقوى.
ومن أدركها الليل بمنى لزمها المبيت والرمي من الغد للجمار الثلاث مرتبة كما سبق ، إلا إذا حجزها زحام السيارات ، وأدركها الليل فلا مبيت عليها .
ومن توكلت عمن يجوز لها أن تتوكل عنه رمت عن نفسها أولاً ، ثم ترمي عمن توكلت عنه ، ولهذا صورتان :
الأولى : أن ترمي الجمرات الثلاث كلها عن نفسها ، ثم تعود وترمي عمن وكلها. وهذه الصورة أكمل وأخرج عن الخلاف .
الثانية : أن ترمي الصغرى بسبع عن نفسها ، ثم ترميها بسبع أخرى عمن وكلها ، ثم تفعل مثل ذلك في الوسطى ، ثم الكبرى . وهذا جائز إن شاء الله تعالى ، لكثرة الزحام، ومشقة التردد .
ثم إذا أرادت الخروج من مكة ، ولم يكن عليها دورة شهرية ، أو دم نفاس وجب أن تودع البيت بالطواف سبعة أشواط ، ثم تنفر مغفوراً لها إن شاء الله تعالى.
وإذا أخرت طواف الإفاضة حتى تنفر من منى ، ثم جعلته آخر أعمالها أجزأها عن طواف الوداع ، لأن الإفاضة ركن ، والوداع واجب ، فيندرج الواجب في الركن ، كمن دخل والإمام راكع ، وكبر تكبيرة الإحرام ثم ركع ، فتجزئه عن تكبيرة الركوع ، وهي واجبة ، وهذا من تداخل العبادات .
ولكن الأكمل أن تطوف للإفاضة أيام التشريق ، وأفضلها يوم العيد ، لفعله - صلى الله عليه وسلم - ، ثم تطوف للوداع بعد ذلك عند الخروج من مكة .
وبهذا يتفق الإفراد مع القران في الصفة العملية ، ويكون الخلاف في النية، وإيجاب الهدي على القارن دون المفرد ، والله أعلم .
__________
(1) سورة البقرة ، الآية ( 203 ) .(4/71)
وممن كتب في صفة الحج والعمرة من أهل العلم مشائخ كثر ، ولعل كتاب الشيخ / عبد العزيز بن باز رحمه الله : (( التحقيق والإيضاح لكثير من مسائل الحج والعمرة )) من أجمع تلك الكتب ، فهو على صغر حجمه جمع بين تعليم السنة ، وبيان أحكام الحج والعمرة ، وآداب الزيارة ، وجمع كثيراً من الأدعية والتوجيهات لحجاج بيت الله الحرام ، فجزاه الله عن الإسلام والمسلمين خير الجزاء .
ومن أجمع ما ورد في السنة في صفة حجه - صلى الله عليه وسلم - حديث جابر ، الذي رواه مسلم في صحيحه ، واعتنى بأخراجه المحدث الشيخ / محمد ناصر الدين الألباني – رحمه الله -، حيث ذكر بعض الزيادات الثابتة عند غير الإمام مسلم ، وسماه : (( صفة حجة النبي - صلى الله عليه وسلم - كأنك تراها )) .
المبحث الرابع : أحكام الزيارة :وفي ذلك مسائل :
المسألة الأولى :
المراد هنا بالزيارة : زيارة مسجد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - والصلاة فيه.
وهو أحد المساجد الثلاثة التي تشد إليها الرحال ، لقوله - صلى الله عليه وسلم - : (( لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد: المسجد الحرام، ومسجدي هذا، والمسجد الأقصى )) (1) نسأل الله تعالى أن يفك أسر المسجد الأقصى من أيدي اليهود .
فشد الرحل إلى مسجده - صلى الله عليه وسلم - والصلاة فيه سنة ، وهي تضاعف فيه ، فتكون بألف صلاة فيما سواه إلا المسجد الحرام ، فإن الصلاة فيه تكون بمائة ألف صلاة ، وفي المسجد الأقصى بخمس مائة صلاة ، وهذا فضل الله يؤتيه من يشاء ويضاعف لمن يشاء ما شاء .
المسألة الثانية :
__________
(1) أخرجه البخاري في صحيحه - كتاب فضل الصلاة في مسجد مكة والمدينة ـ باب فضل الصلاة في مسجد مكة والمدينة ـ ح1189 ، ومسلم : كتاب الحج ـ باب سفر المرأة مع محرم إلى حج وغيره ـ ح287.(4/72)
لا علاقة بين أعمال الحج وبين زيارة المسجد النبوي ، ولا ارتباط بينهما ، ولكن جرت عادة الناس الوافدين على أرض الحرمين أن يزوروا مسجد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، إما قبل الحج وإما بعده ، فلعل البعض يظن أن الزيارة من مكملات أعمال الحج ، وهذا غير صحيح .
ثم إن بعض من ألف في كتب الفقه ينص على هذا ، وأنه مستحب ، ولعل مرادهم شد الرحل والزيارة في حد ذاته ، بغض النظر عن كون ذلك مرتبطاً بأعمال الحج أو غير مرتبط . فلعله أيضاً ألبس على كثير من الجهال أن هناك ارتباطاً بين أعمال الحج وزيارة المسجد النبوي ، فهو يزار في أي فرصة تسنح ، ومن حج ولم يزر فحجه صحيح تام ولا علاقة بين الأمرين .
وما يروى من أحاديث في هذا الباب فهو إما موضوع مكذوب على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، وإما ضعيف لا تقوم به حجة . (1)
ثم لم يثبت في عدد الصلوات التي ينبغي أن يؤديها زائر المسجد النبوي حديث صحيح ، لكنه يكثر من الصلاة فيه ، وقراءة القرآن ، وذكر الله تعالى، كما أنه لا يمنع الآفاقي من تكرار الزيارة والسلام على الحبيب المصطفى - صلى الله عليه وسلم - وصاحبيه ، وبخاصة ليلة الجمعة ويومها ، فإن الروح ترد إليه - صلى الله عليه وسلم - ليرد على من سلم عليه عند قبره ، لكن مع التزام الأدب ، وتطبيق السنة ، والبعد عن البدع والتخريف .
المسألة الثالثة : زيارة النساء لمسجد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - :
للنساء مثل ما للرجال من حق في شد الرحل لمسجد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - والصلاة فيه ، والنص الوارد في مضاعفة الصلاة لتكون بأجر ألف صلاة فيما سواه إلا المسجد الحرام عام في حق الرجال والنساء .
__________
(1) انظر : التعليق المغني على سنن الدارقطني ( 2/278 )، إرواء الغليل ( 4/333 ـ 341 )(4/73)
وكان النساء على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يخرجن إلى المسجد يشهدن الصلاة خلف الرجال غير متبرجات ولا مستعطرات ، ومن لم يكن لها جلباب تتخمر به خمرتها جارتها ، وكن ينصرفن قبل الرجال متلفعات ما يُعرفن ، وقد نهى - صلى الله عليه وسلم - الرجال أن يمنعوا النساء من الخروج إلى المسجد ، غير أن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها قالت : لو رأى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ما أحدث النساء لمنعهن من الخروج إلى المسجد ، فإذا كان ولا بد من الخروج فلا بد من مراعاة الآداب التالية :
1 / أن تتستر المرأة قبل الخروج ، فتخمر بدنها بالملابس الواسعة التي تصف البدن ، ولا تشف عنه .
2 / أن لا تمس طيباً أو بخوراً .
3 / أن لا تحقق الطريق فتمشي في وسطها .
4 / أن لا تختلط بالرجال .
5 / أن تغض بصرها .
6 / أن لا تتكسر في مشيتها ، ولا ترفع صوتها .
7 / أن تنصرف بعد الصلاة راشدة في حياء ، وبعد عن مزاحمة الرجال في الطرقات والأسواق .
ولا أشك أن بعض النساء تتحرى الدقة في الآداب الشرعية عند خروجها ، سواء للمسجد أو غيره ، وهي تُشكر على هذا الشعور ، وكثيرات هن ولله الحمد ، وإن كان البعض من إماء الله لا تهتم بهذه الضوابط ، وبخاصة ما يتعلق بالطيب واللباس ومزاحمة الرجال ، فإنها محرمة ، ولو كان خروجها للمسجد ، فليتقين الله تعالى ، وليعلمن أن الله يحصي كل شيءٍ ، وهو مطلع على كل صغيرة وكبيرة ، ومن لم تستطع الانضباط فلتقر في بيتها ، ولتصل فيه فهو أفضل لها ، وأبعد عن مقارفة الخطايا .
المسألة الرابعة : زيارة النساء للقبور :(4/74)
روى أبو داود بإسناده إلى ابن عباس رضي الله عنهما قال : (( لعن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - زائرات القبور ، والمتخذين عليها المساجد والسرج )) (1) ، فهذا الحديث يفهم منه منع النساء من زيارة القبور .
وجاء في صحيح مسلم بسنده إلى بريدة بن الحصيب - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (( كنت نهيتكم عن زيارة القبور ، فزوروها ، فإنها تذكركم الآخرة )) .(2)
وهذا الحديث يفهم منه الإباحة ، بل المشروعية لزيارة القبور ، وتذكير الآخرة ليس خاصاً بالرجال ، بل النساء أشد حاجة إلى تذكر الآخرة .
وذكر صاحب (( المغني )) شرحاً لقول الخرقي : ( وتكره للنساء ) .(3)
قال : في ذلك روايتان عن أحمد :
إحداهما : الكراهة ، لحديث لعنه - صلى الله عليه وسلم - زائرات القبور ، ولأن المرأة قليلة الصبر، كثيرة الجزع ، فربما لو زارت صدر منها ما يحرم عليها ، كالنوح ، ولطم الخدود ، وشق الجيوب ، ونتف الشعر جزعاً مما حل عليها ، ولهذا وجّه الشارع بالنهي عن هذه الأعمال، وكان كلامه موجهاً للنساء ، لأنّهن يفعلن ذلك عند حلول المصيبة .
ثانيهما : عدم الكراهة ، للعموم في نص الحديث الثاني : (( كنت نهيتكم عن زيارة القبور ، فزورها )) .
__________
(1) أخرجه أبو داود في السنن - كتاب الجنائز ـ باب في زيارة النساء القبور ـ 3/558 ، والترمذي في - كتاب الجنائز ـ باب ما جاء في كراهية زيارة القبور للنساء ، والنسائي في - كتاب الجنائز ـ باب التغليظ في اتخاذ السرج على القبور ، وابن ماجة في - كتاب الجنائز ـ باب ما جاء في النهي عن زيارة النساء القبور . وذكر الشيخ الألباني أنه حسن .
(2) أخرجه مسلم في صحيحه - كتاب الجنائز ـ باب استئذان النبي- صلى الله عليه وسلم - ربه عز وجل في زيارة قبر أمه ح976 .
(3) المغني ( 3/523 ) .(4/75)
ولفعل عائشة رضي الله عنها لما زارت قبر أخيها عبد الرحمن . (1)
والذي ظهر لي : أن زيارة المرأة للقبور اشتملت على مصلحة ومفسدة ، ودرء المفسدة مقدم على جلب المصلحة ، وإذا اجتمع في المسألة مبيح وحاضر قدم جانب الحضر .
وما يقع للنساء من سماح في المسجد النبوي فإن المقصود السماح لهن بالصلاة في الروضة الشريفة لا الزيارة .
لكن لو مرت المرأة في طريقها بقبور سن لها أن تسلم عليهم ، بما علمه - صلى الله عليه وسلم - لعائشة رضي الله عنها قال : (( قولي: السلام على أهل الديار من المؤمنين والمسلمين، ويرحم الله المستقدمين منا والمستأخرين، وإنا إن شاء الله بكم لاحقون )) .(2)
__________
(1) السنن الكبرى للبيهقي ( 4/78 ) ، المستدرك للحاكم ( 1/376 ) .
(2) صحيح الإمام مسلم ( كتاب الجنائز ـ باب ما يقال عند دخول القبور ، والدعاء لأهلها ـ ح974 ) .(4/76)
الباب الثاني : واجبات المرأة المسلمة وحقوقها :
الفصل الأول : مسؤولية المرأة المسلمة وفيه مباحث
المبحث الأول : مسؤوليتها نحو ربها :
وفيه مسألتان :
المسألة الأولى : مسؤوليتها من حيث معرفة استحقاق الله تعالى للعبادة وحده دون سواه :
المرأة المسلمة تعترف بالله ربَّاً ، وخالقاً ، ورازقاً ، ومدبراً لأمرها ، وإليه يرجع الأمر كله ، وقد ظهر ذلك جلياً من قول هاجر عليها السلام عندما وضعها إبراهيم عليه السلام وابنها بمكة ، ثم ولى عنهما ، فسألته : آلله أمرك بهذا ؟ قال : نعم ، قالت : إذا لا يضيعنا .(1)
ومن هنا تعرف المرأة أنه تعالى المستحق وحده للعبادة ، فتوجهت بها إليه دون سواه ، واتقته في سرها وعلانيتها ، وانغرس خوفه تعالى في ضميرها ، ولم تطع والدتها التي أمرتها بأن تخلط اللبن بالماء طاعة لله ثم لعمر وهو لا يراها ، وما كانت لتطيعه في الملأ ثم تعصيه في الخلاء ، إنها الرقابة الذاتية التي غرسها الإيمان في قلبها ، وقد وفقها الله تعالى أن كانت جدة لعمر بن عبد العزيز الحاكم العادل .
__________
(1) رواه البخاري في صحيحه - كتاب الأنبياء ـ باب قول الله تعالى : { واتخذ الله إبراهيم خليلاً } الآية ـ ح3364 ـ 6/396 فتح الباري .(5/1)
وبالجملة : فعقيدة المرأة المسلمة هو ما كان عليه سلف هذه الأمة ؛ من الإيمان بالله، وملائكته ، وكتبه ، ورسله ، واليوم الآخر ، والإيمان بقضاء الله وقدره ، وهي تعتقد أن الله موصوف بصفات الكمال ، ونعوت الجلال ، لا يشبه شيئاً من مخلوقاته ، ولا يشبهه شيء منها ، مع إثبات ما أثبته الله لنفسه ، أو أثبته له رسوله - صلى الله عليه وسلم - من الصفات ، مع فهم معانيها ، واعتقاد أنه تعالى موصوف بها على وجه الحقيقة ، من غير تأويل أو تمثيل أو تشبيه أو تعطيل على حدِّ قوله تعالى : { لَيْسَ كَمِثْلِهِ شيءٌ وَهُو السَّميعُ الْبَصِير } (1) ، وقد تقدم جانب كبير من هذا .
والمرأة المسلمة منهجها كتاب الله وسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم - ، بعيدة عن الخرافة ، والجهل والأوهام ، تزن أمورها بميزان القرآن والسنة ، متبعة في فهم نصوصهما طريقة السلف وفهم السلف .
المسألة الثانية : عبادة المرأة المسلمة :
تتحرى الطهارة في بدنها وثيابها ومكان صلاتها ، تدع الصلاة والصيام أيام حيضها ، تعرف إقبال دورتها وإدبارها ، تقيم الصلاة في أوقاتها ، مع مراعاتها لمعرفة أركان الصلاة وواجباتها وسننها ، ومعرفة الوقت المختار الذي تؤدي فيه صلاتها على وجه التمام ، كما أنها لا تقصر في صلاة التطوع ، سواءً كانت رواتب أو تطوعاً مطلقاً ، كصلاة الضحى ، وقيام الليل ، من غير تقصير في القيام بحقوق زوجها وبيتها .
تؤدي زكاة مالها راضية بها نفسها ، فإن لم تجد تصدقت بما تجود به نفسها، وتضع زكاتها وصدقتها في الموضع المستحق لذلك .
__________
(1) سورة الشورى ، الآية ( 11 ) .(5/2)
تستبشر بقدوم شهر رمضان المبارك ، فتصوم نهاره وتقيم ليله ، وتتحرى فيه ليلة عبادتها خير من عبادة ألف شهر ، كما أنها تصوم ما يسره الله لها من أيام السنة ، كالاثنين والخميس ، وأيام البيض ، والتسع من عشر ذي الحجة ، وعاشوراء ، وشهر الله المحرم ، وما يسره الله لها ، ولا تصوم نفلاً وزوجها حاضرٌ إلا بإذنه .
وهي تحج وتعتمر إذا يسر الله لها ذلك ، فهو جهادها ، ولئن حضرت مع المسلمين معركة قامت بما كان يقوم به نساء المسلمين ؛ من مداواة الجرحى ، وسقاية الماء ، وصناعة الطعام ، وما يسره الله لها ، ولئن حملت سلاحاً ودافعت به عن بيضة الإسلام والمسلمين في حشمة وأدب لهو من خلق بعض الصحابيات اللاتي شاركن مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، ولم يمنعهن من ذلك ، بل ورضخ لهن من الغنيمة .
وللمرأة مثل الرجال من الأجر فيما تفعله من عبادة لله تعالى ، وقد يضاعف لها الأجر حسب نيتها وإتقانها لعبادتها ، قال الله تعالى : { فَاسْتَجابَ لَهُم ربُّهمْ أَنِّي لآ أُضِيعُ عَمَل عَاملٍ مِنْكُم مِنْ ذَكرٍ أَوْ أُنْثَى بَعْضُكم مِّن بَعْضٍ } .(1)
وقال تعالى : { مَنْ عَمِلَ صَالحِاً مِن ذَكَرٍ أَو أُنْثى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْييَنَّه حيَاةً طَيِّبةً وَلَنجزِيَنَّهم أَجْرَهم بِأَحْسنَ ما كَانوا يَعْمَلُون } .(2)
فالمرأة المسلمة من جملة من خلقهم الله تعالى لعبادته : { وَما خَلقْتُ الْجِنَّ والإنسَ إِلا لِيعبُدونِ } . (3)
المبحث الثاني : مسؤوليتها نحو نبيها - صلى الله عليه وسلم - :
__________
(1) سورة آل عمران ، الآية ( 195 ) .
(2) سورة النحل ، الآية ( 97 ) .
(3) سورة الذاريات ، الآية ( 56 ) .(5/3)
المرأة المسلمة تؤمن بمحمد - صلى الله عليه وسلم - نبياً ورسولاً ، وخاتماً للأنبياء والمرسلين ، وتعتقد أنه بلغ الرسالة ، وأدى الأمانة ، ونصح الأمة ، وكشف الله به الغمة ، وأنه ترك هذه الأمة على المحجة البيضاء ، ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك.
وتعلم أن حبَّه - صلى الله عليه وسلم - جزء من عقيدة التوحيد ، لا يصح إيمانها إلا به ، كما قال - صلى الله عليه وسلم - : (( فوالذي نفسي بيده ، لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من والده وولده والناس أجمعين )) . (1)
وأن اتباعه كذلك من علامات الحب لله وللرسول - صلى الله عليه وسلم - ، قال الله تعالى : { قُل إِن كُنتم تُحِبُّونَ اللهَ فاتَّبِعوني يُحْببكُمُ اللهُ } . (2)
وهي تعتقد أنه - صلى الله عليه وسلم - بين الشريعة أكمل بيان ، وجاهد في الله حق جهاده ، ونصح للأمة أتم النصح ، حتى توفاه الله وهو عنه راضٍ .
وتعتقد أنه لا يسع أحداً من الخلق بعد مبعثه - صلى الله عليه وسلم - أن يخرج عن شرعه ، بل إن من الواجب اعتقاده أن لا تكره شيئاً مما جاء به، وأن لا تعتقد أن هدي غيره أكمل من هديه، وأن تؤمن بكل ما صح عنه ولو لم يستوعبه عقلها ، وأن تكثر من الصلاة والسلام عليه ، وتعتقد أن ذلك يبلغه ، وبخاصة يوم الجمعة وليلتها ، فإن هذا بعض حقه - صلى الله عليه وسلم - على أمته .
المبحث الثالث : مسؤوليتها نحو دينها ، والدعوة إليه :
__________
(1) أخرجه البخاري في صحيحه - كتاب الإيمان ـ باب حب الرسول - صلى الله عليه وسلم - من الإيمان ـ ح15 من الفتح 1/58 ، ومسلم في صحيحه - كتاب الإيمان ـ باب وجوب محبة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ح44 ـ 1/67 .
(2) سورة آل عمران ، الآية ( 31 ) .(5/4)
المرأة المسلمة المكلَّفة مسؤولة عن دينها دين الإسلام ، من حيث التعلم والتفقه في دين الله ، والعمل والدعوة إلى تبليغ ذلك الدين ، مع الصبر على الأذى الواقع والمتوقع من جراء تبليغ دين الله تعالى ، والنصح له .
ولعل السيدة خديجة أم المؤمنين رضي الله عنها ضربت للنساء أروع مثال في مؤازرة النبي - صلى الله عليه وسلم -، حيث آمنت به ، وصدقته ، واحتملت مقاطعة الأقرباء والأهل والعشيرة، وواسته بمالها ، وحنت عليه بعطفها ، وشدت من أزره حين انتابه الروع ، وقالت كلماتها المشهورة : ( كلا والله ! ما يخزيك الله أبداً ، إنك لتصل الرحم ، وتحمل الكل ، وتكسب المعدوم ، وتقري الضيف ، وتعين على نوائب الحق ) .(1)
ثم ذهبت به إلى ورقة وهو على بقايا من دين إبراهيم الخليل عليه السلام، لتستثبت من أمره ، وتقوي عزيمته ، وتقيم له شاهداً من أهل الكتاب ، ومضت معه في الدعوة إلى الله حتى توفاها الله تعالى وهو راضٍ عنها .
وقد أرسل الله تعالى جبريل إلى محمد - صلى الله عليه وسلم - أن يقرئ خديجة من الله السلام ، ووعدها سبحانه ببيت في الجنة ، من قصب ، لا صخب فيه ولا نصب .(2)
وكانت سمية رضي الله عنها أول شهيدة في الإسلام ، حيث أوذيت في الله وماتت وهي تحت التعذيب من أجل دينها .
والذي يستعرض مواقف الصحابيات الجليلات من المهاجرات والأنصاريات يجد العجب العجاب في صمود النساء ، وتبليغ الدعوة ، وتربية الرجال ، وحث الأبناء على الجهاد في سبيل الله ، وطلب العلم ، ونشر الخير ، وامتطاء صهوات معالي الأمور .
__________
(1) أخرجه البخاري في صحيحه - كتاب بدء الوحي ـ ح3 من فتح الباري 1 / 22 ، ومسلم في الصحيح - كتاب الإيمان ـ باب بدء الوحي ـ ح160 .
(2) أخرجه البخاري - كتاب العمرة ـ باب متى يحل المعتمر ـ ح1792 .(5/5)
فهذه السيدة تماضر - الخنساء - تحزن على أخيها صخر حزناً ضرب به المثل في الرثاء ، لكنها عندما نُعي إليها خبر وفاة أبنائها الأربعة في موقعة القادسية حمدت الله ، وأثنت عليه ، وصبرت واحتسبتهم لله ، وقبل الموقعة كانت تحثهم على الجهاد ، وأن يكون نصيبهم من القتل شرفاء قادة العدو .
إنه هدي الله الذي تربت عليه عندما دخل الإيمان في أعماق قلبها .
ولقد ضربت أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها للنساء المسلمات أروع مثال في حفظ دين الله ، وتفقيه الرجال والنساء ، وكانت مرجعاً للفتوى حتى توفاها الله ، وقد كان كبار الصحابة يرجعون إليها في كثير من المسائل ، ولا غرو فقد عاشت في بيت النبوة ، وفيه كانت تنزل الحكمة من العليم الخبير .
المبحث الرابع : مسؤوليتها نحو نفسها :
المرأة المسلمة تتكون مما يتكون منه الرجل : الجسم ، العقل ، الروح . ولا بد لكل منها حقه .
أ / عنايتها بجسمها :
المرأة المسلمة مطالبة بأن تكون ذات أثر واضح في المنزل ، سواءً كانت
أماً ، أو بنتاً ، أو أختاً . فلا بد من مشاركة تقوم بها .
وهي مطلوبة بأن تكون شامة بين النساء ، متميزة بدينها وخلقها وحسن مظهرها، والتزين لبعلها .
ولهذا فلا بد أن تهتم بجسمها ، فتكون معتدلة في طعامها وشرابها ، كما أوصى بذلك ربها في كتابه فقال: { وكلُوا واشْرَبوا وَلا تُسرفُوا إنَّه لا يُحِبُّ المسرِفِين } . (1)
وأوصى بذلك نبيه - صلى الله عليه وسلم - فقال : (( ما ملأ ابن آدم وعاءً شراً من بطنه ، فإذا كان لا محالة فاعلاً فثلث لطعامه ، وثلثٌ لشرابه ، وثلث لنفسه )) .(2)
وتكون رشيقة تمارس ما تشاء من الرياضة البدنية التي تليق بمثلها ، لتبقى على مستوى جيد من الصحة ، والبعد عن البدانة والسمنة .
__________
(1) سورة آل عمران ، الآية ( 31 ) .
(2) سنن الترمذي - كتاب الزهد ـ باب ما جاء في كراهية كثرة الأكل ـ ح1939 ـ 2/281 .(5/6)
ثم هي تهتم بنظافة نفسها من الاستحمام ، وتعهد الملابس والشعور .
وقد حثها الشارع الكريم على ذلك ، مثل قوله - صلى الله عليه وسلم - في حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - : (( حق على كل مسلم أن يغتسل في كل سبعة أيام يوماً ، يغسل فيه رأسه وجسده )) (1) ، وهذا خطاب عام للرجل والمرأة ، والمرأة أحوج من الرجل إلى ذلك .
وثبت عن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها عنايتها بفمها وأسنانها ، فقد كانت تستن ويسمع لذلك صوت ، كما جاء عن عطاء ، عن عروة - رضي الله عنه - قال : (وإنا لنسمع ضربها بالسواك تستن ) . (2)
ولا غرابة في ذلك ، فقد قال - صلى الله عليه وسلم - : (( لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك عند كل صلاة )) .(3)
وأخبر - صلى الله عليه وسلم - أن الرائحة المزعجة تتأذى منها الملائكة كما يتأذى بنو آدم ، حيث قال: (( من أكل البصل أو الثوم أو الكراث فلا يقربن مسجدنا ، فإن الملائكة تتأذى مما يتأذى منه بنو آدم )) .(4)
__________
(1) متفق عليه ، رواه البخاري في صحيحه - كتاب الجمعة ـ ح897 من فتح الباري 2 / 382 ومسلم - كتاب الجمعة ـ باب الطيب ـ ح849 .
(2) رواه أحمد في مسنده ( 6/157 ) .
(3) متفق عليه : أخرجه البخاري في مواطن من صحيحه منها - كتاب الجمعة ـ باب السواك يوم الجمعة ـ ح887 من الفتح 2 / 374 ، ومسلم في مواطن أيضاً من صحيحه - كتاب الطهارة ـ باب السواك ـ ح252 .
(4) رواه مسلم في صحيحه - كتاب المساجد ـ باب نهي من أكل ثوماً أو بصلاً أو كراثاً ونحوها ، ح 564.(5/7)
ولعل مما ينبغي للمرأة المسلمة أن تعتني به : شعر رأسها ، فإن فيه نصف جمالها ، وحق عليها أن تنظفه وتكرمه وترتبه ، فإن ذلك من حسن المنظر ، وجمال الهيئة ، وهي كذلك في ملبسها ، وتنظيم هندامها ، والعناية بنظافة ما ترتديه ، وتنظيمه ، وترتيبه ، والابتعاد عن الفحش والتفحش ومشابهة الكفار ، وليس في مشابهتهم جمال ، وإن غيروا وبدلوا ونوعوا ، فإن غرضهم إشغال المرأة وإبعادها عن وظيفتها الأساسية باستحداث موضات في الملبس وقصات الشعر ، حتى إنك لتري المرأة أحياناً قد أخذت شعر رأسها بالكلية ، فلا تفرقين بينها وبين الرجل ، وقد أجمع العلماء على أن حلق شعر رأس المرأة بالكلية من غير عذر حرام ، لأنه مُثلة ، ومُذهب لجمال المرأة .
كما أن المرأة المسلمة لا تنزلق إلى التبرج والإفراط في الزينة ، بل تكون مع نظافة جسمها ، وترتيب ملابسها في حشمة ووقار ، واعتدال في كل شأن من شؤون حياتها ، فلا إفراط ولا تفريط .
وسيأتي بإذن الله في زينة المرأة المسلمة مزيد بحث لهذا .
ب / عنايتها بعقلها :
الجهل داءٌ فتَّاك ، وعلاجه العلم ، وأخص العلوم وأعظمها فائدة ، وأكثرها بركة: الفقه في دين الله، قال الله تعالى: { إنّمَّا يخشى اللهَ مِن عِبَادِه العُلَماء } (1) ، وقال - صلى الله عليه وسلم - : (( طلب العلم فريضة على كل مسلم )) .(2)
__________
(1) سورة فاطر ، الآية ( 28 ) .
(2) أخرجه ابن ماجة في السنن – المقدمة ـ باب فضل العلماء والحث على طلب العلم ـ ح224 ، وهو في صحيح ابن ماجة برقم ( 183 ) وله طرق ترفعه إلى درجة الحسن.(5/8)
وهذه نصوص عامة تدخل فيها المرأة بإجماع علماء المسلمين ، ولهذا نرى عائشة رضي الله عنها كانت أفقه من كثير من الرجال والنساء ، وأثنت على نساء الأنصار بخير ، حيث كن يسألن عن أمور دينهن ، لا يمنعهن مانع ، قالت عنهن : ( نعمَ النساء نساء الأنصار ، لم يكن يمنعهن الحياء أن يتفقهن في الدين ) .(1)
بل طالبن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يجعل لهن يوماً ، لما رأين الرجال غلبوا عليه، فقلن له : اجعل لنا يوماً من نفسك نتعلم فيه ، فقد غلبنا عنك الرجال ، فقال : (( موعدكن دار فلانة )) فأتاهن فيها ، فوعظهن وذكَّرهن وعلمهن .(2)
ولعل أهم ما ينبغي للمرأة المسلمة أن تتعلمه : إتقان قراءة كتاب الله تعالى، وفهم معانيه ، وحفظ ما أمكنها من أحاديث الأحكام ، والاطلاع على السيرة النبوية ، وأخبار أمهات المؤمنين والصحابيات ، ومن تبعهن بإحسان ، وأن تتفقه في دينها ، فقه الإيمان ، وفقه الأحكام .
هذا قدر ضروري مطلوب منها شرعاً ، ولدخوله تحت الفريضة التي أشار إليها المصطفى - صلى الله عليه وسلم - في قوله : (( طلب العلم فريضة على كل مسلم )) أي: ومسلمة.
ولا يمنع بعد هذا أن تتخصص المرأة في أي علم يناسب طبيعتها ، وتنفع به بنات جنسها ، مع الضوابط الشرعية ، وفي إطار ما تسمح به الشريعة الإسلامية الغراء ، والدين الإسلامي يحث على القراءة والمطالعة النافعة ، وبخاصة ما تركه سلف هذه الأمة من شروح ومتون وحواشي .
__________
(1) متفق عليه : أخرجه البخاري في صحيحه - كتاب العلم ـ باب الحياء في العلم - معلقاً 1 / 228 فتح الباري ) ، وأخرجه مسلم في صحيحه - كتاب الحيض ـ باب استحباب استعمال المغتسلة من الحيض فرصة من مسك في موضع الدم ـ ح332 .
(2) رواه البخاري - كتاب العلم ـ باب هل يُجعل للنساء يوم على حدة للعلم ؟ ح101 ـ من فتح الباري 1 / 195 .(5/9)
ومتى صفت عقيدتها لم تجد الخرافة سبيلاً إلى عقلها ، وهذا أهم أمرٍ يجب أن تدركه المرأة كالرجل ، سواء بسواء .
جـ / عنايتها بروحها :
... قال الله تعالى : { قَد أفْلَحَ من زكَّاها - وَقد خَابَ منْ دسَّاهَأ } (1).
ومن دعائه - صلى الله عليه وسلم - : (( اللهم آت نفسي تقواها ، زكها أنت خير من زكاها، أنت وليها ومولاها )) .(2)
ولعل أهم ما يرقى بالروح فعل الواجبات ، وترك المنهيات ، واتقاء الشبهات ، ثم الإكثار من نوافل الصلوات ، والصيام ، والصدقة ، وقراءة القرآن آناء الليل وأطراف النهار ، والمحافظة على الأذكار المشروعة ، سواء المقيدة بوقت أو المطلقة .
ثم اختيار الرفقة الصالحة التي تعين على فعل الخير وترك الشر وتحذر منه، وتساعد على محاسبة النفس ، قال تعالى : { وَاصْبِر نفسَكَ معَ الذِينَ يَدعونَ ربَّهم بالغَداةِ والعَشِيِّ يُريدونَ وَجهَهُ وَلا تَعْدُ عيناكَ عَنْهمْ تُريدُ زِينَةَ الحيَاةِ الدُّنيَا وَلا تُطِعْ مَن أَغْفلنا قَلبَه عَن ذِكْرِنا واتَّبع هواهُ وكَان أمْرُهُ فُرُطاً } (3) ، وهذا مع كونه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فغيره من باب أولى أن يحرص على الرفقة الصالحة ، التي تعينه على كل شيءٍ من أمره .
وإذا كان هذا هو حال المرأة المسلمة في كل عصر ومصر ، فهي في هذا العصر أشد حاجة ، حيث كثرت الفتن والملهيات ، ووقف على سبيل النار شياطين من الإنس والجن يوحي بعضهم إلى بعض زخرف القول غروراً ، ويخططون لإيقاع المرأة المسلمة في شباك الرذيلة ، لتكون عنصراً فاسداً مفسداً في الدنيا ، ثم مصيرها إلى النار .
فهل تفيق المرأة المسلمة ، وتتقي الله تعالى ، وتبتعد عن الشر وأهله ، وتقرب من الخير وأهله ؟
__________
(1) سورة الشمس ، الآية ( 9 ، 10 ) .
(2) رواه مسلم في صحيحه - كتاب الذكر والدعاء ـ باب التعوذ من شر ماعمل ومن شر ما لم يعمل ـ ح2722 .
(3) سورة الكهف ، الآية ( 28 ) .(5/10)
المبحث الخامس : مسؤولية المرأة المسلمة نحو والديها :
قرن الله تعالى ذكره حق الوالدين بحقه في مواضع من كتابه العزيز :
قال الله تعالى : { وقضى ربك أن لا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحساناً } . (1)
وقال تعالى : { أن اشْكُر لي وَلِوالديكَ إِليَّ المصير } .(2)
وقال تعالى : { وصاحبْهُما في الدُّنيا مَعْروفَاً } .(3)
وجعل النبي - صلى الله عليه وسلم - القيام بخدمة الوالدين أعظم من الجهاد في سبيل الله ، إذا لم يكن فرض عين ، كما أن العقوق عدَّ من الكبائر .(4)
ثم إن من العقوبات المعجلة في الدنيا عقوبة عقوق الوالدين .
فعلى المرأة المسلمة أن تؤدي حقوق والديها ؛ ببرهما ، وطاعتهما في غير معصية الله تعالى ، وتقديم كل ما تستطيعه من عون ومساعدة لهما حال حياتهما، ثم تقوم بصلة من كانا يصلان حال حياتهما ، وتتصدق عنهما بعد موتهما ، وتدعو لهما .
كل ذلك من حق الوالدين وبرهما .
ومهما بالغت المرأة في إكرام والديها فإنهما يستحقان ، كما جاء في الأثر الصحيح عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: (( لا يجزيء ولد والده إلا أن يجده مملوكاً فيشتريه، فيعتقه )).(5)
وهي تدرك أن أمها مقدمة في البر،حيث كرر الشارع حقها ثلاثاً، ثم ثنى بالأب.(6)
__________
(1) سورة الإسراء ، الآية ( 23 ) .
(2) سورة لقمان ، الآية ( 14 ) .
(3) سورة لقمان ، الآية ( 15 ) .
(4) انظر : صحيح البخاري ( ح5976 فتح الباري 10 / 405 .
(5) أخرجه مسلم في صحيحه - كتاب العتق ـ باب تحريم تولي العتيق ـ ح1449 .
(6) كما جاء في صحيح البخاري - كتاب الأدب ـ باب من أحق الناس بحسن الصحبة ؟ ح5971 فتح الباري 10 / 401 .(5/11)
وفي الجملة فإن الإسلام جعل منزلة الأبوين ، والقيام بحقوقهما من أجل عملين عظيمين يقوم بهما المسلم ، وهما : أداء الصلاة ، والجهاد في سبيل الله، جاء في الحديث الذي رواه البخاري بسنده إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه سئل : أي العمل أحب إلى الله ؟ قال : (( الصلاة على وقتها )) ، قال : ثم أي ؟ قال : (( بر الوالدين )) ، قال : ثم أي ؟ قال : (( الجهاد في سبيل الله )) .(1)
المبحث السادس : مسؤوليتها نحو زوجها :
رباط الزوجية كرَّمه الشرع ، وأحاطه بسياج منيع ، وجعله آية من آياته سبحانه وتعالى ، حيث يقول : { وَمِن آياتِهِ أَنْ خلَقَ لكم مِّن أنفسكُمْ أزْواجاً لِتسكنُوا إليها وَجعل بَينكُم مَودةً ورَحْمةً } .(2)
كلمات بسيطة يحل الله بها لكل من الزوجين ما كان محرماً بينهما ، ثم ينشأ بين الرجل والمرأة تفاهم يبدآن به مسيرة الحياة ، وهي متوقفة على الزواج، إذ به يبقى النوع البشري يتناسل ، ويخلف بعضهم بعضاً .
إن الأسرة في المجتمع المسلم النواة الأساسية لبنائه ، والمرتكز القويم ، ومتى اختار كل من الزوجين صاحبه ، وأحسن الاختيار كانت الثمار وارفة .
فقد جاء في الحديث : أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : (( تخيّروا لنطفكم ، وأنكحوا الأكفاء ، وأنكحوا إليهم )) .(3)
__________
(1) رواه البخاري - كتاب الأدب ـ باب البر والصلة ـ ح5970 الفتح 10/400 .
(2) سورة الروم ، الآية ( 21 ) .
(3) صحيح سنن ابن ماجة - كتاب النكاح ـ باب نكاح الأكفاء ـ ح1602 .(5/12)
وهذا عام يشمل اختيار الرجل للمرأة ، والمرأة للرجل ، ولهذا أوجب الشارع إذنها إذا كانت بالغة عاقلة ، وإن لم تأذن ولم ترض فلها الخيار ، كما جاء في حديث الخنساء بنت خِدَام (1) ، بل إن الأمر يأخذ بعداً أعظم من هذا ، فهذه بريرة عندما عتقت وكانت تحت مغيث ، وهو لا يزال رقيقاً اختارت فراقه ، لكرهها إياه ، فلم يجبرها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على الرغم من حبه الشديد لها .(2)
فالمرأة حرة الاختيار ، ولكن مَن تختار ؟
إنها تقدم صاحب الدين ، والخلق القويم على غيره ، فكما أنها تنكح لمالها ولجمالها ولحسبها ولدينها ، فالظفر يكون بذات الدين ، فكذلك المرأة تظفر بصاحب الدين : (( إذا جاءكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه ، إن لا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد عريض )) .(3)
والمرأة المسلمة مطيعة لزوجها في غير معصية الله ، يبين ذلك قوله - صلى الله عليه وسلم - :
(( لو كنت آمراً أحداً أن يسجد لأحد لأمرت الزوجة أن تسجد لزوجها )) (4)، والسجود لا يجوز في ملة محمد - صلى الله عليه وسلم - إلا لله تعالى ، وهذا يبين مكانة الزوج ومنزلته، حتى جعله - صلى الله عليه وسلم - جنة المرأة ونارها، وبيّن أن حسن التبعل يعدل الجهاد في سبيل الله .
__________
(1) رواه البخاري في صحيحه - كتاب النكاح ـ باب إذا زوج الرجل ابنته وهي كارهة ـ ح5138 الفتح 9/194 .
(2) رواه البخاري في صحيحه من حديث ابن عباس - كتاب الطلاق ـ باب خيار الأمة تحت العبد ـ ح5281 .
(3) صحيح سنن ابن ماجة - كتاب النكاح ـ باب الأكفاء ـ ح1601 .
(4) صحيح سنن ابن ماجة - كتاب النكاح ـ باب حق الزوج على المرأة ـ ح1502 .(5/13)
وإن أعظم وأبرز وجوه طاعة المرأة المسلمة لزوجها وبرها به : أن تستجيب لرغباته الخاصة المشروعة التي فيها حق الاستمتاع بالحياة الزوجية على أكمل وجه وأتم صورة في المعاشرة ، فإن هذا هو المقصد الأصل في الزواج ، ثم النظر إلى رغباته في المطعم ، والملبس، والزيارة ، والحديث ، وسائر ما تظهر به أمامه من التصرفات ، فكلما استجابت له في مثل هذه الأمور ازدادت حياتهما سعادة وصفاءً ، وكانت عيشتهما هنيئة .
ومتى عصت المرأة زوجها ، ومنعته حقه فإنها تكون في لعنة الله والملائكة حتى تعود إلى مراضاته ، بل إن العبادة كصوم التطوع مثلاً نُهيت أن تفعلها وهو شاهد إلا بإذنه .
وهي مأمورة أن لا تزيد في الإنفاق إذا كان شحيحاً عن حد المعروف لقوله صلى الله عليه وسلم : (( خذي ما يكفيك وولدك بالمعروف )) .(1)
كما أنها مسؤولة عن تربية الأبناء ، وتهيئة البيت ليكون عشاً آمنا ، وسكناً مريحاً (( والمرأة راعية في بيت زوجها ومسؤولة عن رعيتها )) .(2)
والخصال المطلوبة من المرأة لتحيا مع زوجها حياة كريمة ، تتلخص في القناعة ، والسمع والطاعة ، والعناية بالنظافة في المظهر والمخبر ، والتعهد لوقت الطعام ، والهدوء عند المنام ، وحفظ المال ، وحسن تدبير الخدم والعيال ، ثم حفظ السر ، وطاعة الأمر .
هذه الخصال إذا جمعتها المرأة بعناية حازت رضى الله عز وجل ثم رضى زوجها ، ولعل مما يقربها إلى قلب زوجها : إكرام والديه وأقاربه واحترامهم .
المبحث السابع : المرأة المسلمة مع أولادها :
__________
(1) رواه البخاري في الصحيح - كتاب البيوع ـ باب من أجرى أمر الأمصار على ما يتعارفون بينهم ـ ح2211 الفتح 4/405 .
(2) رواه البخاري في الصحيح - كتاب الجمعة ـ باب الجمعة في القرى ـ ح893 الفتح 2 / 380 .(5/14)
الأبناء والبنات من زينة الحياة الدنيا ، والحياة مسرح تعرض فيه تفاصيل حياة البشر، وليست هي النهاية ، بل هناك حياة أخرى { يَا أَيُّهَا الَّذِيْنَ آمَنُوا قُوْا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيْكُمْ نَاراً وَقُوْدُهَا النَّاسُ وَالحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلائِكَةٌ غِلاظٌ شِدَادٌ لا يَعْصُوْنَ اللهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُوْنَ مَا يُؤْمَرُوْنَ } .(1)
وفي الحديث قال - صلى الله عليه وسلم - : (( مروا أولادكم بالصلاة وهم أبناء سبع سنين ، واضربوهم عليها وهم أبناء عشر ، وفرقوا بينهم في المضاجع )) .(2)
والمرأة المسلمة تدرك مسؤوليتها في تربية أولادها بنين وبنات على الخلق القويم ، وإن أهم أمر يجب أن تربي عليه أبناءها وبناتها : أداء الصلاة في أوقاتها، ومتى قصرت في ذلك جاء التقصير في كل شيءٍ من أمورهم ، قال عمر - رضي الله عنه - في شأن الصلاة : ( من حفظها فهو لما سواها أحفظ ، ومن ضيعها فهو لما سواها أضيع ) .(3)
وبقدر ما تكون الأم مؤدبة متربية على العلم والفقه ، وسمو الأخلاق ، وكرائم الطباع ، وجميل الخصال ، بقدر ما تربي في أبنائها وبناتها علو الهمة ، وروح النبوغ ، والتفوق .
ولقد نبغ علماء وحكام ضرب بهم المثل في الفقه والعدل ، وكان وراء ذلك أمهات ذوات شأن عظيم ، كالشافعي ، وعمر بن عبد العزيز رحمهما الله تعالى .
والأم الناجحة تتعاون مع زوجها على تربية الأبناء والبنات ، ويتساعدان على إيجاد الحلول لكل مشكلة تقع ، أو تتوقع ، فيتخذ لها التدابير قبل وقوعها .
__________
(1) سورة التحريم ، الآية ( 6 ) .
(2) رواه أحمد في مسنده ( 2/180 و 187 ) ، وأبو داود في سننه - كتاب الصلاة ـ باب متى يؤمر الغلام بالصلاة ـ ح495 .
... وهو في صحيح سنن أبي داود ( رقم 466 ) .
(3) أخرجه مالك في الموطأ - كتاب وقوت الصلاة ـ ح 6 .(5/15)
ولا شك أن الطفل يبقى مع أمه سنين الترعرع ، والاستعداد للتعلم ، فهي تغرس فيه كل معنى كريم نحو ربه ونبيه ودينه ووالديه ومجتمعه وأمته ، ومتى نجحت في ذلك كانت بحق مدرسة ، وكان لذلك أثره البالغ عليه طوال حياته .
المبحث الثامن : مسؤوليتها نحو أقاربها وجاراتها ومن لها بهن صلة :
لقد احتفى الإسلام بالرحم ، فشق الله لها اسم من اسمه ، وتعهد بأن يصل من وصلها ، ويقطع من قطعها ، قال الله تعالى : { وَاتَّقوا اللهَ الذِي تَسآءَلونَ بِهِ والأَرْحامَ } .(1)
وقال تعالى : { فَهَل عسيتُم إِنْ تَولَّيتُم أنْ تُفسِدُوا في الأَرْضِ وتقطِّعوا أرْحامَكُم - أُولئِكَ الذينَ لَعَنهم اللهُ فَأصمَّهم وأَعْمى أَبْصَارهُم } .(2)
وقال تعالى : { وَآتِ ذَا الْقُربى حَقَّهُ والمِسْكِينَ وابنَ السبيلِ وَلا تُبذِّر
تبذِيرَاً } .(3)
فأول ما يجب على المرأة أن تقوم به نحو مجتمعها : صلة الرحم ، وتوثيق العلاقة بالأقارب ، فتنتهز الفرص في المناسبات والأعياد الشرعية ، فتشارك ذوي رحمها ورحم زوجها أفراحهم وأتراحهم .
__________
(1) سورة النساء ، الآية ( 1 ) .
(2) سورة محمد ، الآية ( 22 ، 23 ) .
(3) سورة الإسراء ، الآية ( 26 ) .(5/16)
والمرأة المسلمة لها جارات وصديقات ومعارف ، لا بد من زيارتهن ، والاحتكاك بهن في حدود ما يسمح به وقتها وواجباتها ، والوقت الذي ينبغي أن تقضيه مع جاراتها وصديقاتها ومعارفها يكون مضبوطاً بالضوابط الشرعية، فتبعد نفسها عن الغيبة والنميمة ، وتوجه جاراتها وصديقاتها إلى ما ينبغي أن تكون عليه المرأة المسلمة ، من تدارس القرآن ، وشيء من السنة والسيرة النبوية، وبحث بعض المسائل المفيدة ، ولو في جوانب الحياة المنزلية ، كمعرفة أصول الطبخ ، والاقتصاد المنزلي ، وعرض بعض المشاكل وإيجاد الحلول المناسبة ، والتوسط بفعل الخير بين الجارات وأزواجهن ، فبعض الأخوات هداها الله ما إن تسمع بمشكلة زوجية حتى تزيد الطين بلة ، والنار أوراً ، والحق أن المرأة المسلمة المحبة لله ولرسوله - صلى الله عليه وسلم - ولدينها تسعى إلى تهدئة الأمور ، وإصلاح الشأن .
وإذا كانت من ذوات العلم فمجلسها عامر بالإقراء والتدريس ونشر الخير، ودعوة الأخريات إلى الاستقامة والالتزام بشرع الله ، فمتى حصل هذا عمرت الديار ، واستقامت الأحوال ، ونشأت الأمة في مأمن من الخطر والضياع .
كما أن المرأة المسلمة مع جاراتها متعاونة على فعل البر والخير ، فيدرسن معاً حال كل أخت يعتريها نقص في العلم ، أو العمل ، أو المال ، فيسعين جاهدات إلى الحل ، والمشاركة في تعليم الجاهلات ، وسد النقص ، وبذل المستطاع من المال لحل المشكلات ، كم من امرأة تبذر الأموال إما في الحرام أو في المبالغة في الكماليات ، وكم من أخريات قد لا يجدن الكفاف .
وبالمدارسة والمناصحة تعود تلك بما يزيد معها على سد حاجة هذه ، فينشأ المجتمع في سعادة وبعد عن الأحقاد والأطماع .
وكل هذه الأمور لا تطغى على واجبات المرأة الرئيسة نحو ربها ودينها وزوجها وبيتها ، فلكل حقه ، ومتى نظمت الأوقات ، ورتبت الأعمال ، استطاعت المرأة أن تؤدي واجباتها على أكمل وجه .(5/17)
ولا ننسى أن للزوج اليد الطولى في مساعدة الزوجة ، أو البنت ، أو الأخت التي تريد أن تمارس نشاطاً دعوياً أو إصلاحياً خارج المنزل ، بِحَثِّها على ذلك ، ومساعدتها إن أرادت أن تفعل .
وليكن نصب عين المرأة المسلمة تلك العاقبة الوخيمة لجارة السوء ، فقد سئل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن امرأة تقوم الليل وتصوم النهار ، وتتصدق ، ولكنها تؤذي جيرانها بلسانها ، فقال - صلى الله عليه وسلم - : (( لا خير فيها ، هي من أهل النار )) .(1)
وبالجملة فالمرأة المسلمة فرد من أفراد المجتمع ، ولبنة من لبناته ، وحتى تحسن معاشرتها ، وتذكر بالخير لا بد أن تكون حسنة الخلق بما تحمله هذه الجملة من المعاني العظيمة ، فإن حسن الخلق ذهب بكل شيء ، قال - صلى الله عليه وسلم - : (( ما من شيءٍ أثقل في ميزان العبد المؤمن يوم القيامة من حسن الخلق ، وإن الله يُبغض الفاحش البذيء )) .(2)
فإن من أهم الصفات التي يجب أن تتحلى بها المرأة المسلمة في المجتمع الإسلامي أو غيره: صفة الصدق : { يَا أيُّها الَّذِين آمنوا اتقوا اللهَ وَكونُوا مَعَ الصَّادقِين } (3)، والصدق يهدي إلى البر ، والبر يهدي إلى الجنة .
وهناك صفة أخرى مهمة يجب أن تتميز بها المسلمة في مجتمعها : وهي النصح لكل من تستطيع مناصحته ، لأن الدين النصيحة ، ومحض النصيحة لكل مسلم ومسلمة يجنب المرء النفاق ، وهو من الخصال الذميمة التي جاء وصفها في القرآن بأن أصحابها مخادعون لله تعالى،وإن أهل النفاق في الدرك الأسفل من النار.
ولعل من أهم الصفات التي يجب أن تتحلى بها المرأة المسلمة : أن تكون ذات حياءٍ وحشمة ، فإن الحياء شعبة من الإيمان ، وهو من صفات المرسلين عليهم الصلاة والسلام .
__________
(1) رواه أحمد في مسنده ( 2/440 ) .
(2) صحيح سنن الترمذي - كتاب البر ـ باب ما جاء في حسن الخلق ـ ح1628 من حديث أبي الدرداء .
(3) سورة التوبة ، الآية ( 119 ) .(5/18)
ومن أجمل الخصال : عدم التدخل في ما لا يعني المرأة المسلمة ، والكف عن الخوض في أعراض الناس وتتبع عوراتهم .
وبالجملة فالمرأة المسلمة إذا أشغلت نفسها بقراءة كتاب الله ، وفهم معانيه، والدعوة إليه ، والإكثار من ذكر الله ، والتفكر في آلائه ، وفيما يصلح أمر المسلمين حفظها الله من الزلاّت ، والوقوع في أعراض المسلمين ، وهذا أكثر ما يقع فيه الناس .
ولعل أهم سبب لذلك : الفراغ ، وقلة التقوى ، وكثرة الفضول .
وإن مما يجب أن تتخلق به المرأة المسلمة: العدل والإنصاف مع من أحبت ومن أبغضت ، قال تعالى : { وَلا يَجرِمنَّكُم شَنَآن قومٍ على أَن لا تَعْدلوا اعْدِلُوا هو أقربُ للتَّقوى } .(1)
كما أن الرفق ما دخل في شيءٍ إلا زانه ، وما خلي من شيءٍ إلا شانه ، وإن الله ليعطي على الرفق ما لا يعطي على العنف .
وتجتنب السخرية بالآخرين ، والتنقص من حقهم ، فإن الله تعالى نهى عن السخرية بقوله تعالى : { يأيها الَّذِين آمنُوا لا يَسْخَر قَومٌ مِن قَومٍ عسَى أن يَّكونُوا خيراً منهُمْ ولا نسآءٌ مِن نسآءٍ عسَى أن يَّكُنَّ خيراً منهنَّ ولا تَلْمزُوا أنفُسَكم ولا تَنابَزوا بالأَلقابِ بِئْسَ الاسْمُ الْفُسُوقُ بعْدَ الإِيمانِ ومَن لَّم يتُبْ فأولَئِك هُمُ الظَّالمُون } .(2)
ولعل من أهم الصفات الجميلة التي لا تبقي ذكر المرأة المسلمة في مجتمعها إذا اتصفت بها : وهي صفة الكرم والسخاء والجود بما يسره الله لها ، وقد جاء في الحديث : (( اتقوا النار ولو بشق تمرة ، فمن لم يجد فبكلمة طيبة )) .(3)
الفصل الثاني : حقوق المرأة في الإسلام
__________
(1) سورة المائدة ، الآية ( 8 ) .
(2) سورة الحجرات ، الآية ( 11 ) .
(3) رواه البخاري في مواطن من صحيحه ، منها : كتاب الزكاة ، باب اتقوا النار ولو بشق تمرة ، ح1417)، ومسلم في صحيحه - كتاب الزكاة ـ باب الحث على الصدقة ـ ح1016 .(5/19)
المبحث الأول : الحقوق العامة : وفيه تمهيد ومسائل :
التمهيد :
وسأبين فيه تعريف الحق ، ومصدره ، والقصد منه ، وترتيب الحقوق ، وانتفاء الضرر باستعمال الحق ، مع بيان تنوع الحقوق .
أولاً : تعريف الحق ، وبيان مصدره :
الحق لغة : الثبوت ، والمطابقة للواقع .
واصطلاحاً : ما ثبت بإقرار الشارع ، وأضفى عليه الحماية .
ومصدر تقرير الحق هو الشرع ، أي : ما جاء في نصوص القرآن ، وما صحت به السنة ، أو انعقد عليه الإجماع .
ولهذا فلا بد من استعمال الحق وفقاً للشرع ، فلا ابتداع في دين الله .
ثانياً : القصد منه :
... أي لا بد أن يكون قصد المكلف موافقاً لقصد الشارع .
فالله تعالى خلق الخلق لعبادته ، فلا بد من موافقة العبد لله تعالى في كل ما يطلب منه ، أو يطلبه هو من غيره ، فمتى خالف في ذلك فهو ناقض لشريعة الله وعمله ذلك باطل .
ومثل هذا : ما يحصل في الحيل في البيوع ، مثل أن يريد إعطاء شخص تسع مائة بألف إلى أجل ، فيجعلها قيمة لخرقة أو كيس رمل ، بأن يبيعها بألف مؤجلة ، ثم يشتريها منه بتسع مائة معجلة ، فلم يوافق عمله هذا القصد الشرعي من هذه العملية ، فإذاً هذا العمل باطل من أساسه .
ثالثاً : ترتيب الحقوق ، والاعتدال في استعمال الحق :
المراد بترتيب الحقوق : أي مباشرة الحق قبل غيره ، وإنما يعرف ذلك بميزان الشرع، فمن شهد له الشرع بهذه الأحقية بالتقديم على غيره وجب على المكلف أن يقدمه ويباشره دون سواه ، وفي ذلك قواعد معروفة :
القاعدة الأولى : حق الجماعة مقدم على حق الفرد ، وهذا فيما يتعلق به النفع العام ، مثل من يكون عنده طعام يعده للبيع ، لكنه يحتكره لزمن الغلاء ، فإذا احتاجه الناس وجب أن يبيعه بسعر مثله ، لا ضرر ولا ضرار .
القاعدة الثانية : يقدم الواجب العيني على الكفائي كالنفقة على الزوجة مع الإنفاق في الجهاد .
القاعدة الثالثة : يقدم الواجب على المندوب ، والأوجب على الواجب .(5/20)
وأمور الشرع كلها جاءت بالاعتدال والتوازن ، فلا يطغى فيها جانب على جانب، ولهذا قال - صلى الله عليه وسلم - : (( إن لنفسك عليك حقاً ، ولأهلك عليك حقاً ، ولربك عليك حقاً ، فأعط كل ذي حق حقه )) .(1)
ولعل الحكمة من ذلك : أن الشارع الحكيم أراد أن يبلغ بالإنسان مستوى الكمال المقدور له ، بجعله عبداً خالصاً لله بكيانه ، ومعتقداته ، وميوله ، وتصرفاته، وسلوكه ، وسائر أفعاله وتروكه ، قال - صلى الله عليه وسلم - : (( إن الدين يسر ، ولن يشاد الدين أحد إلا غلبه ، فسددوا وقاربوا وأبشروا ... )) الحديث .(2)
وإذا كان حق العمل من الحقوق المقررة للإنسان في الشريعة الإسلامية فله أن يسلك السبيل الشرعي المؤدي إلى ذلك ، من غير أن يستغرقه العمل فيضيع الصلاة مثلاً .
قال الشاطبي رحمه الله : (( فيأخذ من الحظوظ - أي الحقوق - ما لم يخل بواجب، ويترك من الحظوظ ما لم يؤد الترك إلى محظور )) .(3)
رابعاً : انتفاء الضرر باستعمال الحقوق :
هناك قاعدة فقهية أصلها الحديث النبوي الشريف : (( لا ضرر ولا
ضرار )) (4) ، واستعمال الحق مقيد في الشريعة بانتفاء الضرر عن الغير ، ومن الأمثلة على ذلك : من حق الإنسان أن يبني على أرضه مسكناً له ، لكن بحيث لا يضر بجيرانه فلا ضرر ولا ضرار ، والضرر يزال .
__________
(1) أخرجه البخاري في صحيحه - كتاب الصوم ـ باب من أقسم على أخيه ليفطر ـ ح1918 ، وباب حق الضيف في الصوم ـ ح1974 ، ومسلم في صحيحه - كتاب الصيام ـ باب النهي عن صوم الدهر ـ ح1159 .
(2) رواه أحمد في المسند ( 4/422 ، 5/350 ، 351 ) ، وأخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الإيمان ـ باب الدين يسر ـ ح39 من الفتح 1 / 93 .
(3) الموافقات ( 2 / 146 ) .
(4) أخرجه أحمد في المسند ( 5/327 ) ، ورواه ابن ماجة في السنن - كتاب الأحكام ـ باب من بنى في حقه ما يضر بجاره ـ ح2340 ـ 2/784 .
... وذكره الألباني في صحيح سنن ابن ماجة ( رقم 1895 ) .(5/21)
خامساً : مساواة الشارع المرأة بالرجل في الحقوق والواجبات :
قال الله تعالى : { وَمَا كانَ لِمُؤمنٍ ولا مُؤمِنَةٍ إذَا قَضَى الله ورسولهُ أمرَاً أن يَّكونَ لهم الْخِيَرَةِ من أَمْرِهم } .(1)
وقال تعالى : { إِنَّ المُسْلِمِيْنَ وَالمُسْلِمَاتِ وَالمُؤْمِنِيْنَ وَالمُؤْمِنَاتِ وَالقَانِتيْنَ وَالقَانِتِاتِ وَالصَّادِقِيْنَ وَالصَّادِقَاتِ وَالخَاشِعِيْنَ وَالخَاشِعَاتِ وَالمُتَصَدِّقِيْنَ وَالمُتَصَدِّقَاتِ وَالصَّائِمِيْنَ وَالصَّائِمَاتِ وَالحَافِظِيْنَ فُرُوْجَهُمْ وَالحَافِظَاتِ وَالذَّاكِرِيْنَ اللهَ كَثِيْرَاً وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرَاً عَظِيْمَاً } .(2)
فالنساء مخاطبات بأمور الشرع كالرجال ، والثواب لكل عامل على حسب الإخلاص والإتقان من ذكر أو أنثى ، بعضهم من بعض ، ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - مبعوث رحمة للعالمين ؛ الذكور والإناث ، ومع هذا لا يمنع أن يكون هناك تفريق بين الرجل والمرأة في بعض الحقوق ، للافتراق فيما تُبنى عليه هذه الحقوق.
فحق تعدد الزوجات ثابت للرجل محظور على المرأة في آن واحدٍ ؛ لأن في المرأة موانع ليست عند الرجل ، فالمرأة تحمل ، وينشأ عن التعدد فيها اختلاط الأنساب ، والمرأة محل للاستمتاع ، وقد يكون عليها من الأعذار ما هو معلوم، فيضطر الرجل إلى قضاء حاجته مع غيرها ، ثم إن للشارع مقصداً عظيماً هو : تكثير النسل لعمارة الأرض بشرع الله ، وهذا يتحقق بالتعدد للرجل .
