فليلنا لهو وليلهم ذكر, وليلنا نوم وليلهم قيام, وليلنا لغو وليلهم سجود, وليلنا سهو وليلهم بكاء, وليلنا ضحك وليلهم توبة, {فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالأَمْنِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ} [الأنعام: 81].
إن حياتهم - رضي الله عنهم - كانت في الليل إشفاقًا وفي النهار إنفاقًا, وحالنا غطيط في الليل يسمعه القاصي قبل الداني, وشح بالنهار أوصلنا للصراع على الدرهم والدينار والجنيه والريال واليورو والدولار!! فأي فرق بين الحياتين؟! {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ} [الأنفال: 24].
إن أسرار القرآن كانت تبوح لهم في الليل, والخوف والرجاء يتسابقان إليهم في الدجى, أما نحن.. فالليل لنا مأوى المعاصي والذنوب, وقلَّ فينا تائب إذا أقبل الليل أن يتوب!
* في صحيح مسلم أن عائشة - _رضي الله عنها_ - سئلت: متى يقوم الرسول "_صلى الله عليه وسلم_"؟ قالت: كان إذا سمع الصارخ وثب, تقول: وثب ولم تقل قام...
ونحن ما ننتفع بالصارخ - الديك - إلا إذا ذبحناه وشربنا مرقه؟! فلذلك ما أحبنا الديك!! وكأنه غيَّر موعد الصياح, أو أدركته هو الآخر الغفلة!
2ـ وصف أهل الليل من القرآن:
قال الله تعالى: {أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِداً وَقَائِماً يَحْذَرُ الآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الأَلْبَابِ} [الزمر:9].
وقال تعالى: {إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ. آخِذِينَ مَا آتَاهُمْ رَبُّهُمْ إِنَّهُمْ كَانُوا قَبْلَ ذَلِكَ مُحْسِنِينَ. كَانُوا قَلِيلاً مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ. وَبِالأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ} [الذاريات:15 - 18].
وقال تعالى: {لَيْسُوا سَوَاءً مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ أُمَّةٌ قَائِمَةٌ يَتْلُونَ آيَاتِ اللَّهِ آنَاءَ اللَّيْلِ وَهُمْ يَسْجُدُونَ. يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَأُولَئِكَ مِنَ الصَّالِحِينَ} [آل عمران: 113, 114].
وقال تعالى: {إِنَّمَا يُؤْمِنُ بِآياتِنَا الَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِهَا خَرُّوا سُجَّداً وَسَبَّحُوا بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَهُمْ لا يَسْتَكْبِرُونَ. تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفاً وَطَمَعاً وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ. فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [السجدة: 15ـ 17].
3ـ عقدةٌ أما لها من حل؟
* عن أبي هريرة _رضي الله عنه_ أن رسول الله "_صلى الله عليه وسلم_" قال: (يعقد الشيطان على قافية رأس أحدكم إذا هو نام ثلاث عقد, يضرب على كل عقدة: عليك ليل طويل فارقد, فإن استيقظ فذكر الله تعالى انحلت عقدة, فإن توضأ انحلت عقدة, فإن صلى انحلت عقده كلها فأصبح نشيطًا طيب النفس, وإلا أصبح خبيث النفس كسلان) (1), وفي رواية: (فيصبح نشيطًا طيب النفس قد أصاب خيرًا, وإن لم يفعل أصبح كسلانًا خبيث النفس لم يصب خيرًا)(2).(115/1515)
وعن جابر بن عبد الله _رضي الله عنهما_ قال: قال رسول الله "_صلى الله عليه وسلم_": (ما من ذكر ولا أنثى إلا على رأسه جرير معقود حين يرقد بالليل, فإن استيقظ فذكر الله انحلت عقدة, وإذا قام فتوضأ وصلى انحلت العقد وأصبح خفيفًا طيب النفس قد أصاب خيرًا)(3).
قال الألباني رحمه الله: "في تفسير العقد أقوال, والأقرب أنه على حقيقته, بمعنى السحر للإنسان ومنعه من القيام, كما يعقد الساحر مَن سَحَره, كما أخبر بذلك المولى تعالى ذكره في كتابه: {وَمِنْ شَرِّ النَّفَّاثَاتِ فِي الْعُقَدِ} فالذي خُذِل يعمل فيه والذي وفق يصرف عنه"(4).
فهي عقد يعقدها الشيطان على مؤخرة رءوس الناس إن هم ناموا, وهدف الشيطان ومراده أن ينام الناس طول ليلهم فلا يقوموا ليذكروا الله سبحانه بالليل أو ليقيموا الصلاة.
وهذه العقد التي يعقدها الشيطان على مؤخرة الرأس, إنما تؤثر فيمن خذل ولم يوفق للطاعة, وهي لا تؤثر فيمن هدي ووفق للطاعة, وأمام كل إنسان نائم ثلاث عقد كثلاث جدر تحول بينه وبين النشاط والعبادة وطيب النفس.
فالأولى تنحل إذا استيقظ فذكر الله فور استيقاظه, والثانية تنحل إذا هو قام من فوره فتوضأ, والثالثة تنحل إذا هو كبر وبدأ في صلاته, وإذا انحلت عقده الثلاث أصبح نشيطًا بغير مُعوق ولا مُثبط ولا مُكسل ولا مُثقل, وأصبح طيب النفس بغير اكتئاب ولا هم ولا ضيق ولا حزن, فيسهل عليه عندئذ أن يصيب من الخير ويفعل الصالحات.
وإن لم يفعل وظل نائمًا فضيع وقت الليل وجوفه وضيع وقت السحر ثقلت مهمته للقيام لصلاة الفجر وصعبت عليه, فإن لم يقم ليصلي الفريضة فلا عجب عندئذ أن يصبح خبيث النفس قد طالته الهموم والأحزان, وقد ضاق صدره واسود وجهه وصعبت عليه الطاعات, بل يكاد أن يضيق من الصالحات ثم هو لم يصب خيرًا.
فمن تأمل في هذا الحديث العظيم وجد أنه هدية من رسول الله _صلى الله عليه وسلم_ يهديها لكل عبد صالح فيعلمه ما لا يمكن أن يتعلمه بغير الوحي, ويزيح له الستار عما يحدث له بغير أن يرى أو يشعر ويرشده للتغلب على تلك المعوقات ويدله على مفتاح النشاط وطيب النفس والإقبال على الله.
فأي إخلاص في نصح الأمة هذا الإخلاص, وأي حرص على هدايتها هذا الحرص؟ والله إني لأحبك يا رسول الله فوق نفسي وأهلي ومالي والناس أجمعين, _صلى الله عليه وسلم_.
قال الله تعالى: {لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ} [التوبة:128].
4 ـ النبي "_صلى الله عليه وسلم_" يدعونا لقيام الليل, فهل من مجيب؟
* عن أبي هريرة _رضي الله عنه_ قال: قال رسول الله "_صلى الله عليه وسلم_": (أفضل الصلاة بعد الفريضة صلاة الليل) (5).
* وعن عبد الله بن سلام _رضي الله عنه_ قال: أول ما قدم رسول الله "_صلى الله عليه وسلم_" انجفل الناس إليه, فكنت فيمن جاءه, فلما تأملت وجهه واستبنته, عرفت(115/1516)
أن وجهه ليس بوجه كذاب, قال: فكان أول ما سمعت من كلامه أنه قال: (أيها الناس, أفشوا السلام, وأطعموا الطعام, وصلوا الأرحام, وصلوا بالليل والناس نيام, تدخلوا الجنة بسلام) (6).
* وعن أبي هريرة _رضي الله عنه_ قال: قال رسول الله "_صلى الله عليه وسلم_": (رحم الله رجلاً قام من الليل فصلى وأيقظ امرأته, فإن أبت نضح في وجهها الماء, ورحم الله امرأة قامت من الليل فصلت وأيقظت زوجها, فإن أبى نضحت في وجهه الماء) (7).
* وعن علي _رضي الله عنه_ أن النبي "_صلى الله عليه وسلم_" طرقه وفاطمة ليلاً, فقال: (ألا تصليان؟)(8).
5ـ النبي _صلى الله عليه وسلم_ وقيام الليل:
* عن عائشة _رضي الله عنها_ قالت: كان النبي "_صلى الله عليه وسلم_" يقوم من الليل حتى تتفطر قدماه, فقلت له: لم تصنع هذا يا رسول الله وقد غفر لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر؟ قال: (أفلا أكون عبدًا شكورًا) (9).
* وعن أنس _رضي الله عنه_ قال: كان رسول الله "_صلى الله عليه وسلم_" يفطر من الشهر حتى نظن أن لا يصوم منه, ويصوم حتى نظن أن لا يفطر منه شيئًا, وكان لا تشاء أن تراه من الليل مصليًا إلا رأيته ولا نائمًا إلا رأيته"(10).
* وعن عائشة _رضي الله عنها_ أن رسول الله "_صلى الله عليه وسلم_" كان يصلي إحدى عشرة ركعة - تعني في الليل - يسجد السجدة من ذلك قدر ما يقرأ أحدكم خمسين
آية, قبل أن يرفع رأسه, ويركع ركعتين قبل صلاة الفجر, ثم يضطجع على شقه الأيمن حتى يأتيه المنادي للصلاة"(11).
* وعن عائشة _رضي الله عنها_ قالت: ما كان رسول الله "_صلى الله عليه وسلم_" يزيد - في رمضان ولا في غيره - على إحدى عشرة ركعة, يصلي أربعًا فلا تسأل عن حسنهن وطولهن, ثم يصلي أربعًا فلا تسأل عن حسنهن وطولهن, ثم يصلي ثلاثًا, فقلت يا رسول الله: أتنام قبل أن توتر؟ فقال: (يا عائشة, إن عينيّ تنامان, ولا ينام قلبي)" (12).
* وعن عائشة _رضي الله عنها_ أن النبي "_صلى الله عليه وسلم_" كان ينام أول الليل ويقوم آخره فيصلي(13).
* وعن جابر _رضي الله عنه_ قال: سئل رسول الله "_صلى الله عليه وسلم_": أي الصلاة أفضل؟ قال: (طول القنوت)(14).
* وعن حذيفة _رضي الله عنه_ قال: صليت مع النبي "_صلى الله عليه وسلم_" ذات ليلة, فافتتح البقرة فقلت: يركع بعد المئة, ثم مضى, فقلت: يصلي بها في ركعة, فمضى, فقلت: يركع بها, ثم افتتح النساء فقرأها, ثم افتتح آل عمران فقرأها, يقرأ مُترسِّلاً, إذا مر بآية فيها تسبيح سبح, وإذا مر بسؤال سأل, وإذا مر بتعوذ تعوذ, ثم ركع فجعل يقول: (سبحان ربي العظيم), فكان ركوعه نحوًا من قيامه, ثم قال: (سمع الله لمن حمده, ربنا لك الحمد), ثم قام طويلاً قريبًا مما ركع, ثم سجد فقال: (سبحان ربي الأعلى) فكان سجوده قريبًا من قيامه(15).(115/1517)
6ـ ثواب قيام الليل وأجره:
* عن أبي مالك الأشعري _رضي الله عنه_ عن النبي "_صلى الله عليه وسلم_" قال: (إن في الجنة غرفًا يُرى ظاهرها من باطنها وباطنها من ظاهرها أعدها الله لمن أطعم الطعام وأفشى السلام وصلى بالليل والناس نيام) (16).
* وعن جابر _رضي الله عنه_ قال: سمعت رسول الله "_صلى الله عليه وسلم_" يقول: (إن في الليل لساعة, لا يوافقها رجل مسلم يسأل الله تعالى خيرًا من أمر الدنيا والآخرة إلا أعطاه إياه, وذلك كل ليلة) (17).
* وعن أبي أمامة الباهلي _رضي الله عنه_ عن رسول الله "_صلى الله عليه وسلم_" قال: (عليكم بقيام الليل؛ فإنه دأب الصالحين قبلكم, وقربة إلى ربكم, ومكفرة للسيئات, ومنهاة عن الإثم) (18).
* عن أبي سعيد _رضي الله عنه_ قال: قال رسول الله "_صلى الله عليه وسلم_": (من استيقظ من الليل وأيقظ أهله فصليا ركعتين - زاد النسائي: جميعًا - كتبا من الذاكرين الله كثيرًا والذاكرات) (19).
* وعن أبي الدرداء _رضي الله عنه_ عن النبي "_صلى الله عليه وسلم_" قال: (ثلاثة يحبهم الله ويضحك إليهم ويستبشر بهم: الذي إذا انشكفت فئة قاتل وراءها بنفسه لله عز وجل, فإما أن يقتل, وإما أن ينصره الله ويكفيه, فيقول: انظروا إلى عبدي هذا كيف صبر لي بنفسه؟ والذي له امرأة حسنة وفراش لين حسن فيقوم من الليل, فيقول: يَذَرُ شهوته ويذكرني ولو شاء رقد, والذي إذا كان في سفر وكان معه ركب فسهروا ثم هجعوا, فقام من السحر في ضراء وسراء) (20).
* وعن ابن مسعود _رضي الله عنه_ عن النبي "_صلى الله عليه وسلم_" قال: (عجب ربنا من رجلين: رجل ثار عن وطائه ولحافه, من بين أهله وحبِّه إلى صلاته, فيقول الله جل وعلا: أيا ملائكتي, انظروا إلى عبدي ثار عن فراشه ووطائه من بين حبه وأهله إلى صلاته, رغبة فيما عندي, وشفقة مما عندي. ورجل غزا في سبيل الله وانهزم أصحابه, وعلم ما عليه في الانهزام, وما له في الرجوع, فرجع حتى يهريق دمه, فيقول الله لملائكته: انظروا إلى عبدي, رجع رجاءً فيما عندي, وشفقة مما عندي حتى يهريق دمه) (21).
* وفي رواية: (إن الله ليضحك إلى رجلين: رجل قام في ليلة باردة من فراشه ولحافه ودثاره فتوضأ ثم قام إلى الصلاة, فيقول الله عز وجل لملائكته: ما حمل عبدي هذا على ما صنع؟ فيقولون: ربنا رجاء ما عندك, وشفقة مما عندك, فيقول: فإني قد أعطيته ما رجا وأمنته مما يخاف...) (22).
* وعن عمرو بن عنبسة _رضي الله عنه_ أنه سمع النبي "_صلى الله عليه وسلم_" يقول: (أقرب ما يكون الرب من العبد في جوف الليل الآخر, فإن استطعت أن تكون ممن يذكر الله تعالى في تلك الساعة فكن) (23).
* وعن عبد الله بن عمرو بن العاص _رضي الله عنه_ما قال: قال رسول الله _صلى الله عليه وسلم_ : (من قام بعشر آيات لم يكتب من الغافلين, ومن قام بمئة آية كتب من القانتين, ومن قام بألف آية كتب من المقَنْطرين) (24).
7ـ تحذير النبي "_صلى الله عليه وسلم_" من ترك الصلاة بالليل:(115/1518)
* عن ابن مسعود _رضي الله عنه_ قال: ذكر عند النبي "_صلى الله عليه وسلم_" رجلٌ نام ليلة حتى أصبح, قال: (ذاك رجل بال الشيطان في أذنيه) (25).
* وعن عبد الله بن عمرو بن العاص _رضي الله عنه_ما قال : قال لي رسول الله _صلى الله عليه وسلم_: (يا عبد الله, لا تكن مثل فلان, كان يقوم الليل فترك قيام الليل) (26).
* وعن أبي هريرة _رضي الله عنه_ قال: قال رسول الله "_صلى الله عليه وسلم_": (إن الله يبغض كل جعظري جواظ, صخاب في الأسواق, جيفة بالليل, حمار بالنهار, عالمٌ بأمر الدنيا, جاهلٌ بأمر الآخرة) (27).
* وعن سالم بن عبد الله بن عمر بن الخطاب _رضي الله عنه_م عن أبيه أن رسول الله _صلى الله عليه وسلم_ قال: (نعم الرجل عبد الله لو كان يصلي بالليل), قال سالم: فكان عبد الله بعد ذلك لا ينام من الليل إلا قليلاً(28).
8ـ ليل الصالحين(29):
قال الفضيل بن عياض: أدركت أقوامًا يستحيون من الله في سواد الليل من طول الهجعة, إنما هو على الجنب, فإذا تحرك قال: ليس هذا لك, قومي خذي حظك من الآخرة.
قال الحسن: ما نعلم عملاً أشد من مكابدة الليل ونفقة المال, فقيل له: ما بال المتهجدين من أحسن الناس وجوهًا؟ قال: لأنهم خلوا بالرحمن فألبسهم نورًا من نوره.
وعن ثابت البناني قال: ما شيء أجده في قلبي ألذ عندي من قيام الليل.
وكان شداد بن أوس إذا دخل الفراش يتقلب على فراشه لا يأتيه النوم, فيقول: اللهم إن النار أذهبت النوم, فيقوم فيصلي حتى يصبح.
قال عمرو بن ذر: لما رأى العابدون الليل قد هجم عليهم, ونظروا إلى أهل الغفلة قد سكنوا إلى فرشهم ورجعوا إلى ملاذهم من النوم، قاموا إلى الله فرحين مستبشرين بما قد وهب لهم من حسن عادة السهر وطول التهجد, فاستقبلوا الليل بأبدانهم وباشروا الأرض بصفاح وجوههم, فانقضى عنهم الليل وما انقضت لذتهم من التلاوة, ولا ملَّت أبدانهم من طول العبادة, فأصبح الفريقان وقد ولَّى عنهم الليل بربح وغبن, أصبح هؤلاء قد ملوا النوم والراحة, وأصبح هؤلاء متطلعين إلى مجيء الليل للعادة, شتان ما بين الفريقين.
وقال مالك بن دينار: لو استطعت أن لا أنام لم أنم, مخافة أن ينزل العذاب وأنا نائم, ولو وجدت أعوانًا لفرقتهم ينادون في منار الدنيا كلها: يا أيها الناس: النار, النار.
وقال إبراهيم بن شماس: كنت أعرف أحمد بن حنبل وهو غلام, وهو يحيي الليل.
وكان عمرو بن دينار يجزئ الليل ثلاثة أجزاء: ثلثًا ينام, وثلثًا يدرس حديثه, وثلثًا يصلي.
وكان طاوس إذا اضطجع على فراشه يتقلى عليه كما تتقلى الحبة على المقلاة, ثم يثب ويصلي إلى الصباح ويقول: طيَّر ذكر جهنم نوم العابدين.
وقيل للأحنف: إنك كبير, والصوم يضعفك, قال: إني أعده لسفر طويل, وكانت عامة صلاة الأحنف بالليل, وكان يضع أصبعه على المصابيح ثم يقول: حَسِّ, ويقول: ما حملك يا أحنف على أن صنعت كذا يوم كذا؟(115/1519)
وذكر الذهبي عن أسد بن عمرو، أن أبا حنيفة رحمه الله صلى العشاء والصبح بوضوء - واحد - أربعين سنة.
وذكر الذهبي عن موسى بن طريف: كانت الجارية تفرش لعلي بن بكار(30), فيلمسه بيده ويقول: والله إنك لطيب, والله إنك لبارد, والله لا علوتك الليلة, وكان يصلي الفجر بوضوء العتمة.
وفي كتاب الزهد للإمام أحمد: وكان عثمان - _رضي الله عنه_ - يصوم النهار ويقوم الليل إلا هجعة من أوله.
وقال الذهبي: قال محمد بن يحيى بن منده: لم يُحدِّث ببلدنا منذ أربعين سنة أوثق من أحمد بن مهدي(31), وصنف "المسند" ولم يعرف له فراش منذ أربعين سنة, صاحب عبادة, رحمه الله. ....
( يتبع ...)
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) أخرجه البخاري رقم 1091, أبواب التهجد, ومسلم 776/ مسافرين/ باب ما روي فيمن نام الليل حتى أصبح, وقافية الرأس: مؤخرة الرأس.
(2) أخرجه ابن ماجه وهو صحيح. (انظر: صحيح الترغيب والترهيب رقم 609).
(3) رواه ابن خزيمة في صحيحه, وهو صحيح. (انظر: صحيح الترغيب والترهيب رقم 610), والجرير: هو الحبل.
(4) صحيح الترغيب والترهيب للألباني, ص252, ج1.
(5) رواه مسلم 2/ صيام/ 821/ ح202.
(6) رواه الترمذي وقال: حديث حسن صحيح, ورواه ابن ماجه وإسناده صحيح, (صحيح الترغيب والترهيب رقم 613), وانجفل يعني أسرع.
(7) رواه أبو داود والنسائي وحسنه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب برقم 621.
(8) متفق عليه (وطرقه: يعني أتاه ليلاً) البخاري 3/ ح1127/ فتح, ومسلم 1/ مسافرين/ 206.
(9) متفق عليه, البخاري 8/ ح4836/ فتح, ومسلم 4/ منافقين/ 2171/ ح79.
(10) رواه البخاري 3/ ح1141/ فتح.
(11) رواه البخاري 2/ ح994/ فتح.
(12) متفق عليه, البخاري 3/ ح1147/ فتح, ومسلم 1/ مسافرين/ 5090/ ح125.
(13) متفق عليه، البخاري 3/ ح1146/ فتح, ومسلم 1/ مسافرين/ 510/ ح129.
(14) رواه مسلم 1/ مسافرين/ 520/ ح165. (والقنوت يعني القيام).
(15) رواه مسلم 1/ مسافرين/ 536, 537/ ح203.
(16) رواه ابن حبان في صحيحه, وصححه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب برقم 614.
(17) رواه مسلم 1/ مسافرين/ 521/ ح166, ورواه أحمد في مسنده.
(18) رواه الترمذي وحسنه الألباني (ترغيب برقم 620).(115/1520)
(19) رواه أبو داود 2/ ح1309, والنسائي وابن ماجه وصححه الألباني (ترغيب 622).
(20) رواه الطبراني وحسنه الألباني (صحيح الترغيب والترهيب برقم 625).
(21) رواه أحمد وحسنه الألباني (ترغيب 626).
(22) رواه الطبراني وحسنه الألباني (ترغيب 626).
(23) رواه الترمذي وصححه الألباني (ترغيب 624).
(24) رواه أبو داود وحسنه الألباني, وقال الألباني: "قال الحافظ: من سورة تبارك إلى آخر القرآن ألف آية والله أعلم. (ترغيب جـ1, ص262, حديث رقم 635).
(25) متفق عليه (البخاري 6/ ح3270/ فتح), ومسلم (1/ مسافرين/ 537/ ح205).
(26) متفق عليه (البخاري 3/ ح1152/ فتح), ومسلم (2/ صيام/ 814/ ح185).
(27) رواه ابن حبان وحسنه الألباني (ترغيب رقم 645).
(28) متفق عليه (البخاري 3/ ح1122/ فتح), ومسلم (4/ فضائل/ 1927/ ح140).
(29) هذه الآثار: راجع فيها: تهذيب سير أعلام النبلاء، روضة الزاهدين، أين نحن من أخلاق السلف.
(30) قال الذهبي: علي بن بكار: الإمام الرباني العابد أبو الحسن البصري الزاهد, مات سنة 207هـ.
9ـ طلبة العلم وقيام الليل([1]):
إن طالب العلم الصادق يختلف ليله عن ليل اللاهين والغافلين, فليله عبادة ووقوف بين يدي الله سبحانه, يسأله من فضله, ويستغفره من تقصيره في حقه, ويدعوه بما يحب, ويناجيه مم يشكو.
وإن قومًا من طلبة العلم ادعوا طلبهم للعلم وأهملوا ليلهم وقيامه فعلتهم غبرةٌ وحسرة, وشق عليهم العلم وساءت أخلاقهم, ذلك أنهم باتوا ليلهم يغطون في نوم عميق, فما أيقظهم إلا حر الشمس!!
إن طالب العلم الصادق يختلف ليله عن ليل اللاهين والغافلين, فليله عبادة ووقوف بين يدي الله سبحانه, يسأله من فضله, ويستغفره من تقصيره في حقه, ويدعوه بما يحب, ويناجيه مم يشكو.
ولم يكن العلماء يظنون أن هناك من طلبة العلم ولا من أهله من ينام الليل كله ولا يكون له عبادة فيه, بل كانوا ينكرون على من يقصر فيه.
قال أبو عصمة البيهقي: "بت ليلة عند أحمد بن حنبل, فجاء بالماء فوضعه، فلما أصبح, نظر في الماء فإذا هو كما كان, فقال: سبحان الله, رجل يطلب العلم لا يكون له ورد بالليل!"
وذكر ابن الجوزي والذهبي أن طاوسًا جاء في السحر يطلب رجلاً فقالوا: هو نائم, قال: ما كنت أرى أن أحدًا ينام في السحر.
وعن أبي الأحوص قال: آلى محمد بن النضر على نفسه ألا ينام إلا ما غلبته عينه.(115/1521)
قال أبو بكر الأنباري: كان أبو عبيد رحمه الله يقسم الليل أثلاثًا؛ فيصلي ثلثه, وينام ثلثه, ويصنف الكتب ثلثه.
وعن نافع أنه قال: كان ابن عمر رضي الله عنه يحيي الليل صلاة ثم يقول: يا نافع أسحرنا؟ فأقول: لا, فيعاود الصلاة إلى أن أقول: نعم, فيقعد ويستغفر ويدعو حتى يصبح.
وعن داود بن إبراهيم أن الأسد حبس ليلةً الناس في طريق الحج, فدق الناس بعضهم بعضًا, فلما كان السحر ذهب عنهم, فنزلوا وناموا, وقام طاوس يصلي, فقال له رجل: ألا تنام؟ فقال: وهل ينام أحد السحر؟!
10ـ كيف نربي أنفسنا على قيام الليل؟!
لا شك أن هذه العبادة العظيمة - قيام الليل - هي كنز من الكنوز الإيمانية الغالية, ولكنها - وكما هو مشاهد - من العبادات التي قد صارت غريبة على مجتمع المسلمين في هذه الأزمان... وما ذلك إلا لبعدهم عن إحياء سنة النبي e, وهي عبادة لا ينالها إلا المخلصون الصادقون الذين هم قد وقر الإيمان في قلوبهم, فيفضلون الوقوف بين يدي ربهم في جوف الليل حيث لا يراهم الناس, يفضلون ذلك على لذات الدنيا الأخرى.
وكم نحن بحاجة إلى التربية على تلك العبادة العظيمة, ولكننا وللأسف الشديد نكتفي بأن نستمع فيها إلى موعظة, أو نذكر أنفسنا أن هناك عبادة تسمى عبادة الليل, أو أن نقرأ عنها في كتب الرقائق, ثم نحن بعد كل ذلك يصعب علينا العمل بها ويشق علينا الثبات عليها, فتمر علينا الأيام, ويغزو الشيب مفارقنا, بل يدق الموت أبوابنا ونحن لا نزال بعيدين عن تلك العبادة العظيمة.
طهر قلبك من الحقد على المسلمين ومن الحسد لهم ومن النظر إلى متاعهم وما أنعم الله عليهم, فإن ذلك مرض في القلب يعوقك عن القيام بين يدي الله.
ولا شك أن هناك من الخطوات والأعمال ما ييسر علينا أن نربي أنفسنا على هذه العبادة ولكننا قد نغفل عنها, ونحن نقف معك عند بعض هذه الخطوات التي تعيننا على قيام الليل والله الموفق:
أ - عقد العزم والنية على قيام الليل:
فكثير منا يتمنى أن يقوم الليل ولكنه لم يعقد عزمه ونيته على ذلك ولم يؤكد بما لا يدع مجالاً للتردد أنه يريد أن يقيم هذه العبادة, فتظل عبادته في مجال التمني لا غير ولا يخطو في سبيل العمل أي خطوة, فمن كان عنده سفر هام بالليل يجد نفسه يقوم من نومه وبغير أن يوقظه أحد, ذلك لأنه عقد عزمه ونيته أن يسافر ويشعر بأهمية السفر وأهمية ما يريده منه, وكذلك فإنه من علم قيمة هذه العبادة الكريمة وعقد عزمه على أن يقوم واستعان بالله في ذلك ودعا الله أن يقيمه بين يديه في جوف الليل وكرر الدعاء, فلا شك أنه يكون قد خطا خطوة قوية في طريق قيامه بالليل.
ب - تعاون أهل البيت على قيام الليل:
وهذا التعاون الذي أقصده إنما يتأتى بعد أن يبين لهم رب البيت منزلة قيام الليل ويحببهم فيه ثم يقسم الأدوار ويهتم بأمر القيام ويتابع ذلك, فإن في ذلك دفع لجميع أهل البيت للانتظام في تلك العبادة.(115/1522)
ولقد كان ذلك التعاون هو حال السلف الصالحين, وإليك هذه الأمثلة:
* حديث النبي "صلى الله عليه وسلم": (رحم الله امرأة قامت من الليل ثم أيقظت زوجها فصلى, فإن أبى نضحت الماء في وجهه) ([2]).
وذكر الذهبي عن إبراهيم بن وكيع قال: كان أبي - وكيع - يصلي, فلا يبقى في دارنا أحد إلا صلى, حتى جارية لنا سوداء.
وذكر الإمام أحمد في الزهد: أن أبا هريرة رضي الله عنه كان هو وامرأته وخادمه يتعقبون الليل, يصلي هذا ثم يطرقهم فيقومون فيصلي هذا, وهكذا.
وذكر الذهبي أن زيد بن الحارث كان يقسم الليل ثلاثة أجزاء بينه وبين أولاده.
وكان الحسن بن علي يأخذ من الليل أوله, وكان الحسين يأخذ من آخره.
لابد للمربي أن يكون قدوة للناس في صلاة الليل فلا يمكن أن يأمرهم بها ولا يفعلها.
وكان سليمان التيمي يدعو أهله ليتنافسوا في ليلهم ويقول: هلموا حتى نجزئ الليل, فإن شئتم كفيتكم أوله, وإن شئتم كفيتكم آخره.
وقال وكيع بن الجراح: كان علي والحسن ابنا صالح بن حي وأمهم قد جزءوا الليل ثلاثة أجزاء.
جـ - النوم على طهارة بنية القيام:
وقد ورد في ذلك أحاديث صحيحة تحث على الطهارة قبل النوم مع استصحاب نية القيام, وأن العبد إذا فعل ذلك كتب له أجر ما نوى.
* عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله "صلى الله عليه وسلم": (من بات طاهرًا بات في شِعاره مَلَك, فلا يستيقظ إلا قال الملك: اللهم اغفر لعبدك فلان فإنه بات طاهرًا) ([3]).
* وعن معاذ بن جبل رضي الله عنه عن النبي "صلى الله عليه وسلم" قال: (ما من مسلم يبيت طاهرًا يتعار من الليل, فيسأل الله خيرًا من أمر الدنيا والآخرة إلا أعطاه الله إياه) ([4]).
* وعن أبي الدرداء رضي الله عنه يَبْلغ به النبي "صلى الله عليه وسلم" قال: (من أتى فراشه وهو ينوي أن يقوم يصلي من الليل, فغلبته عينه حتى أصبح, كتب له ما نوى, وكان نومه صدقة عليه من ربه)([5]).
د - كراهة الحديث بعد العشاء:
عن أبي برزة قال: كان رسول الله "صلى الله عليه وسلم" لا يبالي بتأخير صلاة العشاء إلى نصف الليل, وكان لا يحب النوم قبلها ولا الحديث بعدها([6]).
قال الإمام النووي: "وسبب كراهة الحديث بعدها أنه يؤدي إلى السهر, ويخاف منه غلبة النوم عن قيام الليل أو الذكر فيه أو عن صلاة الصبح, قال: ولأن السهر في الليل سبب للكسل في النهار عما يتوجه من حقوق الدين والطاعات ومصالح الدنيا"([7]).
وبعض الناس يحلو لهم السهر بعد العشاء في الأحاديث الدنيوية والتنزه وقضاء الأوقات ويعتادون النوم قبل السحر([8]) بقليل, فأنى لهم أن يصلوا نافلة أو حتى يستيقظوا لفريضة!!(115/1523)
ولكن ينبغي على كل من يريد أن يصلي قيام الليل أن يأوي إلى بيته في أول الليل, فيتفقد حال أهله وأولاده ساعة ثم ينام.
وعلى كل طالب علم أو ملتزم بسنة النبي "صلى الله عليه وسلم" أن يحرص على عدم اللغو في الحديث بعد العشاء أو تضييع أوقاته إلا فيما ينفع في الطاعات.
قال الإمام النووي: "والمكروه من الحديث بعد العشاء هو ما كان في الأمور التي لا مصلحة فيها, أما ما فيه مصلحة وخير فلا كراهة فيه, وذلك كمدارسة العلم وحكايات الصالحين, ومحادثة الضيف والعروس للتأنيس, ومحادثة الرجل أهله وأولاده للملاطفة والحاجة, ومحادثة المسافرين بحفظ متاعهم أو أنفسهم, والحديث في الإصلاح بين الناس والشفاعة إليهم في خير والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر, قال: ثم كراهة الحديث بعد العشاء المراد بها بعد صلاة العشاء لا بعد دخول وقتها, واتفق العلماء على كراهة الحديث بعدها إلا ما كان في خير..." ([9]).
قال الذهبي: قال عبد الله بن أحمد: كان أبي يقرأ كل يوم سبعًا, وكان ينام نومة خفيفة بعد العشاء, ثم يقوم إلى الصباح يصلي ويدعو.
هـ - أسباب أخرى معينة على قيام الليل:
ذكر أهل العلم أسبابًا أخرى تعين على قيام الليل نذكرها لك باختصار لعله أن يكون فيها الشفاء:
• لا تكثر الأكل بالليل لأنه سبب لغلبة النوم, وليتخير من طعام الليل ما يسهل هضمه وليس ما يطول هضمه كالبقول واللحوم والبيض, فإنها تستقر في المعدة طويلاً, وتجعل الدم يجتمع عند المعدة فيسبب الخمول والنوم.
• لا تتعب نفسك بالنهار في الأعمال التي تتعب الجسد وتضعف الأعصاب, فإن كنت ولابد أن تفعل ذلك فلا تترك القيلولة لتريح جسدك من التعب والمشقة ولتستريح من عناء جهدك ولتستطيع أن تقوم من ليلك, ولقد أوصى النبي e بنوم القيلولة, وكان يفعله الصالحون ويحافظون عليه.
• طهر قلبك من الحقد على المسلمين ومن الحسد لهم ومن النظر إلى متاعهم وما أنعم الله عليهم, فإن ذلك مرض في القلب يعوقك عن القيام بين يدي الله.
قال الفضيل بن عياض: إذا لم تقدر على قيام الليل وصيام النهار فاعلم أنك محروم كبلتك خطيئتك.
واشتكى شاب إلى الحسن عدم قيام الليل فقال له الحسن: قيدتك خطاياك.
وقال الحسن: إن الرجل ليذنب الذنب فيحرم به قيام الليل.
11ـ نصائح للمربين:
• لابد للمربي أن يكون قدوة للناس في صلاة الليل فلا يمكن أن يأمرهم بها ولا يفعلها.
• يجب أن يصحب تدريس فضل قيام الليل تطبيق عملي للقيام, وأذكر أن بعض أساتذتنا - حفظه الله - كان يقرأ علينا باب قيام الليل من كتاب مختصر منهاج القاصدين, ثم يأخذنا لنقوم الليل في أحد المساجد, وكان لذلك أثر كبير علينا لا ينسى.(115/1524)
• يحسن أن يفرق المربي بين صلاة الليل في جماعة وصلاة الليل مفردًا, وعليه أن يدفع طلبته للصلاة فرادى ما استطاع إلى ذلك؛ لأنها أقوى تأثيرًا على النفس وأدعى للإخلاص وأرجى أن يتعود الإنسان على الصلاة وحده, وهي أصل صلاة الليل.
• يحسن بالمربي أن لا يجمع الناس لصلاة الليل في وقت يتفقون عليه, حذرًا من الوقوع في الحرج الشرعي, إذ إنه لا دليل على جواز تحديد وقت معين لصلاة الليل جماعة في مسجد والانتظام عليه([10]), ولكن عليه - إن كان لوجود الناس أهمية ما - أن يصلوا بغير اتفاق على موعد ولا دعوة للناس, ولكن أن يستغل ظروف وجودهم في مكان ما فيقف للصلاة فيصلون خلفه والله تعالى أعلم([11]).
• على المربي أن يتفقد المتعلمين ويتابعهم في عبادة قيام الليل وأن يحثهم على التعود عليها والانتظام عليها, ويحسن أن يكون ذلك مع كل فرد على حدة, وإن لم يتيسر له أن يكلم كلاً على حدة فيسألهم في مجلسه مذكرًا إياهم بالإخلاص وعدم مراعاة الناس وبالصدق والتجرد, فعن إسحاق بن إبراهيم قال: كنا في مجلس الثوري([12]) وهو يسأل رجلاً رجلاً عما يصنع في ليله فيخبره, حتى دار القوم فقالوا: يا أبا عبد الله قد سألتنا فأخبرناك, فأخبرنا أنت كيف تصنع في ليلك؟ فقال: لها عندي أول نومة تنام ما شاءت لا أمنعها, فإذا استيقظت فلا أقيلها والله.
• يمكن الاستعانة بطرق مختلفة للايقاظ - إن صعب على الناس الاستيقاظ - فيمكن أن يتعاونوا فيما بينهم لإيقاظ بعضهم بعضًا عن طريق الهاتف أو أي وسيلة أخرى, ويمكن كذلك لكل إنسان أن يكتب لنفسه جدولاً للمحاسبة على قيام الليل, فيحاسب نفسه كم قصر وكم أدى, فيدفعه علمه بالتقصير إلى التقدم.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
([1]) انظر في هذه الآثار: صفة الصفوة، تهذيب سير أعلام النبلاء.
([2]) سبق تخريجه ص 385 وهو صحيح.
([3]) رواه ابن حبان وصححه الألباني (الترغيب برقم 596) والشعار: هو الثوب أو الغطاء.
([4]) رواه أبو داود وصححه الألباني (صحيح أبي داود والترغيب برقم 597). (ويتعار: يعني يستيقظ).
([5]) رواه النسائي وصححه الألباني (صحيح النسائي والترغيب برقم 600).
([6]) متفق عليه واللفظ لمسلم (البخاري 2/ 771/ فتح), ومسلم (1/ مساجد/ 447/ 236).
([7]) شرح صحيح مسلم للنووي, جـ3 ص158.
([8]) السحر: آخر الليل.
([9] ) شرح صحيح مسلم للنووي جـ3، ص 158.
([10]) قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: "فلو أراد الناس أن يجتمعوا على قيام الليل في المساجد جماعة في غير رمضان لكان هذا من البدع, ولا بأس أن يصلي الإنسان جماعة في غير رمضان في بيته لفعل الرسول e, فقد صلى بابن عباس وابن مسعود وحذيفة بن اليمان جماعة في بيته لكن لم يتخذ ذلك سنة راتبة ولم يكن أيضًا يفعله في المسجد" اهـ. الممتع جـ4 ص83.(115/1525)
([11]) وانظر: الاختيارات العلمية لشيخ الإسلام ص64, والاعتصام للشاطبي .
([12]) صفة الصفوة ، 3/98، دار الكتب العلمية.
ـــــــــــــــــــ
رمضان حلَّ فلنحتفل
عبد الرحمن العواد
10/9/1427
ارسل تعليقك ...
تعليقات سابقة ...
ارسل الصفحة ...
الى مشرف النافذة ...
طباعة ...
*المستشار الأسري
ها هو رمضان على حلَّ على الأمة الإسلامية بروحانيته الرائعة وبمشاعره الفياضة وإني أرى أن في قدومه ما يستوجب علينا عدم تضييع الفرصة في استثماره بشكل إيجابي وبطريقة تصب في النهاية إلى صلاح النواة في المجتمع ألا وهي الأسرة.
نعم ها هو رمضان يأتي هذا العام – تقبله الله منا ومنكم – وإني أريد أن نستغل نعمة الله علينا ببلوغه برفع شعار جديد للقضاء على المشاكل الأسرية والمنغصات المنزلية التي لا يكاد يخلو منه بيت من البيوت إلا أن منا المقل ومنا المكثر.
فما هو هذا الشعار يا تري الذي نريده أن يحتل مساحة لا بأس بها في حياتنا الزوجية، إن الشعار الذي أريد أن نرفعه هو شعار ( رمضان حلَّ... فلنحتفل ).
نعم ليحتفل كل زوج وزوجته بتوديع تلك المشاكل التي حصلت بينهما خلال عام مضى أو خلال أعوام سابقة، نعم ليحتفل كل زوج وزوجته بتفاهم أعمق وبروح واحدة، نعم ليحتفل كل زوج وزوجته نحو تربية واعية لأبنائهم، نعم ليحتفل بتأسيس مجالس للحوار نعم لنحتفل فرمضان حلَّ.
فما هو هذا الشعار يا تري الذي نريده أن يحتل مساحة لا بأس بها في حياتنا الزوجية , إن الشعار الذي أريد أن نرفعه هو شعار ( رمضان حلَّ ... فلنحتفل ).
ولعل مما يساعد على آلية هذا الاحتفال هذه الخطوات التي سأتطرق إليها في مقالي هذا, هي خطوات ستكون –بإذن الله – معينة على رفع الشعار الأسري الرمضاني ( رمضان حلَّ... فلنحتفل ).
فإلى هذه الخطوات:
الخطوة الأولى:
أن يبادر كل من الزوج وزوجته إلى أن يتساعدا في فهم بعضهما البعض، نعم أن يبادرا في ذلك، ذلك أنه في كثير من الحالات هناك ما يمكن أن نسميه ( ألاَّ فضية ) بمعنى أنه حصل بينهما بعض المسائل والأمور التي ملأت خزانات الألم بلا داعي لها، فهنا يأتي دور المبادرة في إنهاء ما حصل، وتفريغ تلك الخزانات مما امتلأت به.
ولعل أحدكم يتساءل من المسؤول عن المبادرة هل هو الزوج أو الزوجة؟ والذي أقوله جوابا على التساؤل: أن المسؤول كلا الزوجين، ولكن يبدو لي –والله أعلم- أن(115/1526)
الزوج له من ذلك النصيب الأكبر، أي أنه مطالب بالمبادرة بشكل أكثر من الزوجة؛ والسبب في ذلك هو ما يمكن أن نستنتجه من حديث أبي هريرة –رضي الله عنه – عن النبي _صلى الله عليه وسلم_ قال: "من كان منكم يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يؤذي جاره، واستوصوا بالنساء خيرا فإنهن خلقن من ضلع أعوج..." متفق عليه.
فهنا أوصى الرسول _صلى الله عليه وسلم_ كل الرجال بالنساء خيرا، وإن من الخير المبادرة إلى حل الخلافات وعدم تأخيرها وتأجيلها. قال الشيخ عبد الله بن بسام: "فهذا الوصف الرائع والتصوير البارع والوصية الكريمة منه _صلى الله عليه وسلم_ يحدد موقف الرجل من زوجته، فيسلك معها سبيل الحكمة والرحمة والبر والإحسان" (توضيح الأحكام: 4/444).
وبالتالي فإن من الحكمة والرحمة المبادرة إلى حل الخلافات كما ذكرت آنفا. وهذا لا يعني أن المبادرة هي حق للزوجة على زوجتا بالله كما قال عليه الصلاة والسلام: "خيركم الذي يبدأ بالسلام" فالمبادرة مطلوبة من الطرفين.
الخطوة الثانية:
أن ما يدور في ذهنك تجاه بعض تصرفات زوجتك لا يلزم منه أن يكون هو الحقيقة. ذلك أننا في كثير من الأحيان نتعجَّل الأحكام، ونعلن الحرب، ولو تمهلنا وتثبتنا لوجدنا أن الوضع مختلف جدا، ولعلي أضرب نموذج واقعيا تذكره أحد الأخوات:
أم إياد، معلمة في أحد المدارس، ومتزوجة وعندها عدد من الأولاد، وزوجها يعمل في وظيفة وترفرف عليهما السعادة ولا يشتكيان من أي منغص، حتى جاء ذلك اليوم والذي سافرت فيه الخادمة لزيارة أهلها، مما زاد الحمل على أم إياد، فأصبحت فجأة غارقة ما بين ولد يصيح، وزوج يريد غداءه في وقت محدد، وما بين دفتر تحضير، وأوراق طالبات تحتاج تصحيح.
وهكذا وفي يوم من الأيام وعندما كانت تستعد لبرنامج الغسيل، وعندما كانت تفرغ ما في جيوب زوجها من الأوراق، سقطت عينها على ورقة مكتوب عليها ( فاطمة ورقم جوال؟؟؟؟؟؟0505 ).
جنَّ جنونها، ودخلت في نوبة بكاء عميق، وسقطت على الأرض، ولم تستطع أن تكفكف دموع أمام أولادها وبناتها، ولما جاء الزوج لم تستقبله كعادتها، ولما رأته انفجرت بالبكاء.
تقول أم إياد: فاستمريت على هذا الوضع لمدة ثلاثة أيام، وفي اليوم الرابع حدثتني نفسي أن اتصل، وأعنف هذه المرأة، وأخذ بثأري منها إذ كيف تجرؤ على أن تتحدث مع زوجي، وفعلا هذا ما حدث حيث اتصلت أم أياد على ذلك الرقم.
أم أياد: ألوه السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
وردَّت امرأة: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
أم إياد: أنت فاطمة.
قالت: لا لست فاطمة.
أم إياد: من تكونين إذا.
قالت: أن أم فاطمة.(115/1527)
أم إياد: إن ابنتك قليلة الأدب، وتحتاج إلى تربية، وهي لا تخاف الله، وتتحدث مع زوجي.... وانطلقت بشكل عنيف على أم فاطمة.
ولأن أم فاطمة تعرف ابنتها بشكل جيد، وهي واثقة منها، وهي من قامت بتربيتها لم تتفاعل بشكل واضح، فآثرت الإنصات والمتابعة. ولما انقطعت تلك الطلقات، وهدأ السيل الجارف.
قالت أم فاطمة: يا ابنتي إن ابنتي من المستحيل أن تفعل ذلك.
قالت أم إياد: إذا أخبريني كيف وجدت رقمكم في ثوب زوجي.
قالت أم فاطمة: يا ابنتي نحن نعمل في خدمة البيوت، ومن الطبيعي أن تجدين رقمنا في ثوب زوجك، ثم إنه قد اتصل بي لأنه يرغب بمن يعمل لديه في البيت.
أم إياد: وتعلوها الدهشة ماذا ما ما ماذا!! وسكتت ولم تستطع أن تتحدث وعرفت لماذا كان الرقم في ثوب زوجها.
فتأملوا كم بالله عليكم نقع بمثل هذه التصورات الظنية مع زوجاتنا ومع أولادنا ومع جيراننا ومع كل من نعرفه. ثم إن التثبت أمر وردت فيه النصوص، فما لنا نتعجَّل.
الخطوة الثالثة:
أن تتجاوزا كل ما مضى لصناعة حياة مشرقة جديدة تبدأ من رمضان 1427 وهكذا تستمر إلى ما لا نهاية – بإذن الله – وإني ومن خلال ما أجده من واقع الاستشارات الأسرية أن هناك من يعيش في الماضي بشكل مستمر.
مثاله: اتصل بي أحد الأزواج في يوم من الأيام وقال لي: إن زوجته قد جرحته بشكل كبير، وأثرت على نفسه وفكره ومزاجه.
ولما تساءلت عن السبب؟
قال: لقد قالت لي قبل مدة من الزمن: أني لم أكن راغبة في الزواج بك، ولكن لأنك أصريت رضيت بالواقع. ويستطرد الزوج قائلا: هذا الكلام حصل قبل عدة أشهر، ولكني لم أستطع أن أمسحه من نفسي.
وبغض النظر عن مناقشة صحة طرح هذه الزوجة أو خطأه إلا أني أقول: إن على الجميع أن يتجاوز عما تزل به الألسنة، وما قد تتعمده في بعض الأحيان، وكذلك نكوِّن في أنفسنا قواعد راسيات وأرصدة مملوءات بالعفو والمغفرة، ولا نكون كمادة الغراء اللاصقة التي تمسك بكل ما مرَّ به أو ما قاربها.
الخطوة الرابعة:
أن يدرك كلا من الزوجين أنهما هما المسؤولان الأولان والأخيران عن التطوير والتغيير والتجديد في حياتيهما، نعم هما المسئولان وحسب، وليس المستشار الأسري أو الشيخ أو العالم؛ نعم قد يكون هؤلاء مساعدين بما يطرحونه من بعض الحلول والاقتراحات، بمعنى آخر عندهم مجموعة المفاتيح المساعد لفتح قضية معينة، ولكن عليك أيها الزوج وعليك أيتها الزوج اختيار المفتاح المناسب وإدارته وهنا نجد أن هناك فعلا يصاحب المفتاح هذا الفعل هو ما لا يمكن أن يقوم به أحد غيرك أيها الزوج وكذلك أنت أيتها الزوجة.
فإذا ما أدرك الزوجان هذه المسألة استطاع –بإذن الله – تيسير شؤونهما دون كثير من الابتعاد، وأصبح كل واحد منهما ينظر بأفق أوسع وأنه مسؤول عن هذه الأسرة.(115/1528)
أسعد الله قلب كل زوجين، وجمع بينهما بخير، وها هو رمضان حلَّ فلنرفع الشعار ونحتفل...
ـــــــــــــــــــ
بيوت الخبرة الدعوية.. حلم متى يتحقق؟
همام عبد المعبود
6/9/1427
ارسل تعليقك ...
لا توجد تعليقات ...
ارسل الصفحة ...
الى مشرف النافذة ...
طباعة ...
انتشرت في العالم العربي والإسلامي _ مؤخرأ _ " بيوت الخبرة " في شتى مجالات وفنون الحياة؛ فهذه بيوت للخبرة القانونية، تقدم الرأي والمشورة في المسائل القانونية، وتقوم بإعداد وتدريب المحامين الجدد، على أصول وقواعد المهنة، وترشدهم لفنون المرافعة القانونية , وتلك بيوت الخبرة الصحفية، تقدم لشباب الصحفيين الدورات التدريبية التي تصقل مواهبهم وتدربهم على العمل الصحفي بكافة صوره وأشكاله، وتعطيهم الخبرات اللازمة لممارسة هذا اللون من العمل، وفي نهاية الدورة تعطيهم شهادات إجازة، يدخلون بمقتضاها سوق العمل الصحفي، ويمارسون مهامهم على أفضل ما يكون.
الأمر لم يقف عند هذا الحد بل امتد واتسع ليشمل بيوت الخبرة المالية، وهي هيئات ومراكز تدرب صغار المستثمرين، على أصول وقواعد العمل بالسوق المالي، وتهيئ فريق منهم للدخول إلى حلبة البورصة ذلك الوهم الذي دمر الكثيرين وبدد أحلام الراغبين في الثراء , وهناك بيوت الخبرة التجارية، وهي بيوت تقدم الخبرة والنصيحة لصغار التجار والراغبين في اقتحام سوق العمل، بإقامة مشروعات تجارية صغيرة، فهي تعرفهم بأنواع السلع والخامات المتاحة أمامهم للاتجار بها، وتفهمهم أن لكل سوق سلعته، ولكل مقام مقالا، وتكسبهم القدرة على اكتشاف السلع المناسبة للمكان، وتوقع ازدهار سلعة واندثار أخرى.
غير أن هذا المشروع، يختلف عن غيره من المشروعات التي أشرت إليها سالفاً، في أمر مهم ألا وهو: عدم استهداف الربح، طبعا أقصد الربح المادي أو الدنيوي، أما عن الربح المعنوي والأجر الأخروي فحدث ولا حرج.
لن أطيل في مقدمتي التي قصدت منها أن أبرر لموضوعي الذي أظنه جديداً من نوعه، غير انه تأخر لسنوات طويلة، ألا وهو مشروع "بيوت الخبرة الدعوية"ـ غير أن هذا المشروع، يختلف عن غيره من المشروعات التي أشرت إليها سالفاً، في أمر مهم ألا وهو: عدم استهداف الربح، طبعا أقصد الربح المادي أو الدنيوي، أما عن الربح المعنوي والأجر الأخروي فحدث ولا حرج.
ومن أحسن قولاً(115/1529)
لا يخفى على عاقل الفضل الكبير الذي أثبته الله للدعوة إلى الله، كمهنة ووظيفة، ويكفي شرفاً أنها وظيفة الأنبياء، قال _تعالى_:" يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا* وَدَاعِيًا إِلَى اللهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجًا مُّنِيرًا"( 45/ الأحزاب).
كما لا يخفى أن من يمتهن هذه المهنة، ويحترف هذه الحرفة، يكون في عداد الفائزين والمفلحين، قال _تعالى_:" وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِّمَّن دَعَا إِلَى اللهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ"(33/ فصلت).
