منتدى
نورالإسلام
http://www.noor-alislam.com
يقدم لكم ...
سلسلة
دعوة على منهاج النبوة
الجزء الأول
جمع و ترتيب و تأليف
فريق عمل دار نشر نور الإسلام
http://daralnashr.noor-alislam.com
تقديم نورالإسلام
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين و الصلاة و السلام على أشرف المرسلين سيدنا محمد و على آله و صحبه و سلم ..
اخوتي و أخواتي القراء الكرام .. سلام الله عليكم و رحمته و بركاته ،،
إن هذا الكتيب الصغير هو باكورة أعمال فريق عمل دار نشر نور الإسلام .. فبعد جهد جهيد و عمل مضني طوال فترة تجاوزت الثلاث أشهر و أكثر خرج هذا الكتاب بين أيدينا و ندعو الله تعالى أن يرزقنا الإخلاص و يرزق هذا الكتيب الصغير القبول.
و قبل أن نقوم بالتقديم لهذا الكتيب الصغير، دعونا نتعرف سوياً على منتدى نور الإسلام..
1 - من نحن؟
نور الإسلام منتدى إسلامي تم تشييد بنائه على منهج أهل السنة و الجماعة بفهم السلف الصالح - و نحمد الله على أن وفقنا لذلك- و ينقسم المنتدى إلى ستة أقسام رئيسية و هي:
مسجد نور الإسلام
مكتبة نور الإسلام
دار نشر نور الإسلام
إعلام نور الإسلام
دار إفتاء نور الإسلام
زهرات الإسلام ( قسم الأخوات )
وتتجانس هذه الأقسام مع بعضها البعض و يتم توظيفها توظيفاً دقيقاً للوصول بها إلى أرقى صورة ممكنة لكي تصل إلى القارئ بطريقة سلسة واضحة.
و يأتي الآن سؤالاً هاماً ..
2 - لماذا سعينا لعمل ورشة تأليف للكتب في المنتدى ؟
إن السبب الرئيسي لإنشاء مثل هذا القسم المتميز من نوعه و الذي يتفرد به نور الإسلام - على ما نعلم - هو الهمة العالية التي يتمتع بها القائمين على المنتدى و رغبتهم الصادقة في تسخير الطاقات المخزنة لدى الشباب في خدمة الإسلام و المسلمين و لو كان من خلال عمل بسيط الذي هو سيكون بداية لأعمال أكبر و أضخم في المستقبل بإذن الله
3 - ما هي أعمالنا الحالية أو المستقبلية ؟(1/1)
قد تبنى نورالإسلام في الفترة الحالية سلسلة ممتدة إن شاء الله تعالى - و ندعو الله تعالى أن يعيننا على استكمالها إلى أن يتوفانا الله تعالى - و هي سلسلة (دعوة على منهاج النبوة ) و الكتيب الذي بين أيدينا الآن هو جزء من هذه السلسلة .
و تبنى نور الإسلام سلاسل أخرى أيضاً سيقوم بإصدارها تباعاً إن شاء الله و الإفصاح عنها في وقتها المحدد.
4 - كيف تنضم إلى قافلة نور الإسلام المباركة ؟
يمكنك الدخول على هذا الرابط : http://www.noor-alislam.com و التسجيل معنا و أن تعرض علينا أفكارك و تشاركنا في أقسام نور الإسلام .. فنحن ننتظرك بفارق الصبر.
تقديم الكتاب
بسم الله الرحمن الرحيم
…
إن الحمد لله تعالى نحمده ونستعين به ونستغفره، ونعوذ بالله تعالى من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهد الله تعالى فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى ، وأحسن الهدي هدي محمد صلى الله عليه وآله وسلم، وشر الأمور محدثاتهما، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.
اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم في العالمين إنك حميد مجيد، وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم في العالمين إنك حميد مجيد.
أخوتي و أخواتي ... سلام الله عليكم و رحمته و بركاته ،،
قد يتبادر إلى الذهن أن هذا الكتيب الصغير ما هو إلا كتاب عاديّ ، مما نراه يومياً آلاف المرات به عدة موضوعات مختلفة لمن يريد القراءة فهو اعتقاد خاطئ و لكن الهدف من هذا الكتيب الصغير اعظم بكثير مما يتبادر إلى الأذهان.
يقول الله تعالى في كتابه الكريم :
? وَادْعُ إِلَى رَبِّكَ وَلا تَكُونَنَّ مِنْ الْمُشْرِكِينَ ? ]القصص:87[
و يقول جل و علا :(1/2)
? ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ ? ]النحل:125[
وقد لاحظ الجميع الإقبال الكبير من فئات المجتمع المختلفة على حضور دروس الحلقات الدينية مما أدى إلى انتشار هذه الحلقات سواء كانت في المساجد أو البيوت ونعلم جميعا أثر هذه الحلقات الدينية التي تعمل على زيادة الوعي الديني للأفراد و تثبيت الإيمان في القلوب
ونتيجة لزيادة أعداد هذه الحلقات , زاد عدد المحدثين , وهذا أمر طيب - و لله الحمد - و لكن خوفاً منا على ما يلقيه المحدثون في تلك المجالس - إذ أنهم ليسوا بالضرورة من العلماء - فهناك فئة منهم تلقي دروسًا تحمل معلوماتٍ خاطئة , لأن مصادرها خاطئة وهناك فئة أخرى تواجه صعوبة في التحضير الجيد للدروس , وذلك إما بسبب عدم توفر المصادر الكافية لديها , أو بسبب ضيق الوقت فالدرس الواحد يحتاج ساعات طويلة أو أيام لتحضيره لأن الدرس ما هو إلا خلاصة المعلومات من عدة مصادر.
لذا فقد قررنا كتابة هذه السلسلة لتكون عوناً لهم على هذه المهمة الجليلة.
أما بالنسبة لمصادر الموضوعات في هذا الكتاب فهي من ثلاثة مصادر:
- مما يكتبه أعضاء المنتدى خصيصا للمنتدى و يتم مراجعتها جيداً قبل تنزيلها بالكتاب و هل هي موافقة لمذهب أهل السنة و الجماعة بفهم السلف الصالح أم لا.
- مما يعرضه أعضاء المنتدى من مواضيع منقولة و قد تم تعديلها و الإضافة عليها لتكون وحدة متكاملة طبقاً لمذهب أهل السنة و الجماعة بفهم السلف الصالح.
- مواضيع أعدت خصيصا من أجل الكتاب و قد كانت المراجع هي مجموعة من المصادر و الكتب الموثوق بها التي هي على منهج السلف الصالح.
و يعتبر هذا الكتاب هو أحد أجزاء هذه السلسلة المباركة (دعوة على منهاج النبوة) و التي ندعو الله تعالى أن يرزقنا فيها الإخلاص و السداد في القول و العمل و يجعلها مقبولة عند الجميع .(1/3)
و كل كتاب يضم تسعة موضوعات متنوعة في شتى الموضوعات من رقائق و مواعظ إلى فقه و عبادة إلى تذكير و تنبيه.
و هذا التنويع إنما هو من أجل إشباع رغبة كل المتحدثين و الداعين بموضوعات متنوعة بمعلومات مفيدة و موثوق منها - إن شاء الله تعالى -
و في النهاية ، نترككم مع الكتاب و نسألكم الدعاء على إكمال هذا العمل الطيب و بارك الله فيكم و جزاكم الله خيراً
و لإبداء أي ملاحظات يسعدنا أن نتلقاها على هذا البريد :
noor-alislam.com@hotmail.com
و السلام عليكم و رحمة الله و بركاته ،،
مع تحيات
فريق عمل دار نشر نور الإسلام
http://daralnashr.noor-alislam.com
الموضوع الأول
مجالس الذكر
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه ومن تبع سنته واقتفى أثره إلى يوم الدين وبعد..
فإن الناظر المتأمل لمجالس كثير من المسلمين يجدها لا تكاد تخلو من صنفين من المجالس: مجلس مرحوم و مجلس محروم كما قال شيخ الإسلام شمس الدين ابن قيم الجوزية رحمه الله.
فالمجلس المرحوم هو ذاك المجلس الفاضل النِّير الخير المفعم والمعطر بذكر الله، المطمئن والمنشرح به قال تعالى: ? الَّذِينَ آمَنُواْ وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُم بِذِكْرِ اللّهِ أَلاَ بِذِكْرِ اللّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ ? ]الرعد:22[ وهذا المجلس من أشرف المجالس وأطيبها وأزكاها، إذ شرف الشيء بشرف ما اختص به وأي شرف أعظم للعبد من ذكر الله له قال تعالى: ? فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ ? ]البقرة:152[ .
وقال صلى الله عليه وسلم في الحديث القدسي الذي يرويه عن ربه عز وجل: ( أنا عند ظن عبدي بي وأنا معه إذا ذكرني فإن ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي وان ذكرني في ملأ ذكرته في ملأ خير منهم )1.(1/4)
فالمجلس المرحوم هو ذاك المجلس الذي لا يخلو من: قال الله قال رسوله ففيه الآية والحديث وفيه النصائح والمواعظ والتواصي بالحق والتواصي بالصبر وفيه الفوائد والعلوم النافعة وفيه الحِكَم والآداب الجامعة وفيه الخيرات التي هي بإذن الله من كل شر مانعة، وفيه التفقه في الدين والتبصر بشرع الله الحكيم، وفيه الانشغال بإصلاح عيوب النفس عن ذكر عيوب الآخرين فلا تسمع فيه لغوا ولا كذبا ولا صخبا ولا فحشا ولا زورا وبهتانا و إفكا مبينا فأصوات الخير والحق فيه مسموعة وأقوال الباطل واللهو فيه ممنوعة فيالها من مجالس هي من حرث و زرع الآخرة يفوز بها المؤمنون يوم التباهي بالمراتب الفاخرة.
قال صلى الله عليه وسلم : " وما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده"2 ، وفي حديث آخر : " لا يقعد قوم يذكرون الله عز وجل إلا حفتهم الملائكة، وغشيتهم الرحمة، ونزلت عليهم السكينة، وذكرهم الله فيمن عنده "3، وهذا الحديث والذي قبله أحاديث عامة تشمل الاجتماع في المسجد وفي غيره في البيت أو النادي أو المدرسة أو الجامعة أو السيارة أو أي مكان4 . قال تعالى: ? مَن كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الْآخِرَةِ نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ ? ]الشورى:20[ . بل إن أهل الجنة لا يتحسرون إلا على ضياع ساعة لم يذكروا فيها الله عز وجل قال صلى الله عليه وسلم: " ليس يتحسر أهل الجنة إلا على ساعة مرت بهم لم يذكروا الله عز وجل فيها "5 , ولذكر الله تعالى فوائد عديدة ذكر بعضها الإمام ابن قيم الجوزية رحمه الله في كتابه "الوابل الصيب" فذكر أكثر من سبعين فائدة وأذكر هنا بعضا من بتصرف قليل واختصار :(1/5)
فقال رحمه الله "انه يطرد الشيطان ويقمعه ويكسره، ويرضي الرحمن عز وجل، ويزيل الهم والغم عن القلب، ويجلب للقلب الفرح والسرور والبسط ويقوي القلب والبدن، وينور الوجه والقلب، ويجلب الرزق ويكسو الذاكر المهابة والحلاوة والنضرة ويجلب محبة الله للعبد، وفيه الدرس والمذاكرة وهو باب العلم ويورث الذاكر استحضار مراقبة الله تعالى فيدخله في مرتبة الإحسان ويورث الإنابة والرجوع إلى الله تعالى، ويورث القرب من الله فعلى قدر ذكره لله عز وجل يكون قربه منه وعلى قدر غفلته يكون بعده منه، يفتح بابا لمعرفة العبد لربه، وانه يورث الذاكر الهيبة لله و إجلاله بخلاف الغافل فان حجاب الهيبة والمراقبة رقيق في قلبه، وانه يورث ذكر الله تعالى له كما قال تعالى: ?فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ? ]البقرة:152[ ولو لم يكن في الذكر إلا هذه وحدها لكفى بها فضلا وشرفا، وانه يورث حياة القلب، وانه قوت القلب والروح، وانه يجلي صدأ القلب، وانه يحط الخطايا ويذهبها، وانه يزيل الوحشة بين العبد وبين ربه تبارك وتعالى فان الغافل بينه وبين الله عز وجل وحشة لا تزول إلا بالذكر، ومن فوائده أن العبد إذا تعرف إلى الله تعالى بذكره في الرخاء عرفه في الشدة، وانه مما ينجي من عذاب الله تعالى وانه سبب تنزل السكينة و غشيان الرحمة و حفوف الملائكة بالذاكر كما أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم وانه سبب اشتغال اللسان عن الغيبة والنميمة والكذب والفحش والباطل، ومن فوائده أن مجالس الذكر مجالس الملائكة ومجالس اللغو والغفلة مجالس الشياطين فليتخير العبد أعجبهما إليه وأولاهما به فهو مع أهله في الدنيا والآخرة، وانه يسعد الذاكر بذكره ويسعد به جليسه وهذا هو المبارك أينما كان والغافل واللاغي يشقى بلغوه وغفلته ويشقى به مجالسه، وانه يؤمن العبد من الحسرة يوم القيامة فان كان المجلس لا يذكر العبد فيه ربه تعالى كان عليه حسرة وترة يوم القيامة، وانه مع البكاء خاليا سبب لا(1/6)
ظلال الله تعالى للعبد يوم الحر الأكبر في ظل عرشه والناس في حر الشمس قد صهرتهم في الموقف وهذا الذاكر مستظل بظل عرش الرحمن عز وجل، وان الاشتغال به سبب لعطاء الله للذاكر أفضل ما يعطي السائلين، وانه أيسر العبادات وهو من اجلها وأفضلها فان حركة اللسان أخف حركات الجوارح وأيسرها وان ذكر الله بالتسبيح، والتحميد، والتهليل، والتكبير غراس الجنة، وان العطاء والفضل الذي رتب عليه لم يرتب على غيره من الأعمال وانه حرز من الشيطان، وانه حفظ من العين والسحر والمس وباقي الشرور، وانه مما يرفع البلاء ويجلب الخيرات والبركات، وان دوام ذكر الرب تبارك وتعالى يوجب الأمان من نسيانه الذي هو سبب شقاء العبد في معاشه ومعاده. فان نسيان العبد لربه سبحانه وتعالى يوجب نسيان نفسه ومصالحها قال تعالى: ? وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللَّهَ فَأَنسَاهُمْ أَنفُسَهُمْ أُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ ? ]الحشر:19[ ، وانه نور للذاكر في الدنيا ونور له في قبره ونور له في معاده يسعى بين يديه على الصراط فما استنارت القلوب والقبور بمثل ذكر الله تعالى وانه من أرجى ما ينجي العبد من عذاب الله عز وجل قال الإمام الشاطبي رحمه الله:
ولا عمل أنجى له من عذابه
غداة الجزى من ذكره متقبلا(1/7)
وأنه باب الدخول إلى مراضي الله، ومن فوائده أن الذاكر قريب من مذكوره ومذكوره معه فهي معية خاصة بالولاية والمحبة والنصرة والتوفيق قال الله تعالى: ? إِنَّ اللّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَواْ وَّالَّذِينَ هُم مُّحْسِنُونَ ? ]النحل: 128[ ، وانه يعدل عتق الرقاب ونفقة الأموال والحمل على الخير في سبيل الله عز وجل ويعدل الضرب بالسيف في سبيل الله عز وجل، وانه رأس الشكر فما شكر الله تعالى من لم يذكره، وان اكرم الخلق على الله تعالى من المتقين من لا يزال لسانه رطبا بذكره، وان الله عز وجل يباهي بالذاكرين ملائكته كما رواه مسلم في صحيحه، ومجالس الذكر هي من رياض الجنة، وان أفضل كل عمل ما كان فيه الذكر لله أكثر فأفضل الصائمين والمصلين والمتصدقين والمجاهدين والحجاج والمعتمرين من كان أكثرهم ذكرا لله سبحانه.." .(1/8)
وأما المجلس المحروم فهو ذاك المجلس الذي لا تسمع فيه لله ذكرا ولا شكرا فهو مجلس لا تحضره الملائكة والمؤمنون، وتتسابق إليه الغفلة والشياطين فلا تسمع فيه آية أو حديثا ولا تجد فيه واعظا يدل على الخير ويأمر به، مجلس لم يُضَأْ بنور الهدى والذكر بل هو مظلم قد خيمت عليه ظلمات وخيبة الغفلة، تكون ظلمته بقدر غفلته، نفوس مرتاديه لعظم الوحشة كئيبة وان تظاهروا بالسعادة التي ذهبوا يبحثون عنها ويطلبونها هنا وهناك باذلين في سبيلها كل غال ونفيس وما علموا أنهم كلما غفلوا عن ذكر الله كلما ضاقت نفوسهم وأصبحت صدورهم أضنك وأنكى يقول الله الحق المبين: ? وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى * قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنتُ بَصِيرًا ? ]طه: 124-125[ ، وقال صلى الله عليه وسلم عن المجلس الذي لا يذكر أسم الله : " ما اجتمع قوم ـ ثم ـ تفرقوا عن غير ذكر الله، وصلاة على النبي صلى الله عليه و سلم إلا قاموا عن أنتن من جيفة "6 . وإضافة على حرمان هذا المجلس من الذكر فانه مصروف عن الخير بتنوع الشر فيه، ففيه الغيبة والنميمة والنيل من أعراض المسلمين بغير حق، وفيه الكذب والسخرية بالآخرين، وقد يقع من بعض الجهلة الاستهزاء بالدين وهو كفر ولو كان على سبيل المزاح قال تعالى: ? وَلَئِن سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنتُمْ تَسْتَهْزِؤُونَ * لاَ تَعْتَذِرُواْ قَدْ كَفَرْتُم بَعْدَ إِيمَانِكُمْ ... ? ] التوبة:56-66 [ ، وقال صلى الله عليه وسلم عن مجلس القوم الذين لم يذكروا الله و لم يصلوا على النبي فيه : " وكان ذلك المجلس عليهم حسرة " فحري بهذه المجالس أن تغيب فيها الفضيلة وتكثر فيها الرذيلة وهي سبب من أعظم أسباب قسوة القلوب وان أبعد القلوب من الله القلب القاسي قال تعالى: ?(1/9)
فويل للقاسية قلوبهم من ذكر الله ? ] الزمر:22 [، وهذا هو شأن الغافلين إذ أبعد الناس عن الخير العبد الغافل وهذا هو المحروم حقا عياذا بالله من ذلك إذ القلوب بالغفلة تصدأ وجلاؤها وطهارتها إنما يكون بذكر الله، إذ الذكر أنيس من لا أنيس له وجليس من لا جليس له.
ولقائل أن يقول ينبغي الترويح عن القلوب ساعة وساعة فقد كان صلى الله عليه وسلم يمازح الصغار ويلاعب أهله ويسابقهم فيقال بلى كان صلى الله عليه وسلم يفعل ذلك وأكثر من ذلك ولكن لا ينسى ذكر الله حتى أثناء خلوته مع أهله فقد صح عنه صلى الله عليه وسلم انه كان يقرأ القرآن وهو واضع رأسه على حجر عائشة رضي الله عنها ولا ريب أن القلوب تحتاج للترويح ساعة بعد ساعة ولكن دون أن ننسى الله تعالى أو نغفل عن ذكره إذ لا تعارض بين الأمرين، كما كان يفعل صلى الله عليه وسلم إذ كان فعله أقوم فعل وهديه أكمل هدي.(1/10)
و يطيب لي أن اختم الحديث عن المجلس المرحوم بهذه البشرى النبوية الكريمة للذاكرين الله تعالى كثيرا والذاكرات، قال صلى الله عليه وسلم: " إن لله ملائكة يطوفون في الطرق، يلتمسون أهل الذكر، فإذا وجدوا قوما يذكرون الله تنادوا: هلموا إلى حاجتكم. قال: فيحفونهم بأجنحتهم إلى السماء الدنيا، قال: فيسألهم ربهم، وهو أعلم منهم: ما يقول عبادي؟ قال: تقول: يسبحونك، ويكبرونك، ويحمدونك، ويمجدونك، قال: فيقول : هل رأوني؟ قال: فيقولون لا والله، ما رأوك. قال : فيقول: وكيف لو رأوني؟ قال: يقولون: لو رأوك كانوا أشد لك عبادة، وأشد لك تمجيدا و تحميدا، وأكثر لك تسبيحا. قال: يقول: فما يسألوني؟ قال: يسألونك الجنة، قال: يقول: وهل رأوها؟ قال: يقولون: لا والله يارب، ما رأوها، قال: يقول: فكيف لو انهم رأوها؟ قال: يقولون: لو انهم رأوها، كانوا أشد عليها حرصا، وأشد لها طلبا، وأعظم فيها رغبة. قال: فمم يتعوذون؟ قال: يقولون: من النار قال: يقول: وهل رأوها؟ قال : يقولون: لا والله يارب، ما رأوها، قال: يقول: فكيف لو رأوها؟ قال: يقولون: لو رأوها كانوا أشد منها فرارا، وأشد لها مخافة، قال: فيقول: فأشهدكم أني قد غفرت لهم. قال: يقول ملك من الملائكة: فيهم فلان، ليس منهم، إنما جاء لحاجة ، قال: هم الجلساء. لا يشقى بهم جليسهم"7.
وفي رواية لمسلم: " يقول الله تعالى : وله غفرت، هم القوم لا يشقى بهم جليسهم " .
وبعد ذلك ...
ليتأمل كلا منا في مجلسه ...
سواء كان مع أسرته أو أهله , أصدقاءه , زملائه في العمل ...
في البيت , المدرسة , الجامعة , العمل , النادي أو حتى في السيارة ...
هل هي من المجالس المرحومة أم من المجالس المحرومة ؟؟؟
لماذا لا نحول مجالسنا المحرومة إلى مجالس مرحومة فنجعل أوقاتنا كلها عامرة بذكر الله ؟؟
لماذا لا نستغل تلك الساعات أو حتى الدقائق التي يجتمع كلا منا مع أصحابه في نيل أكبر قدر ممكن من الحسنات ؟(1/11)
لماذا لا نفيد أنفسنا و نفيد الآخرين في الدنيا و الآخرة ؟
كيف نحول مجالسنا إلى مجالس مرحومة ؟
ما هو دورنا لنحدث هذا التغيير ؟
لكن هل نستطيع أن نحول مجالسنا إلى مجالس ذكر مرحومة ؟
كيف و نحن نفتقر للعلم الشرعي ؟
ومن قال إنه يجب أن يكون في المجلس عالم دين لنكوّن مجلس ذكر ...
فيكفي أن يقرأ أي شخص من الموجودين في المجلس أي موضوع ديني بسيط و مفيد...
أو يخبر الجالسين خلاصة موضوع ديني قرأه ...
ثم يبدأ في الوصف و الحديث عن هذا الموضوع للجالسين ...
فأكيد سيبدأ الجميع في التفاعل مع الموضوع الديني المطروح ...
فيتكلم هذا و يتكلم ذاك ...
فيصبح هذا الموضوع الديني هو محور الحديث ...
و بذلك تحول المجلس الذي نجلس فيه إلى مجلس ذكر مرحوم ...
تخيل ماذا يحدث الآن خلال هذه الدقائق التي كان الموضوع الديني محور الحديث في ذلك المجلس :
- نزول السكينة ...
- غشيان الرحمة من الله تعالى على الحاضرين، أي: نزولها عليهم ...
- إحفاف الملائكة للجالسين فيها ...
- يذكركم الله فيمن عنده، وهم أهل السماء الدنيا ...
- يباهي الله ـ جل وتعالى ـ بكم الملائكة ...
- مغفرة الذنوب وتبديل السيئات حسنات ...
- كل كلمة تنطقها و يستفيد منها أحد الحاضرين و تؤثر في حياته فسيكون لك أجرا مثل أجر عمله ...
لكن الأمر يحتاج فقط إلى فن في اختيار الموضوع الذي يمكن من خلاله أن نشد الحاضرين إليه ...
وقد تجدون في هذا الكتاب المتواضع مواضيع قد تحمل الفائدة لرواد مجالسنا
و التي تصلح أن تكون مادة علمية تطرح في مجالس الذكر ...
و يمكن أن يستفيد منها الداعية أو حتى من هو يحاول تحويل دفة المجالس المحرومة إلى مجالس مرحومة ...
و يمكن للفرد انتقاء المواضيع التي تناسب فكر أهل المجلس ...
فتستخدمها لنصح أحد الموجودين في المجلس بطريقة غير مباشرة من خلال طرحك لموضوع يخصه بدون الإشارة إليه ...
وقد يستفيد و يتأثر من كلامك و يكتب الله له الهداية ...(1/12)
و تكسب الأجر المتصل إلى يوم القيامة ...
فتخيل يا أخي إنك في هذه الحالة ستكون داعية ...
تخيل بكل سهولة ...
فما أجمل أن نكون جميعا دعاة للإسلام ...
ننشر الخير في كل مكان و زمان ...
فأسأل الله أن يجعلنا جميعا من المرحومين ولا يجعلنا من المحرومين وان يجعلنا من الذاكرين الشاكرين ومن دعاته المخلصين وان يغفر لنا ولوالدينا وذوينا وجميع المسلمين، إنه على كل شيء قدير .
الموضوع الثاني
الأسباب العشرة الموجبة لمحبة الله
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله وكفى، والصلاة والسلام على النبي المصطفى محمد ابن عبدالله وعلى آله وصحبه ومن اقتفى. اللهم إني أسألك حبك، وحب من يحبك والعلم الذي يبلغنا حبك. أما بعد:
عن أنس بن مالك رضي الله عنهما قال:
" بينما أنا ورسول الله خارجين من المسجد، فلقينا رجلاً عند سدة المسجد، فقال: يا رسول الله متى الساعة؟
قال رسول الله : ما أعددت لها؟
قال: فكأن الرجل استكان. ثم قال: يا رسول الله ما أعددت لها كبير صلاة ولا صيام ولا صدقة ولكني أحب الله ورسوله .
قال:فأنت مع من أحببت "8 .
قال الإمام ابن القيم - رحمه الله - عن المحبة:
( المنزلة التي فيها تنافس المتنافسون، وإليها شخص العاملون، وإلى عملها شمَّر السابقون، وعليها تفانى المحبون، وبروح نسيمها تروح العابدون، وهي قوت القلوب، وغذاء الأرواح، وقرة العيون وهي الحياة التي من حرمها فهو من جملة الأموات، والنور الذي من فقده فهو في بحار الظلمات ، والشفاء الذي من عدمه حلت بقلبه جميع الأسقام، واللذة التي من لم يظفر بها فعيشه كله هموم وآلام، تالله لقد ذهب أهلها بشرف الدنيا والآخرة، إذ لهم من معية محبوبهم أوفر نصيب ) .
فإلى من أراد أن يرقى من منزلة المحب لله ، إلى منزلة المحبوب من الله ،أقدم لك هذه الأسباب العشرة التي ذكرها الإمام ابن القيم - رحمه الله تعالى - في كتابه العظيم ( مدارج السالكين ) مع شرح مختصر لها و لكيفية تطبيقها .(1/13)
اللهم علق قلوبنا برجائك واقطع رجاءنا عمن سواك اللهم اجعلنا نحبك بقلبنا كله , ونرضيك بجهدنا كله ...
وصلى الله على سيدنا محمد و على آله و صحبه و سلم تسليما كثيرا ...
* السبب الأول :
قراءة القرآن بتدبر والتفهم لمعانيه، وما أريد به، كتدبير الكتاب الذي يحفظه العبد ويشرحه ليتفهم مراد صاحبه منه .
نعم فمن أحب أن يكلمه الله تعالى فليقرأ كتاب الله، قال الحسن بن على: ( إن من كان قبلكم رأوا القرآن رسائل من ربهم فكانوا يتدبرونها بالليل، و يتفقدونها في النهار ).
قال ابن الجوزي رحمه الله: ( ينبغي لتالي القرآن العظيم أن ينظر كيف لطف الله تعالى بخلقه في إيصاله معاني كلامه إلى إفهامهم وأن يعلم أن ما يقرأه ليس من كلام البشر، وأن يستحضر عظمة المتكلم سبحانه، بتدبر كلامه ).
قال الإمام النووي رحمه الله: ( أول ما يجب على القارئ، أن يستحضر في نفسه أنه يناجي الله تعالى ).
ولهذا فإن رجلاً من أصحاب النبي استجلب محبة الله بتلاوة سورة واحدة وتدبرها ومحبتها، هي سورة الإخلاص التي فيها صفة الرحمن جل وعلا فظل يرددها في صلاته، فلما سُئل عن ذلك قال: لأنها صفة الرحمن، وأنا أحب أن أقرأها , فقال النبي : أخبروه أن الله يحبه ."9 .
وينبغي أن نعلم أن المقصود من القراءة هو التدبر، وإن لم يحصل التدبر إلا بترديد الآية فليرددها كما فعل النبي وأصحابه.
فقد روى أبو ذر عن النبي أنه قام ليلة بآية يرددها: ?إن تُعَذّبهُم فَإِِنّهُم عِبَادُكَ وَإن تَغفِر لَهُم فَإنّكَ أنتَ العَزِيز الحَكيمُ ? ]المائدة:118[.
وقام تميم الداري بآية وهي قوله تعالى: ? أَم حَسِبَ الّذِينَ اجتَرَحُوا السّيِئَاتِ أن نّجعَلَهُم كَالّذِينَ ءَامَنُوا وَعَمِلُوا الصّالِحاتِ سَوَآءً مّحيَاهُم وَمَمَاتُهُم سَآءَ مَا يَحكُمُون? ]الجاثية:21[.
فكيف نتدبر القرآن ؟(1/14)
لا بد أن تكون هناك خطوات عملية من أجل أن نصل إلى العتبة الدنيا التي نفهم بها عن رب العالمين سبحانه وهذه بعون الله بعض النقاط :
1. الاهتمام باللغة العربية: فالقرآن الكريم نزل باللغة والعربية بل يمكن أن نقول إن اللغة العربية هي الوعاء الذي اختاره الله لتستوعب القرآن الكريم ? إِنَّا أَنزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَّعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ ? ]يوسف:2[ , ? وَكَذَلِكَ أَنزَلْنَاهُ حُكْمًا عَرَبِيًّا وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءهُم بَعْدَ مَا جَاءكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللّهِ مِن وَلِيٍّ وَلاَ وَاقٍ ? ]الرعد:37[ , ? وَكَذَلِكَ أَنزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا ... ? ]طه:113[ . ولقد كان شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه يقول ( العربية من الدين ) . فلذلك أول خطوة في طريق تصحيح علاقتنا مع القرآن الكريم هو بعض الاهتمام بهذه اللغة , فمن يريد أن يتعامل مع القرآن الكريم فلا بد أن يتجاوب مع لغته.
2. كثرة التساؤلات في القرآن : قالوا قديما العلم خزائن ومفتاحه السؤال وأي علم أوسع وأغزر من القرآن الكريم فإضفاء التساؤلات المختلفة على القرآن الكريم يعطينا فهما أوسع للقرآن وامتدادا زمانيا ومكانيا له فمثلا لماذا جاءت هذه السورة قبل تلك ولماذا قدم الجملة هذه على تلك إن هذه التساؤلات وغيرها تجعل القرآن الكريم يفتح لنا أسراره الكامنة وتجعلنا نستنطق كثيرا من الآيات لم تستنطق بعد .
3. العمل تحت قول المفسرين العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب : وهي قاعدة مهمة حيث أن ما كان سببا في نزول بعض آيات القرآن الكريم لا يقتصر على الحادثة فقط إنما تقاس عليها كل الحوادث المشابهة فأسباب النزول هي وسائل إيضاحية وليست وعاءا حصريا فما نزل في الوليد بن المغيرة يقاس عليه كل من يتصف بصفاته وما نزل بأبي لهب يقاس عليه كل من يتصف بالصفات ذاتها .(1/15)
4. الاهتمام بالصحيح من تفسير القرآن الكريم : ذلك أن النبي عليه السلام هو الناقل عن الله وهو المبين للقرآن الكريم . مع عدم أسر أنفسنا بالإسرائيليات التي وردت في التفاسير السابقة لأنها تشكل عقبة في فهم القرآن وتخرجنا عن مقاصده العامة بالإضافة إلى المخالفات الشرعية الموجودة فيها .
5. تعظيم الله و محبته: , قال ابن مسعود :( من كان يحب أن يعلم أنه يحب الله عز وجل فليعرض نفسه على القرآن فإن كان يحب القرآن فإنه يحب الله و رسوله صلى الله عليه وسلم ) .
6. حضور القلب و إلقاء السمع عند تلاوته : , فمع ...
قراءة القرآن + حضور القلب + الإصغاء <== الانتفاع بالقرآن الكريم .
7. التوبة و ترك المعاصي : لأنها تذهب نور القلب و الوجه , وتسد طريق العلم , و تميت القلب , قال تعالى : ? إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ وَقُرْآنٌ مُّبِينٌ * لِيُنذِرَ مَن كَانَ حَيًّا وَيَحِقَّ الْقَوْلُ عَلَى الْكَافِرِينَ ? ]يس:69-70[ . فلا بد من تطهير أدوات التلاوة من المعاصي , فكيف تتدبر يعين لوثتها النظرات المحرمة ؟؟!!! , و أذن دنستها الأصوات المحرمة ؟؟!! و لسان نجسته الكذب و الغيبة و النميمة ؟؟!! , و كيف يعي القرآن قلب أفسدته الآفات من الرياء و العجب و سائر المحرمات؟؟!!
8. الإخلاص في طلب التلاوة : فالإخلاص شرط لصحة الأعمال و العبادات , و أهم عنصر يساعد على التدبر .
9. الاستعاذة بالله : ليحمي القارئ من شر الشيطان الذي يرصد قواته ليمنعك من أداء عبادتك على الوجه الصحيح .
10. اختيار القدر المناسب للتلاوة مع التمهل و القراءة مع التجويد .
11. الاستمرار على التلاوة : فإنها تساعدك على تقوية صلتك بالقرآن , و تعينك على تدبره .(1/16)
إن إعادة صياغة علاقتنا مع القرآن الكريم هي مسؤولية الجميع وعلى رأسها المؤسسات التعليمية والثقافية وعلى رأس كل ذلك يأتي البيت المسلم . فيا ربنا أعنا على تلاوة قرآنك واجعل هذه التلاوة محفوفة بالتدبر والفهم والتطبيق واجعل القرآن شاهدا لنا ولا تجعله شاهدا علينا ... آمين .
* السبب الثاني :
التقرب إلى الله بالنوافل بعد الفرائض ، فإنها موصلة إلى
درجة المحبوب بعد المحبة .
قال رسول الله في الحديث القدسي عن رب العزة سبحانه وتعالى: " من عادى لي ولياً فقد آذنته بالحرب، وما تقرب إلي عبدي بشيء أحب إلي مما افترضته عليه ولا يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه ، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ويده التي يبطش بها ورجله التي يمشي بها، ولئن سألني لأعطينه، ولئن استعاذني لأعيذنه"10 .
وقد بين هذا الحديث صنفان من الناجين الفائزين :
الصنف الأول: المحب لله مؤد لفرائض الله، وقافٌ عند حدوده.
الصنف الثاني: المحبوب من الله متقرب إلى الله بعد الفرائض بالنوافل.
وهذا مقصود ابن القيم رحمه الله بقوله: ( فإنها موصلة إلى درجة المحبوبية بعد المحبة ).
يقول ابن رجب الحنبلي رحمه الله:
( أولياء الله المقربون قسمان: ذكر الأول، ثم قال: الثاني: من تقرب إلى الله تعالى بعد أداء الفرائض بالنوافل، وهم أهل درجة السابقين المقربين، لأنهم تقربوا إلى الله بعد الفرائض بالاجتهاد في نوافل الطاعات، والإنكاف عن دقائق المكروهات بالورع، وذلك يوجب للعبد محبة الله كما قال تعالى في الحديث القدسي: " لا يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه "11 فمن أحبه الله رزقه محبته وطاعته والحظوة عنده).
والنوافل المتقرب بها إلى الله تعالى أنواع:
* كالصلاة : - جدول يوضح مراحل التدرج في أداء الصلوات النوافل :
المرحلة
الصلوات النوافل
الأولى
المدة : 3 أشهر
- أداء السنن الراتبة :(1/17)
(2فجر + 4قبل الظهر و 2بعدها + 2بعد المغرب + 2بعد العشاء)
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "ما من عبد مسلم يصلي لله تعالى في كل يوم ثنتي عشرة ركعة تطوعاً غير الفريضة إلا بنى الله له بيتاً في الجنة "12 .
- أداء صلاة الضحى (أدناها ركعتين) , ويمكن أدائها حتى قبل الخروج صباحا .
- أداة (2صلاة الليل + 2شفع + 1وتر) , مع التطويل فيهما بالقراءة من القرآن - يمكن حمل المصحف أثناء الصلاة و القراءة منه- و لا ننسى الاجتهاد في الدعاء و الاستغفار .
عن أبي هريرة رضى الله عنه قال : "أوصاني خليلي رسول الله صلى الله عليه وسلم بصيام ثلاثة أيام من كل شهر وركعتي الضحى و أن أوتر قبل أن أرقد"13.
الثانية
المدة : 3 أشهر
- المحافظة على السنن الراتبة .
- زيادة صلاة الضحى إلى 4 ركعات .
- المحافظة على أداء الصلاة الليل مع جهاد النفس لزيادتها إلى 4 ركعات .
الثالثة
المدة : 3 أشهر
- المحافظة على أداء السنن الراتبة مع زيادة ركعتين إلى سنة الظهر لتكون : 4 قبل الظهر و 4 بعد الظهر .
- زيادة صلاة الضحى إلى 8 ركعات باستخدام قصار السور .
- المحافظة على أداء الصلاة الليل مع جهاد النفس لزيادتها إلى 8ركعات .
* الصيام :- جدول يوضح مراحل التدرج في أداء صيام النوافل :
المرحلة
صيام النوافل
الأولى
- صيام الأيام الفضيلة (مثل : تاسع و عاشر من محرم + يوم عرفة + الستة من شوال + العشر الأول من ذ الحجة)
فعن أبى سعيد الخُدرى رضى الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "من صام يوما في سبيل الله باعد الله عز وجل وجهه عن النار سبعين خريفا "14
الثانية
- صيام الأيام البيض ( 13- 14- 15 ) من كل شهر عربي .
وعن جرير بن عبد الله رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " صيام ثلاثة أيام من كل شهر صيام الدهر ، وأيام البيض : صبيحة ثلاث عشرة ، وأربع عشرة ، وخمس عشرة "15 .
- المحافظة على صيام الأيام الفضيلة .
الثالثة(1/18)
- المحافظة على صيام الأيام البيض (13-14-15) من كل شهر عربي .
- المحافظة على صيام الأيام الفضيلة .
- صيام الاثنين و الخميس من كل أسبوع .
وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " تُعرض الأعمال يوم الاثنين والخميس ، فأحب أن يعرض عملي وأنا صائم "16.
* أداء الزكاة في أوقاتها , لقوله تعالى: ? .. وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ .. ? ]البقرة:83[.
* المداومة على التصدق و لو بالقليل , فقليل دائم خير من كثير منقطع . ولقوله صلى الله عليه وسلم: " ما من يوم يصبح العباد فيه إلا ملكان ينزلان فيقول أحدهما: اللهم أعط منفقاً خلفاً ويقول الآخر اللهم أعط ممسكاً تلفاً "17 .
* أداء العمرة و الحج لمن استطاع إليه سبيلا :
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " العمرة إلى العمرة كفارة لما بينهما، والحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة "18 , وقال صلى الله عليه وسلم : " من حج هذا البيت فلم يرفث ولم يفسق رجع كيوم ولدته أمه "19 .
* السبب الثالث :
دوام ذكره على كل حال، بالسان والقلب والعمل والحال،
فنصيبه من المحبة على قدر نصيبه من الذكر.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إن الله عز وجل يقول: أنا مع عبدي ما ذكرني وتحركت بي شفتاه "20 , وقال الله تعالى: ? فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ ? .
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" قد سبق المفردون قالوا: ومن المفردون يا رسول الله؟ قال: الذاكرون الله كثيراً والذاكرات "21 .
وقال - صلى الله عليه وسلم - يبين خسارة من لا يذكر الله: " ما يقعد قوم مقعداً لا يذكرون الله عز وجل ويصلون على النبي إلا كان عليهم حسرة يوم القيامة وإن دخلوا الجنة للثواب "22 .
ويقول أيضا صلى الله عليه وسلم : " ما من قوم يقومون من مجلس لا يذكرون الله فيه إلا قاموا من مثل جيفة حمار وكان لهم حسرة"23 .(1/19)
لذلك لما جاء رجل إلى النبي فقال: " يا رسول الله إن شرائع الإسلام قد كثرت علينا فباب نتمسك به جامع فقال: لا يزال لسانك رطباً من ذكر الله"24 .
وقد فهم الصحابة رضوان الله عليهم تلك الوصية وفقهوا معناها الثمين حتى إن أبا الدرداء قيل له: ( إن رجلاً أعتق مائة نسمة. قال: إن مائة نسمة من مال رجل كثير، وأفضل من ذلك إيمان ملزوم بالليل والنهار وأن لا يزال لسان أحدكم رطباً من ذكر الله عز وجل )25 . وكان يقول: ( الذين لا تزال ألسنتهم رطبة من ذكر الله يدخل أحدهم الجنة وهو يضحك ).
فيجب أن لا يمضي علينا يوم في حياتنا إلا و كتب في صحائفنا أننا من الذاكرين الله , فلنحرص جميعا :
* الاستغفار 100 مرة باليوم , كان رسولنا صلى الله عليه وسلم يستغفر ربه في اليوم من سبعين إلى مائة مرة وهو المعصوم من الخطأ المغفور له ما تقدم وما تأخر من ذنبه فما يكون حالنا نحن ؟ ألسنا نحن أحوج بالاستغفار من سوء أفعالنا التي نقترفها في النهار و الليل .
* حمد الله و شكره 100 مرة في اليوم , يقول الله تعالى (لئن شكرتم لأزيدنكم) , الله الذي أسبغ علينا بنعمه الكثير التي نشعر بها و لا نشعر بها , ألا يستحق منا دقيقتان لشكره , فنحن نشكر البشر على خدماتهم , رغم إن الله هو الذي سخرهم لخدمتنا فالله أحق و أولى بالشكر على نعمه التي لا تعد و لا تحصى .
* تسبيح الله 100 مرة في الصباح و 100 في المساء , لتغفر ذنوبنا و إن كانت كزبد البحر . قال النبي صلى الله عليه و سلم : " من قال سبحان الله و بحمده في اليوم مائه مرة حطت خطاياه و لو كانت مثل زبد البحر "26 .
أن نكثر من الصلاة على الرسول صلى الله عليه وسلم في كل وقت وحين , وهناك العديد من صيغ الصلاة على الرسول الكريم يمكن أن نستخدمها خلال الذكر , منها :(1/20)
وعن كعب بن عجرة رضي الله عنه قال : " لقينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلنا يا رسول الله قد علمنا كيف نسلم عليك فكيف نصلي عليك قال قولوا :" اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد اللهم بارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد "27 .
نسأل الله أن يعيننا على ذكره و شكره و حسن عبادته ,و أن يجعل ألسنتنا رطبة بذكره , ويكتبنا من الذاكرين و الذاكرات الله كثيرا , و يرزقنا شفاعة سيد الأولين و الآخرين محمد ابن عبدالله عليه أفضل الصلاة و التسليم . اللهم آمين ...
* السبب الرابع :
إيثار محابه على محابك عند غلبات الهوى والتسنم
إلى محابه وإن صعب المرتقى.
يقول ابن القيم في شرح هذه العبارة: ( إيثار رضى الله على رضى غيره، وإن عظمت فيه المحن، وثقلت فيه المؤن، وضعف عنه الطول والبدن ).
وقال رحمه الله: ( إيثار رضى الله عز وجل على غيره، وهو يريد أن يفعل ما فيه مرضاته، ولو أغضب الخلق، وهي درجة الإيثار وأعلاها للرسل عليهم صلوات الله وسلامه، وأعلاها لأولى العزم منهم، وأعلاها لنبينا محمد ).
وذا كله لا يكون إلا لثلاثة:
1 ـ قهر هوى النفس.
2 ـ مخالفة هوى النفس.
3 ـ مجاهدة الشيطان وأوليائه.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: ( يحتاج المسلم إلى أن يخاف الله وينهي النفس عن الهوى، ونفس الهوى والشهوة لا يعاقب عليه، بل على أتباعه والعمل به، فإذا كانت النفس تهوى وهو ينهاها، كان نهيه عبادة لله، وعملاً صالحاً ) .
قال صلى الله عليه وسلم : " المجاهد من جاهد نفسه في طاعة الله، والمهاجر من هجر ما نهى الله عنه "28 .(1/21)
فكثير منا يغفل عن محاسبة النفس ، فترى أحدنا يسير في هذه الدنيا ولم يجعل على نفسه حسيبًا ، فتكثر عثراته ، وتتضاعف زلاته ، لا يعرف ما فعل ، ولا يدرك ماذا قال ، ولا يتراجع عن خطأ ، ولا ينشط لفعل طاعة ، كل تصرفاته مرتجلة ، لا يضع لنفسه أهدافًا ، ولا يسأل نفسه ماذا أنجز في يومه ، وكم قصّر في حق ربه ، وكم ضيّع من حقوق عباده.
فهل حاولنا أن نخلو بأنفسنا ساعة نحاسبها عما بدر منها من الأقوال والأفعال ؟ وهل حاولنا يومًا أن نعد سيئاتنا كما نعد حسناتنا ؟ بل هل تأملنا أن طاعتنا قد لا يخلو بعضها من الرياء والسمعة ، كيف القدوم على الله _يا عباد الله _ ونحن لأنفسنا غير محاسبين ، ولحساب الله غير مطيقين ، قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه : ( حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا ، وزنوها قبل أن توزنوا ، فإن أهون عليكم في الحساب غدًا أن تحاسبوا أنفسكم اليوم ، وتزينوا للعرض الأكبر، يومئذ تعرضون لا تخفى منكم خافية ) .
إن محاسبة النفس _ أيها الأحبة _ هي من شأن الصالحين الأتقياء ، المخبتين الأنقياء ، المنيبين الأصفياء ، الذين لبوا نداء الرحمن حينما قال : ? يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنظُرْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ ? ]الحشر:18[ .
ألم تروا إلى الصديق رضي الله عنه كيف كان يمسك بلسانه ويقول : هذا الذي أوردني الموارد ...
ألم تسمعوا عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه كان يضرب نفسه بدرته فيقول : ماذا فعلت اليوم ؟ ...
وأن الأحنف بن قيس رضي الله عنه كان يضع إصبعه على السراج فيقول : لماذا فعلت كذا وكذا يا حنيف ؟ ...
قال ميمون بن مهران : لا يكون العبد تقيًّا حتى يكون لنفسه أشد محاسبة من الشريك لشريكه ، ولهذا قيل : النفس كالشريك الخوان ، إن لم تحاسبه ذهب بمالك ...(1/22)
يقول الحسن البصري : إن العبد لا يزال بخير ما كان له واعظ من نفسه ، وكانت المحاسبة همته .
أخي الحبيب / أختي الحبيبة : إن محاسبة النفس في الدنيا ، كفيلة أن تريحك من عناء الحساب في الآخرة ، فإن من نوقش يوم الحساب فقد عذب ، أما يكفيك بذلك أن تتعرف على أخطاء نفسك فتصلحها ، أما يحثك هذا على الندم على اقتراف الذنب ، والإقلاع عن المعصية ، أما تشعرك مساءلة نفسك بعفو الله وحلمه عليك أن لم يعجل عقوبته بك ، أو يقبضك على ما أنت عليه من المعصية ، أما تعطيك مراجعتك أعمالك دفعة قوية للاجتهاد في العبادة وفتح صفحة جديدة ناصعة البياض ، هدفك فيها أن تملأها بالطاعة والإحسان ؟
* السبب الخامس :
مطالعة القلب لأسمائه وصفاته، ومشاهدتها ومعرفتها، وتقلبه في رياض هذه المعرفة، فمن عرف الله بأسمائه وأفعاله، أحبه لا محالة.
قال ابن القيم رحمه الله: ( لا يوصف بالمعرفة إلا من كان عالماً بالله وبالطريق الموصل إلى الله، وبآفاتها وقواطعها، وله حال مع الله تشهد له بالمعرفة. فالعارف هو من عرف الله بأسمائه وصفاته و أفعاله ، ثم صدق الله في معاملته، ثم أخلص له في قصده ونيته ).
فمن جحد الصفات فقد هدم أساس الإسلام والإيمان وأتلف شجرة الإحسان فضلاً عن أن يكون من أهل العرفان.
ومن أوَّل الصفات فكأنما يتهم البيان النبوي للرسالة بالتقصير إذ لا يمكن أن يترك النبي أهم أبواب الإيمان بحاجة إلى إيضاح وإفصاح من غيره لإظهار المراد المقصود الذي لم تبينه العبادات في النصوص.
وثبت عن النبي صلى اللّه عليه وسلم أنه قال: " إن لله تسعاً وتسعون اسماً من أحصاها دخل الجنة "29 .(1/23)
يجب علينا ألا نحرم أنفسنا من الجنة و التي من أسباب دخولها أن نحفظ تسع و تسعين وهي أسماء الله الحسنى , أليس هذا أمر سهل , فلماذا نتهاون عنه , حفظنا الكثير من الأسماء في حياتنا منها التاريخية و الفنية السياسية و الاجتماعية, أليس من السهل علينا حفظ أسماء الله حسنى ؟؟!!!
فكل ما علينا إتباع البرنامج التالي للحفظ قبل النوم :
1. اختيار كل يوم أسمين من أسماء الله الحسنى ...
2. حفظ أسمين مع فهم معانيهما ...
ملاحظة : من الممكن الاستعانة بالكتب أو المقالات أو البحوث الثقة التي بها شرح موجز لأسماء الله الحسنى مثل : شرح أسماء الله الحسنى في ضوء الكتاب و السنة لسعيد بن علي القحطاني .
3. مراجعة الاسمين في اليوم التالي مع حفظ أسمين آخرين .
4. يتم استرجاع الأسماء التي حفظت سابقا كل ليلة مع حفظ اسمين جديدين ...
وهكذا تستمر العملية حتى ننتهي من حفظ الأسماء الحسنى خلال 45 يوم بإذن الله و نكون بذلك قد حققنا إحدى شروط دخول الجنة .
* السبب السادس :
مشاهدة بره وإحسانه، وآلائه ونعمه الباطنة والظاهرة
فإنها داعية إلى محبته.
العبد أسير الإحسان فالإنعام والبر واللطف، معاني تسترق مشاعره، وتستولي على أحاسيسه، وتدفعه إلى محبة من يسدي إليه النعمة ويهدي إليه المعروف. ولا منعم على الحقيقة ولا محسن إلا الله، هذه دلالة العقل الصريح والنقل الصحيح، فلا محبوب في الحقيقة عند ذوي البصائر إلا الله تعالى، ولا مستحق للمحبة كلها سواه، وانتدب لنصرته وقمع أعدائه، وأعانه على جميع أغراضه، وإذا عرف الإنسان حق المعرفة، علم أن المحسن إليه هو الله سبحانه وتعالى فقط، وأنواع إحسانه لا يحيط بها حصر , قال تعالى : ? وإِن تَعُدُوا نِعمَتَ اللّهِ لاَ تُحصُوهَآ إنّ الإِِنسَانَ لَظََلُومٌ كَفّارٌ ? ]إبراهيم:34[.(1/24)
يقول سيد قطب رحمه الله في كتابه في ظلال القرآن : (فأما الأفئدة) فهي هذه الخاصية التي صار بها الإنسان، وهي قوة الإدراك والتمييز والمعرفة التي استخلف به الإنسان في هذا الملك العريض، والتي حمل بها الأمانة التي أشفقت من حملها السماوات والأرض والجبال، أمانة الإيمان الاختياري والاهتداء الذاتي والاستقامة الإرادية على منهج الله القويم. ولا يعلم أحد ماهيّة هذه القوة ولا مركزها داخل الجسم أو خارجه فهي سر الله في الإنسان، لم يعلمه أحد سواه.
وعلى هذه الهبات الضخمة التي أعطيها الإنسان لينهض بتلك الأمانة الكبرى فإنه لم يشكر ? قَلِيلاً مَّا تَشْكُرُونَ ? ]المؤمنون:78[ , و هو أمر يثير الخجل والحياة عند التذكير به. كما يذكرهم القرآن في هذا المجال ويذكر كل جاحد و كافر لا يشكر نعمة الله عليه، وهو لا يوفيها حقها ولو عاش للشكر دون سواه!!
ستجيب ما في الكون من آياته *** عجبٌ عُجاب لوتَرى عَيناك
أعتقد أن هذه السنة - و هي التفكر و التدبر - غُيبت عنا أو أول مرة نسمعها , كان عليه صلوات الله وسلامه يتفكر في خلق الله وهو الذي يرينا منهجه في تفكره في نعم الله فهيا بنا نتعلم من نهجه , قال صلى الله عليه وسلم : " تفكروا في آلاء الله ولا تفكروا في الله "30 .
ومن الأمور التي تتكرر مع المسلم في يرمه وليلته عدة مرات (استشعار نعمة الله عليه ) فكم هي المواقف وكم هي المشاهد التي يراها ويسمع بها في يومه وليلته تستوجب عليه أن يتفكر ويتأمل هذه النعم التي هو فيها ويحمد الله عليها :
* هل استشعرت نعمة الله عليك عند ذهابك إلى المسجد وكيف أن من حولك من الناس قد حُرم هذه النعمة وبالذات عند صلاة الفجر وأنت تنظر إلى بيوت المسلمين وهم في سُبات عميق كأنهم أموات .(1/25)
* هل استشعرت نعمة الله عليك وأنت تسير في الطريق وترى المناظر المتنوعة , هذا قد حدث له حادث سيارة وهذا قد ارتفع صوت الشيطان (أي الغناء) من سيارته وهذا كافر وقد أنعم الله عليك الإيمان ونعمة الإسلام .
* هل استشعرت نعمة الله عليك و أنت تسمع وتقرأ الأخبار عن العالم من مجاعات وفيضانات وانتشار أمراض وحوادث وزلازل .
إن العبد الموفق هو الذي لا يغيب عن قلبه وشعوره وإحساسه نعمة الله عليه في كل موقف وكل مشهد فيظل دائما في حمد الله وشكره والثناء عليه مما هو فيه من نعمة الدين والصحة والرخاء والسلامة من كل الشرور .
وفى الحديث قال عليه صلوات الله وسلامه : " من رأى مُبتلى فقال :الحمد لله الذي عافني مما ابتلاك به وفضلني على كثير ممن خلق تفضيلا لم يصبه ذلك البلاء "31 .
و قال المولى عزل وجل : ? ... فَاذْكُرُواْ آلاء اللّهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ? ]الأعراف:69[.
ولقد أعطانا الله عز وجل نعمة الإيمان والإسلام ومن ذلك المفهوم عرفنا أن أي مخلوق وأي منظر طبيعي فهو من صنع الله وما أكثر المناظر الطبيعية فلو تأملنا ولو دقيقة ما فيها من إعجاز رباني فإننا بإذن الله سوف نثبت على طاعة الله لأن هذه التأملات ستثبت لنا أننا مخلوقات ضعيفة والقوة لله جميعا .
فنتمنى أن لا يفوتنا أي منظر طبيعي أو أي نعمة إلا ونتأمل فيها .
* السبب السابع :
وهو من أعجب الأسباب انكسار القلب بكليته، بين يدي الله تعالى،
وليس في التعبير عن المعنى غير الأسماء والعبارات.
والانكسار بمعنى الخشوع، وهو الذل والسكون.
قال تعالى: ? وَخَشَعَتِ الأَصوَاتُ لِلرّحمَنِ فَلاَ تَسمَعُ إِلا هَمساً ? ]طه:108[.
يقول الراغب الأصفهاني: ( الخشوع: الضراعة، وأكثر ما يستعمل الخشوع فيما يوجد على الجوارح، والضراعة أكثر ما تستعمل فيما يوجد في القلب، ولذلك قيل إذا ضرع القلب: خشعت جوارحه ).(1/26)
وقال ابن القيم: ( الحق أن الخشوع معنى يلتئم من التعظيم والمحبة والذل والانكسار).
وقد كان للسلف في الخشوع بين يدي الله أحوال عجيبة، تدل على ما كانت عليه قلوبهم من الصفاء والنقاء. كان عبدالله بن الزبير رضي الله عنهما إذا قام في الصلاة كأنه عود، من الخشوع ، وكان يسجد فتنزل العصافير على ظهره لا تحسبه إلا جزع حائط..
وكان علي بن الحسين رضي الله عنهما إذا توضأ اصفّر لونه، فقيل له: ما هذا الذي يعتادك عند الوضوء. قال: ( أتدرون بين يدي من أريد أن أقوم؟ ).
أسباب وطرق تليين القلوب والبكاء من خشية الله :32
1) معرفة الله تعالى بأسمائه وصفاته وأفعاله . فمن عرف الله خافه ورجاه ، ومن خافه ورجاه رق قلبه ودمعت عينه ، ومن جهل ربه قسى قلبه وقحطت عينه .
2) قراءة القرآن الكريم وتدبر آياته . قال الله تعالى - في وصف عباده العلماء الصالحين - : ? إِنَّ الَّذِينَ أُوتُواْ الْعِلْمَ مِن قَبْلِهِ إِذَا يُتْلَى عَلَيْهِمْ يَخِرُّونَ لِلاْذْقَانِ سُجَّدًا * وَيَقُولُونَ سُبْحَانَ رَبّنَا إِن كَانَ وَعْدُ رَبّنَا لَمَفْعُولاً * وَيَخِرُّونَ لِلاْذْقَانِ يَبْكُونَ وَيَزِيدُهُمْ خُشُوعًا ? ]الإسراء:107-109[ . وقد سبق ذكر طرق تدبر القرآن الكريم ...
3) كثرة ذكر الله عز وجل . عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : "سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله : ... - وذكر منهم : - ورجل ذكر الله خاليا ففاضت عيناه ."33. والخلوة مدعاة إلى قسوة القلب ، والجرأة على المعصية ، فإذا ما جاهد الإنسان نفسه فيها ، واستشعر عظمة الله فاضت عيناه ، فاستحق أن يكون تحت ظل عرش الرحمن يوم لا ظل إلا ظله.
4) الإكثار من الطاعات . قال أحمد بن سهل - رحمه الله - : " قال لي أبو معاوية الأسود : يا أبا علي من أكثر لله الصدق نَدِيت عيناه ، وأجابته إذا دعاهما " .(1/27)
5) تذكر الموت ورؤية المحتضرين والأموات . عن جابر رضي الله عنه قال : " أخذ النبي صلى الله عليه وسلم بيد عبد الرحمن بن عوف فانطلق به إلى ابنه إبراهيم فوجده يجود بنفسه فأخذه النبي صلى الله عليه وسلم فوضعه في حجره فبكى ، فقال له عبد الرحمن : أتبكي ؟ أولم تكن نهيت عن البكاء ؟ قال : لا ، ولكن نهيت عن صوتين أحمقين فاجرين : صوت عند مصيبة - خمش وجوه وشق جيوب - ، ورنة شيطان ."34 .
6) أكل الحلال . سئل بعض الصالحين : بم تلين القلوب ؟ قال : بأكل الحلال .
7) الابتعاد عن المعاصي . قال مكحول رحمه الله : " أرقُّ الناس قلوباً أقلهم ذنوباً".
8) سماع المواعظ .وقد انتشر في كثير من البلدان أشرطة لمشايخ ثقات يحسنون التأثير على قلوب الناس ، وقد كانت الخطبة المؤثرة والموعظة البليغة مما يوجل قلوب الصحابة ويُذرف دمع عيونهم .
9) تذكر القيامة وقلة الزاد والخوف من الله . بكى أبو هريرة رضي الله عنه في مرضه ، فقيل له : ما يبكيك ؟ فقال : " أما إني لا أبكي على دنياكم هذه ، ولكن أبكي على بُعد سفري ، وقلة زادي ، وإني أمسيت في صعود على جنة أو نار ، لا أدري إلى أيتهما يؤخذ بي " .
10) البكاء عند زيارة القبور . عن أنس رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " كنت نهيتكم عن زيارة القبور ألا فزوروها ؛ فإنها ترق القلب وتدمع العين وتذكر الآخرة ولا تقولوا هجراً "35 . وعن هانئ مولى عثمان رضي الله عنه قال : كان عثمان إذا وقف على قبر بكى حتى يبل لحيته ! فقيل له : تذكر الجنة والنار فلا تبكي ، وتبكي من هذا ؟! فقال إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " إن القبر أول منزل من منازل الآخرة ، فإن نجا منه ، فما بعده أيسر منه ، وإن لم ينج منه ؛ فما بعده أشد منه " , قال : وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " ما رأيت منظراً قط إلاّ القبر أفظع منه "36.(1/28)
11) التفكر عند رؤية ما يُعتبَركرؤية النار في الدنيا . عن مغيرة بن سعد بن الأخرم قال : ما خرج عبد الله بن مسعود إلى السوق فمر على الحدادين فرأى ما يخرجون من النار إلا جعلت عيناه تسيلان . فإن المسلم أعرف أهل الأرض بربه تعالى ، فالواجب عليه أن يكون حاله لا كحال الآخرين ، فهو يعتبر ويتعظ بما يقرؤه ويسمعه من الآيات والمواعظ ، والقلب الخائف يثمر عيناً دامعة رجاء بلوغ رحمة الله تعالى ودخول الجنة ، تحقيقاً لوعد الله تعالى ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " عينان لا تمسهما النار : عين بكت من خشية الله ، وعين باتت تحرس في سبيل الله "37 .
12) الدعاء . عن زيد بن أرقم قال لا أقول لكم إلا كما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " اللهم إني أعوذ بك من العجز والكسل والجبن والبخل والهرم وعذاب القبر اللهم آت نفسي تقواها وزكها أنت خير من زكاها أنت وليها ومولاها اللهم إني أعوذ بك من علم لا ينفع ومن قلب لا يخشع ومن نفس لا تشبع ومن دعوة لا يستجاب لها"38 . ومن أراد أن تدمع عينه فله أن يدعو الله بذلك .
13) التباكي . عن ابن أبي مليكة قال : جلسنا إلى عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما في الحِجر فقال : ابكوا ، فإن لم تجدوا بكاء فتباكوا ، لو تعلموا العلم لصلَّى أحدكم حتى ينكسر ظهره ، ولبكى حتى ينقطع صوته .
نسأل الله تعالى أن يجعل قلوبا وجلة ، وأعيننا دامعة من خشيته.
اللهم آمين ...
* السبب الثامن :
الخلوة به وقت النزول الإلهي، لمناجاته وتلاوة كلامه والوقوف بالقلب والتأدب بأدب العبودية بين يديه، ثم ختم ذلك بالاستغفار والتوبة.
قال تعالى: ? تَتَجافى جُنُوبُهُم عَنِ المَضاجِعِ يَدعون ربهم خوفاً وَطَمَعاً وَمِمّا رَزَقناهُم يُنفِقُونَ ? ]السجدة:16[.
إن أصحاب الليل هم بلا شك من أهل المحبة، بل هم من أشرف أهل المحبة، لأن قيامهم في الليل بين يدي اللّه تعالى يجمعُ لهم جلّ أسباب المحبة التي سبق ذكرها.(1/29)
ولهذا فلا عجب أن ينزل أمين السماء جبريل عليه السلام على أمين الأرض محمد صلى اللّه عليه وسلم ويقول له: " و أعلم أن شرف المؤمن قيامه بالليل وعزه استغناؤه عن الناس "39 .
يقول الحسن البصري رحمه اللّه : ( لم أجد من العبادة شيئاً أشد من الصلاة في جوف الليل فقيل له: ما بال المجتهدين من أحسن الناس وجوهاً فقال لأنهم خلوا بالرحمن فألبسهم من نوره ).
كيف نتحمس لقيام الليل ؟
1) بتأمل حال سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم وصحبه الكرام مع صلاة القيام :
? استشعار أن الرسول صلى الله عليه وسلم يدعونا إلى القيام . فقال عليه الصلاة والسلام: "عليكم بقيام الليل فإنه دأب الصالحين قبلكم، وقربة إلى الله تعالى، ومكفرة للسيئات، ومنهاة عن الإثم،ومطردة للداء عن الجسد"40 .
? معرفة مدى اجتهاد الرسول صلى الله عليه وسلم في قيام الليل وعن عائشة رضي الله عنها قالت: " كان النبي يقوم من الليل حتى تتفطر قدماه . فقلت له : لِمَ تصنع هذا يا رسول الله ، وقد غُفر لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر ؟ قال : أفلا أكون عبداً شكوراً ؟ "41 .
? معرفة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان لا يترك قيام الليل حتى وهو مريض .
? معرفة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان لا يترك قيام الليل حتى في أرض الجهاد.
? الرسول صلى لله عليه وسلم لا يترك القيام حتى في السفر .
? معرفة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يربي زوجاته على القيام .
? معرفة كيف كان النبي صلى الله عليه وسلم يربي بناته على قيام الليل .
? معرفة مدى اجتهاد الصحابة في قيام الليل .
2) بتأمل حال السلف الصالح مع قيام الليل :
? حسرة وبكاء السلف عند فوات قيام الليل .
? حسرة السلف على فوات قيام الليل وهم في السكرات .
? معرفة مدى تلذذ السلف بقيام الليل .
? السلف لا يريدون الحياة إلا لأجل القيام .
? السلف يفرحون بقدوم الليل ويحزنون على فراقه .
? معرفة وصايا السلف في قيام الليل .(1/30)
? معرفة كيف كان السلف يتواصون فيما بينهم لقيام الليل .
? السلف يحافظون على القيام حتى وهم مرضى .
? السلف يحافظون على القيام حتى وهم في السفر .
? معرفة كيف كان السلف يؤثرون قيام الليل على مجالسة الزوجات والولدان .
? معرفة كيف كان السلف يربون أبنائهم على القيام .
? معرفة كيف كان السلف يربون ضيوفهم على القيام .
? معرفة كيف كان السلف يربون تلاميذهم على القيام .
? السلف يربون زوجاتهم وأمهاتهم على القيام .
? معرفة مدى اجتهاد نساء السلف في القيام .
? معرفة كيف كان نساء السلف يوقظن أزواجهن إلى القيام .
? إدراك مدى حرص الأمراء والخلفاء على القيام
? معرفة مدى اجتهاد العلماء في القيام .
? معرفة أن القيام كان مشروعاً حتى في الأمم السابقة .
3) إدراك فضل قيام الليل على المؤمن في الدنيا و الآخرة:
قال سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم: "إذا مضى نصف الليل، أو قال: ثلثا الليل، ينزل الله عز وجل إلي السماء الدنيا فيقول: لا أسأل عن عبادي أحدا غيري من ذا يستغفرني فاغفر له، من الذي يدعوني استجيب له، من ذا الذي يسألني أعطيه، حتى ينفجر الصبح"42.
? معرفة أن الله تعالى يضحك لمن يقوم الليل .
? معرفة أن الله يباهي بقائم الليل الملائكة .
? معرفة الثواب العظيم الذي أعده الله لأهل قيام الليل.
? إدراك أن قيام الليل سبب للفوز بالحور الحسان .
? إدراك أن قيام الليل سبب للنجاة من النيران .
? إدراك أن قيام الليل سبب للفوز بالجنات .
? إدراك أن قيام الليل سبب لتخفيف طول الوقوف يوم القيامة .
? إدراك أن قيام الليل سبب لتكفير السيئات .
? إدراك أن القيام صلة بالله تعالى .
? إدراك أن قيام الليل سبب لحسن الخاتمة .
? معرفة أن القيام سبب لإجابة الدعاء .
? إدراك أن المواظبة على قيام الليل سبب لترك الذنوب .
? إدراك أن القيام سبب للثبات على طريق الاستقامة .
? معرفة أن القيام سبب للفوز بمحبة الله.(1/31)
? معرفة أن القيام سبب لبهاء الوجه وإشراقه .
? إدراك أن القيام عون على مواجهة التكاليف والمشاق العظام .
? معرفة أن القيام يشفع لصاحبه يوم القيامة .
? إدراك أن القيام سبب للفوز برحمة الله .
? معرفة أن القيام سبب لطرد الأمراض عن البدن.
? إدراك أن قيام الليل سبب للانتصار على الأعداء في الجهاد .
? أن قيام الليل سبب لطرد الغفلة عن القلب .
? إدراك أن قيام الليل سبب لسعادة القلب وانشراح الصدر .
? إدراك أن القيام هو الشرف الحقيقي للمؤمن .
? تربية النفس على علو الهمة والتعلق بالمعالي .
? إدراك أن قائم الليل يؤثر في الناس أكثر من غيره .
? إدراك أن القيام تربية للنفس على الإخلاص .
? إدراك أن القيام تزكية للنفس من أمراضها وآفاتها .
? إدراك أن القيام تربية للنفس على التعلق بالمعالي .
? إدراك أن القيام سبب للتوفيق والفتوحات والفهم .
4) اتباع الأسباب التي تعين على قيام الليل وهي :
? الإخلاص لله في قيام الليل .
? استشعار أن ربك الجليل يدعوك للقيام .
? استشعار أن الله يرى ويسمع صلاتك في الليل .
? معرفة أن الملائكة تستمع لمن يصلي بالليل .
? التأمل في وصف المتهجدين بالليل .
? استشعار أن الشيطان يحاول أيمنعك من قيام الليل .
? التأمل في مناجاة أهل الليل لربهم
? التعلق بالدار الآخرة .
? قصر الأمل والإكثار من ذكر الموت.
? تذكر القبور وأهوالها .
? استحضار الجنة ونعيمها .
? استحضار النار وعذابها و أنكالها .
? استحضار القيامة وأهوالها .
? دعاء الله بأن ييسر لك القيام .
? اجتناب الذنوب والمعاصي .
? التبكير إلى النوم بعد العشاء .
? النوم على طهارة .
? المحافظة على الأذكار الشرعية قبل النوم و عند الاستيقاظ منه .
? النوم على الجانب الأيمن .
? النوم على نية القيام للصلاة .
? اجتناب كثرة الأكل والشرب .
? عدم التلفف بأغطية كثيرة عند النوم .
? عدم الإفراط في النوم .
? تكليف من يوقظك لقيام الليل .(1/32)
? نضح الماء على الوجه عند الاستيقاظ لقيام الليل .
? التسوك عند الاستيقاظ إلى قيام الليل .
? افتتاح القيام بركعتين خفيفتين ..السلف يتقاسمون القيام فيما بينهم .
? التدرج في عدد الركعات وطول القيام .
? قيام الليل جماعة أحياناً .
? تنويع هيئة الصلاة بين القيام والقعود.
? استعمال ما يطرد النعاس عن المرء وهو يصلي .
? الحرص على القيلولة في النهار .
? قضاء التهجد بالنهار إذا فاته لعذر .
? المواظبة والمداومة على القيام سبب من أسباب المعينة على استمرار قيام الليل .
? إدراك مدى قلة وغربة من يقوم الليل .
? محاسبة النفس وتوبيخها على ترك القيام .
? مجاهدة النفس وإكراهها على القيام .
? الحرص على أكل الحلال .
? التواصي فيما بيننا لقيام الليل .
? إيقاظ الزوجة والأهل للقيام .
? اتهام النفس بالتقصير في القيام .
? معاقبة النفس على ترك القيام .
? الزهد في الدنيا .
? اجتناب كثرة الضحك واللغو .
? تربية النفس على المسابقة إلى الطاعات .
? إدراك أهمية دقائق الليل والسحر .
? معرفة أن الحيوانات تذكر الله وأنت نائم .
? إدراك فضل صلاة الليل على صلاة النهار.
* السبب التاسع :
مجالسة المحبين الصادقين، والتقاط أطايب ثمرات كلامهم كما ينتقي أطايب الثمر، ولا تتكلم إلا إذا ترجحت مصلحة الكلام وعلمت أن فيه مزيداً لحالك ومنفعة لغيرك .
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " قال الله عز وجل: وجبت محبتي للمتحابين فيّ، ووجبت محبتي للمتجالسين فيّ، ووجبت محبتي للمتزاورين فيّ "43 .
قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : " أوثق عرى الإيمان أن تحب في اللّه وتبغض في الله"44 .
فمحبة المسلم لأخيه المسلم في الله، ثمرة لصدق الإيمان وحسن الخلق وهي سياج واق، ويحفظ الله به قلب العبد، ويشد فيه الإيمان حتى لا يتفلت أو يضعف.
وسبق أن جاء ذكر تفصيل كامل حول موضوع مجالس الذكر , ولكن سنذكر هنا فقط...
أهم فضائل مجالس الذكر:(1/33)
1- نزول السكينة على الحاضرين في حلقات الذكر .
2- غشيان الرحمة من الله تعالى على الحاضرين .
3- إحفاف الملائكة للجالسين فيها .
4- يذكرهم الله فيمن عنده، وهم أهل السماء الدنيا .
5- يباهي الله ـ جل وتعالى ـ بالحاضرين الملائكة .
6- مغفرة الذنوب وتبديل السيئات حسنات .
* السبب العاشر :
مباعدة كل سبب يحول بين القلب وبين الله عز وجل.
فالقلب إذا فسد فلن يجد المرء فائدة فيما يصلحه من شؤون دنياه ولن يجد نفعاً أو كسباً في أخراه . قال تعالى: ? يَومَ لَا يَنفَعُ مَالٌ ولاَ بَنُوُنَ إِلاّ مَن أَتَى اللهَ بِقَلبٍ سَلِيمٍ ? ]الشعراء:88[.
ومفسدات القلب كثيرة و لكن سنذكر خمسة من أكبر مفسدات القلب التي أشار إليها ابن القيم :
المفسد الأول- كثرة المخالطة :
كثرة الخلطة بالناس تؤدي إلى اشتغال الإنسان عن أداء الطاعات بهم وبأمورهم، وتقسم فكره في أودية مطالبهم و إيراداتهم . فماذا يبقى منه لله والدار الآخرة من شئ إلا اليسير؟
و الضابط النافع في أمر الخلطة : أن يخالط الناس في الخير كالجمعة والجماعة، والأعياد والحج، وتعلم العلم، والجهاد، والنصيحة، ويعتزلهم في الشر وفضول المباحات.
فإن دعت الحاجة إلى خلطتهم في الشر، ولم يمكنه اعتزالهم : فالحذر الحذر أن يوافقهم، وليصبر على أذاهم، فإنهم لابد أن يؤذوه إن لم يكن له قوة ولا ناصر. ولكن أذى يعقبه عز ومحبة له، وتعظيم وثناء عليه منهم، ومن المؤمنين، ومن رب العالمين، وموافقتهم يعقبها ذل وبغض له، ومقت، وذم منهم، ومن المؤمنين، ومن رب العالمين. فالصبر على أذاهم خير وأحسن عاقبة، وأحمد ما لا.
وان دعت الحاجة إلى خلطتهم في فضول المباحات، فليجتهد أن يقلب ذلك المجلس طاعة لله إن أمكنه.
المفسد الثاني - ركوبه بحر التمني:(1/34)
وهو بحر لا ساحل له. وهو البحر الذي يركبه مفاليس العالم، كما قيل: إن المنى رأس أموال المفاليس. فلا تزال أمواج الأماني الكاذبة، والخيالات الباطلة، تتلاعب براكبه كما تتلاعب الكلاب بالجيفة، وكل بحسب حاله: من متمن للقدوة والسلطان، وللضرب في الأرض والتطواف في البلدان، أو للأموال والأثمان، أو للنسوان .
وصاحب الهمة العلية أمانيه حائمة حول العلم والإيمان، والعمل الذي يقربه إلى الله، ويدنيه من جواره. فأماني هذا إيمان ونور وحكمة، وأماني أولئك خداع وغرور.
وقد مدح النبي متمني الخير، وربما جعل أجره في بعض الأشياء كأجر فاعله.
المفسد الثالث - التعلق بغير الله تبارك وتعالى:
وهذا أعظم مفسداته على الإطلاق.فليس عليه أضر من ذلك، ولا أقطع له عن مصالحه وسعادته منه، فإنه إذا تعلق بغير الله وكله الله إلى ما تعلق به. وخذله من جهة ما تعلق به، وفاته تحصيل مقصوده من الله عز وجل بتعلقه بغيره، والتفاته إلى سواه. فلا على نصيبه من الله حصل، ولا إلى ما أمله ممن تعلق به وصل. قال الله تعالى: ? وَاتَّخَذُوا مِن دُونِ اللَّهِ آلِهَةً لِّيَكُونُوا لَهُمْ عِزًّا * كَلَّا سَيَكْفُرُونَ بِعِبَادَتِهِمْ وَيَكُونُونَ عَلَيْهِمْ ضِدًّا ? ]مريم:81-82[ ، وقال تعالى: ? وَاتَّخَذُوا مِن دُونِ اللَّهِ آلِهَةً لَعَلَّهُمْ يُنصَرُونَ * لَا يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَهُمْ وَهُمْ لَهُمْ جُندٌ مُّحْضَرُونَ ? ]يس:74-75[.
فأعظم الناس خذلانا من تعلق بغير الله. فإن ما فاته من مصالحه وسعادته وفلاحه أعظم مما حصل له ممن تعلق به، وهو معرض للزوال والفوات. ومثل المتعلق بغير الله: كمثل المستظل من الحر والبرد ببيت العنكبوت، أوهن البيوت.(1/35)
وبالجملة: فأساس الشرك وقاعدته التي بني عليها: التعلق بغير الله. ولصاحبه الذم والخذلان، كما قال تعالى: ? لاَّ تَجْعَل مَعَ اللّهِ إِلَهًا آخَرَ فَتَقْعُدَ مَذْمُومًا مَّخْذُولاً ? ]الإسراء:22[. مذموما لا حامد لك، مخذولا لا ناصر لك. إذ قد يكون بعض الناس مقهوراً محموداً كالذي قهر بباطل، وقد يكون مذموماً منصوراً كالذي قهر وتسلط بباطل، وقد يكون محموداً منصوراً كالذي تمكن وملك بحق. والمشرك المتعلق بغير الله قسمه أردأ الأقسام الأربعة، لا محمود ولا منصور.
المفسد الرابع - الطعام:
والمفسد له من ذلك نوعان:
أحدهما: ما يفسده لعينه وذاته كالمحرمات. وهي نوعان:
محرمات لحق الله: كالميتة والدم، ولحم الخنزير، وذي الناب من السباع والمخلب من الطير.
ومحرمات لحق العباد: كالمسروق والمغصوب والمنهوب، وما أخذ بغير رضا صاحبه، إما قهرا وإما حياء وتذمما.
والثاني: ما يفسده بقدره وتعدي حده، كالإسراف في الحلال، والشبع المفرط ، فإنه يثقله عن الطاعات ، وقوى عليه مواد الشهوة، وطرق مجاري الشيطان ووسعها، فإنه يجري من ابن آدم مجرى الدم. فالصوم يضيق مجاريه ويسد طرقه، والشبع يطرقها ويوسعها. ومن أكل كثيرا شرب كثيرا فنام كثيرا فخسر كثيرا. وفي الحديث المشهور: " ما ملأ آدمي وعاء شرا من بطنه ، بحسب ابن آدم لقيمات يقمن صلبه. فإن كان لابد فاعلا فثلث لطعامه، وثلث لشرابه، وثلث لنفسه "45 .
المفسد الخامس- كثرة النوم:
فإنه يميت القلب، ويثقل البدن، ويضيع الوقت، ويورث كثرة الغفلة والكسل. ومنه المكروه جدا، ومنه الضار غير النافع للبدن.
وأنفع النوم: ما كان عند شدة الحاجة إليه. ونوم أول الليل أحمد وأنفع من آخره ، ونوم وسط النهار أنفع من طرفيه. وكلما قرب النوم من الطرفين قل نفعه، وكثر ضرره، ولاسيما نوم العصر. والنوم أول النهار إلا لسهران.(1/36)
ومن المكروه عندهم: النوم بين صلاة الصبح وطلوع الشمس؟ فإنه وقت غنيمة، وللسير ذلك الوقت عند السالكين مزية عظيمة حتى لو ساروا طول ليلهم لم يسمحوا بالقعود عن السير ذلك الوقت حتى تطلع الشمس، فإنه أول النهار ومفتاحه، ووقت نزول ا لأرزاق، وحصول القسم، وحلول البركة. ومنه ينشأ النهار، وينسحب حكم جميعه علي حكم تلك الحصة. فينبغي أن يكون نومها كنوم المضطر.
بالجملة فأعدل النوم وأنفعه: نوم نصف الليل الأول، وسدسه الأخير، وهو مقدار ثماني ساعات. وهذا أعدل النوم عند الأطباء، وما زاد عليه أو نقص منه أثر عندهم في الطبيعة انحرافا بحسبه.
ومن النوم الذي لا ينفع أيضا: النوم أول الليل، عقيب غروب الشمس حتى تذهب فحمة العشاء. وكان رسول الله يكرهه. فهو مكروه شرعا وطبعا. والله المستعان.
الموضوع الثالث
تأملات في آيات من كتاب الله
بسم الله الرحمن الرحيم
في ظلال آية ... لحظات إيمانية
في ظلال آية ...التفاته إلى كتاب الله
في ظلال آية ... تفكر في كلام الله
في ظلال آية ... لتطمئن القلوب الحائرة بذكر الله ...
قال تعالى: ? أَلاَ بِذِكْرِ اللّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ ? ]الرعد:22[ , وترسو النفوس الحائرة على شواطئ الإيمان الآمنة...
في ظلال آية ... جرعة إيمانية نتناول فيها آية من كتاب الله نتفيأ ظلالها الوارفة ونستنير بهديها المنير ونسير على صراطها القويم ونتفكر في معانيها السامية و مضامينها الإيمانية... نقرأ كلام المفسرين حولها لنفهم مراد الله منها فليس كمثل كلام كلام وليس بعد بيانه بيان.
فلنبدأ بعون الله ...
الآية الأولى
يقول الله تعالى : ? وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالاً مُّبِيناً ? ] الأحزاب : 36[ .(1/37)
هذه الآية من آيات البلاء و الامتحان والتمحيص ، تضع المؤمن على المحك الحقيقي لإيمانه ليتميز الصادق من الدعي ، والكيّس من العاجز... يالها من آية عظيمة تكشف حقيقة الإيمان عندما يصطدم أمر الشرع مع هوى النفس وعندما يكون أمر الله ورسوله في كفة وحظوظ النفس وشهواتها في كفة.
كلنا نحب الإسلام ... وكلنا نحب رسول الله صلى الله عليه وسلم ... وكلنا نطمع في رضوان الله ... وكلنا يتمنى أن يكون مؤمناً صادق الإيمان. ولكن هل المسألة بالتمني والإدعاء أم بالعمل والإخلاص ، هل نريد الإيمان بلا عمل ونرجوه بلا ثمن ؟! ألا إن سلعة الله غالية ألا إن سلعة الله هي الجنة.
