يأمل موقع المسلم أن تتفاعل الأسر مع هذا البرنامج ، وأن تقوم بتطويره ، وأن تتواصل معنا بالاقتراحات لتطوير ( برنامج التربية الأسرية ) ، لنقوم بنشرها ، فتتسع دائرة الاستفادة
ـــــــــــــــــــ
التعلم الذاتي
عبدالمجيد بن عثمان الزهراني
24/2/1424
ارسل تعليقك ...
لا توجد تعليقات ...
ارسل الصفحة ...
الى مشرف النافذة ...
طباعة ...
تمتاز مساجد العالم الإسلامي بوجود الحلقات العلمية لكبار العلماء وطلبة العلم الشرعي في مختلف العلوم ، وفي الفترة الأخيرة برز توجه الشباب لطلب العلم الشرعي على أيدي أولئك العلماء ، ولا شك أن ذلك هو المنهج الصحيح لطلب العلم الشرعي .
وعلى الرغم من كثرة المتوجهين لطلب العلم ، وكثرة ملازمتهم ومداومتهم للعلماء ، وطول السنين في الطلب ، إلا أن تحصيلهم العلمي دون المستوى المطلوب ، وذلك لأنهم أهملوا مهارات التعلم الذاتي ، معرفةً وأداءً ، فلا بد مع حضور حلقات العلم أن يصاحب ذلك الجهد الذاتي في تثبيت ما تعلمه علي أيدي العلماء .
المهارات والأساليب :
أولاً : مرحلة الاستعداد والتهيؤ لطلب العلم :
1 ) الاستقامة والصلاح :
وتشمل :
1 – إخلاص النية لله تعالى في طلب العلم ، وهذا يتطلب الحذر من شهوتين خفيتين : الأولى : اتخاذ العلم وسيلةً لنيل عرض من أعراض الدنيا ، والثانية : اتخاذ العلم وسيلة لنيل الرئاسات والشرف والأمجاد الشخصية والعلو على الناس .
يقول الشوكاني : " وإن لحسن النية وإخلاص العمل تأثيراً عظيماً في هذا المعنى ، فمن تعكست بعض أموره من طلبة العلم أو أكلف عليه مطالبه ، وتضايقت مقاصده ، فليعلم أنه بذنبه أصيب ، وبعدم إخلاصه عوقب .... " .
2 – اجتناب مفسدات القلوب : وهي كثرة الكلام والطعام والنوم والخلطة .
يقول ابن جماعة : " من رام الفلاح في العلم وتحصيل البغية منه مع كثرة الأكل والشرب والنوم فقد رام مستحيلاً " .
ويقول ابن الجوزي : " قلة الخلطة لا تصلح إلا لاثنين : رجل عابد قد تعلم ويريد الاعتزال ليتفرغ لعبادة ربه على بينة وبصيرة ، وطالب علم يريد العزلة عن الناس ، ليعكف على الكتب ويحفظها ويضبطها " .
3 – اجتناب المعاصي والذنوب صغائرها وكبائرها :(115/1977)
فالوقوع في المعاصي له أثر عقلي ونفسي في إضعاف التعلم .
أما أثره العقلي فظاهر في قوله تعالى : ( واتقوا الله ويعلمكم الله ) [ البقرة : 282 ] ، فالعقل يظل مشغولاً بالمعاصي طلباً إن كان منقاداً لها ، أو يظل مشتتاً إن كان متردداً فيها .
تمتاز مساجد العالم الإسلامي بوجود الحلقات العلمية لكبار العلماء وطلبة العلم الشرعي في مختلف العلوم ، وفي الفترة الأخيرة برز توجه الشباب لطلب العلم الشرعي على أيدي أولئك العلماء ، ولا شك أن ذلك هو المنهج الصحيح لطلب العلم الشرعي .
وأما أثره النفسي : فالمذنب دائماً قلقٌ خائفٌ مشتتُ النفس ، متألم الوجدان ، مكبوت النفس ، ضيق الصدر ، ويستوي في ذلك الواقع في المعاصي والذي يفكر فيها مجرد تفكير ، وهذا يعوقه عن التركيز على العلم ، بل لا يستطيع تثبيت المعلومات في ذهنه ، لأن التعلم لا يتم إلا عند انشراح النفس ، والإقبال عليه بكل تركيز .
4 – العمل بالعلم :
يقول أحد السلف : " كنا نستعين على حفظ الحديث بالعمل به " .
2 ) تكييف البيئة الاجتماعية للتعلم :
وتشمل :
1 – الابتعاد عن مواطن المغريات والملهيات التي تضيع الوقت .
2 – عدم مسايرة المجتمع في قلب الحياة إلى لهو وعبث وتسلية ، مثل : كثرة الرحلات والزيارات والمناسبات العائلية ، وغيرها .
3 – تحديد العلاقة بالمجتمع والرفقاء :
أ – اختيار الأصدقاء والأصحاب ممن يميلون لطلب العلم ، ويقضون أوقاتهم في التحصيل والمراجعة والتصنيف .
ب – تقليل الاختلاط بالناس بقدر الضرورة ، مع ضبط مواعيد لزيارة الأقرباء والأصحاب .
ج – الابتعاد بقدر الإمكان عن الحياة اليومية وإعطاء فرصة للعقل للتفكير والتدبر في العلوم .
3 ) تكوين قوة الإرادة :
قال الخطيب البغدادي : " إنما يقطع السفر بلزوم الجادة ، وسير الليل ، فإذا حاد المسافر عن الطريق ، ونام الليل كله فمتى يصل إلى مقصده " .
وقال ابن الجوزي : " تأملت عجباً ، وهو أن كل شيء نفيس خطير ، يطول طريقه ويكثر التعب في تحصيله ، فإن العلم لما كان أشرف الأشياء لم يحصل إلا بالتعب والسهر ، والتكرار وهجر اللذات والراحة " .
وقوة الإرادة تحقق التقدم العلمي في أوقات قصيرة ، وتساعد على الاستمرار في طلب العلم وعدم الانقطاع أو الملل ، وتجعل طالب العلم يختلق فرص التعلم ويستثمرها ، ويزيد تركيزه ويتغلب على المعوقات .
ولتقوية الإرادة وسائل عديدة ، منها :(115/1978)
1 – الإيحاء الذاتي بأنك إنسان قادر على التعلم ، ولا تتهم نفسك بالعجز ، وبه تستطيع أن تغير شخصيتك .
2 – قراءة الكتب في العلوم التربوية وعلم النفس التي تبين أسباب قوة وضعف الإرادة .
3 – قراءة تراجم العلماء ، ومعرفة طريقتهم في طلب العلم .
4 – الممارسة المستمرة ، فاعمل كل عمل يساعد على طلب العلم ، واجتنب كل عمل يضعف طلبك للعلم ، وقد لا تستطيع أن تفعل كل ما تريد فعله ، وقد لا تستطيع أن تترك كل ما تريد تركه مرة واحدة ، ولكن ابدأ بالتدريج ، حتى تكثر الأفعال التي تريد تحقيقها ، وتقل الأفعال التي تريد اجتنابها .
4 ) تنمية الذكاء :
ويكون بعدة وسائل ، منها :
1 – كثرة الإطلاع والتوسع في العلم : وقد أجرى العلماء تجارب بين مجموعتين من الطلبة مستواهما في الذكاء واحد ، إلا أن الأولى قطعت مرحلة واحدة من مراحل التعليم ، والثانية قطعت مرحلتين ، فوجدوا أن الثانية أكثر إدراكاً وأسرع فهماً من الأولى " .
2 – الثقة بالنفس : فبعض الناس قد يكون ذكياً ، ولكن قد يكون اعتقاده بنفسه عكس ذلك تماماً ، وهنا يكون أثره سلبياً ، ويكون عائقاً للنمو ، ويكون الأمر عكس ذلك لو أن شخصاً كان كثير الثقة بنفسه ، فإن هذا الاعتقاد يكون عاملاً من عوامل النمو .
3 – جميع الوسائل التي سيأتي ذكرها في المرحلة الثانية .
5 ) اختيار الأوقات والأماكن المناسبة لطلب العلم :
يقول الخطيب البغدادي : " اعلم أن للحفظ ساعات ينبغي لمن أراد التحفظ أن يراعيها ، وللحفظ أماكن ينبغي للمتحفظ أن يلزمها ، فأجود الأوقات للحفظ الأسحار ، ثم بعدها وقت انتصاف النهار ، وبعدها الغُدوات ( أول النهار ) دون العشيات ، وحفظ الليل أصلح من حفظ النهار ، قيل لبعضهم : بم أدركت هذا العلم : قال : بالمصباح والجلوس إلى الصباح ، وقيل لآخر: بم حصلت هذا العلم ؟ قال : بالسفر والسهر والبكور والسحر ، وأجود أماكن الحفظ الغرف ( أي العالية ) دون السفل ( لأن العالية أبعد عن الضجيج ) ، وكل موضع بعيد مما يلهي ، يخلو القلب فيه مما يشغله ، وليس بالمحمود أن يتحفظ الرجل بحضرة النبات والخضرة ، ولا على شطوط الأنهار ، ولا على قوارع الطريق ... فمن راعى ما رسمت له لم يكد يسمع شيئاً إلا سهل عليه حفظه " .
وقال ابن جماعة : " وأجود الأوقات للحفظ الأسحار ، وللبحث الأبكار ، وللكتابة وسط النهار ، وللمطالعة والمذاكرة الليل " .
ثانياً : مرحلة البدء في طلب العلم :
1 ) بذل كامل الجهد اللازم للتعلم :
ويشمل :(115/1979)
1 – معرفة قيمة الوقت وقيمة الجهد ، والتركيز على طلب العلم وتحصيله ومراجعته ، ولذا نجد بعض المتعلمين يحصل الكثير من العلم في مدة قليلة ، وآخرون بالرغم من طول طلبهم للعلم لا يستطيعون أن يحصلوا شيئاً .
2 – التفرغ لطلب العلم ، فيكون الهدف الأساس هو طلب العلم وجعل كل ما عداه غرضاً ثانوياً ، وإذا تعارضت مصلحتان رجح مصلحة العلم على جميع المصالح الأخرى ما أمكن ذلك .
2 ) طرق تحصيل المعلومات :
تحصيل المعلومات لا يتم إلا بمراعاة قوانينه
هناك طريقتان هما : التصاعدية وهي الانتقال من الجزئيات إلى الكليات ، أي إدراك الجزئيات ثم الانتقال إلى الكليات ، فمثلاً : لإدراك قاعدة معينة أو موضوع خاص يبدأ بإدراك الأجزاء الداخلة تحتها واحدة تلو الأخرى ، ثم بعد إدراك جميع هذه الجزئيات ينتقل إلى القاعدة الكلية التي تربط بين هذه الأجزاء ، أو تجمع بين العلاقات الموجودة بين تلك الأجزاء .
والتنازلية : وهي عكس الأولى ، أي الانتقال من القاعدة الكلية إلى الأجزاء المنطوية تحتها ، فمثلاً : لإدراك موضوع أو قاعدة تبدأ بفهم المفهوم الكلي دون الاهتمام بالأجزاء ، ثم بعد ذلك تبدأ بمعرفة الأجزاء واحدة تلو الأخرى .
وليس هناك تفضيل بينهما لدى المربين ، فهذا يرجع للمتعلم وقدراته ، وبعض المربين يفضل الأولى في ميدان الحفظ .
وأما قوانين تحصيل المعلومات فهي :
1 – حفظ الكلمات مع فهم معانيها أسهل من حفظها من غير فهم معانيها .
2 – التكرار الموزع لمعرفة الشيء أو حفظه أجدى من التكرار المتصل .
3 – إذا كان المتن المراد حفظه أو استذكاره طويلاً ، فإن تقسيمه إلى أجزاء منطقية أنفع من حفظه واستذكاره مرة واحدة .
4 – يجب أن يستعيد طالب العلم ما حفظه واستذكره بنفسه ، فإن كان يريد استعادة الأفكار التي مرت به ، فعليه استعادتها دون الرجوع للكتاب ، وإن كان يريد استعادة محفوظات فعليه أن يقوم بتسميع ذاتي .
5 – اتخاذ هيئة معينة للمذاكرة والمراجعة تركز نشاطه وقواه في التحصيل له دور كبير في عملية التحصيل ، وهو أن يجلس مستقيماً متهيئاً مركزاً كل جهده لقراءة الكتاب .
3 ) طرق مقاومة النسيان :
النسيان من أهم المشاكل التي تعترض طريق التحصيل وتحول دون رسوخ المعلومات في الذهن ، وما من أحد إلا ويعاني منه ، وإن تفاوت الناس فيه من حيث الكم والكيف .
وقد بحث علماء سيكولوجية التعلم طرق مقاومته ، ومنها :
1 – استخدام المعلومات المكتسبة باستمرار : قال إبراهيم النخعي : " من سره أن يحفظ الحديث ، فليحدث به ولو أن يحدث به من لا يشتهيه ، فإنه إذا فعل ذلك كان كالكتاب في صدره " .(115/1980)
وكان الزهري يسمع الحديث ، فيأتي إلى جارية له وهي نائمة فيوقظها ويقول : " اسمعي : حدثني فلان كذا وفلان كذا ، فتقول الجارية : ما لي ولهذا الحديث ، فيقول : قد علمت أنك لا تنتفعين به ، ولكني سمعته الآن ، فأردت أن استذكره " .
وقال زياد بن سعد : ذهبنا مع الزهري إلى أرضه بالشغب ، فكان الزهري يجمع الأعاريب ( البدو ) فيحدثهم بالحديث ليحفظه .
ومن أعظم استخدام المعلومات : أن يقوم طالب العلم بإلقاء الدروس والكلمات على عامة الناس ، والدعوة إلى الله تعالى ، والعمل بالعلم .
2 – تكرار الموضوع المدروس في فترات متقاربة حتى يرسخ في الذهن :
ذكر القيرواني في كتابه : طبقات علماء أفريقية وتونس في ترجمة المحدث عباس بن الوليد الفاسي : أن بعض إخوانه وجدوا مكتوباً في آخر بعض كتبه : درست هذا الكتاب ألف مرة .
وقال المحدث الفقيه المالكي محمد بن عبدالله الأبهري : قرأت مختصر ابن عبدالحكم خمسمائة مرة ، وكتاب الأسدية خمساً وسبعين مرة ، والموطأ خمساً وأربعين مرة ، ومختصر البرقي سبعين مرة ، والمبسوط ثلاثين مرة .
وقال ابن بشكوال الأندلسي في ترجمة الحافظ غالب بن عبدالرحمن المحاربي : قرأت بخط بعض أصحابنا أنه سمع غالب المحاربي الإمام يقول : قرأت البخاري سبعمائة مرة .
وقال السخاوي في ترجمة الحافظ برهان الدين الحلبي : أنه قرأ البخاري أكثر من ستين مرة ، ومسلماً نحو العشرين ، سوى قراءته لهما في حال الطلب أو قراءتهما من غيره عليه .
3 – إعطاء فرصة للراحة بعد فترة من المراجعة والحفظ للعلم :
ذكر العالم السيكولوجي ابنجهاوس بعد تجربة أجراها بين مجموعتين من الطلبة ، فكلف المجموعة الأولى بحفظ موضوع معين ، وبعد الحفظ مباشرة ذهبت للنوم أو الراحة دون الاشتغال بشيء آخر ، وذهبت المجموعة الثانية بعد حفظ نفس
الموضوع لدراسة وحفظ معلومات جديدة أو لتقوم بعمل آخر ، وبعد اختبار الفريقين وجد أن المجموعة الأولى لم تنسى ما حفظت ونسيت الثانية .
4 – عدم مذاكرة العلم في حالة الإرهاق والاضطرابات النفسية ، لأن هاتين الحالتين لا تساعدان على رسوخ المعلومات ولا فهمها ، بالإضافة إلى ضخامة الجهد المبذول للفهم والحفظ .
5 – التركيز والفهم الجيد والتمييز بين الأفكار ومعرفة العلاقات بينها ، والاسترجاع الذاتي للمعلومات السابقة .
6 – مراجعة ما تعلمته في صباح اليوم التالي قبل الانشغال بأية معلومات جديدة .
7 – مذاكرة ومراجعة العلم مع طلبة العلم الجادين المتميزين :
قال إبراهيم النخعي : إنه ليطول عليّ الليل حتى ألقى أصحابي فأذاكرهم .
وقال علقمة : تذاكروا الحديث ، فإن حياته ذكره " أي مذاكرته " .(115/1981)
وقال قتيبة بن سعيد : كان وكيع بن الجراح إذا صلى العشاء ينصرف معه أحمد بن حنبل ، فيقف على الباب ، فيتذاكران الحديث ، فما يزالان يتذاكران حتى تأتي الجارية وتقول : قد طلع الكوكب .
8 – العلاج المادي من بعض الأمراض :
فالنقص في بعض الغدد مثل الغدة الدرقية يؤدي إلى كثرة النسيان ، ونقص فيتامين ( ب 1 ) يؤدي إلى نقص الأنسجة في الجسم وبخاصة ضعف الأعصاب ، والذي يؤدي إلى ضعف العقل ، ونقص فيتامين ( ب 12 ) يؤدي إلى فقر الدم .
ثالثاً : مرحلة المراجعة :
1 ) طرق تثبيت المعلومات :
النسيان والتغلب عليه
1 – الفهم الجيد : فبدونه لا يمكن تكوين القدرة العلمية الصحيحة .
2 – المراجعة : تعرض في نفسك ما درسته بعد القراءة مباشرة ، وتهتم فيها بثلاثة أمور :
أ – أن تستعرض أهم النقاط أو الأفكار الرئيسة .
ب – أن تلاحظ الترتيب المنطقي بين هذه الأفكار .
ج – أن تراجع على هذين الأساسين ما قرأته بعد الاستيقاظ من النوم في اليوم التالي قبل البدء بمذاكرة جديدة .
وإذا راجعت على هذا النحو ثلاث مرات تجد أن الموضوع أصبح مفهوماً وواضحاً وراسخاً في ذاكرتك ، وتستطيع استرجاعها مرة أخرى في أي وقت شئت .
3 – المناقشة : وهي أن تناقش المعلومات بنفسك أو مع غيرك مناقشة علمية .
2 ) طرق تسهيل الاسترجاع :
1 – إلقاء الكلمات والمحاضرات ، والمناقشة مع العلماء وطلبة العلم .
2 – الاهتمام بموضوع ما أو كتاب ما من عوامل المساعدة على الاسترجاع ، وبقدر اهتمام طالب العلم بالموضوع أو الكتاب يجد السهولة في استرجاعه .
3 – قانون التردد : فبقدر تردد طالب العلم على فكرة معينة يجد السهولة في استرجاعها .
4 – قانون الأولية : أي أن المعلومات التي يكتسبها طالب العلم في بدء مذاكرته كل يوم ، وفي بداية قراءة موضوع جديد ، فهذه المعلومات أكثر ثباتاً من المعلومات اللاحقة بها ما عدا الأخيرة ، وبالتالي فإنها أسهل في الاسترجاع .
5 – قانون الحداثة : أي أن أحدث المعلومات التي اكتسبها طالب العلم في حياته وفي يومه ، فإنها أسهل في الاسترجاع من غيرها .
6 – قانون الشدة : ويقصد بها الخبرات القوية ذات التأثير الشديد على طالب العلم إذا لقي صعوبة في اكتسابها .
ـــــــــــــــــــ
هل أمتنع عن الإنجاب ليتغير سلوك زوجي ؟
أجاب عليه ... د. محمد العتيق
التاريخ ... 29/1/1428(115/1982)
السؤال
أريد أن اسأل هل من حقي الامتناع عن الإنجاب؛ لأن زوجي أمام الأولاد يظن بالناس السوء ويستخدم ألفاظاً غير لائقة, حتى أولادنا يتضايقون من استهزائه المستمر لهم. فهو يريد أن ينجب لكي يتسلى عليهم بالرغم أنه لا يتحمل إزعاجهم نهائياً ويقول لي ما أُفسده أنا أَصلحيه أنت. مع العلم معنا من الذرية 5 ما بين بنين وبنات.
الاجابة
أشكر لك تواصلك مع الموقع وثقتك بالقائمين عليه وأسال الله ان يعيننا وإياك ويوفقنا لما فيه صلاح ديننا ودنيانا.
يبدو من سؤالك ان لزوجك طبيعة شخصية لا ترضين عنها ولا يرضى عنها أبناؤك ويظهر في سؤالك من تصرفاته وطبيعته ما يلي:
- سخريته واستهزائه بالناس حتى بأولاده.
- تلفظه بألفاظ غير لائقة.
- عدم تحمله مسؤولية التربية وتحميلك أنت فقط كل المسؤوليات
- عدم تحمله لتصرفات أولاده وعدم الصبر على إزعاجهم ومشكلاتهم في البيت
أنا أوافقك في وجهة نظرك في أن من الأفضل عدم الاستمرار في الإنجاب مع هذه الطبيعة الصعبة والغريبة لزوجك. فإن دور الوالدين لا يقف عند حد الانجاب بل يتعداه الى أمور أهم وأعظم مثل التربية والإصلاح والتنشئة السليمة، وإذا لم تتوافر هذه كلها فإن مصير الآولاد ومستقبلهم في خطر عظيم.
لكن مسألة الامتناع عن الانجاب لا تحق لك شرعا دون موافقة زوجك.
كما أن الامتناع ليس هو الحل الوحيد لهذه المشكلة..لأنه لن يحل مشكلة أولادك الخمسة الذين أنجبتيهم وهم الآن كما تقولين يعانون معه و يتضايقون من تصرفاته .
ولهذا فأنا أرى أن الحل هو كما يلي:
- حاولي أن تصلي مع زوجك إلى اتفاق بالحسنى لتأجيل الإنجاب ولو بأعذار أخرى لا تجرح مشاعره كالأوضاع المادية وحاجتك إلى الراحة من تعب الحمل والولادة وغير ذلك من الأعذار.
- سوف تكون مهمتك أعظم وحاجة أولادك إليك أشد إذا كان الأب فعلا لا يتحمل دوره في التربية والعناية بالأولاد. ولهذا فإن عليك أن تبذلي كل ما في وسعك لكي تعوضيهم عن أبيهم وأن تصلحي ما قد يشوب سلوكهم وحياتهم من مشكلات وأن تستعيني بالله على ذلك وتطلبي مشورة الناصحين والمختصين. وبهذا فأنت تحفظين أولادك من أثر تصرفات أبيهم السيئة، و تعملين على أن يتجاوزوا هذه المشكلة بنجاح.
- يبقى الدور الأهم عليك وعلى أولادك – وخاصة الكبار منهم - في إصلاح الزوج و تغيير طريقته في الحياة ونظرته إليك وإلى أولادكما. وهذا مهمة ليست يسيرة. وتحتاج صبر ومصابرة ومعرفة وتعلم وتدرج ولكنها ليست بالمهمة المستحيلة. وأنتم في الحقيقة مضطرون إلى ذلك. فإن الرجل هو في النهاية زوجك وأبو أولادك ولن(115/1983)
تتمكني من إصلاح الأمور إذا لم تتعاملي مع مصدر المشكلة وهو الزوج بطريقة صحيحة ونافعة.
- ولأجل هذه المهمة يمكن أن تذكريه بالله بالأسلوب الحسن من دون مواجهة أو تعنيف وتذكريه بمسؤولياته وواجباته وترشديه إلى مواطن الضعف في علاقته بك وبأولادك وكيف يمكن أن يكون أبا صالحا، وكل ذلك بأسلوب لبق وذكي غير مباشر حتى يقبل منك ويستجيب لدعوتك. كما يمكنك أن تستعيني بمراكز الإرشاد العائلي وبالأخصائيين النفسيين وغيرهم ممن يعملون في هذا المجال.
وفقنا الله وإياك لكل خير.
ـــــــــــــــــــ
كيف أستثمر ميول ولدي؟!
أجاب عليه ... خالد رُوشه
التاريخ ... 22/1/1428
السؤال
ابني له ميول علمية عن حياة الحيوانات وكل ما يتعلق بها وهو في المرحلة المتوسطه حالياً..
كيف أستطيع استثمار هذا الميول ليكون مبدعا وينفع دينه وأمته؟
الاجابة
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبيه الأمين وبعد ..
إن الاهتمام بميول الأبناء وثقافاتهم وجواذبهم واهتماماتهم مما يغفل عنه كثير من المربين، فهم يصبون معظم اهتماماتهم على التوجيه اللفظي والنصح المباشر" بافعل ولا تفعل "، والعملية التربوية لها جوانب كثيرة وأساليب متنوعة وعن طريق تكاملها - معا - يتم التوجيه التربوي الإيجابي .
وهناك طرق متعددة لمتابعة ميول الأبناء والاستفادة من تلك المتابعة وأهم ما اتفق عليه علماء التربية من هذه الطرق والوسائل هي وسيلة (الملاحظة المباشرة واستبانة الميول)، وتعتمد الملاحظة المباشرة في هذا الخصوص على متابعة السلوك الفردي للأبناء في أوقات فراغهم حيث لا ضغوط عليهم نفسيا أو اجتماعيا، ويقوم بها الوالدان والمربون، وتعتمد الملاحظة المباشرة على مجموعة مما ما يشبه التقريرات عن سلوك الابن واهتمامه في أيام مختلفة ومواقف متباينة، ويتم من خلالها الوقوف على عدة معالم مشتركة ومتفقة يستطيع المربي من خلالها معرفة أهم المثيرات والمثبطات التي تؤثر في الابن.. وفي مثل حالتنا هذه، فنحن نشكر في هذا الوالد الكريم متابعته وملاحظته لولده ولاهتماماته وميوله.
غير أننا نود أن ننصحه بعدة نصائح هامة فيما وصف من سؤاله:
أولاً: لا شك أن هذا النوع من الاهتمامات به نفع إذا وجه توجيها صحيحا، فالحيوان من خلق الله، والتفكر في صفاته ومتابعة حياته فيه نوع من الاستكشاف الممتع الذي يمكن أن يعرف الإنسان بعظمة خالقه وقدرته،كما أن في بعض فروعه منافع بيئية وتجارب طبية والدراسة المتعلقة بطبيعة حياة الحيوان ومجموعاته ودورة حياته كلها يمكنها أن تقدم معلومات نافعة شيقة لمن يدرسها ولمن حوله .(115/1984)
ثانيا: إلا إننا نود أن ننبه هنا إلى أن الإغراق الكثير فيما يتعلق بتربية الحيوان والمعايشة مع الحيوانات قد حذر منه أهل العلم لما قد ينتج منه من أثر سلبي على شخصية المرء، إلا أن تكون تلك المعايشة تخص بعض ما امتدح من تلك الحيوانات كالخيل مثلا فركوبها ومصاحبتها تنشئ أخلاق الفروسية وتعلم صفات المروءة والفتوة، إلا أن العلماء كرهوا الاستغراق في صحبة الحيوان لئلا تتأثر بها أخلاقه .
ثالثاً: ينبغي أن يقرن الفتى دراسته بالعلم فلا تكون الدراسة تأملية فحسب، إذ إن الإغراق في التأمل لحياة الحيوان قد تضيع كثيرا من وقته في غير ما طائل فينبغي أن يكون ذاك الاهتمام يدعوه للعلم ومتابعة الدراسات العلمية والمجلات العلمية والبحوث والإصدارات وغيرها مما يهتم بهذا الاتجاه .
رابعاً: أمثال هذا النوع من الاهتمام ينبغي أن يوازَن في شخصية الابن بأنواع أخرى تقيم شخصيته التكاملية، فيوجه نحو الاهتمام بنوع من الإنتاج المعتمد على الابتكار، كالكتابة أو شيء من الاختراع أو غير ذلك، حتى لا تنمو شخصية الابن معتمدة على التأمل فحسب بل تتوازن بين الدراسة للبيئة والإنتاج منها والإبداع فيها والإضافة إليها، وحتى يتعلم الإيجابية في التناول .
خامساً: هذه المرحلة العمرية هي مرحلة تغييرية في شخصية الابن فيمكن عن طريق تميزه في فرع من الفروع أن نمسك مفتاحا أو بوصلة لبناء شخصية مؤثرة فيه، عن طريق استغلال اهتماماته في أن يعلم غيره، وينشر معارفه لغيره، وأن يربط بين ثقافته التي تثقف بها وبيئته التي يعيش فيها، وانتمائه الذي ينتمي إليه، وولائه الذي يوالي عليه .
وأخيرا على كل مرب يلحظ اهتماما في متربيه من نوع ما أن يربط اهتمامه بما يمكن أن يزيد في إيمانه وأن يقربه إلى ربه وأن يجمّل أخلاقه ويحسّن سلوكه، وعلينا أن ننبذ من كل اهتمام ما يمكن أن يشوه معالم الشخصية البنيوية لأبنائنا أو أن يكون خطرا عليها
ـــــــــــــــــــ
ضعف إيماني وسيطر الشك علي ..ما الحل ؟
أجاب عليه ... د. عمر المقبل
التاريخ ... 15/1/1428هـ
السؤال
بدأ إيماني يضعف وبدأ الشك يسيطر علي في الذات الإلهية و في الجزاء على الأعمال... ساعدوني للتغلب على هذه المشكلة.
الاجابة
أولاً : نشكرك ـ أخي الكريم ـ على تواصلك وسؤالك ،وطلبك الإجابة قبل أن يستفحل الأمر ،وإني لأرى هذا من توفيق الله لك ـ إن شاء الله تعالى ـ .
ثانياً : من المهم ـ وفقك الله ـ أن تستحضر أن الله تعالى ما أنزل داءً ـ لا حسياً ولا معنوياً ـ إلا وأنزل له دواء.
ثالثاً : نقص الإيمان ،وفوات لذة الطاعة ،وعدم الاكتراث بها مصيبة من المصائب العظيمة ،وقد قال _سبحانه_ : "وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ(115/1985)
كَثِيرٍ" [الشورى/30] ) فعليك ـ أخي ـ أن تفتش في الأسباب التي أدّت بك إلى هذه الحال ، فأنت أدرى الناس بها.
ارجع ـ أخي الكريم ـ بذاكرتك إلى الوراء ثلاث سنوات أو أكثر ، تذكر تلك اللحظات الإيمانية ،وساعات الصفاء والأنس التي كنت تنعم بها ،ما سبب وجودها في تلك المدة؟ وما سبب فقدها أو ضعفها في هذه المدة ؟! فإن هذا مفتاح مهم للوصول إلى حل مشكلتك.
رابعاً : دخول الشيطان على العبد في باب الذات الإلهية ،فهو علامة على قوة الإيمان ـ إن شاء الله ـ فقد تثبت في صحيح مسلم من حديث أبي هريرة_رضي الله عنه_ أنه قال : نَاسٌ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِىِّ -صلى الله عليه وسلم- فَسَأَلُوهُ إِنَّا نَجِدُ فِي أَنْفُسِنَا مَا يَتَعَاظَمُ أَحَدُنَا أَنْ يَتَكَلَّمَ بِهِ. قَالَ «وَقَدْ وَجَدْتُمُوهُ». قَالُوا نَعَمْ. قَالَ «ذَاكَ صَرِيحُ الإِيمَانِ».
فاطمئن ـ أخي ـ من هذه الجهة ؛ لأن الشيطان حريص على إغواء ابن آدم بشتى الطرق ، فإن قدر عليه من باب الشهوات أهلكه ،وإن عجز عن ذلك ـ لقوة إيمانه ـ دخل عليه من باب الشبهات ، فيبدأ بإلقائها ورميها من أجل إيقاعه ،فالحمد لله الذي جعل كيد الشيطان ضعيفاً ،والحمد لله الذي جعل لنا في الشريعة مخرجاً وفرجاً ،وهو ألا نلتفت إلى هذه الوساوس ،وأن نستعيذ بالله من الشيطان وشره.
وههنا مسألة مهمة : وأنت حينما تستعيذ بالله من الشيطان ينبغي عليك جيداً أن تتذكر أن الشيطان عبدٌ من عباد الله ،ناصيته بيد الله ، وأن الله تعالى قادر على صد كيده عنك ، وإضعاف شره ، فبهذا اليقين المهم ستجد قوة عجيبة تملأ قلبك وأنت تستعيذ بربك العظيم القوي القدير من كيد الشيطان الضعيف الحقير .
خامساً : أما مسألة الحساب والثواب على الأعمال ،فالجواب عنها سهلٌ جداً ـ بحمد الله ـ فإن الحساب دلّ على ثبوته العقل والشرع :
أما العقل : فإن الخلق ـ في هذه الدنيا ـ يقع من أكثرهم ظلمٌ ،فإما أن يتركوا بلا حساب، وهذا ظلمٌ يتنزه عنه عقلاء البشر ، فضلاً عن الرب الكريم ،وإما أن يكون لهم موعدٌ سيأخذ كل واحد حقه ، وهذا هو المتعين ،وهو المطلوب هنا ،وإلا لكان خلق الخلق عبثاً ،وحاشا لله تعالى من ذلك ،وسيتضح هذا الوجه في الدلالة الشرعية على هذا المعنى .
وأما الشرع : فالأدلة فيه كثيرةٌ جداً ، وسأكتفي منها بما يوضح المقصود ،والله الهادي سبحانه .
يقول الله تعالى: "أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ (115) فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ (116)" [المؤمنون/115، 116] )، فانظر كيف نزّه الله تعالى نفسه عن أن يكون خلق الخلق عبثاً ،وأنهم لا يمكن أن يكونوا بغير رجوع إليه ولا حساب ؟!.
وقال سبحانه لنبيه : "إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآَنَ لَرَادُّكَ إِلَى مَعَادٍ" [القصص/85]) والسؤال : كيف يفرض القرآن ؟ وكيف يفرض العمل به ، ثم لا يكون هناك معاد نحاسب على مدى تنفيذنا لما فرض علينا في هذا القرآن ؟ هذا لا يمكن أن يكون.(115/1986)
وتأمل كم في القرآن من الآيات التي تدل على أن الله وعد المحسنين خيراً ،وتوعد المسيئين شراً "وَعْدَ اللَّهِ حَقًّا وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ قِيلًا" [النساء/122]) .
واستمع لهذا الحوار بين أهل الجنة وبين أهل النار حينما بلغوا منازلهم التي حقت لكل منهم : "وَنَادَى أَصْحَابُ الْجَنَّةِ أَصْحَابَ النَّارِ أَنْ قَدْ وَجَدْنَا مَا وَعَدَنَا رَبُّنَا حَقًّا فَهَلْ وَجَدْتُمْ مَا وَعَدَ رَبُّكُمْ حَقًّا قَالُوا نَعَمْ فَأَذَّنَ مُؤَذِّنٌ بَيْنَهُمْ أَنْ لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ " [الأعراف/44]).
آمل أن تجد فيما ذكرته لك حلاً لمشكلتك ،راجياً أن تبشرنا بتحسن حالك _إن شاء الله_.
ـــــــــــــــــــ
أنهمك في العمل لدرجة ضياع الواجبات الدينية و الاجتماعية
أجاب عليه ... فهد السيف
التاريخ ... 8/1/1428
السؤال
أنا شاب أعمل في إحدى القطاعات الحكومية، وكذلك متعاون مع إحدى المؤسسات الخيرية، مشكلتي أني أحب العمل كثيرا إلى درجة أنني أضيّع بعض الالتزامات والواجبات الدينية والاجتماعية لإنجاز ذلك العمل بل أظل أفكر فيه طيلة الوقت.
هل هناك مشكلة في هذا الموضوع؟ وشكراً.
الاجابة
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد
فإن من المبهج للنفس وجود أمثالك من الشباب الذين يحبون العمل ويقبلون عليه، لا سيما في وقت نرى فيه بعض الشباب لا يأبهون بالعمل كثيرا، ويحبون الراحة والكسل، وكأنما هم يريدون السماء أن تمطر عليهم ذهبا وفضة، فإذا ما اجتهد أحدهم وعمل مكان ما ظهرت منه بوادر الإهمال من غياب وضعف أداء.
كما أحيي فيك حرصك على العمل الخيري والتعاوني، وأشكر فيك همتك.
وكونك تحب العمل كثيرا فإن هذه صفة تضاف إلى إيجابياتك، وليست مشكلة بحد ذاتها، لكن المشكلة الإخلال بترتيب الأولويات على الوجه الصحيح، فإذا كان هذا أمرا واجبا فهناك ما هو أوجب منه.
ولعل وقوعك في شيء من هذا يرجع إلى أحد سببين:
إما استغراقك في العمل إلى الحد الذي تنسى فيه الواجبات الأخرى.
وإما وجود خلل في ترتيب الأولويات بسبب غياب التعرف على أوجب الواجبين، لا سيما أن الواجبات أكثر من الأوقات.
أما السبب الأول: وهو الاستغراق في العمل والاندماج معه إلى حد نسيان الواجبات الأخرى، فعلاجه يكون بتنظيم الوقت وترتيبه والتخطيط السليم للوقت، والاستفادة من المفكرات والمذكرات الموجودة في السوق، سواء الورقية أو التقنية بالحاسب أو جهاز الجوال، فتقوم بوضع خطة أو جدول لنفسك، تدخل ضمنه جميع واجباتك حتى الاعتيادية، لأنك بوضعك الحالي تنسى واجبات أهم كالدينية مثلا، فلا يصح أن(115/1987)
تنهمك في عملك حتى تنشغل عن الصلاة، وقد يكون من المناسب وضع مذكِّر للصلوات في جوالك أو حاسبك، وهو بحمد الله متوفر.
والواجبات كثيرة تتصدرها الواجبات الدينية، وهناك واجبات أخرى كالنفس والأهل لا ينبغي الإخلال بها، بل يوضع لها وقت في برنامجك اليومي كما سيأتي في السبب الثاني –إن شاء الله- ليحتوي الجدول بعد ذلك على جميع الواجبات، ويكون لكل واحد منها وقته المناسب له، ولا يزاحمه واجب آخر إلا عند الضرورات، ولكن لا يكثر من المقاطعات والمزاحمات.
وأما السبب الثاني: وهو غياب الترتيب الصحيح للأولويات، فهذا قد يختلف في تقديره الأشخاص، بل قد تختلف الأولويات بين الأشخاص في الحادثة الواحدة، لظروف كل واحد منهم، وإن جلسة هادئة مع نفسك وبيدك ورقة وقلم بعيدا عن الضوضاء تمكنك من تنظيم أولوياتك، بل ربما أظهرت لك خللا في ترتيبك السابق، وليكن ترتيبك وفق الطريقة المعروفة:
مهم وعاجل
مهم وغير عاجل
غير مهم وعاجل
غير مهم وغير عاجل
فترتيبها وفق الترتيب السابق، ويبقى النظر في الثانية والثالثة، فإذا أمكن تقديم الثالثة على الثانية ولم يكن ذلك سببا في ترك أو ضعف الثانية فلا بأس بتقديمه.
وإن جهودك المباركة –أخي الفاضل- في العمل الخيري ينبغي ألا تنسيك واجبات أخرى، فإن الذي يعمل وينغمس في العمل مثلك إذا لم يرتب وقته يبدأ في خلق المعاذير لنفسه، ويبرر تركه لما هو أهم، وقد يندم ولات ساعة مندم، وفي هذا أمثلة وقصص لأشخاص أهملوا مهمات وواجبات كبعض الأمراض في النفس أو تطوير النفس أو الأهل والأولاد ثم ندموا، وليس هنا مجال عرضها.
ومما جاء في السنة في ترتيب الأولويات ما ورد عن سلمان الفارسي رضي الله عنه في صحيح البخاري حين جاء يزور أبا الدرداء، فرأى أم الدرداء متبذلة، قال : ما شأنك ؟ قالت : إن أخاك ليس له حاجة في الدنيا، فلما جاء أبو الدرداء رحب به وقرب إليه طعاما، فقال له سلمان : اطعم، فقال : إني صائم، قال : أقسمت عليك إلا ما طعمت، ما أنا بآكل حتى تأكل، فأكل معه، وبات عنده، فلما كان من الليل قام أبو الدرداء فحبسه سلمان، ثم قال: يا أبا الدرداء إن لربك عليك حقا، ولأهلك عليك حقا، ولجسدك عليك حقا، فأعط كل ذي حق حقه، صم وأفطر، وقم ونم، وائت أهلك، فلما كان عند الصبح قال قم الآن، فقاما وصليا، ثم خرجا إلى الصلاة فلما صلى النبي صلى الله عليه وسلم، قام إليه أبو الدرداء فأخبره بما قال له سلمان، فقال له : رسول الله صلى الله عليه وسلم مثل ما قال سلمان له، وفي لفظ : فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : يا أبا الدرداء إن لجسدك عليك حقا مثل ما قال لك سلمان.
ومثل هذا القول جاء عن النبي _صلى الله عليه وسلم_ حين رد تبتل عثمان بن مظعون، وكذلك قاله لعبدالله بن عمرو رضي الله عنهم أجمعين حين أحب الانقطاع(115/1988)
للعبادة، فإذا كان الاستغراق في العبادة مذموما وهي أولى الأولويات، فما بالك بما دونها.
وإن حب النفس لشيء لا يعني أن يكون مسيطرا على حياته، بل يرتب أولوياته حسب ما سبق.
ومما يلحظ على بعض العاملين في المجال الخيري نسيان تطوير ذواتهم، والانهماك في العمل الإداري، وهذا خلل ينبغي أن يتداركوه، وكذلك ينسى بعضهم أهله وأولاده، فلا يراهم إلا حين يأوي إلى فراشه، ولا يجعل لهم أوقاتا يربيهم فيها، أو حتى يجعل لهم وقتا للمتعة والفسحة، فإن النفس تمل وتكل، وتحب محاكاة الآخرين، والله سبحانه وتعالى قال للنبي صلى الله عليه وسلم: "وأنذر عشيرتك الأقربين" وفيه إشارة وتنبيه إلى ترتيب الأولويات في حياة الفرد، فلا ينبغي للداعية الحصيف أن ينشغل بدعوة الآخرين وبيته قد أهمله، ولما ذكر عبدالله بن مسعود رضي الله عنه حديث النامصة، قالت له امرأة: إن أهلك يفعلونه، فأجابها بثقة المربي: اذهبي فانظري، وهكذا ينبغي للداعية أن يكون شعاره دائما: (اذهبي فانظري).
ـــــــــــــــــــ
أختي تلبس حجابا غير ساتر .. كيف أتعامل معها؟
أجاب عليه ... سلام الشرابي
التاريخ ... 1/1/1428هـ
السؤال
لي أخت تلبس الحجاب لكن تلبس ملابس ضيقة تشف أحيانا وتصف أحيانا أخرى لا تقتنع بما نقوله لها من نصائح وهي في غاية العناد على الرغم من صلاح قلبها وطيبتها.. أفيدونا في كيفية التعامل معها.
الاجابة
بداية نشكر حرصك على أختك ورغبتك في صلاحها ونسأل الله أن يعينك على إرشادها للالتزام بالحجاب الشرعي الذي يرضي الله ورسوله.
وللأسف نقول: إن كثيراً من الفتيات يظنن أن الحجاب ليس سوى قطعة من قماش توضع على الرأس لتغطي الشعر، ويرين أنهن إن وضعنه فقد التزمن بالحجاب الشرعي الكامل وأرضين ربهن به، بينما ترتدي الملابس الضيقة التي تظهر معالم الجسم فتبدو وكأنها شكل آخر من أشكال الموضة الملفتة للنظر وهي ما يسمى الآن "بحجاب الموضة".
لا بد هنا أخي السائل أن تبين لأختك الشروط والأحكام الشرعية الخاصة بالحجاب فالستر ليس للرأس فحسب ولكن للجسد، وقد ذكرت أن في أختك من الخير والصلاح ما يمكن التعويل عليه . فهي إذاً بحاجة إلى تصحيح بعض المفاهيم التي قد تكون مغلوطة عن الحجاب؛ حول ماهيته ومفهومه وشروط صحته ، فلعل مفهوم الحجاب لم يكتمل في ذهنها. وهذا واجب الوالدين أولا ثم بقية أفراد العائلة .
ربما تكون أختك ولدت في بيئة مغلقة مما جعلها ترتدي الحجاب باعتباره عادة لا ديانة، دون أن تطّلع على أحكامه، وتعرف فضله وأهمتيه ، وبالتالي فإن قرار(115/1989)
حجابها لم يكن بقناعة داخلية بل باعتباره عادة اجتماعية مما جعلها لا تحرص عليه كل الحرص أو لم تتعرف على شروطه وما يتعلق به من سلوك وانضباط شرعي .
إيصال الفكرة الصحيحة عن الحجاب وإقناعها بها قد يحتاج منك الكثير من الصبر والروية و سعة الصدر والتذكير بالله تعالى "وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ" (الذاريات:55)...
كما يحتاج منك الأمر إلى اجتهاد في محاولة إفهامها مفهوم الحجاب الحقيقي خاصة مع ما نشاهده حولنا من أنواع لا حصر لها من أغطية الرأس التي تسمى زورا بالحجابً وما تبثه القنوات الفضائية من دعوات إلى التحرر والرذائل والعلاقات المحرمة والمشبوهة ..
دورك هنا أن تبين لها الغرض من الحجاب وأن ما ترتديه لا يحقق هذا الغرض بالصورة المطلوبة شرعا .
ومن المهم أن تعلم أنت قبل أن تبدأ الحوار معها أن الحجاب لن يحقق غرضه وهدفه إن لم يكن نابعاً من داخل الإنسان وليس بضغوط خارجية أو عادات اجتماعية، خاصة عندما تبلغ الفتاة رشدها، وتصبح عاقلة واعية.. فيصبح النقاش والإقناع لها أقوى من الضغط والإجبار.
ومن المفيد أن تذكرها أن الحجاب الشرعي الذي يخرج المرأة من الإثم هو ما يجمع الأوصاف التالية:
1 – أن يكون ساتراً.
2 – أن يكون واسعاً فضفاضاً لا يبرز ولا يحدد أجزاء الجسم.
3 – أن يكون سميكاً لا يصف ما تحته ولا يشف.
4 – أن لا يكون من الملابس الخاصة بالرجال.
5 – أن لا يكون من لباس الشهرة.
6 – أن لا يكون زينة في نفسه حتى لا يبطل المقصود به، فالحكمة من فرض الحجاب هو التستر.
والدليل على أن من شروط الحجاب أن لا يكون زينة في نفسه (كما هو الحال في حجاب أختك وحجاب الموضة) قول الله تعالى: "وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ" (النور: من الآية31).
أخي السائل عليك أن تناقش أختك حول سبب ارتدائها الحجاب : هل هو إرضاء لله عز وجل أم لأسباب اجتماعية متعلقة بالعادات والتقاليد أم أنها نشأت في عائلة تلبس الحجاب فلم تجد مناصاً عنه حتى لا تتعرض للانتقاد ممن حولها ؟
عليك أن تخبرها وبالإقناع أن حجابها لا يحقق شروط الله من حجاب المسلمة وأن المسلم مأمور أن يعبد الله كما أمر لا أن يعبده على هواه. كما قال الله تبارك وتعالى: "فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ".
نقطة هامة يجب أن تلفت النظر إليها وهي من الأمور التربوية المهمة التي يجب أن يعتني بها الأهل وأعني بذلك تعويد البنات على لبس الملابس المحتشمة منذ الصغر حتى يكون ارتداء الحجاب سهلاً ومقبولاً عند البلوغ؛ لأن التفريط والتساهل بهذا الأمر من قبل الأم ينعكس سلباً على مدى تقبل الفتاة للحجاب عند البلوغ .(115/1990)
وعلى الأم أن تغرس في قلب ابنتها حب الحجاب والاقتناع به منذ الصغر وأن تكون هي مثلاً أعلى لابنتها لترغب في تقليدها وتطلب من تلقاء نفسها ارتداء الحجاب.
سائلين الله الهداية لأختك وأن يصلح الله ظاهرها وباطنها
ـــــــــــــــــــ
أبر والدي غير أني دوما أستشعر التقصير
أجاب عليه ... د. محمد العتيق
التاريخ ... 23/12/1427
السؤال
استقمت منذ 4سنوات، ودائماً أحاول وأجاهد نفسي في أن أكون باراً بوالديّ الكبيرين في السن، أجتهد وأجتهد ودائما أشعر بالذنب وأني مقصر معهما.
فهل هذا الشعور يفيد أنهم غير راضيين عني أم أني عاق لهم رغم أنهم لا يشعرونني بأنهم غير راضيين عني، ولكن ربما أنا أشعر بالذنب؛ لأني لم أتوفق في حياتي الزوجية، علماً أني مررت بحالة نفسيه في المدة الماضية، ولا زلت أعاني منها قليلاً. وجزاكم الله خيراً..
الاجابة
أشكر لك تواصلك مع الموقع وثقتك بالقائمين عليه وأسال الله أن يعيننا وإياك ويوفقنا لما فيه صلاح ديننا ودنيانا.
مما يبدو من سؤالك أنت تبذل ما في وسعك للبر بوالديك ولم يظهر منهما ما يشعرك بالتقصير في ذلك، ولكنك في داخل نفسك تشعر بالتقصير بشكل دائم.
وأنا اعتقد أن ذلك مجرد شعور داخلي سببه حرصك وخوفك من الله تعالى، نحسبك كذلك والله حسيبك.
ولكي تتضح لك الصورة أحب ان أذكر لك ما يلي:
- حقوق الوالدين على الأبناء عظيمة وهي تلزمهم طوال حياتهم وحتى بعد أن يتوفى الوالدان. فهناك نوع من البر ينبغي فعله بعد وفاتهما كالدعاء لهما والبر بأرحامهما وزيارة أصدقاءهما وما الى ذلك.
ومهما فعل الانسان وقدم في سبيل ذلك من الأعمال والتضحيات فهو لن يقدم إلا جزءا يسيرا مما يستحقانه. ولكن فضل الله عظيم ورحمته واسعة وهو يضاعف الحسنات ويجزي على العمل القليل الأجر العظيم. وإذا فعل الانسان ما في وسعه وقدم أوجه البر التي يمكنه القيام بها فإنه بإذن الله لاتثريب عليه.
ولكي تعرف الحقوق الأساسية للوالدين التي لا ينبغي التهاون فيها أو التفريط بشأنها فيمكنك القرءاة في كتب العلم عن بر الوالدين وطرق تحصيل ذلك. ثم تقارن بين ما تقرأه أو ما تسمع عنه من أوجه البر و بين ما تقوم به أنت فعلا تجاه والديك ، وبالمقارنة يتضح إن كان منك تقصير أم لا.
- الشعور المستمر بالتقصير في حق الوالدين هو في أصله أمر ايجابي وهو يدفع للمزيد من العمل وأداء الحقوق. لكن هذا الشعور يجب أن لا يزيد عن حده فينقلب الى شيء مختلف. إن كان هذا الشعور يدفعك الى لوم الذات وتأنيب النفس وتقريعها واستحقارها أو الشعور المستمر أو المتكرر بالتضايق أو الاضطراب النفسي فإنه(115/1991)
حينئذ يتحول الى أمر سلبي ، ويجب عليك حينها أن تعالجه وتعود بنفسك إلى طبيعتها وتضع حدا لهذا الأمر.
- الابتلاءات التي يتعرض لها المسلم في هذه الدنيا لا عد لها ولا حصر. فقد يبتلى في صحته وفي أهله وماله وولده. وليس صحيحا أنها دوما عقوبات على تقصير الانسان في جناب ربه أو نفسه أو والديه ، بل قد تكون دلالة على محبة الله - عز وجل - لعبده، وفي الحديث (أشد الناس بلاء الأنبياء ثم الذين يلونهم....يبتلى الرجل على حسب دينه) الحديث. ومشكلتك الزوجية ربما تكون من هذا القبيل.
- أنت تقول أنك مررت بحالة نفسية في الفترة الماضية ولم يتضح في سؤالك أكثر من ذلك، وأنا أقول: التعب النفسي الذي مررت به قد يكون مسئولا عن شعورك المتكرر بتأنيب الضمير تجاه والديك وقد يكون له دور في مشكلاتك الزوجية وغيرها من الأزمات التي تمر بك . حاول أن تحصل على استشارة طبية لدى الطبيب النفسي أو المستشار النفسي لعلها تكون بداية صحيحة لحياة أفضل.
وفقنا الله وإياك لكل خير.
ـــــــــــــــــــ
كيف أختار شريك حياتي المناسب؟
أجاب عليه ... سلام الشرابي
التاريخ ... 18 - 12 - 1427
السؤال
كيف أستطيع التعرف على الإنسان المناسب ليكون شريك حياتي؟
الاجابة
أولاً: أود أن أشكرك على سؤالك هذا الذي ينم عن وعي منك وحرص على مستقبلك ومستقبل أسرة مسلمة، ويتيح في نفس الوقت المجال لتبيان بعض الأمور الهامة المتعلقة باختيار شريك العمر؛ إذ إن اختيار الزوج المناسب هو أول خطوة من الخطوات الصحيحة لحياة زوجية سعيدة.
عادة ما يتقدم للفتاة عدد من الشباب الخاطبين، تختار من بينهم مَن تعتقد بأنه الأنسب لها طالما أمكنها ذلك، وخير ما تختار هنا، هو ما أشار إليه رسول الله _صلى الله عليه وسلم_ حين قال: "إذا جاءكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه؛ إلا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد كبير".
والحياة بتجاربها الواسعة التي نراها أمام أعيننا يومياً، أثبتت أهمية عامل الدين في اختيار الزوجة للزوج، والزوج للزوجة؛ إذ إن صاحب الدين والخلق يحافظ على زوجته ويحسن معاملتها ولا يظلمها، وهناك مَثَل شائع معروف في بعض البلدان يقول: (من يخشى الله لا يُخشى منه) أو بما معناه.
فالدين ما كان في شيء إلا زانه، وما نزع من شيء إلا شانه. وهو أمر تستقيم معه معظم الأمور الحياتية.
والزوج الصالح لا يقتصر أثره على العلاقة بينه وبين زوجته، التي يتقي الله فيها، وإنما يتعدى ذلك إلى علاقة الزوجة بالله _عز وجل_، فهو لابد سيكون مُعِين لزوجته(115/1992)
على طاعة الله والقيام بالأعمال الصالحة ويحرص على تنشئة أبنائه تنشئة صالحة. فتنشأ أسرة صالحة تقر عينك بها وأنت ترينها تكبر وتنمو في جو إسلامي نقي وتقي.
ومن الأمور المهمة الأخرى التي يجب أخذها بعين الاعتبار عند اختيار الزوج المناسب، توفر التكافؤ بين الطرفين والذي يتمثل بالتوافق والتقارب الاجتماعي والتقارب العلمي والثقافي والنفسي أيضاً.
الانسجام الفكري مهم كذلك، ويمكن اكتشاف مدى توافق الزوجين الفكري خلال مناقشة بعض الأمور المتعلقة بحياتهما المستقبلية (الأمور المالية – إنجاب الأطفال – العلاقات الأسرية والاجتماعية – قضايا العمل وغيرها) كما أن هذه النقاشات تفسح المجال للتعرف على مدى تقبل كل منهما لآراء الآخر، خاصة مع وجود اختلاف في وجهات النظر. مع العلم أن هذه النقاشات لا تتأتى إلا من خلال الباب الشرعي لها.
عنصر آخر مهم رغم تهميش الكثيرين له إلا أنه أساسي، وهو الجانب المادي، وهو من الأمور التي يجب أن تلتفت لها الفتاة عند اختيارها الزوج المناسب، يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من استطاع منكم الباءة فليتزوج" والمقصود بالباءة نفقات الزواج وإمكانية إعاشة الرجل للمرأة، والإسلام يشترط في صحة عقد النكاح واستمراره قدرة الرجل على الإنفاق.
فليس محموداً أن تقبل الفتاة بأي شاب يتقدم لها مجرد اقتناعها بفكرة الزواج، أو وجود مزايا جانبية أخرى، فيجب أن يكون لديه على الأقل ما يكفيه ويكفي زوجته، وهو ما يوفّر الكثير من الخلافات التي قد تنشأ بعد الزواج.
ولا نقصد على أية حال أن يكون الزوج ميسوراً وغنياً، فيكفي القدرة على النفقة ليكون كفؤاً للزواج، ولنا في الآية الكريمة موثقاً من الله في ذلك، حيث يقول _تبارك وتعالى_: " وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ " (النور/32).
ملاحظة مهمة أرجو أن تنتبه لها السائلة الكريمة، وكذلك كل فتاة مقدمة على الزواج: اختيار الرجل المناسب يجب أن يقوم جميع العناصر السابقة، فالزواج الذي يقوم على عنصر واحد فقط من عناصر الاختيار مغفلاً باقي العناصر مصيره في كثير من الأحيان الفشل؛ لأن الاختيار الناجح هو الذي يراعي جميع العناصر على التوازي.
وعند النظر إلى مجتمعاتنا العربية والإسلامية المحافظة ، نعلم أن الفتاة - غالبا - لا تتمكن من التعرف على خطيبها بشكل مباشرة أو الاستعلام عن سلبياته وإيجابية . ولهذا فهي تحتاج إلى أن يقف معها أهلها ويساعدوها في ذلك وخاصة والدها وإخوانها . فهم يستطيعون أن يجالسوا الخطيب ويخرجوا معه ويتحدثوا وإياه بحرية ، فيسمعوا منه ويسألوا عن علاقاته وزمالاته ومحيطة . كما أنهم يستطيعون زيارته في مقر عمله مثلا والتعرف على منطقة سكنه وما إلى ذلك من الجوانب التي تعطي فكرة واضحة عن طبيعة الشخص ونمط حياته وسلوكياته ومستوى تفكيره وإدراكه . ثم هم بعد ذلك ينقلون ما يروه بأمانة إلى الفتاة التي يمكنها بعد ذلك - وبمشورة العارفين من أهلها – أن تصل إلى حكم صحيح على الرجل مبني على معلومات صحيحة واختيارات شرعية وجوانب واقعية ومنطقية .
آملين للأخت السائلة ولكل فتياتنا التوفيق في اختيارهن وفي حياتهن الزوجية.(115/1993)
ـــــــــــــــــــ
الخيالات الجنسية لدرجة الإثارة
أجاب عليه ... د. محمد العتيق
التاريخ ... 6/12/1427
السؤال
السلام عليكم . انا شاب غير متزوج وعمري 23 عاما . أعاني من مشكلات الخيالات الجنسية لدرجة الإثارة .. كيف أحمي نفسي حتى لا أقع في الذنب ؟
الاجابة
مشكلتك أخي كما فهمت من رسالتك أنك تعاني من خيالات أو تخيلات جنسية ينتج عنها إثارة بالغة ..وتسأل عن كيفية التخلص منها لشعورك بالحرج ومخافة الإثم .
و أنا أولا أحب أن أشكر لك سؤالك وعنايتك للتخلص من هذه المشكلة فإن أولى خطوات الحل هو إدراك المشكلة والبحث عن السبل المناسبة الممكنة للتخلص منها .
و مما رود في السؤال أن عمرك هو 23 سنة و هذا يعني أنك في المرحلة الذهبية من مراحل عمرك والتي يستطيع الإنسان فيها أن يصل بعطائه ونشاطه إلى مقامات عالية في أمور دينه و دنياه ، وذلك لثلاثة أسباب :
الأول أنه يكون قد تخلص من مشكلات مرحلة المراهقة ومعاناتها النفسية والاجتماعية والجسدية الحادة .
و الثاني أنه يكون لديه من النضج الفكري والتطور العقلي والاستقرار العاطفي – نسبيا - ما يجعله قادرا على تنظيم أمور حياته وتنمية مهاراته وزيادة انتاجيته وعطاءه والتخطيط بشكل سليم لتخطي مشكلاته .
والثالث أنه يكون لديه من التفرغ واتساع الوقت ما يمنحه فرصة عظيمة و مجالا واسعا لإنجاز المهام وقضاء الحوائج والسير في مسارات التعلم والتحصيل ، فهو لم ينشغل بعد بأمور الزواج والأولاد والوظيفة وغيرها .
ومن هنا يجب أن تكون أولى خطوات الحل النظر الى هذه المرحلة وإعطاءها حق قدرها من الاهتمام واستغلالها قدر المستطاع وتوظيفها بما يعود عليك بالفائدة في الحاضر والمستقبل قبل أن تفوت وتندم عليها .
ومن هذا الباب وعبر هذا المدخل الهام ، سوف تتغير طريقة تفكيرك فتعلو همتك ويرتفع مستوى طموحاتك و تشغل نفسك بما هو أهم لأمر دينك ودنياك . وسوف تجد من لذة العمل و حلاوة نيل المرادات و الفرح بالتغلب على التحديات و الفوز بالمنجزات ما يمنح حياتك نكهة مختلفة تجد فيها الدنيا كأحلى ما تكون .
وبهذه الطريقة نستطيع أن نعالج سببين هامين من أسباب المشكلة وهما الفراغ و دنو الهمة.
السبب الثاني لهذه المشكلة هو التعرض للمثيرات والمحفزات التي تدفع الفرد للخيالات الجنسية وتجره إلى السير وراءها والتفكير فيها و الإغراق في التفاصيل التي يشعر معها بعنفوان الغريزة وتصاعد الإثارة ، وربما أخرجته من دائرة التفكير إلى الممارسة المحرمة أيا كان شكلها .(115/1994)
وتلك المحفزات منها ما يكون على شكل صور فاضحة أو أحاديث عابثة أو قصص خيالية أو مشاهد مثيرة . وليس من الغريب أن يجنح تفكير الإنسان إلى الغزيرة حين يتعرض لمثيراتها فتلك طبيعة البشر ، ركبها فيهم خالقهم – جل وعلا ، وهو أعلم بهم - . ولهذا فإن الحل لهذه المشكلة هو حل يسير ومباشر وذلك بالابتعاد عن المثيرات وتجنبها قدر المستطاع .. و من تلك المثيرات ما يكون حراما صرفا كالمشاهد المثيرة أو الصور العارية ومنها ما يكون لغوا عابثا أقل أحواله الكراهة كالأحاديث و (الدردشات ) الخاصة .
الجانب المهم الأخر والذي يجب النظر إليه عن الحديث عن مشكلتك هو أن الغزيرة تبقى فينا غالبة متأصلة ..تظهر في مشاعرنا وتملأنا تفكيرنا من وقت لأخر ، حتى من دون محفزات في بعض الأحيان . والله عز وجل حين ركبها في أنفسنا جعل سبلا ومخارج شرعية لإشباعها ، بما يحقق اللذة ويضمن المقاصد الأخرى ( كالنسل والتوريث وغيرها ) ويمنع مضاعفتها على الفرد وعلى مجتمعه. ومن ذلك الزواج وهو أول ما يجب النظر إليه والاهتمام به لعلاج المشكلة . فالزواج هو برد النفوس وإكسير علاج الشهوة المتأججة وسكن العواطف الجامحة . والزواج هو الحل النهائي لهذا الأمر على المدى البعيد . فان لم يمكن ذلك على المدى القريب ، فالصيام كما جاء في وصية النبي صلى الله عليه وسلم لشباب أمته مع الابتعاد كما سبق عن المثيرات و شغل الفراغ بما يفيد وصرف القوة الجسدية والذهنية في منافسات فكرية و رياضية وما شابه .
وأما العلاجات الفورية ، اللحظية التي يمكن اللجوء إليها عند اشتداد التفكير الجنسي وسيطرة الخيال الشهواني فهي كثيرة ومن ذلك الخروج من المكان إن كنت فيه وحيدا والجلوس مع الآخرين ، أو الاتصال بهم هاتفيا والحديث معهم بما يبعد التفكير عن ذلك الموضوع . ومنها اللجوء إلى الذكر والاستغفار وشغل النفس بقراءة القرآن أو الصلاة .
وهناك كتيبات نافعة في هذا الباب يمكن الحصول منها على المزيد في التعامل مع الشهوة مثل كتيبات الشيخ محمد الدويش والشيخ محمد المنجد وغيرهما .
تلك أفكار سريعة يمكنك الاستفادة منها لعلاج المشكلة ..أسأل الله لنا ولك التوفيق والعمل الصالح
ـــــــــــــــــــ
جوانب تربوية في حديث:
أجاب عليه ... فهد السيف
التاريخ ... 3/12/1427
السؤال
من قول الرسول _صلى الله عليه وسلم_: "ارجع فصل فإنك لم تصل"، فقال الأعرابي: والذي بعثك بالحق لا أعلم غير هذا فعلمني.
هل هنا أمر تربوي في التعليم؟
الاجابة(115/1995)
ثبت في الصحيحين عن أبي هريرة _رضي الله عنه_: "أن رجلاً دخل المسجد ورسول الله _صلى الله عليه وسلم_ جالس فيه فرد عليه السلام، ثم قال له: ارجع فصل فإنك لم تصل. فرجع فصلى كما صلى، ثم جاء فسلم علي النبي _صلى الله عليه وسلم_ فرد عليه السلام ثم قال: ارجع فصل فإنك لم تصل، فرجع فصلى كما صلى، ثم جاء فسلم على النبي _صلى الله عليه وسلم_ فرد عليه السلام، وقال: ارجع فصل فإنك لم تصل ثلاث مرات، فقال في الثالثة: والذي بعثك بالحق يا رسول الله ما أحسن غيره فعلمني. فقال: _صلى الله عليه وسلم_ إذا قمت إلى الصلاة فكبر، ثم اقرأ ما تيسر معك من القرآن، ثم اركع حتى تطمئن راكعاً، ثم ارفع حتى تعتدل قائماً، ثم اسجد حتى تطمئن ساجداً، ثم اجلس حتى تطمئن جالساً، ثم اسجد حتى تطمئن ساجداً، وافعل ذلك في صلاتك كلها".
أفهم من سؤالك أنك تستكشف بعض المواضع التربوية والتعليمية في هذا الحديث، وها هنا أقف معك لتلمس هذه اللمسات التربوية من هدي النبي _صلى الله عليه وسلم_ وهو أكمل الهدي.
1- لعل أبرز ما يشد انتباه القارئ للحديث أن النبي _صلى الله عليه وسلم_ لم يباشر التعليم المباشر، ولم يسع إلى التعليم من أول مرة، وإنما صبر حتى هيَّأ المستقبِل لاستقبال التعليم، وهذا أسلوب يسمى: أسلوب التشويق، ولك أن تتأمل هذا الرجل كيف كان تَلَقِّيه للتعليم بعد أن تركه يحاول عدة مرات، حتى صار مشتاقا لتعلم الكيفية الصحيحة، هذا على الرغم أن النبي _صلى الله عليه وسلم_ كان قادرا على أن يقول له من أول مرة إنك صلاتك بهذه الكيفية غير صحيحة، والكيفية الصحيحة هي كذا وكذا، لكنه استخدم الأسلوب الأكثر بقاء.
2- أيضا تأمل كيف كان تعليم النبي _صلى الله عليه وسلم_ رفيقا رقيقا، فلم يعنفه أو يشدد في الإنكار عليه، على رغم أن خطأه كان في ركن من أركان الإسلام لا يقبل إلا به، وهو الطمأنينة، وكثيرون يعنفون على العصاة فيما دون ذلك بأشد من هذا الأسلوب، وهذا هو المربي الأول _صلى الله عليه وسلم_ يعلمنا كيف يكون الرفق في التعليم، وقبله كان موسى عليه السلام يتعامل مع أطغى طغاة الأرض وهو فرعون كما أمره ربه "فقولا له قولا لينا لعله يتذكر أو يخشى" وقد حكى النبي _صلى الله عليه وسلم_ نبيا ضربه قومه فأدموه فمسح الدم عن وجهه وقال: اللهم اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون.
3- التربية بالحدث أو التربية العملية أجدر الأساليب على البقاء والرسوخ، وهكذا حدث هنا، بل كان النبي _صلى الله عليه وسلم_ كثيرا ما يعامل أصحابه بهذا الأسلوب، فيستغل الفرص، ويستغل المواقف، فأحداث غزوة أحد على سبيل المثال كانت مثالا بالغا في التربية بالحدث، ولم تكن لتمر هكذا دون تعليق رباني كما في سورة آل عمران، التي عالجت الموقف بأروع صورة، وكان لها أثر كبير في نفوسهم.
4- سؤال: من هو هذا الرجل؟ لم تذكر الأحاديث اسمه، حتى لو اجتهد بعض العلماء في البحث عن اسمه فإن اسمه يبقى غير معروف ولا مشهور، وذلك لما تربى عليه الصحابة ومنهم أبو هريرة _رضي الله عنه_ راوي الحديث من الستر على المسلم(115/1996)
حتى لو كان عاصيا، ولم يكن ثمة فائدة من ذكر اسمه، وهكذا ينبغي أن نتعامل مع العصاة، فنستر عليهم ونرحمهم ولا نشهر بهم، لأن إشاعة المنكر يحدث منه إشاعة له وكونه شيئا عاديا مستساغا، وكذلك فيه قفل لباب التوبة عن هذا الرجل الذي فعل المنكر.
5- النبي _صلى الله عليه وسلم_ وكله في البداية إلى علمه، ليعلم إن كانت المشكلة من عدم العلم، أو من العلم مع عدم العمل، ولكل واحدة أسلوب وطريق، فأمره بإحسان صلاته، وتعرف على مواطن الخلل، قال ابن رجب -رحمه الله- في الحديث: (وفيه: دليل على أن من أساء في الصلاة فإنه يؤمر بإحسان صلاته مجملا، حتى يتبين أنه جاهل، فيعلَّم ما جهله).
6- تأمل كيف كان النبي _صلى الله عليه وسلم_ متابعا لصحابته حتى دون أن يلحظوا ذلك منه، ولم تكن المراقبة دقيقة بحيث يكون عملهم لوجهه لا لوجه الله تعالى، فكثيرا ما كان _صلى الله عليه وسلم_ يكلهم إلى أنفسهم، كما في قصة الثلاثة الذين خلفوا، قال ابن رجب -رحمه الله-: (وخرجه النسائي، عنده: فجعل رسول الله _صلى الله عليه وسلم_ يرمق صلاته، ولا يدري ما يعيب منها).
لعلك أخي السائل أو غيرك من القراء الكرام حين تتأمل الحديث، أو تقرأ بعض الشروح ستجد ملحظاً تربوياً أو أكثر، وما ذكر مجرد إلماحة تربوية، ومواقف النبي _صلى الله عليه وسلم_ فيها عبر تربوية عميقة بحاجة إلى دراسة.
وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
ـــــــــــــــــــ
أرى المنكرات و أتردد في الإنكار.. فما الحل؟!
أجاب عليه ... جمّاز الجمّاز
التاريخ ... 26/11/1427
السؤال
شاب يشكو من كثرة المنكرات، ولا يستطيع إنكارها؛ لأنه وسط تجمع غير متدين، ويشير إلى أنه متسرع و يخاف أن يفسد أكثر مما يصلح، يرجو الإفادة؟
الاجابة
الحمد لله رب العالمين، وبعد:
فوجودك في مثل هذا الوسط الصاخب بالمنكرات، يستلزم منك مضاعفة المقاومة، والثبات على الاستقامة على هذا الدين العظيم.
واعلم أخي الكريم أن ثباتك في التمسّك بشعائر دينك في مثل زمنك هذا ومجتمعك هذا، لهو من أجل القُرُبات، صحّ أن النبي _صلى الله عليه وسلم_ قال: "ويل للعرب من شر قد اقترب، فتناً كقطع الليل المظلم، المتمسّك يومئذ بدينه كالقابض على الجمر" أو قال: "على الشوك"(1)، وصحّ عنه _صلى الله عليه وسلم_ أنه قال: "يأتي على الناس زمانٌ، الصابر فيهم على دينه، كالقابض على الجمر"(2).
وما حصل لك، هو من الابتلاء الذي هو خير لك لو كنت تعلم، أما علمتَ أنه تكفير للسيئات، وكتْب للحسنات، ورفعٌ للدرجات، أما علمتَ أنه يُربِّي نفسك ويُروّضها(115/1997)
على الثبات تجاه الأحداث، أما علمتَ أنه يَعُدُّ نفسك ويهيئها لتحمّل مسؤوليات أعظم، إنه لا شيء أفضل من ذلك، وعليك ألا تجزع وألا تصخب.
وأوصيك بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، لا تتردّدْ، لكن عوّد نفسك وألزمها الهدوء، مهما كلفك الأمر، وليكن بالقول اللين، والكلمة الطيبة، والدعوات الصادقة، وليكن حوارك هادئاً، خافضاً صوتك فيه، مظهراً أنك تريد الخير والمصلحة له، وإذا كنت لا تجيد هذه الأمور، فتعلمها على أيدي العلماء والدعاة، واحرص على قراءة بعض الكتب النافعة في هذا المجال، ومن الكتب المختصرة الميسرة [من أخلاق الداعية، لسلمان بن فهد العودة]، وقد صحّ عنه _صلى الله عليه وسلم_ أنه قال: "إنما العلم بالتعلّم، والحلم بالتحلّم، ومن يتحرّ الخير يُعطه، ومن يتوق الشر يوقه"(3)، وإن وجدتَ من الناس إعراضاً وتنكباً، فلا تتعجل واصبر على إعراضهم عن دعوتك حتى ترى أن بقاءك معهم لا يبدو منه طائل و حينها تنتقل عنهم إلى غيرهم، فقد أديت واجبك نحوهم، ولا تحزن عليهم،
فقد قال تعالى: "أَفَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَناً فَإِنَّ اللَّهَ يُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ فَلا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِمَا يَصْنَعُونَ" (فاطر:8).
واعلم أنها حكمة الله تعالى، لا قِبل لك لها، فقد قال تعالى: "... وَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ فِتْنَتَهُ فَلَنْ تَمْلِكَ لَهُ مِنَ اللَّهِ شَيْئاً أُولَئِكَ الَّذِينَ لَمْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يُطَهِّرَ قُلُوبَهُمْ..." (المائدة: من الآية41).
واستشعر أن مهمتك هي البلاغ والبيان، والنصح والتوجيه، أما النتائج فإلى الله تعالى، فقد قال تعالى: (فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلاغُ وَعَلَيْنَا الْحِسَابُ) (الرعد: من الآية40).
وأود تذكيرك بأمور:
1 – اهتمّ بالعلماء والدعاة وطلاب العلم في مدينتك أو المدن الأخرى القريبة منك، احضر مجالسهم، استشرهم، استفد منهم.
2 – ينبغي أن يكون لك صحبة طيبة خيّرة، تعينك على أمور دينك ودنياك، وتساندك وتقف معك في جميع شؤونك.
3 – ضرورة تعاهد نفسك بين الحين والآخر بالتربية والتزكية، ومن ذلك تعويدها على الصالحات أقوالاً وأعمالاً، وليكن لك عمل صالح لا يعلمه إلا الله عز وجل، سرٌّ بينك وبينه.
4 – شجّعْ نفسك وحبّب إليها الاقتداء بسير السلف، اقرأ في سير الصحابة والتابعين ومن بعدهم من العلماء والصالحين ونحوهم، فإذا علمتَ أخبارهم وأحوالهم، فهو حريّ أن تثبت على لأواء هذا الطريق، ومن الكتب النافعة المختصرة الميسرة [صفة الصفوة، لابن الجوزي / تهذيب سير أعلام النبلاء،لمحمد بن حسن بن عقيل موسى].
أسأل الله تبارك وتعالى لك التوفيق والسداد، وصلى الله وسلم على نبينا محمد بن عبد الله وعلى آله وصحبه أجمعين.
_______________
(1) مسند أحمد رقم "9073" ج15 ص 33، الصحيحة، للألباني ج2 ص 682.
(2) سنن الترمذي رقم "2260" ص 374، الصحيحة، للألباني ج2 ص 682 رقم "957".(115/1998)
(3) تاريخ الخطيب، للبغدادي ج9 ص 127، الصحيحة، للألباني ج1 ص 605 رقم "342".
ـــــــــــــــــــ
أعيش مع قرابة يسيئون إلى ..ماذا أفعل ؟
أجاب عليه ... خالد الزوبع
التاريخ ... 21/11/1427
السؤال
بسم الله الرحمن الرحيم
أرجو إرشادي فأنا أعيش مع قرابة لي – في نفس المنزل – معاملتهم سيئة وفيهم نوع من قلة الاحترام لمشاعر الآخرين بل حتى أخواتي وأمي يعانون من هذه الأخلاق السيئة ونحن نعفو ونصفح وهم يتمادون في سوء المعاملة حتى بلغ الحد إلى الإهانة والنبز بالألقاب، فقررنا أن نعاملهم بشكل رسمي دون قطيعة، علماً بأننا ندعو لهم بكل خير وللأسف وجدنا أن هذه الطريقة قد آتت أكلها، فهل معاملتنا هذه لا تتوافق مع الأخلاق الحسنه أرشدونا مأجورين0
الاجابة
أولاً: أهنئكم على هذه الأخلاق الرائعة والتعامل النبيل منكم مع من يسيء لكم..وأدعوكم إلى الصبر والاحتساب على ذلك مع سؤال الله الدائم والمُلِح بأن يدل أقاربكم إلى الطريق وأن يجلي الحق لهم .
ثانياً: حين تكون معاملتنا للآخرين مبنية على التودد والتلطف والاحترام فإننا نتوقع أن نتلقى نفس المعاملة الكريمة منهم ، وأن يبادلونا مودة بأخرى . ولكن ما الحيلة إذا كان الطرف الآخر لا يبادلك المعاملة الطيبة بمثلها بل قد تجد منه الفظاظة و سوء الأخلاق دونما سبب واضح !..فهل نعالج الخطأ بالخطأ ونرد على السوء بمثله ؟ الجواب – بلا شك - هو لا ، بل يجب أن نستمر على ما نحن عليه من الخير والمعاملة الطيبة ، كما قال تعالى: " ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم " ورسولنا الكريم ، عليه السلام ، قال: " ليس الواصل بالمكافئ " ولنا فيه – صلى الله عليه وسلم – أسوة بما كان يلقاه من بعض الناس ، رغم رحمته بهم وشفقته عليهم ..ولو تذكرت معي – أختي الكريمة - موقفه مع كفار قريش في فتح مكة حين صفح عنهم مع أنهم آذوه بل طردوه من بلده وهي أحب البلاد إليه ، وكذا موقفه مع اليهود والمنافقين الذين آذوه كثيرا بل استطالوا في عرضه الشريف وقالوا ما قالوه في حادثة الإفك ومع ذلك ما رأوا منه إلا وصلاً وعفواً وحكمة بأبي وأمي هو _صلى الله عليه وسلم_ .
ثالثاً: مما عرف بالتجربة وشاهده الناس واقعا بينهم أنه كلما أحسنت مع من يسيء لك وصبرت على ذلك مع الاحتساب كلما كان ذلك مدعاة لرجوعه إلى الحق وصلاح أخلاقه وتأدبه . إذ أنه كلما رأى منك خيرا وتواضعا وصفحا وغفرانا - رغم ما يجده منك أذى – فإنه يعود على نفسه باللوم و يدرك مدى خطأه وغيه ويكون ذلك بداية لتغيره نحو الأحسن وذلك أحرى لاستقامة أمره وصلاح شأنه مما لو بادلته خطأ(115/1999)
بخطأ أو واجهته بما هو عليه من معاملة فظة غليظة ، فقد تأخذه العزة بالإثم ويصر على خطأه .
رابعا : إذا كان أولئك يعيشون معكم في ذات البيت ..فإنه من الحكمة أن يسعى أحدكم إلى علاج ما يراه من خطأ في تصرفاتهم وطريقة تعاملهم مع الآخرين بالحكمة والوسائل العلمية المتبعة في مثل هذه الأحوال . ولأجل ذلك ، يمكن مراجعة الكثير من الكتب والأشرطة المتوفرة حاليا والتي تناقش مثل هذه المشكلة وتبين كيفية معالجة الأفراد وتعديل سلوكياتهم الاجتماعية الخاطئة أيا كانت .
خامسا: ومن المهم أن تذكر أن ذلك كله من الابتلاء والمحن التي تعرض للمؤمن في هذه الدنيا وهي لا تزيده إلا ثباتاً واستقامة على الحق . ثم هي تفصح عن الأخلاق النبيلة والمعادن الطيبة و تكرس الحقائق الإيمانية من الإيمان بوعد الله وجميل لطفه على خلقه ، وحكمته وحسن تدبيره - عز وجل - .. وتأملي مع قول الرسول عليه الصلاة والسلام: "وما ظلم عبد مظلمة صبر عليها إلا زاده الله رفعة في الدنيا والآخرة...".
كم هو جميل أن تخالط تلك المعاني شغاف قلوبنا فنعيشها حقيقة في واقعنا .
سادسا : من الحكمة وعين العقل أن نتعامل مع مثل هذه المواقف بخطين هما الصبر والاحتساب وبذل ما في الوسع من حسن الخلق والدعاء، وأما الانفصال في مكان مستقل غير وارد حسب القدرة..
والله يتولاكم بلطفه ورحمته وهو الرحيم الغفور
ـــــــــــــــــــ
ابني.. وجوال الكاميرا!
أجاب عليه ... فهد السيف
التاريخ ... 13/ 11 /1427هـ
السؤال
لدي ابن عمره 12 سنة، كثيراً ما يلح عليّ أن أقوم بشراء جهاز جوال له، يحتوي على كاميرا وخدمة البلوتوث، وأنا أخاف أن يسيء استخدامها.
فبماذا تنصحونني؟ وشكراً.
الاجابة
أخي الكريم:
نشكر لك ثقتك وتواصلك، ونسأل الله تعالى لنا ولك التوفيق في الدنيا والآخرة.
لا شك أن سؤالك يحوي معاناة كثير من الآباء، وهي شكوى جديرة بالاهتمام، تحتاج إلى شيء من التروي وبعد النظر والاستشارة، وقد يختلف الجواب عليها من شخص لآخر.
ومن خلال سؤالك – أخي الكريم- تظهر بعض الأمور التي يمكننا من خلالها الإجابة عليه، فمثلا:
• ابنك عمره 12 سنة وفي مقتبل سن المراهقة.(115/2000)
• أنت تخاف أن يسيء استخدامها، فأنت مقتنع داخليا بعدم صلاحية هذا الجهاز لابنك، فأنت لا تثق بكيفية استخدامه، لاسيما مع وجود الأمثلة الحية في المجتمع، والتي يظهر من خلالها الخلل باستخدام هذا الجهاز بأسوأ صوره!
• ابنك يريد من الجوال (الكاميرا، والبلوتوث)، فليست هناك حاجة لاستخدامه الجهاز.
• يختلف الجواب لو كان طلب الابن لجوال دون (كاميرا أو بلوتوث)، فهنا ينظر إلى حاجة الابن، وسؤالك قد خص وحدد جوال (الكاميرا والبلوتوث) لذلك نحن نجيب عليه.
وبناء على ما ذكرته أعتقد أننا نتفق وإياك على عدم مناسبة إعطاء ابنك هذا الجهاز، لاسيما في مثل هذا العمر، وعدم وجود حاجة حقيقية فعلا لوجود الجوال معه، وانتشار المقاطع المخلة والاستخدامات السيئة للجهاز.
بل إن الصغار عادة يستطيعون التعرف على أسرار هذه الأجهزة، واستخدام الكلمات السرية التي تمنع غيره من الاطلاع على أغوار تلك الأجهزة، وبطرق احترافية، فلا مجال لمبدأ متابعته بعد إعطائه الجهاز.
وأحب أن أنبهك أن إلى هذا الطلب من ابنك أمر غير مستغرب، حيث إن محاكاة من حوله يعد من خصائص النمو في مثل هذه المرحلة، فكثيرون في مثل هذا العمر وفي غيره لا يرغبون في الحصول على بعض الأشياء إلا عندما يرون من حولهم يتداولونها بشكل مستمر.
ويأتي دورنا في كيفية التعامل مع الابن حيال هذه القضية.
فمن المهم أن يكون ابنك على قناعة برأيك في هذه المسألة، فلذلك ينبغي أن تناقشه وتحاوره لتصلا إلى قناعة موحدة، والنقاش له فوائد عديدة منها: أن إعطاء ابنك فرصة للإبداء عن رأيه مما يشكل لديه طلاقة في التعبير وقوة في الحجة وصوابا في الرأي وشخصية متزنة غير مكبوتة، وكذلك يفيده في معرفته قناعاتك الشخصية ومبادئك التي يتعين عليه أن يسير وفقها، وليس معنى نقاشه في هذه القضية أو تلك أن يكون محور النقاش هل نفعل أو لا نفعل، وإنما يكون لماذا لم أوافق على رغبتك، كما أن تعرفه على مبادئك التي تنطلق منها يجعله يعرف رأيك في المسائل الأخرى دون كثرة إلحاح، ولكن بشرط أن تكون مبادئك واضحة وقوية، وهذا النقاش أيضا يجعله هو من يترك ما لا تريده من تلقاء نفسه إذا اقتنع بقناعتك أو سار وفق مبادئك، فلست بحاجة بعد ذلك إلى إملاء هذه القناعات بصورة مباشرة، وهذه هي التربية.
أيها الأخ الكريم: أرجو أن يكون لك دور في اختيار صداقات ابنك، ومن يحتك بهم، فمن المهم أن تكون لدى ابنك صداقات لديها القناعات التي تتفق مع قناعاتك الشخصية.
وأعرف جيدا أن التحكم باختيار الصداقات أمر في غاية الصعوبة، ولكن استطاعتك في اختيار ولو بعض الصداقات يعد نجاحا بحد ذاته.
وأتمنى أن تكون حريصا على إيجاد البدائل المناسبة لابنك، وإعطائه بعض الخيارات الأخرى البديلة، فتوضح له حرصك على مصلحته، وأنك لا تقصد حرمانه، فلا بأس(115/2001)
أن يختار من البدائل المناسبة التي تقترحها عليه، ليكون أكثر قناعة، ورضا بالنتيجة التي توصلت إليها.
واسمح لي في نهاية إجابتي أن أهمس في أذنك بهذه النصيحة، وهي أن تكون آراؤك مع أبنائك غير قابلة للتغيير إذا كنت على قناعة تامة بها، فلا ترفض أمراً إلا أن تكون قناعتك تامة بعدم قبوله، فإذا رفضته فلا تفكر في التنازل عنه، لأنك إن تنازلت عنه عاد إليك هذا الأمر بالسلبية، فهذا التنازل يعني لدى ابنك:أن مبادئك هشةٌ وضعيفة, وأن مبادئك يمكن تغييرها بالإلحاح والإصرار، مما يجعل نفَس ابنك طويلا إذا رأى استجابتك، فإن أنت استجبت له بعد إلحاحه عليك لمدة شهر، فإنه في المرة القادمة سوف يطول نَفَسُه معك إلى شهرين، وفي المقابل إذا رأى رفضك ولو بعد شهر من الإلحاح فإنه إلحاحه في المرة القادم سوف يتقلص.
وأخيراً أرجو أن أكون وصلت وإياك إلى شيء مفيد.
ـــــــــــــــــــ
أعاني من ضعف الهمة لدى مشرفي الحلقة
أجاب عليه ... فهد السيف
التاريخ ... 4/11 /1427هـ
السؤال
س/ فضيلة الشيخ.. أعاني في الحلقة من ضعف الهمة لدى المشرفين ولا أدري أهو عدم إحساس بعظم المسؤولية؟ أو عدم معرفتهم لأهمية عالمية الدعوة؟ علمًا أن الإخوة على قدر كبير من التدين والأخوة والمحبة والألفة والنشاط والخبرة فما الحل لحفز الهمة والرفع من مستوى العمل ؟ أثابكم الله.
الاجابة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله.. وبعد
سؤالك –أخي الكريم- يحتاج للإجابة عليه إلى تفاصيل أكثر، لمعرفة واقع الحلقة وأسباب المشكلة، ولا نستطيع إلقاء اللوم على المشرفين وضعف همتهم فقط، فأنت تذكر أنهم على قدر كبير من التدين والأخوة والمحبة والألفة والنشاط والخبرة، وهذه إيجابيات كبيرة تحتاج إلى الاستفادة منها، وقد يعاني كثيرون غيرك من نقص هذه الجوانب المضيئة لدى مشرفيك، أما أنت فلم يبق في مشرفيك إلا صقل إيجابياتهم، ومسح الغبار عنها، مع التطوير المستمر.
لعل أول ما أود منك أن تضعه منك على بال:
أن تحرص على تطوير نفسك في فن إدارة الموارد البشرية، من خلال الدورات الإدارية والقراءة في الكتب المتخصصة وغير ذلك من الأساليب التي من شأنها تزويدك بالوقود الإداري، ليكون تعاملك مع من تحت يدك مبنيا على قواعد، وتمتلك بذلك سنارة صيد بدلا من اكتفائك ببعض السمك، فتستطيع حل مشاكلك الأخرى بنفسك، أو تضع سبلا وقائية للمشكلات.
الأمر الثاني:
محاولة التعرف على أساس المشكلة فمعرفة المشكلة يُمَكِّنُك من التعرف على سبيل العلاج، وهناك طرق لذلك منها:(115/2002)
• جلوسك مع نفسك، وعصف ذهنك لوضع أكثر من سبب ثم تحديد السبب الرئيس أو الأسباب الرئيسة بشكل أوضح، ثم كتابة الحلول.
• مناقشة المشكلة مع المشرفين أنفسهم، ليتضح لك ما لم يكن في حسبانك، وكن مستمعا جيدا لا يعترض على أي سبب، ثم تستمع إلى الحلول في الجلسة نفسها أو في جلسة أخرى.
• لا بأس من الاسترشاد برأي بعض المتابعين خارج بوتقة الحلقة إن وجد ذو علاقة.
• أيضا لا تنس الاستفادة من خبرات الحلقات الأخرى، فكثيرا ما تكون مشكلات الحلقات متقاربة، وما أجمل أن تعقد ورش عمل بين الحلقات لمناقشة المشكلات! ومنها مشكلتك، ويتم فيها استعراض الأسباب والحلول.
الأمر الثالث:
كن قدوة لمشرفيك في الهمة والإحساس بالمسؤولية.
واحرص أن تدير حلقتك من موقع الحدث، لا من برج عاجي، لتشعر بالهم الذي يشعرون به، والمشاكل التي تدور في محيطهم، ومن ذلك أن تحرص على تغطية جوانب النقص التي قد تبدو من مشرفيك –أحيانا- بنفسك، كأن تدير الجانب الإشرافي الذي تأخر أحدهم عن إقامته، وأن تكون بالقرب منهم في عملهم، لتستفيد فوائد منها: أن تشعر بشعورهم، وأن تكون متعاونا معهم، يسرهم تواجدك بينهم، وكذلك: فإنهم يشعرون بالمسؤولية والخجل عند تأخرهم أو تقصيرهم إذا رأوك أنت من يغطي النقص.
الأمر الرابع
احرص أن تشركهم في صنع القرار.
فالخطة التي تضعها ينبغي أن يكون لهم دور في تشكيلها، والقرارات التي تصدرها ينبغي أن تكون بعد استشارتهم، كما ينبغي الحرص على تفعيل اقتراحاتهم وإن لم تكن قناعتك تامة بجدواها، وبذلك يكون عملكم عمل فريق واحد، الجميع يعملون بأفكار الجميع، بل حتى إذا كانت الفكرة صادرة منك، فما أجمل أن تشركهم في صنعها وتطويرها، لتكون فكرة الجميع، لأنهم إذا كانوا يعملون بأوامرك فإن هذا لا يثير في نفوسهم الحماس، وإنما يكون مجرد إرضاء للمسؤول، واجعل الحلقة للجميع، والنتائج يستفيد منها الجميع، ولا تحسب النتائج لصالح المسؤول الأول فقط، فكل نتيجة إيجابية يجب أن تنسب للجميع، والثناء عليهم جميعا بعد ذلك.
الأمر الخامس:
من الأمور الداعمة: إثارة الحماس بين المشرفين، ولكن ليكن ذلك بفن، فليس المعنى أن تثير الغيرة والحسد، ولتكن إثارتك الحماس إيجابية، أي: أن تثني على العمل الجيد، دون تنتقص أعمال الآخرين، وإن أمكن أن تشرك الآخرين في نجاح أحدهم فهذا أمر جيد.
ومن أساليب إثارة الحماس، إطلاعهم على أنشطة حلقات أخرى، وذلك بزيارتها والاطلاع على أعمالها.
الأمر السادس:
وهو وإن كان قريبا أو تابعا لسابقه فإن إفراده مهم، وهو:(115/2003)
شكرهم والثناء على أعمالهم، باللسان وبشاهدات أو دروع الشكر، أو حتى بعض الهدايا التي تشعرهم بامتنانك لجهودهم، وإن من الأمور المحبطة أن يجتهد الإنسان في العمل، ثم لا يسمع كلمة شكر واحدة، فإذا أخل بعمله سمع التقريع الصريح أو سمعه بالتلميح، ويصبح لا يسمع إلا الأوامر المجردة، (افعل ولا تفعل) ويعامل كأنه آلة، وإن كلمات الثناء والشعور بجهودهم لتمسح كثيرا من العرق وتخفف كثيرا من العبء الذي يعتريهم، ومن الخطأ أن يأتي الحفل الختامي للحلقات، فتوزع الجوائز والهدايا على الطلاب، وينسى من وراء هذا الجهد، وينسى الجندي المجهول الذي نذر نفسه للعمل كل يوم لتظهر هذه النتائج التي رآها الناس.
الأمر السابع:
ما أجمل أن تخدم مشرفي الحلقات عندك بخدمات تشعرهم أولا بأهميتهم، وتخدمهم وتطورهم ثانيا، بالدورات التطويرية، واستضافة بعض العلماء والدعاة وغيرهم، وكذلك هدايا الكتب والأشرطة، وحتى رسائل الجوال المتميزة، وكل ما من شأنه أن يفيدهم ويطورهم.
الأمر الثامن:
إطلاعهم على نتائج عملهم، وإبراز جهودهم أمامهم، وإشعارهم أن هذه النتائج بجهودهم.
الأمر التاسع:
من الأمور المهمة: تحسين العلاقات الإنسانية بينك وبينهم، وبين بعضهم، وتطوير العلاقة الشخصية بينكم، وإقامة علاقات خارج جو العمل، فإن من شأن علاقات العمل إثارة جو متوتر، فإن فصلت بعلاقات أخوية كأن أدعى لتنشيط العمل، ومن أمثلة ذلك: دعوات العشاء والقهوة الودية بعيدا عن جو العمل، والسفر المشترك بينكم على وجه الخصوص دون طلاب الحلقة، والنزهة الخلوية، ولستم بحاجة إلى إثارة مشاكل العمل، بل تكون جلساتكم أخوية خالصة، لتسعدوا بعلاقة وطيدة ومحبة عميقة.
أعانكم الله ووفقكم وسددنا وإياكم وجزاكم الله خيرا على ما تقدمونه من خدمات جليلة لأبناء المسلمين
ـــــــــــــــــــ
دلني على أهم صفات الدعاة ..
أجاب عليه ... همام عبدالمعبود
التاريخ ... 25\10\1427
السؤال
السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته. في البداية أود أن أوجه الشكر لإخواننا القائمين على موقع "المسلم" بصفة عامة، و"القسم التربوي" على وجه الخصوص، على ما يقدمونه من جهد لخدمة الإسلام والمسلمين، أسأل الله أن يتقبل جهدكم وأن يجعله في صحيفة حسناتكم .. آمين .. وبعد:
سؤالي حول الصفات التي يجب أن يتحلى بها المسلم الذي يسير في طريق الدعوة إلى الله _عز وجل_، أرجو التفصيل والإبانة.. وجزاكم الله خيراً.(115/2004)
الاجابة
السلام عليك ورحمة الله وبركاته، وأهلاً ومرحبًا بك، وشكر الله لك ثِقَتَكَ بإخوانك في موقع"المسلم"، ونسأل الله عز وجل أن يجعلنا أهلاً لهذه الثقة، وأن يتقبل منا أقوالنا وأعمالنا، وأن يجعلها خالصة لوجهه الكريم، وألا يجعل فيها لمخلوق حظًّا.. آمين، ثم أما بعد:
اعلم – حفظك الله- أن الدعوة إلى الله هي وظيفة الأنبياء والمرسلين، قال تعالى:" يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا* وَدَاعِيًا إِلَى اللهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجًا مُّنِيرًا"( 45/ الأحزاب).
وقد أثنى الله على الدعاة، لكونهم يقومون بأعظم مهمة ألا وهي تعريف الناس بخالقهم، وما يجب عليهم تجاهه من التقديس والتعظيم والعبادة، ووجوب الشكر على نعمائه، والصبر على بلوائه، فقال عز وجل في محكم التنزيل :"وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِّمَّن دَعَا إِلَى اللهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ"(33/ فصلت).
وقد بين لنا رسولنا، صلى الله عليه وسلم، الأجر العظيم الذي ينتظر الدعاة إلى الله، عندما قال:"من دعا إلى هدى كان له من الأجر مثل أجور من تبعه لا ينقص من أجورهم شيئا" < , كما علمنا المشرع العظيم أن أول السبيل صحة الاعتقاد وسلامة العقيدة وتمام التوحيد الخالي من الشرك بكل صوره مهما صغرت فالدعاة إلى الله هم أهل التوحيد الخالص والعقيدة النقية والقلب الشفاف لأنهم يحملون أعلى راية ويشتغلون بأشرف عمل ..
كانت هذه - أخي الحبيب- مقدمة لا بد منها، أما عن سؤالك عن الصفات التي يجب أن يتحلى بها الدعاة إلى الله؛ فإنني أستعين بالله وأقول:
إن الداعية إلى الله طبيب، يكره المرض لكنه يحب المريض، وحتى ينجح في مهمته الإنسانية التي كلفه الله بها، فلابد أن تتوافر فيه الشروط التالية:-
1- التجرد وإخلاص النية لله: فكلما كان الداعية تقياً نقياً، متجرداً في دعوته، لا يبتغي بها وجه الله عز وجل، كلما تقبل الله دعوته، وأعانه على أدائها، وحبس له عليها الأجر الوفير، والإخلاص سر من أسرار الله لا يعطيه إلا لمن أحبه، قال تعالى:" وَاتَّقُوا اللهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللهُ وَاللهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ" [282- البقرة].
2- معرفة فضل وأهمية الدعوة: فإن معرفة الداعية لفضل الدعوة، وأجر الدعاة إلى الله، يكون حافزاً ودافعاً للتفاني في الدعوة، وإن من أخطر الأمور ألا يعرف الداعية قيمة الجوهرة التي ينقلها، ولا أهمية الرسالة التي يحملها.
3- الرغبة في السير بطريق الدعوة: فكلما كان الداعية محبًّا لهذه الدعوة، راغبا للسير في طريقها، كلما كان عمله متقناً، فلا يصلح للسير في هذا الطريق إلا من دخله بحب ورغبة، ومن سار فيه بقناعة ووعي.
4- الصبر الجميل: فمما لا شك فيه أن الصبر من أهم الخصال التي يجب أن يتحلى بها الدعاة إلى الله، في كل المراحل؛ ومع كل العناصر، فهو محتاج إلى الصبر للحصول على العلم الشرعي اللازم للدعوة، ومحتاج للصبر في التعامل مع المدعوين، الذين يستهدفهم بدعوته، محتاج إلى الصبر الجميل لمواجهة العقبات التي(115/2005)
ستعترض طريق دعوته. قال تعالى: "وَالْعَصْرِ * إِنَّ الإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ * إِلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ".
5- التحلي بالخلق الحسن: فينبغي على الداعية أن يكون من أحسن الناس أخلاقاً، فيكون صادقاً لا يكذب، أميناً لا يغش، وفياً لا يخون، عفيف اللسان، فإذا وعد لا يخلف، وإذا حدَّثَ لا يكذب، وإذا عاهد لا يغدر، وإذا خاصم لا يفجر، ألم تر كيف أعد الله نبيه لتحمل مهام الدعوة بخصلتي الصدق والأمانة، حتى اشتهر بين الناس – كل الناس- بأنه الصادق الأمين، يصدقه الناس فيما يقول، ويأتمنونه على أسرارهم و أموالهم.
6- التسلح بالعلم الشرعي: فهو زاد هذه الدعوة، وزيتها المحرك، وعلى قدر علم الداعية يكون قدره، ومكانته، ولا يصلح لهذه الدعوة إلا من ملك أدواتها، وفي مقدمتها: معرفة القرآن الكريم وتجويده ومعاني تفسير هو معرفة مواد العقيدة الإسلامية وفروعها وما يتعلق بها ودراسة أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم ودراسة الفقه الإسلامي وتاريخ أمة الإسلام وغيره .
7- الاتصاف بالحكمة والحنكة: فلابد على الداعية أن يكون حكيماً، نافذ البصيرة، بعيد النظر، والحكمة هي وضع الشيء المناسب، في المكان المناسب، في الوقت المناسب، بالقدر المناسب، والحكمة تقتضي أن يكون عارفاً بما يجب تقديمه، وما يمكن تأخيره، وأن يكون مدركاً للضروري والحاجي والتحسيني، عارفاً بترتب الأولويات، والمراتب والدرجات... إلى آخر هذه الأمور المهمات.
8- الخبرة والتخصص: فعلى الداعية أن يكون خبيراً بالوسط الذي يدعو فيه، خاصة بعدما أضحت الدعوة بحراً واسعاً، وبناءً فارهاً، وأقساماً شتى، فـ"الدعوة بين الطلاب" لها فقهها ولغتها، و"الدعوة بين العمال" لها طريقتها التي تلائمها، و"الدعوة العامة" لها أسلوبها الذي يناسبها، و"الدعوة النسائية" لها خصوصيتها، وهلم جرا.... ولكل قسم من هذه الأقسام أدواته ووسائله التي تناسبه، وليس كل من سار في طريق الدعوة مؤهل للعمل في كل فرع من فروعها، وكلما كانت الدعوة أكثر تخصصاً كلما كانت أكثر نجاحا وتفوقاً.
9- الوعي بما يحاك للدعوة من مخططات: فلا بد على الداعية إلى الله أن يكون واعيا بما تعاني منه الدعوة من مشكلات بسبب كيد الأعداء الذين يدبرون بليل، ويخططون ليل نهار، لوأد صوتها ومحاصرة نشاطها، وتشويه صورتها وتجريم حملتها، فيكون ذكياً يفوت عليهم الفرصة، و يفسد عليهم الخطة، وألا يكون – بسوء فهمه – أداة تدمير ومعول هدم لجهود بذلت، وخطوات وأشواط قطعت.ا
10- الاستعداد لتحمل الأذى في سبيل الله: فلا بد على الراغب بالسير في طريق الدعوة أن يعلم أن طريق النصر في الدنيا، والفوز بالجنة في الآخرة، مفروش بالأشواك، مضرج بالدماء، مليء بجثث الشهداء، وأن هذه سُنة أصحاب الدعوات، وحمَلة الرسالات، وقد كان ابن القيم – يرحمه الله – واعيا بهذا مدركا له، حينما بين أن طريق الدعوة طويل وبسط الدليل على ذلك بقوله"تعب فيه آدم، وناح نوح، وألقي في النار إبراهيم، وتعرض للذبح إسماعيل، وأوذي فيه موسى، ونشر بالمنشار زكريا، وذبح فيه السيد الحصور يحيى ... "، قال تعالى: "أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ(115/2006)
يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ * وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ" [2- 3 /العنكبوت]. ولا أقول لك هذا لأصرفك عن الدعوة، أو لأرهبك عن السير في طريقها، لا ... بل حتى لا تظن أنه طريق ممهد مفروش بالورود، ولكي تستعد له وتؤهل نفسك لما فيه من مشاق، فتشمر عن ساعد الجد في طلب الطاعات، وتحاذر من الوقوع في المعاصي والمنكرات.
أخي الحبيب:
هذه – في تقديري- أهم الصفات التي يجب أن يتحلى بها الدعاة في هذا العصر بالذات، وهناك ومن العلماء من تحدث في الأمر فأفاض، وأوضح فيه فأبان، فمنهم من نظر في قوله تعالى: (أَفَلاَ يَنظُرُونَ إِلَى الإِبْلِ كَيْفَ خُلِقَتْ * وَإِلَى السَّمَاءِ كَيْفَ رُفِعَتْ * وَإِلَى الْجِبَالِ كَيْفَ نُصِبَتْ * وَإِلَى الأَرْضِ كَيْفَ سُطِحَتْ * فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنتَ مُذَكِّرٌ....)، وقال بأن الداعية إلى الله يجب أن يكون كالإبل في صبرها، كالسماء في شموخها واعتزازها، كالجبال في صمودها وقوتها، كالأرض في بساطتها وتواضعها، ولابد أن يكون قوياً في غير كبر، متواضعا في غير ذل.
وهناك من ذكر 10 صفات، مشيراً إلى أنه يجب أن يتحلى بها المسلم عامة، والداعية إلى الله بوجه خاص، وهي: أن يكون سليم العقيدة، صحيح العبادة، مثقف الفكر، متين الخلق، قوي الجسم، نافعًا لغيره، منظمًا في شئونه، حريصًا على وقته، قادرًا على الكسب، مجاهدًا لنفسه.
وختامًا؛
نسأل الله تعالى أن يهديك إلى الخير، وأن يجعلك ممن يحملون دينه إلى خلقه، وممن يعرفون عباده عليه، وأن يجعلك من جنود دعوته. وتابعنا بأخبارك و
أخبار دعوتك.
وصلّ اللهم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم..
-ـــــــــــــــــــ
أشعر بعقدة نفسية وأعاني الوحدة.. ماذا أفعل؟
أجاب عليه ... د. محمد العتيق
التاريخ ... 14/10/1427 هـ
السؤال
بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أنا في عقدة نفسية وأشعر أني وحيد في هذا العالم.
الاجابة
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته
أشكر لك أولا زيارة الموقع وثقتك بالقائمين عليه
وأسأل الله لنا ولك التوفيق والسداد
لم تذكر في سؤالك سوى أنك في (عقدة نفسية وشعور بالوحدة في هذا العالم )(115/2007)
والحقيقة أن ما ذكرته في سؤالك من معلومات متعلقة بحالتك هي معلومات مقتضبة جداً ولا تكفي للوصول إلى تشخيص واضح ومحدد يمكن الانطلاق منه لتوصيف العلاج.
ولكن يمكن أن نتحدث إليك بشكل عام.
المشاعر النفسية لدى كل إنسان – كما تعرف - لا تبقى على حال واحدة طوال الوقت. بل تتراوح ما بين الضيق والفرح، وما بين الكآبة والانبساط، وما بين الإقبال على الدنيا والإعراض عنها، وما بين الخوف والتوتر والاطمئنان والسكينة.
فالنفس لا تبقى على وتيرة واحدة. وهذا التفاوت والاختلاف من حال إلى حال ومن وقت إلى آخر هو أمر طبيعي تماما ولا يدعو إلى القلق أو التساؤل.
وذلك يحدث لأن الإنسان في هذه الدنيا يتعرض إلى مواقف وأحداث كثيرة متعددة في ليله ونهاره. ومن تلك الأحداث ما هو محبب للنفس، ومنها ما هو مكروه لها، ومنها ما يثير الخوف والقلق، ومنها ما يبعث على الاطمئنان والرضا.
ولما جبل الله عليه الناس من اختلاف في طبائعهم وما نشؤوا وتربوا عليه، وما يرونه حولهم من سلوكيات وتصرفات من القريب والبعيد، يضاف إلى ذلك ما يقرؤونه ويتعلمونه من مختلف المصادر المعرفية، فإن تأثرهم بما يجرى حولهم وما يتعرضون لها من المسرات والأحزان يختلف اختلافا كبيرا. وربما يتعرض شخصان لنفس المؤثر وبذات المقدار إلا أن استجابتهم النفسية تختلف في ذلك اختلافا ملحوظا ويبقى ذلك كله في الإطار الطبيعي المقبول.
حينما نتحدث عن التغيرات النفسية المرضية، فإن هناك محددات علمية متعارف عليها لدى المختصين يمكن من خلالها الحكم على الحالة والوصول إلى تشخيص محدد ودقيق، ومن ثم بدء العلاج تبعا للطرق العلمية المعروفة.
ولهذا علينا أن نسأل هنا سؤالا مهما: هل ما وصفت من تغيرات نفسية هي من قبيل التغيرات الطبيعية التي تمر على كل أحد وتبقى في إطارها الطبيعي غير المرضي، وبالتالي لا تحتاج معها إلى أية علاجات سوى التوعية النفسية وبعض المهارات الذهنية والسلوكية في كيفية التعامل معها ؟
أم أنها ربما تكون عرضاً لمرض نفسي تحتاج معه إلى مراجعة طبيب نفسي وبدء العلاج ؟
هناك مقاييس يمكن من خلاها التعرف إلى أي الاتجاهين ومن ذلك:
- وقت الشعور بالعقدة النفسية والوحدة ومدى تكررها في الأسبوع أو الشهر.
- درجة الشعور بالتضايق وأثرها على حياتك ونشاطك وعلاقاتك ونظرتك لنفسك ولمن حولك.
- وجود أعراض أخرى مثل التغير في النوم أو الشعور بالضعف العام وقلة الرغبة في العمل وضعف شهية الأكل، أو التغير في الوزن أو الآلام البدنية العامة أو الشعور باليأس أو تأنيب الضمير.
- وجود تاريخ مرضي سابق فيك أو في عائلتك لأمراض نفسية.
- وجود مؤثرات اجتماعية أو شخصية سلبية أو إيجابية.(115/2008)
وعليه فأنا أنصحك إذا ما استمر شعورك بتلك الأعراض أن تراجع طبيباً نفسياً تعرض عليه مشكلتك، وبعون الله تجد لديه الحل.
وفقنا الله وإياك لكل خير
كيف أجعل ابني يراقب الله ؟
أجاب عليه ... محمد الدويش
التاريخ ... 7/10/1427
السؤال
ابني يخاف مني، كيف أجعله يراقب الله أكثر من مراقبته لي؟
الاجابة
"المراقبة دوام علم العبد وتيقنه باطلاع الحق _سبحانه وتعالى_ على ظاهره وباطنه"(1)، وهي منزلة عالية جعلها النبي _صلى الله عليه وسلم_ أعلى مراتب الدين، فقال في حديث جبريل المشهور: "والإحسان أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك".
وعن عبد الله بن معاوية الغاضري أن رسول الله _صلى الله عليه وسلم_ قال:" ثلاث من فعلهن فقد طعم طَعْمَ الإيمان، مَنْ عبد الله وحده؛ فإنه لا إله إلا الله، وأعطى زكاة ماله طيبة بها نفسه، رافدةً عليه كلَّ عام، ولم يعط الهرمة ولا الدرنة، ولا الشَّرط اللائمة ولا المريضة، ولكن من أوسط أموالكم؛ فإن الله _عز وجل_ لم يسألكم خيره ولم يأمركم بشره، وزكى عبد نفسه"، فقال رجل: ما تزكية المرء نفسه يا رسول الله؟ قال: "يعلم أن الله معه حيثما كان"(2).
ومما يعين الأب والمربي على تحقيق ذلك:
أ - الوعظ والاعتناء به؛ وإنما تعظم ثمرته حين يخرج من قلب صادق، قال أبو حفص لأبي عثمان النيسابوري: إذا جلست للناس فكن واعظاً لقلبك ونفسك، ولا يغرنك اجتماعهم عليك؛ فإنهم يراقبون ظاهرك، والله يراقب باطنك(3).
ب - الاعتذار عما قد يطلبه المتربي - مما فيه مخالفة لأمر الله أو تقصير- بمراقبة الله واطلاعه.
ج - كثيراً ما يحدث الابن أباه أو معلمه عن بعض ما يراه من مواقف فيها مخالفة شرعية، كالغش والاحتيال ونحو ذلك، وهو في الأغلب يسوقها خبراً عادياً أثاره فيه غرابته، فيجدر أن يعلق المربي على مثل هذه المواقف بأن أولئك الذين لا يراقبون الله _تعالى_ لو كان لديهم أحد من البشر يخافونه لما اجترؤوا على المخالفة، وبأنهم سيدفعون ثمناً باهظاً بعد ذلك.
د - الحذر من مراقبة الشاب بالصورة التي تجعله يترك المعصية إرضاء لمن يربيه، بل ربطه بالله _عز وجل_ في هذا الجانب، وتنمية الرقابة الذاتية، حتى لو علم المربي بوقوع الشاب في معصية.
_______________
(1) مدارج السالكين 2/68.
(2) رواه البيهقي (4/95)، وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة (1046).(115/2009)
(3) مدارج السالكين 2/68.
ـــــــــــــــــــ
كيف أحافظ على طاقتي الإيمانية بعد رمضان؟
أجاب عليه ... همام عبدالمعبود
التاريخ ... 25\9\1427
السؤال
الإخوة الكرام في موقع "المسلم"
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته... وبعد:-
في شهر رمضان من كل عام أجتهد في العبادات، بأقصى درجة؛ فأحرص على الصلوات، وأواظب على الورد القرآني، وأكثر من التصدق؛ طاعة لله و رغبة في الأجر الوفير الذي خص الله به هذا الشهر الكريم، ولكن للأسف فإنه بمجرد انتهاء هذا الشهر يصيبني الفتور، وأعود كما كنت قبل رمضان، بل وربما أزداد تقصيراً، فتكثر ذنوبي وتزداد غفلتي !!
فكيف يمكنني الاستعداد لمواجهة هذا الشعور قبل أن ينتهي رمضان؟... أريد أن أستثمر الطاقة الإيمانية التي اكتسبتها من هذا الشهر في التخلص من هذه الحالة وهذا الشعور... و جزاكم الله خيراً.
الاجابة
الأخ الكريم:
وعليك السلام ورحمة الله وبركاته:
وأهلاً ومرحبا بكم، وشكر الله لكم ثقتك بإخوانك في موقع المسلم، ونسأل الله _عز وجل_ أن يجعلنا أهلاً لهذه الثقة.. اللهم آمين.
أخي الحبيب:
سؤالك هذا يدل على كونك بخير وإيمان ، نعم .. فإن المؤمن هو الذي يشغله أمر دينه.ورصدُكَ لهذا الشعور الذي ينتابك، واهتمامُكَ به، وسعيُكَ للبحث عن حل له، دليلٌ على قلب يقظ، ونفس تواقة للطاعة، وكلها مشاعر طيبة، ونوايا صالحة، أسأل الله _عز وجل_ أن يجزيك عنها خيراً.
وصدق رسول الله _صلى الله عليه وسلم_ إذ يقول فيما رواه عنه أمير المؤمنين عمر بن الخطاب، رَضيَ اللَّه عَنْهُ قَالَ: سمعت رسول اللَّه _صلى الله عليه وسلم_ يقول: "إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى. فمَنْ كانت هجرته إِلَى اللَّه ورسوله فهجرته إِلَى اللَّه ورسوله، ومن كانت هجرته لدنيا يصيبها أو امرأة ينكحها فهجرته إِلَى ما هاجر إليه". (متفق عَلَيه). ونية المرء – أخي الحبيب – خير من عمله، كما قال _صلى الله عليه وسلم_.
هذه مقدمة، أردت أن أستهل بها كلامي، أما عن سؤالك، فاعلم أخي – فقهك الله- أن العبد يمر في حياته، بمراحل مختلفة، من الضعف والقوة، ومن الغنى والفقر، ومن الصحة والمرض، فلا يدوم حالٌ بإنسان، فمن كان اليوم قويا فهو إلى ضعف، ومن كان اليوم صغيراً فهو إلى كبر، ومن كان اليوم صحيحاً فهو إلى مرض، تلك سنة الله في خلقه، ولله في خلقه شئون.(115/2010)
كما أود أن أذكرك بأن الفتور في العبادات أمر قد ينتاب العبد المسلم، فتراه مستعداً متهيئاً لاستقبال شهر رمضان، فإذا جاء رمضان كان أكثر نشاطاً، يصوم نهاره، ويقوم ليله، ويستثمر فراغه بقراءة القرآن، وتدبر معانيه، وترى لسانه رطباً بذكر الله، وهو خلال الشهر مقبل على ربه، راغب في طلب العلم، مكثر من التبتل، دائم الاستغفار، ما تمر به ساعة إلا ويرفع يديه إلى السماء، مقراً بفضله، معترفاً بذنبه، طالباً رحمته، مرتجفاً من عذابه، يسأله قبول الأعمال، وتحقيق الآمال، ومنتهى أمله أن يعتق رقبته من النار.
فإذا ما انتهى رمضان؛ ربما يعود سيرته الأولى، فيصبح مقصراً في العبادات، مقلاً في الطاعات، يملؤه الكسل عن أداء الفرائض، ناهيك عن السنن والنوافل، ما يكاد يُمَتِعُ عينه بالنظر في آيات القرآن ، ممسكاً عن الصدقات، لا يمسح بيده على رأس يتيم، ولا يربت بكفه على كتف مسكين، لا يغيث ملهوفاً، ولا يعطي محروماً، ولا يصل رحماً مقطوعة، .....إلخ.
أخي الحبيب:
أذكر نفسي وإياك بقول رسول الله _صلى الله عليه وسلم_: "إن لكل عمل شرة ولكل شرة فترة؛ فمن كانت فترته إلى سنتي فقد اهتدى، ومن كانت فترته إلى غير ذلك فقد هلك"أخرجه البيهقي عن عبد الله بن عمرو ، فكل إنسان يمر بحالة من الفتور وحالة من اليقظة، فمن استشعر اليقظة في نفسه فليغرف من الطاعات، ولينهل من النوافل، ومن استشعر من نفسه فتورا، فليمسك عن اقتراف المعاصي، ولينصرف عن فعل الذنوب والآفات.
قال الشيخ محمد مختار الشنقيطي تعليقا على هذا الحديث : " هذه الفترة لله فيها حكم، من الحكم: أنه يظهر فيها صدق الصادق، بعض الناس إذا جاءته الفترة استمسك، وأصبح في ابتهال ودعاء وإنابة إلى الله _عز وجل_، وخوف أن يسلب منه ذلك العمل الصالح، وهؤلاء هم الأخيار، وهم أعلى الناس مقاماً في العمل الصالح، وتجده يتألم، يكون محافظاً على قيام الليل والنوافل والطاعات، حتى إذا أصبح منه -ولو شيئاً يسيراً- من التقصير في أمور ليست بالواجبة يتألم ويضجر، ويحس أنه قد فقد حياته؛ لأنه من حياة قلبه يحس أن مصيبته كل المصيبة دينه، وأنه إذا أصيب بنقص في دينه أنها هي الخسارة، عبد طائع منيب لله يحس أنه ينبغي أن تستغل الحركات والسكنات والأوقات في محبة الله. هذه الحلاوة إذا جاءت في بداية العمل لا بد من وجود ضعف بعدها؛ لأنه لو كان الإنسان دائماً في طاعة واستقامة فإنه قد يخرج عن الحد المألوف، وقد يتجاوز إلى مقام التنطع والغلو في الدين، ولكن الله يبتلي العبد بنوع من الضعف، ويكون لهذا الضعف حكمة بحيث يشوق بعد ذلك إلى الخير أكثر "
ويحكي أبو ربعي، حنظلة بن الربيع الأسيدي، أحد كتاب رَسُول اللَّهِ _صلى الله عليه وسلم_، يقول: لقيني أبو بكر رَضِيِ اللَّهُ عَنْهُ فقال: كيف أنت يا حنظلة؟ قلت: نافق حنظلة! قال: سبحان اللَّه! ما تقول؟ قلت: نكون عند رَسُول اللَّهِ _صلى الله عليه وسلم_ يذكرنا بالجنة والنار كأنا رأي عين فإذا خرجنا من عند رَسُول اللَّهِ _صلى الله عليه وسلم_ عافسنا الأزواج والأولاد والضيعات نسينا كثيراً. قال أبو بكر رَضِيِ اللَّهُ(115/2011)
عَنْهُ: فو الله إنا لنلقى مثل هذا. فانطلقت أنا وأبو بكر حتى دخلنا على رَسُول اللَّهِ _صلى الله عليه وسلم_ فقلت: نافق حنظلة يا رَسُول اللَّهِ! فقال رَسُول اللَّهِ _صلى الله عليه وسلم_: وما ذاك؟قلت: يا رَسُول اللَّهِ نكون عندك تذكرنا بالنار والجنة كأنا رأي عين فإذا خرجنا من عندك عافسنا الأزواج والأولاد والضيعات نسينا كثيراً. فقال رَسُول اللَّهِ _صلى الله عليه وسلم_: والذي نفسي بيده لو تدومون على ما تكونون عندي وفي الذكر لصافحتكم الملائكة في فرشكم وفي طرقكم، ولكن يا حنظلة ساعة وساعة ثلاث مرات. رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
وأحذر نفسي وإياك- أخي الحبيب- بقوله _تعالى_:{ولا تكونوا كالتي نقضت غزلها من بعد قوة أنكاثاً}. (النحل 92). وأذكر نفسي وإياك بما نهانا رسول الله _صلى الله عليه وسلم_ عنه، من النكوص عن الطاعات بعد البدء فيها؛ فعن عبد اللَّه بن عمرو بن العاص رَضِيِ اللَّهُ عَنْهُ قال، قال لي رَسُول اللَّهِ _صلى الله عليه وسلم_: "يا عبد اللَّه لا تكن مثل فلان كان يقوم من الليل فترك قيام الليل" (متفق عَلَيْهِ). فكيف يطيب لعاقل أن يمكث شهراً كاملاً، يغزل في الطاعات، والقربات، ثم ينقلب على نفسه، يفك ما نسج، وينقض ما غزل.
أما ما يجب عليك عمله، للحفاظ على الطاقة الإيمانية التي اكتسبتها من شهر رمضان، وحتى نكون قوماً عمليين، فإنني أضع النصائح التالية بين يديك، لعل الله ينفعني وإياك بها:-
1- الجأ إلى الله، وتوسل إليه أن يعينك على مواصلة طاعته، وأن يصرف عنك الشيطان، والكسل، والفتور، وأن يمدك بطاقة إيمانية تدفعك للأمام، فتجعلك من أهل طاعته، وهناك الكثير من الأدعية المأثورة عن حبيبنا _صلى الله عليه وسلم_ في هذا المجال ومنها على سبيل المثال: (اللهم أعنا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك)وهي وصية النبي _صلى الله عليه وسلم_ لمعاذ _رضي الله عنه_ .
2- اعلم أن هناك حد أدنى وحد أعلى، في علاقة العبد بربه، فإن ضاع منك الحد الأعلى بعد رمضان، وهو الاستمرار بنفس الطاقة الإيمانية، وعلى نفس الحال الذي كنت عليه خلال رمضان، فلا أقل من أن تحرص على الحد الأدنى، ألا وهو المحافظة على أداء العبادات، والبعد عن المحرمات، فإن لم يزد إيمانك عما كنت عليه قبل رمضان، فلا يينبغي أن يقل عنه.
3- اعلم أن رمضان شهر له خصوصيته في العبادات، وهو أشبه ما يكون بمعسكر سنوي، أو دورة تدريبية إيمانية، فيها يفرغ المرء نفسه أو يكاد للطاعة، وقليل هم الذين يستمرون بعد رمضان بنفس الدرجة التي كانوا عليها في رمضان، وإنما المطلوب من العبد أن ينظر إلى نفسه كيف كان حاله قبل رمضان، وهل استفاد حقاً من هذه الدورة التدريبية المكثفة في الإيمان، والتي استمرت شهراً كاملاً، فإن كان منحنى حاله مع الله بعد رمضان في ارتفاع فليحمد الله وليحافظ على مستواه الإيماني وليسعى ما استطاع لزيادة هذا المستوى وارتفاع هذا المنحنى.
4- أما إن كان منحى حاله مع الله بعد رمضان في ثبات، بحيث أنه لم يتقدم خطوة واحدة عما كان عليه قبل رمضان، فمعنى هذا انه لم يستفد من هذه الدورة التدريبية، وأنه أضاع وقته دون فائدة حقيقية، فليبذل جهدا، وليراجع ما كان من تمارين(115/2012)
وتدريبات إيمانية كان يؤديها خلال هذه الدورة – رمضان – في محاولة منه لرفع مستواه، فمما أثر عن علي بن أبي طالب كرم الله وجهه (من استوى يوماه فهو مغبون).
5- وأما إن كان منحى حاله مع الله بعد رمضان في نزول، وتناقص، فإنه يجب عليه أن يكون صادقاً مع نفسه، وان يستشعر الخطر، وأن يعلن حالة الطوارئ، وان يقف مع نفسه وقفة مصارحة ومكاشفة، وان يسأل نفسه: ما أعددت للقاء الله؟، وماذا تفعل لو مت على هذه الحال؟، ألا تستحي من ربك؟.
6- أكثر من النوافل فإنه باب الوصول لمحبة الله _عز وجل_، فعن أبي هريرة قال: قال رسول الله : { إِنَّ اللَّهَ قَالَ مَنْ عَادَى لِي وَلِيًّا فَقَدْ آذَنْتُهُ بِالْحَرْبِ وَمَا تَقَرَّبَ إِلَيَّ عَبْدِي بِشَيْءٍ أَحَبَّ إِلَيَّ مِمَّا افْتَرَضْتُ عَلَيْهِ وَمَا يَزَالُ عَبْدِي يَتَقَرَّبُ إِلَيَّ بِالنَّوَافِلِ حَتَّى أُحِبَّهُ فَإِذَا أَحْبَبْتُهُ كُنْتُ سَمْعَهُ الَّذِي يَسْمَعُ بِهِ وَبَصَرَهُ الَّذِي يُبْصِرُ بِهِ وَيَدَهُ الَّتِي يَبْطِشُ بِهَا وَرِجْلَهُ الَّتِي يَمْشِي بِهَا وَإِنْ سَأَلَنِي لَأُعْطِيَنَّهُ وَلَئِنْ اسْتَعَاذَنِي لَأُعِيذَنَّهُ } [رواه البخاري].
7- اجتهد أن تأخذ من شهر رمضان لما بعده من الشهور، ومن أيامه لما بعده من الأيام، ومن لياليه لما بعده من الليالي، فتحافظ على الصلوات الخمس في المسجد في الجماعة الأولى، واحذر ان تتكاسل عن أدائها، فإنها عماد الدين من أقامها فقد أقام الدين ومن تركها فقد هدم الدين.
8- اجتهد أن تقوم الليل مثلما كنت تقومه في رمضان، فإن شق عليك فليس أقل من ركعات قبل أن تنام وإياك أن تكون ممن حذرهم النبي _صلى الله عليه وسلم_ فقال في نصيحته لعبد الله " يا عبد الله لا تكن مثل فلان كان يقوم من الليل فترك قيام الليل " رواه مسلم
9- وكذا تحرص على الصدقة، وتكثر من إخراجها، تربية لنفسك على الإنفاق، وتدريباً لقلبك على البذل، فإن تيسر لك الأمر فلتكفل يتيما تنفق عليه، وتجعله واحدا من أولادك، فإن شق عليك فتتصدق بصدقة ثابتة كل يوم، فإن شق عليك فلتكن في الأسبوع مرة، وإياك أن يمر بك شهر كامل دون أن تتصدق فيه ولو بشق تمرة.
10- أحرص على قراءة القرآن بعد رمضان، فاختم القرآن كل أسبوع، فإن شق عليك فاختمه مرتين في الشهر، فإن شق عليك ففي الشهر مرة، اجعل لك ورداً ثابتاً، جزءاً في كل يوم، وإياك أن تهجر القرآن، فلا تقرأه إلا في رمضان.
11- كن حريصاً على صلة رحمك، وفي الحديث الذي رواه أبو داود والترمذي عن عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه أنه سمع رسول الله _صلى الله عليه وسلم_ يقول: عن الله _عز وجل_: (أنا الله وأنا الرحمن خلقت الرحم، وشققت لها اسما من اسمي، فمن وصلها وصلته، ومن قطعها قطعته). ويقول _صلى الله عليه وسلم_: "من أحب أن يبسط له في رزقه وأن ينسأ له في أثره فليصل رحمه".
12- انتق أصدقاءك، وصف أصحابك، واعتبر رمضان فاصلاً في حياتك، ونقطة بداية لحياة جديدة، مع الله، فاختر لك من أصحابك صديقاً صالحاً، تزيدك صحبته بالله معرفة، وعلامته أن تذكرك بالله رؤيته.(115/2013)
13- تنفل بالصوم مثلما كنت تصوم في رمضان، وقد علمنا رسول الله _صلى الله عليه وسلم_ أن هناك أياما فاضلة سن فيها الصوم، وجعل أجره كبيراً،
وختاماً؛أسأل الله تعالى أن يوفقك لما يحب ويرضى، وأن يفقهك في دينك، وأن يعينك على طاعته، وأن يصرف عنك معصيته، وأن يرزقك رضاه و الجنة، وأن يعيذك من سخطه والنار، وأن يهدينا وإياك إلى الخير، وأن يصرف عنا وعنك شياطين الإنس والجن، إنه سبحانه خير مأمول.. وتابعنا بأخبارك وأخبار إيمانك بعد رمضان لنطمئن عليك...
وصل اللهم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم ...
ـــــــــــــــــــ
لا أشعر بطعم الصوم ؟!!
أجاب عليه ... خالد رُوشه
التاريخ ... 14/9/1424
السؤال
السؤال : أعاني في رمضان من عدم استشعاري لطعم الصيام، وكأنه قد صار عادة عندي وليس عبادة , خصوصا وأني أتابع الإنترنت أو الفضائيات بما فيهما من الملهيات .. فهل تدلني على نصيحة، علما بأنني لا يمكنني أن أبتعد عن الإنترنت والفضائيات ؟
الاجابة
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على محمد خاتم النبيين وبعد :
فإن عبادة الصوم كأي عبادة لابد لاستشعار لذتها وتذوق طعمها من حبها ومعرفة قدرها وثوابها ومعرفة الطريق إلى ذلك , فهي ليست عملا مجردا عبارة عن الامتناع عن الطعام والشراب , وليست عبارة عن ترك الشهوات فحسب .. ولكنها عبادة يملؤها الإخلاص فيغمرها من كل جوانبها لذلك ففي الحديث القدسي " إلا الصوم فإنه لي وأنا أجزي به " .. ذلك لأن الله سبحانه هو وحده العالم المطلع الرقيب على تطبيق عملية الصوم كعبادة حقيقية لا كعادة مجردة وفي رواية لمسلم " كل عمل ابن أدم يضاعف الحسنة بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف قال الله تعالى : إلا الصوم فإنه لي أنا أجزى به يد ع شهوته وطعامه من أجلى " , والمعنى هنا أن الصيام يختصه الله سبحانه من بين سائر الأعمال فإنه سر بين الإنسان وربه .. لذا وجدنا رسولنا _صلى الله عليه وسلم_ يحذر فيما رواه أبو داود فيقول " رب صائم ليس له من صومه إلا الجوع والعطش " ..
وتدبر في هذه النظرة للإمام الجليل ابن القيم حول العمل والعبادة إذ يقول : " "فبين العمل وبين القلب مسافة, وفي تلك المسافة قُطَّاع تمنع وصول العمل إلى القلب, فيكون الرجل كثير العمل, وما وصل منه إلى قلبه محبة ولا خوف ولا رجاء, ولا زهد في الدنيا, ولا رغبة في الآخرة, ولا نور يفرق بين أولياء الله وأعدائه, وبين الحق والباطل, ولا قوة في(115/2014)
أمره, فلو وصل أثر الأعمال إلى قلبه؛ لاستنار وأشرق, ورأى الحق والباطل, وميز بين أولياء الله وأعدائه" .. فإذن لابد للعبادة من طريق موصول بينها وبن القلب مباشرة لتؤثر فيه وتورثه اللذة والطعم الذي تسأل عنه ..
والعبادات أيها السائل الكريم يلزمها نية تستحضرها قبلها .. أنها مخلصة لله وحده لا لشيء آخر ولا لأجل مخلوق آخر مهما كان ولا لأجل متاع دنيوي أو مكتسب حياتي , فهي لله أولا وآخرا قال الله تعالى: " فمن كان يرجو لقاء ربه فليعمل عملا صالحا ولا يشرك بعبادة ربه أحدا " ..
ومن ثم فانظر بعد ذلك كيف كان يصوم النبي _صلى الله عليه وسلم_ وكيف كان يومه في صيامه وهو يؤدب النفس عن اللغو والعبث والضجر والغضب والخطأ مهما صغر ..وأن على كل امرئ إذا وجد نفسه قد يندفع في مخالفة ما أن يذكر نفسه بقوله " إني صائم إني صائم "
ثم دعني أهمس في أذنك أيها السائل الكريم حول ما ذكرت أنه متابعة للانترنت أو للفضائيات .. فلاشك أن من مواقع الانترنت الإسلامية المعتدله وبعض الفضائيات الإسلامية المفيدة الشىء الكثير من الفائدة والنفع .. وأن من اقتصر على النفع الحلال من كليهما فهو في خير ..
ولكن دعني أيضا أحذرك من أن يجرك الشيطان أو يجرك هوى نفسك إلى قضاء أوقاتك فيما يغضب الله سبحانه .. فكيف تكون أنت في غمرة من مشاهدة برامج غثة وممارسات خاطئة وإخوانك وأصحابك يقيمون الليل في المساجد والبيوت يراوحون بين جباههم وأقدامهم راجين مغفرة الذنب ؟
بل كيف ترضى لنفسك أن تبيع ليلة قد يغفر فيها كل ذنبك ويكتب لك فيها من الخير ما لا تحلم به في عمرك أن تبيعها بمشاهدة ما يضيع وقتك ولا يأمرك بخير ؟!!
أنصحك أن تجعل نفسك مع صحبة من أهل الخير وأن تصبر نفسك معهم في طاعاتهم في رمضان من قيام وعبادات وأن تجعل لك مناجاة سرية في وحدتك مع ربك سبحانه لا يطّلع عليها أحد , تتوب فيها من ذنبك وتتبتل فيها لربك وتسأله مما تحب لعلك تكون من الفائزين في هذا الشهر العظيم.
ـــــــــــــــــــ
هل أترك الاستقامة بسبب المعاصي؟
أجاب عليه ... جمّاز الجمّاز
التاريخ ... 7\9\1427
السؤال
السلام عليكم ورحمة الله
استقمت قبل سنة، وكنت قبلها لا أصلي و أمارس العادة السيئة (السريّة )، والسيئات كلها ، ولكن بعد الاستقامة تركتها كلها مع بقاء بعض الأمور.
وحالياًً يأتيني هواجس وخواطر بأني منافق ودع عنك الالتزام وأنت لست كفوا . حتى أني إذا عملت أي عمل خير يأتيني هاجس بأنك بهذا العمل تريد من الناس أن ينظروا(115/2015)
إليك، مع العلم أني أول ما التزمت لم أكن أحس بهذا الشعور ، بل على العكس من ذلك كنت أتحسر على ما مضى من عمري .
لكن الآن أحس بضيق شديد وهمّ لدرجة أني أفكر بترك الاستقامة؛ لأني لست أهلا لها، حيث إني ارتكب بعض المعاصي ...... آمل من فضيلتكم الرد علي
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
الاجابة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فمادامت الهواجس لم تأتك إلا بعد مدة من التزامك (استقامتك)، وتكون كثيرة عندما تعمل عملاً خيرياً، فهذا من الشيطان ليصدك عن الله.
وما كان للشيطان أن يصدك ويوسوس، ويُحدِث لك ضيقاً شديداً وهمّاً، إلا لأنك لا تزال مقيماً على المعصية ومقارفاً لها.
وترك الاستقامة هروب من الله إلى الشيطان، فاحذره.
ونصيحتي إليك، كما قال _صلى الله عليه وسلم_ فيما صح عنه: "إن تصدق الله يصدقك" اسأل نفسك هل استقامتك استجابة لله ولرسوله _صلى الله عليه وسلم_ أم هي هروب من المشاكل والأمراض، ولم تصحّح نيتك بعد؟ أم هي تقليد لأخ أو قريب أو صديق؟ أم هي خوف من عار...؟ أم هي...؟
فاصدق الله في استقامتك، وصحّح نيتك في رغبتك في التمسّك بهذا الدين العظيم، وأنك تستجيب لله ولرسوله _صلى الله عليه وسلم_ وطمعاً في جنته _عز وجل_.
ثم عليك بالآتي:
1- ابتعد عن المعاصي كلها صغيرها وكبيرها، ولا تقرب مجالسها، ولا تصحب أهل المعاصي ولا تجالسهم، فالكرة أو الغناء أو الفن أو الدخان أو... لا تذهب إلى الأماكن التي تثار فيها، ولا تجالس أصحابها ولا تقرأ عنهم في المجلات المخصّصة أو الصفحات المخصّصة لهم، ولا تحتفظ في منزلك أو مكتبك أو سيارتك بأي شيء مما ثَبت منه، فالشيطان أحرص على إضلالك متى استطاع ، وأعلنها صريحة أنك تائب وهاجر لمعاصيك.
2- أين بذلك وتضحيتك عندما استقمت؟ وما الضريبة التي دفعتها ثمناً لهذا الالتزام؟ يكفي أن تضحي بأصدقاء السوء فتتركهم، وبالتالي يجب أن يكون لك صحبة طيبة، ترشدك إلى الخير وأهله، وتمنعك من الشر وأهله.
3- احرص على اللقاءٍ بزملاء نشيطين، واقضِ معهم وقتاً يجدِّدون إيمانك ويذكرونك بالله، يقول الحسن البصري: "إخواننا أغلى عندنا من أهلينا، فأهلونا يذكروننا الدنيا وإخواننا يذكروننا الآخرة".
4- لا تجعل في يومك فراغاً، فالفراغ مفسدة، اشغل وقتك بالنافع والمفيد ولو بالمباح، ولو أن تروّح عن نفسك.
5- يجب أن تزكي نفسك وتربيها بالصالحات أقوالاً وأعمالاً وأعظمها الفرائض، وينبغي عليك أن تهتم بنوافل الصلاة والصوم والصدقة والحج والعمرة وأذكار اليوم والليلة وقراءة القرآن، ولا تنسى نصيبك من قيام الليل.(115/2016)
6- اجعل بينك وبين الله أسراراً لا يعلم بها إلا هو (العمل الصالح الخفي).
7- لا تهزّك الأمراض ولا الضائقات ولا المصائب، بل اصبر واحتسب واشكر الله على قضائه وقدره.
8- إذا أخطأت، فتحمّل خطأك وما قد يجرّ من عقوبة نفسية أو مالية أو بدنية، وكعب بن مالك _رضي الله عنه_ لما لم يخرج مع الرسول _صلى الله عليه وسلم_ في غزوة تبوك، وبعد ما عاد _صلى الله عليه وسلم_ هجره وأمر أصحابه بهجره، فلم يكلموه أربعين يوماً، بل حتى زوجته أمرها _صلى الله عليه وسلم_ بذلك، وحينها قال كعب لرسول الله: هل أطلقها؟ وتأتي الطامّة حينما وصلته رسالة من أحد ملوك الكفار، يعرض عليه التنصّر وأنه سوف يُكرم، وكل ذلك وكعب صامد صمود الجبل، وما كان منه إلا أن أحرق الرسالة في النار، فبالله عليك أين أنت من كعب!!
9- أطع والديك وبرهما، فهو سبب لرضى الله عنك، وخدمتهما والانشغال بهما طريقك إلى التوفيق والسداد.
10- ادع الله دائماً بأن يثبتك على دينه، ويجدد الإيمان في قلبك، وتحرَّ أوقات الإجابة (آخر الليل – في السجود – في عصر الجمعة).
11- أعني على نفسك بفعل الأسباب، ولك مني الدعاء بالتوفيق والسداد.
والله ولي التوفيق، وصلى الله وسلم على نبينا محمد بن عبد الله وعلى صحبه أجمعين.
ـــــــــــــــــــ
ابني الصغير يريد أن يصوم رمضان ..فماذا أفعل ؟
أجاب عليه ... خالد رُوشه
التاريخ ... 7\9\1427
السؤال
أريد استشارتكم في ولدي الصغير؛ لأنه مع دخول رمضان يريد أن يصوم، ويصمم على ذلك رغم أن عمره لم يتجاوز 7 سنين، ورغم ضعفه الصحي الملحوظ , وأنا أخاف عليه فهل على من إثم إذا منعته عن الصوم ؟ وما هي الطريقة المثلى تربوياً في تعاملي مع هذه القضية ؟
الاجابة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله _صلى الله عليه وسلم_ وبعد : فإن الله _سبحانه_ قد وهبنا من نعمته أبناء هم زينة من زينة الدنيا ونعمة وفضلا منه _سبحانه وتعالى_ , ومن شكر نعمته _عز وجل_ أن نحسن تنشئتهم كما يحب ربنا ويرضى فينبتوا رجالاً يحملون راية هذا الدين القويم ويحموا حماه ويزودوا عن حياضه , كما يرفعوا شأن أمتهم ويرتقوا بها بين أمم العالمين .
وعبادة الصوم عبادة روحية عظيمة ولها أثرها التربوي والإيماني الرائع الذي يطهر النفوس ويزكيها ويهيؤها للعبودية التامة , ومن ثم لزم تربية الأولاد عليها واستغلال فرصتها كمحضن تربوي مؤثر , وشهر رمضان بما له من فضيلة وبما فيه من شعائر هو بيئة صحية مناسبة لبث تلك العبادة الإيمانية الرقراقة في قلوب ونفوس الأبناء .(115/2017)
وقد علم الشرع الحنيف أهمية تربية الأولاد على العبادات المختلفة من الصغر فعن عبد الله بن عمرو بن العاص أن النبي _صلى الله عليه وسلم_ قال : "مروا أولادكم بالصلاة لسبع واضربوهم عليها لعشر " رواه أحمد كما ثبت عن أصحاب النبي _صلى الله عليه وسلم_ أنهم كانوا يعلمون أبناءهم صوم يوم عاشوراء , قالوا : فكان إذا أحس بالجوع وقال أريد الطعام أعطيناه اللعبة من العهن يتسلى بها حتى تغرب الشمس.
ونوضح بعضاً من الأمور الهامة المتعلقة بالصوم خاصة فيما يتعلق بالأولاد كما يلي :
1- معلوم أن الصوم أشق من الصلاة على الصغير لذلك فاستحباب التدريب عليه إنما يكون بعد سن السابعة وليس قبلها كما بين كثير من أهل العلم الأثبات .
2 - يمكن للأبوين أن يدربا أبناءهما على الصوم قبل ذلك السن – سن السابعة – ولكن لا على صوم اليوم كاملاً ولكن على بعضه بقدر طاقة الولد وما يتحمله , وليكن ذلك بالتدريج سواء في سنوات عمره أو بالتدريج في صيام ذات الشهر فيمكن في البداية تدريبه على بعض الساعات ثم زيادتها يومياً بصورة تدريجية مقبولة متناسبة ومتوائمة مع حال الولد .
3 – يخطئ بعض الآباء بمنع أبنائهم عن الصوم مطلقاً برغم رغبتهم فيه وحبهم له وقدرتهم عليه , والوالد عندئذ يرتكب خطأ تربوياً ملحوظاً حيث يمنع ولده عن طاعة لها أثرها الإيجابي الكبير في توجيه سلوكه وتقويمه .
4 – إذا علم الوالدان من ابنهما الضعف الصحي وعدم القدرة على تحمل ذلك فليس أقل من تدريبه على الصوم بعض ساعات النهار بقدر تحمله .
5 – ينبغي استغلال جميع شعائر الصوم ومتعلقاتها في التأثير في الأبناء، ومن أهم ذلك عبادة السحور، فقد قال النبي _صلى الله عليه وسلم_: " تسحروا فإن في السحور بركة " متفق عليه من رواية أنس , وكذلك المسارعة إلى الإفطار فور الغروب , كذلك الدعاء عند الفطر وغيره مما يتعلق بالصوم من السنن الثابتة .
6 – أجر صوم الصغير يكون له فهو يزيد من حسناته , كما أن للوالدين أجر كبير في ذلك أيضاً , ففي الصحيح أن امرأة رفعت صبياً لها وقالت: يا رسول الله " ألهذا حج ؟ فقال : نعم ولك أجر " فأجر الصبي من العمل الصالح لا يمنع أجر الوالدين، بل أجرهما محفوظ، والله ذو الفضل العظيم .
7 – إذا بلغ الصبي أجبره والداه على الصوم ولا تهاون في ذلك بحال، بل يجب عليه تعلم أحكام الصوم الأساسية وأن يلزم نفسه بها.
8 – ينبغي للوالدين أن يبثوا في أبنائهم حكمة الصوم العظيمة وكيف أن له أجرا ليس كأجر كل عبادة، وأنه لله وهو _سبحانه_ الذي يحاسب عليه وكيف أن للصائم فرحتان : عند صومه وعند لقائه ربه , كما ينبغي أن يتعلم الأبناء أن الصوم هو صوم القلب عن المحارم كما أنه صوم الجوارح عن كل محظور يغضب الله _سبحانه وتعالى_ قبل أن يكون صوم البطن عن الطعام والشراب كما روى أبو داوود من قوله _صلى الله عليه وسلم_: " رب صائم ليس له من صومه إلا الجوع والعطش "(115/2018)
ـــــــــــــــــــ
كيف أجعل رمضان فرصة لصلة رحمي المقطوعة ؟!
أجاب عليه ... همام عبدالمعبود
التاريخ ... 2\9\1427
السؤال
تسوء علاقتي يوما بعد يوم مع والدي وعائلتي، بسبب الشجارات المتكررة، مما تسبب في قطع الرحم بيننا، وأنا تحدوني رغبة داخل نفسي دائمابالاعتذار لهم ..فكيف أستغل تلك الأيام في صلة رحمي؟
الاجابة
الحمد لله غافر الذنب، وقابل التوب، شديد العقاب، الفاتح للمستغفرين الأبواب، والميسر للتائبين الأسباب، والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
أخي الحبيب:
السلام عليك ورحمة الله وبركاته، وأهلا ومرحبا بك، وشكر الله لك ثقتك بإخوانك في موقع "المسلم"، ونسأل الله _عز وجل_ أن يجعلنا أهلا لهذه الثقة، وأن يتقبل منا أقوالنا وأعمالنا، وأن يجعلها خالصة لوجهه الكريم، وألا يجعل فيها لمخلوق حظا،...آمين... ثم أما بعد:
فأستهل إجابتي على سؤالك، بأن أبشرك بأن ما لمسته في سؤالك، من رغبة جارفة في عقد مصالحة، مع والدك وأرحامك، والانتصار على الشيطان، وبدء صفحة جديدة مع الله، لهو دليل على يقظة الإيمان في قلبك، فأبشر أخي واحمد الله على هذا الإحساس الإيماني الذي يدلنا بدرجة من درجات القرب من الله _عز وجل_.
وأستأذنك - أخي الحبيب- بأن أذكر نفسي وإياك بما أمرنا الله ورسوله به، وما نهانا عنه بشأن بر الوالدين وصلة الأرحام:
فقد أمرنا الله _عز وجل_ بطاعة الوالدين، وبرهما، فقال تعالى في الدستور الخالد، والكتاب الناسخ، (القرآن الكريم):" وَاعْبُدُوا اللهَ وَلاَ تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا.." (36/ النساء). وقال أيضاً:"وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُوا إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاَهُمَا فَلاَ تَقُل لَّهُمَا أُفٍّ وَلاَ تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلاً كَرِيمًا* وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُل رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا (23- 24/الإسراء).
وأوصانا سبحانه وتعالى بالإحسان إليهما فقال تعالي:"ووصينا الإنسان بوالديه حسناً". (8/ العنكبوت). وقال أيضاً: "ووصينا الإنسان بوالديه؛ حملته أمه وهناً على وهن، وفصاله في عامين، أن اشكر لي ولوالديك". (14/ لقمان).
كما جعل النبي _صلى الله عليه وسلم_ بر الوالدين، في منزلة تلي الصلاة على وقتها، وتربو فوق الجهاد في سبيل الله، فعن أبي عبد الرحمن عبد اللَّه بن مسعود رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قال: سألت النبي _صلى الله عليه وسلم_ أي العمل أحب إلى اللَّه؟ قال: الصلاة على وقتها قلت: ثم أي؟ قال: بر الوالدين قلت: ثم أي؟ قال: الجهاد في سبيل الله" (متفق عَلَيْهِ).(115/2019)
وروى عبد اللَّه بن عمرو بن العاص رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قال أقبل رجل إلى نبي اللَّه _صلى الله عليه وسلم_ فقال: أبايعك على الهجرة والجهاد، أبتغي الأجر من اللَّه تعالى. فقال: فهل من والديك أحد حي؟قال: نعم بل كلاهما. قال: فتبتغي الأجر من اللَّه تعالى؟قال: نعم. قال: فارجع إلى والديك فأحسن صحبتهما" (متفق عَلَيْهِ، و اللفظ لمسلم).
بل وتعجب النبي _صلى الله عليه وسلم_ ممن أنعم الله عليه بإدراك والديه في حياتهما، ولم يحسن استثمار هذه الفرصة، فتكون سببا في دخوله الجنة، فقال _صلى الله عليه وسلم_: "رغم أنف ثم رغم أنف ثم رغم أنف من أدرك أبويه عند الكبر أحدهما أو كليهما فلم يدخل الجنة" (رواه مُسْلِمٌ).
كما شدد القرآن في التحذير من عقوق الوالدين، ولو بنظرة، فقال تعالى:".. إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاَهُمَا فَلاَ تَقُل لَّهُمَا أُفٍّ وَلاَ تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلاً كَرِيمًا"، بل وعد النبي _صلى الله عليه وسلم_ من الكبائر، فعن عبد اللَّه بن عمرو بن العاص رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عن النبي _صلى الله عليه وسلم_ قال: الكبائر الإشراك بالله، وعقوق الوالدين، وقتل النفس، واليمين الغموس" (رواه الْبُخَارِيُّ).
وعنه رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أن رَسُول اللَّهِ _صلى الله عليه وسلم_ قال: من الكبائر شتم الرجل والديه! قالوا: يا رَسُول اللَّهِ وهل يشتم الرجل والديه؟ قال: نعم يسب أبا الرجل فيسب أباه، ويسب أمه فيسب أمه" (متفق عَلَيْهِ).
كما أمرنا سبحانه بصلة الرحم، وبين أن واصل الرحم مصيره نعيم الجنات، فقال تعالى:".. وَالَّذِينَ يَصِلُونَ مَا أَمَرَ اللهُ بِهِ أَن يُوصَلَ وَيَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ وَيَخَافُونَ سُوءَ الْحِسَابِ ...أُولَئِكَ لَهُمْ عُقْبَى الدَّارِ* جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا...." (21- 23 / الرعد).
وأعلى النبي _صلى الله عليه وسلم_ من مكانة الرحم، تحفيزا على وصلها، فعن عائشة رَضِيَ اللَّهُ عَنْها قالت: قال رسول اللَّه _صلى الله عليه وسلم_: الرحم معلقة بالعرش تقول: من وصلني وصله اللَّه، ومن قطعني قطعه الله" (متفق عَلَيْهِ).
كما ألبس النبي _صلى الله عليه وسلم_ واصل الرحم حلة الإيمان، فقال:" من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه، ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليصل رحمه، ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيراً أو ليصمت" (متفق عَلَيْهِ).
وعد صلة الرحم من أسباب السعة في الرزق والبركة في العمر، فعن أنس رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أن رَسُول اللَّهِ _صلى الله عليه وسلم_ قال: من أحب أن يبسط له في رزقه، وينسأ له في أثره، فليصل رحمه" (متفق عَلَيْهِ).
وقد صحح النبي _صلى الله عليه وسلم_ لنا المفهوم الخاطئ الشائع لدى عامة المسلمين عن صلة الرحم، بقوله: "ليس الواصل بالمكافئ، ولكن الواصل الذي إذا قطعت رحمه وصلها" (رواه الْبُخَارِيُّ).
كما جعلها – صلة الأرحام – أحد أربعة أبواب يدخل منهم العبد إلى الجنة، فعن أبي أيوب خالد بن زيد الأنصاري رَضِيَ اللَّه عَنْهُ أن رجلاً قال: يا رَسُول اللَّهِ أخبرني بعمل يدخلني الجنة. فقال النبي _صلى الله عليه وسلم_: تعبد اللَّه ولا تشرك به شيئاً، وتقيم الصلاة، وتؤتي الزكاة، وتصل الرحم" (متفق عَلَيْهِ).
أخي الحبيب:(115/2020)
هذا هو ما أمرنا به ربنا سبحانه وتعالى، في شأن بر الوالدين ووجوب طاعتهما، وفرضية صلة الرحم، وهذا أيضا ما نهانا الله ورسوله عن عقوق الوالدين وقطع الأرحام، والأصل أن المسلم مستسلم لأمر الله ورسوله وإن خالف هوى نفسه، قال تعالى:" وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلاَ مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَن يَعْصِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلاَلاً مُّبِينًا" ( 36/ الأحزاب).
وحتى لا أطيل عليك أختم ردي عليك بالنصائح التالية:-
1- أغلق الصنبور: إن أولى خطوات الإصلاح هي وقف الفساد، وأول مراحل العلاج هي وقف النزيف، وأولى خطوات الإيمان (بالله) هي الكفر(بالطاغوت)، قال تعالى:" فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِن بِاللهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لاَ انفِصَامَ لَهَا وَاللهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ" ( 256/ البقرة)، فسارع بالتوقف عن كل قول أو فعل من شأنه أن يساهم في توسيع الهوة بينك وبين أرحامك وفي الصدارة منهم والدك.
2- خصوصية الوالد: لو نحينا أوامر الله ورسوله بطاعة الوالدين جانبا – وهي محل تقدير وإذعان- لكان لوالدك عليك حقوق كثيرة، يصعب حصرها، فهو سبب وجودك في هذه الحياة، وهو الذي أنفق عليك طيلة سنوات عمرك – التي لم تذكرها لنا- وسدد عنك فواتير الطعام والشراب والنوم والدواء، ..... إلخ، فلا أقل من أن تسدد ما عليك، فإن لم تكن مالاً فلتكن طاعة، وبراً.
3- رمضان فرصة: لا شك أن شهر رمضان فرصة سانحة، للوقوف مع النفس، وتصحيح المسار، فجوه الإيماني الرائع، يدفعنا للإكثار من الطاعات، والانتهاء عن السيئات، والقاعدة الشرعية أن (درء المفسدة مقدم على جلب المصلحة)، ولا شك أن عقوق الوالدين وقطع الأرحام في مقدمة المفاسد التي تعود على العبد بالضرر الكبير، فانتهز الفرصة وعجل بإعادة المياه إلى مجاريها، والأمور إلى نصابها؛ زر والدك وقبل يده، واعتذر له عما بدر منك، وتعهد له بأنك ستفتح صفحة جديدة معه، نعم صفحة جديدة بيضاء بلا عتاب ولا لوم، وافعل مثل ذلك مع من تظن غضبه من أرحامه.
وختاما؛
نسأل الله تعالى أن يوفقك لما يحب ويرضى، وأن يفقهك في دينك، وأن يعينك على طاعته، وأن يصرف عنك معصيته، وأن يرزقك رضاه والجنة، و يعيذك من سخطه والنار، وأن يهدينا وإياك إلى الخير، وأن يصرف عنا وعنك شياطين الإنس والجن إنه سبحانه خير مأمول.. .. وتابعنا بأخبارك لنطمئن إليك.
وصل اللهم وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
ـــــــــــــــــــ
أعاني من ضعف الرقابة لبعدي عن طلابي
أجاب عليه ... أحمد السعيد
التاريخ ... 23/ 8/1427هـ
السؤال
لدي حلقة تحفيظ أقوم عليها، والمشكلة أني أسكن في حي غير الحي الذي فيه الطلاب والحلقة، مما يؤدي بدوره إلى غياب الرقابة والمتابعة لطلابي، وبالتالي يجعل(115/2021)
المعرفة لدي بهم غير كافية لتوجيههم حول ما يمس واقعهم، ومشكلة أخرى عندما أقدم نشاطا معينا ـ طلعة، درسا، اعتكافا،..ـ لا يكون هناك تفاعل بالشكل المطلوب، مما قد يؤدي إلى فشل النشاط نظرا لقلة الحضور، فأرجوكم إرشادي وتوجيهي في ذلك، وما الذي يمكن أن أقدمه لط
الاجابة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
بالنسبة للمشكلة الأولى فيقترح لك بعض الحلول، وهي كما يلي:
1 – الاستفادة من بعض الأخيار في نفس موقع طلاب الحلقة بمتابعتهم والانتفاع بعد ذلك بتواجدهم معك وكسب دعاة جدد للأمة الإسلامية.
2 – زيارات مفاجئة منك على أماكن تواجدهم من مسجد أو ملعب... إلخ.
3 – أن تسعى لإشغال أوقاتهم خارج وقت الحلقة بما يفيد، فإذا انشغلوا بهذه الأمور النافعة قلّ وجود هذه المشكلة.
4 – من الأخطاء في التربية: تعويد الشاب على أنه لا استقامة إلا مع المتابعة من المشرف وتقليل مبدأ "الرقابة الذاتية".
5 – مما يفيد في التعرف على أحوال وأخلاق الطلاب وجود الرحلات فهي من أقوى الوسائل لمعرفة الداء والدواء.
6 – محاولة التعرف على أهالي الطلاب والسؤال عمّا يعانونه من أبنائهم فتكون لك عين في بيوتهم.
7 – من الجلسات التربوية المفيدة في هذا الجانب وجود جلسة تدار بينك وبين الطلاب عن مشاكل الشباب سواء في البيت أو في المدرسة سواء كانت هذه المشاكل مكتوبة أو شفهية ومن ثم تعالج وبذلك تعرف كثيراً من أحوالهم، فكما قيل: إن الألسنة مغاريف القلوب.
8 – يحسن تعويد أهالي الطلاب بأن أي برنامج سيتجاوز زمنه وقت عودة الطلاب المعتاد أن يخبروا إما بورقة أو اتصال حتى يشعر الطلاب وأهاليهم بالدقة والحرص.
9 – أخيراً إذا عجزت عن هذا كله وصعب عليك فلا تنس الاحتساب في الأجر، وأن كل هذا الجهد لن يضيع عند الله، أما إن رأيت استحالته ووجود مشقة شديدة فيقترح عليك بأن تنقل نشاطك إلى مسجد قريب منك مع ضرورة إيجاد شخص بديل عنك.
أما المشكلة الثانية، فيقترح لك ما يلي:
1 – الصبر في هذا الأمر وعدم الاستعجال، فقد كان بعض المشائخ المعاصرين لا يحضر بعض دروسه إلا شخص واحد ومع ذلك لم يلغ الدرس، واستمر الدرس حتى أصبح يحضره المئات، وأذكرك أخي بكثرة الدعاء لله لهدايتهم فهو سلاح الأنبياء والدعاة في كل زمان ومكان.
2 – الاستفادة من الحلقات المجاورة بإقامة برامج مشتركة كمسابقات وبرامج ورحلات فيه دفع الملل والنفع للمشرفين والطلاب.
3 – أن يقدم الطلاب أنفسهم بعض البرامج كمجلة متنوعة يقدمها طالبان مثلاً ويتم التقييم لأفضل مجلة.(115/2022)
4 – الحرص على تنويع البرامج والبعد عن الروتين فهذا السن سريع الملل ويحب التجديد، وكذلك تغيير أوقات البرامج بين فترة وأخرى.
5 – استضافة بعض المميزين والمؤثرين كإمام المسجد أو أحد جماعة المسجد أو أحد أولياء الأمور وإعداد برنامج لاستقبالهم كمقابلة شخصية معهم وأخذ آرائهم في أحوال الشباب والحياة الدنيوية والأخروية.
6 – يقترح أن الدروس التي تقدم من الطلاب أن تكون على شكل ندوة مقدمة من طالبين أو ثلاثة مثلاً.
7 – أن يستفاد من التقنيات الجديدة كالحاسب وشاشة العرض.
8 – الإعلان الجميل عن أي برنامج سيقام , مع ذكر جوائزه، مثلاً : ترقبوا الرحلة الرائعة، حيث الطبيعة الساحرة أو المسابقة الثقافية الكبرى.
سائلين الله لك التوفيق والسداد، والله أعلم.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين.
ـــــــــــــــــــ
فوائد تربوية من قوله _تعالى_: " الذي علم بالقلم"
أجاب عليه ... اللجنة التربوية
التاريخ ... 5/ 8/1427هـ
السؤال
قال الله _تعالى_ :" الذي علم بالقلم" كيف نخرج من هذه الآيه فوائد تربوية ؟
شكرا لكم
الاجابة
إنك إن تأملت هذه الآية أو غيرها من كتاب الله _تعالى_، ستجد كتاب الله –سبحانه- غنياً بالعلوم والمعارف والهدايات القرآنية، ولا تكاد ترجع إليه بعد كل تأمل في الآيات إلا وتجد فوائد جديدة، ولو أدَرْتَ لسان اللغة العربية لتبحث عن كلمة بديلة للكلمة الذي اختارها الله –سبحانه- في هذا الموضع أو ذاك لم تجد كلمة أنسب منها، وهو الكتاب العظيم الذي لا تشبع منه العلماء، ولو تأملت كل كلمة في الآية لظهر لك من الدلائل والفوائد ما يثير في نفسك العَجَب مما يظهر لك من التأملات القرآنية, وكذلك إن راجعة المظان وكتب التفسير وفقه القرآن، فدعنا نقف قليلا مع هذه الآية، لنستنتج منها ما يفتح الله به، فهاك بعض الفوائد:
1- اهتمام الإسلام بالعلم، حيث إن القلم مصدر العلم والتعليم، وقبلها جاء قوله -سبحانه- :"اقرأ" فكانت أول كلمة تنزلت على الرسول الكريم _صلى الله عليه وسلم_ هي الأمر بالقراءة، ثم الإشادة بالقلم، وسيلة نقل العلوم.
2- أهمية القلم وما يقوم مقامه في تدوين العلم، فهو نعمة من الله عظيمة. حيث جعله الله وسيلة للعلم، فقال: "علَّم بالقلم"، ولا تخفى أهمية القلم.
ومن ذلك ما خرجه ابن جرير عن قتادة قال: القلم نعمة من الله _تعالى_ عظيمة، لولا ذلك لم يقم دِين، ولم يصلح عيش.
وقال القرطبي –رحمه الله- : فدل على كمال كرمه -سبحانه- بأنه علَّم عباده ما لم يعلموا، ونقلهم من ظلمة الجهل إلى نور العلم، ونبَّه على فضل علم الكتابة، لما فيه(115/2023)
من المنافع العظيمة التي لا يحيط بها إلا هو، وما دُوِّنَتْ العلوم ولا قُيِّدَت الحِكَم ولا ضبطت أخبار الأولين ومقالاتهم، ولا كتب الله المنزلة إلا بالكتابة، ولولا هي ما استقامت أمور الدين والدنيا.
وقال ابن القيم عن القلم في مفتاح دار السعادة كما نقله عنه القاسمي: إذ به تخلد العلوم، وتثبت الحقوق، وتعلم الوصايا، وتحفظ الشهادات، ويضبط حساب المعاملات الواقعة بين الناس، وبه تقيد أخبار الماضين للباقين اللاحقين، ولولا الكتابة لانقطعت أخبار بعض الأزمنة عن بعض، ودرست السنن وتخبطت الأحكام، ولم يعرف الخلف مذاهب السلف، وكان معظم الخلل الداخل على الناس في دينهم ودنياهم إنما يعتريهم من النسيان الذي يمحو صور العلم من قلوبهم، فجعل لهم الكتاب وعاء حافظا للعلم من الضياع، كالأوعية التي تحفظ الأمتعة من الذهاب والبطلان، فنعمة الله -عز وجل- بتعليم القلم بعد القرآن من أجلِّ النعم، والتعليم به.
3- الله منه كل خير والإنسان مهما بلغ وارتفع، فإن ما به من نعمة من علم أو توفيق إلى أي خير كان فإنما هو من الله _تعالى_، ليس من عنده، فلينسب الفضل لأهله، ولا يكن كقارون حين أنعم الله عليه بنعمة المال" قال إنما أوتيته على علم عندي" وليشكر نعمة الله –تعالى- عليه "وما بكم من نعمة فمن الله" فالله _سبحانه_ هو الذي علمك أيها الإنسان.
قال سيد قطب -رحمه الله- ثم تبرز –يعني الآية- مصدر التعليم.. إن مصدره هو الله، منه يستمد الإنسان كل ما علم وكل ما يعلم وكل ما يفتح له من أسرار هذا الوجود، ومن أسرار هذه الحياة، ومن أسرار نفسه، فهو من هناك من ذلك المصدر الواحد الذي ليس هناك سواه.
4- فإذا عرفت أن الله هو الذي علمك، وليس منك لنفسك شيء إلا ما أراده لك ربك –سبحانه- فاحذر العجب بنفسك، فإنما أنت جاهل في الأصل، وإن جاءك علم جديد فليس من صفة ذاتية امتلكتها أنت، إنما اختصك الله بها، وواجب عليك شكرها بدل أن تغتر بها، فقد قال –سبحانه- بعد قوله: "الذي علم بالقلم" "علم الإنسان ما لم يعلم" فأنت كنت لا تعلم شيئا، "والله أخرجكم من بطون أمهاتكم لا تعلمون شيئاً". فهل تشكر نعمة ربك بعد ذلك على هذه النعمة العظيمة؟
قال ابن القيم –رحمه الله-: وإن كان مما يخلص إليه الإنسان بالفطنة والحيلة فإن الذي بلغ به وأصله إليه عطية الله وهبها الله منه، وفضل أعطاه الله إياه، وزيادة في خلقه وفضله، فهو الذي علمه الكتابة، وإن كان هو المعلم ففعله فعل مطاوع لتعليم الذي علم بالقلم، فإنه علمه فتعلم، كما أنه علمه الكلام فتكلم، هذا، ومن أعطى الذهن الذي يعي به، واللسان الذي يترجم به، والبنان الذي يخط به، ومن هيَّأ ذهنه لقبول هذا التعليم دون سائر الحيوانات، ومن الذي أنطق لسانه وحرك بنانه، ومن الذي دعم البنان بالكف، ودعم الكف بالساعد، فكم لله من آية نحن غافلون عنها في التعليم بالقلم، فَقِفْ وقفة في حال الكتابة.
5- في الآية تنمية لمحبة الإنسان لربه -جل في علاه- فـ(الذي) في الآية اسم موصول يعود على (ربك) في أول السورة، وفي اختيار لفظ الرب دون سواه إشعار، بأن ما ورد بعد ذلك من ربوبية الله –سبحانه- لخلقه ورعايته لهم وتربيته، كما جعل -(115/2024)
سبحانه- هذه الآية التي تمن على العباد بالتعليم بالقلم بعد صفة (الأكرم) مما يدل على أن هذه النعمة كرم رباني من الله -سبحانه-.
6- الله سبحانه إنما علَّم بالقلم الإنسانَ فقط، ولم يعلِّم الحيوان، فالإنسان يستطيع التعبير عما يجول في خاطره بالقلم، فإذا جاع استطاع التعبير عن جوعه بالقلم، أما غيره فلا شيء من الحيوانات فلا يستطيع ذلك.
7- في الآية بيان عظمة الله _تعالى_، في تسخيره للقلم الجامد لهذا الإنسان ليعبر عما يريد، لكأنما هو لسان صامت، قال القاسمي –رحمه الله- : أفهم الناسَ بواسطة القلم كما أفهمهم بواسطة اللسان، والقلم آلة جامدة، لا حياة فيها، ولا من شأنها في ذاتها الإفهام، فالذي جعل من الجماد الميت الصامت آلة للفهم والبيان، ألا يجعل منك قارئا مبيِّنا وتاليا معلما وأنت إنسان كامل؟؟ وقال ابن القيم –رحمه الله-: وتأملْ حالك وقد أمسكت بالقلم، وهو جماد، ووضعته على القرطاس وهو جماد، فتولد من بينهما أنواع الحكم، وأصناف العلوم وفنون المراسلات والخطب والنظم والنثر، وجوابات المسائل، فمن الذي أجرى فَلَكَ المعاني على قلبك، ورسمها في ذهنك ثم أجرى العبارات الدالة على لسانك، ثم حرك بها بنانك حتى صارت نقشا عجيبا، معناه أعجب من صورته، فتقضي به مآربك، وتبلغ به حاجة في صدرك، وترسله إلى الأقطار النائية والجهات المتباعدة، فيقوم مقامك، ويترجم عنك، ويتكلم على لسانك، ويقوم مقام رسولك، ويجدي عليك ما لا يجدي من ترسله، سوى من علم بالقلم علم الإنسان ما لم يعلم؟
8- في الآية إعجاز قرآني، حيث نزلت هذه الآية مع أول ما نزل من القرآن على رسول الله _صلى الله عليه وسلم_، في مجتمع أمي لا يحفل كثيرا بالقراءة والكتابة، ولا يُولِي القلمَ أهميةً كبرى، فكان للقلم فيما بعد أهمية لا تغفل، قال سيد قطب –رحمه الله-: القلم كان وما زال أوسع وأعمق أدوات التعليم في حياة الإنسان.. ولم تكن هذه الحقيقة إذ ذاك بهذا الوضوح الذي نلمسه الآن، ونعرفه في حياة البشرية، ولكن الله _سبحانه_ كان يعلم قيمة القلم، فيشير إليه هذه الإشارة في أول لحظة من لحظات الرسالة الأخيرة للبشرية، في أول سورة من سور القرآن الكريم.. هذا مع أن الرسول الذي جاء بها لم يكن كاتبا بالقلم، وما كان ليبرز هذه الحقيقة منذ اللحظة الأولى لو كان هو الذي يقول هذا القرآن لولا أنه وحي ولولا أنها الرسالة!
9- القلم نعمة من الله _تعالى_ على الإنسان يجب عليه أن يشكرها، ويستخدمها في مرضاة الله، وهو مأجور إن استخدمها في ذلك، مأزور إن استخدمها فيما يغضب وجهه –سبحانه- وليس له أو عليه شيء إن استخدمها في مباح، فليتق الله -سبحانه- كل كاتب في كتاب أو مجلة أو جريدة أو رواية أو حاسب، فكل ما يكتبه مكتوب له أو عليه، والقلم وسيلة ناجعة ناجحة في نصر الدين، وهو كذلك في هدم بنيانه، ومن ذا الذي يحجب نور الشمس بعباءته، "يريدون ليطفئوا نور الله بأفواههم والله متم نوره...".