وقد بشر رسولنا الكريم _صلى الله عليه وسلم_ بأن الداعية له أجره وأجر من اهتدى بسببه، فقال _صلى الله عليه وسلم_: "من دعا إلى هدى كان له من الأجر مثل أجور من تبعه لا ينقص من أجورهم شيئا".
كما أن الداعية إلى الله في ذمة الله، وقد انقسم أصحاب السبت إلى ثلاثة أقسام : عصاة، ودعاة، ومتوقفين عن الدعوة تاركين العصيان، و حكى القرآن مصير كل فريق منهم، فقال _تعالى_: "فلما نسوا ما ذكروا به أنجينا الذين ينهون عن السوء وأخذنا الذين ظلموا بعذاب بئيس بما كانوا يفسقون".
وقد توعد الله بحفظه من الهلاك، لكونه من المصلحين الذين يسعون في إصلاح الناس، ولا يكتفون بصلاحهم، قال _تعالى_: "وما كان ربك مهلك القرى بظلم وأهلها مصلحون".
فالصلاح لا يكفي لنجاة صاحبه من عذاب الله إذا حلت الفتنة ، قال _تعالى_: "واتقوا فتنة لا تصيبن اللذين ظلموا منكم خاصة واعلموا أن الله شديد العقاب"، وعندما سألت أم المؤمنين السيدة عائشة _رضي الله عنها_ رسول الله صلى الله عليه وسلم_:"أيهلكنا الله وفينا الصالحون؟ قال: نعم، إذا كثر الخبث".
وقد بشر رسولنا الكريم _صلى الله عليه وسلم_ بأن الداعية له أجره وأجر من اهتدى بسببه، فقال _صلى الله عليه وسلم_: (من دعا إلى هدى كان له من الأجر مثل أجور من تبعه لا ينقص من أجورهم شيئاً).
ماذا يستهدف المشروع ؟
يستهدف هذا المشروع عدداً من الأمور منها على سبيل المثال:-
1- الاستفادة من خبرات كبار العلماء والدعاة، ممن يُشهَدُ لهم بالإخلاص، والتقوى، والعلم، من خلال نقل هذه الخبرات، وتسجيلها ورصدها لتنتفع بها الأجيال اللاحقة. فكم من عالم كنا نعده من المخلصين العاملين لنصرة هذا الدين، وافته المنية دون أن يلقح عواطف شباب الدعاة نظرات عقولهم وفيض خبراتهم.
2- إعداد وتأهيل الدعاة العاملين في مجال الدعوة منذ سنوات، الذين يملؤهم الجد والنشاط لكنهم يفتقدون إلى الخبرة والحنكة والحكمة الدعوية، ليكونوا بعدها أهلا لحمل أعباء وهمَّ هذه الدعوة، وحتى يدعون إلى الله على بصيرة، فيكونون خير دعاة لخير دين على منهاج خير الأنبياء وسيد الدعاة محمد _صلى الله عليه وسلم_.
3- اكتشاف دعاة جدد، من الموهوبين، الذين لا ينقصهم سوى أن تكتشف فيهم قدرات هم لا يعرفونها عن أنفسهم أو أنهم لا يعتقدون أنها قدرات ذات بال، فكم من عالم يهتز من تحته المنبر اليوم، كان بالأمس مغموراً، وكم من خطيب مفوه يملك على مستمعيه ألبابهم، كان بالأمس يتلعثم وهو ينطق بالآية والحديث، فلولا أن الله(115/1530)
قيض له من الدعاة من شجعه، على صعود المنبر، ولفت انتباهه إلى أن حسن أدائه وقوة حفظه
فما أحوجنا اليوم إلى خبراء في شؤون الدعوة يقومون بدور (الكشاف الدعوي)، يجوبون القرى والكفور والنجوع والمدن والمراكز والمحافظات، والمدارس والمعاهد والجامعات، ويكتشفون : حافظاً للقرآن، أو خطيبا بارعا ، أو مشروعا لفقيه واعد , أو تبشيرا بعالم نحرير ، وهكذا....
قد يقول قائل إن هذا الذي تتحدث عنه يتم بصورة أو أخرى، وتقوم به جماعة أو أخرى، بل قد تقوم به بعض الحكومات أحياناً، ولو بصورة مختلفة، أقول : لا بأس بكل جهد طيب يحدث ولكنني أتكلم عن مشروع منهجي متخصص له مؤسساته وفروعه ومنهجيته واستقلاليته ، يسد ذلك الخلل الكبير في الدعاة المدربين الخبراء المؤهلين الذين يكونون أهلا للقيام بهذه المهمة العظيمة , وأود أن تقوم عليه جهات متحررة، ولا بأس أن تتبناه هيئة إسلامية مرموقة، موجودة أو أن تنشأ له هيئة خاصة نسميها مثلا (الهيئة العالمية الإسلامية لتأهيل الدعاة) , ويشكل لها مجلس إدارة من كبار العلماء والدعاة في العالم الإسلامي، وتكون الدراسة به، لمدة عام واحد أو عامين، يتخرج بعدها الداعية، ليلحق بمراكز التدريب العملي، فيقوم بإعداد وإلقاء بعض الدروس والخطب تحت إشراف لجنة من الهيئة، تكون هي المسئولة عن إقرار صلاحيته للقيام بمهام الدعوة.
فما أحوجنا اليوم إلى خبراء في شؤون الدعوة يقومون بدور (الكشاف الدعوي)، يجوبون القرى والكفور والنجوع والمدن والمراكز والمحافظات، والمدارس والمعاهد والجامعات، ويكتشفون : حافظاً للقرآن، أو خطيبا بارعا ، أو مشروعا لفقيه واعد , أو تبشيرا بعالم نحرير ، وهكذا....
ولا بد من أن يوضع لهذا البرنامج التدريبي منهج دعوي مركز، يمتاز بالسلاسة واليسر، ويغلب الجانب العملي على النظري، على ألا يتبنى هذا البرنامج أي نوع من أنواع الفكر الموجود على الساحة، فلا يكون تابعا لجماعة ولا يدعو لشخص أو فكر محدد، بل لا بد من تجريده وتخليصه من هذه التبعية التي تنتهي به غالبا إلى الاندثار.
هذا مجرد نقش في الفكرة، وتفكير بصوت مسموع، وبداية لعصف ذهني، يكمله مخلصون لدينهم ودعوتهم، ولا بأس أن يكون قضية مطروحة للنقاش، حول جدوى تشكيل (بيوت للخبرة الدعوية)، والتفكير في مشروع (كشاف الدعاة الجدد).
سبحان ربك رب العزة عما يصفون وسلام على المرسلين والحمدلله رب العالمين.
ـــــــــــــــــــ
رمضان : الضيف المُعَلِم
أحمد العساف
1/9/1427
ارسل تعليقك ...
لا توجد تعليقات ...
ارسل الصفحة ...(115/1531)
الى مشرف النافذة ...
طباعة ...
ahm_assaf@yahoo.com
إكرام الضيف عادة عربية أصيلة لا يهجرها إلا لئام الناس ، وقد جاء الإسلام مؤكداً عليها ورافعاً شأنها، وإجلال المعلم مسلَّمة عقلية لا تتخلف إلا عند من لا عقل له ، وللعلم وأهله احتفاء كبير وظهور بارز في النصوص الشرعية المقدسة وفي تراث أمتنا الخالد . والشأن أعظم مع ضيف يعطي ويضاعف ولا يأخذ أو يستوهب والأمر آكد مع معلم صادق يربي ويعلم في كل لحظة ولا يكتم أو يغير من الحق شيئاً. وشهر رمضان الأغر ضيف كريم عزيز يحل على المسلمين مرة كل سنة ولا يفارقهم إلا وقد علمهم ما يستفيد منه كل من كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد.
والضيف عند الكرماء يُتلقى ويُستقبل ساعة حضوره بالحفاوة والبشر والسعادة وبكل ما يرغبه الضيف ويحبه؛ وليس من عادات الناس " حساب " وقت قدوم الضيف بل متى جاء استقبل ، ولا يجمل بالكرام تسفيه الضيوف واقتراف ما يخالف حق ضيافتهم.
وأما المعلم فيستفاد من علمه وآثاره ويقتبس من أدبه وإشراقاته ؛ وحقيق بنا معاشر الطلاب ألا نسيء للمعلم بالانصراف عنه إلى متع زائلة ولذائذ متحولة ، وواجب علينا ألا ندع المعلم وحيداً وننساق خلف أهل المجون والفسوق لأننا حينها سنخسر مرتين : فوات العلم وضياع العمر بالسفاسف.
والضيف عند الكرماء يُتلقى ويُستقبل ساعة حضوره بالحفاوة والبشر والسعادة وبكل ما يرغبه الضيف ويحبه؛ وليس من عادات الناس " حساب " وقت قدوم الضيف بل متى جاء استقبل
ومن تقدير الضيف والمعلم ألا يعمل أحد بحضرته ما يكره أو ما يسوءه ؛ والعجب يتوالى من أناس لا تحلو لهم المعاصي إلا في رمضان ؛ ويزداد العجب من فئام يتمالئون على إفساد فرحة قدوم الضيف وصرف المضيفين والمتعلمين عن علومه وفيوضه ونفحاته ، ووالله لو أن هذا الضيف احتجب عن الناس أو ارتفع من دنياهم بسبب هذا السوء المتناسل والبلاء المتتايع لما كان أمراً مستكثراً منه ؛ غير أن فضل الله بعباده ورحمته بهم اقتضت ألا يكون ارتفاع أو احتجاب ونضرع إلى الرحمن الرحيم ألا يحرمنا بركة هذا الموسم وخيريته.
ومن العلوم الرمضانية الجليلة : تغيير العادات، وليس أضعف من إنسان تأسره عادة ولا أصعب من حياة تسير على نمط واحد فقط . وفي تغيير العادات تكييف على العيش مع أكثر من حال دون الإدمان على حالة واحدة طوال العمر ومن غير صعوبة الانفكاك عن بعض المرفهات .
ومن خيرات رمضان بعد كسر العادات : الانتصار على الشهوات ، فللبطن والفرج واللسان والعين والأذن شهوات قد يعتقد صاحبها أن لا خلاص منها فيأتي رمضان مفنداً هذه الحيلة الشيطانية والأكذوبة النفسية ويقول للناس : ها قد صبرتم ساعات وأياماً فمتى تقلعون عما حرم الله ؟(115/1532)
ولا تنكسر العادة وتخف دواعي الشهوة إلا بصبر جميل، والصبر قيمة إيجابية لا سلبية وقوة لا ضعف وعمل لا نكوص وكم نحن بحاجة لتعلم الصبر وفنونه وطول النفس والانتظار حتى نصبر على تقويم أنفسنا وننتظر نضوج مشاريعنا على نار هادئة ؛ وينتسب جزء من بلاء الأمة لمن لم يصبر فاستعجل!
وإذا ما حل الأضياف في مكان كانوا سبباً في إزالة الشحناء والتواصل بين المتقاطعين وتجاور الفرقاء وربما تبادلوا الأحاديث الودية، فلم لا نجعل من هذا الموسم المعظم فرصة لإزالة ما بنفوسنا من إحن وخلافات على مستوى الأفراد والتجمعات والدول ، ومن أحق الناس بالاستفادة من هذه الفرصة الأخيار من المعتنين بالعمل الإسلامي والنفع المتعدي.
ووجود العلماء والمعلمين سانحة ثمينة لبدء المشاريع أو استحياءها فتحظى بمباركتهم وتسديدهم وجمع كلمة الناس عليها ، وكم من مشروع توقف بعد قيامه أو تأخر بدؤه وفي رمضان مزية تجعل الناس يقبلون على الخير تأييداً وإتباعاً ودعماً معنوياً ومادياً .
ووالله لو أن هذا الضيف احتجب عن الناس أو ارتفع من دنياهم بسبب هذا السوء المتناسل والبلاء المتتايع لما كان أمراً مستكثراً منه
وإذا حضر العلماء في مكان فخير ما يتدارس ويتلى كتاب الله العزيز المنزل على محمد صلى الله عليه وسلم ، وقد درجت تسمية رمضان بشهر القرآن والتلاوة ففي التراويح والقيام قرآن يتلى وفي المساجد والبيوت وكل مكان شريف يحرص المسلمون على قراءة كتاب ربهم استشفاءً من المرض واستزادة من الإيمان ، ولا غرو فرمضان شهر القرآن فيه نزل وفيه تدارسه الأمينان : محمد وجبريل – عليهما السلام-.وليت كل واحد منا يلتزم بختمة شهرية كأثرٍ مبارك وذكرى حسنة لهذا الموسم الميمون .
وحين يهم المعلم بالرحيل يحرص نبهاء الطلاب على الالتصاق به حتى لا يفوتهم منه لحظة ليظفروا منه بعلم غزير وفضل كبير خاصة إذا كان المعلم يزداد عطاءه بالتقادم ؛ وهكذا هذا الشهر الأجَّل فلا تزيده الأيام إلا روحانية يتفطن لها الموفق ويغفل عنها راغم الأنف . وبعض الناس يجتهد أول الأيام حتى يكاد أن ينقطع ، وينقطع آخر الأيام وربما فرط في الفرائض عياذاً بالله مع أن أواخر رمضان خير من أوائله ؛ ويكفي الأواخر شرفاً ليلة القدر التي تحتاج إلى استقبال خاص وترقب متقن بلغنا الله قيامها على الوجه المقبول .
ومقت العلماء شأن البطالين وكره الضيفان عادة البخلاء واجتماع الخصلتين لا يكون إلا من شرار الناس وبغضاء الخلق . وقد بلينا – والبلاء يزداد- بأقوام ينتسبون لديننا ولغتنا وبلاد المسلمين عقدوا عزمهم على تنغيص الفرحة بهذا الضيف الكريم وتقليل الاستفادة من هذا المعلم الجليل بمهازل فنية ساقطة يجتمع فيها الفحش والكذب والافتراء والتماجن ويكفيك من شر سماعه ؛ وليس من وقت ينجس فيه فضاء الإعلام في بلاد المسلمين مثل ما يكون أيام رمضان ليقوم شياطين الإنس مقام إخوانهم من مردة الجن والشياطين ، ولو أن أحداً أهان ضيفنا الشخصي أو أزرى بمقام معلمينا لهجرنا هذا المهين المزدري ، فواعجباً من مسلمين يحتفون بهذه(115/1533)
القنوات الهابطة التي يزداد سمها في رمضان . والمتأمل في عدد البرامج الإعلامية المخصصة لرمضان لا يسعه أن يحسن الظن بهذه الوسائل ولا بملاكها ولا بمن أطلق لهم العنان أو سن لهم هذه الخطى الخبيثة ؛ وبالله العظيم نستدفع البلايا ثم بالغيورين من أهل العلم والسلطان ؛ فهل من غيرة إسلامية وغضبة عربية تعيد لضيفنا بهاءه وتحفظ لمعلمنا قدره ؟
وبعض الناس يجتهد أول الأيام حتى يكاد أن ينقطع ، وينقطع آخر الأيام وربما فرط في الفرائض عياذاً بالله مع أن أواخر رمضان خير من أوائله
ولا يفوت التأكيد على أن رمضان فرصة لأهله ومكرميه وطلابه لينفضوا عن أنفسهم غبار كل مخذل ومرجف وينطلقوا في أرض الله الواسعة وفضاءه الرحب لتعليم الخلق ودعوة الناس إلى الله والدار الآخرة ؛ ففي النفوس إقبال وفي الأرواح تآلف وإن كان النداء لباغي الخير لنفسه مرة واحدة فهو للعاملين لدينهم ألف مرة ؛ فحيهلاً إلى ميدان لو أحسنا استغلاله لما بقينا في ذيل الأمم علماً وحضارة ؛ ولما استولى على وسائلنا أسافلنا ؛ ولما كان ديننا ونبينا – عليه الصلاة والسلام- وكتاب ربنا وأبنائنا كلئاً مباحاً لكفار لا يخافون العاقبة ، ولنجعل من رمضان بداية الانطلاقة الكبرى لمجد عريض وعزة عظمى فرمضان شهر النصرة على النفس وعلى الأعداء .
ـــــــــــــــــــ
"المعلم الصغير " تجربة يمكن أن تصنع جيلا
الهيثم زعفان
20/8/1427
ارسل تعليقك ...
تعليقات سابقة ...
ارسل الصفحة ...
الى مشرف النافذة ...
طباعة ...
يعد الطفل الموهوب عملة ماسية نادرة يمكنه إحداث تغيير جذري مستقبلي في مجتمعه من أجل إعلاء شأن أمته إذا حمل هم تلك الأمة, فهو لديه البذرة التي تجعله يأكل ليعيش وينتج ولا يعيش ليأكل ويستهلك , لكنه وكغيره تسير عليه سنن الإهمال , ففي حال إهماله يتلف ويفنى لذا فهو بحاجة أولا إلى الاكتشاف ثانيا إلى الرعاية والاهتمام.
ويكاد يحصر الكتاب طرائق رعاية الموهوبين في ثلاثة أساليب هي: الإسراع وهو الذي يتاح فيه للطالب الموهوب الذي يتميز بسرعة التعلم عن التلميذ العادي إمكانية اختصار المدة المحددة والانتقال إلى مرحلة أعلى وهكذا، والأسلوب الآخر هو الإثراء والذي يوفر للطالب الموهوب برامج إثرائية إضافية تتميز بشيء من العمق وارتفاع المستوى عما يدرسه في الفصل العادي، وتهدف إلى التركيز على مهارات التفكير العليا، وتعطى في أوقات إضافية سواء داخل المدرسة أو خارجها، أما الأسلوب الثالث فهو تجميع الموهوبين في مدارس أو فصول خاصة وإعطاؤهم(115/1534)
برامج فيها قدر كبير من الاستقلال والمرونة عن برامج المدرسة العادية، ويختار لها مدرسون متميزون وتوفر لها إمكانيات تستجيب للقدرات غير العادية لهؤلاء الطلاب , هذا عن ما هو شائع في رعاية الموهوبين.
لكن حديثنا اليوم سينصب على تجربة تربوية عملية مختلفة طبقت في بعض الدول العربية وساعدت على غرس الروح التنافسية لدى الطلاب مما سمح بتفتيح المدارك التخيلية لديهم
لكن حديثنا اليوم سينصب على تجربة تربوية عملية مختلفة طبقت في بعض الدول العربية وساعدت على غرس الروح التنافسية لدى الطلاب مما سمح بتفتيح المدارك لديهم ومن ثم إطلاق العنان للطاقات الإبداعية لهؤلاء الطلاب , تلك التجربة التي أطلق عليها " المعلم الصغير أو المفكر الصغير " وهذه التجربة تنطلق من مقولة : «إن الصبي عن الصبي ألقن، وهو عنه آخذ، وبه آنس وأدعى للتعلم». وهذا الأسلوب طبقه العلماء وكان بمثابة اللبنة لصناعة الجيل الثاني للعلماء فكثيراً ما نجد مجموعة من طلاب العلم هم أقرب للعالم وهم أفضل من ينقل لباقي الطلاب ديدن العالم ومنظوره ومنه جاء نظام المعيد الذي يعيد شرح العالم . كما شاع أيضاً في الكتاتيب ، أسلوب تربوي مجدٍ للغاية، مفاده أن يكلف المؤدب في الكتاب - وبقصد- من حين لآخر، أكثر التلاميذ نباهة برعاية أنشطة رفاقه؛ وذلكم هو التلميذ الذي كان يسمى «العريف».
وتجربة المعلم الصغير تبدأ بالطفل وهو في الصفوف الأولية وهي عملية تحفيزية للطلاب داخل الفصل أو الحلقة أو الدار وتعطى هذه الميزة للطالب الذي يُنهي حفظه ومراجعته مبكراً ويتصف بخلق وأدب رفيع ويعطى بعض المهام والمسؤوليات السهلة مثل تحضير الطلاب وتسميع المراجعة ويسمح لمن لديهم الاستعداد للقيام بهذا الدور. وينبغي هنا ألا يقف الأمر عند حد السماح لمن لديهم المبادرة بل ينبغي اختبار كافة الطلاب على هذا النظام لأنه من الممكن أن يكون هناك طلاب لديهم المهارات الإبداعية لكنهم يفتقدون إلى روح المبادرة أو الخوف من المواجهة.
وهذا النظام له العديد من الفوائد منها
1-بث الروح التنافسية داخل الفصل الدراسي مما ينعكس على المستوى التحصيلي للطلاب ؛ لأنهم بذلك سيحرصون على الظهور بأفضل صورة ممكنة .
2-اكتشاف أفضل العناصر الطلابية من بين الطلاب مما يؤدي إلى الوصول للطلاب الموهوبين طبقاً لتعريف الموهوب لتقوم إدارة المدرسة بعد ذلك بوضع برنامج آخر لرعايتهم أو فتح قنوات اتصال بينهم وبين مراكز رعاية الموهوبين في الدولة إن كانت موجودة أو المطالبة بإنشاء مركز يقدم تلك الخدمة في حالة عدم وجودها .
3-إرساء مبدأ حرية الرأي والتعبير مما يربي الأبناء على الإقدام وعدم الخوف.
4-تربية الطلاب على الإبداع والتفكير الابتكاري.
5-الاستفادة من ملاحظات المتلقي على أساليب التلقين لأنه هو الأوقع بها ولكنه لم تسنح له الفرصة لنقدها وليست لديه الجرأة للخوض في هذا النقد.
6-صناعة علماء وكتاب وباحثين الغد.
نماذج عملية طبقت فعلياً(115/1535)
أولا .... تجربة المعلم الصغير بالسعودية
وتجربة المعلم الصغير تبدأ بالطفل وهو في الصفوف الأولية وهي عملية تحفيزية للطلاب داخل الفصل أو الحلقة أو الدار وتعطى هذه الميزة للطالب الذي يُنهي حفظه ومراجعته مبكراً ويتصف بخلق وأدب رفيع ويعطى بعض المهام والمسؤوليات السهلة
قدمت مدرسة هجر الابتدائية بالهيئة الملكية بالجبيل تجربة تربوية وصفت بأنها تعتبر الأولى من نوعها على مستوى المملكة من حيث مدة التطبيق في المرحلة الابتدائية بطريقة منظمة , هذه التجربة التي أطلق عليها تجربة "المعلم الصغير" , حيث استمرت فصلا دراسياً كاملاً، وشارك في تلك التجربة سبعة طلاب طبقوا ثلاثين درساً في الصف السادس ,وبعد هذا الجهد الذي بذل خلال فصل دراسي كامل كلفت المدرسة أحد الطلبة بإعداد درس نموذجي في مادة القراءة ليحضر هذه التجربة رئيس مركز الإشراف التربوي الذي أكد على تطبيق التجارب داخل المدارس؛ لأنها تفتح آفاقاً لتطوير عملية التعلم فالتجربة لا تتوقف عند نهايتها بل نهايتها بداية لتجربة أخرى , وأشار منفذ الفكرة إلى أن هذه التجربة لم تكن إلا نواة لبداية تعليم جديد يكون الطالب هو الذي يديره وهو الذي يشكل ويكوِّن الطريقة التي تناسبه هو ومن هو في سنة من قرنائه.
وقد أكد بعض الطلاب الذين طبقوا التجربة كمعلمين صغار بأنهم استفادوا من هذه التجربة، حيث عرفوا حجم الجهد الكبير الذي يبذله المعلم لأبنائه الطلاب , كما أنها علمتهم وعودتهم على التعلم الذاتي وأن هذه التجربة كان لها فضل كبير بعد الله _سبحانه وتعالى_ من حيث الجرأة وتحمل المسؤولية والروح القيادية.
ثانيا تجربة الطفل يكتب للطفل ... بتونس
تنحصر فكرة «الطفل يكتب للطفل»، بأنها سلسلة قصصية وتجربة مدرسية ينتج تلاميذ المدرسة الابتدائية من خلالها ، قصصًا مقروءة لأقرانهم، بحيث ترعى المدرسة هذه القصص بالطبع والنشر. وقد بدأت تلك التجربة التربوية بالدائرة الثانية للغة العربية في قابس بتونس، وأنتج التلاميذ خلال السنوات الماضية العشرات من العناوين الموزعة على مختلف مستويات المرحلة الابتدائية من الصف الأول حتى الصف السادس.
وتتمثل التقنية التربوية المستخدمة في إنتاج كل قصة، في الاتفاق مع مجموعة من تلاميذ فصل من فصول المدرسة الابتدائية على منطلق معين لكتابة وإنتاج قصة، ينشط المعلم خلاله عملية الإنتاج لعدة أسابيع، فتبنى حلقات القصة تدريجيًا، مرورًا في كل طور بعمل فردي، فعمل جماعي، وعندما ينهي المؤلفون الصغار مشروعهم نصًا ورسومًا، يقدمونه للطبع والنشر ثم يتابعون توزيعه وترويجه للبيع في المكتبات، ثم يقومون بجمع ومراجعة ما أثير حوله من آراء ونقد في الصحافة ووسائل الإعلام وتقييم المسؤولين في الجهاز التربوي له . معنى هذا أن هذه التجربة تتضمن عددًا من المهارات والتجارب الفرعية الميدانية، كالتأليف والإعداد والرسم والطبع والنشر والنقد والتقييم .(115/1536)
وهذه الفكرة يمكنها أن تساعد على اكتشاف المهارات الكتابية والصحفية لدي الطلاب واستثمارها مبكراً بتدريبهم التدريب الصحيح لتستفيد بهم المؤسسات الصحفية ودور النشر والمراكز البحثية وهذا بدوره يوفر كثيراً من الوقت ويجعل المجهودات منظمة ومركزة ويكون لدينا جيل جديد يتحدث بهموم أقرانه وبأدواته .
ـــــــــــــــــــ
كيف تكون مبدعا ؟
خالد روشه
7/8/1427
ارسل تعليقك ...
لا توجد تعليقات ...
ارسل الصفحة ...
الى مشرف النافذة ...
طباعة ...
Khaled_rousha @yahoo.com
لابد لمن أراد الإبداع أن ينطلق من لحظة جديدة في حياته يرى فيها ضرورة تبني انطلاقة جديدة نحو أهداف محددة , بل عليه أن يعد لمنهج جديد في حياته التطبيقية , ذلك لأن ما تعوده في السابق هو الذي أوصله إلى ما هو فيه الآن , فلا بد لكي يصل إلى ما يريد أن يعتمد منهجا مغايرا على مستو ى الإنجاز و الإيجابية ..
ومقاومة التغيير نحو الجديد ونحو المتطور من استغلال القدرات الشخصية يعتبر من أهم الخطوات نحو الإبداع ويعتمد التفوق الإبداعي على القدرة على الارتقاء بمقومات الشخصية نظرا لأنها تعتبر محددا أساسيا من محددات مستوى الإبداع , ويلزم أن تكون لدى الفرد القدرة الذاتية على التحكم في مستوى التركيز والاهتمام الذين هما منطلق التفكير الإبداعي ..
ولا يعتبر الفكر المبدع نوع من الإنجاز الغير مسبوق فحسب , بل هو نوع أيضا من تحقيق الذات والشعور بالمتعة اللانهائية , خصوصا إذا كان المبدع يستطيع أن يسخر إبداعه في مصلحة منهج نافع , وقيم سامية , ومنافع عامة , تعود بالخير و النماء على مجتمعه وأمته .
ومقاومة التغيير نحو الجديد ونحو المتطور من استغلال القدرات الشخصية يعتبر من أهم الخطوات نحو الإبداع ويعتمد التفوق الإبداعي على القدرة على الارتقاء بمقومات الشخصية
ونظرة المبدعين للأشياء تختلف عن نظرة غيرهم فهم يرون الأشياء من منظور المثالية التي يجب أن تكون , ومن ثم فهم ينظرون إلى جوانب الخلل والثغرات في الأشياء والنظريات ثم يسعون جاهدين نحو ابتكار ما يتمم الرؤية أو يقدم رؤية جديدة ..
وكثير من الناس ذوي القدرات الإبداعية لا يعرفون عن أنفسهم أنهم مبدعون , بل إنهم يرون أنفسهم في مؤخرة الصف وفي ذيل القائمة رغم أنهم - بخطوات يسيرة - يستطيعون القفز نحو الإبداع(115/1537)
وأحاول معك أيها القارئ الكريم أن نقف على محاور أساسية لمن أراد أن يلتحق بركب المبدعين :
أولا : المنهج الإبداعي
المبدعون الذين لا ينتمون إلى منهج في حياتهم يظلون دائما تائهين في دروب لا نهاية لها , فترى كثيرين من الساعين للإبداع في مجال مثل مجال الكلمة تتوه كتاباتهم بين أوهام العواطف الخيالية والعشق الموهوم والهوى المصطنع أو قصص الترف الفكري أو غيره , فترى بعض الشعراء المبدعين غير ذوي المناهج القيمية المحترمة تراهم يتوهون في مزادات رخيصة , فتراهم يَغوون ويُغوون , لذا فقد أشار القرآن الكريم إشارات واضحة بقوله تعالى " والشعراء يتبعهم الغاوون ألم تر أنهم في كل واد يهيمون وأنهم يقولون مالا يفعلون .. الآيات " غير أنه سبحانه وتعالى قد استثنى من هؤلاء المبدعين في الكلمة بعض الذين يستخدمون إبداعهم في مصلحة منهجهم الرباني الإيماني العظيم فقال سبحانه " إلا الذين أمنوا وعملوا الصالحات وذكروا الله كثيرا وانتصروا من بعد ما ظلموا " سورة الشعراء , وقد أخرج البخاري أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يشجع حسان بن ثابت الشاعر الإسلامي الكبير رضي الله عنه في ردوده علي المنافقين , وكان يقول له "( أهجم وهاجم يدافع عنك روح القدس ) ..
ولا يقتصر ذلك على إبداع الكلمة , فكم من مبدع ضحى بعمره وإبداعه في سبيل أن تخرج مخترعاته وأفكاره وكتاباته لا لشيء إلا أن يشتهر ويذيع صيته أو أنه كان يرجو نوعا من الخلود المظنون لا يصل إليه عامة الناس في رأيه , ولكنهم في غالب الأحيان يقعون في حمأة الكبر ويسقطون في حفرة الزمن القصير .
وانظر إلى أهل الإبداع الذين اعتبروا لأنفسهم منهجا ربانيا قيميا , كم هم اشتروا لأنفسهم ذكرا يصحبه ثواب لا ينتهي , وكم هم ربطوا مسيرة الزمن الفاني بالخلود الحقيقي .
ثانيا: إبداع الممكن
إن الفكرة المبدعة هي الفكرة الممكنة , فإذا أردت أن تبدع في شئ ما فانطلق من فكرة أساسية وضع لها خريطة للأهداف المرحلية والوسائل المتاحة ثم انطلق بفكرتك إلى تصور ممكن أيضا وعشها واقعا في داخل نفسك .. تمهيدا لجعلها واقعا حقيقيا ملموسا .
هناك الكثير من الناس الذين تأسرهم أفكار إبداعية غير ممكنة فيشعرون بالعجز أمامها ويشعرون باستحالة تطبيقها , ويظلون في هذا الإحباط الذي تغذيه قلة الإمكانيات , وضعف الوسائل , وبعد الشقة وهؤلاء إنما هم يدفنون مع أمثالهم في مقبرة الموهوبين التي قد حوت الآلاف والآلاف من أمثالهم .
ولا يعتبر الفكر المبدع نوع من الإنجاز الغير مسبوق فحسب , بل هو نوع أيضا من تحقيق الذات والشعور بالمتعة اللانهائية , خصوصا إذا كان المبدع يستطيع أن يسخر إبداعه في مصلحة منهج نافع , وقيم سامية , ومنافع عامة ,(115/1538)
لذلك فعندما أنصحك بأن تظل في حيز الممكن من أفكارك لست أعني بذلك أن تقتل الأفكار المتجددة أو أن تستسلم للتقليدي دائما منها , وإنما العبقرية هي تجديد الممكن وتحديث النافع والابتكار من المادة الخام التي يستهين بها الآخرون
ثالثا : التركيز والثقة .. سلاحان فعالان
إن تركيزك على فكرتك الممكنة تجعلها واقعا من شأنه أن يمد جسرا بين المقدور الآني والمرجو القريب , وترويضك المستمر لدماغك ومحتوياته نحو التركيز النافذ يخرج من باطنك قدرات غير مرئية تتبلور في صورة الإبداع , وهذه القدرات إنما تتجلى في أفضل صورها عندما تستعين بالله عليها , فهو سبحانه القادر على أن يفجر منك القدرات التي لا تظن إنها عندك
يقول الإمام ابن تيمية رحمه الله - وقد سأله تلميذ عن كثرة قوله لاحول ولا قوة إلا بالله - فقال : إن لها أثرا فعالا في قوة النفس والبدن
وكثيرا ما كان شيخ الإسلام رحمه الله يدعو ربه قائلا : يا معلم إبراهيم علمني , يا مفهم سليمان فهمني , فإن استمداد الممدد من الله وحده هو مفتاح السر في التركيز نحو الإبداع .
كما أن ثقتك في ربك أنه قادر أن يعينك ويقويك ويدفعك نحو تحقيق ما يراه الناس صعبا أو مستحيلا هذه الثقة ستمدك بقدرة مذهلة على تبسيط المعضلات وتيسير المعقدات واستصغار الكبيرات , ستجد نفسك مع ثقتك بربك فوق ما تعرف عنها .
ولهذه الثقة مفتاح سر آخر , ذلك هو الافتقار إلى الله سبحانه , فقد كان كل الكبار الذين تحققت على أيديهم العظائم يسجدون لربهم ذلا وإكبارا واعترافا أن لا قوة لهم إلا به , فهذا سليمان عليه السلام بعدما قدره الله كل تلك القدرات الخارقة إذا به يقول : " رب أوزعني أن أشكر نعمتك التي أنعمت على وعلى والدي وأن أعمل صالحا ترضاه وأدخلني برحمتك في عبادك الصالحين " , وهذا يوسف عليه السلام لما مكنه الله سبحانه وتعالى وآتاه من الملك يقول: " رب قد آتيتني من الملك وعلمتني من تأويل الأحاديث فاطر السموات والأرض أنت ولي في الدنيا والآخرة توفني مسلما وألحقني بالصالحين "
ثالثا : طريق الابتكار
وكثير من الناس ذوي القدرات الإبداعية لا يعرفون عن أنفسهم أنهم مبدعون , بل إنهم يرون أنفسهم في مؤخرة الصف وفي ذيل القائمة رغم أنهم - بخطوات يسيرة - يستطيعون القفز نحو الإبداع
إن طريق الابتكار يبدأ بنظرة متفحصة لأمر من أمور الحياة , أمر من أهم شروطه أنه لو تحقق كما ترجوه لأفاد وتعدى في إفادته إلى آخرين ممن هم في حالة عوذ أوفاقة على مستويات مختلفة ..ولست أعني بالعوز والفاقة فاقة المال وحده وإنما الحاجة بشتى صورها ..
طريق الإبداع يبدأ بقناعة تامة تنشئها في نفسك بأنه مهما كانت التحديات التي ستواجهها فإنه بالإيمان الذي يكمن في أعماقك أنت قادر على النهوض نحو النمط الذي تريد , ومن ثم تكون الخطوة الفعلية التي تلي تلك القناعة وهي خطوة التحقيق(115/1539)
والتنفيذ لتضع للحالة التي تمر بك مقياسا خاصا بك من حيث درجة القرب إلى تحقيق هدفك ..
كما أن انتهاج أفضل إستراتيجية لتحقيق أفضل النتائج هي الخطوة الثالثة , وأساس نجاحها أن تنطلق بحرية نحو قاعات الفكر السابق لك, حتى لا تكون مكررا , وتستطيع في حالة الحصول على فكرة قريبة -بعد دراستك لتاريخ الفكرة السابقة - أن تدمج فكرتين أو ثلاثة في فكرة واحدة , وهو أسلوب من شأنه تحسين استراتيجية التفكير ..
إن الابتكار ببساطة هو الانتقال من فكرة إلى فكرة , وإنما يتميز المبدعون بسرعة هذا الانتقال , وتعتمد سرعة الانتقال من الأفكار إلى بعضها , على القدرة على التغلب على المشاكل والأزمات , وعلى القدرة على القيام من العثرات , والخروج من الإخفاقات .
ولا شك أن التفكير المترابط المنسق المنظم يستطيع أن يصل بين حالة الوعي وحالات التركيز أجمعها من ناحية , مع لحظة الواقع الإبداعي من ناحية أخرى , مهما تخلل ذلك لحظات تشتت أو غموض نتجت من أزمة أو مشكلة عارضة .
رابعا : بناء العقل
لا يتاح لامرئ جاهل أن يبدع فيما جهله , وكذلك لا يكفي للإبداع النظرات السطحية للأشياء بلا دراسة أو عمق , فإنه لابد من خطوات بناء للعقل وتنمية للقدرات وتدريب للإمكانيات ومتابعة للإنجاز السابق وفهم متقن لماهية الأشياء وعلاقاتها بالواقع والحياة ..
إذن فالخطوة اللاحقة هي التعليم والتدريب , ولكن تعليمك وتدريبك ليس كفعل الآخرين إنما هو فعل متميز بهدفه الناصع وفكرته الناضجة ودافعيته المبتكرة , ومنهجيتة المتفردة , فضع نفسك موضع المتعلم مهما بلغ شأنك , وتواضع للعلم ساعة تجني بها ثمارا متكاثرة و ولا تستعجل معرفة الأشياء بلا عمق فإن المبدعين هم أكثر الناس فهما لحقائق الأشياء .
ـــــــــــــــــــ
الإبداع .. . العملة النادرة
أحمد دعدوش
29/7/1427
ارسل تعليقك ...
لا توجد تعليقات ...
ارسل الصفحة ...
الى مشرف النافذة ...
طباعة ...
يعترف الباحثون اليوم بصعوبة الوقوف على تعريف موحد للإبداع، ولعل أول أوجه هذه الصعوبة تكمن في درجة التعقيد التي ينطوي عليها الإبداع، مما دفع "ماكينون" للاعتراف بأن الإبداع لا يمكن وصفه بتعريف محدد على اعتبار أنه ظاهرة متكاملة(115/1540)
ذات وجوه متعددة. إلا أن معظم الباحثين يذهبون إلى عدّه " ضربا مفارقا من ضروب الذكاء " ، إذ يتطلب الإبداع في أبسط أشكاله نوعا من تجاوز المألوف.
فإذا كان الذكاء يعرف بأنه القدرة على حل المشكلات، فإن الإبداع يتجاوز هذه القدرة إلى قدرة أخرى ترقى إلى استبصار طرق ومناهج جديدة في إيجاد الحلول على نحو غير معروف من قبل. كما وضع البعض شروطا أخرى للتفكير الإبداعي، ومنها أن يتضمن هذا التفكير قدرا كبيرا من الدافعية والحماس لتحقيق الأهداف، وإيمانا عميقا بجدواها العملية.
من جهة أخرى، فإن الإبداع لا يقتصر فقط على مجال واحد من مجالات التفكير، بل يتعداه أيضا إلى مجالات أخرى كثيرة ، إذ يتميز المبدعون عادة برهافة الحس، والقدرة على الإدراك العميق لكل ما يدور من حولهم.
ويكاد يكون من الشائع كثيرا بين الناس اليوم الاعتقاد بأن الإبداع يبدأ في المراحل المبكرة من الحياة، وأن الأشخاص المبدعين يُخلقون وفي فطرتهم مواهب الإبداع الكامنة، مما يجعلهم يؤمنون بأن الشخص الذي لا تتفتق مواهبه في الصغر فإن قطار النجاح والتميز قد فاته،
مواطن الإبداع ..
وقد اشتغل الباحثون بمشاربهم المختلفة وعقائدهم المتباينة منذ القدم بمحاولة الكشف عن مواطن الإبداع والعوامل المكونة له، وتباينت وجهات النظر إلى حد كبير، فذهب فريق منهم إلى ربط الإبداع بالوراثة، كما فعل أفلاطون عندما قسم المجتمع إلى طبقات تتوارث أدوارها بين الحكماء والمحاربين والعمال والعبيد، وإن كان قد سعى لحل مشكلة بروز بعض الحالات الإبداعية في الطبقات الدنيا بعدّها طفرات شاذة تجب إعادتها إلى زمرة الأطفال الموهوبين الذين أوكل إلى الحكماء مسؤولية إعدادهم في "الجمهورية". ، كما تشير الدراسات الحديثة إلى ربط الذكاء بعوامل أخرى ومنها التركيب الداخلي للدماغ بدلا من الحجم والوزن. من جهة أخرى، وكرد فعل على هذه النظرية المجحفة برزت دراسات أخرى تعطي البيئة دورا جوهريا في تحديد القدرات الإبداعية لدى الطفل، إلى الحد الذي جعل البعض يعدّها العامل الوحيد المكون للذكاء،
فقد أعلن "واتسون" أن التربية والبيئة الثقافية هما المؤثران الوحيدان في قدرة المرء على الإبداع، ويمثل لذلك بقوله: "أعطني اثني عشر طفلا سليما ومعافى مع ظروف بيئية مناسبة لأؤكد لك أنهم قادرون بمحض إرادتهم على تحقيق طموحهم، وستجد فيهم الطبيب والمحامي والفنان والتاجر والقائد وحتى اللص والمتسول، وذلك بغض النظر عن ميولهم واستعداداتهم الفطرية أو مورثاتهم"
الإبداع والعمر..
ويكاد يكون من الشائع كثيرا بين الناس اليوم الاعتقاد بأن الإبداع يبدأ في المراحل المبكرة من الحياة، وأن الأشخاص المبدعين يُخلقون وفي فطرتهم مواهب الإبداع الكامنة، مما يجعلهم يؤمنون بأن الشخص الذي لا تتفتق مواهبه في الصغر فإن قطار النجاح والتميز قد فاته، مما يؤدي لإحباط الكثيرين ومنعهم حتى من مجرد الحلم بتحقيق طموحهم، وقد تزداد خطورة هذا الاعتقاد إذا ما تسربل بثوب العلم. إن شيوع(115/1541)
هذا الاعتقاد خطير جدا، ويمكن اعتباره مسئولا عن هدر الكثير من الطاقات التي كان من الممكن استغلالها والإفادة منها على المستويين الفردي والجماعي، فعلى الرغم من أننا لا ننكر دور الموهبة الفطرية في إبداع الفرد، إلا أن الحقائق العلمية تؤكد أن احتمال ظهور المواهب في سن متأخرة لا يقل عن ظهورها في سن الطفولة، بل إن الكثير من الباحثين المعاصرين يجزمون بأن المواهب لا توجد بالفطرة، بل تعود بالأصل للتدريب والتعليم، فهي قابلة للإنشاء والبناء في حال توفر الظروف الملائمة والرغبة الكافية، وقد أشار "أوزبورن" إلى ذلك بتأكيده على أن البحث العلمي قد أثبت بأن الاستعدادات المبدعة يمكن أن يتم تكوينها تماما كما يتم تطويرها، إذ تتجه الأنظار حاليا نحو تكوين هذه الاستعدادات بدلا من الكشف عنها
فعلى الرغم من أننا لا ننكر دور الموهبة الفطرية في إبداع الفرد، إلا أن الحقائق العلمية تؤكد أن احتمال ظهور المواهب في سن متأخرة لا يقل عن ظهورها في سن الطفولة
إزاء ذلك، وفي محاولة للجمع بين مختلف وجهات النظر التي تترواح بين أثر المورثات وبين دور البيئة والتربية يشير "ألكساندرو روشكا " إلى أن الاهتمام بدور البيئة والتربية لا يعني تجاهل دور المورثات على الإطلاق، إذ تؤكد الدراسات وجود الكثير من الحالات الإبداعية لدى الأطفال في سن مبكرة جدا وقبل بداية ظهور أي تأثير للبيئة من حولهم، ولكنه لم يثبُت حتى الآن القول بوجود جينات وراثية مسئولة عن كل استعداد فطري يمكن اكتشافه.
الإبداع والتربية
وعليه فإن العملية التربوية الصحيحة تكون قادرة على الكشف عن الاستعدادات الخاصة لدى الطفل بسرعة كبيرة، تماما كما تقوم بإنشائها وتكوينها في حال وجود الرغبة النفسية تجاهها. ويمكن القول بأن الجمع بين كل من العوامل الفطرية والرغبة النفسية المزاجية والظروف التربوية والاجتماعية السليمة، يؤدي في النهاية إلى إنجازات باهرة على أعلى المستويات
وهكذا، فإننا حتى في حال تسليمنا بأن المواهب تُخلق فطريا لدى الإنسان، فإنه من الصعب التسليم بحتمية ظهورها في السنوات الأولى من العمر، لاحتمال وجود الكثير من العوائق الاجتماعية، مما يجعل من الممكن اكتشافها في سن متأخرة، كما تدل حوادث كثيرة وشهيرة، ونذكر منها تفجر موهبة الشعر عند النابغة الذبياني في سن الأربعين مما دفع قومه لتسميته بالنابغة، ثم تسليمه راية التحكيم في سوق عكاظ للحكم على فطاحل الشعراء في الجاهلية، كما نذكر كثيرا من العلماء الكبار الذين درسوا العلوم في سن متأخرة وبرعوا فيها , وكثير من المفكرين والأطباء والشعراء
أما علاقة السن بذروة النتاج الإبداعي، فقد اهتم بها "جورج بيرد" عندما قام في أواخر القرن التاسع عشر بدراسة ما يربو على ألف سيرة شخصية للمشاهير، فوجد أن معظم نتاجهم الإبداعي قد ظهر في الفترة الواقعة ما بين سن الثلاثين والخامسة والأربعين، كما استنتج بيرد أن الإبداع يرتبط بعاملين أساسيين هما الحماس والخبرة، وأثبت أن الحماس يبدأ في السنوات الأولى للشباب، ويخفت مع تقدم العمر، أما الخبرة فتتكون بشكل تراكمي مع التقدم في السن، وقد وجد أن التوازن المثالي بين(115/1542)
هذين العاملين يحدث فيما بين الثامنة والثلاثين والأربعين، وأن العمل الناتج في الفترة السابقة لهذا السن يكون أكثر جدة وطرافة، بينما يميل الناتج الإبداعي فيما بعده للرتابة والنضج .
إذن فقد أصبح من الممكن القول بأن الإبداع يبدأ في التكون منذ السنوات الأولى من عمر الطفل، إذ يملك الإنسان عادة الاستعدادات الأولية لمواهبه التي تحتاج إلى التدريب والتطوير كي تؤتي ثمارها وإلا ذهبت أدراج الرياح. وفي الوقت نفسه فإنه من الخطأ القول بأن الإبداع محكوم بالسنوات الأولى من العمر، إذ لا يبعد أن تبقى كوامن الإبداع دفينة إلى سن متأخرة وهي تنتظر فرصة ظهورها.
فالإسلام حرص حرصا كبيرا على تنمية المواهب والاهتمام بأصحاب القدرات المميزة
ويتناقل التربويون اليوم مقولة مفادها أن نسبة المبدعين الموهوبين من الأطفال في المرحلة الواقعة بين سن الولادة والسنة الخامسة من أعمارهم تبلغ حوالي 90% ، وأن هذه النسبة تنخفض إلى 10% في سن السابعة، ثم تنحدر إلى 2% فقط في سن الثامنة. ولا شك في أن هذه الأرقام تعطي مؤشرا يدعو للأسى في بلادنا التي تفتقر إلى أهم مكونات الحضارة في العصر الحديث، ألا وهي رأس المال البشري
الموهوبون والتكيف الاجتماعي ..
علاوة على ذلك، فإن الباحثين قد وجدوا أن الموهوبين من أصحاب الذكاء الكبير يعانون منذ الصغر من شعور دائم بالقلق والعزلة، ويميلون غالبا إلى الانطواء على الذات وإشباع نهمهم في القراءة والمهارات اليدوية، وقد يبدون تعنتا في الانصياع للأوامر من كبار السن ، لشعورهم بالاستقلال والتميز، كما أن التجاوزات اللاأخلاقية ومظاهر الانحلال وضعف الضمائر التي تصادفهم في المجتمع قد تطغى على قدرتهم على الصمت، مما يزيد من شعورهم بالغربة والرغبة في الانطواء.
وينصح المختصون في هذه الحالة بضرورة توخي الحذر في رعاية هؤلاء لأطفال، وتأمين الوسط الاجتماعي المناسب لمواهبهم .
الإبداع والمدرسة..
يخطئ الكثير من الآباء والأمهات في ربطهم بين النجاح المدرسي والإبداع، إذ كثيرا ما يفشل الأطفال الموهوبون دراسيا. ويذكر لنا التاريخ حالات كثيرة من فشل المشاهير في دراستهم، فمن العلماء نجد أديسون وأينشتاين وباستور ونيوتن، كما نجد من رجال الأدب تولستوي وبالزاك وزولا وغيرهم
إن دراسة هذه الظاهرة ليست بالأمر السهل على الإطلاق، إذ يتوجب علينا أولا دراسة كافة جوانب العملية التعليمية قبل الحكم على فشلها، فقد يعزى سبب الفشل الدراسي للطفل المبدع إلى الظروف المعيشية القاسية التي يعيشها، وقد يعود أيضا إلى سوء وضع المدرسة والمدرسين، كما يحتمل في حالات كثيرة أن يكون اهتمام الطفل الموهوب أو المبدع منصبا على مجالات أخرى لا تعطيها المدرسة الاهتمام الكافي، إذ يمكن أن ينبغ الطفل في مجالات نادرة كالرسم والشعر، في الوقت الذي يركز فيه النظام التعليمي على المواد العلمية البحتة، مما يعني ضياع هذه الموهبة وإلزام الطفل بحفظ كم هائل من المعلومات دون أن تعود عليه بالنفع في حياته العملية(115/1543)
علاوة على ذلك، يتمتع الطفل الموهوب غالبا بحس مرهف وحاجة كبيرة للرعاية، إذ يعتقد "تورنس" أن السبب الأول في انطفاء هؤلاء الأطفال المبدعين يعود إلى قلة اهتمام مدرسيهم بهم ومعاملتهم بشكل أقرب إلى الاضطهاد، وقد يزداد الأمر سوءا عندما يكون المدرسون على جهل تام بحاجات أولئك الأطفال وتطلعاتهم، كما يحدث غالبا في مدارس الدول النامية التي لا تهتم كثيرا بتأهيل معلميها من الناحية التربوية، مما يدفع هؤلاء المدرسين للنظر إلى تميز تلاميذهم المبدعين على أنه شذوذ يحتاج إلى إصلاح أكثر منه إلى الرعاية والاحتفاء!
نظرة الإسلام للإبداع
( اللجنة التربوية بموقع المسلم )
أحببنا أن نلحق هذا المقال ببعض الوقفات الهامة فيما يخص موضوع الإبداع حتى نبين النظرة الإسلامية للإبداع والمبدعين ..
فالإسلام حرص حرصا كبيرا على تنمية المواهب والاهتمام بأصحاب القدرات المميزة , فيروي الإمام مسلم أن عمر بن الخطاب قد اصطحب ابنه عبد الله بن عمر لمجلس النبي _صلى الله عليه وسلم_ , ولما جلسوا سألهم النبي : إن من الشجر مالا يسقط ورقه وهي كمثل المؤمن ؟ فسكت كل الأصحاب _رضي الله عنهم_ فقال رسول الله _صلى الله عليه وسلم_ : هي النخلة , فلما عاد عمر وولده قال ابنه عبد الله: يا أبت لقد كنت أعلم أنها النخلة , فقال عمر: لو كنت قلتها يا عبد الله لو أن لي بها حمر النعم ..
وكان لعبد الله بن عباس وهو لا يزال غلاما صحبة طويلة مع رسول الله _صلى الله عليه وسلم_ وحدث عنه كثيرا من أحاديثه , بل قد ثبت في الصحيحين دعاء رسول الله له بالحكمة كما في قوله " اللهم علمه الحكمة " والحكمة هي السنة وفقه الكتاب ووضع كل شيء موضعه , وقد قبل المحدثون تحديث محمود بن الربيع في حديث في صحيح البخاري بقوله " عقلت عن رسول الله _صلى الله عليه وسلم_ مجة مجها في وجهي وأنا ابن خمس سنين " , كما كان لابن عباس مجلسا بين أصحاب عمر بن الخطاب وهو ما يزال غلاما ..
