من أرادَ الاعْتِبَار والادِّكَار
الشيخ/ عبد الكريم الخضير
من أرادَ أنْ يعتبر ويَدَّكِرْ كما قال القُرطبي في تفسير: ألهاكم التَّكاثر، يقول: من أراد الاعتبار والادِّكَار يَزُور المقابر، يقول: إنْ كانَ مع كثرة زِيَارَتِهِ للمقابر قَدْ قَلَّ أَثَرُها في نَفْسِهِ، تَأْثِيرُها عليه؛ فَلْيَحْضُر المُحْتَضَرِين، حال سُبحان الله العظيم، من شَاهَدَها لا شكَّ أنَّها تُؤَثِّر مَنْ في قَلْبِهِ أَدْنَى حَيَاة؛ لكنْ المَيِّتْ ما لِجُرْحٍ بِمَيِّت إيلامُ! قلب المَيِّتْ ما فيه فايدة! ويُشارك في التَّغسيل ويحضُر الجَنَائِزْ، ومع ذلكم بعض النَّاس يشهد هذه المشاهد ولا تُؤَثِّر فيه شيء، لا شكَّ أنَّ كثرة الإمْسَاسْ، وكثرة مُعاناة هذهِ الأُمُور قد تُخَفِّفُها على النَّفس؛ لكنْ يَبْقَى أنَّها لا بُدَّ من اسْتِحْضَارْ حال الإنْسَانْ في هذا الظَّرْف، فَمَنْ اسْتَحْضَرَ حَالَهُ في هذا الظَّرْف لا بُدَّ أنْ يَتَأَثَّرْ، وعُثمان -رضي اللهُ عنهُ وأَرْضَاه- إذا رَأَى القبر بَكَى بُكَاءً شديداً، يقول: هذا أوَّل منازل الآخرة، يعني إذا نَجِينا من هذا المنزل خلاص عَتَقْنَا، ويُوجد الآنْ رَأْيَ العَيْن مَنْ يُدَخِّنْ على شَفِيرِ القبر! موجود، وليسَ بشابّ – لا – كهل، نصف لحيته أبيض، ويُدَخِّنْ على شَفِير القبر، فضلًا عَمَّنْ يَبِيع ويَشْتَرِي ومواعِيد ونُكت في المقبرة! واللهُ المُستعان.(1/1)
من أصبح والدنيا همه شتت الله شمله
الشيخ/ عبد الكريم الخضير
الإنسان إذا عَرف الهدف من وُجُودِهِ، الهدف... لماذا خُلِق؟ وحَدَّدَ الهدف، وسَعَى لِتَحْقِيق هذا الهدف، وما يَخْدم هذا الهدف، سَلِمَ مِن شَرٍّ كبير، وارْتَاح الرَّاحَة التَّامَّة، ونَعِمَ بَالُهُ، وسَلِمَ من كثير من الأُمُور التِّي يَتَعَرَّض لها كثير من النَّاس من أَسْبَاب الشَّقَاء في هذه الحَيَاة، إذا عَرَف الإنسان أنَّهُ مَخْلُوق للعِبَادة، مَخْلُوق لِعِبَادة الله -جلَّ وعلا-، {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} [الذاريات/ 56] وسَعَى لِتَحْقِيق هذا الهَدَف، وجاء من باب التَّبَع لِتَحْقِيق هذا الهَدف، ما يُعِينُهُ على البَقَاء في هذِهِ الدُّنيا لِتَحْقِيق هذا الهَدف، فالهَدف من الوُجُود ومن الخَلْق العِبَادة؛ لكنْ هل تستطيع أنْ تَعْبد الله -جلَّ وعلا- منْ غير أنْ تَأكل أو تَشْرب أو تَنَام أو تَلْبَس؟ لا تستطيع، إذن هذِهِ الأُمُور وسائل لِتَحْقِيق الهَدَف الأعْظَم، هذه الوَسَائِل بعض النَّاس يَجْعَلُها هي الأهداف، لمَّا كانت هذِهِ الوسائل جاء التَّنْبِيه عليها بقوله -جلَّ وعلا-: {وَلَا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا} [القصص/ 77] الذِّي يُقال لهُ هذا الكلام من تَصَوَّر الهَدَف وسَعَى لِتَحْقِيقِهِ، لو تَصَوَّر الهَدف مِنْ وُجُودِهِ، وسَعَى بِالفِعِل جَادًّا لِتَحْقِيقِهِ، يُقَال لهُ: {وَلَا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا} [القصص/ 77]؛ لكنْ الذِّي هَدَفُهُ الدُّنيا، يَنْبَغِي أنْ يُقَال لهُ: يا أخي: لا تَنْسَ الآخِرَة، كما هُو حال كثيرٍ من النَّاس اليوم، وما أُصِيب النَّاس بالشَّقاء والأمْرَاض سواءً كانت العُضْوِيَّة أو النَّفْسِيَّة إلاّ لمَّا كان هَدَفُهُم وغَايَتُهُم الدنيا، أقول: من سَعَى لِتَحْقِيق الهدف من وُجُودُهُ ارْتَاح الرَّاحَة التَّامَّة من كثير مِمَّا يُعَانِيهِ النَّاس اليوم(1/1)
من أمراض عُضْوِيَّة ونَفْسِيَّة...لماذا؟ لأنَّ هَدَفَهُ مُحَدَّد غير مُشَتَّت، هَدَفُهُ أنْ يُرْضِي الله -جلَّ وعلا- بِعِبَادَتِهِ التِّي خُلِقَ منْ أَجْلِهَا، فهو يَسْعَى لِتَحْقِيق هذا الهَدف، وما يُعِينْ على تَحْقِيق هذا الهَدَف من باب التَّبَع، لا على سبيل الاسْتِقْلال، لا على جِهَة الاسْتِقْلال ؛ لكنْ إِذَا كان هَدَفُهُ الدُّنْيَا تَشَتَّت، الدُّنْيَا كما يقول النَّاس لا يَلْحَق لها طرف، أُمُورُهَا لا تنتهي، مطالِبُها لا يُمْكن الإِحَاطَةُ بها، وجاءت الإشارةُ إلى هذا المَعْنَى في قولِهِ -عليه الصَّلاة والسَّلام-: ((مَنْ أَصْبَحَ والدُّنْيَا هّمُّه شَتَّتَ اللهُ شَمْلهُ...)) بلا شك يُريد أنْ يَحُوش الدُّنْيا بِحَذَافِيرِها، لا يستطيع، الدُّنيا لا يُمْكِن الإِحَاطَةُ بها، ونَهَم الإنسان إِذَا انْفَتَح على هذِهِ الدُّنْيَا لا يُمْكِنْ أنْ يَرْتَاح لهُ بَال؛ لأنَّهُ أيّ شيءٍ يَرَاهُ بحيث يُعْجِبُهُ عِنَد فُلان أو عَلَّان يُرِيدُهُ، ذُكِر عند فلان بيت قَصر مُنِيف، سَعَى لِتَحْقِيق هذا الهَدف، ذُكِر عند عَلَّان سَيَّارة فَارِهَة سَعَى لِتَحِقِيق هذا الهَدف، ذُكِر عند فُلان امْرَأة جَمِيلَة أو بِنْت سَعَى لِتَحْقِيق هذا الهدف...(1/2)
كيف يُحِيط بهذهِ الأُمُور؟ لا يُمْكِن أنْ يُحِيط بهذِهِ الأُمُور، ولو بَذَل جميع ما أُوتِي وما مُدَّ لَهُ من عُمر، واسْتَغل جميع اللَّحظات من عُمُره لنْ يستطيع أنْ يُحَقِّق مثل هذه الأُمُور، ولَنْ يحصل لهُ منْ دُنْيَاهُ إلاَّ ما كُتِبَ لَهُ؛ لكنْ من جَعَل الهَدف الشَّرعي الحَقيقي وهُو عِبَادةُ الله -جلَّ وعلا- على مُرَادِهِ -جلَّ وعَلا- وعلى ضَوْءِ ما جَاءَ عن نَبِيِّه -عليه الصَّلاة والسَّلام- القُدْوَة والأُسْوَة، يَجْتَمع هَمُّهُ، ولا يَتَفَرَّق شَمْلُهُ، ويُحَدَّد مَسَارُهُ وحِينئذٍ يَرْتَاح يَمْشِي على نُور وعلى بَيِّنَة، وعلى بُرْهَان، وعلى بَصِيرَة.(1/3)
من أعظم الأسباب في الوقاية من النار
الشيخ/ عبد الكريم الخضير
الأذكار لها شأن عظيم في حفظ النفس والأهل والمال والولد، وكان النبي -عليه الصلاة والسلام- يعوذ الحسن والحسين فتنشئتهم على هذه الأذكار، والآن كل شيء متيسر، الأذكار يمكن تطبع في كرت ورقة واحدة، ومع ذلك توزع على الأهل والأولاد، ويضرب لهم مدة لحفظها، وأعرف شخص ولده من هؤلاء الشباب الذين في مرحلة المراهقة، ويطلب سيارة قال: ما عندي مانع أن أشتري لك سيارة؛ لكن بشرط أن تحفظ أذكار الصباح والمساء، وجميع الأذكار، وهي مدونة في كتيب أعطاه الكتاب، وبعد مدة سمع له، واشترى له السيارة، هذه الأذكار تحفظ، الآن يعاني كثير من الناس، واحد من الأخوان اشترى لولده سيارة في الثانوية، يشكو يقول: كل يوم يأتي لنا بمصيبة، كل يوم حادث، هل عود الولد على الأذكار؟ ما عود والأذكار لا شك أنها حصن، هذه فائدتها في الدنيا فكيف بفائدتها في الآخرة؟ وهي من أعظم الأسباب في الوقاية من النار، والرسول -عليه الصلاة والسلام- يقول: ((سبق المفردون... الذاكرون الله كثيراً والذاكرات))، وجاء الحث على الذكر في كثير من النصوص، الذكر لا يكلف شيء، فتنشئة الولد والأهل على هذا الأمر لا شك أنه من الوقاية من عذاب الله -جل وعلا-، لا يكلف شيئاً، يعني هل الولد إذا قيل له: قل سبحان الله وبحمده مائة مرة، يعني في دقيقة ونصف أو في أول الأمر يكون في دقيقتين، يأخذ عليه وقت أو جهد، تقول له: والله يا ولدي اليوم مصروف المدرسة ثلاثة ريال، قل لي: سبحان الله وبحمده مائة مرة وأعطيك ثلاثة في دقيقتين، لن يتردد تقول له: صلى على النبي -عليه الصلاة والسلام- عشر مرات، تقول له: قل لا إله إلا الله وحده لا شريك له الملك وله الحمد إلى آخره عشر مرات، أو مائة مرة في المقابل، وينشأ نشأة صالحة، فلا شك أن هذه من الأساليب التي ينبغي أن يسلكها كل مسلم؛ لأنها ما تكلف شيء، ولا تحتاج إلى علم.(1/1)
بسم الله الرحمن الرحيم
من أعظم البر
الشيخ العلامة/ عبد الكريم الخضير
الذِّي يقرأ القُرآن حِفْظاً مثل صاحب التَّمر، من زادُهُ التَّمر، والذِّي يقرؤُهُ نظراً مثل من زادهُ البُر الحب، الذِّي زادُهُ التَّمر يمد يدهُ ويأخذ من التَّمر ويأكل ما يحتاج يطبخ ولا يجلس ولا يطحن ولا شيء؛ لكن الذِّي زادهُ البر يحتاج إلى أنْ ينزل من وسيلتِهِ و ينصب النَّار ويطْحن هذا الحب ويطبخُهُ، عناء، أيضاً الذِّي يسُوق سيَّارتُهُ مثلاً وهو حافظ يقرأ ما دام مُسافر؛ لكن الذِّي لا يحفظ يحتاج إلى مُصحف، هل يستطيع أنْ يقرأ في المُصحف وهو يقُود السَّيَّارة؟ لا ما يستطيع، فالتَّنظير في مثل هذا مُطابق، وحفظ القُرآن فضل من الله ومنَّة ونِعمة على من يسَّرهُ الله عليه.
والله -جل وعلا- ذكر أنَّهُ يسَّر القرآن {وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ}[(17) سورة القمر] لكنْ {فَهَلْ مِن مُّدَّكِرٍ} المسألة تحتاج إلى بذل، لابُدَّ أنْ تُريَ الله من نفسك خيراً من أجل أنْ يُيسِّرَ لك، ولذا قال: {فَهَلْ مِن مُّدَّكِرٍ} ما قال: فهل من قارئ فقط، الإنسان مُستعد يقرأ، والقراءة نظراً سهلة يعني على النَّاس؛ لكن الإشكال فيمن يجلس ويُكرِّر هذا خلاف ما تهواهُ النُّفُوس، لاسِيَّما بعد أنْ تتقدَّم بِهِ السِّن، على طالب العلم أنْ يحرص حرصاً شديداً على حفظ القُرآن؛ لأنَّهُ ما يدري ماذا يطرأُ لهُ، يُمكن يُكف بصرُهُ ثُمَّ يندم ولات ساعة مندم، مع أنَّهُ -ولله الحمد- تيسَّرت الأُمُور، ووُجدت الآلات، ونحنُ نرى من عوامِّ المُسلمين من يأتي ويتقدَّم إلى المسجد في الأماكن الفاضلة، وفي المواسم الفاضلة؛ لكنَّهُ لا يقرأ ولا يكتب، فتتقطَّع نفسُهُ حسرات وأسَى على أنْ يكسب النَّاس الحسنات كل حرف بعشر حسنات وهو ما عندهُ شيء.(1/1)
ومثل هذا التَّبِعةُ عليه حينما فرَّط في وقت الصِّغر ثُمَّ بعد ذلك على أولادِهِ وبناتِهِ، وهذا من أعظم البر أنْ يُقال: يا أبتي تعال نُحفِّظك سُورة الفاتحة التِّي تُصحِّح بها صلاتك، ثُمَّ بعد ذلك يبدأ بِهِ من قِصار المُفصَّل، ورأيتُ بنفسي من يُلقِّن شيخاً كبيراً سُورة الكهف كلمة كلمة من صلاة الصُّبح من يوم الجُمعة لمُدَّة ساعة ونصف يُلقِّنُهُ تلقين، هذا شريكٌ لهُ في الأجر، وهذا دالٌّ على الخير، ومُعينٌ عليه، فكيف إذا كان هذا المُحتاج أب أو أُم ولديك القُدرة على تعليمهم؟ وهذا من أعظم البر أنْ يُختم لهُ بشيء من القُرآن يحفظُهُ ويُردِّدُهُ، والله المُستعان.(1/2)
من أعظم الحرمان أنْ يُحرم من هذه الليلة العظيمة!
الشيخ/ عبد الكريم الخضير
وليلة القدر شأنها عظيم {خَيْرٌ مِّنْ أَلْفِ شَهْرٍ} [سورة القدر / 3 ]، أكثر من ثمانين سنة ليس فيها ليلة القدر، هذه الليلة شأنها عظيم، على المسلم أن يحرص على قيامها، النبي - عليه الصلاة والسلام - إذا دخلت العشر أحيا ليلهُ، وشد مئزره، وأحيا ليله، وأيقظ أهله، ومفهوم قولهم: (أحيا ليله) أنَّهُ لا ينام في هذه اللَّيَالي، وكان - عليه الصَّلاة والسَّلام - يخلط العِشْرين بقيام ونوم؛ لكنْ إذا دخلت العشر شَدَّ المِئْزَر وطُوِيَ الفراش وأحيا اللَّيل، مع أنَّهُ ما حُفِظْ عنهُ - عليه الصَّلاة والسَّلام - قيام ليلة كاملة اللهُمّ إلا هذه العشر، وهذه العشر هي أفضل ليالي العام؛ لأنَّ فيها ليلة القدر التي شأنُها وقدرها عظيم عند الله - جلَّ وعلا - فهي ذات قدْرٍ عظيم، أو من يقُومُها يكُون لهُ شَأْن وقَدْر عظيم، أو لِأَنها يُقَدَّر فيها ما يكون في أيَّام العام، المقصُود أنَّها ذات قَدْرٍ عَظِيم وشَأْن، مَنْ وُفِّقَ لِقِيَامِهَا إيمَاناً واحْتِسَاباً غُفِرَ لهُ ما تَقَدَّم من ذَنْبِهِ، ومن حُرِمَ القِيَام فَقَدْ حُرِمْ - يعني لا أَشَدّ من هذا الحِرْمَان- يعني ما يُعَادِل ثلاثة وثمانين سنة ونصف في ليلةٍ وَاحِدة، فَضْلُ الله عَظِيم، ولا يُحَدّ فضلهُ؛ لكنْ الحِرْمَان لا نِهَاية لهُ، بعض النَّاس يَجْلِس فِي المَسْجد ويُصلِّى على الجنازة وهو جَالس، أقول: يا أخي لك قيراط قُم صلِّ مع الناس، قم صلِ على الجنازة، أمثلة واقِعِيَّة يا الإخوان ما هي من فَرَاغ، الحِرْمَان لا نِهَاية لهُ؛ لكنْ من أَعْظَم الحِرمان أنْ يُحْرَم هذِهِ اللَّيلة العَظِيمة؛ ولِذا فإن النَّبي -عليهِ الصَّلاة والسَّلام- يُحيي هذه اللَّيالي رجَاء أنْ يُصِيب، وأنها تنتقل في ليالي العشر كل سنة في ليلة، ولذا جاءت النُّصُوص الصَّحيحة مُخْتلفة في هذا الباب.(1/1)
جاء في الحديث الصَّحِيح المُتَّفَق عليه: ((رأيت كأنِّي أسْجُد في صَبِيحَتِهَا على ماء وطِين فَوكف المَسْجِد ليلة إحدى وعشرين ورُؤِيَ الطِّين في وجهِهِ -عليه الصَّلاة والسَّلام- صَبِيحَة إحدى وعشرين)) ومع ذلكم يقول في الحديث الصَّحِيح: ((أَرَى رُؤياكم قد تَوَاطَأَت في السَّبع الأواخِر، فَمَنْ كانَ مُتَحَرِّيها فَلْيَتَحرَّها فِي السَّبع الأواخِر)) فصحّ الحديث في إحدى وعشرين إذاً هي تنتقل قد تكون ليلة إحدى وعشرين، وقد تكون ليلة ثلاث، والأوتار آكد وأرْجَى؛ لكن في السَّبع الأواخر، سابعة تبقى، خامسة تبقى، سابعة تبقى إذا كان الشَّهر كامل، ليلة أربعة وعشرين وهي المُرَجَّحَة عند أهل البصرة عند أنس بن مالك والحسن البصري، وكُل هذا من أجل إيش؟ أنْ يَجْتَهِد المُسْلِم ويتعرَّض لنَفَحَات الله -جلَّ وعلا- ويُرِيَ الله - جلَّ وعَلا- مِنْ نَفْسِهِ خَيْراً خِلال هذه العشر كُلِّها، وإلاَّ المُؤَيَّدْ بِالوَحي -عليه الصَّلاة والسَّلام- بإمْكَانِهِ أنْ يُحَدِّدها بليلة مُحَدَّدة، وإنْ كان أرَادَ النَّبي -عليهِ الصَّلاة والسَّلام- أنْ يُحَدِّدها ويُبَيِّنَها فَتَلاحى رجُلان فَرُفِعَت- يعني رُفِعَ تحْدِيدها؛
ولذا يُخْطِئ بعض من يُشِيع مِنْ خِلال الرَّسَائِل أو المُكالمات أنَّ ليلة القَدْر فِي هذهِ السَّنة هي ليلة كذا، الحِكْمَة مِنْ إِخْفَائِها تَزُول بِمِثْلِ هذهِ التَّصَرُّفات، ولو كانت الحِكْمة فِي تَحْدِيدها لَحُدِّدَت، حُدِّدَت من قِبَل الشَّارع المُؤَيَّد بالوَحِي؛ لكنْ الحِكمة من إخْفَائِهَا كالحِكْمَة منْ إخْفَاء سَاعة الجُمُعَة مِن أجل أنْ يَكْثُر العَمَل فِي حياة المُسْلِم،(1/2)
هذه اللَّيَالي العَشر الذِّي هِيَ أفضل ليالي العَام يَحْرِصْ الإنْسَان أنْ يَحْفَظْ نَفْسَهُ فِيها، ويَضْبِط أُمُورَهُ، ولا يُفَرِّط فِي هذِهِ اللَّيَالِي، فَشُرِعَ الاعْتِكَاف لِحِفْظِ هذِهِ الأيَّام وحِفْظ هذِهِ اللَّيَالِي.(1/3)
من أعظم فوائد الصيام
الشيخ/ عبد الكريم الخضير
والتَّقوى من أعظم فوائد الصِّيام ، كما في قولِهِ تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّتقُون} [البقرة:183] هذه العِلَّة والحِكمة من مشرُوعيَّة الصِّيام {لَعَلَّكُمْ تَتَّتقُون} [البقرة:183] فهو جُنَّة يقِي العبد مما يكره في الدُّنيا والآخرة.(1/1)
من أعظم ما ينشر المودة والمحبة؛ بذل السلام
الشيخ/ عبد الكريم الخضير
مسألة ترك السلام على المسلم بحججٍ واهية هذا لا شك أنه من تلبيس الشيطان، وهو حرمان عظيم؛ لبَّس الشيطان على كثيرٍ من الناس بحيث لا يبدؤون غيرهم بالسلام فيحرمون الأجر، ولا يدخل المسلمون الجنة حتى يتحابوا، ومن أعظم ما ينشر المودة والمحبة بذل السلام، فالمسلم يسلم عليه مهما تلبس به من المخالفات التي لا تخرجه عن دائرة الإسلام، نعم إذا ترتب على هجره وترك السلام عليه مصلحة –الزجر مثلاً- وردعه عما هو متلبس به لا بأس، لكن لنعلم أن الهجر علاج، إن كان ينفع وإلا فالخلطة والنصيحة وبذلها ومحضها لأخيك المسلم هو المتعين، وإذا قلت: السلام عليكم أدركت عشر حسنات.
وبعض الإخوان من الشباب عنده في نفسه أنه قد حفظ جميع الثغور -ثغور الإسلام- وأن من عداه لا يفهم شيئاً أو يدرك شيئاً، أو...، لا، أنت عندك أخطاء كثيرة، وغيرك عنده أخطاء، وكل الناس خطاء، فبعض الناس بتركه السلام على أخيه يُشم منه أنه يدعي الكمال لنفسه، فعلى المسلم أن يتواضع لأخيه، وأن يبدأه بالسلام؛ ((وخيرهما الذي يبدأ بالسلام)).(1/1)
من أعظم وسائل تقوية الإيمان
الشيخ/ عبد الكريم الخضير
((اقرؤوا القرآن فإنه يأتي يوم القيامة شفيعاً لأهله)) ولك بكل حرف عشر حسنات، يقول الرسول -عليه الصلاة والسلام-: ((لا أقول: (ألم) حرف، ولكن ألف حرف، ولام حرف، وميم حرف)) والختمة الواحدة لا تكلف الإنسان، ما يحتاج إلى حمل أثقال، ولا جلوس في شمس، ولا في مكان مخوف ولا شيء، في روضة المسجد يستند على مثل هذا بعد صلاة الصبح لمدة ساعة، ويقرأ القرآن في سبع، كما قال الرسول لابن عمرو: ((اقرأ القرآن في سبع ولا تزد)) إلى أن تنتشر الشمس، وبهذا يحصل في كل أسبوع على ثلاثة ملايين حسنة، ولا خوف من مؤشر ولا غيره، هذه الثلاثة ملايين مضبوطة ومحفوظة في سجل لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها، اللهم إلا إذا أنت تسببت في تضييعه هذا شيء يعود إليك، فالمفلس من يأتي بأعمال أمثال الجبال من صلاة وصيام وحج وزكاة وبر واجتهاد، ثم بعد ذلك يأتي وقد شتم هذا، وضرب هذا، وسفك دم هذا، وأخذ مال هذا، فهذا يأخذ من حسناته، وهذا من حسناته، ختمة لفلان، وختمة لفلان، وهكذا، وفي الغالب أن من ينشغل بهذه المنكرات لا يوفق لقراءة القرآن، لا سيما على الوجه المأمور به، فما تودعه في سجلك وصحائف أعمالك مضبوط، ولا خوف عليه، لا من لص، ولا من هامور يلعب بالسوق، ما فيه، مضبوط، متقن، يعني إذا كان الناس في أموالهم يتذرعون بأنه ضحك عليهم، هذه الأجور مضبوطة، ما أحد يتصرف فيها، ولا يتحكم، {وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا} [(49) سورة الكهف] حاضر تقلب الصفحات ووجهك مشرق، نسأل الله من فضله، المقصود أن قراءة القرآن من تزكية النفس، والذي يفعل ما أمر به من قراءة القرآن على الوجه المأمور به بالتدبر والترتيل، لا شك أن هذا من أعظم وسائل تقوية الإيمان، كما قال شيخ الإسلام بن تيمية -رحمه الله-: "قراءة القرآن على الوجه المأمور به تورث القلب من الإيمان والعلم واليقين والطمأنينة ما لا يدركه شيء، أو(1/1)
لا يحصل بشيء آخر البتة، ولا يدركه إلا من جربه وعاناه"،
ويقول ابن القيم -رحمه الله-:
فتدبر القرآن إن رمت الهدى ... فالعلم تحت تدبر القرآنِ
أيضاً الذكر: ((لا يزال لسانك رطباً بذكر الله)) جالس في أي مكان كان، أثقل ما على الناس الانتظار، جلست تنتظر في مكان ما، في مستوصف، وإلا في بيتك تنتظر زميل لك، وإلا أحداً بيطرق الباب عليك، تأخر، تضيق بك الدنيا ذرعاً، الناس جبلوا على هذا، لكن من استغل وقته بذكر الله، وأنس بالله -جل وعلا- ما يضيق صدره، يتمنى أن لو تأخر الدور؛ لأنه لو قال: سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر الباقيات الصالحات، غراس الجنة، كما جاء في الحديث الصحيح أن إبراهيم -عليه السلام- قال: ((يا محمد أقرئ أمتك السلام، وأخبرهم أن الجنة قيعان، وغراسها التسبيح والتحميد والتهليل والتكبير)) أمور أمور يعني لا تكلف الإنسان شيئاً، سبحان الله وبحمده مائة مرة تقال في دقيقة ونصف ((من قال: سبحان الله وبحمده مائة مرة حطت عنه خطاياه، وإن كانت مثل زبد البحر)) والحديث متفق عليه، لا أحد يقول: والله ثواب عظيم على أمر يسير، لا، فضل الله يؤتيه من يشاء، والله يضاعف لمن يشاء، إلى سبعمائة ضعف، يعني قد يقول الإنسان: هذه أمور لا يتخيلها عقل، لكن فضل الله أعظم، قالوا: إذاً نكثر! قال: ((الله أكثر)) يعني إذا كان آخر من يدخل الجنة، يعني يخرج من النار ويدخل الجنة، فيقال له: تمنّ، تضيق به الأماني، فيقال له: أتريد ملك أعظم ملك من ملوك الدنيا؟ فيقول: إي يا رب، فيقال: لك مثله ومثله ومثله إلى عشرة أمثاله، هذا آخر من يدخل الجنة، يخرج من النار ويدخل الجنة، فكيف بالسابقين المسارعين إلى الخيرات، لكن على الإنسان أن يعمل وأن يبذل، وأن يكون على الجادة؛ لأن العمل لا يرفع إذا حاد عن الجادة يميناً وشمالاً، لا بد من المتابعة للرسول -عليه الصلاة والسلام-، ولا بد من الإخلاص لله -جل وعلا-، والعلم بغير هذين(1/2)
الشرطين باطل، لا قيمة له.(1/3)
من أوصافِهِ عليهِ الصَّلاة والسَّلام
الشيخ/ عبد الكريم الخضير
أَجْمَل الخَلْقْ -عليهِ الصَّلاة والسَّلام-، وأَكْمَلْ الخَلْق، وهُو أَحْسَنْ النَّاس خَلْقًا وخُلُقًا، لهُ شَعْرٌ يَضْرِبُ إِلَى مَنْكِبَيْه، يَعْنِي إلى كَتِفَيْهِ، بَعِيدُ ما بَيْنَ المَنْكِبَيْنْ، يَعْنِي أَعْلَى الظَّهَر عَرِيضْ، وصَدْرُهُ مُتَّسَع -عليهِ الصَّلاةُ والسَّلام-، وجَاءَتْ الأَوْصَاف الدَّقِيقَة فِي كُتُبْ الشَّمَائِل التِّي مَعَ الأَسَفْ كَثِير مِنْ طُلَّابِ العِلْم لا يُرَاجِعها، ولا يَتِمُّ الإِقْتِدَاء بِالنَّبِي القُدْوَة الأُسْوَة حَتَّى يَعْرِف أَوْصَافَه -عليه الصَّلاة والسَّلام- الخَلْقِيَّة والخُلُقِيَّة بَعِيدُ ما بين المَنْكِبَيْنْ لَيْسَ بِالقَصِير ولا بِالطَّويل، يعني رَبْعَه -عليه الصَّلاة والسَّلام-، لَيْسَ بِالقَصِير ولا بِالطَّويل؛ وإِنَّما رِبْعَه مِن الرِّجَال.(1/1)
من اعتنى بشيء واهتم به ؛ يدركه إدراكاً بيناً
الشيخ/ عبد الكريم الخضير
من اهتم لشيء عرفه وأتقنه وضبطه، ولم يغفل عنه بحال، وصار على ذكرٍ منه في سائر الأحوال، من كان ديدنه النظر في كتاب الله، وقراءة القرآن، ويردده، ويلهج به فإنه لا ينساه، ولو خلّط في آخر عمره، ولو اختلط، يعني ولو هذرى على اصطلاح بعض الناس، ولو حصل له ما حصل من إغماء، وقد سُمع من يقرأ القرآن واضحاً وهو في العناية المركزة، ما يسمع ما حوله، ولا ينطق بكلمة، لماذا؟ لأن القرآن اختلط بلحمه ودمه، ويذكر عن أشخاص لزموا الأذان عشرات السنين، أربعين، خمسين سنة، ثم صاروا في أواخر أعمارهم ما يفقهون شيء، إذا جاء وقت الأذان أذن، وسُمع منه الأذان واضح، هناك وقائع وحوادث كثيرة من هذا النوع.
شيخٌ من شيوخنا حصل له حادث أدخل العناية ما يعرف أحد، ولا يسمع ولا يبصر، ولا ينطق بكلمة، والقرآن يسمع منه واضح كما هو، ولا شك أن هذا دليل على..، أو برهان على حسن الخاتمة، ونعرف شخصاً أقرأ القرآن ستين سنة أو أكثر، ومات فجأةً، وهو ينتظر طلوع الشمس، ورأسه في المصحف، المصحف في حجره ورأسه على المصحف، وهو ينتظر طلوع الشمس، نسأل الله للجميع حسن الخاتمة.
على كل حال من اعتنى بشيء واهتم به يدركه إدراكاً بيناً، ويكون على ذكرٍ منه في جميع أحواله، فلا يتعجب أن ينعس الشيخ ويرد على القارئ.(1/1)
أبو زرعة الرازي وهو إمام من أئمة الحديث في النزع، وقت خروج الروح، هابوا أن يلقنوه، هابوا أن يقولوا له: قل: لا إله إلا الله، إمام كبير، كأن الحاضرين قالوا: كيف نلقنه هذا إمام كبير ما يحتاج إلى تلقين؟ فتحايل بعضهم وجاء بحديث التلقين فقلب إسناده، قلب الإسناد جعل الأول الثاني والثاني الثالث وهكذا، الشيخ في النزع فانتبه الشيخ فجأة وأعاد الإسناد كما هو، فقال: ((من كان آخر كلامه من الدنيا لا إله إلا الله)) فخرجت روحه قبل أن يكمل الحديث، فكان آخر كلامه من الدنيا لا إله إلا الله -رحمه الله-.(1/2)
من ترك الحج وهو قادر عليه!
الشيخ/ عبد الكريم الخضير
شأن الحج عظيم، وجاء في التَّرغيب بِهِ أحاديث كثيرةٌ جدًّا، ثبتَ عنهُ -عليهِ الصَّلاةُ والسَّلام- أنَّهُ قال: ((من حجَّ ولم يَرْفُث ولم يَفْسُق رَجَعَ من ذُنُوبِهِ كيوم ولدتهُ أُمُّهُ))، وجاءَ أيضاً: ((الحجُّ المبرُور ليسَ لهُ جزاءٌ إلاَّ الجَنَّة))، وهو واجبٌ على الفَوْر على القول المُحَقَّق عندَ أهل العلم، وإنْ قال كثيرٌ من أهل العلم إنَّهُ على التَّراخي؛ لكنْ جاءت النُّصُوص التِّي تَدُلُّ على أنَّهُ على الفور، فالنبي -عليه الصلاة والسلام- لمَّا فُرِضَ عليهِ الحج في السَّنة التَّاسعة على القول المُحَقَّق عند الإمام البُخاري، وابن القيِّم وغيرهِما أنَّهُ فُرِض في السَّنة التَّاسِعة، وحجَّ النبي -عليه الصَّلاة والسَّلام- في السَّنة العاشِرة – نعم – قد يقول قائل: لو كان على الفور لَحَجَّ في السَّنة التَّاسِعة! بعثَ النبي -عليه الصَّلاة والسَّلام- في السَّنة التَّاسعة أبا بكر، ثُمَّ أَرْدَفُهُ بعلي -رضي الله عنهما- منْ أجلِ أنْ يُبَلِّغا عن النبي -عليه الصَّلاة والسَّلام- ألاَّ يَحج بعد العام مُشرك، وألاَّ يطُوفَ بالبيتِ عُريان، فالنبي -عليه الصَّلاة والسَّلام- لا يُطِيق هذهِ المناظِر؛ ولِذا أَخَّر الحج وهو واجبٌ على الفور منْ أجلِ ذلك، وكثيرٌ من المُسلمين الآن مع الأسَف الشَّديد أنَّهُ بِطَوْعِهِ واخْتِيَارِهِ منْ غيرِ أيِّ داعٍ يَنْظُر إلى العَوْرَاتْ من خلالِ وسائل الإعلام! لا يلزم أن تكون العورات المُغلَّظة؛ لكنْ هي عورة على كُلِّ حال، المرأة بالنِّسبة للرَّجُل عورة، والأمرُ أعظم من ذلك، ويُذْكَر أُمُور يُسْتَحى من تَخيُّلِها فضلاً عن ذِكْرِها!!! يَسْتَحِي الرَّجُل السَّويّ الذِّي على الفِطْرَة مِنْ مُجَرَّد التَّصَوُّر فضلاً من سَمَاعِ أخبارِها أو تَصَوُّرِها أو الكلامِ فيها!!! واللهُ المُستعان، إذا عَرَفْنَا هذا،(1/1)
وقُلنا إنَّ الحج واجب على الفور؛ فإنَّ من استطاع أنْ يَحُج ولم يَحُجّ آثم ، يَأْثَم إذا أخَّر الحج منْ غَيْرِ عُذْر، ومع الأسف أنَّهُ تُوجد أَعْذَار وَاهِيَة تُؤخَّر من أجْلِها هذهِ الشَّعيرة والفريضة، العام الماضي إذا قيل لبعضهم لم لا تحج؟، قال: والله السنة ربيع، ومع الأسف الشَّديد أنْ يُسْمَع مثل هذا الكلام بين المُسلمين!!! والله ربيع، وقبل ذلك، وقيل لهُ لم لا تحج؟! قال: والله تسليم البحث بعد الحج مُباشرة!!! لا أستطيع أنْ أحُجّ، ومثل هذهِ الأعذار، حِرص الصَّحابة على أداءِ هذهِ الشَّعيرة مع النَّبي -عليه الصَّلاة والسَّلام- شيء لا يَخْطُر على البال! امرأة يبدأُ الطَّلْقُ بها، الطَّلْق للولادة يبدأُ بها من بيتِها، وتخرُج لتَحُج مع النبي -عليه الصَّلاة والسَّلام- إجابةً لِنِدائِهِ ونِدَاء الله -جلَّ وعلا-! ومع ذلكم تلد في المحرم، في الميقات، بعد مسافة عشر كيلو ، بُيُوت المدينة يراها حديدُ البصر، هذا من حِرْصِهِم -رِضْوَان الله عليهم- على إبراءِ الذِّمَّة من الواجب وامتثالاً للمُسارعة والمُسابقة التِّي أَمَر اللهُ بها -جلَّ وعلا-، والإنسان لا يدري ماذا يَعْرِضُ لهُ، وإذا كانَ المُستطيع الذِّي أنْعَمَ اللهُ عليهِ بالصِّحَّة والعافية والمال ولم يَحُج، ولَمْ يَفِدْ إلى الله -جلَّ وعلا- كُلَّ خَمْسٍ مَحْرُوم! فكيف بمن تَرَك الفرض المُكَمِّل المُتَمِّم لدِينِهِ؟!(1/2)
من حَفِظَ المُتُون حَازَ الفُنُون
الشيخ/ عبد الكريم الخضير
فلا يخفى ما ورد في فضل العلم الشَّرعيّ من نُصُوص الكتاب والسُّنَّة، ومنزلةُ العُلماء في الدُّنيا والآخرة، فإذا عُرِفَ هذا فقد سَلَك أهلُ العلم تَسهِيلًا لِسُلُوكِ هذا السَّبيل المُوصِل إلى الجنة، كما جاء في الحديث الشَّهير: ((من سلك طريقًا يَلتَمِسُ فيهِ عِلماً سَهَّلَ اللهُ لهُ بِهِ طريقاً إلى الجنَّة)) سَلَكَ أهلُ العلم سُبلًا مُيسَّرةً لِتحصِيلِهِ، وقَسَّمُوا من أجلِ ذلك المُتَعَلِّمِينَ إلى طَبَقَات، وأَلَّفُوا لكلِّ طبقة ما يُناسِبُها من المُتُون، مِثل طبقة المُبتَدِئِين لهُم مُتُون تُناسِبُ أفهَامَهُم، وللمُتَوَسِّطِين مُتُون تُناسِبُ مَدَارِكَهم أيضاً، وللمُنتَهِين المُتَقَدِّمِين ما يُلَائِمُهُم من الكتب التِّي هي أوسع وأكثرُ بَسطاً من كُتُب الطَّبَقَتَين السَّابقَتَين، وهذِهِ الكُتب المَعرُوفة عند أهل العلم بالمُتُون مُقَابَلَةً لها بالشُّرُوح والحَوَاشِي؛ إنَّما أُلِّفت على هذا النَّمَط المُختَصَر؛ لِيَسهُلَ حِفظُها من قِبَلِ المُتَعَلِّمِين، وتَسهُل أيضاً قِراءَتُها على الشُّيُوخ، ومن ثَمَّ شَرحُها وبَيَانُها وتوضِيحها مِن قِبَلِهِم، وقديماً قيل: "من حَفِظَ المُتُون؛ حَازَ الفُنُون"، ومِنَ الطُّرُق التِّي تُعِين على حِفظِ هذهِ المُتُون مِمَّا وُجِدَ في هذا العَصر تَسجِيلُها على أشرِطَةٍ؛ لِيَتَسَنَّى استِمَاعُها في كُلِّ وَقتٍ، وعلى أيِّ حَال! فالاستِمَاعُ أوَّلُ العلم، كما قَرَّرَ ذلك العُلماء، قال سُفيانُ بن عُيينة: "أوَّلُ العلم الاستِمَاعُ، ثُمَّ الفَهم، ثُمَّ الحِفظ، ثُمَّ العمل، ثُمَّ النَّشر" فإذا استَمَعَ العَبدُ إلى كِتَابِ الله تعالى، وسُنَّةِ نَبِيِّهِ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّم- بِنِيَّةٍ صَادقة على ما يُحِبُّ الله؛ أفهَمَهُ كما يُحبّ، وجَعَل لهُ في قَلبِهِ نُوراً، فَأَولَى ما يَهتَمُّ بِهِ(1/1)
طالبُ العلم كِتَابُ الله -عزَّ وجل- الذِّي هو أصلُ العلوم الشَّرعيَّة، وسُنَّةِ نَبِيِّهِ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّم- المُبَيِّنَةُ لكتاب الله -عزَّ وجل-، فَيَبدَأ الطَّالب المُبتدئ بِحِفظ المُفصَّل مِن كِتَابِ الله -عزَّ وجل-؛ إن لم يتيسَّر لهُ حِفظُهُ كَامِلًا، وما يُنَاسِبُهُ مِن سُنَّةِ النَّبي -صلَّى اللهُ عليه وسلَّم- كالأَربَعِين النَّوويَّة التِّي هي في الحَقِيقة قواعِد كُلِّيَّة من قواعد الشَّريعة، وعليهِ أن يُعنَى بِعَقِيدَةِ أهلِ السُّنَّةِ والجماعة، وما يُناسِبُهُ منها ككتاب الأُصُول الثَّلاثة، والقواعِد الأربع للإمام المُجَدِّد شيخ الإسلام مُحمد بن عبد الوهَّاب -رحمهُ الله -، وما يُعينُ على فَهم الكِتَاب والسُّنَّة كتُحفة الأطفال في التَّجويد، والبَيقُونِيَّة في المُصطَلَح، والوَرَقَات في أُصُول الفِقه، والآجِرُومِيَّة قواعد العَرَبيَّة، والقَواعِد الفِقهِيَّة للشيخ عبد الرحمن بن ناصر السِّعدي، وهذه في نظري كافِيَة لِمَن حَفِظَها بالنِّسبة لهَذِهِ الطَّبقة مِن طَبَقَاتِ المُتَعَلِّمِين، يَنتَقِلُ الطَّالب بعد حِفظِها، وفَهمِها، وقِراءَتِها على الشُّيُوخ، إلى كُتُب الطَّبَقة التِّي تَلِيها، فَأُهِيبُ بِأَولِيَاء أُمُور النَّاشِئَة أن يُوَجِّهُوا أولَادَهُم إلى العِلمِ الشَّرعِيّ على الجَادَّةِ المَعرُوفة المَطرُوقة عِندَ أهلِ العِلم، فِحِفظُ هذهِ الكُتُب؛ يُيَسِّرُ لطالب العلم تَحصِيل ما بعدها إن شَاءَ اللهُ تعالى، واللهُ أعلم، وصلَّى الله وسلَّم وباركَ على عبدِهِ ورَسُولِهِ نَبِيِّنا مُحمَّد وعلى آلِهِ وصَحبِهِ أجمَعِين.(1/2)
من سُنَنْ الأُضْحِيَة
الشيخ/ عبد الكريم الخضير
عن أنس -رضي الله تعالى عنه- قال: "ضحَّى النبي -عليه الصَّلاة والسلام-" ، في يوم النَّحر يقول الله {فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ} [الكوثر/2]، وفي يوم الفطر: {وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى} [الأعلى/15]، فالذكر في يوم الفطر، والنُّسك في يوم الأضحى، عن أنس بن مالك -رضي الله تعالى عنه- قال: "ضحَّى النبي -صلى الله عليه وسلَّم- ضَحَّى بكبشين" والكبش ذكر الضأن، أملحين، والأملح كما قال المؤلف -رحمهُ الله تعالى- الأغبر وهو الذي فيه سوادٌ وبياض، ومنهم من يقول هو الأبيض المُشبَّه بالملح؛ لكنْ الأكثر على أنَّهُ الأغبر الذي فيه سوادٌ وبياض "بكبشين أملحين أقرنين" وجاء في الصَّحيح: "سمينين"، وجاء في المُستخرج: "ثمينين" "أقرنين" لكلِّ واحدٍ منهما قرنان "أقرنين ذبَحَهُما -عليه الصَّلاةُ والسَّلام- بيدِهِ"، فيُستحب التَّضحية بالذَّكر من الضَّأن، وأنْ يكون اللَّون المذكُور أمْلَح، وأنْ يكَون لهُ قَرْن، التَّضحية بالأقْرَن أفضل من التَّضحِية بالأجمّ وإنْ كانَ مُجْزِياً، "ذبَحَهُما" وأنْ يَتَوَلَّى ذبحَ أُضْحِيَتِهِ بِنَفْسِهِ كما فَعَل النبي -عليهِ الصَّلاة والسَّلام- إذا كانَ يُحْسِنُ ذلك، وإذا كان لا يُحْسِنْ لَمْ يَتَعَوَّد هذا يَشْهَد أُضْحِيَتَهُ، وقد ذَبَح النبي -عليهِ الصَّلاةُ والسَّلام- ثلاثاً وسِتِّينَ منَ البُدْن التِّي أهْدَاها في حَجَّةِ الوَدَاع "ذبَحَهُما بيدِهِ وسَمَّى وكَبَّر قائِلاً بسم الله، والله أكبر" أمَّا التَّسْمِيَة فهي شَرْط لِحِلّ الذَّبِيحة، وأمَّا التَّكبير فهو على سبيل النَّدْب والاسْتِحْبَاب، الخُطَباء يُرَدِّدُون قُبَيْل الذَّبْح في الخُطَبْ، يقول: بسم الله وُجُوباً والله أ كبر اسْتِحْبَاباً يعني على ما يقولُ الفُقهاء قائِلاً: بسم الله وُجُوباً والله أ كبر اسْتِحْبَاباً، تَجِد العَامَّة إذا أَضْجَعَ أُضْحِيَتَهُ(1/1)
قال: بسم الله وُجُوباً والله أكبر اسْتِحْبَاباً! يَظُنُّون أنَّ هذا اللَّفْظ مطلُوب، مع أنَّ الخطيب يَتْبَع الفُقهاء العُلماء الذِّينَ قالُوا هذا، يَذْكُر اللَّفْظ مَقْرُوناً بِبَيَان حُكمِهِ أنَّ التَّسْمِيَة واجِبَة، والتَّكبير مُسْتَحَب، وتَجِد العَامِّي إذا سَمِع هذا الكلام يقول: إذا أَضْجَعَ أُضْحِيَتَهُ قال: بسم الله وُجُوباً والله أكبر اسْتِحْبَاباً! يعني حَرفيَّة المسألة، مع أنَّهُ ينبغي أنْ تُغيَّر هذهِ الصِّيغة إذا حَفِظَها النَّاس وصَارُوا يَتَدَاوَلُونها "وسَمَّى وكبَّر وَوَضَع رِجْلَهُ على صِفاحهِما" يعني السُّنَّة أنْ تُضْجَعْ الأُضْحِيَة إذا كانت من الغَنم ، أو من البَقَر على الجَنْب الأيْسَر، ويَضَع رِجْلَهُ اليُمْنَى على الصَّفَحْة اليُمْنَى الرَّقَبَة، ويُمْسِك الرَّأس باليد اليُسْرَى والمُدْيَة باليد اليُمْنَى ويُمِرُّها على الحَلْق والمريء والودْجَينْ، والدَّم الذِّي يخرج نَجِسْ إجماعاً وهو الدَّم المَسْفُوح، "وََضَع رِجْلَهُ على صِفاحِهِما" كُلّ هذهِ سُنَن، فالنَّبي -عليه الصَّلاة والسَّلام- ضَحَّى بِكَبْشَيْن أَحَدُهُما عن مُحمَّد -عليه الصَّلاة والسَّلام- وعن آلِ مُحمَّد، والثَّاني عمَّن لمْ يُضَحِّ مِنْ أُمَّة مُحمَّد -عليهِ الصَّلاةُ والسَّلام-، فالأُضْحِيَة سُنَّة في قولِ عَامَّةِ أهلِ العِلم، وأوْجَبَها أبو حنيفة ومَال شيخ الإسلام -رحمهُ الله- إلى ذلك، وتُسْتَحب في حقّ الجميع، حتَّى الفقير يُستحبُّ لهُ أنْ يَقْتَرِض فَيُضَحِّي، وهي تُجْزِئ عن الشَّخص وعن أهل بَيْتِهِ يكفِيهِم أُضْحِيَة واحِدَة عنهُ وعن أهلِ بَيْتِهِ.(1/2)
من طرق الإبهام عند أهل العلم
الشيخ/ عبد الكريم الخضير
قال: "أخبرني مخبر" هذه طريقة ومنهج عند أهل العلم في الإبهام، إذا وجدت الفائدة عند شخص يلاحظ عليه ما يلاحظ إما في اعتقاد أو في عمل فلا تضيع الفائدة ولا تهدر الفائدة ولا يصرح باسمه؛ لئلا تظن الموافقة، الإمام البخاري -رحمه الله تعالى- روى عن عمرو بن عبيد وأبهمه، وروى عن الذهلي وأهمله، أهمل اسمه ما صرح باسمه لما بينهم من الاختلاف في مسألة اللفظ.