كناطحٍ صخرةً يوما ليوهنها... فلم يضرها وأوهى قرنه الوعل(115/2025)
أما كتاباتهم وتوهينهم في عضد المسلمين، ورسوماتهم الساخرة المستهترة فستكتب عليهم، وسيطمرها التراب ويعفو آثارها الزمن، وسيزهق الباطل ويعلو صوت الحق يوما ما وإن طال الزمن.
10- ثم ها هو القلم اليوم يصل إلى مستوى لم يصل إليه من قبل، وتنطلق منه الكلمات كالرصاص وتصل إلى أقاصي الدنيا في لحظة واحدة يقرؤها الآلاف في دقائق معدودة، فقلم اليوم لوحة المفاتيح في الحاسوب، وإن كان العلماء والأدباء قديما أطنبوا في وصف القلم، فماذا كانوا سيقولون لو رأوا قلم اليوم، وهي نعمة لا يتمكن الإنسان من شكرها، كسائر نعم الله -تعالى- وما قلناه فيما سبق القلم يصدق على الحاسوب.
فهذه بعض الخواطر والفوائد هي ثمرة التأمل والتفكر في كتاب الله, مع الرجوع إلى ما كتبه أهل العلم في بعض تفاسيرهم أو مظان موضوع الآية, رزقني الله وإياك التدبر في آياته والعمل بها, وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
ـــــــــــــــــــ
برنامج لاستذكار علوم الشريعة
أجاب عليه ... د. محمد العواجي
التاريخ ... 28/ 7 /1427هـ
السؤال
نحن أربعة طلاب جامعيين، عزمنا بعقد لقاء دوري بيننا للقراءة والاستذكار في علوم الشريعة، واتفقنا على أن أنسب ما يستحق أن يتدارس فيه هو كتاب الله _عز وجل_.. فما توجيهكم _حفظكم الله_ في هذا اللقاء من جميع النواحي (جدواه ، المنهج فيه ، كتب وتفاسير تنصحون بها ....)
الاجابة
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين ومن نهج منهجه وسلك سبيله إلى يوم الدين وبعد:
أخي الكريم وفقك الله وسدد خطاك وإخوانك أجمعين، وأُكْبِر فيكم هذه الهمة العالية والرأي السديد وأما سؤالك عن جدوى تدارس كتاب الله _عز وجل_؟ فحسبك قول الحق _تبارك وتعالى_: "وكذلك أوحينا إليك روحاً من أمرنا" فسماه روحاً تحيا به العقول والعلوم كما تحيا الأبدان بالأرواح، وسماه شفاء
"وننزل من القرآن ما هو شفاء ورحمة للمؤمنين ولا يزيد الظالمين إلا خساراً"، وسماه فرقاناً يفرق به المرء بين الحق والباطل "تبارك الذي نزل الفرقان على عبده ليكون للعالمين نذيراً" وغير ذلك من الأسماء والأوصاف التي جعلها الله له في كتابه وقد جمعها الشيخ صالح البليهي _رحمه الله_ في كتاب أسماه ( الهدى والبيان في أسماء القرآن ).
وقد وصفك حبيبك المصطفى _صلى الله عليه وسلم_ بأبلغ وصف وأجمله وأحلاه (خيركم من تعلم القرآن وعلمه) وشجع الصحابة الكرام على قراءته والتأمل فيه(115/2026)
(أيحب أحدكم أن يغدوا إلى بطحان فيأتي بناقتين كوماوين ... يغدو أحدكم إلى المسجد فيقرأ آيتين خير له من ناقتين وثلاث خير من ثلاث ومن أعدادهن من الإبل).
والقرآن ربيع القلوب ونور الصدور وجلاء الأحزان والهموم وهو أساس العلوم وعليه تعرض العقول والأفهام فما وافق القرآن صَحَّ وسلمنا به وما خالفه طرحناه ولم نبال به .
وأما المنهج فيه: فالذي أراه يصلح لكن في هذا الزمان وهذه المرحلة العمرية التي تعيشونها فهو باختصار:-
1- يكون لكم حزب يومي تقرؤونه فرادى أو مجتمعين ولو كان قليلاً -فلا قليل مع الاستمرار ولا كثير مع الانقطاع- والأفضل أن لا يقل عن عشرة أوجه من المصحف (نحو نصف جزء من أجزاء القرآن) وأفضل وقت له حسب التجربة بعد صلاة الفجر ولو تيسر أن يكون لكل واحد منكم على حده نصيب من القراءة في ركعات آخر الليل فهو أنفع وأعظم أجراً، ومن الأوقات النافعة للمراجعة والتثبيت قبيل النوم.
2- يكون لكم حظ من حفظ شيء منه إما مقدار أسبوعيٌّ تتعاهدونه يوم الجمعة أو الاثنين أو ما ناسبكم من أيام الأسبوع أو يَوْمِياًٌ إن كنتم تسكنون بقرب بعضكم ولو خمس آيات يومياً – وجهين كل أسبوعٍ فإن استطعتم أكثر من ذلك فلا تتوانوا، ومن المهم الاستفادة من أوقات النشاط كرمضان والإجازة والشهر الأول من كل فصل دراسي...وهكذا.
3- ينبغي أن يكون لكم مجلس تعرضون فيه ما أنجزتموه وما أسباب التخلف فيه وتتداركونها ويشجع بعضكم بعضاً وتأخذون بيد الضعيف، وإياكم وكثرة اللوم أو التجريح أو السخرية ونحو ذلك فإنها بريد الشيطان، ولكن عليكم بتشجيع بعضكم وقراءة سير ومواقف السلف الصالح في ذلك فإن ذلك ينشطكم ، ولو تهيأ أن تعرضوا على قارئ مجود متقن أو مجاز في ذلك فهذا خير ونور على نور .
4- ليكن لكم كتاب تقرؤون فيه المعنى الإجمالي للآيات مثل: (تيسير الكريم الرحمن) للشيخ السعدي أو (زبدة التفسير) للشيخ الأشقر، فهما خلاصة للتفسير مع سلامة ما تضمناه من ناحية الاعتقاد والمعنى والفقه، فإن قدرتم أحياناً على مطالعة تفسير ابن كثير فحسن, إذ فيه علم جم من علوم المتقدمين وفيه خير كثير لا يستغني عنه عالم أو متعلم.
5- ننصحكم بالاستمرار وعدم الغرور بذلك أو العزوف عنه لمقالة فلان أو علاّن فإن الصوارف كثيرة، وكتاب الله منهج أمة وحياة شامل لعلوم الأولين والمتأخرين، وأن يكون لكم هَمٌّ في التفكر في معاني الآيات التي تقرونها أو يقرأها إمام المسجد لاسيما في رمضان والجمعة والفجر وغيرها فما رزق المرء بأفضل من أن يعيش مع كلام ربه.
أرأيتم لو جاءكم خطاب من والدٍ أو أميرٍ محبوبٍ ألستم تقرؤونه مراراً وتحتفظون به وتعدونه كنزاً و تفترون به. أليس كلام رب العالمين المُنْعِمِ عليهم بالليل والنهار وبالسر والجهار أولى وأحرى؟ كيف لا؟ وهو منهج يلزمنا اتباعه حرفاً حرفاً وكلمة كلمة.(115/2027)
6- وأخيراً من الكتب التي ننصحكم بمطالعتها كتاب (علُو الهِمَّة) للشيخ محمد إبراهيم الحمد، و(الهمة العالية) للشيخ محمد بن إسماعيل المقدم، و(أين نحن من أخلاق السلف) للشيخ عبدالعزيز الجليل وكتاب (وقفات تربوية) له أيضاً.
ونسأل الله لنا ولكم الثبات في الدنيا والآخرة
ـــــــــــــــــــ
الحلقات أم الجمعيات؟
أجاب عليه ... فهد السيف
التاريخ ... 21/ 7 /1427 هـ
السؤال
س/ منذ صغري وأنا في حلقة تحفيظ القران الكريم وقبل سنتين تركت العمل الطلابي وعملت في جمعية البر الخيرية، ولكن لم يهنأ لي بال فدائم ذهني شارد أفكر في الحلقة وبرامجها وطلابها، وأنا في عملي في الجمعية، فهل أستمر في العمل بالجمعية أم أنتقل إلى العمل الطلابي ؟؟
الاجابة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد
فإن من حسنات حلقات التحفيظ أنها تخرج أمثالك إلى المجتمع ليخدمه، وما هذه إلا نقطة في بحر حسناتها, وحفاظ القرآن الذين تربوا على هديه هم أولى الناس بالتصدي للمجتمع رعاية وإعانة.
وأما سؤالك فإن الإجابة تختلف من شخص لآخر، ولا يخضع لمعايير ثابتة يمكن من خلالها الحكم على الجميع بجواب واحد.
ذلك أن كلا الأمرين خير وبر –والحمد لله- وكل من يعمل في خدمة الإسلام فهو على ثغر، نسأل الله تعالى أن يرزق الجميع الإخلاص والقبول وحسن العمل.
فإن أردت حالتك الخاصة أنت، فإن أولى من يجيب على هذا السؤال أحد شخصين:
إما أنت، وإما أحد من تثق فيهم ممن تعرفهم ويعرفونك.
وحكمك على نفسك يخضع لمصلحتين:
مصلحتك أنت ومصلحة المجتمع والأمة.
فانظر أولا: لمصلحتك أنت وأين فائدتك ومنفعتك الخاصة؟ وأين سيكون عملك أجود أداءً؟
وانظر ثانيا: لمصلحة أمتك، أين تحتاجك؟ وأي الثغرتين أولى بأن تسدها وهي محتاجة إليك.
ولتكن نظرتك منصفة بعيدة عن عواطفك وما تحب لنفسك.
ولك أن تأتي بورقة وقلم ثم تكتب الفوائد والمصالح والمفاسد في كلا الحالتين لتظهر لك الصورة جلية، وهذه الطريقة مجربة ونافعة –بإذن الله- وسيخرج لك الرأي جلياً من حيث لا تحتسب.
وإن رغبت –وهذا جيد- أن تستشير ثقة عارفا بك، فليكن محايدا غير منحاز لإحدى الفكرتين دون النظر في المصلحة.(115/2028)
ثم ينبغي لك أن ترجع بذاكرتك إلى الوراء قليلاً لتعرف سبب انتقالك إلى العمل الخيري بدل العمل والتعليم في الحلقات، وتأمل جيداً في هذا السبب.
فإن كان بناءً على إشارة من أحد الأشخاص فليكن أحد مستشاريك في هذه القضية، ليوضح لك سبب رغبته في انتقالك، ولا تكن عودتك اجتهادا شخصيا بحتا.
وإن كان سببا آخر: فتأمله أيضا جيداً.
ولا أنسى أن أحذرك من أن تكون من الذين يملون من أعمالهم بسرعة بسبب فوضويتهم في حياتهم وعدم ترتيب أولوياتهم، فتراه اليوم يعمل جمعية البر وغدا في جمعية التحفيظ وبعد غد في الحلقات، ثم في نشاط آخر وهكذا، فلا يكاد يبني جدارا حتى يذره دون أن يكتمل ويمضي إلى جدار آخر، فتجد جدرانه لم تكتمل.
واعلم أن –بمشيئة الله- سوف تسلو مع الزمن، وترى في إنتاجيتك في جمعية البر ما يجعلك تتمسك بها إن كنت جادا في عملك راغبا في تطوير نفسك وأدائك.
أيضا: فإن زملاءك وأحبابك في الحلقات عما قريب سيتفرقون، وكل سيتسنم عملا ينفع الله به -إن شاء الله- الحلقة أو حلقات أخرى أو عمل آخر، ولن يبقوا لك، وأما عملك في الجمعية فهو باق وأصحابك فيه –في الغالب- باقون.
ثم إن الماضي كثيرا ما يكون محبوبا، لا لشيء إلا أنه مجرد ماض، وأيام الصبا دائما تكون مشوقة حتى لو كانت في الحقيقة نكدا، ولعلك إن تركت عملك في الجمعية اشتقت له هو الآخر.
في جمعية البر حاول إيجاد جو شبيه بجوك السابق، فاقترح على العاملين في الجمعية نزهات أخوية بعيدة عن جو العمل الصاخب، فإن من شأن ذلك أن تصفو النفوس وتتقارب الأرواح، وهذه فكرة إدارية ممتازة، حتى لو كانت شهرية.
وأيضا يمكنك خلق جو شبيه بعملك السابق عن طريق التقرب إلى أطفال وأبناء الفقراء الذين تربطك بهم علاقة جمعية البر، وإخراجهم في نزهات خلوية لإدخال السرور على قلوبهم، فإن في هذا من الأجر والثواب الشيء الكثير.
وقبل الختام فيمكنك التخفيف من وطأة الشوق إلى ماضيك بزيارة تلك الحلقات ممن تربطك بهم معرفة بعد التنسيق مع مشرفيها لئلا تكون سببا في بعثرة برنامجهم.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
ـــــــــــــــــــ
كيف أكسب ود الناس؟
أجاب عليه ... أمين الدخيل
التاريخ ... 14/ 7/1427هـ
السؤال
أشعر أن كثيراً من الناس ينفرون مني, كيف أكسب ودّهم؟
الاجابة
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله ومن تبع هداه إلى يوم الدين .
إن الحديث عن هذا الموضوع حديث عن مشكلة أرقت الكثير من الناس كباراً وصغاراً ذكوراً وإناثاً ، حتى أصبح بعضهم في حرج اجتماعي، ومنهم من أصبح في(115/2029)
عزلة عن الناس أو حرب طاحنة مع نفسه ، وتهيأت فرصة سانحة للشيطان ليلبس على هذا الإنسان الضعيف فمنهم من هجر أهله وأقاربه , ومنهم من قاطع المساجد لعدم محبته لبعض المصلين , أو عدم محبتهم له
وقبل أن نذكر بعض الخطوات لأسلوب التعامل مع الناس ينبغي أن نعرف العلاقات التي تتعامل معها في حياتك، وهي علاقتك مع :
1- الله - جل وعلا - وعلاقتك مع ربك هي الفلاح في الدنيا والآخرة .
2- الوالدين ، فعلاقتك بهما ليست كعلاقتك بباقي الناس حتى الزوجة والأولاد .
3- الأقارب ، وتشمل الأسرة الصغيرة والكبيرة والأقارب وإن بعدوا , وبعضهم أقرب وألزم من بعض .
4- الأصدقاء ، وهم كل من لك بهم صلة ود في هذه الحياة .
5- باقي الناس ، وهم من عرفت ومن لم تعرف .
وينبغي أن نعلم أن الناس تختلف صفاتهم وطبائعهم فمنهم المزاجي والأناني والعدواني والودود والكريم والبخيل والصادق والكاذب والصابر والملول و منهم غير ذلك ، فينبغي أن تعرف كيف تتعرف على صفات كل شخص تتعامل معه – ولا يعني هذا أن نتوقف عن التعامل مع الناس حتى تكتشف صفاتهم ، بل يتأتى ذلك بطريقة غير متكلفة – وكلما زادت فراستك في معرفة صفاتهم كلما استطعت أن تضع قدمك على الطريق الصحيح .وقد ذكر النبي - صلى الله عليه وسلم - أن الصفات والطبائع تختلف من بيئة إلى بيئة ومن شخص إلى شخص وروي عن أبي هريرة - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال:"الناس معادن كمعادن الفضة والذهب, خيارهم في الجاهلية خيارهم في الإسلام إذا فقهوا, والأرواح جنودٌ مجندةٌ, فما تعارف منها ائتلف وما تناكر منها اختلف"، وعن أبي موسى الأشعري - رضي الله عنه - أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - قال:"إن الله خلق آدم من قبضة قبضها من جميع الأرض, فجاء بنو آدم على قدر الأرض, فجاء منهم الأحمر والأبيض والأسود وبين ذلك, والسهل والحزن والخبيث والطيب" .
ثم دعنا نضع بعض النقاط التي ستساعدك في كسب ود الآخرين :
1- أخلص عملك لله – سبحانه وتعالى – فإذا أحبك الله أحبك أهل السماء، وإذا أحبك أهل السماء أحبك أهل الأرض، والله هو الذي يضع القبول في قلوب الناس، وهو الذي يرفع المحبة من قلوبهم ؛
وقد روى مسلم عن أبي هريرة – رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "إن الله إذا أحب عبداً دعا جبريل، فقال: إني أحب فلاناً فأحبه، قال : فيحبه جبريل ثم ينادي في السماء فيقول: إن الله يحب فلاناً فأحبوه فيحبه أهل السماء، ثم يوضع له القبول في الأرض. وإذا أبغض عبداً دعا جبريل، فيقول: إني أبغض فلاناً فأبغضه قال: فيبغضه جبريل، ثم ينادي في أهل السماء: إن الله يبغض فلاناً فأبغضوه، قال: فيبغضونه ثم يوضع له البغضاء في الأرض".
وجاء في صحيح مسلم أن سهيل بن أبي صالح قال: كنا بعرفة فمر عمر بن عبد العزيز وهو على الموسم فقام الناس ينظرون إليه فقلت لأبي: يا أبت إني أرى الله يحب عمر بن عبد العزيز قال: وما ذاك؟ . قلت: لما له من الحب في قلوب الناس،(115/2030)
فقال: بأبيك أنت سمعت أبا هريرة يتحدث عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بكذا ... . ثم ذكر الحديث السابق .
2- أفش السلام ، وسلم على من عرفت ومن لم تعرف ، قال رسول الله _صلى الله عليه وسلم_ : "لا تدخلوا الجنة حتى تؤمنوا، ولا تؤمنوا حتى تحابوا ، أولا أدلكم على شيء إذا فعلتموه تحاببتم ، أفشوا السلام بينكم " رواه مسلم، وإذا صافحت فلا تكن مصافحة باردة، بل أشعره بشوقك له .
3- اترك ما يتنافس الناس عليه من حطام الدنيا الزائل ، واعلم أنك لن تصل لرزق كتبه الله لغيرك ولن يؤخذ رزق كتبه الله لك ولو اجتمع أهل الأرض والسماوات .
4- كن منصتا أكثر من كونك متحدثا ، فالناس بطبعهم يحبون من يستمع لهم ويستمتعون بحديثهم أكثر من استمتاعهم بحديثك. ولا تقاطع المتحدث حتى ينتهي من حديثه ، ولا تصرف بصرك عن محدثك وخاصة إذا كان ممن يقدر له قدره .
5- احذر أن تغيب الابتسامة عن وجهك ،فهي مفتاح القلوب ، فتقلب كرههم إلى محبة – بإذن الله تعالى - .
6- لا تعاتب كثيرا فتُعاتب كثيرا ، وكن لينا سمحا طيبا متنازلا عن حقك قدر المستطاع .
7- فكر بالكلمة قبل أن تقولها ، فإنك إن لم تقلها ملكتها ، وإن قلتها ملكتك .
8- اهتم بمظهرك ، فالنبي - صلى الله عليه وسلم - كان يلبس الجميل ويتطيب بالطيب الجميل .
9- لا تكثر المزاح مع الناس فكثير منهم لا يحتمل المزاح ،وإن كان المزاح الزائد مع الكريم حط من قدره وإن كان مع اللئيم حط من قدرك ، ولا تكن عبوسا جامدا في المجلس كالجبل فالتوازن واختيار الوقت المناسب مطلوب.
10- استعمل الهدية من حين لآخر فهي رباط من روابط الأخوة وهي هدي نبوي .
11- شارك الناس أفراحهم ففرح لفرحهم ، وشاركهم أحزانهم فاحزن لحزنهم .
12- أحسن الوفادة لمن زارك وكن كريما جوادا بما عندك – قدر استطاعتك - .
13- عامل الناس بما تحب أن يعاملوك به .
14- احذر الغيبة والنميمة فهي تحط قدرك عن الله وعند الناس ، فمن اغتاب عندك ، اغتابك عند غيرك .
15- تواضع للناس، وخاصة إذا كنت صاحب منصب أو جاه ، وهو عنوان عزة لا ذلة .
16- سم الناس بأحب الأسماء إليهم وبأحب كناهم .
17- أثناء النقاش اطرح رأيك بأدب وبدون مقاطعة لأحد وبدون تعصب أو تشنج لرأيك .
19- استخدم كلمة ( نحن ) أكثر من كلمة ( أنا ) ، فهي تجعل الآخرين معك لا ضدك .
20- لا تكن صاحب وجهين ، فمن كان صاحب وجهين مات ولا وجه له ، وصاحب الوجهين كالحرباء
تتلون بحسب طبيعتها فكن صادقاً مع الرجل في حضرته وفي غيابه .(115/2031)
عشرون نقطة في التعامل مع الآخرين لن نحوي بها حياتك فهي أوسع من نقاطنا ، ولكن عليك بالتحلي بأخلاق الكبار أخلاق النبي - صلى الله عليه وسلم - الذي أحبه الله وأهل السماء والأرض وأصحابه الكرام - رضوان الله عليهم أجمعين - الذين جعلوا حياتهم حياة تملأها المحبة والألفة ، أقرأ كثيرا حول سيرتهم ، وطبقها في حياتك على قدر استطاعتك وستجد القبول والسعادة في الدنيا والآخرة . وعليك بكتاب الله قراءة وتدبرا واجعله منهج حياتك وسراج دربك إلى الجنة - بإذن الله تعالى -
ـــــــــــــــــــ
كيف أختار تخصصي؟
أجاب عليه ... د. محمد العواجي
التاريخ ... 7 / 7 /1427هـ
السؤال
أنا خريج ثانوية عامة وفي حيرة من أمري أي تخصص أدخله.
ولكن في بالي مجالين وهي الهندسة والعقيدة. سؤالي ماهي المعايير التي أضعها لاختيار المجال والتخصص. ومارأيكم بدراسة العقيدة في جامعة الإمام بالرياض؟ وماهو أفضل مكان لدراسة العقيدة من ناحية الأساتذة والدروس العلمية والمنهج؟
وهل لكلية العقيدة أثر كبير من ناحية التطوير في هذا المجال مجال العقيدة أم الأثر يكون أكبر من ناحية الدروس العلمية بالمساجد والكتب والأشرطة؟
الاجابة
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على خير خلقه أجمعين نبينا محمد وعلى آله وصحبه والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين وبعد :
سؤالك عن التخصص يدلّ على وعيك واطلاعك بمسئوليتك تجاه نفسك وبلدك نفعك الله بهذه الهمة العالية ونفع بك .
والجواب :
لا يمكن تحديد شخصي فيما ذكرته فأنت أعرف بنفسك وميولك العلمية والعملية والعقلية وتحديدك لهدف خدمة دينك وإغناء قومك بما يعود عليهم بالنفع في الدنيا والدين هو الذي يحدد لك الاختيار الأفضل ، وإن كان لك شيخ تدرس عنده أو مدرس تثق بدينه وأمانته فلا مانع من استشارته ، مع تذكيرنا لك بأهمية الاستخارة وكثرة الدعاء والالتجاء إلى الله عز وجل أن يختار لك الخير أينما كان وأن يرضيك به ويوفقك إليه .
فهذه ثلاثة معايير ألخصها لك:
1- ( نفسك : من حيث : القدرة العلمية والعقلية والقناعة النفسية ).
2- ( طموحك: في نفع بلدك وأهلك لوجه الله فما هو الذي تستطيع من خلاله نفع العباد والبلاد من خلاله؟).
3- ( الاستخارة والاستشارة : للثقة الأمين العارف لما تستشيره به).
وأما ما سألت عنه من أمر تخصص العقيدة فيجب أن تعلم أن العقيدة ليست فناً يدرس بل هو واجب على كل مسلم ومسلمة تعلمه وفهمه وتعليمه لغيره مهما كان مستوى تعلمه أو مكانته في المجتمع .(115/2032)
أما التخصص الموجود في كليات أصول الدين وغيرها فهو مساعد لك ولغيرك على التفرغ لجمع أطراف المسائل ومعرفة تأصيلها وتفريعها واستدلالاتها وشواردها .
والكليات والجامعات تعطي الطالب مفاتيح العلوم ومبادئها وطرق دراستها ، وما لم تكن لدى طالب العلم همة عالية في القراءة والاستذكار وثني الركب بين يدي المشايخ الربانيين فإنه لا يمكنه تحصيل العلم ولا البروز فيه أو التخصص .
ولذا فالخيارات التي ذكرتها في سؤالك ( الكليات والجامعات ، الدروس العلمية بالمساجد والدورات ، الكتب والأشرطة وغيرها ) ما هي إلا أدوات مساعدة يكمل بعضها بعضاً ، وأعظمها نفعاً وبركة حلق العلماء ومجالسهم وأن يكون ذلك وفق منهجية علمية صحيحة تأخذها من شيخ عالم مجرب فتبدأ بصغار العلم قبل كباره وترتقي في الفن شيئاً فشيئاً وهذا هو الأسلوب الأمثل في تطوير دراسة فن العقيدة الوارد في سؤالك .
وفقك الله وسدد على الخير خطاك ، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين .
ـــــــــــــــــــ
قريتي نائية وأريد الاستفادة من إجازتي بالدورات الدينية.. فما العمل؟
أجاب عليه ... د. محمد العواجي
التاريخ ... 29/ 6 /1427هـ
السؤال
أنا أسكن في قرية نائية وأرغب في الاستفادة من هذه الإجازة في الدورات المكثفة الدينية ولكنها بعيدة عني وليس لدي من يعينني على ذلك من شباب بعمري ولاأدري كيف أستفيد؟ أرجو توجيهي حفظكم الله ..
الاجابة
الحمد لله وكفى والصلاة والسلام على النبي المصطفى وآله ومن اقتفى وبعد :
أخي الكريم / بارك الله فيك: أنت بدأت بهمك هذا تضع نفسك على باب الطريق وأول الأمور وأهمها هو النية الصالحة الخالصة لوجه الله تعالى فإذا وجدت فثق بأن الله ميسر أمرك ومعينك بأسباب ربما لا تخطر على بالك .
لكن إياك وكثرة الخواطر والوساوس الشيطانية التي تفسد نيتك أو تجعلك تتردد في تنفيذ ما هممت به وتسوّل لك المعاذير فإن الله عز وجل لا تخفى عليه خافية .
ويجب أن تحمد الله على أن وفقك لهذا الهمّ الخيّر الطيّب ، ومن تمام شكر الله عليه أن تخطو الخطوة التالية لذلك بالبدء بالتنفيذ :- أولاً: تنظر ما هي الأسباب التي تدعم مشروعك هذا وتعينك عليه؟ وتحاول الاستفادة منها بأقصى ما يمكن ولا تحتقر سبباً من الأسباب فربما فيه الفلاح. وثانياً : أن تحسن القصد والدعاء والالتجاء إلى الله.
ومن الأسباب الموجودة حولك في هذه البلاد المباركة ما يلي :
1- المكاتب الدعوية : فهي منارة علم ومرشد جيد وبواسطة أقرب مكتب دعوة إليك تستطيع معرفة من يحمل همّك ويعينك ويكون رفيق دربك في طلب العلم .
2- أو تتصل بالمكاتب الدعوية في مناطق المملكة وأرقامها ميسرة بواسطة الانترنت والمجلات الإسلامية وغيرها وتعرف من خلالها الدورات التي تلائمك بأن يكون(115/2033)
فيها خدمة الإسكان والإعاشة فتستأذن والديك أو من كان حياً منهما وترحل لطلب العلم مدة يسيرة لا تزيد في الغالب عن شهر وهناك ستجد قرناء لك يشجعونك ويساعدونك بل وينافسونك ويسابقونك في الخيرات .
3- المحاكم الشرعية : وبالإمكان أن تتصل بأقرب قاضٍ إلى قريتكم وتسترشده فإما أن يحذيك ( فتدرس عنده ) أو يرشدك ( إلى أقرب من يعينك على ذلك من عالم أو مركز أو معهد أو نحو ذلك ) .
4- المعاهد العلمية ومراكز تحفيظ القرآن الكريم: فهي معاقل علمٍ مهما كانت صغيرةً أو جديدةً ولابد أنه قريب منك شيء منها وبالإمكان من خلالها معرفة شيخٍ تقرأ وتدرس عليه فناً من الفنون العلمية التي تحتاجها أو يدلك أو يدلونك على من يعينك على ذلك .
5- مدرسوك ومعلموك في المدرسة: سواء هذا العام أو الأعوام الماضية فلا شك أنك طالب خير ولن تعدم الناصح الأمين الذي يدلك ويرشدك .
أما ما طلبته من أنك تريد شباباً في عمرك فهذا مما يندر وجوده قبل التحاقك بحلقةِ علمٍ فالطاقات كوامنٌ لا يمكن أن تُعْرَف إلا إذا أخرجها وأبرزها أصحابها فاعرض بضاعتك وستجدهم ، لكن كما ذكرت لك آنفاً تجدهم في أحد تلك المراكز التي سقتها لك أو ما يماثلها فهي مجرد مثال فقط .
وفقك الله وسدد على الخير خطاك ورزقك النية الصالحة والعمل الجاد ، والله المستعان وعليه التكلان
ـــــــــــــــــــ
كيف أصلح خطأ عقوقي لأمي ؟
أجاب عليه ... خالد الزوبع
التاريخ ... 19 / 6 /1427هـ
السؤال
السلام عليكم ورحمة الله
كيف أصلح خطأ عقوقي لأمي، وقد كنت أسأت الأدب معها من قبل، مع العلم أني كنت أعقها رغم التزامي ؟
الاجابة
لا يخفى على أي عاقل اقتران بر وطاعة الوالدين من رضا الله _سبحانه وتعالى_ وهو باب موصول إما لجنة أو نار وسخط..
وكونك تدرك أنك وقعت في ذلك الجرم هو بداية لتصحيح المسار المنحرف المؤدي لغضب المولى _جل وعلا_..
ولعلك تدارك ذلك بأمور:
1 – تعرف على الدافع الذي جعلك تسيء معها سابقاً الأدب فتجنبه.
2 – لين الكلام مع الوالدين حتى ولو عُلم أنهما يبالغان في القول.
3 – عدم مواجهة الوالدين أثناء الحوار أو النقاش، بل ربما التأجيل يكون أولى..
4 – تعهدها بالهدايا وتقبيل الكف والرأس.
5 – الذهاب لوحدكما إلى مكة أو المدينة وإظهار الفخر والأريحية في خدمتها.(115/2034)
6 – عدم الانقطاع عنها بالزيارة اليومية، وإذا كان يتعذر ذلك فلو بالاتصال اليومي.
7 – التودد لها وطلب رضاها والدعاء لك، فإن ذلك يخفف ما في النفس من رواسب.
ـــــــــــــــــــ
طبيبة الأسنان التي شغلت تفكيري
أجاب عليه ... جمّاز الجمّاز
التاريخ ... 12/6/1427
السؤال
ذهبت إلى أحد المستوصفات الخاصة، ودخلت على طبيبة الأسنان وأعجبت بها كثيراً؛ لأنها على قدر كبير من الجمال ودائما أفكر فيها، فهل أتزوجها?
الاجابة
الحمد لله رب العالمين، وبعد:
مثل هذا الموقف وأمثاله، لا يليق بك أخي الكريم، أن تجزم منه مباشرة بالإقدام على اتخاذ قرار كبير في حياتك؛ لأنك تجهل أمرها وحالها وأخلاقها ودينها، وأخشى أن يكون كل من رآها فكّر في الارتباط بها، حلالاً أو حراماً.
وإذا كانت جميلة، فمئات الفتيات أجمل منها، وما يدريك أنه يوجد امرأة في بلدك أو حيّك الذي تسكن فيه، أفضل جمالاً منها ولا مقارنة، بل توافقك في الطبائع والعادات، وإنك إن تزوجتها، فسوف تحمد الله _عز وجل_ على أن وفقك للزواج منها، وأن لم تتزوج بتلك المرأة التي وقعت عيناك عليها.
ماذا لو أنك متزوج، ثم وقعت عيناك على امرأة جميلة في مستشفى أو دائرة أو على شاشة أو على صحيفة، فأُعجبت بها، وفكّرت في الزواج بها، وإهمال زوجتك الأولى أو تطليقها، هل هذا منطق صحيح معقول؟!
أبداً، لا، ولهذا جاء الشرع بوجوب حفظ البصر عن النظر إلى ما لا يحل من النساء، قال _تعالى_: "قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ" (النور: من الآية30)، فإطلاق البصر إلى الحرام، شر وضرر ووبال على صاحبه، ونصيحتي لك أيها الأخ الكريم، ألا تتزوجها، وواجبك أن تبتعد عن التفكير فيها، وعن قرب المكان الذي تجدها فيه، وكل مكان تكون فيه النساء كاشفات لوجوههن.
وعليك ألا تعالَج عند امرأة مطلقاً، والواجب أن تعالج عند رجل مثلك، وهكذا المرأة ليس لها أن تعالج عند رجل مطلقاً، والواجب أن عالج عند امرأة مثلها، حفظاً للأعراض وصيانة للفروج، إلا ما دعت الضرورة لمخالفته.
واللائق بك، أن تحرص على خِطبة المرأة التي حثَّ عليها النبي _صلى الله عليه وسلم_ بقوله فيما صح عنه: "تُنكح المرأة لأربع، لمالها ولحسبها وجمالها ولدينها، فاظفر بذات الدين، تربت يداك"(1).
وقوله _صلى الله عليه وسلم_ فيما صح عنه: "الدنيا متاع وخير متاع الدنيا المرأة الصالحة"(2).
وصحّ عنه أنه سُئل _صلى الله عليه وسلم_ "أي النساء خير؟ قال: "الذي تسرّه إذا نظر، وتُطيعه إذا أمَر، ولا تخالفه فيما يكره في نفسها وماله"(3).(115/2035)
وهذه الأوصاف الجميلة حقاًن لا تتوافر إلا في المرأة الصالحة، فاظفر بها، ومن الصفات المهمة التي ينبغي أن تتوافر في المخطوبة، ما يلي:
1 – أن تكون محافظة على الصلوات الخمس، وعليها آثار الصلاة، فإن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر.
2 – أن تكون حافظة لقلبها وجوارحها من الشبهات والمحرمات.
3 – أن تكون محافظة على حجابها، وتتشرف بالتقيّدية، تطلب ستر الله _تبارك وتعالى_ وتشكره أنْ صانها وأكرمها بحجابها.
أسأل الله _تعالى_ لك التوفيق والسداد، وصلى الله وسلم على نبينا محمد بن عبد الله وعلى آله وصحبه أجمعين.
_______________
(1) صحيح البخاري (5090) النكاح، صحيح مسلم (1466) الرضاع.
(2) صحيح مسلم )1467) الرضاع.
(3) سنن النسائي (3231) النكاح، الصحيحة للألباني ج4 ص 453 رقم (1838).
ـــــــــــــــــــ
أشتكي من عدم جدية الشباب في الحلقة
أجاب عليه ... اللجنة التربوية
التاريخ ... 5 /6 /1427هـ
السؤال
أنا مشرف على حلقة لطلاب المرحلة الثانوي وأشكو من ظاهرة عدم الجدية عند المتربين؟
الاجابة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه وسلم، وبعد:
هذه بعض الأمور فيما يرى مناسباً لمعالجة هذا الأمر:
1 – الاستعانة بالله في استقامتهم ودعاء الله بذلك.
2 – أن توضع الدروس والبرامج بناء على أهداف يراد تحقيقها، ومن أولى هذه الأهداف تقوية هذا الجانب، ومما يقوي ذلك ما يلي:
أ – عرض سير العلماء والعظماء وكيف كانت جديتهم في الحياة وكيف كانت النتائج سواء كانوا من السلف أو المعاصرين.
ب – استضافة بعض الدعاة ممن عرفوا بالتأثير على الشباب حتى يرفع ذلك من جديتهم ومستواهم.
جـ - وضع حوافز لأكثر البرامج مثل إقامة رحلات وتوزيع جوائز، فيكون هناك تنافس جاد.
د – عند إقامة الدرس لو طعم ببعض الطرائف فهي محببة ومحل جذب لنفس الشاب وهي لا تعارض الجدية.
3 – تكليف الشباب مثلاً ببحث في تفسير قوله _تعالى_: " يَا يَحْيَى خُذِ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ" (مريم: من الآية12).(115/2036)
4 – عند عرض معاناة الأمة من خلال ظلم الأعداء وفساد وبعد كثير من المسلمين أنه لا يكفي الحزن والتباكي وإنما واجبنا تربية أنفسنا تربية جادة ترفع من مستوى الأمة لا تزيدها بعداً.
5 – تكريس مفهوم أن مع الجد في كل أمر من أمور الحياة تكون النتائج في الغالب قوية وذلك بحسب قوة الجدية سواء كان في الأمور الحياتية أو الأعمال الصالحة.
6 – عدم مصادمة الشاب في رغباته المباحة وإنما الاستفادة من ميوله لخدمة الدين فمن كان متميزاً في الأمور الاجتماعية كلف مثلاً بتجهيز رحلة أو إعداد مخيم ومن كان مميزاً مثلاً في الحاسب كلف بإعداد برامج حاسوبية... إلخ.
7 – محاولة معرفة الأسباب التي تؤدي إلى تكاسل الشباب وقلة جديتهم فمعرفة الأسباب تساعد كثيراً في الحلول فمثلاً لو وضع استبيان يعتمد في إعداده على أن يبين الأمور التي تضايق الشاب في أثناء البرامج لتلافيها أو على الأقل محاولة تقليلها.
8 – التركيز على الجانب الإيماني لدى الشاب فمن كان ضعيفاً في هذا الجانب، كيف ستجد عنده جدية معتبرة، وكما قيل: فاقد الشيء لا يعطيه، فلا بد من رفع مستوى الشاب في الجانب الإيماني حتى يكون جاداً؛ لأن الله يحب ذلك قال الرسول _صلى الله عليه وسلم_: "إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملاً أن يتقنه".
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلّم.
ـــــــــــــــــــ
أختي المراهقة وتصرفاتها الخاطئة.. كيف أساعدها؟
أجاب عليه ... سلام الشرابي
التاريخ ... 24/ 5 /1427هـ
السؤال
أختي البالغة من العمر 19سنة، تعيش فترة مراهقة وسط بنات مراهقات مثلها يسلكون طرقاً خاطئة في استغلال أوقات فراغهن.
أنا أعلم أنها تعيش في حالة من الضياع، ولكنني لا أستطيع مساعدتها ولا أستطيع أن أخبر والدي بما تفعله وعن الطريق الذي تسير فيه، أريدها أن تبتعد عن صديقات السوء، وخاصة أقاربنا، أريدها أن تحافظ على ثقة والديّ بها، وأن تعلم أن هذا الطريق ليس هو طريق السعادة، علماً بأن والديّ يلبيان لها كل ما تتمناه، فماذا أفعل معها؟
الاجابة
الأخت السائلة.. حفظها الله
ما ذكرتيه مشكلة يجب الوقوف عندها والاهتمام بها.. ومسؤوليتك كبيرة حيال ذلك، ونحن نقدر اهتمامك بأختك وحرصك على خلاصها مما هي فيه .
عزيزتي السائلة.. يتبين مما ذكرتيه في استشارتك أنك أمام خمس قضايا، وهي:
1 – المرحلة العمرية التي تعيشها أختك.
2 – الأفعال الخاطئة التي ترتكبها وصديقات السوء، والتي لم تذكريها بالتحديد.(115/2037)
3 – مشكلة تأثير صديقاتها اللواتي وصفتيهن بصديقات السوء، وخاصة إذا كنّ من الأقارب.
4 – كيفية تعاملك مع هذه المشكلة ومع أختك تحديداً.
5 – هل تخبري والديك أم لا؟
بالنسبة للمرحلة العمرية التي تعيشها أختك فمن المفترض أنها تعدت مرحلة المراهقة، وأنها غدت مسؤولة عن تصرفاتها، وصارت تحكم عقلها فيما تقوم به، فعلى ما أعتقد أنها في السنة الأولى من الجامعة، وكونك تقولين إنها لا زالت تعيش فترة المراهقة، فهذا يدل على وجود مشكلة معينة كأن تعيش مرحلة مراهقة متأخرة أو أن انتماءها لصديقاتها أقوى من انتمائها للأسرة المتمثلة بنصح الوالدين وتجارب الإخوة الكبار الناضجة، وهذا لا يتعاكس مع ما ذكرتيه بأن الوالدين يلبيان لها كل ما تتمناه، بل ربما هو أحد الأسباب التي تزيد المشكلة من حيث عدة نقاط:
1 – أن الدلال الزائد قد يفسد الأخلاق.
2 – الاهتمام بالحاجات المادية على حساب الحاجات المعنوية يؤدي إلى نتائج سلبية خاصة إذا كان هذا الاهتمام كنوع من التعويض عن انشغال الأبوين عن أبنائهم، وهنا يبرز دورك في تنمية انتماء أختك لأسرتها وزرع الثقة بكلام الأبوين والإخوة الكبار بنفسها على أن يتم ذلك بطريقة غير مباشرة.. ولا تتصوري أن هذا الموضوع يمكنك إنجازه بين ليلة وضحاها بل إن هذا يحتاج إلى صبر ووقت طويل ويتم تقديمه على شكل جرعات فكرية بين الحين والآخر مع الحرص كل الحرص على الابتعاد عن الطريقة الوعظية لئلا تنصرف أختك عما تقولينه، وتعد أنك ستأخذين دور الأخت الكبرى التي تفهم وتقدر ما لا يمكن أن تفهمه هي واستعيني بالله وتوكلي عليه في كل ما تقومين به وأكثري من الدعاء لأختك واطلبي من الله _سبحانه وتعالى_ أن يوفقك بما تقومين به لأجلها.
القضية الثانية: الأفعال الخاطئة التي تقوم بها أختك وهي مرتبطة بعوامل أخرى؛ كارتباطها بصديقات السوء ودرجة وقوعها تحت تأثيرهن وعدم وجود ثقة بما يقوله الأهل أو عدم وجود حوارات أسرية أو مشورات، وهذه الأفعال السلبية تزول بزوال العوامل المسببة لها مع العلم أن دورك مهم في تبيان سلبية بعض هذه الأفعال عن طريق إيراد قصص واقعية من المجتمع، الحوار الهادئ الجاد جداً مهم ويجب الإكثار منه كما يمكنك اصطحاب أختك معك لزيارة صديقة لك أو قريبة تثقي بفكرها وآرائها ودينها لتلاحظ أختك الفرق في تصرفاتكن وكيف تمضون وقت فراغكن فتبدأ المقارنة وقد يتبين لها من خلال ذلك سلبيات التصرفات التي تقوم بها وصديقاتها.
القضية الثالثة: تأثير صديقاتها القوي عليها وهنا يمكن لأختك أن تتجاوز هذه المشكلة عن طريق:
أولاً: زيادة الثقة بنفسها لتكون صاحبة قرار ذاتي لا يخضع أو يتأثر بأفكار وتصرفات الغير.
ثانياً: كشف التصرفات السلبية لتلك الصديقات... فالصح واضح والخطأ كذلك.
ثالثاً: الثناء على التصرفات الإيجابية التي تقوم بها أختك أو حتى صديقاتها لتلاحظ لوحدها الفرق بين التصرفات الإيجابية وتلك السلبية.(115/2038)
نأتي إلى القضية الرابعة وهي جد مهمة كيف تتعاملين مع أختك؟
لا شك أن لك دوراً مهماً وأساسياً في كل ما ذكرناه سابقاً غير إدخال هذه المفاهيم الجديدة في ذهن أختك، وكما أسلفنا بطريقة غير مباشرة بالدرجة الأولى وبطريقة قريبة من قلب أختك بالدرجة الثانية، خاصة وأنك أختها بمعنى أنك قريبة منها، تعرفين ما تحب وما تكره وبالتالي فإن تأثيرك عليها يكون نابعاً من قدرتك ومعرفتك بها وبالظروف التي تعيشها والمسببات التي أدت بها إلى هذه التصرفات.
القضية الخامسة: والتي تعد أهم القضايا، وهي أن تخبري الأهل أم لا؟
والإجابة هنا منوطة بك أنت.. ولكن قبل أي شيء نود أن نقدم لك بعض النقاط المهمة التي عليك وضعها في عين الاعتبار:
رد فعل والديك حيال مثل هذه المشكلة، وما دمتِ تعلمين أنها ردة فعل سلبية ويمكن أن تؤدي إلى نتائج عكسية فمن الأفضل جعلها كحل أخير بعد أن تفشل الحلول الأخرى.
أما إذا كان رد فعل الوالدين أو أحدهما بطريقة إيجابية ولهما تأثير قوي على أختك في تعديل سلوكها فمن الأفضل التحدث إليهم أو إلى أحدهم فقط، ولا تنسي أن طريقة نقلك للمشكلة تحدد بشكل كبير رد فعل أهلك حيال المشكلة فيجب عدم تهويل المشكلة ولا الإقلال من شأنها والتفكير معاً في إيجاد الحل الأمثل لها.
ربما يكون من الأهمية إخبار الأهل بالمشكلة خاصة وأنك ذكرت أن بعض صديقات السوء هن من الأقارب فيكون لازماً على أحد الوالدين التحدث إلى أهل هؤلاء القريبات للوصول إلى حلول مشتركة، خاصة وأن للقريبات حق عليك بنصحهن والبحث عن الحلول بمشاكلهن لا الاكتفاء بإبعاد أختك عنهن وتركهن على ما هنّ عليه.
أخيراً.. إذا رأيتِ أن أختك وصديقاتها يمكن أن يصلن إلى الوقوع في خطأ فادح ولم تستطيعي أن تفعلي لهن شيئاً، فالأولى إخبار الأهل ومن أكبر سناً وخبرة منك ليتدخلوا ويتخذوا الإجراءات اللازمة
ـــــــــــــــــــ
ماذا أفعل وقد ابتليت بحب المردان؟
أجاب عليه ... جمّاز الجمّاز
التاريخ ... 17/ 5 /1427هـ
السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أنا شاب على طريق الاستقامة، ولكني ابتليت (بحب المردان)، فماذا أفعل؟؟
الاجابة
الحمد لله رب العالمين، وبعد:
إن ظاهرة التعلق دبّت وعمت في المجتمع بين الفتيان مع بعضهم، والفتيات مع بعضهن، وكل مع الجنس الآخر، على مختلف أعمارهم وفئاتهم واتجاهاتهم ومحاضنهم التربوية، وانتشرت في صفوف المراحل الجامعية والثانوية، والصف الثالث المتوسط، وبقلّة في الأول والثاني المتوسط، وربما بين الأقارب والقريبات،(115/2039)
والناس فيه – أي التعلق – أنواع، كلٌّ له فيه طريقة وأسباب ومظاهر، يشترك الجميع في غالبها، وكل واحد يبحث فيه عن هدفه وغايته.
إنه داء عضال، بل شر ووبال، إنها فتنة أهلكت الشباب ودمّرت الفتيات، ولم ينج منها إلا القليل، إنها مشكلة أتت على الصحيح والسقيم، بل بدأت تدب حتى في أوساط من يُشار إليهم بالبنان، جاوزت الحدود والقيود، ذهب ضحيتها الكثير والكثير، والكل يشهد ذلك ويلحظه، ما بين ضائع ومنتكس وحائر أو مسجون.
هذه الظاهرة لها أسباب عدة، من أبرزها:
1 – بعد القلوب عن الله _عز وجل_، وعدم تعلقها وأنسها بالله _تبارك وتعالى_.
2 – قلة مراقبة الله _تعالى_، وعدم الخوف منه _سبحانه وتعالى_.
3 – التقصير في أداء الصلوات، وإهمال السنن، وهجر القرآن الكريم.
4 – الفراغ القاتل "أبو المصائب".
5 – صديق السوء "السم القاتل".
6 – مشاهدة القنوات الفضائية التي تخل بالآداب، وتعرض صور النساء، وتحكي الفساد وتنشره.
7 – كثرة المخالطة والمجالسة، للصغار من قبل الكبار، وإدامة النظر إليهم.
8 – ترك الزواج وإهمال تحصين الفروج.
9 – التخفيف من الشهوة، بالتلذذ بالنظر إلى الوجه، وكثرة مجالسته.
10 – اعتقاد أن التعلق أمر طبيعي ولا بد منه.
11 – الاهتمام بقراءة قصص الحب والغرام، وشعر الغزل.
12 – الشهوة الخفية وإدامة النظر والقراءة في المجلات الخليعة.
13 – استخدام خط الخيانة، لا الصداقة.
وعلاج هذه المشكلة، يكمن في معرفة أسبابها، ومن ثم الابتعاد عنها، وإليك بعض الوسائل والطرق المناسبة للعلاج، منها:
1 – ادع الله _تعالى_ كثيراً أن يُنجّيك من هذه المعصية، وأن يهيئ لك من أمرك رشداً، فالدعاء سلاح المؤمن.
2 – تذكّر أن الله _تعالى_، مطلع على نيتك وأفعالك، وأن ملائكته وجوارحك شهود عليك يوم القيامة.
3 – اسلك طريق الاستقامة، وجدّد التزامك بهذا الدين.
4 – غيّر حياتك وأصدقاءك، تقدّم لا تتردد.
5 – اجعل قلبك مليئاً بالحب لله _تعالى_، والخوف منه _سبحانه_، علّقه بقراءة القرآن والصلاة والاستغفار وذكر الرحمن _تبارك وتعالى_.
6 – ليكن تعلقّك بالله _عز وجل_، لا بالذات والأشخاص من أصحاب الفن أو الرياضة.
7 – تذكر دائماً أنك واقع في وحل المعصية، واستحضر ما يصاحب ذلك من نيل غضب الله _تعالى_ وسخطه، وعدم توفيقه لك.
8 – استشعر ما أنت فيه من ضعف الإيمان، وفقدك للذة العبودية وحلاوة الطاعة.(115/2040)
9 – ألم تعلم أن التعلق يسبب وحشة في القلب، وظلمة في الوجه، وسوءاً في الخاتمة، والله أعلم بما في الآخرة، فماذا تنتظر؟
10 – تأمل النتائج التي دمّرت نفسك وحياتك وبيتك ومجتمعك، من الهم والضيق والاكتئاب، والحيرة والخوف والاضطراب، والسهر والقلق والمرض، فضلاً أنه لا يهدأ لك بال، ولا يقر لك قرار، كم من أموال ضاعت، كم من أملاك تلفت، كم من أخلاق فسدت.
11 – هل تعلم أنك باستمرارك في عملك المشين هذا تغلق أبواب الطاعة أمامك، وتفتح أبواب الخذلان أمامك، إذن لا تستمر، توقف.
12 – تصور أنك قد فقدت الغيرة والحياء، فماذا بعده يا تُرى؟
13 – اعلم علم اليقين أن التعلق بعده وقوع في المحرمات، وانتهاك للحرمات.
14 – اعلم أنك في ضياع وانحراف، ومعرّض للمز والغمز والهمز، وتناقل الإشاعات حولك، سوف ترديك في مواطن الريب والتُّهم، فانج بنفسك.
15 – كل من سلك هذا المسلك، فهو في فرقة وخلاف، وكل حين عداوات وتحزبات ومشكلات، فهل أنت راغب في هذا؟ هل أنت قادر على تحمّل هذا؟
16 – اعلم أنك بفعلك هذا تهدم وتفسد الأسر والمجتمعات، وتفكك محاضن التربية ودور التوجيه، فهل يفعل هذا عاقل؟
17 – ألم تعلم أنك بتعلقك هذا، تهدم مستقبل الإنسان وعمره وشخصيته، وتتسبب في تعطيل فكره وعقله، وتتحمل فشله في مسيرته الدراسية أو الوظيفية، فلماذا أنت مُصِرّ على الإضرار به؟
18 – يجب أن تعلم أنك ظالم لنفسك، ولتلك النفوس التي تحمل براءة الطفولة والعفاف من بنين وبنات، فلماذا تظلمه، وأنت لا تريد له إلا الخير؟
19 – ابتعد عن كل ما يثير الغرائز والشهوات وتلامس الأجسام.
20 – غض طرفك، ولا تنظر إلى ما يثيرك.
21 – ابتعد عن ذلك الإنسان وكل ما يذكرك به.
22 – حاول أن تنساه بشتى الطرق وبكل قوة.
23 – لا تلتفت إلى طيب لسانه وجميل إحسانه وكلام الناس عنه.
24 – حاول التهرب منه والاعتذار عن المكالمات واللقاءات، مهما كلفك الأمر.
25 – تذكّر أخطاءه وزلاته ومعايبه، وأنه مثلك يحمل في بطنه ما تحمله في بطنك من الأذى والأقذار.
26 – املأ وقتك بزيارة الأقارب والجيران وأصحاب الأخلاق وأهل الرجولة والشهامة.
27 – اهتم بقراءة الكتب النافعة، والمجلات المفيدة.
28 – استمع للمحاضرات والأناشيد، فهي بديل عن كل رذيل.
29 – تعلّم الحاسب والخط، شارك في الدورات المهنية بأنواعها.
أظنّك بعد هذا:
ستجد صعوبة في أول الأمر، لكن الراحة في النهاية، لن تخسر شيئاً إذا تركته، بل ستعيش حياة الأحرار، وتخرج من ذلك الأسر السُّعار.(115/2041)
ووصيتي لك، أن يكون حبك للآخرين معتدلاً خالصاً لله _تبارك وتعالى_، بحسب إيمانه وتقواه، لا للجمال والأنساب والأحساب والمصالح وحسن الأجسام والهيئة، وتذكّر دائماً:
أن الجمال الحقيقي هو جمال الأخلاق: طهارة القلوب ونقاء النفوس، خلق عال، وأدب راق، وأما جمال الوجوه، فسرعان ما يزول ويفنى ويُنسى، ويبقى جمال النفوس، يذكر على الدوام فلا يُنسى.
إن الافتخار بالجمال ليس من شِيَم الرجال.
وما ينفع الفتيان حسن وجوههم ... ...
إذا كانت الأخلاق غير حسان
وما تنفع الثياب اللامعة، والأطياب المنعشة، إذا كانت النفوس مظلمة لا تعرف لله حقاً ولا لرسوله _صلى الله عليه وسلم_ طاعة وانقياداً، ولا لأحد من الوالدين أو الناس احتراماً وتقديراً، صحّ عنه _صلى الله عليه وسلم_ أنه قال: "إن الله لا ينظر إلى أجسادكم ولا إلى صوركم، ولكن ينظر إلى قلوبكم" وأشار بأصابعه إلى صدره(1).
عجبتُ لمن ثوبه لامع ... ...
ولكنما القلبُ كالفحمة
مظاهرُ براقة تحتها ... ...
بحارٌ من الزيف والظلمة
وأشير عليك بقراءة كتاب (وفي الصراحة تكون الراحة) لفهد بن يحيى العماري، فإنه نافع مفيد، أسأل الله _تعالى_ أن يهديك لأحسن الأخلاق، لا يهدي لأحسنها إلا هو _سبحانه_، وفقك الله لما يحب ويرضى، وصلى الله وسلم على نبينا محمد بن عبد الله وعلى آله وصحبه أجمعين.
_______________
(1) صحيح مسلم (2564) البر والصلة والآداب.
ـــــــــــــــــــ
كيف أصنع برنامجاً للقاءات الأسرية؟
أجاب عليه ... أمين الدخيل
التاريخ ... 14/ 5 /1427هـ
السؤال
لنا _ والحمد لله _ لقاء شهري بين أفراد الأسرة يتم فيه تقديم بعض البرامج والكلمات.. لكن ما أفضل المواضيع والمراجع التي ينصح بها؟
الاجابة
لا شك أن مثل هذه اللقاءات سواء كانت شهرية أو ربع سنوية أو سنوية لها ثمارها وكلما كانت قريبة كلما كانت أعظم نفعاً – بإذن الله تعالى – ولكن ما لا يدرك جله لا يترك كله.
ونحن جميعا نتفق على أهمية الاستفادة من مثل هذه اللقاءات انطلاقا من قوله _تعالى_: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ..."(115/2042)
الآية (التحريم: من الآية6) قال الضحاك ومقاتل تعليقا على هذه الآية: (حق على المسلم أن يعلم أهله من قرابته وإمائه وعبيده ما فرض الله عليهم وما نهاهم عنه).
ومن الأدلة قوله _تعالى_: "وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ" (الشعراء:214).
ولذا فإننا جميعا نشد على يد كل عامل صادق حريص على الاستفادة من مثل هذه اللقاءات.
ثم نذكر بعضنا ببعض الأمور الهامة وهي:
1- احرص أنت ومن معك على إخلاص النية لله _تعالى_ في جميع الأعمال والأقوال.
2- احرص على وضع أهداف واضحة مكتوبة سهلة التطبيق.
3- ثبت مواعيد للقاء بعد اتفاق الجميع عليها. واحذر من أن يدفعك الحماس في زيادة اللقاءات وخاصة إذا كانت العائلة كبيرة في عدد أفرادها وحديثة عهد بتطبيق فكرتك. وكلما كانت المواعيد شهرية أو نصف سنوية كلما كانت أكثر ثباتا وكلما كانت أسبوعية كلما كانت أكثر اضطرابا، ويعتمد القياس على عدد أفراد الأسرة وسرعة اندماجهم.
4- احرص على استمرارية العمل وعدم الانقطاع، وهذا يتطلب منك حكمة وروية في اتخاذ القرار، فكلما كان البرنامج موزونا كلما كان الاستمرار متوقعا _بإذن الله_.
5- أشرك شباب العائلة في صنع البرامج واصبر عليهم وخاصة إذا كان العمل في بداياته.
6- نوع برامجك ولا تقتصر على فئة معينة أو اهتمام معين فبالتأكيد أن لديك توجهات واهتمامات على حسب تنوع أفراد العائلة، فاهتم بالبرامج المناسبة لأفراد العائلة والمرضية لله _تبارك وتعالى_ وخاصة البرامج المتفق عليها والتي تستوعب أكبر شريحة ممكنة.
7- أسند برامج النساء للنساء قدر الإمكان، وخاصة إذا كانت هناك من لديها القدرة على صنع البرامج النسائية وتنفيذها، وأيدهم على ذلك وأرفع درجة الحماس خاصة أن النساء دائما أسرع تأثرا من غيرهم سلبا أو إيجابا.
8- احذر من كثرة البرامج الشرعية المباشرة فأكثر النفوس لا تتحملها، ولكن امزج الفائدة والتربية والترفيه لتصنع برنامجا ممتعا للجميع.
9- اصنع برامج خاصة بربط العائلة كدليل للعائلة أو صنع الصداقات بين أبناءها وغيرها من الأفكار.
10- من غير المستغرب أن تسمع انتقادات أو مقاطعات أثناء تنفيذ البرنامج وخاصة كلما زاد عدد أفراد الأسرة أو تعددت مشاربهم، فاحذر أن توهن هذه الانتقادات من عزمك أو تصدك عن أهدافك.
11- تعلم فن الإنصات فستحتاجه كثيراً، فالناس تحب أن تتكلم أكثر مما تسمع.
12- حتى تكون برامجك مؤثرة لا بد أن تكون محبوبا من الجميع، فاحرص على بناء العلاقات الجيدة مع جميع أفراد الأسرة صغارا وكبارا قدر الإمكان.
13- كن قدوة خير للجميع.(115/2043)
14- أكثر من الدعاء والاستخارة، فأنت في مجال دعوة وكم احتاج الدعاة إلى دعوة تسري في ظلمة الليل يكتب الله لهم بها قبولا وتوفيقا.
أما أفضل المواضيع التي تهم مثل هذه اللقاءات فلا يوجد مواضيع محددة فلكل حال ما يخصه ولكل أسرة اهتماماتها ولكن هناك أمور أساسية وهي:
1- عند اختيار الموضوع، ابدأ بالمواضيع ذات الاهتمام المشترك، فكلما كان الموضوع قريباً من الجميع كلما لاقى قبولاً وتفاعلاً من الجميع.
2- اختر من المواضيع ما يناسب الزمان والحال، فمثلاً إذا كان اللقاء قريباً من رمضان فاطرح ما يتعلق بالمناسبة وهكذا.
3- احرص على سهولة الطرح وابتعد عن التعقيد قدر الإمكان.
4- استفد من الأشخاص الموجودين في اللقاء إن كان منهم صاحب علم أو خبرة.
5- يمكن أن تطرح استفتاء عن المواضيع التي يرغبون الحديث حولها، ثم تختار ما يناسب.
أما عناوين المواضيع فهناك مواضيع عامة مثل:
صلة الرحم و ما يتفرع منها كزيارة القريب المريض والإنفاق على ذوي القربى و إجابة دعوة القريب وطرق تأليف قلب القريب ومنها فضل الصدقة وإصلاح ذات البين و تربية الأبناء وأهمية صلاح الأبناء في الدنيا والآخرة وصنع العلاقات الأسرية والصبر والاحتساب والصدق والأمانة والمواضيع المتعلقة بالجانب النسائي وعليك بسيرة الرسول صلى الله عليه وسلم ففيها النفع العظيم.
وننصحك باستضافة بعض طلاب العلم أو الداعيات بين فترة وأخرى حتى يتم التنويع المطلوب وطرد السأم والملل، وأيضاً الارتباط بأحد طلبة العلم المطلع على مثل هذه البرامج لتعرض عليه الأفكار والمقترحات والعقبات التي تستجد لك.
ـــــــــــــــــــ
كيف ينجح النادي الصيفي؟
أجاب عليه ... أحمد السعيد
التاريخ ... 10 / 5 /1427هـ
السؤال
نريد أن نقيم نادياً صيفياً خلال الإجازة الصيفية، فبماذا تنصحوننا؟ وما هي أفضل الأمور التي تساعدنا على نجاح النادي بشكل خاص والبرامج بشكل عام؟
نرجو التفصيل للأهمية.
الاجابة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه وسلم، وبعد:
إن العمل بالنوادي الصيفية عمل جبار، وله أثره الواضح في تربية الأجيال، بل إن صحت العبارة فهو يوصف بأنه "مصنع للرجال".
فقادة المجتمع والمؤثرون فيه ممن تخرجوا من هذه المحاضن التربوية الكبرى في هذه البلاد المباركة، وهناك بعض الأمور التي تساعد كثيراً في نجاح النوادي _بمشيئة الله_:
1 - الإخلاص لله في هذا العمل الضخم، فكلما صلحت النوايا قويت النتائج.(115/2044)
2 - وضع أهداف عامة وخاصة واقعية التنفيذ يراد تحقيقها خلال مدة النادي، ومن ثم مراجعة جميع أعمال اللجان لتتضح اللجان المقصرة خلال عمل النادي حتى يتم زوال أو تقليل الأخطاء، ويقترح وضع استبيان نهاية كل أسبوع لسير عمل اللجان والأسر، وكذلك في نهاية النادي حتى يتم تلافيها في السنوات المقبلة.
3 – الاستفادة من الطلاب الجامعيين، فهُم عماد النادي مستقبلاً وإعطاؤهم مجالاً أوسع لعملهم وتبنِّي أفكارهم وتفعيلها عملياً.
4 – توزيع الأعمال على اللجان بدرجة كافية وبدون مبالغة مع مراعاة الأعداد في كل لجنة حتى يكون العمل في أحسن صورة وعدم زيادة الأعداد بدرجة أكثر من الحاجة مما يؤدي إلى شعور العضو بعدم الحاجة إليه، ومن ثم يضعف حضوره أو قد يؤدي إلى انقطاعه كلياً.
5 – أهمية لجنة "العلاقات العامة" وكذلك اللجان الأخرى لكن هذه اللجنة هي واجهة النادي داخل الموقع، فهي تعرف الزائر بعمل اللجان والأسر، ولكن لا بد من تزويدها بكل جديد من نشرات وأعمال مكتوبة ومصورة وعدم تأجيل ذلك.
6 – وكذلك أهمية لجنة "الحي أو خدمة المجتمع" فهي واجهة النادي الخارجية، وهي دورة تدريبية في تربية الشاب على الدعوة ونفع الناس وتأليف قلوبهم ورسالة صادقة بأن النادي جزء لا يتجزأ من هذا المجتمع.
7 – الحرص على الدورات التدريبية والتطويرية مع مراعاة السن لدى المستفيدين منها.
8 – الحرص على استقطاب الجدد من غير طلاب الحلقات ومحاولة ضم الحلقات وتكليف مشرفي الأسر بذلك.
9 – الاستفادة من ورقة التسجيل حيث يحسن أن تحوي الورقة ميول الشاب ورغباته ومحاولة تحقيقها أو تحقيق أكثرها.
10 – استضافة أولياء الأمور خصوصاً في الحفلات كحفل الافتتاح وذكر منجزات النادي في السنة الماضية وتعريفهم بأهداف النادي، وبيان الحرص على تربية الأبناء التربية الصحيحة فإن لهذا أثراً كبيراً في خلق انطباع إيجابي عن النادي ورواده.
والطرق والأساليب أكثر مما ذكرت، ولكن هذا ما تيسر، ونسأل الله لكم التوفيق والسداد.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلّم.
ـــــــــــــــــــ
كيف أصنع برنامجي في الإجازة الصيفية؟
أجاب عليه ... د. محمد العواجي
التاريخ ... 7 / 5 /1427هـ
السؤال
نحن مجموعة من الشباب نحتاج إلى برنامج في الإجازة الصيفية يفيدنا من الناحية العلمية والتربوية والجسدية, فما نصيحتكم؟
وكيف نضع خطة لذلك؟
وكيف نطور أنفسنا؟(115/2045)
الاجابة
أولاً: يجب أن يكون لديكم العزيمة الصادقة، والنية الصالحة، ولا يمكنكم ذلك ما لم يكن منكم التجاء إلى الله وكثرة دعائه والتضرع إليه، ومعرفة لفضله وإحسانه عليكم، ومنته ونعمته الظاهرة والباطنة، وأنكم تبحثون عمّا يرضيه عنكم ويجنبكم سخطه.
ثانياً: لا يمكن حصر البرامج والخطط في ذلك فهي متنوعة وكثيرة، وأنتم أدرى الناس بما تستطيعون إدراكه، ومشايخكم وإخوانكم الدعاة حولكم وأئمة المساجد ومدرسيكم في المدرسة أو التحفيظ لا شك أنهم يقدرون على مساعدتكم.
ثالثاً: الخطة العامة لصنع برنامج تنفيذي يحقق أهدافكم ويرضي طموحكم هي: أن تتصور معي حديث النبي _صلى الله عليه وسلم_ في الصحيحين وغيرهما باختلاف رواياته، وأجمعها ما عند الشيخين، عن عبد الله بن عمرو _رضي الله عنه_ما قال: دخل عليَّ رسولُ الله _صلى الله عليه وسلم_ فقال: "ألم أخْبَر أنك تقوم الليل وتصوم النهار؟" قلت: بلى، قال: "فلا تفعل، قم ونم، وصُمْ وأفطر، فإن لجسدك عليك حقاً، وإن لعينك عليك حقا، وإن لزورك عليك حقاً، وإن لزوجك عليك حقاً"، وللنسائي: "وإن لضيفك عليك حقاً وإن لصديقك عليك حقاً" وهي تفسير المراد بقوله: (زورك).
ولذا فأنصحكم أن تكون خطتكم للبرنامج متكاملة تراعي الجوانب المذكورة في الحديث، وإن لم تكونوا متزوجين فالرواية الأخرى (لأهلك) بدل من (زوجك) فتراعي الأدوار الأربعة في الحياة [الأهل والزوجة – الجسم والجوارح – العلاقات الصحيحة]، ورأسها [العبودية لله] ومنها: العبادة وطلب العلم والدعوة إلى الله، وأي خطة لا تشتمل على هذه الأربعة جوانب فهي ناقصة.
رابعاً: من الناحية التنفيذية فهناك نصائح وتجارب كثيرة وناجحة _بإذن الله تعالى وتوفيقه_، وأنصحكم بقراءة كتب السيرة والتراجم فإن فيها خيراً كثيراً في هذا الباب، ومن تلك التجارب:
1 – تنفيذ مشروع معين محدد مثل (حفظ القرآن) أو (حفظ الصحيحين) أو جزء منها خلال إجازة الصيف عبر برنامج تقوم به مع مجموعة من الشباب على يد شيخ متقن مجرب، وخطة علمية صحيحة مع زملاء يشجعونكم وتتنافسون على الخير في ذلك، وهذا مشهور منتشر في هذه السنوات _ولله الحمد_، لكن لا تنس الجوانب الأخرى فأعطها شيئاً من حقها.
2 – تحقيق هدف من أهدافك في الحياة لا يمكن تحقيقه إلا في مثل إجازات الصيف ونحوها مثاله: زيارة أقاربك الذين لا يتيسر زيارتهم أو الوصول إليهم في الأيام المعتادة، والتعرف عليهم عن قرب ومخالطتهم وإفادتهم بأسلوب سهل ميسر ففيه خير لك وسياحة وبر بوالديك ورضاً لربك.
3 – تحقيق شيء من الواجب عليك تجاه إخوانك المسلمين وتربية لنفسك على الدعوة والصبر عليها، مثاله: القيام برحلة دعوية تتضمن زيارة مناطق ذات حاجة دعوية أو إغاثية أو غيرها، وإفادتهم ونفعهم، بما تملك من علم شرعي أو لغة القرآن، أو شيء من السنة، أو مهارات تجيدها وتستطيع بذلها لهم، ولو لم يكن إلا أن تعلمهم الفاتحة وصفة الوضوء والصلاة، وتدعو لهم وتحس بمشاعرهم لكفى، ولا تحقرن من المعروف شيئاً، ولو قضيباً من سواك.(115/2046)
4 – مراجعة لنفسك وتقييم لها: ماذا تحتاج؟ ماذا تملك؟ وأين هي الآن؟ وما الفرق بين هذه الإجازة والإجازات السابقة؟... إلخ. ومن ذلك مراجعة معلوماتك الشرعية بقراءة كتب شاملة لا سيما في العقيدة والفقه والسلوك، ومن أسسها [كتاب التوحيد سؤال وجواب، منهج السالكين للسعدي في الفقه والسلوك – رياض الصالحين في الحديث، أو بهجة قلوب الأبرار للسعدي – مختصر السيرة النبوية لمحمد بن عبد الوهاب، أو لعبد السلام هارون..] أو مراجعة حفظك السابق في المدرسة وغيرها للقرآن الكريم مع التلذذ بمراجعة معاني ما تقرأه من الآيات من خلال برنامج يومي في تيسير الكريم الرحمن للسعدي أو غيره من مختصرات التفسير الإجمالي.
5 – ممارسة شيء من الأعمال التي تعود على نفسك بالترويح الهادف ولجسمك بالصحة العامة، مثل: رياضة المشي، وركوب الخيل، والسباحة، ونحوها مما يضر الجسم تركه وإهماله، وقد يصعب الانتظام فيه في غير الإجازات مع ضبط ذلك في نوعه وفي وقته وهدفه، بحيث يتم فيه المراد _بإذن الله تعالى_.
وأخيراً أضع بين يديك مثالاً تطبيقياً مجرباً، عبارة عن برنامج ذاتي يمكنك تطبيقه في وقت الإجازة الصيفية.
كما يمكنك إضافة ما يناسبك وتغيير ما لا يناسبك بعد مشورة أهل الاختصاص.
وفقكم الله.
مثال تطبيقي مجرب
برنامج ذاتي في الصيف
1 – القرآن الكريم:
مراجعة كامل الحفظ السابق بمعدل ثلاث مرات على الأقل، وحفظ ما لا يقل عن جزء كامل خلال الإجازة.
2 – الحديث النبوي:
دراسة كتاب الرقائق من مختصر صحيح البخاري، وحفظه. أو كتاب الأدب منه وحفظه، أو على الأقل حفظ الأربعين النووية لمن لم يحفظها من قبل، ومراجعتها مع تتمتها لمن سبق له حفظها، مع الاطلاع على أحد شروحها (مثل جامع العلوم والحكم لابن رجب).
3 – التفسير:
قراءة تفسير الجزء المرغوب حفظه، من تفسير ابن كثير أو ابن سعدي، أو زبدة التفسير للأشقر بتمعن وتأمل.
4 – القراءة العامة:
قراءة ومراجعة في الكتب التالية:
• نواقض الإيمان القولية والعملية: لعبد العزيز آل عبد اللطيف، وهذا أقل ما يمكن.
• العبودية، وكتاب تزكية النفس لشيخ الإسلام ابن تيمية.
• تذكرة السامع والمتكلم لابن جماعة.
• التعالم د. بكر أبو زيد.
• مناقب الأئمة الأربعة لابن عبد الهادي.
• علو الهمة لمحمد إسماعيل أو الهمة العالية لمحمد الحمد.(115/2047)
• مواضيع تهم الشباب للجار الله.
• زاد المعاد لابن القيم: وعلى الأقل الجزء الثالث منه وهو في السيرة النبوية أو أي كتاب آخر في السيرة.
• أحكام الإمامة والائتمام في الصلاة للمنيف.
• طلب الرزق بين الحلال والحرام والشبهة للطويل.
5 – الأعمال العملية:
• المحافظة على الصلوات الخمس جماعة، وإدراك تكبيرة الإحرام مع الإمام، والإكثار من الصلاة في المسجد الحرام أو المسجد النبوي، أو زيارتهما.
• عدم الخروج إلى الأسواق ومواطن الفتن.
• المحافظة على الوقت مع محاسبة النفس على ذلك.
• حضور درس يومي لأحد المشائخ، وعلى الأقل ملازمة درس علمي أو دورة في المدينة التي تسكنها.
• النصح وبذل المعروف لكل مسلم، لاسيما طالب العلم.
• لزوم الصمت وعدم الحديث فيما لا نفع فيه، والابتعاد التام عن الغيبة والنميمة، مع محاسبة النفس على ذلك.
• الإكثار من العبادة: بالصلاة وقراءة القرآن والذكر، والدعاء ونحو ذلك.
• ختم القرآن الكريم قراءةً ولو مرة في الشهر على الأقل.
• اختيار عدد من الطلاب لمدارسة العلم معهم وتشجيعهم على ذلك.
• مدارسة العلم للأهل والزملاء في المسكن وجعل برنامج لذلك، مثل حفظ القرآن، أو بعض المتون.
• ترجمة أو مراجعة تراجم ما لا يقل على ستين صفحة من الكتيبات التي يحتاج المسلمون إليها في لغتهم لإقامة دينهم.
6 – تلخيص فوائد من كتاب أو فصل معين:
من كتاب بما لا يقل عن عشر صفحات، خلال الإجازة، ومن الكتب المقترحة:
مدارج السالكين، إغاثة اللهفان، الجواب الكافي لابن القيم، من أخلاق السلف لأحمد فريد، من أحكام الفاتحة والبقرة لابن عثيمين، نواقض الإيمان القولية والعملية لعبد العزيز آل عبد اللطيف، مناقب الأئمة الأربعة لابن عبد الهادي وأحكام الإمامة والائتمام في الصلاة للمنيف أوغيرها.
ـــــــــــــــــــ
أعاني من الخوف من كل شيء ولا أدري ما السبب؟
أجاب عليه ... خالد رُوشه
التاريخ ... 3/ 5 /1427هـ
السؤال
أنا شابة في العشرين من عمري، أعاني من الخوف من كل شيء، والقلق، والتردد، ولا أدري ما السبب ولا ما الحل.. أرجوكم ساعدوني.
الاجابة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:(115/2048)
الأخت الفاضلة صاحبة السؤال.. أسأل الله لك كل خير.. نصيحتي لك ألخصها في عدة محاور هامة جداً، أرى ضرورة أن تستمسكي بها قدر طاقتك حتى تتغلبي على شكواك تلك التي قد صغتيها في سؤالك الذي يعتصر ألماً:
أولاً: قد علمنا الإسلام أن ننطلق في تصوراتنا وبنائنا الداخلي والخارجي من عقيدة التوحيد الخالصة له _سبحانه_ والتي تقتضي إثبات القدرة التامة له _سبحانه_ والقيومية الكاملة على خلقه، وكذلك سائر الصفات والأسماء التي أثبتها كتابه وسنة رسوله _صلى الله عليه وسلم_ وكذلك له _سبحانه_ الخلق والأمر وأنه _سبحانه_ وحده الذي يستحق العبادة، ومن هذا المنطلق يجب أن يبتدئ حلنا لمشكلاتنا، على أساس تلك العبودية، إذ إن في قلوبنا فاقة لا يسد خللها غير توحيد الله _سبحانه_ وفي نفوسنا فقر شديد لا يغنيه إلا الالتجاء إليه لا إله إلا هو.
ثانياً: لابد أن هناك خلفيات تاريخية لما تجدينه من شكوى، قد تكون تراكمت منذ الصغر، وقد تكون نتاج مواقف مختلفة فقدت فيها الأمان أو تعرضت لشكل من أشكال الخيانة أو الضرر، فأورث ذلك عندك مثل هذا الشعور الذي تغذيه الأيام وأخلاق المجتمع، حيث يغترب الدين وتنتشر مساوئ الأخلاق، فيلزمك أن تنظري تحت عناية مختصة أو خبيرة إلى ممارستك لتلك الخبرة السلبية التي كانت قد مرت بك وإلى آثارها التي قد أورثت عندك وتركت بصماتها في نفسك وكيفية الخروج منها، وقد تستطيعين فعل ذلك وحدك، ولكنني أنصحك بالمختصة أو الخبيرة في ذلك ممن تثقين فيهن فلعله أنفع لك وأسرع أثراً.
ثالثاً: أحب أن أنبهك إلى أن محاولاتك للتغلب على الخوف والتردد وغيرها من الآلام والأمراض يجب أن يصحبها نظرة فاحصة لأهم المعوقات التي قد تمنع العلاج، فمن تلك المعوقات أن نعتمد في علاجاتنا على آرائنا الخاصة في أنفسنا،. وكذلك أن يكون الخجل والانطواء هما الحاكمان في علاجنا لأنفسنا، وكذلك أن نغض الطرف عن المؤثرات الخاطئة التي قد تعودناها في مجتمعنا واستسلمنا لها، كمثل أن نقنع أنفسنا بالفشل أو يقنعنا الآخرون بعدم القدرة عن الإنجاز.. وغير ذلك
رابعاً: إذا آمنا بكمال قدرة الله _سبحانه_ وعظمته وحياته وقيوميته _عز وجل_، تمام الإيمان ووثقنا في قوته _سبحانه_ تمام الثقة، فعندئذ تزول المخاوف وتتضاءل كل الشرور وتضعف في ناظرينا كل القوى المخلوقة؛ لأننا قد أدركنا تماماً أنها لن تضرنا بشيء، وأن الله _سبحانه_ هو القوي العزيز، فلا ملجأ ولا منجى منه إلا إليه، فلم الخوف إذن؟ ولم الجزع إذن من مخلوق لا يقدر أن يدفع الضر عن نفسه؟
خامساً: إذا أيقنا بعلم الله الكامل _سبحانه_ وبقضائه وقدره، لجأنا إليه عند التردد واستخرناه عند جهلنا بالعواقب، فخرجت الكلمات من قلوبنا قبل ألسنتنا (اللهم إني أستخيرك بعلمك وأستقدرك بقدرتك وأسألك من فضلك العظيم...).. وما ندم من استشار ولا خاب من استخار..
سادساً: أنصحك بدوام ذكر الله _سبحانه_ قياماً وقعوداً وعلى جانبيك، وليكن ذكرك منطلقاً من قلبك فائضاً على جوارحك متحلياً بكامل الثقة به _عز وجل_ والإيمان له _سبحانه_، فعندئذ يطمئن قلبك في كل موطن وتزول مخاوفك من كل موقف "أَلا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ" (الرعد: من الآية28).(115/2049)
سابعاً: كذلك فإني أنصحك بصحبة خير من صالحات تقيات لهن في الخير سابقة وفي العلم نصيب، وفي الدعوة إنجازاً، فسوف يعيننك على خطوات خير ونصائح تقوى _إن شاء الله_.
ثامناً: لتبدئي بالتخطيط لإنجاز شيء تحبينه، وليكن ذلك مثلاً حفظ شيء من كتاب الله _سبحانه_ أو تعلم علم أو غيره مما يقبله قلبك.. ولتبدئي ولا تترددي مهما جذبك الشيطان نحو القعود والتخاذل، واستعيذي بالله منه فإنه لا يحب لك الخير، وخالفي نفسك فيما يحب الله ورسوله وكل الصالحين فإن في مخالفة هوى النفس البركة، واستعيني بالله على ذلك.. وجربي ذلك شهراً ثم واصلينا بالنتيجة.. نسأل الله لك دوام الخير والإيمان والثبات
ـــــــــــــــــــ
جيراني لا يحضرون الصلاة في المسجد
أجاب عليه ... إبراهيم الأزرق
التاريخ ... 29 / 4 /1427هـ
السؤال
لي جيران لا يحضرون صلاة الجماعة إلا واحداً منهم يصلي أحياناً.
ما هي الطريقة المناسبة لمناصحتهم؟
الاجابة
الأخ الكريم:
شكر الله لك حرصك على الدعوة، ولعل أول خطوة هي أن تحمل همهم وتستشعر المسؤولية تجاههم.
ثم بعد ذلك لا بد أن تراعي تفاوت الناس واختلاف طبائعهم، فربما ناسب أحدهم أسلوب لم يتناسب مع الآخر، وربما ترك أمرٌ أثراً في نفس أحدهم دون الآخر، وهذا يقضي بأهمية حصول بعض التعارف والصلة، ولعله لا تتصور دعوتهم بغير صلتهم فإذا عرفتهم وكانت لك صلة بهم وإحسان إليهم كان ذلك أدعى لقبولهم منك وحينها قد يكون في مقدورك تحديد ما يناسب كل واحد منهم، وإجمالاً هناك وسائل كثيرة قد يتاح لك أن تسكلها:
- فالموعظة المباشرة في وقتها المناسب وسيلة مع تعاهد الجار.
- والزيارة الودية قبيل الصلاة لاصطحاب الجار معك بعد الأذان طريقة للبدء في تعويده الصلاة في المسجد.
- وإهداء الشريط أو الكتب أو المطوية وسيلة، ويحسن أن تفتعل للإهداء مناسبة لتشجع الجار على قراءتها كاستثمار قصة أو حدث له تعلّق.
- تعريفه على إمام المسجد أو مؤذِّنه وتوصيتهما به.
- دعوته إلى برنامج أو منشط أو الإسهام في مسابقة أو نحو ذلك مما قد يكون فيه شيء من نصح ولو خفي في الموضوع طريقة أخرى.
- توصية المصلين من جيرانه الآخرين به وسيلة.
- فإذا نفذت الطرق فقد يكون للتخويف ممن له سلطان أثرٌ، وأن الله ليزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن.(115/2050)
- مع أهمية واستحضار النية الصالحة في استنقاذه وصدق الإشفاق عليه، وكل ذلك يقتضي الدعاء له.
أسأل الله أن يلهمنا جميعاً رشدنا، وأن يصلح أحوالنا، وأن ييسر لنا سبل الخير ويرزقنا التزامها.
ـــــــــــــــــــ
أصبحت كسولاً عن صلاة الفجر
أجاب عليه ... جمّاز الجمّاز
التاريخ ... 25/ 4 /1427هـ
السؤال
كنت محافظاً على جميع الصلوات بما فيها صلاة الفجر جماعة بالمسجد وبعد مدة أصبحت أسمع الأذان فأتكاسل في الذهاب إلى الصلاة وبالأخص صلاة الفجر، حيث إنني أنام عند سماع الأذان .
فأنا والله مستاء مما أنا فيه فأريد أن أعود إلى ما كننت عليه من محافظة على الصلاة.. أفيدوني _جزاكم الله خير الجزاء_ .
الاجابة
الحمد لله رب العالمين، وبعد:
فيا أخي الحبيب.. لا يشك من عرف حكم الصلاة مع الجماعة، وما فيها من الفضائل والأجور، وما تُوعِّد به المتخلفون عنها من العقوبة وسوء المآل.
لا يشك من عرف ذلك، أن المتخلف عنها على خطر عظيم، وأنه قد اقترف ذنباً كبيراً، يوشك أن يهلكه، إن لم يتدارك نفسه بتوبة صادقة.
فقل لي: ما الذي يعوقك عن الصلاة مع الجماعة؟
أهو لذة النوم؟!
لا خير في لذة تعقبها حسرة وندامة، صحّ أن النبي _صلى الله عليه وسلم_ قال: "يُؤتى بأنعم أهل الدنيا من أهل النار يوم القيامة، فيُصبغ في النار صبغة، ثم يقال: يا ابن آدم! هل رأيت خيراً قط؟ هل مرّ بك نعيم قط؟ فيقول: لا، والله يا رب....."(1).
هذا أنعم أهل الدنيا، فكيف بمن هو دونه! هل تُفضّل لذة ساعة على لذة أبدية.
أم هي المشقة؟!
نعم، قد يكون في خروجك إلى الجماعة شيء من المشقة من حر أو برد أو نحوهما، لكن هل قارنتَ بين حر الصيف، وسموم جهنم؟ أم هل قارنت بين برد الشتاء وزمهرير جهنم، "وَقَالُوا لا تَنْفِرُوا فِي الْحَرِّ قُلْ نَارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرّاً لَوْ كَانُوا يَفْقَهُونَ" (التوبة: من الآية81).
أم هو الشيطان وتثبيطه؟!
فاحذر أيها الحبيب، أن تُسْلم نفسك لعدوِّك ليلقي بها في جهنم "إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ" (فاطر: من الآية6).
واعلم أن من تخلّف عن صلاة الجماعة، فقد استحوذ عليه الشيطان فأنساه ذكر الله، صحّ أن النبي _صلى الله عليه وسلم_ قال: "ما من ثلاثة في قرية ولا بدو، لا تقام(115/2051)
فيهم الصلاة إلا قد استحوذ عليهم الشيطان، فعليك بالجماعة، فإنما يأكل الذئب القاصية"(2).
أيها الأخ الحبيب:
أدعوك دعوة صادقة لأن تحافظ على الصلاة، ومن أبرز الأمور المعينة على ذلك:
1 – الصدق مع الله _جل وعلا_.
فإن من صدق مع الله _تعالى_ في توبته، ورغبته في المحافظة على صلاة الجماعة، فإن الله _تعالى_ يُبلّغه ما يريد، قال _تعالى_: "...فَلَوْ صَدَقُوا اللَّهَ لَكَانَ خَيْراً لَهُمْ" (محمد: من الآية21).
وقد صحّ أن الله _تبارك وتعالى_ قال في الحديث القدسي: "أنا عند ظن عبدي بي"(3)، وصحّ عنه _صلى الله عليه وسلم_ أنه قال لأعرابي سأل الشهادة "إن تصدق الله يصدقك"(4).
2 – اعمر قلبك بالإيمان والعمل الصالح:
اهتم دائماً بسماع القرآن العظيم، واحرص على تلاوته وتفهمه، رقِّقْ قلبك بأحاديث المصطفى _صلى الله عليه وسلم_، وبذكر الجنة والنار.
واعلم أن القلب القاسي هو الذي لا تؤثر فيه المواعظ، لذا تجنّب ما يكون سبباً في قسوة قلبك.
3 – ابتعد عن المعاصي:
وذلك بجميع جوارحك، وأشغلها بطاعة الله _عز وجل_، واعلم أن الذنوب سبب في حرمانك من الطاعة والتلذذ بها، سُئِل أحد السلف، فقيل له: نعجز عن قيام الليل، ما السبب؟ فقال: "قيدتكم ذنوبكم". قال ابن القيم: "الذنوب جراحات، ورُبَّ جرح وقع في مقتل" ا.هـ.
4 – اعرف الآثار المترتبة على التخلّف عن الصلاة:
ولتكن على بيّنة منها، ومعرفة أضرارها، وخوِّف نفسك بها، مثل:
الاتصاف بصفة من صفات المنافقين، صحّ أن النبي _صلى الله عليه وسلم_ قال: "ليس صلاة أثقل على المنافقين من الفجر والعشاء، ولو يعلمون ما فيهما لأتوهما ولو حبوا..."(5).
وصح أن ابن مسعود _رضي الله عنه_ قال: "... ولقد رأيتنا وما يتخلف عنها إلا منافق معلوم النفاق..."(6).
وهكذا تكدر النفس وانقباضها، مثل ما يحدث للإنسان طوال يومه، وبالأخص بعد الاستيقاظ من النوم، ولم يُصلّ الصلاة لوقتها، فضلاً عن شهوده للجماعة، فقد صحّ أنه ذكر عند النبي _صلى الله عليه وسلم_ رجل نام ليلة حتى أصبح، فقال: "ذاك رجل بال الشيطان في أذنيه" أو قال: "أذنه"(7).
5 – تعرّف على الأجور والفضائل والمنافع التي تحصل لمن حافظ على الصلاة:
مثل قوله _صلى الله عليه وسلم_ فيما صحّ عنه: "... وذلك أنه إذا توضأ فأحسن الوضوء، ثم خرج إلى المسجد لا يخرجه إلا الصلاة، لم يخط خطوة إلى رُفعت له بها درجة، وحُطّ عنه بها خطيئة، فإذا صلى لم تزل الملائكة تصلي عليه ما دام في(115/2052)
مصلاه، اللهم صل عليه، اللهم ارحمه، ولا يزال أحدكم في صلاة ما انتظر الصلاة"(8).
وقوله _صلى الله عليه وسلم_ فيما صح عنه: "من غدا إلى المسجد أو راح، أعد الله له نزله في الجنة كلما غدا أو راح"(9).
وقوله _صلى الله عليه وسلم_ فيما صح عنه: "بشِّر المشائين في الظلم إلى المساجد بالنور التام يوم القيامة"(10).
وقوله _صلى الله عليه وسلم_ فيما صح عنه: "من صلى العشاء في جماعة، فكأنما قام نصف الليل، ومن صلى الصبح في جماعة، فكأنما صلى الليل كله"(11).
وهكذا الفوائد والخيرات، والمنافع والبركات، التي تحصل لمن استيقظ لصلاة الفجر وصلاها في وقتها مع الجماعة، فقد صح أن النبي _صلى الله عليه وسلم_ دعا لأمته فيه بالخير والبركة، فقال: "اللهم بارك لأمتي في بكورها" قال صخر – راوي الحديث -: "وكان _صلى الله عليه وسلم_ إذا بعث سرية أو جيشاً بعثهم أول النهار" وكان صخر رجلاً تاجراً، وكان إذا بعث تجارة بعثهم أول النهار، فأثرى وكثر ماله"(12).
وفي الوقت نفسه، فائدة صحية، حيث تكون أعلى نسبة لغاز الأوزون في الجو عند الفجر، وتقل تدريجياً حتى تضمحل عند طلوع الشمس، ولهذا الغاز تأثير مفيد للجهاز العصبي، ومنشط للعمل الفكري والعضلي، بحيث يجعل الإنسان عندما يستنشق نسيم الفجر الجميل المسمى بريح الصبا، يجد لذة ونشوة لا شبيه لها في أي ساعة من ساعات النهار أو الليل(13).
فهذه وأمثالها تشجعك على الاهتمام بالصلاة، فلا تغفل عنها.
6 – احرص كل الحرص على أذكار النوم، القولية منها والفعلية، وخاصة أن تنام على طهارة.
7 – الدعاء والتضرع إلى الله تبارك و_تعالى_:
وذلك بأن يُيسّر لك أسباب طاعته، ومن ذلك الصلاة مع الجماعة، وقد صحّ أن النبي _صلى الله عليه وسلم_ أوصى معاذاً فقال: "يا معاذ، والله إني لأحبك، والله إني لأحبك، أوصيك يا معاذ: لا تدعن في دبر كل صلاة تقول: اللهم أعني على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك"(14).
8 – افعل الأسباب المادية، ولا تهملها:
ذلك أنه لا بد من الجمع بين الأسباب المادية والشرعية، ومن ذلك:
أ – مجاهدة النفس، وعدم الإخلاد إلى النوم، والتثاقل عن القيام.
ب – عدم النوم قبيل وقت الصلاة.
جـ - وضع منبِّه يساعد على الاستيقاظ لأداء الصلاة.
د – توصية الأهل أو بعض الأقارب أو بعض الجيران، من أهل الخير، بأن يوقظوك للصلاة.
هـ - النوم مبكراً، خاصة إذا كان الليل قصيراً.
واللهَ أسأل أن يوفقك لما يحب ويرضى، وأن يهيئ لك من أمرك رشداً، وصلى الله وسلم على نبينا محمد بن عبد الله وعلى آله وصحبه أجمعين.(115/2053)
_______________
(1) صحيح مسلم (2807) صفة القيامة والجنة والنار.
(2) سنن أبي داود (547) الصلاة، صحيح أبي داود للألباني ج1 ص 109 رقم (511).
(3) صحيح البخاري (7405) التوحيد، صحيح مسلم (2675) الذكر والدعاء والتوبة والاستغفار.
(4) سنن النسائي (1953) الجنائز، صحيح سنن النسائي للألباني ج2 ص 420 رقم (1845).
(5) صحيح البخاري (657) الأذان، صحيح مسلم (651) المساجد.
(6) صحيح مسلم (654) المساجد.
(7) صحيح البخاري (3270) بدء الخلق، صحيح مسلم (774) صلاة المسافرين وقصرها.
(8) صحيح البخاري (647) الأذان، صحيح مسلم (649) المساجد.
(9) صحيح البخاري (662) الأذان، صحيح مسلم (669) المساجد.
(10) سنن أبي داود (561) الصلاة، صحيح أبي داود للألباني ج1 ص 112 رقم (525).
(11) صحيح مسلم (656) المساجد.
(12) سنن الترمذي (1212) البيوع، صحيح سنن الترمذي للألباني ج2 ص 4 رقم (968).
(13) مع الطب في القرآن الكريم، لعبد الحميد دياب ص 108.
(14) سنن أبي داود (1522) الوتر، صحيح سنن أبي داود للألباني ج1 ص 284 رقم (1347).
ـــــــــــــــــــ
فن التفكير عند طلاب التربية الفنية
أجاب عليه ... أمين الدخيل
التاريخ ... 22/4/1427هـ
السؤال
كيف أغرس في طلابي فن التفكير، وخاصة إذا كنت معلم تربية فنية؟
الاجابة
إن التربية الفنية هي أم التفكير وهي منبع الإبداع .
هل رأيت مبدعاً من دون خيال ؟
هل شاهدت رساماً ماهراً يرسم بدون تفكير ؟
ولكن للأسف ... ضاعت هذه المواهب ووئدت ، وانحرف مسارها يوم أن صورت بغير صورتها ، ويوم أن استقيناها من غير أهلها .
يا أخي ...
أنظر إلى السماء ... وانظر إلى النجوم ... والجبال والسهول ... والبحار والرمال ، من صنعها ؟ ومن أتقنها ؟(115/2054)
بل ألم يأمر الله الناس بالتفكير فيما أبدعه وخلقه وصوره ؟
قال تعالى :{الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ طِبَاقاً مَّا تَرَى فِي خَلْقِ الرَّحْمَنِ مِن تَفَاوُتٍ فَارْجِعِ الْبَصَرَ هَلْ تَرَى مِن فُطُورٍ }الملك3 أي كما قال بعض أهل العلم الذي خلق سبع سموات متناسقة, بعضها فوق بعض, ما ترى في خلق الرحمن- أيها الناظر- من اختلاف ولا تباين, فأعد النظر إلى السماء: هل ترى فيها مِن شقوق أو صدوع؟
ويقول جل وعلا : أَفَلَا يَنظُرُونَ إِلَى الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ{17} وَإِلَى السَّمَاء كَيْفَ رُفِعَتْ{18} وَإِلَى الْجِبَالِ كَيْفَ نُصِبَتْ{19} وَإِلَى الْأَرْضِ كَيْفَ سُطِحَتْ{20} الغاشية .
هذه دعوة إلهية للتفكير والتأمل في بديع صنعه – سبحانه وتعالى - .
ثم نمى الله سبحانه وتعالى عند الناس الخيال ، فتجد أنه يصور لهم حال الجنة والنار وحال أصحابها وكمثال لها سورة الغاشية قال تعالى : (وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَّاعِمَةٌ{8} لِسَعْيِهَا رَاضِيَةٌ{9} فِي جَنَّةٍ عَالِيَةٍ{10} لَّا تَسْمَعُ فِيهَا لَاغِيَةً{11} فِيهَا عَيْنٌ جَارِيَةٌ{12} فِيهَا سُرُرٌ مَّرْفُوعَةٌ{13} وَأَكْوَابٌ مَّوْضُوعَةٌ{14} وَنَمَارِقُ مَصْفُوفَةٌ{15} وَزَرَابِيُّ مَبْثُوثَةٌ{16} ) .
واجعلنا ننتقل إلى السيرة النبوية العطرة على صاحبها أفضل الصلاة والسلام ألم يعلم أصحابه أمورا عن طريق الرسم خط خطا وشبهه بالصراط المستقيم .
ألم يربط عليه الصلاة والسلام أصحابه والناس من بعدهم بالخيال فتجده يذكر لهم الأمثال التي تنمي عندهم الخيال .
إن هذا الرسم ليس رسم من يدعون الفن العالمي مثل دفنشي وغيره بل رسم نبوي يتميز بالسهولة والعمق .وهكذا من يربي طلابه يجب أن يربي فيهم الأخلاق الجميلة والشمائل الكريمة ، ويحذرهم من أخلاق السوء وأهلها .
ثم لا تجعل مادتك مادة باردة خاوية على عروشها بل اجعل طلابك يقوموا بتحليل رسوماتهم ويتأملوا فيها ولماذا اختاروا اللون الفلاني أو الشكل الفلاني في رسمتهم . وأيضا التعليم التعاوني بين الطلاب فيشتركون في صنع مجسم ما أو رسمة معينة فيكونون منتج بيد جماعية وتفكير جماعي .
وننصحك بالالتحاق بالبرامج التدريبية التي تنمي مهارات التفكير والإبداع ثم تقوم بتطبيقها عبر مادتك على طلابك .
أخيرا وباختصار ..
إذا أردت الإبداع في فنك فابحث عنه بين جنبات القرآن والسنة ففيها من الشيء العظيم الذي لو علم عنه الغرب لعكفوا عليه مطالعة وتأملا
ـــــــــــــــــــ
أريد أن أغير تخصصي ولكن أخشى المغامرة
أجاب عليه ... د. محمد العتيق
التاريخ ... 18 / 4 /1427هـ
السؤال
أدرس في الجامعة، تخصص إدارة أعمال، اخترت هذا القسم لإعجاب الجميع به، وقولهم بأنه أفضل الأقسام المستقبلية دخلته، والآن لم أستطع الإكمال، أشعر بضيق(115/2055)
شديد حين أستيقظ من النوم أبكي ولا أريد الذهاب إلى الجامعة ؛ أمي تضايقت من أجلي، وقالت: لا تذهبي واختاري القسم الذي تريدينه وتستطيعين الإكمال فيه، أنا الآن محتارة، أفكر أن أدخل في الجامعة العربية المفتوحة تخصص حاسب، لكن أخاف المغامرة .
استشرت الكثير واستخرت، لكن لم ينشرح صدري بعد.. انصحوني.
الاجابة
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
وردني سؤالك وما وصفت من بعض الأعراض النفسية التي ترين أنها جاءت بعد دخولك الجامعة واختيارك لتخصص ( إدارة أعمال) بناء على نصيحة البعض من حولك .
فأولاً أسأل الله أن يوفقنا وإياك لكل خير، وأن ييسر لك سبل العلم والعمل بما يحقق لك أهدافك ويحفظ عليك دينك .
لكن من المهم هنا أن نتأكد من عدة أمور :
مثل : هل الأعراض التي تعانين منها الآن هي أعراض لمشكلة نفسية تحتاج معالجة أم أنها أعراض عابرة تزول خلال وقت قصير؟
وهل سبق أن أصبت بمثل تلك الأعراض ؟
وهل تلك الأعراض هي بسبب التخصص الذي اخترتي الدخول فيه؟ أم أنها بسبب الدراسة الجامعية بشكل عام ؟
أم أنها لأسباب أخرى لا علاقة لها بالدراسة الجامعية - مثل الجوانب الاجتماعية أو غيرها - ولكن يبدو لك الأمر على غير حقيقته ؟
ما نمط شخصيتك ؟
هل أنت من النوع الذي يعاني عند اتخاذ القرارات ويتردد فيها كثيراً؟
وهل تشعرين غالباً ببعض اللوم لنفسك أو لغيرك عند اتخاذ قرار في أي أمر كان ؟
وهل ترين أنك ممن يتأثر بآراء الآخرين، ويقتنع فيها بسهولة ؟
كيف هي جوانب حياتك الأخرى : هل أنت ناجحة في علاقاتك الشخصية ؟ في وظائفك المنزلية ؟ في تنمية مهاراتك وجوانبك الشخصية الأخرى ؟
كيف كانت دراستك الثانوية ؟ هل مرت فيها بعض المعاناة المشابهة لما يحصل معك الآن؟
إن إجابتي لك كي تكون مفيدة وعملية تحتاج إلى الإجابة عن تلك التساؤلات السابقة ولو بشكل عام.
ولكن على أية حال ، يمكنني أن ألخص الإجابة فيما يلي :
الأعراض النفسية
لم تذكري من الأعراض النفسية إلا ما يلي :
التضايق الشديد ، عدم القدرة أو الرغبة في الذهاب إلى الجامعة .
وهذه الأعراض أرى أنها أعراض عابرة لا تدل على أن هناك مشكلة نفسية، ولهذا فأرى أن تقدري الأمور بقدرها وتضعيها في حجمها الحقيقي، وأن تعدي أن تلك(115/2056)
أعراض عابرة تزول قريباً _إن شاء الله_ ولكن لا يعني هذا إهمالها أو تركها دون تدخل، وهذا ما سأقوله في النقطة التالية .
ما السبب ؟
إن السبب ليس بالضرورة أن يكون له ارتباط بالتخصص الذي اخترته، فربما كان متعلقاً بالدراسة الجامعية بشكل عام .
فإن الحياة الجامعية تعد مرحلة مختلفة تماماً عن المرحلة الثانوية ولها ظروفها وطريقتها، ولذا فهي تعد نقلة في حياة الطالب أو الطالبة وتحتاج إلى نوع من التغيير النفسي والاجتماعي حتى يتعود عليها ويتأقلم معها. وربما يصعب ذلك في بداية الأمر على بعض الناس فيعانون من بعض المشكلات النفسية كما عانيت أنتِ .
وهذه الخصوصية للمرحلة الجامعية ليست مرتبطة بالدراسة الجامعية نفسها فحسب ولكن بالنمو والتطور العقلي والذهني الذي يصل إليه الإنسان في تلك المرحلة العمرية، حيث تتحدد ملامح الشخصية أكثر ويتسع الأفق وتزيد مساحة الإدراك وما إلى ذلك .
وإذا كانت المشكلة متعلقة فعلاً بالتخصص الذي دخلته وأن التفسير لما حصل لك إنما هو نوع من الندم والتحسر على اختيار هذا التخصص دون غيره، وأنك لم تعودي راغبة في الاستمرار فيه ، فلا يعني هذا نهاية الدنيا ، بل هناك فرصة للتصحيح والبدء في التخصص الذي يناسبك والاستمرار فيه حتى تتخرجين بنجاح وتفوق _إن شاء الله_ .
ولكن قبل ذلك وقبل الشروع في البحث عن وسيلة لتغيير التخصص لابد لك أن تحددي بالضبط ماذا تريدين ؟ ما الاختيار الذي هو أنسب لك ؟
إن هذا أمر مهم جداً.. كيف يمكن أن تعرفي التخصص المناسب لك؟
لا أحد يعرف احتياجاتك وقدراتك وآمالك وطموحاتك مثل نفسك . ولهذا يجب أن يعود القرار في النهاية في اختيار التخصص لك أنت وليس لأحد آخر . نعم يمكن الاستفادة من الآخرين ومشاورتهم ولكن ليس الموافقة على كل ما يقولونه من دون تفكير .
لابد أن تعرفي أولا قدراتك الذهنية والعقلية، ويتبين ذلك من خلال تفوقك في بعض المواد دون بعض
في المراحل الدراسية السابقة، وهذا يعطيك فكرة عن مدى قدرتك على إنهاء التخصص بنجاح .
ثم تعرفي على إيجابية التخصص وسلبياته في عدة أمور، مثل :
مدة الدراسة – التكاليف المادية – المستقبل الوظيفي – إمكانية الدراسات العليا – وسيلة الوصول للكلية أو الجامعة – مدة الدوام اليومي – الراتب المتوقع للوظيفة بهذا التخصص وما إلى ذلك .
فبعد أن تجمعي المعلومات اللازمة وبعد أن تستشيري وتستخيري ، تصلين إلى قرار _إن شاء الله_ هو أقرب للصواب . ولا يعني هذا أن قرارك سيكون صواباً مئة في المئة، ولكنك حينها تكونين قد بذلت جهدك ويبقى التوفيق بيد الله _تعالى_ ، وعلى أية حال فأنت إن بذلت الجهد اللازم فلن تبتعدي كثيراً عن الاختيار الصائب وعليك(115/2057)
حينها أن تقبلي بقرارك وأن تتعايشي معه وتجنبي أن تعودي إلى التفكير في الموضوع مرة أخرى، فهذا يشغل ذهنك ويقعدك عن العمل ولا يؤدي إلى نتيجة، كما عليك أن لا تستمعي كثيراً لآراء الناس أو انتقاداتهم بعد أن تكوني قد حسمت أمرك طالما أنك بنيت قرارك على أرضية صلبة واقتنتعت فيه إلى حد كبير .
ربما يكون السبب الحقيق لما تمرين به من معاناة ليس متعلقاً لا بالتخصص ولا بالحياة الجامعية، وإنما هو لأسباب أخرى كالمشكلات الاجتماعية أو غيرها، وهنا لابد من الوصول إلى أصل المشكلة ومعالجتها، وهذا أمر يحتاج إلى معلومات إضافية لم ترد في سؤالك .
وفقنا الله وإياك لما يحب ويرضى .
ـــــــــــــــــــ
كيف أعالج الكذب عند أبنائي؟
أجاب عليه ... خالد رُوشه
التاريخ ... 15/4/1427هـ
السؤال
كيف أعالج مشكلة الكذب عند أبنائي؟
الاجابة
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على خير المرسلين وبعد:
إن مشكلة الكذب عند الأطفال هي مشكلة منتشرة على مستوى واسع، وهي ظاهرة يجب التعامل معها من قبل الآباء والأمهات بصورة جدّية ومسؤولية مباشرة وألا يتركوا أبناءهم عرضة لها ولمضارها وأخطارها الاجتماعية، والتي تعود على قائلها بالمضرة والخسران وخصوصاً إذا أصبحت جزءاً من سلوكهم وعادةً متأصلة في أقوالهم وأفعالهم، وقد يراها كثير من الآباء والأمهات صفة طبيعية ولا تنذر بخطر وهى رؤية خاطئة ولاشك, فإن الفتى ينشأ على ما تعود عليه ومن تعود الكذب لا يزال به الكذب حتى يدمنه مهما تقدم به العمر.. بل أستطيع أن أقول أن الكذابين في السن الكبيرة هم الذين تعودوا الكذب في الصغر ولم يجدوا موجها ولا معلما ولا مربيا يأخذ على أيديهم..
وقد نهانا الشرع المطهر عن الكذب وجعله من كبائر الذنوب والآثام لمن استدام عليه، وحذر النبي _صلى الله عليه وسلم_ من الكذب فعن عبد الله بن مسعود _ رضي الله عنه _ قال: قال رسول الله _صلى الله عليه وسلم_: "إن الكذب يهدي إلى الفجور وإن الفجور يهدي إلى النار، ولا يزال العبد يكذب ويتحرى الكذب حتى يكتب عند الله كذاباً" (متفق عليه), وجعل النبي _صلى الله عليه وسلم_ الكذب صفة من صفات المنافقين، فقال: "آية المنافق ثلاث: إذا حدث كذب وإذا وعد أخلف وإذا أؤتمن خان" (متفق عليه)، كما أمر القرآن الكريم بحفظ اللسان عن الخوض في الكذب والزور فقال سبحانه: "مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ" (قّ:18)، وقال سبحانه: "وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً" (الإسراء:36).
أسباب الكذب عند الأطفال:(115/2058)
حتى نستطيع علاج المشكلة يلزمنا معرفة أهم أسبابها المظنونة، وهي:
1- عدم وجود خلفية ذهنية إيجابية مؤثرة، بمعنى أن الطفل لم يتم توجيهه توجيها ذهنيا مناسبا تجاه مخاطر الكذب ومدى قبحه ومدى غضب الله _تعالى_ من الكذابين وأن المؤمن لا يكذب.. إلى غير ذلك، فهو يسهل عليه الكذب بسبب وبلا سبب إذ إنه لا يستشعر خطورته ولا ضرر ولا سوء فعله.
2- الخوف من الأذى أو العقوبة، فهو سبب مؤثر في اللجوء إلى الكذب حيث يهرب الطفل من العقوبة بالكذب.
3- الرغبة في تجميل الظاهر وهي رغبة تكون في داخل شخصية بعض الأبناء، وذلك بأن يحسنوا مظهرهم فيتجملوا بما ليس فيهم، وقد يحدث ذلك بادعاء القوة أو ادعاء الذكاء أو ادعاء امتلاك الأشياء، وهدفه في ذلك أن يبدوا مميزاً أمام المحيطين به ويتجمل في ناظريهم.
4- محاولة الحصول على الأشياء وامتلاكها، حيث لا يجد طريقا للوصول إلى ذلك الشيء إلا باختلاق الأكاذيب فيسهل عليه ذلك.
وللتغلب على تلك المشكلة فإن هناك إطاران للتربية: إطار نظري وآخر عملي تطبيقي ، فأما الأول وهو التوجيه النظري التربوي لتتكون لدى الطفل مرجعية ذهنية قوية ترده دائما عن الكذب مهما كانت الظروف وهي مكونة من التوجيهات والنصائح والقواعد الشرعية الإسلامية والأخلاقية الكريمة، وأما الثاني فهو ما يتعلق بالتطبيق الواقعي للمجتمع المحيط به ابتداء من الأسرة والمدرسة وهكذا..
وفيما يلي مجموعة النصائح الهامة في ذلك:
1- النصح المباشر: وهي الطريقة المستخدمة كثيرا من معظم الآباء والأمهات في توجيه الأبناء نحو ترك الكذب، وفيها ينصح الوالدان أبناءهما بفضيلة الصدق وقبح الكذب.
2- مقارنة الشخصيات: وأقصد بذلك أن الوالد يستطيع أن يعطي أمثلة متكررة لشخصيات كاذبة قد استخدمت الكذب لنيل مرادها ثم أحبطت أو فشلت أو أظهر الله كذبها ونقارن ذلك بأولئك الذين صدقوا فصدقهم الله.
3- الوقاية من الكذب خير من علاجه وهذا يتوقف على أسلوب التعامل مع الطفل فهو يمتص الصدق من المربي أو من المحيطين به فالالتزام بالأقوال والأفعال شرط مهم في التعامل مع الطفل لأن الولد إذا نشأ على الخداع وعدم المصارحة من الآخرين فأكبر الظن أن مثل هذا الجو سوف يؤثر سلبا في تكوين الصدق داخله.
4- يجب على الوالدين ألا يظهروا الريبة والشك في الأولاد وألا يجعلوا طريقة سؤالهم كالتحقيق، بل يجب عليهم جمع الحقائق للتأكد من أن الطفل قد قام بها وبفعل غير مرغوب فيه، فإذا ثبت ذلك فعلينا توضيح طريقة الصواب له في جو هادئ بعيد عن الغضب والتخويف.
5- يحسن تجنب التقريع اللفظي والتجريح بالألفاظ النابية أو الألقاب السيئة فإن ذلك يؤثر سلباً ويدفعه للّجوء إلى الكذب لكي يصنع لنفسه صورة يريدها ويرضاها الوالدان.(115/2059)
6- الابتعاد عن العقاب البدني (الضرب)؛ لأن ذلك يدفعه إلى الكذب بعامل الخوف لكي ينقذ نفسه.
وعموماً إذا نشأ الطفل في بيئة تحترم الصدق ويفي أفرادها دائماً بوعودهم وإذا كان الأبوان والمدرسون لا يتجنبون بعض المواقف بأعذار واهية كعادة التغيب والمرض، وبعبارة أخرى إذا نشأ الطفل في بيئة شعارها الصدق قولاً وعملاً فمن الطبيعي أن ينشأ أميناً في كل أقواله وأفعاله. وهذا إذا توافرت له أيضاً عوامل تحقيق حاجاته النفسية الطبيعية من اطمئنان وحرية وتقدير وعطف وشعور بالنجاح واسترشاد بتوجيه معقول.
أريد الثبات على استقامتي
أجاب عليه ... خالد الفليج
التاريخ ... 11/4/1427هـ
السؤال
أريد حلولاً لمن تعيش في وسط غير مستقيم، وهي مستقيمة، كيف تثبت؟
الاجابة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه وبعد:
نسأل الله العظيم لكِ الثبات على دينه وأن يصلح من حولك من أهلك وأن يجمعكم على طاعة الله _عز وجل_، فإن الهداية والاستقامة على دين الله من أعظم النعم التي أنعم الله بها على عبده، قال _تعالى_: "وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقاً" (النساء:69)، وقال _تعالى_: "صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ" (الفاتحة: من الآية7).
روى الإمام أحمد والحاكم عن ابن مسعود _رضي الله عنه_ مرفوعاً وموقوفاً، والصحيح الموقوف. أنه قال: "إن الله يُعطي الدنيا من يحب ومن لا يحب ولا يعطي الدين إلا من أحب".
وقال الإمام أحمد: حاجة الناس إلى الإيمان أشد من حاجتهم إلى الطعام والشراب. وقاله شيخ الإسلام ابن تيمية.
إذا علمتِ ذلك فاحمدي الله على هذه النعمة العظيمة التي تتقلبين فيها واسألي الله الثبات على ذلك مع فعل أسباب الثبات خاصة من يعيش في محيط غير مستقيم وملتزم بطاعة الله، فإنه يواجه صعوبات وأخطار يحتاج إلى مجاهدتها ومدافعتها وسأذكر لكِ _إن شاء الله_ بعض أسباب الثبات:
أولاً: الدعاء والإلحاح على الله _عز وجل_ بالثبات فأفضل الخلق _صلى الله عليه وسلم_ كان يكثر من قوله: "يا مقلب القلوب ثبّت قلبي على دينك" رواه الإمام أحمد من طريق شهر بن حوشب عن أم سلمة قالت: كان يكثر في دعائه اللهم يا مقلب.... الحديث. وأمر النبي _صلى الله عليه وسلم_ علياً بن أبي طالب أن يسأل الله الهدى والسداد كما رواه مسلم عن علي _رضي الله عنه_.
فاسألي الله _عز وجل_ الثبات وأكثري من ذلك.(115/2060)
ثانياً: الإكثار من الأعمال الصالحة فإن فعل الطاعات من أعظم أسباب الثبات على الطاعة قال عروة بن الزبير: الحسنة تقول: أختي أختي، والسيئة تقول: أختي أختي. وقال النووي: من علامات قبول العمل الحسنة بعدها أي الحسنة بعد الحسنة. ومن لم ينشغل بالطاعة أشغلته نفسه بالمعصية.
ثالثاً: الانشغال بطلب العلم الشرعي فكلما ازداد العبد علماً ازداد ثباتاً على دين الله _عز وجل_. قال _تعالى_: "إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ" (فاطر: من الآية28).
وكلما كان العبد بالله أعرف كان له أقرب.
رابعاً: الانشغال بالدعوة إلى الله فهي وظيفة الأنبياء والمرسلين فعليكِ بدعوة أهل بيتك وأمرهم بالمعروف ونهيهم عن المنكر وتعليمهم بالكتيبات والأشرطة النافعة فإن النفس إذا لم تَدْعُ دُعيت والدعوة إلى الله تقوي الإيمان في القلب.
خامساً: تذكري مآل الخلق بعد هذه الحياة كالموت وحياة القبور وما يكون في الآخرة من أهوال ثم مآل الناس إلى الجنة والنار فإن العبد إذا استشعر أنه سيموت ثم يُسأل في قبره ويحاسب يوم القيامة عن أعماله وأقواله جعلت العبد يُحاسب نفسه ويسابق الخيرات التي هي سبب في دخول الجنة.
سادساً: معرفة حقيقة الدنيا فإن الدنيا فانية حقيرة قلل الله قدرها وحقر شأنها فروى الترمذي عن سهل بن سعد الساعدي أن رسول الله _صلى الله عليه وسلم_ قال: "لو كانت الدنيا عند الله تعدل جناح بعوضة ما سقى الكافر منها شربة ماء" وفي إسناده عبد الحميد بن سليمان الخزاعي وفيه ضعف وتابعه زكريا بن منظور. ورواه مسلم في صحيحه عن مستورد بن شداد أن الرسول _صلى الله عليه وسلم_ قال: " ما الدنيا في الآخرة إلا كرجل أدخل إصبعه في اليم فلينظر بما يرجع".
وأيضاً ما رواه مسلم عن جابر بن عبد الله: أن الرسول صلى الله عليه وسلم مر على ميتة فقال: "فوالله للدنيا أهون على الله من هذا عليكم".
فإذا عرفتِ أن الدنيا زائفة وزائلة وأن الآخرة باقية حتماً سنؤْثِر الباقي على الفاني.
سابعاً: الصحبة الصالحة من الأخوات والقريبات الصالحات فقد أمر الله _عز وجل_ نبيه _صلى الله عليه وسلم_ أن يصبر نفسه مع الصحبة الصالحة، قال _تعالى_: "وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ..." الآية (الكهف: من الآية28).
وشبه الرسول _صلى الله عليه وسلم_ الجليس الصالح بحامل المسك وكذلك الصاحبة الصالحة هي كحاملة المسك، وحيث إنه يُذكركِ إذا نسيتِ ويعلمكِ إذا جهلتِ ويعينكِ إذا ذكرتِ.
وأسباب الثبات أكثر مما ذكرنا، والعبد إذا رأى ما يُعينه على طاعة الله فعله وحافظ عليه، وختاماً نسأل الله لنا ولكِ الثبات على دينه حتى نلقاه.
ـــــــــــــــــــ
أريد أن أكون متحدثاً واثقاً
أجاب عليه ... أمين الدخيل
التاريخ ... 8/4/1427هـ(115/2061)
السؤال
عمري 21سنة، وأعاني من مشكلة عدم الثقة بالنفس، ولا أستطيع أن أتحدث مع أحد بشكل جدي، فما الحل؟
الاجابة
بالعكس فما قدرتك على الكتابة إلا عنوان على قدرتك على الحديث، وهذه الحالة تجد أنها تتكرر مع أقرانك، وأكثر المشكلات التي يتساءل عنها المتحدث هي:
- هل سيستمع لي الحاضرون؟
- ما هي ردود أفعالهم لما سأقوله؟
- كيف سأتحدث؟
- ما الفن الذي يجب أن أتحدث فيه، والفن الذي يجب ألا أتحدث فيه؟
- أخشى أن أتحدث وأنسى ما سأقوله لهم؟
- هل سيفهمونني؟
والحقيقة أن مشكلة عدم الثقة بالنفس ليست وليدة اللحظة، ولكنها نتيجة لتراكمات سابقة، والسبب فيها في الغالب إما الأسرة أو المجتمع أو المدرسة، والتي لها تأثيرات سلبية منها:
1- الإحباط: فعند تقريع الوالدين أو المعلم أو سخرية زملاء الدراسة وتصوير الشخص بأنه لا يعرف كيف يتحدث أو أنه يمنع من الحديث في المجالس فيتلبس الشاب أو الفتاة وهم عدم القدرة على الحديث مثلما يتحدث الناس مما يسبب له إحباطا داخليا يستمر مع الشاب أو الفتاة لسنوات إن لم تكن طوال حياته.
2- الإحساس بالفشل: وهذا الإحساس تطور للإحباط المتكرر فيشعر بأنه فاشل ولا يستطيع الحوار مع الآخرين سواء في المنزل أو المدرسة أو السوق أو المسجد وتتراكم عليه حتى تصل إلى قناعة داخلية بأنه فاشل ويكون الفشل لباساً له.
3- الانطواء والانعزال: وهذا نتيجة الإحساس بالفشل فيختار الهروب كحل سريع لهذه المشكلة التي يشعر بقهرها له.
هذه الحواجز ماهي إلا عقبات يجب أن تتخطاها بأي صورة كانت، وإذا سألت كيف أتخطاها؟ فستكون الإجابة باتباع هذه الخطوات:
1- استعن بالله _جل وعلا_ في جميع أمورك، فالله هو المستعان وعليه التكلان _سبحانه وتعالى_ فأكثر من دعائه وتذكر أنك خرجت لهذه الدنيا لا تستطيع الكلام فمن الذي أنطقك؟
2- ذكر نفسك دائماً بأن الخوف الذي ينتابك أثناء الحديث هو خوف طفولي، وأنك أصبحت رجلاً فلا مكان للخوف الطفولي.
3- تذكر الأشياء الجميلة في صغرك واترك الأشياء التي تذكرك بالخوف والإحباط، ولا تكثر من لوم الوالدين فهم اجتهدوا في تربيتك بالوسائل التي يتوقعون أنها أفضل الوسائل في زمانهم.
4- المسوفون جبناء، فلا تكن مسوفاً، والشجاع من يبدأ حديثه في اللحظة التي يرى أنها مناسبة.
5- لا تتكلف في الحديث مع الآخرين بل كن بسيطاً في حديثك، عميقاً في طرحك.(115/2062)
6- أكثر من المطالعة والقراءة قدر الإمكان، واجعل جزءاً من قراءتك بصوت مسموع حتى تتعود على الحديث، فإن كثرة المطالعة والقراءة تعطيك قوة وتوازنا أثناء طرحك، وخاصة قراءة القرآن الكريم وتفسيره، وقراءة سيرة الرسول _صلى الله عليه وسلم_ وأحاديثه الشريفة ففيها من البركة ما يغني عن سواها.
7- جالس من يثرونك بالمعلومات، وفر عن من يثرثرون عليك بالكلام.
8- اكسب مودة الناس فهي طريقة مناسبة لمحبتك مما يجعلهم يهتمون بحديثك.
9- اختر من الحديث أطيبه وابتعد عن الكلام الجارح الممجوج من الآخرين.
10- استحضر دائماً فن الإنصات، فهو قوة في شخصية الإنسان ومهابة له ويعطي حديثك قوة وقبولاً، فالحديث كثير من يجيده أما الإنصات فقليل من يتقنه.
11- اشترك في البرامج التدريبية التي تنمي مهارات الإلقاء ومهارات الإنصات إذا رأيت حاجة لها.
12- احذر من الشعور بالنقص، فهذا من مداخل الشيطان فالمؤمن قوي بربه متوكل عليه.
13- أعظم أسباب فقد الثقة بالنفس عند الحديث مع الآخرين هو الاهتمام بالذات أثناء الحديث، إن هدفك ليس إظهار ذاتك للآخرين، ولكن الهدف هو التواصل معهم والتواصل يكون بنقل الأفكار من عقلك إلى عقول الآخرين، فلذلك اهتم بالمادة المنقولة وليس بذاتك أو شخصيتك.
14- إن فقد التواصل بالعين مع المستمع يعني بداية فقدان التحكم في الحديث، والمتحدث الواثق من يستطيع أن يعيد سيطرته على تواصله مع المستمع فمثلاً من المؤشرات السلبية وبداية الارتباك أثناء الحديث النظر إلى الساعة أو كثرة تغيير الجلسة بشكل مرتبك أو ارتعاش الجسم أو اليدين أو التهرب بتقليب كتاب أو جسم جامد قريب، أو سرعة الغضب، فما عليك إلا أن تبدي عدم اهتمامك بالمثيرات السلبية التي تصدر أثناء حديثك.
15- أثناء وجود مؤثرات خارجية أثناء حديثك تشعر أنها ستفقدك الثقة في نفسك عليك دائماً أن تكسب الموقف وأن تطوع هذه المثيرات لصالحك، فمثلاً إذا كنت تتحدث وجاء من يقطع عليك الكلام مما ستشعر بسببه بارتباك، فما عليك إلا قطع كلامك والنظر إليه نظرت الواثق ثم الطلب برفق بإكمال حديثك.
16- استخدم لغة الجسد بشكل مناسب أثناء نقاشك مع الآخرين، فهي نصف الحديث لمن يتقنها، واحذر من الحركة الزائدة أو المشوشات كتحريك المفاتيح التي في جيبك أو سحب الكم بشكل متكرر أو كثرت تحريك قدميك أو يديك أو فسخ النظارة ولبسها.
17- هيئ نفسك دائماً للحديث ولا تعطي الموضوع أكبر من حجمه، ولكل حال ما يناسبه فالأحاديث مع الأصدقاء دائما تتميز بالود والسهولة وأحاديث المدرسة تختلف وأحاديث الملتقيات والمؤتمرات تتميز بالرسمية والدقة، فاحذر من أن تعيش دائماً وكأنك في مؤتمر.
18- انتبه لطبقة صوتك، فقد تكون سبباً في صرف المستمع عنك فقد تكون طبقت صوتك: 1- مرتفعة للغاية: فأنت تصيح، وستجعل المستمع يخاف الحديث معك.(115/2063)
2- منخفض للغاية: وهذا سيجعل المستمع يبذل جهداً وطاقة لسماعك مما يشكل عبئاً ثقيلاً عليك، وسيبدأ في فقد اهتمامه بك.
3- حاد للغاية: وغالباً ما تكون مع الغضب، وهذه لا تفيد الطرفين المتحدث والمستمع ولا تأتي بنتائج إيجابية.
19- قيم مستمعيك، إذا كانوا يتهامسون أو ينظرون لما حولهم أو يقلبون أوراقاً أو ينظرون إلى الساعة فاعلم أنك يجب أن تختصر حديثك، وإذا كانوا يبتسمون لك أو يشاركونك في الحديث أو يجلسون بصورة هادئة أو يتواصلون معك بلغة العين فاعلم أنهم مستمتعون بحديثك فلا بأس من المواصلة.
20- لا تكن عدواً لنفسك، فالجاهل عدو نفسك ولا تحطم نفسك بعبارة (لا أستطيع) فصدقني أنك تستطيع، ولكن لن نقول لك: (جرِّب) بل نقول لك: (ابدأ)، وستجد النتيجة بعد زمن قصير.
ختاماً:
إن ثقتك بنفسك ستعطيك راحة نفسية، فتشعر أنك تستطيع أن تعمل ما تريد وتقول ما تريد وتقدر نفسك حق التقدير، وأن الله _جل وعلا_ وهبك هبات تستطيع أن تحقق بها العبودية الحقيقية لله.
وإن لك في موسى _عليه السلام_ قدوة حسنة، حيث إنه كان يجد صعوبة في الحديث، فهل توقف... لا.
بل طلب من الله العون والسداد في القول وقارع فرعون الطاغية بالحجة والبرهان، وكان مثالاً للمتحدث المتمكن، وأصبح حواره مع فرعون باقيا إلى يوم القيامة.
وهل لك في حوار ربعي بن عامر الواثق بالله _جل وعلا_ عندما سأله رستم، فقال له: ما الذي جاء بكم؟ فقال ربعي بكل ثقة: 'الله ابتعثنا لنخرج الناس من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد، ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام، ومن ضيق الدنيا إلى سعة الدنيا والآخرة'.
هكذا المتميزون... لا يقفون عند المشاكل، بل يضعون حلولها وينفذونها
ـــــــــــــــــــ
هل أشرك الطالب الصغير مع الكبار في حلقة واحدة؟
أجاب عليه ... فهد السيف
التاريخ ... 4/4/1427هـ
السؤال
لدي طالب في المرحلة الأولى متوسط، وبقية الطلاب في الثانوية، تجمعهم حلقة واحدة، فهل في ذلك محاذير؟ وهل يتعين نقله إلى حلقة أخرى؟
الاجابة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
قبل الإجابة على السؤال أحب أن أنبه كل من يتولى التربية في صفوف الشباب، بل كل من يتولى التربية إلى أنه ينبغي أن يكون ضمن اهتماماته التعرف على الخصائص العمرية لكل مرحلة يستهدفها، وهي مبثوثة في كتب التربية، حيث إن لكل سنٍّ خصائص بالتعرف عليها يسهل التعامل مع المتربين.(115/2064)
وأعتقد أن إشراك الطالب الصغير مع الكبار –لا سيما في مرحلة المراهقة- كما في سؤال السائل- غير مناسب، ولا يُصار إليه إلا عند الضرورة، وبعدة محاذير، وذلك لأسباب يرجع بعضها إلى طبيعة تعاملك مع الفئتين –صغاراً وكباراً- كما سبق في اختلاف الخصائص وبعضها يرجع إلى تعاملهم مع بعضهم، ونذكر بعض هذه الأمور:
1- يحصل من هذا الدمج تخلق بعضهم بأخلاق بعض في أمور غير مرضية، وداخل في هذا الأمر ما يحصل من العلاقات غير الحميدة بينهم.
2- أيضاً ربما كان هناك شكوك خارجية في أعمال الحلقة ونشاطها وشبهات قد يكون لبعضها أساس من الصحة -أحياناً- ولا ينبغي لنا أن نضع أنفسنا مواضع الريب.
3- وجود طالب في الصف الأول متوسط وهو سن في بداية المراهقة تقريبا، -13عاما- مع آخرين في اشتداد المراهقة، -المرحلة الثانوية- يحتم عليك المتابعة الدقيقة للعلاقة بينهم، مما يأخذ من جهدك التربوي ما كان الأولى أن يصرف في اجتلاب الأمور الإيجابية بدلا من مدافعة الأمور السلبية.
4- اجتماع الصغار والكبار في برنامج واحد يؤثر في بعضهم نفسيا وتربويا من الفئتين، فالكبير يرى في دمجه مع الصغير تقليلاً وتحقيراً من شأنه، وقد يقع في نفس الصغير شيء من الغرور لدى احتكاكه بالكبار.
5- كما أن البرامج التي تستهدف إحدى الفئتين لا تناسب الأخرى –غالباً-، وكذلك فإن المربي حين يوجه خطابه لإحداهما لا يناسب ذلك الفئة الأخرى، وحين يجد نفسه مضطرا إلى مراعاة الفريقين سيكون خطابه مهلهلا ضعيفا، وفي ذلك ظلم للكبار والصغار، وسبق بيان شيء من ذلك في المقدمة عن الخصائص العمرية.
6- ومن الأسباب الداعية للتفريق بين ذوي الأعمار المتفاوتة، إيجاد حالة من اليأس في نفس الصغير الذي لا يستطيع مباراة الكبار في قدرتهم، ولو استطاع ذلك لأحدث في نفسه التكبر -كما سبق- وفي تسامحك مع الصغار وتساهلك معهم ستضعف همة الكبار الذين يطالبونك بالعدل.
وهكذا فهناك أسباب مهمة تدعو إلى تقسيم المجموعات حسب الفئات العمرية، وعدم دمج ذوي الأعمار المتفاوتة.
وعليه فإننا ننصحك بنقل تلميذك إلى حلقة أخرى تناسبه، وإن كان الأمر قد يشق عليكما فتذكر أن التربية أهم وأولى، وهذا الأمر سيحمده لك حينما يندمج مع مجموعته الجديدة، وحين يبلغ من العمر سنا يؤهله لمعرفة أبعاد النقل، بعكس استمراره معك، سيجعله يلقي باللائمة لتأخره العلمي والثقافي والدعوي والتربوي والإيماني عليك، في حين أنك أردت الإحسان إليه وغلبتك عاطفتك.
نسأل الله أن يوفقنا وإياك للسداد.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
ـــــــــــــــــــ
كيف أتعامل مع أخي الذي لا يتحمل المسؤولية؟
أجاب عليه ... إبراهيم الأزرق
التاريخ ... 1/ 4/ 1427هـ(115/2065)
السؤال
سؤالي حفظكم الله: إن لي أخاً يبلغ من العمر 16 سنة، وأعلم أن هذا سن المراهقة، لكني أواجه مشكلة وصعوبة في التعامل معه، بحيث إنه لا يتحمل المسؤولية، ولا يهتم بالصلوات، ولا يعطيني أي اهتمام، سوى أنه يريد مالاً فقط، وأنا أعلم علماً يقيناً أن أسلوب الشدة لا ينفع معه، فما الحل تجاهه؟ مع العلم أنه يذهب مع أخي الكبير _هدانا الله وإياه_ لأماكن الشباب العامة، حيث الرقص وسماع الأغاني. أفيدونا مأجورين؟
الاجابة
من خصائص مرحلة المراهقة النزعة للتمرد على السلطة، والميل إلى الاستقلالية. والمراهق قد يفسر أي نصح يقدم له على أنه وصاية، لذلك قد يحرص على تجنب كل ما أمر به ليثبت ذاته، خصوصاً إذا كان النصح بأسلوب فيه شيء من الحدة. كما أن التحدي والازدراء يدفعان المراهق دفعاً إلى العناد بخلاف إشعاره بالمسؤولية، فإن هذا ما يريده.
وبالنسبة لهذا المراهق، فأنصح السائل بأمور – أسأل الله أن ينفع بها-:
أولاً: يجب أن يحرص الأخ السائل على التودد لأخيه ومعاملته كصديق، وإشعاره بأنه كبير وأنه محل تقديره وحبه.
ثانياً: الحرص على الثناء على ما فيه من خصال حميدة.
ثالثاً: مناقشته، وتوجيهه بشكل غير مباشر لئلا يحس بأنه مجبر على فعل ما ينبه له.
رابعاً: يمكن إعطاؤه كتباً مختصرة تبين أهمية الصلاة، والطلب منه أن يقرأها ويبين رأيه فيها، ويمكن أن يتعرف السائل من خلال ذلك على أسباب تركه للصلاة ويحاول التغلب عليها.
خامساً: اصطحابه لرحلات أو نحوها، ومجاراته في بعض اهتماماته، لتكون بديلاً للأماكن التي يرتادها.
وجماع الأمر أن تعامله كشخص مسؤول أهل للتصرف والاعتماد، والتوجيه مع استمرار الترغيب والترهيب ولكن وفقاً للأسلوب الذي لا يشعره بالوصاية أو النظرة الدونية.
وقبل كل شيء، الدعاء فهو أهم الوسائل المعينة على استقامته.
نسأل الله له الهداية ولكم التوفيق.
ـــــــــــــــــــ
طالبة تفكر في إقامة علاقات مع الشباب.. ما الحل؟
أجاب عليه ... سلام الشرابي
التاريخ ... 27/3/1427هـ
السؤال
أريد حلا لطالبة.. محور تفكيرها عن إقامة علاقات مع الشباب!!
الاجابة
الحمد لله وحده والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد:(115/2066)
بداية أشكر لك حرصك واهتمامك بالطالبة التي وجهتِ سؤالك حولها، وعلى ما يبدو لي أنك تعملين كمدرسة أو إخصائية اجتماعية، وأياً كانت صلتك بهذه الطالبة فأنت بحاجة أولاً إلى معرفة الخصائص التي تتسم بها المرحلة العمرية التي تعيشها صاحبة المشكلة، ورغم أنك لم تذكري عمرها إلا أن المشكلة الواقعة فيها تدل على أنها في سن المراهقة؛ هذا السن الذي يتغير فيه سلوك الفتيات بشكل مفاجئ عندما يصلن إليه _أي إلى سن البلوغ_، وهناك سلوكيات كثيرة خاطئة تقوم بها الفتيات في هذه المرحلة منها ما ذكرته حول تفكير هذه الفتاة في إقامة علاقات مع الشباب، وقبل أن نلقي باللوم عليها، يجب علينا أولاً أن ندرس حالتها؛ البيت الذي تعيش فيه، علاقاتها مع والديها والناس المحيطين بها؛ لأن أول خطوة نحو إيجاد الحل هو معرفة الأسباب المؤدية للمشكلة.
- للأسف فإن كثيراً من الأسر فقدت الترابط بين أفرادها، فالأب مشغول في عمله وقد تكون الأم كذلك أو في زياراتها أو على التلفاز.. وقد تكون علاقة الأبناء مع الخادمات أفضل من علاقتهم مع الآباء.. مثل هذه العلاقات لا بد أن تفرز أبناء يعانون من مشاكل نفسية، وبالتالي يلجؤون إلى سلوكيات خاطئة لتعويض التهميش واللامبالاة التي يعانون منها في أسرهم الصغيرة.
- كذلك المعاملة السيئة في البيت أو القسوة من أحد الوالدين قد تكون أحد الأسباب التي تجعل الفتاة تهرب من واقعها الذي تعيشه إلى واقع آخر تصنعه وتحلم بأن يكون أجمل.
- ضعف الوازع الديني مما يجعل الفتاة لا تخاف العقاب ولا تفكر به فلا تجد لها رادعاً.
- متابعة الفضائيات وما تفرزه من أفكار مستوردة غريبة عن مجتمعاتنا، تشجع على بناء مثل هذه العلاقات الخاطئة مع الشباب.
- إهمال الأهل وعدم مراقبتهم لبناتهم.
- الفراغ العاطفي الذي تعاني منه كثير من الفتيات نتيجة بُعد الأهل عن الفتاة وعدم تقدير مشاعرها والتقرب منها وفهمها وفهم المرحلة التي تمر بها.
- الفراغ والملل الذي تعيشه كثير من الفتيات وتركهن دون برنامج يومي منظم مما يدفعها لتملأ وقتها بما قد يضرها، وكما هو معروف أن الوقت إن لم تملؤه بما هو مفيد لأبنائنا سيستخدمونه بشكل يضرهم..
- الضغوط الاجتماعية التي تفرض الكثير من القيود حول تعبير الأنثى عن مشاعرها سواء كان التعبير إيجابياً أم سلبياً، مما يضطرها إلى التحول من التعبير العلني الصريح إلى التعبير الخاطئ والذي قد يقودها إلى التفكير بإقامة علاقات مع الشباب.
- وقد أكدت إحدى الدراسات أن مرتكبي سلوك المعاكسات وإقامة العلاقات يشعرون بالرفض وعدم التقبل من الآخرين وهذا الإحساس قد يدفعهم إلى فرض أنفسهم على الآخرين مع رفضهم لذواتهم وعدم رضاهم عن أنفسهم أو تقبلهم لها.
هل بإمكانك تقديم المساعدة لها؟
نعم - بإذن الله – ولكن:(115/2067)
أولاً: من المهم أن تدرسي حالة الفتاة الاجتماعية والنفسية والظروف المحيطة بها لتتعرفي إلى الأسباب التي دفعتها إلى هذه السلوكيات، ومن ثم البدء في إيجاد الحل المناسب كالتواصل مع الأهل ولفت نظرهم إلى أهمية الاهتمام بابنتهم والتقرب إليها والاهتمام بمشاعرها – طبعاً مع التكتم على المشكلة لأننا لا نستطيع أن نخمن ردة فعل الأهل إن عرفوا سلوكيات ابنتهم أو تفكيرها فقد يزيدوا الأمر سوءاً.
ثانياً: التقرب من الفتاة نفسها قدر الإمكان ومحاولة كسب ثقتها مع الأخذ بالاعتبار أن التعامل مع هذا السن صعب جداً ويحتاج إلى كثير من الخبرة، وينصح الخبراء هنا ألا يفرط الأهل أو المدرسون في توجيه النصائح لبناتهم المراهقات؛ لأنهن غالباً ما يرين أن كل ما يقوله الآباء خاطئاً وغير مقنع، كذلك الابتعاد عن الانفعالات والتوجيهات الغاضبة والتي لا تفلح في تعديل السلوك.
ثالثاً: من المهم بناء علاقة ثقة بينك وبينها، وإن استعصى الأمر، عليك بالبحث عن التي يمكن أن تقوم بهذا الدور.. لمتابعة هذه الفتاة والتقرب إليها والتعرف إلى صديقاتها وهواياتها وارتباطاتها وغرس المعاني الجيدة فيها.
رابعاً: إنشاء حوار مفتوح معها.. وصفة سحرية في التعامل مع المراهق (الحوار) تبادلي معها موضوعات متعددة.. وادخلي في عوالمها دون سؤال مباشر منك.. دعي الحوار يسير بتلقائية.
ومن المهم جداً الحديث مع الأبناء والفتيات في هذا السن، وهو مفتاح إصلاح العلاقة بين المراهقة ووالديها، وكذلك هو الوسيلة الناجحة للتقرب إلى الفتاة المراهقة، ومعرفة ما في داخلها وتقويم سلوكياتها بشكل غير مباشر.
ويجب أن نعرف أن المراهق يعيش صراعات متعددة منها صراع بين غرائزه الداخلية وبين التقاليد الاجتماعية.. وهنا في قرارة نفسه يستطيع التمييز بين الصواب والخطأ ولكنه يحتاج إلى من يهتم به، يحاوره ويضعه أمام الطريق الصحيح، وعلى الرغم من تمرد المراهقين على أي سلطة تواجههم، فإنهم حقيقة في أشد الحاجة إلى هذه السلطة، رغم زعمهم بعدم حاجتهم لها، على أن تكون قائمة على الحماية والاحتواء والحزم.. هكذا يجب أن تتسم علاقاتنا بالمراهقين.
خامساً: من المهم أن تضعي رصيداً وافراً من الحب والتفاهم حتى تتقبل هذه الفتاة منك النصح والإرشاد.
سادساً: معرفة هوايات هذه الفتاة ومحاولة تنميتها ومساعدتها لملء فراغها بالشكل الذي يعود عليها بالفائدة وصرفها عن التفكير السلبي.
سابعاً: توفير المجلات لها، تلك التي تراعي الخصائص العمرية والنفسية لهذه المرحلة والمقدمة وفق رؤية شرعية صحيحة وهي متوفرة هنا في السعودية.
ثامناً: تربية وتعميق السلوك الإسلامي السوي في نفس الفتاة.
تاسعاً: التحدث إلى الفتاة حول السلبيات التي تصل إليها كل فتاة تحاول بناء علاقة مع شاب.
وإفهام الفتاة بشكل غير مباشر - عن طريق سرد قصص واقعية - الهدف الذي يجعل الشاب يُقدم على إقامة علاقة مع فتاة كالتباهي أمام زملائه بذلك والذي يجعله يُسمع(115/2068)
صوتها لهم أثناء مهاتفتها له أو يريهم الرسائل التي ترسلها له ليسخروا من كلماتها وعواطفها وما إلى ذلك من القصص الواقعية التي تزخر بها مجتمعاتنا.
وكذلك التركيز على أن الشاب لا يرتبط بمن يقيم علاقة معها؛ لأنه ينظر إليها على أنها لا تستحق ذلك، وأنها كما وافقت على إقامة علاقة به، قد تكون فعلت ذلك مع غيره، وبالتالي لا يمكن أن يختارها أماً لأولاده، وزوجة يفتخر بها أمام أهله..
طبعاً لا تتوقعي أن يكون الإقناع سهلاً ذلك أن التطور الفكري عند المراهق يجعل أفكاره غير منظمة، ولديه ميل كبير إلى المجادلة ويحتاج ألف حجة لإقناعه؛ لذا يجب تفهم طبيعة هذه المرحلة وكسب ثقة هذا المراهق أو المراهقة ومن ثم الحوار فالحوار.. فالحوار.
آمل أن يكون ما ذكرته معيناً لك على مساعدة هذه الفتاة في الخروج من مشكلتها مع شكرنا الجزيل لاهتمامك بفتاة إن تمت العناية بها وتوجيهها نحو الطريق القويم ستغدو أماً ومربية لجيل صالح _بإذن الله_.
ـــــــــــــــــــ
كيف أتخلص من كثرة الضحك؟
أجاب عليه ... جمّاز الجمّاز
التاريخ ... 24/ 3/1427هـ
السؤال
انا كثير الضحك، ولهذا السبب أصبحت أقع في حرج مع الناس، ماالحل؟
الاجابة
الحمد لله رب العالمين، وبعد:
فالابتسامة محمودة، ورغّب فيها الرسول _صلى الله عليه وسلم_ فيما صحّ عنه بقوله: "تبسُّمك في وجه أخيك لك صدقة"(1)، وهي جالبة للمحبة في قلوب الناس، ومُظْهرة للتواضع وعدم الترفع، بخلاف الضحك الذي يصاحبه قهقهة، فإنه متى كان كثيراً وغالباً على حياة الإنسان، فإنه مذموم.
واللائق بمن ابتلِيَ بكثرة الضحك المذموم:
أن يعلم أن الإكثار منه سبب في موت القلب وتغيّر حاله، فقد صحّ عنه _صلى الله عليه وسلم_ أنه أوصى بعض أصحابه، فقال: "لا تكثروا الضحك، فإن كثرة الضحك تميت القلب"(2)، وأن يعلم أن الإكثار منه مُذهب للهيبة ومخالف للمروءة.
وأقترح عليك:
1- أن تكثر من الدعاء بأن يُيسّر الله أمرك ويجنبك الضحك المذموم.
2- أن تُعوّد نفسك على الجدّية، وتشتغل بالأمور التي تبعث في نفسك الجد.
3- أن تتجنب مجالس الضحك، وتستبدلها بمجالس أفضل منها، وإن كان لا بدّ منها، فعليك بتقليل المدة التي تمكثها عندهم.
4- أن تترك صحبة من عُرف بهذه الصفة، وتستبدلها بشخصيات أخرى جادة.
5- أن تستحضر عند الاستمرار في الضحك المصحوب بالقهقهة أنك واقع في أمرٍ نهى عنه النبي _صلى الله عليه وسلم_.(115/2069)
6- أن تستحضر عند الاستمرار في الضحك المصحوب بالقهقهة العواقب المستقبلية من ذهابٍ للحياء، واستخفافٍ بالمجالس وإهمالٍ لآدابها، وعدم احترامٍ لمن يحضرها.
وليس معنى ذلك، عدم الضحك، لا، بل إن الضحك ولو صحبه قهقهة من الأمور الجائزة التي تعرض للناس في أقوالهم وأحاديثهم ومذاكراتهم في أمور دنياهم وقد صحّ أن الصحابة _رضي الله عنهم_ كانوا إذا جلسوا في المسجد بعد صلاة الفجر، وطلعت الشمس، "تحدثوا فيأخذون في أمر الجاهلية فيضحكون ويبتسم _صلى الله عليه وسلم_"(3).
وينبغي للإنسان بين الحين والآخر أن يتعاهد نفسه بتربيتها وتزكيتها.
أسأل الله لك التوفيق والسداد، وصلى الله وسلم على نبينا محمد بن عبد الله وعلى آله وصحبه أجمعين.
_______________
(1) سنن الترمذي رقم (1956) البر والصلة، صحيح الترمذي، للألباني ج2 ص 185 رقم (1594).
(2) سنن ابن ماجه رقم (4193)، الصحيحة، للألباني ج2 ص 18 رقم (506).
(3) صحيح مسلم رقم (670) المساجد.
ـــــــــــــــــــ
كيف أغرس محبة الله في قلوب الطلاب ؟
أجاب عليه ... عبدالعزيز الدعيج
التاريخ ... 20/ 3 /1427هـ
السؤال
كيف أغرس محبة الله في قلوب الطلاب؟
الاجابة
الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، وبعد:
من أهم ما يربي الداعية طلابه محبة الله _جل وعلا_ ومحبة رسوله _صلى الله عليه وسلم_ ومحبة أصحابه والصالحين من عباده.
ولقد ذكر ابن القيم _رحمه الله_ عشرة أسباب جالبة لمحبة الله _تعالى_ ، وذلك في كتابه (مدارج السالكين) أذكرها على سبيل الاختصار.
وهي:
1 – قراءة القرآن بالتدبر والتفهم لمعانيه وما أريد به، فلا يكفي مجرد حفظ الطلاب للقرآن، بل لو كان هناك درس أسبوعي حول تفسير بعض الآيات التي تتعلق بالتربية والسلوك حتى ترسخ وتكون واقعاً عملياً.
2 – التقرب إلى الله _تعالى_ بالنوافل بعد الفرائض، ولا مانع من متابعة الطلاب في تطبيعها في سجل خاص للتشجيع والتدريب.
3 – دوام ذكر الله على كل حال باللسان والقلب والعمل، ولا بأس بأن يجعل هناك مسابقة لحفظ الأذكار اليومية من حصن المسلم مثلاً، والحث على تطبيقها.
4 – إيثار ما يحبه الله على ما يحبه العبد عند تزاحم المحبتين وهذه ينبغي إيضاحها للطلاب وضرب الأمثلة الواقعية كتزاحم النوم وصلاة الفجر مثلاً.(115/2070)
5 – التأمل في أسماء الله وصفاته وما تدل عليه من الكمال والجلال ولا بأس بشرح الأسماء والصفات، وإيضاح معانيها ولو بشكل أسبوعي.
6 – التأمل في نعم الله الظاهرة والباطنة، ولا بأس بضرب الأمثلة من النعم التي نعيشها في أنفسنا وما حولنا.
7 – انكسار القلب بين يدي الله وافتقاره إليه وهذه أيضاً توضح للطلاب بحيث يستشعر الطالب وهو ساجد بين يدي الله عظمة الله وتقصيره في جنب الله وكثرة النعم التي من الله في مقابل الذنوب والمعاصي.
8 – الخلوة بالله وقت النزول الإلهي حين يبقى ثلث الليل الآخر، وهذه تحتاج إلى تدريب عملي، ويمكن تطبيقها في مثل الرحلات والمخيمات الشبابية التربوية، والتي يتعاون الإخوة فيها على القيام في آخر الليل.
9 – مجالسة أهل الخير والصلاح والاستفادة من كلامهم وهذه تكون باستضافة بعض الدعاة الذين لهم الأثر في تحريك القلوب إلى علام الغيوب.
10 – الابتعاد عن كل سبب يحول بين القلب وبين الله من الشواغل.
هذه الأسباب العشرة ما عليك إلا أن تجعلها واقعاً عملياً في حياتك وحياة طلابك، وسترى النتائج الطيبة _بإذن الله تعالى_ رزقنا الله محبته.
-ـــــــــــــــــــ
ما توجيهكم إلى من أشغل الابتعاث فكره ؟
أجاب عليه ... أ.د. ناصرالعمر
التاريخ ... 18 / 3 /1427هـ
السؤال
أنا شاب أعزب تخرجت بدبلوم حاسب آلي، ثم توظفت بإحدى الشركات براتب مناسب، ولي الرغبة الشديدة في الدراسة بأمريكا عن طريق البعثات الحكومية لنيل درجة البكالوريوس، وأصبحت فكرة الابتعاث تشغل تفكيري ، ما رأي فضيلتكم هل أستمر في وظيفتي وأتزوج وأستقر أم أدرس في الخارج ، راجياً منكم النصح والتوجيه.
الاجابة
باب الابتعاث للدول الكافرة باب شرّ فتح على الأمة، وبخاصة في هذا الزمن، ولا شك أن لهذا الأمر من المفاسد ما لا يخفى، وذلك أن أمريكا التي أغلقت أبوابها بعد أحداث سبتمبر، حتى صعب على من يدرس فيها زيارة أهلهم أو الرجوع إليها إذا هم زاروا أقاربهم، فإذا هي تفتح الباب على مصراعيه لصغار السن بنين وبنات مما لا تخفى أهدافه على كل ذي عقل وبصيرة، وأكد هذا الأمر عدد من الذين ذهبوا إلى هنالك.
ولو أن الأمر اقتصر على التخصصات النادرة، وما تحتاج إليه البلاد، لكان في الأمر سعة، أما ما يجري الآن فيحدث الريبة والشك.
مع العلم أن الإقامة في بلاد الغرب لا تجوز إلا لحاجة أو ضرورة؛ لحديث "أنا بريء من كل مسلم يقيم بين أظهر المشركين، لا تراءى نارهما" رواه أبو داود والترمذي وحسنه الألباني.(115/2071)
وقد صدرت الفتاوى من كبار علمائنا بذلك، والأمر الواقع لا حاجة ولا ضرورة، حيث إن عدداً من المقبولين في جامعات بلادنا ترك الجامعة وذهب إلى هناك، والله المستعان.
فأنصح الآباء والأمهات ألا يأذنوا لأبنائهم بذلك، وأنصح الشباب أن يلتحقوا بجامعاتهم ففيها الخير والبركة، وأنصح المسؤولين أن يتقوا الله، ويغلقوا هذا الباب الذي لا تخفى عواقبه، وأن يقتصر الابتعاث على التخصصات النادرة ومع الشروط والضوابط المعتبرة سابقاً، حيث يكون قد تخرج من الجامعة ويقدم المتزوج على غيره ونحو ذلك، والله المستعان.
كيف أبر والدتي المتوفاة؟
أجاب عليه ... خالد الفليج
التاريخ ... 13/ 3 /1427هـ
السؤال
كيف أبر والدتي المتوفاة؟
الاجابة
الحمد لله حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، وبعد..
فإن بر الوالدين والإحسان إليهما من أفضل القرب وأعظم الطاعات فقد وصى الله تعالى ببر الوالدين والإحسان إليهما بقوله: "وَوَصَّيْنَا الْإنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حُسْناً" (العنكبوت: من الآية8)، وقوله _تعالى_: "وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً" (الإسراء: من الآية23).
وأمر به النبي _صلى الله عليه وسلم_ وحث عليه:
1 – فجعله أفضل من الجهاد في سبيل الله كما جاء في الصحيحين عن ابن مسعود _رضي الله عنه_ أن الرسول _صلى الله عليه وسلم_ سُئل عن أفضل الأعمال، فقال: "الصلاة لوقتها قيل ثم ماذا قال: بر الوالدين قيل ثم أي: قال: الجهاد في سبيل الله".
2 – جعل بر الوالدين أوجب من الجهاد الكفائي كما روى البخاري ومسلم عن عبد الله بن عمر وقال: جاء رجل إلى النبي _صلى الله عليه وسلم_ يستأذنه في الجهاد، فقال: "أحي والداك؟ قال: نعم. قال: ففيهما فجاهد".
3 – أنه قدم بر الوالدين على التطوع بالصلاة وغيرها كما روى البخاري ومسلم عن أبي هريرة في قصة جريج العابد المشهورة.
4 – أن النبي _صلى الله عليه وسلم_ دعا على من أدرك أبويه أو أحدهما ولم يدخلاه الجنة كما روى مسلم في صحيحه عن أبي هريرة أن النبي _صلى الله عليه وسلم_ قال: "رغم أنف ثم رغم أنف ثم رغم أنف قيل: مَن يا رسول الله! قال: "من أدرك أبوه عند الكبر أو أحدهما أو كليهما فلم يدخل الجنة". وقال مكحول والإمام أحمد: أن بر الوالدين كفارة للكبائر.(115/2072)
والنصوص في ذلك كثيرة جداً وبر الوالدين يكون في حياتهما وبعد موتهما أما في حياتهما فيكون بطاعتهما والإحسان إليهما وتقديمهما على النفس وعدم عقوقهما.
أما بعد موتهما فيكون بأمور:
أولاً: الدعاء والاستغفار لهما لما روى مسلم في صحيحه: "إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية أو علم ينتفع به أو ولد صالح يدعو له".
فإن من أعظم حقوقهما بعد موتهما الدعاء لهما والاستغفار لهما.
ثانياً: أن يقضي ديونهما المتعلقة بحق الله أو بحق البشر فحق الله كالحج والصيام وحق البشر الحقوق المالية وغيرها.
ثالثاً: إنفاذ عهودهما ووعودهما فإن ذلك من برهما بعد موتهما.
رابعاً: إكرام صديقهما وصلة أهل ودهما لما رواه مسلم عن ابن عمر رضي الله عنه يقول: إن أبر البر صلة الولد أهل ود أبيه.
خامساً: صلة الرحم التي لا توصل إلا بهما لما رواه أحمد عن أبي أُسيد مالك بن ربيعة الساعدي قال: بينما نحن عند رسول الله _صلى الله عليه وسلم_ إذ جاءه رجل من بني سلمة، فقال: يا رسول هل بقي من بر أبوي شيء أبرهما به بعد موتهما؟ قال: "نعم الصلاة عليهما والاستغفار لهما وإنفاذ عهودهما من بعدهما وصلة الرحم التي لا توصل إلا بهما وإكرام صديقهما".
وفي إسناده علي ابن عبيد. وثقه ابن حبان وقال الذهبي لا يُعرف.
سادساً: التصدق لهما وإقامة الأوقات لهما فقد روى الإمام أحمد عن سعد بن عبادة قال: يا رسول الله إن أمي ماتت أفأتصدق عنها؟ قال: "نعم". ولم يسمع الحسن من سعد بن عبادة.
فمن ذلك إقامة المساجد وحفر الآبار وطباعة الكتب والأوقاف الدعوية وغيرها من أعمال البر.
وليعلم المسلم أنه لن يستطيع أن يوفي والديه حقهما إلا أن يجدهما مملوكين فيعتقهما.
فعليك أيها السائل أن تبذل ما في وسعك في بر والدتك بعد موتها فحق الوالدة عظيم بل حق الوالدة مضاعف على حق الوالد لما روى البخاري ومسلم عن أبي هريرة قال: "جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: "من أحق الناس بحسن صحابتي؟ قال: أمك قال: ثم من؟ قال: أمك قال: ثم من؟ قال: أمك قال ثم من؟ قال: أبوك".
فنسأل الله أن يجعلنا ممن بر والديه في حياتهما وبعد موتهما، والله أعلم.
ـــــــــــــــــــ
كيف يضع مدرس الحلقة خطته الفصلية؟
أجاب عليه ... عبد السلام الناجي
التاريخ ... 11/ 3 /1427هـ
السؤال
السلام عليكم ورحمة الله و بركاته، و بعد:
سؤالي: كيف يضع مدرس الحلقة خطته الفصلية التفصيلية؟
الاجابة(115/2073)
أولاً: يحدد أهداف هذا الفصل بالطريقة العلمية (محددة، قابلة للقياس، واقعية، ممكنة، شرعية، واضحة، ...).
ويراعى في الأهداف أن تكون شاملة ومتوازنة للجوانب التابعة وأغلبها (الجانب الإيماني، العلمي، الدعوي، التربوي، المهاري، العقلي ...).
وتأخذ الأهداف ثلاث مسارات مهمة:
إما بناء: مثل: أن يتقن (10) من الطلاب ثلاثة أجزاء على الأقل خلال الفصل.
أو علاج: مثل: أن يبتعد الطلاب عن المزح المبالغ فيه عند السباحة.
أو وقاية: مثل: أن يقدم درس عن التوكل على الله لطلاب الثالث الثانوي قبل نهاية الفصل الأول.
وتستقى الأهداف من:
1 – حاجات وخصائص المستفيدين (الطلاب، المشرفين، أولياء الأمور، المجتمع ...).
2 – التطلعات المستقبلية المراد بناؤها للطلاب.
ثانياً: تحديد الوسائل المحققة لهذه الأهداف بشكل دقيق على أن تكون منوعة (درس، حوار، ألعاب، مسابقة، بحث، زيارة، استضافة، تقرير، رحلات، ...).
ثالثاً: توزع هذه الوسائل على مدار الفصل بشكل متوازن يراعى فيه ظروف الاختبارات والإجازات ونحو ذلك.
رابعاً: يتم تقويم تنفيذ الخطة في نصف الفصل وآخر الفصل والاستفادة من ذلك التقويم في تعديل المسار.
خامساً: إشراك المشرفين والطلاب والمختصين والمهتمين من الآباء في تحديد الأهداف واختيار وسائلها..
ختاماً: هذه أفكار عامة ويمكن الاستفادة من كتاب الشيخ محمد الدويش (تربية الشباب الأهداف والوسائل)
ـــــــــــــــــــ
أعاني من الجفوة بيني وبين إخوتي.. فما الحل؟
أجاب عليه ... أمين الدخيل
التاريخ ... 7/3/1427هـ
السؤال
فضيلةالشيخ/ السلام عليكم و رحمة الله وبركاته ..... وبعد:
أعمل في أحد الحلقات مشرفاً، ولكني أعاني من شئ من الجفوة بيني و بين أخوتي المشرفين(أي كأننا نعمل في دائرة حكوميه، إذا انتها أحدهم من عمله الموكل إيه انصرف) ، وهذا مما يسبب ضعف في التربية للطلاب الذي بين أيدينا،فماذا ينصح فضيلتكم به من الجانب التربوي و الشرعي ...
سائلاً المولى أن يصلح بكم وينفع بجهودكم ,,, والسلام عليكم ورحمة الله.
الاجابة(115/2074)
دعنا أخي الكريم نتكلم حول سؤالك الذي طرحته – والذي كثيراً ما يقع بين أصحاب العلاقة، سواء في القطاعات الخيرية أو المحاضن التربوية أو الدوائر الحكومية أو الشركات الخاصة أو غيرها – ثم نضع بعض الحلول لهذه المشكلة .
حديث حول المشكلة:
أولا : ذكرت في سؤالك أنك مشرف من ضمن مجموعة من المشرفين على حلقات لتحفيظ القرآن الكريم، وهذا بالتأكيد يوضح لنا أنه عند اتخاذ القرار سيكون القرار جماعياً، وأن صوتك سيمثل صوتاً واحداً مقابل مجموعة من الأصوات .
ثانياً : ذكرت أن هناك جفوةأخويةً ( بينك ) وبين إخوتك المشرفين .
ثالثا : شبهت هذا الجفاف بموظفين يعملون في دائرة حكومية، فما أن تنتهي الأعمال الموكلة حتى ينصرف المشرف، وهذا يدل على أن لديك تصور واضح لأعراض المشكلة.
رابعا : ذكرت أن هذه الجفوة سبب ضعفا في التربية لطلابكم، وهذا أيضا يدل على وجود تصور جيد للنتائج المترتبة على هذه المشكلة .
حلول عملية للمشكلة:
هناك حلول عملية تحتاج إلى مهارة وسرعة ودقة، وهي كمبضع الجراح تجرح لتعالج والجراح الماهر لا يزيد الجرح اتساعاً ، وهذه الحلول هي :
1- أحكم اتصالك بالمشرف على الحلقات وارفع درجة ارتباطك به؛ لأنه هو الشخص الذي يتعامل مباشرة مع المحكّات، ويهمه بالدرجة الكبيرة تطوير العمل .
2- قم بعمل دراسة سريعة لأبرز المشكلات والأسباب المتوقعة، والتي سببت هذا الجفاف والنتيجة وقم بتدوينها في جدول ، ثم قم بعرض هذه الأسباب على مختص متمكن لوضع حلول عملية لها ثم اعرضها على مختص آخر لتتأكد من دقة الحلول المقترحة وهذا جدول توضيحي:
م
...
المشكلة
...
السبب
...
النتيجة
...
الحلول
...
نتائج الحلول
1
...
عدم الرغبة في تعاون المشرف (س) مع (ص)
...(115/2075)
سوء تفاهم بين المشرف (س) والمشرف (ص)
...
ضعف التعاون بين المشرفين (س) و (ص)
...
قيام بعض الأشخاص المحبوبين للطرفين من أهل الحكمة بعلاج المشكلة وإزالة سوء التفاهم
...
عودة التعاون بين المشرفين
3- إذا كنت طرفا في المشكلة وخاصة أنك ذكرت ذلك في سؤالك فابحث عن الأسباب التي دعت لوقوع مثل هذا الجفاف ويمكن استقصاء الأسباب من طرق متعددة مثلا :
1- الطلب من أحد الأشخاص الموثوقين أن يبين لك أبرز ما فيك من جوانب نقص وخاصة الجوانب الإنسانية وجوانب الاتصال مع غيرك ، فربما توجد لديك جوانب نقص لم تلحظها سببت هذا الجفاء .
2- ركز في كلماتك وفي وجوه إخوانك ، فالكلمة غير المرغوبة ستجد أثرها في وجوه المقابلين لك ، ولكن احذر أن تصل بك لمرحلة الوسوسة وإنما استخدم هذه الطريقة خلال فترة وجيزة كأسبوع مثلا .
3- حدد الأوقات والأماكن التي تشعر أن إخوانك المشرفين لا يجلسون معك فيها ، والأوقات التي تشعر أنهم يطيلون الجلوس معك فيها فمثلا إذا خرجت مع إخوانك المشرفين إلى إحدى الاستراحات في برنامج طلابي هل تشعر أن المشرفين يبقون معك ؟ وإذا خرجت مع إخوانك المشرفين في رحلة خاصة بالمشرفين هل تجدهم يستمتعون بالجلوس معك ؟
إذا كانت الصورة كما عرضناها : فربما تكون أنت سبب في هذا الجفاف ، فربما أنك تكثر من النقد لأعمالهم وبرامجهم أو تكثر الحث وطلب زيادة الأعمال ، فمن الممكن أخي أن يكون لديك حماس دافع للعمل سبب نفرة الآخرين منك .
ـــــــــــــــــــ
كيف يخدم الأطفال نبينا في القضية الدنمركية؟
أجاب عليه ... فهد السيف
التاريخ ... 4/3/1427هـ
السؤال
كيف يخدم الأطفال نبينا في القضية الانماركية؟
الاجابة
الطفل المسلم ينصر نبيه _صلى الله عليه وسلم_ بشتى الوسائل التي يقدر عليها ومثله في ذلك مثل الكبير، إلا أنه يعمل حسب استطاعته "فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ" (التغابن: من الآية16)، وهو وإن لم يكن مكلفاً تكليفاً شرعياً على عمله إلا أنه يؤجر على عمله، ويؤجر من دَلَّه على العمل أو كان سبباً في أدائه للعمل، وعندما رفعت المرأة(115/2076)
طفلها لرسول الله _صلى الله عليه وسلم_ وقالت: ألهذا حج؟ قال لها: "نعم، ولكِ أجر".
كما أن الطفل المسلم يكون له تأثير – أحياناً – في جانب الدعوة والأمر بالمعروف إذا كان بالحسنى أقوى وأبلغ من تأثير الكبير، ولهذا وغيره يحسن الاهتمام بالطفل المسلم وتنشئته تنشئة صالحة وها هنا أسرد عليك شيئاً من وسائل النصرة التي أظن أن الطفل المسلم يستطيعها أو يستطيع أقل القليل منها وهي كما يلي:
1 – قراءة سيرة النبي _صلى الله عليه وسلم_ وهديه وسمته، أو سماعها من أشرطة، وذلك من شأنه أن يعزز جانب محبة النبي _عليه الصلاة والسلام_ في نفس الطفل، ويتعلق به بدلاً من أن يتعلق بغيره من الأبطال الموهومين، ومحبته سبيل لطاعته.
2 – الاقتداء بالنبي _صلى الله عليه وسلم_ والتأدب بآدابه والتحلي بأخلاقه من أفضل وسائل النصرة فإن الأعداء حينما ينتقصون رسول الله _صلى الله عليه وسلم_ فإنهم يريدون إضعاف تعلقنا واقتدائنا به، وبالاقتداء نعاملهم بنقيض قصدهم، ونفوز برضا الله تعالى، ولا يكون هذا الاقتداء إلا بالقراءة في سيرته كما في الفقرة السابقة وتعلم هديه وطلب العلم النافع بوسائله وحفظ بعض الأحاديث من أقواله عليه الصلاة والسلام.
3 – طاعته عليه الصلاة والسلام فيما يأمر به وترك ما نهى عنه، بل وفعل المستحبات وترك المكروهات وهو تابع لما قبله.
4 – الذب عن عرضه _صلى الله عليه وسلم_ بشتى الوسائل المشروعة مثل:
- الذب عن عرضه بالقول، فلا ينتقص شيء من سنته أو ذاته أو شرعه إلا ويذب عنه بالطريقة المناسبة، وقد لا يتأتى هذا الذب إلا بالعلم الذي يمكنه من الدفاع عن حبيبه _صلى الله عليه وسلم_.
- الذب عن عرضه بالفعل، فلا يفعل أفعالاً مشينة وتنسب إلى سنة الرسول _صلى الله عليه وسلم_ أو يخالف سنته فيكون فظ التعامل أو شديداً في الأفكار، أو يظهر بتعامله مع الآخرين ولو كانوا غير مسلمين الإسلام بصورة مشوهة ليست هي الصورة القشيبة الناصعة التي أظهرها النبي عليه الصلاة والسلام للناس.
- الذب عن عرضه بالعمل، فيذب عن عرضه بتوزيع الكتب والأشرطة والمطويات ويبحث عن الوسائل التي تحبب الناس في هذا الدين العظيم وتقربهم منه.
5 – دعوة الأطفال أمثاله بوسائل الدعوة الممكنة له، قولاً وعملاً وغير ذلك وتحبيبهم في رسولهم _صلى الله عليه وسلم_، وأيضاً يكون قدوة صالحة بامتثال السنة والتعامل الحسن مع الآخرين وتأليف قلوبهم لذلك، كما كان المصطفى _صلى الله عليه وسلم_ يفعل.
6 – مقاطعة الذين سخروا أو استهزؤوا بحبيبه _صلى الله عليه وسلم_ مع التركيز على البادئ بالاستهزاء لتؤتي المقاطعة ثمارها، وتفعيل الآخرين للمقاطعة من الأهل والأقارب والأصدقاء بتذكيرهم بها وحثهم عليها وتوزيع ما يعين على ذلك.(115/2077)
7 – معرفة أصل المشكلة وأبعادها وأهداف الذين سخروا منه _صلى الله عليه وسلم_، وبناء عليه فإننا لبغضنا لهم نبتعد عن تقليدهم والتشبه بهم أو سلوك نهجهم ليكون قدوتنا الأول رسول الله _صلى الله عليه وسلم_.
8 – الانضواء تحت لواء أهل العلم: ويكون ذلك بالصدور عن آرائهم وسؤالهم ومحبتهم وعدم خدش أعراضهم، وعدم الاجتهاد فيما يخالف مذاهبهم وآراءهم، والوقوف معهم صفاً واحداً ضد العدو الموحد.
إن الطفل المسلم المبدع يستطيع مع أهله وذويه ومن يقع تحت أيديهم ابتكار وسائل جديدة ربما تندرج تحت ما ذكرنا أو تزيد عليه لنصرة رسوله _صلى الله عليه وسلم_، والمحب الحقيقي يجد من الوسائل لنصرة محبوبه ما لا يخطر على بال، وما ذكرناه هنا إنما هو أساسات وأصول وأمثلة فقط، وغيرها كثير جداً.
وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
ـــــــــــــــــــ
يريد إظهار شخصيته الملتزمة.. كيف ذلك؟
أجاب عليه ... جمّاز الجمّاز
التاريخ ... 25/ 2/1427هـ
السؤال
كيف يظهرالشاب شخصيته المستقيمة أمام أسرته ومجتمعه؟
الاجابة
الحمد لله رب العالمين، وبعد:
الشخصية المستقيمة، شخصية متميزة، لُحمتها الكتاب، وسداها السُّنة، ولا تكون متكاملة إلا إذا طبّقت دين الله _تعالى_ كله، وهذه أخي الكريم بعض معالم الشخصية المستقيمة:
1- النية الصالحة والعزيمة الجادة في تعاملاته كلها، وبالإخلاص تستقيم القلوب وتستقر الأفئدة.