وقد قدر رسول الله _صلى الله عليه وسلم_ قيمة القدرات الخاصة في الصحابي لجليل أسامة بن زيد إذ ولاه قيادة جيش المسلمين وهو لا يزال دون الثامنة عشر وهي مسئولية كبيرة وتبعة عظيمة تدل على مدى سعة ورحابة المنهج الإسلامي وتقبله لذوي القدرات المميزة , وغير ذلك كثير جدا من النماذج التي لا يتسع المجال لحصرها
وينظر الإسلام للإبداع من عدة محاور مترابطة هي :
أولا : أن الإبداع والذكاء والمواهب المختلفة قد تكون موروثة وقد لا تكون فربما كان الأب فاقدا للموهبة ويخرج ولده متصفا بها , وربما اكتسبها الإنسان في سعيه طوال حياته , فالمكتسب منها أكثر كثيرا من الفطري
ثانيا : أن العلم والفهم والمواهب هي محض نعمة من الله سبحانه يرزقه من يشاء فقد كان النبي يدعو لبعض أصحابه بالحكمة – كما سبق – وقد كان شيخ الإسلام في جوف الليل يدعو ويقول : يا معلم آدم وإبراهيم علمني اللهم وفهمني ..وقد كان(115/1544)
الشافعي يقول إذا أغلقت أمامي أبواب مسألة استعنت بدعاء الله فما تلبث أن تنفتح أبوابها ..
ثالثا : أن الإسلام يوجب أن يستخدم المسلم موهبته وإبداعه لمصلحة دينه وأمته كما يستخدمها في تطوير نفسه وتصحيح مساره
رابعا : أن الإسلام لا يعتبر الإبداع المنقوص , فلا يمكن أن يكون المرء مبدعا وهو في ذات الوقت عاصيا خبيثا بعيدا عن ربه بل يدعو لبناء الشخصية الإبداعية المؤمنة التي تهدف للنافع الصالح .
خامسا : يحذر الإسلام أصحاب المواهب الخاصة والذكاء من أن يتعالوا به على الناس أو يتكبروا به على أقرانهم أو يسيؤا به في الأدب مع الكبير , بل أمر بأن يتواضع الإنسان كلما ازداد خيرا وازداد علماً .
ـــــــــــــــــــ
أسلوب علاج الطفل بالمساندة الوجدانية
خالد روشه
20/7/1427
ارسل تعليقك ...
لا توجد تعليقات ...
ارسل الصفحة ...
الى مشرف النافذة ...
طباعة ...
khaled_rousha@yahoo.com
تختلف الرؤى والنظريات حول أساليب العلاج التربوية والنفسية لأطفالنا وأبنائنا الذين قد يعانون من مشكلات مختلفة , ففي حين يرى بعض العلماء أن أساليب المواجهة والتعريف بالمشكلة وتبيين حجمها للطفل دافعا له في سبيل حل مشكلته، فإن آخرين يرون أن التهوين من شأن الأزمات التي يمر بها الطفل وتيسير أثرها هو دافع له في سبيل الحل , وقد انتشرت الطرق التقويمية للعلاج بالنصح المباشر والضبط الانفعالي والتقنين السلوكي والعقاب وغيره مما هو يصب في بوتقة واحدة هي التوجيه المباشر للفعل والمنع المباشر عن الخطأ عن طريق بعض الضغوط الكلامية والتوجيهية وقد يستعمل فيها العنف في بعض الأحيان , ونحن هنا نقدم أنموذجا آخر لعلاج مشكلات الأبناء بأسلوب أسماه المتخصصون بأسلوب " العلاج الملطف " ويمكننا نحن أن نسميه : أسلوب العلاج بالرفق .. ونحاول أن نعرض أهم محاور هذه الطريقة العلاجية فيما يلي :
يتركز العمل بهذا الأسلوب في مجال التعامل مع المشكلات النفسية والسلوكية بين أصحاب المشكلات السلوكية كالأبناء المصابين بالعنف في سلوكهم مع الغير وإمراض النطق الناتجة عن الارتباك النفسي وأمراض الانطواء والخجل المبالغ فيه، والخارجين من صدمات انفعالية أو من تعرضوا لمصائب حياتية، بل تتعدى إلى علاج المشكلات الكامنة، مثل : الكذب عند الأطفال والأنانية وحب الامتلاك للأشياء والعجب وحب التميز وغيره..(115/1545)
ونحن هنا نقدم أنموذجا آخر لعلاج مشكلات الأبناء بأسلوب أسماه المتخصصون بأسلوب " العلاج الملطف " ويمكننا نحن أن نسميه : أسلوب العلاج بالرفق
طريقة إسلامية :
تعتبر طريقة العلاج الملطف هي طريقة قد اعتمدتها النظرية التربوية الإسلامية منذ قرون , بل لا نبالغ إذا قلنا إن رسول الله _صلى الله عليه وسلم_ قد وضع أسس هذه الطريقة العلاجية بوضوح تام وأصل أصولها وقعد قواعدها وبين طريقة تطبيقها , وهؤلاء العلماء التربويون الغربيون الذين يقدمون هذه الطريقة الجديدة لم يأتونا بما لا نعلم قبل 1426 عاما ..
فقد أوصى النبي _صلى الله عليه وسلم_ بالرفق وأمر به ودعا إليه فقال في الصحيح :" ما كان الرفق في شيء إلا زانه وما منع عن شيء إلا شآنه" وقد كان _صلى الله عليه وسلم_ يحب الرفق في أمره كله , وقال _صلى الله عليه وسلم_ لعائشة كما في صحيح البخاري : يا عائشة إن الله لا يحب القول الغليظ , وقد جرب النبي _صلى الله عليه وسلم_ تجربة تربوية ناجحة يحكيها لنا تابعه الصحابي الجليل أنس بن مالك الذي صار من أهم الشخصيات الإسلامية العالمية المؤثرة بعد ذلك , يقول أنس : " لقد خدمت النبي _صلى الله عليه وسلم_ عشر سنين، فما قال لي عن شيء فعلته لم فعلت ذلك ولا عن شيء لم أفعله لم لم تفعل ذلك، ولم يعبس في وجهي قط ".. فانظر أيها القارئ إلى ذلك التطبيق البديع، وذلك الأثر الرائع الذي تركته تلك الطريقة التربوية المؤثرة في سواء شخصية أنس واستقامتها ..
طريقة منهجية مختلفة :
بالرغم من بعض الاختلافات الرئيسة بين التعليم الملطف وأساليب العلاج السلوكي الأخرى ، فإن هناك نقاط تماثل تجعل أوجه الشبه بينهما أكثر من أوجه الاختلاف . فالتعليم الملطف ـ مثله في ذلك مثل العلاج السلوكي ـ يبدأ بتحديد المشكلة تحديدا نوعيا ويرسم أهدافا مسبقة للعلاج ، ويستخدم كثيرا من الأساليب الشائعة في العلاج السلوكي كالتدعيم والتجاهل . ومن ثم فإننا نراه مكملا ـ وليس بديلا ـ عن العلاج السلوكي . لكن التعليم الملطف يختلف عن المناهج العلاجية السلوكية التقليدية في جوانب منها :
1ـ أنه يرفض استخدام العقاب تماما ويتجنب استخدام الأساليب التنفيرية في تعديل السلوك بما في ذلك كل أشكال العقاب كتكاليف الاستجابة والإبعاد المؤقت , والنظرية الإسلامية التربوية تثبت العقاب وتقبله لكن تضعه في أسلوب علاجي مختلف قد يلجأ إليه في حالات خاصة.
2ـ يرفض عملية الضبط والتحكم كهدف من الأهداف العلاجية . ويبشر بأن أهداف العلاج يجب أن تكون متجهة لتكوين رابطة وجدانية بين المريض والمربي .
تعد طريقة العلاج الملطف هي طريقة قد اعتمدتها النظرية التربوية الإسلامية منذ قرون , بل لا نبالغ إذا قلنا إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد وضع أسس هذه الطريقة العلاجية بوضوح تام وأصل أصولها وقعد قواعدها وبين طريقة تطبيقها , وهؤلاء العلماء التربويون الغربيون الذين يقدمون هذه الطريقة الجديدة لم يأتونا بما لا نعلم قبل 1426 عاما ..(115/1546)
3ـ يتبنى فلسفة المشاركة والاقتناع بكل سلوك يقوم به الطفل ولا يجبره على شيء يفعله بل يترك له حرية الاختيار، ويكون ذلك بعد التوجيه العقلي والبيان الكامل للصواب والخطأ.
بعبارة أخرى فعملية العلاج في ضوء هذا المنهج تتجه إلى تكوين صلات وجدانية قوية بالمريض ، وتتبنى وجهة نظر تربوية نحو مشكلاته ، وتركز على التبادل والأخذ والعطاء بين الطفل والمعالج خلال عملية العلاج .
4ـ يراعي العلاج الملطف الشعورية ويجعل لها موقعا قويا في أي خطة علاجية بما في ذلك التركيز على الحب والتقبل والتسامح والدفء وغيره .
الفكرة التي يقوم عليها العلاج
تقوم هذه الطريقة العلاجية على أساس اعتبار أن كل التفاعلات الإنسانية ـ ناجحة أو فاشلة ـ تعتمد أساساً على اتجاهاتنا ومعتقداتنا وأحكامنا الأخلاقية المتبادلة وجواذبنا الشعورية والوجدانية، ومن ثم فإن كنا نعتقد أن الطفل المشاغب ( مثلا ) هو شخص قد أفسدته التربية والتدليل ، فإن تفاعلاتنا مع هذا الطفل ستتجه في الغالب الأعم إلى الحزم والعقاب وإملاء الأوامر ، وقد يسهم أسلوبنا هذا بدوره في تكوين معتقدات وأحكام لديه يرانا بمقتضاها أننا لا نفهمه وأننا نتسلط عليه ولا نصغي لمشاعره ، ولهذا فإن التفاعل الصحي ستبتره منذ البداية الأحكام والآراء المتبادلة للأشخاص موضوع هذا التفاعل .
ويطلق أصحاب التعليم الملطف على هذه المجموعة من القيم الشخصية اسم الوضع القيمي أو الإطار المرجعي الشخصي الذي نسترشد به خلال عملية التفاعل ، والذي من شأنه أن يحكم نشاطاتنا اليومية .
والوضع القيمي شيء غير محدد بدقة، فهو كإطار مرجعي يتغير دوماً بحسب ما نواجه من الشخص الذي نتفاعل معه، ومن ثم فهو يتعدل ويتغير عندما نواجه شخصا عدوانيا أو انسحابيا .
ومن المهم الانتباه إلى الجهاز القيمي العاطفي لكل شخص خلال عملية التفاعل . هذا الانتباه كفيل بألا يجعل هدفنا هو التركيز على تعديل جانب محدد من السلوك الشاذ ، أو القفز إلى استخدام الأساليب الفنية الجاهزة . إن معرفتنا بهذا للطفل صاحب المشكلة تساعدنا بادئ ذي بدء على إقامة إطار عمل يمكننا من خلاله تقدير نتائج التفاعل ، ومدى استناده إلى المبدأ الرئيسي من مبادئ العلاج المتبادل بدلا من التركيز على الانصياع والطاعة والخضوع .
الهدف الرئيس من التعليم الملطف :
تقوم هذه الطريقة العلاجية على أساس اعتبار أن كل التفاعلات الإنسانية ـ ناجحة أو فاشلة ـ تعتمد أساسا على اتجاهاتنا ومعتقداتنا وأحكامنا الأخلاقية المتبادلة وجواذبنا الشعورية والوجدانية
إن الهدف الرئيس من العلاج الملطف هو تكوين رابطة وجدانية قائمة على مساندة صاحب المشكلة ومن ثم يهدف إلى المعالج هنا إلى تطوير علاقة إيجابية بالطفل قبل الدخول في خطة العلاج .(115/1547)
ونتيجة للرابطة الوجدانية التي تتكون تدريجيا مع الطفل ، يتعلم الطفل ثلاثة أشياء، هي :
1ـ إن وجود المربي يرتبط لدى الطفل بالأمان والطمأنينة .
2ـ إن كلماتنا وإيماءاتنا ( بما فيها اللمس ، الابتسام ، والعناق ) تعني الإثابة والمكافأة في ذاتها ، وليس التحكم والرغبة في الضبط .
3ـ إن مكافأة الطفل تأتي من إسهامه ( وليس من مجرد خضوعه ) .
وذلك سيجعل من الميسور علينا تحقيق تغيرات إيجابية في تفاعلاتنا مع الطفل . لا أن تكون خططنا قائمة على مجرد رد الفعل ودرء الخطر، فالمربي الذي استطاع أن يبني علاقة دافئة ، سيكون بإمكانه التنبؤ بالسلوك ؛ قبل حدوثه ، وسيكون بإمكانه الاستفادة من هذه الرابطة في أكثر المواقف خطراً وحرجاً . لهذا نجد أن العلاج الملطف غالباً ما يحقق نجاحاً كبيراً في مثل هذه الحالات بالذات .
نصائح المتخصصين للمربين في هذا المجال :
1ـ اجعل وجودك مدعما للطفل، وبعبارة أخرى ، يحتاج الوالدان والمشرفون على تربية الطفل إلى أن يجعلوا حضورهم أو وجودهم مع الطفل مرتبطا بالدفء والرعاية والتقبل والاهتمام، ولا يشترط هنا الثواب والهدية، فالغثابة ليست من ضمن وسائل هذه الطريقة العلاجية .. بل لا تكاد تحتاج إليها.
2ـ شجع الطفل على تبادل السلوك التحبيبي والوجداني؛ كالمصافحة الطويلة والابتسامة في الوجه مع النظرة في العين، والتسريب الوجداني لما يمكن أن يكون قد أغضبه أو التفريغ النفسي لمواقف سابقة قد مرت به أو غيره .
وكل هذا هنا مرتبط بالنجاح في العلاقة الإيجابية والاتصال ، وليس كمجرد استجابة لسلوك بصفة المعالج السلوكي بأنه سلوك جيد أو غير مرضي .
3ـ أن تكون تفاعلاتنا مع الطفل طبيعية وغير مفتعلة، وناشئة عن قناعة وجدانية من الوالدين والمربين .
4ـ عندما يعزف الطفل عن الإسهام والتفاعل لأي سبب ، يجب على المربين أن يخلقوا الظروف الملائمة التي تدفع الطفل إلى السلوك المطلوب ولا يدفعونه إليه دفعا باستخدام الأوامر والنواهي .
ـــــــــــــــــــ
تجربة قرية تربت على البذل
الهيثم زعفان
8/7/1427
ارسل تعليقك ...
تعليقات سابقة ...
ارسل الصفحة ...
الى مشرف النافذة ...
طباعة ...
التربية على البذل تحتاج إلى مجهودات عملية من المربي يكون فيها قدوة لمتبوعيه، وذلك حتى يؤتي العطاء ثمرته، والأمة الإسلامية بحاجة شديدة في هذا التوقيت لهذا(115/1548)
النوع من التربية، وذلك على كافة المستويات فرديا وجماعيا ومجتمعياً الأمر الذي سنجده متجسدا في قصة القرية التالية وهي: قرية " تفهنا الأشراف" إحدى قرى مصر والتي لها وضع مختلف عن أي قرية أخرى سواء داخل مصر أو خارجها، فالمشاهد لها الآن يجد بها من الإنجازات التي تتجاوز في قيمتها المادية عشرات الملايين من الدولارات، مما يجعله يندهش ويتساءل عن سر اهتمام الدولة بتلك القرية دون غيرها من القرى؟ تزداد دهشته عندما يعلم أن تلك الخيرات خالية من أي دعم حكومي وأن وراء هذا النجاح والتوفيق قصة مباركه مبنية على البذل مرت فيها القرية بعدة مراحل...
المرحلة الأولى....... البدء
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
أ- نقطة الصفر:
ــــــــــــــــــــــ
التربية على البذل تحتاج إلى مجهودات عملية من المربي يكون فيها قدوة لمتبوعيه وذلك حتى يؤتي العطاء ثمرته, والأمة الإسلامية بحاجة شديدة في هذا التوقيت لهذا النوع من التربية
الحد الفاصل بين فترتي الاستقرار والتغيير يسمى نقطة الصفر وقرية تفهنا الأشراف قبل عام 1984 كانت مثل بقية القرى المصرية في ذلك الوقت بما تحمله من خصائص وما تعانيه من مشكلات، وكان يبلغ عدد سكانها 4000 نسمة ومساحتها 600 فدان.
ب – البداية:
ــــــــــــــــــــ
كانت البداية عندما قام مهندسان من شباب القرية بعمل مزرعة للدواجن حيث خصصا نسبة 10% من أرباح هذه المزرعة ليتم إنفاقها في الأغراض الخيرية وعندما نجح المشروع الأول قاما بعمل مزرعة ثانية وخصصا نسبة 20 % من الأرباح لتنفق في نفس المضمار. وعندما واكب النجاح تلك المشاريع قاما بإنشاء مزرعة ثالثة وتم تخصيص نسبة 30 % من الأرباح لتدخل لنفس الوعاء الذي دخلته سابقتاها.
ثم جعلا كل أرباح أعمالهم الجديدة لله. في هذه الأثناء تفتق ذهن أحد الشابين إلى فكرة تطوير القرية من خلال العمل الجماعي المبني على المنهج الإسلامي وعلى إثر هذه الفكرة تم إنشاء المركز الإسلامي.
ج- المركز الإسلامي:
ـــــــــــــــــــــــــــــــــ
بعد صلاة عصر يوم الجمعة 3 ربيع ثان 1404 هـ 6 يناير 1984 حدث اجتماع عام لأبناء القرية. حيث ترأس الاجتماع عمدة القرية وتحدث المهندسان وأعلنا عن فكرة إنشاء مركز إسلامي متكامل بالبلدة يشارك في إنشائه كل أبناء تفهنا الأشراف وتم اتفاق الحاضرين على الفكرة... كما اتفق الجميع على الآتي:
1- أن تكون القرية عائلة واحدة لها قيادة جماعية واحدة وتسمى بعائلة الأشراف.(115/1549)
2- اختيار 20رجلا يمثلون قيادة القرية تحت قيادة اختارها الناس برضاهم وهو عمدة القرية وكان القادة بالكامل من فلاحي القرية.
ثانيا... المرحلة الثانية.... مرحلة التنفيذ
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
في هذه المرحلة أخذت آليات العمل في التبلور وكانت صورتها كالآتي
1- تم تشكيل مجلس إدارة للمركز الإسلامي.
2- تم وضع لائحة داخلية للمركز توضح الأهداف والهياكل الإدارية والخطط والمشروعات المنوط بتنفيذها مع تحديد أولويات التنفيذ.
3- تم تشكيل لجان نوعية كل لجنة تضم ثلاثة من اللجنة القيادية مع كافة المهنيين المتخصصين وسنتعرض تلك اللجان بشيء من التفصيل.
4- تم البدء في جمع التبرعات وكان مستوى التبرع والبذل عال جدا فالفلاح البسيط كان يجود بمعظم ما عنده بدءً من الأنعام وحتى بيضة الدجاجة. وتدرجت التبرعات تبعا للمستوى الاقتصادي حيث كان هناك متبرعون يقدمون قطع أرضية لبناء مشروعات المركز الإسلامي الخدمية والرامية لتطوير القرية.
5- تم شراء قطعة ارض مساحتها 2750 م2 في مدخل القرية؛ وذلك لإنشاءات المركز.
6- من خلال الصدقات المبنية على أرباح المزارع السابق ذكرها وكذا بذل أبناء القرية تم إنشاء مصنع للأعلاف تكلف في ذلك الوقت مليون جنيه مصري، وهذا الرقم يعادل أكثر من عشرين مليون جنيه حالياً قياساً بسعر السوق، وقد خصص عائد مصنع الأعلاف بالكامل للإنفاق على مشروعات المركز وأعمال الخير، وبذلك حلت أزمة التمويل أصعب مشكلات التنمية.
* اللجان النوعية
ـــــــــــــــــــ
أولاً..... لجنة الزراعة:
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ضمت ثلاثة من الفلاحين أعضاء لجنة القيادة وجميع المهندسين الزراعيين بالقرية وبقيادة أقدم مهندس زراعي، وقد روعي في تشكيل باقي اللجان استخدام هذا الأسلوب، وحددت أهدافها في الآتي:
1- المساعدة في حل مشاكل جميع الفلاحين في الجمعيات الزراعية وتسهيل كافة الإجراءات اللازمة للزراعة والإرشاد الزراعي والتعاون معهم في هذا الاتجاه.
2- القيام بتشجير مداخل البلدة وزراعة ألف نخلة على الترع الموجودة بالبلدة بحيث تعطي إنتاجها بعد 6 سنوات على الأقل وتجمع في وقت واحد ويتم توزيعها على أبناء القرية جميعاً.
3- دراسة وتخطيط كل ما من شأنه دفع العملية الإنتاجية الزراعية إلى الأمام والاستفادة من خبرات الجميع وتوظيفها في هذا الاتجاه.
ثانياً.... لجنة التعليم
ـــــــــــــــــــــــــــ(115/1550)
وكانت أهدافها:-
1- دراسة وحل المشكلات التعليمية التي تواجه الطلاب على مختلف مستوياتها الدراسية مثل مشكلة الدروس الخصوصية وإبدالها بفصول تقوية لجميع الطلاب الذين يحتاجونها.
2- الاهتمام بقضية " محو الأمية " والعمل على حل هذه المشكلة.
ثالثا...... اللجنة الصحية:
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وكانت أهدافها:
1- توفير العناية الطبية الوقائية لأطفال القرية وضمان تحصينهم ضد الأمراض.
2- إنشاء عيادة لعلاج النساء وأخرى للرجال مجانا.
3- تكوين قوافل طبية لزيارة القرى الأخرى لتقديم الخدمات العلاجية مجانا.
رابعا....... لجنة الشباب
ــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ومهامها:
1- تكوين الفرق الرياضية الجادة في كافة الأنشطة من خلال إنشاء مركز الشباب.
2- تكوين فرق الخدمة العامة التي تقوم بأعمال مختلفة كتنظيف شوارع القرية وإنارتها.
3- تقديم الجهود الذاتية من عمل يدوي وخبرات فنية لكافة المشروعات التي توجد في القرية تطوعا.
4- القضاء على ظاهرة " وقت الفراغ " وكذا أماكن اللهو في القرية مثل المقاهي ومراكز الفيديو وغيرها.
خامسا... لجنة الزكاة:
ـــــــــــــــــــــــــــــــ
ومهمتها إنشاء بيت مال المسلمين وإدارته والإشراف على جمع وتوزيع الزكاة في مصارفها الشرعية.
سادسا.... لجنة فض المنازعات:
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
تقوم هذه اللجنة بفض المنازعات التي تقع بين الأفراد والأسر وديا وعرفيا وتوقع غرامات على المعتدي تحصل لصالح المركز مع عمل سجل بكافة القضايا والخلافات وما انتهت إليه من مصالحات.
سابعا.... لجنة الخدمات:
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وتقوم هذه اللجنة بالمهام الآتية:
1- تولى مسؤولية الخدمات الاجتماعية في القرية.
2- رعاية أيتام المسلمين وكفالتهم.
3- تقديم وجبات غذائية لأطفال مكاتب تحفيظ القران الكريم والمعاهد العلمية.
المرحلة الثالثة..... الإنجازات(115/1551)
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
تحققت إنجازات كثيرة في القرية تفوق في مضمونها وفي ضوء الإمكانات التي تم بها بدء العمل – العقل التخطيطي المثالي. ويمكن حصر بعض الإنجازات بالصورة التالية:
1- تحقيق معظم أهداف اللجان النوعية بصورة أفضل مما كان مخطط لها وسيتم تفصيل ذلك.
2- القضاء على مشكلة البطالة تماما داخل القرية.
3- الحد من الأمية بصورة شبه تامة.
4- إنشاء معهد ثانوي أزهري للبنين بتكلفة 180 ألف جنيه مصري عام 1989
5- إنشاء معهد ثانوي أزهري للبنات بتكلفة 180 ألف جنيه مصري عام 1989
6- إنشاء محطة للسكة الحديد بتكلفة 150 ألف جنيه مصري.
7- وسائل انتقال (باصات) لنقل الطلاب من القرى الأخرى إلى المعاهد الدينية بالقرية مجانا.
8- رصف جميع طرق القرية.
9- تشجير القرية.
10- سنترال هواتف آلي.
11- مجمع خدمات المركز ويضم:
أ – المسجد الجامع على مساحة كبيرة وذي بنيان هندسي راق.
ب- ورش صيانة لكافة معدات وأثاثات المركز الإسلامي
ج- قاعة مؤتمرات
د- مكتبة متطورة.
12 – إقامة مصنع أعلاف كبير إضافة إلى المصنع الكبير الذي تم البدء به.
13- فرع لجامعة الأزهر للبنين.
14 – فرع لجامعة الأزهر للبنات.
كافة منشآت الجامعة تم بنائها على نفقة المركز الإسلامي.
15 – مدينتين جامعيتين للطلاب والطالبات المغتربين والمغتربات.
16- القضاء على كافة أوجه التلوث بالقرية.
17- مستشفى طبي متكامل.
18 – مطابخ لتقديم وجبات غذائية للطلاب.
19 – مشاغل لعمل أزياء الطلاب.
20- ورش نجارة لعمل أثاثات الإنشاءات.
21- مصروفات جارية من أجل(الأثاثات – زي أزهري" يقدم مجان " – وجبات غذائية – إدارة شئون القران الكريم – صيانة المعاهد الأزهرية)
22- إقامة بيت مال للمسلمين يخدم القرية والقرى المجاورة.
23 – ترتب على وجود لجنة فض المنازعات عدم لجوء الناس إلى المحاكم أو أجهزة الأمن ولم يعد الناس بحاجة إلى مكاتب المحامين بالقرية مما أدى إلى إغلاق مكتبين للمحاماة كانا قد أنشئا من قبل.(115/1552)
24- القضاء على أماكن اللهو بالقرية.
25- لقاء الجمعة وفيه يجتمع المهندس رئيس المركز- والمربي الرئيس في هذا المشروع والذي يشدد على عدم ذكر اسمه في أي مقابلة صحفية أو بحثية - بعد صلاة الجمعة مع كل صاحب حاجة سواء كانت شخصية أو مجتمعية وقد يكون صاحب الحاجة من شمال مصر أو جنوبها ولا يعود إلى بلده إلا وحاجته مقضية.
هذه بعض الإنجازات المستمرة داخل هذه القرية وجميعها من ثمرات البذل سواء المالي أو البدني وإذا أرادت قرية أو منطقة أخرى أن تحذو حذوها فإنها ستجد نفسها أمام شقين
الأول... شق فني: وهو المتعلق بالجانب الإداري الهيكلي والمتمثل هنا في المركز الإسلامي كهيكل، وهذا الجانب إذا أريد تكراره في منطقة أخرى أو تطويره فانه يمكن الأخذ في ذلك بأساليب الإدارة الحديثة الفنية
الثاني.... شق مذهبي: وهو الخاص بالفلسفة التي يدار بها الجانب الفني السابق والمرتبط في حالتنا هذه بقوله تعالى " والله يضاعف لمن يشاء " وهذا الأمر متوقف على مدى التجرد لله والتوكل عليه _سبحانه_.
ـــــــــــــــــــ
وقفة مع الدورات التدريبية
د. فوز كردي
1/7/1427
ارسل تعليقك ...
تعليقات سابقة ...
ارسل الصفحة ...
الى مشرف النافذة ...
طباعة ...
هذه وقفة للتأمل في هذا الزخم من الدورات التدريبية التي فيها - ولا شك - كثير مما هو نافع مفيد ومتوافق مع ثوابت ديننا، في قوالب جديدة وطرائق عرض عصرية، مثل كثير من الدورات التربوية في تربية الذات، ومهارات الخطابة والإلقاء، وتربية الأبناء وفن التعامل مع فئاتهم العمرية المختلفة، وتنمية المهارات التفكيرية والإدارية.
كما أن منها ما تلبّس ظاهره بالنفع وفي حقيقته شر مستطير، يمتزج فيه الشرك بالوثنية من فلسفات الصين والهند، وإن لم يظهر في بعض التطبيقات والتمارين مما لبّس على كثير من الدارسين لهذه الدورات، بل والمدربين الذين أحسب أن المسلمين منهم - أصلحهم الله - غالباً يظنون فيها نفعاً للبلاد والعباد.
ووقفتنا هذه ليست مع الدورات النافعة، وإنما مع الدورات المتلبّسة بلباس النفع والخير، وحقيقتها غير ذلك - على سبيل المثال لا الحصر، حيث الدورات مستويات ولها توابع وفنون في تجدد مستمر -:
- دورات التدريب على الريكي (تمارين وتدريبات لفتح منافذ الاتصال بالطاقة الكونية "كي" وتدفيقها في الجسم، مما يزيد قوة الجسم وحيويته، ويعطي الجسم قوة(115/1553)
إبراء ومعالجة ذاتية كما تعطي صاحبها بعد ذلك القدرة على اللمسة العلاجية- بزعمهم-).
هذه وقفة للتأمل في هذا الزخم من الدورات التدريبية التي فيها - ولا شك - كثير مما هو نافع مفيد ومتوافق مع ثوابت ديننا، في قوالب جديدة وطرائق عرض عصرية
- دورات التدريب على التشي كونغ (تمارين وتدريبات للمحافظة على طاقة "التشي" في الجسم، والمحافظة عليها قوية ومتوازنة وسلسة في مساراتها، ما يزيد مناعة الجسم ومقاومته للأمراض - بزعمهم -).
- دورات التنفس العميق والتنفس التحوّلي (تمارين في التنفس العميق الذي يضمن دخول طاقة "البرانا" إلى داخل الجسم "البطن" ويساعد على الدخول في مرحلة الاسترخاء الكامل. وهو مهارة لازمة لتمارين الفروع الأخرى من الرياضات).
- دورات التأمّل الارتقائي (تمارين رياضية روحية من أصول ديانات البوذية والهندوسية، هدفها الترقّي والسمو والوصول للاسترخاء، ومن ثم النرفانا، تعتمد على إتقان التنفس العميق مع تركيز النظر في بعض الأشكال الهندسية والرموز والنجوم (رموز الشكرات)، وتخيّل الاتحاد بها مع ترديد ترانيم في أشرطة تُسمَع بتدبّر وهدوء، ومن كلمات هذه الترانيم عند المدربين من غير المسلمين استعانة بطواغيت عدة.
- دورات الاسترخاء (تعتمد التنفّس والتأمّل مع الإيحاء الذاتي لعلاج الأرق والاكتئاب وغيره، أو للسعادة والوصول للنشوة والنرفانا "التناغم مع الطاقة الكونية، أو للتعامل مع اللاواعي وتغيير القناعات ونحوه).
- دورات البرمجة اللغوية العصبية ("البرمجة اللغوية العصبية" واختصارها الغربي "NLP" هي خليط من العلوم والفلسفات والاعتقادات والممارسات، تهدف تقنيّاتها لإعادة صياغة صورة الواقع في ذهن الإنسان، من معتقدات ومدارك وتصوّرات وعادات وقدرات، بحيث تصبح في داخل الفرد وذهنه، لتنعكس على تصرّفاته. يقول المدرب وايت ود سمول: " الـ NLP عبارة عن مجموعة من الأشياء. ليس هناك شيء جديد في الـNLP، أخذنا بعض الأمور التي نجحت في مكان معين، وشيء آخر نجح في مكان آخر وهكذا ". وظاهر تقنيات البرمجة تهدف إلى تنمية قدرة الفرد على الاتصال مع الآخرين، وقدرته على محاكاة المتميزين، ولها باطن يركّز على تنويم العقل الواعي بإحداث حالات وعي مغيّرة لزرع بعض الأفكار (إيجابية أو سلبية) في ما يسمونه "اللاوعي"، بعيداً عن سيطرة نعمة العقل.
وفي بعض المستويات المتقدمة - عند بعض مدراس البرمجة -، تُعتمد فلسفة الطاقة وجهازها الأثيري - المزعوم- ويُدرب فيها على تمارين التنفس والتأمل لتفعيل النفع به). وبالإضافة إلى ما في هذه الدورات من خطورة، فهي تشكّل البواّبة للدخول في الدورات الأخرى التي تعتمد فلسفة استمداد الطاقة الكونية ضمن سلسلة تقنيات "النيوإييج" والوثنية الجديدة، فبعد تمام تفعيل الطاقات الكامنة، يندب إلى التدرب على تمارين استمداد الطاقة الكونية، ومن بعدها يكون الشخص مؤهلاً لدورات التدريب على استخدام الطاقات والقوى السفلية من خلال تعلم الهونا والشامانية والتارو وغيرها.(115/1554)
ووقفتنا هذه ليست مع الدورات النافعة، وإنما مع الدورات المتلبّسة بلباس النفع والخير، وحقيقتها غير ذلك - على سبيل المثال لا الحصر، حيث الدورات مستويات ولها توابع وفنون في تجدد مستمر
- دورات الماكروبيوتيك (دورات ظاهرها للتثقيف والتدريب الصحي، وحقيقتها تقديم فلسفة شاملة لنظام حياتي كامل يعتمد على فلسفة التناغم مع الطاقة الكونية، من خلال التوازن بين قوتي "الين واليانج" والوصول للسمو الروحي - بزعمهم-، وتشمل تثقيفاً صحياً عن الغذاء والحمية يعتمد خصائص ميتافيزيقية للأطعمة، مبناها فكرة الين واليانج ووجوب التناغم بينهما، ويدعو لتجنب المنتجات الحيوانية قدر الإمكان من اللحوم والألبان والعسل، ويركّز على الحبوب والشعير ويعتني فيها عناية خاصة بالميزو - الشعير المخمر)
- دورات التاي شي (تقدم العلم الأشمل لرياضات الطاقة: الريكي والتشي كونغ وغيرها)
- دورات المشي على النار (تقدّم تمارين لتقوية الإرادة وتفعيل الطاقات، وتستخدم الإيحاء. فبعد تمام الإيحاء للحاضرين بالقوة والقدرة يطلب من الجميع المشي على جمر متّقد بمواصفات خاصة).
-وهناك دورات العلاج بخط الزمن والقراءة التصويرية، والبايوجيومتري (والفيج شوي الفرعوني) وغيرها، ودورات أخرى تم طبعها بطابع الدين الإسلامي مثل: دورات العلاج بطاقة الأسماء الحسنى، ودورات العلاج بأشعة: لا إله إلا الله، وتدور فكرتها الأساسية في فلك هذه الفلسفات أيضاً.. ولا حول ولا قوة إلا بالله.
وربما تغيرت الأسماء والشعارات من يوم ليوم، إلا أنها في أغلب صورها تعتمد على فلسفات وتعاليم الديانات الصينية والهندية في القول بالجسم الأثيري، ومنافذ الطاقة "الشكرات" وما يتبعه من أسرار الطاقة الكونية، وفكرة الـ "ki-chi-Qi" و"الطاو" و"الماكرو"و"البرانا" و"مانا"، وضرورة توازن القوى الثنائية "الين واليانج" للسمو والنرفانا، ومن ثم يحصل الإنسان على السعادة والصحة والنضارة والسمو الروحي -بزعمهم- أو تعتمد الإيحاء والتنويم في طريق يوصل للتعامل مع الأرواح (القوى السفلية) والسحر.
ومن الملاحظ تنتشر هذه الدورات بشكل واسع جداً وتختلط مع دورات أخرى نافعة كفنون الإلقاء وإدارة الوقت وغيرها، وتستقطب الدورات جماهير من الشباب من الجنسين لما يصاحبها من حملات دعائية إيحائية كبيرة، مما يتطلب التواصي بالتفكير والتروي والاستشارة قبل الانضمام، لما يُدّعى أنه نافع وحقيقته غير ذلك.
بالاتفاق مع موقع
http://www.alfowz.com/
-ـــــــــــــــــــ
أمِثلُ هذا يحدث في بلاد التوحيد؟!
خباب الحمد
17/6/1427
ارسل تعليقك ...(115/1555)
تعليقات سابقة ...
ارسل الصفحة ...
الى مشرف النافذة ...
طباعة ...
الحمد لله رب العالمين ، وصلَّى الله وسلَّم وبارك على رسول الله وعلى آله وصحبه وسلَّم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين ، أمَّا بعد :
ـ هل لك أن تتخيَّل أنَّ أهالي مناطق في بلاد التوحيد يعيشون في زمننا الحاضر لا يعرف كثير منهم قراءة سورة الفاتحة ، ويظنُّون أنَّ القرآن أبيات شعريَّة وقصائد مؤلَّفة ؟!
ـ هل تعلم أنَّ مناطق في بلادنا حين سأل بعض الدعاة من يعدُّ نفسه مسلما في تلك المنطقةً:من ربُّك؟ فأجاب :لا أعرف ، فقال له الداعية : من نبيُّك ؟ فأجاب : لا أعرف؟!
ـ هل تصدق أنَّ قرى ومناطق نائية في جنوب الجزيرة العربيَّة لا يورِّث أهلها فيها النساء المال ألبتة ؟
ـ ألا تستغرب أن يقوم أهالي منطقة بالذبح للصخور ، والتقرب إليها من دون الله ، وحين قام بعض الإخوة بإزالة هذه الصخرة ، أصاب عوائل هذه المنطقة الذعر الشديد ، وظنُّوا أنَّه سيأتي لهؤلاء الإخوة الدعاة أمر يضرُّهم من هذه الصخرة !!
إنَّها معلومات عجيبة ، لم أكن أتوقع وجودها بهذا الشكل بين أناس يقطنون في أقاصي جنوب الجزيرة العربيَّة!!
وفي بدء الإجازة الصيفيَّة فإنِّي أنتهز هذه الفرصة لمخاطبة حاملي هموم الأمَّة المسلمة وبخاصة العلماء والدعاة ، بأن يتَّقوا الله في تلك المناطق النائية،
وحقاً إنَّها حقائق مُرَّة ، ومظاهر مؤلمة يندى لها الجبين ، من الجهل الكبير والأميَّة الضخمة والبدائيَّة المستغربة التي يعيشها أناس لا تبعد المسافات بين المدن القريبة منهم وبينهم أكثر من خمس ساعات!
تلك أنباء من قطوف لرحلة دعويَّة قمت بها مع بعض الإخوة الكرام ، لنشاهد تلك المناطق النائية، وننظر في أحوال الناس ، حين سمعنا أن في تلك المناطق شيئاً من تلك العجائب في الجهل السائد بينهم ، فأزمعنا حزم الأمتعة للوصول إليها ، والنظر إليها عياناً ؛ فليس الخبر كالمعاينة.
وقد هالنا ذلك الجهل العجيب ، حين وقفنا على أشياء كثيرة من حال أولئك وجهلهم بدين الإسلام وتعاليمه ، وقلَّة الدعاة القادمين لهم والناظرين في أحوالهم .
وفي بدء الإجازة الصيفيَّة فإنِّي أنتهز هذه الفرصة لمخاطبة حاملي هموم الأمَّة المسلمة وبخاصة العلماء والدعاة ، بأن يتَّقوا الله في تلك المناطق النائية، ويستشعروا أهميَّة السفر والسياحة الدعويَّة في سبيل الله ؛ لتعليم الناس أمور دينهم ودنياهم ، فهم في جهل عجيب ، وبدائيَّة مستغربة، يحتاجون لمن يوجِّههم وينصحهم .
و الله يعلم كيف كان استقبالهم لنا حين قدمنا إلى تلك الجهات ، بفرح منقطع النظير ، ووجوه مستبشرة بلقيانا ، وكَرَمٍ بَادِي الوضوح ، على قلَّة ذات اليد ، والفقر السائد بينهم ، حتَّى إنَّهم يتشاجرون أيُّهم يطعمنا الغداء وأيُّهم يقدِّم لنا العشاء !(115/1556)
* حرارة وضنك في العيش ولكن ....و لا خير فيمن عاقه الحرُّ والبرد !
نعم ... إنَّ تلك المناطق التي ذهبت إليها في جنوب المملكة ذات بيئة تحتاج لصبر وتحمُّل في سبيل الله ، من الرطوبة الشديدة ، مع شدَّة لهيب الشمس ، ويرافق ذلك مصاحبة الأفاعي والحيَّات والعقارب لنا في حلِّنا وترحالنا في تلك المناطق....
وهذا أمر لم أكن أتوقعه بذاك الشكل ، حتَّى إنَّنا كنَّا نأتي بمظليَّة مخرَّمة لننام بداخلها خشية أن يصلنا شيء من تلك الهوام السَّامة ، وحين يستلقي كلُّ واحد منَّا بداخلها يشعر بتعرُّق شديد فلا نسمة هواء جارية ، بل إنَّنا أحياناً كنَّا نلقي بتلك المظلِّيات المخرَّمة ونتوكَّل على الله ، لعلَّنا نستشق هواء يهفهف على وجوهنا !
لتستشعر كلُّ نفس مؤمنة تجري همَّة النشاط فيها بالدعوة إلى الله بتلك الحقائق، وليعلموا أنَّ الدعوة إلى الله ليست كلُّها بأن يَقْدِم إليك الناس وأنت في ظلال وارفة
إنَّني لا أقول هذا الكلام تثبيطاً لأهل الهمم ؛ فهم بهممهم سيكسرون هذه الحواجز النفسيَّة المصطنعة الصَّادة لهم عن الدعوة إلى الله !
ولكنِّي أقول ذلك لتستشعر كلُّ نفس مؤمنة تجري همَّة النشاط فيها بالدعوة إلى الله بتلك الحقائق، وليعلموا أنَّ الدعوة إلى الله ليست كلُّها بأن يَقْدِم إليك الناس وأنت في ظلال وارفة ، وبيئة نظيفة مكيَّفة ، وتدعو حينها إلى الله !
نعم تلك دعوة إلى الله ....ولكن شتَّان شتَّان ما بين الدعوتين ...!
لقد تعلَّمنا حينها أنَّ الدعوة إلى الله تحتاج لصبر ومجاهدة للنفس ، فوساوس الشيطان لن تدعك قائلة لك : وما الذي أتى بك إلى هذه المنطقة النائية ؟
وهل سيستفيد هؤلاء الجهلة من تعليمك لهم ؟
نعم ... إنَّها وساوس لم تكن تفارقنا في تلك الرحلة الدعويَّة ،وأعترف أنَّنا كنَّا جميعاً نشعر بذلك، حتَّى إنَّ أهل تلك المناطق حدَّثونا أنَّ شباباً ودعاة من طلبة العلم أتوا إليهم لكي يعلِّموهم ، لكنَّهم لم يصبروا أكثر من يومين أو ثلاثة أيَّام .
• نصائح مرعيَّة ، وتوجيهات هامَّة لمبتغي السياحة الدعوية :
تحت هذا العنوان أحبُّ أن أسطر عدداً من النصائح والتوجيهات لعلَّها تفيد أهل العزائم والهمم ، للسير على طريق الرحلات الدعويَّة ، وإفادة أهل تلك المناطق النائية في بلادنا :
1ـ أحبِّذ أن تكون الرحلة إلى تلك المناطق تحت إشراف المكاتب التعاونيَّة للدعوة والإرشاد القريبة والمتاخمة لتلك المناطق النائية ، والتنسيق مع أصحابها ؛ لأنَّ الإخوة في تلك المكاتب سيفيدون الدعاة وطلبة العلم بحقائق تلك المناطق ، ويُسْدُون إليهم نصائح طيِّبة في التعامل مع أولئك الجهَّال بدينهم ، وتعريفهم بطبائعهم وعاداتهم وتقاليدهم ، حتَّى لا يصطدم الدعاة بواقع لم يكونوا يعرفونه عن أهل تلك المناطق.
2ـ أظن أنَّ عدداً قليلاً من الأيام مفيد في تعليم أولئك القوم أساسيَّات من أمور دينهم ، ولكنِّي أرى أن عشرة أيام مناسبة لتعليمهم بعضاً مما ينبغي لكلِّ مسلم معرفته ، وهي بإذن الله مفيدة لهم في تعليمهم وتعريفهم بحقائق الإسلام التي لا بدَّ من معرفتها .
يوجد من بينهم من الشرك الأكبر كالذبح لغير الله ، والاستغاثة بغيره ـ سبحانه وتعالى ـ
3ـ أقترح أن ينقسم الدعاة والموجِّهون لأهالي تلك المناطق إلى ثلاثة أقسام :(115/1557)
قسم : يعلِّم الشيوخ الكبار المسنِّين ، وهؤلاء لا يصلح لهم ـ حقيقة ـ إلاَّ طالب علم صبور طويل البال ، هادئ الطباع ، يتحمَّل بعض انتقاداتهم ، وقلَّة إدراكهم .
والقسم الآخر : يعلِّم الشباب ، وهؤلاء يحتاجون للرجل المرح المقتدر ، قوي الشخصيَّة، مع إمكانيَّة التوجيه التربوي .
والقسم الثالث : يعلِّم البراعم الصغار والفتيان الأحداث ، ويُلْمس في هؤلاء من خلال التجربة والاحتكاك معهم قوَّة إدراكهم ، وحدَّة أذهانهم ، وسرعة تجاوبهم ، وأحبِّذ تدعيم التعليم لهؤلاء بالقصص الحقيقيَّة الواقعيَّة عن براعم الصحابة والتابعين والسلف الصالح .
4ـ تحذير هؤلاء السُّكان من التلوُّث بشوائب الشرك بالله ، والحق أقول : إنَّه يوجد من بينهم من الشرك الأكبر كالذبح لغير الله ، والاستغاثة بغيره ـ سبحانه وتعالى ـ وأمَّا الشرك الأصغر فحدِّث ولا حرج من الحلف بغير الله ، وتعليق التمائم والقلائد والحروز الشركيَّة وإن كان كثير منهم لا يعتقد بها نفعاً ولا ضراً ، ولكنَّه يجعلها سبباً من الأسباب النافعة أو الضارة ، وهذا كما لا يخفى خلل في الاعتقاد ، وحين طلبنا من بعضهم أن يخلعوها ، وبيَّنا لهم خطورة ذلك ، كانوا يستنكرون ما نقوله لهم ،ويخشون إن هم خلعوها أن يحصل لهم ضرر وخطر في أنفسهم وأبدانهم ، ومن المنكرات لديهم رفع القبور والبناء عليها والكتابة عليها وهذا كلُّه أمر نهت عنه الشريعة الإسلاميَّة .
5ـ التركيز على أنَّهم إذا اختلفوا فإنَّ عليهم أن يرجعوا في التحاكم إلى الله ، ويحكِّموا الشرع فيما بينهم ، فقد يكون شيخ قبيلتهم يحكم بأحكام جائرة مضادة للشرع الإسلامي بحسب عاداتهم ومراسيمهم وتقاليدهم ، وقد يكون شيخ قبيلتهم هو أجهلهم بالشرع ، وأكثرهم كبراً وأنفة عن سماع العلم الشرعي ، فلا بدَّ من تألُّفه بالتعامل الحسن ، والصبر على الجفاء الحاصل منه ، وإهداء الهدايا إليه، لتأليف قلبه ، فبصلاحه يستطيع أن يؤثِّر على من تحت يده من عشيرته أو قبيلته .
6ـ من الجيِّد أنَّه إذا وجد الدعاة أحد شبابهم أو بعضاً منهم نابهين وأذكياء، أن يوجِّهوهم للخروج للتعلم إلى أقرب مدينة لديهم على يد الشيوخ وطلبة العلم أو في الجامعات ، لعلَّهم يفيدون أهلهم وأقاربهم.
7 ـ من المهم تحفيز هؤلاء القوم على الاهتمام بتعليم نسائهم كلَّ ما تعلَّموه ،ومتابعتهم في ذلك، فالجهل في النساء أفظع وأكثر ، وهذا يحتاج لخطَّة أخرى ، فيُحتاج للمحتسبات الداعيات ، إلاَّ أنَّ هذا الأمر لا بدَّ أن يدرس مع المكاتب التعاونيَّة ؛ لتهيئة سكن خاص بتلك الداعيات المحتسبات.
8ـ تنبيه أولياء أمور النساء بإعطاء النساء حقوقهن ، والحذر من ظلمهن ، أو عدم توريثهن ، أو منعهنَّ من الزواج ، أو رفع مهور بناتهم ، وقد اطَّلعنا على أحوال الكثير من المتزوجين الذين يموتون ، ولم يؤدُّوا ربع مهورهن ، فالمهور عندهم مرتفعة ، مع الفقر المنتشر بينهم ، بل يصل المهر أحياناً لخمسين من الإبل ، ولا أبالغ إن قلت أكثر من ذلك ، وبعضهم يتزوج بـ:(350) رأس غنم ، أي ما يقارب (130) ألف ريال !!(115/1558)
كما ينبغي تنبيه الرجال إلى خطر انتشار العري بين نسائهم ، أو اختلاطهنَّ بالرجال، ومن العادات القبيحة عند بعضهم أنَّ المرأة العانس أو التي توفِّي عنها زوجها يجوز لها أن تخلو بالرجال الأجانب ، ويجوز للرجال الأجانب أن يخلوا بها ، ويسمون مثل هذه المرأة بـ:(الخالية) لأنَّها خالية من زوج !! وهذا ربَّما أدَّى إلى الوقوع في محاذير شرعيَّة خطيرة.
9ـ من العادات السيئة عندهم ما يسمَّى بـ :(الهود) ، فهم لا يختنون أبناءهم إلاَّ بعد البلوغ، وبعضهم لا يختتن ألبتة ، وحين يختتن بعضهم إذا بلغ ؛ تُولم له وليمة كبيرة يدعى لها أهل القرية والأقارب من غيرها ، وليس هذا محل القبح إذ الخلاف في مشروعيَّة الوليمة للختان قائم ، لكن القبح فيما يصاحب هذا ( الهود) من منكرات منها على سبيل المثال : رقص الرجال مع النساء .
10ـ تنبيه هؤلاء الناس لخطر المعاصي والفواحش ، وأنَّها تفسد القلوب ، وتحذيرهم منها كليَّة وعلى وجه الخصوص : الزنا ، والخلوة بالنساء والاختلاط معهنَّ ، واللواط ، والمخدرات ، فهي بينهم في انتشار ما بين مقل ومكثر.
11ـ تبيين خطر السحر والسحرة والتعلق بالكهَّان والمشعوذين ، وتنبيههم على ردِّ أمورهم كلِّها إلى الله ، والتركيز على قضايا التوكُّل على الله وأنَّه هو الشافي والمعافي .
12 ـ تشجيع أهل تلك المناطق على بناء مسجد صغير في وسط المنطقة ليجتمعوا على الصلاة ، ويتلاقوا على عبادة الله ـ تعالى ـ وإن استطاع الدعاة إلى الله جمع تبرعات وبناء المسجد بالتعاون مع تلك المكاتب التعاونيَّة فهذا أمر جدُّ حسن.
14ـ توزيع الأشرطة الإسلاميَّة من القرآن والمحاضرات المفيدة ، واصطحاب عدد كبير منها ، وتوزيعها على جميع ساكني تلك المنطقة ، وتشجيعهم على مداومة الاستماع لها .
13ـ كن قدوة بفعلك قبل قولك ، وبتعاملك قبل كلامك ، فإنَّهم ينظرون إليك على أنَّك رجل داعية ومعلِّم لهم ، فإيَّاك واحتقارهم ، أو الاستهزاء بهم ، أو معاملتهم معاملة فظَّة سيئة فسينفرون عنك ، ولا يهتمون بمقالك ومنطقك.
• منهج مقترح لتعليم أهالي تلك المناطق :
أـ من أولى ما يعلِّمه الدعاة إلى الله أهالي تلك المناطق أبجديات الإسلام من قضايا الاعتقاد وأصول الإسلام ، كأركان الإسلام والإيمان والإحسان ، و معرفة الرب ـ سبحانه ـ و معرفة نبيه ـ عليه السلام ـ ومعرفة الإسلام بالأدلَّة ، مع تذكيرهم بقضايا اليوم الآخر (يوم القيامة) وأهوال ذلك اليوم ، ويمكن الاستعانة على ذلك بعدَّة كتب منها: ( الأصول الثلاثة وأدلَّتها) وكتاب (الواجبات المتحتِّمات المعرِّفة بدين الإسلام ) كلاهما للشيخ : محمد بن عبد الوهاب ـ رحمه الله ـ ، وكتاب (أعلام السنَّة المنشورة لاعتقاد الطائفة الناجية المنصورة) للشيخ : حافظ الحكمي ـ رحمه الله ـ ، وكتاب ( الدروس المهمَّة لعامَّة الأمَّة) للشيخ عبد العزيز بن باز ـ رحمه الله ـ وكتاب:( ما لا يسع المسلم جهله ) للدكتور عبد الله المصلح وصلاح الصاوي ـ وفَّقهما الله ـ
ب ـ يلي ذلك تعليمهم كتاب الله ـ عزَّ وجل ـ فيجلس الدعاة معهم ويعلِّمونهم من سورة الناس إلى سورة الزلزلة ، مع تفسير ميسَّر لمعانيها، ومن خير الكتب الميسَّرة في(115/1559)
ذلك كتاب:(تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان) للشيخ عبد الرحمن السعدي ـ رحمه الله ـ وكتاب تفسير العشر الأخير للدكتور: محمد سليمان الأشقر.