أخي الكريم/ أختي الكريمة : إنها أية تستحق منا التوقف عندها وتأمل كلماتها واستيعاب مدلولاتها ثم مقارنتها بالواقع الذي نحياه والنهج الذي نعيشه. إن هذه الآية تحمل معنى الإسلام ألا وهو الاستسلام لله و الانقياد له والخضوع له بالطاعة . فهو استسلام وانقياد وخضوع ولا مجال فيه للاختيار بين قبول ورفض ولا بين أخذ ورد. إذا جاء أمر الله ورسوله في مسألة من المسائل فليس غير السمع والطاعة. لا اعتبار وقتها لهوى النفس ولا لعادات المجتمع ولا لأي اعتبار آخر ، هذا هو معنى الاستسلام لله و الانقياد له أما إذا تخيرنا من شرع الله ما يوافق أهواءنا ورغباتنا وعاداتنا وجئنا به على أنه دين خالص لله وفي نفس الوقت تركنا ما يخالف أهواءنا وعاداتنا وتقاليدنا بحجج واهية وأعذار ملفقة فذلك هي الخيرة التي لم يرتضيها لنا ربنا سبحانه وتعالى بنص الآية الكريمة.(1/38)
إن رسول الله صلى الله عليه وسلم المبلغ عن ربه تبارك وتعالى كما أمرنا بالصلاة والصيام والزكاة أمرنا بغض البصر وحفظ الفرج وصلاة الجماعة وطاعة الوالدين وصلة الأرحام وإرخاء اللحى وحجاب النساء ونهانا عن الغيبة والنميمة وأكل الربا والإسبال وأذى الجار وسماع الغناء وغيرها من الأوامر والنواهي مما لا يخفى على مسلم ولا مسلمة . فليقف أخي الكريم كل منا مع نفسه وقفة محاسبة في ساعة صدق مع النفس وليسأل نفسه : هل أنا ممن يأخذ من دين الله ما يوافق هواه ويترك ماعدا ذلك ؟ فمن وجد خيراً فليحمد الله وليسأله الثبات ومن وجد غير ذلك فليثب إلى رشده وليقصر نفسه على الحق قسراً. فالأمر جد لا هزل فيه وحق لا مراء فيه. والموعد: يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم، والموعود: جنة نعيم أو عذاب مقيم. اللهم إنا نسألك عملاً صالحاً ونية صادقة وقلباً خاشعاً ولساناً ذاكراً وعلماً نافعاً ، اللهم إنا نسألك الإخلاص في القول والعمل وحسن القصد والتوكل وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
الآية الثانية
يقول الله تعالى : ? ذَلِكَ بِأَنَّ اللّهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّراً نِّعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَى قَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنفُسِهِمْ وَأَنَّ اللّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ? ]الأنفال:53 [.(1/39)
إن لله تعالى سنناً لا تتغير وقوانين لا تتبدل : سنة الله التي قد خلت من قبل ولن تجد لسنة الله تبديلاً . وهذه سنة وقاعدة اجتماعية سنها الله تعالى ليسير عليها الكون وتنتظم عليها أسس البنيان: إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم : أي أن الله تبارك وتعالى إذا أنعم على قوم بالأمن والعزة والرزق والتمكين في الأرض فإنه سبحانه وتعالى لا يزيل نعمه عنهم ولا يسلبهم إياها إلا إذا بدلوا أحوالهم وكفروا بأنعم الله ونقضوا عهده وارتكبوا ما حرم عليهم. هذا عهد الله ومن أوفى بعهده من الله ؟ فإذا فعلوا ذلك لم يكن لهم عند الله عهد ولا ميثاق فجرت عليهم سنة الله التي لا تتغير ولا تتبدل فإذا بالأمن يتحول إلى خوف والغنى يتبدل إلى فقر والعزة تؤول إلى ذلةٍ والتمكين إلى هوان.(1/40)
أيها الأخ الكريم إن المتأمل اليوم في حال أمة الإسلام وما أصابها من الضعف والهوان وما سلط عليها من الذل والصغار على أيدي أعدائها بعد أن كانت بالأمس أمة مهيبة الجناح مصونة الذمار ليرى بعين الحقيقة السبب في ذلك كله رؤيا العين للشمس في رابعة النهار. يرى أمةً أسرفت على نفسها كثيراً وتمادت في طغيانها أمداً بعيداً واغترت بحلم الله وعفوه وحسبت أن ذلك من رضى الله عنها ونسيت أن الله يمهل ولا يهمل ، وما الأمة إلا مجموعة أفراد من ضمنهم أنا وأنت . تجول أخي الحبيب في ديار الإسلام (إلا من رحم الله) واخبرني ماذا بقي من المحرمات لم يرتكب وماذا بقي من الفواحش لم يذاع ويعلن ، الربا صروحه في كل مكان قد شيدت وحصنت حرباً على الله ورسوله، والزنا بيوته قد أعلنت وتزينت في كل شارع وناصية، والسفور قد حل محل الستر والزنا قد حل محل الطهر والعفاف. والخمر ( أم الخبائث) صارت لها مصانع ومتاجر. المعروف أصبح منكراً والمنكر غدا معروفاً. أرتفع الغناء (صوت الشيطان) ووضع القرآن (كلام الرحمن). حكمٌ بغير ما أنزل الله وقوانين ما أنزل الله بها من سلطان. وقبل ذلك كله تخلينا عن الجهاد وركنا إلى الدنيا وتبايعنا بالعينة وتتبعنا أذناب البقر ، أفبعد هذا نرجوا نصر الله وعزته وتمكينه ؟ أبعد هذا نتساءل لماذا حل بنا هذا الهوان ؟ أفبعد هذا نستغرب ما أصابنا من الذل على أيدي أعدائنا من شرار الخلق من اليهود والنصارى والهندوس والبوذيين وغيرهم؟ نعم والله إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم .. إننا لن نخرج مما نحن فيه من الذل والصغار ولن ننال العزة والكرامة إلا إذا عدنا إلى ديننا وتمسكنا بإسلامنا فكما قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه : " نحن قوم أعزنا الله بالإسلام فإن ابتغينا العزة بغيره أذلنا الله ".(1/41)
أخي الكريم/أختي الكريمة : إن الأمة لن تتغير إلا إذا تغير أفرادها , إلا إذا غيرت أنا وأنت وهو وهي ، إذا غيرنا أسلوب حياتنا بما يوافق شرع الله وقلنا لربنا سمعاً وطاعة واتبعنا هدي نبينا عليه الصلاة والسلام : ? وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا ?. عندها نصبح أفراداً وأمة أهلاً لموعود الله بأن يغير الله ذلنا إلى عزة وضعفنا إلى قوة وهواننا إلى تمكين. نسأل الله العظيم رب العرش العظيم أن يردنا جميعاً إلى دينه مرداً حسناً وأن يلهمنا رشدنا ويفقهنا في ديننا ويرينا الحق حقاً ويرزقنا اتباعه والباطل باطلاً ويرزقنا اجتنابه وأن يمكن لأمة الإسلام ويعيد لها عزتها ومكانتها وأن ينصرها على أعدائها إنه سميع مجيب. وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
الآية الثالثة
يقول الله تعالى : ? يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا يَسْخَرْ قَومٌ مِّن قَوْمٍ عَسَى أَن يَكُونُوا خَيْراً مِّنْهُمْ وَلا نِسَاء مِّن نِّسَاء عَسَى أَن يَكُنَّ خَيْراً مِّنْهُنَّ وَلا تَلْمِزُوا أَنفُسَكُمْ ولا تَنَابَزُوا بِالألْقَابِ بِئْسَ الاِسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الإيمَانِ وَمَن لَّمْ يَتُبْ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ ? ]الحجرات :11[ .(1/42)
سبحان الله العظيم ... الذي يرى حالنا لا يكاد يصدق أن هذه آية في قرآننا نزلت علينا نحن المسلمين بكل ما تحمل من تحذير ونهي شديد عن هذه السلوكيات الذميمة ولا يكاد يصدق أننا نتلوها فلا نتأملها وتطرق أسماعنا ولكن لا نعيها بكل أسف. أقول لا يكاد يصدق وهو يرى ما نحن فيه من مخالفة صريحة لهذا النهي الإلهي فهاهم المسلمون يسخر بعضهم من بعض وينتقص بعضهم بعضاً ، كل أهل بلد يرون أنهم أفضل من أهل البلاد الأخرى ، وكل أبناء قبيلة يرون أنهم أفضل من بقية القبائل الأخرى. ومن هنا تنشأ السخرية والتعالي والنظرة المتنقصة وكثيرا ما نسمع كلمات الهمز واللمز والنكت والتعليقات الجارحة تطلق على قبيلة أو قبائل معينة أو على جنسية من الجنسيات ، فجماعة تسخرون من جماعة أخرى ويطلقون عليهم النكات والتعليقات التي يتهمونهم فيها بالغباء ، وآخرون يعتبرون أنفسهم أفضل من أهل البلد الفلاني لأنهم أغنى منهم وأولئك فقراء وأولئك يسخرون من هؤلاء بأنهم بدو جهلة غير متعلمين وآخرون ينتقصون أقواماً بسبب أنهم يرون أنهم أفضل منهم حسباً ونسباً وآخرون يسخرون من أناس بسبب ألوانهم وغيرها من المسببات الواهية التي لا تولد إلا الكره والبغض والحقد و الحزازيات التي تزيد الفرقة وتشق الصف وتورث البغضاء بين المسلمين الذين ينبغي أن يكونوا أمة واحدة على قلب رجل واحد يسعى بذمتهم أدناهم.(1/43)
ونظراً لأن هذا الأمر خطير وأن عاقبتهم سيئة فقد حذرنا ربنا تبارك وتعالى منه ونادانا بنداء الإيمان ? يا أيها الذين آمنوا ? : نداء تلطف ورحمة أي يا من اتصفتم بهذه الصفة العظيمة التي اجتمعتم عليها و انطويت تحت لوائها صفة الإيمان لا الحسب ولا النسب ولا المال ولا الجاه ولا اللون ولا غيرها ? لا يسخر قوم من قوم عسى أن يكونوا خيراً ? أي لا يهزأ جماعة بجماعة ، ولا يسخر أحد من أحد فقد يكون المسخور منه خيراً عند الله من الساخر? ولا نساءٌ من نساءٍ عسى أن يكن خيراً منهن ? وأيضا لا يسخر نساءٌ من نساءٍ فعسى أن تكون المحتقرة خيراً عند الله وأفضل من الساخرة ? ولا تلمزوا أنفسكم ولا تنابزوا بالألقاب ? أي ولا يعب بعضكم بعضا ولا يدع بعضكم بعضاً بلقب السوء وإنما قال أنفسكم لأن المسلمين كنفس واحدة ? بئس الاسم الفسوق بعد الإيمان? أي بئس أن يسمى الإنسان فاسقاً بعد أن صار مؤمناً، قال البيضاوي وفي الآية دليل على أن التنابز فسق وأن الجمع بينه وبين الإيمان مستقبح وفي الحديث : " يا من آمن بلسانه ولم يفض الإيمان إلى قلبه لا تغتابوا المسلمين ولا تتبعوا عوراتهم , فإنه من يتبع عورة أخيه يتبع الله عورته ومن يتّبع الله عورته يفضحه ولو في جوف بيته"46 . و ختم الآية بقوله تعالى : ? ومن لم يتب فأولئك هم الظالمون ? أي ومن لم يتب عن اللمز والتنابز فأولئك هم الظالمون حيث أنهم قد ظلموا أنفسهم بتعريضها للعذاب بسبب إقحامها في معصية الله وارتكاب ما حرم عليها. نسأل الله العظيم رب العرش الكريم أن يحرم أجسادنا وأجسادكم ولحومنا ولحومكم على النار وأن يعف ألسنتنا عن أعراض المسلمين وأن يحفظ ألسنتنا من الغيبة والنميمة ومساوئ الأخلاق وأن يعفو عن خطأنا ونسياننا وأن يلهمنا رشدنا ويغفر ذنوبنا ويستر عيوبنا في الدنيا والآخرة. وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
الآية الرابعة(1/44)
يقول الله تعالى : ? الم . أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُتْرَكُوا أَن يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ . وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ ? ] العنكبوت : 1-3[ .
نعم أننا نحسب أننا لا نفتن ! إن لم يكن هذا بلسان المقال فلسان الحال يقول ذلك ، والدليل على ذلك أن أعمالنا ( إلا من رحم الله ) لا تدل على أننا نخشى أن نفتن في ديننا ولم يظهر علينا أننا قد أعددنا العدة لذلك ، لذا فإن هذه الآية تقشعر لها جلود الذين يخشون ربهم ، كيف لا ؟ فمن منا يأمن أن لا يخذله إيمانه ساعة أن يفتن فيزل ويخسر دينه و آخرته ويكون والعياذ بالله من الخاسرين وذلك هو الخسران المبين . أخي الكريم أنه لا منجي من الفتنة إلا الإيمان بالله والصدق في التوجه والقصد والإخلاص لله تعالى و الاستعداد لتحمل المشاق في سبيل ذلك والتضحية بالغالي والنفيس من أجل هذه العقيدة التي تحملها بين جنبيك ولو كان الثمن روحك التي هي أغلى لديك من كل شيء.(1/45)
ولأن الجائزة هي الجنة ، والجنة غالية فلا بد أن يكون الثمن غالٍ ولا يمكن أن ينالها إلا من يستحقها وقد قضى الله سبحانه تعالى على عباده أن يمتحنهم فيكافئ صادقي الإيمان بالجنة ويبعد أصحاب الهوى والشهوة وعباد الدنيا عنها وهذا الابتلاء والتمحيص و الاختبار هو المدار الذي تدور عليه الحياة قال تعالى : ? تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ * الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ ? ] الملك : 1-2[ . والشاهد قوله : ليبلوكم أي ليمتحنكم و ليمحصكم . قد يكون هذا الابتلاء في الحياة الدنيا بالفتن : فتنة المال أو فتنة النساء أو فتنة الأبناء أو فتنة المنصب أو الجاه وقد يكون الابتلاء بالتباس الحق بالباطل فلا يستطيع ضعيف الإيمان أن يفرق بينهما فيقع في الباطل ويزل أو قد يكون الافتتان ساعة الاحتضار حينما يتهيأ الشيطان للإنسان على هيئة أمه أو أبيه -كما ورد في الحديث - ويحاول أن يصرفه عن دينه يقول له أنا أبوك مت على النصرانية أو اليهودية فهي الدين الحق ولا يزال به حتى يصرفه عن الدين الحق فإن كان ضعيف الإيمان فقد يموت على غير دين الإسلام والعياذ بالله.(1/46)
ونعود الآن إلى تفسير الآيات : ألم : وتقرأ : ألف لآم ميم : والحروف المتقطعة في أوائل السور تأتي للتنبه على إعجاز القرآن. ? أحسب الناس أن يتركوا أن يقولوا آمنا وهم لا يفتنون ? استفهام إنكاري أي أظن الناس أن يتركوا من غير افتتنان لمجرد قولهم باللسان آمنا ؟ كلا لابد من الابتلاء والتمحيص. وفي بيان هذا الأمر تطمين للمؤمنين كي يوطنوا أنفسهم على الصبر على البلاء والأذى وأن يثبتوا على الإيمان. ? ولقد فتنا الذين من قبلهم ? أي ولقد اختبرنا وامتحنا من سبقهم بأنواع التكاليف والمصائب والمحن ، قال البيضاوي : والمعنى أن ذلك سنة قديمة ، جارية في الأمم كلها ، فلا ينبغي أن يتوقع خلافه. ? فليعلمن الله الذين صدقوا وليعلمن الكاذبين ? أي فليميزن الله بين الصادقين في دعوى الإيمان وبين الكاذبين .
فماذا أعددت يا عبدالله لهذا الامتحان الذي هو آتٍ لا محالة ؟
- هل أعددت له إيماناً راسخاً كرسوخ الجبال ؟
- أم أعددت له يقيناً صادقاً صلباً كالحديد لا يلين ؟
- أم هل أعددت لذلك الامتحان قلباً عامراً بذكر الله مشرقاً بنور القرآن ولساناً تالياً لآيات الله آناء الليل وأطراف النهار؟
- أم قد استعديت له بصيام الهواجر وقيام الليل ؟
- أم بالصدقة والسعي على الفقراء والأرامل والأيتام والمحتاجين ؟
إذا كان هذا شأنك فهنيئاً لك بالنجاح والفوز بالجنة إن شاء الله ، وإن لم يكن عندك شيء من ذلك فتدارك نفسك فإنك على خطر عظيم.
اسأل الله العظيم رب العرش الكريم أن يمن علينا بعمل صالح يرضيه عنا ويكتب لنا به النجاة من عذابه والفوز بجناته وأن يثبتنا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة وأن يرينا الحق حقاً ويزقنا اتباعه وأن يرينا الباطل باطلاً ويرزقنا اجتنابه وأن لا يجعله ملتبساً علينا فنضل إنه ولي ذلك والقادر عليه. وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
الآية الخامسة(1/47)
يقول الله تعالى : ? لاَ يَغُرَّنَّكَ تَقَلُّبُ الَّذِينَ كَفَرُواْ فِي الْبِلاَدِ * مَتَاعٌ قَلِيلٌ ثُمَّ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمِهَادُ * لَكِنِ الَّذِينَ اتَّقَوْاْ رَبَّهُمْ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا نُزُلاً مِّنْ عِندِ اللّهِ وَمَا عِندَ اللّهِ خَيْرٌ لِّلأَبْرَارِ ? ] آل عمران : 196- 198[ .
حينما يتسلل الإحباط واليأس إلى نفس المؤمن وهو يرى ما عليه الكفار اليوم من التمكين في الأرض و ما يملكونه من القوة والهيمنة ، وعندما يرى جيوشهم وعددهم وعتادهم، ويرى صناعاتهم وتقنيتهم فينتابه شعور بالنقص إزاء ما حققه القوم من رقي وتقدم في عالم الحضارة والمدنية ويصبح متأرجح التفكير في حاضر ماثل للعيان يجسد ضعف أمة الإسلام وهوانها بين الأمم ، تأتي هذه الآية الحكيمة كالبلسم الشافي تعيد إلى نفس المؤمن توازنها وتشعره بالعزة وتضع الأمور في نصابها في بيان حقيقة ومصير أولئك القوم ومآلهم الذين سيصيرون إليه فتتحقق له الطمأنينة و يستشعر عزة الإسلام ونعمة الإيمان التي أمتن الله بها عليه يوم أن جعله مؤمناً بالله موحداً له ومنزهاً له عن الشرك.(1/48)
إنهم مهما بلغوا من الرقي ومن التطور ومهما ملكوا من الدنيا فإنه ... ? متاع قليل ? هكذا سماه رب العالمين العليم الخبير .. متاع وقليل أيضا .. نعم إنه متاع إذا ما قورن بنعيم الآخرة الذي سيحرمون منه . إنهم حازوا الدنيا بأكملها جوها وبرها وبحرها وبسطوا نفوذهم على أقطارها وتنعموا بملذاتها وتمتعوا بشهواتها دون ما منغصات أو كوارث ، إنهم عمروا فيها مئات السنين ! ثم ماذا بعد ذلك ؟ جهنم وبئس المهاد ! أليس إذن ما كانوا فيه إنما هو مجرد متاع قليل سرعان ما تذهب لذته وتزول شهوته .. لقد خسروا بكفرهم كل شيء ولن يغني عنهم ما هم فيه في الدنيا شيئاً يوم القيامة ، يقول تعالى: ? إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ وَمَاتُواْ وَهُمْ كُفَّارٌ فَلَن يُقْبَلَ مِنْ أَحَدِهِم مِّلْءُ الأرْضِ ذَهَبًا وَلَوِ افْتَدَى بِهِ أُوْلَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ وَمَا لَهُم مِّن نَّاصِرِينَ ?] آل عمران : 91[ ويقول تعالى : ? ولو أن للذين ظلموا ما في الأرض جميعاً ومثله معه لافتدوا به من سوء العذاب يوم القيامة وبدا لهم من الله ما لم يكونوا يحتسبون? ] الزمر: 47[ . فبعد هذا يغبطهم عاقل على ما هم فيه من التنعم ورغد العيش وما هم فيه من القوة والسيطرة والتمكين رغم ما يشوب ذلك كله من المنغصات والمكدرات ؟! وهذا ليس من قبيل الدعوة إلى الركون و إلى الكسل والدعة والتخاذل عن السعي للكسب ولعمارة الأرض ولكن القصد منه رفع معنويات المؤمن وتبصيره بحقيقة الأمور وأنه أعز وأكرم عند الله وإن ناله شيء من الذل والهوان والضعف في الحياة الدنيا.(1/49)
إن الحياة الحقيقية هي حياة الآخرة وأن النعيم الحقيقي هو نعيم الجنة والفوز الحقيقي هو الفوز بالجنة والنجاة من النار فمن زحزح عن النار وأدخل الجنة فقد فاز وما الحياة الدنيا إلا متاع الغرور. ثم تُختم الآية الكريمة بما تنشرح له نفوس المؤمنين وتسر أفئدتهم له وتزهدهم بما في أيدي أعدائهم وتزيدهم شوقاُ إلى ما عند الله والدار الآخرة وتحفزهم على العمل من أجل النعيم الحقيقي في الحياة الحقيقية فيقول تعالى : ? لَكِنِ الَّذِينَ اتَّقَوْاْ رَبَّهُمْ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا نُزُلاً مِّنْ عِندِ اللّهِ وَمَا عِندَ اللّهِ خَيْرٌ لِّلأَبْرَار ?] آل عمران : 198[ رضينا ربنا رضينا .. اللهم لا عيش إلا عيش الآخرة ولا حياة إلا حياة الآخرة . اللهم اجعلنا من أبناء الآخرة ممن لا خوف عليهم ولاهم يحزنون وارزقنا اللهم من العمل ما تبلغنا به جنتك ومن اليقين ما تهون به علينا مصائب الدنيا ومتعنا اللهم بأسماعنا وأبصارنا وقواتنا أبداً ما أحييتنا وأجعله الوارث منا . وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
الآية السادسة
يقول الله تعالى : ? لا تَجْعَلُوا دُعَاء الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَاء بَعْضِكُم بَعْضاً قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الَّذِينَ يَتَسَلَّلُونَ مِنكُمْ لِوَاذاً فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ? ]النور : 63[ .(1/50)
كم قرأنا هذه الآية في كتاب الله وكم سمعناها؟ ولكن هل وعيناها؟ وهل تنبهنا إلى ما فيها من تحذير ؟ نعم .. إنه تحذير شديد اللهجة ، مصدره ليس أحد من البشر ولا حتى نبي من الأنبياء بل هو صادر عن رب العالمين تبارك وتعالى ، ومن ماذا يحذرنا ؟ إنه يحذرنا من مخالفة أمر نبيه محمد صلى الله عليه وسلم. فللنظر كيف تعاملنا مع هذا التحذير الإلهي العظيم! وكيف كان موقفنا منه ؟ هل توقفنا عن مخالفة أمر الرسول صلى الله عليه وسلم وهل اتبعنا هديه في كل ما جاء به ؟ فوقفنا عند حدود ما نهى عنه وامتثلنا بما أمر به ؟ وقبل الجواب على هذا السؤال دعونا نجري مقارنة بسيطة : تسير بسيارتك في الطريق فإذا بلوحة مكتوب عليها تحذير : منعطف خطير ! فهل تستمر أم تهدئ من سرعتك حتى لا تقع في المنحدر ؟ مثال آخر : تجد لوحة مكتوب عليها تحذير : خطر تيار عال ! فهل تقترب منه وتلمسه بيدك ؟! كلا ..
إذن ما بالنا أخي في الله نقرأ تحذير علام الغيوب الذي لا تخفى عليه خافية في الأرض ولا في السماء ومع ذلك نصم آذاننا ونغمض عيوننا ونستمر في طريقنا غير آبهين بما حذرنا منه ؟ !! إن هذا لهو الجنون والتهور والسفه ! أما من كان في رأسه ذرة من عقل فإنه بلا شك سيتوقف عند هذا التحذير بدل المرة الواحدة ألفا من المرات.(1/51)
كم من المخالفات لأوامر الرسول صلى الله عليه وسلم في حياتنا اليوم ؟ .. أخي الكريم اسأل نفسك هذا السؤال وحاسبها قبل أن تحاسب واعلم أن المولى تبارك وتعالى ما كان ليحذر من شئ إلا وفيه خطر علينا في دنيانا وأخرانا .. يقول تعالى: ? فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ? ، أي تنزل بهم محنة عظيمة في الدنيا أو ينالهم عذاب شديد في الآخرة. ولعل هذا المخالف يفتتن عند موته ساعة الاحتضار ساعة التمحيص ساعة أن يتسلط عليه الشيطان فلا يصمد أمام هذه الفتنة فيموت على غير شريعة محمد صلى الله عليه وسلم فيختم له بشر فيخسر الخسران المبين ، وقد لا يصمد إذا ما أفتتن في قبره وجاءه الملكان يسألانه من ربك ؟ ما دينك ؟ ومن نبيك ؟ فينهار أمام هذه الفتنة فلا يجيب ... أعاذنا الله وإياكم من فتنة المحيا والممات.
فلابد لكل عقل أن يتفقد نفسه وأن ينظر حوله ويتفحص نهجه وطريقه هل هو موافق لهدي المصطفى صلى الله عليه وسلم أم أنه في وادٍ وهدى خير العباد في وادٍ آخر ؟ الأمر جد خطير والنتيجة لا تظهر إلا في ساعة العسر والشدة فلا يغتر عاقل باستقرار الأمور وهدوء الأحوال فالعبرة بالمآل ومتابعة الصراط المستقيم ، المحجة البيضاء التي أخبرنا الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم أنه تركنا عليها وأنها بيضاء واضحة ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك.
فتش أخي في الله عن أوامر المصطفي صلى الله عليه وسلم في حياتك وانظر كم من المخالفات قد وقعت فيها :
- انظر في صلاتك ! وتذكر قوله صلى الله عليه وسلم : صلوا كما رأيتموني أصلى .
- انظر في هيئتك ، لباسك ؟ كم فيها من المخالفات ما أسفل من الكعبين من الإزار ففي النار .
- تفكر في بصرك : وانظر ماذا نهيت أن تنظر إليه من الحرام.
- تفكر في سمعك : وانظر ماذا نهيت أن تستمع إليه من الحرام.
- تفكر في لسانك: الغيبة النميمة قول الزور.(1/52)
- وهكذا سائر أعمالك وتعاملاتك من بيع وشراء وأخذ وعطاء وتعامل مع الأهل والأرحام والجيران والخدم والسائقين وفي كل أحوالك ..
تفكر في هذه الأمور وحاسب نفسك في ظل هذه الآية واعمل فيها فكرك فما خلق الله لنا العقول إلا لنتفكر بها و نهتدي بها إلى الحق والصواب .
نسأل الله السلامة من كل إثم والفوز بالجنة والنجاة من النار ونسأله أن يجعل أقوالنا وأعمالنا موافقة لهدى المصطفى عليه الصلاة والسلام وأن يجعلنا على هديه سائرين وبسنته متمسكين وعلى أثره مقتفين إنه سميع مجيب .
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
الموضوع الرابع
إحياء سنن مهجورة
بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم و رحمة الله و بركاته ،،
أخوتي و أخواتي .. أصبح حال الأمة يُدمع العينين .. و يندى له الجبين .. و تنفطر منه القلوب .. و كلنا يعرف السبب و لكن يا للعجب .. كلنا نسأل لماذا ؟!! فها هي تلكم الإجابة :
? لا تَجْعَلُوا دُعَاء الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَاء بَعْضِكُم بَعْضًا قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الَّذِينَ يَتَسَلَّلُونَ مِنكُمْ لِوَاذًا فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ? ]النور:63[.
فليحذر من يخالف أمر رسول الله و سنته و يقول إنها أشياء لا فائدة و لا نفع فيها .. أن يصيبه عذاب أليم .. فلنحذر بمخالفتنا لأوامر رسول الله صلى الله عليه و سلم أن تصيبنا فتنة .. و أيما فتنة نحن فيها الآن !!
أمر رسول الله صلى الله عليه و سلم نساء الأمة بعدم التبرج و ها هن تبرجن فأصابتنا الفتن و حل البلاء بالأمة و لن يمكنها الله تعالى و لن ينصرها بوجود هؤلاء الخبيثات على أرضه ..(1/53)
أمرنا رسول الله صلى الله عليه و سلم بأوامر و سنن عدة .. و ها نحن الآن خالفناها لا ذلك فحسب بل ابتدعنا ما لم ينزل به الله سلطاناً و نقول أنه من السنة .. فليتدبر كل ذي عقل ماذا حل بنا ؟!! ألم يحل بالأمة ما لم يكن يحسبه عاقل ؟؟
انظر من حوالي قرن هل كان حال النساء كما هو الآن من الضياع و الفجور إلا من رحم ربي و عصم !! لا والله لقد كن محتشمات لا يخرجن إلا لحاجة ... و لكن عصيان أمر الرسول و الانسياق وراء الأمان و الشعارات الكاذبة أودى بنا إلى فتن كقطع الليل المظلم ... فإنا لله و إنا إليه راجعون ..
و لهذا كان الهدف من هذا الموضوع الصغير .. هو أن نقوم بإحياء أوامر و سنة رسولنا الحبيب صلى الله عليه و سلم .. لعل الله يرفع عنا هذا البلاء .. اللهم آمين ..
و قبل أن نبدأ نعرض عليكم محتويات هذا الموضوع الهام :
1 - فضل إحياء السنن و التبليغ بها
2 - بعض من هذه السنن
فلنبدأ سوياً أخوتي و أخواتي ..
1 - فضل إحياء السنن و التبليغ بها
نورد هنا أخوتي و أخواتي .. بعضاً من أحاديث رسول الله توضح لنا فضل من بلغ عن رسول الله و من عمل بما بلغ .. فإن لهذا لفضل عظيم ..
فعن عبد اللَّه بن عمرو بن العاص رَضِيَ اللَّهُ عَنهُ أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّم قال: " بلغوا عني ولو آية ، وحدثوا عن بني إسرائيل ولا حرج، ومن كذب عليّ متعمداً فليتبوأ مقعده من النار"47.
وعن أبي هريرة رَضِيَ اللَّهُ عَنهُ أن رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّم قال: "من دعا إلى هدىً كان له من الأجر مثل أجور من تبعه لا ينقص ذلك من أجورهم شيئاً"48.
فهيا أخوتي وأخواتي .. نبلغ عن رسولنا الكريم .. سننه و أوامره .. فها هي بعض من هذه السنن لعل الله ينفع بها ..
2 - بعض من هذه السنن
(1) سنن الاستيقاظ من النوم :
1 - مسح أثر النوم عن الوجه باليد
2 - يقرأ العشر آيات الخواتيم من سورة آل عمران(1/54)
لحديث : " استيقظ رسول الله صلى الله عليه و سلم فجلس يمسح النوم عن وجهه بيده ثم قرأ العشر آيات الخواتم من سورة آل عمران .... "49.
3 - الدعاء و هو :
"الحَمْدُ لله الذِي أحْيَانا بَعْدَمَا أمَاتَنَا وإلَيْهِ النَشُور"50 .
4 - السواك :
كان رسول الله صلى الله عليه و سلم إذا قام من النوم يشوص فاه بالسواك51 .
5 - غسل اليدين ثلاثاً :
قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : " إذا استيقظ أحدكم من نومه فليغسل يديه قبل أن يدخلهما في الإناء ثلاثاً ، فإن أحدكم لا يدري أين باتت يده"52 .
(2) ما يقول عند الفزع من النوم :
"أعوذ بكلمات الله التَّامَّة من غضبه وعقابه، وشر عباده، ومن همزات الشياطين وأنْ يحضرون"53 .
(3) الدعاء إذا تقلب ليلاً :
"لا إله إلا الله الواحد القهار، ربُّ السموات والأرض وما بينهما العزيز الغفار"54 .
(4) سنن دخول الخلاء و الخروج منه :
1 - الدخول بالرجل اليسرى و الخروج بالرجل اليمنى .
2 - دعاء دخول الخلاء :
"اللهُمَّ إنّي أعُوذُ بِكَ مِنَ الخُبْثِ والخبائِثِ"55 .
3 - آداب قضاء الحاجة :
* أن يطلب مكاناً خالياً من الناس بعيداً عن أنظارهم
* ألا يرفع ثوبه حتى يدنو من الأرض ستراً لعورته المأمور بها شرعاً
* ألا يجلس للغائط أو البول مستقبل القبلة أو مستدبرها
* ألا يجلس لغائط أو لبول في ظل الناس أو طريقهم أو مياههم أو أشجارهم المثمرة
* ألا يستجمر بعظم أو روث
* ألا يتمسح أو يستنجي بيمينه أو يمس ذكره .
4 - دعاء الخروج من الخلاء : "غُفْرانَكَ"56 .
(5) سنن الوضوء :
1 - التسمية قبل الوضوء بأن يقول : باسم الله ( لا تجهر بها في الخلاء ) .
2 - غسل الكفين ثلاثاً قبل إدخالهما في الإناء إذا استيقظ من نوم .
3 - السواك .
4 - المضمضة .
5 - الاستنشاق و الاستنثار .
6 - الغسل ثلاثاً ثلاثاً إذ الفرض مرة واحدة و التثليث سنة .
7 - مسح الأذنين ظاهراً و باطناً .
8 - تخليل الأصابع في اليدين و الرجلين .(1/55)
9 - التيامن و هو البداية باليمين في غسل اليدين و الرجلين .
10 - أن يبدأ في مسح الرأي بمقدمه إلى قفاه ثم يعود من حيث بدأ .
11 - بعد الفراغ من الوضوء يقول : " أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله ، اللهم اجعلني من التوابين واجعلني من المتطهرين"57
12 - صلاة ركعتين بعد الوضوء لحديث حمران مولى عثمان بن عفان و فيه : و قال : " من توضأ نحو وضوئي هذا ثم صلى ركعتين لا يحدث فيهما نفسه غفر الله له ما تقدم من ذنبه "58
(6) سنن اللباس :
1 - استحباب الثوب الأبيض لحديث رسول الله صلى الله عليه و سلم : " إلبسوا من ثيابكم البياض، فإنها خير ثيابكم و كفنوا فيها موتاكم "59 .
2 - استحباب لبس القميص ( الجلباب ) لحديث : كان أحب الثياب إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم القميص60 .
3 - استحباب تقديم اليمين في كل ما هو من باب التكريم فعن عائشة رضي الله عنها قالت : " كان رسول الله صلى الله عليه و سلم يعجبه التيمن في شأنه كله : في طهوره و ترجله و تنعله "61 .
4 - ما يقول إذا لبس ثوباً جديداً :
"اللَّهُمَّ لَكَ الحَمْدُ أَنْتَ كَسَوتَنِيه،أسْألك مِنْ خَيرِهِ وخَيْرَ ما صُنع لَهُ،وأعُوذُ بِكَ مِنْ شرِّه وشَرَّ ما صُنِعَ لَهُ "62 .
5 - الدعاء لمن لبس ثوباً جديداً :
"إلبِسْ جَدِيداً وعِشْ حميداً ومُتْ شهيداً"63 أو "تُبْلي ويَخْلِفُ الله تعالي"
ينتهي إلى هنا الجزء الأول من هذا الموضوع
نفعنا الله و إياكم بما كتبنا و وفقنا و إياكم إلى تطبيق
سنة الحبيب صلى الله عليه و سلم
الموضوع الخامس
الخشوع في الصلاة
64
بسم الله الرحمن الرحيم
قال النبي صلى الله عليه وسلم : " أول شيء يرفع من هذه الأمة الخشوع ، حتى لا ترى فيها خاشعا "65 .(1/56)
قال بعض السلف : الصلاة كجارية تُهدى إلى ملك الملوك فما الظن بمن يُهدي إليه جارية شلاّء أو عوراء أو عمياء أو مقطوعة اليد والرّجل أو مريضة أو دميمة أو قبيحة ، حتى يهدي إليه جارية ميتة بلا روح .. فكيف بالصلاة يهديها العبد ويتقرب بها إلى ربه تعالى ؟ والله طيب لا يقبل إلا طيبا وليس من العمل الطيب : صلاة لا روح فيها . كما أنّه ليس من العتق الطيب عتق عبد لا روح فيه .
و سنتطرق في هذا الموضوع إلى :
? مقدمة عن الصلاة
? محل الخشوع
? خشوع الايمان وخشوع النفاق
? حكم الخشوع
? فضل الخشوع ووعيد من تركه
? أنواع المصلين
? نماذج للخاشعين
? 33 سببا ً للخشوع فى الصلاة
أولا : الحرص على ما يجلب الخشوع ويقويه ( 18 سبب )
ثانيا : دفع الموانع والشواغل التي تصرف عن الخشوع وتكدر صفوه (15 سبب)
? مقدمة عن الصلاة :
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " حبب إليَّ من دنياكم : النساء و الطيب ، و جعلت قرة عيني في الصلاة "66 .
الصلاة أعظم أركان الدين العملية , والخشوع فيها من المطالب الشرعية , ولما كان عدو الله إبليس قد أخذ العهد على نفسه بإضلال بني آدم وفتنتهم ، وقال : ? ثُمَّ لآتِيَنَّهُم مِّن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَن شَمَآئِلِهِمْ وَلاَ تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ ? ]الأعراف:17[ , صار من أعظم كيده صرف الناس عن الصلاة بشتى الوسائل ، والوسوسة لهم فيها لحرمانهم لذة هذه العبادة وإضاعة أجرهم وثوابهم.
? محل الخشوع :
محل الخشوع هو القلب وثمرته على الجوارح والأعضاء تابعة للقلب فإذا فسد خشوعه بالغفلة والوساوس فسدت عبودية الأعضاء والجوارح فإن القلب كالملك والأعضاء كالجنود له فبه يأتمرون وعن أمره يصدرون فإذا عُزل الملك وتعطّل بفقد القلب لعبوديته ضاعت الرعية وهي الجوارح.
? خشوع الإيمان و خشوع النفاق :(1/57)
قال ابن القيم رحمه الله تعالى مبيّناً الفرق بين خشوع الإيمان وخشوع النفاق : " خشوع الإيمان هو خشوع القلب لله بالتعظيم و الإجلال و الوقار و المهابة و الحياء ، فينكسر القلب لله كسرة ملتئمة من الوجل و الخجل و الحب و الحياء و شهود نعم الله و جناياته هو ، فيخشع القلب لا محالة فيتبعه خشوع الجوارح . و أما خشوع النفاق فيبدو على الجوارح تصنعا وتكلفا والقلب غير خاشع"
قال الفضيل بن عياض : كان يُكره أن يُري الرجل من الخشوع أكثر مما في قلبه . ورأى بعضهم رجلا خاشع المنكبين والبدن فقال : يا فلان ، الخشوع هاهنا وأشار إلى صدره ، لا ها هنا وأشار إلى منكبيه .
يقول أبن القيم : ( في القلب شغف (تفرق أو تمزق) لا يلمه إلا الإقبال على الله ، و في القلب وحشة لا يزيلها إلا الأنس بالله ، و في القلب خوف و قلق لا يذهبه إلا الفرار إلى الله ، و في القلب حسرة لا يطفؤها إلا الرضا بالله عز و جل ) .
? حكم الخشوع :
الراجح في حكم الخشوع أنه واجب . قال شيخ الإسلام رحمه الله تعالى : قال الله تعالى :
? وَاسْتَعِينُواْ بِالصَّبْرِ وَالصَّلاَةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلاَّ عَلَى الْخَاشِعِينَ ? ]البقرة:45[. وهذا يقتضي ذم غير الخاشعين .. والذم لا يكون إلا لترك واجب أو فعل محرّم وإذا كان غير الخاشعين مذمومين دلّ ذلك على وجوب الخشوع ..(1/58)
ويدل على وجوب الخشوع فيها أيضا قوله تعالى : ? قَدْ أَفْلَحَ المُؤْمِنُون * الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خَاشِعُونَ * والَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكَاةِ فَاعِلُون * وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ * إِلاَّ عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ * فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ العَادُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ لأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَوَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ * أُوْلَئِكَ هُمُ الوَارِثُونَ * الَّذِينَ يَرِثُونَ الفِرْدَوْسَ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ ? ]المؤمنون:1-11[.
أخبر سبحانه وتعالى أن هؤلاء هم الذين يرثون فردوس الجنة وذلك يقتضي أنه لا يرثها غيرهم ..
وإذا كان الخشوع في الصلاة واجبا وهو المتضمن للسكون والخشوع (هكذا في الأصل ولعلها الخضوع ) فمن نقر نقر الغراب لم يخشع في سجوده وكذلك من لم يرفع رأسه في الركوع ويستقر قبل أن ينخفض لم يسكن لأن السكون هو الطمأنينة بعينها فمن لم يطمئن لم يسكن ومن لم يسكن لم يخشع في ركوعه ولا في سجوده ومن لم يخشع كان آثما عاصيا ..
ويدل على وجوب الخشوع في الصلاة أن النبي صلى الله عليه وسلم توعد تاركيه كالذي يرفع بصره إلى السماء فإنه حركته ورفعه وهو ضد حال الخاشع ..
? فضل الخشوع و وعيد من تركه :
1. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "خمس صلوات افترضهن الله تعالى ، من أحسن وضوءهن وصلاهن لوقتهن ، وأتم ركوعهن وخشوعهن كان له على الله عهد أن يغفر له ، ومن لم يفعل ، فليس له على الله عهد، إن شاء غفر له وإن شاء عذّبه "67.
2. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "من توضأ فأحسن الوضوء ثم صلى ركعتين يُقبل عليهما بقلبه ووجهه [ وفي رواية : لا يحدّث فيهما نفسه ] غفر له ما تقدّم من ذنبه [ وفي رواية إلا وجبت له الجنة ] "68 .(1/59)
3. وعن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن أسوأ الناس سرقة الذي يسرق من صلاته" قالوا: يا رسول الله وكيف يسرق من صلاته؟ قال: "لا يتم ركوعها ولا سجودها"69.
4. ومن فوائد الخشوع أنه يخفف أمر الصلاة على العبد قال تعالى : ? وَاسْتَعِينُواْ بِالصَّبْرِ وَالصَّلاَةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلاَّ عَلَى الْخَاشِعِينَ ? ]البقرة:45[. والمعنى : أي مشقة الصلاة ثقيلة إلا على الخاشعين70 .
5. قوله صلى الله عليه و سلم : " ما من امرئ مسلم تحضره صلاة مكتوبة فيحسن وضوءها و خشوعها و ركوعها ، إلا كانت كفارة لما قبلها من الذنوب ما لم تؤت كبيرة ، و ذلك الدهر كله "71 .
6. أن الأجر المكتوب بحسب الخشوع كما قال صلى الله عليه وسلم : " إن العبد ليصلي الصلاة ما يُكتب له منها إلا عشرها ، تسعها ، ثمنها ، سبعها ، سدسها ، خمسها ، ربعها ، ثلثها ، نصفها "72 .
7. يقول الإمام الغزالي : ( إن الرجل ليسجد السجدة يظن إنه تقرب بها لله عز و جل و والله إن ذنب هذه السجدة لو وزع على أهل بلدته لهلكوا ،قيل كيف تقول هذا ، قال يسجد برأسه بين يد مولاه و قلبه منشغل باللهو و المعاصي و الشهوات و حب الدنيا فأي سجدة لله هذه ).
? أنواع المصلين :
الناس في الصلاة على مراتب خمسة:
أحدها : مرتبة الظالم لنفسه المفرط ، وهو الذي انتقص من وضوئها ومواقيتها وحدودها وأركانها : معاقب .
الثاني : من يحافظ على مواقيتها وحدودها وأركانها الظاهرة ووضوئها ، لكنه قد ضيّع مجاهدة نفسه في الوسوسة ، فذهب مع الوساوس والأفكار : محاسب على صلاته حسابا ً شديدا ً .
الثالث : من حافظ على حدودها وأركانها وجاهد نفسه في دفع الوساوس والأفكار ، فهو مشغول بمجاهدة عدوه لئلا يسرق صلاته ، فهو في صلاة وجهاد : هو في صلاة جهاد وله أجران أجر الصلاة فيما خشع فيه و أجر مجاهدة الشيطان .(1/60)
الرابع : من إذا قام إلى الصلاة أكمل حقوقها وأركانها وحدودها ، واستغرق قلبه مراعاة حدودها وحقوقها لئلا يضيع شيئا منها ، بل همه كله مصروف إلى إقامتها كما ينبغي وإكمالها وإتمامها ، قد استغرق قلبه شأن الصلاة وعبودية ربه تبارك وتعالى فيها : مثاب .
الخامس : من إذا قام إلى الصلاة قام إليها كذلك ، ولكن مع هذا قد أخذ قلبه ووضعه بين يدي ربه عز وجل ، ناظرا بقلبه إليه ، مراقبا له ، ممتلئا من محبته وعظمته ، كأنه يراه ويشاهده، وقد اضمحلت تلك الوساوس والخطرات ، وارتفعت حجبها بينه وبين ربه ، فهذا بينه وبين غيره في الصلاة أعظم مما بين السماء والأرض ، وهذا في صلاته مشغول بربه عز وجل قرير العين به : مقرب من ربه .
? نماذج للخاشعين :
* عروة ابن الزبير (هو ابن الزبير ابن العوام و خالته السيدة خديجة) أصاب قدمه السرطان قالوا له لابد أن تقطع قدمك ، قالوا له نسقيك المسكر ،قال لا أستعين بغضب الله على طاعة الله ، فقالوا نسقيك المرقد (شئ ينيم) ،فقال لا أحب أن يسلب جزء من أعضائي و أنا نائم ، قالوا فنأتي بالرجال تمسكك ، قال أنا أعينكم على نفسي ، قيل له كيف ، قال دعوني أصلي فإذا وجدتني لا أتحرك و قد سكنت جوارحي و استقرت فأنظرني حتى أسجد فإذا سجدت فما عدت في الدنيا فافعلوا ما شئتم ، يقولون جاء الطبيب فأنتظره لما سجد فأتى بالمنشار يقطع القدم يعرق الرجل ولا يصرخ نسمعه وهو يقول لا إله إلا الله لا إله إلا الله رضيت بالله ربا و بالإسلام دينا و بمحمد نبي و رسولا حتى أغشى عليه ولم يصرخ صرخة ،فلما أفاق أتوه بقدمه فنظر إليها و قال :أقسم بالله إني ما مشيت عليك إلى حرام و يعلم الله كم وقفت عليك في الليل قائما لله ،فقال له أحد أصحابه يا عروة أبشر جزء من جسدك سبقك إلى الجنة ،فقال والله ما عزني أحد أفضل من هذا العزاء.(1/61)
* كان الحسن بن علي إذا دخل في الصلاة يجدونه يرتعد و يتزلزل و يتلون وجهه ، فيقولوا له لماذا يحدث لك ذلك ، فيقول أتدرون بين يدي من أكون الآن.
* الإمام علي بن أبي طالب كرم الله وجهه إذا توضئ يرتجف ، فيقولوا له يا أمير المؤمنين لماذا ترتجف كلما توضأت ، فقال الآن أحمل الأمانة التي عرضت على السماوات و الأرض و الجبال فأبين أن يحملنها و أشفقنا منها و حملتها أنا حملتها أنا.
* سؤل حاتم الأصم كيف تخشع في صلاتك ،فقال أخشع في صلاتي بأن أقوم فأكبر و أتخيل أن الكعبة بين عيني و أن الصراط تحت قدمي و أن الجنة عن يميني وأن النار على شمالي و أن ملك الموت ورأي و أن رسول الله يتأمل صلاتي و أظنها أخر صلاة لي فأكبر لله تعظيما و أقرأ بتدبر و أركع بخضوع و أسجد بخضوع و أجعل في صلاتي الخوف من الله و الرجاء في رحمته ثم أسلم و أقول أتراها قبلت أم لا.
* قال تعالى : ? أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَن تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ ... ? ]الحديد:16[. يقول أبن مسعود لما نزلت ما كان بين إسلامنا و نزول هذه الآية إلا أربعة سنوات فعاتبنا ربنا على قلة خشوعنا فبكينا لمعاتبة الله لنا ،فكنا نخرج نعاتب بعضنا البعض نقول أسمعت قول الله "ألم يأن للذين أمنوا أن تخشع قلوبهم لذكر الله" فيسقط الرجل منا يبكي على نفسه على عتاب الله له.
* يقول الإمام الغزالي أجمع قلبك و أبحث عن قلبك في ثلاث مواطن عند قراءة القران و عند الصلاة و عند ذكر الموت فإن لم تجد لك قلب في هذه الثلاثة فسل الله أن يمن عليك بقلب لك.
قارن بين هذا وبين ما يفعله بعضنا اليوم هذا ينظر في ساعته وآخر يصلح هندامه وثالث يعبث بأنفه ومنهم من يبيع ويشتري في الصلاة وربما عدّ نقوده وبعضهم يتابع الزخارف في السجاد والسقوف أو يحاول التعرّف على من بجانبيه
تُرى لو وقف واحد من هؤلاء بين يدي عظيم من عظماء الدنيا هل يجرؤ على فعل شيء من ذلك ؟؟؟ !!!!(1/62)
? 33 سببا للخشوع في الصلاة :
أولا : الحرص على ما يجلب الخشوع ويقويه : 18 سبب
1) الاستعداد للصلاة والتهيؤ لها : ويحصل ذلك بأمور منها
* الترديد مع المؤذن والإتيان بالدعاء المشروع بعده .
* الدعاء بين الأذان والإقامة .
* إحسان الوضوء والتسمية قبله والذكر والدعاء بعده.
* الاعتناء بالسواك وأخذ الزينة باللباس الحسن النظيف.
* التبكير والمشي إلى المسجد بسكينة ووقار وانتظار الصلاة .
* تسوية الصفوف والتراص فيها .
2) الطمأنينة في الصلاة: " كان النبي صلى الله عليه وسلم يطمئن حتى يرجع كل عظم إلى موضعه "73 , والذي لا يطمئن في صلاته لا يمكن أن يخشع لأن السرعة تذهب بالخشوع ونقر الغراب يذهب بالثواب .
3) تذكر الموت في الصلاة: لقوله صلى الله عليه وسلم : " اذكر الموت في صلاتك، فإن الرجل إذا ذكر الموت في صلاته لحري أن يحسن صلاته ، وصل صلاة رجل لا يظن أنه يصلي غيرها "74 .
4) تدبر الآيات المقروءة وبقية أذكار الصلاة والتفاعل معها والتنويع فيها : ومما يعين على التدبر:
* معرفة تفسير ما يقرأ فيستطيع التفكر فينتج الدمع والتأثر قال الله تعالى : وَالَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ لَمْ يَخِرُّوا عَلَيْهَا صُمًّا وَعُمْيَانًا? ]الفرقان:73[. ولو حتى بمعرفة معانى الكلمات الغريبة .
* ترديد الآيات لانه يعين على التفكر. جاء أنه صلى الله عليه وسلم " قام ليلة بآية يرددها حتى أصبح وهي : ? إِن تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِن تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ? ]المائدة:118[ "75 .
* التفاعل مع الآيات بالتسبيح عند المرور بآيات التسبيح و التعوذ عند المرور بآيات التعوذ..وهكذا. روى حذيفة قال : "صليت مع رسول الله ذات ليلة .. يقرأ مسترسلا ، إذا مر بآية فيها تسبيح سبح و إذا مر بسؤال سأل و إذا مر بتعوذ تعوذ "76 .(1/63)
* حفظ القرآن والأذكار المتنوعة في الأركان المختلفة ليتلوها ويذكرها ليتفكّر فيها.
* التأمين بعد الفاتحة وفيه أجر عظيم ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إذا أمَّنَ الإمام فأمِّنُوا فإنه مَن وافق تأمِينُهُ تأمين الملائكة غُفر له ما تقدم من ذنبه "77 .
* التجاوب مع الإمام في قوله سمع الله لمن حمده فيقول المأموم ربنا ولك الحمد وفيه أجر عظيم فعن رفاعة ابن رافع الزرقي قال : " كنا يوما نصلي وراء النبي صلى الله عليه وسلم فلما رفع رأسه من الركعة قال : سمع الله لمن حمده ، قال رجل وراءه : ربنا ولك الحمد حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه ، فلما انصرف قال : من المتكلم ، قال : أنا ، قال: رأيت بضعة وثلاثين ملكا يبتدرونها أيهم يكتبها أولُ "78 .
5) أن يقطع قراءته آية آية: وذلك أدعى للفهم والتدبر وهي سنة النبي ، فكانت قراءته مفسرة حرفا حرفا.
6) ترتيل القراءة وتحسين الصوت بها: لقوله تعالى : ? ... وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلا ? ]المزمل:4[.، ولقوله صلى الله عليه وسلم : "زينوا القرآن بأصواتكم فإن الصوت الحسن يزيد القرآن حسنا "79.
7) أن يعلم أن الله يجيبه في صلاته: قال صلى الله عليه وسلم : " قال الله عز وجل قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين ولعبدي ما سأل، فإذا قال: الحمد لله رب العالمين قال الله: حمدني عبدي فإذا قال: الرحمن الرحيم، قال الله: أثنى علي عبدي، فإذا قال: مالك يوم الدين، قال الله: مجدني عبدي، فإذا قال: إياك نعبد وإياك نستعين، قال: هذا بيني وبين عبدي ولعبدي ما سأل، فإذا قال: إهدنا الصراط المستقيم، صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين، قال الله: هذا لعبدي ولعبدي ما سأل " , قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إن أحدكم إذا قام يصلي فإنما يناجي ربه فلينظر كيف يناجيه "80 .(1/64)
8) الصلاة إلى سترة والدنو منها: من الأمور المفيدة لتحصيل الخشوع في الصلاة الاهتمام بالسترة والصلاة إليها. وللدنو من السترة فوائد منها:
* كف البصر عما وراءه.
* منع من يجتاز بقربه.
* منع الشيطان من المرور أو التعرض لإفساد الصلاة قال عليه الصلاة والسلام : " إذا صلى أحدكم إلى سترة فليدن منها حتى لا يقطع الشيطان عليه صلاته "81 .
9) وضع اليمنى علىاليسرى على الصدر: كان النبي إذا قام في الصلاة وضع يده اليمنى على اليسرى و كان يضعهما على الصدر ، و الحكمة في هذه الهيئة أنها صفة السائل الذليل وهو أمنع من العبث وأقرب إلى الخشوع.
10) النظر إلى موضع السجود: لما ورد عن عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا صلى طأطأ رأسه و رمى ببصره نحو الأرض، أما إذا جلس للتشهد فإنه ينظر إلى إصبعه المشيرة وهو يحركها كما صح عنه .
مسألة : وهنا سؤال يدور في أذهان بعض المصلين وهو : ما حكم إغماض العينين في الصلاة. خصوصا وأن المرء قد يحس بمزيد من الخشوع إذا فعل ذلك؟
الجواب :السنة عدم الإغماض إلا إذا دعت الحاجة لتلافي أمر يضرّ بالخشوع .
11) تحريك السبابة : وهذا أمر أهمله كثير من المصلين فضلا عن جهلهم بفائدته العظيمة وأثره في الخشوع . قال النبي صلى الله عليه وسلم : " لهي أشد على الشيطان من الحديد "82 ، و الإشارة بالسبابة تذكر العبد بوحدانية الله تعالى والإخلاص في العبادة وهذا أعظم شيء يكرهه الشيطان نعوذ بالله منه والسنة في الإشارة بالسبابة أن تبقى مرفوعة متحرّكة مشيرة إلى القبلة طيلة التشهد .
12) التنويع في السور والآيات والأذكار والأدعية في الصلاة : وهذا يشعر المصلي بتجدد المعاني، ويفيده ورود المضامين المتعددة للآيات والأذكار فالتنويع من السنة وأكمل في الخشوع. وهذا ما يفتقده الذي لا يحفظ إلا عددا محدودا من السور ( وخصوصا قصارها ). وهاهى بعض مما ورد عن النبي لنتمكن من التنويع83 :
من أدعية الاستفتاح :(1/65)
* " اللهم باعد بيني وبين خطاياي كما باعدت بين المشرق والمغرب ، اللهم نقني من خطاياي كما يُنقّى الثوب الأبيض من الدّنس ، اللهم اغسلني من خطاياي بالماء والثلج والبرَد " .
* " وجهت وجهي للذي فطر السموات والأرض حنيفا وما أنا من المشركين ، إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين ، لا شريك له وبذلك أمِرتُ وأنا أول المسلمين " .
* " سبحانك اللهم وبحمدك وتبارك اسمك وتعالى جَدُّك ولا إله غيرك " .
وأذكار ركوعه صلى الله عليه وسلم:
* " سبحان ربي العظيم " .
* " سبحان ربي العظيم وبحمده" .
* " سُبّوح قُدّوس رب الملائكة والروح" .
* " اللهم لك ركعت وبك آمنت ولك أسلمت وعليك توكلت أنت ربي ، خشع سمعي وبصري ودمي ولحمي وعظمي وعصبي لله رب العالمين" .
وفي الرفع من الركوع يقول بعد ( سمع الله لمن حمده ) :
* "ربنا ولك الحمد" .
* "اللهم ربنا (و) لك الحمد" .
* "وكان احيانا ً يضيف ملء السموات وملء الأرض وملء ما شئت من شيء بعد".
* "وتارة يضيف أهل الثناء والمجد ، اللهم لا مانع لما أعطيت ولا معطي لما منعت ، ولا ينفع ذا الجدّ منك الجدّ " .
وفي السجود:
* "سبحان ربي الأعلى" .
* "سبحان ربي الأعلى وبحمده" .
* "سُبّوح قدوس رب الملائكة والروح" .
* "سبحانك اللهم ربنا وبحمدك اللهم اغفر لي" .
* "اللهم لك سجدت وبك آمنت ولك أسلمت ، سجد وجهي للذي خلقه وصوّره وشقّ سمعه وبصره ، تبارك الله أحسن الخالقين" .
فى الجلسة بين السجدتين:
* "رب اغفر لي رب اغفر لي" .
* "اللهم اغفر لي وارحمني واجبرني وارفعني واهدني وعافني وارزقني" .(1/66)
13) أن يأتي بسجود التلاوة إذا مر بموضعه : قال تعالى : ? وَيَخِرُّونَ لِلأَذْقَانِ يَبْكُونَ وَيَزِيدُهُمْ خُشُوعًا ? ]الإسراء:109[ , وقال تعالى : ? إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُ الرَّحْمَن خَرُّوا سُجَّدًا وَبُكِيًّا ? ]مريم:58[، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إذا قرأ ابن آدم السجدة فسجد ، اعتزل الشيطان يبكي ، يقول : يا ويلي، أمر ابن آدم بالسجود فسجد فله الجنة، وأمرت بالسجود فأبيت فلي النار"84 .
14) الاستعاذة بالله من الشيطان : الشيطان عدو لنا ومن عداوته قيامه بالوسوسة للمصلي كي يذهب خشوعه ويلبس عليه صلاته. و الشيطان بمنزلة قاطع الطريق،كلما أراد العبد السير إلى الله تعالى، أراد قطع الطريق عليه، فينبغي للعبد أن يثبت و يصبر، ويلازم ماهو فيه من الذكر و الصلاة و لا يضجر فإنه بملازمة ذلك ينصرف عنه كيد الشيطان ? .. إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفًا ? ]النساء:76[. ولمواجهة كيد الشيطان وإذهاب وسوسته أرشدنا النبي صلى الله عليه وسلم إلى العلاج:
* عن أبي العاص رضي الله عنه قال : " يا رسول الله إن الشيطان قد حال بيني وبين صلاتي وقراءتي يلبِّسها عليّ ، فقال رسول الله صلى عليه وسلم : ذاك شيطان يُقال له خنزب فإذا أحسسته فتعوّذ بالله منه واتفل على يسارك ثلاثا , قال : ففعلت ذلك فأذهبه الله عني . "85 .
* ومن كيد الشيطان للمصلي ما أخبرنا عنه صلى الله عليه وسلم وعن علاجه فقال : " إن أحدكم إذا قام يصلي جاء الشيطان فلبس عليه - يعني خلط عليه صلاته وشككه فيها - حتى لا يدري كم صلى . فإذا وجد ذلك أحدكم فليسجد سجدتين و هو جالس "86 .
* ومن كيده كذلك ما أخبرنا عنه رسول الله صلى الله عليه و سلم بقوله : " إذا كان أحدكم في الصلاة فوجد حركة في دبره أحدث أو لم يحدث ، فأشكل عليه ، فلا ينصرف حتى يسمع صوتا أو يجد ريحا "87 .(1/67)
15) التأمل في حال السلف في صلاتهم: كما ذكرنا من قبل فى نماذج للخاشعين ,, أمثال علي بن أبي طالب والزبير بن العوام .
16) معرفة مزايا الخشوع في الصلاة: كما ذكرنا من قبل في فضل الخشوع والوعيد لمن تركه .
17) الاجتهاد بالدعاء في مواضعه في الصلاة وخصوصا في السجود: قال تعالى : ? ادْعُواْ رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ?]الأعراف:55[ ، وقال نبينا الكريم صلى الله عليه وسلم : " أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد فأكثروا الدعاء "88 .
18) الأذكار الواردة بعد الصلاة: فإنه مما يعين على تثبيت أثر الخشوع في القلب وما حصل من بركة الصلاة.
ثانيًا : دفع الموانع و الشواغل التي تصرف عن الخشوع و تكدر صفوه : 15 سبب
1) إزالة ما يشغل المصلي من المكان: عن أنس رضي الله عنه قال : " كان قِرام ( ستر فيه نقش وقيل ثوب ملوّن ) لعائشة سترت به جانب بيتها ، فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم : أميطي - أزيلي - عني فإنه لا تزال تصاويره تعرض لي في صلاتي "89 , وكذلك تجنب الصلاة في أماكن الحرّ الشديد والبرد الشديد إذا أمكن ذلك فإن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بالإبراد في صلاة الظهر بالصيف لأجل هذا ، قال ابن القيم رحمه الله تعالى : " إن الصلاة في شدة الحر تمنع صاحبها من الخشوع والحضور ، ويفعل العبادة بتكرّه وتضجّر ، فمن حكمة الشارع أن أمرهم بتأخيرها حتى ينكسر الحرّ ، فيصلي العبد بقلب حاضر ، ويحصل له مقصود الصلاة من الخشوع والإقبال على الله تعالى ".(1/68)
2) أن لا يصلي في ثوب فيه نقوش أو كتابات أو ألوان أو تصاوير تشغل المصلي : فعن عائشة رضي الله عنها قالت : " قام النبي الله يصلي في خميصة ذات أعلام - وهو كساء مخطط ومربع - فنظر إلى علمها فلما قضى صلاته قال : " اذهبوا بهذه الخميصة إلى أبي جهم بن حذيفة و أتوني بأنبجانيه - وهي كساء ليس فيه تخطيط ولا تطريز ولا أعلام - ، فإنها ألهتني آنفا في صلاتي "90.
3) أن لا يصلي وبحضرته طعام يشتهيه : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لا صلاة بحضرة طعام "91 .
4) أن لا يصلي وهو حاقن أو حاقب : لاشك أن مما ينافي الخشوع أن يصلي الشخص وقد حصره البول أو الغائط، ولذلك نهى رسول الله أن يصلي الرجل و هو حاقن: أي الحابس البول، أوحاقب: و هو الحابس للغائط، قال صلى الله عليه وسلم : " لا صلاة بحضرة طعام ولا وهو يدافعه الأخبثان "92 ، وهذه المدافعة بلا ريب تذهب بالخشوع. ويشمل هذا الحكم أيضا مدافعة الريح.
5) أن لا يصلي وقد غلبه النعاس : عن أنس بن مالك قال، قال رسول الله : " إذا نعس أحدكم في الصلاة فلينم حتى يعلم ما يقول "93 .
6) أن لا يصلي خلف المتحدث أو النائم : لأن النبي نهى عن ذلك فقال صلى الله عليه وسلم : " لا تصلوا خلف النائم ولا المتحدث "94 , لأن المتحدث يلهي بحديثه، ويشغل المصلي عن صلاته . والنائم قد يبدو منه ما يلهي المصلي عن صلاته. فإذا أمن ذلك فلا تكره الصلاة خلف النائم والله أعلم.(1/69)
7) عدم الانشغال بتسوية الحصى : عن معيقيب رضي الله عنه : " أن النبي قال في الرجل يسوي التراب حيث يسجد قال : إن كنت فاعلا فواحدة "95 والعلة في هذا النهي ؛ المحافظة على الخشوع ولئلا يكثر العمل في الصلاة. والأولى إذا كان موضع سجوده يحتاج إلى تسوية فليسوه قبل الدخول في الصلاة. و يدخل في الكراهية مسح الجبهة والأنف وقد سجد النبي صلى الله عليه وسلم في ماء وطين وبقي أثر ذلك في جبهته ولم يكن ينشغل في كل رفع من السجود بإزالة ما علق فالاستغراق في الصلاة والخشوع فيها ينسي ذلك ويشغل عنه .
8) عدم التشويش بالقراءة على الآخرين : قال رسول الله : " ألا إن كلكم مناج ربه، فلا يؤذين بعضكم بعضا، ولا يرفع بعضكم على بعض في القراءة " أو قال " في الصلاة "96 .
9) ترك الالتفات في الصلاة : لحديث أبي ذر قال: قال رسول الله : " لا يزال الله عز وجل مقبلا على العبد وهو في صلاته ما لم يلتفت ، فإذا التفت انصرف عنه "97 , وقد سئل رسول الله عن الالتفات في الصلاة فقال صلى الله عليه وسلم : " اختلاس يختلسه الشيطان من صلاة العبد "98 . والالتفات في الصلاة قسمان :
الأول - التفات القلب إلى غير الله عز وجل .
الثاني - التفات البصر .
وكلاهما منهي عنه وينقص من أجر الصلاة .
10) عدم رفع البصر إلى السماء : وقد ورد النهي عن ذلك والوعيد على فعله في قوله صلى الله عليه وسلم : " إذا كان أحدكم في الصلاة فلا يرفع بصره إلى السماء"99 ، واشتد نهي النبي صلى الله عليه و سلم عن ذلك حتى قال : "لينتهن عن ذلك أو لتخطفن أبصارهم "100 .
11) أن لا يبصق أمامه في الصلاة : لأنه مما ينافي الخشوع في الصلاة والأدب مع الله لقوله صلى الله عليه وسلم : " إذا كان أحدكم يصلي فلا يبصق قبل وجهه فإن الله قبل وجهه إذا صلى "101 .(1/70)
12) مجاهدة التثاؤب في الصلاة: قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : " إذا تثاءب أحدكم في الصلاة فليكظم ما استطاع فإن الشيطان يدخل"102 , وإذا دخل الشيطان يكون أقدر على التشويش على خشوع المصلي بالإضافة إلى أنه يضحك من المصلي إذا تثاءب .
13) عدم الاختصار في الصلاة : عن أبي هريرة قال : " نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن الاختصار في الصلاة "103 والاختصار هو أن يضع يديه على الخصر.
14) ترك السدل في الصلاة : لما ورد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم : " نهى عن السدل في الصلاة وأن يغطي الرجل فاه "104 , والسدل ؛ إرسال الثوب حتى يصيب الأرض.
15) ترك التشبه بالبهائم : " نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم في الصلاة عن ثلاث : عن نقر الغراب و افتراش السبع و أن يوطن الرجل المقام الواحد كإيطان البعير "105 , وإيطان البعير: يألف الرجل مكانا معلوما من المسجد مخصوصا به يصلي فيه كالبعير لا يغير مناخه فيوطنه.
هذا ما تيسر ذكره من الأسباب الجالبة للخشوع لتحصيلها والأسباب المشغلة عنه لتلافيها.
والحمد لله و الصلاة و السلام على نبينا محمد .و على آله و صحبه و سلم .
الموضوع السادس
حقوق الأخوة و آدابها
بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم و رحمة الله و بركاته ،،
أخوتي و أخواتي في الله .. إن الأساس الذي تقوم عليه علاقة المسلم بأخيه أن يحب له ما يحب لنفسه كما جاء في الحديث:
" لَا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى يُحِبَّ لِأَخِيهِ مَا يُحِبُّ لِنَفْسِهِ "106.
فإذا التزم المسلم مع أخيه بهذا الأساس فأنه بالتأكيد سيقوم بحقوق الأخوة كاملة. وحقوق الأخوة منها حقوق عامة يلتزم بها المسلم مع أخيه المسلم، ومنها حقوق خاصة تضاف إلى الحقوق العامة تكون بين المتآخيين .
و هذا هو الهدف من موضوعنا المبارك ..
- ما هي حقوق الأخوة ؟؟
- كيف تتعامل مع أخيك ؟؟
- ما هي الأشياء التي يجب عليك أن تتجنبها لئلا تؤذيه ؟؟(1/71)
فلنبحر معاً في هذا الموضوع المبارك
* حقوق الأخوة و آدابها :
أن الأساس الذي تقوم عليه علاقة المسلم بأخيه أن يحب له ما يحب لنفسه كما جاء في الحديث:
" لَا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى يُحِبَّ لِأَخِيهِ مَا يُحِبُّ لِنَفْسِهِ "107.
فإذا التزم المسلم مع أخيه بهذا الأساس فأنه بالتأكيد سيقوم بحقوق الأخوة كاملة. وحقوق الأخوة منها حقوق عامة يلتزم بها المسلم مع أخيه المسلم، ومنها حقوق خاصة تضاف إلى الحقوق العامة تكون بين المتآخيين، ومن هذه الحقوق والآداب:
1. الحقوق الستة المذكورة في الحديث المعروف: " حَقُّ الْمُسْلِمِ عَلَى الْمُسْلِمِ سِتٌّ إِذَا لَقِيتَهُ فَسَلِّمْ عَلَيْهِ وَ إِذَا دَعَاكَ فَأَجِبْهُ وَ إِذَا اسْتَنْصَحَكَ فَانْصَحْ لَهُ وَ إِذَا عَطَسَ فَحَمِدَ اللَّهَ فَشَمِّتْهُ وَ إِذَا مَرِضَ فَعُدْهُ وَ إِذَا مَاتَ فَاتْبَعْهُ "108.
2. اجتناب سوء الظن، والتجسس، والتناجش، والتحاسد، والتباغض والتدابر : " إِيَّاكُمْ وَالظَّنَّ فَإِنَّ الظَّنَّ أَكْذَبُ الْحَدِيثِ وَلَا تَحَسَّسُوا وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا تَحَاسَدُوا وَلَا تَدَابَرُوا وَلَا تَبَاغَضُوا وَكُونُوا عِبَادَ اللَّهِ إِخْوَانًا"109.
3. اجتناب ظلمه وخذله واحتقاره : " الْمُسْلِمُ أَخُو الْمُسْلِمِ لَا يَظْلِمُهُ وَلَا يُسْلِمُهُ..."110.
4. مصافحته إذا لقيه : " مَا مِنْ مُسْلِمَيْنِ يَلْتَقِيَانِ فَيَتَصَافَحَانِ إِلَّا غُفِرَ لَهُمَا قَبْلَ أَنْ يَفْتَرِقَا "111 , فضل عظيم ومع ذلك نفرط فيه.
5. التبسم في وجهه : " لَا تَحْقِرَنَّ مِنْ الْمَعْرُوفِ شَيْئًا وَلَوْ أَنْ تَلْقَى أَخَاكَ بِوَجْهٍ طَلْقٍ "112.
6. يوسع له في المجلس : " لَا يُقِيمُ الرَّجُلُ الرَّجُلَ عَنْ مَقْعَدِهِ يَقْعُدُ فِيهِ وَلَكِنْ تَفَسَّحُوا وَتَوَسَّعُوا "113.(1/72)
7. الرد عن عرضه : " مَنْ رَدَّ عَنْ عِرْضِ أَخِيهِ رَدَّ اللَّهُ عَنْ وَجْهِهِ النَّارَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ"114.
8. نداؤه بأحب الأسماء إليه : قال عمر رضي الله عنه: ( ثلاث يصفين لك ود أخيك: أن تسلم عليه إذا لقيته، وأن توسع له في المجلس، وأن تناديه بأحب الأسماء إليه ).
9. السعي في حاجته والقيام بخدمته : "...وَمَنْ كَانَ فِي حَاجَةِ أَخِيهِ كَانَ اللَّهُ فِي حَاجَتِهِ ..."115.
10. ألا يمن عليه بمعروف : فإذا أعانه، أو واساه بالمال، أو سعى في حاجته، أو قام بخدمته لا يمن عليه بهذا المعروف، قال تعالى: ? يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالْأَذَى? ]البقرة:264[.
11. أن يشكره على صنيعه : إذا أعانه أخوه المسلم بمال، أو خدمه، فعليه أن يشكر له صنيعه هذا: " مَنْ لَمْ يَشْكُرْ النَّاسَ لَمْ يَشْكُرْ اللَّهَ "116.
12. زيارته لله : قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ في الحديث لبقدسي : ( وَجَبَتْ مَحَبَّتِي لِلْمُتَحَابِّينَ فِيَّ وَالْمُتَجَالِسِينَ فِيَّ وَالْمُتَزَاوِرِينَ فِيَّ وَالْمُتَبَاذِلِينَ فِيَّ )117.
13. طلب النصح منه : وذلك لأنك لا تبصر كل عيوبك، ولا تعرف كل ذنوبك، فإذا طلبت منه النصح؛ بصرك بها، فعرفتها وتجنبتها. يقول الحسن: ( قد كان من قبلكم من السلف الصالح يلقى الرجل الرجل، فيقول يا أخي: ما كل ذنوبي أبصر، وما كل عيوبي أعرف، فإذا رأيت خيراً فمرني، وإذا رأيت شراً فانهني ).
14. الدعاء له بظهر الغيب : ففي الحديث: " مَا مِنْ عَبْدٍ مُسْلِمٍ يَدْعُو لِأَخِيهِ بِظَهْرِ الْغَيْبِ إِلَّا قَالَ الْمَلَكُ وَلَكَ بِمِثْلٍ"118.(1/73)
15. الإيثار : تؤثره على نفسك قال تعالى: ? وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ ? [الحشر: 9]. تؤثره في المجلس بأن تجلسه في المكان المناسب الذي قد ترغب أنت في الجلوس فيه، تؤثره على نفسك في الأكل والشرب، وغير ذلك من أنواع الإيثار.
16. مشاركته مشاعره : تحزن لحزنه وتفرح لفرحه. إذا أصيب بمصيبة بادرت بمساعدته، ومحاولة تخفيف وقعها عليه، إذا سرَّه شئ بادرت إلى تهنئته، وإظهار الفرح والسرور بذلك . عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " من نفس عن مؤمن كربة من كرب الدنيا نفس الله عنه كربة من كرب يوم القيامة ومن يسر على معسر يسر الله عليه في الدنيا والآخرة ومن ستر مسلما ستره الله في الدنيا والآخرة والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه"119 .
17. قبول عذره : وفي الحديث: "من اعتذر إلى أخيه بمعذرة فلم يقبلها, كان عليه مثل خطيئة صاحب مكس"120 .
18. التسامح عن الزلات التي قد تصدر من الأخ : لأن الأخ ليس معصوماً، ومن طلب أخاً بلا عيب صار بلا أخ، ابن السماك قال له أحدهم: غداً نتعاتب ، قال: بل غداً نتغافر. ويقول الإمام الشافعي رحمه الله: ( من صدق في أخوة أخيه قبل علله، وسدَّ خلله ، و عفا عن زللِه ).
19. ملاطفته بالكلام : من حديث أنس قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " من لقي أخاه المسلم بما يحب ليسره بذلك، سره الله عز وجل يوم القيامة "121 . قال عليُّ بن أبي طالب رضي الله عنه: ( مَن لانت كَلِمته وَجَبت محبّتُه )122 .
20. تقليل الخلاف معه بقدر الإمكان : فإن كثرة الخلاف قد توجب البغضاء، فإن وجد الخلاف أحياناً فلابد من التأدب بآداب الخلاف المعروفة. ( سئل ذو النون: من أدوم الناس عناء? قال: أسوئهم خلقاً: قيل وما علامة سوء الخلق? قال : كثرة الخلاف )123.(1/74)
21. عدم الإكثار من العتاب : لابد من العتاب بين الإخوان، وقد استبقاك من عاتبك، لكن أن يصبح طبعاً للأخ فكلما لقي أخاه عاتبه، فهذا يورث النفرة والفرقة بين الأخوين. قال عليّ بن أبي طالب رضي اللهّ عنه: لا تَقْطع أخاك على ارتياب، ولا تهجره دون استِعْتاب. وقال أبو الدَّرداء رضي اللهّ عنه: مَن لك بأَخيك كلّه.
وقال رجلٌ لمُطِيع بن إياس: جِئّتُك خاطباً مَوَدَّتك؛ قال: قد زَوَّجتكها على شرط أن تجعل صَداقها أن لا تَسمع فيَّ مقالَ الناس124.
22. يندب له أن يهدي لأخيه وأن يقبل هديته, ويكافئ عليها : لحديث أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " تهادوا فإن الهدية تذهب وحر الصدر ولا تحقرن جارة لجارتها ولو شق فرسن شاة "125 . وعن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " من استعاذ بالله فأعيذوه ومن سألكم فأعطوه ومن دعاكم فأجيبوه ومن أتى إليكم معروفا فكافئوه فإن لم تجدوا ما تكافئونه فادعوا له حتى تعلموا أن قد كافأتموه "126 .
23. أن يشفع لأخيه لمنفعة بر أو تيسير عسير : عن ابن عمر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "من كان ذا وصلةٍ لأخيه المسلم إلى ذي سلطانٍ لمنفعة بر أو تيسر عسيرٍ أعين على إجازة الصراط يوم دحض الأقدام"127.(1/75)
24. إعانته على ما يقربه إلى الله ويبعده عن سخطه : تعينه على أعمال الخير بعامتها، كأن تذكره بأن غداً مثلاً أول أيام البيض، وهكذا تعينه على أعمال الخير جميعاً. وكذلك تعينه في الابتعاد عما يغضب الله إذا رأيه سيرتكب ذنباً أعنته في الابتعاد عنه، وهكذا. يقول تعالى: ? وَالْعَصْرِ* إِنَّ الْإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ* إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ ? [العصر] ، و يقول تعالى: ? وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَر? [التوبة:71] . وردعه عن الظلم والعدوان، قال صلى الله عليه وسلم " انصر أخاك ظالماً أو مظلوماً، إن يك ظالماً فاردده عن ظلمه، وإن يك مظلوماً فانصره "128. حُكي عن أخوين من السلف انقلب أحدهما عن الاستقامة فقيل لأخيه: ألا تقطعه وتهجره؟ فقال: أحوج ما كان إليّ في هذا الوقت لما وقع في عثرته أن آخذ بيده وأتلطف له في المعاتبة، وأدعو له بالعودة إلى ما كان عليه. وهذه فائدة عظيمة من فوائد الأخوة في الله.
25. اجتناب مكدرات الأخوة : وهذا يسوقنا إلى الكلام عن بعض مكدرات الأخوة بالتفصيل.
* من مكدرات الأخوة :
1) النية المشوبة بشوائب الدنيا: علينا أن نصفي أخوتنا من المزاجية وغيرها، لابد أن تكون هذه الأخوة خالصة لله عز وجل , قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ في الحديث لبقدسي : ( وَجَبَتْ مَحَبَّتِي لِلْمُتَحَابِّينَ فِيَّ وَالْمُتَجَالِسِينَ فِيَّ وَالْمُتَزَاوِرِينَ فِيَّ وَالْمُتَبَاذِلِينَ فِيَّ)129.. فما كان لله فهو المتصل، وما كان لغير الله فهو المنقطع.(1/76)
2) التهاجر و التدابر: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "تفتح أبواب الجنة يوم الاثنين، ويوم الخميس. فيغفر لكل عبد لا يشرك بالله شيئا. إلا رجلا كانت بينه وبين أخيه شحناء. فيقال : انظروا هذين حتى يصطلحا. انظروا هذين حتى يصطلحا. انظروا هذين حتى يصطلحا"130 . غير أن في حديث الدراوردي "إلا المتهاجرين"131. وقال قتيبة "إلا المهتجرين." والهجر إذا كان لله فهو جائز, فقد صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه أمر بهجر الثلاثة الذين خُلّفوا.
3) الجدال والمراء: فالجدال والمراء يوحش القلوب، ويوغرها لاسيما إذا أصبح لحظ النفس لا لإظهار الحق. وفي الحديث: " أَنَا زَعِيمٌ بِبَيْتٍ فِي رَبَضِ الْجَنَّةِ لِمَنْ تَرَكَ الْمِرَاءَ وَإِنْ كَانَ مُحِقًّا وَبِبَيْتٍ فِي وَسَطِ الْجَنَّةِ لِمَنْ تَرَكَ الْكَذِبَ وَإِنْ كَانَ مَازِحًا وَبِبَيْتٍ فِي أَعْلَى الْجَنَّةِ لِمَنْ حَسَّنَ خُلُقَهُ "132. وعبد الرحمن بن أبي ليلى يقول: ( ما ماريت أخي أبداً لأني إن ماريته إما أن أكذبه وإما أن أغضبه).
4) الحسد:وهو تمني زوال النعمة عن صاحبها, أما تمني مثلها لنفسة فهي الغبطة وهي جائزة. ولاشك أن الحسد مفسد للأخوة أيما إفساد، بل أنه مفسد للأعمال الصالحة. " قيل يا رسول الله : من خير الناس ؟ فقال : كل مؤمن مخموم القلب فقيل وما مخموم القلب ؟ فقال : هو التقي النقي الذي لا غش فيه ولا بغي ولا غدر ولا غل ولا حسد"133 .
5) التنافس على بعض الأمور الدنيوية: والتنافس يحدث بأن يشتركا في محاولة الوصول لهدف واحد لا يتسع إلا لأحدهما، فلابد أن يكون الفائز أو الحاصل على الشيء واحد، فيحصل بينهما تنافس عليه مما يوغر الصدور، ويفسد الأخوة ويكدرها.كالتعامل المالي إذا لم يكن هذا التعامل بالإطار الشرعي المطلوب، ولم تدخله المسامحة المطلوبة بين المسلمين فإن هذا يكدر الأخوة.(1/77)
6) الأثرة وحب الذات: هذا يقود إلى عدم تطبيق حقوق الأخوة وآدابها. جاء في فتح الباري : " ...وقوله في الحديث " لا يُقيم الرجل أخاه " لا مفهوم له بل ذكر لمزيد التنفير عن ذلك لقبحه، لأنه إن فعله من جهة الكبر كان قبيحا، وان فعله من جهة الأثرة كان أقبح".
7) التفاخر بالأنساب: وهذا لاشك أنه من عمل الجاهلية، وهذا إن كان يجب ألا يكون بين المسلمين عموماً، فمن باب أولى يجب ألا يكون بين الأخوة. عن حذيفة بن اليمان قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "لن تفنى أمتي حتى يظهر فيهم التمايز والتمايل والمعامع134 , قال حذيفة : فقلت بأبي أنت وأمي يا رسول الله ؟ وما التمايز ؟ قال : عصبية يحدثها الناس بعدي في الإسلام ، قلت : فما التمايل ؟ قال : يميل القبيل على القبيل فيستحل حرمتها ظلما، قلت : وما المعامع قال : تسير الأمصار بعضها إلى بعض فتختلف أعناقها في الحرب هكذا - وشبك رسول الله صلى الله عليه وسلم بين أصابعه - ..."135 .
8) السخرية والتهكم بالآخرين حتى ولو كان عن طريق المزاح : عن الحسن قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "إن المستهزئين بالناس يفتح لأحدهم في الآخرة باب من الجنة، فيقال له : هلم هلم ! فيجيء بكربه وغمه، فإذا جاءه أغلق دونه، فما يزال كذلك، حتى إن أحدهم ليفتح له الباب من أبواب الجنة، فقال له : هلم، فما يأتيه من الإياس"136.(1/78)
9) الوصول لدرجة التعلق: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "ما تحاب اثنان في الله تعالى إلا كان أفضلهما أشدهما حبا لصاحبه "137 . فهذا الحديث يُظهر أن أفضل الصاحبين المتحابين هو أشدهما حباً لصاحبه، فالأخ المُحب لأخيه دون التعلق المذموم وهو يظهر بسكوت الأخ عن أخيه إذا فعل معصية أو خالف حكماً شرعياً فعن مثل هذا التعلق نهى الشرع، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " حبك للشيء يعمي ويصم"138 . فإذا كان حبك للأخ لا يُعميك عن الحق من أجل اتباع أخيك فإن ذلك حبٌ في الله ممدوح ، أي في طاعة الله- وحينئذ تنتفي الأخوة ويحل محلها التعلق، ولكي تعرف هل الذي بينك وبينه أخوة في الله أم تعلق؟ فللتعلق علامات يعرف بها وتميزه عن غيره من أهمها: أنك تحب هذا الشخص بغض النظر عن ديانته وإيمانه ، حبك له كما هو لم يتغير ، ولو كان حبك له لله لتغير مع ديانته وطاعته لله فإذا زاد زاد الحب، وإذا نقص نقص الحب. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أفضل الأعمال الحب في الله والبغض في الله تعالى"139 .
10) عدم مراعاة حقوق الأخوة وآدابها: وقد سبق التفصيل فيها ...
أخي/ أختي في الله :
أوصى عمر بن الخطاب رضي الله عنه بوصية جامعة فقال: ( عليك بإخوان الصدق تعش في أكنافهم، فإنهم زينة في الرخاء وغدة في البلاء، وضع أمر أخيك على أحسنه حتى يجيئك ما يُقليك منه، واعتزل عدوك، واحذر صديقك إلا الأمين، ولا أمين إلا من يخشى الله، ولا تصحب الفاجر فتتعلم من فجوره، لا تطلعه على سرّك ).
الموضوع السابع
كيف نحتسب الأجر و الثواب في حياتنا اليومية ؟
140
بسم الله الرحمن الرحيم(1/79)
الحمد لله القائل في كتابه : ?وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ? ]فاطر:32[ , و"السابق الذي سبق إلى الأعمال الصالحة... وهو الذي سبق غيره في أمور الدين.. السبق إلى الخيرات هو الفضل الكبير أي الفضل الذي لا يقدر قدره ... فتارك الاستكثار من الطاعات قد ظلم نفسه باعتبار ما فوتها من الثواب"141.
ومن هذا المنطلق نقدم لكم هذا موضوع (كيف نحتسب الأجر و الثواب في حياتنا اليومية ؟) , والذي حرصت الكاتبة الكريمة من خلاله على ذكر أجور بعض الأعمال التي قد يغفل بعض الناس عن احتسابها عند الله , و دعتنا إلى أن يكون الاحتساب ملازم لنا دائما في حياتنا مع كل قول و فعل...
و سنتطرق في هذا الجزء من هذا الموضوع الكبير إلى :
* نحن نحب الله و لكن هل نريد أن يحبنا الله؟
* عفواً ما معنى الاحتساب؟
* ما الأمور التي تدفعنا للحرص على احتساب الأجر في أعمالنا كلها؟
* ما فوائد الاحتساب؟
* ماذا نحتسب في الدعوة إلى الله؟
* ماذا نحتسب عند استخدامنا الهاتف؟
* ماذا تحتسب في الإصلاح بين الناس؟
* ما الذي نحتسبه في صبرنا ؟
* نحن نحب الله و لكن هل نريد أن يحبنا الله ؟
نعم , نريد الطريقة ...
الطريقة هي : تقربوا إلى الله يحبكم الله...
قال تعالى في الحديث القدسي: (... ولا يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه... )142، ومن فاز بمحبة الله فقد سعد في الدنيا والآخرة... قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا أحب الله عبداً نادى جبريل: إن الله يحب فلانا فأحبوه فيحبه أهل السماء، ثم يوضع له القبول في الأرض"143.
وإن قلنا كيف نتقرب إلى الله حتى نفوز بمحبته؟
نكون بدأنا في السعي فعلا للفوز بمحبته بالسعي إلى ما يلي :
نتعلم كيف نجمع الحسنات: أي كيف نحتسب الأجر والثواب من الله في جميع أعمالنا ، نتعلم فن التخطيط لمستقبلنا في الآخرة كما أتقنّا فن التخطيط لحياتنا الدنيا...(1/80)
و نتعرف على أفضل الأعمال .. وأفضل الأيام .. وأفضل الصدقات.
نسأل عن أعظم الأجور، وطرق كسبها...
نبحث عن أهل الخير و نبني معهم علاقات قوية , نستفيد منهم و نستشيرهم و نتعلم منهم كيف نتقرب إلى الله حتى يحببنا سبحانه ...
و نشمر عن العمل للآخرة كما شمّرنا من قبل للدنيا حينما كنا نستشير أهل الدنيا في أمورها للحصول على أفضل النتائج .
إن مسلم مثلما نبغ في أمر دنياه لا نظنه عاجز أبدا عن النبوغ والتفوق في أمر آخرته ، لأن التفوق في أمور الدنيا أكبر دليل على قدرته على الإنتاج والتفاني حينما يرغب هو بذلك ... فلا تذهب أيامنا من بين أيدينا هباءا منثورا ...
بل يجب أن نجدد و نغير ...
فالناس يحبون التجديد والتغيير في الأثاث... في الملابس... في الطعام، ولكن تجديدنا هنا من نوع آخر، في أمر أرقى من ذلك وأعلى، تجديدنا من نوع خاص جداً، إنه تجديد في نيّاتنا ... أي في حياتنا كلها...!