2- المسلم رباني في شؤونه كلها، فالدنيا عنده ممر الآخر، ولا يتعلّق بها، وليست جُلّ اهتمامه، ومبلغ غايته، ليس له منها إلا مما لا بد منه ليقيم أوَدَه، ويحفظ نفسه.
3- قدوة المسلم هو الرسول _صلى الله عليه وسلم_، وبمعرفة سنته _صلى الله عليه وسلم_ ينكشف البهرج، وينفضح الزَّغل، وترجع الأمور إلى مواضعها، وتتضح المعالم المخفيّة.
4- لتكن شخصيتك متميزة، لها كيانها الخاص، ومنهجها الخاص، وطريقها الخاص، ثابتة لا تُغيّرها الظروف ولا الأحوال، متميزة في مظهرها ومخبرها، وفي كل شؤونها لا تخرج عن العدل والوسطية.
5- اعلم أن عليك مسؤوليات تتحمّلها، فاعمل بالواجب منها، وأحسن تطبيقها في حياتك واهتم بغير الواجبات، وليكن حظك منها كبير.
6- لتكن رجّاعاً إلى الحق، غير متكبر عن قبوله، وقد قيل: الرجوع إلى الحق فضيلة، والتمادي في الباطل رذيلة.(115/2078)
7- أعظم غِنىً عند المسلم، هو غِنى نفسه، وقناعة قلبه، وانشراح صدره، وحلاوة عبادته، ولا يتم لك هذا إلا بالتضرع إلى الله _سبحانه وتعالى_ وكثرة دعائه، والتزام السنة، والاستقامة على دينه، والثبات عليه.
8- المسلم الحق يتوب ويؤدب، لا يُصر على معصية، ولا يتهاون بإثم، رجّاع إلى ربه بالتوبة، عائد إلى خالقه بالإنابة.
9- اعرف قدر نفسك، وضح الأمور في نصابها، وأعطِ القوسَ باريها، واعلم أن الله _تعالى_ خَلَق الخلق، وكلٌّ مُيَسَّر لما خُلِق له.
10- الشخصية الإسلامية، سمتها سمت الصالحين، وهديها هدي عباد رب العالمين، تتشبّه بالأتقياء، وتتمثّل خُطى الأصفياء، قلبها وقالبها سواء، ليس كبعض الضعفاء، تهتم بمظهرها، أما قلبها فخواء.
11- المسلم لا فراغ عنده، فقد امتلئ قلبه إيماناً بالله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم، وكيف يشتغل بالدنيا من لا فراغ عنده، وكيف يعرف الفراغ من كان وقته مليئاً بالأقوال والأعمال الصالحات.
12- اعلم أن الشخصية المستقيمة سبّاقة إلى الخيرات في كل مجال، مثل الدعوة إلى الله تعالى والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والتزود بالطاعات من صلاة أو صيام أو صدقة أو ذكر أو دعاء أو قراءة قرآن أو تعلّم علم أو تعليمه.
13- لتكن على نصيب وافر من الأخلاق الحسنة مع الآخرين من السماحة واليسر والرفق واللين والبشاشة والابتسامة والتواضع والكلمة الطيبة والمعاملة الحسنة، وقضاء الحوائج والرأفة بالمحتاجين.
14- ليكن للودع منزلة عظيمة في جميع ما يَعرِض لك في شؤون حياتك كلها، وليس كل ما هو غير حرام يجوز فعله، إذ ما كان من الشبهات، فهو إلى الحرام أقرب.
15- المسلم الحق يتقلّل من الدنيا، ولا يتوسع في الملبس والمأكل والمشرب، ويبتعد عن الشهرة.
16- ليكن حرصك على دينك، أشد حرص وأقواه، واعلم أن حرصك على المال والشرف، إفسادٌ لدينك، فإذا أردتَ النجاة، فاحرص على دينك، ليحفظك الله تعالى ويحفظ عليك دينك.
17- زيارتك لإخوانك، بها تنجلي القلوب، وتتقارب الأفئدة، وصحبتك الصالحين، تعينك على الثبات، وتُسلّيك في الشدائد، وبها يُحب الله سبحانه وتعالى عباده، فيعم الخير عباد الله، فتشملهم رحمته، ويدخلهم جنته.
18- المسلم الذي يخالط الناس ويصبر على أذاهم، خير من الذي لا يخالط الناس ولا يصبر على أذاهم، ويقتصر على ما يلزم وما لا بد منه، ويحرص على تقليل الخُلطة مع من يواجه منهم المضايقات، وفي كلٍّ يتحمل المضايقات والضغوطات مهما كلف الأمر.
19- المسلم عذّار، يعذر إخوانه وأحبابه، وبهذا ينتشر بينهم الوئام ويحل الوصال، إذ المؤمنون عذّارون، والمنافقون عثاّرون.
20- شعار طالب العلم "العلم للعلم" لا، لتصدر المجالس، أو مقارعة السفهاء، أو مناكدة العلماء، وليكن حرصك على تعلم ما ينفعك، واحفظ، فكل حافظ إمام.(115/2079)
21- كن على حذر من الخلاف، فرُبّ كلمة يُطلقها من لا يدري، يُفلت فيها لسانه على عبدٍ من عباد الله _عز وجل_، تُشعل ناراً متأجّجة في قلوب الإخوة فتفسد المحبة، وتُذهب المودة، وهذا واقع يؤدي إلى شر مستطير وخطر جسيم، وهذا أعز ما يريده الشيطان، فهل نحذر من ذلك.
22- المسلم صادق في شؤونه كلها، صادق في حديثه، صادق في وعده، صادق في أداء ما اؤتمن عليه، لا يعرف الغش ولا الخداع، لا يعرف الكذب ولا النفاق.
23- شخصية المسلم ليس للكذب نصيب منها، وليس للبُهت طريق عليها، فمداعبتها حق، ومزاحها صدق، ساعة وساعة، سائرة على خُطى الصحابة _رضي الله عنهم_ والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
24- شخصية المسلم لا نميمة عندها، لأنها تعلم أنها مرض خبيث، إذا دخل القلب أفسده، وإذا فسد القلب، فسدت الجوارح وبطلت الأعمال.
25- المسلم الحق لا يغتاب ولا يُغتاب عنده، لأنه يعلم أن الغيبة حالقة للحسنات، حالقة للأجر والثواب، حالقة للآخرة.
26- المسلم لا يظلم غيره، لأنه يعلم أن الظلم مفتاح المعاصي، ولا يحسد ولا يحقد على غيره، ولا يتمنّى زوال النعمة عن أخيه، لأنه يعلم أن الحسد داء خطير، وشر وبيل.
أسأل الله التوفيق والسداد، وصلى الله وسلم على نبينا محمد بن عبد الله وعلى آله وصحبه أجمعين.
ـــــــــــــــــــ
كيف أتعامل مع شكاوى المراهقات؟
أجاب عليه ... سلام الشرابي
التاريخ ... 21/2/1427هـ
السؤال
أعمل أخصائية اجتماعية، وأتعرض لكثير من الشكاوى والمشكلات من الطالبات اللاتي في مرحلة المراهقة وأكثرها تدور حول الفراغ العاطفي وإثبات الذات، ووددت لو ألقيتم لي بعض الضوء على السبيل الأمثل لتعاملي مع مشكلاتهن وشكاواهن،وجزاكم الله خير الجزاء.
الاجابة
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين وبعد :
فبداية نشكرك على حرصك على محاولتك الإحاطة بما يصاحب الفتيات خلال فترة المراهقة، وعلى الأخص الفراغ العاطفي الذي أشرت إليه في سؤالك وكذلك مشكلات إثبات الذات ، وهو ما يظهر اهتمامك بالموضوع ، وسنحاول أن أن نوجز لك بعض الأفكار التي ستساعدك _بإذن الله_ في تعاملك مع المراهقات.
فالفراغ العاطفي مشكلة تمر بها بعض الفتيات في مرحلة المراهقة ؛ هذه المرحلة التي يعتبرها علماء التربية من أخطر مراحل النمو عند الإنسان وأكثرها تعقدياً، لما يحدث فيها من طفرة في مظاهر النمو المختلفة.(115/2080)
ومما يستوجب على الأهل والقائمين على تربية المراهقات، فهم طبيعة واحتياجات هذه المرحلة؛ حتى نتفادى قدر الإمكان وقوع أبنائنا وفتياتنا في مشكلات نفسية أو اجتماعية لا تحمد عقباها , وقد وضع الشرع الإسلامي العظيم ضوابط وأسسا للتعامل في تلك المرحلة ولم يتركها للعشوائية السلوكية من الآباء , كذلك لم يفسرها الإسلام تفسيرا فسيولوجيا فقط أو سيكلوجيا نفسيا فقط، بل قد راعى الإسلام جميع الجوانب النامية في حياة المراهقة ومن ثم وجه إلى السلوك التربوي المميز والناجح في ذلك .
من الأسباب التي تؤدي إلى حدوث الفراغ العاطفي وعدم الشعور بإثبات الذات عند الفتاة:
- الانشغال العاطفي للآباء عن الأبناء، والجهل بأبجديات التربية وأسس التلاحم الأسري، إذ تتحمل الأسرة جزءاً كبيراً من المسؤولية في معاناة بناتها من الفراغ العاطفي، فالفتاة التي تعاني من فقد الحنان الأسري وانشغال والديها عنها فتصاب بالجفاف العاطفي والذي يؤدي بها إلى الفراغ العاطفي.
- المشاكل الأسرية، خاصة تلك التي تنشأ بين الزوجين تشكل عامل ضغط قوي على الفتاة وتشعرها بالتهديد النفسي وعدم الشعور بالاستقرار والأمان .
- كثرة إلقاء اللوم والتعنيف والإقلال من شأن الفتاة وآرائها والسخرية من أفكارها يؤثر سلباً على علاقة الفتاة بأبويها من جهة، ويضعف ثقتها بنفسها من جهة أخرى، الأمر الذي يجعلها فريسة سهلة للوقوع في الفراغ العاطفي.
- انفصال الأبوين وما قد يخلفه عند الفتاة من شعور بالانفصال العاطفي الفجائي، ويزيد الأمر سوء عندما لا يدرك الأهل خطورة الفجوة التي يسببها هذا الانفصال.
- الجفاف العاطفي الذي يمكن أن تلاقيه الفتاة من المجتمع المحيط بها سواء أسرتها المتمثلة بأمها وأبيها وأخوتها أو في مدرستها بما فيها معلماتها وزميلاتها، وعدم إدراكهم لحاجة الفتاة للعاطفة كجزء من احتياجاتها النفسية المستمرة , كذلك عدم إعطائها الفرصة الكاملة للتعبير عن آرائها الخاصة واتخاذ مواقفها الخاصة – في حدود المقبول – وكذلك التعبير عن رأيها وتقبله باحترام وتقدير .
- حصر دور المدرسة في الجانب التعليمي وعدم الاهتمام بالجوانب التربوية والنفسية للفتاة، مما يجعلها أحياناً عامل ضغط آخر على الفتاة.
- هناك قضية أخرى أحب أن أشير بها عليك، وهي ابتعاد الفتاة عن الله _عز وجل_، وعن تعاليم الدين الإسلامي. . فالفتاة التي تكون قريبة من طاعة الله _عز وجل_، ويكون قلبها متشرباً بحب الله وحب رسوله، وحب طاعته، لن تجد أي فراغ عاطفي، وستجدينها من أكثر الناس ثقة بالنفس، وانشغالاً بالطاعة وسعيا وراء الإنجاز .
ويجب أن نراعي أن الفتاة التي تعاني الفراغ العاطفي، تمر بمجموعة من التطورات؛ تبدأ بالانغلاق عن أسرتها، وفقدان لغة الحوار –إن وجدت- و الصراحة بينها وبينهم، ومن ثم تجنح في البحث عن الإرضاء العاطفي الكاذب والذي يمكن أن يدفع بها للجوء سلوكيات غير منضبطة لتملأ ذاك الفراغ النفسي وتثبت لنفسها أنها ذات أثر ووجود .
حلول مقترحة:(115/2081)
- من المهم أولاً أن يدرك الوالدان طبيعة سن المراهقة لمعرفة التعامل مع بناتهم اللواتي يمرن بهذه المرحلة بالشكل الأمثل والحرص على مدهن بالحب والعاطفة والحنان من غير إفراط ولا تفريط حتى يتولد لديهن الإحساس بالاستقرار العاطفي.
- الاهتمام بالتربية العاطفية لدى الفتاة، والإشباع العاطفي وهذا لا يمكن أن يتحقق بشكل فجائي، وإنما يجب أن يكون أسلوب متبع في التربية لأبنائنا وبناتنا منذ نعومة أظفارهم حتى نصل معهم إلى سن المراهقة وهم يتمتعون بصحة نفسية جيدة وبشخصية متوازنة، وهنا يجب أن تتضافر جهود كل من الأسرة والمدرسة لإمداد الفتاة بهذا الجانب منطلقين من حقها الطبيعي في الحصول على العاطفة.
- تنمية الثقة الإيجابية بالنفس، وتربية الفتاة على الاستقلال بعواطفها.
- تعميق إيمانها بالله عز وجل، وحبها لطاعة الله ورسوله، وتفعيل دور العبادة والطاعة في قلبها، كنور يملأ قلبها بالحب والرحمة والخوف من الله ورجاءه.
- الاقتراب من الفتاة ومعرفة احتياجاتها وسدها وإعطاءها حقوقها كاملة.
- تنمية ثقافة الحوار في الأسرة، والحرص على فتح باب للحوار معها والإجابة على أسئلتها وتقدير اهتماماتها واحتواء مشاعرها والحرص على رفع معنوياتها من خلال الثناء على كل الأعمال الجيدة التي تقوم بها.
- الابتعاد كل الابتعاد عن الاستخفاف والاستهزاء بمشاعرها أو تصرفاتها
- إشعارها بأهميتها في العائلة من حيث إشراكها في القرارات الهامة المتعلقة بالأسرة وأخذ رأيها ومشورتها فهذا يشعرها بالانتماء لعائلتها مما يجعل الأسرة أكثر تماسكاً وشفافية في التعامل من جهة، كما أنه يساعد على النمو العقلي والعاطفي للفتاة وتعزيز الثقة بالنفس.
- إشغال وقتها بما هو نافع لها وتحبيبها به، وتشجيعها على ممارسة الأعمال التي ترغب بها، والتي يمكن أن تنمي قدراتها من خلالها.
- الحرص على تسجيلها في دورات تنمي قدراتها الشخصية، وحضورها للندوات والمحاضرات المخصصة للناشئة التي تفهم طبيعتها وطبيعة المرحلة التي تمر بها وتوجهها الوجهة الصحيحة.
- للهدية أثرها النفسي على الفتاة وهي تعتبر وسيلة من وسائل التعبير عن الحب والتقدير لذا يجب على الأبوين الاهتمام بهذا الجانب و اختيار الهدية التي تتناسب مع ميول الفتاة وذوقها.
- إجراء اختبارات نفسية في المدرسة من خلال توزيع استبيانات على الطالبات. . يمكن من خلال تحليلها تحديد محاور المحاضرات والندوات التي تعني بتنظيمها الأخصائية الاجتماعية للطالبات.
على أن الموضوع متشعب وكبير أختي السائلة، وآمل في أن يكون ما ذكرته لك معيناً يساعدك في عملك المبارك بإذن الله، وفي التعامل مع الفتيات، اللواتي اعتقد أننا إن استطعنا أن نجاوز بهن مرحلة المراهقة بأمان وثقة، فإننا نكون قد ساعدنا في إنشاء جيل أخلاقي نبيل
ـــــــــــــــــــ(115/2082)
طلاب الحلقة يتغيبون أثناء الامتحانات، فما العمل؟
أجاب عليه ... فهد السيف
التاريخ ... 12/ 2/1427هـ
السؤال
أقوم بتعليم الطلاب القرآن وتحفيظهم إياه , ولكننى أشكو كثيراً من تغيب الطلاب، خصوصاً الذين هم في المرحلة الثانوية عن حلقة الدرس، في أيام الامتحانات أو عند قربها، فما العمل؟
الاجابة
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على خير المرسلين، وبعد:
بداية لتبشر أخي الكريم بالخيرية التي وصفك بها رسولك العظيم _صلى الله عليه وسلم_ حين قال: "خيركم من تعلم القرآن وعلّمه" , فأنت تعمل أشرف الأعمال وأعظمها أثرا وتبث في الأجيال الروح والريحان بتعليمهم القرآن الكريم الذي هو الهداية والنور المبين وهو الحبل المتين والسراج المنير . وأجيالنا تنصلح أحوالها كلما اقتربت من كتاب الله وتتراجع قيمتها وترتكس خطواتها كلما هجرته وبعدت عنه ولم تؤد حقه، فندعو الله لك ولأمثالك بالثبات على تلك الطاعة العظيمة .
أما بخصوص معاناتك من غياب تلاميذك في الحلقة من طلاب الثانوي أيام الامتحانات فإن مما أنبهك إليه:
• أن تتكيف وتتأقلم مع هذا الوضع، وإن لم يكن هو الوضع السليم، ذلك أن هذه الظاهرة تنتشر لدى الشباب في مثل هذا العمر، وهم – أحياناً – معذورون بسبب الامتحانات، وينبغي لنا أن نلتمس لهم العذر.
• ينبغي لك أن تضع أيام الامتحانات وما يتخللها من ضعف ضمن جدول أعمال الحلقة لئلا يتعثر سيرك، فيكون لها برنامج خاص.
• أقترح عليك طرح المشكلة عليهم، وإشراكهم في الهمّ معك لإبداء آرائهم وحلولهم وإحساسهم بالمشكلة، لتصلوا سوياً إلى حلول مشتركة تتفقون عليها.
• من المهم جداً أن يبقى ارتباط تلاميذك بالحلقة حتى لو انقطعوا عن الحفظ، بأي طريقة تشاء.
• من الحلول التي قد تفيد لبعض الحلقات أو تقلص المشكلة ما يلي:
1- اطلب منهم المراجعة فقط، دون حفظ جديد خلال هذه الأيام ثم الانصراف بعدها ليبقوا متعلقين بالحلقة.
2- اجعل لهم وقتاً للمذاكرة عندك في الحلقة، ووفّر لهم شيئاً من الرغبات، مثل: إعانتهم في المذاكرة، وتوفير الشاي وبعض الأكل الخفيف والجو المناسب وغيره.
3- تواصل معهم خلال هذه المدة هاتفياً وسلهم عن أدائهم في الامتحانات ومذاكرتهم، وكن عَوْناً لهم على التحصيل العلمي الجيد.
واعلم أنك ما تبذر بذراً إلا وسيبقى له أثر أو تحصده يوماً ما.
وفقك الله، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
ـــــــــــــــــــ
أريد أن أكون من الدعاة والمربين .. فماذا أفعل ؟(115/2083)
أجاب عليه ... خالد رُوشه
التاريخ ... 7/2/1427هـ
السؤال
نحن شباب في المرحلة الجامعية ننتمي إلى مؤسسة دعوية، وكان من ضمن أهدافنا في الوقت الحالي الاستزادة في القضايا التربوية والدعوية بتعمق، وذلك لكي نشق طريقنا للدعوة على أسس راسخة وقوية، فنحن نريد وسائل عملية مناسبة لهذه المرحلة لتحقيق هذا الهدف، وجزاكم الله خيراً.
الاجابة
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على النبي الأمين وبعد : الدعوة إلى الله هي أشرف الأعمال، فقد خص بها الله _تعالى_ رسله وأنبياءه، وهي أبرز مهام العباد الصالحين, وقد شاء الله لدعوة الإسلام أن تنتشر في ربوع الأرض وأن يكثر عدد المنتسبين إليها بصورة فائقة كبيرة, ودخلت الدعوة قطاعات مختلفة, وشارك فيها فئات من الناس مختلفون, وقد قامت صحوة مباركة لتلك الدعوة في السنين الأخيرة أعادت كثيراً من الناس إلى دينهم وأيقظت فيهم الإيمان والانتماء, إلا أن هناك عدة عقبات لا تزال الدعوة تشكو منها ومن أهمها قلة عدد المربين المؤهلين للعمل الدعوى التربوي, ما يجعل أعدادا كثيرة من الطيبين يتربون خارج المحاضن التربوية الملائمة فينعكس ذلك على سلوكهم وبنائهم الفكري والعلمي والتربوي, كذلك تشكو الدعوة من نقص البرامج التفاعلية الموجهة التي تعد هؤلاء المربين الأكفاء, إضافة إلى تأخر سن العطاء الذي يستطيع فيه الداعية المربى أن يعطي وأن يقدم لغيره.
وفي ظل الجهود المحاربة للإسلام والمعادية لدعوته التي طالت كل شيء يحيط بالمسلم في حياته, ومع مغريات الحياة ومشاغلها كان لابد للقائمين على العمل الإسلامي من أن ينهضوا نهضة قوية جدا, لترسيخ قواعد الدعوة إلى الله _تعالى_ وتخريج أجيال متتابعة ومتكاثرة لتصد تلك الهجمة الشرسة على الدعوة المباركة, وأنا هنا أوصي القارئ الكريم بعدة محاور أرى أهميتها الشديدة لكل ساع في ذاك السبيل, أوردها له بإيجاز على وعد قريب بالتفصيل فيها _إن شاء الله_ ، وهي:
أولاً: هدف التربية الإيمانية هو تزكية القلب وتطهيره , والوظيفة الأولى للدعاة إلى الله هي إصلاح القلوب عن طريق توحيدها ربها سبحانه وعبوديتها له تمام العبودية ومن ثم إعانة الناس على إصلاح قلوبهم , فالقلب السليم إذن هو نصب عين الداعية إلى الله , وهو ذاك القلب الذي سلم من كل أنواع الشرك ظاهره وباطنه , وسلم من الوقوع في أمراض الشهوات , وهو القلب الذي يتلقى أوامر الله _سبحانه_ بمنتهى التسليم والرضا , فهو يقطر إخلاصاً وتوحيداً , فالإخلاص يملأ جنباته والتوحيد يغلفه جميعاً ويستقر في سويدائه , فينبض عبودية تامة .
ثانياً: تتمثل أهم الأسس التي على الداعية أن يربي عليها نفسه في ثلاث أسس محورية لا يمكن الاستغناء عنها بحال، وهي :(115/2084)
1- العقيدة الصحيحة : فيجب ابتداء أن يتعلم كل داعية إلى الله عقيدته الصحيحة الثابتة , عقيدة أهل السنة والجماعة والسلف الصالحين وأن يتشربها قلبه وأن تتحرك بها جوارحة وأن تكون عقيدته هي منطلقه ومساره ومداره ومحور دعوته .
2- العلم الشرعي : فلا يصح لداعية أن يتصدى لدعوة الناس وتربيتهم إلا بعد أن يتعلم العلم الشرعي اللازم ويرسخ نفسه في أسسه وأصوله فيكون على علم بما يقول وعلى علم بما يوجه الناس إليه قال الله _تعالى_: " قل هذه سبيلي أدعو إلى الله على بصيرة أنا ومن اتبعن " .
3- العبادة بالإخلاص والإتباع : فلابد لكل داعية إلى الله أن يربي نفسه على أداء الفرائض حق الأداء وتحقيق النوافل , وتوطيد علاقته بربه سبحانه بسجوده في جوف الليل الآخر وقيامه بآيات القرآن الكريم , ولهج لسانه بذكر الله _سبحانه_ في كل وقت وحين.
ثالثاً: عدة الداعية إلى الله _تعالى_ أمران : الأول (هو الصبر) على دعوته مهما لاقى من آلام ومعوقات , والثاني (هو يقينه ) بصدق هذه الدعوة ونورانيتها وثقته بنصر الله _سبحانه_ لعباده الصالحين، قال الله _تعالى_ : " وجعلنا منهم أئمة يهدون بأمرنا لما صبروا وكانوا بآياتنا يوقنون ".
رابعاً: مراعاة اختيار العلماء الأثبات والدعاة النابهين وصحبتهم وتعلم سبيلهم والتفقه على أيديهم في شؤون الدعوة والتربية والتحرك بهذا الدين , فمن الخطأ الكبير أن يسلك الشاب بتصوره الفردي في عمله الدعوى أو أن يعتمد في توجيهه على مبتدئين قليلي الخبرة ضعيفي العلم , فإنه إن فعل ذلك فقد الطريق الأمثل وضل السبيل الأهدى ..
خامساً: خلق الداعي هو عطره وسمعته , والدعاة سيئي الخلق قد كتبوا قصة فشلهم بأيديهم وتسببوا بأنفسهم في نفرة الناس عنهم , فحسن خلقك أيها الشاب الراغب في ذلك واسأل الكبار عن نواقصك واطلب منهم النصح الخالص وانتصح بقولهم .
سادساً: على الشاب المؤمن الراغب في سلوك سبيل الدعاة إلى الله والمربين أن يطبق أهم الوسائل التي تربي قلبه وتهذب نفسه وتحسن خلقه وأهمها التوبة النصوح من الذنب السابق والتعلق بالآخرة بكثرة ذكر الموت والزهد في الدنيا زهد الصالحين والبكاء من خشية الله ودعاؤه _سبحانه_ أن يقبله من عباده المتقين .
ـــــــــــــــــــ
أحافظ على الصلاة والصيام.. وأشاهد الأفلام الإباحية، فما العمل؟
أجاب عليه ... خالد رُوشه
التاريخ ... 28/1/1427هـ
السؤال
أنا شاب أحفظ القرآن الكريم، وأحافظ على الصلوات في جماعة، وأجتهد في صلاة النوافل، وصيام التطوع، إلا أنى ابتليت بمشاهدة الأفلام الإباحية، وأجاهد نفسي في تركها، إلا أنى أضعف، وأنا الآن أبحث عن زوجة كي أقفل هذا الباب، ولكن يصيبني قلق شديد خوفاً من أن أظلم من أرتبط بها، أو أن يعاقبني الله بها فلا يكون بيتاً به مودة وسكينة بما قدمت يدي... فما العمل؟ أجيبوني حفظكم الله.(115/2085)
الاجابة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
إن الذنب الذي قد ذكرت أنك واقع فيه هو ذنب قبيح لا يليق بالمؤمنين الصالحين، وإنما هو من تزيين الشياطين لك ليفسدوا عليك إيمانك وليذهبوا أثر طاعاتك فتصير أسيراً لشهواتك، وتسيطر عليك الحيوانية والرغبة الدائمة في ارتكاب المنكر، فرؤية الأفلام الإباحية فيه من الشرور ما يمكن أن يفسد قلب المرء ويضعف إيمانه، فإن فيه اطلاع على العورات المحرمة، وإثارة للغرائز في غير ما أحل الله، وإمراض للقلب بمرض الشهوة، وفيه زنى للعين، وفيه قضاء الأوقات في سخط الرب _سبحانه_، وفيه التفاف الشياطين من حولك أثناء مشاهدة تلك الأفلام فلا تأمر نفسك بمعروف ولا تدعها إلى خير، وهو مجلس لا يذكر فيه اسم الله أبداً، وفيه قعود عن الطاعة ورضا بالمنكر، وضياع للحياء بين العبد وبين ربه.. وغير ذلك من الآثار القبيحة المشينة التي تقعد بالعبد عن المعالي وتجذبه لدونية الذنب، فيسود وجهك بذلك العمل وتذهب وضاءة العبادة..
ونصيحتي لك تكون عبر المحاور الآتية:
أولا: المسارعة بالتوبة: وأول خطوات التوبة معرفة قبح الذنب الذي تقيم عليه وتداوم عليه، وغضب الرب _سبحانه وتعالى_ منه، ثم الندم الحارق لكل حب لذلك الذنب في القلب، وإياك وخداع النفس بتوبة مزيفة يبقى معها حب الذنب في قلبك، فعليك أن تخلع محبة الذنب من قلبك بندم لفعله وندم لتكراره، ومبعث هذا الندم هو حرقة تجدها في قلبك كلما تذكرت أنك قد عصيت ربك وأنت الشاب الحافظ للقرآن والساجد له في الصلوات الخمس كل يوم وليلة، ثم أن تعزم عن ترك رؤية تلك الآثام وما يدعوك إليها ومن ذلك قطع العلائق المتعلقة بتيسيرها لك، على ألا تعود إليها أبدا، معاهدا ربك سبحانه على ابتداء زمن جديد بتوبة صادقة.
ثانيا: الضعف الذي قد تجده في قلبك لمشاهدة تلك الأفلام الإباحية مصدره هو الفراغ القلبي من الاشتغال بالنافع المفيد، فلو أن أوقاتك تلك قد شغلتها بما يعين على ذكر الله أو طاعته أو المباح الذي يمكن أن ينفعك أو يعود بالخير على أمتك فإنك لن تجد وقتا لممارسة تلك الذنوب والوقوع في تلك المحرمات، كذلك فذاك الضعف لضعفك في الاستعانة الحقيقية بالله سبحانه، فلو أنك قد استعنت بربك لأعانك على ترك الذنب، فادعو ربك مخلصا من قلبك أن يعينك على ترك الذنب.
ثالثا: القلق الذي تشعر به خوفاً ألا يوفقك الله للزوجة الصالحة نتيجة إقامتك على الذنب وتكراره، قلق قد يكون له وجه صحيح من ناحية النظر، ولكنك يجب أن تعلم أن رحمة الله واسعة وأنه _سبحانه_ يجيب عبده المضطر إذا دعاه ويكشف السوء، فلو أنك قد أحسنت اللجوء إليه والتوبة من ذنبك وسؤاله _تعالى_ الزوجة الصالحة التي تكون لك عوناً على العمل الصالح فإنه سبحانه يستجيب لك ويرزقك بها ويقدر لك الخير كله، فمدار أمرك على القرب منه _سبحانه_ والتوبة من ذنبك والدعاء الصادق المخلص والشعور بالفقر والعبودية له عز وجل.
رابعاً: أدعوك إلى التوازن النفسي والتعقل والحكمة السلوكية، فلا يقبل بحال كونك تحفظ كتاب الله وتصوم النهار وتصلي في الجماعة ثم أنت تستمر على ذنب كهذا،(115/2086)
فأين التوازن إذن ؟ وأين طهارة الباطن إذن التي يحاسب عليها الرب سبحانه؟ فإن العمل الظاهر إذا لم يؤثر في قلب المرء وباطنه فيقومه ويحسنه فهو عمل ناقص يحتاج إلى مراجعة وأربأ بك أن تكون ممن حسن ظاهرهم أمام الناس وساء باطنهم أمام الله.
خامساً: سارع بالبحث عن زوجة صالحة تقية واسأل الله العون في ذلك فهو الكريم _سبحانه- وهو وحده القادر على غفران الذنب ومحوه والرزق بالخير العاجل والآجل فله وحده السؤال والرجاء ومنه وحده العون والمؤنة
ـــــــــــــــــــ
أعمال القلوب.. قوارب النجاة
أجاب عليه ... خالد رُوشه
التاريخ ... 21/1/1427هـ
السؤال
ما هي أعمال القلوب، وما أهميتها، وما هي الأعمال التي إذا حققتها صارت بقية أعمال القلوب متحققة أو تكاد؟ وهل عليها ثواب وعقاب؟ وما الترتيب الأمثل لأعمال القلوب؟ وجزاك الله خيراً.
الاجابة
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
الله _سبحانه_ قد أمر بتطهير القلب وتزكيته، وجعل ذلك من غايات رسالة الرسل أجمعين، وواجب علينا جميعا أن نراجع حال قلوبنا مع الله _سبحانه_، وأن نسعى لتزكيتها وتطهيرها قال ابن القيم _رحمه الله_: في قوله _تعالى_: "وثيابك فطهر": جمهور المفسرين من السلف ومن بعدهم على أن المراد بالثياب هنا هو القلب، بل قال _سبحانه_ عن الفاسدين والمبعدين عن رحمته وفضله: "أُولَئِكَ الَّذِينَ لَمْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يُطَهِّرَ قُلُوبَهُمْ لَهُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ" (المائدة: من الآية41)، فجعل عدم تطهير تلك القلوب من أهم الأسباب الموجبة للعذاب.
بل لزمنا جميعاً أن نتعرف على أعمال القلوب، ونعلم مقدار ما لدينا منها، وماذا ينقصنا، فقد قال _صلى الله عليه وسلم_: "ألا وإِنَّ فِي الْجَسَدِ مُضْغَةً إِذَا صَلَحَتْ صَلَحَ الْجَسَدُ كُلُّهُ وَإِذَا فَسَدَتْ فَسَدَ الْجَسَدُ كُلُّهُ أَلا وَهِيَ الْقَلْبُ" رواه البخاري ومسلم.
وقال الله _سبحانه_: "هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ" فقدم التزكية على التعليم من باب تقديم الغرض والغاية على الوسيلة التي تؤدي إليها، فالأصل هي: تزكية هذه القلوب التي هي موضع نظر الله من العبد كما في الحديث: "إِنَّ اللَّهَ لَا يَنْظُرُ إِلَى صُوَرِكُمْ وَأَمْوَالِكُمْ وَلَكِنْ يَنْظُرُ إِلَى قُلُوبِكُمْ وَأَعْمَالِكُمْ" رواه مسلم، وهذه القلوب هي محل الابتلاء والتمحيص ومحل أهم الأعمال وأعظمها..
والمراد بالأعمال القلبية هي تلك الأعمال التي يكون محلها القلب، وترتبط به، وأعظمها الإيمان بالله _عز وجل_، ولذلك نجد آيات كثيرة تتحدث عن أعمال القلوب، وأعظم هذه الأعمال بلا ريب هو الإيمان، فالإيمان في الحقيقة هو إيمان القلب، ولهذا قال _تعالى_: "وَلَكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ"(115/2087)
[الحجرات:7] هذا بالإضافة إلى المحبة لربه، والخوف والرجاء، والخشوع والتوكل والإنابة، والصبر واليقين، والخشوع، وما إلى ذلك، أما أعمال الجوارح فإنها لا تكفي من دون أعمال القلب، فالإيمان هو إيمان القلب، والتقوى هي تقوى القلب، كما قال الله _سبحانه_: "ذَلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى الْقُلُوبِ" [الحج:32] ويقول _صلى الله عليه وسلم_: "التَّقْوَى هَاهُنَا، التَّقْوَى هَاهُنَا، التَّقْوَى هَاهُنَا، وَيُشِيرُ إِلَى صَدْرِهِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ" رواه مسلم.
وأعمال القلوب كأعمال الجوارح يتعلق بها الثواب والعقاب أيضاً، فكما أن المرء محاسب على قول لسانه وفعل جوارحه فهو محاسب على عمل قلبه
وقد علمنا الشرع الحنيف أن الله _تعالى_ لا يقبل من الأعمال إلا ما خرج من قلب سليم فقال _سبحانه_: "يَوْمَ لا يَنْفَعُ مَالٌ وَلا بَنُونَ إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ" (الشعراء:88، 89)، والقلب السليم هو الذي خلصت عبوديته لله _سبحانه_ وخلص عمله له وهو السالم من كل شبهة وشهوة تخالف أمر الله وخبره _سبحانه وتعالى_.
ومن ظن أن أشد ابتلاء العبد هو ابتلاؤه في جسده فقد أخطأ إنما هو ابتلاء القلوب قال الله _سبحانه_: "وَلِيَبْتَلِيَ اللَّهُ مَا فِي صُدُورِكُمْ وَلِيُمَحِّصَ مَا فِي قُلُوبِكُمْ" (آل عمران: من الآية154)، وقال _سبحانه_: "أُولَئِكَ الَّذِينَ امْتَحَنَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوَى" (الحجرات: من الآية3).
وأعمال القلوب يتوقف عليها أعمال الجوارح، فالإخلاص مثلا وهو عمل قلبي إذا فقد من عمل فإن ذاك العمل يحبط ويرجع على صاحبه فإن الله _سبحانه_ لا يقبل من العمل إلا ما كان خالصاً لوجهه، وفي إحدى الغزوات قال الصحابة _رضوان الله عليهم_: ما قاتل من اليوم إلا فلان – من شدة قتله للمشركين -، فقال النبي _صلى الله عليه وسلم_: "هو في النار" فما لبث أن اتكأ على سيفه فقتل نفسه، والحديث في الصحيحين عن سهل الساعدي _رضي الله عنه_، وربما يكون ذلك مع وجود من هو من أهل الإيمان والتقوى ومن أهل الجنة في المعركة ولم يعمل مثله، فالله لا يقبل الأعمال التي يخالطها الإشراك فتصير عبادة العبد الظاهرة كالصلاة، أو الصيام، أو غير ذلك ليس له منها إلا التعب، ثم يعاقب عليها.
كذلك فأعمال القلوب أنها أساس النجاة من النار والفوز بالجنة كالتوحيد فهو عبادة قلبية وسلامة الصدر للمسلمين عبادة قلبية، وقد ورد من حديث أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قول النبي _صلى الله عليه وسلم_: "يَطْلُعُ عَلَيْكُمْ الْآنَ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ"، فيتبعه عبد الله بن عمرو بن العاص فلا يجد له كثير عمل يتفضل به غير أنه يبيت وليس في قلبه شيء لأحد من المسلمين، فيقول له عبد الله: "هَذِهِ الَّتِي بَلَغَتْ بِكَ وَهِيَ الَّتِي لَا نُطِيقُ" رواه أحمد.
كذلك فإن أعمال الجوارح كما ذكر ابن القيم رحمه الله- في (مدارج السالكين) لها حد معلوم وأما أعمال القلوب لا حد لها، بل تضاعف أضعافاً، وذلك لأن أعمال الجوارح مهما كثرت وعظمت لها وقت معلوم، أما العبادات القلبية فإنها إذا استقرت في قلب العبد، فإنها تكون ملازمة له على كل حال.
أما عن أهم أعمال القلوب فهو النية الصالحة بالإخلاص لله _سبحانه_ وحده لاشريك له فهو رأس مال العبد الصالح ومدار سلامة قلبه، والتسليم له _سبحانه_ والرضا به(115/2088)
رباً وبالإسلام دينا وبمحمد رسولاً وبالقدر ووقائعه، والمحبة له _سبحانه_ ولدينه ولنبيه ولكتابه والمحبة فيه _سبحانه_ لعباده المؤمنين، والخوف والوجل منه _سبحانه_ الذي هو أساس تقواه، والتوكل عليه _سبحانه_ والصبر على طاعته الذين هما أساس البذل لدينه والثبات عليه.
والله أعلى وأعلم.
ـــــــــــــــــــ
الهدية والأثر التربوي
أجاب عليه ... خالد رُوشه
التاريخ ... 14 / 1 /1427هـ
السؤال
عندي ثلاثة أولاد _والحمدلله_ والكبير عمره أربع سنوات وعملي طبيب, وأحياناً أجد كثيراً من الأسئلة في ميدان التربية ولا جواب عندي لها، فاهمها:الهدية وأثرها ومناسبتها للعمر المناسب، وكيف تكون طريقة إعطائها، هل بعد أن ينفذ ابني ما طلب منه؟ أم تكون في المناسبات؟ وهل كل عمر يميل لنوع محدد من الهدايا؟
الاجابة
أبتدئ الجواب على سؤالك بشكرك على نضجك وفهمك لأهمية التفاصيل الحياتية لخاصة بأولادك؛ لأن كثيراً من الآباء يهملون هذه الجوانب، وتلك التفاصيل ظانين أنها لا تؤثر في أطفالهم، وأن الطفل يستوي عنده كل شيء، وهذا ظن خاطئ فإن عقل الطفل وتركيبته الذهنية هي أشد ما يكون تأثراً بالتفاصيل والمواقف وردود الأفعال .
وسؤالك عن الهدية التي يهديها الأب لأطفاله سؤال هام؛ لأنها في أحيان كثيرة لا توجه التوجيه الصحيح فيما يخدم النشأة المستقيمة سواء على المستوى النفسي أو المستوى الخلقي، ويكفينا أن نعرف أن هدايا الطفل في المرحلة العمرية ما بين 5 سنوات إلى 10 سنوات يصعب أن تمحى من ذاكرة الطفل طوال عمره حتى يكبر ويهرم ..
وقد علمنا النبي _صلى الله عليه وسلم_ قيمة الهدية , فقال في الصحيح: " تهادوا تحابوا" وهو في الأدب المفرد وله شواهد كثيرة , كما جاء في حديث عائشة _رضي الله عنها_ في الصحيح : "يا نساء المؤمنين تهادوا ولو فرسن شاة، فإنه ينبت المودة ويذهب الضغائن".وليس المقصود هنا التحاب بين الوالد لولده فحسب بل المقصود هنا زيادة التقدير للأب في وعي الولد وأن تكون الهدية موجها سلوكيا مقصودا .
ويجب أن يوضح الآباء مفهوم الهدية لأبنائهما بقدر تفهم الابن وبحسب ما يناسب عمره ولنعلم أبناءنا أن الهدية هي تعبير رقيق عن مشاعر الحب والمودة , وهي رغبة في التقارب القلبي وهي أيضاً تعبير عن التقدير للسلوك الحسن والخلق المميز والعمل الناجح , كما يهمنا تعليم الولد قبول الهدية مهما كانت صغيرة وأن أثرها ليس بقيمتها ولكنه بمقدار الشعور الصادق الذي يصحبها .
وههنا أود أن أتوقف معك عند عدة ملاحظات هامة فيما يخص الهدية من الوالدين للأبناء :(115/2089)
أولاً : يمثل إهداء الوالدين الهدايا لأبنائهما نوعاً مهما من التدعيم النفسي والوجداني، ونوعاً مطلوباً من الرحمة والمودة التي يحتاجها الأبناء في مختلف المراحل , فلا ينبغي الإهمال في هذا الجانب بقدر الاستطاعة.
ثانياً : من المهم توجيه موضوع الهدية توجيها مقصوداً , إذ من الخطأ أن نهمل وسيلة ناجعة ومؤثرة في توجيه سلوك الطفل ونتركها تعتمد على العشوائية , فبعض الآباء لا يشتري الهدية إلا كلما طلب الولد ولا يشتريها إلا لأجل إسكاته عن الطلب والبكاء، وهذا من الخطأ الواضح.
ثالثاً : الهدية من الوالدين يجب أن يكون لها عدة أهداف هامه : فأولها تدعيم السلوك المرغوب فيه من الوالدين أو الحث عليه كأن يهدى الابن هدية، ويقال له: إنها لك؛ لأنك قد قمت بسلوك طيب حسن في موقف كذا وكذا أو يقال له: لأننا نريد منك الامتثال بهذا السلوك الطيب الذي قد قمت به من قبل وليكن عندك صفة دائمة ..أو مثال ذلك , وثانيها توجيهه نحو اهتمام معين بموضوع الهدية مثل أن نشتري له برنامجاً من برامج الحاسب مثلا يعلم كيفية الابتكار والاختراع والتفكير الإبداعي أو نشتري له كتاباً يوجه نحو فكر مطلوب أو نشتري له مجموعة قصصية إيجابية ذات مغزى مؤثر .. وغيره .. وثالثها : المكافأة على الإنجاز بحيث يتم تثبيت فكرة قبول الإنجاز الذي أنجزه وتقديره وبيان أثره وقيمته..
رابعاً : من المهم ألا ترتبط الهدية ببكاء الطفل أو بإلحاح الولد بأي حال؛ لأنها حينئذ تفقد معناها التربوي المقصود، ويكون حالها كحال طعام طلبه واشتريناه له أو مثله , وإنما الصواب كما ذكرنا آنفاً أن ترتبط في ذهنية الولد بموقف أو سلوك أو قيمة أو مبدأ .
خامساً : لابد من ملاحظة اختلاف نوعية الهدايا باختلاف المراحل العمرية المختلفة، وليراعِ الآباء اعتبار نمو ذهنية الطفل واتساع مداركه , فمن الأخطاء الشائعة مثلاً اقتصار الهدايا على لعب الأطفال وحسب , أو اقتصارها على العرائس للبنات أو اقتصارها على السيارات والدبابات والمركبات للأولاد .. فكل هذا تضييع لمعنى الهدية..
سادساً : رأى التربويون أنه من الخطأ اصطحاب الأطفال إلى محلات ودكاكين لعب الأطفال، حيث ينبهر الابن بكثرة الألعاب التي يراها، وحينئذ لا يكفيه أي مقدار من اللعب يشتريه له الأب , كذلك لن يقنعه أي اختيار اقتناعاً كاملاً .
سابعاً : طريقة تقديم الهدية للأبناء فن آخر , فيلزم تقديم الهدية في جو مناسب من الفرح والسعادة ويبتدئ ذلك بذكر سبب الهدية والرجاء منها وشكره وتقديره وغيره.
ثامناً : يجب ألا تقتصر الهدايا أن تكون مقدمة من الأب فقط ، ولكن ليراع الوالدان أن تكون الهدايا مقدمة من جميع أفراد الأسرة لبعض تقوية لصلاتهم ، وبثاً لمفهوم تقدير السلوك المميز.
تاسعاً : الهدية في المناسبات هي أسلوب تربوي ناجح، حيث يتم بها التأكيد على أفضلية هذا اليوم وحبه وقيمته – كأيام العيد مثلاً – ويوم أن يتم حفظ القرآن، ويوم أن يبلغ سبع سنين ليلتزم بالصلاة في مواقيتها كاملة وغيره.(115/2090)
عاشراً : من الحسن المناسب أن ينتبه الوالدان إلى أن ترتبط الهدية بميول الابن ومواهبه لتساعده في ذلك وتحببه في ذاك الميول الإيجابي كأن يكون له ميول للكتابة مثلاً، فعندئذ نهديه ما يساعده على ذلك أو غيره.
ـــــــــــــــــــ
كيف أصبح سريعاً في قراءة الكتب؟
أجاب عليه ... جمّاز الجمّاز
التاريخ ... 7/ 1 /1427هـ
السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
كيف أصبح ماهراًً في القراءة؟ بحيث إني أنجز أكبر قدر من الكتب .
الاجابة
الحمد لله رب العالمين، وبعد:
إن السرعة المناسبة في القراءة تعتمد على نوع المقروء، وعلى الغرض من القراءة، فقراءة الجرائد مثلاً يمكن الإسراع فيها أكثر من الموضوعات العلمية، وهكذا إذا كان الغرض الفهم، ليس الحفظ، أو التصفّح لتكوين فكرة عامة، ليس البحث عن معلومة سبق له قراءتها، وينبغي أن تعلم أن العبرة بالفهم والاستيعاب، لا بكثرة الصفحات وإنهاء المجلدات، وسوء الفهم عند فئام من الناس كثير، سببه السرعة المفرطة في قراءتهم، فافهم ذلك جيداً، ومن الأمور المعينة على إنجاز أكبر قدر من الكتب قراءة أو ضبطاً:
1- الجد والاجتهاد، والصبر والمصابرة، والتأني للفهم والهضم، وعدم استعجال الثمرة.
2- اتباع القراءة بالعمل، فالمردود السريع يشعر القارئ بفائدة قراءته.
3- التواضع وترك الغرور، مثل قول بعضهم: أنا لا يهمني إن كان الكتاب كبيراً أو صغيراً، صعباً أم بسيطاً، فأنا أفهم كل شيء.
4- التدرج في القراءة، كالبدء بالكتب السهلة قبل الصعبة، وبالصغيرة قبل الكبيرة، وبالميسرة في الفن قبل المتقدمة فيه.
5- التنويع في القراءة والمطالعة، واشتمالها على عدة فنون.
6- القراءة على الشيوخ أو طلبة العلم المتمكنين.
7- العناية بقراءة مقدمات الكتب، وعدم القراءة مباشرة في صلب الموضوع.
8- اللجوء إلى الله _تعالى_ إذا استغلق الفهم وسؤال التيسير.
9- تجاوز ما لا يُفهم، حتى لا يضيع الوقت، ويحصل الملل، والعودة إليه فيما بعد، أو السؤال عنه، أو قراءة مثله في كتب ميسرة.
10- التغلب على مشكلة الشرود وعدم التركيز، وإيجاد الحلول المناسبة لها.
والله أسأل لك التوفيق والسداد، وصلى الله وسلم على نبينا محمد بن عبد الله وعلى آله وصحبه أجمعين.
ـــــــــــــــــــ
أنا داعية أصابني اليأس.. فما العمل؟(115/2091)
أجاب عليه ... خالد رُوشه
التاريخ ... 1/1/1427هـ
السؤال
أعمل في حقل الدعوة إلى الله منذ سنوات طويلة, ولكنني يصيبني اليأس والهموم الكثيرة عندما أنظر خلفي عبر السنين التي مارست فيها الدعوة إلى الله فلا أجد نتيجة تناسب مجهودي ولا تتفق مع الآمال والأهداف التي وضعتها لدعوتي, وربما قلت في نفسي: هل الدعوة فيها خطأ أم الخطأ منى شخصياً؟ ولماذا لم أر نتائج عملي ولماذا لم تتحقق أهدافي؟!! أجيبوني مشكورين مأجورين.
الاجابة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
إن الدعاة إلى الله كثيراً ما يحبون أن يروا نتائج بذلهم بأعينهم ويعايشوا نجاح دعوتهم بأنفسهم, فتفرح حينئذ نفوسهم بإنجازهم ويشعرون بالسعادة على نجاح سعيهم, وهي عادة طبيعة الإنسان, فهو يحب أن يرى ما زرعت يداه كثمرة لجهوده فيفرح حينئذ بمرآها كما يفرح الفلاح برؤية منظر ثماره التي زرعها بنفسه وتعهدها بيده وسقاها من عرق جبينه.
وقد يصيب الداعية إلى الله بعض الحزن والألم لما يجد بعض الإعراض من الناس أو يرى عدم الانتشار المأمول لدعوته ولفكرته الإيمانية التي ضحى من أجلها بالوقت والجهد وقد عالج الشارع الحكيم هذه الأزمة التي قد تمر بالدعاة علاجا حكيما عظيما يجب أن يتعلمه كل الدعاة وأن يتدبره كل المؤمنين.. ونحاول بيانه لك في نقاط بإيجاز:
أولا: أن الله _سبحانه_ قد وعد بنصرة رسله والتابعين لهم من الدعاة إلى الله، فقال: " إنا لننصر رسلنا والذين آمنوا في الحياة الدنيا ويوم يقوم الأشهاد " وقال _سبحانه-: " وإن جندنا لهم المنصورون". ووعده _سبحانه_ وعد حق وصدق لا يتخلف أبدا..فيجب أن يوقن الدعاة إلى الله في كل مكان بذلك الوعد الحق, ويجب ألا ييأسوا ولا يقنطوا ولا يقعدوا ولا يكسلوا بل يمارسوا العمل الدؤوب والبذل المستمر سائلين الله النصرة والعون والتوفيق.
ثانياً: أن هذا النصر للدعاة إلى الله والرسل لا يتخذ صورة واحدة هي صورة النصر بالغلبة المباشرة ودحر العدو كما يظن البعض, بل قد تكون له صور متعددة ومتكاثرة, فثبات الدعاة على دعوتهم ومبادئهم وقيمهم رغم الزلازل هو نوع من النصر وانتشار الدعوة نوع من النصر بل إن نيل الشهادة هو نصر بذاته, ولو كان الأمر في الدعوة كما يظن هؤلاء بأن النصر ماله غير تلك الصورة في النصر المباشر بالغلبة ودحر عدوهم لكان كثير من أنبياء الله ـ صلوات الله عليهم ـ محكوما عليه بالإخفاق، وحاشا لأنبياء الله الكرام أن يوصفوا بهذا، رغم قلة المؤمنين بدعوتهم, فهذا نوح عليه السلام يدعو قومه ويمكث فيهم ألف سنة إلا خمسين عاما ورغم هذا المكث الطويل فإنه لم يؤمن من قومه إلا قليل، قال _تعالى_: " حتى إذا جاء أمرنا وفار التنور قلنا احمل فيها من كل زوجين اثنين وأهلك إلا من سبق عليه القول ومن آمن وما آمن معه إلا قليل ", وهذا النبي يحيى _عليه السلام_ قد قتلته(115/2092)
يهود, وهذا النبي عيسى _عليه السلام_ قد رفعه الله إليه... وغيرهم كثير وكذلك كان أمر كثير من الأنبياء فإنهم يحشرون يوم القيامة، ومع بعضهم الواحد والاثنين والثلاثة، وبعضهم لا يكون معه أحد من المؤمنين. أخرج الترمذي من طريق ابن عباس _رضي الله عنهما_ قال: " ولما أسرى النبي _صلى الله عليه وسلم_ جعل يمر بالنبي والنبيين ومعهم القوم، والنبي والنبيين ومعهم الرهط، والنبي والنبيين وليس معهم أحد ".
ثالثا: إن الله _سبحانه_ قد علم رسوله _صلى الله عليه وسلم_ هذا المعنى عند أمره بالدعوة والتبليغ ولم يطالبه بالنتيجة، فقال: " فإن أعرضوا فما أرسلناك عليهم حفيظاً إن عليك إلا البلاغ ". وقال " فهل على الرسل إلا البلاغ المبين ", فأمر الهداية بيد الله _تعالى_، وهو القائل: " إنك لا تهدي من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء ".
وقد قص علينا النبي _صلى الله عليه وسلم_ قصة غلام الأخدود وكيف أنه بذل نفسه لتنتصر دعوته فلما صدق في ذلك وفاضت روحه قضى الله بالانتشار لدعوته, بل إن هناك معنى آخر في قصة الأخدود وهو عذاب القوم الذين آمنوا بعد الغلام وإلقائهم في الأخاديد وثباتهم في ذلك وكأنهم قد وعوا الدرس جيداً، فعلموا أن النتائج بيد الله، وأن عليهم الثبات إلى النهاية.
رابعاً: بين القرآن الكريم أن النصر إنما يتأتى لأهل الإيمان عند تمام التسليم له وهو حال شعورهم بالتضييق والتعب, بل لعل الإشارة القرآنية تدل على أهمية وجود تلك المرحلة الوسيطة بين الدعوة والاستجابة وهي مرحلة الشدة التي قد يمر بها الدعاة وهي دلالة قوله _تعالى_: " وظنوا أنهم قد كذبوا " والوصول إلى هذه المرحلة وسيط بين الدعوة وبين المرحلة الثالثة " جاءهم نصرنا ", وإلى ذلك يشير الإمام ابن كثير إذ يقول: " يذكر _تعالى_ أن نصره ينزل على رسله _صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين_ عند ضيق الحال وانتظار الفرج من الله في أحوج الأوقات إليه، كقوله _تعالى_: "وزلزلوا حتى يقول الرسول والذين آمنوا متى نصر الله ".
ـــــــــــــــــــ
أعاني من الوحدة وقلة الأصدقاء..
أجاب عليه ... خالد رُوشه
التاريخ ... 25/12/1426هـ
السؤال
سؤالي، هو: أني أبلغ من العمر30 عاماً، وأعاني من الوحدة وقلة الأصدقاء، ولي عدة سنوات ملتزم فيها - الحمد لله - ولكن أعجز عن تكوين علاقة وثيقة بأحد، رغم الملاطفة مع الناس، وخاصة المتدينين رغم أنني أعرف الكثير لكن دون علاقة حميمة.. أرشدوني إلى الحل!
الاجابة
الحمد لله رب العالمين وبعد: لقد كفل الله _سبحانه_ السعادة التامة والحياة الهنيأة لمن أنس به _سبحانه_ واستغنى به عمن سواه وأكثر من ذكره وبالغ في شكره وتوكل عليه ورضي بقضائه..(115/2093)
كذلك فقد أمرنا _سبحانه_ بدعم العلاقات بين أهل الإيمان بعضهم بعضاً تعاوناً وموالاة في سبيل الله وكفل لهم الرحمة والهناءة، إذ يقول _سبحانه_: "وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ" (التوبة:71).
والدراسات التربوية الاجتماعية تكشف عن أثر التفاعل الاجتماعي وشبكة العلاقات الاجتماعية التي يعيش المرء في ظلها على السعادة, وفي بحث قام به أحد المعاهد البحثية العالمية وجد أن للحياة الأسرية والصداقات نسبة لا تقل عن 41% من نسبة الصفاء النفسي الإيجابي (بحث قام به معهد كامبل للدراسات النفسية والاجتماعية) ويمثل العون المادي والدعم الانفعالي في الفرح والحزن والمشاركة في الاهتمامات أهم ما يفضله الكثيرون من صداقاتهم وعلاقاتهم..
وأحب أن أتناول الرد على استشارتك من خلال عدة محاور هامة:
أولاً: بين العزلة والخلطة:
اختلف أهل العلم بين فضيلتي العزلة عن الناس وقلة الاحتكاك بهم والتعامل معهم أوالخلطة بهم وكثرة التعامل والتفاعل معهم, وأيهما أفضل للمؤمن, وأسوق لكم كلام الإمام ابن القيم _رحمه الله_ توفيقاً بين الأقوال وتبصيراً بالقول الأصوب والأرجح إذ يقول ابن القيم رحمه الله: "فأما ما تؤثره الخلطة: فامتلاء القلب من دخان بني آدم حتى يسود, ويوجب له تشتتاً وتفرقاً وهماً وغماً وضعفاً وحملاً لما يعجز عن حمله من مؤنة قرناء السوء وإضاعة مصالحه والاشتغال عنها بهم وبأمورهم وتقسم فكره في أودية مطالبهم وإراداتهم، فماذا يبقى منه للدار الآخرة؟.. ثم قال: وهل آفة الناس إلا الناس؟ وهل كان على أبي طالب عند الوفاة أضر من قرناء السوء؟ مازالوا به حتى حالوا بينه وبين كلمة توجب سعادة الأبد!..ثم قال: والضابط النافع في أمر الخلطة أن يخالط الإنسان الناس في الخير, كالجمعة والجماعات, والأعياد والحج وتعلم العلم والجهاد والنصيحة ويعتزلهم في الشر وفضول المباحات.. ثم قال: وإذا دعت الحاجة إلى خلطتهم في فضول المباحات فليجتهد أن يقلب ذلك المجلس طاعة لله إن أمكنه...ثم قال: فإن أعجزته المقادير عن ذلك فليسل قلبه من بينهم كسل الشعرة من العجين، وليكن فيهم حاضراً غائباً قريباً بعيداً نائماً يقظاً ينظر إليهم ولا يبصرهم ويسمع كلامهم ولا يعيه؛ لأنه قد أخذ قلبه من بينهم ورقي به إلى الملأ الأعلى..." (مدارج السالكين).
ثانياً: انظر ما عليك قبل أن تسأل ما لك..
فبعض منا قد يتساءل لماذا لا يجتمع الناس حولي؟ لماذا لا تتكون لدي شبكة علاقات حميمية؟ هل لأن الناس يحسدونني؟ أم لأنهم نفعيون مصلحيون وفقط؟ وللأسف فإنه لا يسأل نفسه الأسئلة ذات الوجه الآخر: هل لأنني لا أؤدي حقوق الناس التي علي؟ هل لأن أخلاقي تحتاج إلى تعديل وتقويم؟ هل لأنني منطو على نفسي وقليل المبادرة والتعارف؟ هل لأنني متجهم الوجه في غالب أحياني؟..إلى غير ذلك من الأسئلة التي يجب أن يسألها المرء نفسه قبل أن يتهم الآخرين.. ومن هنا لزم المرء قبل أن يسأل(115/2094)
ما سبب وحدتى وتفردي أن يصلح نفسه على ذلك المستوى ويصلح أخلاقه ومعاملاته..
ثالثاً: المبادرة شرارة التعارف..
لا شك أن الذين يفضلون الصمت والسكوت في كل حال والابتعاد والتجهم والترفع والانطواء عن الناس هم أقل الناس تعارفاً بالناس وأقل الناس صداقة بالناس, فالمبادرة هي الشرارة الأولى لتكوين العلاقات الاجتماعية ولبناء التعارف والتواد, فلا تنتظر حتى يقدم عليك أخوك، بل بادر أنت واذهب إليه وتعارف به تملأ وجهك الابتسامة الوضاءة وتحر الأوقات المناسبة لذلك وانتق الكلمات الرقيقة في ذلك كأن تقول له: أخي الكريم رأيتك قبل ذلك وتمنيت لو تعارفت بك في الله وانفتح قلبي لك, أو غير ذلك مما يناسب المقام.. يقول المربي الفاضل الأستاذ عباس السيسي في كتابه (الدعوة إلى الله حب): إن صلة القلوب لا تحتاج إلا إلى صدق النية وصدق الحب, وإن كلمة واحدة في نظرة واحدة صادقة وخطوة مخلصة تكفي لإيقاظ القلب وإنعاش الروح للسير في ذات السبيل, وإنه من أعظم ما تفضل الله به علينا هو نعمة الحب في الله فإن الإنسان في حاجة إلى قلب يئن معه ويستشيره ولابد من شكوى إلى ذي مروءة, وخُلُق وعلم وحكمة وإيمان".
ـــــــــــــــــــ
كظم الغيظ.. والرضا بالقضاء
أجاب عليه ... خالد رُوشه
التاريخ ... 29 / 11 /1426هـ
السؤال
دخلت دورة شرعية ولم أكملها، وذلك بسبب شروطها الصعبة، وأحسست بمعاناة شديدة، وأنني ضيعت فرصة لا تعوض؛ لأن حلم حياتي أن أصبح داعية ، ونقص وزني وأصبحت انطوائية، ولكن قررت الدخول في التحفيظ، ولكن واجهتني مشكلة، وهي: سوء معاملة المديرة للطالبات والمعلمات.
وفي يوم من الأيام اتهمت طالبات فصلي بتهمة بغير أي دليل، وقامت بشتم المعلمة أمام الطالبات لم أستحمل الوضع واستثارة غضبي، وتطاولت عليها ورفعت صوتي عليها وتركت المدرسة.
الاجابة
بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
إلى الفاضلة صاحبة الرسالة، وكل من يشاركها في شكوى مماثلة. أحب أن أقدم إليكم تلك البصائر التي نستقيها من منهج القرآن العظيم وسنة النبي - صلى الله عليه وسلم-:
أولا: يقول الله – تعالى-: " ما أصاب من مصيبة في الأرض ولا في أنفسكم إلا في كتاب من قبل أن نبرأها إن ذلك على الله يسير لكيلا تأسوا على ما فاتكم ولا تفرحوا بما آتاكم والله لا يحب كل مختال فخور ".. فالقرآن الكريم يوجهنا إلى تلك الوسطية في ردود الأفعال وعدم المبالغة الزائدة في الفرح أو الحزن، وأن نضع كل موقف في حجمه الصحيح, فلا حزن يكسر النفس فيقعدها, ولا فرح ينسينا ما يحيط بنا.. بل إن(115/2095)
النبي - صلى الله عليه وسلم- قد استعاذ من الحزن المضر الذي يقعد بالإنسان عن الهمم العليا والطموح المتجدد، فقال - صلى الله عليه وسلم-: " اللهم إنى أعوذ بك من الهم والحزن " رواه البخاري عن أنس, ولو أن المسلم كلما أصابه موقف أحزنه انطوى عن الناس وامتنع عن الطعام والشراب لتوقفت عجلة الحياة ولخسرت الأمة الإسلامية جهوداً كبيرة وعقولاً نافعة كثيرة جداً, ولكن ديننا العظيم علمنا أن نؤمن بالقدر خيره وشره, حلوه ومره, وأن نحمد الله على كل ما يصيبنا من سراء أو ضراء, وأن نتقبل ذلك في إطار الرضا والتسليم, والاعتقاد أن الله - سبحانه- إنما يدبر للمؤمن خيراً في كل حال, قال النبي - صلى الله عليه وسلم-: " عجباً لأمر المؤمن إن أمره كله له خير وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن إن أصابه سراء شكر فكان خيراً له وإن أصابه ضراء صبر فكان خيرا له " رواه مسلم..
ثانياً: المرء إذا كانت ردود أفعاله دائماً مستشاطة وساخنة, أوقعه ذلك في كثير من المشكلات في المواقف المختلفة وخسر كثيراً من المكتسبات.. ولكن دائماً ينصح المربون بأن يعود المرء نفسه على الحلم والأناة والتروي والتفكير قبل اتخاذ المواقف, وقد مدح النبي -صلى الله عليه وسلم- أشج عبد قيس، فقال له: " إن فيك خلتين يحبهما الله ورسوله: الحلم والأناة ", فالحلم يجعل المؤمن لا يندفع في ردود أفعاله يأتي من الأعمال ما قد يندم عليه بعد ذلك, بل يجعله يكظم غيظه ولا ينفذه, ويتصرف بهدوء وتعقل وتفكر واستشارة الآخرين, ولا يتخذ قرارات في ساعات الغضب والانفعال, بل يؤجلها حتى يذهب عنه حنقه وغيظه وغضبه فيكون قراره عندئذ قراراً صائباً.. بل لقد جعل الله – سبحانه- من سمات أهل التقوى كظم الغيظ والعفو عمن ظلم، فقال – سبحانه-: " الذين ينفقون في السراء والضراء والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس والله يحب المحسنين ".. وفي السنن قول النبي - صلى الله عليه وسلم-: " من كتم غيظاً وهو قادر على إنفاذه ناداه الله على رؤوس الخلائق يوم القيامة يخيره من الحور ما يشاء ".
ثالثاً: فرؤيتي لموقفك الذي تسألين عنه كالتالي:
1- أن ترضي بقدر الله – تعالى- في كونك لم يتيسر لك إتمام الدورة الشرعية, ثم أن تكرري دعاءك لربك أن ييسر لك تعلم العلم الشرعي مخلصة من قلبك، وأن يفتح لك أبواب العلم والدراسة العلمية, وأن تسأليه - عز وجل- أن يجعلك من طلبة العلم المخلصين, ثم تبدئين في البحث عن دورات أخرى أو ما شابه ذلك مما هو ميسر بحسب حالك وظروفك.
2- أن تعودي نفسك دائماً على التكيف مع المستجدات, وألا تجعلي الفشل في موقف أو انسداد سبيل هو نهاية العالم, بل اجعلي من عثرتك دافعا لطموحك وتقدمك
3- علينا أن نعلم أنفسنا ألا نرد الإساءة بالإساءة, فلئن شاتم أحد أو جهل, فالأصل ألا نشاركه جهله وخطأه, بل ندفع بالحسنى, قال الله – تعالى-: " ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم ", ولنا في رسول الله أسوة حسنة في رد الإساءة بالإحسان فيما لا يتسع مقامه ههنا.
4- لتحذري يا صاحبة الرسالة ومن يشترك معك في مثل شكواك أن تتحول شخصيتك دائما لشخصية تثير المتاعب في كل مكان تذهبين إليه أو تنتمين له أو أن(115/2096)
يعرف عنك ذلك , وحاولي دائماً أن تردي الأمر لأهله ومسؤوليه والقادرين على حله، فإن ذلك أقوم لك وأبعد عن الألم
ـــــــــــــــــــ
أغيب عن أبنائي كثيراً للعمل.. كيف أربيهم؟
أجاب عليه ... علي الزباني
التاريخ ... 25/11/1426هـ
السؤال
طبيعة عملنا تقلص من فرصة لقائنا بأبنائنا لأوقات طويلة، كيف نستطيع التغلب على هذه المشكلة في سبيل إثراء التربية الذاتية لدى الأبناء؟
الاجابة
إن نعم الله _عز وجل_ علينا تترى، ومن أعظمها نعمة الأولاد، فبهم تصفو الحياة وتسعد النفس، وتزين المجالس، ويحسن الذكر.
وهؤلاء الأولاد إذا أحسن الاهتمام والاعتناء بهم خرجوا تحفة تأخذ الألباب، وباصطلاح شرعي كانوا قرة عين للإنسان في دنياه ومعين لا ينضب بعد موته "وولد صالح يدعو له".
إلا أنه مما يعكر صفو هذا الهم و الرغبة في إصلاح الأبناء هو بُعد الوالد عن أولاده، حيث إن الدراسات التربوية تثبت أن الوالد يقوم بدور لا يمكن أن يقوم به غيره، ولو كانت الأم، وتكثر الشكوى اليوم في ظل صعوبة الحياة، وكثرة مشاغلها، وتنوع وسائلها حتى أصبحنا نعيش في "الزمان الصعب" فكان لزاماً أن يغيب الوالد كثيراً عن منزله لارتباطه بأعماله وهمومه.
ولحل هذه القضية ثمة مقترحات تعين الوالدين على القيام بجزء من الحق الواجب عليهم تجاه أولادهم.
1- العمل على تنظيم الوقت بين خارج المنزل وداخله، وأن يستقطع وقتاً لأبنائه وأسرته لا يشغله بشيء، ومن الأوقات التي لا ينبغي أن يفرط فيها:
أ ) مواعيد وجبات الطعام المنزلية، فلقد أثبتت دراسة أسبانية أن الأسر التي تأكل مع بعضها يكون عندها من الاستقرار النفسي والترابط ما ليس عند غيرها.
ب ) وضع موعد ثابت للقاء أسبوعي تلتقي فيه الأسرة يتجاذبون أطراف الحديث، ويمكن أن تكون رحلة شهرية أو نصف شهرية يمكث الوالد فيها أوقاتاً يعوض بها الأوقات خارج المنزل.
2- السؤال الدائم عنهم عن طريق أمهم، ومعرفة أخبارهم، وحل مشاكلهم.
3- إعلان الحب والمودة للأبناء في كل مناسبة ممكنة.
4- توفير محبوبات الأبناء من لُعب أو أكل أو كتب أو أي شيء آخر حتى يشعر الولد بقيمته لدى والده، ومن المناسب مفاجآتهم بذلك ليشعر فعلاً بعدم نسيانك له.
5- استخدام وسائل الاتصال للسؤال الشخصي عنه كمهاتفته في الجوال، أو الهاتف المنزلي للاطمئنان عليه.(115/2097)
6- الاستفادة من تجربة "المربي المتفرغ" بحيث تتخذ الأسرة مربياً لأولادهم يعلمهم القرآن والآداب وسائر العلوم، وهنا بلا شك سيغطي ثغرة كبيرة في حياتهم، وسيتم متابعتهم بشكل دقيق في أمورهم الحياتية.
7- لا بد من إحياء فكرة "اللقاء العائلي"، وذلك بتحديد موعد ثابت في الأسبوع لا يتنازل عنه الوالد، وذلك للقاء أبنائه ويقترح برنامج علمي لهم للاستفادة من اللقاء، ويمكن الاستفادة من كتب "منهاج الطفل المسلم" لأحمد بن سليمان، أو سلسلة الرشاد.
8- البحث عن أحياء متميزة يلعب المسجد دوراً مهماً في حياة الناس ويعتني بأبناء الحي، وذلك من خلال حلق القرآن الكريم، ومدارس التحفيظ النسائية.
كما ينبغي الاعتناء بنوعية الجيران المجاورين لمنزلك.
9- البحث عن أصدقاء خيرين مستقيمين لمصاحبة أولادك، خاصة للأبناء في المرحلة المتوسطة والثانوية فإن أخذهم وتلقيهم من زملائهم أكثر من والديهم.
10- لا بد للوالدين من قراءة كتاب (أنا أو أولادي) لعابدة العظم، حيث سيقدم مناقشة لهذه القضية ووضع حلول لها.
وفقنا الله وإياكم لكل خير.
ـــــــــــــــــــ
أتعامل مع والدي بعصبية .. كيف الحل ؟
أجاب عليه ... اللجنة التربوية
التاريخ ... 22 / 11 /1426هـ
السؤال
سؤالي مهم جداً
أخاف من عقوق الوالدين و من دعائهما بالشر علي ، أمي و أبي لم يكملا تعليمهما ، لذا فهناك فجوة كبيرة بيني و بينهما ، فأنا دائمة الشجار معهما و لا أستطيع التحكم بأعصابي ، حيث إنني فتاة جامعية و أعلم حرمة العقوق فماذا أفعل ؟ هل لي من توبة، حيث والداي غير راضيين عني أشعر بحرقة أجيبوني _جزاكم الله خيراً_.
الاجابة
أختي الكريمة يقول الله _جل وعلا_ : " وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحسانا " ( 22 الإسراء ) .
أختي الكريمة أتقي الله في والديك إن الواجب عليك هو خدمة والديك ، هل تحبين أن يعاملك أولادك كما تعاملين والديك ؟ وأشير هنا إلى معنى قد يخفى على الكثيرين وهو المعنى الوارد في قوله _تعالى_ : " واخفض لهما جناح الذل من الرحمة " ، أي أن الرحمة بالوالدين يجب أن تكون بلا حدود لدرجة أن تظهر لهما الرحمة كأنها ذل لهما .
فحقهما قبل حق النفس وقل حق أي أحد ، ولعلك تذكرين خاصة أنك حائزة على شهادة جامعية وفضل بر الوالدين وأنه من الأعمال الصالحة التي يفرج بها الكربات ويزيل الظلمات كما في قصة الثلاثة النفر الذين أطبق عليه الغار فكان أحدهم باراً بوالديه إذن تقربي يا أختي إلى ربك ببر والديك والإحسان إليهما ، واشكري الله على نعمه : بقربك منهما وتعبديه حتى بالنظر إلى وجههما وكم من محروم من والديه(115/2098)
بسبب ظروف الحياة التي فرقت بينه وبينهما ، وأوفي طاعتك لهما بكثير من الرحمة والحنان والحب .
وبر الوالدين يحتاج إلى المصابرة ومجاهدة النفس التي تنزح إلى نسيان الفضل .
أختي الكريمة تذكري يوم كنت صغيرة كيف تنظفك أمك كم يسهر والديك عندما تكونين مريضة كم وكم من الآلام التي تحملتها أمك في حملك .
أختي الكريمة أكثري من الدعاء لهما والاستغفار، كوني بشوشة عند لقائهما، وقبلي رأسيهما، أدخلي السرور عليهما بما تستطيعين من الأسباب كالهدية والمزاح معهما ، اسهري على راحتهما كما سهرا على راحتك ، قبلي يديهما ، لا ترفعي صوتك أمامهما ، تجنبي مجادلتهما ، لبي نداءهما .
وأسأل الله لك التوفيق والسداد .
ـــــــــــــــــــ
كيف السبيل إلى تحقيق الإخلاص ؟
أجاب عليه ... جمّاز الجمّاز
التاريخ ... 18 / 11 /1426هـ
السؤال
سؤالي، هو: كيف لي أن أخلص النية لله، علماً أنني أجاهد النفس الأمارة بالسوء على الطاعة، وأن أكون حذراً لتجنب الرياء والسمعة، و ماهي الأمور التي أتمكن بها الشعور بطعم السعادة في طاعتي لله؟
الاجابة
الحمد لله رب العالمين، وبعد:
السبيل إلى أن تكون مخلصاً لله _عز وجل_، يكون بعدة أمور، منها:
1- محاسبة نفسك، فتنظر في باعث العمل قبل إتيانه، وقد قيل لنافع بن جبير: ألا تشهد الجنازة؟ قال: كما أنت حتى أنوي، قال: ففكّر هنيّة ثم قال: امضِ.
2- تربية نفسك، فيكون بينك وبين ربك أسرار، من صلاة وصيام وصدقة وإحسان وذكر وعلم ونحو ذلك، وكلما كثرت أعمالك الصالحة كان أدعى للإخلاص.
وبعد وفاة الفضيل بن عياض، رؤي في المنام، فقيل له: ماذا فعل الله بك؟ قال: غفر لي ذنبي، قالوا: بِمَ؟ قال: والله لم تنفعنا إلا ركيعات كنا نركعها في جوف الليل أخلصنا فيها لله _عز وجل_.
3- أن يتعلم أن ما يستحقه الله _تبارك وتعالى_ من العبودية لا يُقدَّر بشيء، وأنك عاجز عن أن توفّيها حقها، وأن ما تناله من ثواب وأجر من الله _عز وجل_، تفضّلٌ منه وإحسان، فليس معاوضة.
4- أن تعلم أنّ كل خير فيك، فهو فضل الله وإحسانه ومنّته عليك، وأنك بالله لا بنفسك.
5- مطالعة عيوبك وآفاتك وتقصيرك في طاعة الله تبارك وتعالى، وما يقوي أقوالك وأعمالك من حظ نفسك ونصيب الشيطان، وقد سُئل النبي _صلى الله عليه وسلم_ فيما صحّ عنه عن التفاف الرجل في صلاته؟ فقال: "هو اختلاس يختلسه الشيطان من(115/2099)
صلاة العبد"(1)، فإذا كان هذا التفات طرف الرجل، فكيف التفات قلبه إلى ما سوى الله _جل وعلا_.
6- اعلم قيمة الدنيا، وأنها فانية زائلة ليست باقية، صحّ عنه _صلى الله عليه وسلم_ أنه قال: "الدنيا سجن المؤمن وجنة الكافر"(2)، فإذا أردت أن تكون في سجن الدنيا وجنة الآخرة، فاسجن نفسك عن الرياء وحب السمعة والشهرة.
7- تفكّر في عواقب الرياء الدنيوية، فإذا راءيت تطلب الدنيا، فاعلم أن الدنيا سوف تهرب منك، ولو بعد حين، ولن ترجع بغير خفي حنين، وهذا معنى قوله _صلى الله عليه وسلم_: "من كانت الدنيا همّه، فرّق الله عليه أمره، وجعل فقره بين عينيه، ولم يأته من الدنيا إلا ما كتب له..."(3).
8- تفكّر في عواقب الرياء الأخروية، وأنك مُتوعَّد بالإثم والعقاب، وأن المرائين أول من تسعر بهم النار يوم القيامة، صحّ عنه _صلى الله عليه وسلم_ أنه قال: "ما من عبد يقوم في الدنيا مقام سمعة ورياء إلا سمع الله به على رؤوس الخلائق يوم القيامة"(4)، ففي يوم القيامة يهتك الله ستر المرائين ويفضحهم جزاء كذبهم، فكن على حذر.
9- تعرّف على القبر وأحواله، واليوم الآخر وأهواله، وتذكّر الموت وسكراته، فإنه رادع لك _بإذن الله_.
10- خوّف نفسك من الرياء، إذ الذي يظل حذراً يخشى الشيء فإنه ينجو، أما من يأمن ذلك فإنه يقع فيه، والإنسان قد يُؤتى من جهله وقلة حذره، فافهم ذلك جيداً.
11- صاحب من تراه مخلصاً، فالمخلص لا يعدمك من إخلاصه شيء، بل سيكون له تأثير كبير محمود _بإذن الله تبارك وتعالى_.
12- احرص على إخفاء العبادة وإسرارها، فهو أحرى ألا يخالطها الرياء، وفيها تربية لنفسك على التواضع والخمول المحمود.
13- استشعر عظمة الله _تعالى_، فهو الذي ينفع ويضر وحده، فوجب إفراده بالعبادة، تعرّف على أسمائه وصفاته _جل وعلا_، واعلم أنه سميع بصير، يراك ويسمعك، يعلم ما تخفي وما تعلن، راقب الله _تعالى_ في كل شيء، ولا تراقب الناس، فإن الله _جل وعلا_ مطلع عليك، ألا يكفيك اطلاعه عليك.
14- شوّق نفسك بالفضائل الموعود بها من أخلص، مثل: توفيق الله _تعالى_ وتسديده له، الحلاوة والمحبة والمهابة في قلوب الناس له، حب أهل السماء له، ووضع القبول له في الأرض، الإنقاذ من الضلال في الدنيا، تفريج كروب الدنيا، نصر الأمة، حسن الخاتمة، استجابة الدعاء، النجاة من عذاب الآخرة، ورفعة الدرجات، وتعاهد نفسك بين كل حين وآخر بالقراءة عن هذه الفضائل.
15- استعن بالله _تعالى_ وادعه ما استطعت إلى ذلك سبيلاً، أن يوفقك الله _تعالى_ لأن تكون مخلصاً له في كل شيء، وأن يجنبّك الرياء، صحّ عنه _صلى الله عليه وسلم_ أنه دعا، فقال: "اللهم إنا نعوذ بك من أن نشرك بك شيئاً نعلمه، ونستغفرك لما لا نعلمه"(5)، ودعا عمر _رضي الله عنه_ بقوله: "اللهم اجعل عملي كله صالحاً، واجعله لوجهك خالصاً، ولا تجعل لأحد فيه شيئاً"(6).(115/2100)
أسأل الله _تبارك وتعالى_ لك التوفيق والسداد، وصلى الله وسلم على نبينا محمد بن عبد الله وعلى آله وصحبه أجمعين.
______________
(1) صحيح البخاري رقم (751) الأذان.
(2) صحيح مسلم رقم (2956) الزهد والرقائق.
(3) سنن ابن ماجه رقم (4105) الزهد والرقائق، صحيح ابن ماجه، للألباني ج2 ص 393 رقم (3313).
(4) الطبراني، وحسّنه الهيثمي، مجمع الزوائد ج10 ص 223، حسّنه الألباني، صحيح الترغيب ج1 ص 118 رقم (28).
(5) مسند أحمد ج 32 ص 383 رقم (19606) ط الرسالة، وحسّنه الألباني، صحيح الترغيب ج1 ص 121-122 رقم (36).
(6) مجموع فتاوى ابن تيمية ج10 ص 214.
ـــــــــــــــــــ
ما الطريقة المثلى لتعليم القرآن الكريم؟
أجاب عليه ... فهد السيف
التاريخ ... 15/ 11 /1426هـ
السؤال
السلام عليكم
أنا معلم حلقة ابتدائي، ماالطريقة المثلى لتعليم طلاب المرحلة
الابتدائيةالقرآن الكريم؟ وجزاكم الله ألف خير.
الاجابة
في البداية أهنئك على تقلدك أشرف وسام وخير مهنة تعليم القرآن "خيركم من تعلم القرآن وعلّمه" رواه البخاري، فلتهنأ بهذا العمل المبارك، ولتذكر نفسك كل آونة بهذا الشرف لتخلص عملك من الشوائب ويبقى صافياً لوجه الله الكريم.
أما ما أوردته في سؤالك فالجواب عليه يطول جدلاً وقد أُلِّفَت فيه مؤلفات يمكنك الرجوع إليها والاستفادة منها لتعرف خصائص المرحلة العمرية التي تعلمها وتربيها من مثل: (مهارات التدريس في الحلقات القرآنية) للدكتور علي الزهراني، وهو عمدة في الباب، وقد أصدر المنتدى الإسلامي كتابين مهمين، هما: (المدارس والكتاتيب القرآنية)، و(نحو أداء متميز لحلقات تحفيظ القرآن الكريم) بالإضافة إلى الكتب التربوية التي تتناول كيفية التعامل مع هذه المرحلة.
ويمكن هنا أن أعطيك بعض العلامات التي تنير لك الطريق:
1- اكتب أهدافك التي ترنو الوصول إليها في تدريس القرآن؛ ولا شك أن هدفك الأسمى: تحفيظ الطلاب كتاب الله وتعليمهم إياه والعمل به، لكن هناك أهداف صغرى أو خاصة من مثل أن يحفظ الطلاب خلال هذا الفصل الدراسي ثلاثة أجزاء، أو أن يتصف الطلاب بهذا الخلق ونحو ذلك.
2- ضع خطة مكتوبة تحقق أهدافك وفق زمن محدد واعمل على تحقيقها خلال تدريسك، ثم حاسب نفسك في نهاية الفصل أو نهاية العام، وعدل في خطتك(115/2101)
المستقبلية وفق ملاحظاتك على خطتك السابقة، وإنما أحضك على هذا التنظيم؛ لأن كثيراً من الحلقات القرآنية تمر بها السنوات لم يتجاوز طلابها الجزئين أو الثلاثة.
3- احرص على أن تكون حلقتك ضمن الحلقات التابعة للجمعية الخيرية لتحفيظ القرآن، ففي ذلك فوائد جمة منها على سبيل المثال: استفادتك من تجارب الآخرين، وحصولك على الدعم المادي، وتنظيم عملك ومتابعته، وإعطاء الحلقة صبغة رسمية تجعلك تعمل في جو من الطمأنينة.
4- استفد من خبرات من سبقك في هذا المجال وتعاون معهم، وليكن بينكم تلاقح أفكار وتبادل تجارب، لا سيما القريبين من حيّك.
5- لتكن علاقتك بأولياء الأمور متينة وحسنة، وليكونوا على علم ببرامجك ونشاطاتك.
6- احرص على تحسين علاقتك بتلاميذك وتحبيبهم فيك وترغيبهم في حفظ كتاب الله _تعالى_ بالحوافز والجوائز والكلام الطيب.
7- لتكن قدوة صالحة لتلاميذك في فعل الخير والإكثار من الطاعات واتباع السنة وخفض الصوت وعدم جعل أسلوب التهديد والوعيد هو الأسلوب الأمثل لردع التلاميذ، فإن القدوة تفعل ما لا تفعله عشرات الدروس والنصائح.
8- احرص على متابعة تلاميذك وسلوكهم وتعاملهم وحفظهم، وانظر في أسباب ضعفهم وراع الفروق الفردية بينهم ولا تترك العمل يسير كيفما اتفق، بل يكون لك بصمة مميزة للعمل.
9- اجتهد في المسابقات التنافسية التي تشحذ همم التلاميذ للفوز بالنصيب الأكبر من الحفظ المتقن والكم الأكثر.
10- اجعل لك معيناً أو أكثر في عملك فإن اليد الواحدة لا تصفق، ولكي لا تكل أو تمل.
11- اجعل للمراجعة نصيباً من جهد تلاميذك، ولا يكن آخر عهد تلاميذك بالمحفوظ يوم انتهوا من تسميعه، فإن القرآن أشد تفلتاً من الإبل في عقلها، وليكن لك برنامج مخصص للمراجعة.
12- وأيضاً ليكن اهتمامك بالتلقين وتصحيح القراءة والتلاوة كبيراً، فإن من الملاحظ أن بعض الحلقات لا تولي هذا الأمر اهتماماً، مما يخرج لنا تلاميذ قد يقرؤون خطأ حتى ما حفظوه، ولأن يتخرج الطالب عارفاً بالتلاوة مجوداً لا يخطئ نظراً – تلاوة – خير من أن يتخرج يحفظه ويخطئ في حروفه، يهذه هذ الشعر، والتلميذ إذا حفظ الكلمة خطأ صعب تعديلها فيما بعد؛ لا سيما في هذه المرحلة – الابتدائية -.
وفقك الله وسدد خطاك وأعانك وسهل على الخير طريقك.
ـــــــــــــــــــ
في زمن المتغيرات كيف أربي ابني؟
أجاب عليه ... علي الزباني
التاريخ ... 8 / 11 /1426هـ
السؤال(115/2102)
عصرنا عصر تلاطمت فيه الفتن والمغريات , فكيف نربى أولادنا التربية الإسلامية الصالحة ؟
الاجابة
إنه سؤال خطير , يوقظ للعمل , ويشعر بحجم المسؤولية , وثقل الأمانة الملقاة على عاتق الوالدين، خاصة في هذا العصر المليء بأنواع المغريات والفتن ، وفي هذه العجالة نسلط الضوء على هذه القضية في محاولة لإبراز أهم الأمور التي يجب الاعتناء بها لزرع القيم في نفوس الأبناء :
1- الاعتناء بالأسرة عند نشأتها , وذلك من خلال الاهتمام بحسن اختيار الزوجة والحرص على عنصر الدِين , مع المحافظة على بيئة جيدة محافظة من الجيران والأقارب والأصدقاء .
2- الحرص على زرع القيم والمبادئ من الطفولة المبكرة , وعدم تكرار العبارة المشهورة : ( ما زال الوقت مبكراً ) إن هذه العبارة تدمر هذا الصغير ولا تبنيه , فقد أخبر نبينا _صلى الله عليه وسلم_ بأن زرع هذه القيم والمبادئ تبدأ من وقت مبكر 0" ما من مولود إلا ويولد على الفطرة، فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه" رواه الشيخان عن أبي هريرة . إنها رسالة واضحة جداً , بأن هذا الصبي الصغير قابل للنقش عليه وصنعه من مراحل مبكرة جداً , وفي قضايا دقيقة جداً كقضية التدين مثلاً .
وأثبتت الدراسات المعاصرة أن شخصية الطفل تبنى تربوياً في السنوات الخمس الأولى , فأين نحن منها ؟
( وقد لا حظ الباحثون في النمو العقلي للطفل أن ذكاء الطفل يتم بنسبة 50% في السنوات الأربع الأولى , و 30% ما بين الرابعة والثامنة , و 20% ما بين الثامنة والسابعة عشرة) ( محمد بن عبد الرحيم عدس : الآباء وتربية الأبناء ص 17 ) .
3- قيام الوالدين بهذا الدور الخطير , وعدم جعل أشخاص آخرين يتولون ذلك وأقصد بهم الخدم والسائقين فإن تأثيرهم كبير على حياة الأبناء .
4- توفير قدوات داخل المنزل تتمثل هذه الأخلاق في حياتها , ليقتدي بهم الأبناء فالكذب والغش وبذاءة اللسان وغيرها من الأمور التي ينبغي للمربي أن يبتعد عنها لتصل بطريقة عملية للأبناء .
5- الاهتمام بالمراحل العمرية وإعطاء كل سن ما يناسبه , فابن الثالثة مثلاً لا يدرك المعاني ولا يفهمها كالرحمة مثلاً والعفو وغيرها , وإنما يتعلم من المحسوسات أكثر، وقد أعتنت الشريعة بهذا الجانب فأمرت الوالدين بتعليم الناشئ الصلاة وهو ابن سبع سنين , وأمرت بالتفرقة في المضاجع وهم أبناء عشر وهكذا .
وهنا قضية أرجوا أن ينتبه لها الوالدان والمربون وهو ربط الحقائق الشرعية بأمور يفهمها الأبناء فتصل إلى آذانهم بأسرع ما يمكن .
فمثلاً لو جئنا إلى قيمة الفضيلة والرذيلة , يمكن أن نشرح لأبنائنا الساعات الطوال عن هذه القضية , لكن لو قلنا لهم وشرحنا :
- تأثير الحقد والحسد على ضغط الدم والقلب .
- تأثير الفواحش في صحة الجسم , والأمراض الفتاكة التي تنقلها .(115/2103)
- تأثير الصدق والعفة على راحة الجسد , وحصول الطمأنينة داخل النفس .
- اندفاع الدم في شرايين الجسد حالة السجود في الصلاة , والتأثيرات الإيجابية لذلك .
- التخريب والفساد الذي يلحقه حب الانتقام والأثرة والبغضاء بأبناء المجتمع .
فلنحاول أن نقرب هذه المعاني بأساليب رائعة وجديدة حتى تصل إلى أذهان أطفالنا وترسخ فيها , وكثير من الأطفال لا يأكلون التفاحة لأنها مفيدة , بل لأنها عطرة الريح،لذيذة الطعم.
6- وضع ضوابط داخل المنزل وخطوط حمراء ينبغي أن لا يتجاوزها أحد من أفراد الأسرة , فيمنع رفع الصوت والسب والكذب وهكذا , وفي المقابل يثنى على المحسن والصادق وحسن الأخلاق .
7- توفير البدائل وتوجيه الطاقات .
فالنفس إن لم تشغلها بالطاعة شغلتك بالمعصية , فلا ينبغي أن يترك الأبناء في فراغ نفسي يجعل الرذائل تتعلق بهم وتعيش معهم , ومن الخطأ أن تكبت طاقات الأبناء , ولكن الصواب هو توجيهها الوجهة الصحيحة .
8- حصار الرذائل .
ينبغي للمربي أن يحاصر الرذائل في المكان الذي يستطيع السيطرة عليه , وما لا يدرك جُلّه , لا يترك كله , وتكمل هذه القضية عندما تتفق الأسر القريبة من بعض على إيجاد بيئة محافظة فيما بينها كالجيران والأقارب ونحوهم , ولنتذكر قول النبي _صلى الله عليه وسلم_ :" لا تصاحب إلا مؤمن , ولا يأكل طعامك إلا تقي" إنه درس في انتقاء العناصر التي تعينك على طاعة الله وتحثك عليه , وقضية الأكل في الحديث قضية مهمة؛ لأن الأكل دائماً يدل على التقارب والجلوس والمصافاة , فاختير له من يناسبه .
لقد ولى زمان العبارة المتكررة ( لقد أديت واجبي , ونصحت له ) بل الواجب اليوم الرقابة الدائمة حتى لا يقعوا في أي فخ .
ولكي يقوم الوالدان بدورهم في هذه القضية على أتم وجه , هذه مقترحات سريعة لمن لهم الشأن في ذلك :-
- العمل على إنشاء مراكز التوجيه الأسري لتبصير الآباء بدورهم التربوي .
- العمل على فتح المدارس بالفترة المسائية لتعليم الوالدين , حتى تكون المدرسة فعلاً مؤسسة تربوية , وبدلاً من الدورات التي تقصم الظهر بالمبالغ الباهضة ولو أضفت لها ( لا ) لكان أصح لتصبح (دولارات ) .
- تفعيل هذه القضايا في وسائل الإعلام وباستمرار .
- تكريم الأسر المتميزة ومن لهم تجارب ناجحة مع أبناءهم .
- تفعيل دور المسجد واستثماره في زرع القيم والمبادئ .
- إصدار صحف مجانية يتبناها أصحاب الصلاح توزع على الأسر لرفع المستوى التربوي , أليست هذه المجلة أهم من إعلان عن بيع جوال أو نحوه ؟ !
هذه مقترحات أضعها بين يديك أيها المربي الكريم , وكلي أمل في أن تتواصل معي في هذه الزاوية من خلال البريد الموجود , وفقك الله ورعاك(115/2104)
ـــــــــــــــــــ
أنا إمام مسجد..فما واجبي ؟
أجاب عليه ... جمّاز الجمّاز
التاريخ ... 1 / 11 /1426هـ
السؤال
أطمح أن أكون إماما لمسجد , فأرجومنكم نصحي وتوجيهي , وأرجومنكم ذكر بعض الكتب المهمة في هذا الباب ..
الاجابة
الحمد لله رب العالمين، وبعد:
بعدما تصير إماماً، تكون قد تبوأت مكانة عالية عظيمة، حيث إمامة الناس في الصلاة، وتحمّلتَ مسؤولية القيام برسالة المسجد العظيمة، واعلم أنك ستكون محطّ أنظار أهل الحي، ومعقد آمال الدعاة، أن تكون مشعل نور، ومصباح هداية، فاعلم ذلك جيداً.
ونصيحتي إليك أخي الكريم:
1- اخلص النية لله _عز وجل_، وراقِبْه في كل دقيق وجليل.
2- احرص على أداء الأمانة على أكمل وجه وأتمّه، فقد فرّط أئمة كثيرون في هذه الأمانة، وصارت دخلاً وظيفياً رديفاً، واحتسب ما تبذله من جهد قلّ أو كثر، عند الله _عز وجل_، والله لا يضيع أجر من أحسن عملاً.
3- اهتم بوظيفتك الأساسية وهي إمامة الناس، فكثير من الأئمة يتركها بلا عذر، ويكثر تخلّفه عنها بسبب النوم، أو الصلاة في المسجد القريب منه، وهذه المشكلة هي بداية فتيل الخلافات بين الإمام وجماعة المسجد، فتنبّه.
4- لا تملّ من أسئلة أو استفسارات جماعة المسجد، أو كثرة ملاحظاتهم، أو رغبتهم في الحديث معك، وتقبّل ذلك بصدر رحب، وليكن سمتك التواضع لهم، فإنه أدعى لقبولك عندهم.
5- احرص على توثيق علاقتك مع المؤذّن، وإذا أنابك فاقبل، وتطاوعا ولا تختلفا، ويسّرا ولا تعسّرا.
6- احترم وقدِّر كبار جماعة مسجدك، ومثله من تسبّب في بناء المسجد، سواء المتبرّع أو الوسيط، فإنه أحرى لبقائك في المسجد، ودوام المودّة معهم، وسبيل إلى أن يخدموا المسجد بكل ما هو ممكن ونافع لإحياء رسالة المسجد.
7- ليكن لك مجموعة من أهل الحي أو جماعة المسجد، يعينونك على تنفيذ البرامج والمشاريع، وتتقاسم العمل معهم، وابدأ معهم بداية طيبة وخصّهم بزيارة أو اهتمام.
8- تعاون مع المؤسسات الدعوية والجمعيات الخيرية، فيما يخدم مصلحة المسجد أو جماعة الحي، فإنها توفّر عليك المال الكثير والجهد الكبير.
9- اهتم بتفعيل المناسبات، كرمضان والحج والعيدين، ومنها برنامج تفطير الصائمين، والاحتفال بالعيدين، وبصّر الناس بأحكام المناسبات وآدابها، ومخالفاتهم فيها.(115/2105)
10- ضرورة التفقه في أحكام الصلاة، فيلزمك أن تتعرّف على صفة صلاة النبي _صلى الله عليه وسلم_ من التكبير إلى التسليم، وما يتبعها من الأذكار والدعوات، وهكذا ما يتصل بها من سجود السهو وأحكامه، وهكذا الصلوات المناطة بالإمام، كصلاة التراويح والكسوف، وهكذا خطباء الجوامع، كصلاة الجمعة وخطبتها، والعيدين وخطبتها، والاستسقاء وخطبتها، فمعرفة ذلك، مطلب شرعي لكل إمام، ينبغي ألا يُهمَل، ومن الكتب المفيدة المهمة في هذا الباب:
أ - كتاب الصلاة وحكم تاركها، لابن قيم الجوزية.
ب - صفة صلاة النبي _صلى الله عليه وسلم_، للألباني.
جـ - صفة صلاة النبي _صلى الله عليه وسلم_، لابن باز.
د – أحكام الإمامة والائتمام، لعبد المحسن المنيف.
هـ - القول المبين في أخطاء المصلين، لمشهور حسن سليمان.
و – قيام رمضان، للألباني.
ز – الجواب الصحيح من أحكام صلاة الليل والتراويح، لابن باز.
ح – دعاء القنوت، لبكر أبو زيد.
ط – سجود السهو، لابن عثيمين.
ي – سجود السهو، لعبد الله الطيار.
ك – صلاة المؤمن، لسعيد القحطاني.
11- إذا كان مسجدك جامعاً، فلتكن لك عناية خاصة بالخطابة، واحرص على الإعداد والتحضير المبكر للخطبة، مع الاهتمام بتدريب نفسك على الإلقاء، وتقبّل ملاحظات المصلين على الخطبة.
12- ينبغي أن تعتني بكبار السن والمرضى الذين يصلون معك، فتراعيهم في مواعيد الإقامة أو قدر الصلاة، وتسهّل لهم ما من شأنه أن يريحهم.
13- عليك أن تهتم بتوجيه جماعة المصلين، وتعليمهم ما ينفعهم في أمور دينهم ودنياهم، عن طريق القراءة على المصلين أو إلقاء الدروس عليهم، بعد الصلاة مثلاً، أو بين الأذان والإقامة، مع مراعاة ما يلي:
أ – اختيار الوقت المناسب للمصلين.
ب – التخول وعدم الإكثار، وذلك بواقع يوم أو يومين مثلاً.
جـ - الإيجاز وعدم الإطالة وترك التفصيل وما لا فائدة في ذكره.
د – اختيار الألفاظ السهلة والمعاني المفهومة.
هـ - الاهتمام بالمادة المقروءة والتحضير لها.
و – ملامسة واقع المصلين.
ز – تصحيح المفاهيم المغلوطة، والتنبيه على المخالفات.
ح – الاهتمام بالعقائد والأحكام.
ط – تعطير الأسماع بتفسير الكتاب العزيز، وسيرة النبي محمد _صلى الله عليه وسلم_ وأصحابه.
ي – العناية بالمناسبات، كرمضان والحج ونحوها.
ك – ترقيق القلوب وعلاجها.(115/2106)
ل – طرق الآداب والأخلاق.
م – الحديث عن الحياة الاجتماعية وحلول المشكلات الأسرية.
ن – اختيار أحسن الكتب وأجمعها، واستشارة من تثق به في دينه وعلمه في اختيار الكتاب، ومن الكتب المفيدة المهمة في هذا الباب:
• التبيان في شرح نواقض الإسلام، لسليمان العلوان.
• الملخص في شرح كتاب التوحيد، لصالح الفوزان.
• أعلام السنة المنشورة، لحافظ حكمي.
• تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان، لعبد الرحمن السعدي.
• الملخص الفقهي، لصالح الفوزان.
• وقفات تربوية مع السيرة النبوية، لأحمد فريد.
• الوافي في شرح الأربعين النووي، لمصطفى البقا ومحي الدين مستو.
• إصلاح المجتمع، لمحمد بن سالم البيحاني.
• بهجة الناظرين شرح رياض الصالحين، لسليم الهلالي.
• الأذكار، للنووي.
• زاد المعاد في هدي خير العباد، لابن قيم الجوزية.
• البحر الرائق في الزهد والرقائق، لأحمد فريد.
• المنظار في بيان كثير من الأخطار الشائعة، لصالح آل الشيخ.
• التقصير في تربية الأولاد، لمحمد الحمد.
• الموجز في الأديان والمذاهب المعاصرة، لناصر القفاري وناصر العقل.
• مجالس عشر ذي الحجة، لعبد الله الفوزان.
• أربعون درساً لمن أدرك رمضان، لعبد الملك القاسم.
• ثلاثون درساً للصائمات، لأبي أنس حسين العلي.
• دروس العام، لعبد الملك القاسم.
• الدروس اليومية من السنن والأحكام الشرعية، لراشد بن حسين العبد الكريم.
• تحفة الإخوان بأجوبة مهمة تتعلق بأركان الإسلام، لابن باز.
• فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء في السعودية، جمع أحمد الدويش.
14- اهتم بإحياء رسالة المسجد، واحرص على تفعيل دوره، من خلال ما يلي:
أ- الاهتمام بلوحة المسجد وإثرائها بالجديد والمفيد، مثل: إعلانات المحاضرات والدروس، والفتاوى والمواعظ والأحاديث والفوائد، ومتابعتها وتحديثها كل أسبوع، ويمكن الاستفادة من مكاتب الدعوة والإرشاد.
ب- وضع صندوق في المسجد، خاص بالأسئلة والمقترحات والملحوظات، وتحديد يوم كل أسبوع أو أسبوعين، للإجابة عليها، ويمكنك الاستفادة من بعض المشايخ أو طلبة العلم.
ت- الاهتمام بدعوة الجاليات وتصحيح عقائدهم وتبصيرهم بدينهم، ويمكنك الاستفادة من مكاتب دعوة الجاليات.
15- الاهتمام بسكان الحي، وذلك من خلال ما يلي:(115/2107)
أ – إقامة دورية أسبوعية بينهم، لتحقيق الألفة والتعاون على الخير، مع التأكيد على عدم التكلف، واختيار المكان والوقت المناسبين للأكثر.
ب – الزيارة الفردية والجماعية لبعض المنازل التي تحتاج إلى زيارة، مثل: [أسرة متميزة – مريض – لا يشهد الجماعة في المسجد].
جـ - إنشاء حلقة للقرآن الكريم في المسجد، للصغار والكبار، تلاوة وحفظاً، ويمكنك الاستفادة من الجمعية الخيرية لتحفيظ القرآن.
د – إقامة المسابقات الثقافية المتنوعة، الشهرية أو الموسمية، لجميع الفئات [رجال – نساء – صغار – كبار].
هـ - توزيع الهدايا، وفيها كتاب وشريط وطيب وحلوى وسواك؛ لغرض [الدعوة – الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر – الإصلاح].
أسأل الله _تبارك وتعالى_ لك التوفيق والسداد، وصلى الله وسلم على نبينا محمد بن عبد الله وعلى آله وصحبه أجمعين.
ـــــــــــــــــــ
إشاعة الفاحشة عبر الوسائل الحديثة
أجاب عليه ... أ.د. ناصرالعمر
التاريخ ... 27 / 10 /1426هـ
السؤال
فضيلة الشيخ كثيراً ما نقرأ عبر المنتديات أو ترسل لنا بالجوال عبر بـ ( البلوتوث ) أو غيرها عن جرائم أخلاقية، فهل يعد تناقل مثل هذه الأخبار من إشاعة الفاحشة فإن كان كذلك فإنا نود توجيهاً لمثل هؤلاء .
الاجابة
نعم تناقل هذه الصور من إشاعة الفاحشة، ويخشى على من يفعل ذلك أن يبتلى ثم يفضح نعوذ بالله من الفضيحة، فحذار حذار.
وعندما جاء رجل إلى رسول الله وأخبره أنه جامع زوجته في نهار رمضان أخذ العلماء منه أنه لا يلزم من المفتي أخذ كامل التفاصيل عن الحدث والبحث عن دقائقه وتفاصيله؛ إلا إذا كان يترتب على ذلك مصلحة ظاهرة، أو يترتب عليه الجواب.
وكذلك قصة ماعز لما أخبر الرسول أنه فعل الزنا لم يسأله الرسول عن الطرف الآخر ولم يقل له دلنا عليه بل جلس الرسول يصرفه، ويقول له لعلك غمزت ، لعلك قبّلت...
وفرق بين المستفتي وبين من يقبض عليه ، فقد يرى ولي الأمر مصلحة لحد انتشار الفاحشة فهذه من ( المصالح المرسلة )
هذا الكلام للمفتي فكيف بغيره من عامة الناس!
فيجب على المسلم أن يتقي الله ولا يكن سبب في انتشار الجريمة من خلال نقلها أو الحديث عنها أو حتى مشاهدتها.
ونصيحتي للإخوة المتصفحين للمواقع والمنتديات ومن يستقبلون رسائل عبر بريدهم الإلكتروني أو غيره :(115/2108)
البعد عن مواطن الفتنة والشهوة فهي تورث مرضاً في القلب وتكون سببا في قسوته، ويخشى عليه من الدياثة؛ وعدم الغيرة على أعراض المسلمين لكثرة ما يرى ويشاهد، بل وتكون سببا في الفتور واليأس والظن بالناس ظن السوء، بل انتشارها وكثرة الحديث عنها قد تجرء بعض ضعاف الإيمان بالمجاهرة بالمعصية، بل والمطالبة بها.
وليجعل كل واحد منا نصب عينيه قوله _تعالى_: " يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ " (غافر:19)
ونصيحتي لأصحاب المواقع والمنتديات ومن يستخدمون التقنية :
أن يتقو الله في أعراض المسلمين فحفظها من الضروريات الخمس.
وكفى بالقرآن واعظاً "إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ" (النور:19) وانظر كلام الجزائري حول هذه الآية.
ونصيحتي للجميع أن يستغلوا هذه التقنية فيما ينفع في الوعظ والإرشاد والنصح (ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرا أو ليصمت)حديث صحيح .
ولابد من التناصح بين المسلمين والوقف ضد هذه المنكرات على حسب مراتب الإنكار التي في الحديث، ومن ولاه الله ولاية فليتق الله فيها فهو مسؤول عنها و"كلم راع وكلم مسؤول عن رعيته".
ـــــــــــــــــــ
شجار أبنائي داخل السيارة
أجاب عليه ... علي الزباني
التاريخ ... 24 / 10 /1426هـ
السؤال
لا يقف أبنائي عن الشجار دائماً عند ركوبهم للسيارة , وتبدأ المعارك قبل أن أدير محرك السيارة , ولا أسمع إلا قول أحدهم (( لقد لدغني ))، والآخر : (( لقد أخذ قلمي )) , والثالث يقول : (( أريد أن أركب عند النافذة )) وهكذا . فما الحل في هذه المعارك ؟
الاجابة
ما ذكرته لا تكاد تخلو منه سيارة إلا ما ندر , فالأطفال مملوءة نفوسهم حيوية ونشاط مما يجعلهم يتشاجرون في بيت كبير , وحديقة واسعة , فكيف بالمقاعد الخلفية للسيارة ذات المساحة الضيقة , بالإضافة إلى تربيطهم بالأحزمة مما يجعل الأمر يزداد صعوبة عندهم , ولذا سيلجؤون إلى هذا العراك الطبيعي في حياتهم , ولكي تتجنب آثار هذه المعارك واستمرارها , عليك بالأمور التالية :-
1- كن هادئاً ولا تجعل نفسك طرفاً ثالثاً في هذه المعركة التي ستخسرها أنت , فإن غضبك ورفع صوتك ومحاولة تهدئتهم سوف تجعل أعصابك تثور , وستكون قيادتك للسيارة غير آمنة , وإذا كان منهم طفل مشاكس فإنه سيزيد في اضرام نار المعركة ليستمتع بغضبك وحرق أعصابك ... فكن هادئاً .
2- علِّم أبناءك آداب ركوب السيارة وكرر ذكرها بين فترة وأخرى فهم كثيرو النسيان , ولا يعجبهم أن تربطهم أن بقواعد تحد من نشاطهم , وإذا كان الأبناء(115/2109)
يحسنون القراءة والكتابة، فقم بكتابة هذه القواعد بالاهتمام بنظافة السيارة وعدم التشاجر , وعدم رمي شيء في الطريق وهكذا , وقم بتعليقها في ظهر المقعدين الأماميين بعد تغليفها بالبلاستيك المقوى حتى تدوم طويلاً .
3- ضع في المقاعد الخلفية أشياء تسليهم ككتب أو ألعاب أو أوراق أسئلة ومسابقات , وإذا كانت السيارة من الموديلات التي يوجد فيها DVD فيمكن تشغيله لهم ولكن بشيء جيد خال من المحاذير الشرعية , أو قم بتشغيل شريط مناسب لهم يستفيدون منه , وقل لهم سأناقشكم في الشريط بعد عشر دقائق من الآن .
4- الوجبات الخفيفة الصحية هي سحر الأطفال التي لا يملكون عنها حراكاً , فأحرص على وضع بسكويتات أو مكسرات تشغلهم عن العراك , فالأطفال عند الأكل أكثر سكوناً وأقل رغبة في الشجار .
5- بمجرد ركوبك في السيارة وقبل نشوب المعارك , ابدأ بالحديث معهم حول مواضيع تهمهم من خلال لقاء حواري أبوي بينك وبينهم , فالذي يعجبهم في المدرسة , وما هي أمنياتهم في الحياة ؟ وإذا توفر لديك مبلغ كبير ما تريد أن تفعل به ؟ وما هي ملاحظات على الحي الذي تسكن فيه ؟ وهذا مجموعة من الأسئلة تستطيع أن تشغلهم بها عن أي أمر آخر .
كل ما سبق إجراءات وقائية يستخدمها الوالد حتى لا يحصل بينهم شجار وإما عند حصول شجار بينهم فأحرص على ما يلي :-
أ) عندما تبدأ المشاجرات , توقف على جانب الطريق وأخرج من سيارتك وانشغل بأي شيء عندها لن يتحمل الأبناء وسيقومون بسؤالك ماذا تفعل ؟ فأجبهم بصراحة ( لا أستطيع أن أقود وأنتم تتشاجرون , عندما تنتهون من شجاركم أخبروني )، وكلما تكرر الشجار كرر الوقوف وستنتهي هذه المشكلة بإذن الله على الأقل في هذه الرحلة .
ب) اخرج بهم إلى مكان محبب لهم كمحل الألعاب أو مكان مثير لهم , وبمجرد أن تبدأ المشاجرات استدر بالسيارة وعد إلى المنزل مباشرة .
سوف يجن جنونهم، وسيكون هذا درساً قاسياً عليهم، وسيستفيدون منه كثيراً , خاصة إذا قلت لهم : ( في أي رحلة , إذا استمر الشجار سنعود إلى المنزل ) ودائماً آخر العلاج الكي .
تمنياتي لك بقيادة هادئة , وأعصاب هادئة , وأبناء لا يرفعون الضغط
ـــــــــــــــــــ
ما أسس تقويم رجال الحاضر ؟
أجاب عليه ... أ.د. ناصرالعمر
التاريخ ... 20 / 10 /1426هـ
السؤال
في وقتنا الحضر ومع كثرة المشايخ(حفظهم الله) وكثرة الاقوال حولهم لا ندري بأيهم نرتبط. لذالك ياشيخنا ما هي أسس تقويم رجال الحاضر؟
جزاكم الله عن الاسلام خيراً
الاجابة(115/2110)
يمكن تلخيص أهم الصفات بما يلي :
1. التقوى والورع والتخلص من حظوظ النفس.
2. العلم الشرعي.
3. العدل والإنصاف حتى مع المخالف.
4. الحرص على جمع الكلمة وعدم الفرقة، وهذا منهج مشايخنا كابن باز و ابن عثيمين _رحمهم الله_ .
5. سلامة اللسان، وكان ابن باز لا يقرأ لابن حزم مع علمه؛ لأنه شديد اللسان على مخالفيه.
6. سعة وسلامة الصدر وسعة الأفق.
7. عدم التعصب لغير الحق، لا لجماعة أو عالم، والإفادة من كل صاحب حق ولو أخطأ في غيره.
8. سلامة المنهج بأن يلتزم بمنهج السلف الصالح وما عليه أهل السنة والجماعة.
9. ألا يكون صاحب شذوذات في مواقفه وآرائه وفتواه.
10. أن يكون له القبول عند جملة الصالحين علماء وعامة.
ولا يعني هذا عدم الإفادة ممن أفتقد لبعض هذه الصفات والكمال عزيز .
ـــــــــــــــــــ
طفلي ... كيف أجعله مبدعاً ؟
أجاب عليه ... جمّاز الجمّاز
التاريخ ... 3 / 10 /1426هـ
السؤال
رجل تزوج وعنده طفل يرغب في توسيع مداركه وتوجيهه للأفضل, ويريد وسائل معينة على ذلك ؟
الاجابة
الحمد لله رب العالمين, وبعد:
من الضروريات الاستعانة بالله _تبارك وتعالى_ على تربية الأولاد, والدعاء لهم, وتجنب الدعاء عليهم, , وغرس الإيمان والعقيدة الصحيحة والأخلاق الحميدة في نفوسهم, وتجنيبهم الأخلاق الرذيلة, وتقبيحها في نفوسهم, وتحصينهم بالأذكار الشرعية, والحذر من التناقض في التعامل معهم, وإبعاد المنكرات وأجهزة الفساد عنهم, وتعويدهم الجد والاجتهاد, وتجنيبهم الكسل والبطالة, وتنمية الجرأة لديهم, واستشارتهم فيما يخصهم, وتدريبهم على اتخاذ القرار, وفهم طباعهم ونفسياتهم, والجلوس معهم ومحادثتهم, وإشاعة الإيثار بينهم, والإصغاء إليهم إذا تحدثوا, وتفقد أحوالهم, وإكرام أصدقائهم, ومنعهم من رفقاء السوء, وعدم تضخيم أخطائهم وإعطائهم فرصة لتصحيح أوضاعهم, ونحو ذلك.
وعليك العناية بالطفل في مراحله المبكرة, فتحرص على مراقبة ميوله, وتنمية مواهبه, وتوجيهه لما يناسبه, بحيث يجد في المنزل ما يُنمي مواهبه ويصقلها, ويعدها للبناء والإفادة, ويجد من يوجهه لما يناسبه ويلائمه.(115/2111)
فإذا رأيته حسن الفهم, صحيح الإدراك, جيد الحفظ, واعياً فاهماً, فهذه علامات قبوله وتهيئته للعلم, فمكنه من العلم.
وإن رأيته مستعداً للفروسية وأسبابها من الركوب والرمي واللعب, فمكنه من الفروسية، وإن رأيته ميّالاً للتجارة والبيع والشراء, أو لأي صنعة مباحة, فمكنه من التجارة, وهذا كله بعد تعليمه ما يحتاج إليه في دينه, وكلٌ ميسر لما خُلق له, فافهم ذلك جيداً.
ومن وسائل تنمية ذكاء الولد, إعطاؤه الفرصة للتعبير عن نفسه, والإجابة على أسئلته, وتعليمه كيف يسأل, وكيف يختار السؤال, وإيراد القصص المشوقة عليه, والتي تحمل بعض المعاني الرفيعة والمعلومات الجديدة.
وعليك أن تجنبه الحزن الشديد الذي يُؤثر على تفكيره, وحسن تصرفه في المواقف المختلفة.
ومن وسائل تنمية قوة الحفظ لديه, توجيهه للحفظ من سن الخامسة وحتى الخامسة عشرة من عمره قبل بلوغه, فهي أدعى لثباته ورسوخه في قلبه, ومتى رأيت أنه قابل للحفظ دون الخامسة, فوجهه للحفظ , فالأطفال يختلفون.
وأحذر أن تُعرضه لأنواع الانفعالات والتوترات العصبية، فهي تعيق العلم ومن أحسن ما يُنمي ملكة الذكاء والحفظ عند الولد توجيهه إلى طلب العلم, فهو يُدربه ويمرنه, ويجعله يستعمل جميع ملكاته العقلية.
والولد في مرحلة الطفولة المتأخرة, يميل إلى الواقعية, ونبذ الخيال, وتقل مشاكله ومشاكساته, ويميل إلى حب الإطلاع والكشف عن معالم البيئة من حوله, فافهم ذلك جيداً.
والولد بعامة في مرحلة الطفولة, ينبغي ألا يكثر عليه في الحفظ, وممارسة الصناعة؛ لأنه يمل, ويجب إعطاؤه فرصة للعب والاستراحة والاستجمام.
ومتى أُكثر عليه مات قلبه, وبطل ذكاؤه, وتنغص عيشه, حتى يحتال ويطلب الخلاص مما هو فيه.
واحرص على ترغيبه فيما يناسبه عن طريق اللعب, وإعطاؤه المكافآت المالية, والهدايا العينية, وأشبع رغباته من خلال تزويده بالموسوعات العلمية, مقروءة ومسموعة أو مرئية, مع الاهتمام بتنقيتها واختيارها بعناية.
واعم أن الله _تبارك وتعالى_, خلق الناس بقدرات مختلفة متفاوتة, فلا تطالب جميع أولادك بنفس الإنجاز, بل لكل قدرته وطاقته, ولا تحمل الصغير ما يحمله الكبير, ولا تخاطب المخفق في أمر ما بعبارات السخرية, والمبدع بعبارات الثناء, بل المخفق ترفع من مستواه وتشجعه, والمبدع بالثناء وما يستحقه.
واعلم أنك أيها الأب مكلف بتعليم ولدك والمحافظة عليه, ومتى أهملت تعليم ما ينفعه, فقد أسأت إليه وأكثر الأولاد إنما جاء فسادهم من قبل الآباء وإهمالهم لهم, وترك تعليمهم فرائض الدين وسننه, فأضاعوهم صغاراً, فلم ينتفعوا بأنفسهم, ولم ينفعوا آبائهم.
وبالله التوفيق, وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
ـــــــــــــــــــ(115/2112)
أنامقبل على الزواج .. ماتوجيهاتكم ؟
أجاب عليه ... جمّاز الجمّاز
التاريخ ... 29 / 9 /1426هـ
السؤال
أنا شاب مقبل على الزواج, وأرغب في توجيه نصائح لي, حتى يكون زواجي موفقا ً؟
الاجابة
الحمد لله رب العالمين, وبعد:
هذه وصايا للزوجين, قسمتها قسمين, قسم لما قبل الزواج, وقسم لما بعد الزواج, أشير عليك أخي الكريم بتحقيقها, فهي نافعة _بإذن الله عز وجل_.
قبل الزواج:
1. ليتعرف كل منكما على مهمته وغايته من الزواج, فالمهمة: تقويم اللبنة الاجتماعية التي ينشأ منها المجتمع, والغاية: إعفاف النفس, والإنجاب لعمارة الكون.
وقد صح في الحديث(1), أن النبي _صلى الله عليه وسلم_ قال: "تزوجوا الودود الولود, فإني مكاثر بكم الأمم" (2), وصح أيضاً (3) أن النبي _صلى الله عليه وسلم_ قال: "من استطاع منكم الباءة فليتزوج, فإنه أغض للبصر وأحسن للفرج"(4).
2. الزواج نعمة من الله _تبارك وتعالى_, تستحق الشكر, فقد صح (5) أن النبي _صلى الله عليه وسلم_ قال: "إذا تزوج العبد فقد كمل نصف الدين, فليتق الله في النصف الباقي"(6), فليحرص كل منكما, على إقامة الطاعة ومجانبة المعصية, إكمالاً لدينه.
3. فكر أيها الزوج في عواقب الاستعدادات المكلفة، والتي تفوق طاقتك وقدرتك المالية, ففي البداية يحصل لك الزواج المثير, والسيارة المتميزة, والأثاث الفاخر, وبعد مدة تعود الأمور كما كانت, وقد تتسبب في تراكم الديون عليك, وتتغير الحالة المعيشية, مما يؤدي إلى ظهور استياء في الحياة الزوجية.
واعلم أن البركة في الزواج, لها أسباب, ومنها: خفة المهور وقلتها, وقد صح(7) أن النبي _صلى الله عليه وسلم_ قال: "من يمن المرأة, تسهيل أمرها وقلة صداقها", قال عروة راوي الحديث عن عائشة, وأنا أقول من عندي: ومن شؤمها تعسير أمرها, وكثرة صداقها(8).
4. اختر أيها الزوج, المرأة الصالحة, فقد صح(9) أن النبي _صلى الله عليه وسلم_ قال: "الدنيا متاع, وخير متاع الدنيا المرأة الصالحة" (10), وصح عنه(11) _صلى الله عليه وسلم_ أنه سُئل (أي النساء خير ؟ قال: "الذي تسره إذا نظر, وتطيعه إذا أمر, ولا تخالفه فيما يكره في نفسها وماله" (12), وهذه الأوصاف الفذة لا تتوافر إلا في المرأة الصالحة, فاظفر بها.
5. بعد عقد النكاح وقبل الدخول, لتعرف كل من الزوجين على الآخر, ويتفهم طبيعة ظروف كل منها العلمية والاجتماعية والتجارية, ويحرص على معرفة الصفات الشخصية الخاصة ما أمكن, لإحسان التعامل فيما بينهما, مثل: (الحساسية المفرطة,(115/2113)
الكره لشيء ما, الحب لشيء ما, الاجتماعية المفرطة, العلاقات الواسعة, الأعمال التجارية, الهوايات, الانفعال, الخجل, الخوف, الحلم والهدوء, الحياء, القوة والشجاعة, عزة النفس, الكرم, الانشغال بقضاء حوائج الآخرين).
6. الاستفادة من الخبرات السابقة لبعض المتزوجين والمتزوجات في سؤالهم عن أنواع المشكلات التي تقع بين الزوجين, مثل: (...... أحدهما لغلبة رأيه, الخروج عن حد الأدب, تجاوز الرحمة في التعامل, تعدي أحدهما على الآخر في مسؤولياته, عدم تقدير ما يبذله كل منهما, تدخل أطراف خارجية لإشعال فتيل العلاقات بينهما, تخلي أحدهما عن بعض واجباته أو التقصير فيها).
وسؤالهم أيضاً عن كيفية التغلب على مثل هذه المشاكل, والطريقة المثلى لحلها.
7. السؤال عن أسرار ليلة الدخول, ليلة الزفاف (ليلة البناء) ومعرفة ما يحسن فعله, وما يحسن تركه, وكيفية التعامل الأمثل ليلتها من حيث الأقوال والأفعال, وتطبيق السنة النبوية, فيضع الزوج يده على رأس زوجته ويدعو لها, فقد صح(13) أن النبي _صلى الله عليه وسلم_ قال: "إذا تزوج أحدكم امرأة واشترى خادماً, فليأخذ بناصيتها, وليسمّ الله _عز وجل_, وليدع الله بالبركة وليقل: اللهم إن أسألك خيرها, وخير ما جبلتها عليه, وأعوذ بك من شرها ومن شر ما جبلتها عليه ... (14)) وأشير عليك بقراءة بعض الكتب المتخصصة في هذا المجال, مثل: آداب الزفاف في السنة المطهرة, لمحمد ناصر الدين الألباني, وتحفة العروس, لمحمود مهدي الاستانبولي.
8. الحذر كل الحذر, من المعاصي والمخالفات الشرعية, التي تحصل في أيام الزواج الأولى, إذ هي تذهب ببركة الزواج, مثل: (الخلوة المحرمة, والمكالمات الهاتفية بعد الخطبة وقبل عقد النكاح, استخدام الطبول والأغاني الموسيقية في وقت الاحتفال بالزواج, التجمل للعرس بالحرام مثل: النمص (نتف الحواجب أو تشقيرها) والوصل (وصل الشعر بالباروكة) والقصات المحرمة, تقليد الكفار في بعض مراسيم النكاح والتي فيها تقليد للكفار, مثل: دبلة الخطوبة, تشييع الزوجين على المنصة أمام الحضور, زفة العروسين على النغمات الموسيقية, السفر بعد الزواج مباشرة, كما لو كان إلى بلاد كافرة مثلاً وما يتبعه من فعل للمحرمات مثل كشف الوجه والاختلاط, ترك صلاة الجماعة).
بعد الزواج:
1. أن تعلم أن عليك لزوجك واجبات, فالزوج عليه أن يمسك بمعروف أو يسرح بإحسان, ينفق عليها بالمعروف, يكسوها بالمعروف, والزوجة عليها أن تتبعل لزوجها بالمعروف, تخدمه بالمعروف, تطيعه بالمعروف.
2. على الزوج أن يجتهد في وقاية زوجته وحمايتها من النار, ويكون ذلك بتأديبها وتعليمها وحملها على تعلم ما يجب عليها والحيلولة بينها وبين أسباب الفساد, قال _تعالى_: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلائِكَةٌ غِلاظٌ شِدَادٌ لا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ" (التحريم:6).
3. ومن واجبه أيضاً, الغيرة عليها وحفظها من كل ما يؤذيها, فلا يُعرضها لما يخدش حياءها, ويجرح كرامتها, فعليه منعها من التبرج والسفور والاختلاط بالرجال الأجانب عنها.(115/2114)
4. بقول الأسباب لتحقيق السعادة الزوجية, فيحرص كلاً منهما على (الاحترام والتقدير, الإعذار في بعض المواقف الخطأ, التنازل عن التقصير, فلن يجد كلاً منهما في الآخر ما يريد, وقد صح أن النبي _صلى الله عليه وسلم_ قال: "لا يفرك مؤمن مؤمنة, إن كره منها خلقاً رضي منها آخر"(15) بخلاف الواجبات الشرعية والالتزام بالأخلاق والأمور المهمة, فلا إعذار ولا تنازل ولكن بالحكمة, قيام كل منهما بدوره المناط به والوفاء بالحقوق تجاه الآخر وتحقيق الواجبات اللازمة عليه, التقارب على أداء حقوق الله _تبارك وتعالى_, وحفظها من الضياع, التضحية من آجل الآخر, الخدمة وقضاء الحوائج لكل منهما الآخر, فقد صح أن النبي _صلى الله عليه وسلم_ كان يكون في مهنة أهله –تعني خدمة أهله- فإذا حضرت الصلاة, خرج إلى الصلاة (16), تواضع كل منها للآخر, فقد صح أن النبي _صلى الله عليه وسلم_(17) كان يخيط ثوبه, ويخصف نعله, ويعمل ما يعمل الرجال في بيوتهم)(18) وكان .... ثوبه ويجلب شاته ويخدم نفسه) (19) وكان يرقع القميص (20), التلفظ بالكلمات الجميلة مع الابتسامة, شكر كل منهما للآخر بما يليق ويستحق, المجالسة والمحادثة الهادفة, المؤانسة المهذبة, النزهة البريئة الممتعة, كذب أحدهما على الآخر, إرضاء لخطارهما وتعميقاً للمودة بينهما, ومثله أن يأخذ أحدهما الآخر بالإحسان, وما من شأنه أن يُفهم منه غيره, وفيه ما يطيب قلبه (6)).
5. إذا واجهتك مشكلة, فيجب عليك التريث وتلمس الحل, وعدم التسرع في حل المشكلة, بحل صعب, كالطلاق مثلاً, واعلم أن الخلاف بين الزوجين أمر طبعي, يقع فيه كثير من النسا, وهنا ألفت نظرك إلى شيء مهم, وهو أن من أهم أسباب الخلاف في الأيام الأولى في الزواج, هو اختلاف بيئة الزوجين, ولا يمكن ... في وقت قصير أن يتوافقا في الأذواق والأمزجة والطبائع, فلتحمل كل منهما الآخر.
6. ضرورة التعرف على طبيعة أهل الزوج والزوجة, والحرص على إفشاء علاقة متينة متميزة لها معالمها وحدودها, فالزوج لا يستغني عن أهل الزوجة غالباً, والزوجة لا تستغني عن أهل زوجها غالباً, وبقدر الإمكان, فالخلاف مع أهل الزوجين, ينبغي ألا تؤثر سلباً على علاقة الزوجين مع بعضهما البعض.
7. الحرص على تحقيق أسباب البركة والتوفيق, مثل: (كثرة الدعاء بالسعادة الزوجية, بذل الأسباب المعنوية والحسية لتحقيق السعادة الزوجية, الأناة والتعقل في التعامل, الحكمة في التقرب مع لين الجانب, تطهير المنزل من كل وسائل الفساد وما يسخط الرب, تطهير الحياة الزوجية من المعاصي والمخالفات, وجعلها مفعمة بالصالحات من الأقوال والأعمال, وهنا طريق السعادة والحياة الطيبة, قال _تعالى_: "مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ" (النحل:97).
8. ليبتعد كل من الزوجين عن كل ما ينغص ويُكدر الحياة الزوجية, وخاصة الزوجة, فمثلاً: (لا تنقل هموم عملك وتجارتك إلى بيتك, تخفف من المشكلات والمزعجات, لا تنشغل طويلاً عن أهلك أو زوجك, لا يطغى اهتمام على اهتمام آخر, وعليك الموازنة بين أعمالك وهواياتك ومحبوباتك, لا تسب ولا تشتم زوجك,(115/2115)
لا تقدح في الأسرة والعائلة أو تنتقص منهم, لا يتخون كل منكما الآخر, لا يتلمس كل منكما عثرات الآخر, لا يسيء كل منكما الظن بالآخر).
أسأل الله _تبارك وتعالى_ أن يبارك لكما وعليكما ويجمع بينكما على خير, ويؤلف بينكما, ويرزقكمات ببنين صالحين, والله ولي التوفيق، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
_____________________
1. صحيح سنن أبي داوود للألباني ج2 ص386 رقم 1805
2. سنن أبي داود رقم 2050 النكاح
3. 4. صحيح البخاري رقم 5066 النكاح, وصحيح مسلم رقم 1400 النكاح
5. السلسلة الصحيحة للألباني ج2 ص199 رقم 625
6. البيهقي في شعب الإيمان ج7 ص340 رقم 5100
7. إرواء الغليل للألباني ج6 ص350
8. صحيح ابن حبان بترتيب .... ج 9 ص405 رقم 4095
9. 10. صحيح مسلم رقم 1467 الرضاع
11. السلسلة الصحيحة للألباني ج4 ص453 رقم 1838
12. سنن النسائي رقم 3231 النكاح
13. آداب ..... في السنن المطهرة للألباني ص 92-93
14. سنن أبي داود رقم 2160 النكاح
15. صحيح مسلم رقم 1469 الرضاع
16. صحيح البخاري رقم 676 الأذان
17. صحيح الجامع للألباني ج2 ص886 رقم 4937
18. مسند أحمد ج41 ص390 رقم 24903
19. مسند أحمد ج43 ص262 رقم 26194, صحيح الجامع للألباني ج2 ص892 رقم 4996
20. مسند أحمد ج41 ص269 رقم 24749, صحيح الجامع للألباني ج2 ص887 رقم 4946
21. لحديث (ما سمعت رسول الله _صلى الله عليه وسلم_ يُرخص في شيء من الكذب إلا في ... والرجل يحدث امرأته والمرأة تحدث زوجها), خرجه أبو داود عن أم كلثوم وهو صحيح, السنن رقم 4921 الأدب, وانظر شرح النووي على مسلم ج16 ص395 والصحيحة للألباني ج2 ص74 رقم 545
ـــــــــــــــــــ
أريد أن أعمل مع الجماعة ... فهل هذا عيب؟
أجاب عليه ... جمّاز الجمّاز
التاريخ ... 26 / 9 /1426هـ
السؤال
أنا شاب أبلغ من العمر عشرين عاماً، لي أهداف كثيرة في الدين والدنيا، تنتابني حالات متفاوتة من ضعف وقوة الإيمان، ومن ضعف وعلو الهمة، ولكن النتيجة أنني(115/2116)
لم أحقق أي هدف من قائمة الأهداف العريضة التي أضعها نصب عيني، وكثيراً ما فكرت ما هي الأسباب، وتوصلت؛ لأنني أريد أن أعمل في ظل فريق عمل، ولا أستطيع أن أعمل بمفردي، حتى يسألوا عني ويساعدونني في وقت ضعف الهمة، فهل هذا عيب مني أو ضعف في شخصيتي؟ وإن لم أجد فريق العمل، فماذا أفعل؟
الاجابة
الحمد لله رب العالمين, وبعد:
العمل الجماعي, ومثله العمل المؤسسي أمر محمود, وحاجة الناس إليه ملمة, وطبيعة النفس البشرية, النقص والخلل, فكان لا بد لها من وافد, يعينها ويسددها ويقومها.
وقد صحّ في الحديث أن النبي _صلى الله عليه وسلم_ قال: "المؤمن مرآة المؤمن, والمؤمن أخو المؤمن, يكف عليه ضيعته, ويحوطه من ورائه".
وقال الحسن البصري: "إن المؤمن شعبة من المؤمن, وهو مرآة أخيه, إن رأى منه ما لا يعجبه, سدده وقومه ووجهه, وحاطه في السر والعلانية, فتنقوا الإخوان والأصحاب والمجالس".
فكان العمل الجماعي ضرورة لا يُستغنى عنها, ومن فوائده وآثاره:-
1. اكتشاف النفس/ وما فيها من قوة وضعف, أو كمال أو نقص, بل يتعرف الإنسان على أبعاد شخصيته معرفة دقيقة من حلم أو عجلة , أو شجاعة أو جبن, أو صدق وكذب.
2. تقويم الاعوجاج/ فأصحابه يُصلحون حاله, إما بالنصيحة أو بالعقاب أو التوبيخ, أو الهجر.
3. توظيف الطاقات/ فمن خلال العمل, يُستفاد من العامل في كل شيء, ويقضي على أي فراغ يمكن أن يستغله شياطين الإنس والجن في إغوائه وإضلاله, وهكذا الغرائز سوف تعمل بدرجات متساوية ومتوازية, وحينها تكتمل الشخصية المتزنة المتكاملة.
وقد صح عن النبي _صلى الله عليه وسلم_ أنه قال: "عليكم بالجماعة, فإن الشيطان مع الواحد, وهو من الاثنين أبعد, من أراد بحبوحة الجنة فليلزم الجماعة".
4. بث الأمل ودفع اليأس؛ لأن الذي يعمل وحده تقعده الخواطر, وتثنيه هواجس الشيطان, ويثبطه كلام الناس وتفرقهم عنه, إلى أن يدب اليأس والقنوط إلى النفس, فيترك العمل لهذا الدين.
5. تجديد النشاط والهمة، فمتى فتر الإنسان وتراخى بسبب ضخامة الأعباء ومشقة العمل, ورأى إخوانه يعملون بإتقان, وما هم عليه من خشوع وإقبال زال الفتور والتراخي.
ويروى في الضعيف: ألا أنبئكم بخياركم, قالوا: بلى يا رسول الله, قال: "خياركم الذين إذا رُؤوا, ذُكر الله _عز وجل_".
6. اكتساب الخبرات والتجارب، فالعمل الجماعي مجال رحب وواسع, يكتسب فيه العامل, من الخبرات والتجارب, ما لا يكتسبها لو كان وحده.
7. حفظ الهيبة والكرامة، فلا يجرؤ الأعداء على إيذائه, أو التطاول عليه في دم أو مال أو عرض, ولو فعلوا ذلك, فإن إخوانه, سينصفونه وسيردون له مظلمته.(115/2117)
8. فتح مجالات الأجر والثواب/ فهو يُسلم ويصافح إخوانه, وينصح لهم, ويقوم بحقوقهم, ويتفقد غائبهم, ويعين محتاجهم, ويلبي دعوتهم, ويشير عليهم ويُعلمهم, فالجماعة أتاحت له أجوراً عظيمة.
9. استجلاب تأييد الله وعونه ونصرته، فالأعداء قد أجلبوا بخيلهم ورجلهم, فكانت الجماعة مسددة من الله, وقد صّح أن النبي _صلى الله عليه وسلم_ قال: " ويد الله على الجماعة, ومن شذ شذ في النار".
وبهذا يتبين لك أخي الكريم, أن العمل الجماعي, ليس ضعفاً في شخصيتك ولا عيباً في استقامتك, بل هو رأي حصيف اعمل به, ولا تتردد.
وإذا لم تجد جماعة تعمل معها, فاصنع أنت الجماعة و اسع في إنشائها, وبصِّرها بضرورة العمل والتعاون من أجل التمكين لمنهج الله في الأرض.
وأذكرك بقول بعض السلف: "كدر الجماعة خير من صفو الفرد", فافهم ذلك جيداً.
وبالله التوفيق, وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
ارتديت الحجاب ...لكن مشكلتي مع والدي
أجاب عليه ... جمّاز الجمّاز
التاريخ ... 22 / 9 /1426هـ
السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
أنا امرأة متزوجة وملتزمة -والحمد لله-، ولا أزكي نفسي، أعيش حالياً خارج بلدي مع زوجي الذي يدرس الماجستير، منذ مدة كنت لا أرتدي النقاب مع التزامي ولكني أخيراً قررت ارتداءه بعد سماعي وقراءتي لفتاوى العلماء بضرورة تغطية المرأة لوجهها، وزوجي وافق -والحمد لله- المشكلة في عائلتي وعلى رأسهم أبي وأمي لم يوافقا على هذا القرار -وهو لبس النقاب-؛ لأنه برأيهم سوف يفقدني وظيفتي وهي (طبيبة)، عند رجوعي لبلدي -إن شاء الله- وحيث إن الحكومة هناك قد لا تسمح بعملي وأنا منقبة، ولا أنكر محاربة الحكومة هناك للتيار السلفي المستقيم، وكذلك مراقبتهم للعائلات الملتزمة بالمنهج السلفي ومضايقتهم، أنا في حيرة من أمري، هذه الأيام فلقد قالت لي أختي أنهم حزينين من ضياع سنوات الدراسة في الطب، وكذلك قالوا سوف تضطرين إلى كشف وجهك في المطار لمعرفة هويتك، فرددت بأنه لو حدث هذا سوف يكون ضرورة والضرورات تبيح المحظورات، وهي قاعدة فقهية معروفة، وقالوا كذلك إن ظروف الحياة صعبة وتلتزم مشاركتك لزوجك في العمل، وأنا أعرف أن الله هو الرزاق ولا أحد غيره, أنا ليس لدي رغبة في ترك عملي لو أنه لم يتعارض مع الموانع الشرعية، بل بالعكس أريد أن أخدم النساء الملتزمات اللائي يبحثن عن طبيبة لمعالجتهن، وأريد أيضاً أن يكون أبي وأمي راضين عني تماماً، خصوصاً أن علاقتي بهم مميزة، ولكن في نفس الوقت لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق، أنا حائرة في أمري، أفيدوني أفادكم الله في إقناعهم بهذه الخطوة بالأدلة الشرعية؛ عسى الله أن يهديهم، خاصة أنهم فرحوا بالتزامي التام لكن مع عدم لبس النقاب. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.(115/2118)
الاجابة
أنا أرى لك استمرارك في لبس الحجاب, وهو ستر وجهك عن أعين الرجال مع الحشمة في اللباس والمظهر والعباءة.
وما حدث لك من معارضة والديك في لبسه, يجب ألا تسمعي له, لقول النبي _صلى الله عليه وسلم_: "لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق", ومع هذا ابذلي جهدك في إقناعهم بضرورة لبس الحجاب, وليكن ذلك باللين واللطف, وهذا يحميك من التعرض لك بالأذى أو الكلام البذيء من الرجال, (ومع ذلك فهو شيء خاص بي, لا ضرر فيه على أحد) قولي ذلك لهما، وأشعريهم أنك راضية بكل تبعاته, وماضية في ذلك, بل لديك الرغبة التامة في مزاولة مهنتك الطبية بالضوابط الشرعية, حتى لو كلف الأمر ترك العمل الحكومي, والعمل في عيادات أهلية أو خاصة.
فخذي ما قرأتي أو سمعتي من فتاوى العلماء وكلامهم حول وجوب لبس الحجاب, وبينيه لهما أو أسمعيهما إياه, وليكن لزوجك نصيب من هذا العمل, حتى يعلم والداك أن الأمر مجمع عليه من قبلكما, وأنه لا مجال للرجوع فيه, أو التفاوض في التنازل عنه وما ذكرتيه من أنك قد تتعرضين لكشف الوجه في بعض الأحوال اضطراراً فهذا لا شيء فيه, ولكن مع وجود محرم لك مثل زوجك أو ابنك أو أخيك أو والدك أو امرأة أخرى مثلك, حتى لا يتعدى الأمر إلى غير الوجه, فقد تتعرضين لشيء أخر مهين.
وعليك سؤال الله _عز وجل_ أن يُرضي والداك عنك وأن يرزقك برهما, وأيقني باستجابة الله لك, وانتظري.
ولتكن علاقتك بوالديك بعد النقلة في حياتك أكثر من ذي قبل, ومعارضتهما لك لا تحملك على سلوك تصرف مشين معهما, أحسني صحبتهما بالمعروف قولاً وعملاً, أليني لهما القول, واحرصي على إهدائهما الهدايا, كل ذلك كفيل أن تكوني مقبولة عندهما, بل ومحبوبة لديهما, بل آمرة ناهية عليهما.
أسأل الله _تبارك وتعالى_ أن يثبتك على دينه, وأن يمنحك الفقه فيه, وأن يهيئ لك من أمرك رشداً.
والله ولي التوفيق, وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
ـــــــــــــــــــ
مشكلتي أنني أخشى المواجهة
أجاب عليه ... خالد رُوشه
التاريخ ... 19 / 9 /1426هـ
السؤال
مشكلتي أنني لا أستطيع المواجهة, بمعنى أنني في بعض الأحيان أهرب من المشكلة ولا أواجهها، ولا أفصح عنها لأحد, وأكون قلقة جدا وغاضبة ولا أحد يعلم ما بي, إنني لست راضية عن نفسي, أرجوكم ساعدوني.
الاجابة
بداية أرى أنه من الإيجابية بمكان ملاحظتك لمشكلتك وتحديدها والبوح بها وهذا في حد ذاته خطوة لازمة في سبيل الحل, إضافة إلى ذلك فإنك قد وصفت مشكلتك(115/2119)
توصيفا دقيقا – بحسب رؤيتك – وهذا أيضا يضاف لإيجابيتك في ذلك, وكان توصيفك لها كالتالي:
أن مشكلتك تحديدا هي: ضعف القدرة على المواجهة بالعموم سواء للمشكلات أو للأزمات المفاجئة أو للصدمات.. وسعيك للهروب منها بطرق مختلفة.
كذلك فإنك تستخدمين الكتمان كحيلة نفسية داخلية للهروب من المواجهة وذلك يسبب لك عدم الرضا النفسي الداخلي الذي هو نتيجة مباشرة لذلك الكتمان والهروب.
وأحب في البداية أن أثبت هنا أن كل واحد منا لديه شعور نفسي بكره المشكلات والأزمات والمصائب وأن جميعنا يود لو ابتعد كليا عن مشكلاته وأزماته, ولكن الأمر يختلف نسبياً بقدر أهمية حل تلك المشكلة لاستمرار الحياة والإنجاز, ومن هنا فإن الهروب من بعض المشكلات لا يمكنني أن أنظر إليه أنه عرض مرضي, وإنما الخطر والمرض إذا صار الأمر صفة دائمة هي الهروب الدائم من المواجهة..
ونحاول الوقوف على بعض أسباب تلك المشكلة ومن ثم طريقة العلاج:
أولا: الأسباب:
يتولد الشعور الداخلي بعدم القدرة على المواجهة من خلال وجود بعض الأسباب المتعاضدة والتي بدورها تدفع الشخص – لا شعوريا - إلى استخدام ذاك الأسلوب المشكو منه (أسلوب الهروب) ومن أهم تلك الأسباب ما يلي:
1- فقدان الدعم النفسي: وأعني به هنا ما ينتج من شعور المرء بوحدته وقلة أو انعدام المقربين إليه ومن يشعرونه بالدعم الحقيقي وبالوقوف بجانبه في مشكلاته وأزماته المتعاقبة, سواء كان هذا الدعم من الوالدين أو الأصدقاء المقربين أو المربين أو غيرهم.. فيتولد عنده شعور بالخوف من المواجهة لما قد يحصل له..
2- الخلفية الذهنية التاريخية: وأعني بها الأحداث التي تعرض لها الشخص من قبل من خلال تجاربه السابقة وخصوصا في مرحلة طفولته ومراهقته فالشخص الذي تعرض لبعض المواقف المزعجة والمؤلمة وذات النتائج المحبطة في سنوات عمره الفائتة تراكم لديه شعور الكراهية المتزايد تجاه شتى المشكلات التي تمر به من دون تمييز لنوعية تلك المشكلة, فتراه عازفا بالكلية عن مواجهة مشكلاته, مهما صغرت وضعف أثرها.
3- التأجيل: بمعنى تأجيل البت في مشكلته وإبعادها عن جدوله اليومي العملي, فتأجيلها يكبرها في عينه ويشعره بثقلها على نفسيته, ومن ثم يهرب من مواجهتها, ولاشك أن تأجيل النظر في مشكلته والبحث فيها لحلها ومواجهتها يتعلق هو الآخر بما ذكرناه في السبب الأول من العامل التاريخي
4- الحساسية الشخصية المفرطة: وأعني بها أن معظم الشخصيات التي تهرب من مواجهة مشكلاتها هي شخصيات لا تحب النقد, وتتأثر به بشكل كبير جدا, وعلى النقيض فهي تحب المدح والتجمل أمام الآخرين ومن ثم فهي تبتعد عن مواطن الاستهداف التي قد تكون في هذه المشكلة أو تلك..فتفضل النأي بنفسها عنها..
5- الطبيعة الانطوائية: وأعني بها تلك الصفة التي قد تتميز بها الشخصية الغير محبة للمواجهة والمسماة بصفة (الانطواء), فتلك الشخصية الانطوائية لها عالمها الخاص بها والمتكونة عناصره ذهنيا في تصوراتها التي كثيرا ما تحب تشكيلها في وحدتها أو(115/2120)
في خصوصيتها الخاصة.. وهي في ذلك تتفزع كثيرا إذا هتكت تلك الخصوصية بشيء يقلقها أو يفسد حياتها تلك الخاصة.
ثانيا: طرق العلاج:
1- الدعم الإيماني: لاشك أنها الخطوة الأهم والأولى في طريق التقوية النفسية والدعم النفسي تجاه الشعور بالضعف, فالمرء بحاجة دائماً إلى الركون إلى جانب قوي قادر يستشعر بحمايته وحفظه كما يستشعر بقدرته على توفيقه وهدايته إلى صواب القول والفعل والتدبير, وما من ركن أقدر على ذلك من التوكل على الله _سبحانه_ واستشعار الاعتماد عليه والركون إليه وتفويض الأمر كله له لا إله إلا هو القادر العظيم, نواصي العباد بيده, ماض فيهم حكمه, عدل فيهم قضاؤه.. ومن ثم صار التوكل عليه _سبحانه_ أعظم العلاجات وأنجعها في الحل, قال الله _تعالى_: " ومن يتوكل على الله فهو حسبه إن الله بالغ أمره قد جعل الله لكل شيء قدرا " والنبي _صلى الله عليه وسلم_ مازال ينصح أمته بذلك يقول: " إذا سألت فاسأل الله وإذا استعنت فاستعن بالله ", فالمتوكل على الله _سبحانه_ تتضاءل أمامه كل المشكلات وتصغر في عينه أكبر الأزمات فهو يستطيع مواجهتها ويستطيع مدافعتها إذ إن لسان حاله يقول: " اللهم دبر لي فإنني لا أُحسن التدبير "
2- الصداقة المخلصة والأخوة في الله: فالمرء كثيراً ما يفتقر إلى صديق صدوق وأخ مؤمن مخلص يسدي إليه النصح ويعضد جانبه عند الضعف ويعينه ويثبته في الملمات والآلام, ومن وفقه الله إلى صديق مخلص ولأخ مؤمن فقد أعانه على كثير من أمره, فليبحث من يشكو تلك الشكوى عن أخوة إيمانية في الله صادقة باذلة تنصح في الخير وتعيين على الإيمان.
3- محاولة تغيير العادات: فهناك من العادات ما يساعد على تضخيم المشكلة في عين صاحبها كما يساعد على إشعاره بعدم قدرته على مواجهتها وإليك بعض النصائح العملية في ذلك:
أ – سارعي بالبحث في مشكلتك وحاول تشخيصها جيدا بصراحة وحيادية تامة, وليكن ذلك بينك وبين نفسك فقط.
ب – اسألي من هم أكثر منك خبرة عن مشكلتك وحاول تجميع آراءهم واستعراضها أمامك.
ج – أمسك بورقة وقلم وضع الخطوط العريضة المقترحة للحل من وجهة نظرك.
د – لا تؤجل مقابلة الناس المتعلقين بالمشكلة بل بادر بالمقابلة واللقاء واعلم – كما قال ابن حزم _رحمه الله – اللقاء في المشكلات يحل نصف أزمتها, ولتبدأ بلقاء غير الخصوم وغير المخالفين لرأيك ثم المخالفين ثم الخصوم وهكذا..
ه – اعلم أنك كلما بحثت في مشكلتك ونظرت فيها انحل جزء كبير منها.. وأن نهايتها قريبة جدا..
و – اجعل من مناجاتك لربك ومن استخارتك له _سبحانه_ والتبتل إليه وسؤاله عضدك الشديد وركنك الركين فاجعل إليه الملتجأ وبث له الشكوى وحده لا شريك له.
ز – لا تتعجل في اتخاذ قراراتك بل تأن واصبر، واعلم أن النصر مع الصبر.(115/2121)
س – الهروب والنوم وافتعال الانشغال عن مشكلتك لن يحلها فواجهها ولا تخش شيئا فكل الناس لديهم مشكلات وأزمات ومصائب وإنما الدنيا كبد ونصب والعاقل من استشار الخلق واستخار الخالق, فاعلم أن المواجهة أول خطوات النجاح.
وأخيرا فليعلم كل من يهرب من مواجهة الناس أو عناصر المشكلات المحيطة به أن الفاشلين فقط هم الذين يهربون من واقعهم الذي يعيشون فيه وينسجون من خيالهم عالم كاذب غير واقعي ولكن الناجحين وأصحاب الإنجازات الكبيرة هم الذين يعيشون الواقع بكل عناصره الحقيقية ويواجهون متطلباته فتنفتح لهم آفاق جديدة
ـــــــــــــــــــ
هل الابتلاء دليل على محبة الله للعبد ؟
أجاب عليه ... جمّاز الجمّاز
التاريخ ... 15 / 9 /1426هـ
السؤال
ما معنى الحديث "إن الله إذا أحب عبداً ابتلاه"؟ وأنا أدعو الله أن يحبني، وأعوذ به من المصائب، ما الصواب؟
الاجابة
الحمد لله رب العالمين, وبعد:
قد صح أن النبي _صلى الله عليه وسلم_ قال: "إن الله إذا أحب قوماً ابتلاهم, فمن صبر فله الصبر, ومن جزع فله الجزع".
والمعنى: أن العبد المؤمن المبتلى, دليل على محبة الله له, فالبلاء دائماً دليل خير, وليس نذير شر, ومن الابتلاء نقص الأنفس, كموت الوالدين أو أحدهما, أو الأخ أو الأخت أو الولد, ومنه, نقص الأموال, كالفقر والخسارة في التجارة, ومنه نقص الثمرات وقلة الأرزاق, ومنه الإصابة بالأمراض والهموم أو الغموم, ومنه مفارقة الأهل والأحباب والبعد عنهم, ومنه التضييق على الإنسان في دينه, فتعرض لمن يستهزئ به أو ينال من عرضه أو يعتدي عليه بالضرب, أو ما هو أكبر من ذلك كالحبس أو الطرد أو الإقالة من الوظيفة, وغير ذلك, والناس في هذا مراتب, فأكملهم إيماناً أعظمهم بلاءً وأقلهم إيماناً أخفهم بلاءً.
وقد صح أن النبي _صلى الله عليه وسلم_ قال: "أشد الناس بلاء الأنبياء, ثم الأمثل فالأمثل, يُبتلى الرجل على حسب دينه, فإن كان دينه صلباً أشتد بلاؤه, وإن كان في دينه رقه, ابتلي على حسب دينه", وصح عنه _صلى الله عليه وسلم_ أنه قال: "أشد الناس بلاء الأنبياء ثم الصالحون".
ولا ينبغي لمن ابتلي أن يجزع أو يسخط, بل عليه الصبر والاحتساب, فهو مثاب من حيث لا يشعر, وقد صح أن النبي _صلى الله عليه وسلم_ قال: "فما يبرح البلاء بالعبد حتى يتركه يمشي على الأرض ما عليه خطيئة", وقد صح عن النبي _صلى الله عليه وسلم_ أنه قال: "إن عظم الجزاء من عظم البلاء", ولهذا كان السلف إذا لم يصابوا بشيء, وكانوا في نعمة وعافية, داخلهم الشك أنهم ليسوا على حق.
والإيمان بقضاء الله وقدره من خير وشر, ركن من أركان الإيمان, لا يصح إيمان عبد حتى يؤمن بذلك.(115/2122)
واعلم أن الله _تبارك وتعالى_ لا يخلق شراً محضاً, فالشر إذا وقع ففيه مصلحة ومنفعة, ولكن أكثر الناس لا يعلمون.
والصبر على أقدار الله المؤلمة واجب, ويأثم الإنسان إذا لم يصبر, كما لو تسخط بقول محرم, أو فعل محرم, والرضا بالمقضي والمقدور المؤلم سنة, وهكذا الشكر على ما قضاه الله وقدره من أشياء مؤلمة, سنة أيضاً.
ويشرع لك سؤال الله أن يحبك, إذ هو شرف. وقد صح أن النبي _صلى الله عليه وسلم_ دعا، فقال: "اللهم إني أسألك حبك وحب من يحبك", ويشرع لك أيضاً سؤال الله العافية, وقد صح أن النبي _صلى الله عليه وسلم_ قال: "اللهم إني أسألك العفو والعافية".
ولا منافاة بين الدعائين, فالدعاء لا يرد القضاء, والإنسان مطالب بفعل الطاعة, وفعل الأسباب, وعليه مدافعة الشرور وعدم تعريض نفسه للذل والأذى.
واعلم أنك إذا دعيت الله أن يجنبك المصائب, ووقعت عليك المصائب, فقد يكون الله استجاب دعائك, فصرف عنك ما هو أعظم وأكبر مما حل بك, فاحمد الله على كل حال, واسأله العفو والعافية على الدوام.
وبالله التوفيق, وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
ـــــــــــــــــــ
كيف أحقق طموحي ؟
أجاب عليه ... اللجنة التربوية
التاريخ ... 12 / 9 /1426هـ
السؤال
كلُ إنسان يُحبُ أن يرتقي بشخصيته إلى الأفضل، و كل شخصٍ يريد أن يرى نفسه جميلاً ، جذاباً ، خلوقاً ، قوياً ، مرحاً ، متحدثاً لبقاً ، يعرف فنون الحديث أو الاستماع ... إلخ من الصفات الجميلة.
لذلك فإنني أريد بشدة أن أكون شخصية رائعة بكل ما تحمل هذه الكلمة من معنى، يشغلني ذلك كثيراً ، أحياناً أتجاوز الحدود في التفكير و أفكر في ذلك أكثر من الدراسة و المذاكرة.
حيث إنني رأيت فتاة في الجامعة شخصيتها تعجبني ، عندما أراها أتمنى أن أصبح مثلها .. أحبها كثيراً لشخصيتها الجميلة، و أردت أن أصادقها ، تعرفت عليها و لكنها لا تناسبي فهي شخصية جذابة كما ذكرت و لا أستطيع التفاعل معها كثيراً فأنا ذات شخصية غير اجتماعية حساسة و أنيقة المظهر و أشعر أن حديثي ممل؛ لأنني عندما أتحدث في البيت لا يريد أحد أن يستمع إلي إذا كان الموضوع طويلاً لأنني بطيئة في الحديث و أسلوبي غير جميل في الكلام لذا أتجنب التحدث كثيراً مع هذه الصديقة إلا أنني أعلق بعض التعليقات البسيطة حتى أبدو جميلة المظهر أمامها؛ لأنني أريدها أن تحبني و تبادلني نفس المشاعر، و لكنني بهذه الطريقة لا أبني معها إلا علاقة سطحية مجرد السلام عليها و التحدث معها في بعض الأمور الدراسية فقط .. أحب أن أقلدها في شخصيتها، و أريد أن أصبح مثلها و لكن لا أدري كيف ذلك ؟؟؟
الاجابة(115/2123)
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
نشكرك على وضوحك و صراحتك في طرح المشكلة، وإليك عدة توجيهات وتساؤلات على استشارتك :
1. ما أسباب تلك العلاقة والإعجاب ؟ إن كانت لله فسيوفقك الله ، وإن كانت لغيره فستكون تلك العلاقة وبال وحسرة عليك في الدنيا والآخرة " الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ" (الزخرف:67)
2. كل إنسان يحب أن يرتقي نحو الأفضل ولكن لابد أن تكون بالطرق المشروعة والبعد عن المحرمات فالتفكير الذي أشغلك عن ما هو أهم تفكير خاطئ.
3. لماذا تطمحين وتريدين الرقيّ؟ هل من أجل خدمة دين الله أم من أجل أن يشار عليك بالبنان ويقولون : نعم المرأة أنتِ. إن كانت الأخرى فاحذري فهذا العُجب وقد يؤدي إلى الكِبْر وهذه من مساوئ الأخلاق، بل سيحقرك الناس ولو بعد حين، وقد قال _صلى الله عليه وسلم_: " ثلاث مهلكات : شحُّ مطاع ، وهوى متبع ، وإعجاب المرء بنفسه ". [ أخرجه البيهقي وحسنه الألباني ] وكذلك قول النبي _صلى الله عليه وسلم_ : " بينما رجل يمشي في حلةٍ تعجب نفسه ، مرجل جمته ، إذ خسف الله به فهو يتجلجل إلى يوم القيامة " [ متفق عليه ].
4. حددي هدفك في الحياة الذي يوصلك إلى الجنة وارسمي خطة لتحقيق هذا الهدف وانظري هل ستخدمك هذه الوسائل التي ذكرتيها أم لا.
5. الفشل بداية النجاح، فقولك : "عندما أتحدث في البيت لا يريد أحد أن يستمع إلي.." هذا بداية طريق النجاح، فلا تتعجلي فالمشوار طويل، ولابد له من عقبات وتعثرات.
6. تأتي قوة الشخصية والإلقاء بالتدريج والتدرب والمِراس ومواجهة جمهور النساء وتصدر المجالس ويكون ذلك خطوة تتلوها خطوات، من غير استعجال أو تأخر، أو ظلم أحد، أو الاستبداد في التحدث.
7. التحمس للفكرة مطلوب لكن من غير مبالغة فيه، فقولك : (.. فإنني أريد بشدة أن أكون شخصية رائعة بكل ما تحمل هذه الكلمة من معنى ..) فيه مبالغة وحماس زائد!! فالاتزان والواقعية مطلب والتوسط هو الصحيح من غير تطرف.
8. ادرسي دائماً أسباب فشلك : لماذا فشلت؟ وما طرق علاجه؟
9. اقرائي سير الناجحين وكيف نجحوا، وبذلك تحذين حذوهم ولكن بما يناسب طبيعة المرأة وخصوصيتها.
10. لكل إنسان طبيعته وشخصيته وميوله فاحذري التقليد الأعمى، واقتدي بالرسول _صلى الله عليه وسلم_.
11. أكثري من الدعاء بأن ييسر الله أمرك ويعينك على تحقيق هدفك الذي يوصلك للجنة.
وفي الختام أختنا الكريمة يظهر من خلال طرحك أنك تملكين تلك الموهبة ولكن السؤال الأهم الذي يجب أن يصدر منك : كيف أسخر هذه الموهبة لخدمة هذا الدين؟ وإلا فسنحاسب على هذه النعمة إن لم نشكر الله بالأفعال والأقوال.(115/2124)
نسأل الله أن تكونين ممن يخدم هذا الدين بالحجة والبرهان، ونسأله أن يبعدك عن مواطن الفتن والأهواء والإغواء، ونسأل الله لك الثبات في الدنيا والآخرة
ـــــــــــــــــــ
أنا مصاب ... عليك بالرقية الشرعية
أجاب عليه ... جمّاز الجمّاز
التاريخ ... 8 / 9 /1426هـ
السؤال
السلام عليكم
أود طرح مشكلتي عليكم، و أرجو مساعدتي في حلها
مشكلتي تكمن في التغيير الجذري في تصرفاتي
القلق الشديد,الصراخ لأتفه الأسباب, ترك الصلاة, الفزع و الخوف الشديد أثناء الليل, كثرة ارتكاب المعاصي, عدم الرغبة في العمل و في الدراسة,سيطرة اليأس, العزلة,التفكير الدائم, القيام بأفعال لا أشعر كلياً بأنني أنا من قام بها.
أحياناً أكون عادياً و لكن في لحظات يتغير كل شيء، مع العلم أنه يتكرر معي عدة مرات في اليوم.
أشعر و كأنني أعيش صراعاً داخلياً عنيفاً.
أشعر و كأنني شخصيتان متناقضتان في جسد واحد.
مخاوفي أن يكون بي مس من الجن, أعوذ بالله.
فهل هذا صحيح.
وان كان كذلك فهل سأتمكن من التخلص منه أم سيتمكن مني وأعيش حياتي هكذا في هذا الصراع.
هل الأمر يستوجب الرقية أم هنالك علاج آخر.
وهل أستطيع الرقية بنفسي؟ و كيف يتم ذلك؟.
بماذا تنصحونني في وضعي هذا؟
وجزاكم الله خيراً.
الاجابة
الحمد لله رب العالمين, وبعد:
عصرنا الذي نعيشه قد كثرت مغرياته, وشغلت الناس, ونقضت كثيراً من عرى الإيمان, وقلّت الأذكار, وانصرف فئام من الناس كثير, عن طاعة الله _عز وجل_, فكانت العاقبة أن تسلطت الشياطين, وانقضت على القلوب الفارغة من ذكر الله _تعالى_, فكثرت الأمراض, وانتشرت الوساوس, وراج سوق السحرة والكهنة, وهذا بلاء كبير وشر مستطير.
واعلم أخي الكريم أن ما أصابك فهو من الله, وخيرة الله فوق كل شيء, ومهما كانت الأحوال والظروف والملابسات, فالله _عز وجل_ لا يُغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم, وكان أمر الله قدراً مقدوراً.(115/2125)
وما تشتكي منه, قد يكون سببه تسلط الشياطين عليك, حتى أصابتك بشيء أوصلك إلى ما أوصلك إليه, واعلم أن ما يصيب الناس بسبب الأرواح الشيطانية ثلاثة, وهي: السحر والصرع والعين.
فأما السحر والصرع فهما مس داخلي يُؤثر في الجسم تأثيراً واضحاً, ويظهر ذلك أثره في الأقوال والأفعال والأفكار والتصورات لدى الممسوس حتى أن من يراه يظن أنه شخصية أخرى.
وأما العين فهي مس خارجي يضايق ويؤذي من الخارج, وله نفوذ جزئي داخل الجسم فتتغير معه كيميائية الجسم من برودة الأطراف وحرارة الظهر والعينين, وجفاف في الفم وانفعالات زائدة, وتحدث هذه أموراً ظاهرة في بدن الإنسان، مثل: صفرة الوجه وتغير لونه المعتاد, وصداع مستمر غير منقطع لا يُعرف سببه, وتبول كثير, وضعف شهية, ورطوبة اليدين والرجلين مع تنمل, وأرق بالليل, وأثر تلك الأمراض الثلاثة على الإنسان متفاوت, فبعضهم تنهار نفسه, وبعضهم يصاب باليأس من الشفاء, وبعضهم يترك كل شيء وينتظر الموت, وبعضهم الآخر يقف مستبسلاً أمامها, واثقاً بالله _عز وجل_, محسناً ظنه بربه _تبارك وتعالى_, مؤمناً بقضاء الله وقدره, ساعياً في علاج نفسه بكل ما يستطيع, وهذا هو الواجب لا أن يُسلم أمره إلى الشيطان ويقنط من رحمة الله _تبارك وتعالى_, وقوة المرض على الإنسان من ضعفه, راجعة إلى أمور، ومنها:
قوة الجان المتلبس بالإنسان فقد يكون كافراً أو مسلماً فاجراً ظالماً باغياً, وحينها يكون أثره كبيراً, ضعف الإيمان بالله _عز وجل_ بالنسبة للإنسان ويصاحب ذلك وقوعه في حمأة الرذيلة, وإقامته على المعصية, وحينها لا سلاح معه يدافع به الجان, ضعف الشخصية للإنسان وعدم قدرته على التعامل مع المواقف والناس بشيء مقبول, طبيعة القبيلة أو الأسرة حيث لديها قابلية لتك الأمراض, وغير ذلك.
وأنت أيها الأخ الكريم, سوف تتخلص _بإذن الله_ من ذلك, وتعيش عيشة هنيئة خالية من تلك الصراعات, فالأمر سهل ميسور _إن شاء الله_, وإليك البيان:
1. الجأ إلى الله _تعالى_, وتعلّق به وحده, وألح في الدعاء أن يشفيك.
2. أيقن أن الله هو الشافي وحده, وما تستخدمه من أسباب كأدوية ونحوها, قد ينفع الله بها لحكمة أرادها, وقد لا ينفع الله بها, لحكمة لا يريدها.
3. ما عند الله لا يُنال بمعصية الله, فأت البيوت من أبوابها.
4. طهر بيتك من المنكرات, وخاصة مزامير الشيطان (الغناء, وآلات الطرب والموسيقى), والصور الفاضحة المحرمة, فهي محبوبة للشيطان, جالبة له, لا تنفك عنه.
5. الأصل في التداوي أن يكون بالقرآن الكريم ثم بالأسباب الدوائية المتاحة.
6. اعلم أن المداومة على ذكر الله على كل حال قائماً وقاعداً ومضطجعاً وأدبار الصلوات, وأوقات الخلوات, وإذا أصبحت وإذا أمسيت (أذكار الصباح والمساء), مطردة للشيطان, مزعجة له, لا يقر له قرار, حتى يهرب من ذلك البدن أو البيت, فاحرص على ذكر الله _تعالى_ واستكثر منه.(115/2126)
7. اعلم أن المحافظة على الصلاة المكتوبة, والحرص على صلاة النافلة ليلاً ونهاراً, هي راحة للأبدان المتعبة, والأنفس المجهدة, وكم من مريض فشلت العقاقير الطبية في علاجه, فلما اتجه إلى الصلاة برأت علته, وشفي الله مرضه, فالصلاة تحصين.
8. اعلم أن (القرآن هو الشفاء التام من جميع الأدواء القلبية والبدنية, وأدواء الدنيا والآخرة, وما كل أحد يُؤهل ولا يوفق للاستشفاء به, وإذا أحسن العليل التداوي به, ووضعه على دائه بصدق وإيمان, وقبول تام, واعتقاد جازم, واستيفاء شروطه, لم يقاومه الداء أبداً.
وكيف تُقاوم الأدواء كلام رب الأرض والسماء, الذي لو نزل على الجبال لصدعها, أو على الأرض لقطعها, فما من مرض من أمراض القلوب والأبدان إلا وفي القرآن سبيل الدلالة على دوائه وسببه, والحمية منه لمن رزقه الله فهماً في كتابه, فمن لم يشفه القرآن, فلا شفاه الله, ومن لم يكفه, فلا كفاه الله) قاله ابن القيم.
فقل لي بربك, كيف حالك مع كتاب ربك, قد تكون ناسياً له, مهملاً له, غير مهتم به, لا تعرف القراءة فيه إلا للضرورة أو في رمضان, فافهم ذلك جيداً.
9. اعلم أنك لا زلت تتقلب في نعمة الله _تعالى_, والله _تبارك وتعالى_ ابتلاك بهذا الأمر اختباراً لك, فما أنت صانع فيه, كن مؤمناً لا منافقاً, صادقاً لا كاذباً, صابراً محتسباً لا متضجراً متأففاً.
10. عالج نفسك بالرقية الشرعية, وتول أمرك بنفسك, فالنائحة الثكلى ليست كالنائحة المستأجرة, وما حك جلدك مثل ظفرك, فتول أنت جميع أمرك.
وفي ذلك إحياء لسنة الرقية الأساس (رقية الإنسان نفسه) وشعور الناس بعظمة هذا القرآن, وأن بمقدور كل مسلم كائناً من كان, الاستشفاء به دون واسطة, وفيه بروز معلم عقدي غائب, وهو التوكل على الله _تعالى_, حيث لم يلتفت قلبه إلى غير الله _تعالى_, وفيه إيجاد أناس في كل بيت يرقون بكتاب الله ويجيدون ذلك, فلا يكون الأمر مقصوراً على أناس بأعيانهم هم الذين يرقون فقط.
11. إذا لم تستطع فعل ذلك بنفسك لأي سبب, فلا مانع من الذهاب إلى أناس موثوقين في دينهم وعبادتهم, وطلب الرقية منهم.
12. اعلم أنه قد تتكامل الأسباب من الرقية الشرعية وتعاطي الأسباب الدوائية, ومع ذلك لا تُشفى لأنه فوق كل هذه الأسباب, إرادة المسبب وهو الله _عز وجل_، فالشفاء بيد الله وحده متى ما أراد.
13. الرقية هي العزيمة, والمراد بهما قراءة الآيات والدعوات على المريض, بدون نفث, ويمكن فعل الرقية ومعها نفث, وهو جمع الريق والنفخ به نفخاً لطيفاً أثناء الرقية أو بعد كل جملة أو بعدها مباشرة.
14. إذا كنت ترقي نفسك فاجمع كفيك واقرأ فيهما, وبعد الانتهاء انفث فيهما, وامسح بهما سائر جسدك.