ج ـ التركيز على الرقائق الإيمانيَّة ، والمواعظ التي تحيي القلوب ، فإنَّهم محتاجون لذلك أشدَّ الحاجة ، فالديانة لديهم قليلة ، والجهل بينهم منتشر ، ولا بأس بأن تطرق هذه المواعظ بعد انتهائهم من الصلاة .
د ـ تعليمهم الأحكام الهامَّة التي تهمُّهم من القضايا الفقهية ، كأحكام الطهارة ، وأحكام الصلاة مع التركيز على تعليمهم الصلاة تنظيراً وعملاً وتمثيلاً ، وتحفيظهم لشروطها وأركانها وواجباتها، وعدم الغفلة عن تعليمهم صلاة الجنازة ، وكيفيَّة تغسيل الميت وتكفينه والصلاة عليه لأنَّ كثيراً منهم لا يعلم ذلك ألبتَّة ، ومن الجيِّد تعليمهم بعض أحكام الزكاة ومبادئها التي تخصُّهم ، وخصوصاً أحكام زكاة السائمة ، وبهيمة الأنعام.
ومن الكتب المفيدة والمختصرة في هذا الباب كتاب :(الملخص الفقهي) للشيخ :صالح الفوزان ، وكتاب :(الوجازة في تجهيز الجنازة) للشيخ : عبد الرحمن الغيث ، وكتاب :(كيف تزكِّي أموالك) للشيخ : عبد الله الطيَّار.
هذه بعض التوجيهات والأفكار التي أحببت أن أبثَّها إلى إخواني الدعاة وأهل الهمم من طلبة العلم، ليدركوا الجهل الواقع عند هؤلاء الذين يعيشون في جنوب جزيرتنا العربيَّة ، وليستشعر الإخوة من طلبة العلم أهميَّة دعوتهم إلى الله تعالى ورفع الجهل عنهم ، لأنَّ الله سيحاسبنا على تقصيرنا في دعوتهم .
وهذا هو المرجو من طلبة العلم أن يتَّقوا الله في علمهم ، وأن يزكُّوا عمَّا لديهم من علم ، وأن يخرجوا من مدنهم لتلك المناطق النائية ، فقد صارت المدن مقبرة للعلماء والدعاة من كثرتهم ، وقلَّة من يخرج منها ؛ لعلَّهم يبلِّغون أهل تلك المناطق دين الله ـ تعالى ـ فهو أولى بهم من الانزواء والانكماش.
والله تعالى يقول : (وأنذر عشيرتك الأقربين) فهؤلاء القريبون منَّا هم أولى بالرعاية والعناية بتعليمهم أصول الإسلام من الذين يعيشون في أدغال إفريقية مع عدم تحقير جهد الداعين إلى الله في أدغال إفريقية ، ولكن أين طاقات أهل الهمم بالدعوة إلى الله في أدغال بلادنا ومناطقنا النائية؟!
ولنتأسَّ بالصحابي الجليل أبي بكر الصدِّيق ـ رضي الله عنه ـ حين قال :(أينقص الدين وأنا حي) فنتشبَّه به ، ونجاهد أنفسنا في تبليغ رسالة الله إلى العالمين ، كي لا نتأسَّى على نقصان ديننا !
ولا أخفي على القارئ الكريم سرَّاً أنَّ أهل تلك المناطق يفرحون أشد الفرحة لمجيء الدعاة إلى الله ، ونصب خيامهم بالقرب منهم ، وتعليمهم دينهم ، بل قد لا يدعون لهم وقت راحة ، من كثرة أسئلتهم واستفساراتهم واستشاراتهم لك في أمور دينهم ودنياهم .
ويشهد الله عزَّ وجل كيف كانت لحظات الوداع حين أزف رحيلنا من منطقتهم ، رجالهم وصغارهم وشبابهم يبكون ، ويرجون منَّا أن نبقى عندهم زيادة في الأيام ، أو على الأقل عدم نسيانهم في السنوات القادمة لتعليمهم ورفع الجهل عنهم .(115/1560)
وأذكر أنَّ أحد شيوخ القبائل الخيِّرين كان يناشد الإخوة القائمين على أحد المكاتب التعاونيَّة الدعويَّة ، ويذكرهم بالله واليوم الآخر بأن يأتوا بدعاة لهم يعلِّمونهم أمور دينهم ، ويقيمون الدورات العلميَّة في منطقتهم.
فلولا نَفَرَ جمع من الإخوة الفضلاء من طلبة العلم ، والدعاة إلى الله ، إلى أهالي تلك المناطق ، ودعوتهم إلى دين الله ، وأن يستشعروا الأجر الكبير المترتب على ذلك ، ولو لم يرد منه إلاَّ قوله ـ عليه الصلاة والسلام ـ :(لأن يهدي الله بك رجلاً واحداً خير لك من حمر النعم) أخرجه البخاري ومسلم.
كما أنبِّه التجَّار لأهميَّة دعم الدعاة إلى الله ، وإرسال الهدايا والمعونات والأرزاق معهم إلى أهالي تلك المناطق ، ليتشجَّعوا بالحضور إلى الدورات المقامة من الدروس التي ترفع الجهل عنهم ، وكما كتب لي أحد الإخوة المشايخ ممَّن نفر لتلك المناطق قائلاً:( ولو أنَّ المكاتب التعاونية التي في تلك المناطق النائية دُعِمَت كما تدعم النصارى إرسالياتها وكنائسها لكان ما كان).
ومن هذا المنطلق فإنِّي أناشد وزارة الأوقاف والشؤون الإسلاميَّة والدعوة والإرشاد ، بأن تمتطي صهوتها ، وترسل الدعاة إثر الدعاة لدعوة أهالي تلك المناطق لدين الله ، وتصحيح معتقداتهم ، لعلَّ الله ـ عزَّ وجلَّ ـ يحدث بعد ذلك أمراً لتغيُّر الحال ، وأملنا في وزارة الأوقاف كبير جداً .
وقد حُكِيَ أنَّ صعصعة بن صوحان ـ وكان من حكماء العرب ومفكريها ـ دخل على معاوية ابن أبي سفيان ، فسأله معاوية قائلاً : يا ابن صوحان صف لي الناس ! فقال: خلق الناس أطواراً ؛ طائفة للسيادة والولاية ، وطائفة للفقه والسنة ، وطائفة للبأس والنجدة ، وطائفة رجرجة بين ذلك يغلون السعر ويكدرون الماء إذا اجتمعوا ضروا ، وإذا تفرقوا لم يعرفوا.
فاحذر أخي أن تكون من هؤلاء الرجرجة ، الذين لا عمل لهم إلاَّ كثرة الصياح والجلبة ، أو الذين لا عمل لهم ولا هم إلاَّ تكسُّب العيش ، والركون للدنيا .
وأكتفي بهذا القدر ، سائلاً المولى ـ عزَّ وجل ـ أن يجعلنا من أنصار دينه بالحجَّة والبيان ، والسيف والسنان ، وأن يهدينا ويهدي بنا ، ويهيئ لنا من أمرنا رشداً ، وصلَّى الله وسلَّم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه ، وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين.
ـــــــــــــــــــ
مركز العناية بالمسلمين الجدد.. خطوة رائدة في طريق العمل الدعوي
معمر الخليل
2/6/1427
ارسل تعليقك ...
تعليقات سابقة ...
ارسل الصفحة ...
الى مشرف النافذة ...
طباعة ...(115/1561)
تعد الدعوة إلى الله، من الواجبات الرئيسة في حياة المسلمين بشكل عام، وأحد الحقوق التي يجب أن تمنح لغير المسلمين، بها بعث الله النبيين والرسل، وعبرها دخلت دول وشعوب إلى الدين الإسلامي، ولأجلها رهن أناس صالحين حياتهم بها، وقدمت لها حكومات وجهات خيرية دعماً كبيراً، على أمل أن يهدي الله بهم الآخرين.
ولأن كل إنسان غير مسلم، هو هدف ومسعى أعمال الدعوة إلى الله، فإن بداية دخوله إلى الإسلام يجب أن لا تمر مرور الكرام، فحري أن يقف عندها المهتمون، ويطالها الدعم والبذل والاهتمام، في سبيل ترسيخ هذه العقيدة الصحيحة في قلوبهم، وجعلهم دعاة صالحين لأقوامهم. فكم من مسلم جديد أدخل إلى الدين آخرون من بني قومه، وساهم في نشر الدعوة الإسلامية في بلاده.
في المملكة العربية السعودية، التي شهدت أراضيها قبل نحو 14 قرناً من الآن؛ انطلاقة أول طلائع الدعاة إلى الله، التي توجّهت إلى العجم والفرس والأوروبيين (الفرنجة)، وعاش بين ظهرانيها العرب والعجم لا فضل لأحدهما على الآخر إلا بالتقوى، تم افتتاح مركز إسلامي جديد، يعنى بالدرجة الأولى بالمسلمين الجدد، الذين دخلوا الإسلام حديثاً، وهم في غالبيتهم من غير العرب، الذين هداهم الله تعالى على يد الدعاة والمصلحين في الأرض، خلال إقامتهم في السعودية.
موقع (المسلم) التقى الأستاذ صالح بن عبد العزيز العشيوان (المدير التنفيذي للمركز)، بهدف إلقاء الضوء على المركز بشكل أوسع.
ولأن كل إنسان غير مسلم، هو هدف ومسعى أعمال الدعوة إلى الله، فإن بداية دخوله إلى الإسلام يجب أن لا تمر مرور الكرام، فحري أن يقف عندها المهتمون، ويطالها الدعم والبذل والاهتمام
- أستاذ صالح العشيوان المركز يعد من المراكز النوعية الجديدة نوعاً ما، وبودنا لو تعرفنا بشكل أقرب عن فكرة تأسيس المركز وأهدافه.
- جاءت فكرة إنشاء مركز متخصص في تعليم الذين يدخلون في الإسلام أمور دينهم عندما كثرت أعدادهم ـ ولله الحمد ـ لذلك فكر مجموعة من الذين لهم اهتمام بدعوة الجاليات وعلى رأسهم فضيلة الشيخ حمود بن محمد اللاحم (رئيس مجلس إدارة المركز) بإقامة مركز متخصص يعنى بتعليم من يُسلم حتى لا يتراجع أو يكسل فيّسر الله هذا المركز بفضل من الله ومّنه".
- وهل الجهة التي تدعمها حكومية أم أهلية؟
- "تأسس مركز العناية بالمسلمين الجدد تحت إشراف وزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد وأعد له هيكل تنظيمي يضم عدة أقسام للقيام بمهام هذا المركز، ويهدف إلى الإسهام في ترسيخ العقيدة الصحيحة عند المسلم الجديد وتعليمه أمور دينه حيث تقوم مكاتب الجاليات بدعوة الجموع الغفيرة التي وفدت إلى المملكة العربية السعودية من الجنسيات المختلفة حيث دخل الإسلام منهم أعداد كثيرة _ولله الحمد_ ولكن الكثير منهم بحاجة إلى استمرار التعليم والعناية بهم نسأل الله الإعانة على القيام بهذه الرسالة العظيمة".
- ما أبرز الجهود الدعوية في خدمة المسلمين الجدد لديكم؟(115/1562)
- تتركز على التعليم، لمسيس الحاجة إليه بالنسبة لهؤلاء إذا ينتهج المركز وسائل عدة في تعليمهم ما يحتاجون إلى العلم به من أمور دينهم عبر التعليم المباشر، حيث يعقد المركز ممثلاً في قسم التعليم دورات تعليمية مكثفة يدرس فيها أساتذة متخصصون منهجاً تم إعداده وبناؤه من كتاب سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز ـ رحمه الله ـ (الدروس المهمة لعامة الأمة)، وكذلك عبر المراسلة من خلال منهجية معدة قام على إعدادها قسم المراسلة في المركز كذلك يتم التواصل مع المسلم الجديد وتعليمه عبر موقع المركز الإلكتروني ومن الخدمات التي يقدمها المركز للمسلم إلحاقه بدورات تعليمية متقدمة في العلوم الشرعية وكذلك تعليم اللغة العربية يمنح من يجتازها شهادة على ذلك. والمركز لا يغفل الحاجات النفسية لمثل هؤلاء المغتربين فهناك برامج الترفيه المصحوبة بالتعليم غير المباشر والتوجيه للآداب الإسلامية عبر إقامة مباريات في مختلف الرياضات التي تناسبهم.
وكذلك برامج الرحلات للعمرة والحج ورحلات الزيارة لبعض مناطق المملكة العربية السعودية والمواقع التاريخية والأثرية.
ومن الأمور المهمة أيضاً ربط المسلم بالمراكز الإسلامية المعروفة بسلامة العقيدة في بلاده في حال عودته إليها. وهناك بعض الخدمات المهمة التي تعنى بتوفير الكتب التي يحتاج إليها بلغات مختلفة، سواء كان من مطبوعات المركز أو من غيرها خاصة ترجمة معاني القرآن الكريم. والمركز أيضاً يقدم بعض الخدمات الاجتماعية لعلاج بعض الإشكالات التي يتعرض لها المسلم الجديد مع عائلته وزملاء العمل من غير المسلمين وغير ذلك".
- لكل وسيلة في الدعوة آليات معينة يتم من خلالها العمل، فإلى أي آلية تركنون في عملكم الدعوي، خاصة فيما يتعلق بالمراسلة؟
- مما لاشك فيه أن إيصال الكتاب والمطوية الدعوية إلى الناس مطلب مهم فكم سمعنا وعرفنا من شخص أسلم وعرف الطريق الصحيح بعد وقوفه على كتيب في مكتبة أو صالة انتظار أو أهديت إليه.
ولما كان الأمر كذلك أوجد المركز قسماً متخصصاً بهذا وهو قسم المراسلة يقوم بمراسلة المسلمين الجدد على وجه الخصوص عبر خطة مدروسة ومنهج معد لهذا الغرض فبعد أن يصلنا عنوان المسلم تبدأ مراسلته بريدياً والتواصل معه بإرسال الكتيبات والنشرات بشكل مدروس ومتدرج حسب الأهمية وما يحتاجه ويتابع هذا بواسطة برنامج حاسوبي معد لهذا الهدف ولا تختص المراسلة والتواصل بالداخل بل تمتد إلى المسلمين حول العالم ولمسنا لها الأثر البالغ في تصحيح مفاهيم والجواب من الإشكالات بل من فضل الله وكرمه أسلم من جراء نشر هذه الرسائل أعداد ممن وصلت إليهم هذه الرسائل بل أن من التحدث بنعمة الله أن بعض هؤلاء أصبحوا دعاة مؤثرين في الوسط الذي يعيشون فيه".
- ما الآلية والخطوات التي تتعاملون بها مع المسلم الجديد؟
- بداية يتم الاتصال به هاتفياً ـ إن أمكن ـ أو بريدياً وتهنئته بالإسلام ومن ثم إن كان في الداخل ـ في الرياض ـ يتم إلحاقه بإحدى الدورات التعليمية المكثفة لمدة يومين يتعلم فيها الفاتحة مع بعض قصار السور وأساسيات التوحيد والفقه مع التطبيق(115/1563)
العملي للطهارة والصلاة وبعض الآداب الإسلامية وشرحاً مبسطاً لشيء من علوم القرآن والحلال والحرام يتخلل ذلك زيارة لمغسلة الأموات في جامع الراجحي بعد صلاة الجمعة لشرح كيفية العناية بالمسلم بعد موته مع التطبيق العملي مما وجدنا له الأثر البالغ في ثبات الإيمان في قلوبهم عند المقارنة بمعاملة الكفار مع جنائزهم ومقدار التكاليف المبذولة في تجهيز الجنازة في بلاده. بعد ذلك يتم التواصل معه عن طريق عقد لقاءات عدة على فترات ثم يُلحق بإحدى الدورات التعليمية المتقدمة وتقدم له الخدمات التي سبق أن ذكرناها في معرض الجواب عن السؤال الثاني من رحلات عمرة وحج ودورات رياضية ترفيهية ومسابقات ثقافية تطرح على كتاب مُعين أو مشاركة في حل لبعض ما قد يعترضهم من عوائلهم أو زملائهم في العمل ونحو ذلك.
ثم بعد مغادرته إلى بلاده يتم توجيهه إلى أقرب مركز إسلامي معروف بسلامة المعتقد ليتواصل معهم هناك بالإضافة إلى التواصل بطريق الشبكة العنكبوتية".
كيف تقيّمون طريقة وأهمية التعاون مع مكاتب الدعوة الأخرى في العاصمة؟
إن دور المكاتب في الدعوة إلى الله دور عظيم ولها جهود مشكورة في هذا يتضح ذلك من خلال معرفة الأعداد الغفيرة التي تدخل في دين الله تعالى ومن هنا يأتي دور المركز في إكمال هذا العمل الجليل حتى لا يحصل الكسل والتراجع فتعاون المكاتب وتواصلها مع المركز يثمر ثمرة يانعة ظاهرة في ثبات المسلم الجديد وتعلمه.
ومن فضل الله فإن التعاون يزداد ويقوى من سنة إلى أخرى مع أننا نرغب في مزيد من هذا التواصل والتعاون بدءاً من تزويدنا بالعناوين للمسلمين حديثاً بشكل دوري وانتهاءً بمتابعة المسلم والتواصل معه في بلده أو حيثما كانت وجهته .
والمركز ممثلاً في قسم العلاقات العامة يبذل جهداً في إيجاد برامج مشتركة مع المكاتب وزيارتهم والتعاون معهم حتى تقوى أواصر التعاون وأوجهه، نسأل الله أن يوفق الجميع لما فيه الخير والسداد.
شكر الله لكم جهودكم ونفع بكم.
هذا والله نسأل أن يبارك في الجهود ويسدد الخطى، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
ـــــــــــــــــــ
تطبيق الطرق التعليمية بين التقليد والمعاصرة
عبد الحكيم الفلالي
18/5/1427
ارسل تعليقك ...
لا توجد تعليقات ...
ارسل الصفحة ...
الى مشرف النافذة ...
طباعة ...(115/1564)
عادة ما يقسم الحديث عن الطرق التعليمية إلى طرق تقليدية و أخرى عصرية حديثة، وكأن هناك تناقضا تاما بين الاثنين، حيث تحمل الأولى الطرق التقليدية المساوئ في مقابل محاسن الطرق الحديثة.
و إذا كان هذا مألوفا في عرض الطرق التعليمية و إبراز خصائص كل منها فإن نظرة متأنية ودقيقة لا تسمح لنا بهذا الحكم، بل يمكن القول أن الطرق التقليدية تعتمد في نقل المعرفة على الدرس الذي يلقنه المدرس على الكتاب المدرسي، لكنها لا تتعامل مع المتعلم كجهاز سلبي للتسجيل كما يتصور ذلك أنصار الطرق الحديثة، أما هذه الأخيرة (الطرق الحديثة) والتي يطلق عليها أحيانا الطرق التنشيطية، فتركز بشكل كبير على أنشطة البحث والابتكارات الشخصية كما تقلل من أهمية الحفظ، لكنها تقوم إلى جانب ذلك بالتلقين وذلك باعتبار أن المتعلم يحتاج إلى قدر مهم من المعارف التي يستخدمها كوسائل في عملية البحث إضافة إلى أن الوقت المناسب للتعليم لا يكفي لكي يحصل المتعلم على كل المعارف الضرورية بجهده الشخصي، فلا مناص من تلقينه جانبا من المعلومات الجاهزة وباختصار فإن الاختلاف بين الطرق التقليدية والحديثة يكمن في الأهمية النسبية التي توليها كل منها للتلقين والنشاط الشخصي على التوالي، لكننا نستطيع القول بأن هناك اختلافاً أهم مما سبق بين الطريقتين ويتجلى في الخلفيات النظرية التي تقوم عليها كل طريقة.
عادة ما يقسم الحديث عن الطرق التعليمية إلى طرق تقليدية و أخرى عصرية حديثة، وكأن هناك تناقضا تاما بين الاثنين، حيث تحمل الأولى الطرق التقليدية المساوئ في مقابل محاسن الطرق الحديثة.
وفي هذا الصدد يمكن أن نجزئ أهم المبادئ التي تقوم عليها الطرق التقليدية إلى ما يلي:
1- البساطة والتحليل والتدرج:
وتشير إلى ضرورة تحليل المادة إلى عناصرها البسيطة التي يسهل استيعابها متفرقة، ثم ينتقل التلميذ من العناصر البسيطة إلى العناصر الأكثر تعقيدا.
2- الحفظ:
إن تبسيط المواد هدفه تسهيل الحفظ ومراقبة قدرة التلميذ على اكتساب المعلومات التي تعلمها بواسطة التلقين.
3- الحدس:
ويؤكد أنصار الطريقة التقليدية على ضرورة استخدام الأشياء المخصصة للتوضيح والشرح لأن المعطيات الحسية تترك انطباعات راسخة في الذهن.
4- المنافسة بين التلاميذ:
وذلك لتشجيع المتفوقين والتنويه بهم وتوبيخ المتأخرين.
و إذا كان من الصعب إرجاع هذه المبادئ إلى نظريات تقنية واضحة فإنه رغم ذلك لا يخفى علينا أثر المدرسة التراكمية حول التفكير ومحتويات العقل، وكذا علم نفس الملكات والمدرسة الحسية التجريبية التي نعود إلى "دافيد هيوم" و "جون لوك"، غير أن تجاوز هذه النظريات من طرف علم النفس الحديث وتجاوز الطرق التربوية المبنية عليها والتي كانت حتى العقود الأولى من القرن 20 تسمى ثورية وعلمية(115/1565)
بنفس الدرجة التي توصف بها الطرق الجديدة في عصرنا الحالي لن يحدث ثورة كوبرنيكية، و أصدق مثال على ذلك، التعليم المبرمج "لسكينر"والتي تعتبر حديثة العهد و التي ترتكز أيضا على نفس المبادئ السابقة، فالمعلومات التي تقدم من خلال جهاز "سكينر" بريسي" أو غيرها تقوم على تحليل المادة إلى عناصرها البسيطة وتقديمها بصورة منطقية متدرجة وبصيغة تسهل حفظ كل عنصر منها على حدة، وتراقب عملية اكتساب المعلومات عن طريق الأجوبة التي يقدمها التلميذ والتي تحدد مسار التعلم حسب نوع الإجابة، وهذا يعني أنه ليست هناك قطيعة تامة بين الطريقتين، بل هناك نوع من الاستمرارية الذي يبدوا واضحاً من حين لآخر.
أما الطرق الحديثة فتقوم بدورها على مجموعة من المبادئ التي اشتقت عن النظريات والبحوث النفسية الحديثة وتشترك في مجموعة من الخصائص لخصها " جوي بالمد " في المبادئ التالية:
1- تكييف المدرسة لتوافق المتعلم، فالطرقة التعليمية والمدرس والبرنامج الدراسي كلهم يوجدون من أجل خدمة المتعلم
2- تكييف الممارسة التربوية تبعا للفروق الفردية .
3- عدم فرض التربية على المتعلم بالقهر و الانطلاق في تربيته من دوافعه الطبيعية ومن نشاطه العفوي واهتماماته، وبالمقابل فإن الاحتراس من المبالغة في إطلاق الحرية للمتعلم مطلوب أيضا حتى لا يؤدي هذا التوجه إلى الفوضى.
4- إتاحة الفرصة للمتعلم لممارسة نشاطه الشخصي في الملاحظة والتفكير والتجريب على الموضوعات التي يدرسها.
ويميز علماء النفس التربوي لدى تطبيق هذه المبادئ بين طريقتين مختلفتين هما الطريقة غير الموجهة والطريقة الموجهة.
تستند الطرقة غير الموجهة إلى أعمال روجر و ديوي بشكل خاص، وتقوم على ترك المبادرة للمتعلم في العملية التعليمية التربوية، فالمتعلمون داخل قاعات الدرس يختارون من تلقاء أنفسهم الأنشطة التي يمارسونها حسب ميولاتهم واتجاهاتهم الفكرية والوجدانية، نظراً للاختلافات الكبيرة بين رغبات المتعلمين وحاجاتهم بتدخل المدرس للتنسيق والبحث عن روابط بينها لتجنب الفوضى.
وحيث يبدأ التلاميذ في الاشتغال فإن وجود مدرس بينهم يكون فقط لمساعدتهم من الناحية النفسية إذا احتاج أحدهم إلى ذلك، ففي هذه الحالة ليس التلميذ هو الذي يتابع المدرس بل يصبح هذا الأخير تابعاً، إن صح التعبير، فيكيف حاجياته تبعاً لحاجيات التلميذ، بدل أن يفرض عليهم نظاما جاهزاً ولا يخفى أن مفهوم التربية هنا يتخذ معنى جديدا فالمربي يضع خبرته رهن إشارة التلاميذ فينتقل بهم تدريجيا وحسب طموحاتهم إلى مستوى معارف الراشد وتفكيره، كما أن البرنامج الدراسي لا يحدد بشكل مسبق، بل يصبح عبارة عن مجموعة من المعارف التي يجب أن يتوافر عليها التلميذ في مرحلة معينة وتترك له حرية اختيار البرنامج الزمني لدراستها وتلعب الرغبة في الإنتاج والابتكار و إثبات الذات دوراً هاما في خلق جو من النظام والمسؤولية داخل جماعة القسم وهو شرط لا غنى عنه للنجاح في تحقيق تلك الرغبة، ففي الفصول الناجحة لا يظهر أثر الفوضى لأن كل واحد يعرف كيف يؤدي(115/1566)
دوره بشكل طبيعي، ولمصلحة الجميع، لا يظهر أثر للفوضى، لأن كل واحد يعرف كيف يؤدي دوره بشكل طبيعي و لمصلحة الجميع.
أما الطريقة التنشيطية الموجهة فتنقسم إلى قسمين
1 الطرقة الاستنباطية:
في هذه الطريقة يهيئ المدرس الدرس ويخبر التلاميذ في بداية الحصة بموضوع الدرس، ثم يكلفهم باستخراج العناوين المناسبة لكل فقرة من فقرات الدرس.
2-الطريقة الاستقرائية:
تقوم على إخبار التلاميذ بموضوع الدرس وخطوطه العامة أسبوعا أو أكثر وتترك لهم بعد ذلك فرصة البحث عن الأشياء.
و أثناء الحصة الدراسية يوجه المدرس التلاميذ إلى تحليل الوثائق التي حصلوا عليها تبعا لكل وقت من أوقات الدرس، ويكون من ذلك تدريجيا نص الدرس الذي يحتفظون به تدريجيا، ويلاحظ هنا أن المدرس يحتفظ بالمبادرة ليبقى داخل التصميم الذي هيأه سابقاً، وعلى العموم ففي كلتا الحالتين تقتضي الطرق التنشيطية مشاركة التلاميذ في عملية التعلم باكتشاف المعارف التي يتعلمونها وإسهامهم الفعال والإيجابي في صياغة المعلومات واستخدامهم لكل طاقاتهم الإبداعية، ويمكن القول عموماً: إن الطرق الحديثة جعلت العملية التربوية تتمركز حول التلميذ بالدرجة الأولى، إذ بعد ما كانت العلاقة سابقا تقوم على سلطة المدرس المطلقة داخل الفصل، مقابل الخضوع التام من قبل التلاميذ عملت الطرق الحديثة على التقليل من أهمية هذه العلاقة في العملية التربوية لتفسح المجال للعلاقات بين التلاميذ أنفسهم، بحيث يصبح التواصل بين التلميذ و التلميذ أو المجموعات بالتلميذ أكثر تكرار من اتصال التلميذ بالمدرس، والذي لا يتم إلا عند الحاجة فقط، ومن المؤكد أن هذه العلاقات تنشئ جوا أخلاقيا ووجدانياً ومسؤولاً مختلفا عن جو القسم التقليدي وتعطي معنا آخر للنظام داخل الفصل. فالتلاميذ يعترفون باتساع خبرة المدرس ولدى حين يتدخل إلى توجيههم فإنه لا يفعل ذلك بسلطته كمدرس ولكن على أساس أن يفيده بخبرته المتوافرة لديه.
أما الأساس النفسي الذي تقوم عليه الطرق الحديثة فهو مراعاة اهتمامات التلميذ فلكي تتأسس علاقات من النوع الذي ذكرنا بين المدرس والتلميذ يجب أن نحترم حاجة هذا الأخير أي التلميذ و أن تكون العملية التربوية قادرة على إشباعها والاستجابة لها والملاحظ أن المردودية ترتفع بقدر ما توفر الأنشطة التعليمية إشباعا لفضول التلميذ بحيث نجده يقبل بكل طاقاته النفسية والعقلية على المهمات التي تجلب اهتمامه، وتجدر الإشارة إلى ان مفهوم الاهتمام هو مفهوم شاسع يتضمن حسب ديوي عنصراً وجدانياً يتعلق بالميل نحو الموضوع، وعنصرا معرفيا يتجلى في الفضول وحب الاستطلاع، وعنصرا حركيا هو النشاط الذي تثيره لدى الفرد، من هنا يظهر الدور البارز للاهتمام في العملية التربوية التي تهدف إلى استثمار كل طاقات الفرد الوجدانية والمعرفية والحركية.
وبشكل عام يمكن القول أنه بقدر ما ترتكز الطرق الجديدة على توظيف اهتمامات المتعلم لتوجيه كل طاقاته النفسية نحو موضوع التعلم بقدر ما تنفر من توظيف جانب(115/1567)
آخر من شخصيته أي استثمار نشاطه ودفعه إلى بدل جهده الأقصى وذلك بإذكاء روح المنافسة بينه وبين زملائه، وقد عملت الطرق التقليدية على إذكاء المنافسة لاعتبارات مفادها أنها أكثر مردودية وفائدة في التربية إضافة إلى أنها ترتكز على دافع طبيعي في عند الإنسان وهو الصراع من أجل التفوق و إثبات الذات في مواجهة الآخرين غير أن استعمالها في إفراط قد يؤدي إلى مخاطر قد كشفت عنها الدراسات النفسية الحديثة مثل دراسة مظفر شريف، فهي قد تنشئ الأحقاد والكراهية بين التلاميذ، وتسبب ترسيخ الشعور بالنقص لدى المتخلفين، الأمر الذي يجعل منهم إما تلاميذ كسالى لا مبالين و إما مصدراً للشغب و الفوضى داخل الفصل كتعبير عن رفض المدرسة وكتعويض عن نقصه ذاك.
ونؤكد هنا بأن استعمال المنافسة بإفراط هو الضار كما أن إقصاء المنافسة من العملية التعليمية لا يعني إمكانية الاستغناء عنها نهائياً، بل إنها تؤدي دوراً مفيداً في مجالات و أنشطة أخرى مثل الأنشطة الترفيهية والمنافسات بين الفرق الرياضية مثلا، ففي مقابل المنافسة يضع أنصار الطرق الجديدة التعامل والتضامن والعمل المشترك بين التلاميذ كأساس نفسي آخر لإنجاح العملية التعليمية والرفع من مردوديتها، ولهذا تقسم جماعة القسم إلى زمر وجماعات توكل لكل واحدة منها مهمة محددة تستلزم تعاون كل الأفراد في إنجازها، وتكون الطريقة أنجح كلما تطلبت المهمة أعمالا متكاملة فيما بينها حيث يتخصص كل عنصر في عمل محدد وقد بينت دراسات علم النفس الاجتماعي فعالية هذه الطريقة في توزيع العمل والقضاء على مظاهر الصراع والعدوانية بين المراهقين، ونشير إلى أن هذه الطريقة هي الأكثر ملاءمة في تربيتهم الاجتماعية ومن هذه الزاوية تبدو الطرق الجديدة أكثر فائدة في تهييء التلاميذ للانخراط في الحياة الاجتماعية المستقبلية وتنمية روح التضامن والتعاون لديهم عوضا عن الفردية التي تعمل الطرق التقليدية على تكريسها، وهناك بعض الطرق الأخرى التي تجمع بين العمل الفردي والعمل داخل المجموعة، نذكر منها على سبيل المثال طريقة فريني وطريقة ووش بورن الأمريكية، وفي كلتا الحالتين تعطى أهمية قصوى للنشاط الفردي والنشاط الجماعي، فمن خلاله تتم تنمية قدرات الفرد الإبداعية و إتاحة الفرصة للتعبير عن خبراته وتجاربه وملاحظاته ومن خلاله كذلك يقوم بالتعلم لذلك يمكن استعمال الملفات التي يوفرها فريني داخل الفصل، وهي ثلاثة:
- ملفات وثائقية: تعطي معلومات دقيقة عن الموضوعات التي يهتم بها التلميذ.
- ملفات تحتوي على المفاهيم التي ينبغي اكتسابها.
- ملفات التمارين التي تشمل على مجموعة من المشاكل المتدرجة في الصعوبة للاستعانة بها في اكتساب المفاهيم.
ويقتصر استعمال ملفات التمارين على الاستعمال الفردي في حين يمكن استخدام النوعين الأولين في العمل الجماعي والفردي ، هذا ويضيف ووش بورن جذاذة أخرى (ملفاً ) تسمى بجذاذة الاختبارات لمعرفة النقص المتبقي في عمل التلميذ، وطبيعة هذا النقص وإرشاده تبعاً لذلك إلى التمارين اللازمة للتغلب على المشاكل التي تواجهه.(115/1568)
إن العمل الفردي بهذا الشكل يعتبر من بين مزايا الطرق الجديدة إذ يسمح بتكيف العملية التعليمية حسب الفروق الفردية بين التلاميذ خاصة ما يتعلق بسرعة الفهم والتعلم حيث يتقدم التلميذ بسرعته الذاتية ولا ينتقل من خطوة لأخرى إلا إذا كان قد استوعب جميع المعارف والمهارات المتعلقة بها وتغلب على المشاكل التي أثارتها لديه على عكس التعلم الجماعي الذي إن سايره البعض يبقى بالنسبة للبعض الآخر بطيئاً ومملاً، وبالنسبة للبعض الآخر سريعاً، ولا يتمكن المدرس فيه من التغلب على المشاكل التي تثار لدى التلاميذ نتيجة طبيعته الجماعية بالذات، وبالنسبة لووش بورن لا يهدف العمل الجماعي إلى اكتساب معلومات، بل إلى توجيه التلاميذ للتربية الاجتماعية حيث يعطيهم فرصة للتعبير الحر من خلال الأنشطة الفنية و الأدبية والرياضية وللتعاون والعمل المشترك مع زملائه الدرس والمختبرات.
من خلال تعرفنا عن الطرق التعليمية بشقيها التقليدي والحديث يمكن تسجيل بعض الملاحظات:
إن الطرق الجديدة وخاصة منها الأمريكية و الأوربية ذات أهداف سياسية واجتماعية واضحة فهي ترمي إلى تنشئة الأفراد على حب وممارسة الديمقراطية الغربية وإلى تنمية روح المبادرة والإبداع الشخصيين اللذين يقوم عليها الاقتصاد الغربي، ولهذا تعطي مردودية عالية في المجتمعات التي تطبق النظام اللبيرالي في السياسة والاقتصاد.
إن التربية فن وممارسة إلى جانب كونها علما ونظرية لهذا فإن الطريقة التقليدية التي تعتبر غير صالحة من الناحية النظرية تتحول في يد المربي المتمرس إلى طريقة فعالة ذات مردودية عالية والعكس صحيح، أي أن الطريقة الجديدة ذات المزايا النظرية قد تكون لها أسوأ النتائج إذا طبقت من طرف مرب فاشل.
ويمكن القول أن الطرق الجديدة والتقليدية على السواء ليست لها قيمة في ذاتها من الناحية العملية بل تستمد قيمتها من مهارة ومرونة الشخص الذي يطبقها.
إن الطرق الجديدة بالرغم من مزاياها ومحاسنها مقارنة مع الطرق التقليدية تبقى نسبية ومشروطة بالمستوى المعرفي الذي نشأت فيه وخاصة ما يتعلق بعلم النفس والاجتماع وعلم وظائف الأحياء و غيرها من العلوم التي تؤثر على تطور النظريات التربوية.
إن أغلب الطرق الجديدة تتلاءم مع تعليم الأطفال في المرحلتين الابتدائية والإعدادية وأيضا مرحلة ما قبل المدرية ولا تصلح لسن البلوغ نظراً لتغير البنية النفسية للمراهق فإذا كان بذل الجهد رهيناً ومشروطا ومستوجبا بوجود الاهتمام لدى الطفل فإن هذا الارتباط يختفي لدى المراهق بحيث يمكنه بدل الجهد بشكل إرادي في مهمة صعبة قد لا تكون محط اهتمام إذا طلب منه ذلك؛ لأن بذل الجهد في سن المراهقة يصبح وسيلة لإثبات الذات؛ ولأن الإرادة الشخصية يصبح لها دور كبير في السلوك.
و أخيراً يمكن القول: إن الطرق التربوية هي نتاج ثقافة ومجتمع وحضارة بعينها تعطي ثمارها في المجتمع الذي نشأت فيه أصلا وفي كل مجتمع ينسجم سياقه الاجتماعي والسياسي والمذهبي مع المبادئ التي تقوم عليها، فإذا نقلت إلى سياق اجتماعي وسياسي مختلف فمن المحتمل آنذاك أن تثير المشاكل أكثر مما تحلها.(115/1569)
ـــــــــــــــــــ
أساليب اكتشاف وتنمية الإبداع عند الأبناء
خالد روشه
5/5/1427
ارسل تعليقك ...
لا توجد تعليقات ...
ارسل الصفحة ...
الى مشرف النافذة ...
طباعة ...
أمل كبير وضاء كثيراً ما يدور بأذهان الآباء والأمهات يدعوهم أن يتميز أبناؤهم وينبتوا صالحين نابهين نافعين لأمتهم، وأن يخرجوا أصحاب إنجازات باهرة وابتكارات نافعة، وأن يجعلهم قدوة لغيرهم.
ولكن كثيراً ما تتبخر هذه الآمال مع مشاغل الحياة ودورة الأيام وضغوط المطالب الدراسية على الأبناء وجاذبية الألعاب وتضييع الأوقات فيما لا ينفع.
ونحاول هنا معا في هذا المقال أن نقدم للآباء والأمهات بعضا من النصائح العملية التطبيقية للانتفاع بها في تنمية مواهب واستخراج إبداعاتهم أبنائنا....عاقدين العزم على تخصيص سلسلة متكاملة للحديث المفصل في هذا الموضوع الهام..
أولاً: نحن قدوة لهم إذا أردنا تميزهم:
قد ينظر الأبوان إلى أنفسهم فلا يجدوا أنفسهم قد برعوا في شيء متميز أو أبدعوا شيئا متميزا أو كانت لهم مواهب جلية أو غيره، فعندها قد يصاب الأبوان بالصمت المطبق ويمتنعون عن أن يبدوا اهتماما بإبداع أبنائهم، أو على الأقل يظنون أنهم لن يصلحوا قدوة لهم في هذه الجوانب الإبداعية والمواهب الخلاقة: وأجيب عليهم رافضا موقفهم كل الرفض، فليس مقصودا من أن نطلب منهم أن يكونوا قدوة لأبنائهم أن يكونوا متميزين فيما يطلبونه من الابن.. فهذا قد يصعب على عدد غير قليل من الآباء والأمهات، ولكن يستطيع الوالد أن يكون قدوة في التشجيع إلى ما يؤدي إلى الموهبة، وما يؤهل إليها وما ينميها عند ولده، وتهيئة الظروف لذلك، ونصحه ودفعه للتميز في موهبته، والاهتمام بما يتميز فيه، وتشجيعه في ذلك..وغيره
هو أسلوب علمي وخطوة منهجية ناجحة، أن يهتم الوالدان بملاحظة سلوك ابنهم وملاحظة نبوغه أو تميزه في أي المجالات وملاحظة إبداعه وابتكاره في أي الجوانب
ثانياً: الملاحظة طريق الاكتشاف:
هو أسلوب علمي وخطوة منهجية ناجحة، أن يهتم الوالدان بملاحظة سلوك أبنهم وملاحظة نبوغه أو تميزه في أي المجالات وملاحظة إبداعه وابتكاره في أي الجوانب.
والابن في أحيان كثيرة لا ينتبه لما يميزه وقد لا يستطيع أن يعبر عن إبداعه في أي المجالات، ولكنه قد يعبر عنه بطريق غير مباشر كأن يقول: إنه يحب حصة اللغة العربية، وأنه يحب أكثر ما يحب فيها التعبير، أو يقول إنه اليوم قد صار متقدما في(115/1570)
لعبة رياضية كذا أو أنه كلما شاهد مدرس مادة المهارات انشرح صدره أو أنه يفضل شراء ألعاب الفك والتركيب أو أنه يجد نفسه كثيرا عندما يقرأ مجلة معينة أو أنه يفضل رؤية التحولات الكيميائية المختلفة في معمل المدرسة... إلى غير ذلك من طرق تعبير الأبناء، وكل هذه الطرق في التعبير وغيرها يجب أن يتابعها الآباء ولا تمر عليهم بلا تدبر وبحث، إنما الواجب على الوالد أن يضع تلك التصريحات تحت التدقيق والبحث بحيث إذا وجدها تتكرر من ولده علم أن الابن تستهويه مجالات معينة ولا تستهويه الأخرى، وواجب الوالدين عندئذ أن يشجعوه فيما يحب إذا كان خيراً، ويدفعوه إلى الاستزادة منه، وأن لا يزيدوا كراهيته فيما يكره، إلا إن كان شرا، فعندئذ يزجروه عنه ويحذروه منه.
ثالثا: كيف أشجع أبنائي؟
بعد الملاحظة الدقيقة والمتابعة الجيدة لحال الابن هناك خطوة أخرى هامة علينا أن نهتم بها، وهي رسم خطة تربوية لتشجيع الأبناء، فكثير من الآباء يرى أن التشجيع إنما هو كلمة طيبة ونصيحة طويلة ثم أن يشتري الأب أم الأم له ما يحب أو ما يفضل.. وأنا هنا أختلف إلى حد كبير مع هذا المنهج المنتشر.. فللتشجيع طرق وأساليب أخرى أكثر تعقيدا وأكثر علمية، فالخطة التربوية للتشجيع يجب أن تتخذ خطوات متدرجة ولا تعتمد على وسيلة واحدة أو اثنتين، فينبغي في البداية أن يعقد الوالد جلسات للتفريغ الوجداني في المنزل، تسودها مشاعر أبوية تملؤها الرحمة والمودة، يعبر الابن فيها عن رغباته وعن بعض مكنونات نفسه، وعندها على الوالد أن يستزيد في معرفة ما أكدته الملاحظة عنده، ثم عليه أن يتابع مدرسيه في المدرسة ويتأكد من صحة ملاحظته ونتائج جلسات التفريغ الوجداني، فإذا تأكد لديه حب الولد للإبداع وتميزه في جانب معين فعليه أن يؤدي أمورا ويحذر من أمور أما المحاذير فسأؤخرها لمحور قادم وأما الأمور التي عليه أن يؤديها فمنها: أن يتعمد إجراء بعض الخطوات لجذب الولد نحو ما يحب، كأن يحدثه عن نبوغ أحد النابغين في نفس المجال الذي يفضله الابن، ويكثر من ذلك، ثم في يوم آخر وبطريقة أخرى يحدثه عن مدى نفع هذا المجال للمجتمع وللفرد، ثم هو يؤخر عنه شراء بعض الأدوات التي تنفعه في ذلك المجال ويحدثه عنها قبل شرائها، حتى إذا ألح الابن في طلبها اشتراها له فيعرف قيمتها ويحبها..
ويمكن للوالدين أن يتحدثا بتميز ولدهما أمام الأقارب الثقات والمحبين كالجد والجدة والعم والعمة وغيرهم ليبثوا في الولد الفرحة بما يفعل وليجد التشجيع منهم أيضا، وكذلك إذا أفلح الابن في عمل إنجاز أيا كان فعليهم إبداء السعادة به وتقديره وإبداء الإعجاب به، ومن الأساليب المميزة في ذلك أن يجمع الوالدان والمربي بعض أقرانه ليعلمهم تميزه ويشرح لهم بعض ما خفي عنهم فيه فيحب الابن تميزه أكثر ويتعمق فيه أكثر وأكثر.. ومن أساليب التشجيع الحسنة أيضا أن يضفي أهل البيت على الابن أحد الألقاب المميزة له والتي تدل على مجال نبوغه مثل: يا مهندس أو يا كاتب أو يا شاعر أو يا مخترع.. أو مثل ذلك.. لكن ليكن ذلك لمدة مقطوعة وليست مستديمة، ويتجدد اللقب كلما ظهر بإنجاز... إلى غير ذلك.
رابعا: محاذير ونصائح:(115/1571)
1- احذر أيها المربي من قسر الولد على موهبة بعينها قسرا ولكن ابدأ بتحبيبه فيما تريد أن تحببه فيه واجعل لذلك وقت فإن التحبيب لا يتكون في لحظة من نهار ولا في يوم من أسبوع ولكن مع تكرار وأيام.
2- قد يبدو من الابن أكثر من موهبة فاحذر من إهمال أحدها بالكلية بحجة التركيز على واحدة ولكن اهتم أكثر بأهمها قيمة ثم التي تليها وهكذا.. واعلم أن الأبناء لديهم قدرات مكنونة قد يتعجب لها المتابع إذا استمتعوا بما يفعلون ووجدوا فيه أنفسهم وزادت قناعتهم فيه.
3- التأهيل العلمي والتحسين المنهجي ضروريان للموهبة التي يتميز فيها الطفل والمجال الذي ينجز فيه فلا تدع العشوائية تسيطر على هذا التميز.
4- لا تغلق عقل ابنك على مجموعة تعينها بذاتها للمواهب أو للنبوغ فإن المجالات متعددة فمن ذلك: حفظ العلوم الإسلامية والنبوغ في ذلك، أو كتابة المقالات الأدبية أو الشعر والنثر والأدب، أو كتابة القصة الرصينة ذات الهدف الراقي، أو ما يتعلق ببرامج الكمبيوتر المختلفة، أو دراسة اللغات المختلفة، أو الرياضة بأنواعها المفيدة أو غيره.
5- هناك من الهوايات ما هو منتشر بين الأبناء وهو تافه لا قيمة له ولا تبني شيئا مفيدا لدى الأولاد ومن مثال ذلك ما يطلقون عليه: جمع الطوابع وجمع العملات وجمع الصور وآثار الحضارات الوثنية البائدة.. وغير ذلك مما هو شينة ومنقصة لمن يهواها وليس ميزة.
6- هناك ما يمكننا أن نطلق عليه (محو الأمية العصري) وهو ما لا يسع أبناؤنا جهله وهو ما يتعلق بأسس تشغيل والاستفادة من الكمبيوتر وطرق معرفتها وكذلك تعلم اللغات الأجنبية التي تمكننا من فهم حضارات الغرب وخبراتهم الحسنة وتمكننا من التميز عليهم ودعوتهم ومخاطبتهم بلسانهم فيما نعبر به عن أنفسنا وديننا.
ـــــــــــــــــــ
خطة بناء وتفعيل مجموعات العمل الدعوي والتربوي 2
خالد روشه
26/4/1427
ارسل تعليقك ...
لا توجد تعليقات ...
ارسل الصفحة ...
الى مشرف النافذة ...
طباعة ...
(تحدثنا في الجزء الأول عن أهمية بناء فريق العمل ثم عواقب الفشل في بنائه كما تحدثنا عن علامات نجاح الفريق و بدأنا في الحديث عن خطوات بناء مجموعات العمل والتي بدأناها بالحديث عن الأهداف ودراستها، وفي هذا الجزء نكمل معا الحديث عن خطة بناء مجموعات العمل حيث نبدأ بالحديث عن الخطوة الثانية من خطوات بناء مجموعات العمل وهي اختيار فريق العمل..).
ثانيا: اختيار فريق العمل:(115/1572)
هي الخطوة الثانية من خطوات بناء الفريق، ويعتور هذه الخطوة كثير من الأخطاء التربوية التي قد يقع فيها المربون والقادة مما يكون لها الأثر السلبي فيما بعد على النتائج المتوقعة.
ومن أجل ذلك نحاول أن نقف معا على عدة نقاط أساسية أثناء القيام بتلك الخطوة:
1- أننا هنا عندما نتحدث عن اختيار الأفراد كفريق للعمل فإن معالم هذا الاختيار أيضا تنطبق أغلبها على اختيار المجموعات التربوية الخاصة التي يريد المربي من خلالها تربية أفراده للوصول بهم نحو تشرب منهج تربوي محدد وتطبيقه وإنجاز أهدافه، غير أن الفارق بينهما فقط يكون في اشتراط شروط زائدة مرادة في المجموعات ذات المهمات المعينة والتي قد تحتاج إلى مؤهلات علمية معينة أو غيرها..
يعتور خطوة اختيار فريق العمل كثيرٌ من الأخطاء التربوية التي قد يقع فيها المربون والقادة مما يكون لها الأثر السلبي فيما بعد على النتائج المتوقعة
2- يجب أن يتم اختيار الأفراد من خلال تعايش تربوي لا اختبار للهيئة وفقط ولا اختيار عبر لقاء سريع، حيث إن هناك من الأفراد ذوي المواهب من لا يستطيعون إبراز مواهبهم في أول لقاء أو من مجرد أسئلة عابرة، كما أن هناك آخرين قد ينخدع بهم المربي في اختياره بما يبدو عليهم من الفصاحة أو التفتح أو سرعة البديهة فيختارهم ويضمهم لفريقه ويكونون متصفين بسىء الأخلاق وكريه الصفات..
3- من المهم ألا يعتمد القرار في قبول الفرد من عدمه على رأي مرب واحد فقط بل يجب أن يشاركه في ذلك أكثر من مرب متمرس حيث إن البعض قد لا ينفتح للأخر في أول لقاء لسلوك يصدر رغما عنه أو خلاف أو تضارب في وجهات نظر أو عدم راحة لقسمات وجه أو أسلوب حديث أو غيره فيجب أن يخضع الحكم لأكثر من قول مرب لا لواحد.
4- يراعى في اختيار الأفراد تقاربهم النسبي في المستوى العلمي والثقافي والاستيعابي حيث يستطيعون تدارك بعضهم بعضاً في الفهم والتطبيق، كما يجب أن يراعى تناسب الأعمار فلا يلحق صبي بمجموعة شباب ولا صغير بمراهقين أو غيره، بل ننصح بألا يزيد فارق العمر عن سنة واحده في مجموعات الصغار، وسنتين في مجموعات المراهقين وثلاث سنين في مجموعات الشباب... وما هو بعد ذلك يراعى فيه التناسب النسبي فحسب بغير تحديد.
5- ينبغي أن يتصف الأفراد بالنضج العقلي والتيقظ الفكري وسرعة الفهم والاستيعاب.
6- كما ينبغي أن يتصفوا جميعا بقابلية النمو والتطوير، ويستطيع المربي أن يعرف ذلك عن طريق تجارب اختبارية سريعة يقوم فيها بتعليمهم نموذجا تعليميا جديدا في السلوك أو التفكير ويطلب منهم تطبيقه على نموذج آخر أو موقف جديد..وهكذا
7- من المهم في اختيار مجموعة العمل أن تكون محبة للحياة الجماعية ومؤهلة للعمل بروح الفريق والقدرة على التواصل والتفاعل.
8- هناك صفة أخرى أساسية ومهمة للغاية يتم الاختيار على أساسها وهي الثقة في النفس – وبينها وبين الكبر والعجب شعرة يعرفها المربي – وهي صفة توفر الكثير(115/1573)
من الجهود والأوقات على المربي وتعين في التقدم نحو صفات القيادة، وأهميتها هنا بالخصوص هو القدرة على تخطي المعوقات والصعاب وحل المشكلات أثناء العمل وكذلك القدرة على الاعتماد على النفس في أداء المهام.
ثالثا: التكليف والتوجيه:
واقصد به هنا الخطوة التي تلي الاختيار وهي الحلقة التي تسبق تنفيذ العمل المطلوب وتعتبر الخطوة العملية الأولى في التنفيذ، وهذه الخطوة بها أيضا عدد من النصائح والمحاذير نحاول توضيحها بإيجاز:
1- من المهم في البداية التعرف على قدرات ومهارات كل فرد من أفراد المجموعة وهناك عدة وسائل لذلك منها: (المناقشات والحوارات المفتوحة, المعايشة المخصوصة مع الملاحظة، التاريخ، والاختبارات العملية)
2- هناك عدة خطوات داخلية خاصة عند توزيع المهام والاختصاصات على أفراد الفريق، ومنها: -
- أن يفتح باب الحوار مع الأفراد لوضع توصيف دقيق للمهمة وأهدافها والوسائل المقترحة
- تحديد الاختصاصات، والصلاحيات بدقة.