ثم إن المرأة لو عددت نشأ عن ذلك أمراض معدية ، وتثور الغيرة بين الرجال ، مما يسبب كثيراً من المشكلات ، ثم إن الله هكذا خلق الرجل والمرأة وهو العليم الخبير .
وفي هذا مسائل:
المسألة الأولى : الحرية الشخصية :
__________
(1) سورة الأحزاب ، الآية ( 36 ) .
(2) سورة الأحزاب ، آية ( 35 ) .(5/22)
ويراد بها حرية الإنسان في الرواح والمجيء ، وهو آمن مطمئن على سلامته وكرامته من أي اعتداء ، كما تعني أنه لا يجوز القبض عليه أو حبسه أو معاقبته دون وجه حق ، وتشمل حق التنقل داخل البلد وخارجه ، بالضوابط الشرعية.
وهذه الحرية من الضرورات بالنسبة للإنسان ، لأن الله كرم بني آدم ، ومن حقه أن يتمتع بهذا الحق ، وفي سلبها إهدار لآدميته ، واعتداء على حقه ، والاعتداء ظلم ، والظلم حرام. قال الله تعالى: { ولا تَعْتَدوا إنَّ اللهَ لا يُحبُّ الْمُعْتَدين } (1)
وفي الحديث القدسي : عن أبي ذر - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : (( ياعبادي إني حرمت الظلم على نفسه وجعلته بينكم محرماً ، فلا تظالموا .. )) .(2)
ولهذا حرم الشارع قتل النفس التي حرم الله إلا بالحق ، ومن ذلك ما كانت تفعله الجاهلية بالبنات من وأد، قال تعالى: { وإِذا الْمَوْؤدَةُ سُئِلتْ - بأي ذَنبٍ قُتِلتْ } (3) وشرع القصاص حماية لحق الحياة { وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُولي الأَلْبابِ } (4) ، وشرح حق الدفاع عن النفس ، وقرر أن المتهم بريء حتى تثبت إدانته ، بل إن الإسلام كفل الحرية الشخصية للذمي وهو كافر إذا عاش تحت مظلة المسلمين ودفع الجزية ، والتزم الأحكام المطلوبة منه، ولم يغدر .
__________
(1) سورة البقرة ، الآية ( 190 ) .
(2) خرجه مسلم في صحيحه - كتاب البر ـ باب تحريم الظلم ـ ح2577 ـ 4/1994 .
(3) سورة التكوير ، الآية ( 8 ، 9 ) .
(4) سورة البقرة ، الآية ( 179 9 .(5/23)
والإسلام كفل للمرأة حرية التنقل بضوابطه الشرعية ، فإذا كان تنقلها خروجاً من المنزل داخل البلد فلها أن تخرج إذا أذن لها وليها ، وقد نهى - صلى الله عليه وسلم - أن يُمنع النساء من حضور الصلوات في المساجد ، فقال : (( لا تمنعوا إماء الله مساجد الله )) (1) ، لكن يكون الخروج بالضوابط الشرعية المعروفة ، وقد تقدمت الإشارة إليها .
أما إذا كان التنقل سفراً، فلا بد من وجود محرمٍ للمرأة ، لعموم نهيه - صلى الله عليه وسلم - عن سفر المرأة بدون محرم ، قال - صلى الله عليه وسلم - : (( لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تسافر إلا مع محرم )) .(2)
المسألة الثانية : حق حرمة السكن :
ومما لا شك فيه أن الإنسان بحاجة ماسة إلى مسكن يأويه ويستره ، ويكون محل راحته وأسراره ، ويأخذ فيه حريته في لباسه وجلوسه ونومه .
وهذا حق قررته الشريعة الإسلامية ، وقررت حمايته ، فأوجبت على من أراد دخول دار غيره أن يستأذن ، ويسلم على أهل الدار ، فإن أذن له وإلا رجع { وَإِن قِيلَ لَكُمُْ ارْجِعوا فَارْجِعُوا } (3) ، ولا يأخذ في نفسه شيئاً .
__________
(1) رواه البخاري في صحيحه - كتاب الجمعة ـ باب حدثنا عبد الله بن محمد ـ ح900 الفتح 2 / 382، ورواه مسلم في صحيحه أيضاً : كتاب الصلاة ـ باب خروج النساء إلى المساجد، ح442 (1/326 ).
(2) رواه البخاري في صحيحه - كتاب الجهاد ـ باب من اكتتب في جيش فخرجت امرأته حاجة ـ ح3006 الفتح 6 / 142 ، 143 .
(3) سورة النور ، الآية ( 28 ) .(5/24)
ثم إن الشريعة أحاطت ذلك المسكن بالحفظ ، فحرمت التجسس والتلصص على منازل الغير ، قال تعالى : { وَلا تَجَسَّسُوا } (1) ، ونهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن ذلك ، وأهدر عين من تجسس على عورات الناس(2) داخل منازلهم.
لكن يبقى حق رجال الحسبة إذا علموا بأن هناك فساداً ، كرجل خلا بامرأة ليزني بها ، أو خلا برجل آخر ليقتله ظلماً ، أو ما أشبه ذلك ، فلا تمنع حرمة البيوت منع الفساد ، والتدخل لمنع القتل الحرام ، فهذا حق لرجال الحسبة لا يجوز سلبهم إياه ، لما فيه من المحافظة على الأخلاق والسلوك المستقيم ، ومنع وقوع الجرائم ، وهذا مستثنى بالإجماع ، بحيث يكون المنكر ظاهراً واضحاً ، أو تكون الدار محل تنظيم للفساد كدور الدعارة ، فهذه المنازل لا حرمة لها على الصحيح .
المسألة الثالثة : حق حرية إبداء الرأي :
تقدم معنا أن الإسلام لا يجبر أحداً على الاعتقاد ، بل يتيح له الفرصة في أن يعتقد ما يشاء ، لكنه حدد وبيّن المعتقد الصحيح ، وجزاء من تمسك به ، وجزاء من حاد عنه ، ولم يكره كافراً على اعتناقه ، بل قال الله تعالى: { لا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَد تَبيَّن الرُّشدُ مِنَ الغَيِّ } .(3)
وإنما شرع الجهاد لإعلاء كلمة الله ، ونشر التوحيد ، وتحكيم الشريعة بين الناس ، فكل عقبة تحول بينه وبين الناس لا بد من إزالتها ، فإذا دكت تلك الجيوش والعقبات التي تحول بين الإسلام والناس تُرك الناس وما يعتقدون ، فمن آمن كان ذلك خيراً له ، ومَن أبى ضربت عليه الجزية ، وعاش تحت مظلة الإسلام وليس له إظهار ما يضر بالمسلمين .
والمرأة المسلمة مطالبة بحقوق وواجبات ، وقد تستلزم إبداء رأيها ، ولها المطالبة بحقها إذا سُلِبته .
__________
(1) سورة الحجرات ، الآية ( 12 ) .
(2) رواه البخاري في صحيحه - كتاب الديات ـ باب من اطلع في بيت قوم ففقأ عينه ـ ح6902 الفتح 12 / 243 .
(3) سورة البقرة ، الآية ( 265 ) .(5/25)
وفي الإسلام وقائع أبدت المرأة فيها رأيها بحرية ، ومن ذلك : المجادِلة التي ظاهر منها زوجها ، وهي : خولة بنت ثعلبة ، وكانت تجادل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو يقول : (( ما أراك إلا قد حرمت عليه )) ، وهي تقول : يا رسول الله ! أكل مالي ، وأفنى شبابي ، ونثرت له ما في بطني ، حتى إذا كبرت سني ، وانقطع ولدي ظاهر مني ، اللهم إني أشكو إليك (1) ، فما برحت حتى أنزل الله فيها قرآناً يتلى ، وحكماً عاماً لكل مظاهر ومظاهر منها { قَدْ سَمِع اللهُ قولَ التي تُجادِلُكَ في زوْجِها وَتشْتكِي إلى اللهِ واللهُ يَسْمَعُ تَحاوُرَكُمآ إنَّ اللهَ سَميعٌ بصيرٌ } الآيات .(2)
فهذه خولة زوج أوس بن الصامت ، جادلت وأبدت رأيها في حكم كان عندهم لا رجوع فيه من أيام الجاهلية ، ولم يعب عليها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، بل تستحق أن تحمد إذ شرع الله بسببها حكماً للظهار، إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، وأنزل فيه قرآناً يتلى.
ومنها : قصة خنساء بنت خِدَام الأنصارية ، لما زوجها أبوها رجلاً لا تريده ، وكانت كبيرة عاقلة ، فرد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نكاحها .(3)
ومنها : أن عمر - رضي الله عنه - خطب فقال : ألا لا تغلوا في صدقات النساء - أي المهور - فقامت امرأة فقالت : ياعمر ! يعطينا الله وتحرمنا ؟ أليس الله سبحانه وتعالى يقول : { وَآتَيتُم إِحداهُنَّ قِنْطَاراً فلا تَأخُذوا مِنه شيئًاً } (4)، فقال عمر: أصابت امرأة وأخطأ عمر . (5)
__________
(1) انظر : سنن أبي داود - كتاب الطلاق ـ باب في الظهار ـ ح2214 .
(2) سورة المجادلة ، الآية ( 1 ) وما بعدها .
(3) رواه البخاري في صحيحه - كتاب النكاح ـ وتقدم تخريجه .
(4) سورة النساء ، الآية ( 20 ) .
(5) أصله في السنن الكبرى للبيهقي ( 7/233 ) .(5/26)
وردت أسماء بنت أبي بكر على الحجاج بن يوسف ، ووصفته بأنه المبير الذي يخرج من ثقيف . (1)
ولكل مسلم ومسلمة الحق في أن يبدي رأيه بحرية تامة ما دام مقصوده إحقاق الحق وإبطال الباطل ، وذلك في حدود الضوابط الشرعية ، فيكون ملتزماً بأحكام الله ، وقافاً عندها ، لا تدفعه شهوة أو يعميه هوى ، ولا يكون رأيه مثاراً لفتنة ، أو طعناً في الدين .
وإن الكثير من المسلمين والمسلمات ممن درسوا في الغرب استغلوا ما يسمى بحرية الرأي ، فتجاوزوا الحدود التي ضبط بها الشارع حرية الرأي .
ولا يمنع أن يختلف الناس في وجهات نظرهم ، مع الاحترام والتقدير ، أما إذا تحول الرأي إلى إشعال فتنة ، فيمنع ، كما فعل علي - رضي الله عنه - مع الخوارج ، فقد ناقشهم وأرسل إليهم ابن عباس يحاورهم ، ورجع منهم من رجع ، أما من كابر وأصر ، فقد استعان الله عليهم ، ثم قاتلهم وأباد أكثرهم ، وكان السبب جرأتهم واستغلال فتح أبواب الحوار ، فظنوا أن ذلك من باب الضعف ، ولكن الله نصر دينه ، ورد كيد أهل البدعة عليهم .
والشاهد : أن علياً - رضي الله عنه - فتح معهم باب الحوار والمناقشة ، وأقام عليهم الحجة، ثم لما رآهم لا ينصاعون إلى الحق ، عرف أنهم أهل هوى ، فقاتلهم لرد بدعتهم ، واستحلالهم قتل المسلمين كقتلهم عبدَالله بن خباب .
المسألة الرابعة : حق التعلم :
قال الله تعالى : { شَهِدَ الله أنَّه لا إلَهَ إلا هوَ والملائِكَةُ وَأولوا العلمِ قآئماً بالقسطِ لا إلَهَ إلا هو الْعزِيزُ الحَكيم } .(2)
وقال تعالى : { وَتِلكَ الأمثالُ نضْرِبُهَا للنَّاسِ وما يَعْقِلهآ إلا الْعَالِمُون } .(3)
__________
(1) أشار إليه الترمذي في السنن - كتاب الفتن ـ باب ما جاء في ثقيف كذاب ومبير .
(2) سورة آل عمران ، الآية ( 18 ) .
(3) سورة العنكبوت ، الآية ( 43 ) .(5/27)
وقال الله عز وجل : { إِنَّما يَخشى اللهَ مِنْ عِبَادِهِ العُلمَاء } .(1)
وقال جل من قائل : { يَرفَعِ اللهِ الذِينَ آمنُوا مِنكمْ والَّذينَ أوتُوا العلْمَ
دَرَجاتٍ } .(2)
وقال - صلى الله عليه وسلم - : (( من يرد الله به خيراً يفقهه في الدين )) .(3)
قال الحافظ ابن حجر : (( ومفهوم الحديث أن من لم يفقهه في الدين فلم يتعلم قواعد الإسلام ، وما يتصل بها من الفروع فقد حرم الخير )) (4) ، وهذا عام في حق الرجال والنساء .
وعن أبي الدرداء - رضي الله عنه - قال : سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : (( مَن سلك طريقاً يطلب فيه علْمَاً سلك اللهُ به طريقاً إلى الجنة ، وإن الملائكة لتضع أجنحتها رضى لطالب العلم .. )) .(5)
وقال علي - رضي الله عنه - : ( الناس ثلاثة : فعالم رباني ، ومتعلم على سبيل نجاة ، وسائر الناس همج رعاع ، أتباع كل ناعق ، يميلون مع كل ريح ، لم يستضيئوا بنور العلم ) .(6)
ولهذا عد الفقهاء كتب العلم من الحوائج الأصلية .
__________
(1) سورة فاطر ، الآية ( 28 ) .
(2) سورة المجادلة ، الآية ( 11 ) .
(3) رواه البخاري في صحيحه - كتاب العلم ـ باب من يرد الله به خيراً يفقهه في الدين ـ ح71 .
(4) فتح الباري ( 1/165 ) .
(5) أخرجه أبو داود في سننه - كتاب العلم ـ باب الحث على طلب العلم ـ ح3641 .
(6) الفقيه والمتفقه للخطيب البغدادي ( 1/49 ، 50 ) .(5/28)
ولا شك أن تعلم قدر معين من العلم فرض على كل مسلم ومسلمة ، كمعرفة الإنسان ربه ، وتوحيده ، وعبادته ، وأحكام دينه من حلال وحرام ، وغير ذلك من الأمور التي لا عذر لأحد في الجهل بها ، لا من الرجال ولا من النساء ، قال الفقيه ابن حزم رحمه الله : (( وفرض على كل امرأة التفقه في كل ما يخصها ، كما ذلك فرض على الرجال، ففرض على ذات المال منهن معرفة أحكام الزكاة، وفرض عليهن كلهن معرفة أحكام الطهارة والصلاة والصوم، وما يحل وما يحرم من المآكل والمشارب والملابس..)).(1)
وقد نُقل إلينا كثير من أحكام مسائل الدين عن طريق أزواجه - صلى الله عليه وسلم - ، كعائشة ، وأم سلمة ، وزينب بنت جحش ، وصفية ، وسائر أزواجه - صلى الله عليه وسلم - ورضي الله عنهن .
ومن غيرهن أيضاً كأم سليم ، وأم حرام ، وأم عطية ، وأم شريك ، وأم الدرداء ، وأسماء بنت أبي بكر ، وفاطمة بنت قيس ، وغيرهن كثيرات .
ومن التابعيات كثر ، فقد أخذن عن الصحابيات الكرام العلم ، ونقلنه لمن بعدهن كالرجال .
بل لقد توقف حل الخلاف بين المهاجرين والأنصار في مسألة في الطهارة(2) حتى رجعوا إلى عائشة رضي الله عنها فأشفت صدورهم بما تعلمه من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - .(3)
ومع ما كان في النساء من حياءٍ ، فلم يمنعهن ذلك من السؤال والفقه في دين الله ، بل وسألن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يجعل لهن يوماً يعظهن فيه، ويعلمهن ويحثهن على عمل الخير.
والمرأة محتاجة لعلوم الدين كالرجل ، فلا بد من تيسر تلك العلوم لها ، وما تتوقف عليه من علم كعلم العربية ، والقراءة ، والكتابة ، والحساب .
__________
(1) الإحكام في أصول الأحكام ( 3/324 ) .
(2) وهي حكم الغسل إذا جامع الرجل امرأته ولم ينزل ، وهو المعروف بالإكسال .
(3) بإيجاب الغسل إذا لقى الختان الختان ، وحصل الجماع ولو لم يحصل إنزال .(5/29)
كما ينبغي أن يتخصص من النساء في علوم الشرع من تقوم بالفرض الكفائي لتعليم النساء وتفقيههن ، وبخاصة تلك الأمور التي تخص المرأة ، ويكثر السؤال عنها .
كما أن الدولة المسلمة مسؤولة عن تعليم النساء ما يحتجن إليه من تطبيب وتمريض، وكل ما يتصل بحاجة المرأة .
كما أن من المهم جداً أن تتعلم المرأة صنعة في يدها ، كالخياطة والحياكة ، وكل ما تحتاج إليه ، ويمكنها تعلمه وإدراكه ولو لبعضهن لتسد الحاجة في هذا المجال ، وتشغل أيدٍ عاطلة عن العمل .
كما أن من المهم تعلم أصول الطبخ ، وتدبير شؤون المنزل ، وأصول تربية الأبناء، وما تحتاجه النساء من العلوم التي ينبغي أن تدرس لهن .
وأريد أن أسجل كلمة هنا ، وهي : إن الفتاة في وقتنا الحاضر أصبحت تتلقى جميع العلوم كما يتلقاها الذكور ، دون مراعاة إلى ما يناسب قدراتها وتكوينها ، فدرست البنت علوم الهندسة ، والرياضة ، والإحياء ، وسائر العلوم الطبيعية ، بحجة أن المجال مفتوح أمام الجميع للدراسة ، أو بحجة أن هذه المواد تدرس للبنات ، وهذا العذر غير مقبول .
فالواجب أن يعاد النظر في مناهج تعليم المرأة ، فتعطى ما يناسبها من
العلوم ، ويركز على جوانب اختصاصها ، ويدرس لفئة منهن بعض العلوم التخصصية بقدر الحاجة ، كالطب والصيدلة . ولا يمنع أن تنشأ جامعة متخصصة في هذا الشأن خاصة بالبنات ، ويشرف عليها متخصصات أمينات .
ولعل هذا يحل مشكلة تكدس الخريجات ، إذ يكثرن في بعض التخصصات.
كما أنه يجب دراسة عمل المرأة ، فيخفف عنها الجدول وساعات العمل ، مع التخفيض في الأجر ، وتخفض أيضاً سنوات الخدمة ، فالمنزل بحاجة ماسة إليها.(5/30)
وإذا حسن القصد ، ودرست حاجة المجتمع ، ووضعت الأمور في نصابها ، وأعيد النظر في مناهج التربية والتعليم والإعلام وفق الضوابط الشرعية ، فإن الأمة تسير بطريقة منسجمة متوازنة ، لا يطغى فيها جانب على جانب ، ويعطى كل ذي حقٍ حقه ، ويستفاد من جميع الخبرات ، كلٌ فيما يخصه ويناسب تكوينه وخلقته التي خلقه الله عليها.
وإن إعادة النظر والتصحيح والتصويب من عمل العقلاء ، والرجوع إلى الحق خير من التمادي في الباطل .
المسألة الخامسة : حق المرأة في التملك :
ولعل من المناسب أن أعطي فكرة عن حق حرية العمل ، لأنه من أعظم أسباب التملك ، وهو : أن من حق كل فرد أن يمارس من العمل ما يناسبه ، ليسد حاجة نفسه بعمله ، سواء كان ذلك العمل يدوياً أو آلياً ، لكن المهم أن يكون العمل مباحاً مشروعاً ، ولا يترتب عليه مفسدة في الدين .
ثم إن المرأة في المجتمع المسلم مكفولة ، فهي إما تحت كفالة زوج ، أو أب، أو أخٍ، أو قريب ، وإن لم يوجد فبيت مال المسلمين يكفلها ، وهو حق لها بكل حال ، يجبر عليه الزوج أو القريب شاء أم أبى ، فإن عدم أو أعسر فالسلطان وليها، يجب عليه أن ينفق عليها بقدر حاجتها .
وكان نساء الصحابة رضوان الله عليهن يشاركن أزواجهن في العمل ، بل كانت زينب زوج عبد الله بن مسعود تعمل في الغزل ، فيكون معها زكاة مال وتريد أن تضعها في الوجه الذي يكون لها به أجر عظيم ، فسألت النبي - صلى الله عليه وسلم - هل تعطي زوجها وأيتاماً في حجرها ، فأجابها النبي - صلى الله عليه وسلم - بأن نعم ، وجعلها صدقة وصلة(1) ، أي : تكون بأجرين : أجر الصدقة ، وأجر صلة الرحم .
والشاهد : أنها كانت ذات عمل ، وعندها فضول مال من الزكاة .
__________
(1) رواه البخاري في الصحيح - كتاب الزكاة ـ باب الزكاة على الزوج والأيتام ـ ح1466 فتح الباري 3 / 328 .(5/31)
غير أن المرأة في وقتنا الحاضر أصبحت كالرجل ، تنظر إلى العمل الوظيفي فحسب ، وهذا سبَّب مشكلة كبيرة ، وهي التزاحم على العمل الوظيفي ، وترك العمل المهني المهم الذي يدر أرباحاً عظيمة ، وليس لأحد فيه منة إلا الله تعالى وحده .
والمرأة يمكنها أن تعمل في منزلها أشياء ، ومصنوعات ، وتعرضه في السوق، أو على النساء ؛ فتباع ، وكلما كان الشيء متقناً كانت قيمته أغلى .
وعلى الزوج ، وولي أمر المرأة أن يساعدها على تعلم عمل يتيح لها الفرصة لإبداء مهارتها ، والكسب من ذلك ، وكان داود عليه السلام يأكل من عمل يده، وخير أمة محمد - صلى الله عليه وسلم - من أكل من كسب يده .
وللمرأة في الإسلام حق حرية التملك ، سواء كان ذلك بعمل تعمله فتكسب منه، أو حرفة تدر عليها من ريعها ، أو إرث حصلت عليه ، أو أي باب من أبواب الكسب الحلال .
وليس لأحد عليها وصاية إذا كانت بالغة عاقلة رشيدة غير محجور عليها .
ولها أن تتصرف في مالها بما تشاء ؛ من صدقة ، أو هبة ، أو قرض ، أو اتجار ، أو وقف على أبواب الخير ، وتفعل ما تشاء من التصرفات المشروعة ، دون أن يكون لأحد عليها ولاية أو وصاية ، لأن هذا حق لها ، وذمتها صالحة، وأهليتها قابلة للأخذ والعطاء .
وهذا الحق غير موجود عند أصحاب الديانات الأخرى ، كاليهودية والنصرانية ، فإن المرأة لا تستطيع أن تتصرف فيما تملكه إلا بإذن الزوج .
وهذا مخالف لشرع الله ، وما فطر الله الناس عليه .(5/32)
ويؤيد أن للمرأة أن تتصرف في مالها بما شاءت : ما رواه البخاري وغيره : (( أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لما انتهى من صلاة عيد الفطر ، جاء النساء فوعظهن ، وذكرهن ، وأمرهن بالصدقة ، فأخذت المرأة تلقي بالفتخ - وهي الخواتيم - وتلقي بالقرط وبالخلخال )) (1)، ولا شك أن هذا من أثمن ما تملكه المرأة، وهو حليها، فأجازه النبي - صلى الله عليه وسلم - دون إذن الأزواج.
وروى البخاري أيضاً عن أسماء بنت أبي بكر الصديق رضي الله عنهما قالت: قلت: يا رسول الله ! مالي مالٌ إلا ما أدخل الزبير عليّ ، أفأتصدق ؟ قال : (( تصدقي ولا تُوعي فيوعي عليك )) .(2)
وأعتقت ميمونة أم المؤمنين وليدة لها ، فلما أخبرته - صلى الله عليه وسلم - أقرها على ذلك وقال : (( أما إنك لو أعطيتها أخوالك كان أعظم لأجرك )) .(3)
المسألة السادسة : حق المرأة في الزواج :
قال الله تعالى : { وَمِن آياتِهِ أن خلَقَ لَكم مِّن أنفسكُم أزواجاً لِتَسكُنوا إلَيْهَا وَجَعل بَيْنَكم مَوَدَّةً ورَحْمَةً } .(4)
وقال - صلى الله عليه وسلم - : (( يا معشر الشباب ! من استطاع منكم الباءة فليتزوج ، فإنه أغض للبصر ، وأحصن للفرج ، ومن لم يستطع فعليه بالصوم ، فإنه له وجاء )) متفق عليه .(5)
__________
(1) انظر : البخاري مع الفتح - كتاب العيدين ـ باب موعظة الإمام النساء 2 / 466 .
(2) صحيح البخاري مع الفتح - كتاب الزكاة ـ باب الصدقة فيما استطاع ح1434 ـ 3/301 .
(3) البخاري مع الفتح - كتاب الهبة ـ باب هبة المرأة لغير زوجها ـ ح2592 ـ 5/217 .
(4) سورة الروم ، الآية ( 21 ) .
(5) رواه البخاري في صحيحه - كتاب الصوم ـ باب الصوم لمن خاف على نفسه الغربة ـ ح1905 الفتح 4 / 119 ، ورواه مسلم في صحيحه - كتاب النكاح ـ باب استحباب النكاح لمن تاقت نفسه إليه ـ ح1400 ـ 2 / 1018 ) .(5/33)
ولعل من حكمة الشارع الكريم في الزواج الاستمتاع الشرعي ، وقضاء الوطر ، وهو مطلب للرجل والمرأة معاً .
ومن ذلك حصول الولد ، فإن الأمم إنما يخلف بعضهم بعضاً بالولادة ، ولهذا جاء في الحديث : (( تزوجوا الولود الودود ، فإني مكاثر بكم الأمم يوم القيامة )) .(1)
والأولاد يحتاجون إلى تربية وتعليم وتوجيه ، والأم العمود الفقري في هذا الباب ، ولهذا قال الشاعر الحكيم :
الأم مدرسة إذا أعددتها ... ... أعددت شعباً طيب الأعراق
ثم إن في الزواج تراحماً وسكينةً ، ومودة وألفة بين الزوجين ، وحسن عشرة، وكل هذه أمور يثاب عليها مع الاحتساب .
والزواج مع خوف الوقوع في الزنى ، وعدم القدرة على حماية النفس واجب بالاتفاق ، لأنه سبب لصيانة النفس عنه ، وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب ، قال الموفق رحمه الله : (( ومن يخاف على نفسه الوقوع في المحظور إن ترك النكاح فهذا يجب عليه النكاح في قول عامة الفقهاء ؛ لأنه يلزمه إعفاف نفسه ، وصونها عن الحرام )) .(2)
وهذا معنى مشترك يكون في الرجل والمرأة معاً ، فلكل منهما حق التزوج، ولكل منهما أن يختار شريك حياته ، وينتقي من هو أصلح ، وهو صاحب الدين، فقد قال - صلى الله عليه وسلم -: (( تخيروا لنطفكم ، فإن العرق دساس )) .(3)
وقال - صلى الله عليه وسلم - : ((تنكح المرأة لأربع : لمالها ، ولجمالها ، ولحسبها ، ولدينها ، فاظفر بذات الدين تربت يداك )) .(4)
__________
(1) انظر : صحيح سنن النسائي - كتاب النكاح ـ باب كراهية تزويج العقيم ـ ح 3026 .
(2) المغني ( 9/341 ) طبعة هجر .
(3) صحيح ، وتقدم تخريجه .
(4) صحيح ، وتقدم تخريجه .(5/34)
وهذا أيضاً في المرأة كالرجل ، تتخير لولدها ولحياتها صاحب الدين والشهامة والخلق ، قال - صلى الله عليه وسلم - : (( إذا جاءكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه ، إن لا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد كبير )) (1) ، وفي لفظ : (( عريض )) .
قال الله تعالى : { وَلَعبدٌ مُؤمنٌ خيرٌ مِن مُّشْرِكٍ ولَو أعجَبَكُم } (2) ، فقد تعجب المرأة بالوسامة والمنصب والشهادة والمظهر والمال ، ثم تكون حياتها في جحيم لا يطاق .
وقد أشار النبي - صلى الله عليه وسلم - لصحابية من أقربائه أن تتزوج أسامة بن زيد ، فكأنها كرهت ذلك ، فلما كرر عليها - صلى الله عليه وسلم - ذلك قبلت ، فحمدت الله في العاقبة على زواجها من أسامة - رضي الله عنه - (3) .
والذي أود أن أشير إليه ، وأشجع عليه في هذا الزمان الذي رق فيه الدين، وفسد فيه كثير من المجتمعات ، وكثرت فيه المغريات ، أن يُيَسَّر أمر الزواج ، ويشجع عليه ، وكثيراً ما يكون التعنت من قبل النساء اللواتي يغالين في طلب المهور ، ويكلفن الأزواج فوق الطاقة ، مما يضطرهن إلى الدَّين ، أو الإعراض عن الزواج ، ثم الوقوع في محارم الله .
وقد كان مهور أزواج النبي - صلى الله عليه وسلم - وبناته ميسراً ، فلم يزد عن اثنتي عشرة أوقية من فضة ، وكان جهاز ابنته فاطمة سيدة النساء في منتهى البساطة ، فإنما هو ثوب وقعب للشرب ، ورحى تطحن عليها ، ولم يكن لها خادم رضي الله عنها ، وقال - صلى الله عليه وسلم - : (( أكثر النساء بركة أيسرهن مؤنة )) .(4)
__________
(1) صحيح ، وتقدم تخريجه أيضاً .
(2) سورة البقرة ، الآية ( 221 ) .
(3) هذا حديث فاطمة بنت قيس ، رواه مسلم في صحيحه - كتاب الطلاق ـ باب المطلقة ثلاثاً لا نفقة لها ـ ح1480 .
(4) صحيح ، وتقدم ، وهو في مسند الإمام أحمد ( 6/82 و 145 ) .(5/35)
كما أن على المجتمع ممثلاً في طبقاته المختلفة ، ومسؤوليته المتنوعة أن يسعى جاداً لحل هذه المشكلة ، ولعل الحل من قبل المجتمع أفراداً وحكومات يتلخص فيما يلي :
أولاً : تطهير بلدان المسلمين من الفساد بجميع أشكاله .
ثانياً : إصلاح نظام التعليم وبرامجه ، إصلاحاً جذرياً بحيث تراعى الفروق بين الذكور والإناث ، كما سبقت الإشارة إليه .
ثالثاً : إصلاح وسائل الإعلام لتنشر الفضيلة ، وتكف عن الرذيلة ، وتنشر الوعي الصحيح .
رابعاً : التشجيع من قبل الدول على الزواج ، بدفع المعونات ، وتأمين المساكن، وبعض الضروريات ، والتشجيع على تكثير النسل بالمكافآت .
خامساً : السماح المطلق للجان التي تعني بشؤون الزواج ، وتشجيعها على عملها، ومساعدتها .
سادساً : إفهام الناس المعنى الذي لأجله شرع الله الزواج ، فإن لم يفهموا فلا بد من تدخل الدولة لحسم الموقف ، وتحديد بعض الأمور بعد الدراسة من ذوي ا لكفاءات والتجارب ، ومعرفة أحوال الناس وظروفهم وعاداتهم ، والقضاء على المغالاة في المهور والولائم ، بكل وسيلة من الوسائل الممكنة .
المسألة السابعة : حق المرأة في الوصية :
قال الله تعالى : { كُتبَ عليكُم إذَا حضَرَ أَحَدَكُم الموتُ إِن ترك خيرَاً الوصِيَّة لِلْوالِدينِ والأقرَبينَ بِالمعْروفِ حقاً على الْمُتَّقين } .(1)
وروى البخاري بسنده المتصل إلى عبد الله بن عمر رضي الله عنهما : أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : (( ما حق امرئٍ مسلم له شيء يوصي فيه يبيت ليلتين إلا ووصيته مكتوبة عنده )) .(2)
__________
(1) سورة البقرة ، الآية ( 180 ) .
(2) رواه البخاري في صحيحه - كتاب الوصايا ـ باب الوصايا ، وقول النبي - صلى الله عليه وسلم - وصية الرجل مكتوبة عنده ـ ح2738 - الفتح 5/355 ا .(5/36)
وروى بسنده المتصل إلى أبي طلحة - رضي الله عنه - : أنه لما نزل قول الله تعالى :
{ لَن تنالُوا البِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تحبون } جاء أبو طلحة إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال :
يا رسول الله ! يقول الحق تبارك وتعالى في كتابه : { لَن تنالُوا البِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تحبون } وإن أحب المال إليّ بيرُحَاء - قال : وكانت حديقة كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يدخلها ويستظل بها ، ويشرب من مائها - فهي إلى الله عز وجل ، وإلى رسوله - صلى الله عليه وسلم - ، أرجو بره وذخره ، فضعها أي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حيث أراك الله ، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : (( بخٍ يا أبا طلحة ، ذلك مالٌ رابح ، قبلناه منك ، ورددناه عليك ، فاجعله في الأقربين )) ، فتصدق به أبو طلحة على ذوي رحمه، قال : وكان منهم : أبي بن كعب ، وحسان بن ثابت .. (1) .
والشاهد من الحديث : مشروعية الوقف ، وهو من جملة الوصايا التي يتقرب بها العبد إلى ربه تعالى ، فهو من الصدقة الجارية .
فالوصية بما على الإنسان من الحقوق واجبة، والوصية بشيءٍ من المال في وجوه البر الخير ، وأفضلها ما كان في الأقارب المستحقين من الأمور المستحبة بالضوابط الشرعية.
__________
(1) رواه البخاري في الصحيح - كتاب الوصايا ـ في أبواب متفرقة ، ومنها : باب من تصدق إلى وكيله ثم رد الوكيل إليه ـ الفتح 5 / 387 .(5/37)
والمرأة كالرجل ، كلاهما محتاج إلى الأجر والثواب ، وبخاصة بعد انقطاع العمل ، وكلما تصدقت المسلمة في حال الحياة وهي غنية قوية تخشى الفقر ، كلما كان أفضل ، لكنها لا تنسى نفسها بعد الموت من وصية يلحقها ثوابها ، مع عدم الإضرار بالورثة ، ففي الحديث يقول - صلى الله عليه وسلم - : (( إنك إن تدع ورثتك أغنياء خير من أن تدعهم عالة يتكففون الناس )) .(1)
ولهذا قال - صلى الله عليه وسلم - لسعد بن أبي وقاص لما أراد أن يتصدق بماله كله ، أو بشطره، أو بثلثه ، قال - صلى الله عليه وسلم - : (( الثلث ، والثلث كثير )) .(2)
وكان رأي أبي بكر الصديق - رضي الله عنه - أن يغض الناس من الثلث إلى الخمس أو السدس ، وهذا أولى لقوله - صلى الله عليه وسلم - : (( والثلث كثير ، أو كبير )) .
وبكل حال فهي صدقة تصدق الله بها على عباده الذكور والإناث ، فللمرأة أن توصي ، وإذا أوصت ولم يكن في ذلك محظور شرعي وجب تنفيذ وصيتها قبل قسمة التركة ، لأن هذا حق لها كالرجل سواء بسواء ، وهذا من تكريم الإسلام للمرأة .
أما إذا أوصت في مرض موتها فيخرج منه ثلث ، وما زاد مرجع للورثة .
ولا توصي لوارث للنهي عن ذلك .
المبحث الثاني : الحقوق الخاصة :
المسألة الأولى : حق المرأة على أبيها وأمها :
__________
(1) متفق عليه : أخرجه البخاري في صحيحه في مواطن كثيرة ، منها : كتاب الجنائز ، باب رثاء النبي- صلى الله عليه وسلم - سعد بن خولة ، ح1295 ( الفتح 3 / 164)، ومسلم في كتاب الوصية، باب الوصية بالثلث - ح 1628).
(2) انظر : التخريج السابق .(5/38)
روى البخاري رحمه الله بسنده المتصل إلى عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها قالت : دخلت امرأة معها ابنتان لها تسأل ، فلم تجد عندي شيئاً غير تمرة، فأعطيتها إياه ، فقسمتها بين ابنتيها ، ولم تأكل منها ، ثم قامت فخرجت، فدخل النبي - صلى الله عليه وسلم - علينا ، فأخبرته فقال : (( مَن ابتلي من هذه البنات بشيءٍ كن له ستراً من النار )) . (1)
وعن أنس - رضي الله عنه - قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : (( من عال جاريتين دخلت أنا وهو الجنة كهاتين )) وأشار بأصبعيه .(2)
وعن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : (( من كان له ثلاث بنات ، أو ثلاث أخوات ، أو ابنتان ، أو أختان فأحسن صحبتهن ، واتقى الله فيهن فله الجنة )) .(3)
وعن البراء بن عازب - رضي الله عنه - قال : دخلت مع أبي بكر أول ما قدم المدينة ، فإذا عائشة ابنته مضطجعة قد أصابتها حمى ، فأتاها أبو بكر فقال لها : كيف أنت يا بنية ؟ وقبل خدها .(4)
وقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : (( كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته )) .(5)
فالأب راع ومسؤول عن رعيته، والأم راعية في بيت زوجها ومسؤولة عن رعيتها.
__________
(1) أخرجه البخاري في مواضع من صحيحه ، منها : كتاب الزكاة ـ باب اتقوا النار ولو بشق تمرة ـ ح1418 ـ الفتح 3 / 283 .
(2) أخرجه الترمذي في السنن - كتاب البر والصلة ـ باب ما جاء في النفقة على البنات والأخوات ـ 4/319 .
(3) المصدر السابق ( 4/320 ) .
(4) صحيح سنن أبي داود ( كتاب الأدب ـ باب ما في قبلة الخد ـ ح4351 ـ 3/980 ) .
(5) متفق عليه : رواه البخاري مواضع من صحيحه ، منها : - كتاب الجمعة ـ باب الجمعة في القرى والمدن ( 2/380 الفتح ) ، ومسلم - كتاب الإمارة ـ باب فضيلة الإمام العادل ح 1829 .(5/39)
إن مسؤولية الأب المسلم تبدأ من اختيار الزوجة ، ثم بناء تلك الزوجة بناءً إسلامياً، والزوجة الصالحة هي من النعم التي أنعم الله بها في هذه الحياة الدنيا، (( نعمَ متاع الدنيا : المرأة الصالحة )) .(1)
وقد أوصى النبي - صلى الله عليه وسلم - الرجل إذا جاء أهله أن يقول : (( بسم الله ، اللهم جنبنا الشيطان ، وجنب الشيطان ما رزقتنا )) (2) ، لأنه إذا قدر الله له مولود لم يضره الشيطان بإذن الله .
ثم تتوالى الآداب الشرعية التي ينبغي على الوالد الحرص عليها ، لينشأ الطفل في رعاية الله تعالى ، ومن ذلك : الأذان في أذنه ، وتحنيكه ، والعناية برضاعته ، والعق عنه ، وكل هذه الآداب جاءت بها السنة الصحيحة ، وهي معلومة للجميع . (3)
وتعظم مسؤولية الأب في التعليم والتربية ، وحسن الأدب ، ولعل من أعظم ما يجب التركيز عليه : التعريف بالله عز وجل بذكر نعمه وأفضاله ، وغرس خوفه في النفوس، واستثارة عنصر الفطرة من وقت لآخر ، ثم التحبيب في الصلاة، وتعليم الوضوء عملياً ، وكذلك الصلاة ، وصبر النفس عليها : { وَأْمُر أَهلَكَ بِالصَّلاةِ وَاصطَبِرْ عليْهَا } (4) ، وثبت أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - أمر بإخراج النساء ، ومنهن ذوات الخدور إلى مصلى العيد ليشهدن الصلاة والدعاء والخير مع الناس ، وأمر الحُيَّض باعتزال المصلى .(5)
__________
(1) رواه مسلم - كتاب الرضاع ـ باب خير متاع الدنيا المرأة الصالحة ـ ح1467 ـ 2/1090 .
(2) رواه البخاري في مواضع من صحيحه ، منها : كتاب الوضوء ـ باب التسمية على كل حال ، ح141.
(3) يراجع بتوسع كتاب : تحفة المودود بأحكام المولود لابن القيم رحمه الله تعالى .
(4) سورة طه ، الآية ( 132 ) .
(5) رواه البخاري في الصحيح - كتاب العيدين ـ باب خروج النساء والحيض إلى المصلى ـ ح 974.(5/40)
ثم لا بد من غرس حب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في نفوس الأبناء والبنات ، ومن ذلك : اتباع سنته في كل قليل وكثير ، وفي المنشط والمكره ، ويتدرج مع أبنائه وبناته في التوجيه والتعليم بسائر أركان الدين ، مع العناية بقراءة السيرة ، وعرضها بأسلوب مبسط ، واستخلاص بعض العبر والدروس المهمة من سيرته - صلى الله عليه وسلم - وسيرة أصحابه الذكور والإناث ، فيقف عند سيرة أم المؤمنين خديجة رضي الله عنها ، ويبين مواقفها المشرفة من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، حيث آمنت به ، وصدقته ، وواسته بمالها ، وربت له أولاده ،وعنيت به حتى بشرها جبريل عليه السلام بأن الله يقرؤها السلام ، وأنه بنى لها بيتاً في الجنة من قصب - أي قصب اللؤلؤ - لا نصب فيه ولا وصب . (1)
وكذلك بقية أزواجه ، وابنته فاطمة رضي الله عنها ، وكل صحابية لها دور بارز في الدعوة ،والسؤال عن أمور الدين ، والمشاركة أحياناً في الجهاد بمداواة الجرحى ، وحمل الماء ، ومناولة السلاح ، والعناية بتربية الأبناء .
وإن من أهم أمور التربية تحفيظ القرآن الكريم ، والسنة المطهرة ، وتعليم الأبناء والبنات الذِّكر والدعاء ، فهو وظيفة يومية تتجدد مع كل صباح ومساء ، وبه تحرس البيوت والأنفس من الشيطان وأعوانه .
ولا بد من تعليم آداب الأكل والشرب والنوم واللباس ، ومتى تعودت الفتاة التستر والحياء من الصغر نفعها ذلك عند الكبر ، ولم تؤثر فيها العواصف بإذن الله تعالى .
وليحذر الآباء من جلب ما يظرُّ بناتهم من الآلات ، والمجلات ، والجرائد ، والكتب المنحرفة خلقياً أو فكرياً أو عقدياً .
وينشأ ناشئ الفتيان فينا ... ... على ما كان عوده أبوه
وللأم دور بارزٌ في حياة ابنتها ، فهي تستطيع غرس حب الله تعالى وحب رسوله - صلى الله عليه وسلم - ، وحب الدين في نفسها منذ الصغر ونعومة الأظفار .
__________
(1) أخرجه البخاري ، وقد تقدم .(5/41)
ثم تعويدها على التربية المنزلية التي هي أساس حياة المرأة ، فتعلمها أصول الطبح ، ونظافة المنزل ، وترتيبه ، ثم العناية بنفسها من حيث نظافة الجسم ، وتنظيم الملبس وحسن المظهر ، وتهيئتها للحياة مع زوج تدخل عليه السعادة ، وتبني معه عش الزوجية في تفاهم وود .
ثم إذا زفتها عروساً إلى زوجها كانت عوناً لها ومساعداً على عمل الخير ، وإنجاح الحياة الزوجية ، والبعد قدر الإمكان عن التدخل في حياتهما إلا بالإصلاح والتسديد والتوجيه .
وإذا أحسنت الأم تربية البنت من الصغر ، وتعاهدتها حتى تدخلها بيت زوجها ، وكفت عن ملاحقتها عند شريك حياتها إلا بالخير ، عمت السعادة بيوت المسلمين .ولعل من أهم أسباب السعادة أو الشقاوة بين الزوجين : أم الزوجة ، فهي إما رحمة وإما نقمة ، وإنما يرحم الله من عباده الرحماء ، ولْتعامل زوج ابنتها بما تحب أن يعامل به ابنتها .
المسألة الثانية : حق المرأة على زوجها :
قال الله تعالى : { يا أيُّهَا النَّاسُ اتَّقوا ربَّكُم الَّذِي خَلَقَكم مِن نَفْسٍ واحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبثَّ مِنهُمَا رِجَالاً كثيرَاً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللهَ الَّذِي تسَآءلُونَ بهِ والأَرْحَامَ إنَّ اللهَ كانَ عَليْكُم رَقِيبَاً } .(1)
وقال تعالى : { يَا أيُّهَا الذِينَ آمَنُوا لا يَحِلُّ لَكُم أَن تَرِثوُا النِّسَآءَ كَرْهَاً وَلا تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ مَآ آتَيْتُموهُنَّ إلآ أَن يَّأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَينةٍ وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإن كَرِهْتُموهُنَّ فَعَسى أَن تَكْرَهُوا شَيْئاً وَيَجْعلُ الله فِيهِ خَيْرَاً كَثِيراً } .(2)
__________
(1) سورة النساء ، الآية ( 1 ) .
(2) سورة النساء ، الآية ( 19 ) .(5/42)
وقال تعالى : { وَآتُوا النِّسَآءَ صَدُقَاتِهنَّ نِحْلَةً فَإن طِبْنَ لَكُم عَن شَيءٍ مِنهُ نَفْسَاً فَكُلُوهُ هَنِيئاً مَرِيئاً } .(1)
وقال تعالى : { يَا أيُّهَا النَّبي قُل لأزْوَاجِكَ وَبَناتِكَ وَنِسَآءِ الْمُؤمنِينَ يُدنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلابِيبِهِنَّ ذَلكَ أَدْنَى أَن يُّعْرَفْنَ فَلا يُؤذَينَ وَكَانَ الله غَفُورَاً رَحِيماً } .(2)
وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في خطبته يوم عرفة : (( اتقوا الله في النساء ، فإنكم أخذتموهن بأمانة الله ، واستحللتم فروجهن بكلمة الله ، وإن لكم عليهن أن لا يوطئن فرشكم أحداً تكرهونه ، فإن فعلن فاضربوهن ضرباً غير مبرح ، ولهن عليكم رزقهن وكسوتهن بالمعروف )) .(3)
وقال - صلى الله عليه وسلم - : (( خيركم خيركم لأهله ، وأنا خيركم لأهلي )) .(4)
وقال - صلى الله عليه وسلم - : (( استوصوا بالنساء خيراً ، فإنهن خلقن من ضلع ، وإن أعوج شيءٍ في الضلع أعلاه ، فإن ذهبت تقيمه كسرته ، وإن تركته لم يزل أعوج ، فاستوصوا بالنساء خيراً )) .(5)
ويمكن أن نلخص حقوق المرأة على زوجها فيما يلي :
1 ـ المهر :
وهو لغة : الصداق(6) .
وشرعاً : المال الذي يجب على الرجل للمرأة بسبب عقد الزواج(7) .
ويستغرق ذمته كاملاً إذا دخل بها .
__________
(1) سورة النساء ، الآية ( 4 ) .
(2) سورة الأحزاب ، الآية ( 59 ) .
(3) صحيح سنن أبي داود - كتاب المناسك ـ باب صفة حجة النبي - صلى الله عليه وسلم - من حديث جابر - رضي الله عنه - ـ ح1676 .
(4) صحيح سنن ابن ماجة - كتاب النكاح ـ باب حسن معاشرة النساء ـ ح1608 ـ 1 / 334 .
(5) أخرجه البخاري في صحيحه - كتاب النكاح ـ باب الوصاة بالنساء ـ ح5186 - الفتح 9 / 253 .
(6) القاموس المحيط ( باب الراء ، فصل الميم ) .
(7) حقوق المرأة في الإسلام للشيخ محمد عرفة ( ص : 63 ) .(5/43)
والأصل فيه : الكتاب ، والسنة ، والإجماع .
أما الكتاب : فقول الله تعالى : { وَآتُوا النِّسَآءَ صَدُقَاتِهنَّ نِحْلَةً } .(1) ، وقوله تعالى : { فَمَا اسْتَمَتَعتُم بِهِ مِنْهُنَّ فآتُوهُنَّ أُجُورُهنَّ فَرِيضَةً } .(2)
وأما السنة فلم يخل زواجه - صلى الله عليه وسلم - ، ولا زواج بناته عن مهر ،وقال للرجل الذي أراد الزواج من المرأة الواهبة نفسها لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولم يكن له فيها حاجة : (( التمس ولو خاتماً من حديد )) متفق عليه .(3)
وأقر - صلى الله عليه وسلم - عبد الرحمن بن عوف لما رأى أثر الزواج عليه وسأله عن المهر ؟ فقال : وزن نواة من ذهب، وهي عجوة التمر ، ثم قال - صلى الله عليه وسلم - : (( بارك الله لك، أولم ولو بشاة )).(4)
ولا حدَّ لأكثره على الصحيح ، لقول الله تعالى : { وآتَيْتُم إِحْداهُنَّ قِنطَاراً فَلا تأْخُذُوا مِنْهُ شَيئَاً } .(5)
ولا حد لأقله على الصحيح بشرط أن يكون مالاً ، فيجوز على خاتم من حديد ، وحفنة من الطعام .
__________
(1) سورة النساء ، الآية ( 4 ) .
(2) سورة النساء ، الآية ( 24 ) .
(3) رواه البخاري في صحيحه - كتاب النكاح ـ باب تزويج المعسر ـ ح5087 ، ومسلم في كتاب النكاح ـ باب الصداق وجواز كونه تعليم قرآن ـ ح1425 .
(4) رواه البخاري في صحيحه - كتاب النكاح ـ باب الوليمة ولو بشاة ـ ح5167 ، ومسلم في صحيحه - كتاب النكاح ـ باب الصداق ـ ح1427 .
(5) سورة النساء ، الآية ( 20 ) .(5/44)
وخير المهر أيسره ، فإن أكثر النساء بركة أيسرهن مؤونة ، ولم يزد مهر نسائه - صلى الله عليه وسلم - عن ثنتي عشرة أوقية ، وهو ما يعادل أربع مائة وخمسين جراماً من الفضة ، ولا يزيد سعر الجرام الفضة اليوم عن الريال بالكثير ، فمهور نسائه - صلى الله عليه وسلم - بالتقريب تساوي أربع مائة وخمسين ريالاً سعودياً تقريباً ، تزيد قليلاً أو تنقص حسب تغير أسعار الفضة . والحد المعتدل في وقتنا الحاضر للمهر الذي يفي بزينة المرأة وملبسها من عشرين إلى ثلاثين ألف ريال سعودي .
ولا ينبغي تكليف الزوج أكثر من ذلك ، كما أن على الأغنياء وميسوري الحال أن لا يبالغوا في المهور، فيقتدي بهم عامة الناس إذ هم مع كل ناعق.
كما يجب على الأبوين أن لا يطمعا في مهر ابنتهما ، وأن يعيناها على ما قصر به المهر من قضاء الحوائج ، وكم يشتري النساء من الحلي والملابس ، وكم يبالغ في ثياب عقد القران والشبكة وثياب الزفاف ، يدفع قيمتها أحياناً ما يكفي لعروس أو عروسين أخريين ، وهذا في نظري من الجهل وضعف الإيمان ، وزرع العقبات أمام الشباب والشابات .
ولننظر إلى هديه - صلى الله عليه وسلم - في وليمة العرس ، فقد قال لعبد الرحمن بن عوف - رضي الله عنه - وهو من ميسوري الصحابة : (( أولم ولو بشاة )) .(5/45)
وأولم النبي - صلى الله عليه وسلم - في زواجه من زينب بنت جحش رضي الله عنها التي زوجها الله نبيه من فوق سبع سماوات خبزاً ولحماً (1) ، ولم يزد - صلى الله عليه وسلم - في وليمة صفية أم المؤمنين على أن جمع ما مع أصحابه من خبز وتمر وأقط ، وشيء من السمن ، وحيس حيساً ، فكانت وليمتها رضي الله عنها .(2)
وكم يتكلف الناس اليوم من أصناف الأطعمة والفواكه ، ويا ليتها تؤكل ، بل الكثير منها يرمى ، وربما لا يكرم فيوضع موضع القمامة ، وبهذا تحل العقوبة والنقمة ، وتمحق البركة ، والعياذ بالله من ذلك .
وإنما المهر والوليمة من إكرام الإسلام للمرأة .
وإعلان الزواج الذي شرع فيه الدف ، وكان الفارق بين زواج المسلمين وغيرهم لمكانة الزواج في الإسلام .
وعند النصارى تكلف المرأة بدفع المهر ، وهو ما يعرف بالدوطة .
2 ـ الإنفاق على الزوجة :
قال الله تعالى : { لِيُنْفِق ذُو سَعَةٍ مِن سَعَتِهِ وَمَن قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْينْفِقْ مَمَّآ آتَاهُ الله لا يُكَلِّفُ الله نَفْسَاً إِلا مَآ آتاهَا } .(3)
__________
(1) رواه البخاري في مواضع من صحيحه - كتاب النكاح ـ باب من أولم على بعض نسائه أكثر من بعض ـ ح5171 ، ومسلم في صحيحه - كتاب النكاح ـ باب زواج زينب ـ ح1428 .
(2) رواه البخاري في صحيحه - كتاب الصلاة ـ باب ما يذكر في الفخذ ـ ح371 ، ومسلم في صحيحه - كتاب النكاح ـ باب فضيلة إعتاقه أمة ثم يتزوجها ـ ح1427 ـ 2/1043 .
(3) سورة الطلاق ، الآية ( 7 ) .(5/46)
وروى البخاري : أن هنداً بنت عتبة زوج أبي سفيان رضي الله عنهما قالت : يا رسول الله ! إن أبا سفيان رجل شحيح ، لا يعطيني من النفقة ما يكفيني وولدي إلا ما أخذت من ماله بغير علمه، فقال - صلى الله عليه وسلم - : (( خذي من ماله ما يكفيك وولدك بالمعروف )) .(1)
وأجمع العلماء على وجوب نفقة الزوجة على الزوج ، لأنها محبوسة لحقه ، ومن القواعد المقررة : أن من حبس لحق غيره ، فنفقته واجبة عليه .
ومن النصوص السابقة تبين أن الزوج مسؤول عن نفقة الزوجة ، من مأكل ومشرب وملبس ومسكن ، وذلك بحسب حال الزوج ، كما نصت عليه الآية ، ولا يكف الله نفساً إلا وسعها ، ولا فرق بين موسر ومعسر لعدم تفريق الآية بينهما إلا في المقدار .
وقد جاء في السنة الصحيحة ما يدل على أن من حق المرأة إذا أعسر زوجها بالنفقة، ولم تستطع الصبر فلها طلب الطلاق ، جاء في الحديث الذي رواه أبو هريرة - رضي الله عنه -: تقول المرأة: إما أن تطعمني وإما أن تطلقني . (2)
ولا يلزم الزوجة أن تنفق على زوجها وأبنائه ولا على نفسها ، طالما هي تحت زوج ، ولو كانت غنية ، اللهم إلا إذا أرادت أن تتطوع فهذا إليها .
وهنا أود أن أذكر بأمرين :
الأمر الأول : يجب على الرجل أن يكون من أهل الكسب والعمل ، ويجتهد في ذلك ، ولو يحتطب على ظهره ، ويبيع خير له من المسألة ، وهو بهذا يكون صاحب القوامة ، والإدارة في المنزل .
الأمر الثاني : إذا أعسر الزوج ، أو كان خفيف ذات اليد ، والزوجة ذات يسار ، فإن من كرم الخلق أن تشترك معه وتواسيه ، وإذا واسته فلا يجوز لها أن تمن عليه ذلك ، بل تحتسب عند الله تعالى ، ولها في الصحابيات قدوة حسنة .
__________
(1) رواه البخاري في صحيحه - كتاب البيوع ـ باب من أجرى أمر الأمصار على ما يتعارفون بينهم ـ ح2211 - الفتح 4 / 405 .
(2) رواه البخاري في الصحيح - كتاب النفقات ـ باب وجوب النفقة على الأهل والعيال ـ ح5355 الفتح 9 / 500 .(5/47)
كما أن الزوجة لا ينبغي لها أن تعوّد الرجل على الكسل والنوم والبطالة ، فتقوم بكل شيء من لوازم البيت ، فيقع بذلك الاتكال عليها ، ثم تكون هي صاحبة القوامة .
والتعاون أساس النجاح ، ومتى بنيت الحياة الأسرية على الالتزام بشرع الله، وإقامة شعائر الدين ، ومراقبة الله تعالى في السر والعلن ، وقعت المودة بين الزوجين، وضحَّى كل منهما في سبيل الآخر ، وعاشا حياة كريمة ، لا منَّة فيها لأحد على الآخر ، وإنما المنة لله وحده القائل : { ولا تَنسَوا الْفَضْلَ بيْنَكُم } .(1)
3 ـ حق المبيت :
عن أنس بن مالك - رضي الله عنه - قال : السنة إذا تزوج البكرَ أقام عندها سبعاً ، وإذا تزوج الثيب أقام عندها ثلاثاً .(2)
وهذه المدة التي يقيمها الزوج عند زوجته الجديدة حق لها ، حتى تذهب وحشتها ، وسواء كان متزوجاً بغيرها ، أم غير متزوج ، ليبدأ بعد ذلك القسم أولاً .
وللمرأة بعد ذلك حق أن يبيت عندها ليلة من أربع ، لأن الله تعالى أحل له نكاح أربع نسوة ، فقال جل وتعالى : { فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُم مِنَ النِّسَآءِ مَثْنَى وَثُلاثَ وَرُبَاع .. } (3) ، فيكون المبيت حقاً واجباً لكل واحدة من أربع .
__________
(1) سورة البقرة ، الآية ( 237 ) .
(2) أخرجه البخاري في صحيحه - كتاب النكاح ـ باب إذا تزوج البكر على الثيب ـ ح5213 4214 ـ فتح الباري 9 / 313 .
(3) سورة النساء ، الآية ( 3 ) .(5/48)
وقد ثبت في الحديث أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال لعبد الله بن عمرو بن العاص - رضي الله عنه - :
(( يا عبد الله ! ألم أخبر أنك تصوم النهار وتقوم الليل )) ؟ قلت : بلى يا رسول الله ، قال : (( فلا تفعل ، صم وأفطر ، وقم ونم ، فإن لجسدك عليك حقاً ، وإن لعينك عليك حقاً ، وإن لزوجك عليك حقاً )) متفق عليه .(1)
وموضع الشاهد : الفقرة الأخير من الحديث ، وإنما كان معه زوجة واحدة، فبين النبي - صلى الله عليه وسلم - أن لها عليه حق المبيت عندها .
قال الموفق رحمه الله تعالى : (( ويجب قسم الابتداء ، ومعناه : أنه إذا كانت له امرأة لزمه المبيت عندها ليلة من كل أربع ليال ما لم يكن عذر )) (2) ا.هـ
وذكر أن القسم حق واجب حتى على المريض ، ومن لم يستطع الوطء (3)، وقد قسم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لنسائه وهو مريض (4) ، ثم لما عجز عن الدوران استأذنهن أن يكون عند عائشة رضي الله عنها ، ومات - صلى الله عليه وسلم - في يومها الذي لو قسم كان قسمها فيه . (5)
ومن نوى العدل وعزم عليه أعانه الله عليه .
ولا علاقة بين المبيت والوطء ، فذاك حق آخر له وصفه الشرعي ، وإنما المبيت من أجل المؤانسة والألفة ، وإذهاب الوحشة ، ولهذا وجب القسم ولو كان بالمرأة عذر مانع له من وطئها ، كالحيض والنفاس والمرض ونحو ذلك .
__________
(1) أخرجه البخاري في - كتاب التهجد ، وفي كتاب الصوم ـ باب حق الضيف في الصوم ، وفي كتاب النكاح ـ باب لزوجك عليك حق ـ ح5199 - الفتح 9 / 299 ، ومسلم في صحيحه - كتاب الصيام ـ باب النهي عن صيام الدهر ـ 2 / 812 .
(2) المغني ( 10/237 ) .
(3) المرجع السابق ( ص236 ) .
(4) أخرجه البخاري في صحيحه - كتاب فضائل أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - ـ باب فضل عائشة
( الصحيح 5/37 ) .
(5) أخرجه أبو داود في السنن - كتاب النكاح ـ باب في القسم بين النساء ـ 1/493 .(5/49)
وعماد القسم الليل ، ولهذا يعاب على من يسهر الليل مع أصحابه ويغفل أهله ، وإذا كان عمله بالليل جاز القسم بالنهار ، ويسمى النساء اللواتي يقسم لهن بالنهار نهاريات .
4 ـ حق المرأة في الوطء :
إن من أعظم مقاصد النكاح : الاستمتاع بالحلال ، فيستمتع كل من الزوجين بالآخر ، فالوطء حق واجب على الزوج لزوجته ، ولا يجوز له تركه إضراراً بها .
ولعل قوله تعالى : { لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِن نِّسَآئِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعةِ أَشْهُرٍ فَإِن فَآءُوا فَإنَّ اللهَ غَفُور رَّحِيم - وَإن عَزَمُوا الطَّلاقَ فَإنَّ الله سَمِيعٌ عَلِيم } .(1)
فإذا حلف الرجل لا يطأ زوجته بإطلاق ، أو ذكر مدّةً تزيد على أربعة أشهر فقد حد له الشارع حداً لا يتجاوزه ، فإذا انتهت الأربعة الأشهر فيخير إما أن يفيء بأن يطأ ، ويكفر عن يمينه ، وإما أن يطلق .
وما ورد عن عمر - رضي الله عنه - وحفصة رضي الله عنها من التحديد بخمسة أشهر ، أو ستة أشهر ، إنما المراد : إنّ صبر المرأة ينفد بعد ذلك .
فإذا لم يكن عذر في الترك فإنه يأثم ، وإذا غاب وطلبت من القاضي أن يستدعيه بعد المدة المشار إليها ، أجابها القاضي ، فإن حضر أو ذكر عذراً مقبولاً ، وإلا فسخ القاضي النكاح ، ولا ينفسخ إلا بحكمه ، لأنه مختلف فيه.