15. إذا كنت ترقي غيرك فليكن المريض بين يديك يعني أمامك.
16. عندما تريد الرقية (ليكن في نيتك), إصلاح العضو المريض, والشفاء من المرض, ودعوة الجان المتلبس لأن يترك ظلمه واعتدائه, ويغادر جسم المريض,(115/2127)
ولا يعود إليه أبداً, وهذا التصور له أثر كبير على الجان فيتأثر وعلى المرض العضوي فيشفى.
17. قد يحدث لك أثناء الرقية أو بعدها وأثناء النوم, أن ترى رؤيا, ويغلب على ظنك أنها لا تعني شيئاً, والحال ليس كذلك, بل أسأل أهل التعبير عنها, فقد تعرف منها ما أصابك أو من أصابك, وكيف تستطيع معالجة نفسك.
18. إذا أردت الرقية, فأحضر ماء وزيت زيتون وعسل, واقرأ فيها كلها, ثم اجعلها عندك, واشرب من هذا الماء ما شئت كل يوم, وادهن من الزيت لكل بدنك كل ليلة, واخلط العسل بماء واشربه كل يوم على الريق, وإن وضعت معه وخلطته بالحبة السوداء فهو أفضل, فإن في ذلك شفاء _بإذن الله_.
19. احرص على الجري أو المشي كل يوم, فإذا تعرق بدنك, اغتسل بالماء البارد واشرب منه, قال _تعالى_: "وَاذْكُرْ عَبْدَنَا أَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الشَّيْطَانُ بِنُصْبٍ وَعَذَابٍ * ارْكُضْ بِرِجْلِكَ هَذَا مُغْتَسَلٌ بَارِدٌ وَشَرَابٌ" (صّ:41-42).
20. القرآن كله شفاء, ومن الآيات والدعوات التي يرقي بها الإنسان نفسه بعامة وهي نافعة في السحر والصرع والعين والأمراض العضوية, ما يلي:
- سورة الفاتحة
- أول سورة البقرة من آية 1 إلى آية 5
- آية الكرسي (من سورة البقرة آية 255)
- آخر آيتين من البقرة من آية 285 إلى آية 286
- أول سورة آل عمران من آية 1 إلى آية 2
- آية من سورة يونس رقم 107 "وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ وَإِنْ يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلا رَادَّ لِفَضْلِهِ يُصِيبُ بِهِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ".
- بعض آية من سورة الأنبياء رقم 87 " لا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ"
- آخر سورة الحشر آية 22 إلى آية 24
- آية من سورة الأنبياء رقم 69 "قُلْنَا يَا نَارُ كُونِي بَرْداً وَسَلاماً عَلَى إِبْرَاهِيمَ"
- بعض آية من سورة البقرة رقم 137 ( فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللَّهُ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ)
- سورة الإخلاص كاملة
- سورة الفلق كاملة
- سورة الناس كاملة
- (بسم الله أرقيك من كل شيء يُؤذيك ومن شر كل نفس أو عين حاسد الله يشفيك, بسم الله أرقيك).
- (بسم الله الذي لا يضر مع اسمه شيء في الأرض ولا في السماء وهو السميع العليم).
- (حسبي الله لا إله إلا هو عليه توكلت وهو رب العرش العظيم).
ومن أيقن أن به سحراً, قال ما أعلاه, وزاد عليه:
- آيات من سورة الأعراف "فَوَقَعَ الْحَقُّ وَبَطَلَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ * فَغُلِبُوا هُنَالِكَ وَانْقَلَبُوا صَاغِرِينَ * وَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سَاجِدِينَ" (لأعراف:118 إلى 121)(115/2128)
- آيتان من سورة يونس "فَلَمَّا أَلْقَوْا قَالَ مُوسَى مَا جِئْتُمْ بِهِ السِّحْرُ إِنَّ اللَّهَ سَيُبْطِلُهُ إِنَّ اللَّهَ لا يُصْلِحُ عَمَلَ الْمُفْسِدِينَ * وَيُحِقُّ اللَّهُ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ" (يونس:81- 82)
- بعض آية من سورة طه "وَأَلْقِ مَا فِي يَمِينِكَ تَلْقَفْ مَا صَنَعُوا إِنَّمَا صَنَعُوا كَيْدُ سَاحِرٍ وَلا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتَى" (طه:69)
وليحرص كل الحرص على معرفة مكان السحر وماهية السحر, ثم يقوم بإتلافه, والطريقة المثلى لإتلافه, أن يضعه في إناء وفيه ماء وملح ليذوب ما فيه, ويقرأ بعض الآيات كالفاتحة وآية الكرسي والمعوذات, والآيات الخاصة بالسحر, بنية إبطاله, ثم يقوم بدفنه ويسمي الله _عز وجل_ عليه.
ومن أيقن أنه به صرعاً مساً من الجن, قال ما أعلاه, وزاد عليه:
- آيتان من سورة البقرة 163-164 "وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِد"
- أربع آيات من سورة المؤمنون 115- 118 "أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثاً وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لا تُرْجَعُونَ".
- أربع آيات من سورة الأحقاف 29- 32 "وَإِذْ صَرَفْنَا إِلَيْكَ نَفَراً مِنَ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآنَ فَلَمَّا حَضَرُوهُ قَالُوا أَنْصِتُوا فَلَمَّا قُضِيَ وَلَّوْا إِلَى قَوْمِهِمْ مُنْذِرِينَ".
- أول الصافات 1-10 "وَالصَّافَّاتِ صَفّاً" إلى " فَأَتْبَعَهُ شِهَابٌ ثَاقِبٌ".
- آية من الحديد 3 "هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ"
- ويدعوه بـ اخرج عدو الله, أعوذ بالله منك.
ومن أيقن أن به عيناً (نظرة), قال ما أعلاه وزاد عليه:
- آية من النساء 54 "أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ فَقَدْ آتَيْنَا آلَ إِبْرَاهِيمَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَآتَيْنَاهُمْ مُلْكاً عَظِيماً".
- آيتان من الملك 3-4"الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ طِبَاقاً مَا تَرَى فِي خَلْقِ الرَّحْمَنِ مِنْ تَفَاوُتٍ فَارْجِعِ الْبَصَرَ هَلْ تَرَى مِنْ فُطُورٍ * ثُمَّ ارْجِعِ الْبَصَرَ كَرَّتَيْنِ يَنْقَلِبْ إِلَيْكَ الْبَصَرُ خَاسِئاً وَهُوَ حَسِيرٌ ".
- آيتان من القلم 51-52 "وَإِنْ يَكَادُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَيُزْلِقُونَكَ بِأَبْصَارِهِمْ لَمَّا سَمِعُوا الذِّكْرَ وَيَقُولُونَ إِنَّهُ لَمَجْنُونٌ * وَمَا هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِلْعَالَمِينَ".
فإذا رقى الإنسان نفسه بهذا, على التفصيل كما تقدم, أو رقى غيره, توقف قليلاً ثم قرأ رقية ينوي بها إلباس الصحة والعافية وحصول تمام الشفاء.
- آية من التوبة 14 "وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ".
- آية من يونس 57 "وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدىً وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ".
- آية من النحل 69 "فِيهِ شِفَاءٌ لِلنَّاسِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ".
- آية من الإسراء 82 "وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ وَلا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلَّا خَسَاراً".
- آية من الشعراء 80 "وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ".
- آية من فصلت 44 "قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدىً وَشِفَاءٌ وَالَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ فِي آذَانِهِمْ وَقْرٌ وَهُوَ عَلَيْهِمْ".(115/2129)
- آية من الشورى 28 "وَهُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ الْغَيْثَ مِنْ بَعْدِ مَا قَنَطُوا وَيَنْشُرُ رَحْمَتَهُ وَهُوَ الْوَلِيُّ الْحَمِيدُ".
- آيتان من طه 25-26 "قَالَ رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي * وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي".
- سورة الشرح كاملة
- ويدعو بـ "امسح الباس, رب الناس, بيدك الشفاء, لا كاشف له إلا أنت"
- ويدعو "اللهم رب الناس, أذهب البأس, اشف أنت الشافي, لا شفاء إلا شفاؤك شفاء لا يغادر سقماً".
- ويدعو (أسأل الله العظيم رب العرش العظيم أن يشفيك (أن يشفيني)).
ثم يتوقف قليلاً ثم يرقي بنية التعويذ والتحصين له أو لمن يقرأ عليه, وأن الأذى لا يعود إليه أبداً _إن شاء الله_.
- آيتان من المؤمنون 97-98 "وَقُلْ رَبِّ أَعُوذُ بِكَ مِنْ هَمَزَاتِ الشَّيَاطِينِ * وَأَعُوذُ بِكَ رَبِّ أَنْ يَحْضُرُونِ"
- بعض آية من البقرة " فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللَّهُ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ"(البقرة: من الآية137)
- ويدعو بـ (أعوذ بكلمات الله التامات من غضبه وعقابه, وشر عباده, ومن همزات الشياطين وأن يحضرون).
- وبـ (أعوذ بكلمات الله التامة من كل شيطان وهامة ومن كل عين لامة).
- وبـ (أعوذ بكلمات الله التامات التي لا يجاوزهن برد ولا فاجر, من شر ما خلق وذرأ وبرأ, ومن شر ما ينزل من السماء, ومن شر ما يعرج فيها, ومن شر ما ذرأ في الأرض, ومن شر ما يخرج منها, ومن شر فتن الليل والنهار, ومن شر طوارق الليل والنهار, إلا طارقاً يطرق بخير يا رحمن).
- وبـ (أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق).
- وبـ (تحصنت بالله الذي لا إله إلا هو, إلهي وإله كل شيء, واعتصمت بربي ورب كل شيء, وتوكلت على الحي الذي لا يموت, واستدفعت الشر بلا حول ولا قوة إلا بالله, حسبي الله ونعم الوكيل, حسبي الرب من العباد, حسبي الخالق من المخلوق, حسبي الرازق من المرزوق, حسبي الذي هو حسبي, حسبي الذي بيده ملكوت كل شيء, وهو يجير ولا يُجار عليه, حسبي الله وكفى, سمع الله لمن دعا, ليس وراء الله مرمى, حسبي الله لا إله هو عليه توكلت وهو رب العرش العظيم).
وإن كان يرقي غيره, فعند التعوذات النبوية يبدل الضمير ويجعله للمخاطب (أعيذه) أو (أعيذها) أو (أعيذهم) أو (أعيذكم) وعند التحصين يقول: (حصنت نفسي ومالي وأهلي وكل شيء أعطانيه ربي, بالحي القيوم الذي لا يموت أبدا, ودفعت عنهم السوء لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم).
وأما الأمراض العضوية والنفسية فتعالج بالقرآن أيضاً, وللسلف تجارب نافعة في هذا الباب, كابن تيمية وابن القيم وغيرهما.
فللنزيف والرعاف:
"وَقِيلَ يَا أَرْضُ ابْلَعِي مَاءَكِ وَيَا سَمَاءُ أَقْلِعِي وَغِيضَ الْمَاءُ وَقُضِيَ الْأَمْرُ "(هود: من الآية44)
وللأمراض الصدرية:(115/2130)
"أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ * وَوَضَعْنَا عَنْكَ وِزْرَكَ * الَّذِي أَنْقَضَ ظَهْرَكَ" (الشرح:1-3)
و "وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ"(التوبة: من الآية14)
و "وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدىً وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ"(يونس: من الآية57)
وللأمراض الباطنية:
"إِذَا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ زِلْزَالَهَا * وَأَخْرَجَتِ الْأَرْضُ أَثْقَالَهَا" (الزلزلة:1-2)
وللأمراض العصبية والروماتيزم:
"وَإِذَا الْأَرْضُ مُدَّتْ * وَأَلْقَتْ مَا فِيهَا وَتَخَلَّتْ * وَأَذِنَتْ لِرَبِّهَا وَحُقَّتْ" (الانشقاق)
وهذا معنى قول من قال بالقراءة التصويرية حيث شبه الإنسان بالأرض.
ولعامة الأوجاع والآلام:
"وَلَهُ مَا سَكَنَ فِي اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ" (الأنعام:13)
وللفزع والأرق وعدم النوم:
"فَضَرَبْنَا عَلَى آذَانِهِمْ فِي الْكَهْفِ سِنِينَ عَدَداً" (الكهف:11)
وللخراج والدمَامِل:
"وَيَسْأَلونَكَ عَنِ الْجِبَالِ فَقُلْ يَنْسِفُهَا رَبِّي نَسْفاً * فَيَذَرُهَا قَاعاً صَفْصَفاً * لا تَرَى فِيهَا عِوَجاً وَلا أَمْتاً" (طه:105-107)
وللشمانيا:
" فَأَصَابَهَا إِعْصَارٌ فِيهِ نَارٌ فَاحْتَرَقَتْ"(البقرة: من الآية266)
وللمرأة إذا عسُرت ولادتها عليها:
"كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَ مَا يُوعَدُونَ لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ بَلاغٌ"(الأحقاف: من الآية35)
"كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَهَا لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا عَشِيَّةً أَوْ ضُحَاهَا" (النازعات:46)
"إِذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ * وَأَذِنَتْ لِرَبِّهَا وَحُقَّتْ * وَإِذَا الْأَرْضُ مُدَّتْ * وَأَلْقَتْ مَا فِيهَا وَتَخَلَّتْ" (الانشقاق:1-4)
وغير ذلك كثير لا يتسع المقام لذكره.
تنبيه:
لا يُفهم مما سبق, ترك الأسباب الدوائية, إذ فعل الأسباب من الأمور التي ينبغي العمل بها, فيحرص الإنسان على التداوي, فهو مشروع, بل هو في منزلة مدافعة ألم الجوع والعطش, وحقيقة التوحيد لا تتم إلا بمباشرة الأسباب, وتعطيلها يقدح في التوكل, فالتداوي ليس كالاسترقاء.
الاسترقاء طلبه مباح وتركه أفضل, بخلاف التداوي فإنه مسنون, وقد يكون واجباً, وهذا هو المشهور عن الشافعية, ومذهب جمهور السلف وعادة الخلف, واختاره ابن تيمية وابن القيم, وهو ما يفتي به أئمة الدعوة في الديار النجدية بعامة, ومن التداوي التداوي بالطب النبوي أو الطب الشعبي أو الطب الكيميائي الحديث, ومنه الذهاب إلى العيادات والمستشفيات والمصحات.
وقد صح في الحديث أن النبي _صلى الله عليه وسلم_ قال: "لكل داء دواء, فإذا أصاب الدواء الداء برئ _بإذن الله عز وجل_".(115/2131)
أسأل الله العظيم رب العرش العظيم أن يشفيك, وأن يهيئ لك من أمرك رشداً, وبالله التوفيق
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
ـــــــــــــــــــ
المعاملة السيئة من الآباء للأبناء
أجاب عليه ... جمّاز الجمّاز
التاريخ ... 5 / 9 /1426هـ
السؤال
ما حكم المعاملة السيئة التي يعاملها الآباء للأبناء؟ وما حكم التفضيل بين الأبناء؟
الاجابة
الحمد لله رب العالمين, وبعد:
المعاملة التي يعاملها الوالدان لأولادهم ذكوراً أو إناثاً, يجب أن تكون طيبة, وهذا هو هدي الإسلام دون غيره من الأديان, حفظاً لكرامتهم, وصيانة لحقوقهم, قال _تبارك وتعالى_: "وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً"(1).
والمعاملة السيئة للأولاد, بلاء كبير وشر مستطير, لن يجني فيه الوالدان أو أحدهما, إلا المعيشة النكرة, والفرقة المقيتة والعقوق المتبادل والسباب المتلاطم والإثم الكبير, قال أبو مسعود البدري:(كنت أضرب غلاماً لي بالسوط, فسمعت صوتاً من خلفي: اعلم أبا مسعود, فلم أفهم الصوت من الغضب, قال: فلما دنا مني إذا هو رسول الله صلى الله عليه وسلم, فإذا هو يقول: اعلم أبا مسعود, اعلم أبا مسعود, قال:
فألقيت السوط من يدي, فقال: اعلم أن الله أقدر عليك منك على هذا الغلام, قال: فقلت: لا أضرب مملوكاً بعده أبداً) وفي لفظ: ( ... فالتفت فإذا هو رسول الله _صلى الله عليه وسلم_, فقلت: يا رسول الله هو حر لوجه الله _تعالى_, فقال: أما لو لم تفعل للفحتك النار, أو لمستك النار) أخرجه مسلم(2).
وهذا في ضرب المملوك فكيف بضرب الولد ؟!
وفرق بين الإساءة إلى الأولاد بالضرب وإيقاع الأذية بهم أو منعهم حقوقهم أو التنكيل بهم بالألفاظ, وبين تأديبهم فالتأديب مجاله غير ذلك بل هو من الرحمة لهم, والتربية الحسنة, ويكون ذلك برفق ولين وتلطف فالولد المعوج لا ينبغي أن يُرحم بل تأديبه رحمة له.
عن عبد الله بن عمرو قال: قال رسول الله _صلى الله عليه وسلم_: "مروا أولادكم بالصلاة وهم أبناء سبع سنين, واضربوهم عليها وهم أبناء عشر سنين, وفرقوا بينهم في المضاجع" خرجه أبو داود (3) وهو صحيح(4).
والعرب تقول: الضرب للولد مثل السماء للزرع (5).
وأما العدل بين الأولاد ذكوراً وإناثاً في العطية فواجب, فعن النعمان بن بشير قال: أعطاني أبي عطية ... فقال رسول الله _صلى الله عليه وسلم_: أعطيتَ سائر ولدك مثل هذا, قال: لا, قال: "فاتقوا الله واعدلوا بين أولادكم" خرجه البخاري (6),(115/2132)
وخرجه مسلم (7) بلفظ (قال: أله إخوة: قال نعم, قال: أفكلهم أعطيت مثل ما أعطيته, قال: لا, قال فليس يصلح هذا وإني لا أشهد إلا على حق).
ومتى فرق الوالدان أو أحدهما في العطية, وقعوا في الإثم؛ لأن تفضيل بعضهم على بعض في العطية, يوغر صدور بعضهم على بعض, ويزرع بينهم العداوة والبغضاء.
وليس الذكر كالأنثى, فما صلح للبنات, وأعطي كل واحدة منهن شيئاً لا يجب إعطاء مثله للذكور, كالذهب واللباس الخاص بالمرأة وتوابعها مما لا يصلح للذكور. وهكذا ما صلح للذكور كالكرة والدراجة والسيارة وأعطي كل واحد منهم شيء لا يجب إعطاء مثله أو عوضه للإناث.
ويستثنى من ذلك المعوق أو المريض أو الفقير, أو من قام على خدمة والديه, أو أحدهما, والبقية تركوه واشتغلوا بأمورهم, أو من تفرغ لعلم ولم يعمل, ونحو ذلك من أصحاب الحاجات الضرورية فيجوز للوالدين أو أحدهما تخصيصه بشيء دون البقية لسد حاجته تلك.
ويجوز لوالديه أو أحدهما أن يصرف عطيته عن بعض أولاده إذا كان مبتدعاً, أو لكونه يعصي الله فيما يأخذه كما لو أنفقها في المحرمات كالدخان والمخدرات والمسكرات أو ما يعين على أعمال الخنا والحرام والفواحش.
ومتى أراد أن يعطيهم مالاً أو لباساً أو مشروبات أو مأكولات أو كماليات من ضرورات وخلافها, هدية أو تشجيعاً أعطاهم بالسوية الذكر والأنثى سواء, الذكر له مئة والأنثى لهما مئة, وهكذا.
وأما العدل بين الأولاد ذكوراً وإناثاً في المحبة والميل والقلب, فلا يجب ويجوز للوالدين أو أحدهما محبة بعض الأولاد أكثر من بعض, ما لم يصاحبها ظلم وتجاوز أو بخس لحقوق الإخوة أو الأخوات؛ لأن المحبة شيء جبلي يقذفه الله في قلوب عباده لمن يشاء, وليس من مقدور الإنسان أن يعدل بينهم في ذلك, فـ"لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَهَا" (8). غير أن العدل بينهم في ذلك مشروع ومنقول عن السلف, وليس للوالدين أو أحدهما المبالغة في إظهار هذه المحبة, خشية ملء صدور الآخرين هماً إلا لعلة, كما لو كان أحدهم صاحب طاعة, أو محافظاً على الصلاة, أو باراً بوالديه, أو صاحب أدب, فلهما أن يثنيا عليه خيراً تشجيعاً له.
وقد رخص بعض السلف تفضيل الصغير والمريض ونحوهما, عند استقبالهما بالبشاشة والترحيب شفقة عليهما, ومواساة لهما (9).
وبالله التوفيق, وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
_______________________
1. سورة الإسراء آية 70
2. مسلم (1659) شرح النووي (ج11 ص140)
3. أبو داود (495) ج1 ص334
4. صحيح أبي داود (466) ج1 ص97
5. المنهاج, لهاشم محمد ج1 ص137
6. البخاري (2587) الفتح ج5 ص260(115/2133)
7. مسلم (1624) شرح النووي ج11 ص76
8. سورة البقرة آية 286
9. جامع أحكام النساء للعدوي ج2 ص329-340, فقه تربية الأبناء للعدوي ص101-112, فتاوى اللجنة الدائمة ج16 ص193-194, 202-204, فتاوى المرأة جمع المسند ص205,
ـــــــــــــــــــ
ابني الصغير يريد أن يصوم رمضان .. فماذا أفعل ؟
أجاب عليه ... خالد رُوشه
التاريخ ... 1 / 9 /1426 هـ
السؤال
أريد استشارتكم في ولدي الصغير؛ لأنه مع دخول رمضان يريد أن يصوم، ويصمم على ذلك رغم أن عمره لم يتجاوز 7 سنين، ورغم ضعفه الصحي الملحوظ , وأنا أخاف عليه فهل على من إثم إذا منعته عن الصوم ؟ وما هي الطريقة المثلى تربوياً في تعاملي مع هذه القضية ؟
الاجابة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله _صلى الله عليه وسلم_ وبعد : فإن الله _سبحانه_ قد وهبنا من نعمته أبناء هم زينة من زينة الدنيا ونعمة وفضلا منه _سبحانه وتعالى_ , ومن شكر نعمته _عز وجل_ أن نحسن تنشئتهم كما يحب ربنا ويرضى فينبتوا رجالاً يحملون راية هذا الدين القويم ويحموا حماه ويزودوا عن حياضه , كما يرفعوا شأن أمتهم ويرتقوا بها بين أمم العالمين .
وعبادة الصوم عبادة روحية عظيمة ولها أثرها التربوي والإيماني الرائع الذي يطهر النفوس ويزكيها ويهيؤها للعبودية التامة , ومن ثم لزم تربية الأولاد عليها واستغلال فرصتها كمحضن تربوي مؤثر , وشهر رمضان بما له من فضيلة وبما فيه من شعائر هو بيئة صحية مناسبة لبث تلك العبادة الإيمانية الرقراقة في قلوب ونفوس الأبناء .
وقد علم الشرع الحنيف أهمية تربية الأولاد على العبادات المختلفة من الصغر فعن عبد الله بن عمرو بن العاص أن النبي _صلى الله عليه وسلم_ قال : "مروا أولادكم بالصلاة لسبع واضربوهم عليها لعشر " رواه أحمد كما ثبت عن أصحاب النبي _صلى الله عليه وسلم_ أنهم كانوا يعلمون أبناءهم صوم يوم عاشوراء , قالوا : فكان إذا أحس بالجوع وقال أريد الطعام أعطيناه اللعبة من العهن يتسلى بها حتى تغرب الشمس.
ونوضح بعضاً من الأمور الهامة المتعلقة بالصوم خاصة فيما يتعلق بالأولاد كما يلي :
1- معلوم أن الصوم أشق من الصلاة على الصغير لذلك فاستحباب التدريب عليه إنما يكون بعد سن السابعة وليس قبلها كما بين كثير من أهل العلم الأثبات .
2 - يمكن للأبوين أن يدربا أبناءهما على الصوم قبل ذلك السن – سن السابعة – ولكن لا على صوم اليوم كاملاً ولكن على بعضه بقدر طاقة الولد وما يتحمله , وليكن(115/2134)
ذلك بالتدريج سواء في سنوات عمره أو بالتدريج في صيام ذات الشهر فيمكن في البداية تدريبه على بعض الساعات ثم زيادتها يومياً بصورة تدريجية مقبولة متناسبة ومتوائمة مع حال الولد .
3 – يخطئ بعض الآباء بمنع أبنائهم عن الصوم مطلقاً برغم رغبتهم فيه وحبهم له وقدرتهم عليه , والوالد عندئذ يرتكب خطأ تربوياً ملحوظاً حيث يمنع ولده عن طاعة لها أثرها الإيجابي الكبير في توجيه سلوكه وتقويمه .
4 – إذا علم الوالدان من ابنهما الضعف الصحي وعدم القدرة على تحمل ذلك فليس أقل من تدريبه على الصوم بعض ساعات النهار بقدر تحمله .
5 – ينبغي استغلال جميع شعائر الصوم ومتعلقاتها في التأثير في الأبناء، ومن أهم ذلك عبادة السحور، فقد قال النبي _صلى الله عليه وسلم_: " تسحروا فإن في السحور بركة " متفق عليه من رواية أنس , وكذلك المسارعة إلى الإفطار فور الغروب , كذلك الدعاء عند الفطر وغيره مما يتعلق بالصوم من السنن الثابتة .
6 – أجر صوم الصغير يكون له فهو يزيد من حسناته , كما أن للوالدين أجر كبير في ذلك أيضاً , ففي الصحيح أن امرأة رفعت صبياً لها وقالت: يا رسول الله " ألهذا حج ؟ فقال : نعم ولك أجر " فأجر الصبي من العمل الصالح لا يمنع أجر الوالدين، بل أجرهما محفوظ، والله ذو الفضل العظيم .
7 – إذا بلغ الصبي أجبره والداه على الصوم ولا تهاون في ذلك بحال، بل يجب عليه تعلم أحكام الصوم الأساسية وأن يلزم نفسه بها.
8 – ينبغي للوالدين أن يبثوا في أبنائهم حكمة الصوم العظيمة وكيف أن له أجرا ليس كأجر كل عبادة، وأنه لله وهو _سبحانه_ الذي يحاسب عليه وكيف أن للصائم فرحتان : عند صومه وعند لقائه ربه , كما ينبغي أن يتعلم الأبناء أن الصوم هو صوم القلب عن المحارم كما أنه صوم الجوارح عن كل محظور يغضب الله _سبحانه وتعالى_ قبل أن يكون صوم البطن عن الطعام والشراب كما روى أبو داوود من قوله _صلى الله عليه وسلم_: " رب صائم ليس له من صومه إلا الجوع والعطش "
ـــــــــــــــــــ
طلقت زوجتي العاصية ... هل أراجعها ؟
أجاب عليه ... جمّاز الجمّاز
التاريخ ... 27/ 8 /1426هـ
السؤال
السلام عليكم .
تزوجت من زوجة من أسرة شديدة البعد عن الله التزمتُ والحمد لله بعد زواجي منها مباشرة، و زوجتي شديدة البعد عن الله بحكم ما زرع فيها أهلها، هم يعارضوني في كل شيء ويؤثرون عليها كثيراً مما يعوق هدايتها واستماعها لنصحي، طلقتها بعد أن تعبت كثيراً في المحاولة معها لمدة سنتين، لكن ارتباطها الشديد بأهلها أعاق ذلك، لدي منها طفل رضيع أخشى عليه منهم، أعلم بأن فيها خيراً كثيراً، مستعد لردها قبل العدة والصبر عليها، ولكني أخشى أن أحمل وزرها بحكم قوامتي، فهل حقاً أحمل إثم(115/2135)
أفعالها بالرغم من محاولتي معها أن رددتها؟ أفيدوني بأسرع وقت أرجوكم قبل انتهاء العدة.
الاجابة
الحمد لله رب العالمين, وبعد:
نرى لك إرجاعها قبل نهاية العدة, ورجعتك إليها يحصل بقولك: راجعتكِ أو راجعتُ زوجتي فلانة, أو بجماعها, أو كلاهما معاً, ويحتسب عليك طلقة إن كانت هذه هي الطلقة الأولى كما هو الظاهر في سؤالك, ولم يبقى لك إلا طلقتان، وهذا الكلام إذا ثبت طلاقك لها كما في السؤال.
ونقترح عليك إعادة المحاولة مرة أخرى في سبيل إصلاحها, ولعل طلاقك لها, قد أعطاها درساً هو آخر الدواء _إن شاء الله_.
ومتى كنت جاداً, فعليك بالتالي:
1. استعن بالله عز وجل, ولا تعجز, وفوض أمرك إلى الله, وادعه دائماً أن يسددك ويوفقك ويُصلح زوجك وذريتك, فالدعاء سلاح غفل عنه الكثير.
2. إذا أرجعتها, فأشعرها بحبك لها, وأنك راغب فيها, وامدحها بصفات هي فيها.
3. اطلب منها أن تتعاون معك, وأن أمنيتك الوحيدة في الدنيا هي هدايتها واستقامتها.
4. خلصها من صديقات السوء, وأبدلها بصديقات طبيات خيرات, يرتبطن بها من خلال معرفتك بزملائك الأخيار؛ لأن تأثير المرأة على المرأة, أقوى من تأثير الرجل على المرأة, ولو كان زوجها أو والدها.
5. لا تجعلها عند أهلها كثيراً, كن لها في مقام أهلها, أشعرها أنك جزء منها, اجلس معها كثيراً، اسمع منها كثيراً تبادل معها الأحاديث كثيراً, مرضها إذا مرضت, أخدمها إذا احتاجت.
6. لا يكن لديها فراغ, اشغلها بما يعود عليها بالنفع (قراءة + كتابة + حياكة + صنعة) واهتم أن يكون ذلك في تخصصها أو ميولها, ولا تتخلى عنها, ساعدها وشجعها.
7. اخرج عن بيتك الحرام (مقروءاً + مسموعاً + مشاهداً) واستبدله بالحلال مهما كانت الظروف والأحوال, والآن توافرت وسائل التسلية الحلال.
8. حاول أن تسكن قريباً من أناس مستقيمين متدينين, وابتعد عن السكنى قرب أهلها أو أماكن تخشى فيها على دينك وأخلاقك.
9. عاملها بلطف, لا تكن قاسياً في الأمر والنهي, لا تفتش عن كل صغيرة, لا تسأل عن كل تافه, لا تفهم منك أنك متشدد تريد كل شي لا غبار عليه, ارضَ باليسير, فسوف تجني الكثير الكثير, ولو بعد حين.
10. لا تقصر عليها في أكلها وشربها أو ملبسها أو زياراتها, ابذل ما تقدر عليه بالمعروف, وسِّع عليها للمصلحة التي ترجوها, ولو كان الأفضل تركه.
11. صح عن النبي _صلى الله عليه وسلم_ أنه قال: "لا يفرك مؤمن مؤمنة, إن كره منها خلقاً رضي آخر", يعني لا تُبغض الزوجة إن كرهت منها خلقاً فلها حسنات كثيرة وأخلاق جميلة, وهذا أصل في المعاملة والعشرة الزوجية, وهي كذلك لو كرهت منك خلقاً رضيت بأخلاق أخرى حميدة.(115/2136)
12. اخرج بها فتنزها في أماكن محتشمة, وأشبع ما لديها من تطلعات, لا تجدها إلا عند أهلها (نزهة + أكل وشرب + ولائم + أحاديث محددة + لقاء بقريبات لها).
13. اجعل لتطبيق هذا العلاج مدة شهرين أو ثلاثة واصبر على ما يصدر منها عن مخالفات ومنكرات, وحاول أن تخفف منها في سبيل إصلاحها, ولا يضرك ما فعلت هي, استمر في العلاج.
14. إذا لم ينفع شيء مما سبق, فابحث عن رجل صالح, أو امرأة صالحة من أهلك أو أهلها, ليعظوها ويذكروها بالله _عز وجل_.
15. إذا أعيتك الحيل, ورأيت أنك بذلت جهداً كبيراً من أجل إصلاح زوجتك, ولم ينفع شيء استخر الله _عز وجل_ واطلب الخيرة.
16. الاستخارة أن تصلي ركعتين نافلة, كالنوافل المعتادة, وبعد التشهد وقبل السلام, تدعو بدعاء الاستخارة المشهود الصحيح: (اللهم إني أستخيرك بعلمك, وأستقدرك وأستعينك بقدرتك, وأسألك من فضلك العظيم, فإنك تقدر ولا أقدر, وتعلم ولا أعلم, وأنت علام الغيوب, اللهم إن كنت تعلم أن هذا الأمر (بقاء زوجتي فلانة معي واستمرار الحياة معها) خير لي في ديني ومعاشي ومعادي وعاقبة أمري وآجله, فاقدره لي ويسره لي ثم بارك لي فيه, وإن كنت تعلم أن هذا الأمر شر لي في ديني ومعاشي وعاقبة أمري وآجله, فاصرفه عني واصرفني عنه, واقدر لي الخير حيث كان ثم رضني به).
واقرأ ما شئت في الركعتين, ولا يسن سوراً معينة, وصلِّ صلاة الاستخارة مرة واحدة, وبعدها افعل ما بدا لك, انشرحت نفسك له أو لا, فإن فيه الخير لك, لو كنت تعلم هذا.
17. اعلم أن دينك وصلاح ذريتك, أعز عليك من زوجتك وأخلاقك وأخلاق ذريتك أغلى عندك من كل شيء.
18. إن قدّر الله لك فراقها, فليكن تركك لها لوجه الله _عز وجل_, تخشى الإثم من استمرارها معك, وأنت قادر على مفارقتها, وهي مصممة على المعصية, إذ إنه لا يجوز لك اتخاذها زوجة وهي بهذه الصورة من اقتراف المعاصي, وأنت تجد غيرها, وإنك إن أبقيتها وهي على ذلك, فسوف تعض أصابع الندم, ولو بعد حين.
19. قد يكون ذلك صعباً عليك؛ لأنك ترى أن زوجتك ليس مثلها أحد في جمالها أو حسن منطقها, أو جودة لباسها عليها أو ... ولكن خذها:
سوف تتزوج بامرأة أخرى تفوق زوجتك هذه, جمالاً وحسن منطق وحسن أدب, وحسن سيرة, وصاحبة خدمة وخير زوجة لخير زوج.
وسوف تحمد الله _عز وجل_ على ما أنزل بك من مصيبة, وإنها كانت خيراً لك وأنت لا تعلم, وهذا معنى قوله _صلى الله عليه وسلم_ فيما صح عنه "إنك لن تدع شيئاً لله _عز وجل_ إلا بدلك الله به ما هو خير لك منه".
وبالله التوفيق وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
--ـــــــــــــــــــ
ما هي الأبعاد التربوية لقراءة التاريخ الإسلامي ؟
أجاب عليه ... أ.د. ناصرالعمر(115/2137)
التاريخ ... 23/ 8/1426هـ
السؤال
سلام عليكم سؤالي: ما أهميه التاريخ الإسلامي لنا اليوم؟ وشكرا
الاجابة
الحمد لله وكفى ثم أما بعد:
فإن لدراسة التاريخ وبالأخص الإسلامي فوائد كثيرة جمة, ولهذا عني القرآن الكريم وعُنيت سنة خير المرسلين _صلى الله عليه وسلم_ بقص أخبار الماضين, وذكر طرف من تاريخ الغابرين, بل أذن _صلى الله عليه وسلم_ في أن نحدث عن بني إسرائيل ولا حرج, وكل ذلك يدل على أهمية الاعتبار بأخبار السالفين ولعل ذلك يدخل في عموم الأمر "قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا..."(النمل: من الآية69) في نحو أربع آيات من القرآن, فالسير سير حسي ومعنوي, وكذلك النظر.
ولعل من أهم فوائد دراسة التاريخ الإسلامي الظاهرة ما يلي:
1. معرفة أخبار الأنبياء والمرسلين وحسبك بهذه فائدة تزيد الإيمان, فإن من الإيمان بالرسل معرفتهم, وقراءة ما أُرخ عنهم من جملة الأسباب المعنية على ذلك ولا سيما كتب التواريخ التي تهتم الأسانيد أو تذكر الصحيح.
2. معرفة أخبار المجددين والمصلحين, فإن العلم بأحوال هؤلاء يرفع الهمة, ويدفع اليأس, ويبقي في النفس أملاً, بل يوقد فيها جذوة العمل الدؤوب لأجل الإصلاح والدعوة.
3. معرفة عوامل قيام الدولة وأسباب سقوطها, فالتاريخ يلخص لك حقبة كاملة وعمر دولة عظيمة في سطور, والدول شأنها في هذه الحياة شأن كل شيء يجري عليها قانون للأسباب, ونواميس الكون وسننه فالمتأمل في صفحات التاريخ يلحظ سبب نشؤها ويجد أسباب قوتها, ويلمس أسباب ضعفها, ويرقب أسباب موتها أو قتلها.
وإنك لتعجب عندما تجد حسن استقراء بعض الأئمة للتاريخ الغابر ومن ثم حسن انتزاعهم منه نواميس وقوانين يحكمون بناءً عليها فقل أن يخطأ حدثهم. فهذا ابن القيم الإمام يخبر عن شيخ الإسلام أنه أخبر أصحابه بدخول التتار الشام سنة تسع وتسعين وستمائة, وأن جيوش المسلمين تكسر, وأن دمشق لا يكون بها قتل عام ولا سبي عام, وأن كلب التتر يكون في الأموال, وهذا كله قبل أن يهم التتار بالحركة, ثم أخبر الناس والأمراء سنة ثنتين وسبعمئة لما تحرك التتار, وقصدوا الشام أن الدائرة والهزيمة عليهم, وأن الظفر والنصر للمسلمين, وأقسم على ذلك أكثر من سبعين يميناً, فيقال له: قل: إن شاء الله , فيقول : إن شاء الله تحقيقاً لا تعليقاً, قال ابن القيم: وسمعته يقول: فلما أكثروا علي قلت: لا تكثروا, كتب الله في اللوح المحفوظ أنهم مهزومون في هذه الكرة, وأن النصر لجيوش الإسلام, إلى أن قال ابن القيم: وكانت فراسته الجريئة في خلال هاتين الواقعتين مثل المطر, قلت صدق الله: (إن في ذلك لآيات للمتوسمين), ولكن من يستطيع قراءة التواريخ والسنن مثل شيخ الإسلام ؟
غير أن الأصل باق فإن قراءة التاريخ ومعرفة السن تشير إلى شيء من واقع الناس المرتقب, وقد مرّت بنا أحداث عظام قبل نحو اثنتي عشرة سنة, توسم فيها بعض العالمين بالسنن وتواريخ الأمم ما يمكن أن تمسي عليه الحال في الفراق وما تاخمها(115/2138)
فكان كما رؤي وما ذاك عن رجم بالغيب أو كشف معجز، بل هي السنن وقراءتها في تواريخ الأمم وأهل الإسلام, والله المستعان.
ومن نحو هذا القسمة التي تنبأ بها شكيب أرسلان إثر معاونة بعضهم لأهل الاستعمار في التاريخ القريب.
4. ومن خلال قراءة التاريخ تؤخذ المواعظ والعبر, ويذكر الناس ويرعوا, فإن الأمثلة الحية الواقعية والنماذج التي كانت ملء السمع والبصر, تؤثر في النفوس أخبارها.
• فيرعوي المقصر المفرط حين يرى المثلات التي نزلت بالناس من قبله.
• وينشط الخامل الكسول عندما يرى أحوال أئمة الدين من العلماء العاملين, والعباد الصالحين والأئمة المرضيين.
• ويجد الخطيب أو الداعية نماذج تفيده في بيان عاقبة من امتثل الأمر والنهي, ونهاية من أعرض عن الذكر, كما يجد الموعظة الحسنة والحكمة البليغة.
5. ومن فوائد قراءة التاريخ طرد روح العجز وإبعاد الخور, وملء النفس بالتفاؤل وبث الأمل فيها وفي المجتمع, فكم من أمة بلغت من العتو والاستكبار مبلغاً فجاءها أمر الله ليلاً أو نهاراً فجعلها حصيداً كأن لم تغن بالأمس "وَتِلْكَ عَادٌ جَحَدُواْ بِآيَاتِ رَبِّهِمْ وَعَصَوْاْ رُسُلَهُ وَاتَّبَعُواْ أَمْرَ كُلِّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ", "فَاسْتَكْبَرُوا فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَقَالُوا مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَهُمْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يَجْحَدُونَ (15) فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا صَرْصَرًا فِي أَيَّامٍ نَّحِسَاتٍ لِّنُذِيقَهُمْ عَذَابَ الْخِزْيِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَخْزَى وَهُمْ لَا يُنصَرُونَ", وكل ذلك في التاريخ المذكور مفصّل مأثور.
هذا وكم من إنسان قرأ في تاريخ الإسلام ففاضت عينه ورق قلبه, وارعوى عن إثمه وترك غيه.
فلا عجب أن ترى الدعاة الموفقين ليتلون من تاريخنا ما يكون لهم خير عون في هداية الناس.
وفي قراءة التاريخ فوائد أخرى غير ما ذكر يعرفها من اشتغل به وأحسن قراءته وفق منهج مرضي لا يتسع المقام لبسطها, غير أنه يحسن التنبيه إلى أن الفائدة من التاريخ إنما تكمل إذا كان لدى المرء منهج وفهم عند قراءته فيعرف ماذا يقرأ وماذا يترك وكيف يحكم ويقيم ما يقرأ.
أما من يقرأ ثم يأخذ ما هب ودب فقد يسيء ولهذا كان جديراً بمن أراد الانتفاع من التاريخ والسير أن يقرأ مقدمات في فهمها على أهل العلم الراسخين حتى تكمل فائدته, والله أعلم وأحكم.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
ـــــــــــــــــــ
ابني يدخّن.. كيف أساعده على تركه؟
أجاب عليه ... جمّاز الجمّاز
التاريخ ... 20 / 8 /1426هـ
السؤال(115/2139)
السلام عليكم .
أشكر لكم جهودكم، وأسأل الله أن يتقبل منا ومنكم صالح الأعمال، أنا أشكي من مشكلة عارضة أرجو أن أجد رداً سريعاً، ومشكلتي في ابني الذي لم يكمل السادسة عشر، فرغم اجتهادنا في تربيته تربية صالحة إلا أنني علمت أنه يدخن، أعلم أن أصدقاء السوء هم السبب في ذلك، ورغم تحذيرنا له منهم ومن الوقوع في الخطأ إلا أنه لا يستجيب فقد تعلق بهم كثيراً وقد تعرف عليهم في المدرسة، أريد أن ترشدني خطوة خطوة في كيفية توجيهه وإرشاده، مع العلم أننا كثيري النصح والتوجيه له، لكنه أمامنا شخص وأمامهم شخص آخر، أريده أن يقلع عن التدخين في أسرع وقت، فأنا مصدومة فيه كثيراً.
الاجابة
إن التدخين ليس مشكلة فحسب, بل هو عمل محرم, وعادة سيئة تدق مسامير نعش الشباب, وتنهش في جسد الشعوب وتقودهم إلى دائرة الهلاك, ونرى لكِ من الحلول ما يلي:
1. الاستعانة بالله _عز وجل_, واللجوء إليه, ودعائه بأن يقلع ولدك عن التدخين, وأن يبارك الله في الجهود لحل المشكلة, فإن الدعاء سلاح غفل عنه كثير من الناس.
2. التوكل على الله _تبارك وتعالى_, وتفويض الأمر إليه, وتعليق القلب به في حل المشكلة, وما ظنك, وقد ضمن الله _جل وعلا_ لمن توكل عليه القيام بأمره, وكفايته همه, قال _تعالى_: "وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ"(الطلاق: من الآية3), أي: كافيه.
لأن كثيراً من الناس إذا وقع في مصيبة, علّق أماله على غير الله (فلان + طبيب + دواء + شهادة + شفاعة + مال + وظيفة + ...) كلها أسباب نستعملها ونجهد في تحصيلها, لكن قد ينفع الله بها لحكمة أرادها, وقد لا ينفع الله بها لحكمة لا يريدها, فافهمي ذلك جيداً.
3. ضرورة تعاون الأسرة جميعاً, وإشعارهم بخطر المشكلة, وإقناعهم بذلك, بدء بوالده وانتهاء بإخوانه وأخواته, حتى يكون أهل البيت يداً واحدة ضد المشكلة.
4. من الأساليب الأولية النافعة, النصيحة من الجميع بترك التدخين, منعه من الدخول به في البيت، ومعاتبته بالحسنى, وإظهار عدم الرضا إذا شمَمت فيه رائحته, التنفير من مرافقته لفلان وعلان ممن يدخنون, منع بعض الأمور المحببة إليه إذا دخن, وإظهار الامتعاض من والديه تجاه المشكلة.
5. بذل الجهد في محاورة الأب, وإقناعه بأن التدخين محرم, ويخوف بالنصوص, مثل قوله _صلى الله عليه وسلم_ فيما صح عنه: "من تحسى سماً فقتل نفسه, فسُمهُ في يده يتحسّاه في نار جهنم خالداً فيها أبدا", وأنه ضار بصحته وبدنه بل هو قاتل بطيء من حيث لا يشعر وأن الدراسات أثبتت أن المشكلة تبدأ من التدخين, وتنتهي بالمخدرات, وأنه يجب تركه والإقلاع عنه نهائياً, خوفاً من الله _عز وجل_, ثم خوفاً من الأمراض الناتجة عنه, وقد أثبتت الدراسات أن من يتركه خوفاً من الأمراض فقط, لا يلبث إلا مدة يسيرة ثم يعود إليه, فانتبهي لذلك, لكن تركه له خوفاً من الأمراض يُعد خطوة كبيرة, يجب أن تستثمر وتكون محل الانطلاقة. ويحسن بعد(115/2140)
ذلك الحوار, إعطاؤه شريطاً مسموعاً, ليستمع له بعنوان (قرارك بيدك) لسعيد بن مسفر, فهو شريط بديع أبدع فيه صاحبه, وعليكِ متابعته حتى يستمع له كاملاً.
6. شجعوه على تركه إياه, بالثناء عليه بالقول أو الفعل, كإهدائه هدية معينة أو مكافآته برحلة خاصة له مع أهل البيت, أو ما يكون عظيماً عنده ويحبه, ولا ضرر عليه فيه, وإن كلف مادياً مالاً كبيراً فالأنفس تروح ولا تجيء والمال يروح ويجيء وكل بحسبه.
7. أعلموه أنه وإن كان الإقلاع عن التدخين عملية صعبة, فإن الملايين من المدخنين قد أفلحوا في الإقلاع عنه.
8. أشعروه أن المشكلة مشكلة الجميع, وأن ضررها على البيت كبير, وأن العدوى قد تنتقل إلى والدك, إلى إخوانك, إلى أخواتك.
9. ليقم والده أو غيره, بزيارة المرشد الطلابي في مدرسته, والبحث معه في سبيل إقلاع الابن عن التدخين وربطه ببعض المعلمين الأخيار الأكفاء, والتحاقه بنشاط أو غيره.
10. لا تترددي إن احتاج الأمر أن تنقلوه إلى مدرسة أخرى, ليرتبط بصحبة طيبة دلكم عليها أحد من الناس تثقون به.
11. إذا لم يتوفر شيء من ذلك, فابحثوا له عن رفقاء صالحين أو أخيار لا يُدخنون, وأقنعوه بصحبتهم, وأنه لن يجد مثلهم في محبتهم له, ونفعه بكل ما يستطيعون.
12. حاولي البحث عن رجل يقتنع به, ويقبل منه, ويباشر هو بنفسه توجيهه ومناصحته, فقد يكون تركه للتدخين على يدي ذلك الرجل المنتظر.
13. أثناء تلك المدة, حاولي جاهدة أن يُقلل من التدخين بقدر المستطاع, ولو كان مُكرهاً.
14. خلصيه من كل أدواته التي تذكره بالتدخين (الغرفة, الحمام, الملابس جميعها, المدرسة, الرفقة ولو كانوا أقارب, استراحات محددة, ملاعب محددة, أماكن تنزهات محددة, زيارة بيوت محددة, جيران, أقارب, زملاء, مشروبات محددة, مأكولات محددة, اعتادها مع التدخين).
15. استبدلي ما منعتيه منه بمثله أو أحسن منه.
16. لا تجعليه وحده في غرفته لساعات طويلة, بلا مُبرر, فإن ذلك يعينه على ترك التدخين, وهكذا ليصحبه والده مع في قضاء حاجاته أو زياراته أو تنزهه أو تمشيه, ليعينه على نفسه.
17. اجعلوه يحدد موعداً نهائياً للإقلاع عن التدخين, حتى يتهيأ نفسياً وبدنياً لتركه, وذكروه بشهر رمضان وأنه يقضي الساعات الطويلة بلا دخان.
18. إذا صار يتكلم بأنه لا يستطيع تركه, أو دائماً يفكر في التدخين, فتحدثوا معه بأن هذا ابتلاء من الله, ولا بد من الصبر وأضربوا له مثلاً, كمن به مرض مزمن خطير, فهو يخاف دائماً من الموت, ومع ذلك يصبر ويحتسب, فلماذا لا تصبر أنت ؟
19. أرشدوه إلى ممارسة بعض أنواع الرياضة إن كان يطيقها, أو قراءة كتاب إن كان يرغب ذلك, بهدف إشغاله عن التدخين, أو صرف تفكيره إلى شيء أخر ينسيه التدخين.(115/2141)
20. حاولوا جميعاً عدم تعريضه للأوضاع والسلوكيات التي تجعله يرغب في التدخين, مثل الانفعال والغضب والملل والوحدة.
21. في تلك الأثناء إن كان مصراً على التدخين, فهناك بعض الإجراءات تجعله يخفف من المداومة عليه, ويكرهه, وإن كان راغباً في تركه, فهي تساعده على التخلص من التعلق به.
22. هذه الإجراءات هي علاج للاضطرابات البدنية أو النفسية أو في النظام الغذائي, فينبغي ألا تقلقوا من الاضطراب لديه, فهو شيء طبعي, لكن أرشده إلى بعض الأساليب الناجحة في مكافحة الاضطرابات تلك, وأنه من التزم بها فهي تختفي بإذن الله _عز وجل_ في خمسة أيام تلقائياً.
23.
الحلول الأعراض
ليمارس هوايته المفضلة والمفيدة, وليشغل فمه بالسواك أو ببعض الحلوى التشوق والتفكير في السيجارة
ليتنفس بعمق الشعور بتغير المزاج
لينم وقتاً كافياً الشعور بالتعب والإنهاك
ليشرب كميات وفيرة من الماء والعصيرات جفاف الفم والحق
ليتناول حماماً دافئاً يومياً الكحة واضطرابات النوم
ليذهب حيث الهواء المنعش الشعور بالدوخة
ليذهب للتسوق أو للزيارة الشعور بالملل في الفترة المسائية
ليستعمل العلكة (اللبان) الشعور بالجوع
ليمارس التمرينات الرياضية الشعور بالتوتر
ليستمع إلى القرآن أو المحاضرات أو الأناشيد الملل أثناء القيادة
ليغير عمله أو ينشط في عمل آخر ضعف التركيز
ليتناول الفاكهة بكثرة الإمساك
24. أرشده إلى الإكثار من تناول الماء لتطهير الجسم من النيكوتين والمواد الضارة, مع التقليل من شرب الشاي والقهوة.
25. لا بد أن يتناول كوباً من عصير البرتقال أو الليمون بعد الإفطار يومياً, لأنه يثبط الرغبة في التدخين.
26. ليهتم بالاسترخاء خلال الأيام الأولى من الإقلاع عن التدخين مع الإكثار من تناول الفواكه والخضراوات والحرص على تجنب الأطعمة الدسمة.
27. ليكثر من شرب السوائل وخصوصاً الماء, لتساعد الرئتين في تنظيفها من باقي التدخين.
28. نشير عليكم إذا لم يستجب الابن, أو كانت استجابته ضعيفة, زيارة الجمعية الخيرية لمكافحة التدخين أو أحد فروعها المنتشرة في المملكة العربية السعودية, وذلك بغرض الاستفادة من إمكاناتها وطرق العلاج لديها النفسي والعضوي.
وموقعها الإلكتروني في المملكة:
www.sas-s.org
وبالله التوفيق, وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.(115/2142)
ـــــــــــــــــــ
حيرني أمر محاسبة النفس ..كيف تكون المحاسبة؟
أجاب عليه ... اللجنة التربوية
التاريخ ... 16 / 8 /1426هـ
السؤال
بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم
فضيلة الشيج حيرني كثيراً أمر محاسبة النفس، فكيف يحاسب الإنسان نفسه؟ وكيف تكون هده المحاسبة؟ و متى تكون؟
وجزاكم الله خيراً
الاجابة
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته
أخي الكريم، إن محاسبة النفس أمر مهم، ولا بد أن تكون جزءاً من حياتك؛ لأنك بذلك تسير إلى الأمام بشكل أفضل وأدق، ولا تنجح المحاسبة إلا بعد خطوات وأمور مهمة لا بد أن تكون في الحسبان، وإليك بعض الإشارات:
أولاً: قبل أن تحاسب نفسك:
1. هل وضعت لنفسك خطة واضحة وهدف استراتيجي في الحياة، ومن ثم رسمت التفاصيل والمدة الزمنية المتوقعة لكل نقطة داخل التفاصيل ؟
2. هل هذه الأهداف والخطط واقعية يمكن تحقيقها أم أنها مثالية؟
3. استشر أهل العلم، واستخر ربك عند وضع أهم أهدافك في الحياة.
4. قبل المحاسبة وبعد وضع الأهداف ارسم الوسائل المؤدية لها، وسجل كذلك العقبات وكيفية تجنبها، وما هي البدائل في حال وجود العقبات.
5. اجعل الجو مهيأ للمحاسبة كاختيار المكان المناسب بعيداً عن أي انشغال.
ثانياً: عند المحاسبة:
1. كن دقيقاً في المحاسبة، سواء الكليات أم الجزئيات.
2. ليس مفهوم المحاسبة البكاء والندم فقط، فلا نجعل محاسبتنا عاطفية فقط، بل نخلطها بالعقلية لتتوازن الأمور، فكم نرى كثير من الناس يسبل الدمع في رمضان –وهذا طيب- ولكن ثم ماذا ؟ كل شيء على ما كان وعادة حليمة إلى عادتها القديمة، ولو اتبع البكاء بشيء من التفكر والتعقل لخرج بنتائج أفضل.
3. الأخطر من الخطأ الاستمرار عليه، فالمهم عند المحاسبة عدم تكرار الخطأ.
4. عند تكرر الخطأ فكر لماذا تكرر ؟ هل هناك خطأ في الأهداف أم في تحقيقها أم في الوقت المناسب لها أم أنت السبب أم التكاسل؟ ولكل مشكلة حل.
5. الأهداف الكبرى في الحياة لا تتغير لكن وسائلها تختلف باختلاف الزمان والمكان.
ثالثاً: بعد المحاسبة:
1. هل سجلت العثرات ودرستها وأوجدت البديل ؟
2. لا تعتمد على نفسك، فالتوفيق بيد الله، وكل العون من الله.
إذا لم يكن عون من الله للفتى فأول ما يجني عليه اجتهاده(115/2143)
3. شعورك بالمحاسبة الدائمة ولوم النفس لك سيساعدك على الثبات، والنفس بطبيعتها لوامة "ولا أقسم بالنفس اللوامة" لكن أين الصادق معها.
وإليك إشارات عامة:
q كن أنت المحاسب لنفسك ولا تنتظر أن يحاسبك الآخرون.
q قد يمدحك الناس على شيء ولو تأملت فيه لوجدت نفسك مخطئاً فيه فاحذر.
q لا تجعل معيار المحاسبة (الناس)، بل (كتاب الله والسنة).
q اجعل لك برنامجاً ثابتاً للمحاسبة كل ليلة عن ماذا فعلت في اليوم وكل أسبوع عن حصيلة الأسبوع وما قدمت فيه، وكل شهر عن الأهداف الاستراتيجية وهكذا...
q لا تيأس، فطبيعة ابن آدم الخطأ واحسب ذلك في الذهن، لكن الأهم الفأل والجدية والاستمرار والمجاهدة والصبر، والمسألة فيها صعوبة ومن يتصبر يوفقه الله.
q عليك بالدعاء بالتوفيق، فالله على كل شيء قدير.
وفقك الله لكل خير ونفع بك الإسلام والمسلم
ـــــــــــــــــــ
ابني المتفوق بدأ مستواه بالتدني.. ما الحل؟
أجاب عليه ... جمّاز الجمّاز
التاريخ ... 9/8/1426هـ
السؤال
عندي ولد يبلغ من العمر 15 سنة، وكان متفوقاً دراسياً، ويحصل على المراكز الأولى، ولكن الآن انقلبت الموازين وبدأت درجاته تتدنى شيئاً فشيئاً، ولا أدري لماذا؟! مع العلم كان ينافس المتفوقين سابقاً على المراكز الأولى، وأيضاً أن أمه مدرسة، وتطبق عليه اختبارات ذكاء، وكانت تهتم به لدرجة كبيرة، وتتابعه كصديق له، ، وكنا نوفر له كل شيء ونحفزه للتعليم بمحفزات مثل الهاتف وإلى آخره، إلى أن صعقنا بدرجاته ومستواه المتدني جداً، والآن أطلب خطوات علاجية لحل هذه الظاهرة في أسرع وقت. وشكراً جزيلاً لكم .
الاجابة
الحمد لله رب العالمين, وبعد
فهذه المشكلة يجب تشخيصها، هل هي بسبب واضح يمكن تلافيه وعلاجه، مثل: عدم المذاكرة أو انشغاله بصوارف معينة (رحلات، نزهات، إمضاء الأوقات في مشاهدة أو قراءة أو سماع أشياء أخرى، رفقة دائمة، خروج من المنزل، أعباء وتكاليف اجتماعية، أذى وتحرشات من آخرين، وقوعه في معصية معينة ... )
أو بسبب غير واضح مع وجود مؤشرات تدل على أنه قد يكون مصاباً بالعين (نظرة) لتميزه وتفوقه دراسياً على أقرانه، وما يصاحب ذلك من كثرة الكلام حوله من معلمين أو طلاب أو أقارب أو نحوهم.
ومن هذه المؤشرات التي يُستدل بها ما يلي:
1. عدم رغبته في مذاكرة الدروس وحل الواجبات أو لا يستطيعها.
2. عدم رغبته في الذهاب إلى المدرسة.
3. حزنه وتخييم ضيق الصدر عليه إذا ذكر المدرسة أو ذُكر بها عنده.(115/2144)
4. كرهه المفاجئ لبعض الطلاب أو المعلمين أو الأقارب أو حتى الهروب من مجالستهم وافتعال الأسباب؛ لعدم الرغبة في الحديث معهم.
5. سروره وفرحه إذا انتهت مدة الاختبارات مثلاً إذا انقضت الدراسة وبدأت الإجازة مثلاً أو تناسي جو المدرسة وتبعاتها.
6. التغير المفاجئ في السلوك والتصرفات مع والديه أو أحدهما أو إخوانه.
7. حبه للعزلة والانفراد وعدم الاجتماع مع ما يصاحب ذلك من تفكير طويل وشرود ذهن.
وهذه المؤشرات قد تكون موجودة كلها أو بعضها أو واحداً منها بدرجة قوية أو ضعيفة، وفي هذه الحالة تستخدم له الرقية الشرعية،
وهناك أمران:
الأول/
ينبغي أن تقوم والدته بالحوار مع الولد؛ لأنها أقرب منك إليه، وتعرف أسباب ما هو فيه، وتستدرجه حتى تصل إلى الحقيقة (بداية المشكلة ووقتها وطبيعتها).
الثاني/
ينبغي لك أن تقوم بزيارة مدرسته ومحاورة المرشد الطلابي أو الأخصائي الاجتماعي عن سبب تدني مستوى الولد، فقد تكون المشكلة من معلم أو طالب تعرض أحدهما له بتهديد أو أذية أو مشاركة في بعض البرامج والأنشطة وهو لا يستطيع معها موازنة أو متابعة دروسه.
وهذه ولا شك كفيلة في إشغاله عن تفوقه الدراسي والاستمرار فيه،
وفي مثل هذه المشكلة ينبغي توفير الحماية له، وذلك بربطه برفقة صالحة طيبة تعينه على أمر دينه ودنياه وتحفظ له أمره، وحتى نقله إلى مدرسة أخرى قد يفيده ذلك، وأما إذا تبين لكم غير ذلك، وأنه قد يكون مصاباً بالعين، فاستخدموا له الرقية الشرعية إذا لم تعرفوا من عانه؛ لأنه إذا عُرف من عانه فالأفضل أن يُؤخذ من سبب، وإلا يُرقى (يُقرأ) عليه بعض الآيات والدعوات من قبيلك أو من أمه أو من أحد أقاربه، فإذا لم تعرفوا ففيه أهل العلم والفضل والصلاح تذهب إليهم.
وبالله التوفيق وصلى الله وسلم على نبينا محمد.
ـــــــــــــــــــ
كيف أفرغ طاقة ابنتي في أشياء مفيدة؟
أجاب عليه ... همام عبدالمعبود
التاريخ ... 6/8/1426هـ
السؤال
ابنتي تبلغ من العمر 4 سنوات، وليس لديها أقارب أو جيران لتتسلى معهم، كما لا تتوافر دائماً أماكن مناسبة كي تلعب فيها، خاصة أنني موظفة، وهي تمتلك قدراً كبيراً من الطاقة اليومية التي تفرغها في المشاغبة وإثارة المتاعب في المنزل، فكيف يمكن أن أفرغ هذه الطاقة الكبيرة لدى ابنتي بأشياء مفيدة؟
الاجابة(115/2145)
بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم...
أختنا في الله:
بداية يجب أن تعلمي أن الطفل في هذه المرحلة العمرية (4 سنوات) يكون عنده نشاط زائد، وطاقة كبيرة، فاحذري من كبتها أو عدم إتاحة الفرصة لها لتخرج، واجتهدي أن تنظمي لها طريقة التنفيس عن طاقتها ونشاطها.
ويعرف علماء النفس والتربية النشاط والطاقة الزائدة بأنها حركات جسمية تفوق الحد الطبيعي أو المقبول، وذلك بالمقارنة مع سلوك الطفل النشط الذي تتسم فعالياتها بأنها هادفة ومنتجة، فهو ليس مجرد زيادة في مستوى النشاط الحركي ولكنه زيادة ملحوظة، بحيث إن الطفل لا يستطيع أن يجلس بهدوء إلا بصعوبة شديدة.
كما يجب أن تعرفي أعراض هذا النشاط الزائد والملحوظ عند ابنتك، والوسائل الصحيحة للتعامل معها؛ لأن هذه المعرفة تساهم في الوصول لأكثر من 50 % من الحل المطلوب.
أما عن الأعراض والخصائص، فإن الطفل في هذه المرحلة العمرية يتميز بعدة خصائص أهمها:-
• الحركة دون هدف محدد، وكأنه في حالة إثارة دائمة.
• الحركة المستمرة الدائمة بصورة عشوائية.
• يكون مصدر إزعاج للآخرين.
• النشاط والطاقة الزائدة.
ومزيداً من الفائدة، فإنني أدعوك إلى إتباع الآتي:-
• توجيه طاقتها من خلال تشجيعها على ممارسة بعض الألعاب الذهنية التي تعتمد على مهارة (الفك والتركيب) وإنشاء أشكال هندسية منها، مثل: المكعبات أو غيرها.
• توفير بعض اللُعب التي تحتاج لمجهود مثل ألعاب القفز على وسائد مطاطية، مع مراعاة اختيار الألعاب المناسبة لعمرها (4 سنوات) وقدراتها كبنت.
• تعليمها عدداً من النشاطات الهادفة، بمساعدتها وتشجيعها على إتمام المهام التي تقوم بها، وامتداح أي جهد إيجابي تبذله، والثناء عليها ببعض العبارات البسيطة، والتي ترك أثراً طيباً لديها، مثل: رائع، ممتاز،...إلخ.
• محاولة توفير مناخ نفسي مناسب يسوده الحب والعطف والحنان والدفء العائلي.
ولأن لك ظروفاً خاصة ذكرت جانباً منها في رسالتك، مثل:(ليس لديها أقارب أو جيران لتتسلى معهم، كما لا تتوافر دائماً أماكن مناسبة كي تلعب فيها)، فمن غير المتيسر لها وجود أقارب أو جيران تلعب معهم، فإنني أنصحك بإتباع الآتي:-
1- خصصي لها ساعة في اليوم، ويوماً في الأسبوع، للعب معها وتسليتها، وتعليمها فك وتركيب بعض الألعاب.
2- اعهدي بها إلى دار نسائية لتحفيظ القرآن، فإنه قد ثبت بالتجريب أن الطفل في هذه السن المبكرة لا يميل إلى التلقي والتعليم والحفظ على يد الأب أو الأم.
3- اجعلي الدار تعلمها الأعداد من 1- 10، وأن تركز على مهارة النطق والرؤية، حتى تصل إلى درجة الحفظ الجيد.(115/2146)
4- واطلبي منها أن تعلمها حروف الهجاء، بالنطق والرسم، لتتعرف على شكل الحرف وتتعلم كيف تنطق به.
5- حاولي أن تضبطي لها مواعيد النوم والاستيقاظ، ولا تعوديها على السهر الطويل.
6- شجعيها بعمل اختبار أسبوعي لها فيما حفظته من الدار، على أن تقدمي لها هدية رمزية لتشجيعها وتحفيزها.
7- تعودي معها الصبر الجميل، فبدون الصبر فلا يمكن لكي أن تتحملي ضجيجها وصخبها.
8- ابتعدي عن ضربها في هذه المرحلة، فالضرب في هذه العمر يعود بآثار سلبية كثيرة.
9- انتبهي إلى أنها تقوم بتقليدك في أشياء كثيرة، فكوني على حذر من إتيان أي تصرف سلبي أمامها.
10- ويمكن لكي أن تلحقيها بـ(دار لحضانة الأطفال) واعهدي بها إلى مدرسة حكيمة أو مربية واعية، أخبريها بأي خصال سلبية أو إيجابية عنها لتستطيع أن تتعامل معها بأسلوب تربوي سليم.
وختاماً؛
نسأل الله العظيم العفو والعافية في الدين والدنيا والآخرة، ندعوه _سبحانه_ أن يهدينا وإياك إلى وسائر المسلمين إلى صراطه المستقيم، وأن يرزقنا وإياك الثبات على الحق، أن يصرف عنا وعنك شياطين الإنس والجن..... سبحان ربك رب العزة عما يصفون وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين..
ـــــــــــــــــــ
الصبر على أذية الناس في المسجد
أجاب عليه ... جمّاز الجمّاز
التاريخ ... 2/ 8 /1426
السؤال
الحمد لله على نعمة الإسلام لمن فهمه وعمل به، وفي خظم هذا السياق أود أن أطرح على معاليكم سؤال يخص فئة من الشباب عندنا الذين تركوا المحرمات واعتنقوا الاسلام بعنف وعن جهالة، فمنهم من يفتي، ومنهم من يدرس الأطفال ويغرس في عقولهم أفكار خاطئة، وأصبحوا من سكان المسجد لا من ضيوف الرحمن، فيلعبون ويأكلون ويقهقهون النهار بطوله، ويزعجون المصلين، مشكلتي أني اعتدت المساجد منذ طفولتي، ولكنني أصبحت أنفر من المساجد هرباً من المضايقات والخوف من تغير شعور الإخوة بيني وبين هؤلاء، فهل يحق لي ذلك؟ أم علي أن أتحمل ذلك؟ فأنا أصبحت تقريباً لا أطيقهم، حتى إمام المسجد بكى نعم بكى؛ وذلك عندما دعوه بالجاهل.
سؤالي هو : كيف يمكن لي أن أتعامل مع هذه المشكلة ؟
الاجابة
الحمد لله رب العالمين، وبعد:(115/2147)
الواجب شكر نعمة الله عليكم، حيث أمكنكم من الوصول إلى المسجد والصلاة فيه، والجلوس فيه تعبداً، إما لتلاوة قرآن أو مدارسة علم أو تشاور فيما ينفع ويفيد.
واللائق بك أن تكون داعية قدوة، وتصبر على أذى الناس وتحتملهم، فقد صح أن النبي _صلى الله عليه وسلم_ قال: "المؤمن الذي يخالط الناس ويصبر على أذاهم خير من المؤمن الذي لا يخالط الناس ولا يصبر على أذاهم".
فاصبر وتحمل ذلك، ولا تنفر من المساجد بسبب تلك التصرفات الفردية، وعليك بنصحهم وتوجيههم أن يكونوا جادين.
وما يدريك فقد يستجيبون لك، وتحظى بالأجر والمثوبة من الله _جلا وعلا_ وليس من اللائق أن يُوصف إمام المسجد بأنه جاهل، بل قد يقال عنه: إن يُلحظ عليه ملاحظات، وعليه فينبغي لأحد منكم أن يجلس معه ويناصحه، ويبين له بأدب ولين وجه الخطأ، ولا بد من الصدق والإخلاص في النصيحة، ومن ذلك إظهار الشفقة عليه، وإشعاره بمحبته، والرغبة في إيصال الخير إليه، والواجب أن يكون في المدينة أو الحي أو المسجد شيخ داعية يُرجع إليه في المهمات والمشكلات وواجب عليه تبصير الناس بأمور دينهم ودنياهم، فيحدثهم في مهمات الدين والعقائد، وبيان الفروض الواجبة عليهم، وكيفية أدائها، ويعرض للآداب والأخلاق، ويعرفهم بسيرة النبي _صلى الله عليه وسلم_ وسيرة أصحابه، والناس يجب عليهم القيام بذلك حتى تستقيم أحوالهم وشؤونهم.
وعليك ألا تمل ولا تضجر من تصرفات الناس، ويعظم ذلك ويتأكد إذا كانوا علماء أو طلاب علم أو دعاة أو أئمة.
بل إنك بفعلك هذا تُصلح نفسك، وتؤثر في غيرك، وحينها أبشر بمجتمع طيب صادق تتفيؤون في ظلاله أنت وأصحابك.
وبالله التوفيق. وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
ـــــــــــــــــــ
الغيرة بين الأطفال الصغار
أجاب عليه ... جمّاز الجمّاز
التاريخ ... 29 / 7 / 1426 هـ.
السؤال
أنا شاب ولدي أختان صغيرتان ومتقاربتان في السن، وقد نشأت بينهما غيرة كبيرة ومشاجرة شبه دائمة، وأود أن تنصحوني بطريقة مناسبة للتعامل معهن وتجنيبهن الخلاف والغيرة.
الاجابة
الحمد لله رب العالمين، وبعد:
هذه المشاهد وأمثالها شيء طبعي مألوف لا تستدعي الخوف، والأمهات يعلمن ذلك جيداً، وهي تزول تلقائياً مع كبر السن.
ويجب أن تعوّدهن على العدل بينهن في إعطائهن الحلوى، وإجلاس الواحدة منهن في الأحضان، ونحو ذلك، ولو ظهر لك عدم رضاهن بذلك.(115/2148)
والأهم ألا تُهَمل إحداهن، كما لو أهملت الأم الكبرى بحجة أن الصغيرة أولى بالرعاية منها، فهذا أمر له عواقب وخيمة إذا بدأت البنت تفهم وتتكلم والتحقت بالمدرسة، فقد ينشأ عندها كره لأحد أو انعزال عن أحد، ونحو ذلك.
وعلى كل حال ينبغي مساعدة الأم في رعاية بعض الأولاد، والتخفيف عنها، والحرص على عدم إرهاق الأم بمتابعة أولادها في مثل هذه الحالة، فأحياناً تضجر الأم من هذا، وما تضطلع به من مسؤوليات تجاه زوجها وأولادها وأهلها ومنزلها.
وبالله التوفيق، وصلى الله وسلم على نبينا محمد بن عبد الله وعلى آله وصحبه أجمعين.
ـــــــــــــــــــ
في مدرسته الجديدة ..كيف أضمن لابني علاقات سوية ؟
أجاب عليه ... همام عبدالمعبود
التاريخ ... 24/7/1426هـ
السؤال
يلتحق ابني خلال العام الحالي بمدرسة جديدة، بسبب انتقاله إلى المرحلة المتوسطة، ألا يؤثر الجو الجديد في شخصية ودراسة ابني؟ وكيف أجعله يتقبل الدخول إلى المدرسة الجديدة بدون عوائق أو صعوبات، وكيف يمكن أن أجعله يتجنب العلاقات السيئة قبل أن تبدأ؟
الاجابة
لكل مرحلة عمرية خصائصها المميزة، ومن ثم طريقة التعامل المناسبة لها، ومن الجميل حقاً أن تعرف الخصائص العمرية للمرحلة التي يمر بها ولدك، لتعرف –وفقاً لذلك- الطرائق المناسبة للتعامل معه، وولدك كما ذكرت يدخل مرحلة دراسية جديدة، ألا وهي المرحلة المتوسطة، وهي نقطة تحول فارقة في حياته، وهذا ما يفرض عليك أن توله اهتماماً أكبر وأن توثق علاقتك به، وأن تكون دائماً قريباً منه، وألا تأخذك مشاغل الحياة عنه بالكلية.
فالجو الجديد الذي سيقبل عليه ولدك -ولا شك- سيكون له أثر كبير في شخصيته وفي دراسته، حيث سيجد مدرسة جديدة، غير التي قضى بها مرحلته الأولية، ومدرسين جدد، غير الذين اعتادهم، بل والأهم ذلك أنه سيجد زملاء دراسة جدد، وقد لا يكون بينهم زملاؤه الذين كانوا معه في المرحلة السابقة، ولهذا فإنه سيكون عليك القيام بدور كبير –ولو في بداية المرحلة- في مساعدته لكي يتجاوز الأمر وحتى لا يؤثر عليه هذا الانتقال تأثيراً سلبياً.
أما عن سؤالك: كيف أجعله يتقبل الدخول إلى المدرسة الجديدة بدون عوائق أو صعوبات، فإنني أوصيك بالآتي:
1- اللجوء إلى الله: والتوجه إليه بالدعاء، أن يحبب المدرسة الجديدة إلى ولدك، نعم نريد أن نتعلم اللجوء إلى الله وطلب العون منه في كل أمر يعن لنا من أمور حياتنا، فهذا مما يوثق علاقتنا بخالقنا ويجعل كل خطواتنا في حياتنا عبادة وقربى لله _عز وجل_، والأصل أن المسلم كلما عرض له عارض أو جد له جديد أن يلجأ إلى الله وأن يرب نفسه وقلبه على ذلك، قال _تعالى_:"وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ(115/2149)
أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ"، وقال أيضاً :" أَمَّن يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ حُلَفَاءَ الأَرْضِ أَإِلَهٌ مَّعَ اللهِ قَلِيلاً مَّا تَذَكَّرُونَ".
2- التمهيد له: فالإنسان بطبيعته حبيب ما يعرف وعدو ما يجهل، فقم بتعريفه بالمرحلة المتوسطة، ومهد له لكي يتقبل المدرسة الجديدة، خذه في زيارة للمدرسة الجديدة في إجازة الصيف، وقم بتعريفه على مدرسيه الجدد، الذين سيدرسون له مع بدء العام الجديد، وقم بشراء زي جديد له –إن استطعت- فهذا مما يسعده ويجعله يستشعر فرحة الانتقال لمرحلة جديدة، واشتر له أدواته الدراسية، وحقيبة جديدة، واستلم له كتبه الدراسية قبل بدء الدراسة فهذا كله مما يضفي عليه شعوراً بالفرحة، ويمهد له لتقبل النقلة الجديدة في حياته.
3- المتابعة المستمرة: وهذا أمر من الأهمية بمكان، حيث لا يقتصر دور الأب على تهيئة الولد لدخول المدرسة، بل لابد من متابعته وتوجيهه على الدوام، على أن تكون المتابعة والتوجيه بطريقة غير مباشرة، فمثلا يمكنك أن تسأل عنه في المدرسة، لتطمئن على مستواه التعليمي، وتلتقي بمدرسيه، وتطلب منهم الاهتمام به، وحسن معاملته، وحبذا لو أوضحت لهم صفاته الشخصية وبينت لهم ما يحب وما يكره، وما يمتاز به من مهارات لينتبهوا إليها ويوظفوها بما يجعله محباً لمدرسته مقبلاً عليها.
4- التوجيه غير المباشر: وذلك بتقويم سلوكياته بطريقة تربوية، فمثلاً لو وجدته غير حريص على أداء الصلاة في أوقاتها في المسجد، يمكنك أن تحفزه لذلك بأن تصطحبه معك للمسجد، أو تجري مسابقة بينه وبين إخوته –إن كان له إخوة- وتعطي جائزة في نهاية الأسبوع لمن حافظ على أداء أكبر عدد من الفرائض في المسجد، أو لمن حفظ آيات من القرآن أكثر، أو.... وهكذا، مع بيانك فضل المحافظة على الصلاة في المسجد، وفضل قراءة القرآن، وفضل بر الوالدين وفضل الإحسان إلى الجار و... هكذا.
أما عن سؤالك: كيف يمكن أن أجعله يتجنب العلاقات السيئة قبل أن تبدأ؟ فأقول لك وبالله التوفيق:
1- المساعدة في اختيار أصدقائه: وهو أمر على درجة من الأهمية، فإن الصديق الصالح يكون عاملاً مساعداً في صلاح صديقه، فعن أبي موسى الأشعري _رضي الله عنه_، عن النبي _صلى الله عليه وسلم_، أنه قال: "إنما مثل الجليس الصالح والجليس السوء كحامل المسك ونافخ الكير، فحامل المسك إما أن يحذيك وإما أن تبتاع منه وإما أن تجد منه ريحاً طيبة، ونافخ الكير إما أن يحرق ثيابك وإما أن تجد منه ريحاً خبيثة". وما رواه أبو هريرة _رضي الله عنه_ عن النبي _صلى الله عليه وسلم_ قال: "الرجل على دين خليله فلينظر أحدكم من يخالل". واعلم _رحمك الله_ أن الأصدقاء ثلاثة كما يقول ابن القيم -رحمه الله-: أحدهم كالغذاء لا بد منه، والثاني كالدواء يحتاج إليه في وقت دون وقت، والثالث كالداء لا يحتاج إليه قط
2- متابعته والسؤال عنه على الدوام: بأن تضعه تحت عينيك، فتجلس مع أصدقائه وزملائه وتناقشهم وتقربهم منك، وتعلمه أن يستأذن منك قبل الخروج من المنزل، وأن يوضح لك سبب خروجه، وتتفق معه على الوقت الذي سيمضيه خارج المنزل،(115/2150)
وتسأله بعد عودته: ما الذي أخرك؟ –إن كان قد تأخر- وأن تشكره إن جاء في موعده.
3- ربطه بالله: وأقصد بذلك تحبيبه في المسجد، وتعويده على حضور حلقات العلم، ومناقشته فيما سمع بعد عودته، ويمكنك أن تتفق معه على أن يشرح لكم في البيت -لك ولأمه وإخوته- ما تعلمه في المسجد فهذا مما يحفزه ويجعله يحافظ على دروسه، ويوسع مداركه وينمي قدرته، ويمكنك أن تتفق مع أحد محفظي القرآن، فيتولاه بالتحفيظ والاستظهار، وأن تقدم له جائزة مناسبة كلما أتم جزءاً، وقد تكون الجائزة رحلة أسرية أو فسحة لمكان يحبه وهكذا يرتبط بالله فيتجنب العلاقات السيئة والأصدقاء السيئين.
وختاماً
رزقنا الله وإياك البصيرة النافذة، والصبر الجميل والخلق الحسن، وقواك على تربية ولدك ومساعدته على الطاعة، وحبب إلى ولدك مدرسته ومدرسيه، وجنبه وأبناء المسلمين أصدقاء السوء.. اللهم آمين.
ـــــــــــــــــــ
سبل السلامة من الفضائيات
أجاب عليه ... جمّاز الجمّاز
التاريخ ... 15/7/1426
السؤال
فضيلة الشيخ
السلام عليكم
ماقولك لمن أفتتن بمشاهدة الفضائيات المحرمة التي عمت وطمت، وكيف نسلم منها؟
الاجابة
الحمد لله رب العالمين، وبعد:
إن الافتتان بمشاهدة الفضائيات مشكلة عصيبة وظاهرة خطيرة، فهي تحطم الأخلاق، وتخرق الحياء، وتمزق الشيم، وتنخر في القلب، وتلعب بالعقل، وتفرّق بين الزوجين، وتقطع الأرحام، ومن أراد السلامة فعليه بالخطوات التالية:
1. دعاء الله _عز وجل_ بالعصمة من هذه الفضائيات المحرمة والتوفيق لاجتنابها.
2. إخلاص النية، فيكون السبب الباعث لتركها هو الخوف من الله ومن عذابه.
3. العزم الأكيد على ترك مشاهدتها، وتحديد يوم للإقلاع عنها، وليكن هذا اليوم بداية صفحة جديدة في حياته.
4. عدم دخول الأماكن التي تيسر مشاهدة هذه الفضائيات، مثل: غرف معينة في المنزل، بيوت أقارب محددة، زيارات اجتماعية محددة، استراحات محددة.
5. قطع جميع العلاقات مع الأشخاص الذين يشاهدونها أو يذكرون شيئاً من أخبارها أو برامجها أو يحدثونك عن حسن برامجها وإبداعها.
6. العمل على مليء الفراغ بالضروريات، مثل: خدمة الوالدين أو أحدهما، قضاء حاجات الأهل خارج المنزل، مذاكرة الدروس وحل الواجبات، الاجتماع بالأهل والتحادث فيما ينفع ويفيد، مع ضرورة الانتقاء وألا يكونوا من أصحاب هذه(115/2151)
الفضائيات، الاشتغال بقراءة كتاب الله العظيم، قراءة المقالات النافعة والكتب الثقافية والكتب الشرعية في القصص والآداب والأخلاق والسيرة النبوية وتراجم الصحابة والتابعين ومن بعدهم، مما هو محبب للنفوس، الاستماع إلى إذاعة القرآن الكريم في السعودية، الاستماع إلى أشرطة القرآن الكريم والمحاضرات النافعة، وخاصة ما فيها ترقيق للقلوب، والترويح عن النفس أحياناً بسماع أشرطة الأناشيد الهادفة".
7. تكوين علاقات شخصية أو اجتماعية مع أناس صالحين ويغلب عليهم الاستقامة والبعد عن المحرمات والتعاون بين الجميع فيما فيهم صالحهم.
8. من ابتلي بهذه الفضائيات فالواجب شرعاً استبدالها بما يحل محلها، ويكون عوضاً عنها، ويُشبع نهمة معرفة الأخبار والواقع، والاستماع إلى برامج ثقافية واجتماعية وسياسية واقتصادية وشرعية ونحو ذلك بدون محرمات،علاوة على ما يكون فيها من تسلية مسلية وفكاهات للصغار والكبار.
وذلك بإدخال قناة المجد الفضائية، ويجب الحذر من شراء طبق فضائي لبعض القنوات ومن خلاله يستطيع الدخول إلى قناة المجد الفضائية فإن ذلك محرم؛ لأن القناة لا تسمح بذلك، ولذلك فّعلت لها آليات وأجهزة خاصة، ومما لا شك فيه أن مجرد الاشتراك فيها يعد دعماً لمواصلة القناة مسيرتها الدعوية، وتثبيت لها على أرض الواقع.
ويعد إدخال قنوات أخرى وإلغاؤها، وتكون خاصة بالمجد، فإن ذلك سبيل إلى إصلاح ما عُطل من قبل ومشاهدة الحرام من خلاله.
9. العمل على مناصحة الوالدين أو أفراد البيت أو من له حظوة عند الأهل بإخراج الفضائيات المحرمة من المنزل، وعدم السكوت عنها، وإشعار الأهل بخطورتها على الدين والأخلاق والعادات، وتزويدهم ببعض الأشرطة والمطويات والفتاوى التي تبين تحريمها وخطورتها.
ومن لم يقدر على ذلك، فالواجب اعتزال أهل البيت في غرفة أو صالة للأكل والنوم والمحادثة والجلوس مع البعض، وعدم دخول الغرفة أو المكان الذي فيه الدش.
10. الاشتراك في المجلات المقروءة النافعة، والتي تقضي على وقت الفراغ وتشبع رغبة الكثير في التسلية والثقافة ونحو ذلك.
فمثلاً الأطفال ( مجلة سنان )، والشباب ( مجلة شباب)، والرجال ( مجلة الدعوة )، و( المجتمع )، و ( البيان )، والنساء ( مجلة الأسرة )، و ( مساء )، و ( حياة )، و ( الشقائق )، و ( المتميزة ) فإن فيها نفعاً كبيراً لا يعرفه إلا من جرّبه.
11. الحرص على الصلاة، ومعرفة ما يعين على الخشوع فيه، والتفقه في كيفيتها، وإقامتها كما أمر الله ورسوله _صلى الله عليه وسلم_ فإنها تنهى عن الفحشاء والمنكر، بل هي نور كما صح بذلك الحديث عنه _صلى الله عليه وسلم_ وما أعظمه من نور يزاحم ظلمة المعصية حتى يخرجها من القلب، فيكون القلب صافياً سليماً.
12. ذكر الله دائماً من تهليل وتكبير وتسبيح وقول لا حول ولا قوة إلا بالله، فهي سلاح من كل منكر يريد أن يقترفه أو يفكر في عمله، بل يجعله خائفاً من ربه.
وبالله التوفيق، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
ـــــــــــــــــــ(115/2152)
أهلي لم يهتموا بي
أجاب عليه ... جمّاز الجمّاز
التاريخ ... 8 / 7 / 1426 هـ
السؤال
أنا فتاة أبلغ من العمر (28 سنة) مشكلتي هي أنني عندما كنت صغيرة كان لي ابن خالة في نفس سني تقريباً، وكان أهلي وأهلة يقولون عندما تكبرين ستتزوجين من فلان وأخي الذي أكبر مني يقولون أنت ستتزوج ابنة خالتك، وكان جميع أقاربنا يعلمون بالأمر، وعندما كبرنا ووصلت الجامعة وأخي الذي يكبرني توظف قال: لأهلي: إنه يريد الزواج من فتاة أخرى من عائلة أبي فما كان من أهلي إلا أن غضبوا منه جميعهم وتشاجروا معه لكن دون جدوا وسكتوا أهلي على الأمر، لكن خالتي وزوجها سألوا أهلي وتهربوا أهلي من الإجابة، وقالوا: لعله يرجع في رأيه ولكن دون جدوا، وعندما تصادفت خالتي مع أخي سألته عن الأمر، فقال: إني أتمنى لها التوفيق مثل أختي، وبعد ذلك علموا خالتي وزوجها من أنه يريد فتاة أخرى وغضبوا من الأمر .
بالنسبة لابن خالتي كان لا يزال يدرس في الجامعة وكان شاباً مستقيماً يثني عليه الكثيرين بالخير، ولكني كنت لا أرغب في الزواج منه، وذلك لعيب فيني، وكنت أتمنى أن يعرض عن فكرة الزواج مني؛ لأني كنت أخشي ألا يصدقني؛ لأنه لا يعلم بأمري ولا بصدقي سوى الله _عز وجل_ وسكت عن الأمر فما كان من ابن خالتي إلا أن أرسل أخي يخبره برغبته بعد أن أخبر أهله ووافقوا، وعندما أخبروني أهلي لم أخبرهم بأمري واستخرت الله وهداني الله إلى الرفض كنت أحس بحزن لا يعلم به سوى الله _عز وجل_ ولكني كنت أخشى أن يكون طلاق فأكون أنا من تسبب في القطيعة غضبوا أهلي مني وحاولي فيني جميعهم لكني كلما استخرت وجدت نفسي مرتاحة لهذا الأمر وأخذت أمي تدعو علي، وتقول: أنتي تسمعين للشيطان، أنا غاضبة عليك في الدنيا والآخرة، دعيت الله _عز وجل_ أن يصرفه عني، وأن يكون الرفض منه، وأرسل أخته التي رفض أخي الزواج منها لسؤالي، وبعد أن أخبرتني بقوله قالت: الأفضل لكي ألا توافقي عليه؛ لأنه سيحرمك من أشياء كثيرة، فقلت: أخوك ألف فتاة تتمناه، لكني استخرت الله ويمكن هذا الشيء فيه شر لنا، وأتمنى أن يرزقه الله بالتي هي خير له مني ولم أخبرهم بما كتمت في صدري ، وقلت: أفضل شيء أن يبحث له عن زوجة وعندما يخطب يخبر أهلي بالأمر حتى لا يكون هنالك مشاكل بين أهلنا ولم يعلم أحد بالكلام الذي دار بيني وبين ابنة خالتي بعد مرور أيام إذا بزوج خالتي يكلم أهلي في الهاتف ويقول لهم: إن ابني لا يريد الزواج من ابنتكم، وإنه يقول خلصوني منها فأنا لا أريدها ، أهلي عندما سمعوا هذا الكلام تأثرت كثيراً، وكان زوج خالتي وابنه أرادوا أن يأخذوا من ثأر ابنتهم فيني، كنت أتمنى أن يكون الرفض من ابن خالتي ولكن ليس لدرجة الإهانة، وليت الأمر توقف على هذا الحد، بل إنه أخذ يقول لكل من سأله أنني لم أتزوجها؛ لأنها غير مستقيمة مرت الأيام وأصبحت العلاقة بيننا وبين خالتي سيئة وبعد مرور الأيام تزوج ابن خالتي ثم تزوج أخي ثم تزوجت ابنة خالتي، وبقيت أنا أحمل همّ الجميع ، فالجميع خرج من هذه(115/2153)
المشكلة وألقى بحملها عليّ، وكان بنات خالتي يقولون عني: إن نيتي سيئة وإن الله أراها سوء نيتها، مع أن الله هو وحده العالم أنني ما نويت سوء بأحدهم وفي تلك المدة أختي التي تكبرني طلبت الطلاق من زوجها، وطلقها وأصبح اهتمام أهلي مركز على أختي، وكانوا حريصين على زواجها، وكان يأتونها خطاب كثير لكنها كانت تريد شخصاً متوافرة فيه جميع الشروط، فكانت لا تريد أن تتنازل عن أي شرط من شروطها وفي وقت من الأوقات كنت أُلاحظ أمي تتحدث مع أختي بصوت منخفض فإذا جلست معهم سكتوا، وفي يوم من الأيام بينما أنا جالسة وأختي في الغرفة جاءت أمي، وقالت لأختي : تعالي أنظري إليه، وعندما رأتني أمي خرجت من الغرفة، وسألت أختي، فقالت: إن ابن خالتي جاء بصديق له يريد أن يخطبني، وإن هذا الرجل لم يتزوج من قبل فقلت لأمي: إن هذا الزوج يصلح لأختي تقصدني ولكن أمي رفضت، وقالت: إنه يريدك أنتِ، وقالت: إنني مترددة؛ لأنه أصغر مني ولم يتزوج بعد حاولت أن أخفي ما في صدري من جرح؛ لأن ابن خالتي الذي جاء به هو نفسه الذي أهانني وتكلم بي عند الآخرين، وأخبرت أختي بأن الأمر عادي، وعندما حاولوا فيها أهلي ورفضوا قالوا لي: أقنعيها وكأن أهلي نسوا أو تناسوا الجرح الذي سببه لي ابن خالتي .
كلمة أختي في الأمر ووافقت لإقناع أهلي لها ورجعت الأمور بيننا وبين خالتي على ما يرام فأمي وأبي وإخواني رضوا عنهم بمجرد أن تم هذا الأمر، أنا لا أتمنى لأختي إلا كل خير، لكن الذي أحزنني في الأمر أن أهلي جميعهم لم يحسوا بالألم والحزن الذي أشعر به حتى أقرب الناس لي وهما والدي تخلو عني في الوقت الذي كنت في أمس الحاجة لهم حتى بعد أن تم أمر زواج أختي الكل مهتم بها، أما أنا فتمنيت لو كلمه طيبة من أمي تخفف من الألم الذي بي ولكن للأسف لم ألق أي اهتمام هذي هي مشكلتي، والذي أريده منكم توجيه نصيحة؛ لأني لم أجد حب أهلي مثل أول لما رأيت منهم، وجزاكم الله كل خير.
الاجابة
الحمد لله رب العالمين، وبعد:
اعلمي أيتها الأخت الكريمة أنّ ما حصل لكِ هو قضاء الله وقدره، وقولي: "قدَّر الله وما شاء فعل" كما في الحديث الصحيح.
بل هو علامة من علامات محبة الله لك، حيث ابتلاك بهذه المصيبة، وصار كل أهلك ضدك، فاحرصي دائماً أن تقولي: "إنا لله وإنا إليه راجعون، اللهم أجرني في مصيبتي واخلف لي خيراً منها" كما في الحديث الصحيح.
والله _جل وعلا_ قدَّر لكِ هذه المحنة، وقد أراد بكِ خيراً وأنتِ لا تعلمين، وقد صحَّ في الحديث أن النبي _صلى الله عليه وسلم_ قال: "من يُرد الله به خيراً يُصب منه" فاصبري واحتسبي وأبشري بموعود الله في الدنيا من تصفية نفسك من الذنوب، وتهيئتك لتحمّل نوائب المستقبل، وإعدادك لأن تكوني أماً عظيمة، تنجبين الأولاد العظماء.
ولزوج أراده الله لكِ، خير مما أردتِ، ولكنكِ لا تعلمين.(115/2154)
وما يضيرك أن يكتب الله لكِ الحسنات، ويمحو عنك السيئات، ويرفع لكِ الدرجات وهنا ألْفِتُ اهتمامكِ وتفكيركِ إلى أمور:
1- عدم اهتمام والديك بك، أمر طبيعي، وليس فيه ما يدعو إلى الاستغراب؛ لأنهما يريدان منك تنفيذ ما أرادا، ولم تنفذي شيئاً، وقد يساعد ذلك عدم تديّن والديك، وعدم اهتمامهما بالأمور الشرعية، أو قد يكون ذلك عادة لهما في معاملتهما للناس ولو أولادهم.
2- عادة بعض المجتمعات، وخاصة في الأقارب، وهي الاتفاق على تزويجهما من الصغر فلان لفلانة، وفلانة لفلان، إلزاماً إذا كَبِرا، مع وجود بعض الفوارق وعدم التكافؤ ديناً ودنيا، أمر لا يُقرّه الشرع، وعواقبه وخيمة، فضلاً عما يحدث من نزاع وخصومة، إن لم يتم الزواج، هذا وقد تمتد آثار الخصومة إلى العلاقات الأسرية إذا كانوا أقارب، مع أنّ مجرد الحَجْر على كل من الرجل والمرأة، أنت تتزوج فلانة، أنتِ تتزوجين فلاناً، هو أمر منكر، فما بالك إذا فُقدت الكفاءة، فننصح بقطع دابر تلك العادة، واستفيدي من مشكلتك هذه في تزويج أولادك في المستقبل، بأن يكونوا أحراراً، وخيرٌ لهم لو كانوا يعلمون، أن يتزوجوا وهم راضين ومرضيين في دينهم وخُلُقهم.
3- أشير عليك بعدم قطع صلتك بأبويك، مهما قالا وفعلا، وصدَر منهما ما يُكدّر خاطرك ويسوء نفسك، ومعلومٌ شرعاً أن صلتهما واجبة وإن كانا كافرين، فما بالك وهما مُسلميْن، لا تعامليهما بمثل ما عاملوك به، بل قابلي السيئة بالحسنة، وحينها يحسنان إليك ويحترمانك، فإذْ لم تستطيعي ذلك فالسكوت وعدم المواجهة خيرٌ لكِ، ولسوف ترضين بعد ذلك عاجلاً أو آجلاً.
4- حل مشكلتك بيدك، انسي ما فات، فإن لم تستطيعي ذلك فتناسيه، ابدئي صفحة جديدة، ابدئي حياة جديدة، عنوانها الاستقامة، وملؤها الطاعة، حافظي على الواجبات، واتركي المحرمات، تزوّدي من الطاعات، وأكثري من الدعوات في الخلوات [آخر الليل – في السجود – عصر الجمعة – بين الأذان والإقامة] بأن يثبتك الله على دينه، وأن يهديك صراطه المستقيم، ويوفقك لما يحب ويرضى ويعجّل بزوال مشكلتك، وبزوج ترضينه ويرضاك.
5- استعيني بالله _عز وجل_، ثم بصديقة صالحة خيرة، ولو من أقاربك، ولو لم تعرفيها، واعرضي عليها مشكلتك فقد تجدين حلاً غير ما ذكرنا.
6- الزمي الهدوء مع أختك، وادعي لها بالتوفيق، فإن فعلتِ ذلك فسوف توفقين _إن شاء الله تعالى_.
وبالله التوفيق، وصلى الله وسلم على نبينا محمد بن عبد الله وعلى آله وصحبه أجمعين.
ـــــــــــــــــــ
مشكلتي مع أخي العاصي
أجاب عليه ... اللجنة التربوية
التاريخ ... 1/7/1426هـ
السؤال(115/2155)
يا شيخنا
لي أخ يصغرني (17عاماً) يصاحب المردان ، و قد تأكد لدي أنه على علاقة عاطفية، أبي غير متعاون أبداً، ويكذب ما نقول له عنه،
أكبر إخواني قد هاجر إلى أوروبا ولا أعرف أين هو منذ 8 أعوام.
و من بقي في البيت ليس لهم سلطة على هذا الصبي، ماذا أفعل؟
فأخي هذا كذوب لا يصلي وفاشل في دراسته وحياته لا يسمع النصح من أحد أياً كان، يكره أهل الخير والصلاح، غارق في الإباحية .
أرشدونا مأجورين..
الاجابة
نسأل الله أن يوفقك لإصلاح بيتك، وأن يجمع شمل إخوتك.
وإليك عدة توجيهات مختصرة:
1 – احرص أولاً على أن تكون الكلمة المؤثرة في البيت لك لا برفع الصوت أو إصدار الأوامر، ولكن بالتودد والترحم والوقوف مع أهل بيتك، كل بحسب حاجته، ولا تنسى الحكمة وضبط النفس.
2 – كن كما كان الرسول _صلى الله عليه وسلم_ من حسن الخلق، ولم يكن الرسول _صلى الله عليه وسلم_ صخاباً ولا لعاناً ولا فاحشاً ولا بذيئاً "فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ" (آل عمران:159)، فتعامل بالخلق الحسن، فهو سحر يجذب القلوب.
3 – ابتعد عن كثرة الحوارات والنقاش، خاصة إذا كان الطرف الآخر لا يتقبل رأيك أو يعاديك، أما إذا كان يتحاور بأسلوب جيد فلا بأس.
4 – عند الحوار ابتعد عن السب أو الشتم أو التجريح سواء له أو لأصحابه.
5 – أخوك يحتاج أولاً لتحسين صورة الطيبين والأخيار لديه، فابدأ أولاً بذلك قبل النقاش في القضايا الأخرى ومن طرق تحسين الصورة:
أ – الهديّة فلها وقع على الإنسان وقد لا يتقبلها أول الأمر، لكن ستكون دخلتَ قلبه من حيث لا يشعر.
ب – تعريفه بالأخيار كأن يحضروا إلى بيتك وتدعو أخاك، ومن خلال الجلوس معهم سيرى غير ما سمع.
ج – اجعل الأخيار يتواصلون معه بالهدايا أو رسائل الجوال بعيداً عن النصح، بل تكون من المباح أو من الفوائد العامة...
د – حاول أن تخرج معه في نزهة بريّة أو جلسة خارج البيت، ولكن احذر أن تفتح معه الموضوع في ذلك الوقت.
وإن استطعت أن تسافر معه فهذا طيب (للشرقية – أو مكة).
6 – بيّن لأخيك محبتك له وإشفاقك عليه بعدة طرق، وقد تكون غير المباشرة أفضل.
7 – استشر من تثق به من المربين وخيار أصحابك ممن له تجربة مع أقاربه فسيدلك على أبواب كثيرة _بإذن الله_.(115/2156)
8 – لا تغفل الدعاء له وليكن بقلب صادق يحب لأخيه الهداية والاستقامة مع اختيار الوقت المناسب للدعاء كيوم الجمعة أو عند الإفطار من الصوم أو الثلث الأخير من الليل، وأخبر أخاك بذلك عن طريق الجوال مثلاً..
9 – بعد مدة من الوقت وعندما تشعر بتحسن واضح ولو بطيء، اختر هديّة راقية ولو كلفتك مادياً – فهداية أخيك أغلى – وابحث عما يحب وأرفق معها رسالة أخوية عاطفية ممزوجة بالحب والعطف والرحمة والشفقة منبهاً له عن أخطائه ومبيناً له سبب نصحه، وسيكون لها وقع كبير لكن اهتم باختيار الوقت المناسب لها.
10 – احرص أن تقف بشكل واضح وقوي مع أخيك في سرّائه وضرّائه، ابحث له عن وظيفة، ساعده بالمال فهذا سلاح استخدمه الرسول _صلى الله عليه وسلم_، وكم كان بسببه هداية أقوام.
11 – عليك بالحكمة دائماً في كل تصرفاتك، والحكمة هي: فعل ما ينبغي، كما ينبغي، في الوقت الذي ينبغي.
فلأن تبقى العلاقة بينكما مع تحسن ولو بسيط خير من قطع العلاقة مما يسبب القطيعة بل وقد يتجرأ أكثر..
12 – كن صابراً، فالصبر صعب ليس كل إنسان يحسن استخدامه ولا تظن أنك قادر أن تغير أخاك بيوم وليلة فالأمر طويل وصعب وشاق.
13 – بعد كل بذل وعطاء وعمل وصدق نيّة تذكر قول الله _تعالى_: "إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ" (القصص: من الآية56).
14 – اجعل هذه الآية نصب عينيك "ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ" (النحل: من الآية125)، وقوله _تعالى_: "وَلا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ" (فصلت:34، 35).
15 – لا تتصادم مع أبيك فإن استطاع أن يشارك الهمّ بشكل مباشر أو غير مباشر فالحمد لله، وإن لم يستطع أو كان غير مناسب مشاركته فاحذر مصادمته.
والأب يحب صلاح الأولاد، فقد يساعدك في الحلول، وخاصة الدعم المادي والمعنوي والإشراف وأنت بدورك العمل والمتابعة.
16 – ابحث عن أصدقاء يحبهم أخوك وفيهم خير وصلاح وإن لم يكونوا مستقيمين بالمظهر فاجعلهم يساعدونك إن كانوا قادرين.
17 – استر على أخيك، بل لا تجعله يشعر بأن أمره يعرفه الكل، فهذا مما يعيق استقامته.
18 – هناك كتب وأشرطة تتكلم عن بعض المشاكل موجودة في التسجيلات والمكتبات عن: اللواط – الزنا – العشق والتعلق – الكذب – الصلاة – النجاح.
واختر أفضلها لعل كلمة تدخل قلبه.
نفع الله بك الإسلام والمسلمين، وجعلك مباركاً وقرة عين لوالديك، وإماماً للمتقين.
وأصلح الله أخيك، ورد الآخر سالماً في دينه وبدنه، وجمع الله شمل الأسرة على الطاعة والمحبة.
ـــــــــــــــــــ(115/2157)
كيف أقوي المراقبة في نفسي ؟
أجاب عليه ... اللجنة التربوية
التاريخ ... 27 / 6 / 1426هـ
السؤال
أنا أشكو من ضعف المراقبة لو تكرمتم كيف أقوي مراقبة الله في نفسي في السر والعلن؟
الاجابة
يمكنك أن تقوي مراقبة الله في نفسك عبر أمور منها:
1 – تدبر القرآن.
2 – طلب العلم.
3 – الاستمرار على فعل الطاعات وعمل اليوم والليلة، ومنها:
أ – المحافظة على الرواتب والنوافل.
ب – قيام الليل.
جـ - ركعتي الضحى.
4 – ذكر الله بجميع أنواعه المطلق والمقيد .
5 – الصيام.
6 – لزوم بيوت الله والجلوس فيها وانتظار الصلاة إلى الصلاة.
7 – زيارة القبور لتهذيب النفوس وتحصيل الأجور. "زوروا القبور فإنها تذكركم الآخرة".
8 – حضور الجنائز.
ويلاحظ في ذلك أمور:
أ – الاستمرار، وقليل دائم خيرٌ من كثير منقطع، فأحب الأعمال إلى الله أدومها وإن قل وما السيل إلا اجتماع النقط.
ب – عدم إملال النفس والقصد القصد تبلغو.
جـ - المجاهدة، والمجاهدة تحتاج إلى مجاهدة وهي توفيق "وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ" (العنكبوت:69)، وجاهد على الغصن الذي لا تستطيعه.
9 – محاسبة النفس والخلوة بها ومعاتبتها بين الفينة والأخرى:
فذلك أكمل لتزكيتها والسمو بها في معارج الخير والفضيلة والنور، وكما قال ميمون بن مهران: ساعة لا ينبغي أن يغفل العبد عنها ساعة محاسبة ومعاتبة، حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا وزنوها قبل أن توزنوا وتزينوا للعرض الأكبر على الله.
قال ابن القيم: وهلاك النفس من إهمال محاسبتها ومن موافقتها واتباع هواها.
10 – مجالسة العلماء وأهل الصلاح والتقى والبعد عن الكسالى والبطالين:
وخالط إذا خالطت كل موفق من العلماء أهل التقى والتعبد
وإياك والهماز إن قمتَ عنه والبذي فإن المرء بالمرء يقتدي
ولا تصحب الحمقى فذو الجهل إن يُدِم صلاحاً لأمر يا أخا الحزم يُفسِد
وقيل:(115/2158)
فصاحِبْ تقياً عالماً تنتفع به فصحبة أهل الخير ترجى وتطلب
11 – التفكر في خلق الله واستشعار عظمة الله:
وأنه لا يغيب عنه مثقال ذرة في الأرض ولا في السماء، بل يعلم ما يسرون وما يعلنون وهو العليم بمكنونات الصدور _سبحانه وبحمده_ فإذا استشعر العبد أن الله مطلع عليه حيثما كان بل يعلم ما يدور ويخالج صدره حينها يستحي من الله فيخافه ويجله.
وإذا خلوت بريبة في ظلمة والنفس داعية إلى الطغيان
فاستحي من نظر الإله وقل لها إن الذي خلق الظلام يراني
اللهم ارزقنا خشيتك ومراقبتك في السر والعلن.
12 – قراءة سير السلف الصالح أهل العلم والإيمان والصلاح والتقى:
والنظر في أحوالهم وخوفهم ووجلهم من الله، أصحاب العزائم القوية والإرادات الصادقة "لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبَابِ" (يوسف: من الآية111)، حينها تتحرك المشاعر والأحاسيس وتسمو النفوس للعمل بما يرضي الملك القدوس فيكون من الركب السائر إلى الله.
جعلني الله وإياكم منهم وجمعنا بهم في جنات ونهر في مقعد صدق عند مليك مقتدر.
إذا أعجبتك خصال امرئ فكنه يكن منك ما يعجبك
فليس على الجود والمكرمات إذا جئتها حاجب يحجبك
"وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقاً ذَلِكَ الْفَضْلُ مِنَ اللَّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ عَلِيماً" (النساء:69، 70).
13 – محبة الله ورجاؤه:
المنزلة التي تنافس فيها المتنافسون وإليها شخص العاملون وعليها تفانى المحبون وبدَوح نسيمها تدوح العابدون فهي قوت القلوب وغذاء الأرواح وقرة العيون، فهي الحياة ومن حُرمها عُدَّ من الأموات وهي النور ومن فقدها فهو بحار الظلمات، الشفاء من جميع الأسقام، اللذة التي من لم يظفر بها فعيشه هموم وآلام.
تالله لقد أذهب أهلها بشرف الدنيا والآخرة، تالله لقد سبق القوم السعاةَ وهم على ظهور الفرش نائمون وقد تقدموا الركب بمراحل وهم في سيرهم واقفون.
سئل الجنيد : عن محبة رب العالمين فأطرق رأسه ودمعت عيناه ثم قال عبد ذاهب عن نفسه متصل بذكر ربه قائم بأداء حقوقه، ناظر إليه بقلبه، أحرقت قلبُه، عظمته و هيبتِه فإن تكلم فبالله وإن نطق فعن الله وإن تحرك أو سكن فبأمر الله فهو بالله ولله ومع الله فبكى القوم وأجهشوا بالبكاء، وقالوا: ما على هذا مزيد، ومن سكنت محبة الله قلبه استحى من الله أن ينظر إليه في مكان لا يرضاه. رزقنا الله وإياكم محبته.
14 – إدامة النظر والتأمل في أسماء الله وصفاته:
فالوقوف مع اسمين من أسماء الله وهما السميع البصير
السميع الذي يسمع المناجاة وهو السميع القريب وهو السميع العليم فلا يفوته ولا يخفى عليه شيء من أفعال العباد، فهو المطلع على السرائر وهو العليم بذات الصدور "مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ وَلا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سَادِسُهُمْ وَلا أَدْنَى(115/2159)
مِنْ ذَلِكَ وَلا أَكْثَرَ إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِمَا عَمِلُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ" (المجادلة: من الآية7).
تقول عائشة _رضي الله عنها_: تبارك الذي وسع سمعه كل شيء إني لأسمع كلام خولة بنت ثعلبة ويخفى علي بعضه وهي تشتكي زوجها إلى رسول الله، وهي تقول: يا رسول الله أكل شبابي ونثرت له بطني حتى إذا كبر سني وانقطع ولدي ظاهر مني اللهم إني أشكو إليك قالت: فما برحت حتى نزل جبريل بهذه الآيات "قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ" (المجادلة:1).
ومتى آمن الناس بذلك واستشعروه فإن أحوالهم تتغير وتتبدل.
وهو البصير _سبحانه_ لا يخفى عليه شيء من أعمالهم يبصر كل شيء وإن دَق وصغر يبصر دبيب النملة السوداء في الليلة الظلماء على الصخرة الصماء ويبصر ما تحت الأرضين السبع كما يبصر ما فوق السماوات السبع.
وهو البصير يرى دبيب النملة السوداء تحت الصخر والصوِّوان ويرى مجاري القوت في أعضائها ويرى عروق بياضها بعيان ويرى خيانات العيون بلحظها ويرى كذلك تقلب الأجفان ومن علم أن ربه مطلع عليه استحى أن يراه على معصية أو فيما لا يحب.
15 – الدعاء:
سلاح المؤمن وهو الصلة بين العبد وربه، هو السبب إذا انقطعت الأسباب والباب إذا أغلقت الأبواب هو الحبل المتين والسلاح المبين "وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ" (البقرة: من الآية186)، فليسأل العبدُ ربَّه وليتضرع إليه ليلاً ونهاراً بلسان صادق وقلب خاشع بأن يرزقه خشيته ومراقبته في السر والعلن.
اللهم ارزقنا خشيتك في السر والعلن.
ـــــــــــــــــــ
الأطفال في الأسرة الكبيرة.. حل النزاعات
أجاب عليه ... همام عبدالمعبود
التاريخ ... 24/6 /1426هـ
السؤال
أود استشارتكم في الطريقة الصحيحة في حل نزاعات الأطفال في الأسرة الكبيرة، وخاصة إذا كانوا يعشون في عمارة واحدة، وكذلك مع اختلاف التربية ووجهات نظر الآباء والأمهات، فأنا زوجة الأخ الكبير في الأسرة، وهو المستقيم الوحيد في الأسرة، وكذلك أكثرهم مالاً ومنصباً وعلماً، وهو يحاول كثيراً التقرب إلى إخوته بالهدايا والتكفل بكثير من المصاريف، والتجاوز عن الأخطاء وتعويد الأولاد على ذلك، حتى أصبح أطفالي يحسون بالضيم والظلم ونشأت النزاعات.
الاجابة
بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، صلى الله عليه، وعلى آله وصحبه وسلم:
السلام عليك ورحمة الله وبركاته،(115/2160)
أختنا في الله :
لقد قرأت رسالتك باهتمام شديد، وأود أن أوضح لك أن غالبية الناس في عصرنا يشكون مر الشكوى مما منه تشكين، فلقد أضحت تربية الأطفال وتوجيههم وتقويم سلوكياتهم من أشق العمليات التربوية، وقد ساهم في ذلك جملة من الأمور منها على سبيل المثال :-
1- غياب مناهج التربية الإسلامية الصحيحة عن معظم المدارس في بلداننا العربية والإسلامية.
2- افتقادنا إلى المربين والمعلمين الذين يقدرون أهمية ما يقومون به من عمل، حتى أن الكثير من شبابنا وشاباتنا يفرون من الالتحاق بالجامعات والكليات المتخصصة في تخريج مربين ومعلمين للأطفال والأشبال.
3- عدم وضوح الرؤية لدى القائمين على أمور التربية والتعليم في الكثير من بلداننا .
4- عدم وجود خطط واضحة وطموحة تعنى بكل مرحلة عمرية على حدها، واختلاط المراحل العمرية على كثير من المربين .
5- عدم استشعارنا لأهمية التربية في الصغر، والتعليم والتوجيه والتشكيل المبكر لسلوكيات الأطفال.
كانت هذه – أختنا الكريمة – مقدمة ضرورية ومدخل أساسي لفهم المشكلة التي بين أيدينا، أما بخصوص سؤالك فإنني أستعين بالله وأقول لك :
إن نزاعات الأطفال قد تكون مقبولة – نوعاً – في حال الأسر الصغيرة، غير أنها تكون بحق "مزعجة" ومثيرة للقلق وربما مولدة للكثير من المشاكل العائلية، إذا ما كانت بين عدد كبير من الأطفال يعيشون معاً في أسرة كبيرة، وذلك للآتي:-
1- اختلاف طرق ومناهج التربية التي يعتمدها كل رب أسرة مع أبنائه.
2- تباين وجهات نظر الآباء والأمهات حول مفهوم اللعب عند الأطفال .
غير أني أود أن أذكرك بفضل الله عليك فأنت – كما ورد في رسالتك - زوجة الأخ الأكبر في الأسرة، وزوجك – بفضل الله - هو المستقيم الوحيد في الأسرة، كما أنه - أكثرهم مالاً ومنصباً وعلماً، ومن ثم فإن هذه النعم تستوجب شكر الله عليها، ومن شكر الله عليها أن تعدي نفسك لتحمل هذه المسئولية، فتكوني الأرحم بالأطفال جميعاً والأوسع صدراً في تحملهم، والصبر عليهم، كما يمكنك أن تقومي بتخصيص غرفة بالمنزل وتسمينها "غرفة التربية"، ثم تقومي بتجميع الأطفال في هذه الغرفة مرة واحدة يومياً – يفضل أن تكون بعد صلاة العصر، وتعدي لهم برنامجاً تربوياً متكاملاً يحتوي على المعلومة الجاذبة، والمسابقة الشيقة المسلية، ولا مانع من أن ترصدي لهم عدداً من الجوائز لتحفيزهم، ولا تنسي أن تطعمي برنامجك بالتوجيه المفيد والتقويم الجيد، والإرشاد الواعي، لعل الله يصلح لك أولادك ويجزيك خير الجزاء.
أما بخصوص قولك عن زوجك: إنه يحاول كثيراً التقرب إلى إخوته بالهدايا والتكفل بكثير من المصاريف، والتجاوز عن الأخطاء وتعويد الأولاد على ذلك"، فهذا إن دل على شيء فإنما يدل على فهم زوجك لدينه وبره بأهله وطاعته لربه، وهذا مما يجب أن تحمدي الله ثانية عليه، فمن أعظم نعم الله على المرأة المسلمة أن يرزقها زوجاً صالحاً، فاهنئي ببر زوجك لأهله، وإحسانه إلى إخوته وقيامه على شأنهم ومساعدتهم(115/2161)
فهذا مما يرفع قدرك بين أهله ويجعلك في مكانة عالية، فشجعيه على ذلك، وأظهري له السعادة والرضا بما يفعل يكتب الله لك الأجر في الدنيا والآخرة.
غير أن ما أحزنني في رسالتك شطرها الأخير والذي قلت فيه بعدما وصفت كرم زوجك وإحسانه على أهله " حتى أصبح أطفالي يحسون بالضيم والظلم وصارت النزاعات"، وحتى يكون الأمر واضحا فإن عليك دور وعلى زوجك دور، أما ما عليك فأن تعرفي أولادك أن ما يقوم به أبوهم من إكرام أهله هو من خلق الإسلام، وهو مما أمرنا ربنا _سبحانه وتعالى_ به وأوصانا به نبينا _صلى الله عليه وسلم_، وأن ترفعي من قدر أبيهم في نفوسهم، فتستبدلي الضيم الذي يحسونه بالعزة والإحساس بالظلم إلى الإحساس بأداء الواجب.
أما زوجك – أكرمه الله- فإنني أهمس في أذنه وأقول له : -
1- بارك الله فيك، وجزك الله خيراً عما تفعل.
2- أنت بحق خير زوج وخير ابن وخير أخ فهلا .. هلا أكملت الخير فكنت خير أب لأبنائك ؟ واعلم أخي الكريم أن خير الناس خيرهم لأهله، وإن أول أهلك بعد أبيك وأمك هم أولادك، فأنت عنهم أمام الله مسؤول، فكن لهم خير أب يكونوا لك خير أبناء، فلا تقصر في حق ولدك، فهم أولى الناس بك، وأحق الناس برعايتك، فلا تحرمهم من حنانك، واهتمامك، ورعايتك لهم .. واعلم أن الله قد استرعاك أمانتهم فلا تضيعها واعلم أن الله سائل كل راع عما استرعاه يوم القيامة، حفظ أم ضيع أو كما قال _صلى الله عليه وسلم_.
3- كن متوازناً، في عطفك، معتدل في مشاعرك، وخص ولدك بمزيد عطف وعناية فهو لهم عليك حق، واعلم أن لربك عليك حقاً، وأن لنفسك عليك حقاً، وأن لأهلك عليك حقاً، فأعط كل ذي حق حقه.
وقبل الختام سأعرض عليك بعضا مما يصلح أن يكون برنامج لتربية هؤلاء الأطفال وتوجيههم مثل : -
1- ابدئي معهم بتعليمهم حروف الهجاء والأعداد، كتابة ونطقاً .
2- حفظيهم سورة الفاتحة، وعدداً من قصار السور.
3- علميهم الطريقة الصحيحة للوضوء .
4- علميهم كيفية أداء الصلاة، وقومي بتقديم أكبرهم أو أكثرهم فهما ووعياً وحفظاً ليصلي بهم.
5- اعقدي لهم مسابقات ثقافية وأخرى في المعلومات العامة، وقدمي للفائزين منهم جوائز رمزية.
6- اعتمدي مبدأ الثواب والعقاب في تربيتهم، فكافئ المجيد منهم، وعاقبي المقصر، مع مراعاة ألا يكون العقاب في أضيق الطرق وبالحدود الشرعية.
7- حاولي أن تكتسبي حبهم لك، ومن ثم طاعتهم لأوامرك .
8- حببيهم بنفسك ووظفي ذلك في تعليقهم بالمبادئ الإسلامية.
9- قومي بهذا بعد استئذان زوجك، وجعله يطرح الفكرة كما لو كانت فكرته حتى نضمن موافقة أولياء أمورهم عليها، نظرا لحبهم لزوجك كما جاء في رسالتك.(115/2162)
10- جددي نيتك من هذا العمل، واقصدي به وجه الله تعالى، واعلمي أن أجرك عند الله كبير.
وختاماً،
أسأل الله _عز وجل_ أن يهدي قلبك إلى الحق، وأن يحبب إليك خلق زوجك، وأن يصلح لك زوجك وولدك، .. آمين
ـــــــــــــــــــ
تبت إلى الله.. والمشكلة أصحاب السوء
أجاب عليه ... جمّاز الجمّاز
التاريخ ... 20/6/1426هـ
السؤال
كنت وأصحابي ممن يتعاطون الحشيشة، والآن- والحمد لله- ساعدني الله _تعالى_ على ترك تلك المعصية، ولكن أصحابي، لا يريدون أن يتركوني في حالي، ففي كل مرة يأتوني بمشكلة جديدة، وأنا لدي أطفال، وأريد منهم أن يتركوني.
سؤالي: هل علي ذنب لو أني أبلغت عنهم الجهات المعنية، حيث إن بعضهم لديه أطفال.
وجزاكم الله كل خير.
الاجابة
الحمد لله رب العالمين، وبعد:
يجب في حقك هجرهم وترك زيارتهم، وترك الارتباط بهم، أيّاً كان الارتباط، وكل مرة يأتونك فيها امتنع عن أي تصرف معهم سواء ينفعك أو ينفعهم، ولا تقبل بالتفاوض معهم مهما قالوا، ومهما بيّنوا ومهما أرادوا، وعليك إذا أتوك أن تنصحهم وتخوّفهم بالله _عز وجل_ من مغبّة إقامتهم على هذه المعصية الشنيعة، وأن الله _جل وعلا_ قد يقبض أرواحهم وهم على هذه الفاحشة، فتكون خاتمتهم سيئة، بيّن لهم أن عملهم هذا فيه ضرر عظيم، وخطر كبير على أنفسهم وأهليهم وأولادهم وأسرهم.
وأشعرهم أنك ترفل في نعمة الله _تبارك وتعالى_، وأنك تحمده _جل وعلا_ على ما أنعم به عليك، ولا تنسَ أن تسأل لهم الهداية، ولك بالثبات، ومتى شعرت بأنهم مقيمون على باطلهم ولم يتركوه، ولم يكن لنصحك أثر فأبلغ عنهم الجهة المعنية الشرعية، هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ولو كانوا متزوجين ولديهم أولاد، فإن هذا من التعاون الواجب على البر والتقوى، وتركك الإبلاغ عنهم من التعاون المحرم على الإثم والعدوان.
وبالله التوفيق، وصلى الله وسلم على نبينا محمد بن عبد الله وعلى آله وصحبه أجمعين.
ـــــــــــــــــــ
ضعف المراقبة.. ما سببها؟
أجاب عليه ... اللجنة التربوية
التاريخ ... 17/6/1426هـ(115/2163)
السؤال
لو سمحتم ما أسباب ضعف مراقبة الله لدى الناس في هذا الزمن المخيف، والله المستعان؟
الاجابة
إنه مهما خوف الناس وبعث في قلوبهم الرعب برقابة البشر فهي تسقط أمام رقابة الذات ورقابة الله وما تغيرت الحياة وحدث البلاء ووجدت الخيانة وانتشر الظلم إلا يوم ضعفت رقابة الله في قلوب البشر، وكان لذلك أسباب نعرج على جزء منها وإذا عرف السبب بطل العجب وإذا عرف الداء سهل الدواء فدونك إياه _جعلني الله وإياك ممن يتقيه ويخشاه_ :
1 – السرف ومجاوزة الحد في ملاذ الدنيا:
وكل ذلك يؤدي إلى سيطرة الشهوات والانغماس في ملاذ الدنيا وكل همه كيف الحصول على أكبر قدر من المال وأعلى المقامات والدرجات بغض النظر أمِن حلال أم من حرام والنتيجة نسيان مراقبة الله.
2 – فضول الطعام:
وقد أدرك السلف ما يصفه السرف قالت عائشة _رضي الله عنها_: أول بلاء حدث في هذه الأمة بعد نبيها الشبع فإن القوم لما شبعت بطونهم سمنت أبدانهم فضعفت قلوبهم وجمحت شهواتهم.
3 – قلة تذكر الموت والدار الآخرة:
فكل ذلك يؤدي إلى نسيان الله وعدم مراقبته وضعف العزيمة بل يؤدي إلى الانقطاع والفتور قال _صلى الله عليه وسلم_: "أيها الناس استحيوا من الله حق الحياء. فقال رجل: إنا لنستحي من الله حق الحياء. فقال: من كان منكم مستحيياً فلا يبيتن ليلة إلا وأجله بين عينه وليحفظ البطن وما حوى والرأس وما وعى وليذكر الموت والبلى وليترك زينة الدنيا".
4 – التقصير في عمل اليوم والليلة:
كالنوم عن الفرائض والنوافل والرواتب وتلاوة القرآن والذكر والدعاء مما يؤدي إلى خلو القلب من ذكر الله ومراقبته.
5 – الوقوع في المعاصي والسيئات لا سيما صغائر الذنوب مع الاستهانة بها:
"وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ" (الشورى:30)، وأي مصيبة أعظم من نسيان الله ومراقبته، قال _صلى الله عليه وسلم_: "إياكم ومحقرات الذنوب فإنهن يجتمعن على الرجل حتى يهلكنه..." رواه أحمد، وقال: "إن المؤمن إذا أذنب ذنباً نكت في قلبه نكتة سوداء فإذا تاب ونزع واستغفر صقل قلبه وإن زاد زادت حتى تعلو قلبه فذلك الران "كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ" (المطففين:14)، نعوذ بالله من الران والخذلان.
6 – صحبة المسرفين وذوي المعاصي والذنوب:
لا شك أن لأصحاب المعاصي آثار على غيرهم وأي أثر أعظم من أن ينسوه مراقبة الله، وصدق الله إذ قال في كتابه عن حال بعض القوم متحسرين "يَا وَيْلَتَى لَيْتَنِي لَمْ(115/2164)
أَتَّخِذْ فُلاناً خَلِيلاً لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءَنِي وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِلْإِنْسَانِ خَذُولاً" (الفرقان:28، 29).
7 – التهاون مع النفس واتباع الهوى:
يغلق على العبد أبواب الخير والهدى فالنفس البشرية تحب التفلت وعدم التقيد تحب التمرد والتطلع إلى الشهوات والانغماس في الملذات فهي تنسيه مراقبة الله والانقياد لأوامر الله.
8 – كثرة الخلطة والاجتماع والضحك والأكل والنوم:
فالاجتماع على مؤانسة الطبع وشغل الوقت مضرته أرجح من منفعته، وأقل ما فيه أنه يقسي القلب ويفسده ويضيع الوقت ويهدره وكما قال أحد السلف: إن من صفات القلب السليم الابتعاد عن كثرة الأنام أي خلطتهم وكثرة النوم والأكل والضحك.
فالإفراط في المخالطة يحول بين المرء ومحاسبة نفسه والخلوة بها والنظر في أمرها وكثرة الضحك تقضي على مادة الحياة في القلب، قال _عليه الصلاة والسلام_: "فإن كثرة الضحك تميت القلب" رواه ابن ماجة وكثرة الأكل تبلد الذهن وتثقله عن طاعة الرحمن.
لقاء الناس ليس يفيد شيئاً ... ...
سوى الهذيان من قيل وقال
فأقلل من لقاء الناس إلا ... ...
لأخذ العلم أو إصلاح حال
9 – قسوة القلب:
وكان الثوري يقول أقلل من معرفة الناس ولا أجالس إلا عالماً فطناً أو صالحاً أو صديقاً لا بإكثار يقسو ويجمد بل يصبح كالحجارة أو أشد قسوة وحينها يتقطع صاحبه عن مراقبة الله والبر والطاعات "فَوَيْلٌ لِلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ..." (الزمر: من الآية22).
فالحرمان كل الحرمان في قسوة القلب وبعده عن الله حرمان وأي حرمان لمن قسا قلبه وتحجر فؤاده فلا قلب يخشع ولا عين تدمع.
من ذا يعيرك عينه تبكي بها ... ...
أرأيت عيناً للدموع تعار
أعوذ بك اللهم من قلب لا يخشع وعين لا تدمع.
ـــــــــــــــــــ
من يأخذ بيدي.. في طريق الهداية؟
أجاب عليه ... همام عبدالمعبود
التاريخ ... 13/6/1426هـ
السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
لقد سررت حينما وجدت موقعكم.. فأنا أبحث عمن يأخذ بيدي ويكون لي عونا في طريق الهداية والالتزام.. فكيف أعثر على مثل هذا الشخص؟ ولكم جزيل الشكر.
الاجابة(115/2165)
بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، صلى الله عليه، وعلى آله وصحبه وسلم:
أخانا في الله..
السلام عليك ورحمة الله وبركاته،
وأهلا ومرحبا بك، وشَكَرَ الله لك ثقَتَك بإخوانك في موقع "المُسلم" :
قرأت رسالتك، وأكبرت فيك بحثك عن مرب، في زمن ضن فيه من يبحث عن مثل ما تبحث عنه، كما حمدت لك رغبتك في تعميق تعاليم الدين الإسلامي العظيم في داخلك، وسعيك لإصلاح قلبك.
وأقول لك أخي الكريم :
كلما ازداد المرء معرفة بالله _عز وجل_ كان لطاعته أشد حباً، ولمعصيته أكثر تجنبا، ذلك أن من يعرف الله حق المعرفة وجب عليه أن يحبه حق الحب وان يخشاه حق الخشية، قال _تعالى_ في سورة البقرة :" وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُباًّ لِّلَّهِ ..."، وقال _تعالى_ في سورة المؤمنون: "إِنَّ الَّذِينَ هُم مِّنْ خَشْيَةِ رَبِّهِم مُّشْفِقُونَ (57) وَالَّذِينَ هُم بِآيَاتِ رَبِّهِمْ يُؤْمِنُونَ (58) وَالَّذِينَ هُم بِرَبِّهِمْ لاَ يُشْرِكُونَ (59) وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ (60) أُوْلَئِكَ يُسَارِعُونَ فِي الخَيْرَاتِ وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ"، وقال _تعالى_ في سورة فاطر:"إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ العُلَمَاءُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ (28)".
فمما لا شك فيه أن أوجب واجبات المسلم أن يعمق التدين والاستقامة على منهج الله في قلبه، فما أجمل أن يقيم المرء قلبه على طاعة الله، قال _تعالى_ في سورة الأحقاف: "إن الذين قالوا ربنا اللَّه ثم استقاموا فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون أولئك أصحاب الجنة خالدين فيها جزاء بما كانوا يعملون"، وقد روى مسلم في صحيحه عن أبي عمرو، وقيل: أبي عمرة سفيان بن عبد اللَّه _رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ_ قال قلت: يا رَسُول اللَّهِ قل لي في الإسلام قولاً لا أسأل عنه أحداً غيرك. قال: قل آمنت بالله ثم استقم" .
ويحتاج المسلم – خاصة بداية التزامه- إلى المربي الواعي ليساعده على تخطي العقبات الأولى في حياته، غير أنه يجب عليك أن تحسن اختيار المربي الذي ستكل إليه – بعد الله _عز وجل_- نفسك ليساهم في إصلاحها، و عقلك ليقوم ببنائه وفق الفهم السليم، ومن ثم فإنه يشترط لهذا المربي أن يكون على وعي بمقاصد الشريعة، يفهم طبائع النفوس البشرية، ويعرف عللها وأدواءها، حكيما يضع الشيء المناسب في المكان المناسب في التوقيت المناسب بالقدر المناسب، كما لا بد أن يكون مدركا أن الزمن جزء من العلاج .
أما عن القلوب فإنها – أخي الكريم – بين أصبعين من أصابع الرحمن يقلبها كيف يشاء، ومن ثم فإنه على قدر صلتك واتصالك بربك، فإنه _سبحانه_ يصلح لك قلبك، أقول لك هذا – يا أخي – حتى لا نلقي بالتبعة كلها على المربي فقط، وإنما أود أن أوضح لك أن عليك جزءاً كبيراً من المهمة، فغاية ما سيفعله المربي هنا هو أن يخضعك لـ"برنامج إيماني" يستهدف من ورائه الارتقاء بمستواك الإيماني وتعزيز(115/2166)
صلتك بالله وتوثيق محبته في قلبك، غير أن هذا لن يؤتي أكله إلا في حالة الإقبال على الله.
وحتى يكون كلامنا محدداً وواضحاً فإنني أوصيك - أخي الفاضل- بعدد من النصائح التي أوصي نفسي بها وهي : -
1- وثق صلتك بخالقك _سبحانه وتعالى_، وذلك عن طريق أداء ما افترضه عليك من العبادات والانتهاء عما نهاك عنه من المعاصي والسيئات.
2- تقرب إلى الله بالدعاء، قال _تعالى_ في سورة غافر : "وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ (60)"، وتعلم كيف تدعوه _سبحانه_، فإنه كما روى النعمان بن بشير _رَضِيَ اللَّهُ عَنهُ_ عن النبي _صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّم_ قال: الدعاء هو العبادة" رواه أبُو دَاوُدَ وَالتِّرمِذِيُّ وَقَالَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صحيح.
3- كن حسن الظن بالله، واثقا به، و املأ قلبك ثقة بربك وقل لنفسك إن الله سيصلح لي قلبي وسيصرف عني السوء.
4- تخير أصحابك وأصدقاءك، فإن المرء على دين خليله، كما روي عن أبي هريرة _رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ_ أن النبي _صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم_ قال: "الرجل على دين خليله فلينظر أحدكم من يخالل" (رواه أبو داود والترمذي بإسناد صحيح، وقال الترمذي: حديث حسن)،ولا تصاحب إلا مؤمنا، فعن أبي سعيد الخدري _رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ_ عن النبي _صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم_ قال: "لا تصاحب إلا مؤمناً، ولا يأكل طعامك إلا تقي" (رواه أبو داود والترمذي بإسناد لا بأس به).
5- اتخذ لك من العلماء العاملين أو الأتقياء المخلصين، مربيا تثق بدينه وعلمه وخلقه، لتقيمه على نفسك مربياً وعلى سلوكك موجهاً ومرشداً، واستشره في أمرك، واتخذه لك ناصحاً .
6- اعقد لنفسك كل شهر أو كل أسبوع أو كل يوم جلسة للمحاسبة، راجع فيها أعمالك، وقيم سلوكك، فإن وجدت خيراً فاحمد الله وإن وجدت غير ذلك فعاود الأمر واعزم أشد العزم وجدد النية، وهكذا حتى ينصلح حالك، ويصلح قلبك.
7- اعلم أن الزمن جزء من العلاج، وأن من أصول تربية النفس ألا تجلدها لمعصيتها، بل عليك بالتوسط، واللين فما دخل اللين شيئاً إلا زانه وما دخل العنف شيئاً إلا شانه، فخذ نفسك بالسياسة وحسن التقويم.
ـــــــــــــــــــ
بناتي.. وصديقات الشيطان
أجاب عليه ... اللجنة التربوية
التاريخ ... 6/ 6/ 1426 هـ
السؤال
أرجو إفادتي في علاج هذا الأمر بحيث أنقذ بناتي وأصلح من شأن ابنة عمتهم، فلقد اكتشفت من لسان بناتي أن ابنة عمتهم تحدثهم عن العلاقات المحرمة، وأنها تمارسها من خلال الإنترنت، وأنها تراسل شباب وتفتح مواقع إباحية.
الاجابة(115/2167)
نشكرك على حرصك واهتمامك بتربية أبنائك التربية الإسلامية الصحيحة.
والموضوع الذي ذكرتيه خطير، وقد انتشر في مجتمعاتنا ولا حول ولا قوة إلا بالله.
ونظراً لكون المشكلة من ابنة العمة فالعلاج سيكون أصعب والتوفيق من الله.
ولكن دعينا نعطيك بعض الحلول وأنت أعرف بالمناسب منها:
1- (التخلية قبل التحلية) قبل أن تملئي الكأس ماء لابد من إفراغه وتنظيفه ومن ثم وضع الماء فيه؛ وكذلك بناتك لابد من إبعادهن عن موطن المشكلة وذلك في عدة خطوات منها:
أ- عدم الزيارة لبنت العمة
ب- عند الزيارة لها في حالة الضرورة لا يجلسن وحدهن فلابد من متابعة ولو عن بعد أو مفاجئة.
ت- إبعاد وسائل الاتصال الممكنة ببنت العمة كالجوال وهاتف البيت والإنترنت.
ث- إبعاد ما يثير غرائز البنات كالقنوات الفضائية والمجلات الهابطة والأفلام الساقطة والأسواق.
ج- مناصحة بنت العم ولو بطريقة غير مباشرة عبر الشريط والمطوية والكتيب ونحوها.
2- إن كان زوجك رجل عاقل متزن حكيم غير متسرع فأشركيه بالقضية وحاولوا إيجاد أفضل الحلول، نظراً لكون المشكلة عن طريق أقارب الزوج وحتى لا يكن بينك وبين أهله قطيعة بسبب ذلك.
3- إن كان لبنت العمة (أم) أو (أب) صالح عاقل فلابد من إخباره؛ لأن البنت على خطر، وقد تحدث عار يلحق الجميع.
4- الحكمة في معالجة الأمور.
5- التأني وعدم الاستعجال.
6- إن كنّ بناتك أو ابنة العمة في سن الزواج فيسارع في تزويجهن لم تثقون به في دينه وخلقه. ولابد من إشغالهن بأمور البيت.
7- استخدام وسيلة ((الإقناع)) في المحاورة لا التسلط والاستبداد فقد ينفر.
8- لابد أن يكون أحد الزوجين حازماً ويراقب عن بعد والآخر يكون داخل القضية؛ والتدخل عند الحاجة فقط.
9- كوني على حذر في التعامل مع المشكلة فهي متعددة الأطراف متداخلة قد تخسرين أكثر مما تصلحين؛ لكن لا تيأسي وابذلي وسعك في حلها.
10- أكثري من الدعاء والتضرع والالتجاء والتصدق وخاصة في الأوقات الفاضلة.
11- ليكن همك (كيف تحل القضية بأقل خسائر ممكنة).
12- وفي النهاية وبعد فعل كل الأسباب والوسائل : تذكري "ليس عليك هداهم ولكن الله يهدي من يشاء".
يسر الله أمرك وأعانك على حلها
فإليه الأمر من قبل ومن بعد.
اللهم يسر أمرها، ووفقها وأعنها وأصلح لها ذريتها واجعلهم قرة أعين لها، وللمتقين إماماً.(115/2168)
ـــــــــــــــــــ
كلمة نصح عن المراقبة
أجاب عليه ... اللجنة التربوية
التاريخ ... 25/5/1426هـ
السؤال
فضيلة الشيخ، هل من كلمة نصح وإرشاد لنا عن المراقبة وأهميتها؟
الاجابة
المراقبة كلمة تبعث في النفس معان جليلة وتحقق غايات سامية ومقاصد نبيلة .....
بالمراقبة يذكر الله في الخلوات والفلوات...بالمراقبة يحب الله ...بالمراقبة يناجي المرء ربه ومولاه في ثلث الليل الآخر أواه أواه ..
بالمراقبة يعبد الرحمن ويبنى الإيمان ويطرد الشيطان ..
بالمراقبة يكون جمال الحياة وصلاح الدنيا وسعادة الناس ..
بالمراقبة تصلح حياة الخلق مع الله وفيما بينهم وتصلح ذواتهم .
بالمراقبة تمنع النفس هواه ...بالمراقبة تؤدى الواجبات والحقوق والأمانات ..
بالمراقبة تذرف الدموع وتخشع القلوب وتسكب العبرات ...بالمراقبة يقام العدل والوئام .
أرأيت كيف تكون مراقبة وأثرها في النفس ومع الله ومع الناس وفي الحياة ..
وبدونها تعال وشاهد كيف يعصى الله ويطاع الشيطان ويضعف الإيمان ...؟
كيف تنتهك الحرمات وتضيع الأمانات ...؟
كيف يحصل الفساد والضياع والظلم والاعتداء ..؟
بدونها يضعف الأمن في الأوطان وفي النفوس والقيم والأخلاق فيحصل الإرهاب بجميع صوره وأشكاله وينتشر القتل وتعم الرذيلة ..
بدونها يسفك الحياء وينتحر العفاف وينزع الحجاب ويحدث الغش والخداع والرشوة والخيانة والضياع ..بدونها يدعى على رؤوس الأشهاد لحرب الفضيلة وحراسة الرذيلة .
إذا غرست مراقبة الله في القلوب فإننا لانحتاج للعدة والعتاد وأجهزة المراقبة والتصنت والتفتيش وأنظمة البشر..
لو غرست الرقابة في النفوس لما احتجنا للمراقبين على الطلاب أيام الامتحانات ولما احتجنا لهيئات الرقابة على الموظفين ولما احتجنا لنقاط التفتيش على المداخل والمخارج ؟!
إنها لا يمكن أن تقضي على جميع الشرور وتكشف كل جريمة لضعفها وعدم سيطرتها مهما كانت قوتها ؟ أما مراقبة الله فهي أقوى مراقبة في كل زمان ومكان وفي كل وقت وآن، ولو بذلت الأموال التي تبذل في مراقبة البشر في غرس مراقبة الله في قلوب الأمة لكان خيرا كبيرا فهل أدركنا ذلك جيداً، وأضرب مثلاً لتوضيح تلك الحقيقة على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يسرق السارق ويزني الزاني ويشرب الخمر فيأتي مباشرة ويعترف ويعلن التوبة، ويطلب إقامة الحد على(115/2169)
نفسه، وأما في عصرنا فانظر حال الجريمة والمجرمين في العالم كله مع قوة أجهزة الرقابة .
أرأيت كيف يكون الصفاء حين رقابة الله ورقابة الذات ؟
المراقبة : علم القلب بقرب الرب .
المراقبة : أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك .
المراقبة : أن تعلم أن نظر الله إليك أسبق من نظرك لما تنظر إليه .
إلى كل من ضيع الصلوات وارتكب المحرمات .
إلى كل من ابتلي بقنوات الفساد والرذيلة ..
إلى كل من خان الأمانة وضيع الرسالة .
إلى كل من تعلق قلبه بالمواقع الإباحية والصور المحرمة والمعاكسات الهاتفية والدوران في الأسواق والجلوس في الاستراحات على المحرمات .
اسمع وعِ :
إذا ما خلوت الدهر يوماً فلا تقل ... ...
خلوت ولكن قل علي رقيب
ولا تحسبن الله يغفل ساعة ... ...
ولا أن ما يخفى عليه يغيب
واسمع أخرى لتلك المرأة التي ضربت أروع الأمثلة في مراقبة الله في ظلمة الليل، وقد غارت النجوم ونامت العيون ولم يبق إلا الحي القيوم فأنشدت قائلة :
قد طال هذا الليل وازور جانبه ... ...
وأرقني ألا خليل ألاعبه
فوالله وتالله لولا الله ... ...
لحرك من هذا السرير جوانبه
إنه مهما خوف الناس وبعث في قلوبهم الرعب برقابة البشر فهي تسقط أمام رقابة الذات ورقابة الله وما تغيرت الحياة وحدث البلاء ووجدت الخيانة وانتشر الظلم إلا يوم ضعفت رقابة الله في قلوب البشر.
اللهم ارزقنا خشيتك في السر والعلن.
-ـــــــــــــــــــ
ساعدوني... وقتي ضائع
أجاب عليه ... اللجنة التربوية
التاريخ ... 14/ 5/1426هـ
السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أفيدكم أنني متزوج ولي ثلاثة من الأبناء، وعملي على فترتين وأنني أجد صعوبة في حفظ القران وطلب العلم، فماذا تنصحوني؟
وفقكم الله
الاجابة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:(115/2170)
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
أيها الأخ الكريم: بدءاً مما يحمد في سؤالك هو استشعار المشكلة، فكثير من الناس يغرق في دوامة الحياة العملية أو الاجتماعية وينسى نصيبه من الأخرى!
ولا شك أن الإحساس بالمشكلة خطوة مهمة في الطريق إلى علاجها خاصة إذا كان العلاج بيدك أنت أولاً وآخراً.
وهنا أنبه إلى أن كثيراً من القضايا التربوية والاجتماعية العملية لا يملك حلها إلا من يعايشها، فليست القضية فيها فتوى شرعية تبين للإنسان ما كان يجهله من حكم في مسألة فيلتزم به، ولكنها قضايا واقعية عملية مرتبطة بظروف الشخص وملابسات حاله وإمكانياته، وهذه كل إنسان أعلم بنفسه فيها.
بيد أن هناك موجهات عامة وإرشادات مجملة قد تساعد من توفرت عنده الهمة على الخروج مما ألَمَّ به، ولعل من جملة هذه المقترحات، والتي أسأل الله أن ينفعكم بها ما يلي:
1- حاول أن تضع لك جدولاً أسبوعياً مكوناً من 112 خانة هي عدد ساعات الأسبوع مطروحاً منها عدد ساعات النوم اللازمة (8 يومياً) فمجموعها 122 هي ساعات النشاط، فإذا كان العمل يستغرق 8 ساعات يومياً عدا الجمعة تبقت لك 64 ساعة أسبوعية، وهذه تزيد عن نصف ساعات النشاط الأسبوعية (112) بمعنى أن عندك نصف الأسبوع فراغ لا عمل فيه، أفلا يتسع نصف الأسبوع إن أحسنا استثماره لطلب العلم؟!
2- من المهم استثمار الأوقات – ودعني أسميها – المهمشة أعني بها تلك الأوقات التي لا نلتفت إليها كثيراً ومنها ربع الساعة المستغرق في الطريق إلى العمل، والخمس دقائق المستغرقة في الطريق إلى المسجد، والعشر دقائق قبل إقامة الصلاة ونحوها، وإذا أخذت تُجمِّع الأمثلة الماضية ومعها بعض ما قد يحضر في ذهنك سوف تجد أنها تمثل قرابة الثلاث ساعات يومياً أي أكثر من 18% من ساعات النشاط في اليوم، ولعل 50 دقيقة قبل الصلوات وقد ترتفع إلى (75) كافية ليحفظ الفرد 10 آيات من القرآن، كما أن في طريق الذهاب أو الإياب من وإلى المسجد فرصة للمراجعة، فقد ذكر عن بعض أهل العلم أنهم كانوا يستثمرون هذه الدقائق في مراجعة المحفوظ، وأعرف أحد الأئمة المتقنين والمشايخ المشغولين يقول: لا أجد وقتاً للمراجعة إلا وقت الذهاب والإياب من العمل مع أنه في قراءته لا يكاد يخطئ أبداً.
3- من المهم كذلك استثمار أوقات الفراغ داخل العمل وربما اختلف هذا من نوع عمل إلى آخر، ولكن كثيراً من الأعمال لا تخلو من أوقات فراغ، فبدلاً من استثمارها في مشاهدة قناة فضائية أو لعبة حاسوبية أو دردشة تشغل الزميل فلتستثمر في شيء نافع يطور من إمكاناتك في مجال عملك أو يعود عليك بالنفع في آخرتك.
وختاماً أنبه إلى أن الـ64 فراغ (50%) من الأسبوع ليس من المفترض أن تملأها بالجد والطلب، ولكن ليكن للجد والطلب منها حظ وافر، ولا تنس نصيبك من الدنيا، وأحسن بوصلك جيرانك وأرحامك، فإن صلة الرحم تفسح في المدة وتنسأ في الأجل، واغتنم أوقات الزيارة فاجعلها أوقات صلة ودعوة وأمر بمعروف ونهي عن المنكر(115/2171)
بالأسلوب اللبق الحصيف، واستعن في ذلك بالإعداد الجيد والتخطيط للزيارة قبل الشروع فيها مصطحباً معك ما يمكن أن يفيد.
وفقنا الله وإياكم لما يحب ويرضى؛ ورزقنا جميعاً إصلاح الساعات والحذر من الشبهات.
ـــــــــــــــــــ
طموحي الدعوة.. ولكني لا أملك الجرأة!
أجاب عليه ... جمّاز الجمّاز
التاريخ ... 30/ 4 /1426هـ
السؤال
أنا طالبة في قسم دعوي، طموحي أن أكون داعية إلى الله، ولكني لا أملك الجرأة لتصدر المجالس في الكلام والإلقاء، أحس بحسرة عندما أرى عاصياً لا أستطيع توجيهه - حتى لو كنت أنا واقعة في نفس معصيته - لدي قلم متحمس في الدعوة، ولكني لا أعلم كيف أستخدمه مع الأفراد.
لا أجد أمامي إلا توزيع المطويات والأشرطة، ولكني لا أحس أن هذا كافٍ لتخصصي في مجال الدعوة والاحتساب.. وجهوني وجهكم الله إلى طريق الجنة.
الاجابة
الحمد لله رب العالمين، وبعد:
كونك داعية إلى الله _جل وعلا_، هذه نعمة من الله _تبارك وتعالى_ عليك، أن وفقك لهذا الأمر، ويسَّر لك سلوكه، فاحرصي كل الحرص على الثبات على هذا المبدأ، وعدم التنازل عنه، مهما كلف الأمر.
ويجب أن تعلمي أن قلمك المتحمّس، أو كتابتك المتميزة، لمّا جعل الله _جل وعلا_ فيها بركة، وانتفع بها خلق كثير من قرأ لك، هو مما فتح الله به عليك، فافهمي ذلك جيداً، واحذري أن تستخدميها في معصية الله _جل وعلا_، وكونك لا تحسنين الإلقاء ولا التأثير في الناس، ومع هذا فأنت متخصّصة في الدعوة، ينبغي ألا يؤثر هذا على عطائك، واعلمي أنّ هذا لا يُنقص من قدر شخصيتك الدعوية، بل ليس عيباً في شخصية الداعية، وأظنك سوف تعجبين إذا علمت أن هذا حال كثير من العلماء فضلاً عن الدعاة، فالأمر طبيعي لا غُبار عليه، ومثل هذا لو أن الله _جل وعلا_ فتح عليك في باب نفع الناس وقضاء حوائجهم، ومساعدة محتاجهم، مما يكون من ممارسة الأعمال الخيرية الإغاثية، لم يُيسِّر الله _جل وعلا_ لكِ تعلم العلم، وتعليمه للناس، أو يسّر لكِ ولوج باب الاحتساب والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ولم يُيسِّر لكِ باب الدعوة وتوجيه الناس، فكله أمر طبعي، فلا تحزني ولا تتضايقي.
وقد قال _صلى الله عليه وسلم_: "كلٌّ ميسَّر لما خُلِق له" خرّجه مسلم وغيره(1).
وقال _صلى الله عليه وسلم_: "كلُّ عاملٍ ميسَّر لعمله" خرّجه مسلم وغيره(2).
وقال _صلى الله عليه وسلم_: "اعملوا فكلٌّ ميسَّر" خرّجه مسلم وغيره(3).
وأود تنبيهك إلى شيء مهم، وهو:
أن ما يأتيك من حزن أو ضيق أو خواطر غير مؤهّلة، لا تستطيعي التصدر لإلقاء المحاضرات، شخصيتك ناقصة، كل هذا وأمثاله، من وساوس الشيطان وتزيينه(115/2172)
الباطل لك، فاحذري أن تكوني ضحية لمكره وكيده، وتعوذي بالله منه ثلاثاً، ولا تشتغلي بالتفكير في هذا الأمر.
وأشير عليك بأمر آخر، وهو:
أن تستشيري من يكبرك سناً وفضلاً وعلماً، ولها معرفة بحالك، أيُّ الأبواب في الدعوة إلى الله _تبارك وتعالى_ هو مناسب لكِ، وملائم لقدراتك، وعليه، إذا أشارتْ عليكِ بعملٍ ما، ورأيتِ نفسكِ راغبة فيه، ومبدعة فيه، ولديك الاستعداد التام نحوه، لتقبل كل ما من شأنه الرفع في مستوى أدائك فيه، واكتساب كل ما هو نافع ومفيد وجديد فيه، فاقبلي بمشورتها، ولو كان الأمر على غير ما تريدين، فإنّ هذا هو اللائق بك، والمناسب لك.
ثم عليك بالاهتمام بتنمية المهارات والقدرات، لتتلاءم مع العمل الدعوي، فاحرصي مثلاً على قراءة وتبيّن الكتب التي تهتم ببيان صفات وأخلاق العمل الذي اخترتيه، ولا تنسي الالتحاق بالدورات المتخصصة في صميم العمل، وحاولي دائماً اكتساب الصفات المطلوب توافرها فيمن يقوم بهذا العمل، كالتي لا يمكن اكتسابها إلا بالتعلم أو التحلّم أو التصبّر أو الممارسة، وتعاهدي نفسك بين الحين والآخر بإقناعها بضرورة ما تعملين فيه، ورغِّبيها بفضائل هذا العمل الجليل، مما ورد في الكتاب وصحيح السنة، واجتهدي في تنمية العلاقات مع ذوي الاختصاص ممن يشاركنك هذا العمل من جنسك، واطلبي منهن تقويمك وتوجيهك.
واسألي الله الثبات في الأمر والعزيمة على الرشد.
واللهَ أسأل أن يكلل الأقوال والأعمال بالنجاح، إنه جواد كريم، ويرزقنا وإياك التوفيق والسداد، والله يتولانا وإياكم، والسلام.
والله ولي التوفيق، وصلى الله وسلم على نبينا محمد بن عبد الله وعلى آله وصحبه أجمعين.
______________
(1) صحيح مسلم (2649) القدر.
(2) صحيح مسلم (2648) القدر.
(3) صحيح مسلم (2648) القدر.
ـــــــــــــــــــ
أنا متناقض.. كيف ألتزم؟
أجاب عليه ... جمّاز الجمّاز
التاريخ ... 27/ 4/1426هـ
السؤال
أنا أعيش تناقضات كثيرة في حياتي أريد أن التزم التزاماً كاملاً، ولكنني لم أستطع ذلك لظروف كثيرة، منها العادات، الوضع الاجتماعي وغيرها حتى إنني أتهم نفسي بالنفاق - والعياذ بالله - أفيدوني أفادكم الله.
الاجابة
الحمد لله رب العالمين، وبعد:(115/2173)
فلا يُتصوّر أن ينجح طالب في دراسته، أو موظف في مهنته، بدون جد واجتهاد، فكذلك، لا يمكن لفرد أن يربي نفسه، أو يسلك بها طريق الهداية، دون عزيمة جادّة، ودون تحقيق لأساليبها وأسبابها، واعلم أن سُنّة الله _جل وعلا_ في الكون بذل الأسباب لتحقيق المسبِّبات، فافهم ذلك جيداً.
ومن أعظم أسباب الهداية:
1 – سؤال الله _تبارك وتعالى_ الهداية:
وأعتقد أنه لا غِنى لك عن ذلك، وتركك له يُباعدك من الله، وقد يُؤدي بك إلى الزيغ والضلال، فالإيمان يَخْلق في القلوب، فيحتاج إلى تجديد النية والتوبة، ومن كانت حياته مليئة بالذنوب والمعاصي، فحاجته إلى الهداية شديدة ومُلحّة، والمصطفى _صلى الله عليه وسلم_ كان يسأل ربه الهداية ويقول فيما صحّ عنه: "اللهم إني أسألك الهدى والتقى والعفاف والغِنى"(1).
وكان _صلى الله عليه وسلم_ يستعيذ بالله من الضلالة بعد الهدى، ويقول فيما صحّ عنه: "اللهم إني أعوذ بعزّتك أن تُضلّني لا إله إلا أنت"(2).
وكان _صلى الله عليه وسلم_ يقول في دعاء السفر فيما صحّ عنه: "اللهم إني أعوذ بك من ... والحور بعد الكور"(3) يعني الرجوع من الإيمان إلى الكفر، أو من الطاعة إلى المعصية.
وأوصى النبي _صلى الله عليه وسلم_ علياً أن يدعو فيما صحّ عنه "اللهم اهدني وسددني"(4).
وأرشد النبي _صلى الله عليه وسلم_ سبطه الحسن بن علي أن يدعوا فيما صح عنه "اللهم اهدني فيمن هديت"(5).
حريّ بمن هو على غير الجادّة المستقيمة، أن يبكي بين يدي مولاه، وأن يسأله التوفيق والهداية.
2 – أخلص في التزامك:
وليكن مقصدك وهدفك من الاستقامة أن تفوز بالجنة، وتنجو من النار، وعندما تهمّ بالالتزام، سَلْ نفسك هل تستقيم طاعة لله _جل وعلا_، واستجابة لرسول الله _صلى الله عليه وسلم_، أم سبب ذلك تقليد لأخ أو قريب أو صديق، أو رغبة في الحصول على منفعة دنيوية، ثم تعود لما كنتَ عليه، أم سبب ذلك هروب من المشاكل والأمراض، أم سبب ذلك خوف من فضيحة أو عار، أم رغبة في المؤانسة مع أشخاص بأعيانهم، إما لجمالهم، أو لغناهم، تدبّر ذلك، فالواجب الصدق مع الله في استقامتك، وأنك تستجيب لله ولرسوله _صلى الله عليه وسلم_ وطمعاً في جنته عز وجلن وقد قال _صلى الله عليه وسلم_ فيما صحّ عنه للأعرابي الشهيد الذي قُتل في غزوة خيبر، لما أعطاه النبي _صلى الله عليه وسلم_ قسماً، فأنكره، وقال: ما على هذا ابتعتك، ولكن على أن أُرقى هاهنا، وأشار إلى حلقه، فأموت فأدخل الجنة، فقال _صلى الله عليه وسلم_: "إن تَصدُق الله يصدُقْك"(6). فاصدق الله _جل وعلا_ في التزامك واستقامتك.
وصَدَق ابن الجوزي إذ قال: "اصدق في باطنك، ترى ما تحب في ظاهرك".
فالصدق مع الله _تبارك وتعالى_ جمال في الباطن والظاهر.(115/2174)
3 – ابذل جهدك في التوبة:
كيف تريد الالتزام، وأنت مقيم على السيئات، بل لم تبادر بالإقلاع عنها، وكأني بك إذا نُصِحت، قلت: ادعُ لي، بالله عليك، ماذا فعلتَ، ماذا خطوتَ، حتى تصح توبتك، إني أظنها حتى يسكت عنك الناصحون، وقد فعلوا.
إن التوبة ليست مجرد أمنية، بل هي قول وعمل، تظهر آثارها على أقوالك وأعمالك، فأين التوبة، وإياك أن تكون ممن وسوس لهم الشيطان، فصار يردّد: إني محسن الظن بالله _تعالى_، ومتفائل أن الله _تعالى_ لن يميتني إلا وقد هداني.
وأقول أيها المحب: لا أظن أحداً أرضى الشيطان كما أرضيته، وقل لي بربك، كيف يجتمع اقتراف الذنوب والمعاصي مع إحسان الظن بالله _تبارك وتعالى_؟!
واحذر أن تُمهل لنفسك وتستدرجها، حينما يقول لك الناصح: تب إلى الله، فتردّ عليه "أنا أحسن من غيري"، "وضعي أحسن".
إنك بذلك كله، لا تبحث عن التوبة ولا الهداية، فابحث عنها بجدّية.
4 – قَوِّ معرفتك بالله _جل وعلا_:
تعرّف على خالقك، اعرف أسماءه وصفاته، تفكّر فيها، هل قرأتَ عن دين الإسلام وعظمته، هل سمعت عن أحكامه وشرائعه، لا يمكن أن تعبد الله حق عبادته، وأنت لا تعرف عنه ولا عن دينه شيئاً، وهذا جهل بالله وبدينه، ولهذا قد تعبد الله على حرف، يعني لهوى ومراد دنيوي، وهكذا سلوك طريق الهداية والتوبة، قد يكون ضعيفاً، فاجعله قوياً.
5 – اقرأ سِيَر أهل الاستقامة:
وخِيرتُهم أنبياء الله _عليهم صلاة الله وسلامه_، وفي معرفة سيرهم شحذ للهمم ونشاط للنفس، وفيها برهان على أن الاستقامة ليست مستحيلة المنال، بل يمكن بلوغها لمن أعانه الله _جل وعلا_، كما أنّ فيها أُنْساً للمرء، وطرداً للوحشة عنه، حين يعلم أنه مضى على هذا الطريق كثير من الخلق، من أنبياء الله ورسله _عليهم السلام_، والصحابة والتابعين وتابعيهم إلى يومنا هذا.
6 – اقبِلْ على طاعة الله _تعالى_:
فهي المخرج الوحيد من طاعة الشيطان، قال _تعالى_: "أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَا بَنِي آدَمَ أَنْ لا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ وَأَنِ اعْبُدُونِي هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ" (يّس:60، 61)، بل هي خير معين على الثبات والاستقامة، قال _تعالى_: "وَلَوْ أَنَّا كَتَبْنَا عَلَيْهِمْ أَنِ اقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ أَوِ اخْرُجُوا مِنْ دِيَارِكُمْ مَا فَعَلُوهُ إِلَّا قَلِيلٌ مِنْهُمْ وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُوا مَا يُوعَظُونَ بِهِ لَكَانَ خَيْراً لَهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتاً وَإِذاً لَآتَيْنَاهُمْ مِنْ لَدُنَّا أَجْراً عَظِيماً وَلَهَدَيْنَاهُمْ صِرَاطاً مُسْتَقِيماً" (النساء:66-68)، وعمل الطاعات والإكثار منها له أثر كبير في تقوية الإيمان، ولا أحسن من تجلية القلب من صدأ المعاصي إلا بالإكثار من الصالحات، أقوالاً وأفعالاً.
7 – اقتدِ برسول الله _صلى الله عليه وسلم_:
واحرص على ذلك، فإنه أعظم الخلق استقامة على الصراط المستقيم، قال الله _تعالى_ له: "إِنَّكَ لَعَلَى هُدىً مُسْتَقِيمٍ" (الحج: من الآية67)، وهو الداعي إليه، قال الله _جل وعلا_: "وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ" (الشورى: من الآية52)، ومن(115/2175)
ذلك اتباع سنته، وفعل أوامره، واجتناب نواهيه _صلى الله عليه وسلم_، فهي طريقك إلى الاستقامة.
8 – لا تستسلم لنزغات الشيطان:
فإنك إذا صحّحت العزم على سلوك الجادة الصحيحة، لا تلتفت لوساوس الشيطان، كلما عملتَ عملاً صالحاً، أتْبِعه بعمل آخر، كلما وقعت منك هفوة أو زلّة، استغفر واندم، كلما أراد الشيطان منك معصية، تعوّذ بالله منه، "وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ" (لأعراف:200)، واعلم أنك متى استسلمت لكيد الشيطان، فإن الله _تعالى_ سوف يصرفك عما هو خير لك، قال _تعالى_: "ثُمَّ انْصَرَفُوا صَرَفَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ" (التوبة: من الآية127)، وقال _تعالى_: "فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ" (الصف: من الآية5).
9 – اترك المعاصي والمحرمات:
وبعدها يستريح قلبك من أخلاط فاسدة، وأخلاق سيئة، فاجتناب الفواحش ما ظهر منها وما بطن، طهر ونقاء، وعفاف وزكاء.
ابتعد عن المعاصي كلها، صغيرها وكبيرها، لا تقرب مجالسها، لا تصحب أهل المعاصي ولا تجالسهم في مجالسهم الخاصة، لا تحتفظ في منزلك أو مكتبك أو سيارتك بشيء ثبت منه، لا تقرأ، لا تسمع، لا تشاهد، ما هو حرام، أعلنها صريحة، أنك تائب.
10 – داومْ على الاستغفار:
قال _تعالى_: "فَاسْتَقِيمُوا إِلَيْهِ وَاسْتَغْفِرُوهُ" (فصلت: من الآية6)، فَقَرَن الاستغفار بالاستقامة، وأنه لا بد من التقصير في الاستقامة، ويُجبَر ذلك النقص بالاستغفار، والاستغفار يقتضي التوبة، والتوبة تقتضي الاستقامة والهداية، فالاستغفار بابٌ عظيم، لا تُهمله، ولا تغفل عنه.
11 – اذكر الله _تعالى_ كثيراً:
فهو جلاء القلوب وشفاؤها، ودواؤها عند اعتلالها، بل هو من أحسن ما تُربِّي به نفسك على مراقبة الله _تعالى_، فتُقلع عن السيئات، قال _تعالى_: "إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ" (الأنفال: من الآية2)، وعلم أنك متى حافظتَ على الأذكار، سوف تصرع الشيطان، كما يصرع الشيطانُ أهلَ الغفلة والنسيان، وحينها يطمئن قلبك، قال _تعالى_: "أَلا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ" (الرعد: من الآية28).
12 – صبِّر نفسك:
فلا تملّ ولا تضجر، متى حبستَ نفسك عما أرادته، اصبرْ على رغبات نفسك الآثمة، اصبر على متاعب الحياة التربوية، اصبر على الجفاء والغلظة الصادرة من مربِّيك، اصبر على صعوبة المادة العلمية التي تقرأها، أو تسمعها، اضمنْ لي الصبر على هذا، أضمن لك زكاء نفسك واستقامتها.
13 – جاهد نفسك:
فانهها عن هواها، وامنعها من المعاصي والمحارم، فالنفس أمّارة بالسوء، ومن طبعها تأبى الالتزام، بل تحب التفلت والانطلاق، فكونك تجاهدها حتى تعتاد الطاعة وتحبها، هو أحسن دواء للرقي بنفسك، حتى تكون نفساً لوامة، ثم نفساً مطمئنة، كابدْ(115/2176)
نفسك، وأكْرِهّا على سلوك طريق الخير، اجهد في تنقيتها مما شابها من الشر، أعلِمها أن الجنة مُغطّاة بحُجُب، كلها بلاء ومكاره، والوصول إلى الجنة مرهون باختراق كل الحُجُب ثم بشِّرها بأن الله _تعالى_ وعَدَها بأن تُوفَّق للثبات على الإيمان، قال _تعالى_: "وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ" (العنكبوت:69).
14 – اترك الفضول:
وهو ما لا يعنيك، سواء كان مكروهاً أو محرماً، فاترك الكلام الحرام؛ لأنه يُفسد عليك قلبك، وتفقد بسببه النعيم، ويضيع عليك السرور، واعلم أن راحة اللسان في قلة الكلام، وكلما قل الكلام، قلّ الضحك، وإذا قلّ الضحك، حيا قلبك، والعكس، فكلما كثر ضحكك، ذَبُل عندك الإيمان، وكثر هَزلُك، وأصبحتَ مُهدّداً بأن يموت قلبك، وهكذا غضّ البصر عما حرّم الله _عز وجل_، فإنه أطهر لقلبك، وأنقى لدينك، قال _تعالى_: "قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ" (النور: من الآية30)، وأنت إذا غضضت بصرك لله، ألبسك الله _جل وعلا_ نوراً في قلبك، وأورثك فراسة صادقة تميّز بها بين الحق والباطل، وتسلك بها طريق الهداية والاستقامة.
وهكذا الطعام، احرص على قلته، فراحة البطن في قلة الطعام، وقلة الطعام تُوجب رقة القلب، وقوة الفهم، وانكسار النفس، وضعف الهوى والغضب، وكثرة الطعام جالبة لأنواع كثيرة من الشر، فهي تحرّك جوارحك إلى المعاصي وتُثقلها عن الطاعات، فاضبط بطنك، حتى تملك الأخلاق الصالحة.
ومتى ملكت الأعمال والأخلاق الصالحة، كنتَ قريباً من الطاعة، بعيداً عن المعصية.
15 – اصحب الأخيار:
إنك إذا صحبتهم كانوا خير جليس ورفيق، يبصرونك بعيوبك، ويقضون حوائجك، وأنت ضعيف بنفسك، قوي بإخوانك، وإياك أن تستوحش منهم، فتتركهم؛ لأن كدر الجماعة خير من صفو الفرد، والجماعة رحمة، قال الحسن البصري: "إخواننا أحب إلينا من أهلنا وأولادنا؛ لأن أهلنا يذكروننا بالدنيا، وإخواننا يذكروننا بالآخرة".
16 – احرص على كتاب الله:
تلاوة وحفظاً وتدبراً وفهماً، فبه ينشرح صدرك، ويستنير قلبك، وتسمو روحك، وبقدر اهتمامك بالقرآن العظيم، تكون استقامتك بقدر ذلك، ومتى أقبلتَ على القرآن العظيم كلية، استطعت أن تُذيب قساوة قلبك، قال _تعالى_ لنبيه _صلى الله عليه وسلم_: "فَاسْتَمْسِكْ بِالَّذِي أُوحِيَ إِلَيْكَ إِنَّكَ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ" (الزخرف:43).
وقد فهم هذا الأمر الجن بعد استماعهم القرآن، قال _تعالى_: "قَالُوا يَا قَوْمَنَا إِنَّا سَمِعْنَا كِتَاباً أُنْزِلَ مِنْ بَعْدِ مُوسَى مُصَدِّقاً لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ وَإِلَى طَرِيقٍ مُسْتَقِيمٍ" (الأحقاف:30).
17 – احرص على طلب العلم:
وليس كل علم، بل العلم الذي يؤدي تحصيله إلى خشية الله _جل وعلا_، وزيادة الإيمان به _تبارك وتعالى_، والعلم الشرعي، علم الكتاب والسنة، هو نور الطريق إلى الهداية، قال _تعالى_: "وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَيُؤْمِنُوا بِهِ(115/2177)
فَتُخْبِتَ لَهُ قُلُوبُهُمْ وَإِنَّ اللَّهَ لَهَادِ الَّذِينَ آمَنُوا إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ" (الحج:54)، بل هو زادك، وهاديك إلى الله _جل وعلا_.
18 – تذكّر الموت:
فتذكّره يردعك عن المعاصي، ويُليِّن قلبك القاسي، ويقنع بالحلال وتنشط في العبادة، وحتى تتذكّر الموت، عليك بزيارة القبور، فإنها تُرقّق قلبك، وتُدمع عينك، ولا تنسَ الصلاة على الجنازة، وحملها على الأعناق، ودفنها، ومواراة التراب عليها، فإن ذلك من تمام الشعور بالموت.
19 – خَفْ من سوء العاقبة:
إن كنت جادّاً في البحث عن الاستقامة، فخوّف نفسك من عاقبة الذنوب والمعاصي، وأن ارتكاب المعصية تُوجِد وحشة بينك وبين الله _تعالى_، وبينك وبين الناس، تذكّر أن المعصية تقوي المعصية، وتُضعف التوبة، وتُطفئ نار الغيرة، وتُذهِب الحياء وعاقبتها وخيمة، إذ هي تُقصّر العمر وتمحق بركته، وليت الأمر يقف عند هذا، بل تجعل صاحبها خائفاً مرعوباً، وأموره متعسّرة عليه، بل تُدخِل صاحبها تحت لعنة الله _تعالى_ ولعنة رسوله _صلى الله عليه وسلم_، وأعظم ذلك، أن المعصية تخون العبد حالة الاحتضار فتسوء خاتمته، إنك إذا أمعنت النظر في ذلك، تَجَدَّد الإيمان في قلبك، ودَفَعك دفعاً حثيثاً إلى الطاعة، وهذا هو طريق الاستقامة، فتمسّك به.