نعم... نغير ... للأفضل ... للنية الحسنة... نغير و نتعلم كيف نحتسب الأجر من الله في كل صغيرة وكبيرة في تبسمنا و غضبنا ... في نومنا ... في أكلنا ... وفي ذهابنا و إيابنا في كل شيء... كل شيء...
هاه... هل نبدأ باحتساب الأجر ؟
رائع... و سنبدأ باحتساب الأجر الآن ...
تُرى ماذا سنحتسب في هذه اللحظة و نحن نقرأ هذا الكتيب ؟
1. طلب العلم الشرعي.
2. رفع الجهل عن أنفسنا وعن المسلمين.
3. قضاء أوقاتنا فيما يعود علينا بالنفع.
4. التقرب إلى الله بجمع أكبر قدر ممكن من الحسنات عن طريق محاولة احتساب أجور الأعمال التي سترد في هذا الكتاب إن شاء الله...
وقد يفتح الله علينا فيوفقنا لاحتساب أمور أخرى لم تذكر هنا !
و ? ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ ? ]الحديد: 21[
* عفواً ما معنى الاحتساب؟(1/81)
إن الاحتساب عمل قلبي، لا محل له في اللسان، لأن النبي صلى الله عليه وسلم أخبرنا بأن النية محلها القلب... و إننا عندما نحتسب الأجر من الله ذلك يعني أننا نطلب الأجر منه تعالى، والله عز وجل لا يخفى عليه شيء قال الله تعالى: ? قُلْ إِنْ تُخْفُوا مَا فِي صُدُورِكُمْ أَوْ تُبْدُوهُ يَعْلَمْهُ اللَّهُ ? ]آل عمران:29[ .
و العمل لابد فيه من النية... فالذين يحتسبون وينوون بعملهم وجه الله فهو لله، قال تعالى: ? وَمَنْ أَرَادَ الْآخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ كَانَ سَعْيُهُمْ مَشْكُوراً ? ]الإسراء:19[, و الذين ينوون بعملهم الدنيا فهو للدنيا فالأمر خطير جداً.. جداً قال تعالى: ? مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاءُ لِمَنْ نُرِيدُ ? ]الإسراء:18[ . و النيات تختلف اختلافاً عظيماً وتتباين تبايناً بعيداً كما بين السماء والأرض، من الناس من نيته في القمة في أعلى شيء، ومن الناس من نيته في القمامة في أخس شيء وأدنى شيء . فإن نوينا الله والدار الآخرة في أعمالنا الشرعية حصل لنا الأجر و الثواب ، وإن نوينا الدنيا فقد نحصل وقد لا نحصل.
لماذا من المهم أن نحتسب الأجر في كل شيء ؟
* حتى نحقق الغاية التي خلقنا من أجلها، وهي عبادة الله تعالى، والفوز برضى الله ونعيمه، والنجاة من غضبه وعذابه. و إن حرصنا على احتساب الأجر في جميع أمورنا سوف يجعلنا في عبادة مستمرة لا تنقطع فنكون ـ بإذن الله ـ قد قمنا بما خلقنا الله له، قال الله تعالى: ? وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْأِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ ? ]الذريات:56[ .(1/82)
* لنميز العادة عن العبادة, فمثلا الاغتسال يقع نظافة أو تبردا، ويقع عن الحدث الأكبر، وعن غسل الميت، وللجمعة ونحوها، فلا بد أن ننوي فيه رفع الحدث أو ذلك الغسل المستحب - فإذا نوينا الاغتسال كعبادة حصل لنا الأجر و الثواب , و إن كنّا نغتسل لعادة نفعلها دائما فلا يحصل لنا أجر الاحتساب - فالعبرة في ذلك كله على النية"144.
* أننا بحاجة ماسة كذلك إلى احتساب النية الصالحة في جميع الأعمال لأن جميع الأعمال مربوطة بالنية قبولا وردا وثوابا وعقابا، ويدل لذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم "إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى".
الآن... ألا يبدو لنا أن الأمر مهم و خطير ؟... إذن,هيا لنحتسب كلنا ...
* ما الأمور التي تدفعنا للحرص على احتساب الأجر في أعمالنا كلها ؟
1) سرعة مرور الوقت وهذا أمر يعاني منه الجميع فلنستغل الدقائق قبل الساعات وقد قيل: (أمسك الذي مضى عن قربه، يعجز أهل الأرض عن رده).
2) موت الفجأة ? قُلْ إِنَّ الْمَوْتَ الَّذِي تَفِرُّونَ مِنْهُ فَإِنَّهُ مُلاقِيكُمْ ثُمَّ تُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ ? ]الجمعة:8[ , فهل هناك منا من يستطيع أن يحفظ نفسه من موت الفجأة ؟!!! .
3) تغير الأحوال من صحة إلى مرض... ومن غنى إلى فقر... ومن أمن إلى خوف... ومن فراغ إلى شغل... ومن شباب إلى شيخوخة... ومن حياة إلى موت... !
4) لأننا محتاجين إلى أعمال كثيرة نثقل بها ميزان حسناتنا ، فالإنسان سرعان ما يفسد أعماله الصالحة بلسانه من كذب و غيبة و نميمة وسخرية... وهل يكب الناس في النار على وجوههم إلا حصائد ألسنتهم، فقد نأتي يوم القيامة بحسنات أمثال الجبال فنجد ألسنتنا قد هدمتها علينا ... فلا نكون ممن لهم النصيب الأكبر من ويلات اللسان... فما أحوجنا إلى حسنة واحدة نثقل بها الميزان...(1/83)
5) استشعار التقصير والتفريط في جنب الله ? أَنْ تَقُولَ نَفْسٌ يَا حَسْرَتَى عَلَى مَا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ وَإِنْ كُنْتُ لَمِنَ السَّاخِرِينَ ? ]الزمر:56[.
6) الخوف من الله.. ? وَأَنْذِرْ بِهِ الَّذِينَ يَخَافُونَ أَنْ يُحْشَرُوا إِلَى رَبِّهِمْ لَيْسَ لَهُمْ مِنْ دُونِهِ وَلِيٌّ وَلا شَفِيعٌ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ ? ]الأنعام:51[.
إن الخوف من الله دافع قوي للعمل الصالح عموما.
7) الرغبة في حصول الأجر والثواب... قال الله تعالى: ? وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَنُبَوِّئَنَّهُمْ مِنَ الْجَنَّةِ غُرَفاً تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا نِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ ? ]العنكبوت:58[.
8) أن فرصة العيش في الحياة الدنيا واحدة لا تتكرر لتعويض ما فات... ? أَوْ تَقُولَ حِينَ تَرَى الْعَذَابَ لَوْ أَنَّ لِي كَرَّةً فَأَكُونَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ ? ]الزمر:58[. ومع أنها فرصة واحدة إلا أنها تنقضي بسرعة أيضا... !.
* ما فوائد الاحتساب ؟
1. دليل كمال الإيمان وحسن الإسلام.
2. الفوز بالجنة والنجاة من النار.
3. حصول السعادة في الدارين.
4. حصول الإخلاص في الطاعات لوجه الله تعالى وليس للإخلاص جزاء إلا الجنة.
5. الاحتساب في المكاره يضاعف أجر الصبر عليها.
6. الاحتساب يبعد صاحبه عن شبهة الرياء ويزيد في ثقته بربه.
7. الاحتساب في المكاره يدفع الحزن ويجلب السرور ويحول ما يظنه الإنسان نقمة إلى نعمة.
8. الاحتساب في الطاعات يجعل صاحبه قرير العين مسرور الفؤاد بما يدخره عند ربه فيتضاعف رصيده الإيماني وتقوى روحه المعنوية.
9. الاحتساب دليل الرضا بقضاء الله وقدره ودليل على حسن الظن بالله تعالى.
10. علامة على صلاح العبد واستقامته.
11. إتباع للرسول الكريم صلى الله عليه وسلم"145.(1/84)
12. كلنا نحرص على نيل حب الناس.. وهذا شيء طيب ولكن.. ليكن طموحنا أعلى.. فحب أهل الأرض وحده لا يكفي!.. كما أنه غاية صعبة المنال إلا إذا.. أحبنا أهل السماء!!..
كيف ذلك ؟..
علينا بالاحتساب فهو عمل صالح.. والمداومة عليه تجعل حياتنا كلها طاعات .. والطاعة طريق موصل إلى محبة الله..
فإذا أحبنا الله، أحبنا أهل السماء ووضع لنا القبول في الأرض.. روى مسلم في صحيحه عن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "إن الله إذا أحب عبداً دعا جبريل فقال إني أحب فلانا فأحبه، قال فيحبه جبريل، ثم ينادي في السماء فيقول: إن الله يحب فلانا فأحبوه، فيحبه أهل السماء، قال: ثم يوضع له القبول في الأرض، وإذا أبغض عبداً دعا جبريل، فيقول: إني أبغض فلانا فأبغضه، فيبغضه جبريل، ثم ينادي في أهل السماء: إن الله يبغض فلانا فأبغضوه، قال فيبغضونه، ثم توضع له البغضاء في الأرض"146.
13. بالاحتساب نؤدي شكر النعم.. لأن الاحتساب طاعة.. ومن شكر النعم العمل بالطاعات.. والله يجازينا على شكرنا للنعم بأن يزيدنا من الطاعات.. فيعيننا عليها وييسرها لنا .. ويحببها إلى قلوبنا فنجد الأنس والمتعة في عملها.. فيسهل علينا أمر الاحتساب وغيره... فقد "قال: الحسين ـ رضي الله عنه ـ في قوله تعالى: ? لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ ? قال: أي من طاعتي"147.
14. إن الذي يحتسب الأجر من الله في أعماله لا يتأذى ولا يتأثر من عدم شكر الناس لجهوده الطيبة معهم وعدم تقديرهم لما يقوم به من أجلهم، لأنه لا يرجو من الناس جزاءا ولا شكورا إنما يبتغي بذلك وجه الله فهو هادئ البال مطمئن النفس حتى وإن قوبل إحسانه بالإساءة فما دام أن مبتغاه قد تحقق فلا يضيره ما وراء ذلك لأن لا مطلب له فيه أصلا.(1/85)
15. الاحتساب في التروك ـ ترك المعاصي والمحرمات ـ طاعة تثبّت قلوبنا وتقوّي عزيمتنا لأن ترك المعصية ـ مع قدرتنا عليها ـ لوجه الله أمر يجعلنا نتلذذ و نسعد بتركها , لأننا نرجو أجر امتثالنا لأمر الله و وقوفنا عند حدوده ابتغاء ثواب التقوى والخوف من الله ? وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ? ]الرحمن:46[. "والذي خاف ربه وقيامه عليه فترك ما نهى عنه، وفعل ما أمر به، له جنتان من ذهب، آنيتهما وحليتهما وبنيانهما وما فيهما، إحدى الجنتين جزاء على ترك المنهيات والأخرى على فعل الطاعات"148.
16. إن المحيط الصغير الذي نعيش فيه سيكتسب منا هذا الخلق الحسن ـ الاحتساب ـ لأنهم سيشعرون به ويعايشونه واقع حيا أمامهم مما يجعل له أثرا عميقا في أنفسهم، وأقصد هنا أهلنا و أولادنا و أصحابنا و زملائنا في العمل و غيرهم ممن نحتك بهم احتكاكا مباشرا و مستمرا ... فنكون بذلك دعونا عمليا إلى هدى، فلنا أجره وأجر من عمل به إلى يوم القيامة بإذن الله...
17. إذا جعلنا همتنا رضا الله والتقرب إليه باحتساب العبادات المختلفة فإن الجزاء من جنس العمل، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "... ومن كانت الدنيا همه فرق الله عليه أمره، وجعل فقره بين عينيه، ولم يأته من الدنيا إلا ما كتب له، ومن كانت الآخرة نيته جمع الله له أمره، وجعل الله غناه في قلبه، وأتته الدنيا و هي راغمة"149.
وما ظننا بمن يحتسب الأجر من الله في كل شيء , إنه قلب عاش وتنفس يستشعر العبادة في جميع سكناته وحركاته يطلب ثوابها من الله فسره وشرحه من خلقه ويسر له أمر دنياه وأخراه .. فلنجعل الآخرة هي همنا .. نصبح ونمسي نفكر : كيف نرضي ربنا ؟ ماذا سنفعل اليوم ؟...
18. الاحتساب يزيدنا رفعة عند خالقنا ، فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لسعد بن أبي وقاص "... إنك لن تخلف فتعمل عملا تبتغي به وجه الله إلا ازددت به درجة و رفعة ... "150.(1/86)
19. عندما نعتاد المداومة على احتساب العمل الصالح فسنربح مثل أجور أعمالنا عندما لا يمكننا القيام بها لعذر شرعي ... فإن فضل الله واسع... قال صلى الله عليه وسلم: "إذا مرض العبد أو سافر كتب له ما كان يعمل صحيحا مقيما"151.
هل تحمسنا للاحتساب جميعا الآن ؟...
* ماذا نحتسب في الدعوة إلى الله ؟
هل فكرنا يوما أن نكون (دليل خير) للآخرين ؟
أعتقد أن هذا العمل سيدخل السرور إلى قلوبنا ، وسنشعر خلال قيامنا به بانشراح كبير في صدورنا يدفع ذلك الملل والضيق الذي نحس به أحيانا ,(فدليل الخير) وقته عامر و زاخر و قلبه سعيد ، لأنه يشعر بأنه يعمل من أجل أمته الإسلامية ...
كيف نصبح (دليل خير) ؟
الأمر سهل جدا، نسارع في نشر الخير بشتى أنواعه فمثلا: نعلن بين الناس عن المحاضرات المفيدة ، أو الأشرطة والكتب النافعة ، و نحاول توفيرها للآخرين حسب قدراتنا ، نوزع أو نعلن عن المجلات الهادفة ، نناصر أهل الخير بأقوالنا و أفعالنا و ندل الناس على أماكن الخير كدور تحفيظ القرآن الكريم و المراكز الصيفية الجيدة و ما تقدمه من أنشطة ، و نبلغ المعلومة النافعة بأقلامنا، و بألسنتنا ، استغلال شبكة الإنترنت في خدمة الإسلام ...الخ .
عندها ... سيجد كلا منا أنه أصبح (دليل خير) وداعية إلى الله!.
هل تعلمون ماذا يعني أن نكون دعاة إلى الله ؟
هذا يعني أننا لن نستطيع أن نحصي الأعمال التي سنحتسب ثوابها!! فهي كثيرة جدا ولكن حسبنا أن نذكر :
1) احتساب أجر الدلالة على الخير، فعن أبي مسعود الأنصاري ـ رضي الله عنه ـ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من دل على خير فله مثل أجر فاعله"152. فالأشخاص الذين استفادوا من دعوتنا لهم سيأتينا ـ بإذن الله ـ مثل أجور أعمالهم التي كان لنا الفضل ـ بعد الله ـ في دلالتهم عليها ... فما أسعدنا بأجور من قد يفوقوننا في العمل والإخلاص !!(1/87)
2) احتساب أجر الدعوة إلى الهدى، عن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "من دعا إلى هدى كان له من الأجر مثل أجور من تبعه لا ينقص ذلك من أجورهم شيئا"153. وهكذا يتضاعف أجرنا بعدد الذين يستجيبون لنا .
3) احتساب ثواب تعليم الناس الخير ، و كلنا نحب أن يصلي الله وملائكته علينا154....
ليس هذا فحسب فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن الله وملائكته وأهل السماوات والأرض حتى النملة في حجرها وحتى الحوت في البحر ليصلون على معلمي الناس الخير"155.
4) احتساب ثواب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر الذي تنطق به كلمات الدعاة وأفعالهم , مع ما يترتب عليه من الحصول على الفلاح وهو جماع الخير...
قال الله تعالى: ? وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ? ]آل عمران:104[.
5) احتساب ثواب الكلمة الطيبة،" ولعل الكلمة الطيبة هي من أنواع ما عناه رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله فيما رواه البخاري: "إن العبد ليتكلم بالكلمة من رضوان الله لا يلقي لها بالا يرفعه الله بها درجات...".
ولقد ورد في فتح الباري (11 / 311) "والكلمة التي ترفع بها الدرجات ويكتب الله بها الرضوان هي التي يدفع بها عن مسلم مظلمة أو يفرج عنه كربة، أو ينصر بها مظلوما..." فكيف بالكلمة التي تدفع عن مجموع المسلمين المظالم، وتدفع عنه الكرب بدعوتهم إلى إقامة الشرع وكيف بعبارات الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؟ وإذا كانت الدرجات ترفع بما يحقق المصالح الدنيوية، فكيف بما يحقق المصالح الأخروية؟؟ وعلى الأدنى يقاس الأعلى. وكيف بالكلمات التي تقود إلى قيام مجتمع مسلم؟"156.(1/88)
6) احتساب أجر هداية الناس ، فعن سهل بن سعيد ـ رضي الله عنه ـ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "... فو الله لأن يهدي الله بك رجلاً واحداً خير لك من حمر النعم"157.
7) احتساب أن العبادة كلما كان نفعها متعديا كان ثوبها أعظم .. فما ظننا بالدعوة إلى الله.. الذي نفعها لا يحصر بمكان أو زمان!
8) احتساب أن يعطينا الله علم لا نعلمه ، لأن طبيعة العمل الدعوي تستلزم الاستزادة من العلم الشرعي والمطالعة المكثفة للكتب إضافة إلى سماع الأشرطة العلمية المساندة ... وتستلزم أيضا الاحتكاك المباشر بالناس وقد ترد علينا منهم الأسئلة و الاستفسارات التي تدفعنا للبحث عن إجابات لها ومن ثم يزداد علمنا ويتسع و ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء ...
9) احتساب زكاة للعلم الشرعي الذي نحمله ، وحفظا له من النسيان لأن بذل العلم يعين على ثباته بإذن الله.
10) نحن بحاجة يومية لانشراح الصدر والرضا عن النفس , و النشاط الدعوي سيحقق لنا ذلك الإحساس لأننا نعلم و ننتج و النفس تسعد والصدر ينشرح إذا شعر المرء بأنه ينفع المسلمين ويفعل شيئا.
11) احتساب بركة دعاء النبي صلى الله عليه وسلم عندما قال: "نضر الله إمرءا سمع مقالتي فوعاها وحفظها وبلغها..."158. فلنبلغ و نحتسب.
12) احتساب ثواب الامتثال لأمر الرسول صلى الله عليه وسلم حين قال: "بلغوا عني ولو آية..."159 , أمر النبي صلى الله عليه وسلم بالتبليغ عنه ولو آية، ودعا لمن بلغ عنه ولو حديثا .
13) احتساب أن تحصل لنا التزكية من الله تعالى: ? وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحاً وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ ? ]فصلت:33[ . والنفس يعجبها الثناء من الناس، فكيف إذا أتاك الثناء من رب الناس !.(1/89)
14) احتساب أجر الطاعة لله سبحانه .. لأنه أمرنا بالدعوة إلى الدين: ? ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ? ]النحل:125[ , فنحن مأجورون على الطاعة .
15) احتساب ثواب حمل هم الدعوة إلى الله، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما يصيب المسلم من نصب ولا وصب ولا هم ولا حزن ولا أذى ولا غم ـ حتى الشوكة يشاكها ـ إلا كفر الله بها من خطاياه"160. وهم الدعوة ثقيل... ثقيل، ولكنه رائع! لأنه يدفعنا إلى التفكير...ثم العمل، فيكون هذا الهم سببا في استغلالنا للحظات عمرنا السريعة بأعمال أجرها كبير. بخلاف من لا يحمل هم المسلمين نجده متبلد جامد تمر عليه السنون ويومه مثل أمسه لا جديد يقدمه لنفسه ودينه اللهم إلا جبالاً من ثقافة الرياضة , السيارات , الملابس , الفن , المكياج ... الخ. بالتأكيد لا نقصد هنا الهم الذي يقعد صاحبه عن العمل ويدخله في دوامة الأحزان ويشل حركته ويؤثر على عبادته. بل الذي نريده هو "الهم الإيجابي" الذي يدفعنا إلى العمل ...! الهم الذي يجعلنا ندعو للمسلمين ... ننفق ... نتبنى قضاياهم ... نعمل من أجلهم نتفاعل مع أحداث الساحة... ننتج , "إن حمل هم المسلمين عبادة نتقرب بها إلى الله فيجب ألا تؤدي العبادة إلى التقصير في العبادات الأخرى"161.
16) احتساب نصرة الإسلام وأهله ، ونصرة المصلحين في كل مكان لأن الهدف واحد، قال الله تعالى: ? وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ ? ]الحج:40[.(1/90)
17) احتساب ثواب قضاء حاجة المسلمين وتفريج الكربة عنهم وذلك بتعليمهم أمور دينهم ورفع الجهل عنهم، قال صلى الله عليه وسلم: "... ومن كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته ومن فرج عن مسلم كربة فرج الله عنه كربة من كربات يوم القيامة..."162 , وهل هناك أفضل من قضاء حاجة مسلم بتعليمه أمر دينه؟.. وهل هناك أعظم من كشف كربة الجهل عن المسلمين؟ فلنكن دعاة صابرين محتسبين .
18) احتساب ثواب مواجهة الفساد والتصدي له، وما يتبع ذلك من جهد ذهني.. ونفسي.. وبدني.. ومالي، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ".. واعلم أن في الصبر على ما تكره خيرا كثيرا، وأن النصر مع الصبر وأن الفرج مع الكرب، وأن مع العسر يسرا"163. فلنبشر بالخير... والنصر... والفرج... واليسر !.
19) احتساب إبراء الذمة أمام الله.
20) احتساب حفظ الله لنا في الشدة كما حفظناه في الرخاء ، لذا كان من وصية النبي صلى الله عليه وسلم لابن عباس ـ رضي الله عنه ـ "احفظ الله يحفظك، احفظ الله تجده أمامك تعرف إلى الله في الرخاء يعرفك في الشدة..."164 . فلننشط أيام العافية والسلامة في الأعمال الدعوية ليحفظنا الله عند حاجتنا له ..
21) احتساب أجر الصبر على مشقة طريق الدعوة و طوله ، و ما نلاقيه من جهل العامة و أذى المخالفين، قال الله تعالى: ? وَجَزَاهُمْ بِمَا صَبَرُوا جَنَّةً وَحَرِيراً ? ]الإنسان:12[.
22) احتساب أجر التعاون على البر والتقوى، قال الله تعالى: ? وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى ? ]المائدة:2[ , لأن انخراطنا في الدعوة إلى الله يعني أننا نتعاون مع كل المصلحين على وجه الأرض...!
23) احتساب هداية الله لنا إلى الصراط المستقيم، فهو سبحانه يقول: ? وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ ? ]العنكبوت:69[.(1/91)
24) احتساب ثواب قضاء الأوقات بعبادة عظيمة ـ الدعوة إلى الله ـ نؤجر عليها، وهذا يعيننا بإذن الله على الإجابة الطيبة عندما نسأل يوم القيامة عن أعمارنا فيما أفنيناها ؟.. وعن أجسامنا فيما ابتليناه ؟.. وعن مالنا فيم أنفقناه ؟..
25) احتساب أجر أننا نسد ثغرة للمسلمين .
26) احتساب أجر أن نكون قدوة للآخرين في المسارعة للعمل الدعوي , فإن من يحيط بنا من أولاد و أقارب و أصدقاء سيتأثرون بنشاطنا الدعوي وسيحاولون السير على نهجه حسب قدراتهم ويبقى لنا فضل الدلالة على الخير بالقدوة العملية..
27) احتساب أجر جميع حركات جوارحنا التي نخدم بها الدعوة إلى الله، ( العين .. الأذن .. اللسان .. اليدين .. القدمين ) .
ونحتسب أن تسخير عقولنا وجوارحنا لخدمة دينك من باب شكر الله على تلك النعم.
28) ثباتاً لنا .. واعتباراً بالآخرين، لأن عملنا في الدعوة إلى الله سيجعلنا نشعر بعظم نعمة الله علينا ، حيث نستمع إلى مشاكل الكثيرين ، ونطلع على أحوال الآخرين ، وكل ذلك يدفعنا إلى التأمل في نعم الله التي نتقلب فيها !..
فسيزيد ذلك كله من خضوعنا وتذللنا لرب السماوات .. كما أننا سنحتقر أعمالنا عندما نقابل بعض النماذج الرائعة من الصالحين و الصالحات مما يدفعنا لمزيد من بذل الجهد قبل الفوات ...
* ماذا نحتسب عند استخدامنا الهاتف؟
جهاز صغير في يد كل منا نستطيع من خلاله جمع عدد كبير من الحسنات بإذن الله !! بيد أن الناس بين مُفرِطَ فيه و مُفَرِطة ... فلنكن نحن وسطاً بينهم نتحكم فيه ولا يتحكم فينا .
فعند استخدام الهاتف لدينا فرصة لـ :
1. احتساب ثواب صلة الرحم عند محادثتنا لذوي رحمنا ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "من سره أن يبسط له في رزقه وينسأ له في أثره165 فليصل رحمه"166.
2. احتساب ثواب إدخال السرور على من نحادث ، عند اتصالنا للسلام والسؤال عن الأحوال ..(1/92)
3. احتساب ثواب الكلمة الطيبة ، في مكالمات التهنئة أو التعزية أو المواساة في المرض و غيرها ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الكلمة الطيبة صدقة"167.
4. احتساب أجر نية العبادة والتقرب إلى الله عند استخدامنا للهاتف بما يفيد عمومًا .
5. احتساب أجر الحفاظ على أوقاتنا باستعمال الهاتف لعمل أكثر من عبادة في وقت قصير.
مثال/ مكالمة هاتفية نجريها مع الوالدين نحتسب فيها العبادات التالية: بر الوالدين , صلة الرحم , إدخال السرور على مسلمين , قضاء حاجاتهما إن كان لهما حاجة , الكلمة الطيبة , أجر السلام في بداية ونهاية الاتصال...الخ.
6. احتساب أجر قضاء حوائج المسلمين ... عندما يتصل بنا من يطلب منا بعض الحاجيات أو المساعدة في حل مشكلة ما ... و قد يستدعي الأمر أن نقوم بالاتصال هاتفياً بهم عدة مرات من أجل قضاء حاجاتهم ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "... من كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته"168.
7. احتساب أجر طلب العلم الشرعي ، بسؤال أهل العلم عبر الهاتف، مع مراعاة اختيار الوقت المناسب للاتصال ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "... وإن الملائكة لتضع أجنحتها لطالب العلم رضاً بما يصنع..."169.
8. احتساب ثواب طلب النصيحة من أهلها ، وبذلها لمن يحتاج إليها من خلال المكالمات الهاتفية و ما في ذلك من ثواب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
9. احتساب أجر أنه يساعد النساء على القرار في البيت فذلك أمر يحبه الله لأنه أمرنا به قال تعالى: ? وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ ? ]الأحزاب:33[ .
10. فبإمكاننا استخدام الهاتف للتقليل من حاجتنا إلى الخروج . كالسؤال عن بعض الأقارب، أو التأكد من وجود حاجتنا في المكان الذي سنقصده قبل الذهاب إليه لئلا نضطر للخروج من المنزل عدة مرات فتضيع علينا الأوقات و الجهد ..!(1/93)
11. احتساب ثواب الدعوة إلى الهدى والدلالة على الخير170 عندما نقوم ببعض المكالمات الهاتفية أو نرسل رسائل هاتفية نعلن من خلالها عن إقامة محاضرة مفيدة أو دورة علمية أو سوق خيرية أو ندل على شريط أو كتاب نافع أو نذكر بعبادة معينة أو أي عمل صالح ..
12. احتساب أجر استخدام الهاتف في الإصلاح بين الناس وهذا لا يكون إلا للأشخاص الموفقين الذين يبحثون عن الأجر حقاً ، بالمقابل نجد هناك فئة من ضعيفي الإيمان ما أن يسمعون عن خلاف بسيط بين شخصين حتى يتبرعون باستخدام الهاتف لتأجيج نار العداوة ، فهذه تفسد زوجة على زوجها و ذلك يحرض أبن ضد أبيه الخ , و ما علموا المساكين أن كلمة تهوي بصاحبها في النار سبعين خريفاً !!.
* ماذا تحتسب في الإصلاح بين الناس ؟
ماذا نقول عندما نريد إصلاح بين شخصين ؟
فلان لا يقصد ... إنه يحترمك و يودك كثيراً ... ولكن ربما خانه التعبير فلم يختر اللفظ المناسب ... ولربما كانت في ذلك الوقت يعاني من ضغوط نفسية ... أو أن مزاجه كان متعكراً ... لا أتوقع أبدا أنه ينوي الإساءة إليك ... ولعله الآن يتألم لما حدث ... كما أني متأكد من طيبة قلبك وسعة صدرك ...
ثم أن الناس - يا أخي / أختي - بيئات ومجتمعات وتربيات مختلفة وربما لم يتح له من التربية ما يكفي لأن يجعله يتقن فن التعامل مع الآخرين ! فنشأ بهذه الطريقة وهو لا يحسن سواها لأن ذلك عسير عليه ، وقد لا يشعر بما هو عليه من خطأ ! .
فاحمد الله- أخي / أختي - أن عافاك مما ابتلاه به ، وأن سخر لك أسرة صالحة أحسنت تربيتك وعلمتك الأدب وطريقة التعامل مع الناس . واعذره فقد يكون محروم من الخير الذي عندك فلا تؤاخذه وسل الله العافية لك ولأخيك المسلم ، ولا ترد له الإساءة بل عامله بالحسنى عسى أن يتأثر من أسلوبك في التعامل معه ، عسى أن يتعلم ويكون لك أجر الإحسان إلى مسلم ...!
فعندما نصلح بين المتنازعين تكون لدينا فرصة لـ :(1/94)
1- احتساب الأجر العظيم ....قال الله تعالى : ? لا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلاحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً ? ]النساء:114[ , قال الله تعالى ? إِنَّا لا نُضِيعُ أَجْرَ الْمُصْلِحِينَ ? ]لأعراف:170[.
2- احتساب أن يرحمنا الله ، قال الله تعالى : ? إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ ? ]الحجرات:10[ فإصلاحنا بين المتنازعين سبب لأن يرحمنا الله ، لأنه سبحانه "رتب على القيام بالتقوى وبحقوق المؤمنين الرحمة فقال: ? لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ ? وإذا حصلت الرحمة حصل خير الدنيا والآخرة، ودل ذلك على أن عدم القيام بحقوق المؤمنين من أعظم حواجب الرحمة "171.
3- احتساب أجر دفع الضرر والأذى عن المسلمين فإن الخصومة بين المتنازعين ضررهما ممتد من الدنيا إلى الآخرة .
4- احتساب أجر الإحسان إلى المتنازعين بالإصلاح بينهما ... قال الله تعالى : ? إِنْ أَحْسَنْتُمْ أَحْسَنْتُمْ لَأَنْفُسِكُمْ ? ]الإسراء: 7[ 0
5- احتساب أجر الحصول على درجة أفضل من درجة نافلة الصلاة والصيام والصدقة...! قال صلى الله عليه وسلم : " ألا أخبركم بأفضل من درجة الصيام والصلاة والصدقة؟ قالوا: بلى، قال: صلاح ذات البين، فإن فساد ذات البين هي الحالقة "172 . أي تحلق الدين..
6- احتساب الأجر عند العفو عن الناس .. ولكم أن نتخيل - عفواً - أقصد لن نستطيع أن نتخيل عظم هذا الأجر فالأمر مطلق ومفتوح. قال تعالى: ? وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ لا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ ? ]الشورى:40 [.
* ما الذي نحتسبه في صبرنا ؟(1/95)
لنستغل المصائب لصالحنا لنكسب أكثر مما نخسر ، كي نحول أحزاننا إلى عبادة الصبر العظيمة , بل إنها عبادات كثيرة وليست واحدة !.. كالتوكل ... والرضا .. والشكر.
فسيبدل الله بعدها أحزاننا سروراً في الدنيا قبل الآخرة لأن من ملأ الرضا قلبه فلن يجزع من مصيبته وهذا والله من السعادة ... ألا نرى أن أهل الإيمان أبش الناس وجوها مع أنهم أكثرهم بلاء !
فلنكن فطنين ... فالدنيا لا تصفو لأحد وكلما انتهت مصيبة أتت أختها ....
وقد قيل :
إذا أنت لم تشرب مرارا على القذى ظمئت وأي الناس تصفو مشاربه
أيها الصابرون و الصابرات ...
ربما وجدنا أنفسنا فجأة في بحر الأحزان نغالب أمواج الهموم القاتلة وهي تعصف بزورقنا الصغير ... بينما نحن نجدف بحذر يمنة ويسرة... ولكن الأمواج كانت أعلى منا بكثير ولم يبق إلا أن تطيح بنا ... وفي تلك اللحظات السريعة أيقنا بأن لا مفر لنا من الله إلا إليه فذرفت الدموع ... و خضعت القلوب ... واتجه كياننا كله إلى الله ندعوه يا رب ... يا رب ... يا فارج الهم فرج لنا ...
هنا سكن بحر الأحزان... وهدأت أمواج العالية... وسار قاربنا بهدوء واطمئنان... إن شيئاً من الواقع لم يتغير سوى ما بداخلنا , قال الله تعالى: ? إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ ? ]الرعد: 11 [. لقد تحول جزعنا إلى تسليم، وسخطنا إلى رضى ...
فلنجعل هذه الهموم والأحزان أفراحا لنا في الآخرة فهي والله أيامنا في الدنيا وليالينا لنصبر , و لنكسب :
1- احتساب أجر الصابرين، فالصابر يكب عليه الأجر بلا عد ولا حد، قال الله تعالى: ? إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ ? ]الزمر:10 [.
2- احتساب الفوز بمعية القوي العزيز، قال الله تعالى: ? َاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ ? ]الأنفال:46 [.(1/96)
3- احتساب نيل محبة الله وما أنبلها من غاية، قال الله تعالى: ? وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ ? ]آل عمران:146 [.
4- احتساب أن تكون لنا عقبى الدار، قال الله تعالى: ? وَالَّذِينَ صَبَرُوا ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرّاً وَعَلانِيَةً وَيَدْرَأُونَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ أُولَئِكَ لَهُمْ عُقْبَى الدَّارِ *جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ وَالْمَلائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بَابٍ *سَلامٌ عَلَيْكُمْ بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ ? ]الرعد:22-24 [.
5- في صبرنا على مصيبتنا احتساب نصر الله و جبر الكسر وأن تكون العاقبة لنا قال الله تعالى: ? فَاصْبِرْ إِنَّ الْعَاقِبَةَ لِلْمُتَّقِينَ ? ]هود:49 [.
6- احتساب أن نكون من المفلحين الناجين ، قال الله تعالى: ? يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ? ]آل عمران:200 [.
7- احتساب المغفرة والأجر الكبير، قال الله تعالى: ? إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَئِكَ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ ? ]هود:11 [.
8- احتساب أن ننال صلوات من ربنا ورحمة وهداية لما يحبه و يرضاه ...
قال الله تعالى: ? وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ * الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ * أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ ? ]البقرة:155-157 [.(1/97)
9- انظروا إلى الأشجار في فصل الخريف كيف تتساقط أوراقها ما أروع هذا المنظر! .. إن احتسابنا للمعصية سيجعل ذنوبنا تتساقط كما تحط الشجرة ورقها قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما من مسلم يصيبه أذى من مرض فما سواه إلا حط الله [ به] سيئاته كما تحط الشجرة ورقها"173.
كلمة أخيرة ...
الصبر - يا أخواني و أخواتي - ليس فقط على أقدار الله المؤلمة... إنما هناك أيضا الصبر على طاعة الله وتنفيذ أوامره , كذلك الصبر عن فعل المعاصي ... فلا ننسى أن نحتسب تلك الأجور في جميع أنوع الصبر ...
قال بعض السلف: (لولا مصائب الدنيا لوردنا القيامة مفاليس) .
يتبع في الجزء الثاني بإذن الله ...
الموضوع الثامن
من روائع الإمام الشافعي
بسم الله الرحمن الرحيم
الإمام الشافعي ...محبوب الأمة كلها ... رجل وقور ...
شاعر أديب .. علامة أريب ..
قمة في الصبر ... رجل مثالي ...
نشعر بدفء قلبه و توقد عقله , على بعد السنين بيننا ...
اسمه محمد ...
كنيته أبو عبد الله ...
اسم والده : إدريس ...
نسبه شريف يمتد ليلتقي مع الحبيب صلى الله عليه و سلم ...
فانظر البركة :
اسمه اسم نبي , بل هو اسم نبينا صلى الله عليه و سلم .. سيد ولد آدم .. و أغناهم عن التعريف بالفضل .
و اسم والده اسم نبى , هو إدريس عليه الصلاة و السلام , و إدريس هو من قيل فيه
( و رفعناه مكانا عليا ) ....
فأي مكان الذى يصفه الله العلى بأنه عليا !
و أي شخص من يستحق تلك النعمة ...صلى الله و سلم على إدريس ..
فالشافعي هو :
محمد بن ادريس بن العباس ابن عثمان بن شافع بن عبيد بن عبد يزيد بن هاشم بن عبد المطلب بن عبد مناف .
ألقابه : فقيه الملة ..... ناصر الحديث ...
نال تلك الأوصاف لأنه رد على الأغبياء المبتدعة , ممن يدعون التعامل مع القرآن فقط دون الحديث !, و بين لهم أن كلامهم باطل , و أنه نقض للقرآن و نقض للإيمان و امتهان لعقل الإنسان ...(1/98)
و لك أن تتخيل الفضل , أن يلقب شخص بأنه فقيه الملة !
و أنه ناصر السنة ....ناصر سنة الرسول صلى الله عليه و سلم !
فكيف يجزيه ربه !
و كيف يتلقاه الرسول صلى الله عليه و سلم يوم القيامة عند الحوض !
نسأل الله أن يكون تقبل منه صالح العمل و أن يرحمه رحمة واسعة
ولد الشافعي بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم بحوالي مائة و أربعين سنة فقط
فقد ولد سنة مائة و خمسين للهجرة الميمونة ...
ولد مجاورا لأرض مباركة ... أرض وضح القرءان بركتها مرات ... ( الأرض التي باركنا فيها للعالمين ) ولد في فلسطين الحبيبة السليبة ليضيف لها فضلا على فضلها و تضيف له فضلا على فضله ....ولد في غزة الأسيرة الكسيرة ... شرفا و عزاءا لأهلها .. و عارا لا يمحى لمن بعدهم أن يفرطوا فيها ..
و سبب ولادته خارج مكة هو أن والده رحمه الله سافر من مكة إلى غزة قبل مولده , لطلب الرزق و الله أعلم , و لكن توفاه الله تعالى
فنشأ الشافعي يتيما ... شبها جديدا بالحبيب صلى الله عليه و سلم ...يتيما فقيرا ...
ربما ليكون قدوة و عبرة ... فليس لأحد حجة , فها هو اليتيم الفقير يجتهد و يصبح كالبدر المنير ....
و لننظر للمرأة القدوة , التي أثبتت كيف تكون المسلمة المتميزة الأسوة ....
إنها أمه ... شريكته في الفضل ...فلها فضل بعد الله تعالى على الأمة كلها ...جزاها الله خيرا .
فهي من أسس و ربى و وجه وصبر ...أمه لم تكن امرأة سلبية و لا تافهة لاهية و لم تكن تحيا حسب الحال .. و لا تهمها الراحة و الإباحة ! و لم تكن طائشة كنساء القوم , و فهمت الإسلام كرسالة , و وهبت نفسها و ابنها للحق كقضية و أمانة , سيدة بحق !شابة ناضجة ... قراراتها صائبة عرفت أين تضع قدمها ... ترملت باكرا ... و وعيت ما هنالك ...فنظرت بعين صدق , مؤمنة نقية الثوب , و لتنظر معي لتحدثك فعالها عنها فلها مواقف عظيمة جدا , كانت سببا مساندا في ما وصل له الشافعي من خير ....(1/99)
و في كل فضل جاد به على الأمة حتى اللحظة بفضل الله عليه ...
نشأت الإمام الشافعي :
عادت أمه به من فلسطين إلى مكة , و هو ابن سنتين , بعد وفاة والده رحمه الله ، و أرسلته للكتاب (حلقة التحفيظ ) .... فلم تتركه للهو الصبية فى شوارع مكة , و لم ترسله ليتعلم حرفة و يتكسب مع فقرهما ... و بارك الله في نيتها , و أظهر نبوغ صبيها الرائع ... حيث حفظ القرآن وهو ابن سبع سنين !
فأي فرحة لأم ترى صغيرها يمهد لها تاجا في الفردوس !
و له موقف مؤثر , و هو طفل في الكتّاب
حيث كان فقيرا جدا , لدرجة عدم توفر مال لدفع أجرة الشيخ المحفظ له !!!!
وكان الشافعي من فرط نباهته يقلد المدرس في غيابه , و يقف ممثلا أنه مشرف على الأطفال !
فيقول التنبيهات و يحفظهم الأيات ..!
فرءاه الشيخ المدرس , و أعجب به , و رضى بأن يجلس مكانه وقت الحاجة , كثمن لبقائه طالبا (فهو عمل بلا أجر مادي ) بدلا من دفع مصاريف الكتاب التي لا يملكها ....!!
فكان الشافعي يحفظ الأولاد , و يريح الشيخ ..
... و لك أن تتخيل نفسك فقيرا و يتيما , لا تملك المصروفات ....و تعمل مع الشيخ ليتركك تحضر الدرس ... يا الله ..كم أنت عزيز أيها الشرف ..
الشافعي و الإمام مالك :
سافرت به أمه الفاضلة للمدينة , ليتلقى العلم عند الإمام مالك , لعلمها أنه أعلم أهل الأرض ...
انظر للقرارات الصادرة من امرأة ! امرأة في قمة الحرية !
لم تتعبين نفسك , و تسافرين مئات الأميال في الصحارى و القفار !
لم تضع أمامها هدفا أن يتكسب لها رزقا , أو توظفه خبازا أو كاتبا , ليتكسب و يريحها من الجوع والتعب و السفر و قلة النفقة ...
بل كانت تريد له و للأمة الخير , و تتحمل معه كل أمر ...
رحمها الله .... تلك هي السيدة الأولى في عصرها بحق ..الأم المثالية بصدق ...
و تمهيدا للقاء الإمام مالك
حفظ الشافعي و هو صبي كتاب الموطأ كله !! وهو ابن عشر سنين ، لأنه خشي أن يرفضه الإمام مالك لصغر سنه ..(1/100)
فأحب أن يتميز بشئ , ليجعل الإمام يقبله طالبا و يعتنى به !
و إليكم القصة
طلبت له أمّه النابغة طلبا من والي مكة , ليس وظيفة لابنها الفقير النابه سليل الحسب ...
بل سألته أن يرسل رسالة توصية ليهتم به مالك رحمه الله , و يتبناه علميا ، لله درك يا أم محمد !
فأرسل والى مكة مع الشافعي ( وهو غلام صغير ) رسالة إلى والي المدينة.
فلما وصلت الرسالة إلى والي المدينة وقرأها قال:
يا فتى : إنَّ مشيي من جوف مكة إلى جوف المدينة حافياً راحلاً أهوَن عليّ من المشي إلى باب مالك !! فلستُ أرى الذل حتى أقف على بابه !. (( يعنى الإمام مالك ليس عنده محاباة و لا يهمه أنى والى المدينة أو غيره , فهو عزيز النفس و صارم جدا ))
فقال الشافعي : أصلح الله الأمير، إن رأى الأمير يوجه إليه ليحضر (( يعنى أرسل له يأتيك هو لدار الإمارة )).
فقال الأمير: هيهات ..... ، ليت أني لو ركبت ُ أنا ومن معي , و أصابنا من تراب العتيق (يعنى تعفرنا من تراب الحي , حيث يسكن مالك رحمه الله )
نلنا بعض حاجتنا.....!! ( يعنى ليس هو من النوع المهرول ... و يا ليته لو رحت إليه لبى طلبي !!! فكيف تظنه يأتيني هنا )
و فى النهاية واعده على الذهاب إلى مالك في وقت العصر.
ويروي الشافعي فيقول :
وركبنا جميعا ً، فوالله لكان كما قال ، لقد أصابنا من تراب العتيق ( تعفرنا ) , فتقدم رجل منا فقرع الباب , فخرجت إلينا جارية سوداء ,
فقال لها الأمير: قولي لمولاكِ أني بالباب.
فدخلت ثم , خرجت فقالت: إنَّ مولاي يقرئكَ السلام و يقول إن كان لديك مسألة فأرفقها في رقعة يخرج إليك
الجواب (( يعنى اكتب ورقة و سأدخلها و أخرج لك الجواب !! ... يعنى لا تأخر عن فتوى و لا كتمان لعلم ))
و إن كان للحديث فقد عرفتَ يوم المجلس (موعد الدرس ) فانصرِف...
(( و الشرع لا يمانع من رد الزيارة لأى سبب خاص ((و إن قيل لكم ارجعوا فارجعوا )) وخاصة رفض الخلطة بالكبراء منعا للشبهة ... ))(1/101)
و كان مالك رحمه الله حازما مهيبا , و لا يقبل إزعاجا و لا تضييعا للوقت ..... )
فقال لها الأمير : قولي له إنَّ معي كتاب والي مكة إليه في حاجة.
فدخلت وخرجت , و إذا بمالك قد خرج , و عليه المهابة والوقار و هو شيخ طويل ،
فأعطاه الوالي الكتاب المحتوى على التوصية , فطفق يقرأه
فلما بلغ إلى هذا: " إنَّ هذا رجل يهمني أمره وحاله فتحدثه ...وتفعل ... وتصنع ... ".
فرمى مالك الكتاب من يده ثم قال : سبحان الله , أوَ صار علم رسول الله صلى الله عليه وسلم يؤخّذ بالرسائل ؟!!!
( بالواسطة و بالتعليمات )
قال الشافعي : فرأيتُ الوالي قد تهيَّب أن يكلِّمه فتقدمتُ و قلت:
" أصلحك الله ... إني رجل مطلبيّ من بني المطَّلِب , وحدَّثتُه عن حالتي و قضيتي , فلما سمع كلامي نظر إليَ ...( و كان لمالك رحمه الله فراسة فهو مالك بن أنس !)
فقال: ما اسمك ؟
قلت: محمد ،
فقال: " يا محمد إنه سيكون لك شأن من الشأن ,إنَّ الله تعالى قد ألقى على قلبك نوراً فلا تطفئه المعصية. إذا جاء الغد تجيء مصطحباً معك ما تقرأ به ".
وطلب منه أن يأتي بمن يقرأ له كتاب الموطأ لصغر سنه , و لكن الشافعي جاءه في اليوم الثاني , و بدأ يقرأ عن ظهر قلب والكتاب معه . وكلما قرأ قليلاً شعر بالهيبة من الإمام مالك , وأراد أن يقطع القراءة , ولكن الإمام مالك أعجبته قراءته المتقنة...
فقال: زد يا فتى ،
حتى قرأ عليه الموطأ في أيام يسيرة.
و هي فرصة العمر أن يكون مجازا ضابطا لكتاب السنة الأعظم بعد كتاب الله في وقته ( الموطأ ) على يد من جمعه و كتبه بيده فى عشرات السنين ...! بل أفضل من أي دكتوراه في زمان الشهادات ..
قال مالك رحمه الله عنه: ما يأتيني قرشي أفهم من هذا الغلام ،
وقال : إن يك يفلح فهذا الغلام !
يا الله ..
كيف فهمتها يا إمام ...أمحدث أنت ..أملهم أنت ..أكشفت الأستار !
مالك يسمع الكلمات , و يرى بريق عين الغلام .. إنه مالك كأنه يرى بنور الله ...(1/102)
و صدقت فراسة المؤمن ..مالك رحمه الله ..
ولازم الشافعي مالكاً تسعة أعوام ...رحمهما الله
نور مع نور ... نعم النشأة يا ابن ادريس ... هنيئا لك بأمك ... هنيئا لك بنفسك , ما أقعدك يتمك باكيا بائسا ... هنيئا لك بمعلم لم تر الأرض مثله فى زمانه ... إنه مالك يا أحباب هو من قيل فيه :
ارو الحديث المنتقى عن أهله…… سيما ذوي الأحلام والأسنان
كابن المسيب والعلاء ومالك… والليث والزهري أو سفيان
فطوبى لمن كان وصفه أنه : من أهل حديث رسول الله صلى الله عليه و سلم ! في زمن يتفاخر فيه الدون بكلام المجون...
و لم يكتف الشافعي بتلك البعثة تسع سنوات مع علامة المدينة , بل عاد الشافعي لمكة و تعلم على يد علامتها سفيان بن عيينة , بعد وفاة الإمام مالك !
وكما تعلمنا في الأثر : (( منهومان لا يشبعان .. طالب علم و طالب مال ...))
فنعم النهم لو كنت طالب علم .. و بئسه لو كنت تطلب المال لتنفقه في الدنيا ....
فكما نعلم من الأثر المضىء :
الدنيا دار من لا دار له
و مال من لا مال له
و لها يجمع من لا عقل له ..
و في سنين الدراسة كان الورق غالي الثمن , والشافعي وأمه فقراء ....
فيُروى أنه كان يلتقط العظام العريضة , فيكتب عليها , أو يذهب إلى الديوان فيجمع الأوراق المهملة , التي يلقى بها فيكتب على ظهرها....!!
و لا تعليق ...
فلننظر فقط لما نحن فيه , لنتعلم كيف تكون الرجولة و الجدية ...
فهم الشافعي أن اللغة أصل في فهم القرءان , و فهم أن أصح لغة لم تحرف هي لغة قبيلة من القبائل هي هذيل , فابتعث نفسه في بعثة إليهم ...
في الصحراء !!
( بعثة بلا راتب و لا بدلات , و ليست في مدينة بخدمات عالمية )
و مكث بينهم ... صابرا مرابطا مؤدبا ليسمع من نطقهم و بلاغتهم و سليقتهم ...
و يتعلم كيف يكون فصيحا .. مضحيا بوقته و ماله و جهده ...و لا وظيفة تنتظره ! بل غربة فى الله و لله ... و نعم الغربة ... فما بالنا نستوحش وسط الزحام و العرق ...(1/103)
مكث الشافعي عشرة أعوام مع القبيلة الأصيلة , عكف خلالها على دراسة اللغة وآدابها , و حفظ الشعر (حفظ أكثر من عشرة آلاف بيت) كما تعلَّم الرماية و الفروسية وبرع فيهما.
وروى الشافعي عن نفسه فقال :
كانت همَّتي في شيئين، في الرمي والعلم , فصرتُ في الرمي بحيث أصيب عشرة من عشرة ". وسكتَ عن موضوع العلم تواضعاً , و هو من هو .... !
فأين من يتكبرون !
و لم يكتف الشافعي ! بل رحل إلى بغداد ليتلقى عن مدرسة الرأي !!!
فلننظر للهمة و لنبك على أنفسنا ! ما بالنا حبستنا الوظائف و العلائق و العوائق ....
صوته في قراءة القرءان و خشوعه :
لم يكن الشافعي فقط حافظا متقنا , و لا دارسا فاهما ... بل كان له قلب كبير , يشعر بالقرءان كرسالة روحية أيضا , و تهتز أضلعه و تغرق دموعه وجهه و لحيته ... و من الله سبحانه عليه بصوت مؤثر , و بخشوع لا يوصف .. فنعم العلم مع الخشية .. أين البكاء بجوف الليل يا أمة حق لها أن تبكي لكل سبب و حال !
قال بن نصر رحمه الله :
كنا إذا أردنا أن نبكي قال بعضنا لبعض : قوموا إلى هذا الفتى المطلبي ( الشافعي ) يقرأ القرآن ، فإذا أتيناه ( يصلي في الحرم ) استفتح القرآن حتى يتساقط الناس !!, و يكثر عجيجهم بالبكاء من حُسن صوته , فإذا رأى ذلك أمسك من القراءة......
( يعنى كان يستحيى و يخشى الرياء , و يخشى حب الظهور على نفسه ) .
و يحضرني قول الشاعر
طُوبى لعبدٍ لِمولاهُ إنابتهُ …… قد فاز عبدٌ مُنيبُ القلبِ أواهُ
كم من فتىً قد دنت للموت رِحلتُهُ ……وخيرُ زاد الفتى للموت تقواهُ
وكلُ ذِي أجلٍ يوماً سيبلغهُ ……وكُلُّ ذِي عملٍ يوماً سيلقاهُ
عبقريته :
إليكم أقوال من رأوه من معاصريه , و هم من هم من عباقرة الدنيا يمدحونه , فكيف يكون هو !! :
ما رأيت أحدا أعقل من الشافعي لو جمعت أمة لوسعهم عقله.
كرمه :
لم يكن علمه و خشوعه بلا جود و فضل و سخاء !
قال ابن عبد الحكم رحمه الله : كان الشافعي أسخى الناس بما يجد.(1/104)
و قال الربيع رحمه الله : تزوجت فسألني الشافعي كم أصدقتها ؟ قلت: ثلاثين دينارا عجلت منها ستة , فأعطاني أربعة وعشرين دينارا...
تأليفه لكتابه " الرسالة " وأهميته :
أصبح من عادة الشافعي أن يجلس في الحرم عند بئر زمزم , حيث كان يجلس الصحابي الجليل شيخ المفسرين عبد الله بن عباس رضي الله عنهما.
فلم يكن له دار فخمة و لا قصر منيف ... و لا قاعة محاضرات , بل بركة الموضع و تواضع العالم ... يجلس أمام الناس يكتب و يقرأ ... وبدأ الشافعي يؤلف في مكة رائعته التي كرمه الله بها و هي كتابه " الرسالة "، وكان قد اشتهر في هذا الوقت في مختلف أنحاء البلاد... فيأتيه طلاب العلم وكان منهم العلامة الباحث عن الحق : أحمد بن حنبل
الذي كان تلميذاً للإمام ابن عيينة إمام الحديث في عصره في المسجد الحرام.
و لكن الإمام أحمد اهتم بالسمع من فقه الشافعي و ترك مجلس ابن عيينة !!
فلما سئل عن ذلك قال: إنك إن فاتك الحديث بعلوّ تجده بنزول , و لا يضرك ذلك ( يعني كوني راويا لن يؤثر في كثيرا أن يموت ابن عيينة , فأروى الرواية ممن سمعها منه لاحقا , فالنصوص باقية معهم ) , أما إن فاتك عقل هذا الفتى - يقصد الشافعي- فإني أخاف أن لا تجده إلى يوم القيامة ، ما رأيتُ أحداً أفقه بكتاب الله تعالى من هذا الفتى القرشي...
و كان أحمد بن حنبل رحمه الله يقول : كان الفقه مقفلاً على أهله , حتى فتحه الله للإمام
الشافعي !
و من عبقريته قال الحسن بن محمد : كنا نحضر مجلس بشر المريسي( رجل مبتدع معتزلي قدري , و لكنه بارع في المناظرة , فيشد الناس و يفتنهم بلسانه ) وكنا لا نقدر على مناظرته , فسألنا أحمد بن حنبل , فدلَّنا على الشافعي ، فسألنا الشافعي شيئاً من كتبه , فأعطانا الشافعي كتاب ( بحث فقه ) اليمين مع الشاهد , فدرسته في ليلتين , ثم غدوتً على بشر المريسي ,
وتخطَّيتُ إليه فلما رآني قال : ما جاء بك يا صاحب الحديث؟(1/105)
قال الحسن : ذرني من هذا ، ما هو الدليل على إبطال اليمين مع الشاهد ؟ فناظرته فقطعته ...
فقال: ليس هذا من كيسكم ، هذا من كلام رجل رأيتُه بمكة معه نصف عقل أهل الدنيا.!!!!
وكان بشر المريسي لما رأى الشافعي المفتي في مكة يحدِّث قال لأصحابه المعتزلة : إني لا أخاف عليكم من أحد , و لكني أخاف عليكم من هذا الفتى فإنَّ معه نصف عقل أهل الدنيا.!!!
( و الفضل ما شهدت به الأعداء ! )
قال أحمد بن حنبل عن نفسه : هذا الذي ترون كله أو عامته من الشافعي ( يعنى معظم فقهي و علمي جعله الله سببا فيهما ) ، ما بتُّ مدة أربعين سنة إلا و أدعو الله للشافعي !
يا الله .. لله درك يا أحمد ... نعم الوفاء و نعم التواضع و نعم الأدب ...
تنسب جل ما أنت فيه للشافعى ! المتحدث هو أحمد بن حنبل !!! العقل !و القلب ! و النفس !
لا بأحد يرفع أنفه حين تقول ابن حنبل ... قمة من قمم التاريخ ..
يقول عن الشافعي تلك المقولات ...
فلله درهما
الشافعي ضيف الإمام أحمد :
و في يوم نزل الشافعي ضيفاً عند أحمد بن حنبل , وكان الإمام أحمد يتهجد , و يطيل في صلاة القيام , و أخذت ابنة الإمام أحمد تتطلع لغرفة الشافعي رحمه الله متشوقة لترى
كيف تكون عبادته ! و هو أشهر الفقهاء , و تقارنه بوالدها العلامة الشهير ... فرأت غرفة الشافعي بقيت مظلمة , و لم تشعر بأي حركة !
و لم تسمع تلاوة طيل الليل كما توقعت !
فقالت لأبيها: أهذا هو الشافعي ؟
فلم يجبها , ولما دخل على الإمام الشافعي قال : كيف كانت ليلتك يا أبا عبد الله ؟
فقال له: لقد تفكرتُ الليلة في بضع آيات من كتاب الله تعالى , و روايةٍ في حديث النبي صلى الله عليه وسلم ، فاستخرجتُ منها فوق الستين حكماً ....!!!(1/106)
فقال الإمام أحمد لابنته: لضجعة واحدة من الإمام الشافعي خير من صلاة أبيكِ الليل كله !! و لم تكن تلك هي القاعدة طبعا , بل كان يتبتل و يتهجد بشكل جعل المعاصرين ييئسون من اللحاق به في عبادته و تنسكه ! لو لم يكن هناك ما يشغله من تفكر في العلم , و التفكر عبادة كما نعلم ...
فمن نوافله التي وردت في ترجمته و مناقبه :
أنه كان يقسم ليله إلى ثلاثة أقسام :
ثلث ينام فيه , و ثلث يكتب فيه , و ثلث يصلي فيه التهجد ! فمتى تنام يا أبا عبد الله ؟
يا نورا من أنوار الأمة ؟ ( قليلا من الليل ما يهجعون )
وكان الشافعي رحمه الله يقدر علم أحمد بن حنبل بالحديث و صحته , و يقول له : إذا صح عندك الحديث فأخبرني عنه ....
فنعم الصداقة و نعم الصديق .. و نعم الجو العلمي الرباني ..
وسافر الشافعي لمصر , و فيها كان مؤلفه الكبير " كتاب الأم "
و كان يدرس فيها في مسجد تاج الجوامع فيدرس كل العلوم للطلاب ! كأنه موسوعة شاملة , مجموعة من العلماء جمعت فى شخص واحد ...
يدرس علوم القرآن ثم علوم الحديث ثم علوم اللغة وآدابها ..!!!!
طيلة النهار ....
سبحان الله ....
ما أروع العلم , و ما أشد جلدك و صبرك بلا راتب و لا أجر مادي !
إن المكارم أخلاق مطهرة… …الدين أولها و العقل ثانيها
والعلم ثالثها و الحلم رابعها ……و الجود خامسها و الفضل سادسها
و البر سابعها و الشكر ثامنها……و الصبر تاسعها و اللين باقيها
و في مصر كتب كتابه (الرسالة ) ثانيا منقحا . و أعاد النظر في اجتهاداته , فمن هنا نسمع كلمة :
قاله الشافعي في القديم ... يعنى فتوى قالها في اجتهاده الاول في كتابه الحجة حيث ألفه في العراق .
وإذا قيل :
مذهب الشافعي الجديد , فيراد به أقواله في مصر , المجموعة في كتابه الأم
الشافعي و الجهاد :(1/107)
كان الشافعي من العاملين بعلمهم كما قلنا ,فجند نفسه في سبيل الله للحراسة على الحدود حيث رابط فترة في الثغور بمصر لكي يكون في طليعة من يصدون أي هجوم غادر للعدو , و ينال شرف الرباط ..فلا يكون هناك باب من أبواب الخير إلا و له فيه سهم و نصيب !
رغم أنه لو قال أنا عالم و لا يوجد من يسد مكاني لو خرجت , لما لامه أحد ..
لكن هيهات ..
تريد الشافعي أن يتكاسل !
لقد نور الله بالعلم صدورا
فأبت أن ترضى بالدنا مقيلا ....
الشافعي و سنين المرض :
وفي آخر عمره رحمه الله مرض و اشتد به الامتحان , ربما ليكون قدوة للمرضى و للأصحاء ... و يقطع الحجج على أهل زماننا و من تلاهم ... و لترتفع درجته فى السماء , نحسبه على خير و الله حسيبه .. و لا نزكيه على الله ... حيث أصيب بالبواسير , و كان النزيف شديدا , حتى قيل إنه ربما ركب الدابة فسال الدم من عقبيه.... وكان يضع طستا تحته , و فيه قماشة لتمتص الدم ... و هو يكتب و يقرأ و يشرح ..! هو وصف من عاصروه و تشرفوا برؤية مناضل من الزمن الجميل بأهله ... و رغم تلك المكابدة و الصبر الجميل و القدوة في الرضا ..
فقد كتب في سنين مرضه جملة عظيمة من رسائل فقهه و اجتهاده الجديد ...بل واصل الدروس والمطالعات ... و ترك ثروة علمية فى تلك السنوات الأخيرة ,لا تقدر و لا يثمنها سوى العقلاء !!
...فلم ينم و لم يخلد للراحة , و معه الحجة و السبب ..
فلو قال : أنا مريض , لقالوا له : فلتتقاعد مشكورا , قد أديت ما عليك !
فما بالنا نقعد بلا مرض و لا سبب !
قالوا في الشافعي :
* أقوال الإمام أحمد بن حنبل :
- كان الشافعي كالشمس للدنيا ، و كالعافية للناس ، فهل لهذين من خلف! أو عنهما عوض !.(1/108)
- إن الشافعي هو العالم القدوة , للمائة عام الثانية بعد النبي صلى الله عليه وسلم .. فقال : إن الله يقيض للناس في رأس كل مائة سنة من يعلمهم السنن وينفي عن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) الكذب فنظرنا فاذا في رأس المائة عمر بن عبد العزيز، وفي رأس المائتين الشافعي ،
- لولا الشافعي ما عرفنا فقه الحديث
- ما مس أحد محبرة ولا قلما الا للشافعي في عنقه منة !
( يعنى له فضل على كل من تعلم العلم بما له من قواعد أصولية صارت مرجعا و أساسا للفقه )
* قال أبو زرعة الرازى : ما عند الشافعي حديث فيه غلط....!
( الله أكبر كبيرا ... فضل الله يؤتيه من يشاء )
درر من أقوال الشافعي :
- ما تُقُرِّب إلى الله عز وجل بعد أداء الفرائض بأفضل من طلب العلم.
- طلب العلم أفضل من صلاة النافلة.
- من ضُحِكَ منه في مسألة لم ينسها أبداً.
- من حضر مجلس العلم بلا محبرة و ورق كان كمن حضر الطاحون بغير قمح.
- قراءة الحديث خير من صلاة التطوع.
- العلم ما نفع ، ليس العلم ما حفظ.
- الانقباض عن الناس مكسبة للعداوة ، والانبساط إليهم مجلبة لقرناء السوء ، فكن بين المنقبض والمنبسط.
- كل حديث عن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) فهو قولى ، وان لم تسمعوه منى.....(( يعنى ما لم يصلني من حديث , و ثبتت صحته لديكم , فاعتبروني أفتيت به و تراجعت عن قولي ...))
- إذا وجدتم في كتابي خلاف سنة رسول الله (صلى الله عليه وسلم) فقولوا بها ودعوا ما قلته.
فضل كتبه :
قال الإمام أحمد : صاحب حديث لا يشبع من كتب الشافعي.
قال الجاحظ : نظرت في كتب هؤلاء النبغة الذين نبغوا في العلم , فلم أر أحسن تأليفا من الشافعي , كأن كلامه در إلى در
( يعنى لؤلؤ متجاور .... فسبحان الله ).
لعل الله تعالى يوقظ همة أحد قرائنا , فيبحث و يلتقط تلك الدرر , ليعيد تقديمها للأمة
العطشى ...
لحظة وفاته:
قال المزني ( و هو صاحب الشافعي رحمه الله ):
دخلت على الشافعي فى مرضه الذى مات فيه،(1/109)
فقلت: يا أبا عبد الله كيف أصبحت ؟ فرفع رأسه،
وقال :
أصبحت من الدنيا راحلا
ولإخواني مفارقا
ولسوء عملي ملاقيا
وعلى الله واردا
ما أدرى !
روحى تصير الى جنة فأهنيها , أو الى نار فأعزيها...
ثم بكى , و أنشأ يقول :
و لما قسى قلبي وضاقت مذاهبى…جعلت رجائي دون عفوك سلما
تعاظمني ذنبي فلما قرنته…بعفوك ربى كان عفوك أعظما
فما زلت ذا عفو عن الذنب لم …تزل تجود وتعفو منة وتكرما
اللهم ارحمه رحمة واسعة
صلى الإله على النبي محمد ما ناح قمري على الأغصان وعلى جميع بناته ونسائه
وعلى جميع الصحب والإخوان
الموضوع التاسع
الإعجاز العلمي في الكتاب و السنة
بسم الله الرحمن الرحيم
…
إن الحمد لله نحمده ونستغفره و نستعينه ونستهديه ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلن تجد له وليًا مرشدا وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، سبحانه وتعالى ليس كمثله شئ وهو السميع البصير. وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله أرسله الله بالهدى ودين الحق هاديًا ومبشرًا ونذيرًا وداعيًا إلى الله بإذنه وسراجًا منيرا، اللهم صل عليه وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين , أما بعد ...
كان الرسل قبل محمد صلى الله عليه وسلم يبعثون إلى أقوامهم خاصة ، ولأزمنة محدودة فقد أيدهم الله بمعجزات حسية مثل : عصا موسى عليه السلام ، و إحياء الموتى بإذن الله على يد عيسى عليه السلام ، و تستمر هذه المعجزات الحسية محتفظة بقوة إقناعها في الزمن المحدد لرسالة كل رسول ، فإذا ترك الناس دين الله بعث الله رسولاً آخر بالدين الذي برضاه ، وبمعجزة جديدة ، وبينة مشاهدة .(1/110)
ولما ختم الله النبوة بمحمد صلى الله عليه وسلم و جعله نبي للعالمين ضمن له حفظ دينه ، وأيده ببينة كبرى تبقى بين أيدي الناس إلى قيام الساعة و هي القرآن الكريم , وهي معجزة معنوية تدرك بالعقل , فهي باقية بقاء الرسالة المحمدية . ذلك أن رسالة رسول الله صلى الله عليه وسلم قد استوعبت المكان و الزمان , فكان لابد من استمرار المعجزة , بمعنى أنه إذا ارتاب قوم في صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم في عصرنا الحاضر , فكيف نأتي بالرسول ليطالبوه بمعجزة تدل على صدقه ؟ ومن هنا كان القرآن الكريم نفسه بيانًا و معجزة في آن واحد .
وكلما تقدم العلم المادي انكشف من وجوه إعجاز القرآن الكريم وجه يقمع رموز منكريه ويهدي به الله الآلاف المؤلفة في كل عصر , وهو ما شاهدناه قبل الآن و ما ستشهده الأجيال القادمة بعد الآن بإذن الله , قال تعالى : ? قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كَانَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ ثُمَّ كَفَرْتُمْ بِهِ مَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ هُوَ فِي شِقَاقٍ بَعِيدٍ * سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدا ? ]فصلت:52-53[.
و هناك العديد من الأدلة على أن القرآن الكريم كلام الله و ليس كما يزعم البعض أنه افتراء من الرسول العظيم محمد عليه أفضل الصلاة و أتم التسليم و هذه الأدلة تعتمد على مفهومين أساسيين :
الأول : أنه لا يعلم الغيب إلا الله .... و لا يمكن لبشر أن يتنبأ بما سيحدث غيبيا ... و بالتالي فإن النبوءات الواردة في القرآن الكريم و التي تحققت بالفعل تدل بمنتهى الوضوح على أن هذا الكلام كلام الله عز و جل و أن محمد نبيه و خاتم رسله.(1/111)
الثاني : أن نبينا - صلى الله عليه و سلم - كان أميا فكيف له بتأليف القرآن الذي يتفوق آلاف المرات على أكثر النصوص النثرية بلاغة .... و الذي لو اجتمعت الإنس و الجن على أن يأتوا و لو بآية واحدة مثل آياته المحكمات لما استطاعوا ... هذا دليل على أنه كلام الله ... و دليل على نبوة محمد .... فكيف الحال إذا كانت هذه الآيات المحكمات فيها من الإعجاز العلمي ما لم يتوصل إليه البشر إلا بعد أربعة عشر قرنا من ظهور الإسلام !!!!
بالله كيف يكون القرآن كلام محمد ؟؟؟؟؟ النبي الأمي ؟؟؟
ومن أهم أوجه الأعجاز في القرآن الكريم هو الإعجاز العلمي وهو إخبار القرآن الكريم أو السنة النبوية بحقيقة أثبتها العلم التجريبي في العصر الحاضر ، وثبت عدم إمكانية إدراكها بالوسائل البشرية في زمن الرسول صلى الله عليخ وسلم .وهذا مما يظهر صدق الرسول محمد - صلى الله عليه وسلم - فيما أخبر به عن ربه سبحانه.
وسنتناول بإذن الله في هذا البحث الأمثلة التالية للإعجاز العلمي في القرآن الكريم و السنة :
* الإعجاز العلمي في الوضوء .
* الإعجاز العلمي في أداء صلاة الفجر .
* الإعجاز العلمى فى صيام الأيام البيض.
* الإعجاز العلمي في العطاس و التثاؤب .
* الإعجاز العلمي في الحجامة .
* الإعجاز العلمي في صون المرأة من السفور .
* الإعجاز العلمي في صون المرأة من مخالطة الرجال .
وقد راعينا أن تكون أمثلة الإعجاز العلمي مرتبطة بحياة المسلم و في شئون قريبة منه حتى يكون أكثر استشعارا لعظمتها ...
فتفكر بهذه الأدلة القليلة يا عبد الله ليزداد إيمانك و يقينك إن كل ما سنه الله لنا من تشريعات و ما أمرنا به , له غاية و قصد و هدف و خير لنا في الدنيا و الآخرة ...
فالحمد لله رب العالمين ...
* الإعجاز العلمي في الوضوء :(1/112)
قال صلى الله عليه وسلم : " من توضأ فأحسن الوضوء خرجت خطاياه من جسده حتى تخرج من تحت أظفاره "174 , وقال : " إن أمتي يدعون يوم القيامة غرّا محجلين من آثار الوضوء فمن استطاع منكم أن يطيل غرته فليفعل "175.
الإعجاز العلمي من الوضوء بالماء :
توصل العلماء إلى أن سقوط أشعة الضوء على الماء أثناء الوضوء يؤدي إلي انطلاق أيونات سالبة ويقلل الأيونات الموجبة مما يؤدي إلى استرخاء الأعصاب والعضلات ويتخلص الجسم من ارتفاع ضغط الدم والآلام العضلية وحالات القلق والأرق , وهذا بالضبط ما نشعر به بعد أن يلامس رذاذ الماء الوجه و اليدين .
الحكمة من تشريع الاستنشاق :
أثبت العلم الحديث - من خلال الفحص الميكروسكوبي - أن الذين يتوضئون باستمرار .. قد ظهر الأنف عند غالبيتهم نظيفا طاهرا خاليا من الميكروبات ولذلك جاءت المزارع الميكروبية التي أجريت لهم خالية تماما من أي نوع من الميكروبات في حين أعطت أنوف من لا يتوضئون مزارع ميكروبية ذات أنواع متعددة وبكميات كبيرة من الميكروبات الكروية العنقودية الشديدة العدوى .. والكروية السبحية السريعة الانتشار.. والميكروبات العضوية التي تسبب العديد من الأمراض وقد ثبت أن التسمم الذاتي يحدث من جراء نمو الميكروبات الضارة في تجويفى الأنف ومنهما إلى داخل المعدة والأمعاء ولإحداث الالتهابات والأمراض المتعددة ولا سيما عندما تدخل الدورة الدموية .
الحكمة من تشريع المضمضة :
1. تحفظ الفم والبلعوم من الالتهابات .
2. تقي اللثة من التقيح و الأسنان من النخر بإزالة الفضلات الطعامية التي قد تبقى , فيها فقد ثبت علميا أن تسعين في المائة من الذين يفقدون أسنانهم لو اهتموا بنظافة الفم لما فقدوا أسنانهم قبل الأوان وأن المادة الصديدية والعفونة مع اللعاب والطعام تمتصها المعدة وتسرى إلى الدم .. ومنه إلى جميع الأعضاء وتسبب أمراضا كثيرة .(1/113)
3. تنمية بعض العضلات في الوجه وتجعله مستديرا .. وهذا التمرين لم يذكره من أساتذة الرياضة إلا القليل لانصرافهم إلى العضلات الكبيرة في الجسم .
الحكمة من غسل الوجه واليدين إلى المرفقين والقدمين :
1) إزالة الغبار وما يحتوى عليه من الجراثيم من الجلد .
2) تنظيف البشرة من المواد الدهنية التي تفرزها الغدد الجلدية .
3) إزالة العرق من سطح الجلد .
وقد ثبت علميا أن الميكروبات لا تهاجم جلد الإنسان إلا إذا أهمل نظافته .. فإن الإنسان إذا مكث فترة طويلة بدون غسل لأعضائه فإن إفرازات الجلد المختلفة من دهون وعرق تتراكم على سطح الجلد محدثه حكة شديدة وهذه الحكة بالأظافر .. التي غالبا ما تكون غير نظيفة تدخل الميكروبات إلى الجلد . كذلك فإن الإفرازات المتراكمة هي دعوة للبكتريا كي تتكاثر وتنمو .
الحكمة من غسل و تدليك الأطراف في الوضوء :
ثبت أن الدورة الدموية في الأطراف العلوية من اليدين والساعدين والأطراف السفلية من القدمين والساقين أضعف منها في الأعضاء الأخرى لبعدها عن المركز الذي هو القلب فإن غسلها مع دلكها يقوي الدورة الدموية لهذه الأعضاء من الجسم مما يزيد في نشاط الشخص وفعاليته .
الحكمة من افتتاح الوضوء بغسل اليدين :
أثبتت البحوث أن جلد اليدين يحمل العديد من الميكروبات التي قد تنتقل إلى الفم أو الأنف عند عدم غسلهما .. ولذلك يجب غسل اليدين جيدا عند البدء في الوضوء .. وهذا يفسر لنا قول الرسول صلى الله عليه وسلم " إذا استيقظ أحدكم من نومه فليغسل يديه قبل أن يدخلهما في الإناء ثلاثاً ، فإن أحدكم لا يدري أين باتت يده"176 .
* الإعجاز العلمي في أداء صلاة الفجر :
قال تعالى : ? أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُوداً ? ]الإسراء:78[.(1/114)
و قد روي عن النبي عليه الصلاة و السلام أنه قال : " بورك لأمتي في بكورها "177 و قال: " ركعتا الفجر خير من الدنيا وما عليها "178 .
أما الفوائد الصحية التي يجنيها الإنسان بيقظة الفجر فهي كثيرة منها :
1. المصلون الذين يصلون صلاة الفجر في المساجد يصبحون أكثر نشاطًا من غيرهم : التفسير العلمي : تكون أعلى نسبة لغاز الأوزون (O3) في الجو عند الفجر ، و تقل تدريجياً حتى تضمحل عند طلوع الشمس ، و لهذا الغاز تأثير مفيد للجهاز العصبي ومنشط للعمل الفكري و العضلي عند استنشاقه فجرا ، ولذلك تكون ذروة نشاط الإنسان الفكرية و العضلية تكون في الصباح الباكر ، و يستشعر الإنسان عندما يستنشق نسيم الفجر الجميل المسمى بريح الصبا ، لذة و نشوة لا شبيه لها في أي ساعة من ساعات النهار أو الليل .
2. المصلين الذين يصلون ركعتي الشروق يكونون أكثر يقظة و حركة و يتعرضون لفيتامين د :………………………… التفسير العلمي : إن أشعة الشمس عند شروقها قريبة إلى اللون الأحمر ،و معروف تأثير هذا اللون المثير للأعصاب ، و الباعث على اليقظة و الحركة ، كما أن نسبة الأشعة فوق البنفسجية تكون أكبر ما يمكن عند الشروق ، و هي الأشعة التي تحرض الجلد على صنع فيتامين د .(1/115)
3. الاستيقاظ الباكر يقطع النوم الطويل يحفظ صحة الإنسان :……… التفسير العلمي : وقد تبين أن الإنسان الذي ينام ساعات طويلة و على وتيرة واحدة يتعرض للإصابة بأمراض القلب و خاصة مرض العصيدة الشرياني الذي يأهب لهجمات خناق الصدر لأن النوم ما هو إلا سكون مطلق ، فإذا دام طويلاً أدى ذلك لترسب المواد الدهنية على جدران الأوعية الشريانية الإكليلية القلبية ، ولعل الوقاية من عامل من عوامل الأمراض الوعائية ، هي إحدى الفوائد التي يجنيها المؤمنون الذين يستيقظون في أعماق الليل متقربين لخالقهم بالدعاء و الصلاة ، قال تعالى في سورة الفرقان : ? وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّدًا وَقِيَامًا ? ]الفرقان:64 [.و قال تعالى مرغباً في التهجد في سورة المزمل : ? إِنَّ نَاشِئَةَ اللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وَطْءًا وَأَقْوَمُ قِيلا ? ]المزمل:6[ , و ناشئة الليل هي القيام بعد النوم .
تعليق :
سبحان الله لو تفكرنا يا عباد الله إلى هذه الفوائد التي بيناها عن الصلاة و الوضوء , فسنستنتج منها أن المسلم الملتزم بتعاليم القرآن ، هو إنسان فريد بالفعل ، حيث يستيقظ باكراً و يستقبل اليوم الجديد بجد و نشاط و يباشر أعماله اليومية في الساعات الأولى من النهار ، حيث تكون إمكاناته الذهنية و النفسية و العضلية على أعلى مستوى ، مما يؤدي لمضاعفة الإنتاج ، كل ذلك في جسم ملؤه الصحة و العافية و عالم يسوده الصفاء و السرور و الانشراح و لو تصورنا أن ذلك الالتزام أخذ طابعاً جماعياً فسيغدو المجتمع المسلم ، مجتمعاً قويا صحيحا مميزاً فريداً في مختلف نواحي الحياة .
* الإعجاز العلمي في صيام الأيام البيض :
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : أوصاني خليلي بثلاث : " صيام ثلاثة أيام من كل شهر ، وركعتي الضحى ، وأن أوتر قبل أن أنام "179.(1/116)
وجاء في فتح الباري شرح صحيح البخاري أن : المراد بالبيض الليالي التي يكون القمر فيها من أول الليل إلى آخره . وقد دل هذا الحديث على أنه صلى الله عليه وسلم كان يأمر الصحابة بصيام هذه الأيام البيض ، محمول على الندب لا على الوجوب . فالنبي صلى الله عليه وسلم كان يعرض له عارض فلا يصومها مما يدل على عدم الوجوب ، وهذا متفق عليه.
وسميت بالبيض لأن لياليها بيضاء من شدة ضوء القمر عند اكتماله ...
سؤال : ما الحكمة من أمر الرسول صلى الله عليه و سلم بصيام الثلاثة الأيام البيض ؟
العلم الحديث يكشف السر فقد ظهرت في الأعوام الأخيرة أبحاث علمية كثيرة مفادها أن القمر عندما يكون بدرا ، أي في الثالث عشر والرابع عشر والخامس عشر ، يزداد التهيج العصبي والتوتر النفسي إلى درجة بالغة .. ويقول الدكتور ليبر عالم النفس بميامي في الولايات المتحدة : " إن هناك علاقة قوية بين العدوان البشري والدورة القمرية وخاصة بينه وبين مدمني الكحول ، والميالين إلى الحوادث وذوي النزعات الإجرامية ، وأولئك الذين يعانون من عدم الاستقرار العقلي والعاطفي " . ويشرح ليبر نظريته قائلا : " إن جسم الإنسان مثل سطح الأرض يتكون من 80 % من الماء والباقي هو المواد الصلبة " . ومن ثم فهو يعتقد بأن قوة جاذبية القمر التي تسبب المد والجزر في البحار والمحيطات تسبب أيضا هذا المد في أجسامنا عندما يبلغ القمر أوج اكتماله في أيام البيض ... وأصبح من المعروف أن للقمر في دورته تأثيرا على السلوك الإنساني وعلى الحالة المزاجية للفرد. فما أصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وأحكمه وأعلمه بأسرار النفس وأسرار تكوينها أخلاطها وهرموناتها ، فصلى الله عليه وسلم أفضل وأكمل ما صلى على أحد من العالمين .
تعليق :
هذه دعوة منا لك يا أخي الكريم بعدم التفريط في صيام هذه الأيام المباركة التي أوصى الرسول الكريم عليه أفضل الصلاة و أتم التسليم على صيامها ...(1/117)
ولو فكرنا قليلا لوجدنا أنك يا عبد الله ستفطر 27 يوم و ستصوم 3 أيام , سترتوي و ستأكل 27 يوم و ستعطش و تجوع 3 , فهل هذا بالله عليك بالكثير ...
لا والله ...فلا تبخل يا عبد الله على نفسك بالحرمان من أجر هذه الأيام المباركة التي ستكون في أشد الحاجة لثوابها يوم لا ينفع مال و لا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم ... وفي نفس الوقت لا تحرم نفسك من الفائدة الصحية التي ستجنيها من صيام هذه الأيام إن شاء الله .
* الإعجاز العلمي في العطاس و التثاؤب :
عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه و سلم قال : " إن الله يحب العُطاس و يكره التثاؤب ، فإذا عطس فحمد الله فحق على كل مسلم سمعه أن يشمِّته ، و أما التثاؤب فإنما هو من الشيطان فليردّه ما استطاع ، فإذا قال : ها ، ضحك منه الشيطان"180.
وبيَّن النبي صلى الله عليه و سلم كيف يُشَمَّت العاطس في الحديث الشريف الذي رواه أبو هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه و سلم قال : " إذا عطس أحدكم فليقل الحمد لله ، و ليقل له أخوه أو صاحبه : يرحمك الله ، فإذا قال له يرحمك الله فليقل : يهديكم الله و يصلح بالكم "181 .
قال ابن حجر رحمه الله :
العُطاس يكون من خِفَّة البدن و انفتاح المسامّ و عدم الغاية في الشبع .
التثاؤب فإنه يكون من علَّة امتلاء البدن و ثقله من ما يكون ناشئاً عن كثرة الأكل و التخليط فيه .
و الأول يستدعي النشاط للعبادة و الثاني على عكسه182 .
والأطباء في العصر الحاضر يقولون : التثاؤب دليل على حاجة الدماغ و الجسم إلى الأوكسجين و الغذاء ، و على تقصير جهاز التنفس في تقديم ما يحتاجه الدماغ و الجسم من الأوكسجين ، و هذا ما يحدث عند النعاس و الإغماء و قبيل الوفاة .(1/118)
ويكون التثاؤب بشهيق عميق يجري عن طريق الفم ، و ليس الفم بالطريق الطبيعي للشهيق لأنه ليس مجهزاً بجهاز لتصفية الهواء كما هو في الأنف ، فإذا بقي الفم مفتوحاً أثناء التثاؤب تسرَّب مع هواء الشهيق إلى داخل الجسم مختلف أنواع الجراثيم و الغبار و الهَبَاء و الهَوام ، لذلك جاء الهَدي النبوي الكريم برد التثاؤب على قدر الاستطاعة ، أو سد الفم براحة اليد اليمنى أو بظهر اليسرى .
والعُطاس هو عكس التثاؤب ، فهو قوي و مفاجئ يخرج معه الهواء بقوة من الرئتين عن طريقي الأنف و الفم ، فيجرف معه ما في طريقه من الغبار و الهباء و الهوام و الجراثيم التي تسربت إلى جهاز التنفس .
تعليق :
تذكر الآن يا عبد الله الآن :
* و أنت تعطس ... أن العطاس من الرحمن لأن فيه فائدة للجسم ، و حق على المرء أن يحمد الله سبحانه و تعالى على العُطاس .
* و أنت تتثاؤب ... أن التثاؤب من الشيطان لأن فيه ضرراً للجسم ، فيجب عليك أن تستعيذ بالله من الشيطان الرجيم , و تسد فمك براحة اليد اليمنى أو بظهر اليسرى ليقل ضرر التثاؤب على جسمك .
* الإعجاز العلمي في الحجامة :
قال صلى الله عليه وسلم : " نعم العبد الحجام يذهب الدم ويجفف الصلب ويجلو عن البصر "183, وقد روي أيضا " أن النبي صلى الله عليه وسلم احتجم وأعطى الحجام أجرة"184.
لقد أثبت العلم الحديث أن الحجامة قد تكون ...
* شفاء لبعض أمراض القلب : في حالة شدة احتقان الرئتين نتيجة هبوط القلب وعندما تفشل جميع الوسائل العلاجية من مدرات البول وربط الأيدي والقدمين لتقليل اندفاع الدم إلى القلب فقد يكون إخراج الدم بفصده عاملا جوهريا هاما لسرعة شفاء هبوط القلب .(1/119)
* شفاء لحالات ارتفاع ضغط الدم المفاجئ : أن الارتفاع المفاجئ لضغط الدم المصحوب بشبه الغيبوبة وفقد التمييز للزمان والمكان أو المصاحب للغيبوبة نتيجة تأثير هذا الارتفاع الشديد المفاجئ لضغط الدم - قد يكون إخراج الدم بفصده علاجا الارتفاع المفاجئ لضغط الدم المصحوب بشبه الغيبوبة .
* شفاء لبعض أمراض الكبد : أن بعض أمراض الكبد مثل التليف الكبدي لا يوجد علاج ناجح لها سوى إخراج الدم بفصده .