- تصوير مسبق عن المشاكل المتوقعة، وكيفية التعامل معها وحلها بمشاركة أفراد الفريق
- تحديد قنوات وسائل الاتصال في الظروف العادية و الطوارئ.
- إعدادات اللائحة الداخلية، واعتمادها بمشاركة الفريق.
3- يجب أن يعتمد التكليف بالاختصاص في غالب أحواله على الرضا والقناعة بالمهمة لا على الفرض والضغط على الأفراد، إذ إن المهمة القائمة على القناعة والاختيار غالبا ما تكون أنجح وأكثر قبولاً وراحة عند التنفيذ.
4- ينبغي على المربي توضيح وبيان معنى الطاعة المطلوبة أثناء عمل الفريق، وهنا ينتبه المربي إلى أنه حين يعرض معنى الطاعة يجب أن يتخلى عن رغبته في التقدير والسيطرة والتحكم في الآخرين، بل يجب أن يعرض عليهم معنى الطاعة كمعنى محبب للنفس ينبني على احترام الكبير وتقدير الآخر والرغبة في تميز الأداء، لا من خلال الأمر والنهي والضغط والإلزام فإن تلك الأخيرة معان غالبا ما تتسبب في إفشال العمل وإن بدا للبعض أنها تنشئ الانضباط والنظام..
رابعا: المتابعة والتقويم:
تقوم عملية المتابعة فعليا ابتداء من أول لقاء من المربي للأشخاص حيث يقوم بملاحظة الأفراد وتتبع صفات كل منهم ومدى إمكانية الاستفادة منه لأداء المهمة المنوطة، وكذلك مدى إمكانية تعديل سلوكه أو جانب من جوانب تفكيره..
وتستمر عملية المتابعة باستمرار أداء فريق العمل لمهمتهم، حيث يتابع المربي مستوى الأداء ومدى التفاعل الجمعي بينهم ومدى تأثير الصفات الشخصية على العلاقات بين المجموع ومدى التأثر بالبيئة الجديدة – سابا أو إيجابا – لكل فرد من الأفراد.(115/1574)
كما يقوم المربي والقائد بما يسمى بعملية التقويم: للسلوك، وردود الأفعال، والانطباعات، وآثار النتائج السلبية التي يمكن أن تحدث أثناء العمل.
وعملية التقويم عملية شاقة لا يستطيع أن يقوم بها غير المربي الخبير الذي يستطيع امتصاص المواقف السلبية وتحويلها – عبر إمكاناته الداخلية – إلى نصائح وتوجيهات وتدعيمات عملية ونظرية بحيث ينتفع بها الفرد والمجموع فيما يلي من مواقف.
وقد تبدو عملية التقويم متأخرة في ترتيبها بالنسبة لخطوات بناء الفريق، ولكن الحقيقة الفعلية هي أن عملية التقويم عملية مستمرة ومتتابعة وموجودة منذ البداية، وقد تتبدى في مقولة أو نصيحة أو سلوك يحمل معنى الاقتداء أو تطبيق عملي للفعل الإيجابي المنصوص عليه في القرآن أو السن
ـــــــــــــــــــ
خطة بناء وتفعيل مجموعات العمل الدعوي والتربوي
(دراسة منهجية للأداء العملي لفرق العمل المختلفة)
خالد السيد روشه
19/4/1427
ارسل تعليقك ...
لا توجد تعليقات ...
ارسل الصفحة ...
الى مشرف النافذة ...
طباعة ...
يعتمد العمل التربوي مبدأ أساسياً هاماً هو مبدأ التعاون والمشاركة العملية في كل مرحلة من مراحله، وذلك تطبيقاً لقوله _تعالى_: "وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الْأِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ..." (المائدة: من الآية2).
وانطلاقا من هذا المبدأ، يحتاج القائد المربي دوماً إلى بناء مجموعات مترابطة للقيام بالدور التربوي والتعليمي التطبيقي الذي يحول النظرية التربوية إلى واقع عملي ملموس.
وللأسف العميق فإن كثيراً من المربين يفتقدون الأساليب الأساسية لتكوين فرق العمل ومجموعات الإنتاج بل ويقتصرون في أدائهم التربوي على وسيلة واحدة هي وسيلة التكليف للأفراد.. وهي وسيلة قد ثبت ضعف تأثيرها وسوء نتائجها في التأثير التربوي في الشخصية المرباة أو في إنجاز المهام المؤثرة – إلا في بعض المواضع التي تدعو الحاجة إليها فعندئذ يتوجه التكليف الشخصي للمهام ويكون له أثر ملموس–.
للأسف العميق.. إن كثيراً من المربين يفتقدون الأساليب الأساسية لتكوين فرق العمل ومجموعات الإنتاج بل ويقتصرون في أدائهم التربوي على وسيلة واحدة هي وسيلة التكليف للأفراد
أهمية بناء فريق العمل:(115/1575)
إن بناء البيئة الإيمانية التطبيقية مطلوب للغاية كحلقة مؤثرة في تكامل الشخصية التي تتلقى العملية التربوية وتتعلمها، ويعتبر فريق العمل هو نوع إيجابي من أنواع تلك البيئات، حيث يمكن التحكم في مختلف العوامل المتغيرة في تلك البيئة وبالتالي توجيه التأثير نحو القدر المراد تقويته أو تقويمه أو تعديله في شخصية الفرد داخل الفريق.
كما يمثل فريق العمل شكلاً نموذجياً مثالياً لتطبيق القيم الإسلامية السامية الخاصة بتعامل الفرد مع أخيه وتعامل الفرد مع المجموع، فتبدو فيه معاني الإيثار والتآخي والتواد والتراحم والمحبة في العقيدة والتواثق على ذات الهدف، إضافة إلى معاني الشورى والمشاركة والتفاني في العمل وقبول الصغير من الأعمال ككبيرها..
وتجد كذلك الطاعة جواً مثالياً لتطبيق مفاهيمها تبعاً للضوابط الحكيمة والخبرة المستقيمة في تطبيقها، سواء من قيادة الفريق أو من أفراده.
ونشأة الفرد المسلم متأثراً بأخلاق فريق العمل الناجح تذيب في داخله معاني العجب بالعمل والكبر كما تذيب معاني التميز على الأقران والاستعلاء على الآخرين وتذيب معاني الحرص والطمع، وتباعد بينه وبين الشعور بالعجز أو الكسل, كما تذهب عنه صفتي الجبن والبخل وتمنعه من الانطواء والانزواء والتقوقع.
الفشل في بناء الفريق..
وبقدر تلك المزايا السابقة التي هي مرشحة للتفعيل من خلال فريق عمل ناجح بقدر الخوف والحذر الذي ينبغي أن يسيطر على المربي من الفشل في تكوين فريق العمل بصورة مقبولة أو يحدث التعثر في مرحلة من مراحل بنائه، وعندها قد تنقلب الإيجابيات – السابق ذكرها – إلى سلبيات تتوالد وتتكاثر فينتج منها أفراد يحملون صفات مرضية قبيحة.
فالفشل في بناء فريق العمل أو عشوائية بنائه بغير مراعاة للأسس الإيمانية و العلمية والنفسية والتربوية الأصيلة يخرج لنا أنواعاً من الأمراض الفردية والجماعية قد لا تقوى الجماعة على تحملها، مما ينذر بخطر محدق على العملية التربوية بأسرها.
فقد ينتج عن سوء اختيار عناصر الفريق ما يمكننا أن نسميه عدم التكيف الجمعي بين الأفراد، أو أن ينتج عن سوء متابعة الفريق أشكال من الصراعات على الأدوار القيادية أو المميزة داخل الفريق، أو أن يصبح فريق العمل مرتعاً خصباً لمظاهر الرياء والتباهي بالعمل أو الافتخار بالإنجاز، أو أن تحدث عمليات الكبت النفسي والإهمال لبعض أفراد الفريق ما ينتج عنه كراهيته للفريق وسلبيته في التعاون معه وغير ذلك الكثير والكثير من الأمراض التي سنحاول أن نفرد لها حديثاً خاصاً عن قريب _إن شاء الله_.
متى يكون الفريق ناجحاً:
هناك خمس علامات أساسية يستطيع بها القائد أن يطمئن على مسار فريق عمله أنه في سبيله لإنجاز أهدافه، وهذه العلامات هي كما يلي - على وجه الإيجاز -:
1ـ عندما يتخلص الفريق من فردية الأداء ويحرص أفراده على تطبيق عامل المشاركة والتشاور وتبادل الآراء في كل خطوة من خطواتهم مع احترام الرأي الآخر والارتقاء بمستوى النقاشات الخلافية في الآراء للوصول إلى المتفق عليه، ومن ثم فهم يتحركون بشكل جماعي لا فردي.(115/1576)
2- عندما يغَلب الأفراد المصلحة العامة على الخاصة غالباً ويطبقون معاني الإيثار مع بعضهم البعض.
3ـ عندما يوجد الدافع القوي، والمحفزات المناسبة لدى أفراد الفريق، لتبني أهداف الفريق والسعي لتحقيقها.
4ـ عندما يسوده روح الثقة في القدرات الجماعية وروح الحب في الله ولله، والاستعداد للتضحية بالأوقات والأموال والمجهودات.
5ـ عندما تتوافر القدرة العالية لدى القيادة وأفراد الفريق لممارسة مهارات العمل الجماعي.
خطوات بناء فريق العمل:
هناك أربع خطوات أساسية في سبيل بناء فريق العمل الناجح وهي على الترتيب:
- دراسة الأهداف ومعرفة ماهية الإنجاز المطلوب تحديدا.
- اختيار أعضاء فريق العمل.
- التكليف والتوجيه
- المتابعة
وسنحاول بيان كل خطوة بإيجاز:
أولاً: دراسة الأهداف ومعرفة ماهية الإنجاز المطلوب:
تمثل تلك المرحلة الخطوة الأولى في إعداد فرق العمل المختلفة، وفيها يجب أن يهتم المربي بالأمور التالية:
1- تحديد الهدف العام من بناء ذلك الفريق ومخاطبة أعضاء الفريق بذلك الهدف العام بألفاظ واضحة كأن يقول لهم: هدفنا من تكوين هذا الفريق هو الارتقاء بأداء تلك المؤسسة مثلاً أو غيره.
2- تحديد الأهداف المرحلية من هذا الفريق وتوضيحها لهم بجلاء ووضوح؛ كأن يقول لهم: أهدافنا المرحلية الخاصة بالهدف العام الذي هو تنظيم عمل هذه المؤسسة والارتقاء بأدائها، هي: (دراسة مستوى الأداء، الوقوف على عيوب الأداء، تقييم عمل المسؤولين، دراسة المشكلات العملية، الخروج بالنتائج).
3- تحديد جدول زمني لكل هدف من الأهداف المرحلية.
4- من الأخطاء الشهيرة السلبية التي يقع فيها المربون عدم تحديد مدة زمنية لأداء فريق العمل بالكلية مما يؤدي إلى ترهل الأداء وانتشار أمراض الفتور وغيره.
5- من الأخطاء التربوية أيضاً عدم وضع ملامح ظاهرة يتم على أساسها تحديد تحقق الهدف المرحلي من عدمه.
6- ينبغي أن يحذر المربي من هلامية صياغة الأهداف وعدم تحديد أطرها بوضوح.
7- يجب أن يحرص المربي على مناقشة أعضاء فريق العمل حول كل هدف مرحلي من أهداف العمل ويحاول إزالة أي نوع من أنواع الضبابية في الفهم أو التصور حول تلك الأهداف.
8- يجب أن يراعي المربي أثناء وضع الأهداف المرحلية أن يضع لنفسه هو أهدافاً مرحلية تفصيلية تختص بعملية تربية الأفراد وتقويم سلوكهم من خلال الإنجاز(115/1577)
المطلوب منهم عملياً، ويحسن أن يكون ذلك بالتشاور مع أكثر من خبير ومختص في ذلك.
9- يحاول المربي بوسائل مختلفة أن يتشرب فريق العمل معاني تلك الأهداف، وأن يرغب في تحقيقها رغبة داخلية عن طريق ربطها بالمعاني الإيمانية والقلبية والروحية ومعاني الإنجاز والطموح.
10- يجب أن تكون الأهداف المختارة لفريق العمل موجهة نحو البناء والإصلاح والتقويم بحيث يستفيد منها المجتمع المسلم استفادة ظاهرة.
11- يجب أن تعرض الأهداف العامة والمرحلية على العلماء الشرعيين والخبراء التربويين قبل طرحها على الفريق للإجازة والتعديل، بحيث تكون الأهداف دائماً في إطار المحبوب شرعاً والمرغوب مجتمعاً.
ـــــــــــــــــــ
"إذاعة القرآن الكريم باستراليا" تجربة دعوية رائدة
رصد التجربة/ همام عبد المعبود
12/4/1427
ارسل تعليقك ...
لا توجد تعليقات ...
ارسل الصفحة ...
الى مشرف النافذة ...
طباعة ...
تفتقت قريحة الكثير من النشطاء والعاملين للإسلام خارج دياره، عن العديد من الأفكار التي لاقت نجاحاً، منقطع النظير، في مجال الدعوة الإسلامية، ورحلة الحفاظ على الهوية الإسلامية، ولغة القرآن الكريم، ورغبة من موقع "المسلم" في فتح هذا الملف "ملف التجارب الدعوية الواعدة" في مجال الدعوة الإسلامية بالغرب، يسعدنا أن نلتقي المفكر الإسلامي الأستاذ الدكتور إبراهيم أبو محمد (رئيس"المؤسسة الاسترالية للثقافة الإسلامية، ورئيس "إذاعة القرآن الكريم" باستراليا)، الذي يزور مصر حالياً.
مرحبا بفضيلة الدكتور إبراهيم أبو محمد على صفحات موقع (المسلم).
أهلاً ومرحباً بالأحباب الذين يجاهدون في سبيل إعلاء كلمة الله، وأسأل الله أن يتقبل منا أعمالنا وأن يحشرنا وإياكم مع النبيين والصديقين والشهداء وحسن أولئك رفيقاً.
في بداية هذا اللقاء.. هلا أتحتم الفرصة لقراء المسلم للتعرف عليكم عن قرب؟
ليس للإذاعة دخول خاصة، فهي ليست إذاعة ربحية، قد اتفقنا، منذ البداية، على رفض أي تبرع مشروط، ينحرف بالإذاعة عن أهدافها، وهي تعليم وتثقيف المسلمين، ونشر الدعوة بالقارة الأسترالية
اسمي إبراهيم سالم أبو محمد، ولدت بقرية "بنوفر" إحدى قرى محافظة الغربية، بجمهورية مصر العربية، أكرمني الله بحفظ القرآن الكريم في الصغر، وأتم دراستي الأزهرية بمدينة طنطا، ثم حصلت على الشهادة العالمية (الليسانس) عام 1974 من جامعة الأزهر، وفي عام 1976 تم اختياري سكرتيراً لتحرير مجلة الأزهر.(115/1578)
حصلت على درجة الماجستير عام 1983م، بتقدير جيد جداً، وكان موضوع الرسالة "القضاء في الإسلام"، من كلية أصول الدين، جامعة الأزهر، ثم حصلت على درجة الدكتوراه أيضاً من كلية أصول الدين، عام 1987م، بتقدير امتياز مع مرتبة الشرف الأولى، وكان موضوعها (منهج الإسلام في تحقيق الأمن). شاركت في العديد من الندوات والمؤتمرات العالمية المتخصصة، ولي عدة أبحاث منشورة منها "الثقافة وذاكرة التاريخ"، و"بين حرية التفكير وحرية التخريب"، و"الرجل والإمعات"، و"النغم الطاهر والنغم الفاجر".
توليت تدريس مادة "الفكر الإسلامي" في أكثر من جامعة، كان آخرها أستاذاً في كلية "القيادة والأركان" بدولة الإمارات العربية المتحدة في الفترة من1992 - 1996 م. ثم عملت مستشاراً ثقافياً للمجلس الإسلامي لولاية نيو ساوث ويلز في سيدني باستراليا، ثم رئيسا للمؤسسة الاسترالية للثقافة الإسلامية، والآن أشرف برئاسة إذاعة القرآن الكريم باستراليا.
لي عدة مؤلفات منشورة، ترجم أغلبها إلى لغات متعددة، منها كتاب (دعوة إلى التأمل) ترجم إلى اللغتين الإنجليزية والفرنسية، وكتاب (دعوة إلى التفكير) وترجم أيضاً إلى أكثر من لغة منها الإنجليزية والفرنسية والكردية، وكتاب (بين الصحوة والسقوط) ترجم إلى اللغة الانجليزية، وكتاب (من أنت؟)، وكتاب (من قضايا التحدي في القرن الواحد والعشرين)، و تحت الطبع كتاب (حقيقة الإسلام في عالم متغير).
ننتقل إذن الآن إلى موضوعنا الأساسي، وهو إذاعة القرآن الكريم باستراليا..متى أنشئت الإذاعة؟ وكيف؟
قبل الإجابة عن هذا السؤال أود أن أوضح أن لدينا في استراليا ثلاث مؤسسات على درجة من الأهمية للمسلمين، وهي: "المؤسسة الاسترالية للثقافة الإسلامية"، و"إذاعة القرآن الكريم"، و"المجلس الاسترالي لشؤون المرأة"، وأن هذه المؤسسات الثلاثة ساهمت في إنشاء مؤسسة رابعة هي "بيت المعوق المسلم"، فهو أحد ثمرات جهود هذه المؤسسات.
أما عن إذاعة القرآن الكريم فقد أنشئت عام 1977م، من تبرعات أبناء المسلمين في استراليا، وبصورة أكثر تحديداً بتمويل ذاتي من 5 أشخاص من المسلمين المقيمين في استراليا ولم تقم أي دولة عربية أو إسلامية أو أي مؤسسة خيرية بتمويلها.
هدفها التعليم والدعوة
ما الهدف من إنشاء إذاعة للقرآن الكريم باستراليا؟
عندما فكرنا في إنشاء الإذاعة كنا نستهدف من ورائها أن تصير وسيلة فعالة من وسائل الدعوة إلى الله _عز وجل_، بحيث تكون وسيلة لتعليم المسلمين المقيمين في استراليا، ومن يصلهم إرسالها أمور دينهم، وأن تكون أيضاً منبراً لتبليغ الدعوة الإسلامية لغير المسلمين، من خلال تعريفهم بالإسلام وتقديم معلومات عامة وثقافية متعددة في شتى مناحي الحياة.
لكن..بأي اللغات تبث الإذاعة برامجها؟، وكم ساعة تبثها يومياً؟(115/1579)
تبث الإذاعة برامجها - الآن – باللغتين العربية والإنجليزية، ونتمنى من الله أن يأتي اليوم الذي يصل فيه إرسالها، والعلوم التي تبثها إلى كل الآذان، بكل اللغات الأوربية، أما عن عدد ساعات البث: فالحمد لله أننا نبث على مدى24 ساعة يومياً.
ظاهر الاسم "إذاعة القرآن الكريم" يوضح أنها تكتفي بالبرامج الدينية فقط... فهل هي كذلك؟
نحن ننطلق من فهم أشمل للإسلام، والقرآن الكريم كتاب الله الناسخ حوى أصول وقواعد كل العلوم النافعة، وعليه فإن إذاعة القرآن الكريم هي "إذاعة متنوعة" تقدم "القرآن الكريم" بأصوات كبار القراء في العالم الإسلامي، وقصص الأنبياء باللغتين العربية والإنجليزية، بالإضافة إلى أصول العقيدة والأخلاق الإسلامية، كما تقدم عددا من البرامج الدعوية والفكرية والفقهية والفتاوى، وأيضاً تقدم برامج متنوعة ثقافية واجتماعية وعلمية وصحية وبرامج خاصة لربات البيوت في كيفية الطهي وترتيب المنزل، كما تقدم الإذاعة 5 نشرات إخبارية على مدار اليوم، ولها مراسلين في عدد من البلدان العربية والإسلامية.
وهل استعددت فنياً وتقنياً للبث وتأمين الإذاعة عند الطوارئ؟
نحن بفضل الله لدينا خادم "سيرفر" يتكون من 9 أجهزة كومبيوتر، بالإضافة إلى 3 استوديوهات للإذاعة، وهناك استوديوهين آخرين في البيوت للطوارئ، ولدينا وحدة نقل خارجي مزودة بأحدث التقنيات، لا تتجاوز حقيبة تزن 2 كيلو جرام!!، لدينا 9 خطوط، خط للإذاعة، وخط فاكس، و 7 خطوط لاستقبال الأسئلة والمشاركات والتعليقات والمداخلات، ولدينا الآن تسجيلات صوتية يصل حجمها إلى 600 جيجا بايت، وعندنا نسخة "باكب" احتياطي من كل المواد، كما لدينا "ويف استيشن" لتشغيل الإذاعة لمدة عام كامل بدون مذيعين ولا ينقصها سوى نشرة الأخبار ونشرة الأحوال الجوية.
بأي الطرق تبث الإذاعة برامجها؟ وإلى أي مدى يصل إرسالها؟ ومن الذي يقوم على تشغيلها؟
إذاعة القرآن الكريم في استراليا تبث برامجها على موجة Narrow Band VHF 173 MHz))، تغطي عن طريق الراديو مدينة سيدني بأكملها وعن طريق محطة فضاء الـ (يو بي آي) كل الولايات الاسترالية، وعن طريق الإنترنت تستطيع سماعها ومتابعة برامجها من أي بقعة في العالم، وتأتيا أسئلة من ماليزيا وسنغافورة وتيمور الشرقية، ويديرها هيئة متخصصة في المجالين الدعوي والإعلامي، بالإضافة إلى مساهمات العلماء في الداخل والخارج، ممن لم يبخلوا بعلمهم وخبرتهم في خدمة الدعوة الإسلامية، متطوعين، ليرتفع صوت الوحي المعصوم وتعلو كلمة الله في أرض وسماء القارة الاسترالية ويرتفع الأذان خمس مرات يومياً فيحيل موات القلوب هنا إلى روضات وجنات.
وماذا عن دور إذاعة القرآن الكريم في التعامل مع غير المسلمين؟
غير المسلمين لهم اهتمام خاص، حيث نقدم لهم عدداً من البرامج الدعوية، وندوات ومحاضرات متخصصة في الرد على الشبهات التي تثار حول الإسلام والمسلمين، وتقدم مثل هذه الأعمال بلغة علمية مقنعة، يفهمها الأستراليون، فقد صرنا بفضل الله(115/1580)
وبعد هذه السنوات الطويلة التي قضيناها بينهم خبراء، ونعرف جيداً ما يقنعهم، وكيف السبيل إلى عقولهم، كما نعقد لقاءات مفتوحة مع غير المسلمين في الحدائق والأندية وننقلها على الهواء مباشرة عبر الإذاعة، وفي بعض اللقاءات التي نجد اثنين أو ثلاثة من الاستراليين يشهرون إسلامهم في نهاية اللقاء.
وما نصيب "القرآن" في إذاعة "القرآن" الكريم باستراليا على وجه التحديد؟
كل ما نبذله من جهد وما نقدمه من برامج تصب جميعها في خدمة الإسلام والقرآن، لكن على وجه التحديد فإننا نخدم القرآن الكريم في بثلاث مجالات وهي؛ مجال تعليم وتصحيح وضبط القراءة برواية حفص عن عاصم، مجال التحفيظ والترتيل والمتابعة لتصحيح القراءة عن طريق السماع، وهناك محور القصص القرآني للأطفال.
"مقرأة عبر الهاتف"
ماذا قدمتم في مجال تعليم وتصحيح وضبط قراءة القرآن الكريم؟
في مجال تعليم وتصحيح وضبط قراءة القرآن الكريم برواية حفص عن عاصم، أتممنا 28 دورة، بحيث يجلس الناس في بيوتهم ويستمعون إلى القارئ والمعلم، عن طريق الراديو، ثم يشاركون عبر الهاتف (مقرأة عبر الهاتف)، وكله منقول على الهواء مباشرة، عبر الإذاعة، وهذا البرنامج يخدم قطاعي الكبار والأطفال.
فالبرنامج الأول الذي يخدم قطاع الكبار يقدم ثلاث مرات أسبوعيا، يقوم بالتدريس فيه الأستاذ الدكتور محمد النقيب وكيل وزارة التربية العراقي سابقاً، و هو رجل فاضل يحمل درجة الدكتوراه في التربية المقارنة، ويشاركه في تقديم البرنامج المهندس الكيميائي علي إسماعيل وهو مصري مقيم باستراليا، وهما متميزان في رواية حفص وينفردان بطريق وأساليب تدريس عالية المستوى، ومدة البرنامج ساعتان ونصف على الهواء.
أما برنامج "تعليم الصغار"، فيعنى بتعليم الصغار أحكام التجويد برواية حفص عن عاصم، وبإمكان الأطفال بدءً من سن 4 سنوات المشاركة فيه، وكانت تقدمه في البداية، ولمدة عامين، طفلتان، هما سارة وبسمة غلاييني، وكان عمرهما 10 و 11 سنة، كان والدهما مقيم باستراليا، ولكنهما غادرتا استراليا، فتولت تقديمه الآن الأخت الفاضلة السيدة أم ياسر، ويشارك في كل حلقة أكثر من 90 طفلاً، وما إن يأتي وقت البرنامج إلا وتتم حجز كل خطوط الهاتف، وعددها 7 خطوط، حيث يذاع يومي الأحد والجمعة، من كل أسبوع.
وفي مجال التحفيظ والترتيل والمتابعة لتصحيح القراءة عن طريق السماع؟
في هذا المجال نقدم القرآن بطريقتين، الأولى: "جزء كل يوم" بعد أذان الظهر مباشرة، وهذا البرنامج للجالسين في البيوت، وهي فترة مفتوحة لكل الأعمار، ونذيع خلالها ترتيلاً كاملاً للقرآن الكريم شهرياً بصوت أحد القراء المشهورين، والثانية: نقدم ابتداء من الساعة الواحدة صباحا وحتى أذان الفجر ترتيلاً لخمس أجزاء، بحيث نختم القران كل ستة أيام، وبفضل الله فلا يوجد قارئ معتمد إلا وتسجيلاته لدينا، سواء من المشرق أو المغرب. وفي مقدمتهم الشيخ الشريم والشيخ الحذيفي، والشيخ القحطاني، والشيخ الشاطري، والشيخ السديس.(115/1581)
ولدينا تسجيلات فضيلة الشيح عبد العزيز بن باز، والشيخ ابن عثيمين، والشيخ العلامة المحدث ناصر الدين الألباني، وتسجيلات الشيخ محمود شلتوت، والدكتور عبد الله دراز، والشيخ الدكتور محمد المدني، والدكتور محمد أحمد السايس، والدكتور أحمد الشرباصي، وفي مجال القراء لدينا االتسجيلات النادرة لكل من: الشيخ العيون الكوشي (ليبي)، الشيخ عبد الباسط عبد الصمد، و الشيخ محمود علي البنا، والشيخ أبو العينين شعيشع، والشيخ محمود خليل الحصري.
وفي مجال القصص القرآني للأطفال والناشئة؟
نقدم قصص القرآن للأطفال، بأسلوب تربوي، وبطريقة مشوقة، حيث لدينا فريق، من المعدين والمقدمين، ينفرد ويمتاز بعلاقات خاصة مع الطفولة، في كل مراحلها، فهما وتأثيراً وسيطرة، والبرنامج يقدمه 6 سيدات من المقيمات باستراليا، ويقدم البرنامج باللغتين العربية والانجليزية، ثم تطرح مجموعة أسئلة في نهاية كل قصة، ويُختار 3 فائزين من الجالسين في البيوت عبر الهاتف، وكل 3 شهور نقيم حفلاً مجمعاً للفائزين وأسرهم، في حديقة عامة على غداء، بمشاركة العائلات، ونحيي الآباء والأمهات على دفعهم وتحفيزهم لأبنائهم للمشاركة في البرنامج.
وفي مجال الخدمة الإسلامية العامة.. ماذا قدمت إذاعة القرآن الكريم باستراليا؟
في مجال الخدمة الإسلامية العامة لدينا برنامجين متميزين؛ أولهما برنامج يتناول قضايا الفكر الإسلامي المعاصر، ويذاع على الهواء مباشرة، ويتاح للجمهور المشاركة والمداخلات خلاله، قدمنا منه حتى الآن 900 حلقة، ناقشت عدداً من الموضوعات المهمة مثل: "الإسلام والحياة"، و"شخصية الرسول"، و"المعجزات"، وثانيهما: برنامج "موكب النور"، وهو برنامج حواري يتناول قضية من قضايا الإسلام اليومية، مع تسليط الضوء عليها فكرياً وفقهياً، وهو يتناول العمق الفلسفي للقضية محل النقاش.
بالإضافة إلى أن الإذاعة تنقل على الهواء مباشرة، خطبة الجمعة، ودرس الجمعة، من أشهر المساجد باستراليا، مثل مسجد علي بن أبي طالب في حي "لاكمبا" بمدينة سيدني، ومسجد عمر بن الخطاب بمدينة "أوبرين" وأحيانا من مصلى جرانفل بمدينة سيدني، وعندما تكون هناك محاضرة لعالم متميز من خارج استراليا، نقوم بنقلها على الهواء مباشرة، ولدينا أيضاً برنامج "لقاء العلماء"، يذاع كل أربعاء، مدته ساعة ونصف، يأخذ الطابع الفقهي والفكري، فمثلا نتكلم في حلقة عن "شخصية الرسول" ثم يفتح الباب للجمهور للأسئلة المداخلات.
"جهاد إعلامي"و "جهاد مالي"
هل تمثل الإمكانيات المادية عائقاً في سبيل مواصلتكم هذه المسيرة المباركة؟
بلا شك، فالمال كما تعلمون عصب الحياة، وخاصة في مثل هذه البلدان التي لا تؤمن بشيء سوى المادة، وكما بينت آنفاً فإن هذه الإذاعة وعلى مدار 10 سنوات تقوم على تبرعات عدد محدود من مسلمي استراليا لا يتجاوز أصابع اليد الواحدة، ومن ثم فالأمر ليس سهلاً، حيث بلغت مصروفات الإذاعة طوال السنوات التسع الماضية أكثر من 3 مليون دولار استرالي حيث كانت مصروفاتنا الشهرية تبلغ 17 ألف دولار، وقد قمنا بخفضها إلى 13 ألف دولار، لنتمكن من مواصلة المسيرة.(115/1582)
خاصة إذا علمت أنه لا توجد هناك دخول خاصة للإذاعة، كما أنها ليست إذاعة ربحية، وإنما هي بالأساس مؤسسة دعوية خيرية، كما اتفقنا، منذ البداية، على رفض أي تبرع مشروط، ينحرف بالإذاعة عن أهدافها التي من أجلها قامت، وهي تعليم وتثقيف المسلمين، ونشر الدعوة الإسلامية بالقارة الأسترالية.
ونتمنى أن ينظر أثرياء المسلمين إلى إذاعة القرآن الكريم على أنها نوع من الجهاد "الإعلامي"، الذي يستحق البذل و"الجهاد المالي"، في سبيل الله، للحفاظ على القرآن الكريم وتبليغ رسالة الإسلام إلى قطاع كبير من غير المسلمين في القارة الأسترالية.
في نهاية هذا اللقاء الممتع، وهذه السياحة المباركة..ماذا تبقى أن تقول؟
لم يتبق سوى أن أحمد الله حمداً كثيراً، وأشكره شكراً كبيراً، فحجم التأثير الذي تتركه إذاعة القرآن الكريم في القارة الاسترالية، لا يقارن مطلقاً بحجم الجهود المبذولة، ولا فريق العمل، ولا الإمكانيات المتاحة، فلو ضربتنا × 100 ضعف، وأعطيتنا ميزانية دولة كاملة، ما كنا لنستطيع أن نفعل كل هذا لولا فضل الله علينا، وعونه ومدده لنا، فلن يصدق أحد أن إذاعة كاملة تقدم بثاً متواصلاً، وبثاً مباشراً، وبرامج متنوعة على مدى 24 ساعة يومياً يديرها 5 أفراد ثابتين يعملون بنظام (Full Time)، يعاونهم حوالي 50 متطوعاً من مختلف أنحاء العالم لبعض الوقت.
شكر الله لكم إتاحتكم هذه الفرصة لقراء المسلم للتعرف على "إذاعة القرآن الكريم" كتجربة دعوية رائدة في مجال الدعوة الإسلامية في خارج ديار الإسلام..
وأنتم جزاكم الله خيراً أن أتحتم لنا هذه الفرصة لتعريف القراء بالإذاعة، ونرجو أن يدخلوا على موقعها على شبكة الإنترنت (http://www.qkradio.com.au/)، ونسعد بمشاركاتهم واستفساراتهم وملاحظاتهم، كما أننا على استعداد لنقل هذه الخبرة للمسلمين في أي بلد عربي أو غربي أو إسلامي، وسبحان ربك رب العزة عما يصفون، وسلام على المرسلين، والحمد لله رب العالمين.
ـــــــــــــــــــ
القيادة الإدارية بين التكليف والتشريف 1
عبدالعزيز بن سعد الدغيثر
28/3/1427
ارسل تعليقك ...
لا توجد تعليقات ...
ارسل الصفحة ...
الى مشرف النافذة ...
طباعة ...
المدخل:
هناك اتجاه في العالم المتحضر نحو العلوم الإدارية وتطويرها حيث عُرف بالاستقراء أن أهم أسباب النجاح أو الفشل للمؤسسات والشركات يرجع إلى اختيار القائد الإداري الفعال، ولذا كثرت الدراسات والكتب ومذكرات الناجحين من القادة والساسة والإداريين لخدمة هذا المجال، وكان دور كثير ممن ألف من المتخصصين(115/1583)
العرب في هذا العلم هو ترجمة الكتب الغربية، أو تأليف الكتب المحشوة بتجارب الغربيين ونظرياتهم.
ولا مانع من الاستفادة من تلك التجارب والمعارف ولكن إهمال تجارب قادة المسلمين وأقوالهم وما ذكره المؤلفون من أرباب الأدب والسياسة الشرعية في هذا المجال تقصير واضح. وفي هذا المقال جمعت بعض الأقوال في هذا المجال من سير رجال الإسلام، وكانت موارد هذا المبحث هي نصوص الوحيين وكتب السياسة الشرعية والأحكام السلطانية وآداب الملوك والوزراء وآداب القضاة وأهل الحسبة، وسير قادة المسلمين، وكتب الأدباء ودواوين الحكماء، وآمل أن يكون هذا المقال بداية اهتمام بكتب التراث المؤلفة في هذا الموضوع.
إن أهم أسباب النجاح أو الفشل للمؤسسات والشركات يرجع إلى اختيار القائد الإداري الفعال، ولذا كثرت الدراسات والكتب ومذكرات الناجحين من القادة والساسة والإداريين لخدمة هذا المجال
أهمية القائد:
لا يشك أحد أنه لا يمكن لمجتمع صغير أو كبير أن ينجح ويحقق أهدافه بدون قائد، بل إن النبي _صلى الله عليه وسلم_ قال: "إذا خرج ثلاثة في سفر فليؤمروا أحدهم"(1)، وفي حديث ابن عمر _رضي الله عنهما_: "لا يحل لثلاثة يكونون بفلاة من الأرض إلا أمروا عليهم أحدهم"(2) وذلك ليكون قوله فاصلا عند النزاع، ولذلك أعطاه الشرع حق الطاعة ولو كانت في أمر تكرهه النفس كما في حديث: بايعنا رسول الله _صلى الله عليه وسلم_ على السمع والطاعة في العسر واليسر والمنشط والمكره وعلى أثرة علينا وألا ننازع الأمر أهله قال: إلا أن تروا كفرا بواحا عندكم من الله فيه برهان". بل إن النبي _صلى الله عليه وسلم_ أرسل جمعا من الصحابة في مهمة وأمَّر عليهم أحدهم فغضب عليهم وأمرهم أن يوقدوا نارا ويقتحموها فهموا بذلك طاعة له، ثم قالوا: ما آمنا إلا هروباً من النار فكيف نقتحمها، فلما رجعوا من مهمتهم أخبروا النبي _صلى الله عليه وسلم_ فقال: إنما الطاعة في المعروف". وقد قال شيخ الإسلام: "فإذا كان قد أوجب في أقل الجماعات وأقصر الاجتماعات أن يولي أحدهم كان ذلك تنبيها على وجوب ذلك فيما هو أكثر من ذلك"(3).
وفي أهمية القائد يقول عمرو بن العاص _رضي الله عنه_: إمام عادل خير من مطر وابل وأسد حطوم خير من سلطان غشوم وسلطان غشوم خير من فتنو تدوم(4). وقال الأفوه الأودي:
لا يصلح الناس فوضى لا سراة لهم ... ...
ولا سراة إذا جهالهم سادوا
كالبيت لا يبتنى إلا له عمد ... ...
ولا عماد إذا لم ترس أوتاد
فإن تجمع أوتاد وأعمدة ... ...
وساكن بلغوا الأمر الذي كادوا(5)
مسؤولية القائد:(115/1584)
كثير من الناس يحب أن يكون من أهل المناصب والمسؤولية؛ لأنه ينظر إلى ما يحصله صاحب المنصب من شهرة ومكانة ولكنه ينسى أن المنصب تكليف لا تشريف، وأنه مسؤول أمام الله _تعالى_ في عمله، فقد روى الشيخان عن ابن عمر _رضي الله عنهما_ أن رسول الله _صلى الله عليه وسلم_ قال: "ألا كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته، فالأمير الذي على الناس راع وهو مسؤول عن رعيته، والرجل راع على أهل بيته وهو مسؤول عنهم، والمرأة راعية عن بيت بعلها وولدها وهي مسؤولة عنهم، والعبد راع على مال سيده وهو مسؤول عنه، ألا فكلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته"(6).
وفي هذا يقول رسول الله _صلى الله عليه وسلم_: "ما من أمير عشرة إلا جيء به يوم القيامة مغلولة يداه إلى عنقه حتى يكون عمله هو الذي يطلقه أو يوبقه"(7). وفي حديث المقدام بن معدي كرب _رضي الله عنه_ أن رسول الله _صلى الله عليه وسلم_ ضرب على منكبه ثم قال: أفلحت يا مقدام إن لم تكن أميرا ولا كاتبا ولا عريفا)(8).
وثبت في حديث أبي هريرة _رضي الله عنه_ قال: قال رسول الله_صلى الله عليه وسلم_: "إنكم ستحرصون على الأمارة وإنها ستكون ندامة وحسرة، فنعمت المرضعة وبئست الفاطمة"(9)، وقال _صلى الله عليه وسلم_ لأصحابه: "إن شئتم أنبأتكم عن الأمارة، أولها ملامة وثانيها ندامة وثالثها عذاب يوم القيامة، إلا من عدل"(10)، وقال _صلى الله عليه وسلم_ لعبدالرحمن بن سمرة _رضي الله عنه_: "يا عبدالرحمن لا تسأل الإمارة فإنك إن أعطيتها عن مسألة وكلت إليها، وإن أعطيتها عن غير مسألة أعنت عليها"(11).
"والزجر عن طلب الولاية من الأمور التي ينفرد بها الإسلام حيث ندر أن تجد في أدبيات الإدارة العامة مثل هذا الزجر عن الحرص على الوظيفة، ولعل إحدى المشاكل التي تعاني منها الإدارة العامة وجود أشخاص مسؤولين ذوي كفاءة متدنية يستميتون في البقاء في المنصب ولا يودون أن يتزحزحوا عنه ولا يسمحون لغيرهم من الأكفاء أن يصلوا إليه، وهذا سر التغليظ في هذا الأمر"(12).
وقد كان هذا الأمر واضحا عند الرعيل الأول فقد دخل أبو مسلم الخولاني على معاوية بن أبي سفيان _رضي الله عنهما_ فسلم عليه بلفظ: "أيها الأجير" فلما استنكر الجالسون ذلك، قال: إنما أنت أجير، استأجره رب هذه الغنم لرعايتها، فإن أنت هنأت جرباها وداويت مرضاها وحبست أولاها على أخراها، وفَّاك سيدها أجرها،وإن أنت لم تهنأ جرباها ولم تداو مرضاها ولم تحبس أولاها على أخراها عاقبك سيدها"(13).
فلا بد للمجتمعات الصغيرة والكبيرة من قائد يوجهها، ولكن ذلك له تبعات ولذا نبه على ذلك المصطفى _صلى الله عليه وسلم_ كما في الأحاديث السابقة.
صفات القائد الإيجابية:
ولهذا القائد صفات منها ما هو فطري ومنها ما هو مكتسب، فمن هذه الصفات:
1-أن يكون قويا في شخصيته وفي اتخاذه للقرارات، والقوة إحدى ركني الولاية المذكورة في قوله _تعالى_: "إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ" (القصص: من الآية26) ولذا لما قال أبو ذر: يا رسول الله ألا تستعملني؟ ضرب رسول الله _صلى(115/1585)
الله عليه وسلم_ بيده على منكب أبي ذر، وقال: يا أبا ذر إنك ضعيف وإنها أمانة وإنها خزي وندامة إلا من أخذها بحقها وأدى الذي عليه فيها"(14).
قال شيخ الإسلام _رحمه الله_: "وكان أبو ذر أصلح من خالد بن الوليد في الأمانة والصدق، ومع هذا نهى أبا ذر عن الولاية والأمارة؛ لأنه رآه ضعيفاً مع أنه روي: "ما أظلت الخضراء ولا أقلت الغبراء أصدق لهجة من أبي ذر"(15).
وقد سئل الإمام أحمد عن الرجلين يكونان أميرين في الغزو وأحدهما قوي فاجر والآخر صالح ضعيف مع أيهما يغزى؟ فقال: أما الفاجر القوي فقوته للمسلمين وفجوره على نفسه، وأما الصالح الضعيف فصلاحه لنفسه وضعفه على المسلمين، فيغزى مع القوي الفاجر"(16).
والشجاعة عند اتخاذ القرارات تميز القائد الناجح من غيره، وقد أشار عمر _رضي الله عنه_ إلى هذا فقد أرسل محمد بن مسلمة في مهمة إلى العراق ثم رجع ففني زاده قبل أن يصل إلى المدينة، فأخذ يأكل من لحاء الأشجار فلما علم عمر بذلك قال له: "هلا قبلت من سعد؟ قال: لو أردتَّ ذلك كتبت له به أو أذنت له فيه، فقال عمر: "إن أكمل الرجال رأيا من إذا لم يكن عنده عهد من صاحبه، عمل بالحزم أو قال به ولم ينكل"(17)، يشير إلى خطأ أن ينتظر القائد التوجيه ممن فوقه في كل الأمور.
2-أن يكون عادلا، وقد أخبر النبي _صلى الله عليه وسلم_ عن عظم جزاء العادل عند الله فقال: "إن المقسطين عند الله على منابر من نور عن يمين الرحمن عز وجل، وكلتا يديه يمين، الذين يعدلون في حكمهم وأهليهم وما وُلُّوا"(18)، وفي الحديث الآخر: "ما من أمير عشرة إلا وهو يؤتى به يوم القيامة مغلولا حتى يفكه العدل أو يوبقه الجور"(19). وقال شيخ الإسلام: "إن الله يقيم الدولة العادلة وإن كانت كافرة ولا يقيم الظالمة وإن كانت مسلمة، ويقال: الدنيا تدوم مع العدل والكفر ولا تدوم مع الظلم والإسلام... وذلك لأن العدل نظام كل شيء"(20).
3-أن يخالف طبعُه طبعَ نائبه في الشدة والليونة،وقد قال زياد: ما غلبني أمير المؤمنين – يعني معاوية رضي الله عنه – بشيء من السياسة إلا بباب واحد: استعملت رجلا فكثر خراجه، فخشي أن أعاقبه ففر إلى معاوية فكتبت إليه: إن هذا أدب سوء لمن قبلي، فكتب إلي: إنه ليس ينبغي لي ولا لك أن نسوس الناس بسياسة واحدة؛ أن نلين جميعا فتمرح الناس في المعصية أو نشتد جميعا فنحمل الناس على المهالك، ولكن تكون للشدة والفظاظة وأكون للين والرأفة(21).
4-أن يكون مخلصا لعمله، قال _صلى الله عليه وسلم_: "ما من راع يسترعيه الله رعية يموت يوم يموت وهو غاش لها إلا حرم الله عليه رائحة الجنة"(22).
5-أن يكون رفيقاً بمن تحته، وقد جاء في الحديث أن رسول الله _صلى الله عليه وسلم_ قال: "اللهم من ولي من أمر أمتي أمراً فرفق بهم فارفق به ومن ولي من أمر أمتي أمراً فشق عليهم فاشقق عليه"(23)، وهو عام في كل ولاية. وقد وصف الله _تعالى_ نبيه _صلى الله عليه وسلم_ فقال: "فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ..." (آل عمران: من الآية159).(115/1586)
6-أن يكون أمينا ذا صلاح وتقوى، وصفة الأمانة أحدى ركني الولاية ولذلك جاء في التنزيل: "إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ" (القصص: من الآية26) وفي سورة يوسف(آية 55): "اجْعَلْنِي عَلَى خَزَائِنِ الْأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ" وفي حديث حذيفة أن النبي _صلى الله عليه وسلم_ قال لأهل نجران: "لأبعثن إليكم رجلاً أميناً حق أمين، قال: فاستشرف له الناس فبعث أبا عبيدة بن الجراح _رضي الله عنه_"(24). فإن وجد رجل أمين في ضعف ورجل إداري قوي وليس بأمانة الأول، فقال شيخ الإسلام: "إذا كانت الحاجة في الولاية إلى الأمانة أشد قدم الأمين مثل حفظ الأموال ونحوها.."(25)، والأمانة مرتبطة بالتقوى والصلاح الذي هو أهم شروط المنصب.
ولذلك فإن من توفيق الله لصاحب المنصب أن يكون من معه في العمل من أهل الصلاح؛ لقوله _صلى الله عليه وسلم_: "من ولي من أمر الناس فأراد الله به خيراً جعل معه وزيراً صالحاً إن نسي ذكره وإن ذكر أعانه"(26).
ومن أهم الأمانات اللازمة في كل من عين في المنصب الإداري؛ الأمانة المالية، خاصة وقد كثر من الموظفين الاستهانة بالممتلكات العامة وقد سماه رسول الله _صلى الله عليه وسلم_ غلولاً، ففي صحيح مسلم عن عدي بن عميرة _رضي الله عنه_ أن رسول الله _صلى الله عليه وسلم_ قال: "من استعملناه منكم على عمل فكتمنا مخيطاً فما فوقه كان ذلك غلولاً يأتي به يوم القيامة"(27).
وتروي لنا كتب التاريخ أنه لما حملت مغانم العراق بعد فتحها إلى عمر بن الخطاب _رضي الله عنه_ ورأى ما فيها من الجواهر جعل يتعجب ويقول: إن الذي أدى هذا لأمين، فقال عبدالرحمن بن عوف _رضي الله عنه_: أنا أخبرك بذلك يا أمير المؤمنين أنت أمين الله وهم أمناؤك فما دمت مؤدياً للأمانة أدوها ومتى رتعت رتعوا(28). وكما هو معلوم فإن أخلاق القائد تؤثر في من تحته، وقد قيل: الناس على دين ملوكهم، ولذا قال رسول الله _صلى الله عليه وسلم_ في رسالته إلى هرقل: (فإن أبيت فإن عليك إثم الأريسيين)(29) أي: الفلاحين.
7-ألا يقدم أحداً وهو يجد أكفأ منه لقرابة أو واسطة، وهذا من أكثر أنواع الفساد الإداري انتشارا في البلاد العربية، وقد ورد التحذير الشديد من ذلك، فقد قال _صلى الله عليه وسلم_: "من ولي من أمر المسلمين شيئاً فولى رجلاً وهو يجد من هو أصلح منه فقد خان الله ورسوله"(30). وقال _صلى الله عليه وسلم_: "إذا ضيعت الأمانة فانتظر الساعة، قيل: كيف إضاعتها؟ قال: إذا وسد الأمر إلى غير أهله"(31). وقال عمر بن الخطاب _رضي الله عنه_: "من ولي من أمر المسلمين شيئاً فولى رجلاً لمودة أو قرابة بينهما فقد خان الله ورسوله"(32).
ومن الخطأ تعيين أحد في منصب قبل اختباره، قال علي _رضي الله عنه_: "الطمأنينة إلى كل أحد قبل الاختبار عجز"(33).
8-ألا يكون ممن يتغير خلقه ويتيه على الآخرين بعد المنصب والولاية، قال ابن المعتز: من عمل عملاً(34) فتاه فيه أخبر أن قدره دونه ومن تواضع فيه دلَّ على أن قدره فوقه(35)، وقال منصور الفقيه:
يا من تولى فأبدى ... ...
لنا الجفا وتبدَّل(115/1587)
أليس منك سمعنا ... ...
من لم يمت فسيعزل(36)
9-ألا تحمله عواطفه على مجاوزة العدل، قال عمر بن عبدالعزيز _رحمه الله_ في صفة القائد المطلوب: "من إذا غضب لم يخرجه غضبه عن الحق وإذا رضي لم يدخله رضاه في باطل وإذا قدر عف وكف"(37) ، وهو مأخوذ من قوله _تعالى_: "وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى" (المائدة: من الآية8).
10-أن تكون لديه القيادة الفطرية، قال عمر بن الخطاب _رضي الله عنه_: "أريد رجلاً إذا كان في القوم وليس أميرهم كان كأنه أميرهم وإذا كان أميرهم كان كأنه رجل منهم"(38).
11-أن يكون من أشراف الناس في طبعه وعلو همته وجوده، قال يحي بن خالد البرمكي لبنيه: إنكم لا بد لكم من عمال وكُتَّاب فاستعينوا بأشراف الناس وإياكم والسفلة فإن النعمة على الأشراف أزين والمعروف عندهم أثمن والشكر منهم أحسن(39). قال معاوية _رضي الله عنه_: لا ينبغي للملك أن يكون كذاباً؛ لأنه إن وعد لم يُرجَ وإن أوعد لم يُخَف ولا غاشًّا؛ لأنه لا ينصح ولا تصلح الولاية إلا بالمناصحة، ولا حديداً؛ لأنه إذا احتد هلكت رعيته، ولا حسوداً؛ لأنه لا يشرف أحد فيه حسد، ولا يصلح الناس إلا بأشرافهم، ولا جباناً؛ لأنه يجترئ عليه عدوه وتضيع ثغوره(40).
ويذكر عن بعض من لهم تجربة في السياسة أنه قال: لا يصلح لسد الثغور وقود الجيوش وتدبير الخيول وحراسة الأرضين والأقاليم إلا من تكاملت فيه خمس خصال:
• حزم يتيقن به عند موارد الأمور حقائق مصادرها.
• وعلم يحجزه عن التهور في المشكلات إلى تجلي فرصها.
• وشجاعة لا تنقصها الملمات بتواتر حوائجها وعظم هولها.
• وصدق في الوعيد والوعد يوثق منه بالوفاء عليها.
• وجود يهون عنده تدبير الأموال عند ازدحام السؤَّال عليه(41).
12- أن يكون ذا خبرة وتجربة، قال قيس بن عاصم لبنيه: "إذا مت فسودوا أكبركم فإن القوم إذا سودوا أكبرهم أحيوا ذكر أبيهم، ولا تسودوا أصغركم فيسفه الناس كباركم وتهونون عليهم..."(42). وقال علي _رضي الله عنه_: رأي الشيخ خير من مشهد الغلام(43). وإن كان الصغير مؤهلاً فيقدم للقيادة، فقد قال الشاعر في محمد بن القاسم فاتح بلاد السند، وهو ابن سبع عشرة سنة:
قاد الجيوش لسبع عشرة حجة ... ...
ولداته إذ ذاك في أشغال
قعدت بهم لذاتهم وسمت به ... ...
همم الملوك وسَوْرة الأبطال(44)
وقال آخر:
لا تعجبوا من علو همته ... ...(115/1588)
وسنه في أوان منشاها
إن النجوم التي تضيء لنا ... ...
أصغرها في العلو أعلاها(45)
والمقصود هنا أن يتم اختيار من يحسن العمل وهذا يكثر في ذوي الأسنان، وقد يوجد في الأحداث من هو أفضل من كثير ممن هو أعلى منه سنا فقد قال علي _رضي الله عنه_: "قيمة كل امرئ ما يحسنه"(46).
________________
(1) رواه أبو داود (2608) عن أبي سعيد رضي الله عنه وأحمد وصححه أحمد شاكر في تحقيقه للمسند 10/6648 ورواه الحاكم 1/443 وقال حديث صحيح على شرط الشيخين ووافقه الذهبي.