هذه بعض طرق الهداية والاستقامة، فعضّ عليها بالنواجذ، واهتمّ بقراءتها ومناقشتها مع إخوانك، واحرص على تطبيقها وسلوكها، فهي ميسّرة لكل إنسان.
أسأل الله _جل وعلا_ أن يحفظ عليك دينك، ويوفقك للفقه فيه، والثبات عليه، والله يتولاني وإياك.
وبالله التوفيق، وصلى الله وسلم على نبينا محمد بن عبد الله وعلى آله وصحبه أجمعين.
______________
(1) صحيح مسلم (2721) الذكر والدعاء.
(2) صحيح مسلم (2717) الذكر والدعاء.
(3) النسائي (5500) الاستعاذة، صحيح النسائي للألباني ج3 ص 117 رقم (5072).
(4) صحيح مسلم (2725) الذكر والدعاء.
(5) مسند أحمد ج1 ص 200، ط الرسالة ج3 ص248 رقم (1723).
(6) النسائي (1955) الجنائز، صحيح النسائي للألباني ج2 ص420 رقم (1845).
ـــــــــــــــــــ
الدعوة الفردية ..متى تكون ؟ وما أفضل طرقها ؟
أجاب عليه ... عبدالعزيز الجليّل
التاريخ ... 23/ 4/1426هـ
السؤال
بسم الله الرحمن الرحيم
ما أفضل طريقة للدعوة الفردية؟ وفي أي الحالات تكون فردية؟(115/2178)
وهل من توصيات للداعية الجديد في حقل الدعوة؟
الاجابة
الحمد لله رب العالمين، وبعد:
الدعوة الفردية تعني العناية بأفراد معينين ودعوتهم إلى الله _عز وجل_ بشكل فردي، كل بحسبه، فإن كان فاسقاً دعي إلى التوبة والاستقامة، وإن كان مستقيماً لكن عليه بعض الملاحظات إما في سلوكه أو في فكرهن بُيِّن له الحق وحُذِّر من الخطأ والضلال، وهكذا.
والدعوة الفردية من أفضل الوسائل في تغيير الأفكار والسلوكيات، ولكنها تحتاج إلى صبر ومجاهدة، وهي تتم بالحوار الهادئ مع المدعو وبالقدوة الحسنة في الداعي، وذلك في سمته وسلوكه وعبادته وتكون بالإحسان إلى المدعو بخدمته وقضاء حاجته، وتكون بإهداء الكتيبات والأشرطة المسموعة، وتكون بإشراك المدعو في أنشطة جماعية كحلقات تحفيظ القرآن أو مراكز دعوية ذات منهج صحيح أو رحلات قصيرة وطويلة وغير ذلك من الوسائل المفيدة.
والدعوة الفردية تكون ذات شأن وأهمية عندما يُضيَّق على الدعوة العامة ومجالاتها، وأهم الوصايا للداعية الجديد أن يخلص في دعوته لله _تعالى_ وأن يدعو الناس لله _عز وجل_ لا لنفسه، وأن يلتزم بما كان عليه الرسول _صلى الله عليه وسلم_ وأصحابه وأن يحرص على الرفق في دعوته وعلى الشورى والاستفادة ممن يكبره علماً وتجربة وسناً، والحمد لله رب العالمين.
ـــــــــــــــــــ
كيف أربي ابني في هذا الزمن؟
أجاب عليه ... فهد السيف
التاريخ ... 20/4/1426هـ
السؤال
سوف يأتيني _بإذن الله_ مولود، وأريد أن أجعله من المتربين على دين الله وسنة محمد _صلى الله عليه وسلم_ ولكن لا أعرف كيف، خصوصاً أنني ساكن مع أهلي، ويوجد عند أهلي دش فلا أعرف كيف أتصرف بتربية المولود ؟ هل تتفضل وتزودني بمعلومات أتخذ منها سبيلاً لتربية ابني؟
الاجابة
في البداية أسأل الله _تعالى_ أن يصلح ذريتك ويجعلهم قرة عين لوالديهم وأمتهم.
أما سؤالك عن التربية فهو سؤال كبير لا تمكن الإجابة عليه بصورة مختزلة؛ لأن التربية أمر صعب، ولأنها عمر إنسان يبدأ قبل ولادته ولا تكاد تنتهي إلا مع نهايته، ولأنها أيضاً تختلف من فرد لآخر.
ثم إنها توفيق من الله _تعالى_ قبل وبعد كل شيء.
ولهذا فإني أنصحك بكثرة المطالعة والقراءة في كتب التربية القديمة والحديثة، وسماع الأشرطة والمحاضرات المعنية بذلك.
ويأتي في مقدمة هذه الكتب: (تحفة المودود بأحكام المولود) لابن القيم، ومن الكتب في العصر الحاضر كتاب (التربية النبوية) لمحمد نور سويد، وأيضاً كتاب (تربية(115/2179)
الأولاد في الإسلام) لعبد الله ناصح علوان، والمكتبة الإسلامية اليوم قد ازدحمت رفوفها بكتب التربية.
أما بخصوص حالتك ووضعك الشخصي فيمكنني أن أضع لك بعض النقاط المختصرة التي لا تفي عن الرجوع للكتب سالفة الذكر.
الخطوة الأولى: احرص على إخراج هذا الطبق الفضائي من منزل أهلك لتقي نفسك وأهلك وولدك شره، واتخذ في ذلك أكثر الأساليب حكمة ورفقاً؛ وكلما كنت متفقداً وخادماً لهم كنت أقرب لهم وأقدر على التأثير عليهم .
والخطوة الثانية: حاول بالبديل كقنوات المجد أو أشرطة الفيديو فإن لم تستطع ؛ فاحرص على ألا يكون مفتوحاً حال وجودك ووجود ذريتك على الأقل مراعاة واحتراماً لخصوصياتك، وبيّن لهم أن وجود الطبق يقلل من جلوسك معهم.
الخطوة الثالثة: حصن ذريتك من شرور هذا الطبق، واعلم أنه ليس هو المشكلة الوحيدة التي تعوق صلاح الذرية، لا سيما في هذا الزمن فهناك ما هو أخطر منه وأقوى مفعولاً، ويكون التحصين بطريقين:
أحدهما: أن يعرف ابنك الشر والخطر، ويكون لديه مراقبة ذاتية ودافع شخصي للنفور من كل الشرور، فلا يكفي أن أغلق عيني ولدي عن رؤية الحرام، بل يجب أن أعوّده مثلاً على غض البصر، وإنكار المنكر بالحسنى، وإغلاق أصوات المزامير وغيرها، فينشأ وفي ذاته بغض داخلي للمنكرات فلا تتشربها نفسه، بل حتى لو وقع في شيء منها أو زل فإنه يعرف أنه على خطأ، وأن وضعه غير صحي فسرعان ما يؤوب ويعود.
وثانيهما: (وهو الأهم) أن تستخدم أسلوب الهجوم، وخير وسيلة للدفاع هي الهجوم، حيث تقدم لأبنائك برامج تربوية نافعة وقوية، لا تهدمها رؤية راقصة في لحظة واحدة، ويمكنك الاستفادة من البرامج العامة في المجتمع كحلقات ومدارس تحفيظ القرآن، وتشركه برفقة صالحة، ولا تنس أن تعقد صداقة متينة مع أبنائك يبوحون لك من خلالها بهمومهم ومشاكلهم بدلاً من البوح للآخرين، واحرص أيضاً على الرقي بمستوى والدتهم تربوياً.
وفي النهاية عليك بالدعاء لذريتك بالصلاح والهداية، أكثر منه ولا تغفله فالدعاء سلاح المؤمن.
أصلح الله لك النية والذرية
وجعل أبناءك قرة عين لكما
ومباركين أينما كانوا
ـــــــــــــــــــ
طرق هداية المنتكس
أجاب عليه ... جمّاز الجمّاز
التاريخ ... 13/4/1426هـ
السؤال
هناك شاب مستقيم انحرف عن جادة الهداية، وسلك طريق الانحراف، وبعض من يحبه يرغب في طريقة جيدة لإرجاعه للحق؟(115/2180)
الاجابة
الحمد لله رب العالمين، وبعد:
فهذا أمر طيب، وشعور تُشكر عليه، واهتمام تُؤجر عليه، ونسأل الله _تبارك وتعالى_ لك التوفيق والسداد، وعليك بالآتي:
1 – الإخلاص وصحة المقصد:
وذلك بأن يكون الباعث على الاهتمام بأمره، هو الرغبة في ردَّه إلى الطريق الحق، واحتساب الأجر في ذلك، لا أن يكون الدافع حب التميّز والظهور.
2 – الدعاء:
فاجتهد أن تدعوا له بالهداية لسلوك الطريق المستقيم، والاستقامة على هذا الدين، والثبات عليه.
3 – الاتصال به:
وذلك بتوسيع الدائرة، كزيارته، أو مهاتفته، أو تشجيع بعض محبيه ومَن يُكِنّ لهم كل تقدير واحترام، بأن يتواصلوا معه، ويزوروه، ويُشعروه بأهميته، وأنه لا زال معهم، وأن القضية لا تعدو إلا أن تكون مرحلة فتور وضعف، ينبغي تجاوزها.
4 – تعاهده بما يُستطاع:
فلا تَغفل عنه بالنصيحة، أو التذكير، أو مساعدته في حل مشكلة، أو إقراضه مالاً إن كنتَ قادراً، أو الشفاعة له عند أحد، لقضاء حاجته، أو دفع الصدقة له إن كان من أهلها، أو إهداؤه بعض الأشرطة أو الرسائل المفيدة.
5 – زيارته وعدم هجره:
كما لو تيسّر ذلك في أوقات الفراغ أثناء الدوام، أو في مكان مناسب خارج الدوام، أو دعوته لحضور وليمة أو مناسبة خيرية، فهي مما يعينه على عدم قطع صلته بإخوانه.
6 – ربطه بكتاب الله _عز وجل_:
وذلك بتوجيهه بأن يداوم مطالعة كتاب الله _عز وجل_، ويقرأ فيه، أو ينضم ضمن حلقة تحفيظ للقرآن، فيحفظ ما يستطيع، أو يُحسّن تلاوته لما يحفظ، والاستفادة مما يصاحب برامج حلقة التحفيظ.
7 – مناصحته:
فتحرص على اختيار وقت مناسب للجلوس معه، وتتجاذب معه أطراف الحديث، وتشعره بأنه لم يتحسّن، وأنه حادَ عن الجادّة بأسلوب لين لطيف، لا يُحرجه، وأخبره أنك حريص على ثباته ورجوعه للحق، وأنك بذلت معه جهداً – كما تقدّم – واحرص على:
• تذكيره بالله _تعالى_، وما أعدّه الله للمؤمنين من النعيم والجنات، وما أعده الله للكافرين من العذاب والنيران.
• تخويفه من سوء الخاتمة.
• تذكيره بنعمة الله _جل وعلا_ عليه، وأنه يرفل في صحة وعافية.
• وضِّح له سعة رحمة الله _تبارك وتعالى_، وأنه أمهله، ولم يأخذه على حاله التي هو فيها، من الولوغ في المعصية، والإقامة عليها.(115/2181)
• شجّعه على المبادرة بالتوبة، قولاً وعملاً، واذكر له بعض النصوص الواردة في ذلك، واصطحب معك شريطاً مؤثراً، لتسمعه أنت وإياه، أو ليسمعه هو في وقت آخر.
8 – مراسلته:
فإن لم تستطع ذلك، فاجعل ذلك عبر رسالة خطية، أو الجوال وأشعره بالمحبة الصادقة بينك وبينه.
9 – امنعه من المعصية:
فاجتهد في تحذيره من النظر الحرام، وخاصة شاشات التلفاز، أو الأطباق الفضائية المحرّمة.
وهكذا، مطالعة الصحف الهابطة والمجلات الخالعة والدوريات الساقطة، حذِّره منها، وأرشده إلى استبدالها بما هو خير منها، والساحة مليئة بهذا، ولله الحمد، مثل:
مجلة البيان، أو المجتمع، أو الدعوة، أو الرابطة، أو مجلة الأسرة، أو مجلة الشقائق، أو مجلة حياة، أو مجلة سنان، وغيرها كثير.
10 – الاستشارة:
فاستشر من يكبرك سناً وعلماً وفضلاً في خطوات أخرى أو طرق أفضل.
واللهَ أسأل لك ولصاحبك التوفيق والسداد،
وبالله التوفيق، وصلى الله وسلم على نبينا محمد بن عبد الله وعلى آله وصحبه أجمعين.
ـــــــــــــــــــ
أعجب بصديقي ومعلمي.. ليس كل إعجاب محمود
أجاب عليه ... همام عبدالمعبود
التاريخ ... 9/ 4 /1426هـ
السؤال
أنا أعجب بأشخاص أصدقاء أم معلمين لأسباب أعرفها أو لا، فما قولكم للمعجبين من أمثالي؟، وهل عملي خطأ؟، أرشدوني
الاجابة
يحسن بنا قبل الشروع في الإجابة على هذا السؤال، أن نستعين بالله ونوضح المقصود بمصطلح (الإعجاب)، ذلك أن ضبط المصطلح سيحدد لنا حجم المشكلة، فلابد أن يكون واضحا لدى السائل ماذا يعني بكلمة (إعجاب) التي أوردها في سؤاله؟، هل يقصد بها معنى (الانبهار)، انبهر بالشيء ينبهر انبهارا، ذلك أنه شيء مبهر تماما كالضوء المبهر، يأخذ اللب، أم أنه يقصد به ( الميل القلبي) و( الحب) الذي يحمل المرء على الارتباط العاطفي بالشخص المعجب به؟، أم أن المقصود به ( الإكبار) و(التقدير) الذي يبعث على الاحترام؟
هذه مقدمة أحسب أنها مهمة، ذلك أن تحديد المفهوم يعني تحديد المشكلة، وعليه فإن الإعجاب بمعنى الانبهار هو أمر لحظي سرعان ما يزول، أما الإعجاب بمعنى الميل القلبي والحب فإنه ما لم يكن مضبوطا بضوابط الشرع بأن يكون حبا لله وفي الله، نقيا من كل هوى أو غرض دنيوي فإنه يكون انحراف مرفوض وشذوذ محرم، أما(115/2182)
الصنف الثالث وهو الإعجاب بمعنى الإكبار والتقدير الباعث على الاحترام والرغبة في التقليد فهو أمر محمود.
واعلم أخي – حفظك الله- أن إعجاب المسلم بصديقه أو معلمه أمر محمود، طالما كان هذا الصديق أو المعلم أهلا لهذا الإعجاب، فلا غرور أن تعجب بأحد أصدقائك دون غيره، إذا كان أكثرهم حفظا لكتاب الله، أو أحرصهم على أداء الصلاة في جماعة بالمسجد، أو أعفهم لسانا، أو أحسنهم أخلاقا، أو أوقفهم عند حدود الله، أو أبرهم بوالديه، أو أكثرهم تفوقا في دراسته، أو لأنه أعلمهم بدينه وشريعة ربه، أو لأنه أتبعهم لسنة نبينا صلى الله عليه وسلم، أو لأنه صادق لا يكذب محدثه، وفي لا يخلف عهده، أمين لا يخون من أستأمنه.إلخ....
كما أنه لا غضاضة أن تعجب بأحد معلميك، إذا ما كان ملتزما بدينه، مستقيما على هدي نبيه، وقد يعجبك فيه أنه قدوة في سلوكه، يتقي الله في شرح دروسه، ولا يضيع وقت تلامذته، أو لأنه أكثر المعلمين انضباطا في المدرسة، أو لأنه عفيف النفس، قوي الشخصية، أو.....إلخ.
نعم- أخي الكريم- فمثل هذا الصديق، وهذا المعلم، حري بهما أن يكونا محل إعجابك ومحبتك وصداقتك، فهما أهل لتقديرك وإكبارك، ومثلهما نماذج يجب أن يحرص عليها المرء، وأن ينتقيها من بين أصدقائه ومعلميه كما ينتقي الإنسان أطايب التمر، وصدق نبينا إذ يقول: (الناس كإبل مائة لا تكاد تجد فيهم راحلة)، فقد يكون لك مائة زميل في المدرسة أو الجامعة أو العمل ولكنك لا تستطيع أن تخلص منهم بصديق!!!
فإيجاد مثل هذا الصديق – الذي يستحق أن تخلع عليه لقب (صديق)، في مثل هذا الزمان، أمر عزيز، وإن لم يكن مستحيلا، لكنه يحتاج منك إلى جهد كبير وصبر جميل، فليس كل زميل يصلح أن يكون صديقا، وليس كل صاحب أهلا لهذه المنزلة الرفيعة والمكانة العالية، فليس صديقُك الذي يُصدِقُك على الدوام بل هو ذلك الذي يَصدُقُك في النصح . تماما كما يقول الأديب والمفكر المصري الأستاذ مصطفى صداق الرافعي في قصيدته الرائعة (الصديق) والتي يقول مطلعها ( لا أقصد بالصديق ذلك الذي يدور حولك طالما كان فيك طعم العسل ذلك أن فيه روح الذبابة....).
وتعالى – أخي الكريم – نستنطق كتاب ربنا ودستور ديننا – القرآن الكريم – الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، لنرى كيف نزن الأصدقاء وما هي معايير الإعجاب المحمودة ومقاييسه المذمومة، يقول تعالى وهو أصدق القائلين: (وَمِنَ النَّاسِ مَن يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللهَ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ، وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيِهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللهُ لاَ يُحِبُّ الْفَسَادَ، وَإِذَا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالإِثْمِ فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ وَلَبِئْسَ الْمِهَادُ)، هذا صنف من الناس قد يعجب به بعض الناس، فهل مثل هذا أهلا لأن نعجب به؟! لا والله.
وحتى في الزواج وعند اختيار الزوجة أو الزوج، دعانا سبحانه إلى الانحياز للإيمان وجعل المرأة المؤمنة والرجل المؤمن خير من المشركة أو المشرك، وحذرنا من أن نغتر بالجمال بلا إيمان، فقال تعالى في محكم التنزيل: ( وَلاَ تَنْكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ وَلأَمَةٌ مُّؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِّن مُّشْرِكَةٍ وَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ، وَلاَ تُنْكِحُوا الْمُشْرِكِينَ حَتَّى يُؤْمِنُوا(115/2183)
وَلَعَبْدٌ مُّؤْمِنٌ خَيْرٌ مِّن مُّشْرِكٍ وَلَوْ أَعْجَبَكُمْ أُولَئِكَ يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ وَاللهُ يَدْعُو إِلَى الْجَنَّةِ وَالْمَغْفِرَةِ بِإِذْنِهِ وَيُبَيِّنُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ).
ونهانا ربنا جل جلاله وتقدست أسماؤه عن أن نعجب بغنى الكفار أو أولادهم، وأعلمنا سبحانه أنه سيعذبهم بهذه النعم في الدنيا والآخرة، فقال جل شأنه:( فَلاَ تُعْجِبْكَ أَمْوَالُهُمْ وَلاَ أَوْلاَدُهُمْ إِنَّمَا يُرِيدُ اللهُ لِيُعَذِّبَهُمْ بِهَا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَتَزْهَقَ أَنْفُسُهُمْ وَهُمْ كَافِرُونَ)، وقال أيضا : (وَإِذَا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسَامُهُمْ وَإِن يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُّسَنَّدَةٌ يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ هُمُ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ قَاتَلَهُمُ اللهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ).
وقد أكبرت فيك- أخي الكريم- حرصك على السؤال عن مثل هذا الشعور الذي ينتاب الكثيرين منا دون أن يستوقفهم فيقفوا عنده ليصححوا مفاهيمهم، ويضبطوا مشاعرهم، ويجعلوها وفق ما يرضي الله ورسوله، وحتى لا ينسي كثير الكلام بعضه بعضا، فإنني أجمل لك نصيحتي في النقاط التالية:-
1- أوصيك ونفسي بتقوى الله فإنها ملاك الأمر، واحرص على أن تكون في معية الصادقين، قال تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ).
2- احرص على أن يكون عملك كله لله سبحانه وتعالى، وألا يكون منه لمخلوق – كائنا من كان – حظا، وامتثل قوله تعالى ( قُلْ إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، لاَ شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ).
3- كن حذرا يقظا، وكيّسا فطنا، فارصد مشاعرك وادرسها جيدا وحلل أسبابها، وانظر : هل فيها ما تخشى أن يراك عليه احد، فقد روى الإمام مسلم في صحيحه عن النواس بن سمعان رَضِيَ اللَّهُ عَنهُ عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّم، أنه قال: "البر حسن الخلق، والإثم ما حاك في نفسك، وكرهت أن يطلع عليه الناس".
4- صادق من إذا رأيته ذكرتك بالله رؤيته، وجالس من تفيد من علمه وخلقه، وابتعد عن قرناء السوء، وسفهاء الأحلام فإنه لا يصيبك منهم خير، وتذكر رواه الشيخان عن أبي موسى الأشعري رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم قال:"إنما مثل الجليس الصالح وجليس السوء كحامل المسك ونافخ الكير. فحامل المسك: إما أن يحذيك، وإما أن تبتاع منه، وإما أن تجد منه ريحاً طيبة. ونافخ الكير: إما أن يحرق [متفق عَلَيْهِ]." ثيابك، وإما أن تجد منه ريحاً منتنة
5- اختلي بنفسك وكن صريحا معها، واسأل نفسك: لماذا أنا معجب بهذا الصديق أو المعلم؟، واكتب ما يجول بخاطرك، وقل لنفسك : هل أنا معجب بشخصه؟، أم بقوله؟ أم بمكانته؟ أم بماله ؟ أم .......إلخ، حدد سبب إعجابك به، فإن كنت معجب بخصاله الحميدة وصفاته النبيلة فاحمد الله وتمسك به، وإن كنت معجب بظاهره مفتون بشهرته أو بغناه أو بأية خصلة غير حميدة فاستغفر الله وابحث لنفسك عن علاج.
6- كن صاحب شخصية مستقلة، ولا تتعلق بإنسان أو تعجب به لمجرد أن الناس معجبون به، أو أنه مثار اهتمام الجميع، وتذكر قول نبينا صلى الله عليه وسلم في حديث ما معناه :"لا يكونن أحدكم إمعة ، إن أحسن الناس أحسن وإن أساءوا أساءـ ولكن وطنوا أنفسكم، إن أحسن الناس أن تحسنوا، وإن أساءوا أن تجتنبوا إساءتهم".(115/2184)
7- أوصيك بالقراءة في سير السلف الصالح، لتتعرف على حياتهم، ولتعرف معاييرهم وموازينهم للرجال، وعلى أي أساس كانوا يصادقون، وبأي شيء كانوا يعجبون، وعلى ما كانوا فكن، و (قف حيث وقف القوم فإنهم عن علم وقفوا).
وختاما؛
أسأل الله العظيم ليّ ولك العفو والعافية في الدين والدنيا والآخرة، وأدعوه سبحانه أن يهديني وإياك إلى وسائر المسلمين إلى صراطه المستقيم، وأن يرزقني وإياك الثبات على الحق، والحب فيه والبغض فيه، وأن يصرف عني وعنك شياطين الإنس والجن ..... سبحان ربك رب العزة عما يصفون وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين...
ـــــــــــــــــــ
ابني يعمل المعاصي.. كيف أجنبه منها؟
أجاب عليه ... محمد الدويش
التاريخ ... 6/ 4/1426هـ
السؤال
كيف أجعل ابني يجتنب المعاصي، ويعظم حرمات الله؟
الاجابة
إن من أمارات صدق الإيمان وقوته بُعْد العبد عن معصية الله _تبارك وتعالى_ وتعظيمه لمحارمه.
قال ابن مسعود - رضي الله عنه- :" إن المؤمن يرى ذنوبه كأنه قاعد تحت جبل يخاف أن يقع عليه، وإن الفاجر يرى ذنوبه كذباب مرَّ على أنفه، فقال به هكذا - قال أبو شهاب بيده فوق أنفه-"(1).
ومن ثم كان من أهم ما ينبغي أن يعنى به المربي غرس تعظيم حرمات الله ومعاصيه في نفوس من يربيهم.
ومن الوسائل التي تعينه على ذلك:
أ - تذكيرهم بشأن الذنوب والمعاصي وخطورتها، وأثرها على النفس(2).
ب - ابتعاده هو عنها، ومجانبته إياها.
ج - أن يروا منه تعظيمها واستنكاف إتيانها، وتأثره حين يرى أحداً يواقعها، وهو سلوك لا يستطيع أن يتكلفه من لم يستقر تعظيم حرمات الله في قلبه.
د - أن يجنبهم المواطن التي تظهر فيها المعاصي، ويعوِّدهم على هجرها إن لم يستطيعوا إنكارها؛ لذا فقد عظَّم الشرع عقوبة المجاهر بالمعصية، ونهى عن مجالسة أهل العصيان إن لم يرتدعوا عن ذلك "فَلاَ تَقْعُدُواْ مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُواْ فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ" (النساء:140).
هـ - ألا يتساهل بمجاهرة أحد بها، وأن يناصحه حين يراه وقع فيها محذراً إياه من شؤمها وأثرها.
_______________
(1) رواه البخاري (6308).(115/2185)
(2) من المراجع المفيدة في ذلك: مفتاح دار السعادة، وشعب الإيمان للبيهقي، ومدارج السالكين (منزلة التوبة).
ـــــــــــــــــــ
كيف أبدع في طرق التعليم؟
أجاب عليه ... محمد الدويش
التاريخ ... 2/ 4/1426هـ
السؤال
كيف أطوّر طرق التعليم والبرامج الثقافية؟
الاجابة
تطوير طرق التعليم والبرامج الثقافية:
رغم تطور الفكر التربوي، وكثرة المختصين والمهتمين في هذا الجانب، فإن الطرق التقليدية في التعليم هي التي تسود اليوم في مدارسنا، وحتى التعليم الشرعي خارج نطاق التعليم الرسمي يتسم إلى حد كبير بهذه السمة.
ولأجل الارتقاء بمستوى القدرات العلمية وتجاوز ما يعانيه الجيل اليوم من سطحية وضيق أفق، كان لابد من تطوير طرق التعليم، سواء من خلال الفصل الدراسي، أو من خلال الدروس العلمية والمحاضرات الثقافية والفكرية التي تقدم للناس في المسجد وخارج المسجد.
ومن ملامح هذا التطوير الذي يمكن أن يسهم في الارتقاء بمستوى الشباب اليوم:
1- البعد عن الطرق الإلقائية الرتيبة، والاعتناء بالطرق الحديثة في التعليم.
2- البعد عن الطرق التي تركز على اتجاه واحد في الاتصال، ويكون دور المعلم فيها هو الملقي، ودور الطالب هو التلقي والاستماع.
3- مع أهمية الحفظ وحاجتنا إليه في العلم الشرعي، إلا أنه ينبغي ألا نعتمد عليه وحده، وألا يكون دور الطالب قاصراً على التذكر والاستدعاء فقط، بل لابد من الارتقاء إلى المستويات الأعلى منه في التحصيل (كالفهم والتطبيق والتحليل والتركيب والتقويم)(1).
فحين يُقدَّم للطالب درس في تعليم صفة الوضوء، فليطلب منه التطبيق بعد ذلك، وليُقدم المعلم لهم فيلماً يسجل فيه مواقف عدة ويطلب منهم بناء على ذلك اكتشاف الأخطاء التي وقعت في الوضوء.
ومثله معلم العقيدة، حين يتناول موضوع القضاء والقدر، فليطلب من الطلاب مثلاً قراءة سورة الأنفال واستخراج ما يتعلق بهذا الركن العظيم، وليطلب منهم بيان آثار الإيمان بالقضاء والقدر على حياة المسلم، وذكر صور الانحراف والأخطاء في مفهوم القضاء والقدر لدى المسلمين اليوم.
4- تطوير أساليب التقويم وطرقه، فبدلاً من أن يكون الواجب المنزلي يتعلق بأسئلة مباشرة يبحث الطالب عن إجابتها في الكتاب يُكلف المعلمُ الطالبَ مثلاً أن ينظر إلى المصلين الذين يقضون الصلاة، ويذكر عدداً من الأخطاء التي وقعوا فيها، وأن يقدم المعلم مقالة مكتوبة للطالب ويطلب منه نقدها وبيان ما فيها من سلبيات وإيجابيات.(115/2186)
5- إعطاء فرصة للطالب في تقويم ما يسمع ونقده، بل تشجيعه على ذلك ودفعه له، بدلاً من أن تكون مهمته منحصرة في السؤال عما أشكل عليه، وأحياناً يدعو المعلم لذلك بقوله، لكن غضبه وانفعاله ونقاشه الحاد لما يقوله الطالب مخالفاً لرأيه يسهم في وأد روح النقد والتقويم لدى الطالب. وينبغي مع ذلك أن يراعى الاعتدال؛ فالإفراط في ذلك قد يؤدي إلى مناقشة البدهيات والمسلَّمات، أو تخريج طلاب يجيدون فن الجدل والخصومة، أو يسيئون الأدب مع الأكابر.
_______________
(1) انظر للاستزادة:الأهداف السلوكية لهدى محمود سالم، علم النفس الدعوي ص29 فما بعدها.
ـــــــــــــــــــ
ما السبيل لنصح الآخرين؟
أجاب عليه ... اللجنة التربوية
التاريخ ... 28/3/1426هـ
السؤال
بسم الله الرحمن الرحيم
إخواني في اللجنة التربوية السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
سؤالي: ما هي السبل والطرق لنصيحة الآخرين؟ وأيضاً ما الحل للأفراد الذين لا يقبلون شيئاً ولا يريدون النصح؟
الاجابة
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته
إن المتأمل لكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم ليدرك أن الإسلام دين النصيحة. وهذه الأمة إنما فضلت على سائر الأمم لأن أبناءها يتآمرون بالمعروف ويتناهون عن المنكر؛ وما حاقت لعنة الله ببني إسرائيل إلاّ لأنهم كانوا لا يتناهون عن منكر فعلوه. والله تعالى يقسم في كتابه الكريم أن الناس خاسرون ما لم يؤمنوا به، ويعملوا صالحاً، ويتواصوا بالحق والصبر. فبذل النصح – لله ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم- فلاح للفرد ومنجاة للأمة. وفي المقابل التفريض في واجب التناصح مهلكة للجميع. يقول النبي صلى الله عليه وسلم: "مثل القائم في حدود الله والواقع فيها كمثل قوم استهموا على سفينة فأصاب بعضهم أعلاها وبعضهم أسفلها، فكان الذين في أسفلها إذا استقوا من الماء مروا على من فوقهم، فقالوا لو أنا خرقنا في نصيبنا خرقاً ولم نؤذ من فوقنا، فإذا هم تركوهم وما أرادوا هلكوا جميعاً، وإن أخذوا على أيديهم نجوا ونجوا جميعاً"(1).
أما كيف يؤتي النصح ثمرته، فالأمر بعد توفيق الله يعتمد على الناصح والمنصوح. فباذل النصح عليه أولاً أن يستشعر أنه يؤدي عبادة جليلة، وأن يستحيي من أن يراه الله وقد اقترف أمراً ينهى الناس عنه، أو ترك أمراً يأمر الناس به. وأن يدرك أن من تمام إيمانه أن يحب لإخوانه ما يحب لنفسه من خيري الدنيا والآخرة، فيسعى جهده لاستنقاذهم من براثن عدوهم الذي أقسم أمام رب العزة ألا يدع لإغواء الخلق سبيلاً إلا سلكه، ولا باباً إلا طرقه. فحرصه على دعوة الناس إنما هي رفعة له أولاً، وفلاح(115/2187)
لهم ثانياً – إن وفقه الله للهداية-؛ فالأمر عنده ليس مجرد تبيان لحكم بعض المسائل إعذاراً لله وتبرئة للذمة، ثم ليفعل الناس بعد ذلك ما شاءوا. والناصح المحتسب يدرك أن هذا طريق المرسلين، أشرف الخلق وأزكاهم، وهو بالسير في ركابهم في الأولى إنما يمهد لنفسه سبيلاً لصحبتهم في الآخرة.
لقد كان رسول الله صلى عليه وسلم - قدوة كل ناصح ومحتسب- حريصاً كل الحرص على صلاح قومه، فكان يتلمس السبل إلى قلوبهم تلمساً، ويصبر على أذاهم صبراً لا طاقة للناس بمثله، ويستعين على إعراضهم وصدودهم بالدعاء لهم. لما نزل عليه قول الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ) (المائدة: من الآية67)، وقف يدعوا الناس في موسم من مواسم العرب فبزقوا في وجهه الشريف ورموه بالتراب والحجارة، فعرض له عارض فقال له: يا محمد إن كنت رسول الله فقد آن لك أن تدعوا عليهم كما دعا نوح على قومه بالهلاك. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: اللهم اهد قومي فإنهم لا يعلمون، وانصرني إليهم أن يجيبوني إلى طاعتك. لقد كان يعُد إجابتهم داعي الله نصراً يُحتمل في سبيله الأذى.
وعلى الداعية إلى الله أن يحس دائماً أن عدوه الأول هو الشيطان فهو الذي يتخطف الناس من سبل الهدى ويرديهم في مهاوي الضلالة، وأنه من الحكمة أن يعد له ما استطاع من قوة، فيتحصن بالإيمان والتوكل، والعلم والصبر، ويذوده عن قلوب الناس بالرفق وطيب الكلام، والله تعالى ما اختار صفة الرفق واللين ليمدح بها نبيه صلى الله عليه وسلم من بين سائر نبيل صفاته في مقام الدعوة والجهاد في سبيلها (وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ) (آل عمران: من الآية159)، إلا لأنها من أشد ما يستميل قلوب النافرين، ويبقي على مودة الأقربين، والداعية بأشد الحاجة للأمرين معاً، والرفق خير كله وما دخل في شيء إلا زانه وما نزع من شيء إلا شانه أو كما قال رسول الله عليه الصلاة والسلام.
ولعل من المهم للناصح كذلك أن يدرك أن الناس أصناف شتى، وأن معرفة طبيعة كل صنف أمر يختصر عليه الطريق ويقربه من الهدف.
فمن الناس من يتألفه الإحسان، والواحد من هؤلاء قد تهبه شيئاً من الدنيا فيهبك أذنه وقلبه، وربما تكتب له الهداية فتفوز بما هو خير من حمر النعم، يقول صفوان بن أمية رضي الله عنه: ث لقد أعطاني رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم حنين وإنه لمن أبغض الناس إلي، فما زال يعطيني حتى إنه لأحب الخلق إلي(2).
ومن الناس من يستهديهم المنطق وتقنعهم الحجة، وهؤلاء يخاطبون على قدر عقولهم وعلومهم، وكلما كان بارعاً في إشراكهم في استنتاج الحقيقة كلما كان ذلك أدعى لسرعة استجابتهم. جاء أعرابي إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله إن امرأتي ولدت غلاماً أسود وإني أنكرته، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: هل لك من إبل؟ قال: نعم، قال: ما ألوانها؟ قال حمر قال: هل فيها من أورق قال نعم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «فأنى هو» قال لعله يا رسول الله يكون نزعه عرق له فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: وهذا يكون نزعه عرق له(3).
فرغم حساسية المسألة استطاع النبي عليه ا لصلاة والسلام أن يجعل الأعرابي الذي جاء ودمه يغلي شريكاً في استخلاص الحكم فخرج مطمئناً مقتنعاً. ولعله إن وعظه(115/2188)
وحذره من سوء الظن وقذف أهله دون بيِّنة لم يقتنع، وإشراك الناس في الوصول إلى الحق يشعرهم بأنهم ليسوا مجرد متلقين وأنه ما من وصاية عليهم من أحد، وهذه من عقد أهل هذا الزمان.
ومن الناس صنف ثالث لا يحرص على الدنيا، ولا يأبه لقوة الحجة، ولكنه لين القلب، يتأثر بالموعظة ويتبر بالقصص مثال.
ومن الناس كذلك نوع يكون على الحق ولكن زلت قدمه لسبب أو آخر رغم حرصهم على اتباع الهدى وهؤلاء قد يفعل فيهم العتاب ما لا يفعله أي أسلوب سواه، ومثال ذلك أبا ذر رضي الله عنه لما عير بلالاً بأنه ابن السوداء، فزجره النبي وهو الكريم الهين اللين وقال أنك امرؤ فيك جاهلية ففعلت الكلمة فعلها في قلب أبي ذر، فوضع عنه عبية الجاهلية وأصر أن يطأ ابن السوداء بقدمه خد العربي الغفاري، والعقاب قد يكون بالكلام أو بالإعراض وقد يكون بالنظرات كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم مع كعب بن مالك رضي الله عنه وعمر رضي الله عنه مع سعر بن عبيد رضي الله عنه لما فرّ فيمن فر في موقعة الجسرفعاد إلى ذات الجبهة التي فرّ منها وقاتل حتى قتل.
ومن الناس من لا يقبل النصح ما دام توجيهاً مباشراً ويعتبره نوعاً من التدخل في الشؤون الخاصة وهؤلاء يستجيبون لمن يفلح في تغليف النصيحة ويشاركهم اهتماماتهم.
وهكذا فالناس يتفاوتون ويختلفون والأسلوب الذي يجدي مع بعضهم ربما ينفِّر غيرهم. والداعية مأمور بمداراة الناس كأمره بالفرائض، فليتخير الوقت والمكان والأسلوب ليحقق أكبر مكسب بأقل جهد وفي أقصر زمن.
_____________
(1) البخاري2/882، رقم2361.
(2) ابن حبان 11/159 – رثم 4828.
(3) مسلم 2/1137 – رقم 1500.
ـــــــــــــــــــ
كيف أرسخ حب النبي في قلب ولدي؟
أجاب عليه ... خالد رُوشه
التاريخ ... 24/ 3 /1426هـ
السؤال
كيف أرسخ محبة الرسول-صلى الله عليه وسلم- في طفلي؟
الاجابة
الحقيقة أن حب النبي _صلى الله عليه وسلم_ هو أصل من أصول هذا الدين ومبدأ من مبادئه لا يستقيم إيمان إنسان بدونه ولا يسع مسلم أن يتجاوزه ولا يصح لمسلم أن يكون متردداً فيه فهي مرتبطة بمحبة الله _سبحانه وتعالى_ إذ إنه – صلى الله عليه وسلم – مبعوثه ورسوله ومصطفاه ومجتباه ..(115/2189)
وسؤالك هذا من أهم الأسئلة التي ينبغي على أولياء الأمور والوالدين أن يسألوه وأن يتقنوا فن تطبيقه، وأن يبذلوا جهدهم في الوصول إلى ترسيخ محبة النبي _صلى الله عليه وسلم_ في قلب أبنائهم أجمعين .
ولبيان الإجابة عن هذا السؤال يهمنا الوقوف عند عدة نقاط هامة :
أولا : مكانة حب النبي _صلى الله عليه وسلم_ في التشريع الإسلامي الشريف :
فقد روى البخاري عن أنس _رضي الله عنه_ أن رسول الله _صلى الله عليه وسلم_ قال : "ثلاث من كن فيه وجد بهن حلاوة الإيمان : أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما، وأن يحب المرء لا يحبه إلا لله، وأن يكره أن يعود في الكفر بعد إذ أنقذه الله منه كما يكره أن يقذف في النار" .
وروى البخاري أيضاً عن أبي هريرة _رضي الله عنه_ أن النبي _صلى الله عليه وسلم_ قال : "لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من والده وولده..." .
وفي الصحيح عن عبد الله بن هشام : كنا مع النبي وهو آخذ بيد عمر، فقال عمر: يا رسول الله لأنت أحب إلي من كل شيء إلا من نفسي، فقال: "لا والذي نفسي بيده حتى أكون أحب إليك من نفسك، قال عمر: فإنه الآن، لأنت أحب إلي من نفسي، فقال: الآن يا عمر".
وفي الصحيحين عن أنس _رضي الله عنه_ قال جاء رجل إلى النبي _صلى الله عليه وسلم_ فقال: يا رسول الله متى الساعة؟ قال: "وماذا أعددت لها" قال: ما أعدت لها كثير عمل إلا أنني أحب الله ورسوله، قال النبي _صلى الله عليه وسلم_: " المرء مع من أحب" يقول أنس: فما فرحنا بشي كفرحنا بقول النبي _صلى الله عليه وسلم_: " المرء مع من أحب" ثم قال: وأنا أحب رسول الله _صلى الله عليه وسلم_ وأبا بكر وعمر، وأرجوا الله أن أحشر معهم وإن لم أعمل بمثل أعمالهم .
وقد اقترن حبه _صلى الله عليه وسلم_ بحب الله _تعالى_ في الكثير من الآيات القرآنية،منها قوله _تعالى_:" قُل إن كان آباؤكم وأبناؤكم وإخوانُكم وأزواجُكم وعشيرتُكم وأموالٌ اقترفتموها وتجارةٌ تخشَون كسادَها ومساكنُ ترضونها أحبَّ إليكم من اللهِ ورسولهِ وجهادٍ في سبيلِه فَتربَّصوا حتى يأتي اللهُ بأمرِه واللهُ لا يهدي القومَ الفاسقين" ، و" قُل إن كنتم تحبون اللهَ فاتَّبعوني يحبِبِكُم اللهُ ".
ثانيا : كيف نقدم النبي _صلى الله عليه وسلم_ لأبنائنا ونعرفهم به ؟
ينبغي على الوالدين تقديم النبي _صلى الله عليه وسلم وشخصيته إلى الأبناء مراعين الاعتبارات الآتية :
1- الحرص على بيان شخصية النبي _صلى الله عليه وسلم_ كما بينها القرآن الكريم في قوله _تعالى_: " إنا أرسلناك شاهداً ومبشراً ونذيراً وداعياً إلى الله بإذنه وسراجاً منيراً " فهو المبشر وهو المنذر وهو السراج المنير والمصباح الوضاء الذي به هدى الله العالمين وأخرجهم من الظلمات إلى النور
2- الحرص على بيان جوانب القدوة من شخصيته _صلى الله عليه وسلم_ وشخصيته كلها قدوة، والتأكيد على أنه هو النموذج المرتجى والمثال المأمول لكل من أراد النجاح والفلاح في الدنيا والآخرة(115/2190)
3- لابد من أن نجيب لأبنائنا على سؤال : لماذا يجب علينا أن نحب النبي _صلى الله عليه وسلم_ ونصل إلى عقولهم بإقناعهم بأن كل عاقل حكيم صالح مؤمن ذكي يجب أن يحب النبي _صلى الله عليه وسلم_ لأنه الذات البشرية التي تسببت في هداية العالمين إلى الهدى والحق والنور والإيمان بفضل الله الحميد المجيد .
4- التأكيد على فضائله _صلى الله عليه وسلم_ ومكانته عند ربه _سبحانه_ ومكانته بين الأنبياء وفضله يوم القيامة ومكانة شفاعته ومقامه في الجنة _صلى الله عليه وسلم_ والتأكيد على بيان معنى قوله في الصحيحين من حديث أبى هريرة أنه _صلى الله عليه وسلم_ قال : "فُضِّلتُ على الأنبياء بست: أُعطيت جوامع الكلم "فهو البليغ الفصيح" ونُصرت بالرعب وأُحلت لي الغنائم، وجُعلت لي الأرض طهوراً ومسجداً، وأُرسلت إلى الخلق كافة، وخُتم بي النبيون"
5 –تبيين بشارة الأنبياء السابقين به _صلى الله عليه وسلم_ وحبهم له واستقبالهم إياه في الإسراء والمعراج، وأنه هو النبي الخاتم لهم، وأن شريعته هي الناسخة لشريعتهم والجامعة لفضائلها والشاملة لكل خير وهدى جاء في رسالتهم _صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين_
6 – التأكيد على بيان معنى الاتباع ومعنى الابتداع بأسلوب مبسط وتكرار ذلك المعنى.
ثالثا : بعض الوسائل التي يمكن اتخاذها لترسيخ حب النبي _صلى الله عليه وسلم_ في نفوس أبنائنا :
1 – حكاية معجزاته _صلى الله عليه وسلم_ .
2- حكاية أخلاقه العظيمة ونصرته للمظلومين وعطفه على الفقراء ووصيته باليتيم.
3- حكاية أخبار رقته _صلى الله عليه وسلم_ ورحمته وبكائه وبأنه هو النبي الوحيد الذي ادَّخر دعوته المستجابة ليوم القيامة كي يشفع بها لأمته،كما جاء في صحيح مسلم:"لكل نبي دعوة مجابة، وكل نبي قد تعجل دعوته، وإني اختبأت دعوتي شفاعة لأمتي يوم القيامة" ، وهو الذي طالما دعا ربه قائلاً:"يا رب أمتي ، يا رب أمتي" ، وهو الذي سيقف عند الصراط يوم القيامة يدعو لأمته وهم يجتازونه،قائلاًً:" يا رب سلِّم ، يا رب سلِّم" وأنه بكى شوقا إلينا حين كان يجلس مع أصحابه ، فسألوه عن سبب بكاءه، فقال لهم :"اشتقت إلى إخواني"، قالوا :"ألسنا بإخوانك يا رسول الله؟!" قال لهم:"لا"،إخواني الذين آمنوا بي ولم يروني"!! كما ورد في بعض الآثار التي حسنها بعض العلماء.
4- بيان كيف كان يحبه أصحابه _رضوان الله عليهم_ ويضحون في سبيله وحكاية القصص في ذلك .
5- تحفيظ الأولاد أحاديث النبي _صلى الله عليه وسلم_ وتعليمهم سنته، وبيان كيف أنها تحفظ الإنسان من شياطين الإنس والجن.
6 – فعل الوالدين العملي وطريقتهم التطبيقية في الاقتداء بالنبي _صلى الله عليه وسلم_ والحرص على سنته هي مؤثر من أكبر مؤثرات تربية الأبناء على ذلك، يقول صاحب كتاب (التربية الإسلامية): " إن من السهل تأليف كتاب في التربية، ومن السهل أيضاً تخيل منهج معين، ولكن هذا الكتاب وذلك المنهج يظل ما بهما(115/2191)
حبراً على ورق، ما لم يتحول إلى حقيقة واقعة تتحرك ، وما لم يتحول إلى بشر يترجم بسلوكه، وتصرفاته،ومشاعره، وأفكاره مبادئ ذلك المنهج ومعانيه،وعندئذٍ فقط يتحول إلى حقيقة "
رابعاً : ملاحظات هامه أثناء التطبيق :
1- الحرص على الٌإقناع باستخدام المناقشة والسؤال والاستفسار وعدم الاعتماد على أسلوب التلقين وحده .
2- يراعى استخدام أساليب التشويق في حكاية سيرة النبي _صلى الله عليه وسلم_ كما يراعى استخدام الثواب والهدية ومثاله في حالة التكليف بحفظ الأحاديث أو شيء من السنة.
3- التركيز على كيفية إرضاء النبي _صلى الله عليه وسلم_ وثواب ذاك الإرضاء ولقاء النبي _صلى الله عليه وسلم_ يوم القيامة على الحوض والتفريق دائماً في حس الولد بين من يرحب بهم النبي وبين من يقال لهم سحقاً سحقاً.
4- مساعدة الأطفال في الإنتاج الإبداعي فيما يخص حب النبي _صلى الله عليه وسلم_ مثل كتابة الشعر في ذلك والقصة والخطبة والمقالات وتشجيع المسابقات والمنافسات المختلفة في موضوع حب النبي _صلى الله عليه وسلم_.
ـــــــــــــــــــ
أريد منهجاً لقراءة الكتب الفكرية
أجاب عليه ... أ.د. ناصرالعمر
التاريخ ... 21 /3/1426هـ
السؤال
أريد منهجاً لقراءة الكتب الفكرية؟
الاجابة
الكتب الفكرية إما أن تندرج ضمن الكتب الشرعية أو لا تندرج تحتها، فأما التي تندرج تحتها فتشمل عادة رؤى في قضايا معاصرة أو آراء منهجية أو تحليلات متنوعة، ويكون مبنى ذلك في الغالب الاجتهاد في فهم النصوص الكلية والقواعد العامة، ومن ثم يأتي التعليل أو التحليل أو تأتي الرؤية الواقعية على ضوئها.
فإذا كانت الكتب الفكرية من هذا القبيل أعني الكتب التي تتناول ما يُسمى بالفكر الإسلامي فإنه يمكن تقسيم هذه الكتب من حيث الدعوة إلى مطالعتها إلى ثلاثة أقسام رئيسة:
1- كتب لا تجوز قراءتها إطلاقاً إلا لكبار العلماء والمتخصصين، وهي كتب أصحاب مناهج الانحراف والأهواء والفتن؛ لأنه لا يميز ما فيها من خير عما اختلط به من الباطل إلا أهل العلم والمختصين، فينقلوا ما فيها من فوائد ويُعرضوا عما فيها من الغثاء.
2- كتب لكتّاب ومؤلفين معروفين من أهل سلامة العقيدة والمنهج فيقرؤها كل أحد ولا سيما من احتاج إلى معرفة ما تعلق الكتاب بموضوعه، مع مراعاة أن كلاً يؤخذ من قوله ويُترك حتى في مثل هذه القضايا.(115/2192)
3- كتب لكتّاب مسلمين لا تخلو من انحرافات خاصة وعامة ويقرؤها من بلغ درجة من الفهم والعلم، وعرف سلامة المنهج وصحة العقيدة، حتى يميّز بين غثها وسمينها، ولا يسمح للمبتدئين بقراءتها حتى لا تؤثر عليهم أخطاؤها؛ لعدم إدراكهم لذلك لقلة بضاعتهم في العلم.
ومن أشكل عليه شيء من ذلك فليرجع لمن هو أعلم منه حتى لا تزل قدم بعد ثبوتها.
أما إذا كانت الكتب الفكرية غير متعلقة بالفكر الإسلامي أو القضايا الشرعية كالكتب التي تحلل الأسباب التي قادت الغربيين مثلاً إلى هذا الطور من التحلل الأخلاقي، أو الكتب التي تتحدث عن شؤون بعض الأمم فأمر قراءتها أيسر، وإن كنت لا أنصح غير المتخصص – والتخصص يختلف باختلاف الكتاب – بمطالعتها فليس فيها كبير فائدة لغير المختص والأولى الاشتغال بما هو أنفع.
ـــــــــــــــــــ
الرقائق.. أين نحن منها؟
أجاب عليه ... فهد العيبان
التاريخ ... 17/ 3 /1426هـ
السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
في زحمة الأشغال اليومية، ما توجيهك لنا؟ وما هي الوسائل المساعدة لترقيق القلوب ؟
أتمنى ذكر كتب في ذلك......
الاجابة
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
من المعلوم من السنة أن الإيمان يَخْلَق كما يَخْلَق الثوب، فيحتاج إلى تجديد، وتجديده يكون بترقيق القلب، وذلك بالتدبر في آيات الله ووعده ووعيده، والاستماع لتلاوة القرآن التي تدفع إلى التدبر والخشوع، إضافة إلى الإكثار من سماع المحاضرات والخطب التي تعظ القلوب وترققها بذكر الجنة والنار واليوم الآخر.
ولا ينبغي أن يأنف من ذلك أحد، بل الواجب على الجميع سواء كانوا طلاب علم أو غيرهم أن يحرصوا على الرقائق، وهذا كان دأب السلف من الصحابة فمن بعدهم كانوا يعتنون بالرقائق، بل ويجلسون مجالس من أجل الإيمان وتجديده وترقيق القلب وموعظته.
وأما الكتب فهي كثيرة، من أهمها كتاب (الترغيب والترهيب) وكتب ابن القيم المتعلقة بالسلوك، وكذا كتب ابن رجب، وكذا بعض كتب ابن أبي الدنيا، وابن الجوزي.
ـــــــــــــــــــ
ما الحشمة في أخلاق المسلم؟
أجاب عليه ... اللجنة التربوية
التاريخ ... 14/3/1426هـ
السؤال(115/2193)
ماهي الحشمه في أخلاق المسلم؟
الاجابة
الحشمة هي الحياء والانقباض. قال بعضهم: "هي الانقباض عن أخيك في المطعم وطلب الحاجة". وقال عنترة:
أرى مطاعم لو أشاء حويتها ... ...
فيصدني عنها كثير تحشم
وذو الخلق المحتشم هو الذي يقبض نفسه فلا يدنسها بمقارفة المرذول من العمل، ولا النطق بالفاحش البذيء من القول، فتراه يبعد عن السفاسف جهده، ويتصوَّن عن الرِّيب، ويترفع عن كل ما يحط من قدره وإن لم يكن محرماً. يُسدي المعروف حتى لمن لا يعرفه، ويتجاوز عن السيئ بالغاً ما بلغ من اللؤم.
والفتاة المحتشمة فوق ذلك هي من تتسربل بالحجاب وتتحلّى بالحياء
، لا تخضع بالقول ولا تتكلم إلا بقدر، تعلم ألاّ زينة للمرأة أجمل من الوقار، وألاّ حلية لها أغلى من الأدب.
أسأل الله أن يرزقنا وإياكم الحشمة في الأقوال والأفعال، وأن يصرف عنا سيئ الأخلاق فإنه لا يصرف عنّا سيئها إلا هو.
ـــــــــــــــــــ
زميلي يحب القراءة.. متى يميز بين الغث والسمين؟
أجاب عليه ... عبدالعزيز الجليّل
التاريخ ... 10/ 3/1426هـ
السؤال
لي زميل يحب القراءة وضحت له أهمية السؤال عن الكتاب قبل أن يقرأ، فقال : نحن بصفتنا طلاب في الجامعة أعتقد أننا نستطيع أن نفرق بين الصواب و الخطأ، فما رأيكم بهذه العبارة؟ وهل للقرآءة ضوابط معينة؟ ومتى يصل الإنسان إلى مرحلة التمييز بين الغث والسمين ؟
الاجابة
الحمد لله رب العالمين، وبعد:
ليس صحيحاً أن من بلغ المرحلة الجامعية فإنه يستطيع التفريق بين الصواب والخطأ وبين الحق والباطل، وبخاصة في هذا الزمان الذي كثرت فيه الشبهات والشهوات والتلبيس والتضليل، وإنما يحصل العلم بالحق والباطل والتفريق بينهما بالعلم الشرعي المؤصل وبالبصيرة في الدين، وهذا يكون عند العلماء الربانيين فيجب سؤالهم والتعلم منهم والحذر من العجب بالنفس والظن بالنفس أنها تعلم كل شيء ولا يستطيع الإنسان أن يصل إلى مرحلة التمييز بين الغث والسمين بإطلاق، وإنما يمكن القول بأنه كلما كان عند المسلم علم شرعي قوي وعلم بالواقع فهو أحرى لمعرفة الحق والباطل ومع ذلك فمهما بلغ الإنسان من العلم فسيكون هناك أمور يجهلها "وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ" (يوسف: من الآية76) والمقصود الحذر من قراءة أي كتاب وينبغي سؤال أهل العلم عن هذه الكتب وما فيها من الخير أو الشر، فإذا تبين أنها حق أخذ بها وإن تبين أنها تحتوي على باطل فلتجتنب. والله أعلم.(115/2194)
ـــــــــــــــــــ
أنا أدعو الله ولا يتقبل مني.. لماذا؟
أجاب عليه ... جمّاز الجمّاز
التاريخ ... 7/3/1426هـ
السؤال
أنا أدعو الله كثيراًً في أمور الدنيا ولا يتقبل مني؛ مع العلم بأني أشهد الله على كل ما أفعل ولي ظروف صعبة بالعمل، أريد أن يتقبل الله مني دعائي و،أن يغفر لي ويرحمني ويتوب علي .
الاجابة
الحمد لله رب العالمين، وبعد:
الدعاء من أفضل القربات، قال _تعالى_: "وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ" (غافر: من الآية60)، وللإنسان أن يدعو بما شاء من خيري الدنيا والآخرة، ويحرم أن يدعو بإثم أو قطيعة رحم، وكلما كان الإنسان مضطراً، كان أحرى لإجابته، قال _تعالى_: "أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ" (النمل: من الآية62).
وكون الإنسان يدعو كثيراً، هذه علامة على حسن عبادته؛ لأنه أيقن أن هناك رباً هو رب كل شيء ومالكه ومليكه، وإليه المرجع والمآب.
وتساؤلك عن عدم إجابة الله لك، تحتمل عدة أمور:
أولاً: الاستعجال في الدعاء:
صحَّ عنه _صلى الله عليه وسلم_ أنه قال: «يستجاب لأحدكم ما لم يُعجِّل، يقول: قد دعوت ربي فلم يستجب لي"، فلا تستعجل، اصبر.
ثانياً: الدعاء بإثم أو قطيعة رحم:
صحَّ عنه _صلى الله عليه وسلم_ أنه قال: "يستجاب للعبد ما لم يدعُ بإثم أو قطيعة رحم" فاحذر أن تدعو بشيء حرام.
ثالثاً: الإقامة على الحرام:
صحِّ عنه _صلى الله عليه وسلم_ أنه قال في الرجل: "يمد يديه إلى السماء، يقول: يا رب، يا رب، ومطعمه حرام، وملبسه حرام، وغُذِّي بالحرام، فأنى يُستجاب له"، فافهم ذلك جيداً، وفتِّش عن نفسك، أين أنت من الحرام.
رابعاً: ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر:
صحِّ عنه _صلى الله عليه وسلم_ أنه قال: "والذي نفسي بيده لتأمرن بالمعروف ولتنهون عن المنكر، أو ليوشكن الله أن يبعث عليكم عقاباً منه، ثم تدعونه فلا يُستجاب لكم".
خامساً: غفلة القلب:
صحِّ عنه _صلى الله عليه وسلم_ أنه قال: "واعلموا أن الله لا يستجيب دعاءً من قلبٍ غافلٍ لاهٍ" فهل أنت في غفلة عن أمر دينك.
سادساً: حكمة ربانية:
بأن يصرف الله _تعالى_ عن الداعي من السوء مثل دعوته، أو أن يدَّخر له من الأجر مثلها مع عدم حصول استجابة الدعاء.(115/2195)
صحَّ عنه _صلى الله عليه وسلم_ أنه قال: "ما على الأرض مسلم يدعو الله _تعالى_ بدعوة إلا آتاه الله إياها، أو صرف عنه من السوء مثلها" أو في رواية "أو يدّخر له من الأجر مثلها". فاحمد الله _تعالى_ على ما قضى وقدَّر، واعلم أن الخير ما اختاره الله لك.
ووصيتي لك أيها الأخ الكريم:
أن تنظر في حالك، وأين أنت من الأسباب التي تحول بينك وبين إجابة دعائك، فاجتنبها، وابتعد عنها، واستعن بالله ولا تعجز، واحرص على الدعاء، واجتهد في تحري أسباب إجابته، مثل:
1- الجزم في الدعاء، واليقين على الله بالإجابة.
2- الإلحاح في الدعاء، فأكثرْ منه، ولا تستعجل وتقول: لم يُستجب لي.
3- التوبة ورد المظالم.
4- الدعاء في كل الأحوال، في السراء والضراء، في الرخاء والشدة.
5- الوضوء قبله.
6- استقبال القبلة.
7- رفع اليدين.
8- خفض الصوت واجعله بين المخافتة والجهر.
9- التضرع والخشوع أثناء الدعاء.
10- البكاء في الدعاء.
11- إظهار الافتقار إلى الله _تعالى_، والشكوى إليه من الضعف والبلاء.
12- الاعتراف بالذنب والخطيئة.
13- سؤاله _جل وعلا_ وحده وعدم سؤال غيره.
14- سؤاله جل وعلا بأسمائه الحسنى وصفاته العلى.
15- عدم تكلف السجع في الدعاء.
16- ترك الدعاء بالحرام.
17- الدعاء بصالح الأعمال.
18- افتتاحه بالحمد والثناء، واختتامه كذلك.
19- تكرار الدعاء ثلاثاً.
20- الصلاة على النبي _صلى الله عليه وسلم_ في الدعاء.
21- اغتنام الأوقات ومختلف الأحوال، والمواضع التي يُستجاب فيها الدعاء، مثل: آخر الليل، وبين الأذان والإقامة، وفي السجود، وبعد الصلوات المكتوبة، وآخر ساعة بعد عصر يوم الجمعة، وعند نزول المطر، وفي السفر، وعصر يوم عرفة، وعند إفطار الصائم، وليلة القدر، ونحو ذلك.
واللهَ _تبارك وتعالى_ أسألُ لك التوفيق والسداد، وأن يُهيِّئ لك من أمرك رشداً.
وبالله التوفيق، وصلى الله وسلم على نبينا محمد بن عبد الله وعلى آله وصحبه أجمعين.
_______________
(1) الجواب الكافي، لابن القيم ص465.(115/2196)
-ـــــــــــــــــــ
منزلة العلم الشرعي في البرامج التربوية
أجاب عليه ... محمد الدويش
التاريخ ... 3/ 3 /1426هـ
السؤال
بين أوساط الشباب نرى الاهتمام الواضح في التربية، لكن ما مدى أهمية العلم في التربية؟
الاجابة
إن أي تربية تتجاوز البناء العلمي الشرعي، أو تعطيه مرتبة متأخرة بين المتطلبات التربوية،هي بعيدة عن المنهج النبوي؛ ذلك أن الجيل الذي يعاني من الضعف العلمي لن يقوم بالواجبات الشرعية في نفسه كما ينبغي، فضلاً عن أن يقوم بواجب الإصلاح والدعوة للناس.
ويحتاج جيل الصحوة اليوم إلى أن يعطي الجانب العلمي القدر الذي يستحقه من الأوقات والجهود، أما حين يكون نصيبه فضلة الوقت والجهد، فسوف ينشأ جيل يعاني من البنيان الهش الذي سرعان ما ينهار، أو يأخذ ذات اليمين أو الشمال.
ومما ينبغي مراعاته في هذا الجانب:
1- إعطاء الجانب العلمي الاهتمام اللائق به، دون إفراط أو تفريط.
2- الاعتناء بتعليم كافة الشباب - بغض النظر عن تخصصاتهم العلمية والعملية – الحد الأدنى من العلم الشرعي، الذي يمكنهم من فهم المسائل الشرعية العلمية، والتعامل مع مصادر المعلومات بالطريقة التي تتناسب مع مستوياتهم.
3- ينبغي أن تسعى المحاضن التربوية إلى غرس الاهتمام العلمي في نفوس الناشئة، لا أن تكون البرامج العلمية مجرد استجابة لمطالب أو ضغوط ذوي الاهتمام العلمي.
4- هذا الميدان من أكثر الميادين التي يبدو فيها تفاوت القدرات والإمكانات، ومن ثم فلابد من مراعاة ذلك واعتباره؛ إذ يغلب على كثير من المحاضن والمؤسسات التربوية إعطاء برامج موحدة لجميع الطلاب في الميدان العلمي، وهي قضية يجب أن يعاد فيها النظر.
ولئن كانت هناك معوقات كثيرة ترتبط بالمؤسسات التعليمية الرسمية، فالمؤسسات التعليمية الخاصة، والمحاضن التربوية تملك من المرونة والحرية ما يعينها على تصميم برامج تراعي فيها الفروق الفردية، وتفاوت الإمكانات والقدرات وتفاوت الحرص والاهتمام العلمي، وألا تقدم لطلابها نسخة مكررة من البرامج التعليمية.
5- ينبغي أن تمتد أهدافنا لتعنى بالتربية العقلية، وألا تقف عند حدود إعطاء الجانب العلمي والمعرفي، خاصة وأن "مرحلة الشباب تعد أحسن أوقات حياة الفرد للتربية العقلية"(1).
فمن خلال التربية العقلية الصحيحة يمكن تهيئة الأرضية المناسبة للتلقي العلمي، ومن خلالها يملك الشاب الآلية التي تعينه على التعامل الصحيح مع المعلومات والمعارف التي يتلقاها.(115/2197)
كما يتجاوز أثر التربية العقلية الجانب العلمي إلى سائر مجالات حياة الشاب فلها نتائج مهمة "في حياة الفرد، وفي مشاعره وقيمه وأهدافه وتعامله وتعايشه وتصرفاته" (2).
و"عن طريق التربية العقلية يكون الفرد قادراً على إصدار أحكامه الصائبة على الأشياء، واستفادته من أخطائه وأخطاء غيره، والانتفاع بتجاربه وتجارب الآخرين، وقدرته على حل المشكلات ومواجهة المواقف"(3).
_____________
(1) الأسس النفسية والتربوية لرعاية الشباب. عمر الشيباني ص458.
(2) دور الأسرة في تربية أولادها في مرحلة البلوغ. عبدالرحمن عبدالخالق الغامدي. ص271.
(3) دور الأسرة في تربية أولادها في مرحلة البلوغ. عبدالرحمن عبدالخالق الغامدي. ص271.
ـــــــــــــــــــ
ابنتي مضطربة... كيف أجعلها تتحمل المسؤولية؟
أجاب عليه ... أ.د. ناصرالعمر
التاريخ ... 30 / 2 / 1426 هـ
السؤال
ابنتي مضطربة الشخصية، لعوبة ولا أعرف كيف أجعلها تكون واعية وتتحمل المسؤولية؟ أريد شخصيتها قوية ولا تخاف، أريد أن تكون ثقتها بنفسها عالية.
الاجابة
يبدو أنكِ السبب في ذلك، بطريقة التربية من خلال الأمر والنهي، وهذا منهج خاطئ، لا بد من عدة عوامل هي التي تتكون منها التربية الصحيحة، منها:
1- تعظيم الله في نفس الولد أو البنت.
2- القدوة الصالحة من الأم.
3- أن يكون الحوار أساساً في تحقيق المطلوب.
4- الجمع بين الحب والخوف، وهي المهابة، فالخوف وحده يحطم الشخصية، والحب وحده يضعف من مكانة الأبوين، والجمع بينهما هو الأسلوب الأمثل وهو (المهابة).
أصلح الله لك ذريتك، وجعلهم قرة عين لكم ومباركين أينما كانوا.
ـــــــــــــــــــ
أنا مهمومة وحزينة.. ما العلاج؟
أجاب عليه ... اللجنة التربوية
التاريخ ... 26/2/1426 هـ
السؤال
السلام عليكم
كيف أستطيع أن أنفس عن غضبي وعن الضيق والكرب الذي بي؟
وشكراً
الاجابة(115/2198)
أختنا الكريمة فرج الله كربها
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته
هناك حلول كثيرة لعلاج الهم والحزن والكرب والغضب، منها:
1- التجئي إلى الله بالدعاء والانطراح بين يديه _تعالى_، وكثرة الاستغفار، قال _تعالى_: "ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ" (غافر: من الآية60).
2- أكثري من ذكر الله وقراءة القرآن "أَلا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ" (الرعد: من الآية28)، فالقرآن شفاء للمؤمنين، قال الله _تعالى_ : "وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ وَلا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلَّا خَسَاراً" (الإسراء:82) وأعد الله الأجر العظيم للمكثرين لقراءة القرآن، فقال : " وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيراً وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً"(الأحزاب: من الآية35)، وكم يفرح الشيطان عندما يغفل المسلم عن ذكر الله "إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ" (المائدة:91)، والذي يعرض عنه يكون الهم والحزن صاحبه، قال _تعالى_: "وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى" (طه:124)، والمؤمن يتغير حاله عند سماعه للقرآن : "إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَاناً وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ" (لأنفال:2)، وتوعد الله القاسية قلوبهم بقوله : "أَفَمَنْ شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلْإِسْلامِ فَهُوَ عَلَى نُورٍ مِنْ رَبِّهِ فَوَيْلٌ لِلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ أُولَئِكَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ" (الزمر:22)، وعليك بأذكار الصباح والمساء فبسببهما يحصل الحفظ من الله لك.
3- احذري من المعاصي فهي سبب كبير في الهم والقلق، ومن المعاصي النظر للقنوات والصور والمجلات المحرمة، وكذلك سماع مزمار الشيطان ( الأغاني ) وكل ما يكون للشيطان مدخل عليك، فالشيطان يتبع الذي لا يذكر الله فيسبب له الهم والحزن "وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمَنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَاناً فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ(36) وَإِنَّهُمْ لَيَصُدُّونَهُمْ عَنِ السَّبِيلِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ مُهْتَدُونَ(37) حَتَّى إِذَا جَاءَنَا قَالَ يَا لَيْتَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ بُعْدَ الْمَشْرِقَيْنِ فَبِئْسَ الْقَرِينُ(38) وَلَنْ يَنْفَعَكُمُ الْيَوْمَ إِذْ ظَلَمْتُمْ أَنَّكُمْ فِي الْعَذَابِ مُشْتَرِكُونَ" (الزخرف: 36 -39)
4- كوني عالية الهمة ولا تلتفتي لصغائر الأمور، كالمشكلات الصغيرة في البيت أو المجتمع، بل حاولي إصلاحها إن أمكن، ولا تجعلي الأعمال والواجبات تتراكم عليكِ.
5- عند غضبك غيري الحال التي أنت عليها، فإذا كنتِ قائمة اجلسي، وهكذا.
6- توضئي فالوضوء ماء يطفئ نار الشيطان.
7- أكثري من الصلاة "وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخَاشِعِينَ" (البقرة:45) .
8- وكذلك عليك بالصبر "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ" (البقرة:153).
9- ابتعدي عن العزلة والانفراد ففيهما يوسوس الشيطان أكثر.(115/2199)
10- لا تكثري من التفكير الغير واقعي، كبعض الطموحات والأحلام التي يصعب منالها، وخاصة عند النوم، ولا تذهبي للفراش وليس فيكِ نوم؛ لأنها تكثر الأفكار والخواطر التي من خلالها ينشأ الهم والحزن.
11- ابحثي عن صحبة صالحة واستمعي لدروس العلماء.
12- لا بد لك من صديقة صادقة أمينة صاحبة سر موثوقة تساعدك وترشدك فتنفسي عما أصابك من خلال الجلوس معها وزيارتها.
13- ضعي برنامجاً عملياً واقعياً في حياتك اليومية من غير فتور أو حماس مندفع مع التدرج في تطبيقه، وابحثي عما يشغلك كأعمال البيت، أو دور التحفيظ.
14- وردت أدعية بها يكشف الله همك وضيقك منها:
أ – في الصحيحين قال: كان الرسول _صلى الله عليه وسلم_ يقول عند الكرب: "لا إله إلا الله العظيم الحليم، لا إله إلا الله رب العرش العظيم، لا إله إلا الله رب السموات ورب الأرض رب العرش الكريم".
ب – وللترمذي عن أبي هريرة قال: كان رسول الله _صلى الله عليه وسلم_ إذا همّه أمرٌ، رفع طرفه إلى السماء، وقال: "سبحان الله العظيم" وإذا اجتهد في الدعاء قال: يا حي يا قيوم.
ج – ولأحمد عن ابن مسعود مرفوعاً قال: "ما أصاب عبداً هم ولا حزن، فقال: اللهم إني عبدك، وابن عبدك، وابن أمتك، ناصيتي بيدك، ماضٍ فيَّ حكمك، عدل فيَّ قضاؤك، أسألك بكل اسم هو لك سميت به نفسك، أو أنزلته في كتابك، أو علمته أحداً من خلقك، أو استأثرت به في علم الغيب عندك أن تجعل القرآن العظيم ربيع قلبي، ونور صدري، وجلاء حزني، وذهاب همّي. إلا أذهب الله همه وحزنه، وأبدله مكانه فرحاً".
د – وللترمذي عن سعد مرفوعاً: "دعوة ذي النون لم يدع بها رجل مسلم في شيء قط إلا استجيب له" وفي رواية: "إني لأعلم كلمة لا يقولها مكروب إلا فرج الله عنه كلمة أخي يونس".
هـ - ولأبي داود أنه _صلى الله عليه وسلم_ قال لأبي أمامة: "ألا أعلمك كلاماً إذا أنت قلته أذهب الله _عز وجل_ همك، وقضى دينك؟ قل إذا أصبحت وإذا أمسيت: اللهم إني أعوذ بك من الجُبن والبخل، وأعوذ بك من غلبة الدين وقهر الرجال" قال: ففعلت ذلك، فأذهب الله _عز وجل_ همي، وقضى عني ديني.
و – ولأبي داود عن ابن عباس مرفوعاً: "من لزم الاستغفار جعل الله له من كل همٍّ فرجاً، ومن كل ضيق مخرجاً، ورزقه من حيث لا يحتسب".
ز – وفي (المسند) أنه _صلى الله عليه وسلم_ كان إذا حزبه أمر، فزع إلى الصلاة، ويُذكر عن ابن عباس مرفوعاً: "من كثرت همومه وغمومه، فليكثر من قول: لا حول ولا قوة إلا بالله".
15- زيارة طبيبة نفسية مسلمة موثوق بعلمها وأمانتها، فربما احتجتِ لإرشادها وعلاجها.
وننصح بقراءة كتاب (علاج الهموم) للشيخ محمد بن صالح المنجد.(115/2200)
نسأل الله _تعالى_ أن يعافينا من الهموم، وأن يفرِّج عنا الكروب، ويزيل عنا الغموم، إنه هو السميع المجيب وهو الحيّ القيوم.
ـــــــــــــــــــ
متعلق بالمربي.. اتبع الحكمة منهجاً
أجاب عليه ... همام عبدالمعبود
التاريخ ... 23/2/1426هـ
السؤال
نحن في محضن تربوي وحصل تعلق بيني وبين أحد المتربين، وبعد انقطاع رسائله بدأت مكالماته الكثيرة والغريبة لغرض سماع صوتي، وكان يتأكد من حضوري للبرنامج قبل أن يأتي، أريد حلاً بلا أثر سلبي فالقسوة تنفر وتحطم.
ملاحظة : المتربي عمره 15عاماً .
الاجابة
بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم :
أخانا في الله
السلام عليك ورحمة الله وبركاته،
وأهلاً ومرحباً بك، وشَكَرَ الله لك ثقَتَك بإخوانك في موقع "المُسلم"، ونسأل الله العلي القدير أن يجعَلَنا أهلاً لهذه الثقة، وأن يتَقَبَل منا أعمالنا وأقوالنا، وأن يجعلَها خالصة لوجهه الكريم، وألا يجعل فيها لمخلوق حظاً، وأن يرزقنا وإياك السداد والتوفيق، وأن يُجري الحق على ألسنتنا، إنه على ذلك قدير وبالإجابة جدير.. وبعد:
اعلم أخي – حفظك الله- أن قضية التعلق بين المتربي والمشرف، هي قضية قديمة جديدة، لا يكاد يخلو منها محضن من محاضن التربية، وأنها أضحت ظاهرة أزعجت الكثير من المشرفين والمربين، مما أدى إلى تباين وجهات نظرهم في طريقة التعامل معها، وقد يتعلق المتربي بشخص المشرف، فيكون هذا تعلقاً سلبياً، وقد يكون التعلق بسبب تفوق المشرف في تخصصه وقدرته الفائقة على الشرح والتوضيح، وهو تعلق إيجابي.
وقد أكبرت فيك حرصك عليه، واهتمامك بإصلاحه، والذي لاحظته من بعض العبارات التي وردت في رسالتك مثل :( أريد حلاً بلا أثر سلبي)، و (القسوة تنفر وتحطم)، كما حمدت لك ذكرك أن (عمره 15عاماً)، فلا يخفى عليك أن موضوع التعلق يختلف وفقاً لعدد من المعايير، منها: نوع التعلق، وأسبابه، كما أنه يختلف وفقاً لاختلاف عمر المتربي، وحسب طبيعة المشرف، والنظام التربوي المعتمد في المحضن، ومن ثم فإن لكل حالة حل يناسبها، وصاحبنا ما زال في مدة سنية لها أحكامها وخصائصها التي تميزها، وهو خلالها متقلب الرأي يحتاج للرعية والحنان الذي ربما يكون قد افتقده في أهله ويبحث عنه عندك .
واعلم أخي الكريم :
أن مواقف المربين تختلف من حيث المبدأ حول قبول من عدمه، ففيما يذهب بعض المربين إلى القول بعدم قبول مثل هذا الفرد في المحضن ابتداءً، خوفاً على المحضن(115/2201)
أو على بقية الأفراد، وحرصاً على عدم حدوث المشكلات، أو لأن مثله يحتاج إلى مزيد من العناية والاهتمام، وربما بسبب صعوبة التعامل معه. يرى آخرون قبوله، مع عدم المبالاة به والإعراض عنه أو تهميشه، انطلاقاً من أن هذا هو الأسلوب الأمثل لتربيته، أو ربما لأنه يخشى عليه من الضياع وتلقف أهل الشر له ومحاولة إفساده، في حال عدم قبوله.
وحتى أضع لك – أخي الفاضل - النقاط على الحروف وأكون أكثر تحديداً، فإنني أنصحك بمراعاة الآتي:-
1- أن تكون حكيماً في التعامل معه، و( الحكمة هي: وضع الشيء المناسب في المكان المناسب، في الوقت المناسب، بالقدر المناسب).
2- اجلس مع نفسك، وحاول رصد أسباب تعلقه بك، فإن معرفتك بأسباب المرض أول أبواب العلاج، فربما كان مفتقداً للحنان في أهله .
3- حدد نوع تعلقه بك بمنتهى الدقة، وذلك بمعرفتك هل هو متعلق بشخصك، أم أنه معجب بأسلوبك في التربية، وطريقتك في الشرح، ومنهجك في التقويم، فإن ذلك يسهل لك معرفة نوع تعلقه بك والحكم عليه : هل هو تعلق سلبي فنبحث له عن علاج أم إيجابي فنستثمره .
4- بعدما رصدت أسباب تعلقه بك ، وحددت نوع تعلقه، فإنه حري بك أن تبحث له عن الحل المناسب لحالته، مع الوضع في الاعتبار أن (الزمن جزء من العلاج)، فإن كان تعلقه إيجابياً فبها ونعمت و إلا فإنه يجب عليك أن تضع له برنامجاً خاصاً لإصلاحه.
5- إذا وجدته متعلقاً بشخصك، فعليك أن تضع له برنامجاً تربوياً خاصاً به، وتحدد له مدة معينة، على أن يحتوي البرنامج على بعض التكاليف الإيجابية التي تناسب حاله، كما أن عليك أن تقلل اتصالك به ولقاءك معه، وأن تقصر اتصالك به على اللقاء التربوي الجمعي.
6- بعد انتهاء مدة البرنامج، عليك أن تقف مع نفسك وقفة، لترى هل حقق هذا البرنامج الهدف المرجو منه، وهل أحرزت الحالة تقدما أم لا؟ فإن رأيت تقدماً فاحمد الله، و إلا فعليك بآخر العلاج .
7- اجعل آخر العلاج الكي، فإذا تأزم الأمر واستفحلت المشكلة يمكنك نقله إلى محضن تربوي آخر، مع مراعاة الحكمة الشديدة فيه حتى لا يؤتي هذا النقل آثاراً سلبية، بأسلوب غير مباشر كأن يقال له: إن المحضن الآخر بحاجة إليك أو أنه الأقرب إليك، أو بنقله إلى محضن أفراده كبار في السن إذا كان مقارباً لهم في السن، أو بتحويله إلى أحد المربين الذين يتقنون فن التعامل مع هذا النوع من الأفراد .
وحتى تستكمل خطوات منهج العلاج السابق، فإنني أوصيك بعدد من الملاحظات الجديرة بالانتباه إليها، وهي :-
1- احذر أن تنتقل عدواه إلى الآخرين.
2- لا تنشغل به عن غيره من الأفراد.
3- احرص على ألا يحدث بسببه تفكك داخل المحضن.
4- احذر من تجرؤه عليك بسبب مخالطتك معه ولينك له.(115/2202)
5- كن وسطياً في التعامل معه، فلا تهمله فيكرهك ولا تبالغ في الاهتمام به.
6- لا تضيع وقتك معه في غير فائدة، بل نبهه إلى أهمية الوقت، وأنه رأس مال المسلم.
7- عليك أن تستشر المربين وأصحاب الخبرات كلما عنت لك مشكلة في التعامل معه.
8- كن حذراً في التعامل معه، مخافة إساءة الظن بك ، واحذر الجلوس والذهاب وحدكما، وحتى لا تفتح باب القيل و القال.
9- انتبه إلى تصرفاته التي قد يبدو منها إعجابه بذاته واغتراره بنفسه وتعاليه على زملائه.
10- اجعله يرى فيك القدوة في الزهد والتواضع، وبين له مقومات الصديق الصالح وعلمه كيف يختاره .
11- احرص على العدل في الاهتمام بينه وبين بقية الأفراد حتى لا يتشككوا في مصداقيتك وسلامة منهجك.
12- حاول أن تغرس فيه خلق التواضع والزهد، وأخبره المهم هو الباطن لا الظاهر، وأن الله لا ينظر إلى القالب بل إلى القلب.
13- عوده القراءة في سير السلف الصالح، ليعرف زهدهم، واصطحبه لزيارة الزاهدين من العلماء، وتأمل أحوال الفقراء والمساكين.
14- املأ وقت فراغه بتكليفات شرعية نافعة، كأوراد القرآن والذكر وصلة الرحم وقراءة كتاب موجه، على أن يقدم لك تلخيصاً له.
15- كلفه القيام ببعض الأعمال البدنية ليتعود الخشونة، والتحمل والصبر، وربما تقضي الحكمة أن تستخدم معه أسلوب الشدة أحياناً.
وختاماً؛
أسأل الله ليّ ولك العفو والعافية في الدين والدنيا والآخرة، وأدعوه _سبحانه_ أن يهديك إلى صراطه المستقيم، وأن يرزقني وإياك الثبات على الحق، وأن يصرف عني وعنك شياطين الإنس والجن بحوله وقوته إنه رب ذلك والقادر عليه... آمين
ـــــــــــــــــــ
ابني ومشاهدة الفضائيات ... المشكلة والحل
أجاب عليه ... خالد رُوشه
التاريخ ... 5/ 2/ 1426 هـ
السؤال
ولدي قد اعتاد مشاهدة البث الفضائي للقنوات الفضائية، حتى تطور الأمر به أنه يضيع معظم وقته في مشاهدة التليفزيون، وهو في ذلك لا يستطيع انتقاء النافع من الضار، ولا الطاعة من المعصية _والمضرة والمعصية أكثر وللأسف_ وقد لاحظت تغيراً كبيراً في تصرفاته وأفكاره مما يبعده عن الأخلاق الإسلامية المطلوبة، فكيف ترون مشكورين ما عليّ عمله في علاج ذلك ؟
الاجابة(115/2203)
لاشك أن قضية الآثار السلبية المترتبة على مشاهدة ومتابعة البث الفضائي المباشر هي قضية يعاني منها الكثير من الآباء والمربين لما يترتب عليها من مضار كبيرة على المستويين الفردي والاجتماعي .
والحل من وجهة نظرنا يشترك فيه طرفان أساسيان، هما :
الطرف الأول: هم المسؤولون الإعلاميون الذين ينبغي عليهم منع بث ما يضر ويخالف التوجيهات الشرعية والإيمانية، وهم في ذلك مسؤولون أمام الله، إذ إنه _سبحانه_ سائل كل راع عمن استرعاه .
والطرف الثاني: وهم المربون الذين عليهم عبء التوجيه السليم وعلاج الأمراض الفردية والاجتماعية .
وعلى المستوى التربوي فإن حل تلك المشكلة يكمن في الخطوات الآتية ( وهي خطوات مترابطة لا يمكن فصلها عن بعضها كما لا يمكن الاستغناء عن أحدها بالآخر ) :
1- بناء الخلفية الشرعية : وأقصد بذلك ما يتعلق بتعليم الأبناء والمتربين الأحكام الشرعية الإسلامية فيما يتعلق بالحلال والحرام في متابعة ومشاهدة تلك البرامج، ويدخل في ذلك حكم نظر المرأة للرجال الأجانب عنها، وحكم نظر الرجال للنساء الأجنبيات، وكذلك أحكام العورة وما يتعلق بالنظر إليها، وكذلك الأحكام الشرعية فيما يتعلق بالغناء والتمثيل والرقص وما شابهه، كذلك أحكام الاختلاط بين الرجل والمرأة والشاب والفتاة، وحكم ما يروج له من العشق بين الجنسين، وحدود المعاملات الاعتيادية بين الجنسين، وكذلك أحكام اللباس في الإسلام وشروطه بالنسبة للرجال والنساء، ومن قبل ذلك استنبات كل هذه المعاني من أصل الاستسلام لله في أمره ونهيه.
2- تكوين الدافعية الإيمانية : ويعني ذلك محاولة تنمية الجانب الإيماني عند المتربي في الإقبال على المرغوب فيه أو الامتناع عنه، فيجب أن يتفهم المتربي أن ارتباطه بالمشاهد السيئة واللاأخلاقية هي منقصة في إيمانه، وأن المؤمن التقي هو الذي يبتعد بنفسه عن مواقع المجون واللهو والعبث ولا يجلب لنفسه آلاف الذنوب والسيئات طوال مدة مشاهدته للتلفاز وقضائه للأوقات الطويلة أمامه، وأن كثرة ارتباطه بما يبثه الطبق الفضائي على شاشاته من المخالفات الأخلاقية هي مؤثرة في مرض قلبه بالشهوات ومبعدة له عن ركب الصالحين ...
3- الاختيار الانتقائي : فإنه مع انتشار البث الفضائي ودخوله معظم البيوت لزم من بيده التوجيه في كل بيت أن يقوم بعملية انتقائية للبرامج والمواد التي تعرض، وأن يتخير منها بوضوح البرامج الإيمانية النافعة أو الثقافية الدافعة أو الترفيهية المقبولة شرعاً، وقد يرى البعض إغلاق ذلك الباب بالكلية بحيث تمنع الأجهزة تماماً من البيوت ويحظر على المتربين مشاهدتها بالكلية، وفي ذلك الأمر تفصيل دقيق يلزم المربي معرفته بجلاء، فهناك الآن من القنوات الإسلامية ما يقتصر في بثه على البرامج الإيمانية والترفيهية المباحة والثقافية المفيدة، وهذا ولاشك قد يتيح البديل المقبول للقنوات الأخرى ذات التوجه الممنوع، كما أن المنع الكامل عن تلك الأجهزة لن يحقق ذلك المنع المراد للمتربي، حيث إنه يشاهدها في مختلف الأماكن والبيوت(115/2204)
المختلفة مما قد يربي عنده شعوراً غير موجه ناحيتها، فقط يجب على كل مرب توجيه الاختيار نحو تلك القنوات الإسلامية وتوجيه المنع الكامل للقنوات الأخرى غير المرغوب فيها حتى لو كان بها بعض المفيد .
4- تربية المراقبة الذاتية : يعمد كثير من المربين نحو مراقبة أبنائه في مشاهدة التلفاز أو ما يشابهه مراقبة هي أقرب إلى التقييد والتضييق الذي يجعل معه للمتربي شعوراً بعدم الثقة فيه أو الظن في إمكانية وقوعه في المحظور، فتراه يراقبه مراقبة التجسس ويحاسبه محاسبة سوء الظن، ونحن نحذر من تلك الطريقة في التوجيه والمتابعة، حيث إنها قد تعود بالسلب على المتربي والأبناء وتدفعهم للتخفي في فعل الخطأ، ولكننا نوجه تجاه سلوك من المراقبة الذاتية للأفراد تنمي عندهم شعورهم بالمسؤولية الذاتية الفردية، وعدم المراءاة في فعل الطاعة أو في ترك المعصية، وكذلك نوجه تجاه نوع من المراقبة يبث الثقة والجدية في نفسية المتربي ولا يشبه سلوك الشرطي المراقب لمرتكب المحذور !!
5- إيجابية القدوة : وأقصد بذلك ما يقوم به المربون من سلوك وأفعال هم بذواتهم تجاه مشاهدتهم البث الفضائي ومتابعتهم للبرامج المعروضة على شاشات التليفزيون أو غيره، فلا يمكن بحال أن ينهى المربي عن خلق ويأتي مثله ؛ لأنه بذلك يعرض جميع توجيهاته ونصائحه التي ينصح بها متربيه إلى السخرية والإهمال، إذ يراه أبناؤه ومتربوه وهو يخالف ما يدعوهم إليه وما ينصحهم به ليل نهار فتتكون عندهم الرغبة في فعل مزدوج هو متابعة تلك البرامج الفاسدة مع الحذر من رؤية والدهم أو مربيهم لهم ، وينتج عن ذلك محظورات كبيرة قد تحصد أثارها السلبية بعد مدة !
6- التغذية النفسية : وأعني بها تلك التوجيهات المباشرة وغير المباشرة تجاه السلوك المراد فعله وضد ما يراد الإقلاع عنه، وكذلك الدعم النفسي تجاه السلوك الإيجابي المستمر، فالمربي عليه دوام التشجيع للسلوك الإيجابي وتقديم الدعم والعطاء والجائزة له على ذلك السلوك، كذلك تمثل الجمل المستمرة والمتكررة في وصف خلق ما أو فعل ما عنصراً هاما في بناء الثقة النفسية كتكرار قوله _تعالى_: " وخافون إن كنتم مؤمنين " أو قول النبي _صلى الله عليه وسلم_:" اتق الله حيثما كنت " ومثاله ويحسن أن تكرر مثل تلك الجمل ويختار لها موقعاً مناسباً ووقتاً موائماً، وكذلك شكر الفعل الإيجابي أمام الأقران والمقربين وغير ذلك من الأساليب التربوية الناجحة
ـــــــــــــــــــ
التخلص من الطباع السيئة.. التخلية قبل التحلية
أجاب عليه ... همام عبدالمعبود
التاريخ ... 27/1/1426هـ
السؤال
ما الطريقة المناسبة للتخلص من الطباع السيئة ؟
الاجابة
بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، صلى الله عليه، وعلى آله وصحبه وسلم :(115/2205)
أخانا في الله
السلام عليك ورحمة الله وبركاته،
وأهلاً ومرحباً بك، وشَكَرَ الله لك ثقَتَك بإخوانك في موقع "المُسلم"، ونسأل الله العلي القدير أن يجعَلَنا أهلاً لهذه الثقة، وأن يتَقَبَل منا أعمالنا وأقوالنا، وأن يجعلَها خالصة لوجهه الكريم، وألا يجعل فيها لمخلوق حظاً، وأن يرزقنا وإياك السداد والتوفيق، وأن يُجري الحق على ألسنتنا، وأن يجعلنا وإياك ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، إنه على ذلك قدير، وبالإجابة جدير.. وبعد :
اعلم أخي – حفظك الله- أن التخلص من الطباع السيئة يحتاج إلى عدد من الأمور، منها:-
1- معرفة واعية بهذه الطباع السيئة، وتحديد أنواعها، ودرجاتها .
2- عزيمة لا تلين، وتصميم لا ينثني، ورغبة صادقة في التغيير، قال _تعالى_ :" ... إِنَّ اللَّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ وَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِقَوْمٍ سُوءاً فَلاَ مَرَدَّ لَهُ وَمَا لَهُم مِّن دُونِهِ مِن وَالٍ ".
3- ترتيب أولويات التغيير حسب الأهمية، أو حسب الرأي القائل بأن البدء بتغيير "المنكر الأصل" أولى من "المنكر الفرع"، فننظر في هذه الطباع السيئة المراد التخلص منها، ونحدد أيها أولى بالتخلص، فمثلاً لو إنسانا عنده عدة طباع سيئة، مثل: "الكذب"، و" الجبن"، و " الخيانة"، و" الغش"، فلو أراد التخلص من هذه الطباع جملة لعجز، ولكنه لو تخلص منها شيئاً فشيئاً لأفلح، ولكن عليه أن يدع " الكذب" أولا فإنه رأس البلايا، ثم ليدع "الخيانة" وهكذا ...
4- الصبر الشديد على إصلاح نفسه؛ لأن الشياطين – شياطين الإنس والجن – لن يدعوه يصلح نفسه، وسيلتفون حوله محاولين إضعاف عزيمته، وتشكيكه في جدوى التوبة والعودة، بدعوى أنه لا أمل في الإصلاح، ولن تستطيع أن تتخلص من طباعك السيئة هذه فالطبع يغلب التطبع، وووو ....إلخ، والحق أن التخلص من الطباع السيئة يحتاج إلى صبر جميل .
5- اعلم أن جناحي الإصلاح والتربية الصحيحة، هما : التخلية والتحلية، ولا بد من التخلية قبل التحلية، فلن يتحول الإنسان عن الكذب حتى يتمسك بالصدق، ولن يتخلص الإنسان من الجبن إلا إذا صار شجاعاً، ولن يتم للمرء التخلص من صفة الخيانة إلا إذا صار أمينا، وقد صدق الله إذ يقول: "فَمَن يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الوُثْقَى "، فقد قدم الله الكفر بالطاغوت على الإيمان بالله، ولعل هذا ما يفهم من قول: " لا إله إلا الله" فقد نفى الله _سبحانه_ الألوهية عن كل أحد ثم أثبتها لله وحده، فالعلم بالتعلم والحلم بالتحلم ، وهذا ما يفهم من كلام الإمام ابن القيم – رحمه الله – عندما قال: " من أراد أن يتخلق فليتصنع " .
6- ضرورة اللجوء إلى الله والتوسل إليه _سبحانه_ بإيماننا به وبحبنا له وبطاعتنا له، أن يعيننا على التخلص من الطباع السيئة التي تملك علينا حياتنا، وهذا أمر حيوي، إذ من الأهمية بمكان أن نتعلم كيف نلجأ إلى الله وكيف ندعوه أن يكشف عنا، فوثق صلتك بربك واقترب منه بالطاعات والنوافل لتحصل على حبه، فإذ أحبك أرشدك للخير وخلصك مما علق بك من أدران المعصية والخلق الرديء .(115/2206)
7- اتخذ لك ممن تثق بدينهم أصدقاء وقرناء يدلونك على طريق الله، ويذكرونك بربك إن نسيته، و يعينوك على طاعته _سبحانه_، ويكونوا لك الناصح الأمين، والعين المبصرة، والمستشار المؤتمن، قال _تعالى_: "الأخِلاَّءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلاَّ المُتَّقِينَ" .
وختاما؛
أوصيك ونفسي بتقوى الله فإنها خير زاد للمرء في هذه الدنيا، وأخلص العمل يكفك منه القليل، واصدق الله يصدقك، وأسأل الله ليّ ولك العفو والعافية في الدين والدنيا والآخرة، وأدعوه _سبحانه_ أن يهديك إلى صراطه المستقيم، وأن يرزقني وإياك الثبات على الحق، وأن يصرف عني وعنك شياطين الإنس والجن بحوله وقوته إنه رب ذلك والقادر عليه... آمين
ـــــــــــــــــــ
كيف أنشر الخير بين الطلاب؟
أجاب عليه ... اللجنة التربوية
التاريخ ... 2/2/1426 هـ
السؤال
كيف أستطيع نشر الخير بين الطلاب؟ علما بأني من أحب المدرسين وأقربهم للطلاب. ولكم جزيل الشكر.
الاجابة
أخي الكريم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أخي الحبيب هذه نعمة من نعم الله عليك، وتحتاج إلى شكر بالفعل والقول في أن حباك حب الطلاب لك .
والموضوع يطول، ولكن إليك بعض التوجيهات المختصرة:
1- اربطهم بالله _سبحانه_ في مراقبته والإخلاص له، وعبادته بجميع أنواعها من صوم وصلاة وصدقة وعمل خير وبر وغيرها من أنواع العبادة، وقراءة القرآن، واستغل مناسبات العبادة كرمضان، أو الاستسقاء، أو الخسوف أو الأعياد، وليكن لك دور في استغلالها.
2- حببهم للرسول _صلى الله عليه وسلم_، وذلك من خلال ذكر سيرته ومواقفه ودعوته وجهاده وأخباره.
3- اربط المنهج بالواقع، وتكلم معهم عن الواقع وكيفية تغييره _على حسب أعمارهم_.
4- أكثر من القصص الحقيقية الواقعية التي تناسبهم أو قصص السيرة والسلف، وابتعد عن المكذوب والمبالغ فيه.
5- شارك الطلاب همومهم وأحزانهم وأفراحهم، واستغل المواسم والمناسبات وتفقدهم.
6- سيكون من طلابك نوابغ فأيقظ فراستك، واهتم بهم وضع لهم برامج تناسبهم وتكون متدرجة واقعية.(115/2207)
7- انقل الصورة الحقيقية لأهل الخير والاستقامة، وذلك بالأخلاق الحسنة كما كان الرسول يعمل مع أصحابه من ابتسامة، وكرم وحسن معاملة، وطيب تعامل، وطلاقة وجه، والإقبال على المتكلم وعدم إسكاته بل الإنصات والاستماع، واختيار أفضل العبارات، ومناداتهم بأحب الأسماء ويفضل أن تكنيهم وتناديهم بها.
8- ضع هدايا ولتكن لها مناسبة كحفظ سورة أو حديث أو ذكر، ولا تميز أحداً دون أحد من غير سبب.
9- وزع الأشرطة والكتب والمطويات والقصص، وليكن لها مناسبة أو تعطي نبذة عنها فهي أدعى للاحتفاظ بها وقراءتها والاستماع لها.
10- شجع الطلاب على الالتحاق بحلق القرآن في المساجد، وجميل أن تربط العلاقة بينك وبين مشرفي الحلقة، وكذلك دعوتهم للتسجيل في المراكز في الإجازات ففي ذلك نفع لهم وخير كبير.
11- أقم في المدرسة نشاطاً، وخاصة قبل الدرس الأول وفي الفسح، ويكون في ذلك تسميع للقرآن أو الأحاديث أو الأذكار أو مسابقات أو قصص ونحوها.
12- أشعل بينهم روح التنافس واحذر من التباغض أو العداء، واجعلهم يعملون كفريق ولا تعودهم على أن يكون النجاح فردياً بل جماعياً.
13- داوم على العمل واحذر من الانقطاع أو اليأس، وجميل أن تشرك معك غيرك في العمل من المعلمين والطلاب.
14- قدم برامج مفيدة يستفيد منها المعلمون والطلاب كاستضافة طلاب العلم والتائبين والمربين والأطباء ونحوهم.
15- احرص على "المبادرة" في تقديم أي مشروع ولا تنتظر التوجيه.
16- ابتعد عما يشكل واحذر من المصادمة خاصة مع الإدارة أو المعلمين وعليك بالحكمة.
17- لا يكن همك كيف يحبونك، بل كيف توجه هذا الحب لله وفي الله وتنقلهم إلى الحب الحقيقي.
18- بعد مدة سيتخرج الطلاب من مدرستك، فإلى أي مدرسة سيذهبون ومن يتابعهم هناك؟ فلا بد من ربط علاقة بينك وبين مدرسي المدارس المجاورة لمدرستكم حتى تستمر المتابعة ويستمر العطاء.
19- اسع دائماً إلى الإبداع والتجديد، وللأسف فقد أصبح الجمود والخمول سمة في المدارس والمدرسين.
20- ضع مسابقات أسرية، وبرنامج "استبدال أشرطة الأغاني" وكن متابعاً له بدقة حتى لا يتم إدخال الأغاني للمدرسة، بل ضع شروطاً وضوابط ، وضع صندوقاً للمشاكل والحلول، واستغل الإذاعة في تقديم المفيد والجيد، وأتمنى أن تجهز "حقيبة الانتظار" ليستفيد منها جميع المعلمين لشغل حصص الانتظار، ويفضل أن تكون عدة حقائب، وتكون متنوعة ومختلفة المضمون من كتيبات ومجلات وقصص ومسابقات.
نسأل الله أن يجعل عملك خالصاً لوجهه الكريم
ونسأله أن يجعلك مباركاً أينما كنت، وللمتقين إماماً.(115/2208)
ـــــــــــــــــــ
اتصل عليّ.. فأحببته
أجاب عليه ... اللجنة التربوية
التاريخ ... 24/1/1426هـ
السؤال
اتصل بي شخص، وقال: بأنه يحبني كثيراً ومع كثرة الاتصالات وقعت بحبه، ولكن عندما يتصل بي يطلب مني بأن أكلمه عن ليلة الدخلة، وهو يمارس العادة السرية.
وأريد منكم مساعدتي وإرشادي للطريق الصحيح أرجوكم أنا ملتزمة جداً .
الاجابة
أعوذ بالله كيف تكونين ملتزمة وتتعرفين على هذا الذئب، إن للزواج أبواباً "وَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوَابِهَا" (البقرة: من الآية189).
من خلال رسالتك تبين خداعه لك فهو يريد أن يقع بك ومن ثم يرميك كما ترمى النفايات، هذه نهايتهم إنه الحب الخادع، إنه الكذب، وقد يكون حبك له عقوبةً من الله لك بسبب تصرفك معه، كيف تخونين أهلك وتتعرفين عليه؟!! أتريدين أن تعرفي صدق هذا من كذبه اطلبي منه أن يحضر لأهلك ويخطبك الخطبة الشرعية ويتزوج منك، فإن اعتذر منك بأسباب يخيل إليك أنها قوية كالدراسة أو ظروف الأهل أو غيرها فأخبريه أن يتعرف على أهلك فقط ، والزواج فيما بعد، وستجدين كيف يجيبك!
والذي أنصحك به حتى لا تكوني فريسة له كغيرك مما نعرف من القصص التي كتبتها ممن وقعت في الفخ ثم رمين وبعضهن حبلى بالفاحشة؛ أنصحك بأن تذهبي إلى أحد إخوانك الثقات ممن يحسن التصرف وتصارحيه بالأمر؛ لأن هذا الذئب سيهددك إذا رفضتِ مقابلته بالأشرطة التي سجلها عليك وسيفضحك بها، لكن ثقي أن أهلك أحرص الناس عليكِ وأقرب الناس لحلها، أو اتصلي على الهيئات فسيساعدونك ويسترون عليك.
أختاه الأمر يحتاج إلى بتر وقطع وقوة قرار "ومن ترك شيئاً لله عوضه الله خيراً منه".
وتوبي إلى الله واستغفريه، فأنت على خطر عظيم وعار شنيع سيتبعك ويتبع أهلك.
استيقظي من غفلتك فالبيوت لها أبواب تطرق، وهذا اللص سطا عليكم فاحذري .
اتجهي إلى الله وأخلصي في الدعاء وألحّي عليه، واسأليه إن كان به خير أن يأتي إلى أهلك، وإن كان به شر أن يصرفه عنك.
ـــــــــــــــــــ
المفهوم الصحيح للعبادة
أجاب عليه ... جمّاز الجمّاز
التاريخ ... 20/ 1 / 1426هـ
السؤال
ما هي العبادة؟(115/2209)
أطرح هذا السؤال؛ لأن بعض الناس أول ما يسمع كلمة العبادة ينصرف فكره إلى الصلاة والصيام وينسى بعض أولويات العبادة، مثل: حسن الخلق وغيره من الأعمال الصالحة، فأرجو توضيح مفهوم العبادة للمسلم.
الاجابة
الحمد لله رب العالمين، وبعد:
العبادة في اللغة: الذل والخضوع والانقياد.
وفي الاصطلاح: اسم جامع لما يحبه الله ويرضاه من الأقوال والأعمال الظاهرة والباطنة، واختاره ابن تيمية.
والعبودية كما قال الجرجاني: هي الوفاء بالعهود، وحفظ الحدود، والرضا بالموجود، والصبر على المفقود.
والمفرق بين الطاعة والعبادة كما ذكره أبو هلال العسكري:
أن العبادة غاية الخضوع، والطاعة هي الفعل الواقع من العبد.
قال القرطبي: أصل العبادة: التذلل والخضوع، وسميّت بذلك؛ لأن العباد يلتزمونها ويفعلونها خاضعين متذللين لله _تبارك وتعالى_ ا.هـ.
والعبادة ضرورة؛ لأنها غذاء للروح، فإذا حُرمت الروح غذاءها أصابها ما يصيب الجسد عند الجوع، فيتخبط ويصيبه الجزع والهلع والانحراف، ولذا يلجأ البعيدون عن الله _تعالى_ إلى كل مسكر حتى ينسوا أنفسهم.
والعبادة ضرورة، فهي أداء للأمانة، وذلك بتنفيذ ما أمره الله به، ومن فعل ذلك أدى الله له الأمانة بالحفظ والتوفيق والخير، ومن أصلح فيما بينه وبين ربه، أصلح الله فيما بينه وبين زوجه وولده ودابته، ومن حفظ أمانة الله، حفظ الله أمانته.
وبما أن الحكمة من خلق الخلق عبادة الله _تعالى_ وتقواه، فمن غير الممكن قصرها على ركعات خاشعة يؤديها المسلم خمس مرات في اليوم والليلة، ولا على أيام من العام معدودة يصومها العبد طاعة لله _سبحانه_، ولا على جزء من المال يدفعه زكاة ليطهِّر بها نفسه وماله، ولا على حج البيت الحرام عند الاستطاعة مرة في العمر، فإن هذه العبادات كلها مع جلالتها لا تستغرق من حياة العبد إلا جزءاً يسيراً، فهل يُعقل أن يُترك أغلب ساعات عمره وأيام حياته، دون عبادة الله، والله _جل وعلا_ إنما خلقه لها؟
إن قصر العبادة في الإسلام على مجرد الشعائر التعبدية، وحصرها في مجرد علاقة العبد بربه، وعدم تعميمها على سائر جوانب الحياة المختلفة، دعوى يدحضها القرآن الكريم، كما قال _تعالى_: "وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَاناً لِكُلِّ شَيْءٍ" (النحل: من الآية89).
وكما في توجيهه _عز وجل_ لنبيه _صلى الله عليه وسلم_ أن يُصرِّح بذلك في قوله _تعالى_: "قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ لا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ" (الأنعام:162، 163)، وتكذِّبها إرشادات السنة المطهرَّة في سائر أمور الحياة، حتى قال أبو ذر _رضي الله عنه_ فيما صحَّ عنه: "لقد تركنا محمد _صلى الله عليه وسلم_ وما يحرِّك طائر جناحيه في السماء إلا أذكرنا منه علماً" خرّجه أحمد(1).(115/2210)
ويرد هذه الدعوى أيضاً: التأمل فيما كتبه علماء الإسلام وفقهاؤه من بيان وتوضيح لتشريعات الإسلام وتعليماته في جميع مناحي الحياة.
إن القول بكون العبادة شاملة لجميع جوانب الحياة، قول معلوم من الدين بالضرورة، حتى شهد بها غير المسلمين، كما قال رجل لسلمان الفارسي _رضي الله عنه_: "علّمكم نبيكم حتى الخراءة – يعني: آداب قضاء الحاجة – قال سلمان: أجل لقد نهانا أن نستقبل القبلة لغائط أو بول أو أن نستنجي باليمين أو أن نستنجي بأقل من ثلاثة أحجار أو أن نستنجي برجيع أو بعظم" خرّجه مسلم(2).
إذن العبادة شاملة لجميع مناحي الحياة، وهي متعدّدة ومتنوعة، ومنها:
1 – عبادة قلبية:
وهي الأساس لما بعدها من أنواع؛ لأنه يترتب على الإخلال بها الدخول في الشرك الأكبر أو الأصغر، وسُمّيت قلبية؛ لأنها من قول القلب وعمله، وأعظم العبادات القلبية وأساسها: الاعتقاد بأن الله هو رب العالمين، الذي له الملك والخلق والأمر، والاعتقاد بأن له أسماء حسنى، وصفات حسنى، هي صفات كمال وجمال وجلال، والاعتقاد بأنه هو وحده _سبحانه_ لا شريك له، الإله الحق الذي لا يستحق العبادة سواه، ومنها:
الإخلاص والمحبة والخوف والرجاء والتوكل والخشوع والخضوع والتوبة والإنابة وطهارة القلب، ونحو ذلك.
2 – عبادات قولية:
سمّيت بذلك؛ لأنها من قول اللسان ولفظه، وأعظمها النطق بكلمة التوحيد، ومنها: الذكر والدعاء والاستعاذة والبسملة والاستغفار، ونحو ذلك.
3 – عبادات بدنية:
سُمّيت بذلك؛ لأن العبد يؤديها ببدنه، ومن أعظمها:
الصلوات، والصيام، والجهاد في سبيل الله _تعالى_، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والدعوة إلى دين الله _تعالى_، والإحسان إلى الناس، والتحلّي بمكارم الأخلاق من كفٍّ للأذى، وبذلٍ للندى، والابتسامة، والبشاشة، وصلة الأرحام، وبر الوالدين، وإصلاح ذات البين، وعيادة المريض، وإماطة الأذى عن الطريق، والعمل من أجل كسب لقمة العيش، سوار بالتجارة أو الوظائف، ونحو ذلك، وهكذا عمل الإنسان بعامة، إذا كان في دائرة الشرع، وكل عمل اجتماعي نافع.
وفي حديث أبي الدرداء _رضي الله عنه_ أن النبي _صلى الله عليه وسلم_ قال: "ألا أخبركم بأفضل من درجة الصيام والصلاة والصدقة"؟ قالوا: بلى. قال: "صلاح ذات البين، فإن فساد ذات البين هي الحالقة" خرّجه الترمذي وصحّحه(3). وهو صحيح(4).
وفي حديث كعب بن عجرة قال: مرَّ على النبي _صلى الله عليه وسلم_ رجل، فرأى أصحاب رسول الله _صلى الله عليه وسلم_ من جَلَدِه ونشاطه، فقالوا: يا رسول الله! لو كان هذا في سبيل الله؟ فقال رسول الله _صلى الله عليه وسلم_: "إنْ كان خرج يسعى على ولده صِغاراً فهو في سبيل الله، وإن كان خرج يسعى على أبوين شيخين كبيرين فهو في سبيل الله، وإن كان خرج يسعى على نفسه يعفّها فهو في سبيل الله،(115/2211)
وإن كان خرج يسعى رياءً ومفاخرة فهو في سبيل الشيطان" رواه الطبراني في الثلاثة ورجال الكبير رجال الصحيح(5). وهو حسن(6).
4 – عبادات مالية:
وهي التي تعتمد على المال وحده، كالزكاة والصدقات.
5 – عبادات بدنية مالية:
وهي التي ترتكز على عمل البدن وبذل المال كالحج والعمرة والأضاحي.
وبالله التوفيق، وصلى الله وسلم على نبينا محمد بن عبد الله وعلى آله وصحبه أجمعين.
_______________
(1) مسند أحمد، ط الرسالة ج35 ص290 رقم "21361".
(2) صحيح مسلم ومعه شرح النووي ج3 ص154-155 رقم "262".
(3) سنن الترمذي رقم "2509".
(4) صحيح سنن الترمذي، للألباني ج2 ص307 رقم "2037".
(5) مجمع الزوائد، للهيثمي ج4 ص325.
(6) صحيح الترمذي، للألباني ج2 ص306 رقم "1692".
ـــــــــــــــــــ
التربية الإيمانية
أجاب عليه ... محمد الدويش
التاريخ ... 17/1/1426هـ
السؤال
ما أهمية التربية الإيمانية؟
الاجابة
تبدو أهمية التربية الإيمانية وضرورة الاعتناء بها من خلال أمور عدة، من أهمها ما يلي:
الأول: الإيمان هو أفضل الأعمال:
عن أبي هريرة - _رضي الله عنه_ - أن رسول الله _صلى الله عليه وسلم_ سئل: أي العمل أفضل؟ فقال: "إيمان بالله ورسوله" قيل: ثم ماذا؟ قال: "الجهاد في سبيل الله" قيل: ثم ماذا؟ قال: "حج مبرور"(1).
وعن أبي ذر _رضي الله عنه_ قال: سألت النبي _صلى الله عليه وسلم_ أي العمل أفضل؟ قال: "إيمان بالله وجهاد في سبيله" قلت: فأي الرقاب أفضل؟ قال: "أعلاها ثمناً وأنفسها عند أهلها" (2).
وعن عبد الله بن أبي قتادة عن أبي قتادة أنه سمعه يحدث عن رسول الله _صلى الله عليه وسلم_ أنه قام فيهم فذكر لهم أن الجهاد في سبيل الله والإيمان بالله أفضل الأعمال(3).
الثاني: الإيمان مناط النجاة يوم القيامة:(115/2212)
عن أبي هريرة -_رضي الله عنه_- قال: قال رسول الله _صلى الله عليه وسلم_:"لا تدخلون الجنة حتى تؤمنوا، ولا تؤمنوا حتى تحابوا، أولا أدلكم على شيء إذا فعلتموه تحاببتم؟ أفشوا السلام بينكم"(4).
الثالث: تفاوت الناس يوم القيامة على أساس الإيمان: وهذا التفاوت له ميادين منها:
أ - تفاضل أهل الجنة فيما بينهم؛ فعن أبي سعيد الخدري- _رضي الله عنه_- أن النبي _صلى الله عليه وسلم_ قال: "إن أهل الجنة ليتراءون أهل الغرف من فوقهم كما تتراءون الكوكب الدري الغابر من الأفق من المشرق أو المغرب لتفاضل ما بينهم" قالوا: يا رسول الله، تلك منازل الأنبياء لا يبلغها غيرهم، قال: "بلى والذي نفسي بيده رجال آمنوا بالله وصدقوا المرسلين"(5).
ب - تفاوت العصاة من الموحدين في النار:
فعن معبد بن هلال العنزي قال: اجتمعنا ناس من أهل البصرة فذهبنا إلى أنس بن مالك -_رضي الله عنه_- وذهبنا معنا بثابت البناني إليه يسأله لنا عن حديث الشفاعة، فإذا هو في قصره فوافقناه يصلي الضحى، فاستأذنا فأذن لنا وهو قاعد على فراشه، فقلنا لثابت: لا تسأله عن شيء أول من حديث الشفاعة، فقال: يا أبا حمزة، هؤلاء إخوانك من أهل البصرة جاؤوك يسألونك عن حديث الشفاعة، فقال: حدثنا محمد _صلى الله عليه وسلم_ قال: " إذا كان يوم القيامة ماج الناس بعضهم في بعض فيأتون آدم...الحديث، وفيه: فأقول: يا رب، أمتي أمتي، فيقول: انطلق فأخرج منها من كان في قلبه مثقال شعيرة من إيمان فأنطلق فأفعل، ثم أعود فأحمده بتلك المحامد ثم أخرُّ له ساجداً، فيقال يا محمد، ارفع رأسك، وقل يسمع لك، وسل تعط، واشفع تشفع، فأقول: يا رب أمتي أمتي فيقول: انطلق فأخرج منها من كان في قلبه مثقال ذرة أو خردلة من إيمان فأخرجه، فأنطلق فأفعل، ثم أعود فأحمده بتلك المحامد ثم أخر له ساجداً، فيقول: يا محمد، ارفع رأسك، وقل يسمع لك، وسل تعط، واشفع تشفع، فأقول: يا رب، أمتي أمتي، فيقول: انطلق فأخرج من كان في قلبه أدنى أدنى أدنى مثقال حبة خردل من إيمان فأخرجه من النار فأنطلق فأفعل"(6).
وفي حديث الشفاعة الطويل: "...فما أنتم بأشد لي مناشدة في الحق قد تبيَّن لكم من المؤمن يومئذ للجبار، وإذا رأوا أنهم قد نجوا في إخوانهم، يقولون: ربنا إخواننا كانوا يصلون معنا، ويصومون معنا، ويعملون معنا، فيقول الله _تعالى_: اذهبوا، فمن وجدتم في قلبه مثقال دينار من إيمان فأخرجوه، ويحرم الله صورهم على النار، فيأتونهم وبعضهم قد غاب في النار إلى قدمه، وإلى أنصاف ساقيه، فيخرجون من عرفوا، ثم يعودون، فيقول: اذهبوا فمن وجدتم في قلبه مثقال نصف دينار فأخرجوه، فيخرجون من عرفوا، ثم يعودون، فيقول: اذهبوا فمن وجدتم في قلبه مثقال ذرة من إيمان فأخرجوه، فيخرجون من عرفوا..(7).
الرابع: الإيمان هو الأساس والأصل في التربية الإسلامية، وسائر الأمور إنما هي فروع وثمرات لهذا الأصل العظيم.
فالسلوك والعلم الشرعي والجهاد والدعوة والكف عن الحرمات إنما هو ثمرة ونتيجة من نتائج تحقق الإيمان.(115/2213)
وحين نعنى بتربية الإيمان في النفوس، ويأخذ الجانب الإيماني نصيبه وحظه نختصر خطوات عدة، ونوفر الجهد في ميدان ومجال واحد.
الخامس: الإيمان هو الزاد للمرء في مواجهة الشهوات التي عصفت بشباب المسلمين اليوم، وهي مسؤولة عن حالات كثيرة من الإخفاق والتراجع.
السادس: قوة الإيمان هي العلاج الأنجع لكثير من المشكلات التي يشتكي منها الشباب اليوم (قسوة القلب، ضعف العناية بالعبادات، الفتور...) والاعتناء بتقوية الإيمان والتقوى في النفوس خير من التداعي لعلاج هذه الأمراض بعد وقوعها. السابع: قوة الإيمان هي أهم ما يعين المرء على الثبات على دين الله، خاصة ونحن اليوم نعاني من كثير من حالات التقهقر والتراجع؛ لذا فحين سأل هرقل أبا سفيان -_رضي الله عنه_- عن أصحاب النبي _صلى الله عليه وسلم_ قال: "وسألتك أيرتد أحد سخطة لدينه بعد أن يدخل فيه؟ فذكرت أن لا، وكذلك الإيمان حين تخالط بشاشته القلوب"(8).
الثامن: قوة الإيمان هي أعظم حاجز بين المرء وبين مواقعة الحرام والمعاصي، قال _تعالى_ عن الشيطان: "إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطَانٌ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ" (النحل:99). وقال _صلى الله عليه وسلم_:"لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن، ولا يشرب الخمر حين يشرب وهو مؤمن، ولا يسرق حين يسرق وهو مؤمن، ولا ينتهب نهبة يرفع الناس إليه فيها أبصارهم حين ينتهبها وهو مؤمن"(9)، فالذي يحول بينه وبين الوقوع في هذه المعاصي وغيرها هو الإيمان.
وحتى حين يواقعها العبد فالمؤمن هو أقدر الناس على الإقلاع والتوبة "إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ" (الأعراف:201).
هذه الأمور وغيرها تؤكد على المربين ضرورة إعادة النظر في مدى الاعتناء بالجانب الإيماني في تربيتهم، وأين موقعه ضمن أولوياتهم؟
والنظر السريع اليوم في واقع جيل الصحوة يدعونا إلى إعطاء الجانب الإيماني مزيداً من الرعاية والعناية.
_______________
(1) رواه البخاري (26) ومسلم (83).
(2) رواه البخاري (2518) ومسلم (84).
(3) رواه مسلم (1885).
(4) رواه مسلم (54).
(5) رواه مسلم (2831) وأصله في البخاري دون موضع الشاهد.
(6) رواه البخاري (7510).
(7) رواه البخاري (7440) ومسلم (182).
(8) رواه البخاري (71) ومسلم (1773).
(9) رواه البخاري (2475) ومسلم (57).
ـــــــــــــــــــ
ساعدوني...أنا أغضب دائما!
أجاب عليه ... اللجنة التربوية(115/2214)
التاريخ ... 13/1/1426هـ
السؤال
أنا عصبية جداًً، كثيرة الغضب، ماذا أفعل ساعدوني؟
الاجابة
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
فياأختنا الكريمة الغضب نزغة من نزغات الشيطان، يقع بسببه من السيئات والمصائب ما لا يعلمه إلا الله ، ولذلك ورد في القرآن والسنة علاجات للتخلص من هذا الداء، ومنها :
1- الاستعاذة بالله من الشيطان "وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ" (فصلت:36).
2- السكوت: قال _صلى الله عليه وسلم_: "إذا غضب أحدكم فليسكت".
3- السكون: قال _صلى الله عليه وسلم_: "إذا غضب أحدكم وهو قائم فليجلس، فإن ذهب عنه الغضب وإلا فليضطجع".
4- حفظ وصية رسول الله _صلى الله عليه وسلم_ عندما أوصى رجلاً بقوله: "لا تغضب".
5- معرفة الرتبة العالية والميزة المتقدمة لمن ملك نفسه، قال _صلى الله عليه وسلم_: "ليس الشديد بالصرعة، إنما الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب".
6- التأسي بهديه _صلى الله عليه وسلم_ في الغضب.
7- التدرب على كظم الغيظ والعفو وسلامة الصدر وقراءة ما ورد في ذلك من الأجر، ومن ذلك قول الله _تعالى_ :
"وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ" (آل عمران: 133-134)
8- معرفة مساوئ الغضب وهي كثيرة، ومنها: نفرة الناس من الغاضب، وعدم الجلوس معه، فقد يخسر زوجته بسبب طلاقه لها أو أبناءه بضربه لهم والتلفظ عليهم أو أهله وأصدقاءه بالتلفظ عليهم أو صدور ما يتندم عليه ويتأسف من أجله، وكل ذلك بسبب لحظة غضب.
9- تأمل الغاضب نفسه لحظة الغضب فلو شاهد نفسه عبر المرآة لعرف حقيقة الغضب وكيف الناس تنظر له.
10- البعد عن كل ما يثير النفس ويغضبها ككثرة الجدل والاختلاف.
11- الدعاء هذا سلاح المؤمن دائماً يطلب من ربه أن يخلصه من الأخلاق السيئة.
12- الاستعانة بالصبر والصلاة قال الله _تعالى_: "وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخَاشِعِينَ" (البقرة:45). وقال: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ" (البقرة:153).
13- استمري على هذه العلاجات ولو فشلت في بعضها لكن الاستمرار والتعويد يساعدان على العلاج.(115/2215)
14- هناك أمور لابد فيها من الغضب، وذلك إذا انتهكت محارم الله، كما كان الرسول يغضب لذلك ويعرف أثر ذلك عليه، ولكن لابد من الحكمة وحسن التصرف في التعامل مع الموقف.
نسأل الله أن يعيننا على أنفسنا، وأن نكون ممن يحلم إذا غضب ، ويعفوا ويصفح.
ـــــــــــــــــــ
كيف نربط المواد الدراسية بالواقع ؟
أجاب عليه ... همام عبدالمعبود
التاريخ ... 10/1/1426هـ
السؤال
أولاً بارك الله فيكم وجعل عملكم خالصاً لوجهه _سبحانه_: سؤالي ما هي الطريقة التي يمكن الاستفادة منها في ربط المادة الدراسية بالواقع خاصة مواد التربية الإسلامية؟
الاجابة
بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله _صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم_ :
أخانا في الله :
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته،
وأهلاً ومرحباً بك، وشكر الله لك ثناءك وثقتك بإخوانك في موقع "المسلم"، ونسأل الله العلي القدير أن يجعلنا أهلاً لهذه الثقة، وأن يتقبل منا أعمالنا وأقوالنا، ويجعلها خالصة لوجهه الكريم، وألا يجعل فيها لمخلوق حظاً، وأن يرزقنا وإياك السداد والتوفيق، وأن يجري الحق على ألسنتنا، إنه على ذلك قدير وبالإجابة جدير.. وبعد:
لقد اطلعت على سؤالك الذي يدل على أنك إنسان عملي وواقعي، كما يدل على رغبتك في استثمار العلم وتوظيفه في خدمة المجتمع، خاصة العلم الشرعي الذي يدرس للتلاميذ في صورة مواد التربية الإسلامية، وبداية فإني أضم صوتي لصوتك، فما لم يتم الربط بين ما نعلمه لأبنائنا في المدارس وبين الواقع العملي المعاش، فلن يستفيدوا شيئاً مما تعلموه، وسيظل ما تعلموه في واد، وما يتعرضون له في حياتهم العملية في واد آخر.
فلاشك أن من أكثر ما ابتلينا به في عالمنا العربي والإسلامي تلك الهوة السحيقة بين ما نتعلمه وما نعايشه، ونظرة واحدة إلى ما الكم الهائل من الرسائل العلمية "ماجستير ودكتوراه" الموضوعة فوق الأرفف في مكتباتنا الجامعية، والتي ليس لها أدنى علاقة بالواقع رغم ما أنفق عليها من ملايين الدولارات، لتعكس لك سوء التخطيط، بل والعشوائية التي تسيطر على مدارسنا ومعاهدنا التعليمية، فلا توجد خطط طموحة، ولا برامج عملية مسبقة، تربط العلم بالواقع .
أعتذر لك على هذه الإطالة، ولكنها مقدمة عامة لابد منها، أما عن سؤالك تحديداً، فأستعين بالله وأقول لك :
يمكن للمعلم المسلم أن يربط المادة الدراسية التي يعلمها للتلاميذ بالواقع، إذا توافر له أمران:(115/2216)
الإخلاص والنية الصادقة في تنشئة جيل مسلم على درجة من الواقعية والفهم تؤهله لخوض غمار الحياة .
الوعي الكامل بالواقع المحيط به من حوله، ليتمكن من تحديد ما يمكن إسقاطه مما يدرس على واقعنا المعيشي .
القدرة والمهارة العالية لتنفيذ هذا الربط بين ما يدرس في المدارس وما يعاش على أرض الواقع .
المساعدة والمعونة والموافقة من الجهات الإدارية المسؤولة عن العملية التعليمية .
وسنضرب نموذجاً بمواد التربية الإسلامية التي ندرسها لأبنائنا في المدارس والمعاهد، وكيفية الربط بين ما يدرس والواقع ، فإذا كان التلاميذ يدرسون ضمن مواد التربية الإسلامية مثلاً مادة "العقيدة" فإنه يمكن للمعلم المسلم أن يربطها بالواقع العملي، فيمكن من خلال القيام برحلة للتلاميذ أن يلفت المعلم أنظار تلاميذه إلى هذا الكون الفسيح الذي خلقه الله، بما فيه من سماوات ذات أبراج وأرض ذات فجاج وبحار ذات أمواج، وإلى الزرع والنبات والأشجار والحيوانات، قال _تعالى_ : "أَفَلاَ يَنظُرُونَ إِلَى الإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ (17) وَإِلَى السَّمَاءِ كَيْفَ رُفِعَتْ (18) وَإِلَى الجِبَالِ كَيْفَ نُصِبَتْ (19) وَإِلَى الأَرْضِ كَيْفَ سُطِحَتْ (20) فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنْتَ مُذَكِّرٌ..."، وقال أيضاً : "إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلافِ الَليْلِ وَالنَّهَارِ وَالْفُلْكِ الَتِي تَجْرِي فِي البَحْرِ بِمَا يَنفَعُ النَّاسَ وَمَا أَنزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّمَاءِ مِن مَّاءٍ فَأَحْيَا بِهِ الأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَبَثَّ فِيهَا مِن كُلِّ دَابَّةٍ وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ وَالسَّحَابِ المُسَخَّرِ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ" .
وفي مادة "القرآن" يمكن للمدرس أن يعلم تلاميذه آداب الاستماع للقرآن، وأن يطلب منهم أن ينصتوا ويتدبروا ويعقلوا ما يستمعون إليه، وأن يذكرهم بقول الله _تعالى_ في محكم التنزيل : "أَفَلاَ يَتَدَبَّرُونَ القُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافاً كَثِيراً"، و قوله :" أَفَلاَ يَتَدَبَّرُونَ القُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا"، وقوله :" فَذَكِّرْ بِالْقُرْآنِ مَن يَخَافُ وَعِيدِ"، وقوله : "وَلَقَدْ يَسَّرْنَا القُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِن مُّدَّكِرٍ"، وقوله : "لَوْ أَنزَلْنَا هَذَا القُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لَّرَأَيْتَهُ خَاشِعاً مُّتَصَدِّعاً مِّنْ خَشْيَةِ اللَّهِ" ، ويمكن له أن يدربهم على ذلك بطريقة عملية فيقوم بتشغيل شريط مسجل عليه بعض الآيات من سورة ما ويدربهم على التفكر والتدبر والإنصات.
وفي مادة " الآداب الإسلامية" يمكن للمعلم أن يربط بين ما في الدرس من تعليمات نظرية وبين سلوك التلاميذ، فمثلاً في موضوع "آداب الاستئذان" يجب عليه أن يعلمهم جملة الآداب التي يجب أن يراعيها المسلم في حياته، وأن يذكرهم بأحاديث الرسول _صلى الله عليه وسلم_ في هذا الباب، ومنها : عن أبي موسى _رَضِيَ اللَّهُ عَنهُ_ قال: قال رَسُول اللَّهِ _صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّم_: "الاستئذان ثلاث، فإن أذن لك و إلا فارجع" متفق عَلَيهِ. وعن ربعي بن حراش قال: "حدثنا رجل من بني عامر أنه استأذن على النبي _صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّم_ وهو في بيت فقال: أألج؟ فقال رَسُول اللَّهِ _صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّم_ لخادمه: اخرج إلى هذا فعلمه الاستئذان، فقل له قل: السلام عليكم أأدخل؟ فسمعه الرجل، فقال: السلام عليكم أأدخل؟ فأذن له النبي _صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّم_ فدخل". رَوَاهُ أبُو دَاوُدَ بإسناد صحيح، وعن كلدة بن الحنبل _رَضِيَ اللَّهُ(115/2217)
عَنهُ_ قال: أتيت النبي _صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّم_ فدخلت عليه ولم أسلم، فقال النبي _صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّم_: ارجع فقل: السلام عليكم أأدخل؟" رَوَاهُ أبُو دَاوُد وَالتِّرمِذِيُّ وَقَالَ: حَدِيثٌ حَسَنٌ، وعن جابر _رَضِيَ اللَّهُ عَنهُ_ قال: "أتيت النبي _صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّم_ فدققت الباب، فقال: من هذا؟ فقلت: أنا. فقال: أنا أنا!كأنه كرهها". مُتَّفَقٌ عَلَيهِ.
كما يمكن للمعلم أن يدربهم على هذه الآداب عمليا، فيأتي بأحدهم – بعد أن يعلمه هذا الأدب- أن يطلب منه أن ينفذ ذلك عملياً، فيخرج من غرفة الدرس، ويغلق الباب دونه، ثم يطرق الباب ثلاث طرقات متباعدة قليلاً، فيقول له الأستاذ : من ؟ ، فيرد التلميذ : محمد (مثلاً)، فيقول له الأستاذ :ماذا تريد ؟ ، فيرد محمد : أريد كذا ، فيقول له الأستاذ : أدخل ... وهكذا فلن ينسى التلاميذ بهذه الطريقة ما تعلموه من آداب ودروس ، ثم يطلب منهم المعلم أن يطبقوا هذا الأدب عند ذهابهم لبيوتهم، وعند دخولهم على آبائهم وأمهاتهم، عندها سيستشعر الآباء قيمة ما يتعلمه أولادهم ... ورحم الله من قال : "فعل رجل في ألف رجل أكثر أثراً من كلام ألف رجل في رجل" .
وهكذا الأمر – أخي الكريم – في كل فرع من فروع التربية الإسلامية، بل وفي كل مادة من المواد التي يدرسها أبناؤنا في مدارسهم ومعاهدهم، وبهذا يتم الخير، ويصبح لهذه العلوم آثارها العملية في سلوكيات ومعاملات الناس، ويحيا جيل من الشباب يعرف قيمة ما يتعلمه ويحرص على الاستفادة منه واستثماره وتوظيفه في حياته العملية وسلوكياته اليومية...
بارك الله فيك، وأكثر من أمثالك، وجعلك ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، ونسأل الله _عز وجل_ أن يتقبل منا ومنك صالح الأعمال والأقوال، وأن يجزيك وإيانا عليها خير الجزاء ... اللهم آمين ...
ـــــــــــــــــــ
أفكار لتنشيط المصلى
أجاب عليه ... اللجنة التربوية
التاريخ ... 6/1/1426 هـ
السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أنا معلمة وتغيبت عن المدرسة أربع سنوات بسبب الدراسة وعدت ولكن وجدت المصلى مهمل وأريد أفكار للنهوض بالمصلى ويزيد من النشاط الديني في مدرستنا للطالبات والمعلمات.
الاجابة
وعليك السلام ورحمة الله وبركاته
نشكرك أختنا الكريمة على حرصك على المصلى، والذي يعد ركيزة هامة في الأنشطة اللاصفية في المدارس والجامعات ، فبه يكمل المنهج الدراسي في التعليم والتربية.(115/2218)
إليك هنا بعض المقترحات لعلها تساعدك في تنشيط المصلى وبعثه من جديد، وليس بالضرورة العمل بها كلها، كما أن تطبيقها يخضع لظروف الزمان والمكان والأشخاص فخذي ما ترينه مناسباً ومتفقاً مع قدراتك وظروفك وظروف المدرسة :
أولا: إرشادات عامة:
1- عليك بـ(الدعاء) قبل العمل وأثنائه وبعده.
2- كوني صاحبة (همة) عالية و(عزيمة) صادقة.
3- ارسمي خطة فصلية شاملة متنوعة (التخطيط )، أسبوعية أو شهرية.
4- كوني ( واقعية ) في تنفيذ الخطة، فلا تطلبي المستحيل أو الصعب والشاق.
5- اسعي دائماً إلى (الإبداع والتجديد) في وسائل العمل وصوره حسب الممكن.
6- ابحثي عن (المساعدة) التي تعينك في مهمتك وتوزعي وإياها المهمات كل حسب قدرته وموهبته، واحذري من الانفراد أو التقوقع.
7- اسعي إلى (المتابعة) الدائمة لأعمالك، وإذا بدأت شيئاً فأنهيه لكيلا تذهب الجهود سدى.
8- تلمسي (الحكمة) في التعامل مع جميع الأطراف ( إدارة المدرسة والمعلمات والطالبات ) واحرصي على عدم المواجهة أو المخالفة في التعامل مع الأنظمة أو الأشخاص.
9- احرصي على الصوت الإعلامي للمصلي ولتكن المدرسة بأكملها على معرفة بمناشط المصلي ودوره
10- عليك بـ (الاستخارة، والاستشارة) فيما تعملين.
11- كوني (مبادرة) وسبّاقة قبل أن يطلب منك أي عمل، ولا تكوني ممن ينتظر الأمر ليتحرك.
ثانياً: الأهداف:
1- السعي إلى إرضاء الله، ودخول الجنة.
2- الاهتمام بالجوانب التعبدية والقلبية .
3- السعي إلى إصلاح المعلمات والطالبات تربوياً ودينياً.
4- توثيق المفاهيم الإسلامية كالاعتزاز بالدين، والبعد عن التغريب.
5- المساهمة في حل المشاكل الاجتماعية و النفسية.
6- تحصيل العلم الشرعي.
7- تنمية المهارات، واكتشاف المواهب.
8- التنشيط الإعلامي للمصلى.
9- الاهتمام ومراعاة الجوانب.
10- جعل العالم الإسلامي يعيش بروح واحد.
ثالثاً: الوسائل:
1- صندوق المشاكل والحلول.
2- كتب القصص من السيرة والواقع.
3- الإذاعة المدرسية.
4- المجلات والأشرطة.(115/2219)
5- الجوائز.
6- النشرات الإعلامية المطبوعة أو المصورة.
7- اللوحات الجدرايّة.
رابعاً: المناشط:
1- إقامة دروس وكلمات ومحاضرات في المصلى.
2- المسابقات المتنوعة.
3- استغلال حصص الانتظار والإذاعة.
4- الاتصال بالداعيات.
5- ربط العلاقة بين مشرفات المصلى وأمهات الطالبات.
6- الاهتمام بشكل أكبر بطالبات المصلى.
7- دراسة سبب إهمال المصلى في المدة الماضية لتلافي الأخطاء، وتصحيح المسار.
خامساً: الأفكار والمقترحات لتفعيل الوسائل:
1- ضعي (مسابقات أسرية) شاملة دينية ثقافية مع بعض الألغاز المحركة للذهن، ولا تنسي وضع نصائح وحكم معها.
2- أوجدي (المشجعات والحوافز) من هدايا عينية أو نقدية، بل حتى الثناء والمدح له وقعه فلا تهمليه والدقة في الاختيار مع التوازن بين نوعية الهدية وبين مناسبتها.
3- أقيمي (دروس) في المصلى كأن تكون مرة في كل أسبوع في يوم محدد ومختصر ومناسب في الفسح مثلاً.
4- وضع زيارة للمصلى لجميع الطالبات في الحصص الانتظار مثلاً وتعريفهن بمناشط المصلى وما يمكن أن تجدي فيه.
5- ضعي في المدرسة (مسابقات في الحفظ)، مثل:
أ- حفظ أجزاء وسور من القرآن.
ب- حفظ أحاديث من السنة.
ت- حفظ الأذكار.
6- حافظي على التواصل مع الداعيات، واحرصي على استضافتهن في المدرسة.
7- (توزيع الأشرطة والكتب) يفضل أن تكون لها مناسبة وحدث، فهذا أقوى تأثيراً، وتكون بصفة دورية، وابتعدي عند الاختيار من المثير أو مما يسبب الحرج على الإدارة.
8- اهتمي بـ(اللوحات الإرشادية) والتوعية للطالبات من آيات، وأحاديث، وعبارات تناسب أعمارهن كآيات الحجاب، وأحاديث تحريم الاختلاط، وقول العلماء فيما يستجد كبرامج الفجور في القنوات.
9- ضعي برنامج (استبدال أشرطة الأغاني) ولا بد من متابعة دقيقة لهذا البرنامج حتى لا يتم إدخال أشرطة الأغاني للمدرسة وتبادل الطالبات فيما بينهن.
10- احرصي على القصص وكلما كانت (القصة من السيرة أو واقعية) تلامس حياتهن كان لها الأثر الواضح.
11- ضعي برنامج (المشاكل والحلول)، وهو يعنى بمشاكل الطالبات سواء في البيت أو المدرسة، ويمكن أن يكون بعدة صور، منها: صندوق خاص، أو المقابلة(115/2220)
الشخصية الخاصة، ومن طرق حل المشاكل: إصدار مجلة، أو إلقاء كلمة، أو استضافة أو وضع لوحة وهكذا.
12- اربطي (العلاقة) بين مشرفات المصلى وأمهات الطالبات وستجدين العجب في البوح لك لأجل حل قضاياهن.
13- تفقدي الطالبات وتحيني المناسبات: المريضة يتصل عليها ويدعى لها، المعلمة الوالدة تهنَّأ، والمتزوجة يبارَك لها، والمتوفى لها أحد تعزَّى وهكذا من المناسبات التي كان يغتنمها الرسول _صلى الله عليه وسلم_.
14- استغلي (الإذاعة) في تحقيق أهدافك، كنشرة الأخبار والمستجدات، وتنميت مهارات الطالبات في الإلقاء والتحدث.
15- عليك بالاهتمام بالأمور (الإعلانية الدعائية)، ويكون أي عمل مذيلاً به اسم المصلى.
16- اغتنمي دقائق معدودة في أول أو آخر الدرس عن مشاكل وهموم الطالبات ويكون من قِبَل مشرفات النشاط ودعوة الطالبات إلى المصلى.
17- جهزي (حقيبة الانتظار) لتأخذها المعلمة في حصص الانتظار ذلك الوقت الضائع، وتكون متنوعة من كتيبات ومجلات وقصص والمسابقات المتنوعة؛ ويفضل أن تكون عدة حقائب متسلسلة الأرقام، وكل حقيبة يختلف مضمونها عن الأخرى، حتى تبقى سمعتها ولا تم
ـــــــــــــــــــ
ثمانية عشر مفتاحاً للتوبة
أجاب عليه ... جمّاز الجمّاز
التاريخ ... 3 / 1 / 1426 هـ
السؤال
أنا مسلم ولكن بالاسم أريد أن أتوب وأرجع إلى الله وإلى الإسلام، ولكني أتوب ثم أعود إلى ما كنت عليه، فأرجو منكم إعطائي نصيحة لكي أتوب ولا أعود لما كنت عليه.
الاجابة
الحمد لله رب العالمين، وبعد:
فهذه أيها الأخ الكريم، سبل وطرق معينة على الاستمرار في التوبة، بل هي مفتاح التوبة، فالزمها واحرص على تطبيقها، ومنها:
1 – الإخلاص لله _تبارك وتعالى_:
فهو أنفع الأدوية، فمتى أخلصتَ لله _جل وعلا_، وصدَقْتَ في توبتك _أعانك الله عليها، ويسّرها لك_ وصَرف عنك الآفات التي تعترض طريقك، وتصدّك عن التوبة، من السوء والفحشاء، قال _تعالى_ في حق يوسف _عليه السلام_: "كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاءَ إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ" (يوسف: من الآية24).
قال ابن القيم: "فالمؤمن المخلص لله من أطيب الناس عيشاً، وأنعمهم بالاً، وأشرحهم صدراً، وأسرهم قلباً، وهذه جنة عاجلة قبل الجنة الآجلة"ا.هـ(1).
فليكن مقصدك صحيحاً، وتوبتك صالحة نصوحاً.(115/2221)
2 – امتلاء القلب من محبة الله _تبارك وتعالى_:
إذ هي أعظم محركات القلوب، فالقلب إذا خلا من محبة الله _جل وعلا_ تناوشته الأخطار، وتسلّطت عليه الشرور، فذهبت به كل مذهب، ومتى امتلأ القلب من محبة الله _جل وعلا_ بسبب العلوم النافعة والأعمال الصالحة –كَمُل أنْسُه، وطاب نعيمه، وسلم من الشهوات، وهان عليه فعل الطاعات.
فاملأ قلبك من محبة الله _تبارك وتعالى_، وبها يحيا قلبك.
3 – المجاهدة لنفسك:
فمجاهدتك إياها عظيمة النفع، كثيرة الجدوى، معينة على الإقصار عن الشر، دافعة إلى المبادرة إلى الخير، قال _تعالى_: "وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ" (العنكبوت:69).
فإذا كابدت نفسك وألزمتها الطاعة، ومنعتها عن المعصية، فلتُبشر بالخير، وسوف تُقبل عليك الخيرات، وتنهال عليك البركات، كل ما كان كريهاً عندك بالأمس صار عندك اليوم محبوباً، وكل ما كان بالأمس ثقيلاً، صار اليوم خفيفاً، واعلم أن مجاهدتك لنفسك، ليست مرة ولا مرتين، بل هي حتى الممات.
4 – قِصَر الأمل وتذكّر الآخرة:
فإذا تذكّرت قِصَر الدنيا، وسرعة زوالها، وأدركتَ أنها مزرعة للآخرة، وفرصة لكسب الأعمال الصالحة، وتذكّرت الجنة وما فيها من النعيم المقيم، والنار وما فيها من العذاب الأليم، ابتعدتَ عن الاسترسال في الشهوات، وانبعثت إلى التوبة النصوح ورصّعتها بالأعمال الصالحات.
5 – العلم:
إذ العلم نور يُستضاء به، بل يشغل صاحبه بكل خير، ويشغله عن كل شر، والناس في هذا مراتب، وكل بحسبه وما يناسبه، فاحرص على تعلم ما ينفعك ومن العلم أن تعلم وجوب التوبة، وما ورد في فضلها، وشيئاً من أحكامها، ومن العلم أن تعلم عاقبة المعاصي وقبحها، ورذالتها، ودناءتها.
6 – الاشتغال بما ينفع وتجنّب الوحدة والفراغ:
فالفراغ عند الإنسان السبب المباشر للانحراف، فإذا اشتغلتَ بما ينفعك في دينك ودنياك، قلَّتْ بطالتك، ولم تجد فرصة للفساد والإفساد، ونفسك أيها الإنسان إن لم تشغلها بما ينفعها شغلتك بما يضرك.
7 – البعد عن المثيرات، وما يذكّر بالمعصية:
فكل ما من شأنه يثير فيك دواعي المعصية ونوازع الشر، ويحرّك فيك الغريزة لمزاولة الحرام، قولاً وعملاً، سواء سماعاً أو مشاهدة أو قراءة، ابتعد عنه، واقطع صلتك به، كالأشخاص بعامة، والأصدقاء بخاصة، وهكذا النساء الأجانب عنك، وهكذا الأماكن التي يكثر ارتيادها وتُضعف إيمانك، كالنوادي والاستراحات والمطاعم، وهكذا الابتعاد عن مجالس اللغو واللغط ، والابتعاد عن الفتن، وضبط النفس فيها، ومنه إخراج كل معصية تُبتَ منها، وعدم إبقائها معك، في منزلك أو عملك.
8 – مصاحبة الأخيار:(115/2222)
فإذا صاحبت خيّراً حيا قلبك، وانشرح صدرك، واستنار فكرك، وبصّرك بعيوبك، وأعانك على الطاعة، ودلّك على أهل الخير.
وجليس الخير يذكرك بالله، ويحفظك في حضرتك ومغيبك، ويحافظ على سمعتك، واعلم أن مجالس الخير تغشاها الرحمة وتحفّها الملائكة، وتتنزّل عليها السكينة، فاحرص على رفقة الطيبين المستقيمين، ولا تعد عيناك عنهم، فإنهم أمناء.
9 – مجانبة الأشرار:
فاحذر رفيق السوء، فإنه يُفسد عليك دينك، ويخفي عنك عيوبك، يُحسّن لك القبيح، ويُقبّح لك الحسن، يجرّك إلى الرذيلة، ويباعدك من كل فضيلة، حتى يُجرّئك على فعل الموبقات والآثام، والصاحب ساحب، فقد يقودك إلى الفضيحة والخزي والعار، وليست الخطورة فقط في إيقاعك في التدخين أو الخمر أو المخدرات، بل الخطورة كل الخطورة في الأفكار المنحرفة والعقائد الضالة، فهذه أخطر وأشد من طغيان الشهوة؛ لأن زائغ العقيدة قد يستهين بشعائر الإسلام، ومحاسن الآداب، فهو لا يتورع عن المناكر، ولا يُؤتمن على المصالح، بل يُلبس الحق بالباطل، فهو ليس عضواً أشل، بل عضو مسموم يسري فساده كالهشيم في النار.
10 – النظر في العواقب:
فعندما تفكر في مقارفة سيئة، تأمّل عاقبة أمرك، واخشَ من سوء العاقبة فكما أنك تتلذذ بمقارفة المنكر ساعة، ليكن في خَلَدك أنك سوف تتجرّع مرارات الأسى، ساعات وساعات، فجريمة الزنا، فضيحة وحَدّ، والحدّ إما تغريب أو قتل، وجريمة السرقة، عقوبة وقطع، وجريمة المسكر ويلات وجلد، وجريمة الإفساد، صلب أو قطع أو قتل، هذا في الدنيا، أما الآخرة فالله تعالى بالمرصاد، ولن يخلف الميعاد.
11 – هجر العوائد:
فينبغي لك أيها الصادق، ترك ما اعتدته من السكون إلى الدعة والراحة؛ لأنك إن أردت أن تصل إلى مطلوبك، فتحوّل عنها؛ لأنها من أعظم الحُجُب والمواقع التي تقف أمام العبد في مواصلة سيره إلى ربه، وتعظم تلك العوائد حينما تُجعل بمنزلة الشرع أو الرسوم التي لا تُخالف.
وكذلك يصنع أقوياء العزيمة، وأبطال التوبة، فكن منهم.
12 – هجر العلائق:
فكل شيء تعلّق به قلبك دون الله ورسوله من ملاذ الدنيا وشهواتها ورياساتها ومصاحبة الناس والتعلق بهم، والركون إليهم، وذلك على حساب دينك، اهجره واتركه، واستبدله بغير ذلك، وقوِّ علاقتك بربِّك، واجعله محبوبك، حتى يضعف تعلّق قلبك بغير الله _تعالى_.
13 – إصلاح الخواطر والأفكار:
إذ هي تجول وتصول في نفس الإنسان وتنازعه، فإن هي صلحت صلح قلبك، وإن هي فسدت فسد قلبك.
واعلم أن أنفع الدواء لك أن تشغل نفسك بالفكر فيما يعنيك دون ما لا يعنيك، فالفكر فيم لا يعني باب كل شر، ومن فكّر فيما لا يعنيه فاته ما يعنيه واشتغل عن أنفع الأشياء له بما لا منفعة لدينه.(115/2223)
وإياك أن تمكِّن الشيطان من بيت أفكارك وخواطرك، فإن فعلتَ فإنه يُفسدها عليك فساداً يصعب تدراكه، فافهم ذلك جيداً.
14 – استحضار فوائد ترك المعاصي:
فكلما همّت نفسك باقتراف منكر أو مزاولة شر، تذكّر أنك إن أعرضتَ عنها واجتهدت في اجتنابها، ولم تقرب أسبابها، فسوف تنال قوة القلب، وراحة البدن، وطيب النفس، ونعيم القلب، وانشراح الصدر، وقلة الهم والغم والحزن، وصلاح المعاش، ومحبة الخلق، وحفظ الجاه، وصون العرض، وبقاء المروءة، والمخرج من كل شيء مما ضاق على الفساق والفجار، وتيسير الرزق عليك من حيث لا تحتسب، وتيسير ما عَسُر على أرباب الفسوق والمعاصي، وتسهيل الطاعات عليك، وتيسير العلم، فضلاً أن تسمع الثناء الحسن من الناس، وكثرة الدعاء لك، والحلاوة التي يكتسبها وجهك، والمهابة التي تُلقى لك في قلوب الناس، وسرعة إجابة دعائك، وزوال الوحشة التي بينك وبين الله، وقرب الملائكة منك، وبُعد شياطين الإنس والجن منك، هذا في الدنيا، أما الآخرة فإذا مِتَّ تلقتك الملائكة بالبشرى من ربك بالجنة، وأنه لا خوف عليك ولا حزن، تنتقل من سجن الدنيا وضيقها إلى روضة من رياض الجنة، تنعم فيها إلى يوم القيامة، فإذا كان يوم القيامة وكان الناس في الحر والعَرَق، كنتَ في ظل العرش، فإذا انصرفوا من بين يدي الله _تبارك وتعالى_، أخذ الله بك ذات اليمين مع أوليائه المتقين، وحزبه المفلحين و"ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ" (الجمعة:4).
إنك إن استحضرت ذلك كله، فأيقن بالخلاص من الولوغ في مستنقع الرذيلة.
15 – استحضار أضرار الذنوب والمعاصي:
فكلما أردتَ مزاولة الحرام، ذكِّر نفسك أنك إن فعلت شيئاً من ذلك فسوف تُحرم من العلم والرزق، وسوف تَلقى وحشة في قلبك بينك وبين ربك، وبينك وبين الناس، وأن المعصية تلو المعصية تجلب لك تعسير الأمور، وسواد الوجه، ووهن البدن، وحرمان الطاعة، وتقصير العمر، ومحق بركته، وأنها سبب رئيس لظلمة القلب، وضيقه، وحزنه، وألمه، وانحصاره، وشدة قلقه، واضطرابه، وتمزّق شمله، وضعفه عن مقاومة عدوه، وتعرِّيه من زينته.
استحضر أنّ المعصية تورث الذل، وتفسد العقل، وتقوي إرادة المعصية، وتضعف إرادة التوبة، وتزرع أمثالها، وتدخلك تحت اللعنة، وتحرمك من دعوة الرسول _صلى الله عليه وسلم_ ودعوة المؤمنين، ودعوة الملائكة، بل هي سبب لهوانك على الله، وتُضعف سيرك إلى الله والدار الآخرة، واعلم أن المعصية تطفئ نار الغيرة من قلبك، وتذهب بالحياء، وتضعف في قلبك تعظيم ربك، وتستدعي نسيان الله لك، وأن شؤم المعصية لا يقتصر عليك، بل يعود على غيرك من الناس والدواب.
استحضر أنك إن كنت مصاحباً للمعصية، فالله يُنزل الرعب في قلبك، ويزيل أمنك، وتُبدَّل به مخافة، فلا ترى نفسك إلا خائفاً مرعوباً.
تذكّر ذلك جيداً قبل اقترافك للسيئة.
16 – الحياء:(115/2224)
إذ الحياء كله خير، والحياء لا يأتي إلا بخير، فمتى انقبضت نفسك عما تُذم عليه، وارتدعت عما تنزع إليه من القبائح، فاعلم أنك سوف تفعل الجميل تلو الجميل، وتترك القبيح تلو القبيح، وحياءٌ مثل هذا هو أصل العقل، وبذر الخير، وأعظمه أن تستحي من ربك _تبارك وتعالى_ بأن تمتثل أوامره وتجتنب نواهيه، فإنك متى علمتَ بنظر الله إليك، وأنك بمرأى ومسمع منه، استحييت أن تتعرّض لمساخطه، قولاً وعملاً واعتقاداً.
ومن الحياء المحمود، الحياء من الناس، بترك المجاهرة بالقبيح أمامهم.
ومن الحياء المحمود، الحياء بألا ترضى لنفسك بمراتب الدون.
احرص دائماً على تذكر الآثار الطيبة للحياء، وطالع أخلاق الكُمَّل، واستحضر مراقبة الله _تعالى_، عندها سوف تمتلك الحياء، فتقترب من الكمال، وتتباعد عن النقائص.
17 – تزكية النفس:
طهِّر نفسك وأصلحها بالعمل الصالح والعلم النافع، وافعل المأمورات واترك المحظورات، وأنتَ إذا قمتَ بطاعةٍ ما، فإنما هي صورة من صور انتصارك على نفسك، وتحرّرك من قويدها، وهكذا كلما كسرتَ قيداً، كلما تقدمت خطوة، والخير دائماً يلد الخير، واعلم أن شرف النفس وزكائها، يقود إلى التسامي والعفة.
18 – الدعاء:
فهو من أعظم الأسباب، وأنفع الأدوية، بل الدعاء عدو البلاء، يدافعه ويعالجه، ويمنع نزوله، ويرفعه، أو يُخفِّفه إذا نَزَل.
ومن أعظم ما يُسأل، ويُدعى به سؤال الله التوبة.
ادع الله _تبارك وتعالى_ أن يمن عليك بالتوبة النصوح.
ادع الله _تبارك وتعالى_ أن يُجدِّد الإيمان في قلبك.
أسأل الله _جل وعلا_ لك التوفيق والسداد، وأن يُصلح شأنك، ويغفر ذنبك، والله يتولانا وإياك، وبالله التوفيق، وصلى الله وسلم على نبينا محمد بن عبد الله وعلى آله وصحبه أجمعين.
_______________
(1) الجواب الكافي، لابن القيم ص465.
ـــــــــــــــــــ
حفظ القرآن وتعاهده
أجاب عليه ... اللجنة التربوية
التاريخ ... 25 / 12 / 1425 هـ
السؤال
لم أستطع أن أحافظ على قراءة القران وحفظه، وقد جربت أكثر من مرة فأخفقت آمل التوجيه في أن أكون من المتعاهدين للقران ومعرفة معانيه.
مأجورين على إجابتكم.
الاجابة
أخي الكريم _يسر الله أمره_(115/2225)
وصف الله _سبحانه_ القرآن بقوله: "بَلْ هُوَ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ" (العنكبوت: من الآية49).
والقرآن هو مصدر التلقي عند الأمة، ولنا في رسول الله والسلف الصالح أسوة حسنة في حفظه ومراجعته، وقد يسره الله للناس كلهم "وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ" (القمر: من الآية17)، ويكفي أن حملته هم أهل الله وخاصته، كما رواه ابن ماجة.
وأمر الرسول بتعاهده فقد قال : " تعاهدوا هذا القرآن فو الذي نفس محمد بيده لهو أشد تفلتا من الإبل في عقلها " رواه مسلم،
وحافظه حريّ أن يغبط "انْظُرْ كَيْفَ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَلَلْآخِرَةُ أَكْبَرُ دَرَجَاتٍ وَأَكْبَرُ تَفْضِيلاً" (الإسراء:21)، وصاحبه مقدم في الإمامة والإمارة وفي القبر، والقرآن مهر للصالحات من المؤمنات في الدنيا، وشافع في الآخرة، وبه النجاة من النار، ورفعة الدرجات في الجنة وحافظه مع السفرة الكرام البررة، والحرف بحسنة والحسنة بعشر، وهو "حجة لك أو عليك" كما في مسلم، وفيه شفاء.
أخي الكريم إليك عدة نقاط تساعدك على حفظ ومراجعة وضبط القرآن الكريم :
1- اجعل القرآن هدفك الأول وكل شيء يساعدك على تحقيقه ابذله، لا أن يكون وقت فراغك فقط.
2- ضع برنامجاً، ويكون:
أ- عملياً.
ب- واقعياً لا مثالياً، فالنظري لا يزيدك إلا بعداً إذا لم يكن له حظ من الواقع.
ت- متدرجاً، وخطوة الألف ميل تبدأ بخطوة واحدة.
3- عليك بالمتابعة والاستمرار "الديمومة" فمن سار على الدرب وصل.
4- كن عالي الهمة وصادق العزيمة.
5- ابحث عن مساعد لك كشيخ تقرأ عليه، أو زميل تراجع معه، ولا يكن ارتباطك به دائماً، بل ضع لك برنامجاً آخر مستقل.
6- حاول أن تكون إماماً سواء في كل الفروض وهي مساعدة ومجربة، أو في صلاة التراويح في رمضان ففيها دافعيّة قوية للضبط والمراجعة.
7- احرص على الاستماع الدائم لأشرطة القرآن وبخاصة التي تراعي أحكام التجويد مع وضع برنامج حتى تختمه سماعاً.
8- احذر من الكسل والفتور وإن حصل شيء من ذلك ثابر واجتهد وحاول ولا تخف من الفشل فهو بوابة النجاح.
9- ليست العبرة – دائماً- بالكثرة وإنما بالوصول للهدف في أقرب فرصة من غير خسائر ممكنة.
10- خذ أحد التفاسير الميسرة لتساعدك على التدبّر وارسم لك منهجاً بحسب ظروفك وتوجد مصاحف على أطراف الآيات تفسير مختصر لها و_بإذن الله_ ستساعدك على حفظه وفهم معانيه.
11- اختر الوقت المناسب وخاصة إذا كان الجو هادئاً في مكان مناسب كالمسجد بعيداً عن الملهيات والمشغلات، وتكون مستجمع الذهن، ومن الأوقات:
أ- وقت السحر إذ هو وقت سكينة وخشوع.(115/2226)
ب- بعد صلاة الفجر إلى طلوع ا لشمس.
ت- القراءة من المحفوظ وفق ترتيب معين في الصلوات المفروضة والنافلة.
ث- بين الأذان والإقامة..
ج- استغلال الطريق وأنت ماشياً أو راكباً.
ح- يوم الجمعة.
خ- قبل النوم.
12- اقرأ سير العلماء وكيف حافظوا على القرآن وتعاهدوه وطريقة ختمهم له.
13- أكثر من الدعاء بأن يوفقك لحفظ كتابه وتثبيت ما حفظ منه في الصدر.
14- ابتعد عن المعاصي والآثام.
15- اجعل لك نسخة ويكون رسمها واحداً بحيث تضبط الحفظ، فالاستظهار يعتمد على ثلاث:
أ- الذاكرة السمعية.
ب- الذاكرة البصرية.
ت- الذاكرة الذهنية.
16- اعلم أخي أن القرآن أنزل ليُعمل به فعلى أهمية حفظه لا بد من العمل به، والرسول كان خُلُقه القرآن.
نسأل الله أن تكون من حفظة كتابه، العالِمين والعاملين به
وأن يرزقك الشفاعة يوم القيامة، وأن تكون في الدرجات العُلا
ـــــــــــــــــــ
ابن عمي لا يحب الملتزمين
أجاب عليه ... اللجنة التربوية
التاريخ ... 18 / 12 / 1425 هـ
السؤال
ابن عمي لا يحب الملتزمين ولا المحاضرات مجرد معاندة، ويحب المعاكسة والتفحيط،
فهل من الممكن يا شيخنا الفاضل أن تدلني على طريقة مناسبة للمعاملة معه وكسبه حتى وإن خرجت معه يملّ؟
الاجابة
أخي الكريم:
الحمد لله الذي رزقك نعمة الهداية، والحمد لله الذي جعلك تحب الخير والهداية للغير.
وأنت يا أخي على أجر عظيم؛ لأنك تحرص على هداية ابن عمك، ونهديك حديث الرسول _صلى الله عليه وسلم_: "ولئن يهدي الله بك رجلاً واحداً خير لك من حمر النَعم"، وتعامل معه بحكمة، وسعة بال، وحسن خُلُق، وتلطّف، ولا تكثر المصادمة والنقاش.
وإليك بعض التوجيهات خذ منها ما تراه مناسباً لك وله:
1. عليك بالخلق الحسن وليكن الرسول قدوتك في ذلك، وكيف تعامل مع المشركين وأخرجهم من الشرك إلى الإسلام.(115/2227)
2. ابحث له عن رفقة صالحة لكنها تتسم باللطف وحسن التعامل والأريحية .
3. لا تكثر معه النقاش، خاصة إذا كان الجدل عقيماً فقد يفسد ولا يصلح.
4. هناك من الدعاة من أعطاه الله أسلوبا وحجة ومكانة في قلوب الشباب، خاصة غير الملتزمين فيمكنك زيارته أو التنسيق معه أو حضور محاضراته .
5. ابحث عن المخيمات الدعوية فهي في الغالب تهتم بهذه الفئة وترعاهم، ولديها برامج تحتوي هذه الفئة وتغير من نظرتهم.
6. أعطه بين الفينة والأخرى شريطاً أو كتاباً أو مطويةً، وليكن على شكل فترات، واختر الوقت المناسب.
7. اغرس فيه الجوانب الإيجابية كالكرم أو الشهامة أو غيرها، واشكره عليها فهي مدخل عليه لكسبه.
8. حذره من الوقوع في أعراض الناس وبين له خطورة الكلام فيهم، وماذا حصل للمنافقين؛ لأن المشكلة عنده في الحقيقة (الالتزام) لا الملتزمون، وليكن ذلك عندما يبدأ هو ولا تبدأ معه أنت.
9. بين له أنه تعامل مع صنف محدد، وبين له أنك عشت مع غير التي ذكر هو ويمكنك أن ترى بنفسك تتسم بصفات غير ما ذكرت.
10. حاول بالبدء قبل الدفاع، وضَعْ أنت السؤال.
11. التزم بآداب الحوار معه وإن كان مغلظاً أو تسفه فلتكن حليماً.
12. عليك بالحكمة، وهي : فعل ما ينبغي كما ينبغي في الوقت الذي ينبغي.
13. أكثر من الدعاء له فهو يعيش مشكلة ولا تجعلها أنت مشكلتين "إِنْ أُرِيدُ إِلَّا الإصلاح مَا اسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ"(هود: من الآية88)
14. إذا لم تستطع أن تكسبه فلا تخسره.
15. أسلوب "الإقناع" أسلوب مناسب فاحرص عليه.
16. وبعد كل المحاولات فالذي عليك البلاغ "إِنْ عَلَيْكَ إِلَّا الْبَلاغُ" (الشورى: من الآية48)، ولتعلم أنه ليس عليك هداية فهي من الله "لَيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ" (البقرة: من الآية272).
17. لا تيأس ولا تكسل، بل استمر ومن طرق الباب حري أن يفتح له.
18. اجعله يشاركك في بعض الأعمال الدعوية كتوزيع شريط أو زيارة مكتب تعاوني أو جمعية للبر، أو زيارة الفقراء والتصدق عليهم، وبذلك تنقله إلى الالتزام بالطريقة التي يريدها.
19. اطلب منه أن يضع برنامجاً صحيحاً للالتزام وتتعاهدان على أن تسيرا عليه معاً فإن وافق فالحمد لله، وإن رفض فأعلمه أن المشكلة لديه لا عند الملتزمين.
20. استخدم الرسائل المكتوبة وتلطف معه بأفضل العبارات وأنصح الجمل، وبيّن له مدى حبك له وخوفك عليه، وسيحتفظ بها ويقرؤها مراراً وستكون وسيلة قوية، وكذلك رسائل الجوال اختر عبارات السلف والحكم ونحوها فالتواصل أمر مهم.
نسأل الله أن يفتح على قلبه، ونسأله أن تكون مباركاً أينما كنت.
ـــــــــــــــــــ(115/2228)
يريد الزواج ووالده يرفض
أجاب عليه ... اللجنة التربوية
التاريخ ... 11 / 12 / 1425 هـ
السؤال
أسرد لكم رسالتي طلبت الزواج من والدي وأنا الآن في الجامعة وأدرس ولكن دون جدوى ولا فائدة من الوالد مع اني آتيت له بالأدلة وكلام العلماء وهو مقتدر جداً من ناحية المال ( وأنا أخاف على نفسي ويمكن انتكس ) لا قدر الله
أرشودني للحل ؟
الاجابة
أخي الحبيب:
لا شك أن الزواج مكمل للدين، وبه حفظ للفروج، وراحة وطمأنينة وسكن (لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا) (الروم: من الآية21)، ولا يمكن لأحدٍ أن ينكر أهميته.
ولكن ما هي دواعي رفض والدك للزواج مع أنك تذكر أنه مقتدر مادياً!
هل لكونك طالباً جامعياً؟
أم يرى أنك صغير..؟
أم لأنك لم تتوظف بعد؟
أم لا تحسن التصرف والإدارة؟
من خلال نقاشك مع والدك ستعرف السبب، والذي ننصحك به أن تكون قريباً من والدك وتطيعه، ومن ترك شيئاً لله عوضه الله خيراً منه، فهو والدك وأنت أغلى الناس لديه ولعله يبحث عن مصلحتك وإن كبرت، وإليك عدة توجيهات لعلها تساعدك في تسريع أمر الزواج:
1. حاول إقناع والدك بشتى الطرق من غير مصادمة أو عناد، بالنقاش الهادئ والمحاورة والتأدب في ذلك، وكن قريباً منه في كل ما يحب من خدمة وزيارة وبر وصلة.
2. تلطف معه بالقول واختيار ما يحب من الألقاب ومناداته بالأبوة.
3. حاول أن تستفيد منه في تجارب حياته وقصصه وآرائه.
4. بيِّن له أنك أصبحت رجلا ويكون ذلك بالفعل لا بالقول وحده فهو لا يكفي، كأن تتولى مهام البيت وتبين له بطريقة أو بأخرى كيف تدير المال وتحسن التصرف والحكمة وسعة البال وعدم الغضب....
5. يمكنك أن تدخل وسطاء قريبين من الوالد ممن يحبهم كوالدتك أو أعمامك أو زميل له أو أخيك الأكبر وتصارحه وتجعله يفتح الموضوع معه من غير طريق مباشر ولا يشعر الوالد أن هذا الشخص مرسل من قِبَلك .
6. عليك بالهدية ولو يسيرة وتقبيل رأسه ومشاركته همومه ونحو ذلك .
7. بين له خطورة التأخر في الزواج وما قد ينتج منها من أضرار كالخوف من فعل الفاحشة وأنها قد تكون عارا على العائلة كلها وخاصة مع وجود الفساد وانتشاره وسهولته وركز على هذا الجانب فهو مهم له.
8. أكثر من الدعاء له ولك.(115/2229)
9. لابد أن يكون لك عمل فقد يكون الوالد أراد أن يعطيك درساً في كيفية إدارة المال والبيت والحصول على الوظيفة ولا تكن عالة.
10. ابحث عن السبب الرئيس لرفض والدك تزويجك وذلك عن طريق الأم أو ممن يمكن أن يصارحه وأنظر هل كلامه صحيح أو واقعي فانتبه أو أن يكون كلامه خطأ فوضح له الصحيح.
11. تذكر قول الله تعالى: (وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ) (الطلاق: من الآية2، 3).
نسأل الله أن ييسر أمرك، وأن يرزقك البر بوالديك وييسر لك الزوجة الصالحة الناصحة المعينة على الخير، وأن يرزقك الذرية الصالحة ويجعلهم قرة عين لكم.
ـــــــــــــــــــ
كيف أجعل ابني يراقب الله ؟
أجاب عليه ... محمد الدويش
التاريخ ... 4/12/1425
السؤال
ابني يخاف مني، كيف أجعله يراقب الله أكثر من مراقبته لي؟
الاجابة
"المراقبة دوام علم العبد وتيقنه باطلاع الحق _سبحانه وتعالى_ على ظاهره وباطنه"(1)، وهي منزلة عالية جعلها النبي _صلى الله عليه وسلم_ أعلى مراتب الدين، فقال في حديث جبريل المشهور: "والإحسان أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك".
وعن عبد الله بن معاوية الغاضري أن رسول الله _صلى الله عليه وسلم_ قال:" ثلاث من فعلهن فقد طعم طَعْمَ الإيمان، مَنْ عبد الله وحده؛ فإنه لا إله إلا الله، وأعطى زكاة ماله طيبة بها نفسه، رافدةً عليه كلَّ عام، ولم يعط الهرمة ولا الدرنة، ولا الشَّرط اللائمة ولا المريضة، ولكن من أوسط أموالكم؛ فإن الله _عز وجل_ لم يسألكم خيره ولم يأمركم بشره، وزكى عبد نفسه"، فقال رجل: ما تزكية المرء نفسه يا رسول الله؟ قال: "يعلم أن الله معه حيثما كان"(2).
ومما يعين الأب والمربي على تحقيق ذلك:
أ - الوعظ والاعتناء به؛ وإنما تعظم ثمرته حين يخرج من قلب صادق، قال أبو حفص لأبي عثمان النيسابوري: إذا جلست للناس فكن واعظاً لقلبك ونفسك، ولا يغرنك اجتماعهم عليك؛ فإنهم يراقبون ظاهرك، والله يراقب باطنك(3).
ب - الاعتذار عما قد يطلبه المتربي - مما فيه مخالفة لأمر الله أو تقصير- بمراقبة الله واطلاعه.
ج - كثيراً ما يحدث الابن أباه أو معلمه عن بعض ما يراه من مواقف فيها مخالفة شرعية، كالغش والاحتيال ونحو ذلك، وهو في الأغلب يسوقها خبراً عادياً أثاره فيه غرابته، فيجدر أن يعلق المربي على مثل هذه المواقف بأن أولئك الذين لا يراقبون الله _تعالى_ لو كان لديهم أحد من البشر يخافونه لما اجترؤوا على المخالفة، وبأنهم سيدفعون ثمناً باهظاً بعد ذلك.(115/2230)
د - الحذر من مراقبة الشاب بالصورة التي تجعله يترك المعصية إرضاء لمن يربيه، بل ربطه بالله _عز وجل_ في هذا الجانب، وتنمية الرقابة الذاتية، حتى لو علم المربي بوقوع الشاب في معصية.
_______________
(1) مدارج السالكين 2/68.
(2) رواه البيهقي (4/95)، وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة (1046).
(3) مدارج السالكين 2/68.