قال الموفق رحمه الله : (( فصل : والوطء واجب على الرجل إذا لم يكن له عذر )) . أ.هـ
ونقل عن أحمد أنه سئل : يؤجر الرجل أن يأتي أهله وليس له شهوة ؟ فقال: أي والله يحتسب الولد ، وإن لم يرد الولد ؟ يقول : هذه امرأة شابة لِمَ لا يؤجر ؟
__________
(1) سورة البقرة ، الآيتان ( 226 ، 227 ) .(5/50)
وقد روى أبو ذر - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : (( مباضعتك أهلك صدقة )) قلت : يارسول الله ! أنصيب شهوتنا ونؤجر ؟ قال : (( أرأيت لو وضعه في غير حقه كان عليه وزر ؟ )) قال : قلت : بلى ، قال : (( أفتحتسبون بالسيئة ، ولا تحتسبون بالخير )) ، ولأنه وسيلة إلى الولد ، وإعفاف نفسه وامرأته ، وغض بصره، وسكون نفسه .(1)
5 ـ حق التوجيه والتقويم ، وإتمام التعليم :
إذا تسلم الزوج زوجته ، وكانت جاهلة بأحكام الإسلام وآدابه ، وجب عليه تعليمها وتربيتها ، فيعلمها حق الله تعالى ، وحق رسوله - صلى الله عليه وسلم - ، وأركان دين الإسلام وفرائضه ، والحلال والحرام ، وغير ذلك مما يجب على المسلم أن يتعلمه .
ومثل هذه الحالات نادر اليوم ، لانتشار التعليم ، وما يبث في بعض أجهزة الإعلام ؛ كإذاعة القرآن الكريم ، وخطب الجمعة .
وهناك مراكز ومدارس وجمعيات تعنى بمثل هذه الأمور ، فإذا كان الزوج مشغولاً فإنه يجب عليه أن يسمح لزوجته أن تلتحق بإحدى تلك الدور ، فتتعلم القرآن والسنة ، وبعض التوجيهات المفيدة التي لا تستغني عنها في حياتها ، وتنفعها بعد الممات ، ويُكفى هو المؤونة .
ولعل تهيئته المنزل بتوفير الوسائل النافعة ، مثل : الكتب ، والأشرطة الإسلامية ، تخفف كثيراً من العناء على الزوج ، وكم استفادت البيوت من إذاعة القرآن الكريم والشريط الإسلامي ، حيث انتشر الوعي ، وتفقهت كثير من الأسر، ونفع الله بذلك نفعاً كبيراً .
لكن بعض الأزواج هداهم الله على العكس من ذلك ، إنما يتوفر في بيوتهم أجهزة الخراب والدمار ، ولا تجد في البيت سكينة ، بل ربما تجد بعضهم يحارب الخير لو وجد أهله يستمعون إليه ، وربما منعهم من الخروج إليه .
... وقضية إتمام التعليم :
__________
(1) المغني ( 10/241 ) .
... والحديث أخرجه الإمام مسلم في صحيحه - كتاب الزكاة ـ باب بيان أن اسم الصدقة يقع على كل نوع من المعروف ـ ح 1006 .(5/51)
... المعنى الذي أردته بإتمام التعليم : أي ما فات المرأة من علم الشرع الضروري، ومعرفة ما تحتاجه من أصول الطبخ ، وتربية الأولاد ، وتنظيم
المنزل ، وربما دخل في ذلك تعلم حرفة كالخياطة مثلاً ، فإنها تحتاجها في
حياتها ، ولا تستغرق وقتاً طويلاً في تعلمها .
... ولم أقصد بإتمام التعليم متابعة المراحل ، كالمتوسط والثانوي والجامعي وما بعدها ، فإن ذلك لا يلزمه ، لما في ذلك من كثرة الخروج ، وتضييع حقوق الزوج، والانشغال عن الأولاد ، ولقلة الفائدة المرجوة من ذلك التعليم ، الذي لم يراع فيها الفوارق بين الرجل والمرأة .
... والكثير من الناس إنما يهدف إلى الوظيفة والمادة ، وهما من أسباب الخلاف الذي وقع بسببه الطلاق والانفصال بين الزوجين كثيراً .
... إن الزوجين المتفاهمين يستطيعان استغلال الوقت وتنظيمه بما يكفل لهما حياة زوجية سعيدة متوازنة ، ولو أن كل بيت مسلم خصص له وقتاً للقراءة والاستفادة ، وآخر لسماع الشريط الإسلامي ، مع تبادل الجيران خبرات الطبخ وتنظيم المنزل ، لما جاء وقت يسير حتى وقع نفع كبير ، مع عدم الإخلال بالعمل والالتزامات .
ولقد رأيت أكثر الأسر انتفاعاً تلك التي يعمل فيها الأزواج أعمالاً جادة ، وبعضها مرهق ، ومع ذلك تجد أفراد الأسرة يتعلمون ويحضرون الدروس والمواعظ، ويحفظون القرآن ، وحياتهم على أتم استقرار ، وعلى العكس من ذلك بيوت الذين تتوفر عندهم أوقات يمكث فيها الزوج في المنزل تجد الفوضى في النوم ، وعدم التنظيم في الحياة ، وقلة الاستفادة ، لا بل ربما كثرت المشكلات بسبب الفراغ ، وانعدام الجدية ، وويل للشجي من الخلي .
المسألة الثالثة : حق المرأة على المجتمع :
أو بتعبير آخر : حقوق المرأة الاجتماعية
تمهيد :
قرر الإسلام إنسانية المرأة كالرجل ، وجعلها أهلاً للحقوق والواجبات حسبما تتمتع به من الخصائص والاستعدادات .(5/52)
ولكي يؤدي المجتمع حق المرأة لا بد من الطهارة من الانحرافات ، ثم الاستقامة على السلوك الصحيح ، ولا يكون هذا إلا بإصلاح الباطن بعمارة القلب بالإيمان بالله تعالى ، لتصلح الجوارح وتستقيم على شرع الله .
قال - صلى الله عليه وسلم - : (( ألا وإن في الجسد مضغة ، إذا صلحت صلح الجسد كله ، وإذا فسدت فسد الجسد كله ، ألا وهي القلب )) .(1)
ولا شك أن ربط القلب بالله تعالى يجعل الإنسان دائم الصلة به ، مراقباً له، وإن مما يقوي تلك الصلة عدة أمور :
1- إثارة حساسية القلب بما في الكون من آيات الله المنظورة التي تدل على الإبداع ، وعظم الصنع ، كالتفكر في آية الليل والنهار ، والشمس والقمر، والنجوم ، والسماوات ، والبحار ، والأنهار ، ونزول المطر ، وغير ذلك مما هو مشاهد .
2- غرس الرقابة المستمرة ، والشعور بأن الإنسان تحت رقابة الله تعالى ، لا يغيب عنه طرفة عين ولا ما هو أقل من ذلك ، فإن هذا مما يدفع إلى تحسين العمل والخوف من الله .
3- إثارة وجدان التقوى في القلب ، لينبعث على خشية الله ومراقبته .
4- إيثار محاب الله ، والبعد عن مساخطه .
5- بعث الطمأنينة في القلب بأن العبد في قبضة الله ، وحفظه ، ورعايته ، والصبر على كل ما يصيب الإنسان ، والشعور إنه بقضاء من الله ، وتقدير سابق.
6- إن العبادات إذا أديت على الوجه الأكمل مع الإخلاص فيها ، ربّت القلوب ، وهذبت النفوس .
ومما ينبغي أن يتزود منه المسلم لغرس تلك الرقابة الإكثار من صوم التطوع، والصدقة مع الإخفاء ، والقيام بحق الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والنصيحة .
__________
(1) رواه البخاري في صحيحه - كتاب الإيمان ـ باب فضل من استبرأ لدينه ـ ح52 ـ الفتح 1 / 126 ، ومسلم في صحيحه - كتاب المساقاة ـ باب أخذ الحلال وترك الشبهات ـ ح1599 .(5/53)
وإذا استقامت النفوس ، وعمرت القلوب بتقوى الله ، انعكس ذلك على الجوارح، فسرى الطهر في أفراد المجتمع ، ثم كان مهيئاً للقيام بحقوق المرأة وغيرها، كما يمليه عليه دينه .
ومن تلك الحقوق :
1 ـ معاونة المرأة على الحجاب والتستر :
فلو أن كل فرد من أفراد المجتمع قام بنشاط جيد في هذا المجال لسهل ارتداء الحجاب ، فخطيب المسجد على المنبر يبين وجوب الحجاب وأهميته وفائدته، ويحث النساء عليه ، ويبين أن نساء النبي - صلى الله عليه وسلم - ، وهن أطهر النساء أمرن به ، ويكون هذا من فترة إلى أخرى .
والمحتسب في السوق يأمر المرأة أن تتحجب ، ويأخذ على أيدي السفيهات اللواتي لا يلتزمن بالحجاب الشرعي .
والكاتب للإذاعة أو الصحافة يشيد بالمجتمع الذي تتحجب نساؤه ، ويحذر من مغبة السفور ، وما وقع فيه الغرب من الانحراف في السلوك بسبب ذلك.
والذي يريد الزواج يسأل عن حجاب المرأة وتسترها ، فيقدم على الزواج من المتحجبة ، ويترك السافرة ، ويشاع أن زواجه كان لأجل أنها محجبة ممتثلة لأمر الشرع .
وإذا احترم الناس شعور المحجبة وأكرموها فسرعان ما يقدم الفتيات على الحجاب .
وفي المقابل يجب أن تُزدرى المرأة السافرة ، وينظر إليها باحتقار ، فلا تقدم لعمل ، ويوصى بعدم مساعدتها لهتكها ستر الله ، ويشترط عليها أن تتحجب ، ولو أن أفراد المجتمع فعلوا هذا لكان له تأثير بليغ في تحجب النساء ، مع إقامة الأدلة والإقناع بأن هذا واجب ، وإن ترك التحجب حرام ، وإن المرأة التي تقدم على السفور توصف بصفات الفاجرات ومشابهة الكافرات .
2 ـ الابتعاد عن الخلوة والاختلاط :
يجب أن يعرف أفراد المجتمع مغبة الخلوة بالأجنبية ، وخطر الاختلاط ، فيبتعدوا عن ذلك ، وبهذا تصان المرأة .
فإذا امتنع الرجل عن الخلوة بالمرأة، وابتعد عن المخالطة ساعد ذلك في صون المرأة .(5/54)
فمثلاً : لو أن صاحب سيارة الأجرة لم يحمل المرأة التي ليس معها محرم ممن ظاهرها محل للريبة ، وصاحب التجارة صمم سوقاً خاصاً بالنساء ، واختار له إدارة نسائية جيدة صالحة .
وكذا لو عزلت وزارة الصحة النساء عن الرجال ، فجعلت مراكز خاصة بهن ، واختارت الخبيرات الجيدات من النساء المسلمات ، وهن كثر .
وهكذا سائر المرافق المهمة التي تحتاجها المرأة ، لو حصل مثل هذا لقطع دابر الاختلاط في الأسواق ومحال التجمعات ، وأسهم المجتمع في إعفاف المرأة وصيانتها ، وهو أمر ميسور بإذن الله تعالى .
ولهذا نجد الإسلام نهى عن الخلوة بالأجنبية ، روى جابر - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : (( من كان يؤمن بالله واليوم الآخر ، فلا يخلون بامرأة ليس معها ذو محرم منها ، فإن ثالثهما الشيطان )) . (1)
وقد نقل غير واحد من أهل العلم الإجماع على تحريم الخلوة بالأجنبية ، وحذر الشارع من دخول الأقارب منفردين على المرأة ، قال - صلى الله عليه وسلم -: (( إياكم والدخول على النساء)) فقال رجل من الأنصار : يا رسول الله ! أفرأت الحمو؟ قال : (( الحمو الموت )) (2) وهو : أخو الزوج ، لأن خطره أكبر ، لتساهل الناس في دخول الأقارب على النساء ، ولكونه لا يستغرب دخوله، بخلاف الأجنبي البعيد .
ونجد الإسلام شرع التجمع للصلاة ، وأعفى المرأة من ذلك ، وبين أن بيتها خير لها . قال - صلى الله عليه وسلم - : (( الجمعة حق واجب على كل مسلم في جماعة إلا أربعة : عبد مملوك ، أو امرأة ، أو صبي ، أو مريض )) .(3)
__________
(1) أخرجه أحمد في المسند ( 1 / 18 و 26 ، 3 / 339 و 446 ) .
... وانظر صحيح سنن الترمذي - كتاب الرضاع ـ باب في كراهية الدخول على المغيبات ـ ح934 .
(2) رواه البخاري في صحيحه - كتاب النكاح ـ باب لا يخلون رجل بامرأة ـ ح 5232 .
(3) أخرجه أبو داود في السنن - كتاب الصلاة ـ باب الجمعة للمملوك والمرأة ـ ح1067 .(5/55)
وقال - صلى الله عليه وسلم - : (( لا تمنعوا نساءكم المساجد ، وبيوتهن خير لهن )) .(1)
وإذا حضرت المرأة الجماعة استحب لها التأخر في الصفوف ، لقوله - صلى الله عليه وسلم - :
(( وخير صفوف النساء آخرها ، وشرها أولها )) .(2)
وأمر الله أفضل النساء أمهات المؤمنين أن يقرن في بيوتهن ، وإذا لزم الخروج فلا بد من الحشمة والابتعاد عن الزينة، قال تعالى: { وقَرْنَ في بُيُوتِكُنَّ ولا تَبَرَّجنَ تبرُّجَ الجاهِلَيَّة الأُولَى } .(3)
ثم إن الرجل إذا كان بحق قواماً على المرأة فمنعها من الخروج إلا لحاجة أو ضرورة، وكان معها ، أو أقام عنه من أبنائه من يصحبها لحاجتها ، لو فعل الرجال ذلك وهو من حق المرأة على المجتمع ، لحفظت كرامة المرأة ، وسد طريق الفساد على شياطين الإنس والجن ، بإذن الله تعالى .
3 ـ حق المرأة في المحرم في السفر :
من التشريعات الوقائية التي شرعها الإسلام لحماية المرأة من التعرض للمخاطر والغواية : إيجاب المحرم في السفر .
وهذا حق للمرأة ، قال - صلى الله عليه وسلم - : (( لا يخلون رجل بامرأة إلا ومعها ذو محرم ، ولا تسافر المرأة إلا مع ذي محرم )) فقال رجل : يا رسول الله ! إن امرأتي خرجت حاجة ، وإني اكتتبت في غزوة كذا وكذا ، فقال : (( فانطلق فحج مع امرأتك )) .(4)
والمراد : مطلق السفر طال أو قصر ، قال النووي(5) رحمه الله تعالى :
(( ليس المراد من التحديد ظاهره ، بل ما يسمى سفراً ، فالمرأة منهية عنه إلا بمحرم، وإنما وقع التحديد عن أمر واقع فلا يعمل بمفهومه )) أ.هـ
__________
(1) رواه أحمد في المسند ( 2/76 ، 77 ) .
(2) رواه مسلم في صحيحه - كتاب الصلاة ـ باب تسوية الصفوف وإقامتها ـ ح440 ـ 1/326.
(3) سورة الأحزاب ، الآية ( 33 ) .
(4) أخرجه البخاري في صحيحه - كتاب النكاح ـ باب لا يخلون رجل بامرأة ـ ح5233 ـ الفتح 9/330 .
(5) شرح النووي على صحيح مسلم ( 9/103 ) .(5/56)
وقال الأستاذ محمد رشيد رضا : (( ومن يعلم أخبار الأسفار في هذه العصور ما يكون دائماً من تأثير اجتماع النساء بالرجال في البواخر ، والفنادق، فإنه يفقه من حكمة هذا النهي ، أن السفر الطويل والقصير سواء في عدم خروج المرأة مع غير ذي محرم )) (1).
4 ـ الاستئذان عند دخول البيت :
قال الله تعالى : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنوا لا تَدْخُلُوا بُيُوتَاً غَيْرَ بُيُوتِكِم حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلَى أَهْلِهَا ذَلِكُم خَيْرٌ لَكُم لَعَلَّكُم تَذَكَّرُون . فِإن لَمْ تَجِدُوا فَيهَآ أَحَدَاً فَلا تَدْخُلُوهَا حَتَّى يُؤذَنَ لَكُم وَإِنْ قِيلَ لَكُم ارْجِعُوا فَارْجِعُوا هُوَ أَزْكَى لَكُم وَاللهُ بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيم } .(2)
وقال - صلى الله عليه وسلم - : (( إنما جعل الاستئذان من أجل البصر )) .(3)
وكان ابن عمر رضي الله عنهما إذا بلغ ولده الحلم لم يدخل عليه إلا بإذنه.
وقال الله تعالى : { وَإذَا بَلَغَ الأَطْفَالُ مِنكُم الْحُلُمَ فَلْيَسْتَأْذِنُوا كَمَا اسْتَأْذَنَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِم } (4) .
فالصحابة رضوان الله عليهم يقفون عند نصوص القرآن والسنة ، ويطبقونها على حياتهم ، ولهذا نجحوا وأفلحوا .
5 ـ إعزازها ووضعها في المكانة اللائقة بها :
__________
(1) نداء للجنس اللطيف ( ص : 110 ) .
(2) سورة النور ، الآيتان ( 27 ، 28 ) .
(3) رواه البخاري في صحيحه - كتاب الاستئذان ـ باب الاستئذان من أجل البصر ـ ح6241 ـ فتح الباري 11 / 24 ، ومسلم في صحيحه أيضاً - كتاب الأدب ـ باب تحريم النظر في بيت غيره ـ ح2156 .
(4) سورة النور ، الآية ( 59 ) .(5/57)
وقد احترمها الإسلام ، وكفل لها حقها ، ورعايتها أماً ، وزوجةً ، وبنتاً ، وعضواً من أعضاء المجتمع ، فحرم دمها ، ومالها ، وعرضها إلا بحق الإسلام ، يقول - صلى الله عليه وسلم - : (( كل المسلم على المسلم حرام ، دمه وماله وعرضه )) (1)
ولها مسؤوليتها المستقلة عن أعمالها ، قال تعالى : { وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقُةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُما جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالاً مِنَ اللهِ } .(2)
ومن الحقوق التي يجب على المجتمع أن يحفظها للمرأة : عدم التعدي على أهليتها ، فلها حق التصرف فيما تملك { لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبُوا وَللِنِّسَآءِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبْنَ } (3) ، فلها كامل الحرية فيما تملك .
ولها أن تختار من يشاركها حياتها إذا كان من أهل الدين والخلق ، ولا يجوز أن تحول عادات المجتمع وتقاليده دون هذا الحق .
ولها أن تعيش حياة هانئة مستقرة آمنة ، وسلب المرأة شيئاً من حقوقها الاجتماعية لا يجوز ، وبالتالي فهو يعرض حياتها للخطر .
6 ـ ومن حقوقها على المجتمع : أن يكون البيت مملكة فسيحة عريضة ، تهنأ فيه المرأة وتسعد :
إن الأصل في وظيفة المرأة أن تكون في البيت ، وليس عليها في هذا غضاضة، إذ إن الحياة شركة بين الزوجين ، ولا بد في هذه الشركة من القيام بالمهام الملقاة على عاتق الزوجين ، فهناك تربية الأولاد ، وإعداد الطعام ، وتنظيم المنزل ، وتهيئته للسكن ، وكسب القوت .
__________
(1) رواه مسلم في الصحيح - كتاب البر ـ باب تحريم ظلم المسلم ـ ح2564 .
(2) سورة المائدة ، الآية ( 38 ) .
(3) سورة النساء ، الآية ( 32 ) .(5/58)
وبإمكان الرجل لقوته وصبره ومعرفته أن يقوم بالكسب من أي وجه من وجوهه بالحلال ، لكن المهام الأخرى وهي أعظم ، لا يستطيع أن يقوم بها إلا المرأة ، وكلها تكون في البيت ، فوظيفة المرأة إذاً أعظم تشريفاً وأهمية من وظيفة الرجل ، ولو لم يكن فيها إلا تربية الأولاد وتنشئتهم النشأة الإسلامية الصحيحة لكفى بها شرفاً للمرأة .
إن الأمة لديها القدرة على إنشاء المصانع العظيمة ، وتشييد ناطحات السحاب ، وإقامة حضارة مادية في جوانب متعددة ، لكنه من الصعب عليها بناية إنسان على عقيدة سليمة ، وتوجه صالح مصلح ، بينما هو مهيأ للأم في منزلها أن تربي أجيالاً من الذكور والإناث ، وتغرس في نفوسهم الإيمان بالله تعالى ، وتسقي ذلك الغرس بالتربية والتعليم والتوجيه ، وفق كتاب الله تعالى وسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم - وسيرته العطرة ، فإن الأولاد بين يدي المرأة كالعجينة ، والمواد الخام تستطيع أن تصنع منهم مع توفيق الله تعالى ما شاءت ، ومن شب على شيءٍ شاب عليه ، وقليل أولئك الذي ينشئون نشأة إسلامية صحيحة على أصول عقدية سليمة ، ثم ينحرفون في الكبر .
فلماذا نقلل من دور المرأة ومكانتها ، وتعلو الصرخات بأنها طاقة معطلة ؟ وقد رأينا أن عملها في البيت أهم وأشرف وأشق .وهذا لا يمنع من خروج المرأة لقضاء الحاجة بالضوابط الشرعية ، فقد جاء في السنة الصحيحة ما يؤيد ذلك ، قال - صلى الله عليه وسلم - : (( قد أذن الله لكن أن تخرجن لحوائجكن )) .(1)
__________
(1) متفق عليه : أخرجه البخاري في صحيحه - كتاب النكاح ـ باب خروج النساء لحوائجهن ـ ح5237 ـ الفتح 9 / 337 .(5/59)
وقد يكون الخروج لضرورة شرعية ، كعمل لا بد منه دون اختلاط أو تبرج ، فيصبح البقاء في مسؤولية البيت هو الأصل ، والخروج للحاجة الملحة أو الضرورة الشرعية استثناء ، ويكفي في ذلك قول الله تعالى: { وَقرْنَ في بُيُوتِكُنَّ } (1)، وقوله - صلى الله عليه وسلم - : (( والمرأة راعية في بيت زوجها ، ومسؤولة عن رعيتها )) .(2)
إن خروج المرأة للعمل بغير عذر شرعي بحيث لا يصل درجة الحاجة أو الضرورة يتنافى مع الفطرة التي فطر الله المرأة عليها ، ويعطل أسمى وظيفة خلق الله المرأة لتقوم بها ، ويضيع عليها حقاً اجتماعياً اكتسبته بمقتضى طبيعتها وتكوينها ، مهما يبرر ذلك دعاة الاختلاط ، ويكفي في الرد عليهم : شهادة نساء غربيات ممن نصبن أنفسهن للدفاع عن المرأة :
تقول فيليسي ماكنجلي - وهي كاتبة أمريكية - في مقال لها بعنوان
( البيت مملكة المرأة بدون منازع ) تقول : (( إنني أصر على أن للنساء أكثر من حق في البقاء كربات بيوت ، وإنني أقدر مهنتنا وأهميتها في الحقل البشري، إلى حد أني أراها كافية لأن تملأ الحياة والقلب )) .(3)
7 ـ تعداد الزوجات حق من حقوق المرأة على المجتمع المسلم :
كان قدماء اليونان الأثينيون يبيعون النساء في الأسواق ، ويبيحون التعدد بغير حساب ، وكذا عند الأوربيين ، واشتهر عند الجرمانيين زمن ناسيت ، وفشا في الرومان فعلاً لا قانوناً ، ثم أباحه بعض البابوات لبعض ملوك الإفرنج، كشرلمان ملك فرنسا ، الذي كان معاصراً للمهدي والرشيد . (4)
__________
(1) سورة الأحزاب ، الآية ( 33 ) .
(2) أخرجه البخاري في مواضع من صحيحه ، منها : كتاب الجمعة ـ باب الجمعة في القرى والمدن ـ ح892 ـ الفتح 2 / 379 ، ومسلم في صحيحه - كتاب الإمارة ـ باب فضيلة الإمام العادل ـ ح1829 ـ 3/1459 .
(3) الإسلام والمرأة المعاصرة للخولي ( ص : 225 ) .
(4) انظر : نداء للجنس اللطيف ، للشيخ محمد رشيد رضا ( ص : 35 ) .(5/60)
وكان الإسرائيليون يعددون ، والعرب يعددون بغير حساب ، حتى إن الرجل ليجتمع تحته عشر نسوة ، وقد ثبت في السنة الصحيحة (1) : أن سليمان ابن داود عليه السلام كان تحته أكثر من ستين امرأة ، وهو من أنبياء بني إسرائيل .
فإيهام الناس أن الدين الإسلامي هو الذي أنشأ تعدد الزوجات غير صحيح، لكنه مع إباحته التعدد ضبطه بالضوابط الشرعية الدقيقة .
ومن ذلك :
أولاً : إن الإسلام لم يوجب التعدد ، بل أباحه ، وندب إلى تركه عند خوف الحيف ، قال تعالى : { وَإِن خِفْتُم أَن لا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُم } (2) .
ثانياً : حَدَّه بأربع ، بينما كان قبل الإسلام بدون تحديد ، ولعل الشارع لحظ قدرة الرجل .
ثالثاً : أوجب فيه العدل ، قال - صلى الله عليه وسلم - : (( من كانت له امرأتان فمال إلى إحداهما، جاء يوم القيامة وشقه مائل )) .(3)
والعدل إنما هو في النفقة والمبيت ، لا فيما تميل إليه النفس ، قال - صلى الله عليه وسلم - :
(( اللهم هذا قسمي فيما أملك ، فلا تلمني فيما لا أملك )) .(4)
وأوجب بعض الفقهاء العدل حتى في الوطء ، والابتسامة ، وفي كل ما يستطيعه الرجل ، وقد أخبر الله سبحانه وتعالى أن الإنسان مهما كان لا بد أن يقع في الميل بطبيعته، فأرشده إلى الوقوف عند حد معين : { فَلا تَمِيلُوا كُلَّ الْمَيْلِ فَتَذَرُوهَا كَالمُعَلَّقة } .(5)
__________
(1) رواه مسلم في الصحيح - كتاب الأيمان ـ باب الاستثناء في اليمين ـ ح1654 .
(2) سورة النساء ، الآية ( 3 ) .
(3) صحيح سنن أبي داود - كتاب النكاح ـ باب في القسم بين النساء ـ ح1867 ـ الفتح 2/400 .
(4) رواه أبو داود ( كما سبق ـ ح2134 ) ولم يذكره الشيخ الألباني في صحيح السنن .
(5) سورة النساء ، الآية ( 129 ) .(5/61)
ولعل الناظر في أسباب التعدد ينصف الإسلام ، فقد تكون المرأة مريضة ، أو عقيماً، أو مشغولة عن وظيفتها الأساسية ، مع ما يعتريها من حالات طارئة كالحيض والنفاس ، تحتاج إلى من يخدمها ويقدم لها يد العون ، ويكون الرجل كذلك محتاجاً لمن يقوم بحاجاته ، وقد أثبتت الدراسات في علم إحصاء السكان أن الرجال أكثر تعرضاً للموت من النساء ، وأهم الأسباب : قيام الحروب الطاحنة .
إن هذه الأسباب وغيرها كافية بأن تجعلنا نقول : التعدد في المجتمع الإسلامي حق اجتماعي للمرأة قبل الرجل ، وحل لكثير من المشكلات الزوجية ، حيث يرفع المرأة إلى شرف الزوجية ، وأمان في البيت ، وضمانة الأسرة ، وتأمين الطفولة .
ويرفع الرجل عن لوثة الجريمة ، وقلق الإثم ، وعذاب الضمير .
بل يرفع المجتمع من داء الفوضى ، واختلاط الأنساب ، وقذارة الفحشاء ، وينشأ في الأمة نسل نظيف ، سليم طاهر ، وإحصان لأكثر أفراده من النساء والرجال ، وبهذا تعيش الأمة كلها في سعادة وهناء .
المبحث الثالث : الحقوق المشتركة :
وفيه مسائل :
المسألة الأولى : حسن العشرة والمعاشرة :
قال الله تعالى : { وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرِوفِ فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَن تَكْرَهُوا شَيْئَاً وَيَجْعَلَ اللهُ فِيهِ خَيْرَاً كَثِيرَاً } .(1)
وقال تعالى : { وَمنْ آيَاتِهِ أَن خَلَقَ لَكُم مِّن أَنفُسِكُم أَزْوَاجَاً لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَوَدَّة وَرَحْمَةً } .(2)
وقال الله تعالى : { وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيهِنَّ بِالمعْرُوفِ وَللرِّجَالِ عَلَيهِنَّ دَرَجَةً } .(3)
__________
(1) سورة النساء ، الآية ( 19 ) .
(2) سورة الروم ، الآية ( 21 ) .
(3) سورة البقرة ، الآية ( 228 ) .(5/62)
ذكر ابن جرير رحمه الله تعالى عن الضحاك في تفسير قوله تعالى : { وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيهِنَّ بِالمعْرُوفِ } قال : (( إذا أطعن الله وأطعن أزواجهن ، فعليه أن يحسن صحبتها ، ويكف عنها أذاه ، وينفق عليها من سعته .
وأجمل ابن زيد ذلك في التقوى فقال : معناه يتقون الله فيهن كما عليهن أن يتقين الله فيهم .
وقال ابن عباس رضي الله عنهما : إني أحب أن أتزين للمرأة ، كما أحب أن تتزين لي، لأن الله تعالى يقول: { وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيهِنَّ بِالمعْرُوفِ } )) .(1) أ.هـ
وقال رحمه الله تعالى في تفسير قوله تعالى : { وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرِوفِ } :
(( وخالقوا أيها الرجال نساءكم ، وصاحبوهن بالمعروف ، يعني بما أمرتكم به من المصاحبة ، وذلك إمساكهن بأداء حقوقهن التي فرض الله جلَّ ثناؤه لهن عليكم إليهن ، أو تسريح منكم لهن بإحسان )) .(2) أ.هـ
وقال - صلى الله عليه وسلم - : (( لا يَفْرك مؤمنٌ مؤمنة ، إن كره منها خلقاً رضي منها
آخر )) .(3)
وقال - صلى الله عليه وسلم - : (( استوصوا بالنساء خيراً )) .(4)
وقال - صلى الله عليه وسلم - : (( اتقوا الله في النساء ، فإنهن عوان عندكم )) .(5)
والحديث الذي روته عائشة رضي الله عنها المشهور بحديث أم زرع ، وفي آخره قال - صلى الله عليه وسلم - : (( كنت لكِ كأبي زرع لأم زرع )) .(6)
__________
(1) تفسير ابن جرير الطبري بجامع البيان ( 2/453 ) .
(2) المصدر السابق ( 4/312 ، 313 ) .
(3) صحيح مسلم - كتاب الرضاع ـ باب الوصية بالنساء ـ ح1469 .
(4) أخرجه البخاري في صحيحه - كتاب النكاح ـ باب الوصاة بالنساء ـ ح5185 ، ومسلم في - كتاب الرضاع ـ باب الوصية بالنساء ـ ح1468 .
(5) رواه أحمد في مسنده ( 5/73 ) .
(6) أخرجه البخاري في صحيحه - كتاب النكاح ـ باب حسن المعاشرة مع الأهل ـ ح5189 ـ الفتح 9 / 254 .(5/63)
وروت عائشة رضي الله عنها عنه - صلى الله عليه وسلم - أنه كان يسترها وهي تنظر إلى الحبشة يلعبون بحرابهم في المسجد ، قالت : فما زلت أنظر حتى كنت أنا أنصرف، فاقدروا قدر الجارية الحديثة السن تسمع اللهو .(1)
وروى أبو هريرة - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (( لا تصوم المرأة وبعلها شاهد إلا بإذنه)).(2)
وعنه - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : (( إذا دعا الرجل امرأته إلى فراشه فأبت أن تجيء لعنتها الملائكة حتى تصبح )) (3) ، وفي لفظ : (( حتى ترجع )) .
وعن ابن عباس رضي الله عنهما : أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : (( رأيت النار ، فلم أر كاليوم منظراً قط ، ورأيت أكثر أهلها النساء )) قالوا : لم يا رسول الله ؟ قال : (( بكفركن )) قيل : يكفرن بالله ؟ قال : (( يكفرن العشير ، ويكفرن الإحسان ، لو أحسنت إلى إحداهن الدهر ، ثم رأت منك شيئاً قالت: ما رأيت منك خيراً قط )) .(4)
وحديث عبد الله بن زمعة - رضي الله عنه - ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : (( لا يجلد أحدكم امرأته جلد العبد ، ثم يجامعها في آخر اليوم )) .(5)
وحديث أسماء بنت أبي بكر الصديق رضي الله عنهما قالت: تزوجني الزبير وماله في الأرض من مالٍ ولا مملوكٍ ولا شيء غير ناضح وغير فرسه ، فكنت أعلف فرسه وأستقي الماء ، وأخرز غَرْبه (6)
__________
(1) المصدر السابق ( ح5190 ) .
(2) المصدر السابق ( ح5192 ) .
(3) المصدر السابق ( ح5194 ) .
(4) المصدر السابق ( ح5197 ) .
(5) المصدر السابق ( ح5204 ) .
(6) قال الحافظ في الفتح : (( هي بفتح المعجمة ، وسكون الراء ، بعدها موحدة : هي
الدلو )) ( فتح الباري 9/323 ) .
... وقال ابن الأثير : (( الغرب بسكون الراء : الدلو العظيمة التي تتخذ من جلد ثور )) .
( النهاية في غريب الحديث والأثر 3 / 349 ) .(5/64)
، وأعجن ، ولم أكن أحسن أخبز ، وكان يخبز جارات لي من الأنصار ، وكن نسوة صدق ، وكنت أنقل النوى من أرض الزبير التي أقطعه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على رأسي ، وهي مني على ثلثي فرسخ ، فجئت يوماً والنوى على رأسي ، فلقيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ومعه نفر من الأنصار ، فدعاني ، ثم قال : (( إخ إخ )) ليحملني خلفه ، فاستحييت أن أسير مع الرجال ، وذكرت الزبير وغيرته - وكان أغير الناس - فعرف رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أني قد استحييت فمضى ، فجئت الزبير فقلت : لقيني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وعلى رأسي النوى، ومعه نفر من الأنصار ، فأناخ لأركب ، فاستحييت منه ، وعرفت غيرتك ، فقال: والله لحملك النوى كان أشد عليّ من ركوبك معه ، قالت : حتى أرسل إليّ أبو بكر بعد ذلك بخادم تكفيني سياسة الفرس ، فكأنما أعتقني .(1)
وفي الحديث ، قال - صلى الله عليه وسلم - : (( إذا جامع الرجل أهله فليصدقها ، ثم إذا قضى حاجته فلا يعجلها حتى تقضي حاجتها )) .(2)
وقال - صلى الله عليه وسلم - : (( فاتقوا الله في النساء ، فإنكم أخذتموهن بأمان الله ، واستحللتم فروجهن بكلمة الله ، ولكم عليهن: أن لا يوطئن فرشكم أحداً تكرهونه ، فإن فعلن ذلك فاضربوهن ضرباً غير مبرح، ولهن عليكم رزقهن وكسوتهن بالمعروف )) .(3)
وحديث : سابق النبي - صلى الله عليه وسلم - عائشة ، فسبقته مرة ، ثم سبقها في أخرى ، فقال : (( هذه بتلك )) .(4)
__________
(1) رواه البخاري في : كتاب النكاح ـ باب الغيرة ـ ح5224 ـ الفتح 9 / 319 - 320.
(2) أخرجه عبد الرزاق في المصنف - كتاب النكاح ـ باب القول عند الجماع ، وكيف يصنع؟ 6/194 .
(3) رواه مسلم في صحيحه - كتاب الحج ـ باب حجة النبي - صلى الله عليه وسلم - ـ ح1218 ـ 2/890 .
(4) رواه أحمد في المسند ( 6/264 ) ، وأبو داود في السنن - كتاب الجهاد ـ باب في السبق على الرجل ـ ح2578 .
... وصححه الشيخ الألباني ، انظر : صحيح سنن أبي داود ( ح2248 ) .(5/65)
مما سبق من النصوص وغيرها من النصوص الأخرى يتبين أن الشريعة الإسلامية دعت إلى حسن العشرة ، ولطف المعاشرة ، ولا تكون المعاشرة بالمعروف بين الزوجين إلا إذا تحققت الأمور التالية :
1 ـ أن يتقي الله كل من الزوجين ، فهي الباعث على إعطاء الحقوق وأخذ الواجبات ، وتحقيق الإنصاف .
2 ـ أن يتعرف كل منهما ماله من حق ، وما عليه من واجب ، حتى لا يطلب أكثر من حقه ، ولا يظلم بترك واجب عليه .
3 ـ الصبر على النقص مع التسديد والمقاربة ، فالنقص من صفات بني آدم.
4 ـ الرد عند النزاع إلى ميزان الشرع ، وعند النفور إلى من يحكمه القاضي بين الزوجين، والرضا بحكم الحكمين { إِن يُّرِيدَا إِصْلاحَاً يُوَفِّقِ اللهُ بَيْنَهُمَا } .(1)
5 ـ وإذا استحكم الخلاف، ولم يكن بد من المفارقة فالطلاق علاج يستخدم في الوقت المناسب، وليكن بإحسان { وإن يتفرقا يغن الله كلاً من سعته } (2) ، ثم التسامح ، فلا يذكر أحدهما الآخر إلا بخير ، وليستر على ما رأى من عيبٍ .
ولعلي أوجز حقوق كل من الزوجين على الآخر :
أ / حقوق الزوج على زوجته :
1 ـ القوامة : قال الله تعالى : { الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَآءِ بِمَا فَضَّلَ اللهُ بَعْضَهُم عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مَنْ أَمْوَالِهِم } .(3)
2 ـ وجوب طاعته في غير معصية الله : قال - صلى الله عليه وسلم - : (( لو كنت آمراً أحداً أن يسجد لأحد لأمرت الزوجة أن تسجد لزوجها )) (4)
__________
(1) سورة النساء ، الآية ( 35 ) .
(2) سورة النساء ، الآية ( 130 ) .
(3) سورة النساء ، الآية ( 34 ) .
(4) رواه أبو داود في السنن - كتاب النكاح ـ باب حق الزوج على المرأة ـ ح2140 .
... وانظره في صحيح سنن أبي داود ( رقم 1873 ) .(5/66)
، مع قوله - صلى الله عليه وسلم -: (( إنما الطاعة في المعروف )).(1)
3 ـ أن تستأذنه إذا احتاجت للخروج، مهما كانت الحاجة ، للإجماع على ذلك.
4 ـ أن لا تطلب فوق حاجتها ، ولا تكلفه إلا ما يطيق .
5 ـ أن لا تصوم تطوعاً إلا بإذنه ، وقد تقدم نهيه - صلى الله عليه وسلم - عن ذلك.
6 ـ لا تنفق من مال زوجها إلا بإذنه ، إلا ما جرت العادة بالتعافي عنه ، والأصل في النهي : قوله - صلى الله عليه وسلم - : (( لا تنفق امرأة من بيت زوجها إلا بإذنه )) ، قيل : يا رسول الله ولا الطعام ؟ قال : (( ذلك أفضل أموالنا )) .(2)
7 ـ إدخال السعادة عليه من إظهار البشر ، والتواضع له ، وعدم الافتخار عليه بجمال أو مال أو علم أو حسب أو منصب ، ولو كانت أعلى منه .
ب / حقوق المرأة على زوجها :
1 ـ الإنفاق عليها بقدر حاجتها بالمعروف ، ويشمل : المطعم، والملبس ، والمشرب ، والسكنى ، على الموسع قدره وعلى المقتر قدره .
2 ـ تعليمها أمور دينها ، وما تحتاجه إليه من العلم الضروري الذي لا بد منه .
3 ـ ستر العيوب ، وكتم الأسرار ، وبخاصة : ما يحدث من إفضاء بين الزوجين .
4 ـ تحمل أذاها والصبر عليها، فإن كره منها خلقاً لعله يرضى منها غيره.
5 ـ توفير أسباب الراحة ، وإدخال السرور بالمزاح بالحق على الزوجة ، لئلا تستوحش .
6 ـ دوام الوعظ والإرشاد والتوجيه ، لما يقربها من الحق ، ويبعدها عن الباطل : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا آنفَسُكَمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارَاً .. } .(3)
__________
(1) رواه البخاري في صحيحه - كتاب الأحكام ـ باب السمع والطاعة للإمام ـ ح7145 ـ 13/130 ) ، ومسلم في كتاب الإمارة ـ باب وجوب طاعة الأمراء في غير معصية ـ ح1834 ـ 3/1465 .
(2) رواه الترمذي في سننه - كتاب الزكاة ـ باب نفقة المرأة من بيت زوجها ـ ح673 .
... وذكره الألباني في صحيحه ( رقم 538 ) .
(3) سورة التحريم ، الآية ( 6 ) .(5/67)
7 ـ أن يغار عليها ، لقوله - صلى الله عليه وسلم - : (( أتعجبون من غيرة سعد ؟ أنا والله أغير منه ، والله أغير مني )) .(1)
8 ـ حفظ مالها ، وأن لا يتصرف في شيء منه إلا بإذنها .
9 ـ العدل إذا كان معه أكثر من زوجة .
... 10ـ تسهيل أمر الحج الواجب عليها .
ج / الحقوق المشتركة :
1 ـ أن يراعي كل منهما الأدب مع صاحبه .
2 ـ أن يسعى كل منهما إلى تهوين ما يصيب الآخر ، أو ما قد يصيبهما معاً .
3 ـ التناصح ، والتآمر بالمعروف ، والتناهي عن المنكر ، مع حسن الأدب.
4 ـ المشاركة في العسر واليسر ، والسعة والضيق .
5 ـ التعاون على تربية الأولاد ، وحل المشكلات .
6 ـ المشاركة في أعمال المنزل .
المسألة الثانية : التعاون على البر والتقوى :
قال الله تعالى : { وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللهَ إِنَ اللهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ } .(2)
والبر : حسن الخلق ، وهو ما اطمأن إليه القلب ، وهو عكس الإثم .
والبر كلمة جامعة لكل خير ، كما أن الإثم كلمة جامعة لكل شر .
قال الماوردي رحمه الله حول معنى الآية : (( ندب الله سبحانه إلى التعاون بالبر ، وقرنه بالتقوى له ؛ لأن في التقوى رضى الله ، وفي البر رضى الناس ، ومن جمع بين رضى الله تعالى ورضى الناس فقد تمت سعادته ، وعمت نعمته )) .(3)
__________
(1) رواه البخاري في الصحيح - كتاب اللعان ـ باب الغيرة ـ 9/319 الفتح ، ومسلم في الصحيح - كتاب اللعان ـ ح1489 ـ 2/1135 .
(2) سورة المائدة ، الآية ( 2 ) .
(3) نقله عنه القرطبي في تفسيره ( 6/46 ) .(5/68)
وسأل عمر - رضي الله عنه - رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال : يا رسول الله ! أي المال نتخذ ؟ فقال : (( ليتخذ أحدكم قلباً شاكراً ، ولساناً ذاكراً ، وزوجة مؤمنةً تعين أحدكم على أمر الآخرة )).(1)
والشاهد : قوله - صلى الله عليه وسلم - : (( وزوجة مؤمنة تعين أحدكم على أمر الآخرة )) ، لأن الآخرة هي دار المقر ، والسعادة فيها لا يعدلها سعادة ، كما أن الشقاوة فيها لا يعدلها شقاء أبداً.
والمرأة الصالحة إذا أعانت زوجها ، وأعانها زوجها على أمر الآخرة وهي غيب ، فمن باب أولى أن يتعاونا على أمر الدنيا ، بل إن من صلاح الآخرة إصلاح أمر الدنيا وفق ما شرع الله تعالى .
وروى جابر بن عبد الله - رضي الله عنه - : أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : (( انصر أخاك ظالماً أو مظلوماً، إن كان ظالماً فلينهه فإنه له نصر، وإن كان مظلوماً فلينصره )) .(2)
وإن من أعظم أنواع التعاون على البر والتقوى : كف الظالم عن ظلمه ، ونهيه عن غيه ، وتذكيره بقدرة الله عليه ، وتخويفه من عاقبة الظلم ، فإن عاقبته وخيمة ، ولهذا كانت دعوة المظلوم مستجابة ولو بعد حين .
ومن التعاون على البر والتقوى : أن يسود بين الزوجين التواد والتراحم والتعاطف، والبعد عن العنجهية والتعالي ، الذي يحمل صاحبه على القسوة والجفاء، قال - صلى الله عليه وسلم - : (( مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم مثل الجسد ، إذا اشتكى منه عضوٌ تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى )) .(3)
__________
(1) أخرجه ابن ماجة في سننه ، وذكره الشيخ الألباني في صحيح ابن ماجة - كتاب النكاح ـ باب أفضل النساء ـ ح1505 .
(2) رواه مسلم في الصحيح - كتاب الصلة ـ باب نصر الأخ ظالماً أو مظلوماً ـ ؛2584 .
(3) رواه مسلم - كتاب البر ـ باب تراحم المؤمنين وتعاطفهم وتعاضدهم ـ ح2586 .(5/69)
وإن مما يحقق التعاون على البر والتقوى أن يكون منطلق التعامل بين الزوجين هو الأخوة في الله ، فالمسلم أخو المسلم ، لا يظلمه ولا يسلمه ولا يخذله، ومن كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته .
إن التعامل على أساس الأخوة في الله لا يلغي أن تكون القوامة والإدارة بيد الرجل، ولا أن تستأسد المرأة إذا وجدت جانب اللين والرفق من الزوج ، لكن أن يعلم كل منهما أن هذه شركة حياة ، وكلما دعمت هذه الشركة بدعائم قوية كلما تماسكت ونجحت وكسبت أكثر ، ولا يمكن أن تتحقق الأخوة في الله إلا إذا كان الحب من أجل الله ، والبغض من أجله ، والعطاء لله ، والمنع لله ، وهنا يستكمل الإيمان .
ولا يمكن أن يحصل التعاون على البر والتقوى إلا إذا بنيت العلاقة في المنزل على أمر الاستقامة على شرع الله ، وكيف يحصل التعاون في بيت يعج بالمخالفات الشرعية ؟ كيف تكون السكينة في المنزل ومزامير الشيطان ليل نهار في أنحاء المنزل ؟
وبنظرة عادلة نجد أن البيوت التي يتلى فيها القرآن ، وتقام فيها السنة أكثر استقراراً وهدوءاً ، وأن البيوت التي لا يتلى فيها القرآن ، وتهجر فيها السنة ، وتكثر أجهزة الفساد وأسبابه سرعان ما تنهدم .
ولست أرى السعادة جمع مال ولكن التقي هو السعيد
ومن التعاون على البر والتقوى : تعاون الزوجين في حقل الدعوة إلى الله تعالى .(5/70)
ولعل الأصل في ذلك : ما رواه عروة بن الزبير عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: أول ما بدئ به رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من الوحي الرؤيا الصالحة في النوم، فكان لا يرى رؤيا إلا جاءت مثل فلق الصبح ، ثم حبب إليه الخلاء ، وكان يخلو بغار حراء فيتحنث فيه - وهو التعبد - الليالي ذوات العدد ، قبل أن ينزع إلى أهله ويتزود لذلك ، ثم يرجع إلى خديجة فيتزود لمثلها ، حتى جاءه الحق وهو في غار حراء ، فجاءه الملك فقال : اقرأ ، قال : (( ما أنا بقارئ )) ؟ قال : (( فأخذني ، فغطني حتى بلغ مني الجَهْد ، ثم أرسلني ، فقال : اقرأ ، قلت : ما أنا بقارئ ؟ فأخذني فغطني الثانية حتى بلغ مني الجهد ، ثم أرسلني فقال : اقرأ ، فقلت : ما أنا بقارئ ؟ فأخذني فغطني الثالثة ، ثم أرسلني فقال :
{ اِقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِيْ خَلَقَ - خَلَقَ الإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ - اِقْرَأْ وَرَبُّكَ الأَكْرَمُ } )) ، فرجع بها رسول الله يرجف فؤاده ، فدخل على خديجة بنت خويلد رضي الله عنها ، فقال: (( زملوني زملوني )) فزملوه حتى ذهب عنه الروع ، فقال لخديجة وأخبرها الخبر : (( لقد خشيت على نفسي )) ، فقالت : كلا والله ، ما يخزيك الله أبداً ، إنك لتصل الرحم ، وتحمل الكل ، وتكسب المعدوم ، وتقري الضيف ، وتعين على نوائب الحق . فانطلقت به خديجة حتى أتت به ورقة بن نوفل بن أسد بن عبد العزى -ابن عم خديجة - وكان امرأً تنصر في الجاهلية ، وكان يكتب الكتاب العبراني ، فيكتب من الإنجيل بالعبرانية ما شاء الله أن يكتب، وكان شيخاً كبيرً قد عمي ، فقالت له خديجة : يا ابن عم ! اسمع من ابن أخيك ، فقال له ورقة : يا ابن أخي ماذا ترى ؟ فأخبره رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خبر ما رأى ، فقال له ورقة : هذا الناموس الذي نزل الله على موسى ، يا ليتني فيها جذعاً ، ليتني أكون حياً إذ يخرجك قومك ، فقال - صلى الله عليه وسلم - : (( أوَ مخرجي هم ))(5/71)
؟ قال: نعم ، لم يأت رجل قط بمثل ما جئت به إلا عودي ، وإن يدركني يومك أنصرك نصراً مؤزراً ، ثم لم ينشب ورقة أن توفي، وفتر الوحي .(1)
فمن الحديث السابق نستفيد من موقف أم المؤمنين خديجة رضي الله عنها مؤازرة النبي - صلى الله عليه وسلم - ، ويظهر ذلك في أمور :
الأول : تزميل النبي - صلى الله عليه وسلم - برداء العطف والحنان ، ثم لفه بما يدفئه ويذهب عنه روعه، وهذا من الاستقبال المتميز ، بخلاف ما لو قابلته بالتعنيف والمحاسبة .
الثاني : تلك الكلمات العظيمة من امرأة لم تكن تعرف الإسلام ، ولكنها تعرف مكارم الأخلاق ، فتتوسم في محمد - صلى الله عليه وسلم - أنه سيحيي تلك المكارم، وهي : صلة الأرحام ، وتحمّل الكل أي : الذي لا يستقل بأمره ، بل يحتاج إلى من يحمله، وإكساب المعدوم ، وهو الفقير يعطيه حتى يستغني عن الناس ، وإقراء الضيف ، فيؤدي حق الضيافة ، ثم تختم ذلك بكلمة جامعة لكل خير : وتيعن على نوائب الحق ، ما ذكر ومما لم يذكر .
الثالث : الاستثبات من أهل العلم ، والرجوع إليهم في الملمات ، وكانت خديجة رضي الله عنها تعرف لابن عمها ورقة بن نوفل التنسك والتعبد، بعيداً عن شرك قريش ، واتباع أهل الكتاب الذين لم يحرفوا ولم يبدلوا ، بدليل أنه لما قصّ عليه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ما رأى وما سمع ، بشّره بأن ذلك هو الوحي الذي كان ينزل به جبريل على الأنبياء ، كموسى عليهم السلام .
وقد ثبت في الأخبار الصحيحة أن خديجة رضي الله عنها واست النبي - صلى الله عليه وسلم - بنفسها ومالها ، ووقفت معه ليبلغ دين الله تعالى ، حتى توفاها الله تعالى ، ولهذا كانت عائشة رضي الله عنها تغار من كثرة ذكره - صلى الله عليه وسلم - لخديجة ، مع ثنائه على عائشة وتشبيهها في الفضل على النساء بالثريد المفضل على سائر الطعام .
__________
(1) أخرجه الإمام البخاري في صحيحه - كتاب بدء الوحي ـ ح3 ـ الفتح 1/22 .(5/72)
إن حياة النبي - صلى الله عليه وسلم - كلها جهاد ، جهاد مع نفسه ، ومع أهله ، ومع قومه بالبيان والحجة ، ثم بالسنان واليد ، يعلم الجاهل ، ويرشد الحيران ، ويبين الحق، ويجد من أهله ونسائه ما يعينه على ذلك .
ومن أراد أن يكون بيته وأهله بيت دعوة وتعاون على نشر الخير ، فلا بد من مراعاة أمور :
1- إيجاد مناخ إسلامي في البيت يكون الاحتكام فيه بين الرجل والمرأة ، كتاب الله وسنة رسوله وسيرته العطرة عليه أفضل الصلاة والسلام .
2- العمل على وجود منهج فكري متدرج ، يساهم في بناء شخصية المرأة المسلمة الواعية ، ولعل من أبرز خصائصه : الشمول والتكامل ، بحيث يلبي حاجات المرأة ، وتحديات العصر ، ومقتضيات الواقع المحيط بالبيت .
3- أن يكون المنهج السلوكي متنامياً على طاعة الله تعالى ، يزيد ولا ينقص ، يوماً بعد يوم .
4- غرس اليقظة المستمرة لمراقبة الله تعالى بين الزوجين ، فكلما غفل عنها أحدهما ذكره الآخر ، ليكون ذلك دافعاً قوياً للعمل في مجال الدعوة داخل الأسرة وخارجها .
5 ـ التضحيات من الزوجين ، من جانب الوقت ، ومن جانب بعض الحقوق وتهيئة النفس لما يحدث من مخاطر في سبيل نشر الدعوة إلى الله تعالى .
وكل ذلك يكون بقدر الحاجة مع الدراسة الواعية ، والتسديد والمقاربة والاحتساب ، فيما يقدمه كل واحد منهما للآخر سواء في جانب المساعدة ، أو في جانب التضحية .
6- أن يكون عملهما منسقاً ، مبرمجاً يحقق أهدافه ، ولا يذهب أدراج الرياح.
المسألة الثالثة : التوارث :
قال الله تعالى : { لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الوَالِدَانِ وَالأقْرَبُونَ وَللنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الوَالِدَانِ وَالأقْرَبُونَ مِمَّا قَلَّ مِنْهُ أَوْ كَثُرَ نَصِيبَاً مَفْرُوضَاً } .(1)
__________
(1) سورة النساء ، آية ( 7 ) .(5/73)
وقال تعالى : { يُوصِيكُمُ الله في أَوْلادِكُم لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأنْثَيَينِ فَإِنْ كُنَّ نِسَآءً فَوقَ اثْنَتَينِ فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَ وَإِن كَانَتْ وَاحِدَةً فَلَها النِّصْفُ .. } الآية(1) .
وقال تعالى : { وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوَاجُكُم إِن لَّمْ يَكْن لَّهُنَّ وَلَدٌ فَإِن كَانَ لَهُنَّ وَلُدٌ فَلَكُم الرُّبْعُ مِمَّا تَرَكْنَ مِن بَعدِ وَصِيَّةٍ يُوصِينَ بِهَآ أَو دَيْنٍ وَلَهُنَّ الرُّبعُ مِمَّا تَرَكْتُم إِن لَّمْ يَكُن لَكُم وَلدٌ فَإنْ كَانَ لَكُم وَلدٌ فَلَهُنَّ الثُّمُن مِمَّا تَرَكْتُم مِن بَعْدِ وَصِيَّةٍ تُوصُونَ بِهآ أَوْ دَيْنٍ ... } الآية .(2)
وقال تعالى : { يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ الله يُفْتِيكُم في الْكَلالةِ إِن امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلدٌ وَلَهُ أُخْتٌ فَلَها نِصْفُ مَا تَرك وَهُو يَرِثُهآ إن لَّم يَكن لَّهَا وَلد فَإن كَانَتَا اثْنَتينِ فَلهُمَا الثُّلثَانِ مِمَّا تَركَ وَإن كَانُوآ إِخْوَةً رِجَالاً وَنِسَآءً فَللذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الانْثَيينِ يُبَيِّنُ الله لَكُم أَن تَضِلُّوا وَالله بِكُلِّ شَيءٍ عَلِيمٍ } .(3)
فصلت هذه الآيات الكريمات ، والمعدودات من سورة النساء أحكام الميراث للذكور والإناث ، ونحن نؤمن بذلك ونسلم له ، ولا يشك في هذا إلا صاحب زيغ وردة، والعياذ بالله .
ولأهمية المواريث تولاها الله بنفسه ، وحدد نصيب كل وارث في كتابه العزيز ، ولم تضف السنة إلا بعض الأحكام اليسيرة ، وهي فيما صح منها كالقرآن في وجوب العمل به ، وهذا فضل الله تعالى .
والذي يهمني هنا أن أبين الحكمة الشرعية من الميراث ، ثم أجيب على التساؤل الذي يثار من وقت إلى آخر وهو : لماذا كانت المرأة في الميراث على النصف من الرجل ؟
__________
(1) سورة النساء ، الآية ( 11 ) .
(2) سورة النساء ، الآية ( 12 ) .
(3) سورة النساء ، الآية ( 176 ) .(5/74)
أما الحكمة من الميراث ، وتوزيع الشارع للمواريث بحسب أسباب الإرث فالظاهر منها والله أعلم : العناية بالقرابة ، وأنهم أولى من غيرهم بعد أداء الحقوق المتعلقة بعين التركة ، كالتجهيز ، ثم الدين ، ثم الوصية ، وآخرها الميراث ، قال تعالى : { وَأُولُوا الأَرْحَامِ بَعْضُهُم أَوْلَى بِبَعْضٍ في كِتَابِ اللهِ } .(1)
وكانوا في الجاهلية لا يورثون المرأة ، بل يجعلونها من سقط المتاع ، فتورث، ولابن الميت من امرأة أخرى أن يمنع زوجة أبيه من الزواج بعده ، وله الحق أن يتزوجها بعد أبيه.
ويرون أن الأنثى والصبي لا يعطيان من الميراث ، لأنهما لا يقاتلان القوم ، فلا يحوزان من الغنيمة شيئاً .
ولهذا لما نزلت آيات المواريث استنكرتها بعض النفوس ، فقالوا : تعطى المرأة الربع أو الثمن، وتعطى الابنة النصف ، ويعطى الغلام الصغير ، وليس أحد من هؤلاء يقاتل القوم ، ولا يحوز الغنيمة ؟ (2) .
وبذل بعضهم محاولات لتغيير الأمر ، حسب اجتهاده وفهمه ، ولكن هيهات فقد تولى قسمتها العليم الخبير .
والمرأة والبنت والصبيان هم أحق بالميراث لضعفهم وحاجتهم .
وبإعطاء المرأة حقها في الميراث قضى الإسلام على ظلامة من ظلامات الجاهلية للمرأة ، عاشت أسيرة لها قروناً طوالاً .
__________
(1) سورة الأنفال ، الآية ( 75 ) .
(2) ذكره ابن جرير الطبري في تفسير آيات الموارث .(5/75)
وإذاً فإعطاء المرأة حقها في الميراث طاعة لله تعالى ، ورد على ما كانت الجاهلية تفعله ، وعمل الجاهلية هذا يتكرر كلما تكررت الجاهلية ، فهناك من يأنف أن يقسم من الميراث لأخته أو عمته أو زوجة أبيه ، ويرى في ذلك غضاضة عليه ، وربما أنكرها ، ولم يعترف بقرابتها ، ويتواطأ معه كل أقربائه على ذلك الإنكار ، ومنهم من يعرّض المرأة القريبة الوارثة للإحراج ، فيلجئها إلى التنازل على مضض ، وقليلات أولئك اللواتي يتنازلن عن رضى وطواعية ، وإذا طالبت بحقها تعرضت للقطيعة ، فإنا لله وإنا إليه راجعون .
أما الجواب على السؤال الذي غالباً ما يطرحه تلامذة الغرب ، والذين يظهرون الاهتمام بالمرأة ، فهي ورقتهم الخاسرة التي يلعبون بها ، وهو : لماذا المرأة على النصف من ميراث الرجل ؟
وللجواب على هذا السؤال يجب أن نعرف أمرين اثنين :
الأول : معاملة الجاهلية الأولى للمرأة ، وحرمانها من الميراث ، وقد تقدم هذا في بيان الحكمة من الإرث الشرعي .
الثاني : ما الحقوق التي كفلها النظام العلماني للمرأة ؟
ـ الإسلام صان المرأة ، والعلمانيون ابتذلوها ، وأهانوا كرامتها .
ـ أوجب الإسلام نفقة المرأة على أبيها أو أخيها أو قريبها كابن العم تؤخذ منهم إذا كانوا قادرين عليها ، وليس عندها ما يكفيها ، ولا كرامة لهم ، وجعله حقاً من حقوقها .
ثم إذا تزوجت فلها حق المهر ، ولها حق النفقة على زوجها ، ولو كانت غنية وهو فقير أو متوسط الحال ، ثم لها حق الميراث إذا مات أبوها أو زوجها أو ابنها أو غيرهم ، من ذوي قرابتها بنسب أو مصاهرة ، بالضوابط الشرعية .
ولو افترضنا جدلاً : أن الشارع ترك الأمر لنا ، وسايرنا تلامذة الغرب وقلنا: المرأة مثل الرجل في الحقوق ، هل نلزمها أن تكون مثله في الواجبات ، فنجعل المهر والنفقة وتأثيث المنزل وإجارته ، ونفقة الأولاد مناصفة بينها وبين الرجل ؟
هل هذا هو الإنصاف ؟ وهل تستطيع المرأة لذلك كله ؟(5/76)
ولنعقد مقارنة بين ما يصرفه الرجل وما تربحه المرأة ، لنعلم أن الشارع الحكيم عندما فرض لها نصف ميراث الرجل كرمها وعززها .