(2) رواه أحمد وصححه أحمد شاكر في تحقيقه للمسند 10/6648.
(3) مجموع الفتاوى 28/65.
(4) تهذيب الرياسة /96، نهاية الأرب 6/34، التمثيل والمحاضرة /31، العقد الفريد 1/5 ونسبه إلى بعض الحكماء.
(5) تهذيب الرياسة /96، الشعر والشعراء /223، نهاية الأرب 3/64، التمثيل والمحاضرة /51.
(6) رواه الشيخان واللفظ لمسلم كما في المختصر (1201).
(7) رواه البيهقي في السنن الكبرى 7/95، والدارمي 2/240، كما في المشكاة (1092).
(8) رواه أبو داود 3/131 والبيهقي في الكبرى 6/361 كما في المشكاة (1094).
(9) رواه النسائي 7/162 وغيره.
(10) حسنه الأباني في صحيح الجامع (1433).
(11) رواه البخاري(6622) ومسلم كما في المختصر(1202).
(12) أخلاق العمل وسلوك العاملين /49-50.
(13) نقله ابن تيمية في السياسة الشرعية /24.
(14) رواه مسلم كما في المختصر (1204).
(15) مجموع الفتاوى 28/256 والحديث رواه الترمذي (3806) وحسنه.
(16) مجموع الفتاوى 28/254-255، والسياسة الشرعية /21-22.
(17) تاريخ الطبري 4/47 عن أخلاق العمل /30.
(18) رواه مسلم كما في المختصر:1207.
(19) صححه الألباني في صحيح الجامع(5571).
(20) الحسبة/147-148.
(21) رواه ابن أبي شيبة 11/92 وله طريقان آخران في الفوائد والأخبار لابن دريد (24) ولباب الآداب /52.
(22) رواه مسلم 4/493.
(23) رواه مسلم 6/7.
(24) متفق عليه واللفظ لمسلم كما في المختصر(1651).(115/1589)
(25) السياسة الشرعية 34.
(26) رواه أبو داود 3/131 والنسائي 7/159 وصححه الألباني في الصحيحة (489).
(27) مختصر مسلم (1214).
(28) تهذيب الرياسة /99، ونسب القول في الطبري 5/254 وغيره إلى علي رضي الله عنه.
(29) رواه البخاري 4/57 ومسلم 5/163.
(30) رواه البخاري 23/17، 24/200،ومسلم 3/246.
(31) رواه البخاري 23/17.
(32) السياسة الشرعية لشيخ الإسلام ابن تيمية /11-12.
(33) أخلاق العمل /31.
(34) أي ولي ولاية.
(35) تهذيب الرياسة /145، وزهر الآداب /826، ولم ينسباه، والتمثيل والمحاضرة /145 منسوبا إلى ابن المعتز.
(36) المراجع السابقة.
(37) السياسة الشرعية /26.
(38) الإدارة الإسلامية لمحمد كرد علي /28.
(39) الوزراء والكتاب /179، وتهذيب الرياسة /140.
(40) مفتاح السعادة /145، نهاية الأرب 6/4، وأما في البصائر والذخائر للتوحيدي 1/203، ولباب الآداب /70، وتهذيب الرياسة /122 فنسبوه إلى أردشير – أحد ملوك اصطخر.
(41) تهذيب الرياسة / 122، ومروج الذهب 1/190 ونسبه إلى هرمز، وعين الأدب والسياسة /244.
(42) رواه أحمد 5/61 ونسبه ابن حجر في الإصابة 3/253 إلى النسائي في الكبرى.
(43) رواه البيهقي في الكبرى 10/113، وأورده القلعي في تهذيب الرياسة /188.
(44) أورده القلعي في تهذيب الرياسة / 146 دون نسبة.
(45) المرجع السابق ولم ينسبه.
(46) تفسير القرطبي 6/69 عن أخلاق العمال للدكتور فؤاد العمر/28.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
13- أن يتغافل عن بعض الأشياء التي يحسن التغافل عنها، قال بعضهم: أكره المكاره في السيد الغباوة وأحب أن يكون عاقلا متغافلا كما قال أبو تمام14- أن يتعامل مع منافسيه وحساده بذكاء، فيحرص على كسب الود وتقليل الأعداء، وقد قال محمد بن يزداد(2): إذا لم تستطع أن تقطع يد عدوك فقبلها(3). وخير من ذلك قول الله _عز وجل_: "ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ" (فصلت:34، 35).(115/1590)
لا ينبغي للملك أن يستشير منا أحدا إلا خاليا فإنه أموت للسر وأحزم في الرأي وأدعى إلى السلامة وأعفى لبعضنا من غائلة بعض
15-أن يكون مطيعا لمن فوقه، وأصل هذه القاعدة ما رواه مسلم أن النبي _صلى الله عليه وسلم_ قال: "على المرء المسلم السمع والطاعة فيما أحب وكره إلا أن يؤمر بمعصية فإن أمر بمعصية فلا سمع ولا طاعة"(4)، وهذا في الولاية العامة ويدخل فيها الولاية الخاصة، و روت لنا كتب التراث عن أحد ملوك الفرس الحكماء وهو ابرويز بن هرمز أنه قال: أطع من فوقك يطعك من دونك(5).
16- أن يحسن أدبيات التعامل مع من فوقه، فمن ما ورد في ذلك:
• قال العباس لابنه عبدالله _رضي الله عنهما_ وقد كان يختص بعمر _رضي الله عنه_: يا بني إني أرى هذا الرجل يدنيك وإني موصيك بخلال: لا تفشين له سرا ولا تخونن له عهداً ولا تغتابن عنده أحداً ولا تطوين عنه نصيحة(6).
• وقال أبو الفتح البستي: أجهل الناس من كان على السلطان مدلاًّ وللإخوان مذلاًّ(7).
• وقال الفضل بن الربيع: مساءلة الملوك عن أحوالهم تحية النوكى(8).
• وقد بالغ بعضهم فقال: لا تسلم على الملك فإنه إن أجابك شق عليه وإن لم يجبك شق عليك(9). وهذا مخالف لأدب الإسلام، ومثل ذلك ما ذكروا من عدم تشميته وألا يعزيه وكل هذا تعظيم مردود.
• وقال ابن عباد:
إذا صحبت الملوك فالبس ... ...
من التحلي أجل ملبس
وادخل عليهم وأنت أعمى ... ...
واخرج إذا ما خرجت أخرس(10)
17-أن يكثر المشورة، وذلك استجابة لقوله تعالى: "وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ" (آل عمران: من الآية159)(11)، وفي وصف أهل الإيمان يقول تعالى: "وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ" (الشورى: من الآية38).
ولا يعني هذا أن يستشير جميع من تحته بل يختار منهم من هو أهل للاستشارة، ويدل على هذا حديث ميمون بن مهران أن أبا بكر الصديق كان إذا ورد عليه أمر ولم يجده في الكتاب والسنة دعا رؤوس المسلمين وعلماءهم واستشارهم وكان عمر يفعل ذلك(12). وقال ابن عباس: كان القراء- يعني أهل العلم- أصحاب مشورة عمر كهولاً كانوا أو شبانا(13).
وقد ذكر ابن عباس _رضي الله عنهما_ قصة قدوم عمر للشام، وأنه لما أخبر بوقوع الطاعون بها دعا المهاجرين الأولين فاستشارهم.."(14).
ولما بعث عمر _رضي الله عنه_ جيشاً إلى العراق وأمر عليهم أبا عبيدة الثقفي أمره أن يستشير أصحاب رسول الله _صلى الله عليه وسلم_ وأن يستشير سليط بن قيس فإنه رجل باشر الحروب"(15).
وقال ابن المعتز: من أكثر المشورة لم يعدم عند الصواب مادحا وعند الخطأ عاذرا(16).(115/1591)
وعليه أن يستخدم الأسلوب الأمثل في المشورة؛ فقد ذكر الجهشاري أن سابور ذا الأكتاف وهو من ملوك الفرس استشار وزيرين كانا له في أمر من أموره، فقال أحدهما: لا ينبغي للملك أن يستشير منا أحدا إلا خاليا فإنه أموت للسر وأحزم في الرأي وأدعى إلى السلامة وأعفى لبعضنا من غائلة بعض، لأن الواحد رهن بما أُفضي إليه وهو أحرى ألا يظهره رهبة للملك ورغبة إليه، وإذا كان عند اثنين مظهر؛ دخلت على الملك الشبهة واتسعت على الرجلين المعاريض، فإن عاقبهما عاقب اثنين بذنب واحد وإن اتهمهما اتهم بريئاً بجناية مجرم وإن عفا عنهما عفا عن واحد لا ذنب له وعن الآخر والحجة عليه(17).
وعليه أن يقصد الكبار وذوي الخبرة في الاستشارة، قال علي _رضي الله عنه_: (رأي الشيخ خير من مشهد الغلام)(18). وقد يكون عند صغار السن ما لا عند غيرهم لحدة عقولهم، وقد كان ابن شهاب الزهري _رحمه الله_ يشجع الصغار، ويقول: "لا تحتقروا أنفسكم لحداثة أسنانكم فإن عمر بن الخطاب كان إذا نزل به الأمر المعضل دعا الفتيان فاستشارهم يتبع حدة عقولهم"(19).
18-أن يكون منتهزا للفرص عند تيسرها، قال الشاعر:
إذا هبت رياحك فاغتنمها ... ...
فعقبى كل عاصفة سكون
ولا تغفل تداركها سريعا ... ...
فما تدري السكون متى يكون(20)
وقال الآخر:
شجاع إذا ما أمكنتني فرصة ... ...
وإن لم تكن لي فرصة فجبان(21)
19-أن يفتح صدره قبل بابه لمن هم تحت ولايته ليرفعوا تظلماتهم واقتراحاتهم، وتسمى في العرف الإداري: "سياسة الباب المفتوح" ولا يعنينا الاسم بقدر ما يعنينا أن إغلاق الباب متوعد عليه في حديث عمرو بن مرة _رضي الله عنه_ قال: قال رسول الله_صلى الله عليه وسلم_: (ما من إمام أو وال يغلق بابه دون ذوي الحاجة والخلة والمسكنة إلا أغلق الله أبواب السماء دون خلته وحاجته ومسكنته)(22).
20- أن يصارح من تحته ببعض سياساته إذا فهمت بشكل خاطئ، ويدل عليه خطبة النبي _صلى الله عليه وسلم_ في الأنصار بعد توزيع غنائم حنين وأنه أعطى أناسا من الغنائم ليتألفهم على الإسلام(23)، ومثله ما كتبه عمر إلى أهل الأمصار: إني لم أعزل خالدا عن سخطة ولا خيانة ولكن الناس فتنوا به فأحببت أن يعلموا أن الله هو الصانع"(24).
21-ومنها أن يحسن الاستماع والإنصات للآخرين، ولما عاب المنافقون النبي _صلى الله عليه وسلم_ أنه يستمع لكل أحد ولو كان من عامة الناس أنزل الله _عز وجل_ قوله تعالى: "وَمِنْهُمُ الَّذِينَ يُؤْذُونَ النَّبِيَّ وَيَقُولُونَ هُوَ أُذُنٌ قُلْ أُذُنُ خَيْرٍ لَكُمْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَيُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِينَ وَرَحْمَةٌ لِلَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ..." (التوبة: من الآية61). ففن الاستماع من صفات القائد الناجح.(115/1592)
22-أن يتعامل مع من تحته بحسب مقدارهم وشرفهم وتدينهم، فقد كتب عمر بن الخطاب رضي الله عنه لأبي موسى الأشعري رضي الله عنه: بلغني أنك تأذن للناس جما غفيرا، فإذا جاءك كتابي هذا فأذن لأهل الشرف وأهل القرآن والتقوى والدين فإذا أخذوا مجالسهم فأذن للعامة"(25).
وقد ذكر بعض من ألف في آداب الملوك والقادة أن على من تصدر لقيادة الناس وسياستهم أن يعرف أنسابهم ليكون تعامله معهم على حسب أنسابهم وشرفهم فمن ذلك ما قاله أردشير (ملك اصطخر): الناس ثلاث طبقات تجب سياستهم في ثلاث سياسات:
• منهم طبقة من الخواص الأعيان تسوسهم بمحض اللطف والإحسان.
• وطبقة من العوام الأوساط تسوسهم من العنف واللطف ما بين الإفراط والاقتصاد.
• وطبقة من العوام والأطراف تسوسهم بمحض الغلظة والاعتساف(26).
23-ألا ينصاع لاستفزازات المرؤوسين بالاضرابات العمالية مثلاً، قال شيخ الإسلام ابن تيمية: "إن على ولي الأمر أن يجبر أرباب الحرف والصناعات على العمل لمصالح الشعب... فإذا امتنع الخباز مثلا عن الخبز حتى يتضرر الناس أُلزم بصنعتها"(27).
24-ألا يتهاون في استخدام المرؤوسين للأموال العامة، فقد مر حماد بن زيد عندما كان صغيرا هو وأبوه على جدار فيه تبن فأخذ حماد عود تبن، فنهره أبوه وقال: لماذا؟ فقال حماد: يا أبتاه إنه عود تبن، فقال الأب: لو أخذ كل مارٍّ عود تبن هل يبقى في الجدار شيء؟(28).
25-أن لا يغفل عن الجولات التفتيشية فقد كتب أبو بكر الصديق رضي الله عنه إلى يزيد بن أبي سفيان _رضي الله عنه_ في مسيره بالجيش لقتال الروم قال: "وأكثر حرسك وبددهم في عسكرك، وأكثر مفاجأتهم في محارسهم بغير علم منهم بك، فمن وجدته غفل عن محرسه فأدبه وعاقبه في غير إفراط، وأعقب بينهم بالليل واجعل النوبة الأولى أطول من الأخيرة فإنها أيسرهما لقربها من النهار"(29).
26-أن يحرص على جودة العمل أكثر من حرصه على سرعة إنهائه، وقد ثبت عن النبي _صلى الله عليه وسلم_ أنه قال: "إن الله تعالى يحب من العامل إذا عمل أن يحسن"(30)، وقد ذكر ابن هذيل في كتابه (عين الأدب والسياسة) عن بعض السلف أنه قال: لا تطلب سرعة العمل واطلب تجويده فإن الناس لا يسألون في كم فرغ منه وإنما يسألون عن جودة صنيعه(31).
27- أن يعالج المشاكل بالأيسر فالأيسر ويستعمل معهم سياسة " شعرة معاوية "، قال معاوية _رضي الله عنه_: لا أضع سيفي حيث يكفيني سوطي ولا سوطي حيث يكفيني لساني ولو أن بيني وبين الناس شعرة ما انقطعت، قالوا: وكيف ذلك يا أمير المؤمنين؟ قال: كنت إذا أرخوها مددتها وإذا مدُّوها جررتها(32).
28-أن يعجل مكافأة المحسن ويؤجل عقوبة العاصي وأن يتأنى في أموره، وقد ذكرت بعض كتب التراث عن أحد ملوك الفرس الحكماء وهو أردشير أنه قال: على الملك أن يأخذ نفسه بثلاث:
• تعجيل مكافأة المحسن على إحسانه فإن في ذلك شحذ الضمائر على الطاعة،(115/1593)
• وتأجيل عقوبة العاصي على عصيانه، فإن في ذلك إمكان العفو والإقالة ومراجعة التوبة والندامة،
• والأناة عند طوارق الدهر وحدثانه، فإن في ذلك انفساح مذاهب الرأي والسياسة وإيضاح غوامض السداد والإصابة(33).
وقال بعض الحكماء: لا تغفل مكافأة من يعتقد لك الوفاء ويناضل عنك الأعداء فمن حرمته مكافأة مثله زهد في معاودة فعله(34).
29-أن يحدد أركان التفويض عند إرادته لذلك، قال _تعالى_: "وَوَاعَدْنَا مُوسَى ثَلاثِينَ لَيْلَةً وَأَتْمَمْنَاهَا بِعَشْرٍ فَتَمَّ مِيقَاتُ رَبِّهِ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً وَقَالَ مُوسَى لِأَخِيهِ هَارُونَ اخْلُفْنِي فِي قَوْمِي وَأَصْلِحْ وَلا تَتَّبِعْ سَبِيلَ الْمُفْسِدِينَ" (الأعراف:142). فقد حدد موسى أركان التفويض، وهي:
• الشخص المفوض له بالاسم.
• موضوع التفويض، وهو خلافته في قومه.
• تحديد الصلاحيات في قوله: "وَأَصْلِحْ وَلا تَتَّبِعْ سَبِيلَ الْمُفْسِدِينَ" (الأعراف: من الآية142).
• تحديد مدة التفويض بأربعين ليلة.
30- من الأفضل ألا يطيل في المنصب القيادي حتى تتجدد الدماء، وهو ما يطلق عليه الآن بضرورة تداول المنصب، وتحديدها بفترة معينة، وقد قال أبو حنيفة _رحمه الله_ بضرورة توقيت ولاية القضاء بسنة لسببين:
• حتى لا ينشغل عن تحصيل العلم.
• وحتى لا يتعرض للفتنة والغرور(36).
وفي الختام، أسأل الله أن ينفع بهذا الجهد والحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
__________________
(1) مفتاح السعادة / لطاش كبري زادة 145.
(2) وزير المأمون ، توفي سنة 230هـ.
(3) عيون الأخبار 7/112 ، تهذيب الرياسة /230 والكلمة ليست على إطلاقها .
(4) مختصر مسلم(1225).
(5) تهذيب الرياسة /121 ، شرح نهج البلاغة 3/32 ، ونسبه في الدرر السنية إلى بعض الحكماء 7/383.
(6) رواه البيهقي في الكبرى 8/167 ، سير أعلام النبلاء 3/232 ، تهذيب الرياسة /157.
(7) نهاية الأرب 6/15 ، يتيمة الدهر 4/305 ، تهذيب الرياسة /155.
(8) عيون الأخبار 1/22 ، نهاية الأرب 6/15 ، العقد الفريد 2/260 ، تهذيب الرياسة /153.
(9) نهاية الأرب 6/15 ، التمثيل والمحاضرة ، تهذيب الرياسة /153.(115/1594)
(10) التبر المسبوك /85 ، مجمع الأمثال /467 ، تهذيب الرياسة /158 البداية والنهاية 15/352 طبعة دار هجر ونسبه ابن كثير وابن الجوزي في المنتظم 14/232 لأبي الفتح البستي وهو في ديوانه/106.
(11) آل عمران/159.
(12) رواه البيهقي بسند صحسح كما في فتح الباري 13/342.
(13) رواه البخاري(7286)
(14) رواه البخاري(5729).
(15) البداية والنهاية 7/26.
(16) آداب ابن المعتز /99 ، تهذيب الرياسة /185.
(17) الوزراء والكتاب للجهشاري /11.
(18) رواه البيهقي في السنن الكبرى 10/113 ، تهذيب الرياسة /188.
(19) رواه ابن عبدالبر في جامع بيان العلم وفضله /1/85.
(20) نهاية الأرب 6/138 ، تهذيب الرياسة /224.
(21) مروج الذهب 2/14 ونسبه للقطامي ، وتهذيب الرياسة للقلعي /242 ولم ينسبه.
(22) رواه أحمد والترمذي كما في الصحيحة للألباني (629) وصححه الألباني.
(23) رواه البخاري(4331) عن أنس رضي الله عنه.
(24) البداية والنهاية 7/81.
(25) مجلة الاتصالات السعودية-34، قيم المديرين وأخلاقياتهم للدكتور إبراهيم الغفيلي.
(26) تهذيب الرياسة للقلعي /121 ونهاية الإرب 6/44. ولا يؤخذ كلامه على الإطلاق.
(27) رسالة الحسبة /32.
(28) ترجمة حماد بن زيد من سير أعلام النبلاء.
(29) الكامل لابن الأثير 2/276.
(30) حسنه الألباني في صحيح الجامع/1887.
(31) مجلة الاتصالات السعودية-34، قيم المديرين وأخلاقياتهم للدكتور إبراهيم الغفيلي.
(32) عيون الأخبار 1/9 ، بهجة المجالس 1/345 ، العقد الفريد 1/18 ، وتهذيب الرياسة /131.
(33) بهجة المجالس 1/338 ، نهاية الأرب 6/5 ، شرح نهج البلاغة 4/537 ، تهذيب الرياسة /122.
(34) تهذيب الرياسة /172 ، الأمثال للثعالبي /47.
(35) لسان الحكم لابن الشحنة /4
ـــــــــــــــــــ
مهارات العلاقات العامة للدعاة (1)
خالدالسيد روشه(115/1595)
7/3/1427
ارسل تعليقك ...
لا توجد تعليقات ...
ارسل الصفحة ...
الى مشرف النافذة ...
طباعة ...
يحتاج الداعية إلى الله إلى إتقان مهارة إنشاء العلاقات العامة مع الآخرين واستغلالها استغلالاً إيجابياً في صالح دعوته وفكرته، حيث يدعو إلى تعديل السلوك البشري نحو السلوك الإسلامي القويم.
وكلما نشط الداعية في عمله الدعوى ووضع النجاح نصب عينية كلما أصبح من الضروري عليه أن يتعرف على الناس من حوله ويوسع دائرة معارفه ويقوي علاقاته بالناس حتى يستطيع التأثير في أكبر عدد منهم، والداعية الأوسع أثرا هو الداعية الأقوى في الغالب ولما كان الداعية يقوم بدور قيادي في مجتمعه فإن أفراد هذا المجتمع يتوقعون منه دائماً اهتماماً بأحوالهم وانشغالاً بشأنهم....
نصيحة قرآنية:
القرآن الكريم كثيراً ما يوجه إلى إحسان العلاقات بالناس، والاستفادة منها في تعليمهم وهدايتهم وتبصيرهم من خلال الخُلق الحسن والمعاملة النبيلة، يقول الله _تعالى_: "خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ" (الأعراف:199)، ويقول _سبحانه_: "إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ" (النحل: من الآية90)، ويقول _سبحانه_: "وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ" (لقمان: من الآية17)، ويقول _سبحانه_: "فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاصْفَحْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ" (المائدة: من الآية13)، ويقول _سبحانه_: "دْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ" (فصلت: من الآية34)، وقوله _تعالى_: "وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ" (آل عمران: من الآية134).
يحتاج الداعية إلى الله إلى إتقان مهارة إنشاء العلاقات العامة مع الآخرين واستغلالها استغلالاً إيجابياً في صالح دعوته وفكرته حيث يدعو إلى تعديل السلوك البشري نحو السلوك الإسلامي القويم
وقد كان رسول الله _صلى الله عليه وسلم_ كثير الضراعة والابتهال دائم السؤال من الله _سبحانه_ أن يزينه بمحاسن الآداب ومكارم الأخلاق وطيب العشرة، فكان يقول: "اللهم حسن خلقي وخلقي" أخرجه أحمد عن ابن مسعود، فأنزل القرآن: "وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ" (القلم:4)، وأخرج البيهقي في الزهد بسنده أن معاذاً قال: "أُوصينا بتقوى الله وصدق الحديث والوفاء بالعهد وأداء الأمانة وترك الخيانة وحفظ الجار ورحمة اليتيم ولين الكلام وبذل السلام وحسن العمل...".
وقد كان رسول الله _صلى الله عليه وسلم_ خير الناس في علاقاته بالناس، فقد كان طيب النفس، لين العريكة، هاشاً باشاً، مقبلاً على الناس، ساعياً في حاجاتهم، صبوراً عليهم مهتماً بهمومهم، فرحاً بأفراحهم، يقدم لهم ما يحبون.(115/1596)
يقول القاسمي _رحمه الله_: "كان رسول الله _صلى الله عليه وسلم_ أحلم الناس وأشجع الناس وأعدل الناس وأعف الناس... وكان أسخى الناس، لا يبيت عنده درهم ولا دينار.. وكان أشد الناس حياء، لا يثبت بصره في وجه أحد، ويجيب دعوة الحر والعبد، ويقبل الهدية ولو أنها جرعة لبن، ويكافئ عليها، ولا يأكل الصدقة، ولا يستكبر عن إجابة الأمة والمسكين، ويغضب لربه ولا يغضب لنفسه... وكان أشد الناس تواضعا، وأسكتهم في غير كبر، وأبلغهم في غير تطويل، وأحسنهم بشراً.. يعود المرضى في أقصى المدينة ويحب الطيب، ويجالس الفقراء، ويؤاكل المساكين، ويكرم أهل الفضل، ويتألف أهل الشرف بالبر لهم، ويصل رحمه، ولا يجفو على أحد، يقبل معذرة المعتذر، يمزح ولا يقول إلا صدقا...وكان يؤثر الداخل عليه بالوسادة حتى ربما بسط ثوبه يجلسه عليه، وكان يعطي من جلس إليه نصيبا من وجهه، وقد كان يدعو أصحابه بكناهم إكراماً لهم واستمالة لقلوبهم، وكان أبعد الناس غضباً، وأقربهم رضاً، وكان أرأف الناس بالناس وأنفع الناس للناس.."..
والدعاة إلى الله يتخذون رسولهم _صلى الله عليه وسلم_ إماماً لهم وقدوة في علاقاتهم بالناس، إذ إن التعامل مع الناس فن من أهم الفنون الدعوية التي تميز الدعاة المصلحين نظراً لاختلاف طباع الناس وتباين أمزجتهم واهتماماتهم.... فإن استطعت توفير بناء جيد من حسن التعامل فإن هذا سيسعدك أنت في المقام الأول؛ لأنك ستشعر بحب الناس لك وحرصهم على مخالطتك، ويسعد من تخالط ويشعرهم بمتعة التعامل معك ومن ثم يسهل دعوتهم إلى البر ونصحهم إلى الخير وتغيير أنماط سلوكهم وحياتهم نحو كل خير..
السيرة الحسنة:
السيرة الطيبة للداعي وأفعاله الحميدة وصفاته العالية وأخلاقه الزاكية، تجعله قدوة طيبة لغيره، ويكون بها كالكتاب المفتوح يقرأ فيه الناس معاني الإسلام، فيقبلون عليه وينجذبون إليه؛ لأن التأثر بالأفعال والسلوك أبلغ من التأثر بالكلام، والداعية إلى الله كقنينة عطر كلما حسن شذاها أشتاق الناس إلي أن يتعطروا بعطرها وينعموا بحسن بيئتها.
والإسلام انتشر في كثير من بلاد الدنيا بالسيرة الطيبة التي كانت تجلب أنظار غير المسلمين ولما جاء الإعرابي إلى النبي _صلى الله عليه وسلم_ وسأله " من أنت؟ فقال : "محمد بن عبد الله " فقال الإعرابي: أنت الذي يقال عنك: إنك كذاب؟! ليس هذا الوجه وجه كذاب، ولم يفارق حتى أسلم فالأعرابي استدل بسمت النبي _صلي الله عليه وسلم_ ووجهه المنير علي صدقه وإخلاصه، وللسيرة الحسنه أصلان: الأول حسن الخلق والثاني موافقة القول للعمل والداعية إلى الله على محك خطير إذا كان ذا سيرة سيئة فإن سيرته تسبقه في معاملته للناس فينفر الناس منه ولا يرتضي أحد منهم أن يوطد علاقته به.
الابتداء بامتحان الذات:
لماذا يفترض الدعاة أن في الناس عيوبا شديدة هي سبب فشل العلاقة معهم لماذا لا نفترض أولا أن في داخلنا نحن عيوبا أشد لابد من إصلاحها لننجح في اكتساب علاقة الناس؟! وقبل أن تبدي رأيك في نفسك بصراحة فأجب عن تلك الأسئلة:(115/1597)
هل تشكر الآخرين على ما يفعلون تجاهك بالفعل لا بالقول؟ هل تتمالك غضب إذا أغضبك الناس؟ هل تتذكر أسماء الناس جيدا وبعضا عن معلومات عنهم؟ هل تلقي السلام على الناس ببشاشة ودفء؟ هل تتغاضى عن سقطات الناس؟ هل لا يخرج من لسانك إلا ما هو حسن فقط؟ هل تظهر اهتمامك بالناس؟ تعرف على مواطن ضعفك مع نفسك واستعرض أمام المرآة سماتك الشخصية وحاول علاج نقط الضعف ولا تخجل من أخطائك فإن هناك داءً يغفل عنه معظم الدعاة، وهو: " أن المساوئ التي بداخلهم والتي لا يستطيعون إصلاحها إنما تبدو ظاهرة جلية أمام الناس في حين يظن صاحبها أنه يخفيها "، فالمتعجرف والمتكبر يفتضح أمره في كلماته ولفتاته وسقطاته، والمتعالم يفتضح أمره في حديثه وكلماته والمرائي يفتضح أمره في مواطن حاجة الناس إليه.
الاهتمام بالناس:
كل إنسان له أهميته مهما كان دوره في الحياة، إنها الحقيقة التي يجب أن نضعها في الاعتبار ونحن نتعامل مع الناس، اجعل هذه الحقيقة قاعدة أساسية عند التعامل مع الناس، وأقنع نفسك بأن كل الناس لهم قيمة.. إنك إن فعلت ذلك وانتقل هذا الإحساس والشعور للطرف الآخر الذي تتعامل معه فإنك ستظفر باهتمامه ورعايته، ولقد كان النبي _صلى الله عليه وسلم_ مؤكداً في سلوكه وتوجيهه نحو هذا المعنى الهام، ففي الحديث أنه _صلى الله عليه وسلم_ كان إذا حدث أحداً جعله تلقاء وجهه وأصغى إليه وأنه إذا أمسك بيد أحد لم يكن ليتركها حتى يكون الآخر هو الذي يترك يده، وأن الأمة كانت تأخذ بيد رسول الله _صلى الله عليه وسلم_ وتذهب به حيث شاءت، وأنه استجاب للحباب بن المنذر في رأيه في مكان التخييم ليلة بدر، واستجاب لنصيحة سلمان يوم الخندق، وأنه _صلى الله عليه وسلم_ لطالما يذكر قيمة أصحابه، ويشكر أفعالهم، ويعرفهم قيمة دورهم، ويثمن سلوكياتهم النبيلة فيقول لعثمان لما جهز جيش العسرة " لا يضره ما فعل بعد اليوم "، ويسمي خالد " سيف الله المسلول "، ويقول عن أبي بكر: " لو وزن إيمانه بإيمان الأمة لرجحت كفة أبي بكر " ويقول عن عمر: لو أن نبياً بعدي لكنت أنت ياعمر.. إلى غير ذلك من دلائل تقديره لأصحابه وتعريفهم لأهميتهم عنده وبين الناس..
إن العلماء يؤكدون أن معاملتنا للناس تعتمد بشكل كبير على ما نعتقده فيهم وكلما زاد اهتمامنا بالناس وتقديرنا لهم زاد ميلنا إلى احترامهم وإلى وضع آرائهم ومشاعرهم موضع الاعتبار، وعندها ستكون تعاملاتنا قابلة للارتفاع فوق مستوى الاهتمام المتبادل والفهم والزمالة المتبادلة إلى الحب والاحترام والتعاون...
وثق أن أكثر الناس قدرة على التأثير على الناس هم أولئك الذين يؤمنون بأهمية الناس، ويرون فيهم أشخاصا مهمين بالفعل مهما كان دورهم في الحياة.
الحقيقة التي أثبتتها الدراسات العلمية لعينة عشوائية من البشر أن الغالبية من الناس لا تشاهد سوى واحد في المئة مما هو حولهم.. وأننا وبلا وعي منا ندرك أننا لا نلاحظ سوى ما هو مهم بالنسبة إلينا وعندما نجد أحداً يلاحظنا ويهتم بنا فإنه بذلك يعترف بأهميتنا وبالتالي نصبح أكثر وداً وأكثر تعاوناً.. والحقيقة الأساسية عن الطبيعة الإنسانية التي نتعامل معها أن كل إنسان يحتاج إلى الشعور بالأهمية وإلى(115/1598)
الإحساس بأن الناس يقدرون ذلك ويعترفون بأهميته، وهذه الخاصية في الطبيعة الإنسانية سمة حيادية في حد ذاتها يمكن استخدامها من أجل الهدف الأسمى، وهو الفوز بالتعامل الجيد مع الناس، وهو سلاح ذو حدين.. فلو إننا تعمدنا عند تعاملنا مع الناس، على أن نترك انطباعا بأهميتنا في نفوسهم دون أن نعطيهم تلك الأهمية أو نجعلهم يشعرون بأنهم يقبلون فإننا لن ننجح في ذلك على الإطلاق لأن كل إنسان له أهميته، والطريقة الوحيدة للتغلب على هذه العقبة والتي ثبت صحتها أنك إذا أردت أن تترك انطباعا جيدا في نفس الناس فإن أمثل طريقة هي أن تجعلهم يدركون أنهم قد أثروا فيك، وأنهم قد تركوا انطباعاً طيباً في نفسك..
فاعمل دائماً وأبداً على تذكير نفسك أن للآخرين أهميتهم، وأنهم بالفعل ذوو أهمية وسوف يتسرب موقفك هذا إليهم ويؤثر تأثيراً إيجابيا في تعاملاتك معهم وإياك أن تشعر الآخرين بضآلة أنفسهم في تحين تشعرهم بأهميتك
دوافع وراء تحسين العلاقة بالناس:
المسلم يبحث عن رضا ربه _سبحانه_ من كل عمل يقوم به وكل فكر وكل عزم وهو يبحث عن الأجر في كل ذلك , قال رسول الله _صلى الله عليه وسلم_ فينا أخرجاه في الصحيحين: "خير الناس أنفعهم للناس" وذاك الدافع الإيماني يجعل المرء يسعى إلى تحسين علاقاته ومعاملاته بالناس سواء كان في ذلك نفع متبادل أو لا وسواء رضي الناس أو أبو وسواء كسب ودهم أو لم يكسب فالأجر ثابت عند الله وهو ضمان تلك الاستمرارية.فقد أخرج مسلم قول النبي _صلى الله عليه وسلم_ " ليس الواصل بالمكافئ ولكن الواصل من إذا قطعت رحمه وصلها" فهو لا يصل رحمه – سواء كانت رحماً عامةً كالأخوة في الله أو رحما خاصة كالرحم القريب – بناء على وصلهم له ولكن رغبة منه أن يصل رحمه مهما قطعوها هم.. وعن عائشة _رضي الله عنها_ قالت: قال رسول الله _صلى الله عليه وسلم_: "المؤمن يألف ويؤلف ولا خير فيمن لا يألف ولا يؤلف" رواه أحمد.
والداعية الناجح يتعرف على أحوال الناس وأوضاعهم ولا يتغيب عن أمورهم الفكرية والنفسية والاجتماعية وإنما يحصل ذلك بالخلطة الصالحة في المساجد والمناسبات الشرعية
كذلك دافع آخر وراء تحسين العلاقة بالناس هو قوله تعالى: "ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ" (النحل: من الآية125)، فالموعظة الحسنة هي محتوى الكلام وطريقته والحكمة هي ذاك الغلاف الذي يغلفه وتلك الوسائل التي توصله اقتداء بفعل النبي _صلى الله عليه وسلم_ , ولذلك قال بعضهم الحكمة في الآية هي سبيل السنة في الدعوة إلى الله.. ولذلك وصف القرآن سلوك النبي في دعوته بقوله: "فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ" (آل عمران: من الآية159).
كذلك فإن تكوين بيئة صالحة مهيأة لتقبل الناس دعوة الداعية لا يمكن أن تتحقق إلا بإحسان المعاملة والتميز في ذلك بصورة كبيرة , بل نستطيع أن نقول إن البيئة الشائكة والمليئة بالمشكلات تكون محضناً خصباً لنمو أمراض العمل الإسلامي، سواء على مستوى الفرد أو المجموع..(115/1599)
أهمية دراسة الداعية للناس والمجتمع من حوله في نجاح العلاقة معهم:
قال الله _سبحانه_: "قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي" (يوسف: من الآية108).. قال الرازي: "يدل هذا على أن الدعوة إلى الله إنما تحسن وتجوز مع هذا الشرط، وهو أن يكون على بصيرة مما يقول وعلى هدى".
"وهذه البصيرة نظهر على شكل أنواع من السلوك وألوان من التصرف والتعامل , ويتقرر كل ذلك بعد معرفة المدعوين وإدراك أحوالهم الاجتماعية والاقتصادية والفكرية والنفسية , فإن التعامل مع المجهول صعب وشاق في حين أن التعامل مع المعلوم المبصور سهل يسير ويوفر كثيراً من الجهد والتعب..
فالداعية الناجح هو الحريص على معرفة أسماء الناس من حوله وكناهم وألقابهم وأن يخاطبهم بأحب الأسماء إليهم وأن يتجنب ما يسوؤهم وأن يعرف محباتهم ومكروهاتهم , فهذا رسول الله _صلى الله عليه وسلم_ علم حب أبي سفيان للفخر – قبل إسلامه- فقال " من دخل دار أبي سفيان فهو آمن " وفي صلح الحديبية أمر النبي _صلى الله عليه وسلم_ بأن يعرض الهدي في وجه الحليس بن علقمة سيد الأحابيش الذي أرسلته قريش للنبي _صلى الله عليه وسلم_ , لأنه كان من قوم يتعبدون فلما رأى الحليس الهدي يسيل عليه من الوادي وعليه قلائده رجع ولم يصل للنبي _صلى الله عليه وسلم_ إعظاما لما رأى وقال يا معشر قريش والله ما على هذا عهدناكم أن نصد عن بيت الله من جاء معظما له.. "سيرة ابن هشام
والداعية الناجح يتعرف على أحوال الناس وأوضاعهم ولا يتغيب عن أمورهم الفكرية والنفسية والاجتماعية وإنما يحصل ذلك بالخلطة الصالحة في المساجد والمناسبات الشرعية والتزاور الشرعي في الله وإنشاء ميادين اللقاء الدعوى ومنتدياته الصالحة وغيرها..
احذر الخجل..
فرق كبير بين الخجل والحياء , فالحياء هو زينة الأفعال وهو ترك كل ما يشين من السلوك والأقوال وأصل الحياء هو الإيمان فالحياء والإيمان قرينان وهو داعية في داخل الإنسان يدعوه إلى أفعال المروءة وترك أفعال الدناءة والخسة.. وأما الخجل المكروه هنا والذي أقصده هو ذاك المانع للإنسان والدعاة عن القرب من الناس وتحسين العلاقة معهم وهو مذموم ولاشك...
الخجل هو المشكلة الأولى التي قد تمنعنا من الاندماج مع الناس اندماجا طبيعيا غير مفتعل ، وهو سلوك مكتسب.. فلا يوجد إنسان ولد خجولا ولكن الخجل سمة شخصية مكتسبة، وتفسيرات الخجل وأسبابه كثيرة ومتنوعة وتختلف باختلاف الأشخاص وظروف كل منهم.. ولكن كل ما يعنينا هو أن الخجل عائق بلا شك عند التعامل مع الناس.. لأن الشخص الخجول يعارض بشدة ولا يستطيع على الإطلاق أن يبدأ حوارا مع شخص آخر وبخاصة إذا كان هذا الشخص غريبا عنه.
والحقيقة إنك لا تستطيع أن تقاوم نفسك وتبادر بالضغط عليها وتحاول أن تقوم بشيء مازلت غير مقتنع بجدواه.. ولا أنصحك على الإطلاق أن تفعل ذلك ولكن أنصحك بالتغلب على الخجل بالتدريب وبالتدريج بعد أن تكون مقتنعا تماما ومن داخل أعماق نفسك بأنه يجب أن تتخلص من ذلك الذي يجعلك لا تستطيع أن تحصل على ما تريد(115/1600)
من حب وتعاون وتفاهم مع الناس الذين تتعامل معهم وحتى أقرب المقربين إليك.. قد تعاني في البداية من بعض الاضطرابات والخوف والقلق، ولكن سيقل ذلك شيئاً فشيئاً عندما تبادر بالبدء في الحديث مع الآخرين إلى أن تتغلب تماماً على ذلك الخجل، وتصبح إنسانا اجتماعيا من الطراز الأول.
وتذكر دائما وأبدا القاعدة الذهبية للتغلب على الخجل وهي إنك بمجرد القيام بتكرار الشيء الذي كنت تخشى القيام به ستقهر الخجل قهرا.. وسيذهب عنك إلى غير رجعه، ولكي تتغلب على شعورك بالخجل عند الحديث مع الناس عليك أن تتحدث مع الناس وتكرر الشيء الذي تخشى القيام حتى تكتسب القوة، وعليك أن تكون متميزا عن الآخرين في حوارك الذي ستبدؤه للتغلب على الخجل الذي بداخلك، والأجدى لك أن توجه الحوار إلى موضوع من اختيارك أنت موضوع تلم به جيدا وتعرفه ويهم الآخرين أن يتحدثوا فيه.
مظهرك وطريقتك باب دخولك إلى القلوب..
قد أكد الإسلام على حسن المنظر والمظهر وقد أمر النبي _صلى الله عليه وسلم_ بذلك في غيرما توجيه نبوي , وقد كان يحب البياض من الثياب وكان أحسن الناس مظهرا وكان يحب الطيب وله ثوب للقاء الوفود , وليس معنى التزهد في الدنيا والتقلل منها أن يبدو الإنسان رث الهيئة فينفر الناس منه ويسأمون من القرب منه , كذلك فاهتمامك بصحتك ونضرتك وحيويتك سبب مهم في قرب الناس منك , ولكي تبدو في أحسن حالاتك ينبغي أن تحس أنك في أصح حالاتك، وإذا نال منك التعب أو الإعياء أو تعكر مزاجك فليس في مقدورك أن تبدو مرحا متفائلا محبا للآخرين.. ولما كانت الشخصية وتصرفاتك وسلوكك المحسوس هو الذي يدفع الناس إلى قبولك وحبك والتعاون معك فلابد أن تتصف شخصيتك بالمرح والحيوية – ولا أقصد الابتذال الرخيص والضحك المسقط للهيبة -، أما الوجوم والاكتئاب والكسل وفقدان الحيوية فكلها صفات تجعل الناس يديرون ظهورهم في وجهك.
كذلك فإن اللياقة إحدى السمات التي تجعل هناك إنسانا مقبولا لدى الآخرين وتعني في أبسط معانيها أن تجنب الآخرين الحرج والارتباك.. ويكون ذلك بالتعود على التفكير قبل الكلام فهذه هي الطريقة المثلى لاكتساب الظهور بمظهر الحكيم..
أهمية حسن الحديث واختيار الكلمات في علاقة الداعية بالناس:
القول هو الأصل في تبليغ الدعوة إلى الناس وقد كان تبليغ دعوة النبي صلى الله عليه وسلم بالقول الذي يصحبه العمل قال الله تعالى مخاطبا رسوله: "قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَكُمُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ" (يونس: من الآية108), وقال تعالى: "قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعاً" (الأعراف: من الآية158)، وكذلك أمر الله سبحانه أنبياءه بتبليغ قومهم برسالة ربهم بالقول المبين فقال تعالى: "لَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحاً إِلَى قَوْمِهِ فَقَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ" (الأعراف: من الآية59).. فلا يمكن للداعية إلى الله أن يغفل مكانة القول في تبليغ دعوته ولا أثر الكلمة الطيبة في النفوس....
وهناك عدة ضوابط ومحاذير هامه يجب على الداعية الانتباه إليها في حديثه إلى الناس:(115/1601)
يجب على الداعية إلى الله أن يتلطف في حديثه مع الناس فيستعمل في حديثه دائما ما يرغب الناس إلى السماع ويباعدهم عن النفور، كما يجب أن يتأنى في حديثه فلا يسرع بل يتمهل حتى يستوعب السامع كلامه ويفهمه
1- وضوح القول: فينبغي أن يكون حديثه واضحا لا لبس فيه ولا غموض ولا إبهام موجها لتوصيل المعاني المطلوبة فعليا ولهذا أرسل الله كل نبي بلسان قومه فقال تعالى: "وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ" (إبراهيم: من الآية4)، وجعل وظيفة الرسل هو التبليغ الواضح فقال تعالى: "وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلاغُ الْمُبِينُ" (النور: من الآية54).. ومقياس الوضوح هو للمدعوين والناس من حول الداعية وهو معنى قوله تعالى: "لِيُبَيِّنَ لَهُمْ".
2- ويجب أن يتأنى في حديثه فلا يسرع بل يتمهل حتى يستوعب السامع كلامه ويفهمه ففي الحديث عن عائشة رضي الله عنها قالت: "كان كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم فصلا يفهمنه كل من سمعه" رواه أبو داوود، وعن أنس رضي الله عنه "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا تكلم بكلمة أعادها ثلاثا حتى تفهم عنه وإذا أتى على قوم فسلم عليهم سلم عليهم ثلاثا" رواه البخاري
3- وعلى الداعية إلى الله أن يتلطف في حديثه مع الناس فيستعمل في حديثه دائما ما يرغب الناس إلى السماع ويباعدهم عن النفور، فقد ذكر أصحاب السير أن النبي صلى الله عليه وسلم أتى إلى بطن من بطون كلب في منازلهم يقال لهم (بنو عبد الله ) فدعاهم إلى الله وعرض عليهم نفسه حتى إنه كان يقول لهم: "يا بني عبد الله قد أحسن الله اسم أبيكم" سيرة ابن هشام.
4- إذا استدعت الحاجة للنقاش مثلا فعلى الداعية إلى الله ألا يعجب من جهل الناس ولا يغضب من خطئهم وربما إيذائهم له بالقول ولا يخرجه ذلك عن هدوئه واتزانه وشفقته على الناس وعليه أن يحرص أن يكون كلامه دائما في النقاشات بالحسنى والكلام الطيب والتواضع والأدب الجم والهدوء وعدم رفع الصوت وعدم الاستهزاء بالمقابل وانظر إلى قول الله تعالى عن حديث نوح لقومه: "قَالَ الْمَلَأُ مِنْ قَوْمِهِ إِنَّا لَنَرَاكَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ قَالَ يَا قَوْمِ لَيْسَ بِي ضَلالةٌ وَلَكِنِّي رَسُولٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ" (الأعراف:60، 61)..
5- الناس عادة لا يحبون الأوامر التي تقال لهم مباشرة (افعل كذا.. لا تفعل كذا) فلذلك على الدعاة إلى الله البحث عن الأساليب اللطيفة لدفع الناس للفعل المراد من دون أمر.. ومن ذلك أسلوب الخبر مثل قول النبي صلى الله عليه وسلم: "تصدق رجل من ديناره من درهمه من ثوبه من صاع تمره" فجاء رجل بصرة كادت تعجز يده عن حملها فقدمها للرسول صلى الله عليه وسلم، رواه أحمد عن جرير، ومن ذلك أيضا تحبيب الأمر إليهم مثل قول النبي صلى الله عليه وسلم: "لأعطين الراية غدا رجلا يحبه الله ورسوله" متفق عليه من حديث سلمة.... وقوله صلى الله عليه وسلم لأبي ذر: "إني لأحب لك ما أحب لنفسي لا تأمرن على اثنين" رواه مسلم..
وصايا هامة في العلاقة بالناس:
أولا: لا يمكن لإنسان مهما كان أن يفوز بحب كل الناس أو بثقتهم، فالأرواح جنود مجندة ما تعارف منها ائتلف وما تناكر منها اختلف بل قد تجد شخصا ما يناصبك(115/1602)
الغيظ والعداء بلا أي سبب.. بل في أيامنا هذه فهناك الكثير ممن تأثروا بحملات الإعلام المسمم الذي يبغض الناس في الدعاة إلى الله ويشوه صورتهم أمام الناس والمهارة هنا هي: كيف نحول هؤلاء المعادين والنافرين إلى أصدقاء وقريبين..
ولذلك أساسان هامان: الأول ألا تقابل سلوكهم ذاك العدائي والسيئ بمثله أبدا على أية حال فعليك أن تقابل العبوس بابتسامه وعاود ذلك واصبر عليه فقد قال ابن مسعود: كأني أنظر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يحكي نبيا من الأنبياء ضربه قومه فأدموه وهو يمسح الدم عن وجهه ويقول اللهم اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون" متفق عليه، وأما الأساس الثاني فهي أن تنتهز فرصة يمكنك فيها أن تساعده مساعدة مؤثرة دون أن يطلب منك ذلك.. فعندها سارع بها واعلم عندها أن عداوته لك قد زالت..
ثانيا: إقناع الناس بالأفكار شيء سهل يسير ولكنه يحتاج إلى فن وفكر ومهارة، فالناس يمكنهم أن يتخلوا عن أفكارهم إلى أفكارك بمحض إرادتهم إذا أقنعتهم بها، فتغيير القناعات لا يمكن حصوله بالضغط أو بالإلزام أبدا، بل تتغير القناعات بالرضا والقبول وبالإثبات والبرهان وبالجاذبية والتقريب، والفاشل في ذلك هو المجادل المحترف الذي يجادل عن رأيه أبدا ويعتمد على قهر الناس والسخرية من آرائهم لإقناعهم وما هو بفاعل ولو ظل يجادلهم ألف عام.
ثالثا: من أهم الصفات اللازمة للداعية في تعامله مع الناس هي السيطرة على النفس وانفعالاتها، وإلا فستكون النتيجة التي لا تحمد عقباها.. فالانفعال يمكن أن يجعلك تهدم جسور الثقة والأمان والحب والود الذي ظللت تحرص عليها شهورا وسنين وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم لمن سأله الوصية فقال له: "لا تغضب" رواه البخاري وعن معاذ رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من كظم غيظا وهو قادر على أن ينفذه دعاه الله سبحانه وتعالى على رؤوس الخلائق يوم القيامة حتى يخيره من الحور العين ما شاء" رواه أبو داود والترمذي، وعن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ليس الشديد بالصرعة ولكن الشديد من يملك نفسه عند الغضب" متفق عليه.. وأولى الخطوات التي يمكن من خلالها أن تسيطر على انفعالاتك أن تثق بنفسك وتجعل الناس يثقون بك.. فهذه الثقة المتبادلة بينك من جانب وبينك وبين الناس من جانب آخر كفيلة بأن تجعلك لا تصل لمرحلة الانفعال وعدم السيطرة على النفس.
واعلم أنك إذا كنت عرضة لانفجارات غاضبة عنيفة نتيجة عدم السيطرة على النفس فإنك ولاشك لن تستطيع السيطرة على الآخرين وسوف تواجه صعوبات في الفوز باحترام الناس وتقديرهم بل ستفقد وقارك وقيمتك.. فعليك أن تحدد العوامل التي تصيبك بالغضب والإحباط وان تضع يدك على ما يدفع بك إلى الثورة الغاضبة، فربما يساعدك إدراكك لما يضايقك على اتخاذ ردود أفعال أفضل لو تركت الأمر لفكرك وعقلك.. لا لمشاعرك وعواطفك.
وأنت حين تتكلم بنبرة هادئة لينة فإنك تكون بذلك قد ضربت عصفورين بحجر واحد.. هدأت الطرف الآخر وحميت نفسك من الوقوع في براثن الغضب، وعندما ترفض الرد بالسوء على السوء وتسيطر على أعصابك وتتكلم بهدوء سيدرك الطرف(115/1603)
الآخر أنه خسر المعركة بلا شك وخاصة عندما يكتشف أنه يصرخ وحده دون شريك!
رابعا: يجب أن يكون هدفك الأسمى أثناء التعامل مع الناس رضا الله سبحانه ثم الفوز بالأصدقاء وليس صنع الأعداء، وهناك ثلاثة أساسيات في التعامل مع الناس إن قمت بها فستتجنب عداوات الناس الأولى أن تتجنب تماما النميمة والغيبة وتشويه سمعة الآخرين قال الله تعالى " ولا يغتب بعضكم بعضا " ، وليكن منطقك في التعامل مع الناس قائما على أساس أنه إذا لم تستطع أن تذكر شخصا ما بالخير فاصمت، ولا تذكره بالسوء أبدا حتى لو كان سيئا فعلا والثانية أن تتجنب اتهام الآخرين بالخطأ والثالثة أن تتجنب السخرية أو إنقاص ذات الآخرين ولو على سبيل المزاح وثق أنك لو سخرت من إنسان فإنك تكون قد حولته من صديق إلى عدو ولو لدقائق لأنك اعتديت على ذاته وجرحت كبرياءه..
خامسا: إياك أن تجعل علاقاتك العامة بالناس لأجل مصالحك الشخصية أو نيل مراتب دنيوية على حساب الآخرين، فإن ذلك ينبت عند الناس الحقد الدفين والحسد الغائر، ويباعد الناس عنك في المواقف المهمة وينفرهم منك في ساحات الأفكار والتوجيهات. يجب أن يستشعر الناس أنك تعرفهم لا لشيء ترجوه منهم غير الخير لهم والتعاون معهم على العمل الصالح والصحبة الإيمانية الكريمة..
ـــــــــــــــــــ
أخطاء تطبيقية في العمل القيادي
إعداد اللجنة التربوية
1/2/1427
ارسل تعليقك ...