ـــــــــــــــــــ
متعلقة بيّ ..علميها الحب في الله
أجاب عليه ... همام عبدالمعبود
التاريخ ... 27 / 11 / 1425 هـ
السؤال
أنا فتاة أبلغ من العمر 22 سنة، مشكلتي ليست فيّ أنا، إنماء في إحدى قريباتي، عمرها 18 سنة، تعيش في عائلة مستقيمة، لكن المشكلة أنها متعلقة بيّ كثيراً، كيف أعدل من هذا الحب وأجعل منه حباًالله وفي ذات الله؟
الاجابة
أختنا في الله :
السلام عليك ورحمة الله وبركاته،
وأهلاً ومرحباً بك، وشكر الله لك ثقتك بإخوانك في موقع "المسلم"، ونسأل الله العلي القدير أن يجعلنا أهلاً لهذه الثقة، وأن يتقبل منا أعمالنا وأقوالنا، ويجعلها خالصة لوجهه الكريم، وألا يجعل فيها لمخلوق حظاً، وأن يرزقنا وإياك السداد والتوفيق، وأن يجري الحق على ألسنتنا، إنه على ذلك قدير وبالإجابة جدير.. وبعد:
لقد قرأت سؤالك، وأكبرت فيك همتك العالية، وحبك لدينك، وأود أن أذكرك بأن الإسلام يسعى، فيما يسعى إليه إلى إقامة المجتمع المسلم، المتحاب والمتراحم، مجتمع الجسد الواحد، ومن أجل ذلك حثنا على "الحب في الله" ورغبنا فيه، وبين لنا أن كل محبة لغير الله تكون وبالاً على صاحبها يوم القيامة، فقال _تعالى_: "الإخلاء يومئذ بعضهم لبعض عدو إلا المتقين" .
والحب في الله يوجب على المحب أن يكون ملتزماً بمنهج الله، فيحب الصالحين لصلاحهم، وطاعتهم لربهم _سبحانه وتعالى_ لا لقرابة أو نسب أو نفع دنيوي، فأي صداقة لغير الله تنقلب عداوة يوم القيامة، ومن يتخذ له في الدنيا خليلاً يضله عن سبيل الله يتحسر على ذلك يوم القيامة، كما قال _تعالى_: "يا ويلتى ليتني لم أتخذ فلاناً خليلاً، لقد أضلني عن الذكر بعد إذ جاءني" .
واعلمي - حفظك الله- أن من أحب أخاً له في الله فقد استحق حب الله ومحبته، فقد روى الإمام مسلم عن أبي هريرة _رضي الله عنه_ عن النبي _صلى الله عليه وسلم_ "أن رجلاً زار أخاً له في قرية أخرى، فأرصد الله _تعالى_ على مدرجته ملكاً فلما أتى عليه قال: أين تريد؟ قال: أريد أخاً لي في هذه القرية قال: هل لك عليه(115/2231)
من نعمة تربها؟ قال : لا، غير أني أحببته في الله، قال: فإني رسول الله إليك بأن الله قد أحبك كما أحببته فيه .
كما أنه _سبحانه_ يجعل المتحابين فيه على منابر من نور يوم القيامة، يغبطهم عليها النبيون والشهداء، وقد روى الترمذي بإسناد صحيح عن النبي _صلى الله عليه وسلم_ فيما يرويه عن ربه أن الله _تعالى_ يقول: "المتحابون في جلالي لهم منابر من نور يغبطهم النبيون والشهداء". ولكن لتعلمي أنه ليس الحب مجرد تعبير باللسان، وإنما هو إخلاص وعمل، فمن لوازم الحب في الله أن يبذل المحب خالص النصح لمن يحبه، فالأصل أنه يحب له كل الخير، فيقدم له النصيحة المخلصة متى احتاجها وإن لم يطلبها .
هذه مقدمة لابد منها، أما عن سؤالك فقد فهمت منه أن هذه الفتاة المتعلقة بك، أصغر منك بأربع سنوات، وأنها من أقاربك، وأنها تعيش في أسرة مستقيمة، وأقول لك وبالله التوفيق : إن هذه كلها مقدمات طيبة، ومنطقية في نفس الوقت، وهي تبرر لنا لماذا تتعلق بك، فلا تقلقي من هذا التعلق، بل إنه – التعلق – قد يكون عاملاً مساعداً لك في مهمتك النبيلة، التي تسعين إليها، وهي تعديل هذا الحب وجعله لله .
وأنصحك بالآتي : -
1. حافظي على حبها لك، وإياك أن تصدينها.
2. أخلصي النية والقصد من وراء عملك هذا لله _عزوجل_.
3. استعيني بالله، واسأليه العون، فإن القلوب بيده _سبحانه_ يقلبها كيف يشاء.
4. اربطيها بالله _عز وجل_، وكوني لها قدوة صالحة لتقدي هي بك.
5. علميها أن الحب في الله من أسمى مراتب الإيمان، وأنه عبادة يتقرب بها العبد إلى الله، وأن أي صداقة لغير الله تنقلب عداوة يوم القيامة.
6. تدارسا سوياً كتاباً أو واستمعا لشريط حول موضوع "الحب في الله" يتناول : مفهومه، فضله، كيفيته، ضوابطه.
7. عرفيها بحق المسلم على أخيه المسلم، وأنه لو كان مسلماً وقريباً فإن هذا يرتب له مزيداً من الحقوق.
8. أفهميها أن حياتنا كلها يجب أن تكون لله _تعالى_ امتثالاً لقوله _سبحانه_:" قل إن صلاتي و نسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين لا شريك له...".
9. ادرسي حالتها جيداً، فربما كان سبب تعلقها الشديد بك هو افتقادها للحنان في أسرتها.
10. قصي عليها نماذج من قصص الصحابة والسلف الصالح حول الحب في الله، وكيف كانوا يتحابون في الله ولله.
وختاماً؛
نسأل الله أن يجزيك على نيتك خير الجزاء، وأن يصلح قلب قريبتك، وأن يجعل حبكما لله، وأن يجمعكما سوياً في مستقر رحمته في الجنة، آمين .
ـــــــــــــــــــ
تعظيم الله في النفوس
أجاب عليه ... محمد الدويش(115/2232)
التاريخ ... 21 / 11 / 1425 هـ
السؤال
كيف أقوي تعظيم الله في النفوس؟
الاجابة
هذا هو الأساس الذي تتفرع منه سائر فروع الاعتقاد، وقد عاب _تبارك وتعالى_ على أهل الزيغ والضلال أنهم لم يقدروه حق قدره فقال: "وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالأَرْضُ جَمِيعاً قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّمَاوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ" (الزمر:67).
وحين يستقر تعظيم الله _تبارك وتعالى_ في النفس، ويملك صاحبه العلم الصحيح فإنه يسلم له اعتقاده، وتنضبط حياته بشرع الله _تبارك وتعالى_.
فالذي يعظم الله _تعالى_ لا يقدم بين يدي قوله وقول رسوله _صلى الله عليه وسلم_ ، ولا يتردد في تصديق الأخبار والتزام الأوامر وترك المنهيات، ولا يتعلق قلبه بغير الله، ولا يتجه لمخلوق؛ فيصفو اعتقاده ويستقيم عمله، ويضع للمخلوقين منزلتهم التي يستحقونها.
ومن الوسائل التي تعين على تحقيق ذلك:
1- الاعتناء بتلاوة القرآن الكريم وتدبر آياته.
2- التفكر في مخلوقات الله _عز وجل_؛ فيدرك من خلال ذلك عظمة خالقها _عز وجل_، وقد سبق الحديث عن هاتين الوسيلتين.
3- الاعتناء بتحقيق توحيد الأسماء والصفات ومعرفة الله _عز وجل_ وسبقت الإشارة لذلك.
4- ترك تعظيم المخلوقين ورفعهم فوق منزلتهم، سواء أكانوا من أهل السلطان في الدنيا، أم كانوا من الأولياء والصالحين
-ـــــــــــــــــــ
التربية الأسرية
أجاب عليه ... اللجنة التربوية
التاريخ ... 13 / 11 / 1425 هـ
السؤال
ما معنى التربية الأسرية؟
الاجابة
يقول الدكتور/ أحمد عبد الفتاح (المتخصص في شؤون الأسرة، والمقيم في الإمارات العربية المتحدة):
التربية الأسرية هي مجموعة السلوكيات والقيم والأخلاق التي تغرسها الأسرة في نفوس أبنائها، فالأسرة هي التي تكون النواة الأولى للإنسان في حياته الهادئة أو المضطربة، راحته أو شقائه، فالتربية التي تربي بها الأسرة أبناءها هي الكفيلة بأن يتعلم من خلالها السلوك المعوج (المنحرف) أو الصحيح (القويم).
وتعد الأسرة السليمة، اللبنة الأساسية في أي مجتمع، لذا فإن التعرف على الأبعاد الأساسية السائدة داخل الأسرة يعطينا مؤشرات واضحة نحو أساليب اكتساب القيم(115/2233)
والعادات والمحافظة على المعتقد الديني وانتقاله من الآباء إلى الأبناء، لينساب بشكل طبعي بعيداً عن القسرية، وأنماط الضغط في التربية لاكتساب هذا المكون الأساسي، فالأسرة المتمثلة في الأبوين هي المسؤولة عن بث روح المسؤولية واحترام القيم، وتعويد الأبناء على احترام الأنظمة الاجتماعية ومعايير السلوك فضلا عن المحافظة على حقوق الآخرين واستمرارية التواصل ونبذ السلوكيات الخاطئة لدى أبنائها، مثل: التعصب الذي يعده البعض اتجاهاً نفسياً جامداً ومشحوناً وانفعالياً، وكذلك ظواهر أخرى تعد محرمة دينياً، أو التقرب منها يعد عدواناً على حقوق الغير.
وعلاقة الوالدين أحدهما بالآخر لها الأهمية الكبرى في نسق اكتساب القيم من خلال التربية، وتوافقهما يحقق للأبناء تربية نفسية سليمة خالية من العقد والمشكلات التي لا تبدو واضحة للعيان آنياً، وإنما تظهر نتائجها بشكل واضح مستقبلاً، فإشباع حاجات الأبناء من قبل الأبوين يخفف إلى حد ما من درجات التناقض في التربية، فضلاً عن تحقيق التماسك الأسري واستقراره، حيث بالإمكان أن يسود جو العلاقات الخالي من التشاحن والخلافات، خاصة بين الأبوين، فزيادة التناحر والصراع بينهما ينعكس تماماً على الأطفال مباشرة ويترك آثاراً نفسية مؤلمة، ويصيب الأطفال باختلال في التوازن الانفعالي والنفسي، ويهدد أمن الطفل وسلامة حاجاته للانتماء عندما يشهد هذا الصراع، ويسمع ألفاظاً قاسية لا يستطيع أن يهرب من آثارها النفسية، فقد تؤدي هذه العلاقات بين الوالدين إلى أنماط من السلوك المضطرب لدى الأطفال كالغيرة والأنانية والخوف وعدم الاتزان الانفعالي.
أما القيم التي تعلمها الأسرة لأبنائها، فهي عبارة عن مفاهيم تختص باتجاهات وغايات تسعى إليها، كاتجاهات وغايات جديرة بالرغبة، وتعد القيم بمثابة المعيار المثالي لسلوك الفرد، ذلك المعيار الذي يوجه تصرفات الفرد وأحكامه وميوله ورغباته واهتماماته المختلفة، والذي على ضوئه يرجح أحد بدائل السلوك، وأن الفعل أو السلوك الذي يصدر عنه وسيلة يحقق بها توجهاته القيمة في الحياة، لذا تعد الأسرة من أهم المؤسسات الاجتماعية في اكتساب الأبناء لقيمهم، فهي التي تحدد لأبنائها ما ينبغي أن يكون في ظل المعايير السائدة، ومن القيم التي تكسبها الأسر المسلمة لأبنائها: السلوكيات الاجتماعية المتعلقة بالأخلاق والدين والتعامل مع الآخرين وآداب المجالسة والوفاء والإخلاص
ـــــــــــــــــــ
مافائدة وضع (الأهداف) التربوية؟
أجاب عليه ... محمد الدويش
التاريخ ... 28 / 10 /1425 هـ
السؤال
شيخي الفاضل ما الفائدة من وضع الأهداف التربوية؟
الاجابة
أخي الكريم
يعد تحديد الأهداف التربوية نقطة الارتكاز والمنطلق الأساس في العمل التربوي، وتكمن أهمية الأهداف ووظيفتها فيما يلي:(115/2234)
1- أنها تشكل الأساس والمنطلق في العملية التربوية كلها؛ إذ هي تعني حشد الطاقات والإمكانات للوصول لهذه الأهداف.
2- أنها تسهم في اختيار المربين وتتحكم في ذلك؛ فالمربي الناجح هو الذي يستطيع تحقيق هذه الأهداف وتحويلها إلى واقع ملموس.
3- أنها تسهم في تحديد البرامج والوسائل التربوية، فهي إنما تقام لتحقيق هذه الأهداف.
4- أنها تسهم وتتحكم في تحديد مضمون ومحتوى ما يقدم من معارف ومعلومات.
5- أنها تسهم في الاستثمار الأمثل لأوقات العاملين وجهودهم؛ فعدم وضوح الأهداف يؤدي إلى ضياع أوقات وجهود كثيرة.
6- أنها تمثل الأساس والمنطلق في تقويم العمل التربوي، فالتقويم إنما يتم بناء على مستوى ما تحقق من الأهداف
ـــــــــــــــــــ
ما حدّ الإسلام
أجاب عليه ... أ.د. ناصرالعمر
التاريخ ... 15 / 10 /1425 هـ
السؤال
السلام عليكم أما بعد: فأنا أنصح عدداً من الأصدقاء بالقرب من الله و إعفاء اللحية و رفع الثوب، و لكن يردون علي بأنهم يصلون الفرائض و يعملون بالأركان و يقولون بأن هذا حدّ الإسلام، فما الرد المناسب لهؤلاء ؟
الاجابة
أخي الكريم
وعليك السلام ورحمة الله وبركاته
_جزاك الله خيراً_على غيرتك وحرصك، وأوصيك بالاستمرار على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر .
وحدّ الإسلام في قوله _تعالى_: "وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا" (الحشر: من الآية7)، وبقوله _صلى الله عليه وسلم_: "إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم، وما نهيتكم عنه فاجتنبوه".
فكل أمر أو نهي ثابت عن النبي _صلى الله عليه وسلم_ فهو حدّ الإسلام.
ولكن تلطف معهم وبالتي هي أحسن.
ـــــــــــــــــــ
استخدام العصا والعقوبات البدنية
أجاب عليه ... إسماعيل الفقعاوي
التاريخ ... 26 / 7 / 1425 هـ
السؤال
أنا معلم لصفوف المرحلة المتوسطة، وأجد أنني غير قادر على القضاء على بعض السلوكيات أو حتى لزوم الصمت أثناء الشرح إلا باستخدام العصا والعقوبات البدنية، والتربويون اليوم يعدونها خطأ تربوياً، فما توجيهكم _حفظكم الله_.(115/2235)
الاجابة
إن العقاب مرفوض؛ لأنه هو الخطوة الأولى والأوسع انتشاراً في الوطن العربي، والعالم الثالث لزرع بذور الخضوع والخوف في نفوس الأجيال، فالمدرسة كما بقية مؤسسات المجتمع الرسمية والمدنية في شكل بنيتها الهرمية وفي مراسيم التعامل من أعلى إلى أسفل، وبالعكس تعكس هرمية السلطة في المجتمع، والعقاب البدني لا يؤسس لشخصية ذات مكونات فكرية مميزة، تؤمن بإسلاميتها، وتحب الحق والعدل، كما أن العقاب يؤسس في ضحيته خبرات تؤثر في سلوكه الاجتماعي والشخصي بعد ترك المدرسة، فالضحية (الطالب) قد يؤمن بالعقاب كأسلوب ضروري للضبط والتصحيح، فكما عوملنا نعامل، وقد تتبلور لديه نزعات معاقبة الآخرين لا لشيء إلا لتصفية الحساب مع الماضي في نفسه، أو تتولد لديه مشاعر الكآبة أو الهروبية أو العدوان.
ولكن لماذا نستخدم العقاب في المدرسة؟
كمعلم سابق كنا نستخدم العقاب غالباً لسببين:
1- تحقيق الانضباط الصفي.
2- تحقيق التحصيل المعرفي، وهذه النقطة تنقسم إلى جانبين:
أ- عقاب لعدم عمل الواجب البيتي.
ب- عقاب لحصر اهتمام الطلاب للشرح (أي إثارة الدافعية)، ومن ثم أداء أكبر عدد من الطلاب لتمارين التطبيق بنجاح.
وأدعي بأنه بتمعن المقارنة بين واقع المدرسة الرسمية، والمدرسة الخاصة على وجه العموم الخالية من العقاب نسبياً، ندرك إمكانية تحقق هذين السببين دون اللجوء للعقاب، بل سنجد المدرسة الخاصة تتمتع بتسرب أقل ورغبة في العصيان محدودة، ومعالجة تربوية فعالة وعلاقات احترام حقيقية، وقد تتمتع بتحصيل أفضل. إن المقارنة لا محالة ستقودنا إلى اكتشاف العوامل الغائبة عن المدرسة والتي آمنا بالعقاب كتعويض عنها.
ويمكن إيجاز هذه العوامل في مجموعتين:
أولاً: مجموعة العوامل الذاتية:
ضعف الرقابة والإسناد المباشر للمعلم في أدائه التربوي والأكاديمي. وتعني هاتان اللفظتان هنا كل ما تتضمنه وتحتاجه العملية التعليمية من ممارسات معرفية وسلوكية من جانب المعلم والطلاب في سياق محاولة التعلم والشروط اللازم توافرها لحدوث التعلم الجيد الفعال، ومنها: عدم تجديد دورات التطوير والتحديث التربوي بشكل دوري للمعلمين القدامى ومتابعة أثر التدريب، والعبء التعليمي الضخم الذي يستنزف طاقات المعلم على العطاء ويولد الضغط النفسي، ولا يترك له متسعاً للتصحيح والمتابعة ومعالجة عدم الفهم في حينه قبل فوات الأوان، وعدم توافر مربين صحيين وأخصائيين اجتماعيين لتقصي ومتابعة الطلاب ذوي الحاجات الخاصة.
ثانياً: مجموعة العوامل الموضوعية:(115/2236)
عدد الطلاب الضخم في الفصل الواحد يحرم المعلم فرصة معالجة الطلاب ذوي الحاجة ويقلل الدافعية ويقود إلى التبرم والإحباط وهي إرهاصات التمرد، كما ويكون هذا العجز لدى المعلم بعد مدة شعور عدم الاكتراث أو عدم الوفاء بالأمانة، مما يؤدي إلى تكوين عقدة الذنب أو مشاعر سلبية أخرى.
كما أن طبيعة مقعد الدراسة الخشبي الضيق تخلق الإرهاق الجسدي لمن يجلس عليه طيلة ساعات أربع، مما يشتت الانتباه ويكرس الملل ويولد الشوق إلى التحرر والانعتاق، وضيق مساحة المدرسة بالنسبة لعدد الطلاب الضخم يولد الاحتكاك والنزاع بين الطلاب في الاستراحات، ولا يسمح بممارسة اللعب ضمن الفريق إلا للأقوى، ناهيك عن افتقار المدرسة لأماكن الترويح بعد مشقة الدرس.
أما الأستاذ عزيز بوستا (أستاذ بمركز تكوين المعلمين والمعلمات بطنجة المغرب)، فيقول:
ما زال العقاب البدني واللفظي سائداً في مؤسساتنا التربوية باختلاف مستوياتها الأولية والأساسية وغيرها، ويأخذ العقاب هنا عدة مظاهر منها:
1- العقاب البدني بأدوات معينة كالعصي والحبال والمساطر وغيرها، أو باللطم والصفع والقرص.
2-العقاب دون استخدام أدوات: كإيقاف الطفل خلف الباب، أو في مواجهة الحائط الخلفي للفصل مع رفع إحدى رجليه أو دون رفعها لمدد متفاوتة.
3-العقاب اللفظي المتمثل في السب والشتم والاستهزاء والسخرية.
4- العقاب بالإهمال وعدم إعارة أي اهتمام لما يقوم به الطفل من أعمال ونشاطات تربوية وتعلمية.
5- العقاب بالتنقيط (نقطة الصفر، النقطة الموجبة للرسوب).
6-العقاب بالواجبات والفروض، كإرغام الطفل على كتابة كلمة أو جملة أو فقرة عشرات أو مئات المرات .
وتختلف وجهات النظر حول العقاب، فالمؤيدين للعقاب غالبا ما يدافعون عنه بالأدلة الآتية:
() ما دام العقاب البدني شائعاً في المجتمع والأسرة، يستحيل إزالته من المؤسسة التربوية، وإلا أصبحت هذه الأخيرة مجالاً لتفريغ شحنات الطفل نتيجة العنف الممارس عليه خارج المؤسسة ؛ لأن الطفل في هذه الحالة لا يرتدع بوسائل أخرى غير العقاب... لذلك علينا أن نفكر في محاربة كل الأساليب العنيفة في تعاملنا مع الطفل خارج المدرسة قبل الشروع في ذلك داخلها.
() العقاب وسيلة ناجعة لتقويم سلوك الطفل، وإلا سقط في الانحلال، فيصبح مدللاً، لذا لا يجب إطلاق العنان لنزعات الطفل الفجة.
() العقاب يساهم في تقوية مكانة وشخصية المدرس أو المربي، وانعدامه يؤدي إلى إضعافها.
أما حجج الرافضين للعقاب البدني، فمنها:
() العقاب وسيلة بدائية لا تتناسب مع التطور الحضاري الذي عرفته الإنسانية.(115/2237)
() العقاب يؤدي إلى تمرير الراشد للطفل لمبدأ غير أخلاقي هو أن الحق للأقوى، فالراشد يعاقب لأنه الأكبر والأقوى، وهذا يلغي فضيلة الحوار وأسلوب الإقناع والاقتناع.
() تركيز المربي على العقاب يؤدي إلى الانتباه للأخطاء فقط، وإهمال الدعم والتشجيع.
() الطفل المعاقب يحس بعدم جدوى القيام بأي مجهود جديد، خشية الوقوع في الخطأ الذي تتلوه العقوبة.
() العقاب العنيف له انعكاسات خطيرة على شخصية الطفل ومستقبله، فهو يؤدي به إلى: فقدان الثقة في النفس، والانطواء والخجل، وعدم القدرة على المواجهة، وعدم القدرة على تحمل المسؤولية، وكراهية المربي والمؤسسة التربوية، وينشأ الطفل على الخوف أو التمرد والعصيان، كما يمكن أن يؤدي العقاب إلى التسرب الدراسي.
() العقاب لا يفرض احتراماً حقيقياً للمدرس من طرف الأطفال المعاقبين، بل هو احترام مصطنع، كما أن أفضل السبل لتقوية شخصية المدرس يكون بالتعامل التربوي الإنساني، لا بممارسة أية سلطة قهرية.
ونخلص إلى أن معظم التربويين يجمعون على خطورة العقاب البدني المبالغ فيه على تكوين شخصية الطفل. إلا أن العقاب إذا خضع لقيود تربوية صارمة، يمكنه أن يكون مفيدا في تربية الأطفال، فمثلا عالم النفس دانييل لومبير، يرى أن العقاب ليكون تربوياً، لا بد للمربي من اتباع المعايير الآتية:
1- يجب أن يرتبط العقاب بهدف رئيس، وهو أن يستوعب الطفل أننا غير راضين عن سلوك معين لكي لا يعيده.
2- يجب أن تحصل العقوبة مباشرة بعد السلوك الخطأ؛ لأن مفهوم الزمن لدى الأطفال الصغار يختلف عن مفهوم الكبار له.
3- علينا أن نقيم ربطاً منطقياً بين العقوبة والخطأ المرتكب.
4- يجب الثبات فيما نطالب به الطفل، وعدم نسيان أو تغيير طلباتنا.
5- علينا أن نتأكد من أن ما نطالب به الأطفال ممكن التحقق ومناسب لسنهم.
6- أن نتأكد من أن عقوباتنا لا تحمل أي أعراض جانبية أو تأثيرات سلبية على الأطفال.
ويضيف بعض الباحثين معايير أخرى، مثل:
أ - ضرورة أن يتناسب العقاب مع درجة الإساءة أو الخطأ، لا مع درجة مخالفة أو مضايقة الراشد وغضبه؛ لأن العقاب لا يجب أن يكون انتقاماً أو تنفيساً عن غضب الراشد وانفعاله.
ب - عدم إهانة الأطفال أو تهديدهم أو تجريمهم.
ج - إشراك الأطفال في إصلاح أخطائهم، كلما تأتى لنا ذلك.
د - تفادي مطالبة الأطفال بوعود لن يتمكنوا من الالتزام بها، أو أن نطلب منهم المسامحة والاعتذار عن موقف لا يفهمونه.
لعل أهم ما يمكن استخلاصه من كل ما سبق، هو أن للعقاب البدني العنيف عواقب خطيرة على نمو الطفل وتكوين شخصيته، وإن كان لا بد لنا كراشدين (مربين أو(115/2238)
مدرسين أو آباء وأمهات) من تقويم أي انحراف في سلوك أطفالنا، فليكن ذلك بأساليب تربوية تحفظ كرامتهم وتصون حقوقهم، وتهيئهم لتحمل المسؤوليات الجسيمة التي تنتظرهم في بناء عالم الغد المفعم بالتحديات.
ـــــــــــــــــــ
أيهما أتفرغ له طلب العلم أم التربية ؟
أجاب عليه ... أ.د. ناصرالعمر
التاريخ ... 8 / 7 / 1425 هـ
السؤال
السلام عليكم و رحمة الله و بركاته
فضيلة الشيخ / ناصر العمر حفظه الله
أود استشارتكم في شيء أخذ من وقتي الكثير بل أخذ كل وقتي .
وهو أنني -و لله الحمد- مشرف على حلقات قرآن و مجموعة شباب بالمرحلة المتوسطة و الثانوية، و في الواقع أن هذا العمل يأخذ كل وقتي ...
و سؤالي يا فضيلة الشيخ هل الأفضل أن أتفرغ لطلب العلم و للتحصيل العلمي أم أن استمر على وضعي هذا ..؟
علما بأنه من الصعب التوفيق بينهما !
و الله ولي التوفيق..
الاجابة
وعليك السلام ورحمة الله وبركاته
أخي الكريم استمر على عملك وأبدع فيه وسدد وقارب ، والهدف دخول الجنة فابحث عن الوسيلة المناسبة لك الملائمة لطبيعتك وقدراتك، وللعلم أهله لأنه من فروض الكفايات قال الله سبحانه : ((وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً فَلَوْلا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ )) (التوبة:122) ، وكان النبي صلى الله عليه وسلم إذا جاءه الرجل وأسلم وتعلم بعض العلم أرسله إلى قومه داعياً ومنذراً ، ولم يأمره بالبقاء ليطلب العلم ؛ لأن غيره يقوم بذلك كأبي هريرة وغيره من الصحابة الملازمين للنبي صلى الله عليه وسلم ، وتجد الصحابة كل في مجاله وتخصصه فذاك في طلب العلم والآخر في القضاء وثالث في الغزوات والمعارك ولم يأمرهم الرسول كلهم بطلب العلم وترك الثغور .
ولا يعني ذلك ترك الفروض والأركان ، والجهل بأساسيات العلم بسبب الانشغال بغيرها .
ـــــــــــــــــــ
مكافآت الطلاب المالية
أجاب عليه ... اللجنة التربوية
التاريخ ... 23/6/1425
السؤال
أنا معلم في إحدى المدارس، ويطالبني تلاميذي بمنحهم مكافآت مالية نظير تفوقهم... فما أثر هذه المكافآت، وهل هي تصرف تربوي خاطىء؟(115/2239)
الاجابة
يقول الأستاذ خالد المعلم، المدرس في إحدى مدارس بيروت الأساسية، والمفتش الاسبق في وزارة التربية والتعليم اللبنانية:
إن المدرسة مكان للعيش بقدر ما هي مكان للتعلم، لأن كثيرا من الطلاب يمضون معظم وقتهم فيها، وربما أكثر من البيت أحيانا. وهذا المكان (المدرسة) يتطلب مقومات تضمن تخريج جيل مؤمن، واعي، ينهض بأمته، بحيث نرعى أفراده ونشجعهم وندعمهم بكل أمكاناتنا كي يكونوا على قدر المسؤولية.
ولا يكفي أن يشجع المعلم طالبا لأنه نجح في حفظ جدول الضرب مثلا، بل يجب عليه أن يدعم كل جوانب تطوره: ثقته بنفسه، مهاراته وهواياته، قدرته على التواصل السليم مع الآخرين، وغير ذلك. وكل طالب، ذكرا كان أم أنثى، له شخصية فريدة، ومميزة، وعلى المعلم أن يتعرف على فردية كل طالب في صفه، وأن يتصرف بمسؤولية تجاه هذه الفردية، فيدعمها بحكمة للوصول إلى إبراز كل مواهب الطالب، ومواطن قوته.
والكثير من الطلاب، إن لم يكن جميعهم، يحبون المكافآت، مالية كانت أم عينية، ولا سيما صغار السن منهم. ولا شيء يدفع الطفل للتصرف الإيجابي، في السلوك أو الدراسة، أكثر من رغبته في الحصول على مكافأة ما.
فالطلاب يحبون المكافآت، وتوقع حصولهم عليها، يعطيهم طاقة داخلية للتجاوب مع متطلبات المحيط، فتراهم متجاوبين مع المعلم والدروس حتى أقصى درجة، الامر الذي يعزز من نجاحهم في الدراسة وفي الحياة عموما.
والمعلم الناجح، لا يقف "مستنفرا" داخل الصف لإلتقاط الطالب وهو أوج لحظات المشاغبة، بل "يستنفر" طوال النهار لإلتقاط طلابه في أعمالهم الإيجابية، ويقدم لهم المكافآت نظير إنجازاتهم وتفوقهم، حتى لو كانت أعمالهم، متطلبا "إجباريا" منهم، لأن المكافأة هنا تكون بمثابة تقدير من المعلم إلى الطالب لما أنجز أو عمل.
على أن المكافآت لا يشترط بالضرورة أن تكون مالية، أو مادية، فالمعلم يمكن أن يقدم للطالب الذي يستحق التقدير: ابتسامة، أو تربيتة على الكتف، أو حتى كلمة مشجعة. ويمكن أن تكون المكافأة مادية مثل: وسام يوضع على الصدر، أو كتاب جميل، أو ملصقات ملونة. ولكن المكافآت المالية غير محبذة عند بعض التربويين، لأنهم يرون أن الطفل يمكن أن يتعود عليها، بحيث تصبح "شيئا" مطلوبا من كل من يتعامل مع ذاك الطفل، أي أنه يمكن أن يطلب المكافآت المالية من الأب والأم والخال والعم والجد وصديق الوالد والجار... الخ، كما أن المال يعود الطفل على مستوى من الإنفاق قد يكون أعلى من مستوى أو قدرات أسرته، فيلجأ إلى سلوكيات خاطئة (كالسرقة مثلا) للحصول على المال، إذا توقفت تلك المكافآت.
وعموما، المكافآت مهما كان نوعها مهمة ومرغوبة ومحبذة، لأنها تعزز من السلوكيات والأفعال الإيجابية. ويخضع اختيار نوع المكافأة، معنوية أو مادية أو مالية، إلى نوعية الطلاب، وحجم إنجازاتهم، ومهارات المعلم، وإمكانيات المدرسة، أكثر من الاعتبارات التربوية، لأن معظم المكافآت مقبولة تربويا.
ـــــــــــــــــــ(115/2240)
مشكلات في بيتي
أجاب عليه ... همام عبدالمعبود
التاريخ ... 19 / 5 / 1425 هـ
السؤال
كيف أتعامل مع المشكلات في البيت مثل : غضب والدي لأتفه سبب ؛ سوء خلق إخواني . ونحو ذلك مما يجعلني أملّ من البيت وأحب الخروج منه ؟
الاجابة
الأخ الكريم :
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، ثم أما بعد :
فقد قرأت رسالتك، وأود أن أذكر نفسي وإياك بمكانة الوالد في الإسلام، فقد جعل الله بر الوالدين فرض عين على كل مسلم ومسلمة، وأمرنا بطاعتهما وجعل طاعتهما من طاعته سبحانه وتعالى، وحذرنا أشد تحذير من عقوقهما ولو بالنظرة، فقال جل جلاله في محكم التنزيل:( وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحسانا) (الإسراء: 23)، وقال أيضا: (ووصينا الإنسان بوالديه حملته أمه وهنا على وهن وفصاله في عامين أن اشكر لي ولوالديك إلي المصير، وان جاهداك على أن تشرك بي ما ليس لك به علم فلا تطعمها وصاحبهما في الدنيا معروفا) (لقمان: 14 ،15)، وقوله تعالى: (ووصينا الإنسان بوالديه إحسانا حملته أمه كرها ووضعته كرها وحمله وفصاله ثلاثون شهرا) (الأحقاف: 15) .
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال : جاء رجل فقال يا رسول الله من أحق الناس بحسن صحابتي ؟ قال : أُمك , قال : ثم من ؟ قال : أُمك , قال : ثم من ؟ قال : أُمك , قال : ثم من ؟ قال : أبوك) متفق عليه) .
فللوالد مكانته عند الله، ويجب عليك أن تكون بارا بوالدك، ومن برك بوالدك أن تطيعه فيما يأمرك به، ما لم يأمرك بمعصية، وكل ما خلا ذلك مما يأمرك به ويطلبه منك فالواجب عليك أن تسمع له وتطيع، حتى وإن كان ما يطلبه منك لا يروق لك، فطاعته واجبه، ودائما تكون الطاعة ثقيلة على النفس، قال تعالى حاكيا عن الصلاة التي هي صلة بين العبد وربه: ( واستعينوا بالصبر والصلاة وإنها لكبيرة إلا على الخاشعين , الذين يظنون أنهم ملاقوا ربهم وأنهم إليه راجعون ) (البقرة : 45 ، 46 )، وقال صلى الله عليه وسلم: (حفت الجنة بالمكاره وحفت النار بالشهوات) (رواه مسلم والترمذي )، فإذا كان هذا في أمر طاعة الخالق سبحانه وهو الذي يعطي الجنة جزاءا على طاعته، فما بالكم بطاعة المخلوق (الأب)، الذي لا يملك لنفسه فضلا عن أن يملك لك من دون الله شيئا .
وإذا كان الشيطان يوسوس للمسلم ليعصي خالقه ورازقه، فإنه من نافلة القول أن الشيطان يسعى بأن تعصي والدك ليغضب عليك، فتستحق غضب الله، فيطردك من رحمته، ومن ثم فإن الشيطان يوقع العداوة والبغضاء بين الولد ووالده وإخوانه، فيجعلك ضيق الصدر معهم، لا تسعهم بصبرك، ولا تتحمل أذاهم .
وعليه أخي الكريم :(115/2241)
فإنني أوصيك ونفسي بتقوى الله، والسمع له والطاعة، كما أوصيك ببر والديك والصبر عليهما وتحمل كلامهما وعتابهما، فلا تجادل والدك ولا تعانده بل استمع لنصحه، وتقبل نقده بصدر رحب، واعمل على تفادي النقاش معه فيما تعلم انه سيخالفك فيه الرأي، وتجنب قول أو فعل ما يغضبه، وأشعره باحترامك له، وتقديرك لرأيه، وإعجابك بما يقول، وحاول أن تستفد من خبرته في الحياة، واحتسب ذلك كله عند الله عز وجل .
وإذا كان لك تحفظ على بعض ما يقول أو يفعل وتريد أن تنصحه فالتزم معه آداب الإسلام في نصح الكبير والأعلى كالوالد والأستاذ والشيخ والرئيس ...إلخ، كن حكيما، واعلم أن الحكمة هي وضع الشيء المناسب في الوقت المناسب في المكان المناسب بالقدر المناسب، و أسر إليه بالنصيحه، وتجنب نصحه أمام الناس فإن ذلك من سوء الأدب، ابتعد عن صيغ الأمر والنهي، فلا تقل له افعل كذا أو لا تفعل كذا، وإياك ورفع الصوت في وجهه، أو أن تشير بيدك في وجهه وأنت تخاطبه .
وانظر كيف كان نصح نبي الله إبراهيم عليه السلام لأبيه آزر :( يا أبت إني أخاف أن يمسك عذاب من الرحمن فتكون للشيطان ولياً) (سورة مريم، الآية 45) ، بمثل هذا فتخلق وهدي نبيك فالتزم .
وختاما؛ فإن نصيحتي لك ألا تترك البيت أو تمل منه، لمجرد انك لا ترتاح في النقاش مع والدك أو إخوانك، فإن ذلك ليس بحل، إنه هروب من المشكلة، والحل يقتضي منك وقفة شجاعة مع نفسك، تراجعها فيها، وتنصحها وتقيمها على طاعة الله، اتهم نفسك بالتقصير، اسع للتغيير، كن أنت البادئ، اجعلهم يشعرون انك تغيرت وانك أصبحت تحبهم وتأنس بهم، آنئذ سيتغيرون للأحسن، وسيبادلونك نفس الشعور، لا تجعل للشيطان بينكما سبيل .
وفقك الله لقول وفعل ما يحبه ويرضاه، وعصمنا وإياك من الزلل، ووقانا شر النفس ووسوسة الشيطان . آمين .
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين ..
ـــــــــــــــــــ
كيف أدعو في الحي الذي أسكنه ؟
أجاب عليه ... جمّاز الجمّاز
التاريخ ... 14 / 3 / 1425 هـ
السؤال
( إلى الإخوة في الركن التربوي )
أرغب في إقامة لجنه تربوية خاضعة إلى جهة معينة في الحي الذي اسكن فيه واحتاج إلى مساعدتكم في الأفكار والتوجيه لأن التربية في الحي الذي اسكن فيه تكاد تكون معدومة وبودي أن أعمل شيء أخدم فيه أمّة محمد .
الاجابة
الحمد لله رب العالمين، وبعد:
فبإمكانك أخي الكريم التعاون مع الجمعية الخيرية لتحفيظ القرآن الكريم، أو حلقة التحفيظ المقامة في مسجد حيّكم، لتوجيه وتعليم وتربية شباب الحي، أو المكتب(115/2242)
التعاوني للدعوة من خلال [لجنة الدعوة] أو [لجنة البرامج العامة] ومحاولة إيصال الخير للحي وتصحيح عباداتهم ومعاملاتهم عبر الكتاب والشريط والمحاضرة، أو الجمعية الخيرية [جمعية البر + المبرّات] بهدف خدمة المجتمع الذي تسكن فيه، والتواصل معهم لسدّ حاجة الناس من مال أو طعام أو كساء.
وينبغي لك أن تحاور مسؤولي تلك القطاعات الرسمية المذكورة، ودورهم فيها، ماذا قدموا لحيكم ولغيره، واعرض نفسك أن تكون مندوباً لهم، وتتواصل معهم، واعلم أنهم مثلك، ينتابهم الضعف والفتور، ويقع عليهم الخطأ، فاحرص على تذكيرهم بالله، وحمِّلهم المسؤولية أمام الله، واحفظ لهم نشاطهم وأثنِ عليهم بحقه، فإن لم يكن شيء من ذلك في الحي أو البلد الذي تسكن فيه، فنرى لك أن تتصل بعالم أو شيخ أو طالب علم أو إمام جامع أو مسجد، وتعرض عليه القيام بعمل تربوي أو دعوي لصالح البلد أو الحي، وتطلب منه التوجيه والإرشاد، فإن امتنع أو اعتذر، فخوّفه بالله أن يضل الناس أو ينحرفوا بسبب إهمال دعوتهم وتوجيههم، وأنه هو المسؤول أمام الله عز وجل، فهو ليس كغيره، فالله علّمَهُ ما لم يُعلم غيره، وبوّأهُ مكانة، لم يتبوّأ مثلها غيره، وأقترح لك من قبل ومن بعد، أن تستشير من يكبرك سناً وفضلاً وعلماً، وتبدأ معه خطوات عملية، وهو يتابعك ويرشدك.
وهذا التوجيه نرى أنه عين الصواب، فأنت تبدأ عملك حيث وقف من قبلك، من الأفراد أو المؤسسات، وإياك أن تبتدئ عملاً جديداً فتحرم نفسك من جهود سابقة أو قائمة، بل واجبنا جميعاً أن نعمل عملاً مرتباً منظماً، فنستفيد من كل شيء، وهنا يظهر الترابط والوئام، والشمولية والتكامل.
ومتى لم يكن هناك أعمال سابقة أو قائمة، فنرى لك أن تجتمع بمن يشاركونك الهم، والجدّ في العمل، فتجتمعون على يد واحدة، ورأي واحد، وتبدؤون الترتيب، وتحرصون على التعلم والتلقي عن أفواه الكبار.
وأحذّرك الفوضى، والإعجاب بالرأي، وترك سبيل الجماعة، فهي بداية لشر منتظر.
وأعظم توجيه، أن تخلِص قصدَك في عملك فالإخلاص طريق النجاح، ومن أراد أن يتصدر الناس في دعوة أو تربية، فعليه بالعلم الضروري في العبادات، والكليات المجملة في العقائد، والمقاصد الأساسية التربوية، عليك أن تتعلم وتتربى، ثم تُعلّم وتُربّي، فإني أخشى عليك.
يجب عليك أن تصبر، ولو لم يستجب لك أحد، يجب أن تذكّر الغافل بدوره، وتشجعه على أداء مهمته، ولو وعدك مرة بعد أخرى.
وينبغي لك أن تكون عاملاً بكل ما تتفقون عليه، لا تتردّدْ، وما أشكل عليك أو تردّدت فيه، ناقشهم حتى تقنعهم أو يقنعوك.
واعلم وصية النبي صلى الله عليه وسلم "فالرفق ما كان في شيء إلا زانه، وما نُزِع من شيء إلا شانه" والمؤسسات الخيرية بعامة سوف تجد عندها ضالتك من الأفكار والتوجيه، فاطرقها، وأقترح لك أن تقتني بعض الكتب المتميزة، ففيها أفكار وطرق شتى لمن أراد أن يعمل، وهما:
1- أفكار مقترحة لأنشطة مختلفة في المدارس، لصالح القاضي.
2- فتح آفاق للعمل الجاد، لفهد العماري.(115/2243)
3- دليل الفرص والوسائل الدعوية، لخالد الدبيخي.
نفع الله بك الإسلام والمسلمين وجعلك مباركا أينما كنت وللمتقين إماماً.
وبالله التوفيق، وصلى الله وسلم على نبينا محمد بن عبد الله وعلى آله وصحبه أجمعين.
ـــــــــــــــــــ
طالبتي ذكية مستبدة!
أجاب عليه ... اللجنة التربوية
التاريخ ... 8 / 3/ 1425 هـ
السؤال
أنا مشرفة مصلى (نشاط) في المدرسة ولديّ طالبة نشيطة وذكيّة لكنها تريد أن تستبد بالنشاط وحدها من إلقاء أو عمل وتغضب إن رفضت ذلك على الدوام ؛ و الآن تود الانسحاب من الحلقة ولا تتحدث معي وتطاولت عليّ بالكلام لكني تجاهلت ذلك... وسؤالي: هل المشكلة من قبَلي؟ أم الخطأ منها؟ أرشدوني كيف أتصرف معها؟
الاجابة
نشكرك أختي على ما تبذلين من جهود في خدمة هذا الدين نسأل الله أن تكون خالصة لوجهه وأن يجعلها في موازين حسناتك يوم القيامة. وموضوع التربية موضوع مهم وشاق ولكنه يسير على من يسره الله.
وهذه المرحة التي تمر بها هذه الطالبة – أو غيرها - مرحلة تتميّز بحب تكوين الشخصية والاستقلال بها وحب الظهور والقيادة – لمن كان لديه هذا الميول – وهي مرحلة حساسة للفتاة أو المربية على حد سواء، إذا تعاملت المربية معها بنجاح كان لها الثمار اليانعة الطيبة – بإذن الله -.
وللمساهمة في حل هذه المشكلة دعينا نأخذ أطراف المشكلة ونطرح عليها بعض التساؤلات وقد يكون بعضها غير واقعة في هذه المشكلة:
1- الطالبة 2- المعلمة 3- المصلى (البرنامج)
4- زميلات الطالبة 5- طرق العلاج
أولا: الطالبة:
1- ما طبيعة عيش الطالبة في أسرتها ومجتمعها؟
2- ما المستوى الفكري والمادي للأسرة؟
3- ما مستوى الإبداع، والتميّز لدى الطالبة ؟
ثانياً: المعلمة (المربية):
1- هل تجد الطالبات في المعلمة القدوة الحسنة؟
2- ما مقدار التطوير الذاتي لديها؟
3- ما نسبة التجديد في طرحها؟
4- ما مدى القدرة على التعامل مع المشاكل؟
5- هل الغالب في المشاكل التي تظهر أنها من الفتيات أم أن هناك دور للمربية؟
6- هل قمت بعمل استبيان عن طريق تعاملك أو برامجك؟ أو سألت زميلاتك المربيات الناصحات الصادقات؟(115/2244)
ثالثاً: المصلى (البرناج):
1- ما الأشياء التي تطالب بها الفتاة وهي غير متحققة في المصلى؟
2- هل البرنامج يتوافق مع طموح الفتاة ورغباتها ومستواها أم يتوافق مع رغبات المربيات فقط؟
3- كثير من البرامج تجعل (المتربية) نسخة مكررة من (المربية) مع عدم تطوير ملكة التفكير والإبداع الموجود لدى الطالبات. فهل البرامج المعدة من قبيل الإبداع والتطوير؟
رابعاُ: زميلات الطالبة (المؤثرات الخارجية):
1- هل لزميلات الطالبة دور في التأثير السلبي عليها؟
2- مَن مِن زميلاتها من تتصف بحسن الخلق، ومحبوبة من الطالبات نستطيع ربط الطالبة بها؟
3- ما مستوى تفكير زميلات هذه الطالبة المشاركات في المصلى (أعلى، مماثل، أقل)؟
خامساً: طرق العلاج:
1- هل قمت بدراسة عن بداية ظهور هذه الحالة لدى هذه الطالبة؟
2- هل جربت طرق العلاج المتنوعة (غير التقليدية) مثل كتابة الرسالة أو الجلوس معها جلسة وديّة أو التنسيق معها لزيارتها في البيت... إلخ؟
3- ما هي طريقة أسلوب رفضك لها، بقولك: (تغضب إن رفضت ذلك على الدوام)؟ هل كان فيه تعنيف أو قسوة غير مقصودة؟
4- هل تمنعين الطالبة أو تعترضين عليها علناً أمام زميلاتها أم بشكل انفرادي؟
5- هل جربت إشغالها بأعمال أخرى تستهلك طاقاتها الموجودة؟
6- هل قمت بحصر الأسماء المبدعة لديك في المصلى والاهتمام بها أكثر، بطريقة لا تؤثر على باقي زميلاتها؟
أخيرا:
دعينا نشاركك في صنع بعض الحلول عبر هذه النقاط السريعة:
1. أنت على ثغر فاحتسبي وأخلصي ولن يضيع الله عملك.
2. لابد من فهم مرحلة الطالبة ومعرفة الداء طريق إلى الدواء.
3. إعرفي ما الدافع لعملها لذلك فقد يكون الدافع لهذه الطالبة الحماس والغيرة والتحدي مع الأخريات لإثبات تميزها (وقد يكون الحسد أيضا) لكن لابد من توجيه هذه الأمور وصرفها إلى الأمور الحسنة.
4. حاولي احتوائها والتبسم لها وإن أخطأت بحقك فهذا خلقها لا خلقك، حتى تتجاوز هذه المرحلة.
5. ذكريها بأهمية التعاون والاجتماع؛ والله ورسوله أمرا بذلك واعرضي لها القصص التي تبين أهمية وأثر ذلك، وخاصة قصص المتميزات من الصحابيات.
6. ذكريها بالآخرة. وأن هذه الدنيا قصيرة الأجل وأننا خلقنا لعبادة الله ونشر هذا الدين، ويمكن تكليفها بتفسير بعض الآيات التي توضح هذا الأمر.(115/2245)
7. ذكريها بالأجر المترتب على اتحاد الكلمة والتعاون وأن الأمة لا تنجح إلا بالاجتماع، والمهم الهدف وعدم النظر لحظوظ النفس.
8. كلفيها ببعض الأعمال التي لابد من عمل الفريق وعند فشلها ذكريها بأن سبب الفشل الوحدة والاستبداد، وحاولي أن توضحي لها أنك تأملين منها أداء دور أكبر وأكثر فاعلية في المدرسة والمجتمع.
9. عقلها قاصر، ويبقى تفكيرها محدود، فلابد أن تفكري عنها ولا تخضعي لها لأنها تنظر من زاوية واحدة وهي: نفسها، وأنت نظرتك شمولية للطالبات كلهن. ولكن هذا لا يمنع من لين الجانب.
10. حاولي أن تتعاملي معها بالتأثير أكثر من التوجيه، وهذا الأمر يحتاج إلى مهارة حقيقية، ولابد أن نعلم أن الأفعال دائما أقوى في ترسيخ الشيء.
11. احذري أن تشعر بأنك مهتمة بها كثيراً ومتعلقة بها وتتمنين بقاءها وخصوصا في فترة علاج المشكلة لأنها ستصاب بالغرور ويزيدها بعدا، ولكن في الوقت نفسه لا تشعريها بأنك قد تخليت عنها لأنها سوف تنقطع وتخسرينها.
11- لابأس من أن تنتقل إلى برنامج آخر في المدرسة غير المصلى إذا كان موجوداً، وذلك إذا أصرت الطالبة على ترك المصلى، لأن انتقالها خير من انقطاعها التام.
12- حاولي إعطائها فرصة للتراجع، ولا تحسسيها بأن عليها الاعتذار لأن هذا الإحساس ربما يمنعها من العودة.
13- إذا لم ينفع معها ذلك كله ابحثي عن عمل لها يصلح أن تكون وحدها وتابعيها كالحفظ وبعض الأعمال الشخصية.
14 - عليك بالدعاء. فكم من باب مغلق قد فتحه الله بالدعاء وكم من عسير يسره الله به، فهو السلاح المعطل والعلاج المتروك.
أعانك الله وسدد رأيك، وأنار دربك. وجعلك مباركة أينما كنت،,,
والسلام عليكم ورحمة الله وبركات
ـــــــــــــــــــ
كيف أتعلم الإيمان ؟
أجاب عليه ... جمّاز الجمّاز
التاريخ ... 20 / 2 / 1425 هـ
السؤال
بسم الله الرحمن الرحيم
فضيلة الشيخ السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
قرأت أن السلف الصالح كانوا يتعلمون الإيمان قبل القرآن، فكيف أتعلم الإيمان ؟
وجزاكم الله خير الجزاء.
الاجابة
الحمد لله رب العالمين، وبعد:
فالصحابة كانوا يتعلمون الإيمان قبل القرآن، لحديث جندب البجلي قال: "كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن فتيان حزاورة(1)، فتعلمنا الإيمان قبل أن نتعلم(115/2246)
القرآن، ثم تعلمنا القرآن، فازددنا به إيماناً" خرجه ابن ماجة(2)، والخلال(3) بلفظ "...، فيعلمنا الإيمان ثم يعلمنا القرآن، فازددنا به إيماناً" وهو صحيح(4).
ومعنى ذلك أنهم كانوا يتعلمون الإيمان المُجمَل، الواجب تعلمه على كل مسلم وجوباً عينياً، كما ذكره شيخ الإسلام ابن تيمية.
والمقصود بذلك، أركان الإيمان الستة المشهورة وهي الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر وبالقدر خيره وشره.
فتتعرّف على معانيها إجمالاً، ويحسن بك أن تقرأ في شرح أحاديثها، ومنها الحديث المشهور بحديث جبريل الطويل، وأنه سأله عن الإسلام ثم الإيمان ثم الإحسان ثم الساعة وأماراتها(5).
ومن الكتابات التي تحدثت عن معنى الإيمان بالأركان الستة المذكورة بأسلوب ميسّر ومعنى واضح، كتابات بعض المعاصرين، ومنها الشيخ ابن عثيمين ضمن مجموع فتاواه ج3 ص 145-222 والشيخ ابن فوزان في كتابه الإرشاد إلى صحيح الاعتقاد ص 29-404 فراجعه فإنه مهم، وبالله التوفيق.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد بن عبد الله وعلى آله وصحبه أجمعين.
_______________
(1) هو الفتى الذي اشتد وقوي، أو قارب البلوغ.
(2) السنن، ج1 ص23 رقم "61".
(3) السنة، ج5 ص 54 رقم "1593".
(4) صحّحه الألباني، صحيح سنن ابن ماجة، ج1 ص 16 رقم "52".
(5) البخاري "كتاب الإيمان رقم 050" ومعه الفتح ج1 ص 152، مسلم "كتاب الإيمان رقم 08" ومعه شرح النووي ج1 ص 259.
ـــــــــــــــــــ
العلمانيّون ودورنا ...
أجاب عليه ... اللجنة التربوية
التاريخ ... 22 /1 / 1425 هـ
السؤال
استغلت فئة من الناس وهم ( العلمانيون ) الأحداث الحاصلة وبدأوا يبثون سمومهم ويحاربون الدين بكل شراسة ومن نواحي شتى . فما دورنا نحن عامة المسلمين ونحن لا نرضى بذلك .أنسكت أم ماذا ؟ وما هو دور العلماء ؟
الاجابة
أخي الفاضل..
عامة المسلمين أعرف بالدين من هؤلاء العلمانيين، ومن هنا فبإمكانهم الرد عليهم ولو رداً مجملاً عاماً لا يعرض لتفاصيل شبههم، ومن ذلك إشاعة أن هذه الحوادث الكبيرة والخطيرة والعامة ينبغي أن يستمع إلى أهل العلم فيها وينبغي ألا يلتفت إلى كل رويبضة ويسمع له.
بإمكانكم أخي الفاضل أن تقول للناس ما تؤمن به من أن الخير في هذا الدين والتمسك به، وأن الشر كل الشر في خلاف الشرع.(115/2247)
وعلى أهل العلم البلاغ والبيان المفصل والمجمل، فأهل العلم ينبغي أن ينفوا عنه تحريف الغالين وانتحال المبطلين.
نسأل الله أن يوفق الجميع لما يحب ويرضى، وجزاكم الله خيراً.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
التوازن والاعتدال في طلب العلم
أجاب عليه ... اللجنة التربوية
التاريخ ... 8 / 1 / 1425 هـ
السؤال
بسم الله
السلام عليكم
أنا شاب أطلب العلم وأحضر درساً بعد صلا ة الفجر كل يوم ثم بعد ذلك لدي برنامج للقراءة إلى الظهر ولكن كثيراً ما يغلبني النوم حتى لو أخذت كفايتي من نوم الليل، فهل من توجيه؟
الاجابة
وفقك الله لطلب العلم ، ومن سلك طريقا يلتمس فيه علما سهل الله له به طريقا إلى الجنة .
ووصيتنا إليك وصية النبي صلى الله عليه وسلم "عليكم من الأعمال بما تطيقون" فالاعتدال مطلوب، ولو حملت النفس على هذا الجانب – طلب العلم – فوق طاقتها فسوف يكون ذلك على حساب أمور أخرى، هذا إن تم لك ما أردت.
ولهذا ضع لنفسك برنامجاً يعطي الجسم حقه من الراحة، بالإضافة إلى إعطاء ذوي الحقوق حقوقهم؛ وبذل الوسع ، وكذلك يكفل نوعاً من التوازن في سائر العبادات.
ولابد من الهمّة العالية والعزيمة الصادقة أثناء تطبيق تلك البرامج ، مع المجاهدة وصدق النية لله والمتابعة للرسول ، والنفس لها إقبال وإدبار ، فإذا أقبلت فسارع .
ولاإفراط أو تفريط ، ولنا في سيرة الرسول الطريق الواضح في ذلك .
وعبدالله بن مسعود كان يذكر الناس في كل خميس فقال له رجل يا أبا عبد الرحمن لوددت أنك ذكرتنا كل يوم قال أما إنه يمنعني من ذلك أني أكره أن أملكم وإني أتخولكم بالموعظة كما كان النبي صلى الله عليه وسلم يتخولنا بها مخافة السآمة علينا. ( رواه البخاري ومسلم)
والله أعلم.
العنف لدى الأطفال
أجاب عليه ... اللجنة التربوية
التاريخ ... 19 / 12 / 1424 هـ
السؤال
لدي طفلة عمرها 6 سنوات تتصف بشيء من العنف في التعامل مع الجميع، وخاصة زميلاتها بالمدرسة، ولا تستجيب لا بالرأفة ولا بالعنف لمحاولة إصلاحها، وهي(115/2248)
زائدة النشاط بشدة مما يؤثر على تركيزها دراسياً على الرغم من مستوى الذكاء المرتفع _بفضل الله تعالى_.
الاجابة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
قبل الشروع في بيان أسباب العنف لدى الأطفال والعلاج يجب أن نعلم أن هذا السلوك والتشاجر يعد سلوكاً طبعياً لدى الأطفال، حيث قد ينفجر الطفل بالصراخ أو الركل والرفس للتنفيس عن حالة الغضب التي تمر به، إلا إذا كانت هذه الحالة وتلك الأعراض تلازم الطفل لمدة طويلة، فإنها قد تكون أعراضاً مرضية تستوجب الإسراع في العلاج قبل أن تستفحل، وكثيراً ما كان لتوجيه الطفل للابتعاد عن هذا السلوك أثر مباشر لعلاج الطفل حينما يكبر قليلاً.
وظاهرة العنف لدى الأطفال في الغرب تنتشر بشكل أكبر بكثير من مجتمعاتنا، كما أن وجود هذه المشكلة لدى الطفل يتطلب صبراً من الأبوين لمدة قد لا تكون قصيرة، فما تجذر في سلوك الطفل لا يمكن أن يُحَلَّ في توجيه مباشر أو ضغطة زر لمدة يوم أو أسبوع.
ونحن هنا نستعرض الأسباب المتوقعة باختصار شديد مما ذكره المختصون حتى يمكن تلافيها فلا نزرع بأنفسنا هذا السلوك من حيث لا نعلم ، ويكون أول خطوة للعلاج وضع الإصبع على الداء ثم تأتي للعلاج بعد ذلك.
من الأسباب:
أهم أسباب العنف لدى الأطفال، هو: التربية الأُسَرية، حيث قد ينتشر العنف في الأسرة من خلال تعامل الوالدين مع أبنائهما، واتخاذ العقاب البدني خطوة أولى لعلاج المشكلات، وربما لأتفه الأسباب، وربما كان لمجرد الانتقام لا للتربية، وربما كان العنف بين الزوجين سبباً، حيث يقتدي الطفل بوالديه في التعامل مع الآخرين، وربما ظن أنه هكذا يتم التعامل مع الآخرين، وربما كان عنف الأصدقاء خارج الجو الأسري سبباً.
وأيضاً قد يكون من الأسباب التفريق بين الأبناء في التعامل، سواء كان بين الصغير والكبير، أو الابن والبنت، أو الموهوب والمتميز عن سواه، ونحو ذلك.
ومن الأسباب الأسرية أيضاً: الحرمان العاطفي لدى الأطفال نظراً لانشغال الوالدين بأمور العمل، وربما الحرمان من المرغوبات فلا يلبي الأبوان أي طلب للابن، وعكس ذلك التدليل في الأسرة سبب، حيث إذا فقد الابن شيئاً تعود عليه فلن يتحمل الحرمان.
ومن الأسباب الأسرية في كون العنف سلوكاً للطفل اتخاذ بعض الوسائل التربوية الخاطئة في تربية الطفل، مثل بعض العبارات المشهورة: (خذ حقك بيدك)، أو جَعْل الطفل يفلت من الكبار فلا يحاسب على سلوكياته العدوانية، أو عصبية الآباء.
أما عن السبب الثاني الكبير للعنف بعد الأسرة، فهو:
الإعلام وما يقدمه من أفلام كرتونية عنيفة، أو أفلام رعب وعنف قادمة من ثقافات أخرى عالمية، حيث تؤثر سلباً على الأطفال، وربما كانت الشخصيات الوهمية والخيالية، والتي لا يستطيع محاكاتها سبباً في سلوك العنف.(115/2249)
وبَعْد هذين السببين الكبيرين تأتي أسباب أخرى كثيرة وعوامل مساعدة على العنف، مثل:
المشاكل الاجتماعية، ومطالب الحياة المعقدة.
وكذلك مرض الطفل بمرض مزمن ، مثل: الصداع أو آلام الأذن.
وأيضاً: الإحباط والفشل في تحقيق هدف معين...، مثل: أن يكسر الطفل الصندوق الذي يحوي لعبته بعد عجزه عن فتحه.
ومن الأسباب: تقدم زميل عليه في الدراسة.
وغيرها من الأسباب التي يجب أن نتخذ الحيطة في إبعاد الطفل عنها وعن مصادرها.
أما العلاج بعد تلافي الأسباب:
- التنشئة الدينية لدى الأطفال، والتي تربيهم على التسامح عن الآخرين، وشيوع هذا الخلق بين أفراد الأسرة وتربيتهم على قاعدة: "وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ" (آل عمران: من الآية134)، وإبراز القدوات من القصص التي تغذي هذا الجانب لدى الأطفال.
- الحوار المستمر مع الصغار، ومصادقة الأطفال من قبل الأبوين، وعدم الانشغال عنهم.
- تبرير العقوبات التي يقوم بها الأبوان وبيان سببها، وتوجيههم للإقلاع عن الخطأ السلوكي واللفظي.
- التنفيس عن الطفل في ممارسة الهوايات المختلفة، وعلى رأسها الرياضة لشغل الطفل بما ينفعه ، وكذلك التلوين والرسم والقراءة، وتنمية الهوايات، وخصوصاً الحركية والمفيدة لئلا تهدر طاقة الطفل في العنف.
- توحيد وتقنين التعامل مع الطفل، بحيث يعرف الطفل عواقب أخطائه، وتشجيع الأطفال، وتنمية السلوك الإيجابي والمكافأة عليه ولو بالقبلة أو الكلمة الطيبة.
- تربية الطفل على احترام ملكية الغير، وعدم الاعتداء عليها، ومراقبة سلوكه.
- تنمية الحب في نفس الطفل، وتعليم السلوك المناقض للعدوانية.
- مساعدة الطفل على تعلم تقييم المواقف الإحباطية.
- وأخيراً: تعزيز احترام الذات، فلا بد من تعليم الطفل كيف يتعامل مع التجربة.
أرجو أن تكون الإجابة شافية لك، فخذ منها ما تراه يناسب ابنتك، ولا تنس سلاح المؤمن، وهو: الدعاء.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
ـــــــــــــــــــ
أيها الحائر رفقا
أجاب عليه ... أ.د. ناصرالعمر
التاريخ ... 4 / 11 / 1424 هـ
السؤال(115/2250)
أنا شاب أبلغ من العمر 27 سنة ؛ أصبت قبل سنتين بمرض الاكتئاب النفسي ثم شفيت - ولله الحمد - وصرت من المحافظين على الصلاة وبشكل لا ينقطع ، ثم أديت فريضة الحج وأصبحت بارا بوالداي .
ولكن بعد فترة من الزمن تغيّر كل شيء وعاودني المرض وأخذت العلاج ولمدة سنة ، ولكن بدون جدوى فضيعت الصلاة بالكلية وأصبحت عاقا لوالداي وكرهت نفسي والحياة .
ولا أخفي عليك فقد حاولت الانتحار ولكن عندما علمت أن عاقبته في النار توقفت .
حاولت الرجوع إلى الصلاة ؛ وإلى القرآن ؛ ولكني للأسف كنت أصلي يوماً وأضيع عشرا فنفسي مليئة بالهموم والأحزان.
صرت أكره الجلوس مع الناس ؛ وأكره الخروج من البيت ؛ وعرضت علي والدتي الزواج من أي فتاة طيبة لعله يصلح حالي ولكني رفضت .
وأنا الآن أعيش أسوأ أيامي بدون وظيفة مع أن الوظيفة متوفرة ؛ وبدون صلاة وبدون أدنى أمل للمستقبل.
ماذا أفعل أنا الحائر......أفيدوني ؟
وجزاكم الله خيرا
الاجابة
أيها الحائر رفقاً بنفسك، فالعلاج بين يديك ألا وهو الصلاة والرجوع إلى الله والبعد عن المعاصي والآثام، مع أني أنصحك بما يلي:
1- الارتباط بوظيفة؛ لأنها تساعدك على دفع الهموم.
2- الزواج من امرأة صالحة على أن تبين لها وضعك.
3- الاتصال بأحد علماء النفس لمساعدتك على علاج مرضك، فما أنزل الله من داء إلا وأنزل له دواء.
شفاك الله وهداك، وأذكرك بقوله _سبحانه_:"وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى" (طه:124)، وبقوله _سبحانه_: "فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلا يَضِلُّ وَلا يَشْقَى" (طه: من الآية123).
ـــــــــــــــــــ
الاستقامة
أجاب عليه ... عبدالعزيز الجليّل
التاريخ ... 29 / 10 / 1424 هـ
السؤال
كيف نحافظ على الإلتزام قولاً وعملا ؟ فأنا أعرف من بعض الملتزمين عدم الجد ، بل نمضي ساعات فيما لافائدة فيه لانقارف منكرات - ولله الحمد - لكن تنقصنا الجدية في الالتزام؟ أرجو النصيحة.
والله يحفظكم ويرعاكم.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
الاجابة
الحمد لله، وبعد:(115/2251)
الالتزام مصطلح حديث، وهو مرادف للمصطلح الشرعي في الكتاب والسنة، وهو: الاستقامة، قال _تعالى_:"فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَمَنْ تَابَ مَعَكَ وَلا تَطْغَوْا إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ" (هود)، وقال الرسول _صلى الله عليه وسلم_: "قل آمنت بالله ثم استقم".
والمحافظة على الالتزام والاستقامة على الدين تفرض على المسلم أن يتعاهد نفسه في دفع كل ما يضعف استقامته والتزامه والأخذ بما يقويها، وذلك من خلال أمرين هامين ،هما:
1- الأخذ بالأسباب التي تدفع بها الشبهات، ومن ذلك العلم الشرعي والبصيرة في الدين، وكذلك مجالسة أهل العلم الصادقين والصدور عن علمهم وسؤالهم عن كل ما يشكل من أمور الدين، ومن ذلك مجانبة أهل الشبهات والجدل الذين يشوشون الفكر والقلب.
2- الأخذ بالأسباب التي تدفع بها الشهوات، وذلك بالصبر والتقوى واليقين بزوال الدنيا وفنائها، ومباغتة الأجل، وسرعة تقضي الأعمار، والتفكير في الآخرة، وأنها خير وأبقى والاستعداد لذلك، والمحاسبة الدائمة للنفس على ذلك.
ومن ذلك الإكثار من العبادات والأعمال الصالحة وتقوية الصلة بالله _عز وجل_.
وقبل ذلك وبعده سؤال الله _عز وجل_ الثبات والاستقامة على الدين، والتضرع بين يديه في أوقات الإجابة، فإنه لا موفق إلا من وفّقه الله وسدده وأعانه.
ـــــــــــــــــــ
ابني الأكبر المراهق
أجاب عليه ... أ.د. ناصرالعمر
التاريخ ... 26 / 10 / 1424 هـ
السؤال
أنا مستقر – بحمد الله وفضله - ولكني ابتليت بابن - هو الأكبر يدرس في ثالث ثانوي – حاد الطباع متقلب المزاج ، لا يهمه إلا نفسه ، ويريد أن يأخذ كل شيء دون أن يعطي أي شيء ، لا يفكر بمصالح أبويه أو إخوانه أو مشاعرهم ، يقضي معظم وقته خارج البيت (بمعنى أنه قد يغيب خمسة أيام بلياليها ) ، مرتبط باستراحة مع أصدقاء له ليسوا سيئين ، فلا يأتي للبيت إلا عند حاجته للمال فقط !!
قد تقول - أيها الشيخ الكريم – : هل سألت عن أصدقائه ؟
فأجيبك : نعم , هم لا يتجاوزون الخمسة ، شباب يصلون – كما يقول - , ويشاهدون القنوات الفضائية , همهم السيارات والمغامرات الرمليّة ، وضعهم بشكل عام مطمئن – كما أكد لي قريب لي يتردد عليهم في أوقات متفاوتة للاطمئنان .
قد تقول : إنه يبحث خارج البيت عما افتقده داخله من حب وحنان وعطف واهتمام ؟
فأجيبك : بأن البيت وضعه مستقر - بحمد الله – يتواجد الأب والأم مع بقية الأسرة معظم الوقت في البيت وخارجه ، وهناك تفاهم وانسجام ، ونلجأ نحن إلى محاولة ترغيبه بالتواجد بإشاعة نوع من المرح والمزاح كأن نتصل عليه فندعوه إلى الغداء ، ونرسل له رسائل محملة بعبارات وقصائد حميمة تفيض بالمودة والشوق والحب ، وإذا جاء أبدينا الفرحة والاهتمام به .
قد تقول : هل حاولت مناقشته ومعرفة همومه وأفكاره وطموحاته ؟(115/2252)
فأجيبك : نعم , بل أكثر من مرة ، وتكفلت بتحقيق رغباته المشروعة كاملة إن هو التزم بأداء الصلوات في وقتها في المسجد – للعلم فهو ينام عن الصلاة ولا يهتم بها - وبر بوالديه وحافظ على دراسته ، مبديا له حبي الشديد له ، وحرصي على مصلحته . وهو يتأثر تأثرا كبيرا بعد هذه المناقشات ؛ فيبكي ويقبل رأسي ويعدني بالتطبيق الكامل ، ولكنه يعود لسابق عهده بعد سويعات قليلة جدا .
وأنا – بصراحة شديدة - قلق للغاية وفي حيرة شديدة خاصة من أمرين في غاية الخطورة : أما الأول فهو الآن يطلب مبالغ مالية ، فأخشى أن أمنعه فيحتاج إلى أحد قد يستغل حاجته لأغراض سيئة مدمرة . وان أعطيته استمر على حاله .
ثانيهما : لا أدري هل الأفضل إبداء العتاب وتسجيل موقف عدم الرضا عن تصرفاته ، من خلال عدم الاهتمام به عند مجيئه ؛ وهذا فقد يؤدي هذا إلى هروبه مرة أخرى إلى أصدقائه للبحث عن الاهتمام والحب الذي افتقده ؛ وهذا قد حدث ، فقد قال مرة : إنكما لم تهتموا بي عندما جئت للبيت ؟! (لا يعني هذا انه كلما جاء عومل بهذا الشكل ولكنها مرة بقصد إشعاره بخطئه عندما سافرت وقلت له انه رجل البيت وعليه الاهتمام بوالدته وأخواته وقضاء حوائجهم أثناء غيابي ؛ فلم يفعل وتركهم بل اخذ سيارتهم وغاب ) . أم إبداء الفرحة والاهتمام به كلما جاء ؛ وهذا – أيضا – قد يشعره بأننا راضون عن تصرفاته فيستمر في هذا السلوك .
لا أريد أن اجتهد بشكل فردي ارتجالي ؛ فأفقد ابني العزيز وأكون سببا في ضياعه !! لذا لجأت بعد توكلي على الله إلى أهل العلم والمعرفة والاختصاص أمثالكم لأعرض مشكلتي ؛ راجيا العلي القدير الهادي أن يكون على أيديكم الحل الشافي والسبب لإنهاء معاناتي المقلقة لي المعايشة لي على الدوام .
وفقكم الله وبارك في جهودكم .
الاجابة
أخي الكريم: مشكلتك هذه يعاني منها كثير من الآباء، وتزداد المشكلة إذا كان الابن هو الأكبر لما في ذلك من آثار على بقية الأبناء، ولذا أنصحك بالجلوس مع أحد المتخصصين في التربية، لأن ابنك يمر بمراهقة شديدة، ويحتاج إلى برنامج خاص، وقد يساعدك في ذلك المتخصصون في علم النفس التربوي.
وأوصيك بالاستمرار في حسن معاملته وعدم الإساءة إليه، على أن يشعر أنكم غير راضين عن تصرفاته، والرسائل في هذا الأمر لها وقع كبير ولو بعد حين، مع الصبر والدعاء والإلحاح على الله بأن يهديه، ومحاولة إيجاد أصدقاء يناسبونه ويكونون من أهل الخير والصلاح، واحذر أن تختلف مع والدته في برنامج تربيته ومعاملته فإن ذلك يفسده، أصلح الله أبناءك وأعانك على تربيتهم، وعليك بكثرة الاستغفار، وصدقة السرّ فإنها تطفئ غضب الرب، وصلى الله وسلم على نبينا محمد.
ـــــــــــــــــــ
الوسواس في الوضوء والصلاة
أجاب عليه ... اللجنة التربوية
التاريخ ... 12 / 10 / 1424 هـ
السؤال(115/2253)
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
لدي وسواس في الوضوء والصلاة فمثلا أعيد وضوئي أكثر من مرة خوفا من أن أكون نسيت شيئا من الوضوء وأيضا في صلاتي وخاصة عند قراءة سورة الفاتحة فأقرئها أكثر من مرة فهل هذا يؤثر على صلاتي وأرجو منكم أن تجدوا لي حلا
ولكم مني جزيل الشكر وجزاكم الله ألف خير وجعله في ميزان حسناتكم
الاجابة
أخي الفاضل: لا شك أن الوسواس قد يفسد على المرء عباداته، فأسأل الله تعالى أن يخلصك منه، وعليك بالآتي:
1- كثرة دعاء الله تعالى بأن يشفيك من تلك الوساوس وخاصة في أوقات الإجابة وفي سجودك.
2- كثرة ذكر الله تعالى فإنه الحصن الحصين الذي يحفظك – بإذن الله – من وساوس الشيطان، وخاصة أذكار الصباح والمساء وبعد الصلوات وعند النوم وفي أحوال كلها.
3- عدم الاسترسال مع الوساوس وقطعها وعدم الالتفاف لها مهما وردت في نفسك، فافعل الوضوء مرة واحدة فقط ولا تقم بإعادته إطلاقاً، واقرأ الفاتحة في صلاتك مرة واحدة فقط ولا تقم بإعادة قراءتها، وقطع تلك الوساوس بعدم تكرر العمل يجعلها – بإذن الله – تذهب عنك مع الوقت، وتكرار العمل يجعلها تستمر وتزيد، فكن حازماً في هذا الأمر مهما زادت الوساوس.
4- إذا استمرت تلك الوساوس فاعرض نفسك على الطبيب النفسي واطلب العلاج، فستجد – بإذن الله تعالى – العلاج المناسب لحالتك.
وأسأل الله تعالى لك ولكل مسلم الشفاء والخلاص من تلك الوساوس، وأن ييسر لنا أداء العبادات بقلوب خاشعة مقبلة عليه.
هل أتزوجها ؟
أجاب عليه ... عبدالعزيز الجليّل
التاريخ ... 9 / 9 / 1424 هـ
السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أنا شاب لم يتعدى عمري الثانية والعشرين منّ الله على بالهداية منذ الصغر وأسأل الله الثبات حتى الممات , والإخلاص في القول والعمل , ومنذ بضعة أيام تقدمتُ لخطبة فتاة في نفس السن , ولكن بعدما تقدمت لخطبتها ورأيتها وأنا في حيرة بالغة , فأنا قبل أن أذهب لخطبتها حددت المواصفات التي أبغيها في زوجتي المنتظرة من حيث مستوى التفكير ومن حيث مستوى الالتزام وأيضا من حيث مستوى الجمال , والذي حدث أني لم أجد ما أطلبه في هذه البنت فتفكيرها ليس كما أريد لأني أريد فتاة تفكر بعقل الرجال كي أستعين بها على نوائب الدهر , وأيضا من حيث مستوى الجمال ليس كما أريد , أما من حيث مستوى الالتزام فهي في بداية الالتزام بدين الله , لكنى أشهد بأنها طيبه القلب وفيها صفات طيبة عديدة , وقد كنت نويت أن اصرف(115/2254)
نظري عن خطبتها , ولكن بلغني أن هذه الفتاه فرحت فرحا كبيرا عندما تقدمت لخطبتها وصارت تضع آمالا وتهيئ نفسها على زواجي منها وقالت إنها وجددت فيّ صفات كثيرة تريدها ,
وأنا الآن والله يا شيخ في حيره , فأنا لا أريد أن أجرح مشاعرها ولا أتسبب لها في أي ضرر وخصوصا أن سنها أصبح كبيرا نوعا ما بالقياس بمستوى زواج الفتيات عندنا , فلو علمت أنى رفضتها فسوف يكون ذلك له أثر كبير على نفسيتها , ويا شيخنا كلما تفكرت في حالها عند سماعها خبر رفضي لها تألمت لحالها المتوقع بعد سماع هذا الخبر , فهل أقبل زواجي منها وأحتسب ذلك عند الله ؟ أم أنى اصرف نظري عنها , وأذكركم يا شيخنا أن مستوى تفكيرها و مستوى جمالها ليس كما أريد , ولكنها ليست بالدميمة المنفرة , فبالله عليك يا شيخنا انصحني نصح المحب , ماذا أفعل ؟ هل أكمل معها ؟ أم ماذا ؟
وأنا لم أتقدم باستشارتكم إلا لثقتي في نظرتكم التي تجمع بين الجانب الشرعي والجانب التربوي الواقعي .
وجزاكم الله خيرا والسلام عليكم ورحمة الله .
الاجابة
الحمد لله وبعد،
فإن الزواج عِشرة طويلة تقوم على المحبة والسكن النفسي ولذا فلا تصلح المجاملة فيه. والذي أنصح لك به أن تستخير الله عز وجل فهو علام الغيوب وهو الذي يعلم ما ينفعك وما يضرك، فصَلِّ ركعتين ثم ادع بدعاء الاستخارة وفوض أمرك إلى الله تعالى ليختار لك الأصلح، وإذا وجدت نفسك محجمة عن الزواج بهذه المرأة فصارحها - من غير خلوة - وطيّب نفسها وعالج الأمر معها بلطف وأسلوب حكيم، وانصحها أن ترضى بقدر الله تعالى، ولعل في الأمر خيراً وادع لها بأن يسخر لها من هو خير منك.
ـــــــــــــــــــ
استقطاب الناس في الدعوة
أجاب عليه ... محمد الدويش
التاريخ ... 6 / 9 / 1424 هـ
السؤال
كيف تستقطب أكبر عدد من الناس إلى الدعوة إلى الله وتغرس فيهم القيم الإسلامية و الدعويّة ؟
الاجابة
استقطاب الناس في الدعوة له وسائل منها:
1- التزام الإنسان بالخلق الحسن، والتلطف مع الناس، وقد امتن الله تبارك وتعالى على نبيه - صلى الله عليه وسلم - أن رزقه ذلك، وأخبر أنه لو انتفى عنه الخلق الحسن لأعرض عنه الناس (فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ) (آل عمران:159).(115/2255)
2- الإحسان إلى الناس وقضاء حوائجهم وحل مشكلاتهم، ومن الأدلة على ذلك ما جاء في قصة يوسف عليه السلام من قول قومه له (وَدَخَلَ مَعَهُ السِّجْنَ فَتَيَانِ قَالَ أَحَدُهُمَا إِنِّي أَرَانِي أَعْصِرُ خَمْراً وَقَالَ الْآخَرُ إِنِّي أَرَانِي أَحْمِلُ فَوْقَ رَأْسِي خُبْزاً تَأْكُلُ الطَّيْرُ مِنْهُ نَبِّئْنَا بِتَأْوِيلِهِ إِنَّا نَرَاكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ) (يوسف:36). ومن الأمور المهمة في ذلك تبني الداعية لمشكلات المجتمع والحرص على تقديم الحلول الملائمة لها.
3- التنازل عن الحظوظ ومقابلة الإساءة بالإحسان، قال عز وجل (وَلا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ) (فصلت:34).
4- القدوة الحسنة، ومطابقة واقع الإنسان لما يقول.
5- الصدق والعاطفة الصادقة، فالنائحة الثكلى ليست كالمستأجرة، والصادق يظهر أثر صدقه من حاله ومقاله، كما قال عبد الله بن سلام عن النبي - صلى الله عليه وسلم - :"فعرفت أن وجهه ليس بوجه كذاب".
6- الأسلوب الحسن في الخطاب، والرفق والبعد عن التعنيف أو التصريح بالمواجهة بالأخطاء واللوم، فالرفق لا يكون في شيء إلا زانه، ولا ينزع من شيء إلا شانه.
ومن المهم ألا يكون الاستقطاب هو المعيار الوحيد بل يكون له اعتبار وشأن ضمن بقية الاعتبارات، فإن المبالغة في ذلك يحول الداعية إلى مواقف ضعف، ويؤدي إلى أن يشعر الناس بعدم جدية قضيته ورسالته الدعوية.
كما أنه ينبغي ألا يؤدي إلى مخالفة شرعية؛ فالغاية لا تبرر الوسيلة.
وإذا كسب الداعية الناس سهل عليه أن يؤثر فيهم ويوجههم.
ـــــــــــــــــــ
كشف المرأة لوجهها
أجاب عليه ... عبدالعزيز الجليّل
التاريخ ... 6 / 9 / 1424 هـ
السؤال
يوجد لدينا عادة وهي أن زوجت عمي تكشف وجهها لي ولوالدي والسؤال : ما الطريقة الصحيحة لأطلب من زوجت عمي الحجاب مني ومن والدي ومن جميع أخواني ؟
الاجابة
الطريقة أن تهدي لهم كتاباً يبين لهم أدلة وجوب تغطية وجه المرأة الأجنبية ككتاب الشيخ محمد إسماعيل حفظه الله (عودة الحجاب ج3) أو شريطاً مسجلاً في ذلك ولا مجاملة في حدود الله تعالى فإن لم يقتنعوا فصارحهم وبأسلوب حكيم لطيف بأنك لن تجلس معهم حتى تغطي زوجة عمك وجهها، والله أعلم.
ـــــــــــــــــــ
ترتيب الوقت
أجاب عليه ... أ.د. ناصرالعمر
التاريخ ... 4 / 9 / 1424 هـ
السؤال(115/2256)
أنا طالب في جامعة ولله الحمد لي صحبة ومعارف فكيف السبيل لإعطاء كل ذي حق حقه في زمن فُقِد فيه الاعذار وعدم اللوم خصوصا أني حريص على الوقت .
الاجابة
أولاً: أشكرك أخي الكريم على حرصك على وقتك فيما ينفع وأنصحك بالاستمرار والمواصلة وعدم اليأس وإن كان الأمر في أوله صعباً لكن واصل دربك على هذا الطريق.
ثانياً: اعلم أخي أن رضى الناس غاية لا تدرك وسيقع اللوم عليك لا محالة لكن سدّد وقارب.
ثالثاً: ضع لك برنامجاً مستمراً تسير عليه سواء في المطالعة والمراجعة أو الزيارات والترفيه وغير ذلك وعندما يعلم الناس بذلك يرضون ولو بالقليل.
رابعاً: من احترم وقته ا حترمه الناس وتعاملوا معه على ما يحب.
أسأل الله لك التوفيق والسداد وأن تكون صالحاً مصلحاً للمتقين إماماً.
بيتي وزوجي وعملي كيف أوفق ؟
أجاب عليه ... أ.د. ناصرالعمر
التاريخ ... 29 / 8 / 1424 هـ
السؤال
أبعث إليك رسالتي والأمل بمشورة نافعة لحالتي.
فأنا أعمل إدارية في إحدى المدارس وراتبي مرتفع جدا فأنا أعمل لمدة (11) عام وزوجي مرتفع راتبه و المشكلة أنني غير مرتاحة في حياتي وأحس أن هذه المشكلة تؤرقني فأنا لا أعطي زوجي حقه كاملا ولا أعطي أولادي حقهم كاملا نظرا لانشغالي في العمل حيث أعود متعبة في النهار ساهرة في الليل مع الأطفال فأحس بأني ظالمة لنفسي و جسمي وأطفالي وزوجي كما أحس بالإثم على تركي الخادمة في المنزل وزوجي في المنزل. وهذه المشكلة ليس لها حل فقد جربت جميع الحلول مع العلم أني لا أخدم الدعوة في عملي لأن وقتي مزدحم بالأعمال الإدارية فقط .
والسؤال: أني فكرت بالاستقالة ولكن جميع من حولي لا يوافقونني وأنا محتارة فأخشى أن اندم على تصرفي هذا وهو ( الاستقالة) مع أني دائمة الاستخارة في هذا الأمر .ولكن لم استقر على حل.
فأتمنى منك أن تشير عليّ.
وجزاك الله خيرا .
الاجابة
شكراً لك على هذا الإحساس في تحمل المسؤولية وأكثر الله من أمثالك، وأرى أن تكثري من الاستخارة حتى يشرح الله صدرك، فإذا انشرح صدرك للاستقالة فأقدمي ولا تلتفتي بعد ذلك لما يحدث فإنه من الشيطان، وأكثري من الأوراد والتزمي بها، فهي حصن منيع من كيد الشيطان ووسائسه ووسائس الإنس أيضاً.
ولا يجوز بقاء زوجك مع الخادمة في البيت، شرح الله صدرك لكل خير.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.(115/2257)
التردي في المعاصي الداء والدواء
أجاب عليه ... عبدالمجيد الزهراني
التاريخ ... 10 / 8 / 1424 هـ
السؤال
الرسالة الأولى :
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أود في البداية أن أعرفكم على نفسي أن شاب ملتزم وعاص في نفس الوقت أنا من يعض الناس وينسى نفسه أنا من لا يرعى حدود الله إذا غاب عن بصر الناس أنا من تجره نفسه إلى المعصية متى شاءت , هذه هي المقدمة وإليكم التفصيل : أصبت بوسواس في الوضوء ثم في الصلاة ثم أخيرا في الطلاق وقد تم تطليق إلى الآن أربع من النساء وأعرف أن كل ما حدث لي هو بسبب المعاصي فلك أن تتخيل شاب ملتزم يشار له بالبنان بين أقرانه ويعض ولكن وللأسف هو أبعد ما يكون عن ما يقول يتابع البرامج الإباحية ويقلب بصره في معاصي الله على مرأى ومسمع من الله العزيز الحكيم ,وقد خطبت مؤخرا ولكن أشار أحد الأخوان أنه يجب أن أعرض نفسي على دكتور نفسي وقد بدأت بالعلاج وشعرت بالتحسن ولكن سرعان ما عدت إلى المعاصي ومتابعة تلك البرامج الإباحية وقد أدمنت العادة السرية , وما تزال نوازع الخير وحبي لربي وديني تجتذبني كلما أوغلت في المعصية فأعود وأتوب لله رب العالمين .
الرسالة الثانية :
والدي الشيخ/أنا شاب أغير على دين الله وأحب أهل الخير والبر والعلم والصلاح أشارك مع المؤسسات الخيرية في الكثير الكثير من مشاريعها وأتعاون معها وأفرح واستبشر إذا رأيت لها رقيا وتقدما ويؤسفني تأخرها أو عجزها المالي أحيانا 0 أحضر مجالس العلم وأحرص عليها وأحفظ القرآن وأؤم الناس في مسجد وأجاهد أهل الباطل بقلمي بالتي هي أحسن.
المشكلة المعضلة : هي هذه النفس الأمارة بالسوء فأحيانا تغلبني نفسي والشيطان ثم أغضب الله تعالى إما بعادة سرية أو نظر لصور محرمة هي هذه النقطة الحساسة التي أعاني منها ثم أسترسل في الغفلة فإذا أنا قد أسرفت فأندم على إغضابي لربي لكن في بعض الأحيان أجد في نفسي شوقا للباطل والشر كالذي ذكرت مثلا ومع كثرة الممارسة أجدني أحيانا لا أندم ذلك الندم الذي يرضي الله تعالى وقد أفعل المعصية عارفا بجرمي ولكن أسترسل لا أعلم ما الذي يؤزني أرجو منك أيها الوالد الحاني أن ترسل الرد على رسالتي بأسرع وقت فأنا أريد أن أستفيد من العمر الذي أعيشه بالعلم وحضور مجالس العلماء وأريد أن أجد ما وجده من سبقني من أسلافنا من تلذذ بالطاعة وأريد أن أدخل جنة الدنيا التي دخلها جدنا ابن تيميه أريد أن أدخل الجنة التي في الدنيا التي قيل عنها ""إن في الدنيا جنة من لم يدخلها لم يدخل جنة الآخرة""
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته .(115/2258)
الاجابة
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده..
إخواني: كثرت الأسئلة من المتواصلين مع الموقع التي تشير إلى ظاهرة التردي في المعاصي بعد نعمة الصلاح والاستقامة، وهنا ننشر الرد على رسالتين لتشبههما في المشكة. ووصف المشكلة تضمن الداء والدواء، فالداء هو معصية العادة السرية والنظرة المحرمة والغفلة وتسويف التوبة، وتأمل في التشخيص للداء كيف أن بعضها يجر للآخر حتى تقع في الذنوب العظيمة، فتقع منك الغفلة، ثم تستسلم للنفس الأمارة بالسوء، ثم تقع في المحرمات، ثم تتأخر في التوبة.
والدواء كما عرضته إحدى الرسائل يكون في حضور مجالس العلم، وقراءة القرآن، والدعوة إلى الله تعالى.
ومعرفة الداء والدواء هي أول وأهم خطوات العلاج، ويبقى الصدق والإخلاص والعزم في علاج النفس.
ولمزيد من التوضيح يمكن أن نذكر بالآتي:
1- تحقيق صلاح الظاهر والباطن، فصلاح الظاهر يتحقق بالمحافظة على العبادات الظاهرة كالصلاة والصوم والذكر، وصلاح الباطن يتحقق بالإيمان والعبادات القلبية كالخوف والمحبة والمراقبة والخشية وغيرها.
ومما يحقق صلاح الباطن:
أ- استشعار مراقبة الله تعالى له كما قال تعالى: (وَكُلَّ إِنْسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ فِي عُنُقِهِ وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كِتَاباً يَلْقَاهُ مَنْشُوراً اقْرَأْ كِتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيباً) (الإسراء:13، 14).
واستشعار أن كل شيء سيشهد عليه كالملائكة والسمع والبصر والجلود والأرض.
ب- الحياء من الله تعالى واجتناب المعاصي في الخفاء، فهي إن خفيت على الناس لا تخفى على الله تعالى، كما قال: (يَسْتَخْفُونَ مِنَ النَّاسِ وَلا يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللَّهِ وَهُوَ مَعَهُمْ إِذْ يُبَيِّتُونَ مَا لا يَرْضَى مِنَ الْقَوْلِ) (النساء: من الآية108) وقوله: (وَيَقُولُونَ طَاعَةٌ فَإِذَا بَرَزُوا مِنْ عِنْدِكَ بَيَّتَ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ غَيْرَ الَّذِي تَقُولُ وَاللَّهُ يَكْتُبُ مَا يُبَيِّتُونَ) (النساء: من الآية81).
2- التوبة إلى الله تعالى، ويكون بعدة أمور:
أ- تحقيق شروط التوبة من إخلاص النية والإقلاع الفوري عن المعصية والندم وعدم العودة إليها.
ب- الثبات على التوبة ويكون بعدة وسائل، منها:
- المواظبة والاستمرار على الأعمال الصالحة.
- استشعار قبح وفداحة المعاصي وضررها في الدنيا والآخرة، ويمكن في ذلك مراجعة كتاب ابن القيم: الداء والدواء.
- الابتعاد عن المكان الذي يمارس فيه المعصية.
- الرفقة الصالحة التي تعين على الخير.
- المداومة على قراءة الآيات والأحاديث المخوفة للمذنبين في القرآن الكريم والسنة المطهرة مع تدبر وفهم معانيها.(115/2259)
- تذكر حصول العقوبة المعجلة في أي وقت كما قال تعالى: (وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ ثُمَّ لا تُنْصَرُونَ) (الزمر:54).
- استشعار فضائل التوبة والعمل الصالح في القرآن والسنة.
- المداومة والمحافظة على مكفرات الذنوب لعل الله يغفر ما مضى من الذنوب، ومنها: الوضوء، والصلاة، والصوم، والقيام، وإتباع السيئات بالحسنات، وكثرة السجود، والصدقة، وغيرها.
3- محاسبة النفس كما قال الحسن: (المؤمن قوام على نفسه يحاسب نفسه لله، وإنما خف الحساب يوم القيامة على قوم حاسبوا أنفسهم في الدنيا، وإنما شق الحساب يوم القيامة على قوم أخذوا هذا الأمر من غير محاسبة).
4- حراسة النفس من الخواطر وحفظها، والحذر من إهمالها والاسترسال معها، فإن أصل الفساد كله من قبلها يجيء، لأنها هي بذر الشيطان والنفس في أرض القلب فإذا تمكن بذرها تعاهدها الشيطان بسقيه مرة بعد أخرى حتى تصير إرادات، ثم يسقيها حتى تكون عزائم، ثم لا يزال بها حتى تثمر الأعمال، ودفع الخواطر أيسر من دفع الإرادات والعزائم، والطريق إلى حفظ الخواطر هو:
- العلم الجازم باطلاع الرب سبحانه ونظره إلى قلبك وعلمه بتفاصيل خواطرك.
- حياؤك منه.
- إجلالك له أن يرى مثل تلك الخواطر في بيته الذي خلق لمعرفته ومحبته.
- خوفك منه أن تسقط من عينه بتلك الخواطر.
- إيثارك له أن تساعد قلبك غير محبته.
- خشيتك أن تتولد تلك الخواطر ويستعر شرارها فتأكل ما في القلب من الإيمان ومحبة الله فتذهب به جملة وأنت لا تشعر.
- أن تعلم أن تلك الخواطر بمنزلة الحَبّ الذي يلقى للطائر ليصاد به، فاعلم أن كل خاطر منها فهو حبة في فخ منصوب لصيدك وأنت لا تشعر. (بتصرف عن ابن القيم رحمه الله).
5- علاج أمراض القلب ويكون بتحقيق التقوى والإخلاص وقراءة القرآن وحفظه والمحافظة على الفرائض والنوافل، ودوام ذكر الله على كل حال، والعلم، وقيام الليل، وكثرة الدعاء خاصة في الثلث الأخير من الليل، وكثرة الصدقة.
ومن أعظم علاجات القلب: غض البصر عن النظر المحرم أو النظر للصور المحرمة، فهي تقود إلى مرض القلب.
6- الحذر من الفراغ، فهو الذي يجعل النفس مع ضعف الإيمان تقع في المعاصي، فلذلك ينبغي الاشتغال بالأعمال النافعة، مثل: الدعوة إلى الله تعالى، بل حتى في المنافع الدنيوية المباحة.
7- المعاصي تجر إلى بعضها بعضا، فإطلاق البصر يقود إلى النظر في البرامج الإباحية، وهي تقود إلى العادة السرية وما هو أعظم من ذلك، فيجب الحزم مع النفس، وتقييد زمام انطلاقها، وشغلها بالطاعة.(115/2260)
8- التخلص من كل ما يقود النفس للوقوع في المعاصي، مثل: القنوات الفضائية، ودخول المواقع الإباحية، واقتناء الصور والنظر فيها، ودخول الأسواق، فكلّ ذلك من تمام الصدق في التوبة إلى الله تعالى
ـــــــــــــــــــ
كيف يتصرف المربي مع المتربي المُبدع
أجاب عليه ... أ.د. ناصرالعمر
التاريخ ... 1 / 8 / 1424 هـ
السؤال
عندما يتعرض المتربي لقدر من البرامج التربوية سيما عندما يكون مع عدد من أقرانه، فإنه يظهر بتصرفات تدل على نبوغ وإبداع في أي مجال وربما شعر أنه فاق أستاذه. والسؤال هو كيف يتصرف المربي مع هذه الظاهرة لتجنب الآثار السلبية منها وكذلك للإفادة منها قدر الإمكان؟
الاجابة
1- ينبغي أن يستشعر المربي أنه أمام كنز عظيم يجب أن يحافظ عليه من جهة ويستثمره بشكل أمثل من جهة أخرى.
2- على المربي أن يتقبل أن هذا المتربي قد يفوقه في المستوى نظراً للصفات والخصائص التي يتمتع بها وبالتالي لا يقف حجر عثرة أمامه بل يفتح له الطريق ويسدي إليه التوجيه الكافي.
3- إن من أكبر القواصم هي المدح للذات في وجه صاحبها بل ينبغي أن يثني ويمدح لكن على الصفات والأفعال لا على الذوات، فذلك دافع أحياناً إلى مزيد من العمل والتطور للمتربي نفسه.
4- يحسن أن لا يكون هناك تخصيص فردي في البرامج في البدايات بل يكون ربط البرامج الخاصة بمجموعة من المتميزين ولو كانوا أقل منه في المستوى.
5- يمكن للمربي إذا رأى أن الشعور بالتميز الزائد لدى المتربي يزداد وقد يرافقه شيء من الغرور أن يجعل هذا المتربي طرفاً في حل المشكلة لا سيما لو كان سنه مناسباً، بحيث يطرح عليه مع أحد أقرانه المتميزين الموضوع كمشكلة عامة وبالتالي كيف نحاول حلها؟
وأثناء ذلك يمكن أن يدرج الكثير من الأهداف في أثناء حديثه عرضاً وممكن أن يضرب أمثلة مشابهة توصل الفكرة.
6- قد يكون من المناسب - إذا كانت سن المتربي تسمح بذلك - أن يطرح المربي موضوعاً يعالج هذه الظاهرة ويطعمها بقصص السلف وسيرة الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه رضي الله عنهم وتكون التعليقات في شيء من الوضوح على أن يكون الطرح لمجموعة خاصة بالمتميزين.
7- ينبغي للمربي إذا كان يعرف من هو أقدر منه في الترقي بمستوى هذا المتربي أن لا يأنف من تعريفه به وربطه معه في بعض البرامج والأعمال لا سيما من العلماء الربانيين وطلاب العلم المتميزين.(115/2261)
8- لا يحسن تمييز النابغ بين أقرانه إلا بأشياء وأدلة مادية مقنعة لهم أنه يتميز عنهم وذلك لن يتأتى إلا بعد وقت كاف ولئلا يغتر النابغ بنفسه.
9- لا مانع إذا كان النابغ أو المتميز من المتربين على قدر من العلاقة الأخوية بالمربي أن يظهر له في مواقف خاصة جداً أنه ما زال يجهل بعض الأمور ولا يستطيع إدراك بعضها الآخر بشرط أن لا يصاحب ذلك إشعار المربي له أنه ذلك الأكمل منه.
10- من أقوى الوسائل التي تعالج هذا الخلل أن يشعر المتربي أنه يخشى عليه من هذه الآفة، بعد أن يقدم له بمقدمة يثني عليه بما يناسب حاله، ثم يذكر له أن مثل هذه الآفات تقضي على صاحبها، ويحاول أن يختصرها بكلمات تكون واضحة في ذهن المتربي، حيث يربط بين نجاحه واستمرار تفوقه وبين تخلصه من هذا الخلل.
11- التركيز على التربية الإيمانية، وتجريد الإخلاص، وصدق النية، ونحو ذلك مما يعالج هذا المرض بصورة عملية.
ـــــــــــــــــــ
زميلي معلم وعلاقته مع الطلاب
أجاب عليه ... هاني العبدالقادر
التاريخ ... 24 / 4 / 1424 هـ
السؤال
أنا مدرس في محضن تربوي أواجه في بعض الحالات أحد الطلاب يسير مع مدرس آخر (أكبر منه سنا) وأنا أخشى من أمرين :- تطاول الطالب على هذا المدرس وأخشى من أن يساء الظن بالمدرس . فما توجيهكم .
الاجابة
دعني أتأكد أولاً من سلامة فهمي لمخاوفك، ربما تقصد بتطاول الطالب أي وضع الكلفة بينه وبين معلمه،، كما تخشى من أن يساء الظن بالمدرس، ولكنك لم تذكر إن كنت تخشى على المعلم الفتنة أم لا.. وهل يملك هدفاً تربوياً ما في هذه العلاقة، وهل يدرك الضوابط المقبولة شرعاً وعرفاً، لمثل هذه العلاقة.
إني ألمس في سؤالك حباً للمعلم وحرصاً على هيبته، وخوفاً على سمعته مع حسن ظنك به، وأجد كل ذلك مؤهلات رائعة للسماع منه مباشرة بصورة ودية، ثم إشعاره بحبك وحسن ظنك به ومخاوفك التي ذكرت والتي لم تذكر.. وأراها جميعاً جديرة بالاهتمام فعلاً. والله معك
ـــــــــــــــــــ
علاقة ابنتي الاجتماعية وما يحددها
أجاب عليه ... هاني العبدالقادر
التاريخ ... 24 / 4 / 1424 هـ
السؤال
لدي ابنة عمرها 11 عام، الذي يحدد علاقاتها الاجتماعية بزميلاتها في المدرسة هو ( الحلم) ، فعندما ترى في منامها إحدى زميلاتها بحلم جيد فإنها تتقبلها في الواقع، أما(115/2262)
إذا حصل العكس فإنها تبتعد عنها حتى لو لم ترى منها تصرف مزعج في الواقع، أيضاً نفس الوضع مع أقاربها .
فهل هناك طريقة اتبعها لعلاجها من هذا التصرف الخاطىء ؟
الاجابة
أتصور قلقك على علاقات ابنتك في المستقبل وعلى طريقة اتخاذها للقرارات عموماً.
ولعلي أطمئنك إلى أنها فترة مؤقتة ستزول باكتسابها ثقةً أكبر في قدرتها على تقييم العلاقات وتوجيهها، والقرارات وتنفيذها من ناحية، ومن ناحية أخرى ثقة أكبر في قدرتها على التعبير عن نفسها وآرائها، وهنا نتوقع منك دوراً مميزاً.. بحسن الاستماع لها دائماً، وتقدير آرائها عموماً وتأجيل انتقادها وقبول تبريرها المنطقي لمواقفها "إن وجد" ولو ظاهرياً، مع استشارتها في أمورك الشخصية والأسرية على انفراد وبشكل عائلي أم الجميع حيناً آخر، وتبادل الأسرار معها؛ إن جرعة أكبر من الثقة والأمان النفسي تساعد ابنتك، كما تساعد كل مراهق ومراهقة في مرحلتهم الصعبة. والله يرعاك.
ـــــــــــــــــــ
كيف أربي ابني ؟
أجاب عليه ... أ.د. ناصرالعمر
التاريخ ... 12 / 5/ 1424 هـ
السؤال
أبارك لكم هذا الموقع والذي أتمنى أن يكون منبرا في الدعوة والعلم والمعرفة وأن ينفع به الإسلام والمسلمين في بقاع الأرض .
تعرف ما يحيك الاعداء بنا من مؤامرات وما ينظمه من مخططات لإفساد الإسلام والمسلمين
وما يقدمونه لشباب الأمة من فساد عقدي وأخلاقي وما إلى ذلك ...
سؤال يا شيخ ....
كيف يمكن أن أربي ابني على ترك الحرام حتى لو كان بين يديه ، أقصد كيف يمكن أن أوصل ابني إلى أن يترك الحرام بشتى صوره حتى لو كان بين يديه ... وأكون على ثقة كبيرة فيه في ترك الحرام في كل حياته ، وعن طريق ذلك أفتح له أبواب الحياة .
فلو قدمت له جهاز الفيديو مثلا أريد أن يهرب من الحرام حتى لو كان بين يديه ،ولو قدمت له الانترنت .... أريده أن يبتعد عن مواقع الخنا والفجور .. ولو جلس في مجلس به قنوات فضائية أن يختار منها ما يناسب أخلاقه ودينه العزيز ...
فكيف لي أن أصل إلى هذا الهدف المنشود.
علما أنني أحلم بابن تقي صالح مصلح مجاهد في سبيل الله
وجزاكم الله خيرا ....
الاجابة
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين.. وبعد:(115/2263)
فأسأل الله أن يبارك لك في أولادك، وأن يقرّ عينك بصلاحهم، ومن أهم ما يساعد على تحقيق صلاح الأبناء ما يلي:
1- تقوى الله في السرّ والعلن.
2- الزوجة الصالحة التي تعين على تحقيق هذا الهدف.
3- البيت الصالح الخالي من المحرمات وبخاصة آلات اللهو.
4- الرفقة ا لصالحة التي تحمي أبناءك من السوء.
5- اختيار المدارس المناسبة لإلحاق ابنك بها في الصباح والمساء.
6- أكل المال الحلال، والبعد عن المحرمات.
7- إشغال ابنك بما ينفعه والحذر من الفراغ والرفقة السيئة.
8- مصاحبتك لابنك، وقوة الصلة فيه، وشعوره بمعرفتك بأحواله، وتشجيعه على ما ينفعه.
9- أن تعطيه من المال يما يحتاج إليه دون زيادة أو نقصان.
10- معالجة أخطائهم بحكمة وصبر وتؤدة مع الحزم والرفق.
11- الدعاء وكثرة الاستغفار (وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَاماً). وفقك الله وسدد خطاك وأصلح بيتك وأهلك. وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه.
-ـــــــــــــــــــ
أنا قوي الحجة لكن كيف استفيد منها ؟
أجاب عليه ... عبدالعزيز الجليّل
التاريخ ... 8 / 5 / 1424 هـ
السؤال
أنا اتصف بقوة الحجة وهذه الصفة قيلت لي من كثيرين ممن اعرف بل إنني اذكر انه كانت لي قناعات غير صحيحة في زمن مضى واقنعت بها بعض من اعرف0 وحاولت أن أتأكد من هذه الصفة في الانترنت من خلال المنتديات وناقشت علمانيين 0 فتأكدت أنني امتلك هذه الموهبة0
وفكرت كثيرا كيف استغل هذه الموهبة فترجح لي انه من خلال الرد على أهل الباطل سواء كانوا علمانيين أو دعاة تحرير المرأة أو غيرهم من خلال الفضائيات وغيرها 0 وترددت كثراً في العلم الذي يجب أن أتضلع منه هل هو الحديث أم العقيدة أم الفقه0 فأنا لا اقدر على كل هذه العلوم وحتى من مشايخنا المعاصرين أكثرهم برز في فن من الفنون دون غيره0
والسؤال هو ما هو أفضل طريق للاستفادة من هذه الموهبة 0
والسؤال الأخر: ما هو العلم الذي أركز عليه0
وجزاك الله خيرا
الاجابة
الحمد لله وبعد،
أنصح السائل أن يتأنى في المناظرات فلا يناظر إلا بعد أن يتمكن من ا لعلم بالمسألة التي يناظر حولها وأن لا يقول عن الشيء إنه حق أو باطل حتى يتأكد أنه حق أو(115/2264)
باطل، وهذا يحتاج إلى علم شرعي، وبخاصة في مسائل العقيدة كمسائل الإيمان ونواقضه والنفاق والكفر وغيرها.
كما يحتاج إلى علم بالواقعة التي يريد أن يتحدث عنها فيعيها ويفهم أبعادها ومن هم الذين يناظرهم حولها وما حقيقة أهدافهم. وأن يحذر من القول بلا علم كما يحذر من التفوه بكلمة يستغلها الخصم فيوظفها لصالحه أو لصالح مبدئه الفاسد.
ـــــــــــــــــــ
الخجل
أجاب عليه ... هاني العبدالقادر
التاريخ ... 5 / 5 / 1424 هـ
السؤال
جزاكم الله خير الجزاء على هذا الموقع وجعل عملكم هذا في موازين حسناتكم .
سؤالي هو : أعاني كثيرا من الخجل والحياء الشديد وخصوصا عندما تكون الأعين تنظر إليّ . هل من حل لهذه المشكلة ؟ وجزاكم الله خيرا .
الاجابة
أخي الفاضل: ابحث في ماضيك القريب والبعيد عن مواقف كنت فيها جريئاً مقداماً واثقاً – وستجد حتماً عدة مواقف وإن كانت صغيرة – تذكر صورة المشهد وأصواته ومشاعرك المرافقة، وفي قمة نشوتك بتلك المشاعر اضغط بإصبعك على موضع تختاره من جسدك ثم كرر العملية مع الضغط في الوقت المناسب على نفس المكان.. عندها ستكون لديك مكان في جسدك، تستدعي مشاعر الجرأة والثقة كلما ضغطت عليه ومن ناحية أخرى احرص على الخشوع في الصلاة وكثرة الاستغفار والدعاء مع مصاحبة من يملكون الجرأة والثقة التي تحبها، مع التدرب على التعبير عن نفسك دائماً مستخدماً كلمات مثل: هذا رأيي، هذا يعجبني، هذا يضايقني.. إلخ ، مع التدرج المستمر في محاولات الإلقاء والإمامة.. فإنها تفيد كثيراً. والله معك
ـــــــــــــــــــ
ابني سريع الحفظ فكيف أوجّهه ؟
أجاب عليه ... عبدالعزيز الجليّل
التاريخ ... 21 / 4 / 1424 هـ
السؤال
عندي ابن يبلغ من العمر عشر سنوات ويحفظ من القران ثلاثة أجزاء ولله الحمد ولاحظت عليه سرعة الحفظ لأنه إذا وجد أبيات من الشعر يهتم بحفظها أرجو منك يا شيخ أن تدلنا كيف أوجّهه وأخذ بيده إلى الخير وتنمية ذلك عنده .
الاجابة
الحمد لله وبعد،
فإن تربية الأبناء والأخذ بأيديهم إلى الخير أمانة عظيمة وهي تقوم على أصلين:
الأول: توجيههم إلى الفضائل ومحاسن الأخلاق بالقدوة والجلساء الصالحين وتهيئة المحاضن التربوية السليمة كحِلَق تحفيظ القرآن وغيرها.(115/2265)
الثاني: حمايتهم من أسباب الفساد والوقوع في رذائل الأخلاق ومن أخطر هذه الأسباب أجهزة اللهو والفساد من تلفاز وفضائيات وفيديو ومجلات سيئة وغيرها، والتي امتلأت بها كثير من بيوت المسلمين، والعياذ بالله تعالى، ومن الأسباب المفسدة: القدوات السيئة في المنزل أو في المدرسة
الجديّة والإخلاص في الدعوة
أجاب عليه ... سلمان السنيدي
التاريخ ... 16 / 4 / 1424 هـ
السؤال
فضيلة الشيخ السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد كثير مايقول بعض من يهتم بالدعوه اننا في ضعف وتحقيق اهدفنا ليست علي المستوى المطلوب ويرجع بعضهم ذلك الي عدم الجدية في اعمالنا والبعض الي عدم الاخلاص لله 0000 ويصبح في صراع مع نفسه ماهو العمل ولابدمن الاصلاح والتغير 000 وتمر علينا الاوقات ولم نصل الي المقصود؟ فما هوتوجيهكم لمن هذا حاله0 وفقكم الله
الاجابة
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته،
هذه الحالة لم تصفها بالضبط.
فإن كنت تعني الحيرة في تحديد الخلل، ومن ثم العمل على إصلاحه،
فإن ما ذكر صحيح، نحن بحاجة إلى جدية وإلى إخلاص، ولا مانع من الإصلاح لهذين العملين والجانبين في آن واحد فالإنسان مع إحسانه للنية عليه أن يجدّ في عمله ويتقنه ويسعى إلى كماله وعلى الجاد أن يراجع نيته ويجدد إخلاصه لله ولا يمل الحديث عن الإخلاص وعلاماته، وما يعين عليه، وما يخل به.. والله أعلم.
ـــــــــــــــــــ
ظاهرة التعلّق
أجاب عليه ... سلمان السنيدي
التاريخ ... 11 / 4 / 1424 هـ
السؤال
نرى ظاهره على ساحة الشباب ظاهرة التعلق إما بالمشرفين أو ببعضهم فما هو الحل لهذه المشكله أثابكم الله ؟
الاجابة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله،
من حلول مشكلة التعلق:
- التربية على التعلق بالمبدأ والحق وأن الأشخاص تبع لذلك وتدعيم ذلك بالقصص النبوية ومواقف الصحابة.
- العمل على تغيير عمل الأفراد في كل فترة، فإن "الروتين" الإداري الثابت يجعل الإنسان يبحث عن متعلقات غير مقصودة.(115/2266)
- العمل على تجديد الاهتمام في الأوساط التربوية وجعل الفرد يجد نفسه متفاعلاً مع الأنشطة المتنوعة أكثر من التعلق بالأفراد.
- التربية الشاملة المتوازنة تقي بإذن الله من الشطط والانحراف.
هذا باختصار، والمشكلة تحتاج إلى حلول أكثر.
ـــــــــــــــــــ
غيرة البنت وسرحانها
أجاب عليه ... أ.د عمر المفدى
التاريخ ... 15 / 3 / 1424 هـ
السؤال
ابنتي عمرها 9 سنوات ( هي الكبرى يصغرها أخ عمره 6 ثم آخ آخر عمره 4 و ثالث شهرين فقط ) ألاحظ أنها تغار مني وبشدة فكلما لبستُ شيئاً تريد أن تقلدني وعندما أخرج لي زيارةٍ ما أرها تنظر إليَّ شزراً وتصر على أن تحمل أخاها ذا الشهرين وترضعه وتفعل معه كما أفعل معه أنا تماماً حتى إذا رفضت أن تغير له ملابسه مثلاً تبكي بحرقة وأخشى أن يتزايد هذا السلوك لديها إذا كبرت أكثر ولا أدري كيف أتصرف معها علماً أنها هي الكبرى ويصغرها 3 ذكور..؟؟؟!! أيضاً هي بطيئة جداً في إنجاز ما آمرُها به بسبب سرحانها الشديد... وليس لديها ثقة بنفسها و لا ما تقوم به علماً أنني دائماً أشجعُها دائماً على كل عمل تقوم به إذا نجحت و إذا فشلت أكلمها بهدوء ولا أدري كيف أتعامل مع سرحانها الذي يعيقها ويؤخرها دائماً..؟؟؟!!! أفيدوني بارك الله فيكم سريعاً فأنا في حيرةٍ من أمري.. وأشعر أن الأمر كل يومٍ في تزايد .. مع العلم أن والدها مشغول جداً ولا يحب أن أضرب الأولاد عموماً ويقول لي أنهُ من المفترض أن آخذ الأمور ببساطة أكثر أو أن الأمر لا يتطلب كل ذلك..؟؟؟ ولكن في نظري أنه إذا لم نحاول تدراك مثل هذه الأمور الآن فلن تنفع عندما تكبر وتصل إلى سن المراهقة عندئذٍ لا ينفع معها التأديب والضرب...!!!!! أفيدوني فتح الله عليكم وزادكم من فضله وأعلموا أنكم بإذن الله ممن يفرج عن مؤمن كربة من كربِ الدنيا فأسأل الله أن يفرج عنكم كربةً من كربِ يوم القيامة.. آمين
الاجابة
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين.. وبعد:
أختي الفاضلة:
من عرض مشكلتك يتبين أن ابنتك تعاني من مشكلتين مختلفتين، الأولى غيرتها منك ورغبتها الشديدة في تقليدك، والثانية البطء في أداء الأعمال والسرحان الشديد.
أما الأولى فليست مشكلة وتعد في الحدود الطبيعية في هذا السن ولو أشبعت بالقدر الكافي لبدأت تخف شيئاً فشيئاً، أوكلي لها كثيراً من المهمات التي ترغبها مثل العناية بأخيها الصغير وتحملي بطئها، مع الحذر من الاستهزاء منها عندما تقوم بالتقليد.
أما المشكلة الثانية فهي تحتاج إلى تفاصيل أخرى واستقصاء عن وضع الطالبة في المدرسة وغيرها من المواقف، لكني لا أستبعد أن يكون انشغال الوالد عنها ساهم(115/2267)
كذلك في هذه المشكلة لأن الأطفال في حاجة للتفاعل مع كلا الوالدين لإشباع بعض حاجاتهم العاطفية التي لا يغني فيها أحد الوالدين عن الآخر.
وفقنا اله لما فيه خير ديننا ودنيانا والسلام عليكم
ـــــــــــــــــــ
أنا داعية وأخاف من ...
أجاب عليه ... أ.د. ناصرالعمر
التاريخ ... 26 / 3 / 1424 هـ
السؤال
اسأل الله عز وجل أن يبارك في جهود شيخنا الفاضل ناصر العمر وأن يجعل ما يقدم في موازين حسناته يوم يلقاه ، ونحن يا شيخنا الكريم ممن تربى على محاضراتك بدأً بـ"بناتنا بين التغريب والعفاف "ومروراً بـ"صور مشرقة من حياة المرأة المسلمة" إلى الشريط الذي كان له أكبر الأثر في ممارستي للأعمال الدعوية دون النظر إلى نتائج ما أقدم إنه"حقيقة الانتصار " وهو انتصار فعلا في موضوعه الفريد ـ وقد كان الأمر كذلك بالنسبة لزوجي ـ فجزاك الله خيراً وأثابك على ذلك وأنا انطلاقا من ذلك عملت في مؤسسة خيرية وقد ذقت حلاوة العمل التطوعي وأن أعيش لغيري لا لذاتي بالإضافة لدراسة العلم الشرعي في كلية الدعوة بجامعة الإمام ولكن وللأسف أُجابه بمعارضة شديدة من أهلي وبخاصة والديَّ ـ رغم أنهما ولله الحمد صالحين ـ والذين يرون في ذلك مضيعة للوقت وتضييع لأطفالي ـ فأنا لدي خمسة أطفال أكبرهم في الثامنة من عمرها وأصغرهم توأم عمرهم ثمانية أشهر ـ مع أني أحرص أشد الحرص على أن أقوم بواجبهم ولم أضيعهم أبدا حتى أنني من شدة مايثبطونني بدأت اشعر بالتراجع ووالله لولا مؤازرة زوجي لي في هذا العمل وهو أيضا يعمل في نفس المؤسسة كمتطوع بالإضافة إلى وجود نموذج مشرق أمامي ممن يحترق للعمل الدعوي وهي مديرة القسم النسوي لدينا في المؤسسة والتي والله يندر أن يوجد مثلها في هذا الوقت فرغم ارتباطات زوجها الكثيرة فهو ذو مركز كبير بالإضافة لانشغالها برسالة الدكتوراه ومع ذلك فهي من أشدنا في البذل والعطاء لدين الله ومع هذا فهي من أزهد الناس في الدنيا حتى أنا لقلة ملابسها بتنا نعزفها كلها ولم نسمعها يوما تقول ذهبت إلى السوق الفلاني واشتريت كذا وكذا لنفسها فهي لا تذهب إلى السوق إلا لشراء أغراض للمؤسسة بالإضافة لأخلاقها العالية وسعة صدرها وحلمها الذي يتحمل ضغوط العمل رغم كثرتها اسأل الله أن يحفظها وأدعو لها يا شيخنا بظهر الغيب فهي تستحق الدعاء لها، فأقول يا شيخنا أنه لولا هذين الأمرين لتركت العمل من شدة ما أرى من تخذيل حولي بالإضافة لكثرة ما أجد من وسوسة الشيطان بأن كل ما أعمله مجرد رياء أمام الناس وأن الله سيحبط عملي بهذا الشيء ففي قريباتي لا يوجد من تقوم بأي عمل تطوعي فتجدني محط الأنظار وهذا ما يدعوني لأن أخاف جدا من الرياء فما رأي شيخنا الكريم في ذلك وجزاك الله عنا وعن المسلمين خير الجزاء .
الاجابة(115/2268)
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين.. وبعد:
فأشكر لهذه الأخت هذه الرسالة المؤثرة، وأسأل الله أن يجعلني خيراً مما تظنون، وأن يغفر لي ما لا تعلمون.
وأقول لك - أيتها الأخت – طريق الدعوة مليء بالعقبات والمشاق وهو طريق الجنة (أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللَّهِ أَلا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ ) ، (الم أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ).
وما تواجَهين به نوع من الابتلاء والامتحان، فعليك بالثبات، والالتجاء إلى الله والاستعانة به، وما دام زوجك راضياً، فلا تلتفتي إلى غيره، مع الرفق في إقناع الأهل وبخاصة الوالدين، دون أن يمنعك ذلك من الاستمرار، أما الرياء فهو فتنة أخرى من الشيطان عندما عجز أن يصدك عن الخير بالطريق الأولى جاء عن الطريق الآخر فتعوذي بالله من الشيطان، وأكثري من قراءة المعوذات وحذار حذار أن يصدك عن عملك الرائع، وفقك الله وسدد خطاك، وشكراً لزوجك على مواقفه الرائعة وهنيئاً لكما ببعضكما، وأصلح الله أولادكما. وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه.
ـــــــــــــــــــ
كلمة نصح لولي المرأة الداعية ولها أيضا
أجاب عليه ... أ.د. ناصرالعمر
التاريخ ... 23 / 3 / 1424 هـ
السؤال
كلمات نصح تصدر لكل من:
أ - الولي الذي يعرقل موليته الإصلاحية.
ب - الداعية المتأثرة بالمناهج الفكرية المخالفة للمنهج القويم.
الاجابة
أ) أما الولي الذي يعرقل موليته ويعيقها عن الدعوة والإصلاح فوصيتنا له بأن يتق الله فيما ولاه فلا يكتم علماً أو يمنع خيراً، فالأمة أحوج ما تكون إلى من يرشدها ويوجهها ولا ينقصها من يقعدون بكل صراط يوعدون ويصدون عن سبيل الله من آمن .
ولكن أوجه كلمة لهذه الداعية بأن عليها أن تبدأ بذويها كأوليها فالأقربون أولى بالمعروف وإذا صلح حالهم يأتي بعد ذلك إذنهم بل عونهم وتشجيعهم تباعاً.
أما إذا قصر المصلح في نصحه فنتيجة طبيعية أن يرى منهم مالا يسر والدين المعاملة.
ب) الداعية المتأثرة بالمناهج الفكرية المخالفة للمنهج القويم ننصحها بنصح رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي عضو عليها بالنواجذ وإياكم ومحدثات الأمور فإن كل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة) وفي رواية ( وكل ضلالة في النار ) .(115/2269)
وخير الأمور السالفات على الهدى ... ...
وشر الأمور المحدثات فبعد
-ـــــــــــــــــــ
سلوك ابني
أجاب عليه ... أ.د عمر المفدى
التاريخ ... 19 / 3 / 1424 هـ
السؤال
لي طفلٌ عمره 6 سنوات وهو الثاني بين إخوته تكبره أختٌ ويصغره أخ عمره 4 و آخر شهرين كان هادئ الطباع وفجأة انقلب شعرت بالضيق لفترة ثم بدأت أشعر أنني السبب في تغير طباعه فقد كنت أقسو عليه أحياناً ليكون ولداً مؤدباً وأتأخر أحياناً في تنفيذ طلباته لأعودهُ على الصبر و لكن أصبح صراخه في البيت و قسوته على اخوته أمراً لا يطاق عندها شعرت بذنبي وعرفت أنني السبب في قسوته وعنفه على اخوته وهيجانه بسرعة ولا أعرف الآن كيف أهدئ من طباعه و اجعله يعامل إخوانه بلطف واحترام وهدوء خاصة وأن تصرفاته بدأت تنعكس على أخيه الأصغر ويقلده في كل تصرفاته وصراخه و حاولت أن أضبط أعصابي معه إلى آخر حد لأعدل ما سبق ولكن أحيانا قد أثور وأقوم بضربه أو معاقبته أما إذا أردته أن يكون هادئاً فيجب عليّ القيام بتنفيذ جميع طلباته سواءاً كان ذلك في مقدوري أو لا وهذا أمر يستحيل عليِّ ...؟؟؟؟ مع العلم أن والده مشغول جداً ولا يحب أن أضرب الأولاد عموماً ويقول لي أنهُ من المفترض أن آخذ الأمور ببساطة أكثر أو أن الأمر لا يتطلب كل ذلك وماذا عساكِ أن تفعلي إذا وصل إلى سن المراهقة ..؟؟؟ ولكن في نظري أنه إذا وصل إلى سنة المراهقة لا ينفع معه التأديب والضرب...!!!!! أفيدوني فتح الله عليكم وزادكم من فضله وأعلموا أنكم بإذن الله ممن يفرج عن مؤمن كربة من كربِ الدنيا فأسأل الله أن يفرج عنكم كربةً من كربِ يوم القيامة.. آمين
الاجابة
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين.. وبعد:
أختي الفاضلة:
ينبغي أن لا تبالغي في لوم نفسك على كل ما يحدث لأطفالك من تغير في سلوكهم لأن الأسباب عديدة والبحث عن تلك الأسباب.
لا شك أن الطفل يتعلم من ما يقوم به والداه وإنما لم يقولا شيئاً، والقسوة عليه ربما تعلم منها أن يقسوا على غيره. من الخطأ جداً أن يستجاب للطفل عندما يصرخ أو يؤذي لأن ذلك يعزز لديه هذا السلوك ويجده وسيلة ناجحة لتحقيق طلباته، فإما أن يجاب إلى طلبه في البداية أو أن لا يجاب.
في ظني أن ما يمر به ابنك سببه أنه بدأ في طور جديد يتميز برغبته في تبني الدور الرجولي إذ إن هذه السنوات يتوقع فيها ظهور الهوية الجنسية، وربما يكون انشغال والده عنه ساهم في حالته الذي ذكرتيها.(115/2270)
أرى أن لا بد وأن يخصص والده جزءاً من وقته له وليذهب معه في بعض الأحيان للتسوق أو لبعض الزيارات وغيرها من الأنشطة.
لا تعامليه بعنف، لكن لا تلبي طلباته لمجرد التخلص من مشكلاته، يناسب بعض الأطفال وضع برنامج للتشجيع مثل الحصول على نجمات إذا كان سلوكه جيداً على أن يحدد له بدقه وبأسلوب محسوس ما المقصود بالسلوك الجيد، وليكن تلك النجمات تعطى على فترات قصيرة مثل عدة ساعات ثم تمد الفترة ليوم كامل عند حصوله على عدد معين من النجوم تستبدل بهدية مناسبة.
في نفس الوقت ينبغي إهمال السلوك غير المرغوب وعدم جعله أداة لجذب الانتباه.
لا تتوقعي أن أثر تلك الإجراءات سيظهر أثر في أيام قليلة بل سيحتاج وقتاً لأن السلوك الذي يظهر على الطفل لم يظهر بين يوم وليلة وكذلك تعديله فعليك الصبر والمثابرة والاحتساب. أصلح الله لنا ولك الذرية.
ـــــــــــــــــــ
المؤثرات السلبية على المرأة الداعية
أجاب عليه ... أ.د. ناصرالعمر
التاريخ ... 16 / 3 / 1424 هـ
السؤال
ما المؤثرات السلبية التي تعيق المرأة عن العمل الدعوي ؟
الاجابة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
المؤثرات السلبية هي كل فعل من شأنه أن يعوق العمل الدعوي أو يمنع من إخراجه على الوجه الأكمل.
وتتضح هذه المؤثرات في ذهن الداعية إذا كان الهدف المنشود من العمل الدعوي عندها واضحاً جلياً وكذلك طريق الوصول إليه فما أخرج عنه أو أخرها فيه فهو عمل سلبي.
وهذه المؤثرات تختلف باختلاف الأعمال، ولكن في الجملة هناك قدر مشترك من المؤثرات التي تعود بالسلب على الأعمال الدعوية ومنشؤها أصلين:
الأول: عدم سلامة النية والقصد في العمل ولهذا مظاهر عديدة كأن يكون العمل من أجل فلان لمكانته عند العامل أو غير ذلك فإذا غاب خبا النشاط وقل الجهد.
ومما ينتج عن هذا الأصل أيضاً التحاسد والتنافر بين العاملين ووضع العراقيل في طريق بعض، والفرح بكبوة غيره وما ينبثق عن هذا من كلام فيه وتشكيك في منهجه ونيته ووقوع فيه.
ومن مظاهر هذا الأصل أيضاً ربط العمل بثناء الناس وحمدهم، فإذا شكر بذل، وإذا ترك قصر. وغير ذلك من المظاهر السالبة التي منشؤها عدم سلامة النية.
أما الأصل الثاني للأعمال التي تعود بالسلب على العمل الدعوي فهو عدم صواب طريق السير كأن يسعى بأساليب ووسائل غير مشروعة لتحقيق هدفه بالكذب والخداع تارة، وبالمصادقة والمداهنة تارة، أو يتقحم ما لا قدرة له عليه فلا يؤديه كما يجب ومن ذلك الخلل الإداري عن كثيرين ومنه كذلك إقحام النفس والغير مواجهات(115/2271)
تعطل العمل وبالجملة كل ما عاد على شرطي قبول العمل بالنقض فهو مؤثر سلبي يدل على خلل في المنهج.
الملل والسآمة في حياة المربي
أجاب عليه ... أ.د. ناصرالعمر
التاريخ ... 19 / 3 / 1424 هـ
السؤال
الملل والسآمة عارض في حياة المربي لكنه قد يصبح ظاهرة تسبب له الانقطاع عن ميدان التربية. كيف يمكن التغلب على ذلك؟
الاجابة
من أهم الأسباب التي تؤدي إلى الملل والسآمة والفتور:
1- عدم وضوح الأهداف التي يسعى إليها المربي، فهو يتحرك كما يتحرك الآخرون دون بعد نظر في حقيقة هذه الأهداف ومآلاتها.
2- عدم القناعة التامة في أهداف هذا العمل، مما يزهده في هذا المجال التربوي بعد فترة من الزمن.
3- عدم تصور عقبات الطريق، وجهله أن من لوازم العمل الصادق وجود العقبات، ولا يعنى هذا الاستسلام لها أو السعي إليها.
4- قلة المعين والناصر من زملائه وأقرانه الذين يشاركونه في العمل، وكذلك عدم وجود الموجه والمشير الذي يساعده في تخطي عقبات الطريق.
5- الجمود والرتابة، وعدم التجديد والإبداع، وعدم التأقلم مع كل مرحلة بما يناسبها.
6- الصوارف التي تطرأ على الفرد وكثرة المشاغل الدنيوية.
7- ضعف الإخلاص، وتعلقه بأهداف دنيوية كالشهوة الخفية من حب شهرة أو جاه أو غير ذلك، وقد لا يحس بهذا الأمر لدقته وخفائه، والله المستعان
ومعرفة الأسباب أول خطوات العلاج
ـــــــــــــــــــ
المرأة الداعية والحكمة
أجاب عليه ... أ.د. ناصرالعمر
التاريخ ... 1/ 3 / 1424 هـ
السؤال
المرأة الداعية تواجه الكثير من السلبيات في المحيط الذي تدعو فيه ومن الأساليب الدعوية : ( الحكمة ) فكيف يمكن أن توظفها في علاج تلك السلبيات ؟
الاجابة
كما أن القوة والصحة تحفظ بما ينميها وتذهب بضدها فكذلك المرض يقوى بمثل سببه ويزول بضده، فإذا حصل للمريض مثل سبب مرضه زاد ضعف قوته وربما هلك، وإن حصل له ما يقوي القوة ويزيل المرض كان العكس والقلب مرد مرضه إلى شبهة أو شهوة فعلاج الأولى بالعلم والحكمة والثانية بالتذكرة والموعظة.
ثم تختلف الحكمة اللازمة للعلاج أو الموعظة بحسب نوع الخلل الذي طرأ.(115/2272)
وعلى الداعية أن يزيل العوائق التي قد تمنع من قبول وعظه أو تعليمه وأن يتحرى الشروط التي تقود إلى قبوله. وأن يؤدي ما معه بأسلوب حسن يقبله المخاطب. كما عليه أن يسعى في حسم مادة الفساد التي تؤثر على المدعو كأن يهيئ له بيئة صالحة أو يشغله بما ينفع.
ـــــــــــــــــــ
قلة خبرة بعض المعلمين في الناحية التربوية القيادية
أجاب عليه ... أ.د. ناصرالعمر
التاريخ ... 9 / 3 / 1424 هـ
السؤال
أعمل في ميدان التعليم، وأقوم بعمل تربوي بين أوساط الطلاب، ومعي من يشاركني هذا العمل من المعلمين ممن هم أقدم مني سناً، ولكن لقلة خبرتهم تنقصهم جوانب تربوية قيادية. كيف أوفق بين هذا الخلل والطلاب المتربين، حيث أحرج من تصرفاتهم حيث إنهم قدوات للطلاب، فأحتار في التصرف المناسب، فما السبيل الأمثل لحل هذا الخلل؟
الاجابة
أفضل وسيلة لذلك هو إقامة الندوات واللقاءات الخاصة التي تعالج هذا الخلل، أو استضافة أحد الموجهين والمربين الذين يسمع الجميع لهم، مع إحاطة الضيف بالمشكلة حتى يعالجها بأسلوب يناسب الجميع.
وكذلك إهداء الكتب والأشرطة التي تساهم في علاج هذا النقص.
والمهم هو الاهتمام بهذا الأمر، واتخاذ الطرق والأساليب الناجعة في علاجه، مع البعد عن التوجيه المباشر نظراً لحساسيته وآثاره السلبية.
تعلق الأفراد بالمربي
أجاب عليه ... أ.د. ناصرالعمر
التاريخ ... 5 / 3 / 1424 هـ
السؤال
تعلق الأفراد بالمربي ظاهرة في مجال التربية، ولها إيجابيات وسلبيات فما الضوابط في ذلك من أجل تحقيق أكبر قدر من المصالح؟
الاجابة
التعلق إما أن يكون لشخص المربي، أو لتميزه في عمله وقوة أهدافه، وهي (الشخصية الآسرة) فإن كان الأول فهو السلبي، وإن كان الثاني فهو التعلق الإيجابي.
فإذا وجد المربي أن أحد الأفراد يتعلق به تعلقاً سلبياً فيضع له برنامجاً يرتكز على عدد من التكاليف الإيجابية بما يناسب حاله، مع تضييق حلقة كثرة اتصاله به ولقائه معه سواء كان اتصالاً مباشراً أو عبر الهاتف، وأن يقتصر اتصاله به على المجال التربوي الجماعي لا الفردي، فإذا رأى في ذلك تقدماً وإلا نقله إلى مربي آخر، أو نقله إلى أحد مساعديه على ألا يترتب على ذلك مفسدة أكبر.
ـــــــــــــــــــ(115/2273)
طالب متمييز ومشكلته الفوضى والتشتيت
أجاب عليه ... أ.د. ناصرالعمر
التاريخ ... 1/ 3 / 1424 هـ
السؤال
لدي طالب في حلقة تحفيظ القرآن متميز في الذكاء وسرعة الحفظ ولكن مشكلته الفوضوية والتشتت، حيث تضيع أوقاته دون استفادة حيث نزع إلى العبث، وأخشى أن أكثر عليه بالتكاليف الجادة، فيبتعد عن الحلقة ويكره أهل الخير، لا سيما مع وجود زملاء سيئين حوله في المدرسة؟
الاجابة
أولاً: ثبتك الله على العمل في مجال تحفيظ القرآن ورعاية الطلاب على أخلاق القرآن.
ثانياً: اعلم أن هذا الطريق فيه معاناة تربية النفوس وهذه المعاناة مستمرة وتدل على توقد حس المربي ولزوم استحضاره للحكمة والحلم.
ثالثاً: في مثل هذه الحالة هذا الشاب لديه قدرات وطاقات لا بد من استثمارها مع مزيج من الرغبة لديه، دون أن يشعر بالإلزام والتكليف، كأن تعرض بعض الأفكار والمشاريع ويرغب فيها فيختار منها أو أن تعرض عليه مشكلة علمية أو اجتماعية أو .... فينبري لحلها.
كذلك لا بد من الاقتراب منه ومعرفة بيئته، وما يدور في نفسه، وهل يعاني من ضغوط منزلية؟ هل لديه اقتراحات؟ هل لديه أفكار؟
من الجميل تقدير أفكاره وتقبلها والسعي في تطبيق أحدها واعتباره مشروعاً يستحق الاهتمام وانفراده به أو مشاركته مع غيره، وحينها لا تخشى غروره أو تكبره في مرحلة البداية، فهذا الخوف عليه ربما كان قاتلاً لفكره وعطائه، وحين ترى شيئاً من ذلك في المستقبل فلكل ظاهرة علاج ومستوى من العلاج وطريقة تناسبه.
ومن العلاج – أيضاً – نقله إلى بيئة تؤثر فيه، كحلقة أخرى أكثر تميزاً من حلقته، أو إشراكه في عمل آخر يساهم في علاج هذا الخلل بطريقة عملية، أو نقله من مدرسته إلى مدرسة أخرى تبعده عن هؤلاء الأشرار
ـــــــــــــــــــ
طفلك في السابعة
أ. هاني العبد القادر
29/1/1428
ارسل تعليقك ...
لا توجد تعليقات ...
ارسل الصفحة ...
الى مشرف النافذة ...
طباعة ...
سن السابعة هي السن التي أمرك فيها حبيبك محمد _صلى الله عليه وسلم_ أن تأمر فيه أولادك بالصلاة، يميل ابن السابعة أن ينسحب من مواقف كثيرة ويراقبها فقط(115/2274)
يميل للتأمل والاستقرار ويفضل الوحدة نسبياً، وهذا التأمل وهذه العزلة النفسية التي هيأها الخالق العظيم لابن السابعة وأشارت إليها معاهد متخصصة في هذا المجال كمعهد ديزل لنمو الطفل في الولايات المتحدة، هذا التأمل وهذه العزلة عند ابن السابعة تكشف لنا جزءاً محتملاً من الحكمة الشرعية في تحديد سن السابعة بالذات لبدء أمر الطفل بالصلاة كما في الحديث الصحيح الذي أخرجه أبو داود أن النبي _صلى الله عليه وسلم_ قال: "مروا أولادكم بالصلاة وهم أبناء سبع سنين" اختيار هذا التوقيت سن السابعة تحديداً لبدء الأمر بالصلاة له حكمته، ولعل من هذه الحكمة أن الصلاة تحتاج إلى قدر من التدبر والتأمل والاستقرار والسكون والعزلة النفسية عن العالم الخارجي وشواغله وهي صفات هيأها الخالق العظيم بحكمته البالغة _جل وعلا_ في هذا العمر، فسبحان الله الخالق البارئ المصور الذي علّم من لا ينطق عن الهوى _صلى الله عليه وسلم_، نسأل الله أن يرزقنا حسن اتباعه والسير على هديه، هذه من ناحية الصلاة.
يميل ابن السابعة أن ينسحب من مواقف كثيرة ويراقبها فقط يميل للتأمل والاستقرار ويفضل الوحدة نسبياً
من ناحية الأنشطة والمهارات الحياتية التأمل والمراقبة عند ابن السابعة هي المرحلة الأولى لإتقان هذه الأنشطة والمهارات ويتبعها مراحل أخرى _كما سيأتي بإذن الله_ وكلها جعلها الله _سبحانه وتعالى_ إعداداً للطفل وعوناً لوالديه على تربيته، دورنا توجيه طاقة التأمل الذهبية المتفجرة في هذا السن إلى ما ينفع الطفل فيحرص الوالدان على إبعاد أو التقليل من الأجهزة التي تنصرف فيها هذه الطاقة هدراً في غير ما ينفع ليخلو المجال أمامه فيتأمل ما يراه من أنشطة إيجابيه ومسؤوليات ومهام للأب والأم أياً كانت هذه الأنشطة سواء نواح تعبدية أو اجتماعية أو مسؤوليات منزلية نافعة ترتيب تنظيف تصليح وأعمال المطبخ خصوصاً إذا كانت الأم تشجع بناتها وأبناءها على دخول المطبخ ومشاركتها وتصبر على جهلهم وأخطائهم يمكن للأب توجيه طاقة التأمل عند الطفل إلى الطبيعة ومن خلق هذا الكون وأن الخالق الله العظيم والمستحق وحده للعبادة، نخيم بالبر، أصعد معه جبلاً صغيراً، أجلس معه على بحر نصيد، آخذه المزارع يرى رحمة الطيور وهي تطعم صغارها، الورقة التي سقطت من الشجرة آخذها وأضعها في يده وأقول له انظر هذه الورقة اليابسة انظر اللون الأصفر، هذه الأملاح الزائدة التي تضر الشجرة، هذه الورقة جمعت هذه الأملاح الزائدة لتحمي أخواتها وسقطت وماتت وتصير سماداً تتغذى عليه الشجرة إذا احتاجت تموت الورقة لتحيى الشجرة كلها تتوقع كم ورقة سقطت من هذه الشجرة ليل نهار من وقت ما زرعت كثير صح!
وكل الشجرة يا ولدي ما تكون قوية وعزيزة إلا إذا تقدموا عيالها للموت ليل نهار من أجلها، تظن يا ولدي كم ورقة سقطت من كل هذه الأشجار من وقت ما وضعت هذه الورقة في يدك؟ أنا وأنت لا نعرف، لكن الله _سبحانه وتعالى_ يعرف كل ورقة سقطت من كل شجرة في الدنيا في كل الأزمان، يقول الله _سبحانه وتعالى_: "وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُهَا(115/2275)
وَلا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الْأَرْضِ وَلا رَطْبٍ وَلا يَابِسٍ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ" (الأنعام:59)، وهذا شيء يسير جداً جداً من علم الله _سبحانه_.
انظر لهذه المواشي انظر كيف تُذبح، الله _سبحانه وتعالى_ هو الذي خلقها وخلقنا أمرنا أن نتقرب إليه وحده بذبحها، ونتقرب إليه وحده في كل عباداتنا، قل له وأنت تظهر الألم الشديد، تصدق يا ولدي أنه فيه ناس يعبدون البقر وناس يعبدون الثيران، وإذا كان البقر والثيران حية تتحرك، فيه ناس أردى بعد، فيه ناس يعبدون حتى الأموات، تخيل يدعونهم ويذبحون لهم ويتبركون بهم، تصدق أنه فيه ناس يقولون إنهم مسلمون ويفعلون هذه الأفاعيل؟ عسى الله يثبتنا على التوحيد ويميتنا عليه، هذه نعمة أنك تصير في أسرة توصيك بالتوحيد وتحذرك من أعظم مصيبة وأكبر وأقبح ذنب يقع فيه الإنسان تحذرك من الشرك.
وهكذا تستغل كل مناسبة ممكنة في هذا العمر وغيره حتى آخر يوم في حياتك لتعظم عنده أمر التوحيد وتحذره من الشرك بأنواعه، تقرر هذه القضية في نفسه حتى يكون توحيد الله قضية حياته الكبرى، تأمل كيف جعلها الله أولى وصايا لقمان لابنه وأعظمها "وَإِذْ قَالَ لُقْمَانُ لاِبْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ يَا بُنَيَّ لا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ" (لقمان:13)، قضية التوحيد هي خير ما تستثمر فيه طاقة التأمل الذهبية عند طفلك وكذلك بقية وصايا لقمان وما يتفرع عنها.
إذن في سن السابعة تقريباً يميل الطفل إلى التأمل والفردية والعزلة النفسية بدون مشاركة.
ـــــــــــــــــــ
طفلك في السادسة
أ. هاني العبد القادر
22/1/1428
ارسل تعليقك ...
لا توجد تعليقات ...
ارسل الصفحة ...
الى مشرف النافذة ...
طباعة ...
حديثنا التالي _بإذن الله_ عن سن السادسة، سن السادسة هو المتوسط المتوقع لمرحلة جديدة يتمركز فيها الطفل حول ذاته يتوقع أن يكون ابن السادسة مندفع العاطفة أحياناً قليلة بصورة إيجابيه تجاه غيره كحنانه على إخوانه الصغار وعطفه عليهم، ولكن الأغلب أن يكون ابن السادسة مندفع العاطفة نحو ذاته فتجد عنده الأنانية والطمع يريد أن يكون له الأولوية في كل شيء يريد أن يكون محبوباً أكثر من غيره يريد أن يحصل على نصيب الأسد طمّاع ما يصح تخيره بين لعبتين؛ لأنه يريد الاثنتين واحرص ألا تأخذ شيئاً من ممتلكاته وتعطيها طفلاً آخر يلعب بها إلا بإذنه ولا تسمح لأحد أن يأخذ دوره في اللعب أو غيره إلا بإذنه ولا حتى الكبار.
فديننا العظيم الذي علّم الصغار الاستئذان احتراماً لخصوصيات الكبار هو ذات الدين الذي علّم الكبار الاستئذان من الصغار، سواء في عمر الست سنوات أو غيره(115/2276)
احتراماً لخصوصياتهم ولا هو استئذان ملاطفة ما له قيمة، لا، بل وهب الصغار حق الرفض أو القبول وعلّمنا احترام قرارهم، أخرج البخاري ومسلم من حديث سهل بن سعد الساعدي أن رسول الله _صلى الله عليه وسلم_ أُتي بشراب فشرب منه وعن يمينه غلام وعن يساره أشياخ، فقال للغلام: أتأذن لي أن أعطي هؤلاء؟ فقال الغلام: لا والله ما أوثر بنصيبي منك أحداً قال: فتله رسول الله _صلى الله عليه وسلم_ في يده، أي: وضع الشراب في يده، ثم تأمل كيف أقر الصغير حقه في الرفض مع عظم قدر المستأذِن والمُستأذَن لهم، وهم النبي _صلى الله عليه وسلم_ وكبار الصحابة.
يتوقع أن يكون ابن السادسة مندفع العاطفة أحياناً قليلة بصورة إيجابيه تجاه غيره كحنانه على إخوانه الصغار وعطفه عليهم
ابن السادسة لديه رغبة شديدة في الفوز وإذا انهزم ما يتحمل يصيح ويبكي، ويتهم إخوانه أنهم غشاشين، اندفاع عاطفته نحو ذاته يضعف قدرته على التعامل مع لحظات خسارته وإخفاقه وإحباطه، وهذا يجعل ابن السادسة عموماً سريع البكاء ينفجر ويبكي بسهولة.
إخواني أبناؤنا يتعلمون منا التعامل مع الحزن والخسارة والإحباط مثل ما يتعلمون منا أي شيء آخر، لذلك طفل السادسة يراك أنت كيف تتعامل مع ما يحزنك أو يحبطك ويضايقك بصبر ورضا وروح رياضية وابتسامة، في المرحلة السابقة كانت أمه هي مركز العالم بالنسبة له هي محور اهتمامه، الآن في السادسة يريد أن يكون هو مركز عالمه الخاص وبؤرة اهتمامه، ولذلك يتوقع أن تسوء علاقته بأمه نسبياً بسبب تمركزه حول ذاته، وحتى مع غيرها تجده سلبياً مع الآخرين ينفر من الأوامر ويتملص منها ويحوّلها على إخوانه ولا يتقبل النقد واللوم بسهولة، وبما أنه يحتاج بشدة للمديح والثناء فبإمكان الأم الواعية ومن حول الطفل أن يحسنوا علاقتهم معه ويؤثروا في سلوكه بأن يقللوا من النقد واللوم والأوامر إلى أقل حد ممكن ويمدحونه على تصرفات محددة وليس مدحاً عاماً، كما ينقلون له ثناء الآخرين عليه ويدعون الله له بما يحب وتهفو إليه نفسه فيربطون رغباته التي يتعلق بها بشدة في هذه المدة بمن يقضيها له بالله _سبحانه وتعالى_ كما يحدثونه دائماً عن الجنة وما فيها من متع ورغبات يشتهيها ويتمناها فيشوقونه لها ويغرسون حبها والعمل لأجلها في قلبه
ـــــــــــــــــــ
طفلك في الخامسة
أ. هاني العبد القادر
15/1/1428
ارسل تعليقك ...
تعليقات سابقة ...
ارسل الصفحة ...
الى مشرف النافذة ...
طباعة ...
حديثنا التالي عن سن الخمس سنوات، سن الخمس سنوات تعد من أجمل سنوات الطفولة، في الخامسة تقريباً يتوقع أن يكون الطفل في أحسن نفسية وأجمل صفات(115/2277)
وتختفي التقلبات السلوكية، ويكون أكثر ثباتاً يتكيف مع الآخرين بشكل إجمالي هادئ ولطيف ويبحث عن أدلة لمحبة الآخرين يحب البيت راض عن أسرته وأوضاعها، في هذه المرحلة يتعلق الطفل بأمه بشكل أكبر من المعتاد، تجدينه دائماً يا أختي قريباً منك يقلد حركاتك، لذلك مهم أن يراعي الوالدان كونهما القدوة في علاقتهم بالله وفي كل سلوكياتهم، ابن الخامسة يعرض مساعدته على أمه ويتلذذ بطاعتها وأخذ توجيهاتها والاستئذان منها، شجعيه يا أختي على الاستقلالية بأسلوب لطيف، شجعيه يأكل لوحده، ويرتدي ثيابه لوحده، وإذا بدأ يحاول في شيء ما لا تستعجلي مساعدته قبل أن يتسنى له الوقت الكافي للتجربة، وانتظري حتى يطلب المساعدة بنفسه ثم عمليه خطوة إضافية واحدة واتركيه ينجزها وامدحيه في بعض مراحل النشاط وليس في كلها.
سن الخمس سنوات تعد من أجمل سنوات الطفولة، في الخامسة تقريباً يتوقع أن يكون الطفل في أحسن نفسية وأجمل صفات وتختفي التقلبات السلوكية
هذه الإجراءات تكسب الطفل الاستقلالية والاعتماد على الذات في هذا العمر وأي عمر.
يا إخواني وأخواتي تغيرات سلوك الطفل المتصلة بعمره سواء صعوبة التعامل مع ابن السنتين ونصف أو سهولته مع ابن الثالثة أو ثورة العاطفة أو ثورة السلوك أو ثورة العقل أو مرحلة الهدوء والاتزان والطاعة عند ابن الخامسة أو التغيرات التي سنذكرها بعد قليل _بإذن الله تعالى_ كلها تشبه الورقة التي يخرجها جهاز تخطيط القلب، الورقة إذا تذكرون يكون فيها خط تتخلله ارتفاعات ثم انخفاضات ثم ارتفاعات ثم انخفاضات وهكذا، ما معنى أنه إذا خرجت الورقة فيها خط مستقيم بدون ارتفاعات أو انخفاضات معناه أن هذا الإنسان مات توقف قلبه عن العمل، وهذا ما سيحصل لأطفالنا فتموت شخصياتهم وتتوقف عن النمو إذا قررنا خطأ محاربة هذه التغيرات التي هيأها اللطيف الخبير لو حاربنا هذه التغيرات وقمعناها مش بس نتعب عيالنا وعلاقتهم معنا، لا، نحن نحرمهم من فرصة الاستفادة الطبيعية من المرحلة المؤقتة وسنهدر طاقتنا وأعصابنا ووقتنا في مقاومة فطرة الله التي فطر عليها الأطفال عموماً ومن بينهم أطفالنا.
إذن دعونا نتفاعل مع هذه التغيرات المؤقتة بشكل إيجابي.
ملاحظة هامة: لسببين اثنين قد لا تلاحظون السمات التي نذكرها لبعض المراحل في شخصية طفلكم أحياناً أو تلاحظون بعض سمات المراحل وليس كلها.
السبب الأول: أن العمر وسماته المتوقعة عامل مؤثر من بين عوامل أخرى مؤثرة قد تفوقها تأثيراً أحياناً مثل الفروق الفردية أو البيئة وهي تشمل كل ما يحيط بالطفل، ومع هذا يظل العمر عاملاً هاماً ومؤثراً جداً ويفيد الآباء والأمهات كثيراً في فهم واستيعاب وتربية أطفالهم.
السبب الثاني: توقيت مرور ابنك بالمرحلة وسماتها قد يكون مبكراً أو متأخراً نسبياً عن متوسط العمر المتوقع لها، يقول الدكتور فاخل عاقل في كتاب (سلوك الطفل): "لو كان لدينا مئة طفل أعمارهم أربع سنوات فإن نصفهم سيسلكون السلوك المتوقع(115/2278)
حدوثه في هذا العمر، وربعهم يكونون قد مروا به مبكراً وتجاوزوه، وربعهم لم يصل إليه بعد". انتهى كلامه
ـــــــــــــــــــ
طفلك في الرابعة والنصف
أ. هاني العبد القادر
8/1/1428
ارسل تعليقك ...
تعليقات سابقة ...
ارسل الصفحة ...
الى مشرف النافذة ...
طباعة ...
ننتقل بكم للحديث عن ابن الرابعة والنصف وثورة جديدة هي ثورة العقل عند ابن الرابعة والنصف، كيف يمر ابن الرابعة والنصف في ثورة العقل وكيف نتعامل معها؟ الإجابة عن هذه الأسئلة في حديثنا التالي _بإذن الله_، يبدأ طفلك في سن الأربع سنوات ونصف تقريباً مرحلة جديدة نسميها مرحلة الفيلسوف الصغير، إذا كانت الثلاث سنوات ونصف ثورة العاطفة، والأربع سنوات ثورة السلوك، الأربع سنوات ونصف ثورة العقل يركز أكثر يناقش ويحاور أكثر ويستفسر أكثر ويسأل في كثير من الأمور سيثير ردود فعل مختلفة يثير إعجابكم ودهشتكم بأسئلته أحياناً وبعض أسئلته قد تربك الوالدين خصوصاً إذا ما كانوا يعرفون الجواب وفي نفس الوقت ما يريدون أن يشعر ابنهم بجهلهم وهذا خطأ طبعاً.
وانظر بعد ذلك إلى (الترقيع والتصريف)، هذا ولد سأل أباه يا أبي لماذا البيض الذي نشتريه ما يفقس ويطلع كتاكيت، الأب توهج ما يعرف، بغى يصرفها قال لا هم يعطون إبر مثل التي عند الطبيب علشان ما يفقس، يا سلام على الجواب، لا والولد قعد له، راح جاب بيضه وسأله وين مكان الإبرة فالأب تورط مضبوط، ومع إلحاح الطفل اعترف بس متأخر، قال: والله يا ولدي ما أدري ليش البيض ما يفقس، يا ليت هذا الأب من البداية قال والله سؤالك ذكي ولا أعرف جوابه الآن، لكن _بإذن الله_ نسأل واحداً يعرفه، هذا أفضل من أن يكذب ولا يعترف بجهله ويهز مصداقيته عند ولده، ويثبت له عملياً أن أباه كذاب، أو يقول له معلومة غير صحيحة، إذا كنا نريد أن تبقى رغبة أطفالنا في التعلم حية فاهتمامنا بالإجابة الجيدة عن أسئلته أفضل وسيلة لذلك، اهتمامنا بالإجابة الجيدة عن أسئلته وسيلة لزيادة قاموسه اللغوي من خلال هذه الإجابات، وسيلة ممتازة تشجع على التعبير عن نفسه من خلال الأسئلة، الطفل من خلال أسئلته يعبر عن اهتماماته وفضوله في تلك اللحظة، بل أحياناً تعبر أسئلته حتى عن مخاوفه وقلقه وعن تساؤلات أخرى أكثر عمقاً وخطورة.
يبدأ طفلك في سن الأربع سنوات ونصف تقريباً مرحلة جديدة نسميها مرحلة الفيلسوف الصغير
لكل ما سبق نحتاج لبذل العناية الصادقة بأسئلة الطفل، أسئلة الفيلسوف الصغير أو ابن الرابعة والنصف تكون كثيرة جداً، ولا يراعي عند طرحها التوقيت المناسب،(115/2279)
فتحصل الأب يريد ينام أو مصدع أو مشغول أو عنده مشكلة ومنفعل، وهذا جاء يسأل سؤال رايق، يا أبي لماذا السماء زرقاء؟ يزيدها فعلاً على أبيه، المهم في مثل هذه الحالات أن يضبط الأب ردة فعله، وجميل لو قال لابنه حبيبي أنا مشغول الآن أو ودي أرتاح شوي لكن بعد صلاة المغرب أقدر أسمع لك زين _بإذن الله_، وهي فرصة كذلك ليفكر في الجواب إذا ما كان يعرفه.
أحياناً تسبب أسئلة الطفل إحراجاً للوالدين مثل سؤال كيف أنا جئت، أو بعض الأسئلة العقدية، أو أسئلة عن الطبيعة والكون والمخلوقات، وغيرها مما يصعب على الوالدين تقدير الجواب المناسب، توجد بعض الكتب القليلة التي تعين في هذا الجانب مثل (سلسلة أسئلة وأجوبة في العلوم)، وهي سلسلة قيمة تنشرها مكتبة العبيكان، صدر منها ستة كتب أنصح باقتنائها والحرص عليها سلسلة أسئلة وأجوبة في العلوم، وهناك كتاب (أسئلة طفلك الحرجة) لشاهيناز عبدالفتاح، وكتاب (الأسئلة العقائدية عند الأطفال) للدكتور بسام العموش، كما يفيد في هذا الجانب شريط الدكتور عبد الكريم بكار (كيف نرتقي بفكر أطفالنا) ولا تزال المكتبة المقروءة والمسموعة فقيرة في هذا الجانب.
هذا النمو العقلي السريع عند طفلك يحتاج إلى استعدادك وصبرك واهتمام بأسئلته وإجابتك عنها الإجابة الصادقة والصحيحة وله شرط قبل كل شيء، الشرط أن الذي تقوله يكون صحيحاً، بالإضافة إلى صحة الإجابة ابنك يفضل الإجابة المحددة، يعني ما يريد تقول هذا طير مثلاً يريد أن تحدد له، هذه حمامة أو غراب أو ببغاء وهكذا، بعض الأطفال على خلاف الشائع في هذا العمر ما يسألون، في هذه الحالة نحن نبادره بالتساؤلات المختلفة نستفز عقله بها، لماذا السمك ما يغرق في الماء، إيش يسوي العصفور الذي أمامنا؟ كيف ينزل المطر؟ ونعطيه فرصة للتفكير ونحاول أن نعطي قيمة ما لأي محاولة إجابة وإن كانت خاطئة.
وما أجمل أن تكلف الأم الحريصة إحدى بناتها أو أولادها الأكبر سن بتدوين أسئلة الطفل وهم غالباً سيرحبون بهذه المهمة، خصوصاً إذا لمس اهتمامكم وتشجيعكم كما أنهم قد يجدونها ممتعة لهم فمن ناحية نغرس في نفوس الكبار قيمة السؤال عموماً وأنه موضع تقدير فيسألون كما نغرس في نفوسهم العناية بأسئلة أطفالهم مستقبلاً حينما يصبحون آباء وأمهات ومن ناحية أخرى يكون عندكم دفتر بأسئلة ولدكم يساعدكم في البحث عن إجاباتها وتوقع أسئلة إخوانه وأخواته من بعده والاستعداد لها، وسيكون هذا الدفتر قطعة غالية عليكم، وعليه بعد سنين وتستمتعون بتأمل نمو تفكيره ويكون ما جمعتم نواة لكتاب عن أسئلة طفل تربى في بيئتنا وثقافتنا كتاب كهذا ينتظره ويرغب في قراءته كثير من الآباء والأمهات، وكل هذه الفوائد بدون عناء يذكر من الأبوين كم يسعد الطفل عندما تبادرونه بإجابة عن سؤال من أسئلته السابقة وإن لم يذكّركم به فاهتمامكم بالإجابة الجيدة عن أسئلته سيكون لها أثر كبير بإذن الله عليه وعلى علاقتكم معه ويؤهلكم لتكونوا مصدر المعرفة الأول والموثوق فيه على مدى السنوات القادمة بدلاً من تلقي معلوماته من مصادر مشبوهة خصوصاً فترة مراهقته.(115/2280)
نحن نشبع احتياجه المعرفة كل ما يريده منها اهتمامنا بأسئلته وصحة الإجابة عنها وملاءمتها لفهمه ومدى رغبته بالاستماع ومن أهم وسائل الإشباع المعرفي أن نحببه في القراءة ونربطه بالكتاب منذ سنواته الأولى.
من بين الأساليب التي تحبب طفلك في القراءة أياً كان عمره أن تربط أسئلته بالكتاب خصوصاً التي ما تعرف إجابته حفاظاً على مصادقيتك ممكن يسألك مثلاً فراشات إيش شكلها؟ أو كيف تطير الطائرة؟ إذا ما تعرف اطلب منه أن يشترك معك في البحث في مكتبة البيت مباشرة وحتى لو ما يعرف يقرأ تعال يا ولدي امسك الكتاب، وهذا الكتاب، بعد تعال اقعد في حضني أين صورة الفراشة؟ أين صورة الفراشة؟ نعم هذه صورة الفراشة خلنا نشوف ويش يقولون عنها، وإذا ما كان عندك كتب تجيب عن سؤاله، قل: الآن أنا ما أدري، لكن _إن شاء الله_ إذا زرنا المكتبة نشوف كتاب يكلمنا عن الفراشات أو الطائرات ونفذ وعدك فعلاً واحصل معه على الكتاب في أقرب فرصة من أكبر المكتبات وأكثرها تنوعاً.
انتهى حديثنا عن ثورة العقل في سن الأربع سنوات ونصف ومن قبلها ثورة السلوك في الرابعة وثورة العاطفة في الثالثة والنصف، الآن بدأ طفلك يستقر ويهدأ
ـــــــــــــــــــ
طفلك في الرابعة
أ. هاني العبد القادر
1/1/1428
ارسل تعليقك ...
تعليقات سابقة ...
ارسل الصفحة ...
الى مشرف النافذة ...
طباعة ...
ثورة السلوك وسن الأربع سنوات هي حديثنا التالي، في سن الأربع سنوات، تنتهي ثورة العاطفة وتبدأ ثورة مؤقتة من نوع آخر، ثورة هامة للطفل ومتعبة للوالدين، في سن الأربع سنوات تبدأ ثورة السلوك، من بعد ما كان يزعج والديه بخوفه وبكائه أصبح يزعجهم بحركته وعناده، ومن بعد ما كان يزعجهم بعدم ثقته في حب الآخرين له بتوتره وقلقه أصبح يزعجهم بحركته وعدم سيطرتهم عليه.
تحتاج منا شخصية الطفل الثائرة في هذه المرحلة الصعبة إلى الرضا بها وتقبلها رغم عيوبها مع بعض الإجراءات التي نقوم بها، وهي في النهاية مرحلة مؤقتة ستتغير تلقائياً _بإذن الله_ وقريباً وبدون ما تستهلك أعصابك ويأتيك الضغط والسكر بالعكس هدئ نفسك، وتحمل ما يخالف في المدة المؤقتة، اعلم أن الكلام سهل، وأن الواقع عليكم صعب بمعنى الكلمة، أقدّر والله هذا الشيء ولا أتجاهله، ابن الأربع سنوات ثائر حركياً يضرب يتخانق يرفس يرمي الأشياء يكسر الأشياء يهرب ما تقدرين عليه، ثائر عاطفياً تجدينه يضحك ضحكات عالية بدون سبب يستاهل ثم يبدلها بثورات غضب، ثائر لغوياً، الله يعينكم، الألفاظ الوسخة التي لقطها في سن الثلاث سنوات وقبلها الآن تخرج ما تعلم من أين أتى بها ممكن يردد شتائم أو كلمات متصلة(115/2281)
بالنجاسات_أكرمكم الله_ ، وقد يتعمد تكراراها مع ضحكة يعني أنه يعرف معناها ومع ذلك يقولها عناداً، المهم أنه ما يكون أحد الوالدين يردد هذه الألفاظ والطفل يقلده، غير هذا المسألة سهلة وبسيطة؛ لأن غالباً الولد يستلفت سمع والديه بهذه الكلمات، وبالتالي يمكن نزع الفتيل بعدم تحقيق ما يتمنى من لفت الأسماع والأنظار، بل كأنه ما قال شيء ونغير الموضوع مع استغلال أقرب عمل جيد يقوم به الطفل لإعطائه الشكر والثناء والاهتمام، فنشبع حاجته للاهتمام به مع ربط هذا الاهتمام بالصواب ليس بالخطأ.
في سن الأربع سنوات، تنتهي ثورة العاطفة وتبدأ ثورة مؤقتة من نوع آخر، ثورة هامة للطفل ومتعبة للوالدين، في سن الأربع سنوات تبدأ ثورة السلوك
إلى جانب ثورته الحركية واللفظية يكون ثائراً في علاقاته مع من حوله، يعاند أباه وأمه ويستهين بأوامرهم وتوجيهاتهم وعقوبتهم، ما فيه مانع تشدون عليه إذا لزم الأمر مع توفير اهتمام أكبر عندما يفعل الصح بدون ما نقع في الرشوة، مثلاً نرشيه بالخروج معنا إذا ما ضرب إخوانه، إنما نكافئه بدون وعود مسبقة، وسبحان الله الخالق العظيم، خلف كل الصور السلبية التي ذكرتها قبل قليل تختفي ميزة رائعة ومهمة جداً هي ثقته في نفسه وفي استقلاله وأن له إرادة، هذه الثورة المؤقتة في سلوكه هي ولادة الثقة في نفسه ومظاهر تعامله الجديد معها لذلك يحتاج هذه الثورة المؤقتة كما نحتاج نحن للإرادة والثقة في أنفسنا، نعم نهذب هذه الثورة لكن ما نقمعها؛ لأن الحزم الزائد سيؤدي إلى مزيد من العناد وتتأكد هذه الصفة عنده.
يقول محمد كامل عبد الصمد في كتابه (طفلك الصغير هل هو مشكلة): "الآباء الذين يبالغون في الحزم والأمر والنهي قد يثبتون في نفس الطفل أسلوب العناد والتحدي لإثبات ذاته". انتهى كلامه.
لكن متى ما كان الوالدان إيجابيين في نظرتهم لهذا التمرد مثلاً استقبلوه على أنه بناء للشخصية ما له أي علاقة بسيادتهم على البيت ارتاحوا وكسبوا كثيراً، كسبوا شخصية قوية لابنهم وعلاقة أقوى معه مقابل قليل من الصبر في مدة بسيطة مؤقتة.
مهم أيضاً مقابلة بعض مواقف الولد المزعجة بهدوء قدر ما تقدرون هدوء الفاهم لهذه المرحلة وبعد ما يهدأ الولد وينتهي الموقف نبدأ نناقشه بلطف ترونه يخجل ويستحي من نفسه، أحياناً تكفي النتائج الطبيعية لأخطائه كعقوبة له، مثلاً الطفل عاندك وأصر عند الخروج أن يلبس شتوي في يوم حار، ننبهه في البداية، وإذا أصر أن يلبسه اترك الحر يلقنه الدرس نيابة عنك سيستفيد من هذه التجربة ربما أكثر من كلام.
وقد ذكر الدكتور شحاتة محروس في أشرطته الرائعة (طفلك من الميلاد حتى ست سنوات) أساليب التعامل مع أمثلة أخرى من العناد، ويمكن الرجوع إلى تفاصيل أكثر في أساليب ضبط الطفل في هذا العمر وغيره في كتاب (كيف تعالج متاعبك من سلوك ولدك) للدكتور محمد الحجار، وكتاب (حاول أن تروضني) وهو من إصدارات مكتبة جرير، وكتاب (انضباط الأطفال) للدكتور بري برازلتون.
فيه شيء يحتاج ننتبه له، في كثير من الأحيان لما يعاند الطفل ويصمم على شيء، هو يتشبه بأبيه وأمه لما يصممون على فعل الذين يريدون بدون توضيح أو إقناع، وهذا خلاف هدي النبي _صلى الله عليه وسلم_ الذي كان يوضح للطفل ويبرر له،(115/2282)
أخرج البخاري ومسلم من حديث أبي هريرة _رضي الله عنه_ قال: أخذ الحسن بن علي تمرة من تمر الصدقة فجعلها في فيه، فقال _صلى الله عليه وسلم_: كخ كخ، ارم بها، أما علمت أنّا لا نأكل الصدقة، تبرير وتوضيح طيب خاطر الطفل برفق في كلمات قليلة، أشار لذلك مصطفى بن العدوي في كتابه (فقه تربية الأبناء).
يمكن تخفيف عناد ابن الرابعة بإعطائه مساحة أكبر من الحرية وتقريب الألعاب الهادئة كألعاب الذكاء التعليمية والقصص، على أي حال نتوقع هدوء هذه الثورة في سن الأربع سنوات ونصف تقريباً وربما تنتهي مدة التمرد وثورة السلوك قبل ذلك إذا أحسنا التعامل معها، وما تسببنا في إطالتنا بسوء تكيفنا مع هذه المرحلة، إذن سن الرابعة هو المتوسط المتوقع لمرحلة ثورة الطفل السلوكية أو مرحلة التمرد والعناد وهي مرحلة مؤقتة طبيعية وهامة للطفل رغم صعوبتها.
ما ذكرناه _بإذن الله تعالى_ يقلل هذه الصعوبات ويزيد راحتكم ويعينكم على أن تنموا في طفلكم خلالها الإرادة والانضباط والثقة والاستقلالية التي يحتاجها في حياته دون أن تصنعوا داخله إنساناً مدللاً أو عنيداً.
انتهى حديثنا الآن عن ثورة السلوك عند ابن الرابعة
ـــــــــــــــــــ
طفلك في الثالثة والنصف
أ.هاني العبد القادر
24/12/1427
ارسل تعليقك ...
تعليقات سابقة ...
ارسل الصفحة ...
الى مشرف النافذة ...
طباعة ...
حديثنا التالي عن سن الثالثة والنصف، وهو متوسط العمر الذي يقدره المختصون لبدء ثورة العاطفة وهي مرحلة تحتاج إلى تفصيل مرحلة غير متوازنة وصعبة عادة على الوالدين، وسنرى سوياً _بإذن الله_ كيف يفقد ابن الثالثة والنصف التوازن والتناسق الذي اتصف به في سن الثالثة، سواء من الناحية الحركية أو اللغوية أو العاطفية.
يعني مثلاً من الناحية الحركية يقل ضبطه لحركاته تكثر عثراته، وفي جانب اللغة يقل توازنه والتناسق اللفظي عنده وتظهر التأتأة لدى كثير من الأطفال الذين ما مروا بها من قبل، وهذا طبعي جداً بسبب اختلال توازنه الانفعالي، هذا الاختلال في توازنه الانفعالي يظهر وكأن هناك ثورة انفعالية تهز الطفل من الداخل ويلحظها مَن حوله، يشعر فيها الطفل بقلق وغيرة وخوف وعدم شعور بالأمان وما ينتج عن كل هذه المشاعر من أمور تزعج الوالدين ككثرة بكائه والخوف عند خروج والديه وغيرها من المواقف، ربما تلحظون بعض آثار قلقه في قضم أظافره أو مص إبهامه أو كثرة العبث بأنفه، أعرف أنها محرجة أمام الناس، لكن أيضاً لا تبعدوا يده عن أنفه أو تنهروه؛ لأن هذا يؤكد هذه العادات ويثبتها، وإنما نلفت نظره لشيء آخر أو(115/2283)
نعطيه شيئاً يشغل يده ثم نركز على تخفيف شعوره بالقلق، تخفيف شعوره بالقلق هو العلاج العميق نعطيه المزيد من جرعات الأمان، نقلل الصراخ عليه أو حوله، نبتعد عن الخلافات الزوجية أمامه، نكثر من السوالف والكلام الهادئ معه، نخفف من انتقاده، وبالذات في هذا العمر مهم أن نعطيه مساحات أوسع للعب لصرف هذا القلق في نشاط إيجابي، والأهم من هذا كله أن نبتعد نحن عن القلق قدر الإمكان، ونزيد من مهدئات النفس كذكر الله والصلاة وتمارين الاسترخاء والرياضة.