ثم إن ميراثها أحياناً يكون ربع التركة ، أو نصفها ، أو ثلثيها لاثنتين فما فوق ، وقد ترث المال كله فرضاً ورداً ، إذا لم يرث غيرها .
فالرجل مسؤول عن دفع المهر ، والمرأة تأخذه كاملاً غير منقوص ، تتصرف به ما تشاء .
والرجل مسؤول عن الإنفاق على المنزل ، والمرأة ما عليها إلا أن تطلب وتصلها حاجياتها إليها مكرمة معززة مصانة .
والرجل يقوم ببناء المسكن أو استئجاره ، ثم تأثيثه ، وما على المرأة إلا أن تسكن وتتمتع بما يقدمه لها من أنواع الفرش والأثاث .
والرجل يدفع نفقات العيال وعلاج الأسرة ، والمرأة ما عليها إلا التدلل واختيار العيادات المتخصصة ليدفع الزوج التكاليف ، وأجور العمليات ، وقيمة العلاج .. الخ .
ثم المرأة ترث ما أوجبه الله لها شرعاً ، وتحفظ مالها ، ليست مسؤولة عن الإنفاق على أحد .
والرجل يتحمل نفقات الضيافة ، والعقل ، والجهاد ، والمغارم ، والمرأة لا تتحمل شيئاً من ذلك على أصح الأقوال .
وللمرأة أن تعمل وتأخذ أجراً ربما يفوق أجر الرجل أحياناً .
فيا عجباً من هؤلاء الذين شرقوا بتعاليم الإسلام وذهبوا يتلمسون عيباً ، أو نقصاً يرمون به الدين ، ليحولوا بين الناس والشرع ، ولكن هل هناك امرأة عاقلة تصدق العلمانيين ؟
لا أظن ذلك إلا ممن فسدت نظرتها ، أو استرجلت وتمردت على أمر الله وأمر رسوله - صلى الله عليه وسلم - ، وإنما مثلهم كمثل القائل :
كناطح صخرة يوماً ليوهنها ... فلم يضرها وأوهى قرنه الوعل
فالمرأة ربحت من جانبين :
الأول : تقرير الميراث لها ، ولم يكن حقاً لها .
الثاني : قدر لها هذا الحق بنصف نصيب الرجل ، مع طرح الأعباء والالتزامات عنها كافة ، وتحملها الرجل كافة .
المسألة الرابعة : الترويح :
الأصل في ذلك :(5/77)
حديث عائشة رضي الله عنها قالت : كنت ألعب بالبنات وأنا عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فكان يسرب إلي صواحباتي يلاعبنني .(1)
وعنها رضي الله عنها قالت : كنت مع النبي - صلى الله عليه وسلم - في سفر ، فسابقته فسبقته على رجلي ، فلما حملت اللحم سابقته فسبقني ، فقال : (( هذه بتلك
السبقة )) .(2)
حديث حنظلة الأُسيّدي - وكان من كُتّاب الوحي – قال : لقيني أبو بكر ، فقال : كيف أنت يا حنظلة ؟ قال : قلت : نافق حنظلة ، قال : سبحان الله ما تقول ؟ قال : قلت : نكون عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يذكرنا بالنار والجنة حتى كأنا رأي عين ، فإذا خرجنا من عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عافسنا الأزواج ، والأولاد والضيعات ، فنسينا كثيراً . قال أبو بكر : فوالله إنا لنلقى مثل هذا ، فانطلقت أنا وأبو بكر حتى دخلنا على رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، قلت : نافق حنظلة يا رسول الله ، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : (( وما ذاك )) قلت : يا رسول الله ! نكون عندك تذكرنا بالنار والجنة ، حتى كأنا رأي عين ، فإذا خرجنا من عندك عافسنا الأزواج والأولاد والضيعات ، نسينا كثيراً ، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : (( والذي نفسي بيده ، إن لو تدومون على ما تكونون عندي ، وفي الذكر لصافحتكم الملائكة على فرشكم ، وفي طرقكم ، ولكن يا حنظلة ساعةً وساعةً )) ثلاث مرات .(3)
__________
(1) رواه البخاري في الصحيح - كتاب الأدب ـ باب الانبساط إلى الناس ـ فتح الباري
10 / 526 ، ومسلم في صحيحه - كتاب فضائل الصحابة ـ ح2440 .
... وانظر: صحيح سنن ابن ماجة - كتاب النكاح ـ باب حسن معاشرة النساء ـ ح1612 ـ 1/335.
(2) صحيح سنن أبي داود - كتاب الجهاد ـ باب في السبق على الرجل ـ ح2248 ـ 2/490 .
(3) أخرجه الإمام مسلم في صحيحه - كتاب التوبة ـ باب فضل دوام الذكر ـ ح2750 ـ 4/2160 .(5/78)
وحديث عائشة رضي الله عنها قالت : كان الحبش يلعبون بحرابهم ، فسترني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأنا أنظر ، فما زلت أنظر حتى كنت أنا أنصرف ، فاقدروا قدر الجارية الحديثة السن ، تسمع اللهو .(1)
وحديث عروة عن عائشة رضي الله عنها : أن أبا بكر - رضي الله عنه - دخل عليها وعندها جاريتان في أيام مِنى تغنيان وتطربان ، ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - مسجىً بثوبه، فانتهرهما أبو بكر ، فكشف رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عنه وقال : (( دعهما يا أبا بكر ، فإنها أيام عيد )) ، وقالت : رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يسترني بردائه وأنا أنظر إلى الحبشة وهم يلعبون ، وأنا جارية ، فاقدروا قدر الجارية العربة الحديثة السن .
وفي لفظ : قالت عائشة : فإما سألت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، وإما قال : (( تشتهين تنظرين )) ؟ فقلت : نعم ، فأقامني وراءه ، خدي على خده ، وهو يقول : (( دونكم يا بني أرفدة )) حتى إذا مللت قال : (( حسبك ؟ )) قلت : نعم، قال : (( فاذهبي )) .(2) وبنو أرفدية : لقب للحبشة .
وفي بعض طريق الحديث كما في مسلم : أن ذلك كان في مسجده - صلى الله عليه وسلم - وعائشة تنظر ما بين كتف النبي - صلى الله عليه وسلم - وأذنه، وهي في حجرتها ، وحجرتها كانت تطل على المسجد.
__________
(1) متفق عليه : انظر : صحيح البخاري مع الفتح - كتاب النكاح ـ باب حسن المعاشرة مع الأهل ـ ح4190 ـ الفتح 9/255 ، ومسلم في الصحيح أيضاً - كتاب العيدين ـ باب الرخصة في اللعب ـ ح892 .
(2) أخرجه مسلم كما سبقت الإشارة ( 2/608 ، 609 ) ، وهو في صحيح البخاري في
- كتاب العيدين ـ باب الحراب والدرق يوم العيد ـ ح950 ـ الفتح 2 / 440 .(5/79)
فمن الحديث الأول : نأخذ انبساط النبي - صلى الله عليه وسلم - مع زوجه عائشة رضي الله عنها ، حيث كانت تلعب مع صواحبها ببنات لها ، فإذا دخل النبي - صلى الله عليه وسلم - يهربن ويتنحبن مهابة له - صلى الله عليه وسلم - ، ثم يكون من لطفه وعطفه أن يرسلهن لعائشة ليلعن معها ، كما ذكره الشيخان في صحيحيهما .
وأصح أقوال أهل العلم في هذه المسألة : جواز اتخاذ البنات للعب بها ، لتتعود البنت على تربية الأولاد منذ السن المبكرة ، فتعلم أن هذه وظيفتها بعد الزواج .
ولكن ينبغي أن يتجنبن في اللعب الصورة قدر الإمكان ، وبخاصة الوجه ، وأن لا تنقل ثقافة غريبة إلى المجتمع المسلم مثل الزي القصير ، وتسريحات الشعر المخالفة للشرع ، وحمل آلة الغناء وما شابه ذلك ، مما يغزو به أعداء الله أفكار المسلمين وعقائدهم ، ويحاولون ربط الأمة المسلمة بالكفار ثقافياً ، وفكرياً ، وعقدياً ، وسلوكياً . بأي شكل من الأشكال ، حتى لو مع الأطفال في لعبهم.
والمتتبع لما يعرض في الأسواق من لعب البنات ، وما يعرض على شاشات التلفاز ، وما ينشر من قصص الأطفال يجد أن أعداء الإسلام استغلوا هذه المظاهر والبرامج والمصنفات ، ونفثوا فيها سمومهم بعناية ، وبطريقة جذابة ، تربط عقل الطفل ، وتشد انتباهه بما يعرض ويباع في الأسواق ، والكثير من الآباء والأمهات غافلون عن ذلك .
ولا بد من قيام مصانع للمسلمين تصنع اللعب وغيرها وفق ما يريده الدين بديلاً عما يعرض الكفار في أسواق المسلمين ، حيث يبتزون به أموال المسلمين ودينهم وسلوكهم وأخلاقهم .
وقد تسامح رسول الهدى - صلى الله عليه وسلم - في الترويح عن زوجه عائشة ، لعلمه أن ذلك مما يدخل عليها السعادة في غير ما محذور شرعي .
أما الحديث الثاني ، وهو حديث المسابقة ، وهو على شرط الإمام مسلم وإن لم يروه : فكذلك يدل على الترويح البريء بين الرجل وامرأته ، بل اشتمل على رياضة بدنية يوصي بها جميع الأطباء .(5/80)
فإن السباق يذهب البطنة ، وينشط البدن ، ويبعث على الراحة ، ويساعد الجهاز الهضمي على أداء وظيفته .
وقد ترك - صلى الله عليه وسلم - لعائشة فرصة أن تسبقه ، مع أنه - صلى الله عليه وسلم - ما مشى معه أحد إلا تقدم عليه، ولا طاوله أحد إلا ظن أنه - صلى الله عليه وسلم - أطول منه ، وكانوا لشدته وقوته يتقون به في الحرب إذا اشتد البأس .
ولكنها روح الانبساط ، وإدخال السرور على الزوجة وإشعارها أنها غلبته في السباق ، والفوز دائماً يدخل على صاحبه السرور والفرحة ، ولهذا لما كثر فيها اللحم سابقها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فسبقها ، ثم ربط بين المسابقتين بقوله : (( هذه بتلك السبقة )) ، وهذا مع مكانته الرفيعة عند الله تعالى ، ثم عند خلقه، وفي ذلك تعليم للأزواج أن يدخلوا السرور والبهجة على زوجاتهم ، وأن لا يتعالوا عليهن مهما علت منزلتهم في المجتمع .
وأما حديث حنظلة فعام في مسألة الترويح ، لقوله - صلى الله عليه وسلم - : (( ساعة وساعة ، ساعة وساعة ، ساعة وساعة )) ، ومن ذلك المزاح بالحق ، فإنه من معافسة الأزواج، والمؤمن خفيف الظل ، لا يمله جلساؤه ولا من يعاشره .
ولعل من الترويح لعب الرياضة المناسبة للمرأة ، واختيار المكان المناسب ، ومنها : رياضة المشي ، والمسابقة ، وممارسة بعض التمارين المعروفة بالتمارين السويدية ، واللعب بالكرة .
كل ذلك في أدب وحشمة ، وحيث لا يراها رجل أجنبي ، مع تحديد الغرض من الرياضة ، وهو المحافظة على البدن ورشاقته ، والبعد عن مشابهة الرجل وأهل الكفر في ملبسهم واختلاطهم .
فأما أن يصل الأمر إلى حد الاسترجال ، والخروج أمام الرجال بحجة الرياضة ، فهذا ما لا يحله دين ولا يرضاه عقل سليم ، ولا طبع مستقيم ولا صاحب غَيْرة .(5/81)
وأما حديث عائشة رضي الله عنها فظاهر في سماحة الإسلام ويسره ، حيث سمح لها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بسماع غناء الجاريتين وضربهما بالدف ، ولما استنكر أبو بكر ذلك نهاه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وقال : (( إنها أيام عيد )) .
ومما ذكرته عائشة رضي الله عنها قصة الحبشة يلعبون بالحراب في مسجد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، ويدعو عائشة للفرجة عليهم ، مع سترها بجسده الشريف ، حتى إذا ملّت وأرادت الذهاب قال : (( حسبك ؟ )) أي : هل اكتفيت ؟ فتقول : نعم.
وهذا يدل دلالة واضحة على الأدب الرفيع الذي سنه الإسلام في حق المرأة من إدخال السرور عليها ، وترويح النفس بما هو جائز ، ولا يعرض المرأة للفتنة، ولهذا قالت أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها : فاقدروا قدر الجارية العربة الحديثة السن تحب اللهو . لكنه أي لهو ؟ إنه اللعب بالحراب ، والتمرن على السلاح ، مع خفة الحركة ، وليس هو المجون والخلاعة والميوعة ، التي دخلت في حياة كثير من المسلمين باسم الفن تارة ، وباسم الموروثات الشعبية تارة أخرى .
إن الأمة المسلمة جادة حتى في اللعب ، لأنها أمة ذات هدف ، وذات مبدأ تسعى لتحقيقه بكل وسيلة مشروعة أو مباحة على الأقل .(5/82)
الباب الثالث : الأحكام الخاصة بالمرأة المسلمة
الفصل الأول : أحكام الطهارة
المبحث الأول : أحكام الحيض : وفيه مسائل : -
المسألة الأولى : الأصل فيه وتعريفه وحكمة الشارع من ابتلاء المرأة به .
الأصل فيه : قال الله تعالى : { وَيَسْألُوْنَكَ عَنْ المَحِيْضِ قُلْ هُوَ أَذَىً فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي المَحِيْضِ وَلا تَقْرَبُوْهُنَ حَتَّى يَطْهُرْنَ فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوْهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمْ اللهُ إِنَّ اللهَ يُحِبُّ التَّوَّابِيْنَ وَيُحِبُّ المُتَطَهِّرِيْنَ . } (1)
وقال - صلى الله عليه وسلم - وآله وسلم لعائشة لما حاضت وهي في حجة الوداع ، فبكت فقال : (( مالك أنفست ؟ )) قلت : نعم . قال : (( إن هذا أمر كتبه الله على بنات آدم )) . (2)
وقال - صلى الله عليه وسلم - مخاطباً النساء : (( مارأيت من ناقصات عقل ودين أذهب للب الرجل الحازم من إحداكن )) . قلن : ما نقصان ديننا وعقلنا يارسول الله ؟ قال: (( أليس شهادة المرأة مثل نصف شهادة الرجل ؟ )) قلن : بلى . قال : (( فذلك من نقصان عقلها . أليس إذا حاضت لم تصل ولم تصم ؟ )) قلن : بلى . قال : (( فذلك من نقصان دينها )) . (3)
وسألت فاطمة بنت أبي حبيش رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وآله وسلم فقالت : إني لا أطهر أفأدع الصلاة ؟ فقال - صلى الله عليه وسلم - : (( إنما ذلك عرق وليس بالحيضة ، فإذا أقبلت الحيضة فاتركي الصلاة فإذا ذهب قدرها فاغسلي عنك الدم وصلي )) . (4)
__________
(1) سورة البقرة ، الآية ( 222 ) .
(2) رواه البخاري في الحيض - باب الأمر بالنفساء إذا نفسن - ح 294 - الفتح 1 / 400 .
(3) رواه البخاري في الحيض - باب ترك الحائض الصوم - ح 304 - الفتح 1 / 405 .
(4) رواه البخاري في الحيض - باب الاستحاضة - ح 306 الفتح 1 / 409 .(6/1)
وذكر الموفق عن أحمد أن الحيض يدور على ثلاثة أحاديث: حديث فاطمة، و أم حبيبة ، و حمنة . (1)
- قال الوزير عون الدين بن هبيرة : (( وأجمعوا على أن من أحداث النساء الحيض وأن فرض الصلاة ساقط عن الحائض ، و أن الصوم غير ساقط ، و أنه يحرم عليها الطواف بالبيت ، و أنه يحرم عليها اللبث في المسجد، و يحرم وطؤها في الفرج وهي حائض )) . (2)
تعريف الحيض :
لغة : يقال حاضت المرأة تحيض حيضاً ومحيضاً ومحاضاً فهي حائض وحائضة وتجمع على حوائض وحيض : إذا سال دمها .
والحيضة المرة بالفتح وبالكسر : الاسم منه ، والخرقة تشدها عليها لتمنع سيلان الدم على ملابسها . (3)
واصطلاحاً : عرفه الموفق رحمه الله بقوله : (( الحيض : دم يرخيه الرحم إذا بلغت المرأة ، ثم يعتادها في أوقات معلومة )) . (4)
وعرفه البهوتي بأنه : (( دم طبيعة وجبلة يرخيه الرحم يعتاد أنثى إذا بلغت في أيام معلومة )) . (5) اهـ
صفته :
قال القرطبي رحمه الله : (( دمه أسود خاثر تعلوه حمرة )) ، وذكر الموفق : أنه دم أسود ثخين منتن ، يرخيه الرحم .
وذكر غيرهما : أنه يخرج من قعر الرحم بنفس - أي بشدة وألم .
ويمكن الجمع بين هذه الأوصاف فهو دم ثخين أسود تعلوه حمرة منتن يخرج بنفس من قعر الرحم في أيام معلومة من كل شهرٍ غالباً .
الحكمة منه :
__________
(1) المغني ( 1 / 388 ) .
(2) الإفصاح ( 1 / 95 ) .
(3) القاموس المحيط ، باب الضاد ، فصل الحاء .
(4) المغني ( 1 / 386 ) ، ويعترض على التعريف بأنه غير مانع فلا بدَّ أن يقول : دم طبيعة وجبلة لتخرج الاستحاضة ، وكذلك لا بد من قيد (( ممن غير سبب الولادة )) .
(5) شرح منتهى الإرادات ( 1 / 104 ) وتعريفه أدق .(6/2)
قال الموفق رحمه الله : (( الحكمة منه تربية الولد ، فإذا حملت انصرف ذلك الدم بإذن الله إلى تغذيته ، ولذلك لا تحيض الحامل ، فإذا وضعت الولد قلبه الله تعالى بحكمته لبناً يتغذى به الطفل ، ولذلك قلما تحيض المرضع .
ومن حكمة الله فيه أنه تخفيف من حدة الشهوة عند المرأة وتحصل به العدة والاستبراء وفيه تعويد المرأة على الصبر على قضاء الله وقدره .
المسألة الثانية : - تحديد زمن الحيض وبيان مدته :
أكثر أهل العلم على أن المرأة لاتحيض إلا في سن معينة وهي عند الأكثر مابين ثنتي عشرة سنة وخمسين سنة ، و ماتراه قبل ذلك أو بعده فهو دم فساد . وهم مختلفون في تحديد تلك السن .
كما ذهب أكثرهم إلى تحديد أقله و أكثره ، فما قلَّ عن أقله أو زاد عن أكثره فهو دم فساد .
ولعل أقل سن ذكر الفقهاء أن المرأة يمكن أن تحيض فيه هو ست سنين كما نص على ذلك فقهاء الحنفية بشرط أن يتمادى بها الدم مدة الحيض ولم يكن نزوله لآفة .
وأكثرهم على أن سن التاسعة حد الصغر ، ويمكن وقوع الحيض بتمام التسع .
أما الأغلب فهو سن الثانية عشرة وما بعد . وهو بحسب الوجود فإذا رأت المرأة الدم بأوصافه ، ولم يكن هناك سبب أو علة أخرى ، وكانت سنها مما يمكن أن تحيض فيه فهو حيض ولو كان عمرها أقل من تسع سنين وهو نادر .
فالتسع سن غالب أن لا تحيض المرأة قبله والله أعلم .
وكذلك بالنسبة إذا تجاوزت الخمسين سنة وهو سن الإياس عند أكثر أهل العلم . فإنها إذا رأت الدم المعتاد نزوله ولم يكن هناك سبب آخر من مرضٍ ونحوه فهو دم عادة وجبلة لا تصلي ولا تصوم ولا تجامع حتى ينقطع ما لم يكن استحاضة .
وإنما ثبت بالتتبع والاستقراء أن المرأة ينقطع دمها ما بين الخمسين إلى الستين ، والحكم للغالب . لكن لا يمنع نزوله بعد ذلك إذا توفرت فيه صفاته وجاء في زمنه المعتاد .
تحديد المدة : - أي أقل مدة الحيض و أكثرها .(6/3)
أما أقل مدة الحيض فقد اختلف أهل العلم في ذلك اختلافاً واسعاً حتى إنك لتجد في المذهب الواحد ثلاثة أقوال أو أوجه .
واحتج بعضهم بآثار لا تثبت عند المحققين من أهل الرواية ، وأقرب الأقوال إلى الصواب قول من قال أقله يوم وليلة ثم تطهر بعده المرأة ، ولا يمنع من اعتبار الدفعة من الدم إذا ثبتت أوصافه فيها وجاءت في زمنه المعتبر أن تكون حيضاً لعدم اشتراط الاتصال في النزول ، فلو نزلت تلك الدفعة ثم توقفت لكن القطن المحتشى به يظهر فيه أثر الدم فهي في عادة كل ما في الأمر أنها تتوقف عن الصلاة والصوم يوماً وليلة ، ثم إذا ظهر لها علامة الطهر تطهرت وصلت وصامت وسمحت لبعلها بجماعها لأنه تبين انقطاعه .
وهذا يقع نادراً في بعض النساء اللواتي يصيبهن الجفاف ، والمعتاد نزول الدم تباعاً والله أعلم .
أما غالبه فهو ما بين ستة أيام إلى سبعة أيام وقد تزيد قليلاً أو تنقص
كذلك ، وقد جاء في بعض طرق حديث حمنة بنت جحش أنه - صلى الله عليه وسلم - قال :
(( تحيضي في علم الله ستة أيام أو سبعاً ، ثم اغتسلي وصلي أربعة وعشرين يوماً أو ثلاثة وعشرين يوماً كما تحيض النساء وكما يطهرن لميقات حيضهن وطهرهن )) .(1)
وهذا رد منه - صلى الله عليه وسلم - للمستحاضة التي ليس لها عادة ولا تمييز إلى غالب عادة النساء وهو نص يجب الوقوف عنده والأخذ به .
وأما أكثره : فكذلك اختلفت كلمة أهل العلم في أقصى مدة تبقاها المرأة حائضاً و أقوالهم تنحصر في عشرة وخمس عشرة وسبعة عشر يوماً .
__________
(1) أخرجه أبو داود في الحيض - باب إذا أقبلت الحيضة تدع الصلاة ( 1 / 76 ) ، والترمذي في الطهارة - باب ما جاء في المستحاضة ( 1 / 84 ) وقال : (( حديث حسن )) .(6/4)
ويرى بعضهم أنه لا حد لأكثره كما أنه لا حد لأقله فكل ما استقرت عليه عادة المرأة فهو حيض ولعل أولى تلك الأقوال ما ذهب إليه الإمام الشافعي(1) والإمام مالك(2) والإمام أحمد في المشهور عنه وهو "خمسة عشر يوماً ".
قال المرداوي : (( هذا المذهب وعليه جمهور الأصحاب )) . (3)
وقد ثبت عن السلف مسفيضاً أن فتواهم على هذا ، و أن الشافعي رحمه الله استقرأ وتتبع فلم يجد أن امرأة زاد حيضها على خمسة عشر يوماً .
لكن لا يمنع أن يزيد الدم في امرأة مثلاً عن خمسة عشر يوماً . فإذا كان بأوصاف دم العادة ولم تر طهراً في نهاية الخمسة عشر يوماً فالذي يظهر لي أنه يحسب من عادتها ما لم يتمادى بها أو يتغير لونه فيكون كغسالة اللحم فإنه استحاضة .
الصفرة والكدرة : أصح أقوال أهل العلم أن ما تراه المرأة من صفرة أو كدرة زمن الحيض فإنه حيض ، وما تراه بعد ذلك أو قبله فليس من الحيض .
ولعل أهم ما يحتج له بحديث أم عطية رضي الله عنها قالت : (( كنا لا نعدُّ الصفرة والكدرة بعد الطهر شيئاً )) . (4)
وهذا المفهوم يدعمه قول عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها : (( لا تعجلن حتى ترين القصة البيضاء )) (5) فإن المقصود أن المرأة قد ترى القصة البيضاء ثم تنتكس بصفرة أو كدرة فهذه لا ينظر إليها لنزول مادة الطهر .
كما أن بعض النساء يسبق حيضها شيء من الصفرة أو الكدرة أو الأوساخ فلا يعتد به أيضاً .
أما الطهر بين الحيضتين فأشهر أقوال أهل العلم أنه لا حد لأكثره ، وإن أقله ثلاثة عشر يوماً .
__________
(1) المهذب ( 1 / 45 ) ، الوسيط ( 1 / 47 ) .
(2) المدونة ( 1 / 54 ) ، الكافي لابن عبد البر ( 1 / 185 ) .
(3) الإنصاف ( 1 / 358 ) .
(4) أخرجه أبو داود في الطهارة - باب في المرأة ترى الكدرة والصفرة ( 1 / 83 ) ، وأصله في الصحيحين بلفظ : (( كنا لا نعد الكدرة والصفرة شيئاً )) .
(5) السنن الكبرى للبيهقي ( 1 / 337 ) .(6/5)
ولعل الحجة التي تصلح لهذا ما أفتى به شريح بحضرة الخليفة الراشد علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - : أن امرأة طلقت فادعت أنها حاضت ثلاثة مرات وطهرت وصلت في شهر واحد . فقال علي لشريح : قل فيها . فقال شريح : إن جاءت ببيِّنة من بطانة أهلها ممن يرضى دينه وأمانته فشهدت بذلك ، و إلا فهي كاذبة ، فقال علي - رضي الله عنه - : (( قالون )) ومعناه بالرومية (( جيد )) . (1)
المسألة الثالثة : الأحكام التي تتعلق بالحائض .
1 - سؤر الحائض : وهو ما تبقى بعد شربها أو أكلها تكاد كلمة العلماء تجتمع على طهارته ، والدليل على هذا حديث عائشة رضي الله عنها قالت : (( كنت أشرب و أنا حائض ، ثم أناوله النبي - صلى الله عليه وسلم - فيضع فاه على موضع فيَّ )).(2)
وانعقد الإجماع على طهارة المسلم وعرقه ولعابه ودمعه سواء أكان محدثاً أو جنباً أو حائضاً أو نفساء . (3)
2 - نجاسة دم الحيض : لا خلاف بين أهل العلم في نجاسة دم الحيض.(4)
ولعل حديث أسماء سند لهذا الإجماع ومبين لكيفية تطهير دم الحيض . قالت أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما : جاءت امرأة إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقالت : إحدانا يصيب ثوبها من دم الحيضة كيف تصنع ؟ فقال : (( تحتّه ثم تقرصه بالماء ، ثم تنضحه ، ثم تصلي فيه )) متفق عليه . (5)
__________
(1) ذكره ابن ضويان في شرح الدليل ( 1 / 56 ) ، وذكره البيهقي في السنن الكبرى ( 7 / 419 ) وقال : ادَّعت امرأة أنها حاضت ثلاث حيض في خمس وثلاثين ليلة .
(2) صحيح مسلم - كتاب الحيض - باب جواز غسل الحائض رأس زوجها وطهارة سؤرها ( 1 / 245 ) .
(3) شرح صحيح مسلم ( 4 / 66 ) .
(4) حكاه النووي في شرح صحيح مسلم ( 3 / 200 ) .
(5) أخرجه البخاري في الوضوء - باب غسل الدم ( 1 / 66 ) ، ومسلم في الطهارة - باب نجاسة الدم (1/240 ) .(6/6)
وهذا يدل على إيجاب الشارع لتنظيف دم الحيض بحتِّه أي حكِّه ليزول جرمه ، ثم قرصه بالماء وهذا يستلزم الفرك ، ثم النضح بعد ذلك للثوب ليزول ما علق مما تحلل بالماء ويذهب الوسواس عن النفس ، ثم لا يضر بعد ذلك ما بقي من أثر .
3 - اللبث في المسجد والمرور فيه : تكاد تجتمع كلمة الفقهاء رحمهم الله تعالى على تحريم لبث الحائض في المسجد إلا للضرورة لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - أمر الحُيَّض باعتزال المصلى(1) ، وهو دون المسجد ويلحق بهذا المرور فيه ، والله أعلم .
4 - الصلاة : تحرم على الحائض ولا تصح منها لا فرضاً ولا نفلاً بل تأثم إن فعلت ذلك .ولا يجب عليها قضاء ما فاتها حال حيضتها لحديث عائشة رضي الله عنها : (( كنا نؤمر بقضاء الصوم ولا نؤمر بقضاء الصلاة )) . (2)
ومتى طهرت وبقي وقت للصلاة قدر ما تؤدي فيها ركعة من الصلاة وجب عليها أن تقضي تلك الصلاة ، فمثلاً : لو رأت الطهر قبل طلوع الشمس بقدر ما تؤدي فيها ركعة وجب عليها إذا تطهرت أن تقضي الفجر ، لقوله - صلى الله عليه وسلم -: (( من أدرك ركعة من الصلاة قبل أن تطلع الشمس فقد أدرك الفجر )) ، وكذلك العصر للحديث نفسه لأن فيه: (( ومن أدرك ركعة من العصر قبل أن تغرب الشمس فقد أدرك العصر )) متفق عليه . (3)
__________
(1) رواه البخاري في الحيض - باب شهود الحائض العيدين - ح 324 - الفتح 1 / 423.
(2) رواه مسلم في الحيض - باب وجوب قضاء الصوم على الحائض دون الصلاة - ح 335 .
(3) رواه البخاري في المواقيت - باب من أدرك ركعة من العصر قبل الغروب - ح 556 ، ومسلم في المساجد - باب من أدرك من الصلاة فقد أدرك تلك الصلاة - ح 608 .(6/7)
وهل تصلي معه الظهر ؟ وإذا طهرت في وقت العشاء فهل تصلي معه المغرب ؟ اختلف العلماء في هذه المسألة : فمنهم من أوجب قضاء الصلاة وما يجمع إليها ، ومنهم من أوجب قضاء الصلاة التي طهرت في وقتها فحسب وهذا القول هو المترجح من حيث الدليل السابق ، فإن النبي - صلى الله عليه وسلم - إنما ذكر أن الذي يدرك ركعة من وقت صلاة العصر فقد أدركها وكذلك الصبح ، ولم يذكر شيئاً زائداً على ذلك مع كثرة من يحيض من النساء في وقته والبيان لا يؤخر عن وقت الحاجة.
وهذا في حق مَن تأكدت أنها طهرت في وقت صلاة العصر بحيث لو نظرت آخر وقت الظهر لم تجد الطهر .
أما إذا لم تنظر آخر الظهر لكنها رأت الطهر في وقت العصر فالاحتمال موجود أنها طهرت وقت الظهر ولكنها ما رأته إلا في وقت العصر ، وعلى هذا يحمل قول من قال تصلي الصلاة وما تجمع إليها احتياطاً للعبادة ، ولا أظن ذلك يكلفها شيئاً ، والله أعلم .
5 - الصوم : يحرم على الحائض أن تصوم فرضاً أو نفلاً ، ولا يصح منها، وتأثم بفعله ، وهذا انعقد الإجماع عليه وبعض النساء تتحرج من الأكل والشرب أمام أطفالها وهذا لا يعني أنها تصوم بل تفطر وتنوي ذلك و تأكل خفية عنهم مراعاة لمشاعرهم . ويجب عليها قضاء ما فاتها لحديث عائشة السابق في الصلاة : (( كنا نؤمر بقضاء الصوم )).
و إذا أحست بانتقال الدم قبيل الغروب ولم يخرج إلا بعده فصومها تام لأن الشارع علق الحكم على خروج الدم لا على انتقاله . وإذا طهرت قبل الفجر ونوت فصيامها صحيح ولو لم تغتسل إلا بعد ظهوره لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - ربما يكون جنباً فيدركه الفجر فلا يغتسل إلا بعد ظهوره وهو صائم . متفق عليه . (1)
6 - قراءة القرآن ومس المصحف والذكر للحائض :
__________
(1) أخرجه البخاري في الصوم - باب اغتسال الصائم - ح 193 ، 194 من الفتح 4 / 153 ، ومسلم في الصيام - باب صحة صوم من طلع عليه الفجر وهو جنب - ح 1109 .(6/8)
لاخلاف بين أهل العلم أن للحائض أن تذكر الله عز وجل بسائر أنواع الذكر والتعظيم من تسبيح وتحميد وتهليل وتسمية على الأشياء وهذا لابد منه ، وتصلي على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهي تثاب على ذلك لعدم اشتراط الطهارة لهذه العبادات . وقد اختلف العلماء في قراءة القرآن للحائض اختلافاً واسعاً .
والذي تبين لي أن للحائض أن تقرأ القرآن غيباً ونظراً بأن يوضع أمامها ولا تمس المصحف إلا بحائل مثل القفازين أدباً وتكريماً لا وجوباً ، فالمؤمن طاهر .
ولم يثبت نص صحيح صريح في منعها من قراءة القرآن أو مس المصحف والأصل الجواز ، لكن من الأدب إذا أرادت القراءة أن تستمع للأشرطة من أجل حصول الثواب وتثبيت الحفظ ، وأجر المستمع كالقارئ ، وهذا فضل الله يؤتيه من يشاء ويمكنها الاستغناء بذلك عن القراءة ومس المصحف .
ولا تقرأ ولا تمس المصحف لقوة الخلاف في ذلك ، و احتراماً لكتاب الله . أما إذا اضطرت إلى ذلك كالمعلمة ، وفي حالة الامتحان ولم يؤجل لها حتى تطهر فلها أن تقرأ غيباً ونظراً لكن لا تمس المصحف إلا بحائل و هو أمر ميسور بحمد الله.
7 - الطواف بالبيت :
لاتطوف بالبيت لا فرضاً و لا نفلاً لقول النبي - صلى الله عليه وسلم - لعائشة : (( افعلي أي شيء غير أنه لا تطوفي بالبيت )) ، وفي لفظ : (( فاقضي ما يقضي الحاج غير أن لا تطوفي بالبيت حتى تغتسلي )) . (1)
وقد امتنعت عائشة و أسماء بنت عميس عن الطواف حتى طهرتا .
وهنا عدة أمور :
1 - هل يدخل السعي في العموم الذي قاله - صلى الله عليه وسلم - : (( افعلي كل شيء )) أي من المناسك . الظاهر دخول السعي .
__________
(1) متفقٌ عليه ، أخرجه البخاري في الحيض - باب كيف بدء الحيض 1 / 81 ، وأخرجه مسلم في الحج - باب بيان وجوه الإحرام 2 / 873 ح 1211 .(6/9)
لكن يعكر عليه أن المسعى اليوم أصبح داخل جدران المسجد الحرام ، وقد كان قبل منفصلاً وقد أمر - صلى الله عليه وسلم - بإحضار الحيض في العيدين مع اجتناب المصلى ، والمسعى متصل بالمسجد حساً وحكماً فالذي يظهر لي أن السعي صحيح وسقط عنها لعموم النص لكن المنع بسبب آخر وهو دخول المسجد فالمسعى الآن داخل المسجد فالأولى تأجيله مع الطواف بعد أن تطهر .
2 - لو حاضت ولم يبقى عليها سوى طواف الوداع سقط عنها لحديث صفية - رضي الله عنه - فقد أفتاها - صلى الله عليه وسلم - أن تنفر ولم يأمرها بفدية ، و إنما خشي أنها لم تطف للإفاضة فلما أخبر بذلك أمرها أن تنفر . (1)
3 - المرأة التي تخشى على نفسها من الضياع لعدم انتظار رفقتها لها وكون بلدها بعيداً ولا تستطيع أن تؤخر حجزها إلا بمشقة بالغة إذا حاضت قبل طواف الإفاضة ، فلها أن تتحفظ وتطوف وتفدي بدم يوزع في فقراء الحرم إن استطاعت أو أن تصوم عشرة أيام ويجزئها ذلك لأن الله تعالى لا يكلف نفساً إلا وسعها . وقال تعالى : { فَاتَّقُوا اللهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ } . (2)
8 - الاستمتاع بالحائض :
أما الجماع في الفرج فهذا حرام بنص القرآن قال تعالى : { وَيَسْأَلُوْنَكَ عَنْ المَحِيْضِ قُلْ هُوَ أَذَىً فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي المَحِيْضِ وَلا تَقْرَبُوْهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ ، فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوْهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمْ اللهُ إِنَّ اللهَ يُحِبُّ التَّوَّابِيْنَ وَيُحِبُّ المُتَطَهِّرِيْنَ } (3) ، وبنص السنة قال - صلى الله عليه وسلم - : (( اصنعوا كل شيء إلا النكاح )) يعني الجماع . (4)
__________
(1) رواه مسلم في الحج - باب وجوب طواف الوداع وسقوطه عن الحائض 2 / 964، وأبو داود في المناسك - باب الوداع 2 / 208 .
(2) سورة التغابن - الأية ( 16 ) .
(3) سورة البقرة - الآية ( 222 ) .
(4) رواه مسلم في الحيض - باب جواز غسل الحائض رأس زوجها - ح 302 .(6/10)
وانعقد الإجماع على تحريم وطء المرأة في فرجها وهي حائض ، ونقل النووي عن الشافعي أن من فعل ذلك فقد أتى كبيرة ، ثم قال النووي : (( قال: أصحابنا : من استحل وطء الحائض حكم بكفره )) . (1)
ويجوز أن يستمتع الرجل من امرأته بنحو القبلة والضمة والجماع في ما دون الفرج والدبر لأنه حرام بالإجماع ، وكان - صلى الله عليه وسلم - يأمر من شاء من أزواجه إذا حاضت أن تتزر ثم يباشرها ، أو يلقي خرقة على فرجها ثم يباشرها . (2)
9 - الطلاق :
يحرم طلاق الحائض في الجملة لقوله تعالى : { فَطَلِّقُوْهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ } (3) وهو الطهر الذي لم يمس فيه ، ولأن النبي - صلى الله عليه وسلم - أمر عمر أن يأمر ابنه عبدالله وقد طلق زوجته وهي حائض أن يراجعها حتى تطهر ثم يتركها حتى تحيض ثم تطهر فإن شاء طلقها أي في طهر لم يمسها فيه. وقال : (( فتلك العدة التي أمر الله أن تطلق لها النساء )) . (4)
ويستثنى من ذلك ما إذا طلق المرأة قبل الدخول بها وهي حائض فلا يحرم لعدم العدة عليها ، وكذلك لو خالعته فطلقها حال الحيض لسوء العشرة دفعاً لأعلى الضررين بارتكاب أخفهما .
ولا ينبغي للمرأة أن تطلب الطلاق حال حيضها أو تضطر زوجها إلى طلاقها وهي حائضة ؛ لأن الطلاق في الحيض إثم فلا يجوز أن تتسبب في وقوعه في تلك الحال .
وأصح أقوال أهل العلم أنه يقع عليها لقوله - صلى الله عليه وسلم - : (( مرة فليراجعها )) (5) فلو لم يكن وقع عليها طلاق لما أمر بمراجعتها ، والله أعلم .
10 - الحكم ببراءة الرحم :
__________
(1) المجموع 2 / 374 .
(2) أخرجه البخاري في الحيض - باب مباشرة الحائض - ح 302 من الفتح 1 / 403 .
(3) سورة الطلاق - الآية ( 1 ) .
(4) أخرجه البخاري في التفسير - باب تفسير سورة الطلاق - ح 4908 .
(5) هذا جزء من الحديث السابق .(6/11)
فإذا حاضت المرأة تبين أنها غير حامل ، ولهذا نهى النبي - صلى الله عليه وسلم - أن توطأ حامل - أي من السبي - حتى تضع ولا حائل حتى تستبرأ . (1) أي تحيض ثم تطهر .
فهنا يحكم ببراءة الرحم لخلوه عن الحمل ؛ فإن الحامل لا تحيض على أصح الأقوال، وإن حصل فنادر والنادر لا حكم له .
11 - الغسل :
إذا رأت المرأة الطهر وهي القصة البيضاء ، أو جفَّت تماماً ومرَّ عليها وقت يمكن أن تكون قد طهرت وجب عليها أن تغتسل واستحب لها أن تتطهر من آثار ما كان بها فتدلك شعر رأسها حتى يصل الماء وما معه من المنظفات إلى شئون رأسها أي جلدته ، وتنظف فرجها بنحو فرصة من مسك تتبع بها أثر الدم لأمره - صلى الله عليه وسلم - أسماء بنت شكل - رضي الله عنه - بذلك . (2) وبينت لها عائشة رضي الله عنها كيف تتطهر، ويمكن استخدام المنظفات الحديثة .
وهذا من أجل العبادة فتقف بين يدي الله طاهرة نظيفة ، و إذا كانت متزوجة تكون مقبولة عند زوجها ، والله أعلم .
المبحث الثاني : أحكام الإستحاضة
تعريف الاستحاضة :
لغة : قال الفيروزآبادي : (( والمستحاضة من يسيل دمها لا من الحيض بل من عرق العاذل )) . (3)
وقال ابن مفلح : (( المستحاضة : المرأة التي استمر بها الدم بعد أيامها )).(4)
والاستحاضة اصطلاحاً : استمرار دم المرأة في النزول من غير انقطاع أو مع الانقطاع يسيراً . ويعرف الآن بالنزيف .
صفته : في الغالب يكون دماً أحمر يخرج من عرق في الرحم .
__________
(1) رواه أبو داود في النكاح - باب في وطء السبايا - ح 2157 .
(2) أخرجه البخاري في الحيض - باب دلك المرأة نفسها إذا تطهرت من المحيض - ح 314 من الفتح 1 / 414 ، وأخرجه مسلم في الحيض - باب استحباب استعمال المغتسلة من الحيض فرصة من مسك في موضع الدم - 1 / 261 - 262 ح 332 .
(3) القاموس المحيط - باب الضاد ، فصل الحاء ( ص : 826 ) .
(4) المطلع على أبواب المقنع ( ص : 30 )(6/12)
أحوال المستحاضة : مبتدأة ، معتادة ، متحيرة .
والمبتدأة : هي التي ابتدأ بها الدم ثم زاد عن أكثر الحيض سواء استمر أو انقطع يسيراً فهي تجلس أكثر الحيض كما مر معنا ثم تغتسل وتصلي ، ثم تعصب فرجها وتتوضأ لكل صلاة إذا دخل وقتها وجوباً وتصلي ، وإن استطاعت أن تغتسل لكل صلاة فهو أكمل ، أو تؤخر الظهر وتعجل العصر وتؤخر المغرب وتعجل العشاء ، وتغتسل لهما غسلاً واحداً وتغتسل للصبح غسلاً واحداً ، وهذا أعجب لجمعه بين طهارة الغسل والأخذ بالرخصة في الجمع .
أما المعتادة : وهي التي عرفت أيام عادتها فإذا عبر الدم أكثر الحيض ترد إلى أيام عادتها ثم تغتسل وتصلي ، وإن لم يجاوز أكثر الحيض فهو حيض كأن تكون عادتها خمسة أيام ثم زاد خمسة أخرى ثم انقطع فهذا حيض ولم يعده بعضهم حيضاً إلا إذا تكرر ثلاث مرات ، والظاهر أن حيض ما دام لم يجاوز أكثر الحيض و إن اختلفت عادتها بأن تكون خمسة في شهر وسبعة في شهر وعشرة في شهر فتقعد ما دامت ترى الدم .
أما المتحيرة فهي على ثلاثة أصناف :
1 - متحيرة في العدد مع معرفتها مكان حيضتها :
فإن كان لها تمييز كأن يكون بعض دمها ثخيناً أسود منتناً عملت بالتمييز لحديث (( دم الحيض أسود يعرف فأمسكي عن الصلاة، فإذا كان الآخر فتوضئي فإنما هو عرق)).(1)
وإن لم يكن لها تمييز مع معرفتها لمكانه تحيضت ستاً أو سبعاً في علم الله تعالى مكانه ثم تغتسل وتصلي .
2- متحيرة في المكان مع معرفتها لعددأيام حيضها : - إذا كان لها تمييز جلست أيام عادتها وإن لم يكن لها تمييز جلست أيام عادتها من أول كل شهر.
__________
(1) هو جزء من حديث فاطمة بنت أبي حبيش الآتي .(6/13)
3- أن تتحير فيهما معاً : فإن ميزت عملت به وإن لم تميز تحيضت في علم الله ستاً أو سبعاً من أول كل شهر ثم اغتسلت وصلت ، ويلزم المستحاضة بكل حال أن تتوضأ لكل صلاة إذا دخل وقتها لدوام حدثها ، ولا تمنع المستحاضة زوجها من من وطئها إلا ما كان أيام عادتها لأنه لم ينقل عن فاطمة بنت أبي حبيش ولا حمنة بنت جحش ولا سهلة بنت سهيل ولا غيرهن أن أزواجهن كانوا يمتنعون من الوطء اللهم إلا استقذاراً ولم يذكر النبي - صلى الله عليه وسلم -ذلك لما سألته المستحاضة ماذا تصنع والأصل بقاء ما كان على ماكان . ونص حديث فاطمة بنت أبي حبيش روته أم المؤمنين عائشة - صلى الله عليه وسلم - أن فاطمة بنت أبي حبيش قالت لرسول الله - صلى الله عليه وسلم -: يا رسول الله إني لا أطهر، أفأدع الصلاة ؟ فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (( إنما ذلك عرق وليس بالحيضة ، فاتركي الصلاة ، فإذا ذهب قدرها فاغسلي عنك الدم وصلي )) . (1)
وحديث حمنة بنت جحش وتكنى بأم حبيبة وهي ختنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أي أن أختها زينب تحته - صلى الله عليه وسلم - فلما سألته قال لها - صلى الله عليه وسلم - : (( إنما هي ركضة من الشيطان، فتحيضي ستة أيام أو سبعة في علم الله ، ثم اغتسلي ، فإذا رأيت أنك قد طهرت واستنقأت فصلي أربعاً وعشرين ليلة ، أو ثلاثاً وعشرين ليلة و أيامها وصومي ، فإن ذلك يجزيك وكذلك فافعلي كما تحيض النساء ، وكما يطهرن لميقات حيضهن وطهرهن ، فإن قويت أن تؤخري الظهر وتعجلي العصر ، ثم تغتسلين حتى تطهرين، وتصلين الظهر والعصر جميعاً ، ثم تؤخرين المغرب وتعجلين العشاء ثم تغتسلين وتجمعين بين الصلاتين ، وتغتسلين للصبح فافعلي وصومي إن قويت على ذلك )) .
__________
(1) متفقٌ عليه ، أخرجه البخاري في الحيض - باب الاستحاضة- ح 306- الفتح 1/ 409 وأخرجه مسلم في الحيض - باب المستحاضة وغسلها وصلاتها - 1 / 262ح 333 .(6/14)
قال : (( وهو أعجب الأمرين إلي )) . (1)
فحديث فاطمة بنت أبي حبيش في المميزة ، وحديث حمنة في الناسية .
المبحث الثالث : أحكام النفاس
النفاس لغة : بالكسر . ولادة المرأة ، فإذا وضعت فهي نفساء . (2)
واصطلاحاً : دم يرخيه الرحم للولادة وبعدها مدة معلومة . (3)
وتحديده : لا حد لأقله على أصح أقوال أهل العلم ، وإذا ولدت المرأة جافة وجب عليها الغسل للولادة .
وأما أكثره ففي الأعم الغالب أنه أربعون يوماً ما لم تر الطهر فبل ذلك فإن رأت الطهر وهو المادة البيضاء تخرج مع ماتحتشى به أو الجفاف بحيث لا يظهر أثر على القطن المحتشى به إذا رأت ذلك وجب عليها الغسل والصلاة ، وكرهوا لزوجها جماعها قبل الأربعين خشية عود الدم ولم يكرهه ابن تيمية وهو الصحيح في القياس ، أما إذا زاد الدم عن الأربعين فإن صادف وقت عادتها جلستها ، و إن لم يصادف وقت عادتها فإن كانت منه نفس صفات دم النفاس فتبقى في نفاس حتى ينقطع و لو إلى شهرين أما إذا تغير لونه بعد الأربعين فأصبح مثل غسالة اللحم فهو استحاضة تغتسل وتصلي وتعامل نفسها كالمستحاضة . والمتتبع لما ذكره العلماء ونقلوه عن السلف ، و ما هو حاصل اليوم أن الأربعين هي أكثر مدة النفاس ، وقد تطهر قبل ذلك أو بعده بعدة أيام، ولهذا جعل حداً في الأعم الأغلب .
__________
(1) أخرجه أبو داود في الطهارة - باب من قال إذا أقبلت الحيضة تدع الصلاة 1 / 67 ، والترمذي في الطهارة - باب في المستحاضة ، وقال : هذا حديث حسن صحيح .
(2) الفيروزآبادي في القاموس المحيط ، باب السين ، فصل النون ( ص : 745 ) .
(3) المبدع لابن مفلح 1 / 293 .(6/15)
قال الترمذي رحمه الله : (( أجمع أهل العلم من أصحاب محمد - صلى الله عليه وسلم - ومن بعدهم على أن النفساء تدع الصلاة أربعين يوماً ، إلا أن ترى الطهر فبل ذلك فتغتسل وتصلي )) .(1)
وحكم النفساء حكم الحائض فيما يحل ويحرم ويباح وقد سبق بيان ذلك .
ودم النفاس هو دم الحيض كان محتبساً من أجل الولد ، وإذا ولدت المرأة انقضت عدتها أياً كانت ولو كانت من وفاة على أصح الأقوال .
وإذا رأت الدم قبيل ولادتها فهو نفاس , ولا تعتد بالماء الذي ينزل قبل الولادة بل تصلي وتصوم حتى تلد أو ترى دم النفاس , وكذلك آلام الطلق ليست من النفاس وإنما هي من مقدماته ولا تمنع صلاة ولا صوما ولا غيرها وعلى المسلمة أن تحتاط لدينها وتستبرئ لذمتها , فتتأكد من طهارة نفسها بما ذكرنا سابقا ولا تعجل.
المبحث الرابع : أحكام الجنابة وفيه مسائل
المسألة الأولى : آداب الجماع :
1 - تستحب التسمية قبله .
2 - قول ما ورد قبله من الدعاء . لما روى ابن عباس - رضي الله عنه - قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : (( لو أن أحدكم حين يأتي أهله قال : بسم الله ، اللهم جنبنا الشيطان ، وجنب الشيطان ما رزقتنا ، فولد بينهما ولد لم يضره الشيطان أبداً )) متفق عليه . (2)
وهذا مشروع في حق الزوج والزوجة و إذا نسي ذكرته ، وقد نقل علماء التفسير عن عطاء في تفسير قوله تعالى : { وَقَدِّمُوا لأَنْفُسِكُمْ } (3) قال: هي التسمية عند الجماع . (4)
__________
(1) انظر : الترمذي في الطهارة - باب ما جاء في كم تمكث النفساء ( عارضة الأحوذي
1 / 299 ) .
(2) أخرجه البخاري في أماكن متعددة منها : النكاح - باب ما يقول إذا أتى أهله - ح 5165 - الفتح 9/228 ، ومسلم في النكاح - باب ما يستحب أن يقوله عند الجماع 2 / 1058 .
(3) سورة البقرة - الآية ( 223 ) .
(4) تفسير ابن كثير 1 / 231 .(6/16)
3- التستر عن أعين الغير وعن أسماعهم ، فأما التستر عن أعين الغير فلا خلاف في وجوبه ، وكذا ينبغي خفض الصوت فكان السلف يكرهون الوجس به وهو الصوت الخفي .
ولا حرج فيما يفعله الرجل مع امرأته لحديث : (( احفظ عورتك إلا عن زوجتك وما ملكت يمينك )) (1) لكن من المستحب التغطية ولو كان داخل غرفة بحيث لا يراهما أحد , فإن الله أحق أن يستحيا منه .
وفي حديث ميمونة السابق أنها سترت النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو يغتسل في بيته .
4- عدم التحدث بما يحصل بين الزوجين . فقد روى ابن أبي شيبة في
(( مصنفه )) عن الحسن قال : جلس رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بين الرجال والنساء فأقبل على الرجال فقال : (( لعل أحدكم يتحدث بما يصنع بأهله إذا خلا ؟ )) ثم أقبل على النساء فقال : (( لعل إحداكن تحدث النساء بما يصنع بها زوجها ؟ )) قال : فقالت امرأة : إنهم ليفعلون ، وإنا لنفعل . فقال : (( لا تفعلوا ، فإنما مثل ذلك كمثل شيطان لقي شيطانة ، فجامعها والناس ينظرون )) (2) ، وروى مسلم عن أبي سعيد الخدري عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (( إن من شر الناس عند الله منزلة يوم القيامة الرجل يفضي إلى امرأته وتفضي إليه ثم ينشر سرها )) (3).
ولأبي داود عن أبي هريرة مثله . (4)
5- عدم الإكثار من الكلام عليه ، وأورد ابن قدامة أثراً عن قبيصة بن ذؤيب أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : (( لا تكثروا الكلام عند مجامعة النساء ، فإن منه يكون الخرس والفأفاء)) (5) ، و لأنه حال قضاء حاجة فينبغي قصد الحاجة وترك الكلام .
__________
(1) انظر : صحيح أبي داود - كتاب الحمام - باب ما جاء في التعري - ح 3391 .
(2) المصنَّف 4 / 391 .
(3) صحيح مسلم كتاب النكاح - باب تحريم إفشاء سر المرأة – ح 1437.
(4) كتاب النكاح - باب ما يكره من ذكر الرجل ما يكون من إصابته أهله 1 / 502 .
(5) أورده صاحب كنز العمال 16 / 354 ونسبه لابن عساكر .(6/17)
6- ويستحب الملاعبة قبله والتقبيل وما أشبه ذلك لأنه أكمل في الاستمتاع .
7- أن لا يعجل أحدهما الآخر ، فإن من كمال الاستمتاع أن يفرغا جميعاً وقد قضى كل منهما وطره من صاحبه فإن كان ممن يقضي بسرعة انتظرها حتى تقضي حاجتها .
8- ويستحسن إذا قضى الرجل حاجته أن تناوله زوجته خرقة أو منديلاً ليمسح عنه أثر الجماع وتفعل هي مثل ذلك اتقاءً لتقذير الفرش والثياب .
9- شكر الله عز وجل الذي أباح الاستمتاع بالحلال مع إحسان القصد في الجماع ليثابا على فعله .
10- استحضار النية عنده لقصد الولادة فإن ذلك من مقاصد الزواج .
المسألة الثانية : صفة غسل الجنابة الكامل كما وردت به السنة
1- النية لرفع الحدث فإنما الأعمال بالنيات .
2- التسمية ولو قبل دخوله دورة المياه أو المغتسل ليبارك الله له فيما يفعل ويصرف عنه وسوسة الشيطان .
3- غسل اليدين قبل إدخالهما الإناء إذا أراد أن يغرف بهما ، فقد كان - صلى الله عليه وسلم - يغسل كفيه ثلاثاً قبل إدخالهما الإناء . (1)
4- غسل الفرج باليد اليسرى حتى ينظف ما عليه من أثر الجماع .
5- دلك اليد اليسرى إما بتراب أو صابون ، وقد دلكها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - دلكاً شديداً بالتراب (2) .
ولعل الصابون يقوم مقام ذلك لتعسر استعمال التراب في الأبنية الحديثة .
6- أن تتوضأ وضوءها للصلاة وقد جاء في بعض الأحاديث مطلقاً ، وفي بعضها مقيداً بترك القدمين إلى ما بعد الانتهاء . وكلاهما في السنة الصحيحة .
7- غسل الرأس وتروية شعره وإدخال الأصابع فيه حتى يحصل ظن غالب بتروية أصوله وبلوغ الماء إلى جلدة الرأس ففيها أصول الشعر .
8- البدء بالميامن ثم بالمياسر لفعله - صلى الله عليه وسلم - .
__________
(1) جاء في حديث ميمونة في الغسل - باب من توضأ في الجنابة ثم غسل سائر جسده - ح 274 - الفتح 1/382 .
(2) تقدم تخريجه ، وهو في مسلم 1 / 254 ح 317 .(6/18)
9- إفاضة الماء على سائر البدن وتعميمه به بحيث لا يبقى جزء ظاهر أو خفي إلا وصله الماء كالإبطين ومغابن السرة و ما تحت الركبتين ونحو ذلك .
10- التنحي عن موضع الغسل ثم غسل القدمين لما في ذلك من تأكيد الطهارة وقطع الوسواس .
11- لا مانع من المنشفة فليس معنى قول أم المؤمنين : فأتيته بالمنديل فلم يردها ، وأخذ ينفض عنه الماء بيديه أن استعمالها مكروه ، وإنما هذا من قبيل العادات . ولعله - صلى الله عليه وسلم - فعل ذلك إما لترك الترفه ، أو من أجل أن يبقى جسمه مبتلاً بأثر الطهارة التي من أسباب المغفرة ومحو الذنوب. أو لئلا تصير عادة أو لغير ذلك.
المسألة الثالثة : أحكام تتعلق بالغسل :
1- جواز استعمال المرأة مع زوجها من إناء واحد كما مر معنا في حديث عائشة رضى الله عنها ، وأنه لا يضر اختلاف أيديهما في الإناء ، كما أن رشاش الماء المتقاطر على الإناء معفو عنه ، لأنه من المستحيل أن تختلف أيديهما في الإناء ولا يحصل شيء من ذلك فهو معفو عنه - كما يجوز للرجل أن يغتسل مما أفضلته المرأة لحديث ميمونة رضي الله عتها . (1)
2- استحباب تقليل ماء الغسل والوضوء ، فقد مر معنا أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يكفيه المد وهو ملء حفنتي الرجل المتوسط لوضوئه والصاع وهو أربعة أمداد لغسله . وكما اعترض بعض الناس ممن أدرك الصحابة رضوان الله عليهم بقوله : هذا لا يكفيني ، ردوا عليه بأنه كان يكفي منه أوفى جسماً وأوفر شعراً . (2)
__________
(1) رواه مسلم في الحيض - باب القدر المستحب من الماء في غسل الجنابة - 1 / 257 ح 323 .
(2) انظر : صحيح مسلم -كتاب الحيض - باب استحباب إفاضة الماء على الرأس 1 / 259 ح 329 ، والصحابي المسئول هو : جابر بن عبد الله رضي الله عنهما ، والسائل الحسن بن محمد بن الحنفية .(6/19)
يعنون بذلك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، وإن الرجال والنساء في هذا الزمن الذي تيسرت فيه الأدوات الصحية لمسرفون في ماء الوضوء إلا من رحم الله وقليلٌ ما هُم .
وقد أدركنا إلى وقت قريب أن قربة الماء كانت تكفي الأسرة في الطعام والشراب والوضوء وغسل الزوجين وتنظيف الأواني ، وهذه البركة بسبب عدم الإسراف .
3- وجوب التستر عند الاغتسال إذا كان ثم من يراه أو يخشى دخول داخل أو استيقاظ نائم بل إن حديث ميمونة أنها سترت النبي - صلى الله عليه وسلم - مطلق . وهذا إذا كان ثم من يراه أو يخشى ذلك أما إذا أمن على نفسه ذلك فله أن يغتسل متجرداً ولعله لو غطى حدود العورة بمئزر أو نحوه كان أولى و أستر ولو لم يكن ثَم من يراه .
4- إن الغسل يجب بالجماع ولو لم يحصل إنزال وهو ما يعرف بالإكسال، وكان لا يغتسل منه ثم نسخ وحديث عائشة - صلى الله عليه وسلم - عندما سألها أبو موسى الأشعري عن ذلك بعد خلاف بين المهاجرين والأنصار قطع النزاع فإذا مس الختان الختان ولا يكون إلا بإيلاج، فقد وجب الغسل ولو لم يحصل إنزال كما جاء في (( صحيح مسلم )) .
كما أن المرأة إذا رأت ما يرى الرجل في نومه من الاحتلام وجب عليها الغسل إذا هي رأت الماء ، أما إذا لم ترى الماء فلا يجب عليها غسل . وقد ذكر ذلك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وذكر وصف ماء الرجل وماء المرأة و أن من المائين يحصل الشبه . (1)
5- أن من أفاض الماء على بدنه أو انغمس في بركة فقد طهر و ارتفع عنه حدثه وهذا هو الغسل المجزئ .
__________
(1) انظر : صحيح مسلم – كتاب الحيض، باب وجوب الغسل على المرأة بخروج المني منها ح310،311 .(6/20)
6- أن من جامع أو جومع وأراد أن يأكل أو ينام أو يعود فمن السنة أن يفعل بين ذلك بوضوء. فقد استفتى عمر النبي - صلى الله عليه وسلم - عن ذلك فقال له: (( توضأ واغسل ذكرك ثمّ نم )) وحديث عائشة: كان النبي - صلى الله عليه وسلم - إذا أراد أن ينام وهو جنب غسل فرجه وتوضأ للصلاة.(1)
الفصل الثاني : أحكام المعاشرة :
المبحث الأول : أحكام النكاح
لعل المباحث السابقة مثل مسؤولية المرأة نحو زوجها وكذلك ما مر معنا في بيان الحقوق والواجبات وحسن المعاشرة وما ذكرته من الآداب الأخرى فيه مما يتعلق بالنكاح فلم يبق إلا مسائل عامة أذكر أهمها مما يتعلق بالنكاح فيما يلي:
المسألة الأولى : تعريف النكاح والأصل فيه وبيان فضله والحكمة منه .
تعريفه : النكاح لغة : الوطء ، والعقد له ، و يراد به التزويج . وتناكحت الأشجار إذا تضامت ، ونكح المطر الأرض اعتمد عليها ، ونكح النعاس عينيه غلبها . (2)
النكاح اصطلاحاً : عقد يرد على تمليك منفعة البضع قصداً . (3)
__________
(1) رواهما البخاري في الغسل – باب الجنب يتوضأ ثم ينام – ح 288 ، 289 – انظره مع الفتح 1/393 .