تعليقات سابقة ...
ارسل الصفحة ...
الى مشرف النافذة ...
طباعة ...
يحتاج القائد دائماً إلى تقويم للعملية القيادية التي يمارسها بحيث يستقيم الأداء المنوط به ويخرج النتاج كما يأمل ويرتجي, وفي العمل الإسلامي يحتاج القائد دائما إلى النصح والإرشاد والتزويد بوجهات النظر المتجددة, وقد أشار القرآن إلى ذلك إشارة بينة بقوله _تعالى_ " فاعف عنهم واستغفر لهم وشاورهم في الأمر فإذا عزمت فتوكل على الله إن الله يحب المتوكلين " آل عمران, فالقرآن يُعَلم أن هنا جانب هام لا ينبغي أن يغفل القائد عنه وهو كسب ثقة العاملين معك ومشاورتهم وتقبل نصحهم ثم أخذ القرار بناء على ذلك وعدم التردد فيه.
كما وضع النبي _صلى الله عليه وسلم_ قواعد متكاثرة فيما يخص واجبات القائد ودوره وسنحاول إن شاء الله البسط فيها فيما يلينا من مقالات, واليوم سنحاول معا التركيز على بعض الممارسات العملية التي قد ينتج عنها أخطاء في العمل القيادي وممارسة القائد, مما يلقي بظلاله على العمل نجاحا أو فشلا, كما يلي:(115/1604)
يحتاج القائد دائما إلى تقويم للعملية القيادية التي يمارسها بحيث يستقيم الأداء المنوط به ويخرج النتاج كما يأمل ويرتجي
أولا: إدارة العمل الإسلامي بتفرد الرأي إدارة ناقصة, والقائد الناجح هو الذي يحسن مشاركة العاملين معه كل بحسب خبرته وقدرته على العطاء, فالقائد مهما بلغ من خبرة وحنكة إدارية لابد وأن تقصر همته ويقصر نظره عن أمور قد تكون هامة ومؤثرة في ذلك العمل الذي يقوم به, ومن ثم احتجنا إلى الأخذ بمشاركة الآخرين في بيان الرأي والنصح, بل نحن في حاجة للاطلاع على الرأي المخالف أيضا, وصدقت الحكمة القائلة: قد يوجد في الأنهار مالا يوجد في البحار, وإذا عرض عليك اقتراح جديد لا تنظر إلى من قدمه ولكن انظر دائماً إلى جدوى الاقتراح، وفكر دائما في 'كيف' تنفذ الاقتراح الجديد الجيد، وليس في 'لماذا' لا تنفذه. فربما يصلك اقتراح جيد من عامل صغير بسيط فلا تتكبر.
فقد وقف رسولنا _صلى الله عليه وسلم_ يوم بدر على عين ماء وعسكر بجيشه، فجاءه جندي بسيط اسمه الحباب بن المنذر، فقال له: يا رسول الله، أهذا منزل أنزلكه الله، أم هو الرأي والحرب والمكيدة؟ قال: »بل هو الرأي والحرب والمكيدة«، قال الحباب: ليس هذا بمنزل، الرأي عندي أن ننزل بأدنى ماء من بدر، ونغور ما وراءها من الماء. فقال _صلى الله عليه وسلم_: "أشرت بالرأي"، وتحول إلى الموضع الذي ذكره الحباب.
ثانيا: من أسوأ عيوب القيادات اعتمادهم كرسيا في منبر عاجي يتمركزون فيه, وهم في ذلك يستمتعون كل المتعة في دوران العاملين عليهم وتسيير شئون العمل بعد توقيعهم أو استئذانهم وإذا رفعت إليهم شكوى أو ملاحظة مخالفة لقناعاتهم اتهموا قائلها بالبعد عن الحقيقة، بل وأحيانا يُتهم القائل بأنه مغرض، وأحيانا يسفه رأيه ويضع على الناصح له دوائر حمراء، ولا يدرون أن العيب في القيادة هو وليس في الناصح له، ولا يكتشف القائد تلك المشكلة إلا بعد وقوع كارثة تضر بالعمل كله، ولذا وجب على كل مدير أن ينتبه إلى ذلك الخلل في إدارته قبل وقوع الكارثة, إن كثيراً من القادة والإداريين يكتفي باستقرار العاملين معه أو يكتفي بسؤالهم سؤالا عابرا عن أحوال العمل أو في بعض الأحيان قد يقنع بتصفح التقريرات المكتوبة له من المسئولين الفرعيين.. كل ذلك وهو بعيد عن موقع التفاعل ومكان الإنجاز وهذا من أكبر الأخطاء التي يمكن أن تصيب العمل فالقائد المنفصل عن ميدانية العمل هو قائد وهمي يقود خيالاً يتصوره في عقله فقط, ولا علاقة له بالواقع الموجود على الأرض, ويتجلى ذلك ويظهر عند حدوث المشكلات في الميدان, فإن هذا الأسلوب ينذر بتفاقم المشكلات والتهديد بإفشال الإنجازات,
وهذا رسول الله _صلى الله عليه وسلم_ انظر كيف كان يتعامل مع أصحابه في حل المشاكل: كان دائمًا في موقع كل الأحداث يعيش مع أصحابه كل مشكلاتهم
ثالثا: هناك الكثير من القادة والمديرين يسيّرون العاملين معهم بأسلوب الأمر والنهي وفقط, وهذا أسلوب قد زال زمنه وفات وانتهى وقت العمل به وهذا الأسلوب يشحن العاملين معك بشحنات سلبية متراكمة ضد القيادة والإدارة حتى إذا ماجاء الوقت المناسب فرغوا شحناتهم فكانت كأشبه بقنبلة تنفجر في وجه القادة والمديرين وهم(115/1605)
عن ذلك غافلون, كما إن ذاك الأسلوب قد يورث عند العاملين الاهتمام بتطبيق وتنفيذ رغبات المدير وحسب ولا يهتمون بإجادة العمل.
رابعاً: كثيراً ما يلفت انتباهنا وضع بعض المسئولين أو العاملين في مكان هم أبعد الناس عنه سواء من ناحية الخبرة العملية أو من ناحية الدراسة النظرية أو من ناحية القدرة المهارية, والقائد حينذاك يخطئ خطأ بالغا في ذلك، إذ إن وضع الرجل المناسب في المكان المناسب هو مبدأ إداري رفيع، وأمانة شرعية معروفة, فليحذر القادة الذين يعتمدون على أهل الثقة مهما كانت قدراتهم ضعيفة ويبعدون أهل القدرة مهما تميزوا فإن منبع ذلك السلوك الشائن هو هوى النفس والحرص على الاستمرار في كرسي القيادة, ولئن مر مثل هذا السلوك مرورا غير مرضي بالعمل الدنيوي فإنه مرفوض ومنكر على الإطلاق فيما يخص العمل الإسلامي.
خامسا: إذا حدثت مشكلة انزل فوراً إلى موقع الحدث فتواجدك السريع في موقع الحدث أو المشكلة يقضي على نصف المشكلة؛ لأن المدير الناجح بيده كل مفاتيح الحسم فينبغي ألا يغيب عن موقع الحدث، وإياك أن تعتمد على التقارير؛ لأنها عادة ما تكون متحيزة إلى أحد وجهتي النظر، وإذا اعتمدت عليها وحدها فلن تأخذ قرارًا إلا لتأييد وجهة النظر الموجودة في التقارير، أما وجهة النظر الأخرى والتي قد تكون هي الأصوب لن تتفهمها أو تقتنع بها لأنك من الأصل لم تسمعها.
وهذا رسول الله _صلى الله عليه وسلم_ انظر كيف كان يتعامل مع أصحابه في حل المشاكل: كان دائمًا في موقع كل الأحداث يعيش مع أصحابه كل مشكلاتهم ويتدخل في حل المشكلة بسرعة. فذات يوم حدث خلاف بين أبي ذر الغفاري ـ وكان حديث عهد بالإسلام ـ وبين بلال بن رباح، فقال أبو ذر _رضي الله عنه_ لبلال: يا ابن السوداء. ولك أن تتخيل لو أن هذه المشكلة تركت ليوم واحد فقط في مجتمع عربي يأبى الذل والخنوع ربما حدثت مشكلة لن يستطيع أحد أن يحلها، ولكن الرسول _صلى الله عليه وسلم_ تدخل سريعاً وقال لأبي ذر: "إنك امرؤ فيك جاهلية" وهنا يشعر أبو ذر بالخطأ ويهدأ بلال؛ لأن القيادة أحيطت علماً وهو يثق في قيادته أنها تستطيع أن ترد له حقه، وبالفعل يشعر أبو ذر بالندم ويضع خده على الأرض ويطلب من بلال _رضي الله عنه_ أن يطأ بقدمه على خده ويصفح عنه، ولكن بلالاً يرفض ويرفع أخاه ويقبله. إننا ولاشك نوقن بحسن أخلاقهم _رضي الله عنهم أجمعين_، ولكن شاهدنا هنا وجود القيادة السريع في موقع الحدث.
سادسا: الاعتماد على التحفيز وحده قد يسبب بعض الإنجاز ولكنه لا ينشىء التقدم وحده بحال, فتقَدُم الأعمال وإنجازها هو نتاج عملية معقدة وخطط محكمة وتطبيقات خبيرة ومتابعة دقيقة وتقويم مستمر, ولاشك أن التحفير له نصيب كبير في دفع العاملين إلى التطبيق, وفي العمل الإسلامي يكون التحفيز بالثناء تارة وبالشكر تارة وبإسناد المهمات تارة وبالتذكير بالثواب تارة, وبالترقي في المسئوليات تارة, كما أن طريق تخويف العاملين من العقاب-قد تنتج قليلاً لإنجاز بعض الأعمال، ولكنها طريقة لا تصلح للارتقاء بمستوى الجودة.
سابعا: يهمل كثير من القادة بعض التفاصيل الدقيقة التي قد تدفع في سبيل تحقيق الفعالية بين العاملين في العمل فيما يتعلق بالعلاقات الاجتماعية وأسلوب التعامل(115/1606)
وكسب الثقة ومثال ذلك, وفي هذا السبيل لابد للقائد أن يعبر عن نفسه وموقفه وهدفه وآماله فيما يتعلق بطموح العمل وتقدمه, إن تعبيرك عن ذلك هو الجسر الموصل بينك وبين العاملين معك, فعليك أن تولي هذا التعبير اهتمامك الكبير, كما إنه من المهم أن يتناقل العاملون كلماتك كمنهج مطروح أو كحكم مطلوبة فيما يخص كل وقت وكل عمل, مثل أن تقول " حك جلدك بظفرك وتول جميع أمرك " وتجعلها شعارا في حل المشكلات مثلا أو أن تقول " استشر عشرة قبل النشرة " وتكررها في الحث على التثبت واستشارة الناس.. وغيره
واعلم أيها القائد أنك قد تكون في بعض الأحيان على قناعة تامة برأيك.. ولكن الآخرين على قناعات مختلفة عنك فعبر عن رأيك بلا صدام أو إهمال للآخر، وقل: [نعم.. إن آراءك طيبة ولا شك.. ولكن عندي طرح آخر].
ـــــــــــــــــــ
تجربة حملة بر الوالدين:عرض وتقييم
موقع (المسلم)
25/2/1427
ارسل تعليقك ...
تعليقات سابقة ...
ارسل الصفحة ...
الى مشرف النافذة ...
طباعة ...
بداية نرحب بالأستاذ ياسر الحمد صاحب فكرة الحملة الناجحة لبر الوالدين في منطقة الرياض، ونريد في البداية أن نعرف الأسباب الدافعة إلى فكرة برنامج بر الوالدين؟
بادئ ذي بدء أشكر الإخوة في موقع (المسلم) على إتاحتهم لهذه الفرصة لإثراء البرنامج والقيام بتأمينه ومشاركتهم لي في إثراء برنامج حملة بر الوالدين التي قمنا بها، أما بالنسبة لحملة بر الوالدين فقد كانت في ذهني منذ مدة، فقد منّ الله عليّ بوالدين كبيرين في السن فكنت أعلم أنهم من نعم الله _عز وجل_ علي.
أما الذي دفعني إلى تلك التجربة فهي عدة أسباب منها كتاب للدكتور صالح العايد في كتابه (يظل الرجل طفلاً حتى تموت أمه) فعند قراءتي لهذا الكتاب أثّر في تأثيراً كبيراً جداً، وهو أنه عن نتيجة الإخلاص والبر بأمه وأبيه جميعاً، منذ هذه الحملة اقترح عليّ أحد الإخوة أن نقوم بحملة على مستوى منطقة الرياض تكون مختصة بهذا البرنامج، بدأت بإعداد الخطة فقط، لكن لم أبدأ بإعداد البرامج الفعلية, كانت مقتصرة على المحاضرات فقط, ثم بدأنا في ترتيب البرامج المصاحبة لها، بدأت الفكرة، ويسر الله لي أن تفرغت للحملة وبدأت تطبيقها في أحد مدارس منطقة شمال الرياض، ثم بدأ العمل فتذللت لي كثير من الصعاب من ناحية التكلفة المالية.
لم أجد موضوعاً يتفق عليه الجميع مثل هذا الموضوع، فجميع الطوائف وجميع التيارات كلها تتفق على بر الوالدين، فهذا مما دعاني القيام بهذا الموضوع
لكن لماذا بالتحديد موضوع بر الوالدين؟(115/1607)
ذلك لعدة اعتبارات أولها: أني لم أجد موضوعاً يتفق عليه الجميع مثل هذا الموضوع، فجميع الطوائف وجميع التيارات كلها تتفق على بر الوالدين، فهذا مما دعاني القيام بهذا الموضوع, الشيء الآخر: الحاجة الداعية له في المجتمع عندنا هنا، وجدت أثر بر الوالدين حتى على الأمن في المجتمع، حتى على الأمن سبحان الله! عندما يبر الابن بوالديه ينتقل أثره على المجتمع مباشرة، تستقيم أمور الحياة، تنقلب أمور الحياة إلى الأفضل انقلاباً كبيراً, الأمر الثالث: أنه عندما يقرأ الإنسان الآيات القرآنية والأحاديث النبوية في هذا الموضوع يرتاح جداً لهذا الموضوع, الرابع: أنني وجدت تذليل الصعاب والعون من الآخرين, خامساً: كان مناسبة الموضوع أيام الهجمات الإرهابية فلم أجد أي موضوع مناسب غير هذا الموضوع بالنسبة لي خصوصاً الشريحة المستهدفة كانت عندي مهيأة للعمل في هذا المجال.
قبل بداية البرنامج. . ألم تكن هناك فكرة بالاستفادة من تجارب المهتمين بالقضايا التربوية؟
فعلاً قبل بداية البرنامج أولاً:قمنا بالتركيز على الموضوع ومدى مناسبته فتم استفتاء الشباب والقيام بجولات عامه في الغالب كانت في المدارس. وثانياً زرت وعرضت الفكرة على مجموعة من المتخصصين , كان على رأسهم الدكتور صالح العايد، الذي شد من أزري، وطرحت عليه فكرة البرنامج وتشجع لهذه الفكرة كلها لدرجة أنه قال لي: أي أمور مالية فهي عنده، واستشرت كثيراً منهم الدكتور حمد الماجد، و الدكتور عبدالرحمن اللويحق، والشيخ محمد الدويش، والشيخ سليمان الزكري (المشرف العام على مدارس الفرسان)، ومنهم مختصون تربويون أعانوني على القيام بهذه التجربة.
ما الشريحة المستهدفة؟ وهل كان البرنامج خاصاً بهذه الشريحة فقط؟
كانت الشريحة التي أعمل معها شريحة المرحلة الثانوية من البنين كنت أخوض هذه التجربة معهم، فطبقت التجربة معهم، وجربت بعضهم في الفعاليات المصاحبة لهذه المرحلة.
هل هناك عقبات واجهتكم في بداية الحملة؟
أما بالنسبة للعمل تعودت عليه، ولا يخلو عمل من عقبات، وعندي قناعة أنه لا توجد مشكلة إلا ولها حل، والإنسان دائماً ينبغي أن يكون متفائلاً في كل شيء، لم أكن أتوقع أن يكون البرنامج بهذه الصورة والحجم، رغم زحمة الأعمال، كنا نعاني من مثلاً عدم ضبط بعض الأمور ضبطاً جيداً مناسباً مثلاً: ما كنا نتوقع التوفير المالي للحملة، لكن تتيسر من حيث لا تشعر، قد تعوقنا بعض الأشياء المالية، لكن الحمد لله تيسرت كثيراً فلم يكن هناك معوقات كثيرة تذكر، فكانت الأمور _بحمد لله_ ميسرة بفضل الله _عز وجل_ ثم بفضل الإخوة الذين يعملون فيها وحماسهم الشديد لها.
وأخص منهم: أ/ محمدالفهيد، وأ/ عبدالرحمن المطيري، وغيرهم من الذين بصماتهم وجهودهم عليها لا تزال.
ما مدى قبول الطلاب -الشريحة المستهدفة- لهذه الفكرة؟
هذه نتيجة معاناة يعايشها كثير من الطلاب، وكنت إذا طرحت فكرة برنامج بر الوالدين يقال: مطروح كثيراً، لكن عندما تأتي بأشياء عملية وتطرح بأسلوب جديد(115/1608)
وجذاب، هنا ينبع نجاح الفكرة وإلا فالموضوع مطروح يعرفونه ويدرسه الطلاب, أما أن تأتي ببرامج جيدة متميزة وفيها إبداع وفيها حركة وفيها مشاركة فهنا تظهر النتائج.
هل كان هناك برامج تجعل الطالب بدلاً من أن يأخذ المادة نظريا يأخذها كمادة عملية تطبيقية؟
في بداية البرنامج كانت هناك جهة مشرفة عليه، لكني لم أغفل جانب مشاركة الأبناء فيه، وكونت اللجان وكان من هدفي أن يعمل فيها الطلاب وكنت كجهة إشرافية فقط، هم الذين اقترحوا الأفكار، هم الذين طبقوا، هم الذين أشرفوا على البرنامج، يعني هذه الأفكار نتيجة كثير منهم، لما ترى مثلاً (البنرات) أو الإعلانات فأنا غير متخصص في التصميم أو شيء، لكن هي نتيجة إبداعاتهم وهم يعيشونها.
هل يمكن أن تعرض بعض اللجان وأعمال كل لجنة باختصار؟
كما ذكرت سابقاً فقد كان هناك مشاركة للأبناء وفي طبيعة الحال فقد تم تقسيمهم لعدة لجان ليسهل العمل والإشراف على العمل، فكانت هناك لجنة إعلامية ولجنة ثقافية ولجنة للتنسيق والمتابعة كذلك لجنة للمالية والجوائز بالإضافة إلى لجنة للمعرض والحفل الختامي للحملة وكل لها اختصاصها، فاللجنة الإعلامية كانت مهامها إبراز الجانب الإعلامي للحملة كنا نعلن عنها قبل مدة من الزمن وهناك استعدادات للحملة وبرامجها وفعالياتها وما سيكون فيها، كما تقوم اللجنة الإعلامية بالإخبار عن الفعاليات اليومية عن طريق رسائل الجوال حتى أننا كنا نرسل لجوال الأب والأم، كما كان من مهامها تفعيل اللوحات الحائطية في المدرسة.
وكان من ضمن اللجان اللجنة الثقافية وكانت مهتمة بالبرامج الثقافية كبرنامج(الاستشارات الهاتفية)، والذي حوى نخبة من المختصين في هذا الجانب، دعت الحاجة لبرنامج الاستشارات الهاتفية عندما يسأل الشاب مثلاً زميله قد يسأله في سؤال لكن قد لا يجيب له إجابة صحيح، كان هدفي في البرنامج هذا أن الطالب أو الشاب يأخذ راحته مع المختصين بدون أن يذكر اسمه أو أي شيء، وكان _بحمد لله_ له نتائج مثمرة في هذا الجانب، هذا بخصوص الاستشارات الهاتفية، كذلك كان هناك برنامج للمسابقات في هذا المجال -بر الوالدين- كبرنامج أفضل رسالة وأفضل قصة كذلك كنا نضع صور معبرة تتكلم عن المشكلة ونطلب من الطلاب التعبير عنها بعدد من الكلمات، أيضاً استضفنا عدد من المشايخ والدعاة للتحدث عن هذا الموضوع، فاستضفنا مثلاً: الشيخ صالح السدلان، والشيخ إبراهيم الطلحة، كذلك طلبنا من المعلمين الحديث عن برالوالدين في إحدى الحصص.
أما بالنسبة للجنة التنسيق والمتابعة ونهتم فيها بالزيارات الخارجية، يعني فقط كان الهدف منها زيارات أبوية لمجموعة من الكبار المؤثرين زرنا مثلاً (سماحة مفتي عام المملكة)الشيخ عبد العزيز آل الشيخ، زرنا الشيخ صالح بن حميد، وزرنا كذلك الدكتور عبدالمحسن التركي (الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي)، زرنا (مدير جامعة الملك سعود) الدكتور عبد الله الفيصل، زرنا مثلاً أحد أولياء الأمور في منزله، كان هذا من ضمن الفعاليات المصاحبة لها، فيه مثلاً من ضمن الزيارات كذلك الزيارات المصاحبة لتفعيل البرنامج مثلاً زيارات دار المسنين، وزيارات(115/1609)
المستشفيات لتفقد كبار السن وإهداؤهم، كذلك كانت هناك زيارات لمؤسسة إنسان لرعاية الأيتام.
أما اللجنة المالية توفير الجوائز المرجع المالي لجميع اللجان، كذلك بيع وتوزيع وتوفير هدية الوالدين رأينا لها أثراً عجيباً، من خلال ما شاهدته ومارسته في الحملة، وكان الطلاب هم المسؤولون عن اختيار الهدايا وشرائها ويمكن في الهدايا أن تصنعها أنت بنفسك، وبعض الطلاب أو بعض الناس تجده يعيش مدة ما أهدى أمه ولا أباه أي هدية، وفكنا نفهمهم أن الهدية هدفها معنوي، حتى إن أحدهم جاءنى وقال: أنا أهديت أمي، وأمي تريد أن تهدي لوالدتها، هذا نفع متعدٍ ما كنا نتوقعه، هذا الذي ظهر أمامنا غير الأشياء التي لم تظهر أمامنا، هذا من جهة ثانية.
أما بالنسبة للجنة المعرض والحفل الختامي فهي على مسمها، فاهتمامها منصب على المعرض المصاحب للحملة حيث تم فيه عرض لوحات توعوية وعرض كتب وأشرطة تتكلم عن هذا الموضوع، كذلك أشرفت على الحفل الختامي للحملة وقد وزع فيه الجوائز على الفائزين وتكريم الداعمين والمشاركين في الحملة.
هذا باختصار شديد اللجان ومهامها وبرامجها.
هل يمكن تطبيق هذه التجربة – من وجهة نظرك - على شريحة أخرى؟
بعد خوض التجربة وتطبيقها تبين أنها تناسب جميع المراحل حتى التمهيدي وللبنين والبنات، لكني خصصت تجربتها مع البنين وقد أُخذت التجربة الآن وطُبقت في المرحلة الجامعية في بعض الجامعات في المملكة، وطبقت كذلك حسب معلوماتي في بعض المؤسسات التربوية في بعض المراكز الصيفية.
هل يمكن حصر النتائج؟
أما بعض نتائج الحملة مما ظهر لنا وما خفي أعظم، أولاً: تغير سلوك كثير من الشباب، الذين شاركوا في الحملة إلى إعادة النظر في التعامل مع والديهم وكبار السن، و تغيرت حتى صور عن البر بالآباء، بعضهم ما كان يشعر بعظم البر، نتيجة، تغير السلوك كان ظاهر نتيجة عدم معرفتهم بعظم الأجر الدنيوي والأخروي، بعض الطلاب قد تجدهم مثلاً مشاغبين أو كثيري الحركة، لكن عندما ينغرس في الحملة وتفعله فيها وتسأله فيها قد ينجز لك أشياء كثيرة، وأيضا ارتفاع إيمان كثير من الطلاب، وتعلقهم بالله نتيجة الحملة، هذا جزء من الأشياء التي واجهتنا في الحملة، حتى كثير من الشباب أعاد النظر في قضية بره بوالديه أعاد النظر في علاقته بوالديه، يعني بعضهم مثلاً كان لا يلقي لهم بالاً لا يسلم عليهم، لكن بعد الحملة تغير كثيراً _ولله الحمد_.
بعد انتهاء البرنامج وهذه التجربة، هل استجد شيء جديد وكان فيه تطويرات للبرنامج؟ وهل ستطبق التجربة في سنة قادمة على نفس الشريحة أو تطبق في مكان آخر هل هناك برامج تطويرية ستدخل على فكرة البرنامج؟
والله يا أخي الكريم فيه مقترحات كثيرة تفي للبرنامج وبعضها لا تخرج إلا حسب الشريحة المستهدفة أو بحسب المنطقة أو المكان، مثلا تقيمها في مدرسة بخلاف تقيمها في حي، أو في مجتمع نسائي أو مجتمع رجالي، و تقيمها في مستوى عائلي غير مستوى المناطق أو كذا، والآن هي تناسب جميع الشرائح، واقتنعت قناعة بمدى(115/1610)
أهميتها ومناسبتها لجميع شرائح المجتمع سواء أطفال أو كبار، الجنسين البنين والبنات، في الحقيقة أتمنى أن يستفيد منها الجميع وهناك الكثير والكثير من الأفكار العلمية والعملية الإبداعية والمتميزة في هذا المجال
بعد نهاية البرنامج وبعد اطلاع الأشخاص على هذا البرنامج، ما النصائح التي تقدمها لمن يريد تطبيق هذا البرنامج على شريحة من الشرائح؟
من يريد أن يقدم هذا البرنامج يكون أولاً قويا بالله _عز وجل_ ويطرحها بقوة، ويثبت جدارته فيها بطرح أفكار جديدة ومقترحات جديدة وتطبق بكل قوة وكل جرأة، أنا أتمنى أن يطبق البرنامج ليس على مستوى فقط مدرسة أو عائلة أو كذا، أنا أتمنى أن يكون على مستوى دول وتكون هناك حملات على مستوى دول فعلاً ولو كان هناك إعلام متميز لأثبت النجاح بكل قوة، وحسب معلوماتي أنه أقيمت حملة الآن عن بر الوالدين في الكويت وكان لها مردود صدى قوي ومازلت أبحث عن نتائجها. والله ولي التوفيق.
في ختام هذا اللقاء نشكر الأستاذ ياسر الحمد على إجراء هذه المقابلة.
للتواصل مع أ/ ياسر الحمد
البريد الإلكتروني:
oamer123@hotmail. com
y_123@gawab. com
جوال/ 0503466433
ـــــــــــــــــــ
قيادة الأزمة في العمل الإسلامي
بقلم:خالد روشه
15/2/1427
ارسل تعليقك ...
تعليقات سابقة ...
ارسل الصفحة ...
الى مشرف النافذة ...
طباعة ...
khaled_rousha@yahoo.com
كثيراً ما تمر بالجماعة المسلمة أزمات تهزها هزاً وتعصف بها وتضعها في محك اختبار دقيق لمدى قدرتها على الثبات واجتياز المحن، وللقائد في الأزمات أهم الأدوار حيث يشعر الأفراد في وقت الأزمة بحاجتهم إليه كأشد ما يكون، بل إن جميع الأفراد في الأزمة يبحثون عمن يقودهم ليخرج بهم منها إلى بر الأمان، حتى إنه في بعض الأحيان يتخلى الأفراد عن القائد القديم ويلتفون حول قائد جديد يبرز في وقت الأزمة ويشعر منه الجميع القدرة على القيادة والنجاح..
ونستطيع أن نقول أن القيادة الناجحة وقت الأزمة هي أكبر محك لاختبار مدى فعالية القيادة ومدى قدرتها على تحقيق الأهداف، بل إن القيادة الرشيدة في وقت الشدة هي المراد الأول من اختيار العاملين لقيادتهم.(115/1611)
إن قيادة اليسر الرشيدة محك هام ولاشك، ولكن قيادة العسر الأرشد هي النموذج الفعال..
وفي العمل الإسلامي هناك اختلافات تخص العملية القيادية عن غيرها من العمليات في الأوساط والساحات المختلفة، ومن أهم تلك الاختلافات أن القائد قد يكون عنصرا غائبا أو مختفيا أو العميل رقم (صفر) كما يحلو للبعض تسميته في العمل الحزبي أو الساحات السياسية والجماعات المحلية، ولكن القائد في العمل الإسلامي لابد وأن يكون ظاهرا أمام الناس ليقتدوا به ويتقلدوا بسلوكه ويتثبتوا بقوله وفعله ولتتمثل فيه التوجيهات الشرعية المرجوة، إذ يصبح القائد في العمل الإسلامي هو النموذج في الإقتداء بالنبي _صلى الله عليه وسلم_ وهو خير قائد قاد البشرية كلها..
إن القائد التقيّ الموفق ليوفقه الله _سبحانه وتعالى_ إلى السداد في الخطى والتوفيق في الرأي والحكمة في القرار والشمولية في التصرف والمرونة في الأداء والثبات في الأمر كله
فقد روى مسلم عن أنس قال كان بالمدينة فزع فاستعار النبي _صلى الله عليه وسلم_ فرسا لأبي طلحة يقال له مندوب فركبه فقال " ما رأينا من فزع وإن وجدناه لبحراً "، فانظر إليه _صلى الله عليه وسلم_ كيف سارع بالنفرة والهبوب السريع إلى موطن الفزع حيث فزع الناس وما إن كاد الناس يخرجون ليعرفوا الخبر حتى وجدوا رسول الله _صلى الله عليه وسلم_ عائداً يطمئنهم قائلاً: " مارأينا من فزع ثم يسليهم بمدحه للفرس الذي يركبه قائلا " وإن وجدناه لبحرا "...
وقال علي _رضي الله عنه_: لما حضر البأس يوم بدر اتقينا برسول الله _صلى الله عليه وسلم_ وكان من أشد الناس ما كان، ولم يكن أحد أقرب إلى المشركين منه، وعنه من طريق ثان قال: رأيتنا يوم بدر ونحن نلوذ برسول الله _صلى الله عليه وسلم_ وهو أقربنا إلى العدو وكان من أسد الناس بأسًا - رواه أحمد، فالقائد هنا _صلى الله عليه وسلم_ هو أقرب الناس للمواجهة وهو أحرص الناس على الشهادة وهو أشجع الناس عند اللقاء..
وعن البراء: أن رجلاً من قيس سأله: أفررتم عن رسول الله _صلى الله عليه وسلم_ يوم حنين؟ فقال: لكن رسول الله _صلى الله عليه وسلم_ لم يفر، كان هوازن رماة، وإنا لما حملنا عليهم انكشفوا فأكببنا على الغنائم فاستقبلنا بالسهام، وفرت الأعراب ومن تعلم من الناس، ولقد رأيت النبي _صلى الله عليه وسلم_ على بغلته البيضاء، وإن أبا سفيان بن الحارث آخذ بزمامها، والنبي _صلى الله عليه وسلم_ يقول: أنا ابن عبد المطلب أنا النبي لا كذب، وفي حديث: كنا إذا احمر البأس اتقينا برسول الله _صلى الله عليه وسلم_، وقال ابن عمر: ما رأيت أشجع ولا أنجد من رسول الله _صلى الله عليه وسلم_.
وأكثر ما يجب على القائد المسلم في الأزمات أن يوليه اهتماما علاقته بربه وثقته به إذ إنها الدافع الأكبر في التثبيت وتسديد الأفعال والمباركة في القوة والقدرة وتوجيه الاختيار نحو الأصلح الذي قد يخفى على الناس، وكأني أنظر إليه _صلى الله عليه وسلم_ وهو يدعو ربه عشية بدر ويجرأ غليه بالدعاء ويلح ويبكي حتى يشفق عليه أبو بكر في ذلك قائلا له: "يا رسول الله إن الله منجز وعدك"..ولازال عمر ابن(115/1612)
الخطاب يخطب في جنده قبل اللقاءات قائلا لهم: "إننا لا ننتصر على عدونا بعدد ولا عدة وإنما هو التوكل على الله والثقة به فكونوا عندها ولا تترددوا "، وفي فتح مصر لما تأخر عليهم الفتح أرسل إليهم أن "انظروا إلى ما خلفتم من ذنب بغير توبة فإنه هو مانعكم، وانظروا إلى ما تركتم من سنة بغير عمل فإنما أنتم ممنوعون بركتها".. فعادوا إلى أنفسهم، فرأبوا الصدع فحل النصر عاجلا غير آجل..
وقد ضرب النبي موسى _عليه السلام_ مثلاً للقائد المسلم المتعلق بربه في الأزمات الواثق بنصر الله المتنزل على جنده، والقرآن يحكي لنا موقف الأزمة وعمل القائد فيها وكيف تنزل عليه الفرج وحل به النصر فور التوكل الكامل على الله والثقة به، قال الله تعالى: "فَأَتْبَعُوهُمْ مُشْرِقِينَ فَلَمَّا تَرَاءَى الْجَمْعَانِ قَالَ أَصْحَابُ مُوسَى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ قَالَ كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ فَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنِ اضْرِبْ بِعَصَاكَ الْبَحْرَ فَانْفَلَقَ فَكَانَ كُلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ الْعَظِيمِ وَأَزْلَفْنَا ثَمَّ الْآخَرِينَ وَأَنْجَيْنَا مُوسَى وَمَنْ مَعَهُ أَجْمَعِينَ ثُمَّ أَغْرَقْنَا الْآخَرِينَ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ" (الشعراء:60-68).
وفي الأزمات يحتاج القائد الماهر إلى تركيز فكره وإرادته نحو تحديد الإجابة عن سؤالين هامين هما (ماذا نريد؟ وكيف نريده؟).
فالأول سؤال حول الهدف من التصرف في الأزمة والثاني هو سؤال حول الوسيلة المستخدمة للوصول إلى ذلك الهدف، وقد يضيع في زحمة الأزمة الشكل المؤطر لتحديد الهدف نتيجة الخوف أو التردد أو عدم التركيز أو عدم تصور المآلات التي ستصير إليها الأزمة، وواجب القائد هنا أن لا يجعل نفسه فريسة سهلة لتلك المعوقات وأن يستل نفسه خارجها ليستطيع تحديد هدفه بوضوح والتركيز على طريقة نيله.. بل إن قدرة القائد على الاحتفاظ بطريقة هادئة ومتزنة وعاقلة وحكيمة وواقعية في أثناء الأزمة هي مثمنة عند أصحاب الفكر القيادي، وهي الوصف الأهم من صفات قائد الأزمة الناجح..
والأزمات عموما تمر بثلاث مراحل (مرحلة الحدوث، ومرحل التعامل مع الأزمة، ومرحلة ما بعد الأزمة) و تختص المرحلة الأولى – مرحلة الحدوث - ببعض السمات التي قد تؤدي لفقدان توازن الجماعة المسلمة ومن تلك السمات (المفاجأة، ونقص المعلومات، وتكاثر الأحداث وتتابعها، وفقد السيطرة).
وإذا كان من الصعب بمكان منع الأزمات من الحدوث فإنه ليس أقل من أن يعتبر القادة الإسلاميون في برنامجهم العملي ما يمكننا أن نسميه "توقع الأزمة" وهي توقع لما يمكن أن يستحدث واقعيا للجماعة المسلمة في ظل الواقع المحيط والظروف المتوقعة، وإذا كانت الأزمات تتسم بالمفاجأة فإن القيادة الحكيمة هي التي لا تهتز بتفاجئها للأزمة بل تمتثل قول رسول الله _صلى الله عليه وسلم_ "إنما الصبر عند الصدمة الأولى" رواه مسلم، كما تمتثل قوله وفعله في أزمة حمراء الأسد لما أرسل له المشركون إنهم في الطريق إليه ليستأصلوه هو والذين آمنوا معه – وجراح غزوة أحد لم يتوقف نزف الدم منها بعد – فقال _صلى الله عليه وسلم_ :"حسبي الله ونعم الوكيل" ثم نادى في أصحابه أن قوموا ولا يخرج معي إلا من خرج في أحد..فقاموا فسدد الله سعيهم وأخسأ عدوهم، فنزل قول الله _تعالى_: "الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ(115/1613)
النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَاناً وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُوا رِضْوَانَ اللَّهِ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ" (آل عمران:173، 174).
أما علاج نقص المعلومات في الأزمات فقد بينه الله _سبحانه وتعالى_ في غيرما آية، قال _تعالى_: "وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ" (النساء: من الآية83)، فهذا علاج أصلي وهو رد الأخبار في وقت الأزمات إلى القيادة وعدم تداولها بين الناس سواء كانت سلبية أو إيجابية.. وكذلك قوله تعالى: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْماً بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ" (الحجرات:6)، يقول السعدي رحمه الله تعالى: "وهذا أيضاً من الآداب التي على أولي الألباب التأدب بها واستعمالها، وهو أنه إذا أخبرهم فاسق بنبأ أي خبر أن يتثبتوا في خبره ولا يأخذوه مجرداً؛ فإن في ذلك خطراً كبيراً ووقوعاً في الإثم؛ فإن خبره إذا جعل بمنزلة خبر الصادق العدل حكم بموجب ذلك ومقتضاه؛ فحصل من تلف النفوس والأموال بغير حق بسبب ذلك الخبر ما يكون سبباً للندامة، بل الواجب عند سماع خبر الفاسق التثبت والتبين".
وفي مرحلة التعامل مع الأزمة ينبغي اعتبار عدة أمور من أهمها مدى تأثر الجمهور والعاملين بالأزمة وكذلك مراعاة الإطار المرجعي الذي يضعه العاملون لأنفسهم في تلك الأزمة مع حرص القائد أن يكون إطارهم المرجعي هم أهل العلم الأثبات.
وفي خضم معترك الأزمة قد ينفلت الأمر من بين يدي القيادة بسبب عدم معرفة الدور المطلوب في إدارة الأزمة فتتصاعد الأزمة وتتوسع هوة الخلاف والشقة بين الصفوف؛ مما قد يؤدي إلى ظهور تيارات وانقسامات داخل الجماعة المسلمة، ولذلك كان لا بد للقائد المحنك من العمل على الإمساك بزمام الأمر، وعليه - برغم كل الضغوط من جميع الاتجاهات - أن يبدو هادئاً في كيفية عدم الاستسلام للضغوط والهروب منها.
وتؤدي الأزمة في أغلب الأحوال إلى بروز مهارات وقدرات قيادية غير مسبوقة للقائد في الأوقات العادية، ويحتاج القائد في وقت المواجهة مع الأزمة إلى أن يستخدم ما يتوفر لديه من مهارات الابتكار والمرونة في الاستفادة من مشاركة الآخرين بالرأي والمشورة في خضم الأزمة مع ضبط النفس وعدم الثوران والغضب ومحاولة استجماع القوى والتفكير الصحيح في كيفية التفاعل الحكيم السليم.
وفي مرحلة ما بعد الأزمة ينبغي ألا يسيطر على القيادة شعور بالتراخي والراحة والدعة ناسية أو متناسية ما سببته الأزمة من ألم ووهن وإنما ينبغي تكوين ما أسماه الخبراء "لجان التقويم بعد الأزمات" وهي عبارة عن لجان تعقد لتقويم الآثار السلبية والإيجابية للأزمة على الجماعة المسلمة وكذلك تقويم مدى مناسبة التصرف والقرار في تلك الأزمة.
إن القائد التقيّ الموفق ليوفقه الله _سبحانه وتعالى_ إلى السداد في الخطى والتوفيق في الرأي والحكمة في القرار والشمولية في التصرف والمرونة في الأداء والثبات في الأمر كله.(115/1614)
ـــــــــــــــــــ
رصد ومتابعة لتجربة : فاعل خير دوت كوم
محمد جمال عرفة
18/1/1424
ارسل تعليقك ...
تعليقات سابقة ...
ارسل الصفحة ...
الى مشرف النافذة ...
طباعة ...
250 "مجموعة خير" الكترونية للتكافل الاجتماعي الذاتي
"فاعلو خير دوت كوم" .. انتشار كبير للمجموعات التطوعية الخيرية الالكترونية
شنط أغذية .. وتزويج يتيمات .. ومساعدات للمستشفيات .. ورعاية مسنين وأيتام !
إعلانات :
1- " شاركوا مجموعتنا ومجتمعكم بشكل عاجل في شراء بطاطين للفقراء لمواجهة البرد والشتاء ..نحن نجمع 2600 بطانية لقرية ( ... ) لمواجهة فصل الشتاء .. هؤلاء السكان في حاجة شديدة للبطاطين .. إنهم فقراء "
2- " شاركوا مجموعتنا المتواضعة في شراء الأضاحي وتوزيع الصدقات في أيام عيد الأضحى ..لا تنسوا أن أمامنا 2000 أسره أي نريد على الأقل 4000 كيلوا لحم .. نريد أن نسعد الجميع "
3- " حقيبة رمضان مليئة بالمواد الغذائية .. وهل سبق لك أن رأيت حقيبة رمضانية سحرية تفتح في الوقت الذي ترغب فيه كي تأخذ منها الكميات والأنواع التي تريدها طازجة تماماً ؟ ! وبها خاصية الأتساع الذاتي وفق عدد أفراد الأسرة المستلمة للحقيبة ؟ (!) .. هذا ليس إعلانا ، ولكنه حقيبة مجموعة ( .... ) الرمضانية الخيرية "
هذه الإعلانات نماذج لمئات الرسائل التي أصبح يتبادلها "نشطاء الانترنت" ضمن ما يمكن أن نسميه ظاهرة " فاعل خير دوت كوم " أو متطوعي أعمال الخير التي بدأت - مع انتشار الانترنت في العالم العربي
الفكرة :
هذه الإعلانات السابقة نماذج لمئات الرسائل التي أصبح يتبادلها "نشطاء الانترنت" ضمن ما يمكن أن نسميه ظاهرة " فاعل خير دوت كوم " أو متطوعي أعمال الخير التي بدأت - مع انتشار الانترنت في العالم العربي منذ عام 1995 - من قبل شباب وشابات صغار في السن يرغبون في القيام بعمل خيري تطوعي بدون أجر سوي الثواب من الله ، ورؤية ابتسامة علي وجه فقير أعوزته الحاجة أو مريض في مستشفي لا يجد دواءه أو فتاة أو فتي يتيم يحتاج لمن يعوله ، أو عجوز في دار أيتام يحتاج لمن يزوره ..
البداية :
الفكرة بدأت من جانب بعض الفتيات والشبان المتدين الذين رغبوا في القيام بأعمال خيرية بسيطة من خلال الاتفاق بين زملاء "الشلة" في الجامعة أو زملاء "الحي"(115/1615)
لتجميع مبالغ بسيطة لشراء أدوية لمستشفيات أو سلع غذائية لأسر فقيرة ، من خلال الاتفاق علي جمع المال والقيام بهذه الأنشطة من خلال التواصل مع بعضهم البعض وإعلان الفكرة عبر البريد الالكتروني ، ثم تطورت إلي تشكيل مجموعات كاملة من عدة أفراد (10-20 شاب أو فتاة ) أطلقت كل منها علي نفسها أسم معين للتعارف في مجال الخير ، ومنها انطلق آخرون لتشكيل مجموعات ثانية وثالثة حتى أصبحت هذه المجموعات تعد بالعشرات الآن .
وهذه المجموعات الالكترونية ليست جمعيات خيرية معلنة ومشهرة رسميا ولكنها جمعيات خاصة "تطوعية" أقيمت بجهود ذاتية بين الشباب ولأهداف سامية تتعلق بمساعدة الغير ، وبمبالغ مالية بسيطة أو مساعدات عينية يجري جمعها من الشباب أنفسهم وأهلهم ، وتطور الأمر نسبيا إلي حث تجار ورجال أعمال علي التبرع عينيا لتوفير سلع للفقراء بمناسبة وقفة عرفات مثلا أو شهر رمضان أو شراء أجهزة للمستشفيات أو ملابس للأيتام لأن القانون يحظر علي أي مجموعة جمع تبرعات .
تزايد الأعداد ورواج الفكرة :
وقد حصرت بعض الجهات عددا من هذه الجمعيات علي الانترنت منها : مجموعة المنار - مجموعة ثواب - مجموعة دواء - مجموعة سنابل البر- موقع صحبة خير - موقع فاتحة خير - دار أيتام جمعية لقاء الأحبة في الخير - مجموعة قافلة الخير - مجموعة كفالة اليتيم - مشروع الجسد الواحد - مشروع "ومن أحياها"- مجموعة COMET Help Center - مجموعة Volunteers Cairo - مجموعة صناع الحياة بكندا وأمريكا الشمالية- ملحق صيف التطوع بموقع إسلام أون لاين - موقع Need4Blood للتبرع بالدم- موقع اذكر الله - موقع الجمعية المصرية للتنمية الإنسانية- موقع بنك الدم - موقع جمعية أصدقاء معهد الأورام القومي - موقع جمعية الطريق إلى الجنة - موقع جمعية رسالة للأعمال الخيرية - موقع جمعية مشوار لتنمية المجتمع - موقع خيركم... دليل المصريين لعمل الخير - موقع رابطة شباب الأطباء لمساعدة المرضى - موقع فريق صناع الحياة بالجيزة - موقع مجموعة بناء المستقبل) وغيرها الكثير .
الفكرة بدأت من جانب بعض الفتيات والشبان المتدين الذين رغبوا في القيام بأعمال خيرية بسيطة من خلال الاتفاق بين زملاء "الشلة" في الجامعة أو زملاء "الحي"
وهذه المجموعات جزء من قرابة 250 مجموعة بريدية جري حصرها علي شبكة الإنترنت في مصر فقط تسعي لعمل الخير تقربا لله وبدأت تنتشر بشكل كبير كنوع من التكافل الاجتماعي الحقيقي .
من هم المشاركون ؟
وهذه المجموعات التي تشارك فيها فتيات وسيدات وشباب جامعات ومن أعمار مختلفة قسم كبير منهم من الطبقة الغنية أو الوسطي أو الناشطين في العمل الاجتماعي العام عموما –تنشط بشكل أكبر في المناسبات الدينية والأعياد مثل شهر رمضان ووقفة عرفات خاصة فيما يتعلق بأنشطة توزيع شنط رمضان وشنط وقفة عرفات المليئة بالأغذية علي الأسر المحتاجة وعمل موائد رمضانية ،وتشارك في(115/1616)
أنشطة اجتماعية أخري عديدة تتراوح بين تجهيز شنط مدرسية في مواسم الدراسة للطلبة الفقراء ، وأخري معبأة بالأغذية لموسم بدء الدراسة والأعياد .
أيضا تشمل أنشطة هذه المجموعات التبرع بالدم للمحتاجين وزيارة دور الأيتام وإعداد رحلات لهم ، وتجهيز العرائس غير القادرات علي تجهيز أنفسهن بالأجهزة المنزلية المختلفة خاصة اليتيمات ، وحتى شراء أجهزة طبية للمستشفيات العامة والمستوصفات ، والبحث عن وظائف للعاطلين ، بل وبيع "الروبابيكا" أو الأشياء القديمة المستهلكة لاستخدام حصيلة بيعها في عمل الخير ، والقيام بزيارات إلي دور الأيتام والمسنين والقيام بحفلات فيها ، أو نقل الأطفال الأيتام أو المعاقين ذهنيا إلي الحدائق والملاهي والمطاعم لإدخال السرور علي أنفسهم .. وكلهم متطوعون للتنمية ومساعدة الغير بلا أجر وشعارهم هو الآية الكريمة : "يا أيها الذين امنوا اركعوا واسجدوا واعبدوا ربكم وافعلوا الخير لعلكم تفلحون" .
كيف نشأت الفكرة وكيف تدار المجموعات ؟ ( حوارات لموقع المسلم مع بعض أصحاب التجربة )
تقول "منار عقل" مهندسة وتدير إحدى هذه المجموعات علي الانترنت تسمي " مجموعة المنار" لـ "المسلم" أن مجموعتها بدأت عام 1995 ، عندما أصبحت تشعر وهي طالبة في الجامعة أن عليها التزام أدبي نحو مساعدة الآخرين عندما كانت تري طفل فقير أو عجوز تتسول ، ففكرت كيف تساعد الطفل وكيف يمكن أن تزور دور أيتام ودور مسنين وتساهم بأي مجهود ، وبدأت فكرة الاتفاق مع زميلاتها وزملائها في الجامعة لجمع الأموال اللازمة من مصروفهم الخاص لهذه الزيارات وتطور الأمر حتى أصبح معها عدد لا باس به من الشباب يساعدها في تنفيذ أفكار المجموعة .
وعقب التخرج والعمل زادت أعداد المجموعة وبدأ نشاطها يتطور ويصبح أكثر توسعا وتنظميا وتوالت الأفكار ما بين جمع شنط رمضان أو توفير أدوات وأجهزة للمستشفيات أو زيارة مرضي أو أيتام أو مسنين وترتيب رحلات لهم للترفيه عنهم ، وحتى تزويج فتيات يتيمات وغيرها من الأنشطة ، مشيرة إلي أنها "مؤمنة بالخير للخير وأن الدال علي الخير – كما نعمل - كفاعله " .
أيضا تشمل أنشطة هذه المجموعات التبرع بالدم للمحتاجين وزيارة دور الأيتام وإعداد رحلات لهم ، وتجهيز العرائس غير القادرات علي تجهيز أنفسهن بالأجهزة المنزلية المختلفة خاصة اليتيمات ، وحتى شراء أجهزة طبية للمستشفيات العامة
وتضيف : في رمضان الماضي 2005 رأينا أنه "آن الأوان لأن نبدع و نغير و نستعمل مخنا الذي ربنا أعطانا إياه و نطور فكرة الشنط الرمضانية بما يتناسب مع مصلحة الجميع ما دمنا لا نقترب من كتاب الله و سنة الرسول _صلى الله عليه و سلّم_ " ، وفكرنا في شنطة جديدة في محتوياتها و في وقت عرضها وفي الناس الذين ستذهب لهم وفي قيمتها المادية .. والموضوع ببساطة عبارة عن "كوبون صغير مدفوع الثمن (بحوالي خمسة دولارات ) لدى أحد أسواق الجملة يوضع في يد رب الأسرة المستحقة للشنطة الرمضانية ومعه ورقة مطبوع فيها كل العناوين والفروع التي للمحلات اللي ممكن يصرف منها الكوبون هذا لكي يرى أقرب فرع له وأنسب(115/1617)
وقت هو محتاج فيه الحاجة لكي يذهب و يأخذ مواد غذائية من المحل بقيمة الكوبون ونؤجر أتوبيسات لنقل الناس لأماكن تعبئة هذه الشنط بالقيمة المالية التي في الكوبون ! .
وتؤكد منار أن هذه الكوبونات التي توزع في الأعياد والمناسبات تذهب لسكّان العشوائيات الذين يسكنون في صفائح القمامة ، كما ستذهب لمن قال فيهم الله _تعالى_: "يحسبهم الجاهل أغنياء من التعفف" ، كما ستذهب لأطفال يرون الياميش واللحوم في الأعياد ولكنهم يغمضوا أعينهم ويناموا يحلموا بها؛ لأن أسرهم لا تقدر على شرائه ، كما ستذهب لمسنين غير قادرين على الحركة أو معاقين إعاقتهم مزمنة ، وتضيف : "سنأتي لهم كل الذي يريدونه ونوصله لبيوتهم " !
تجهيز عرائس يتيمات
وتؤكد "مها" المشرفة علي مجموعة "صحبة خير" والتي تعمل في مجال العلاقات العامة لـ "المسلم" أن هناك إقبالا طيبا من المشاركين علي فعل الخير أينما كانوا ، وأن مجموعتها التي بدأت نشاطها في يناير 2004 بها قرابة 2000 عضو يساهمون في كل أنشطة الخير المختلفة ، وإنهم يشاركون مع أندية اجتماعية وصحف في ترتيب احتفالات جماعية لعرائس يتم تجهيزهم علي قدر ما يستطيع الأعضاء ، فيما يقول مشرفون علي مجموعات أخري أن عدد المشاركين في مشاريع الخير لديهم يقترب من 3 آلاف مشترك.
وتضرب – مها – مثالاً على أحد أنشطتهم مثل حفل أقيم يوم 24 أغسطس 2005 لتجهيز 20 عروسة بالتعاون مع أحد الأندية حيث تم تسليم العرائس أجهزة منزلية (غسالات – بوتاجازات – أطقم ميلامين – مفارش وغيرها ) ، كما تم تسليم أجهزة طبية إلي مستشفي أبو الريش بـ 150 ألف جنية مصري تم جمعها من أهل الخير ومن الأعضاء المشاركين في المشروع وبالتعاون مع مجموعات أخري ، وتم عمل رحلات لأطفال الملاجئ والأيتام وتوزيع هدايا عليهم وإسعادهم خصوصا في الأعياد والمناسبات لرسم البسمة على وجوههم .