* شفاء لبعض أمراض الدم : فضلا عن بعض أمراض الدم التي تتميز بكثرة كرات الدم الحمراء وزيادة نسبة الهيموجلوبين في الدم تلك التي تتطلب إخراج الدم بفصده حيث يكون هو العلاج الناجح لكثرة الكريات الحمراء لمثل هذه الحالات منعا لحدوث مضاعفات جديدة ومما هو جدير بالذكر أن زيادة كرات الدم الحمراء قد تكون نتيجة الحياة في الجبال المرتفعة ونقص نسبة الأوكسجين في الجو وقد تكون نتيجة الحرارة الشديدة بما لها من تأثير واضح في زيادة إفرازات الغدد العرقية مما ينتج عنها زيادة عدد كرات الدم الحمراء ..
تعليق :
إن رسولنا الكريم عندما حثنا على الحجامة و نعتها كأفضل دواء في قوله صلى الله عليه و سلم " خير ما تداويتم به الحجامة "185 لم يكن من فراغ بل هو وحي سماوي رباني و رحمة من رب العباد لعبيده المسلمين المستضعفين بأن وصف لهم الدواء لأعصى الأدواء , فالعمل بسنة الرسول الكريم و تطبيق كل صغيرة و كبيرة فيها هو سبيل الخير في الدنيا و الآخرة . . . فسبحان من علم نبينا الأمي هذه الأقوال التي اجتمعت فيها الحكمة العلمية و التي لم تستطع البحوث العلمية اكتشافها إلا مؤخرا .
* الإعجاز العلمي في صون المرأة من السفور :
قال صلى الله عليه وسلم : " نساء كاسيات عاريات مائلات مميلات رءوسهن كأسنمة البخت المائلة لا يدخلن الجنة ولا يجدن ريحها "186 رواه أبو داود . وقال أيضا - " لا تقبل صلاة حائض إلا بخمار "187 .(1/120)
لقد أثبتت البحوث العلمية الحديثة أن تبرج المرأة وعريها يؤدي إلى انتشار مرض السرطان الخبيث في الأجزاء العارية من أجساد النساء ولا سيما الفتيات اللاتي يلبسن الملابس القصيرة.
فلقد نشر في المجلة الطبية البريطانية : أن السرطان الخبيث الميلانوما الخبيثة والذي كان من أندر أنواع السرطان أصبح الآن في تزايد وأن عدد الإصابات في الفتيات في مقتبل العمر يتضاعف حاليا حيث يصبن به في أرجلهن وأن السبب الرئيسي لشيوع هذا السرطان الخبيث هو انتشار الأزياء القصيرة التي تعرض جسد النساء لأشعة الشمس فترات طويلة على مر السنة ولا تفيد الجوارب الشفافة أو النايلون في الوقاية منه .. وقد ناشدت المجلة أطباء الأوبئة أن يشاركوا في جمع المعلومات عن هذا المرض وكأنه يقترب من كونه وباء إن ذلك يذكرنا بقوله تعالى : ? وَإِذْ قَالُواْ اللَّهُمَّ إِن كَانَ هَذَا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِندِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِّنَ السَّمَاء أَوِ ائْتِنَا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ ? ]الأنفال: 32[.(1/121)
ولقد حل العذاب الأليم أو جزء منه في صورة السرطان الخبيث الذي هو أخبث أنواع السرطان وهذا المرض ينتج عن تعرض الجسم لأشعة الشمس والأشعة فوق البنفسجية فترات طويلة وهو ما توفره الملابس القصيرة او ملابس البحر على الشواطئ ويلاحظ أنه يصيب كافة الأجساد وبنسب متفاوتة ويظهر أولا كبقعة صغيرة سوداء وقد تكون متناهية الصغر وغالبا في القدم او الساق وأحيانا بالعين ثم يبدأ بالانتشار في كل مكان واتجاه مع أنه يزيد وينمو في مكان ظهوره الأول فيهاجم العقد الليمفاوية بأعلى الفخذ ويغزو الدم ويستقر في الكبد ويدمرها .. وقد يستقر في كافة الأعضاء ومنها العظام والأحشاء بما فيها الكليتان ولربما يعقب غزو الكليتين البول الأسود نتيجة لتهتك الكلى بالسرطان الخبيث.. وقد ينتقل للجنين في بطن أمه ولا يمهل هذا المرض صاحبه طويلا كما لا يمثل العلاج بالجراحة فرصة للنجاة كباقي أنواع السرطان حيث لا يستجيب هذا النوع من السرطان للعلاج بجلسات الأشعة .
تعليق :
وبعد قراءتنا فقد ظهرت حكمة التشريع الإسلامي في ارتداء المرأة للزي المحتشم الذي يستر جسدها كله بملابس واسعة غير ضيقة ولا شفافة.
أصبح القرار بيدك يا أمة الله , أي زي تختارين :
* زي السفور و التبرج و ما يجره من عذاب في الآخرة و عذاب الدنيا المتمثل في هذا المرض و غيره من الفتن ...
أم ...
* زي العفة والاحتشام الذي هو طريقكِ لنيل رضوان الله و جنات النعيم في الآخرة و صيانة لك من الفتن الدنيا و أمراضها .
* الإعجاز العلمي في صون المرأة من مخالطة الرجال :
سؤال : ماذا يحدث لو صافحت المرأة الرجل ؟
هناك خمسة ملايين خلية في الجسم تغطى السطح , كل خلية من هذه الخلايا تنقل الأحاسيس فإذا لامس جسم الرجل جسم المرأة سرى بينهما اتصال يثير الشهوة .
سؤال : ماذا يحدث لو شم رجل رائحة المرأة أو العكس ؟(1/122)
إذا أدرك الرجل أو المرأة شيئا من الرائحة سرى ذلك في أعصاب الشهوة , ذلك لأن أحاسيس الشم قد ركب تركيبا يرتبط بأجهزة الشهوة .
سؤال : ماذا يحدث لو أخضعت المرأة القول للرجل ؟
إذا سمع الرجل أو سمعت المرأة مناغمات من نوع معين كأن يحدث نوع من الكلام المتصل بهذه الأمور أو يكون لين في الكلام من المرأة فإن كله يترجم ويتحرك إلى أجهزة الشهوة !
تعليق :
هذا كلام رجال التشريح المادي من الطب يبينونه ويدرسونه تحت أجهزتهم وآلاتهم ونحن نقول سبحان الله الحكيم الذي صان المؤمنين والمؤمنات فأغلق عليهم منافذ الشيطان وطرقه فساده قال تعالى : ? قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ ? ]النور:30[.
الخاتمة
نسأل الله العظيم أن ينفعنا و إياكم بهذا العمل الصغير و أن يرزقنا و إياكم الإخلاص في القول و العمل . و نسأل الله أن يعيننا على إكمال هذه السلسة إلى أن يتوافنا الله تعالى و الله من وراء القصد و السلام عليكم و رحمة الله و بركاته
مع تحيات
فريق عمل دار نشر نور الإسلام
http://daralnashr.noor-alislam.com
1 - رواه البخاري .
2 - رواه مسلم (2699) .
3 - أخرجه مسلم (2700) .
4 - راجع صحيح مسلم بشرح النووي 17/189 .
5 - رواه الطبراني .
6 - أخرجه الطيالسي وغيره ، وصححه الإمام الألباني في صحيح الجامع (5506) .
7 - متفق عليه .
8 - رواه البخاري و مسلم .
9 - رواه البخاري .
10 - رواه البخاري .
11 - رواه البخاري .
12 - رواه مسلم .
13 - متفق عليه .
14 - متفق عليه .
15 - رواه النسائي (2420) وصححه الألباني في "صحيح الترغيب" (1040) .
16 - رواه الترمذي (747) وصححه الألباني في "صحيح الترغيب" (1041) .
17 - متفق عليه .
18 - متفق عليه .
19 - متفق عليه .
20 - صحيح ابن ماجه للألباني .
21 - رواه مسلم .(1/123)
22 - صححه أحمد شاكر في تخريجه للمسند .
23 - صحيح سنن أبي داود للألباني .
24 - صحيح سنن أبي ماجه للألباني .
25 - أحمد في الزاهد .
26 - متفق عليه .
27 - رواه البخاري ومسلم و الترمذي والنسائي و أبو داود وابن ماجه و احمد و الدارمي .
28 - رواه احمد وابن حبان وصححه الحاكم ووافقه الذهبي .
29 - رواه البخاري .
30 - رواه الطبري في الأوسط والبيهقى .
31 - رواه الترمذي .
32 - المصدر كتاب البكاء من خشية الله أسبابه و موانعه و طرق تحصيله / إحسان العتيبي .
33 - رواه البخاري و مسلم .
34 - رواه الترمذي .
35 - رواه الحاكم و هو في الصحيح الجامع .
36 - رواه الترمذي و ابن ماجه .
37 - رواه الترمذي .
38 - رواه مسلم .
39 - السلسلة الصحيحة .
40 - رواه أحمد و الترمذي و صححه الألباني .
41 - متفق عليه .
42 - رواه أحمد .
43 - صححه الألباني في مشكاة المصابيح .
44 - السلسلة الصحيحة .
45 - رواه الترمذي و أحمد و الحاكم و صححه الألباني .
46 -أخرجه الحافظ .
47 - رواه البخاري .
48 - رواه مسلم .
49 - متفق عليه .
50 - رواه أبو داود و أحمد و صحيح الجامع .
51 - متفق عليه .
52 - متفق عليه .
53 - السلسلة الصحيحة .
54 - السلسة الصحيحة .
55 - متفق عليه .
56 - أخرجه أصحاب السنن إلا النسائي .
57 - رواه مسلم .
58 - أخرجه مسلم .
59 - صحيح الجامع .
60 - صحيح الجامع .
61 - متفق عليه .
62 - صحيح الجامع
63 - صحيح ابن ماجة 275/2
64 - إعداد الموضوع : مشرفة منتدى نور الإسلام (جمانة) . المصدر الرئيسي كتاب : 33 سبب للخشوع في الصلاة / محمد بن صالح المنجد .
65 - تخريج الطبراني في الكبير .
66 - أحمد في مسنده والنسائي والحاكم في المستدرك والبيهقي في السنن عن أنس .
67 - رواه أبو داود و هو في الصحيح الجامع .
68 - رواه البخاري .
69 - رواه الطبراني في الكبير و الأوسط .
70 - تفسير ابن كثير .
71 - رواه مسلم .
72 - رواه الإمام أحمد.(1/124)
73 - صححه الألباني .
74 - السلسلة الصحيحة للألباني .
75 - رواه أبن خزيمة و أحمد و هو في صفة الصلاة .
76 - رواه مسلم .
77 - رواه البخاري .
78 - رواه البخاري .
79 - أخرجه الحاكم .
80 - مستدرك الحاكم و هو في صحيح الجامع .
81 - رواه أبو داود .
82 - رواه الإمام أحمد .
83 - جميع ما تقدّم من النصوص والصيغ من كتاب صفة صلاة النبي صلى الله عليه وسلم للعلامة الشيخ محمد ناصر الدين الألباني الذي اجتهد في جمعها من كتب الحديث .
84 - رواه مسلم .
85 - رواه مسلم .
86 - رواه البخاري ، كتاب السهو ، باب السهو في الفرض والتطوع .
87 - رواه مسلم .
88 - رواه مسلم .
89 - رواه البخاري .
90 - رواه مسلم .
91 - رواه مسلم .
92 - رواه مسلم .
93 - رواه البخاري .
94 - رواه أبو داود و هو في الصحيح الجامع .
95 - رواه البخاري .
96 - رواه أبو داود .
97 - رواه أبو داود .
98 - رواه البخاري .
99 - رواه أحمد .
100 - رواه البخاري .
101 - رواه البخاري .
102 - رواه مسلم .
103 - رواه أبو داود .
104 - رواه أبو داود .
105 - رواه أحمد .
106 - رواه البخاري و مسلم .
107 - رواه البخاري و مسلم .
108 - رواه البخاري و مسلم .
109 - رواه البخاري و مسلم .
110 - رواه البخاري و مسلم .
111 - رواه أبو داود و الترمذي و ابن ماجه و أحمد .
112 - رواه مسلم .
113 - رواه مسلم و أحمد - و اللفظ له- .
114 - رواه الترمذي و أحمد .
115 - رواه مسلم و البخاري .
116 - رواه الترمذي و أحمد .
117 - رواه مالك و أحمد .
118 - رواه مسلم .
119 - صحيح مسلم .
120 - رواه ابن ماجه .
121 - رواه الطبراني في الصغير بإسناد حسن .
122 - العقد الفريد .
123 - حلية الأولياء .
124 - العقد الفريد .
125 - أخرجه الترمذي .
126 - مسند أحمد .
127 - رواه الطبراني .
128 - رواه مسلم .
129 - رواه مالك و أحمد .
130 - صحيح مسام .
131 - رواية أبن عبده .
132 - رواه أبو داود .(1/125)
133 - صحيح ابن ماجه .
134 - المعامع : هي شدة الحرب والجد في القتال .
135 - كنز العمال .
136 - البيهقي في الشعب بإسناد حسن مرسل
137 - أخرجه البخاري في الأدب المفرد .
138 - رواه أحمد .
139 - أخرجه أبو داود كتاب السنة باب مجانبة أهل الأهواء وبغضهم .
140 - المصدر كتاب ( كيف تحتسبين الأجر و الثواب في حياتكِ اليومية ؟ ) / للكاتبة : هناء بنت عبد العزيز الصنيع .
141 - ينظر فتح القدير/4.
142 - رواه البخاري في الرقاق، باب: في التواضع، ح: 6502 (الفتح 11/348).
143 - رواه البخاري في كتاب الآداب، ح: 6640 (الفتح 10/467).
144- ينظر شرح جوامع الأخبار، لابن سعدي رحمه الله.
145 - نضرة النعيم (2/66)، (7/2698).
146 - صحيح مسلم: 4/2030 رقم (2637)
147 - الدار المنثور للسيوطي (5/7)
148 - تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان/5 .
149- جزء من حديث رواه الإمام أحمد 5/183، صححه الشيخ الألباني في صحيح الترغيب.
150 - جزء من حديث رواه الإمام البخاري (فتح الباري 1/136، حديث 56).
151 - رواه البخاري، فتح الباري 6/136، رقم (2996).
152- مسلم (1893).
153 - مسلم (2674).
154 - صلاة الله على العبد: ثناؤه عليه في الملأ الأعلى. وصلاة الملائكة: الدعاء له.
155 - جزء من حديث رواه الترمذي (2686). وقال: حسن صحيح.
156 - ينظر (( الإيجابية في حياة الداعية)) د. عبد الله يوسف الحسن.
157 - جزء من حديث رواه البخاري (كتاب المغازي، باب غزوة خيبر، 3/134)
158 - الترمذي (2658).
159 - البخاري ــ الفتح 6(3461).
160 - البخاري ــ الفتح 10 (5641، 5642).
161 - من كلام قيم لفضيلة د. طارق الحبيب.
162 - البخاري ــ الفتح 5 (2442).
163 - رواه أحمد في المسند (1/ 307)، الترمذي (2516) وقال حديث حسن صحيح.
164 - رواه ــ أحمد في المسند (1/ 293 ، 303 ، 307).
165 - الأثر: الأرجل.
166 - البخاري ـــ الفتح 10 (5986) ومسلم (2557).(1/126)
167 - البخاري ـــ الفتح 6 (2989).
168 - جزء من حديث رواه البخاري ومسلم
169 - جزء من حديث رواه الإمام أحمد وأصحاب السنن، انظر صحيح الجامع 5/302.
170 - ينظر "دليل الخير" في هذا الكتاب ص23.
171- تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان لابن سعدي / 5 .
172 - أبو داود 4 (4919). والترمذي 4 (2509) واللفظ له وقال: هذا حديث صحيح.
173 - البخاري: كتاب المرض، باب وضع اليد على المريض (5660).
174 - رواه مسلم .
175 - متفق عليه .
176 - متفق عليه .
177 - صحيح الجامع 2841 .
178 - رواه مسلم .
179 - أخرجه البخاري في صحيحه .
180 - رواه البخاري .
181 - رواه البخاري .
182 - فتح الباري : 10 / 6077 .
183 - رواه الترمذي .
184 - رواه البخاري و مسلم .
185 - صحيح الجامع 3323 .
186 - رواه أبو داود .
187 - رواه الإمام أحمد وأبو داود و الترمذي وابن ماجه .
??
??
??
??
16(1/127)
منتدى
نور الإسلام
http://www.noor-alislam.com
يقدم لكم ...
سلسلة
دعوة على منهاج النبوة
الجزء الثاني
9 محاضرات رمضانية مفرغة للدعاة
يمكنك تحميل الجزء الأول من دار نشر نور الإسلام و من مكتبة موقع صيد الفوائد
تفريغ
فريق عمل دار نشر نور الإسلام
http://daralnashr.noor-alislam.com
إصدارات دار نشر منتدى نور الإسلام
* كتيب البرنامج اليومي للصائمين في رمضان .
* كتيب البرنامج اليومي لربة المنزل في رمضان .
* كتيب البرنامج اليومي للمرأة الحائض في رمضان .
* كتاب دعوة على منهاج النبوة (1) .
* كتاب دعوة على منهاج النبوة (2) .. 9 محاضرات
رمضانية مفرغة للدعاة .
* قصة أختاه .. متى الالتزام ؟! (1) .
* كتيب كيف تجذب لموضوعك آلاف الزوار ؟
لتحميل هذه الكتب يرجى الدخول إلى هذا الرابط :
http://daralnashr.noor-alislam.com
أو
http://saaid.net/book/index.php
بسم الله الرحمن الرحيم
مقدمة
منتدى نور الإسلام
الحمد لله رب العالمين و الصلاة و السلام على أشرف المرسلين سيدنا محمد و على آله و صحبه و سلم ..
اخوتي و أخواتي القراء الكرام .. سلام الله عليكم و رحمته و بركاته ،،
قبل أن نقوم بالتقديم لهذه السلسلة، دعونا نتعرف سوياً على منتدى نور الإسلام..
1 - من نحن؟
نور الإسلام منتدى إسلامي تم تشييد بنائه على منهج أهل السنة و الجماعة بفهم السلف الصالح - و نحمد الله على أن وفقنا لذلك- و ينقسم المنتدى إلى خمسة أقسام رئيسية و هي:
مسجد نور الإسلام
مكتبة نور الإسلام
إعلام نور الإسلام
دار إفتاء نور الإسلام
زهرات الإسلام ( قسم الأخوات )
وتتجانس هذه الأقسام مع بعضها البعض و يتم توظيفها توظيفاً دقيقاً للوصول بها إلى أرقى صورة ممكنة لكي تصل إلى القارئ بطريقة سلسة واضحة.
و يأتي الآن سؤالاً هاماً ..
2 - لماذا سعينا لعمل ورشة تأليف للكتب في المنتدى ؟(2/1)
إن السبب الرئيسي لإنشاء مثل هذا القسم المتميز من نوعه و الذي يتفرد به نور الإسلام - على ما نعلم - هو الهمة العالية التي يتمتع بها القائمين على المنتدى و رغبتهم الصادقة في تسخير الطاقات المخزنة لدى الشباب في خدمة الإسلام و المسلمين و لو كان من خلال عمل بسيط الذي هو سيكون بداية لأعمال أكبر و أضخم في المستقبل بإذن الله .
3 - ما هي أعمالنا الحالية أو المستقبلية ؟
قد تبنى نورالإسلام في الفترة الحالية سلسلة ممتدة إن شاء الله تعالى - و ندعو الله تعالى أن يعيننا على استكمالها إلى أن يتوفانا الله تعالى - و هي سلسلة (دعوة على منهاج النبوة ) و الكتيب الذي بين أيدينا الآن هو جزء من هذه السلسلة .
و تبّنى نور الإسلام إصدارات أخرى أيضاً سيقوم بإصدارها تباعاً إن شاء الله و الإفصاح عنها في وقتها المحدد.
4 - كيف تنضم إلى قافلة نور الإسلام المباركة ؟
يمكنك الدخول على هذا الرابط : http://www.noor-alislam.com و التسجيل معنا و أن تعرض علينا أفكارك و تشاركنا في أقسام نور الإسلام .. فنحن ننتظرك بفارق الصبر و لإبداء أي ملاحظات يسعدنا أن نتلقاها على هذا البريد :
noor-alislam.com@hotmail.com
مع تحيات
فريق عمل دار نشر نور الإسلام
http://daralnashr.noor-alislam.com
بسم الله الرحمن الرحيم
مقدمة الكتاب
أخي / أختي في الله .. سلام الله عليكم و رحمته و بركاته ،،
ها قد أطل الشهر الكريم علينا واقترب .. ودار العام وتدافعت أيامه .. وأصبحنا الآن نقف على أعتاب هذا الشهر الفضيل .. شهر رمضان المعظم ..
ومن أجل حرصنا الدائم على تقديم ما ينفع المسلم في كل أحواله وحالاته .. نضع بين أيديكم هذا الكتاب المتواضع الذي ندعو الله تعالى أن يجعله خالصاً لوجهه الكريم وأن يجعل فيه النفع والفائدة للمسلمين في مشارق الأرض ومغاربها اللهم آمين .(2/2)
هذا الكتاب المتواضع هو الجزء الثاني من سلسلة (( دعوة على منهاج النبوة )) التي تصدر عن منتدى نور الإسلام .. وهو إصدار خاص بمناسبة شهر رمضان المعظم واسم الكتاب :
9 محاضرات رمضانية مفرغة للدعاة
وقد اعتمدنا في هذا الكتاب المتواضع على مجموعة من شرائط علمائنا الكرام الذين تحدثوا في فضل هذا الشهر المعظم وقمنا بعد حمد الله وفضله ومنّه علينا بتفريغ بعض هذه المواد الهامة لتكون بين أيدي الدعاة قبل شهر رمضان لتحميس الناس وحثهم على انتهاز الفرصة قبل فوات الآوان .
وقد تم تقسيم الكتاب إلى ثلاثة أقسام :
1) محاضرات استقبال رمضان : -
وتضمنت المحاضرات التي تختص باستقبال شهر رمضان وتهيئ النفس المسلمة لاستقبال هذا الشهر الكريم , وتم اختيار 3 محاضرات وهي :
- 40 وسيلة لاستغلال رمضان / للشيخ إبراهيم الدويش .
- أفيقي أمتي قبل رمضان / للشيخ محمد حسين يعقوب .
- رمضان كيف تجعل منه نقطة انطلاقة للتغير ؟ / للشيخ الدكتور صلاح بن صالح الراشد .
2) محاضرات إحياء رمضان : -
وتضمنت المحاضرات التي تختص بشهر رمضان وتهيئ النفس المسلمة للعبادة وإعلاء الهمة في هذا الشهر الكريم , وتم اختيار 4 محاضرات وهي :
- الفائزون في رمضان /إبراهيم بن عبدالله الدويش .
- قيام رمضان / للشيخ محمد الشنقيطي .
- فضل العشر الأواخر وليلة القدر/ للشيخ محمد صالح المنجد .
- مخالفات نسائية في رمضان / للشيخ نبيل العوضي .
3) محاضرات وداع رمضان : -
وتضمنت المحاضرات التي تختص بوداع شهر رمضان وتهيئ النفس المسلمة على المحافظة على المخزون الإيماني الذي اكتسبته خلال الشهر الكريم , وتم اختيار محاضرتين وهي :
- ماذا بعد رمضان ؟ / للشيخ محمد حسين يعقوب .
- الفتور بعد رمضان/ للشيخ سعود بن إبراهيم الشريم .
نسأل الله أن نكون وفقنا في اختيار المحاضرات لتكون عونا للدعاة في هذا الشهر المبارك الذي تنشط فيه حلقات العلم .. وليكن شعارنا في هذه الحلقات :(2/3)
رمضان هذا العام .. ليس ككل عام
و قبل ان نختم .. علينا أن نوجه الشكر التام والعرفان بالجميل لكل من ساهم ولو باقتراح من أجل إخراج هذا الكتاب أو من ساهم في تفريغ هذه المواد أو مراجعتها وندعو الله له وللجميع أن يوفقنا وإياه لما يحب الله ويرضى وأن يسخرنا دائماً في خدمة هذا الدين القويم وأن نفني أعمارنا في طاعته .. هو وليّ ذلك والقادر عليه .. والسلام عليكم و رحمة الله و بركاته ،،
مع تحيات
فريق عمل دار نشر نور الإسلام
http://daralnashr.noor-alislam.com
بسم الله الرحمن الرحيم
تنويه
قبل أن نترككم لقراءة محتوى الكتاب علينا أن ننوه على بعض الأشياء المتبعة في تفريغ هذا الكتاب و الله المستعان ..
1 ) لقد حاولنا بقدر الإمكان أن نفرغ محتوى الأشرطة كما تكلم بها المحاضر دون زيادة أو نقصان .
2 ) إذا صادفنا أنه لا يمكن أن ننقل كلام المحاضر بالضبط لعدم جودة الصوت أو لعيوب فنية , فتم استبدال كلام المحاضر بما يوافقه من المعنى حسب سياق الكلام .
3 ) في بعض الأحيان يستصعب علينا أن نكتب الجملة أو الكلمة كما ذكرها المحاضر كما يستصعب علينا أن نكتب ما يوازيها من معنى لعدم وضوح السياق لذا فنحن في هذه الحالة نحذف الجمل أوالكلمات الغير واضحة .
4 ) حاولنا بقدر الإمكان مراجعة كل شريط مرتين على الأقل بعد تفريغه حتى نضمن أعلى درجات الدقة في التفريغ .
5 ) و مع ذلك فإن الإنسان ليس بمعصوم فنحن لا ندّعي العصمة في هذا العمل مطلقاً و لربما وجدتم بعض الأخطاء اللغوية أو الإملائية أو النحوية .. فإنما هذا من الشيطان و ما وفقنا الله إليه فمن الله ..
6 ) قد يتكلم المحاضر في بعض الأحيان داخل المحاضرة باللهجة العامية لأهل بلده ونحن نحاول أن ننقل كلامه كما هو , وإن استصعب علينا فنغيره لما يوافقه من اللغة العربية .(2/4)
7 ) سنكون من السعداء إن أبلغتمونا ملاحظاتكم وآرائكم على هذا الكتاب في منتدى نور الإسلام http://www.noor-alislam.com , وجزاكم الله خيراً كثيراً .
8 ) يمكنكم تحميل الجزء الأول من سلسلة (( دعوة على منهاج النبوة )) وباقي إصدارات منتدى نور الإسلام من خلال الدخول إلى هذا الرابط : http://daralnashr.noor-alislam.com أو من خلال مكتبة موقع صيد الفوائد .
محاضرات
استقبال رمضان
40 وسيلة لاستغلال رمضان
لفضيلة الشيخ / إبراهيم بن عبدالله الدويش
أما بعد أحبتي في الله السلام عليكم و رحمة الله و بركاته ...
و مع موضوع بعنوان ثلاثون وسيلة لاستغلال رمضان ولعل هذه الوسائل وبعد الإعلان و تواصل الإخوة بارك الله فيهم جميعا أصبح العنوان أربعون وسيلة لاستغلال رمضان ولعلنا لا نخرج من هذا المكان إلا وقد زيدت هذه الوسائل وهذه الأفكار من قِبَلِكُم إن شاء الله باقتراحاتكم وآرائكم إلى الخمسين أو فوق ذلك .
وهذه الوسائل هي عبارة عن جمع عدد من التوجيهات والأفكار والمقترحات لاستغلال رمضان ولا بد لهذه الوسائل من شرطين حتى تكون الوسيلة الصحيحة :-
أولا : أن تكون وسيلة مشروعة أي مباحة .
ثانيا : أن تؤدي هذه الوسيلة الغرض المطلوب والمقصود منها .
أما أسباب اختيار الموضوع فمن هذه الأسباب :
1) أولا كيف نستغل رمضان ؟ و ماذا نفعل في رمضان ؟ سؤال نسمعه كثيرا من الحريصين و الحريصات و من بعض أئمة المساجد ووجود هذا السؤال من المبشرات فتبقى الإجابة ومن هذه الإجابة هي جمع هذه الوسائل .
2) سبب آخر تضييع ليالي رمضان باللهو و السهر و نهاره بالنوم و الكسل فذكر هذه الوسائل وحصرها توجيهات لمثل هؤلاء وتشجيعا لاستغلال رمضان .
3) وسبب ثالث هو ترشيد في هذه الصحوة المباركة وتوجيه لطاقاتها للعمل و العبادة والدعوة إلى الله من خلال هذه الأفكار والوسائل .(2/5)
4) ورابعا يمر على الإنسان رمضان تلو رمضان وهكذا تمر الرمضانات بدون رصد للأعمال والمواضيع والمشاريع وبدون تدارك للأخطاء والتقصير مما يجعلنا في كل رمضان يأتي نبدأ من جديد ولا شك أن هذا مضيعة للأوقات والأعمار فكان هذا الرصد لهذه الوسائل .
5) سبب خامس لو لم يكن في شهر الصوم إلا إنه أحد أركان الإسلام التي لا يتم إسلام المرء إلا بها , ثم أيضا إنه الأمل أي الصيام الذي اختصه الله سبحانه وتعالى لنفسه من بين عمل آدم أو عمل بن آدم كله , ثم أيضا فيه ليلة هي أفضل من ألف شهر وأنه الشهر الذي اختصه الله بنزول القرآن , وإنه شهر المغفرة ومحو الذنوب والسيئات , لو لم يكن في هذا الشهر إلا هذه الأمور لكفاه شرفاً ومنزلة ولكفانا حرصاً وإصرارًا على استغلال أيامه وساعاته وكل لحظة من لحظاته وهذا الاستغلال منطلق من سنته صلى الله عليه وعلى آله وسلم , فاسمع لابن القيم رحمه الله و هو يقول في زاد المعاد في الجزء الثاني صفحة (32) يقول رحمه الله تعالى فصل : " و كان من هديه صلى الله عليه و على آله و سلم في شهر رمضان الإكثار من أنواع العبادات , فكان جبريل عليه الصلاة و السلام يدارسه القرآن في رمضان , وكان إذا لقيه جبريل أجود بالخير من الريح المرسلة وكان أجود الناس وأجود ما يكون في رمضان يكثر فيه من الصدقة والإحسان وتلاوة القرآن والصلاة والذكر والاعتكاف وكان يخص رمضان من العبادة بما لا يخص غيره حتى إنه كان ليواصل فيه أحيانا ليوفر ساعات النهار وساعات ليله و نهاره على العبادة " إلى آخر كلامه رحمه الله تعالى , إذن فاستغلال هذا الشهر المبارك بل أقول استغلال كل لحظة من لحظاته وساعة من ساعاته هو أمر وسنة نبوية كان صلى الله عليه وعلى آله وسلم يحرص عليها كل الحرص وكان يخص أصحابه .(2/6)
هذه الأسباب الخمسة و غيرها كثير جعلني اختار مثل هذا الموضوع و هذه الوسائل كما ذكرت هي أربعون وسيلة , و قد قُسِمت هذه الوسائل إلى أقسام هذه الأقسام منها ما هو :
- توجيهات وأفكار عامة
- ومنها ما هم وسائل و توجيهات لأئمة المساجد
- ومنها توجيهات و أفكار للجادين فقط
- ومنها توجيهات و أفكار للاهتمام بالقرآن
- ومنها توجيهات للمرأة
- ومنها وسائل و أفكار للصغار
و تنبيهات قبل أن أبدأ بعرض هذه الوسائل :
أولا : سيكون العرض بالاختصار الشديد في طرح الأفكار و التوجيهات بقدر الإمكان , فأكتفي في بعض الأحيان لذكر المضمون فقط لوضوح الفكرة و لضيق الوقت فلعلكم بارك الله فيكم تعذروننا في سرد هذه الأفكار و التوجيهات و القصد منها المعرفة و البيان أما عن التفصيل فلا شك أن كل فكرة و توجيه يحتاج إلى درس خاص و إذا كانت الأفكار أربعون فكرة أو وسيلة فلو أعطينا كل وسيلة أو فكرة دقيقتان فقط لانظروا كيف سيذهب علينا الوقت بدون أن نشعر .
التنبيه الثاني : من هذه التوجيهات ومن هذه الوسائل ما هو مكرر ومعلوم ومشهور لكن ذكرها من باب التذكير والإرشاد ولتكامل الموضوع ثم للتأكيد عليها في هذا الشهر الكريم الذي تضاعف فيه الحسنات .
تنبيه ثالث : هذه الوسائل وهذه الأفكار هي للنشر ويجوز فيها الزيادة والنقصان فحقوق الطبع و النشر فيها ليست محفوظة بل هي وقف لله تعالى فعلى كل داع للخير أن ينشرها و يذكر بها والدال على الخير كفاعله .
نتوجه الآن لهذه الوسائل .
توجيهات و أفكار و وسائل عامة أي للناس عامة:-
* الوسيلة الأولى :
أول هذه الوسائل هل تحب أن تصوم رمضان مرتين ؟ كيف ؟(2/7)
الإجابة : تكون في حديث زيد بن خالد الجهني رضي الله تعالى عنه عن النبي صلى الله عليه وعلى آله و سلم قال: " من فطّر صائما كان له مثل أجره ، غير أنه لا ينقص من أجر الصائم شيء " 1 رواه الترمذي و النسائي و ابن ماجه وابن خزيمة و ابن حبان في صحيحيهما و الحديث حسن قال عنه الترمذي حسن صحيح و هو صحيح كما قال , و لهذا أي لهذا الأجر و لصيام رمضان مرتين كما فُهِمَ في تفطير الصائمين صور , من هذه الصور تفطير الصائمين من المسلمين في الخارج فهل تصدق يا أخي الحبيب أن عشر ريالات تفطر صائما في اليوم الواحد , إذا ففي الشهر كم ثلاثمائة ريال إذا فإذا أردت أن تصوم رمضان مرتين عليك أن تدفع ثلاثمائة ريال و تنال أجر تفطير صائم . ثم صورة أخرى تفطير الجاليات المسلمة الموجودة في البلد أو المدينة من خلال مساجد الأحياء و هذه مشهورة في كثير من مساجد و أحياء هذه المدينة و لكن نريد المزيد و نريد أيضاً التخطيط و التنظيم فلو رافق هذا التخطيط التوجيه والإرشاد وعقد الدروس قبل الإفطار على الأقل بساعة لكان هذا شيئا جيداً يضاف إلى هذا الإفطار وإلى هذا العمل العبادي , ثم أيضاً لو قامت مكاتب دعوة الجاليات مشكورة بتبني هذه الفكرة أقصد بتبنيها عموما بتخطيط وتنظيم مجدول يشرف عليها المكتب في جميع مساجد أحياء المدينة وأيضا يشرف على الدروس وتوفير المدرسين باللغات المختلفة أو الترجمة ويصاحب هذا توزيع الأشرطة والرسائل والكتيبات التي تناسب لغة أولئك القوم ولا شك هذا متوفر في هذا الزمن ولله الحمد وبكثرة في جميع اللغات .
ثم أيضا صورة ثالثة قد يكون تفطير الأقارب الأسر والجيران و في هذا الصيام كما ذكرنا لرمضان مرتين وفيه صلة رحم و بر .
* الوسيلة الثانية :(2/8)
يَكثُر المحسنون و المتصدقون خلال هذا الشهر و القلوب مهيأة لجميع أبواب الخير و في رمضان خاصة تكثر المناسبات خاصة في الإفطار لكثير من الأسر , وهذه المناسبات تجمع أعداداً كبيرة من الرجال و النساء فلم لا يستغل هذا !! الجمع كيف ؟؟ يستغل بالبذل و العطاء و لجمع الصدقات من خلال صناديق صغيرة توضع عند الرجال وعند النساء ولا شك أن هذا باب عظيم لو جرب لكثير من الأسر والعوائل لوجدنا خيرا كثيرا , و قد جربه كما أشرت في بعض الدروس أحد الشباب و نجح نجاحا باهراً مع أسرته فجمع أموالاً نسأل الله جل و علا أن يجزيه عنا و عن المسلمين خير الجزاء .
فلعل هذا الأمر إن جُرِب فإن حال المسلمين اليوم في كل مكان و في كل قطع من أقطاع المعمورة حالة يرثى لها و إن كان هناك كثير من المبشرات و لله الحمد و المنة , ولكننا أيضا نريد أن نشعر بالجسد الواحد و أن نقف مع المسلمين وقفة صادقة لنكون كما أخبر النبي صلى الله عليه و على آله و سلم في ذلك المثل في ( مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالحمى والسهر )2 , ولا بأس أن يكتب حتى يتجه النية للمتصدق على هذه الصناديق إما للفقراء والمساكين في الداخل أو يكتب عليها أيضا للمسلمين في الخارج أو ما شابه ذلك .
* الوسيلة الثالثة :
استغلال آخر كل أسبوع من رمضان , رمضان أربعة أسابيع نريد من الشباب من أصحاب السواعد الفتية و العضلات القوية نريد منهم في نهاية كل أسبوع من أسابيع رمضان أن يتجهوا للقرى والهجر في توزيع الإعانات و إطعام الطعام و القيام على المساكين في تلك القرى و الهجر و توعية أهلها عبر الكلمات و خطب الجمع و توزيع الأشرطة والرسائل .(2/9)
نتمنى حقيقة أن نجد من أصحاب الهمم و السواعد الفتية و من شباب الإسلام ومن تعلق قلبه بالجنان ألا يُترك أسبوعاً من أسابيع رمضان في هذا الشهر إلا و تنطلق فئات الشباب محملون بكل خير و لو نظم هذا الأمر أيضاً و خطط له وطُرِح بقوة و رُكِب له من قبل مكاتب الدعوة و الجمعيات الخيرية لرأينا شبابنا أفواجاً , فإننا نُحسن الظن كثيراً و لله الحمد و المنة بهم و قد رأينا كثيراً من نشاطاتهم و لكننا نريد أن نستغل توجه القلوب إلى الله جل و علا في هذا الشهر المبارك فلا نريد الخمول و الكسل و الجلوس بين الأولاد و الأزواج و ترك هذا الأمر العظيم و نترك كثير من المسلمين و من أهل البادية في جهل عظيم .
* الوسيلة الرابعة :
وهي من الاقتراحات العامة الزيارات من قبل الدعاة و طلبة العلم و الصالحين و محبي الخير من شباب الصحوة للأرصفة و تجمعات الشباب و الجلوس معهم و تقديم الهدايا والأشرطة والكتيبات لهم . فإن هؤلاء الشباب يشكون هجركم أيها الأحبة بل ويتهمونكم بالتقصير بل ولكم سبب كبير في غفلتهم وبعدهم عن الله كما ذكر ذلك كثير منهم و يعتذرون بالخجل و الحياء منكم و إلا لجاءوا بأنفسهم إليكم كما قال كثير منهم . و أتمنى أيضا لو قامت مكاتب الدعوة و الإرشاد بالإعلان عن مثل هذا المشروع قبل رمضان و تسجيل الأسماء وترتيب جدول لزيارات و يكون ذلك كما ذكرت قبل دخول شهر رمضان.
* الوسيلة الخامسة :(2/10)
وهي من التوجيهات العامة أيضاً إذا كنت ممن أبتُلِىَ ببعض وسائل الأعلام في بيتك فلماذا لا تفكر أخي الحبيب ويا ولى الأمر لماذا لا تفكر بعقد هدنة مع أهلك وأولادك خلال هذا الشهر المبارك بهجرها والابتعاد عنها و عزلها ؟؟ و ذلك بالترغيب و بالكلمة الطيبة و بالتذكير بعظمة هذه الأيام على الأقل خلال هذا الشهر و لعلها إن شاء الله أن تكون بداية النهاية ولا شك أن رمضان من أعظم المناسبات لتربية النفوس و إن لم تستطع خلال هذا الشهر أن تعزل أهلك ولو لشهر واحد من السنة فمتى إذن !! خاصة و أن النفوس كما ذكرنا مهيأة و الشياطين مصفدة فحاول يا أخي الحبيب و استعن بالله تعالى و كن صادقاً من قلبك ستجد إن شاء الله العون وستجد الإجابة و الإعانة من الأهل و الأولاد بل و ستجد إن شاء الله الإعانة ممن يكونون حولك من أهل الحي , فلعلنا نرى إن شاء الله هذه الصفة المميزة خاصة و أننا نرى في شهر رمضان تخطيط أعداء الإسلام لأولادنا و نسائنا .
لا أعلق و لكني أقول انظروا للبرامج المنشورة في وسائل الإعلام هذه الأيام برامج أقصد شهر رمضان تجدون عجباً . وأيضاً أتمنى أن يكون ذلك أيضاً بأن تفكر كثيراً أن تتوقف خلال هذا الشهر المبارك عن شراء المجلات و الجرائد حتى و لو كانت مباحة فإن السلف الصالح رضوان الله تعالى عليهم و من سار على نهجهم يهجرون حِلق التحديث و التعليم ليتفرغوا في رمضان لقراءة القرآن و النظر فيه و العبادة و لقيام الليل أفلا نستطيع أن نهجر الجرائد و المجلات خلال هذا الشهر فقط ؟؟!!! .
* الوسيلة السادسة :(2/11)
أوقات الإفطار وقبل الأذان بدقائق لحظات ثمينة و دقائق غالية من أفضل الأوقات , من أفضل الأوقات للدعاء و سؤال الله سبحانه وتعالى وهي من أوقات الاستجابة كما تعلمون و العبد صائم مقبل على الله منكسرة نفسه و مع ذلك يغفل كثير من الناس عن هذه اللحظات خاصة الأسر عند الاجتماع على الإفطار في الحديث و بالذهاب و الإياب و تجهيز وجبات الإفطار .. فلماذا لا نتدافع أيها الأحبة بفضل و استغلال هذه اللحظات و الحرص عليها برفع الأيدي و الأكف و التضرع إلى الله سبحانه و تعالى ؟؟ .
راقب هذه اللحظات و ستجد الغفلة العجيبة من كثير من الناس و العجيب أيضاً أننا نرى التجمعات و الجلسات في الطرقات و عند الأبواب من بعض الشباب لا بل أقول أيضاً من بعض الآباء و إذا مررت في أحد الشوارع فانظر يمنة و يسرة ستجد تلك التجمعات و تستمر و للأسف هذه التجمعات حتى قبيل الغروب إن لم يكن إلى الأذان سبحان الله هذه اللحظات الغالية أوقات الدعاء و الاستجابة و التفرغ يغفل عنها أهل التوحيد و كلنا بحاجة إلى الله جل و علا و إلى سؤال الله سبحانه و تعالى و الموفق من وفقه الله تعالى .
* الوسيلة السابعة :
بر الوالدين و القرب منهما في هذا الشهر و قضاء حوائجهما و طاعتهما و محاولة الإفطار معهما فبعض الشباب تجده كثير الإفطار في بيته أو عند أصحابه ولا يجلس مع والديه أو يفطر معهما إلا قليلاً , ولا شك أن برهما من أعظم القربات و العبادات إلى الله تعالى كيف لا و قد أقر سبحانه و تعالى حقهما بتوحيده و عدم الإشراك به جل و علا .
و من صور التقصير أيضاً في حق الوالدين خلال هذا الشهر المبارك قد تجد الفتاة تكثر من النوم في النهار و السهر في الليل أو حتى بالخروج أو نقول حتى بقراءة القرآن و الأم لوحدها في المطبخ لإعداد وجبات الفطور والسحور و ربما لو أن الأم أمرت أو نهت تلك الفتاة لوجدت أن تلك الفتاة صاحت و انهالت على أمها بالكلام .(2/12)
ونغفل عن هذه العبادة العظيمة التي يجب أن نحرص عليها لاستغلال هذا الشهر المبارك ولا شك إن الأجر مضاعف في هذا الشهر فلعل مثل هذا الأمر ينتبه إليه إن شاء الله .
* الوسيلة الثامنة :
النوم في ليالي رمضان يعين كثير على استغلال كثير من الأوقات الفاضلة كبعد صلاة الفجر مثلا أو قبل السحر , و نحن نرى المساجد بعد صلاة الفجر بدأت تُهجر بعد أن كانت في رمضانات مضت تمتلئ بالتالين و الذاكرين مما يشجع بعض أو كثير من الناس للمكوث بعد صلاة الفجر في المسجد مع الناس لكننا نرى المساجد في هذا الوقت نراها و هي شبه خاوية لسرعة خروج المصلين و لو أن الإنسان - لا شك - نام شيئًا في ليل رمضان لكسب الكثير من الأوقات و لأحيى هذه السنة المباركة في الجلوس بعد صلاة الفجر إلى شروق الشمس .
* الوسيلة التاسعة :
وما زلنا في التوجيهات والأفكار و الوسائل العامة إذا كنت ممن أبتُلِىَ بمعصية أو فتنة و اعتادت عليها النفس و ألفتها و أصبح الفراق عليها صعباً و ثقيلاً فإن رمضان فرصة عظيمة للصبر و المثابرة و مجاهدة النفس عن تلك الفتنة , فالشياطين مصفدة و النفس منكسرة و الروح متأثرة و الناس من حولك صيام قيام إذاَ الأجواء والظروف كلها مهيأة للابتعاد و هجر هذه الفتنة و هذه المعصية , فمثلاً التدخين في رمضان التدخين فرصة عظيمة للمدخنين في هجر و ترك التدخين و تدريب النفس على الابتعاد عنه , و كذلك العادة السرية التي يشكو منها كثير من الشباب و كذلك مشاهدة الحرام أو الغيبة أو النجوى أو استماع الغناء أو بذاءة اللسان أو غيرها من الإستيائات نسأل الله جل و علا أن يحفظنا و إياكم و أن يعين أصحابها على هجرها و تركها إن شاء الله .(2/13)
فأقول لك يا أخي الحبيب استعن بالله سبحانه و تعالى و كن صاحب عزيمة و همة عالية فلا تغلبك تلك الشهوة أيجوز أن تكون مسلماً موحداً و تغلبك سيجارة و الله إن هذه هي الدناءة نسأل الله العافية , ثم أيضاً عليك بالإكثار من الدعاء والالتجاء إلى الله سبحانه و تعالى فانه خير معين و اصبر و صابر واحتسب وحاسب النفس و ستجد إن شاء الله انك تغلبت على هذه الشهوات المحرمة .
* الوسيلة العاشرة :
السواك و اسمحوا لي كما ذكرت بأن أواصل و باختصار و بسرعة لهذه الوسائل و هذه الأفكار وكما ذكرت إنها بلغت أربعين لعلنا إن شاء الله تأنى عليها و بدون أن يضايقنا يكون الوقت .
الوسيلة العاشرة السواك سنة مؤكدة في كل وقت في رمضان لعموم الأدلة , لكنها كغيرها من العبادات في مضاعفة الأجر و طلب الثواب لمناسبة الزمان , و هي من أهم أبواب الخير التي يغفل عنها أيضاً في رمضان , و منافع السواك كثيرة و فيه من الأجر و الثواب العظيم و كما ذكرنا يغفل عن هذا خاصة من النساء , فإنك لا تكاد ترى أو تسمع هذه السنة بين النساء و أنت تنظر لزوجك أو بناتك أو أخواتك و ترى قلة وجود السواك بين الأصابع .
و قد كانت كثير من الصالحات من الصحابيات رضوان الله تعالى عليهن و أيضاً من غيرهن ممن سار على سلفهن يداومون على هذه السنة . ومن الطريف أن علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه دخل يوما على زوجه فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وآله و سلم فوجد في فيها عود من الأراك فأراد أن يداعبها والشاهد إنها كانت تستاك رضي الله تعالى عنها وهذه قصة و مثال نسوقه لأخواتنا من الصالحات ومن بناتنا لعلهن إن شاء الله أن يقتدين بتلك الصالحات . فأقول فأراد أن يداعبها رضي الله تعالى عنه فقال لها هذين البيتين الجميلين قال لها مداعبا و هو يخاطب عود الأراك :
لقد فزت يا عود الأراك بثغرها أما خفت يا عود الأراك أراك
لو كنت من أهل القتال قتلتك ما فاز مني يا سواك سواك(2/14)
و هذه من مداعبة أيضاً الأزواج لزوجاتهم .
و لو قام بعض أهل الخير و المحسنين بتوفير أعداد كبيرة من السواك في هذا الشهر المبارك وتوزيعها على المساجد بين المسلمين خلال هذا الشهر لكان ذلك إحياءاً لهذه السنة التي غفل عنها كثير من الناس .
* الوسيلة الحادية عشر :
أيضا من الوسائل العامة العمرة في رمضان , فالعمرة في رمضان تعدل حجة أي في ثوابها و مع ذلك يصر كثير من المسلمين أو من الناس إلى أن تكون في العشر الأواخر من رمضان ولا شك أن هذا يضاعف الأجر إلا أننا بالنظر لبعض الأحوال كالغلاء الفاحش مثلاً في المساكن هناك و وجود النساء وتبرجهن والازدحام في الحرم وكثرة المتسكعين بالأسواق المجاورة للحرم و أيضاً ازدحام الناس بشدة كل هذه الظروف تجعلنا نقول لعلنا أن نحرص على العمرة في أوائل أيام شهر رمضان دفعاً لهذه الأمور , ولاشك انه من الأنسب خاصة إذا نظرنا لهذه الظروف أن تبتعد عن العشر الأواخر في العمرة .
ثم أيضاً الذهاب أو قضاء العمرة في العشرين الأولى يتيح لك فرصة استغلال العشر الأواخر بالاعتكاف أو نفع المسلمين أو القيام على الأهل و حاجاتهم و الوالدين والجلوس معهما أو حتى كما ذكرنا بنفع المسلمين في الوقت الذي ارتحل فيه الكثير من الدعاة المصلحين وطلبة العلم عن أحياءهم و تركوا مساجدهم بدون موجه أو مرشد .
* الوسيلة الثانية عشر:(2/15)
من الأفكار و الاقتراحات العامة توجّه بعض الشباب ليؤموا الناس في القرى و الهجر وللدروس والتوجيه وهذه تختلف عن الوسيلة الأولى , فالوسيلة الأولى فقط في نهاية الأسبوع للتوزيع و إطعام الطعام ولا بأس من خطط كما ذكرنا لكن هذه الفكرة و هذه الوسيلة هي أن يتوجه عدد كبير من الشباب إلى القرى والهجر خلال هذا الشهر ليؤموا الناس هناك و لإلقاء الدروس و إرشاد الناس و توجيههم فإن الجهل كما ذكرنا هناك عظيم كما تعلمون . فكم من المسلمين في هذه الأماكن لا يجدون حتى من يصلى بهم وإن وجدوا فخذ اللحن و الأخطاء الجلية في كتاب الله جل و علا وإن وجدوا أيضاً من يقرأ بهم و يصلى بهم لا يجدون الموجه الذي يبين لهم كثيرا من الأحكام و من الفقه في أمور دينهم .
ولو نظرنا لسيرة صحابة رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم هل مكثوا في المدينة ؟! لا إنما ما تجد مات منهم في المدينة إلا العدد القليل كلهم توجهوا شرقاً و غرباً و شمالاً و جنوباً لبث الدعوة و نشر الإسلام وتفقيه الناس .
فقد يتثاقل بعض الشباب عن مثل هذا الأمر فأقول لا بأس من التعاون بالتناوب بين بعض الشباب لسد هذه الأماكن و حاجاتها و لو في القرية الواحدة و الهجرة الواحدة يتناوب عليها ثلاثة أو أربعة أو خمسة أو أقل أو أكثر . ولو قامت أيضاً مكاتب الأوقاف لشئون المساجد بالتعاون مع مكاتب الدعوة والإرشاد بالتخطيط و التنظيم لهذه الفكرة و قام المحسنون أيضاً برصد المكافئات المالية لأولئك الشباب المحتسبين لوجدنا و رأينا أثر هذا الأمر على تلك المناطق , وقد سمعت ولله الحمد أن وزارة الشئون الإسلامية ممثلة بمكاتب الأوقاف و شئون المساجد قد وضعت مكافأة مالية قدرها ألفين ريال .. لمن ؟ لأولئك الذين يؤمون الناس في تلك المساجد الشاغرة سواءاً في داخل المدينة أو في غيرها فما هو عذركم إذا أيها الشباب أمام الله و السبل كلها مهيأة ؟؟؟ .
* الوسيلة الثالثة عشر:(2/16)
و الأخيرة من التوجيهات و الوسائل العامة و هو اقتراح آخر لمكاتب الدعوة أيضاً و عندما أقول لمكاتب الدعوة راجياً أن ينتفع من هذه الوسائل الناس عموماً سواءاً في المدينة أو في غيرها فأقول هذه الوسيلة أو هذه الفكرة هي استغلال الخميس في كل أسبوع من رمضان و كيف يكون هذا الاستغلال يكون مثلاً في إقامة المحاضرات العامة أو الندوات أو المسابقات الثقافية الكبيرة ..
لماذا الخميس بالذات ؟؟
لأن الناس في أجازة و الناس أخذوا قسطاً كبيراً من الراحة ثم الناس أيضاً في الخميس تجد أنهم متفرغون لا شغله لهم فيقبلون لا شك على مثل هذه المشاريع عندما يسمعونها و عندما تتبنى لمكاتب الدعوة و يعلن عنها فهل نرى ذلك قريباً إن شاء الله .
توجيهات و أفكار و وسائل لأئمة المساجد :-
و نحن ندخل الآن في توجيهات و أفكار و وسائل لأئمة المساجد و هذه التوجيهات و الأفكار لأئمة المساجد عددها تقريباً أحد عشر وسيلة فلينتبه أئمة المساجد بارك الله فيهم فإن المسئولية عليهم عظيمة , والله أيها الأحبة لو أن أئمة المساجد قاموا بشيء أقل من واجبهم لوجدنا التحول الكبير لا أقول في المدن بل في كل مكان .
ويتصور بعض أئمة المساجد أن الوظيفة هي الصلاة بالناس وينتهي الأمر لا , لا والله , بل إن الأمر عظيم والمسئولية أشد و لذلك على هؤلاء الأخيار أن يتموا هذه العمل ولعل هذه الأمور أن تعينهم إن شاء الله فهذه التوجيهات لأئمة المساجد لاستغلال هذا الشهر المبارك لنفع الناس بكل وسيلة .
* الوسيلة الرابعة عشر :
و منها الاهتمام بحديث الصلاة بعد العصر و ذلك بتنويعه و التجديد فيه فتارة مثلا ً بأحكام الصيام و تارة بالرقائق و تارة بأخطاء يقع فيها الناس و تارة بفتح الحوارات مع المصلين والآباء و كبار السن ليس شرط أن يكون الحديث دائم من الإمام و تارة أيضاً باستضافة بعض طلبة العلم أو الدعاة في بعض الأيام .(2/17)
وأقول لماذا يا أيها الإمام يا من توليت هذه المسئولية , لماذا لا تضع خطة لشهر رمضان خطة كاملة لشهر رمضان في المواضيع و المشاريع التي ستعملها خلال هذا الشهر , بدل اللامبالاة و عدم الاهتمام والتخبط في المواضيع التي يقرأها بعض الأئمة على جماعتهم أو القراءة من أي كتابٍ قريبٍ لديك بدون إعدادٍ ولا تعليقٍ بل تعالى واسمع لكثرة الأخطاء و اللحن في كثير من النصوص , ولا تجزع إذا لم تعط طاعة و إذا لم يكن لك يقدر لك قدر أيها الإمام مادمت لا تبالي ولا تهتم في هؤلاء الناس الذين أمامك , لكن افعل ذلك ستجد التكريم و التقدير من جماعة المسجد والاحترام الذي فرضه عليهم حبك لله تعالى ونشر هذا الدين فضلا عن الأخلاق وما يرونه من نشاط و من عمل تقوم أنت به .
* الوسيلة الخامسة عشر:
و هي الثانية بالنسبة للأئمة لم لا يقرأ الإمام على جماعته كتاب الصيام ؟! , كتاب الصيام من أحد كتب الفقه المعتمدة كالزاد مثلا ً أو المغنى أو العُدَّة أو غيرها من كتب الفقه المعتمدة . فالناس بحاجة عظيمة للتفقه في شهرهم وهذا الركن العظيم من أركان الإسلام , فكثيراً ما يجهلون كثيراً من الأحكام , فلماذا لا تأخذ عهداً على أن تبدأ من أول يوم في رمضان إلى آخر يوم في تفصيل كتاب الصيام , ولا بأس من بعض التوجيهات أو الشروح عليه من خلال بعض الشروح الموجودة وليس شرط أن يكون بعد صلاة العصر للمواضيع العامة قد يكون بعد صلاة الفجر خاصة إنه بعد الصلاة , و من أراد أن يجلس يجلس و من أراد أن يذهب يذهب و لو لم يبق بعد صلاة الفجر إلا واحد أو اثنين معك لكفى تفقيه للنفس وجلوس في المسجد إلى شروق الشمس وعلم ينتفع به أو بعد صلاة الظهر أو ما شئت من الأوقات و لكن هذا مجرد اقتراح فنسأل الله أن نراه أيضاً قريبا في مساجدنا من خلال أئمتنا .
* الوسيلة السادسة عشر:(2/18)
أيضا وسيلة سادسة عشر وضع صندوق للفتاوى و الأسئلة عند الرجال و النساء خاصة في هذا الشهر ثم جمعها و إعداد الإجابات عليها كل فترة , فان لدى الناس كثير من الأسئلة لتفقيههم في أمور دينهم لكنهم لا يجدون من يسألون أو يتهاونون و يتكاسلون في ذلك , ومثل هذه الصناديق لا شك إن شاء الله إنها ستكون عوناً و مُيسراً لهم لكثير من المسائل والاستفسارات , وجرِّب هذا و ستجد أثر ذلك لاشك من خلال جمع الأسئلة و الاستشارات من خلال هذه الصناديق .
* الوسيلة السابعة عشر:
الاهتمام بلوحة الإعلانات و التوجيهات للمسجد , أقول الاهتمام بها و التجديد فيها و الإثارة بالمواضيع و الدعاية و الإعلان الملون و غيره , فإن هذه من أهم الوسائل لتنبيه وتفقيه الناس .
* الوسيلة الثامنة عشر:
توزيع الأشرطة و الكتيبات و لو ليوم واحد في الأسبوع واستغلال المناسبات التي يكثر فيها المصلين وإن لم يكن هذا دائماً وفي كل أسبوع فما أقل إذاً أن تقدم هدية تسمى بهدية رمضان لأهل الحي مكونة من شريط ورسالة أو كتيب و بعض الأحكام والنشرات للعلماء الموثوق بهم ترسل إلى بيوت الأحياء بمعنون لها بهدية رمضان.
* الوسيلة التاسعة عشر:
إقامة مسابقة الأسرة المسلمة و تعلن في بداية شهر رمضان و توزع الجوائز في آخر ليلة و هي ليلة العيد و سيأتي أيضاً بعض من هذه الاقتراحات التي إن شاء الله سنجمعها ليلة العيد .(2/19)
فأقول لماذا نجعل وسائل الإعلام من جرائد و مجلات وتلفاز وغيرها تسيطر على عقول وأفكار بناتنا وإخواننا وشبابنا , بأسئلة أنتم أعلم بها . فانظروا للجرائد و انظروا و اسمعوا الأسئلة التي تذاع في وسائل الإعلام بأنواعها ستجدون عجباً لصرف الناس عن أمر دينهم إلا من بعض الأسئلة , فأقول لماذا لا يستغل المسجد أيضا لطرح مثل هذه المسابقات بعنوان مسابقة الأسرة المسلمة , توزع على أهل الحي و يشارك فيها الجميع كباراً و صغاراً رجالاً و نساء , ثم تعلن النتائج في آخر ليلة من رمضان , ولا بأس أن يشارك أئمة أو من المأمومين من الناس في الحى أو في المسجد كلٌ بما يستطيع هذا بإعداد الأسئلة , وهذا بتوزيعها من الصغار , وبعض التجار و المحسنين لرصد مبالغ للجوائز في ليلة رمضان وهكذا يتكاتف المسلمون في إحياء شهرهم وأيضا في تحريك وتوجيه وتفقيه أولادهم و بناتهم .
* الوسيلة العشرون :
استضافة بعض الدعاة و طلبة العلم في بعض الأحيان لتوجيه الكلمات اليسيرة لبضع دقائق , و ذلك كبعد التراويح مثلاً أو بعد صلاة العصر أو غيرها من الأوقات.
* الوسيلة الحادية والعشرون :
دعوة أهل الحي للاعتكاف ولو ليوم واحد , دعوة أهل الحي أو جماعة المسجد للاعتكاف ولو ليوم واحد لإحياء هذه السنة وللألفة والترابط بين جماعة المسجد الواحد , فيحدد يوم في بداية العشر يقال لجماعة المسجد من أراد أن يشارك في الاعتكاف فإننا إن شاء الله ننوي أن نعتكف في مسجدنا ليلة كذا فإن هذا فيه خير عظيم .
* الوسيلة الثانية والعشرون:
أيضاً دعوة أهل الحي و جماعة المسجد للإفطار في المسجد و لو ليوم أيضاً واحد خلال الشهر فإن هذا يزيد الألفة و الترابط و المحبة بين جماعة المسجد
* الوسيلة الثالثة والعشرون:(2/20)
اغتنام فرصة وجود المتأخرين عن صلاة الجماعة أي المتأخرين في غير رمضان لأنهم يقدمون على الصلاة في رمضان و للأسف فأقول أي للأسف أنهم لا يصلون إلا في رمضان وبئس رجل لا يعرف الله إلا في رمضان . فأقول اغتنام فرصة وجود هؤلاء والذين لا نراهم إلا في رمضان وذلك بكثرة السلام , عليهم بالتودد لهم , بزيارتهم , بإهدائهم بعض الهدايا و ذلك لإبعاد الوحشة والنفرة التي يظنونها أو يوقعها الشيطان في قلوبهم .
* الوسيلة الرابعة والعشرون:
إقامة حفل مصغر بمناسبة العيد لأهل الحي ليكن مثلاً في ليلة العيد أو في أي وقت يراه الجماعة مناسباً لأهل الحي , توزّع في جوائز المسابقات المعلنة والتي ذكرنا منها شيئاً وسنذكر بعد قليل أيضاً شيئاً منها , والهدايا على الصغار والكبار ولاشك أن مثل إقامة هذا الأمر أيضاً ستجد فيه إحياء لأهل الحي وترابطاً عجيباً وألفة ومحبة بين جماعة المسجد الواحد .
وسائل وأفكار وتوجيهات للاهتمام بالقرآن :-
* الوسيلة الخامسة والعشرون:
وهي تقريبا أربعة وسائل أيضاً فنحن نسمع كثير ممن يقرءون القرآن في المساجد من العامة بل ومن الموظفين وغيرهم وهم كحافظ ليل في القراءة وقد يسمعه من بجواره يخطأ و يلحن ومع ذلك يخجل من تقويمه والرد عليه , فيظل كثير من الناس على حالهم مع كتاب الله في لحنهم و أخطائهم , فأقول لماذا لا تقوم جماعات المساجد وأئمة المساجد بإحياء حلقات للكبار لتحسين التلاوة لا نقول للحفظ وإنما لتحسين التلاوة , ويكون ذلك أيضا بعد صلاة الفجر أو الظهر أو العصر أو غيرها من الأوقات المناسبة التي يتفقون عليها , وإعلان ذلك لجماعة المسجد وحثهم على المشاركة خلال شهر رمضان , وستكون هذه بداية خير كثير إن شاء الله ممن يشارك في مثل هذه الحلقات , فهل نرى ونسمع هذه الإعلانات من أئمة المساجد لتطبيق هذه الفكرة فلا شك أن هذه خيراً كثيراً لو وجدنا مثل هذه الأمور منتشرة في مساجد أحياءنا .(2/21)
* الوسيلة السادسة والعشرون:
أيضا السادسة والعشرون نحن نرى أيضاً كثيراً من الآباء يجلسون بعد صلاة العصر لتلاوة القرآن وهذا لا شك أمراً محموداً نسأل الله جل وعلا ألا يحرمهم الأجر , ولكن لو سألته أو قلت له أين أولادك الآن؟ ماذا تفعل بناتك الآن في البيت؟ ربما لا يعلم وربما أنهم نيام وربما أنهم أمام التلفاز وربما في الشارع أو في غيرها . فنقول لم لا يتوجه الأب بعد صلاة العصر مباشرة إلي بيته فيعقد حلقة لتلاوة القرآن مع أولاده وبناته ويرصد للاستمرار فيها أي الاستمرار في هذه الحلقات الخاصة مع أولاده و بناته يرصد لأولاده و من يرى منه حرصا عليها و الاستمرار فيها جوائز و هدايا تشجيعا لهم و بهذا العمل تحصل مكاسب عظيمة من هذه المكاسب:
أولا : حفظ الأولاد من البرامج المسمومة الموجهة لهم وقتل أعظم أيامهم وأفضلها .
ثانيا : مشاركة البنات اللاتي يذهبن ضحية الغفلة عن تربيتهن والمحافظة على أوقاتهن .
ثالثا : إحياء البيت بذكر الله و ملأه بالجو الإيماني الروحاني بدل إماتته وملأه بالأغاني وبرامج التلفاز ومسلسلاته .
رابعا : الارتباط الأسري الوثيق بين الأب وأولاده وبناته أيضاً .
خامسا : محاولة ختم القرآن لأهل البيت جميعاً واستغلال رمضان من جميع أهل البيت وغيره .
* الوسيلة السابعة والعشرون:
نحن يمر علينا رمضان تلو رمضان وربما ختمنا القرآن كثيراًً بقراءة و ربما كان هم أحدنا متى يصل لنهاية السورة و متى يصل لنهاية القرآن . فأقول لماذا لا أضع خطة خلال هذا الشهر ؟ أن أقرأ القرآن بتدبر ونظر , والوقوف مع آياته بالرجوع إلى كتب التفسير , وتقييد الخواطر والفوائد منها فنتمنى أن نرى شبابنا في المساجد يقرءون القرآن وبجوارهم كتب التفاسير ينظر لهذا تارة ولهذا تارة .(2/22)
ونغفل أيضا عن الأحاديث الرمضانية والنظر فيها وفى شروحها وتقييد الشوارد والفوائد منها فإنه يُفتح على الإنسان في الشهر ومناسبة الزمان ما لا يُفتح عليه في غيره .
* الوسيلة الثامنة والعشرون:
الوسيلة الثامنة والعشرون وهي مقدمة للتجمعات والشلل الشبابية سواء على الأرصفة أو في الاستراحات أو في الخيام أو في غيرها , والتي تقضي ساعات الليل في لعب الورق تارة و في لعب الكرة تارة أخرى و في الاسترخاء و مشاهدة التلفاز تارة و في الأحاديث و الثرثرة تارة و هكذا تقتل ليالي رمضان بدون أي استشعار لعظمة هذه الأيام و فضلها .
فأقول لهؤلاء الشباب : لماذا لا يُفكر هؤلاء الشباب و لو في ليالي رمضان من إدخال بعض البرامج النافعة ؟؟ نتمنى أن نغير البرنامج كامل و لكن لن يستجاب لنا بهذا الطلب فأقول لماذا إذاً لا يُفكَّر بإدخال بعض البرامج النافعة , مثلاً لماذا لا يكون من البرنامج الليلي الذي سمعتوه قبل قليل ما بين لعب كرة و لعب الورق و ثرثرة و مشاهدة التلفاز أو غيره لماذا لا يكون على الأقل ولو لمدة نصف ساعة قراءة القرآن و ضع من ضمن البرنامج قراءة القرآن لمدة نصف ساعة , أو أننا نقول كما يقول بعض الشباب أن قراءة القرآن لا يصح إلا للمطاوعة (المتدينين) يعني اذكر عندما طرحت هذه الفكرة على طلابي في الكلية و قلت لماذا لا يتجرأ أحدكم على زملاؤه و يقول لنحرص يا شباب على أن نجلس نصف ساعة من كتاب الله وأن نقرأ .(2/23)
القرآن ليس حكراً على الصالحين , لا القرآن دستورنا وكتاب الله سبحانه و تعالى وهو لنا جميعاً , وإن عصينا وأذنبنا ووقعنا في كبائر الذنوب فإن من يقع في ذلك لم يقرأ القرآن وينظر فيه , فإذا كنا نريد أن نبرمج برنامجنا أو نضع فيه ولو شيئا قليلاًً من الفائدة فلماذا لا نقترح على هؤلاء الشباب أو يقترح بعضهم بعض على بعض أن يكون من البرنامج ولو لنصف ساعة قراءة القرآن أو استماع شريط أو غيرها من البرامج الجادة النافعة . فإننا كما ذكرنا حب القرآن وقراءته والإقبال عليه ليس حكراً على الصالحين فقط فهل نرى ذلك إن شاء الله بين شبابنا قريباً .
توجيهات و وسائل للجادين فقط :-
* الوسيلة التاسعة والعشرون:
من التوجيهات أيضاً و من الوسائل و هي الآن توجيهات و وسائل للجادين فقط من هذه التوجيهات لهؤلاء الجادين نسأل الله سبحانه و تعالى أن ينفعنا وإياهم نقول لو نظرنا لأنفسنا و حرصنا على الصلاة و التبكير إليها لوجدت التقصير الواضح بل أقول المخجل والله خاصة منا نحن ممن يدعي الجدية و الالتزام.
فلم لا يكون رمضان فرصة عظيمة للمحاولة في تصحيح هذا الخطأ ؟؟
و ذلك بمعاهدة النفس ألا تفوت لتكبيرة الإحرام أبداً خلال هذا الشهر ثم حاول أن تحسب إن فاتتك كم من المرات فاتتك تكبيرة الإحرام في شهر رمضان و لعلك أن تنجح إن شاء الله في تصحيح هذا الخطأ .
ثم أيضاً لماذا لا نحرص على تطبيق اليوم الإسلامي بالكامل خلال رمضان؟(2/24)
و ذلك بالحرص على النوافل و الطاعات و إحياء السنن فلا تفوت عليك السنن الرواتب خلال هذه الثلاثين يوم أبداً احرص ألا تفوت عليك سنة من السنن الرواتب خلال هذا الشهر كاملا ً . ولا تغفل عن لسانك وحبسه من الغيبة و النجوى و غيرها , و أيضاً لا تغفل عن صلاة الليل و قيامه و لا قراءة جزء واحد من القرآن على الأقل أو الحرص على الصدقة و صلة الرحم و قضاء حاجات الناس خاصة الفقراء و المساكين و زيارة المرضى و المقابر و الاستغفار و الدعاء في كل لحظة بل أقول في كل ساعة فإن هذه غنيمة باردة . و هذا الشهر فرص و مواسم تذهب ولا ترجع و باختصار أقول لك يا أخي الحبيب احرص على كل عمل صالح وإن كنت تفعل ذلك في غير رمضان فإنه يتأكد في شهر رمضان لمضاعفة الحسنات و لمناسبة الزمان وفقنا الله وإياك للعمل الصالح .
* الوسيلة الثلاثون:
الوسيلة الثلاثون أيضاً هي للجادين فقط فأقول :
لماذا لا يستغل تصفيد الشياطين و فتح أبواب الجنان وإغلاق أبواب النيران و انكسار النفوس و رقة القلوب في هذا الشهر ؟؟
لماذا لا يستغل من الجادين فقط في توجيه طلابنا و زملاؤنا في الفصول و القاعات الدراسية و ذلك من خلال بعد صلاة الظهر مثلاً أو في أماكن العمل و الدراسة ؟؟
فأين الكلمة الصادقة الناصحة في نهار رمضان من المدرس لطلابه أو من الطالب أو الموظف لزملائه أين الجلسات الانفرادية للزملاء الغافلين و التحدث معهم و نصحهم لاستغلال شهر رمضان وهذه الأيام وإهدائهم الشريط أو الكتاب أو غير ذلك من الهدايا النافعة ؟؟
فإن النفوس كما ذكرنا مهيأة ورغم أنف ثم رغم أنف ثم رغم أنف من أدرك رمضان فلم يغفر له .
* الوسيلة الحادي والثلاثون:(2/25)
الوسيلة الحادي والثلاثون وهي أيضاً مازلنا للجادين فقط الصدقة في رمضان لها مذاق خاص عند المسلمين وهي من دواعي القبول للأعمال و العبادات و أنت يا أخي الحبيب بحاجة ماسة شديدة لنفعها وأجرها و ظلها يوم القيامة فلم لا تجعل لك مقدار من الصدقة تعاهد نفسك على إخراجها كل ليلة مقدار من الصدقة تعاهد نفسك على أن تخرجها كل ليلة و تداوم عليها ثم أيضاً تنوعها فتارة مالاً , و تارة أخرى طعاماً , و ليلة ثالثة لباساً , و ليلة رابعة فاكهة أو حلوى و تتحسس بيوت المساكين و الفقراء بنفسك لتوصلها إليهم و أنصحك أيضاً بأن لا يعلم عن هذا العمل أحد غيرك فإنك بحاجة إلى عمل السر بينك و بين الله فكم من الأجر العظيم سينالك بهذا الفعل و قد ورد مثل هذا عن عدد كبير و كثير من السلف الصالح رضوان الله تعالى عليهم في تحسس بيوت الفقراء و المساكين و هذا العمل السري بينهم و بين الله جل و علا فهل تفعل ذلك و تحرص على هذه العبادة العظيمة في السر بينك و بين الله .
* الوسيلة الثانية والثلاثون:
الوسيلة الثانية والثلاثون السحر من أجمل الأوقات وفيه نزول المولى جل وعلا وفي رمضان لا شك نستيقظ في السحر للسحور فأين أنت من ركعتين تركعهما في ظلمة الليل تناجي فيهما ربك !! . فكثير من الناس عن هذا غافلون أو متهاونون و بعض الناس يتصور إنه إذا صلى التراويح مع الناس وأوتر في أول الليل انتهت صلاة الليل و اكتفى بذلك , وحرم نفسه من هذه الأوقات الثمينة والدقائق الغالية. الله الله باستغلال السحر مادمت فيه يقظان فإن من صفات أهل الجنة التي ذكرها الله سبحانه و تعالى في آل عمران: ( الصَّابِرِينَ وَالصَّادِقِينَ وَالْقَانِتِينَ وَالْمُنفِقِينَ وَالْمُسْتَغْفِرِينَ بِالأَسْحَارِِ )3 , ثم أيضاً ذكر سبحانه و تعالى في الذاريات أن من صفات المتقين أصحاب الجنات و العيون قال : ( وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَِ )4 هذه من صفات المتقين .(2/26)
ثم هل تستغل هذه الأوقات بكثرة الاستغفار ؟؟
فان قلت نعم فأقول إذا عليك بسيد الاستغفار وعليك أيضاً بكثرة التكرار للمائة والسبعين كما ورد عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم في كل ليلة وفي كل وقت من أوقات السحر خلال هذا الشهر المبارك , وأخيراً لا تنسى أن من السبعة الذين يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله هو رجل ذكر الله خاليا ففاضت عيناه .
فاحرص يا أخي الحبيب على هذا الوقت الثمين واحرصي يا أختي المسلمة على هذا الوقت العظيم ألا يفوت علينا هكذا خاصة وأننا في شهر رمضان خاصة وأننا مِن مَن قام للسحور فجميعنا يقظان في هذه اللحظات فلنستغل هذه الدقائق في مثل هذه العبادة .
وسائل و توجيهات و أفكار موجهة للمرأة في رمضان :-
* الوسيلة الثالثة والثلاثون:
وهي وسائل و توجيهات و أفكار موجهة للمرأة في رمضان , المرأة في رمضان تصرف الكثير من وقتها في هذا الشهر المبارك في مطبخها خاصة في الساعات المباركة فخذ ساعات الغروب مثلاً في أوقات الاستجابة, وخذ ساعات السحر في وقت السحور , وأنا قلت ولله الحمد تصرف ولم أقل تُضيع كما يتهمها الكثير بمثل هذا , لكن و حتى لا تعتبر هذه الساعات الطويلة ضياعاً عليها أن تنتبه لهذه الأمور على المرأة أن تنتبه لهذه الأمور وعلينا نحن أن ننبه زوجاتنا وبناتنا ونساءنا على مثل هذه الأمور حتى يكتب لها وقتها ولا يضيع عليها .(2/27)
من هذه الأمور استحضار النية والإخلاص في إعداد الإفطار والسحور والتعب في إعدادها والإرهاق , فعن أنس رضي الله تعالى عنه قال كنا مع النبي صلى الله عليه و سلم في السفر فمنا الصائم ومنا المفطر قال فنزلنا منزلاً في يوم حار وأكثرنا ظلاً صاحب الكساء , ومنا من يتق الشمس بيده قال فسقط الصوام وقام المفطرون فضربوا الأبنية فقام المفطرون وهذا هو الشاهد فقام المفطرون و ضربوا الأبنية و سقوا الركاب فقال رسول الله صلى الله عليه وآله و سلم : " ذهب المفطرون اليوم بالأجر "5 حديث رواه البخاري و مسلم , إذاً فيا أيتها المسلمة إن عملك لا يضيع أبدا , بل هل تصدقين إن قلت لكِ أن هذا العمل حرم منه كثير من الرجال ؟؟ لأن القائم على الصائم له أجر عظيم فما بالك وأنت صائمة ثم أنت أيضا تعدين هذا الطعام و تقضين كثيراً من وقتك في إعداده فلا شك إنكِ المهم عند استحضار النية في هذا العمل و لن يضيع إن شاء الله عليك لحظة من اللحظات في استحضار هذه النية .
ثم أمر آخر يمكنها استغلال هذه الساعات في الغنيمة الباردة وهي كثرة الذكر والتسبيح والاستغفار والدعاء وهي تعمل لا بأس أن تستغفر مائة مرة في اليوم لا بأس أن تذكر وتهلل وتسبح بدل أن يضيع عليها وقتها أو كثير من أوقاتها في رمضان بدون فائدة .
أيضا أمر ثالث هو الاستماع للقرآن والمحاضرات عبر جهاز التسجيل الخاص بالمطبخ وأقول الخاص بالمطبخ لأحث الرجال و الإخوان على الحرص على توفير جهاز التسجيل خاصة بالمطبخ ... لماذا؟ لأني كما ذكرت المرأة تقضى كثير من وقتها في مطبخها فلعلها أن تستغل وقتها لمثل هذه الأمور تارة باستماع شريط وتارة بالتسبيح والاستغفار والتهليل والتكبير وأيضاً بالاحتساب واستحضار النية الخالصة في إطعامها وعملها وتعبها لأهلها وأولادها وزوجها .
* الوسيلة الرابعة والثلاثون:
الرابعة والثلاثون من الوسائل والأفكار شراء وتفصيل ملابس وحاجيات العيد من الآن وفي ذلك مكاسب.(2/28)
من هذه المكاسب استغلال أيام وليالي رمضان وخاصة العشر الأواخر .
ما الذي يحدث ؟؟
يضيع وقت كبير من النساء بل وأقول من أولياء النساء أذهب للخياط أذهب للمعارض أدخل السوق إلى آخره , ثم أيضاً الاختيار الحسن وقلة التكاليف الآن الحمد لله الأسواق شبه فارغة فلماذا إلا في أوقات الازدحام وغلاء البضاعة , أيضاً أمر آخر هو تفريغ الزوج وعدم انشغاله في أفضل أيام وأفضلها العشر الأواخر , وأيضاً لماذا أفتن ولدي أو زوجي أو غيره بمخالطة النساء المتبرجات في مثل هذه الأيام الفاضلة , خاصة وأننا نعلم أنه كما أن الحسنات تضاعف في رمضان أيضاً السيئات تضاعف في شهر رمضان .
فلعلنا من خلال هذه الأسباب نقترح و نقول لماذا لا يُبَكَّر بشراء و تفصيل الملابس و حاجيات العيد من الآن .
* الوسيلة الخامسة والثلاثون:
الوسيلة و الفكرة الخامسة و الثلاثون وهي الثالثة الخاصة بالمرأة صلاة التراويح من السنن الجميلة ومن الآثار النبيلة التي تعطى هذا الشهر ولياليه روحانية متميزة فتجد صفوف المسلمين والمصلين متراصة وتسمع التسبيح والتكبير والبكاء والنشيج , إلا إن هذا الخير قد تحرمه بعض نساءنا لا إهمالا وإنما انشغالاً بالأولاد والجلوس معهم , وهي هذا بين أمرين كلاهما ثقيل , أولاً إما بين ذهابها إلى المسجد وأخذ صغارها وقد يؤذون المصلين وتنشغل بهم , أو بين الجلوس بالبيت وحرمان النفس من المشاركة مع المسلمين وربما حاولت الصلاة في بيتها وبمفردها لكنها تشكو من ضعف النفس وقلة الخشوع وكثرة الأفكار والهواجيس والشوارد .
فماذا تفعل إذا؟؟(2/29)
أسوق لها هذا الاقتراح فأقول لما لا تتفق مع بعض أخواتها و شقيقاتها أو رفيقاتها و صاحباتها بالاجتماع في أحد البيوت للصلاة جماعة مع اهتمام إحداهن بالصغار , أو تجلس إحداهن مع الصغار والأخريات يذهبن لحضور الصلاة بالمسجد , وهكذا إذا اتفقت الأخوات على أن تقوم واحدة منهن كل ليلة بالاهتمام بالصغار فإنها على الأقل ستكسب كثيراً من ليالي وأيام رمضان والصلاة مع المسلمين , أما أن تخسرها بهذه السهولة فلا ولا نؤيد ذلك , بل وأقول وعلى الأزواج والآباء الحرص والحث لأزواجهم وأخواتهم وبناتهم بأخذهم معهم إلى المساجد , فإلى متى ونحن نترك المرأة أيها الأخيار لوحدها في البيت ونحرمها من الدروس والتوجيه و الروحانية للصلاة مع المسلمين وسماع الخير الكثير فإن في ذهابها خيرات حِسان فمن المسئول عنها أمام الله سبحانه وتعالى؟؟ ولا تنسوا إنه بصلاح النساء صلاح للمجتمع .
فلذلك نحث الآباء والأخوة على الحرص على أخذ أزواجهم وأخواتهم وبناتهم إلى المساجد وألا يتركوا في البيت لأنه إذا تركن في البيت فلا شك إلا سيكوننه أمام التلفاز أو أمام غيره لضياع الأوقات .
* الوسيلة السادسة والثلاثون:
أيضا في المرأة و هي الرابعة من الخاصة بالمرأة إذا رأينا كثرة المأكولات والمشروبات وتنوع أصنافها عند سفرة الإفطار فانك تضطر إلى أن تقول لماذا يا أيتها المرأة المسلمة لا تجعلي جدولاً غذائياً منتظما بتقسيم هذه الأصناف على أيام الأسبوع ؟
فهل يشترط أن نرى جميع أنواع المقليات مثلا من السمبوسة مثلاً أو اللقيمات (لقمة القاضي) أو البطاطس أو غيرها في كل يوم ؟!! لا يشترط هذا.
وهل يشترط أيضاً أن نرى جميع أنواع العصائر و المشروبات في كل يوم؟! أيضا هذا لا يشترط .
فأقول للأخوات لماذا لا تضع فعلاً جدولاً غذائياً منتظماً تقسّم فيه هذه الأصناف على مدار الأسبوع ولا شك أننا بهذا العمل نكسب أموراً كثيرة أسمع منها من هذه الأمور التي نكسبها:(2/30)
1. عدم الإسراف في الطعام والشراب .
2. قلة المصاريف المالية و ترشيد الاستهلاك .
3. التجديد في أصناف المأكولات والمشروبات وإبعاد الروتين والملل الموجود بوجود الأصناف في كل يوم .
4. حفظ وقت المرأة وطلب راحتها واستغلاله بما ينفع خاصة في هذا الشهر المبارك.
فهذا شيء من الثمار و من الفوائد لتطبيق هذا الاقتراح , فيا ليت أن المرأة أو أن بعض الأخوات يفعلن ذلك الجدول ولعلهن أن ينفعن أيضاً بعض أخواتهن في توزيعه في مدارسهن وأماكن اجتماعهن فإن فعل ذلك كما ذكرنا فيه فوائد جمة .
ثم اختم هذا الاقتراح بالتذكير للمرأة أنها المسئولة أمام الله سبحانه وتعالى عن الإسراف في بيتها , هي المسئولة الأولى عن الإسراف في بيتها في الطعام والشراب وإعداد الأنواع وغيرها , وقد قال صلى الله عليه وعلى آله وسلم " كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته " ثم قال " والمرأة راعية "6 أو مسئولة في بيت زوجها .
* الوسيلة السابعة والثلاثون:
الصلاة في وقتها أيضاً للمرأة , الصلاة في وقتها من أعظم الوسائل لاستغلال رمضان , الصلاة في وقتها من أعظم الوسائل لاستغلال رمضان , والملاحظ خاصة عند المرأة ولعدم ارتباطها بالجماعة تأخير الصلاة عن وقتها والتكاسل عنها ثم نقرها كنقر الغراب , وذلك بحجة إما العمل في المطبخ أو التعب في الدراسة أو التعب في الصوم أو غيرها من الأعذار , فعلى المرأة أن تحرص على المحافظة على الفرائض الخمس في وقتها وفي أول وقتها وبخشوع خاصة وفي هذا الشهر المبارك الذي كما ذكرنا تضاعف فيه الحسنات وتتنوع فيه العبادات .(2/31)
وأيضاً فبعض النساء إذا حاضت أو نفست تركت الأعمال الصالحة وأصابها الفتور مما يجعلها تحرم نفسها من فضائل هذا الشهر العظيم ومن خيراته , فنقول لهذه الأخت وإن تركت الصلاة والصيام فهناك و لله الحمد خيراً كثيراً مثل الدعاء والتسبيح والاستغفار والذكر بأنواعه والصدقة والقيام على الصائمين وتفطيرهم وغيرها من الأعمال الصالحة الكثيرة ثم أ ُبَشِّركِ أنه يكتب لك مثل ما كنت تعملين وأنت صحيحة شحيحة .
كيف ذلك ؟!! بحديث رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الذي قال فيه : " إذا مرض العبد أو سافر، كتب الله تعالى له من الأجر مثل ما كان يعمل صحيحا مقيما"7 أخرجه البخاري ومسلم , إذاً فابشري المهم استحضار النية الصادقة والخالصة والحرص على كثير من الخير ومن العبادات التي تستطيعينها .
ثم أيضاً قراءة القرآن للحائض والنفساء هذا الخلاف مشهور بين العلماء لكن شيخ الإسلام الكبير رحمه الله تعالى يرى جواز قراءة القرآن للحائض والنفساء بدون شرط أو قيد .