... ورواهما مسلم في كتاب الحيض - باب جواز نوم الجنب واستحباب الوضوء له وغسل الفرج - ح 306 ، 307 .
(2) القاموس المحيط ، باب الحاء ، فصل النون ( ص : 314 ) ، المطلع على أبواب المقنع
( ص : 318 ) .
(3) التعريفات للجرجاني ( ص : 246 ) .(6/21)
الأصل فيه : الكتاب ، السنة ، الإجماع . أما الكتاب فقوله تعالى :
{ وَأَنْكِحُوا الأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِيْنَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ إِنْ يَكُوْنُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهُمْ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ وَاللهَ وَاسِعٌ عَلِيْمٌ } (1)، وقال تعالى : { وَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تُقْسِطُوا فِي اليَتَامَى فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنْ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلاثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ذَلِكَ أَدْنَى أَلاَّ تَعُوْلُوا } . (2)
وأما السنة فأحاديث كثيرة تقدم بعضها ولعل من أهم ما ورد في السنة قوله - صلى الله عليه وسلم - : (( يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج ، فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج ، ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء )) . (3)
وقوله - صلى الله عليه وسلم - : (( أما إني لأتقاكم وأخشاكم لله ، لكني أصوم وأفطر ، وأصلي وأرقد ، وأتزوج النساء فمن رغب عن سنتي فليس مني )) . (4)
وعن سعيد بن جبير قال : قال لي ابن عباس - رضي الله عنه - : (( هل تزوجت ؟ قلت : لا . قال : فتزوج ، فإن خير هذه الأمة أكثرها نساءً )) . يعني بذلك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - . (5)
__________
(1) سورة النور - الآية ( 32 ) .
(2) سورة النساء - الآية ( 3 ) .
(3) رواه البخاري في النكاح - باب قول النبي - صلى الله عليه وسلم - : (( يا معشر الشباب )) - ح 5065 - من الفتح9/106 .
(4) رواه البخاري في النكاح - باب الترغيب في النكاح - ح 5063 - من الفتح 9 / 104 .
(5) رواه البخاري في النكاح - باب كثرة النساء - ح 5069 - من الفتح 9 / 113 .(6/22)
وعن سعيد بن المسيب قال : سمعت سعد بن أبي وقاص - رضي الله عنه - يقول : (( رد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على عثمان بن مظعون التبتل ، ولو أذن له لاختصينا )) . (1)
وعن ابن مسعود مثله . (2)
ومما ورد في فضل النكاح :
- أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يفخر بأنه ولد من نكاح ولم يولد من سفاح ، قال - صلى الله عليه وسلم - : (( ولدت من نكاح ولم ألد من سفاح )) (3) ، وكان أمر السفاح في الجاهلية منتشراً ، وقد ذكرت عائشة - رضي الله عنه - أربعة أنواع من الأنكحة مما كان سائداً قبل الإسلام ثلاثة منها نكاح سفاح . (4)
- كون النبي - صلى الله عليه وسلم - زوج الرجل المرأة التي جاءت تعرض نفسها بما معه من القرآن (5) فهذا دليل على حرص الشارع على التزويج لأنه إذا انتشر الحلال وتيسرت سُبله قلَّت طرق الحرام وضيقت مسالكه .
- أن الشارع الحكيم تولى رعاية الرابطة الزوجية منذ بداية التفكير فيها حتى تتم بل يحصل انتهاء بين الزوجين بموت أو أي فرقة أخرى .
لذا كان الزواج عماد الأسرة الثابتة إذ تؤدى فيه الحقوق والواجبات بشعور ديني تحترم فيه الروابط والعلاقات ويسمو بروح الإنسان عن دركة الحيوانية التي تجعل العلاقة جنسية بهيمية كما هو الشأن في كثير من المجتمعات التي تدعي التمدن والحضارة .
__________
(1) المصدر السابق في النكاح - باب ما يكره من التبتل - ح 5073 .
(2) المصدر السابق - ح 5075 .
(3) البداية والنهاية لابن كثير 2 / 255 .
(4) انظر : صحيح البخاري في النكاح - باب لا تكاح إلا بولي - ح 5127 .
(5) رواه البخاري في النكاح - باب التزويج على القرآن - ح 5149 - من الفتح 9 / 205 .(6/23)
والزواج هو المقام الأول للأسرة التي هي الأساس في بناء المجتمع ونحوه و المجتمع الذي يكثر فيه الزواج يزيد سكانه ويكثر عطاؤه ، وعلى العكس من ذلك فالمجتمع الذي يقل فيه الزواج يتناقص فيه عدد السكان ويكون عرضة للانقراض ، و لهذا كان الزواج سبباً من أسباب تكثير أمة محمد - صلى الله عليه وسلم - فقد روى معقل بن يسار أن رجلاً جاء إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال : يارسول الله أصبت امرأة ذات حسن وجمال وحسب ومنصب ومال ، إلا أنها لا تلد أفأتزوجها ؟ فنهاه ، ثم أتاه الثانية فقال له مثل ذلك، ثم أتاه الثالثة فقال: (( تزوجوا الودود الولود فإني مكاثر بكم الأمم )).(1)
ولو لم يكن في الزواج إلا راحة النفس وطمأنينة القلب ، والتعاون على بناء الأسرة، وأمور الحياة ، والصبر على الأذى ، لكان أعظم وظيفة في هذه الحياة . قال تعالى: {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجَاً لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيات لقوم يتفكرون}(2)
المسألة اثانية: الخِطبة وآدابها .
تعريفها : الخطبة بكسر الخاء : مقدمة النكاح .
وفي الاصطلاح : طلب النكاح ممن إليه أمره .
الأصل فيها :
__________
(1) أخرجه أحمد في مسنده 3 / 158 ، 245 ، وأخرجه أبو داود في النكاح - باب النهي عن تزويج من لم يلد من النساء - ح 2050 .
(2) سورة الروم – الآية (21) .(6/24)
قال الله تعالى : {وَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا عَرَّضْتُمْ بِهِ مِنْ خِطْبَةِ النِّسَاءِ أَوْ أَكْنَنْتُمْ فِي أَنْفُسِكُمْ عَلِمَ الله أَنَّكُمْ سَتَذْكُرُونَهُنَّ وَلَكِن لاَّ تُوَاعِدُوهُنَّ سِرّاً إِلاَّ أَن تَقُوْلُواْ قَوْلاً مَعْرُوفاً وَلاَ تَعْزِمُواْ عُقْدَةَ النِّكَاحِ حَتَّى يَبْلُغَ الْكِتَابُ أَجَلَهُ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ يَعْلَمُ مَا فِي أَنفُسِكُمْ فَاحْذَرُوهُ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ}(1) .
وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : (( ولا يخطب الرجل على خطبة أخيه حتى يترك الخاطب قبله أو يأذن له الخاطب )) . متفق عليه .(2)
ومما جرت به عادة الناس أن يتقدم الرجل إلى أهل المرأة فيخطبها لنفسه أو من وكله في ذلك ثم ينتظر الجواب ، وفي هذه الأثناء يحرم على من علم بهذه الخطبة أن يتقدم للمرأة لنهي الشارع عن ذلك ، والأصل في النهي التحريم .
ومثل هذا إذا تقدم رجل لامرأة ثم تقدمت امرأة أو وليَّها للخاطب ليتزوجها ويترك زواجه من مخطوبته فهما في الحرمة سواء لاتحاد المعنى ، إلا إذا أراد نكاحهما معاً فتزول الكراهة .
والأحوال التي يجوز فيها لخاطب آخر أن يتقدم هي :
1 - أن يترك الخاطب الأول الخطبة .
2 - أن يُرد الأول من المخطوبة أو ولي أمرها .
3 - أن يستأذن الثاني الأول فيأذن له .
ولمن جهل الحال جواز الخطبة فإذا أخبر أنها مخطوبة وجب عليه الترك ويحرم على من أجيب بالموافقة أن يترك الأمر معلقاً فإما أن يمضي أو يترك .
ولايجوز التصريح بخطبة المعتدة من غيره ، ويباح التعريض للمعتدة غير الرجعية .
__________
(1) سورة البقرة – الآية (235)
(2) رواه البخاري في النكاح - باب لا يخطب على خطبة أخيه - ح 5142 من الفتح 9 / 198 ، ومسلم في النكاح - 2 / 1032 ح 1412 .(6/25)
ما يباح من النظر إلى المخطوبة : مما يستحق التنبيه في هذا المقام هو أن يكون المتقدم صادقاً عازماً على النكاح ، وإلا فإنه يحرم على من قصد النظر لغير النكاح ، ومما يباح له النظر إليه : الوجه ، والكفان ، والقدمان .
فالوجه فيه علامة الجمال . وفي الكف علامة النعومة ، وفي القدم علامة خصوبة البدن .
وله تصعيد النظر وتصويبه إلى قوام المرأة ، وهذا قدر كاف إن شاء الله ولا يزيد على ذلك على الصحيح إلا ما ظهر له دون طلب منه .
والأصل في إباحة النظر للمخطوبة : حديث جابر - رضي الله عنه - قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : (( إذا خطب أحدكم المرأة فإن استطاع أن ينظر منها ما يدعوه إلى نكاحها فليفعل )) . (1) قال : فخطبت جارية من بني سلمة فكنت أتخبأ لها حتى رأيت منها ما دعاني إلى نكاحها.
وهذا يدل على إباحة النظر لكل من الزوجين إلى الآخر فكما هو حق للرجل كذلك هو حق للمرأة ولهذا جاء في بعض طرق حديث جابر : قوله - صلى الله عليه وسلم - : (( فإنه أحرى أن يؤدم بينكما )) .
ويستفاد من حديث جابر ما كان عليه النساء من الحياء والتستر والابتعاد عن مخالطة الرجال .
ومن أهم الضوابط للرؤية المشروعة :
1 - أن يكون القصد بالرؤية النكاح مع العزم على ذلك .
2 - أن لا تكون الرؤيا بخلوة لنهيه - صلى الله عليه وسلم - أن يخلو رجل بامرأة إلا ومعها محرم ، وقد توسع الناس في الخلو بالمخطوبة بما لا يبيحه الشرع .
3 - أن يكون النظر لما يظهر غالباً وتعرف به الحال ولو كُرر . ولعل بعض الصفات التي يريد أن يعرفها الخاطب تحصل عن طريق قريبات من النساء ، والله أعلم .
المسألة الثالثة : أركان النكاح وشروطه :
أ - أركان النكاح :
__________
(1) رواه أحمد في المسند 3 / 334 ، 360 ، وأبو داود في النكاح - باب الرجل ينظر إلى المرأة وهو يريد تزويجها - ح 2082 ، وحسَّنه الشيخ الألباني في الإرواء ( 1791 ) .(6/26)
1 - الإيجاب وهو اللفظ الصادر من الولي أو من يقوم مقامه كزوجتك أو أنكحتك ، ويكون قبل القبول .
2 - القبول : وهو القول الصادر من الزوج أو وكيله مثل قبلت أو تزوجت أو رضيت بهذا النكاح . ويأتي بعد الإيجاب ولا يصحان ممن يحسن العربية إلا بها .
3 - الزوجان الخاليان من الموانع .
ب - شروطه :
1 - تعيين الزوجين بأن يقول : زوجتك ابنتي فلانة إذا كان له بنات غيرها ويصح زوجتك ابنتي إذا لم يكن له غيرها . ويقول الآخر : قبلت زواجها لابني فيسميه ليتميز بين إخوانه ، أو يقول : قبلته لابني إذا لم يكن له غيره .
وهذا لاخلاف فيه بين أهل العلم فيما نعلم .
2 - رضى الزوجين : والأصل في هذا الشرط قوله - صلى الله عليه وسلم - : (( لا تنكح الأيم حتى تستأمر ، ولا تنكح البكر حتى تستأذن )) . (1)
ورد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نكاح الخنساء بنت خِدام لما رفعت أمرها إليه وذكرت أنها تكرهه . (2)
والإجماع منعقد على ذلك في الجملة حكاه غير واحد من أهل العلم . (3)
وذكر أهل العلم أن لولي المجنون والمعتوه تزويجه بغير إذنه لعدم معرفته مصلحة نفسه ولانعدام الإذن حينئذ .
واختار أكثر أهل العلم أن للأب أن يزوج ابنته الصغيرة التي لها دون تسع سنين بغير إذنها ، وليس ذلك لأحد سواه . أما إذا بلغت تسع سنين ولو لم تكن بالغة فليس لأحد أن يجبرها على النكاح ولو كان أباها .
وهنا مسألة وهي أن الأباء في بعض الأماكن لا يستشيرون بناتهم ولو كنّ بالغات عاقلات مدركات لمصلحتهن ، لأنه لا رأي للمرأة عندهم ، وفي بعض المجتمعات الأخرى يكون الأمر على العكس فآخر من يعلم بأمر الزواج الأب وكلاهما طرفا نقيض .
__________
(1) رواه البخاري في النكاح - باب لا ينكح الأب وغيره البكر والثيب إلا برضاهما - ح 5136 من فتح الباري 9 / 191 .
(2) أخرجه البخاري في النكاح ، باب إذا زوّج الرجل ابنته وهي كارهة - ح 5138 (الفتح 9/194) .
(3) الإفصاح 2 / 113 .(6/27)
والإسلام وسط لا إفراط و لا تفريط ، ومع إعطاء البنت حرية التفكير وحرية الاختيار فللولي أن يمنع الزواج من غير الكفء ، وبخاصة فيما يتعلق بأمر الدين . فكما أنه لا حق له في الإجبار على من يريده له حق المنع من تزويجها بمن لا يصلح لها .
والنطق هو الأساس سواء كانت ثيباً أم بكراً ، لكن لو صمتت البكر استحياءً ، فتستعلم من قبل أمها أو أختها .
وهذا نادر اليوم فتعليم المرأة وأجهزة الإعلام نقلت الفتيات إلى عصر الصراحة وإبداء الرأي مباشرة ، وإن وجد من لا تستطيع التصريح فإذنها صماتها كما جاء في الأثر.
3- الولي : والأصل في هذا قوله - صلى الله عليه وسلم - : (( لا نكاح إلا بولي )) (1) .
ولعائشة - رضي الله عنه - مرفوعاً : (( أيما امرأة نكحت بغير إذن وليها فنكاحها باطل )) ، ثلاث مرات . (2)
وقد روي عن الشافعي رحمه الله قوله تعالى : { فَلا تَعْضِلُوْهُنَّ } بأنها أصرح آية في اعتبار الولي . (3)
ويعتبر في الولي : التكليف ، والذكورية ، والحرية ، والرشد في العقد بأن يعرف الكفء ومصالح النكاح ، وأن يكون عدلاً ولو ظاهراً ، وأن يتَّفقا في الدين فلا ولاية لكافر على مسلمة (4).
ومن ترك الصلاة متعمداً وأصر على الترك فلا ولاية له لكفره .
__________
(1) خرجه أصحاب السنن إلا النسائي ، انظر : سنن أبي داود في النكاح - باب الولي - ح 2085 .
(2) المرجع السابق - ح 2083 .
(3) انظر : تفسير ابن جرير 2 / 488 عند تفسير الآية ( 232 ) من سورة البقرة .
(4) وفي بعض البلدان الكافرة يحصل توثيق لعقد النكاح فيكون الولي كالأب مثلاً كافراً أو من يتولى العقد والمنكوحة مسلمة فلا بد من تجديد وتصحيح للعقد عند من يتولى أمر المسلمين من العلماء أو الدعاة في تلك البلاد قبل الدخول .(6/28)
ويتولى العقد الأب ثم وصيه فيه ، ثم الجد لأب وإن علا ، ثم الابن ثم بنوه وإن نزلوا ، ثم الأخ الشقيق ثم الأخ لأب ثم بنوهما كذلك ، ثم أقرب عصبة لأب ثم بنوهما كذلك ، ثم العم الشقيق ، ثم العم لأب، ثم بنوهما كذلك ، ثم أقرب عصبة نسب كالإرث ، ثم المولى المنعم بالعتق ، ثم أقرب عصبته نسباً حسب الميراث ، ثم عصبة الولاء ، ثم السلطان وهو القاضي فهو ولي من لا ولي له .
فإن عُدموا زوَّجها ذو سلطان في مكانها ، فإن تعذر وكلت لأصلح رجل تراه فيتولى عقدها ، ولا تعقد لنفسها إلا عند عدم أولئك كلهم فتكون ضرورة يلجأ إليها عند الحاجة الشديدة إليها ، والله أعلم .
وتدخل الوكالة عقد النكاح لقصة زواجه صلى الله عليه وآله وسلم من أم حبيبة وهي بالحبشة (1) ، وكان وكيله فيه عمرو بن أمية الضمري .
4- الشهادة : فلا ينعقد إلا بحضور شاهدين ذكرين مكلفين سميعين مسلمين في العقد بين مسلمين أو مسلم وكتابية عدلين ولو ظاهراً من غير أصلي الزوجين أو فرعيهما، لحديث ابن عمرو ابن عباس (( لا نكاح إلا بولي وشاهدي عدل )) . (2)
5 - خلو الزوجين من الموانع :
بأن لا يكون بهما أو بأحدهما ما يمنع التزويج من نسب أو سبب كرضاع أو مصاهرة واختلاف دين ، وكذا ما يمنع حق المعاشرة من العيوب الآتي ذكرها .
__________
(1) رواه من أصحاب السنن : أبو داود في النكاح - باب الولي - ح 2086 ، والنسائي في النكاح - باب القسط في الأصدقة 6 / 119 .
(2) رواه الدارقطني في كتاب النكاح 3 / 211 ، 225 ، وانظر : السنن الكبرى 7 / 125 .(6/29)
وهل الكفاءة شرط ؟ اعتبرها بعضهم شرطاً ولم يعتبرها البعض الآخر ، واعتبرها فريق ثالث شرطاً للزوم العقد لا لصحته ، وعليه أكثر أهل العلم ، لقوله تعالى : { إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللهِ أَتْقَاكُمْ } (1) ، ولما ثبت في السنة الصحيحة ففي (( الصحيح )) أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أمر فاطمة بنت قيس أن تنكح أسامة فنكحها بأمره ، فكان خيراً لها . (2) وزوَّج أبو حذيفة سالماً ابنة أخيه فاطمة بنت الوليد بن عتبة ، وهو مولى . (3)
والكفاءة في خمسة أشياء : الديانة ، الصناعة ، اليسار ، الحرية ، النسب .
ولايزال الناس يهتمون بشأن النسب والصناعة والحرية وبخاصة من جهة اللون ، والذي اختاره أن الكفاءة المعتبرة إنما هي في الدين لما مضى من الأدلة ولقوله - صلى الله عليه وسلم - : (( إذا جاءكم من ترضون دينه وخلقه فأنكحوه إن لا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد كبير )) . قالوا : يارسول الله وإن كان فيه ؟ قال : (( إذا جاءكم من ترضون دينه فانكحوه )) ثلاث مرات ، رواه الترمذي وحسنه . (4)
فالفاسق ليس كفئاً للعدل ، قال تعالى : { أَفَمَنْ كَانَ مُؤْمِنَاً كَمَنْ كَانَ فَاسِقَاً لا يَسْتَوُونَ } (5) .
__________
(1) سورة الحجرات - الآية ( 13 ) .
(2) صحيح مسلم في الطلاق - باب المطلقة ثلاثاً لا نفقة لها - ح 1480 .
(3) رواه البخاري في النكاح - باب الأكفاء في الدين - ح 5088 - من الفتح 9 / 131.
(4) صحيح الترمذي في النكاح - باب من جاء فيمن ترضون دينه فزوجوه - ح 865 ، 866 .
(5) سورة السجدة - الآية ( 18 ) .(6/30)
وأود أن أشير إلى نقطة مهمة وهي أن بعض الأزواج إنما يعرف فجوره وفسقه بعد الزواج ، وعلى المرأة أن تبادر معه بالنصح و بخاصة ما يتعلق بأمر الصلاة ، وكذا ما يتعلق بالمسكرات والمخدرات فإذا لم تر منه استجابة فلتبادر إلى طلب فسخ العقد ولتهرب منه ، وكثير من الأخوات لا تكشف أمر زوجها إلا فيما بعد وعند الاختلاف مع الأمور المادية وتكون قد أنجبت منه عدداً من الأطفال فتقع في ورطة كبيرة يكون الخلاص منها شاقاً .
المسألة الرابعة : عقد النكاح :
تعريفه : العقد في اللغة نقيض الحل هذا أصله ثم استعمل في كل ما يبرم من العقود ومنه الاعتقاد الجازم .
واصطلاحاً : ألفاظ مخصوصة من شخص مخصوص بصفة مخصوصة تؤدي إلى ربط المرأة بالرجل .
الأصل فيه : قوله تعالى : { وَلا تَعْزِمُوا عُقْدَةَ النِّكَاحِ حَتَّى يَبْلُغَ الكِتَابُ
أَجَلَهُ } (1) ، وقوله تعالى : { إِلاَّ أَنْ يَعْفُوْنَ أَوْ يَعْفُوَ الَّذِيْ بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ } (2) .
وقوله - صلى الله عليه وسلم - للرجل الذي طلب الواهبة نفسها لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - لما لم يرَ له فيها حاجة : (( اذهب فقد ملكتكها بما معك من القرآن )) . (3)
وذكر العلماء في العقد مجموعة من المستحبات :
1- كونه يوم الجمعة مساءً لأنها أرجى ساعة إجابة فيه .
2- كونه في المسجد لأنه أبرك مكان .
3- أن يتقدمه بخطبة الحاجة المعروفة .
ولو ضمنه بعض العبارات الواردة مثل ترويح بإحسان وتسريح بإحسان ونحو ذلك لكان حسناً .
وإذا تم العقد يدعى للمتزوجين بقوله : بارك الله لكما وعليكما وجمع بينكما في خير ، ورزقكما الذرية الصالحة .
__________
(1) سورة البقرة - الآية ( 235 ) .
(2) سورة البقرة - الآية ( 237 ) .
(3) رواه البخاري في النكاح - باب تزويج المعسر - ح 5087 - الفتح 9 / 131 ، ومسلم في النكاح - باب الصداق وجواز كونه تعليم قرآن وخاتم حديد - 2 / 1040 ح 1425 .(6/31)
ومما يحسن التنبيه عليه أن الناس يجعلون عقد القران فرحاً ويبالغون في الوليمة فيه حتى لكأنه ليلة العرس ، ثم يجرى على ذلك عرف الناس والكارثة إنما تقع في الغالب على المتزوج ، فينبغي على الناس أن يقتصروا في هذه الأمور تسهيلاً لأمر الزواج .
المسألة الخامسة : العيوب في النكاح ، وهي ثلاثة أقسام :
أ- ما يخص الرجل وهو عدم قدرته على الوطء بأي سبب من الأسباب .
ب- ما يخص المرأة وهو ما يمنع من وطئها بالكلية كالرتق والقرن والعفل، أو يمنع لذة الوطء كالاستحاضة المستمرة والقروح المستديمة وما أشبه ذلك .
ج- المشترك بينهما كالجنون والبرص والجذام والقرع والبخر وكل ما يؤدي إلى النفرة .
والمهم هنا أن من به عيب لا يجوز أن يكتمه عن صاحبه قبل العقد ، فإذا كتمه ثم تبين بعد فلصاحبه الخيار .
المسألة السادسة : أحكام الصداق :
الصداق : ويسمى المهر والنحلة ، والحباء ، والعقر ، والعلائق ، والصدقة .
تعريفه : لغة : الصداق لغة مأخوذ من الصدق لإشعار الزوجة بصدق الرغبة فيها .
واصطلاحا : هو العوض في النكاح ونحوه .
وإنما قلنا ونحوه ليدخل ما تستحقه المرأة بوطء الشبهة مثلا .
الأصل فيه : الكتاب والسنة والإجماع .
أما الكتاب فقوله تعالى قال الله تعالى: { وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً } .(1)
ومن السنة فعله صلى الله عليه وآله وسلم مع نسائه وبناته ، فقد فرض لكل منهن مهراً لم يزد فيه على خمسمائة درهم ، أو اثنتي عشرة أوقية فضة .
والحديث السابق وفيه قال صلى الله عليه وسلم: (( التمس ولو خاتماً من حديد )).(2)
وانعقد الإجماع على مشروعيته ، وعند بعضهم يفسد النكاح بفساده ، ولا حد لأكثره ولا لأقله ، والمسنون تخفيفه ، فأكثر النساء بركة أيسرهن مؤونة ، وقد تقدم الكلام عليه فلا نعيده .
ويبقى هنا الإشارة إلى مسائل مهمة :
__________
(1) سورة النساء - الآية ( 4 ) .
(2) متفق عليه وتقدم قريباً .(6/32)
المسألة الأولى : المهر حق للمرأة قرره الشرع ولا يجوز لأحد كائناً من كان أن يعتدي عليه ، ولها أن تطيب نفساً ببعضه لوليها بشرط أن لا يكون ذلك سبباً في التغالي فيه ، فهو موضوع لقضاء لوازم المرأة فحسب .
قال الله تعالى: { وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيءٍ مِنْهُ نَفْساً فَكُلُوهُ هَنِيئاً مَريئاً } .(1)
ومن المؤسف أن الكثير من الناس اتخذوا بناتهم وأخواتهم سلعة تباع بالمزاد العلني ، وظن البعض أن المغالاة في المهر تزيد من قيمة المرأة أو تجعل لها هيبة ومنزلة عند الرجل، أو تحجزه عن بعض التصرفات كالزواج عليها مثلاً .
وكل هذه الأمور ليست مخولة للأولياء أن يبالغوا في مهور النساء ، بل إن من أسباب فساد الشباب وانحرافهم الرئيسة المغالاة في الصداق .
المسألة الثانية : بيان متى تكون المرأة مستحقة له ؟
الأولى : أن يسمي الصداق قبل العقد ، ولا يمنع أن ينص عليه في العقد ومن شروطه أن يكون معلوماً .
وتملكه بالعقد ويستقر في ذمته بالدخول ، وما حصل من نمائه فهو لها ، ولها أن تتصرف فيه ببيع أو هبة أو وقف أو غير ذلك .
وإذا طلقها قبل الدخول فلها نصف المهر المسمى أو المتعة .
وإذا لم يسم لها مهر فدخل بها ، فلها مهر مثلها من قريباتها كأخواتها وعماتها وخالاتها ، ويرجع إلى العرف فالمعروف عرفاً كالمشروط شرطاً .
وحكم الهدايا التي يقدمها الزوج لزوجته حكم الهبة لا يحق له المطالبة بها في حال الانفصال لأنها تبرع ، اللهم إلا إذا وقع منهم غرر وحيلة فتحرم عليها لأن من أكل أموال الناس بالباطل .
المسألة الثالثة : حكم المهر المؤجل :
__________
(1) سورة النساء - الآية ( 4 ) .(6/33)
حكى ابن قدامة (1) رحمه الله خلاف أهل العلم في المهر المؤجل ومحصل الخلاف أن أكثر أهل العلم يجيزه ويتأقت بأقرب الفرقتين من موت أحدهما أو المفارقة حال الحياة ، ومنهم من منعه واعتبره فاسداً ولها مهر مثلها ، ومنهم من حد له مدة كسنة ثم يحل ، وكلها أقوال لا أدلة عليها .
والذي ظهر لي أن ترك التأجيل هو الأفضل لأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم عندما لم يجد الصحابي شيئاً زوجه بما معه من القرآن ، ولم يفرض مهراً مؤجلاً ، وكان بإمكانه أن يفعل لكنه لم يفعل وسنته أحق بالاتباع .
ثم إن التأجيل في المهر يسبب مشكلات بين الزوجين ، فقد يبدو للزوج أن يفارق المرأة فيضطرها إلى أن تتنازل عن الصداق المؤخر بدون وجه حق .
وقد تمارس المرأة بعض التصرفات غير اللائقة ولا تنصاع لطاعة الزوج ، وتجعل المهر المؤجل ورقة ضغط تهدد بها زوجها .
ومن خلال معايشتي لبعض المشكلات المتعلقة بالمهر المؤجل تبين لي أنه لا خير فيه، ولا يلجأ إليه إلا لضرورة قصوى ، أو حاجة ظاهرة والله أعلم .
المسألة السابعة : الشروط فيه :
المراد بها اشتراط ما يحقق مصلحة أو يدفع مضرة ، والمعتبر منها ما كان صحيحاً موافقاً للشرع ، وكان في العقد أو قبله بقليل على الصحيح .
وهي قسمان : صحيح لازم مثل أن تشترط في مهرها نقداً معيناً يمكن الوفاء به أو تشترط أن تكون في سكن مستقل أو ألا يخرجها من بلدها ، أو أن لا يفرق بينها وبين أبويها أو أولادها ، وجعل بعضهم منه أن لا يتزوج عليها .
وألحق البعض كل ما لها فيه مصلحة ولا يعارض الشريعة مثل إكمال التعليم أو السماح لها بالعمل فترة معينة ، وما أشبه ذلك .
والدليل على صحة مثل هذه الشروط عموم الأحاديث الواردة في ذلك مثل قوله صلى الله عليه وآله وسلم : (( المسلمون على شروطهم )) (2) .
__________
(1) المغني ( 10 / 115 ) .
(2) صحيح الترمذي للألباني في الأحكام - باب ما ذكر في الصلح بين الناس - ح1089 .(6/34)
وقوله صلى الله عليه وآله وسلم : (( إن أحق ما أوفيتم به من الشروط ما استحللتم به الفروج )) متفق عليه (1) .
وقول عمر - رضي الله عنه - : (( مقاطع الحقوق عند الشروط )) .
لكن لو شرطت طلاق ضرتها ، ولم يف بذلك هل من حقها طلب
الفسخ ؟
الظاهر من النصوص أن لها ذلك ، ولكن ورد فيه نهي من الشارع حيث قال صلى الله عليه وآله وسلم : (( ولا تسأل المرأة طلاق أختها لتستكفئ إناءها )) (2) ، فيكون الاشتراط بمنزلة العام والنهي خاص ، والخاص يقدم على العام ، وبخاصة إذا علم أن الشخص عنده القدرة على تحمل المسؤولية وفية الكفاءة للتعدد .
وكذلك كل شرط ينافي مقتضى العقد أو يمنع الاستمتاع بالمرأة ، فهو باطل ، فإذا كانت الدراسة أو العمل خارج المنزل يترتب عليها إضاعة الحقوق الزوجية أو الإخلال بالواجبات فليس للمرأة حق المطالبة بإنفاذ الشرط لتعارضه مع حق الزوج ، وحينئذ يدخل تحت حديث: (( كل شرط ليس في كتاب الله فهو باطل وإن كان مائة شرط ))(3)
والقسم الثاني : الشروط الفاسدة : وهي على نوعين :
1- ما يبطل العقد من أساسه مثل نكاح الشغار ففيه يشترط كل منهما أن يزوجه الآخر موليته وهو باطل وكذا نكاح التحليل والمتعة .
وقد نهى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن الشغار . متفق عليه (4)
__________
(1) رواه البخاري في الشروط - باب الشروط في المهر عند عقدة النكاح - ح2721 من الفتح 5 / 323 ، ومسلم في النكاح - باب الوفاء بالشروط في النكاح - ح 1418 .
(2) رواه البخاري في الشروط - باب ما لا يجوز من الشروط في النكاح - ح 2723 من الفتح 5 / 523 .
(3) هذا حديث بريرة المشهور ، وقد رواه البخاري في مواضع منها كتاب الشروط - في باب النكاح - ح 2735 من الفتح 5 / 353 .
(4) رواه البخاري في النكاح - باب الشغار - ح5112 ، ومسلم في النكاح - باب تحريم نكاح الشغار وبطلانه - ح 1415 .(6/35)
وقال صلى الله عليه وآله وسلم : (( لعن الله المحلل والمحلل له )) (1) وسماه التيس المستعار .
أما نكاح المتعة فكان مباحاً ثم حرم ونسخ إلى الأبد ، ونهى عنه صلى الله عليه وآله وسلم عام الفتح وفي حجة الوداع . (2)
2- ما يبطل ويصح معه العقد مثل أن يشترط أن لا مهر لها أو لا نفقة عليه أو تشترط هي أن لا يطأها وما أشبه ذلك مما ينافي مقتضى عقد الزوجية فيلغى الشرط ويصح العقد ، وعلى كل واحد من الزوجين أن يقوم بما عليه من الحقوق والواجبات التي يقتضيها عقد الزوجية .
المبحث الثاني : الطلاق ، الرجعة ، الإيلاء ، الظهار ، الخلع ، اللعان ، وهذه أهم أسباب المفارقة .
المطلب الأول : الطلاق وفيه مسائل :
المسألة الأولى : تعريفه ، وبيان الأصل فيه ، وحكمه :
الطلاق لغة : المفارقة ، وإزالة القيد والتخلية . (3)
واصطلاحاً : حل قيد النكاح (4) بلفظ مخصوص .
والأصل في مشروعيته : الكتاب ، والسنة ، والإجماع .
أما الكتاب فقوله تعالى : { يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ ... } (5) وقوله تعالى : { الطَّلاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ } (6)
__________
(1) رواه ابن ماجه في النكاح - باب المحلل والمحلل له - ح 1936 وصححه الألباني في صحيح ابن ماجه 1572 .
(2) انظر : البخاري مع الفتح 9 / 166 - ح 5115 ، ومسلم في النكاح - ح 1404
( 2 / 1022 ) .
(3) لسان العرب ( 10 / 225 - 226 ) .
(4) المغني لابن قدامة ( 10 / 323 ) .
(5) سورة الطلاق - الآية ( 1 ) .
(6) سورة البقرة - الآية ( 229 ) .(6/36)
وأما السنة فأحاديث كثيرة منها قصة ابن عمر رضي الله عنهما لما طلق زوجته فأمره صلى الله عليه وآله وسلم برجعتها ثم يتركها حتى تطهر ثم تحيض ثم تطهر ، ثم إن شاء أمسك بعد وإن شاء طلق قبل أن يمس ، فتلك العدة التي أمر الله أن يطلق لها النساء متفق عليه . (1)
والناس مجمعون على جواز الطلاق (2) في الجملة .
كما أن الخبرة دالة على جوازه ، فإنه ربما فسدت الحال بين الزوجين واستحكم الخلاف ، وأصبحت الحياة جحيماً لا يطاق فالطلاق حينئذ حل لزوال المفسدة ودفع المضرة .
وأما حكمه ففي الجملة جائز ، وتنتابه أقسام الحكم التكليفي فقد يجب عليه إذا كان مولياً أو حكم به الحكمان إذا رأيا ذلك ، ويكره إذا كان لغير حاجة فهو أبغض الحلال إلى الله حينئذ ، ويحرم إذا كان بدعياً كما يأتي بيانه ويندب إليه إذا كانت المرأة غير عفيفة وتتهاون في أمور الشرع وزجرها فلم تنزجر ويباح فيما عدا ذلك .
المسألة الثانية : الحكمة منه :
شرع الله النكاح لبني آدم ، ومما يترتب عليه المعاشرة والمخالطة ولابد من الاحتكاك بين الزوجين ، وقد تضيق الأخلاق ، ويستحكم الخلاف ويحتدم النزاع إلى درجة لا يكون أمام الزوج أو الزوجة أو الحكمين إلا حل عقد النكاح .
وقد أخذ كثير من الغربيين على الإسلام إباحته الطلاق ، واعتبروا ذلك استهانة بحق المرأة ، ثم قلدهم بعض تلاميذهم من أبناء المسلمين .
وجهل هؤلاء وأولئك أن الطلاق موجود في شريعة اليهود، وعرفه العالم منذ القدم.
__________
(1) البخاري في الطلاق - باب قول الله تعالى : { يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ } - ح 5251 ، الفتح 9/345 ، ومسلم في الطلاق - باب تحريم طلاق الحائض - ح 1471 ( 2 / 1093 ) .
(2) المغني كما سبق .(6/37)
ثم إن نظرة هؤلاء العاتبين على الإسلام إباحته الطلاق إنما نظروا من زاوية واحدة وهي ما يقع على المرأة من الضرر وغاب عنهم جوانب أخرى ، فقد تتعذر العشرة بين الزوجين ، وتفشل كل سبل الإصلاح ، ولا يبقى إلا المفارقة وقد قال الله تعالى عن ذلك الموقف : { وَإِنْ يَتَفَرَّقَا يُغْنِ اللهُ كُلاً مِنْ سِعَتِهِ } (1) .
وكثيراً ما يحدث بين الزوجين من الأسباب والدواعي ما يجعل الطلاق ضرورة لازمة، ووسيلة متعينة لتحقيق الخير ، والاستقرار العائلي والاجتماعي لكل منهما .
وقد يطلع أحد الزوجين على ما لا يرضاه من صاحبه من خلق فيضيق به ضرعاً ولا مخلص حينئذ إلا الطلاق أو المفاداة .
ولم ينكر صلى الله عليه وآله وسلم على الصحابية التي جاءته فقالت : يا رسول الله ثابت بن قيس ما أعتب عليه في دين ولا خلق ولكن لا أطيقه ، وإني أخاف الكفر ، فقال صلى الله عليه وآله وسلم : (( أتردين عليه حديقته ؟ )) فقالت : نعم ، فقال صلى الله عليه وآله وسلم : (( اقبل الحديقة وطلقها تطليقة )) . (2)
والشاهد أنه صلى الله عليه وآله وسلم لم ينكر على زوجة ثابت بن قيس ابن شماس كرهها له ، وعدم صبرها عليه وتضايقها من دمامة خلقته ، وكان الخلع وهو نوع من أنواع الفرقة حلاً ولا ضرر ولا ضرار في الإسلام .
ولو لم يكن هناك حل عند التباغض وأجبر كل من الزوجين بالبقاء مع الآخر لأدى ذلك إلى مفاسد عظيمة منها :
1- أن الضغينة تأكل قلبيهما وتزداد النفرة والتضايق بينهما .
2- ومنها أن كلاً منهما يسعى للتخلص من صاحبه بكل وسيلة ممكنة وهذا يؤدي إلى ارتكاب جرائم القتل واستعمال السحر والإيقاع بالآخر متى واتت الفرصة .
3- ومنها أن المرأة إذا لم تنسجم مع زوجها اتخذت خديناً سرياً وكذلك الرجل يتخذ خليلات وعشيقات يوافقنه في المزاج .
__________
(1) سورة النساء - الآية ( 130 ) .
(2) البخاري في الطلاق - باب الخلع - ح 5273 ، الفتح ( 9 / 395 ) .(6/38)
لكن الشارع جعل الطلاق حلاً عند انسداد طرق الإصلاح ، وقد يجد الرجل امرأة تستريح إليها نفسه ، وكذلك المرأة تجد رجلاً صالحاً يضمها إليه ويعوضها ما فقدته في زوجها الأول .
والزواج عقد كسائر العقود متى رأى الشركاء أن المصلحة في حله جاز حله ، وإلا كان من أعظم أنواع الظلم أن يجبر أحد على الحياة مع لم يرغبه ولا تقبله نفسه .
ولهذا حرم النبي صلى الله عليه وآله وسلم على المرأة أن تطلب الطلاق من زوجها بدون سبب ، فقال صلى الله عليه وآله وسلم : (( أيما امرأة سألت زوجها الطلاق في غير ما بأس فحرام عليها رائحة الجنة )) . (1)
والطلاق كما سبق هو أبغض الحلال إلى الله تعالى ، ولا يلجأ إليه إلا آخر الأمر فيسبقه الوعظ ثم الهجر ثم الضرب غير المبرح ، ثم تدخل أهل الإصلاح لرأب الصدع وإيقاف المخطئ عند حده ، لعل الأمور تستقيم ويتراجع المخطئ .
فإذا استحكم الخلاف أبيح الطلاق وأحسنه ما كان طلقة واحدة في طهر لم يجامعها فيه ، لأنه هو السنة ، وليبقى أمام الزوجين فرصة المراجعة عند الندم .
فمع هذه الضمانات والاحتياطات أيرمى الإسلام بأنه بالطلاق استهان بحق المرأة ؟
إن للزواج مقاصد وأهداف إذا لم تتحقق فلا مانع من حله ليحل محله ما يحقق تلك الأهداف وتلك المقاصد .
المسألة الثالثة : أنواع الطلاق وأقسام المطلقات :
ينقسم الطلاق من حيث السنة والبدعة فيه إلى قسمين :
1- طلاق السنة : وهو أن يطلق الرجل امرأته في طهر لم يمسها فيه طلقة واحدة ، وهذا مجمع على أنه طلاق سنة ، وسند هذا الإجماع حديث ابن عمر السابق ، فقد بين له صلى الله عليه وآله وسلم كيف يفعل إذا أراد أن يطلق كما أمر الله تعالى . (2)
__________
(1) رواه ابن ماجه في الطلاق - باب كراهية الخلع للمرأة - ح 2055 ، وذكره الألباني في صحيح أبي داود برقم 1928 ، وفي صحيح ابن ماجه برقم 1672 .
(2) حكاه الموفق إجماعاً بنفي الخلاف . المغني ( 10 / 325 ) .(6/39)
2- طلاق البدعة : وهو أن يطلق في طهر مس فيه ، أو في حيض ، أو يجمع لها الثلاث سواء بلفظ واحد على الصحيح أو متفرقات .
ولا خلاف أنه آثم ، وفي وقوع الطلاق خلاف ، والصحيح إن شاء الله أنه يقع .
قال الموفق : (( يقع في قول عامة أهل العلم ، ونقل عن ابن المنذر وابن عبد البر أنه لم يخالف في ذلك إلا أهل البدع والضلال )) .
ثم ذكر من ذهب إلى عدم الوقوع وهم : أبو نصر بن عُليَّة ، وهشام بن الحكم ، والشيعة . (1)
وذكر صاحب الإنصاف أن تقي الدين ابن تيمية وتلميذه ابن القيم (2) ذهبا إلى عدم الوقوع إذا طلق في حيض أو طهر أصابها فيه ، وتابعهما الشيخ عبد العزيز بن باز من المعاصرين .
ولعل حجتهم أن هذا طلاق مخالف لأمر الشرع فهو محرم فلا يقع ، وقاسوا على الوكيل فيه إذا حدد له الموكل زمناً فخالف وأوقع الطلاق في غيره.
ولعل حديث ابن عمر رضي الله عنهما صريح في وقوع الطلاق ، لأنه صلى الله عليه وآله وسلم أمر بمراجعتها ، ليطلقها طلاق السنة ، ولو لم يقع الطلاق لما كان في أمره بمراجعتها فائدة ، ولقال صلى الله عليه وآله وسلم : لم يقع عليه طلاق .
ثم هو طلاق من مكلف وقع على محل الطلاق فيقع كطلاق الحامل ، بل إنه أولى بالإيقاع لكونه خالف السنة ، وهو آثم مع الوقوع .
أقسام المطلقات :
1- الرجعية : أي التي يجوز للرجل أن يراجعها قبل انقضاء عدتها وهي المدخول بها إذا طلقها واحدة أو اثنتين ، والرجعة مستحبة على أصح القولين في الجملة .
2- البائن : وهي التي لا يجوز أن تعود إلى عصمة الرجل إلا بشروط معينة وتنقسم البينونة إلى قسمين :
أ- بينونة صغرى : ولها صورتان : إحداهما : أن يطلق قبل الدخول فتبين بطلقة واحدة ، وإذا أراد إعادتها فلابد من عقد ومهر جديدين ولابد من رضاء الزوجة ، فكأنه عقد زواج جديد .
__________
(1) المصدر السابق ( 10 / 327 ) .
(2) انظر : الإنصاف ( 8 / 448 ) .(6/40)
ثانيهما :أن يطلقها تطليقة أو تطليقتين ثم لا يراجعها حتى تنقضي عدتها ، وحينئذ لابد من عقد ومهر جديدين .
ب- بينونة كبرى : وهي أن يطلق المدخول بها ثلاثاً فلا تحل له إلا بعد زوج آخر، قال تعالى : { فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجاً غَيْرُهُ } (1)
المسألة الرابعة : الألفاظ التي يقع بها وحكم تعليقه :
أ- الألفاظ الصريحة فيه : وهي ما لا تحتاج إلى الرجوع إلى النية كلفظ طالق وطلقتك وسرحتك وفارقتك وما أشبه ذلك .
ب- الألفاظ الكنائية : وهي ما تحتاج إلى النية في بيان المراد بها مثل قوله لزوجته : أنت خلية وبرية وبائن وبته وأنت حرة ، وما أشبه ذلك ، فيرجع في هذه الألفاظ إلى النية وبيان المراد بها فيقع ما أراد من طلاق أو عدد فيه أو غير ذلك مما قصد .
تعليق الطلاق :
كثر استعمال التعليق للطلاق في هذا الزمن بسبب ما يقع من المشكلات فمثلاً نجد أن الرجل يعلق طلاق امرأته على خروجها من البيت فيقول : إن خرجت فأنت طالق ، وتارة يقول : إن ذهبت إلى فلانة فأنت طالق ، وحيناً يقول: إن كلمت فلانة أو كلمتك فأنت طالق ، ولعل لهذا التعليق بعض التبرير عند بعض الأزواج لما يلمسه من الزوجة من التغير عند بعض الزيارات أو أثر بعض المكالمات الهاتفية فيريد أن يكف الشر فيعلق الطلاق.
وإذا علق الرجل طلاق امرأته على شرط يمكن وقوعه تعلق الطلاق به ، فإذا تحقق الشرط وقع الطلاق على الصحيح .
ولهذا أنصح الزوجة إذا نهاها زوجها عن أمر ليس فيه مصلحة أو فيه عليه مضرة أن تنتهي وتسمع وتطيع لئلا يترتب عليه خراب بيتها .
__________
(1) سورة البقرة - الاية ( 230 ) .(6/41)
كما أنصح الأزواج أن لا يعلقوا الطلاق على أمر قد يتراجعون عنه مثل إن ذهبت إلى أهلك فأنت طالق ، فلابد من الذهاب لصلة الرحم وزيارة الوالدين ولو بعد حين ، ومثل لو كلمت أختك فأنت طالق ، فلابد مستقبلاً أن تكلمها وهكذا لا ينبغي الاستعجال في أمر للإنسان فيه أناة وقدرة على التحكم في ألفاظه ، فاللفظ إذا خرج من الصعوبة بمكان إعادته ، فحتى لو رضي الزوج فيما بعد وسمح للزوجة أن تذهب وأن تكلم يقع به الطلاق لكونه علق شرط معلق ، اللهم إلا إذا خرجت مخرج اليمين كأن يريد حثها على فعل شيء أو الكف عنه فتكون يميناً مكفرة (1) على أصح القولين .
المسألة الخامسة : الحلف بالطلاق :
في بعض المجتمعات يكثر الحلف بالطلاق وعلى أتفه الأسباب ، ومما جرت به عادة بعض الناس لا يقبل عزومة إلا إذا حلف عليه بالطلاق أو بالحرام ، ولاشك أن الحلف بالطلاق أو الحرام أيمان الفساق ، فمن كان حالفاً فليحلف بالله أو ليصمت .
ومن صور الحلف بالطلاق أن يقول : علي الطلاق أو الطلاق يلزمني أو علي الحرام، ويريد به الطلاق ، فمتى أراد بحلفه الطلاق وقع عليه ما أراد إذا حنث في يمينه كأن يقول : علي الطلاق ما أفعل الشيء الفلاني ، ثم فعله فيما بعد ، أو علي الطلاق لأفعلن كذا ، ولم يفعل فإنه يقع به ما علق عليه .
لكن إذا أراد حث زوجته على فعل شيء أو كفها عنه مثل أن يقول علي الطلاق ما تخرجين اليوم ، أو ما تكلمين أهلك ولم يكن في نيته سوى ذلك فتنعقد يميناً إذا حنث فيها كفر كفارة يمين والله أعلم .
المسألة السادسة : حكم التوكيل فيه :
__________
(1) أي تحلها كفارة اليمين وهي إطعام عشرة مساكين أو كسوتهم أو عتق رقبة ، فإن لم يجد شيئاً صام ثلاثة أيام .(6/42)
يجوز التوكيل في الطلاق كما يجوز التوكيل في النكاح وممن يصح توكيله الزوجة فلو قال : طلقي نفسك أو أنت بالخيار أو أمرك بيدك فلها أن تطلق نفسها طلقة واحدة ، لأنه حق له ويجوز أن يوكل فيه أو يهبه لمن يشاء ولا تزيد على الواحدة .
وإذا عاد عن التوكيل أو فعل ما ينافيه كالجماع قبل حصول الطلاق منها سقط حقها فيه ، لأنه عزل للوكيل عما وكل فيه .
وإذا حدد لها عدداً معيناً ملكته إلا أن يعود فيه قبل أن تطلق نفسها فيسقط حقها في التوكيل حينئذ .
وعلى هذا لا تملك المرأة أن تطلق نفسها ابتداء ، وإنما جعل الله أمر الطلاق بيد الرجل ، لأنه أكمل عقلاً وأعرف بعواقب الأمور وأقل انسياقاً وراء العاطفة بخلاف المرأة فلو كان الأمر بيدها لطلقت نفسها لأتفه الأسباب .
المطلب الثاني : الرجعة :
1- تعريفها والأصل فيها :
وهي إعادة الزوجة المطلقة إلى ما كانت عليه قبل الطلاق ، وهي ثابتة بالكتاب والسنة والإجماع .
قال تعالى : { وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذَلِكَ } . (1)
وطلق النبي صلى الله عليه وآله وسلم حفصة ثم راجعها . (2)
وأجمع أهل العلم على أن الحر إذا طلق مدخولاً بها طلقة أو طلقتين أن له الرجعة ، وإذا طلق العبد طلقة واحدة فله الرجعة كذلك . (3)
2- شروطها : ومن شروطها :
1- أن يكون الطلاق غير بائن فكل طلاق أو فسخ تبين به المرأة ، ولو بينونة صغرى لا يملك الرجل حق الرجعة فيه .
2- ويشترط أن تكون المراجعة في أثناء العدة ، ولا يشترط رضى الزوجة فيها .
ومن ألفاظها : راجعت زوجتي فلانة أو ارتجعتها ، أو أمسكتها أو رددتها وما شابه ذلك مما يؤدي معناها .
__________
(1) سورة البقرة - الآية ( 228 ) .
(2) صحيح سنن أبي داود - ح 1998 في الطلاق - باب في المراجعة .
(3) المغني ( 10 / 547 ) .(6/43)
3- الرجعية زوجة من كل وجه تجب لها النفقة ويصح له وطؤها ويجوز أن تتزين له وترثه لو مات وهو يرثها إن ماتت قبل انقضاء عدتها ، ويلحقها طلاقها لكن لا قسم لها إلا بعد المراجعة .
4- ويسن له الإشهاد على رجعتها ولا يجب في أصح القولين .
5- وإذا عادت فتعود على ما بقي له من عدد الطلقات .
6- حكمها : وتستحب الرجعة لكل من طلق زوجته وأوجبها بعضهم لظاهر حديث ابن عمر رضي الله عنهما أنه صلى الله عليه وآله وسلم قال :
(( مره فليراجعها )) .
ولعل في الرجعة إصلاحاً لحالها إذا كان الطلاق بسبب من قبلها كتهاونها في أمر الشرع مثلاً ، وربما يرزقان ولداً صالحاً بعد المراجعة فيكون خيراً لهما .
7- حكم المضارة : ولا يجوز له مراجعتها من أجل مضارتها وتطويل العدة عليها، قال الله تعالى : { وَلا تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَاراً لِتَعْتَدُوا وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ وَلا تَتَّخِذُوا آيَاتِ اللهِ هُزُواً } (1).
المطلب الثالث : الإيلاء :
تعريفه : وهو الحلف بأن لا يطأ زوجته مطلقاً أو أكثر من أربعة أشهر
والأصل فيه : قوله تعالى : { لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَإِنْ فَاؤُوا فَإِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلاقَ فَإِنَّ اللهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ } (2)
حكمه : وهو حرام كالظهار ، وهو من عمل أهل الجاهلية كان الرجل لا يحب امرأته ولا يريد أن يتزوج بها غيره فيحلف أن لا يقربها أبداً ، فيتركها لا أيماً ولا ذات بعل، فكان المسلمون عليه أول الإسلام فضرب الله له أجلاً وحد له حداً، وهذا من سماحة الإسلام ورفعه مكانة المرأة وقطع الطريق على المضارين .
__________
(1) سورة البقرة - الآية ( 231 ) .
(2) سورة البقرة - الآيتان ( 226 - 227 ) .(6/44)
ممن يصح : يصح من كل زوج يصح منه الطلاق ، وإذا حلف أن لا يطأ زوجته أبداً أو مدة تزيد على أربعة أشهر أجل مدة أربعة أشهر ، ثم يخير بين أن يكفر عن يمينه ويطأ وجوباً وبين أن يطلق، فإن امتنع طلق عليه الحاكم لأنه مضار.
ومن حلف لا يطأ زوجته مدة تقل عن أربعة أشهر فليس بمول ، وقد حلف رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أن لا يقرب نساءه شهراً فلما انتهى الشهر غدا أو راح . (1)
ولا يجوز للرجل أن يضار زوجته فيتركها كالمعلقة ، فإما إمساك بمعروف أو تسريح بإحسان .
المطلب الرابع : الظهار :
تعريفه:وهو تشبيه الرجل امرأته بمن تحرم عليه على التأبيد بسبب أو نسب.
حكمه : هو من أفعال الجاهلية وقد حرمه الشرع حيث قال الله تعالى : { الَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ مَا هُنَّ أُمَّهَاتِهِمْ إِنْ أُمَّهَاتُهُمْ إِلا الَّلائِي وَلَدْنَهُمْ وَإِنَّهُمْ لَيَقُولُونَ مُنْكَراً مِنَ القَوْلِ وَزُوراً ... } (2)
وقد نزلت في خولة بنت مالك بن ثعلبة حين ظاهر منها ابن عمها أوس بن الصامت فجاءت تشكوه إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأخذت تجادله وهو يقول : (( ما أرى إلا أنك قد حرمت عليه )) ، وهي تقول : أشكوا إلى الله صبية إن تركتهم إليه ضاعوا ، وإن ضممتهم إلي جاعوا ، والنبي صلى الله عليه وآله وسلم يقول : (( اتقي الله فإنه ابن عمك )) ، فما برحت حتى نزل القرآن : { قَدْ سَمِعَ اللهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا } . (3)
وبين سبحانه أن الظهار منكر من القول وزور ، وبين بعد حكمه ما يكفره.
__________
(1) رواه البخاري في الطلاق - باب قول الله تعالى : { لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ } - ح5289 من الفتح 9 / 425 .
(2) سورة المجادلة - الآية ( 2 ) .
(3) صحيح أبي داود في الطلاق - باب الظهار - ح 1934 .(6/45)
كفارته : وهي إما أن يعتق رقبة ، فإن لم يجد صام شهرين متتابعين فإن عجز أطعم ستين مسكيناً لكل مسكين نصف صاع من طعام .
ويكفر قبل أن يطأ لقوله تعالى : { مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا } (1) .
وكان الأمر في الجاهلية كالإيلاء يظاهر الرجل من امرأته فتحرم عليه ولا يكون طلاقاً لها فتنكح زوجاً آخر فهو أيضاً للمضارة ، فجاء الإسلام بالحل وهو الكفارة إذا أراد أن تعود امرأته إلى عصمته ، وهذا من فضل الله تعالى ورحمته بالمسلمين ومن رفقه بالمرأة ، وقد أنزل الله تعالى في ذلك قرآناً يتلى إلى يوم القيامة وسميت السورة بالوصف الذي اتصفت به خولة بالمجادلة فأي تكريم هذا للمرأة في دين الإسلام ؟ فسبحان من وسع سمعه الأصوات وجعل لكل مشكلة حلاً ومخرجاً.
المطلب الخامس : الخلع
تعريفه : وهو فراق الزوجة بعوض بلفظ مخصوص .
والأصل فيه : الكتاب ، السنة ، الإجماع .
أما الكتاب فقول الله تعالى: { فَإِنْ خِفْتُمْ أَنْ لا يُقِيمَا حُدَودَ اللهِ فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فيمَا افَتْدَتْ بِهِ } (2)
وأما السنة فقصة حبيبة بنت سهل مع زوجها ثابت بن قيس بن شماس وقد أبغضته وعرضت الأمر على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال : (( أتردين عليه حديقته ؟)) فقالت : نعم ، فقال صلى الله عليه وآله وسلم : (( خذ الحديقة وطلقها تطليقة )) (3) ففعل، فكانت سنة .
وقد انعقد الإجماع على جوازه إذا كان هناك ما يقتضيه . (4)
__________
(1) سورة المجادلة - الآية ( 3 ، 4 ) .
(2) سورة البقرة - الآية ( 229 ) .
(3) خرجه البخاري في الطلاق - باب الخلع وكيف الطلاق فيه - ح 5273 من فتح الباري ( 9 / 395 ) .
(4) الإفصاح ( 2 / 144 ) .(6/46)
الحكمة منه : ولعل الحكمة ظاهرة منه ، وهي أن المرأة قد تضيق بالرجل من حيث خلقه أو خلقه أو دينه أو كبر سنه وتخشى أن تغضب الله تعالى بالتقصير في حقوقه وارتكاب أمر لا يجوز ، فجعل الله لها حلاً ومخرجاً فتدفع له ما أخذته منه ، وينفسخ النكاح بينهما ، وكذلك الرجل قد لا يجد من المرأة تفهماً وقد يبغضها لخلقها أو خلقها أو دينها فيضطرها إلى المخالعة لئلا يظلمها أو يرتكب أمراً يخالف به شرع الله ، فشرع الله له مخالعتها { وَإِنْ يَتَفَرَّقَا يُغْنِ اللهُ كُلاً مِنْ سِعَتِهِ } .
تكييفه الشرعي : والخلع فسخ على الصحيح أي يحل عقد الزوجية بالكلية، وإذا أرادا التراجع فلابد من عقد ومهر جديدين ، ولهما ذلك .
صيغته : وصيغته الصريحة : خلعت ، فسخت ، فاديت ، ونحو ذلك .
ولا يجوز للرجل أيضاً أن يضايق المرأة مع قيامها بحقوقه وحقوق الله تعالى لتفتدي منه ، وإنما جعل حلاً عندما يخافا أن لا يقيما حدود الله تعالى ، وإذا احتدم بينهما النزاع ، وهذا أيضاً من تكريم الإسلام للمرأة وصيانتها وحفظ حقوقها ، وإذا أبى الزوج المخالعة فللقاضي أن يفسخ النكاح بعد استنفاد طرق الإصلاح .
المطلب السادس : اللعان
تعريفه : وهو شهادات مؤكدات بأيمان تصدر عن الزوجين بصفة مخصوصة .
الأصل فيه : الكتاب ، السنة ، الإجماع .
قوله تعالى : { وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَدَاءُ إِلا أَنْفُسُهُمْ فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهَادَاتٍ بِاللهِ إِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ وَالخَامِسَةُ أَنْ لَعْنَةَ اللهِ عَلَيْهِ إِنْ كَانَ مِنَ الكَاذِبِينَ وَيَدْرَأُ عَنْهَا العَذَابَ أَنْ تَشْهَدَ أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ بِاللهِ إِنَّهُ لَمِنَ الكَاذِبِينَ وَالخَامِسَةَ أَنَّ غَضَبَ اللهِ عَلَيْهَا إِنْ كَانَ مِنَ الصَّادِقِينَ } (1) .
__________
(1) سورة النور - الآية ( 6 - 9 ) .(6/47)
ومن السنة قصة هلال بن أمية لما قذف امرأته فقال له النبي صلى الله عليه وآله وسلم : (( البينة أو حد في ظهرك )) ، فقال هلال : والذي بعثك بالحق إني لصادق ، ولينزلن الله في أمري ما يبرئ ظهري من الحد، فنزلت آيات الملاعنة في سورة النور. (1)
وحكى الإجماع عليه ابن هبيرة في (( إفصاحه )) .(2)
حكمه : يختلف باختلاف الأحوال :
أ- فإذا رأى الرجل امرأته تزني والعياذ بالله وغلب على ظنه أنها تحمل من ذلك الزنا وجب عليه شرعاً أن يقذفها ، فإن اعترفت بما فعلت أقيم عليها حد الزنا ، وإن أنكرت تلاعنا .
ب- إذا رآها تزني وشك في حملها جاز له ذلك ، واستحبه بعض أهل العلم ولو لمجرد الزنا .
ج- إذا علم أنها زنت وأنها لا تحمل من ذلك الزنا أبيح له القذف وسترها أفضل ، ويطلقها خير له من إمساكها لإتيانها بالفاحشة .
ما يترتب عليه من أحكام :
1- إذا تلاعنا فرق بينهما فرقة أبدية لقول سهل بن سعد الساعدي :
(( مضت السنة بعد في المتلاعنين أن يفرق بينهما ثم لا يجتمعان أبداً )) . (3)
2- أن ابنها الذي رميت بالزنى من أجله يكون تبعاً لأمه ترثه ويرثها لعموم الحديث : (( الولد للفراش وللعاهر الحجر )) . (4)
وفي (( صحيح مسلم )) : (( فكانت حاملاً فكان ابنها يدعى إلى أمه ، ثم جرت السُّنَّة أنه يرثها وترث منه ما فرض الله لها )) . (5)
__________
(1) أصل القصة في البخاري في الطلاق - باب اللعان - باب يبدأ الرجل بالتلاعن - ح 5370 ، وهو بهذا اللفظ في صحيح أبي داود - ح 1974 ( 2 / 425 ) في الطلاق - باب في اللعان .
(2) 2 / 167 ) .
(3) السنن الكبرى للبيهقي ( 7 / 410 ) .