وهكذا ينبغي أن يكون طالب العلم يحرص على الفوائد ممن جاء بها، ثم إذا كانت ممن يتشرف بالتصريح باسمه ممن لا ملاحظة عليه يصرح باسمه، وجدت فائدة في كتاب تقول: وجدت في كتاب كذا، لكن إذا كان هذا الكتاب يخشى من إشهاره بين طلاب العلم أن يتأثر الطلاب بما فيه من مخالفات، يكفي أن تقول: قال بعضهم، قال بعضهم، إذا كان القائل أيضاً عليه ما يلاحظ يبهم، كم من الفوائد التي توجد في كتب بعض من تلبس ببدعة مثل هذه الفوائد تستفاد، والحكمة ضالة المؤمن، لكن لا يصرح باسمه لئلا يفتتن به من لا يميز، من لا يميز بين الغث والسمين، هذا مسلك، والإبهام مفيد في مثل هذه الصورة، قد يبهم القائل للترويج، ترويج الكلام، ابن أبي العز لما نقل النقول الكثيرة عن شيخ الإسلام ابن تيمية وابن القيم ولم يصرح بهما لا يقال: إن هذا خلل في التصنيف وهذه سرقة لا أبداً؛ لأنه ما نسب الكلام لنفسه، أحياناً يبهم، وأحياناً يأتي به بما يميزه، لكن السبب في ذلك ليروج الكتاب، والمسألة مسألة موازنة بين المصالح والمفاسد، فإذا أريد ترويج هذا الكلام وهذا العلم النافع ولو ترتب عليه مثل هذه الأمور التي الأصل فيها العدم.(1/1)
من عجز عن قراءة الفاتحة
الشيخ: عبد الكريم الخضير
من لا يحسن القراءة، وعجز عن تعلمها؛ لأن بعض الناس لا سيما من كبار السن ممن لم يلتفت إلى الحفظ إلا بعد أن طعن في السن, مثل هذا يصعب عليه القراءة, قد يكون حافظاً للفاتحة, لكن حفظ غير مجزئ، حفظ غير صحيح, يُخَيَّل للإنسان أنه قارئ, وليس بقارئ بالفعل.
فالذي يقرأ وهو إمام -إمام مسجد- في بلد من البلدان يقول: "ثم لا تسألن يومئذ عن النعيم" هل هذا قراءته صحيحة؟ ليست بصحيحة، هل هذا تغيير يسير؟ هذا يقلب المعنى رأساً على عقب, اللام لام التأكيد تُقلَب "لا" نافية؟ فبعض الناس من هذا النوع، يظنه يقرأ و..، وسمعنا بعض الشياب من كبار السن من العوام قراءات فيها تصحيف، وفيها تحريف, واللحن عاد حدِّث، ولا حرج, الذي هو تغيير الحركات، التصحيف والتحريف شيء لا يخطر على البال عند بعض العوام, وعنده أنه يحسن القراءة.
أنا أقول: الفاتحة وهي ركن من أركان الصلاة على المسلم أن يُعنَى بها, والحمد لله الآن الأمور متيسرة, حلق القرآن في كل مكان, البيوت مملوءة ممن يقرأ القرآن من الذكور والإناث, ويش اللي يمنع يا أخي أن كبير السن من رجل، أو امرأة يقول: تعال يا ولدي حفظني الفاتحة، تعالي يا بنت حفظيني، إيش المانع؟! ولو يموت وهو يتعلم الفاتحة مو بكثير, هذا يتعلم علم من أهم العلوم, أمر لا تصح الصلاة بدونه، لكن إذا عجز، واستغلق عليه الأمر؛ لأن بعض الناس يستحجر خلاص، ما يمكن يحفظ شيئاً، إذا عجز عن ذلك اكتفى بالتحميد والتكبير والتهليل, يكتفي بالتحميد والتكبير والتهليل، فعن رفاعة بن رافع أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-علَّم رجلاً الصلاة, فقال: ((إذا كان معك قرآن فاقرأ, وإلا فاحمد الله، وكبره، وهلله, ثم اركع)) [رواه أبو داود، والترمذي، وقال: حديث حسن].(1/1)
في حكم من لم يستطع تعلم الفاتحة حديث العهد بالإسلام, إذا أسلم شخص، ونطق بالشهادة، وتعلم عُلِّم الوضوء، وتوضأ، وجاء إلى الصلاة, يُنتظر به إلى أن يحفظ الفاتحة, وحفظها يحتاج إلى وقت طويل, لا سيما إذا كان كبير سن, يقال له: كبر، واحمد، وهلل, وتحفظ بعد ذلك -إن شاء الله تعالى-.(1/2)
بسم الله الرحمن الرحيم
من عرف الله في الرخاء عرفهُ في الشدة
الشيخ العلامة/ عبد الكريم الخضير
"فما رأيتُ رسُول الله -صلى الله عليه وسلم- استنَّ استناناً أحسن منه" -عليه الصلاة والسلام- حرصاً على هذه السَّنَّة، والمُوفَّق لا يُفرِّطُ بشيءٍ من السُّنن حتى في أحلك الظُّرُوف والأحوال، وكثيرٌ من النَّاس تُشاهِدُونهُ في الأوقات التِّي تضييق بالنِّسبة لهُ يُهدر كثير من الواجبات فضلاً عن السُّنن، يتخفَّف من الواجبات لأدْنَى سبب، ويعْذُر نفسهُ بأدْنَى عُذْر عن الواجبات يتخفَّف ويقول: الله غفورٌ رحيم لأدْنى عُذر، يُصاب بزُكام ويترك الصَّلاة مع الجماعة، وعكة خفيفة يترك الصَّلاة، يُؤخِّر الصَّلاة حتى يخرج وقتُها و يقول: الله غفورٌ رحيم، نعم الله غفورٌ رحيم، رحمتُهُ وسعت كُلَّ شيء كَتَبَها لمن؟ و{وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُهَا}[(156) سورة الأعراف] لمن؟ للمُفرِّطين؟ للذِّين يُزاولُون المُنكرات ويعتمدُون على سعة رحمة الله؟ لا، هو غفورُ رحيم كما أخبر عن نفسِهِ -جل وعلا- ، ومع ذلكم شديدُ العقاب، والله -سبحانه وتعالى- يغار، ولذا حُدَّت الحُدُود، يزني الزَّاني ويقول: الله غفورٌ رحيم، ويسرق السَّارق ويقول: الله غفورٌ رحيم، ورحمة الله -جل وعلا- لا تُحد وسِعت كل شيء؛ ولكنْ مع ذلكم هناك مع هذا الوعد وعيد، وعلى المُسلم أنْ ينظر إلى النُّصُوص مُجتمعة، لا ينظر إلى الوعد فقط فيُصاب باليأس والقُنُوط، ويسلك مسالك الخوارج، لا، ولا ينظر إلى نُصُوص الوعد مُعرضاً عن نُصُوص الوعيد فيسلك مسلك الإرجاء، وينسلخ من الدِّين وهو لا يشعر، على الإنسان أنْ يتوسَّط في أُمُورِهِ كما هو مذهب أهل الحق مذهب أهل السُّنة والجماعة، النبي -عليه الصلاة والسلام- ما فرَّط في هذه السنة رغم ما يُكابِدُهُ من آلام وأوجاع.(1/1)
ومن عرف الله وتعرَّف على الله في الرَّخاء عرفهُ في الشِّدَّة، من أراد أنْ ينظر الشَّاهد على ذلك الشَّواهد الحيَّة على ذلك يزُور المرضى في المُستشفيات لاسيَّما من كانت أمراضُهُم شديدة مُقلِقة؛ بل ينظر إلى أماكن العِناية، وينظر الفُرُوق، دخلنا المُستشفى مرَّة فإذا بشخص أكثر من ثمانين عُمرهُ في آخر لحظاتِ حياتِهِ على لسانِهِ اللَّعن والسَّب والشَّتم، لا يفترُ عن ذلك كبير في السِّن في آخر لحظاته أين أنت والله يفعل ويترك، يلعن باللعن الصَّريح، وخرجنا من عندهُ وهو على هذه الحال؛ لأنَّهُ عاش أيَّام الرَّخاء على هذه الحال، وشخص؛ بل أشخاص بالعناية لا يعرفُ الزَّائِرين ويُسْمع القرآن منهُ ظاهر، يُرتِّل القرآن ترتيل، وهو لا يعرف من حوله، وهو مُغمىً عليه، وكم من شخص في حال إغماء فإذا جاء وقتُ الأذان أذَّن أذان واضح وظاهر يُسْمَع منهُ، وكم من شخص يُلازم الذِّكر وهو بالعناية وتُرى علامات الذِّكر على وجهِهِ، وقدِّم تجِد.(1/2)
تعرَّف على الله في الرَّخاء يعرفك في الشِّدَّة، أما لأدنى سبب تعذر نفسك وتترك الواجبات فضلاً عن المُستحبَّات، هذا في النِّهاية ما تجد شيء، ما تُعان، كثير من طُلاَّب العلم مع الأسف الشَّديد ليس لهم نصيب كما ينبغي من كتاب الله -عز وجل- ، فإذا ذهب إلى الأماكن الفاضلة، في الأوقات المُفضَّلة في العشر الأواخر من رمضان في مكة يتفرَّغ للعبادة فيجلس من صلاة العصر إلى أذان المغرب يتعرَّض لِنفحات الله في ذلك الوقت، يفتح المُصحف؛ لكن ليس لهُ رصيد سابق طُول عُمره يُريد أنْ يستغل هذه الأيام، هل يُعان على قراءة القرآن؟ ما يُعان أبداً، هذا الشَّاهد حاصل، يعني موجُودة الشَّواهد، تجد شخص من خيار النَّاس يفتح المُصحف بعد صلاة العصر خمس دقائق ثُم يغلق المُصحف يمل يتلفَّت يمين وشمال لعلُّه يشُوف أحد يقضي معه بعض الوقت يُنفِّس عنهُ، هل أنت في كُربة يُنفِّس عنك؟ لكن رأينا من ينظر السَّاعة كيف تمشي بسُرعة قبل أنْ يُكمل ما حدَّدَهُ من التِّلاوة حِزبهُ الذِّي اعتادهُ، بعض النَّاس يقول: ((من حجَّ فلم يرفُث ولم يَفْسُق خرج من ذُنُوبِهِ كيوم ولدتهُ أُمُّه)) الحج أربعة أيَّام، يقول: لو الإنسان يخيط الشفتين خياط ما عليه لو سكت أربعة أيام؟! لكن هل يُعان على السُّكُوت؟ وهو طُول أيَّامِهِ أيَّام الرَّخاء قيل وقال؟ والله ما يُعان على السُّكُوت.
فعلى الإنْسان أنْ يتعرَّف على الله في الرَّخاء ليُعرف في مثل هذه اللحظات، كما قال الله -جل وعلا- : {إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّى}[(4) سورة الليل] " في العناية شخص يلعن و يسبُّ و يشتم وشخصٍ يقرأ القُرآن، يعني الله -جل وعلا- ظلم هذا ولطف بهذا؟ أبداً، هذا ما قدَّم وهذا ما قدَّم، والنَّتيجة أمامه، النَّبي -عليه الصلاة والسلام- يُكابد من المرض ما يُكابد ويحرص على تطبيق السُّنَّة -عليه الصلاة والسلام-.(1/3)
"فما رأيتُ رسُول الله -صلى الله عليه وسلم- استنَّ استناناً أحسن منه" بعد أنْ فرغ، مُجرَّد ما فرغ رسُول الله -صلى الله عليه وسلم- رفع يدهُ أو إصبعهُ، ثُمَّ قال: ((في الرَّفيق الأعلى)) ثلاثاً ثُمَّ قضى -عليه الصلاة والسلام-، خرجت رُوحُهُ الشَّريفة إلى بارئِها، وكانت تقول: "مات بين حاقنتي وذاقنتي" الوهدة المُنخفضة ما بين الترقوتين، والذِّقن معروف مكان اللحية، "مات بين سحري ونحري" هذا من مناقبها -رضي الله عنها-، وفي لفظٍ: "فرأيته ينظر إليه، وعرفت أنه يُحب السواك" فقلت: "آخذه لك؟" فأشار برأسه: أن نعم -عليه الصلاة والسلام- وهذا لفظُ البُخاري، ولمسلم نحوه.
فعلينا أنْ نحرص أشدَّ الحرص على الواجبات ((وما تقرَّب احدٌ إلى الله بأفضل مما افترض عليه)) ويحرص أيضاً على تطبيق السُّنن في الرَّخاء ليُمكَّن منها في الشِّدَّة، ولِيَأْلَفها ولِيَتجاوز مرحلة الاختبار إلى مرحلة التَّلذُّذ بالطّاعة العبادة، يكُون لهُ نصيب من الذِّكر، من التِّلاوة من الانكسار بين يدي الله -عز وجل-، ليُعرف إذا احتاج فيما بعد، ليُكْتب لهُ هذا العمل إذا مرض وعجز عنهُ، يستمر لهُ هذا العمل.(1/4)
بسم الله الرحمن الرحيم
من عرف خطر الشرك عض على التوحيد بالنواجذ
الشيخ / عبد الكريم الخضير
فإذا عرفنا الشرك عرفنا التوحيد؛ ولذا يخل بالتوحيد من لا يعرف الشرك، جاء عن عمر: "إنه إنما ينقض الإسلام من لم يعرف الجاهلية" فالذي يعرف خطر الشرك لا شك أنه يعض على التوحيد بالنواجذ، والذين عايشوا البدع والمبتدعة لا شك أن خوفهم من الابتداع أكثر ممن لم يعايشهم؛ لأن من عاش على السلامة؛ قلبه سالم، خالي من هذه الأمور، والذي يخالط ويعرف المخالفة مع الديانة، أما بعض الناس يخالط ويعاشر فتؤثر فيه هذه المخالطة شعر أو لم يشعر، كما يقال: كثرة الإمساس تقلل الإحساس، لكن إذا كان يعرف خطر الشرك وخطر البدعة، ويرى الناس يقعون فيها عرف أن الأمر قريب يمكن أن يقع فيها شعر أو لم يشعر؛ ولذلك يكون على خوف ووجل دائم من الوقوع فيما يهلكه من الشرك والبدع.(1/1)
بسم الله الرحمن الرحيم
من كثر علمه قل إنكاره
الشيخ/ عبد الكريم الخضير
يقول: بعضهم يطلق قاعدة: من كثر علمه قل إنكاره، فما مدى صحتها؟
أما إن كان يحكي عن واقع وأن العلماء لا ينزلون إلى الأسواق، ولا يباشرون محافل الناس لانشغالهم عن ذلك بما هو أهم؛ فهذا الكلام له حظ من النظر، يعني ما تجد كبار أهل العلم يغشون مجالس الناس ومحافلهم وأسواقهم التي يقع فيها المخالفات؛ لكثرة علمهم ولكثرة حاجة الناس إليهم، هذا من هذه الحيثية له وجه، أما كون الإنسان مع كثرة علمه..،(1/1)
كثرة علمه تؤثر في إنكاره المنكر الذي يراه فمن وجه دون وجه، من وجه باعتبار أن الذي قل علمه وعلم أن هذا الأمر منكر ما عنده خيارات، ولا يعرف أقوال معارضة أو مقابلة تورث هذه الأقوال عنده غلبة ظن أن هذا المنكر منكر أو ليس بمنكر؟ أو على أقل الأحوال تورث عنده شيء من التردد لاسيما عند قوة قول المخالف، الذي لا يعرف إلا قول واحد من عامي أو شبه عامي هذا ما عنده إلا هذا حرام خلاص، ما يعرف إن الإمام الفلاني قال: لا هذا حلال وهذا مكروه يعني الذي عنده شيء من العلم بالأقوال بأدلتها لا شك أن عنده من السعة أكثر مما عند طالب العلم المبتدئ أو العامي، فإذا عرفت مثلاً أن هذا المنكر بعض العامة يرون أن هذا المنكر مما اختلف فيه بأنهم توارثوا هذا القول من بيئتهم مثلاً أو من واقعهم ووضعهم، تجد هذا ما عنده أدنى إشكال في كونه ينكر على هذا، ولا يتردد في كونه منكر، فما عنده مشكلة في هذا، ولا يتأخر في إنكاره؛ لكن الذي يعرف هذا المنكر، والراجح فيه أنه حرام؛ لكن القول الثاني له حظ من النظر وله وجه لاسيما في حال دون حال، وهذه الحال لا ينطبق عليها القول بالتحريم من كل وجه؛ تجد هناك سعة عند من عنده شيء من العلم؛ لكن إذا ترجح عنده أن هذا الأمر محرم يلزمه إنكاره، ولو كان مباحاً عند غيره ، ولو رأى غيره أنه مباح لأنه إنما يفعل ما يدين الله به، عليه أن يفعل وينكر ما يعتقد، يعني يعمل بما يعتقد لا ما يعتقده غيره، ومن هذه الحيثية تجدون إن بعض الناس قد يرمى بالتساهل في الإنكار مع أنه قد يكون المترجح عنده أن هذا ليس بمنكر، وأن له ما يدل له، أو على أقل الأحوال إن هناك ما يعارض الدليل الذي يدل على أنه منكر، مما يخفف عنده شيء من هذا الأمر؛ لأن القول بالرجحان والمرجوحية أمور نسبية، يعني هناك من المسائل ما يصل فيها الترجيح إلى حد مائة بالمائة هذا في الأمور القطعية التي لا يختلف فيها أحد، وهناك من الأمور ما يصل فيه الرجحان(1/2)
إلى تسعين بالمائة هذا أيضاً لا بد من إنكاره؛ لأن القول المخالف لا حظ له من النظر، عشرة بالمائة لا شيء، ثم تزداد هذه النسبة إلى أن يصل أحد القولين إلى خمس وأربعين بالمائة، والثاني إلى خمس وخمسين، وهو يعتقد إن الراجح ما نسبته خمس وخمسين، وهو الذي عليه أن يعمل به وينكر من رآه يفعله، لكن ليس إنكاره بالمستوى الذي ينكر فيه الأمور القطعية المجمع عليها، أو الأمور التي الخلاف فيها شاذ أو ضعيف.(1/3)
بسم الله الرحمن الرحيم
من كثر كلامه كثر سقطه
الشيخ/ عبد الكريم الخضير
هذان الملكان المتلقيان الموكلان بالإنسان أحدهما يكتب الحسنات، والثاني يكتب السيئات {مَا يَلْفِظُ} [(18) سورة ق] الإنسان {مِن قَوْلٍ} [(18) سورة ق] "من قول" نكرة في سياق النفي فتعم كل قول {إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ} [(18) سورة ق] المكلف ما يلفظ من قول وقول نكرة في سياق النفي فتعم كل قول، ما يؤجر عليه ويثاب عليه، وما يؤاخذ به، وما لا يؤاخذ به، وما لا يؤجر عليه، كل كلام ينطق به، كـ(قمت وقعدت وكذا وكذا) يسجل، وما يؤاخذ به كقول الزور والبهت والقذف وما أشبه ذلك يؤاخذ عليه، وما يؤجر به من تلاوة القرآن، ومن الذكر، وقول الحق، والدعوة إلى الخير هذا أيضاً يكتب، فكل شيء يكتب وهذا قول من أقوال أهل العلم يدل له: {مَا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ} [(18) سورة ق] فهما يكتبان كل شيء، طيب إذا كان الذي عن اليمين يكتب الحسنات والذي عن الشمال يكتب السيئات فمن الذي يكتب الكلام المباح؟ يعني إذا قال: قمت وقعدت وكذا من الذي يكتب الكلام المباح على هذا القول؟ هل يعد هذا الكلام مما يحفظ له ويثاب عليه فيكتبه الملك الذي عن يمينه أو يكتب في كفة سيئاته فيكتبها الملك الذي عن شماله؟ هو لا هذا ولا هذا، مباح، إلا أنه باعتبار أنه يشغل عما يثاب عليه فهو مذموم به من هذه الحيثية، ثم بعد ذلك يمحى لأنه لا ثواب ولا عقاب، ومنهم من يقول: إنه لا يكتب إلا ما يثاب عليه وما يعاقب به، يعني لو افترضنا أن شيخ من الشيوخ يملي على طلابه يشرح كتاب ووجدنا طالب نبيه لا يكتب إلا ما يفيد، وطالب آخر يكتب كل شيء، لو عطس الشيخ كتب: عطس الشيخ، لو يكح قال: كح الشيخ، ويكتب الكلمة مرتين ثلاث حسب تكرارها في كلام الشيخ أيهما أفضل؟ لا شك أن الذي يقتصر على المفيد بحيث لا يفرط بشيء منه، ويترك ما لا فائدة فيه أصلاً هذا لا شك أنه أكمل، لكن هل يتسنى لكل أحد(1/1)
مثل هذا؛ لأن هذا يعاني منه كثير من الطلاب بعض الطلاب يقول: أنا ما أكتب إلا ما يفيد، ثم بعد ذلك يفرط في فوائد كثيرة، يظنها غير مفيدة وغيره يظنها مفيدة، ولذلك لو استعرضتم كتب الطلاب التي يحضرون بها الدروس لوجدت التفاوت العجيب، تجد هذا الكلام مفيد عند فلان والكلام غير مفيد عند فلان لكنه كتب غيره، وحينئذٍ تعليق الشيخ على الكتاب ينبغي أن ينظر في جميع الكتب الموجودة، ما ينظر إلى تعليق واحد، هذا مجرد استطراد وإلا فالذي عندنا المسألة خلافية، هل يكتب الملكان كل شيء حتى ما لا ثواب فيه ولا عقاب ثم بعد ذلك يمحو الله ما يشاء ويثبت؟ أو يقال: إنه لا يكتب إلا ما يثاب عليه أو يعاقب به لأنه هو محل الجزاء؟ وهما قولان معروفان عند أهل العلم، والآية مخيفة بالنسبة لمن يطلق لسانه بالقيل والقال، من يطلق لسانه بالقيل والقال {مَا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ} [(18) سورة ق] فعلى الإنسان أن يتحرى، ولذا لما قال معاذ -رضي الله عنه-: "وإنا لمؤاخذون بما نتكلم به؟ قال: ((ثكلتك أمك يا معاذ وهل يكب الناس على وجوههم أو قال: على مناخرهم إلا حصائد ألسنتهم؟)) أنت مؤاخذ بالكلام، بالقيل والقال، والإنسان الذي عود نفسه على كثرة الكلام لا شك أن من كثر كلامه كثر سقطه، وقد يتحرى في المجلس الأول ولا يقول إلا المباح لكنه قد يضطر بعد ذلك إلى المفضول والفضول من الكلام، ثم إلى المحرم منه، وهذا شيء مشاهد.(1/2)
من لم يستطع المثول بين يدي العالم ... فماذا يفعل؟!
الشيخ/ عبد الكريم الخضير
يقول: من لا يتمكن من المُثُول بين يدي عالم للقراءة عليه؛ بسبب ظروف عمل وظروف صحيَّة وهو شغوفٌ بالعلم فماذا يعمل؛ ليتمكَّن من نيل العلم الموثوق، أفتونا مأجورين؟
أوَّلاً: عليه أن يقتني الكتب سواءً كانت من المتون أو من الشروح، فيحفظ المتن، ويقرأ الشَّرح، ويُتابع الدروس من خلال الأشرطة، ومن خلال الآلات الحديثة التي تُبث فيها هذه الدروس، وعنده الهاتف إذا أشكل عليه شيء يسألُ عنه، فالأمور مُتيسِّرة -ولله الحمد-، مع أنَّهُ لا يكفي من المُثُول بين يديّ الشيوخ، والجثي بين أيديهم كما هو معلوم عند القُدرة على ذلك.(1/1)
بسم الله الرحمن الرحيم
من يستغنِ يُغنِهِ الله
الشيخ/ عبد الكريم الخضير
يقول الرَّسُول -عليه الصلاة والسلام- في حديث أبي سعيد -رضي الله تعالى عنه-: ((من يستعفف يُعفَّهُ الله، ومن يستغنِ يُغنِهِ الله)) الاستِعفاف عمَّا في أيدي النَّاس لاشكَّ أنَّ منْ فَعَلَهُ جَاهِداً وقَهَر نفسهُ على ذلك مَا لمْ يَصِل إلى حدِّ ضرُورة، لاشكَّ أنَّ الله -جل وعلا- يُعينهُ على العفاف، هذا جواب الشَّرط، وجاء الأمرُ به {وَلْيَسْتَعْفِفِ الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ نِكَاحًا حَتَّى يُغْنِيَهُمْ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ}[(33) سورة النور] المقصُود أنَّ على المُسلم أنْ يكُون عزيزاً لا يُهينُ نفسهُ، ولا يبتذل نفسهُ باستكفاف النَّاس، وطلب إعاناتهم، وبعض النَّاس يسْهُل عليه هذا الأمر، ولأدْنى شيء يسأل النَّاس، مثل هذا يُبْتَلى لا يُعان على العفاف؛ وإنَّما يُبتَلى بالحاجة الدَّائِمة ((ومن يستغنِ يُغنِهِ الله)) من يستغنِ بما في يدِهِ عما في أيدي النَّاس يُغنِهِ الله -جل وعلا-، فمنْ تعلَّقَ بالله -جل وعلا-، وأنزلَ حاجتهُ بربِّهِ، وتوكَّلَ عليهِ، وقطع العلائق عن الخلائق، لاشكَّ أنَّهُ سوف يعيشُ حياةً مُطمئِنَّة، ويتحقَّق لهُ الموعُود في هذا الخبر، من يستغنِ بالله -جل وعلا- عن خلقِهِ يُغنِهِ الله.(1/1)
من ينشغل في ليالي العشر في الأسواق لتجهيز ملابس العيد !
الشيخ/ عبد الكريم الخضير
يقول: نريد نصيحة للذين يجتهدون في أول رمضان ثم تخف عبادتهم في نصف رمضان، وينشغلون في العشر الأواخر في شراء الملابس والتجهيز للعيد ويتركون صلاة القيام؟
على الإنسان أن تكون أموره متوسطة يتوسط في أموره كلها؛ لأن بعض الناس يجتهد اجتهاد لا يستطيع الاستمرار عليه، ثم يمل والرسول -عليه الصلاة والسلام- يقول: ((عليكم من العمل ما تطيقون -اكلفوا من العمل ما تطيقون- فإن الله لا يمل حتى تملوا)) فالإنسان عليه أن يأتي بما يستطيع الاستمرار عليه، فإذا كانت قراءته للقرآن مثلاً، إذا قرأ في اليوم خمسة أجزاء، ختم كل ستة أيام أو أربعة ونصف وختم في سبع، يستطيع أكثر من ذلك، لكنه لا يضمن الاستمرار عليه، فإنه يلزم ما يغلب على ظنه أنه يستمر عليه؛ لأن الانقطاع عن العمل الصالح نكوص، والنبي -عليه الصلاة والسلام- إذا عمل عملاً أثبته، ولا شك أن ترك العمل باعثه الملل، وفي الحديث الصحيح المخرج في البخاري وغيره: ((إن الله لا يمل حتى تملوا)) يعني لا يقطع الأجر حتى تنقطع الأعمال الصالحة، والملل المنسوب إلى الله -جل وعلا- هنا هو من باب المشاكلة، والمجانسة في التعبير، فهؤلاء الذين اجتهدوا في أول الشهر مسألة مفترضة في شهر واحد، على الإنسان أن يأطر نفسه على الازدياد من الأعمال الصالحة وأن يستمر عليها ويثبت عليها، نعم قضاء الحوائج التي لا بد له منها بحيث لا يقوم مقامه غيره، مثل هذا حينئذ يقوم بأعماله وحاجاته وما يحتاج هو وأهله، لا يمنع من ذلك يشتري حاجاته ويشتري حاجات أهله، لكن لا يكون ذلك على حساب العبادة، فيه أوقات أخرى، في غير وقت القيام، يقول: يشتغلون في العشر الأواخر في شراء الملابس والتجهيز للعيد ويتركون صلاة القيام. (((1/1)
من قام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه)) إذا ضم إلى ذلك: ((من قام ليلة القدر إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه)) وهي أيضاً خير من ألف شهر، وأضيف إلى ذلك: ((من صام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه)) هذه أجور لا يفرط فيها إلا محروم، كيف تمر مثل هذه النصوص على الإنسان ولا تؤثر فيه؟ كيف يهنأ بنوم أو بذهاب أو بإياب، أو تنزه أو خروج إلى أسواق والناس يحصلون على هذه الأجور العظيمة وهو محروم منها؟!، فلا شك أن الران قد غطى على قبله، الران قد غطى على قلبه، وإلا في مثل هذه الأيام المفترض أن تستغل فيها الأنفاس، لاسيما الليالي العشر، التي ترجى فيها ليلة القدر، يعني ليلة واحدة تعادل أكثر من ثمانين سنة، يعني عبادة أكثر من ثمانين سنة، وهل لأحد أن يقول: الخبر صحيح أو غير صحيح؟ الخبر في القرآن، في القرآن المحفوظ المصون من الزيادة والنقصان، على كل حال على الإنسان أن يجتهد وأن يستمر وإذا خرج رمضان أيضاً عليه أن يلزم العبادة؛ لأن لزومه للعبادة دليل على قبول عبادته في الشهر، وأما إذا عاد إلى ما كان يزاوله من المحرمات أو ترك للواجبات قبل رمضان وعاد إليها بعد رمضان، رمضان لم يحقق الأثر، فتجد بعض الناس يجتهد ويعتكف في العشر الأواخر، يعتكف في العشر الأواخر ويطبق السنة ويحفظ وقته، ثم بعد ذلك إذا أعلن الشهر المغرب ليلة العيد خرج من المسجد وانشغل بما كان يعمله قبل الاعتكاف، وقد تفوته صلاة العشاء، هل مثل هذا الاعتكاف وقع موقعه؟ هل أثر في نفس المعتكف الأثر الذي ينبغي لمثله؟ الاعتكاف تربية للنفس، ترويض للنفس على العبادة، فإذا كان هذا واقع من اعتكف تفوته صلاة العشاء أو ينام عن صلاة الفجر، هذا اعتكافه ما حقق الأثر المرتب عليه.(1/2)
منزلة المُراقبة
الشيخ/ عبد الكريم الخضير
إذا حقَّقَ المُسْلِم مَنْزِلَة المُرَاقَبَة، واسْتَحْضَر قُرْبَ الله مِنْهُ اسْتَحْيَا مِنْهُ، يعني لو تَصَوَّرْنَا أنَّ الزَّانِي وهو يُزَاوِلُ هَذِهِ الفَاحِشَة يَسْتَحْضِر أنَّ الله -جلَّ وعلا- مُطَّلِعٌ عَليهِ، ما أَقْدَم على هذِهِ المَعْصِيَة، لو اسْتَحْضَرْنَا أنَّ المُرَابِي وهو يَعْقِد الصَّفْقَة يَسْتَحْضِر أنَّ الله مُطَّلِعٌ عَليهِ وأنَّهُ يُزَاوِلُ حَرْبَ الله -جلَّ وعلا- ما أَقْدَم على هذا العَمَل؛ لَكِنْ الذِّي يَقُودُ إلى هذِهِ الأُمُور الغَفْلَة، والغَفْلَة عُقُوبة من الله -جلَّ وعلا-، سَبَبُها ما يُغَطِّي القُلُوب منْ غَشَاوَة الذُّنُوب، هذا هُو الرَّان، إذا حقَّقَ المُسْلِم مَنْزِلَة المُرَاقَبَة واسْتَحْضَر قُرْبَ الله مِنْهُ اسْتَحْيَا مِنْهُ وَتَرَكَ ما يُسْخِطُهُ؛ بَلْ ما لا يُقَرِّبُ إِليِهِ، واهْتَمّ بما يُقَرِّبُ منهُ حتى تَقَرّ عَيْنُهُ بِعِبَادَتِهِ، ويَأْنَسْ بِمُنَاجَاتِهِ، ويَسْتَوْحِشْ مِنْ غَيْرِهِ، يعني نَسْمَع في سِيَر المُتَقَدِّمِينْ التَّلَذُّذ بِمُنَاجَاةِ الله، الوَحْشَة مِنْ مُجَالَسَة المَخْلُوقِينْ، أَظُن هذا ضَرْب من الخَيَال...(1/1)
لماذا؟ لِأَنَّ الإِنْسَان يُؤَدِّي هذِهِ العِبَادَة عَلَى وَجْهٍ قَدْ لا يُكْتَبْ لَهُ مِنْ أَجْرِهَا شَيْئًا، يَأْتِي بِشُرُوطِهَا وَأَرْكَانِهَا؛ لَكِنْ لا يَحْضُر قَلْبُهُ فِي جُزْءٍ مِنْهَا، مِثْل هذِهِ العِبَادَة يَتَلَذَّذ بِهَا صَاحِبُهُا؟ يَرْتَاحُ بِهَا المُتَعَبِّد؟ هذِهِ الصَّلاة التِّي يُكَبِّر تَكْبِيرَة الإِحْرَام ويُسَلِّم ولا اسْتَحْضَر مِنْها شَيْء مِثْل هذِهِ العِبَادَة يَتَلَذَّذْ بِهَا صَاحِبُهُا؟ يَتَلَذَّذ بِمُنَاجَاةِ رَبِّهِ إِذَا سَجَد وانْطَرَحَ بَيْنَ يَدَيْهِ؟ أَبَداً! تَجِدْهُ مَتَى يَنْتَهِي مِنْ أَدَاءِ هَذِهِ العِبَادَة، الآنْ وُجِدَتْ السَّاعَاتْ فِي جُدْرَانِ المَسَاجِدْ تَجِدْ الإِنْسَانْ يَنْظُرُ إِلَيْهَا مِنْ دُخُولِهِ! مِنْ تَكْبِيرة الإِحْرَام إلى السَّلام وعَيْنُهُ فِي السَّاعة مَتَى ينتهي؟ لماذا؟ لِيُرُوح يَسْتَانَسْ مع فُلانْ وعَلَّانْ، عَكْسْ مَا عليهِ سَلَفْ هذِهِ الأُمَّة، مِنْ أُنْسِهِمْ بِالله، وتَلَذُّذِهِمْ بِمُنَاجَاتِهِ، واسْتِيحَاشِهِمْ مِنْ غَيْرِهِ، واللهُ المُسْتَعَانْ.
أقول: إذا حقَّقَ المُسْلِم مَنْزِلَة المُرَاقَبَة، واسْتَحْضَر قُرْبَ الله مِنْهُ اسْتَحْيَا مِنْهُ، وَتَرَكَ ما يُسْخِطُهُ؛ بل ما لا يُقَرِّبُ إِليِهِ، واهْتَمّ بما يُقَرِّبُ منهُ حتى تَقَرّ عَيْنُهُ بِعِبَادَتِهِ، ويَأْنَسْ بِمُنَاجَاةِ ربِّهِ، ويَسْتَوْحِشْ مِنْ غَيْرِهِ، كَمَا حَصَلَ ذَلِكَ لِسَلَفِ هذِهِ الأُمَّة، بِخِلافِ مَنْ غَفَلَ عَنْ مُرَاقَبَةِ الله -جَلَّ وعَلا-؛ فَإِنَّهُ لا يَتَلَذَّذ بِعِبَادَة؛ بَلْ تَثْقلُ عليهِ، ويَأْنَسْ بِغَيْرِهِ، وهَذَا أَمْرٌ مُشَاهِدٌ مُجَرَّب.(1/2)
موعظة بليغة وجِلت منها القلوب
الشيخ/ عبد الكريم الخضير
((فوعظنا موعظةً بليغة وجِلت منها القلوب)) خافت؛ لكنْ قُلُوب من؟! قُلُوب الصَّحابة، ومن يُضَاهِيهم ويُحاكِيهم مِمَّن نوَّرَ اللهُ قَلْبَهُ {الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا} [الأنفال/2] ومن النَّاس مع قَسَاوة القلوب التِّي نعيشُها وإلى المُشتكى لا فرق بين أنْ يُوعَظ ويُذكَّر بالقرآن أو بصحيح السُّنَّة، وبين أنْ يُقرأ عليه قُصاصة من جريدة، أو يسمع خبر من الأخبار من وسيلة – لا فرق –،والنبي -ليه الصلاة والسلام-كما في الحديث المُختلف فيهِ، يقول -عليهِ الصَّلاةُ والسَّلام-: ((شيَّبتني هُود وأخواتُها)) وأتحدَّثُ عن نفسي أنَّني بدأتُ بسُورة يُونس فلم أشعُر إلاّ وأنا في يُوسف، فما الأثر الذِّي تركَتْهُ هُود في نفسي؟! وأَجْزِم أنَّ مثلي موجُود في طُلاَّب العلم...(1/1)
هل هذهِ هي القراءة التِّي تترتَّب عليها آثارُها، على الإنسان أنْ يُعيد حساباتِهِ، حَاسِب نفسك، زُرَارَةُ بن أوفى سَمِعَ الإمام وهو يقول: {فَإِذَا نُقِرَ فِي النَّاقُورِ} [المُدَّثِّر/8] قالوا خرَّ مغْشِيًّا عليهِ فمات! وبعض النَّاس يُنْكِر مثل هذا القول، ومِمَّن يُنْكِرُهُ من المُتقدِّمين ابن سيرين، يقول لا يُمكن أنْ يُغمى على الإنسان أو يُغشى عليهِ ويُصاب بالغشِي؛ لأنَّهُ يسمع القرآن،والرسُول -عليهِ الصَّلاة والسَّلام- وصحابتُهُ الكِرام سَمِعُوا وما حصل لهم شيء من هذا، واختبرُوا من يَدَّعِي ذلك فاجْعَلُوهُ على جِدار واقرؤُوا القُرآن إنْ سَقَط من الجِدَار فهو صادق، وجمْعٌ من أهل التَّحقيق ومنهم شيخ الإسلام يرى أنَّهُ لا مانع من وُقُوعِ هذا من بعض النَّاس، لا شكَّ أنَّ القرآن ثقيل، وأَثَرُهُ في القُلُوبِ بالغ؛ لكنَّ القُلُوب تَتَفَاوتْ، منها القلب القويّ كَقَلْبِهِ -عليهِ الصَّلاةُ والسَّلام- وقُلُوب صَحابَتِهِ الكِرام هؤُلاءِ يَتَقَبَّلُونَ هذا الكلام القويّ، هذا الكلام الثَّقيل بِقُلُوبٍ قَويَّة فَيَتَحَمَّلُون، يَتَأثَّرُون تأثُّراً بالِغاً؛ لكنَّهُم يَتَحَمَّلُون، منْ جَاءَ بعدهُم اسْتَشْعَرُوا هذهِ العَظَمَة، وهذا الثِّقَلْ لِكَلامِ الله -جلَّ وعلا-؛ لكنْ قُلُوب بعض الصَّحابة ضَعُفَتْ فَصَارُوا لا يَتَحَمَّلُون مثل هذا الكلام الثَّقِيل، وهُم يَسْتَشْعِرُون عَظَمَة ما يَسْمَعُون فَيَحْصُل لهُم ما يَحْصُل؛ ثُمَّ طالَ بالنَّاس الزَّمان معَ ضَعْفِ القُلُوب – ما نقُول قَوِيَت القُلُوب – القلوب ضعيفة؛ لكنْ اسْتِشْعَار عَظَمة القُرآن خَفَّتْ في قُلُوب المُسلمين، اسْتِشْعَار العَظَمَة خَفَّتْ؛ لذا لا يَتَأثَّرُون؛ لكن ما الدَّليل على أنَّ قُلُوبَهُم ضعيفة، لو حَصَل للإنْسَانْ منهم أدْنَى مُشكِلة تَغَيَّرَتْ حِسَابَاتُهُ، وكادَ أنْ يُجَنّ بِسَبَبِها، وقد يُصَاب بالإغْمَاء(1/2)
بالغُشِيّ كما حصل في بعض الكَوَارِثْ التِّجاريَّة أو المصائب التِّي تحصُل لبعض النَّاس... هل هذا هو القلب القوي الذِّي تأثَّر بِأُمُور دُنْيَاهُ؟! هذا ليسَ بِقلْبٍ قويّ؛ لكنْ كونُهُ لا يَتَأثَّر بالقُرآن مع عَظَمَتِهِ وقُوَّتِهِ وثِقَلِهِ؛ لأنَّهُ لا يستشعرها، لا يَسْتَشْعِر هذهِ العَظَمَة؛ فالصَّحابة يَتَأَثَّرُونْ، ومنْ يَسْتَشْعِر عَظَمة هذا القُرآن يَتَأَثَّرُونْ.