سن الثالثة والنصف، وهو متوسط العمر الذي يقدره المختصون لبدء ثورة العاطفة وهي مرحلة تحتاج إلى تفصيل مرحلة غير متوازنة وصعبة عادة على الوالدين
إلى جانب سمة القلق عند ابن الثالثة والنصف هناك سمة الخوف عموماً من الحيوانات، من الظلام، من الوحدة، من المرتفعات، من الحرامي، من الأصوات العالية من الغرباء، ربما تكون هذه المخاوف في غير هذا السن، لكننا نتوقعها في هذا السن أكثر هذه المخاوف تزيد من مقاومة الطفل لفكرة الذهاب إلى النوم؛ لأنها تجمع الخوف من الظلام والخوف من الوحدة، ويمكن الخوف من الحرامي، وتزداد لذلك حاجته ورغبته في بقاء أمه أو أبيه إلى جواره، وتظل هذه المشكلة تزعج الآباء والأمهات كل ليلة، وبما أن هذه الرغبة لا يمكن تلبيتها لذلك تحتاجون لحل مشكلة الذهاب للنوم إلى شيء من الحزم والرفق معاً، حددوا موعد النوم بدقة، ومراعاة لاحتياجه الطبعي للنوم وموعد نوم الأسرة، ثم يتم احترام هذا الموعد بحزم، وسيسهل على الأهل توجيه الطفل إلى غرفته في الوقت المحدد إذا أصبح الأمر عادة، حدّدوا أيضاً إجراءات روتينية ثابتة تسبق الذهاب إلى السرير وتهيئه للنوم يسمع قصة بعدها الحمام بعدها مداعبات خفيفة ثم الأذكار التي يحفظها، وبعدها قبلة من أحد والديه، يمكن يماطل الطفل أريد قصة زيادة، عطشان يا والدتي، أريد لعبتي معي، أريد قبلة بعد، ما جاءني نوم، أريد ألعب معكِ أيضاً، حتى يحصل على المزيد من الوقت والانتباه من أمه أو أبيه، نلبي رغباته في حدود، وبعدين نقول له: طيب هذه آخر قصة مثلاً ثم لا نتراجع أو تقولون إنكم تتركونه لحاله حتى يشير عقرب الساعة إلى رقم معين ثم ينفذ الأمر بدقة مع ترك نور خفيف في الغرفة.
حاولوا أيضاً تجعلون الأنشطة المنزلية آخر نصف ساعة قبل النوم أنشطة هادئة ما فيها حركة ونشاط وضجيج، كما أن كثيراً من المتاعب مع الصغير ستقل إذا لم نجبره على النوم وإنما أقنعناه بأن كل واحد منا سيذهب إلى غرفة نومه في وقت محدد. هذا بالنسبة لمتاعب الذهاب للنوم.
هناك متاعب أخرى، مثلاً عند مغادرة أحد الوالدين المنزل في هذا السن أو غيره يخاف من فراق أمه مثلاً فيتعلق بملابسها ويسحب نفسه على الأرض وهي تمشي وصياح ودموع وشيء يقطع القلب، أكثر الآباء والأمهات يخادعون الطفل ويتسللون في غفلته، أفضل من أن تخادعه أن تودعه وهو يراك تغادر، اجعل هذه اللحظة قصيرة، وأظهر فيها الفرح وليس الحزن أو القلق على نفسية طفلك، وتدرج في غيابك، يعني هذه المرة ودعه وارجع بعد ساعة، المرة القادمة بعد ساعتين وهكذا، وسيدرك الطفل أنك ستعود أثناء غيابك اتصل وتحدث معه ممكن تقول له توقعات عن الأشياء التي فعلها في البيت أو الأكل الذي أكله أو الألعاب التي لعبها، وأفضل(115/2284)
كذلك لو أنك ختمت مكالمتك بأنك تركت مفاجأة صغيرة في غرفة من غرف البيت يبدأ يبحث عنها وينسى أصلاً أنك لست موجوداً.
أيضاً صوِّر نفسك بكاميرا فيديو وأنت تقرأ قصة مع ولدك سيهدأ في غيابك ويستمتع بمشاهدة نفسه ومشاهدتك وسماع القصة وستحببه في القراءة أكثر وأكثر.
بالنسبة لمخاوف الطفل بشكل عام تحتاج منك أيتها الأم إلى بعض المراعاة، الحقيقة طفلك لن يشعر بالأمن والطمأنينة إذا استهنتِ بهذا الخوف الذي عنده أو تجاهلتيه أو استهزأتِ فيه، وكذلك لن يطمئن أبداً إذا بالغتِ في مجاملته وإظهار حمايتك الزائدة له كلما عبّر عن الخوف؛ لأن طريقتك هذه تجعله يعتقد بأن الخطر حقيقي وجدّي، طفلك الخائف لن يطمئن إلا إذا شعر أنكم تحترمون خوفه لكنكم ما تشاركونه هذا الخوف وتتصرفون بطريقة هادئة تشعره بالطمأنينة، ومهم جداً أن نسيطر ولو ظاهرياً على مخاوفنا التي ننقلها بسلوكنا إلى أطفالنا، مثل: خوف البعض من الفأر والصرصور والبريصي أو الوزر، كما تشير لذلك آنداكوس في كتابها القيم (طفلك من ثلاث سنوات إلى ست سنوات).
دورنا مع الطفل في مختلف مراحله العمرية، وبالذات في هذه المرحلة التي يقدر متوسطها بسن الثلاث سنوات ونصف أن نطمئن ونشعر بالأمان من خلال احتضانه من خلال وجودنا وحديثنا معه ومشاركته اللعب والقراءة بالهدايا والأعطيات بأن يرانا نتمتع بالسكينة والهدوء، بأن يستشعر لطفنا معه، يسمعنا ندعو له الله يحفظك الله يحميك، بأن نعلمه أن الله يحبه وهو الذي يحفظه، نعلمه أنه إذا خاف يلجأ إلى الله ويقول يا رب احفظني، يقول آية الكرسي والمعوذات، ربطه دائماً بالله وإشعاره دائماً بالأمان ولا نتخيل أبوين قلقين يستطيعان يريحان طفلهما القلق ويزيلان عنه التوتر أو أبوين متخاصمين أو أبوين يخوفانه عمداً يستغلان مخاوفه حتى يخضعانه لإرادتهما في أمور ما تستاهل، ترى إن ما قعدت عاقل سأذهب بك إلى الطبيب، وإلا هاه أجيب الإبرة، تعالي يا القطة، بياكلك الذيب، يأخذك الحرامي، أنادي الشرطي.
إذا كنت تريد تربية ابنك على الشجاعة على الجهاد في سبيل الله على الصدق على الثقة في نفسه وفيك فابتعد عن هذه العبارات واستمع لما تقوله عابدة المؤيد العظم في كتابها (عبارات خطيرة) تقول: استخدام عبارات التخويف مع الابن لتعجيل استجابة الطفل تجعله جباناً ضعيفاً يتعلم الطفل منها الكذب لتحقيق منافع عاجلة كما كانت أمه تستعجل هدوءه بالكذب عليه بمثل هذه العبارات المخيفة التي تضعف مصداقية الوالدين في نفس الطفل. انتهى كلامها.
في سن الثلاث سنوات ونصف تتأثر علاقات الطفل بوالديه وبالآخرين، تتأثر بسبب عدم اطمئنانه العاطفي يظهر عدم اطمئنانه العاطفي في كثرة بكائه وكثرة أسئلته عن حبكم له، يا أمي أنتِ تحبيني، يا أبي لماذا ما تحبني، تسمعون مثل هذه الكلمات أحياناً، وتخيل الخطأ الكبير الذي يقع فيه الآباء والأمهات لما يقابلون هذه التساؤلات القلقة بضحكة بايخة ما تزيد الطفل إلا قلق، أسوأ من هذا لما تتلاعب بعض الأمهات بهذا الجانب الحساس بأن تعاقبه عند الخطأ، وتقول: ما أحبك وتصد عنه، خطأ كبير مع أي عمر، وبالذات مع هذا العمر، طيب ما المطلوب من الوالدين في هذه المدة؟ لا بد أن يعبّر الوالدان عن حبهم له وبكل كرم بالطرق اللفظية والحركية نتفنن في(115/2285)
استخدام كلمات المحبة: تعال يا ابني يا بعد قلبي، تعال أحضنك، تعال أحطك في قلبي، يا بعد عمري أنت، أنت حبيبي، أنت روحي، أنت حياتي كلها، نسعده دائماً بتقبيله واحتضانه والمسح على رأسه ووجه ولمسه في معظم جسمه، لا تفكري أن هذا يدلّله أو يفسده لما تسعدينه بكلماتك الحانية وتغمرينه بحركات المحبة وتذوبين الوقت معه، كلما ذكرت من رحمة الوالد بولده وهذه الرحمة أقرها رسول الله _صلى الله عليه وسلم_ جاء في البخاري عن أبي هريرة _رضي الله عنه_ أنه قال: أتى النبيَّ _صلى الله عليه وسلم_ رجلٌ ومعه صبي فجعل يضمه إليه، فقال النبي _صلى الله عليه وسلم_: "أترحمه قال: نعم. قال: فالله أرحم بك منك به، وهو أرحم الراحمين".
كان أحد الآباء على عادته يقبّل أبناءه ويلاعبهم ويحتضنهم ويداعبهم، وكانت بقربه بنت صغيرة من الأقارب عمرها سبع سنوات تتأمل حنان هذا الأب على أولاده، طالعت فيه وقالت: أنت حنون على عيالك، يا ليتك أنت أبونا وأنا بنتك..
إخواني وأخواتي لا تجعلوا أولادكم يتمنون آباءً وأمهات غيركم.. رجاءً، أخبروا أولادكم عموماً وبالذات ابن الثالثة والنصف عن حب الأقارب له، جدك علي يحبك، جدتك فاطمة تحبك، وجدتك عائشة تحبك، وخالك العنقري يحبك، وعدّد له مع البقية، والأهم أن تذكره أمه دائماً وتغرس في نفسه أن الله يحبه أكثر مما هي نفسها وأبوه وأقاربه يحبونه، أنا أحبك كثير والله يحبك أكثر، وأبوك يحبك كثير، والله يحبك أكثر، وفلانة تحبك كثير والله يحبك أكثر، وهكذا أكرر مع البقية، وأن الله _سبحانه وتعالى_ هو الذي يجعلني أحبك، والله هو الذي يجعل أباك يحبك، والله هو الذي يجعل جدك فلان يحبك، والله هو الذي يجعل جدتك فلانة تحبك، وهكذا أكرر مع البقية.
إخواني وأخواتي.. إذا عرفنا أن في هذا السن تزيد عند الطفل مشاعر القلق والخوف من أن تتركونه أو يتوقف حبكم له، وفي هذه المرحلة التي يمر فيها نفترض أن نفسياتكم متوترة مشحونة غير قادرة على بث الطمأنينة في نفسه وإشعاره بالحب والحنان كما يجب، وفي هذه الظروف يرزقكم الله بطفل آخر يسرق منه ما تبقى من حبكم وعنايتكم التي يقتات عليها، وهو لم ينضج عنده مفهوم المشاركة بعد، ما يقبل أن يشاركه الآخرون في لعبة، فضلاً عن حب، هذه اللعبة إما لي أو لغيري، حب أمي وأبي إما لي أو لغيري، في هذه الظروف ماذا يصير للولد، حتى تحسين به كيف تكون غيرته، استشعري بس أختي المستمعة إحساسك كزوجة لما يتزوج عليك الزوج ثم لا يعدل في المعاملة ويوجه عواطفه وعنايته للزوجة الجديدة، لو فوق هذا ما أحد حس بك أو شعر بهمك، وليس فقط الزوج كل الذين حولك مهتمين بالزوجة الجديدة وفرحين بها ولم يهتموا بك، لو تخيلي خيالاً فقط، أن زوجك وبدون أي مراعاة جلس يغازلها أمامك ويظهر فرحته بها وشوقه لها، وأنت تشاهدينهم بعيونك، كيف غيرتك، كيف أملك، كيف عذابك، الطفل يمر بظروف أصعب وعذابه أشد، ما عنده مثلك مفهوم الرضا بقضاء الله وقدره، ما عنده مثلك مفهوم الصبر وثواب الاحتساب، ما عنده مفهوم المشاركة، ثم إنك تنفسين عن همك لمن حولك هو ما يعرفه، أنت تتفاهمين مع زوجك وتأخذين وتعطين معه، هو ما يقدر، وإذا كان الزوج(115/2286)
الذي تخافين تفقدينه جزء مهم وكبير من حياتك، صار الوالدان هم فعلاً كل شيء لهذا الطفل، وإذا كان تعبير الزوج عن حبه لزوجته الثانية ما يحصل أمام الأولى، الولد لا كل شيء أمامه، يموت قهراً يا جماعة، لذلك نؤكد على أهمية الإشباع العاطفي لطفلك بالكلمة والحركة والهدية وقضاء الوقت معه في كل عمر، وبالذات عمر الثلاث سنوات ونصف، وتزداد أهميتها بالتأكيد إذا كان الطفل يشعر بالغيرة.
طيب هل توجد أفكار عملية للتعامل مع غيرة الطفل؟
نعم فيه، بداية تهيئة الكبير منذ مدة الحمل إلى أنه سيولد له أخ بحاجة إلى أن يهتم به ويرعاه، كما يشير لذلك كتاب (كيف تفهمين نفسية طفلك)، بعد الولادة تزداد العناية بالطفل الكبير، نضحك معه أكثر، نلعب معه أكثر، نتكلم معه أكثر، نطلع معه وحده أكثر، مع عدم المبالغة في العناية بالصغير أمامه، وخصوصاً أن الصغير لا يدرك حالياً معاني الغيرة، وهذه بحد ذاتها من نعم الله، أن تشبعوا حاجة الكبير للحب والاهتمام بالقدر الذي يريحه ويسعده دون عوائق أو متاعب يخشى منها مع الصغير.
تعليق لوحة خاصة بالكبير تعلّق عليها نجوم وعبارات ثناء وتشجيع ينالها الكبير من خلال تصرفاتها الجيدة، هدف اللوحة أن تكون مصدراً لتقدير الذات يلجأ إليها كلما احتاج إلى إحساس وقيمته ومكانته عند والديه واستقلاليته وأهميته.
اطلبي من الكبير أن يساعدك في العناية بالصغير وأظهري فرحك بهذه المساعدة وحاجتك لها وشكرك له.
كذلك بدلاً من أن تتكلمي عن الصغير باسمه على مسامع الكبير، أحسن لو قلتِ ولدنا، ولدنا نام، ولدنا صحا، ولدنا يضحك لك، ولدنا يحبك، دائماً اذكروا للكبير كيف كان هو وقت ما كان صغيراً، كيف كان شكله، كيف كانت فرحة الجميع به، ماذا قالوا عنه؟ كيف جاءت هدايا حلوة له، بمناسبة الهدايا، الزوار أحياناً يحضرون هدايا للمولود وينسون الكبير، لذا وفّر عندك كمية من الألعاب حتى يأخذ الكبير هدية أيضاً ونشاركه اللعب بها، على ذكر الهدايا بين مدة وأخرى قدّمي لعبة جميلة للولد أو البنت الكبيرة وقولي لها: مريم حبيبتي هذا أخوك سليمان يحبك ووده يهديك بس ما يقدر علشان صغير، علشان كده أنا بأعطيكي هدية بدل سليمان تفضلي واكتبي عليها هدية من سليمان لأختي الحبيبة مريم، كرروا هذه الهدايا حتى يبدأ تأثيرها الإيجابي، ثم أثيروا رغبة البنت أو الولد ليقدم بدوره هدية للصغير، هذا بالنسبة للغيرة.
فيه أمر مهم يمكن استغلاله إيمانياً في غرس مراقبة الله، في السابق كان يظن الطفل أن أمه أو أباه يعرفون كل شيء يشوفه هو، يعني إذا طل من النافذة مثلاً يتصور أن أمه ترى المناظر التي هو يراها حتى لو كانت أمه بعيدة عن النافذة، في سن الثالثة والنصف يبدأ يكتشف أنهم ما يرون كل شيء، وأنه ممكن يخبئ عنهم بعض الأشياء، ساعده أيها الأب الكريم على وضوح هذا المفهوم عنده، ويمكن أن تلعب معه حالياً ألعاباً وما تعرف أنها تساعده فعلاً على وضوح هذا المفهوم عنده، مثلاً لما تسوي نفسك تدور عليه تبي تصيده وهو يتخبى منك وراء الباب أو وراء الستارة أو بين الكنبات أو تحت الطاولة، وأول ما تصيده يعطيك الضحكة الحلوة وتشوف ابتسامته الكبيرة تملأ وجهه يستأنس خصوصاً إذا فهم من تعابيرك أنك ما كنت تشوفه، من جانب آخر مهم جداً يا إخواني يا إخواتي أن نكرر على مسامعه بعد ما تنتهي اللعبة(115/2287)
ونستأنس معه، بل في كل مناسبة ممكنة في هذا العمر وغيره، أنا ما أشوفك لكن الله يشوفك، أنا ما أدري وينك الله الذي يدري، الله يشوف كل شيء، الله يعرف كل شيء، أنت تعرف تتخبى عني وراء الستارة بس ما تعرف تتخبى عن الله، ونغرس في نفسه مراقبة الله من خلال اللعب، وهذا السن سن مناسب لغرس مراقبة الله عنده، أورد محمد نور سويد في كتابه القيم (منهج التربية النبوية للطفل) ما يجعل الإنسان يتعجب، كيف وفّق السلف الصالح إلى غرس مفهوم مراقبة الله في قلوب أطفالهم في الوقت المناسب لغرسها، تأمل معي كيف كان محمد بن سوار يعلم ابن أخته سهل بن عبد الله التستري وهو ابن ثلاث سنين أن يكرر في قلبه كل ليلة (الله معي، الله ناظري، الله شاهدي) حتى نشأ سهل على مراقبة الله فكان من العباد الزهاد، هي والله التربية الحقيقية أن تربي طفلك على مراقبة الله.
سن الثلاث سنوات ونصف مرحلة هامة في بناء الطفل النفسي، فهي من ناحية جرس إنذار للوالدين ليمنحاه أهم ما يحتاجه يمنحاه الأمان والحنان من خلالهم ومن خلال الربط بالله _سبحانه وتعالى_، ومن ناحية أخرى تنمي عند الطفل مقاومة للضغوط المختلفة والتي ينتظره الكثير منها في حياته، هذا هو طفل الثلاث سنوات وكيفية التعامل مع ثورته العاطفية.
إذن طفل السنتين متوازن يسهل على الوالدين التعامل معه إلى حد ما نظراً للتحسن العام الذي يمر فيه في مختلف النواحي، ثم تزداد حاجة الوالدين للحكمة والحلم والصبر في تعاملهم مع ابن السنتين ونصف السيد (لا) ذلك الطفل غير المتوازن المستقل الصعب، ثم يرتاح الوالدان نسبياً لتوازن ابن الثالثة حافظ الكلمات وصانع القاموس، ثم متاعب الوالدين في تعاملهما مع القلق الخائف الباكي الغيور ابن الثالثة والنصف ويحرصا على توفير الأمان والحنان اللازم لاحتواء ثورته العاطفية المؤقتة التي تنتهي عند بدء مرحلة جديدة، مرحلة ثورة السلوك، يقدر المختصون متوسطها بسن الأربع سنوات
ـــــــــــــــــــ
طفلك في الثالثة
أ. هاني العبد القادر
17/12/1427
ارسل تعليقك ...
تعليقات سابقة ...
ارسل الصفحة ...
الى مشرف النافذة ...
طباعة ...
في سن الثلاث سنوات يعود الطفل إلى توازنه ويسهل التعامل معه، أبرز سمة في هذا السن النمو اللغوي المميز، في سن الثلاث سنوات يكون الطفل أكثر استقراراً وثباتاً وشعوراً بالأمان؛ لذلك ما يحتاج يكرر نفس الأشياء وبنفس الطريقة هذه العادة التي توفر لنا شيئاً من الأمان في السابق، يعود في هذا السن إلى طاعة والديه بدل عناده وصعوبة التعامل معه قبل عدة أشهر فيقل عنده استخدام كلمة (لا) وتحل محلها(115/2288)
كلمة (نعم) فيصبح أكثر طاعة وأكثر استجابة، علاقاته مع الآخرين تتحسن، فتقل مثلاً مشاجراته مع إخوته ويزداد حبه للعب مع أولاد آخرين، بسهولة يعقد صداقات وبسهولة يفسدها لقلة خبرته الاجتماعية، يستفيد من أحاديثكم له عن الآخرين وكيف أنهم يحبونه ومهتمين به، بل يحتاج أن تتحدثوا معه عن المشاعر والعواطف عموماً لينمي المقدرة التي بدأت تظهر في هذا العمر وهي التعبير عن بعض العواطف كالحب والفخر والذنب كما أن هذا النوع من الأحاديث يزيد فهمه لعواطف الآخرين وتجاوبه مع حزن الذين يحبهم.
في سن الثلاث سنوات يعود الطفل إلى توازنه ويسهل التعامل معه، أبرز سمة في هذا السن النمو اللغوي المميز، في سن الثلاث سنوات يكون الطفل أكثر استقراراً وثباتاً وشعوراً بالأمان
في هذا السن ربما يسمح لأول مرة بإعطاء إحدى ألعابه لشخص آخر رغم ميله للاستئثار بأشيائه، بل بعض الأطفال يصف نفسه من خلال ما يملكه (أنا دانه وأبوي جاب لي عروسة حلوة، وعندي كذا وكذا) لذلك جيد أن يساعد الوالدان الطفل على إدراك ذاته بالإشارة دوماً إليه من خلال اسمه وجنسه ودينه وقدراته التي أصبح يمتلكها محمد الولد المسلم، الذي يعرف يرتب ألعابه ويلبس ثيابه بنفسه ويذهب للحمام لوحده.
بالمناسبة معظم الأطفال في عمر الثلاث سنوات عادة تخلّوا عن الحفاضات لمزيد من تنمية هذا الجانب جانب الاستقلالية والاعتماد على الذات امدحوا طفلكم واحضنوه إذا تحمل بعض المسؤولية وتجاهلوا أخطاءه إن كان بذل جهداً أحياناً يصيبه الإحباط إذا أخفق في المحاولات، تقبلي منه هذا الشعور وأظهري له بصورة عملية مستمرة كيف تعبرين أنت عن الإحباط بهدوء وأمل، وبدون فقدان سيطرتك على نفسك، وحاولي اكتساب هذه الصفة إن لم تكن لديك من أجلك أولاً ثم من أجل طفلك، سيستمتع ابن الثالثة أكثر بالأعمال المختلفة إذا تم تحويلها إلى ألعاب، أبرز سمات سن الثالثة النمو اللغوي المميز يلتقط الألفاظ يتعلمها بسرعة يثبتها في ذاكرته ويستمتع بها ويمتعكم وستلحظون التأتأة، يقول كتاب (خطوات تطور الطفل): "يبدأ الأطفال في سن الثلاث سنوات بالتأتأة؛ نظراً لأن التزايد السريع في مفرداتهم لا يترك لهم وقتاً طويلاً للتفكير واختيار أنسب الألفاظ، وهي مرحلة مؤقتة يجب فيها توفير الهدوء والأمان له، بحيث يستطيع أن يفكر فيما يريد قوله قبل أن يتكلم مع التغافل عن تأتأته". انتهى كلام المؤلف.
إذن هذا النمو اللغوي السريع يعني أن بيئة الطفل تحتاج إلى عنصرين:
أولاً: الاطمئنان النفسي والسكينة، وعدم الاستعجال في طلب إجاباته أو ملاحظة أخطائه اللفظية.
ثانياً: أن نحافظ على نظافة مسامعه في كل سن، وبالذات في هذا السن حتى نحمي لغته ونحفظ لسانه.
هذا السن فرصة لنجعل قاموسه اللغوي يستمد مفرداته من القرآن الكريم، من خلال كثرة قراءة القرآن في البيت على مسامعه من أفراد أسرته ومن خلال فكرة في غاية الأهمية، وهي أن يسجل الأب والأم أو من يحسن التلاوة منهما نسبياً وأخطاؤه قليلة(115/2289)
أن يسجلوا بأصواتهم قصار السور على شريط ويشغل في البيت باستمرار من خلال مسجل فيه خاصية تبديل وجه الشريط تلقائياً أو غيرها من وسائل التقنية الحالية نحقق بذلك خمس فوائد هامة:
1 – السكينة.
2 – طرد الشياطين.
3 – تقليل الشجارات.
4 – تحسين لغة الطفل.
5 – تسهيل الحفظ.
تلاوة الآيات بصوت الوالدين تضاعف ربط الطفل بالقرآن الكريم وتضاعف استفادته من الميزات السابقة، والمسألة كلها مسجل فقط، ويمكن لمن يرغب في زيادة الفائدة والأثر وبتكلفة إضافية مناسبة أن يصل المسجل بعدة سماعات موزعة في أنحاء المنزل ومرتبطة بجهاز مركزي للتحكم في توزيع الصوت، الجهاز والسماعات متوافرة بأنواع مختلفة في المحلات المتخصصة بالصوتيات، وسيخدم الجهاز _بإذن الله_ على مدى سنوات طويلة في تشغيل مواد أخرى كالمحاضرات والدروس تسمعها الأم أثناء عنايتها بمنزلها أو تشغيل الأناشيد أثناء قيام الأولاد والبنات بالتزاماتهم ومهامهم في خدمة البيت فتسليهم وتحببهم في العمل وينشؤون على معانيها وهذا كله غير الفائدة الكبرى بتحفيظهم كتاب الله مع الالتزام ببرنامج تحفيظ يومي يبدأ بنصف السطر يومياً.
الدكتور عمر المفدى في كتابه (علم نفس المراحل العمرية) يؤكد على حاجة الطفل المضاعفة لمراجعة ما حفظه، كما يشير إلى أن عدم الطفل للآيات لا يؤثر على حفظها.
إذن نتوقع من طفلنا أن يمر في الثانية بمرحلة توازن نسبي، ثم عدم توازن في الثانية والنصف يم يعود التوازن في الثالثة، ثم عدم توازن مرة أخرى في الثالثة والنصف، وقبل الحديث عن ابن الثالثة والنصف أحب أن ألفت نظركم أن كل طفل هو حالة خاصة بحد ذاتها، ولا يتطابق نموه مع أي طفل آخر، ولذلك لا غرابة إذا لم يتطابق وصف العمر المذكور في هذا اللقاء مع وصف طفلكم، فالمراهقون يتفاوتون في حدة تغيراتهم وتوقيتها من شاب لآخر، ومع هذا فكلهم يمر بها كذلك الصغار يتفاوتون في حدة تغيراتهم وتوقيتها من طفل لآخر، ومع هذا فكلهم يمر بها ويحتاج إليها في بنائه النفسي.
ـــــــــــــــــــ
طفلك في الثانية والنصف
أ. هاني العبد القادر
10/12/1427
ارسل تعليقك ...
تعليقات سابقة ...
ارسل الصفحة ...
الى مشرف النافذة ...(115/2290)
طباعة ...
ننتقل من الحديث عن عمر السنتين إلى الحديث عن عمر السنتين ونصف، عمر السنتين ونصف هو عمر السيد (لا) في عمر السنتين ونصف تبدأ مرحلة جديدة بالكامل نتوقع فيها تغيراً هائلاً في سلوكه ويحتاج منا إلى تفهم وصبر.
في هذا السن يكون الطفل غير مرن ما يستطيع يكيف نفسه أو يتخلى عن الشيء الذي يريده أو ينتظر حتى، يريد دائماً كل شيء حسب إرادته وفي الوقت الذي يريده، طفل السنتين ونصف يميل للاستقلالية إذا أراد أن ينفذ أمراً بنفسه ما يسمح لأحد يساعده حتى ولو كان محتاجاً لهذه المساعدة، لذلك ممكن يتعبكم في الأكل إذا عزم أنه يأكل بدون مساعدتكم، عمر السنتين ونصف عمر الانفعالات التي تفقد الطفل توازن نفسيته وتوازن تصرفاته، كيف يبحث عن توازنه؟ يبحث عن توازنه من خلال تثبيت عاداته، لو قصيتي عليه قصتين قبل النوم على سبيل المثال أختي الفاضلة تجدين أنه يريد تثبيت هذه العادة غداً، يريد منك قصتين منك قبل النوم، ويمكن نفس القصتين، يريد أن يثبت على ملابس معينة أو أطعمة معينة ما يتقبل الجديد، أو يتقبل بصعوبة مع تمسكه بالشيء القديم، وتخيلي الصراعات والمتاعب التي تمر بها بعض الأمهات عندما يحاولن يلبسن أطفالهن أو يؤكلنهم شيئاً جديداً، الحقيقة مرحلة صعبة ونشيطة وعنيدة جداً، هذه مرحلة السيد (لا)، يكتشف من رد فعلكم قوة وتأثير هذه الكلمة كلمة (لا)، يسد نفسك، كلمة قلتي له قال (لا.. لا.. لا) ويتمسك بهذه الكلمة بشكل مزعج، أختى الفاضلة أمورك ما راح تمشي معه إلا إذا تحايتلي على هذه الكلمة، كيف تتحايلين عليها؟ أقول لك ماذا تفعلين مع كلمة (لا).
طفل السنتين ونصف يميل للاستقلالية إذا أراد أن ينفذ أمراً بنفسه ما يسمح لأحد يساعده حتى ولو كان محتاجاً لهذه المساعدة
أولاً: لا تسأليه أسئلة تحتمل الإجابة بنعم أو لا، يعني إذا أردتي أن يشرب عصيراً فلا تقولي له تريد عصيراً أم لا لأنه ماذا يقول؟ يقول: لا، قولي له: تريد العصير قليل أو كثير؟ لاحظتِ الفرق، الجواب ما فيه نعم أو لا، لا تقولي مثلاً ما جاءك النوم؛ لأنه ماذا يقول؟ يقول: لا، قولي تريد تنام الآن أم بعد قليل، وهكذا.
ثانياً: استخدمي الأوامر العملية، يعني أنتم على البحر لا تقولي له: هيا يا أحمد اذهب للسيارة ودعنا حتى نلم الأغراض وننظف المكان، ماذا يقول؟ سيقول: لا، وإذا ما قالها بالكلام قالها بالفعل وراح يلعب، طيب ماذا تفعلين، تلمين الأغراض وتخلصين كل شيء ثم تقولي: هيا يا أحمد نذهب للسيارة وتأخذينه بيده وتذهبين معه للسيارة مباشرة، هذه الأوامر العملية ما فيها فرصة لكلمة (لا).
ثالثاً: خففوا من استخدام كلمة (لا) على مسامعه في كلامكم في البيت، مثلاً شفت ولدك يا أخي يعمل شيئاً خطأ لا تصرخ تقول: لا، أبدلها بكلمة (وقف) أو تناديه باسمه تعال يا فلان، أو تصرفه عن الشيء الذي يفعله.
هذه العناصر الثلاثة تقلل _بإذن الله_ من ترديد ابنك الدائم لكلمة (لا)، نعيدها باختصار.
نستخدم معه الاختيارات.
الأوامر العملية.(115/2291)
تقليل كلمة لا.
هناك تحدٍّ كبير ينتظر الآباء والأمهات وهو تدريب الطفل على القيصرية أو النونية أو مرحاض الأطفال _أكرمكم الله_ ، مرحلة مهمة وصعبة، خصوصاً أن معظم الأطفال يبدؤون التدرب في هذا العمر الصعب عمر السنتين ونصف، وإن كان بعضهم يبدأ التدرب في عمر السنتين، يتفاوت الأطفال في مدة التدريب من أسابيع إلى شهور، نجاحكم في هذا الموضوع يرتبط إلى حد كبير باختيار التوقيت الصحيح، ولهذا التوقيت علامات منها أن يكون قادراً على البقاء جافاً لعدة ساعات ويستيقظ جافاً في الصباح وبعد القيلولة، وكذلك يكون قادراً على توقع وقت حاجته ويطلب تغيير (الحفاظة) أو حينما يطلب هو استخدام القيصرية، تحتاجون الصبر وعدم الضغط والإلحاح عليه، بالإضافة إلى بعض الأفكار الصغيرة، منها الحفاظ على نظام يومي ثابت لجلوسه على القيصرية عندما يستيقظ مثلاً وبعد الوجبات الرئيسة والخفيفة، اجعليه في البداية يجلس حتى بدون خلع ملابس، بشكل عام انجحي نجاحات الصغيرة والبطيئة في هذا الموضوع، ويمكن وضع الملصقات التي يحبها على القيصرية بعد كل مرة يستخدمها بشكل سليم.
كما يمكن تقليل حركته وعناده بقراءة القصص المصورة معه ومشاركته الترنم بأناشيد جميلة، ووضع ألعاب جذابة له أو دمى يعني تقوم البنت الصغيرة بتعليم هذه الدمى استخدام القيصرية خطوة خطوة، وسيسهل الأمر كثيراً لو وضعتي القيصرية بجانب سرير الطفل وجعلتيه في البداية ينام بملابس فضفاضة بدون ملابس داخلية حتى يسهل عليه الموضوع، وبعد ما يعتادها يسهل نقلها إلى الحمام _إن شاء الله_.
ستة شهور تقريباً وتنتهي هذه المرحلة الصعبة بمتاعبها.
ـــــــــــــــــــ
طفلك في الثانية
أ. هاني العبد القادر
3/12/1427
ارسل تعليقك ...
تعليقات سابقة ...
ارسل الصفحة ...
الى مشرف النافذة ...
طباعة ...
طفلك من الثانية إلى العاشرة
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين حمداً يليق بجلال وجهه وعظيم سلطانه والصلاة والسلام على قدوة المربين نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
سبحانك ربي ما أعظمك، سبحانك ربي ما أكرمك، تواتر عطاؤك وتوالت آلاؤك، اشتاقت نفوسنا لسماع الصيحة الأولى لطفلنا الأول فدعوناك فأجبتنا، ورجوناك فأعطيتنا، فلك الحمد عدد ما شئت، ها قد دوت الصيحة الحبيبة بعد طول انتظار ودعاء وقنوت واستغفار، فسجد لله شكراً من سجد، وحمد الله كثيراً من حمد، وعلت الفرحة وجه الدنيا.(115/2292)
مذ بكى أضحك أجواء الدنا
قدر الله الذي iiصوره
كامل الخلقة فيه iiشبه
بدد الهم iiبإشراقته
لمعت عينا أبيه iiبهجة
وتعالت خفقات القلب iiمن
حمد الله على أنعمه ودعا
أنبت اللهم من iiصورته
وتقبله وسدد iiسعيه ...
... حوله شكراً لخالق iiالبشر
وقد اختار له أبهى صور
من أبيه ومزايا iiتنتظر
غمر الأسرة بشراً iiوعَمَر
وبعيني أمه جالت iiعبر
جده حباً وقد زُفّ iiالخبر
سراً وجهراً وجأر
زهرة واجعل له أشهى ثمر
لك جندياً وصنه من iiغير
نلاحظ جميعاً تغيرات المراهق في سلوكه ونفسيته بوضوح؛ لأنها حادة وتعاقبها سريع، ولكن قد لا نلاحظ تغيرات الأطفال قبل المراهقة؛ لأنها تغيرات متباعدة خصوصاً بين الخامسة والعاشرة، ولأنها أيضاً أقل حدة بكثير
اللهم ارزقنا شكرك على نعمة الأولاد وقرة العين بصلاحهم والإخلاص في تربيتهم إنك سميع مجيب.
نلاحظ جميعاً تغيرات المراهق في سلوكه ونفسيته بوضوح؛ لأنها حادة وتعاقبها سريع، ولكن قد لا نلاحظ تغيرات الأطفال قبل المراهقة؛ لأنها تغيرات متباعدة خصوصاً بين الخامسة والعاشرة، ولأنها أيضاً أقل حدة بكثير، وتهدف هذه المقالات إلى إلقاء الضوء على تلك المتغيرات، وإلى مساعدة الآباء على ملاحظة التغيرات التي تطرأ على أولادهم، وكيف يتعاملون معها بكفاءة وراحة أكبر.
هذه المقالات تتمحور حول ابنك وبنتك، حيث ترافقهم تغيرات نفسية وسلوكية متوقعة تحدث بانتظام، وهذه التغيرات متعاقبة مختلفة.. انتظرها واكتشفها وتفهمها وتقبلها وكيّف أساليبك التربوية معها. وسنعرض خلالها سمات المراحل العمرية والتعامل المقترح مع ما يرافقها من سلوكيات مزعجة أو قدرات أو احتياجات.
آمل أن تساهم هذه المادة في تقرير مشكلاتهم وإسعاد أطفالكم، وإلى بداية جولتنا وانطلاقة رحلتنا.
طفلك في الثانية
طفل السنتين مقارنة مع المدة التي قبلها والتي بعدها يعد في مرحلة متوازنة ومريحة إلى حد ما بالنسبة للوالدين قدراته الحركية صارت أفضل، سقوطه أقل، وهذا يعطي(115/2293)
ثقة في حركاته دورنا في تنمية قدراته الحركية توفير مساحات واسعة وآمنة وخالية من العوائق لتحسين توازنه وتناسق حركاته وقدرته على تصميم الجديد من هذه الحركات، ولأنه يميل في هذا السن إلى ممارسة ألعاب فيها دفع وشد وفروا له سيارة يجرها وراءه مثلاً أو لعبة كبيرة يدفعها وشاركوه الاستمتاع بها، ابن السنتين نقرب له المكعبات وألعاب البناء ويعد اللعب بالأكواب البلاستيكية تمريناً مفيداً وممتعاً له يتمرن من خلالها على وضع الأشياء تحت بعضها وفوق بعضها وداخل بعضها.
بسبب تحسن تحكمه بيده يبدأ ابن السنتين يمسك بالقلم من المنتصف ويشخبط على الورق قدموا له أقلاماً ملائمة وورقاً أو مطبوعات تخلو من الآيات والأحاديث، واجعلوه يلعب ويشخبط براحته، هذا اللعب والشخبطة تغرس الصداقة المبكرة بينه وبين المطبوعات تزداد عزيمته أكثر من السابق وهو بحاجة إلى هذه العزيمة لتحسين قدراته الحركية والأهم أنها تنمي شعوره بالاستقلالية، دورنا تشجيع هذه الاستقلالية وتقويتها بألا نستعجل مساعدته أو أن نمنعها نهائياً.
أما دورنا في تنمية قدرته على الكلام، فهو أن نتحدث معه في هذا السن، بل منذ لحظة ولادته بلغة الكبار بدون الخطأ الشائع من كسر الكلمات وتبديل الحروف للتلطف مع الطفل ومناغاته، أختي الفاضلة استغلي كل فرصة ممكنة للحديث معه واطرحي عليه أسئلة وشاركيه الإجابة عنها وعوّدي نفسك أختي الفاضلة عرفيه أنك تكلمي ابنك:
الأول: أن تعيدي شرح كلامه بحيث يعرف أنك فهميته.
والثانية: أن تنصتي له بدون تصحيح أخطائه اللغوية.
وسيكون إنصاتكم له متعة من متعكم وهدية مهمة لطفلكم، اشتركي معه بانتظام في قراءة القصص المحتوية على أشياء مألوفة عنده، وسيستمتع برؤية الصور والرسوم الجميلة ويستمتع بتقليب الصفحات وينمي مع كل هذه المتع قدراته الخيالية ومهاراته الفكرية وثروته اللغوية وقدرته على الكلام كما يشير لذلك كتاب دليل التعليم المبكر لأطفالنا.
من ميزات هذا العمر تحسن تواصله مع الآخرين وهدوئه بسبب زيادة قدرته على التعبير والفهم مما يقلل الانزعاج السابق.
وهنا ينتهي مقالنا في الحديث عن عمر السنتين وكيفية رعاية التحسن الذي بدأ يظهر في حركاته ولغته واستقلاليته
ـــــــــــــــــــ(115/2294)
دائرة معارف الأسرة المسلمة
نكاح التحليل
جمع وإعداد
الباحث في القرآن والسنة
علي بن نايف الشحود
نكاح التحليل
شبهة حول زواج التحليل
هل تُوجد في القرآن الكريمة آيةٌ تأمر بالتحليل؟ أي أن المُطلَّقة ثلاثًا تَحِلُّ لزوجها الأول بواسطة المُحلِّل، ويَشترطون أن يذوق المُحلِّل عُسَيْلَتَهَا كما تذوقُ عُسيلته، ثم يُطلقها المُحلِّل ليتزوجها زوجُها الذي طلَّقها.. هذه المسألة سببتْ عند زملائنا الاشمئزاز، والحيرة من وجود هذه المسألة في الشريعة الإسلامية ونطلب بيان الحق في هذه المسألة . ... السؤال
27/02/2007 ... التاريخ
شيخ الأزهر الأسبق محمود شلتوت ... المفتي
... ... الحل ...
...
... بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد :
فإن الإسلام قد منع من طلق زوجته ثلاثا أن يُراجعها ، إلا إذا تزوجت غيره زوَاجًا شرعيًّا مقصودًا منه الدوام والاستمرار ، ثم طلَّقها زوجها الثاني بغير قصد التحليل، حلَّ لزوجها الأول أن يتزوجها، ويكون زواجًا مبتدأ بعقد ومهرٍ جديدينِ، وهذا هو المشروع في الإسلام، أما الزواج بقصد التحليل فحرام بالإجماع، لأنه من الحيل المحرمة .
يقول الشيخ محمود شلتوت شيخ الأزهر الأسبق-رحمه الله-ردا على سؤال مماثل :
إن الإسلام أباح الطلاق عندما تَسُوءُ العشرة بين الزوجين ويتحكم الشرُّ في نُفوسهما، بحيث تذهب الثمرات المَطلوبة من الزواج من السكن والمودة والرحمة، في تلك الحالة أباح للرجل أن يُعالج الأمر بإيقاع طلقةٍ واحدة، وله قبل أن تمضي العِدَّةُ أن يُراجع زوجته إليه بدون عقدٍ، فإذا ما عاد سوء العشرة إليهما أُبيح له أيضًا أن يُطلِّق مرة ثانية طلقةً رجعية، يُباح له أن يُراجعها أيضًا في أثناء العدة، فإن استقام أمرُهما وحسُنَتِ العِشْرة بينهما فبها ونعمتْ.
وإنْ ساءت ولم ينفع العلاج بالطلقتينِ الماضيتينِ أُبيح له أن يُطلق المرة الثالثة وفي هذه المرة تَبِينُ منْهُ بَيْنُونَةً كُبْرَى. لا يَحِلُّ له أن يُراجعها كما راجعها في المرتين السابقتين، وإنما تحلُّ له بشيء واحد هو أن يُصادف أنها تتزوج غيره زوَاجًا شرعيًّا، لم يُقصد منه تحليلها للأول وإنَّما قُصد منه ما يُقصد من كل زواج: عيشةً دائمةً وتكوين أُسرة، فإذا اتَّفق ولم يُصاحب زواجها الثاني التوفيق وحُسن العشرة، بل ساءت العشرة بينهما، وطلَّقها زوجها الثاني ـ لسوء العشرة مثلًا ـ حلَّ لزوجها الأول بعد مُضِيِّ عدَّتُها من الثاني أن يتزوجها، ويكون زواجًا مبتدأ بعقد ومهرٍ جديدينِ.
وهذا هو المشروع في الإسلام، والذي ورَد به نصُّ القرآن، ففي الطلقتينِ الرجعيتينِ، أيْ اللتينِ يملك فيهما الرجل مُراجعةَ زوجته، يقول الله ـ تعالى ـ: (الطلاقُ مرَّتانِ فإمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ). (الآية: 229 من سورة البقرة)، وفي الطلْقة الثالثة يقول: (فإنْ طلَّقَها فلا تَحِلُّ لهُ مِن بعدُ حتَّى تَنْكِحُ زوْجًا غيْرَهُ). (الآية: 230 من سورة البقرة)، والمقصود أنه إذا طلَّقها طلقةً ثالثةً بعد السابقتينِ لا تحلُّ حتى تتزوَّج غيره زواجًا شرعيًّا مقصودًا منه الدوام والاستمرار.
الزواج بقَصْد التحليل حرام بالإجْماع:
ومن هنا يَتَبَيَّنُ أن الزواج بقصد التحليل لم يكن مُرادًا من الآية. وقد جاء النهْي عن زواج التحليل بقوله ـ عليه الصلاة والسلام ـ: "لعَن الله المُحلِّل والمُحلَّل له" وبقوله: "ألَا أُخبركم بالتَّيْسِ المُستَعار، قالوا بلى يا رسول الله، قال هو المُحلِّل، لعَن الله المُحلِّل والمُحلَّل له" وصحَّ عن عمر ـ رضي الله عنه ـ أنه قال: "لا أُوتَى بمُحلِّل ولا مُحلَّل له إلا رجمتهما".
وقال الإمام ابن تيمية:"نِكاح المحلل حرام بالإجماع"،وقال الشيخ محمد عبده:"إن نكاح التحليل شَرٌّ مِن نِكاحِ المُتْعة وأشدُّ فسادًا وعارًا"،وكيف لا يكون كذلك وهو زواج لم يُقصد فيه المُحلِّل إلى تكوين أُسرة، ولم يقصد منه دوامًا ولا استمرارًا، ولا سكنًا ولا مودةً؟ وكيف لا يكون حرامًا وهو زواج يفعله أصحابه مع التستُّر والكتمان، خوْف الفضيحة والعار إذا عُلم واشتهر ، فهذا يدلُّ على أنه لا يقل عن اختلاط المَقْتٍ والفاحشة والمُنْكر لا تتقبله النفوس، فكيف يكون مشروعًا، ويفعل باسم الدين؟؟
احتيالٌ آخر أبْشَعُ من التحليل:
ومن الفتاوَى الماجنة هذه الفتوى الأخرى التي أُشيرَ بها على رجلٍ طلَّق زوجته ثلاث مرات مُتفرقات اتقاءً لهذا التحليل المُنكَر وبُعدًا عن التُّيُوسَة المُستعارة، هذه الفتاوى هي اعتبار أن الزواج الذي انتهى بهذا الطلاق كان زواجًا باطلًا؛ لأنه كان بغيرِ وَلِيٍّ، أو كان في شُهوده مَن يترك الصلاة، أو يُؤَخِّرُها عن وقتها، وبذلك يكون الطلاق قد وقع على غير زوجة! فيَصحَّ للرجلِ الذي كان معها أن يُعقد عليها عقْدًا جديدًا مبتدءًا غير العقد الأول الذي وقع باطلًا، وهذه مسألة يُسميها بعض الناس "إسقاط التحليل" وهو نوع من الاحتيال أبشع من الاحتيال بالتحليل نفسه، واتَّقاء التحليلِ به ـ اتقاء الرِّجْس بالرِّجْس، بل بِرِجْسٍ أشد!
وفيه يقول ابن تيمية:"مَن أخذ ينظر بعد الطلاق في صِفَةِ عقْد الزواج ولم ينظر في صفتِه قبل ذلك، ويقول: أنا تزوجتُ بوليٍّ وشُهود فُسَّاقٍ، فلا يقع طلاقي؛ لأن زواجي كان باطلًا، كان من المُتعدينَ لحُدود الله، وهو يُريد أن يستحلَّ محارم الله قبل الطلاق وبَعْدَهُ"!
أَلَا فلْيَتَّقِ اللهَ هؤلاء المُفتون، وليتَّقِ اللهَ الناسُ في دينهم وأعراضهم. ولْيَخْشَ الجميع يومًا لا تنفعهم فيه زوجةٌ ولا دِرْهمٌ ولا دينار.
والله أعلم .
ـــــــــــــــــــ(116/1)
الزواج الصوري للحصول على الجنسيبة
ما حكم من تزوج صورياً للحصول على الأوراق الرسمية في الدول الغربية، إلا أنه قرر عدم معاشرتها جنسيا لكي يخالف زواج المتعة؟
هل هو مسؤول عنها وعن كل ما تفعله بعد هذا العقد إن زنت مع شخص آخر مثلا؟.
بعض الأشخاص يقولون له بأنه يجب عليه كتابة العقد الإسلامي لكي لا يواجه بعض المشاكل مع بلده الأم. هل عليه كتابته أم أنه أيضا حرام، علما أنه قرر عدم كتابة العقد الإسلامي حتى وإن واجه تلك المشاكل لأن الأخ يعتقد أن ما فعل(الزواج المدني) حرام لكن لا يعلم درجة تحريمه. هل مثل درجة تحريم الكذب مثلا وما هي كفارته؟
عندي سؤال آخر وهو : هل يعتبر هذا حقا لتلك الدولة وبالتالي سيحاسب عليه يوم القيامة لأنه لن يستطيع رده في الدنيا؟ أم انه تلاعب بالعقود؟ أم أنه حق لله وبالتالي إن شاء الله عذبه وان شاء عفى عنه . ما هي الكفارة رجاءً؟ هل يتزوجها زواجا أبديا؟ ماذا إن رفضت؟ و هل يتزوجها زواجا حقيقيا حتى و إن كانت لا تصلي, تدخن و ربما تشرب الخمر؟ أخبروني ماذا افعل جزاكم الله خيرا.
... السؤال
05/04/2006 ... التاريخ
أ.د صلاح الصاوي ... المفتي
... ... الحل ...
...
...
بسم الله ، والحمد لله ، والصلاة والسلام على رسول الله ، وبعد :-
يقول الأستاذ الدكتور صلاح الصاوي – الأمين العام لمجمع فقهاء الشريعة بأمريكا:-
الزواج الصوري هو الزواج الذي لا يقصد به أطرافه حقيقة الزواج الذي شرعه الله ورسوله، فلا يتقيدون بأركانه وشرائطه، ولا يحرصون على انتفاء موانعه،بل ويتفق أطرافه على عدم المعاشرة صراحة أو ضمنا، فهو لا يعدو أن يكون إجراء إداريا لتحصيل بعض المصالح أو دفع بعض المفاسد. فهو أشبه ما يكون بنكاح التحليل لا يراد به النكاح حقيقة بل لتحليل المرأة لمطلقها ثلاثا.
والزواج الصوري على هذا النحو محرم في باب الديانة، لعدم توجه الإرادة إليه، ولخروجه بهذا العقد عن مقاصده الشرعية، ولما يتضمنه من الشروط المنافية لمقصوده، فلا يحل لأحد يؤمن بالله واليوم الآخر أن يقدم عليه.
أما حكمه ظاهرا فإنه يتوقف على مدى ثبوت الصورية أمام القضاء:فإن أقر الطرفان بصورية العقد أو تيقن القاضي بذلك من خلال ما احتف به من ملابسات وقرائن قضى ببطلانه، أما إذا لم تثبت فإنه يحكم بصحته متى تحققت أركان الزواج وانتفت موانعه.
إذا مست الحاجة إلى تحصيل بعض المصالح التي لا يتسنى تحصيلهاإلا من خلال الزواج فإن السبيل إلى ذلك هو الزواج الحقيقي الذي تتجه إليه الإرادة حقيقة، فتستوفى فيه أركانه وشرائطه، وتنتفي موانعه، ويجري على وفاق الشريعة المطهرة، فلا يصرح فيه بالتوقيت، ولا يعبث فيه أحد بغاياته ومقاصده.
والله أعلم .
ـــــــــــــــــــ(116/2)
زواج التحليل
كثر الكلام في ذم زواج التحليل وأن المُحَلِّلَ والمحلَّلَ له ملعونان، فهل معنى ذلك أنه حرام؟ وكيف تعود المطلقة طلاقًا بائنًا بينونة كبرى إلى زوجها الأول؟ ... السؤال
... ... الحل ...
...
... المقصود بزواج التحليل هو زواج المطلقة ثلاثًا لِتَحلَّ لزوجها الأول، وهو أمر مشروع دَلَّ عليه الكتاب والسنة والإجماع، قال تعالى: (الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ) ثم قال في الآية التي تليها (فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًاغَيْرَهُ) (سورة البقرة : 229، 230) قال العلماء: المعنى فإن طلقها للمرة الثالثة. قال القرطبي: وهذا مُجمع عليه لا خلاف فيه. وقال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ "إذا طَلَّقَ الرجل امرأته ثلاثًا لاتَحِلُّ له حتى تنكح زوجًا غيره ويذوق كل واحد منهما عسيلة صاحبه" رواه الأئمة واللفظ للدارقطني عن عائشة.
وحتى يكون زواج التحليل مُحَقِّقًا للغرض منه لابد فيه من أمرين أساسين، أولهما أن يكون العقد صحيحًا، والثاني أن يكون معه دخول صحيح ، فإذا اختل واحد منهما لم يكن مشروعًا، ولتوضيح ذلك نقول:
1 ـ حتى يكون العقد صحيحًا لابد من استيفاء الأركان والشروط المعروفة في كل زواج، وزاد العلماء عليه أن يكون خاليًا من نِيَّةِ التحليل، ونية التحليل لها حالتان.
أ ـ الحالة الأولى أن يُصرح بها في العقد، كأن يقول: تزوجتك على أن أُحللك لزوجك، وهو باطل لا تترتب عليه آثاره عند جمهور الفقهاء: مالك والشافعي وأحمد وعده ابن القيم من الكبائر لا فرق بين أن يكون اشتراط ذلك بالقول أو التواطؤ "زاد المعاد ج 4 ص 6" وذلك لأحاديث ، منها ما رواه الترمذي عن ابن مسعود وقال: حديث حسن صحيح، ورواه ابن ماجة وأحمد عن ابن عباس، والحاكم وصححه "لَعَنَ رسول الله المُحَلِّلَ والمحلَّلَ له" وما رواه ابن ماجة والحاكم من حديث عقبة بن عامر أن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال: "ألا أُخبركم بالتَّيْسِ المعار" ؟ قالوا: بلى يا رسول الله، قال "هو المحلِّل ، لعن الله المحلِّل والمحلَّل له".
وأما أهل الرأى "أبو حنيفة وأصحابه" فقال أبو حنيفة وزفر: يَصِحُّ العقد ويُحلها للأول، لأن الشرط الفاسد يُلغي ويَصح العقد، وقال محمد: إن العقد صحيح مع هذا الشرط، لأن الشرط يلغى ولكن هذا العقد لا يُحلها للأول، وقال أبو يوسف: العقد باطل ـ كرأي الجمهور ـ ولا يُحلها للأول.
هذا، وحكى الماوردي عن الشافعي أنه إن شَرَطَ التحليل قبل العقد صَحَّ النكاح وأحلها للأول، وإن شرطاه في العقد بطل النكاح ولم يُحلها للأول، وها قول الشافعي " تفسير القرطبي ج 3 ص 150".
ب ـ الحالة الثانية ألا يصرح بِنِيَّةِ التحليل في العقد وإن كان أمرًا معروفًا بين الناس أو على الأقل بين الأطراف الثلاثة، المطلِّق والمطلقة والمحلِّل، قال مالك: العقد غير صحيح ولا تحل للأول، لأن العبرة في الأحكام بالنيات، وكذلك قال أحمد بن حنبل ، جاء في "المغني" لابن قدامة الحنبلي أن نكاح المحلل باطل إنْ شَرَطَ أنه إذا أَحَلَّهَا فلا نكاح بينهما، وإن نَوَي التحليل من غير شرط فالنكاح باطل، وفي قولٍ: إنْ شَرَطَ عليه التطليق قبل العقد ولم يذكره في العقد ولم يَنْوِهِ فالعقد صحيح.
وقال أبو حنيفة وأصحابه: ينعقد صحيحًا مع الإثم، ويترتب عليه حِلُّهَا للأول بعد الدخول والطلاق وانتهاء العِدَّةِ، لأن العبرة في الأحكام بالظاهر، وأما الشافعي فله قولان، القول الأول هو القديم كقول مالك وأحمد، والقول الثاني وهو الجديد كقول أبي حنيفة وأصحابه.
2 ـ أما الشرط الثاني وهو الدخول الصحيح، فهو أمر متفق عليه بين الأئمة الأربعة وجمهور العلماء، ولا يكتفي فيه بمجرد الخلوة حتى لو كانت صحيحة، بل لابد فيه من اللقاء الجنسيِّ، والدليل على ذلك ما رواه البخاري وغيره عن عائشة ـ رضي الله عنها ـ لما طَلَّقَ رفاعة القرظي امرأته فثبت طلاقها تزوجها بعده عبد الرحمن بن الزبير، فجاءت إلى النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ تشكو إليه أن عبد الرحمن ضعيف في الناحية الجنسية، فتبسم الرسول وقال: "لَعَلَّكِ تُريدين أن تَرجعي إلى رفاعة؟ لا، حتى تَذُوقي عُسيلته ويَذوق عُسيلتك".
وجاء في سنن النسائي عن عائشة ـ رضي الله عنها ـ قالت: قال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ "العُسيلة: الجِماع ولو لم يُنزل". وجاء في سنن النسائي عن ابن عمر ـ رضي الله عنهما ـ : سُئل رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ عن الرجل يطلق امرأته ثلاثًا، فيتزوجها الرجل فَيَغْلِقَ الباب ويُرخي الستر، ثم يُطلقها قبل أن يدخل بها، فقال : "لا تَحِلُّ للأول حتى يُجامعها الآخر".
وتَشَدَّدَ الحسن البصري فلم يكتفِ بمجرد الجماع، بل اشترط أن يكون معه إنزال للنص في الحديث على ذَوْقِ العسيلة، ولكن الجمهور اكتفوا بمجرد الجماع، بناء على تفسير الرسول للعسيلة، بالجماع ولو لم ينزل.
ولم يخالف في شرط الدخول بالزوجة إلا سعيد بن المسيب من كبار التابعين وسعيد بن جبير وبعض الخوارج، وقولهم مرفوض بدليل الأحاديث السابقة. وعدم تحقيقه لحكمة التشريع.
والحكمة من اشتراط المحلِّل وتأكيد دخوله بالمرأة باللقاء الجنسي، التنفير من الطلاق الثلاث، وتنبيه الزوج إلى التَّرَيُّثِ في استعمال حق الطلاق الذي جعله الله على مرات، ومراعاة للشعور بالغيرة على أن يَحِلَّ محله رجل آخر في التمتع بزوجته.
هذه هي الآراء في زواج التحليل وما شرط فيه لتترتب عليه آثاره، وقد حَمَلَ بعض العلماء عليه حملة عنيفة بصورة تجعله كأنه غير مشروع، دون مراعاة لبعض الظروف الضاغطة التي يتحقق بها يُسْرُ الإسلام، والحق هو التمسك بما اتفق عليه العلماء، مع ترك الحرية للاختيار فيما اختلفوا فيه.
وقد رأينا بعد هذا العرض الاتفاق على وجوب صحة الزواج، ووجوب المعاشرة الجنسية، ورأينا الاختلاف في نِيَّةِ التحليل أو التصريح به واشتراطه في العقد، فعند أبي حنيفة أن نية التحليل ـ شُرِطَتْ أم لم تُشرط ـ لا تمنع من صحة العقد ولا حِلَّ المرأة لزوجها الأول، وعند الشافعي قولان في عدم الاشتراط، قول كمالك وأحمد بالمنع، وقول كأبي حنيفة بالجواز، وتُحمل الأثار الواردة في التنفير منه على الكراهة ، وفي المسائل الخلافية لا يُفرض رَأْيٌ من الآراء، إلا باختيار وَلِيِّ الأمر، والعمل في مصر على رأي أبي حنيفة وهو الجواز، لأنه الراجح في المذهب، ولا مانع من اختيار أي رأي من الآراء وبخاصة عند اقتضاء المصلحة.
ـــــــــــــــــــ(116/3)
الشروط في عقد الزواج
: بعض الحركات التحررية للنهوض بالمرأة تتجه الآن إلى وضع قيود في عقود الزواج تضمن للزوجة حقها وتساعدها على الإسهام بحرية في تنمية المجتمع. فهل في الشريعة الإسلامية ما يكفل للمرأة ذلك؟ ... السؤال
... ... الحل ...
...
... إلى جانب ما تقدَّم ذكره في صفحة 351 من المجلد الثالث من هذه الفتاوى وكذلك في صفحة 254 من المجلد الرابع ، وفي صفحة 260 من المجلد الأول، وفي غير ذلك من المواضع التي تُبَيِّن إنصاف الإسلام للمرأة والإشادة بدورها في حياة الأسرة والمجتمع.
والضمانات التي تصون عن الانحراف في الحقوق والواجبات ـ إلى جانب ذلك أقول:
1 ـ إن الجهل بالإسلام يؤدي إلى الانحراف في كلِّ شيء، وإلى التردي في هواية التقليد الأعمى. ثم نِسْبَة ذلك إلى الإسلام وهو منه بريء.
إن التشريع الإسلامي نَظَّم العلاقة بين الرجل والمرأة مُراعيًا الاستعداد الطبيعي لكلٍّ منهما، والمُهمة الأساسية التي خُلِقَا من أجلها، والمكان المناسب الذي يباشر فيه كلٌّ منهما نشاطه، بروح التعاون والاشتراك في المسئولية لصالح الطرفين ولصالح المُجتمع.
3 ـ إنَّ عدم الفهم الصحيح لهذا الإطار التعاوني ولإمكانات كُلٍّ من الطرفين. يتيح الفرصة للتأثر بالآراء المُتطرفة. ويَحْمِل المرأة بالذات على النضال من أجل المساواة الكاملة بينها وبين الرجل، مع التغاضي عن التفاوت في القُدرات ونسيان شَرَفَ المُهمة الأساسية المناسبة لها، وهذا يُحَوِّل الرجل من شعوره بالحُب نحو المرأة والعَطف عليها لضَعْفِهَا ورِقتها، إلى الشعور بالكراهية والنُّفور، وإلى الغِلْظَة والْقَسْوَة في معاملتها، شأن كُلِّ عَدُوَّيْنِ يناضلان في معركة حامية وجهًا لوجه. وتنْقَلِب الحياة الزوجية بالذات من السَّكن والمودة اللتين جعلهما الله آيةً من آيات حِكْمَته ونعمةً من أكبر نِعَمِهِ في خَلْقِ المرأة للرجل، والتزاوج لتكوين أسرة مُسْتَقرة هي اللَّبِنَة الأساسية في بِناء المُجتمع والخَلِيَّة الأولى في جسم الجنس البشري المُؤهل لتحقيق الخِلافة في الأرض ـ تنقلب إلى جحيم يصلاه كلٌّ منهما، ويصلاه النَّسل والمجتمع كُلُّه.
وبهذا التحول في الشعور نحو الطرفين سيكون أول من يُكوى بناره هو المرأة التي بدأت المعركة وحاولت أن تَصْمُدَ فيها على الرغم من شعورها بقسْوَة المُعاناة، وحينئذٍ يَصْدُق عَلَيْهَا المثل القائل: "على نفسها جنت بَراقش" وصدق الله إذ يقول: (وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللهِ فَقَدِ ظَلَمَ نَفْسَهُ) (سورة الطلاق : 1) ويقول: (فَمَنْ نَكَثَ فَإِنَّمَا يَنْكُثُ عَلَى نَفْسِه) (سورة الفتح : 10) ويقول: (وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ) (سورة الشورى : 30).
4 ـ إنَّ خَلْقَ المرأة للرجل وعدم استغناء أحدٍ منهما عن الآخر أمرٌ ضروري للتكاثر وبقاء الجنس البشري، ضمن القانون العام الذي قال الله فيه: (وَمِنْ كُلِّ شَيءٍ خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ) (سورة الذاريات : 49).
5 ـ إن التناسل البشري ليس كالتناسل الآخر يجتمع فيه أي ذَكَرٍ مَع أية أنثى، وينتج عن ذلك نسلٌ ضائع بينهما، بل إن هناك تنظيمًا للقاء بين الرجل والمرأة، أساسه الزواج الشرعي الذي تُحدد فيه الحقوق والواجبات بالنسبة لكلٍّ منهما، وبالنسبة للنسل الذي ينتج عنهما، ومن هنا أبطل الإسلام، بل أبطلت كُلُّ الأديان السَّمَاوية، أي لِقَاء بَيْنَ الرَّجُل والمرأة لا تلزم فيه الشروط والقواعد التي جاء بها الدِّين.
والشروط الشرعية لصِحة عقد الزواج معروفة. وأي إخلالٍ بها يُفسد العقد أو يعطي الفرصة لفَسْخِه لمُخَالفته لِحِكْمَة الزََّواج، وتكوين الأسرة.
6 ـ بعد هذا أقول: إنَّ أي شرط في عَقد الزواج يتنافى مع حِكْمَته أو مع نص شرعي أو أمر مُجْمَع عليه يكون باطلاً، وذلك لحديث "المُسلمون عند شروطهم إلا شَرطًا أحلَّ حرامًا أو حرَّم حلالاً" رواه الحاكم وصححه بلفظ "المسلمون عند شروطهم ما وافق الحقَّ من ذلك" ولحديث البخاري ومسلم "إنَّ أحقَّ الشروط أن تُوفوا ما استحللتم به الفُرُوج".
وقد اتفق العلماء على عدم الوفاء باشتراط ترْك الوَطء وترْك الإنفاق والخلو من المَهْر، واختلفوا في شرط الإقامة في بلد الزوجة، وألا يتسرى عليها أو لا يتزوج أخرى عليها.
إن اشتراط عدم زواج الزوج بزوجة أخرى ممنوع ولا يصح أن يفرضه الحاكم، ولأنه يؤدي إلى مَفْسَدة بل مفاسد. ذلك أن المُحتاج إلى زوْجة أخرى، وشُرِطَ عليه الامتناع سيلجأ إلى أحد أمور كلِّها صعبة، إما الطلاق وإما الكَبْت والحِرْمَان إنْ كان مُتَدينًا، وإما الانحراف بالزنا إن لم يَعْصِمه دين، وإما إلى الزواج العُرفي الذي لا تُقيم له الجهات الرسمية وزنًا، وإما إلى التحليل لإيجاد مُبررات كاختلاق عيوب في زوجته قد يطول تحقيق هذا الاختلاف، مع ما فيه من كشف للأسرار والسوءات، فالمنع لا يحل المشكلة إن كانت مشكلة بل يزيدها تعقيدًا "ج 6 ص 155 من موسوعة الأسرة تحت رعاية الإسلام".
يقول النووي: حديث الوفاء بالشرط هو فيما يقتضيه النِّكاح من نَفَقَة وعِشْرة بِالمَعْرُوف إلى آخره، لكن ما يُخالف مقصود النِّكاح لا يجب الوفاء به كألا يَقْسِم لهَا ـ أي يُعْطِيها نصيبها عند تعدد الزوجات ـ ولا يتسرى عليها ـ أي لا يتمتع بأمَة يملكها ـ ولا يسافر بها ، لقول النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ : "كُلُّ شَرْطٍ لَيْسَ في كتاب الله فهو باطل" رواه البزَّار والطبراني عن ابن عباس وصححه، وقال أحمد وجماعة: يجب الوفاء بالشروط مُطلقًا لعموم الحديث.
يقول ابن قدامة في كتاب المغني "ج 7 ص 448 ـ 451" عن حُكم الشروط في النِّكاح ما مُلخصة . هناك ثلاثة أنواع من الشروط:
الأول: ما يلزم الوفاءُ به، وهو ما يعود إلى الزَّوْجَة نَفْعُهُ، مثل أن يشترط لها ألا يخرجها من دارها أو بلدها، فإن لم يف لها فلها الفسخ، فإن شرطت عليه أن يطلِّق ضُرتها لم يصح الشرط، وقيل: هو شرط لازم؛ لأنه لا ينافي العقد، ولها فيه فائدة.
والثاني: ما يبطل الشرط ويصح العَقْد، كأنْ يشتَرِط أن لا مَهْرَ لها، أو لا يُنْفِق عليها، أو تشترط هي ألا يَطَأَهَا، أو أن يكون لها النهار دون الليل، أو تُنفق هي عليه فكلُّها شروط باطلة، أما العقد فهو صحيح.
والثالث: ما يبطل النِّكاح من أصله، كما لو اشترط تَأْقِيت النِّكاح، أو أن يطلِّقها لوقت بعينه، أو أن يعلِّق النكاح على شرط، كأن يقول: إن رضيت أُمها.
ومما أثر من اختلاف وجهات النظر في ذلك ما رواه الترمذي أن عمر ـ رضي الله عنه ـ قال: إذا تزوج الرجل المرأة وشرط لها ألا يخرجها من مَصْرِهَا ـ بلدها ـ فليس له أن يخرجها بغير رضاها. ورفع رجل إلى عمر قضية زوجته التي شرط لها دارها، وعزم على الرَّحيل إلى أرضٍ أخرى، فقال له: لها شرطها، فقال الرجل: هلك الرجال، إذ لا تشاء امرأة أن تُطلِّق زوجها، إلا طلقت، فقال عمر: المؤمنون على شروطهم عند مقاطع حقوقهم.
وعن علي ـ رضي الله عنه ـ أنه سُئِلَ عن ذلك فقال: شرط الله قبل شرطها. أخرجه الترمذي أيضًا. وابن حجر (فتح الباري ص 124) تحدث عن الشروط والنكاح وقول البخاري: قال عمر: مقاطع الحقوق عند الشروط، وذكر قول الخطابي: إن الشروط في النكاح مُختلفة، فمنها ما يجب الوفاءُ به اتفاقًا، وهو ما أمر الله به من إمساكٍ بمعروف أو تسريح بإحسان، وعليه حمل بعضهم هذا الحديث ـ وهو : أحق ما أوفيتم من الشروط أن توفوا به ما استحللتم به الفروج ـ ومنها ما لا يوفى به اتفاقًا، كسؤال طلاق أختها، ومنها ما اختلف فيه كاشتراط ألا يتزوج عليها، أو لا ينقلها من منزلها إلى منزله.
وذكر ابن حجر أن أحمد يقول: بوجوب الوفاء بالشروط مُطلقًا ـ وأن عمر تضادت الروايات عنه في رجل شرط لامرأته ألا يخرجها من دارها، فمرة قال: المرأة مع زوجها ومرة قال: لها شرطها.
هذا بعض ما في كُتب الفِقْه، يتبين منه أن الاشتراط في عقد الزواج إذا كان ينافي مقصود النِّكاح فهو باطل، والبُطلان إما للعقد وإما الشرط مع صحة العقد، أما ما لا ينافي مقصود النِّكاح مثل سفرها معه أو زيارتها لأهلها: فلا يبطل العقد، أما الوفاء به ففيه خلاف ، قيل بوجوب الوفاء كما قال أحمد، وقيل بعدم وجوبه كما قال الشافعي.
وإذا كان الفقهاء قد ضربوا أمثلة من واقع حياتهم وعصورهم فالأمثلة تختلف باختلاف البيئات والعصور، وينظر فيها على ضَوْءِ القواعد الأساسية القديمة المُشار إليها فيما ذكر.
ـــــــــــــــــــ(116/4)
الحيل
قد يصعب في بعض الأحيان تنفيذ حكم من الأحكام، فيفكر بعض الناس في حيلة تعفي من تنفيذ هذا الحكم دون مُؤاخذة عليه فهل الحِيل مشروعة أو ممنوعة؟ ... السؤال
... ... الحل ...
...
... عقد البخاري في صحيحه كتابًا عن الحيل وأورد صورًا منها في العبادات وغيرها، وابن حجر في كتابه فتح الباري " ج 12 ص 342" ذكر أن الحيلة هي ما يتوصل به إلى مقصود بطريق خفي.وحكم عليها بقوله: وهي عند العلماء على أقسام بحسب الحامل عليها ـ أي الداعي إليها ـ فإن توصل بها بطريق مُباح إلى إبطال حقٍّ أو إثبات باطل فهي حرام، أو إلى إثبات حق أو دفع باطل فهي واجبة أو مُستحبة، وإن توصل بها بطريق مُباح إلى سلامة من وقوع في مكروه فهي مُستحبة أو مُباحة، أو إلى ترك مندوب فهي مكروهة. ثم قال: ووقع الخلاف بين الأئمة في القسم الأول: هل يصح مُطْلقًا وينفذ ظاهرًا وباطنًا، أو يبطل مطلقًا، أو يصح مع الإثم. ولمن أجازها مطلقًا أو أبطلها مطلقًا أدلة كثيرة.
فمن الأول قوله تعالى: (وَخُذْ بِيَدِكَ ضِغْثًا فَاضْرِبْ بِهِ وَلَا تَحْنَثْ) (سورة ص : 44) ـ وهو في حق أيوب حين حلف أن يضرب زوجته مائة جلدة ـ وقد عمل به النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ في حق الضعيف الذي زنى ـ وهو من حديث أبي أمامة بن سهل في السنن. ومنه قوله تعالى: (وَمَنْ يَتَّقِ اللهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا) (سورة الطلاق: 2) والحيل فيها مخارج من المضايق فتكون جائزة.
ومن الثاني قصة أصحاب السبت وحديث "حُرمت عليهم الشحوم فجملوها فباعوها وأكلوا ثمنها" وحديث لُعِن المحلل والمحلل له.
والأصل في اختلاف العلماء في ذلك اختلافهم: هل المُعتبر في صيغ العقود ألفاظها أو معانيها؟ فمن قال بالأول أجاز الحيل. ثم اختلفوا فمنهم من جعلها تنفذ ظاهرًا وباطنًا في جميع الصور أو في بعضها، ومنهم من قال : تنفذ ظاهرًا لا باطنا، ومن قال بالثاني أبطلها ولم يجز منها إلا ما وافق فيه اللفظ المعنى الذي تدُل عليه القرائن الحالية. وقد اشتهر القول بالحيل عن الحنفية، لكون أبي يوسف صنَّفَ فيها كِتابًا، لكن المعروف عنه وعن كثير من أئمتهم تقييد أعمالها بقصد الحق. قال صاحب المحيط: أصل الحيل قوله تعالى: (وَخُذْ بِيَدِكَ ضِغْثًا) الآية، وضابطها إن كانت للفرار من الحرام والتباعد عن الإثم فحسن، وإن كانت لإبطال حق مسلم فلا، بل هي إثم وعدوان.
ثم قال ابن حجر: نص الشافعي على كراهة تعاطي الحيل في تفويت الحقوق، فقال بعض أصحابه: هي كراهة تنزيه ـ أي لا عقوبة فيها ـ وقال كثير من مُحققيهم كالغزالي: هي كراهة تحريم ـ أي فيها عقوبة ـ ويأثم بقصده، ويدُل عليه قول: "وإنما لكل امرئ ما نوى" فمن نوى بعقد النكاح التحليل كان مُحللاً ودخل في الوعيد على ذلك باللعن، ولا يخلصه من ذلك صورة النكاح، وكل شيء قُصد به تحريم ما أحل الله أو تحليل ما حرم الله كان إثمًا، ثم قال: وفي الجُملة فلا يلزم من صحة العقد في الظاهر رفع الحرج عمن يتعاطى الحيلة الباطلة في الباطن. وقد نقل النسفي الحنفي في "الكافي" عن محمد بن الحسن قال: ليس من أخلاق المؤمنين الفرار من أحكام الله بالحيل الموصلة إلى إبطال الحق.
والقرطبي في تفسيره "ج 9 ص 236" عند قوله تعالى: (فَبَدَأَ بِأَوْعِيَتِهِمْ قَبلَ وِعَاءِ أَخِيهِ ثُمَّ اسْتَخْرَجَهَا مَنْ وِعَاءِ أَخِيهِ كَذَلِكَ كِدْنَا لِيُوسُفَ) (سورة يوسف : 76) قال في قوله: (كَذَلِكَ كِدْنَا لِيُوسُفَ) جواز التوصل إلى الأغراض بالحيل إذا لم تُخالف شريعة ولا هدمت أصلاً، خلافًا لأبي حنيفة في تجويزه الحيل وإن خالفت الأصول وحرمت التحليل. وذكر أن العلماء أجمعوا على أن للرجل قبل حلول الحول التصرف في ماله بالبيع والهبة إذا لم ينو الفرار من الصدقة. وقال: من رام أن ينقض شيئًا من فرائض الله بحيلة يحتالها لا يفلح ولا يقوم بذلك عذره عند الله، وما أجازه الفقهاء من تصرف صاحب المال في ماله قُرب حلول الحوْل إنما هو ما لم يرد بذلك الهرب من الزكاة. ومن نوى ذلك فالإثم عنه غير ساقط، والله حسيبه، ولم يرتض القرطبي ـ ومذهبه مالكي ـ ما رآه الشافعية أو بعضهم من جواز الحيلة للوصول إلى المُباح واستخراج الحقوق.
هذه نُبذة عن الحيل واختلاف العلماء في جوازها ومنعها، وفي اختلافهم رحمة، وفي رأيي أن ربطها بالنية مطلوب، وما ذكره ابن حجر في ذلك جميل.
ـــــــــــــــــــ(116/5)
زواج التحليل
سعادة الشيخ، اسمح لي أن أثقل عليك بهذا السؤال.. وأرجو أن يتسع قلبك له: نعلم أن الإسلام قد حرم زواج التحليل.. وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم لعن من يتزوج بهذه الطريقة.. وأيضاً من يتزوج ليحلل لزوج سابق زوجته التي طلقها.. ولكن يا فضيلة الشيخ، لو أن رجلاً طلق زوجته.. ثم تزوجت بغيره ثم أرادت أن تعود لزوجها الأول، فقامت بمضايقة زوجها الحالي عمداً لا لشيء إلا لكي يطلقها ثم تعود لزوجها الأول ( علماً بأن زوجها الثاني قد جامعها ).. وبعد أن طلقها الثاني تزوجت من زوجها الأول. فهل يصح زواجها من زوجها الأول؟
... السؤال
الدكتور يونس محيي الدين الأسطل ... المفتي
... ... الحل ...
...
... لا شك أن الرسول صلى الله عليه وسلم نهى عن نكاح التحليل، كما ورد النهي عن نشوز المرأة الذي يعني عدم قيامها بكامل حقوق زوجها، وإن هذه المرأة التي قامت بمضايقة زوجها الثاني لتحمله على تطليقها من أجل أن تعود لزوجها الأول مخطئة في ذلك، وآثمة بتلك المضايقة ولا يجوز لها أن تقصر في واجباتها تجاهه لغرض حمله على تطليقها
فإذا فعلت وطلقها جاز لها أن تتزوج بزوجها الأول إذا عاد لخطبتها
ولكن لا يجوز أن تتفق مع زوجها الأول على مضايقة زوجها الثاني لتتاح لهما فرصة الرجوع إلى الحياة الزوجية ثانية؛ لأن هذا احتيال على الشريعة وإضاعة لحق الزوج الثاني في دوام العشرة بالمعروف
والله تعالى أعلم
ـــــــــــــــــــ(116/6)
هل مسائل الخلاف لا إنكار فيها ؟
سؤال:
بعض الناس يقول : المسائل التي اختلف فيها العلماء لا ينكر فيها على من أخذ بقول واحد منهم ، ويذكرون قاعدة : "لا إنكار في مسائل الخلاف" فهل هذه القاعدة صحيحة ؟.
الجواب:
الحمد لله
هذه القاعدة التي يقولها بعض الناس : ( لا إنكار في مسائل الخلاف ) غير صحيحة ، والصواب أن يقال : ( لا إنكار في مسائل الاجتهاد ) وبيان ذلك :
أن المسائل التي اختلف العلماء فيها نوعان :
الأول : مسائل ورد في بيان حكمها نص صريح من القرآن الكريم أو السنة الصحيحة ، ولا معارض له ، أو نقل فيها إجماع ، ثم شذ بعض المتأخرين وخالف الإجماع ، أو دل على حكمها القياس الجلي الواضح . فهذه المسائل ينكر فيها على من خالف الدليل .
ولهذا النوع من المسائل أمثلة كثيرة ، منها :
1- إنكار صفات الله تعالى التي مدح بها نفسه ، ووصفه بها رسوله صلى الله عليه وسلم تحت مسمى : "التأويل" وهو في الحقيقة تحريف لنصوص الكتاب والسنة .
2- إنكار بعض الحقائق التي أخبر بها النبي صلى الله عليه وسلم مما سيحدث يوم القيامة كالميزان والصراط .
3- ما قاله بعض المعاصرين من جواز أخذ الفائدة على الأموال المودعة في البنوك ، مع أن هذا هو عين الربا الذي حرم الله ورسوله .
4- القول بجواز نكاح التحليل ، فإنه قول باطل مخالف للعن النبي صلى الله عليه وسلم المحلل والمحلل له .
5- القول بإباحة سماع آلات الموسيقى والمعازف ، فإنه قول منكر ، دل على بطلانه كثير من الأدلة من القرآن والسنة وأقوال السلف ولذلك اتفقت كلمة الأئمة الأربعة على تحريمها .
6- القول بأن الداخل إلى المسجد يوم الجمعة والإمام يخطب يجلس ليستمع الخطبة ولا يصلي تحية المسجد .
7- القول بعدم استحباب رفع الأيدي في الصلاة مع تكبيرة الركوع والرفع منه والقيام إلى الركعة الثالثة .
8- القول بعدم استحباب صلاة الاستسقاء . وقد ثبت في الصحيحين وغيرهما فعل النبي صلى الله عليه وسلم لها جماعة مع أصحابه .
9- القول بعدم استحباب صيام ستة أيام من شوال بعد رمضان .
فهذه المسائل وأمثالها مما وردت نصوص ببيان حكمها ينكر فيها على المخالف ، ولم يزل الصحابة ومن بعدهم من الأئمة ينكرون على من خالف دليلاً صحيحا، ولو كان مجتهداً .
النوع الثاني : مسائل لم يرد ببيان حكمها دليل صريح من الكتاب أو السنة أو الإجماع أو القياس الجلي .
أو ورد بحكمها دليل من السنة ، ولكنه مختلف في تصحيحه ، أو ليس صريحاً في بيان الحكم ، بل يكون محتملاً .
أو ورد فيها نصوص متعارضة في الظاهر .
فهذه المسائل تحتاج إلى نوع اجتهاد ونظر وتأمل لمعرفة حكمها ، ومن أمثلة هذا النوع :
1- الخلاف في رؤية النبي صلى الله عليه وسلم ربه في الدنيا .
2- الخلاف في سماع الموتى لكلام الأحياء .
3- نقض الوضوء بمس الذكر ، أو مس المرأة ، أو أكل لحم الإبل .
4- القنوت في صلاة الفجر كل يوم .
5- القنوت في صلاة الوتر ، هل يكون قبل الركوع أم بعده ؟
فهذه المسائل وأمثالها مما لم ترد نصوص صريحة ببيان حكمها هي التي لا ينكر فيها على المخالف ، ما دام متبعاً لإمام من الأئمة وهو يظن أن قوله هو الصواب ، ولكن لا يجوز لأحد أن يأخذ من أقوال الأئمة ما يتوافق مع هواه ، فإنه بذلك يجتمع فيه الشر كله .
وعدم الإنكار على المخالف في هذه المسائل ونحوها ، لا يعني عدم التباحث فيها ، أو عدم التناظر وبيان القول الراجح بدليله ، بل لم يزل العلماء قديماً وحديثاً تعقد بينهم اللقاءات والمناظرات للتباحث في مثل هذه المسائل ، ومن ظهر له الحق وجب عليه الرجوع إليه .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :
"... إن مثل هذه المسائل الاجتهادية لا تنكر باليد، وليس لأحد أن يلزم الناس باتباعه فيها، ولكن يتكلم فيها بالحجج العلمية، فمن تبين له صحة أحد القولين: تبعه، ومن قلد أهل القول الآخر فلا إنكار عليه " انتهى من "مجموع الفتاوى" (30/80) .
وهذه أقوال لبعض العلماء تؤيد ما سبق من التقسيم :
1- قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :
"وقولهم مسائل الخلاف لا إنكار فيها ليس بصحيح ، فإن الإنكار إما أن يتوجه إلى القول بالحكم أو العمل.
أمّا الأول فإذا كان القول يخالف سنة أو إجماعاً قديماً وجب إنكاره وفاقاً. وإن لم يكن كذلك فإنه يُنكر بمعنى بيان ضعفه عند من يقول المصيب واحد وهم عامة السلف والفقهاء .
وأما العمل فإذا كان على خلاف سنة أو إجماع وجب إنكاره أيضاً بحسب درجات الإنكار.
أما إذا لم يكن في المسألة سنة ولا إجماع وللاجتهاد فيها مساغ لم ينكر على من عمل بها مجتهداً أو مقلداً.
وإنما دخل هذا اللبس من جهة أن القائل يعتقد أن مسائل الخلاف هي مسائل الاجتهاد، كما اعتقد ذلك طوائف من الناس. والصواب الذي عليه الأئمة أن مسائل الاجتهاد ما لم يكن فيها دليل يجب العمل به وجوباً ظاهراً ، مثل حديث صحيح لا معارض له من جنسه ، فيسوغ إذا عدم ذلك فيها الاجتهاد لتعارض الأدلة المتقاربة أو لخفاء الأدلة فيها" انتهى باختصار .
"بيان الدليل على بطلان التحليل" (ص 210-211) .
وقال أيضاً :
" مسائل الاجتهاد من عمل فيها بقول بعض العلماء لم ينكر عليه ولم يهجر، ومن عمل بأحد القولين لم ينكر عليه " انتهى من "مجموع الفتاوى" (20/207) .
2- وقال ابن القيم رحمه الله :
"وقولهم : "إن مسائل الخلاف لا إنكار فيها" ليس بصحيح . . . ثم ذكر كلام شيخ الإسلام المتقدم ، ثم قال :
وكيف يقول فقيه : لا إنكار في المسائل المختلف فيها ، والفقهاء من سائر الطوائف قد صرحوا بنقض حكم الحاكم إذا خالف كتاباً أو سنة وإن كان قد وافق فيه بعض العلماء؟! وأما إذا لم يكن في المسألة سنة ولا إجماع وللاجتهاد فيها مَسَاغ لم تنكر على مَنْ عمل بها مجتهداً أو مقلداً . . .
والمسائل التي اختلف فيها السلف والخلف وقد تيقنا صحة أحد القولين فيها كثير، مثل كون الحامل تعتد بوضع الحمل، وأن إصابة الزوج الثاني شرط في حلها للأول، وأن الغسل يجب بمجرد الإيلاج وإن لم ينزل، وأن ربا الفضل حرام ، وأن المتعة حرام، وأن النبيذ المسكر حرام، وأن المسلم لا يُقتل بكافر، وأن المسح على الخفين جائز حضراً وسفرا، وأن السنة في الركوع وضع اليدين على الركبتين دون التطبيق، وأن رفع اليدين عند الركوع والرفع منه سنة، وأن الشفعة ثابتة في الأرض والعقار، وأن الوقف صحيح لازم، وأن دية الأصابع سواء، وأن يد السارق تقطع في ثلاثة دراهم، وأن الخاتم من حديد يجوز أن يكون صَدَاقاً، وأن التيمم إلى الكوعين (مفصل الكف) بضربة واحدة جائز، وأن صيام الولي عن الميت يجزئ عنه، وأن الحاج يلبي حتى يرمي جمرة العقبة، وأن المحرم له استدامة الطيب دون ابتدائه، وأن السنة أن يسلم في الصلاة عن يمينه وعن يساره: السلام عليكم ورحمة الله، السلام عليكم ورحمة الله، وأن خيار المجلس ثابت في البيع، وأن المصَراة يرد معها عوض اللبن صاعاً من تمر، وأن صلاة الكسوف بركوعين في كل ركعة، وأن القضاء جائز بشاهد ويمين، إلى أضعاف ذلك من المسائل، ولهذا صرح الأئمة بنقض حكم مَنْ حكم بخلاف كثير من هذه المسائل، من غير طعن منهم على من قال بها.
وعلى كل حال فلا عذر عند الله يوم القيامة لمن بلغه ما في المسألة من الأحاديث والآثار التي لا معارض لها إذا نَبَذَها وراء ظهره" انتهى .
"إعلام الموقعين" (3/ 300-301).
3- وقال ابن قدامة المقدسي: " لا ينبغي لأحد أن ينكر على غيره العمل بمذهبه، فإنه لا إنكار على المجتهدات " انتهى من "الآداب الشرعية" لابن مفلح (1/186) .
4- قال النووي في "شرح مسلم" :
" قال العلماء : لَيْسَ لِلْمُفْتِي وَلا لِلْقَاضِي أَنْ يَعْتَرِض عَلَى مَنْ خَالَفَهُ إِذَا لَمْ يُخَالِف نَصًّا أَوْ إِجْمَاعًا أَوْ قِيَاسًا جَلِيًّا " انتهى .
5- وقال الشيخ محمد بن عبد الوهاب: "فإن أراد القائل مسائل الخلاف ، فهذا باطل يخالف إجماع الأمة، فما زال الصحابة ومن بعدهم ينكرون على من خالف وأخطأ كائناً من كان ، ولو كان أعلم الناس وأتقاهم، وإذا كان الله بعث محمداً بالهدى ودين الحق، وأمرنا باتباعه، وترك ما خالفه؛ فمن تمام ذلك أن من خالفه من العلماء مخطئ ينبه على خطئه وينكر عليه، وإن أريد بمسائل الاجتهاد : مسائل الخلاف التي لم يتبين فيها الصواب فهذا كلام صحيح، ولا يجوز للإنسان أن ينكر الشيء لكونه مخالفاً لمذهبه أو لعادة الناس، فكما لا يجوز للإنسان أن يأمر إلا بعلم ، لا يجوز أن ينكر إلا بعلم ، وهذا كله داخل في قوله تعالى : (ولا تقف ما ليس لك به علم) " انتهى من "الدرر السنية" (4/8).
6- وقال الشوكاني :
"هذه المقالة –أي لا إنكار في مسائل الخلاف- قد صارت أعظم ذريعة إلى سدّ باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وهما بالمثابة التي عرفناك، والمنزلة التي بيّناها لك، وقد وجب بإيجاب الله عز وجل، وبإيجاب رسوله صلى الله عليه وسلم على هذه الأمة، الأمر بما هو معروف من معروفات الشرع، والنهي عما هو منكر من منكراته: ومعيار ذلك الكتاب والسنة، فعلى كل مسلم أن يأمر بما وجده فيهما أو في أحدهما معروفاً، وينهى عما هو فيهما أو في أحدهما منكراً.
وإن قال قائل من أهل العلم بما يخالف ذلك، فقوله منكر يجب إنكاره عليه أولاً، ثم على العامل به ثانياً.
وهذه الشريعة الشريفة التي أُمِرْنا بالأمر بمعروفها، والنهي عن منكرها، هي هذه الموجودة في الكتاب والسنة" انتهى من "السيل الجرّار" (4/588).
7- وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله ردًا على من قال: "المسائل الخلافية لا إنكار فيها" .
" لو أننا قلنا: المسائل الخلافية لا ينكر فيها على الإطلاق ، ذهب الدين كلّه حين تتبع الرخص لأنك لا تكاد تجد مسألة إلا وفيها خلاف بين الناس . . .
المسائل الخلافية تنقسم إلى قسمين؛ قسم : مسائل اجتهادية يسوغ فيها الخلاف؛ بمعنى أن الخلاف ثابت حقاً وله حظ من النظر، فهذا لا إنكار فيه على المجتهد، أما عامة الناس، فإنهم يلزمون بما عليه علماء بلدهم، لئلا ينفلت العامة؛ لأننا لو قلنا للعامي : أي قول يمرُّ عليك لك أن تأخذ به، لم تكن الأمة أمة واحدة ، ولهذا قال شيخنا عبد الرحمن بن سعدي رحمه الله : "العوام على مذهب علمائهم" . . .
القسم الثاني من قسمي الخلاف: لا مساغ له ولا محل للاجتهاد فيه، فينكر على المخالف فيه لأنه لا عذر له" انتهى باختصار من "لقاء الباب المفتوح" (49/192-193) .
والله أعلم .
وانظر كتاب : "حكم الإنكار في مسائل الخلاف" للدكتور فضل إلهي ظهير .
الإسلام سؤال وجواب
ـــــــــــــــــــ(116/7)
طلقها أمام أهلها ثم عند حضور المأذون فهل تحسب طلقتان؟
سؤال:
حدث خلاف بيني وبين زوجي فألقى علي يمين الطلاق بيني وبينه وهو في حالة غضب يدرك ثم اصطلحنا ، ثم حدث خلاف أكبر فقررنا الانفصال فقالها أمام أهلي مرة ، والثانية أمام المأذون فهل أنا مطلقة ثلاث مرات؟ وهل يصح الرجوع له أم لا ؟ وإذا صح الرجوع له يشترط محلل ؟.
الجواب:
الحمد لله
أولا :
الطلاق في الغضب ، منه ما يقع ، ومنه ما لا يقع ، حسب نوع الغضب وشدته ، وانظري تفصيل ذلك في جواب السؤال رقم (22034) .
ثانيا :
الطلاق الذي وقع أمام المأذون : إن أراد به الزوج تأكيد الطلاق الذي أوقعه أمام أهلك ، أو أراد أن يخبر عن ذلك الطلاق ، فإنه لا يحسب طلقة ثالثة .
أما إذا أراد بها إيقاع طلقة أخرى غير السابقة ، فالأمر على ما نواه ، فالمرجع في هذا إلى نية الزوج وقصده .
وهذا الطلاق الواقع أمام المأذون – إذا كان الزوج قد نوى به طلاقاً جديداً - يعتبر طلاقا في أثناء العدة ، وجمهور العلماء على أنه واقع ، لأن المعتدة من الطلاق الرجعي ، في حكم الزوجات ، فيلحقها الطلاق .
جاء في "الموسوعة الفقهية" (29/12) : " وذهب جمهور الفقهاء - الحنفية والمالكية والشافعية وهو المذهب عند الحنابلة - إلى وقوع الطلاق على المعتدة من طلاق رجعي , حتى لو قال الرجل لزوجته المدخول بها : أنت طالق , ثم قال لها في عدتها : أنت طالق , ثانية , كانتا طلقتين , ما لم يرد تأكيد الأولى , فإن أراد تأكيد الأولى لم تقع الثانية " انتهى .
ثالثا :
إذا كانت الطلقة المذكورة وقعت والمرأة حائضاً ، أو في طهر جامعها فيه زوجها ، فهناك من أهل العلم من يفتي بعدم وقوع الطلاق ، وانظري السؤال رقم (72417) .
رابعا :
إذا وقعت الطلقات الثلاث ، بانت المرأة من زوجها ، ولا تحل له إلا إذا نكحت زوجا غيره نكاحاً صحيحاً ، لا نكاح تحليل ، ووطئها ، ثم مات عنها أو طلقها ، فلزوجها الأول حينئذ أن يتزوجها بعقد جديد ومهر جديد .
وأما نكاح التحليل فباطل ، ومحرم ، وهو أن ينكحها ليس رغبة فيها ، لكن لتحل لزوجها الأول ، وقد لعن النبي صلى الله عليه وسلم من يفعل ذلك ، أو يُفعل له .
ولا يفيد نكاح التحليل حلَّ المرأة لزوجها الأول .
قال ابن قدامة رحمه الله في "المغني" (7/137) : " نكاح المحلل حرام باطل , في قول عامة أهل العلم ; منهم الحسن والنخعي , وقتادة , ومالك , والليث , والثوري , وابن المبارك , والشافعي " .
وقال أيضا : " ونكاح المحلل فاسد ولا يحصل به الإباحة للزوج الأول " انتهى من "المغني" (7/140).
والله أعلم .
الإسلام سؤال وجواب
ادعت أنها طلقت من زوجها هل يجوز تزويجها بدون بينة
سؤال:
رجل في السبعين من عمره متزوج بمقيمة على غير كفالته في مدينة ما وتقول إنها مطلقة من زوجها السابق الذي في مدينة أخرى ولها منه ابنان . الرجل نصحه أبناؤه بالابتعاد عنها أو التأكد من طلاقها السابق ولا يدري عن مدى صحة عقد الزواج ولكنه يرفض وبشدة ولا يريد التدخل بأمره بتاتا. هل يلحق أبناءه إثم من تلك القضية وماذا يجب عليهم تجاه أبيهم ؟ (علما أنها تذهب بحجة أبنائها كل إجازة عيد وصيف إلى تلك المدينة وإجازة الأسبوع في نفس المدينة بحجة جماعتها رغما عن زوجها).
الجواب:
الحمد لله
أولا :
إذا ادعت المرأة أنها كانت متزوجة ثم طلقت وانتهت عدتها ، فهل يقبل قولها أم لابد من بينة تثبت طلاقها ؟ في ذلك خلاف للفقهاء .
فمنهم من قال : يقبل قولها ، وتصدّق في ذلك ؛ لأنها مؤتمنة على نفسها .
ومنهم من قال : إذا غلب على الظن صدقها جاز تصديقها .
ومنهم من فرق بين الغريبة عن البلد والتي في البلد ، فيقبل قول الأولى ، وأما التي في البلد فلا تزوج حتى تثبت الطلاق ببينة .
ومنهم من فرق بين إخبارها عن الطلاق من زوج معين ، كأن تقول : تزوجت فلانا ثم طلقني ، وبين إخبارها عن الزواج من غير معين ، ففي الصورة الأولى لابد أن تأتي ببينة على أنها طلقت منه .
وهذا طرف من كلام الفقهاء :
قال في "المبسوط" (5/151) : " وإذا قالت : طلقني زوجي أو مات عنى وانقضت عدتي حل لخاطبها أن يتزوجها ويصدقها ; لأن الحل والحرمة من حق الشرع ، وكل مسلم أمين مقبول القول فيما هو من حق الشرع , إنما لا يقبل قوله في حق الغير إذا أكذبه من له الحق , ولا حق لأحد هنا فيما أخبرت به , فلهذا جاز قبول خبرها في ذلك , والله تعالى أعلم بالصواب " انتهى.
وقال في "البحر الرائق" (4/64) : " و[أشار] بقبول قول المطلقة إلى أن منكوحة رجل قالت لآخر : طلقني زوجي , وانقضت عدتي ، جاز تصديقها إذا وقع في الظن صدقها " انتهى .
وسئل عليش المالكي رحمه الله ، كما في " فتح العلي المالك في الفتوى على مذهب الإمام مالك" (2/78) : " ( ما قولكم ) في امرأة حضرت من الفيوم إلى القليوبية وقالت كنت متزوجة في الفيوم , وطلقني زوجي منذ شهرين , ومعها وثيقة متضمنة طلاقها وتاريخه بختم نائب القاضي في البلد الذي كانت فيه , وأرادت التزوج بعد وفاء العدة من تاريخ الوثيقة فهل تمكن من ذلك ؟ أفيدوا الجواب .
فأجبت بما نصه : الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا محمد رسول الله ، نعم تُمكّن من ذلك لأنها مصدقة في دعواها الطلاق , وانقضاء العدة في الصورة المذكورة ، خصوصا وقد ترجحت دعواها بوثيقة القاضي ، هذا مفاد النصوص ، لكن ينبغي زيادة التثبت في هذا الأمر الآن ، لما شوهد كثيرا من تخليط النساء وتزويجهن أزواجا معا ، نسأل الله السلامة والعافية " انتهى .
وقال الزركشي في "المنثور في القواعد" (1/171) : " ولو قالت : طلقني زوجي فلان وانقضت عدتي وطلبت من الحاكم تزويجها ، ففي أدب القضاء للدبيلي : إن كانت غريبة والزوج غائب ، فالقول قولها بلا بينة ولا يمين ، وإن كان الزوج في البلد وليست غريبة ، فلا يعقد الحاكم عليها حتى تثبت ما ادعته .
وأطلق الرافعي في فصل التحليل قبول قولها عند الاحتمال ... ونقل ( قبل ) دعوى النسب عن فتاوى البغوي : أنه إذا حضر عند القاضي رجل وامرأة ، واستدعت تزويجها من الرجل ، وذكرت أنها كانت زوجة فلان وطلقها أو مات عنها، : لم يزوجها القاضي ما لم تقم حجة على الطلاق أو الموت لأنها أقرت بالنكاح لفلان " انتهى .
وسئل الرملي الشافعي : " عن امرأة قالت : إن زوجها (فلانا) طلقها أو مات عنها وانقضت عدتها ، هل للحاكم أن يزوجها بلا بينة ؟ ( فأجاب ) بأنه ليس للحاكم أن يزوجها حتى تقيم بينة بما قالته ، لأنها أقرت له بالنكاح والأصل بقاؤه ، وهذا بخلاف ما إذا أقرت به لغير معيّن ، وعليه يحمل ما حكاه الدبيلي في أدب القضاء [ وذكر ما نقله الزركشي سابقا ] ، وما ذكره القاضي في فتاويه أن المرأة لو ادعت على الولي وفاة الزوج أو طلاقه فأنكر ، فإنها تحلف ويأمره الحاكم بتزويجها ، أو يزوجها الحاكم " (3/161).
وقال أيضا (3/153) : " والحاصل أن المعتمد أن المرأة إذا ادعت طلاقا من نكاح معيّن لا يزوجها الحاكم حتى تثبت ، أو غير معين فله اعتماد قولها ، وقد قيل غير ذلك " انتهى .
والذي يظهر أن التحري مطلوب في هذه المسألة ، لاسيما مع فساد الزمان ، وكثرة الحوادث التي يتبين فيها أن العقد تم على امرأة متزوجة مخادعة ، ويبقى أن القاضي له الفصل في هذه المسألة ، فإن رأى قبول قولها زوّجها ، وإن رأى مطالبتها بالبينة ، أو لم يحصل له ظن بصدقها ، فإنه لا يزوجها حتى تثبت الطلاق .
والمعمول به الآن أن القاضي أو مأذون الأنكحة لا يزوج من ثبت زواجها سابقا وادعت الطلاق ، حتى تأتي بوثيقة الطلاق ، فلا ندري كيف تم العقد للرجل المذكور .
ثانيا :
إذا حصلت الريبة في كون المرأة مطلقة ، أو لا زالت على زواجها الأول ، فلأولاد المسئول عنه أن يتحروا الأمر بالسؤال عنها وعن زوجها الأول ، فإن تبين أنها لم تطلق من زوجها ، وجب إعلام أبيهم بذلك ، والتفريق بينه وبينها حتى تنقضي عدتها منهما ، ويرفع الأمر إلى القاضي ليفصل في المسألة ، ولا يجوز لهم السكوت إن علموا بذلك ؛ لأن الزواج من المرأة المنكوحة للغير قبل طلاقها وانقضاء عدتها ، زواج باطل ، والمقدم عليه مقدم على الزنا إن كان يعلم حقيقة الأمر .
لكن ننبه هنا إلى أمرين :
الأول : أن يراعي الأبناء حق أبيهم ومنزلته ومكانته ، فلا يؤذونه بالحديث في هذه المسألة . ولو فرض أنهم اطلعوا على ما ينكر ، فإنهم يبحثون عن الوسيلة الملائمة لنصح أبيهم ، ولو وسطوا غيرهم كان أولى ، مراعاة لخاطره ، وحفظا على ما بينهم من المودة .
الثاني : ألا يكون الحامل لهم على الشك والريبة والاتهام كراهيتهم لزوجة أبيهم ، لكونها أجنبية أو لكون أبيهم تزوجها مع كبر سنه ، أو غير ذلك من الأمور الخاصة التي لا تخفى على علام الغيوب سبحانه ، فليتقوا الله تعالى ، وليقولوا قولا سديدا ، وليحذروا من اتهام البريء ، وليقدموا حسن الظن ، وليمسكوا ألسنتهم عن قول ما يسيء إليهم وإلى أبيهم ، ما لم يظهر لهم أمر لا يمكن السكوت عليه .
وقد قال صلى الله عليه وسلم ( مَنْ حَالَتْ شَفَاعَتُهُ دُونَ حَدٍّ مِنْ حُدُودِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فَقَدْ ضَادَّ اللَّهَ فِي أَمْرِهِ ، وَمَنْ مَاتَ وَعَلَيْهِ دَيْنٌ فَلَيْسَ بِالدِّينَارِ وَلا بِالدِّرْهَمِ ، وَلَكِنَّهَا الْحَسَنَاتُ وَالسَّيِّئَاتُ ، وَمَنْ خَاصَمَ فِي بَاطِلٍ وَهُوَ يَعْلَمُهُ لَمْ يَزَلْ فِي سَخَطِ اللَّهِ حَتَّى يَنْزِعَ ، وَمَنْ قَالَ فِي مُؤْمِنٍ مَا لَيْسَ فِيهِ أَسْكَنَهُ اللَّهُ رَدْغَةَ الْخَبَالِ حَتَّى يَخْرُجَ مِمَّا قَالَ ) رواه أبو داود (5129) من حديث ابن عمر رضي الله عنهما ، وصححه الألباني في صحيح أبي داود .
والردغة : الطين والوحل وما يسيل من عصارة أهل النار .
وفقنا الله وإياكم لما يحب ويرضى .
والله أعلم .
الإسلام سؤال وجواب
تصدر غير المتمكن للفتيا ...
عنوان الفتوى
... أحمد نجيب ...
اسم المفتى
... 20749 ...
رقم الفتوى
... 04/10/2004 ...
تاريخ الفتوى على الموقع
... ...
نص السؤال
أنا أحد أفراد الجاليةِ المسلمة المقيمة في إيرلندا منذ بِضعِ سنوات ، و بحكم إقامتنا في الغَرب تَعرِض لنا بعض الإشكالات الشرعيّة ، و نحتاج إلى معرِفة حُكم الشرع فيها ، و لكن ليس لدينا من نستفتيه من أهل العلم سوى إمامَي المسجدين الموجودَين في دَبلن ، و لا ثالث لهما ، عِلماً بأنّ أحدَهما مهندس زراعي في الأصل ، و ليس من العلماء بالشريعة و لا أهل الاختصاص ، و هو يُقرّ بذلك ، و لكنّه من حملة القرآن الكريم ، و له مطالعات في العلوم الشرعيّة ، و الآخر أزهري معروف بتبنّيه منهج التيسير في الفتوى على نحو لم نعُد نطمئن معه إلى أنّ ما يُفتينا به هو الحكم الشرعي الفصل فيما يُعرَض عليه . فما هي نصيحتكم لنا في هذه الحال ، هل نأخُذ ديننا عن هؤلاء ، أم نرجع إلى الكتب القديمة رُغمَ ندرتها و عدم قُدرتنا على الاستنباط منها مباشرةً ، أم نلجأ إلى مفتين في بلاد أخرى إذا احتجنا لفتوى في أمور معيشتنا اليوميّة ؟
نص الفتوى
الأخ الكريم سلام الله عليك ورحمته وبركاته، وبعد من حيث المبدأ لا أحبّذ وجود مرجعيّة وحيدة للفتوى في أيّ زمان أو مكان ، لأنّ حصر الإفتاء في فردٍ أو فئة معيّنة ( سواءً كانت مجلساً أو مجمعاً أو لجنةً أو غير ذلك ) ذريعةٌ إلى إغلاق باب الاجتهاد الفسيح في الفقه الإسلامي ، و قد تعيدنا إلى عصر الجمود الذي قيّد الأمّة لقرون عديدة من الزَمَن . و لا يعني هذا أننا نؤيّد فتح باب الاجتهاد على مصراعيه أمام من هبّ و دبّ ، من حاز ملكته و استوفى شروطه ، و من لم يتأهّل له من حُدثاء الأسنان ، و صغار طلبة العلم ، و قليلي الخبرة ، ممّن حالُهم يُبكي المتأخّرين كما أبكى المتقدّمين . روى ابن عبد البرّ عن الإمام مالك أنّه دَخل على شيخه ربيعة الرأي فوجده يبكي فقال له : ما يبكيك ، أمصيبة نزلت بك ؟ قال : لا ، و لكن استُفتي من لا علم له ، و وقع في الإسلام أمر عظيم ، و لَبعض من يُفتي هاهنا أحق بالسجن من السُرَّاق ) [ أدب المفتي و المستفتي ، للنووي ، ص : 85 ] . و الناس في باب الاجتهاد طرَفان و وسط ، و خير الأمور أواسطها ، و من التوسّط أن يتبوّأ كلٌّ مكانه ، فللاجتهاد أهله من العلماء الراسخين ، و للتقليد أهلوه الذين لا يَسعُهم غيرُه ، و لا يَصدُرون إلاّ عنه . و ما ذَكره السائل من أنّ أحد الإمامَين في بلد إقامته غير مختصٍّ في العلوم الشرعيّة ليس حجّة في الانصراف عن سؤاله عمّا يعلمه بدليله ، و لا يُبرّر ردّ كلّ ما عنده ، لأنّ العلم ليس بالشهادات و لا الدَرَجات الأكاديميّة المعروفة في هذا العصر ، و إنّما هو بالطَلب و الحِرص و التحصيل ، فمن أخذه فقد أخَذ بحظّ وافر . بل يتعيّن على المُستَفتَى أن يُفتي باجتهاده فيما عَرَف فيه الحقّ بدليله ، و لو كان ذلك في مسائل أو حالات معدودة . قال شمس الدين ابن القيّم رحمه الله : ( الاجتهاد حالة تقبل التجزؤ والانقسام فيكون الرجل مجتهدا في نوع من العلم مقلدا في غيره أوفي باب
من أبوابه كمن استفرغ وسعه في نوع العلم بالفرائض وأدلتها واستنباطها من الكتاب والسنة دون غيرها من العلوم أوفي باب الجهاد أو الحج أو غير ذلك فهذا ليس له الفتوى فيما لم يجتهد فيه و لا تكون معرفته بما اجتهد فيه مسوغة له للإفتاء بما لا يعلم في غيره . ... فإن قيل : ما تقولون فيمن بذل جهده في معرفة مسألة أو مسألتين هل له أن يفتي بهما ؟ قيل نعم يجوز في أصح القولين وهما وجهان لأصحاب الإمام أحمد ، و هل هذا إلا من التبليغ عن الله و عن رسوله ؟ و جزى الله من أعان الإسلام و لو بشطر كلمة خيراً ، و منعُ هذا من الإفتاء بما عَلِمَ خطأ محض ) [ إعلام الموقعين : 4 / 216 و 217 ] . و إذا فُرِضَ جَدَلاً صحّة ما ذَكره السائل من عَدَم وُجود مفتٍ مؤَهّل موثوقٍ في دينه و منهجه يُرجَعُ إليه في بَلدٍ ما وجبَ على أهل ذلك البلد أن ينتدبوا منهم من يطلُب العلم ، و ذلك في حقّهم واجبٌ على الكفاية ؛ إن قام به من يكفي فبها و نِعمَت ، و إلا لَحِقَهُم الإثم جميعاً ، قال تعالى : ( فَلَولا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَ لِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ ) [ التوبة : 122 ] . و إلى أن يقوم بينَ ظهرانيهم من تقوم به الحجّة ، و تتضح بفتاواه معالمُ المَحَجَّة يَجب عليهم ردُّ ما وقع فيه الخلاف بينهم إلى من عُرِف بذلك من أهل العلم و لو كان مُقيماً في ديارٍ غير ديارهم . و ينبغي لمن يُتَّخذُ مفتِياً أن يكون معروفاً إلى جانبِ علمِه بتزكيةِ العلماء له ، و ثنائهم عليه ، و شهادَتهم بكفاءته . قال الإمام مالك رحمه الله : ما أفتيت حتى شهِدَ لي سبعون أني أهلٌ لذلك ) ، و في روايةٍ : ( ما أفتيتُ حتى سألتُ من هو أعلم مني : هل يراني موضعاً لذلك ؟ ) ، و قال أيضاً : ( لا ينبغي لرجُلٍ أن يرى نفسَه أهلا لشيءٍ ، حتى يَسألَ من هو أعلم منه ) [ آداب الفتوى
للنووي ص : 18 ] . أمّا اتّخاذ التيسير منهجاً في الفتوى ، على النحو الذي نراه اليَوم من بعض المشائخ ، فهو ممّا عمّت به البلوى ، و ابتلي به كثير من المسلمين ، و بخاصةٍ أولئك الذين اجتمعت عليهم غربةُ الزمان و المكان في الغرب ، و في النفس من هذا المنهج أشياءٌ و أشياءٌ . و هاهُنا جُملة مسائل ذات صلةٍ بموضوع التساهل و التيسير في الفُتيا أرى لزاماً عليّ بيانُها في هذا المقام ، إذ إنّ تأخير البيان عن وقتِ الحاجة لا يجوز شرعاً ، و لا يسوغ عقلاً ، و من أراد الاستزادة أحَلنَاهُ إلى كُتُب الأقدمين ، و إن أرادَ خُلاصتها فعليه برسالتنا المسمّاة ( الفتاوى المُعاصرة .. بين التيسير و المسايرة ) ففيها مزيد بيان للمسائل التالية و غيرها : المسألة الأولى : الإفتاء منصب خطير ، و لذلك كان أورَعُ الناس أزهدَهم فيه ، و إذا كان الأجرؤ على الفتوى الأجرأَ على النار ، فلا غَروَ في أن يعزُفَ عنها خيار السلفِ و الخَلَف ، ما لم تصير عليهم مُتعيّنةً ، خشيةً أن يشملهم عموم قول الله عز و جلَّ : ( قُلْ أَرَأَيْتُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ لَكُمْ مِنْ رِزْقٍ فَجَعَلْتُمْ مِنْهُ حَرَامًا وَ حَلَالًا قُلْ آللَّهُ أَذِنَ لَكُمْ أَمْ عَلَى اللَّهِ تَفْتَرُونَ ) [ يونس : 59 ] . قال أبو القاسم الزمخشري رحمه الله : ( كفى بهذه الآية زاجرة زجراً بليغاً عن التجوُّز فيما يُسأل عنه من الأحكام ، و باعثةً على وجوب الاحتياط فيه ، و أن لا يقول أحد في شيءٍ جائزٍ أو غيرَ جائزٍ ؛ إلا بعد إيقانٍ و إتقانٍ ، و من لم يوقِن فليتَّق الله ، و ليصمِت ، و إلا فهو مفترٍ على الله ) [ الكشّاف : 2 / 242 ]. و أخرج الدار مي في مقدّمة سننه عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِى جَعْفَرٍ مرسلاً أنّ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قال : « أَجْرَؤُكُمْ عَلَى الْفُتْيَا أَجْرَأُكُمْ عَلَى النَّارِ » . و قال الإمام النووي رحمه الله : اعلم أن الإفتاء عظيم
الخطر كبير المَوقِع ، كثيرُ الفضلِ ؛ لأن المفتي وارثُ الأنبياءِ صلوات الله و سلامه عليهم و قائم بفرض الكفاية لكنه معرض للخطأ . و لهذا قالوا : المفتي مُوقِّعٌ عن الله تعالى ، و رُوِّينا عن ابنِ المُنكدِر قال : العالمُ بينَ اللهِ تعالى و خَلْقِهِ ، فلينظُر كيف يدخُل بينَهم ، و رُوِّينا عن السلف و فضلاء الخَلَف مِنَ التوقُّف عن الفُتيا أشياء كثيرة معروفة نذكر منها أحرُفا تبركاً و رُوّينا عن عبد الرحمن بن أبي ليلى قال أدركت مائةً و عشرين من الأنصار من أصحاب رسول الله صلى الله عليه و سلم يُسأل أحدهم عن المسألة ؛ فيردها هذا إلى هذا و هذا إلى هذا حتى ترجِعَ إلى الأول ، و في روايةٍ : ما مِنهُم من يُحدِّث بحديث إلا وَدَّ أن أخاهُ كفاهُ إيَّاهُ ، و لا يُستفتَى عن شيءٍ إلا ودَّ أن أخاه كفاه الفُتيا ، و عن ابن مسعود و ابن عباس رضي الله عنهم : من أَفْتَى في كُلِّ ما يُسأل فهو مجنون ، و عن الشَّعبي ، و الحَسَن ، و أبي حُصَين التابعِيَّيْن قالوا : إنَّ أحدكم ليُفتي في المسألة ، و لَو وَرَدَت على عُمَر بنِ الخطاب رضي الله عنه ؛ لجمع لها أهل بدر ، و عن عطاءِ بنِ السائب التابعيِّ : أدركتُ أقواماً يُسأل أحدهم عن الشيء فيتكلم و هو يَرْعَدُ ، و عن ابن عباسٍ ، و محمد بن عجلان : إذا أَغْفَلَ العالِمُ لا أدري أُصيبَتْ مَقَاتِلُه ، و عن سُفيَان بن عيينة ، و سَحنُون : أَجسَرُ النّّاسِ على الفُتيا أقَلُّهم عِلماً ، و عن الشافعي ، و قد سُئِل عن مسألةٍ فلم يُجِب ، فَقِيلَ له ، فقال : حتى أدري أنَّ الفضلَ في السكوتِ أو في الجواب . و عن الأثرَمِ : سمعتُ أحمدَ بنَ حنبل يُكثِر أن يقول : لا أدري ، و ذلك فيما عَرَفَ الأقاويلَ فيه ، و عن الهيثم بنِ جميلٍ : شهدتُ مالكاً سُئِلَ عن ثمانٍ و أربعينَ مسألةٍ ، فقال : في ثِنتَين و ثَلاثين منها : لا أدري ، و عن مالكٍ أيضاً أنَّهُ رُبَّما كان يُسأل عن خمسين مسألة فلا
يُجيب في واحدةٍ منها ، و كان يقول : مَن أجاب في مسألةٍ فينبغي قبلَ الجواب أن يعرِضَ نفسَه على الجنَّةِ و النّار ، و كيفَ خَلاصُهُ ، ثُمّ يُجيب ، و سُئِل عن مسألة ، فقال : لا أدري ، فقيل : هي مسألةٌ خفيفة سهلة ، فغضب و قال : ليس في العلم شيءٌ خفيفٌ ، و قال الشافعي : ما رأيتُ أحداً جمعَ الله تعالى فيه من آلةِ الفُتيا ما جَمَع في ابن عُيَيْنَة أسكتَ منهُ على الفُتيا ، و قال أبو حنيفة : لولا الفَرَق ( و هو الخوف ) مِن الله تعالى أن يَضيعَ العلم ؛ ما أفتيت ، يكون لهم المَهْنأ و علَيَّ الوِزرُ ، و أقوالُهُم في هذا كثيرة معروفة .اهـ. [ آداب الفتوى ، للإمام النووي ، ص : 13 و ما بعدها ] . و لعلّ من المناسب في هذا المقام أن أذكّر نفسي و إخواني بما أورده الشيخ منصور بن يونس البهوتي [ في كشاف القناع في الفقه الحنبلي : 6 / 299 ] من توجيه سديد يُزهّد في التصدّر للفتوى لمن لا قبل له بها ، و من لم يستوفِ شروطها ، و ترشد من تبوّأها إلى ما ينبغي أن تكون عليه حاله فيها ، بعدَ أن ذَكرَ بعضَ ما أورَده الإمام النووي فيما نقلناه آنِِفاً ، إذ قال : و أنكر الإمام أحمد و غيره على من يهجُمَ على الجواب لخَبَرِ : ( أجرؤُكم على الفتيا أجرؤكم على النار ) . و قال أحمد : ( لا ينبغي أن يجيب في كل ما يُستَفْتَى فيه ) . و قال : ( إذا هابَ الرجلُ شيئاً لا ينبغي أن يُحمَل على أن يقول ) . و قال : ( لا ينبغي للرجل أن يُعَرِّضَ نفسَهُ للفُتيا حتى يكون فيه خمس خصال : • إحداها : أن تكون له نيّةٌ ، أي : أن يُخلص في ذلك لله تعالى ، و لا يقصد رياسةً ، و لا نحوَها ، فإن لم يكن له نيّةٌ لم يكن عليه نُورٌ ، و لا على كلامه نور ، إذ الأعمالُ بالنيّات ، و لكل امرئ ما نوى . • الثانية : أن يكون له حِلمٌ و وَقار و سكينة ، و إلا لم يتمكن من فعل ما تصدى له ؛ من بيان الأحكام الشرعية . • الثالثة : أن يكون قويّاً على ما هو فيه ، و(116/8)
على معرفَتِهِ ، و إلا فقد عرَّض نفسه لعظيم . • الرابعة : الكفايةُ ، و إلا أبغَضَهُ الناسُ ، فإنّه إذا لم تكن له كفايةٌ احتاج إلى الناس ، و إلى الأخذِ ممّا في أيديهم ؛ فيتضررون منه . • الخامسة : معرفةُ الناس ؛ أي : ينبغي له أي للمفتي أن يكون بصيرا بمكر الناس و خِداعِهِم ، و لا ينبغي له أن يُحسِن الظن بهم ، بل يكون حذِراً فَطِناً مما يصورونه في سؤالاتهم ، لِئَلا يوقِعُوه في المكروه .اهـ من كشّاف القناع . و ممّا جاء في تحرّز السلف من الإفتاء ما أورده الحافظ المناوي رحمه الله [ في فتح القدير : 1 / 158 ] ، و منه بعض ما تقدّمَ ، و زاد عليه : و كان عبد الله بن عمر رضي الله عنهما إذا سُئِل قال : ( اذهب إلى هذا الأمير الذي تقلَّد أمرَ الناس فضعها في عنقه ) ، و قال أيضاً : ( يُريدون أن يجعلونا جسراً يمُرُّونَ علينا إلى جهنم ) . فرضي الله عنهم ما أورَعهم و ما أبعَدَهم عن التكلّف و التطلّع و استشراف النفس إلى ما تُخشى عواقبه في الدين و الدنيا ، و ما أحسن تعليق الإمام المناوي على ما أورَد من أخبارهم بقوله : ( و بما تقرّر يُعلَمُ أنّه يَحرُم على المُفتي التساهل ) . قلتُُُُ : و يوافق قولَ النووي : ( قالوا : المفتي مُوقِّعٌ عن الله تعالى ) المتقدّمَ فِعلُ ابنِ القيّم حيث سمّى كتابه الشهير إِعلام ( و ضُبِطَ : أَعلام ) الموقّعين عن ربّ العالمين . و كذا قول الإمام الشاطبي رحمه الله : ( المفتي قائمٌ في الأمّة مقام النبيّ صلى الله عليه و سلّم ) [ الموافقات : 4 /140 ] . المسألة الثانية : يحرُم التساهل في الفتوى بدعوى التيسير ، كما يَحرُمُ استفتاء من عُرِف بالتساهل ، ما لم يَكُن المفتي صادراً عن دليلٍ شرعيٍّ ( من الكتاب أو السنّة أو الإجماع أو القياس ) منضبط . قال الإمام الشافعي رحمه الله: ( لا يجوز لمن استأهل أن يكون حاكماً أو مفتياً أن يحكم و لا أن يفتي إلا من جهةِ خبرٍ لازمٍ ... و ذلك الكتاب
و السنة ، أو ما قاله أهل العلم لا يختلفون فيه ، أو قياس على بعض هذا ، و لا يجوز له أن يحكم و لا يُفتي بالاستحسان ) [ الأم : 7 / 298 ] . وقال النووي رحمه الله : ( يحرم التساهل في الفتوى و من عُرِف به حرم استفتاؤه ) [ آداب الفتوى و المفتي ، ص : 37 ] . و قال ابن الصلاح رحمه الله : ( لا يجوز للمفتي أن يتساهل في الفتوى , و من عرف بذلك لم يجز أن يُستفتى , و ذلك قد يكون بأن لا يَتثبَّت و يسرع بالفتوى قبل استيفاء حقها من النظر و الفِكر, و ربّما يحمله على ذلك توهمه أن الإسراع براعةٌ , و الإبطاءَ عجزٌ و منقصة ، و ذلك جهلٌ ، و لأن يُبطئ و لا يخطئ , أجمل به من أن يَعْجَلَ فيضلَّ و يَضِلَّ ) [ فتاوى ابن الصلاح : 1 / 46 ، و انظره في أدب المفتي و المستفتي 1 / 111 ] . و قال ابن مفلح الحنبلي رحمه الله : ( يحرم تساهل مُفتٍ في الفتيا ، و تقليد معروفٍ به ) [ الفروع : 6 / 379 ] . و قال في موضع آخر : ( يحرم التساهل في الفتيا ، و استفتاء من عُرف بذلك ) [ المبدع : 10 / 25 ، و نقله عنه البهوتي في كشاف القناع : 6 / 300 ] . المسألة الثالثة : إن السلَف الصالح ( و منهم من بَلَغَنا خبَرُهم من الصحابة و الأئمّة الأربعة و غيرهم ) رضوان الله عليهم أجمعين دأبوا على التحذير من تتَبّع الرخَص في الفتوى ، و اعتبروا ذلك من علامات فساد دين فاعله ، و حذَّروا منه أشدّ التحذير ، و من ذلك قول الإمام النووي المتقدّم : ( لو جاز اتّباع أي مذهب شاء لأفضى إلى أن يلتقط رُخَص المذاهب متبعاً لهواه ، و يتخير بين التحليل ، و التحريم ، و الوجوب ، و الجواز ، و ذلك يؤدي إلى الانحلال من ربقة التكليف ) . [ المهذّب شرح المجموع : 1 / 5 ] . و ذكر الإمام الشاطبي رحمه الله التلفيق بين المذاهب ، فذمّه بقوله : ( يُفضي إلى تتبّع رُخَص المذاهب من غير استنادٍ إلى دليلٍ شرعيٍ ) [ الموافقات : 4 / 72 ] ، ثمّ روى عن ابن حزم حكاية الإجماع على (
أنّ ذلك فِسقٌ لا يَحِلّ ) . [ الموافقات : 4 / 74 ] . و قال الحافظ الذهبي : ( من تتبع رخص المذاهب و زلات المجتهدين ؛ فقد رَقَََّ دينُه كما قال الأوزاعي و غيره : من أخذ بقول المكيين في المتعة ، و الكوفيين في النبيذ ، و المدنيين في الغناء ، و الشاميين في عِصمة الخلفاء ؛ فقد جمع الشر . و كذا من أخذ في البيوع الربوية بمن يتحيل عليها ، و في الطلاق و نكاح التحليل بمن توسع فيه ، و شِِبه ذلك ، فقد تعرض للانحلال فنسأل الله العافية و التوفيق ) [ سير أعلام النبلاء : 8 / 90 ] . روى الحافظ ابن عبد البر عن سليمان التيمي قال: ( لو أخذت برخصة كل عالم اجتمع في الشر كله ) ، ثمّ قال ابن عبد البر : و هذا إجماع لا أعلم فيه خلافاً . اهـ . [ جامع بيان العلم و فضله : 2 / 112 ] . المسألة الرابعة : إنَّ في تتبّع التخفيفات ، و العزوف عن العزائم إلى الرخَص ، مذمومٌ لما فيه من مجاراة اليهود الذين غَضِبَ الله عليهم و لعنهم ، و جَعلَ منهم القردة و الخنازير . روى القرطبي في تفسير قول الله تعالى : ( يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ لا يَحْزُنْكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْرِ مِنَ الَّذِينَ قَالُوا آمَنَّا بِأَفْوَاهِهِمْ وَ لَمْ تُؤْمِنْ قُلُوبُهُمْ وَ مِنَ الَّذِينَ هَادُوا سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ سَمَّاعُونَ لِقَوْمٍ آخَرِينَ لَمْ يَأْتُوكَ يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ مِنْ بَعْدِ مَوَاضِعِهِ يَقُولُونَ إِنْ أُوتِيتُمْ هَذَا فَخُذُوهُ وَ إِنْ لَمْ تُؤْتَوْهُ فَاحْذَرُوا ) [ المائدة : 41 ] عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه ، قال : زنى رجل من أهل فَدَك ، فكتب أهل فدك إلى ناسٍ من اليهود بالمدينة ؛ أن سلوا محمداً عن ذلك فإن أمركم بالجلد فخذوه وإن أمركم بالرجم فلا تأخذوه ... فنزلت . [ تفسير القرطبي : 6 / 177 ] و في سنن أبي داود عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ : زَنَى رَجُلٌ مِنَ الْيَهُودِ وَ امْرَأَةٌ فَقَالَ بَعْضُهُمْ
لِبَعْضٍ : اذْهَبُوا بِنَا إِلَى هَذَا النَّبيِّ فَإِنَّهُ نَبِيٌّ بُعِثَ بِالتَّخْفِيفِ فَإِنْ أَفْتَانَا بِفُتْيَا دُونَ الرَّجْمِ قَبِلْنَاهَا وَاحْتَجَجْنَا بِهَا عِنْدَ اللَّهِ قُلْنَا فُتْيَا نَبيٍّ مِنْ أَنْبِيَائِكَ . المسألة الخامسة : تشبّثَ دُعاة التيسير من المفتين المُعاصِرين بجملة من الشُبَه ، انتصاراً لمذهبهم ، و من ذلك : شبهتهم الأولى و ردُّها : استدلالهم بعموم النصوص الدالّة على أنّ التيسير و رَفع المشقّة مقصد من مقاصَد التشريع الإسلامي ، كقوله تعالى : ( يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ ) [ البقرة : 185 ] . و يغفلون عن صدر هذه الآية الذي فيه رَفعُ رُخصة الفطر في رَمضان مع الكفّارة لمن قدِرَ على الصوم ، و هو ما ثبتَ بقوله تعالى في الآية السابقة لها : ( وَ عَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ ) . رَوَى الْبُخَارِيّ عَنْ سَلَمَة بْن الأَكْوَع أَنَّهُ قَالَ : لَمَّا نَزَلَتْ ( وَ عَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ ) ، كَانَ مَنْ أَرَادَ أَنْ يُفْطِر و يَفْتَدِي حَتَّى نَزَلَتْ الآيَة الَّتِي بَعْدهَا فَنَسَخَتْهَا. قلتُ : و هذا من قبيل النسخ بالأشد ، و هو من التشديد و ليس من التيسير ، في شيءٍ ، فتأمّل ! و مثل ذلك استدلالهم بقوله تعالى : ( وَ مَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ ) [ الحج : 78 ] ، متغافلين عن صدر الآية ذاتها ، و هو قوله تعالى : ( وَ جَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ هُوَ اجْتَبَاكُمْ ) مع أنّه لا مشقّة تفوق مشقّة الجهاد و التكليف به ، فبقي أن يُحمل رَفع الحرج على ما رُفِعَ بنصّ الشارع الحكيم سبحانه ، لا بآراء المُيَسّرين . و من هذا القبيل ما رواه الشيخان في صحيحيهما ، و أبو داود في سننه , و أحمد في مسنده ، عَنْ أم المؤمنين عَائِشَةَ رضى الله عنها ، قَالَتْ : ( مَا
خُيِّرَ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم بَيْنَ أَمْرَيْنِ إِلاَّ اخْتَارَ أَيْسَرَهُمَا ، مَا لَمْ يَأْثَمْ ، فَإِذَا كَانَ الإِثْمُ كَانَ أَبْعَدَهُمَا مِنْهُ ) . و ما رواه البخاري في كتاب العلم من صحيحه ، و مسلم في الجهاد و السير عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه , عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم ، قَالَ : « يَسِّرُوا و لاَ تُعَسِّرُوا ، و بَشِّرُوا و لاَ تُنَفِّرُوا » . و في روايةٍ للبخاري في كتاب الأدب : « يَسِّرُوا و لاَ تُعَسِّرُوا ، و سَكِّنُوا و لاَ تُنَفِّرُوا » . و روى مسلم و أبو داود عَنْ أَبِى مُوسَى رضي الله عنه قَالَ : كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِذَا بَعَثَ أَحَداً مِنْ أَصْحَابِهِ فِي بَعْضِ أَمْرِهِ قَالَ : « بَشِّرُوا و لاَ تُنَفِّرُوا و يَسِّرُوا و لاَ تُعَسِّرُوا » . قلتُ : جميع ما تقدّم من نصوص الوحيَين ، و كثيرٌ غيره ممّا يقرّر قيام الشريعة الغرّاء على اليُسر و نفي الضرر ، و رفع الحَرَج ، فهِمَه الميسّرون على غير وجهه ، و حمّلوه ما لا يحتمل ، متعنّتين في توجيهه لنُصرة شُبهَتهم القاضيةَ بجَعل التيسير في الفتوى منهاجاً رَشَداً ، و فيما يلي نقضُ غَزلهم ، و كشف شبههم إن شاء الله : أوّلاً : ثمّة فرقٌ لغويٌ بين اليُسر و التيسير ، فاليُسر صفةٌ لازمةٌ للشريعة الإسلاميّة ، و مقصدٌ من مقاصدها التشريعيّة جاء به الكتاب و السنّة ، و أنزله النبيّ صلّى الله عليه و سلّم و السلفُ الصالحُ منزلَتَه ، أمّا التيسير فهو من فِعل البشر ، و يعني جَعلَ ما ليس بميسَّرٍ في الأصل يسيراً ، و هذا مَوطِنُ الخَلل . ثانياً : إن اختيار النبيّ صلّى الله عليه و سلّم للأيسر في كلّ أمرين خُيِّرَ بينهما ، كما في حديث عائشة رضي الله عنها المتقدّم فيه أربع نكات لطيفةٍ : الأولى : أنَّ الاختيار واقع منه صلّى الله عليه و سلّم فيما خُيّر فيه ، و ليس في كلّ ما أوحيَ إليه أو كُلّف به ، هو أو
أمّته ، و مثال ذلك الاختلاف في صيَغ الأذان ، و تكبيرات العيد ، و ما إليه حيث لا يعيبُ من أخَذ بهذا على من أخذَ بذاك من العلماء ، لثبوت الروايات بالأمرين كليهما . و الثانيّة : تقييد التخيير بما لم يكُن إثماً ، و لا شكّ أنّ العدول عن الراجح إلى المرجوح ، أو تعطيل ( و من باب أولى رد ) ما ثبت من الأدلّة الشرعيّة إثمٌ يُخشى على صاحبه من الضلال ، فلا وَجه لاعتباره من التيسير المشروع في شيء . و الثالثةُ : أنّ التخيير المذكور في الحديث يُحمل على أمور الدنيا لا الدِّين ، و هذا ما فهمه أهل العِلم قَبلَنا ، و منهم الحافظ ابن حجر ، حيث قال رحمه الله في الفتح : ( قولُه بين أمرين : أي من أمور الدنيا. لأن أمور الدين لا إثم فيها ... و وقوع التخيير بين ما فيه إثم و ما لا إثم فيه من قِبَل المخلوقين واضح ، و أمَّا من قبل الله ففيه إشكال ؛ لأن التخيير إنما يكون بين جائِزَين ) [ فتح الباري : 6 / 713 ] . و الرابعة : أنّ هذا الخبر ما لم يُقيّد بما سبق سيكون معارضاً باختيار النبيّ صلّى الله عليه و سلّم الأشقَّ على نفسه ، كقيامه الليل حتّى تتشقق قدَماه مع أنّ الله تعالى قد غَفَر له ما تقدّم من ذنبه و ما تأخّر . قال الحافظ في الفتح : ( لكن إذا حملناه على ما يفضي إلى الإثم أمكن ذلك بأن يخيره بين أن يفتح عليه من كنوز الأرض ما يخشى مع الاشتغال به أن لا يتفرغ للعبادة مثلاً ، و بين أن لا يُؤتِيَه من الدنيا إلا الكفاف ، و إن كانت السعة أسهل منه ، و الإثم على هذا أمر نسبي ، لا يراد منه معنى الخطيئة لثبوت العصمة له ) [ فتح الباري : 6 / 713 ]. ثالثاً : لا تكليف بدون مشقّة ، و أن كانت المشقّة الحاصلة بكلِّ تكليفٍ بحَسَبه ، و هي متفاوتة ، فإذا جاز لنا تخيّر أيسر المذاهب دفعاً لكلّ مشقّةٍ ، ترتّبَ على ذلك إسقاط كثيرٍ من التكاليف الشرعيّة ... قال الإمام شمس الدين ابن القيّم رحمه الله : ( لو جاز لكل مشغول وكل
مشقوق عليه الترخيص ضاع الواجب واضمحل بالكلية ) [ إعلام الموقعين 2 / 130 ]. و قال أيضاً في مَعرض كلامه عن رُخَص السفَر : ( إنَّ المشقة قد عُلِّقَ بها من التخفيف ما يناسبها ، فإن كانت مشقة مرض و ألم يُضِرُّ به جاز معها الفطر و الصلاة قاعداً أو على جنب ، و ذلك نظير قصر العدد ، و إن كانت مشقّةَ تعبٍ فمصالح الدنيا و الآخرة منوطةٌ بالتعب ، و لا راحة لمن لا تعب له بل على قدر التعب تكون الراحة فتناسبت الشريعة في أحكامها و مصالحها بحمد الله و مَنِّه ) [ إعلام الموقعين 2 / 131 ]. شبهتهم الثانية و ردُّها : زعموا أنّهم مُقلّدون في اختيارهم للأيسر ، و اعتمادهم إيّاه في الفتوى ، و أنّ لهم سَلفٌ فيما أفتوا به ، و لو كان قولاً ضعيفاً ، أو شاذّاً ، أو مَرجوحاً ، بل صاروا ينكِرون على من خالَفهم بغير دليل ، لا لشيءٍ سوى لأنّه لم يذهَب مَذهبَهُم ، و لم يَصِر إلى ما صاروا إليه من الإفراط في التيسير ، و لو بتعطيل أو إغفال أدلّة مخالفيهم . و هُم في هذا مَحجوجون بانعقاد الإجماع على خلاف منهجهم ، فقد قال الإمام القرّافي رحمه الله ( أمّا الحُكم و الفتيا بالمرجوح فهو خلاف الإجماع ) [ مواهب الجليل : 6 / 91 ] . و قال الإمام النووي : ( لو جاز اتّباع أي مذهب شاء لأفضى إلى أن يلتقط رخص المذاهب متَّبِعاً لهواه ، و يَتخيَّرَ بين التحليل و التحريم و الوجوب و الجواز ، و ذلك يؤدي إلى الانحلال من رِبقة التكليف ) [ المهذّب : 1 / 5 ] . و قال الإمام الشاطبي رحمه الله : ( رُبَّما وقع الإفتاء في المسألة , فيقال : لِمَ تمنع و المسألة مختلف فيها ؟ فيجعل الخلاف حجة في الجواز لمجرد كونها مختلفا فيها , لا لدليل يدل على صحة الجواز, ولا لتقليد من هو أولى بالتقليد من القائل بالمنع ، و هو عين الخطأ على الشريعة حيث جعل ما ليس بمعتمد معتمداً , و ما ليس بحجة حجة ) [ الموافقات : 4 / 78 ] . و قال السيخ منصور البهوتي الحنبلي : (
و ليس لمن انتسب إلى مذهب إمام إذا استفتى في مسألة ذات قولين أو وجهين ، بأن يتخير و يعمل بأيّهما شاء ، بل يُراعي ألفاظَ الأئمة و متأخرهما و أقربهما من الكتاب و السنة ) [ كشاف القناع : 6 / 300 ] . شبهتهم الثالثة و ردُّها : تذرّعوا بما روي عن السلف و الأئمة المتّبعين بإحسان ، من استحباب الأخذ بالرُخص ، و من ذلك ، قول قتادة رحمه الله : ( ابتغوا الرخصة التي كَتَب الله لكم ) [ انظره في : تحفة المولود ، ص : 8 ] . و قول سفيان الثوري رحمه الله : ( إنَّما العلم عندنا الرخصة من ثقة , فأما التشديد فيُحسنه كل أحد ) [ آداب الفتوى للنووي ، ص : 37 ] . و قول شيخ الإسلام ابن تيميّة : ( إذا فعل المؤمن ما أُبيح له قاصداً العدول عن الحرام لحاجته إليه فإنّه يثاب على ذلك ) [ مجموع الفتاوى : 7 / 48 ] . و قول ابن القيّم : ( الرخص في العبادات أفضل من الشدائد ) [ شرح العمدة : 2 / 541 ] . إلى غير ذلك ممّا وقفوا عليه فاحتجّوا به ، أو غاب عنهم فأغفلوه . و لو تأمّلنا ما أوردناه ( و لا أعلَم لهم استدلالاً بغيره من أقوال الأئمّة ) لما رأينا فيه دليلاً على التيسير الذي يُدندنُ حَوله المعاصرون ، فقتادةُ يدعوا إلى الترخّص حيث شرع الله الرخصة ، و لا يقول : رخِّصوا باستحسانكم ، أو لمجرّد التخفيف عن العباد أو مسايرتهم . و ابن تيميّة يذكر الاستغناء بالحلال عن الحرام ، و ليس الإفتاء بعدَم حُرمةِ الحرَام أصلاً ، أو اختيار قول من يعدل عن التحريم إلى التحليل أو مجرّد الكراهة ، و إن ضَعُفَت حُجّته ، و وَهت شُبهته . أمّا ابن القيّم فكلامه في الرخص في العبادات ، و هذا لا خلاف فيه ، أمّا دُعاة التيسير فقد وقعوا في تحليل الحرام ، و تفي الكراهة عن المكروه ، و شتّان ما بين المذهبين . و ما يُروى عن سفيان رَحمه الله لا يؤخذ منه الترخيص بإسقاط الواجب ، أو تحليل المحرّم ، و لكنّه موجّه إلى ما ينبغي أن يفتيَ به العالم من وَقع
في حرَج متيقّن ليعينه على القيام بما وَجَبَ عليه ، لا ليُسقِطه عنه . قال النووي : ( و أما من صحَّ قصدُه , فاحتَسَبَ في طلب حيلةٍ لا شُبهةَ فيها , لتخليصٍ من ورطة يمينٍ و نحوها , فذلك حسن جميل ، و عليه يُحمل ما جاء عن بعض السلف من نحو هذا , كقول سفيان : إنَّما العلم عندنا الرخصة من ثقة , فأما التشديد فيُحسنه كل أحد ) [ آداب الفتوى للنووي ، ص : 37 ] . و الله أعلم . المسألة السادسة : التساهل في الفتيا بغير مستندٍ شرعيٍ مذمومٌ كُلُّه ، و إن كانت بَعضُ صوره أشنع من بعض ، و ذلك بحسب الباعث على التيسير ، و قد ذكر بعض أهل العلمِ صوراً من التيسير المذموم ، و من ذلك قول الإمام النووي رحمه الله : ( و من التساهل أن تحمله الأغراض الفاسدة على تتبع الحيل المحرمة أو المكروهة , و التمسُّكِ بالشبه طلباً للترخيص لمن يروم نفعَه أو التغليظَ على من يريد ضُرَّه ) [ آداب الفتوى للنووي ، ص : 37 ] . و أشنع أنواع التيسير ما يفتي به المتزلّفون المتملّقون للحكّام من تبرير المنكرات ، أو التهوين من شأن الواجبات ، تبعاً للأغراض و الشهوات . قال محدّث المغرب أبو الفضل عبد الله بن الصديق الغماري رحمه الله : ( أمَّا الذين يُسارعون إلى إباحة بعض المحرمات , و يصدرون فتاوى يُرضون بها رؤساء بعض الحكومات ، و قد تختلف فتاواهم بالتحليل و التحريم حسب اختلاف الأغراض و الشهوات , فهؤلاء مجتهدون في محو الدين , مُجدّون في تغيير أحكامه ، و لن يُفلتوا من عقاب الله تعالى ، و لا من شديد انتقامه ، و ما الله بغافل عما يعملون ) [ خواطر دينيّة و بحوث غالية لابن الصديق الغماري ، ص : 161 ]. المسألة السابعة : بقيَ أنّ نبيّن المنهج الحق في الإفتاء و الترجيح و العمل ، و هو الذي نوصي به أنفسنا و إخواننا ، و ليسَ إلا اتباع الكتاب و السنّة ، و ما شهدا بصحّته من الأدلّة الشرعيّة ( الإجماع و القياس المنضبط ) ، و تقرير ذلك مبسوطٌ في كتب
الأئمّة ، و لا حاجة لتقصّيه في هذه العُجالة ، بل نكتفي منه بقول الحافظ الذهبي : ( من بلغ رتبة الاجتهاد ، وشهد له بذلك عدة من الأئمة، لم يسغ له أن يقلد ، كما أن الفقيه المبتدئ و العامي الذي يحفظ القرآن أو كثيراً منه لا يسوغ له الاجتهاد أبداً ، فكيف يجتهد و ما الذي يقول ؟ وعلام يبني ؟ و كيف يطير ولما يُريِّش ؟ و القسم الثالث: الفقيه المنتهي اليقظ الفهم المحدث ، الذي قد حفظ مختصراً في الفروع ، و كتاباً في قواعد الأصول و قرأ النحو ، و شارك في الفضائل ، مع حفظه لكتاب الله و تشاغله بتفسيره و قوة مناظرته ، فهذه رتبة من بلغ الاجتهاد المقيَّد ، و تأهل للنظر في دلائل الأئمة ، فمتى وضح له الحق في مسالة و ثبت فيها النص و عمل بها أحد الأئمة الأعلام ... فليتبع فيها الحق و لا يسلك سبيل الرخص ، و ليتورع ، و لا يسعه فيها بعد قيام الحجة عليه تقليد ) . [ سير أعلام النبلاء : 18 / 191 ] . و الله نسأل أن يوفّقنا ، و الأخ السائل ، و سائر من بلغه كتابُنا هذا إلى خير القول و العمَل ، و أن يعصمنا بمنّه و فضله من الضلالة و الزلل . و الحمد لله ربّ العالمين
ـــــــــــــــــــ(116/9)
الحيل ...
عنوان الفتوى
... دار الإفتاء المصرية ...
اسم المفتى
... 19837 ...
رقم الفتوى
... 22/07/2004 ...
تاريخ الفتوى على الموقع
... ...
نص السؤال
سئل : قد يصعب فى بعض الأحيان تنفيذ حكم من الأحكام ، فيفكر بعضى الناس فى حيلة تعفى من تنفيذ هذا الحكم دون مؤاخذة عليه فهل الحيل مشروعة أو ممنوعة ؟
نص الفتوى
أجاب : عقد البخارى فى صحيحه كتابا عن الحيل وأورد صورا منها فى العبادات وغيرها ، وابن حجر فى كتابه فتح البارى " ج 12 ص 342 " ذكر أن الحيلة هى ما يتوصل به إلى مقصود بطريق خفى . وحكم عليها بقوله : وهى عند العلماء على أقسام بحسب الحامل عليها-أى الداعى إليها -فإن توصل بها بطريق مباح إلى إبطال حق أو إثبات باطل فهى حرام ، أو إلى إثبات حق أو دفع باطل فهى واجبة أو مستحبة ، وإن توصل بها بطريق مباح إلى سلامة من وقوع فى مكروه فهى مستحبة أو مباحة، أو إلى ترك مندوب فهى مكروهة . ثم قال : ووقع الخلاف بين الأئمة فى القسم الأول : هل يصح مطلقا وينفذ ظاهرا وباطنا ، أو يبطل مطلقا ، أو يصح مع الإثم . ولمن أجازها مطلقا أو أبطلها مطلقا أدلة كثيرة .
فمن الأول قوله تعالى { وخذ بيدك ضغثا فاضرب به ولا تحنث } ص : 44 ، وهو فى حق أيوب حين حلف أن يضرب زوجته مائة جلدة-وقد عمل به النبى صلى الله عليه وسلم فى حق الضعيف الذى زنى - هو من حديث أبى أمامة بن سهل فى السنن . ومنه قوله تعالى { ومن يتق الله يجعل له مخرجا} الطلاق : 2 ، والحيل فيها مخارج من المضايق فتكون جائزة . ومن الثانى قصة أصحاب السبت وحديث " حرمت عليهم الشحوم فجملوها فباعوها وأكلوا ثمنها " وحديث لعن المحلل والمحلل له .
والأصل فى اختلاف العلماء فى ذلك اختلافهم : هل المعتبر فى صيغ العقود ألفاظها أو معانيها؟ فمن قال بالأول أجاز الحيل. ثم اختلفوا فمنهم من جعلها تنفذ ظاهرا وباطنا فى جميع الصور أو فى بعضها، ومنهم من قال : تنفذ ظاهرًا لا باطنا ، ومن قال بالثانى أبطلها ولم يجز منها إلا ما وافق فيه اللفظ المعنى الذى تدل عليه القرائن الحالية . وقد اشتهر القول بالحيل عن الحنفية، لكون أبى يوسف صنف فيها كتابا، لكن المعروف عنه وعن كثير من أئمتهم تقييد أعمالها بقصد الحق . قال صاحب المحيط : أصل الحيل قوله تعالى { وخذ بيدك ضغثا} الآية، وضابطها إن كانت للفرار من الحرام والتباعد عن الإثم فحسن ، وإن كانت لإبطال حق مسلم فلا، بل هى إثم وعدوان .
ثم قال ابن حجر: نص الشافعى على كراهة تعاطى- الحيل فى تفويت الحقوق ، فقال بعض أصحابه : هى كراهة تنزيه - أى لا عقوبة فيها - وقال كثير من محققيهم كالغزالى : هى كراهة تحريم - أى فيها عقوبة - ويأثم بقصده ، ويدل عليه قول " وإنما لكل امرائ ما نوى " فمن نوى بعقد النكاح التحليل كان محللا ودخل فى الوعيد على ذلك باللعن ، ولا يخلصه من ذلك صورة النكاح . وكل شىء قصد به تحريم ما أحل الله أو تحليل ما حرم الله كان إثما ، ثم قال : وفى الجملة فلا يلزم من صحة العقد فى الظاهر رفع الحرج عمن يتعاطى الحيلة الباطلة فى الباطن . وقد نقل النسفى الحنفى فى "الكافى " عن محمد بن الحسن قال :
ليس من أخلاق المؤمنين الفرار من أحكام الله بالحيل الموصِّلة إلى إبطال الحق .
والقرطبى فى تفسيره "ج 9 ص 236 " عند قوله تعالى{ فبدأ بأوعيتهم قبل وعاء أخيه ثم استخرجها من وعاء أخيه كذلك كدنا ليوسف } يوسف : 76 ، قال فى قوله : {كذلك كدنا ليوسف } جواز التوصل إلى الأغراض بالحيل إذا لم تخالف شريعة ولا هدمت أصلا، خلافا لأبى حنيفة فى تجويزه الحيل وإن خالفت الأصول وحرمت التحليل . وذكر أن العلماء أجمعوا على أن للرجل قبل حلول الحول التصرف فى ماله بالبيع والهبة إذا لم ينو الفرار من الصدقة . وقال : من رام أن ينقض شيئا من فرائض الله بحيلة يحتالها لا يفلح ولا يقوم بذلك عذره عند الله ، وما أجازه الفقهاء من تصرف صاحب المال فى ماله قرب حلول الحول إنما هو ما لم يرد بذلك الهرب من الزكاة . ومن نوى ذلك فالإثم عنه غير ساقط ، والله حسيبه .
ولم يرتض القرطبى-ومذهبه مالكى-ما رآه الشافعية أو بعضهم من جواز الحيلة للوصول إلى المباح واستخراج الحقوق .
هذه نبذة عن الحيل واختلاف العلماء فى جوازها ومنعها، وفى اختلافهم رحمة ، وفى رأى أن ربطها بالنية مطلوب ، وما ذكره ابن حجر فى ذلك جميل .
ـــــــــــــــــــ(116/10)
نِكَاحُ الْمُحَلِّل :
19 - نِكَاحُ الْمُحَلِّل يَتَأَتَّى فِي امْرَأَةٍ طَلَّقَهَا زَوْجُهَا ثَلاَثًا فَلاَ تَحِل لِزَوْجِهَا الأَْوَّل إِلاَّ بِشُرُوطٍ هِيَ :
أ - أَنْ تَنْقَضِيَ عِدَّتُهَا مِنْهُ .
ب - أَنْ يَتَزَوَّجَهَا رَجُلٌ آخَرُ زَوَاجًا صَحِيحًا .
ج - أَنْ يَدْخُل بِهَا الزَّوْجُ الْجَدِيدُ دُخُولاً حَقِيقِيًّا بِأَنَّ تَغِيبَ حَشَفَتُهُ أَوْ قَدْرُهَا فِي فَرْجِهَا .
د - أَنْ يُطَلِّقَهَا الزَّوْجُ الآْخَرُ .
هـ - أَنْ تَنْقَضِيَ عِدَّتُهَا مِنْهُ (1)
وَقَدْ قَسَّمَ الْفُقَهَاءُ صُوَرَ نِكَاحِ الْمُحَلِّل إِلَى أَقْسَامٍ مِنْهَا :
الأُْولَى : أَنْ يَتَزَوَّجَهَا عَلَى شَرْطٍ إِذَا أَحَلَّهَا بِإِصَابَةٍ لِلزَّوْجِ الأَْوَّل فَلاَ نِكَاحَ بَيْنَهُمَا وَهَذَا النِّكَاحُ بَاطِلٌ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ وَهُوَ قَوْل عَامَّةِ أَهْل الْعِلْمِ مِنْهُمُ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ وَالنَّخَعِيُّ وَقَتَادَةُ وَاللَّيْثُ وَالثَّوْرِيُّ وَابْنُ الْمُبَارَكِ ، لِحَدِيثِ : لَعَنَ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمُحِل وَالْمُحَلَّل لَهُ (2) وَلِحَدِيثِ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ قَال : قَال رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : أَلاَ أُخْبِرُكُمْ بِالتَّيْسِ الْمُسْتَعَارِ ؟ قَالُوا : بَلَى يَا رَسُول اللَّهِ . قَال : هُوَ الْمُحَلِّل ، لَعَنَ اللَّهُ الْمُحَلِّل وَالْمُحَلَّل لَهُ (3)
__________
(1) كِفَايَة الأَْخْيَار 2 / 109 ، وَالْحَاوِي الْكَبِير للماوردي 11 / 455 ، وَالْمُغْنِي لاِبْن قُدَامَة 6 / 646 ، وَالشَّرْح الصَّغِير 2 / 415 وَمَا بَعْدَهَا ، وَابْن عَابِدِينَ 2 / 537 وَمَا بَعْدَهَا .
(2) حَدِيث : " لَعَنَ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَحَل وَالْمُحَلِّل لَهُ " . أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيّ ( 3 / 419 ط الْحَلَبِيّ ) ، وَقَال : هَذَا حَدِيث حَسَن صَحِيح . وَصَحَّحَهُ ابْن الْقَطَّان وَابْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ كَمَا فِي التَّلْخِيصِ الْحَبِيرِ ( 3 / 170 ط شَرِكَة الطِّبَاعَةِ الْفَنِّيَّةِ )
(3) حَدِيث : " ألا أُخْبِرُكُمْ بِالتَّيْسِ الْمُسْتَعَارِ . . . " . أَخْرَجَهُ ابْن مَاجَهْ ( 1 / 622 - 623 ط الْحَلَبِيّ ) ، وَالْحَاكِم ( 2 / 199 ط دَائِرَة الْمَعَارِفِ النِّظَامِيَّة ) وَصَحَّحَهُ .
وَلِمَا رَوَاهُ قَبِيصَةُ بْنُ جَابِرٍ قَال : " سَمِعْتُ عُمَرَ وَهُوَ يَخْطُبُ النَّاسَ وَهُوَ يَقُول : وَاللَّهِ لاَ أُوتَى بِمُحِلٍّ وَلاَ مُحَلَّلٍ لَهُ إِلاَّ رَجَمْتُهُمَا " (1) وَلأَِنَّهُ إِلَى مُدَّةٍ أَوْ فِيهِ شَرْطٌ يَمْنَعُ بَقَاءَهُ فَأَشْبَهَ نِكَاحَ الْمُتْعَةِ ، بَل أَغْلَظُ مِنْ نِكَاحِ الْمُتْعَةِ مِنْ وَجْهَيْنِ كَمَا قَال الْمَاوَرْدِيُّ أَحَدُهُمَا : جَهَالَةُ مُدَّتِهِ . وَالثَّانِي : أَنَّ الإِْصَابَةَ فِيهِ مَشْرُوطَةٌ لِغَيْرِهِ فَكَانَ بِالْفَسَادِ أَخَصَّ .
وَلأَِنَّهُ نِكَاحٌ شُرِطَ فِيهِ انْقِطَاعُهُ قَبْل غَايَتِهِ فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ بَاطِلاً (2)
وَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ إِلَى أَنَّهُ يَصِحُّ نِكَاحُ الْمُحَلِّل بِكُل صُوَرِهِ إِلاَّ أَنَّهُ يُكْرَهُ عِنْدَهُمْ تَحْرِيمًا إِذَا كَانَ بِشَرْطِ التَّحْلِيل كَأَنْ يَقُول : تَزَوَّجْتُكِ عَلَى أَنْ أُحِلَّكِ لِلأَْوَّل ، فَيَصِحُّ النِّكَاحُ وَيَلْغُو الشَّرْطُ .
وَخَالَفَهُمْ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ أَبُو يُوسُفَ فَيَرَى
__________
(1) أَثَر عُمَر : ( وَاللَّه لاَ أَوُتَى . . . " . عَزَاهُ بِهَذَا اللَّفْظِ ابْنُ قُدَامَة فِي الْمُغْنِي ( 9 / 55 ط هَجَرَ ) إِلَى الأَْثْرَمِ وَأَخْرَجَهُ سَعِيد بْن مَنْصُور ( الْقِسْم الثَّانِي مِنَ الْمُجَلَّدِ الثَّالِثِ / 51 ط عِلْمِي بِرَسٍّ ) بِنَحْوِ هَذَا اللَّفْظِ .
(2) الْحَاوِي الْكَبِير للماوردي 11 / 456 ، وَمُغْنِي الْمُحْتَاج 3 / 182 ، وَالْمُغْنِي لاِبْن قُدَامَة 6 / 646 ، وَبُلُوغ الْمَرَام وَشَرْحه سُبُل السَّلاَمِ 3 / 246 ، وَكِفَايَة الأَْخْيَار 2 / 109 ، وَكَشَّاف الْقِنَاع 5 / 94 .
فَسَادَ النِّكَاحِ فِيهَا لأَِنَّهُ فِي مَعْنَى النِّكَاحِ الْمُؤَقَّتِ وَلاَ تَحِل لِزَوْجِهَا الأَْوَّل (1)
الثَّانِيَةُ : أَنْ يَتَزَوَّجَهَا وَيَشْتَرِطَ فِي الْعَقْدِ أَنَّهُ إِذَا أَحَلَّهَا لِلزَّوْجِ الأَْوَّل طَلَّقَهَا فَهَذَا النِّكَاحُ بَاطِلٌ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ عَلَى الصَّحِيحِ مِنَ الْمَذْهَبِ وَالشَّافِعِيَّةِ فِي الأَْصَحِّ وَأَبِي يُوسُفَ لأَِنَّهُ شَرْطٌ يَمْنَعُ دَوَامَ النِّكَاحِ فَأَشْبَهَ التَّأْقِيتَ . وَلِحَدِيثِ : لَعَنَ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمُحِل وَالْمُحَلَّل لَهُ .
وَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ وَهُوَ قَوْلٌ عِنْدَ كُلٍّ مِنَ الشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ إِلَى صِحَّةِ هَذَا النِّكَاحِ وَبُطْلاَنِ الشَّرْطِ (2) ، لأَِنَّهُ لَوْ تَزَوَّجَهَا عَلَى أَنْ لاَ يُطَلِّقَهَا كَانَ النِّكَاحُ جَائِزًا وَلَهُ أَنْ يُطَلِّقَهَا ، وَكَذَلِكَ إِذَا تَزَوَّجَهَا عَلَى أَنْ يُطَلِّقَهَا وَجَبَ أَنْ يَصِحَّ النِّكَاحُ وَلاَ يَلْزَمُهُ أَنْ يُطَلِّقَهَا كَمَا قَال الشَّافِعِيَّةُ ، وَلأَِنَّ عُمُومَاتِ النِّكَاحِ تَقْتَضِي الْجَوَازَ مِنْ غَيْرِ فَصْلٍ بَيْنَ مَا إِذَا شُرِطَ فِيهِ الإِْحْلاَل أَوْ لاَ ، فَكَانَ هَذَا النِّكَاحُ صَحِيحًا ، فَيَدْخُل كَمَا قَال أَبُو حَنِيفَةَ تَحْتَ قَوْلِهِ تَعَالَى : { حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ (3) } إِلاَّ أَنَّهُ كَرِهَ النِّكَاحَ بِهَذَا الشَّرْطِ ، لأَِنَّهُ يُنَافِي الْمَقْصُودَ مِنَ النِّكَاحِ وَهُوَ السَّكَنُ وَالتَّوَالُدُ وَالتَّعَفُّفُ ، لأَِنَّ ذَلِكَ
__________
(1) حَاشِيَة ابْن عَابِدِينَ 2 / 540 وَمَا بَعْدَهَا .
(2) الْبَدَائِع 3 / 187 ، وَالشَّرْح الصَّغِير 3 / 413 ، وَالْحَاوِي 11 / 457 ، وَالإِْنْصَاف 8 / 161 ، وَكَشَّاف الْقِنَاع 5 / 94
(3) سُورَة الْبَقَرَة / 230
يَقِفُ عَلَى الْبَقَاءِ وَالدَّوَامِ عَلَى النِّكَاحِ . قَال الْكَاسَانِيُّ : وَهَذَا - وَاللَّهُ أَعْلَمُ - مَعْنَى إِلْحَاقِ اللَّعْنِ بِالْمُحَلِّل فِي الْحَدِيثِ ، وَأَمَّا إِلْحَاقُ اللَّعْنِ بِالْمُحَلَّل لَهُ فَيَحْتَمِل أَنْ يَكُونَ لِوَجْهَيْنِ :
أَحَدُهُمَا : أَنَّهُ سَبَبٌ لِمُبَاشَرَةِ الزَّوْجِ الثَّانِي هَذَا النِّكَاحَ ، لِقَصْدِ الْفِرَاقِ وَالطَّلاَقِ دُونَ الإِْبْقَاءِ وَتَحْقِيقِ وَمَا وُضِعَ لَهُ ، وَالْمُسَبِّبُ شَرِيكُ الْمُبَاشِرِ فِي الإِْثْمِ وَالثَّوَابِ فِي التَّسَبُّبِ لِلْمَعْصِيَةِ وَالطَّاعَةِ .
ثَانِيهِمَا : أَنَّهُ بَاشَرَ مَا يُفْضِي إِلَى الَّذِي تَنْفِرُ مِنْهُ الطِّبَاعُ السَّلِيمَةُ وَتَكْرَهُهُ مِنْ عَوْدِهَا إِلَيْهِ - أَيِ الْمَرْأَةِ - مِنْ مُضَاجَعَةِ غَيْرِهِ إِيَّاهَا وَاسْتِمْتَاعِهِ بِهَا وَهُوَ الطَّلَقَاتُ الثَّلاَثُ ، إِذْ لَوْلاَهَا لَمَا وَقَعَ فِيهِ فَكَانَ إِلْحَاقُهُ اللَّعْنَ بِهِ لأَِجْل الطَّلَقَاتِ (1)
وَقَدْ أَوَّل الْحَنَفِيَّةُ اللَّعْنَ الْوَارِدَ فِي شَأْنِ الْمُحَلِّل بِتَأْوِيلاَتٍ أُخْرَى مِنْهَا : أَنَّ اللَّعْنَ عَلَى مَنْ شَرَطَ الأَْجْرَ عَلَى التَّحْلِيل ، وَقَال ابْنُ عَابِدِينَ : وَاللَّعْنُ عَلَى هَذَا الْحَمْل أَظْهَرُ ، لأَِنَّهُ كَأَخْذِ الأُْجْرَةِ عَلَى عَسْبِ التَّيْسِ وَهُوَ حَرَامٌ ، وَيُقَرِّبُهُ أَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلاَةُ وَالسَّلاَمُ سَمَّى الْمُحَلِّل بِالتَّيْسِ الْمُسْتَعَارِ .
وَنَقَل ابْنُ عَابِدِينَ عَنِ الْبَزَّازِيِّ : أَنَّهُ لَوْ زَوَّجَتِ الْمُطَلَّقَةُ نَفْسَهَا مِنَ الثَّانِي بِشَرْطِ أَنْ
__________
(1) الْبَدَائِع 3 / 187 - 188 ، وَالْحَاوِي الْكَبِير للماوردي 11 / 457 ، وَمُغْنِي الْمُحْتَاج 3 / 183 .
يُجَامِعَهَا وَيُطْلِقَهَا لِتَحِل لِلأَْوَّل قَال الإِْمَامُ : النِّكَاحُ وَالشَّرْطُ جَائِزَانِ حَتَّى إِذَا أَبَى الثَّانِي طَلاَقَهَا أَجْبَرَهُ الْقَاضِي عَلَى ذَلِكَ وَحَلَّتْ لِلأَْوَّل (1) .
الثَّالِثَةُ : أَنْ يَتَوَاطَأَ الْعَاقِدَانِ قَبْل الْعَقْدِ عَلَى أَنَّهُ إِذَا أَحَلَّهَا لِلزَّوْجِ الأَْوَّل طَلَّقَهَا ثُمَّ عَقَدَ بِذَلِكَ الْقَصْدِ مِنْ غَيْرِ ذِكْرِ الشَّرْطِ فِي صُلْبِ الْعَقْدِ .
فَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ فِي وَجْهٍ ذَكَرَهُ الْقَاضِي إِلَى صِحَّةِ هَذَا النِّكَاحِ ، لِخُلُوِّهِ مِنْ شَرْطٍ يُفْسِدُهُ فَأَشْبَهَ مَا لَوْ نَوَى طَلاَقَهَا لِغَيْرِ الإِْحْلاَل أَوْ مَا لَوْ نَوَتِ الْمَرْأَةُ ذَلِكَ ، وَلأَِنَّ الْعَقْدَ إِنَّمَا يَبْطُل بِمَا شُرِطَ لاَ بِمَا قُصِدَ (2) .
قَال مُحَمَّدُ بْنُ سِيرِينَ : إِنَّ امْرَأَةً طَلَّقَهَا زَوْجُهَا ثَلاَثًا وَكَانَ مِسْكِينٌ أَعْرَابِيٌّ يَقْعُدُ بِبَابِ الْمَسْجِدِ ، فَجَاءَتْهُ امْرَأَةٌ فَقَالَتْ لَهُ : هَل لَكَ فِي امْرَأَةٍ تَنْكِحُهَا فَتَبِيتَ مَعَهَا اللَّيْلَةَ ، فَتُصْبِحَ فَتُفَارِقَهَا ؟ فَقَال : نَعَمْ ، وَكَانَ ذَلِكَ ، فَقَالَتْ لَهُ امْرَأَتُهُ : إِنَّكَ إِذَا أَصْبَحْتَ
__________
(1) الْبَدَائِع 3 / 187 ، وَرَدّ الْمُحْتَارِ عَلَى الدَّرِّ الْمُخْتَارِ 2 / 540 - 541
(2) الْبَدَائِع 2 / 187 ، وَحَاشِيَة ابْن عَابِدِينَ 2 / 540 ، وَالْحَاوِي الْكَبِير للماوردي 11 / 457 ، وَمُغْنِي الْمُحْتَاج 3 / 183 ، وَالْمُغْنِي لاِبْن قُدَامَة 6 / 646 ، وَكَشَّاف الْقِنَاع 5 / 95
فَإِنَّهُمْ سَيَقُولُونَ لَكَ فَارِقْهَا ، فَلاَ تَفْعَل فَإِنِّي مُقِيمَةٌ لَكَ مَا تَرَى ، وَاذْهَبْ إِلَى عُمَرَ ، فَلَمَّا أَصْبَحَتْ أَتَوْهُ وَأَتَوْهَا ، فَقَالَتْ : كَلِّمُوهُ أَنْتُمْ جِئْتُمْ بِهِ ، فَكَلَّمُوهُ ، فَأَبَى وَانْطَلَقَ إِلَى عُمَرَ ، فَقَال : الْزَمِ امْرَأَتَكَ فَإِنْ رَابُوكَ بِرَيْبٍ فَائْتِنِي ، وَأَرْسَل إِلَى الْمَرْأَةِ الَّتِي مَشَتْ فَنَكَّل بِهَا ، ثُمَّ كَانَ يَغْدُو إِلَى عُمَرَ وَيَرُوحُ فِي حُلَّةٍ فَيَقُول : الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي كَسَاكَ يَا ذَا الرُّقْعَتَيْنِ حُلَّةً تَغْدُو فِيهَا وَتَرُوحُ " (1) فَقَدْ أَمْضَى عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ هَذَا النِّكَاحَ وَلَمْ يَرَ فِيهِ بَأْسًا حَيْثُ تَقَدَّمَ فِيهِ الشَّرْطُ عَلَى الْعَقْدِ (2) .
إِلاَّ أَنَّ هَذَا النِّكَاحَ يُكْرَهُ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ خُرُوجًا مِنْ خِلاَفِ مَنْ أَبْطَلَهُ ، وَلأَِنَّ سَيِّدَنَا عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ نَكَّل بِالْمَرْأَةِ الَّتِي سَفَّرَتْ بَيْنَ الرَّجُل وَالْمَرْأَةِ فِي الْقِصَّةِ السَّابِقَةِ فَدَل عَلَى كَرَاهَتِهِ .
أَمَّا الْحَنَفِيَّةُ فَيَرَوْنَ أَنَّ هَذَا النِّكَاحَ مُسْتَحَبٌّ ، وَأَنَّ الرَّجُل الْمُحَلِّل مَأْجُورٌ فِيهِ إِذَا فَعَلَهُ لِقَصْدِ الإِْصْلاَحِ ، لاَ مُجَرَّدَ قَضَاءِ الشَّهْوَةِ وَنَحْوِهَا إِلاَّ
__________
(1) أَثَر ابْن سِيرِين : " أَنَّ امْرَأَةً طَلَّقَهَا زَوْجُهَا . . . " . أَخْرَجَهُ الشَّافِعِيّ فِي الأُْمِّ ( 10 / 274 - ط دَار قُتَيْبَة ) .
(2) الْمُغْنِي لاِبْن قُدَامَة 6 / 647 - 648 ، وَالْحَاوِي الْكَبِير للماوردي 11 / 457 ، وَكَشَّاف الْقِنَاع 5 / 95
أَنَّ السُّرُوجِيَّ أَوْرَدَ : أَنَّهُ يُكْرَهُ ، لأَِنَّ الثَّابِتَ عَادَةً كَالثَّابِتِ نَصًّا ، أَيْ فَيَصِيرُ شَرْطُ التَّحْلِيل كَأَنَّهُ مَنْصُوصٌ عَلَيْهِ فِي الْعَقْدِ .
وَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ إِلَى أَنَّ هَذَا النِّكَاحَ غَيْرُ صَحِيحٍ ، لِحَدِيثِ : لَعَنَ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمُحِل وَالْمُحَلَّل لَهُ (1) وَلأَِنَّهُ قَصَدَ بِهِ التَّحْلِيل فَلَمْ يَصِحَّ كَمَا لَوْ شَرَطَهُ فِي صُلْبِ الْعَقْدِ إِلاَّ أَنَّ الْحَنَابِلَةَ يَرَوْنَ أَنَّهُ بَاطِلٌ ، أَمَّا الْمَالِكِيَّةُ فَيَرَوْنَ أَنَّهُ يُفْسَخُ أَبَدًا بِطَلْقَةٍ بَائِنَةٍ لِلاِخْتِلاَفِ فِيهِ (2) قَال الدُّسُوقِيُّ : وَمَحَل فَسَادِ النِّكَاحِ إِذَا قَصَدَ الْمُحَلِّل تَحْلِيلَهَا مَا لَمْ يَحْكُمْ بِصِحَّتِهِ مَنْ يَرَى صِحَّتَهُ كَشَافِعِيٍّ وَإِلاَّ كَانَ صَحِيحًا ، لأَِنَّ حُكْمَ الْحَاكِمِ فِي الْمَسَائِل الاِجْتِهَادِيَّةِ يَرْفَعُ الْخِلاَفَ وَيُصَيِّرُ الْمَسْأَلَةَ كَالْمُجْمَعِ عَلَيْهَا (3) .
الرَّابِعَةُ : أَنْ يَشْتَرِطَ عَلَيْهِ قَبْل الْعَقْدِ أَنْ يُحِلَّهَا لَهُ فَنَوَى الْمُحَلِّل فِي الْعَقْدِ غَيْرَ مَا شَرَطُوا عَلَيْهِ كَأَنْ يَقْصِدَ نِكَاحَ رَغْبَةٍ ، أَوْ نَوَى إِمْسَاكَهَا وَعَدَمَ فِرَاقِهَا إِنْ أَعْجَبَتْهُ .
فَذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ : الْحَنَفِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ إِلَى صِحَّةِ هَذَا النِّكَاحِ ، لأَِنَّهُ خَلاَ عَنْ
__________
(1) حَدِيث : " لَعَنَ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَحَل . . . " . سَبَقَ تَخْرِيجه ف 19
(2) الشَّرْح الْكَبِير مَعَ حَاشِيَةِ الدُّسُوقِيّ 2 / 258 - 259 ، وَالشَّرْح الصَّغِير 2 / 413 ، وَالْمُغْنِي لاِبْن قُدَامَة 6 / 645 ، وَكَشَّاف الْقِنَاع 5 / 94 ، وَالْحَاوِي الْكَبِير 11 / 457 .
(3) مِنْ حَاشِيَةِ الدُّسُوقِيّ 2 / 258
شَرْطِ التَّحْلِيل وَنِيَّةِ التَّحْلِيل كَمَا لَوْ لَمْ يَذْكُرْ ذَلِكَ . قَال الْحَنَابِلَةُ : وَعَلَى هَذَا يُحْمَل حَدِيثُ ذِي الرُّقْعَتَيْنِ لأَِنَّهُ لَيْسَ فِيهِ أَنَّهُ قَصَدَ التَّحْلِيل وَلاَ أَنَّهُ نَوَاهُ . وَصَرَّحَ الْمَالِكِيَّةُ بِأَنَّ الْمُحَلِّل إِنْ نَوَى التَّحْلِيل مَعَ نِيَّةِ إِمْسَاكِهَا عِنْدَ الإِْعْجَابِ بِأَنْ نَوَى مُفَارَقَتَهَا إِنْ لَمْ تُعْجِبْهُ وَإِمْسَاكَهَا إِنْ أَعْجَبَتْهُ فَإِنَّهُ لاَ يُحِلُّهَا وَهُوَ نِكَاحٌ فَاسِدٌ : لاِنْتِفَاءِ نِيَّةِ الإِْمْسَاكِ عَلَى الدَّوَامِ الْمَقْصُودَةِ مِنَ النِّكَاحِ وَيُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا قَبْل الْبِنَاءِ وَبَعْدَهُ بِطَلْقَةٍ بَائِنَةٍ (1) .
الآْثَارُ الْمُتَرَتِّبَةُ عَلَى نِكَاحِ الْمُحَلِّل :
أَوَّلاً : حِل الْمَرْأَةِ لِلزَّوْجِ الأَْوَّل :
20 - يَرَى مَنْ قَال بِصِحَّةِ نِكَاحِ الْمُحَلِّل حَسَبَ الصُّوَرِ الْمُتَقَدِّمَةِ أَنَّ هَذَا النِّكَاحَ تَتَعَلَّقُ بِهِ أَحْكَامُ النِّكَاحِ الصَّحِيحِ مِنْ حِل الاِسْتِمْتَاعِ وَوُجُوبِ الْمَهْرِ وَالنَّفَقَةِ وَثُبُوتِ الإِْحْصَانِ وَالنَّسَبِ ، وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الآْثَارِ .
وَأَمَّا مَنِ اعْتَبَرَ نِكَاحَ الْمُحَلِّل فَاسِدًا فِي الصُّوَرِ الَّتِي سَبَقَ ذِكْرُهَا فَيَثْبُتُ فِيهِ عِنْدَهُمْ سَائِرُ أَحْكَامِ الْعُقُودِ الْفَاسِدَةِ وَلاَ يَحْصُل بِهِ الإِْحْصَانُ وَلاَ الإِْبَاحَةُ لِلزَّوْجِ الأَْوَّل .
وَصَرَّحَ الشَّافِعِيَّةُ فِي الْقَدِيمِ بِأَنَّ الْمَرْأَةَ تَحِل لِلزَّوْجِ الأَْوَّل فِي نِكَاحِ الْمُحَلِّل الْفَاسِدِ إِذَا
__________
(1) بَدَائِع الصَّنَائِع 2 / 87 - 88 ، وَمُغْنِي الْمُحْتَاج 3 / 183 ، وَالْجُمَل عَلَى شَرْحِ الْمَنْهَجِ 4 / 187 ، وَحَاشِيَة الدُّسُوقِيّ 2 / 258 ، وَالشَّرْح الصَّغِير 2 / 413 ، وَالْمُغْنِي لاِبْن قُدَامَة 6 / 648 ، وَكَشَّاف الْقِنَاع 5 / 95
ذَاقَتْ عُسَيْلَةَ الْمُحَلِّل وَذَاقَ عُسَيْلَتَهَا (1) .
ثَانِيًا : هَدْمُ الطَّلَقَاتِ :
21 - اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّ نِكَاحَ الْمُحَلِّل يَهْدِمُ طَلَقَاتِ الزَّوْجِ الأَْوَّل الثَّلاَثَ . وَالتَّفْصِيل فِي ( تَحْلِيل ف 12 ) .
__________
(1) الْحَاوِي للماوردي 11 / 458 ، وَالْمُغْنِي 6 / 649 - الموسوعة الفقهية الكويتية - (41 / 344)
هل نكاح التحليل المؤقت (1) يحل المطلقة ثلاثاً :
الفقه الإسلامي وأدلته - (9 / 136)
قال الحنفية والشافعية (2) : تحل المطلقة ثلاثاً لزوجها الأول بنكاح التحليل، لكن يكره عند الحنفية تحريماً التزوج الثاني إن كان بشرط التحليل، مثل: تزوجتك
__________
(1) نكاح المحلل ـ كما ذكر الحنابلة ـ هو أن يتزوج الرجل المطلقة ثلاثاً على أنه إذا أحلها طلقها، أو فلا نكاح بينهما، أو ينويه الزوج، أو يتفقا عليه قبله (غاية المنتهى: 40/3).
(2) الدر المختار: 738/2-749، المهذب: 46/2، تكملة المجموع: 405/15-411.
على أن أحلك. لحديث: «لعن رسول الله صلّى الله عليه وسلم المحلِّل والمحلَّل له» (1) ، ويصح الزواج، ويبطل الشرط، فلا يجبر الثاني على الطلاق. فإن أضمر الزوج الأول والثاني التحليل، أو كان الثاني مأجوراً لقصد الإصلاح، لا مجرد قضاء الشهوة ونحوها، لا يكره.
وذكر الشافعية أن نكاح المحلل باطل إن نكحها على أنها إذا وطئها فلا نكاح بينهما، أو أن يتزوجها على أن يحلل للزوج الأول، لما روى هزيل عن عبد الله قال: «لعن رسول الله صلّى الله عليه وسلم الواصلة والموصولة، والواشمة والموشومة، والمحلِّل والمحلَّل له، وآكل الربا ومطعمه» (2) ولأنه نكاح شرط انقطاعه، دون غايته، فأشبه نكاح المتعة. وأما إن تزوجها واعتقد أنه يطلقها إذا وطئها، فيكره ذلك، لما روى الحاكم والطبراني في الأوسط عن عمر: أنه جاء إليه رجل، فسأله عن رجل طلق امرأته ثلاثاً، فتزوجها أخ له عن غير مؤامرة ليحلها لأخيه، هل تحل للأول؟ قال: لا، إلا بنكاح رغبة وروى أبو مرزوق التجيبي مثله عن عثمان، أي إن تزوج على نية التحليل بدون شرط صح النكاح؛ لأن العقد إنما يبطل بما شرط، لا بما قصد.
والخلاصة: إن زواج المحلل بلا شرط، أي بدون شرط صريح في العقد على التطليق، وإنما بالنية والقصد الباطن صحيح مكروه عند الشافعية؛ لأن العقد استوفى أركانه وشروطه في الظاهر، ولا يتأثر العقد بالباعث الداخلي أي أنهم لا يقولون بمبدأ سد الذرائع بالقصد الداخلي.
وقال المالكية والحنابلة (3) : إن نكاح المحلل أونكاح التيس المستعار ولو بلا شرط: وهو الذي يتزوجها ليحلها لزوجها حرام باطل مفسوخ، لا يصح ولا تحل لزوجها الأول، والمعتبر نية المحلل لا نية المرأة، ولا نية المحلل له.
__________
(1) رواه أحمد والنسائي والترمذي وصححه عن ابن مسعود، ورواه الخمسة إلا النسائي من حديث علي مثله (نيل الأوطار: 138/6).
(2) أخرجه النسائي والترمذي وصححه.
(3) القوانين الفقهية: ص 209، غاية المنتهى: 40/3.
ودليلهم الحديث السابق عن ابن مسعود: «لعن رسول الله صلّى الله عليه وسلم المحلِّل والمحلل له» وحديث عقبة بن عامر: «ألا أخبركم بالتيس المستعار؟ قالوا: بلى، يارسول الله ، قال: هو المحلِّل، لعن الله المحلل والمحلل له» (1) . فهذا يدل على تحريم التحليل؛ لأن اللعن إنما يكون على ذنب كبير. وهذا يتفق مع مبدئهم بسد الذرائع، وهو الراجح لدي. وخص الفريق الأول التحريم والإبطال بما إذا شرط الزوج أنه إذا نكحها الثاني بانت منه، أو شرط أنه يطلقها أو نحوذ لك.
__________
(1) الحديث الأول رواه أحمد والنسائي والترمذي وصححه، والثاني رواه ابن ماجه والحاكم وأعله أبو زرعة وأبو حاتم بالإرسال (نيل الأوطار: 138/6 وما بعدها)
ـــــــــــــــــــ(116/11)
حكم نكاح التحليل
س - ما رأي الشرع في نظركم في زواج التحليل ؟
ج- ينبغي أولاً أن نبين ما هو زواج التحليل ؟ زواج التحليل أن يعمد رجل إلى امرأة طلقها زوجها ثلاث تطليقات أي طلقها ثم راجعها ثم طلقها ثم راجعها ثم طلقها الثالثة فهذه المرأة لا تحل لزوجها الذي طلقها ثلاث تطليقات إلا إذا نكحت زوجاً آخر نكاح رغبة وجامعها ثم فارقها بموت أو طلاق أو فسخ فإنها تحل للزوج الأول . لقول الله - تعالى - " الطلاق مرتان فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان " إلى قوله " فإن طلقها " أي الثالثة " فلا تحل له من بعد حتى تنكح غيره فإن طلقها فلا جناح عليهما أن يتراجعا إن ظنا أن يقيما حدود الله " .
فيعمد رجل من الناس إلى امرأة طلقها زوجها ثلاث تطليقات فيتزوجها بنيته أنه متى حللها للأول طلقها أي متى جامعها طلقها فتعد منه ثم تعود لزوجها الأول . وهذا النكاح نكاح فاسد فقد لعن النبي ، - صلى الله عليه وسلم - ، المحلل والمحلل له وسى المحلل التيس المستعار لأنه كالتيس يستعيره صاحب الغنم لمدة معينة ثم يرده إلى مالكه ، هذا الرجل كالتيس طلب منه الزواج من هذا المرأة ثم مفارقتها .
هذا هو نكاح التحليل ويقع على صورتين
الصورة الأولى أن يشترط ذلك على العقد فيقال للزوج تزوجك إبنتنا بشرط أن تجامعها ثم تطلقها .
الصورة الثانية أن يقع بدون شرط ولكن بينة والنية قد تكون من الزوج وقد تكون من الزوجة وأوليائها . فإذا كانت من الزوج فإن الزوج هو الذي بيده الفرق فلا تحل والمحبة وطلب العفة والأولاد وغير ذلك من مصالح النكاح فتكون نيته مخالفة للمقصود الأساس من النكاح فلا يكون النكاح صحيحاً .
وأما نية المرأة أو أوليائها فهذا محل خلاف بين العلماء ولم يتحرر عندي الآن أي القولين الأصح .
والخلاصة .. أن نكاح التحليل نكاح محرم ونكاح لا يفيد حلها للزوج الأول لأنه غير صحيح .
الشيخ ابن عثيمين
ـــــــــــــــــــ(116/12)
زواج بقصد التحليل
المفتي
محمد خاطر .
شعبان 1391 هجرية - 9 اكتوبر 1970 م
المبادئ
الزواج مع شرط التحليل للأول صحيح، ويبطل الشرط عند أبى حنيفة وزفر، إلا أنه يكون مكروها كراهة تحريمية للأول والثانى
السؤال
بالطلب المتضمن أن السائل طلق زوجته ثلاث مرات لدى مأذون بإشهاد رسمى، وأنها تزوجت بزوج آخر بقصد تحليلها للزوج الأول وكان ذلك بعلمها، ثم طلقها الزوج الآخر بعد أن دخل بها دخولا حقيقيا لمدة 25 يوما .
فهل تحل له بعد انقضاء عدتها من الزوج الثانى .
وطلب بيان الحكم الشرعى فيما ذكره
الجواب
اختلف علماء الحنفية فيما إذا شرطت المرأة على الزوج الثانى أن يكون زواجها به زواج تحليل الغرض منه تمكنها من العودة إلى الزوج الأول فقال أبو حنيفة وزفر إن هذا الزواج صحيح متى كان العقد مستوفيا لأركانه وشروط صحته، وشرط التحليل شرط فاسد لا تأثير له، لأن النكاح لا يفسد بالشروط الفاسدة، فيلغو الشرط ويبقى النكاح على الصحة، فإذا طلقها الزوج الثانى وانقضت عدتها منه فإنها تحل للأول، ولكنه يكون مكروها كراهة تحريمية بسبب ذلك الشرط، لأنه ينافى المقصود من الزواج فى نظر الشريعة .
فاشتمال العقد على ذلك الشرط يورثه الكراهة، ويجعل زواج الأول بالمرأة بعد فراقها من الثانى مكروها أيضا ، وعلى هذه الكراهة يحمل قول الرسول صلى الله عليه وسلم ( لعن الله المحلل والمحلل له ) .
فإن الكراهة التحريمية تستوجب العقوبة . وقال أبو يوسف إن نكاح التحليل فاسد ولو حصل فيه دخول، لأنه فى معنى النكاح المؤقت الذى اتفق على فساده أئمة المذهب ماعدا زفر، فلا فرق عنده بين النكاح المؤقت والنكاح بقصد التحليل .
وقال محمد إن زواج التحليل فى ذاته زواج صحيح، ولكنه لا يحل المرأة لزوجها الأول معاملة لها بنقيض مقصودها .
وبما أن السائل يقرر فى طلبه أن زوجته تزوجت بزوج آخر بقصد تحليلها، وكان ذلك بعلمها، وأن الزوج الآخر دخل بها دخولا حقيقيا ثم طلقها، فإنه يصح له أن يتزوجها بعد انقضاء عدتها من الزوج الآخر ولكن يكون هذا الزواج مكروها، وهذا ماذهب إليه أبو حنيفة وزفر وهو ما نختاره للفتوى .
والله سبحانه وتعالى أعلم
ـــــــــــــــــــ(116/13)
رأي الزحيلي
فتاوى الزحيلي - (2 / 91)
إذا طلق الرجل زوجته ثلاثا ، واتفق مع رجل آخر على أن يتزوجها ويطلقها ، دون أن يكتب ذلك في عقد الزواج أو يأخذ أجراً على ذلك ، فهل هذا جائز شرعاً؟
هذا هو نكاح التحليل أو التجحيش وهو حرام في رأي أغلب العلماء ومن أجازه كالشافعية راعى خلو العقد من شرط الحرام وهو تطليقها بعد تحليلها ، وخلوه من تواطئه مع الزوج ، فكل عقد خلا من هذا صح ، والصواب رأي بقية العلماء.
ـــــــــــــــــــ(116/14)
نكاح التحليل
السؤال الحادي عشر من الفتوى رقم ( 2615 )
س 11: ما قولكم عن رجل طلق زوجته وأخذت زوجا غيره ودخل بها وطلقها بعد ذلك دون جماع حسب قولها، هل تصح لزوجها السابق أم لا؟
ج 11: إذا كان الطلاق الأول ثلاثا فإنها لا تحل لزوجها الأول حتى تنكح زوجا غيره، نكاح رغبة لا نكاح تحليل ويطؤها؛ لقوله تعالى: سورة البقرة الآية 230 فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلَا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ وجاء تفسير النكاح هنا بأنه الوطء، فعن عائشة رضي الله عنها قالت: أحمد 6 / 34، 37- 38، 226، و البخاري 3 / 147، 6 / 165، 182، 7 / 35- 36، 43، 92 - 93، ومسلم 2 / 1055-1056 برقم (1433)، والترمذي 3 / 426 - 427 برقم (1118)، والنسائي 6 / 93-94، 146- 147، 148 برقم (3283 ، 3408 ، 3409 ، 3411)، وابن ماجه 1 / 621- 622 برقم (1932)، والدارمي 2 / 161- 162، وعبد الرزاق 6 / 346- 347 برقم (11131)، وأبو يعلى 7 / 397 برقم (4234)، والبيهقي 7 / 373- 374، والبغوي 9 / 232- 233 برقم (2361). جاءت امرأة رفاعة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: كنت عند رفاعة القرظي فطلقني فبت طلاقي، فتزوجت بعده عبد الرحمن بن الزبير
(الجزء رقم : 18، الصفحة رقم: 438)
وإن ما معه مثل هدبة الثوب، فتبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: "أتريدين أن ترجعي إلى رفاعة ؟ لا، حتى تذوقي عسيلته ويذوق عسيلتك الحديث، رواه البخاري ومسلم . وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء
عضو ... نائب الرئيس ... الرئيس
عبد الله بن غديان ... عبد الرزاق عفيفي ... عبد العزيز بن عبد الله بن باز
ـــــــــــــــــــ(116/15)
هل هذا من نكاح التحليل؟
المجيب د. نايف بن أحمد الحمد
القاضي بمحكمة رماح
التصنيف الفهرسة/الجديد
التاريخ 21/03/1427هـ
السؤال
طلقت زوجتي ثلاث تطليقات متفرقات، فذهبت لها وذكرت لها أني سأتزوجها، إن تزوجت وطلقها زوجها. ثم لقيتها بعد ذلك، وعلمت منها أنها تزوجها زميلها في العمل، وطلبت منه الطلاق فطلقها.
أنا أعرف زميلها وهو يعرفني، ولكني لم أطلب منه أن يتزوجها، ولم أوسطه، ولم أقل له: إنني طلقتها، ولم يقل لي: إنه تزوجها أو طلقها.
فهل حلَّت لي بزواجها من هذا الرجل؟ وهل أراجعها؟
الجواب
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
فهنا مسألتان: الأولى: نية الزوج الثاني: هل نوى تحليلها لك أو قصد نكاحها نكاح رغبة؟
فإن قصد نكاحها نكاح رغبة، ثم بدا له طلاقها فطلقها وقد جامعها، فهذا النكاح نكاح صحيح بلا خلاف، ويحل لك العقد عليها عقداً جديداً مستوفيا الأركان والشروط، قال تعالى: "الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ وَلَا يَحِلُّ لَكُمْ أَن تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئًا إِلَّا أَن يَخَافَا أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَعْتَدُوهَا وَمَن يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ، فَإِن طَلَّقَهَا فَلَا تَحِلُّ لَهُ مِن بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ فَإِن طَلَّقَهَا فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَن يَتَرَاجَعَا إِن ظَنَّا أَن يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ يُبَيِّنُهَا لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ" [البقرة: 229-230].
أما إن قصد الزوج الثاني التحليل -ولو من غير شرط- فالنكاح باطل.
قال ابن قدامة -رحمه الله تعالى-: "فإن شُرط عليه التحليل قبل العقد، ولم يذكره في العقد ونواه في العقد، أو نوى التحليل من غير شرط فالنكاح باطل أيضاً.
قال إسماعيل بن سعيد: سألت أحمد عن الرجل يتزوج المرأة، وفي نفسه أن يحللها لزوجها الأول، ولم تعلم المرأة بذلك. قال: هو محلل، إذا أراد بذلك الإحلال، فهو ملعون. وهذا ظاهر قول الصحابة -رضي الله عنهم-. وروى نافع، عن ابن عمر، أن رجلاً قال له: امرأة تزوجتها، أحلها لزوجها، لم يأمرني، ولم يعلم. قال: لا، إلا نكاح رغبة، إن أعجبتك أمسكها، وإن كرهتها فارقها، قال: وإن كنا نعده على عهد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- سفاحاً. وقال: لا يزالان زانيين، وإن مكثا عشرين سنة، إذا علم أنه يريد أن يحلها، وهذا قول عثمان -رضي الله عنه-. وجاء رجل إلى ابن عباس، فقال له: إن عمي طلق امرأته ثلاثاً، أيحلها له رجل؟ قال: من يخادع الله يخدعه. وهذا قول الحسن، والنخعي، والشعبي، وقتادة، وبكر المزني، والليث، ومالك، والثوري، وإسحاق، وقال أبو حنيفة، والشافعي: العقد صحيح" أ.هـ المغني (7/139)، الزواجر عن اقتراف الكبائر (2/44).
وعن عطاء في الرجل يطلق المرأة، فينطلق الرجل الذي يتحزن له فيتزوجها من غير مؤامرة منه؟ فقال: إن كان تزوجها ليحلها له لم تحل له، وإن كان تزوجها يريد إمساكها فقد حلت له.
وقال سعيد بن المسيب في رجل تزوج امرأة ليحلها لزوجها الأول، ولم يشعر بذلك زوجها الأول ولا المرأة. قال: إن كان إنما نكحها ليحلها فلا يصلح ذلك لهما ولا تحل له. إغاثة اللهفان (1/274)، الفتاوى الكبرى (3/101).
وقال مالك بن أنس -رحمه الله تعالى-: "لا يحلها إلا نكاح رغبة، فإن قصد التحليل لم تحل له، وسواء علما أو لم يعلما لا تحل، وينفسخ نكاح من قصد إلى التحليل، ولا يقر على نكاحه قبل الدخول وبعده" أ.هـ الفتاوى الكبرى (3/102).
المسألة الثانية: نية المطلقة، هل تزوجت لتحل لزوجها الأول، أم تزوجت زواج رغبة لا تحليل؟
فإن تزوجت زواج رغبة لا تحليل، فطلقها زوجها الثاني بعد جماعها فقد حل لمطلقها الأول نكاحها بعد انتهاء العدة.
أما إن قصدت المطلقة من النكاح التحليل ونوته فهذا محل خلاف بين العلماء.
قال ابن قدامة -رحمه الله تعالى-: "إن قصدت المرأة التحليل أو وليها دون الزوج، لم يؤثر ذلك في العقد. وقال الحسن، وإبراهيم: إذا هم أحد الثلاثة، فسد النكاح.
قال أحمد: كان الحسن وإبراهيم والتابعون يشددون في ذلك. قال أحمد: الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم: "أتريدين أن ترجعي إلى رفاعة؟". ونية المرأة ليس بشيء، إنما قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "لعن الله المحلل والمحلل له". ولأن العقد إنما يبطل بنية الزوج؛ لأنه الذي إليه المفارقة والإمساك، أما المرأة فلا تملك رفع العقد، فوجود نيتها وعدمها سواء، وكذلك الزوج الأول لا يملك شيئاً من العقد، ولا من رفعه، فهو أجنبي كسائر الأجانب، فإن قيل: فكيف لعنه النبي -صلى الله عليه وسلم-؟ قلنا: إنما لعنه إذا رجع إليها بذلك التحليل؛ لأنها لم تحل له، فكان زانياً، فاستحق اللعنة لذلك" أ.هـ المغني (7/139).
والخلاصة: أن المرأة إن لم تقصد من هذا النكاح التحليل، وكذا لم يقصده الزوج الثاني فلا حرج عليك في طلب نكاحها، أما إن قصد الزوج الثاني ذلك فلا يحل لك نكاحها، وإن قصدت المرأة ذلك فالأحوط الابتعاد عن ذلك. والله تعالى أعلم وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه.
ـــــــــــــــــــ(116/16)
نكاح التحليل
فتاوى ورسائل محمد بن إبراهيم آل الشيخ - (10 / 119)
الحمد لله وحده . وبعد : فقد عرض علي سؤال خلاصته :
أن رجلاً طلق زوجته طلاقاً باتاً من قبل المحكمة الشرعية ، وبعد ذلك بمدة حاول هو وأهلها رجعتها إليه فلم يجد طريقاً ، فأحضروا محللاً وعقدوا له عليه ودخل عليها ومكثت معه يومين فقط ، وطلقها ، وبعد انتهاء العدة رفض أولياءها وهم أبناء عمها أن يعقدوا له عليها لزوجها المذكور فعقد بحضور أمها وأختها وزوج أختها فدخل بها ، ولا تزال في عصمته حتى الآن . اهـ.
وبتأمل هذا السؤال تعجبت كيف يقع هذا التلاعب في العقد والفروج في بلدان المسلمين . نسأل الله العافية والسلامة .
والجواب : أنها بطلاقها الأول بتاتاً الثابت لدى المحكمة تبين منه ولا تحل له حتى تنكح زوجاً غيره . وأما نكاح المحلل فلا يحلها له ، بل هو حرام غير صحيح ، لقوله صلى الله عليه وسلم (لعن الله المحلل والمحلل له ( رواه أبو داود وابن ماجه والترمذي وقال : حديث حسن صحيح ، والعمل عليه عند أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم منهم عمر وابنه وعثمان ، وهو قول الفقهاء من التابعين ، وروي ذلك عن علي وابن عباس . وقال ابن مسعود : المحلل والمحلل له ملعونان على لسان محمد صلى الله عليه وسلم . وروى ابن ماجه عن عقبة بن عامر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (ألا أخبركم بالتيس المستعار ؟ قالوا بلى يا رسول الله . قال : هو المحلل ، لعن الله المحلل والمحلل له ) .
وعن نافع عن ابن عمر أن رجلاً قال له : أتزوجها أحلها لزوجها ، لم يأمرني ، ولم يعلم. قال : لا ، إلا نكاح رغبة إن أعجبتك أمسكتها وإن كرهتها فارقتها ، قال : كنا نعده على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم سفاحاً . وقال : لا يزال زانيين وإن مكثا عشرين سنة . وجاء رجل إلى ابن عباس فقال : إن عمي طلق امرأته ثلاثاً ، أيحلها له رجل ؟ فقال : من يخادع الله يخدعه .
ويتعين التعزير البليغ على من تعاطى مثل هذا وهو يعلم : من زوج ، أو زوجة ، وولي، وشهود - كل بحسبه . أما نكاحها الثاني بغير ولي شرعي فنكاح فاسد يتعين أن يفرق بينهما ، وعلى الزوج أن يطلقها ، فإن أبى الحاكم يفسخ النكاح . والله أعلم . قال ذلك ممليه الفقير إلى الله تعالى محمد بن إبراهيم ابن عبد اللطيف . وصلى الله علي نبينا محمد وآله وصحبه وسلم .
ـــــــــــــــــــ(116/17)
زواج بقصد التحليل
المفتي
محمد خاطر .
شعبان 1391 هجرية - 9 اكتوبر 1970 م
المبادئ
الزواج مع شرط التحليل للأول صحيح، ويبطل الشرط عند أبى حنيفة وزفر، إلا أنه يكون مكروها كراهة تحريمية للأول والثانى
السؤال
بالطلب المتضمن أن السائل طلق زوجته ثلاث مرات لدى مأذون بإشهاد رسمى، وأنها تزوجت بزوج آخر بقصد تحليلها للزوج الأول وكان ذلك بعلمها، ثم طلقها الزوج الآخر بعد أن دخل بها دخولا حقيقيا لمدة 25 يوما .
فهل تحل له بعد انقضاء عدتها من الزوج الثانى .
وطلب بيان الحكم الشرعى فيما ذكره
الجواب
اختلف علماء الحنفية فيما إذا شرطت المرأة على الزوج الثانى أن يكون زواجها به زواج تحليل الغرض منه تمكنها من العودة إلى الزوج الأول فقال أبو حنيفة وزفر إن هذا الزواج صحيح متى كان العقد مستوفيا لأركانه وشروط صحته، وشرط التحليل شرط فاسد لا تأثير له، لأن النكاح لا يفسد بالشروط الفاسدة، فيلغو الشرط ويبقى النكاح على الصحة، فإذا طلقها الزوج الثانى وانقضت عدتها منه فإنها تحل للأول، ولكنه يكون مكروها كراهة تحريمية بسبب ذلك الشرط، لأنه ينافى المقصود من الزواج فى نظر الشريعة .
فاشتمال العقد على ذلك الشرط يورثه الكراهة، ويجعل زواج الأول بالمرأة بعد فراقها من الثانى مكروها أيضا ، وعلى هذه الكراهة يحمل قول الرسول صلى الله عليه وسلم ( لعن الله المحلل والمحلل له ) .
فإن الكراهة التحريمية تستوجب العقوبة . وقال أبو يوسف إن نكاح التحليل فاسد ولو حصل فيه دخول، لأنه فى معنى النكاح المؤقت الذى اتفق على فساده أئمة المذهب ماعدا زفر، فلا فرق عنده بين النكاح المؤقت والنكاح بقصد التحليل .
وقال محمد إن زواج التحليل فى ذاته زواج صحيح، ولكنه لا يحل المرأة لزوجها الأول معاملة لها بنقيض مقصودها .
وبما أن السائل يقرر فى طلبه أن زوجته تزوجت بزوج آخر بقصد تحليلها، وكان ذلك بعلمها، وأن الزوج الآخر دخل بها دخولا حقيقيا ثم طلقها، فإنه يصح له أن يتزوجها بعد انقضاء عدتها من الزوج الآخر ولكن يكون هذا الزواج مكروها، وهذا ماذهب إليه أبو حنيفة وزفر وهو ما نختاره للفتوى .
والله سبحانه وتعالى أعلم
ـــــــــــــــــــ(116/18)
زواج التحليل
المفتي
عطية صقر .
مايو 1997
المبادئ
القرآن والسنة
السؤال
كثر الكلام فى ذم زواج التحليل وأن المحلل والمحلل له ملعونان ، فهل معنى ذلك أنه حرام ، وكيف تعود المطلقة طلاقا بائنا بينونة كبرى إلى زوجها الأول ؟
الجواب
المقصود بزواج التحليل هو زواج المطلقة ثلاثا لتحل لزوجها الأول ، وهو أمر مشروع دل عليه الكتاب والسنة والإِجماع ، قال تعالى { الطلاق مرتان فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان } ثم قال فى الآية التى تليها { فإن طلقها فلا تحل له من بعد حتى تنكح زوجا غيره } البقرة :
229 ، 230 ، قال العلماء : المعنى فإن طلقها للمرة الثالثة . قال القرطبى :
وهذا مجمع عليه لا خلاف فيه . وقال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم "إذا طلق الرجل امرأته ثلاثا لا تحل له حتى تنكح زوجا غيره ويذوق كل واحد منهما عسيلة صاحبه " رواه الأئمة واللفظ للدارقطنى عن عائشة .
وحتى يكون زواج التحليل محققا للغرض منه لابد فيه من أمرين أساسيين ، أولهما أن يكون العقد صحيحا ، والثانى أن يكون معه دخول صحيح ، فإذا اختل واحد منهما لم يكن مشروعا، ولتوضيح ذلك نقول :
1 -حتى يكون العقد صحيحا لابد من استيفاء الأركان والشروط المعروفة فى كل زواج ، وزاد العلماء عليه أن يكون خاليا من نية التحليل ، ونية التحليل لها حالتان :
أ-الحالة الأولى أن يصرح بها فى العقد، كأن يقول : تزوجتك على أن أحلك لزوجك ، وهو باطل لا تترتب عليه آثاره عند جمهور الفقهاء :
مالك والشافعى وأحمد وعده ابن القيم من الكبائر لا فرق بين أن يكون اشتراط ذلك بالقول أو التواطؤ " زاد المعاد ج 4 ص 6 " وذلك لأحاديث ، منها ما رواه الترمذى عن ابن مسعود وقال : حديث حسن صحيح ، ورواه ابن ماجة وأحمد عن ابن عباس ، والحاكم وصححه "لعن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم المحلل والمحلل له " وما رواه ابن ماجة والحاكم من حديث عقبة بن عامر أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قال " ألا أخبركم بالتيس المعار"؟ قالوا : بلى يا رسول اللَّه ، قال " هو المحلل ، لعن اللَّه المحلل والمحلل له " .
وأما أهل الرأى " أبو حنيفة وأصحابه " فقال أبو حنيفة وزفر: يصح العقد ويحلها للأول ، لأن الشرط الفاسد يُلْغَى ويصح العقد ، وقال محمد : إن العقد صحيح مع هذا الشرط ، لأن الشرط يلغى ولكن هذا العقد لا يحلها للأول ، وقال أبو يوسف : العقد باطل -كرأى الجمهور -ولا يحلها للأول .
هذا ، وحكى الماوردى عن الشافعى أنه إن شرط التحليل قبل العقد صح النكاح وأحلها للأول ، وإن شرطاه فى العقد بطل النكاح ولم يحلها للأول :
وهذا قول الشافعى " تفسير القرطبى ج 3 ص 150 " .
ب - الحالة الثانية ألا يصرح بنية التحليل فى العقد وإن كان أمرا معروفا بين الناس أو على الأقل بين الأطراف الثلاثة ، المطلق والمطلقة والمحلل ، قال مالك : العقد غير صحيح ولا تحل للأول ، لأن العبرة فى الأحكام بالنيات ، وكذلك قال أحمد بن حنبل ، جاء فى " المغنى " لابن قدامة الحنبلى أن نكاح المحلل باطل إن شرط أنه إذا أحلها فلا نكاح بينهما، وإن نوى التحليل من غير شرط فالنكاح باطل ، وفى قول : إن شرط عليه التطليق قبل العقد ولم يذكره فى العقد ولم ينو فالعقد صحيح .
وقال أبو حنيفة وأصحابه : ينعقد صحيحا مع الإثم ، ويترتب عليه حلها للأول بعد الدخول والطلاق وانتهاء العدة، لأن العبرة فى الأحكام بالظاهر، وأما الشافعى فله قولان ، القول الأول هو القديم كقول مالك وأحمد ، والقول الثانى وهو الجديد كقول أبى حنيفة وأصحابه .
2 -أما الشرط الثانى وهو الدخول الصحيح ، فهو أمر متفق عليه بين الأئمة الأربعة وجمهور العلماء ، ولا يكتفى فيه بمجرد الخلوة حتى لو كانت صحيحة، بل لابد فيه من اللقاء الجنسى، والدليل على ذلك ما رواه البخارى وغيره عن عائشة رضى اللّه عنها لما طلق رفاعة القرظى امرأته فبتَّ طلاقها تزوجها بعده عبد الرحمن بن الزبير ، فجاءت إلى النبى صلى الله عليه وسلم تشكو إليه أن عبد الرحمن ضعيف فى الناحية الجنسية ، فتبسم الرسول وقال " لعلك تريدين أن ترجعى إلى رفاعة ؟ لا، حتى تذوقى عسيلته ويذوق عسيلتك " .
وجاء فى سنن النسائى عن عائشة رضى اللَّه عنها قالت . قال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم " " العسيلة الجماع ولو لم ينزل " . وجاء فى سنن النسائى عن ابن عمر رضى اللَّه عنهما : سئل رسول اللّه صلى الله عليه وسلم عن الرجل يطلق امرأته ثلاثا ، فيتزوجها الرجل فيغلق الباب ويرخى الستر، ثم يطلقها قبل أن يدخل بها ، فقال " لا تحل للأول حتى يجامعها الآخر " .
وتشدد الحسن البصرى فلم يكتف بمجرد الجماع ، بل اشترط أن يكون معه إنزال للنص فى الحديث على ذوق العسيلة، ولكن الجمهور اكتفوا بمجرد الجماع ، بناء على تفسير الرسول للعسيلة، بالجماع ولو لم ينزل .
ولم يخالف فى شرط الدخول بالزوجة إلا سعيد بن المسيب من كبار التابعين وسعيد ابن جبير وبعض الخوارج ، وقولهم مرفوض بدليل الأحاديث السابقة . وعدم تحقيقه لحكمة التشريع .
والحكمة من اشتراط المحلل وتأكيد دخوله بالمرأة باللقاء الجنسى ، التنفير من الطلاق الثلاث ، وتنبيه الزوج إلى التريث فى استعمال حق الطلاق الذى جعله اللَّه على مرات ، ومراعاة للشعور بالغيرة على أن يحل محله رجل آخر فى التمتع بزوجته .
هذه هى الآراء فى زواج التحليل وما شرط فيه لتترتب عليه آثاره ، وقد حمل بعض العلماء عليه حملة عنيفة بصورة تجعله كأنه غير مشروع ، دون مراعاة لبعض الظروف الضاغطة التى يتحقق بها يسر الإِسلام ، والحق هو التمسك بما اتفق عليه العلماء ، مع ترك الحرية للاختيار فيما اختلفوا فيه .
وقد رأينا بعد هذا العرض الاتفاق على وجوب صحة الزواج ووجوب المعاشرة الجنسية ، ورأينا الاختلاف فى نية التحليل أو التصريح به واشتراطه فى العقد ، فعند أبى حنفية أن نية التحليل -شرطت أم لم تشرط - لا تمنع من صحة العقد ولا من حل المرأة لزوجها الأول ، وعند الشافعى قولان فى عدم الاشتراط ، قول كمالك وأحمد بالمنع ، وقول كأبى حنيفة بالجواز، وتحمل الآثار الواردة فى التنفير منه على الكراهة ، وفى المسائل الخلافية لا يفرض رأى من الآراء ، إلا باختيار ولى الأمر، والعمل فى مصر على رأى أبى حنيفة وهو الجواز، لأنه الراجح فى المذهب ، ولا مانع من اختيار أى رأى من الآراء وبخاصة عند اقتضاء المصلحة
ـــــــــــــــــــ(116/19)
حكم زواج التحليل وما يترتب عليه من أحكام
لقاءات الباب المفتوح - (224 / 46)
السؤال: رجل تزوج امرأة بنية تحليلها للزوج الأول، فما حكم رجوعها للزوج الأول؟
الجواب: أولاً نقول: إن هذا الرجل الذي تزوجها هو تيس، هل تعرف التيس؟ السائل: ذكر الماعز يا شيخ. الشيخ: إذاً هذا يسمى التيس المستعار. ثانياً: إذا كان الزوج الأول عالماً بذلك أو مواطئً لهذا الرجل، فإن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (لعن المحلل والمحلل له) كلاهما ملعون، مطرود عن رحمة الله. ثالثاً: نكاح الثاني نكاح باطل، ووطئه هذه المرأة وطئ زنا. رابعاً: هذه المرأة لا تحل للزوج الأول، لأن الله تعالى قال: حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجاً غَيْرَهُ [البقرة:230] وهذا ليس زوجاً، الثاني هذا غير زوج؛ لأن عقده باطل. وإذا كان هذا الأمر واقعاً بلغهم عني: أن الثاني ملعون والأول ملعون، إذا كان باتفاق معه، وعلى الثاني أن يتوب إلى الله عز وجل، والأول لا تحل له الزوجة، بلغهم عني وإن شاء الله تعالى أنت أمين.
ـــــــــــــــــــ(116/20)
نكاح المحلل، هل فيه خلاف أم هو باطل
الدرر السنية في الأجوبة النجدية - الرقمية - (7 / 196)
سئل الشيخ سعيد بن حجي: عن نكاح المحلل، هل فيه خلاف أم هو باطل؟
فأجاب: قال في المغني، لما ذكر الشروط التي يبطل بها النكاح: وكذلك إن شرط عليه أن يحلها لزوج كان قبله؛ وجملته: أن نكاح المحلل حرام باطل في قول عامة أهل العلم، منهم الحسن وقتادة ومالك والشعبي، وسواء قال: زوجتكها إلى أن تطأها، أو شرط أنه إذا أحلها فلا نكاح بينهما، أو أنه إذا أحلها للأول طلقها. وحكي عن أبي حنيفة أنه يصح النكاح، ويبطل الشرط.
ولنا: ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: " لعن الله المحلِّل والمحلَّل له " 1، رواه أبو داود وابن ماجة، والترمذي وقال: حديث حسن صحيح، والعمل عليه عند أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، منهم عمر وعثمان وابن عمر، وهو قول الفقهاء من التابعين. قال ابن مسعود: "المحلل والمحلل له ملعونان على لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم". وروى ابن ماجة أنه صلى الله عليه وسلم قال: " ألا أخبركم بالتيس المستعار؟ قالوا: بلى يا رسول الله، قال: هو المحلل. لعن الله المحلل والمحلل له " 2.
ـــــــ
1 الترمذي: النكاح (1119), وأبو داود: النكاح (2076), وابن ماجة: النكاح (1935).
2 ابن ماجة: النكاح (1936).
فصل
فإن شرط عليه التحليل قبل العقد، ولم يذكره في العقد، ونواه في العقد، أو نوى التحليل من غير شرط، فالنكاح باطل أيضاً. سئل أحمد عن الرجل يتزوج المرأة، وفي نفسه أن يحللها لزوجها الأول، ولم يعلم المرأة بذلك؟
قال: هو محلل، إذا أراد بذلك الإحلال فهو ملعون.
وهذا ظاهر قول الصحابة، رضي الله عنهم، روى نافع عن ابن عمر أن رجلاً قال له: امرأة تزوجتها أحلها لزوجها، ولم يأمرني ولم يعلم؟ قال:? "لا، إلا النكاح رغبة، إن أعجبتك أمسكتها، وإن كرهتها فارقتها; قال: وإن كنا لنعده على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم سفاحاً، وقال: لا يزالان زانيين، وإن مكثا عشرين سنة، إذا علم أنه يريد أن يحللها". وجاء رجل إلى ابن عباس، فقال: إن عمي طلق امرأته ثلاثاً، أيحلها له رجل؟ قال:? "من يخادع الله يخدعه"، وهذا قول الحسن والليث ومالك; وقال أبو حنيفة والشافعي: العقد صحيح.
ولنا: قول النبي صلى الله عليه وسلم " لعن الله المحلل والمحلل له " 1، وهو قول من سمينا من الصحابة، ولا مخالف لهم، فيكون إجماعاً.
ـــــــ
1 الترمذي: النكاح (1119), وأبو داود: النكاح (2076), وابن ماجة: النكاح (1935).
فصل
فإن شرط عليه أن يحلها قبل العقد، فنوى بالعقد غير ما شرطوا عليه وقصد نكاح رغبة، صح العقد، لأنه خلا عن نية التحليل. وإن نوى وليها دون الزوج، لم يؤثر ذلك في العقد. وقال الحسن وإبراهيم: إذا هَمَّ أحد الثلاثة فسد النكاح، ونية المرأة ليس بشيء، وإنما قال النبي صلى الله عليه وسلم: " لعن الله المحلل والمحلل له " 1، ولأن العقد إنما يبطل بنية الزوج، لأنه الذي إليه المفارقة والإمساك، فأما المرأة فلا تملك رفع العقد، فوجود نيتها وعدمها سواء. وكذا الزوج الأول، لا يملك شيئاً من العقد ولا من رفعه فهو أجنبي، فإن قيل: كيف لعنه صلى الله عليه وسلم؟ قلنا: إنما لعنه إذا رجع إليها بذلك التحلل، لأنه لم تحل له فكان زانياً، فاستحق اللعنة لذلك.
ـــــــ
1 الترمذي: النكاح (1119), وأبو داود: النكاح (2076), وابن ماجة: النكاح (1935).
فصل
ونكاح المحلل لا يحصل به الإحصان، ولا الإباحة للزوج الأول; فإن قيل: فقد سماه النبي صلى الله عليه وسلم: محللا، وسمى الزوج: محللا له، ولو لم يحصل الحل لم يكن محللا ولا محللا له، قلنا: إنما سماه محللا لأنه قصد التحليل في موضع لا يحصل فيه الحل، كما قال: " ما آمن بالقرآن من استحل محارمه " 1، وقال تعالى: {يُحِلُّونَهُ عَاماً وَيُحَرِّمُونَهُ عَاماً} [سورة التوبة آية: 37]، ولو كان محللاً في الحقيقة والآخر محللاً له، لم يكونا ملعونين. انتهى ملخصاً.
فقد علمت ألهمك الله: أن المحلل إذا شرط عليه أن يحلها للزوج قبله، أن نكاحه باطل، وأنه إن شرط عليه التحليل قبل العقد، ولم يذكره في العقد، أو نوى التحليل من غير شرط، فالنكاح باطل أيضاً، وأنه إن شرط عليه أن يحلها قبل العقد، فنوى بالعقد غير ما شرطوا عليه، وقصد نكاح رغبة، أن العقد صحيح; وإن قصدت المرأة التحليل أو وليها دون الزوج، لم يؤثر ذلك في العقد، وأن نكاح المحلل لا يحصل به الإحصان، ولا الإباحة للزوج، والله أعلم.
ـــــــ
1 الترمذي: فضائل القرآن (2918).
ـــــــــــــــــــ(116/21)
مختصر إقَامَةِ الدَّلِيلِ عَلَى إبْطَالِ التَّحْلِيلِ
الفتاوى الكبرى - (8 / 477)
كِتَابُ إقَامَةِ الدَّلِيلِ عَلَى إبْطَالِ التَّحْلِيلِ قَالَ الشَّيْخُ الْإِمَامُ الْعَالِمُ الْعَلَّامَةُ الْأَوْحَدُ ، الْقُدْوَةُ الْعَارِفُ ، الزَّاهِدُ الْعَابِدُ الْوَرِعُ ، تَقِيُّ الدِّينِ شَيْخُ الْإِسْلَامِ مُفْتِي الْأَنَامِ ، صَدْرُ الْعُلَمَاءِ الْأَعْلَامِ ، مَفْخَرُ أَهْلِ الشَّامِ بَقِيَّةُ السَّلَفِ الْكِرَامِ ، نَاشِرُ السُّنَّةِ ، قَامِعُ الْبِدْعَةِ ، أَبُو الْعَبَّاسِ أَحْمَدُ بْنُ الشَّيْخِ الْإِمَامِ ، الْعَالِمُ مَجْمُوعُ الْفَضَائِلِ شِهَابُ الدِّينِ أَبُو الْمَحَاسِنِ عَبْدُ الْحَلِيمِ بْنُ الشَّيْخِ الْإِمَامِ ، الْعَالِمُ الْعَلَّامَةُ إمَامُ الْأَئِمَّةِ تَقِيَّةُ الْأَمْصَارِ مَجْدُ الدِّينِ أَبِي الْبَرَكَاتِ عَبْدُ السَّلَامِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ أَبِي الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ تَيْمِيَّةِ الْحَرَّانِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ وَرَضِيَ عَنْهُ آمِينَ .
الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ، الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ ، مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَا يُحْصِي الْخَلْقُ ثَنَاءً عَلَيْهِ كَمَا أَثْنَى عَلَى نَفْسِهِ ، لَا يَبْلُغُ الْعَارِفُونَ كُنْهَ مَعْرِفَتِهِ ، وَلَا يُقَدِّرُ الْوَاصِفُونَ قَدْرَ صِفَتِهِ ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَا تُشْكَرُ نِعْمَتُهُ إلَّا بِنِعْمَتِهِ ، وَلَا تُنَالُ كَرَامَتُهُ إلَّا بِرَحْمَتِهِ .
فَهُوَ الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ ، وَالظَّاهِرُ ، وَالْبَاطِنُ ، وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ ، وَهُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إلَهَ إلَّا هُوَ لَهُ الْحَمْدُ فِي الْأُولَى وَالْآخِرَةِ ، وَلَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ .
وَالْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي جَعَلَنَا مِنْ خَيْرِ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ ، يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ ، وَيَنْهَوْنَ عَنْ الْمُنْكَرِ ، وَيُؤْمِنُونَ بِاَللَّهِ ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَكْمَلَ لَنَا دِينَنَا ، وَأَتَمَّ عَلَيْنَا نِعْمَتَهُ وَرَضِيَ لَنَا الْإِسْلَامَ دِينًا .
وَالْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي بَيَّنَ لَنَا آيَاتِهِ وَنَهَانَا أَنْ نَتَّخِذَهَا هُزُوًا ، وَأَمَرَنَا أَنْ نَذْكُرَ نِعْمَتَهُ عَلَيْنَا وَمَا أَنْزَلَ عَلَيْنَا مِنْ الْكِتَابِ وَالْحِكْمَةِ يَعِظُنَا بِهِ ، وَأَنْ نَتَّقِيَهُ ، وَأَنْ نَعْلَمَ أَنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ .
فَإِنَّهُ مَنْ تَدَبَّرَ هَذِهِ الْأَوَامِرَ ، وَتَبَيَّنَ لَهُ أَنَّ فِيهَا جِمَاعَ أَمْرِ الدِّينِ كُلِّهِ ، وَعَلِمَ أَنَّ مَنْ هُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ لَا يَخْفَى عَلَيْهِ الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي آيَاتِهِ وَلَا الَّذِينَ يَتَّخِذُونَهَا هُزُوًا ، وَلَا يَخْفَى عَلَيْهِ مَنْ أَظْهَرَ خِلَافَ مَا فِي بَاطِنِهِ ، فَإِنَّ السَّرَائِرَ لَدَيْهِ بَادِيَةٌ ، وَالسِّرَّ عِنْدَهُ عَلَانِيَةٌ ، فَلَهُ الْحَمْدُ كَمَا يُحِبُّهُ وَيَرْضَاهُ ، وَكَمَا يَنْبَغِي لِكَرِيمِ وَجْهِهِ عَنْ جَلَالِهِ .
أَحْمَدُهُ حَمْدًا مُوَافِيًا لِنِعَمِهِ ، وَمُكَافِيًا لِمَزِيدِهِ ، وَأَسْتَعِينُهُ اسْتِعَانَةَ مُخْلِصٍ فِي تَوَكُّلِهِ صَادِقٍ فِي تَوْحِيدِهِ ، وَأَسْتَهْدِيهِ إلَى صِرَاطِهِ الْمُسْتَقِيمِ صِرَاطِ الَّذِينَ أَنْعَمَ عَلَيْهِمْ مِنْ صَفْوَةِ عَبِيدِهِ أَسْتَغْفِرُهُ اسْتِغْفَارَ مَنْ يَعْلَمُ أَنْ لَا مَلْجَأَ مِنْ اللَّهِ إلَّا إلَيْهِ فِي صُدُورِهِ وَوُرُودِهِ .
وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ شَهَادَةَ مُقِرٍّ بِأَنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ خَاتَمُ النَّبِيِّينَ وَسَيِّدُ الْأَنَامِ : صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ الصَّفْوَةِ الْكِرَامِ ، وَسَلَّمَ عَلَيْهِمْ سَلَامًا بَاقِيًا بِبَقَاءِ دَارِ السَّلَامِ .
أَمَّا بَعْدُ : فَإِنَّ اللَّهَ بَعَثَ مُحَمَّدًا بِالْحَقِّ ، وَأَنْزَلَ عَلَيْهِ الْكِتَابَ ، وَهَدَى بِهِ أُمَّتَهُ إلَى الصِّرَاطِ الْمُسْتَقِيمِ صِرَاطِ الَّذِينَ أَنْعَمَ عَلَيْهِمْ مِنْ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ .
وَلَمَّا كَانَ الْعَبْدُ فِي كُلِّ حَالٍ مُفْتَقِرًا إلَى هَذِهِ الْهِدَايَةِ فِي جَمِيعِ مَا يَأْتِيهِ وَيَذَرُهُ مِنْ أُمُورٍ قَدْ أَتَاهَا عَلَى غَيْرِ الْهِدَايَةِ ، فَهُوَ يَحْتَاجُ إلَى التَّوْبَةِ مِنْهَا ، وَأُمُورٍ هُدِيَ إلَى أَصْلِهَا دُونَ تَفْصِيلِهَا ، أَوْ هُدِيَ إلَيْهَا مِنْ وَجْهٍ فَهُوَ مُحْتَاجٌ إلَى تَمَامِ الْهِدَايَةِ فِيهَا لِيَزْدَادَ هُدًى ، وَأُمُورٍ هُوَ مُحْتَاجٌ إلَى أَنْ يَحْصُلَ لَهُ مِنْ الْهِدَايَةِ فِيهَا فِي الْمُسْتَقْبَلِ مِثْلُ مَا حَصَلَ لَهُ فِي الْمَاضِي ، وَأُمُورٍ
هُوَ خَالٍ عَنْ اعْتِقَادٍ فِيهَا فَهُوَ مُحْتَاجٌ إلَى الْهِدَايَةِ فِيهَا ، وَأُمُورٍ لَمْ يَفْعَلْهَا فَهُوَ مُحْتَاجٌ إلَى فِعْلِهَا عَلَى وَجْهِ الْهِدَايَةِ ، إلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ أَنْوَاعِ الْحَاجَاتِ ، إلَى أَنْوَاعِ الْهِدَايَاتِ ، فُرِضَ عَلَيْهِ أَنْ يَسْأَلَ هَذِهِ الْهِدَايَةَ فِي أَفْضَلِ أَحْوَالِهِ ، وَهِيَ الصَّلَاةُ مَرَّاتٍ مُتَعَدِّدَةً فِي الْيَوْمِ وَاللَّيْلَةِ ، وَقَدْ بَيَّنَ أَنَّ أَهْلَ هَذِهِ النِّعْمَةِ مُغَايِرُونَ لِلْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ " الْيَهُودِ " وَالضَّالِّينَ " النَّصَارَى " .
وَكَانَ الرَّسُولُ الرَّءُوفُ الرَّحِيمُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُحَذِّرُ أُمَّتَهُ سُلُوكَ سَبِيلِ أَهْلِ الْغَضَبِ وَالضَّلَالِ ، وَيَلْعَنُهُمْ تَحْذِيرًا لِلْأُمَّةِ عَلَى مَا ارْتَكَبُوهُ مِنْ أَنْوَاعِ الْمُحَالِ .
وَيَنْهَى عَنْ التَّشَبُّهِ بِهِمْ فِي اسْتِحْلَالِ الْمَحَارِمِ بِالِاحْتِيَالِ لِعِلْمِهِ بِمَا أَوْقَعَ اللَّهُ بِهِمْ عَلَى ذَلِكَ مِنْ الْخِزْيِ وَالنَّكَالِ .
وَلَمَّا انْتَهَى الْكَلَامُ بِنَا فِي مُدَارَسَةِ الْفِقْهِ إلَى مَسَائِلِ الشُّرُوطِ فِي النِّكَاحِ ، وَبَيَّنَ مَا كَانَ مُوَثِّرًا فِي الْعَقْدِ مُلْحِقًا لَهُ بِالسِّفَاحِ ، وَجَرَى مِنْ الْكَلَامِ فِي مَسْأَلَتَيْ الْمُتْعَةِ وَالتَّحْلِيلِ مَا تَبَيَّنَ بِهِ حُكْمُهَا بِأَرْشَدِ دَلِيلٍ ، وَظَهَرَتْ الْخَاصَّةُ الَّتِي اسْتَحَقَّ بِهَا الْمُحَلِّلُ لَعْنَةَ الرَّسُولِ وَلِمَا سَمَّاهُ مِنْ بَيْنِ الْأَزْوَاجِ بِالتَّيْسِ الْمُسْتَعَارِ ، وَتَبَيَّنَتْ مَآخِذُ الْأَئِمَّةِ تَأْصِيلًا وَتَفْصِيلًا عَلَى وَجْهِ الِاسْتِبْصَارِ ، وَظَهَرَتْ الْمَدَارِكُ وَالْمَسَالِكُ أَثَرًا وَنَظَرًا حَتَّى أَشْرَقَ الْحَقُّ وَأَنَارَ ، فَانْتَبَهَ مَنْ كَانَ غَافِلًا مِنْ رَقْدَتِهِ ، وَشَكَا مَا بِالنَّاسِ مِنْ الْحَاجَةِ إلَى ظُهُورِ هَذَا الْحُكْمِ وَمَعْرِفَتِهِ ، وَلِعُمُومِ الْبَلْوَى بِهَذِهِ الْقَضِيَّةِ الشَّنِيعَةِ ، وَغَلَبَةِ الْجَهْلِ بِدَلَائِلِ الْمَسْأَلَةِ عَلَى أَكْثَرِ الْمُنْتَسِبِينَ إلَى عِلْمِ الشَّرِيعَةِ ، سَأَلَ أَنْ أُعَلِّقَ فِي ذَلِكَ مَا يَكُونُ تَبْصِرَةً لِلْمُسْتَرْشِدِ ، وَحُجَّةً لِلْمُسْتَنْجِدِ ، وَمَوْعِظَةً لِلْمُتَهَوِّرِ
وَالْمُتَلَدِّدِ ، لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ ، وَيَحْيَى مَنْ حَيِيَ عَنْ بَيِّنَةٍ .
فَأَجَبْتُهُ إجَابَةَ الْمُتَحَرِّجِ مِنْ كِتْمَانِ الْعِلْمِ ، الْمَسْئُول الْخَائِفِ مِنْ نَقْضِ الْمِيثَاقِ الْمَأْخُوذِ عَلَى الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ وَخَلَفُوا الرَّسُولَ ، وَلَمْ يَكُنْ مِنْ نِيَّتِي أَنْ أَشْفَعَ الْكَلَامَ فِيهَا بِغَيْرِهَا مِنْ الْمَسَائِلِ بَلْ أَقْتَصِرَ عَلَى مَا أَوْجَبَهُ حَقُّ السَّائِلِ .
فَالْتَمَسَ بَعْضُ الْجَمَاعَةِ مُكَرِّرًا لِلِالْتِمَاسِ تَقْرِيرَ الْقَاعِدَةِ الَّتِي هِيَ لِهَذِهِ الْمَسْأَلَةِ أَسَاسٌ ، وَهِيَ : " بَيَانُ حُكْمِ الِاحْتِيَالِ عَلَى سُقُوطِ الْحُقُوقِ وَالْوَاجِبَاتِ " " وَحِلِّ الْعُقُودِ " " وَحِلِّ الْمُحَرَّمَاتِ " بِإِظْهَارِ صُورَةٍ لَيْسَ لَهَا حَقِيقَةٌ عِنْدَ الْمُحْتَالِ لَكِنْ جِنْسُهَا مَشْرُوعٌ لِمَنْ قَصَدَ بِهِ مَا قَصَدَهُ الشَّارِعُ مِنْ غَيْرِ اعْتِلَالٍ ، فَاعْتَذَرْتُ بِأَنَّ الْكَلَامَ الْمُفَصَّلَ فِي هَذَا يَحْتَاجُ إلَى كِتَابٍ طَوِيلٍ .
وَلَكِنْ سَأُدْرِجُ فِي ضِمْنِ هَذَا مِنْ الْكَلَامِ الْجُمَلِيِّ مَا يُوصِلُ إلَى مَعْرِفَةِ التَّفْصِيلِ ، بِحَيْثُ يَتَبَيَّنُ لِلَّبِيبِ مَوْقِعُ الْحِيَلِ مِنْ دِينِ الْإِسْلَامِ ، وَمَتَى حَدَثَتْ ، وَكَيْفَ كَانَ حَالُهَا عِنْدَ السَّلَفِ الْكِرَامِ ، وَمَا بَلَغَنِي مِنْ الْحُجَّةِ لِمَنْ صَارَ إلَيْهَا مِنْ الْمُفْتِينَ ، وَذِكْرُ الْأَدِلَّةِ الدَّالَّةِ فِيهَا عَلَى الْحَقِّ الْمُبِينِ ، وَذَلِكَ بِكَلَامٍ فِيهِ اخْتِصَارٌ ؛ إذْ الْمَقَامُ لَا يَحْتَمِلُ الْإِكْثَارَ .
وَاَللَّهُ يُوَفِّقُنَا وَإِخْوَانَنَا الْمُسْلِمِينَ لِمَا يُحِبُّهُ وَيَرْضَاهُ مِنْ الْعَمَلِ الصَّالِحِ وَالْقَوْلِ الْجَمِيلِ ، فَإِنَّهُ يَقُولُ الْحَقَّ وَهُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ ، وَيَنْفَعُنَا وَسَائِرَ الْمُسْلِمِينَ بِمَا يَسْتَعْمِلُنَا بِهِ مِنْ سَائِرِ الْأَقْوَالِ وَالْأَفْعَالِ ، وَيَجْعَلُهُ مُوَافِقًا لِشِرْعَتِهِ خَالِصًا لِوَجْهِهِ مُوصِلًا إلَى أَفْضَلِ حَالٍ ، وَمَا تَوْفِيقِي إلَّا بِاَللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ ، وَإِلَيْهِ أُنِيبُ ، وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إلَّا بِاَللَّهِ الْعَلِيِّ الْعَظِيمِ .
نِكَاحُ الْمُحَلِّلِ حَرَامٌ بَاطِلٌ لَا
يُفِيدُ الْحِلَّ وَصُورَتُهُ : أَنَّ الرَّجُلَ إذَا طَلَّقَ امْرَأَتَهُ ثَلَاثًا ، فَإِنَّهَا تَحْرُمُ عَلَيْهِ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ ، كَمَا ذَكَرَهُ اللَّهُ تَعَالَى فِي كِتَابِهِ ، وَكَمَا جَاءَتْ بِهِ سُنَّةُ نَبِيِّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَجْمَعَتْ عَلَيْهِ أُمَّتُهُ ، فَإِذَا تَزَوَّجَهَا رَجُلٌ بِنِيَّةِ أَنْ يُطَلِّقَهَا لِتَحِلَّ لِزَوْجِهَا الْأَوَّلِ كَانَ هَذَا النِّكَاحُ حَرَامًا بَاطِلًا ، سَوَاءٌ عَزَمَ بَعْدَ ذَلِكَ عَلَى إمْسَاكِهَا ، أَوْ فَارَقَهَا ، وَسَوَاءٌ شُرِطَ عَلَيْهِ ذَلِكَ فِي عَقْدِ النِّكَاحِ ، أَوْ شُرِطَ عَلَيْهِ قَبْلَ الْعَقْدِ ، أَوْ لَمْ يُشْرَطْ عَلَيْهِ لَفْظًا بَلْ كَانَ مَا بَيْنَهُمَا مِنْ الْخِطْبَةِ وَحَالِ الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ وَالْمَهْرِ نَازِلًا بَيْنَهُمْ مَنْزِلَةَ اللَّفْظِ بِالشُّرُوطِ ، أَوْ لَمْ يَكُنْ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ بَلْ أَرَادَ الرَّجُلُ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا ، ثُمَّ يُطَلِّقَهَا لِتَحِلَّ لِلْمُطَلِّقِ ثَلَاثًا مِنْ غَيْرِ أَنْ تَعْلَمَ الْمَرْأَةُ وَلَا وَلِيُّهَا شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ ، سَوَاءٌ عَلِمَ الزَّوْجُ الْمُطَلِّقُ ثَلَاثًا ، أَوْ لَمْ يَعْلَمْ ، مِثْلُ أَنْ يَظُنَّ الْمُحَلِّلُ أَنَّ هَذَا فِعْلُ خَيْرٍ وَمَعْرُوفٍ مَعَ الْمُطَلِّقِ وَامْرَأَتِهِ بِإِعَادَتِهَا إلَيْهِ لِمَا أَنَّ الطَّلَاقَ أَضَرَّ بِهِمَا وَبِأَوْلَادِهِمَا وَعَشِيرَتِهِمَا وَنَحْوِ ذَلِكَ .
بَلْ لَا يَحِلُّ لِلْمُطَلِّقِ ثَلَاثًا أَنْ يَتَزَوَّجَهَا حَتَّى يَنْكِحَهَا رَجُلٌ مُرْتَغِبًا لِنَفْسِهِ نِكَاحَ رَغْبَةٍ لَا نِكَاحَ دُلْسَةٍ ، وَيَدْخُلُ بِهَا بِحَيْثُ تَذُوقُ عُسَيْلَتَهُ وَيَذُوقُ عُسَيْلَتَهَا .
ثُمَّ بَعْدَ هَذَا إذَا حَدَثَ بَيْنَهُمَا فُرْقَةٌ بِمَوْتٍ ، وَطَلَاقٍ أَوْ فَسْخٍ ، جَازَ لِلْأَوَّلِ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا ، وَلَوْ أَرَادَ هَذَا الْمُحَلِّلُ أَنْ يُقِيمَ مَعَهَا بَعْدَ ذَلِكَ اسْتَأْنَفَ النِّكَاحَ ، فَإِنَّ مَا مَضَى عَقْدٌ فَاسِدٌ لَا يُبَاحُ الْمُقَامُ بِهِ مَعَهَا هَذَا هُوَ الَّذِي دَلَّ عَلَيْهِ الْكِتَابُ ، وَالسُّنَّةُ ، وَهُوَ الْمَأْثُورُ عَنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعَامَّةِ التَّابِعِينَ لَهُمْ بِإِحْسَانٍ ، وَعَامَّةِ
فُقَهَاءِ الْإِسْلَامِ ، مِثْلُ : سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ ، وَالْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ ، وَإِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ ، وَعَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ ، وَهَؤُلَاءِ الْأَرْبَعَةُ أَرْكَانُ التَّابِعِينَ .
وَمِثْلُ : أَبِي الشَّعْثَاءِ جَابِرِ بْنِ زَيْدٍ ، وَالشَّعْبِيِّ ، وَقَتَادَةَ ، وَبَكْرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْمُزَنِيّ ، وَهُوَ مَذْهَبُ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ ، وَجَمِيعِ أَصْحَابِهِ ، وَالْأَوْزَاعِيِّ ، وَاللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ ، وَسُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ ، وَهَؤُلَاءِ الْأَرْبَعَةُ أَرْكَانُ تَابِعِي التَّابِعِينَ ، وَهُوَ مَذْهَبُ الْإِمَامِ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ فِي فُقَهَاءِ الْحَدِيثِ ، مِنْهُمْ : إِسْحَاقُ بْنُ رَاهْوَيْهِ ، وَأَبُو عُبَيْدٍ الْقَاسِمُ بْنُ سَلَّامٍ ، وَسُلَيْمَانُ بْنُ دَاوُد الْهَاشِمِيُّ وَأَبُو خَيْثَمَةَ زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ ، وَأَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ ، وَأَبُو إِسْحَاقَ الْجُوزَجَانِيُّ وَغَيْرُهُمْ ، وَهُوَ قَوْلٌ لِلشَّافِعِيِّ ، وَسَنَذْكُرُ - إنْ شَاءَ اللَّهُ - أَقْوَالَ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْأَدِلَّةِ .
وَأَمَّا أَقْوَالُ التَّابِعِينَ وَالْفُقَهَاءِ ، فَقَالَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ فِي رَجُلٍ تَزَوَّجَ امْرَأَةً لِيُحِلَّهَا لِزَوْجِهَا الْأَوَّلِ ، وَلَمْ يَشْعُرْ بِذَلِكَ زَوْجُهَا الْأَوَّلُ ، وَلَا الْمَرْأَةُ قَالَ : " إنْ كَانَ إنَّمَا نَكَحَهَا لِيُحِلَّهَا فَلَا يَصْلُحُ ذَلِكَ لَهُمَا ، وَلَا تَحِلُّ " .
وَقَالَ إبْرَاهِيمُ النَّخَعِيُّ : " إذَا هَمَّ الزَّوْجُ الْأَوَّلُ ، أَوْ الْمَرْأَةُ ، أَوْ الزَّوْجُ الْأَخِيرُ ، بِالتَّحْلِيلِ فَالنِّكَاحُ فَاسِدٌ " رَوَاهُمَا حَرْبٌ الْكَرْمَانِيُّ .
وَعَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ ، قَالَ : " أَمَّا النَّاسُ فَيَقُولُونَ حَتَّى يُجَامِعَهَا ، وَأَمَّا أَنَا فَإِنِّي أَنَا أَقُولُ : إذَا تَزَوَّجَهَا تَزْوِيجًا صَحِيحًا لَا يُرِيدُ بِذَلِكَ إحْلَالًا لَهَا ، فَلَا بَأْسَ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا الْأَوَّلُ " رَوَاهُ سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ .
وَقَالَ أَبُو الشَّعْثَاءِ جَابِرُ بْنُ زَيْدٍ فِي رَجُلٍ تَزَوَّجَ امْرَأَةً لِيُحِلَّهَا لِزَوْجِهَا وَهُوَ لَا يَعْلَمُ قَالَ : " لَا يَصْلُحُ ذَلِكَ إذَا كَانَ تَزَوَّجَهَا لِيُحِلَّهَا " .
وَجَاءَ رَجُلٌ إلَى الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ فَقَالَ : إنَّ رَجُلًا مِنْ قَوْمِي طَلَّقَ امْرَأَتَهُ ثَلَاثًا فَنَدِمَ وَنَدِمَتْ ، فَأَرَدْتُ أَنْ أَنْطَلِقَ فَأَتَزَوَّجَهَا وَأُصْدِقَهَا صَدَاقًا ، ثُمَّ أَدْخُلَ بِهَا كَمَا يَدْخُلُ الرَّجُلُ بِامْرَأَتِهِ ، ثُمَّ أُطَلِّقَهَا حَتَّى تَحِلَّ لِزَوْجِهَا قَالَ : فَقَالَ لَهُ الْحَسَنُ : " اتَّقِ اللَّهَ يَا فَتَى وَلَا تَكُونَنَّ مِسْمَارَ نَارٍ لِحُدُودِ اللَّهِ " .
رَوَاهُمَا ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ ، يُرِيدُ الْحَسَنُ أَنَّ الْمِسْمَارَ هُوَ الَّذِي يُثَبِّتُ الشَّيْءَ الْمَسْمُورَ ، فَكَذَلِكَ أَنْتَ تُثَبِّتُ تِلْكَ الْمَرْأَةَ لِزَوْجِهَا وَقَدْ حَرُمَتْ عَلَيْهِ .
وَعَنْ الْحَسَنِ ، وَإِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ ، قَالَا : " إذَا هَمَّ أَحَدُ الثَّلَاثَةِ بِالتَّحْلِيلِ فَقَدْ فَسَدَ الْعَقْدُ " .
رَوَاهُمَا سَعِيدٌ .
وَعَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ فِي الرَّجُلِ يُطَلِّقُ امْرَأَتَهُ فَيَنْطَلِقُ الرَّجُلُ الَّذِي يَتَحَزَّنُ لَهُ فَيَتَزَوَّجُهَا مِنْ غَيْرِ مُؤَامَرَةٍ مِنْهُ فَقَالَ : إنْ كَانَ تَزَوَّجَهَا لِيُحِلَّهَا لَهُ لَمْ تَحِلَّ لَهُ ، وَإِنْ كَانَ تَزَوَّجَهَا يُرِيدُ إمْسَاكَهَا فَقَدْ أُحِلَّتْ لَهُ " .
وَعَنْ الشَّعْبِيِّ : أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ رَجُلٍ تَزَوَّجَ امْرَأَةً كَانَ زَوْجُهَا طَلَّقَهَا ثَلَاثًا قَبْلَ ذَلِكَ قِيلَ لَهُ : أَيُطَلِّقُهَا لِتَرْجِعَ إلَى زَوْجِهَا الْأَوَّلِ ؟ فَقَالَ : " لَا حَتَّى يُحَدِّثَ نَفْسَهُ أَنَّهُ يَعْمُرُ مَعَهَا وَتَعْمُرُ مَعَهُ " .
رَوَاهُمَا الْجُوزَجَانِيُّ هَكَذَا لَفْظُ هَذَا الْأَثَرِ .
وَقَالَ مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ : " لَا يُحِلُّهَا إلَّا نِكَاحُ رَغْبَةٍ " .
فَإِنْ قَصَدَ التَّحْلِيلَ لَمْ تَحِلَّ لَهُ ، وَسَوَاءٌ عَلِمَا ، أَوْ لَمْ يَعْلَمَا لَا تَحِلُّ .
وَيَنْفَسِخُ نِكَاحُ مَنْ قَصَدَ إلَى التَّحْلِيلِ .
وَلَا يُقَرُّ عَلَى نِكَاحِهِ قَبْلَ الدُّخُولِ وَبَعْدَهُ ، وَقَالَ الْأَوْزَاعِيُّ وَاللَّيْثُ فِي ذَلِكَ نَحْوُ قَوْلِ مَالِكٍ ، نَقَلَهُ
الطَّحَاوِيُّ وَابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ وَغَيْرُهُمَا ، وَكَذَلِكَ قَالَ الثَّوْرِيُّ فِي أَحَدِ الرِّوَايَتَيْنِ عَنْهُ فِيمَا ذَكَرَهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ .
وَقَالَ الْخَطَّابِيُّ : " إذَا تَزَوَّجَهَا وَهُوَ يُرِيدُ أَنْ يُحَلِّلَهَا لِزَوْجِهَا ، ثُمَّ بَدَا لَهُ أَنْ يُمْسِكَهَا لَا يُعْجِبُنِي إلَّا أَنْ يُفَارِقَهَا وَيَسْتَأْنِفَ نِكَاحًا جَدِيدًا " قَالَ : " وَكَذَلِكَ قَالَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ " .
وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ رَوَاهُ إِسْحَاقُ بْنُ مَنْصُورٍ قَالَ : قُلْت لِأَحْمَدَ : سُئِلَ سُفْيَانُ عَنْ رَجُلٍ تَزَوَّجَ امْرَأَةً ، وَهُوَ يُرِيدُ أَنْ يُحِلَّهَا لِزَوْجِهَا ، ثُمَّ بَدَا لَهُ أَنْ يُمْسِكَهَا ، قَالَ : " لَا يُعْجِبُنِي إلَّا أَنْ يُفَارِقَهَا وَيَسْتَقْبِلَ نِكَاحًا جَدِيدًا " .
قَالَ أَحْمَدُ : قَالَ إِسْحَاقُ بْنُ رَاهْوَيْهِ : كَمَا قَالَ : وَكَذَلِكَ قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ فِيمَا رَوَاهُ عَنْهُ إسْمَاعِيلُ بْنُ سَعِيدٍ الشَّالَنْجِيُّ وَهُوَ مِنْ أَجَلِّ أَصْحَابِهِ قَالَ : سَأَلْتُ أَحْمَدَ بْنَ حَنْبَلٍ عَنْ الرَّجُلِ يَتَزَوَّجُ الْمَرْأَةَ ، وَفِي نَفْسِهِ أَنْ يُحَلِّلَهَا لِزَوْجِهَا الْأَوَّلِ وَلَمْ تَعْلَمْ الْمَرْأَةُ بِذَلِكَ فَقَالَ : " هُوَ مُحَلِّلٌ ، وَإِذَا أَرَادَ بِذَلِكَ الْإِحْلَالَ فَهُوَ مَلْعُونٌ " .
قَالَ : وَبِهِ قَالَ أَبُو أَيُّوبَ يَعْنِي سُلَيْمَانَ بْنَ دَاوُد الْهَاشِمِيَّ - وَأَبُو خَيْثَمَةَ يَعْنِي - زُهَيْرَ بْنَ حَرْبٍ - ، قَالَ : وَقَالَ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ يَعْنِي أَبَا بَكْرِ بْنَ أَبِي شَيْبَةَ - : " لَسْتُ أَرَى أَنْ تَرْجِعَ بِهَذَا النِّكَاحِ إلَى زَوْجِهَا الْأَوَّلِ " .
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ فِي رِوَايَةِ أَبِي بَكْرٍ الْأَثَرِيِّ وَهُوَ مِنْ أَعْيَانِ أَصْحَابِهِ : " إذَا تَزَوَّجَهَا يُرِيدُ التَّحْلِيلَ ، ثُمَّ طَلَّقَهَا بَعْدَ أَنْ دَخَلَ بِهَا ، فَرَجَعَتْ إلَى الْأَوَّلِ يُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا لَيْسَ هَذَا نِكَاحًا صَحِيحًا " وَقَالَ فِي رِوَايَتِهِ أَيْضًا فِي الَّذِي يُطَلِّقُ ثَلَاثًا : " لَا تَحِلُّ لَهُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ نِكَاحًا صَحِيحًا نِكَاحَ رَغْبَةٍ لَيْسَ فِيهِ دُلْسَةٌ " وَقَالَ فِي رِوَايَةِ حَنْبَلٍ فِي الرَّجُلِ يَتَزَوَّجُ الْمَرْأَةَ عَلَى
أَنْ يُحِلَّهَا لِزَوْجِهَا الْأَوَّلِ : " لَا تَحِلُّ وَلَا يَجُوزُ حَتَّى يَكُونَ نِكَاحًا أَثْبَتَ النِّيَّةَ فِيهِ ، فَإِنْ شَاءَ أَمْسَكَ ، وَإِنْ شَاءَ طَلَّقَ " وَقَالَ أَيْضًا فِي رِوَايَتِهِ : " إذَا نَكَحَهَا عَلَى أَنْ يُطَلِّقَهَا فِي الْحَالِ لِتَرْجِعَ إلَى الْأَوَّلِ يُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا ، وَالْمَهْرُ لَا بُدَّ مِنْهُ بِمَا اسْتَحَلَّ مِنْ فَرْجِهَا " وَهَذَا قَوْلُ عَامَّةِ أَصْحَابِهِ .
ثُمَّ أَكْثَرُ مُحَقِّقِيهِمْ قَطَعُوا بِأَنَّ الْمَسْأَلَةَ رِوَايَةٌ وَاحِدَةٌ ، وَقَوْلٌ وَاحِدٌ فِي الْمَذْهَبِ .
وَهُوَ الَّذِي عَلَيْهِ الْمُتَقَدِّمُونَ مِنْهُمْ وَمَنْ سَلَكَ سَبِيلَهُمْ مِنْ الْمُتَأَخِّرِينَ ، وَهُوَ الَّذِي اسْتَقَرَّ عَلَيْهِ قَوْلُ الْقَاضِي أَبِي يَعْلَى فِي كُتُبِهِ الْمُتَأَخِّرَةِ مِثْلُ الْجَامِعِ وَالْخِلَافِ ، وَمَنْ سَلَكَ سَبِيلَهُ مِثْلُ الْقَاضِي أَبِي الْحُسَيْنِ ، وَأَبِي الْمَوَاهِبِ الْعُكْبَرِيِّ ، وَابْنِ عَقِيلٍ فِي التَّذْكِرَةِ وَغَيْرِهِمْ ، وَمِنْهُمْ مَنْ جَعَلَ فِي الْمَذْهَبِ خِلَافًا ، وَسَنَذْكُرُ - إنْ شَاءَ اللَّهُ - أَصْلَهُ .
وَقَالَ عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ حَبِيبٍ الْمَالِكِيُّ : " وَلَوْ تَزَوَّجَهَا فَإِنْ أَعْجَبَتْهُ أَمْسَكَهَا ، وَإِلَّا كَانَ قَدْ احْتَسَبَ فِي تَحْلِيلِهَا لِلْأَوَّلِ لَمْ يَجُزْ وَلَا يُحِلُّهَا ذَلِكَ لِمَا خَالَطَ نِكَاحَهُ مِنْ نِيَّةِ التَّحْلِيلِ ، وَقِيَاسُ قَوْلِ أَكْثَرِ أَصْحَابِنَا أَنَّ هَذَا نِكَاحٌ صَحِيحٌ ، لِأَنَّهُ إنَّمَا نَوَى فِرَاقَهَا إذَا لَمْ تُعْجِبْهُ وَصَارَ التَّحْلِيلُ ضِمْنًا ، وَأَمَّا مَنْ سَوَّى مِنْ أَصْحَابِنَا بَيْنَ نِكَاحِ الْمُتْعَةِ وَالْمُحَلِّلِ وَبَيْنَ أَنْ يَقُولَ : إنْ جِئْتنِي بِالْمَهْرِ إلَى وَقْتِ كَذَا ، وَإِلَّا فَلَا نِكَاحَ بَيْنَنَا .
فَإِنَّ قَوْلَهُمْ يُوَافِقُ قَوْلَ ابْنِ حَبِيبٍ ، فَإِنَّ هَؤُلَاءِ يُسَوُّونَ بَيْنَ أَنْ يَشْرِطَ الْفُرْقَةَ بِتَقْدِيرِ عَدَمِ الْمَهْرِ " .
وَلِلشَّافِعِيِّ فِي كِتَابِهِ الْقَدِيمِ الْعِرَاقِيِّ فِيمَا إذَا تَزَوَّجَهَا تَزْوِيجًا مُطْلَقًا لَمْ يَشْتَرِطْ وَلَا اُشْتُرِطَ عَلَيْهِ التَّحْلِيلُ إلَّا أَنَّهُ نَوَاهُ وَقَصَدَهُ ، قَوْلَانِ : أَحَدُهُمَا : مِثْلُ قَوْلِ مَالِكٍ .
وَالْقَوْلُ الثَّانِي : إنَّ النِّكَاحَ صَحِيحٌ وَهُوَ الَّذِي ذَكَرَهُ فِي الْكِتَابِ الْجَدِيدِ الْمِصْرِيِّ .(116/22)
وَرُوِيَ ذَلِكَ عَنْ الْقَاسِمِ ، وَسَالِمٍ وَيَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ وَرَبِيعَةَ ، وَأَبِي الزِّنَادِ حَكَاهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ عَنْهُمْ ، وَفِي الْقَلْبِ مِنْ حِكَايَتِهِ هَذَا عَنْ هَؤُلَاءِ حَزَازَةٌ ، فَإِنَّ مَالِكًا أَعْلَمُ النَّاسِ بِمَذَاهِبِ الْمَدَنِيِّينَ ، وَأَتْبَعُهُمْ لَهَا ، وَمَذْهَبُهُ فِي ذَلِكَ شِدَّةُ الْمَنْعِ مِنْ ذَلِكَ ، ثُمَّ هَؤُلَاءِ مِنْ أَعْيَانِ الْمَدَنِيِّينَ ، وَالْمَعْرُوفُ عَنْ الْمَدَنِيِّينَ التَّغْلِيظُ فِي التَّحْلِيلِ ، قَالُوا : هُوَ عَمَلُهُمْ وَعَلَيْهِ اجْتِمَاعُ مَلَئِهِمْ .
وَهَذَا الْقَوْلُ الثَّانِي : هُوَ مَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَصْحَابِهِ ، وَدَاوُد بْنِ عَلِيٍّ الْأَصْبَهَانِيِّ ، وَقَدْ خَرَّجَ ذَلِكَ طَائِفَةٌ مِنْ أَصْحَابِنَا مِنْهُمْ : الْقَاضِي فِي الْمُجَرَّدِ ، وَابْنُ عَقِيلٍ فِي الْفُصُولِ وَغَيْرُهُمَا ، عَلَى وَجْهَيْنِ : أَحَدُهُمَا : الْعَقْدُ صَحِيحٌ ، كَقَوْلِ هَؤُلَاءِ مَعَ أَنَّهُ مَكْرُوهٌ ، قَالُوا : لِأَنَّ أَحْمَدَ قَالَ : أَكْرَهُهُ ، وَالْكَرَاهَةُ الْمُطْلَقَةُ مِنْهُ هَلْ تُحْمَلُ عَلَى التَّحْرِيمِ ، أَوْ التَّنْزِيهِ ، عَلَى وَجْهَيْنِ ، وَجَعَلَ الشَّرِيفُ أَبُو جَعْفَرٍ ، وَأَبُو الْخَطَّابِيِّ ، وَطَائِفَةٌ مَعَهُمَا الْمَسْأَلَةَ عَلَى رِوَايَتَيْنِ : إحْدَاهُمَا : الْبُطْلَانُ كَمَا نَقَلَهُ حَنْبَلٌ ، وَغَيْرُهُ .
وَالثَّانِيَةُ : الصِّحَّةُ ، لِأَنَّ حَرْبًا نَقَلَ عَنْهُ أَنَّهُ كَرِهَهُ ، فَظَاهِرُهُ الصِّحَّةُ مَعَ الْكَرَاهَةِ ، وَلَمْ يَذْكُرْ أَبُو عَلِيِّ بْنُ الْبَنَّاءِ إلَّا هَذِهِ الرِّوَايَةَ ، وَقَطَعَ عَنْ أَحْمَدَ بِالْكَرَاهَةِ مَعَ الصِّحَّةِ .
وَهَذَا التَّخْرِيجُ ضَعِيفٌ عَلَى الْمَذْهَبِ فِي وَجْهَيْنِ : أَحَدُهُمَا : أَنَّ الْكَرَاهَةَ الَّتِي نَقَلَهَا حَرْبٌ أَنَّهُ قَالَ : سُئِلَ أَحْمَدُ عَنْ الرَّجُلِ يَتَزَوَّجُ الْمَرْأَةَ ، وَفِي نَفْسِهِ طَلَاقُهَا فَكَرِهَهُ ، وَهَذَا لَيْسَ فِي نِيَّةِ التَّحْلِيلِ ، وَإِنَّمَا هُوَ فِي نِيَّةِ الِاسْتِمْتَاعِ وَبَيْنَهُمَا فَرْقٌ بَيِّنٌ فَإِنَّ الْمُحَلِّلَ لَا رَغْبَةَ لَهُ فِي النِّكَاحِ
أَصْلًا ، وَإِنَّمَا غَرَضُهُ إعَادَتُهَا إلَى الْمُطَلِّقِ ، وَالْمُسْتَمْتِعُ لَهُ رَغْبَةٌ فِي النِّكَاحِ إلَى مُدَّةٍ ، وَلِهَذَا أُبِيحَ نِكَاحُ الْمُتْعَةِ فِي بَعْضِ الْأَوْقَاتِ ، ثُمَّ حُرِّمَ وَلَمْ يُبَحْ التَّحْلِيلُ قَطُّ .
وَلِهَذَا قَالَ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ الْمَقْدِسِيُّ : أَمَّا إذَا نَوَى أَنْ يُطَلِّقَهَا فِي وَقْتٍ بِعَيْنِهِ ، كَالرَّجُلِ يَقْدَمُ الْبَلْدَةَ فَيَتَزَوَّجُ الْمَرْأَةَ وَمِنْ نِيَّتِهِ أَنْ يُطَلِّقَهَا بَعْدَ السَّفَرِ ، فَإِنَّ هَذَا جَائِزٌ ، وَاتَّبَعَ مَا ذَكَرَهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ أَنَّ هَذَا قَوْلُ الْجُمْهُورِ مَعَ قَوْلِ هَؤُلَاءِ بِأَنَّ نِيَّةَ التَّحْلِيلِ تُبْطِلُ النِّكَاحَ ، لَكِنَّ الْمَنْصُوصَ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ كَرَاهَةُ هَذَا النِّكَاحِ ، وَقَالَ : هُوَ مُتْعَةٌ ، فَعُلِمَ أَنَّهَا كَرَاهَةُ تَحْرِيمٍ ، وَهَذَا الَّذِي عَلَيْهِ .
عَامَّةُ أَصْحَابِهِ .
وَقَالَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ : يُشْبِهُ الْمُتْعَةَ .
فَعَلَى هَذَا يَجُوزُ أَنْ يُرِيدَ بِهِ التَّنْزِيهَ دُونَ التَّحْرِيمِ ، وَمِمَّنْ حَرَّمَهُ الْأَوْزَاعِيُّ .
وَاخْتَلَفَتْ فِيهِ الْمَالِكِيَّةُ ، وَاَلَّذِي ذَكَرَهُ بَعْضُهُمْ أَنَّهُ إذَا تَزَوَّجَ الْمُسَافِرُ امْرَأَةً لِيَسْتَمْتِعَ بِهَا وَيُفَارِقَهَا إذَا سَافَرَ ، فَهُوَ عَلَى ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ .
فَإِنْ شَرَطَا ذَلِكَ كَانَ فَاسِدًا وَهُوَ نِكَاحُ مُتْعَةٍ ، وَاخْتُلِفَ إذَا فَهِمَتْ ذَلِكَ .
أَوْ لَمْ يَشْتَرِطْ ، فَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ : النِّكَاحُ بَاطِلٌ ، وَرَوَى ابْنُ وَهْبٍ عَنْ مَالِكٍ جَوَازَهُ ، فَقَالَ : إنَّمَا يُكْرَهَ الَّتِي يَنْكِحُهَا عَلَى أَنْ لَا يُقِيمَ وَعَلَى ذَلِكَ يَأْتِي ، وَرَوَى عَنْهُ أَشْهَبُ أَنَّهُ قَالَ : إذَا أَخْبَرَهَا قَبْلَ أَنْ يَنْكِحَ ، ثُمَّ أَرَادَ إمْسَاكَهَا فَلَا يُقِيمُ عَلَيْهَا وَلَا يُمْسِكُهَا وَلْيُفَارِقْهَا ، قَالَ مَالِكٌ : إنْ تَزَوَّجَ لِعُزْبَةٍ ، أَوْ هَوًى لِقَضَاءِ أَرَبِهِ وَيُفَارِقُ فَلَا بَأْسَ ، وَلَا أَحْسِبُ إلَّا أَنَّ مِنْ النِّسَاءِ مَنْ لَوْ عَلِمَتْ ذَلِكَ لَمَا رَضِيَتْ .
الثَّانِي : أَنَّ أَحْمَدَ قَالَ فِي رِوَايَةِ عَبْدِ اللَّهِ : إذَا تَزَوَّجَهَا وَمِنْ نِيَّتِهِ أَنْ يُطَلِّقَهَا
أَكْرَهُهُ هَذِهِ مُتْعَةٌ ، وَنَقَلَ عَنْهُ أَبُو دَاوُد : إذَا تَزَوَّجَهَا عَلَى أَنْ يَحْمِلَهَا إلَى خُرَاسَانَ وَمِنْ رَأْيِهِ إذَا حَمَلَهَا أَنْ يُخَلِّيَ سَبِيلَهَا ، فَقَالَ : لَا ، هَذَا يُشْبِهُ الْمُتْعَةَ حَتَّى يَتَزَوَّجَهَا عَلَى أَنَّهَا امْرَأَتُهُ مَا حَيِيَتْ ، وَهَذَا يُبَيِّنُ أَنَّ هَذِهِ كَرَاهَةُ تَحْرِيمٍ ، لِأَنَّهُ جَعَلَ هَذَا مُتْعَةً ، وَالْمُتْعَةُ حَرَامٌ عِنْدَهُ ، وَكَذَلِكَ قَالَ الْقَاضِي ، فِي خِلَافِهِ : ظَاهِرُ هَذَا إبْطَالُ الْعَقْدِ ، وَكَذَلِكَ اسْتَدْرَكَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا عَلَى أَبِي الْخَطَّابِ يَقُولُ أَحْمَدُ هَذِهِ مُتْعَةٌ .
قَالَ : فَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهَا كَرَاهَةُ تَحْرِيمٍ ، لَكِنَّ قَوْلَ أَبِي الْخَطَّابِ يَقْوَى فِي رِوَايَةِ أَبِي دَاوُد ، فَإِنَّهُ قَالَ : يُشْبِهُ الْمُتْعَةَ ، وَالْمُشَبَّهُ بِالشَّيْءِ قَدْ يَنْقُصُ عَنْهُ ، لِأَنَّ ظَاهِرَ الرِّوَايَةِ الْمَنْعُ ، لِأَنَّهُ قَالَ : حَتَّى يَتَزَوَّجَهَا عَلَى أَنَّهَا امْرَأَتُهُ مَا حَيِيَتْ فِي الْجُمْلَةِ ، أَمَّا إذَا نَوَى أَنْ يَتَزَوَّجَهَا لِيُحِلَّهَا ، فَلَمْ يُذْكَرْ عَنْ أَحْمَدَ فِيهِ لَفْظٌ مُحْتَمِلٌ لِعَدَمِ التَّحْرِيمِ ، وَأَمَّا إذَا نَوَى أَنْ يُطَلِّقَهَا فِي وَقْتٍ فَقَدْ نَصَّ عَلَى التَّحْرِيمِ فِي رِوَايَةٍ ، وَالرِّوَايَةُ الْأُخْرَى مِنْ أَصْحَابِنَا مَنْ جَعَلَهَا مِثْلَ تِلْكَ الرِّوَايَةِ ، وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ تَقْتَضِي الْكَرَاهَةَ دُونَ التَّحْرِيمِ ، وَعَلَى قَوْلِ الشَّيْخِ أَبِي مُحَمَّدٍ : لَا بَأْسَ بِهِ .
هَذَا الَّذِي ذَكَرْنَاهُ مِنْ اخْتِلَافِ الْعُلَمَاءِ وَمَا ذُكِرَ مِنْ الْخِلَافِ فِي الْمَذْهَبِ فِيمَا إذَا قَصَدَ التَّحْلِيلَ ، وَلَمْ يَشْتَرِطْ عَلَيْهِ قَبْلَ الْعَقْدِ وَلَا مَعَهُ ، فَأَمَّا إذَا تَوَاطَآ عَلَى التَّحْلِيلِ قَبْلَ الْعَقْدِ وَعَقَدَا عَلَى ذَلِكَ الْقَصْدِ فَهُوَ كَالْمَشْرُوطِ فِي الْعَقْدِ عِنْدَ كَثِيرٍ مِنْ هَؤُلَاءِ ، وَهُوَ أَشْبَهُ بِأَصْلِنَا إذَا قُلْنَا : إنَّ النِّيَّةَ الْمُجَرَّدَةَ لَا تُؤَثِّرُ فَإِنَّ الْغَالِبَ عَلَى الْمَذْهَبِ أَنَّ الشُّرُوطَ الْمُتَقَدِّمَةَ عَلَى الْعَقْدِ إذَا لَمْ تُفْسَخْ إلَى حِينِ الْعَقْدِ ، فَإِنَّهَا بِمَنْزِلَةِ الْمُقَارِنَةِ
، وَهُوَ مَفْهُومُ مَا خَرَّجَهُ أَبُو الْخَطَّابِ وَغَيْرُهُ ، فَإِنَّهُ خَصَّ الْخِلَافَ إذَا نَوَى التَّحْلِيلَ وَلَمْ يَشْتَرِطْهُ وَهُوَ أَحَدُ الْوَجْهَيْنِ لِأَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ ، وَهُوَ قَوْلُ هَؤُلَاءِ التَّابِعِينَ الَّذِينَ نَقَلَ عَنْهُمْ الرُّخْصَةَ فِي مُجَرَّدِ نِيَّةِ التَّحْلِيلِ ، وَاشْتَرَطُوا مَعَ ذَلِكَ أَنْ لَا يَعْلَمَ الزَّوْجُ الْمُطَلِّقُ ، فَرَوَى عَنْ الْقَاسِمِ وَسَالِمٍ : لَا بَأْسَ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا لِيُحِلَّهَا إذَا لَمْ يَعْلَمْ الزَّوْجَانِ وَهُوَ مَأْجُورٌ بِذَلِكَ " ، حَكَاهُ عَنْهُمَا الطَّحَاوِيَّ ، وَكَذَلِكَ قَالَ رَبِيعَةُ ، وَيَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ : " هُوَ مَأْجُورٌ " وَقَالَ أَبُو الزِّنَادِ : " وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ أَحَدٌ مِنْهُمَا فَلَا بَأْسَ بِالنِّكَاحِ وَتَرْجِعُ إلَى زَوْجِهَا الْأَوَّلِ " حَكَاهُنَّ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ .
وَعَلَى هَذَا فَلَيْسَ عَنْ أَحَدٍ مِنْ التَّابِعِينَ رُخْصَةٌ فِي نِكَاحِ الْمُحَلِّلِ إذَا عَلِمَتْ بِهِ الْمَرْأَةُ وَالزَّوْجُ الْمُطَلِّقُ فَضْلًا عَنْ اشْتِرَاطِهِ ، وَالْمَشْهُورُ مِنْ مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ أَنَّ هَذَا الشَّرْطَ الْمُتَقَدِّمَ غَيْرُ مُؤَثِّرٍ ، وَكَذَلِكَ ذَكَرَهُ الْقَاضِي فِي الْمُجَرَّدِ أَنَّ ذَلِكَ عِنْدَنَا كَنِيَّةِ التَّحْلِيلِ مِنْ غَيْرِ شَرْطٍ وَخَرَّجَ فِيهِمَا وَجْهَيْنِ .
وَأَمَّا إذَا شَرَطَ التَّحْلِيلَ فِي الْعَقْدِ فَهُوَ بَاطِلٌ ، سَوَاءٌ قَالَ : زَوَّجْتُكَ إلَى أَنْ تُحِلَّهَا ، أَوْ : إلَى أَنْ تَطَأَهَا ، وَنَحْوَ ذَلِكَ مِنْ أَلْفَاظِ التَّأْجِيلِ ، أَوْ قَالَ : بِشَرْطِ أَنَّكَ إذَا وَطِئْتَهَا ، أَوْ إذَا أَحْلَلْتَهَا بَانَتْ ، أَوْ فَلَا نِكَاحَ بَيْنَكُمَا ، أَوْ عَلَى أَنْ لَا نِكَاحَ بَيْنَكُمَا إذَا حَلَّلْتَهَا ، وَنَحْوَ ذَلِكَ مِنْ الْأَلْفَاظِ الَّتِي تُوجِبُ ارْتِفَاعَ النِّكَاحِ إذَا تَحَلَّلَتْ ، أَوْ قَالَ : عَلَى أَنَّكَ تُطَلِّقُهَا إذَا حَلَّلْتَهَا لِلْمُطَلِّقِ أَوْ وَطِئْتَهَا ، وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ : عَلَى أَنْ تُحِلَّهَا فَقَطْ ، كَمَا ذَكَرَهُ الْخِرَقِيِّ وَغَيْرُهُ ، لِأَنَّ الْإِحْلَالَ إنَّمَا يَتِمُّ بِالْوَطْءِ ، وَالطَّلَاقِ .
فَإِذَا قِيلَ : عَلَى أَنْ تُحِلَّهَا فَقَطْ ، كَانَ الْمُرَادُ مَجْمُوعَ
الْأَمْرَيْنِ ، وَإِذَا قِيلَ : عَلَى أَنْ تُحِلَّهَا ، ثُمَّ تُطَلِّقَهَا ، كَانَ الْإِحْلَالُ هُوَ الْوَطْءَ ، وَإِنَّمَا ذَكَرْنَا هَذَا ، لِأَنَّ عِبَارَاتِ الْفُقَهَاءِ مُخْتَلِفَةٌ فِي هَذَا الشَّرْطِ ، مِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ : إذَا شَرَطَ عَلَيْهِ أَنْ يُحِلَّهَا ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ : أَنْ يُحِلَّهَا ، ثُمَّ يُطَلِّقَهَا ، فَمَنْ قَالَ الْأَوَّلَ عَنَى بِالْإِحْلَالِ الْوَطْءَ وَالطَّلَاقَ جَمِيعًا وَهُوَ أَقْرَبُ إلَى مَدْلُولِ اللَّفْظِ كَقَوْلِ الْخِرَقِيِّ ، وَمَنْ قَالَ الثَّانِيَ كَانَ الْإِحْلَالُ عِنْدَهُ الْوَطْءَ ؛ لِأَنَّهُ هُوَ الَّذِي يُفْتَقَرُ فِيهِ إلَى الزَّوْجِ بِكُلِّ حَالٍ ، فَإِنَّ الْفُرْقَةَ قَدْ تَحْصُلُ بِمَوْتٍ ، أَوْ طَلَاقٍ ؛ وَلِأَنَّهُ إذَا حَصَلَ الْوَطْءُ صَارَتْ الْمَرْأَةُ بِمَنْزِلَةِ سَائِرِ الزَّوْجَاتِ ، وَارْتَفَعَ تَحْرِيمُ الطَّلَاقِ بِهِ ، فَهَذَا جَعَلَ الْوَطْءَ وَحْدَهُ هُوَ الْمُحَلِّلُ .
وَبِالْجُمْلَةِ فَهَذَا مَذْهَبُ عَامَّةِ هَؤُلَاءِ ، وَهُوَ ظَاهِرُ مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ ، وَيُرْوَى عَنْ أَبِي يُوسُفَ ، ثُمَّ عَامَّةُ أَصْحَابِنَا قَطَعُوا بِهَذَا مَعَ ذِكْرِ بَعْضِهِمْ لِلْخِلَافِ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى ، وَلِلشَّافِعِيِّ قَوْلٌ بِصِحَّةِ الْعَقْدِ وَفَسَادِ الشَّرْطِ فِي الصُّورَةِ الثَّالِثَةِ ، وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَصْحَابُهُ : النِّكَاحُ جَائِزٌ ، وَالشَّرْطُ فَاسِدٌ كَسَائِرِ الشُّرُوطِ الْفَاسِدَةِ عِنْدَهُمْ ، سَوَاءٌ قَالَ : عَلَى أَنَّهُ إذَا أَحَلَّهَا فَلَا نِكَاحَ ، أَوْ قَالَ : عَلَى أَنْ يُطَلِّقَهَا إذَا أَحَلَّهَا ، وَرُوِيَ ذَلِكَ عَنْ الثَّوْرِيِّ ، وَذُكِرَ ذَلِكَ عَنْ الْأَوْزَاعِيِّ فِي نِكَاحِ الْمُحَلِّلِ .
وَفِيهِ نَظَرٌ عَنْهُ ، وَعَنْ ابْنِ أَبِي لَيْلَى فِي نِكَاحِ الْمُحَلِّلِ وَنِكَاحِ الْمُتْعَةِ أَنَّهُ أَبْطَلَ الشَّرْطَ فِي ذَلِكَ ، وَأَجَازَ النِّكَاحَ ، وَهَذَا يَقْتَضِي صِحَّةَ النِّكَاحِ فِي الصُّوَرِ الثَّلَاثِ ، وَهُوَ قَوْلُ زُفَرَ .
وَقَدْ خَرَّجَ الْقَاضِي فِي مَوْضِعٍ مِنْ الْخِلَافِ ، وَأَبُو الْخَطَّابِ رِوَايَةً بِصِحَّةِ الْعَقْدِ وَفَسَادِ الشَّرْطِ ، وَفِي الصُّورَةِ الثَّانِيَةِ وَالثَّالِثَةِ - مِنْ رِوَايَةٍ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ فِي
النِّكَاحِ الْمَشْرُوطِ فِيهِ الْخِيَارُ ، أَوْ أَنَّهُ إنْ جِئْتَنِي بِالْمَهْرِ إلَى وَقْتِ كَذَا ، وَإِلَّا فَلَا نِكَاحَ بَيْنَنَا - أَنَّ الْعَقْدَ صَحِيحٌ وَالشَّرْطَ بَاطِلٌ ، وَمِنْ أَصْحَابِنَا مَنْ طَرَدَ التَّخْرِيجَ فِي الصُّوَرِ الثَّلَاثِ وَهُوَ فِي غَايَةِ الْفَسَادِ عَلَى الْمَذْهَبِ .
بَلْ لَا يَجُوزُ نِسْبَةُ مِثْلِ هَذَا إلَى الْإِمَامِ أَحْمَدَ .
وَالْفَرْقُ بَيْنَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَتِلْكَ مِنْ ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ : أَحَدُهَا : أَنَّهُ هُنَا شَرَطَ الْفُرْقَةَ الرَّافِعَةَ لِلْعَقْدِ عَيْنًا وَهُنَاكَ إنَّمَا شَرَطَ الْفُرْقَةَ إذَا لَمْ يَجِئْهُ بِالْمَهْرِ ، أَوْ إذَا اخْتَارَهَا صَاحِبُ الْخِيَارِ .
فَأَيْنَ هَذَا مِنْ هَذَا ؟ وَالثَّانِي : أَنَّ الْمَقْصُودَ بِاشْتِرَاطِ الْمَجِيءِ بِالْمَهْرِ تَحْصِيلُ الْمَقْصُودِ بِالْعَقْدِ وَفِي مَسْأَلَةِ الْخِيَارِ يَلْزَمُ الْعَقْدُ بِمُضِيِّ الزَّمَانِ ، وَهُنَا الشَّرْطُ مُنَافٍ لِمَقْصُودِ الْعَقْدِ ، وَهُوَ إمَّا مُوجِبٌ لِلْفُرْقَةِ عَيْنًا بِحَيْثُ تَقَعُ الْفُرْقَةُ بِمُضِيِّ الزَّمَانِ ، كَنِكَاحِ الْمُتْعَةِ ، أَوْ مُوجِبٌ لِإِيقَاعِ الْفُرْقَةِ عَلَى الزَّوْجِ .
الثَّالِثُ : أَنَّ تِلْكَ الْأَنْكِحَةَ مَقْصُودَةٌ يُرِيدُ بِهَا النَّاكِحُ مَا يُرَادُ بِالْمَنَاكِحِ ، وَهُنَا إنَّمَا الْمَقْصُودُ تَحْلِيلُ الْمُحَرَّمَةِ لِزَوْجِهَا ، فَالْمَقْصُودُ زَوَالُ النِّكَاحِ لَا وُجُودُهُ .
ثُمَّ عَامَّةُ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ لَا يُبْطِلُونَ الْعَقْدَ يَكْرَهُونَ نِكَاحَ الْمُحَلِّلِ ، وَإِنْ لَمْ يُبْطِلُوهُ وَيَنْهَوْنَ عَنْهُ ، وَهُوَ مَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيِّ وَغَيْرِهِمَا ، وَلَمْ يَبْلُغْنَا عَنْ أَحَدٍ خِلَافُ ذَلِكَ فِيمَا إذَا ظَهَرَ مِنْ الزَّوْجِ أَنَّهُ يُرِيدُ التَّحْلِيلَ .
فَأَمَّا إذَا أَضْمَرَ ذَلِكَ ، فَقَدْ حُكِيَ عَنْ أُولَئِكَ النَّفَرِ مِنْ التَّابِعِينَ إنْ صَحَّتْ الْحِكَايَةُ أَنَّهُ يُثَابُ عَلَى ذَلِكَ ، وَصِحَّتُهَا بَعِيدَةٌ فَإِنَّ الْقَاسِمَ بْنَ مَعْنٍ قَاضِيَ الْكُوفَةِ قَالَ : قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ : لَوْلَا أَنْ يَقُولَ النَّاسُ لَقُلْتُ إنَّهُ مَأْجُورٌ ، - يَعْنِي الْمُحَلِّلَ - ، وَهَذِهِ قَالَهَا الْقَاسِمُ فِي مَعْرِضِ التَّشْنِيعِ عَلَى
مَنْ قَالَهَا ، فَإِنَّ سِيَاقَ كَلَامِهِ يَقْتَضِي ذَلِكَ مَعَ أَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ أَخْبَرَ أَنَّهُ لَوْلَا أَنَّ هَذَا الْقَوْلَ لَا يَحْتَمِلُهُ النَّاسُ بِوَجْهٍ لَقِيلَ ، فَعُلِمَ أَنَّ مِثْلَ هَذَا الْقَوْلِ ، أَوْ قَرِيبَهُ كَانَ مِنْ أَكْبَرِ الْمُنْكَرَاتِ عِنْدَ التَّابِعِينَ وَمَنْ بَعْدَهُمْ ، وَأَنَّهُ قَوْلٌ مُحْدَثٌ مُخَالِفٌ لِمَا عَلَيْهِ الْجَمَاعَةُ ، فَكَيْفَ يُنْسَبُ إلَى أَحَدٍ مِنْ فُقَهَاءِ الْمَدِينَةِ وَهُمْ أَبْعَدُ النَّاسِ عَنْ مِثْلِ هَذَا ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِحَقِيقَةِ الْحَالِ ؟ وَزَعَمَ دَاوُد بْنُ عَلِيٍّ أَنَّهُ لَا يَبْعُدُ أَنْ يَكُونَ مُرِيدُ نِكَاحِ الْمُطَلَّقَةِ لِيُحِلَّهَا لِزَوْجِهَا مَأْجُورًا إذَا لَمْ يُظْهِرْ ذَلِكَ بِاشْتِرَاطِهِ فِي حِينِ الْعَقْدِ ، لِأَنَّهُ قَصَدَ إرْفَاقَ أَخِيهِ الْمُسْلِمِ ، وَإِدْخَالَ السُّرُورِ عَلَيْهِ ، وَمَنْ قَالَ : إنَّ نِكَاحَ الْمُحَلِّلِ صَحِيحٌ مَعَ الْكَرَاهَةِ ، قَالَ : إنَّهُ يُفِيدُ الْحِلَّ مَعَ الْكَرَاهَةِ ، وَاخْتُلِفَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَصْحَابِهِ إذَا صَحَّحُوا النِّكَاحَ ، فَمَرَّةً قَالُوا : لَا تَحِلُّ لَهُ بِهَذَا النِّكَاحِ ، وَإِنْ كَانَ صَحِيحًا ، وَمَرَّةً قَالُوا : تَحِلُّ بِهِ ، هَكَذَا حَكَاهُ الطَّحَاوِيَّ وَغَيْرُهُ ، وَذَكَرَ بَعْضُهُمْ أَنَّ مُحَمَّدَ بْنَ الْحَسَنِ قَالَ : لَا تَحِلُّ مَعَ صِحَّةِ النِّكَاحِ ، لِأَنَّهُ اسْتَعْجَلَ مَا أَخَّرَهُ الشَّرْعُ ، فَجُوزِيَ بِنَقِيضِ قَصْدِهِ ، كَمَا فِي مَنْعِ قَاتِلِ الْمُوَرِّثِ .
فَإِذَا ظَهَرَتْ الْمَقَالَاتُ فِي مَسْأَلَةِ التَّحْلِيلِ ، وَمَا فِيهَا مِنْ التَّفْصِيلِ ، فَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ الَّذِي عَلَيْهِ الصَّحَابَةُ وَعَامَّةُ السَّلَفِ التَّحْرِيمُ مُطْلَقًا ، وَنَحْنُ - إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى - نَذْكُرُ الْأَدِلَّةَ عَلَى تَحْرِيمِ نِكَاحِ الْمُحَلِّلِ وَبُطْلَانِهِ ، سَوَاءٌ قَصَدَهُ فَقَطْ ، أَوْ قَصَدَهُ وَاتَّفَقُوا عَلَيْهِ قَبْلَ الْعَقْدِ ، أَوْ شَرَطَ مَعَ ذَلِكَ فِي الْعَقْدِ ، وَنُبَيِّنُ الدَّلَائِلَ عَلَى الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى ، فَإِنَّ ذَلِكَ تَنْبِيهٌ عَلَى الْمَسْأَلَتَيْنِ الْأَخِيرَتَيْنِ - إنْ شَاءَ اللَّهُ - عَلَى الشَّرْطِ الْخَالِي عَنْ نِيَّةٍ وَقْتَ الْعَقْدِ
.
وَهُنَا طَرِيقَانِ : أَحَدُهُمَا : الْإِشَارَةُ إلَى بُطْلَانِ الْحِيَلِ عُمُومًا .
وَالثَّانِيَةُ : الْكَلَامُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ خُصُوصًا .
الطَّرِيقُ الْأَوَّلُ : بُطْلَانُ الْحِيَلِ ، وَأَدِلَّةُ التَّحْرِيمِ أَنْ نَقُولَ : إنَّ - اللَّهَ سُبْحَانَهُ - حَرَّمَ أَشْيَاءَ ، إمَّا تَحْرِيمًا مُطْلَقًا ، كَتَحْرِيمِ الرِّبَا ، أَوْ تَحْرِيمًا مُقَيَّدًا إلَى أَنْ يَتَغَيَّرَ حَالٌ مِنْ الْأَحْوَالِ ، كَتَحْرِيمِ نِكَاحِ الْمُطَلَّقَةِ ثَلَاثًا ، وَكَتَحْرِيمِ الْمَحْلُوفِ بِطَلَاقِهَا عِنْدَ الْحِنْثِ ، وَأَوْجَبَ أَشْيَاءَ إيجَابًا مُعَلَّقًا بِأَسْبَابٍ : إمَّا حَقًّا لِلَّهِ - سُبْحَانَهُ - ، كَالزَّكَاةِ ، وَنَحْوِهَا ، أَوْ حَقًّا لِلْعِبَادِ كَالشُّفْعَةِ ، ثُمَّ إنَّهُ شَرَعَ أَسْبَابًا تُفْعَلُ لِتَحْصِيلِ مَقَاصِدَ ، كَمَا شَرَعَ الْعِبَادَاتِ مِنْ الْأَقْوَالِ وَالْأَفْعَالِ لِابْتِغَاءِ فَضْلِهِ وَرِضْوَانِهِ .
وَكَمَا شَرَعَ عَقْدَ الْبَيْعِ لِنَقْلِ الْمِلْكِ بِالْعِوَضِ ، وَعَقْدَ الْقَرْضِ لِإِرْفَاقِ الْمُقْتَرِضِ ، وَعَقْدَ النِّكَاحِ لِلْأَزْوَاجِ ، وَالسَّكَنِ ، وَالْأُلْفَةِ بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ ، وَالْخُلْعِ لِحُصُولِ الْبَيْنُونَةِ الْمُتَضَمِّنَةِ افْتِدَاءَ الْمَرْأَةِ مِنْ رِقِّ بَعْلِهَا ، وَغَيْرِ ذَلِكَ ، وَكَذَلِكَ هَدَى خَلْقَهُ إلَى أَفْعَالٍ تُبَلِّغُهُمْ إلَى مَصَالِحَ لَهُمْ كَمَا شَرَعَ مِثْلَ ذَلِكَ .
فَالْحِيلَةُ : أَنْ يَقْصِدَ سُقُوطَ الْوَاجِبِ ، أَوْ حِلَّ الْحَرَامِ ، بِفِعْلٍ لَمْ يَقْصِدْ بِهِ مَا جُعِلَ ذَلِكَ الْفِعْلُ لَهُ ، أَوْ مَا شُرِعَ ، فَهُوَ يُرِيدُ تَغْيِيرَ الْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ بِأَسْبَابٍ لَمْ يَقْصِدْ بِهَا مَا جُعِلَتْ تِلْكَ الْأَسْبَابُ لَهُ ، وَهُوَ يَفْعَلُ تِلْكَ الْأَسْبَابَ لِأَجْلِ مَا هُوَ تَابِعٌ لَهَا ، لَا لِأَجْلِ مَا هُوَ الْمَتْبُوعُ الْمَقْصُودُ بِهَا ، بَلْ يَفْعَلُ السَّبَبَ لِمَا يُنَافِي قَصْدَهُ مِنْ حُكْمِ السَّبَبِ ، فَيَصِيرُ بِمَنْزِلَةِ مَنْ طَلَبَ ثَمَرَةَ الْفِعْلِ الشَّرْعِيِّ وَنَتِيجَتَهُ وَهُوَ لَمْ يَأْتِ بِقِوَامِهِ وَحَقِيقَتِهِ ، فَهَذَا خِدَاعٌ لِلَّهِ ، وَاسْتِهْزَاءٌ بِآيَاتِ اللَّهِ ، وَتَلَاعُبٌ بِحُدُودِ اللَّهِ ، وَقَدْ دَلَّ عَلَى تَحْرِيمِهِ الْكِتَابُ ، وَالسُّنَّةُ ، وَإِجْمَاعُ السَّلَفِ الصَّالِحِ ، وَعَامَّةُ دَعَائِمِ الْإِيمَانِ وَمَبَانِي الْإِسْلَامِ .
وَدَلَائِلُ ذَلِكَ لَا تَكَادُ
تَنْضَبِطُ وَلَكِنْ نُنَبِّهُ عَلَى بَعْضِهَا .
مَعَ أَنَّ الْقَوْلَ بِإِبْطَالِ مِثْلِ هَذِهِ الْحِيَلِ فِي الْجُمْلَةِ مَأْثُورٌ ، عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ ، وَعُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ ، وَعَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ ، وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ ، وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلَّامٍ ، وَأُبَيُّ بْنِ كَعْبٍ ، وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ ، وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ ، وَعَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ ، وَأَنَسِ بْنِ مَالِكٍ .
وَمِنْ التَّابِعِينَ ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ وَالْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ وَسَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ وَعُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ وَسُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ وَخَارِجَةَ بْنِ زَيْدٍ ، وَعَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ ، وَغَيْرِهِ مِنْ فُقَهَاءِ الْمَكِّيِّينَ ، وَجَابِرِ بْنِ زَيْدٍ أَبِي الشَّعْثَاءِ ، وَالْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ وَمُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ وَبَكْرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْمُزَنِيّ وَقَتَادَةَ وَأَصْحَابِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ ، وَإِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ ، وَالشَّعْبِيِّ ، وَحَمَّادِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ ، وَهُوَ قَوْلُ أَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيُّ وَعَمْرِو بْنِ دِينَارٍ ، وَمَالِكٍ ، وَأَصْحَابِهِ ، وَالْأَوْزَاعِيِّ وَاللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ ، وَالْقَاسِمِ بْنِ مَعْنٍ وَسُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ وَشَرِيكِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ ، وَسُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُبَارَكِ وَالْفَضْلِ بْنِ عِيَاضٍ ، وَحَفْصِ بْنِ غِيَاثٍ ، وَيَزِيدَ بْنِ هَارُونَ ، وَأَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ وَأَصْحَابِهِ ، وَأَبِي عُبَيْدٍ الْقَاسِمِ بْنِ سَلَّامٍ ، وَإِسْحَاقَ بْنِ رَاهْوَيْهِ ، وَمَنْ لَا يُحْصَى مِنْ الْعُلَمَاءِ ، وَكَلَامُهُمْ فِي ذَلِكَ يَطُولُ .
قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ فِي رِوَايَةِ مُوسَى بْنِ سَعِيدٍ : " لَا يَجُوزُ شَيْءٌ مِنْ الْحِيَلِ " .
وَقَالَ فِي رِوَايَةِ ابْنِ الْحَكَمِ : " إذَا حَلَفَ عَلَى شَيْءٍ ، ثُمَّ احْتَالَ بِحِيلَةٍ فَصَارَ إلَيْهِ فَقَدْ صَارَ إلَى ذَلِكَ بِعَيْنِهِ " .
قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ : مَا أَخْبَثَهُمْ ؛ يَعْنِي أَصْحَابَ الْحِيَلِ " .
وَقَالَ : بَلَغَنِي عَنْ مَالِكٍ ، أَوْ قَالَ : قَالَ مَالِكٌ " مَنْ(116/23)
احْتَالَ بِحِيلَةٍ فَهُوَ حَانِثٌ " أَوْ كَمَا قَالَ .
وَقَالَ فِي رِوَايَةِ إسْمَاعِيلَ بْنِ سَعِيدٍ وَقَدْ سَأَلَهُ عَمَّنْ احْتَالَ فِي إبْطَالِ الشُّفْعَةِ ، فَقَالَ : لَا يَجُوزُ شَيْءٌ مِنْ الْحِيَلِ فِي إبْطَالِ حَقِّ مُسْلِمٍ " .
وَقَالَ الْمَيْمُونِيُّ : قُلْتُ ، لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ : مَنْ حَلَفَ عَلَى يَمِينٍ ثُمَّ احْتَالَ لِإِبْطَالِهَا هَلْ تَجُوزُ تِلْكَ الْحِيلَةُ ؟ قَالَ : " نَحْنُ لَا نَرَى الْحِيلَةَ إلَّا بِمَا يَجُوزُ " قُلْتُ : أَلَيْسَ حِيلَتُنَا فِيهَا أَنْ نَتَّبِعَ مَا قَالُوا ، وَإِذَا وَجَدْنَا لَهُمْ قَوْلًا فِي شَيْءٍ اتَّبَعْنَاهُ ؟ قَالَ : " بَلَى ، هَكَذَا هُوَ " .
قُلْتُ : وَلَيْسَ هَذَا مِنَّا - نَحْنُ - حِيلَةً ، قَالَ : " نَعَمْ " قُلْتُ : بَلَغَنِي أَنَّهُمْ يَقُولُونَ فِي رَجُلٍ حَلَفَ عَلَى امْرَأَتِهِ - وَهِيَ عَلَى دَرَجَةٍ - : إنْ صَعِدْتِ ، أَوْ نَزَلْتِ فَأَنْتِ طَالِقٌ .
قَالُوا : تُحْمَلُ حَمْلًا فَلَا تَنْزِلُ .
قَالَ : " هَذَا هُوَ الْحِنْثُ بِعَيْنِهِ لَيْسَ هَذِهِ حِيلَةً هَذَا هُوَ الْحِنْثُ " .
وَقَالُوا : حَلَفَ أَنْ لَا يَطَأَ بِسَاطًا ، قَالُوا : يَجْعَلُ بِسَاطَيْنِ ، وَقَالُوا : حَلَفَ أَنْ لَا يَدْخُلَ الدَّارَ ، قَالُوا : يُحْمَلُ ، فَجَعَلَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ يَتَعَجَّبُ .
فَبَيَّنَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّ مَنْ اتَّبَعَ مَا شُرِعَ لَهُ وَجَاءَ عَنْ السَّلَفِ فِي مَعَانِي الْأَسْمَاءِ الَّتِي عَلَّقَ بِهَا الْأَحْكَامَ لَيْسَ بِمُحْتَالٍ الْحِيلَةَ الْمَذْمُومَةَ ، وَإِنْ سُمِّيَتْ حِيلَةً ، فَلَيْسَ الْكَلَامُ فِيهَا .
وَغَرَضُهُ بِهَذَا الْفَرْقِ بَيْنَ سُلُوكِ الطَّرِيقِ الْمَشْرُوعَةِ الَّتِي شُرِعَتْ لِحُصُولِ ذَلِكَ الْمَقْصُودِ وَبَيْنَ غَيْرِهَا ، كَمَا سَيَأْتِي - إنْ شَاءَ اللَّهُ - بَيَانُهُ ، وَسَيَأْتِي تَشْدِيدُهُ فِي سَائِرِ أَنْوَاعِ الْحِيَلِ ، وَاحْتِجَاجُهُ عَلَى رَدِّهَا فِي أَثْنَاءِ الْأَدِلَّةِ .
فَنَقُولُ الدَّلِيلُ عَلَى تَحْرِيمِهَا ، وَإِبْطَالِهَا وُجُوهٌ : الْوَجْهُ الْأَوَّلُ أَنَّهُ - سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى - قَالَ فِي صِفَةِ أَهْلِ النِّفَاقِ مِنْ مُظْهِرِي الْإِسْلَامِ : { وَمِنْ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاَللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَمَا هُمْ بِمُؤْمِنِينَ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَاَلَّذِينَ آمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إلَّا أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ } إلَى قَوْلِهِ : { وَإِذَا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قَالُوا آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا إلَى شَيَاطِينِهِمْ قَالُوا إنَّا مَعَكُمْ إنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ وَيَمُدُّهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ } وَقَالَ سُبْحَانَهُ : { إنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ } وَقَالَ فِي صِفَةِ الْمُنَافِقِينَ مِنْ أَهْلِ الْعَهْدِ : { وَإِنْ يُرِيدُوا أَنْ يَخْدَعُوكَ فَإِنَّ حَسْبَكَ اللَّهُ } الْآيَةَ .
فَأَخْبَرَ سُبْحَانَهُ أَنَّ هَؤُلَاءِ الْمُخَادِعِينَ مَخْدُوعُونَ وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ بِذَلِكَ ، وَأَنَّ اللَّهَ خَادِعٌ مَنْ يُخَادِعُهُ وَأَنَّ الْمَخْدُوعَ يَكْفِيهِ اللَّهُ شَرَّ مَنْ خَدَعَهُ ، وَالْمُخَادَعَةُ هِيَ الِاحْتِيَالُ وَالْمُرَاوَغَةُ بِإِظْهَارِ الْخَيْرِ مَعَ إبْطَالِ خِلَافِهِ لِتَحْصِيلِ الْمَقْصُودِ .
يُقَالُ : طَرِيقٌ خَدِعٌ إذَا كَانَ مُخَالِفًا لِلْقَصْدِ لَا يُفْطَنُ لَهُ ، وَيُقَالُ : غُولٌ خَيْدَعٌ ، وَيُقَالُ : لِلشَّرَابِ الْخَيْدَاعُ ، وَضَبٌّ خَدِعٌ ، أَيْ مُرَاوِغٌ .
وَفِي الْمَثَلِ أَخْدَعُ مِنْ ضَبٍّ ، وَخُلُقٌ خَادِعٌ ، وَسُوقٌ خَادِعَةٌ أَيْ مُتَلَوِّنَةٌ .
وَالْحَرْبُ خُدْعَةٌ ، وَأَصْلُهُ الْإِخْفَاءُ وَالسَّتْرُ .
وَمِنْهُ قِيلَ لِلْخِزَانَةِ : مِخْدَعٌ وَمُخْدَعٌ .
فَلَمَّا كَانَ قَوْلُ الْقَائِلِ : آمَنَّا بِاَللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الْآخِرِ إنْشَاءً لِلْإِيمَانِ ، أَوْ إخْبَارًا بِهِ وَحَقِيقَتُهُ أَنْ يَكُونَ صَادِقًا فِي هَذَا الْإِنْشَاءِ وَالْإِخْبَارِ - بِحَيْثُ يَكُونُ قَلْبُهُ مُطْمَئِنًّا بِذَلِكَ ، وَحُكْمُهُ أَنْ يَعْصِمَ دَمَهُ وَمَالَهُ فِي الدُّنْيَا ، وَأَنْ يَكُونَ لَهُ مَا لِلْمُؤْمِنِينَ - كَانَ مَنْ قَالَ هَذِهِ الْكَلِمَةَ غَيْرَ مُبْطِنٍ لِحَقِيقَتِهَا ، بَلْ مُرِيدًا لِحُكْمِهَا
وَثَمَرَتِهَا فَقَطْ ، مُخَادِعًا لِلَّهِ وَرَسُولِهِ ، وَكَانَ جَزَاؤُهُ أَنْ يُظْهِرَ اللَّهُ - سُبْحَانَهُ - مَا يَظُنُّ أَنَّهُ كَرَامَةٌ وَفِيهِ عَذَابٌ أَلِيمٌ ، كَمَا أَظْهَرَ لِلْمُؤْمِنِينَ مَا ظَنُّوا أَنَّهُ إيمَانٌ وَفِي ضِمْنِهِ الْكُفْرُ .
وَهَكَذَا قَوْلُ الْقَائِلِ : بِعْتُ ، وَاشْتَرَيْتُ ، وَاقْتَرَضْتُ ، وَأَنْكَحْتُ ، وَنَكَحْتُ إنْشَاءً لِلْعَقْدِ ، أَوْ إخْبَارًا بِهِ .
فَإِذَا لَمْ يَكُنْ مَقْصُودُهُ انْتِقَالَ الْمِلْكِ الَّذِي وُضِعَتْ لَهُ هَذِهِ الصِّيغَةُ ، وَلَا ثُبُوتَ النِّكَاحِ الَّذِي جُعِلَتْ لَهُ هَذِهِ الْكَلِمَةُ ، بَلْ مَقْصُودُهُ بَعْضُ أَحْكَامِهَا الَّتِي قَدْ يَحْصُلُ ضِمْنًا ، وَقَدْ لَا يَحْصُلُ .
أَوْ قَصَدَ مَا يُنَافِي قَصْدَ الْعَقْدِ ، أَوْ قَصْدُهُ بِالْعَقْدِ شَيْءٌ آخَرُ خَارِجٌ عَنْ أَحْكَامِ الْعَقْدِ ، وَهُوَ أَنْ تَعُودَ الْمَرْأَةُ إلَى زَوْجِهَا الْمُطَلِّقِ بَعْدَ الطَّلَاقِ .
أَوْ أَنْ تَعُودَ السِّلْعَةُ إلَى الْبَائِعِ بِأَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ مِنْ الثَّمَنِ ، أَوْ أَنْ تَنْحَلَّ يَمِينٌ قَدْ حَلَفَهَا كَانَ مُخَادِعًا لِمُبَاشَرَتِهِ لِلْكَلِمَاتِ الَّتِي جُعِلَتْ لَهَا حَقَائِقُ وَمَقَاصِدُ ، وَهُوَ لَا يُرِيدُ مَقَاصِدَهَا وَحَقَائِقَهَا .
وَهُوَ ضَرْبٌ مِنْ النِّفَاقِ فِي آيَاتِ اللَّهِ وَحُدُودِهِ ، كَمَا أَنَّ الْأَوَّلَ نِفَاقٌ فِي أَصْلِ الدِّينِ ، يُؤَيِّدُ ذَلِكَ مِنْ الْأَثَرِ مَا رُوِيَ ، عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ ، أَنَّهُ جَاءَهُ رَجُلٌ فَقَالَ : إنَّ عَمِّي طَلَّقَ امْرَأَتَهُ ثَلَاثًا أَيُحِلُّهَا لَهُ رَجُلٌ ؟ فَقَالَ : مَنْ يُخَادِعْ اللَّهَ يَخْدَعْهُ .
رَوَاهُ سَعِيدٌ ، وَسَيَجِيءُ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ ، وَأَنَسٍ أَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا سُئِلَ عَنْ الْعِينَةِ فَقَالَ : إنَّ اللَّهَ لَا يُخْدَعُ ، هَذَا مِمَّا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ ، وَمَا رُوِيَ مَرْفُوعًا وَمَوْقُوفًا ، عَنْ عُثْمَانَ ، وَابْنِ عُمَرَ ، وَغَيْرِهِمَا أَنَّهُمْ قَالُوا : { لَا نِكَاحَ إلَّا نِكَاحُ رَغْبَةٍ لَا نِكَاحُ دُلْسَةٍ } .
وَقَدْ قَالَ أَهْلُ السُّنَّةِ : الْمُدَالَسَةُ الْمُخَادَعَةُ .
وَقَالَ أَيُّوبُ السِّخْتِيَانِيُّ ، وَنَاهِيكَ بِهِ فِي هَؤُلَاءِ الْمُحْتَالِينَ يُخَادِعُونَ اللَّهَ كَأَنَّمَا يُخَادِعُونَ
الصِّبْيَانَ ، فَلَوْ أَتَوْا الْأَمْرَ عِيَانًا كَانَ أَهْوَنَ عَلَيَّ .
وَقَالَ شَرِيكُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْقَاضِي فِي كِتَابِ الْحِيَلِ هُوَ كِتَابُ الْمُخَادَعَةِ ، وَكَذَلِكَ الْمُعَاهِدُونَ إذَا أَظْهَرُوا لِلرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُمْ يُرِيدُونَ سِلْمَهُ وَمَقْصُودُهُمْ بِذَلِكَ الْمَكْرُ بِهِ مِنْ حَيْثُ لَا يَشْعُرُ بِأَنْ يُظْهِرُوا لَهُ أَمَانًا ، وَهُمْ يَعْتَقِدُونَ أَنَّهُ لَيْسَ بِأَمَانٍ فَقَدْ أَبْطَنُوا خِلَافَ مَقْصُودِ الْمُعَاهَدَةِ .
كَمَا يُظْهِرُ الْمُحَلِّلُ لِلْمُسْلِمِينَ وَالْمَرْأَةِ أَنَّهُ إنَّمَا يُرِيدُ نِكَاحَهَا وَأَنَّهُ رَاغِبٌ فِي ذَلِكَ وَمَقْصُودُهُ طَلَاقُهَا بَعْدَ اسْتِفْرَاشِهَا لَا مَا هُوَ مَقْصُودُ النِّكَاحِ .
وَلِهَذَا جَاءَتْ السُّنَّةُ بِأَنَّ كُلَّ مَا فَهِمَ الْكَافِرُ أَنَّهُ أَمَانٌ كَانَ أَمَانًا لِئَلَّا يَكُونَ مَخْدُوعًا ، وَإِنْ لَمْ يَقْصِدَ خَدْعَهُ ، وَرَوَى سُلَيْمُ بْنُ عَامِرٍ قَالَ : { كَانَ مُعَاوِيَةُ يَسِيرُ بِأَرْضِ الرُّومِ ، وَكَانَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُمْ أَمَدٌ فَأَرَادَ أَنْ يَدْنُوَ مِنْهُمْ فَإِذَا انْقَضَى الْأَمَدُ غَزَاهُمْ فَإِذَا شَيْخٌ عَلَى دَابَّةٍ يَقُولُ : اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ وَفَاءٌ لَا غَدْرٌ إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ مَنْ كَانَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ قَوْمٍ عَهْدٌ فَلَا يَحُلَّنَّ عُقْدَةً وَلَا يَشُدَّهَا حَتَّى يَنْقَضِيَ أَمَدُهَا أَوْ يَنْبِذَ إلَيْهِمْ عَهْدَهُمْ عَلَى سَوَاءٍ فَبَلَغَ ذَلِكَ مُعَاوِيَةَ فَرَجَعَ ، وَإِذَا الشَّيْخُ : عَمْرُو بْنُ عَبَسَةَ } .
رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ وَالتِّرْمِذِيُّ وَقَالَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ ، وَمَعْلُومٌ أَنَّهُ إنَّمَا نَهَى عَنْ ذَلِكَ لِئَلَّا يَكُونَ فِيهِ خَدِيعَةٌ بِالْمُعَاهَدِينَ إنْ لَمْ يَكُنْ فِي ذَلِكَ مُخَالَفَةٌ لِمَا اقْتَضَاهُ لَفْظُ الْعَهْدِ فَعُلِمَ أَنَّ مُخَالَفَةَ مَا يَدُلُّ عَلَيْهِ الْعَقْدُ لَفْظًا ، أَوْ عُرْفًا خَدِيعَةٌ وَأَنَّهُ حَرَامٌ .
وَتَلْخِيصُ هَذَا الْوَجْهِ : أَنَّ مُخَادَعَةَ اللَّهِ حَرَامٌ ، وَالْحِيَلُ مُخَادَعَةٌ لِلَّهِ .
بَيَانُ الْأَوَّلِ : أَنَّ اللَّهَ ذَمَّ الْمُنَافِقِينَ بِقَوْلِهِ : {
إنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ } وَبِقَوْلِهِ : { يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَاَلَّذِينَ آمَنُوا } وَلَوْلَا أَنَّ الْمُخَادَعَةَ حَرَامٌ لَمْ يَكُنْ الْمُنَافِقُ مَذْمُومًا بِهَذَا الْوَصْفِ وَأَيْضًا أَخْبَرَ أَنَّهُ خَادِعُهُمْ ، وَخَدْعُ اللَّهِ الْعَبْدَ عُقُوبَةٌ لَهُ ، وَالْعُقُوبَةُ لَا تَكُونُ إلَّا عَلَى فِعْلِ مُحَرَّمٍ ، أَوْ تَرْكِ وَاجِبٍ .
وَبَيَانُ الثَّانِي مِنْ أَوْجُهٍ : أَحَدُهَا : أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ وَغَيْرَهُ مِنْ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ أَفْتَوْا أَنَّ التَّحْلِيلَ وَنَحْوَهُ مِنْ الْحِيَلِ مُخَادَعَةٌ لِلَّهِ ، وَالرُّجُوعُ إلَيْهِمْ فِي مَعَانِي الْأَلْفَاظِ مُتَعَيَّنٌ ، سَوَاءٌ كَانَتْ لُغَوِيَّةً ، أَوْ شَرْعِيَّةً .
الثَّانِي : أَنَّ الْمُخَادَعَةَ إظْهَارُ شَيْءٍ مِنْ الْخَيْرِ ، وَإِبْطَانُ خِلَافِهِ ، كَمَا تَقَدَّمَ ، هَذَا هُوَ حَقِيقَةُ الْحِيَلِ .
وَدَلِيلُ مَسْأَلَةِ هَذَا مُطَابَقَةُ هَذَا الْمَعْنَى بِمَوَارِدِ الِاسْتِعْمَالِ وَشَهَادَةِ الِاشْتِقَاقِ وَالتَّصْرِيفِ لَهُ .
الثَّالِثُ : أَنَّ الْمُنَافِقَ لَمَّا أَظْهَرَ الْإِسْلَامَ ، وَمُرَادُهُ غَيْرُ الْإِسْلَامِ سُمِّيَ مُخَادِعًا لِلَّهِ ، وَكَذَلِكَ الْمُرَائِي ، فَإِنَّ النِّفَاقَ وَالرِّيَاءَ مِنْ بَابٍ وَاحِدٍ ، فَإِذَا كَانَ هَذَا الَّذِي أَظْهَرَ قَوْلًا غَيْرَ مُعْتَقِدٍ لِمَا يُفْهَمُ مِنْهُ .
وَهَذَا الَّذِي أَظْهَرَ فِعْلًا غَيْرَ مُعْتَقِدٍ لِمَا شُرِعَ لَهُ مُخَادِعًا ، فَالْمُحْتَالُ لَا يَخْرُجُ عَنْ أَحَدِ الْقِسْمَيْنِ : إمَّا إظْهَارُ فِعْلٍ لِغَيْرِ مَقْصُودِهِ الَّذِي شُرِعَ لَهُ ، أَوْ إظْهَارُ قَوْلٍ لِغَيْرِ مَقْصُودِهِ الَّذِي شُرِعَ لَهُ .
وَإِذَا كَانَ مُشَارِكًا لَهُمَا فِي الْمَعْنَى الَّذِي بِهِ سُمِّيَا مُخَادِعَيْنِ ، وَجَبَ أَنْ يَشْرَكَهُمَا فِي اسْمِ الْخِدَاعِ ، وَعُلِمَ أَنَّ الْخِدَاعَ اسْمٌ لِعُمُومِ الْحِيَلِ ، لَا لِحُصُولِ هَذَا النِّفَاقِ . وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
ـــــــــــــــــــ(116/24)
نِكَاحُ الْمُحَلِّل
الموسوعة الفقهية الكويتية - (10 / 254)
ذَهَبَ الْفُقَهَاءُ إِلَى أَنَّ مَنْ طَلَّقَ زَوْجَتَهُ طَلْقَةً رَجْعِيَّةً أَوْ طَلْقَتَيْنِ رَجْعِيَّتَيْنِ جَازَ لَهُ إِرْجَاعُهَا فِي الْعِدَّةِ .
وَإِذَا كَانَ الطَّلاَقُ بَائِنًا بَيْنُونَةً صُغْرًى ، فَحُكْمُ مَا دُونَ الثَّلاَثِ مِنَ الْوَاحِدَةِ الْبَائِنَةِ وَالثِّنْتَيْنِ الْبَائِنَتَيْنِ هُوَ نُقْصَانُ عَدَدِ الطَّلاَقِ وَزَوَال مِلْكِ الاِسْتِمْتَاعِ ، حَتَّى لاَ يَجُوزُ وَطْؤُهَا إِلاَّ بِنِكَاحٍ جَدِيدٍ ، وَيَجُوزُ نِكَاحُهَا مِنْ غَيْرِ أَنْ تَتَزَوَّجَ بِزَوْجٍ آخَرَ ؛ لأَِنَّ مَا دُونَ الثَّلاَثِ - وَإِنْ كَانَ بَائِنًا - فَإِنَّهُ يُوجِبُ زَوَال مِلْكِ الاِسْتِمْتَاعِ ، لاَ زَوَال حِل الْمَحَلِّيَّةِ .
أَمَّا إِذَا طَلَّقَ زَوْجَتَهُ ثَلاَثًا ، فَإِنَّ الْحُكْمَ الأَْصْلِيَّ لِلطَّلَقَاتِ الثَّلاَثِ هُوَ زَوَال مِلْكِ الاِسْتِمْتَاعِ وَزَوَال حِل الْمَحَلِّيَّةِ أَيْضًا ، حَتَّى لاَ يَجُوزَ لَهُ نِكَاحُهَا قَبْل التَّزَوُّجِ بِزَوْجٍ آخَرَ ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى : { فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلاَ تَحِل لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ } . (1) بَعْدَ قَوْله تَعَالَى : { الطَّلاَقُ مَرَّتَانِ } .
وَإِنَّمَا تَنْتَهِي الْحُرْمَةُ وَتَحِل لِلزَّوْجِ الأَْوَّل بِشُرُوطٍ :
أ - النِّكَاحُ :
7 - أَوَّل شُرُوطِ التَّحْلِيل : النِّكَاحُ ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى : { حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ } فَقَدْ نَفَى حِل الْمَرْأَةِ لِمُطَلِّقِهَا ثَلاَثًا ، وَحَدُّ النَّفْيِ إِلَى غَايَةِ التَّزَوُّجِ بِزَوْجٍ آخَرَ . وَالْحُكْمُ الْمَحْدُودُ إِلَى غَايَةٍ لاَ يَنْتَهِي قَبْل وُجُودِ الْغَايَةِ ، فَلاَ تَنْتَهِي الْحُرْمَةُ قَبْل التَّزَوُّجِ ، فَلاَ تَحِل لِلزَّوْجِ الأَْوَّل قَبْلَهُ ضَرُورَةً . وَعَلَى هَذَا يَخْرُجُ مَا إِذَا وَطِئَهَا إِنْسَانٌ بِالزِّنَى أَوْ بِشُبْهَةٍ أَنَّهَا لاَ تَحِل لِزَوْجِهَا لِعَدَمِ النِّكَاحِ . (2)
__________
(1) سورة البقرة / 229 .
(2) البدائع 3 / 187 - 189 ، وفتح القدير 3 / 178 ، وابن عابدين 2 / 537 ط بولاق وما بعدها ، وبداية المجتهد 2 / 94 - 95 ، والقوانين الفقهية ص 231 الدار العربية للكتاب وتفسير القرطبي3 / 149 - 153 ، ومغني المحتاج 3 / 182 - 183 ، 293 ، والمغني 6 / 646 - 648 ، 7 / 261 ، 275 .
صِحَّةُ النِّكَاحِ :
8 - يُشْتَرَطُ فِي النِّكَاحِ الثَّانِي لِكَيْ تَحِل الْمَرْأَةُ لِلأَْوَّل : أَنْ يَكُونَ صَحِيحًا ، وَلاَ تَحِل لِلأَْوَّل إِذَا كَانَ النِّكَاحُ فَاسِدًا ، حَتَّى لَوْ دَخَل بِهَا ؛ لأَِنَّ النِّكَاحَ الْفَاسِدَ لَيْسَ بِنِكَاحٍ حَقِيقَةً ، وَمُطْلَقُ النِّكَاحِ يَنْصَرِفُ إِلَى مَا هُوَ نِكَاحٌ حَقِيقَةً .
وَلَوْ كَانَ النِّكَاحُ الثَّانِي مُخْتَلَفًا فِي فَسَادِهِ ، وَدَخَل بِهَا ، لاَ تَحِل لِلأَْوَّل عِنْدَ مَنْ يَقُول بِفَسَادِهِ لِمَا قُلْنَا . (1)
ج - الْوَطْءُ فِي الْفَرْجِ :
9 - ذَهَبَ الْجُمْهُورُ إِلَى أَنَّهُ يُشْتَرَطُ مَعَ صِحَّةِ الزَّوَاجِ : أَنْ يَطَأَهَا الزَّوْجُ الثَّانِي فِي الْفَرْجِ ، فَلَوْ وَطِئَهَا دُونَ الْفَرْجِ ، أَوْ فِي الدُّبُرِ لَمْ تَحِل لِلأَْوَّل ، لأَِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَّقَ الْحِل عَلَى ذَوْقِ الْعُسَيْلَةِ مِنْهُمَا . فَقَال لاِمْرَأَةِ رِفَاعَةَ الْقُرَظِيِّ : أَتُرِيدِينَ أَنْ تَرْجِعِي إِلَى رِفَاعَةَ ؟ لاَ ، حَتَّى تَذُوقِي عُسَيْلَتَهُ وَيَذُوقَ عُسَيْلَتَكِ . (2)
وَلاَ يَحْصُل هَذَا إِلاَّ بِالْوَطْءِ فِي الْفَرْجِ . وَقَال
__________
(1) المصادر السابقة .
(2) حديث : " أتريدين أن ترجعي إلى رفاعة ؟ لا ، حتى . . . " أخرجه البخاري ( الفتح 5 / 249ط السلفية ) ومسلم ( 2 / 1056 - ط الحلبي ) .
سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ : تَحِل بِنَفْسِ الْعَقْدِ ، لِحَمْلِهِ النِّكَاحَ فِي الآْيَةِ عَلَى الْعَقْدِ دُونَ الْجِمَاعِ ، وَعَامَّةُ الْعُلَمَاءِ حَمَلُوا الآْيَةَ عَلَى الْجِمَاعِ . وَأَدْنَى الْوَطْءِ تَغْيِيبُ الْحَشَفَةِ فِي الْفَرْجِ ؛ لأَِنَّ أَحْكَامَ الْوَطْءِ تَتَعَلَّقُ بِهِ ، وَذَلِكَ بِشَرْطِ الاِنْتِشَارِ لأَِنَّ الْحُكْمَ يَتَعَلَّقُ بِذَوْقِ الْعُسَيْلَةِ ، وَلاَ تُعْقَل مِنْ غَيْرِ انْتِشَارٍ .
وَلَمْ يَشْتَرِطِ الإِْنْزَال مِنَ الْفُقَهَاءِ إِلاَّ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ ، فَإِنَّهُ قَال : لاَ تَحِل إِلاَّ بِوَطْءٍ وَإِنْزَالٍ .
وَاخْتَلَفُوا فِيمَا إِذَا وَقَعَ الْوَطْءُ فِي وَقْتٍ غَيْرِ مُبَاحٍ كَحَيْضٍ أَوْ نِفَاسٍ ، هَل يُحِل الْمَرْأَةَ أَمْ لاَ ؟
ذَهَبَ أَبُو حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيُّ وَالثَّوْرِيُّ وَالأَْوْزَاعِيُّ إِلَى أَنَّ الْوَطْءَ يُحِل الْمَرْأَةَ ، وَإِنْ وَقَعَ فِي وَقْتٍ غَيْرِ مُبَاحٍ كَحَيْضٍ أَوْ نِفَاسٍ ، سَوَاءٌ أَكَانَ الْوَاطِئُ بَالِغًا عَاقِلاً أَمْ صَبِيًّا مُرَاهِقًا أَمْ مَجْنُونًا ، لأَِنَّ وَطْءَ الصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ يَتَعَلَّقُ بِهِ أَحْكَامُ النِّكَاحِ ، مِنَ الْمَهْرِ وَالتَّحْرِيمِ ، كَوَطْءِ الْبَالِغِ الْعَاقِل .
وَالْحَنَابِلَةُ كَالْجُمْهُورِ فِي أَنَّ وَطْءَ الْمَجْنُونِ يُحِل الْمَرْأَةَ كَالْعَاقِل .
وَكَذَلِكَ الصَّغِيرَةُ الَّتِي يُجَامَعُ مِثْلُهَا ، إِذَا طَلَّقَهَا زَوْجُهَا ثَلاَثًا ، وَدَخَل بِهَا الزَّوْجُ الثَّانِي ، حَلَّتْ لِلأَْوَّل ، لأَِنَّ وَطْأَهَا يَتَعَلَّقُ بِهِ أَحْكَامُ الْوَطْءِ مِنَ الْمَهْرِ وَالتَّحْرِيمِ ، كَوَطْءِ الْبَالِغَةِ .
وَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ إِلَى أَنَّهُ يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ الْوَطْءُ حَلاَلاً ( مُبَاحًا ) ، لأَِنَّ الْوَطْءَ غَيْرُ
الْمُبَاحِ حَرَامٌ لِحَقِّ اللَّهِ تَعَالَى ، فَلَمْ يَحْصُل بِهِ الإِْحْلاَل كَوَطْءِ الْمُرْتَدَّةِ .
وَبِنَاءً عَلَى هَذَا : فَلاَ تَحِل الْمَرْأَةُ لِزَوْجِهَا الأَْوَّل إِذَا جَامَعَهَا زَوْجُهَا الثَّانِي فِي صَوْمٍ أَوْ حَجٍّ أَوْ حَيْضٍ أَوِ اعْتِكَافٍ .
كَمَا اشْتَرَطَ الْمَالِكِيَّةُ أَنْ يَكُونَ الْوَاطِئُ بَالِغًا ، وَاشْتَرَطَ الْحَنَابِلَةُ أَنْ يَكُونَ لَهُ اثْنَتَا عَشْرَةَ سَنَةً ؛ لأَِنَّ مَنْ دُونَ الْبُلُوغِ أَوْ مَنْ دُونَ الثَّانِيَةَ عَشْرَةَ لاَ يُمْكِنُهُ الْمُجَامَعَةُ .
وَأَمَّا الذِّمِّيَّةُ ، فَقَدْ ذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ إِلَى أَنَّ وَطْءَ زَوْجِهَا الذِّمِّيِّ يُحِلُّهَا لِلأَْوَّل ؛ لأَِنَّ النَّصْرَانِيَّ زَوْجٌ .
وَلاَ يُحِلُّهَا عِنْدَ مَالِكٍ وَرَبِيعَةَ وَابْنِ الْقَاسِمِ (1) .
الزَّوَاجُ بِشَرْطِ التَّحْلِيل :
10 - مَنْ تَزَوَّجَ مُطَلَّقَةً ثَلاَثًا بِشَرْطٍ صَرِيحٍ فِي الْعَقْدِ عَلَى أَنْ يُحِلَّهَا لِزَوْجِهَا الأَْوَّل فَهُوَ حَرَامٌ عِنْدَ الْجُمْهُورِ ، مَكْرُوهٌ تَحْرِيمًا عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ ، لِحَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ : لَعَنَ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمُحَلِّل وَالْمُحَلَّل لَهُ . (2) وَلِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : أَلاَ أُخْبِرُكُمْ بِالتَّيْسِ الْمُسْتَعَارِ ؟ قَالُوا : بَلَى
__________
(1) المصادر السابقة .
(2) حديث : " لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم المحلل . . . " أخرجه الترمذي ( 3 / 419 - ط الحلبي ) وصححه ابن دقيق العيد كما في التلخيص لابن حجر ( 3 / 170 - ط شركة الطباعة الفنية ) .
يَا رَسُول اللَّهِ . قَال : هُوَ الْمُحَلِّل . لَعَنَ اللَّهُ الْمُحَلِّل لَهُ . (1)
وَالنَّهْيُ يَدُل عَلَى فَسَادِ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ .
وَقَدْ صَرَّحَ الْجُمْهُورُ ( الْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ وَأَبُو يُوسُفَ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ ) بِفَسَادِ هَذَا النِّكَاحِ لِلْحَدِيثَيْنِ السَّابِقَيْنِ ، وَلأَِنَّ النِّكَاحَ بِشَرْطِ الإِْحْلاَل فِي مَعْنَى النِّكَاحِ الْمُؤَقَّتِ ، وَشَرْطُ التَّأْقِيتِ فِي النِّكَاحِ يُفْسِدُهُ ، وَمَا دَامَ النِّكَاحُ فَاسِدًا فَلاَ يَقَعُ بِهِ التَّحْلِيل ، وَيُؤَيِّدُ هَذَا قَوْل عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : وَاللَّهِ لاَ أُوتَى بِمُحَلِّلٍ وَمُحَلَّلٍ لَهُ إِلاَّ رَجَمْتُهُمَا .
وَذَهَبَ أَبُو حَنِيفَةَ وَزُفَرُ إِلَى أَنَّ النِّكَاحَ صَحِيحٌ ، وَتَحِل لِلأَْوَّل بَعْدَ أَنْ يُطَلِّقَهَا الثَّانِي وَتَنْتَهِيَ عِدَّتُهَا . وَيُكْرَهُ لِلثَّانِي وَالأَْوَّل ؛ لأَِنَّ عُمُومَاتِ النِّكَاحِ تَقْتَضِي الْجَوَازَ مِنْ غَيْرِ فَصْلٍ بَيْنَ مَا إِذَا شُرِطَ فِيهِ الإِْحْلاَل أَوْ لاَ . فَكَانَ النِّكَاحُ بِهَذَا الشَّرْطِ نِكَاحًا صَحِيحًا ، فَيَدْخُل تَحْتَ قَوْله تَعَالَى : { حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ } فَتَنْتَهِي الْحُرْمَةُ عِنْدَ وُجُودِهِ ، إِلاَّ أَنَّهُ كُرِهَ النِّكَاحُ لِهَذَا الشَّرْطِ لِغَيْرِهِ ، وَهُوَ أَنَّهُ شَرْطٌ يُنَافِي الْمَقْصُودَ مِنَ النِّكَاحِ وَهُوَ السَّكَنُ وَالتَّوَالُدُ وَالتَّعَفُّفُ ؛ لأَِنَّ ذَلِكَ
__________
(1) حديث : " ألا أخبركم بالتيس المستعار ؟ هو المحلل . . . . " أخرجه ابن ماجه ( 1 / 623 - ط الحلبي ) والحاكم ( 2 / 199 - ط دائرة المعارف العثمانية ) وصححه ووافقه الذهبي .
يَقِفُ عَلَى الْبَقَاءِ وَالدَّوَامِ عَلَى النِّكَاحِ .
وَقَال مُحَمَّدٌ : النِّكَاحُ الثَّانِي صَحِيحٌ ، وَلاَ تَحِل لِلأَْوَّل ؛ لأَِنَّ النِّكَاحَ عَقْدٌ مُؤَبَّدٌ ، فَكَانَ شَرْطُ الإِْحْلاَل اسْتِعْجَال مَا أَخَّرَهُ اللَّهُ تَعَالَى لِغَرَضِ الْحِل ، فَيَبْطُل الشَّرْطُ وَيَبْقَى النِّكَاحُ صَحِيحًا ، لَكِنْ لاَ يَحْصُل بِهِ الْغَرَضُ (1) .
الزَّوَاجُ بِقَصْدِ التَّحْلِيل :
11 - ذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ إِلَى أَنَّ الزَّوَاجَ بِقَصْدِ التَّحْلِيل - مِنْ غَيْرِ شَرْطٍ فِي الْعَقْدِ - صَحِيحٌ مَعَ الْكَرَاهَةِ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ ، وَتَحِل الْمَرْأَةُ بِوَطْءِ الزَّوْجِ الثَّانِي لِلأَْوَّل ؛ لأَِنَّ النِّيَّةَ بِمُجَرَّدِهَا فِي الْمُعَامَلاَتِ غَيْرُ مُعْتَبَرَةٍ ، فَوَقَعَ الزَّوَاجُ صَحِيحًا لِتَوَافُرِ شَرَائِطِ الصِّحَّةِ فِي الْعَقْدِ ، وَتَحِل لِلأَْوَّل ، كَمَا لَوْ نَوَيَا التَّأْقِيتَ وَسَائِرَ الْمَعَانِي الْفَاسِدَةِ .
وَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ إِلَى أَنَّ الزَّوَاجَ بِقَصْدِ التَّحْلِيل - وَلَوْ بِدُونِ شَرْطٍ فِي الْعَقْدِ - بَاطِلٌ ، وَذَلِكَ بِأَنْ تَوَاطَأَ الْعَاقِدَانِ عَلَى شَيْءٍ مِمَّا ذُكِرَ قَبْل الْعَقْدِ ، ثُمَّ عُقِدَ الزَّوَاجُ بِذَلِكَ الْقَصْدِ ، وَلاَ تَحِل الْمَرْأَةُ بِهِ لِزَوْجِهَا الأَْوَّل ، عَمَلاً بِقَاعِدَةِ سَدِّ الذَّرَائِعِ . وَلِحَدِيثِ : لَعَنَ اللَّهُ الْمُحَلِّل وَالْمُحَلَّل لَهُ . (2)
__________
(1) المصادر الفقهية السابقة .
(2) حديث : " لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم المحلل . . " سبق تخريجه ف / 10 وانظر المصادر الفقهية السابقة .
هَدْمُ طَلَقَاتِ الأَْوَّل بِالزَّوَاجِ الثَّانِي :
12 - اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّ الزَّوْجَ الثَّانِيَ يَهْدِمُ طَلاَقَ الزَّوْجِ الأَْوَّل إِذَا كَانَ ثَلاَثًا ، وَاخْتَلَفُوا فِي أَنَّ الزَّوْجَ الثَّانِيَ هَل يَهْدِمُ مَا دُونَ الثَّلاَثِ ؟ وَذَلِكَ كَمَا إِذَا تَزَوَّجَتْ قَبْل الطَّلْقَةِ الثَّالِثَةِ ، ثُمَّ طُلِّقَتْ مِنْهُ ، ثُمَّ رَجَعَتْ إِلَى زَوْجِهَا الأَْوَّل .
فَذَهَبَ الْجُمْهُورُ ( مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ وَمُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ ) إِلَى أَنَّهُ لاَ يَهْدِمُ ؛ لأَِنَّ هَذَا شَيْءٌ يَخُصُّ الثَّالِثَةَ بِالشَّرْعِ ، فَلاَ يَهْدِمُ مَا دُونَهَا .
وَذَهَبَ أَبُو حَنِيفَةَ إِلَى أَنَّهُ يَهْدِمُ مَا دُونَ الثَّلاَثِ ، لأَِنَّهُ لَمَّا هَدَمَ الثَّلاَثَ فَهُوَ أَحْرَى أَنْ يَهْدِمَ مَا دُونَهَا ، وَبِهِ قَال ابْنُ عُمَرَ وَابْنُ عَبَّاسٍ وَعَطَاءٌ وَالنَّخَعِيُّ (1) .
__________
(1) المصادر الفقهية السابقة .
ـــــــــــــــــــ(116/25)
التَّحْلِيل لِلزَّوْجِ الأَْوَّل
الموسوعة الفقهية الكويتية - (17 / 289)
:
8 - لاَ خِلاَفَ بَيْنَ الْفُقَهَاءِ فِي أَنَّ تَحْلِيل الْمُطَلَّقَةِ ثَلاَثًا لاَ يَحْصُل إِلاَّ بِشُرُوطٍ : مِنْهَا إِيلاَجُ الْحَشَفَةِ فِي قُبُل امْرَأَةٍ بِلاَ حَائِلٍ يَمْنَعُ الْحَرَارَةَ وَاللَّذَّةَ .
ثُمَّ اخْتَلَفُوا فِي اشْتِرَاطِ الإِِْنْزَال مَعَ الإِِْيلاَجِ : فَذَهَبَ الْجُمْهُورُ إِِلَى عَدَمِ اشْتِرَاطِهِ ، لأَِنَّ الشَّرْطَ الذَّوْقُ لاَ الشِّبَعُ .
وَيَرَى الْمَالِكِيَّةُ اشْتِرَاطَهُ . وَالأَْصْل فِي هَذَا الْبَابِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَّقَ الْحِل عَلَى ذَوْقِ الْعُسَيْلَةِ مِنْهُمَا (1) ، وَلاَ يَحْصُل إِلاَّ بِالْوَطْءِ فِي الْفَرْجِ ، وَأَدْنَاهُ تَغْيِيبُ الْحَشَفَةِ أَوْ قَدْرِهَا مِنْ مَقْطُوعِهَا ، لأَِنَّ أَحْكَامَ الْوَطْءِ تَتَعَلَّقُ بِهِ .
وَلَوْ أَوْلَجَ الْحَشَفَةَ مِنْ غَيْرِ انْتِشَارٍ لَمْ تَحِل لَهُ ، لأَِنَّ الْحُكْمَ يَتَعَلَّقُ بِذَوْقِ الْعُسَيْلَةِ ، وَلاَ تَحْصُل مِنْ غَيْرِ انْتِشَارٍ (2) .
وَيُنْظَرُ تَفْصِيل ذَلِكَ فِي مُصْطَلَحِ : ( طَلاَقٌ ) .
__________
(1) حديث : " حتى تذوقي عسيلته . . . " . أخرجه البخاري ( الفتح 9 / 464 ط السلفية ) ومسلم ( 2 / 1056 ط الحلبي ) من حديث عائشة
(2) ابن عابدين 2 / 539 ، 540 ، والاختيار 3 / 150 ، وكفاية الطالب الرباني 1 / 119 ، والقوانين الفقهية / 33 ، وروضة الطالبين 8 / 214 ، ومطالب أولي النهى 1 / 167 ، وكشاف القناع 1 / 76 ، والمغني 7 / 276
ـــــــــــــــــــ(116/26)
زواج المحلل غير صحيح
المفتي
عبد المجيد سليم .
26 شوال 1364 هجرية - 22 سبتمبر 1945 م
المبادئ
الزواج بقصد التحليل للأول غير صحيح
السؤال
رجل طلق زوجته طلاقا مكملا للثلاث ثم تزوجت آخر بعد انقضاء عدتها من زوجها الأول ودخل بها ثم طلقها بعد ذلك وانقضت عدتها منه فهل يحل لمطلقها الأول أن يتزوجها بعد زوجها الثانى ودخوله بها وانقضاء عدتها منه .
نرجو الجواب أى بعد أن دخل بها الثانى وانقضت عدتها منه
الجواب
اطلعنا على هذا السؤال ونفيد أنه متى كان الحال كما ذكر به وكان زواج الزوج الثانى زواجا صحيحا وقد دخل بها دخولا حقيقا حل للزوج الأول أن يتزوج بها ثانيا هذا وليس من الزواج الصحيح الزواج الذى قصد به تحليلها لمطلقها الأول على ما اخترناه للفتوى من أقوال العلماء وبها علم الجواب عن السؤال واللّه أعلم
ـــــــــــــــــــ(116/27)
زواج بنية التحليل
المفتي
أحمد هريدى .
30 رجب سنة 1389 هجرية - 12 أكتوبر 1969م
المبادئ
إذا أضمرت نية التحليل فى النفس ولم يكن هناك ما يدل على أن التحليل متفق عليه بين الزوجين وأهلهما كان الزواج صحيحا وتحل به المطلقة لزوجها الأول متى طلقها زوجها الثانى بعد الدخول وانقضاء العدة
السؤال
اطلعنا على الطلب المقدم من أ ع ع المتضمن أن زوجها طلقها طلاقا مكملا للثلاث وبعد انقضاء عدتها منه صادفها رجل وعرض عليها الزواج فتزوجته وفى نيتها الرجوع إلى زوجها الأول .
وإن زوجها الثانى لا يعلم نيتها المكتومة فى نفسها وبعد الدخول به تحايلت عليه حتى طلقها وبعد انقضاء عدتها منه رجعت إلى زوجها الأول .
وطلبت السائلة الافادة عن مدى صحة تصرفها وهل النية التى كتمتها فى نفسها لها أثر على صحة زواجها بزوجها الثانى وعدم حلها لزوجها الأول
الجواب
اتفق فقهاء الحنفية على أن نية التحليل إذا كانت مجردة عن اشتراطه بالقول فى العقد فلا تفسد الزواج بل يكون صحيحا وتحل به المطلقة لزوجها الأول متى فارقها زوجها الثانى بعد الدخول وانقضاء العدة .
ذلك لأن النية المجردة لا تأثير لها فى صحة العقود والتصرفات فنية التحليل الباطنية كنية التوقيت الباطنية ليس لشىء منهما أثر يمنع صحة الزواج .
ولكن هذا إذا أضمر هذا الغرض فى النفس ولم يكن هناك ما يدل على أن التحليل متفق عليه بين الزوج والزوجة وأهلهما .
وعلى ذلك فيكون زواج السائلة بالزوج الثانى بعد انقضاء عدتها من زوجها الأول مع كتم نية التحليل فى نفسها زواجا صحيحا شرعا تترتب عليه آثاره ومنها حل المعاشرة التى تمت بينهما .
وبطلاقه لها وانقضاء عدتها منه أصبحت تحل لزوجها الأول ومن ثم يكون رجوعها لزوجها الأول رجوعا صحيحا شرعا تترتب عليه آثاره .
ومما ذكر يعلم الجواب عن السؤال . والله سبحانه وتعالى أعلم
ـــــــــــــــــــ(116/28)
زواج بقصد التحليل
المفتي
محمد خاطر .
شعبان 1391 هجرية - 9 اكتوبر 1970 م
المبادئ
الزواج مع شرط التحليل للأول صحيح، ويبطل الشرط عند أبى حنيفة وزفر، إلا أنه يكون مكروها كراهة تحريمية للأول والثانى
السؤال
بالطلب المتضمن أن السائل طلق زوجته ثلاث مرات لدى مأذون بإشهاد رسمى، وأنها تزوجت بزوج آخر بقصد تحليلها للزوج الأول وكان ذلك بعلمها، ثم طلقها الزوج الآخر بعد أن دخل بها دخولا حقيقيا لمدة 25 يوما .
فهل تحل له بعد انقضاء عدتها من الزوج الثانى .
وطلب بيان الحكم الشرعى فيما ذكره
الجواب
اختلف علماء الحنفية فيما إذا شرطت المرأة على الزوج الثانى أن يكون زواجها به زواج تحليل الغرض منه تمكنها من العودة إلى الزوج الأول فقال أبو حنيفة وزفر إن هذا الزواج صحيح متى كان العقد مستوفيا لأركانه وشروط صحته، وشرط التحليل شرط فاسد لا تأثير له، لأن النكاح لا يفسد بالشروط الفاسدة، فيلغو الشرط ويبقى النكاح على الصحة، فإذا طلقها الزوج الثانى وانقضت عدتها منه فإنها تحل للأول، ولكنه يكون مكروها كراهة تحريمية بسبب ذلك الشرط، لأنه ينافى المقصود من الزواج فى نظر الشريعة .
فاشتمال العقد على ذلك الشرط يورثه الكراهة، ويجعل زواج الأول بالمرأة بعد فراقها من الثانى مكروها أيضا ، وعلى هذه الكراهة يحمل قول الرسول صلى الله عليه وسلم ( لعن الله المحلل والمحلل له ) .
فإن الكراهة التحريمية تستوجب العقوبة . وقال أبو يوسف إن نكاح التحليل فاسد ولو حصل فيه دخول، لأنه فى معنى النكاح المؤقت الذى اتفق على فساده أئمة المذهب ماعدا زفر، فلا فرق عنده بين النكاح المؤقت والنكاح بقصد التحليل .
وقال محمد إن زواج التحليل فى ذاته زواج صحيح، ولكنه لا يحل المرأة لزوجها الأول معاملة لها بنقيض مقصودها .
وبما أن السائل يقرر فى طلبه أن زوجته تزوجت بزوج آخر بقصد تحليلها، وكان ذلك بعلمها، وأن الزوج الآخر دخل بها دخولا حقيقيا ثم طلقها، فإنه يصح له أن يتزوجها بعد انقضاء عدتها من الزوج الآخر ولكن يكون هذا الزواج مكروها، وهذا ماذهب إليه أبو حنيفة وزفر وهو ما نختاره للفتوى .
والله سبحانه وتعالى أعلم
ـــــــــــــــــــ(116/29)
حكم الزواج بنية الطلاق
لقاءات الباب المفتوح - (117 / 7)
حكم الزواج بنية الطلاق:
السؤال: قد يسافر بعض الناس إلى خارج البلاد طالت المدة أم قصرت, فيخاف على نفسه فيريد أن يتزوج وعنده نية الطلاق, فما الفرق بين هذا الزواج وزواج المتعة أو ما يسمى بالزواج العرفي؟
الجواب: الزواج بنية الطلاق محرم على المشهور من مذهب الإمام أحمد , وقال: إنه مثل المتعة, لأن الإنسان نوى أن يكون زواجاً مؤقتاً والمتعة زواج مؤقت, وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى). فما دام أن هذا الرجل قد نوى التوقيت في زواجه فهو متعة, كما لو نوى التحليل -أي: تحليل المطلقة ثلاثاً- بدون أن يشترط عليه، فإن النكاح يكون باطلاً. وقال بعض العلماء: إنه لا بأس به, أي: لا بأس أن يتزوج الإنسان ونيته أنه إذا فارق البلد طلقها. والفرق بينه وبين المتعة: أن المتعة نكاح مؤقت بشرط أنه إذا انتهى الوقت انفسخ النكاح بدون اختيار من الزوج, وأما هذا فهو نوى أن يتزوجها بنية الطلاق إذا فارق البلد ولكن قد يرغب فيها وتبقى معه, لكن فيه محذور غير التوقيت. وهو الغش والخداع للمرأة وأهلها, فإنهم لو علموا أن الرجل سيطلقها إذا فارق البلد لم يزوجوه, ويكون هذا قد خدعهم وغشهم، فمن هذه الناحية يكون حراماً, لكن لو فعل الإنسان وأقدم على هذا الشيء وقال: إنه سوف يغش فإنه لا يسمى متعة, لأن المتعة تكون محددة إذا انتهى وقتها انفسخ النكاح بدون اختيار من الزوج. والراجح أنه يحرم عليه أن يتزوج بنية الطلاق, وعليه أن يصبر ويحتسب, أو يتزوج بغير نية الطلاق, ثم إذا فارق له أن يطلق.
ـــــــــــــــــــ(116/30)