(4) متفق عليه : رواه البخاري في مواضع منها : البيوع - باب تفسير المشبهات - ح 2053 ، الفتح (4/292 ) ، ومسلم في الرضاع - باب الولد للفراش - ح 1457 .
(5) صحيح مسلم في اللعان - ح 1492 ( 2 / 1130 ) .(6/48)
3- إذا جاءت بالولد بعد الملاعنة شبيهاً بزوجها أو بمن رميت به فلا يغير ذلك من الحكم شيئاً ، وقد جاءت امرأة هلال بابنها شبيهاً بمن رميت به ، ولم يتعرض لها رسول صلى الله عليه وآله وسلم بل قال : (( لولا ما مضى من كتاب الله لكان لي ولها شأن )) . (1)
كما أنه صلى الله عليه وآله وسلم اكتفى بالملاعنة بين الزوجين ثم فرق بينهما ولم يقم حداً لمن رميت به ، لإقدام الزوج على الملاعنة ثم الزوجة بعده .
4- عرض التوبة عليهما بعد التلاعن ، لأن أحدهما كاذب قطعاً .
الحكمة منه :
1- أن الرجل قد يجد مع امرأته من يعاشرها بالحرام وليس معه من يشهد على ذلك ، فجعل الله له مخرجاً بالتلاعن .
2- قد تحمل المرأة من ذلك الوطء ، فلو لم يكن للرجل مخرج بقذفها لنسب إليه ، ولاختلفت الأنساب وورث من ماله وكشف على محارمه وهو أجنبي عنه .
3- إن الأعراض مما يجب صيانتها ، فلا يجوز أن تلوك فيها الألسن بدون مبرر ، فلا يجوز أن يقول الرجل لامرأته : يا زانية ، وهو لم يرها تزني ، فلو قال ذلك ثم نكل عن اللعان ، أقيم في ظهره حد القذف ، كما أن المرأة إذا علمت أن من حق الزوج قذفها إذا زنت احتاطت وعفت واتقت الله تعالى .
المبحث الثالث : العدة والإحداد ، وفيه مطلبان :
المطلب الأول : العدة :
تعريفها : مأخوذ من العدد ، فإن أزمنة العدد محصورة بعدد معين .
واصطلاحاً : تربص المرأة التي فارقت الزوج مدة معينة .
الأصل فيها : الكتاب ، السنة ، الإجماع .
أما الكتاب فقوله تعالى : { وَالمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ } (2) .
__________
(1) صحيح أبي داود كما سبق قريباً .
(2) سورة البقرة - الآية ( 228 ) .(6/49)
وأما السنة فقوله صلى الله عليه وآله وسلم لفاطمة بنت قيس : (( اعتدي في بيت ابن أم مكتوم ، فإنه رجل أعمى تضعين ثيابك عنده ، فإذا حللت فآذنيني )).(1)
وأما الإجماع : فأجمعت الأمة على وجوب العدة في الجملة . (2)
كما أجمعوا على أن المطلقة قبل الدخول لا عدة عليها ، وسند هذا الإجماع قوله تعالى : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَكَحْتُمُ المُؤْمِنَاتُ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا } (3) ، كما أنها تجب عليها العدة إذا توفي عنها الزوج كما يأتي .
أنواع المعتدات :
الحامل : تعتد بوضع كل الحمل مطلقاً ، لقول تعالى : { وَأُوْلاتُ الأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ } (4) ولو كانت متوفى عنها على الصحيح أو مطلقة .
المتوفى عنها زوجها إذا لم تكن حاملاً : فتعتد بأربعة أشهر وعشراً سواء كانت صغيرة أو كبيرة من ذوات الأقراء أو يائسة لعموم قوله تعالى : { وَالَّذِينَ يُتَوَفُّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجاً يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنِّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْراً } (5) .
3- المطلقة :
1- إن كانت من ذوات القروء وهي الحيض فلا بد أن تحيض ثلاث حيض ثم تطهر لقوله تعالى : { وَالمطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ } (6) .
__________
(1) رواه مسلم في الطلاق - باب المطلقة ثلاثاً لا نفقة لها - ح 1480 .
(2) المغني ( 11 / 194 ) .
(3) سورة الأحزاب - الآية ( 49 ) .
(4) سورة الطلاق - الآية ( 4 ) .
(5) سورة البقرة - الآية ( 234 ) .
(6) سورة البقرة - الآية ( 228 ) .(6/50)
إن كانت صغيرة لم تحض أو يائسة فعدتها ثلاثة أشهر لقوله تعالى :
{ وَالَّلائِي يَئِسْنَ مِنَ المَحِيضِ مِنْ نِسَائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلاثَةَ أَشْهُرٍ وَالَّلائِي لَمْ يَحِضْنَ } (1) أي فعدتهن كذلك ثلاثة أشهر .
3- المطلقة قبل الدخول لا عدة عليها لما سبق .
وكل فرقة بين الزوجين بعد الدخول فعدتها عدة الطلاق إن كانت حاملاً بوضع الحمل ، وإن كانت ذات أقراء فبثلاثة أقراء ، وإن كانت صغيرة أو يائسة فثلاثة أشهر سواء كانت تلك الفرقة خلعاً أو لعاناً أو بسبب رضاع أو فسخ بعيب أو غيره ، أو موطوءة بشبهة أو في نكاح فساد .
يكفي أن تستبرأ الأمة المسبية بحيضة .
لقوله صلى الله عليه وآله وسلم : (( لا توطأ حامل حتى تضع ، ولا غير ذات حمل حتى حيض حيضة )) . (2)
الحكمة من العدة :
1- تعظيم حدود الله والوقوف عند ما حده الشارع طاعة لله تعالى .
2- احترام حق الزوج وتقديس رباط الزوجية .
3- براءة الرحم لئلا تختلط الأنساب .
4- تعظيم مكانة المرأة بحيث إذا انتهى أمد العدة فهي حرة تعمل في نفسها ما تشاء ، وليس لأحد عليها سلطة كما كانت تفعل الجاهلية بها .
5- أن في العدة مجالاً للتراجع إذا كان الطلاق رجعياً .
المطلب الثاني : الإحداد ويقال له الحداد :
تعريفه : وهو اجتناب المتوفى عنها كل ما يدعو إلى النكاح ويرغب فيه من زينة أو طيب أو نحو ذلك .
الأصل فيه : السنة ، الإجماع .
__________
(1) سورة الطلاق - الآية ( 4 ) .
(2) صحيح أبي داود للألباني - ح 1889 في النكاح - باب في وطء السبايا ، ورقمه في السنن 2157 .(6/51)
أما السنة فمنها قوله صلى الله عليه وآله وسلم : (( لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تحد على ميت فوق ثلاث إلا على زوج أربعة أشهر وعشراً )) . (1)
وأما الإجماع فقال الموفق رحمه الله : (( ولا نعلم بين أهل العلم خلافاً في وجوبه على المتوفى عنها زوجها ، إلا عن الحسن ، فإنه قال : لا يجب الإحداد ، وهو قول شذ به عن أهل العلم ، وخالف به السنة ، فلا يعرج عليه )) . (2)
ويستوي فيه سائر النساء اللهم إلا الحامل ، فإنها إذا وضعت انقطع إحدادها لانتهاء عدتها كمن توفي عنها زوجها وهي حامل في نهاية شهرها السادس ، فإنها تحد حيث تضع حملها ، ثم تنقضي عدتها وإحدادها على أصح أقوال أهل العلم ، ولا تعتد بأطول العدتين حينئذ للعموم في قوله تعالى : { أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ } .
بيان ما تجتنبه المرأة في الإحداد :
الواجب أن تجتنب المرأة الزينة من الثياب والكحل والطيب والحلي والخضاب وكل ما يدعو إلى نكاحها ، وما تتزين به المرأة لزوجها ، وتلزم بيت الزوج وبخاصته في المبيت إلا أن تدعو ضرورة أو حاجة ملحة إلى خروجها .
بيان ما يجوز لها فعله :
وللمرأة أن تتنظف في ثيابها ، وتمشط شعرها ، وتقص أظفارها ، فإن ترك الأوساخ على البدن والثياب وعدم أخذ الأظفار والشعور للحادة حتى تنتهي عدتها من عادات الجاهلية وكانت تبقى حولاً كاملاً حتى تصبح مثل الوحش ، وقلما افتضت بشيء بعد الحول إلا مات ، فألغى الإسلام هذه العادة وأبدلها بالإحداد مدة معينة تجتنب فيها أشياء محددة ، وليس منها النظافة ، فهذا من حكمة الشرع وفضل الله على المرأة ورحمته بها مع المحافظة على حق الزوج فسبحان العليم الخبير.
__________
(1) أخرجه البخاري في الحيض - باب الطيب للمرأة عند غسلها من المحيض - ح 313 ، الفتح ( 1 /413)، ومسلم في الطلاق - باب وجوب الإحداد في عدة الوفاة - ح 1486 ( 2 / 1123 ) .
(2) المغني ( 11 / 284 ) .(6/52)
المبحث الرابع : الرضاع :
تعريفه : لغة : مصدر رضع الثدي إذا مصه .
واصطلاحاً : مص من دون الحولين لبن امرأة ثاب عن حمل أو نحو ذلك .
الأصل في التحريم بالرضاع : الكتاب ، السنة ، الإجماع .
أما الكتاب فقوله تعالى : { وَأُمَّهَاتُكُمُ الَّلاتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ مِنَ الرَّضَاعَةِ } (1) فقد عدهن الله من جملة المحرمات .
وأما السنة فحديث عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال : (( الرضاعة تحرم ما تحرم الولادة )) متفق عليه . (2)
وأما الإجماع فقد حكاه غير واحد من أهل العلم ، قال الوزير ابن هبيرة : (( واتفقوا على أن الرضاع يحرم منه ما يحرم من النسب )) . (3)
شروط الرضاع المحرم :
1- أن يكون من امرأة فلا يحرم لبن البهيمة اتفاقاً .
2- أن يكون في الحولين ، فلا يحرم رضاع الكبير اتفاقاً ، وما جاء في خبر سالم مولى أبي حذيفة خاص به ، وخالف أزواج النبي صلى الله عليه وآله وسلم عائشة حيث لم يذهبن إلى قولها كما في (( صحيح الإمام مسلم )) (4) ، وهو ما فتق الأمعاء وأنبت اللحم .
3- أن يكون اللبن نتج عن حمل أي بعد الولادة على الصحيح .
4- أن تكون الرضعات خمساً مشبعات ، فلا تحرم المصة ولا المصتان ، ولا الرضعة ولا الرضعتان ، ولا ما دون الخمس على الصحيح ، لحديث عائشة رضي الله عنها قالت: ((كان فيما أنزل من القرآن عشر رضعات معلومات يحرمن ، ثم نسخن بخمس معلومات ))(5)
__________
(1) سورة النساء - الآية ( 23 ) .
(2) أخرجه البخاري في النكاح - باب { وَأُمَّهَاتُكُمُ الَّلاتِي أَرْضَعْنَكُمْ } - ح 5099 ، الفتح ( 9 / 139 )، ومسلم في الرضاع - باب يحرم من الرضاعة ما يحرم من الولادة - ح 1444 .
(3) الإفصاح ( 2 / 178 ) .
(4) في الرضاع - باب رضاعة الكبير - ح 1454 ( 2 / 1078 ) .
(5) صحيح مسلم في الرضاعة - باب التحريم بخمس رضعات - ح 1452 (2/1075) .(6/53)
4- نسبة الرضيع إلى أبيه وأمه من الرضاع :
يعتبر الرضيع ولداً للمرأة التي أرضعته وهو أخ لكل ولد ولدته سواء كانت الولادة من زوج سابق أو لاحق ، على أبي الرضيع لعموم النص السابق فيحرم من الرضاع ما يحرم من النسب .
كما أنه يصبح أخاً لكل ولد للرجل من هذه المرأة أو غيرها ، فإن اللبن مشترك بين الرجل والمرأة .
والدليل الحديث السابق ، وقصة أفلح أخي أبي القعيس ، فإن عائشة رضي الله عنها رضعت من أم أبي القعيس ، فلما جاءها أفلح وهو يصبح عمها لأنه أخو أبيها من الرضاع لم تأذن له حتى جاء رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فأخبرته فقال : (( إإذني له )) ، وفي لفظ : (( فإنه عمك تربت يمينك )) (1)
وهكذا سائر القرابة تنتشر فيهم الحرمة كما تنتشر في القرابة النسبية .
خطأ شائع :
يظن بعض الناس أن الولد إذا رضع من امرأة مع مولودها فيكون أخاً لذلك المولود فقط ، وربما يتقدم المرتضع لابنة المرأة التي لم تصادف رضاعته ، وهذا منكر فإنه يتزوج أخته لأنه أصبح ولداً لهذه المرأة كالولد النسبي ، يحرم عليه كل بنت لها مطلقاً من هذا الزوج أو من غيره ، رضعت معه أو لا .
إذا شكوا في عدد الرضعات فما الحكم ؟
أي هل بلغت خمساً أم لم تبلغ ؟ فحينئذ يعمل بالأحوط ، فتكون هذه المرأة التي أرضعت وبناتها محرمات على ذلك الرضيع منها ، وفي نفس الوقت يحتجبن منه لعدم القطع بحرمته ، والقاعدة الفقهية المشهورة أنه إذا اجتمع مبيح وحاظر قدم جانب الحظر ، كما أن الفروج يحتاط لها ما لا يحتاط لغيرها .
المبحث الخامس : الكفالة :
والمراد هنا كفالة اليتيم ومن لا ولي لها من النساء .
قرر الشارع الحكيم كفالة الطفل وحضانته والعناية به ، وجعلها من الواجبات ، لأنه يهلك بتركها ، فلابد من الإنفاق عليه ، ومنعه من المهالك وتعليمه وتربيته لينشأ صالحاً مصلحاً .
__________
(1) صيحح مسلم في الرضاع - باب تحريم الرضاعة من ماء الفحل - ح 1445 ( 2 / 1069 ) .(6/54)
وهو إما أن يعيش بين أبوين إذا كانا مجتمعين في عش الزوجية وإما أن يكفله أحدهما في حال المفارقة .
ولا كفالة لفاسق لعدم الثقة به في أداء الواجب ، ولا لقاصر لحاجته إليها ، ولا لكافر على مسلم ، خوفاً على دين المكفول ، ولأنه لا ولاية له على المسلم
ولحنان الأم وشفقتها فيه أحق بالحضانة إذا توفرت فيها الشروط ، وانتفت الموانع متى ما طلقت حتى تبلغ البنت سبع سنين ، ثم تسلم إلى أبيها ، ويخير الغلام بعد تلك السن، إلا إذا نكحت المرأة فإن حقها يسقط في الحضانة لحديث : (( أنت أحق به ما لم تنكحي )) . (1)
والنفقة واجبة على الأب بكل حال أو على الوارث ولو اختار الغلام أمه بعد سبع سنين يكون بالنهار عند أبيه ليعلمه ويربيه ويؤدبه ، ويبيت عند أمه ليلاً من أجل دفئها وحنانها .
وقد ينشأ في المجتمع بسبب الكوارث والأمراض والموت فئة هم الأيتام وهم الذين فقدوا الأبوين أو فقدوا الأب ، أما فاقد الأم مع وجود الأب فلا يسمى على الصحيح يتيماً .
قال القرطبي رحمه الله: (( اليتيم في بني آدم بفقد الأب، وفي البهائم بفقد الأم )) .(2)
وقد جاء في السنة الصحيحة أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال :
(( كافل اليتيم له أو لغيره أنا وهو كهاتين في الجنة )) . (3)
__________
(1) رواه أبو داود في الطلاق - باب من أحق بالولد ، السنن ( 1 / 529 ) ، وذكره الألباني في صحيح أبي داود برقم 1991 وقال : حسن .
(2) الجامع لأحكام القرآن ( 2 / 14 ) .
(3) متفق عليه : خرجه البخاري في الطلاق - باب اللعان - ح 5304 من الفتح ( 9 / 439 ) ، ومسلم في الزهد - باب الإحسان إلى الأرملة والمسكين واليتيم - ح 2982 ( 4 / 2286 ) .(6/55)
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى : قال شيخنا في (( شرح الترمذي )) : (( لعل الحكمة في كون كافل اليتيم يشبه في دخول الجنة أو شبهت منزلته في الجنة بالقرب من النبي صلى الله عليه وآله وسلم أو منزلة النبي لكون النبي صلى الله عليه وآله وسلم شأنه أن يبعث إلى قوم لا يعقلون أمر دينهم فيكون كافلاً لهم ومعلماً ومرشداً ، وكذلك كافل اليتيم يقوم بكفالة من لا يعقل أمر دينه بل ولا دنياه ، ويرشده ويعلمه ويحسن أدبه )) . (1)
وهذا الكلام عام في كفالة اليتيم سواء كان ذكراً أو أنثى .
غير أن الإسلام خصَّ يتامى النساء ببعض التوصيات والأحكام :
فقال الله تعالى : { وَإِنْ خِفْتُمْ أَنْ لا تُقْسِطُوا فِي اليَتَامَى فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلاثَ وَرُبَاعَ ... } (2) الآية .
وقال تعالى : { وَيَسْتَفْتُونَكَ فِي النِّسَاءِ قُلِ اللهُ يُفْتِيكُمْ فِيهِنَّ وَمَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ فِي الكِتَابِ فِي يَتَامَى النِّسَاءِ الَّلاتِي لا تُؤْتُونَهُنَّ مَا كُتِبَ لَهُنَّ وَتَرْغَبُونَ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ وَالمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الوُلْدَانِ وَأَنْ تَقُومُوا لِليَتَامَى بِالقِسْطِ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللهَ كَانَ بِهِ عَلِيماً } (3) .
__________
(1) فتح الباري ( 10 / 437 ) .
(2) سورة النساء - الآية ( 3 ) .
(3) سورة النساء - الآية ( 127 ) .(6/56)
ففي تفسير الآية الأولى ذكر البخاري رحمه الله بسنده المتصل إلى عروة بن الزبير : (( أنه سأل عائشة رضي الله عنها عن هذه الآية : { وَإِنْ خِفْتُمْ أَنْ لا تُقْسِطُوا فِي اليَتَامَى } فقالت : يا ابن أختي هذه اليتيمة تكون حجر وليها تشركه في ماله ويعجبه مالها وجمالها ، فيريد وليها أن يتزوجها بغير أن يسقط في صداقها فيعطيها مثل ما يعطيها غيره ، فنهوا عن أن ينكحوهن إلا أن يقسطوا لهن ويبلغوا لهن أعلى سنتهن في الصداق ، فأمروا أن ينكحوا ما طاب لهم من النساء سواهن .
قال عروة : قالت عائشة : وإن الناس استفتوا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بعد هذه الآية ، فأنزل الله : { وَيَسْتَفْتُونَكَ فِي النِّساءِ } ، قالت عائشة: وقول الله تعالى في آية أخرى : { وَتَرْغَبُونَ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ } رغبة أحدكم عن يتيمة حين تكون قليلة المال والجمال ، قالت : فنهوا أن ينكحوا من رغبوا في ماله وجماله في يتامى النساء إلا بالقسط من أجل رغبتهن عنه إذا كن قليلات المال والجمال )) . (1)
فيكون المراد أن اليتيمة يجب أن يقسط إليها ، وأن يتورع عن مالها ، ولا يجوز لمن في حجره يتيمة ذات مال أن يطمع في ماله ، فيجعل النكاح وسيلة للوصول إليه مع عدم رغبته فيها لذاتها ، ثم إذا رغب في نكاحها أعطاها من الصداق مثل صداق مثيلاتها لا ينقص منه شيئاً ، فهذا هو القسط الذي أمر الله به من كان ولياً لليتيمة وأمرها بيده .
واختار ابن جرير رحمه الله أن العدل كما يجب في حق اليتامى يجب أن يكون في حق النساء . (2)
__________
(1) رواه البخاري في التفسير ، باب { وَإِنْ خِفْتُمْ أَنْ لا تُقْسِطُوا فِي اليَتَامَى } ح 4576 ، الفتح (8/239).
(2) جامع البيان ( 4 / 235 ) .(6/57)
ويقول الشيخ عبد الرحمن السعدي رحمه الله في تفسير الآية الأولى : (( أي وإن خفتم أن لا تعدلوا في يتامى النساء اللاتي تحت حجوركم وولايتكم ، وخفتم أن لا تقوموا بحقهن ، لعدم محبتكم إياهن فاعدلوا إلى غيرهن وأنكحوا ما طاب لكم من النساء أي ما وقع عليهن اختياركم من ذوات الدين ، والجمال ، والحسب ، والنسب ، وغير ذلك من الصفات الداعية لنكاحهن فاختاروا على نظركم )) . (1)
ويقول الأستاذ سيد قطب رحمه الله حول هذه الآية : (( ونص الآية مطلق لا يحدد مواضع العدل ، فالمطلوب هو العدل في كل صورة ، وبكل معانيه في هذه الحالة سواء فيما يختص بالصداق ، أو فيما يتعلق بأي اعتبار آخر ، كأن ينكحها رغبة في مالها ، لا لأن لها في قلبه مودة ، ولا لأنه يرغب رغبة نفسية في عشرتها لذاتها ، وكأن ينكحها وهناك فارق كبير في السِّن لا تستقيم معه الحياة، دون مراعاة لرغبتها هي في إبرام هذا النكاح ، هذه الرغبة التي قد لا تفصح عنها حياءً أو خوفاً من ضياع مالها إذا هي خالفت عن إرادته إلى آخر تلك الملابسات التي يخشى أن لا يتحقق فيها العدل ... )) .
إلى أن قال : (( فعندما لا يكون الأولياء واثقين من قدرتهم على القسط مع اليتيمات اللواتي في حجورهم ، فهناك النساء غيرهن ، وفي المجال متسع للبعد عن الشبهة والمظنة )) . (2)
__________
(1) تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان ( 1 / 311 ) .
(2) ظلال القرآن ( 1 / 578 ) .(6/58)
ويقول الشيخ ابن سعدي رحمه الله حول الآية الأخرى عند تفسير قوله تعالى : { وَمَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ فِي الكِتَابِ فِي يَتَامَى النِّسَاءِ الَّلاتِي لا تُؤْتُونَهُنَّ مَا كُتِبَ لَهُنَّ } : (( وهذا إخبار عن الحالة الموجودة الواقعة في ذلك الوقت ، فإن اليتيمة إذا كانت تحت ولاية الرجل بخسها حقها ، وظلمها إما بأكل ما لها الذي لها أو بعضه أو منعها من التزوج لينتفع بمالها خوفاً من استخراجه من يده إن زوجها ، أو يأخذ من مهرها الذي تتزوج به بشرط أو غيره ، هذا إذا كان راغباً عنها ، أو يرغب فيها وهي ذات جمال ومال ، ولا يقسط في مهرها ، بل يعطيها دون ما تستحق ، فكل هذا ظلم يدخل تحت هذا النص ، ولهذا قال : { وَتَرْغَبُونَ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ } أي ترغبون عن نكاحهن ، أو في نكاحهن كما ذكرنا تمثيله)).(1)
وهذا يدل على اهتمام الإسلام بالمحافظة على الأيتام وبخاصة إذا كان اليتيم أنثى فيكثر فيها الطمع لضعفها أو حيائها .
وقد أوجب الشرع كفالة اليتيم على وليه سواء كان يرثه بالفرض أو التعصيب لذا قال : { وَعَلَى الوَارِثُ مِثْلُ ذَلِكَ } أي يجب عليه من الإنفاق والرعاية ما يجب على الأب .
وإن لم يكن هناك قرابة فالسلطان ولي من لا ولي له ، فيجب على الدولة المسلمة أن ترعى الأيتام بإنشاء دور خاصة بهم ، تهئ لهم فيها الطعام والشراب والملبس والتعليم والتربية والتوجيه ، وبهذا يتحقق هدفان : أحدهما : كفاية الأيتام وإدخال السرور عليهم وإشعارهم بالحنان الذي فقدوه بفقد آبائهم ومن يعولهم .
__________
(1) تيسير الكريم الرحمن ( 1 / 417 ) .(6/59)
ثانيها : نشر البركة والنصر للدولة التي تقوم بذلك وترعاه ، فقد جاء في الحديث قوله صلى الله عليه وآله وسلم : (( هل تنصرون وترزقون إلا بضعفائكم )) . (1)
الفصل الثالث : زينة المرأة المسلمة ، وفيه مقدمة وتمهيد ومباحث :
المقدمة :
قال الله تعالى : { يَا بَنِي آدَمَ قَدْ أَنْزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاساً يُوَارِي سَوْءَاتِكُمْ وَرِيشاً وَلِبَاسُ التَّقْوَى ذَلِكَ خَيْرٌ ذَلِكَ مِنْ آيَاتِ اللهِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكُّرُونَ يَا بَنِي آدَمَ لا يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطَانُ كَمَا أَخْرَجَ أَبَوَيْكُمْ مِنَ الجَنَّةِ يَنْزِعُ عَنْهُمَا لِبَاسَهُمَا لِيُرِيَهُمَا سَوْآتِهِمَا إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لا تَرَوْنَهُمْ إِنَّا جَعَلْنَا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاءَ لِلَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ } (2) .
وقال الله تعالى : { يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لا يُحِبُّ المُسْرِفِينَ قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آمَنُوا فِي الحَيَاةِ الدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ القِيَامَةِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ } (3) .
فطر الله آدم وذريته على الحياء ، وحب ستر العورة ، وكراهة انكشافها .
__________
(1) رواه البخاري في الجهاد - باب من استعان بالضعفاء ، بدون (( وترزقون )) - ح 2896 من الفتح (6/88 ) ، وروه بها الترمذي في الجهاد وأحمد في المسند ( 5 / 198 ) .
(2) سورة الأعراف - الآية ( 26 - 27 ) .
(3) سورة الأعراف - الآية ( 31 - 32 ) .(6/60)
وحرص الشيطان عدو آدم اللدود على كشف عورة آدم وزوجه حواء : { فَوَسْوَسَ لَهُمَا الشَّيْطَانُ لِيُبْدِيَ لَهُمَا مَا وُورِيَ عَنْهُمَا مِنْ سَوْآتِهِمَا } (1) ، { فَلَمَّا ذَاقَا الشَّجَرِةَ بَدَتْ لَهُمَا سَوْآتِهِمَا وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِنْ وَرَقِ الجَنَّةِ } (2) .
وقد تكرم الله على آدم وذريته بلباس آخر هو التقوى وهو ستر لعوراتهم النفسية .
وابن آدم يحرص على ستر عورته البدنية والنفسية ، وأعداء الله تعالى يحرصون على انكشافه من كل لباس ويسعون لتغيير فطرته .
وسلب خصائص إنسانيته التي صار بها إنساناً ، ومتى رأى الإنسان العري ضرباً من ضروب الجمال فهو منتكس في فطرته .
إن العري النفسي من الحياء والتقوى وهو ما تجتهد فيه الأصوات والأقلام وجميع أجهزة التوجيه والإعلام لهو النكسة والردة إلى الجاهلية ، وليس ذلك من التقدم أو التحضر في شيء ، وإنما هو من وساوس الشيطان .
إن الإسلام دين الفطرة وقد أوجب ستر العورة وجعل سترها في الصلاة شرطاً من شروط صحته ولو لم يكن عنده أحد يراه طالما كان قادراً على الستر
التمهيد : خصال الفطرة :
روى مسلم بسنده إلى عائشة رضي الله عنها قالت : قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : (( عشر من الفطرة : قص الشارب ، وإعفاء اللحية ، والسواك ، واستنشاق الماء ، وقص الأظفار ، وغسل البراجم ، ونتف الإبط ، وحلق العانة ، وانتقاص الماء )) .
قال زكريا : قال مصعب : ونسيت العاشرة إلا أن تكون المضمضة .
زاد قتيبة : قال وكيع : انتقاص الماء يعني الاستنجاء . (3)
__________
(1) سورة الأعراف - الآية ( 20 ) .
(2) سورة الأعراف - الآية ( 22 ) .
(3) صحيح الإمام مسلم في الطهارة - باب خصال الفطرة من حديث عائشة رقم 261 ( 1 / 223 ) .(6/61)
وفي البخاري بسنده إلى أبي هريرة - رضي الله عنه - عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم: (( الفطرة خمس - أو خمس من الفطرة - : الختان ، والاستحداد ، ونتف الإبط ، وتقليم الأظفار ، وقص الشارب )) . (1)
ولا تعارض بين الحديثين فقد يرد عدد ثم يزاد عليه ، أو أن ذلك حسب المقام ، وخصال الفطرة كثيرة وإنما نبه الشارع على أهمها . (2)
ومعنى الفطرة : الخلقة المبتدأة ، والجبلة والدين والسنة ، والمراد بها في الحديث : أي أن هذه الأشياء إذا فعلت اتصف فاعلها بالفطرة التي فطر الله العباد عليها وحثهم عليها واستحبها لهم ليكونوا على أكمل الصفات وأشرفها صورة .
وقد ذكر بعض هذه الخصال في الطهارة فلا نعيد الكلام عليه .
والذي يهمنا هو بعض خصال تتعلق بالمرأة .
الأولى : الختان ، وهو بالنسبة للمرأة قطع رأس الجلدة المدلاة على الفرج وهي كعرف الديك ، وإنما يقطع منها أعلاها دون استئصالها ، وقد جاء في الحديث أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال لخاتنة كانت تختن البنات : (( اخفضي ولا تنهكي فإنه أنظر للوجه وأحظى عند الزوج )) . (3)
وأصح أقوال أهل العلم أنه ليس بواجب في حق النساء وإنما هو مكرمة لهن وسنة ، وقد أثيرت هذه المسألة في صحف بعض البلاد الإسلامية مؤخراً بطريقة تشمئز من عرضه النفوس وصعد فيه الكلام ، حتى صدر منع ختان البنات على أعلى المستويات وهي قضية بسيطة فصل فيها الدين الموقف بأيسر الطرق .
الثانية : الاستحداد :
__________
(1) متفق عليه : أخرجه البخاري في اللباس - باب قص الشارب - ح 5889 من الفتح 10 / 334 ، ومسلم كما سبق - ح 257 .
(2) انظر : فتح الباري شرح صحيح البخاري ( 10 / 337 ) .
(3) أشار إليه في الفتح وذكر له شاهدين ( 10 / 340 ) .(6/62)
هو من خصال الفطرة إجماعاً ، وهو حلق شعر العانة ، وفي الحديث :
(( ولستحد المغيبة )) (1) ، والمراد إزالة الشعر بالموسى أو بأي مزيل ينفع في ذلك، وكانوا يستعملون النورة ، وقد تنوعت وسائل إزالة شعر العانة فكل وسيلة مباحة لا ضرر فيها على البدن جاز استعمالها في إزالة الشعر .
قال ابن حجر رحمه الله تعالى : (( يتأدى أصل السنة بالإزالة بكل
مزيل )) .(2)
الثالثة : نتف الإبط : ولعل الحكمة في التعبير بالنتف لأن الشعر يضعف به وبالحلق يقوى ، ولهذا عبر بالنتف في الإبط وبالحلق في العانة .
ومن أطيب ما صلح للإبط والعانة استعمال الحلوى فهي تذهب بالشعر ويتأخر إنباته وهذا مطلوب في الموضعين .
الرابعة : تقليم الأظافر : والمراد إزالة ما يزيد على ما يلامس رأس الإصبع من الظفر .
والحكمة من تقليم الأظافر ، لأن الأوساخ تجتمع تحتها فيستقذر منظرها ، كما أن ذلك إذا كثر منع وصول الماء إلى تلك الأجزاء التي يجب غسلها في الطهارة .
كما أنها تجمع الجراثيم والميكروبات فإذا أكل بيده خالطت الطعام ونزل إلى جوفه ملوثاً .
وقد روى البيهقي في الشعب من طريق قيس بن أبي حازم قال : صلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم صلاة فأوهم فيها ، فسئل فقال : (( ما لي لا أوهم ورفغ أحدكم بين ظفره وأنملته )) .
قال الحافظ : رجاله ثقات (3) ، والرُفْغ كل موضع يجتمع فيه الوسخ ، ولعل الأظفار أكثر تلك المواضع تعرضاً لاجتماع الأوساخ .
__________
(1) متفق عليه : رواه البخاري في النكاح - باب تزويج الثيبات - ح 5080 من الفتح 9 / 121 ، ومسلم في الرضاع - باب استحباب نكاح الأبكار - ح 1466 .
(2) فتح الباري ( 9 / 132 ) .
(3) فتح الباري ( 10 / 345 ) .(6/63)
وقد اغتر كثير من النساء في عصرنا الحاضر بما تفعله الكافرات من إطالة الأظافر بل وتغطيتها بطلاء يسمى بالمناكير له جرم يمنع من وصول الماء إليها فلا تصح معه الطهارة ، وفي الحديث : قال صلى الله عليه وآله وسلم : (( من تشبه بقوم فهو منهم )) . (1)
فلا يجوز للمسلمة أن تكون نهباً للموضات وما يصدر عن أعداء الإسلام ، بل تكون لها شخصيتها المستقلة ، وقد ندبها دينها إلى تقليم الأظفار وجعلها من خصال الفطرة التي ارتضاها الله تعالى لعباده الصالحين ، هذا مع ما في إطالتها من منظر قبيح وإعاقة بعض الأعمال ، وتشبه بالسباع .
المبحث الأول : زينة المرأة في اللباس :
تقدم بيان أن الله تعالى جل ذكره تكرم على بني آدم بلباس يواري العورة ولباس التقوى ذلك خير فكلاهما لباس المؤمن والمؤمنة .
وأنه ارتكز في الفطرة السليمة حب التستر وكراهة التعري .
ولعلنا نختصر الكلام هنا في عدة مسائل :
المسألة الأول : ذكر بعض ما كان النساء يلبسنه على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم :
وباستعراض بعض النصوص التي وردت في الزينة يعرف ذلك .
1- قال الله تعالى : { يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ المُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللهُ غَفُوراً رَحِيماً } (2) .
__________
(1) أخرجه أبو داود في اللباس - باب في لبس الشهرة -ح 4031 من السنن 4 / 314 ، وللحديث شواهد ترفعه ، وقال الشيخ الألباني في صحيح أبي داود : (( حسن صحيح )) ح 3401 .
(2) سورة الأحزاب - الآية ( 59 ) .(6/64)
2- وقال الله تعالى : { وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرُهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلا لِبُعُولَتِهِنَّ ... } إلى قوله : { لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ } (1) .
3- حديث أنس بن مالك - رضي الله عنه - أنه رأى على أم كلثوم بنت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ورضي الله عنها حريراً سيراء . (2)
وثبت أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم رفع الذهب والحرير وقال :
(( هذان حرام على ذكور أمتي حل لإناثها )) . (3)
4- حديث أم سلمة رضي الله عنها أنها قالت لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حين ذكر الإزار : فالمرأة يا رسول الله ؟ قال : (( ترخي شبراً )) ، قالت أم سلمة : إذاً ينكشف عنها ، قال : (( فذراعاً لا تزيد عليه )) . (4)
5- حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : (( كلوا ، واشربوا ، وتصدقوا ، والبسوا ، ما لم يخالطه إسراف ولا مخيلة )) (5) وهي الكبر .
وهذا نص عام يدخل فيه لبس الأردية ، والقمص ، والسراويل ، وما جرت العادة بلبسه بشرط أن يكون مضبوطاً بضوابط الشرع .
المسألة الثانية : الضوابط الشرعية للباس المرأة المسلمة :
1- أن لا يكون رقيقاً يشف البدن إلا عند الزوج كما يأتي .
__________
(1) سورة النور - الآية ( 31 ) .
(2) أخرجه البخاري في اللباس - باب الحرير للنساء - ح 5842 من الفتح 10 / 296 .
(3) أخرجه ابن ماجه في اللباس - باب لبس الحرير والذهب للنساء - ح 3595 .
(4) أخرجه أبو داود في اللباس - باب في قدر الذيل - ح 4117 ، وأخرجه النسائي في الزينة - باب ذيول النساء - ح 5339 .
(5) رواه ابن ماجه في اللباس - باب البس ما شئت - ح 3605 ، وذكره الألباني في صحيح ابن ماجه برقم 2904 .(6/65)
والأصل في هذا الاشتراط : ما روته عائشة رضي الله عنها : أن أختها أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنها دخلت على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وعليها ثياب رقاق ، فأعرض عنها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وقال : (( يا أسماء إن المرأة إذا بلغت المحيض لم تصلح أن يرى منها إلا هذا وهذا )) وأشار إلى وجهه وكفيه .
وفي سنده سعيد بن بشير متكلم فيه .
وقال أبو داود بعده : (( هذا مرسل ، خالد بن دريك لم يدرك عائشة رضي الله عنها )) . (1)
ويشهد له حديث دحية في القباطي وهي من الشفوف فأمره صلى الله عليه وآله وسلم أن يأمر امرأته أن تجعل تحتها ثوباً لا يصفها . (2)
والإجماع منعقد على تحريم لبس ما يشف بدن المرأة إلا عند زوجها ، لأنه عورة .
وقد انسلخ نساء من نساء المسلمين من الحياء ، فلبسن الشفوف وأظهرن الصدور والظهور وكشفن الرؤوس وأظهرن كثيراً من البدن دون حياء أو وازع من دين نسأل الله لهن الهداية والعودة إلى الرشد والستر والحياء من الله تعالى ثم من الخلق .
2- أن لا يكون ضيقاً يصف مفاتن المرأة :
لحديث أسامة بن زيد رضي الله عنهما قال : كساني رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قبطية كثيفة مما أهداها له دحلية الكلبي فكسوتها امرأتي ، فقال لي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مالك لم تلبس القبطية ؟ قلت : يا رسول الله كسوتها امرأتي ، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : (( مرها فلتجعل تحتها غلالة ، فإني أخاف أن تصف حجم عظامها )) . (3)
__________
(1) رواه أبو داود في اللباس - باب فيما تبدي المرأة من زينتها - ح 4104 ( 4 / 357 ).
(2) أخرجه أبو داود في اللباس - باب في لبس القباطي للنساء - ح 4116 (4 / 363) .
(3) رواه أحمد في المسند ( 5 / 205 ) ، والغلالة تشبه الملابس الداخلية اليوم .(6/66)
ولعل الحديث الذي رواه مسلم يصلح شاهداً للشرطين السابقين وهو ما رواه أبوهريرة - رضي الله عنه - قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : (( صنفان من أمتي من أهل النار لم أرهما ، قوم معهم سياط كأذناب البقر يضربون بها الناس ، ونساء كاسيات عاريات مميلات مائلات رؤوسهن كأسنمة البخت المائلة لا يدخلن الجنة ولا يجدن ريحها وإن ريحها يوجد من مسيرة كذا وكذا )) . (1)
فلباس الشفوف والذي يصف البدن يصدق على لابستها أنها كاسية عارية فهي لابسة لما لا يسترها .
3- أن يكون اللباس سابغاً يغطي البدن :
وللمرأة خمسة أحوال :
1- أمام الرجال الأجانب .
2- إذا كانت في الصلاة .
3- حالها مع النساء .
4- حال المرأة مع زوجها وفي خلوتها .
1- المرأة عند الرجال الأجانب :
لا خلاف بين أهل العلم أن المرأة إذا بلغت المحيض أو سنه لم يجز لها أن تكشف شيئاً من بدنها أمام الرجال الأجانب إلا ما ورد عن بعض أهل العلم في الوجه والكفين .
والذي اختاره وتميل إليه نفسي وتطيب به أن المرأة لا يجوز أن يظهر منها أمام الرجال الأجانب حتى ظفرها فضلاً عن الوجه والكفين إلا لعذر شرعي .
وذلك للأدلة التالية :
1- عموم قوله تعالى : { وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلا مَا ظَهَرَ مِنْهَا } (2) وقد فسر ابن مسعود - رضي الله عنه - وغير واحد من علماء السلف : (( الظاهر من الزينة بأنه ما لا يمكن التحرز منه مما يظهر من الثياب )) . (3)
2- قوله تعالى : { وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعاً فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ } (4) وإذا كان هذا في حق أمهات المؤمنين فغيرهن أولى .
__________
(1) رواه مسلم في اللباس والزينة - باب النساء الكاسيات العاريات - ح 2128 ( 3 / 1680 ) .
(2) سورة النور - الآية ( 31 ) .
(3) انظر : تفسير ابن جرير ( 18 / 117 - 118 ) .
(4) سورة الأحزاب - الآية ( 53 ) .(6/67)
3- أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم لما رأى الفضل بن العباس وكان رديفه ينظر إلى الخثعمية حول وجهه . (1)
فلو كان كشف الوجه جائزاً لما صرفه عن رؤيتها وهي كانت محرمة .
4- ما جاء في قصة عائشة رضي الله عنها لما تخلفت تبحث عن العقد ، ورحل الناس عنها وجاء صفوان بن المعطل السلمي قالت : (( وكان رآني قبل أن يضرب علينا الحجاب ، فاستيقظت باسترجاعه حين عرفني فخمرت وجهي بجلبابي )) . (2)
5- أن نساء الصحابة رضوان الله عليهم أجمعين كن يسدلن على وجوههن وهن محرمات إذا مر بهن الرجال (3) ، فإذا ذهبوا كشفن عن وجوههن ، هذا مع نهي المحرمة أن تتبرقع .
6- أن الذين ذهبوا إلى جواز كشف الوجه والكفين شرطوا لذلك شرطين
أحدهما : أن يخلو الوجه والكفان من الزينة .
ثانيهما : أن تؤمن الفتنة .
ولا أظن في هذا الزمن يتحقق الشرطان أو أحدهما ، فلا يكاد يخلو وجه امرأة اليوم من زينة ، ولا تؤمن الفتنة حتى على أصلح الناس ، فكيف بالفساق والانحلاليين ؟ ثم إن الوجه هو الدليل على جمال المرأة أو قبحها .
ولهذا كان من الخير للنساء أن لا يرين الرجال ولا يراهن الرجال إلا ما أحل الله تعالى .
والأصل في الفتوى أن يجتمع في المفتي معرفة الحكم الشرعي ، وكيفية تنزيله على واقع الحال ، فإن هذا من الفقه في الدين .
__________
(1) رواه البخاري في الحج - باب وجوب الحج وفضله - ح 1513 من الفتح 3 / 378 .
(2) متفق عليه : رواه البخاري في التفسير ، باب { لَوْلا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ... } - ح 4750 (الفتح 8/452)= = ومسلم في التوبة - باب في حديث الإفك حديث 2770، صحيح مسلم ( 4 / 2129 ) .
(3) أخرجه مالك في الموطأ ( 1 / 328 ) ، وصححه الألباني في إروائه ( 4 / 212 ) رقم 1023 .(6/68)
وهذا ولله الحمد اختيار هيئة كبار علماء المملكة وعلى رأسهم والدنا وشيخنا الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز والشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمهما الله وأجزل لهما الثواب والأجر .
وللشيخ محمد بن صالح العثيمين فتوى في البرقع الذي يظهر ما حول العينين ويحصل بسببه فتنة أن ذلك من السفور المحرم ، وقد نشرت على شكل مطوية ونفع الله بها كثيراً من النساء .
2- حال المرأة في الصلاة :
إذا كانت أمام رجال أجانب فتقدم وجوب التستر حتى للوجه والكفين .
أما إذا كانت بين النساء أو وحدها في منزلها مثلاً فلها أن تكشف الوجه والكفين كما تفعل في الإحرام وليسا من العورة في الصلاة .
وقد ثبت أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال : (( لا يقبل الله صلاة حائض إلا بخمار )) (1) وهو غطاء الرأس .
وقال صلى الله عليه وآله وسلم : (( المرأة عورة )) (2) .
وسألت أم سلمة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قالت : يا رسول الله أتصلي المرأة في درع وخمار ليس عليها إزار ؟ فقال صلى الله عليه وآله وسلم : (( نعم إذا كان الدرع سابغاً يغطي ظهور قدميها )) . (3)
وقد أرخص لها الشارع أن ترخي ذيلها ذراعاً لئلا تنكشف قدماها .
فما عدا الوجه والكفين لا يجوز للمرأة كشفه في الصلاة ، وإن انكشف شيء من ذلك وتفاحش بطلت الصلاة ، وما لم يتفاحش عرفاً فيعفى عنه ، ومما يجب العناية بستره شعر رأس المرأة في الصلاة ، فيجب لفه وستره بلباس يحفظه من الانكشاف لتسلم لها صلاتها .
__________
(1) أخرجه أبو داود في الصلاة - باب المرأة تصلي بغير خمار ، السنن ( 1 / 149 ) ، والترمذي في الصلاة - باب ما جاء لا تقبل صلاة المرأة إلا بخمار وحسنه .
(2) أخرجه الترمذي في الرضاع - باب حدثنا محمد بن بشار ، انظره مع عارضة الأحوذي
5 / 122 .
(3) أخرجه أبو داود في الصلاة - باب كم تصلي المرأة ؟ - ح640 ( 1 / 420 ) ، وكأنه يرجح وقفه على أم سلمة .(6/69)
3- حال المرأة مع محارمها كأبيها وأخيها ومن تحرم عليه بسبب أو نسب:
اختلفت كلمة الفقهاء في هذه المسألة ، وكانوا بين متشدد ومتساهل ، ولعل من أحسن ما قرأت في هذا الباب ما كتبه الموفق ابن قدامة رحمه الله تعالى قال : (( فصل : ويجوز للرجل أن ينظر من ذوات محارمه إلى ما يظهر غالباً : كالرقبة والرأس والكفين والقدمين ونحو ذلك ، وليس له النظر إلى ما يستر غالباً كالصدر والظهر ونحوهما )) (1) ، وهذا مع أمن إثارة الشهوة ، فأما النظر بشهوة فمحرم مطلقاً .
والأولى بالمرأة التستر أمام المحارم وبخاصة الشباب ، ويتأكد هذا في زماننا الحاضر الذي كثرت فيه الفتن ، وانتشر في وسائل الإعلام الإثارة الجنسية مع ضعف في الوازع الديني، وكم حصل من الكوارث بسبب الإهمال وعرض المفاتن.
ولعل الكاتب الإسلامي أبو الأعلى المودودي يعذر عندما ذهب إلى أن المرأة يجب عليها أن تستر بدنها كله إلا وجهها وكفيها حتى عن أدنى أقاربها في البيت . (2)
ولعله نظر نظرة الفقيه لمشكلات هذا العصر الذي تفسخ فيه النساء عن حيائهن ، وضعف إيمان الناس حتى اشتكت البنت من مراودة أبيها وأخيها وابن أختها وخالها وابن زوجها ، ولعل من أهم الدواعي إلى ذلك التكشف وإبراز المفاتن .
ثم إن المحافظة على ستر عامة البدن إلا ما ظهر غالباً يعطي الأنثى صورة الوقار ، ويظهرها بالمظهر الإسلامي اللائق بالأنثى .
4- حال المرأة بين النساء :
ربما كان كلام أهل العلم أن المرأة مع المرأة لها أن تكشف ما عدا العورة المغلظة وهما الفرجان .
وفي هذا نظر ، وبخاصة أن الكثير من النساء غرَّهن بعض التقليعات العريانة فلبسنها بحجة أنهن لن يظهرن إلا أمام نساء وفي هذا عدة محاذير :
__________
(1) المغني ( 9 / 491 ) .
(2) الحجاب للمودودي ( ص : 274 ) .(6/70)
المحذور الأول : أن في هؤلاء النساء من لا تصلي ولا تصوم فهي كافرة حكماً ، والمسلمة ممنوعة من الظهور أمام الكافرات عارية ، لأن نظر الكافرة بالنسبة للمسلمة كنظر الرجل الأجنبي ، ولكونها لا تتورع عن نقل الصفات التي تراها .
المحذور الثاني : أن الحفلات العامة قد لا تخلو عن تصوير فربما التقطت لها صورة وهي بشكل لا يرضاه لها الشرع ولا ولي أمرها أن تظهر به ، وربما عرضت الصور على رجال أجانب وسبب مشاكل عائلية .
المحذور الثالث : إن لبس ما يسمى بالعريان تقليد لأعداء الله من اليهود والنصارى والإباحيين ومن تشبه بقول فهو منهم ، ولما فيه من إرضاء الشيطان عدو الله وعدو آدم وذريته .
المحذور الرابع : خطر التقليد فربما تأثر برؤيتها الشابات المراهقات فقلدنها ظناً منهن أن ذلك صفة كمال في المرأة .
ولهذا فإني أهيب بالمرأة المسلمة أن تبتعد كل البعد عن هذه المظاهر السيئة، وأن تتقي الله تعالى حتى أمام النساء فإن لله ملائكة ترصد على المسلم والمسلمة كل حركة وسكنة ورب كاسية عارية .
5- حال المرأة مع زوجها :
أما حال المرأة مع زوجها فالإجماع منعقد على أن لها أن تلبس له ما
شاءت ، ما خلا ما كان فيه تشبه بالكفار ، ولها أن تتعرى أمامه إذا تلاقيا في المكان المخصص لذلك ، لقوله صلى الله عليه وآله وسلم : (( احفظ عورتك إلا من زوجت أو ما ملكت يمينك )) (1) ومفهوم الحديث واضح .
__________
(1) رواه أبو داود في كتاب الحمام - باب ما جاء في التعري ، السنن ( 2 / 364 ) ، والترمذي في الأدب - باب ما جاء في حفظ العورة ، انظره مع عارضة الأحوذي ( 10 / 223 ) .(6/71)
وقد عقد أهل العلم في كتب الحديث والفقه باباً نصوا فيه على كراهية التعري حتى بين الزوجين لكن الأحاديث والآثار التي ساقوها لا ترق إلى الصحة ، والحديث الذي ذكرت واضح في المسألة ، كما أن السنة أثبتت أن الملائكة تفارق الرجل عند قضاء حاجته وإذا أراد جماع أهله (1) ، مع أن الستر أفضل وأكمل ، والله أعلم .
4- انتفاء التشبه :
والتشبه المنهي عنه نوعان :
1- تشبه النساء بالرجال .
2- تشبههن بالكافرات وأهل الفجور من الفاسقات .
فأما عن تشبه النساء بالرجال فقد جاء في الحديث : (( أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم لعن المتشبهين من الرجال بالنساء ، والمتشبهات من النساء بالرجال )) . (2)
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله : (( قال الطبري : المعنى لا يجوز للرجال التشبه في اللباس والزينة التي تختص بالنساء ولا العكس ، قلت : وكذا في الكلام والمشي ، فأما هيئة اللباس مختلف باختلاف عادة كل بلد ، فرب قوم لا يفترق زي نسائهم من رجالهم في اللبس ، لكن يمتاز النساء بالاحتجاب والاستتار )) .(3)
ولعل الحافظ أشار إلى العرف والعادة ، فمن عادة الرجل لبس العمامة والثياب البيض والقلنسوة ( الطاقية ) والبشت وهو العباءة الرجالية ، والسراويل البيضاء .
والمرأة تلبس الخمار وعادة يكون من الأسود ، والثياب الملونة من الأقمشة النسائية، والعباءة ، والسراويل الملونة .
وقد تفننت المصانع بإبراز لباس الرجل عن لباس المرأة حتى في الملابس الداخلية تحت الثياب ، فصنعوا لكل جنس ما يخصه .
فإذا لبست المرأة ما اعتاد الرجال لبسه من غير ضرورة أو حاجة فهي متشبهة وكذلك العكس .
__________
(1) رواه الترمذي في الأدب - باب ما جاء في الاستتار عند الجماع - ح 2800 .
(2) رواه البخاري في اللباس - باب المتشبهون بالنساء والمتشبهات بالرجال - ح 5885 من فتح الباري 10/332 .
(3) فتح الباري كما سبقت الإشارة .(6/72)
وأما التشبه بالكفار وأهل الفجور : فالأصل في تحريمه قوله صلى الله عليه وآله وسلم : (( من تشبه بقوم فهو منهم )) (1) ، وقوله صلى الله عليه وآله
وسلم : (( لتتبعن سنن من كان قبلكم شبراً شبراً ، وذراعاً ذراعاً ، حتى لو دخلوا جحر ضب تبعتموهم )) ، قلنا: يا رسول الله اليهود والنصارى ؟ قال : (( فمن ؟))(2)
ونقل الحافظ في الفتح عن القاضي عياض قوله : (( الشبر والذراع والطريق ودخول الجحر تمثيل للاقتداء بهم في كل شيء مما نهى الشرع عنه وذمه )) . (3)
والمتتبع لأخبار بيوت الأزياء والزينة العالمية التي تتحدث الموضات والتقليعات المتعلقة باللباس والزينة للمرأة يجد هم من اليهود الذين يحرصون على الإطاحة بعفة المرأة وبخاصة المسلمة ، وصرع الفضيلة مع اختلاس لأموال كثير من المغفلين في العالم حيث أشغلوا المرأة بما يستحدثون من تصميمات للشتاء والصيف والربيع والخريف ونشر ذلك في وسائل الإعلام المختلفة مع عرضه بأسلوب مشوق ومثير .
والمرأة إذا لم يكن عندها من يردعها ويكبح جماحها ذهبت نهباً لتلك التصميمات المعروضة صباح مساء ، واستنزفت الطاقة الاقتصادية ، مما تملكه أو مما يملكه ولي أمرها .
وإنك لتعجبين أن فستاناً يستعمل لساعات في فرح يكلف عشرات أو مئات الآلاف وهناك ما هو أغرب من ذلك مما يذاع أو ينشر أو يسكت عليه ويطوى .
__________
(1) رواه أبو داود في اللباس - باب في لبس الشهرة - ح 4029 .
(2) رواه البخاري في اللباس - باب قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم : (( لتتبعن سنن من كان قبلكم )) - ح7320 من الفتح 13 / 312 .
(3) فتح الباري ( 13 / 313 ) .(6/73)
واسمعي إلى وصية رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لخير النساء قالت عائشة رضي الله عنها : قال لي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : (( إذا أردت اللحوق بي فليكفيك من الدنيا كزاد الراكب ، وإياك ومجالسة الأغنياء ، ولا تستخلفي ثوباً حتى ترقعيه )) . (1)
والقاعدة : أن من تشبه بقوم في المأكل والمشرب والملبس ففيها ميل إلى أفكارهم وعقائدهم وانتحال طريقتهم .
5- أن لا يكون لباس شهرة : والأصل في هذا ما أخرجه أبو داود وغيره عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (( من لبس ثوب شهرة في الدنيا ألبسه الله ثوب مذلة يوم القيامة )) ولأبي عوانة : (( ثم تهلب فيه النار )) . (2)
ولاشك أن هذا النهي يعم الرجال والنساء ، والمراد بالشهرة لبس ما يتميز به اللابس عن الناس سواء في ذلك الرفيع من الثياب أو الوضعي .
وهذا لا يتنافى مع لبس الطيب وغالي الثمن ، فقد لبسه النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، ولا مع الزهد بلبس الرخيص وبقصد التواضع ، فقد لبس من ذلك الرسول صلى الله عليه وآله وسلم وصحابته الكثير .
لكن النهي ينصب على النية مع العمل بلبس الغالي المتميز مع التكبر والفخر بما يصل إلى حد الشهرة .
أو لبس الوضيع أيضاً ليلفت النظر ويشار إلى من لبسه بالتواضع لإرادة الشهرة ، ولتكن المسلمة وسطاً كأمورها في شأن الدين كله .
وقد لبس صلى الله عليه وآله وسلم وأزواجه من الكتان والقطن والصوف والحبرة وما كان متعارفاً عليه بين الناس . (3)
6- أن يخلو من الصور لذات الأرواح والصلبان :
__________
(1) رواه الترمذي في اللباس - باب ما جاء في ترقيعه الثوب - ح 1780 من السنن 4 / 245 .
(2) أخرجه أبو داود في اللباس - باب في لبس الشهرة - ح 4029 ، وابن ماجه في اللباس - ح 3607 .
(3) انظر : نيل الأوطار ( 6 / 126 ) ، زاد المعاد ( 1 / 53 ) .(6/74)
كثر في زماننا تصوير ذوات الأرواح على الملابس ، وكذلك رسم الصلبان بأشكال مختلفة ، وكتابة عبارات غير لائقة .
والمشكل أن هذه الكتابات والصور والرسوم تكون على ألبسة ذات قماش جيد ، ولعل السبب يرجع إلى سيطرة اليهود والنصارى على مصانع النسيج ، وتسلل بعضهم إلى المصانع في بلاد المسلمين .
ثم عدم الاهتمام من المسلمين وبخاصة الجهات ذات الشأن في البلاد الإسلامية، فإن من الواجب أن تمنع مثل هذه الملابس، وتصادرها إذا دخلت خلسة وتفرض عقوبات على من يستوردها أو يبيعها،لكن للأسف أحياناً لايعرف الخطأ إلا بعد أن يروج بين الناس فيتنبه له بعض أهل الغيرة على دين الله تعالى .
ولو فرضت شروط على التجارة وألزموا بها ثم هم ألزموا الشركات المصنعة بما تمليه عليهم عقيدتهم ودينهم لاستقام الأمر ولكن لا حياة لمن تنادي، وكم يحتار المسلم الملتزم بشرع الله حين ينزل السوق فيجد الكثير من الملابس قد صور عليها صور أبطال الكرة أو المغني أو الفنانين وأهل المجون .
وقد جاء في الحديث الذي رواه أنس بن مالك - رضي الله عنه - قال : كان قرام لعائشة سترت به جانب بيتها ، فقال لها النبي صلى الله عليه وآله وسلم : (( أميطي عنا قرامك هذا ، فإنه لا تزال تصاويره تعرض في صلاتي )) . (1)
وقد بوب البخاري لهذا الحديث بقوله : باب إن صلى في ثوب مصلب أو تصاوير هل تفسد صلاته ؟ وما ينهى عن ذلك .
وذكر رحمه الله في اللباس باب نقض الصور حديث عائشة رضي الله عنها: (( أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم لم يكن يترك في بيته شيئاً فيه تصاليب إلا نقضه )) . (2)
فقد اشتركت الصورة والصليب في معنى واحد هو عبادة غير الله تعالى .
__________
(1) أخرجه البخاري في الصلاة - باب إن صلى في ثوب مصلب أو تصاوير - ح 374 من الفتح 1 / 484 .
(2) ح 5952 من الفتح 10 / 385 .(6/75)
ونقل الحافظ عن ابن بطال في شرح الحديث أنه قال : (( في هذا الحديث دلالة على أنه صلى الله عليه وآله وسلم كان ينقض الصورة سواء كانت مما له ظل أو لا ، وسواء كانت مما توطأ أم لا ، وسواء في الثياب وفي الحيطان وفي الفرش والأوراق وغيرها )) . (1)
وأقل أحوال النهي الكراهة مع أن الأصل فيه التحريم ، وهذا أقرب وأقله حرمة الصلاة في الثياب التي عليها الصور أو الصلبان ، والتي يلبس ثوباً فيه صور ذات روح أو صليب فهي آثمة ، وقد امتنع جبريل عليه السلام من دخول بيت المصطفى صلى الله عليه وسلم وقال : (( إنا لا ندخل بيتاً في كلب أو صورة )) . (2)
ولهذا أمر النبي الكريم صلى الله عليه وآله وسلم عائشة أن تهتك الستارة التي كانت وضعتها على جانب بيتها بسبب ما كان فيها من الصور (3) وتجعلها وسائد مع ذهاب الصور وهذا يدل على تحريم اللبس من باب أولى والله أعلم .
المسألة الثالثة : حذاء المرأة المسلمة :
للمرأة أن تلبس الحذاء كالرجل فالاحتذاء من السنة ، قال صلى الله عليه وآله وسلم : (( استكثروا من النعال ، فإن الرجل لا يزال راكباً ما انتعل )) . (4)
وأوصى صلى الله عليه وآله وسلم أن تنعل الرجلان معاً ، أو تحفيا معاً ، فلا تنعل رجل وتحفى الأخرى ، قال صلى الله عليه وآله وسلم : (( لا يمش أحدكم في نعل واحدة لينعلهما جميعاً أو ليخلعهما جميعاً )) . (5)
وهذا من اهتمام الإسلام بحسن مظهر الإنسان ، والعدل والإنصاف حتى بين رجلي الشخص الواحد .
__________
(1) فتح الباري ( 10 / 385 ) .
(2) أخرجه البخاري في اللباس - باب لا تدخل الملائكة بيتاً فيه صورة - ح 5960 من الفتح 10 / 391 .
(3) رواه البخاري في اللباس - باب ما وطئ من التصاوير - ح 5954 من الفتح 10 / 387 .
(4) رواه مسلم في اللباس والزينة - باب استحباب لبس النعال - ح 2096 .
(5) المصدر السابق - ح 2097 .(6/76)
والانتعال مستحب في حق المرأة كالرجل ، وللمرأة ما يخصها من الأحذية كما أن للرجل ما يخصه ، فلها أن تلبس ما شاءت من تلك الأحذية إلا ما يعرف بالحذاء ذات الكعب العالي ، فإنها مخالفة لطبيعة الجسم والرجل معاً ، وفي لبسها أضرار بليغة ، ويمكن تلخيص مضار لبسها فيما يلي :
1- الضرر الصحي : خلق الله القدم مسطحة ، ولعل الحكمة من ذلك لتساعد الجسم على سرعة الحركة الطبيعية ووضع الرجل مع الكعب العالي يجعلها في وضع غير طبيعي حيث تصلب عضلات الساق ، وتشوه الرجلين فهي كمن يمشي على رؤوس أصابعه ، ولا أظن أحداً يستطيع المشي على رؤوس الأصابع عدداً من الخطوات فضلاً عن السير كذلك ساعات لما في ذلك من الصعوبة والمشقة البالغة والإجهاد لأعصاب القدمين.