((فوعظنا موعظةً بليغة وجِلت منها القلوب وذّرَفَتْ منها العُيُونْ)) والحديث كما قَرَّرْنا ضعيف للانقِطاع؛ لكنْ ألفَاظُهُ صحيحة جاءَتْ منْ طُرق صحيحة لِئَلا يقول قائل كما قال واحد بالأمس أنَّك تُقرِّر الحديث أنه ضعيف وتشرَحُهُ! والضَّعيف ما دام ما يُحتجّ بِهِ... لماذا يُشْرَحْ؟! أقول: يُشرح إذا كان لهُ ما يُشْهَدُ لهُ، ولَهُ أصل يَدُلُّ على أنَّهُ ثابت عن النبي -عليه الصَّلاة والسلام-.
((وذّرَفَتْ منها العُيُونْ)) ذَرَفت الدُّمُوع من العُيُونْ، ((فقيل يا رسُول الله: وَعَظْتَنا موعِظة مُوَدِّع))، يعني كَأنَّنا لنْ نَرَاكَ بعد اليوم ((فَاعْهَد إلينا بِعَهْدٍ)) – وفي بعض الألفاظ: ((فَأَوْصِنا)) – ((فاعهد إلينا بعهد نَأْثُرُهُ بعدك ونَعْمَل بِهِ من بعدك، فقال: عليكم بتقوى الله))، وهي وصِيَّةُ الله للأوَّلِينَ والآخِرين وما منْ نبيٍّ إلاَّ أنْ يأمُرُ قَوْمَهُ بتقوى الله -جلَّ وعلا-، وقد أُمِرَ النَّاسُ قَاطِبَةً بها وحُثُّوا عليها، وجاءَ قولُ الله -جلَّ وعلا-: {قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً} [التَّحريم/6].(1/3)
ميقات المكِّي
الشيخ/ عبد الكريم الخضير
((حتَّى أهلُ مكَّة من مكَّة)) أهلُ مكَّة يُحْرِمُونَ بالحجِّ من مكَّة، والعِبارة أو الجُملة تَدُلُّ على أنَّ المكِّي يُحرم من مكَّة مُطلقاً سواءً كان لِحجٍّ أو عُمرة؛ لأنَّهُ يقول: ((حتَّى أهلُ مكَّة من مكَّة)) عُمُوم اللَّفظ يتناول الحاج والمُعتمر، فيُحرم المكِّي من مكَّة سواءً كان نُسُكُهُ حَجًّا أو عُمرة؛ لكنْ جُمهور أهلِ العلم على أنَّ المُعتمر لا بُدَّ أنْ يخرج إلى الحِلّ؛ لِيَجْمَعَ في نُسُكِهِ بين الحِلِّ والحَرَم، أمَّا الحاج لا يَلْزَمُهُ أنْ يخرُجَ إلى الحِلّ؛ لأنَّهُ سوف يخرُج للوُقُوف، وعَرَفة من الحِلّ، وعلى هذا حَمَلَ أهلُ العلم هذا الحديث على الحاج دون المُعتمر ما الذِّي يُخرج المُعتمر من هذا النَّص؟! حديث عائشة وأنّ النبي -عليهِ الصَّلاة والسَّلام- أمر عبد الرحمن أنْ يذهب بها إلى التَّنعيم فتُحرم من هناك، والرَّسُول -عليه الصَّلاة والسَّلام- وصحابتُهُ معهُ في الانتظار، ولو كان الإحرام من مكَّة يُجْزِئ أو يكفي لَمَا تكَلَّف وكَلَّفَ غيرَهُ بأنْ تخرج إلى الحلّ فَتُحرم منهُ، فهذا من العام المخصُوص.(1/1)
مَا يُعِينُ على الإخلَاص
الشيخ/ عبد الكريم الخضير
احرَص، واصدُق اللَّجَأ إلى الله -جلَّ وعلا-، واطرُق الباب، وانكَسِر بينَ يديّ الله، واصدُق مع الله؛ ويُوَفِّقُكَ اللهُ -جلَّ وعلا-، تُوَفَّق إذا صَدَقت، فالنِّيَّة الصَّالحة أمرٌ لا بُدَّ منهُ؛ لأنَّ العلم الشَّرعي مِن أُمُور الآخرة المحضة، لا بُدَّ من تَصحِيحِ النِّيَّة من أوَّل الأمر، قَد تَشرُد النِّيَّة أحياناً – قد – كغيرِها من العِبَادات؛ لَكِن إذا استَدرَكَ الإنسَان بِسُرعة وجَاهَد؛ ما تُؤَثِّر.
مِمَّا يُعين على الإخلاص أن تَعرِف وتَعلَم أنَّ الخَلق لو اجتَمَعُوا على أن يَنفَعُوكَ بشيء لم يَكتُبهُ الله لك؛ مَا نَفَعُوكَ بها، وأن تَجزِم جَازِماً أنَّهُ لا أحد مَدحُهُ زين وذَمُّه شين؛ إلاَّ الله -جلَّ وعلا-، يقولُ ابن القيم -رحمهُ الله تعالى-: "إذا حَدَّثَتكَ نَفسُكَ بالإخلاص؛ فاعمَد إلى حُبِّكَ المدح والثَّناء، واذبَحهُ بِسِكِّينِ عِلمِكَ أنَّهُ لا أحد مَدحُهُ زين وذَمُّه شين؛ إلاَّ الله -جلَّ وعلا-" وبعضُ الطُّلَّاب؛ بل بعض الطَّبَقَات المُتَقَدِّمة من المُتَعَلِّمِين إذا قِيل لَهُ ذُكِرت في المَجلِس الفُلَاني، أو أُثنِيَ عليك في المَجلِس الفُلَاني فَضلاً عَن أن يُقال الوزير الفُلَاني أو الأمير الفُلَاني يَطِير! يكاد أن يَطِير من الفرح! لكن أينَ هذا من ذِكرِ الله -جلَّ وعلا-؟! ((مَن ذَكَرَنِي في نَفسِهِ؛ ذَكَرتُهُ في نَفسِي، ومَن ذَكَرَنِي في مَلأٍ ذَكَرتُهُ في مًلأٍ خيرا منه)) تَكسَب إيش إذا قِيل لك الأمير الفُلَاني أو الوزير الفُلَاني أَثنَى عليك؟! ما تَكسَب شيء، شيء لَم يُقَدِّرهُ الله لك -جلَّ وعلا- والله لَن تَكسَبَ شيئاً؛ فَلنَنتَبِه لِهذا، مَسأَلة الإخلاص أمرٌ لا َبُدَّ منهُ لكلِّ عِبَادةٍ، شرط لقبُول كل عِبَادة.(1/1)
مَسَاوِئ الغَضَبْ
الشيخ/ عبد الكريم الخضير
الغَضَبْ خُلُقٌ ذَمِيم، يَحْمِلُ صَاحِبُهُ على التَّصَرُّفات التِّي إذا عَادَ إلى رُشْدِهِ نَدِمَ عليها، وكم من شخص مَلَكَهُ الغَضبْ؛ فَتَصَرَّفْ تَصَرُّفاً أوْقَعَهُ في حَرَجٍ طِيلَ حَياتِهِ، تكلَّم على شخص بكلمة، اعْتَدَى على آخر بِضَرْب، طَلَّقَ زوجَتَهُ، أفْسَدَ مَالَهُ؛ بِسَبَبْ الغَضَبْ، هذه النَّصِيحة الغَالِيَة من النَّبي -عليهِ الصَّلاة والسَّلام-: ((لا تَغْضَبْ)) ثُمَّ رَدَّدها مِراراً ((أَوْصِنِي، فقال لهُ: لا تَغْضَبْ، أَوْصِنِي يا رسُول الله؟)) كأنَّهُ ما اقْتَنَع بهذِهِ الوَصِيَّة، يعني لا تَغْضَبْ، وش غيرها؟ ((فقال: لا تَغْضَبْ)) [رواهُ البخاري]. لأنَّ الإنْسَانْ إذا غَضِبْ لا شَكَّ أنَّهُ يَفْقِدْ التَّوازُن، ويَتَصَرَّف تَصَرُّفْ يُلامُ عليهِ، وقد يَتَصَرَّفْ تَصَرُّفاً يُودِي بِحَياتِهِ، فما وُجِدْ القَتْل المقتضي للقِصَاصْ إلاَّ بِسَبَبْ الغَضَبْ! ما تَجِدْ أحد يَقْتُل آخَر وهو يضحك! ما يُمْكِنْ؛ لكنْ في حال الغَضَبْ، وحُضُور الشَّيطان يَحْصُل القَتلْ، وقُل مثل هذا في الاعْتِداء، والضَّرْب وغيره، فالغَضَبْ خُلُقٌ ذَمِيمْ، وصِفَةٌ قَبِيحَة تَجُرُّ صَاحِبِها إلى ما لا تُحْمَدُ عُقْبَاهُ؛ لكنْ قد يقول قائل: أنا جُبِلْتْ على هذا، ونُلاحظ من النَّاس من هو سَرِيع الغَضَبْ؛ لكنْ عليهِ أنْ يَكْظم، والخُلُقْ بالتَّخَلُّقْ، والصَّبر بالتَّصَبُّرْ، فإذا جَاهَدَ نَفْسَهُ على هذا أعانَهُ اللهُ -جلَّ وعلا-، والغَرَائِز كُلّها منها ما هُو جِبِلِّيّ، مَفْطورٌ عليهِ الشَّخص لا يستطيع أنْ يَتَنَصَّلَ منهُ، وقِسْمٌ منها كبيرٌ مُكْتَسَبْ بالتَّخَلُّقْ وبالتَّطَبُّعْ، واللهُ -جلَّ وعلا- يُعينُ الشَّخص إذا لَجَأَ إليهِ بِصِدْق.(1/1)
مَسْخُ القُلُوب أعْظَمُ منْ مَسْخ الأبْدَانْ
الشيخ/ عبد الكريم الخضير
((أما يَخْشَى الذِّي يَرْفعُ رأسَهُ قبل الإمام أنْ يُحوِّلَ اللهُ رأسَهُ رأسَ حِمَار - أو - يجعل صُورتهُ صُورة حِمَار)) هذا وعيدٌ شديد، والعُلماء يختلفُون في حُكم صلاة المُسابق الذِّي يُسابق الإمام، فمنهم من قال ببُطلانِها للوعيد الشَّديد؛ ولأنَّهُ لا وحدَهُ صلَّى ولا بإمامِهِ اقْتَدى، ومنهُم من يقول صلاتُهُ صحيحة؛ لأنَّهُ مع هذا الوعيد الشَّديد لمْ يُؤْمَر بالإعادة، الجُمهُور على أنَّ صلاتَهُ صحيحة؛ لأنَّهُ لم يُؤْمَر بالإعادة، وأهلُ الظَّاهر ورواية عن أحمد أنَّ صلاتَهُ باطِلَة عليهِ أنْ يُعيدها ((أما يَخْشَى الذِّي يَرْفعُ رأسَهُ قبل الإمام أنْ يُحوِّلَ اللهُ صُورتهُ صُورة حِمَار)) هذا مَسْخ بلا شك ووعيد على ارتِكاب هذا المُحرَّم.. وأيُّهُما أسهل عُقُوبة الدُّنيا أو عُقُوبة الآخرة؟! إذاً أسهل على الإنسان أنْ تُحوَّل صُورتُهُ صُورة حِمار ولا تُدَّخَر لهُ العُقُوبة في الآخِرة؟ يعني المنصُوص عليهِ في حديث المُتلاعنين إنَّ عذاب الدُّنيا أسْهل من عذاب الآخرة بلا شك، إذا مُسِخ عُوقِب في الدُّنيا ولم يَجْمَع اللهُ لهُ بين عُقُوبتين؛ لكنْ إذا لمْ يُمْسَخ؟! ما فيه شكّ أنَّ الإنْسان يَسْتَعْظِم وُجُود مثل هذا الأمر، شيءٍ فُوق ما يَتَصَوَّرَهُ الإنْسَانْ أو يَتَخَيَّل أنَّهُ يُصلِّي مع النَّاس ويطلع رأسُهُ رأس حمار!؛ لكنْ مع ذلك لا يَرْتَدِعْ بعض النَّاس، والأمر ليسَ بالسَّهل، وعُقُوبة الآخرة أعْظَم من عُقُوبة الدُّنيا، ومَسْخُ القُلُوب أعْظَمُ منْ مَسْخ الأبْدَانْ، مَسْخُ القُلُوب يُقرِّرُ أهلُ العِلْم أنَّهُ أعْظَمُ منْ مَسْخ الأبْدَانْ، ولذلك تَجِد الإنْسَان تَمُر عليهِ الأوامر والنَّواهِي ولا كَأَنْها شيء، واللهُ المُستعان.(1/1)
مَن يَتَصَوَّر هَذَا الكَنز؟!
الشيخ/ عبد الكريم الخضير
وَدُم على الباقيات الصَّالِحات، الباقيات الصَّالحات الذِّكر، التَّسبيح والتَّحميد، والتَّهليل، والتَّكبير، وحَوقِل، أكثر من قول لا حول ولا قوُة إلاَّ بالله، والجنَّة قِيعان، وغِراسُها التَّسبيح والتَّحميد والتَّهليل والتَّكبير، وجاء في الحديث أنَّ إبراهيم قال للنبي -عليهِ الصَّلاةُ والسَّلام- أقرِئ أُمَّتِك مِنِّي السَّلام، وأخبرهم أنَّ الجَنَّة قِيعان، وأنَّ غِرَاسَها التَّسبيح، والتَّحميد سُبحان الله، والحمدُ لله، ولا إله إلاَّ الله، واللهُ أكبر، وهي الباقيات الصَّالحات، ولا يزال لسانك رَطباً بذكر الله -جلَّ وعلا-، وحَوقِل لا حول ولا قُوَّة إلا بالله، كنز من كُنُوز الجنَّة، مَن يَتَصَوَّر هَذَا الكَنز؟! لا يَخطُر على بال! يعني الجنة التِّي تُرابُها المِسك الإذفَر... فما الذِّي يُخفى تَحتَ هذا التُّرَاب؟! يعني إذا كان النَّاس يَكنِزُون الذَّهب تَحتَ التُّراب العادي... فكيف بالكنز الذِّي يُكنَز تحت المِسك؟! يعني شيء لا يَتَصَوَّرَهُ عقل، ولا يَخطُر على قلبِ بشر!.
واسأَل الله رزقاً حُسنِ مُختَتَمِ، يعني اسأَل الله حُسن الخاتمة، واجعَل لِسَانك رَطباً دَائِماً مُلازِماً للدَّعوة بِحُسنِ الخاتمة؛ لأنَّهُ جاء في الحديث الصَّحيح ((إنَّ الإنسان لَيَعمَلُ بِعَمَلِ أهلِ الجَنَّة حتَّى ما يَكُون بَينَه وبينها إلاَّ ذراع؛ فَيَسبِقُ عليهِ الكتاب؛ فَيَعمَلُ بعمل أهلِ النَّار؛ فيدخُلها)) وسَلَفُ هذهِ الأُمَّة على وَجَلٍ دائِم، ومُراقَبَةٍ تَامَّة لِحُسنِ الخاتمة، فهم يَلهَجُونَ بهذا في كُلِّ وقت؛ خَوفاً من سُوءِ الخاتمة؛ لأنَّ العِبرَة بالخواتم.(1/1)
مَنْ أَرَادَ سُلُوك العِلْم... بأيِّ الفُنُون يَبْدَأ؟!
الشيخ/ عبد الكريم الخضير
هذا يقول: حينما يسلُكُ الإنسانُ طريق العلم، فهل يبدأُ بِفَنِّ الحديث أم الفِقه أم العقيدة؟!
طريقة المشارقة في التَّعلم تختلف عن طريقة المغاربة، المغاربة يُقدِّمون حفظ القرآن، ولا يقرؤُونَ معهُ شيءٌ آخر، فإذا ضمنُوا حفظ القرآن -كما ذكر ذلك ابن خلدون في مُقدِّمَتِهِ- اتَّجَهُوا إلى العُلُومِ الأُخْرى، والمشارقة يمزجُونَ العُلوم؛ بمعنى أنَّهُم في وقت واحد يُنوِّعُون ويَتَفَنَّنُون، فيتعلمُون من القرآن نصيباً، ومن الحديثِ شيئاً، ومن الفقهِ قَدْراً، ومن العقيدة وجميع العلوم يدرُسُونها في آنٍ واحد على ترتيبهم لطبقات المُتعلِّمين، فالمبتدؤُون لهم كتب، والمُتوسِّطُون لهم كُتب، والمُنتهون لهم كُتب، فبهذه الطريقة يدرسُ من القرآن مثلاً في حال كونِهِ مُبْتدئاً المُفصَّل يحفظُ هذا القَدْر من القرآن، ويحفظُ متْناً صغيراً في الحديث، ومتْناً في العقيدة، ومتْناً صغيراً في الفقه، ومتناً في علوم الآلة من اللُّغة بفرُوعها، وأُصُول الفقه وعلوم الحديث وغيرها، ثُمَّ بعد ذلك ينتقل إلى كُتب الطَّبقة الثَّانية أو الثَّالثة وهكذا، قد يقول قائل: إذا قرأت في أكثر من علم في وقتٍ واحد يَتَشَتَّت ذهني، ولا بُدَّ أنْ أحْصر جُهْدِي في كِتابٍ واحد، في فنٍّ واحد، نقول: لكَ ذلك، ابدأ بالقرآن فاحْفظْهُ، اضْمن حفظ القرآن، ثم احفظ من السُّنَّة بعض المُتُون المُرتَّبة عند أهل العلم احفظ الأربعين، ثُمَّ العُمدة، ثُمَّ البُلُوغ، ثمَّ بعد ذلك اتَّجِهْ إلى علم الفقه والاستنباط، فتحفظ مَتْناً صغيراً، ثُمَّ الذِّي يليه، ثُمَّ الذِّي يليه على طريقةٍ شرحناها مراراً في كيفيَّة التَّفقُه من كُتب العلم، ثُم بعد ذلك اتَّجِه إلى العقيدة، أو قدِّم بعضها على بعض على حسب ما يَتَيَسَّر لكَ من عُلماء تُلازِمُهُم يُحْسِنُون التَّعامل معك في سنِّك،(1/1)
فإذا كُنتَ مِمَّن يَتشتَّتْ فاقْتَصِر على علمٍ واحد، وإنْ كنتَ مِمَّنْ يستوعب، ويَمَلّ لو اقتصر على علمٍ واحد؛ فَنَوِّع، والنَّاس يَخْتَلِفُون في هذا.(1/2)
مَنْ تَتَبَّعَ الرُّخَصْ فَقَدْ تَزَنْدَقْ
الشيخ/ عبد الكريم الخضير
((وإنْ أفتاك النَّاسُ وأفْتَوْك)) عملت عملاً توقَّعت أنَّ فيه جزاء أو كفَّارة، ثُمَّ ذَهَبْتَ تَسْأَلْ، فَبَانَ لَكَ بِقَرَائِنْ أَنَّ هذا الشَّخص الذِّي اسْتَفْتَيْتَهُ من المتساهلين في الفتوى، فقال لا شيء عليك، ما زالت النَّفس يتردد فيها هذا الأمر؛ لكن لو سألت شخص من أهل التَّحري وأنت من العوام فرضُك التَّقليد وتبرأ ذمَّتُك بتقليد أهل العلم، إذا اسْتَفتيت من تبرأ الذِّمَّة بتقليده يكفي؛ لكن كونك تذهب إلى هذا المُتساهل ثم يُفتيك بأنَّهُ لا شيء عليك، لا بد أنْ يبقى في نفسك ما يبقى، فضلاً عن كونك تسأل أهل التَّحري والتَّثبُّت؛ فيُلْزِمُونك بالكَفَّارة، ثُمَّ تذهب إلى المُتساهلين؛ لكي يُعفُوكَ منها! واللهُ المُستعان، وكثير من النَّاس يسأل أكثر من عالم، نعم، بعض النَّاس؛ لِيَطمئنَّ قلبُهُ استفتَى فقيل لهُ ما عليك شيء، فما ارتاح ذهب ليطمئنّ، يسأل ثاني ثالث ليطمئن لكنْ إذا قيل لهُ عليكَ كفَّارة، ثُم ذهب ليسأل عَلُّهُ أنْ يجد من أهل التَّسامُح والتَّساهل من يُعْفِيهِ من هذهِ الكَفَّارة هذا هو الإثم! حتَّى لو قيل لهُ فعلتَ كذا وسألت الشيخ الفُلاني فقال عليك كفَّارة فقيل لك إن في مذهب أبي حنيفة أو الشَّافعي ما عليك كفَّارة، فتقول أبو حنيفة إمام من أئِمَّة المُسلمين تبرأ الذِّمَّة بِتقلِيدِهِ، ثُمَّ في مسألةٍ أخرى تُلزم بشيء، تُلزم بقضاء، ثم يُقال لك مالك ما يُلزمك بالقضاء، تقول: مالك إمام في أئمَّة المُسلمين، ثُمَّ في مسألة ثالثة تسأل، فيُقال: عليك كذا، ثُمَّ يُقال لك: مذهب الشَّافعي ما عليك شيء، تقول: الشَّافعي إمام من أئِمَّة المُسلمين تبرأ الذِّمَّة بتقليده!، هذا تَتَبُّع الرُّخَصْ، الذِّي قال أهلُ العلم فيهِ مَنْ تَتَبَّعَ الرُّخَصْ فَقَدْ تَزَنْدَقْ، كيف يتزندق؟! مُسلم يقتدي بإمام من أئِمَّة المُسلمين! نقول:(1/1)
نعم، يخرُج من الدِّين بالكُلِّيَّة وهو لا يَشْعُر! لأنَّ هذه المذاهب فيها المُلزم وفيها المُعفي؛ لكنْ في مسألةٍ أخرى العكس، هذا الذِّي أعفاك يُلزمُك والذِّي ألْزَمَك هنا يُعْفِيكْ هُناك؛ لكن كونك تبحث عن الذِّي يُعفِيك في جميع المسائل!!! معناه أنَّك تخرج من الدِّين بالكُلِّيَّة، تبحث عمَّا يُعْفِيك في جميع مسائل الدِّينْ؛ إذنْ ما تَدَيَّنْتْ بدين!!! ولم تَتَّبِعْ ما جاء عن الله وعن رسُولِهِ، ولم يَكُنْ هواك تَبَعاً لما جاء بِهِ النبي -عليه الصَّلاةُ والسَّلام-؛ إنَّما الذِّي يَسُوقُك ويُشَرِّعُ لك هواك! هذا وجهُ قولهم: (مَنْ تَتَبَّعَ الرُّخَصْ فَقَدْ تَزَنْدَقْ)، وأنتم تسمعُون مِمَّا يُطْرَح الآن وبِقُوَّة على السَّاحة من التَّساهُل في الفتوى، وفقه التَّيسير على النَّاس من هذا الباب، تجده يقول لماذا نقول بقول الجُمهُور مثلاً: يُلزمُون النَّاس بالبقاء والمُكْثْ في منى إلى أنْ تَزُول الشَّمس، الحمد لله قال أبو حنيفة يجُوز الرَّمي يوم النَّفر الأول، والرسول -عليهِ الصَّلاةُ والسَّلام-: ((ما خُيِّر بين أمرين إلا اختار أيسرهما))، نقول: نعم، ((الرسُول ما خُيِّر بين أمرين إلا اختار أيْسَرَهُما))، ((والدِّين يُسْر، ولن يُشَادَّ الدِّينَ أحدٌ إلاَّ غَلَبَهُ))، ((اكْلَفُوا من العمل ما تُطِيقُونْ))، لا شكَّ أنَّ الدِّينَ يُسْر؛ لكنْ أيضاً هو دِينْ تَكالِيفْ، فيهِ الحلال وفيه الحرام، فيهِ الإلْزَام أيضاً، والجنَّة حُفَّتْ بالمَكَارِهْ، ((ما خُيِّر بين أمرين إلا اختار أيسرهما)) هذا قبل اسْتِقْرَار الحُكم، أمَّا إذا اسْتَقَرَّ الحُكم، فَلَيْسَ للمُسْلِمِ أنْ يَخْتَار؛ إنَّما يجبُ عليهِ أنْ يعمل بالقولِ الرَّاجِح، فإنْ كان مِمَّنْ يَسْتَطِيع الوُصُول إلى القولِ الرَّاجِحْ بِدَلِيلِهِ بِنَفْسِهِ؛ تَعَيَّنَ عليهِ، وإلاَّ فعليهِ أنْ يَسْأَلْ ويختار أهل العلم مع الدِّينِ والوَرَعْ ، لا(1/2)
بُدَّ من توافُرِ ثلاثة أُمُور:
وليْسَ في فَتْوَاهُ مُفْتٍ مُتَّبَعْ ... مَا لَمْ يُضِفْ للعِلْمِ والدِّينِ الوَرَعْ
إذا أفْتَاك من تبرأ ذمَّتُك بتقلِيدِهِ الحمدُ لله، لا أحد سيقول لك الْزِمْ نفسك بأشَدِّ الأقوال في كُلِّ مسألة – لا - ، المسألة راجِح ومَرْجُوحْ، فَعَليكَ أنْ تَعْمَل بالرَّاجِحْ سَواءً ألْزَمَكَ أوْ أَعْفَاكْ، وعلى كُلِّ مُسْلِم أنْ يَعْمَلْ بالقولِ الرَّاجِحْ، سَواءً كان مِنْ أهلِ النَّظر في المسائل العِلْمِيَّة بحيث يَصِلْ إلى القولِ الرَّاجحْ بِنفْسِهِ، هذا يَتَعَيَّنْ عليهِ، أوْ كان من فَرْضُهُ التَّقليد، عليهِ أنْ يَسْأل أهل العلم المَوْثُوقِينْ، أهل العلم والتَّحَرِّي والتَّثَبُّتْ والوَرَعْ، لا يَبْحَثْ عن الرُّخَصْ وعن المُتَساهِلِين – لا – كونُ الدِّينْ يُسْر – نعم يسر – الحمدُ لله الدِّينْ يُسْر، ما أَلْزمنا بخمسين صلاة في اليوم واللَّيلة! يُسْر، ألْزَمنا خمس صلوات؛ لكن هل تستطيع أنْ تقول الدِّين يُسر وأنا لن أُصلِّي إلاَّ أربع صلوات؟! هل يُمكن أنْ يُقال مثل هذا الدِّين يُسْر؟ أبي أصلي فرض وأترُك فرض والدِّين يُسْر والله الحمد، نقول: لا يا أخي هل يُمكن أنْ يُقال الدِّين يُسْر بدل ما تُصلِّي أربع ركعات الظُّهُر تُصلِّي ثلاث؟! نقول: لا يا أخي، فبعضُ النَّاس يسمع بوصفِ الشَّريعة باليُسْر، هي يُسْر بلا شك؛ لكنْ إذا قَارَنَّا هذه الشَّريعة بغيرها من الشَّرائع؛ تَبَيَّن لنا يُسْر هذهِ الشَّرِيعة ((بُعِثْتُ بالحَنِيفِيَّة السَّمْحَة))، ((خمسُ صلوات كَتَبَهُنَّ الله في اليوم واللَّيلة، هُنَّ خمس، وهُنَّ خمسُون)) {لا يُبدَّلُ القولُ لَدَيَّ}، في العمل خمس، وفي الأجر خمسين، خمسُون صلاة؛ لكنْ هل يجُوز أنْ يَتَرَخَّص الإنسان في تَرْكِ شيءٍ من الخَمْسْ؟! بِنَاءً على أنَّ الدِّين يُسْر! أبداً، هل للإنسان مندُوحة على أنْ لا يَصُوم شهر رمضان لأنَّ الصِّيام فيهِ(1/3)
مَشَقَّة؟! نعم فيهِ مَشَقَّة، التَّكاليف كُلَّها فيها مَشَقَّة؛ لأنَّها على خِلافِ ما تَهْوَاهُ النُّفُوسْ ((والجَنَّةُ حُفَّتْ بالمَكَارِهْ)).(1/4)
مَنْ قَامَ مَعَ الإِمَام حتَّى يَنْصَرِفْ كُتِبَ لَهُ قِيَامُ لَيْلَة
الشيخ/ عبد الكريم الخضير
قِيَامُ رَمَضَان الذِّي جَاءَ الحَثُّ عليهِ ((مَنْ قَامَ رَمَضَانْ إيمَاناً واحْتِسَاباً غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ)) قِيَامُ رَمَضَان يَتِمُّ بِصَلاةِ التَّرَاويح عَلَى أنْ تَكُون مع الإِمَام من بِدَايَتِهِ إِلَى نِهَايَتِهِ، بِحَيْث لا يَنْصَرِفْ قَبْل الإِمَام ((مَنْ قَامَ مَعَ الإِمَام حتَّى يَنْصَرِفْ كُتِبَ لَهُ قِيَامُ لَيْلَة)) يُكْتَبْ لَهُ قِيَامُ هَذِهِ اللَّيْلَة، إِذَا افْتَرَضْنَا أنَّ المَسْجِد فِيهِ أَكْثَر مِنْ إِمَام، وقَالَ قَائِل مَثَلاً فِي الحَرَم، فِي الحَرَمِينْ الشَّرِيفَيْن أَكْثَر مِنْ إِمَام، صَلَّى مَعَ الإِمَامْ الأَوَّلْ وانْصَرَفْ، قال: صَلَّيت مَعَ الإِمَام حتَّى يَنْتَهِي، نَقُول - لا - يا أَخِي حتَّى تَنْتَهِي صَلاة التَّرَاويح ويُفْرَغَ مِنْهَا بِوتْرِهَا، ونَقُول الإِمَامَانْ أَوْ الأَكْثَر مِنْ إِمَامَيْن حُكْمُهُم حُكْمُ الإِمَام الوَاحِد؛ لأنَّ الصَّلاة واحدة، والمُفْتَرَض أنْ يَتَوَلَّاهَا إِمَامٌ وَاحِد، فَلَوْ حَصَلَتْ المُعَاقَبَة فالصَّلاة واحِدَة؛ لأنَّ بَعْض النَّاس صَاحِب مِزَاج يَرْتَاح لِفُلانْ ولا يَرْتَاح لِفُلان، يُصَلِّي وَرَاء فُلان ولا يُصَلِّي وَرَاء فُلان، ويقُول صَلَّيْت مَعَ الإِمَام حتَّى انْصَرَفْ، فَنَقُول – لا - يا أَخِي الصَّلاة واحِدَة لا يَتِمُّ مَا رُتِّبَ عَلَيها إِلَّا بِتَمَامِهَا، فَلا تَنْصَرِفْ إِلَّا بَعْد انْقِضَاءِ الصَّلاة، لا يَنْصَرِفْ حتَّى يَنْصَرِف الإِمَام، طيِّب الإِمَام يُوتِر في أوَّل اللَّيْل وجَاءَ قَوْلُهُ عليهِ الصَّلاةُ والسَّلام: ((اجْعَلُوا آخِر صَلاتِكُم بِاللَّيْلِ وِتْراً))، يَقُول أَنَا أَريد أنْ أُوتِر آخِر اللَّيْل، وأنْصَرِف قَبْل الإِمَام، نَقُول لا يُكْتَبْ لك(1/1)
قِيَام لَيْل حتَّى يَنْصَرِف الإِمَام...مَاذَا يَصْنَع؟ يُوتِر مَعَ الإِمَام وَيَشْفَع الوِتْر؟ أوْ يُصَلِّي مَعَ الإِمَام ويُوتِر مَعَهُ ويُسَلِّم مَعَهُ؛ لِأنَّ الأَقْوَال ثَلاثَة فِي المَسْأَلَة، ثُمَّ إِذَا تَيَسَّر لَهُ أنْ يَقُوم مِنْ آخِر اللَّيْل يُصَلِّي رَكعة تَشْفَعْ لَهُ ما أَوْتَر، ثُمَّ يَجْعَل آخِر صَلاتِهِ باللَّيل وتر، أو يُصَلِّي شَفِعْ مَثْنَى مَثْنى إِلَى أنْ يَطْلُعَ الفَجْر وَوِتْرُهُ انْتَهَى الذِّي أَوْتَرَهُ مَعَ الإِمَام، أمَّا كَوْنُهُ يُصَلِّي رَكْعَة إِذَا قَامَ من اللَّيل تَشْفَع لهُ مَا أَوْتَر، وقَد جَاء قَوْلُهُ -عليهِ الصَّلاةُ والسَّلام-: ((لَا وِتْرَانِ فِي لَيْلَة)) نقُول هَذَا أَوْتَر ثَلاث مَرَّاتْ، وهذا لَيْسَ بِشَرْعِي، كَوْنُهُ يُصَلِّي بَعْدَ الإِمَام، يَعْنِي إِذَا سَلَّم الإِمَام قَام وجَاءَ بِرَكْعَة، هَذا مَا فِيه إِشْكَال، تَشْفَعْ لَهُ وِتْرُهُ ، ويَكُون وِتْرُهُ فِي آخِر اللَّيل، وبِهَذا قَالَ جَمْعٌ مِنْ أَهْلِ العِلْم، ومِنْهُم مَنْ قَال يَنْصَرِفْ مَعَ الإِمَام وإِذَا تَيَسَّرَ لَهُ القِيَام يُصَلِّي؛ لَكِنْ يُصَلِّي مَثْنَى مَثْنى، ولا يُعِيدْ الوِتِر؛ لِأَنَّهُ أَوْتَر، والصَّلاة بَعْد الوِتْر لَا شَيْءَ فِيهَا، بِدَلِيل أنَّ النَّبِي -عَليهِ الصَّلاةُ والسَّلام- إِذَا سَلَّمَ مِنْ وِتْرِهِ صَلَّى رَكْعَتينْ، فَدَلَّ عَلَى أنَّ قَوْلُهُ -عليهِ الصَّلاةُ والسَّلام-: ((اجْعَلُوا آخِر صَلاتِكُم بِاللَّيْلِ وِتْراً)) أَمْر إِرْشَاد، وأنَّ هَذَا أَوْلَى، وأَنَّهُ لَيْسَ بِإِلْزَام بِدَلِيل أَنَّهُ كان يُصَلِّي بَعْد الوِتِر، يُصَلِّي رَكْعَتينْ خَفِيفَتِينْ، فَإِذَا صَلَّى مَعَ الإِمَام التَّرَاويح ، وسَلَّمَ مَعَهُ فَإِنْ تَيَسَّرَ لَهُ أنْ يَقُوم ويُصَلِّي فِي آخِر اللَّيْل الذِّي هُو أَفْضَل يُصَلِّي مَثْنَى مَثْنى،(1/2)
قَدْ يقُولْ قَائِلْ: لِمَاذا لَا أَتْرُك الصَّلاة مَعَ الإِمَام؛ لِأَنَّ عُمَر يقُول: ((نِعْمَت البِدْعَة هذِهِ، والتِّي يَنَامُونَ عَنْهَا أَفْضَل))، فَأَنَا أَرِيد أنْ أَفْعَل الأَفْضَل، وبَدَلْ مَا يُصَلِّي الإِمَام أوَّل اللِّيل، ويَقْرأ فِي صَلاتِهِ كُلِّها نِصْفْ جُزْء، أنا أُصَلِّي آخِر اللِّيل بَدَلْ مَا يَنْتَهِي الإِمَام مِنْ صَلاتِهِ فِي أَقَلْ مِن سَاعَة، أنا أُصَلِّي آخِر اللِّيل ثَلاث سَاعَات، وأَقرأ أَرْبَعة أَجْزَاء، لَهُ ذلك، وإِنَّمَا صَلاةُ التَّرَاويح مِنْ أَجْلِ بَعْثِ الهِمَّة والنَّشَاطْ؛ لِأَنَّ بَعْضَ النَّاس إِذَا لَمْ يُصَلِّ مَعَ النَّاس، يَرَى النَّاس عَنْ يَمِينِهِ و شِمِالِهِ يَتَشَجَّعْ ويَنْشَطْ.
إِنَّ التَّرَاوحَ رَاحَةٌ ونَشَـ ... ـاطُ كُلِّ عُوَيْجِزٍ كَسْلانِ(1/3)
يَتَشَجَّعْ الإِنْسَان إِذَا صَلَّى مَعَ النَّاس، كما أنَّهُ يَتَشَجَّع إِذَا صَامَ مَعَ النَّاس، لِذَا تَجِد قَضَاء رَمَضَان مِنْ أَثْقَل الأُمُور عَلَى النَّفْس لاسِيَّمَا الذِّي مَا تَعَوَّد الصِّيَام؛ لَكِنْ مَعَ النَّاسْ فِي رَمَضَانْ يَصُوم وخَفِيفٌ عَلَيهِ الصِّيَام؛ لِأَنَّهُ يَرَى النَّاس صَائِمين فَيَصُومُ مَعَهُم، إِذَا كَانَ يَأْوِي إِلَى صَلاةٍ أَتَمُّ مِنْ صَلاتِهِ مَعَ الإِمَام، وارْتَفَعَتْ مَنْزِلَتَهُ عَنْ أَنْ يُتَّهَمْ بِأَنَّهُ لا يُصَلِّي، ويَقَع النَّاس فِي عِرْضِهِ فَلَهُ ذَلِك، وكانَ كَثِيرٌ مِنَ السَّلَف يُصَلِّي قِيَام رَمَضَانْ فِي آخِر اللَّيل وَحْدَهُ، وعَلَى كُلِّ حَال لا يَكُون هَذَا ذَرِيعَة لِتَرْكِ التَّرَاويح؛ لِأَنَّ بَعْضَ النَّاس يَنْشَط مَعَ النَّاس؛ لَكِنْ إِذَا جَاء فِي آخِر اللَّيل، قال نُوتِر بِأَيِّ شَيْء، والقِيَام يَصْدُقْ عَلَى أَقَل شَيْء، نَقُول مثل هذا يُصَلِّي مَعَ النَّاس، ولا يُفَرِّط فِي مِثْل هذا الوَعْد الذِّي جَاء، والفَضْل مِنَ الله -جلَّ وعَلا-: ((أنَّ مَنْ قَامَ مَعَ الإِمَام حتَّى يَنْصَرِفْ كُتِبَ لَهُ قِيَامُ لَيْلَة)) لا يُفَرِّط بِمِثْلِ هذا إِلَّا إِذَا كانَ عَلَى يَقِينٍ مِنْ أَمْرِهِ أَنَّهُ يُصَلِّي صَلاة أَكْمَل مِنْهَا، ولا يَضُرُّهُ أنْ يُصَلِّي مَعَ الإِمَام مُدَّة يَسِيرَة مَا تُكَلِّفْ شَيْء ثُمَّ إِذَا قَامَ مِنَ اللَّيْل يَزِيد مَا شَاءْ.(1/4)
مَنْ مَاتَ على شيء بُعِثَ عليهِ
الشيخ/ عبد الكريم الخضير
وحَدَّثَنِيه عمرو النَّاقد ((فمَنْ مَاتَ على شيء بُعِثَ عليهِ)) ويُنْتَبَه لهذا يا الأخوان مَنْ مَاتَ على شيء بُعِثَ عليهِ، قبل بضع سنوات شخصٌ كبير السِّن عاش دهراً طويلاً يُقرئ النَّاس القُرآن، ثُمَّ تَعِبَ عن إقراء النَّاس القرآن فَلَزِمَ المُصْحَفْ يَقْرَأ، فمات -رحمة الله عليه- ورأسُهُ في المُصحف يَنْتَظِر شُرُوق الشَّمس؛ لأنَّهُ اعتاد هذا، من عَاشْ على شيء مات عليه، ومن مَات على شيء بُعِثَ عليهِ؛ فلنحرص على مثل هذا؛ لتكُون الخاتمة مُشَرِّفَة.(1/1)
مَنْهَجْ لِتَدَبُّرْ القُرآن
الشيخ/ عبد الكريم الخضير
كيف يكون المَنْهَجْ لِتَدَبُّرْ القُرآن؟
المنهج تبدأ بقراءة القرآن آية آيَة، ثُمَّ ترجع إلى هذهِ الآية كلمة كَلِمة، وما يُشْكِل عليكَ معناهُ من الألفاظ تبحث عنهُ في كتب التَّفاسير الموثُوقة، أو في كُتب غريب القرآن؛ لأنَّها أخصر وتصل إليها بسُهُولة، وهُناك كتاب في غريب القرآن لطيف الحجم، كبير القدر عند أهل العلم، اسمُهُ غريب القرآن أو نُزهة القلوب في غريب القرآن لابن عُزيْز السجستاني، وغريب القرآن لابن قتيبة وغيره كتب كثيرة في غريب القرآن، فعليك أوَّلاً أنْ تُحلِّل ما يُشْكِل عليكَ معناهُ تحليلاً لفظِيًّا؛ لتفهم المعنى، ثُمَّ بعد ذلك الآية كاملة تنظر في معانيها في كتب التَّفسير الموثُوقة.(1/1)
مُحَاسَبَةُ النَّفس
الشيخ/ عبد الكريم الخضير
وحيثُ كان من النَّهيِ اجتَنِبهُ وإن ... زَلَلتَ؛ تُب مِنهُ، واستَغفِر مع النَّدَمِ
((...فإذا نَهَيتُكُم عن شيءٍ فاجتَنِبُوهُ))، وحيثُ كان من النَّهيِ اجتَنِبهُ يعني من غير مَثنَوِيَّة، أمَّا الأمر ((فإذا أمرتكم بأمر فاءتُوا منه ما استطعتم)) وإن زَلَلتَ وَقَعتَ في محظُور وتَرَكتَ مَأمُور؛ تُب منهُ، بَادِر بالتَّوبة، التَّوبة واجِبَة بشرُوطها {وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ} [(31) سورة النور] تُب مِنهُ، واستَغفِر مع النَّدَمِ، أَلزِم لِسَانَكَ الاستِغفَار، مع النَّدَم مِن فِعلِ هذهِ المُخالفة سَواءً كانت في تَركِ مأمُور أو فِعلِ مَحظُور، وَأَوقِف النَّفس عند الأمرِ هل فَعَلَت، يعني مُحاسبة، مُراقبة، إذا أَوَيتَ إلى فِراشك، انظُر ماذا فَعَلت، وماذا تَرَكت، مَا فَعَلتَ من طَاعة؛ فاحمَد الله -جلَّ وعلا- على أن وَفَّقَكَ عليها، ومَا فَعَلتَ من مُخالفة سواءً كانت في كلامٍ أو قول، أو تقصير في فعل تُب إلى الله بادر حاسب نفسك قبل أن تُحاسب {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنظُرْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ لِغَدٍ} [(18) سورة الحشر] ما قدَّمت ليوم العرض على الله -جلَّ وعلا-، وإن زَلَلتَ؛ تُب مِنهُ، واستَغفِر مع النَّدَمِ.