أخيرا من الوسائل و الأفكار للصغار و الخاصة في رمضان:-
* الوسيلة الثامنة والثلاثون:
الأولى و هي الثامنة و الثلاثون بالعدد العام اقتراح لأئمة المساجد للاهتمام بالصغار , وتشجيعهم على المحافظة على الصلوات والتبكير للمسجد وتعويدهم على صلاة التراويح .(2/32)
كيف ذلك ؟ يكون ذلك بأن يعلن إمام المسجد لأهل الحي من أول يوم في رمضان أن هناك عشر جوائز تقل أو تكثر لأحسن وأفضل عشرة صغار يحافظون على صلاة الجماعة و يبكرون لها و يحرصون على صلوات التراويح , ولا بأس للمشاركة فيه أيضاً بعض جماعة المسجد بالتشجيع كبعض التجار بالجوائز القيمة , ولا بأس أيضاً بمشاركة بعض الآباء بطرح أيضاً كما ذكرنا بعض المبالغ المالية لشراء الجوائز القيمة لتشجيع هؤلاء , ولا بأس بالتعاون من الشباب مع إمام المسجد لمتابعة هؤلاء الصغار أو تكوين لجنة خاصة تتابعهم لتفرز في نهاية الشهر عن هؤلاء العشرة أو العدد الذي يحدد , ثم في نهاية الشهر أي في ليلة العيد توزع الجوائز على هؤلاء الصغار ولك أن ترى أثر ذلك على الصغار بل وأقول والكبار بل والحي كله ولو كان في المسجد لوحة للمثاليين كل شهر لرأيت عدداً من الأبناء بل ومن الآباء .
* الوسيلة التاسعة والثلاثون:(2/33)
الوسيلة التاسعة والثلاثون وهو أيضا اقتراح للصغار وذلك بطرح مسابقات رمضانية لهم إما بحفظ بعض الأحاديث أو الأجزاء من القرآن أو في معرفة سيرة أحد من الصحابة معرفة شاملة أو غيرها من المسابقات , وأيضاً تعلن في بداية رمضان وتوزع الجوائز في الليلة الأخيرة من رمضان ولك أيضاً أن ترى أثر ذلك على الصغار واستغلال أوقاتهم وحفظهم من الشوارع ومن أجهزة التلفاز وانشغالهم بالبحث والقراءة والنظر والحفظ من خلال هذه المسابقات المطروحة . و لعلك تسمع كثرة توزيع الجوائز من خلال المسابقات في ليلة العيد إذاً فأصبحت ليلة عيد حقا , ففي ليلة العيد و في ختام شهر رمضان نسأل الله أن يبلغنا ذلك تجد أن المسجد الذي قامت فيه هذه الأنشطة أصبح مسجداً نشيطاً وحياً ترى أًثر ذلك كاملاً على أهل الحي جميعاً لا أقول على الصغار فقط ولا أقول على الآباء بل حتى والله على النساء في البيوت , وأننا لنسمع تشجيع كثير من الأمهات و من الأخوات لكثير من الصغار في مثل هذه الأمور إذا طُرحت من جماعة المسجد , فهل نرى ذلك أيضاً قريباً إن شاء الله .
* الوسيلة الأربعون :
الوسيلة الأربعون والأخيرة وهي تعويد الصغار على الصيام والقيام , وتشجيع الأب بصحبتهم له للمسجد و بالثناء تارة أي الكلمة الطيبة وبالجوائز بل , وتعويدهم على الصدقة وبذل الطعام و توزيعه على الفقراء و المساكين مثل المجاورين . عندما تعطى الطفل الصغير أن يوزع هو بنفسه للجيران و للفقراء و المساكين وتذكره بالأجر وفضل هذه الأعمال فإن ذلك ينشئه تنشئة صالحة , تقول أحد الأمهات لصغيرها بعد أن وزع بعض الأشياء على بيوت بعض جيرانهم قالت له وكان في وجبة الغداء قالت له تغديت قال نعم تغديت أجر تغديت أجر هكذا يقول . فنتمنى حقيقة أن يعيش صغارنا بمثل هذه المعاني الجميلة أي تربيهم تنشئهم تنشئة صحيحة .(2/34)
و تقول الرُبَيِّع بنت مُعَوذ عن رمضان : " فكنا نصومه بعده و نُصَوِّم صبياننا و نجعل لهم اللعبة من العهن أي من القطن فإذا بكى أحدهم على الطعام أعطيناه ذاك يعنى اللعبة ذاك من العهن حتى يكون عند الإفطار " أخرجه البخاري في صحيحه , أي تقول رضي الله تعالى عنها أي حتى يتم صومه ذلك اليوم نشغله بهذه اللعبة .. وفي ذلك كما ذكرنا تمرينا لهم وقد أقر النبي صلى الله عليه و على آله و سلم ذلك الفعل لأنه فُعل بحضرته فهو إذاً من السنن التقريرية عنه صلى الله عليه وآله وسلم.
هذه أربعون وسيلة لاستغلال شهر رمضان وكما ذكرت أن هذه الوسائل منها ما هو معلوم ومنها ما هو جديد وما بقى أيها الأحبة إلا أن نستغل هذه الوسائل ونشرها بين الناس عموماً ومحاولة الوقوف مع أئمة المساجد ومع الشباب الصالحين لإحياء مساجدنا وأحياءنا بمثل هذه الأفكار وهذه الاقتراحات.
اللهم اجعلنا من الصالحين المصلحين , اللهم انفعنا وانفع بنا , اللهم انفعنا وانفع بنا , أنت ولي ذلك والقادر عليه
وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا
سبحانك اللهم وبحمدك نشهد أن لا إله إلا أنت نستغفرك ونتوب إليك
أفيقي أمتى ..... قبل رمضان
للشيخ/ محمد حسين يعقوب
الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ، ونعوذ بالله تعالى من شرور أنفسنا ، ومن سيئات أعمالنا ، من يهده الله فلا مضل له ، ومن يضلل فلا هادي له .وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أنَّ محمدا عبده ورسوله .اللهم صلِّ على محمد وعلى آل محمد ، كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد . اللهم بارك على محمد وعلى آل محمد ، كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد .
أما بعد .... فإن أصدق الحديث كلام الله تعالى وإن خير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم؛ وإن شر الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار.(2/35)
ثم أما بعد .... فأيها الأحبة في الله .. الإيمان مواقف .. الإيمان مواقف ؛ وكل موقف يقفه الإنسان في الإيمان محسوب عند الله جل وعلا.
استمد من قصة الأقرع والأبرص والأعمى فائدة واحدة؛ وهى قصة مشهورة في صحيح البخاري معروفة و منشورة . موقف الذي اعترف بما سلف حين آتاه السائل على هيئته الأولى؛ رجل أعمى، رجل أبرص، رجل أقرع؛ فأُمدوا بمال وجُعل المال
لهم فتنة، أ ُمدوا بكل ما يتمنون؛ الأقرع بالشعر الجميل؛ والأبرص بالجلد العظيم؛ والأعمى بالبصر النافذ؛ لما ابتلوا بعد ذلك وجاءهم السائل على صورتهم ؛ فجاء للأقرع في صورة أقرع يسأله فطرده؛ وجاء للأبرص في صورة أبرص يسأله فطرده؛ وجاء للأعمى في صورة أعمى فصدقه وقال نعم كنت يوما ً مثلك وأعزني الله وأكرمني فخُذ وأعطاه؛ فثبته الله وخذل الآخرين.
أخذ من هذا الموقف موقفا ً لأمة يدخل عليها اليوم شهر رمضان؛ بعد يومين أو ثلاثة على الأكثر ليكون لنا موقف؛ موقف صدق مع الله.
? فَإِذَا عَزَمَ الْأَمْرُ فَلَوْ صَدَقُوا اللَّهَ لَكَانَ خَيْراً لَّهُمْ?8 .
اللهم ارزقنا الصدق يارب.
نعم حين يعزم الأمر، نريد أن نصدق الله. إنني حين أتأمل في سير السلف وأتفكر في أحوالهم وأنظر كيف كانوا يشتاقون، وماذا كانوا يشتهون، أرى أن القوم في وادٍ ونحن في وادٍ آخر. إنني أشتهى والله لئن سئلت ماذا تشتهى؛ أقول أشتهى لحظة صدق مع الله، لحظة صدق حقيقية مع الله. ليتنا أخوتاه نؤتها في هذه اللحظة؛ اللهم اجعل ساعتنا هذه ساعة صدق، واجعلها ساعة إجابة، واجعلها ساعة رحمة، واجعلها ساعة مغفرة، واجعلها ساعة توبة. اللهم إنا نسألك أن تتقبل اليوم دعاءنا.
نعم أخوتاه ... بحاجة نحن قبل أن يدخل شهر رمضان المعظم أن نقف الآن .. الآن .. الآن .. لحظة صدق مع النفس، لأن هذا الشهر كما وصفه النبي الكريم عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم شهر شعبان ترفع فيه الأعمال إلى الله، لما سُئل عن كثرة صيامه فقال :(2/36)
"هو شهر ترفع الأعمال فيه إلى الله فأحب أن يرفع عملي وأنا صائم".
بُودي أن نتأمل ماذا سيرفع لنا في هذا العام ؟؟ ماذا سيرفع؟؟ ماذا سيرفع لنا إلى ربنا؟؟ ماذا سيرفع لنا في هذا العام ؟؟ هل هي أعمال نتشرف بها ونسعد ؟؟ أم أنها الخزي؟؟
أحبتي في الله ...
قد ينشأ الشاب في أمة قوية، مُمَكنة، مزدهرة، مرتفعةٌ راياتها، عظيمة أركانها، منتشر سؤددها، باسطة نفوذها. حين ينشأ الشاب في أمة كهذه فلا بأس أن يتفرغ الشاب لنفسه فيتوجه كيف شاء، يرضى ربه كيفما يريد، على حسب ما يمكن له في ذلك. أما إذا نشأ الشاب في أمة مقهورة، في أمة مستضعفة، في أمة ذليلة، في أمة مخذولة، في أمة تنتقص كل يوم أطراف أراضيها وتستباح أعراضها، في أمة كل يوم يأتيها بهزيمة، في أمة ماتت ... ماتت .... . أمتي، أمة الإسلام، أين أنتِ ؟؟ مِتِي يا أمتي، مِتِي، إنا لله وإنا إليه راجعون. لا شك أننا نعيش أمة ماتت .. أمة ماتت.... وإلا فأي دور تؤديه الأمة ؟ أي دور تقوم به؟ أي نصر مضت إليه؟ أي تمكين سعت فيه؟ أي موقف وقفته؟
نعم أنا أؤمن أنه لا تزال طائفة من الأمة ظاهرين على الحق لا يضرهم من خالفهم ولا من خذلهم حتى يأتي أمر الله وهم على ذلك أؤمن وأشهد أنه لا تزال تلك الطائفة موجودة. نعم ولكنى أسأل عن مجموع الأمة، أسأل عن العامل المؤثر.
نعم.... تعالوا؛ هذه هي البوسنة ضاعت أو كادت أو قل ضاعت، ماذا صنعنا في أربع سنين طوال عراض تستباح فيها الأمة هناك؟؟ ماذا صنعت الأمة الإسلامية أو الأمة العربية أو سمِها ما شئت ؟؟ ماذا صنعت الأمة للبوسنة؟؟ هذه هي الشيشان ... ماذا صنعت لها الأمة؟؟ تلك فلسطين ... ماذا صنعت الأمة؟؟ ماذا صنعت؟؟ إنني حين أقول أمة ماتت.. فقد ماتت؛ إنا لله وإنا إليه راجعون. اللهم آجرنا في مصيبتنا واخلفنا خيراً منها.(2/37)
نعم أمة ماتت لم يعد لها وجود، إنما الوجود الحقيقي حين يكون له أثر. أما الوجود الشكلي الصوري فليس له وجود. أخوتاه وإننا الآن حين أقول أن الشاب الذي ينشأ في أمة كهذه الأمة ينبغي ألا يتفرغ لنفسه أبدا ً بل ولا يختار لنفسه، بل يضع نفسه حماية للإسلام، رفعة للدين، تمكيناً له.
تعالوا لنلقى على الماضي نظرة لعلها تكون ومضة تضئ الطريق إلى تمكين. تعالوا لنلقى نظرة، لننظر إلى الشباب لنقول أين أنتم يا شباب ؟؟ أين الشباب؟؟ يا حسرتاه على الشباب .. يا حسرة ً على الشباب .. يا حسرة ً على الشباب . تعال فانظر لموقعة وكأني حين أتأملها أنزلها على واقعنا الذي نراه اليوم فأقول أين أمثال هؤلاء. ثابت بن قيس ، سالم مولى أبى حذيفة زيد بن الخطاب ثم البراء بن مالك.
تعالوا لننظر إلى تلك المواقف العظيمة. تعالوا لننظر والموقعة موقعة اليمامة، واليمامة كما تعرفون هي مدينة الرياض حاليا ً تقريباً هذا موقعها. هناك ظهر كذاب يزعم أنه نبي اشتهر الذي سمى نفسه رحمان اليمامة فأثبت الله كذبه فاشتهر باسم مسيلمة الكذاب. مسيلمة الكذاب زعم النبوة، وبعد أن مات النبي صلى الله عليه وسلم ارتد الكثيرون وفزعوا إلى هذا الكذاب مسيلمة وتجمعوا عنده بنو حنيفة حتى اجتمع له في جيشه أربعون ألفا ً، أربعون ألف مقاتل يقدمون الموت على كل شيء. فأرسل إليهم أبو بكر الصديق رضي الله عنه جيشا ً بقيادة عكرمة بن أبى جهل، ومضى عكرمة بجيشه ولكن ومع شديد الأسف انهزم الجيش وعاد عكرمة بجيشه مهزوما ً بعد أن قُتل منهم ما قُتل، وعرف أن هؤلاء الناس أن إتيانهم في بيوتهم خطر ومهلكة للمسلمين. فوقف المسلمون يقولون لأبى بكر يا خليفة رسول الله لا تضيع المسلمين ، لا تفنهم، دعهم.
فقال قولته المشهورة "أينقض الإسلام وأنا حي !! أينقض الإسلام وأنا حي !! كلا والله لو خذلتني يميني لقاتلتها بشمالي" .(2/38)
رضي الله عنك يا أبا بكر، إنني أريد موقفا ً كهذا أريد الرجل الذي يقول أينقض الإسلام وأنا حي !! ، كلا والله وأين هو الذي يرى عرى الإسلام تنقض عروة عروة حتى في بيته، حتى في أهله، حتى في جيرانه، حتى في نفسه، وهو ساكت ساكن راض ٍ ينتظر أن تنزل عليه لعنة الله. نعم ماذا ينتظر وهى تنقض عراه عروة بعد عروة. يقول أبو بكر "أو تنقض عرى الإسلام وأنا حي، كلا والله لو خذلتني يميني لجاهدتها بشمالي". فيجيَّش جيشًا ويؤمّر عليه خالد بن الوليد ويمضى خالد وهناك خالد يقف لينظم جيشه ويضع أصوله. وتبدأ المعركة ويهجم جيش مسيلمة الكذاب وهم أربعون ألفا ً , ولكن دائما ً أنُص على هذه القضية , أن هؤلاء لما صدقوا لعقيدتهم انظر كانوا يقولون والله إنا لنعلم أن مسيلمة كذاب وأن محمدا ً صادق ولكن كذاب ربيعة خير من صادق مُضر. إنها الجاهلية .. إنها الجاهلية، العصبية يتعصبون لكذاب ربيعة ويردون صادق مُضر.
نعم إنها الجاهلية القديمة يريدون أن يزحزحوك بها اليوم بنفس الطريقة، يقولون لك نعم أن نصراني مصر خيرٌ لك من مسلم البوسنة؛ أبدا ً أبدا ً وهل الدين إلا الحب والبغض. لأن كان الرايخ الألماني يفرض نفسه وصيا ً على كل من يجري في عروقه دم الألمان، ولأن كانت إسرائيل تفرض نفسها حامية لكل يهودي على ظهر الأرض، فإن عقيدتنا أقوى، وديننا أعظم، وانتمائنا أكبر، وثباتنا على تلك العقيدة التي تجعل المسلم أخو المسلم وإن كان في أقصى الصين، وإن كان في أقاصي الأرض. نعم هكذا هؤلاء الجاهليون ومازالوا يرجحون القرابة؛ يرجحونها ويجعلونها مناصاً للولاء والبراء.(2/39)
هجم جيش مسيلمة الكذاب وبصدقهم في هذا هزموا المسلمين لأول وهلة حتى أنهم دخلوا فِسطاط خالد ونقدوه عن رأسه وأسروا زوجته وهموا أن يقتلوها لولا أن أجارها رجل من القوم. وانسحب خالد بجيشه مؤقتا ً. مؤقتاً ينسحب خالد بجيشه جانبا ً ثم يقول " تمايزوا تمايزوا أيها الناس حتى ندرى من أين نؤتى "، فجعل المهاجرين في جهة والأنصار في جهة والأعراب في جهة ثالثة وحدهم، ثم جعل في المهاجرين كل أبناء أب تحت راية. هكذا تمايزوا أيها الناس حتى ندرى من أين نؤتى إننا بحاجة إلى أن نتمايز في هذا العصر حتى ندرى من أين نؤتى، مضى علينا رمضانات كثيرة ومعتقدنا أن في كل رمضان ليلة قدر، والمسلمون يدعون وأنّى يستجاب لهم، مضت أيام عرفه سنين طويلة والمسلمون يدعون فلا يستجاب لهم، مضت ليالي السنة في كل ليلة يقول ربنا هل من سائل وندعو فلا يستجاب لنا، ما السر؟؟ لابد أن هناك سبب، لابد أن هناك علة. إننا بحاجة إلى أن نعرف من أين نؤتى؟ من أين نؤتى؟؟ من السبب في عرقلة النصر؟ من السبب في عرقلة التمكين؟ من السبب في تخلف أثر الدعاء؟ من السبب في عدم وجود الدعوة إلى الله؟ من السبب؟
إننا بحق نريد أن نتمايز، أن نتمايز، أن يصبح فِسطاط إيمان لا نفاق فيه، وفِسطاط نفاق لا إيمان فيه، يتمايز الناس حتى ندرى من أين نؤتى؟ من أين نؤتى؟
وبعد أن ميز خالد الناس قال اهجموا على بركة الله. ويقف ثابت بن قيس حامل لواء الأنصار، فيحفر لنفسه حفرة ويدفن فيها قدميه إلى أنصاف ساقيه ويرفع الراية و يثبت، رجل يثبت رافعا ً الراية حتى يُقتل.(2/40)
وهناك على الجانب الأخر سالم مولى أبي حذيفة يثبت ويقف وكان حافظا ً للقرآن، رسول الله يفتخر به فيقول صلى الله عليه وسلم مفتخرا بسالم أنه يسعد بوجود أمثال سالم في أمته. - سالم مولى أبى حذيفة - فيخشاه الناس، يقولون سالم صوام النهار، بكاء الليل، حافظ للقرآن ، لعله ضعيف فيقولون له نخشى أن نؤتى من قبلك، فيقول " من قبلي أنا !! أنا !! بئس حامل القرآن إذا ً أنا، أنا تؤتون من قبلي وأنا أحفظ القرآن، بئس حامل القرآن إذا ً أنا " ويقف سالم مولى أبى حذيفة رافعا ً راية الإسلام حتى يجرح ويخر جريحا ً فيقاتل وهو جريح.
ثم على الوجه الأخر زيد بن الخطاب أخو عمر، شقيق عمر بن الخطاب رضي الله عنه يتوجه إلى المسلمين ليقول قولته المشهورة وتلك الشاهد التي أريد أن تكون في أذهانكم أيها الأخوة، زيد بن الخطاب يقول "أيها الناس عضوا أضراسكم ، أيها الناس عضوا أضراسكم، واضربوا في عدوكم، وامضوا قدما. أيها الناس عضوا أضراسكم، واضربوا في عدوكم، وامضوا قدما، والله والله الذي لا إله غيره لا أنطق بكلمة بعدها حتى يُهزم جيش مسيلمة أو أموت شهيدا ً فألقى الله فأدلى بحجتي".
الله اكبر إنها لكلمات ينبغي أن ترن و تظل ترن في سمع كل مسلم يريد أن يصنع لهذا الدين شيئا ً. يا مثبت المؤمنين ثبتنا على الإيمان. هو هو زيد بن الخطاب يقف : " أيها الناس عضوا على أضراسكم، واضربوا في عدوكم، وامضوا قدما، لا تلتفتوا فوالله الذي لا إله غيره لا انطق كلمة بعدها حتى يُهزم جيش مسيلمة أو أستشهد فألقى الله فأدلى بحجتي".(2/41)
خذ الأخرى لتنضم إليها فتقف بها موقفا ً، البراء بن مالك، البراء بن مالك ذلك الرجل أخو أنس بن مالك رضي الله عنهما. البراء بن مالك كان رجلا ً دقيق الجسم نحيفا ً صغيرا ً يقول له خالد: "هيا يا فتى الأنصار قم بهم" فينطلق البراء ويقف في وسط الأنصار ويقول "يا معشر الأنصار، يا معشر الأنصار لا تؤملوا، لا يؤمل أحدكم فيكون همه الرجوع إلى المدينة، لا مدينة بعد اليوم، إنما هو الله وحده ثم الجنة ". الله اكبر، انظر وتأمل إلى تلك الكلمات، يقول يا معشر الأنصار لا يكون هم أحدكم أن يرجع إلى المدينة، لا مدينة بعد اليوم، إنما هو الله وحده ثم الجنة. يا الله .. يا الله على شباب المسلمين. أين الذي يقول لا مدينة بعد اليوم، لا زواج بعد اليوم، لا نساء بعد اليوم، لا شهادة بعد اليوم، لا شيء بعد اليوم، إنما هو الله وحده ثم الجنة. يارب ارزقنا الجنة يارب. نعم لا أقول هذا أنك تدع الزواج فلا تتزوج، إنما تتزوج لله وتدع هذا الأمر لا يشغل قلبك. إن المسلم أخوتاه يعيش لقضية، انتبهوا ليس معنى قولي لا شهادة بعد اليوم كقوله لا مدينة بعد اليوم، أي أن تترك مذاكرتك، أبدا ً بل ستذاكر وتتفوق لله، إنما لا يشغلن هذا قلبك. إن المؤمن يعيش لقضية، يحيا لها، علمه إياها النبي محمد صلى الله عليه وسلم وهو يقول: "بعثت بالسيف بين يدي الساعة حتى يعبد الله وحده لا شريك له"9
تلك قضيتك التي نشرها ربعي بن عامر: "إن الله ابتعثنا لنخرج من شاء من عبادة العِباد إلى عبادة رب العِباد"، تلك قضيتك، قضيتك أن تنتشل عُباد الخنازير، أن تنتشل عُباد البقر، أن تنتشل عُباد الدنيا، أن تنتشل عُباد الجنيه، أن تنتشل عُباد المظاهر، أن تنتشل عُباد التليفزيون، أن تنتشل عُباد الطعام، أن تنتشل هؤلاء العُباد لتضعهم في مصاف عباد الرحمن. نعم لا مدينة بعد اليوم، إنما هو الله وحده ثم الجنة ... ثم الجنة.(2/42)
ويكر المسلمون ويضغطون على جيش مسيلمة، ومسيلمة وجنوده ثابتون كالأطواد في الأرض، ولكن أنّى لجبال أن تقف أمام عواصف التوحيد، نعم فيقتلع المسلمون أصولهم ويُعمِلون فيهم القتل فيفر مسيلمة وجنوده إلى هناك إلى داخل حديقة سميت فيما بعد بحديقة الموت، حديقة ذات أسوار عالية، ويحتمي بها مسيلمة وجنوده ويغلقون الأبواب ويحاصر المسلمون الحديقة ويقفون مكتوفي الأيدي، ماذا يصنعون وجنود مسيلمة من الداخل يرمون بالسهام، والسهام تنزل على المسلمين كالمطر. هل يقف يقف المسلمون مكتوفي الأيدي؟ ماذا يصنعون؟ ماذا يصنعون؟ وهنا يظهر مخترع البراشوت الأول، هذا لتعرف أن أصولك عظيمة، وأن عقائدك تضرب في عمق التاريخ، أننا السابقون الأولون. نعم ... يخرج أول مخترع للبراشوت ، نعم أتدرى من هو؟؟ البراء بن مالك أخو أنس بن مالك، يقول يا قوم أنقف هكذا؟ أبدا ً، احملوني على ترس، أجلس في ترس، والترس أشبه شيء به ذكرني هذا الدش الذي يسمونه.. قريب منه، كان يحمل هكذا ليحمى به الإنسان نفسه، يحمله في يده ليحمى به صدره ويرد به النبال والرماح وغير ذلك. انظر إلى ذلك المنظر قال : " احملوني في ترس واحملوا الترس على أسنان الرماح واقذفوني بالترس داخل الحديقة قريبا ً من الباب فإما أن استشهد وإما أن أفتح لكم الباب ". الله اكبر ... يا لله ويا للمسلمين، وأين نحن من هؤلاء؟ كما ذكرت لك أنني كلما تذكرت هؤلاء شعرت بالخيبة.
انظر إنني أريدك أن تأخذ من هذا الموقف سرا ً، إشارة.. أن تقول إما أن أمكن لدين الله وإلا فلا حاجة لي بالوجود على ظهر الأرض. ومعلوم أن كل كلامنا هذا ينصب على المنهج السلفي. انتبه.. بمعنى أنك صاحب عقيدة تريد أن تنشرها، لا صاحب هدف قتل تريد أن تقتله. انتبه إلى هذه القضية.(2/43)
نعم أخوتاه، يقول احملوني على ترس واحملوا الترس على أسنة الرماح وارمونى داخل الحديقة، اقذفوا بي داخل الحديقة قريبا ً من الباب فإما أن أفتح لكم الباب وإما أن استشهد. ويحملونه ويلقون به داخل الحديقة ويدخل البراء ويصل إلى الباب بعد أن يَقتل ويَطعن ويَضرب ويُدافع ويُنافح ويزود ويسود، حتى يَفتح الباب ويدخل المسلمون إلى تلك الحديقة فيقتلون عشرين ألفا ً من جند مسيلمة في هذه الساعة، ثم يجلسون لعلاج البراء فيجدون به أكثر من ثمانين طعنة، أكثر من ثمانين طعنة، حتى أنه يذكر أهل التوريخ أن خالد بن الوليد جلس لعلاجه بنفسه شهرا ً. شهر علاج ثمانين طعنة من ضربة بالسيف وطعنة برمح ورمية بسهم، ثمانين طعنة ولكن بعد أن مكن لدين الله. إننا لا نريد أن تكون هذه القصة كقصص أبى زيد الهلالي أبدا ً وإنما نريدها قصة تكون واقعا ً في حياتنا.
أنك رجل صاحب قضية يدخل شهر رمضان، وعلى وشك أن يدخل شهر رمضان وأنت تعلم أننا في هذه الأيام أمة كأنها مخذولة، أمة لا قيمة لها على ظهر الأرض، أمة صار دم المسلم أرخص دم على ظهر الأرض، والعرض المسلم أسهل عرض ينتهك على ظهر الأرض.
نريد أن نبدأ في رمضان وقلوب الناس مستعدة لقبول الخير تبدأ في نشر دعوة التوحيد، في جذب الناس إلى المساجد ... تعال ... تعال لننظر بما يستعد الناس اليوم لرمضان ... بم يستعدون ؟؟؟ يستعدون بالمكسرات !! يستعدون بالسمن البلدي !! يستعدون بماذا ؟؟ يستعدون بالطبيخ والأرز !! يستعدون بالفوانيس والبمب !!! يا أمة تركت دينها ... يا أمة نسيت سنة نبيها .... يا أمة تنكرت لماضيها ... يا أمة ... أمتي .. أمة الإسلام أفيقي .(2/44)
نعم يا شباب رمضان ليس موسما ً للتسمين، وإنما هو موسمٌ لبث الروح . إن الأمم حين تتفاخر بمخزونها المادي من المخزون الاستراتيجي للبترول وللغاز الطبيعي ولهذه الأشياء ، فإننا نعتز بمخزوننا الروحي في كل رمضان ، المخزون الروحي هو الأصل في شهر رمضان . نعم إننا نريد أن ندخل رمضان ونحن نستعد له هذه الأيام استعداداً حقيقياً. لا شك أن رمضان يضيع على الأمة كل سنة .. كل سنة .. وهى مازالت تكحت في ران العام كله. إننا نريد من الآن وقبل رمضان بيوم أو يومين ، نريد من الآن أن نزيل الران فنستفيد من رمضان. نعم أخوتاه .. إني أسألك بربك ... أسألك بربك ... أسألك بربك ... أسألك بربك، كم حجم الران على قلبك ؟؟ إنه لا يحتاج إلى شهر ، يحتاج إلى عشرة شهور لإزالته . فندخل رمضان ونظل ندعك و نضغط ونمحو وينتهي رمضان وبقايا الران على القلوب. اللهم طهر قلوبنا يارب. إننا بحاجة إلى أن نطهر قلوبنا قبل أن يدخل رمضان حتى نستطيع أن نستفيد من رمضان ، كل عام يمضى وما استفدنا من رمضان شيئا ً ، وما استفدنا منه أبدا ً إطلاقا ً لأننا نقضى رمضان إما في لهو ولعب. إنني بحاجة إلى أن أقارن وأوازن بين رجلين في رمضان رجل من المؤمنين الموحدين ورجل من الفسقة الفاجرين ، ولكنى كلما هممت أجدني أتلعثم، أجدني لا يصح مثل هذا، لأنه كما قيل في بيت الشعر الذي لا أحفظه أنه " ألا ترى أنه ينقص قدر السيف إذا قيل السيف أمضى من العصا " إذا قيل أن السيف أمضى أقطع يعنى من العصا . فإنك تكون قد أسأت إلى السيف . كذلك كان بودي أن أقارن بين مسلم موحد يعيش يوما ً من رمضان بعد صلاة الصبح يمكث في المسجد إلى شروق الشمس, حتى يصلى ركعتين فيُحرز حجة ً وعمرة ، وبين أخر تسحر بعد أن جلس أمام التليفزيون ونام.
من في الجنة ومن في النار؟؟(2/45)
( قُلْ كُلٌّ يَعْمَلُ عَلَى شَاكِلَتِهِ )10 , بين رجل إذا استيقظ من نومه وحد الله قال الحمد لله الذي أحيانا ,وبين رجل قام متثائبا ً متكاسلا ً ، خرج الاثنان في طريق .. الموحد يلقى رجلاً فيقول السلام عليكم كيف حال قلبك مع الله ، وأما الفاجر .. صباح الفل أخبار الفيلم بتاع امبارح ؟!
( قُلْ كُلٌّ يَعْمَلُ عَلَى شَاكِلَتِهِ )
أيهم في الجنة وأيهم في النار؟؟ .
نعم يأتي الظهر فيؤذن ، يسارع الموحد إلى المسجد يحرص على الصف الأول خلف الإمام مباشرة يتم وضوؤها وركوعها وسجودها يدعو فيها ربه أن يتقبلها منه ، يحافظ على سننها القبلية والبعدية ، والآخر يجلس ليذكر ويتذاكر مع أمثاله حل فزورة الأمس.
من في الجنة ومن في النار؟؟
( قُلْ كُلٌّ يَعْمَلُ عَلَى شَاكِلَتِهِ )
يؤذن العصر فيذهب الموحد وكله رغبة ورهبة يقف خلف الإمام يدعو الله وتسيل عينه بكاء من خشية الله ويجلس درس العصر ليتفقه في دينه ثم يجلس إلى أذكار المساء ، أما الآخر فإنه بعد العصر فيلم وبعد الفيلم نوم ليستعد لفيلم المساء ثم يقوم وهمه الطعام والشراب
( قُلْ كُلٌّ يَعْمَلُ عَلَى شَاكِلَتِهِ فَرَبُّكُمْ )
من في الجنة وأيهم في النار؟؟ .
إذا أذن المغرب يفطر الموحد على تمرة وشربة ماء ويهرول إلى المسجد ليدرك خلف الأمام يحمل في جيبه بقية التمرات ، أكل تمرة وبقيت أربعة يطعم بها مساكين، ويسقى بها فقراء، ويسقى من يده فقراء، ويسرع إلى المسجد يصلى المغرب وهو يؤمن أن للصائم دعوة مستجابة فيدعو الله أن ينصر الأمة وأن يمكن للدين وأن يشرح الصدر ويهدى القلب ، أما الأخر فيوقظونه بعد الأذان وعينه على الطعام فيأكل دون أن يسمى ولا حتى أن يغسل اليد ويملأ بطنه ويستعد لإعادة الكرة ليرى الفزورة ويتأمل في التمثيلية والموحد في المسجد يصلى القيام .
( قُلْ كُلٌّ يَعْمَلُ عَلَى شَاكِلَتِهِ فَرَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَنْ هُوَ أَهْدَى سَبِيلاً )(2/46)
أيهم في الجنة وأيهم في النار؟؟ .
نعم أخوتاه .. المؤمن يبيت ساجدا ً قائما ً يحذر الآخرة ويرجو رحمة ربك؛ والأخر يبيت ساهيا ،ً لاهيا ً، من سيجارة، إلى شيشة، إلى كذب، إلى غيبة، إلى نميمة، إلى فحش، إلى فسق، إلى فجور، إلى رؤية أفخاذ النساء العاريات، إلى النظر في وجوه المتبرجات، إلى إغضاب رب السموات؛ والمؤمن يبيت يذكر الله ويدعوه أن يستجيب له ، من في الجنة ومن في النار؟؟
( قُلْ كُلٌّ يَعْمَلُ عَلَى شَاكِلَتِه ِ) ...
أخوتاه ... المؤمن صاحب قضية حين يدخل إلى شهر رمضان ، فإنه يدخل وهو يعلم أن الصيام ما شُرع إلا لسر، إلا لسر ، ما شُرع الصيام إلا لسر ، سر أعظم . ليس الصيام مشروعا ً لنمتنع من الأكل والشرب والجماع فقط، وإنما سر الصيام أن تنتصر على نفسك فتعيش لله. فقط نريد أن نخرج بهذا المعنى، سر الصيام أنك تدعوك نفسك إلى الطعام فتقول لها نهاني ربى ، تدعوك إلى الشراب تقول منعني إلهي ، تدعوك إلى الجماع الحلال فتقول ألزمني بالترك سيدي؛ فأنا عبد الله لا عبدك أيتها النفس، أطيع الله ولا أطيعك، فإذا خرجت من رمضان وقد انتصرت ، بلغت الذروة في الإيمان فبلغت ما يرضى الله . أسأل الله أن يبلغني وإياكم رضاه .
إن الحمد لله أحمده تعالى وأستعينه وأستهديه أؤمن به وأتوكل عليه ، أثنى عليه الخير كله اشكر ولا أكفر ه وأخلع وأعادى من يفجره. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله . اللهم صل على محمد النبى وأزواجه أمهات المؤمنين وذريته وأهل بيته كما صليت على آل إبراهيم إنك حميد مجيد .
أيها الأحبة ...
مازلت أناشدكم الله في وقفة صادقة مع النفس ، أن نقف صادقين اليوم بعد أن علمنا سر الصيام أن ننتصر على أنفسنا فنعيش لله ، فنكون ممن أُمِر أن يقول : ? قُلْ إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ. لاَ شَرِيكَ لَهُ ?11
فيحيا لله بعد ذلك .(2/47)
مضت أحد عشر شهرا ً كم عصينا الله فيها ؟؟ إنني كلما تأملت هذا العام الذي مر أجد الحصاد المر، أجد مُراً ما أمره عشنا أحد عشر شهرا ً ما قدمنا فيها لديننا شيئا ، ولا لأمتنا شيئاً ، ولا لربنا شيئاً ، عشنا لأنفسنا نأكل ونشرب ونلبس وننام ونفعل ما نشتهى ونسمع ما نريد، وإنما نعطى لديننا ولدعوتنا الفتات بل أقل من الفتات . نعم فضاع ملك الأمة ، ضاع ملك الأمة بسبب أن ضيعنا ديننا وضيعنا أنفسنا وضيعنا ربنا منا ، نعم فلم يعد معنا . إننا بحاجة أن يكون الله معنا ، اللهم كن لنا ولا تكن علينا، امكر لنا لا وتمكر بنا ، انصرنا ولا تنصر علينا ، اللهم إنا نسألك أن تكون لنا .
نعم نحتاج أن يكون الله لنا. وكيف ذاك ؟ كيف ذاك ؟ إنني أحس بأن الجو لا يدفعني إلى أن اختم بسرعة- حر ولا برد- فالأمر يشجعني على أن أقول لكم في هذا اليوم أننا لا ينبغي أن ننفض وقبل دخول شهر رمضان حتى نراجع ربنا حتى نراجع ربنا.
يحضرني في هذا المقام قول أم أخر خليفة من خلفاء العباسيين حين ضاعت الأندلس فجلس يبكى ، ماذا قالت له أمه؟ جلس يبكى على ضياع الخلافة وضياع المملكة وضياع الأمة وضياع الدولة وضياع العز ، جلس يبكى فقالت له أمه : أبكي بكاء الأطفال على مُلك لم تحفظه كالرجال ..(2/48)
لما لم تكن رجلا ً فكن طفلا ً عسى أن يرحمك الله. إننا بحاجة الآن إلى أن نكون أطفال ، نعم نبكى على خيبتنا، نبكى على ما فرطنا في جنب الله ، نبكى على أن ضيعنا من أعمارنا سنة ، سنة!! وكم سنة وكم سنة؟؟ سنين.. سنين طوال. قال بعضهم إذا جلست بين يدي سيدك فاستعمل أخلاق الأطفال ، فإن الطفل إذا لم يعطه أبوه شيئا ً بكى عليه . إننا نحتاج أخوتاه ، نحتاج أن نبكى لله ، أن نبكى له وأن نتهجد كما قال الله سبحانه وتعالى واصفا ً العباد الذين يحبهم : ? وَقُرْآناً فَرَقْنَاهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلَى مُكْثٍ وَنَزَّلْنَاهُ تَنزِيلاً * قُلْ آمِنُواْ بِهِ أَوْ لاَ تُؤْمِنُواْ إِنَّ الَّذِينَ أُوتُواْ الْعِلْمَ مِن قَبْلِهِ إِذَا يُتْلَى عَلَيْهِمْ يَخِرُّونَ لِلأَذْقَانِ سُجَّداً * وَيَقُولُونَ سُبْحَانَ رَبِّنَا إِن كَانَ وَعْدُ رَبِّنَا لَمَفْعُولاً * وَيَخِرُّونَ لِلأَذْقَانِ يَبْكُونَ وَيَزِيدُهُمْ خُشُوعاً ?12
ابكي في هذه الدنيا بعين ٍ... بماء.. قبل أن تبكى يوم لا ينفع البكاء ، قبل أن تبكى يوم لا ينفع الندم ، قبل أن تبكى حين يقال : ( يَوْمَ لَا يَنفَعُ الظَّالِمِينَ مَعْذِرَتُهُمْ وَلَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ)13 .
أحبتي في الله ...
إننا إذا نظرنا إلى حال السلف فإننا نجدهم إنما انتصروا بربهم ، وإنما فازوا بمعرفة طريق الله ، وصلوا إلى الله ، وصلوا إلى مولاهم وبقينا ، وتنعموا بوصاله وشقينا ، فتجمعوا أهل القطيعة ، تجمعوا أهل القطيعة والجفا نبكي شهوراً قد مضت وسنينا ، أبكي على ظلمة قلبك ينير ، أبكي على ظلمة قلبك ينير.
نزف البكاء دموع عينك فاستعر ……عينا ً لغيرك دمعها مدرار
من ذا يعيرك عينه تبكى بها…… أرأيت عينًا للدموع تُعار؟(2/49)
إننا نحتاج والله أن نستعير أعيننا ً تبكى لأن عيوننا جمدت ، بحق نريد أن نقول : لماذا هذا الجفاف يا عين ؟ لماذا هذا الجفاف يا عين ؟ لماذا جفت عيوننا ؟ لم جفت ؟ كان أحد الناس يجلس في مجلس للوعظ فكان يبكى أشد من القوم ، فقيل للشيخ : "أنهاه عن البكاء فإنه يفسد علينا المجلس" ، فقال: " أبداً بئس واعظ القوم أنا أن أنهاه عن البكاء إنما يبكى على تفريطه وحجبنا عن البكاء الغفلة". نعم ما منا إلا مُفَرط ، هو يبكى على تفريطه وحجبنا عن البكاء الغفلة . علام نبكى؟
انظر إلى سفيان الثوري يقول عبد الرحمن بن مهدي واصفا ً إياه كنت أرمقه الليلة بعد الليلة، فما كان ينام إلا أول الليل ثم ينتفض فزعا ً مرعوبا ً ينادى: " النار النار". يارب قنا النار يارب نجنا من النار. سفيان يقوم في جوف الليل سفيان الثوري، وما أدراك ما سفيان الثوري ، يقوم في جوف الليل فينادى : "النار النار ، ذكر النار شغلني عن النوم والشهوات" ، ثم يتوضأ ويقول على اثر وضوئه : "اللهم إنك عالم بحاجتي غير مُعلَم وما أطلب إلا فكاك رقبتي من النار ، إلهي إنك عالم بحاجتي غير معلم وما أطلب إلا فكاك رقبتي من النار ، إلهي إن الجزع قد أرقّني وذلك من نعمك السابغة عليّ ، إلهي لو كان لي عذر في التخلي ما أقمت مع الناس طرفة عين" ، ثم يزداد في البكاء حتى لا تعرف قراءته من بكائه .
قال الحسن : "يا حُسن عين بكت من خشية الله .. يا حُسن عين بكت من خشية الله ".
عمر بن المنكدر كان يقوم الليل فلا يزال يبكى فانصدع قلب أمه فشكت ذلك وساقت عليه أخوه ورجل فقالوا له" إن الذي تصنع يشق على أمك، قال كيف أصنع إني إذا دخل الليل عليّ هالني فاستفتح بالقرآن وما تنقضي همتي ،،، قيل فلم البكاء !! لا تبكى، لا تبكى. فقال آية من كتاب الله أبكتني، آية من كتاب الله أبكتني، قيل وما هي؟ قال : ? وَبَدَا لَهُم مِّنَ اللَّهِ مَا لَمْ يَكُونُوا يَحْتَسِبُونَ ?14"(2/50)
آه والله ماذا سيبدو لنا من ربنا، هذه النار تبكيك فإن لم تبكك النار فانظر ماذا سيبدو لك من ربك، ابكي على ما سيبدو لك من ربك، تلقاه يقول لك تعال، تعال يا زاني، تعالى يا سارق، تعال يا كذاب، تعال يا فتان، تعال يا نمام، تعال يا نَومان، تعال يا أكال، تعال، تعال يا غافل، لم غفلت عنى؟ تقول يارب صليت، يقول لك كيف صليت!! جسدك بين يدي وقلبك في البيت، كذاب، خذوه، فيبتدرك سبعون ألف ملك إلى النار، نعم ألا تبكى ! تبكى على ما أنت فيه؟
? وَبَدَا لَهُم مِّنَ اللَّهِ مَا لَمْ يَكُونُوا يَحْتَسِبُونَ ?15 , عتبة الغلام كان يبكى من السحر بكاء شديدا ً، فيقال" لم تبكى؟ يقول ذكرت العرض على الله" ذكرت العرض على الله، تمثل نفسك وأنت تقف بين يدي الله فريدا ً وحيداً ضعيفا ً عاريا ً مسكينا ً يقول لك عبدي لم جعلتني أهون الناظرين إليك؟ عبدي لم عصيتني؟ عبدي ألم تكن تعلم أنى أراك؟ عبدي لم استهنت بعظمتي وقوتي؟ غُشي على عتبة يوما ً ثم أفاق فقال " قطع ذكر يوم العرض على الله أوصال المحبين" .كان يقول "مولاي أتراك تعذب محبيك وأنت الحيي الكريم". مولانا أتراك تعذبنا وأنت الحيي الكريم، يا حيي يا كريم لا تشوى خلقنا بالنار. نعم وقال إنما أبكى على تقصيري.
مسعر بن قدام بكى، فبكت أمه، فقال لها ما يبكيك يا أماه؟ قالت: رأيتك تبكي فبكيت، فقال: "يا أماه لمثل ما نهجم عليه غداً فلنُطِل البكاء، لمثل ما نهجم عليه غداً فلنُطِل البكاء، لمثل ما نهجم عليه غداً فلنُطِل البكاء"، ما بين سكرات الموت والتبشير بالجنة أو النار ونزول القبر وظلمته وضمته وسؤال الملكين وأبواب الجنة والنار، بين يديك أهوال، أهوالٌ وأهوال، لمثل ما نهجم عليه غداً يحق لنا أن نبكى.
بكى وراد في مجلس وعظ بن ذر فقيل له: لم تبكى والناس لا يبكون؟ فقال والله إن هذا إلا من صفاء قلبه وتراكم الذنوب على قلوبنا ، قال أبو ذر "مولاي عبدك، عبدك يحب اجتناب سخطك فاعنه على ذلك".(2/51)
اللهم هؤلاء عبادك يحبون اجتناب ما يسخطك فأعنا على ذلك. اللهم يا منان عبدك يحب الاتصال بطاعتك فاعنه على ذلك بتوفيقك يا كريم، مولاي عبدك عظيم الرجاء عندك عظيم الرجاء لخيرك فلا تقطع رجاءه يا رحمن.
لما عوتب عطاء السليمي في كثرة البكاء فقال : " إني ذكرت أهل النار وما ينزل بهم من عذاب الله وعقابه ، فمثلت نفسي بينهم " ، مثل نفسك هناك، بين أهل النار، مثل نفسك هناك بين أهل النار، لهم من جهنم مهاد ومن فوقهم غواش، سرير من نار ولحاف من نار، وإن يستغيثوا يغاثوا بماء كالمهل، ماء من نار، إن يستطعموا يطعموا بالزقوم كالمهل يغلى في البطون، يطعموا نار، طعامهم نار وشرابهم نار وأسرتهم نار ولحُفهم نار، يمشون في نار ويأكلون نار ويشربون النار ويعيشون في النار ولا يخرجون من النار، يتمنون الموت فلا يموتوا. يقول :" مثلت نفسي، كيف تغل يدها إلى عنقها وتسحب في النار!! ألا تصيح فتبكى؟؟ كيف لنفس تعذب!! ألا تبكى؟؟ ويحك ما أقل غناء البكاء عن أهله إن لم يرحمهم الله".
يارب برحمتك نستغيث فلا تكلنا إلى نفسنا طرفة عين ولا أقل من ذلك ولا أكثر . كان يقول :"الموت في عنقي والقبر بيتي وفى القيامة موقفي وعلى جسر جهنم طريقي وربى لا أدرى ما يصنع بي، ألا أبكى؟ ألا أبكى ؟"
كان يقول عطاء السليمي "والله إني أشتهي أن أبكي حتى لا أقدر أن أبكي، أشتهي أن أبكي حتى لا أقدر أن أبكي"
نحن نهمله ونلعب ليلنا ليل البطالين ونهارنا نهار أهل الدنيا، وملك الموت في طلبنا لا يكف عنا، نوشك أن نموت.
بات جماعة من السلف على الساحل فضج أحدهم في البكاء فبكوا جميعا ً، فلما سألوه ما يبكيك قال" نظرت إلى أمواج البحر تجول وتموج فذكرت أطباق النيران وزفراتها فذلك الذي أبكاني".
أما الحسن البصري لما قيل له ما يبكيك قال" أخاف أن يطرحني في النار ولا يبالى. أخشى أن يكون قد أطلع على بعض ذنوبي فقال اذهب فلا غفرت لك "(2/52)
ضيغم بن مالك كان يرفع رأسه إلى السماء ويقول: " قرة عيني، إلهي، كيف عزفت قلوب الخليقة عنك؟ ". كان ربما أصابته الفترة، فدخل فاغتسل ،ثم دخل بيتا فأغلق بابه وقال" إلهي إليك جئت عساك ترحمني".
نود أن نصنع ذلك والله أن نتقرب ونقول إلهنا إليك جئنا فارحمنا، عساك ترحمنا ؟ عساك ألا تطردنا.
كانت أم ضيغم تقول له : "يا ضيغم، تحب الموت؟ فيقول : لا والله يا أماه، فتقول لم يا بني؟ يقول : لكثرة تفريطي وغفلتي عن نفسي" فتبكى أمه ويبكى هو. لما سئل عن البكاء قال : "لو يعلم الخلائق ما يستقبلون غداً ما لذُّوا بعيش أبدا " لو تعلمون ما أنتم هاجمون عليه، ما أنتم مقبلون له، ما لذ لكم عيش أبدا ً.
ذكر الموقف وشدة الأمر، كل امرؤ يومئذ تهمه نفسه، لا يجزى والد عن ولده ولا مولود هو جاز عن والده شيئا، وعى المتهجدون قول مولاهم : ( أَفَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى أَن يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا بَيَاتاً وَهُمْ نَآئِمُونَ )16 , أمنتم أن يأتيكم بأس الله ليلا ً وأنتم نائمون!!
كان فضالة بن صيفي كثير البكاء، فدخل عليه رجل وهو يبكي فقال لزوجته" ما شأنه؟ لم يبكى؟ فقالت: زعم أنه يريد سفراً بعيداً ولا زاد له " , لمثل هذا فلنبكى , نعم .. إن سفرنا بعيد، سفرنا طويل، سفرنا كبير، وأين الزاد؟
( وَتَزَوَّدُواْ فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى )17 , نريد الزاد في رمضان , اللهم زودنا التقوى يا رحمن.
قال صهيب رضي الله عنه "إن صهيباً ذكر الجنة طال شوقه لها، وإذا ذكر النار طار نومه خوفاً منها".
عوتب بعضهم على كثرة بكائه وقيل له : لو كانت النار خلقت لك ما زدت على هذا ؟! فقال : وهل خلقت النار إلا لأمثالي وإخواني من الإنس والجن. قال تعالى :(2/53)
( سَنَفْرُغُ لَكُمْ أَيُّهَا الثَّقَلَانِ * فَبِأَيِّ آلَاء رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ * يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنسِ إِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَن تَنفُذُوا مِنْ أَقْطَارِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ فَانفُذُوا لَا تَنفُذُونَ إِلَّا بِسُلْطَانٍ * فَبِأَيِّ آلَاء رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ * يُرْسَلُ عَلَيْكُمَا شُوَاظٌ مِّن نَّارٍ وَنُحَاسٌ فَلَا تَنتَصِرَانِ * فَبِأَيِّ آلَاء رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ * فَإِذَا انشَقَّتِ السَّمَاء فَكَانَتْ وَرْدَةً كَالدِّهَانِ * فَبِأَيِّ آلَاء رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ * فَيَوْمَئِذٍ لَّا يُسْأَلُ عَن ذَنبِهِ إِنسٌ وَلَا جَانٌّ * فَبِأَيِّ آلَاء رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ * يُعْرَفُ الْمُجْرِمُونَ بِسِيمَاهُمْ فَيُؤْخَذُ بِالنَّوَاصِي وَالْأَقْدَامِ * فَبِأَيِّ آلَاء رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ * هَذِهِ جَهَنَّمُ الَّتِي يُكَذِّبُ بِهَا الْمُجْرِمُونَ * يَطُوفُونَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ حَمِيمٍ آنٍ )18. يارب نجنا من النار وقنا عذاب النار وارحمنا بترك النار.
كان فتح الموصلي يبكى الدموع، ثم يبكى الدم، فقيل له : "على ماذا بكيت الدم؟ قال: خوفا على الدموع ألا تكون صحت لي، خوفا من أن أكون بكيت لغير الله، خوفا على الدموع ألا تكون صحت لي".
كان بعضهم يبكى في جوف الليل ويقول : " إلهي وسيدي ومولاي ما الذي أسقطني من عينك أخشى أن تكون قد قلت اذهب هذا فراق بيني وبينك " , أخشى والله ذلك , نخشى أن نكون قد طردنا وقيل لنا هذا فراق بيني وبينك .
و الحمد لله رب العالمين
محاضرة كيف تجعل من رمضان نقطة انطلاقة للتغيير وإلى الأبد؟
للشيخ الدكتور/ صلاح بن صالح الراشد
أخي المستمع / أختي المستمعة ...
السلام عليكم و رحمة الله و بركاته ...
شهر رمضان شهر كريم ...
شهر رمضان شهر عظيم ...
شهر تفتح فيه أبواب الجنان و تغلق فيه أبواب النيران ...
شهر الخيرات و البركات ...(2/54)
شهر الأجر و الثواب و العباد ...
شهر نزل فيه القرآن بينات من الهدى و الفرقان ...
شهد تُصفّد فيه الشياطين و يعز الله فيه الصالحين ...
شهر يتخير الله فيه عبادًا له فيعتقهم من النار إلى الأبد ...
شهر أوله رحمة و أوسطه مغفرة و آخره عتق من النار ...
شهر محفوف بالرحمة موصوم بالمغفرة معروف بالنصرة مبروك بالنعمة ...
) شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِيَ أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَان (19
أخي المستمع / أختي المستمعة ...
في هذا الشريط سوف نعرض بإذن الله برنامجًا عمليًا لجعل رمضان فرصة للانطلاق و التغيير إلى الأبد , سوف استعرض أولا ميزات وصفات تؤهل شهر رمضان لأن يكون بداية في تغيير حقيقي في حياتك , ثم أتحدث عن التغيير و أهم العوامل فيه , ثم أذكر طرقًا عملية في بلوغ التغيير إن شاء الله .
دعنا أولاً نتعرف على ميزات و صفات في هذا الشهر تؤهله لأن يكون شهر تغيي:-
1) الميزة الأولى لشهر رمضان في التغيير هي البرمجة النفسية :
يرى علماء النفس المحدثون , أن أي تغيير يجب أن يكرر من 6 إلى 21 مرة , يعني حتى تحدث تغييرا حقيقيًا في حياتك فلابد أن تكرر نجاحاته 6 إلى 21 مرة .(2/55)
لنقل أن شخصًا يعاني من الخجل ويود هذا الشخص أن يتغلب على الخجل و يتجرأ في المقابلة و المواجهة مع الآخرين , حتى يسير هذا الشخص على بينة فعليه أولاً أن يتعلم الاسترخاء ثم يتخيل نفسه مرات و مرات و هو يتصرف بجراءة و طلاقة ثم يطبق هذا الخيال عمليًا مرارًا , و عندما يتعلم الاسترخاء فلابد أن يسترخي مرارًا حتى يتقن الاسترخاء , ثم إذا هو أتقن الاسترخاء فيمكنه أن يتخيل نفسه يقتحم المواجهة و المقابلة مع الآخرين ويعبر عن نفسه ويطلب حقوقه , يتخيل ذلك من 6 إلى 21 مرة و ينبغي أن يرى النجاح في كل مرة فإذا لم ينجح في المواجهة و المقابلة في خياله فعليه أن يكرر الاسترخاء مع التخيل إلى أن ينجح في خياله أولاً , إلى أن يصبح عنده النجاح في الخيال أمر عادي , هنا وفقط هنا يكون عقله تبرمج على رؤية نفسه جريئًا ومقدامًا .
الآن يمكنه أن يبدأ في مواقف صغيرة يتجرأ فيها ثم يكرر نجاحه هذا وفي محاولات أكبر إلى أن يتكرر عنده النجاح تبعًا سيكون تبرمج على النجاح . في مثالنا هذا النجاح في التغلب على الخجل لو لم ينجح مرة في محاولاته و أصابه الخجل ما في مشكلة (لا يوجد مشكلة ) يبدأ من جديد ويتبرمج على النجاح . إذا حقق النجاح باستمرار 6 إلى 21 مرة يكون فعلاً قد قضى على المشكلة .(2/56)
شهر رمضان 29 إلى 30 يومًا , هذا يعني استمرار النجاح في هذه العبادة العظيمة 30 يومًا .. 30 مرة .. تمسك من الصباح وإلى المغرب فلا تشرب ولا تأكل ولا تجامع ولا تسب ولا تفسق هذه برمجة أكيدة , ولهذا فإنك لا تجد مسلمًا صام رمضان وبعد شهر واحد فقط من حياته إلا وقد تأثر في العبادة إلى الأبد فهذه صفة عظيمة في شهر رمضان , صيام شهر واحد بأكمله من رمضان أفضل نفسيًا وبرمجيًا من صيام متقطع غير مؤقت 60 يومًا أو حتى 600 يوم , هذا لا يقلل من شأن الصيام المتقطع , فصيام أي يوم له فوائد كثيرة , لكن نحن نتحدث عن فضائله في البرمجة النفسية , الاستمرارية لها بالغ الأثر في البرمجة و لهذا السبب تجد إن الإسلام نهى عن الإفطار طيلة أيام رمضان لمن ليس له عذر وأن الشخص الذي أفطر لا يعوض ذلك اليوم ولو صام الدهر كله .
2) الميزة الثانية في شهر رمضان اتخاذ القرار :
من ميزات هذا الشهر الفضيل تعليمه للمسلم اتخاذ القرار , مشكلة المشكلات عند الناس عدم اتخاذ القرارات , مشكلة المشكلات عدم اتخاذ القرارات . الإنسان القوي إنسان صاحب قرار , الإنسان الضعيف متردد , التردد لا ينشأ نفوسًا ضعيفة فحسب بل يأتي بأمراض سيكلوجية و سيكسوماتية أي أمراض نفسية وجسمانية . التردد يبدأ بسيطاً في اتخاذ قرارات صغيرة ثم يكبر مع البرمجة والعادة وأغلب أمور حياتنا تعتمد على قرارات بسيطة و صغيرة , فكل ثانية تمر في حياتنا فيها مجموعة قرارات , حركات يدك ورجلك ودقات قلبك وهضم معدتك ودوران دورتك الدموية ودفاع خلاياك الجسمانية وغير ذلك , كل ذلك قرارات يتخذها العقل بوعي أو بغير وعي في الدقيقة بل والثانية الواحدة بل وجزء من الثانية , تصور تردد في مثل هذه القرارات , إن ذلك يعني مشاكل كثيرة صحية ونفسية .(2/57)
فمن المشاكل الصحية عدم انتظام دقات القلب وبالتالي أمراض قلبية وهضمية ودموية , ذلك أن القلب يعيد ضخ الدم إلى الجسم كله وقد يتسبب التردد في تردد الخلايا الدفاعية عن القيام بمهمتها على وجهًا الصحيح فتتردد في مواجهة الالتهابات والسرطانات وفيروسات وفي ذلك خطر عظيم .على أية حال أنا أريد أن أقتصر في هذه العجالة على الأثر النفسي فقط للحصول على دقة في التغيير وإلا فيمكن لأخي المستمع وأختي المستمعة أن يقرءوا في فضائل رمضان الصحية .
إذن رمضان بسبب أنه يعوّد الإنسان المحافظة على نيته في الصيام فإنه يعوّد اتخاذا القرار , و اتخاذ القرار قوة وإرادة , فالإنسان كلما جدد نيته بالصيام وأسرع في اتخاذ القرار بذلك , ثم بالإمساك وقت الإمساك , وبالفطور وقت الفطور كلما عوّد نفسه اتخاذ القرار بسرعة و باستمرارية حتى يتبرمج على اتخاذ القرار .
3) الميزة الثالثة هي الإنجاز :
هذا الشهر الكريم يعوّد الإنسان الإنجاز , رأيت في مركز الراشد للاستشارات الاجتماعية والنفسية مئات الناس في مختلف المعاناة الأسرية والاجتماعية والنفسية والعقلية , وعادة ما يأتيني قد أيس من العلاج التقليدي ولف على مجموعة من الأطباء وجملة من المشايخ وربما بعض المشعوذين والدجالين . وفي كل مرة يأتيني شخص من هؤلاء تتأكد عندي المعلومة أكثر وهي بحث الناس عن عصا موسى أو عن خاتم سليمان . أغلب الناس يريد أن يفتح عين ويغمض عين فإذا هو في النعيم , لذا فهو يذهب إلى شيخ يقرأ عليه لعله يزيل منه الحسد أو العين أو السحر أو الجان إلى آخره , أو يذهب إلى طبيب يوصف له روشته سحرية لدواء خارق يحل مشكلته في ساعات أو أيام , أو يذهب إلى الحوّاج أو مختص في الأعشاب ليوصف له العشب السحري الذي يخرجه من الجحيم ويدخله في النعيم أو يذهب إلى مشعوذ أو ساحر أو كاهن أو عرّاف ليفتح عليه ويفك عنه الأذى .. هيهات .. هيهات ...
ما هكذا تُحَل الأمور !! ...(2/58)
ما هكذا يحصل التغيير أو تأتي الحلول أو يحل التغيير أو يتغير الحال !!
قد تحصل على حلول سريعة لكنها أكيد ركيكة ولن تدوم .
التغيير يبدأ من الداخل ليس عند مشعوذ ولا عند الكاهن ولا عند المعالج ولا عند الطبيب ولا عند الشيخ ولا عند الحوّاج .. التغيير أولاً وقبل كل شيء من عند الله والله وضعه في داخل الإنسان قال تعالى : ( إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ )20 .
الإنجاز تكون بدايته الصحيحة في النفس , هناك أناس حققوا الملايين وبنوا القصور وأثاروا الأرض لكنهم في أنفسهم ضعفاء تعساء , ماتوا فماتت دعواهم . رمضان يعلم الإنسان الإنجاز في فترة 30 يومًا مكثفة تصوم نهارك وتقوم ليلك فتشعر في نهاية شهرك أنك حققت ربحًا كبيرًا وأنجزت عملاً عظيمًا , والناس طبيعتها تبدأ متحمسة فتخف الحماسة مع الأيام , أما رمضان فيعلم الإنسان كيف ينجز إذ هي بداية قوية وبإرادة فتصبح أقوى بعد أيام , فإذا طالت المدة تقوت أكثر على غير عادة الكسالى والخائبين فدخل في العشر الأواخر فزادت العبادات وتنشط الكسالى وأطال المسلم ليله في التعبد ونهاره في التلاوة والذكر خاصة إذا كان معتكفًا , فإن لم يكن ففي العمل والذكر والتلاوة , فإذا قربت النهاية زيد من عمله فدخل في الليالي الأكثر بركة , وحتى آخر يوم من الشهر لا عجلة ولا ندم حتى تتم الأعمال كاملة ، وفي الحديث كما عند البخاري ومسلم " ويغفر الله لهم في آخر ليلة ، قيل : يا رسول الله أهي ليلة القدر ، قال : لا ولكن العامل إنما يوفى أجره إذا قضى عمله " . وهكذا يكون الإنجاز الصحيح ، ابدأ عملاً ثم كثّف أكثر ثم إذا قربت من الإنجاز فشد أكثر حتى تتم العمل كله بإتقان وتمام .
4) ميزة رابعة أخرى في شهر رمضان وهي الخروج عن المألوف :(2/59)
الإنسان معتاد أن يقوم في وقت وينام في وقت ويذهب إلى العمل أو الدراسة ويعود ويأكل ويشرب ويتسوق إلى غير ذلك من أمور الدنيا في وقت معين ومحدد , في الغالب , عندما يأتي عليه شهر رمضان المبارك تتغير عليه الأمور ويخرج عن المألوف والروتين المستمر وتتجدد عليه الحياة , ويكاد يجمع العارفون و الباحثون في موضوع الإبداع على إن الإبداع خروج عن المألوف , وما أحوج الإنسان في كل زمان وبالذات في هذا الزمان إلى الإبداع والتجديد , كما أن كسر الروتين والخروج عن المألوف أحد الأعمال الضرورية للتغلب على القلق وضغوط الحياة . التجديد والتغيير لابد أن يكون في جدولك اليومي والأسبوعي والشهري والسنوي . أذكر مرة في حياتي مررت بقلق وضغوط شديدة جدًا وأصابني هم لم أعهده من قبل ولا من بعد , فرأيت في المنام الشيخ الفاضل محمد الغزالي رحمه الله - وكان ذلك قبل وفاته - فقال لي : ] جدد حياتك[ فعلمت أن له كتابًا بهذا العنوان فقرأته فكان له بالغ الأثر على نفسي . وأخذت بنصيحته فغيرت دون مبالغة أكثر من 80% من حياتي الاعتيادية إن لم يكن أكثر , وألفت بعدها مجموعة من المؤلفات التي أعتبر أنها تغير جيل بأكمله عن التغيير النفسي والسعادة والطمأنينة والشجاعة والتفاؤل وغير ذلك أنصحك بالحصول عليها ... التغيير و التجديد سمة من سمات هذا الشهر بل ومن سمات هذا الدين العظيم , رمضان فما أن ينتهي حتى يأتي العيد فما يلبث يمضي حتى يأتي الحج بشهوره الحُرم فبعده العيد وهكذا كل عام , حتى لا تمل النفوس وحتى تتجدد فتنطلق من جديد .
5) ميزة أخيرة هي خامسة أود أن أذكرها من ضمن موضوعنا وهي تنظيم الوقت:(2/60)
من ميزات هذا الشهر الفضيل تنظيمه للأوقات , في ساعة معينة ومحددة الإمساك وفي ساعة معينة ومحددة الإفطار دقة التزام تنظيم . أغلب الناس لا يولي أهمية للوقت والتنظيم هو بالتالي لا يولي أهمية لحياته لأن الوقت هو الحياة , فالحياة عبارة عن وقت يمضي فتمضي , وقد يحاول أناس - لأن ذلك من عادة التكاسل وقلة الدقة و الإنجاز - أن يُخِلّوا في الوقت فيمسكوا قبل ساعة الإمساك كما تراها في التلفاز والجرائد حيث يضعون 10 دقائق قبل وقت الإمساك , وهذا خلل في هذه الميزة الدقيقة بل أن النبي صلى الله عليه وسلم كما في صحيح مسلم ومسند أحمد والسنن الثلاثة نبه فقال : " لا يغرنكم في سحوركم أذان بلال ولا بياض الأفق المستطيل حتى يستطير "21 . وكان بلال يؤذن قبل أبن مكتوم رضي الله عنهما . والإفطار ساعة الإفطار لا تأخير ولا دقيقة واحدة , وقد نبه على ذلك أيضًا فقال - صلى الله عليه وسلم - كما في صحيح الجامع الصغير وهو عند أحمد : " لا تزال أمتي بخير ما عجّلوا الإفطار "22 , وفي رواية أيضا في صحيح الجامع : " لا تزال أمتي على الفطرة ما لم يؤخروا المغرب إلى استباق النجوم "23 .
ففي شهر رمضان دقة والتزام و تنظيم للأوقات وترى الأمة بكاملها تجلس على مائدة الإفطار تنتظر الإعلان بالفطور , والأمة بكاملها تمتنع عن الطعام والشراب والجماع ساعة الإمساك , وترى الأمة صافّة في الصلاة والقيام والتراويح وشيء عجيب لو كان لك أن تنظر إليه من أعلى أو تشاهده من بعيد , أمة في غاية النظام و الدقة و الترتيب.(2/61)
نحن نريد أن نكتفي بهذا القدر من ذكر ميزات شهر رمضان في التغيير لندخل في التغيير ومن ثم طرق عملية للتغيير . ونكتفي حيث إن نظام الأخوان في تسجيلات التقوى - بارك الله فيهم - أرادوا هذه المادة مختصرة في شريط واحد حتى ينشروه بكمية أكبر وبوقت أسرع فلنبدأ . لكن فقط أريد أن أنبه قبل الدخول في الجزء الثاني من هذه المادة إلى أن هناك من قد يخل في هذه الميزات فيكون هو السبب لا الشهر نفسه , فقد يفطر شخص في رمضان فيقطع ميزة البرمجة ولا يحصل له المطلوب , وقد يستمر الشخص في نفس نظامه اليومي فينام في نفس الساعة ويقوم في نفس الساعة فلا يتسحّر ولا يتغير عليه شيء سوى أنه لا يأكل ولا يشرب ولا يجامع ولا تحصل الفائدة الكبيرة من ميزة التجديد والخروج عن المألوف , قد لا يلتزم الإنسان بالتنظيم الوقتي فيمسك مبكرًا ويفطر متأخرًا ويدرك التراويح في منتصفها , ومثل ذلك فيخل في ميزة تنظيم الوقت وهكذا . ومن هنا نقول إن العمل بالسنة كما جاء بها النبي صلى الله عليه وسلم صافية نقية هو فقط الذي تجني من خلاله ثمرات العمل المطلوب .
### فاصل ###
دعنا نتحدث عن التغيير ثم نجمع بين رمضان والتغيير . هذه النقاط سوف استخلصها من برنامجي (التغيير الفعّال) الذي سيرى النور في الأسواق قريبًا إن شاء الله .
مادة التغيير مادة غزيرة ومهمة وسوف أقتصر هنا على ما نربط به موضوعنا فقط.
التغيير أخي الكريم / أختي الكريمة موضوع حيوي من منا لا يريد أن يغير وضعه النفسي أو المادي أو الاجتماعي أو العملي أو العلمي أو السياسي أو الأسري أو غير ذلك , كلنا يريد تغيير مجال حياته إلى الأفضل طبعًا . قد تكون راضى عن وضعك المادي ولكن غير راضي عن وضعك الأسري أو العكس قد تكون راضى عن وضعك العلمي ولكن غير راضى عن وضعك العملي وهكذا ....
كثيرون يسألون : هل أستطيع أن أتغير بنفسي ؟(2/62)
والجواب يعتمد ما الذي تقصده بنفسك ؟ هل تقصد دون التعلم بتاتًا من الآخرين وتجاربهم ؟؟
إذا كان هذا المقصود فالجواب لا , لا يمكن , لا بد من التلقي من الآخرين , أما إذا كان المقصود التغيير من تلقاء نفسي دون اللجوء إلى مختصين في النفس البشرية , فالجواب : نعم إذا عرفت الطريق , الشرط الأخير (إذا عرفت الطريق) فالجواب مهم جدًا لأن هناك أناسًا يحاولون ويجتهدون لكن اجتهادهم خطأ فلا يصلون لما يريدون , كمثل الشخص الذي يريد أن يسافر من الكويت إلى الدمّام , وقد قرر أن يفعل ذلك بنفسه ثم هو لا يسأل ولا يتبع خارطة , فإذا به يصل إلى حفر الباطن فيجتهد أكثر فيضيع أكثر وتصبح المسافة أبعد وهكذا .
الذي يريد أن يتغير ويعرف كيف يتغير ويجتهد في الحصول على التغيير هو فقط الذي يصل لما يريد , ها هنا إذن ثلاثة شروط :
* الرغبة .
* المعرفة .
* التطبيق .
* الشرط الأول الرغبة الحقيقية في التغيير :
أن هناك كثيرين يقولون أنهم يريدون أن يتغيروا ولكن في قرارة أو أعماق أنفسهم هم لا يريدون ذلك وهذا المعنى عميق قد فصّلت فيه في برنامج السعادة في ثلاثة شهور فأحصل عليه نفعك الله .…
* والشرط الثاني معرفة كيفية التغيير :(2/63)
شخص يعاني من وساوس في الوضوء أو الذكر أو الصلاة مثلاً , يذهب إلى إمام المسجد فينصحه بالتكثيف من الذكر أو التعوذ من الشيطان باستمرار لأن ذلك من عمل الشيطان فتزيد الوساوس ولا تنقص . شخص يعاني من نوبات ذ ُعر نسميها في علم النفس (أنك أتاك) وهي شعور بهجمة من المخاوف وكأنه يوشك أن يموت أو يغمى عليه أو يجن , وتتكرر عليه , يذهب إلى شيخ يقرأ عليه آيات من القرآن الكريم قد لا يتحسن بل قد تزيد حالته بعد شهور وسنوات ثم تكون عليه ردة فعل عكسية وسلبية تجاه القرآن بأكمله لما يرى من مناظر المرضى والناس عند القارئ ثم يخاف أو قد يكره القرآن الكريم جملة وتفصيلا . ثم هو ينتقل من شيخ إلى آخر وشيخ يقول له مَس وآخر حسد ورابع مارد وخامس نفس قديمة وسادس جني أطرب ومآسي , وهذا أمر رأيت منه العشرات بل وربما المئات . هذا الشخص طبق ولكن طبق خطأ , وبدل من أن يصل إلى الدمام في أربع ساعات من مدينة الكويت وصل حفر الباطن في ست ساعات , ثم اجتهد أكثر وسأل شخصًا أسيويًا لا يتكلم اللغة جيدًا ولا يعرف الطرق بدقة فدله فوصل المجمعة في ست ساعات أخرى , فاجتهد أكثر فوصل الرياض في عشر ساعات أخرى , ثم هو الآن يريد أن يسأل شخصًا عارفًا بالطريق وعزم على ترك الاجتهادات الخاطئة , فإذا هو في مسافة أبعد له مما كان عليه من مدينة الكويت إلى الدمام , إن التطبيق ينبغي أن يكون مبنيًا على معلومة صحيحة . …
* الشرط الثالث التطبيق :
هناك أناس يريدون أن يتغيروا وهم يعرفون كيف يتغيرون ولكنهم لا يطبقون فهم لا يتغيرون , التطبيق فقط هو الذي يأتي بالنتائج . هناك أناس يحسنون الكلام لكنهم لا يحسنون التطبيق , والتطبيق والتطبيق بإصرار وعزيمة بعد معرفة الطريق الصحيح هو الذي يأتي بالنتائج المرجوة .
أود أن أضيف شرطين ضرورين :
* الشرط الرابع أن التغيير لا يأتي من الخارج :(2/64)
التغيير يأتي من الداخل , من يرجو التغيير من فرد أو شخص قد تعلق في الهواء ... الله عز وجل يقول : ( إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ )24 هذه قاعدتنا الرئيسية إن تغيير أي أمر لابد أن يكون من داخل نفسك , أولاً غيره في داخلك . إن الذين يترددون على الأطباء والمشايخ والنفسانيين وربما المشعوذين والدجالين دونما أي تغيير في حياتهم يعني أنهم بحاجة إلى التغيير من الداخل أولاً . قد يطلب الإنسان استشارة لكي يحدد طريقه في التغيير ويعرف , ولكن لو استمر يطلب الاستشارة أو المساعدة ولا يطبق أو يطبق فلا نتائج فأنه قد يكون يطلب التغيير في الخارج دون أن يحدث تغييرا في داخل نفسه , هذا الموضوع مرة أخرى تناولته في برنامج التغيير الفعّال . وسوف أطرح عليك ما يهمنا في هذا البرنامج هنا إن شاء الله .
### من فضلك أقلب الشريط ###
* الشرط الخامس العزيمة :
أغلب الناس كما قلنا يريد عصا موسى أو خاتم سليمان , أود أن أخبر هؤلاء أن العصا والخاتم مفقودان منذ زمن وليس عندنا طريق إليهما , المقصود أن أغلب الناس يريد أن يتغير في لحظة . أتعرف السبب الحقيقي في عدم طلب الاستشارة والمساعدة النفسية والأسرية عند أكثر الناس السبب أنهم لا يريدون كل هذه المشقة في التغيير جلسات أو استشارات متكررة وحضور وتطبيقات مشقة , هم يريدون شيخًا يقرأ مرة واحدة أو مرتين وينتهي الأمر أو عملاً باطلاً من ساحر أو دجال تنتهي معه المشكلة , وقد يحصل لهم ذلك ولكن سوف ترجع الأمور على الوضع المؤسف بعد فترة وربما ليست بالطويلة , السبب أن الوضع البيئي في نفسه وما حوله هو نفسه لم يتغير لذا فسوف يحصل على نفس النتائج . إذا أردت أن تتغير فعليًا فغير بالطريقة الصحيحة , إن كل ما تحتاجه العزيمة .(2/65)
أنا أردت أن أغير الغضب عندي فداومت سنة كاملة أو أكثر على التطبيقات , كل غضبة أكتبها في دفتر معي , كلما غضبت أخذت نفسًا عميقًا وأمهلت نفسي قبل الرد , سنة كاملة تصور , الذين يعرفونني اليوم لا يتخيلون أني كنت إنسانًا غضوبًا , هم لا يتخيلون أني أغضب بتاتًا تصور هالة الغضب . ثم اشتغلت على القلق قرابة ثلاث سنوات - تصور ثلاث سنوات - لكنها كانت الطريقة الصحيحة . أعرف صديقًا لي وقع في نفس المشاكل التي وقعت فيها و أصابه قلق في الوقت الذي أصابني , هو اليوم يطلب مني الاستشارة بعد ست سنوات وأنا والحمد لله لا أعاني من أي أمراض أو أعراض قلقية , استطعت بعون الله أن أزيلها تمامًا بعد أن كنت قد فقدت أسرتي وصحتي وعلاقاتي , السبب أني سلكت طريق العزيمة و التغيير البطيء لكن الأكيد , بينما صاحبي العزيز أراد التغيير السريع بالدواء تارة و بغيره تارة .
إذن للتلخيص هناك خمس شروط مسبقه للتغيير الحقيقي :
* الرغبة الأكيدة في التغيير .
* المعرفة بالطرق الصحيحة للتغيير المطلوب .
* التطبيق الصحيح .
* البدء من الداخل .
* الاستمرار و العزيمة حتى تحقق ما تريد .
دعنا الآن ندخل في الحديث عن كيف تجعل من رمضان نقطة انطلاق :
تحدثنا عن ميزات شهر رمضان كشهر معين جدًا لبدء التغيير وتحدثنا عن التغيير وشروطه . دعنا هنا نضع طرقاً عملية في جعل رمضان شهرًا عمليًا للتغيير . سوف استعرض ها هنا الطرق العملية , لذا فيستحسن منك أن تمسك قلمًا وورقة وتدون الطرق العملية ثم تبدأ فعليًا بالتطبيق وفورا :(2/66)
1. خطط لما تريد : الأمر الأول هو أن تخطط حدد ما الذي تريد أن تحققه من خلال هذا الشهر الفضيل , ضع أهداف واضحة , حدد بالضبط الذي تريده , هذه المسألة ضرورية جدًا , أغلب الناس في مجتمعاتنا العربية وفي العالم الثالث لا يتعلمون التخطيط , الطفل لا يخطط , المدرسة لا تخطط , الإدارة في العمل لا تخطط , لا تعجب إذا قلت لك أن أغلب المحلات التجارية لا تخطط وهذا من العجب في التجارة.
أسمع القاعدة تقول : إذا فشلت في التخطيط فقد خططت للفشل .
ما في خطة مكتوبة ... ما في نتائج ...
هناك أناس عندما تسألهم : هل تعرف ما تريد ؟
يقول : نعم .
تسأله : هل هذا الكلام مكتوب ؟
إذا قال لك لا ...
أنا أعتقد خذها مني قاعدة هو لا يعرف ما يريد , دوّن ما تريد . أصدق مع نفسك , أخبر نفسك من خلال الكتابة بما تريد , ثم ذكر نفسك بقراءة ذلك دوريًا .
إذن أول أمر تفعله هو أن تجلس مع نفسك جلسة تبدأها في الاسترخاء ومعيناته مثل الوضوء والصلاة ركعتين والمكان الهادئ وورقة وقلم , ثم أكتب الذي تود تحقيقه خلال هذا الشهر الفضيل . انتبه من كتابة ما تريد لا ما لا تريد , لا تكتب لا أريد أن تفوتني صلاة الفجر في الجماعة أو لا أريد أن أقلق أو التخلص من المشاكل الأسرية . بل قل أريد المحافظة على صلاة الفجر في جماعة , أريد الطمأنينة , أريد تحقيق حياة أسرية مستقرة نسبيًا وهكذا .
انتبه أيضا من إزحام نفسك , لا تزاحم نفسك بأهداف كثيرة , اجتهد في التركيز على أهداف معينة , إذن أبدأ أولاً بكتابة ما تريد تحقيقه .
2. أكد على رغبتك في التغيير : تذكر إن الرغبة هي أول شرط من شروط التغيير بعد أن تنتهي من جلسة التخطيط , قم بجلسة أخرى أو حدد وقت آخر وذلك لجلسة التأكيد فيها على الرغبة حتى تؤكد على الرغبة أجب على سؤال لماذا :
لماذا تريد أن تحقق هذا الهدف ؟(2/67)
أكتب لكل هدف من أهدافك سببًا أو أكثر . فلهدف صلاة الفجر في جماعة مثلاً , تكتب دوافع له : حتى أنال الأجر العظيم , حتى أقدم التضحية لله فيعينني ويبارك لي ويحببني , حتى أحصل على بركة توزيع الأرزاق في البكور وهكذا ...
في مثال أريد أن أكون مطمئنًا حتى أنجز أمورًا أكثر , حتى أسعد الآخرين لأن فاقد الشيء لا يعطيه , حتى أعيش يومي بسعادة , حتى أحقق نجاحات أكثر و هكذا .
قد يبدو لك أن بعض الأهداف ليست ذات أهمية بعد أن تحققت من دوافعها وأنك تريد أن تستغني عنها أو أن تعدلها أو أن تؤجلها , جيد أفعل ذلك المهم أن تستمر على ما أنت متأكد من رغبتك تجاهه .
3. ضع مقاييس لخطتك : بعد أن تؤكد على رغبتك وتذكر دوافعها , تأكد من وضع مقاييس لكل هدف , أجب على سؤال :
متى أعرف أنني حققت الهدف ؟
كل هدف من أهدافك أجب له على هذا السؤال متى أعرف أني حققت الهدف ؟, في مثال صلاة الفجر في جماعة سيكون القياس سهلاً لأنك تعرف ذلك , عندما تحضر صلاة الجماعة في المسجد نصف أو ثلثين الشهر مثلاً , طبعًا هذا يعتمد على وضعك الحالي , إذا كنت فعلاً ملتزمًا بصلاة الجماعة فلا داعي لوضع هذا الهدف أصلا , إذا كنت لا تصلي بتاتًا فتدرج , إذا كنت منتصف الطريق فكثف وهكذا .
متى تعرف أنك حققت الطمأنينة ؟ .. متى تناولت الأمور ببساطة , عندما أكون هادئًا في بيتي مع أولادي و أهلي , عندما آخذ جلسة استرخاء كل يومين أو كل أسبوع مرتين مثلاً وهكذا .
4. حفّظ عقلك الباطن ما تريد : العقل الباطن هو العقل المحرك لمعظم أمورك وتفكيرك بالتالي هو الذي يصيغ شخصيتك , العقل الباطن يعمل وفق أمرين :
- الأمور الجلية الواضحة .
- الروتين المتكرر .(2/68)
يعني ذلك أن الشخص الذي يدرك الذي يريده و بوضوح , عقله يسيره تجاه هدفه ويسهل له الأمور , لذلك قل تبدأ في وضع خطة لما تريد وأجعلها إيجابية أي ما تريد , لأن الشخص الذي يحقق هدفه "لا أريد أن أقلق" فهدفه غير واضح , ولذا فعقله الباطن تلقائيًا يقوده إلى القلق لأنه دائمًا يفكر فيه . الهدف الواضح مرة أخرى "أريد أن أكون مطمئنًا" فعقله يعرف ما يريده الآن . الشخص الذي ليس لديه أهداف واضحة ومحددة فإن عقله الباطن يعمل وفق قاعدة الروتين , يعني استمرار الوضع على ما هو عليه حتى يستجد جديد
لتقود عقلك الباطن لما تريد حتى يحقق لك ما تريد قم بقراءة خطتك المكتوبة كل يوم ويحبذ أن تكون في بداية يومك أو قبل نومك , على فكرة إذا لم تكن تعرف الكتابة فاستعن بآخرين يكتبوها لك أو أحفظها غيبًا أو على طريقة شعر أو رجز.
العمل المطلوب إذن قراءة الخطة يوميًا خلال شهر رمضان , واقترح كذلك لبرمجة عقلك الباطن أن تجلس جلسة برمجة تتخيل فيها أنك حققت أهدافك هدفًا هدفًا , شاهد نفسك في عقلك كأنك تنظر إلى شاشة تلفاز أفعل ذلك كل يوم خلال فترة الشهر .
5. طبْق كل يوم : علماء الإدارة و الاقتصاد يذكرون أن الناجحين بعد أن يرسموا أهدافهم واضحة يبدءون بتطبيق شيء يوميًا , كل يوم طبق ولو مسألة واحدة فقط تعينك للوصول إلى أهدافك , كل يوم أفعل شيء لليوم للوصول إلى هدفك حتى ولو كان بسيطًا .
أنصحك بكتابة ما تود تحقيقه للغد ليلاً قبل أن تخلد للنوم أو كتابة ما تود تحقيقه اليوم في بداية اليوم . أ َضع بعض الوقت القليل لتوفير الوقت الكثير , الشخص المرتب والمخطط يوفر وقتًا كثيرًا أفعل أنت ذلك . مما أنصحك به أن تعمل جدولاً يذكر عدد المرات التي تود أن تطبق فيها حتى تحقق هدفك أو تكون وصلت إلى برمجة مرضية فيما تريد .
في مثال صلاة الفجر في جماعة يمكنك أن تكتب قبل أن تنام :(2/69)
الاستيقاظ الساعة الرابعة مثلاً , النوم الساعة العاشرة , قراءة حديث عن فضل صلاة الفجر أو صلاة الجماعة , أخذ قيلولة في النهار بين الظهر و العصر .
في مثال الطمأنينة تكتب مثلاً :
جلسة استرخاء بعد صلاة العصر , عمل تمرين قانون الجذب على فكرة في برنامج السعادة , أو عمل تمرين غيره , قراءة عشرين صفحة من كتاب كن مطمئنًا أو غيره إن شئت , أخذ نفس عميق في كل خبر سلبي تسمعه اليوم مع التفكير بطريقة إيجابية تفاؤلية وهكذا.
هذا كله مرة لليوم أو للغد , أختصر وزد وفقاً لإمكاناتك وما يسمح بهِ وقتك المهم أن تلتزم بتطبيق ولو شيء واحد نحو الهدف هذا فقط , حتى يتبرمج عقلك الباطن على الهدف أو الأهداف المرصودة .
6. استعن بالدعاء : من فضائل شهر رمضان كما أسلفنا أنه شهر رحمة مغفرة وفيه تكثر ساعات الاستجابة , كما أن الصائم له ميزة رائعة هو أنه يكون مجاب الدعوة , ففي الحديث الصحيح كما في صحيح الجامع الصغير قوله صلى الله عليه وسلم : "ثلاث دعوات لا ترد دعوة الوالد لولده , ودعوة الصائم , ودعوة المسافر"25 , ورغم أن كل دعاء مستجاب كما في الحديث إلا إن دعوة الصائم لها الخاصية والأولوية , فاستعن بالدعاء خاصة في أوقات الدعاء وأنت صائم أو أوقات الليل وأنت قائم .