2- الضرر الجمالي :
المشي بالكعب العالي يضفي على المرأة صفة التصنع والتكلف في المشية ، وهذا يخالف ما يتطلبه الذوق الإنساني السليم ، وتلك الحركة المصطنعة تذل الجسم أيضاً ، لأنها مفروضة عليه ، وإذا ذل الجسم ذلت الروح لذله .
3 ـ الضرر النفسي :
... إن الحركة والنشاط والتمتع بالشمس والهواء الطبيعي تعطي الجسم حيوية وسعادة، وانطلاقاً ومرحاً ، لكن ذلك المسمار المغروز في كعب المرأة يمنعها كل ذلك ، ومن ثم تحرم حقيقة الحياة وطعمها .
4 ـ الضرر الأخلاقي :
خلق الله الرجل والمرأة لتعمر الحياة ، وجعل من طبيعة أكثر الرجال الطول، ومن طبيعة أكثر النساء القصر ، وهذا في الجملة . فلعل القصيرات من النساء تأثرت نفوسهن ليحاكين الرجال في الطول ، والكعب العالي يعين على هذا المفهوم ، كما يعين الطويلة من النساء أن تزيد في طولها طلباً للجمال .
ومن يريد إطالة نفسه بشيء متصنع ، متكلف ، فهو ضرب من الكذب ، ومخادعة الحقيقة والواقع ، والعقل ، والنفس .
والكذب - كما هو معلوم - كبيرة من الكبائر ، وهو خيبة ، وعيب من العيوب الأخلاقية ، وشعور بالنقص .(6/77)
ومن أرادت الطول فعليها أن تثق بنفسها ، وأن تشحذ همتها باستقامة الخلق ، وحسن الفعال ، فقد سَمَتْ عائشة رضي الله عنها بكريم فعالها ، وحسن خلقها كثيراً من الرجال ، مع طول قاماتهم ، وحسن أجسادهم .
5 ـ الكعب العالي ليس جميلاً :
بكل صراحة ، لم يضف الجمال على الكعب العالي إلا العامل النفسي ، ومحاكاة الآخرين ، والنفس مولعة بما تعودت عليه من التقليد ، فإذا أطال الكفار الثياب استحسناها ، وإن قصروها استحسناها ، وإن صنعوا للنساء كعباً عالياً في الحذاء ، ولو بشكل مسمار رأينا أن هذا هو الجمال ، وهذه هي الموضة ، وهذا بسبب مركب النقص، وعقدة التقليد (1).
6 ـ ثم إن المرأة التي تلبس الكعب العالي تظهر بعض مفاتنها أمام الرجال الأجانب، وهذا أمر يجب أن تنأ عنه المسلمة ، فإنه يغضب الله تعالى .
المبحث الثاني : زينة المرأة في التحلي :
أباح الشرع الحنيف للمرأة أن تتحلى بما يزينها ويحببها إلى زوجها ، ويظهرها بالمظهر اللائق بها .
وقد ورد ما يدل على أن النساء كن يتحلين بالذهب والفضة في أيديهن ، وحلوقهن ، وأرجلهن .
قال الله تعالى : { وَلا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِن زِينَتِهِنَّ } .(2)
وقال تعالى : { وَإنْ آتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنْطَارَاً فَلا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئَاً } (3)
__________
(1) يراجع بتوسع ما كتبه الأديب الإسلامي الكبير الشيخ : علي الطنطاوي ، في كتابه : مع الناس ( ص:25)، والكاتبة المشهورة : نازك الملائكة ، في رسالة لها بعنوان : مآخذ اجتماعية على حياة المرأة العربية (ص:29 ) .
(2) سورة النور ، الآية ( 31 ) .
(3) سورة النساء ، الآية ( 20 ) .(6/78)
وفي حديث ابن عباس(1) رضي الله عنهما الذي ذكر فيه : أن النبي - صلى الله عليه وسلم - بعد أن صلى العيد ، وعظ النساء وذكرهن ، وأمرهن بالصدقة ، فتصدقن ، فمنهن من تصدقت بالخاتم ، ومنهن من تصدقت بالحلق ، ومنهن بالسخاب ، وبالخرص ، وبالقرط ، وأكثر الحلي كانت إما من الذهب أو من الفضة ، وكن يستعملن القلائد من الظفار ، وهو نوع من الخرز اليمني .
ومما استجد في زماننا أنواع أخرى من الحلي ، منها ما هو من البلاتين ، ومنها ما هو من الألماس ، وهو أغلاها ، وهناك أنواع أخرى تدخل تحت اسم الاكسسوارات ، وهي من المعادن تصنع على شكل أطقم ، ومن أحسنها وأغلاها الكرستال الأصلي .
وكل ذلك يباح للمرأة أن تتحلى به ، وبما أحدثته المصانع من أنواع الخرز، كاللؤلؤ الصناعي .
لكن لا بد في ذلك من ضوابط شرعية :
الأول : أن لا تكون الصناعة في الحلي على صور الحيوان ، كالثعابين التي توضع في اليد ، فهذه صور مجسمة حرام بلا خلاف ، وقد لا تصح بها الصلاة.
وقد تقدم أن الملائكة لا تدخل بيتاً فيه صورة .
الثاني : أن لا تحمل ثقافة غربية ، كتسمية النقشات باسم الفنانين الغربيين، وكلما برز مغن ، أو ممثل ، أو مهرج استحدث الصنّاع له نقشة وسموها باسمه، وهذا بلا شك من الغزو الفكري .
الثالث : عدم الإسراف والمبالغة في شراء الحلي :
قال الله تعالى : { وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلا تُسْرِفُوا إِنَّه لا يُحِبُّ الْمُسْرِفِين } .(2)
وقال - صلى الله عليه وسلم - : (( كل ما شئت ، والبس ما شئت ، ما أخطأك سرف
ومخيلة )) .(3)
__________
(1) أخرجه البخاري في صحيحه - كتاب اللباس ـ ح5880 ، 5881 ـ من الفتح 10/330 ، وذكره في كتاب التيمم ـ ح334 ـ من الفتح 10/431.
(2) سورة الأعراف ، الآية ( 31 ) .
(3) رواه النسائي في سننه – كتاب الزكاة ـ باب الاختيال في الصدقة ، وهو في صحيح سنن النسائي ( رقم 2399 ) .(6/79)
ثم الاقتداء بنساء النبي - صلى الله عليه وسلم - وبناته ، ونساء صحابته رضوان الله عليهم أجمعين، فلم يكن يكثرن من الحلي استكثار النساء اليوم ، ومبالغتهن فيها ، حيث يجتمع عند بعضهن ما ينوء بحمله البعير من أنواع الحلي والمجوهرات الثمينة، الباهضة التكاليف إلى حد الخيال أحياناً .
وهنا مسألة مهمة أُثِيرَ حولها زوبعةٌ من بعض المعاصرين ، تتعلق بتحلي المرأة بالذهب المحلق .
والمراد بالذهب المحلق : المصنوع بشكل دائري متصل ، كالحلقة ، ومنه : الخواتيم، والفتخ ، والقلائد ، والقرط ، والأطقم .. ونحو ذلك .
وقد ذهب إلى حل الذهب للمرأة بكل أنواعه محلقاً وغير محلق أهل العلم من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - ومن تبعهم بإحسان ، وحكى عليه الإجماع غير واحد من أهل العلم ، واستحداث قول بعد ذلك يعتبر خرقاً للإجماع ، ولا ينظر إليه ولا يؤبه به ، لكن لأن له شبهة تعلق بها بسبب أحاديث أوردها الإمام أبو داود في سننه في كتاب الخاتم ، لا بد من إيضاح الحق في الرد عليه ، وإزالة الشبهة :
وهذه الأحاديث هي :
1 ـ حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - : أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : (( من أحب أن يحلق حبيبه حلقة من نار فليحلقه حلقة من ذهب ، ومن أحب أن يسور حبيبه سواراً من نارٍ فليسوره سواراً من ذهب ، ولكن عليكم بالفضة ، فالعبوا بها )) .(1)
2 ـ حديث أسماء بنت يزيد رضي الله عنها : أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال :
(( أيما امرأة تقلدت قلادة من ذهب قلدت في عنقها مثله من النار يوم القيامة ، وأيما امرأة جلعت في أذنها خرصاً من ذهب جعل في إذنها مثله من النار يوم القيامة )) .(2)
__________
(1) رواه أبو داود في سننه - كتاب الخاتم ـ باب ما جاء في الذهب للنساء ـ ح4236 .
(2) المرجع السابق - ح 4238 .(6/80)
3 ـ حديث أخت حذيفة : أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : (( يا معشر النساء ! أما لكن في الفضة ما تحلين به ، أما إنه ليس منكن امرأة تحلى ذهباً تظهره إلا عذبت به )) .(1)
أما حديث أخت حذيفة فضعفه ظاهر ، إذ في سنده امرأة ربعي ، مجهولة ، ولم يذكره الشيخ الألباني في صحيح سنن أبي داود ، مع أنه يذهب إلى تحريم الذهب المحلق .
كذلك حديث أسماء بنت يزيد ، أعرض عن ذكره الشيخ في صحيح سنن أبي داود، فجعله في الضعيف ، فلا يعرج عليه .
وحديث معاوية : أن النبي - صلى الله عليه وسلم - نهى عن لبس الذهب إلا مقطعاً .
قال المنذري : (( فيه الانقطاع في موضعين )) ، وقال البخاري : (( ميمون القناد عن سعيد بن المسيب وأبي قلابة مراسيل )) ، وقال أبو حاتم الرازي :
(( أبو قلابة لم يسمع من معاوية بن أبي سفيان )) . مع أن الشيخ الألباني ذكر هذا الحديث في صحيح سنن أبي داود(2) ، وحاله كما رأينا .
ولم يبق إلا حديث أبي هريرة في التحلق والتسوير ، فما حاله ؟ وإذا صحّ فما تأويله ليوافق النصوص الصحيحة الصريحة في إباحة مطلق الذهب للنساء ؟
الذي ظهر لي : أنه تفرد به أبو داود ، قال : (( حدثنا عبد الله بن مسلمة ، حدثنا عبد العزيز - يعني أبو محمد - ، عن أسيد بن أبي أسيد البراد ، عن نافع ابن عياش ، عن أبي هريرة .. )) وذكر الحديث .(3)
فأما عبد الله بن مسلمة فهو من شيوخ البخاري ومسلم .(4)
وأما عبد العزيز بن محمد : فهو أبو محمد المدني ، مولى جهينة ، المشهور بالدراوردي ، وثّقه مالك ، وقال أحمد : (( كان معروفاً بالطلب ، وإذا حدّث من كتابه فهو صحيح ، وإذا حدث من كتب الناس وهم ، وكان يقرأ من كتبهم فيخطئ ، وربما قلب أحاديث عبد الله بن عمر يرويها عن عبيد الله بن عمرو )) ، ووثقه ابن معين .
__________
(1) المرجع السابق - ح 4237 .
(2) صحيح سنن أبي داود (رقم 3566) .
(3) السنن ( 4/436 ) .
(4) تهذيب التهذيب ( 6/31 ) .(6/81)
وقال أبو زرعة : (( سيئ الحفظ ، فربما حدث من حفظه الشيء فيخطئ )) وقال النسائي: (( ليس بالقوي )) ، وقال ابن سعد: (( كان ثقة كثير الحديث يغلط)). روى له البخاري مقروناً بغيره .
فهذا كلام أهل العلم ، كما أورده ابن حجر رحمه الله تعالى .(1)
وأما أسيد بن أبي أسيد البراد : فقال في التقريب : (( صدوق )) (2) ، وفي تهذيب التهذيب نقل عن الدارقطني قوله : (( يعتبر به )) . (3)
وأما نافع بن عياش ، أو ابن عباس : فهو ثقة ، ذكر ذلك ابن حجر في تهذيب التهذيب .(4)
فهذا الحديث على فرض صحته عارضه أحاديث أخر أصح منه ، منها :
1 ـ حديث عائشة رضي الله عنها : أن النجاشي أهدى للنبي - صلى الله عليه وسلم - حلية فيها خاتم من ذهب ، فأخذه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعود معرضاً عنه ، أبو ببعض أصابعه، ثم دعا أمامة ابنة أبي العاص - ابنة ابنته زينب - فقال : (( تحلي بهذا يا بنية )) .(5)
ومعلوم أن الخاتم من الذهب المحلق ، فلو لم يكن مباحاً لها لما أمرها بالتحلي به .
2 ـ حديث أبي موسى الأشعري : أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : (( أحل الذهب والحرير لإناث أمتي ، وحرم على ذكورها )) .(6)
وهذا نص عام يدخل المحلق والمقطع وغير ذلك .
3 ـ والأحاديث التي في صدقات النساء يوم العيد ، وفيها ذكر الفتخ ، والخواتيم، والقلائد ، والسخاب .. وكلها معلومة من لغة العرب ، وصفتها التحليق .(7)
وكيفية الجمع : إما أن يكون الحديث منسوخاً ، لأن العمل جرى بعد عهد الرسالة إلى يومنا هذا على إباحة الذهب المحلق .
__________
(1) تهذيب التهذيب ( 6/353 ) .
(2) التقريب ( 1 / 77 ) .
(3) تهذيب التهذيب ( 1 / 344 ) .
(4) 10/405 ) .
(5) رواه أبو داود في سننه - كتاب الخاتم ـ باب ما جاء في الذهب للنساء ـ ح4235
( 4/ 435 ) .
(6) تقدم تخريجه .
(7) سبقت الإشارة إلى تخريجها ، وانظر : البخاري مع الفتح ( 10/330 ) .(6/82)
وإما أن يكون المراد من يحرم عليه الذهب مطلقاً ، وهم الرجال بما فيهم الصغار ، فكلمة (( حبيبه )) يمكن أن يكون المراد بها الذكور ، فهم يحبون أكثر في الجملة .
أو يكون المراد زجر الناس عن الاستكثار من الذهب ، فإن ذلك يكون من السرف ، وربما بلغ حداً تجب فيه الزكاة ، ويظن الناس بزكاته .
وقد حكى الإجماع غير واحد من أهل العلم على إباحة التختم ونحوه بالذهب(1) للنساء ، وهو من المحلق .
فالمترجح إن شاء الله : إباحة الذهب المحلق للنساء ، بل الخلاف في ذلك شذوذ ، إذ لم يسبق إلى القول به أحد من أهل العلم المعتبرين ، فهو خرق للإجماع ، والعرف ، ومخالف للأدلة الصحيحة الصريحة ، والله أعلم .
المبحث الثالث : الطيب : وفيه مسائل :
المسألة الأولى : حكمه ، والأصل فيه :
أولاً : حكمه : مسنون في الجملة إجماعاً ، ويحضر أحياناً لأسباب .
ثانياً : الأصل فيه :
حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : (( من عرض عليه طيب فلا يرده، فإنه طيب الريح ، خفيف المحمل )) .(2)
حديث عائشة رضي الله عنها : أن امرأة سألت النبي - صلى الله عليه وسلم - عن غلسها من المحيض ، فبين لها كيف تغتسل ، ثم قال : (( خذي فِرصة من مسك ، فتطهري بها )) قالت : كيف أتطهر ؟ قال : (( تطهري بها )) ، قالت: كيف ؟ قال :
(( سبحان الله ! تطهري )) ، فاجتذبتها إليّ ، فقلت : تتبعي بها أثر الدم .(3)
__________
(1) انظر: فتح الباري لابن حجر ( 10/317 )، المجموع للنووي ( 5/495 ) وفيه كلام صريح في الموضوع.
(2) رواه أبو داود في سننه - كتاب الترجل ـ باب في رد الطيب ـ ح4172 ، وفي مسلم بلفظ : (( من عرض عليه ريحان .. )) - ح 2253 .
(3) رواه البخاري في صحيحه - كتاب الحيض ـ باب دلك المرأة نفسها ـ ح 314 ـ من الفتح 1/414.(6/83)
وفي حديث أم عطية رضي الله عنها : أن النبي - صلى الله عليه وسلم - نهى الحادة عن الطيب، ورخص لها عند الطهر إذا اغتسلت في نبذة من كست أظفار .(1)
وهذا دليل على استحباب الطيب للنساء عند التطهر .
حديث أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - في ذكر شأن امرأة من بني إسرائيل، أنها اتخذت خاتماً حشته مسكاً، قال - صلى الله عليه وسلم -: (( وهو أطيب الطيب )) .(2)
حديث عائشة رضي الله عنها قالت : كنت أطيب النبي - صلى الله عليه وسلم - بأطيب ما
يجد ، حتى أجد وبيص الطيب في رأسه ولحيته .(3)
فهذه الأحاديث وغيرها تدل على أن الطيب مسنون محبوب ، سواء كان مادة سائلة ، أو بخوراً ، أو ذريرة ، أو نحو ذلك .
المسألة الثانية : صفة الطيب المسنون للرجال والنساء :
جاء في حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : (( طيب الرجال ما ظهر ريحه وخفي لونه ، وطيب النساء ما ظهر لونه وخفي ريحه )) .(4)
أمر الشارع النساء بالتستر ، فتخفي المرأة زينتها إلا ما ظهر منها عادة ، وهناك نوع آخر من الزينة وهو : انبعاث الرائحة الجميلة، فهي ربما لفتت نظر الرجل واستوقفته، ولهذا بين رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الصفة التي ينبغي أن يكون عليها طيب الرجل وطيب المرأة .
__________
(1) رواه البخاري في صحيحه - كتاب الحيض ـ باب الطيب للمرأة عند غسلها من المحيض ـ ح313 - من الفتح 1 / 413 .
(2) رواه مسلم في صحيحه - كتاب الألفاظ من الأدب ـ ح2252 ( 4/1765 ) .
(3) متفق عليه : أخرجه البخاري في صحيحه - كتاب اللباس ـ باب التطييب في الرأس واللحية ـ ح5923 ـ من الفتح 10/366 ، ومسلم في كتاب الحج ـ باب الطيب للمحرم ـ ح 1189 (2/846 ) .
(4) رواه أبو داود ، انظر : صحيح سنن أبي داود - كتاب الاستئذان ـ باب ما جاء في طيب الرجال والنساء ـ ح 2238 .(6/84)
فطيب الرجل ما ظهرت رائحته ، كالعود والورد وسائر الأصناف المباحة، مما تنتشر رائحته وليس له أثر على البدن ، ولهذا كره رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ما كان يظهر على الرجل من الصفرة والتزعفر ، بل لم يسلم على عمّار ، وكان متضمخاً بزعفران من أجل شقوق كانت في بدنه ، ولما غسل أثره رد عليه السلام (1) ، لأنه مما يظهر أثره ، وهو مستكره في حق الرجل .
والمرأة على العكس ، مأمورة بالتزين لزوجها ، بحيث لا يقع نظره منها إلا على ما يعجبه ، فلا يمنع من استعمالها شيئاً في بدنها ، مثل : التزعفر ، والتضمخ، والحناء ، ولك ملون يجملها ، ولكن رائحته غير منتشرة ، فيظهر أثره وتخفى رائحته .
المسألة الثالثة : خروجها متطيبة :
وإذا تطيبت المرأة ، أو طيبت زوجها بما له رائحة منتشرة ، فلا تخلو من حالين :
الأولى : أن تبقى في منزلها ، أو تخرج بعيداً عن الرجال الأجانب ، فلا مانع من بقاء الطيب عليها ، لأن الأصل الإباحة ، وقالت عائشة رضي الله عنها: طيبت النبي - صلى الله عليه وسلم - بيدي لحرمه ، وطيبته بمنى قبل أن يفيض .(2)
وإذا أرادت الخروج غسلت أثره عنها ، لأن مقتضى التطييب أن يعلق بيديها من الطيب ، ولها أن تتطيب للإحرام ولو سال مع العرق على الوجه كما جاءت به الآثار .
الحالة الثانية : أن تخرج وتمر بالرجال ، كخروجها إلى المسجد أو السوق مثلاً ، فلا يجوز لها أن تتطيب ، بل ولا تتبخر .
لحديث أبي موسى الأشعري - رضي الله عنه - ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : (( إذا استعطرت المرأة فمرت على القوم ليجدوا ريحها فهي كذا وكذا )) قال قولاً شديداً .
__________
(1) أخرجه أبو داود في سننه - كتاب الترجل ـ باب في الخلوق للرجال ـ ح4176 .
(2) رواه البخاري في كتاب اللباس ـ باب تطييب المرأة زوجها بيديها ـ ح5922 - من الفتح 10/366 .(6/85)
وللنسائي : (( فمرت على قوم ليجدوا ريحها فهي زانية )) .(1)
ولحديث أبي هريرة - رضي الله عنه - قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : (( أيما امرأةٍ أصابت بخوراً فلا تشهدن معنا العشاء )) .(2)
واستنكر الصحابة رضوان الله عليهم خروج المرأة مستعطرة ، واحتسبوا على من خرجت كذلك ولو إلى المسجد ، وأخبروها بحديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، وأمر أبو هريرة - رضي الله عنه - امرأة استعطرت للخروج إلى المسجد بأن تغتسل غسل الجنابة (3) ، أي أنها ارتكبت كبيرة من الكبائر .
وإن الكثير من النساء المسلمات اليوم هداهن الله يتطيبن بأحسن أنواع الطيب ، ثم يخرجن إلى الأسواق ويزاحمن الرجال، فماذا عسى أن يصفهن به رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لو رآهن؟
تقول عائشة رضي الله عنها : لو رأى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ما أحدث النساء لمنعهن من الخروج إلى المسجد .(4)
وقد استحدث مصانع العطور أنواعاً من العطور قوية الرائحة ، نفاذة ، تشم من بعد ، وربما بقيت رائحتها في الملابس لفترة طويلة ، فلا بد أن تتعاهد الأخت المسلمة نفسها وملابسها عند خروجها إلى ما يسمح به الشرع لها ، كالمساجد أو الأسواق ، ولو كانت مع محرم ، فلا تلبس ما فيه طيب ، ولا تستعمل الطيب عند خروجها ، إذا كانت تعلم أنها تمر على الرجال الأجانب .
المسألة الرابعة : استعمال العطور المخلوطة بالكحول :
__________
(1) أخرجه أبو داود في كتاب الترجل ـ ح4173 ، والترمذي في كتاب الأدب – ح 2787 ، وقال : (( حسن صحيح )) ، والنسائي في كتاب الزينة ـ باب ما يكره من الطيب ـ ح5129 .
(2) أخرجه أبو داود كما سبق ـ ح4175 .
(3) أخرجه أبو داود كما سبق ـ ح4174 .
(4) أخرجه البخاري في كتاب الأذان ـ باب انتظار الناس قيام الإمام العالم ـ ح866 ـ من فتح الباري 2/349 ، ومسلم في كتاب الصلاة ـ باب خروج النساء إلى المساجد ـ ح445 .(6/86)
قال الله تعالى : { إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنْصَابُ وَالأَزْلاَمُ رِجْسٌ مِن عَمَلِ الشَّيْطَانِ } .(1)
والرجس : هو النجس ، ولهذا ذهب الجمهور من أهل العلم إلى نجاسة عين الخمر، لهذه الآية .
وذهب بعض أهل العلم إلى عدم نجاستها عيناً ، وإن جرم تناولها شرباً .
ثم حدثت العطور الحديثة وفيها مادة الكحول ، فالإجماع منعقد على أنها مسكرة ، وأن من شربها استحق العقوبة ، وهو آثم إلا أن يتوب .
ثم اختلفوا في نجاسة عينها بناءً على الخلاف السابق ، وممن ذهب إلى نجاسة عينها الشيخ / محمد الأمين الشنقيطي في تفسيره (( أضواء البيان )) (2) ، وتبعه شيخنا وإمام الفتوى في هذا العصر الشيخ العلامة : عبد العزيز بن عبد الله ابن باز رحمه الله .(3)
وممن رأى عدم النجاسة من المعاصرين : الشيخ / عبد الرحمن السعدي في تفسير آية المائدة (4). وكذلك العلامة الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله .
والذي تميل إليه النفس من جانب الاستعمال : أن تركها أولى وأورع ، وقد جعل الله فيما ليس فيه كحول بركة وخيراً كثيراً ، فهو يسد مسده حتى من الكلونيات ، ففيها ما نزع منه الكحول فأصبح طيباً غير مسكر .
غير أن التحقيق في المسألة فيما بدا لي : أن الكلونيا وإن كانت مسكرة محرمة التناول ، إلا أنها ليست نجسة العين ، لعدة أمور :
1 ـ أنها لم تصنع لتشرب ، وإنما صنعت لغرض التطهير والتطيب بها .
__________
(1) سورة المائدة ، الآية ( 90 ) .
(2) 2/127 ، 128 ) من التفسير .
(3) مجلة البحوث الإسلامية ، العدد العشرون ، سنة 1407 / 1408 هـ ( ص : 185 ) .
(4) تيسير الكريم الرحمن ( 1/515 ) .(6/87)
2 ـ أنه يشاركها في وصف الإسكار أمور كثيرة ، كالبوية ، والبنزين ، والمزيل للحبر .. وغير ذلك مما لا يمكن أن نقطع بنجاسته ، وإن كنا نحرم استعمالها شرباً أو شماً أو تشفيطاً أو إبراً تحقن ، ونوجب على العاقل البالغ العالم بالإسكار بها الحد ، وعليه التوبة ، لكننا لا نستطيع أن نعتبرها نجسة العين ، فكذلك الأطياب المسماة بـ الكلونيا هي من هذا القبيل .
3 ـ كون المصانع تحذر من تناولها شرباً لوجود بعض المواد السامة بها ، مع أنهم يستبيحون الخمرة ويشربونها ، ويقدسونها .
ولو حكمنا بنجاسة الخمرة عيناً فالقياس في الكلونيا عليها ناقص من حيث الحكم بالنجاسة فقط ، وإلا فشاربها شارب مسكر .
4 ـ القياس على البنج ، فإنه يغطي العقل ، ويذهب بالإحساس ، ومع ذلك فمادته طاهرة عند كثير من أهل العلم ، وهذا أقرب .
وكما قلت : الورع عدم استعمالها في الثياب ، والأبدان ، وعدم الصلاة بها، ومن استعملها فالأولى له أن يغسلها عن بدنه وثوبه احتياطاً لأمر العبادة ، وفي غيرها ما يغني عنها ، والله أعلم .
المبحث الرابع : وسائل التجميل الحديثة : وفيه ثلاث مسائل :
المسألة الأولى : حث الشارع المرأة على التزين للزوج :
حث الشارع الحكيم المرأة على التزين والتحسن للزوج ، فندب إلى النظافة، والحناء ، والكحل ، والادهان ، والاستحداد ، ومشط الشعر وتنظيمه وتسريحه ، والتطيب ، وتقليم الأظفار .
وقد استنكر النبي - صلى الله عليه وسلم - عندما دلت امرأة يدها بكتاب لتبايعه - صلى الله عليه وسلم - من وراء ستر ، فقال - صلى الله عليه وسلم - : (( يد رجل أم امرأة )) ؟ فقالت : امرأة ، فامتنع - صلى الله عليه وسلم - عن بيعتها حتى تغيرها بالحناء ، واستنكر أن تكون يد المرأة كيد السبع . (1)
__________
(1) رواه أبو داود في كتاب الترجل ـ باب في الخضاب للنساء ـ ح 4165 ، والنسائي في كتاب الزينة ـ ح5092 .(6/88)
وأثنى على الحناء ، وجعله من سنن المرسلين ، وأمر بالإثمد المروح ، وكان - صلى الله عليه وسلم - يكتحل ويثني على الكحل بأنه يجلو البصر . (1)
وندب - صلى الله عليه وسلم - إلى تغيير بياض الشيب بالصفرة أو الحمرة (2) ، وأمر باجتناب السواد الخالص : (( غيروا هذا وجنبوه السواد )) . (3)
ونص بعض أهل العلم على جواز تحمير الوجه ، وتطريف الأصابع ، أي خضابها ، لمن كان لها زوج أو سيد ، وحرموه إذا لم يكن لها زوج أو سيد ، أو كان لها ولم تستأذنه في ذلك .
ولعل التحمير أو التطريف كان بالحناء ، أو ما يقوم مقامه مما لا ضرر فيه على البدن ، وهو المعروف عندهم آنذاك .
والجلد هو أول مراكز الدفاع في الإنسان ، ومتى ضعف ضعف الجسم عن المقاومة، وكان قابلاً للتشوه الخلقي ولو بعد حين .
المسألة الثانية : حكم استعمال وسائل التجميل الحديثة :
والذي يهمنا هو مسألة استعمال وسائل التجميل الحديثة ، من الأصباغ ، والأدهان ، والمساحيق .
فقد استحدثت المصانع أنواعاً مختلفة من الأصباغ ، والمساحيق ، والدهون، منها ما هو للوجه ، ومنها ما هو للأظفار ، ومنها ما هو للرموش ، ومنها ما هو لتظليل العيون ، ومنها ما هو للحواجب ، ومنها ما هو خاص بالشفاه .
وذهبت أجهزة الإعلام ووسائله المتنوعة تحشد الدعايات المتنوعة ، لتجذب المرأة إلى استعمال تلك الأصباغ والمساحيق والدهون ، مدّعين أن في ذلك حفاظاً على الجمال.
ولو تأملت المرأة العاقلة أن الله أحكم الحاكمين أتقن كل شيءٍ خلقه ، ولم تزد على ذلك الخلق إلا بما ندبها إليه الشارع من وسائل الجمال كالكحل ، والطيب ، والحناء، والدهن الطبيعي ، مع النظافة بالماء ، ومع التقوى والعلم والأدب .
__________
(1) رواه أبو داود في كتاب الطيب ـ باب في الأمر بالكحل ـ ح 3878 .
(2) رواه أحمد في المسند ( 5/264 ) .
(3) رواه مسلم في كتاب اللباس ـ باب استحباب خضاب الشيب ـ ح2102 .(6/89)
ولو تأملت المرأة ذلك لوجدت أنه أكمل أنواع الجمال في المرأة ، فكم من وجه فيه دمامة في بعض خلقته ، يزهو ويسطع بنور التقوى والعلم والأدب ، وكم من وجوه فيها جمال طبيعي غدت مظلمة مكفهرة بسبب المعصية ، ولم يحسنها مسحوق أو صباغ .
وهل رأت المرأة يوماً امرأة خلقها الله بجفون زرقاء لامعة ؟ أو شفاه حمراء قانية كأنها ولغت في الدم ؟ أو خدوداً مضطرمة متوهجة الاحمرار ؟ أو حواجب هلالية الشكل تذكر بما كانوا يتخيلونه ويضعونه في الأساطير من حواجب الشياطين ؟ كل هذا وغيره من نتاج وسائل التجميل الحديث .
ولهذه الأصباغ والمساحيق أضرار نفسية وجسدية :
أما الأضرار النفسية : فإن الذي يدفع المرأة إلى استعمال تلك الأصباغ هو مركب النقص والغرور والكبرياء ، فالدميمة لا تزيدها الأصباغ إلا دمامة ، ولا تزيد العجوز الشوهاء إلا شيخوخة ، وتغدو أضحوكة النساء .
وأما الجسدية : فقد ثبت بشهادة الأطباء أن تلك المساحيق والأصباغ تؤدي إلى تشويه الجلد ، وإصابته بالبثور والالتهابات الجلدية ، وقد يظهر تجعده والمرأة لا تزال في سن الشباب بسبب تلك الأصباغ ، وثبت طبياً أن بعض المواد التي توضع على الشعر سببت تكسره أو تساقطه ، وهذا زيادة على سوء منظره، ومخالفة الشرع في تسريحته ، فقد وصف النبي - صلى الله عليه وسلم - النساء اللاتي يصففن شعورهن إلى الأعلى كأسنمة البخث : بالمائلات المميلات ، فإنهن لا يجدن رائحة الجنة، وهو صنف لم يره النبي - صلى الله عليه وسلم - في زمانه، ولكننا رأيناه في هذا العصر.
فالذي ظهر لي أن المساحيق الحديثة ، والأصباغ ، وكل المواد التي دخل في تركيبها مواد كيميائية مضرة بالجلد ، مضرة بالشعر ، فينبغي تجنبها وتوقيها ، فإن هذا البدن ليس ملكاً للإنسان ، بل هو مؤتمن عليه ، يرعاه بما يقيمه ويبعده عما يعيقه ، ويشوه خلقته .(6/90)
ولو اقتصرت المرأة على اليسير من تلك الوسائل ، وبقدر محدود جداً ، مما يحبب زوجها إليها فلا بأس ، لكن المبالغة والإغراق في استعمال الأصباغ ، وهو ما اعتاده النساء اليوم قد يكون حراماً لعدة أمور :
أولاً : أنها تستنزف جزءاً كبيراً من الوقت بلا فائدة .
ثانياً : فيها إضاعة للمال في غيره وجهه ، وعلى غير معنى .
ثالثاً : الأضرار الجسيمة الناتجة عن استعمالها نفسياً وجسدياً .
رابعاً : أنها تدخل في تغيير خلق الله ، وتشويه جمال الطبيعة .
خامساً : إن الذين يروجون لتلك الصناعات أعداء لدين الله ، فيجب أن نقاطعهم ، وتحت يد المرأة من الوسائل المباحة ما يكفي ويشفي .
سادساً : إن تلك الوسائل تحمل الكثير من النساء على التكبر والتبختر في المشي ، والتعالي على الأخريات ، وما أدى إلى المحرم فهو محرم .
سابعاً : إن في استعمالها مجاراة ومشابهة للكافرات ، ومن تشبه بقوم فهو منهم .
ثامناً : حمل المرأة على الكذب والتدليس ، وهما محرمان .
المسألة الثالثة : حكم جراحة التجميل :
وهي عمليات جراحية بعضها صغير ، وبعضها كبير ، وبعضها علاج لعيوب خلقية تتسبب في إيلام صاحبها بدنياً أو نفسياً ، وبعضها تحسين في الخلقة وتقويم ، بحثاً عن جوانب من الجمال يتوقع أن تكون أحسن مما كانت عليه ، وتوسع المجتمع في هذا اللون ، وتخصص فيه أقوام ، قصروا أنفسهم عليه، بل وأنشأت له بعض الكليات أقساماً متخصصة فيه .
وتلعب وسائل الإعلام دوراً كبيراً في تشجيع النساء ، وترغيبهن في هذا اللون من التجميل ، لأنها وجدت له سوقاً رائجةً ، وعقولاً متقبلة له .
ولعل الوسط الفني الذي يعج بأنواع من العجائب والغرائب ، وبخاصة من النساء هو الذي يقدم بشراهة على مثل هذه العمليات ، ولعل السبب الرئيسي لذلك رغبة المرأة في إشباع نزعة غرور تعتريها ، أو تطلعها إلى فترة ثانية من الشباب بعد تقدمها في العمر ، وهذا ما صرح به كبار خبراء أخصائي هذه الجراحة .(6/91)
وبعد التعريف الموجز بهذا اللون من الزينة المزيفة ، نود أن نعرف حكم الشريعة الإسلامية في عمليات التجميل :
ولعل الأمر يتوقف على معرفة الغرض الذي من أجله تجرى له عملية التجميل، فإذا كان الغرض علاج عيب خلقي يتسبب في إيذاء المريض بدنياً ، أو نفسياً ، ويصاحبه ألم يضيق معه صاحبه به ذرعاً ولا يطيق تحمله ، وليس هناك محظور شرعي ، أو مضاعفات صحية ، فالإسلام لا يقف حائلاً دون تحقيق مصلحة للإنسان ، فهذا النوع جائز إن شاء الله تعالى ، كتعديل السن الطويل ، أو البارز ، وأخذ الأصبع الزائدة ، وزرعة أنف جدع مثلاً . (1)
أما إذا كان المراد منه إشباع نزعة غرور عند المرأة ، أو لتطلعها لفترة أخرى من الشباب ، كما يحصل من شد جلد الوجه عند العجائز ، فهذا النوع يرفضه الإسلام لعدة أمور :
1 ـ إن هذا العمل من السرف والمخيلة ، وقد نهى الشرع عن ذلك .
2 ـ إن المرأة ناقصة عقل ، ولو فتح لها هذا الباب باسم الموضة لأقبلن عليه زرافات ووحداناً ، ولأشغلهن ذلك عن الهدف الذي خلقت من أجله المرأة.
3 ـ إن فيه نوعاً من التدليس بإخفاء كبر السن ، وكبر السن في الإسلام وقار وهيبة ، أما هذا العمل فهو تصابي ممقوت .
4 ـ نهى الشارع الحكيم عن مثل هذا العمل ، فقد لعن الواصلة والمستوصلة ، والواشمة والمستوشمة ، والنامصة والمتنمصة ، والمتفلجات للحسن ، المغيرات لخلق الله تعالى، وسيأتي مزيد بيان لهذا الأمر إن شاء الله .
__________
(1) ولعل الأصل في هذا : أن رجلاً من صحابته - صلى الله عليه وسلم - جدع أنفه ، فأمره أن يتخذ أنفاً من فضة، فأنتن ، فأمره - صلى الله عليه وسلم - أن يتخذه من ذهب .
... رواه أحمد في المسند ( 4/342 ) ، وأبو داود في كتاب الخاتم ـ باب في ربط الأسنان بالذهب ـ ح4232 . ... وذكره الشيخ الألباني في صحيح سنن أبي داود ( رقم 3561 ) .(6/92)
5 ـ إن هذا الباب لو فتح لأصبح جسم المرأة ألعوبة في أيدي خبراء التجميل ، ولأصبح جسمها نهباً لما يحدث من الموضات في هذا الباب .
ولعل قصة الفتاة الأمريكية ( كاثي ليوك ) التي نشرتها جريدة الأخبار (1) القاهرية أكبر دليل على ما أقول : إذ أحبت شاباً يابانياً ، وأرادت الزواج منه ، إلا أن أسرته منعت ذلك ، فعمدت كاثي إلى تغيير ملامح وجهها الأمريكي على يد خبراء جراحة التجميل ليكون موافقاً لملامح فتاة يابانية ، وحدث بالفعل ، لكن الشاب لم يعجبه وجه محبوبته الياباني المزروع على جسم أمريكي ، فتركها وتزوج يابانية ، ثم عادت تسعى لإعادة الجراحة من جديد ليعود لها شكلها السابق ، فكانت كالغراب الذي أراد أن يقلد الحمامة في مشيتها ، فلم يعرف ، ثم نسي مشيته فضاع .
6 ـ الأموال الطائلة التي تبذل في هذا السبيل ، مع حاجة المسلمين في بعض البلدان إلى الغذاء والدواء ، وما يواري العورة من اللباس .
7 ـ الأوقات التي تهدر من عمر المسلمة ، وعمر أمة محمد - صلى الله عليه وسلم - قصيرة ، فهل يجوز أن تضيع المسلمة عمرها في مثل هذه الأوهام والترهات ؟ لتحصل على جمال قد يتحقق وقد لا يتحقق ، بل رما كان هناك مضاعفات وتشوه خلقي في موضع آخر ، سببته عملية التجميل .
وهذا العمل قبل كل شيءٍ فيه اعتراض على حكمة الجبار العزيز الحكيم ، والمرأة إنما تسمو بالخلق والأدب ، والعلم والتربية ، والفعال الحميدة ، لا بجمال متصنع يخفي وراءه الجهل والكبرياء ، وسوء الخلق ، ومن يرد الله به خيراً يفقهه في الدين .
المبحث الخامس : الزينة المحرمة :
أولاً : الأصل في هذا الباب :
1- قوله تعالى : { وَلا تَبَرَّجْنَ تَبّرُّجَ الْجَاهِلَيَّةِ الأُولَى } .(2)
__________
(1) بتاريخ ( 20/5/ 1977 م ) ، وانظر : زينة المرأة بين التشريع الإسلامي والواقع الإنساني ( ص : 44 ) .
(2) سورة الأحزاب ، الآية ( 33 ) .(6/93)
2- قوله تعالى : { وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلا مَا ظَهَرَ مِنْهَا } .(1)
3- حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : (( لعن الله الواصلة والمستوصلة ، والواشمة والمستوشمة )) . (2)
4- حديث ابن مسعود - رضي الله عنه - أنه قال : لعن الله الواشمات والمستوشمات ، والمتنمصات ، والمتفلجات للحسن ، المغيرات خلق الله ، مالي لا ألعن من لعنه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، وهو في كتاب الله ؟ ويريد بذلك قوله تعالى : { وَمَا آتَاكُمْ الرَّسُوْلُ فَخُذُوْهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا } (3) ، فقوله: ما لي لا ألعن من لعنه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، يدل على رفع الحديث ، أي: أنه سمع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يلعن من هذه صفته .
ثانياً : بيان لبعض المصطلحات الواردة في النصوص ، مع بيان حكمها :
1 ـ التبرج : قال الفيروزآبادي : تبرجت : أظهرت زينتها للرجال .(4)
وهو في الاصطلاح : إظهار الزينة وما يستدعي به شهوة الرجل أمام الرجال الأجانب .
وتبرج الجاهلية الأولى : ما كان يفعله النساء من التكسر ، والتبختر ، وإظهار الزينة من البدن ، ومايلبس عليه ، وفعل ما يدعو إلى استثارة الشهوة عند الرجال .(5)
__________
(1) سورة النور ، الآية ( 60 ) .
(2) أخرجه البخاري في صحيحه – كتاب اللباس ـ باب وصل الشعر ـ ح5933 ـ ( الفتح 10/374) .
(3) المرجع السابق ( ح5931 ـ 10/372 ) . والآية من سورة الحشر ، الآية ( 7 ) .
(4) القاموس المحيط ، باب الجيم ، فصل الباء .
(5) تفسير ابن جرير الطبري ( 22/ 4 ، 5 ) .(6/94)
وما من أُولى إلا ولها آخرة ، وإن الجهل اليوم بالعقيدة الصحيحة ، وترك الاتباع للكتاب والسنة ، واتباع مناهج الكفار في المأكل والمشرب والملبس وإظهار الزينة والتبرج الفاضح ، لأكبر دليل على أن كثيراً من المسلمين يعيش في جاهلية جهلاء ، مغلفة بالعلم والتقدم والحضارة .
وإن جميع الصور التي تروى عن تبرج الجاهلية الأولى تبدو ساذجة ، أو شبه محتشمة حين تقاس بما حدث من تبرج وسفور في حياتنا المعاصرة .
والتبرج بالزينة أمام الرجال الأجانب محرم شرعاً ، كما أن له مضاره النفسية والجسدية ، وليس هو إلا اصطناع لجمال مزور ، تبرزه المرأة في غرور وكبرياء ، بما ينبو عنه الذوق السليم .
والتبرج معاكس للفطرة التي فطر الله المرأة والرجل عليها ، فإن أبانا آدم ، وأمنا حواء فطرهما الله على الحياء ، وحب التستر ، وترك التبرج .
2 ـ الواصلة والمستوصلة :
المقصود بالوصل : الزيادة في الشعر من غيره ، سواء كان بشعر أو بغيره .
وقد خطب معاوية - رضي الله عنه - لما قدم للحج بالمدينة ، واستنكر على أهلها وعلى علمائها عدم إنكارهم وصل الشعر ، وقال وهو رافع قصة من الشعر - أي مما يصلن به - : سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ينهى عن مثل هذه ، ويقول : (( إنما هلكت بنو إسرائيل حين اتخذ هذه نساؤهم )) (1) .
وفي مسلم : أن النبي - صلى الله عليه وسلم - سمى الوصل : (( الزور )) وقال معاوية للوصل بالخرقة : (( ألا وهذا الزور )) .(2)
__________
(1) متفق عليه : أخرجه البخاري في كتاب اللباس ـ باب وصل الشعر ـ ح5932 ( الفتح10/373 )، ومسلم في كتاب اللباس ـ باب تحريم فعل الواصلة ـ ح2127 .
(2) أخرجه مسلم - ح 123 ( 3/1680 ) .(6/95)
وقد ذهب جمهور العلماء إلى تحريم وصل الشعر بالشعر ، أو بالخرق ، أو بأي شيء آخر ، ويؤيده العموم في حديث جابر - رضي الله عنه - قال : زجر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن تصل المرأة بشعرها شيئاً (1) ، وهذا نهي عام عن كل وصل .
واختار بعض الفقهاء ، ومنهم : أحمد رحمه الله أنه لا بأس بالوصل إذا لم يكن من الشعر .(2)
وشرط بعضهم أن يعرف أنه ليس منه ، وإلا فلا من أجل انتفاء التدليس .
والورع ترك ذلك كله ، وتجنبه ، وقد نهى - صلى الله عليه وسلم - الأنصارية أن تصل شعر رأس ابنتها، ولا شك أن نصف جمال المرأة في شعرها ، ولا تمنع من العناية به، فتنظفه وتدهنه ، وتعالج ما يمكن معالجته ، كسقوط الشعر ، وتكسره ، ولها أن تصبغ بالصفرة أو الحمرة ، وأن تجمع بين الكتم والحناء في صباغه .
والواصلة هي : التي تقوم بعمل وصل الشعر، سواء كان لنفسها أو لغيرها.
والمستوصلة : التي تطلب فعل ذلك ، ويفعل بها .
مسألة : الشعر المستعار ( الباروكة ) :
تبين مما سبق أن وصل الشعر حرام ، ولو احتاجت إليه المرأة ، وقد جاء في حديث عائشة رضي الله عنها : أن جارية من الأنصار تزوجت ، وأنها مرضت، فتمعط شعرها ، فأرادوا أن يصلوها ، فسألوا النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال : (( لعن الله الواصلة والمستوصلة )) (3) ، هذا مع حاجتها إليه ، لأن زوجها كان يطلبها وشعرها متمعط ، أي ذهب كثير منه ، وتشوه بسبب المرض ، ولو كان هناك رخصة لأذن لها أن تصله ولو بشيء من غير جنس الشعر، لكن الجواب جاء قاطعاً بلعن الواصلة والمستوصلة ، أي الفاعلة والتي يفعل بها .
__________
(1) أخرجه مسلم كما سبق ـ ح2126 .
(2) سنن أبي داود - كتاب الترجل ـ باب صلة الشعر ـ 4/40 .
(3) رواه البخاري في كتاب اللباس ـ باب وصل الشعر ـ ح5934 ـ من الفتح 10/374 .(6/96)
وقد استحدثت مصانع التجميل أنواعاً مختلفة حسب أذواق الناس من الشعور المستعارة ، وهو ما يعرف بـ ( الباروكة ) يوضع على كامل الرأس
غالباً ، وهو حرامٌ قطعاً ، لأنه من الوصل ، وأولى بالحكم ، لما فيه من التدليس والتصابي ، ومشابهة الكفار .
ولو اهتمت المرأة بنظافة شعرها ، ودهنه ، وترجيله ، ومعالجة ما يحدث فيه من سقوط أو تكسر ، لما احتاجت إلى هذه الشعور المستعارة ، وللأسف فالكثير من هذه الباروكات تحمل قصات نساء غربيات ، والأمة المسلمة في غناء عن مشابهة أهل الكفر في مثل هذه الترهات والسخافات .
3 ـ الواشمة والمستوشمة :
الوشم : غرز الإبرة في البدن حتى يسيل الدم ، ثم يحشى ذلك الموضع بكحل أو نورة ، أو مادة تعرف بالنيلج ، فيخضر المحل ، ويبقى علامة ظاهرة . (1)
ويفعلونه بالوجه أو اليد غالباً ، ويفعله بعضهن بالرجل .
والواشمة : التي تقوم بعمل الوشم .
والموشومة : التي يفعل بها ذلك .
والمستوشمة : التي تطلبه .
وهذا الفعل حرام ، للحديث وقد نص على لعن الفاعلة ولو بغيرها ، والمفعول بها ، والتي تطلبه ، ولا يلعن الشارع الحكيم إلا على فعل محرم .
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله بعد أن عرف الوشم : (( وقد يفعل ذلك نقشاً ، وقد يجعل دوائر ، وقد يكتب اسم المحبوب - قلت : وقد يصور بشكل سيف أو رمح أو النبل وآلته ، ليدل على القوة والشجاعة ، ثم قال الحافظ : - وتعاطيه حرام بدلالة اللعن ، كما في حديث الباب ، ويصير الموضع الموشوم نجساً، لأن الدم انحبس فيه ، فتجب إزالته إن أمكنت ولو بالجرح ، إلا إن خاف منه تلفاً أو شيناً أو فوات منفعة عضو ، فيجوز إبقاؤه ، وتكفي التوبة في سقوط الاثم ، ويستوي في ذلك الرجل والمرأة )) اهـ (2)
__________
(1) انظر : النهاية في غريب الحديث ( 5 / 189 ) ، النووي شرح صحيح مسلم ( 12 / 106 ) ، القاموس، باب الميم ، فصل الواو ( ص : 1506 ) .
(2) فتح الباري ( 10/372 ) .(6/97)
وقال أبو داود في الواشمة : (( التي تجعل الخيلان في وجهها بكحل أو
مداد )) اهـ(1)
وفي كلام الحافظ ابن حجر ما يدل على سبب التحريم ، ولما في ذلك من تغيير خلق الله ، وتشويه الوجوه والأيدي ، وما في رسوم السلاح في أيدي الرجال من الاعتقادات الباطلة .
ولعله إن وجد في هذا الزمن فجراحته وإزالته أمر ميسور ، ولا بد من ذلك إلا إذا أدى إلى ضرر أو تشوه في الخلقة . والله أعلم .
4 ـ النامصة والمتنمصة :
قال الفيروز آبادي : (( النمص : نتف الشعر ، والنامصة : مزينة النساء بالنمص ، والمتنمصة : المزيَّنة به ، والنَّمَص - محركة - : رقة الشعر ودقته ، حتى تراه كالزغب )) (2) ، وهو الشعر الضعيف أول ما ينبت .
وقال أبو داود رحمه الله : (( والنامصة التي تنقش الحاجب حتى ترقه )) .(3)
وقال ابن الأثير : (( هي التي تنتف الشعر من وجهها )) .(4)
وقال الحافظ ابن حجر : (( والنماص : إزالة شعر الوجه بالمنقاش ، ويسمى منماصاً لذلك )) .(5)
والذي يظهر والله أعلم : أن النمص خاص بنتف شعر الحواجب ، أما أخذ شعر الوجه فيسمى بالحف والحلق .
فأما النمص بالمعنى الذي اخترته فهو حرام ، لظاهر النص ، واللعن لا يكون إلا على محرم ، وقد لعن الشارع فاعله وطالبه .
وقد خص بعض أهل العلم التحريم إذا كان من باب التدليس ، أو إنه محمول على ذوات الريب وهن الفواجر (6) ، أما للزوج فيحمل النهي على التنزيه.
والذي ظهر لي : أن النمص بالمعنى الذي سقته آنفاً حرام ، سواء كان لذات زوج أو لا ، لعموم النص . ...
__________
(1) سنن أبي داود ( 4/399 ) .
(2) القاموس المحيط ، باب الصاد ، فصل النون ( ص : 817 ) .
(3) السنن ( 4 / 399 ) .
(4) النهاية في غريب الحديث ( 5 / 119 ) .
(5) فتح الباري ( 10/377 ) .
(6) فتح الباري كما سبق ، وانظر : أحكام النساء لابن الجوزي ( ص : 342 ) .(6/98)
ونقل الحافظ ابن حجر عن الطبري قوله : (( لا يجوز للمرأة تغيير شيء من خلقتها التي خلقها الله عليها ، بزيادة أو نقص التماس الحسن ، لا للزوج ولا لغيره كمن تكون مقرونة الحاجبين فتزيل ما بينهما ، توهم البلج ،وعكسه )) . (1)
مسألة تتعلق بالنمص : وهي ما يعرف يتشقير الحواجب ، وهي استعمال طلاء بلون الوجه على جزء من الحاجب ليرى رقيقاً مزججاً .
والذي يظهر لي : أنه يشارك النمص في المعنى والحكم ، ويدور مع علته وجوداً وعدماً ، فيحرم استعماله ، والله أعلم .
أما حف الوجه ، وحلق الشارب ، واللحية ، والعنفقة إذا نبتت للمرأة فأكثر أهل العلم على جوازه ، إلا إذا كان فيه تدليس ، كأن تفعله المخطوبة قبل الخطبة ، وتعلم أن خاطبها لو علم بوجوده في وجهها لامتنع عن خطبتها ، أما إذا كان لا يراه شيئاً فهو جائز ، ويجوز للمرأة المتزوجة أن تميط عنها الأذى ما استطاعت ، وأن تتزين لزوجها بما يحببه إليها . (2)
ويمكن علاج ذلك في زماننا بالمزيلات الحديثة ، والابتعاد عن النتف بالمنقاش ، أو ما يقوم مقامه ، خشية الوقوع في النهي .
ويلحق بذلك سائر شعور الجسم ، فيجوز إزالتها من اليدين والساقين ، وسائر البدن ، لأن الأصل الإباحة ، ولم يرد فيها نهي .
وقد سبق الحديث عن الاستحداد ، وهو إزالة شعر العانة ، وأنه من خصال الفطرة، يثاب على فعله .
وأما ما يتعلق بشعر رأس المرأة فأرجئ الحديث فيه إلى المبحث السادس من هذا الفصل ، وبالله التوفيق .
5 ـ الواشرة والمستوشرة والمتفلجة :
أما المتفلجات ، فقد ورد في الأحاديث السابقة ، وهو في الصحيحين ، كما سبق .
__________
(1) فتح الباري ( 10/377 ) .
(2) وانظر : فتح الباري ( 10/387 )، المجموع للنووي ( 1/349 ـ 422 ) ، المغني لابن قدامة (1/131).
... وجوز الحلق دون النتف للخبر .(6/99)
وأما الوشر : فقد أورده النسائي في سننه ، في كتاب اللباس ، باب تحريم الوشر ، وذكر فيه حديث أبي ريحانة أنه سمع النبي - صلى الله عليه وسلم - حرم الوشر ، والوشم ، والنتف .(1)
والوشر : تحديد المرأة أسنانها وترقيقها (2) طلباً للحسن ، وتفعله المرأة الكبيرة لترى في سن المرأة الصغيرة ، فهو من باب التدليس .
والفَلَج - بالتحريك - : تباعد ما بين الأسنان ، والمتفلجة : التي تفعل الفلج في أسنانها ، فتجعل فرجة بين الثنايا والرباعيات من الأسنان ، بأن تبرد ما بين الأسنان طلباً للحسن .
وحكم الفلج والوشر : التحريم ، وقد جاء بلفظ التحريم في الحديث .
وهذا التحريم خاص بمن تفعله طالبة للحسن والجمال ، أو تدليساً ، إما إذا كان السن مريضاً أو غير مستقيم ، واحتاجت إلى البرد والتسوية وإعادته إلى الشكل الطبيعي المعتاد ، فلا يدخل في النهي ، والله أعلم .
ونستطيع أن نلخص الحكمة من نهي الشارع عن الوصل في الشعر ، والوشم في البدن ، ونتف شعر الحواجب ، وإحداث الفلج بين الأسنان فيما يلي :
1- أن في ذلك غشاً وتدليساً ، وهو حرام .
2- أن فيه تغييراً لخلق الله ، وهو أحكم الصانعين ، لا يخلق شيئاً إلا لحكمة .
3- استشراف الحسن المبالغ فيه ، والتكلف في ذلك منهي عنه .
4- كون الشارع نهى عنه، وإذا نهى عن شيءٍ فالأصل تجنبه،طاعة لله ولرسوله - صلى الله عليه وسلم -.
المبحث السادس : الزينة المتعلقة بشعر المرأة :
__________
(1) أخرجه النسائي في كتاب الزينة ـ باب تحريم الوشر ـ ح5110 ( 8 / 149 ) ، وأحمد في المسند (4/134 ) .
(2) القاموس المحيط ، باب الراء ، فصل الواو ، النهاية في غريب الحديث ( 5/188 ) .(6/100)
أما ما يتعلق بشعر الوجه ، ومنه الحواجب فقد مضى الحديث عنه ، عند شرح كلمة : النامصة والمتنمصة ، وكذلك سائر شعور البدن ، وقبل ذلك تحدثت عن خصال الفطرة ، ومنها : الاستحداد ، فهذا المبحث خاص بالكلام عن شعر رأس المرأة ، وهو يستحق أبحاثاً كثيرةً متجددةً .
والكلام فيه في مسائل :
المسألة الأولى : أهمية تربية شعر الرأس للمرأة ، والعناية به :
الأصل في هذا :
1ـ ما رواه البراء بن عازب - رضي الله عنه - قال : ما رأيت ذا لمحة في حلة حمراء أحسن من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، له شعر يضرب منكبيه .(1)
2ـ ما رواه أنس - رضي الله عنه - قال : كان يضرب شعر رأس النبي - صلى الله عليه وسلم - منكبيه .(2)
3ـ حديث عائشة رضي الله عنها قالت : كنت أغتسل أنا ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - من إناء واحد ، وكان له شعر فوق الوفرة ، ودون الجمة . (3)
4 ـ حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - : أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : (( من كان له شعر فليكرمه )) (4).
5 ـ حديث عائشة رضي الله عنها : أنها أهلت بعمرة ، ثم حاضت قبل أن تصل البيت ، فبقيت كذلك حتى اليوم الثامن ، فأمرها النبي - صلى الله عليه وسلم - أن تنقض شعرها ، وأن تمتشط، وأن تهل بالحج . (5)
فهذه الأحاديث تدل على أمرين :
__________
(1) رواه البخاري في كتاب اللباس ـ باب الجعد ـ ح5901 ـ من الفتح 10 / 356.
... واللمة من الشعر : إذا جاوز شحمتي الأذن ، ولم يبلغ المنكب .
(2) المرجع السابق ( ح5904 ) .
(3) أخرجه أبو داود في سننه - كتاب الترجل ـ باب ما جاء في الشعر ـ ح4187 .
... والوفرة : الشعر يبلغ شحمة الأذن ، والجمة : الشعر يصل إلى المنكبين . وما بينهما يقال له : لمة .
(4) أخرجه أبو داود في كتاب الترجل ـ باب في إصلاح الشعر ـ ح4163 .
(5) رواه البخاري في كتاب الحج ـ باب كيف تهل الحائض والنفساء ـ ح1556 ـ من فتح الباري 3/415 .(6/101)
أحدهما : أن اتخاذ الشعر سنة يثاب على فعله الرجل والمرأة ، بشرط أن يتخذه الرجل قاصداً بذلك السنة ، وأن لا يجاوز المنكبين ، أما المرأة فيتأكد ذلك في حقها ، لأن نصف جمال المرأة في رأسها ، وقد نهى النبي - صلى الله عليه وسلم - المرأة أن تحلق شعرها (1) ، والأصل في النهي التحريم ، فاتخاذها شعر الرأس واجب على أصح أقوال أهل العلم ، وصرح بعضهم بكراهة الحلق ، لكن السلف يعبرون عن النهي بالكراهة ويقصدون التحريم .
ثم إن حلق المرأة رأسها بالكلية فيه مُثلة وتشويه لخلقتها ، ولا يفعله اليوم إلا الكافرات من باب الموضة ، والتشبه بهن حرام ، لأن من تشبه بقوم فهو منهم، فلا يجوز لها حلقه إلا لضرورة .
ثم إن الشارع الحكيم إنما أوجب على المرأة في النسك التقصير دون الحلق، بأن تأخذ من كل ضفيرة قدر أنملة الأصبع من رؤوس الشعر ، فليس على المرأة حلق ، وإنما عليها التقصير ، وقد نهى عن حلقه عند المصيبة ، وتبرأ ممن تفعله .
ثانيهما : وجوب إكرامه ؛ بتنظيفه ، وتمشيطه ، وترجيله ، وتدهينه . وأكبر دليل على ذلك : الكلمة الجامعة في الحديث السابق : (( فليكرمه )) ، وهي كلمة شاملة لجميع أنواع الإكرام من تنظيفه ، والاهتمام به، واستعمال ما يمنع سقوطه وتكسره ، وتسريحه وترجيله .. الخ .
ومن أجل الحفاظ على الشعر أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - عائشة رضي الله عنها وهي محرمة، وقد طال الوقت على شعرها أن تنقضه وتمشطه .
ثم إن الشعر يكون مأوى للهوام كالقمل ، وإذا لم يعتن به عاث بالرأس ، وصعب خروجه منه ، مما ينشأ عنه أمراض وقروح ودمامل .
إن دين الإسلام دين نظافة ، وترتيب ، وأناقة في غير تكلف .
المسألة الثانية : ترجيل الشعر ، ودهنه ، والتوقيت لذلك :
الترجيل للشعر : يعني تسريحه ، وتنظيفه ، وتمشيطه ، ودهنه ، وتحسينه .
__________
(1) رواه الترمذي في كتاب الحج ـ باب كراهية الحلق للنساء ـ ح924 ، وهو في صحيح سنن الترمذي برقم 728 ( 1/272 ) .(6/102)
الأصل في ذلك :
1 ـ حديث عائشة رضي الله عنها قالت : كنت أرجل رأس رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأنا حائض . (1)
2 ـ وعنها رضي الله عنها قالت : كان يعجبه - صلى الله عليه وسلم - التيمن ما استطاع ، في ترجله، ووضوئه .(2)
3 ـ حديث أنس - رضي الله عنه - قال : كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يكثر دهن رأسه ، وتسريح لحيته.(3)
وإذاً فيفهم من هذه الأحاديث استحباب ترجيل الشعر ، ويدخل في ذلك غسله ، ودهنه ، وتسريحه .
قال الحافظ : قال ابن بطال : (( الترجيل : تسريح شعر الرأس واللحية ، ودهنه ، وهو من النظافة ، وقد ندب الشارع إليها )) (4) ، إذ أن النظافة شعبة من شعب الإيمان .
ومعنى التيامن فيه : البدء بالشق الأيمن قبل الأيسر ، لأنه أشرف .