وَأَوقِف النَّفس عند الأمرِ هل فَعَلَت ... والنَّهيِ هَل نَزَعَت عَن مُوجب النَّقَمِ!(1/1)
يعني حاسِب النَّفس هل فعلت المأمُور وتَرَكَت المحظور؛ لكن واقِعُنا! يُثقِلُ علينا المُحاسبة... لماذا؟! لأنَّ تَصَرُّفاتنا في يومنا وفي ليلتنا كثيرة! والمُخالفات كثيرة، والله يعفو ويسامح، فإذا أرادَ أن يُحاسب... كيف يُحاسب؟! لا يُحِيط بما قال! فضلًا عَمَّا فعل! أقوالُهُ لا يستطيع أن يُحيط بها، كلامُهُ كثير، تَجِد الإنسان ثرثار! في أي مجلس يَتَصَدَّر ويتكلم بِحقّ وباطل ومُباح ومحظُور وفي غيبة ونميمة وقد يقول كلمة حق، ثُمَّ بعد ذلك يُردِفُهُ... كلام كثير! يعني ما يُمكن إلاَّ إنك تجِيب لك مُسجِّل يصحبك ليلك ونهارك! فإذا أويت إلى فِراشِك تسمع هذا المسجِّل! فتكون مُدَّة التَّسجيل أكثر من وقت النُّوم! هذا واقع كثير من المُسلمين، هذا الذِّي يُثقِل المُراقبة! لكن عند سلف هذه الأُمَّة الذِّينَ يُراقِبُون ((أن تعبُدَ الله كأنَّكَ تراهُ)) هذهِ منزلَة المُراقبة؛ لأنَّ أقوالَهُم قليلة، وخُلطَتُهُم يسيرة، وأَضَرُّ شيءٍ على الإنسان الخُلطَة، هي التِّي تَجُرُّ لها الأقوال والكلام؛ لأنَّهُ لا يُمكن أن يُخالط النَّاس ويسكت! لكن لو انزَوى في بيتِهِ أو في مَسجِدِهِ أو في مَكتَبَتِهِ، وجَلَس يقرأ القرآن، ويذكر الله -جلَّ وعلا-، ويَنظُر في كتب العلم، وإذا نَشِط صَلَّى لهُ ركعتين وما أشبه ذلك؛ هذا مُرَاقَبَتُهُ ومُحاسَبَتُهُ سَهلَة؛ لأنَّ الكلمات التِّي تَكَلَّم بها مع النَّاس يسيرة ومَعدُودَة، ووقت الفراغ عندَهُ بعد شَغلِ عُمُرِهِ وأَنفَاسِهِ في طاعةِ الله، وقت فَرَاغُهُ يسير؛ لكن ماذا عَمَّن وَقتُهُ كُلُّهُ يَجُوبُ الأسواق يَمِيناً وشِمَالاً، واجتماعات، ومحافل، وما أدري ويش..(1/2)
يعني هذا لا شَكَّ أنَّ المُراقبة عِندَهُ صعبة، يعني كمن يأتِي إلى مُؤَسَّسَةٍ كُبرَى مُتَعَدِّدَةِ المَنَاشِط والفُرُوع، ثُمَّ يقول: والله أنا مُحاسب لهذهِ الشَّركة، كيف تحاسب من هذه الشركة؟! لكن شخص عندَهُ مَحَلّ، ويَبِيع مِنهُ أشياء يسيرة يعرف وش باع وش اشترى وكذا... يستطيع أن يستخرج خُلاصة يومِيَّة بنفِسِهِ ما يحتاج إلى مُحاسِبِين، واللهُ المُستَعَان.
وَأَوقِف النَّفس عند الأمرِ هل فَعَلَت ... والنَّهيِ هَل نَزَعَت عَن مُوجب النَّقَمِ!
فإن زَكَت؛ فاحمَد المَولَى مُطَهِّرَها ... .........................
الذِّي طَهَّرَها وزَكَّاها هو الله -جَلَّ وعَلَا-، وهُو المُنعِم المُتَفَضِّل أوَّلًا وآخِرًا، وهو أهلُ الحَمد، وأهلُ الشُّكر.
................................ ... ونِعمَةُ اللهِ بالشُّكرَانِ فاستَدِمِ
{لَئِن شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِن كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ} [(7) سورة إبراهيم] ونِعمَةُ اللهِ بالشُّكرَانِ؛ فاستَدِمِ.
وإن عَصَت فاعصِها واعلَم عَدَاوَتَها ... ..................................
يعني النَّفس إن عَصَت أو حَاولَت ورَاوَدَت الوُقُوع في مَعصِيَة؛ فاعصِها، واعلَم عَدَاوَتَها – نعم – النَّفس عَدُوّ للإنسان، نفسُهُ التِّي بينَ جَنبَيه عَدُوَّةٌ لهُ ، تَدعُوهُ إلى ما لا يُرضِي الله -جَلَّ وعلا-.
وخَالِف النَّفسَ والشَّيطان؛ واعصِهِما ... وإن هُما مَحَضَاكَ النُّصحَ؛ فاتَّهِمِ
يعني هذا البيت حقّ، وإن كانَ في القصيدة فيها باطل كثير – نعم –...
وخَالِف النَّفسَ والشَّيطان؛ واعصِهِما ... وإن هُما مَحَضَاكَ النُّصحَ؛ فاتَّهِمِ
هذا كلام صحيح ومقبُول، والقَصِيدة فيها كما هو معلُوم فيها الشِّرك – نسأل الله العافية – أعنِي البُردة.
وإن عَصَت فاعصِها واعلَم عَدَاوَتَها ... وحَذِّرَنها........................
حَذِّر النَّفس، وكُن باستمرار مُجاهِداً لهذِهِ النَّفس.
...................................(1/3)
... وحَذِّرَنها وُرُودَ المَورِدَ الوَخِمِ
{وَإِن مِّنكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا} [(71) سورة مريم] الوُرُود مَضمُون؛ لكن الصُّدُور من هذا الموعود هُو المَشكُوك فيهِ، وحَذِّرَنها وُرُودَ المَورِدَ الوَخِمِ..
وانظر مَخازِي المُسِيئينَ التي أُخَذُوا ... بِها وحَاذِر ذُنوبًا مِن عِقابِهِمِ
يعني هُم عُذِّبُوا، واستَحَقُّوا العذاب مِنَ الأُمَم السَّابقة واللَّاحِقة والمُعَاصِرَة؛ إنَّما عُذِّبُوا بِذُنُوبِهِم، بِما كَسَبَت أيدِيهِم، ولا تَفعَل مِثل ما فَعَلُوا؛ لِئَلَّا تَكُون نَتِيجَتِك مثل نَتِيجَتِهِم، والسُّنَن الإلَهِيَّة لا تَتَغَيَّر، ولا تَتَبَدَّل.(1/4)
مُشكلات في طريق العلم
الشيخ/ عبد الكريم الخضير
كثرة العلوم وتزاحمها، كثرة المؤلفات والمصنفات في الفن الواحد فضلاً عن العلوم المُتعدِّدة، طالب العلم عليهِ أنْ يبدأ بالمُهمّ فالمُهم.
وبالمُهِمّ المُهِم ابْدَأْ؛ لِتُدْرِكَهُ ... وقدِّم النَّصَّ والآراء فاتَّهِمِ
طالب العلم عليهِ أنْ يُرَتِّبْ وَقْتَهُ، ويُنَظِّم جدول يمشي عليه، يعني مثل ما يمشي على جدول في المدرسة السَّاعة الأُولى للتَّفسير، الثَّانية للحديث،، وهكذا...،(1/1)
يجعل عندهُ جدول وبرنامج يومي يسير عليه لا يُخِلُّ بِهِ، إذا رتَّب جدوله ومشى على الجادَّة التي رسمها أهل العلم، فإنَّ الطَّريق يكُونُ سهلاً مُيَسَّراً بإذنِ اللهِ -جَلَّ وعلا-، فبإمكانِهِ إذا صلَّى الصّبح، وجَلَسَ في مُصَلَّاهُ يحفظ القرآن، ويُراجع عليهِ بعض المراجع المُختصرة فيما يُشْكِلُ عليهِ إلى أنْ تطلع الشَّمس هذا وقت القرآن، ثُمَّ بعد ذلك إذا طَلَعَتْ الشَّمس إنْ كان طالباً في الدِّراسة النِّظاميَّة، وإنْ كان بعضُهُم ينتقد كلمة نِظامِيَّة؛ لأنَّهُ يفهم من أنَّنا إذا قُلنا دراسة نِظاميَّة يعني الدِّراسة المُرتَّبة مِنْ قِبَل الدَّولة، يفهمُ من ذلك أنَّ الدِّراسة في المساجد دراسة فَوْضَوِيَّة!! إذا قُلنا هذهِ نظامِيَّة فالدِّراسات كُلُّها غير الدِّراسة هذهِ تكون فَوْضَوِيَّة!! هذا الكلام ليس بصحيح، المُراد بالدِّراسة النِّظاميَّة التِّي تُنَظِّمُها الجِهات المَسْؤُولة؛ لعُمُوم النَّاس، إذا طلعت الشَّمس ذهب إلى عمله إن كان مُوَظَّفاً، أو إلى دِراسَتِهِ إنْ كانَ طالباً أو مُعَلِّماً، وإذا انتهى مما أُنيطَ بِهِ وكُلِّفَ بِهِ، فإنَّهُ يعُودُ بعد ذلك؛ لِيَرْتَاحْ، يتناول الغداء ويرتاح إلى العصر، فإذا صلَّى العصر قَسَمَهُ قِسْمَيْن، قِسم الذِّي هو بعد الصَّلاة مُباشرةً للحديث، والقسْم الثَّاني لكتب العقيدة الصَّحيحة، وبعد المغرب ينظُر في كُتب الأحكام الفقه من الحلال والحرام، وبعد العِشَاء يُكْمِلْ تحصِيلَهُ العلميّ في الكُتب المُعينة على فهم النُّصُوص التِّي يُسمِّيها أهلُ العلم كُتب الآلة، هذا منْ أارادَ أنْ يُكمل ما تَعَلَّمَهُ على الشُّيُوخ، أمَّا في وقت الطَّلب عند الشُّيُوخ فإنَّهُ يَتَتَبَّع الإعلانات وجدَاول المشايخ، ويَلْتَحِقْ بالدُّرُوس التِّي تُناسِبُ مُسْتَواهُ، وقَدْ يَعْتَرِضُهُ مُشكلة، وهي في عصرِنا ظَاهِرة؛ بل هي مُعْضِلة! طالب علم حَرِيصْ جَاءَ إلى الرِّياض(1/2)
مثلاً؛ ليطلُب العلم في كُلِّيَّة الشَّريعة، وعندَهُ آمال وتخطيط ليكُون عالم أُمَّة، ثُمَّ يُفاجَأْ أنَّهُ لا يجد درس يُناسِبُهُ في مُسْتَواه!! فيه مُتُونْ تُشْرَح من عددٍ كافِ من أهل العلم؛ ولكنْ مع ذلك إذا جاء إلى كتاب التَّوحيد إذا بالكتاب يُقَارِب النِّهاية، ثُمّ جاء إلى عُمْدَة الأحكام إذا هُم في مُنْتَصَفِهِ! إذا جاء عند شيخ عندهُ زاد المُستقنع إذا هو قطع منهُ مرحلة كبيرة، مثل هذا لا شكَّ أنَّهُ يُحبط وينصدم ويُريد أنْ يبدأ بالكتب التِّي تُناسبهُ من البداية، ثُمَّ يبحث فلا يجد!! الشُّيُوخ ما عندهم استعداد إنُّهُ كل ما جاء طالب يبدؤُون معهُ من البداية، وهذهِ مُشكلة لا بُدَّ لها من حلَّ! فمثل هذهِ يُكْمِلُها ويبدأ بالكتاب المُناسب لهُ عند هذا الشيخ، ويأخُذ النِّصف الأوَّل الذِّي فُرِغَ منهُ بواسطة الأشرطة، يكُون معهُ المتن، ويَسْمَع الشَّريط، ويُكَرِّرْ ويُرَدِّدْ، ويُفَرِّغ من هذا الشَّرِيط ما يَحْتَاجُهُ من شرح وبيان لِجُمل الكِتاب، ويُدَوِّنْ ما يُشْكِلْ عليهِ على طَرِيقة السُّؤال، ثُمَّ يُلْقِيهِ على الشيخ فيسْأَلُهُ، وبهذا يُكْمِلْ ما فَاتَهُ، وإلاَّ فكثير من طُلَّاب العلم يُصَاب بصدمة حينما يأتي يُريد أنْ يَلْتَحِق بدُرُوس الشُّيُوخ، ثُمَّ يُفَاجَأْ أنَّهُ ما فيه ولا كتاب من البداية! ومن المشاكل التِّي يُعاني منها الشَّباب في حُضُور الدُّرُوس هذه مُشكلة كبيرة ومُدَّةُ إقامتِهِ في بلد الدِّراسة أربع سنوات، تجد بعض الكتب تحتاج إلى اثنا عشر سنة! ماذا يصنع طالب العلم؟! إذا حضر أربع سنوات ماذا عن البقيَّة؟! نقول: يُكْمِلْ أيضاً بواسطة الأشرطة على ما تقدَّم؛ لأنَّ ما لا يُدْرَكْ كُلُّهُ لا يُتْرَك جُلُّهُ؛ لأنَّ التَّرك ليسَ بِحَل؛ إنَّما عليهِ أنْ يَصْبِرْ، ويُصَابر، ويُثَابِرْ، ويَسْتَكْمِلْ ما فَاتَهُ بالطُّرُق المُناسبة.(1/3)
مُعاناة العلم - الحث على لزوم ركب العلماء
الشيخ/ عبد الكريم الخضير
أنا أضرب مثال لمن يستعمل هذه الآلات ومن يعاني العلم من أبوابه، شخص مر بطريق شارع تجاري فيه تنبيهات ولوحات ومحلات أشياء مكتوبة كثيرة ألوف مُؤلفة، تصوّر لو مَرّ هذا من هذا الشارع على سيارة تمشي مئة كيلو في السَّاعة ماذا سيحفظ من هذه اللوحات؟! والمثال تقريبي؟ الظَّاهر ما يحفظ ولا واحد بالمائه؛ لكن لو كان يمشي على رجليه ويتلفت ويناظر يحفظ الكثير، وهذا مثل من يقرأ ومثل من يطَّلِع على هذه الآلات! هذا مثال مَحْسُوس، ولا أستبعد أنْ يقول قائل الناس وصلوا ما وصلوا وأنتم تقولون انسخوا واقرؤوا إلى متى؟!؛ لكن ثِقُوا ثِقَة تامَّة أنَّ العِلم في الكُتُب، العِلم مَتِين ويَحْتَاج إلى مُعاناة، ويَحتاج أيضًا إلى تَرَدُّد على الشُّيُوخ أهل الخِبرة أهل الدِّرَاية أهل العِلم والعَمَل، مع المُراجعة بالانْفِراد، والمُذاكرة مع الغير أمّا شخص يحضر الدُّرُوس، وإذا رَجَع من الدَّرس هذا آخر عَهْدِهِ بالكتاب، فمثل هذا لا يُفلح غالبًا كما قَرَّر ذلك أهل العِلم، فعلينا أنْ نَعْتَني بالعِلم، وأَجْرُهُ عظيم، لا تَظُنّ أنَّ تَعَبك على العِلم سُدى أو هَدْر- لا - ((من سلك طريقا يلتمس فيه علمًا سهَّل الله لهُ بهِ طريقًا إلى الجنَّة)) الأمر ليس باليسير، قد يقول قائل: أنا الحافظة لا تسعف، الفهم ضعيف، أنا مُجرد تردد على أهل العلم ولا أفهم ولا أحفظ، نقول: تَرَدَّد يا أخي الأجر والثَّواب مُرَتَّب على مُجَرد سُلُوك الطَّريق ((من سلك طريقا يلتمس فيه علمًا سهَّل الله لهُ بهِ طريقًا إلى الجنَّة))، فعليك أنْ تَسْلُك الطَّريق، وتُحَضِّر الدرس قبل الحضور، قبل حضورك إلى الدرس تقرأ قبل أن تحضر، وتحفظ ما يحتاج إلى حفظهِ، وتُرَاجع الشُّرُوح شرح ما تُريد، شرح الدرس الذي تريده أن تحضره عند ذلك الشيخ، ثم بعد ذلك تحضر، وتَتَأَدَّب، وتحتسب أجرك عند الله -عزَّ وجل-(1/1)
مُخْلِصًا لله -عزَّ وجل- في جميع ذلك، فَالمَدَار على الإخلاص، فَتَنْصُت للشيخ، وتُناقش الشيخ بِأَدَب، ثُمّ بعد ذلك إذا رَجعت تُراجع ما سَمِعت، وتُدَوِّن الفَوائد، وبعض أهل العِلم يَمْنَع من تَدْوين الفَوائِد أثْنَاء الدَّرس، يقول: انْتَبِه في الدَّرس، عليك أنْ تُصْغِي للشيخ، ثُم بعد ذلك إذا انْصَرَفْت بعد هذا الإصْغَاء والانْتِبَاه دَوِّنْ ما تشاء، ومَنْ جَرَّبْ عَرَفَ صِدْق هذِهِ المَقَالَة؛ لأنَّ بعض النَّاس يَنْشَغِل بالتَّدوين، ويفوت عليه أمور كثيرة، وبعض النَّاس ينصت ويهتم ويُلِح على الله -سُبحانه وتعالى- بأن يُثَبِّتْ هذا العِلم فِي ذِهْنِهِ، وأنْ يَنْفَعُهُ بِهِ، ثم بعد ذلك إذا انصرف دون ما فهمه وما علق بذهنِهِ، وذَاكر إخوانه، لا بد من مُذَاكرة الإخوان في الدُّرُوس، وهذا الكلام ليس خاصًّا بالسُّنَّة، هذا لِجَميع العُلوم، إِذَا أَرَدْتَ أنْ تحضر درسًا في التَّفسير، وتعرف طريقة الشيخ أنَّهُ في اليوم يشرح آيتين ثلاث، عليكَ أنْ تَحْفَظ هاتين الآيتين أو الثلاث، ثم تقرأ في كلام أهل العلم المَوْثُوقِين ما يُعِينك على فهم هاتين الآيتين أو الثلاث، ثم بعد ذلك تذهب إلى الشيخ، وتستفيد ما يزيده الشيخ على ما قرأت، ثم بعد ذلك تُذاكر مع إخوانك وزُملائك في الدَّرس، وكُل واحد يزيد ممَّا أَعْطَاهُ الله من العِلم على صاحبه، وبهذا يَتَمَكَّن الطَّالب من التَّحصيل، والشيخ عبد القادر بن بدران في كتاب المَدْخَل قال: إنهم يحضرون عند شيخ درساً في الفقه، ويقول: إننا نجتمع خمسة ستة من الأقران قبل الدرس، فنقرأ الدرس جميعاً، ثم نحفظ القدر الذي قرأناه، والذي نتوقع أن الشيخ لا يزيد عليه، ثم بعد ذلك قبل الإطلاع على الشروح كل واحد منَّا يأخذ ورقة وقلم ويَشْرَح هذا المقرُوء المحفُوظ بفهمِهِ، يَشْرَح من تِلْقَاء نفسه، قبل الإطلاع على الشُّرُوح علشان إيش؟! علشان إذا أخطأ في شرحِهِ، ثم قرأ الشرح وتداوله(1/2)
الزُّملاء؛ فإنه حينئذ يثبت العلم بهذه الطريقة، يقول: نشرح القدر المُراد، ثم بعد ذلك نراجع الشروح، فما كان من خطأ نصوبه ونسدده، ثم بعد الشروح نُطالع ما كُتب عليها من حواشي، ثم بعد ذلكم نذهب إلى الشيخ؛ لنستفيد من علمه ما لا يوجد في الكتب، وعند الشيوخ ما لا يوجد في الكتب مما أعطاه الله من العلوم قدحها بزنده أو استفادها من كتب ليست مظنة لها بإطلاعه؛ ولذا لا يُتَصَوَّر أنْ يَسْتَغْنِي الطَّالِب عن المُعلِّم أبداً، في البُلدَان التي لا يُوجد فيها أحد من أهل العلم، يقال: استفد بقدر الإمكان، اسْتَفِد من الأشرطة، اسْتَفِد من الإنترنت، اسْتَفِد من الإذاعات التي تَبُثُّ العُلوم لا بأس؛ لأنها لحالة ضرورة؛ لكن البُلدَان التي فيها عُلماء! مثل هذه البلاد المُبَاركة وفيها من أهل العلم والعمل من فيها، نقول: هذه الآلات وهذه الأشرطة مهما بلغت من الصِّحَّة والضَّبْط والإتقان لا تُغْنِي عن مُزَاحَمَة الشيوخ، وهذا الكلام يصلح لجميع العلوم.(1/3)
مِمَّا يَحُزُّ بالنَّفْس ؛ جَلَدُ الفَاجِر وضَعْفُ المُؤْمِن
الشيخ/ عبد الكريم الخضير
زراعة النَّخيل تحتاج إلى أمدٍ طويل؛ فإذا لمْ يَبْقَ عليهِ إلاَّ الشَّيء اليَسِير؛ ترك! يقول: أنا مُنذُ خمس سنوات، وأنا أتْعَب على هذهِ النَّخيل، وفي النِّهاية لا شيء! ثُمَّ يَتْرُكُها! ولا شَكَّ أنَّ المَلَل والسَّآمَة مِمَّا جُبِلَ عليهِ الإنْسَانْ؛ لَكِنْ عليهِ أنْ يُثَابِرْ، ويَنْظُر إلى النَّتائج، وإذا نَظَرْنا في وَاقِع أهل الإصْلاَح مع أهل الإفْسَاد؛ وَجَدْنا الشَّيطان مِنْ وَرَاءِ أهلِ الإفْسَاد، ويُعِينهم، ويؤُزُّهم على ما هُم بِصَدَدِهِ، وتَجِدْ عندهُم الجَلَدْ والصَّبر، وهُم نسألُ الله العافية مَوُعُودُون بِنَارٍ تَلَظَّى؛ بينما أهلُ الخير إذا بَذَل أدْنَى سببٍ يسير، قال: ما فيهِ فايدة! اسْتَمِرّ يا أخي، وأَنْت تَتَعَامَلْ مع الرَّب -جلَّ وعلا-، فإذا نَظَرْنا جَلَد الفاجر وضَعف المُؤمن؛ لا شكَّ أنَّ هذا يَحُزُّ بالنَّفس، يا أخي أنتْ مَوْعُود جَنَّة عَرْضُها السَّماوات والأرض، وذاك موعُود بنارٍ تَلَظَّى، ومع ذلك يَصْبِر أكثر مِنْ صَبْرِك! {إِنْ تَكُونُوا تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمُونَ} [النِّساء/(104)]، يتعبُون وَرَاءَ مَا يُريدُون! ومع ذلك تَجِد طالب العلم أو المُسْلِمْ الخَيِّر الذِّي يَسْعَى في الإصْلَاح؛ تَجِدُهُ يَمَلّ، ويَيْأَس، ويُحْبَط؛ لكنْ لا يَأْس، إذا عَلِمَ اللهُ جَلَّ وعَلَا صِدْقَ النِّيَّة، وصِدْقَ العَزِيمَة والإخْلَاص؛ فَلَا شكَّ أنَّهُ يُعِين، ويَدْفَعْ من الشُّرُور بِقَدْرِ ما يَبْذُلُهُ الأخْيَار منْ هذهِ المُدَافَعَة، ولا يُعْنَى بالمُدَافَعَة أنْ تَكُون بِقُوَّة وبِغِلْظَة وبِفَضَاضَة، ونَحْنُ على الحَقّ، فلماذا نُعْطِي الدنية...(1/1)
لا، هذا ما هو بوقته، لا بُدّ أنْ تَكُون هذهِ المُدَافَعَة بِمَا يُحَقِّقُ المَصَالِح، ويَدْرَأُ المَفَاسِد.(1/2)
مِن أَعظَمِ المِنَن على المُسلِم
الشيخ عبد الكريم الخضير
{بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيكُم أَن هَدَاكُم لِلإِيمَانِ إِن كُنتُم صَادِقِينَ} [الحُجرات/ 17] في قولكم آمَنًّا، يعني مَن رُزِقَ هذهِ النِّعمة التِّي هي الإيمان، المِنَّة لمَن؟! المِنَّة لله -جلَّ وعلا-، فَمِن أَعظَمِ المِنَن على المُسلِم أن يَكُونَ من المُؤمِنين، المُصَدِّقِين، المُعتَقِدِين، الجَازِمِينَ باعتِقَادِهِم، العَامِلِينَ بِمُقتَضَى هذا الاعتِقَاد؛ هذا مِن أعظَم المِنَن؛ وإلاَّ فِليَتَصَوَّر الإنسَان نفسَهُ بين أُولئك الكُفَّار، مَلَايين البَشَر، مَأوَاهُمُ النَّار – نسأل الله السَّلَامة والعَافِيَة – {إِنَّهُ مَن يُشرِك بِاللَّهِ فَقَد حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيهِ الجَنَّةَ} [المَائِدة/72] يعني بعض النَّاس يُسافِر إلى البُلدَان التي تكثُر فيها مظاهر الشِّرك، تَظهَر فيها مَظَاهِر الشِّرك! إن كانَ لهُ قلب ويَعتَبِر، ويَعضّ على إيمانِهِ بِنَوَاجِذِهِ؛ لأنَّهُ يَرَى أُنَاس يُشرِكُون! يَطُوفُون بِقُبُور مَثَلًا! هذا إن استَطَاعَ أن يُنكِر عليهم؛ وإلاَّ فلا يَجُوزُ لهُ أن يُسَافِر إلى هذهِ الأَمَاكِن! فعلى الإنسَان أن يَحمد الله -جَلَّ وعلا-، وأن يَلهَجَ بِشُكرِهِ في كُلِّ لحظة وفي كُلِّ نَفَس مِن أَنفَاسِهِ أَن هَدَاهُ للإيمَان، يعني إن كنتم صادِقين في قولكم آمَنًّا.(1/1)
بسم الله الرحمن الرحيم
مِنَح من الله -عز وجل-
الشيخ/ عبد الكريم الخضير
المصائب لا يتمناها الإنسان؛ لكن إذا مضى عليه وقت ولم يصب بشيء لا بد أن يفكر في نفسه؛ لأن هذه المصائب وهذه الفتن وهذه المحن هي في الواقع والحقيقة منح من الله -عز وجل-، يرتب عليها الأجور، ويرتب عليها رفع الدرجات إذا تجاوزها الإنسان، فالإنسان الذي لا يصاب بمرض، يمكث خمس سنوات عشر سنوات لم يصب بمرض، نعم عليه أن يحمد الله -عز وجل-، ولا يتمنى أن يمرض؛ لكن يفكر في نفسه، المؤمن كخامة الزرع عرضة لهذه الأمراض، بينما الكافر بالعكس يستوفي كل ما يستحقه في هذه الدنيا، ويوفر له العذاب يوم القيامة، بينما المؤمن ترد عليه هذه الفتن، ترد عليه هذه المصائب، تكفر ذنوبه تمحصه ترفع درجاته، فهي من نوع المصائب، فإذا لم يحصل للإنسان شيء طول عمره لا بد أن يفكر لماذا؟ الناس يصابون، الناس يبتلون، الناس يحصل لهم من الأجور ورفع الدرجات بسبب...، وأنا لماذا؟ لماذا صرت مشبهاً للكفار الذين لا يصابون؟ فلا شك أن مثل هذا لا بد أن يوجد تساءل.(1/1)
مِنْ غَرَائِبْ الاتِّفَاقْ !
الشيخ/ عبد الكريم الخضير
أطال ابن القيم -رحمهُ الله تعالى- في تقرير سدِّ الذَّرائع من تسعةٍ وتِسْعِينَ وجهاً عدد الأسماء الحُسنى -كما قال- في إعلام المُوقِّعِينْ ، ثُمَّ أتْبَعَ ذلك بالكلام على الحِيَل المُناقِضَة لسدِّ الذَّرائع في كلامٍ طويلٍ جدًّا يعني يزيد على ثلاثمائة صفحة، وكل طالب علم بحاجة في هذا الظَّرف الذِّي نَعِيشُهُ إلى مُراجعتِهِ في الجُزء الثَّالث من إعلام المُوقِّعِينْ صفحة مائة وتسعة عشر إلى آخر المُجلَّد وبداية الرَّابع.
ومن غرائب الاتِّفَاقْ أنَّهُ في الجُزْءِ الثَّالث صفحة مائة وتسعة عشر من الطَّبعة المُنِيرِيَّة المُكَوَّنة من أربعة، ومن طبعة الكُردي القديمة الثَّالث صفحة مائة وتسعة عشر وهي ثلاثة! والمُنيريَّة أربعة، وفي الثَّالث صفحة مائة وتسعة عشر! يعني هذا من غرائب الاتفاق، وهذا ما أظُنُّهُ يحصُل في كتابٍ وُزِّع تَوْزِيعْ يختلف في طبعةٍ عن طبعةٍ أُخرى، يعني هل تجد مثلًا في فتح الباري في الثَّالث صفحة مائة وعشرين من طبعة الحلبي مثلا سبعة عشر مُجلَّد، تَجِدُهُ في الثَّالث صفحة مائة وعشرين من طبعةٍ أُخْرَى من أكثر أو أقل ما يُمْكِن يصير هذا!؛ لكن طبعة مُنير أربعة مُجلَّداتْ، وطبْعة فرج الله الكُردي الذي معهُ حادي الأرواح ثلاثة مُجلَّدات، هذهِ أرْبَعة وهذهِ ثلاثة، وكلها يبدأ الموضوع من الجُزء الثَّالث صفحة مائة وتسعة عشر! لماذا؟! لأنَّ الثَّالث في طبعة الكردي عن مُجلَّدين.(1/1)
بسم الله الرحمن الرحيم
نصيحة للآباء
الشيخ العلامة/ عبد الكريم الخضير
من أُمِر بالصَّلاة وهو ابنُ سبعٍ مثلاً، أو أُكِّد في حقِّهِ الضَّرب ابن عشر فأكثر، هل يلزم إخراجُهُ إلى المسجد ليُصلِّي مع الجماعة أو يُؤدِّي الصلاة ولو في البيت؟ لاشكَّ أنَّ شأن غير المُكلَّف أقل من شأن المُكلَّف؛ لكن هل على الأب المأمُور بأمر ابنِهِ بالصَّلاة أو بضربِهِ على الصَّلاة أنْ يُخرِجَهُ إلى المسجد، عليه أنْ يُخرِجَهُ إلى المسجد، أو نقول: أنَّهُ مأمُور بأنْ يُصلِّي وأدُّوا الصَّلاة ولو في البيت؟(1/1)
البخاري -رحمه الله تعالى- يقول: "بابُ وُجوب صلاة الجماعة، وقال الحَسَن: إنْ مَنَعَتْهُ أُمُّهُ عن العِشاء في الجماعة شَفَقَةً عليه لمْ يُطِعها" هذا في إيش؟ لو مَنَعَتْهُ، ويحصُل من الأُمَّهات؛ بل من الآباء الشَّفقة على أولادهم في البرد الشَّديد، في الظَّلام مع السَّهر والتَّعب، يعني الآن إذا نُبِّه الطِّفل الصَّغير ابن سبع ابن ثمان ابن عشر لِصلاة الفجر وهو سَهران كُل الليل مع النَّاس نام قبل الفجر بنص ساعة، أو ساعة، يعني إلزامُهُ بصلاة الجماعة فيه مشقَّة كبيرة؛ لكنَّهُ من تمام الأمر، الأب مأمُورٌ بأنْ يأمر ابنهُ بالصَّلاة؛ لكنْ شأنُهُ أخف من شأنْ الكبير؛ لكنْ من تمام امتثال الأمر أنْ يُؤدِّي هذه الصَّلاة على أكمل وجه، ومن مُتطلَّبات هذه الصَّلاة أدَاؤُها بالجماعة، ولذا قال الحسن: "إنْ مَنَعَتْهُ أُمُّهُ عن العِشاء في الجماعة شَفَقَةً عليه لمْ يُطِعها" طيِّب لو خَشِيَت على الولد مثلاً؟ لو نفترض أنَّ المسألة مسألة كهرب واللِّيل أفضل من النَّهار، وأجسر من النهار، لا نفترض المسألة دين؛ لأنَّ الدِّين لأوَّل الزَّمان وآخِرِه، ما فيه كهرب ظلام، دفعت الولد وراء الباب وصكت دُونهُ الباب، رح صلِّ مع الجماعة، طيِّب يخاف الولد تأثم ولا ما تأثم؟ نعم، إذا كان الطَّريق مخوف تأثم؛ لكنْ لا يبعثُها الشَّفقة عليهِ بأنْ تَمْنَعُهُ مع أمْن الطَّريق وسلامتِهِ والقُدرة على الذَّهاب إلى المسجد والرُّجُوع من دُون ضرر، الآن بعض الآباء يقول: الولد يُصلِّي في البيت إلا إذا كُنت موجُود لماذا؟ يقول: لو طلع مع الباب حتَّى في النَّهار تَلقَّفُوه هالشباب ولا هم مأمونين؛ بل يُوجد من منعَ أولاده من الحُضُور إلى حلقات التَّحفيظ لهذا السَّبب، يقول: وهو رايح إلى الحلقة يُمسكونه الشباب، أولاد الجيران وعندهُم قنوات ودشوش وما أدري إيش؟ ماني ملزمه، نُحصِّل مُستحب ونُفرِّط بواجب ونرتكب مُحرَّم، وإذا خرج يبي يروحون(1/2)
به للبقالة ويمين ويسار أو يدخل عند فُلان وعلاَّن خله في البيت إنْ حفظ بالبيت و إلا بكيفه، هذه حُجَّة يقول بها كثير من النَّاس؛ لكنْ أيضاً لا تُفرِّط بأمرٍ أنت مُطالب بهِ شرعاً، تربيتُهُ التَّربية الحسنة، الصَّلاة مع الجماعة، حفظ قرآن، تعلُّم علم، يا أخي ابذل الأسباب لِئَنْ يَصِل إليه الخير مع عدم ارتكابِ أدْنَى محظُور.(1/3)
بسم الله الرحمن الرحيم
نصيحة وتوجيه للمبتدئين
الشيخ/ عبد الكريم الخضير
يقول ما هي نصيحتكم لطلاب العلم خصوصاً المبتدئين منهم؟
أصل العلوم كلها- كتاب الله -عز وجل- وسنة نبيه -عليه الصلاة والسلام-، فعلى طالب العلم أن يعتني بكتاب الله -عز وجل- قراءةً وحفظاً وفهماً وعملاً وتدبراً؛ فقراءة القرآن -كما يقول شيخ الإسلام- على الوجه المأمور به تورث الإنسان من العلم واليقين والبصيرة ما لا يدركه إلا من عمل مثل هذا العمل.
فتدبر القرآن إن رمت الهدى ... فالعلم تحت تدبر القرآنِ
ج
فعلى طالب العلم أن يعتني بكتاب الله -عز وجل- حفظاً وقراءةً وفهماً وعملاً، ويطالع عليه أقوال أهل العلم مما يوضحه من أقوال أهل العلم الموثوقين في عقيدتهم وسلامة قصدهم ومنهجهم، ثم يعتني بسنة نبيه -عليه الصلاة والسلام-، ولا ينسى ما يعينه على فهم الكتاب والسنة مما يسمى بعلوم الآلة، لكن جلّ الوقت والهم الأكبر للمقاصد، ولا ينسى الوسائل التي تعينه على فهم الكتاب والسنة.
فيعتني بكتاب الله -عز وجل- وسنة نبيه -عليه الصلاة والسلام- بالتدريج، فيتعلم على طريقة الصحابة -رضوان الله عليهم-، يتعلم العشر الآيات فيقرؤها قراءة صحيحة ويحفظها، ويفهم ما فيها من علمٍ وعمل، كما فعلوا -رضوان الله عليهم-، وبهذا يثبت الحفظ من جهة، ويرسخ العمل، ويثبت العلم، ويرسخ المحفوظ على طريقة السلف الصالح -رضوان الله عليهم-.(1/1)
وأما السنة فيأخذ منها أيضاً بالتدريج، وكل يعرف ما وهبه الله -سبحانه وتعالى- له من قوةٍ في الحفظ والفهم، لا يكلف نفسه أكثر مما يطيق؛ ((اكلفوا من العمل ما تطيقون؛ فإن الله لا يمل حتى تملوا)) نجد الإنسان يأتي متحمس يبي يلتهم العلم كله في يومٍ واحد أو في وقتٍ واحد، ما يمكن، تجد الحافظة ضعيفة والفهم ضعيف ثم يأتي إلى القرآن يقول: كل يوم جزء مدة شهر وأنا حافظ، ما يمكن، مثل هذا النوع يحفظ آية آيتين يفهم هاتين الآيتين وما فيهما من العلم والعمل، ثم من الغد كذلك، والذي يليه كذلك وهكذا.
المقصود أن العلم يؤخذ بالتدريج، ويؤخذ من أهله الموثوقين، ولا يقول: أنا الحمد الله عندي حافظة، وعندي فهم، وعندي قدرة على الاطلاع والاستيعاب، ولست بحاجة إلى حضور مجالس العلم؟ لا.
نقول: ((من سلك طريقاً يلتمس فيه علماً سهل الله له به طريقاً إلى الجنة)) لا يكون المراد من حضور الدروس هو أخذ العلم فقط؛ بل التأدب بأدب الشيوخ، والإقتداء بهم في سمتهم وكيفية تحريهم وضبطهم، ولذا يقول ابن الجوزي في ترجمة أحد شيوخه: إنه استفاد من بكائه ولم يستفد من علمه، مع أن البكاء الآن -والله المستعان- لا يكاد يذكر؛ لكن يبقى أن هناك من إذا رؤوا ذكر الله -عز وجل-، والله المستعان.
فعلينا أن نعتني بهذا الباب إضافةً إلى أن الأجر مرتب على سلوك الطريق، ما رتب على التحصيل، الأجر مرتب على السلوك ((من سلك طريقاً يلتمس فيه علماً سهل الله له به طريقاً إلى الجنة)) ما قال: من صار عالماً سهل الله له.. الخ؟ لا.
نعم العلماء لهم أجرهم وثوابهم لا سيما العاملون بعلمهم، من عمل بعلمه، الربانيون الذين يعلمون الناس، ويدلونهم على الخير، ومن دل على خير فله مثل أجر فاعله.