وأهدي لك طريقة إبداعية في الدعاء : ضع كل أهدافك التي تود تحقيقها في ورقة , ثم قل " اللهم حقق لي أهدافي التي كتبتها " , و ألح في الدعاء , يا سلام , طريقة رائعة ولا تنسانا من دعائك ولا تبخل من إشراك الأمة الإسلامية في دعائك . تصور أخي المسلم هذا الشريط نسخ منه 100 ألف نسخة يعني سيسمعه ما لا يقل عن ربع مليون شخص , لو كلنا دعونا ربع مليون " اللهم لا يأتينا العام المقبل إلا وقد بشرتنا بالعزة والنصر " , قل الآن " اللهم أجعل عامنا المقبل عام بشرى بالعزة والنصر لنا ومتعنا بأعمالنا حتى نرى نصر ورفعة أمتنا " آمين ... اللهم آمين ...
### دعاء ###(2/70)
7. قيّم ثم أنصب وإلى ربك فأرغب : بعد أن تنتهي من الشهر الفضيل وتطبيق ما رسمته في الخطة , أجلس مع نفسك جلسة تقييم , أحسب الذي حققته في خلال هذه الفترة , إذا حققت 50% أو أقل فأرسم خطة أقل ثم أبدأ من جديد . لا يأس مع الحياة أو كما قال المصطفى صلى الله عليه وسلم في القاعدة النفسية الجليلة : " استعن بالله ولا تعجز "26 . قم فأبدأ من جديد , الذي يخطط ولا يحقق كل ما خطط له خير من الذي لا يخطط بتاتًا , إن الذي لا يخطط لا يصل أصلاً . إذا حققت 51% إلى 70% فهذا جيد وأنت من المنجزين والمحققين لأهدافهم وسوف تحقق في سنوات بسيطة ما لم تكن تحلم به , إذا حققت أكثر من 70% فأنت من المتميزين والمنجزين بكثرة .
في مثال صلاة الفجر في جماعة لو أنك صليت الفجر في جماعة 15 مرة في شهر رمضان وأنت غير معتاد على صلاتها في جماعة فهذا جيد وأنت منجز , إذا صليت أكثر من 21 مرة فأنت متميز وقوي الإنجاز .
في مثال الطمأنينة فلو أنك جلست 7 جلسات استرخاء من 12 جلسة أي 3 أسبوعيًا خلال شهر رمضان المبارك فقد أنجزت جيدًا , ولو أنك أنجزت أكثر من 9 جلسات فأنت متميز وهكذا .
قيم إنجازاتك إذا حققت أقل من 50% فحمس نفسك من جديد وأبدأ مرة أخرى , إذا حققت أكثر من 50% فكافئ نفسك دائماً كافئ نفسك في الإنجاز ...
... ولا تنسى أن تسجد لله شكرًا ...
محاضرات
إحياء رمضان
الفائزون في رمضان ؟؟
لفضيلة الشيخ / إبراهيم بن عبدالله الدويش(2/71)
أيها الأحبة إن الذي دعاني لمثل هذا الحديث مواقف وصور مواقف وصور رأيتها بأم عيني هذه الأيام و ما لم أرى أكثر وما لا نعلمه لا يحصر فأسوقها إليكم لأسباب منها لأعطر الأسماع ولنعلم أن لصالح زماننا قيم ومواقف ومنها تنبيه الأمة لعلو الهمة وقوة الإرادة وصدق العزيمة ومنها ذكر الفضل لأهل الفضل والإحسان فحرام أن يُبخس حقهم أو يُنقص قدرهم ومنها تنبيه وتذكير لأخوان معلم الخير وصناع الحياة ألا يُبخس حق المحسنين فمن العدل أن نقول للمحسن أحسنت كما نقول للمسيء أسأت ثم أيضًا من واجبنا أن نتلمس الخير في صفوف الناس فيُنشر ويُشهر فهو نسمة الصباح الذي ننتظره وبريق الأمل الذي نرجوه لمثل هذا تُكسب النفوس فالتعامل مع النفوس فن يجب أن نتعلمه .
لماذا ننسى خير الخيرين وصلاة العابدين وصدقة المنفقين وبكاء المخبتين ؟! لماذا نغفل عن جَهد العاملين وتضحية المخلصين المصلحين وصدق المخلصين ودمعة التائبين؟!
لماذا لا نذكر صلاح المؤمنات وقيام القانتات وصدق الصادقات وصبر الصابرات؟!
لماذا لا نتحدث عن عطاء المتصدقات وعفاف الحافظات ودعاء الذاكرات وبكاء الخاشعات ؟!
لماذا ننسى الحديث عن هؤلاء وما أعدَّ الله لهم من الأجر والثواب وقد أعلن الرحيم الرحمن ذلك في القرآن فقال جلَّ وعز وهو الكريم المنَّان : ( إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقَاتِ وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِرَاتِ وَالْخَاشِعِينَ وَالْخَاشِعَاتِ وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقَاتِ وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِمَاتِ وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًاِ )27 نسأل الله عزَّ وجلَّ أن نكون منهم.(2/72)
هذه الصور أيها الأحبة وهذه المواقف وقفت عليها بأم عيني فإلى هذه الصور:
* الصورة الأولى :
الأولى في صلاة التراويح والقيام كنت في طريقي لأحد المساجد لصلاة التراويح وقبل الآذان بدقائق مررت بمسجد آخر ورأيت ذلك الرجل الكبير يتكأ على عكازتيه ويدب على الأرض بمهل شديد يسحب قدميه فتخط في الأرض خطا . كان واضحاً أن المرض قد أنهكه وأن التعب بلغ منه مبلغه ومع ذلك خرج , لماذا؟ ..
خرج كل ذلك من أجل صلاة الجماعة ومن أجل صلاة التراويح فذكرت عندها قول ابن مسعود رضي الله تعالى عنه عند مسلم وفيه : " ولقد كان الرجل يؤتى به يهادى بين الرجلين حتى يقام في الصف " ولا أنت تلك العجوز محدودبة الظهر متقاربة الخطى متسارعة الأنفاس وهى تزحف إلى المسجد زحفاً والعجب أنها ظلت واقفة رفضت الجلوس إيهم أيتها النفوس أليس لك في هذا معتبر ؟ فما ملكت نفسي إلا ودمعة تسيل على الخد وأنا أردد
اللهم أعنها ...
اللهم يسر عليها ...
اللهم تقبل منها ...
اللهم أن لم يكن هؤلاء الفائزين برمضان فمن؟..
نحن الكسالى .. نحن الشباب أصحاب السواعد الفتية ..
أين أنت يا ابن العشرين ؟ أين أنت يا ابن الثلاثين والأربعين من هؤلاء ؟
هذه صورة وما أكثر صور تلك الآباء والأمهات الذين نعجب من حرصهم على الرغم من الأيدي المرتعشة والأقدام المهتزة والعظام الواهنة . والله والله إن الإنسان ليحتقر نفسه وعمله وهو يرى هؤلاء الكبار من رجال ونساء وكيف يتحاملون على أنفسهم على عجز وثقل ومرض و لأواء وقد عذرهم الله ومع ذلك قلوبهم متعلقة بالمساجد فهم إن شاء الله في ظل الله يوم لا ظل إلا ظله كما في حديث السبعة .
ربما أصاب الإنسان أو ربما أصاب الإنسان منا التعب والإرهاق في صلاة التراويح أو القيام فإذا شاهد حال هؤلاء الآباء ونشاطهم على ما هم فيه كأنما نشاط من عقال إلا تسجل مواقفهم وتسطر لتعيها الأجيال . اللهم تقبل منهم واجعلهم من الفائزين برمضان.
* الصورة الثانية :(2/73)
صورة أخرى رجل وسَّع الله عليه بماله وحسن سمته ودماثة خُلقه , فهو ينفق إنفاقا من لا يخشى الفقر , بحثت عنه عشر من رمضان فوجهت إلى محلاته فلم أجده سألت عنه فلم أجد جواباً غير أن أحد العاملين قال ربما وجدته في الجامع , دخلت الجامع فوجدت العجب وجدت الموائد ممدودة ممدودة بالطول والعرض حتى إنك لا تجد مكاناً لموضع قدميك وفيها ما لذ وطاب من أنواع المأكولات والمشروبات بحثت عن صاحبي فوجدته يصول ويجول لحظات قبل الغروب فإذا بمئات العمالة تتوافد على الجامع من كل صوب ألفاً أو يزيدون قلت سبحان الله في الوقت الذي انشغل أهل الأموال ببيعهم وشرائهم فعصر رمضان موسم تجارى لا يعوض أما هذا الرجل فهو في تجارة أخرى , تجارة مع الله فلم يكفه أن دفع المال لتفطير الصائمين بل وقف بنفسه وعمل بيده ولم يعتذر يوم أن دُعِي للإنفاق في مشروع ثاني بل وفي مشروع ثالث وربما في رابع وخامس وعاشر مما لا نعلمه ولكن الله يعلمه , عندها ذكرت حديث ابي كبش عمر بن سعد الأنماري انه سمع رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول : " ثلاثة أقسم عليهن وأحدثكم حديثا فاحفظوه قال ما نقص مال عبد من صدقة "28 رواه الترمذي وقال حسن صحيح . حدثت صاحبي والأنس والبشر على مُحيَّاه يعلم الله ما فقدت الابتسامة في وجهي يوم من الأيام الجميع يشهد له بالفضل والإحسان والورع وحسن الخلق وكثرة العبادة هكذا نحسبه ولا نزكى على الله أحداً . خرجت من الجامع بصعوبة بالغة لكثرة المتوافدين من الصائمين والمساكين خرجت وأنا أردد عند الغروب
اللهم تقبل منه ...
اللهم وسع عليه بماله وولده ...
للهم بارك له وزده وأعطه ولا تحرمه ...
فإن لم يكن هذا من الفائزين برمضان فمن أيها الأحبة ؟؟؟!!!(2/74)
أولئك الذين يكنزون الأموال ويقبضون أيديهم . عندها ذكرت قول الحبيب صلى الله عليه وسلم لأسماء بنت أبى بكر : " لا توكي فيوكي الله عليك "29 أي لا تمنعي ما في يدكي فيقطع الله عليك مادة الرزق , وذكرت قول الملكين الذين ينزلان في كل صباح " فيقول أحدهما : اللهم أعط منفقا خلفا، ويقول الآخر : اللهم أعط ممسكا تلفا. 30" كما في الحديث المتفق عليه .
وذكرت قول الحق عزَّ وجلَّ كما في الحديث القدسي : " انفق يا ابن آدم يُنفق عليك "31 وهو متفق عليه . فقلت في نفسي الموفق من وفقه الله مع علمي أن هناك من تذهب نفسه حسرات أن لو كان يملك لينفق ويتصدق ولكنه لا يجد أو يجد القليل القليل فينفقه مع انه أحوج الناس إليه وبعضهم يسمع عن هذه الفضائل فلا يجد ما يتصدق به سوى الدمعة تسيل على الخدين . أن لو كان ذا مال سيتصدق عندها ذكرت قول الحق عزَّ وجلّ : ( لَّيْسَ عَلَى الضُّعَفَاء وَلاَ عَلَى الْمَرْضَى وَلاَ عَلَى الَّذِينَ لاَ يَجِدُونَ مَا يُنفِقُونَ حَرَجٌ إِذَا نَصَحُواْ لِلّهِ وَرَسُولِهِ مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِن سَبِيلٍ وَاللّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌِ * وَلاَ عَلَى الَّذِينَ إِذَا مَا أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ قُلْتَ لاَ أَجِدُ مَا أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ تَوَلَّواْ وَّأَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ حَزَنًا أَلاَّ يَجِدُواْ مَا يُنفِقُونَِ )32 . اللهم أجعلنا وإياهم من الفائزين برمضان ومن عتقائك من النار برحمتك يا رحيم يا رحمن .
* الصورة الثالثة :
صورة ثالثة تصلى التراويح والقيام فتسمع آيات القرآن وتسمع الأنين والبكاء ينبعث في جنبات المسجد فيسجد المصلون فإذا بأزيز كأزيز المرجل ينبعث من الصدور غلبهم خوف الله وخشيته فوجلت القلوب وذرفت العيون عندها ذكرت قول الرسول صلى الله عليه وسلم : " لا يلج النار من بكى من خشية الله حتى يعود اللبن في الضرع "33 رواه الترمذي وقال حسن صحيح .(2/75)
في صلاة القيام وفي ثلث الليل الأخير يركعون ويسجدون ويدعون ويتضرعون يبكون ويتأثرون منكسرة قلوبهم دامعة عيونهم شاحبة وجوههم هجروا الفراش ولذة النوم من أجل أي شيء طلباً لمرضاة الله طلباً لرحمة الله ( تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَِ * فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَّا أُخْفِيَ لَهُم مِّن قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاء بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَِ )34
القانتون المخبتون لربهم الناطقون بأصدق الأقوال ...
يحيون ليلهم وبطاعة ربهم بتلاوة وتضرع وسؤال ...
وعيونهم تجرى بفيض دموعهم مثل انهمال الوادِ الهطّال ...
في وجوههم أثر السجود لربهم و بها أشعة نورهم المتلألئ ...
إن لم يكن هؤلاء من الفائزين برمضان فمن ؟؟؟!!!
الذين ينامون أو يذهبون ويجيئون أم أولئك الذين يلعبون ويلهون !!!!
اللهم لا تحرمنا أجر الصيام والقيام واجعلنا مِن مَن قام ليلة القدر إيماناً واحتساباً
اللهم أجعلنا من الفائزين المقبولين يا رحمن.
* الصورة الرابعة :
صورة رابعة رأينا وسمعنا حرص بعض النساء على الصدقة , ورمضان الخير يشهد للنساء بحسن السخاء والبرد والعطاء , سمعت عن تلك التي جمعت رواتبها فتصدقت بها دفعة واحدة وسمعت عن تلك التي كفلت يتيماً وأعطت مسكيناً ووزعت شريطاً وفطَّرت صائماُ حتى قلت في نفسي ماذا بقي لها ؟ .. فأجابت بلسان حالها تقول وما عند الله خير وأبقى وما عند الله خير وأبقى , فذكرت قول الرسول صلى الله عليه وسلم " يا معشر النساء تصدقن فإني أريتكن أكثر أهل النار "35 , فقلت أبشرن أيتها الصالحات فإن هذا لمن أكثرت السب واللعن ونسيت نعمة الله عزَّ وجلَّ عليها أما أنتِ فإني أحسبكِ إن شاء الله من الفائزين برمضان .(2/76)
ثلة فتيات عرفت فيهن الخير كله الهاجس في نفوسهن إصلاح الأخريات ودعوتهن يسألن وبكثرة عن المواضيع والعناصر والمسائل الرمضانية المناسبة للطرح في مثل هذا الشهر يسألن وبإلحاح عن المناسب من الأشرطة والرسائل والإهداء للتوزيع انتهت المكافأة الشهرية اقتربنا حتى لا ينقطع هذا الخير , يا سبحان الله , تركن اللباس والموديلات وآخر الصيحات وأدوات الزينة لا لعدم الرغبة فهي جبلة المرأة بل لأن هم الإصلاح والغيرة على الدين كان أكبر ولسان حالهن يقول رمضان فرصة رمضان فرصة لا تعوض فالقلوب منكسرة والشياطين مصفدة والإيمان يزيد وعلمت علمت إنهن يجتمعن لقراءة القرآن وبحث بعض مسائل الصيام ويحرصن على النوافل والسنن الرواتب وصلاة القيام ويقمن ببر الوالدين وصلة الأرحام وخدمة الأهل والإخوان وإعداد الطعام هذا كله بعد صلاة الفرض في وقتها والقيام بحق زوجها فنالت رضا ربها وفازت بشهرها فهنيئاً لها ثم هنيئاً لها .
الحياة يبنيها صناع كل منهم يؤثر في جانب منها ومن جد وجد, وإما أنا وإما الفاسق فإن الفاسق يصنع الحياة على طريقته إن الفاسق يصنع الحياة على طريقته وكل منا له موهبة يحبها فيجب أن ينميها ويبرع فيها ويبتكر لها لكي يستطيع أن يجمع الناس حوله في تخصصه ومهارته .(2/77)
رمضان هذا العام رأيت إقبال الشباب والفتيات من صناع الحياة ودُلاَّل الخير ودعاة الهدى وكل منهم على خير , هؤلاء يصولون ويجولون من حي إلى حي ومن مسجد إلى مسجد لإرشاد الناس وتذكيرهم حرموا أنفسهم لذة العبادة خلف إمام واحد تذهب أنفسهم حسرات لختم القرآن مرات ومرات لكن هيهات هيهات فالوقت ينصرف في البحث والاطلاع في تفسير آية أو شرح حديث أو بحث مسألة فلسان حالهم يقول رمضان فرصة للتوبة وموسم للإقبال على الله والندم على ما فات فكم من ضال فرح بكلمته وكم من جاهل اهتدى بعبارته وكم من تائب نوَّر الله به بصيرته هؤلاء قاموا على تفطير العمالة في مسجدهم حرموا أنفسهم فرحة الإفطار مع أهلهم وأزواجهم . ضاعت اللغات وتلاشت الجنسيات لا كفيل ولا مكفول إنما المؤمنون أخوة , أخوة في توادهم , أخوة في تراحمهم وتعاطفهم
وقل ساعدي يا نفس بالصبر ساعة فعند اللقى فعند اللقى بالكد يصبح زائلا ...
فما هي إلا ساعة ثم تنقضي ويصبح للأحزان فرحان ساجداً ...
أولئك يجمعون المال لشراء الأشرطة والرسائل والمطويات وتوزيعها على المصلين والمصليات وآخرون حملوا الطعام والأرزاق وقطعوا الفيافي والمسافات وهم صيام تحت حرارة الشمس المحرقة والرمال الملتهبة ليقفوا مع المحتاجين والمساكين والأرامل واليتامى فيطعم الطعام ويلبس اللباس مع كلمة طيبة وشريط نافع ...
من كان حين تصيب الشمس جبهته أو الغبار يخاف الشَين والشعثا ...
ويألف الظل كي تبقى بشاشته فسوف يسكن يوم راغمًا جدسا ...
في ظل مقترتاً أبراء مظلمةً يطيل تحت الثرى في غيها اللبسا ...
تجهزي بجاز تبلغين به يا نفس قبل الردى لم تخلقي عبثا...(2/78)
أما حراس الفضيلة وأعداء الرذيلة رجال الحسبة الآمرون بالمعروف و الناهون عن المنكر فحدِّت ولا حرج فنحن في صلاة و قيام وتدبر لقرآن أما هم ففي أعظم الأيام تبرج وسفور ومشكلات ومعاكسات ومنكرات وسيئات و كأني بهم والألم يعصر قلوبهم على ليالي رمضان , ولكن أبشر أيها الأخ الحبيب فأنت على خير عظيم إن لم تكن للحق أنت فمن يكون إن لم تكن للحق أنت فمن يكون والناس في محراب لذات الدنايا عاكفون , أبشر أيها الأخ الحبيب أبشر فأنت على خير ولن يُضَيِع الله جهدك أبداً فإن شاء الله أنت من الفائزين برمضان . ذكرت حينها بعد هذه الصور ذكرت حينها حديث أبى ذر رضي الله عنه عند ذي حبان في صحيحه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " ليس من نفس بني آدم إلا عليها صدقة في كل يوم طلعت فيه الشمس فقال قيل : و ما هي يا رسول الله و من أين لنا صدقة نتصدق بها ؟ فقال : إن أبواب الخير لكثيرة التسبيح و التحميد و التكبير و التهليل و تأمر بالمعروف و تنهى عن المنكر و تميط الأذى عن الطريق و تسمع الأصم و تهدي الأعمى و تدل المستدل على حاجته و تسعى بشدة ساقيك مع اللهفان المستغيث و تحمل بشدة ذراعيك مع الضعف فهذا كله صدقة منك على نفسك "36 . فأبواب الخير كثيرة فلله در شبابنا فالله در شبابنا وفتياتنا فلسان حالهم يردد في كل لحظة أنا مسلم أنا مسلمة فلم لا أكون محور حق ومركز إشعاع ومشعل هداية عندها قلت إن لم يكن أمثال هؤلاء من الفائزين برمضان فمن إذن؟ ..
ذلك الذي لا يفكر إلا في نفسه ووظيفته وماله وولده إنهم كانوا يسارعون في الخيرات ويدعوننا رغباً ورهباً وكانوا لنا خاشعين .
* الصورة الخامسة :(2/79)
صورة أخرى في العشر الأواخر وفي صلاة القيام في آخر الليل وفي جلسة الاستراحة انظر إلى للمصلين وأحوالهم هذا يقرأ القرآن , وهذا لسانه يلهج بالذكر والاستغفار , وذاك رفع يديه بالدعاء وعلامات الانكسار والتذلل على محيّاه , ورابع قد سالت دموعه على خديه , وخامس يركع ويسجد , وسادس يغالب النوم هجر فراشه وحرم عينيه , أرواحهم خشعت لله في أدب قلوبهم من جلال الله في وجل نجواهم :
ربنا جئناك طائعة نفوسنا وعصينا خاذع الأمل ...
إذا سجى الليل قاموه وأعينهم من خشية الله مثل الجاهد الهطل ...
هم الرجال فلا يلهيهم لعب عن الصلاة ولا أكذوبة الكسل ...
رياح الأسحار تحمل أنين المذنبين وأنفاس المحبين وقصص التائبين .
شاب في زاوية من المسجد وقد عرفته بفسقه وشده غفلته , وضع وجهه بين يديه والدمع يسيل على خديه وقد أجهش بالبكاء لعله تلطخ بمعصية أو تذكر ما سلف من الذنوب والمعاصي :
آثار التذكر أحزانه فسار وأبدى لنا شانه ...
وقام وستر الدجى مسبل فأسبل بالدمع أجفانه ...
وبكّى ذنوب له قد مضت فأبكى عداه وخلانه ...
ومن لم يكن قلبه جمرة فهذا لعمرك قد كانه ...
و من ذا أحق بها من جهول تحقق لله عصيانه ...
و أخلق في اللهو جسمانه كما أخلق الذنب إيمانه ...
فولا تفضل من فضله عرفناه قدما و عرفانه...
لعنا ( أي ظهر ) على وجهه آيةٌ تكون على الخزي عنوانه ...(2/80)
شدني إليه شدة مناجاته لربه علم إن له رباً يغفر الذنب فأستغفره , سارع يقرع الباب لعلمه إن الله سريع الحساب فذل وانكسر لغافر الذنوب وقابل التوب شديد العقاب , تمنيت لو ضممته فقلت هنيئا لك بالتوبة والاستغفار هنيئاً لك بعينيك التي ذرفت الدموع من خشية الله هنيئاً لك بصيامك وقيامك وأسأله وهو صاحب الفضل والمن أن يلحقك بركاب الفائزين برمضان تمنيت لو ذكّرته قول الحق عزّ وجلّ ( قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُِ )37 .
يا رب عبدك قد أتاكَ وقد أساء وقد هفي ...
يكفيه منك حيائه من سوء ما قد أسلفا ...
حمل الذنوب على الذنوب الموبقات وأسرفا ...
وقد استجار بذيل عفوك من عقابك مُلحِفا ...
يا رب فاعفو وعافاهِ فلأنت أولى من عفا ...
* الصورة السادسة :(2/81)
صورة أخرى حريصة على صغارها فهي معهم ترقبهم وتلحظهم تعلِّم هذا وتوجِّه ذاك ومع هذا فقلبها يهفو لصلاة التراويح مع المسلمين لكن هيهات هيهات فتصلى في بيتها تريد أن تخشع أن يرد قلبها أن تشعر بلذة المناجاة لربها لكن الأصوات والضحكات والتعلق بثوبها من صغارها حرمها كل ذلك فما ملكت سوى الدمعات والعبرات على ليالي رمضان فما ملكت سوى الدمعات والعبرات على ليالي رمضان , ثم جاءت العشر الأخيرة فإذا بها تهدهد صبيانها وتخادع صغارها حتى ناموا ثم قامت فأنسلت في هدوء وحذر فجهزَّت سحورها ورتبت أمورها ثم توضأت وتلحفت بجلبابها ثم سارت إلى مسجد حيها والظلام يلفها فركعت وسجدت وقامت فبكت وخشعت , وربما تذكرت صغارها فخافت عليهم ووجلت فلا تدرى قلبها لصلاتها أو على صغارها فرجعت وصلت في بيتها بجوار صغارها وهى تسمع صوت الإمام يردد أولئك يسارعون في الخيرات وهم لها سابقون فانخرطت في البكاء إن لو كانت من السابقين فقلت لها أبشري أيتها الصالحة فأنتي على خير فقلت لها أبشرى أيتها الصالحة فأنتِ على خير لكن أحرصي وأخلصي واحتسبي الأجر على الله ولن يخيب ظنك وهو أعلم بحالك ثم إني أهمس إليك بهذا الحديث المتفق عليه " من ابتلي من البنات بشيء، فأحسن إليهن، كن له سترا من النار"38 فاسأل الله اللطيف المنان أن يجعلك من الفائزين برمضان فإن لم تكوني أنتِ فمن تلك الولادة الخراجة الجوالة في الأسواق التي لم ترعى حق ولد ولا تَلَد أم تلك السافرة الساهرة أمام الأفلام والمسلسلات العاهرة .
فكم بين مشغول بطاعة ربه…… وآخر بالذنب الثقيل مقيد !!!
فهذا سعيد بالجنان منعم ……وذاك شقي في الجحيم مخلد
كأني بنفسي في القيامة واقف… وقد فاض دمعي والمفاصل ترعد .(2/82)
ثناء لتلك المرأة الصالحة التي عرفتها أو التي عرفت فضائل هذا الشهر فحرصت على استغلال ساعاته فهي محافظة على الصلوات في أوقاتها جالسة بعد الصلوات في مصلاها تقرأ القرآن وقد تنتقل إلى الذكر التسبيح والتحميد والتهليل و التكبير, وتقدير لها يوم إن كانت خلف كل عمل صالح في بيتها فهي خلف أولادها وإخوانها في المحافظة على الصلوات فتوقظ هذا وتنبه ذاك وهى خلفهم بدفعهم وتشجيعهم لقراءة القرآن وصلاة القيام واستغلال رمضان تلهب الحماسة و تقوى العزائم بالكلمة الطيبة تارة وبالشريط النافع تارة وبالهدية المشجعة تارة أخرى , ووفاء وفاء تلك الزوجة الوفية يوم أن كانت لزوجها حقاً وفياً أصبحت وجه سعد على زوجها أنارت سرداب بيتها فهي وراء زوجها بالتذكير والتنبيه إن نام أو غفل وهى معينة له إن ذكر فلا تقطع عليه ساعات الطاعة في الشهر بكثرة طلباتها ولا تعرضه لفتن المتبرجات السافرات في شهر الفضل والإحسان وفي أعظم الأيام العشر الأواخر بكثرة دخولها وخروجها للأسواق , وهى وفية لزوجها يوم أن قالت إن الذكرى وقراءة القرآن واستغلال رمضان لا يجتمعان أبدا في بيت مع ملاهي الشيطان فقم وتوكل على الله وطهر البيت لتحل علينا ملائكة الرحمن ويرحل مردة الجان وما هي إلا عزيمة وإرادة وخوف و توبة ومن ترك شيئاً لله عوضه الله خيراً منه .
إعجاب وإكبار لك أيتها الصالحة وأنتِ في المدرسة في المدرسة والعمل فها أنتِ قد حرصت كل الحرص على إتقان العمل وإخلاصه لله ليتم صومك فأنت تخافين من خيانة الأمانة التي وكلها الله لك .(2/83)
فكلنا إعجاب وإكبار يوم إن جاءت بناتنا وأخواتنا ليحدثن أنكِ تكلمت فضائل هذا الشهر وكيفية استغلاله والحرص عليه وانك قمتي بوضع مسابقة رمضانية لتفقيه الطالبات بأحكام الصيام وانك أهديت لكل واحدة منهن شريط لتعليم آداب الصيام وأحكامه وانك ما تفتئين تُذكّرين بثمرة الصيام وسره العظيم تقوى الله ومراقبته و مراقبته في السر والعلن وإنها العبادة الوحيدة التي خصها الله لنفسه لأنها عبادة خفية بينك وبينه فلا أحد يعرف عن حقيقة صومك.
انك أيتها المخلصة لا تتصورين عظيم فرحتي وأنا اسمع مثل هذه الكلمات , إعجاب أسطره لكِ أيتها المعلمة وأنا أرى أختي وابنتي وقد حرصن على رمضان وعلى الصلاة والقيام وكثرة الأعمال فيحضرني قول رسول الله صلى الله عليه وسلم : " الدال على الخير كفاعله "39 , وقوله صلى الله عليه وسلم : " ولئن يهدي الله بك رجلاً واحداً خير لك من حُمر النعم "40 , وقوله صلى الله عليه وسلم : " من سنّ سنة حسنة كان له أجرها وأجر من عمل بها إلى يوم القيامة "41 , فما أملك إلا أن ارفع يدي إلى السماء قائلاً اللهم لا تحرم تلك المعلمة أجر الأعمال اللهم لا تحرم تلك المعلمة أجر تلك الأعمال فتتوارد الأدعية لكِ أنتِ أيتها الصادقة وتسيل تلك الدمعة لحسن رعايتك الأمانة وحملك هم إصلاح الأخريات فشكر الله سعيك وبارك فيكِ وأجزل الأجر والمثوبة لكِ فأنت أهل لذلك فأبشري بالقبول بإذن الله قبول الصيام والقيام والعتق من النيران ودخول الجنان والفوز برمضان .
كل ذلك بفضل ورحمة من الكريم المنان ثم بفضل ما فعلتِ وقدمتِ ابتغاء وجه الله وهكذا فلتكن المرأة المسلمة في رمضان.
* الصورة السابعة :(2/84)
صورة أخيرة رأيته سلمت عليه وفجأة أجهش بالبكاء وفاضت عيناه بالدمع أوجست في نفسي خيفة فقلت ابتُلِىَ بموت قريب أو حبيب له أ ُصيب فقال بصوت كئيب جبر الله مصيبتك بخروج رمضان . انكسر قلبه وهطل دمعه و انتحب صوته و قلت يا سبحان الله لكل محب حبيب ورمضان حبيب الصالحين
يا شهر رمضان ترفق دموع المحبين تدفق ...
قلوبهم من ألم الفراق تشقق ...
بين الجوانح في الأعماق سكناه ...
فكيف أنت ومن في الناس ينساه ...
في كل عام لنا لقيا محببة يهتز كل كياني حين ألقاه ...
بالعين و القلب بالأذان أرقبه وكيف لا بالروح أحياه ...
ألقاه شهر ولكن في نهايته يمضي كطيف خيال قد لمحناه ...
في موسم الطهر في رمضان الخير تجمعنا محبة الله لا مال ولا جاه ...
من كل ذي خشية لله ذي ولع في الخير تعرفه دوماً بسيماه ...
قد قدروا موسم الخيرات فاستبقوا والاستباق هنا المحمود عقباه ...
قاموه قاموه إيماناً ومحتسبا أحيوه طوعاً وما في الخير إكراه ...
فالأذن سامعة والعين دامعة والروح خاشعة والقلب أواه ...
وكلهم بات بالقرآن مندمجاً كأنه الدم يسرى في خلاياه ...
وودعاً يا رمضان وإلى أن نلقاك في عام قادم إن شاء الله , اللهم تقبل منا رمضان واجعلنا من الفائزين برمضان ...
هذه صور ومواقف هذه صور ومواقف للفائزين برمضان ولعل لضيق الوقت وخشية الإملال و إنما هي على سبيل المثال و الحصر يصعب وهي غيض من فيض فمحب الخير كثر وأبواب الخير كثيرة ولكنها مشاهد ومواقف لبعض الصالحين والصالحات ذكرناها لأسباب سبقت فيا باغي الخير أقبل , فرمضان فرصة قد لا تتكرر وموسم لا يعوض الهجار الهجار قبل فجأة الموت أو مصيبة مرض وعندها لا ينفع الندم . سابقوا إلى مغفرة من ربكم وجنة عرضها كعرض السماء والأرض أعدت للذين آمنوا بالله ورسله ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم .(2/85)
السعيد أيها الأحبة من أدرك رمضان فغُفِرَ له ( وَسَارِعُواْ إِلَى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَِ * الَّذِينَ يُنفِقُونَ فِي السَّرَّاء وَالضَّرَّاء وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَِ )42 .
وقبل الختام أذكر لكم أمور تعينكم على الفوز برمضان واستغلال أيامه ولياليه أُعّددها لكم تعداداً بدون تعليق للذكرى فإن الذكرى تنفع المؤمنين.
أولا : المجاهدة
قال تعالى : ( وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا )43
تريد الهداية تريدين الهداية نريد الاستقامة لنجاهد هذه النفس , لنقبل على الأسباب فان اقبلنا اقبل الله عزَّ وجلَّ علينا .
ثانياً : الهمة والعزيمة
قال ابن الجوزي : " من علامة كمال العقل علو الهمة والراضي بالدون دني وما أرى في عيوب الناس عيبا كنقص القادرين على التمام" .
ثالثاً : معرفة فضائل الشهر ومزاياه
فإن من عرف شيئاً اهتم به وحرص عليه ولو لم يكن فيه سوى ليلة القدر التي هي خير من ألف شهر لكفي .
رابعاً : قلة أيامه وسرعة ذهابه
وصدق الله عزَّ وجلَّ يوم أن قال : ( أيامًا معدودات)44 بالأمس القريب نهنئ بعضنا بعضاً بدخول شهر رمضان واليوم نعزى بعضنا بعضاً بخروجه وهكذا هي الأيام البدار البدار انتبه العمر أيها الحبيب .
خامساً : التنافس
الصالحون تسابقوا للخيرات وفازوا بالحسنات وأنت أيها المسكين مازلت أسيراً للشهوات وعبداً للذات وصدق الله يوم أن قال : ( فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِّنَفْسِهِ وَمِنْهُم مُّقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ )45
سادساً : تذكر الموت والحذر من فجائته(2/86)
فقد لا تدرك رمضان آخر فقد لا تدرك رمضان آخر فانتبه لنفسك هذه المناجاة تهجد و نفسات صدر وعصيان قلب وخلجات نفس وكلمات ناصح ودمعات محب وهى حديث أنس وصدقة قائم ومشاعر صائم , بل هي والله آهات متوجع وأنات مذنب وزفرات مخطأ :
سبحانك خالقي فأنا تائب إليك فأقبل توبتي واستجب دعائي وارحم شبابي وأقم لي عثرتي وارحم طول عبرتي ولا تفضحني بالذي كان منى اللهم لا تفضحني بالذي قد كان منى اللهم استر عيوبي يا حي يا قيوم اللهم ارحمنا برحمتك اللهم اجعلنا من الفائزين برمضان اللهم اجعلنا ممَن قام رمضان إيمانًا واحتساباً فغفرت له ما تقدم من ذنبه اللهم اجعلنا ممَن صام رمضان إيماناً واحتساباً فغفرت له ما تقدم من ذنبه اللهم اجعلناِ ممَن قام ليلة القدر إيماناً واحتساباً فغفرت له ما تقدم من ذنبه اللهم اجعلنا من الفائزين برمضان اللهم اجعلنا من الفائزين برمضان اللهم اجعلنا من الفائزين برمضان .
سبحانك اللهم وبحمدك اشهد أن لا اله إلا أنت أستغفرك و أتوب إليك وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .
محاضرة قيام رمضان
للشيخ / محمد الشنقيطي
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين سيدنا ونبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. أما بعد فإن من أجّل الطاعات وأفضل القربات التي يحبها الله عزَّ وجلّ قيام الليل فقيام الليل دأب الصالحين وشأن عباد الله المتقين كما أثنى الله عليهم في كتابه المبين , وهذا الشهر أعني شهر الصيام فرض الله عزَّ وجلَّ على عباده المؤمنين صيامه وندب رسول الهدى صلى الله عليه وسلم إلى قيامه فحريٌّ بالمسلم أن يشحذ همته بقيام هذا الشهر المبارك إقتداءا و امتثالا ً لرسول الله صلى الله عليه وسلم حيث يقول : " من قام رمضان إيمانا واحتسابا، غفر له ما تقدم من ذنبه "46 .(2/87)
قيام الليل فضيلة من الفضائل ونعمة من أجّل نعم الله على عبده , فالله إذا أحب عبدًا من عباده فتح له أبواب رحمته ويسَّرَ له سبيل طاعته فينشرح صدره للخير وقد أمّتن الله بهذه النعمة على نبيه فقال ( أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَِ )47 , فإذا أراد الله بعبده الخير شرح صدره لهذه الطاعة وسهلها عليه ولا يزال المؤمن يحفظ قيامه من الليل حتى يكون أحب إليه من نفسه آلتي بين جنبيه وتجده يضجر و يسأم ويتألم إذا حُرِمَ ذلك القيام , إذا حرم مناجاة الله جلَّ جلاله والوقوف بين يديه في ساعة هدأت فيها العيون وسكنت فيها الجفون وهو ينادى الحيّ القيوم , أثنى الله عز وجل على أقوام أحبوا الآخرة فجدوا في ليلهم في القيام فقال سبحانه وتعالى : ( تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَِ)48 , فقال سبحانه وتعالى شاهد بفضل هؤلاء وأنهم أهل خوف ورجاء ( أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاء اللَّيْلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا يَحْذَرُ الْآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ )49 , فمن يحذر الآخرة ويرجو رحمة ربه يحيي ليله بذكر الله جلَّ جلاله , بعلمه بفضيلة هذه المنزلة وبعلو درجة هذه القربى عند الله سبحانه وتعالى ولذلك لما ذكر النبي صلى الله عليه وسلم فضائل الأعمال قال وركعتان يركعهما المؤمن في جوف الليل الآخر أي من أحب الطاعات لله ركعتان يركعهما المؤمن في جوف الليل الآخر في ساعة يكون فيها الدعاء أسمع والإجابة أرجى من الله جلَّ جلاله .(2/88)
قيام رمضان السُنَّة فيه أن يهتدي المسلم بهدى الرسول صلى الله عليه وسلم فيما صح عنه , فكان صلوات الله وسلامه عليه قوّام الليل في رمضان وغير رمضان وكانت سُنَّة ماضية في سائر العام لكنه إذا دخل عليه رمضان ودخلت عليه العشر الأواخر من رمضان شد مأزره وأحيى ليله صلى الله عليه وسلم وأيقظ أهله كل ذلك لكي تنتبه الأمة لفضل هذا الشهر عموما ولفضيلة العشر الأواخر فيه خصوصا ففيها ليلة هي أفضل من ألف شهر يقومها العبد لله جلَّ جلاله وهى الليلة التي يقول العلماء أن الله أختارها من العام كله فأفضل ليلة في العام كله بل في الدهر كله هي ليلة القدر ولذلك أختارها الله بنزول القرآن كما أخبر سبحانه وتعالى في سورة أنزلها للدلالة على شرفها وقدرها .
كان هدي صلى الله عليه وسلم في قيام الليل أكمل الهدى وأجمله وأحسنه وأفضله , ما كان صلى الله عليه وسلم يقوم الليل فيبالغ في قيامه ولا كان على منهج الرهبانية والغلو في العبادة برأت سنته صلوات الله وسلامه عليه من الغلو والتشدد ولذلك كان ينام ويقوم عليه أفضل الصلاة والسلام , قال عليه الصلاة والسلام : " أما أنا فأصوم وأفطر وأقوم وأنام وآتي النساء فمن رغب عن سنتي فليس مني "50 .
ولما سأله عبد الله ابن عمر بن العاص رضي الله عنه وعن أبيه أن يواصل قيام الليل منعه وكذلك ثبت عنه عليه الصلاة والسلام إنه أحيا الليل على أجزائه الثلاثة فقام أول الليل وقام أوسط الليل وقام آخر الليل و انتهى وتره وقيامه عليه الصلاة والسلام إلى آخر الليل , ولذلك قال العلماء : السُنَََّة ألا يكون القيام بالليل كاملا ً واستثنى بعض العلماء ليال العشر الأواخر , فقالوا الأفضل أن يجتهد في قيامه ولو أستغرقها كاملة للقيام فلا بأس لأن عائشة رضي الله عنها قالت : " وأحيى ليله " , فدل على إنه لم يكن ينام عليه من الله أفضل الصلاة وأزكى السلام .
* القيام آخر الليل :(2/89)
كان من هديه عليه الصلاة والسلام أن يقوم آخر الليل ولذلك قال العلماء : الأفضل أن ينام المسلم أول الليل ويكون قيامه في آخر الليل لعدة أمور : أولها أن هذا الوقت هو أفضل الأوقات وأشرفها بالليل لأن الله أختاره بنزوله فينزل إلى السماء الدنيا نزولا ً يليق بجلاله وعظمته وكماله كما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم من غير تأويلٍ ولا تعطيلٍ ولا تشديدٍ ولا تمثيل نزولا ً حقيقيا ًيليق بجلاله سبحانه وكماله فينادي هل من تائبٍ فأتوب عليه هل من داع ٍ فأستجيب دعائه هل من مستغفر فاغفر له فهذا يدل على فضل آخر الليل . وقال بعض العلماء إن الأفضل للإنسان أن يقوم الثلث الأخير إذا كان واثقا من القيام أما إذا غلب على ظنه إنه سينام وإنه لا يتمكن من القيام في آخر الليل فالأفضل أن يؤخر إلى نصف الليل وذلك لأن نصف الليل أقرب إلى الثلث الآخر وكلما كان القيام قريبا ً من وقت الفضيلة كلما كان له حظ من الأجر قالوا فليؤخر قيامه إلى الثلث الأوسط ممن الليل لأنه سيتعب في الانتظار ويجد المشقة والجهد وقد قال عليه الصلاة والسلام : " إن لك من الأجر على قدر نصبك ونفقتك "51 , على قدر نصبكِ فدل على أن النصب والتعب يزيد في أجر العبادة وأجر القربى فقالوا يُفَضَل أن لا يقوم من أول الليل و إنما يتأخر إلى قدر نصف الليل ويحيى هذا القدر وقال بعض العلماء إذا كان يتأخر إلى نصف الليل ويؤدى ذلك إلى ضياع صلاة الفجر عليه أو أنه يصلى وهو مجهد منهك لا يفقه القرآن ولا يتفهمه فالأفضل أن يصلى عقب العشاء لأنه أقدر على فهم القرآن وتدبر القرآن وأكمل في خشوعه وهو يناجى ربه .
* النوم أول الليل :(2/90)
كان من هديه عليه الصلاة والسلام أنه ينام أول الليل وفى الصحيحين من حديث ابن عباس رضي الله عنهما إنه بات مع النبي صلى الله عليه وسلم عند خالته ميمونة وهذا يدل على فضل أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وحبهم للخير , هذا الحدث صغير السن ولكنه كبير بعلمه وفضله ونبله وحبه لهدي رسول الله صلى الله عليه وسلم بحث عن هديه حتى نام معه عليه الصلاة والسلام لكي يرقب وينظر ماذا يكون من هديه وسُنَّتِهِ إذا قام من الليل , فبات في عرض الوسادة كما في الصحيحين قال حتى نفخ نام عليه الصلاة والسلام حتى نفخ وابن عباس رضي الله عنه يراقب رسول الله صلى الله عليه وسلم مراقبة دقيقة لكي يحفظ للأمة هذا الهدي وهذه السُنَّة فنسأل الله العظيم أن يُعظم أجره وأن يجزل ثوابه فيما حفظ من هدي الرسول صلى الله عليه وسلم , قال فقام أي قام رسول لله صلى الله عليه وسلم وهذا بعد شطر الليل فأول ما كان من قيامه عليه الصلاة والسلام أن مسح النوم من عينيه ثم تلى الآيات من آخر سورة آل عمران ( إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلاَفِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لآيَاتٍ لِّأُوْلِي الألْبَابِِ )52 , ثم لما ختمها قال صلوات الله وسلامه عليه ويلٌ لمن قرأهن ولم يتعظ بهن ويلٌ لمن قرأهن ولم يتعظ بهن لأنها آيات عظيمة تدل على عظمة الله جلَّ جلاله فقلب لا يخشع لها ولا يتأثر بها فويلٌ له ويلٌ له إن لم يتداركه الله برحمته كان بعض العلماء يقول من أحب أن يعرف مقدار خشوعه وتأثره فليقرأ هذه الآية ولينظر هل هو متعظ بما فيها ومتأثر بها أو لا حتى يعرف مقدار منزلته من الخشوع وتأثره بكلام الله جلَّ جلاله لأن النبي صلى الله عليه وسلم أختارها ورقَّد الوعيد على عدم التأثر بها فدل على إنها آيات عظيمة قال فلما فرغ منها قام عليه الصلاة والسلام فأفرغ من شن ٍ يعنى من قربة فتوضأ فأسبغ الوضوء صلوات الله وسلامه عليه وللوضوء في ظلمة الليل خاصة في ليالي(2/91)
الشتاء لذة يعرفها من يعرفها وحلاوة لو ذاقها المؤمن قلَّ أن يتركها ففيها غفران الذنوب ورفعة الدرجات " ألا أدلكم على ما يمحو الله به الخطايا و يرفع به الدرجات ؟ إسباغ الوضوء على المكاره "53 , قال بعض العلماء إسباغ الوضوء في جوف الليل الأظلم في شدة الليل الباردة الليلة الباردة الشافية تقوم من مخدعك ومن مكان سكونك وراحتك لكي تناجى الله جل جلاله وتصب الماء على أعضائك , فإذا وجدت شدة البرد و أبى البرد على جوارحك وجدت لذة العبودية والطاعة والقربى من الله سبحانه ففي الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم أن العبد إذا نام مع حبِّه وزوجه وقام من الليل ليتهجد قال الله تعالى : يا ملائكتي عبدي ما الذي أقامه من حبِّه وأهله قالوا إلهنا يرجو رحمتك ويخشى عذابك يقول الله تعالى أُشهدكم إني أمنته من عذابي و أصبته برحمتي فقام صلى الله عليه وسلم فأفرغ الماء فتوضأ فأسبغ الوضوء قال ابن عباس فأسبغ الوضوء ولها معنى لأن هذا الوقت وهو الوضوء في الليل كما ذكرنا غالبا يكون فيه الماء بارداً فمن فقه ابن عباس قال ف أسبغ الوضوء أي في الوضوء عليه الصلاة والسلام كان عن كمال وذلك بان يكون ثلاثا قال ثم قام فقمت فصنعت مثلما صنعا .
* الاستفتاح بركتين خفيفتين :(2/92)
كان من هديه عليه الصلاة والسلام إذا استفتح قيام الليل يستفتحه بركعتين خفيفتين لا يطوِّ ل فيهما القراءة وقال العلماء إن هذا من أكمل الهدى لأن المسلم إذا قام من الليل أو الإنسان إذا قام من الليل فانه يقوم وقد تعلقت نفسه بالراحة والدِعَة والسكون فإذا هجم على العبادة وأطال القيام فإنه قد يمل وقد يسأم وبذلك قد ابتدئ عليه الصلاة والسلام بالشيء الخفيف حتى تألفه النفس ويستطيع بعدها أن يطوِّ ل ما شاء قالوا ومن الفوائد والحكم التي شرع الله بها السنن الرواتب قبل الصلاة إنها تعين على الخشوع أكثر فانه إذا دخل بركعتين نافلة قبل الفريضة فإن هذا يعينه على الخشوع أكثر وهذا مجرَب فأنت إذا تأملت الناس ونظرت إلى المبكِّرين إلى المساجد الذين يحرصون على حضور الصلاة إما قبل الآذان أو لا يؤذن إلا وهم في المسجد تجدهم أخشع الناس قلبًا في الصلاة ومن تجده يتأخر ويتقاعس فإنك تجد خشوعه لا يأتي إلا على الإقامة فإنك تجد خشوعه أقل وتأثره بالقرآن أقل فلتجد ذلك في نفسك جلياً ظاهراً فإنك ما حرصت على التبكير وابتدأت العبادة بالنافلة قبل الفريضة إلا قويت عن الفريضة أكثر ولذلك قال استفتح قيام الليل بركعتين خفيفتين فإنه أدعى لتدبر القرآن وأدعى أيضاً للأعضاء أن تقدم على حركات العبادة وقد تهيأت واستجمت وهُيِأَت بهاتين الركعتين الخفيفتين .
كان يستفتح قيام الليل بالركعتين الخفيفتين وأستحب العلماء أن يكون دعاء الاستفتاح في قيام الليل من طوال الأدعية لان أدعية الاستفتاح تنقسم إلى ثلاث أقسام :
- دعاء النحر
- تمجيد النحر
- مشتمل على الدعاء والتمجيد معاً(2/93)
فقالوا يفضل أن يكون استفتاحه بالدعاء الطويل كما بحديث على الصحيح عنه عليه الصلاة والسلام إنه استفتح الصلاة بقوله : " وجهت وجهي للذي فطر السماوات والأرض حنيفاً وما أنا من المشركين إن صلاتي و نسكي و محياي و مماتي لله رب العالمين لا شريك له وبذلك أُمرت وأنا أول المسلمين اللهم أنت الملك لا اله إلا أنت وأنا عبدك ظلمت نفسي واعترفت بذنوبي فاغفر لي فإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت ... " إلى آخر الدعاء الطويل , قالوا من الأفضل أن يبدأ به لأنه ادعى لتهيأ النفس لصلاة الليل أكثر فلما فرغ عليه الصلاة والسلام كان إذا فرغ من الركعتين صلى ثمان ركعات , يصلى أربعاً لا تسأل عن قصرهن وطولهن وكان يصِلها صلى الله عليه وسلم فلا يجلس للتشهد إلا في آخر الأربع ركعات يصليها أربعٍ متصلة وهذا جائز في النوافل فأنت إذا صليت النافلة إن شئت - إذا أردت- أن تصلى 4 ركعات إن شئت وصلت وإن شئت فصلت إلا أن السُنًّة في الوصل أن لا تجلس للتشهد بينهما بين كل اثنتين من الركعات فإذا انتهى عليه الصلاة والسلام من الأربع ركعات الأولى صلى بعدها أربعاً ثم أوتر عليه الصلاة والسلام , فتمحض قيامه إحدى عشر ركعة وهى ثابتة في الحديث الصحيح عن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها وأرضاها قالت كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يزيد في رمضان ولا غيره على إحدى عشر ركعة ثم فصلت ذلك يصلى أربعًا لا تسأل عن قصرهن و طولهن وهذا يدل على طول القيام واختلف العلماء رحمة الله عليهم في مسألة طول القيام وعدد الركعات فقال جمع من أهل العلم : الأفضل في صلاة الليل طول القيام مع قلة العدد بحيث لا يزيد على إحدى عشر ركعة من ناحية الفضيلة لا على سبيل الوجوب و اللزوم وهذا مذهب الجمهور إن الأفضل في قيام الليل طول التلاوة لأن النبي صلى الله عليه وسلم فعل ذلك , فكان يسأل آصلى أربعا لا تسأل عن قصرهن و طولهن ومما يدل على رجحان هذا القول ما حدث في الصحيح من حديث جابر(2/94)
رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم سُئل عن أفضل صلاة الليل فقال : " طول القنوت "54 أي الأفضل فيها طول القنوت يعنى القيام ولذلك استدل به جمهور العلماء على أن الأفضل لك أن تطيل القراءة ويكون العدد بهذا الحساب الذي أُثر عن النبي صلى الله عليه وسلم فضلا ً لا فرضًا أي إنه على سبيل الفضيلة لا على سبيل الفريضة , ولذلك اختار هذا القول شيخ الإسلام ابن تيميه رحمه الله وقال إنه على سبيل الفضيلة كما نص عليه في الجمهور وإنه لا يُقصد منه إن من زاد عليه أو انتقص منه أنه لا يجوز ونص على انه ليس على سبيل اللزوم و إنما هو على سبيل الفضيلة وقال بعض العلماء الأفضل أن يكثر من عدد الركعات ولو قل قيامه لأن النبي صلى الله عليه وسلم لما سأله عمر بن عدسة مرافقته في الجنة قال أسألك مرافقتك في الجنة قال أعنِّى على نفسك بكثرة السجود قالوا فهذا يدل على أن الأفضل في صلاة الليل أن يكثر من السجود وإذا أكثر من السجود لا شك أنه سيخفف من قيامه حتى يكون العدد أكثر و الذي يترجح القول الأول أن الأفضل طول القنوت ولذلك ثبت في الصحيح عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه و أرضاه أنه قام مع النبي صلى الله عليه سلم فأطال عليه الصلاة والسلام القراءة حتى هم عبد الله بأمر سوء قيل له وما هممت قال هممت أن أتركه وأذهب وهذا من طول قراءته عليه الصلاة والسلام .
* مقاربة ركوعه وسجوده لقيامه:(2/95)
وكان من هديه عليه الصلاة والسلام مقاربة ركوعه وسجوده لقيامه كما في حديث أنس رضي الله عنه و أرضاه وما ألذ القيام إذا كان بهذه المثابة أن يكون ركوع الإنسان قريب من قيامه وسجوده قريب من ركوعه فهذا من أفضل ما يكون فإنه يجمع بين الفضائل كلها فيجمع بين فضيلة تلاوة القرآن وفضيلة التسبيح وذكر الله جلَّ جلاله وفضيلة الدعاء في السجود فيصيب الفضائل على أتم الوجوه وأكملها ولذلك استحب العلماء أن يكون هناك في الصلاة أتزان من حيث طول الركوع وطول السجود وهذا كله إذا صلى الإنسان لوحده . أما إذا صلى بالناس ووراءه الضعيف و السقيم والكبير وذو الحاجة و حطمة الناس فإنه يرفق بهم ويحاول إصابة السنة قدر استطاعته ولكن لا يشق على الناس لأن النبي صلى الله عليه وسلم فعل أشياء شرعها للأمة وكذلك نص على أشياء بقول التشريع للأمة فقال : " إذا أم أحدكم الناس فليخفف - فنص على أنه يستحب على أنه ينبغي له أن يراعى أحوال الناس - , فإن فيهم الصغير والكبير والضعيف والمريض ، فإذا صلى وحده ، فليصل كيف شاء "55 , فلما ثبت قيامه بالليل وحده عليه الصلاة والسلام وطوَّل قالوا إذا كان الإنسان إمامًاً في صلاة التراويح يراعى أحوال الناس ولا يخفف تخفيفا يفوت به الفضل على الناس ولا أيضًا يطول بهم إطالة يملون بها كتاب الله عز وجل أو الوقوف بين يديه وهذا أمر يرجع إلى نظر الإمام وتوفيق الله عزَّ وجلَّ له والله تعالى إذا أراد للإمام الخير وضع له القبول بين الناس فإن الإمام إذا راعى أحوال الناس ورفق بهم ووسَّع عليهم في الحدود الشرعية وجعلهم يحبون الصلاة ورائه ويرتاحون لذكر الله ورائه فإن هذه غنيمة عظيمة وخير كثير ولا شك أن الناس يحبون الخير ويكثرون عليه ويزدادون رغبة فيه وهذا أفضل مما لو طوّل وبقى معه قليل وفوت على الناس حب الخير وفوت عليهم الحرص على شهوده فلا شك أن الأفضل والأكمل إذا كان هناك رفق أن يراعى من يحتاج إلى الرفق من(2/96)
المأمومين .
* تعظيم الله في الركوع والدعاء في السجود:
وكان من هديه عليه الصلاة والسلام تعظيم الله في الركوع يركع فيطيل في ركوعه فيعظم الله فيكثر من الثناء عليه وفى الحديث الصحيح أنه كان من تعظيمه وتمجيده لربه قوله : " سَبُّوح قدُّوس رب الملائكة والروح " , وثبت عنه عليه الصلاة والسلام انه كان يبرأ في سجوده في قيام الليل ويختار الأدعية العظيمة التي فيها سلامة العبد في دينه ومن ذلك قوله عليه الصلاة والسلام كما في الحديث الصحيح عن أم المؤمنين رضي الله عنها قالت افتقدت النبي صلى الله عليه وسلم فجالت يدي فوقعت على قدمه ساجدًا يقول: " يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك " نسأل الله أن يثبت قلوبنا على دينه فانظر إلى حكمته وعلمه بربه وبصيرته صلوات الله وسلامه عليه كيف اختار هذا الدعاء الذي فيه سعادة الدين والدنيا والآخرة و فلاح الكل فقال ثبت قلبي على دينك قال العلماء يستحب أن يختار الداعي في قيام الليل أفضل الدعاء وأجمعه وليس هناك أفضل ولا أجمع من أدعية النبي صلى الله عليه وسلم فهذا الدعاء العظيم ونحوه من الأدعية المأثورة .
* وصل الوتر:
وكان من هديه عليه الصلاة والسلام انه يصل وتره فيكون بالخمس ويكون بالسبع ويكون بالتسع متصلة ويكون بالإحدى عشر متصلة ولا حرج أن يصلى الوتر بالواحدة منفصلة وأن يوتر بالثلاث متصلة وأن يوتر بالخمس متصلة وبالسبع وبالتسع كل ذلك جائز ومشروع ولذلك ثبت عنه عليه الصلاة والسلام الإذن بالفصل وكذلك فعله بالوصل .(2/97)
ومن إذنه بالفصل قوله عليه الصلاة والسلام : " صلاة الليل مثنى مثنى فإذا خشي أحدكم الصبح صلى ركعة واحدة توتر له ما قد صلى "56 قال بعض العلماء أنه قال أن يوتر بواحدة فاستوى أن يكون فصلاً أو يكون وصلا ً والسُنَّة في قيام الليل أن يكون وترا بهذه لركعة التي ذكرنا وهذه الركعة وهى الوتر فضيلة وليست بفريضة على أصح قول العلماء وهو قول جمهور العلماء من المالكية والشافعية والحنابلة والظاهرية وأهل الحديث أن الوتر سُنَّة وليس بفريضة والأصل في سُنِّيَتِه قوله عليه الصلاة والسلام في الصحيحين لما سُئِل عما فرض الله من الصلوات قال : " فإن هم أطاعوه لذلك، فأعلمهم أن الله قد افترض عليهم خمس صلوات "57 , فلو كان الوتر واجباً لكانت الصلوات ستاً وكذلك ثبت عنه في الحديث الصحيح من حديث طلحة بن عبيد الله أنه لما سأله الرجل ما الذي فرض الله من الصلوات قال خمس قال هل علينا غيرها قال لا إلا أن تطوّع فدل على أن الوتر فضيلة وليس بفريضة.
وقال بعض العلماء بفرضيَّته كما هو مذهب الإمام أبى حنيفة رحمة الله عليه لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " إن الله عز وجل قد أمدكم بصلاة هي خير لكم من حمر النعم ، وهي الوتر ، فجعلها لكم فيما بين العشاء إلى طلوع الفجر"58 , والذي يظهر أن هذا الحديث المراد به الفضيلة وليس الفريضة وبذلك جاء بمثل سياقه في ركعتي الفجر وهم الرغيبة فدل على إنها بفضيلة وليس بفريضة فيحمل على الندب و الاستحباب لا على الحتم و الإيجاب .(2/98)
السنة بالوتر أن يكون مرة واحدة أي يوتر في ليله كله مرة واحدة ولا يكرر الوتر لقوله عليه الصلاة والسلام : " لا وتران في ليلة "59 كما رواه الترمذي في سننه , قال العلماء نُهِىَ عن الوترين في ليلة لأنه إذا صلى الوتر مرتين أصبح العدد شفعيًا والمقصود في قيام الإنسان بالنافلة في الليل أن يكون العدد وتريًا لا شفعيًا , وأخذ بعض العلماء من هذا دليلاًً على أن من أوتر في أول الليل وقام في آخر الليل أنه يصلى ركعة ينقض بها الوتر الأول لأن قوله لا وتران في ليلة يدل على أن الوتر ينقض الوتر و لهذا ثبت هذا فإنه ينقض الوتر الأول بالوتر الثاني ثم يصلى شفعًاً ما شاء ثم يوتر لكي يحصِّل الفضيلة بقوله : " اجعلوا آخر صلاتكم بالليل وترًا 60" , فمن أوتر أول الليل فهو بالخيار بين ثلاث لأحوال :
إما أن ينقض الوتر الأول بركعة إذا صلى في أول الليل وأوتر ثم أراد الله أن يقوم في آخر الليل فأحب أن يصلى فهو في الخيار بين ثلاث أشياء :
1) إما أن ينقض الوتر الأول بركعة ثم يصلى ما شاء ثم يوتر وهذا هو المأثور عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما ويدل عليه حديث الترمذي " لا وتران في ليلة "61 , حيث دل على أن الوتر ناقض للوتر .
2) والحالة الثانية أن يصلى ركعتين ركعتين ولا يوتر لأن الوتر الأول أجزئه ويدل على هذه الحالة ما ثبت في الصحيح من حديث أم المؤمنين عائشة و غيرها أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى ركعتين بعد الوتر قال العلماء صلاهما لبيان الجواز وانه لا حرج على المسلم أن يصلى الشفع بعد الوتر ولكن هذه الصورة الثانية يشكل عليها أنه يفوت على نفسها الأفضل و الأكمل وذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " اجعلوا آخر صلاتكم بالليل وترا "62 , وهذا يدل على أن المستحب والمرغّب فيه أن يكون الدعاء وتر في آخر الليل فإذا كان سيصلى ركعتين ركعتين يكون وتره لأول الليل لا لآخر الليل(2/99)
3) وأما الخيار الثالث وهو ضعيف ومرجوح يعارض حديث الترمذي الذي ذكرناه فهو أن يصلى ركعتين ركعتين ثم يوتر ثانية ً وهذا قول مرجوح والصحيح إنه يقتصر إما على نقل الوتر أو يصلى شفعاًً بعد وتره على ظاهر حديث أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها وأرضاها .
* القراءة في صلاة الليل :
يجوز في صلاة الليل في قراءتها الجهر والسر ولا حرج عليه أن يجهر ولا حرج عليه أن يُسِر ولكن الأفضل أن يجهر بقدر ما يُسمع نفسه وذلك لأن النبي صلى الله عليه وسلم ندب عمر إلى أن يخفض من صوته وأبا بكر أن يرفع من صوته وهذا هو العدل والوسط الذي أمر الله به . قال العلماء انه لو رفع صوته بتلاوة القرآن ذهب خشوعه وضعفت نفسه عن فضائل هي آكد وأبلغ ولذلك قالوا يرفع قليلاً بقدر ما يُسمِع نفسه فهذا هو الأفضل له والأكمل لأنه يكون على نشاط ولأنه إذا رفع من صوته وسمع بأُذنه حصّل فضيلة التلاوة وفضيلة التأثر بسورة أبلغ مما لو قرأ في سره .
كما يستحب في قراءة الليل أن يقرأ من القرآن بالنظر وأن يقرأ غيباً وهل الأفضل أن يقوم في الليل بالقرآن أو غيباً مسألتان :
المسألة الأولى أنه يجوز له أن يقرأ بالقرآن نظراً والأصل فيه أن عائشة رضي الله عنها كانت تأمر مولاها ذكوان أن يقوم بالليل بالمصحف ونص جماهير العلماء على أنه لا حرج أن يصلى في صلاة الليل وهو ينظر إلى المصحف ولكن هل الأفضل أن يقرأ بالمصحف أو يقرأ غيباً ؟؟؟
قال بعض العلماء الأفضل أن يقرأ غيباً لأن النبي صلى الله عليه وسلم قرأ غيباً ولأنه إذا قرأ غيباً انشغلت أحاسيسه وانشغل ذهنه بتذكر الآيات وضبطها وأدائها من دون نقص أو خلل وهذا جهد وتعب يكون أبلغ في الأجر والمثوبة وثالثاً لأنه إذا حمل المصحف انشغل بحمله وكلف نفسه حمله أثناء السجود والنظر إليه والأفضل أن يكون نظره إلى موضع السجود وذلك أقوى وأدعى لخشوعه ولذلك قالوا الأفضل أن يكون غيباً ولا يكون نظراً .(2/100)
وقال بعض العلماء الأفضل أن يقرأ بالمصحف سواء في الصلاة أو غير الصلاة لأنه يأمن الخطأ ولأنه أدعى لضبط القرآن فهي فضيلة متصلة ولأن القراءة من المصحف تفرغه للتفكر بالآيات أكثر والتدبر فيها أكثر.
والذي يترجح هو القول الأول لأنه هدى رسول الله صلى الله عليه وسلم وسنته فالأفضل له أن يقرأ غيباً إلا إذا خشي الخطأ فإنه يحتاط بكتاب الله يكون قريباً منه فإذا كان القرآن في جيبه جاز أن يخرجه وينظر فيه لأنها حركة يسيرة ومن أجل مصلحة الصلاة وتجوز الحركة إذا كانت يسيرة لمصلحة الصلاة إلا إن هنا خطأ ينبغي التنبيه عليه وينبغي على طلاب العلم أن ينبهوا الناس عليه خاصة في المساجد الكبيرة أثناء صلاة التراويح فإنك ترى الرجل حامل للقرآن وينظر في كتاب الله عز َّ وجلَّ فإذا سمع الإمام أخطأ رفع صوته ليرد عليه وقد يكون بينه و بين الإمام في موضع لا يسمع فيه رده ولا يبلغه صوته وهذا لا شك أن فيه تشويش على المصلين وفيه كلام من دون حاجة ولا يجوز له أن يتكلم إلا من ضرورة وحاجة ولذلك قال صلى الله عليه وسلم : " إذا قرأ فأنصتوا "63 , والمسألة عامة حتى من يقف وراء الإمام أو يكون في المسجد والإمام يخطئ لا ينبغي لهم أن يتعجلوا بالفتح على الإمام مادام هناك من يتولى هذا الأمر ومادام أن هناك حفاظاً وراء الإمام حفاظاً وراء الأئمة يردون عليهم إذا أخطئوا فالسُنة أن يسكت الناس وأن ينصتوا لكتاب الله عزَّ وجلَّ وأن يتفرغوا بما ينبغي أن يتفرغ له المأموم من الخشوع والتأثر بكتاب الله . أما حملهم للقرآن إنه سيتكلف هذا الحمل ثم إذا نظر إليه تكلف النظر للقرآن وهذا قد يفوت عليه فضيلة الخشوع والتأثر بكتاب الله عزَّ وجلَّ وبسماع الآيات فلينبغي للناس أن ينصحوه ويوجهوه في ذلك أنه لا حاجة إلى حمل المصاحف خاصة في المساجد العامة و التي لا يحتاج فيها إلى حمل المصحف من المأمومين .(2/101)
والسُنة في القراءة أن تكون مرتلةً إذا قام المسلم من الليل الأفضل له أن تكون قراءته مرتلة قال بعض العلماء الأفضل أن تكون القراءة فوق التجويد ودون الحدر يعنى بين بين والسبب في ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم قرأ الطوال في قيامه من الليل ولا يتأتّى ذلك إلا بطريقة الحدر ولذلك قالوا الأفضل له أن يقرأ قراءة فوق القراءة المتأنية ودون القراءة السريعة أما إذا كان وراءه المأموم فإنه يراعى تأثر الناس والقرّاء يختلفون على حسب حدرهم وتجويدهم فبعض القرّاء تتأثر بقراءته أكثر إذا حدر ورتل وبعض القرّاء تتأثر بقراءته أكثر إذا جوّد ولذلك يراعي تأثر الناس بقراءته فلا حرج عليه إذا قرأ بهذه الصفة أو بهذه الصفة فكل واسع في قيام الليل لأن المقصود التأثر بكتاب الله عزّ وجلّ وبكلامه.
وفى قيام الليل أمور خاصة في رمضان ينبغي التنبيه عليها أولها :(2/102)
* وأعظمها وأجلها وأفضلها الإخلاص لله جلَّ جلاله فمن خرج من بيته إلى بيت من بيوت الله فليخرج وليس في قلبه إلا الله لا يخرج رياءًا ولا سُمعة ولا من أجل سماع الناس فمن راءى راءى الله به ومن سمّعْ سمّعَ الله به ولقد عتب الله على أقوام إذا قاموا قاموا إلى الصلاة وهم كسالى يراءون الناس ولا يذكرون الله إلا قليلا ً عتب الله على هؤلاء وذكر أن مصيرهم إلى الدرك الأسفل من النار وساءت مصيرا نسأل الله بعزته وجلاله أن يعافنا من الرياء وأن يحفظنا منه فيحرص المسلم على إنه يخرج إلى بيت الله مخلصا ً لوجه الله جلّ جلاله ولا ينتظر من أحد أن يمدحه أو يثنى عليه ولذلك كان بعض العلماء يقول لا يبلغ العبد درجة الإخلاص حتى يتمنى أن صلاته وعبادته بينه وبين الله لا تراها عين ولا تسمع بها أذن وهذا من أبلغ ما يكون من الإخلاص لله جل ّ جلاله فيبتعد عن البروز أمام الناس واختيار أماكن خاصة حتى يراه الناس ويثنون عليه بأنه قائم أو انه عابد لا كان إبراهيم النخاعي رحمه الله لا يجلس تحت سارية معينة خوفاً من الشهرة رحمه الله برحمته الواسعة كانوا يخافون الرياء وثناء الناس ومدحهم ومن مدَحه الناس وأثنوا عليهم في وجهه وبالغوا في ثنائه قطعوا عنقه نسأل الله السلامة والعافية لأن الإنسان لا يأمن أن تزل قدمه بعد ثبوتها والمعصوم من عصمه الله .(2/103)
* أما الأمر الثاني فالتبكير إلى المساجد فإن المسلم إذا عظِّم طاعة الله وحرص عليها وأظهر لله من نفسه الشوق إليها والحرص عليها فضَّلَهُ الله وأعلى درجته فإنك إن بكرّت إلى الصلاة كنت أعظم الناس فيها أجرا ً ولذلك قال صلى الله عليه وسلم : " وانتظار الصلاة بعد الصلاة فذلكم الرباط فذلكم الرباط فذلكم الرباط "64 . فالرباط على الخير أن يباكر أن يبدر الإنسان ويبكر إلى قيام الليل ويحرص المسلم وهذا من أفضل ما يكون على أن يكون أول داخل للمسجد وآخر من يخرج من المسجد هذه نعمة من الله يختار الله العبد لذكره وفرّغ قلبه لذكره وجعله من أسبق الناس في الخير فهذه نعمة لأن الله لا يعطى الدين إلا لمن أحب قالوا ومن دلائل حب الله للعبد أنك تجده بخير المنازل في الطاعة قال صلى الله عليه وسلم : " لا يزال قوم يتأخرون حتى يؤخرهم الله "65 , أي يتأخرون عن الخير , وهذا ورد في الصلاة ولكن العلماء يقولون هي قاعدة عامة فالمستبق إلى الخير والمسارع إلى الخير ليس كغيره ولكلٍ درجات مما عملوا ولذلك ينبغي المبادرة والتبكير ما أمكن لما فيه من عظيم الثواب والأجر عند الله سبحانه وتعالى .(2/104)
* ثالثا إذا دخل المسلم المسجد يحرص على أداء السنن التأسي برسول الله صلى الله عليه وسلم في الأذكار في الهيئات ويبادر إلى الصف الأول وينبغي التنبيه إلى عدم تخطى الرقاب وعدم أذية الناس في المسجد بالمضايقتهم أو الجلوس بين اثنين على وجهٍ يزعجهم ويقلقهم ويشوش عليهم في صلاتهم فهناك كبير السن وهناك من هو محتاج إلى سعة قليلة في المكان لضعف في بدنه أو آفة في قدمه أو جسده فينبغي الرفق بمثل هؤلاء خاصة إذا بكروا وأتوا المسجد مبكرين فهم أحق ولذلك إذا كان السبق فينبغي للمسلم أن يبتعد عن أذية الناس ومن علامات القبول والتوفيق أن العبد يؤدى العبادة فيسلم الناس من شره ويسلم الناس من أذيته وما الفائدة إذا كان يطيع الله جلّ جلاله ويؤذى عباده فتكون حسنات طاعته لمن آذاه والعياذ بالله ولذلك يحرص المسلم على ألا يؤذى المصلين خاصة أهل الصفوف الأُوّل والمبكرين إلى المسجد ونحوهم , هؤلاء يحرص على عدم مضايقتهم وعدم التضييق عليهم ما أمكن.(2/105)
* وهنا مسألة حجز المكان فإن من الأمور التي لا يجوز فعلها في المسجد حجز المكان في المسجد إلا في حالة واحدة وردت السنة بالإذن بها وهى إن يخرج الإنسان لقضاء حاجته قال صلى الله عليه وسلم : " من قام من مجلسه ثم رجع إليه فهو أحق به "66 , أما أن يحجز الرجل مكانه فيصلى المغرب ويضع سجادته ويذهب إلى بيته فيأكل ويترفق حتى إذا بقى على الإقامة اليسير يأتي يتخطى رقاب الناس ويؤذى الناس إلى ذلك المكان الذي هو في الصفوف الأُوَل ولا يصل إليه إلا بعد أذية كثير من المصلين فهذا لا يجوز ولا شك أنه ظلم وأذية إذ لو فتح هذا الباب لكل أحد لما وسع كل رجل إلا أن يضع سجاده ويذهب لا يجوز الحجز إلا إذا كان في المسجد وخرج لقضاء الحاجة أما غير ذلك فبيوت الله لله , وأما المساجد لله يستوي فيه الفقير والغنى والجليل والحقير والرفيع والوضيع كله سواء في بيت الله جلّ جلاله لا يجوز للمسلم أن يحجز مكاناً ويدعى أن هذا المكان له وأن هذه السارية له بعينها له مكانها وأنه أحق بالجلوس فيها كل ذلك مما يفوت على الإنسان الأجر وقد يُقعه في الإثم والوزر نسأل الله السلامة والعافية .
وصية لأخواتنا المسلمات :(2/106)
كذلك أوصى أخواتي المسلمات أن يتقين الله عزّ وجلّ في قيام الليل فأوصى المرأة المسلمة بما أوصى به الرجال لأنهن شقائق الرجال كما ثبت في الحديث الصحيح النبي صلى الله عليه وسلم وعلى المرأة المسلمة إذا خرجت لقيام رمضان أن تبتعد عمّا حرّم الله من إبداء الزينة وإبداء المفاتن وألا تخضع بالقول فيطمع الذي في قلبه مرض وأن تقول قولاً معروفاً وأن تخرج إلى بيوت الله خائفة من الله ترجو ثواب الله مخلصة لوجه الله , تعصم نفسها وغيرها عن الفتن ما استطاعت إلى ذلك سبيلا وتبتعد عن مزاحمة الرجال وكذلك عن فتنتهم في الطيب والروائح ونحو ذلك كل ذلك ينبغي على المرأة أن تتحفظ فيه وأن تتقى الله جلّ وعلا في إخوانها المسلمين وان تعلم إنها خرجت ترجو رحمة الله وإنه لا يجوز أن تفتح على نفسها أو على إخوانها أبواب الفتنة سواء كان ذلك بقول منها أو في عمل.
ونسأل الله العظيم رب العرش العظيم أن يبارك لنا في شهر شعبان وأن يبلغنا شهر رمضان وأن يجعلنا ممن صامه وقامه إيمانا واحتساباً وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم وبارك على نبينا .
جزاكم الله خيرا فضيلة الشيخ وبارك الله فيكم ونفع الله بعلمكم الجميع .
س: فضيلة الشيخ هذا السائل يقول : ما حكم ابتلاع النخامة وجزاكم الله خير الجزاء؟
ج: بسم الله الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه أما بعد فهذه المسألة مما تعم به البلوى وهى مسألة النخامة , والنخامة إذا كان الإنسان صائماً لا يخلو من ثلاث أحوال:
الحالة الأولى : أن يزدرد النخامة دون أن تبلغ فمه كأن تكون في خياشيمه أو أنفه فيزدردها إلى جوفه دون أن يخرجها إلى فمه فهذه لا تفطر بإجماع العلماء رحمة الله عليهم وهى من الجسم ومن داخل كتحرك الطعام في الجوف .
الحالة الثانية : أن يخرج النخامة حتى تخرج من فمه ثم يعيدها فهو مفطر كالقيء إذا أخرجه ثم أعاده .(2/107)
الحالة الثالثة : أن يخرج النخامة في فمه ولا يخرجها عن شفتيه كالصورة الثانية فتكون في فمه فهل يفطر أو لا يفطر وجهان للعلماء.
من أهل العلم من قال إن النخامة كالقيء وهى البلغم الثقيل ويكون غليظا ً له قطع أما إذا كان رقيقا ً ومن الريق هذا لا يضر نحن نتكلم عن النخامة التي هي كالقطع قالوا إذا أخرجها إلى فمه فحكمها حكم القيء والذي يظهر أنه من المشتبه الذي ينبغي اتقائه فيحتاط المسلم بقدره و إلقائه فذلك ابلغ واسلم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم دع ما يريبك إلى ما لا يريبك والله تعالى أعلم .
أثابكم الله
س: فضيلة الشيخ ما حكم القلس الذي يخرج من الصائم وهل يعتبر من مفطرات الصوم ؟
ج: ما خرج من الجوف وبلغ اللهاة واللهاة هي الفاصل بين الفم وبين الحلق فاللهاة وهى اللحم المتدلية هي الفاصل عند العلماء إذا قاء الإنسان أو خرج منه القلس فإنه إذا جاوز هذا المكان وأعاده فقد أفطر فمن خرج منه طعام أو فضلة طعام وجاوز اللهاة إلى الفم ثم أعاده فانه يعتبر مفطر وهذا بناء على أن الفم من الخارج لا من خارج لا من داخل فيستوي أن يكون قيئاً أو يكون قلساً والله تعالى أعلم .
أثابكم الله
س: فضيلة الشيخ هذا سائل يقول إني احبك في الله فضيلة الشيخ انتشر في قريتنا أنهم يأكلون ويشربون حتى يقول المؤذن الصلاة خير من النوم فهل فعل هذا صحيح وجزاكم الله خيرا ً ؟(2/108)
ج: الأصل في المؤذن أن يؤذن عند تبين الفجر الصادق من الفجر الكاذب وهذا هو الذي عناه النبي صلى الله عليه وسلم بقوله كلوا واشربوا حتى يؤذن ابن أم مكتوم فإذا أذَّن المؤذن وجب الإمساك لكن من كان في الصحراء وأمكنه أن ينظر إلى السماء وعنده خبرة ومعرفة يعرف بها الفجر الصادق من الفجر الكاذب ونظر أن الفجر باقٍ عليه وأكل في هذا الوقت فانه لا يفطر أما أن يقال للناس كلوا إلى قوله الصلاة خير من النوم أو كلوا وأشربوا إلى أن ينتهي المؤذن فهذا خلاف الأصل لأن الأصل في المؤذن أن يؤذن عند تبين الفجر الصادق من الكاذب وهذا هو الذي نص عليه حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم الثابت في الصحيحين فلا يجوز الأكل إذا كان المؤذن حافظا للوقت وضابطاً له وكان معروفاً بأنه يؤذن عند تبين الفجر فمن أكل أو شرب عند إذن فإنه يحكم عليهم بفطره والله تعالى أعلم .
أثابكم الله
س: فضيلة الشيخ ما معنى قوله عليه الصلاة والسلام : " من قام مع الإمام حتى ينصرف كتب له قيام ليلة "67 ؟(2/109)
ج: القيام مع الأئمة فيه خير كثير فإن لزوم جماعة المسلمين وإصابة دعوة الناس فيها خير كثير كما ثُبِتَ في الحديث الصحيح عنه عليه الصلاة والسلام قال ودعوتهم من ورائهم فيشهد الخير ويشهد جماعة المسلمين ويصلى معهم فنُدِبَ إلى تكثير ثواب الأئمة و الحرص على الصلاة معهم بما في ذلك من نشاط النفوس على الخير و تشفعت أيضاً إخوانه وجيرانه وأقاربه أن يشهدوا هذا الخير حينما يرونه محافظاً عليه أيضاً قال العلماء المقصود من هذا الحديث إنه إذا قام مع الإمام حتى ينصرف ترغيب الناس في البقاء مع الأئمة وترغيب الناس في ألا ينصرفوا إلا مع الأئمة لما فيه من الحصول المعونة على الخير وتشجيعهم أيضاً على القيام بالنفس هذا الحديث المراد به أن يبقى المصلى والمأموم مع الإمام حتى يقضى وتره وينصرف سواء كان إماماً واحداً أو كان أكثر من إمام لأن قوله عليه الصلاة والسلام من قام مع إمامه هذا لفظ أُريدَ به الجنس يعنى جنس من يؤمه سواء كان الإمام الأصلي أو كان هناك أئمة يتناوبون ولذلك قُصِدَ منه جنس الإمام من قام مع إمامه قالوا لأنه لما قعد وصبر واصطبر واحتسب الأجر كان أبلغ في عنائه ونصبه فورد له الفضل بالخصوص فيندب إلى البقاء حتى يختم الأئمة صلاتهم وينتهون منها ويكون في ذلك إصابة دعوة الوتر وما ذلك من رجاء الإجابة مع جماعة المسلمين والله تعالى أعلم .
أثابكم الله
س: فضيلة الشيخ هل يجوز الاعتكاف في غير المساجد الثلاثة ؟(2/110)
ج: قوله في الحديث الماضي كُتِبَ له قيام ليله قالوا يُكتب له أجر قيام الليلة كاملا ً وفرق بين قوله كتب له قيام ليلة وبين الحكم بكونه قد قام الليلة كاملة هناك فرق بين المسألتين وتوضيح ذلك في العشر الأواخر ففي العشر الأواخر يندب إلى إحياء الليل فبعض الناس يصلى مع التراويح ثم يقول إذا صليت التراويح وخرجت مع الإمام كُتِبَ لي أنني أحييت الليل فيذهب وينام ويقول أنى قد أخذت الأجر والفضيلة والواقع أن هناك فرقاً بين الفضيلة وبين الحكم كُتِبَ له قيام ليلة أي كُتِبَ له أجر قيام الليلة ولكنه لا يحكم بكونه قد قام الليل في ما ندب إلى إحياء الليل فيه كاملاً لأن الإحياء لا يكون إلا حقيقة في قوله كما جاء عنه أحيا ليله في حديث أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها وعلى هذا فإنه يكتب له أجر القيام .(2/111)
وأما بالنسبة للاعتكاف فالأصل في قوله تعالى : ( ولا تباشروهن وأنتم عاكفون في المساجد )68 هذا أصل عام أخذ منه جماهير العلماء رحمة الله عليهم و منهم الأئمة الأربعة وهو قول داوود الظاهري و أهل الحديث أن الاعتكاف جائز في المساجد كلها من حيث الجملة إلا أن من نوى أن يعتكف العشر الأواخر أو نذر أن يعتكف العشر الأواخر فإنه لا يعتكف إلا في مسجد فيه الجمعة لأنه إذا نذر اعتكاف العشر كاملة حَرُمَ عليه أن يخرج فإذا جاء يوم الجمعة وهو في المسجد لا يُجَمَّع فيه فمعنى ذلك إما أن يبطل نذره بخروج لأن المعتكف لا يجوز له الخروج إلا لضرورة وحاجة تتعلق ببدنه وإما أن يضطر إلى ترك الجمعة ولا يجوز لمثله أن يترك الجمعة ولذلك إذا نوى أي إذا نذر وفرض على نفسه اعتكاف العشر الأواخر كاملة فإنه لا يعتكف إلا في مسجد فيه جمعة وهذا هو الأصل الذي دعا بعض العلماء أن يقول اعتكاف العشر لا يكون إلا في مسجد يُجَمع فيه حتى لا يضطر إلى الخروج إما لو نذر أن يعتكف ليله وجاء في أي مسجد واعتكف فيه فلا بأس ولا حرج وقد جاء عنه عليه الصلاة والسلام قوله : " لا اعتكاف إلا في المساجد الثلاثة "69 , وهذا الحديث حَسَّن بعض العلماء رحمة الله عليهم من المتقدمين والمتأخرين إسناده وقال مجاهد بظاهره مجاهد ابن جبر تلميذ ابن عباس قال أنه لا يجوز الاعتكاف إلا في واحد من المساجد الثلاثة ولكن خالفه جمهور العلماء على ظاهر الآية الكريمة وكذلك أيضاً قالوا أن قوله لا اعتكاف إلا في المساجد الثلاثة هذا معروف في أسلوب الشرع النفي المُسَلَط على الحقيقة الشرعية كقوله : " لا إيمان لمن لا أمانة له "70 , " ولا صلاة بعد صلاة الصبح "71 , " ولا وضوء لمن لم يذكر اسم الله عليه "72 , تارة يَرد ويراد به الكمال وتارة يَرد ويراد به نفى الصحة فتردد الحديث هنا بين أن يُحمل قوله لا اعتكاف إلا في المساجد الثلاثة بين أن يحمل على الفضيلة أي لا أفضل في الاعتكاف من(2/112)
المساجد الثلاثة فالاعتكاف كامل إلا في المساجد الثلاثة لأن المسجد الحرام فيه فضيلة الطواف التي لا توجد في غيره ومسجد النبي صلى الله عليه وسلم دونه ففيه فضيلة الألف صلاة التي لا توجد في ما دونه والمسجد الأقصى فيه فضيلة مضاعفة الصلاة خمسمائة صلاة فأصبح من يصلى ويعتكف في هذه الثلاث مساجد قد حصَّل من كمال الاعتكاف ما لم يحصله في غيره فصار كقوله " لا إيمان لمن لا أمانة له "73 , أي لا إيمان كامل لمن لا أمانة له وكقوله عليه الصلاة والسلام " ولا وضوء لمن لم يذكر اسم الله عليه "74 , أي لا وضوء كامل لمن لم يذكر اسم الله عليه لوجود الصارفِ من الأدلة الأُخر وهذا هو جمهور العلماء والله تعالى أعلم .