أما عن توقيت ذلك في الرأس : فقد جاء في الحديث الذي رواه عبد الله ابن مغفل - رضي الله عنه - قال : نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن الترجل إلا غِبَّاً .(5)
وقد اختلف أهل العلم في تفسير (( غباً )) :
فقال الحسن : (( يرجل شعره في كل أسبوع مرّة )) .
وقال الإمام أحمد رحمه الله : (( هو أن يسرحه يوماً ويتركه يوماً )) ، ثم تبعه أهل العلم على ذلك .
وأصله اللغوي : أن الإبل كانت ترد يوماً الماء ، وتدعه يوماً .
والحديث يدل على كراهة المبالغة في الترفه ، وكان - صلى الله عليه وسلم - ينهى أصحابه عن كثيرٍ من الإرفاه (6) ، أي : الترفه والتنعم ، ومن ذلك : الإكثار من الزينة .
__________
(1) أخرجه البخاري في صحيحه - كتاب اللباس ـ باب ترجيل الحائض زوجها ـ ح5925 ـ من فتح الباري 10 / 368 .
(2) المرجع السابق ( ح5926 ) .
(3) الإتحافات الربانية بشرح الشمائل المحمدية ( ص : 72 ) .
(4) فتح الباري ( 10/368 ) .
(5) رواه أبو داود في كتاب الترجل ـ باب حدثنا مسدد ـ ح4159 .
(6) رواه أبو داود كما سبق ـ ح4160 .(6/103)
لكن المرأة إذا اغتسلت ، ثم احتاجت إلى مشط الشعر ، وتنظيمه ، وتسريحه ، فلو فعلت ذلك كل يوم أو أكثر من مرة في اليوم حسب حاجتها ، كان ذلك من العناية به ، وفعل ما يحببها إلى الزوج ، وهو أمر مطلوب ، فلا حرج حينئذ .
ولعل النهي خاص بمن لا يحتاجه كل يوم ، كالرجل أو غير المتزوجة ، أو أن المراد ما يصدق على الترجل من الجمع بين الدهن والتسريح ونحو ذلك ، بخلاف المشط مثلاً والتسريح من غير دهن ، فلا يكره كلما إليه ، وبخاصة المرأة بعد الغسل ، والله أعلم .
المسألة الثالثة : فرق الشعر ، وجعله ذوائب :
روى البخاري بسنده إلى ابن عباس رضي الله عنهما قال : كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يحب موافقة أهل الكتاب فيما لم يؤمر فيه ، وكان أهل الكتاب يسدلون أشعارهم وكان المشركون يفرقون رؤوسهم ، فسدل النبي - صلى الله عليه وسلم - ناصيته ، ثم فرق بعد .(1)
السدل : إرسال الشعر من غير ضم جوانبه .
والفرق : تفريق الشعر بعضه عن بعض ، وكشفه عن الجبين .
وفي حديث عائشة رضي الله عنها قالت : كأني أنظر إلى وبيص الطيب في مفارق النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو محرم (1) ، وهذا كان في حجة الوداع ، فالفرق كان آخر أمره - صلى الله عليه وسلم - ، وإنما كان يحب موافقة أهل الكتاب أول قدومه المدينة ، لأنهم أهل دين سماوي في الجملة ، ولأنه كان يريد أن يستميل قلوبهم إلى الإسلام ، فلما لم ير فيهم خيراً دعا إلى مخالفتهم في كثير من الأمور ، حتى قالوا : ما لهذا الرجل يريد أن يخالفنا في كل شيءٍ من أمرنا .
__________
(1) رواهما البخاري في صحيحه - كتاب اللباس ـ باب الفرق ـ ح5917 ، 5918 ـ من فتح الباري 10 / 361 .(6/104)
أما جعل الشعر ذوائب فقد أورد البخاري فيه حديث ابن عباس رضي الله عنهما قال : بت ليلة عند ميمونة بنت الحارث خالتي ، وكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عندها في ليلتها ، قال : فقام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من الليل ، فقمت عن يساره ، قال: فأخذ بذؤابتي ، فجعلني عن يمينه .(1)
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله : (( الذؤابة ما يتدلى من شعر الرأس ، ثم قال : والغرض منه هنا : قوله : ( فأخذ بذؤابتي ) فإن فيه تقريره - صلى الله عليه وسلم - على اتخاذ الذؤابة )) .
وكانت لأنس بن مالك - رضي الله عنه - ذؤابة ، فقالت أمه : لا أجزها كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يمدها ويأخذ بها .(2)
وفي هذا تقرير لاتخاذ الذوائب ، وإذا صح في حق الرجل صح في حق المرأة من باب أولى .
وثبت عنه - صلى الله عليه وسلم - أنه كان يجعل رأسه ضفائر ، وهو ما يعرف بقص الشعر ، وتسمى الغدائر .(3)
وكان أكثر حال النساء استعمال الضفائر ؛ لأنها تجمع الشعر وتلمه ، وهي أجمل في المنظر ، وأعون على الحركة والعمل ، وتمنع تساقط الشعر أثناء صناعة الأكل ، وكل هذا مطلوب .
المسألة الرابعة : تقصير الشعر وقصه ، ونتف الشيب منه :
أما تقصيره إلى درجة مشابهة الرجل فهو كحلقه لا يجوز ، وقد نهيت المرأة عن التشبه بالرجل ، ومن تلك القصات : قصة الأسد ، والكابوريا .. وغيرها من القصات .
__________
(1) رواه البخاري في كتاب اللباس ـ باب الذوائب ـ ح5919 ـ من الفتح 10 / 363 .
(2) رواه أبو داود في كتاب اللباس ـ باب ما جاء في الرخصة ـ ح4196 .
(3) رواه أبو داود في كتاب اللباس ـ باب في الرجل بعقص شعره ـ ح4191 .(6/105)
أما التخفيف منه ، فالأصل فيه الإباحة ، بشرط أن لا يكون في ذلك تشبه بالكافرات أو الرجال ، وقد ثبت أن بعض نسائه - صلى الله عليه وسلم - كن يأخذن من شعورهن حتى تكون كالوفرة (1) ، وهي ما كان إلى الأذنين ، وقيل : ما نزل عنهما ، وكان أكثر من اللمة ، واللمة ما يصل إلى المنكبين من الشعر ، والجمة أكثر من ذلك .
قال النووي رحمه الله : (( قال القاضي عياض رحمه الله تعالى : المعروف أن نساء العرب إنما كن يتخذن القرون والذوائب ، ولعل أزواج النبي - صلى الله عليه وسلم - فعلن هذا بعد وفاته - صلى الله عليه وسلم -، لتركهن التزين ، واستغنائهن عن تطويل الشعر ، أو تخفيفاً لمؤونة رؤوسهن . وهذا الذي ذكره القاضي عياض من كونهن فعلنه بعد وفاته - صلى الله عليه وسلم - لا في حياته ، كذا قاله أيضاً غيره ، وهو متعين ، ولا يظن بهن فعله في حياته - صلى الله عليه وسلم - ، وفيه دليل على جواز تخفيف الشعور للنساء .(2)
وفي كلام النووي والقاضي عياض رحمهما الله تعالى ما يدل على أن المرأة تتزين لزوجها بما يرغبه فيها ، ومن الأزواج من يرغب الشعر الطويل والجدائل، وهذا ما كان عليه الناس إلى وقت قريب ، ومنهم من يرغب تقصيره ، والكل جائز ، لكن التقصير يجب أن يخلو عن مشابهة الرجال والكافرات ، وما تستحدثه موضات التجميل من قصات للشعر فيه مشابهة للكافرات ، وإشغال للمرأة ، وإضاعة لوقتها ومالها من غير فائدة تذكر.
__________
(1) رواه مسلم في كتاب الحيض ـ باب القدر المستحب من الماء في غسل الجنابة ـ ح320 .
(2) شرح النووي على صحيح مسلم ( 4/5 ) .(6/106)
ثم يجب أن لا يكون من باب القزع ، وهو : حلق بعض شعر الرأس ، وترك البعض الآخر ، وقد ذكر البخاري رحمه الله في باب القزع حديثاً عن ابن عمر رضي الله عنهما قال : سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ينهى عن القزع .(1)
وسأل عبيد الله نافعاً عن القزع ، فأجابه بأن يحلق بعض الرأس ويترك البعض الأخر، كأن يترك الشعر على الناصية ويحلق الباقي ، أو يبقي ما على الناصية وجوانب الرأس ويحلق الباقي .
ويفعله طوائف من الزيدية ، بإبقاء وسط الرأس كالقلنسوة ، وحلق أطرافه من جميع الجهات .
وكذلك جعل الشعر كقطع السحاب ، مفرقاً في الرأس هاهنا وهاهنا وهاهنا ، كل ذلك من أنواع القزع ، وهو منهي عنه ، وقد رأى - صلى الله عليه وسلم - صبياً حلق بعض رأسه وترك البعض الآخر فقال : (( احلقوا كله ، أو ذروا كله )) .(2)
قال النووي رحمه الله : (( أجمعوا على كراهيته إذا كان في مواضع متفرقة ، إلا للمداواة ، أو نحوها ، وهي كراهة تنزيه ، ولا فرق بين الرجل والمرأة )) ، ثم قال: (( قال العلماء : والحكمة في كراهته أنه تشويه للخلق ، وقيل : لأنه زي الشيطان ، وقيل : لأنه زي اليهود )) . (3)
وإذا قصت المرأة من الأمام والجوانب ، وتركت الخلف فليس من القزع ، كل ما في الأمر أنه لا يكون فيه محاكاة لقصص الكافرات .
__________
(1) متفق عليه : رواه البخاري في صحيحه في كتاب اللباس ـ باب القزع ـ ح5920 ، ومسلم في كتاب اللباس ـ باب كراهة القزع ـ ح2120 .
(2) أخرجه أبو داود في السنن في كتاب اللباس ـ باب في الذؤابة ـ ح4195 .
(3) شرح صحيح مسلم ( 14/101 ) .(6/107)
وأما نتف الشيب فالإجماع على كراهة نتفه ، فعن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : (( لا تنتفوا الشيب ، ما من مسلم يشيب شيبة في الإسلام - قال عن سفيان - إلا كانت له نوراً يوم القيامة )) ، وقال في حديث يحيى : (( إلا كتب الله له بها حسنة ، وحط عنه بها خطيئة )) .(1)
وقال أنس - رضي الله عنه - : يكره أن ينتف الرجل الشعرة البيضاء من رأسه ولحيته (2)، والمرأة كالرجل في شعر الرأس .
ولعل الحكمة من استكراه ذلك : لما فيه من الاعتراض على قضاء الله وقدره ، فإن الشيب ينذر بنهاية العمر ، وهذا مما يخاف منه الإنسان ، فيظن أنه بنتف الشيب يقنع نفسه بعدم الهرم ، ولأنه إذا نتف تكاثر ، ولأن في النتف تغييراً للخلقة من أصلها ، بخلاف الخضاب .
المسألة الخامسة : خضاب الشعر وصبغه :
أولاً : معناه : تغيير لون الشعر بما أباحه الشارع ، ويأتي .
ثانياً : الأصل فيه :
1 ـ حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - قال : قال النبي - صلى الله عليه وسلم - : (( إن اليهود والنصارى لا يصبغون ، فخالفوهم )) (3) أي : فاصبغوا .
2 ـ حديث أبي أمامة - رضي الله عنه - قال : خرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على مشيخة من الأنصار بيض لحاهم ، فقال : (( يا معشر الأنصار ! حمروا وصفروا ، وخالفوا أهل الكتاب )) . (4)
__________
(1) رواه أبو داود في كتاب اللباس ـ باب في نتف الشيب ـ ح4202 .
(2) رواه مسلم في كتاب الفضائل ـ باب شيبه - صلى الله عليه وسلم - ـ ح2341 .
(3) متفق عليه : رواه البخاري في كتاب اللباس ـ باب الخضاب ـ ح5899 ـ ( فتح الباري 10/354)، ومسلم في كتاب اللباس ـ باب في مخالفة اليهود في الصبغ ـ ح2103 .
(4) مسند الإمام أحمد ( 5/264 ) .(6/108)
3 ـ حديث جابر بن عبد الله - رضي الله عنه - قال : أُتي بأبي قحافة يوم الفتح ، ورأسه ولحيته كالثُغامة بياضاً ، فقال - صلى الله عليه وسلم - : (( غيروا هذا بشيءٍ ، وجنبوه السواد )) (1) ، والثغامة : نبت شديد بياض الثمرة .
فهذه النصوص وغيرها تدل على أنه يجوز تغيير لون شيب الرأس بالحمرة أو الصفرة ، وهذا عام في الرجال والنساء .
ثالثاً : ما يخضب به :
جاء في السنن حديث عن أبي ذر - رضي الله عنه - قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : (( إن من أحسن ما غير به هذا الشيب الحناء والكتم )) .(2)
وحديث ابن عمر رضي الله عنهما : أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يلبس النعال السبتية، ويصفر لحيته بالورس والزعفران ، وكان ابن عمر يفعل ذلك .(3)
وحديث أنس - رضي الله عنه - قال : اختضب أبو بكر بالحناء والكتم ، واختضب عمر بالحناء بحتاً (4) ، أي : خالصاً لم يخلطه بغيره .
ومر معنا حديث جابر - رضي الله عنه - ، وقوله - صلى الله عليه وسلم - في آخره : (( وجنبوه السواد )) .
وفي أبي داود عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - :
(( يكون قوم يخضبون في آخر الزمان بالسواد : كحواصل الحمام ، لا يريحون رائحة الجنة )) . (5)
__________
(1) صحيح مسلم - كتاب اللباس ـ باب استحباب خضاب الشيب ـ ح2102 .
(2) أخرجه أبو داود في كتاب الترجل ـ ح4205 ، والنسائي في كتاب الزينة ـ ح5080، والترمذي في كتاب اللباس ـ ح1753 ، وقال : (( حسن صحيح )) .
(3) أخرجه أبو داود في السنن - كتاب الترجل ـ باب ما جاء في خضاب الصفرة ـ ح4210 .
(4) رواه مسلم في كتاب الفضائل ـ باب شيبه - صلى الله عليه وسلم - ـ ح2341 .
(5) أخرجه أبو داود في كتاب اللباس ـ باب ما جاء في خضاب السواد ـ ح4212 ، والنسائي في كتاب الزينة ـ باب النهي عن الخضاب بالسواد ـ ح5078 . =
= ... وصححه الشيخ الألباني ، انظر : صحيح سنن أبي داود ( 2/792 ) .(6/109)
فمن هذه النصوص يفهم أن الخضاب المشروع : ما كان بالحناء وحده ، وهو التحمير ، أو بالحناء والكتم ، وهو نبت إذا خلط مع الحناء وخضب به جاء لون الشعر بين السواد والحمرة ، وهو أحسن من الحمرة الخالصة ، والأحسن منهما الخضاب بالصفرة ، ويشهد لهذا حديث ابن عمر السابق ، ونبت الورس والزعفران إذا جمعا وخضب بهما كان الشعر بين الصفرة والحمرة، ويشهد لهذا حديث عثمان بن عبد الله بن وهب ، لما أرسله أهله إلى أم سلمة ، وفيه قال : فاطلعت في الجلجل فرأيت شعرات حراً(1) ، والجلجل : إناء صنع لحفظ شعراته - صلى الله عليه وسلم - من أجل التبرك والاستشفاء بها ، وهذا من خصوصياته - صلى الله عليه وسلم - .
وهذه الألوان - أي الحمرة أو الصفرة ، أو الجمع بين الحمرة والسواد بالكتم مع الحناء - هي الخضاب الشرعي ، لورود السنة به ، ولأنه يعرف حال المخضوب بذلك ، فلا يتدلس ، ولما في ذلك من مخالفة أهل الكتاب .
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى : (( وقد نقل عن أحمد أنه يجب ، وعنه يجب ولو مرة، وعنه: لا أحب لأحد ترك الخضب، ويتشبه بأهل الكتاب )) . (2)
أما الخضاب بالسواد الخالص فلا خلاف بين أهل العلم أنه إذا أدى إلى التدليس ، كالكبير يغير بالسواد ليظن أنه لا زال شاباً ليدلس أمره ، وبخاصة حال الخطبة ، فهذا حرام ، لأن التدليس حرام ، وما أدى إليه مثله .
وأما ما عدا ذلك ففيه خلاف بين أهل العلم ، منهم من أباحه مطلقاً ، ومنهم من منعه مطلقاً ، وهو رواية في مذهب الشافعي وأحمد، واختارها النووي.
ومنهم من أجازه في أحوال خاصة ، كالحرب ، وللسلطان ، وللمرأة المتزوجة ، إذا كان ذلك يعجب زوجها . (3)
وفي النصوص تحذير من الصبغ بالسواد ، فتركه أولى مطلقاً ، وفيما فعل السلف ما يسع الجميع ، والله أعلم .
__________
(1) رواه البخاري في كتاب اللباس ـ باب ما يذكر في الشيب ـ ح5896 .
(2) فتح الباري ( 10/355 ، 356 ) .
(3) فتح الباري ( 10/354 ) .(6/110)
واستحدثت صبغات متنوعة للشعر تعرف بالميش ، وهو ألوان متنوعة ، والأصل الجواز بضوابطه ، وهي في نظري :
1 ـ أن لا يكون في ذلك تشبه بالكافرات ، وإن في نساء المسلمين من أصابهن الهوس بمتابعة القصات والأصباغ المختلفة ، التي تنشر في وسائل الإعلام ، ويروج لها ، وغالباً صادر عن بلاد الكفر .
وإذا أباح الشرع للمرأة أن تغير لون شيب الرأس بالحمرة ، أو الصفرة فإنه يحرم على المرأة التشبه بالكافرات .
ومن العجيب أن بعض الشابات يعجبها من الميش اللون الأبيض، فتصبغ به شعرها، فتغيره من السواد إلى البياض ، وهذا في نظري ذوق فاسد ، ومتابعة لما يفعله أهل الكفر .
ثم إن شعر بعض الأجناس من النساء يكون أبيض من طلوعه ، وهذا موجود في بعض دول الغرب ، فإذا كان استعمال الميش لتقيلد شعور أولاء النساء فهو حرام ، للتشبه المنهي عنه .
2 ـ أن يخلو عن التدليس ، وقد تقدمت الإشارة إليه .
3 ـ أن لا يكوّن طبقة عازلة على الشعر ، فيمنع وصول ماء الوضوء والغسل إلى الشعر ، بأن يكون له جرم ، وهذا غير جائز إجماعاً ، والميش حسب كلام مستعمليه يستمر على الشعر لمدة تصل إلى ستة أشهر ، فإذا كون طبقة عازلة حرم ، وإن كان صبغاً كالحناء أبيح .
4 ـ أن لا يكون له عواقب سلبية على الشعر ، فإنه مكون من مواد كيميائية ، وربما سببت تغير لون الشعر أو تساقطه ، وربما أثر على بشرة الرأس.
لهذا وغيره أرى أن المرأة تبتعد عن تلك الأصباغ ، وفيما جاء في الشرع غنية ، وهو مأمون العاقبة والحمد لله ، بل وفيه فوائد تعود على الشعر ، وفروة الرأس ، وبخاصة الحناء .
المسألة السادسة : حكم مزينة الشعر ( الكوافير ) :
كان النساء يصلحن من شأن بعضهن بالمشط والدهن والتسريح ، وتضفير الشعر ، وإصلاح ما يحتاج إلى قص أو غيره بكل بساطة ، وكان هذا من عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى وقت قريب في مجتمعات المسلمين .
وربما اتخذ النساء الموسرات ماشطات يعنين بشعورهن .(6/111)
وفي هذا العصر استحدث الناس مسألة الكوافير ، أي المزينة ، سواء أكانت للشعر ، أم للبدن ، وأصبحت عادة حتى عند الفقراء ، لا يحضر أغلب النساء إلى المناسبات إلا بعد المرور على المزينة .
وقبل أن أذكر الحكم ، ومخاطر هذه العادة الوافدة إلى بلاد المسلمين بسبب الترف ، أحب أن أشير إلى أمرين متفق عليهما :
الأول : أن عملية الكوافير إذا قام بها رجل أجنبي عن المرأة فهي حرام إجماعاً ، وهذا موجود في بعض بلاد المسلمين للأسف .
الثاني : أن المرأة إذا احتاجت إلى من يصلح من شأنها ، كالمزفوفة عروساً ، وكان ذلك في بيت أهلها ، وفي الحدود المشروعة في تسريحة الشعر ، ولم يبالغ في ثمن العمل ، فلا أظن أحداً من أهل العلم يحرم ذلك أو يستكرهه .
وإن تولي أهل العروسة ذلك كان أفضل ، وأبعد عن الريب ، وأسلم من المخاطر .
وما عدا ذلك فإني أميل إلى منع عمل الكوافير ، لما نتج عن ذلك من المفاسد ، ومنها :
1 ـ أن المرأة تتعرى ، وتضع ثيابها في غير بيت زوجها ، وهذا من هتك الستر الممنوع شرعاً .
2 ـ ثبت أن الكثير من هذه المواطن مواطن فساد ، وقد يقع فيها اختلاط ، أو وضع عدسات خفية تنقل صور النساء إلى أهل الفساد من الرجال ، من يتشوفون إلى عورات النساء .
3 ـ أكثر تسريحات الشعر التي تعمل للمناسبات توضع بالشكل المنهي عنه ، وهو ما يشبه أسنمة البخت ، وهو أنواع من الجمال عظيمة السنام ، وقد جاء في الحديث أن من تفعل ذلك لا تريح رائحة الجنة .
4 ـ التعذيب الجسدي الذي تبقى المرأة تحت طائلته ، إذ يستمر عمل الكوافير لساعات .
5 ـ ضياع بعض أوقات الصلوات ، لأنها لا تستطيع استعمال الماء ، إذ يخرب عملية التزيين .
6 ـ آثار ذلك العمل السيئة على الشعر ، فلكثرة ما يوضع من المواد اللاصقة يتماسك الشعر ، ويكون هناك صعوبة بالغة عند فكه وتسريحه .(6/112)
7 ـ الاستنزاف المادي ، إذ تدفع أموال لهذا العمل الذي تستطيع أن تقوم به أي امرأة لنفسها أو لغيرها ، إما تطوعاً أو بمقابل يسير .
8 ـ إن هذا العمل من التكلف إظهار الزينة ، وقد يؤدي إلى التكبر ، وهذا محرم، وما أدى إليه مثله .
... وأرى أن يحتسب على هذه المحال ، فتمنع ، ولا يسمح إلا لامرأة صالحة متقية لله تعالى ، تلتزم بحدود الشرع وتقف عندها ، ولو أن النساء قاطعن تلك المحال لأقفلت أبوابها ، لكن المشكلة أن الذهاب للكوافير أصبح جزءاً من التزين الذي يرى الكثير من النساء أنه لا بد منه لحضور المناسبات .(6/113)
الخاتمة :
الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات ، والصلاة والسلام على قدوة الصالحين والصالحات محمد بن عبد الله وآله وصحبه وسلم ... أما بعد :
فقد تضمن بحث دليل المرأة المسلمة نتائج كثيرة أوجزها إن شاء الله تعالى بعد أن أعرج على بيان أهم الأسباب التي تحصل بها السعادة في الدارين .
وعلى الله تعالى وحده اعتمادي واتكالي .
يقول الله تعالى : { يَوْمَ يَأْتِ لا تَكَلَّمُ نَفْسٌ إِلا بِإِذْنِهِ فَمِنْهُمْ شَقِيٌّ وَسَعِيدٌ فَأَمَّا الَّذِينَ شَقُوا فَفِي النَّارِ لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ وَشَهِيقٌ خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَوَاتُ وَالأَرْضُ إِلاَّ مَا شَاءَ رَبُّكَ إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ وَأَمَّا الَّذِينَ سُعِدُوا فَفِي الجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَوَاتُ وَالأَرْضُ إِلاَّ مَا شَاءَ رَبُّكَ عَطَاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ } . (1)
وفي الحديث الذي رواه أحمد بسنده عن سعد بن أبي وقاص - رضي الله عنه - قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : (( من سعادة ابن آدم استخارته الله ، ومن سعادة ابن آدم رضاه بما قضاه الله ، ومن شقاوة ابن آدم تركه استخارة الله ، ومن شقاوة ابن آدم سخطه بما قضى الله عز وجل )) .
وعنه - رضي الله عنه - قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : (( من سعادة ابن آدم ثلاثة ، ومن شقاوة ابن آدم ثلاثة : من سعادة ابن آدم : المرأة الصالحة ، والمسكن الصالح والمركب الصالح ، ومن شقاوة ابن آدم : المرأة السوء ، والمسكن السوء ، والمركب السوء )) . (2)
وعن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول : (( لا تمنوا الموت ، فإن هول المطلع شديد ، وإن من السعادة أن يطول عمر العبد ويرزقه الله الإنابة )) .
ويقول الشاعر :
__________
(1) سورة هود - الآية ( 105 - 108 ) .
(2) مسند أحمد ( 1 / 168 ) .(7/1)
ولست أرى السعادة جمع مال ... ولكن التقي هو السعيد
ويمكنني أن أحصر أسباب السعادة الموصلة إليها في الأمور التالية :
1- الإيمان والعمل الصالح :
قال الله تعالى : { مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ } . (1)
والشاهد هنا أنه تعالى رتب الحصول على الحياة السعيدة لمن جمع بين الإيمان والعمل الصالح ، والسبب أن الإيمان الصحيح المثمر للعمل الصالح المصلح للقلوب والأخلاق والدنيا والآخرة مع صاحبه أصول وأسس يتلقى بها جميع ما يرد عليه من أسباب السرور والابتهاج ، وأسباب القلق والهم والحزن ، فإذا تلقى المحاب والمسار قبلها وشكر الله عليها واستعملها فيما ينفعه فيحدث له الابتهاج ويطمع في بقائها ويرجو ثواب الشاكرين ، وإذا أصابته ضراء تقبل ذلك بالصبر الجميل واحتسب ما عند الله تعالى واعتقد أن ذلك خير له ، وكان نصب عينيه قوله صلى الله عليه وآله وسلم : (( عجباً لأمر المؤمن إن أمره كله خير ، إن أصابته سراء شكر فكان خيراً له ، وإن أصابته ضراء صبر فكان خيراً ، وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن )) . (2)
وبالإيمان والعمل الصالح قوة وضعفاً يتفاوت الناس في استقبال ما ينوبهم من خير أو شر .
ولعل من أهم أركان الإيمان بالله : الإيمان بقضاء الله وقدره والصبر عند المصائب وترك الاحتجاج بالقدر في المعايب ، وقد أصيب عروة بن الزبير في رجله فقطعت ومات ابنه في يوم واحد فماذا كان قوله ؟ قال : (( الحمد لله ، يا رب إن كنت ابتليت فقد عافيت ، وإن كنت أخذت فقد أعطيت وأبقيت )) ، هذه قوة إيمان وتوكل على الله ورضاء بما قضاه الله تعالى .
__________
(1) سورة النحل - الآية ( 97 ) .
(2) رواه مسلم .(7/2)
وليعلم المرء أن ما أصابه لم يكن ليخطئه وما أخطأه لم يكن ليصيبه ، وأنه إذا أصيب في نفسه أو ماله أو ولده فصبر واحتسب آجره الله ، وأنه إذا تسخط وكره لم ينفعه ذلك بل يقع ضرره عليه ولا يستطيع رد المقدور مع الإثم على السخط ورد القضاء .
2- العلم الشرعي : فإن العالم العارف بالله تعالى هو الذي يحسّ بلذة السعادة ويتذوق طعمها ، ولهذا لو تعرض طالب العلم لشيء من الابتلاء فصبر زادت سعادته ، فهذا هو خبيب بن عدي صاحب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لما تمكن منه أعداء الله من قريش وأرادوا قتله وصلبه طلب منهم أن يصلي ركعتين فأمهلوه وصلى ثم قال لهم: (( والله لولا أني خشيت أن تظنوا أني جزع من القتل لأطلت الصلاة )) ، فلما رفعوه ليصلبوه ويقطعوا جسده سألوه من باب التهكم والسخرية : أتحب أن محمداً مكانك وأنك بين أهلك ؟ فقال : (( والله إني لا أحب أن يصاب محمد بشوكة بين أهله وأنا في مكاني هذا )) ، فشدوا عليه وقطعوه إرباً وهو حي ، ودعا عليهم : (( اللهم احصهم عدداً، واقتلهم بدداً ، ولا تغادر منهم أحداً )) ، وأخذ ينشد أبياته المشهورة بثبات .
إن خبيب أحد القراء الذين بعثهم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فغدر بهم ، والقراء هم الحفاظ الفقهاء أهل العلم والعمل والإخلاص والتأثير في الناس لذلك اختارهم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فمن الله عليهم بالشهادة .
والعلم الشرعي يملأ القلب ويشبع النفس وصاحبه يحس بالغنى ، ويترفع عن كل ما عند الناس رغبة فيما عند الله : { إِنَّمَا يَخْشَى اللهَ مِنْ عِبَادِهِ العُلَمَاءُ } ، (( من يرد الله به خيراً يفقهه في الدين )) .
3- الإكثار من ذكر الله تعالى :
قال الله تعالى : { أَلا بِذِكْرِ اللهِ تَطْمَئِنُّ القُلُوبُ } ، وقال تعالى : { وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ القِيَامَةِ أَعْمَى } .(7/3)
وكان صلى الله عليه وآله وسلم يذكر الله على كل أحيانه ، ومن تدبر سنته واقتفى أثره وجد حياته كلها معمورة بذكر الله تعالى ، فقد شرع للاستيقاظ من النوم ذكر ، وعند قضاء الحاجة ذكر ، وعند الخروج من المنزل أو الدخول فيه ذكر ، وكذا المسجد وعند رؤية الريح والمطر والهلال ، وفي المساء والصباح وعند الأكل والنوم والجماع والكرب ولقاء العدو ولكل ما ينوب الإنسان ذكر ، وكان صلى الله عليه وآله وسلم يستغفر الله ويتوب إليه في الجلسة الواحدة عدداً كثيراً من المرات ، وإذا ضاق عليه الوقت دعا بدعوات جامعات مثل : (( سبحان الله وبحمده ، عدد خلقه ، ورضا نفسه ، وزنة عرشه، ومداد كلماته )) .
ومن أعظم أنواع الذكر قراءة القرآن وتدبر معانيه وكثرة الاستغفار وتسبيح الله تعالى ، ولا ينبغي لعاقل أن يغفل عن ذكر الله تعالى ، وقد جاء في التنزيل قوله تعالى : { فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ } ، وفي الحديث القدسي قال الله تعالى : (( إذا ذكرني عبدي في نفسه ذكرته في نفسي ، وإذا ذكرني في ملأ ذكرته في ملأ خير منه )) .
فالذكر من أسباب انشراح الصدر وطمأنينة القلب وزوال همه وغمه وهو عمل يثاب العبد عليه ، ولهذا شرع للمصلي أن يقول بعد صلاته : (( اللهم أعني على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك )) .
4- الاجتهاد في الدعاء بصلاح الدنيا والدين :
فالدعاء هو العبادة بل هو مخ العبادة وقد أمر الله تعالى عباده أن يدعوه فقال: { وقَالَ رَبُّكُمْ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ } .
وكان صلى الله عليه وآله وسلم يحرص على الدعاء ومن جوامع دعائه :
(( اللهم أصلح لي ديني الذي هو عصمة أمري ، وأصلح لي دنياي التي فيها معاشي ، وأصلح لي آخرتي التي إليها معادي ، واجعل الحياة زيادة لي في كل
خير ، والموت راحة لي من كل شر )) . (1)
__________
(1) رواه مسلم .(7/4)
ومن دعائه صلى الله عليه وآله وسلم : (( يا حي يا قيوم برحمتك أستغيث لا إله إلا أنت ، اللهم أصلح شأني كله ولا تكلني إلى نفسي ولا إلى أحد من خلقك طرفة عين ولا ما هو أقل من ذلك )) .
وفي الحديث : (( اتقوا دعوة المظلوم ، فإنه ليس بينها وبين الله حجاب ))
وكان صلى الله عليه وآله وسلم يستعين بالدعاء عند الشدائد والحاجة ، ومن ذلك أنه ناشد ربه ليلة بدر حتى سقط رداؤه عن كتفيه فرده أبو بكر - رضي الله عنه - عليه وقال : (( كفاك مناشدتك ربك )) .
وللدعاء أثر بليغ ووقع شديد حتى على نفوس الكفار ، فإنه صلى الله عليه وآله وسلم لما قام أشقى القوم عقبة بن أبي معيط فوضع سلى الجزور بين كتفي النبي صلى الله عليه وآله وسلم وهو يصلي ، وأخذ القوم يضحكون ويتمايلون فلما وضعته فاطمة عن أبيها وقضى صلاته دعا عليهم بكلمات جامعات أخافتهم.
وكان يدعو لبعض القبائل بالهداية ، ومن ذلك : (( اللهم اهد دوساً وأتِ بهم )) .
وللدعاء آداب وضوابط ينبغي مراعاتها ومن أهم ذلك : إطابة المطعم ، وعدم الاعتداء في الدعاء ، وأن لا يدعو العبد بإثم أو قطيعة رحم وأن لا يستعجل الإجابة .
5- قوة القلب وعدم انزعاجه وانفعاله للأوهام :
يقول الشيخ عبد الرحمن بن سعدي في (( الوسائل المفيدة للحياة السعيدة )) : (( ومن أعظم العلاجات لأمراض القلب العصبية ، بل وأيضاً للأمراض البدنية : قوة القلب وعدم انزعاجه وانفعاله للأوهام والخيالات التي تجلبها الأفكار السيئة، لأن الإنسان متى استسلم للخيالات وانفعل قلبه للمؤثرات ... وتوقع حدوث المكاره وزوال المحاب ، أوقعه ذلك في الهموم والغموم والأمراض القلبية والبدنية والانهيار العصبي الذي له آثاره السيئة )) .
وقوة القلب إنما تحصل في الغالب بالتوكل على الله تعالى والثقة بما عنده والطمع في فضله وجوده : { وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ فَهُوَ حَسْبُهُ } .(7/5)
وبدوام العبادة لله والذكر له واليقين بأن البعاد مخلوقون مربوبون لله تعالى ، فلو اجتمعوا على أن يضروا لم يضروا إلا بشيء قد كتبه الله ، ولو اجتمعوا على أن ينفعوا لم ينفعوا إلا بشيء قد كتبه الله ، كل هذا يعطي القلب قوة وصموداً .
نسأل الله تعالى قوة القلب والثبات على الأمر والعزيمة على الرشد .
6- التحدث بنعم الله تعالى الظاهرة والباطنة وإسناد الشكر له وحده دون سواه :
قال الله تعالى : { وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللهِ } ، وقال تعالى : { وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللهِ لا تُحْصُوهَا } ، وقال تعالى : { قُلْ هُوَ الَّذِي أَنْشَأَكُمْ وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالأَبْصَارَ وَالأَفْئِدَةَ قَلِيلاً مَا تَشْكُرُونَ قُلْ هُوَ الَّذِي ذَرَأَكُمْ فِي الأَرْضِ وَإِلَيْهِ تُحْشَرُونَ } ، وقال تعالى : { هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأَرْضَ ذَلُولاً فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ } .
وفي الحديث قال صلى الله عليه وآله وسلم : (( من أصبح معافى في بدنه ، آمناً في سربه ، عنده قوت يومه فكأنما حيزت له الدنيا بحذافيرها )) .
وكم لله من النعم على الإنسان في نفسه وماله وولده وزوجه ، وفي الكون كله من حوله ، فيجب إسناد الشكر لله تعالى فهو الذي خلق وهو الذي أطعم وهو الذي أعطى ، وهو الذي منع ، وهو الذي يحفظ ، وهو الموفق والمسدد ، يعطي المال بفضله ومنه وكرمه ثم يستقرضه في وجوه الخير ليثيب عليه فله الحمد كله وله الشكر كله ، وبهذه النفسية المرتاحة تحصل السعادة ويزول الاكتئاب وتعيش الروح مع الجسد في حالة انسجام ووئام.
7- النظر في أمور الدنيا إلى من هو أسفل منك :
قال صلى الله عليه وآله وسلم : (( انظروا إلى من هو أسفل منكم ، ولا تنظروا إلى من هو فوقكم ، فإنه أجدر أن لا تزدروا نعمة الله عليكم )) . (1)
__________
(1) متفق عليه .(7/6)
فهناك خلق كثير أدنى من الإنسان في الصحة والمال والجاه وغير ذلك من متع الدنيا، فإذا نظر الإنسان إليهم نظرة اعتبار عرف قدر ما هو فيه من النعمة والصحة والعافية ، بخلاف الذي يهتم بما عليه الناس ، فإن من راقب الناس مات هماً .
وفي الحديث : (( اللهم أحيني مسكيناً ، وأمتني مسكيناً ، واحشرني في زمرة المساكين )) .
وكان صلى الله عليه وآله وسلم يدعو الله أن يرزقه الله حب المساكين .
وقال تعالى : { وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالغَدَاةِ وَالعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطاً } .
ثم النظر إلى أن الدنيا فانية ، وعرضها زائل ، ولابد من مفارقتها فعلى ما الحسرة ؟ وعلى ما الندم ؟
يقول علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - : (( أدبرت الدنيا وأقبلت الآخرة ، ولكل منهما بنون، فكونوا من أبناء الآخرة ، ولا تكونوا من أبناء الدنيا )) .
وإذا كان ولابد فليكن المرء ممن يقول : { رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ } .
أما العبادة والصدقة والإحسان فلينظر الإنسان إلى من فوقه وليقتدي بمن هو خير منه ، فإن ذلك مما أبيح فيه حتى الحسد وهو مذموم .
8- نسيان ما مضى من المكاره والاشتغال بالنافع المفيد :
فمن الأسباب الموجبة للسرور وزوال الهموم والغموم نسيان ما مضى من المكاره ، وقد مضت ولا يمكن ردها ، واشتغال الفكر بها من العبث وفيه مضرة وحمق وحسرة ، وربما أدى ذلك إلى الإحباط وترك ما يجب عليه أن يقوم به من علم أو عمل أو خير ينشره بين الناس .(7/7)
ولعل المرء إذا نظم وقته واستفاد من خبراته ونفذ ما لديه واشتغل بما هو حاضر عنده أنساه أمر الماضي ولم يهتم بأمر المستقبل إذ هو غيب بيد الله تعالى لا يدري ما يقع فيه ، ولا يؤخر عملاً عن وقته .
ولعل مما يزيل القلق والهموم أن يسعى العبد في التخفيف بأن يقدر أسوأ الاحتمالات التي ينتهي إليها الأمر مع توطين النفسي على ذلك والاعتماد على الله والثقة به ، فكل ذلك مما يحصل به انشراح الصدر والسرور مع اعتقاده أن الله يثيبه على ذلك ، ولابد من مدافعة النفس عن حلول المكروه أو توقع حلوله ، وإنما يقع هذا لمن مرس نفسه على الطاعة ، وأكثر من ذكر الله تعالى وأشغل النفس بالنافع المفيد له ولأمته .
9- الاهتمام بحسن الخلق :
إن هذا الأمر من أعظم الأمور الجالبة للسعادة ، فقد ذهب حسن الخلق بكل شيء، قال الله تعالى عن حبيبه ومصطفاه صلى الله عليه وآله وسلم : { وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ } ، وقال صلى الله عليه وآله وسلم : (( أنا زعيم ببيت في أعلى الجنة لمن حسن خلقه )) .
وإن من أعظم ذلك الإحسان إلى الناس بأنواع من المعروف والإصلاح بينهم بالحسنى ، قال الله تعالى : { لا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلاَّ مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلاحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً } .
وإن الله عز وجل ليدفع بالصدقة ميتة السوء ، بل إن الله يدفع بعمل المعروف عن البر والفاجر ، لكن المؤمن له أوفر الحظ والنصيب لأنه يفعل الشيء أو ينتهي عنه بنية وإخلاص واحتساب فيثاب على ذلك .
10- الاهتمام بدراسة السيرة النبوية وبخاصة ما يتعلق ببيت النبوة :(7/8)
قال الله تعالى : { يَا أَيُّها النَّبِيُّ قُلْ لأَزْوَاجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحاً جَمِيلاً وَإِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ اللهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الآخِرَةَ فَإِنَّ اللهَ أَعَدَّ لِلْمُحْسِنَاتِ مِنْكُنَّ أَجْراً عَظِيماً } وقد اختار كل نسائه صلى الله عليه وآله وسلم ما عند الله والدار الآخرة ولم يطالبن بالنفقة بعد ، بل كن يصبرن ، فلربما مضى الشهر والشهران لم يوقد في بيتهن نار وكانوا يعيشون على التمر والماء وما يسره الله مما يهدى إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.
وقد كان صلى الله عليه وآله وسلم ينام على الحصير حتى يؤثر في جنبه الشريف ، ولم يكن في بيته من المتاع إلا اليسير ولكنهم عاشوا عيشة السعداء وتعودوا على الإنفاق والبذل والتضحية .
فيذكر أن معاوية - رضي الله عنه - قدم لعائشة ثمانمائة درهم ، فتصدقت بها كلها في يوم واحد ، وقالت لها خادمتها : ألا أبقيت لنا درهماً نشتري به لحماً نفطر عليه وكانتا صائمتين ، قالت : لو ذكرتني فعلت .
إن عائشة رضي الله عنها تربية رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فلم تكن تطيب نفسه صلى الله عليه وآله وسلم حتى ينفق ما تحت يده وبخاصة ما كان من النقدين، وجهز ابنته فاطمة سيدة نساء أهل الجنة بجهاز بسيط متواضع ، وكان لا يزيد على الشاة في وليمة عرسه ، وربما أولم على إحداهن بحيسة مما جمعه أصحابه .(7/9)
ولابد من أن تعيش الأخت داخل بيت النبوة فتعرف ما كان عليه نساؤه صلى الله عليه وآله وسلم من التواضع والعفاف والإعراض عن الدنيا والرضاء بما قسم الله وعدم إيذاء الزوج والإكثار عليه من الطلبات التي ترهق كاهله وتحمل بعضهم على الاستدانة وتحمل البعض الآخر على الاختلاس وظلم عباد الله ليوف بذلك ما يطلب منه ، وقد أغرق الناس في طلب الكماليات وأسرفوا في المباحات إلى حد الترف ، قال الله تعالى : { وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لا يُحِبُّ المُسْرِفِينَ } .
إن الحياة في ظلال السيرة النبوية ومعايشتها خطوة خطوة تملأ النفس سعادة ورضى بما قسم الله تعالى وتبعث على الاجتهاد في تحصيل الآخرة والاكتفاء من أمر الدنيا بما يعين على طاعة الله تعالى .
هذه أهم الأسباب المحصلة للسعادة في نظري .
أما النتائج التي توصلت إليها من خلال البحث فيمكن تلخيصها فيما يلي :
1- إن النساء شقائق الرجال ولا يمكن عمارة الحياة إلا بتعاون الأشقاء .
2- بروز مكانة المرأة في الإسلام وتكريمها أماً وزوجة وبنتاً وفرداً من أفراد المجتمع.
3- لا يقوم دين المرء رجلاً كان أو امرأة إلا على عقيدة سليمة صحيحة .
4- لابد من توفر شروط لتحقيق الشهادتين وانتفاء جميع النواقض .
5- الصلاة عمود الإسلام في حياة المسلم والمسلمة ، فمتى قبلت وصحت قبل سائر العمل ، ومتى ردت رد سائر العمل ، والصلاة أهم ركن عملي في حياة الإنسان .
6- الزكاة تطهر البدن والمال وتنميه وتباركه وتواسي الفقراء والمحتاجين .
7- الصيام عبادة سر بين المرء وربه ، ومتى حرصت المسلمة على صحة صومها والتزود من التطوع فيه بارك الله في حياتها وأصلح حالها ووفقها لعمل الخير .(7/10)
8- جهاد المرأة الحج والعمرة ، وإذا أدت فرضها فيهما فلزومها لبيتها خير لها لقوله صلى الله عليه وآله وسلم لنسائه في حجة الوداع : هذه ثم ظهور الحصر أي لزوم البيوت ، لكن لابد من الاجتهاد ليكون الحج مبروراً .
9- للمرأة أن تزور مسجد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وتصلي فيه مع الأدب والاحتشام ، وليس لها أن تزور القبور .
10- للمرأة مسؤولياتها المتنوعة نحو ربها ونحو نبيها صلى الله عليه وآله وسلم ونحو دينها ونحو نفسها ووالديها وزوجها وأولادها ثم أقاربها ، فهي راعية ومسؤولة عن رعيتها، وتثاب على عملها بحسب إتقانها ونيتها وموافقتها للسنة .
11- للمرأة حقوق منها ما هو عام ، ومنها ما هو خاص ، فقد كفل لها الإسلام حريتها الشخصية وحرية المسكن وحرية إبداء الرأي وحق التعليم وحق التملك وحق التزوج بمن ترغب فيه ، ولها أن تتصرف في مالها إذا عقلت وكانت رشيدة بما تشاء ، وهذا في مجال الحقوق العامة .
12- ولها حقوق خاصة على أبيها وأمها وعلى زوجها ثم على المجتمع ، بما لم يكفله دين أو نظام كالإسلام .
13- من حق المرأة أن يحسن الرجل عشرتها كما أنه من حقه أن تحسن معاشرته وذلك وفق ما شرع الله ورسوله صلى الله عليه وآله وسلم .
14- من أعظم ما تحصل به السعادة بين الزوجين التعاون على البر والتقوى .
15- أثبت الإسلام للمرأة من الحقوق المالية ما لم تجده في ديانة أو نظام معاصر ، فلها المهر ولها حق الإرث والنفقة ، وليست مطالبة بالإنفاق على أحد ولو كانت غنية .
16- للمرأة أن تروح عن نفسها بما أباح لها الشارع كالرجل ، ولذلك ضوابط ذكرت في موضعها من البحث .(7/11)
17- عني الإسلام بطهارة المرأة فشرع لها أحكاماً تخص ما يعرف عند النساء بالدورة الشهرية ، وجعل للنفاس أحكاماً وحدوداً وكذا ما ينتابها من الدماء الأخرى كالاستحاضة المعروفة الآن باسم النزيف وقرر ذلك ، وتألق الفقهاء في التقسيم والتوزيع وبيان أنواع الدماء وأحكامها بما يميز الإسلام عن غيره فهو دين الطهارة والنزاهة الحسية والمعنوية ، وهناك أحكام أخرى مترتبة على تلك الدماء تزيد على أحد عشر حكماً شرعياً فصلت القول فيها في مواضعها .
18- الجنابة تقع على المرأة كالرجل فلها أحكام منها معرفة آداب الجماع وهي تبلغ عشرة آداب ، ومنها صفة الغسل الكامل الموافق للسنة الصحيحة ، وهناك أحكام أخرى تتعلق بالآداب في الغسل ، فإن دين الإسلام دين الأدب والتستر حتى في حال خلوة الإنسان بنفسه .
19- ولما كان لا مفر من النكاح للمرأة فلابد من بيان فضله وفائدته والحث عليه، ولابد من بيان ما يباح في الخطبة وما لا يباح ، وللنكاح شروط وأركان وعقد ، ولابد من البيان لذلك ، وقد بينته ليتضح للمسلمة أمر الشرع في هذا الباب وهو من أخطر الأبواب التي وقع فيها تساهل الناس ، ثم بينت العيوب في النكاح ، ومتى تستحق المرأة المهر وحكم المهر المؤجل ، وبينت ما يصح فيه من الشروط ويجب الوفاء به وما لا يصح .
20- قد لا يستمر الزواج فتحصل فرقة بطلاق أو خلع أو لعان أو غير ذلك ، وقد وضحت ذلك في أسلوب ميسر من أجل تفقيه الأخت المسلمة
21- قد يقع من الرجل إيلاء أو مظاهرة أو ما أشبه ذلك ، ولكل منها حكمه ، وقد بينته بما لا يدع في الموضوع خفاء بإذن الله تعالى .
22- بعد المفارقة هناك العدة والإحداد وقد بينت أنواع المعتدات ومدة كل معتدة، وحكم الإحداد وبينت ما يلزمها فيه والحكمة منه .(7/12)
23- أما عن زينة المرأة المسلمة فقد أخذ حيزاً لا بأس به من البحث ذكرت في مقدمته خصال الفطرة ثم بينت زينة المرأة في اللباس وأحكامه وضوابطه بناء على الأحوال التي تكون فيها المرأة وأفردت مسألة الحذاء ببحث مستقل نظراً لأهمية ذلك ، ثم ذكرت ما يتعلق بالتحلي وما أباحه الشارع وما نهى عنه ، وتوصلت إلى إباحة التحلي بالذهب للنساء مطلقاً سواء كان محلقاً أو غير محلق لقيام الأدلة على ذلك مع رد الشبهة التي أثيرت حول الموضوع .
24- المرأة موضع استمتاع الرجل وموضع الفتنة ، ولابد لها من الطيب وقد بينت ما يتعلق بهذا الموضوع وضوابط الاستعمال وما يباح من الطيب وما لا يباح ، وأشرت إلى ما يتعلق بالأطياب التي جدت في حياة الأمة .
25- ذكرت وسائل التجميل وما يباح منها ، وحكم ما استجد من أصباغ ومساحيق وعمليات تجميل .
26- ذكرت الزينة المحرمة وما تقوم به وسائل الإعلام لجذب المرأة المسلمة لتقع في حبائل شياطين الإنس والجن وخطر ذلك حتى من الناحية الصحية والفكرية والاقتصادية .
27- أفردت مسألة شعر رأس المرأة وما يتعلق بذلك من أحكام ، وحكم الذهاب إلى مزينة الشعر وما يترتب على ذلك من المفاسد ، وبينت حكم الخضاب وما يباح منه وما يحذر .
هذا وصلى الله وسلم وبارك وأنعم على سيد ولد آدم محمد بن عبد الله وآله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً ، والحمد لله رب العالمين .(7/13)
فهرس المحتويات
مقدمة:………………………………….………..………………..……1
تقديم : ... 26
مكانة المرأة عند اليونان : ... 27
مكانة المرأة عند الرومان : ... 27
مكانة المرأة عند اليهود : ... 28
المرأة عند النصارى : ... 28
المرأة عند الفرس : ... 29
المرأة عند الجاهليين العرب : ... 29
تكريم الإسلام المرأة أماً وزوجة وبنتاً وفرداً من أفراد المجتمع : ... 30
الباب الأول : المرأة وأركان الإسلام ( عقيدة المرأة المسلمة إجمالاً ) ... 35
1- تعريف العقيدة : ... 35
2- أهمية العقيدة الإسلامية : ... 35
3- تعريف الإسلام والإيمان والإحسان ( أصول الدين ) ... 36
الفصل الأول : الشهادتان وفيه مباحث : ... 41
المبحث الأول : معناهما ومنزلتهما من الدين : ... 41
المبحث الثاني : فضل الشهادتين : ... 43
المبحث الثالث : شروطهما : ... 45
المبحث الرابع : نواقض الشهادتين : ... 46
الآثار المترتبة على تطبيق العقيدة أو الانحراف عنها : ... 49
الفصل الثاني : وهو الركن الثاني من أركان الإسلام : الصلاة ... 52
تمهيد حول بيان منزلة الصلاة من الدين : ... 52
المبحث الأول : حكم الصلاة ، وبيان عقوبة تاركها : ... 53
المبحث الثاني : شروط الصلاة : ... 56
المبحث الثالث : أركانها : ... 62
المبحث الرابع : واجبات الصلاة : ... 67
المبحث الخامس : سنن الصلاة : ... 70
أ- سنن الأقوال : ... 70
ب- سنن الأفعال : ... 72
المبحث السادس : ما يبطلها وينقص من كمالها : ... 76
المبحث السابع : صلاة التطوع : ... 78
الفصل الثالث : الزكاة وهي ركن الإسلام الثالث ، وفيه مباحث : ... 83
المبحث الأول : الأصل فيها وبيان حكمها وقتال مانعيها : ... 83
المبحث الثاني : شروطها وبيان ما تجب فيها : ... 85
المبحث الثالث : ... 86
1 - زكاة بهيمة الأنعام : ... 86
2 ـ زكاة النقدين ( أو الأثمان ) الذهب والفضة : ... 88
3 ـ زكاة عروض التجارة : ... 90
4 ـ زكاة الخارج من الأرض : ... 91(8/1)
أ / الأصل فيها : الكتاب ، والسنة ، والإجماع . ... 91
ب / الأصناف التي تجب فيها الزكاة مما يخرج من الأرض : ... 91
ج / المقدار الذي تجب فيه الزكاة ( النصاب ) . ... 92
د / مقدار الزكاة ( أي المخرج ) : ... 93
المبحث الرابع : زكاة الفطر : ... 93
المبحث الخامس : صدقة التطوع : ... 95
المبحث السادس : مصارف الزكاة : ... 96
الفصل الرابع : الصيام ، وفيه مباحث : ... 99
المبحث الأول : الأصل فيه ، وتعريفه ، وفوائده : ... 99
المبحث الثاني : أنواعه ، وشروطه ، وفرضه : ... 101
المبحث الثالث : السنن فيه : ... 102
المبحث الرابع : بيان ما تتجنبه الصائمة ، والعمل إذا حاضت أو نفست : ... 104
المبحث الخامس : صيام التطوع : ... 105
مسائل متفرقة : ... 108
الفصل الخامس : الحج ، و العمرة ... 109
المبحث الأول : الأصل فيه ، وبيان شروطه ، وحكم الإنابة : ... 109
أولاً : الأصل فيه : الكتاب ، والسنة ، والإجماع . ... 109
ثانياً : شروط وجوبها : ... 110
ثالثاً : حكم الإنابة فيه : ... 111
المبحث الثاني : أنواع النسك ، وبيان أفضلها : ... 111
أنواع النسك : ... 111
المبحث الثالث : صفة الحج والعمرة : ... 113
أ / صفة العمرة : ... 113
ب / صفة الحج : ... 117
المبحث الرابع : أحكام الزيارة :وفي ذلك مسائل : ... 126
المسألة الأولى : ... 126
المسألة الثانية : ... 126
المسألة الثالثة : زيارة النساء لمسجد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : ... 127
المسألة الرابعة : زيارة النساء للقبور : ... 128
الباب الثاني : واجبات المرأة المسلمة وحقوقها : ... 131
الفصل الأول : مسؤولية المرأة المسلمة وفيه مباحث : ... 131
المبحث الأول : مسؤوليتها نحو ربها : ... 131
المسألة الأولى : مسؤوليتها من حيث معرفة استحقاق الله تعالى للعبادة وحده … : ... 131
المسألة الثانية : عبادة المرأة المسلمة : ... 132(8/2)
المبحث الثاني : مسؤوليتها نحو نبيها - صلى الله عليه وسلم - : ... 134
المبحث الثالث : مسؤوليتها نحو دينها ، والدعوة إليه : ... 135
المبحث الرابع : مسؤوليتها نحو نفسها : ... 136
أ / عنايتها بجسمها : ... 137
ب / عنايتها بعقلها : ... 139
جـ / عنايتها بروحها : ... 140
المبحث الخامس : مسؤولية المرأة المسلمة نحو والديها : ... 142
المبحث السادس : مسؤوليتها نحو زوجها : ... 143
المبحث السابع : المرأة المسلمة مع أولادها : ... 146
المبحث الثامن : مسؤوليتها نحو أقاربها وجاراتها ومن لها بهن صلة : ... 148
الفصل الثاني : حقوق المرأة في الإسلام ... 153
المبحث الأول : الحقوق العامة : وفيه تمهيد ومسائل : ... 153
أولاً : تعريف الحق ، وبيان مصدره : ... 153
ثانياً : القصد منه : ... 153
ثالثاً : ترتيب الحقوق ، والاعتدال في استعمال الحق : ... 154
رابعاً : انتفاء الضرر باستعمال الحقوق : ... 155
خامساً : مساواة الشارع المرأة بالرجل في الحقوق والواجبات : ... 155
المسألة الأولى : الحرية الشخصية : ... 157
المسألة الثانية : حق حرمة السكن : ... 158
المسألة الثالثة : حق حرية إبداء الرأي : ... 159
المسألة الرابعة : حق التعلم : ... 162
المسألة الخامسة : حق المرأة في التملك : ... 166
المسألة السادسة : حق المرأة في الزواج : ... 168
المسألة السابعة : حق المرأة في الوصية : ... 172
المبحث الثاني : الحقوق الخاصة : ... 175
المسألة الأولى : حق المرأة على أبيها وأمها : ... 175
المسألة الثانية : حق المرأة على زوجها : ... 179
وقضية إتمام التعليم : ... 189
المسألة الثالثة : حق المرأة على المجتمع : ... 190
تمهيد : ... 190
المبحث الثالث : الحقوق المشتركة : ... 202
المسألة الأولى : حسن العشرة والمعاشرة : ... 202
المسألة الثانية : التعاون على البر والتقوى : ... 210
المسألة الثالثة : التوارث : ... 215(8/3)
المسألة الرابعة : الترويح : ... 220
الباب الثالث : الأحكام الخاصة بالمرأة المسلمة ... 226
الفصل الأول : أحكام الطهارة ... 226
المبحث الأول : أحكام الحيض : وفيه مسائل : - ... 226
المسألة الأولى : الأصل فيه وتعريفه وحكمة الشارع من ابتلاء المرأة به . ... 226
تعريف الحيض : ... 227
المسألة الثانية : - تحديد زمن الحيض وبيان مدته : ... 229
المسألة الثالثة : الأحكام التي تتعلق بالحائض . ... 232
المبحث الثاني : أحكام الإستحاضة ... 240
المبحث الثالث : أحكام النفاس ... 243
المبحث الرابع : أحكام الجنابة وفيه مسائل ... 245
المسألة الأولى : آداب الجماع : ... 245
المسألة الثانية : صفة غسل الجنابة الكامل كما وردت به السنة ... 247
المسألة الثالثة : أحكام تتعلق بالغسل : ... 248
الفصل الثاني : أحكام المعاشرة : ... 251
المبحث الأول : أحكام النكاح ... 251
المسألة الأولى : تعريف النكاح ولاأصل فيه وبيان فضله والحكمة منه . ... 251
المسألة الثانية : الخطبة و آدابها . ... 254
المسألة الثالثة : أركان النكاح وشروطه : ... 257
المسألة الرابعة : عقد النكاح : ... 261
المسألة الخامسة : العيوب في النكاح ، وهي ثلاثة أقسام : ... 263
المسألة السادسة : أحكام الصداق : ... 263
المسألة السابعة : الشروط فيه : ... 266
المبحث الثاني : الطلاق ، الرجعة ، الإيلاء ، الظهار ، الخلع ، اللعان. ... 269
المطلب الأول : الطلاق وفيه مسائل : ... 269
المسألة الأولى : تعريفه ، وبيان الأصل فيه ، وحكمه : ... 269
المسألة الثانية : الحكمة منه : ... 270
المسألة الثالثة : أنواع الطلاق وأقسام المطلقات : ... 273
المسألة الرابعة : الألفاظ التي يقع بها وحكم تعليقه : ... 275
المسألة الخامسة : الحلف بالطلاق : ... 277
المسألة السادسة : حكم التوكيل فيه : ... 277
المطلب الثاني : الرجعة : ... 278
المطلب الثالث : الإيلاء : ... 279(8/4)
المطلب الرابع : الظهار : ... 280
المطلب الخامس : الخلع ... 282
المطلب السادس : اللعان ... 283
المبحث الثالث : العدة والإحداد ، وفيه مطلبان : ... 287
المطلب الأول : العدة : ... 287
المطلب الثاني : الإحداد ويقال له الحداد : ... 289
المبحث الرابع : الرضاع : ... 291
المبحث الخامس : الكفالة : ... 294
الفصل الثالث : زينة المرأة المسلمة ، وفيه مقدمة وتمهيد ومباحث : ... 300
المبحث الأول : زينة المرأة في اللباس : ... 305
المسألة الأول : ذكر بعض ما كان النساء يلبسنه على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : ... 305
المسألة الثانية : الضوابط الشرعية للباس المرأة المسلمة : ... 306
المسألة الثالثة : حذاء المرأة المسلمة : ... 320
المبحث الثاني : زينة المرأة في التحلي : ... 323
المبحث الثالث : الطيب : وفيه مسائل : ... 330
المسألة الأولى : حكمه ، والأصل فيه : ... 330
المسألة الثانية : صفة الطيب المسنون للرجال والنساء : ... 331
المسألة الثالثة : خروجها متطيبة : ... 332
المسألة الرابعة : استعمال العطور المخلوطة بالكحول : ... 334
المبحث الرابع : وسائل التجميل الحديثة : وفيه ثلاث مسائل : ... 337
المسألة الأولى : حث الشارع المرأة على التزين للزوج : ... 337
المسألة الثانية : حكم استعمال وسائل التجميل الحديثة : ... 338
المسألة الثالثة : حكم جراحة التجميل : ... 340
المبحث الخامس : الزينة المحرمة : ... 343
المبحث السادس : الزينة المتعلقة بشعر المرأة : ... 352
المسألة الأولى : أهمية تربية شعر الرأس للمرأة ، والعناية به : ... 352
المسألة الثانية : ترجيل الشعر ، ودهنه ، والتوقيت لذلك : ... 354
المسألة الثالثة : فرق الشعر ، وجعله ذوائب : ... 356
المسألة الرابعة : تقصير الشعر وقصه ، ونتف الشيب منه : ... 358
المسألة الخامسة : خضاب الشعر وصبغه : ... 361(8/5)
المسألة السادسة : حكم مزينة الشعر ( الكوافير ) : ... 365
الخاتمة : ... 368
فهرس المحتويات ... 383(8/6)