فعلى الإنسان أن يحرص في تحصيل العلم ولا يتراخى، ويكون همه العلم والعمل.(1/2)
نعمة الآلات والأجهزة
الشيخ/ عبد الكريم الخضير
الآلات والأجهزة يسرت الآن بإمكانك أن تحضر الدروس وأنت في بيتك، وأنت جالس في بيتك من خلال الأشرطة والإنترنت وغيره، تأتي إلى المتن الذي يشرحه هذا العالم، وليكن مثلاً كتاب التوحيد، فتحضر المتن وتسمع الشرح من الشريط، أو من خلال الشبكة، وتنظر في المتن تقرأ المتن أكثر من مرة قبل أن تسمع الدرس وتفهم المتن معناه كلمة كلمة من خلال ما تسمع من شرح، والأمر ميسور -ولله الحمد- وهذا في جميع العلوم، وكثير من الناس أدرك من العلم أكثر مما يدركه من يزاحم العلماء وهم في بيوتهم، بل تأتينا الأسئلة التي تدل على الفهم الدقيق من كندا وأستراليا في آن واحد، من خلال الشبكة، ونحن في الدرس، فالأمر متيسر، وليس لأحد عذر، فعلينا أن نعنى بهذا الجانب وهذا لا يكلفنا شيء، وإذا عرفنا لا بد أن نعرف أولاً شرف المطلوب، يعني لو قيل لك مثلاً: اذهب كل عصر إلى الحراج، ترزَّق، أنت راتبك قد لا يكفيك ويكفي أولادك، تروح إلى الحراج، تقول: يا أخي ايش أتردد إلى الحراج عشرين ثلاثين كيلو وأنا رايح جاي، أيش باحصل في الحراج ؟ أثاث متكسر أو شيء ما يسوى التعب؛ لكن إذا أنت عرفت شرف المقصود، وهو العلم الشرعي، الذي أشهد الله -جل وعلا- أربابه وأصحابه على الشهادة له بكلمة التوحيد، عرفت أن جميع ما تبذله من أجل تحصيل هذا العلم فهو رخيص، يعني ما يستحق الذكر بالنسبة لما تحصله، هناك كتب ألفها أهل العلم بلهجة العصر، صارت سهلة وميسرة، بإمكان المتعلم أن يقرأ فيها ويستفيد، نعم كانت المتون صعبة، كانت المتون صعبة، لا يُدركها كثير ممن يقرأ فيها من غير أهل الاختصاص، الآن صارت العلوم ميسورة، سهلة ميسرة، يعني من كان يتطاول على زاد المستقنع من غير العلماء وطلاب العلم؟! حتى يسر الله له الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله- فشرحه بالشرح الممتع، الشرح الممتع يفهمه الناس كلهم؛ لأن الشيخ - رحمه الله تعالى- ذَلَّلَ(1/1)
الله له كيفية التعليم وإيصال المعلومات، فنستفيد فائدة من هذا الكتاب، الملخص الفقهي أيضاً كتاب يستفيد منه كل من يقرأ ويكتب، فلا عُذر لنا ولا حجة لنا في أن نترك، يعني لو المسألة متن الزاد، نقول: هذا صعب على المتعلمين؛ لكن شرحه للشيخ ابن عثيمين مفهوم، شروح الشيخ ابن جبرين، وشروح المشايخ كلها سهلة ميسرة، نفهمها ونحن في البيوت؛ لكن نحتاج مع ذلك إلى أن نطلع درجة درجتين ثلاث، في علوم الآلة حتى نستطيع أن نتعامل مع النُّصُوص على الطريقة العلمية المعروفة عند أهل العلم، وهذا أيضاً أمرٌ يسير، ولله الحمد؛ لأنّ هذه العلوم شرحها هؤلاء العلماء، ويَسَّرُوها لطُلاب العلم، فكيفيَّة التَّحصيل تتم بحضور الدروس وبالمطالعة الخاصة بهذه الكتب التي ألفت بلغة العصر، ولهجة العصر بحيث يفهمها كل أحد، بحضور الدروس بالبدن ومزاحمة الشيوخ، والإفادة منهم مباشرة أو من طريق الآلات لمن لا يستطيع ذلك، فالأمر متيسر -ولله الحمد- وبإمكان الشخص أن يكون عالماً من خلال هذه الآلات، نعم قد يحتاج إلى أن يستفهم، بإمكانه أن يرفع سماعة التلفون، ويسأل أي عالم يحل له هذا الإشكال، وقد يقول قائل: أن العلماء مشغولين نتصل ولا يردون، نعم التقصير موجود، وأيضاً العدد غير كافي لحاجات الناس؛ لأنه كان في السابق العالم الواحد يغطي البلد؛ لأن السواد الأعظم عوام، لا يحتاجون إلى أسئلة إلاَّ فيما يقع لهم، الآن – لا -، السواد الأعظم مُتَعَلِّم، ويسأل عن كل ما يُشكل عليه، فصار فيه كثرة في الطلب على أهل العلم، مع كثرتهم، صار الطلب أكثر من طاقتهم، فعلينا أن نُعنى بهذا الباب.(1/2)
بسم الله الرحمن الرحيم
نعمة الأمن
الشيخ/ عبد الكريم الخضير
يقول: تعلمون ما نعيشُهُ في هذا البلد من النِّعم، والتِّي من أهمِّها نعمةُ الأمْن وسلامةُ المُعتقد، ووُجُود العُلماء، والعِناية بالعِلم منه هذه الدورات العلمية؛ ولكنَّ الأعداء قد غَاظَهُم ذلك، وسَعواْ جاهدين لإفْسَادِهِ بما استطاعوا، وقد نَفَذَ بعضُ أفكارِهِم وللأسف إلى بعضِ شبابنا فَزَهدُوا في العلم، وطَعَنُوا في العُلماء، وسَعَى بعضُهُم في زعزعةِ الأمْن؟
لاشكَّ أنَّ مثل هذا خلل في التَّصَوُّر، فلا شكَّ أنَّ الأمْن من أعظم النِّعم، وهُو أهمُّ من نعمة الأكل والشُّرب، ولذا جاء تقديمُهُ {وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ}[(البقرة) 155] قُدِّم الخوف على الجُوع في الابتلاء، فالأمْن لا يَعْدِلُهُ شيء، كيف يتعبَّد النَّاس؟ كيف يُحقِّق النَّاس الهدف من وُجُودِهِم بغير أمْن؟! وبعضُ المُفسِّرين ضَربَ لذلك مثلاً: بأنْ جاء بشاةٍ مكسُورة كَسِيرة أَقْلَقَها الألم، اشتدَّ عليها الألم، ووَضَع عندها الطَّعام المُناسب لها، وجاءَ بأُخرى سليمة ووضع عندها الطَّعام ورَبَطَ أمامها ذئب، لمَّا جاءَ من الغد وجد الكسيرة قد أكلت الطَّعام كُلَّهُ، ووجَدَ الخائفة من الذِّئب لم تأكُل شيئاً.(1/1)
فلاشكَّ أنَّ الأمْن نِعمة من الله -جل وعلا-، فمن يَسْعَى في تهدِيدِهِ أو الإخلال بهِ لاشكَّ أنَّهُ جانِي على الأُمَّة، والله المُستعان، فعلى كُلِّ أحد أنْ يُحافظ على هذا الأمْن بِقَدْرِ استِطاعتِهِ، ومع الأسَف أنَّ بعض النَّاس يُساهِم في الإخلالِ بالأمن وهو لا يشعُر، بعض النَّاس العاصِي مثلاً: العاصي مُساهم في الخلل بالأمن؛ لأنَّ الأمْن نِعمة تحتاج إلى شُكْر؛ فإذا لم نَشْكُر هذه النِّعمة فَرَّتْ؛ فإذا عَصَيْنا الله -جل وعلا- ونحنُ نَتَقَلَّب في نِعَمِهِ التِّي من أعْظَمِها نِعمة الأمْن -يعني بعد نِعمة الدِّين- المسألة مُفترضة في مُسلمين، يعني بعد نِعمة الدِّين ما فيه مثل الأمْن؛ فإذا عَصَى الإنسان رَبَّهُ، وحَلَّ بالمُسلمين بسبب مَعْصِيَتِهِ ومَعْصِية غيرِهِ والثاني والثالث هُم المُتَسَبِّبُون في اخْتِلال الأمن؛ لأنَّ الأمْر يكُونُ لهُ مُباشر، ويكُون لهُ مُتسبِّب، يكُون لهُ مباشر، مُباشرةً يعني يُحاول تهديد الأمْن؛ لكنْ هُناك من يَتَسَبَّب في زعزعة هذا الأمْن وهُم العُصاة الذِّين لم يَشْكُرُوا هذهِ النِّعمة، وعلى كُلِّ واحِدٍ من المُسلمين كِفْل من هذا، بِقَدْرِ ما يَقْتَرِفُهُ من معاصي {فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ}[(الشورى)30]
يقول: نفذَ بعضُ أفكارِهِم وللأسف إلى بعضِ شبابنا فَزَهدُوا في العلم، وطَعَنُوا في العُلماء؟(1/2)
لاشكَّ أنَّ الحاجة إلى أهلِ العلم في الظُّرُوف الحَالِكة أشد، ولابُدَّ من الابتلاء، لا يَظُن العالم أو الدَّاعية أو غيره الطَّريق سهل مُمَهَّد مو بصحيح في مثل هذه الظُّرُوف نَرَى أنَّ بعض العُلماء يُواجِهُون ما يُواجِهُون، فبعضُ طُلاب العلم يقول: أنا ليش أعرِّض نفسي لِمثلِ ما وصِلُوا إليه من الإحراجات وغيرها، لماذا أصل؟ يا أخي لابُدَّ أنْ تَصِل، الطَّريق ليس بالسَّهل، وكُلَّما يزداد الأمر شِدَّة يَزْدَاد الأجْر، و تَعْظُم الأُجُور بمثلِ هذا، واللهُ المُستعان.
فعلى طالبِ العلم أنْ يستمر في طَرِيقِهِ، وأنْ يَحْرَص ويَجِد ويَجْتَهِد؛ لأنَّ طَلَبَهُ للعلم وعِبَادَتَهُ لله -جل وعلا- على بَصِيرة، وسَعْيَهُ في هِدَاية النَّاس هذه لا شكَّ أنَّها نَصْرٌ للإسلام، على طالبِ العلم أنْ يَطْلُب العلم ويُجِد ويجتهد لاسِيَّما منْ أدْرَك شيئاً منهُ، لا ينبغي لهُ أنْ يُضيِّع نفسَه، على الجادَّة والطُّرُق المعرُوفة الجَواد المَسْلُوكة عند أهل العلم، ويأخُذ العلم عن أهلهِ المعرُوفين بالعلم والعمل والثَّبات والرَّوِيَّة والأناة بالرِّفق واللِّين، لابُدَّ من هذا لِيَتِمَّ لهُ ما يُريد -إنْ شاء الله تعالى-.(1/3)
نعمة البصر
الشيخ/ عبد الكريم الخضير
والبصر نعمة من نعم الله -جلا وعلا- لا يعرفها إلا من فقدها نعمة؛ لكنها إذا استغلت بما لا يرضي الله -جل وعلا- صارت نقمة، صارت نقمة، وهذه النعم لا بد من شكرها، واستعمالها فيما يرضي الله -جل وعلا-، عنده بصر يستعمله في قراءة القرآن، يستعمله في قراءة العلم، يستعمله في مصالحه في دنياه، التي يتخذ منها طريقاً وسبيلاً إلى الجنة، لكن إن استعمله فيما حرم الله عليهم كالنظر إلى ما لا يجوز النظر إليه، سواء كان ذلك نظراً مباشراً، أو بواسطة آلات أو قنوات، أو صور أو مجلات، أو ما أشبه ذلك، كل هذا يحرم عليه النظر فيه، فهذه النعمة انقلبت بالنسبة له نقمة، نسأل الله العافية، وأيضاً السمع من أعظم النعم من نعم المولى -جل وعلا- على الإنسان، بل فضله جمهور أهل العلم على البصر، فإذا كان السمع بهذه المثابة فلا بد أن يؤدى شكر هذه النعمة، فلا يصنع فيه إلا ما يرضي الله -جل وعلا-، والحذر الحذر من سماع ما يحرم سماعه، والآن الأبواب مفتوحة لرؤية وسماع ما يحرم إلى الشرك الأكبر، دخل في بيوت الناس وعامتهم، قنوات السحر الآن تشاهد في بيوت عوام المسلمين، وتسمع، والله المستعان، شر مستطير لا بد من أن يقف المسلم منه وقفة حازمة، ويقي نفسه، ومن ولاه الله عليه {قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ} [(6) سورة التحريم] لا بد من هذا، ثم إذا تيسر له أن يتعدى هذا النفع خارج بيته إلى جاره إلى أخيه إلى قريبه إلى الأمة بكاملها فلا يحرم نفسه؛ لأن هذا الغزو خطير جداً، يعني عاش الناس مدة، سنوات، وقد غزو في قعر بيوتهم بالشهوات، القنوات الماجنة غزت بيوت المسلمين بالشهوات، ثم بعد ذلك بالشبهات التي تزلزل العقائد، ثم بعد ذلك بالشرك الأكبر، نسأل الله السلامة والعافية، كيف يزكي نفسه من أتاح الفرصة لمن ولاه الله عليه بمشاهدة هذه الأمور، والنفس تنازع ما دام هذا موجود(1/1)
فالصراع قوي، وشخص سكن في شقة في بلد ما فيها القنوات كلها فأراد أن ينظر إلى الأخبار بحث عن المجد ما استطاع أن يصل إليها، فوجد في أخبار الجزيرة فإذا التي تلقي الأخبار امرأة، جاء بالشرشف -الغطاء غطاء النوم- وغطا به الآلة؛ لئلا يرى المرأة، هذا أول مرة، المرة الثانية نازعته نفسه إلى أن كشف الغطاء، فمن العصمة أن لا يقدر الإنسان على هذه الأمور، من العصمة أن يحسم الإنسان مادة هذه الأمور بالكلية، ويستغني بما ينفعه، أما أن يجعل هذه الأمور في متناول يده ويد من ولاه الله عليه ممن لا يدرك المصلحة، كثير من النساء ما يدركن المصلحة، كثير من البنين والبنات لا يدركون المصلحة من المفسدة، ثم بعد ذلك يلوم القناة، أو يلوم من تسبب في هذا، هو أنت المتسبب.
ألقاه في اليم مكتوفاً ثم قال له ... إياك إياك أن تبتل بالماء
شاب أو شابة، مراهق أو مراهقة تترك لهم هذه الفرصة، ولا رقيب ولا حسيب، ثم تقول: والله أريد صلاحهم، {رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ} [(74) سورة الفرقان] كيف يجاب مثل هذا الدعاء وأنت تركت لهم أسباب ووسائل الفساد، ويسرتها لهم؟ كيف يقول الولد: {رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا} [(24) سورة الإسراء] وأنت تركت لهم أسباب ووسائل الفساد {كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا} كيف ربيتهم أنت؟ إن ربيتهم على الخير والفضل، وحب الخير وأهله، والعلم النافع والعمل الصالح أبشر؛ لأنك ربيتهم على مراد الله -جل وعلا-، لكن إن ربيتهم على خلاف ذلك فلا تتوقع هذه النتيجة، إلا برحمة أرحم الراحمين.(1/2)
نعمة الحفظ
الشيخ/ عبد الكريم الخضير
الدار قطني حضر مجلس الإملاء عند الشيخ إسماعيل الصفار، الدار قطني ينسخ معه كتاب آخر، وينسخ كتابه، والشيخ إسماعيل الصفار يحدث، فلما مضى وقت، قال شخص مجاور للدار قطني: أنت ما غير ضيقت علينا؛ معك كتاب ثاني انتقل إلى ما كان آخر، ما يصح سماعك بهذه الطريقة، فكيف تتعب نفسك..؟! قال: فهمي يختلف عن فهمك، وحفظي يختلف عن حفظك، كم قرأ الشيخ من حديث؟ يسأله الدار قطني، كم قرأ الشيخ من حديث؟ قال: والله ما أدري، قال الدار قطني: قرأ ثمانية عشر حديثاً، فسردها بمتونها، وأسانيدها على ترتيبها، وهو ينسخ، أقول هبات من الله -جل وعلا-، ونعم لكن هنئياً لمن استغلها فيما ينفع، وأما الذي لا يستغلها فيما ينفع فكم من هذا النوع، من نوع الدار قطني موجود في أسواق المسلمين في بيعهم، وشرائهم، عباقرة، ومع ذلك ما استفادوا، استغلوا هذا الذكاء، استغلوا هذا الفهم، استغلوا هذا الحفظ فيما لا ينفع، وقد يستغل فيما يضر، وقد يستغل فيما يضر، وأنا أعرف أناساً زاملونا، أناساً عرفناهم من قرب، تجدهم أحفظ الناس لما لا ينفع، والنكت، والطرائف، وإلا حفظ هفوات، وسقطات بعض الناس، إذا زل فلان بكلمة، أو بجملة، أو بشيء حفظت عليه، ما تنسى أبد الآبدين من قبل بعض الناس، وإذا فتح كتاب من كتب العلم ما استفاد، والله المستعان، فهذه المواهب، وهذه النعم سواءٌ منها ما يتعلق بالحفظ، أو ما يتعلق بالفهم، هذه نعم إذا لم تستغل فيما ينفع؛ فهي وابل على صاحبها، وابل على صاحبها.(1/1)
ومن أحفظ الناس المعري، أبو العلاء المعري، وهو معروف من الزنادقة المعروفين، حتى قال ابن الجوزي في "المنتظم": زنادقة الإسلام ثلاثة: المعري، وابن الراوندي، وأبو حيان التوحيدي، حافظة، شيء لا يخطر على البال، يعني نقش، كأنه يقرأ من كتاب، وهو أعمى، وضبط لما يمر به، ولو كان منذ أزمان متطاولة، وذكر الصفدي في "نكت الهميان" عنه أنه في سفر في أرض فيها شجر، فضربته شجرة، وهو على البعير، أعمى هو ما يرى، ضربته شجرة، وبعد عشرين سنة مر بالمكان على نفس موضع الشجرة، فطأطأ رأسه، فقيل له لماذا؟ قال: في شجرة ضربتني قبل عشرين سنة، قالوا: ما في شجر، قال: أحفروا إن ما وجدتم الأصول، والعروق، فأنا أنا لا أفهم، وبالفعل لما حفروا وجدوا بنفس المكان، وتجد بعض المبصرين يسقط في الحفرة مراراً، ويعثر في بعض الأمور من طلوع، ونزول، وحصى، وما أشبه ذلك، وأيضاً يعود له مرة ثانية، وثالثة.
ويحدثنا واحد من الشيوخ المبصرين يقول: صحبت فلاناً، هذا –أيضاً- شيخ درسنا، وهو كفيف لا يصبر، يقول: صحبته خمس سنين نتردد على المعهد العلمي طلاباً، وفي طريقنا صخرة، فما قلت له في يوم من الأيام: ارفع رجلك، مجرد ما يصل الصخرة يرفع رجله، وأنا وقعت فيها مراراً، فمسألة الحفظ، والفهم، والرسوخ في هذا الباب لا شك أنها موهبة، ونعمة من نعم الله -جل علا-، فعلى من وهبها أن يستغلها، ولا يضيع الفرصة، لا يدع الفرصة تفوت.(1/2)
نِعمة التَّوحِيد
الشيخ/ عبد الكريم الخضير
وتجدُون في أقطار الأرض من يَتَعبَّد بأُمُور يعرف الصِّبيان والجُهَّال أنَّها بَاطِلَة فكيفَ خَفِيَت عليهم؟! لأنَّهُم عَمِلُوا بِأُمُور أخَف منها؛ لكنَّها لا أَصْلَ لها، ثُمَّ عُوقِبُوا بما هو أشد منها، ثُمَّ عُوقِبُوا بما هو أشد منها، إلى أنْ وَقَعُوا في المُضْحِكات! يعني يُذكَر في طبقات الشَّعراني وغيرُهُ وكرامات الأولياء المزعُومة التِّي ألَّفها النَّبهاني والنَّابُلْسِي وغيرُهما يَذْكُرُونْ أشْيَاء لا يَفْعَلُها ولا المَجَانِين مِمَّنْ تُعْتَقَدْ فيهِ الولايَة، وأمَّا بالنِّسبة لما تَفَوَّهُوا بِهِ من أقوال فشيءٌ لا يَخْطُرُ على البال!!! يعني يُذْكَر عن بِشْر المِرِّيسي أنَّهُ يقول في سُجُودِهِ سُبحان ربيِّ الأسفل!!! – نسأل الله العافِيَة – هذهِ البِدَع يَجُرُّ بَعْضُها إلى بعض، يعني مُجرَّد ما تُفارق الأدِلَّة الصَّحيحة الثَّابِتة عن النَّبي – عليهِ الصَّلاةُ والسَّلام – شيء يَسِير؛ لا شكَّ أنَّكَ تُسْتَدْرَجْ إلى ما هُو أعْظَم منْ ذَلِك، ابن العَربي يقول: ألا بِذِكْرِ الله تَزْداد الذُّنُوب، الله -جلَّ وعلا- يقول: {أَلاَ بِذِكْرِ اللّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ} [(28) سورة الرعد]، وهذا يقول: ألا بِذِكْرِ الله تَزْداد الذُّنُوب * وتَنْطَمِسُ البَصَائِرُ والقُلُوب! هذا كُلُّهُ سَبَبُهُ التَّساهُل في أوَّل الأمر؛ فَلْيَكُنْ الإنسانُ حَازِماً في أمْرِهِ، مُقْتَدِياً بِنَبِيِّهِ – عليهِ الصَّلاةُ والسَّلام -لا يَفْعل أي عَمَل يَتَدَيَّنْ بِهِ إلاَّ بِنَصّ، ثُمَّ يَبْحَثْ عن هذا النَّصّ هل يَثْبُت أو لا يَثْبُت؛ لأنَّ المُبْتَدِعة عِندهُم نُصُوص؛ لكنَّها ضَعِيفة أو باطِلة، فَتَجِدَهُم يَنْشَغِلُونَ بها، ويُحْرَمُون بَرَكة العِلم النَّافِع والعَمَل الصَّالِح، فَتَجِدَهُم من أجهل النَّاس في العِلم ومنْ أَضَلِّهِم في العَمَل،(1/1)
والمُؤلَّفات في طَبَقَاتِ مَنْ يُدَّعى لَهُم الوِلاية كثيرة، تَجِدُونْ أشْيَاء يعني في بعض كُتُب الطَّبَقات وَقَفْت على كلام! يقول وكان -رضي الله عنهُ- مُرْتَكِباً لجميع المُحرَّمات! لَمْ يَصُم لله يوماً قط! ولمْ يَسْجُد لله سَجْدَة! يعني هل هذا الكلام يَقُولُهُ عاقل؟!! هل هذا الكلام يَصْدُر من عاقل؟! مالِك النُّسْخَة الأوَّل صَاحِبها الأوَّل – جزاهُ اللهُ خيراً– قال: إذا كانَ هذا رَضِيَ اللهُ عنهُ، فَلَعْنَةُ اللهِ على من؟! ضلال ضلال، يعني شيء ما يخطُر على البال، يمكن الذِّينَ وَفِدُوا الآن من الإخوان الذِّينَ جاؤُوا من الآفاق، يمكن اطَّلَعُوا على أكثر مِمَّا نَقُولُهُ أكثر مِمَّا نَعْرِف مِنْ وَاقِعِهِم العَمَلِيّ، يعني دَيْدَنُهُم الرَّقْص والغِناء! بعضُهُم عُراة! – نسأل الله العافِيَة– كُل هذا سَبَبُهُ شُؤم المُخالفة، وقد تَبْدَأ هذهِ المُخالفَة بِشَيءٍ يَسِير، ثُمَّ يُعاقب بما هُو أعظم من ذلك إلى أنْ يَصِل إلى ما وَصل إليْهِ من يقول: سُبحان ربِّيَ الأسْفَل! – نسأل الله العافِيَة – أو ابن العربي فيما يقُول من الشِّعْر الذِّي لا يَقْبَلُهُ ولا المَجَانِينْ – واللهُ المُستعان – ومع ذلكم لا يَسْتَطِيع بعض النَّاس في بعضِ الأقْطَار أنْ يَتَكَلَّم فيهم بكلمة!؛ لأنَّهم مُقدَّسُون! ويُصْرَفْ لهُم من العِبادات ما لا يَجُوز صَرْفُهُ إلاَّ لله -جلَّ وعلا-، يعني من نَظَر في كُتُب الرَّحلات مثلاً، رحلة ابن بطوطة التِّي هي أَشْهَر الرَّحلات على الإطلاق، يعني الأمثلة لما ينقُض توحيد العِبادة بجميع أبوابِهِ التِّي أَلَّف عليها الشيخ محمد بن عبد الوهاب -رحمهُ الله- كتاب التَّوحيد يقرأ في رحلة ابن بطوطة، يعني ما يَرِد على بَلَد إلاَّ ويَذْهَب إلى قَبْر، ويطلُب المَدد، وإذا وَصِل إلى جَبل صعدهُ إلى أنْ يَصل إلى مكان مَسَّهُ قَدَم فُلان أو عَلاَّن، فالإنسان عليهِ أنْ يَحْمَد الله -جلَّ(1/2)
وعلا- على نِعْمَة التَّوحيد، نِعمة التَّوحيد التِّي رُبِطَ بها الأمْنْ التَّام في الدُّنْيَا والآخِرَة، {الَّذِينَ آمَنُواْ وَلَمْ يَلْبِسُواْ إِيمَانَهُم بِظُلْمٍ أُوْلَئِكَ لَهُمُ الأَمْنُ وَهُم مُّهْتَدُونَ} [(82) سورة الأنعام]، {وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا} [(55) سورة النور]، يعني من يَطْلُب الأمْنْ، ويُخِلّ بالتَّوحِيد أو يَتَسَاهَلْ في أُمُور الشِّرْك هذا مُتَطَلِّبٌ في الماءِ جَذْوَةَ نَارِ!!! هذا غَلَط، مُنَاقِض للسُّنَّة الإلَهِيَّة، مُخالِف للنُّصُوص الشَّرعِيَّة، فعلى المُسْلِم أنْ يُحقِّق التَّوحيد، وأنْ يُخَلِّصَهُ منْ جَمِيع شَوائِب الشِّرك صَغِيرِهِ وكبيرِهِ، والبِدَع كَبِيرها وصَغِيرِها.(1/3)
بسم الله الرحمن الرحيم
هجر القرآن
الشيخ / عبد الكريم الخضير
هجر القرآن سواء هجر التلاوة أو هجر التعلم أو هجر العمل هذا كله لا يجوز {وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآنَ مَهْجُورًا} [(30) سورة الفرقان] فالهجر أصناف، وأقل ما يكون بالنسبة للقرآن تلاوته، ومع ذلك تلاوته على الوجه المأمور به، فإذا كان أهلاً ليستنبط منه الأحكام ليعمل بها وإلا قرأ في الكتب التي تعينه على هذا الأمر، فيقرأ حزبه اليومي، يخصص له من القرآن جزء يقرأه سواءٌ كان جزء اصطلاحي عشر ورقات أو أقل أو أكثر المقصود أنه لا يخل بشيء من القرآن يقرأه يومياً، وإن شغل عنه قضاه من الغد أو بالليل، وإن كان يقرأ بالليل وشغل عنه يقرأ بالنهار، المقصود أنه لا يترك يوماً يمر بدون أن ينظر في كلام ربه -جل وعلا-، أما كونه يأثم أو لا يأثم؟ لا يأثم، لكنه مع ذلك هذا حرمانٌ شديد حتى يدخل في مسمى الهجر، ومعلومٌ أن كثير من طلاب العلم يحصل لهم شيء من هذا، ولو حفظ القرآن، بعض الناس يحفظ القرآن يحرص على حفظ القرآن ثم بعد ذلك يتركه، ما يقرأ إلا في مناسبات إذا تقدم إلى الصلاة أو جاء رمضان أو ما أشبه ذلك، فلا بد أن تفرض للقرآن من وقتك ما يكفي لقراءة الحزب اليومي، والمجرب عند كثير من طلاب العلم أن قراءة القرآن في سبع لا تشق على الناس، لا تشق لا سيما على طالب العلم، إذا جلس من صلاة الصبح إلى أن تنتشر الشمس قرأ حزبه اليومي الذي هو سبع القرآن، وامتثل قول النبي -عليه الصلاة والسلام- لعبد الله بن عمرو: ((اقرأ القرآن في سبع، ولا تزد)).(1/1)
هديُهُ عليهِ الصَّلاة والسَّلام في قيام الليل
الشيخ/ عبد الكريم الخضير
القِيام شأنُهُ عظيم، والقِيام يُرادُ بِهِ الصَّلاة، من بعْدِ صلاة العِشاء إلى طُلُوع الفجر هذا قِيامُ الليل، وعِمَارة هذا الوقت بالصَّلاة والتِّلاوة والذِّكر، وأفْضَلُهُ كما جاء عن النَّبي -عليه الصَّلاة والسَّلام-: ((وأفْضَلُ القِيام قِيَام دَاوُود وصلاة دَاوُود -عليه السَّلام- يَنامُ نِصْفَ الليل، ثُمَّ يَقُومُ ثُلث الليل ثُمَّ يَنامُ سُدْسَهُ))، يَنامُ نِصْفَ الليل، ويَحْسِب الليل من صلاة العِشاء من الوقت الذِّي يَتَسَنَّى فيهِ القِيام، وإذا تمَّ الحِسابُ على هذا الأساس من صلاة العِشاء ونام نِصف الليل يكُونُ قِيامُهُ في الثُّلث الأخير، بينما لو حَسَبْنا الليل من غُرُوب الشَّمس صار قِيَامُهُ بدأ من نِصف الليل قبل وقت النُّزُول الإلهي كما أشار إلى ذلك شيخ الإسلام ابن تيمية وغيره، فالمقصُود أنَّ هذا الوقت يُعمر بالصَّلاة والتِّلاوة والذِّكْر، فالنَّوم الذِّي ينامُهُ بعد صلاة العِشاء، وينوي بِهِ الاستعانة على القِيام هو في صلاة، هو في قِيام وفي عبادة يُكتب لهُ أجرُها، فإذا قام الثُّلث واستغل هذا الوقت بما يَكْتُبُهُ اللهُ لهُ على خِلافٍ بين أهل العلم في القَدْر المُحدَّد من الرَّكعات، فلقد جاء عن عائشة -رضي الله تعالى عنها- أنَّها قالت ((ما كان رسُول الله صلى الله عليه وسلَّم يزيدُ في رمضان ولا في غيرِهِ على إحدى عشرةَ ركعة ، يُصلِّي أربعاً فلا تسأل عن حُسْنِهِنّ وطُولِهِنّ، ثُمَّ يُصلِّي أربعاً فلا تسأل عن حُسْنِهِنّ وطُولِهِنّ، ثُمَّ يُوتِر بثلاث)) هذهِ إحدى عشرة، وجاء أيضاً عن النبي -عليهِ الصَّلاة والسَّلام- في الصَّحيحين ثلاث عشرة، وصحَّ عنهُ الخمس عشرة في حديث ابن عبَّاس، كُلُّ هذا يَدُلُّنا على أنَّ العدد غير مُرَاد، ويُؤيِّدُ هذا الإطْلاق في حديث: ((صلاةُ الليلِ مثْنَى مثْنَى)) فتُصلِّي في الليل(1/1)
ركعتين ركعتين كما قال ابن عبَّاس: ((صلَّى ركعتين، ثُمَّ ركعتين، ثُمَّ ركعتين، ثُمَّ ركعتين، ثُمَّ ركعتين، ثُمَّ ركعتين، ثُمَّ أَوْتَر)) خمس عشرة ركعة، المقصُود أنَّ العدد غير مُرَاد بدليل أنَّهُ ثبت عنهُ -عليهِ الصَّلاة والسَّلام- الزِّيادة على الإحدى عشرة، وما جاء في حديث عائشة -رضي الله تعالى عنها- على حدِّ عِلمِها، والمُثْبِتْ مُقدَّم على النَّافِي، فَعَلَى هذا القول المُرجَّح في القيام أنَّهُ لا حدَّ لهُ؛ بل يُصلِّي الأرْفَق بِهِ والأنْفَع لِقَلْبِهِ؛ فإذا كان الأرْفَق بِهِ كَثْرَة الرُّكُوع والسُّجُود وفي هذا يقُول النَّبي -عليهِ الصَّلاة والسَّلام- لمَنْ طلب مُرافقَتُهُ في الجنَّة، قال: ((أعِنِّي على نفسِكَ بكثرة السُّجُود)) والسُّجُود أَشْرَف أرْكان الصَّلاة ((وأَقْرَبُ ما يكُون العبدُ من ربِّهِ وهو ساجد)) والكَثْرَة مطلُوبة ، كما قال -عليه الصَّلاة والسَّلام-: ((أعِنِّي على نفسِكَ بكثرة السُّجُود)) وإذا كان الأنْسَب لهُ تطويل القِيام، وكثرة قراءة القرآن ؛ لأنَّهُ يتلذَّذ بِهِ، فالقُرآنُ أفضلُ الأذكار، والخِلافُ بين أهلِ العلم في المُفاضلة بين طُول القِيام الذِّي هو القُنُوت {وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ} [البقرة/238]، وهو أشْرَفُ من غيرِهِ بِذِكْرِهِ لا بِذَاتِهِ، والسُّجُود أشْرَف بِذَاتِهِ، وعلى كُلِّ حال المسألة مُفْتَرَضَة في من يُريدُ أنْ يقُوم من الليل ساعة أو ساعتين أو ثلاث ويسأل يقول هل أُصلِّي في ثلاث السَّاعات إحْدَى عشرة ركعة أو أُصلِّي ثلاثين ركعة...(1/2)
أيُّهُما أفضل؟ نقول: إذا أردْتَ أنْ تَقْتَدِيَ بما ثَبَت عن النَّبي -عليه الصَّلاة والسَّلام- كمًّا وكيفاً فهذا هو الأكمل، ما تقول أنا أقتدِي بالنَّبي -عليه الصَّلاة والسَّلام- في حديث عائشة وأنَّهُ ما زاد ثُمَّ تنقُرُ إحدى عشرة ركعة في عشر دقائق وتقول: أصبت السُّنَّة! لا يا أخي، إذا أرَدْت أنْ تنظُر إلى هذا العدد فانظُر إلى أنَّهُ -عليه الصَّلاة والسَّلام- افتتح البقرة ثُمَّ النِّساء ثُمَّ آل عمران في ركعة، ورُكُوعُهُ قريبٌ من قِيامِهِ، رُكُوعُهُ وسُجُودُهُ قريب من السواء، فإذا استغلَّ الوقت، ولِذا جاء في سُورة المُزمِّل التَّحديد بالوقت بالزَّمن لا بالعَدد {قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلًا} [المزمل/ 2] ، ثُمَّ في آخر السُّورة {إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أَدْنَى مِنْ ثُلُثَيِ اللَّيْلِ وَنِصْفَهُ وَثُلُثَهُ} [المزمل/20]، المقصُود أنَّ التَّحديد بالزَّمن لهُ نَظَر؛ بل لهُ الحظُّ الأكبر من النَّظر؛ فالذِّي يُصلِّي ثلاث ساعات أفضل من الذِّي يُصلِّي ساعتين اتِّفَاقاً؛ فالمسألة مسألة وقت، فإذا عمر هذا الوقت بطاعة الله -جلَّ وعلا- وعندنا ما يُؤيِّدُ الإطلاق ((صلاةُ الليلِ مثْنَى مثْنَى)) فلتُصلِّ ما شِئْت على أنْ تَجْتَنِب السُّرعة والعجلة التِّي تذهبُ بِلُبِّ الصَّلاة، تأتي بصلاةٍ صحيحة تُفيدُكَ، وتُقرِّبُك من الله -جلَّ وعلا-، ويرى بعضُهُم أنَّ ما زاد على الإحدى عشرة بدعة؛ لكن كيف نقُولُ بدعة وقد ثَبَت عن النَّبي -عليهِ الصَّلاة والسَّلام- غير هذا العَدَد، وصحَّ عنهُ الإطلاق ((صلاةُ الليلِ مثْنَى مثْنَى)) في حديث عائشة: ((يُصلِّي أربعاً)) وإذا ضَممنا إليه صلاةُ الليلِ مثْنَى مثْنَى قُلنا يُصلِّي أربعاً بسلامين، وأهلُ العلم يُؤكِّدُون على أنَّ من قام إلى ثالثة في صلاة الليل فكأنَّما قام إلى ثالثة في فجر، لا بدَّ أنْ يَرجع، فيُصلِّي أربع...(1/3)
فلماذا قالت أربع ما قالت ركعتين ركعتين؛ لأنَّ الفواصل بين هذهِ الرَّكعات بين كُل أربع ركعات، ولِذا سُمِّيت الصَّلاة في رمضان تراويح؛ لأنَّهم يستريحُون بين كُل أربع ركعات، وهو ما يدل عليه حديث عائشة ((يُصلِّي أربعاً فلا تسأل عن حُسْنِهِنّ وطُولِهِنّ، ثُمَّ يُصلِّي أربعاً)) يدلُّ على أنَّ هُناك فاصل بين الأربع.(1/4)
هل تنصرون وترزقون إلا بضعفائكم؟
الشيخ/ عبد الكريم الخضير
((هل تنصرون وترزقون إلا بضعفائكم؟)) هذا الحديث الصحيح يدل على أن الرزق والنصر الذي يتصوره الأغنياء الأقوياء أنهم هم السبب المؤثر فيه، الحديث على عكس ما يتصورون، وكم من شخص ابتلي بالفقر مدة طويلة فرزق مولوداً معوقاً فانصب الرزق بسببه، تجده طيلة عمره قوي البنية، شديد البأس، يضرب في الأسواق، يحضر الأسواق مع أول الناس ولا ينصرف إلا آخرهم، ومع ذلك يعيش فقيراً، ثم بعد ذلك يرزق بمعتوه أو أبله أو مقعد أو مشلول ثم يرزق، ((هل ترزقون إلا بضعفائكم؟)) فكثير من الناس الآن يعاني من كونه يعول أسرة ضعفاء فيهم كثرة، ويضيق بهم ذرعاً، عنده أسر، وعنده كذا وكذا، ويحتاجون إلى أموال، يا أخي ما تدري وش وضعك لولا هذه الأسرة، يمكن أن الله -جل وعلا- ما ساق لك هذه الأرزاق إلا بسببهم، وكثير من الناس يضيق ذرعاً إذا ولد له ولد مشوه، وكثير من الناس والنساء على وجه الخصوص في حال الحمل تسأل عن الإجهاض إذا تبين لدى الأطباء أن الولد مشوه أو معوق أو ناقص الخلقة، لا يجوز بحال الاعتداء عليه، هو مصيبة من المصائب عليك الصبر والاحتساب، وأن تبذل كل ما تستطيع في إنقاذ حياته كغيره من الأسوياء، وأجرك عند الله -جل وعلا- عظيم، وقد ترزق بسببه، وأيضاً هؤلاء الضعفاء الذين ينظر إليهم الناس نظرة ازدراء، وأن وجودهم في المجتمع وبال، يمكن النصر يكون بسببهم؛ لأن التاجر والقوي، قوي البنية كثيراً ما يصابون بالإعجاب، وينسبون بعض النتائج إلى قوتهم، إلى حولهم وطولهم، - لا- ما تدري، لو يصدقون هذا الحديث ((هل تنصرون وترزقون إلا بضعفائكم؟)) نعم الضعيف قريب من الله -جل وعلا-؛ لأنه لا يعتد بقوة، ولا يأوي إلى مال ولا شيء، إنما علاقته وارتباطه بربه، ومثل هذا في الغالب يكون قلبه سليماً بخلاف من دخله غرور القوة والغنى، والغنى في الغالب أنه يُطغي صاحبه، وكذلك القوة؛ ولذا يسأل الإنسان ربه(1/1)
صحة؛ لكن لا تُلْهِيه عن شكر الله -جل وعلا-، وعن عبادته، ويسأله غنى؛ لكن لا يطغيه عن معرفة قدر نفسه، والله المستعان.(1/2)
هل يفضل الصحابة متأخر؟
الشيخ/ عبد الكريم الخضير
في الحديث السابق: ((للعامل فيهن مثل أجر خمسين رجلاً، يعملون مثل عملكم)) يعني من الصحابة -رضوان الله عليهم-، قد يشكل هذا على بعض الناس، ويقول: أنه قد يأتي في آخر الزمان من هو أفضل من الصحابة؛ لأننا إذا نظرنا إلى بعض أعمال الناس في الزمن المتأخر وجدناه كثير جداً ومتنوع، تجده ثري مثلاً، وصاحب صلاة، وذكر، وتلاوة، وصيام، وبذل أموال، مدة طويلة تزيد مثلاً على نصف قرن، وأجره مثل أجر خمسين من الصحابة، إذن أجوره لا يحاط بها، كثيرة جداً، فهل يتصور أن مثل هذا أفضل من أقل الصحابة شأناًً وليس فيهم قليل الشأن، بل كل واحد منهم شأنه عظيم -أعني الصحابة رضوان الله عليهم-؟
لا.. أجر خمسين في العمل نفسه، أما شرف الصحبة وأجر الصحبة فلن يناله أحد، أي كائناً من كان، ولا عمر بن عبد العزيز، الخليفة الراشد المعروف.
ولما سئل من سئل عن معاوية بن أبي سفيان وعمر بن عبد العزيز أيهما أفضل؟ قال: غبارٌ في أنف معاوية مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- خيرٌ من عمر بن عبد العزيز.(1/1)
فالصحبة شرفٌ لا يناله أحد إلا من اتصف به ممن رأى النبي –عليه الصلاة والسلام- مؤمناً به ومات على ذلك، فدع عنك مسألة الصحبة، وأجرها، هذا أمرٌ لا يدركه أحد ممن توفي النبي -عليه الصلاة والسلام- قبل أن يراه، بعد ذلك الأعمال متفاوتة، نعم، أعمال في وقت أفضل منها نفسها في وقتٍ آخر، تتصدق بألف ريال في وقت الناس فيه ليسو بحاجة ماسة، ليس أجره كمن تصدق بدرهم وقع موقعاً عظيماً في نفس المتصدق عليه، أنقذه من هلكة، تتفاوت، والناس عند فساد الزمان تمسكهم بالدين شأنه عظيم؛ لأنهم لا يجدون من يعينهم، وأما في عهد النبي -عليه الصلاة والسلام- فبعضهم يعين بعضاً، ويشجع بعضهم بعضاً، ومع ذلكم شرف الصحبة لا يناله أحد ممن لم ير النبي -عليه الصلاة والسلام- مؤمناً به؛ لأن هذا قد يشكل، مقرر عند أهل العلم أن الصحابة أفضل ممن جاء بعدهم.(1/2)
هل يقدر المُسلمون قَدْر الدُّنيا وقدر الآخرة؟!
الشيخ/ عبد الكريم الخضير
وعن عائشة -رضي الله عنها- قالت: ((لم يكن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- على شيءٍ من النَّوافل أشدُّ تعاهُداً منهُ على ركعتي الفجر)) وفي لفظٍ لمُسلم: ((ركعتا الفجر خيرٌ من الدُّنيا وما فيها)) قد يقول قائل: هاتان الرَّكعتان تُؤَدَّيان في دقيقتين، والإنْسَان يكدح طُول عُمره ما حَصَّل مليون! والدُّنيا فيها المِلْيَارات، نعم هي خيرٌ من الدُّنيا وما فيها، يعني عند الله -جلَّ وعلا-، والدُّنيا لا تَزنُ عند الله جناح بعُوضة، ولو كانت تَزِن عند الله جناح بعُوضة ما سقى كافر شربة ماء؛ لكن هل يقدر المُسلمون قدر الدُّنيا وقدْر الآخرة؟! الذِّي يَلْهَثْ وراء الدُّنيا ليل نهار، وينشغل عن الواجبات ويقطعُ الأرحام ويرتكب المُحرَّمات من أجل الكَسْب! كسب الحُطَام، هل هذا عرف حقيقة الدُّنيا؟! ((كُنْ في الدُّنيا كأنَّك غريب أو عابر سبيل)) ومع ذلك يبني القُصُور الشَّاهقة، ويمتلك الأموال، ويقطعُ الأرحام ويرتكب مُحرَّمات، مُوبِقات من أجل الحُطام! ويبخل بالأركان! يبخل بالزكاة التِّي هي رُكن من أركان الإسلام، هل هذا عَرف حقيقة الدُّنيا؟ الذِّي عَرف حقيقة الدُّنيا بالفِعل سعيد بن المُسيِّب عَرف حقيقة الدُّنيا جَاءَهُ مندُوب الخليفة يخطُبُ ابنتَهُ لابنِهِ، هذا السَّفير مندُوب الخليفة يقول: جاءتكَ الدُّنيا يا سعيد بحذافيرها، ابنُ الخليفة يُريد بنتك، ماذا كان جواب سعيد؟ قال سعيد: إذا كانت الدُّنيا لا تزنُ عند الله جناح بعُوضة، فماذا عسى أنْ يُقصّ لي الخليفة من هذا الجناح؟! صحيح وش بيعطيه من هالجناح؟ لكن، اللهُ المُستعان، حالُ المُسلمين، وواقع المُسلمين، ولِسَانُ الحال، يقول بأعلى الصُّوت: أن الدنيا أدنى شيء من الدُّنيا في عُرف النَّاس أفضل من الآخرة! يعني هو إنْ لم يَقُلْها بلسانهِ! هذا فِعل كثيرٍ من النَّاس، يعني لَغَط النَّاس،(1/1)
وصَخَبهُم النَّاس ولَهَثَهُم وراء هذهِ الدُّنيا يُؤَكِّد هذا؛ لكنْ على الإنسان وإنْ اعْتَنَى بِدُنْيَاهُ، وكان على خِلاف الأصل، خِلاف الهَدَفْ الشَّرعي من وُجُودِهِ وهو تحقيق العُبُودِيَّة، إذا نَسِيَ دِينَهُ فلا يَنْسَ ما أوْجَبَ اللهُ عليهِ، ولا يَجُوزُ بحال أنْ يَرْتَكِبَ ما حَرَّمَ اللهُ عليهِ، وما عدا ذلك الأمر فيه سهلٌ إن شاء الله تعالى، واللهُ أعلم، وصلى الله وسلَّم وبارك على عبده ورسُولِهِ نبيِّنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.(1/2)
هل يُدْعَى على الكفار بالهداية أم بالهلاك والعذاب؟!