أثابكم الله
س: فضيلة الشيخ هل يكفى أن يوتر الشخص بركعة واحدة من غير شفع؟
ج: من صلى بالليل وصلى ركعة واحدة فعلى حالتين:
الحالة الأولى أن يطول ويكثر من القراءة وينحصر قيامه في ركعة واحدة هذا أُثر عن بعض السلف وعن بعض الصحابة . أُثر عن عثمان رضي الله عنه إنه فعل ذلك وقام بركعة واحدة من طول القيام ولكن الأفضل والأكمل هدى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يصلى الإحدى عشر ويجزّئ قيامه على هذه الصورة أما إذا كان وقته ضيقاً ولا يستطيع إلا أن يصلى ركعة واحدة فيصلى ركعة واحدة فإنه يجزيه أن يوتر بركعة واحدة ولذلك أوتر معاوية رضي الله عنه كما ثبت في الأثر الصحيح عنه وأُثر عن غيره من الصحابة رضوان الله عليهم ولا حرج أن يكون وتره بركعة واحدة لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " إن الله عز وجل قد أمدكم بصلاة هي خير لكم من حمر النعم ، وهي الوتر ، فجعلها لكم فيما بين العشاء إلى طلوع الفجر"75 , قالوا فيجوز أن يصلى هذه الصلاة بركعة واحدة مستقلة ولكن لا ينبغي للمسلم أن يفوت على نفسه الخير والأجر فيحصر قيامه في ركعة واحدة والمحروم من حرم اسأل الله العظيم من واسع فضله والله تعالى أعلم .
أثابكم الله(2/113)
س: فضيلة الشيخ ما حكم صلاة النافلة جماعة باستمرار في غير شهر رمضان وذلك لتأكيد حفظ القرآن ؟
ج: أما بالنسبة للسؤال عن مسألة الجماعة في النافلة فالجماعة في النافلة تُشَرع في صلاة التراويح لأن النبي صلى الله عليه وسلم فعل ذلك وأجمع العلماء رحمهم الله على مشروعية التراويح جماعة وأما بالنسبة لإحياء الليل في غير رمضان جماعة فله حالتان الحالة الأولى:
أن يكون بالقصد والمراد بالقصد عند العلماء أن يتفق الجماعة على أن يخرجوا وأن يصلوا كل ليلة جماعة أو أن يتفق أهل مسجد على أن يجتمعوا في ساعة من الليل يصلون في بيت أحدهم أو في المسجد جماعة فهذا لا يشرع لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يفعل الجماعة قصداً إلا في التراويح لكن لو إنك كنت في سفر أو كنت في بر أو كنت في بيتك وعندك ضيف أو نزلت ضيفاً على رجل رأيته يقوم الليل فجئت عن يمينه وقمت معه أو رآك تصلي في الليل وجاء يصلى معك فلا حرج فهذه تسمى الجماعة اتفاقاً لأن ابن مسعود رضي الله عنه وكذلك ابن عباس رضي الله عنه إنما صلى اتفاقاً لا قصداً ولذلك لما أراد أن ينام ابن عباس مع النبي صلى الله عليه وسلم لم يقل النبي صلى الله عليه وسلم يا غلام قم معي الليل أو إذا كان آخر الليل فصلى معي جماعة قالوا فعل ذلك اتفاقاً لا قصدا ويجوز ذلك أيضاً في النهار فلو جئت في بيت وصليت الضحى فرآك صديقك أو من معك فأحب أن يصلى معك أو الزوجة أرادت أن تصلى معك فلا حرج لأن النبي صلى الله عليه وسلم ثبت عنه في الصحيحين أنه دخل على أم حَرام بنت ملحان رضي الله عنها وأرضاها قال أنس قال لنا قوموا فلأصلى لكم فهذا شيء حصل اتفاقاً أي إنه لم يكن مرتباً قبل مجيئه عليه الصلاة والسلام وقبل وقته وحينه قال فاصطففت أنا واليتيم معه والعجوز من ورائنا فدل على جواز النافلة اتفاقاً لا قصداً والله تعالى أعلم .
فضل العشر الأواخر وليلة القدر
لفضيلة الشيخ / محمد بن صالح المنجد(2/114)
عباد الله وقد وصل المسلمون إلى أواخر شهرهم واقترب السباق من نهايته وزادت حرارة الإيمان بدخول العشر ورجاء ليلة القدر , فهذا أوان الجد والاجتهاد وإخراج أكثر ما لدى للنفس من الطاعة والعبادة , فاعمل يا عبد الله بقدر ما تستطيع فإنها أيام لا تعود , وإنها فرصة لا تعوض , ولا ندري من الذي يدرك رمضان القادم , وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يجتهد في العشر الأواخر من رمضان ما لا يجتهد في غيرها وكان يعتكف فيها ويتحرى ليلة القدر خلالها وكان إذا دخل العشر أحيا الليلة وأيقظ أهله وشد مئزره كناية عن الاستعداد للعبادة والاجتهاد فيها أكثر من المعتاد , تشهيراً في الطاعات ابتغاء مرضاة الله سبحانه وتعالى , اعتكاف في المسجد وتباعد عن النساء كذا كان هديه صلى الله عليه وسلم في هذه العشر, أحيا ليله أي استغرقه بالسهر في الصلاة وغيرها والنبي صلى الله عليه وسلم لم يقم ليلة كاملة إلى الصباح ليصلي ولكنه صلى في تلك الليالي كثيراً جداً وأطال الوقت في الصلاة وما بقى من الليل استغرقه في الاستغفار والذكر والدعاء و والتذكّر والتدبر والتفكر وهذه عبادات المؤمنين .
لقد اهتم صلى الله عليه وسلم بأهله وأفراد أسرته وأيقظ أزواجه للقيام , كان يوقظهم في سائر السنة لبعض الليل ولكنه صلى الله عليه وسلم اهتم بإيقاظ أهله في العشر الأواخر اهتماماً خاصاً لأن المسلم يريد الخير لأهله أيضاً وكذلك فإن حرصه عليهم وابتغاء الخير لهم منطلق من إحساسه بالمسؤولية نحوهم والواجب تجاههم , فكان الخير يعم النفس والأهل وهكذا ينبغي علينا الاقتداء بنبينا صلى الله عليه وسلم والجد في هذه العشر والاجتهاد في عبادة الله وعدم تضييع هذه الأيام وليالي فربما يأتي هادم اللذات ومفرق الجماعات فينزل فيحصل الندم ولا فائدة من ذلك ولا نفع حينئذ .
* فضل ليلة القدر :(2/115)
إن هذه العشر , عشر عظيمة , وهي أعظم أيام السنة على الإطلاق لوجود ليلة القدر فيها ولأنها في شهر الصيام ( إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِِ* وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِِ * لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِّنْ أَلْفِ شَهْرٍِ )76 , ( حمِ * وَالْكِتَابِ الْمُبِينِ * إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُّبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنذِرِينَ * فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ * أَمْراً مِّنْ عِندِنَا إِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ * رَحْمَةً مِّن رَّبِّكَ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ )77 إنها ليه مباركة انزل فيها القران و ( فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ )78 , أي تقدر في تلك الليلة مقادير الخلائق على مدار العام ويكتب فيها الأحياء والأموات والناجون والهالكون والسعداء والأشقياء والعزيز والذليل وكل ما أراده الله في السنة المقبلة يكتب في ليلة القدر هذه , وتُنقل في ليلة القدر من اللوح المحفوظ مقادير الخلائق قال ابن العباس " إن الرجل يرى يفرش الفرش ويزرع الزرع وانه لفي الأموات " يعنى انه كتب في ليلة القدر انه من الأموات وتعرف الملائكة المقادير للسنة القادمة في تلك الليلة بما يجعل الله في ألواحهم من اللوح المحفوظ .
ليلة القدر تضيق الأرض بكثرة الملائكة عليها , إن الملائكة في الأرض تلك الليلة أكثر من عدد الحصى , إنها ليلة عظيمة القدر جليلة المكانة لكثرة مغفرة الذنوب وستر العيوب فهي ليلة المغفرة ( من قام ليلة القدر إيمانا و احتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه )79 , خير من عبادة ثلاثة وثمانين سنة خير من ألف شهر , تتنزل فيها الملائكة والروح وجبريل والرحمة , إنها سلام يعني سالمة لا يستطيع الشيطان أن يعمل فيها سوءًا أو يعمل فيها أذى وتكثر السلامة من العقاب والعذاب بما يقوم به المؤمنون طاعة لله في تلك الليلة .(2/116)
فيها يغفر الله عز وجل لمن قامها إيمانا واحتسابا , شريفة جدا , نوه بقدرها وشرفها فقال: ( وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِِ )80 , ترغيبا للعباد و حث لهم على تحريها ومحاولة إصابتها , تُتَحرى في رمضان في العشر الأواخر وفي أوتاره أكثر وفي ليلة سبع وعشرين وغيرها , وهناك من العلماء من قال بتنقلها بين الليالي في كل سنة تكون في ليلة يعلمها الله لكن أكثر ما تكون في ليلة سبع وعشرين , وقد تكون في ليلة إحدى وعشرين وليلة ثلاث وعشرين وآخر ليلة من رمضان بل بحساب ما بقى ربما تكون في ليالي الأشفاع كما بين أهل العلم كشيخ الإسلام رحمه الله .
فينبغي إذن تحريها في العشر كلها لقد أخفيت عنا لمنفعتنا ومصلحتنا حتى نجتهد في العبادة لو عُينت لنا لربما ما قمنا ولا اجتهدنا إلا في تلك الليلة المعينة , فلما أُخفيت عنا صارت النفوس تريد أصابتها بأي طريقة ولو كان بسهر وتعب ممتد عبر ليال هذه العشر , لكن العبرة من إخفائها أيضا في سبب الإخفاء وهو تلاحي رجلين من المسلمين مما يبين خطورة التخاصم والتنازع بين المسلمين وأن في ذلك شؤم على الجميع " خرجت لأخبركم بليلة القدر فتلاحى فلان وفلان - أي تخاصما فرفعت أي رفع التعين والعلم بها- فرفعت وعسى أن يكون خيرا لكم فالتمسوها في التاسعة والسابعة والخامسة "81 .
عباد الله إن من أصابها فاز فيا حظ من أصاب ويا سعادة من ظفر إنه الظفر والله .
* علامات ليلة القدر :
عباد الله لقد جاء في الأحاديث بيان آياتها بالعلامة بعد انقضاءها كما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم بأنها تطلع أي الشمس يومئذٍ أي في صبيحة تلك الليلة بعد انقضاءها لا شعاع لها كما جاء في صحيح مسلم وغيره .
* دعاء المسلم إن وافق ليلة القدر :
ماذا نقول ؟ , عن عائشة رضي الله عنها قالت : قلت يا رسول الله : " يا رسول الله أرأيت إن وافقت ليلة القدر ما أدعو ؟ , قال : تقولين اللهم إنك عفو تحب العفو فاعف عني "82 .(2/117)
* الإعتكاف لإصابة ليلة القدر :
إن الاعتكاف لإصابة ليلة القدر عمل عظيم وكان عليه الصلاة والسلام يعتكف العشر كلها لزوم النفس في طاعة الله لا في الأحاديث التي تقطع بها الأوقات في الأمور في الفارغة ولكن ذكر و تسبيح وتلاوة واستغفار وتفكر وتدبر, إنها فرصة عظيمة للخلوة بالله تعالى وانقطاع عن زخرف الدنيا , فبماذا يأتي المعتكف إلى المسجد بفراش بسيط يذكره حقارة هذه الدنيا وأن الغنيمة الحقيقية في الظفر بطاعة الله تعالى .
إن كثرة الاختلاط بالناس ومعاكسة الأحوال والأوضاع المختلفة وفضول النوم وفضول الآكل وفضول الكلام - أي الزيادة منها عن الحد - تقسي القلب فكان في الاعتكاف علاج للقلب وتليين له , وأكثر ما يفسد القلب الملهيات والشواغل فيكون الاعتكاف مانعاً من هذه الأشياء.(2/118)
عباد الله إنه قد أُحيط بنا في مسالة الملهيات بل والمحرمات والصوارف التي تشغل عن الله وهذه الوسائل الترفيهية الكثيرة التي دخلها الحرام في غالبها , إنها قد قست القلوب , أورثت قسوة القلب , فينبغي أن يُلين القلب القاسي في هذا الموطن في العبادة العظيمة فيقوم في النهار ويقوم في الليل ويعتكف في المساجد وينصرف عن المحرمات وينقطع عن الشواغل ويتأمل في عيوب نفسه ويتأمل في كتاب ربه ويتأمل في حقارة الدنيا وفي إقباله على الآخرة وقد جمع خوفاً واعتكافاً وذكرى . لقد كانت تلك الليالي العظيمة التي قضاها النبي صلى الله عليه وسلم في معتكفه مع رفيقه يراه ولا يراه الآخرون , إنه جبريل عليه السلام الذي كان معه في معتكفه يراجع معه حفظ القرآن الكريم , وإنك لو تخيلت في نفسك ذلك الموقف العظيم لصحابة رسول الله صلى الله علية وسلم وهم يرون نبيهم صلى الله عليه وسلم جالسًا في معتكفه يسرد على شخص لا يرونه لهالك ذلك , إنه موقف يزيد الإيمان وجبريل يعارض محمدًا عليه الصلاة والسلام القرآن , وفي السنة التي مات فيها صلى الله عليه وسلم راجع القرآن مرتين مع جبريل عليه السلام فقد كان الاعتكاف فرصة لمراجعة القرآن .(2/119)
عباد الله , قال بعض العلماء يزيد أن يعتكف ليلاً من المغرب إلى الفجر مثلاً وقال بعضه أقله يوم وليلة أي أربع وعشرون ساعة ولو دخل بعد المغرب أو دخل بعد الفجر فخرج في الفجر الثاني فإنه طيب حسن , ويمكن أن يبدأ في أي وقت في اليوم إلى الوقت المقابل من اليوم الذي يليه أو أكثر بحسب الإمكان يلتمس إلى الله عز وجل لا يخرج منه إلا لحاجة الإنسان من بول أو غائط أو تناول طعام ربما لا يتيسر له في معتكفه فإن تيسر له لزم المسجد وإلا خرج للحاجة ورجع بسرعة مقتصراً على قضاءها أو حصل له جنابة فذهب إلى الاغتسال ونحو ذلك من الأمور التي لابد منها , ولذلك لا يعود المعتكف مريضاً ولا يشهد جنازة بل ينقطع في المسجد لطاعة لله عز وجل يتحرى ليلة القدر يُفلح قلبه ويحفظ الصيام ويتقلل من المباحات .
عباد الله هذه العشر عشر عظيمة ينبغي التركيز فيها على قضاءها في طاعة الله , فيا حظ من فعل ذلك ويا خسران من قضاها في اللف في الأسواق , إننا نتألم والله لحال الشباب الذين نجدهم في هذه العشر يتسكعون في الطرقات ويجلسون على الأرصفة في لهو محرم وعبث طيلة الليل إلى الفجر , ثم تتألم عندما ترى هؤلاء اللاهون عندما قد رفعوا أصوات الموسيقى والأغاني الغربية والشرقية في سياراتهم التي أنزلوا نوافذها وفتحوها وهي تتدفق بالمحرمات في هذه الليالي الفاضلة.(2/120)
عباد الله إن المسلم ليعتصر ألما وهو يرى هذه اللحظات الثمينة في هذه الليالي الفاضلة تُقضى أمام المسلسلات والقنوات الفضائية التي لا تلبث أن تبثّ السم وتتدفق بالفساد والشر ملهية العباد عن اللحظات الثمينة , إن هذه الأبواب المشرعة للمحرمات إنها ستكون خسران يوم الدين عندما يرى هذا الذي إلتهى بها ماذا حصَّل السابقون والمقربون وماذا خسر هو, ليس يتحسر أهل الجنة على شيء إلا على ساعة مرت بهم لم يذكروا الله تعالى فيها , فما بالك إذا كانت القضية ساعات فما بالك إذا كانت محرمات وليس فقط ذهاب الوقت بغير ذكر .
عباد الله المسالة تحتاج إلى صبر والله ولكن من ذاق لذة الطمأنينة بالله والإقبال عليه ودخل جنة الدنيا لم تعد تهمه تلك السفالة , وان الإنسان إذا ذاق لذة الذكر والعبادة عرف أنها أفضل من لذة تلك المباريات والمسلسلات والأفلام والبرامج التي يسمونها ترفيهية إن لذة المعيشة في كنف الله وذكره وعبادته أكبر بكثير مما تسببه هذه الملذات الدنيوية الدنيئة في نفوس من انتكست فطرته وانحرفت نفسه عن صراط العزيز الحكيم .
عباد الله يجب أن نُقبل على الله وأن نتوب إليه وأن نتذكر في هذه الساعات والليالي تلك الذنوب فنتوب إلى الله منها ونستغفره ونلح عليه في الدعاء أن يتجاوز عنا ...
اللهم اغفر لنا ذنوبنا وإسرافنا في أمرنا ...
اللهم اغفر لنا ذنوبنا كلها رقها وذلها سرها وعلانيتها ...
اللهم تجاوز عنها وسامحنا يا أرحم الراحمين ...
اللهم طهرنا من ذنوبنا بالماء والثلج والبرد ونقنا من الذنوب والخطايا كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس ...
اللهم اجعلنا من الذاكرين لك كثيرا والشاكرين لك كثيرا ...
اللهم اجعلنا من أهل التوبة النصوح تقبل توبتنا وانصر حوجتنا وثبت حجتنا وطهر قلوبنا وسدد ألسنتنا يا ارحم الراحمين ...
أقول قولي هذا واستغفر الله لي ولكم واستغفره إنه هو الغفور الرحيم ...
### فاصل ###(2/121)
الحمد لله واشهد أن لا اله إلا الله وسبحان الله ولا حول ولا قوة إلا بالله , واشهد أن محمدا رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى آله وصحبه أجمعين هو إمام العابدين وسيد الزاهدين وحامل لواء الشفاعة يوم الدين وصاحب المقام المحمود الذي يغبطه عليه الخلق من الأولين و الآخرين صلى الله عليه وعلى آله وصحبه و أزواجه وذريته الطيبين الطاهرين :
عباد الله إذا رأيتم وأنتم تمشون في الشوارع والطرقات اللافتات الكثيرة بالفرصة العظيمة فرصة لا تُفَوت و تنزيلات هائلة وتخفيضات رهيبة وإقبال على الشراء وازدحام في السوق , فتذكروا سوق الآخرة وتذكروا الربح العظيم يوم الدين وتذكروا الفرصة التي تفوت ولا تعوض بذهاب هذه اللحظات التي أنتم فيها بغير عبادة .
عباد الله نحتاج إلى تعقل وتروي ونحتاج إلى محاسبة للنفس ولجمها , نحتاج إلى كبح جماحها , فهي تريد الانطلاق وهي لا تريد القيود والعبادة تحتاج إلى تفريض للنفس والنفس تكره ذلك , ولكن من جاهد نفسه سهل الله عليه المهمة , إنها ليسيرة على من يسر الله سبحانه وتعالى له ذلك ( وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِن مُّدَّكِرٍ )83 .
عباد الله أليس من المؤسف أن بعض المسلمين يخططون في المعصية بعد العيد , بعد صلاة العيد والمشهد العظيم للذكر والتكبير , أن يحصل التخطيط في ذلك في شهر الصيام لماذا تجعل هذه المواسم العظيمة مجالا للتخطيط لما يحدث بعد ذلك من الفساد والمعصية أو تضييع الأوقات واللهو المحرم ؟؟؟!!! .
* زكاة الفطر:(2/122)
عباد الله لا نقبل بالازدواجية والمؤمن له وجه واحد , والنفاق ذميم فينبغي تخليص القلب من الشوائب وطرد داعي المعصية من النفس, أن نقف وقفة صريحة نحاسب بها أنفسنا والدليل على المحاسبة قول الله تعالى : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنظُرْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ )84 غد يوم القيامة ولتنظر نفس ما قدمت لغد , واعلموا رحمكم الله وغفر ذنوبكم ورفع قدركم أن الله عز وجل قد جعل زكاة الفطر طهره للصائمين من اللغو والرفث وطعمه للمساكين تؤدى قبل الصلاة زكاة مقبولة , حكمة الله ورحمته بعباده أن شرع لهم كفّارة لم حدث في صيامهم من التقصير( قَدْ أَفْلَحَ مَن تَزَكَّى * وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى )85 , تجبر بطلان الصوم كما تجبر سجود السهو بطلان الصلاة , فرض على العباد لقول الراوي: " فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم زكاة الفطر من رمضان صاعا من تمر أو صاعا من شعير على العبد والحر والذكر والأنثى والصغير والكبير من المسلمين "86 , إنها صدقة يسيرة لا تكلف كثيرا والحمد لله يخرجها المسلم عن نفسه وعمن ينفق عليهم من الزوجات والأقارب , فإن قدروا على إخراجها بأنفسهم فإخراجهم لها أولى , إنها تُؤدى حتى عن الصبي الصغير وعن المجنون وكذلك عن اليتيم يخرجها الوليّ والوصيّ , يخرج الإنسان عن نفسه وزوجته وأولاده ووالديه إن كان يعيلهم و بنته التي لم يدخل بها زوجها , يخرج زكاة الفطر عن كل واحد صاع من طعام البلد من أزر أو تمر أو قمح ونحو ذلك . وهذه الزكاة تعطى طعاما من قوت البلد وليس مالاً ولا نقداً وإنما طعام كما جاء في السنة لأن الشارع فرضها طعام لا مال وحدد جنسها وهو الطعام فلا يجوز الإخراج من غيره , ولأنه أرادها ظاهرة لا خفية فإخراجها مالاً يخيرها خفية , والصحابة أخرجوها طعاماً ونحن نتبع ولا نبتدع , وإخراج زكاة الفطر طعام(2/123)
ينطبق لكن لو قلت بالمال فعلى فعل أي شيء تخرج وقد تظهر شواهد في إخراجها قوتا كما في حالات الافتقار وارتفاع الأسعار والحروب والغلاء , فإن قال قائل النقد انفع للفقير فالجواب أن الشارع قد جعل لحاجات الفقير الأخرى مصادر أخرى زكاة المال والصدقات فلماذا تخلط الأمور زكاة المال من المال وزكاة الفطر من الطعام طعمه للمساكين في ذلك اليوم .
عباد الله السنة إخراجها قبل صلاة العيد لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بها أن تؤدى قبل خروج الناس إلى الصلاة , ويجوز أن تؤدى قبل العيد بيوم أو يومين , ومن أخرها بعد العيد فهو مفرط وعاص ٍ , لا يجوز التأخير وعليك الاحتياط يا عبد الله والنظر في من توكل إن كنت ستوكل أن الموكل ثقة , فيجب أن تصل إلى مستحقها أو من ينوب عنه قبل الصلاة , وإذا وكل المزكي شخصا لإخراج الزكاة عنه فلا تبرأ الذمة حتى يتأكد أن الوكيل قد أخرجها ودفعها فعلا في وقتها . وتصرف زكاة الفطر إلى الأصناف الثمانية الذين تصرف لهم زكاة المال , وذهب بعض العلماء وهو اختيار شيخ الإسلام ابن تيميه و رواية عن احمد والمالكية إلى تخصيص صرفها للفقراء والمساكين . ويجوز أن يعطى الفقير الواحد فطر أشخاص عدة , كما يجوز أن يعطى الفقير نصف فطرت شخص لكن يُعلم بذلك حتى لا يظنها مخطئة إذا أراد أن يخرجها من جديد , والأفضل أن يتولى الإنسان قسمها بنفسه ولكن لو وكل غيره من طرف ثقة أو جمعية موثوقة فلا بأس بذلك إذا دفع المال إليهم يوكلهم بالإخراج عنه أن يخرجوا عنه طعاما .
والسنة أن يفرّقها الإنسان في البلد التي وجبت عليه فيه أين سيفطر من رمضان ؟ أين سيأتي عليه العيد ؟ فيخرج حيث هو في المكان التي وجبت عليه فيه , اسمها صدقة الفطر متعلقة بالفطر لأنه سببها , ونسأل الله أن يتقبل منا أعمالنا وأن يجزي لنا الجزاء الأوفى وأن يعيننا على ذكره وشكره وحسن عبادته .(2/124)
عباد الله أننا نحتاج كثيراً للتأمل فيما أعد الله لعباده في اليوم الآخر. أن تَذكُر الإيمان ونعيمه والنيران وجحيمها ليؤدى بالعبد إلى تصحيح المكان ووضع القدم على الطريق الصحيح لابد من المراجعة لابد من الخوف لابد من الخشية والرجاء رجاء الله واليوم الآخر وخشية الله وخشية اليوم الآخر وما أعد الله فيه .
عباد الله لابد لنا نحن المسلمين أن نوقن تماما اليقين بأن الله ناصرٌ دينه وأن الله سبحانه وتعالى ما أنزل هذا الدين إلا ليكون في الأرض معمولاً به قائماً . إن الله لم ينزل دينه لينقرض ولا ليذهب ويضمحل وإنما ليبقى وسيبقى رغماً عن الجميع .(2/125)
عباد الله من شك لحظة أن الدين مغلوب وإنه ذاهب فويل له سيئ الظن بربه ألم يعلم بأن الله قال : ( يُرِيدُونَ لِيُطْفِؤُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَِ )87 , فدين الله باق ومنصور ومهما تعرّض المسلمون للحروب ومهما تعرّضوا للهزائم فإننا واثقون بأن نصر الله قادم لا محالة , وقد قال الله تعالى: ( وَتِلْكَ الأيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللّهُ الَّذِينَ آمَنُواْ وَيَتَّخِذَ مِنكُمْ شُهَدَاء وَاللّهُ لاَ يُحِبُّ الظَّالِمِينَ )88 , ولكن وعد الله لا يتخلف ولو حصل للمسلمين كما في زماننا في زمن الضعف حصل لهم هزائم أو تراجعات فإنهم لا يمكن أن يزولوا ولا أن ينقرضوا بحمد لله , لأن الله تكفل لنبيه عليه الصلاة والسلام ألا يسلط على أمته --الأمة المحمدية - عدوا من سوى أنفسهم فيستبيح بيضتهم , لا يمكن إفناء المسلمين لا يمكن إفناء المسلمين , لا يمكن القضاء على المسلمين إطلاقاً مهما حصل لهم من المصائب فإن جذوة الدين في قلوبهم , وهم سيكرون مرة أخرى ولا شك , وللإسلام جولة وليتخذ الله شهداء وليمحص المؤمنين ولينظر كيف تعملون وليكشف أستار المنافقين وليظهر خفايا المجرمين وليعلم الناس أهل الخبث ما حقيقتهم وما هم عليه وكل ذلك ما يظهر في زمن القوة لكن النفاق والخبث يظهر كما قال المنافقون في غزوة أحد , قالوا كلاماً كثيراً لو أطاعونا ما ماتوا لو أطاعونا ما قتلوا ولو ولو غر هؤلاء دينهم هكذا قال المنافقون , متى تظهر هذه العبارات من أهل النفاق المستترين ليس في زمن القوة والغلبة وإنما على حين ضعف وانكسار من المسلمين تظهر هذه الأشياء . ولذلك أيها الأخوة لابد أن نبقى أوفياء لهذا الدين , لابد أن نبقى به عاملين وله مخلصين , إذا كنا نعتقد بأن الله يمتحننا لينظر كيف نعمل فلابد أن نبقى على الوفاء لهذا المنهج الذي أنزله الله ولهذا الإسلام الذي(2/126)
شرعه الله ونحن سائرون إلى الله معتقدين بأن الله ناصر دينه ولابد , وأنه ستقوم للمسلمين انتصارات عظيمة في المستقبل نسأل الله أن يعجلها و يقربها إنه سميع مجيب ومهما تغطرس اليهود وأعداء الإسلام وحملة الصليب وأهل الشرك فإن الله سيأتي بهزيمتهم ولا بد .
عباد الله إن لله حِكَما وإن لله في تقديره هذه المقادير أموراً يعلمها عز وجل , له أمور وشؤون ولله في خلقه شؤون وأمور يعلمها عزّ وجلّ , ويريد الله سبحانه وتعالى يريد الله أمور يعلمها عز وجل يظهر يعضها للعباد ويخفى عليهم بعضها ( وَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَعَسَى أَن تُحِبُّواْ شَيْئاً وَهُوَ شَرٌّ لَّكُمْ وَاللّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ )89 ( فَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئاً وَيَجْعَلَ اللّهُ فِيهِ خَيْراً كَثِيراً )90 انظر إلى الواقع في هذه الآية يا عبد الله ( فَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئاً وَيَجْعَلَ اللّهُ فِيهِ خَيْراً كَثِيراً)91 , ( وَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ )92 , والفرج من الله وقد قال عزّ وجلّ : ( فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً * إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً )93 , فان مع العسر يسراً لابد أن يأتي وقد نكّر اليسر وعرّف العسر لنعلم بأن العسر الثاني هو العسر الأول ولكن اليسر الثاني إضافي غير اليسر الأول ( فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ) لم يقل اليسر ولكن قال : ( إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً ) يسراً آخر فاليسر لا يأتي إلا مع العسر فإذا جاء العسر جاء اليسر واليسر الثاني وهكذا يتوالي الفرج من الله .
وقد سُئل الشافعي رحمه الله تعالى هل الأفضل للمسلم أن يُمَكن أو يُبتلى؟(2/127)
هل الأفضل للمسلم أن يُمَكن في الأرض وتكون له القوة والغلبة فيحكم بشريعة الله أو الأفضل أن يُبتلى فيحصل له ما يحصل من هزيمة أو قتل أو ذهاب مالٍ ونحو ذلك فقال رحمه الله بفكره العظيم لا يُمَكن حتى يُبتلى , فإذن لابد من الابتلاء وقد ذكر الله سبحانه وتعالى في كتابه العزيز: ( وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً )94 , ووعد الله لابد أن يتحقق وإذا نظر المسلم إلى اليهود في فلسطين ورأى ما لديهم من الآلة الحربية مثلا لظن أن المسلمين لا يمكن أن يجابهوهم وأن اليهود سيبقون هكذا متسلطين على رقاب المؤمنين لكن دوام الحال من المحال , يا عبد الله دوام الحال من المحال وسيأتي الوقت والله العظيم الذي لا إله إلا هو الذي ينتصر فيه المسلمون على اليهود حتى يقول الشجر والحجر يا مسلم يا عبد الله هذا يهودي ورائي تعالى فاقتله , ومتى يكون نزول عيسى عليه السلام , ومتى يكون ظهور لواء الله في الأرض على يد عباده الصالحين , إنه يكون بعد أن تمتلئ الأرض ظلماً وجوراً كما جاء في الحديث الصحيح , فهي لو امتلأت بذلك شرقاً وغرباً فان الفرج سيأتي من الرب لكن ما هو المهم أيها الإخوة ؟؟ !!! المهم أن نلقى الله ونحن نعبده , أن نلقى الله ونحن على عقيدة سليمة , أن نلقى الله ونحن نعمل للإسلام , يا أيتها الأمة المسلمة اعبدي ربك فسوف يأتيك بالفرج .
والحمد لله رب العالمين
مخالفات نسائية في رمضان
للشيخ / نبيل العوضي
( شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِيَ أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَان)95
شهر رمضان(2/128)
هذا الموسم إذا أردت أن تكون من المغفور لهم إن شاء الله يلزمك أن تستقبله ببعض الآداب وبعض الأشياء الشرعية التي إذا عملت بإذن الله كنت عليا بأن يغفر الله لكم
شهر الدعوات و الرحمات
يا سيدي الرحمة , يا باسط اليدين بالرحمة
اللهم اجعل القرآن العظيم شفيعنا وحجة لنا لا حجة علينا
اللهم اجعل أمرنا مقبولا وسعينا مشكورا ولا تجعل فينا محروما
برحمتك يا ارحم الراحمين
شهر رمضان
رمضان تقدس موعده و أنار الكون تجدده
برحابك يا رمضان الخير نطيع الله و ونعبده
بسم الله الرحمن الرحيم والحمد الله رب العالمين والصلاة والسلام على سيد المرسلين وعلى آله وصحبه أما بعد
العنوان أخواتي الكريمات كما سمعتن مخالفات الشرعية في رمضان(2/129)
رمضان يفرح بدخوله كثيرا من الناس , منهم من يكون من أهل الدنيا يفرح بدخول رمضان , فهذا التاجر يفرح لان رمضان قد دخل وبضاعته سوف تروج وتجارته سوف تربح فهو يفرح برمضان لكن ليس لله جل وعلا , وذاك يفرح بدخول رمضان لأجل اللعب واللهو والسهر والمرح وقضاء الأوقات في المباح أو إن لم يكن من هذا بالحرام فهو يفرح برمضان ولكن ليس لله عز وجل , وهذا يفرح بدخول رمضان لأجل ما يعرض في التلفاز من مسلسلات ومسابقات وأفلام وبرامج وقضايا خاصة بما حرم الله فهو يفرح بدخول رمضان ولكن ليس لله عز وجل , ومن الناس من يفرح بدخول رمضان لأجل الدعاء والقرآن والصلاة والذكر والعبادة ولهذا يفرحوا لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " إذا جاء رمضان فتحت أبواب الجنة، وغلقت أبواب النار، وصفدت الشياطين "96 , وفي رواية فيها زيادة قال : " وينادي مناد يا باغي الخير أقبل ، ويا باغي الشر أقصر ولله عتقاء من النار ، وذلك كل ليلة "97 . إنه رمضان يفرح المؤمن بدخوله بل بقدومه بل يفرح إذا اقترب هذا الشهر ويبكي لفراقه لان الله عز و جل كتبه فهو يفرح لان الله كتبه عليه ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ )98 , لم يكتبه الله عز وجل لأجل المشقة ولا لأجل التعب ولا لأجل التكليف فقط بل قال الله عز وجل : ( كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ ) لِمَ يا رب !! ( لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ )99 يفرح المؤمنون بقدوم هذا الشهر لِمَ ؟ لأنه شهر التوبة فكل من زلت زلة أو كل من أخطأت خطأ ومن وقعت في معصية تنتظر هذا الشهر بفارغ الصبر لِمَ ؟ لترفع يدها إلى الله عز وجل لعل الله يجعلها من عتقائه من النار ولله عتقاء من النار وذلك في كل ليلة.(2/130)
مضى رجبٌ فما أحسنت فيه وولى شهر شعبان المبارك , فيا من ضيع الأوقات جهلا أفق ، أفق و أحذر بوارك , فسوف تفارق اللذات قصرا ويخلي الموت كرها منك دارك , تدارك ما استطعت من الخطايا لتوبة مخلص واجعل مدارك , على طلب السلامة من جحيم فخير ذوي الجرائم من تدارك .
( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَّصُوحاً )100 , توبة نصوح ليست أي توبة فتستغل المؤمنة الصادقة هذا الشهر لأنه وقت فضيل تستغله في التوبة لله عز وجل من الذنوب من الخطايا من المعاصي , فيا هنيئا لهذه المرأة وهنيئا لتلك التي ما خرج رمضان إلا وقد عتقها الله من النار, وهنيئا لهذه التي ما مضى رمضان إلا وقد غفر الله ما تقدم من ذنبها وما تأخر , تفرح بقدوم هذا الشهر شهر المغفرة شهر العتق من النار شهر التوبة , فتفرح تلك المرأة وتعد الأيام عدا لقدوم شهر رمضان لأنه شهر القرآن الذي أنزله الله عز وجل فيه والذي يتفرغ فيه المؤمن و الطائع لله عز وجل من كل شيءٍ إلا من قراءة القرآن قال الله جل وعلا في وقت هذا الشهر ( شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِيَ أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ )101 .
حُق لشهر مثل هذا انزل الله فيه القرآن حُق لشهر مثل هذا أن نعتكف فيه على قراءة القرآن هذا الشافعي عليه رحمة الله تعرفن يا إماء الله كم كان يقيم القرآن في رمضان ؟؟؟ يختمه ستين مرة أما الإمام مالك إمام دار الهجرة كان إذا جاء رمضان اقفل الكتب و أغلقها وترك المجالس إلا مجالس القرآن يعتكف على قراءة القرآن وعلى تلاوته وعلى مراجعته وعلى مدارسته قال الله عز وجل : ( أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا )102 .(2/131)
من النساء في رمضان من يمر عليها الشهر وما ختمت القرآن ولا مرة واحدة ولا مرة واحدة ما ختمت القرآن , سبحان الله رمضان يمر وليس الختم بواجب ولا نقول إن هذا الأمر واجب ولكن أي تقصير في العبادة أعظم من هذا , رمضان الناس كلهم يعتكفون على كتاب الله الصغير والكبير الغني والفقير كل الناس تجدهم يمسك المصحف الذي هجر القران أحد عشر شهرا ليختمه في رمضان وهذا تقصير وهذا هجران ولكن أي هجر أعظم من امرأة يمر عليها الشهر كله ولم تختم القرآن ولا مرة واحدة , هذا الشهر شهر عظيم فيه ليلة يقول الله عز وجل عنها : ( إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ* وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ* لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِّنْ أَلْفِ شَهْرٍ )103 , خير هذا الليلة من ألف شهر .
أمة الله , كيف إذا وفقك الله لقيام تلك الليلة من قام ليلة القدر إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه , أمة الله يجب قبل الصيام أن نطلب العلم ونحن في هذا المكان وهذا المجتمع غير معذورات في تقصيرنا في طلب العلم نسأل عن كل أمر كم من النساء من تجامع في نهار رمضان وكم من النساء تفعل المحرمات في نهار رمضان وكم من النساء من تفعل المعاصي في نهار رمضان وهي لا تدري , ترتكب المحرمات وتقع في المحذورات وتأتي المفطرات ثم بعد هذا تسأل ما حكم صيامي فعلت كذا وكذا يجب أن تتعلم العلم قبلهم والله عز وجل يقول : ( فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ )104 .(2/132)
المخالفات التي سوف نذكرها هذه بعض من كثير وغيض من فيض , مخالفات الناس في رمضان كثيرة جداً وما سوف أذكره ليس كله حرام فبعضه لا يجوز وبعضه مكروه وبعضه خلاف أو لا والله عز وجل قسم الناس قال : ( ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِّنَفْسِهِ )105 , يعني من الناس من يقع في المحرمات ومنهم مقتصد ما يفعل المحرمات و لكنه قليل الطائعات ومنهم سابق بالخيرات بإذن الله أعلى الناس مرتبة هو فقط لا يقع في الحرام بل حتى المكروه يتجنبه بل حتى تجدينها المستحبات تحرص عليها لا تبالي مستحب أو واجب تفعل ، تفعل إذا كان الأمر ما يحبه الله عز وجل و إذا كان الأمر فيه شبه بين الحرام والحلال تتركه وتتجنبه خوفا أن تقع في الحرام هذه أعلى المراتب في الناس أول مخالفة وسوف نسرد المخالفات سردا لضيق الوقت :
* المخالفة الأولى :
أول مخالفة من مخالفات الصيام أن بعض النساء قد تصوم رمضان ولا تصلي أو لا تصلي إلا في رمضان , والله جل وعلا قال عن الصلاة قال : ( فَإِن تَابُواْ وَأَقَامُواْ الصَّلاَةَ وَآتَوُاْ الزَّكَاةَ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينَ )106 , وقال عليه الصلاة والسلام : " إن بين الرجل والكفر والشرك ترك الصلاة "107 وقال : " العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر "108 .
فبعض النساء تنام عن صلاة الفجر حتى تطلع الشمس أو تنام عن الظهر حتى يدخل وقت العصر أو تنام عن بعض الصلوات حتى يخرج وقتها , فهي تحافظ على الصيام وهي مشكورة على هذا لكنها تضييع ما هو أهم من الصيام وهي الصلاة والله جل وعلا يقول : ( فَخَلَفَ مِن بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيّاً )109 .
* المخالفة الثانية :(2/133)
المخالفة الثانية أن بعض النساء تصوم قبل رمضان بيوم أو يومين , وإذا سألت لم تقول احتياطا لربما يدخل رمضان والناس لا يدرون أو لربما طلع الهلال وما رآه الناس , فهي تصوم احتياطا نقول هي وقعت في المحظور لان النبي صلى الله عليه وسلم قال " لا يتقدمن أحدكم رمضان بصوم يوم أو يومين، إلا أن يكون رجل كان يصوم صومه، فليصم ذلك اليوم"110 , أي إذا كان متعود على صيام نفل وكان هذا اليوم يوم خميس مثلا أو أثنين أو أحد الأيام التي اعتادت على صيامها فإنها تصومه ولا ريب في هذا , ولكن إن قصدت الاحتياط والتقديم على رمضان لأجل الشك فإنها قد تقع معصية النبي صلى الله عليه وسلم .
* المخالفة الثالثة :(2/134)
أن بعض النساء هداهن الله في رمضان تقع في المعاصي هي تعبد الله عز وجل ثم تحطم عبادتها أو تضيع بعض أجورها ولربما تصوم وليس لها من الصيام إلا الجوع والعطش من هذه المعاصي الذي تكثر في رمضان منها التلفاز فبعض النساء هداهن الله تجلس من الصباح إلى المساء أو بعد الإفطار إلى طلوع الفجر تقضي وقتها أمام التلفاز ، ولا يخفى عليكن أيتها الأخوات الكريمات ما يكون في التلفاز في رمضان خصوصا وفي غير رمضان عموما من الأغاني والطرب والموسيقى وبعض الأفلام والمسلسلات التي هي قد يدخلها بعض الأمور الخليعة أو الجنسية أو الأمور المحرمة فهي تصوم عن المباح ثم بعد هذا تقع في الحرام فالطعام والشراب قد أحله الله و أباحه الله جل وعلا تركت المباح لله جل وعلا ولا تستطيع أن تترك الحرام لله جل وعلا , ومن النساء من تقضي ليلها ونهارها في الزمر والطرب وفي أشرطة الأغاني والموسيقى والمعازف إذا سُألت تقول اقضي النهار أو اقضي الليل في هذا , هي بهذا الفعل تذنب كثيرا من اجرها إن هذه حصلت على أجر الصيام قال عليه الصلاة والسلام : " من لم يدع قول الزور والعمل به فليس لله حاجة أن يدع طعامه وشرابه "111 , أي حاجة وأي فائدة لكي يا أمة الله أن تصومي عن الطعام وعن الشراب وعن الجماع الذي هو مباح ولربما يكون واجب في بعض الأحيان أي داع أن تتركي هذا كله ثم تقعي في غيبة بعض النساء تجلس بعض النساء في نهار رمضان أو في ليالي رمضان تتكلم على فلانة وعلى علانة وعلى فلان وعلى هذا البيت وعلى تلك الأسرة هي صامت و أفطرت على لحوم البشر , قال الله عز وجل : ( وَلا يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضاً أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَن يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَّحِيمٌ )112 , بعض النساء في نهار رمضان وهذا لازلنا في المخالفة الثالثة في نهار رمضان أو ليالي رمضان لا تحلو لها الأسواق ولا التجول في الأسواق(2/135)
إلا في ليالي رمضان لهذا نجد الأسواق في ليالي رمضان مكتظة بالناس بل إن بعض الناس وبعض النساء لا تذهب إلي الأسواق لحاجة فقط لأجل السوق لأجل التجول ولأجل التسكع في الأسواق وفي الشوارع تقول لها لم تقول هي عادة تعودناها في ليالي رمضان إن نذهب إلى الأسواق لربما تقع في الحرام ولربما تتطيب فتذهب إلى الأسواق ولربما تتبرج بعض الشيء ولربما تخالط الرجال و تتميع في الكلام مع بعض الباعة هي تضيع أجرها وصيامها لأجل هذه المحرمات تركت أحب البلاد إلى الله لتذهب إلى أبغض البلاد إلى الله وهي تقول عادة تعودناها في رمضان بل بعض النساء وللأسف في ليالي رمضان تخرج متبرجة متعطرة وسوف نأتي لهذا إن شاء الله لاحقا .
* المخالفة الرابعة :
المخالفة الرابعة بعض النساء تظن أن في رمضان السواك بعد الزوال محرم وهذه مخالفات إماء الله بعضها مشترك الرجال مع النساء فيها وبعضها يخص النساء دون الرجال , بعض النساء تنكر على من تسوك في رمضان بعد الزوال- يعني بعض الظهر- تظن إن السواك بعد الظهر حرام أما قبل الظهر حلال وتستدل بحديث تسوكوا في الغداة ولا تتسوكوا في العشي وهذا الحديث لا يثبت وهو غير صحيح فالسواك في نهار رمضان أوله وآخره مباح بل مستحب لقول النبي صلى الله عليه وسلم قال : " السواك مطهرة للفم مرضاة للرب "113 وكان يستحب عليه الصلاة والسلام السواك عند كل وضوء وعند كل صلاة و لا دليل على تحقيق أول النهار دون آخره ففي نهار رمضان السواك مستحب أوله وآخره , أما ما وجد هذه الأيام من السواك الذي هو بطعم النعناع وبطعم الليمون وبطعم غير هذا فإنه كما قال شباب العلماء لا يجوز أن يتسوك به في نهار رمضان لان فيه زيادة عن السواك طعم لربما يصل إلى الجوف .
* المخالفة الخامسة :(2/136)
المخالفة الخامسة بعض النساء هداهن الله يؤذن الفجر فتأكل وتشرب تقولين لها لمَ تقول يجوز أن آكل واشرب حتى يقول الصلاة خير من النوم وبعضهن والله كما سألن عن هذا تأكل حتى الإقامة تقول يجوز أن آكل حتى تقام الصلاة وهذا كله من الجهل بدين الله جل وعلا , فإذا كان المؤذن موثوقا بآذانه لا يتقدم بآذانه على دخول الفجر فإنه يجب بآذانه أن نمسك بقوله الله اكبر أن نمسك عن الطعام والشراب إلا لقمة في أيدينا أو إناءا أو شرابا نتمه إما أن نستمر بالآكل والشرب حتى قوله الصلاة خير من النوم , فإن هذه مخالفة قال عليه الصلاة والسلام : " فكلوا واشربوا حتى يؤذن ابن أم مكتوم "114 , إما أن علمنا مؤذنا يؤذن قبل دخول الوقت فلا عبرة بآذانه لان الله عز وجل يقول : ( وَكُلُواْ وَاشْرَبُواْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ )115
* المخالفة السادسة :(2/137)
السادسة من المخالفات الإفراط في الأكل وكأن شهر رمضان شهر أكل وشرب فهؤلاء النساء و أولئك الرجال يذهبون قبل رمضان لشراء الطعام للتخزين المأكولات والمشروبات وهذا للإفطار وهذا بعد الإفطار بساعة وهذا بعد الإفطار بساعتين وهذا بعد القيام وهذا قبل القيام وهذا بين الأربع ركعات والتي تليها وهذا قبل الفجر بساعتين وهذا للسحور , وكأن الليل كله للطعام والشراب بل بعض النساء من الظهر إلى أذان المغرب في المطبخ ماذا تفعلين تطبخ عشرين صنف وإذا كان صنف واحد قد نقص في الطعام فيا ويلها ثم يا ويلها , فالزوج يزمجر ويغضب ويقلب المائدة على وجهها لان هذا الصنف غير موجود وكان شهر رمضان شهر أكل وشرب وليس شهر للصيام , بل وكم نسمع من النساء بل حتى من الرجال من يصيبه مرض التخمة في رمضان بل مرض السكر بل المستشفيات تتكالب عليها النساء والرجال في شهر رمضان لم لكثرة الطعام والشراب , بل يجلس بعض الناس من آذان المغرب إلى آذان العشاء على المائدة يكون ليس للجوع ولا العطش لا إلا لشيء واحد أكل لأجل الأكل فقط , بل يأكلون السحور طعام والله كأنه قادم على مفازة وعلى معركة وكأنه قادم على مهلكة , يأكل بالسحور أكلا لا يتحمله بطنه ولهذا البعض يأتي في الفجر لا يتحمل الصلاة أو يأتي للتراويح ما يتحمل الصلاة لأنه أكل أكلا والله لا يستطيع أن يأكله قبل رمضان في وجبتين أو ثلاث أكلها في وجبة واحدة . إذاً يا أمة الله شهر رمضان شهر صوم شهر جوع لله جل وعلا , نحس في هذا الشهر أننا جعنا لله عز وعلا , أما نأكل سحور لا نجوع به حتى الإفطار ثم نأكل أكلا كما قال عليه الصلاة والسلام : " فثلث لطعامه ، و ثلث لشرابه ، وثلث لنفسه "116 , هذه جعلت الثلاث أثلاث كلها للطعام والشراب لا شيء للنفس أبدا لا تستطيع أن تتنفس بعد هذا , ثم إقامة صلاة التراويح أو القيام كأنها تقول أرحنا منها يا إمام وعجل علينا في الصلاة فإنني لا أستطيع أن أتحمل ثم هي تؤذي(2/138)
جاراتها بجشائها فإنه من شبع في الدنيا جاع يوم القيامة .
* المخالفة السابعة :
المخالفة السابعة التحمس للعبادة أول الشهر ثم لا يزال الحماس ينقص شيئا فشيئا ينقص الحماس , نرى مصليات النساء أول رمضان ممتلئة ثم ينقص صفاً ثم صفين ثم إلى أن يأتي آخر رمضان ما نجد إلا نصف المصليات أين هن ؟؟ سقط الأمر حماس يوم أو يومين والله عز وجل يقول : ( وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ )117 , بل أنتِ مطالبة يا أمة الله بالصيام والقيام إلى أن تموتي فإذا ذهب رمضان هناك صيام نفل و قيام تطوع وهناك قيام , يا أمة الله قيام طوال ليالي السنة ليست معذورة أن تترك القيام من رمضان إلى رمضان القادم هذا يدل على ضعف إيمانها وقلة حرصها على دين الله جل وعلا , ليس الأمر بواجب ولكنه أمر مستحب لا يغفل عنه إلا غافل , لهذا نجد بعض النساء تتحمس أول يوم يومين ثالث يوم تقرأ القران وما شاء الله تقوم الليل الليالي تبدأ تضعف تأتي آخر ركعتين أول تحرص على الوتر والدعاء ثم تأتي للقيام بليلة وتترك ليالي ثم لا تذكر القيام إلا آخر ليلة أو ليلة القدر حتى يأتي رمضان القادم والله جل وعلا يصف شهر رمضان بقوله : ( أَيَّامٍ مَّعْدُودَاتٍ )118 هي أيام تأتي وتذهب مسرعة بل لعل يأتي رجل أو تأتي امرأة تذكرك يا أمة الله في آخر ليلة تذكركِ بوداع رمضان وماذا فعلنا في ليالي رمضان وماذا أدينا لله عز وجل وهل قبلنا الله عز و جل وهل عتقنا من النار أياما معددوات تأتي وتذهب مسرعة بل والله يا أمة الله ذهب رمضان السابق وأتى رمضان القادم وما أحسسنا به , أحد عشر شهرا ذهبت مسرعة وما أحسسنا بذهابها لان العمر يذهب مسرعا فإياكِ إياك التكاسل عن العبادة والطاعة .
* المخالفة الثامنة :(2/139)
المخالفة الثامنة بعض النساء تشق على نفسها مريضة لا تتحمل الصيام لكنها تقول كيف اترك الصيام ونحن في رمضان تصوم فتهلك نفسها والله جل وعلا يقول: ( وَلاَ تُلْقُواْ بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ )119 , وقال عليه الصلاة والسلام " لا ضرر ولا ضرار"120 , نقول يا أمة الله إذا كان الصيام في نهار رمضان يضرك ضررا بحيث لربما يقتلكِِ الصيام أو يهلككِ الصيام أو يضركِ ضررا بالغا فان الفطر واجب والدليل الآية التي ذكرناها والحديث السابق ولقول الرسول صلى الله عليه وسلم لا ضرر ولا ضرار فلا يجوز لكِ أن تضري نفسكِ بالصيام , وكم من الناس من علمنا انه قد مات في رمضان لأنه صام وقد نهاه الطبيب وقد منعه الصالحون المخلصون له ولكنه لحرصه على العبادة ويسأل الله أن يأجره وأن يحفظ له عمله وأن يحسن خاتمته ولكن هناك أمور لابد أن نتزن فيها فإذا كان المرض الصيام فيه يضر فإنه لا يجوز الصيام .
* المخالفة التاسعة :
التاسعة من المخالفات بعض النساء تبلغ وتصل لمرحلة البلوغ سواء بحيض أو نزول الماء أو نبت بعض الشعر في الأماكن المعلومة أو تبلغ خمسة عشر سنة ولكن لا تخبر أهلها تستحي وهذه من عادة النساء , فيأتي بعض الآباء يجبرون البنات الصغيرات لربما عمر عشر سنوات وبلغت يجبرها على الإفطار ويمنعها من الصيام وهي تستحي أن تقول لوالدها أنني قد بلغت , هذه يجب عليها أن تخبر أمها أو أختها أو تأتي الأم فتتفقدها أو تخبر البنت الصغيرة وتعلمها على علامات البلوغ سواء نزول الدم أو الماء أو نبت الشعر أو بلوغ خمسة عشر سنة نعلم البنات الصغيرات بل يا أمة الله يجب علينا نعود حتى التي لم تبلغ لم تبلغ الحلم نعودها على الصيام بل حتى الأولاد الذين بلغوا عشر سنوات أو أقل أو أكثر نعلمهم على الصيام لأنه من شب على شيء شاب عليه وهذه من هدي سلفنا الصالح .
* المخالفة العاشرة :(2/140)
العاشرة من المخالفات أن بعض النساء يصيبها الحرج أن إذا أصبحت صائمة وهي على جنب ولم تغتسل تقول ما يجب لي أن أصوم وأتم الصوم وتقول أم سلمة ( أو أحد) أمهات المؤمنين كان النبي صلى الله عليه وسلم يصبح جنباً ثم يغتسل ويصوم يصبح جنب ويغتسل ويصوم , أي إذا كنتِ على جنابة نمتِ على جنابة وأذن الفجر و لازلتِ على جنابة سابقة قبل آذان الفجر وكنتِ بجنابة ثم إذن الفجر ولازلتِ على جنابة يجوز لكِ أن تتمِ الصوم تغتسلي وتكملي الصوم .
* المخالفة الحادية عشر :
الحادية عشر تبكير السحور بعض النساء تبكر السحور قبل الفجر بساعة أو بساعتين مثلا تتسحر الساعة الثالثة ويؤذن الفجر الخامسة والربع ثم بعد السحور ينام أهل البيت أو تنام المرأة أو الأب أو الأولاد ينامون فتضيع عليهم صلاة الفجر والسنة كما قال عليه الصلاة و السلام : " لا تزال أمتي بخير ما عجلوا الفطر وأخروا السحور "121 لا تزال أمتي بخير علق الخيرية على أمرين , أول أمر تعجيل الفطر وسوف نأتيه الآمر الثاني تأخير السحور .
* المخالفة الثانية عشر :
الثانية عشر من المخالفات تأخير الإفطار بعض النساء لأنها مشغولة بالطبخ أو بتجهيز المائدة أو بالدعاء أو بالاستعداد للصلاة تؤخر الفطور إلي ما بعد عشر دقائق أو ربع ساعة و السنة كما ذكرنا لا تزال أمتي بخير ما عجلوا الفطر وأخروا السحور .
* المخالفة الثالثة عشر :
الثالثة عشر أن بعض النساء إذا أكلت أو شربت ناسية تظن أنها قد بطل صومها أو لابد عليها أن تقضي هذا اليوم , ويقول النبي صلى الله عليه وسلم لمن أكل أو شرب ناسياً قال : " فليتم صومه، فإنما أطعمه الله وسقاه "122 , ونقول هذا في جميع المفطرات فمن أكلت أو شربت أو جامعت وهذا أمر قليل ناسية فلتتم صومها فإنما أطعمها الله وساقاها .
* المخالفة الرابعة عشر :(2/141)
الرابعة عشر بعض النساء تحرم على نفسها الجماع في ليالي الصوم في ليالي رمضان تظن أن الجماع في طوال الشهر حرام ولا يجوز أن تجامع زوجها في جميع رمضان , وهذا خطأ و إذا كانت تعتقد أن هذا دين فلربما تقع في البدعة , لأن الله جل وعلا يقول : ( أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَآئِكُمْ )123 , أحل لكم في الليل يعني من أذان المغرب إلى آذان الفجر يحل الجماع , فإذا كانت المرأة تجامع زوجها في ليلة الصيام وأذن الفجر يجب عليه وعليها أن ينزعا و أن يكفا عن الجماع حتى لو أذن الفجر ولازالا على جنابة فالصوم صحيح , المؤمن يكف عن الجماع قبل آذان الفجر فإذا أذن لابد أن يكون وهي ينزعان قبل آذان الفجر فإذا أذن واستمرا في الجماع فقد بطل صومهما وعليهما القضاء والكفارة .
* المخالفة الخامسة عشر :
المخالفة الخامسة عشر بعض النساء أثناء رمضان أثناء النهار تبالغ في المضمضة والاستنشاق في الوضوء أو في غيره والنبي صلى الله عليه وسلم يقول : " وبالغ في الاستنشاق إلا أن تكون صائما "124 , أي احترزي أثناء الصوم في أثناء المضمضة وأثناء الاستنشاق ألا تبالغي في المضمضة وألا تبالغي في الاستنشاق , فلربما يصل بعض الماء إلى الحلقوم و إلى الجوف فتكوني قد ارتكبتِ وأتيتِ مفطرة من المفطرات .
* المخالفة السادسة عشر :
السادسة عشر من المفطرات أن بعض النساء تظن أنها أفطرت إذا احتلمت وهي نائمة وهذا الأمر يقع للرجال وكذا للنساء وبعض الناس قد يظن أن هذا يقع للرجال بل أيضا يقع للنساء , فإذا احتلمت أو احتلم الرجل أثناء النهار أثناء النوم واستيقظ أو استيقظت ووجدت بعض الماء فالصوم صحيح ولا حرج وتغتسل وتتم صومها .
* المخالفة السابعة عشر :(2/142)
السابعة عشر ظن بعض الناس أن إذا نزل القيء أو إذا أستقائت غير متعمدة أن صومها قد بطل وأن عليها القضاء , وكم سئلنا من بعض الناس يظن انه إذا نزل القيء نزل رغما عنه يظن أن صومه قد بطل وهذا خطأ لان النبي صلى الله عليه وسلم قال : " من ذرعه القيء فلا قضاء عليه ومن استقاء فعليه القضاء "125 , يعني من تعمدت أن تخرج ما في بطنها أن تستقيء سواء بإصبعها أو برائحة أو بعودٍ أو بأي شيءٍ تعمدت أن تخرج ما في بطنها فإن عليها القضاء وبطل صومها أما من خرج ما في بطنها رغماً عنها فإن صومها صحيح وتتم صومها ولا شيء عليها .
* المخالفة الثامنة عشر :
الثامنة عشر بعض النساء هداهن الله تخرج لصلاة التراويح تريد أداء النوافل وتريد أداء طاعة فترتكب المحظور لأجل هذه النافلة أي محظور نقصد تخرج متطيبة لأداء صلاة التراويح أو متبخرة أو متبرجة , و النبي صلى الله عليه وسلم قال عن خروجهن للصلاة قال :" و ليخرجن تفلات "126 أي تخرج بملابس رثة غير متزينة غير متطيبة غير متبرجة بل قال : " أيما امرأة أصابت بخورا فلا تشهدن معنا العشاء "127 , يعني ما يجوز تذهب تصلي وهي قد أصابت بخورا يعني طيبا هذا لصلاة الفرض كيف في صلاة النافلة , بل يا أمة الله كم وكم من النساء من تخرج لصلاة التراويح وكأنها تخرج إلى عرس و كأنها تخرج إلى حفلة , بل تمر في بعض الطرق ومن يمر بعدها بدقائق يشم رائحتها وكأنها تقول للرجال هيت لكم , بل قال في الحديث الآخر " فهي كذا وكذا " أي قصدت أن الرجال يشموا رائحتها فهي كذا وكذا وفي بعض الروايات " زانية " أعافكن الله , إذن ما يجوز يا إماء الله إذا أردنا أن نخرج لصلاة التراويح أن نخرج بطيب ولا برائحة ولا متبرجات ولا متزينات بل نخرج تفلات بملابس سوداء على الأقل ولا نجبر هذا اللون ولكن على الأقل هذا اللون حتى ما نلفت الأنظار .
* المخالفة التاسعة عشر :(2/143)
أيضا من المخالفات التاسعة عشر بعض النساء هداهن الله تصطحب معها لصلاة التراويح جميع الأولاد الصغار و الكبار , فيصبح المسجد من إزعاج الأطفال كأنه حضانة , فلا يستطيع الإمام أن يقرأ و لا المصلون أن يخشعوا و لا النساء أن يصلين لأن فلانة قد جاءت بأولادها جميعاً و بناتها رمتهم في المصلى لتصلي , أرادت أن تفعل خيراً لكنها قد منعت الخير عن كثير من الناس , لا نحرم إتيان أولادها إلى المسجد و لا إلى المصلى فقد كان الصحابة يفعلون هذا و قد كان عليه الصلاة و السلام يخف الصلاة لأجل صياح بعض الأطفال و لكن الأمر فيه قدر و فيه أتزان , أما الإتيان بالأولاد جميعاً و أن نرميهم في المسجد يبكون بكاء شديد و مرّ و ربما يمرضوا بهذا البكاء و لربما يضيعوا في بعض المساجد و ربما يتنازعوا ويتشاجروا في المساجد فلا يستطيع أحد أن يصلي , نقول يا إماء الله مكوثك في بيتك و صلاتك في بيتك إذا كان هذا حالُكِ أفضل من إتيان المُصلى و إزعاج الناس أيضاً.
* المخالفة العشرون :(2/144)
المخالفة العشرون الحديث بصوت مرتفع في المسجد , كم من النساء في صلاة التراويح تتكلم في الصلاة , يعني قبل الصلاة و بعد الصلاة مع جارتها و مع زميلاتها أو تقرأ القرآن قبل الصلاة أو تتحدث من فلانة أو تأمر بمعروف أو تنهى عن منكر و الرجال في المسجد يستمعون إليها . أمة الله إذا أخطأ الإمام في الصلاة فلا يجوز لكي أن تتكلمي الرجل يقول سبحان الله المرأة ما يجوز لها تصفق تضرب بيدها لِمَ لأن الصوت لربما يفتن بعض الناس و لربما الصوت يلهي بعض الناس و يشغل بعض الناس , والله جل و علا يقول لنساء المؤمنين لنساء النبي ( يَا نِسَاء النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِّنَ النِّسَاء إِنِ اتَّقَيْتُنَّ فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ )128 , بل إن بعض الرجال يقول بل إن بعض الرجال يستحي أن يرفع في المسجد صوته و بعض النساء لا تستحي أن ترفع في المسجد صوتها , فإذا دخلت المسجد و المُصلى عليكِ بالسكينة و الوقار و لا ترفعي صوتكِ حتى لا سمعكِ الرجال .
* المخالفة الواحدة والعشرون :(2/145)
أيضاً المخالفة الواحدة و العشرون ترك الأولاد و البنات في الشوارع و الأسواق و تأتي الأم لصلاة التراويح , أين أولادها ؟؟! في الشوارع أين بناتها ؟؟! في الأسواق أين الأولاد ؟؟! أمام التلفاز أتت لتأتي بنافلة و تركت واجب و هي تربية الأولاد . أمة الله لابد أن تراعي تربية الأولاد فغير صحيح أن تأتي المرأة الساعة و الساعتين في بيت الله لتصلي و لا تدري أين أولادها , على الأقل تدري أين يجلسون !! , وأين يذهبون و في أي مجلس يقضون أوقاتهم على الأقل تأتي بالبنات الكبيرات تصلي معها و تحث الأولاد على أن يأتوا للصلاة معها أما تترك الأولاد والبنات في الشوارع وفي الأسواق بل حتى بعض الناس يجي للحرم بيت الله الحرام ليعتمروا و يترك أولاده و هي تصلي في الحرم مع زوجها يصلون في الحرم أين الأولاد في الشوارع و في الأسواق بل بعضٌ يتسكعوا ويلاحقوا النساء حتى في بيت الله الحرام , أتت لترتكب أو لتأتي بنافلة و تركت أمراً واجباً عليها و هي تربية الأولاد , لا نمنع بهذا النافلة و لا نمنع بصلاة التراويح و لا القيام و لكن تحرص على الأولاد و الإتيان بصلاة التراويح و القيام .
* المخالفة الثانية والعشرون:
المخالفة الثانية و العشرون بعض النساء و هذا كثير تجهل أحكام الصلاة فتأتي مثلاً لصلاة العشاء وقد فاتتها ركعة أو ركعتين فيسلم الإمام و تسلم معه , لابد أن تعلمي يا أمة الله إذا دخلتي في الصلاة و قد فاتتكِ ركعة أو ركعتين أن الإمام إذا سلم تقومين ولا تسلمين معه تقومين وتأتي بهذه الركعة أو الركعتين التي فاتتكِ لقول النبي صلى الله عليه و سلم : " فما أدركتم فصلوا وما فاتكم فأتموا "129 , و هذا كثير كثيرٌ جداً في النساء , ما تعرف تأتي ركعة أو ركعتين مع الإمام في صلاة العشاء و تسلم معه تظن أنها صلت العشاء , ما صلت و لا قُبلت منها هذه الصلاة , إذا فاتتكِ ركعة أو ركعتين بعد ما سلم الإمام تقومي و تتمي هذه الصلاة .(2/146)
كيف تعلمي أنكي أدركتِ الركعة ؟؟؟
مع الركوع , إذا ركعتي و الإمام راكع الإمام راكع انتبهي ما قال سمع الله لمن حمده أدركتِ الركوع معه فقد أدركتِ الركعة و تحسبي إذا كان ركعتين فأتمي بعد السلام بركعتين إذا أدركتِ ركعة فتأتين بعد السلام بثلاث ركعات .
* المخالفة الثالثة والعشرون:
أيضا من المخالفات وهي الثالثة والعشرون تظن بعض النساء أنها إذا طهُرت قبل الفجر و لم تستطع أن تغتسل و أذن الفجر لا تستطيع أن تتم الصوم , يعني نوضح الأمر بعض النساء عليها الحيض أتتها الدورة حتى أيام و ما طهًرت إلا قبل الفجر بدقائق , الآن ما تستطيع أن تغتسل ذهبت لتغتسل أذن الفجر هي طاهرة الآن أذن الفجر لكن ما اغتسلت , تقول في نفسها لا أستطيع أن أصوم لمَ لا تستطيعي أن تصومين ؟؟ تقول لأني ما اغتسلت قبل آذان الفجر , نقول لكي يا أمة الله الذي يحرم الصوم و يمنع الصوم هو الحيض و ليس الغسل فإذا طهُرتي قبل آذان الفجر فإنه يجوز لكِ بل يجب عليكِ أن تصومي حتى لو اغتسلي بعد آذان الفجر يجب عليكِ أن تصومي و أن تنوي الصيام حتى لو لم تغتسلي إلا بعد آذان الفجر .
* المخالفة الرابعة والعشرون:
أيضاً المخالفة الرابعة و العشرون تظن بعض النساء أنها لا يجوز لها أن تذوق الطعام و تتحرج من هذا الفعل , تتحرج من أن تذوق الطعام في نهار رمضان لكن هذا الأمر إذا كنتِ بغير حاجة إليه فلا تفعلي , أما إذا كنتِ بحاجة إليه و هذا كثير في النساء اللواتي يطبخن الطعام بحاجة لتذوق الطعام بطرف لسانها فإنه لا حرج في هذا وأفتى بجوازه ابن عباس , وقال الإمام أحمد ثبت بهذا لكن تركه أفضل أي ترك تذوق الطعام أفضل فإن ذاقت الطعام ثم تلفظ ما ذاقته و تخرجه من فمها فإنه لا بأس بهذا إن شاء الله .
* المخالفة الخامسة والعشرون:(2/147)
الخامسة و العشرون التحرج كثير من النساء تتحرج من وضع الحناء , تظن أن الحناء تظن أنها تبطل الصيام و أنها من المفطرات و لا دخل للحناء بالصيام فإنها إذا تحنَّت أثناء النهار أو أثناء الليل فلا حرج عليها إن شاء الله .
* المخالفة السادسة والعشرون:
السادسة و العشرون بعض النساء تذهب لصلاة التراويح أو لحضور بعض المحاضرات و هذا خير و هذا لا بأس به و تؤجر على هذا إن شاء الله وهي حريصة على الأجر لكنها للأسف تذهب مع السائق لوحدها فتريد أن تأتي بالخير فترتكب الشر تريد أن تطيع الله و تعصي الله جل و علا , من أباح لكِ أن تختلي بسائق لوحدكِ في سيارة و بعض النساء تذهب مع السائق لوحدها أقل القليل يا أمة الله أن تأتين مع محرم أو مع مجموعة من النساء , وإن لم تستطيعي فصلاتك في بيتك يا أمة الله خير لكِ من ذهابك مع سائقٍ لوحدكِ لصلاة التراويح أو لحضور محاضرة .
* المخالفة السابعة والعشرون:
السابعة و العشرون و هي الأخيرة أن بعض النساء و لعل هذا الأمر يعني لا دخل له بالصيام و لكن لأن كثير من النساء تؤتي زكاة مالها في رمضان حين أتكلم عن الزكاة باختصار , بعض النساء تعطي الزكاة لمن لا يستحق تقول هذه العائلة و هذه الأسرة تعوَّدنا أبي و جدي و جدتي كانوا يعطون الزكاة لهذه الأسرة فقد تعوّدنا أن نعطيهم و لو كانوا أغنياء و هذا ما يجوز فالله قد حدّ الزكاة في ثمانية أصناف من الناس ما يجوز أن نعطي غيرهم فإذا أغناهم الله فلا يجوز لنا أن نعطيهم شيئاً من الزكاة , الصدقات أنتِ حرة بها , وبعض النساء تعطي الزكاة لمن لا يصلي ولا يجوز هذا بل قال شيخ الإسلام : " ولا يعطى تارك الصلاة الزكاة و لو كان من أهلها " حتى لو كان فقير بل يشهر به حتى يعرف حتى يترك هذا الأمر و يصلي و يتوب ثم يعطى من الزكاة .(2/148)
بعض النساء تظن أن زكاة الذهب الملبوس تقول تظن انه لا يجوز أن تخرج زكاته و هذا فيه خلاف عند أهل العلم , لكن الصحيح و الله أعلم أنه يجب أن تخرج الزكاة زكاة الذهب و لو كان من الذهب الملبوس , " أن امرأة أتت رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ ومعها ابنة لها ، وفي يد ابنتها مسكتان غليظتان من ذهب ، فقال لها : أتعطين زكاة هذا ؟ قالت : لا ، قال : أيسرك أن يسورك الله بهما يوم القيامة بسوارين من نار ؟ قال : فخلعتهما فألقتهما إلى رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ وقالت : هما لله ولرسوله "130 .
أمة الله المخالفات هذه بعضها و هي كثيرة و لعل في الأسئلة بعضها لكن لفتك يا أمة الله قبل قدوم العبادة أن تستمعي لبعض الأشرطة التي تدلك على فقه الصيام و تقرئي بعض الكتب التي تعلمكِ على شروط وجوب الصيام وعلى أركان القيام وعلى مستحبات الصيام وعلى المفطرات في نهار رمضان وعلى ما يبطل الصيام , لابد أن تتعلم قبل أن نقع في المحذورات وقبل أن نفسد صومنا هذا , وصلى اللهم و سلم على نبينا محمد و على آله و صحبه و سلم أجمعين .
س: تقول السائلة هل تجوز ختم القرآن في رمضان كل يوم مرة أم لا يعقل الإنسان أقل ثلاث ؟
ج : السنة لا تقرئوا بأقل من ثلاث , لكن قال بعض العلماء إذا كان زمان كريم مثل رمضان فإنه يجوز أن يقرأ في أقل من ثلاث , بل كان الأئمة مثل الشامي و غيره يقرأه في كل يوم مرتين يختم القرآن , فيجوز لأجل رمضان من أجل هذا الشهر الشريف أن نختمه في أقل من ثلاث أيام , لكن ننبه البعض بعض النساء يقرأن القرآن الهم عندهن أن تختم أن توصل إلى هذا المكان الذي حددته لنفسها فلا هي تعقل و لا تتدبر و لا تخشع و لا تتفكر في هذه الآيات التي تقرءوها هي لا تستفيد من هذه القراءة , إن الله جل و علا يقول : ( أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ )131 العبرة بالقراءة هي التدبر .(2/149)
س: تقول إذا جاء ضيوف و أراد منهم أصناف الطعام فهل يجب أن أضيفهم كما يريد أم أقتصر عليه واجبة واحدة ؟؟
ج : نعم الضيف يكرم لكن نقول لكي لابد الاقتصاد من الطعام الاقتصاد من الطعام , الاقتصاد الاقتصاد , لكن إذا كان هناك ضيف فلا نبالغ نكرمه كما يكرمونه الناس , كما هي عادة الناس الغالب في رمضان أم غيره .
س: أيهما أفضل للمرأة أن تصلي في بيتها التراويح و القيام أم في المسجد؟
ج : إذا كانت تستطيع أن تصلي في بيتها بقراءة طويلة و ترتل و أن تخشع فالأفضل في بيتها , لكن لا تستطيع و لا تحفظ و لا يصلي أحدٌ بها فلا بأس لذهاب بها إلى المسجد لأن هذا فيه إن شاء الله أجور و فيه يعني قراءة القرآن لعلها لا تستطيع أن تقرأ أو يقرأ لها .
س: أود أن أخرج الزكاة الآن هل يجوز أم بعد رمضان ؟
ج : الزكاة أنواع الزكاة إما زكاة المال أو زكاة الفطر , زكاة المال أربعة أصناف أم زكاة الفطر فلا يجوز إلا في ليلة العيد و يجوز تقديمها قبل يوم أو يومين هذا زكاة الفطر , أما زكاة المال فإنها تكون في كل سنة مرة زكاة المال الذهب و الفضة و الأموال النقدية الآن وعروض التجارة أما الزروع فوقت الحصاد و ما يخرج من الأرض و كذلك وقت الحصاد , أما زكاة الأموال ففي كل حولٍ مرة و الحول المفهوم الحول القمري الحول القمري و ليس الحول الشمسي يعني يجعل لنا يوم عربي نحدد فيه السنة نخرج فيه الزكاة و يجوز تقديمه على وقته للحاجة .
س: هل يجوز للمرأة زيارة القبور مع العلم عدم الإكثار و عدم فعل أي ممنوع ؟
ج : أختلف العلماء و الراجح والأحوط والله أعلم أن تجتنب المرأة زيارة المقابر لأن الرسول صلى الله عليه و سلم لعن زوارات القبور و الزوارات يحتمل المراد المكثرات من الزيارة و يحتمل فقط التي تزور مرة أو مرتين لكن عندنا نقول احتياطا المرأة لا تزور المقابر .
س: عندما بلغت لم أصم لأني لم أخبر أحدًا لأني كنت صغيرة فهل لي أن أصوم مع أفطرته ؟(2/150)
ج : إذا كان تعلمين كم يوم أفطرتي و أنتي يعني كنتِ جاهلة فلا حرج إن شاء الله أن تصومي وتقضي هذه الأيام و أسأل الله أن يعذركِ في هذا , ولهذا ننبه نعيد مرة أخرى نعلم الصغيرات أنها إذا بلغت و هذه علامات البلوغ أن يجب عليها أن تصوم.
س: هل يجوز أن أجبر ابنتي وعمرها 11 عام وأبني وعمره 9 أعوام على الصيام رمضان ؟
ج : طبعا إذا كانت لم تبلغ و كان لم يبلغ طبعاً ليس الصيام بواجب عليهما , لكن نعودهما و نرغبهما ولو كان في شيء من الإجبار لا بأس بهذا إذا كان لا يشق عليه الصيام يجبرهم شيئاً ما ونحبب إليهم الصيام قبل الانتظار فالتحبيب و الترغيب أفضل من الإجبار , وكان السلف و الصحابة يلهون الأولاد باللعب و بغيرها حتى لا يجوعوا .
س: ولد عمره سنة 16 سنة و هو أعمى و أصم و لكنه فطن ويفهم ولا يتكلم , فما حكم الصلاة والصيام بالنسبة له ؟ هل نخرج له زكاة كمن يؤمر بالصلاة و الصيام ؟
ج : نعم يؤمر بالصيام إن كان عنده عقل الصوم في رمضان واجب على كل مسلم بالغٍ عاقلِ قادرٍ مقيمٍ خالي من الموانع , فإذا كان يعقل و مسلم و بالغ و خالي من الموانع كالحائض و النفساء و مقيم غير مسافر فإن الصوم واجب عليه و لو كان أعمى و لو كان أصم .
س: أشعر ببلغم كبير هل يجوز بلع البلغم و أنا صائمة ؟؟
ج : البلغم إذا لم يخرج إلى الفم فإنه يجوز ابتلاعه أما إذا خرج من الفم فالأحوط إخراجه .
س: هل البخور و العطر لا يجوز وأنا صائمة استنشاق البخور مباشرةً ؟
ج : الأولى تركه و قال بعض العلماء إنه يفطر استنشاق البخور مباشرةً لأنه جرم لأنه مادة ولم لم يكن جرم فما رأيناه بالأعين , فلهذا اجتنابه أولى بل ربما يكون الواجب اجتنابه مباشرةً , أما العطر إذا كان الرائحة غير نافذة ولا تدخل الفم والحلقوم أو الجوف , رائحة في غرفة فواحة أو بخور قد بخّر في مكان وذهب الجرم و بقيت الرائحة فقط فإنه لا بأس بها .
س: التسوك أحيانا تنزل من الأسنان دم فما الحكم ؟؟(2/151)
ج : أحاول إلا أتسوك بشدة و بغلظة حتى لا يخرج هذا الدم فإذا خرج الدم نحاول ألا نبتلعه و نخرجه فإن كان رغماً عنا فترك التسوك أفضل و إلا لا بأس بهذا إن شاء الله .
س: توفي والد منذ ثلاث سنوات و كان رحمه الله لا يصوم و ذلك لأنه لا يستطيع الصبر عند شرب السجائر ونحن حتى هذا اليوم لا نعلم هل جاز أن نصوم عنه ما العمل و جزاكم الله عنا كل خير ؟؟
ج : إذا كان يفطر متعمداً ولا عذر له فلا يصام له ولكن يدعى له بالمغفرة إذا كان من المصلين أدعوا له بالمغفرة و الرحمة ويتصدق عنه و يستغفر له لأن لا عذر له كما قال العلماء و هذا هو الصحيح لأنه أفطر عامداً متعمداً في نهار رمضان ولا عذر له لا ينفعه و إن صام الدهر كله .
س: نذرت نذرا عندما يخرج زوجي من الأسر أن أصوم شهرين ولم أصم إلا عشرة أيام لظروف خاصة , وأخرجت نقود عن الأيام التي لم نصومها فهل هذا يصح لي ؟
ج : إذا كنتِ تستطيعين الصيام شهرين يجب الصيام شهرين , كما قال الله عز و جل : ( يُوفُونَ بِالنَّذْرِ )132 وهذا النذر يجب أن تفعليه , وهذا النذر معلق فإذا حصل الأمر و خرج زوجك من الأسر فيجب عليكِ أن تصومي , وأنتي التي أوجبتي على نفسك هذا الأمر , وهذا نذر البخيل كان الأفضل لكي ما تنذري هذا النذر حتى لا تقعي في مثل هذا الحرج , فإن لم تستطيعي صيام شهرين فإن عليكِ كفارة اليمين كفارة اليمين معلومة إطعام عشرة مساكين و تحرير رقبة فمن لم يجد يعني ما استطاع أن يقوم أن يطعم عشر مساكين أو أن يعتق رقبة فإنه يصوم ثلاثة أيام .
س: صمت يوم نافلة ونسيت أكلت فطوري حتى شبعت من الأكل وشرب الماء , فتذكرت أني صائمة علما إنه كانت لي نية في الصيام وتسحرت هل أكمل صيامي ؟
ج : نعم لعل الله عز و جل يكون أطعمكِ و سقاكِ وتكملين الصيام و لا حرج إن شاء الله في هذا .
محاضرات
وداع رمضان
ماذا بعد رمضان ؟؟
فضيلة الشيخ / محمد حسين يعقوب(2/152)
و يحق لنا أن نتساءل عباد الله المسلمين ماذا فعل رمضان في قلوبكم ؟!
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم بسم الله الرحمن الرحيم إن الحمد لله نحمده تعالى ونستعينه و نستغفره و نعوذ بالله تعالى من شرور أنفسنا و من سيئات أعمالنا من يهدِ الله فلا مضل له و من يضلل فلا هادي له و أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له و أشهد أن محمداً عبده و رسوله اللهم صلي على محمد و على آل محمد كما صليت على إبراهيم و على آل إبراهيم إنك حميداً مجيد اللهم بارك على محمد و على آل محمد كما باركت على إبراهيم و على آل إبراهيم إنك حميداً مجيد
أما بعد :-
فإن أصدق الحديث كلام الله تعالى و إن خير الهدي هدي محمد صلى الله عليه و سلم فإن شر الأمور محدثاتُها وكل محدثة بدعة و كل بدعة ضلالة و كل ضلالة في النار ثم أما بعد فأيها الأحبة في الله كل عام و أنتم بخير و تقبل الله منا و منكم ألتقي بكم الليلة بعد أجازه طويلة في شهر رمضان المبارك و بعدها هذا الوقت و إني و يعلم الله قد اشتقت إليكم نسأل الله عز و جل أن يجعل اجتماعنا اجتماع مرحوما و أن يجعل التفرق بعده معصوما و ألا يجعل فينا و لا منا ولا معنا شقياً و لا محروما ثم بعد رمضان ينبغي أن نتساءل و يحق لنا أن نتساءل عباد الله المسلمين ماذا فعل رمضان في قلوبكم ؟!(2/153)
إننا ينبغي أن نتوقف مع هذه القضية وقفة طويلة أن رمضان مدرسة و نحن نخاطب اليوم خريجي مدرسة رمضان كيف أثر رمضان فيكم؟ و هل تغيرتم؟ هل تغيرت الأمة؟ إنني حين أتوقف مع قول سلمان رضي الله عنه : الصلاة مكيال ، و الصوم مكيال ، و الزكاة مكيال فمن وفّى وفيَّ له و من طفف فقد علمتم ما قيل في المطففين ، من وفى وفيّ له أجره كاملاً فإن الله عز و جل يجزي بالحسنة عشر أمثالها ، و من طفف لم يكمل مكيال صيامه و قيامه و صدقته و زكاته و صلاته فويل للمطففين . إن الأمة لو تغيرت إخوتاه بعد رمضان بفعل رمضان لغيَّر الله أحوالنا حتماً و لازماً ، لابد أن تعلموا هذا جيداً أنه رمضان ترمومتر الأمة إن صح التعبير مقياس الأمة فكيفما تكون الأمة في رمضان يكون الله لها نسأل الله أن يصلح أمتنا إنني حريص على أن أقول لكم يا شباب و درسنا منذ أوله إلى اليوم و نحن نكلم الشباب . أنه قد ينشأ الشاب في أمة وادعة هادئة قوي سلطانها و استحفر عُمرانها حينئذ من الممكن أن ينصرف الشاب إلى نفسه أكثر مما ينصرف إلى أمته و هو هادئ النفس مرتاح الضمير أما إذا نشأ الشاب في أمه جاهدة عاملة قد استولى عليها غيرها و استبد بشؤونها خصمها فهي تجاهد في سبيل استرداد الحق المسلوب و التراث المغصوب و الحرية الضائعة و الأمجاد الرفيعة و المثل الذاهبة حينئذ لاشك أنه يكون من أوجب الواجبات على الشاب أن ينصرف إلى أمته بدلاً من أن ينصرف إلى نفسه من هنا يا شباب كثُرت واجباتكم تجاه أمتكم .(2/154)
من هنا يا شباب عظمت تبعاتكم تجاه دينكم من هنا يا شباب تضاعفت حقوق أمتكم عليكم من هنا يا شباب ثقُلت الأمانة في أعناقكم من هنا يا شباب وجب عليكم أن تفكروا طويلاً و تعملوا كثيراً و أن تحددوا موقفكم تجاه إسلامكم و أن تتقدموا للإنقاذ أن تعطوا الأمة حقها كاملاً من هذا الشباب أن تعطوا الدين الأمانة تامةً من شبابكم و من ثمن حياتكم ، نعم يا شباب إن رمضان ينبغي ألا يمر علينا هكذا بل ينبغي أن نرتبط برمضان العام كله ، ماذا صنع فينا ؟؟ ماذا غيرنا برمضان في أُمتنا ؟؟ ماذا غيرنا به ؟ أيها الإخوة إنني أعيد أن الغثائية التي حذر منها رسول الله صلى عليه و سلم أصبحت تظل هذا الجيل و يحدق بها خطرها أكثر من أي وقت مضى و لا أقول يوشك أن تتداعى عليكم الأمم كما تتداعى الأكلة إلى قصعتها بل أقل قد تداعت عليكم الأمم فماذا أنتم صانعون إن الوصفة الصحيحة للمرض الذي نعانيه هو الوهن فماذا صنع رمضان في إزالة هذا الوهن أتدرون ما الغثائية؟!
ما الغثائية ؟ الغثاء بقايا و نفايات بشرية خامدة تعيش على هامش مجرى الاجتماع الإنساني إن هذه البقايا و النفايات من جيل الإسلام و إني أقول إن تعجب فلتعجب من أن الغثاء الموجودة اليوم هم بقايا تلك الأمة العظيمة السابقة هم أحفاد ذاك الجيل الفريد جيل صحابة النبي محمد صلى الله عليه و سلم ، عجب رمضان جاء و مرَّ ماذا صنع في الأمة ؟! ماذا صنع في الأمة ؟!