الشيخ/ عبد الكريم الخضير
قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((شغلونا عن الصَّلاة الوسطى صلاة العصر؛ ملأ الله أجوافهم وقبورهم ناراً)) – أو – ((حشا الله أجوافهم وقبورهم ناراً)) مِمَّن ينتسب إلى العلم في هذه الأوقات يقول: لا تدعُ على الكُفَّار! ادعُ لهم بالهداية! ولا تقل: يُذَلُّ فيهِ أهلُ المعصية! هم حال كونهم أهل معصية ندعُو عليهم بأنْ يُذَلُّوا، ونرجُو لهم الهداية؛ لكن هنا ((ملأ الله أجوافهم وقبورهم ناراً)) – أو – ((حشا الله أجوافهم وقبورهم ناراً)) فيهِ دلالة صريحة على الدُّعاء عليهم بالهلاك، وبالعذاب، وجاء في الموطأ عن سعيد وغيره يقول: "أدركنا القوم – يعني الصَّحابة - وهم يدعون على عُمُوم الكُفَّار"، قد يقول قائل: هذا مُخالف للسُّنن الإلهية، السُّنن الكونية أنَّ من الكُفَّار – نعم – من يُسْلِم، فلماذا ندعُو عليهم؟! لماذا لا ندعُ لهم بالهداية؟ أو لا ندعُ على عُمُومِهِم، نقول: كما ندْعُو لعُمُوم المُسلمين، ومنهم من يُعَذَّب، ندعُ لهم بالرَّحمة والمغفرة، وأنَّ الله يتجاوز عنهم ويُدخلهم الجنة؛ لكن منهم من يُعَذَّب، فإرادةُ الله -جلَّ وعلا- ومشيئتُهُ نافذة، لا يَرُدُّها شيء؛ لكن إذا دَعَوْنا نحنُ مأمُورون بأنْ ندعُو لأنْفُسنا، ولأولادنا، وللمُؤمنين على جِهة العُمُوم، كما أنَّنا ندعُو على الكُفَّار على جِهة العُمُوم، ومشيئةُ الله نافذة؛ ولذا لمَّا دعا النَّبي -عليه الصَّلاة والسَّلام- على فُلان و فُلان؛ نزل قولهُ الله -جلَّ وعلا-: {لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ} [آل عمران/128]، فمن أرادَ الله هدايتهُ؛ يُسْتَثْنَى من هذهِ الدَّعوة كَوْناً، نحنُ مأمُورُون بأنْ ندُور مع الإرادة الشَّرعِيَّة، لا معَ الإرادة القدريَّة.(1/1)
همة مذمومة
الشيخ: عبد الكريم الخضير
الهمة هذه لها طرفان، ووسط، بعض الناس عنده همة، لكن هذه الهمة تتعدى ما عُدَّ له، هذه مذمومة، يعني إذا سمع من يطوف بالبيت، ويقول: "ربي هب لي ملكاً لا ينبغي لأحد من بعدي" نعم، هذه همة، لكنها همة مذمومة، فكيف إذا كان القائل امرأة, امرأة تطوف بالبيت، وتقول هذا الكلام، تبي ملك لا ينبغي لأحد من بعدها, هذه همة مذمومة، يهم الإنسان، -أو سمها أماني- بأن يبلغ منازلاً لا يستطيعها، أو ليست له، إما شرعاً، أو قدراً، شخص يربي نفسه على أن يصل إلى منازل الأنبياء مثلاً، كما يفعله أصحاب الرياضيات من غلاة المتصوفة، يصلون إلى مراتب من الولاية بحيث تكون فوق منازل الأنبياء، والرسل، هذه همة لكنها همة مذمومة.(1/1)
هَادِمْ اللَّذَّاتْ ومُفَرِّقْ الجَمَاعَاتْ
الشيخ/ عبد الكريم الخضير
((هاذم اللَّذات)) وجاء في بعض الألفاظ بالدَّال المُهملة هادم، وجاء في بعضها هازم، والفرق بين هذه الألفاظ أنَّ الهاذم هو القاطع، والهادم هو المُزيل كالذي يهدم البناء، والهازم هو الغالب، وإذا نَظَرْنا إلى الموت وجدنا فيهِ هذهِ الألفاظ كلها، فهو يقطع اللَّذات، والمُراد باللَّذات المحسُوسة من استمتاعٍ بمُتَعِ هذهِ الحياة، فَيَحُول بين المرءِ وبينها، فيقطعُهُ من الاستمتاع بالأكل والشُّرْبِ ومُعاشرة الأقرانْ، والنِّساء، وما أشْبَهَ ذلك، من مُتَعِ هذه الحياة الدُّنيا، على أنَّهُ قد ينقُلُ الإنْسَانْ إلى ما هو أشد مُتعةٍ ولذَّةٍ منها؛ لكنْ هذا بالنِّسبة لمُسْتَوى النَّاس كُلِّهِم الذي يشتركون فيه، في مُتَعِ هذهِ الحياة الدُّنيا؛ لكنْ من النَّاس من ينتقل إلى ما هو أفضل من حالِهِ وعَيْشِهِ، ومنهم من ينتقل إلى حالٍ سيِّئة نسأل الله السَّلامة والعافية، فهو قاطع وحائل بينَهُ وبين لذَّاتِهِ، وهو أيضاً هادم مثل ما يُهْدَم البِنَاء ويتحطَّم فهو مُزيل لهذهِ النِّعم، سواءً كانت حقيقتُهُ أو ذكرُهُ عند من أحيا الله قلبَهُ، هو مُزيل لهذا التَّلذُّذ بهذهِ النِّعم واللَّذَّاتْ، وهو أيضاً غالبٌ لها، ولذا يتقزَّز كثير من النَّاس من ذِكْرِ الموت أثناء الطَّعام! ويُنْكِر على من يذكر الموت في أوقات الفرح مثلا، في الأعياد، وفي الأفراح، في الأعراس، وفي غيرها، وأثناء الأكل والشُّرب، يُنْكِر من يقولها، النَّاس جاؤوا يَنْبَسِطُوا، يفرحوا، ويتلَّذُذون بحياتهم؛ لكنْ أولى ما يُذْكَر فيهِ الموت في هذهِ المواطن، مع أنَّهُ ينبغي أنْ يكون على لسان المُسْلِم؛ امتثالاً لهذا الحديث، وللمصلحة المُترتِّبة على ذِكْرِهِ؛ لأنَّ الإنسان الذِّي يُكْثر منْ ذِكْرِ الموت، الموت لا يُذْكَرْ في كثير إلا قَلَّلَهُ، ولا في قليل إلاَّ كَثَّره، إذا كانت عندك(1/1)
الأموال الطَّائلة إذا ذَكَرْتَ الموت؛ أمِنْتَ من الطُّغْيَان؛ لأنَّكَ رأيت أنَّكَ اسْتَغْنَيْتْ، فإذا عَرَفْتْ أنَّ ورائك موت؛ تأْمَنْ من هذهِ الآفة، وإذا كُنْتَ فَقِيراً لا تجدُ ما يكفيك؛ تكاد نفسُكَ تتقطَّع حسرات إذا رَأْيْت ما عند النَّاس من أموال ذكرت الموت؛ فهان عليك كل شيء!! هذا الأمر على المُسلم أنْ يمتثِله... لماذا؟ لئلاَّ يسترسل في اتِّباعِ شَهَواتِهِ ومَلَذَّاتِهِ، وينسَى ما أمامَهُ من أهوال، فإذا اسْتَحْضَر ذكر الموت؛ ارتاح ضميرُهُ، وعَمِلَ لما بعد الموت، لا يُذْكَرُ في كثيرٍ إلاَّ قَلَّلَهُ، ولا في قليلٍ إلاَّ كَثَّرَهُ، وجاء في بعضِ الألفاظ لهذا الحديث بعد الأمر بذكرهِ - أنَّ من أكثرَ ذِكْرَهُ؛ أحيا الله قلبَهُ - من أكثر ذكر الموت؛ أحيا الله قلبَهُ ومعناهُ صحيح، إذا تَصَوَّرت ما أمامك؛ عَمِلْتْ، وإذا نَسِيتْ ما أمامك؛ أهْمَلْتْ وغَفَلْت، فلا شكَّ أنَّ هذا الأمر على كُلِّ مُسلم أنْ يَمْتَثِله؛ لا سِيَّما من يَنْتَسِب إلى العلم وطَلَبِهِ، تَجِد النَّاس، ويُوجد هذا في مجالس طُلَّاب العلم أيضاً يَكْثُرُ فيها الهَزل، يكثُرُ فيها الضَّحك، ويَكْثُرُ فيها القِيل والقال؛ لكنْ لو ذُكِر الموت، الموت شبح أمام النَّاس كُلَّهم، مُخِيف؛ يَقِفُونَ عندَ حَدِّهم، واللهُ المُستعان.(1/2)
هَلْ نَصَبَكَ اللهُ حَكَمًا بين عِبَادِهِ؟!
الشيخ/ عبد الكريم الخضير
كثر في الآونة الأخيرة الخلاف بين طلبة العلم بعضهم مع بعض، وكثر تصنيف الناس تبعاً لذلك، فهذا من جماعة كذا وهذا من جماعة كذا وكذا، فهل من كلمة توجيهية لما في الفرقة والخلاف؟
نعم الفرقة شر، والخلاف كذلك، إلا ما لا بد منه مما يترتب على اختلاف في الفهم، وإلا فالأصل أن الخلاف شر، ولذا يقول الله -جل وعلا-: {وَلاَ يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ * إِلاَّ مَن رَّحِمَ رَبُّكَ} [(118- 119) سورة هود]، فدل على أن المختلفين غير مرحومين في الجملة، أما الاختلاف بين أهل العلم الذي سببه اختلاف في فهوم أو بلوغ نصوص بلغت بعضهم ولم تبلغ الآخرين، أو اختلفوا في ثبوتها وعدم ثبوتها هذا هو الذي يؤجر عليه الإنسان إذا تحرى الصواب، إن أصابه فله أجران، وإن أخطأ الصواب فله أجر واحد، ومثل هذا الخلاف موجود بين الصحابة والتابعين فمن بعدهم.
على كل حال تضييع الأوقات بمثل هذه الأمور من تصنيف الناس وهذا كذا وهذا كذا، لا شك أن هذا مما يورث حرمان العلم والعمل، فعلى الإنسان أن يعتني بعمله، ويخلص لله -عز وجل-، وأن يحافظ على هذا العمل، ألا يضيع عمره وعمله في فلان كذا، فلان كذا، فلان من جماعة كذا - لا - ، ألزم ما عليك نفسك، فاحرص على عملك، لا تفرق ما جمعت.(1/1)
وعلى طالب العلم أن يلتزم ويعتصم بالكتاب والسنة، ويترك الجماعات كلها، يعتصم بالكتاب والسنة، نعم كلٌّ يَدَّعي أنه على الكتاب والسنة، لكن إذا عرضت هذه الأعمال تبين الخلل فيها، أولاً: عليك بجماعة المسلمين، وعليك أن تعتصم كما ذكرنا بالكتاب والسنة، وأن تلتف حول أهل العلم الموثوقين في علمهم وعملهم وإخلاصهم، والله المستعان، هذا وجد كثير، صار نصيب بعض طلاب العلم من العلم القيل والقال، فلان كذا، وفلان أخطأ وفلان أصاب، فلان أفضل من فلان، فلان أعلم، ما عليك منهم، هَلْ نَصَبَكَ اللهُ حَكَمًا بين عِبَادِهِ؟! ألا تعلم أنَّ أعراض المسلمين حفرة من حفر النار كما قال ابن دقيق العيد؟ وهؤلاء مسلمون، نعم إذا وُجد في صفوف المسلمين من يُخشى منه الخطر على المسلمين ينبغي أنْ يحذَّر منه.(1/2)
واجب الحكام تجاه فلسطين
الشيخ/ عبد الكريم الخضير
الضعف الذي أصاب الأمة لا يتحمَّل مسؤوليته واحد بعينه ؛ بل الجميع من القِدم، ما هو من الآن؛ لأننا الآن نعيش ضرائب تفريط سابق، وما زلنا نعيشه؛ لكن لا يتحمله شخص جاء في النهاية؛ لكن على هذا الشخص أن يسعَ جاهداً في رفع شأن الأمة، ولو لم يكن ذلك إلا بإصلاح نفسِهِ وإصلاحِ شَعْبِهِ الذي لا يمنعهُ منه أحد، وهذا كثير في رفع شأن الأمة؛ لكن لا يتحمَّل المسؤولية شخص جاء متأخر، والأسباب تنعقد من مئات السنين؛ لكن مع ذلك على القادة الموجودين الآن أن يُصلحوا أنفسهم وشُعُوبهم، فإذا صلحت الشعوب؛ لا شك أنَّ الله -جل وعلا- يرفع هذه المحنة عن الأمة وهذا الضَّعف وهذا الذل، الذل مضروب إلى يوم القيامة على اليهود، ولن تقوم لهم قائمة بعد أن ضُربت عليهم الذلة والمسكنة إلا بحبل من الله وحبل من الناس، الحبل من الله -جل وعلا- هذا منقطع معروف؛ لكن بقي الحبل من الناس، يعني لو زالت أمريكا يبقى اليهود إن لم يُوجد حبل ثاني؟ ما تبقى ولا يوم! ليسوا بشيء هم؛ لكن حبل من الناس ممدود لهم، وهذا هو سبب بقائهم، وإلاَّ لو زال من يدعمهم، زال هذا الحبل، انقطع هذا الحبل من الناس؛ ليسوا بشيء هم، لا عَدَد ولا عُدة ليسوا بشيء مضرُوب عليهم الذلة والمسكنة؛ لكن قد يقول قائل: كيف يُمكَّن إخوان القردة والخنازير من خير أمة أخرجت للناس؟ فيقتلون منهم ما يقتلون، ويستهترون ويلعبون بأعصابهم لعب، وهم حفنة ليسوا بشيء، وضُربت عليهم الذلة والمسكنة، وسُلِّطُوا على خير أمة أخرجت للناس، سببها انصرافُ هذه الأمة التي هي خير أمة أخرجت للناس عن أسباب العِزّ والنَّصر والتَّمكين، ولاَّ بالنَّص القطعي {خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ} [ (110) / آل عمران ] وكون يُسلَّط عليهم هؤلاء النَّتْنَى على هذه الأمة من باب إذلال من خالف أمر الله وشرع الله؛ لأنه لو سُلِّط أُمَّة قوية مثلاً، يعني ما يَبِينْ(1/1)
الإِذْلال مثل ما يَبِينْ فيما لو سُلِّط، لو جاء شخص عظيم فقتله عظيم ما فيه إشكال؛ لكن لو جاء أحقر الناس وقتل أعظم الناس وش يصير؟ يعني نكاية ليس وراءها نكاية، وهذا بقدر ما وقع فيه المقتول أو المُسلَّط عليه من مخالفة لأمر الله وشرعه، والله المستعان .
في ابن كثير -رحمه الله تعالى- ذكر قصة في تفسير سورة النساء أنَّ خادما عند قوم، فسيِّدتهُ أصابها المخاض الطَّلْق، فرأى في النَّوم من يقول له إنَّ سيِّدتك سوف تلد بنتاً، وهذه البنت تزني مرات عديدة ذُكرت كأنه قال مائة مرة، ثم تتزوجها أنت، هو ما يريد أن يتزوج بغي؛ لكن ما الذي حصل؟ لما ولدت قيل له أأتي بالسكين من أجل قطع السرة، فجاء بالسكين فبقر بطن البنت، ثم هرب مدة عشرين سنة إلى بلدٍ عمل فيها بالتِّجارة، فصار من الأغنياء المعدودين المذكورين، صار من الأثرياء المشهورين، ثم رجع إلى بلده باعتبار أن البنت ماتت والقصة نُسِيت، رجع إلى بلده، وأراد أن يتزوج فطلب من امرأة أن تبحث له عن أجمل بنت في البلد فخطبت له هذه البنت! هو لا يعرفها أبوها مات وأمها ماتت، المقصود أنه لا يعرفها، فلما دخل عليها رأى أثر شقّ البطن، قال: ما سبب هذا؟ ، قالت: أيَّام الولادة كان عندنا عبد، ولما جاء بالسكين بقر بطني وهرب، ما أدري وش صار عليها، المقصود أنه عرف أنه هو والبنت هي، فقال لها: اصدقيني هل حصل منك شيء من الزنا؟ قالت : نعم، كم العدد؟ قالت : والله ما أدري لكن شيء ما يُحسب، قال: تبلغ مائة؟ قالت: نعم تبلغ مائة أو تزيد؛ لكنها دخلت في قلبه، وأعجبته، وأُعْجِب بها ، وتعلَّق قلبه بها فلم يُفارقها، نعم في الرؤيا قيل له: أنها تلد بنت، ثم يحصل منها ما حصل من الزنا، ثم تتزوجها أنت، ثم تموت بسبب عنكبوت هذه البنت! فلما تزوجها وتعلَّق قلبه بها وأحبَّها حبًّا شديداً ذكر أنها سوف تموت بسبب عنكبوت! فَشَيَّد لها قصراً مُنِيفاً مَنع منهُ جميع ما يُمكن أنْ يدخل معهُ حشرة، ما(1/2)
يُمكن أن تدخل حشرة، وبينما هو جالس ذات يومٍ مع هذه الزوجة، شف الآن رجل من الأثرياء، وصار من الجبابرة المعدودين، يعني صار له شأن ولم يستطع أن يدفع العنكبوت عن هذه المرأة! وفي يوم من الأيام وهما جالسان نزلت العنكبوت من السَّقف كعادتها، فقال للمرأة: هذه التي تموتين بسببها، فقامت فداستها بقدمها حتى ماتت، فأُصِيبت بِأَكَلَة أو آكِلَة، يعني شيء يأكل اللَّحم، يعني مثل الجُذام في عُرقُوبِها فبدأَت شيئاً فشيئاً إلى أنْ ماتت بسببها، شف الآن ما الذي سُلِّط على هذا الغني وعلى هذا الثَّري وعلى هذا الجبَّار؟ يعني لو جاء أسد وافترس المرأة ما فيه إشكال، يعني سبب مقبول؛ لكن عنكبوت! عنكبوت تقضي على أغلى شيء يملكه في الدنيا ولا يستطيع أن يدفع عنها شيء! هذا إذْلاَل، هذا في غاية الإذْلاَل، وغاية الإخضاع والخنوع كما سُلِّط إخوان القِردة والخنازير أَذَلّ النَّاس وأخسّ النَّاس على خير أُمَّةٍ أُخرجت للنَّاس، واللهُ المُستعان.(1/3)
واجب طالب العلم في أوقات الفتن
الشيخ/ عبد الكريم الخضير
واجب طالب العلم في أوقات الفتن عليه أن يعتصم بكتاب الله وسنة نبيه -عليه الصلاة والسلام-، والعصمة من هذه الفتن بالاعتصام بالكتاب والسنة، ويقلل بقدر الإمكان إلا بقدر الحاجة، إلا بقدر الحاجة، إلا بقدر ما يُحتاج إليه من الأمور التي يخوض فيها الناس، يقلل منها، ويقتصر منها على قدر الحاجة، بعض الناس في أوقات الفتن، والفتن مذهلة، والإنسان متشوف إلى أن يعرف ماذا حصل؟ وماذا قيل؟ وماذا قالوا؟ تجده يقضي من وقته أكثر من نصف الوقت في الجرائد والمجلات والمواقع والقنوات، ماذا قال فلان؟ وماذا قيل عن فلان؟ على أمور هي لا شيء إن لم تضر لم تنفع، نعم ينبغي أن يعرف الإنسان ما يدور حوله بقدر الحاجة، وأن يكون ديدنه كتاب الله وسنة نبيه -عليه الصلاة والسلام-، وما يعين على فهم الكتاب والسنة، وأن يُعنى بالعبادات الخاصة، يُعنى بالعبادات الخاصة مثل الذكر، سواءً كان المطلق أو المقيد في أوقات خاصة أو على العموم في جميع الأوقات، ومثل تلاوة القرآن على الوجه المأمور به، وأيضاً الصلاة، يكون له نصيب من الصلاة، وأيضاً الصيام، وغير ذلك من العبادات المتنوعة التي جاءت النصوص بفضلها، ((والعبادة في الهرج كهجرة إلي)) كما في الحديث الصحيح، فعلينا أن نهتم بهذا الأمر ونعنى به، ونلتف على أنفسنا، ونصلح ما فيها من خلل، ونعنى بأمراض القلوب كي نعالجها مما جاءنا في شرعنا، ولا نحتاج إلى غيره، لا نحتاج إلى أن فلان العالم النفساني الأمريكي قال كذا، أو البريطاني قال كذا، لسنا بحاجة، عندنا العلاج لكل داء، {وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاء} [(82) سورة الإسراء] شفاء لإيش؟ لأدواء القلوب وأمراضها، ولأدواء الأبدان أيضاً، وأمراضها، فعندنا الشفاء، وفي كلام أهل العلم ما يعين على ذلك، وللإمام المحقق شمس الدين ابن القيم من ذلك القدح المعلى، وكتبه مملوءة من هذا الشأن، فيعنى(1/1)
بها أيضاً؛ لأنها تعين على فهم الكتاب والسنة، فعلى الإنسان أن يهتم بأمر العمل، وإذا صدق اللجأ إلى الله -جل وعلا- أعانه على كل ما يريد من علم وعمل.(1/2)
بسم الله الرحمن الرحيم
واستعينوا بالغدوة والروحة
الشيخ/ عبد الكريم الخضير
((واستعينُوا بالغُدْوة والرَّوحة)) الغَدْوَة: السَّير أوَّل النَّهار، والرَّوحة: السَّير آخر النَّهار ((وشيء من الدُّلْجَة)) من اللَّيل بهذا تُقْطَع المسافات الحِسِّيَّة، فَلْنَقْطَع هذهِ المسافة المعنوِيَّة في سَيرنا إلى الله -جل وعلا- مُستعِينين بهذهِ التَّوجيهات النَّبويَّة فَنَسْتَغِلْ أوَّل الوقت الذِّي هُو محلُّ البركة، بعد صلاة الصُّبح إلى انتشار الشَّمس يعني يَسْتَغِلُّهُ طالب العلم بما يُقرِّبُهُ إلى الله -جل وعلا-؛ ولْيَكُن نصيب القرآن في هذا الوقت هُو الأوْفَر، وآخر النَّهار يترُكُهُ لما يُقرِّبُهُ أيضاً إلى الله -جل وعلا- من عُلُومٍ أُخرى، ومن عباداتٍ مُتنوِّعة، ويأخُذ من اللَّيل نصيبَهُ والباقي لِشُؤُونِهِ وحَياتِهِ.(1/1)
والله بكلِّ شيءٍ مُحيط
الشيخ/ عبد الكريم الخضير
الإدراك بالنِّسبة من المخلُوق للخالق؛ فمُستحيل، والنَّفي فيه مُوبَّد - لا - ما جيء بلن، هذا وجه الفرق، مع أنّهُ -جل وعلا- يُدْرِك الأبصار على تَعَدُّدِها، واختلافها زماناً ومكاناً، وحالاً ومآلاً، المقصُود أنَّ الله-جل وعلا- لا تخفى عليه خافية وهو المحيط لكلِّ شيء، يُدركها الأبصار، أنت تدري كم في البصر من وش يسمونه؟ الشُّعب والخلايا التِّي فيها، يعني لما بكبرونها في التَّشريح ترى العجائب، فهو يُدْرِكها بِتفاصِيلها من كُلِّ مخلوق، تعالى الله، -سبحانه وتعالى-، لمَّا نُصّ على الأبصار؛ {يُدْرِكُ الأَبْصَارَ} [(103) سورة الأنعام] لأنَّ فيها من الأجزاء ما لا يوُجد في غيرها، فعظمة الباري -جل وعلا- لا يُمكن أنْ يُدْرِكها المخلُوق، يُدْرِك شيئاً من هذه الحِكم وهذه العِبَر التِّي تزيد في إيمانِهِ بالتَّأمُّل والتَّدَبُّر، وخيرُ ما يُعين على مثل هذا القراءة في مثل مفتاح دار السَّعادة لابن القيم، ترى العَجَب إذا قرأت في هذا الكتاب واللهُ المُستعان.(1/1)
وصايا للزَّوج
الشيخ/ عبد الكريم الخضير
((حتَّى ما تجعلُ في فيّ امرأتك)) هذا من حُسْن العشرة والتَّعامُل، يعني تأخُذ اللُّقمة وتَضَعُها في فيّها، بعضُ النَّاس يَأْنَف من هذا ويَتَكَبَّر؛ لكنْ هذا لا شكَّ أنَّهُ من العِشرة بالمعرُوف، وبعض النَّاس إذا دَخَل بيته مثل الإمبراطُور ما يُريد أحد يتنفَّس، والنَّبي -عليه الصَّلاة والسَّلام- في خِدْمَةِ أهلِهِ {وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ} [البقرة/228]، تُريد منك احترام وتقدير مثل ما تُريد منها، هي امرأة، إنسانة كاملة الحُقُوق، ويَبْقَى أنَّ الرَّجُل هُو الرَّاعِي، وهُو القَوَّام على من تحت يَدِهِ، لا نقول إنَّ المرأة مثل الرَّجُل، لا، من المعلُوم بالضَّرُورة من دين الإسلام أنَّ الله -جلَّ وعلا- فَضَّلَ الجِنْس على الجِنْس {وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ} [البقرة/228]؛ لكن لا يعني هذا أنَّك تستغِل هذهِ القِوامة، وهذهِ الدَّرجة لِتجْعَلَها مُسَخَّرة مُذَلَّلة، لا يا أخي؛ لأنَّ الله -جلَّ وعلا- يقول: {وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ} [البقرة/228]، فلك حُقُوق ولها حُقُوق، وتُريدُها تتعامل معك باحترام وتقدير احْتَرِمْها وقَدِّرْها، هي إنسانة لها حُقُوق ولها مشاعر ولها نَفْس مِثلك، ابن عبَّاس يقول: (نِّي لأتَجَمَّلُ لها كما أُحِب أنْ تَتَجَمَّل لي) ((حتَّى ما تجعلُ في فيّ امرأتك)) يعني في فمها.(1/1)
وصايا نَبَوِيَّة
الشيخ/ عبد الكريم الخضير
عن جابر بن عبد الله أنَّ رسُول الله -صلَّى الله عليهِ وسلَّم- قال: ((أَغْلِقُوا البَاب، وأَوكُوا السِّقَاء)) ((أَغْلِقُوا البَاب)) إذا أراد الإنسانْ أنْ يَنام يُغْلِق عليهِ الباب؛ لأنَّ الشَّيطان لا يَفْتَح الباب المُغلق، ((وأَوكُوا السِّقَاء)) لئَلاَّ يَنْسَابَ فيهِ شيءٌ يُؤْذِيهِ ويُقَذِّرُهُ عليهِ، أو يَضُرُّهُ، وأيضاً ((الشَّيطانْ لا يَحِلُّ وِكاءً)) كما في الحديث: ((وأَكْفِؤُوا الإنَاء)) يعني اقْلِبُوهُ لئَلا يُعرَّض لِلَحْس الشَّيطان أو الدَّواب المُؤْذِيَة السَّامة ((أَوكُوا السِّقَاء، وأَكْفِؤُوا الإنَاء، أو خَمِّرُوا الإناء)) (أو) هذهِ شكّ يعني هل قال أكفؤُوا الإناء أو خَمِّرُوهُ يعني غَطُّوهُ ((وأطْفِؤُوا المِصباح)) ولا شكَّ أنَّ المِصْبَاح فيهِ نار، قَد يَتَعَدَّى ضَرَرُها إلى من بِجِوَارِها، كثيراً ما تحدُث الحَرَائِق بسبب هذا المِصباح وهذهِ الدَّفايات الموجُودة المُحرِقَة؛ ((فإنَّ الشَّيطان)) - العِلَّة – ((لا يَفْتَحُ غَلَقاً)) المُغْلَق لا يَفْتَحُهُ الشَّيطان، ((ولا يَحِلُّ وِكَاءً))، المَربُوط لا يَحُلُّهُ، ((ولا يَكْشِفُ إناءً مُغَطَّى))، ((وإنَّ الفُوَيْسِقَة)) يعني الفَأْرَة ((تُضْرِمُ على النَّاسِ بَيْتَهُم)) يعني تأتي إلى هذهِ الفَتِيلة، أو تَأتِي بشيءٍ إليها فَتُوقِدُهُ لِتُحْرِقَهُ، فَيَحْتَرِق البيت ومن فيهِ.(1/1)
وصايا وتوجيهات للاستفادة من الدروس العلمية
الشيخ/ عبد الكريم الخضير
إذا اختار الشيخ واختار الكِتاب، عليهِ أنْ يحفظَ المَقْطَع الذِّي يُراد شَرْحَهُ في هذا اليوم، ذَكَرُوا في كتب طُرُق التَّعَلُّم أنَّكَ تُرَدِّدْ هذا المَقْطَع حَتَّى تَحْفَظَهُ، من الغَدْ تَقْرَأ ما حَفِظْتَهُ بالأمس خَمْسْ مَرَّاتْ، ثُمَّ تَحْفَظْ نَصِيب اليَوْم الثَّانِي، في اليوم الثَّالث تُكَرِّر ما حَفِظْتَهُ في اليوم الأوَّل أَرْبَع مَرَّاتْ، وما حَفِظْتَهُ في اليوم الثَّاني خَمْسْ مَرَّاتْ، ثُمَّ تَزِيد نَصِيب اليوم الثَّالث، ثُمَّ في اليوم الرَّابع نَصِيب اليوم الأوَّل ثَلاث مَرَّات، والثَّانِي أربع مَرَّاتْ، والثَّالث خَمْسْ مَرَّاتْ وهكذا، تبدأ في اليوم السَّادس تترُك نَصِيب اليوم الأوَّل، في اليوم السَّابع تترُك نصيب الثَّاني ضَمِنْتَهُ، كم كرَّرْتَهُ من مَرَّة؟! وهذهِ طريقةٌ مُجرَّبَة، ونَافِعَة؛ فإذا حَفِظَ الطَّالِب هذا النَّصِيب، والشيخ عبد القادر بدران ذَكَر طريقة لِتَحضِير الدُّرُوس نَافِعَة؛ لكنْ مع الأسَف الشَّديد أنَّ كثير من الطُّلاَّب لا يَعْرِف الكِتاب إلاَّ عند الشيخ في حَلْقَةِ الدَّرْس، ومِثْل هذا قلَّ أنْ يُفْلِح، الشيخ عبد القادر يقول -رَحِمَهُ الله-: تَحْفَظ المِقْدَار المُحدَّد مع مجمُوعة خمسَة سِتَّة يكُون من الطُّلاَّب الجَادِّينْ الذِّين يُناسبُونكَ في فَهْمِك، وفي مُسْتَواكَ العِلْمِي، ثُم كُلّ واحد يَنْفَرِد بمُفْرَدِهِ، ويَشْرَح ما حَفِظَهُ منْ غَيرِ رُجُوع إلى الشُّرُوح، يَشرح المقطع يشرحه؛ فإذا شَرحهُ قُرِئَ الشَّرح على هذا الكِتَاب، وكُلّ واحد مَعَهُ شَرْحُهُ، ثُمَّ إذا تَبَيَّنْ لهُ خطأ في فَهْمِهِ ، وفي شَرْحِهِ صَحَّحْ، بِهَذِهِ الطَّريقة لَنْ يَتَكَرَّر الخطأ مرَّة ثانية خلاص، اجْتُثَّ الخَطأ من أساسِهِ، ثُمَّ بعد ذلك رَاجَعُوا الحَواشِي، وتَنَاقَشُوا في الشَّرح(1/1)
والحَواشِي، بعد ذلك يَذْهُبُون إلى الشيخ يَمْثُلُونَ بينَ يديْهِ بِكُلِّ أدَبْ، وتَواضُع، واحْتِرَام، لا يجي طالب نافشٍ نفسُهُ يقول أنا خلاص أنا ماني بحاجة شيخ، أنا حَفِظْت وقرأتْ الشَّرح والحاشية وأشُوف وش عندُهُ! ؛ لأنَّ بعض طَّالب يأتي بهذهِ النَّفْسِيَّة وحِينئِذٍ لَنْ يَسْتَفِيد من الشيخ، بعضُ الطُّلاب قد يحضر عند بعض الشُّيُوخ يوم يومين ثلاثة عشرة ثُم يَتْرُكُهُ! وش السَّبب؟ والله ما اسْتَفَدْت! تَرَدَّدْت على هذا الشيخ ما شوفت لهُ فايدةٍ تُذْكَر! وقد يكُون هذا الشيخ من الأكابِر، من العُلماء الكِبَار؛ لكنْ هذا الطَّالب يبي يطلع ما عند الشيخ في يوم، أو في يومين أو في عشرة؟! يصبر، ولا شكَّ أنَّ كُلاًّ من الشيخ والطالب لا بُدَّ أن يتعرضا لمرحلة امتحان، حتى إذا تجاوزا هذه المرحلة وُفِّقَا وَسُدِّدَا، الشيخ أيضاً قد يَجْلِسْ لإقْرَاء الطُّلاَّب وتَعْلِيمُهُم، يجلس أوَّل يوم يجلس عندهُ عشرة مثلا،اليوم الثاني ينقصُون يصيرُون خمسة، اليوم الثَّالث يصيرُون اثنين، الشيخ يُراجع حساباتُهُ ويترُك! أقول: يا أخي لا تترُك، هذِهِ مَرْحَلَة امْتِحَان أنْت اسْتَمِرّ، أنْت لو اسْتَأْجَرْت من يَقْرَأْ عليك بالدَّراهِم ما هُو بِكثير، خلّيه يقرأ عندك اثنين ثلاثة ما يخالف؛ ((لَئِنْ يَهْدِيَ اللهُ بِكَ رجُلاً واحِداً خيرٌ لكَ من حُمُر النَّعَم))؛ لكنْ أنت إذا تَجَاوَزْتْ هذهِ المَرْحَلة أبْشِر، وقد أدْرَكنا بعض شيُوخِنا ما عندهُم إلاَّ طالب واحِد ليس من أهلِ هذهِ البِلاد! والآنْ بالمِئَات؛ بل بالأُلُوف الحُضُور عندَهُم، وآحَادُ النَّاس يأتي إلى هذا الشيخ الذِّي يَحْضُرُهُ الأكابِر من العُلماء، ومن القُضَاة، ومن الدُّعاة، يأتِي من صِغَارِهِم يقول: والله ما مسكت شي ما فيه فائدة! إذا كُنت جاي لِتَطْلُب العلم بهذهِ النَّفْسِيَّة من الآنْ يا أخي لَنْ تُحصِّل شيء! على كُلِّ حال العُلُوم لا بُدَّ(1/2)
أنْ يأخُذ طالب العلم من كُلِّ علمٍ منها بِطَرف، فيُعْنَى بِكِتاب الله وما يَخْدِمُ الكِتاب؛ وليَكُن لِسُنَّة نَبِيِّهِ -عليهِ الصَّلاةُ والسَّلام- النَّصِيب الأَوْفَر، على الجَادَّة المَعْرُوفة، يَبْدَأ بِكُتُب المُتُون الصَّغِيرة المُخْتَصَرَة إلى أنْ يَتَرَقَّى إلى الكُتُب المُسْنَدَة الأصْلِيَّة، يَقْرَأ أيضاً يَتَفَقَّه على مَذْهبٍ مُعيَّنْ، وليَست هذهِ دَعوى إلى التَّقليد – لا – إنَّما هي دَعْوَى إلى المَنْهَجِيَّة وسُلُوك الجَادَّة في طَلَبِ العلم؛ لأنَّ بعض النَّاس يسمعنا نقول، أو يَسْمَع غيرنا يقول: اقْرَأ في زاد المُستقنع أو في دليل الطَّالب، يَظُنّ أنَّ هذهِ الكُتُب دَسَاتِير لا يُحاد عنها، - لا - هي كُتب البَشَر؛ لكنْ كيف تَتَحَدَّدْ معَالم العِلم وأنْتَ لستَ على جَادَّة، يقول بعضُهُم أنَّهُ يَتَفَقَّه من الكِتاب والسُّنَّة، يا أخي أنتْ مُبتدِئ، كيف تَتَعامل مع الكتاب والسُّنَّة؟! عندك من العِلْم ما يُعِينك على فَهم الكِتاب والسُّنَّة؟! عَرَفْتْ العَام والخاصّ والمُطْلَق والمُقيَّد، عَرَفْتْ كيف تَتَعَامل مع النُّصُوص؟! عَرَفْتْ النَّاسِخ والمَنْسُوخ؟! ما عَرَفْتْ! تَفَقَّهْ على كِتَاب مُخْتَصَرْ، احْفَظْ مَسَائِلَهُ، وتَصَوَّرْ هذهِ المَسَائِلْ بِدِقَّة، اقْرَأ الشُّرُوح، واحْضَر الدُّرُوس، وفَرِّغْ الأَشْرِطَة، واسْتَدِلّ لهذِهِ المَسَائِلْ، يعني ما هو مُفترض منْ طالب العِلم أنْ يَحْفَظ أقوال جَافَّة بِدُونْ أدِلَّة – لا – العِلْمُ قال الله، وقال رسُولُهُ، اسْتَدِلّ لهذِهِ المَسَائل، وانْظُر منْ وَافَقَ المُؤَلِّفْ على هذهِ الأحْكَامْ معَ النَّظَر في أَدِلَّتِهِمْ وتَعْلِيلاتِهِمْ، وانْظُر من خَالَفْ، وانْظُر دَلِيل المُخَالِفْ، وَوَازِنْ بَيْنَ الأَدِلَّة، بهذا تُخَرّج عالم، ما تقول أتَفَقَّه من الكتاب والسُّنًَّة وأنْت ما عندك شيء! طيب ما الذِّي في الكتاب(1/3)
منْ تفصيلات أحكام الصَّلاة فضلاً عن غيرها؟! وأنت تقول أتَفَقَّه من الكتاب، إذا قرأت في السُّنَّة وأنت لا تعرف مُطلق ولا مُقيَّد ولا ناسِخ ولا منسُوخ كيف تعرف؟! مثال ردَّدْناهُ مِرَاراً، يَقْرَأ الطَّالب المُبتدئ بابُ الأمرِ بقتلِ الكِلاب ثُمَّ يخرج بالمُسَدَّس؛ فإذا رأى كلب قَتَلَهُ! طيِّب الدَّرس من الغد بابُ نسخِ الأمر بقتل الكِلاب، كيف يَتَفَقَّه مثل هذا؟! لا بُدّ من الجَوَادِّ المَعْرُوفَة عند أهل العِلْم، قد يقول قائِل: إنَّ هذهِ الكُتُب لا تُوجد في عَصْرِ السَّلَفْ؛ إنَّما أَخَذُوا من النَّبي -عليه الصَّلاة والسَّلام- مُباشرة وتَفَقَّهُوا، يا أخي إذا كُنت في مُسْتَواهُم، في فَهْمِهِم، هُم يَفْهَمُون، يَفْهَمُونْ اللَّفْظ كيف يُرَاد، اللَّفْظ العَام، واللَّفظ الخَاصْ، العَام المَخْصُوص، والعَام الذِّي أُريدَ بِهِ الخُصُوص، أنت ما تَفْهَم شيء؟! ما زِلْتْ مُبتدئ، في حُكمِ العَامِّيّ! بِهذِهِ الطَّريقة إذا سَلَكَها الطَّالب -بإذنِ الله- ما يُنْهِي كتاب مُخْتَصَر من المُختصرات من المُتُون المَتِينَة المَعْرُوفة عند أهل العِلم، لا يأتِي إلى كِتابٍ سَهْل، والمَشَقَّة كما هو مَعْرُوف لَيْسَت مَقْصُودَة لِذَاتِها في الشَّرع؛ لكنْ الكِتاب المَتِينْ يُربِّي طالب عِلْم، هُو الذِّي يَجْعلك تُبْحَثْ عَنْ مَعَاني هذا الكِتَاب ومَنْطُوقُهُ ومَفْهُومُهُ وإلاَّ فالمَشَقَّة لَيْسَتْ مَقْصُودَة لِذَاتِها، كِتاب سَهل تَقْرَؤُهُ، طيب ما الذِّي يَثْبُت في الذِّهن منْ قِراءة كِتابٍ مُيَسَّر؟! ما يَثْبُت شيء؛ لكنْ إذا كان الكِتاب فيهِ مُعَاناة، فيهِ صُعُوبة، هذا يَثْبُت بإذن الله، وإلاَّ ما الذِّي يجعل طُلاَّب العلم يُعانُون زاد المُستقنع منْ أُلِّف إلى يومنا هذا وهو من أَعْقَد الكُتُب؟! مُختصر خليل عند المالكيَّة ألْغَاز! ومع ذلك هو عُمْدَتُهُم يعني هذا الاعتماد جاء من فَرَاغ؟! اعتماد(1/4)
المَالِكِيَّة على خليل خطأ؟! مو بصحيح؛ لأنَّهُ كتاب يُربِّي طالب عِلم، وكثير من الإخوان يعتمد على مُؤَلَّفات مُعاصِرين، وكِتاباتٍ سَيَّالة، هذهِ لا تحتاج إلى مُعاناة، مُجرَّد ما تَتْرُك الكتاب وش يَعْلَقْ بِذِهنك منهُ؟! لكنْ الكِتاب الصَّعب الذِّي السَّطْر منهُ يحتاج إلى مُعاناة، ومُراجعة شُرُوح وحواشي، وسُؤال مشايخ، وتَفْرِيغ أشْرِطَة هُنا يَثْبُت العِلْم.(1/5)
وصف من يشتغل بالعلم بأنه عالم
الشيخ/ عبد الكريم الخضير
هذا يقول: سؤال بالغ الأهمية يحسم خلافاً بين الأخوة، يقول: اختلف الأخوة في تسمية عالم، وطالب علم، هل يجوز أن يصف طلبة العلم أحد المشتغلين بالعلم بأنه عالم، ولو لم يزكه أحد العلماء؟
هذه التسميات لا ينتظر فيها أن تصدر من جهات رسمية، أو يصدر فيها صك شرعي، كان العلماء يعطون إجازات لطلابهم بأنهم بلغوا منزلة من العلم، وهذه بمثابة التزكية، فإذا حصلت التزكية من أحد من العلماء المعتبرين، أو جمع من العلماء المعتبرين لطالب من طلاب العلم بأنه أدرك علماً يستحق أن يوصف به عالم، فهذا شيء جيد، لكن –أحياناً- لا يحصل ذلك، فإذا استفاض أمره بين الناس، واشتهر فضله بين الناس، وعرف بعلمه، وعدم شذوذه عن الجادة؛ هذا يستحق أن يسمى عالماً، شريطة أن يكون علمه بالكتاب والسنة، أن يكون علمه بالكتاب والسنة؛ لأنه هو العلم الذي جاء مدحه في نصوص الكتاب والسنة، ما يتعلق بهما، وما يعين على فهمهما، ويلاحظ أن طلاب العلم في هذه العصور، بل وفيما تقدم من عصور، الذي يحدد عندهم المقدار الذي يسمى به فلان عالم، أو طالب علم، وقد يزيدون، ويقولون: علامة، كل هذا مثاره في كثير من الأحيان الإعجاب، يعجب بشخص من الأشخاص، ثم يضفي عليه من الألقاب ما لا يستحقها، هذا شيء مجرب، ومشاهد بينما يبخل على من هو أفضل من هذا الشخص بأدنى لقب؛ لأنه لا يعجبه، والله المستعان، فالمسألة مسألة إنصاف، لو زل الإنسان، أو أخطأ، أو هفا، أو شذ في مسألة، أو في مسائل يسيرة، هذا يبقى عالماً، يعني إذا كان قصده في ذلك نصر الحق، ولا يسلب اسمه، وأذكر أن شخصاً من شيوخ الأزهر ألف كتاباً انتقد فيه، انتقد فيه من بقية الشيوخ، فأصدروا فتوىً مضمونها أنه ليس من أهل العلم، سلبوا منه الوصف، سلبوا منه الوصف، فإذا هفا هفوة لا تليق بأهل العلم، وأصر على ذلك، وعاند، ونوقش، وبينت له الأدلة لا مانع من أن يسلب عنه الوصف؛(1/1)
لئلا يغتر به العامة، والله المستعان.(1/2)
بسم الله الرحمن الرحيم
وصية للعلماء
الشيخ العلامة/ عبد الكريم الخضير
إذا رأى العالم من الطُّلاب شيء من الإدْبَار والانصراف والفُتُور لابُدَّ أنْ يَتَأَلَّفهُم إشْفاقاً عليهم، وإرادةً لهُم، ونُصْحاً لهُم، لا لِتكثُر الجُمُوع عليه، هذا لا يختلف مع ما قُلنا سابقاً إنَّ الإنسان يبحث عمَّا يكفيه المؤُونة، نعم يبحث عمن يكفيه المؤونة يفرح إذا قيل: إنَّ الشيخ الفُلاني العالم الفُلاني عندهُ مِئات، عندهُ أُلُوف يفرح؛ لكنْ إذا وُجِد هو في بلدٍ ما وعندهُ عشرين طالب، ثلاثين طالب ثُمّ أخذُوا ينقُصُون مِنْ باب الشَّفقةِ عليهم أنْ يَتَأَلَّفهُم، ويَحثُّهُم على الحُضُور، وأحياناً يُيسِّر لهُم الأمر بأنْ يُهديهم الكُتُب التِّي يحتاجُونها، ويُلين لهُم الكلام، المقصُود أنَّهُ يَتَأَلَّفهُم لا ليكثُر الجمع عندهُ، ليس معنى هذا ليصْرِف وُجُوه النَّاس إليه، لا، إنَّما لينتفعُوا، لِيَنْفَعُهُم بما عندهُ، ليثبُت لهُ أجر التَّعليم، ويثبُت لهُم أجر التَّعلُّم، ويتعاونوا على البر والتَّقوى.(1/1)
وطِّن نفسك على التَّحرير ولا تستعجل الثمرة؛ فتُحرم!
الشيخ/ عبد الكريم الخضير
طالب العلم يحضر الدُّرُوس، ويقرأ الشُّرُوح، ويسمع، وهناك رابط قوي للتَّحصيل، وهو اختصار الشروح، أو فهم الشُّرُوح، وصياغة هذه الشُّرُوح على حسب فَهْمِهِ بأُسْلُوبِهِ هو؛ لأنَّهُ إذا تصوَّر مسألة في كتابٍ من الكتب سواءٌ كان في الفقه، أو في الأصول، أو في العربية، أو في غيرها من العلوم، تَصَوَّرها تَصَوُّراً صحيحًا، ثُمَّ صَاغَها بأُسْلُوبِهِ؛ يَسْهُل عليهِ العلم، ويَفْهَمُهُ، ويُتْقِنْ هذا العلم، إذا أشكل عليهِ شيء قَرَأَ الشُّرُوح، وسَمِعْ ما سُجِّلْ، ويسأل أيضاً؛ مثل هذا يُعين على التَّحصيل، ويُثبِّت المعلُومات؛ لا سِيَّما طالب العلم الذِّي لا تُسْعِفُهُ الحافِظَة، الذِّي يَصْعُب عليهِ الحِفْظ؛ مثل هذا لا أنْفَعَ لهُ من اختصار الكتب؛ قد يقول قائل تقليب الكتب مرَّة اختصار، ومرَّة شرح، ومرَّة تعليق، ومرَّة كذا، يُؤلَّف كتاب، ثم يأتي شخص ويختصر هذا الكتاب، ثُمَّ يأتي آخر فيَشْرَح الأصل، ثُمَّ يأتي ثالث ويضع عليهِ حاشية، ثُمَّ يأتي رابع ويشرح المُختصر، ثُمَّ يأتي إلى آخره... وقد وجدنا أصل، ومُخْتصر، ومُختصر للمُختصر! ولا يضر؛ كل هذا من باب تثبيت العلم، وكثير من هذه المؤلفات لم تُؤَلَّفْ في الأصل لنفع الآخرين! قد يؤلِّفها الشَّخص للانتفاع بنفسِهِ، ينتفع بنفسِهِ هو، ثم بعد ذلك يُوجد بعدهُ في تركَتِهِ؛ فَيُنْسَب إليه يُقال من مُؤلَّفاتِهِ، قد لا تكون النِّيَّة أنه اختصِرَهُ لنَفْعِ النَّاس، وهذا مع الحذر الشَّديد بالنِّسبة للطَّالب الذِّي يُزَاول الاختصار أنْ يكتُب بِنِيَّة النَّشر، ويُبَادر بنشر ما لم يَتَحرَّر أو يتحقَّق ويتأكَّد من معلُوماته، ويُوجد من بعض الشَّباب من هم في المرحلة الجَامِعِيَّة يكتب إعلان أنَّهُ من مُؤلَّفاتِهِ فيذكر عشرين كتاب! وتحت الطَّبع مثل.. وقيد التَّحقيق مثل...(1/1)
وهو ما بعد تأهَّل إلى الآن! مثل هذا يَسْتَعْجِل الثَّمرة؛ وفي الغالب يُحْرَم، فيكُون من طبيعتِهِ العَجَلَة، والعَجَلَة على حساب التَّحقيق والتَّحرير، فَلا يُعَوِّد الإنسان نَفْسَهُ على العَجَلَة واستعجال الثَّمرة، يُوطِّنْ نفسَهُ على التَّحرير، تَجِد بعض الكِبَار ينطِق ألْفَاظ لا سِيَّما في أسماء الرُّواة خطأ؛ لأنَّهُ اسْتَعْجَلْ في نُطْقِها، ولم يتيسَّر لهُ تحريرُها، واستمرّ على هذا! وأهلُ العلم يُوصُونَ بالنِّسبة للأسماء أن تُؤخذ من أفواه الشُّيُوخ، وأنْ تُراجع عليها كتب الضَّبط؛ لأنَّهُ يَقبح بشخصٍ كبير يُعلِّم النَّاس من خمسين سنة ويقول: سلمة بن كهبل! بالباء، هذا يخفى على صغار المتعلمين؟! لكنَّهُ نَطَقْ بها في أوَّلِ الأمر، ولم يَتَيَسَّر لهُ مُراجعتها، وليسَ من أهلِ الشَّأْن، ثمَّ بعد ذلك يقع في مثل هذا، فطالب العلم عليهِ أنْ يَتَحقَّق مِمَّا يقول، ما هو مفترض بإنسان وفي طالب علم أو حتَّى في عالم أنْ يُلِمّ بكلِّ شيء، ويعرف كل شيء، ويتأكَّد من كل شيء، الإنسان طَبْعُهُ العجلة، وقد يَضِيقُ عليهِ الوقت في بعض الأحيان فلا يتأكَّد منْ لَفْظَة أو من كلمة فيقُولُها! المقصُود أنَّهُ في حال السَّعة، وفي حال التَّحرير، وفي حال المُراجعة والكِتابة؛ يَتَأَكَّد، فيكون هذهِ عادَتُهُ ودَيْدَنُهُ، فإذا تأهَّل للتَّعليم والتَّألِيفْ؛ تكُون لَدَيْهِ أَهْلِيَّة؛ يَعْرِفْ يصل إلى المعلُومة في أقرب فُرصة.(1/2)
وفي أنفسكم أفلا تُبصرون
الشيخ/ عبد الكريم الخضير
من الغفلة أنْ يَطلُب الإنسان الشَّيء البعيد ويترك القريب، يَطْلُب وينظر إلى الشَّيء البعيد والذِّي بين يديهِ يترُكُهُ، لا ينظُر في خَلْقِهِ لا يَتَفكَّر في خلْقِهِ لِيَرَى العَجَب العُجاب، ابن القيم -رحمهُ الله- أفَاض في هذه المسألة في مُفتاح دار السَّعادة، وذكر وظائف الجِسم، وأعضاء الجسم، ومفاصل الجِسم، يقول: جَفْن العين هذا ما فائِدَتُهُ؟ يعني لو كانت العين مكشُوفة تصوَّر وش يصير الوضع؟ والحر والبرد والرِّياح تهبُّها! لا يَقْدِر قَدْر هذا الجَفْنْ إلاّ من فَقَدَهُ، النّاس يعني أشبه ما يكون بالمسَّاحة، مساحة الزُجاج تجدها باستمرار تَمْسَح، وإلاّ تراكمت عليها الميكرُوبات والجراثيم وغيرها، وتعرَّض للحر والبرد والرِّياح فتأثَّرت؛ لكنَّها محفُوظة ومحْمِيَّة بهذا الجَفْن، وذَكر شيء لا يخطُر على البال؛ فعلى طالب العلم أنْ يُعنى بمثل هذه الأُمُور؛ لأنَّها مِمَّا يُثبِّتُهُ ويَزِيدُ في يَقِينِهِ، يعني في كُل عُضو كل سُلامى من جَسَدِ الإنسان، كُل مَفْصِل من المَفَاصل ثلاثمائة وسُتُّون مفصل كل واحد يحتاج إلى صدقة؛ لأنَّها نِعَم تحتاج إلى شُكر، تَصوَّر لو أنَّ إصبعك الصَّغير لا تستطيع أنْ تَثْنِيهُ! كم تتأذَّى بهذا الإصبع؟ فكيف بالرِّجل؟ كيف باليد لو كانت ممدُودة هكذا لا تستطيعُ ثَنْيَها؟ كيف بالرَّقبة لا تستطيع أنْ تَلْتَفت يمين ولا شمال ولا ترفع رأسك ولا تخفِضُهُ؟ أُمُور على الإنسان أنْ يتفكَّر بها وينظُر فيها بِعَيْن الاعتبار، وأنْ يشكُر هذا الخالق المُنعم الرَّازق الذِّي تَفَضَّل عليهِ بهذه النِّعم الكثيرة، يعني لو أنَّ إنساناً أُصيب بعرقٍ نابض ما يَهَنَأُ لهُ عيش، ولا يطيبُ لهُ نوم، فهذه أُمُور كُلُّها تحتاج إلى شُكر، كُل نعمة من هذه النِّعم تحتاج إلى شُكر، ولو أنَّ إنساناً عَبَدَ الله -جلَّ وعلا- منذُ التَّكليف إلى أنْ مات بعد(1/1)
أنْ عُمِّر مئة سنة كل هذه العِبادة لا تُساوي نِعمة من النِّعم، فلو وُضعت في ميزان ووُضِع في مُقابِلِها نِعمة البصر أو السَّمع ما قامت لها، ولذا قال النَّبي -عليه الصَّلاة والسَّلام-: ((لن يدخل أحدكم عملُهُ الجنَّة، قالوا: ولا أنت يا رسُول الله؟ قال: ولا أنا إلاّ أنْ يتغمَّدني اللهُ برحمتِهِ)) فَدُخُول الجنَّة برحمة الله -جلَّ وعلا-؛ لكنْ كما قال أهلُ العلم المنازل بالأعمال، أمَّا الدُّخُول فهو برحمة الله -جلَّ وعلا-، و إلاّ لو حُوسب الإنسان كما ذكرنا في الدرس السَّابق ((من نُوقش الحِساب عُذِّب أيًّا كان)) كما جاء في الحديث الصَّحيح.(1/2)
وقت الرمي في يوم النحر وأيام التشريق
الشيخ/ عبد الكريم الخضير
النبي -عليه الصلاة والسلام- رمى الجمرة يوم النحر ضحىً؛ لأنه مكث عند المشعر حتى أسفر جداً، وطلعت عليه الشمس وهو في الطريق إلى منى، ووصل إلى الجمرة في وقت الضحى فرماها، وأما بعد ذلك في أيام التشريق فالرمي يكون بعد الزوال؛ فالنبي -عليه الصلاة والسلام- رمى بعد الزوال، وقال: ((خذوا عني مناسككم)) وكانوا يتحينون الزوال فدل على أنه لا يجوز الرمي قبل الزوال، كانوا يتحينون الزوال، ولو جاز ذلك لفعلوه كما فعلوا في جمرة العقبة، ففعله النبي -عليه الصلاة والسلام-، وتحينوه وتحروه، مع ما يترتب على ذلك من مشقة شديدة، ومع ذلك قال: ((خذوا عني مناسككم)) فلا يجوز الرمي قبل الزوال، والرمي يستمر إلى غروب الشمس عند جمع من أهل العلم، ومنهم من يجعله يستمر حتى ولو دخل الليل لحديث: "رميت بعد ما أمسيت" قال: ((افعل ولا حرج)) (أمسيت) يعني دخل في المساء، كقوله: أظلمت دخلت في الظلام، والمساء يبدأ من زوال الشمس إلى اشتداد الظلام.(1/1)
وقت تكبيرات العيد
الشيخ/ عبد الكريم الخضير
التكبير يُسَن في ليلتي العيدين، ويستمر بالنِّسبة للفطر منذُ غُرُوب شَّمس ليلة العِيد {وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ} [البقرة/ 183] وهذا من شُكر نِعمة إتمام الصِّيام، ويستمر التَّكبير إلى صلاة العيد، هذا التَّكبير ليلة العِيد ويوم العِيد إلى الصَّلاة، وهذا غير التَّكبير في الصَّلاة، هذا بالنِّسبة لعيد الفِطْر، عيد الأضحى التَّكبير يبدأ من دُخُول العشر ويستمر إلى نِهاية أيَّام التَّشريق؛ لأنَّها أيَّام بَهِيمة الأنعام، العشر أيَّام عرضِها في الأسواق وبيعها وشرائِها وأيَّام العيد والتَّشريق أيَّام النَّحر والأكل، التَّكبير في صلاة العيد جاء في حديث ابن عمر وغيره، والقراءة جاءت في الحديث الأول، هذا ثابت عن الصحابة مأثور عن سلف هذه الأمة، التكبير المطلق الذي يبدأ من دخول العشر إلى نهاية أيام التشريق، هذا غير مقيد بوقت معين، والتَّكبير المُقيَّد الذِّي يبدأ من فجر يوم عرفة هذا ثابت عن بعض الصَّحابة والتّاَبِعين وسلف هذه الأُمَّة، فَبَالَغَ بعضُهم مثل الحسن البصري -رحمهُ الله- يرى أنَّ المسبُوق يُكبِّر مع الإمام بعد السَّلام ثُمَّ يقضي ما فَاتَهُ مُحَافظةً على هذهِ السُّنَّة المأثُورة، على كُلِّ حال ما دام ثَبَتت عن سلف هذه الأُمَّة فلا كلام، من فجر يوم عرفة إلى عصر آخر أيَّام التَّشريق هذا غير الحاج، أمَّا الحاج فمن ظُهر يوم النَّحر عند أهلِ العِلم.(1/1)
وقت ذبح الأضحية
الشيخ/ عبد الكريم الخضير
ووقت الذبح في يوم العيد بعد الصلاة أو قدرها إلى آخر يومين من أيام التشريق، فعلى هذا تكون أيام النحر ثلاثة: يوم العيد، ويومان بعده، هذا المذهب عند الحنابلة، وهو قول عمر وعلي وابن عمر وابن عباس وأبي هريرة وأنس، وإليه ذهب مالك والثوري وأبو حنيفة، يعني قول الأكثر أن أيام الذبح ثلاثة: يوم النحر، ويومان بعده.
وروي عن علي -رضي الله عنه- أنه يستمر إلى آخر أيام التشريق، فعلى هذا تكون أيام الذبح أربعة، وبه قال عطاء والحسن والشافعي، لحديث: ((أيام منى كلها منحر)) ولأنها أيام تكبير وإفطار، فكانت محل للنحر كالأولين، واختار هذا شيخ الإسلام ابن تيمية، وهذا هو المرجح، والمعمول به الآن.
وقال ابن سيرين: "لا يجوز النحر إلا في يوم النحر خاصة؛ لأنها وظيفة عيد فاختصت بيوم العيد كالصلاة
وأداء الفطرة يوم الفطر".
ويستدل للمذهب باقتصارهم على اليومين مع يوم العيد النهي عن الادخار فوق ثلاث، ولا يجوز الذبح في وقت لا يجوز ادخار الأضحية إليه، وعلى كل حال الحكم واحد بالنسبة للهدي والأضاحي، حكمها واحد، فإذا جاز في الهدي إلى آخر أيام التشريق فليجز في الأضاحي، ومن قال بهذا يلزمه القول بهذا.
من ذبح قبل أن يصلي الإمام -إمام المسلمين- صلاة العيد فإن ذبيحته لا تجزئه عن الأضحية، وإنما شاته التي ذبحها شاة لحم يأكلها، هو ومن شاء، وليست بشاة نسك، لما روى البخاري في صحيحه عن البراء -رضي الله تعالى عنه- قال: قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: ((إن أول ما يبدئ به في يومنا هذا أن نصلي، ثم نرجع فننحر، من فعل فقد أصاب سنتنا، ومن ذبح قبل فإنما هو لحم قدمه لأهله، ليس من النسك في شيء)) وفي الباب عن أنس وجندب بن سفيان البجلي، وكلها متفق عليها.(1/1)
ومن كان في مكان لا تصلى فيه صلاة العيد فإنه يتحرى بذبح أضحيته قدر ما يصلي الإمام صلاة العيد عادة ثم يذبح، والمراد بالإمام إمام المسلمين إن كان يتولى صلاة العيد، وإلا فمن ينوب عنه في البلدان والأقطار والأقاليم؛ لكن إذا كان بعض الأقطار يصلي قبل بعض بساعة، وافترضنا أن إمام المسلمين في البلد المتأخر؟ يعني إمام المسلمين في مكة مثلاً، وأهل الشرق يصلون قبل مكة بساعة، نقول: انتظروا حتى تصلى الصلاة التي فيها إمام المسلمين؟ لا، كل بلد يخاطب بصلاته هو، فإذا صحت الصلاة دخل وقتها، وأديت الصلاة مع الخطبة انتهى الإشكال، وعلى هذا إذا كان في بلد لا يصلى فيه صلاة العيد فإنهم يقدرون قدره، يعني بعد طلوع الشمس بساعة مثلاً تكون الصلاة قد انتهت، لا سيما في الأضحى الذي أمر بتعجيلها.(1/2)
وقفة مُحاسبة مع نهاية العام
الشيخ/ عبد الكريم الخضير
قبل عشرة أيام ودَّعنا آخر مواسم العام، ودَّعنا العشر من ذي الحجة التِّي هي أفضل أيَّام العام على الإطلاق، وجاء فيها الحديث الصحيح: ((ما من أيام العمل الصَّالحُ فيهنّ أحبُّ إلى الله من هذه الأيَّام العَشْر، قيل: يا رسُول الله: ولا الجِهادُ في سبيل الله؟! قال: ولا الجهاد في سبيل الله)) إلاَّ ما اسْتُثْنِي ((إلاَّ رجلٌ خَرج بنفسِهِ ومالِهِ ولم يَرْجِع من ذلك بشيء))، وقبلها ودَّعنا رمضان ومَواسم العام، وقريبا نستقبل عاماً جديداً، ونُودِّعُ هذا العام الذِّي عِشْنَاهُ، وتُطوى صَحائِفُهُ بما فيها من خيرٍ وشَر، والعُمر كُلُّهُ موسم للمُسْلِم، مَوسِمٌ للحَرْثِ والزَّرْع، والثَّمرةُ تُجنى فيما بعد في الدَّار الآخرة، فعلى المُسلم عُمُوماً وعلى طالب العلم على وجهِ الخُصُوص أن يعتني بوقتِهِ وأنْ لا يُضيِّع شَيْئاً منهُ، نعم لِنَفْسِهِ عليهِ حق، ولأهلِهِ حق ولِزورِهِ حق، وعليهِ أنْ يُؤدِّي كُلَّ حقٍّ إلى صَاحِبِهِ ؛ لكن ليسَ معنى هذا أنْ يُضيِّع السَّاعات في القيل والقال، ويقول لنفسك عليك حق!!! لَكَ أنْ تَسْتَجِمّ ولكَ أنْ تَسْتَرِيح،؛ لكن عليكَ أنْ تعملْ بِما كُلِّفْتَ بِهِ، بعض النَّاس يقول: الدِّين يُسْر، ((الدِّين يُسْر)) الحديث صحيح ثَبَتَ بذلك ((ولن يُشادَّ الدين أحداً إلاَّ غَلَبَهُ))؛ لكن هو يُريد أنْ يستعمل هذهِ الجُملة من هذا الحديث الصَّحيح بالتَّنَصُّلِ والتَّخَلُّفِ عن التَّكاليف، صلاة الفجر في أيَّام الشِّتاء شديدة؛ لكن هل يتناول هذا الأمر حديث الدِّين يُسْر؟! هل للإنسان مندُوحة أنْ يُصلِّي في بيتِهِ، ويترُك الصَّلاة مع المُسلمين؛ لأنَّ الدِّين يُسر؟! –لا- الدِّينْ تَكالِيفْ، وحُفَّت الجنة بالمكاره، فيُخْطِئ من يَفْهَم حديث ((الدِّينْ يُسْر)) على غير وجهِهِ ((اكلفُوا من العمل ما تُطِيقُون)) {لاَ يُكَلِّفُ اللّهُ نَفْسًا(1/1)
إِلاَّ وُسْعَهَا} [(286) سورة البقرة]؛ لكنْ ليسَ معنى هذا أنْ تُفَرِّط بالواجبات؛ بل عليكَ أنْ تفعل ما أوجبَ الله عليك، وعليكَ أنْ تَتْرُك ما حَرَّمَ اللهُ عليك ، ((إذا أمرتُكُم بأمرٍ؛ فأتُوا منهُ ما اسْتَطَعْتُم)) ((صلِّ قائما؛ فإنْ لَمْ تَسْتَطِع فقاعِداً)) لا يُقال للمُقعد عليك أنْ تَقِف في الصَّلاة – لا – ((وإذا نَهَيْتُكُم عنْ شيء فاجْتَنِبُوهُ)) ما فيه مَثْنَوِيَّة ما فيهِ اسْتِثْنَاء، المنهيَّات لا بُد من تَرْكِها مهما كانت، مَشَقَّتُها على النَّفْس؛ لأنَّك مُعبَّد ومُذَلَّل لِرَبِّك الذِّي خَلَقَك، الذِّي خََلَقَك من أجلِ عبادَتِهِ، فعلينا جميعاً أنْ تستغل هذهِ الأيَّام وهذه اللَّيَالي فيما يُرضي الله -عزَّ وجل-، وإذا كانت النِّعم التِّي تَواترت وتَوارَدَتْ علينا من كُلِّ فج مع الأمن الذِّي عِشْنَاهُ ونَعِيشُهُ -إنْ شاء الله تعالى- صارت سبباً في انصراف كثير من النَّاس؛ فإنَّ المُستقبل غيب، لا يُدْرَى ماذا يَحْمِل في طَيَّاتِهِ؛ لكنْ غَلَبةُ الظَّن تدل على أنَّ المُستقبل ليس مثل الماضي، فعلينا جميعاً أنْ نَعْتَصِمَ بالكِتاب والسُّنَّة، فالفتن بدأت أماراتُها وعلاماتُها تَظْهر، فلتترُك حياة الرَّاحة والدَّعة إلى حياة الجِد والاجتهاد في العِلم والعمل، وخير ما تُصْرَف فيهِ الأوقات العلم الشَّرعي الذِّي أُمِر النَّبي -عليه الصَّلاة والسَّلام- بالاسْتِزَادَةِ منهُ {وَقُل رَّبِّ زِدْنِي عِلْمًا} [(114) سورة طه] العلم الشَّرعي علم الكتاب وعلم السُّنَّة، وما يخدِمُ هذين العِلْمَين، علم الكتاب القرآن كلامُ الله أفضل الكلام وفَضْلُهُ على سائِر الكلام كَفَضْلِ الله على خَلْقِهِ، وقد لُوحِظ من بعض من ينْتَسِب إلى طَلَبِ العلم التَّفريط في هذا الباب ولا شكَّ أنَّهُ حِرمان، فالقُرآن أبُو العُلُوم وأُسُّها، ومنهُ تَنْبَثِق {مَّا فَرَّطْنَا فِي الكِتَابِ مِن شَيْءٍ} [(38) سورة(1/2)
الأنعام]، فمن قَرَأ القرآن على الوجهِ المأمُور تَدَبُّر وترتيل، لا شكَّ أنَّهُ سوف يَحُوز ويُحَصِّل على خيريْ الدُّنيا والآخرة، وإذا كانت مُجرَّد القراءة، مُجَرَّد التِّلاوة رُتِّبَ عليها على كُلِّ حرف عشر حسنات، من أيْسَر الأُمُور أنْ يَجْلِسْ الإنسان وفي رُبع ساعة ثلث ساعة يقرأ جُزْء من القرآن، وفي الجُزء الواحد أكثر من مئة ألف حسنة، ومن أيْسَر الأُمُور أنْ يَقرأ القُرآن في سَبْع، كما قال النبي -عليه الصلاة والسلام- لعبد الله بن عمر ((اقرأ القرآن في سبع ولا تزد)) منْ أيْسَر الأُمُور إذا جَلَسْ بعد صلاة الصُّبح حتَّى تنتشر الشمس قرأ سُبع القرآن على طَرِيقة السَّلف في تقسِيم ساعة واحدة بعد صلاة الصبح من كُلِّ يوم كفيلة بأن يقرأ القرآن في سبع، الختمة الواحدة التي يُقرأ فيها القُرآن على مدى أسبُوع مع الرَّاحَة التَّامَّة من غير انشغال ومن غير قطع للأعمال كَفِيلَة بما يَزِيد على ثلاثة ملايين حسنة، وهذا على أقلِّ تقدير، واللهُ يُضاعف لمن يشاء! يعني إذا احْتَفَّ بهذهِ القِراءة شيءٌ من التَّدَبُّر، شيءٌ من التَّأَمُّل والتَّأَثُّر يزيد الأجر يُضاعف الله لمنْ يَشاء إلى سبعمائة ضِعف وجاء في المُسْنَد حديث وإنْ كانَ فيهِ ضعف؛ لكن الجُمهُور يَقْبَلُونهُ في مثل هذا الباب، الضَّعيف في الفضائل ((إنَّ الله يُضَاعِفُ لبعض خَلْقِهِ إلى ألفَيْ ألف ضِعْف)) فَضْلُ الله لا يُحَدّ، فإذا احْتَفَّ بهذهِ القِراءة شيءٌ من التَّأَثُّر والتَّدَبُّر والتَّرتيل؛ لأنَّ القراءة على الوجه المَأْمُور بِهِ أَوْرَثَت من العلم واليَقِين والطَّمأنينة ما لا يُدْرِكُهُ إلاَّ منْ قَرَأَ على هذهِ الصُّورة، كما قال شيخُ الإسلام -رحمهُ الله تعالى-، والهُدى في تَدَبُّرِ القُرآن:
فَتَدَبَّر القرآن إنْ رُمْتَ الهُدَى ... فالعِلْمُ تحتَ تَدَبُّرِ القرآنِ(1/3)
كما يقُول ابن القيِّم -رحمهُ الله-، فَعَلَيْنَا أنْ نَعْتَنِيَ بكِتَابِ الله -عزَّ وجل- قِراءةً، وعَرَفْنَا أنَّ الأجْر مُرَتَّب على القِراءة كُل حَرْف عَشْر حسَنَات، هذا أقلّ تقدير، مَا لم يُصاحب ذلك ما يُخلّ بهذهِ القراءة من رياء مثلاً أو استِخْفاف بالمَقْرُوء أو ازْدِراء للآخرين؛ لأنَّ بعض النَّاس يُفتح لهُ هذا الباب ويَقرأ القرآنْ، ويُكْثِر من قِراءةِ القُرآن؛ لكن إذا جلس في المسجد وخَرَج فُلان من المسجد أَتْبَعَهُ نَظَرُهُ إلى أنْ يخرُج يزْدَرِيهِ ويَحْتَقِرُهُ!!! – لا يا أخي وما يُدْرِيك لعلّ الله -سُبحانهُ وتعالى- يرفَعُهُ فُوقك درجات.
والعُجب فاحذره، إنَّ العُجبَ مُجْتَرِفٌ ... أعمالَ صَاحِبِهِ في سَيْلِهِ العَرِمِ(1/4)
علينا أنْ نعمل، وعليْنا أن نعمل بإخلاص ولا نَزْدَرِي الآخَرِينْ، ولا نَتَرَفَّع على الآخَرِينْ، العِلْم الحقيقي الشَّرعي المبني على الكتاب والسُّنة كُلما ازداد منهُ الإنْسَانْ؛ ازْدَادَ في التَّواضُع، ومعرفة قَدْر النَّفس؛ لأنَّهُ مهما بَلَغْ، ولو أحَاطَ بِعُلُومِ الدُّنْيَا كُلِّها، لو حَفِظ جميع ما أُلِّف! وفَهِمْ جميع ما كُتِبْ!، يعني تميَّز بالحَافِظَة التِّي تُسْعِفُهُ لِحِفْظ جميع... وهذا مُستحيل... والفَهم الذِّي يُسَهِّل عليهِ جميع ما كُتِبْ؛ فإنَّهُ بأِّي حالٍ من الأحوال لنْ يَخْرُج عن قولِهِ تعالى: {وَمَا أُوتِيتُم مِّن الْعِلْمِ إِلاَّ قَلِيلاً} [(85) سورة الإسراء] فإذا افْتَرَضْنا على سبيل الافتراض، وهذا غير واقِعْ، إنَّ شخْصاً حَفِظ جميع ما كُتِبْ، وفَهِم واسْتَوعَبْ؛ فإنَّهُ لنْ يَخْرُج عن قولِهِ -جلَّ وعلا-: {وَمَا أُوتِيتُم مِّن الْعِلْمِ إِلاَّ قَلِيلاً}، فعلى كُلِّ إنْسَانْ أنْ يَعْرِفَ قَدْرَهُ، وعلى طَالِبِ العلم أنْ يَتَحَلَّى بالحِلْم، والصَّبر، والأنَاة واحْترام الآخرينْ، وتَقْدِير وُجهات النَّظر التِّي يُعْرَفُ من صَاحِبِها حُسْن القَصْد، أمَّا أنْ يُصَادِر الأفْهَامْ، ويحكُم على الآخرين بالخَطَأ، وتصير وَظِيفتُهُ جرح وتعديل للكبار والصِّغار!!! للمُتَقَدِّمين والمُتأخِّرِينْ!!! هذا نفس الطَّريقة؛ هذهِ إنَّما تُورِث حرمان بركة العلم والعمل، تَجِدْ من اشْتَغَلْ بالقِيل والقال هذا نَصِيبُهُ مِمّا حَصَّل!! لا يُوفَق لمزيد علم ولا عمل، واللهُ المُسْتعان، المَقْصُود أنَّ علينا أنْ نَعْتَنِي بالوقت، فالوَقْتُ هُو العُمُر، عُمرُك أيُّها الإنْسَانْ هُو وقتُك الذِّي تَعِيشُهُ، هُو أنْفَاسُكْ، وإذا كُنَّا سَوفَ نُودِّع عام كامل بعد ثمانية أيَّام أو تِسعة أيَّام، فعلينا أنْ نُوَدِّعُهُ بما يَسُرُّنا أنْ نَرَاهُ يوم القِيامة وأنْ يُخْتَمَ لنا بِخَيْر.(1/5)
بسم الله الرحمن الرحيم
وكفى بالقرآن واعظاً
الشيخ/ عبد الكريم الخضير
جاء في أول الحديث: "كان تنورنا وتنور رسول الله -صلى الله عليه وسلم- واحداً سنتين، أو سنة وبعض السنة، وما أخذت (ق) والقرآن المجيد إلا عن لسان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقرأها كل جمعة إذا خطب الناس"؛ لأن في سؤال من الأسئلة يقول: هل تجوز الخطبة بـ(قاف) فقط؟ يصعد المنبر ويقرأ سورة (ق) وينزل؟ نقول: هذه ليست خطبة؛ لأنها إنما أخذت (ق) والقرآن المجيد عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقرأها كل جمعة على المنبر إذا خطب الناس، يعني ضمن الخطبة تصير، تكون في ضمن الخطبة، ولا تكون هي الخطبة.
النبي -عليه الصلاة والسلام- يكثر من قراءة هذه السورة إذا خطب الناس في الجمعة، وذلكم لما اشتملت عليه، لما اشتملت عليه هذه السورة من المعاني العظيمة، فيها أمور لو تأملها المسلم لأفاد منها؛ ولذا جاء في أخرها {فَذَكِّرْ} كيف؟ {بِالْقُرْآنِ مَن يَخَافُ وَعِيدِ} [(45) سورة ق] {فَذَكِّرْ بِالْقُرْآنِ مَن يَخَافُ وَعِيدِ} [(45) سورة ق] فالتذكير ينبغي أن يكون بالقرآن، وكفى بالقرآن واعظاً، ومع الأسف تجد أن بعض الناس إذا كان هناك درس وإلا محاضرة يعتنون بالدرس والمحاضرة ويجلبون عليه بكل ما أتوا من استنفار، ثم إذا جاءت الصلاة لم يحضر لها قلب، لا من الطالب ولا من غيره؛ لأن العناية والهمة منصبة إلى هذا الدرس، لا يا أخي نقول: ينبغي أن يعنى بالفريضة قبل كل شيء التي هي الصلاة وتؤدى على الوجه المشروع، وتطال فيها القراءة طول نسبي، لا سيما إذا كثر الناس بصوت جميل يؤثر في الناس، وهذا التذكير بالقرآن، وهذا هو التذكير بالقرآن، بعض الناس يتضايق من الإمام إذا أطال في الصلاة وهو ينتظر درس، لا يا أخي هذه أهم من الدرس.(1/1)
فهذه السورة لا شك أن فيها موضوعات تهم المسلم، تهم المسلم فيها أمور، يعني ولو تدبرها طالب العلم لخرج منها بالمعاني العظيمة، واستعراض هذه السورة وما فيها من معاني يحتاج إلى دروس لا يكفيها درس أو درسين، وكلكم يحفظ هذه السورة -ولله الحمد-، وهي من أعظم سور القرآن، فعلى الخطباء أن يعنوا بها، وأن يكثروا من قراءتها على الناس بطريقة أو على الوجه المأمور به من الترتيل، وإدخالها إلى القلوب بتحسين الصوت والتغني بها؛ لأن القرآن يزين بالقرآن ((زينوا القرآن بأصواتكم)) ((وليس منا من لم يتغنَ بالقرآن)) والتأثير أولاً وأخراً للقرآن المؤدى بالصوت الجميل، وليس التأثير للصوت أبداً، بدليل أن هذا الصوت لو قرأ به شيء غير القرآن ما أثر هذا التأثير، لكن التأثير للقرآن المؤدى بهذا الصوت، ولا شك أن السامع يتأثر بالقرآن لاسيما إذا أُدِّي على ما أمر به من ترتيل وتدبر وتخشع واستحضار قلب، والله المستعان.(1/2)
ولا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدِّينْ !!!
الشيخ/ عبد الكريم الخضير
على الإنسان أن يُقبل إلى ما خلق من أجله، حصل هذا الهدف ثم بعد ذلك، {وَلَا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا} [(77) سورة القصص] التي تستعين بها على تحقيق هذا الهدف، أما أن تجعل الدنيا هي الهدف، وقد رأينا من عوام المسلمين، والآن بعض علماء المسلمين -مع الأسف- وبعض طلاب العلم من ينطبق عليه: ((تعس عبد الدرهم، تعس عبد الدينار تعس وانتكس)) – نسأل الله العافية – ((وإذا شيك فلا انتقش)).
نعرف من دهاتهم، من عوام المسلمين تأتيهم بضائع من الشرق والغرب، ويخبرك بأسعارها وفوائدها في لحظة، ما يحتاج آلات، أفضل من الآلات، وأسرع من الآلات، لكن لا يعرف يقص أظافره، وإذا أصابته شوكة يطلب من يسعفه، وهذا حاصل بالفعل ما هو بخيال، إنما هذا حاصل بالفعل، ولبس الساعة سنين ثم خلعها ما يعرفها، ومع ذلك يخبرك عن أمور الدنيا بدقة.
فالمسلم مخلوق لتحقيق هدف، {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} [(56) سورة الذاريات] تحقيق العبودية، ومع ذلك هذه العبودية تحتاج إلى شيء من الدنيا، فينتبه لشيء من دنياه، كما قال الله -جل وعلا-: {وَلَا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا} [(77) سورة القصص].
والحال الآن في وضع المسلمين العكس تماماً، كأنما خلقوا للدنيا ويحتاجون إلى من يقول لهم ويتعاهدهم "ولا تنس نصيبك من الدين" على العكس تماماً.
فعلى الإنسان أن ينتبه لنفسه قبل فوات الأوان.(1/1)
ولا حَسَبَ كحُسْن الخلق
الشيخ/ عبد الكريم الخضير
((ولا حسب كحسن الخلق)) هذا الحسب، هذا الذي يمكن أن يمدح به الشخص، لا يمدح بأنه ابن فلان أو من القبيلة الفلانية أو العلانية وهو ناقص، إنما يمدح بحسن خلقه بلا شك، وحسن تعامله مع الناس، احترامه للكبار، رحمته للصغار، إنزال الناس منازلهم، تعاملهم مع الناس على قدر عقولهم ومستوياتهم، هذا لا شك أنه هو الذي يمدح به الشخص. والله المستعان.(1/1)
وهديناه النجدين
الشيخ/ عبد الكريم الخضير
الله -جل وعلا- بيّن وهدى النجدين، وبيّن طريق الحق وطريق الضلال، وجعل هناك حرية واختيار ومشيئة للعبد يختار بها ما كُتب له يعني بطوعه واختياره يختار طريق السعادة أو طريق الشقاء، ولا أحد يُجبره على أحد الطريقين، فالله -جل وعلا- ركّب فيه هذا الاختيار، ومع ذلك لن يخرج عن إرادة الله ومشيئته، وقضاؤه الذي قدّره عليه، وهل هو شقي أم سعيد؛ لكن ما فيه أحد يقول إني حاولت أن أصلي وما قدرت! حتى الذين لا يصلون هل حاول منهم أحد أن يقوم إلى المسجد وعجز؟! له حرية واختيار بطوعه واختياره ترك الصلاة، إذاً ما ظُلم،
أشقى وأسعد مختارا أضلّ هدى ... أدنى وأبعد عدلا منه في القسمِ
منهم شقي وسعيد، ومنهم الضال ومنهم المهتدي، ومنهم القريب ومنهم البعيد.(1/1)
ويَبْقَى الكِبار كالجبال الرَّواسي؛ وإنْ حصل ما حصل من الأتباع!