كما يقول الشاعر :-
صام هنديُ فروَّع دولةً فهل سار…… علجاً صوم ألف مليون مسلم(2/155)
صام الهندي غاندي فروَّع دولة بريطانيا و قامت الدنيا من أجل اضرابه عن الطعام و صام ألف مليون مسلم اليوم ما أضروا كافراً لماذا ؟! لان صيامنا لا شك خرج عن مضمونه الصحيح و عن مراده الأصلي إن الصيام في العقل رفع الهمة و التطلع إلى معالي الأمور و التشوق للدرجات الرفيعة في الجنة أبيتُ عند ربي يطعمني و يسقيني هذا هو الصيام إن الصيام الترفع عن الشهوات و البعد عن المعاصي و السيئات إن الصيام ترك التوسع في المباحات و التزود من الطاعات و العبادات إن الصيام التشوق لبذل النفس و بذل الروح و التخلص من الدنيا جملةَ هل صُمنا هكذا؟! ما أظن ُ . ما أظننا صمنا . إخوتاه إنني أحمد إليكم الله أنه لم يسلط على الأمة المسلمة عدواً تسليط استئصال و إبادة و إنما الواقع على الأمة في هذه الأيام عقوبات يوقعها الله على تلك الأمة بسبب معاصيها الخُلقية و الفكرية و السياسية إنها منبهات حضارية هذه العقوبات التي تقع على الأمة اليوم منبهات لتبعث خمول الأمة للقضاء على الكيانات الرخوة و العناصر الشائخة في جسد الأمة إن هذه المنبهات و هذه العقوبات تحصن الأمة دون عوامل الموت و الفناء تحرك في الأمة بعث الحياة من جديد توقظ القدرة الكاملة و تحرضها على الإقلاع من جديد إخوتاه إن واجباتكم إزاء محاولة استئناف الحياة الإسلامية و إرجاع الإسلام إلى الهيمنة من بعد الحدث الهائل في تغييب الشرع و إبطاء الشريعة و إبعاد الدين إن الواجب عليكم الأعظم واجبات واضحة بيّنة أكثر من أن تزداد وضوحاً بعد رؤيتها في هذه الأيام وإنها لتنأى و بشدة عن المتحسرين أصحاب الأماني المتأوسين إن الذي يكون عالماً بتلك الواجبات و لا تنهض همته إليها فإنه كما وصفه ابن القيم لا يزال في حضيض صبعه محبوسة و قلبه عن كمال الذي خلق له مفصوصاً منكوساً قد أثام نفسه مع الأنعام ضاعياً مع الهمن استطاب نخيمات الراحة و البطالة واستلان فراش العجز و الكسل لا ، لا كمن رفع له(2/156)
علم فشمر له وبورك له في تفرده في طريق طلبه فلزمه و استقام عليه قد أبت غلبات شوقه إلا الهجرة إلى الله و رسوله و مقتت نفسه الرفقاء إلا ابن سبيل يرافقه في سبيله إلى الله ، اللهم ارزقنا هدياً صاعداً إليك يا رب . إخوتاه إن ما نراه اليوم من غثائية الأمة و بطش الأعداء و تكالب الأعداء و هذا الضعف الكامل ، و هذه الأخطاء الفادحة و هذه الهزائم المتلاحقة إنها جولة من جولات أمة الإسلام بين ماضي بعيد و مستقبل قريب إنها جولة من الجولات و مرحلة من المراحل في تاريخ عظيم ممتد في الحياة حتى قيام الساعة هذا هو تاريخ المؤمنين و هذا هو مداه أنما نعيشه اليوم أستطيع أن أُسميه و بصدق أنها غفوة من الغفوات في تاريخ أمتنا لابد من صحوة بعدها إن شاء الله لابد من وقفة مدبَّرة في ميادين الحق و العدل و الجهاد لتشهد أمتنا جولات بعدها من النصر و الغلبة عابدةً لله خاضعة لله حتى تكون كلمة الله هي العليا هذا هو وعد الله لعباده المؤمنين بشرط إذا صدقوا ما عاهدوا الله عليه إذا أسلموا و آمنوا إذا أنابوا و أخبتوا إذا تدبروا منهاج الله و عملوا به إذا نهضوا إلى دعوة الحق نهضة صدق و وفاء عندئذٍ يكون عمل هؤلاء المؤمنين قوة و سلاحاً عندئذٍ تصبح الكلمة قوة أسرع من نبض النفس تصبح العبادة قوة أمضى من النصل عندئذٍ تصبح الغدوة و الروحة و القيام و القعود و الراحة و النشاط و العمل و الفتور كل ذلك يصبح عندئذٍ قوة عظيمة مباركة و سلاح مظفراً ميموناً يصبح العمل كله ذكراً لله في كل ساحة و ميدان فعلى درب الإيمان يمضي المؤمنون مع سلاحهم وعداتهم صابرين محتسبين حتى يلقوا الجنة أو النصر يمضون في طريقهم الطويل و معهم كل سلاح و كل عتاد ألا وهو الإيمان ...
( وَلاَ تَهِنُوا وَلاَ تَحْزَنُوا وَأَنتُمُ الأَعْلَوْنَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَِ )133
( كَتَبَ اللَّهُ لأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌِ )134(2/157)
( وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِن بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الأرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَِ )135
( وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا الْمُرْسَلِينَِ * إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنصُورُونَِ * وَإِنَّ جُندَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَِ )136
كلها آيات تبشرك إن كنت من عباد الله المؤمنين فلك النصر دعك من كل شيء و اصبر على هذه و املكها أن تكون عبداً لله ربانياً أن تكون عبداً لله خاضعاً أن تمتلك الإيمان, يوم تمتلكه فهو القوة و الإعداد و العتاد أن تمتلك الإيمان تلك الصلة العظيمة بينك و بين الله أبشرك إنما تنصرون و ترزقون بضعفائكم نعم يا شباب إننا بحاجة اليوم و كانت الفرصة في رمضان و لكن لا بأس مازال الأمل ممدوداً أنه إننا بحاجة إلى ربط صلة قوية بالله لننتصر لنفوز لنقوى لنرقى . إخوتاه إن تقوى الله في الحقيقة هي التي تقود إلى تقوى الجوارح تقوى القلوب في الحقيقة هي التي تقود إلى تقوى الجوارح قال تعالى : ( ذَلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى الْقُلُوبِِ )137 كانت تعظيم لسبب وجود التقوى في القلب اسمع يقول ربك : ( لَن يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلَا دِمَاؤُهَا وَلَكِن يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنكُمْ )138 التقوى ها هنا كما أشار الحبيب محمد ها هنا أين ؟ في القلب و أشار إلى صدره فلإن كان هنا تقوى ، تقوى من؟ تقوى الله أحق أن يُتقي هو أهل التقوى فهذا هو الرباط بينك و بين الله تلك الصلة إن طريق الاستعلاء و السيادة هو طريق التقوى طريق النية و الهمة عليك تعبه و ركوب مصاعبه ذلك أن السيادة نهج واضح الوعورة ليس أمرها بالهين إنما هي قول ثقيل ألقاه الله إلى النبي محمد و على أتباعه أن يسودوا أن يسودوا يمكن لهذا الثقل أن تخففه النية فيتعاظم تأثير التعب القليل بصلاحها و لكنّ هداية القلب اللهم اهدي قلوبنا و إضاءة النفس و نهضات الهمة إنما يزكيهن الجد الدائم ،(2/158)
الفتور بعد رمضان نكوص ، نكوص على الأعقاب الكسل بعد رمضان ردة ، ردة جزئية عن التدين , التفريط بعد رمضان ضعف و تنكر لنعمة الله عليك من أراد تقوى الله دائمة في قلبه أدام جده تجلب نور القلب بدوام الجد , إن ديننا ليس بالهزل كما وصف الله ( إِنَّهُ لَقَوْلٌ فَصْلٌِ * وَمَا هُوَ بِالْهَزْلِِ )139 إننا نريد دوام الجد إنني إخوتاه و أنا أكلمكم الليلة سأكلم الذين سهروا في رمضان أمام الفوازير و لا باتوا في العيد أما المسرحيات و لا قضوا رمضان بين يدي اللعب و الهزل و السهر أمام المسلسلات إنني أكلم أقواماً قضوا رمضان صوّم قوّم فما بالكم بعد رمضان تتخاذلون ليكن عمرك لتكن حياتك يوم صوم و ليكن فطرك الجنة اللهم ارزقنا الجنة يا رب الصيام الصيام القيام القيام الذكر الذكر القرآن القرآن و إلا فإن تخاذلت فمن ينصر أمتك بمن تُنصر بمن تقوم بمن ترفع إخوتاه كما قدمت في الأول أنني و الآن أخاطب الشباب في أمة مهزومةً مستضعفة ضائعة تُنتقص أطرافها كل يوم و يُحاول استئصال شأفتها إنني لأستحي أن أكلمكم في ما كنا نتكلم فيه من مواجهة الشهوة و أي شهوة هي لكي نتكلم فيها لقد ماتت ذهبت انقضت أننا المفروض بعد رمضان قوم استشعرنا لذة الطاعة و جمال الإيمان و متعة العبادة فأنىَ لنا أن نُحدث بعد ذلك في شهوة وأين الشهوة؟ ماتت الشهوة المفروض أن الأمر كذلك و لكن كأني أسمع من يقول أكمل و له حق فلنكمل و لكني أحب أن تظل تلك الكلمات التي قدمت بها الليلة ترن في آذان الجميع إسمعها مرة و مرتين و عشرة و عاهد ربك أن تعمل له و لدينه ( مَنْ أَنصَارِي إِلَى اللَّهِ 140(من ينصر دين الله . ( إِن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمِْ )141 عودٌ حميدٌ إخوتي الشباب مرة أخرى نضع عودَنا على بدِأنا فنقول في مواجهة الشهوة أن من أفضل أسباب مواجهة الشهوة و القضاء عليها العلم اللهم علمنا ما ينفعنا و أنفعنا بما علمتنا و زدنا علما(2/159)
اللهم أجعل ما علمتنا حجة لنا لا علينا نعم إنني كثيراً ما أقول أن داء الأمة الجهل أمتنا اليوم داؤها الجهل و دوائها العلم و لكن أي علم ... تلكم القضية أنتبه !!!
إن داء الأمة الجهل الأمة مريضة و مرضها الجهل و محاولة تجهيل الأمة في دينها متعمد و مخطط له و مدبر و لكن أي علم ، العلوم الشرعية كلها ممدوحة و إنما النظر للأولويات بالتقديم و التأخير لأن بعض الناس يكون مريضاً و يُعطى علاجاً يزيد مرضه فهناك من هو مريض القلب يحتاج إلى علاج لقلبه كمرض الغرور و مرض الرضا عن النفس هذه رسالة من أحد إخواني من هذا المسجد جاء في أخر خميس يقول إني أتنفس رياء جملة كلامه أنه قال فعلت معظم ما نصحتنا به في الكلام على أبواب الخير لقد وضعت أيديكم في اللقاء قبل الأخير قبل رمضان على مائة باب من أبواب الخير في الصلاة و الصيام و الصدقة و الحج و العمرة و الذكر و الإحسان إلى الناس و إلى أخره يقول فعلت معظم ما نصحتنا به و جعلت لي سهماً في كل باب قيام ليل ، ورد قرآن ، محافظ على الصلوات في تكبيرة الإحرام تبكير و لكن عيونٌ تتلفظني رياء حفظت 17 جزء من القرآن من أجل أن يقال قارئ فقررت ألا أصلي بالناس لأن نفسي تطلب ذلك فتركت من يصلي بالناس و لا يعرف التجويد و لا يحسن القراءة يدخل عليّ جيراني في العمل و أنا أقرأ القرآن فيقولون لي إن صوتك جميل و يقفوا ليستمعوا فأحس بالرياء لأني أُحسن صوتي أكثر و عندما أصلي قيام الليل بصوتي جهريّ أحس برياء يتلفظني يقول تجهر بالقرآن لأن صوتك جميل يقول نعم صوتي جميل بعض الشيء قف هنا و أمسك هذه هي المشكلة أنه يرى أن صوته جميل .(2/160)
هنا المرض أمسك أنت ترى أن صوتك جميل ، يا ويحك أرجو ألا يكون صوتك هذا وبالاً عليك يوم القيامة ، من قال لك أن صوتك جميل لو قمت الآن فأسمعتني فسأثبت لك أن صوتك سيئ و لا ينبغي أن تجهر صوتك بالقرآن بعدها أبداً في حياتك ، الصوت الجميل قال فيه النبي محمد عليه و على آله الصلاة و السلام خيركم من إذا سمعتموه حسبتموه يخشى الله هل إذا سمعناك نحسب إنك تخشى الله!!
أسمع يا جاهل و دعني أشتُمك لتصبر عند نفسك اسمع يا مخدوع لو سمعك الجهلة المنافقون سيستحسنون صوتك أما لو سمعك أوليّ البصيرة فلعلهم لا يُقبلون عليك أبدأً قال بعض السلف فليحذر أحدكم أن تلعنه قلوب المؤمنين و هو لا يشعر قيل كيف ؟ تلعنه قلوب المؤمنين قال يخلوا بمعاصي الله فيلقيّ الله بُغضه في قلوب المؤمنين أنتبه لهذه القضية فإنها خطيرة ، خطيرة جداً أن تعجب .. أن ترى نفسك ..أن يعجبك فعلك أن تستريح إلى هذا الأمر فأعلم أنك ضعت و لذلك لو حضرت معنا السلسلة الأولى فى سياسة النفس ثمانية أشرطة ذكرنا أول نقطة عدم رؤية النفس تذكرون ألا ترى نفسك ثم لو كان صوتك حسناً فضلاً فهل صوتك من صنع نفسك من الذي أعطاك هذا الصوت؟ هاه و يستطيع أن يحبسه أي و الله أخبرك و عن ثقة أنني كثيراً ما أرفع صوتي زي ما أنت شايف كده بزعق بمنتهى البساطة في يوم جاء شاب يقول لرجل من الذين يجلسون في المسجد أنا عايز أتجوّد زي فلان اللي بيخطب ده فقالوا أنت مين أنت ؟! أنت سامع صوته هيهد الجامع و الله أسبوع أنتم تذكرون الأسبوع الذي غبت عنكم ما كان لي صوت أتكلم مطلعش بمنتهى البساطة حاجة سهلة جداً عشان أيه كلمة فصوتك إيه اللي أنت فرحان بيه صوت إيه يا أبن الحلال الله يهديك صوتك ده تسرق مرة متقدرشي تتكلم اسبوع صح و لا لأ ؟(2/161)
بمنتهى البساطة أمور هينه جداً صوتك تُعجب بصوتك أنه ليس من صنعك إنه صنع من؟ والمعطي قادر على أن يسلب فهو الذي أعطى بغير سبب ويسلب بغير سبب ملكه, ملكه يتصرف فيه فدعك من هذا العجب و الغرور و إذا رأيت الناس يعجبون بك تلك قاعدتنا الذهبية إذا رأيت الناس يعجبون بك فأعلم إنما يعجبون بستر الله عليك هم معجبون بالستر لو أنكشف الستر فسيبصق الناس عليك لا يلقون عليك نظرة و لا سلاماً أبدأً فأنتبه لهذه القضية و إياك أن تُعجب تعالوا لنقول أن داء الأمة الجهل و دوائها العلم دوائها العلم كل داء له دواء فإن أ ُصيب دواء الداء برأ بإذن الله . مريض القلب دواءه أن يتعلم كيف يشكر نعمة الله أن يتعلم كيف يخضع لله و يذل و مريض آخر لا يعرف كيف يتوضأ و لا كيف يصلي و لا كيف يغتسل فدوائه أن يتعلمها و مريض ثالث يخلط في المصطلح في الحديث أحاديث صحيحة و موضوعة يتعلم المصطلح دوائه و ثالث و رابع لكل مرض دواء, تجد إنسان مثل هذا الإنسان قد يخطب و قد يتقدم للإمامة و قد يعلم الناس و هو مريض بداء الرياء أي علم عليه أوجب هاه ما يتخلص به من الرياء قبل كل شيء هذا فرض عين عليه قبل أن يفعل شيء على الإطلاق أنت بقى مريض بالكبر يتعلم ما الذي يخلص من الكبر مريض بالغرور يتعلم ما الذي يخلص من الغرور و هكذا لابد من أن نفقه هذا الفكر, مريض بإطلاق نظره يتعلم كيف يغض بصره ، مريض بالاستمناء يتعلم كيف يتخلص من هذه العادة السيئة لابد فرض عين عليه أن يتعلم لأنها سبيل إلى النار تعالوا لنتعلم ما هي فوائد غض البصر ؟؟(2/162)
كنت أردت أن أتكلم الليلة في علاج جديد ألا و هو علاج جديد لغض البصر ألا و هو تعلق القلب بالآخرة فإذا تعلق القلب بالجنة بالآخرة نسى الدنيا و عميّ عنها لكن السؤال كيف يتعلق القلب بالآخرة و لكني ذكرت أني كنت قد ذكرت لكم في أخر محاضرة قبل رمضان خمسة فوائد من فوائد غض البصر و عندي خمس عشرة فائدة سأكملها الليلة ثم يكون لقاءنا القادم بإذن الله تعالى في تعلق القلب بالآخرة .
الفائدة الأولى :-
إن في غض البصر تخليص القلب من ألم الحسرة فإن من أطلق نظره دامت حسرته أنا أجهز الآن رسالة في علاج الاستمناء مرض أو داء العادة السرية فكان من المسائل التي أطلعت عليها مجلة طبيبك الخاص لهم كلام في هذه المسألة قال فيها أحد الأطباء بعد سؤال أن رجلاً تزوج فلم يستطع أن يأتي زوجته و لكن إذا مشى في الشارع فرأى النساء انتصب عضوه فما الحل ؟؟ فقال جابوا له طبيب نفساني يجاوب عليه فقال أن هذا الذي أطلق النظر ينظر في النساء الرائحات الغاديات يتخيل أشياء وهمية خلف ما يرى فلما تزوج لم يجد في الواقع ما تخيله فلم يستطع أن يقوم بأداء وظائفه فهمت أنا بتكلم واضح .. أنتبه !! فهذا معنى الكلام هنا كلام أبن القيم أن من أطلق بصره دامت حسرته نقوم أحنا نقول أيه من أطلق بصره دامت حسرته وعدّ كده 15 نقطة و لكن لما تشوفها كده في الواقع تعرف أن ابن القيم كان طبيب و لا لأ ؟؟
يبقى الواقع هنا يشهد أهوه أن الذي يطلق بصره شايف قدامه مناظر و بعدين يروح البيت ساعة ما يتزوج يبص لزوجته ميلقيش المناظر اللي هو كان بيتخيلها ما هو مش شايف حاجة فتدوم حسرته يفضّل طول عمره يتحسر على ما رأى .
و كنت متى أرسلت طرفك رائداً لقلبك يوماً أتعبتك المناظر و ... رأيت الذي لا كله أنت قادرٌ عليه و لا عن بعضه أنت فاضلُ(2/163)
لا أنت طايل و لا أنت فاضل نسأل الله العفو و العافية فهذه هي الأولى ، الأولى أن من أطلق نظره دامت حسرته فأضر شيء على القلب إرسال البصر و الناظر يرمي من نظره بسهام غرضها قلبه ، النظرة سهم مسموم من سهام إبليس ، السهم ده رايح فين لقلبك أنت . يبقى الفائدة الأولى أن غض البصر يخلص القلب من ألم الحسرة
الفائدة الثانية :-
إن غض البصر يورث القلب نوراً و إشراقاً يظهر في العين و الوجه و الجوارح كل من غض بصره من غض بصره تجد في وجه نوراً أو بمعنى أصح في قلبه نوراً أفاض على وجهه أحد الشباب كان يجلس معي اليوم إلتزم من رمضان ما هو رمضان ده شهر البركة أي و الله و كثيراً ما أقول يا شباب أنتبهوا لهذه المسألة فإن رواد المساجد في رمضان غير رواده طول العام هناك من لا يدخل المسجد إلا في رمضان ففرصة فرصة للدعاة إن اللي يدخل في رمضان تعمل أيه تصطاده جاء ليسرقنا فسرقناه قول مالك ابن دينار حرامي نط عليه بالليل فقعد يقلب في البيت و كان ابن دينار بيصلي ملقاش حاجة فمالك أبن دينار سلّم فوجده يُهمّ بالخروج فقال يا هذا أوجدت شيئاً .. قال ما وجدت ؟! قال ألا أدلك على شئ خير مما جئت تطلب قال و ما ذاك ؟ قال أن تتوضأ و تصلي ركعتين دعا له وضع يده على صدره و دعا له الرجل وصلى ركعتين فأذن المؤذن لصلاة الصبح فأخذه مالك بن دينار في يده و مضى إلى المسجد فتعجب الناس و قالوا من هذا يا أبا يحيى من هذا يا أبا يحيى قال جاء ليسرقنا فسرقناه أهو ده اللي تقول عليه سرقه لله سرقه لله فهكذا نفس الأمر هؤلاء الذين يدخلون المساجد فرصة ، فرصة أن تؤلف قلبه أن تربطه بالمسجد فيكون تأميناً على عبادات المقصود أن الشاب الذي كان يجلس معي النهاردة ده ايه تائب في رمضان بدأ طبعاً ولاد خالته يجوا البيت فيقوم يعمل أيه؟ يغض بصره فيسألوه الله أنت مبتبصلناش ليه يقول عشان ربنا قال : ( قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ 142(يقولوا الله(2/164)
، تغض بصرك بس مش أوي كده جلست اتعجب مش أوى كده يعنى أيه؟ يعني يبص بس مش أوي ما هي متنفعش يا يبص يا ميبصش هكذا نسأل الله أن يطهر قلوبنا لكن تنظر إليه فتجد وجهاً غير وجه العصاه يا رب ثبت الإيمان في قلوبنا و ثبت على الإيمان كل تائب مسلم المقصود أيها الإخوة أن هذا غض البصر يورث نوراً و إشراق و لذلك يقول ابن القيم و لهذا و الله أعلم ده كلام بن القيم و لهذا فالله أعلم ذكر سبحانه آية النور( اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ 143( عُقيب قوله ( قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ )144 و جاء الحديث مطابقاً لهذا كأنه مشتق منه و هو قوله أن النظر سهم مسموم من سهام إبليس فمن غض بصره عن محاسن امرأة أورث الله قلبه نورا ده كلام مين ابن القيم بيحسن الحديث ده و أنا واقع في مشكلة بقى بسبب التحسين و التضعيف فاحنا بنقول الحديث ده أصلاً ضعفه جماعة من العلماء و لكن كلام ابن القيم هنا أنه بيحسنه و ينبغي أن نضع ضابط للمسألة ، ضبط مسألة التحسين و التضعيف أنك تجد فى حديث يحسنه الشيخ الألباني مثلاً و يجي الشيخ محمد عمروعبد اللطيف يضعفه و حديث مثلاً يضعفه الشيخ الألباني و يجي الشيخ مصطفى العدوي يحسنه مثلاً ، مثلا ً يعني و هكذا فالتحسين و التضعيف له فيه إجتهاد للإجتهاد فيه مسرح يعني أيه يعني ينبغي أن تتسع صدرونا أن نختلف في المسألة أن نختلف في تحسين الحديث و تضعيفه و لكن في النهاية لا يصح إلا الصحيح إن شاء الله عز و جل .(2/165)
ولذلك ابن القيم و كأنه يحسن هذا الحديث و لكنه ضعفه جماعة من العلماء أسمع كلام ابن القيم لأنه كلام جميل و لا نعديّ ؟؟ تسمع !! طب تصلي اللهم صلي على البني محمد كلامه في كتابه إغاثة اللهفان صفحة 61 في الجزء الأول يقول وقال تعالى عُقيب أمره للمؤمنين بغض أبصارهم و حفظ فروجهم ( اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ 145( يقول وسر هذا أن الجزاء من جنس العمل فمن غض بصره عما حرم الله عز و جل عليه عوضه الله تعالى من جنسه ما هو خير منه فكل ما أمسك نور بصره عن المحرمات أطلق الله نور بصيرته و قلبه و رأى في نور قلبه ما لم يره من أطلق نور بصره و لم يغضه عن محارم الله و هذا أمر يحسه الإنسان من نفسه فإن القلب كالمرآة و الهوى كالصدأ فيها فإذا خَلُصت المرآة من الصدأ أنطبعت فيها صور الحقائق كما هي و إذا صدأت لم تنطبع فيها صورالمعلومات فيكون علمه و كلامه من باب الخرط و الظنون .(2/166)
الله أكبر كلام جميل جليل كلما غضضت بصرك يطلق الله نور بصيرتك يكون عندك نور أفهم يا عبد الله كلامي كثير من الشباب كنت لسة بقول لأحد الشباب أمبارح يا ابني إياك و الهوى فإن حلو الهوى آخره مر جاء حذيفة بن اليمان إلى عبد الله بن مسعود فقال أوصني فقال له عبد الله بن مسعود ألم يأتيك اليقين قال بلى قال فإياك و التلون فإن دين الله واحد تلك وصيتي لكل شاب كلمة عبد الله بن مسعود أقول تاني طب صلي اللهم صلي على النبي محمد و آله و سلم تسليماً كثيراً إياك و التلون فإن دين الله واحد معناها كلمة عمر بن الخطاب حين سُئِل عن الاستقامة قال أن تستقيم على الصراط و لا تروغ كروغان الثعالب مفيش تلون مفيش روغان امشي عدل كده على الصراط فالأخ بتاع امبارح قال لي ايه ؟ قال طب حذيفة قد جاءه اليقين و أنا ما عندي يقين قلت أول اليقين نور البصيرة أول اليقين ايه نور البصيرة نور يقذفه الله في القلب تميز به بين الحق و الباطل بين الخطأ و الصواب معناه أستفتِ قلبك و إن أفتاك الناس و أفتوك . لما يبقى في القلب ايه ؟! نور ، نور ايه ؟؟ البصيرة طب منين نجيب نور البصيرة؟ هو هنا الابتداء أول الخط اهوه مسكت أول الخيط أوله من هنا من غض البصر عن المحارم ان تغض بصرك عن محارم الله . دى لسه يا شباب في المقدمة السخنة اللي في الأول دي فقلت فيها أن اللي صام صح أن اللي صام صح تصبح عنده الدنيا لا شئ خلاص يتعلق قلبه بالآخرة ليه لأنك صُمت من الصبح للمغرب و عند المغرب قلت أواصل الليلة لأقتل نفسي فقعدت للساعة 12 و الساعة 12 قلت و الله كفاية كباية ميه و ثلاث تمرات زي ما النبي كان عايش كان عايش على الأسودين ؟ التمر و الماء تفطر على 3 تمرات و كبايه ميّه لحد تاني يوم تانى يوم المغرب و بصيت تاني يوم المغرب لقيت نفسك تعبان أبدأً ، زعلان أبداً ، مضايق أبداً ، ناقصك حاجة إطلاقاًً . أمال ليه بقى بتتكلم عن اللحمة و الفراخ و الفتة و الطبيخ و(2/167)
الدنيا ايه المشكلة ما 3 تمرات و كبايه ميّه كل الأربعة و عشرين ساعة ما نقصوش حاجة فهنا تصبح عندك الدنيا ايه لا شئ لا شئ ما قيمة الدنيا!! هنا تكون هذه البصيرة أتعرف لماذا أنت لا تصبر عن الشهوات ؟ عارف ليه ؟ لأطلاق البصر . لما أنت ماشي في الطريق كده و تشوف واحد لابس بنطلون تقوم تقول أهوه شايف البنطلون اللي هو لابسه ده شوفته في الفاترينة ب 193 جنيه و أنا مش لاقي أجيب بنطلون ب 23 جنيه شهوة خطيرة قال تعالى : ( وَلا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِّنْهُمْ زَهْرَةَ الْحَيَاةِ الدُّنيَا لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ وَرِزْقُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَأَبْقَىِ )146 غض بصرك عن هذا أيضاً . إمبارح أبو أنس ربنا يكرمه راجل طيب بيقولي يعنى أنا عملت قرشين عشان أحج نسأل الله أن يرزق المسلمين الحج بس هقول ايه تاني لان فعلا الصد عن بيت الله الحرام بقى ,بقت مشكلة في هذه الأيام يا رب يسر الحج للمسلمين يا رب فالمهم أنه هو بيقولي أن أخويه بيلبس بتاع ده بلوفر ب 190 جنيه ؟! أنا بجيب من أبو 20 جنيه فأنا بقوله في بلوفر ب 190 جنيه ؟! فقال لي ايه ده يا شيخ في بألف جنيه فقلت الغلط أنك تعرف إن في بألف جنيه قل كما قال النبي محمد مالي و للدنيا؟!(2/168)
فأين هذا من هذا نحن لا نحرم طيبات ما أحل الله لكن كُل ما شئت و ألبس ما شئت ما أبطأتك خصلة شرف و مخيلة فإن المبذرين كانوا إخوان الشياطين و إن الله لا يحب المسرفين ( وَلاَ تُسْرِفُواْ إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَِ )147 فأنتبه لهذه القضية المقصود أنك إذا غضت بصرك عن الفتارين اللي فيها المعروضات و غضت بصرك عن الملبوسات و نظرت الى القلوب و اهتممت بقلبك لم يصر عندك إهتمام بالدنيا رحم الله الأمام الشنقيطي تعرفونه ؟؟ صاحب أضواء البيان يقول عنه ابنه مات أو تلميذه عطية سالم أيضا يقول مات الأمام و لم يكن يعرف الفرق بين الريال و الخمسة ريال ؟، الريال من الخمسة ريال ميعرفش ليه ؟؟ لأنه راجل عايش للعلم لكن أنت واجب عليك تعرف الجنيه من الخمسة لحسن يضّحك عليك مفيش مشكلة لكن القضية أن ميكونش هذا اهتمامك أن تجعل الدنيا في يدك لا في قلبك و لما نقول لا في قلبك يعني لا في عقلك أنت فاهم ؟؟ مش لا فى قلبك تقول و الله ما في قلبي ده أنا قلبي مليان حب ربنا هي مش في قلبك انت قصدك انها مش فى قلبك ولكن فى عقلك بتفكر ليل و نهار أزاي تنميها و أزاي تغذيها و ازاي تجيب و ازاي تبقى احسن منه و تجيب عربية أحسن من عربيته و تلبس أحسن من لبسه و ماحبش حد أبداً يكون ولاده أحسن من ولادي أولادي يبقوا أحسن ناس .. من قال هذا؟ أنما فضل أولادك أن يكونوا عُباداً لله يرضى الله عنهم المقصود إخوتاه أن الذي يغض بصره عن كل هذا فإن الجزاء من جنس العمل يورثه الله نور البصيرة بداية اليقين
الفائدة الثالثة :-
أن غض البصر يورث صحة الفراسة فإنها ثمرة نور البصيرة
الفائدة الرابعة :-(2/169)
إن غض البصر يفتح لك طرق العلم و أبوابه و يسهل لك أسبابه و ذلك بسبب نور القلب لأن لما القلب ينور و البصيرة تظهر زي ما قلنا البصيرة نور يقذفه الله في القلب يميز به العبد بين الحق و الباطل بين الخطأ و الصواب بين النافع و الضار فلذلك أول ما يدخل قلبك و يستنير بغض البصر تلاقي العلم سُهِّلَ لك أبوابه و تظهر فيك حقائقه و لذلك تجد ما أرتفع من أرتفع من العلماء إلا بطهارة القلب شوفت أحمد بن ابي دوئاد تسمعوا عنه ؟؟ أحمد بن ابى دوئاد صاحب فتنة خلق القرآن هو اللي كان بيمتحن عليها الناس كانت شغلة أحمد بن دوئاد ده ايه كان قاضي القضاة كان كبير القضاة و كان فقيه أنا سألتكم أحمد بن أبي دوئاد تعرفوه محدش قال نعرفه و اللي يعرفه بيكرهه في الله لكن تعرفوا أحمد بن حنبل ؟ هاه ما الفرق بين هذا و هذا ؟ هي كده " أحمد ابن أبي دوئاد كأنه أراد الدنيا و الركون الى السلاطين .. أحمد بن حنبل أراد الآخرة و سعى لها سعيها و هو مؤمن نحسبه كذلك فبقيّ جميل ذكره وبقى أصل فعله و ظل إماماً إلى أن يرث الله الدنيا و من عليها صح و لا لأ ؟ أنظر إلى شيخ الإسلام بن تيميه انتوا عارفين قصة شرح العقيدة الطحاوية؟(2/170)
اللي موجود بين أيدينا دلوقتي زمان ما كانوش يعرفوا مين مؤلف كتاب شرح العقيدة الطحاوية ده مكنش معلوم ليه ؟لأنه مكتبش عليها اسم ليه؟ لان كان أهل السنة في عقيدة الأسماء و الصفات مضطهدين و كان الأشاعرة غلبة لهم الغلبه و الصفوف فكانوا يضطهدوا من ينطق بأن أسماء الله و صفاته نمرّها كما جاءت و لا نأولها إلى تأويل و لا تعطيل و لا تشبيه و لا تمثيل و لا تكييف و لا تغيير نقول لله يداً تليق بجلاله و كماله ليس كمثله شئ يقول أن الله على العرش استوى ، استوى كما قال استواء يليق بجلاله و كماله بخلاف الاخرين يقولوا استوى يعني ايه استولى و قعد الشيخ أحمد شاكر رحمه الله تعالى و رفع عنده قدره و أنزل على قبره الرحمة الشيخ أحمد شاكر يعني من العلماء الكبار الذين نعتز بهم المصرين يعني جلس يحقق اسم مؤلف ابن ابى العز الحنفي(2/171)
أبو العز الحنفي ثبت إنه نقل كثير جداً من العقيدة من كلام بن القيم و كلام شيخ الإسلام ابن تيميه و لم يقل في الكتاب مرة واحدة يقول ابن تيمية ولا قالها ابن تيمية و لا قال ابن القيم أيه السبب؟ ممنوع بن تيميه لأ ، مرفوض و ظل اسم شيخ الإسلام ابن تيميه محبوس محجور عليه ممنوع الكلام في اسمه سنين ، سنين طويلة قرابة 400 سنة قول 500 أكثر من 400 سنة ممنوع حد يقول ابن تيميه ثم قيد الله شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب . و معه محمد بن سعود ليعيد مرة أخرى علوم بن تيميه و يظهرها و ينصرها و صار تأثير ابن تيميه النهاردة فى عصرنا اشد من تأثير اى حد تانى ليه ايه السبب؟؟ انى لأتذكر موقف شيخ الاسلام ابن تيمية لما أرسل إليه ملك مصر حاكم مصر ؟؟ المهم و قال له تعالى إني قد بلغني أنك تجمع الناس و إنك تريد أن تستولي على ملكي فقال ملكك ملك من ؟؟ و الله إن ملكك و ملك الأرض جميعاً لا يساوي عندي جناح بعوضه ده مين شيخ الإسلام إنما أنا رجل أمة و لست برجل دولة ده كلام مين كلام شيخ الإسلام شوف الرجل لما زهد في الدنيا أتته الدنيا وهى راغمة هو ده الصدق يا شباب أن غض البصر عن الدنيا عموماً فضلاً عن المحرمات لأن غض البصر عن المحرمات ده الواجب لكن غض البصر عن الدنيا عموماً يثبت القلب , وهذه هي
الفائدة الخامسة :(2/172)
أنه يورث قوة القلب و ثباته و شجاعته فيجعل له سلطان الحجة و لذلك قيل إن الذي يخالف هواه يفرق الشيطان من ضله يفرق يعني ايه؟ يخاف يترعب يتخبط يخاف الشيطان من ظله و لهذا نجد المتبع لهواه المطلق لنظره ذل و ضعف و مهانة و حقارة عجيبة جداً قلت في درس الأحد إن أنا كنت في المعرض والناس قاعدين قدام التلفزيون يتفرجوا على ايه ؟؟ على الماتش تبص في عنييهم و هما قاعدين قدام الماتش كأنهم إلى نصبُ يوفضون خاشعة أبصارهم ترهقم ذلة واضح إلا لو شوفته قدام التمثلية و هو عمال يتأمل الممثلة و هي رايحة و جاية أو بتضحك أو بترفع بصرها و هو بيعمل كده بيحدق عينيه فيها عشان كده بقول إن التلفزيون ده هُبل العصري هُبل صنم العصر هوالتلفزيون يجلسون أمامه كأنما نُزِعت عقولهم و خُلِعت قلوبهم فهم عنه لا يصبرون أما الذي يغض بصره عن المحارم فإن غض البصر يورث القلب شجاعة و ثباتاً فيجعل له سلطان الحجة أما المتبع لهواه الذي لا يغض بصره شوف أنت مرة يبقى رجل ماشي في الشارع يبص ، ينظر إلى امرأة و قد فعلتها مراراً و الله تقوم أنت تيجى تحط ايدك على كتفه تقوله متخافش متخافش أنت بتبص على ايه يقولك : لا لا لا والله مببوصش على حاجة و تيجي أنت تروح حاطط أيدك بتبص على ايه اللي أنت هتشوفوه في عنيه تخيل انك ذاك الشخص تخيل أن واحد جه من وراك و حط أيده أعلم أن نظر الله إليك أسبق ( وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَن تَخْشَاهُ )148
الفائدة السادسة:-(2/173)
أن غض البصر يورث القلب سروراً و فرحة و انشراحا أعظم من اللذة و السرور الحاصل بالنظر دايما اقول لأخي التائب لما واحد يتوب يا رب تُب على عصاة المسلمين اللهم تُب على كل عاصٍ مسلم اللهم تُب على كل عاصٍ مسلم و اهدي كل ضال مسلم لما واحد يتوب و يجي يقول أنا نفسي تراودني للعودة مرة أخرى إلى المعاصي فنقول أن السبب واحفظ دي إن من علل التوبة ألتفات القلب إلى الذنب الفينة بعد الفينة و تذكر حلاوة مواقعته واضح ؟ إن كل شوية مثلاً و ضربنا فى الكلام ده قلته هنا أظن و الله أعلم إن هو ماشي في الطريق و غاضض بصره و فاتح المصحف زي ما وصينا و بيقرأ فيه يقوم يجي في لحظه كده و يسرح يقول فين الأيام السودة اللي كنت ببص فيها على رجليين النساء يتذكر حلاوة المعصية و يتخيل السيقان التي سبق أن رآها في علة من علل التوبة امرأة تحجبت يا رب استر نساء المسلمين امرأة تحجبت و هي ماشية في الشارع تقوم تبص على واحدة متبرجة تبص على المتبرجة كده و تقول في نفسها ايه ؟ فين أيام التبرج أنا يوم ما كنت بلبس زيها كده كنت أجمل منها كنت بوّقف الشارع على رجل هو ده برده من علل التوبة . إنها بتقول أنا لو لبست لبسها ده أبقى أحلى منها هذا من علل التوبة المقصود أن هذا الالتفات لا يجب أن يعود مرة أخرى فتعمل ايه ؟؟ و أنت بتذكر حلاوة المواقعة واحد كان يدخن تاب من التدخين يقوم يأكل أكله دسمة كده و يقعد كده و يقول يا سلام لو سيجارة تودي جهنم و العياذ بالله تعمل ايه الحل فقلت أن التخلص من هذا أن نتذكر حلاوة طاعات تخلف حلاوة تلك السيئات يعني ايه استبدال السيئات يا شباب سيئات اللي أنت كنت واقع فيها بتقوم و تنام فيها و لا تنفك عنها معاصي اللي أنت كنت مش قادر تبطلها و تحس بها سواء تدخين سواء إطلاق بصر سواء تبرج للمرأة سواءاً ماشي مع بنات أو غيره كنت تستشعر ساعتها لذة إذا بقيت تلك اللذة تتذكرها فهذا دليل خبث القلب و إنه مازال به نجاسة من(2/174)
نجاسات الذنوب يحتاج إلى تطهير كيفية تطهيرها أن تستبدل تلك السيئات بحسنات يعني ايه ؟؟ تسجد و تقول يا رب إلهي و سيدي و خالقي و تبتهل تتعلم ابتهال تدعو به فستشعر سعادة و لذة و متعة يبقى لما تيجي تفتكر متعة السجاير تسجد فتغلب متعة السجود متعة التدخين واضح ؟ أن تدمن قراءة القرآن فتستمتع ثم تروادك نفسك للعودة إلى الحرام تبدأ تستشعر لذة الحلال فتغنيك عن لذة الحرام و هكذا استنطبت هذا من قول النبي محمد صلى الله عليه و سلم إذا رأى أحدكم من امرأة ما يعجبه فليأتي أهله فإن معها مثل الذي معها ففي الحلال غنيةٌ عن الحرام لما تيجي تراودك نفسك أن تروح تعلب كرة و أنت كنت بتسعد وتنبسط اوى من لعب الكورة استبدل أن ترجع إلى الأصل أن تستمتع بقيام الليل أن تستمتع بتلاوة القرآن أن تستمتع بالصيام أن تستمتع بالذكر أن تستمتع بالدعاء أن تستمتع بقراءة كتب العلم أن تستمتع في معرفة حياة الصحابة و السلف و من بعدهم أن تستمتع بهذه الأمور فكلما أوجدت أنواعا من المتع جديدة أغنتك عن المعاصي القديمة و نسأل الله أن يعفوا عنا و عنكم .
الفائدة السادسة :(2/175)
من فوائد غض البصر أن غض البصر يورث القلب سروراً أنت قبل كده تيجي تبص فتفعل دلوقتي تغض بصرك يا سلام أما ترجع البيت و تحس أنك لم يقع بصرك على حرام قط مشوفتش ولا امرأة تحس بأيه ؟ أي و الله والله سعادة سعادة ما بعدها سعادة و جرب ثم أخبرني بلاش تخبرني جرب و أدعي لي نعم إن فعلا و الله لما تخرج مشوار و ترجع لما ترجع و تحس أنك مشوفتش وغضضت بصرك و أنت رايح و أنت جاي ترجع كده حاسس الحمد لله مشوفتش و لا امرأة تشعر بالارتقاء تشعر بالسعادة الكبيرة أن قلبك مستريح خلاص خرجت به طاهراً و رجعت طاهراً الأخوة قالوا كده في الاعتكاف عارفين ليه ؟؟ لانه في الاعتكاف شاف امرأة !!! عشر أيام لم يرى وجهها و لا وجه ولا غيره لم يرى امرأة و لم يسمع صوت امرأة قاعد في وسط المؤمنين المصلين المتقين الصائمين المحبين لله الراكعين الساجدين يبقى قلبه جنة و لا لأ ؟ حافظ على هذه الجنة يقول ابن القيم أنه يورث القلب سروراً و فرحةً و انشراحاً أعظم من اللذة و الشروح الحاصل بالنظر و ذلك لقهره عدوه بمخالفته و مخالفة نفسه و هواه و أيضا فإنه لما كف لذته و حبس شهوته لله و فيها يعني في الشهوة و اللذة و فيها مسرة نفسه الأمارة بالسوء أعاضه يعني عوضه ، أعاضه الله سبحانه مسرةً و لذةً أكمل منها لما كان في إطلاق البصر لذة النفس الأمارة فأنت غضضت البصر و خالفت النفس الأمارة يقوم ربنا يعوضك لذة للنفس المطمئنة ألذ من لذة النفس الأمارة قال بعضهم والله للذة العفة أعظم من لذة الذنب كان بعضهم يقول رأيت المعاصي ندالة فتركتها مروءة فاستحالت عبادة رأيت المعاصي ندالة قذارة هي قالت كده هند قالت و هل تزني الحرة ، الحر ميقعش في المعاصي دى ندالة قال فتركتها مروءة عشان أحافظ على مروءتي و أبقى راجل فاستحالت عبادة بقيت اتركها لله و لا ريب أن النفس إذا خالفت هواها أعقبها ذلك فرحاً و سروراً و لذة أكمل من لذة موافقة الهوى بما لا نسبة بينهم و هنا(2/176)
يمتاز القلب من الهوى .
الفائدة السابعة :-
خذ بسرعة عشان نكمل ال15 أن غض البصر يخلص القلب من أسر الشهوة فإن الأسير هو أسير شهوته و هواه يقول شيخ الإسلام ابن تيمية لما دخلوه سجن القلعة قالوا مأسور و حُبس فقال المأسور من أسره هواه و المحبوس من حُبس قلبه عن الله لا هو مأسور و لا محبوس و متى أسرت الشهوة و الهوى القلب تمكن منه عدوه و سامه سوء العذاب كعصفورة في كف طفل يسومها حياض الردى و الطفل يلهو و يلعبُ .
الفائدة الثامنة :-(2/177)
إن غض البصر يسدُ باباً من أبواب جهنم اللهم سُد عنا كل أبواب جهنم لها سبعة أبواب لكل باب منهم جزءً مقسوم النظر باب الشهوة الحاملة على موافقة الفعل و تحريم الرب تعالى حجاب مانع من الوصول فمتى هُتك الحجاب جرأ العبد على المحذور و لم تقف نفسه عند غاية فإن النفس في هذا الباب لا تقنع بغاية تقف عندها خلي بالك من دي و دي هتيجي معانا في علاج الاستمناء المرحلة اللي بعد النظر إحنا قلنا على 3 مراحل علاج النظر و علاج الاستمناء و علاج الزنا إن شاء الله دي الثالثة المرحلة الأولى علاج النظر مازلنا فيها هذه النفس لا تقنع بغاية في هذا الباب تقف عندها هيقول له انظر بعد ما ينظر هتقول له النفس ألمس يتعمد الأماكن المزدحمة في الأتوبيسات و في الشوارع الموسكي و الزنقات دي يتعمد أن يتحسس ثم يفعل كذا ثم يفعل كذا ثم يفعل كذا ثم يفعل كذا ثم ثم لا ينتهي أبدا و لا يقف عند باب مش هينتهي أبدا هذا الباب يا إخوتاه و أحذركم قد أنذرتكم أحذركم ليس له نهاية إلا أن يقتل الرجل نفسه لذلك يذكر عن بعض الماجنين من الأغنياء المترفين أنه جاءه الطبيب و هو تتساقط أعضاءه فقال له أنت تهلك نفسك فأخرج من بين رجليه جارية جميلة و قال و هل يصبر على مثل هذا ملوش نهاية مش هينتهي أبدا إطلاقاً و لا عمرك هتشبع و الأصل فيه أن تقف و أن تحجز نفسك فغض البصر يشد عليه هذا الباب الذي عجزت الملوك على إستيفاء أغراضهم فيه لأن لذة النفس في الشيء الجديد فصاحب الصارف لا يقنعه الدليل و إن كان أحسن منه منظراً و أطيب منه مغفراً دايما عايز جديد و عايز جديد و عايز جديد مش هتنتهي فلذلك أقلع و غض البصر تتنهي و ترضا بما أعطيت و بما رُزقت فائدة غض البصر الفائدة الثامنة أنه يسد عنه باباً من أبواب جهنم .
الفائدة التاسعة :-(2/178)
ان غض البصر يقوي العقل و يزيده و يثبته فإن إطلاق البصر و إرساله لا يحصل إلا من خفة العقل و طيشه و عدم ملاحظته للعواقب و ده أحد أنواع علاج غض البصر هتيجي معانا إن شاء الله النظر في العواقب انك أنت نظرت فرأيت امرأة جميلة طب و بعدين أنظر في العواقب و بعدين هاه خلاص عدت لكن أحصاه الله هي عدت و أنت نسيت بعد شويه لكن اتكتبت عليك زانية زنا بنظره صح تيجي يوم القيامة تحاسب ربك بيقولك عبدي ألم تكن تعلم أني أراك فلما عصيتني تقول ايه ؟ فهذا الذي يفعل أكيد ليس بعاقل ليس بعاقل فإن من خاصة العاقل ملاحظة العواقب و مرسل النظر لو علم ما تجني عواقب نظره عليه لما أطلق بصره قال الشاعر :
و أحسن الناس من لم يرتكب…سببا حتى يذكر ما تجنى عواقبه.
الفائدة العاشرة :-
إن غض البصر يخلص القلب من سكر الشهوة و ركدة الغفلة فإنه قد عُلم أن إطلاق البصر يوجب استحكام الغفلة و يوقع في سكرة العشق كما قال تعالى عن قوم لوط عشاق الصور " لَعَمْرُكَ إِنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَِ "149 فالنظرة كأس خمر و العشق هو سكر ذاك الشراب و سُكر العشق أعظم من سُكر الخمر فإن سكران الخمر يفيق و سكران العشق قلما يفيق إلا و هو في عسكر الأموات كما قال الشاعر
سكران سكر هوى وسكر ندامة ومتى إفاقة من به سكران
سكر هوى عشق وذكر ندامة خمر متى يفيق مثل هذا .
و أبن القيم ذكر العشرة دول في كتاب روضة المحبين و نزهة المشتاقين و الخمسة الزيادة دول من كتاب و هذه الخمسة الزائدة من كتاب الجواب الكافي .
الفائدة الحادية عشرة :-(2/179)
أنه امتثالاً لأمر الله و هو غاية سعادة العبد في معاشه ومعاده فليس للعبد في دنياه و آخرته أنفع من امتثال أوامر الله و ما شقي من شقي في الدنيا و الآخرة إلا بتضييع أوامر الله قال تعالى في الحديث القدسي :- و ما تقرب عبدي إليَّ بأحب إليَّ مما افترضه عليه ، فأعظم فائدة لغض البصر إنه امتثال لأمر الله فإذا امتثلت أمر الله كنت من السعداء قال تعالى (تلك حدود الله فلا تعتدوها)150 و قال (و من يتعد حدود فقد ظلم نفسه)151 اللي يتعدى حدود الله يبقى ظلم ربنا ! ظلم مين ؟؟ ليه ؟ لأنك اعتديت حدود الملك يهلكك ( ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيدًاِ )152 .
تهديد تتفتت منه الأكباد أنت قده ؟؟ تطيق الوقوف أمامه و ما يعلم جنوده ربك الاّه يرسل عليك جند من جنوده يفتت جسمك نعم ماذا فعل بقارون فقذفنا به و بجهل الأمر ماذا فعل بالسامري (قَالَ فَإِنَّ لَكَ فِي الْحَيَاةِ أَن تَقُولَ لَا مِسَاسَ)153 أحذر أن يصنع بك كما فعل مع الظالمين فلذلك الذي ينفذ أوامر الله في مأمن من عذاب الله و تلك السعادة الحقيقية .
الفائدة الثانية عشرة :-
إن غض البصر يمنع وصول السهم المسموم إلى القلب أنت بتطلق سهم إذا غضضت بصرك يبقى لن يصل إلى قلبك لان السهم لم يطلق من الأصل .
الفائدة الثالثة عشرة :-(2/180)
إنه يورث القلب اُنساً بالله و جمعيةً عليه فمعلوم أن إطلاق البصر يفرّق القلب و يشتته و يبعده عن الله و ليس على القلب شئٌ أضر من إطلاق البصر فإنه يورث الوحشة بين العبد و ربه نقطة مهمة جدا يا إخوه كلنا يشعر بها و لا يعرف أن يكيِّفها و يعبر عنها و هي مسألة الوحشة بين العبد و بين الله تخيل هذه الوحشة كما ذكرها ابن القيم في كتاب الداء و الدواء ان هذه الوحشة عقوبة من العقوبات التي يوقعها الله على العاصي أن تكون هناك وحشة بين العبد و بين الله ثم يكون وحشة بين العبد و بين قلبه فيتنكر نفسه ثم تكون وحشة بين العبد و بين أقرب الناس إليه زوجته و أهله و أولاده و أبيه و أمه و أقاربه و جيرانه و زملائه و أصدقاءه و أحبابه ثم تستحكم الوحشة فيستوحش العبد ممن حوله و مما حوله حتى البيت و حتى المسجد يعني ايه مش فاهمين الوحشة اللي أنت بتقول عليها دي ؟؟ الوحشة يعني تيجي ترفع أيديك كده و تقول يا رب إلهي و سيدي عارف هذا من باب التحدث في نعمة الله نسأل الله أن يجعله كذلك و أن يجعل عملنا كله صالحا أن يجعله لوجهه خالصا و لا يجعل فيه لأحد غيره شيئاً . العمرة التي قضيتها في رمضان هذا الفائت كما قلت لأحد الأخوة و أحنا جايين في الطريق قلت هي فعلا عندي أجمل عمرة عملتها في حياتي ليه رغم أنها تقول مثلاً رقم 90 رقم 100 لكن أجمل عمرة في حياتي ليه أول ما دخلت المسجد الحرام فعلا الكعبة وحشاني فبدأت هكذا بدون ترتيب لا حرص و لا لغة و لا نحو و لا إعراب و لا حاجة جيت لك يا رب جيت بذنوب سنة و مآسي سنة و بلاوي سنة و سواد سنة و طين سنة جيت و هروح لمين مليش غيرك أنت أدرى كل الناس شايفين الظاهر ده أنت وحدك اللي شايف اللي جوايا السواد و الهباب و الحزن و الكآبة و الألم و النكد و الهم و الحزن جيت لك أنت تغسلني أنت تاخد بأيدي أنت تنشلني أنت أنت كده في اللحظات دي هي المتعة الحقيقية اللي تحس إن هو قريب أوى آخد بأيدك بسرعة جدا(2/181)
بيرفعك على طول تحضن الكعبة كده في الرُكن تحس إنها كمان بتضغط على كتفك هو ده الأنس غيره ترفع إيديك كده و تقول يارب مفيش قلب , جامد يا رب في وحشة مقفولة مش طالعة كتير تقول يا رب و حاسس إنك مش مسموع مش طالعة مش واصلة هي دي الوحشة اللي تقع بينك و بين ربنا تستحكم الوحشة تقوم تيجى تقول أنا حاسس إن قلبي ده فيه تراب حاسس إن قلبي ده مش حجر ده حديد الحجر ممكن يتكسر لكن الحديد مبيتكسرش مبيدوبش إلا بالنار أعمل ايه تستحكم الوحشة بينك و بين قلبك بعد كده تحس إنك مضايق و قرفان و مهموم و زعلان من ايه مفيش حاجة مفيش حاجة فلوس !! في فلوس ، زوجة و الأولاد فيه عمل بشتغل مفيش مشاكل أمال مضايق من ايه تقول مش عارف مضايق قرفان مهموم مش عارف مش عارف مالي هي دي هي دي الوحشة غض البصر عن الحرام و التغاضي عنه و البعد عنه يورث القلب الأُنس بالله و الجمعية عليه الاجتماع عليه إنك تبقى قريب أوى من الله قريب جداً لان إطلاق البصر يفرق القلب و لابد طبعا ماشي يبص لدي و يبص لدي و يبص لدي تفتكر قلبه نضيف مش ممكن أوعى تصدق كلام العلمانيين المسلمين و غيرهم اللي يقولك ده بيبص لها على إنها أخته يا أخي أنتوا ليه معقدين لا دول أصدق ما يقال فيهم قول الله عز و جل ( وَلَوْ عَلِمَ اللّهُ فِيهِمْ خَيْرًا لَّأسْمَعَهُمْ وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّواْ وَّهُم مُّعْرِضُونَِ )154 فعلا حتى لما يسمعوا الآيات يتولوا و هم معرضين لكن القضية غير كده القضية إن إطلاق البصر يشتت القلب و يفرقه غض البصر يجعلك تجمع القلب على الله جمعيته و يُبعد عنه التشتت و ليس على القلب شئٌ أضر من إطلاق البصر فإنه يورث الوحشة بين العبد و بين الله هيعمل وحشة فرقة بينك و بين ربنا عارف الصلاة صلة بين العبد و ربه لما تقف في الصلاة كده الرسول بيقول ايه صلى الله عليه و سلم : " فإن الله ينصب وجهه لوجه عبده في صلاته"155 , تحس أن ربنا قريب منك أوى أقرب ما يكون(2/182)
العبد من ربه وهو ساجد لما تسجد كده وتقول ربى إنى ظلمت نفسى ظلماً كثيراً ربى إنى ظلمت نفسى ظلماً كثيراً كثيراً ولا يغفر الذنوب إلا أنت فاغفر لي مغفرة من عندك و ارحمني إنك أنت الغفور الرحيم تحس لما تقول الكلام ده إنه طالع من قلبك و انه مسموع و إنه هيستجاب أدعو الله و أنتم موقنون بالإجابة يحصل اليقين تحصل المتعة الحقيقة من الدعاء الدعاء هو العبادة تدعو في كل شئ في الصغير و الكبير لأنك تتمتع بالدعاء .
الفائدة الرابعة عشرة :-
انه يسد على الشيطان مداخله إلى القلب فإن الشيطان ينفذ مع النظرة إلى القلب أسرع من دخول الهواء إلى المكان الخالي يدخل الشيطان من النظرة ينفذ من القلب فيرسم في القلب صورة المنظور يرسم صورة اللي أنت بتبص لها و يزينها و يزينها و يجعلها صنماً يعكف عليه القلب ثم يعده و يمنيه و يوقد على القلب نار الشهوة و يلقي عليها حطب المعاصي التي لم يكن يتوصل إليها بدون تلك الصورة فيصير القلب في اللهب فمن ذلك اللهب تلك الأنفاس التي يجد فيها وهج النار أو تلك الزفرات و الحرقات فإن القلب قد أحاطت به النيران من كل جانب فهو في وسطها كالشاه في وسط التنور عشان كده يقول نار يا حبيبي نار هي كده نار فعلا نار حقيقية فى القلب تمنعه و لذلك جُعِلَ الجزاء من جنس العمل فالزناة في تنور ، تنور يعني ايه فرن أسفله واسع و أعلاه ضيق فيشتعل عليه النار من تحت حتى إذا ارتفعوا صوصوا يا رب قنا النار وعذاب النار هم فى البرزخ فى تنور أودعت فيها أرواحهم إلى يوم الحشر كما رآه النبي محمد صلى الله عليه و سلم في الحديث المتفق عليه(2/183)
يبص للمرأة يدخل الشيطان من عنيه يوصل لقلبه على طول يروح راسم صورتها و يبدأ يجعل هذه الصورة صنم يعكف عليه لسة الرسالة اهه بتاعت أخ واحد من الشباب باعت ييجى يشوف المناظر دى يروح البيت ويغمض عنيه ويفضل يتخيل المناظر اللي شفاها لان الشيطان رسمها فين في قلبه و يقعد بقى يعدهم و يمنيهم و وما يعدهم الشيطان إلا غروراً .. يقعد يتأمل و يقعد يتلوى و يقعد ايه الزفرات دي؟ ايه الآهات دي ؟ حرقة نارجواه نار مولعة نار في الدنيا و نار في الآخرة يا خيبتك يا حسرتك يا وكستك يوم القيامة تأتي خاسراً و في الدنيا متحسراً لذلك تلاقيهم يوم القيامة أقرأ القرآن كده على طول ( يَا حَسْرَتَنَا عَلَى مَا فَرَّطْنَا فِيهَا )156.
( يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً )157 على طول يا ويلتنا يا حسرتنا هكذا حالهم نعوذ بالله من حال أهل النار .
الفائدة الخامسة عشرة و الأخيرة :-(2/184)
أن غض البصر يُفرغ في القلب الفكرة في مصالحه و الاشتغال بطلب الجنة أما إطلاق البصر فينسيه ذلك و يحول بينه و بينه لأن الذاكر لله ذاكر لأمر الله لا يقع في المعصية أما الناسي (نسوا الله فنسيهم) (نسوا الله فأنساهم أنفسهم) فلما نَسِىَ فنُسِي لم يتفكر في مصالحه فينفرط عليه أمره و يقع في إتباع هواه فى الغفلة عن ذكر ربه قال تعالى ( وَلا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا )158 الأولانيه أيه أغفلنا قلبه عن ذكرنا ثم و اتبع هواه ثم و كان أمره فرطا و إطلاق النظر يوجب هذه الأمور الثلاثة : إطلاق النظر يوجب الأمور الثلاثة يغفل قلبه عن ذكر الله مش ممكن يكون بيبص كده ويذكر الله ممكن !! أبداً و إنما عينه هنا فيغفل عن ذكر الله فيتبع هواه فيفرط عليه أمره و بين العين و القلب منفذ و طريق فالقلب يصلح بصلاح العين و يفسد بفساد العين فإذا فسد النظر و خرب فسد القلب و خرب و صار كالمزبلة التي هي محل النجاسات و القاذورات و الأوساخ فلا يصلح لسكنى معرفة الله ومحبته و الإنابة إليه و الأنس به و السرور بقربه سمعت الحتة الاخرانية دي مهمة أوى الداء و الدواء من صفحة 214 ل217 اقول مرة أخرى أخيرة إذا فسد النظر و خرب سار خراباً ينظر إلى الحرام فسد القلب و خرب و صار كالمزبلة يبص لدي يقوم تدخل الزبالة و الوساخة من عينه لقلبه و يبص للتانية أوسخ و يبص للتالتة أقذر و يبص للرابعة فيصبح القلب مزبلة بيلم فيها القاذورات و الوساخة فإذا كان القلب مزبلة هل يدخله حب الله ؟!! أبدا . هل يدخله إنابة إلى الله إطلاقا هل يدخله الأنس بالله مش ممكن هل يدخله السرور بقرب الله مستحيل فمن أراد شيئاً من هؤلاء فعليه بغض البصر
اللهم أرزقنا غض أبصارنا نكتفي على هذه المقدار فقد أطلت عليكم الليلة و نستكمل الخميس القادم إن شاء الله عز و جل و قدر أقول قولي هذا و استغفر الله لي و لكم و الحمد لله رب العالمين
الفتور بعد رمضان
للشيخ / سعود بن إبراهيم الشريم(2/185)
إن الحمد لله نحمده على ما وفق من الطاعة , وزاد عنه من المعصية , ونسأله بمنته تماما , وبحبله اعتصاما , نحمده على ما كان , ونستعينه من أمرنا على ما يكون , ونسأله المعافاة في الدين كما نسأله المعافاة في البدن .
ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له , شهادة إيمان وإيقان , وصدق وإذعان , ونشهد أن محمداَ عبده ورسوله , بلغ الرسالة وأدى الأمانة ونصح الأمة وتركنا على المحجة البيضاء ليلها كنهارها , لا يزيغ عنها إلا هالك .
فصلوات ربى وسلامه عليه , وعلى آله الأتقياء الأوفياء , وعلى الصحابة الأبرار , العبّاد الأطهار وعلى من سار على طريقهم واتبع هداهم ما تعاقب الأجدّان الليل والنهار .
أما بعد , فأوصيكم أيها الناس ونفسي بتقوى الله سبحانه فإنها الزمام والقوام , فتمسكوا بوثائقها واعتصموا بحقائقها.
ثم اعلموا أنما أنتم في هذه الدنيا غرض تتناضل فيه المنايا , مع كل جرعة شرق وفي كل أكلة غصص , لا تنالون منها نعمة إلا بفراق أخرى. ولا يعمر معمر منكم يوماَ من عمره إلا بهدم آخر من أجله , ولا يحيا له أثر إلا مات له أثر , وقد مضت أصول نحن فروعها فما بقاء فرع ٍ بعد ذهاب أصله .
ألا فلا يستوحشن أحد في طريق الهدى لقلة أهله , فإن الناس قد اجتمعوا على مائدة شباعها قصير وجوعها طويل , ومن سلك الطريق الواضح دون فتور أو ملل ورد الماء ومن خالف وقع في التيه .(2/186)
أيها الناس إن شعور المسلم بالاستبشار والغبطة حينما يرى إقبال الناس على الله في رمضان وما يقلبه من بصره هنا وهناك تجاه أوجه البر والإحسان لدى الكثيرين من أهل الإسلام ليأخذ العجب بلبه كل مأخذ ولربما غلب السرور مآقي المترقب فهاتان دمع الفرح والإعجاب لما يرى ويشاهد . إلا أن العيد وما يعقبه ليصدّق ذلك الظن أو يكذب ومن ثم ينكس المعجب وتشخص أحداقه لما يرى من مظاهر التراجع والكسل والفتور , ومن ثم يوقن أنه إنما كان مستسمناً ذا ورم , وما يشاهده المرء في الأعياد في أقطار شتى من الفرح اللامشروع وتجاوز حدود الاعتدال فيه , على هيئة وصور تنفيان كونهم من الخائفين على رد الأعمال الصالحة , أو من الشاكرين لبلوغ هذا العيد الذي أكرمهم الله به . ومن ثَم فإن الحال على ما ذكر كالتي نقضت غزلها من بعد قوة أنكاثا لأن النفس البشرية لو كان عندها شغل بالخالق لما أحبت المزاحمة بما يسخطه ( إِنَّ الَّذِينَ ارْتَدُّوا عَلَى أَدْبَارِهِم مِّن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْهُدَى الشَّيْطَانُ سَوَّلَ لَهُمْ وَأَمْلَى لَهُمْ )159 .
ولو أنهم أحبوا الطاعة لما تخلوا عنها طرفة عين وقديما قيل:
من عشق طريق اليمن لم يلتفت إلى الشام
ألا فاعلموا يرعاكم الله أن من قارب الفتور والكسل بَعُدَ عنه النصب والاجتهاد , ومن ادعى الترويح أو التسرية وُكِلَ إلى نفسه . وإن من أحق الأشياء بالضبط والقهر والأطر على العبادة والاستقامة أطرى هي نفسك التي بين جنبيك .
فإياك إياك أيها المسلم أن تغتر بعزمك على ترك الهوى في رمضان مقاربة الفتنة بعده فإن الهوى مكايد , فكم من صنديد في غبار الحرب اغتيل، فأتاه ما لم يحتسب ممن يأنف النظر إليه ، واذكر - حفظك الله - حمزة مع وحشي رضي الله عنهما. من تعود الفتور والكسل أو مال إلى الدعة والراحة فقدْ فقدَ الراحة, وقد قيل في الحكمة: إن أردت ألا تتعب فاتعب لئلا تتعب .(2/187)
ولا أدل على ذلك من وصية الباري جل وعلا لنبيه ومصطفاه صلوات الله وسلامه عليه ( فَإِذَا فَرَغْتَ فَانصَبْ )160 , لأن من كسل لم يؤد حقاَ , ومن ضجر لم يصبر على الحق , والكيّس من دان نفسه وعمل لما بعد الموت والعاجز من أتبع نفسه هواها وتمنى على الله الأماني . وليس في سياط التأديب للنفس أجود من سوط عزم وإلا ونت وأبت , لأن فساد الأمر في التردد , والنفس عباد الله من أعجب الأشياء مجاهدة , لأن أقواماَ أطلقوها فيما تحب فأوقعتهم فيما كرهوا , وآخرين بالغوا في خلافها حتى منعوها حقها , وإنما الحازم من تعلم منه نفسه الجد وحسب الأصول . فإذا ما فتح لها في مباح لم تتجاسر أن تتعداه لأن تفقد النفس حياة والإغفال عنها لون من ألوان القتل صبرا , والنفس كالطفل إن تهمله شب على حب الرضاع وإن تفطمه ينفطم .
إن الحياة الدنيا لا تخلو من عقوبة , ومن عاش لم يخلو من المصيبة , وقلما ينفك عن عجيبة . وإن من أعظم العقوبات عباد الله عدم إحساس المُعاقَب بها , بل وأدهى من ذلك وأمر السرور بما هو عقوبة كالفرح بالتقصير بعد التمام , أو التمكن من الذنوب بعد الإقلاع عنها . ومَن هذه حاله لا يفوز بطاعة ولو غش نفسه بعبادات موسمية ذات خداج لوجد خفيّ العقوبة الرئيس، وهو سلب حلاوة المناجاة أو لذة التعبد , إلا رجال مؤمنون ونساء مؤمنات من عبَّاد رب الشهور كلها ، بواطنهم كظواهرهم , شوّالهم كرمضانهم ، الناس في غفلاتهم وهم في قطع فلاتهم ، فأخلص لمديم القرع منهم للأبواب أن يلج , لأنهم تغلَّبوا على طباعهم ذات الجوانب الكثيرة , ولذا فليس العجب أن يَغلب الطبع وإنما العجب أن يُغلب .(2/188)
لقد خُلِقَ الإنسان في كبد , والمرء كادحٌ إلى ربه كدحاً فملاقيه , وإن من أعظم ما يعين النفس المسلمة على دوام الطاعة ألا تُحَمّل من الأمر ما لا تطيق , بل لا بد لها من التلطف فإن قاطع مرحلتين في مرحلة خليق بأن يقف , والطريق الشاق ينبغي أن يُقطع بأبسط ممكن , ولا شك أن الرواحل إذا تعبت نهض الحادي ينشدها , ولذا فإن أخذ الراحة للجد جدٌ , وغوص البحّار في طلب الدر صعود.
ومن أراد أن يرى التلطف بالنفس فليداوم النظر في سيرة النبي صلى الله عليه وسلم وليستمع إلى قوله :" إن هذا الدين متين فأوغلوا فيه برفق فإن المنبت لا أرضاً قطع ولا ظهراً أبقى"161 رواه أحمد , وعند البخاري في صحيحه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :"إن الدين يسرٌ ولن يشاد الدين أحدٌ إلا غلبه "162
كثيرون هم أولئك الذين يشفقون من المتاعب وينفرون من الجهد والتكاليف وهم كذلك يتساقطون إعياءًا خلف صفوف الجادين من عباد الله يتخللونها ضِعافا مسترخين , يخذلون أنفسهم في ساعات الشدة .
( بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا * وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَى )163
نعم إن هناك ضعفاً في البشر ولا يملك الناس أن يتخلصوا منه , وليس مطلوباَ منهم أن يتجاوزوا حدود بشريتهم , ولكن المطلوب أن يتمسكوا بالعروة الوثقى التي تشدهم إلى الله في كل حين وآن , وتجعل من التدين في جميع جوانب الحياة عندهم ثقافةً وأسرةً وإعلاماً من الثوابت التي لا تتغير ولا تُخدَع بها النفس في موسم ما دون غيره كما أنها تمنعهم في الوقت نفسه بإذن الله من التساقط وتحرسهم من الفترة بعد السِرة مهما قلت مادامت على الدوام , فرسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : "يا أيها الناس خذوا من الأعمال ما تطيقون فإن الله لا يمل حتى تملوا وإن أحب الأعمال إلى الله ما دام وإن قل"164(2/189)
ولا جِرَم أن نسير هاهنا إلى أن التحرر من الغلو والتشدد لا يعنى الترك والإهمال بل يعنى التوسط والاعتدال مع محافظة المرء على ما اعتاده من عملٍ أو التزامٍ في السلوك العام قال عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله تعالى عنهما : قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم :" يا عبد الله لا تكن مثل فلان كان يقوم الليل فترك قيام الليل " 165 .
إن الانهماك المستمر في العبادة والإغلاق على حقوق النفس والأهلين يعد إفراطاً مذموماً , ليس من هَدي سيد المرسلين وأعبد الناس لرب العالمين بل ها كونه سبباً للتراجع والنكوص .
كما أن الأمر في الوقت نفسه إن كان تفاتراً عن العبادة أو انشغالاً عنها أو تركاً للحبل على الغارب مجانبةً للتصحيح أو الارتقاء بالحال على ما يريده الله ورسوله يعد تفريطاً ممقوتا , وكلا طرفي قصد الأمور ذميم . وبمثل ذلك تضيع المجتمعات المسلمة بين إفراطٍ وتفريط ناشِئين عن جهل وضلال كما قال علي رضي الله تعالى عنه : لا يُرى الجاهل إلا مُفَرِّطاً أو مُفرِطاً . ولفظ الإفراط والتفريط عباد الله لم يأتِ في القرآن على سبيل المدح إلا في نفيه عن كل صالح ٍأو مصلح ...
يقول جل شأنه عن الملائكة : ( حَتَّىَ إِذَا جَاء أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا وَهُمْ لاَ يُفَرِّطُونَ )166 , وقال عن موسى وهارون : ( قَالا رَبَّنَا إِنَّنَا نَخَافُ أَن يَفْرُطَ عَلَيْنَا أَوْ أَن يَطْغَى )167 , ويقول سبحانه :( أَن تَقُولَ نَفْسٌ يَا حَسْرَتَى علَى مَا فَرَّطتُ فِي جَنبِ اللَّهِ )168 , ويقول جل وعلى عن أهل النار : ( قَالُواْ يَا حَسْرَتَنَا عَلَى مَا فَرَّطْنَا فِيهَا )169 , وقال جل شأنه : (وَلا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَن ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطاً)170 .(2/190)
والمراد هنا عباد الله أن يتماسك المرء المسلم والمجتمعات المسلمة فيكون لهم من صلابة عودهم الإسلامي وحسه ما يحول بينهم وبين الفتور والضعف أو التراجع عن الدين أو التخاذل عنه وإذا ما بدت هفوةٌ أو غفلة سارعوا بالتيقظ ومعاودة التمسك والاستجابة لكل ناصحٍ مشفق وهذا هو التوسط المحمود الذي اختصت به الأمة من بين سائر الأمم , فلا هو في الدنيا مضيع نصيبه ولا عرض الدنيا عن الدين شاغله.
(فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَمَن تَابَ مَعَكَ وَلاَ تَطْغَوْاْ إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ )171
والطغيان هنا هو ما تجاوز الحد في الأخذ أو الترك.
أيها المسلمون كثيرا ما يناجي المرء نفسه ماذا وكم عملت؟؟؟
وقليلا ما يساءل نفسه ويبلوها كيف كان عملي وما مدى قربه أو بعده من الله ؟ وما درجة المداومة عليه وعدم الفتور عنه أو الإعياء بحمله ؟ . وما ذاك عباد الله إلا من جهل المرء بنفسه وتقصيره في معرفة حقيقة العبادة التي يريد الله منه في قوله : ( وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ )172 .
إن البقاء على الطاعة في كل حين أو التهاون عنها كرّات ومرّات ليعودان في المرد بإذن الله إلى القلب , فهو أكثر الجوارح تقلباً في الأحوال حتى قال فيه المصطفى صلى الله عليه وسلم: " إنما سمي القلب من تقلبه , إنما مثل القلب كمثل ريشةٍ في أصل شجرة يقلبها الريح ظهراً على بطن "173 , ولأجل ذا كان من دعائه صلى الله عليه وسلم : " يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك " , وسئل عن ذلك فقال : " إنه ليس آدميٌ إلا و قلبه بين أصبعين من أصابع الله فمن شاء أقام ومن شاء أزاغ "174 .(2/191)
وما سمي الإنسان إلا لنسيه ولا القلب إلا أنه يتقلب , إن استدامة الطاعة والمداومة على الأعمال الصالحة لهى في الحقيقة من عوامل الثبات على دين الله وشرعته : ( إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ )175 .
ألا وإن ترك المحرمات والعمل بما يوعظ به المرء من قِبل خالقه ومولاه لأمرٌ يحتاج إلى ترويض ومجاهدة من أجل الحصول على العاقبة الحميدة وحسن المغبّة ( وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُواْ مَا يُوعَظُونَ بِهِ لَكَانَ خَيْراً لَّهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتاً * وَإِذاً لَّآتَيْنَاهُم مِّن لَّدُنَّا أَجْراً عَظِيماً * وَلَهَدَيْنَاهُمْ صِرَاطاً مُّسْتَقِيماً )176 .
والتثبيت عباد الله يكون في الحياة الدنيا على الخير والعمل الصالح , وفى الآخرة يكون تثبيتا في البرزخ وعند السؤال : ( يُثَبِّتُ اللّهُ الَّذِينَ آمَنُواْ بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ وَيُضِلُّ اللّهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللّهُ مَا يَشَاءُ )177 .
اللهم إنا نسألك الثبات قبل الممات والإرشاد إلى استدراك الهفوات من قبل الفوات , وإلهامنا أخذ العدة للوفاة قبل الموافاة بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم أقول ما تسمعون وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين والمسلمات من كل ذنبٍ وخطيئة فاستغفروه وتوبوا إليه إنه هو الغفور الرحيم .
##########################
الحمد لله حمد من يشكر النعمة , ويخشى النقمة وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له , له الفضل والمنة , وأشهد أن محمداً عبده ورسوله , معلمنا الكتاب والحكمة , صلوات ربى وسلامه عليه وعلى آله وصحبه أولي النجابةِ والفطنة.(2/192)
أما بعد فاتقوا الله معاشر المسلمين وتوبوا إلى ربكم تفلحوا , تمسكوا بسنةِ المصطفى صلى الله عليه وسلم , وعضوا عليها بالنواجذ وإياكم ومحدثاتِ الأمور فإن كل محدثةٍ بدعة وكل بدعةٍ ضلالة .
قال الحسن البصري رحمه الله: " السنة والذي لا إله إلا هو بين الغالي والجافي . فاصبروا عليها رحمكم الله فإن أهل السنة كانوا أقل الناس فيما مضى , وهم أقل الناس فيما بقي , الذين لم يذهبوا مع أهل الإتراف في إترافهم ولا مع أهل البدع في بدعهم , وصبروا على سنتهم حتى لقوا ربهم فكذلك إن شاء الله فكونوا " .
فيا أهل التوبة استيقظوا ولا ترجعوا بعد رمضان إلى ارتضاع ثدي الهوى من بعد الفطام , فالرضاع إنما يصلح للطفل الذين لم يظهروا على عورات النساء لا للرجال. وعليكم بالصبر على مرارة الفطام لتعتاضوا عن لذة الهوى بحلاوة الإيمان في قلوبكم ومن ترك شيئا لله عوضه الله خيراً منه : ( يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّمَن فِي أَيْدِيكُم مِّنَ الأَسْرَى إِن يَعْلَمِ اللّهُ فِي قُلُوبِكُمْ خَيْراً يُؤْتِكُمْ خَيْراً مِّمَّا أُخِذَ مِنكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ )178 , ذنبٌ واحدٌ بعد التوبة أقبح من كذا ذنبٍ قبلها , النكسة أصعب من المرض وربما أهلكت .
فسلوا الله الثبات على الطاعات إلى الممات , وتعوذوا بالله من تقلب القلوب ومن الحور بعد الكور , فما أوحش ذل المعصية بعد عز الطاعة , و أفحش فقر الطمع بعد غنى القناعة.(2/193)
ذكر عند النبي صلى الله عليه وسلم قوم يجتهدون في العبادة اجتهادا شديداً فقال : "تلك ضرورة الإسلام وسرته ولكل عمل سرة فمن كانت سترته إلى اقتصادٍ فنعمّا هو ومن كانت سترته إلى المعاصي فأولئك هم الهالكون " 179 , ومعنى الحديث عباد الله أن لكل عمل قوةً وشدة , يتبعها فتور وكسل ولكن الناس يختلفون في هذا الفتور فمنهم من يبقي على السنة والمحافظة عليها ولو كانت قليلة , ومنهم من يدعها ويتجاوزها إلى ما يغضب الله وبنحو هذا يقول ابن القيم رحمه الله: " تخلل الفترات للعُبَّاد أمر لا بد منه فمن كانت فترته إلى مقاربة وتسديد ولم تخرجه من فرض ولم تدخله في محرَّم رُجي له أن يعود خيراً مما كان " , ( ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِّنَفْسِهِ وَمِنْهُم مُّقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ )180. . يقول المصطفى صلى الله عليه وسلم :" إذا أراد الله بعبد خيراً استعمله قيل كيف يستعمله قال يوفقه لعمل صالح ثم يقبضه عليه "181 . ولقد بكى ابن مسعود رضي الله عنه في مرض موته فَسُئلَ عن ذلك فقال: " إنما أبكي لأنه أصابني في حال فترة ولم يصبني في حال اجتهاد ".(2/194)
اللهم أحسن عاقبتنا في الأمور كلها وأجرنا من خزي الدنيا وعذاب الآخرة اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل ابر هيم إنك حميد مجيد وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم في العالمين انك حميد مجيد , اللهم أعز الإسلام والمسلمين وأذل الشرك والمشركين ودمر أعداءك أعداء الدين واجعل هذا البلد آمناً مطمئناً وسائر بلاد المسلمين اللهم انصر من نصر الدين واخذل من خذل عبادك المؤمنين . اللهم فرج هم المهمومين من المسلمين , ونفث كرب المكروبين واقض ِ الدين عن المدينين واشف مرضانا ومرضى المسلمين برحمتك يا ارحم الراحمين , اللهم آمنا في أوطاننا وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا واجعل ولايتنا فيمن خافك واتقاك واتبع رضاك يارب العالمين , اللهم وفق ولي أمرنا لما تحبه وترضاه من الأقوال والأعمال يا حي يا قيوم اللهم أصلح له بطانته يا ذا الجلال والإكرام , ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفى الآخرة حسنة وقنا عذاب النار.
عباد الله اذكروا الله العظيم يذكركم واشكروه على آلائه يزدكم ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون.
1 رواه الترمذي والنسائي وابن ماجه وابن خزيمة وابن حبان في صحيحيهما.
2 متفق عليه .
3 سورة آل عمران : 17 .
4 سورة الذاريات : 18 .
5 رواه البخاري ومسلم .
6 رواه البخاري .
7 روه البخاري ومسلم .
8 سورة محمد: 21 .
9 مجموع الأحرف: 280
6 سورة الإسراء : 84 .
11 سورة الأنعام : 162 - 163 .
12 سورة الإسراء: 106- 109 .
13 سورة غافر: 52 .
14 سورة الزمر:47 .
15 سورة الزمر:47 .
16 سورة الأعراف : 97 .
17 سورة البقرة : 197 .
18 سورة الرحمن: 31- 44 .
19 سورة البقرة 185
20 سورة الرعد : 11
21 رواه الألباني , صحيح الجامع 7737
22 رواه الألباني , صحيح الجامع 7284
23 رواه الألباني , صحيح الجامع 7285
24 سورة الرعد : 11
25 رواه البيهقي وهو في صحيح الجامع (2032).
26 رواه أبن كثير .(2/195)
27 سورة الأحزاب : 35
28 رواه الترمذي وقال حسن صحيح .
29 حديث صحيح رواه ابن عبد البر .
30 رواه البخاري .
31 متفق عليه .
32 سورة التوبة : 91 - 92
33 رواه الترمذي وقال حسن صحيح .
34 سورة السجدة : 16 - 17 .
35 رواه البخاري .
36 رواه الألباني .
37 سورة الزمر : 53 .
38 متفق عليه .
39 صحيح الترمذي .
40 رواه البخاري .
41 الحديث صحيح رواه مسلم في كتاب الزكاة و سنن الدارمي .
42 سورة آل عمران : 133- 134 .
43 سورة العنكبوت : 69 .
44 سورة البقرة : 184 .
45 سورة فاطر : 32 .
46 رواه البخاري .
47 سورة الانشراح : 1 .
48 سورة السجدة : 16 .
49 سورة الزمر : 9 .
50 حديث ثابت صحيح , رواه الشوكاني .
51 رواه الألباني .
52 سورة آل عمران : 190 .
53 رواه الألباني .
54 رواه مسلم .
55 رواه الألباني .
56 رواه الألباني .
57 رواه البخاري .
58 رواه النووي .
59 رواه ابن حبان .
60 رواه مسلم .
61 رواه ابن حبان .
62 رواه البخاري .
63 رواه البخاري .
64 رواه أحمد شاكر في مسند أحمد .
65 رواه مسلم.
66 رواه مسلم .
67 رواه أهل السنن بسند صحيح .
68 سورة البقرة : 187
69 رواه الذهبي .
70 رواه أحمد وابن حبان وغيرهما وعلم عليه بالصحة في الجامع الصغير .
71 رواه البخاري .
72 صحيح الترغيب .
73 رواه أحمد وابن حبان وغيرهما وعلم عليه بالصحة في الجامع الصغير .
74 صحيح الترغيب .
75 رواه النووي .
76 سورة القدر : 1- 3 .
77 سورة الدخان : 1- 6 .
78 سورة الدخان : 4 .
79 حديث صحيح, رواه الألباني.
80 سورة القدر : 2 .
81 رواه البخاري .
82 حديث صحيح , رواه الألباني .
83 سورة القمر : 15 .
84 سورة الحشر : 18 .
85 سورة الأعلى : 14 - 15 .
86 رواه البخاري ومسلم .
87 سورة الصف : 8 .
88 سورة آل عمران : 140 .
89 سورة البقرة : 216 .
90 سورة النساء : 19 .
91 سورة النساء : 19 .
92 سورة البقرة : 216 .
93 سورة الشرح : 5 - 6 .
94 سورة النور : 55 .(2/196)
95 سورة البقرة : 185 .
96 رواه مسلم .
97 رواه الألباني .
98 سورة البقرة : 183 .
99 سورة البقرة : 183 .
100 سورة التحريم : 8 .
101 سورة البقرة : 185 .
102 سورة محمد : 24 .
103 سورة القدر : 1- 3 .
104 سورة النحل : 43 .
105 سورة فاطر : 32 .
106 سورة التوبة : 11 .
107 رواه مسلم .
108 رواه الألباني .
109 سورة مريم : 59 .
110 رواه البخاري .
111 رواه البخاري .
112 سورة الحجرات : 12 .
113 رواه ابن كثير .
114 رواه البخاري .
115 سورة البقرة : 187 .
116 رواه الألباني .
117 سورة الحجر : 99 .
118 سورة البقرة : 203 .
119 سورة البقرة : 195 .
120 رواه النووي .
121 رواه الألباني .
122 رواه البخاري .
123 سورة البقرة : 187 .
124 رواه النووي .
125 رواه الألباني .
126 رواه الألباني .
127 رواه الألباني .
128 سورة الأحزاب : 32 .
129 رواه مسلم .
130 رواه النووي .
131 سورة محمد : 24 .
132 سورة الإنسان : 7 .
133 سورة آل عمران : 139
134 سورة المجادلة : 21
135 سورة الأنبياء : 105
136 سورة الصافات : 171- 173
137 سورة الحج : 32
138 سورة الحج : 37
139 سورة الطارق : 13 - 14
140 سورة الصف : 14
141 سورة محمد : 7
142 سورة النور : 30
143 سورة النور : 35
144 سورة النور : 30
145 سورة النور : 35
146 سورة طه : 131
147 سورة الأعراف : 31
148 سورة الأحزاب : 37
149 سورة الحجر : 72
150 سورة البقرة : 229
151 سورة الطلاق : 1
152 سورة المدثر : 11
153 سورة طه : 97
154 سورة الأنفال : 23
155 رواه ابن القيم .
156 سورة الأنعام : 31
157 سورة الكهف : 49
158 سورة الكهف : 28
159 سورة محمد : 25 .
160 سورة الشرح : 7 .
161 رواه أحمد .
162 رواه البخاري .
163 سورة الأعلى : 16 - 17 .
164 رواه البخاري ومسلم .
165 متفق عليه
166 سورة الأنعام : 61
167 سورة طه : 45
168 سورة الزمر : 56
169 سورة الأنعام : 31
170 سورة الكهف : 28(2/197)
171 سورة هود : 112 .
172 سورة الحجر : 99 .
173 رواه أحمد .
174 رواه أحمد والترمذي .
175 سورة الأحقاف : 13 .
176 سورة النساء : 66 - 68 .
177 سورة إبراهيم : 27 .
178 سورة الأنفال : 70 .
179 رواه أحمد والطبراني .
180 سورة فاطر: 32 .
181 رواه الترمذي .
??
??
??
??
19(2/198)