الشيخ/ عبد الكريم الخضير
الإمام أحمد -رحمه الله- يقول: ما نقول لفظي بالقرآن مخلوق ولا غير مخلوق، ما نقول هذا، هل معنى هذا أنَّهُ تَوقُّفٌ في أفعال العِباد أنَّها مخلُوقة لله -جل وعلا-؟! لا؛ إنَّما هو حَسْم للمادَّة، وسَدّ للباب، واحْتِياط للاعتقاد الصَّحيح؛ لأنَّك إذا قلت لفظي بالقرآن مخلوق، واللَّفظ مُحتمل، قد يَسْمَعُها شخص فيُلقيها على إطْلَاقِها؛ لكنَّ البُخاري صَرَّح بأنَّ لفظي بالقرآن مخلُوق باعتبار أنَّهُ كلامي، والإمام أحمد -رحمه الله- سَدَّ الباب باعتبار أنَّهُ يحتمل أنَّ اللَّفظ الذي هو صوت القاري، ويحتمل أنَّهُ المَلْفُوظ المقرُوء، المتلوّ، وهو كلامُ الله -جل وعلا-، وما دام الاحتمالُ قائماً يُسَدَّ الباب كغيرها من الألفاظ المُجملة التِّي تحتاج إلى بيان، والتَّلفُّظ لا يحتمل الملفُوظ
فاللَّفظ يصلح مصدراً هو فِعْلُنا ... كتلَفُّظٍ بتلاوة القرآن
وكذلك يصلُح نفس لفظُ ملفُوظٍ به ... وهو القرآن فذك مُحتملان
فلذاك أنكر أحمد الإطلاق في ... نفيٍ وإثباتٍ بلا فُرقانِ(1/1)
مسألة اللَّفظ التي امْتُحِنَ من أجْلِها الإمامُ البُخاري لَمَّا دَخَل نيسابُور، واسْتَقْبَلَهُ أهلها بقضهم وقضيضهم، وغارَ منهُ بعض أهلِ الحديث الذِّين كانت لهم حظوة عند قومهم! لاشكَّ أنَّ مثل هذا يُثير الغَيْرة في نُفوس بعض النَّاس، وهو في نُفُوسِ الأتْبَاعِ أشدّ، يعني قد تجد الإمام الكبير يأتي عالم، ويجتمع النَّاس حوله، ويُتْرَك هذا العالم بُرهة حتى يَنْصَرِف هذا الطَّارئ، ولا يُؤثِّر في نفسِهِ بقدر ما يُؤثِّر في نُفُوس الأتْبَاع! وجُلّ هذه الأُمُور والتَّحرُّشات والمشاكل التِّي حصلت، إنَّما هي من الأتْبَاع! يعني في قِصَّة الإفْك على سبيل المِثال زينب بنت جحش هل دخلت في الإفك؟! وهي التِّي تسامي عائشة، ما دخلت وإنَّما دخلت أُختها حمنة انتصاراً لها! فالإشكال أكثر مما يأتي من الأتباع، وتَجد الخلاف في القديم والحديث، الرُّؤوس الكِبار هذولا ما بينهم إشكال! لاسِيَّما في المسائل التِّي لا يُضلل القارئ بها، ما بينهم مُشكلة؛ لكن هؤلاء الأتباع يَغارُون على شيخهم، ويَرَوْنَ أنَّهُ غُمر، ويُخْشَى أنْ يُسْحَبْ البِسَاط من تحته كما يقولون! ثُمَّ يغارُون عليه ويأخُذُون في الكلام الذِّي يُثير ما في كوامِن النُّفُوس، فلذلك الذُهلي وهو إمام أهل نيسابور، إمام عالم جليل، مِنْ كِبار المُحدِّثِين، إمام من أئِمَّة المُسلمين، لمَّا البُخاري قال لفظي بالقرآن مخلوق، والإمام الذُّهلي -رحمه الله- يحتاط لهذه المسألة مثل ما يحتاط الإمام أحمد فصار بينهما من العداوة ما صار، والأتْبَاع أيضاً اسْتَغَلُّوا مثل هذا الخلاف وهذا الظَّرف الذِّي سحب الأنظار عن شيخهم، فحصل ما حصل، وامْتُحِن البُخاري، وطُرِد من نيسابُور، على كُلِّ حال مثل هذه الأُمُور تحصُل قديماً وحديثاً؛ لكنْ الرَّاسِخ يرجع إلى ما في الكتاب والسُّنَّة، ويجعل قائده وسائِقَهُ النَّصّ، ولا يَنْظُر إلى الأتباع؛ لأنَّ الأتباع يأتُون، وما زالُوا(1/2)
يأتُون إلى الشيوخ قال فُلان، وفعل فلان، ترك فُلان! ويغرونهم ويأثرُون عليهم، ويَبْقَى الكِبار كالجِبال الرَّواسي، وإنْ حَصَل ما حصل من الأتباع،
فلذاك أنكر أحمد إطلاق في ... نفي وإثباتٍ بلا فُرقَانِ(1/3)
بسم الله الرحمن الرحيم
وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ
الشيخ/ عبد الكريم الخضير
أحق الناس بإرث الشخص القريب، ولذا على الإنسان أن يُعنى بأولاده وأسرته أكثر من عنايته بغيرهم فهم أحق الناس ببره، أحق الناس بخيره، وقد يُلاحظ على بعض أهل العلم الذين يبذلون للناس أنّ أولادهم ونساءهم ومن تحت ولايتهم ما استفادوا منه شيئاً، وقد يكون هذا عن تفريط، وقد يكون عن عدم التفريط؛ لأن الله -جل وعلا- لم يكتب لهم هذا الأمر، فلا يُتهم أهل العلم بأنهم قصّروا في نصح أولادهم وذراريهم، وأنهم غفلوا عنهم بالانشغال بغيرهم، لا، بذلوا وحاولوا وجاهدوا ومع ذلك ما كتب الله لهم شيء، وهذا أيضاً موجود على مستوى الأنبياء، يعني نوح على طول ما بقي مع قومه امرأته وولده استفادوا وإلا ما استفادوا؟ ما استفادوا، لا يعني هذا أن نوح فشل في دعوته كما قال بعض الكُتّاب المعاصرين، يقول: نوح فشل في دعوته؛ لأنه ما استفاد منه أقرب الناس، حتى تطاول على النبي -عليه الصلاة والسلام- وقال: إنه فشل في دعوته في العهد المكي وفشل في الطائف ونجح في المدينة، هذا موجود في كتابات تُتداول بين أيدي الناس، وهذا ضلال -نسأل الله السلامة والعافية-، ما الذي على الداعية؟ ما الذي على النبي؟ ما عليه إلا البلاغ، هل عليه أن يهدي الناس؟ ما يستطيع {إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ} [(سورة القصص: 56)] هل استطاع النبي -عليه الصلاة والسلام- هداية عمّه؟ نعم يهدي {وإنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} [(الشورى:52)] تهدي هداية الدلالة والإرشاد والبلاغ تهدي، لكن هداية التوفيق والقبول هذه بيد الله -جل وعلا-، فكون الإنسان يُمضي السنين الطويلة في تعليم الناس وما تخرج على يديه أحد من أهل العلم، قد يكون هذا خلل في طريقته في التعليم، وقد يكون الله -جل وعلا- ما كتب له القبول، ولم يتسنَ لأحد أن يحمل عنه هذا العلم، قد يكون ينفق السنين الطويلة في الأمر(1/1)
والنهي ومع ذلك ما تغيّر منكر، ولا استفاد أحد من أمره، هو عليه أن يبذل السبب وأجره مرّتب على بذل السبب، والنتائج بيد الله -جل وعلا-، فعلى الإنسان أن يهتم بالأقربين {وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ} [(سورة الشعراء: 214)] يهتم بهم، ويوليهم نصحه وتوجيهه وعنايته، وتعليمهم وتبصيرهم ومع ذلك لا يلزم أن يستجيبوا له، النتائج بيد الله -جل وعلا-.(1/2)
بسم الله الرحمن الرحيم
وَقَلِيلٌ مِّنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ
الشيخ/ عبد الكريم الخضير
النعم تشمل نعم الدين ونعم الدنيا، والنعم المتعلقة بالدين أعظم من نعم الدنيا بلا شك، فإذا بلغ الإنسان ما يسره في دينه من انتصار للمسلمين، أو هزيمة للكفار، أو دخول أقوامٍ في الإسلام، أو التزام بعض الأشرار، أو صدور قرار ينفع الإسلام والمسلمين مثل هذه يسجد لله شكراً هذه نعم.
فالنبي -عليه الصلاة والسلام- لما كتب له علي بإسلام أهل اليمن قرأه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- خر ساجداً شكراً لله تعالى على ذلك، والحديث أصله في البخاري واللفظ عند البيهقي.
وقد سجد كعب بن مالك لما أنزل الله توبته، وأقره النبي -عليه الصلاة والسلام-، والأحاديث في الباب كثيرةٌ جداً، فعلى المسلم أن يشكر الله -جل وعلا- عند تجدد النعم، ونعم الله لا تعد ولا تحصى، يتقلب المسلم في النعم ولا يلقي لها بالاً {لَئِن شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ} [(7) سورة إبراهيم] لكن كما قال الله -جل وعلا-: {وَقَلِيلٌ مِّنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ} [(13) سورة سبأ] فليحرص الإنسان أن يكون من هذا القليل، فإذا تجددت عليه نعمة في أمر دينه أو في أمر دنياه يسجد لله -عز وجل-؛ لكي تتتابع عليه النعم، ولا يكون من الذين بدلوا نعمة الله كفراً، ولا يلزم من الكفر الخروج من الإسلام لا، الكفر كفر النعمة، والله أعلم.
وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.(1/1)
بسم الله الرحمن الرحيم
وُجُوب التَّمسُّك بالسَّنة
الشيخ العلامة/ عبد الكريم الخضير
على الإنسان أنْ يحرص أنْ يكُون عملُهُ مُطابِقاً لما جاء بِهِ النبي -عليه الصلاة والسلام-، مُوافقاً لهُ، مُتَّبِعاً لا مُبتدِعاً، ومن شرط قبُول العمل: أنْ يكُون مع إخلاص عامِلِهِ صواباً على سُنَّةِ رسُولِهِ -عليه الصلاة والسلام-، فإذا حَرِصَ على أنْ يكون عملُهُ خالِصاً لله -عز وجل-؛ لأنَّ العمل وإنْ كانت صُورتُهُ مُطابقة لما جاء به النبي -عليه الصلاة والسلام- إنْ لمْ يكُن خالِصاً فإنَّهُ ليس بِمُطابق لِفعلِهِ -عليه الصلاة والسلام-؛ لأنَّ فِعلهُ مع الإخلاص.
فيحرص المُسلم لاسِيَّما طالب العلم أنْ يعتني بِسُنَّتِهِ -عليه الصلاة والسلام- ومن سيرتِهِ ما يُمكِّنهُ من الإقتداء بِهِ، ولذا يقول بعضُ السَّلف: "إنْ استطعتَ أنْ لا تحُكَّ رأسَك إلاَّ بسُنَّةٍ فافعل" هُنا تكُون المُتابعة، أمَّا أنْ يُعرض عن سُنَّتِهِ وسيرتِهِ -عليه الصلاة والسلام- ويزعُم أنَّهُ من أهل العلم أو من طُلاَّبِهِ فضلاً عن كونِهِ يعرف السُّنَّة ويُخالف السُّنَّة، فالأُسْوةُ والقُدوة هو الرَّسُول -عليه الصلاة والسلام-، ولا يَتمُّ الإقتداء والاتِّساء إلا بالعلمِ، والله المُستعان.(1/1)
وُجُوب الحج
الشيخ/ عبد الكريم الخضير
الحج أحدُ أركان الإسلام، وأحدُ مَبانِيهِ العِظام، جاءت النُّصُوص التِّي تَدُلُّ على أنَّهُ رُكْن من أركانِ الإسلام، ومن أشْهَرِها حديث ابن عُمر المُتَّفق عليهِ: ((بُنِيَ الإسلامُ على خمس: شهادة أنْ لا إله إلا الله وأنَّ مُحمَّداً رسُولُ الله، وإقام الصَّلاة، وإيتاءِ الزَّكاة، والحج، وصومُ رمضان)) هذا في المُتَّفق عليه – أعني تقديم الحج على الصِّيام، وهو المُرَجَّح عند الإمام البُخاري؛ ولِذا بَنَى كِتَابَهُ على ذلك، فَقَدَّم المناسك على الصِّيام. جاء في صحيح مُسلم من حديث ابن عُمر أيضاً الحديث نفسِهِ أنَّهُ قال: (( بُنِيَ الإسلامُ على خمس شهادة أنْ لا إله إلا الله وأنَّ مُحمَّداً رسُولُ الله و إقام الصَّلاة، وإيتاءِ الزَّكاة، وصومُ رمضان، والحج ، قال لهُ رجل: الحج وصومُ رمضان؟ قال: لا، صومُ رمضان والحج)) والرِّواية التِّي فيها تقديم الحج على الصِّيام في الصَّحيحين، وهذا الاسْتِدْرَاك من ابن عُمر على هذا القائل في مُسلم، كَأنَّ ابنُ عُمر -رضي الله عنهما- أرَادَ أنْ يُؤَدِّب هذا القائل، وأنَّ الحديث مَحْفُوظٌ عِنْدَهُ عن النَّبي -عليه الصَّلاة والسَّلام- على الوَجْهَيْن، فَلَمَّا اسْتَدْرَكَ عليهِ وقال: ((الحج وصوم رمضان، قال: لا، وصومُ رمضان والحج)) وهو مُتأكد من رِوايَتِهِ -عليهِ الصَّلاةُ والسَّلام- على هذا الوَجْه؛ وإنْ كان لا يَنْفِي الرِّوايات الأُخْرَى، ومنهُم من يقول أنَّ ابنُ عُمر نَسِي الرِّواية التِّي فيها تقديم الحج على الصِّيام، وعلى كُلِّ حال جُمهُورُ أهل العلم على تقديمِ الصِّيام على الحج، وبَنَوْا على ذلك مُؤَلَّفاتِهِم؛ لكنَّ الإمام البُخاري كأنَّهُ رَجَّح رواية تقديم الحج على الصِّيام، وبنى على ذلك تَرْتِيبَ الكِتاب.(1/1)
الأركان الخَمْسَة، بالنِّسبة للرُّكْنِ الأوَّل من لَمْ يَأْتِ بِهِ لمْ يَدخُل في الإسْلامِ أصْلاً ((أُمِرْتُ أنْ أُقَاتِلَ النَّاس حتَّى يَشْهَدُوا أنْ لا إله إلاَّ الله – أو حتَّى يقُولُوا لا إلهَ إلاَّ الله)). الصَّلاة المنقُول عن الصَّحابة تَكْفِير تارِك الصَّلاة، كان هذا اتِّفَاق منهم على كُفْرِ تارِكِ الصَّلاة، بَقِيَّة الأرْكَان من الزَّكاة والصِّيام والحج، القولُ بِكُفْرِ تارك كل واحدٍ منها قولٌ معرُوف عند أهل العلم، قالَ بِهِ جَمْعٌ من أهلِ العِلْم ولو اعْتَرَفَ بالوُجُوب، أمَّا إذا أَنْكَرَ الوُجُوب فهو كافرٌ إجماعاً، فَتَاركُ الزَّكاة المُمْتَنِع من دَفْعِ الزَّكاة كافِر عند بعض أهلِ العلم ولو أقَرَّ بالوُجُوب، الذِّي لا يَصُوم كافر عند جَمْع من أهلِ العِلْم وإنْ كانَ مُقِرًّا بالوُجُوب، الذِّي لمْ يَحُجّ أو لا يَحُجّ أو لا يَنْوِي الحج كافرٌ عندَ بعض أهلِ العلم وإنْ اعْتَرَفَ بالوُجُوب، والقولُ بِكُفْرِهِ رِواية عن الإمام أحمد نقلها شيخ الإسلام ابن تيميَّة وغيرُهُ في كتاب الإيمان، وعلى كُلِّ حال جُمْهُورُ أهل العلم على أنَّهُ لا يَكْفُر إذا اعْتَرَفَ بالوُجُوب؛ لكنَّ الأمر جِدُّ خطير؛ ولِذا جاء في آية الوُجُوب: {وَلِلّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً} [سورة آل عمران/97]، بعدَ ذلك قال: {وَمَن كَفَرَ} [سورة آل عمران/97] وفي هذا إشارة إلى القول الثَّاني وإنْ لَمْ تَكُنْ نَصّ؛ لَكِنَّها مُؤْذِنة بِأنَّ لهُ أصْل.(1/2)
عُمر بن الخطَّاب -رضي اللهُ عنهُ- كَتَبَ إلى الأمْصَار أنْ يَنْظُر من كانت لهُ جِدَة يَسْتَطِيعُ بها أنْ يَحُجّ، ولم يَحُجّ أن تُضْرَب عليهِ الجِزْيَة "اضربُوا عليهم الجِزْيَة ما هُم بمُسْلِمين، ما هُم بمُسْلِمين"، فالأمر خطير، والتَّساهُل من كثيرٍ من النَّاس يَسْتَطِيع أنْ يَحُجّ، قَادِر على الحجّ بِنَفْسِهِ ومالِهِ ومع ذلكم يَتَأخَّر! الشَّاب يقُول إذا تَخَرَّجْت، والشَّابَّة تقُول إذا تَزَوَّجْت، ويَتَعَلَّلُون ويَتَعَذَّرُونْ بِأَعْذَار لا قِيمَة لها، وأسْمَاء بنت عُمَيْس في الطَّلْق تُطْلَق، جَاءَها المخَاض وتَخْرُج إلى الحج، وتَلِد في المَحْرَم، عَشْرَة كِيلُو عن المدينة، اهتِمام الصَّحابة وعينات تختلف عن تَسَاهُلنا وتَراخِينا، فالله يعفُو ويسامح، هذا رُكْن من أركان الإسلام، ما تدري ما تَحْمِلُهُ الأيَّام بالنِّسبة لك، ما تَدْرِي ماذا يُقدّر لك، هل تَتَمَكَّنْ في غير هذا العام منْ أنْ تَحُج أو لا تَتَمَكَّنْ؟! ولِذا المُرَجَّح عند أهلِ العلم أنَّ الحج واجبٌ على الفَور لا على التَّرَاخِي.(1/3)
وُجُوب المَبِيت بِمِنَى
الشيخ/ عبد الكريم الخضير
المَبِيت بِمِنَى منْ وَاجِبَات الحَج، ومِنْ أدلَّة الوُجُوب كَوْن النَّبيّ -عليهِ الصَّلاة والسَّلام- بَاتَ بِمِنَى، وقال ((خُذُوا عَنِّي مَنَاسِكَكُم))، وكَوْنُهُ أَيْضاً رَخَّصَ للسُّقَاة والرُّعَاة أيضاً فِي تَرْكِ المَبِيت، فَدَلَّ على أنَّ غيرهم يَلْزَمُهُم المَبِيتْ، والمَبِيت بِمِنَى هذا القَوْل الوَسَط فيهِ أَنَّهُ مِنْ وَاجِبَات الحَجّ، مِنْ أَهْلِ العِلْم مَنْ يَرَى أَنَّهُ سُنَّة، ومِنْهُم مَنْ يَرَى أَنَّهُ رُكْن لا يَصِحُّ الحَجُّ إِلَّا بِهِ؛ لَكِنْ القَوْلُ الوَسَط فِي هَذِهِ المَسْأَلَة أَنَّهُ مِنْ وَاجِبَات الحَج، والمَقْصُود بِالمَبِيت بِاللَّيْل، يَعْنِي لَوْ تَرَكَ مِنَى بِالنَّهَار لا يَلْزَمُهُ شَيء، ولَوْ تَرَكَ المَبيتْ كُلُّه يُلْزِمُهُ أهل العِلْم بِما يَلْزَمُ مَنْ تَرَكَ نُسُكاً؛ لِأَنَّ المَبِيت من النُّسُك.(1/1)
بسم الله الرحمن الرحيم
يخلط الجد بالهزل وتضيع الفائدة
الشيخ / عبد الكريم الخضير
يوجد من طُلاب العلم لا سيما الذين لا يد لهم في الحديث، وهو في غير هذه البلاد كثير، يأتينا تعليقات على بعض الكتب من طلاب علم يحفظون دروس على مشايخ، فيملون عليهم المشايخ أحاديث موضوعة، ويتداول الناس من العامة والخاصة أحاديث في المناسبات لا أصل لها، فعلى الإنسان أن يحتاط لدينه، والكذب على النبي -عليه الصلاة والسلام- هفوة، وزلَّة عظيمة، وليست كالكذب على غيره، وإذا كان الأصمعي يرى أن من يلحن يدخل في الحديث؛ لأن النبي -عليه الصلاة والسلام- لا يلحن، فمهما لَحَنْت قوَّلته ما لم يقل؛ لكن إذا جيء بالحديث باللهجة الدارجة مثلاً عند الناس، عامي يتكلم بحديث يريد أن يعظ الناس أو يعظ زوجته أو ولده ثم جاء بالحديث بلهجته، وبعض الناس يتنزَّل مع العامة ويُحدِّثهم بأحاديث بلهجاتهم، ويرتاد مسجده كثير من الناس، ويُطيل الكلام بين الأذان والإقامة لصلاة العشاء إلى ما يقرب من ساعة وهو يُحدِّث على الناس بأحاديث بعضها مرفوع إلى النبي -عليه الصلاة والسلام-، وبعضها قصص حصل لبعض الصحابة ويُلقيها عليهم بما يفهموه من أساليبه، نقول: نعم، أنت قلت على النبي -عليه الصلاة والسلام- ما لم يقله، فعليك أن تحتاط لهذا الأمر أنت وغيرك؛ لأنَّ أهل العلم إذا منعُوا اللحن فلئن يمنعوا تغيير الألفاظ بالكلية من باب أولى، أحياناً يكون بعض من ينتسب إلى العلم أو الدعوة لديه شيء من المرح، ويريد أن يجذب الناس بأسلوبه فيقع في شيءٍ من هذا، ويقصّ على النَّاس، ويدخل حديث في حديث ليضحك الناس، هذا لا شك أنه لا يجوز، فيدخل حديث لأدنى مناسبة، ولو كانت المناسبة ضد هذا الحديث، ولا داعي لذكر الأمثلة لئلا يعرف الشخص والأمثلة موجودة ومضبوطة، والله المستعان، بعض الناس يقوم ليعظ النَّاس، ويتحدّث بأحاديث، ويتكلَّم بآيات، ويؤثِّر في الناس حتى إذا أقبل الناس على(1/1)
البكاء أردفَ ذلك بنكتة فضحكوا، هذا أسلوب لبعض من ينتسب إلى الدعوة، فلا شك أنَّ في كلامه مؤثِّر، ولديه قدرة على التَّأثير، ومع ذلك يخلط الجد بالهزل ثم بعد ذلك تضيع الفائدة، وهذا الأسلوب وإن كان فيه جذب لبعض الناس لكنه إدخال مثل هذا بين النصوص -نصوص الكتاب والسنة- لا شك أنه ليس بجيِّد، بل أمرٌ سيِّء.(1/2)
بسم الله الرحمن الرحيم
يهتف العلم بالعمل
الشيخ العلامة/ عبد الكريم الخضير
طالب العلم والعالم والذِّين أُوتُوا العلم قد رفعهُم الله درجات {يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ}[(11) سورة المجادلة] ودرجات عشرين صانتي مثل درج الدُّنيا؟ عشرين صانتي الدَّرجة الواحدة؟ لا، الدرجة مثل ما بين السَّماء والأرض، ودرجات ما هي درجة و لا درجتين ولا كذا، فننتبه لمثل هذا الأمر، هذا بالنِّسبة للعلم.(1/1)
وهذه كلمة مُختصرة بالنِّسبة للعمل، يُوجد في صفُوف طُلاّب العلم مع الأسف أنَّهُ يأخُذ العلم مُجرَّداً، ويشكُو من عدم ثَباتِهِ في نفسِهِ، يَنسى العلم، نقول لك: اعمل بهذا العلم ثُمَّ بعد ذلك يَثْبُت، والعلمُ كما يقول علي -رضي الله عنه-: "يَهْتِفُ بالعمل فإنْ أجابَهُ ولا ارْتَحل" وكم من شخصٍ تعلَّم من العُلُوم الشَّيء الكثير ثُمَّ بعد ذلك في النِّهاية نَسي لماذا؟ لأنَّهُ لا يعمل، العلم النَّظري المُجَرَّد لا يَثْبُت، لو أنَّ إنساناً أخذ مُصنَّف ثلاث مائة صفحة مثلاً في تعلُّم قيادة السَّيَّارة وفي تفكيك المكينة، وتفكيك كذا يعني كُل ما يتعلَّق بالسِّيَّارة وقرأ الكاتلوجات القديمة والحديثة وكذا؛ لكنَّهُ ما باشر ما معه مفك ولا عنده بيتعلَّم هذا؟ لابُدَّ من العمل، فالعمل يَثْبُتُ بهِ العلم، والأعمال المُتاحة في شرعنا -ولله الحمد- كثيرةٌ جِدًّا، يعني بعض النَّاس قد يَصْعُب عليهِ ويَشُق عليهِ أنْ يُساعد النَّاس ببدَنِهِ، نقول: يا أخي ساعد النَّاس وابذل في ما تستطيع برأيك مثلاً إذا جاء أحد يستشيرك امحض لهُ النَّصيحة، العمل الخاص الذِّي لا يتعدَّى، صيام النَّوافل، قيام الليل، الأمر بالمعرُوف والنَّهي عن المُنكر الذِّي النَّاسُ بأمَسِّ الحاجة إليهِ الآن، المُنكرات الآن في محافل النَّاس تزيد، فلابد من التَّعاون على إزالتها وإنكارها؛ لكنْ بِطُرق تترتَّبُ عليها المصلحة ولا يترتَّب عليها أدنى مفسدة، والإنسان -ولله الحمد- في هذا البلد ما فيه أحد يمنعُهُ من أنْ يقول لشخصٍ رآهُ في طريقِهِ إلى المسجد صلِّ يا أخي، صَلِّ جزاك الله خير، والآن الإقامة قرُبت والمسجد قريب، وقد سمِعْتَ الأذان ولا عُذْرَ لك، ورأْس مالك الصَّلاة، أعظم أركان الإسلام، فيه أحد يمنعُهُ من هذا؟ يرى شباب يلعبُون كُرة أو غيرها يقول لهم: صلُّوا، يرى صاحب محل مفتُوح بعد الأذان يقول لهُ: سكِّر، ولو أنَّ النَّاس تَتَابعُوا على هذا(1/2)
وتعاونُوا عليهِ ما وجدْنَا هذا التَّساهُل الموجُود في أسواق المُسلمين ومحافِلِهِم.
فالاهتمام بهذا الشَّأنْ الذِّي هُو الأمر بالمعرُوف والنَّهي عن المُنكر من أهم المُهمَّات و أولى الأولوِيَّات بالنِّسبة لجميع المُسلمين؛ لأنَّ الرَّسُول -عليه الصلاة والسلام- يقول: ((من رأى منكم مُنكراً فليُغيِّرهُ بيدِه؛ فإنْ لم يستطِع فبلِسَانِهِ؛ فإنْ لم يستطع فبقلبِهِ)) والإنسان بحمد لله مُستطاع بالأُسلُوب المُناسب الذِّي لا يترتَّب عليهِ مفاسِد.(1/3)
يَبْخَلُونَ وَيَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ
الشيخ/ عبد الكريم الخضير
{يَبْخَلُونَ}: بما عندهم {وَيَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ}: يعني في العلم في باب العلم، لا ينفق مما أعطاه الله من علم، ولا يحث الناس بل يثبط من رآه يعلم الناس، أنت ما أنت بملزوم، أنت ما أنت بمكلوف، أنت تعرض نفسك لكذا، أنت كذا، ويحفظ بعض ما جاء في مسائل ورع السلف، يحفظ شيئاً من ورع السلف وهو لا هو بمشتغل ولا هو مخلي الناس يشتغلون، وقصده من ذلك التبرير لنفسه، وتحطيم الناس، وتثبيطهم عن فعل الخير، وهذا مشاهد في كافة وجوه الخير، تجد شخص يذهب إلى مكة لأداء العمرة، ولزوم بيت الله في الأيام الفاضلة، وينفق في ذلك في العشر الأواخر -عشرين ألف مثلاً- يأتيه من يأتيه يقول: هذه العشرين الألف، يعني المسألة هذا نفع لازم، وهناك فقراء محتاجين، لو أنفقت هذه العشرين على خمس أسر تغنيهم أيام رمضان وما بعد رمضان أفضل من كونك تترك بلدك وتذهب، لكن هل الناصح هذا وهو أكثر غناة -يعني أغنى من المنصوح- هل هذا دفع شيئاً؟ ما هو بدافع، لكن يبي يحرم هذا العمرة والمجاورة والأوقات الفاضلة ومضاعفة الصلوات، نعم، ولا هو منفق، وما قصده أن ذاك ينفق، بس ما يبيه يروح ولا يستفيد ولا يغتنم هذه الفرص، نعم، أبداً هذه طريقة بعض الناس، يعني يشق عليه أنه من جيرانه راح ثم يبدأ عليه الضغوط من بيته، الناس راحوا وخلونا، أنت وش تبي، يمسكهم واحد، واحد يا أخي هذه الأموال التي تنفقونها لو تصرفونها على الفقراء، ولا هو بمصرف ولا منفق على الفقراء ولا مغتنم للأوقات ولا أزمان، ولا أماكن فاضلة، فمثل هذا يخذل الناس ولا هو مطلع شيء، ومثله أيضاً من بعض من ينتسب إلى العلم تجده محروم لا يريد أن يعطي، وإذا رأى شخصاً نفع الله به وبذل من نفسه، يقول: يا أخي شوف السلف يتورعون ويتدافعون وهذه مزلة قدم وأنت يحفظ عنك كذا، هذا إن استفاد من نصوص السلف ما نصوص السلف و إلا جاب له(1/1)
أمورٍ تتعرض لأذى، تعرض نفسك للمسائلة، تعرض نفسك، لا نفع به الباب اللي باب السلف وإلا جاب له باب الخلف بعد، هذا حرمان يا إخوة، هذا الحرمان بعينه، {يَبْخَلُونَ وَيَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ}، ولا هو بنافع ولا مخلي الناس ينفعون، ومع الأسف لهم وجود مثل هؤلاء.
وأحياناً قد لا يكون من سوء نية، قد يكون من تلبيس الشيطان عليه، مثل شخص عنده دروس مرتبة ومنظمة إذا جاء رمضان أوقف الدروس، طيب لماذا أوقفت؟ هذا وقت مضاعفة الأجور؟ قال: يا أخي السلف ما يخلطون مع القرآن شيء، لا يحدثون ولا يعلمون ولا شيء، خلاص، اطبق الكتب إلى أن يطلع رمضان، هذا شهر القرآن، وهو بالنهار نائم، صائم نائم، وبالليل في الاستراحة إلى الفجر، هل هذا هدي السلف؟ لا ليس هدي السلف، هذا من تلبيس الشيطان عليه، وقد يقوله لغيره، قد ينقل هذا لغيره، الإمام مالك ما يتكلم بحديث في رمضان، يقبل على المصحف، لكن هات مثل مالك، اشتغل مثل مالك، ثم إذا قيل له: إن فلان يقرأ القرآن في رمضان في يوم، جاء بالأحاديث المتشابهة، ((لا يفقه من يقرأ القرآن في أقل من ثلاث))، إذا قيل له ثلاث، قال: ابن عمر، الرسول قال لابن عمر: ((اقرأ القرآن في سبع ولا تزد)) وختمة مع التدبر، وهو لا هو داري لا بتدبر ولا بغير تدبر، لكن كما قال: {يَبْخَلُونَ وَيَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ}، وأمثلة هذا كثيرة وموجودة في الواقع، لكن ومع ذلكم يوجد -ولله الحمد- من العلماء الربانيين الباذلين ما يكفي حاجة الأمة ولله الحمد، فالخير موجود.(1/2)
يَوْم عَاشُورَاء
الشيخ/ عبد الكريم الخضير
عاشُوراء بالمد على المشهور، وحُكِيَ فيهِ القَصْر، وزَعَم دُريد أنَّهُ اسمٌ إسلامي، يعني ما يُعرفْ في الجاهليَّة، اسمٌ إسلامي، وردَّ عليهِ ابن دحية؛ لأنَّ ابن الأعرابي حكى أنَّهُ سُمِعَ في كلامهم خابُوراء، يعني الصِّيغة موجُودة في كلامهم، وما دامَت الصِّيغة موجُودة والوزن موجُود ما فيه ما يمنع أن يكون من ألفاظهم عاشُوراء، كما أنَّهُ رُدَّ أيضاً بقول عائشة: "إنَّ يوم عاشُوراء يوم تصومُهُ قريش في الجاهليَّة"؛ لكن هل يلزم منْ صِيَامِهِم لهذا اليوم أنْ يكون اللَّفظ معرُوفاً عندهم؟ ما يلزم، وعاشُوراء معدُولٌ عن عاشرة أي اللَّيلة العاشِرة، والعَدْلْ للمُبالغة والتَّعظيم، والأكثر على أنَّ عاشُوراء هو اليوم العاشر من شهر الله المُحرَّم، وهو مُقتضى الاشتقاق، يعني كيف تقول: عاشوراء مأخُوذ من التَّاسِع أو من العاشر؟ أيهم أقرب؟ من العاشر، تأخذ من التَّاسع تاسُوعاء؛ لكنْ ما تأخُذ عاشُوراء من التَّاسع! هذا هو مُقتضى الاشتقاق، وقيل هو اليوم التَّاسع، عاشُوراء هو اليوم التَّاسع، فعلى هذا على القول الأوَّل اليوم مُضاف للليلة الماضِية السَّابقة على القول الأوَّل؛ لأنَّ عندنا ليلة العاشر قبلها التَّاسع وبعدها العاشر؛ فإذا قلنا عاشوراء، وعاشوراء معدول عن العاشرة؛ قلنا إنَّ هذا اليوم مُضاف للليلة التي قبله، وإذا قلنا بالقول الثَّاني وأنَّهُ التَّاسِع قُلنا أنَّ اليوم مُضاف للليلة التِّي بعدهُ.(1/1)
رُوي عن ابن عباس هذا القول وأنَّ عاشُوراء هو اليوم التَّاسع، هذا مرويّ عن ابن عباس، له وجه ولاَّ ما لهُ وجه؟ دعنا من اللَّيلة لكن التَّاسع نقول له عاشُوراء ولاَّ ما نقول لهُ؟ هو يستدل بحديث: ((لئن بقيتُ إلى قابل لأصُومنَّ التَّاسع)) مع حَثِّهِ على صوم يوم عاشُوراء، إذاً يوم عاشُوراء هو التَّاسع الذِّي أرادَ النَّبي -عليهِ الصَّلاةُ والسَّلام- أنْ يَصُومَهُ، وما بقي إلى قابل لِيُنْظَر، هل يَصُوم التَّاسع فقط ليكُون هو يوم عاشُوراء أو يُضيف إليهِ العاشر ليكُون عاشُوراء هو العاشر وصِيام التَّاسع من باب المُخالفة، وعلى كل حال الحديث الذي يقول: ((لئن بقيتُ إلى قابل لأصُومنَّ التَّاسع)) يعني مع العاشر، فعاشُوراء هو العاشر ويَصُوم معهُ التَّاسع، ويَدُلُّ عليهِ الأمر بالمُخالفة مُخالفة اليهُود: ((صُومُوا يوماً قبلهُ أو يوماً بعدهُ))، وصيام التَّاسع لا يكفي وحدَهُ ولا تحصُلُ بِهِ السُّنَّة، وليسَ هو بعاشُوراء؛ وإنَّما عاشُوراء هو اليوم العاشر.(1/2)
يُتَوِّبُونَ العُصَاة بالأناشيد والقَصَصْ!
الشيخ/ عبد الكريم الخضير
الحافظ ابن رجب ذكر في كتابٍِ لهُ اسمُهُ أهوالُ القُبُور قَصَص نَدُلُّ على عذاب القبر، وهناك رُؤى ومنامات وقَصَص، يقول بعضهم: نَسِيَ الفَأْس فَنَبَشَ القبر، فإذا بِيَدَيْهِ ورِجْلَيْهِ قَدْ غُلَّتا إلى عُنقِهِ وأُدْخِلا في حَلْقَة الفَأْس، ذَكَرُوا من هذا الشَّيء الكثير؛ لكنْ لَسْنَا بحاجة إلى مِثْلِ هذهِ الأخْبَار، لسنا بِحَاجة، عندنا نُصُوص صَحِيحة ثابِتة عن النَّبي -عليه الصلاة والسلام- لا نَتَرَدَّدْ ولا نَشُكّ، ولا نَرْتَابْ، هُناك أشياء تُذْكَر للاعْتِماد، وهناك أشياء تُذكر للاعتضاد؛ يعني ما يُعوَّل عليها ولا يُعتمد عليها، مثل ما ذكر شيخ الإسلام بالنِّسبةِ للأخبار الضَّعِيفة، وما يُذكر عن بني إسرائيل، وما يُذكر من حوادث العالم، وما يُذْكر من الوقَائِع المُشاهدة، هذه لا يُعتمد عليها ولا يُعوَّل عليها في تقرير مسائل عِلْمِيَّة، وإنما تُذكر للاعتضاد، ما فيها إشكال يعني مُجرَّد ذِكر لا إشكالَ فيه، اللهم إلاَّ إذا أدَّى الذِّكر إلى تَعَلُّق النَّاسِ بها، بِحيث لا يُؤِّثر فيهم إلاَّ مثلها، فإذا ذُكِرَت النُّصُوص ما تَأثَّر، مثل هذا يُعْرَض عنها، ومُعَوَّل القُصَّاص في القديم والحديث على مِثْل هذهِ الأُمُور، تَجِدُهُم يُذكِّرُونَ النَّاس بها، وكم سَمِعنا أنَّ شَخْصاً رَأَى شَخْصاً يُحْتَضَر وهو من يَشْرَبْ الدُّخان؛ فانْقَلَبَ وَجْهُهُ عن القِبْلَة!!! وصار وَجْهُهُ أسْوَد!! وما أشْبَه ذلك، نقول: هذه الأُمُور إذا ذُكِرَتْ تَبَعاً بعد ذِكْرِ النُّصُوص، وتَعْظِيم النُّصُوص في نُفُوس النَّاس، اللهُ -جل وعلا- يقول لِنَبيِّه: {فَذَكِّرْ بِالْقُرْآنِ} [(45) سورة ق]، ومَنْ أَرادَ كَيْفِيَّة التَّذكيرِ بالقُرآن؛ فَلْيَقْرَأْ أوَّل الفَوائد لابن القَيِّم، كيف يُذَكَّرْ المُؤمن بالقُرآنْ، كلامٌ نفِيس لا يُوجد عند(1/1)
غيرهِ فيما أعلم، وتَجِدْ النَّاس يَتَعَلَّقُون بِأُمُور، القُرآن يُسْمَع ويُتْلَى، ومع ذلك لا يُحَرِّك ساكِن، فإذا ذُكِر قِصَّة وإلا منام وإلاَّ رُؤيا وإلاَّ شيء؛ تأثَّر النَّاس! ولاشكَّ أنَّ هذا خلل في الإتِّبَاعْ، النبي -عليه الصلاة والسلام- يَقْرَأُ القرآن في صلاتِهِ ولصَدْرِهِ أزِيزْ كَأَزِيزْ المِرْجَلْ، وبَكى لمَّا سَمِع قِراءة ابن مسعود، وتَأَثَّر لما سَمِع قِراءة أبي مُوسى وهكذا، يسمع طالب العلم - مع الأسف - ما يصحّ عن النبي -عليه الصلاة والسلام- فلا يَتَأَثَّر! فإذا سَمِع قِصَّة أو حادِثة تأثَّر! تَجِدْ القرآن يُتْلَى في كُلِّ ليلة من ليالي رمضان؛ فَيَنْدُر أنْ تجد من يَتأثَّر به ويبكي، ثُمَّ إذا جاء دُعاء الخَتم، تَأَهَّب النَّاسُ للبُكاء قبل أنْ يَحْضُرُوا إلى المسجد، تَجِدُهُم قبلَ الشُّرُوع في الصَّلاة متأهبين ! ولاشكَّ أنَّ هذا خلل؛ ينبغي أنْ يُذكَّر الإنسان بالقرآن، والحسن البصري يقول: تَفَقَّدْ قلبكَ في ثلاثة مواطن: في الصَّلاة، وفي قراءة القرآن، وفي الذِّكر، يقول: إنْ وَجَدْتَهُ و إلاَّ فاعْلَمْ أنَّ الباب مُغلق! يعني ما يتأثَّر، يُقرأ القرآن والإنسان عله يتذكر قصَّة أو حادثة وهو يُصلِّي ما يتأثَّر بالقرآن الذِّي يُتْلَى، فَلَعَلَّهُ يبكي أو يَتَباكى؛ لكنْ هذا كله لا يَنْفَع؛ لأنَّهُ إنَّما بكى من غير خَشْيَة الله، والفُقهاء يَنُصُّون على إنَّهُ إنْ بَكى في القرآن، أو انتحب من غير حشية الله، الصَّلاة باطلة؛ لكنْ أحياناً يكون البُكاء مِمَّا ينبغي البُكاء منهُ؛ لكنَّهُ في القرآن، يعني ذكرنا مثال -وهذا واقع- يعني شخص يُصلِّي في الدُّور الثَّاني من المسجد الحرام، وهو مُطِلّ على المَطَاف، والإمام يقرأ آيات مُؤثِّرة بالفِعل، وبعض النَّاس يبكي منها، وهذا الشَّخص الذِّي يُطِلّ على المَطَاف يَتَذَكَّر الحشر، والنَّاس يَمُوجُ بعضُهُم في بعض، النَّاس يَطُوفُون وهذا(1/2)
داخل وهذا طَالِع، والصَّحن مليانْ، مُزْدَحِم، فَيَبْكِي من هذا المنظر وهذا المَشْهد، يُؤجر على هذا و لاَّ ما يُؤجر؟؟! هذا تشريك في العبادة؛ لكن هل هذا التَّشريك مِمَّا يُغْتَفر ويُحْمد؟! أو هو مِمَّا يُذمّ يعني أقرب ما يكون إلى فِعل عمر إنَّهُ كان يُجهِّز الجُيُوش وهو في الصَّلاة، يعني يُفكِّر في الجُيُوش عمل طاعة، عمل خير، يعني تشريك عبادة بعبادة؛ لكنْ الأولى أنْ يلْتَفِت إلى ما هو بِصَدَدِهِ، وإنْ كان الأصل فيهِ مشرُوع ، فيُذكَّر الإنسان بالقرآن، ولا يَلتفِت إلى هذه القصص إلاَّ للاعتضاد لا للاعتماد؛ ولذلك ذكر شيخ الإسلام -رحمه الله- عن أُناس في القرن السَّابع، والسَّادس، والخامس أنَّهُم فِرقة من الفِرَقْ يُتوِّبُون العُصاة بأناشيد! والعُصاة إنَّما يُتَوَّبُون ويُخَوَّفُونْ بالنُّصُوص بقال الله وقال رسُوله، فلاشكَّ أنَّ مِثل هذا مُخالف لهدي النَّبي -عليه الصلاة والسلام- ، والله المُستعان.(1/3)
يُحْرَم العِلْم بِسُوءِ القَصْد
الشيخ/ عبد الكريم الخضير
يعني كان طُلَّاب العلم إذا تَأهَّلُوا يَشْهَدْ لَهُم شُيُوخهم، إمَّا بنثر أو بنظم، يَشْهَدُون لهم بأنَّهُم تَأَهَّلُوا للقضاء، تَأَهَّلُوا للفُتْيَا، تَأَهَّلُوا للتَّعليم، تَأَهَّلُوا للدَّعْوَة، ويُزَاوِلُون من خِلَال هذهِ الشَّهادات التِّي أُعْطِيَتْ مِنْ قِبَل الشُّيُوخ، وصَارَتْ الشَّهادات الآنْ تتَوَلَّاها الجِهات الرَّسْمِيَّة على طريقة التَّعليم الموجُودة، فصار من هذه الشهادات أو مِمَّن يحمل هذهِ الشَّهادات من لا يحمل العلم! فتجدهُ يَتَقَدَّم أنا والله الآن تخرَّجت من كُلِّيَّة الشريعة، والعُرْف يدل على أنَّهُ تَخَرَّج من كُلِّيَّة الشريعة يكون شيخ، والشيخ أهل لِأَنْ يُسْتَفْتَى، أهْل لأَنْ يَقْضِي، أهْل لِأَنْ يُعلِّم، ثُمَّ إذا ابْتُلي وامْتُحِنْ ما وُجِدْ على أَدْنَى مُستوى يتوقَّف! وهذا حاصِلْ وحصل في كثيرٍ من الجِهات؛ بل إذا قُلت إنَّ هذا حصل في بعض خِرِّيجيّ قسم القرآن، ذَهَبُوا لِيُعَلِّمُوا القُرآنْ في مدارس تحفيظ القرآن؛ فوُجِدُوا لا شيء! يعني إذا كان هذا في القرآن الذِّي يُمْكِن ضَبْطُهُ، وأنْتَ بِصَدد تعلمهِ أربع سنين أو أكثر مع ما يُعين عليهِ من تجويد، وقِراءات، وتفسير، ومع ذلك تجد الطَّالب إذا كان هَمُّهُ مُجَرَّد الشَّهادة لا يُدْرِك شيء؛ فقد يُحْرَم العلم بسُوء القصد!!(1/1)