جماعة أخري قالت : " نحن نحاول أن نساعد كل فتاة يتيمة أو فقيرة مقبلة على الزواج ولا تستطيع توفير معظم الاحتياجات الأساسية بداية من الأثاث حتى فستان الزفاف وبذلة الفرح "
لوجه الله
أما "شيرين عبد الحميد" الناشطة في عدة مجموعات خير في وقت واحد فتؤكد لـ "المسلم " أن هناك إمكانية لتعاون المجموعات في مشروع واحد رغم تزايد التنافس بين المجموعات لانتشار الفكرة بشكل كبير ، ولا تنكر أن انتشار الفكرة كان له علاقة بحالة التدين السريعة خاصة في أوساط الأسر الغنية والمتوسطة القادرة علي المساهمة في عمل الخير والتبرع بالأموال لتنفيذ هذه المشروعات خاصة داخل الأندية المصرية الكبرى التي انتشر في الحجاب والتدين .
ولا تنفي شيرين الدور الايجابي الذي يقوم به الدعاة في تشجيع الشباب علي التطوع للخير وتنمية مجتمعاتهم ، والقيام بأي مجهود ذاتي خيري لإسعاد الآخرين والفقراء والمحتاجين باعتبار أن هذا جزء من الإيمان ، وتقول: إن بعض المجموعات بدأت(115/1618)
فعلا بعد الاستماع لنصائح مثل نصائح عمرو خالد ، وإن كانت لا توجد علاقة لها بجمعيات عمرو خالد (صناع الحياة) ، وبعضها الأخر نشأ قبل دعوته بفترة طويلة .
وفي هذا الصدد تؤكد المهندسة منار عقل لـ "المسلم " أن مجموعتها –المنار- بدأت عام 1995 ، أي قبل طرح عمرو خالد لفكرة التطوع والعمل الخيري وأنها لم تسمع عن فكرته سوي فيما بعد ذلك ، بدليل أنه ليس لديها دش ستالايت لتشاهد عليه القنوات الفضائية التي يتحدث فيها !.
أما شيرين ،فتقول إنها وزميلاتها في النادي وفي العمل يقمن بجمع تبرعات اختيارية أو عينية من الزملاء وشراء السلع للفقراء وتوزيعها ضمن بعض هذه المجموعات أو يقمن بإرشاد راغبي التطوع للاتصال برؤساء هذه المجموعات للمشاركة في أنشطة الخير سواء بالتطوع المالي أو بمجهودهم ، كما يقمن بجمع ملابس مستعملة وجديدة من المنازل لتوزيعها على المحتاجين ، وجمع صدقات للفقراء والمساكين وزيارة أيتام وأطفال مرضي في المستشفيات وعمل حفلات بسيطة لهم لإسعادهم وغيرها .
ويقول المسئولون على أحد هذه المجموعات – "صحبة خير" – "ابتدأنا بخمسين جنيها فقط نريد نجمعها نشتري بها بونبوني وشيكولاتة نزور بها أي ملجأ في العشرة الأواخر من رمضان... نحن الآن نحاول نجمع خمسين ألف جنيه لنشتري جهازاً لمعهد الأورام القومي .... أقول : نحن لسنا (مجموعة) بالمعنى المفهوم للمجموعة على النت .. نحن هنا نعرض الأفكار اللي ممكن نقدم بها حاجة لوجه الله وسنحاول تنفيذها مع بعض من خلال زيارة شهرية تكون صحبة خير" ..
مشروع الروبابيكيا !
وهذا المشروع – الذي يشرف عليه موقع "مساعدة.كوم" يقوم علي إعادة تدوير الأشياء الزائدة عن الحاجة ضمن عمل الخير من خلال تجميع البلاستيك والورق والكارتون والزجاج الذي يستخدم في المنزل يومياً ويزيد عن الحاجة، حيث يتم إعادة تصنيع هذه الأشياء واستخدام أموالها في مشاريع خيرية متنوعة ، وبذلك "نعاونك على التخلص منها وتعاوننا على الخير وتكسب الثواب بأقل مجهود " كما يقول أصحاب الفكرة ؟
وينشرون دعاية له على النت تقول : " ساهم في مشروع الروبابيكيا ..بإمكانك الحصول على الثواب _بإذن الله_ من خلال تجميع هذه الأشياء البسيطة التي أنت في غنى عنها من بيتك أو مقر عملك يوميا وبسهولة جدا وبدون أي مجهود؟؟.. يدعوكم موقع مساعدة.كوم للمشاركة في عمل الخير من خلال تجميع البلاستيك والورق والكارتون والزجاج الذي تستخدمه في منزلك يومياً ويزيد عن حاجتك، حيث سيتم إعادة تصنيع هذه الأشياء واستخدام أموالها في مشاريع خيرية متنوعة ،وبذلك نعاونك على التخلص منها وتعاوننا على الخير وتكسب الثواب بأقل مجهود "
مشروع حقيبة رمضان وعرفات والمدارس
مجموعة أخرى قالت : " بمناسبة شهر رمضان المبارك ( أو وقفة عرفات) كلنا يعرف ثواب إفطار الصائم في رمضان.. ، فإننا نود أن نتسابق إلى الخير فيه ، وأن نقدم لكل أسرة محتاجة شنطة تحتوي على مواد تموينية تكفيهم لهذا الشهر الكريم "(115/1619)
مع شرح كيفية تنفيذ هذا والتأكيد أن المطلوب عمل مليون شنطة ، والسعي لحصر للأسر التي تستحق المساعدة .
أيضا نشطت مجموعة أخري لإعداد شنطة أخري للمدارس قائلة : "بدأنا مشروع المدارس العام الماضي ومن فضل الله نجحنا في أن نساعد في سداد مصاريف أولاد غير قادرين في مناطق مختلفة ، كما وفرنا كشاكيل وكراسات وأقلام ، وهذه المرة سنحاول نوفر شنطة مدرسية متكاملة وسنركز على مرحلة ابتدائي ثم إعدادي وثانوي،وسوف نهتم أكثر بحالات غير القادرين من خلال الأخصائيين الاجتماعيين في المدارس " .
للقضاء على البطالة :
ولا يقتصر عمل هذه المجموعات علي مساعدة غير القادرين بل أنهم يسعون للقضاء علي البطالة من خلال البحث عن وظائف للمحتاجين من الشباب غير العامل وتوجيهه إليها من خلال مشروع (لو عندك وظيفة.. قلها) الذي يتلخص في جلب كل عضو ما عنده من وظائف يعرفها أو يسمع عنها وتوجيه الآخرين – من خلال رسائل الانترنت - للبحث عن الشباب الذي يرغب في شغل هذه الوظائف أو توفير وسيلة الاتصال بصاحب العمل .
زيارة دار أيتام
مجموعة أخري قالت في احدي دعواتها للأعضاء : "هذا أول إعلان عن زيارة دار نور الرحمن للأيتام إن شاء الله وفيها 35 ولد وبنت من سن 4 شهور : 8 سنين ، الدار في منطقة فيصل ، والدار محتاجة ثلاجة وأدوية أطفال وبامبرز ، ثم سنذهب إلى دار "مبرة المرآة الجديدة" وهي دار مسنين فيها 50 حالة .. ونجلس معهم بعض الوقت لتسليتهم والتخفيف عنهم " .
وغالبا ما يذهب أعضاء المجموعات المختلفة لزيارة أطفال في دور الأيتام أو المستشفيات وقضاء يوما كاملا معهم وهم يحملون معهم الهدايا والملابس والأطعمة ، ويتطوع بعضهم لإسعاد الأطفال ، بهدف إشعارهم بمشاركة الآخرين لهم ، كما يتبرع البعض الأخر للاتصال برجال أعمال و راغبي العمل الخيري للتنسيق معهم لشراء احتياجات الأطفال أو المستشفيات أو غيرها سواء بالنيابة عن المتبرع أو بواسطته هو شخصيا .
والملاحظة العامة هنا هي أن هذه المجموعات الخيرية غير الساعية للربح والتي تستهدف التقرب لله بعمل الخير تعتبر تطورا لفكرة "نشطاء الانترنت " الذين انتشروا علي شبكة الانترنت في صورة مجموعات بريدية تقترب من أكثر من 2000 مجموعة وبعضها ذات اتجاهات خيرية وأخرى ذات طابع سياسي وتقترب من فكرة الحزب السياسي بهدف التعبير عن أفكار الجماعات السياسية الأخرى ، والبعض الأخر ذا طابع اجتماعي أو نسوى أو شبابي أو حتى متعلق بالأطعمة والمشروبات والأزياء .
أنشطة متنوعة
وتتنوع أنشطة هذه المجموعات لعدة أقسام ، فهناك (أنشطة موسمية) كالمشاركة بالأموال أو الجهد في - أو تنظيم - حملات موسمية مثل حملات إعداد حقائب تموينية(115/1620)
لغير القادرين في رمضان أو العيد ، أو (تنظيم معارض خيرية) ، مثل تنظيم معارض ملابس وأحذية وحقائب خيرية في المناطق الفقيرة حيث يتم توزيعها مجانا أو بيعها بأسعار رمزية للغاية
وهناك أنشطة زيارات الملاجئ والمساعدة في توفير احتياجاتهم العينية (مواد غذائية، أدوات مدرسية، ملابس، لعب، أدوية، ...) والمادية، مع توزيع حلويات على الأطفال ومشاركتهم باللعب والاحتفالات. وذلك بعد التعرف على هذه الاحتياجات ومدى جدية الملجأ ،و(زيارات دور المسنين) حيث القيام بزيارات لدور المسنين والمسنات والمساعدة في توفير احتياجاتهم العينية (مواد غذائية، ملابس، أدوية، ...) مع قضاء بعض الوقت معهم ومحاولة تأنيس وحدتهم ، وذلك بعد التعرف على هذه الاحتياجات ومدى جدية الدار ورعايته للمسنين والمسنات .
أيضا هناك أنشطة (زيارات للمستشفيات) ومحاولة مساعدة المرضى - وبخاصة غير القادرين - مع الترويح عن الأطفال المرضى والمساهمة في توفير نفقات العلاج ، و(القوافل الطبية) التي تنظم في المناطق المحتاجة وتوفير الكشف والعلاج إما مجانا أو بأجر زهيد ، فضلا عن (كفالة أسر) فقيرة في منازلهم بدفع مبلغ شهري لكل أسرة مع زيادة المبلغ في المناسبات مثل الأعياد وشهر رمضان ، و(كفالة أيتام) في منازلهم بدفع مبلغ شهري ثابت لكل طفل .
مطلوب تنسيق الجهود
ورغم أن كل هذه الأنشطة الخيرية لوجه الله ، والجميع يتنافس فيها ، فهناك دعوات متزايدة – مع تزايد عدد المجموعات الالكترونية – لتوحيد الجهود خصوصاً في مجالات النشاط المتكرر مثل شنط رمضان أو رعاية الأيتام أو غيره .
وعلي حين يري البعض أن التنافس خير "وفي ذلك فليتنافس المتنافسون" ، قال آخرون لـ "المسلم " إن التنافس في العمل الخيري خصوصا المتشابه ، "ضار" لأنه يشتت الجهود خاصة أن كل فتاة أو فتي يدخل مجموعة ويتعرف علي النشاط ثم يبدأ في التفكير – بدافع زيادة الخير - في إنشاء مجموعة جديدة خاصة ، ويسحب من رصيد المجموعات الموجودة لدرجة أن دعوات بعض المجموعات لأنشطة معينة تكون استجابة الأعضاء وأهل الخير لها ضعيفة نتيجة تشتت جهود المجموعات وتعدد خدماتها ورغبة كل فريق في الإشراف بنفسه علي هذا العمل !.
المطلوب بالتالي – كما يقول خبراء في علم الاجتماع - هو مزيد من التنسيق والتنظيم بين هذه المجموعات التي تنتشر بسرعة علي الانترنت لمزيد من تطوير النشاط وتوسع العمل الخيري التطوعي الالكتروني .. علي الأقل كي لا يتدخل بعض ذوي النوايا السيئة لاستغلال هذا العمل في جمع تبرعات وسلع عينية من أجل مصالح خاصة بهم لا علاقة لها بالتطوع أو الخير ما قد يشوه باقي المجموعات !
ـــــــــــــــــــ
كيف نحد من السلوك العدواني في مدارسنا؟
7/1/1427
ارسل تعليقك ...
تعليقات سابقة ...(115/1621)
ارسل الصفحة ...
الى مشرف النافذة ...
طباعة ...
إن الأطفال العدوانيين لم يولدوا كذلك.. فربما كانوا قد اكتسبوا هذا السلوك العنيف لأول مرة في المنزل، حين كان الوالدان يستخدمان السلوك العدواني في حل المشاكل أو مواجهة بعضهما البعض. وقد يتعلم أطفالهما منذ مرحلة مبكرة أن العنف هو أفضل طريق للحصول على ما يريدون.
كما قد يتعلمون أن مواجهة التحديات إنما هو بالشدة, وأن والتعبير عن أنفسهم إنما يكون باستخدام أيديهم بدلا من الكلام..كما قد يتعلم الأطفال السلوك العدواني من خلال وسائل الإعلام. حيث أن كم مشاهد العنف التي يتعرضون لها كبير للغاية. وقد أثبتت البحوث أن الأطفال الذين يشاهدون العنف كثيرا ينظرون إلى العدوان بوصفه أسلوبا مقبولا لحل المشاكل!
المشكلة في المدرسة
الأطفال العدوانيون داخل المدرسة يمثلون تحديا ملموسا لمعلميهم، فهم يشيعون جوا من الخوف في داخل فصولهم المدرسية، ويثيرون القلق والانزعاج بين زملائهم، ويعطلونهم عن متابعة واجباتهم الدراسية. وقد يتطور سلوكهم العدواني هذا إلى إيذاء من خلال قيام الطالب بإرهاب الأطفال الآخرين بدنيا أو نفسيا، وتفيد الإحصائيات أن من بين 15 إلى 20 % من الأطفال يتعرضون للإيذاء عند مرحلة معينة بالمدرسة، ما يترك في نفوسهم آلاما لا تندمل حتى عندما يكبرون، حيث يعاني هؤلاء الضحايا من الإحساس بالقلق والترقب والخوف والاكتئاب، وقد يتملكهم الفزع لدرجة أنهم يطلبون من أهلهم أن يتركوهم ليمكثوا في المنزل ولا يذهبوا للمدرسة.
إن الأطفال العدوانيين لم يولدوا كذلك.. فربما كانوا قد اكتسبوا هذا السلوك العنيف لأول مرة في المنزل، كما يتعلم الأطفال السلوك العدواني من خلال وسائل الإعلام
وعلى الرغم من انتشار تلك المشكلة وما تنطوي عليه من مخاطر محتملة، فإنها من المشاكل التي كثيرا ما يغفلها المعلمون، حتى عندما يتم تنبيه المعلمين إلى مثل تلك الحالات فإنهم يغضون الطرف عنها، حيث ينظرون إلى العنف بوصفه عادة غير ضارة مرتبطة بمرحلة سنية معينة من الأفضل غالبا تجاهلها. لكن الحقيقة تقول بأنها مشكلة تتطلب من فريق العمل بالمدرسة أن يأخذها مأخذ الجد حتى لا يتطور السلوك العدواني على المعلم والمدرسة الإحاطة بكل أشكال السلوكيات العدوانية، والعمل دوما على تقليص مظاهرها، ومحاولة الوقوف الدائم عند أسبابها..
وفيما يلي بعض النصائح التربوية التي تهدف إلى الحد من ظاهرة السلوك العدواني ومحاولة ضبطها:
- أعلن لطلابك بوضوح أن السلوك العدواني غير مقبول. ويمكنك أن تحيطهم علما بعواقب الإقدام على أي سلوك عدواني، وشجعهم على إبلاغك فورا عند ملاحظة أي صراع أو اعتداء بدني وقع بين زملائهم.(115/1622)
- أكد لطلابك أنك سوف تحميهم. فإذا لاحظت أن طالبا يمارس اعتداء بدنيا على زميله، فاتخذ الإجراءات اللازمة لإيقاف ذلك على الفور، لحماية الطالب ولإيصال رسالة مفادها أنك لن تتسامح مع مثل هذا السلوك.
- كن حاسما في فض المشاجرات. فإذا حدث وتشاجر طالبان أمامك، فعليك أن تأمرهما بالتوقف بصوت عال وقوي، كأن تقول مثلا: "حسام" و"أحمد"، توقفا عن العراك فورا، وابتعدا عن بعضكما البعض. وبعد المشاجرة، عليك أن تلتقي بالطالبين حتى يخبرك كل واحد منهما بما حدث من وجهة نظره، وعليك بعدها أن تصلح بينهما، وترسل إشعارا بما حدث لآبائهما.
- عامل الطالب بهدوء ولكن بحزم. ولا تلجأ لأسلوب الشدة إلا كحل أخير. ودعه يعبر عما يثير ضيقه دون أن تقاطعه، وأعرب بعدها عن تفهمك لمشاعره.
- فكّر في إبعاد الطالب العدواني, فإذا قررت عقابه بأسلوب الاستبعاد المؤقت، فليكن ذلك بسرعة وحزم وقل له عندها: "أنت تعرف القاعدة: ممنوع ضرب الآخرين. عليك أن تخضع الآن للاستبعاد المؤقت". وعندما يعود الطالب من الاستبعاد، عليك أن ترحب بعودته، وتذكره بقاعدة منع السلوك العدواني، ثم ابحث عن فرصة تثني فبها على سلوكيات الطالب المقبولة فيما بعد.
- بعد أن يهدأ الطالب، تحدث معه على انفراد. أخبره بصوت هادئ أنك تتفهم أسباب ضيقه ولكن أكد له أيضا أن عليه البحث عن طريقة أفضل للتعبير عن غضبه باستخدام الكلمات وليس باستخدام يديه. وركز معه على الأقوال والأفعال التي ينبغي أن يغيرها في المرة التالية.
- حاول تحديد الأماكن والأوقات التي يكون فيها الطالب عدوانيا. قد تحتاج لأن تدون بعض المعلومات المختصرة بشأن تلك الحالات، فقد تستنتج من تقييمك مثلا أن الطالب يكون أكثر ميلا للاعتداء على الآخرين في أوقات معينة حاول تتبعها وتقييم سلوكه فيها.
- اطلب مساعدة الوالدين, وحاول أن تعرف منهما أساليب حفظ الانضباط التي وجدا أنها تفلح معه، وبعد أن تتفق معهما على خطة للتحكم في سلوك ابنهما، واحرص على أن يسمع الطالب بنفسه الوالدين وهما يعلنان اعتراضهما على سلوكه ويعربان عن تأييدهما لأسلوبك معه في غرفة الدراسة.
- اجعل الطالب يعتذر. إذ عليك أن تشجعه على أن يتصالح مع زميله الذي اعتدى عليه بالضرب، ولا تسعى لإجباره على الاعتذار، لأن ذلك قد يثير غضبه.
- علّم طلابك مهارات تصفية النزاعات. وذلك من خلال تعليمهم أساسيات المهارة اللغوية اللازمة لمناقشة الأمور مع الآخرين، وهي تشمل: التزام الهدوء، الإنصات للآخرين بدون مقاطعتهم أو لومهم أو إهانتهم، استخدام ضمير المتكلم في التعبير عن المشاعر الشخصية وتوصيلها ووضع وجهات نظر الآخرين في الحسبان.
- خصص جزءا من حجرة الدراسة ليكون "ركنا للتسامح"، حيث يستطيع فيه طلابك تصفية نزاعاتهم. فإذا نشب صراع بين طالبين، فاطلب منهما الذهاب لهذا الركن ليناقشا الأمر ثم يعودا إليك في النهاية ليخبراك بالحل الذي توصلا إليه.(115/1623)
- اطلب من الطلبة المتورطين في المشاجرة ملء استمارة خاصة بالسلوك. وتكون هذه الاستمارة بمثابة سجل لحادثة المشاجرة يمكنك الاستعانة به عند لقائك بآبائهم، كما أنها ستساعد الطلبة على إعادة التفكير في سلوكياتهم والعمل على تعديلها.
- أرسل الطالب إلى مكان تهدأ فيه أعصابه. أخبر الطالب أنه عندما يشعر بالإحباط وبأنه على وشك الانفجار بشكل انفعالي، فعليه أن يخبرك بأنه بحاجة لمغادرة غرفة الدراسة. وأبلغه أنه يستطيع العودة إلى الغرفة عندما يشعر بأنه قد أصبح أكثر تحكما بأعصابه. ولكن احرص على إفهام الطالب أن هذا ليس إجراء تأديبيا.
- حاول أن تشغل الطالب بأنشطة تقلل من إثارة سلوكه العدواني. فيمكنك أن تطلب منه حمل شيء ما أو فعل شيىء ما حينما يستشعر في نفسه نزوعا لاستخدام يديه بشكل غير لائق أو عندما يشعر بأنه على حافة الانفجار في نوبة غاضبة.
- خاطب رغبة الطالب في قبول وكسب حب أقرانه. وانصحه بأن أفضل طريقة لكسب إعجاب زملائه تكون بأن يظهر أمامهم قدرته على السيطرة على انفعالاته.
- تواصل مع الطالب. فقد يفقد الطالب العدواني ثقته بمعلمه وينظر إليه كخصم أو عدو. حاول أن تكسب ثقته بعدة طرق، كأن تخصص من وقت لآخر بضع دقائق تتحدث فيها معه حول اهتماماته وهواياته.
- استشر المتخصصين وتشاور معهم, ويمكنك أن تطلب من الموجه المدرسي توجيه النصح والإرشاد له، فقد يكون بحاجة لمن يوجهه بشان أسلوب حل نزاعاته مع أقرانه والبحث عن أساليب سلوكية بديلة.
- كلف الطالب بأعمال الخدمة الاجتماعية. إن تكليف الطالب بمهام تتضمن مساعدة الآخرين يمكن أن تشجعه على التصرف بشكل أكثر تعاطفا وأقل عدوانية تجاه أقرانه. فيمكنك أن تكلفه مثلا بمهمة تنظيم ألعاب للطلبة الأصغر سنا خلال فترات الراحة بين الحصص الدراسية.
- تدبر إجراء الاختبارات اللازمة للطالب لمعرفة ما إذا كان من ذوي الاحتياجات الخاصة. فمثل هذا الطالب قد يحتاج نوعا خاصا من الإشراف الكامل والتوجيه الفردي الذي لا تستطيع إمداده به.
في حال تطور السلوك العدواني إلى إيذاء أو تحرش بالإيذاء فمن الضروري أن تكون متيقظا لملاحظة حدوث ذلك. وعلى الرغم من أنك قد لا ترى فعلا إحدى هذه الحالات بنفسك - حيث أن الأطفال الذين يؤذون أقرانهم ماهرين في تعذيبهم أثناء غياب البالغين - إلا أنه يمكنك رؤية آثار حدوثها، والطفل الذي تعرض للتحرش بالإيذاء تظهر عليه الأعراض التالية:
أ. القلق والترقب أثناء التواجد داخل غرفة الدراسة.
ب. تكرر زياراته لعيادة المدرسة.
ج. تدهور مستواه الدراسي.
د. حالة حزن غير عادية وميل للانعزال عن أقرانه.
هـ. ظهور كدمات بجسده دون سبب.
كيف تواجه مشكلة الضرر والإيذاء والتحرش؟
يمكن للمعلم أن يواجه مشكلة الإيذاء والتحرش عند الطلاب بالوسائل التالية:(115/1624)
- سارع باتخاذ الإجراء اللازم عند رؤية حالة من حالات الضرر أو السماع بها. لا تدع الأمر يستمر ظنا منك أن الأطفال بحاجة لتعلم كيفية الدفاع عن أنفسهم، فترك الحال على ما هو عليه قد يؤدي إلى معاناة الطالب، بدنيا ونفسيا.
- تحدث مع الطالب المعتدي على انفراد. أعطه فرصة لشرح وتبرير سلوكه، وتوقع منه العمل على تهوين أفعاله أو إلقاء اللوم على الضحية، فلا يلجأ طالب لإرهاب الآخرين إلا لسبب نفسي ما، كرغبته في إعلاء مكانته واكتساب السلطة والنفوذ على أقرانه، أو لتنفيس إحباطه الناجم عن مشاكله المنزلية أو المدرسية. لذا، حاول أن تحدد الدافع الكامن خلف ميل الطالب للتحرش بالآخرين حتى توفر له المساعدة اللازمة.
- سارع باتخاذ الإجراء اللازم عند حدوث حالة إيذاء أخرى. كأن يُفصل الطالب مؤقتا من المدرسة، وفي يوم عودته يجب إلزامه بإحضار والديه معه ليوقعا على إقرار يوافق فيه على الامتناع عن السلوك العدواني بعد ذلك. ويجب أن يحدد هذا الإقرار السلوكيات الممنوعة بشكل دقيق مع توضيح العقوبات التي سيتعرض لها الطالب إذا لم يلتزم بشروط الاتفاق.
- اعتن بأمر الضحية. فالطالب المعتدى عليه يحتاج لعنايتك. اسأل الضحية عما حدث وأنصت إليه بعطف واهتمام، وشجعه على إخبارك بأية أحداث أخرى يتعرض لها، وأكد له أنك لن تدخر وسعا في منع حدوثها، ثم قم معه بتمثيلية يتدرب خلالها على ما يمكنه قوله أو فعله حتى تعزز لديه ثقته بنفسه عندما يواجه مثل تلك المواقف.
- أجر مسحا عاما عن ظاهرة الضرر والإيذاء والتحرش بين طلابك. قد تساعدك نتائج هذا المسح على قياس مدى انتشار وأنواع الحالات التي تحدث، إلى جانب تحديد أماكن حدوثها. ويمكن بالطبع إجراء هذا المسح على مستوى المدرسة ككل حتى يكون مقياسا نقيم في ضوئه مدى تأثير أية برامج نتبعها للتقليل من حدوث ذلك بالمدرسة.
- اعقد اجتماعا داخل غرفة الدراسة لمناقشة المشكلة. تحدث مع طلابك عن ماهية الإضرار والإيذاء والتحرش مع إعطاء أمثلة من عندك أو من عند الطلاب، ويمكنك كتابة ذلك على السبورة، وعليك أيضا مناقشة إحساس الطالب الذي يتعرض للترويع، مع كتابة ذلك أيضا على السبورة. واسأل طلبتك عما يمكن أن يفعلوه إذا شاهدوا طالبا آخر يتعرض للترويع. وشجعهم على اتخاذ الخطوات اللازمة لإيقاف ذلك.
- وجه اهتمامك نحو الطلبة المنعزلين عن أقرانهم. في أغلب الأحيان يأتي الطلاب المنعزلون على قائمة الإستهداف، وذلك من خلال الاتفاق مع الطلاب المحبوبين على دعوة أقرانهم المنعزلين لمشاركتهم أنشطتهم. وقد يحتاج هؤلاء مساعدتك لتعليمهم ما يجب أن يقولوه أو يفعلوه عند التواصل مع زملائهم.
- شجع الطلاب على التعامل بلطف ومودة فيما بينهم. يمكن أن تكرّم مثل هؤلاء الطلبة بمنحهم شهادات تقدير أو جوائز في اجتماعات المدرسة. ولعل أهم خطوة في تعليم الأطفال كيفية معاملة بعضهم البعض باحترام، أن تكون أنت نفسك مثالا يحتذى به في سلوكك ومعاملاتك. وهذا يعني أن تتجنب، مثلا: السخرية من الطلبة وإهانتهم.(115/1625)
- اقترح على مدرستك وضع سياسة لمواجهة المشكلة مع مناقشة الطرق اللازمة للوقاية منها، ووضع قائمة بالعقوبات التدريجية التي يمكن تطبيقها على مرتكبي هذه الأعمال.
- استعن بالأخصائيين التربويين الخبراء والأطباء النفسيين والأخصائيين الاجتماعيين المدرسيين في كل حالة من الحالات التى يصعب التعامل معها.
ـــــــــــــــــــ
الاستماع والإنصات.. أولى المهارات التربوية
إعداد: خالد السيد روشه
25/12/1426
ارسل تعليقك ...
تعليقات سابقة ...
ارسل الصفحة ...
الى مشرف النافذة ...
طباعة ...
لا شك أن الاستماع الجيد من مستقبل الرسالة التعليمية والتربوية هو الخطوة الأولى للتأثير التربوي والسلوكي وإن حسن تلقي الرسالة التربوية التعليمية يعتمد في المقام الأول على إحسان الاستماع إليها والإنصات, وقد أمر الله _سبحانه_ في كتابه بالاستماع غير ما مرة في سبيل بيان أهمية هذه الخطوة، فقال _سبحانه_: "وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاسْمَعُوا" (المائدة: من الآية108)، وقال: "وَاسْمَعُوا وَأَطِيعُوا" (التغابن: من الآية16).
وقد علم القرآن العظيم ذلك كأدب شريف من آداب تلقي الرسالة القرآنية فأمر بالاستماع له والإنصات "وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ" (الأعراف:204), كما زجر كل نافرٍ عن الاستماع، لاهٍ عن الإنصات للنصح والإرشاد، قال سبحانه: "أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا أَوْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا" (الحج: من الآية46).. بل لقد بشر الله عباده الصالحين الذين يحسنون الاستماع والعمل بما سمعوا، فقال _سبحانه_: "فَبَشِّرْ عِبَادِ الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ" (الزمر: 17، 18).
لا شك أن الاستماع الجيد من مستقبل الرسالة التعليمية والتربوية هو الخطوة الأولى للتأثير التربوي والسلوكي
يقول ابن القيم: "فالسماع أصل العقل وأساسه ورائده وجليسه ووزيره ولكن الشأن كل الشأن في المسموع... وحقيقة السماع تنبيه القلب على معاني المسموع وتحريكه طربا وهربا وحبا وبغضا " (مدارج السالكين).
ولكننا كثيراً ما نقع في إشكالية كيفية التوجيه نحو هذا التفعيل المنهجي المطلوب نحو تمكين المربي من استغلال هذه الوسيلة والانتفاع بها بشكل مقدور..
ونحاول معك تناول الموضوع من عدة مناحي مهمة:
أولاً: أهمية الاستماع والإنصات في العملية التربوية:(115/1626)
إن عملية الاستماع لهي المقدمة الطبيعية لغالب العمليات الفكرية والعقلية الموجهة للسلوك البشري التنموي سواء كان تعليميا أو تدريبيا أو توجيهيا.. والسماع هو مفتاح الفهم والتأثر والإقناع والتشبع بالأفكار لذا قال الله _تعالى_: "وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لا تَسْمَعُوا لِهَذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ" (فصلت:26)، فما داموا لا يسمعون له فلن يتأثروا به.. كما إنهم لما انقشع عنهم الغمام تمنوا لو أنهم كانوا قد أحسنوا الاستماع.. "وَقَالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ" (الملك:10).. أننا نستمع أحيانا بدون وعي فإذا اجتمع مع الاستماع وعي يكون الإصغاء وهو سماع الأذن بوعي وتفهم, والإصغاء الفعال هو الاستماع والإنصات المركز لمجموعة من المعلومات حول موضوع ما لغرض التفهم الكامل لذلك الموضوع. وهو مهارة مهمة إذ إنه يبني نوعا من الثقة والمودة المتبادلة ويعزز التفاهم والتواصل ومعظم المشاكل التي تحدث في العلاقات بين الناس يكون عدم الإلمام بهذه المهارة سبباً رئيساً فيها.
لقد كشفت بعض الدراسات أن الإنسان العادي يستغرق في الاستماع ثلاثة أمثال ما يستغرقه في القراءة وهو من وسائل التعلم التي تساعد المتعلم على تلقي المعلومات، وفي حالة الأطفال فإن مدة الاستماع تعد مدة حضانة لبقية المهارات اللغوية لدى الطفل، إذ إن المتحدث يعكس في حديثه اللغة التي يستمع إليها في البيت والبيئة.
كما أن أداء المتحدث ولهجته وطلاقته تؤثر في المستمع وتدفعه إلى محاكاة ما استمع إليه.
والاستماع هو الأساس في التعلم اللفظي في سنوات الدراسة الأولى والمتخلف قرائياًَ يتعلم من الاستماع أكثر مما يتعلم من القراءة، بل قد صور أحد الكتاب العلاقة بين مهارات اللغة من حيث ممارسة الفرد لها قائلاً: «إن الفرد العادي يستمع إلى ما يوازي كتاباً كل يوم، ويتحدث ما يوازي كتاباً كل أسبوع، ويقرأ ما يوازي كتاباً كل شهر، ويكتب ما يوازي كتاباً كل عام.
ثانيا: أهم معوقات الإنصات:
1- نحن في غالب الأحيان بدلا من أن نصغي بشكل جيد نعمد أن نضع تفسيرا عاجلا لما نتصور أننا سنسمعه من الآخر فيترتب على ذلك إهمال لما يقول وعدم شعور بأهمية حديثه ومن ثم ننشغل عن الاستماع ونذهل عنه.
2- ما يمكن أن يكون مستحوذا على ذهنية وفكر المستمع، كأن يكون مهموما بهم شديد أو منتظرا لخبر هام أو قلقا من موقف يمر به.. إلى غير ذلك.
3- الجو العام المحيط بعملية الإرسال والاتصال بين المعلم والمستمع أو بين المرسل والمستقبل وهي حالة بيئية يمكن التحكم فيها من حيث الضوضاء وكثرة المتحدثين أو غيره.
4-عدم وجود رغبة لدى المستمع للاستماع وينتج ذلك من شعوره بعدم أهمية ما يقال..
5- الملل من أسلوب المتحدث وركاكة ألفاظه ما يدعو المستمع إلى الانشغال عنه.(115/1627)
6- الاستماع بغرض الانتصار وهو داء سيء جداً يعتاده البعض وسببه الرغبة دائما في تخطيء الآخر، إذ إن المستمع عندئذ يبدأ بالتخطيط للرد على المتحدث من أول كلمة يقوله.
يقول أحد علماء اللغة الغربيين - بروفيسور يو دين –: " إن عدم الاستعداد للاستماع يعتبر العائق الأكبر لأن الكثير منا يود أن يكون هو المتحدث لا المستمع وفي كثير من الأحيان يظن المستمع أن المتحدث كثير الكلام بدون فائدة ترجى "!
ثالثا: خطوات الإنصات ودينامية عملها التأثيري:
هناك ثلاثة خطوات أساسية تتم في ذهنية المستمع حتى يصل إلى الإنصات، وهي:
1- الاستماع للكلمات (فالمستمع يستمع للكلمات ويستقبلها موجها انتباهه لها وقد يلفت انتباهه لها أي محفز كان أو أي مثير وهي خطوة يستوي فيها كل الناس).
2- معرفة معاني الكلمات التي سمعها (فلو كان الحديث بلغة لا يفهمها أو أساليب لا يستوعبها توقفت العملية عند الخطوة الأولى ولم تنتقل إلى الثانية فيظل المستمع يسمع الكلمات وفقط وخطوة تعتمد على ثقافة وتعليم كل فرد على حدة).
3- معرفة الأفكار خلف الكلمات (وهي العملية التي يتم فيها تجميع المعاني جنباً إلى جنب في ذهنية المستمع ليصل إلى معاني الأفكار المطلوبة من المتحدث، وهي خطوة تعتمد على الفروق الفردية في الفهم وذكاء المستمع ومدى اتساع إدراكه).
رابعاً: علامات نجاح خطوات الإنصات لدى المستمع:
هناك دلائل وعلامات على نجاح إتمام هذه الخطوات الثلاثة ومنها:
1- التفاعل الحركي للمستمع: مثال حركة رأسه بالإيماء والموافقة أو تثبيت العينين تجاه المتحدث أو التأثر بالبسمة أو ارتداد فعله للسكوت ورفع الصوت وغيره.
2- التفاعل اللفظي من المستمع: مثال: أسئلته عن معنى الكلمات ومضمون الحديث أو تعقيبه بألفاظ مثل: نعم أو أفهم أو غيره.
3- قدرة المستمع على الإجابة عن أسئلة بسيطة تدل على إنصاته.
4- قدرته على إعادة بعض جمل الحديث.
5- قدرته على إعادة صياغة موضوع الحديث بألفاظ جديدة.
6- قدرته على ابتكار فكرة جديدة للنص الذي استمع إليه..
خامسا: مهارات الاستماع..
لاكتساب مهارات الاستماع يجب التركيز على ثلاث مهارات أساسية تطبيقية، وهي:
(الفهم – الاستيعاب –التذكر).
- مهارة الفهم: وتحتاج هذه المهارة إلى الاستعداد للاستماع بفهم للكلمات والجمل, ثم القدرة على متابعة المتحدث وعدم صرف الذهن عنه بالشواغل المختلفة, ثم القدرة على استيعاب الفكرة العامة للحديث.
- مهارة الاستيعاب: وتحتاج هذه المهارة إلى القدرة على فهم الأفكار منفصلة في الحديث المسموع ثم الربط بين تلك الأفكار ثم القدرة على تحليلها إلى أفكار جزئية مكونة.(115/1628)
- مهارة التذكر: وتحتاج إلى القدرة على معرفة محددات النص المستمع إليه والجديد الذي احتواه والقدرة على ربطه بخبرات سابقة تسهل تذكره له والقدرة على الاحتفاظ بكلماته ومعانيه أو بأحدهما في ذاكرته.
سادساً: مقومات مساعدة على حسن الاستماع:
1- الشعور بأهمية موضوع الحديث يعطي دافعية داخلية للرغبة في الاستماع.
2- الإقبال بالوجه نحو المتحدث واستخدام حاسة البصر للمساعدة في الاستماع.
3- طلب التكرار عند تشتت الذهن أو الغفلة.
4- إعطاء الفرصة الكاملة للمتحدث ليعبر عن مراده.
5- ملاحظة التعبيرات النفسية والعاطفية والحركية المختلفة للمتحدث أثناء الحديث.
6- تجنب أخذ الأحكام على الحديث قبل انتهاء الاستماع.
7- محاولة التدوين ليعين على تركيز السماع.
8- عدم مقاطعة المتحدث حتى ينتهي من عرض فكرته.
9- محاولة فهم الموضوع كما يريده المتحدث لا كما يريده السامع.
10- التحلي بالصبر والحلم والسكون والوقار وكما قيل: أول العلم الصمت ثم حسن الاستماع.
سابعاً: كيف نعلم أنفسنا وأبناءنا الاستماع؟
يحتاج المعلم أن يطبق آداب الاستماع وخطواته قبل أن يعلمها غيره فلا يقاطع متحدثا ولا يشوش عليه كما عليه أن يهيئ جواً ممتعاً للحديث المراد الاستماع إليه ولا يجعله شيئاً جافاً أو حديثاً أكاديمياً جامداً فضلاً على أن تهيئة الأجواء العامة هي أيضاً دور من أدواره حتى يعزل مصادر الضوضاء واللغو, وعليه ألا يقصر الاستماع على خط واحد من خطوط الاتصال مثل أن يكون بين المعلم والطلاب فقط وإنما يجب أن يتعدى هذا إلى طالب وطالب أو إلى حديث مسجل أو موقف مفتعل أو غيره, كما أن مراعاة ميول المستمع يعد مؤثراً هاماً على الاستمرار في عملية الاستماع أطول فترة ممكنة, ويحسن أن يوضح المعلم لطلابه الهدف من النشاط الذي يجري فيه درس الاستماع في بداية ممارسة تعلم هذه المهارة ليكون اللقاء أكثر جدية وإيجابية.
ثامناً: نصائح تطبيقية للمعلمين والمربين:
1- حاول دائما أن تتماشى مع قدرات الطالب البطيء وضعيف القدرة فلا تسرع في الحديث أو تهمل الشرح والبيان, وفي ذات الوقت لا تهمل الطالب المتميز ببعض المناوشات والمناقشات التي هي في مستواه.
2- استخدم دائما أحدث التقنيات والوسائل، فإن ذلك يساعدك كثيراً في أن يصل معك طلابك للاستماع والتركيز.
3- ناقش طلابك مناقشة لا يكون غالبها سؤال تنتظر إجابته ولكن هناك أسئلة تجيبها بنفسك غرضها الإثارة والتشويق.
4- اطلب منهم تلخيص الخطوط العريضة للموضوع.
5- راع دائما الفروق الفردية بين المستمعين وخاطب الغالبية على قدر فهمها وإدراكها.(115/1629)
6- يمكن أن يتخذ المعلم أساليب أخرى مثل تكليف الطلاب سماع عدد من الخطب والمحاضرات والندوات 7- حاول دائماً استخدام أساليب الاستثارة مع طلابك لجمع شتات أفكارهم واستدعاء تركيزهم للاستماع الجيد الموجه.
8- اربط دائماً بين التركيز في السماع وبين المواد الشرعية الإيمانية والأوامر والنواهي.
ـــــــــــــــــــ
إجراءات علاجية للتغلب على مشكلة النفور المدرسي
خالد السيد روشه
23/11/1426
ارسل تعليقك ...
لا توجد تعليقات ...
ارسل الصفحة ...
الى مشرف النافذة ...
طباعة ...
يعاني كثير من الآباء من نفور أبنائهم من دراستهم وعدم الانتظام في مدارسهم، بل وكراهيتهم الواضحة لما يتعلق بموضوع الدراسة والمدرسة, وقد يأخذ هذا النفور أشكالاً مختلفة كالمخاوف الموهومة من المدرسة والمدرسين أو سوء العلاقة مع الطلاب الآخرين والزملاء أو صعوبة القيام من النوم بصورة منتظمة.. إلى غير ذلك مما هو معلوم ومشهور ولا يكاد بيت يخلو منه, وعادة ما يأخذ هذا الخوف شكل التعبير عن الانزعاج الشديد والرعب والتمارض في صباح كل يوم دراسي وقد يصل إلى النحيب والبكاء والتوسل بالبقاء في المنزل.
وقد يقع كثير من الآباء والأمهات في خطأ كبير إذا حاولوا علاج تلك المشكلة عن طريق الضرب والتأنيب والتشهير بالولد بين أقرانه أو بين أفراد عائلته الكبيرة أو جيرانه أو غيره, فإن الضرب حينئذ لا يزيد المشكلة إلا تدهورا ولا يزيد الضرب نفسية الولد إلا كرها لكل ما يتعلق بمحور مشكلته وهي الدراسة وكل ما يذكره بها..
كما أن التهاون في حل تلك المشكلة والليونة الكبيرة مع الأولاد ومطاوعتهم في ترك دراستهم والغياب عن مدارسهم سبب مؤثر لتخلفهم العلمي والفكري وركونهم للجهل واعتيادهم على التخلف عن ركب الناجحين..
وقد يقع كثير من الآباء والأمهات في خطأ كبير إذا حاولوا علاج تلك المشكلة عن طريق الضرب والتأنيب والتشهير بالولد بين أقرانه أو بين أفراد عائلته الكبيرة أو جيرانه أو غيره , فإن الضرب حينئذ لا يزيد المشكلة إلا تدهورا
وسنحاول معاً – إن شاء الله – وضع خطوط مهمة لعلاج تلك الظاهرة مستقرئين توجيهات خبراء التربية وعلمائها وما توصلوا إليه عبر خبراتهم وتجاربهم ونحاول أن نستخلص خطة علاجية يمكن اتبعاها للتقليل من أثار تلك المشكلة أو ربما القضاء عليها نهائيا إذا وفقنا إلى التنفيذ الدقيق للتوجيهات القادمة إن شاء الله..
(ويهمنا أن نذكر الآباء والأمهات أن العلاقة بالله _سبحانه_ ودعاءه والتبتل له _عز وجل_ لصلاح أبنائهم هو مفتاح الحل الأول لكل مشاكل الأبناء فلا يجب أن يتغافل(115/1630)
عن ذلك أو ينسى بحال, كما أن الأعمال الصالحات يكون لها كبير الأثر العائد بالخير على أبنائنا وصلاحهم ونجاحهم)...:
الخطوات العلاجية:
أولاً: دراسة جوانب المشكلة خارجياً:
وتبدأ هذه الدراسة معتمدة على تكوين علاقات طيبة وناجحة بمجموعة هامة من العناصر المؤثرة في المشكلة وهم (مسؤولي الاستقبال بالمدرسة, مدرسي الفصل, الأخصائي النفسي بالمدرسة, الطلاب القريبين من الولد صاحب المشكلة), وهذه العلاقة الحسنة بين الوالدين وهؤلاء يسهل عليهم متابعة الموقف المدرسي للولد متابعة دقيقة والحكم الصائب على السلوكيات الخارجية والتي يقوم بها الابن بعيدا عن أسرته..
كذلك يتبع ذلك أن يعقد الآباء أو أولياء الأمور لقاءات مع المسؤولين المدرسيين السابقين لمعرفة حقيقة الجو المدرسي ونسبة الشكوى المماثلة وطبيعة الأولاد كثيري الغياب واهتماماتهم, وعلاقة الولد بمدرسية وبجميع المسئولين المحتكين معه ابتداء من حارس المدرسة وحتى مديرها.. غير غافلين بالسؤال عن علاقته بزملائه ومدى تقاربه معهم وتأثره بهم..
كما يجب تدوين كل تلك المعلومات في أجندة خاصة بشكل تبويبي جيد ليسهل الاستفادة بها
ثانياً: التشخيص:
نقصد بتشخيص المشكلة هنا الوقوف على نوعيتها وسببها, فقد يكون سبب التغيب هو كره المدرس أو الخوف من أحد المدرسين أو سوء العلاقة بأحد الزملاء أو كثرة تأنيب البعض له أو غيره..
ويساعد في صحة التشخيص استشارة المتخصصين في ذلك ويكون ذلك باصطحاب أجندة التاريخ الخاص بالمشكلة وعقد لقاء نصح واستشارة مع بعض أهل الخبرة والعلم من المتخصصين النفسيين والتربويين والاجتماعيين, والخروج بنقاط اتفاق يصلح أن تكون منطلقاً تشخيصياً للمشكلة.
ثالثاً: العلاج:
1- يجب أن يحاول الأبوان إزالة آثار التوتر الظاهرة عليهما تجاه الابن من جراء تلك المشكلة لأن إظهار ذلك التوتر يمثل مؤثراً سلبياً للحل.
2- يجب ألا يقدم الوالدان على العلاج انطلاقاً من يأس في حل المشكلة أو استعداد للتنازل عن العلاج (كما يفعل بعض الآباء من عرض حل الدراسة المنزلية كبديل للدراسة المدرسية أو تبديل المدرسة أو مثاله).
3- يتجنب الاهتمام بالشكاوى الجسدية والمرضية, فمثلاً لا تلمس جبهة الابن لتفحص حرارته، ولا تسأل عن حالته الصحية صباح كل يوم مدرسي، ويتم هذا طبعاً إذا كنا متأكدين من سلامة حالته الصحية، وإلا فعلينا التأكد من ذلك مبكراً أو بشكل خفي.(115/1631)
4- يلزم أن يتحلى الأبوان بالحزم في أخذ قرار ضرورة الانتظام في المدرسة، وألا تتغلب مشاعر العاطفة – سلباً أو إيجاباً – على سلوك الوالدين في ذلك, فالقرار إذن النهائي هو (ضرورة انتظام الابن في مدرسته).
5- يجب توضيح أنه كلما ازداد تخلف الابن عن الانتظام في مدرسته كلما تعقدت مشكلته والعكس صحيح.
6- قبل بداية الأسبوع وخلال عطلة نهاية الأسبوع السابق يجب تجنب مناقشة أي موضوع يتعلق بمخاوف الطفل من الذهاب إلى المدرسة. فلا شيء يثير مخاوف الطفل أكثر من الكلام عن موضوع الخوف، لأن الحديث عن الخوف أكثر إثارة للخوف من المواقف ذاتها. ويتطلب ذلك ألا نناقش مع الطفل الذهاب للمدرسة، ولا نناقش معه أعراض خوفه(لا تستخدم أسئلة، مثل: هل تشعر بالخوف؛ لأن الذهاب للمدرسة أصبح وشيكاً؟ هل أنت مضطرب أو خائف أو قلبك يخفق لأنك ذاهب للمدرسة غداً؟).
7- أخبر الابن بكل بساطة في نهاية عطلة الأسبوع، وبالذات في الليلة السابقة على المدرسة ومن دون انفعال وكأمر واقعي بأنه سيذهب للمدرسة غداً, واحرص على نومه مبكراً تلك الليلة (لا بأس بأن يُعد لذلك بأن يترك للابن فرصة جيدة للعب والترفيه وبذل الجهد الكبير في يوم العطلة السابقة على الدراسة).
8- أيقظ الابن بطريقة حسنة ولا تذكر له ضرورة القيام للمدرسة بالصراخ, ولكن أيقظه وأخبره بشيء يحبه وتحدث معه حول موضوع يرغبه أو أخبره بخبر سار.
9- لا بأس أن تساعده على ارتداء ملابسه،وتنظيم كتبه وزوده ببعض الأطعمة الجذابة وخلال مدة الإعداد هذه تجنب أي أسئلة عن مشاعره، ولا تثير أي موضوعات خاصة فيما يتعلق بحالته النفسية حتى لو كان هدفك زيادة طمأنينته (لا تسأل مثلا إن كان يشعر بالهدوء).
10- يستحب اصطحاب الابن إذا كان في سن صغيرة إلى المدرسة وأن تلتقي به مع المشرفين ثم تترك المكان.
11- حاول أن تعقد لقاءات حل عملي لما اتضح لك أنه السبب الأول للمشكلة (مثلاً: لقاء مصالحة مع التلاميذ المختلف معهم والخائف منهم أو لقاء مصالحة مع المدرس الكاره له أو لقاء مصالحة مع الحارس أو غيره)
12- في المساء وعند العودة من المدرسة امتدح سلوكه، واثن علي نجاحه في الذهاب للمدرسة، مهما كانت مقاومته أو سخطه أو مخاوفه السابقة، وبغض النظر عما ظهر عليه من أعراض الخوف قبل الذهاب للمدرسة أو خلال اليوم.
13- كرر في صباح اليوم التالي نفس ما حدث في اليوم السابق، وكرر بعد عودته السلوك نفسه بما في ذلك مع امتداح سلوكه ونجاحه في الذهاب للمدرسة.
14- بعد انتظام ثلاثة أيام يمكنك أن تعمل على مزيد من التدعيم لسلوكه بأن تهديه شيئا يحبه أو أن تسمح له بالخروج للتنزه أو غيره
15- يمكن للأبوين أن يدعما نفسية الابن أيضاً عن طريق الإعلان عن تغلب ابنهما على مشكلته وأنها كانت كبوة فرس وأنه أصبح إنساناً آخر.(115/1632)
16- لابد من الاستمرار في تأكيد العلاقات الإيجابية بالعناصر الهامة والمؤثرة بالمدرسة.
17- في مثل تلك المشكلة قد ينصح التربويون بمساعدة الابن في دروسه كالمساعدة بدرس خاص له في بيته أو مثاله بحيث تنفتح شهيته للدراسة ولا يستشعر أثر التأخر والغياب.
18- بالاتفاق مع مدرس الفصل يمكن عمل تدعيم نفسي آخر عن طريق شكر سلوك الابن الإيجابي مثلا أو مديح خلقه أمام الفصل أو المزاح معه بطريقة يحبها أمام أصحابه.
19- يمكن بعد الانتظام لمدة امتدت لأسبوعين عقد جلسة مصارحة مع الابن عن أسباب غيابه ونفوره ويحبذ أن يكون ذلك إثر نجاح باهر قام به في شيء معين, بحيث يصبح الحديث عن غيابه من قبيل حديث ما كان..
20- المتابعة والتقويم لهما أكبر الأثر في عدم عودة المشكلة من جديد فيجب وضع جدول متقارب لمتابعة السؤال عنه في مدرسته وبين أصدقائه وكذلك عقد اللقاءات الشخصية معه..
ـــــــــــــــــــ
البكاء من خشية الله... الوسيلة المثلى لتربية القلب
خالد روشه
15/11/1426
ارسل تعليقك ...
تعليقات سابقة ...
ارسل الصفحة ...
الى مشرف النافذة ...
طباعة ...
يتسارع وقع خطى الأيام وتتسابق لحظات المرء نحو ساعات يشبه بعضها بعضا.. وتشتد غفلة الإنسان مع متطلبات شئونه الحياتية.. فلا يفيق إلا بعد ما طويت مراحل من عمره مهمة.. فيندم عندئذ ندما كبيرا.. ويتمنى أن لو أيقظه موقظ أو صرخ في وجهه ناصح..
وهذا في الواقع يحصل لكل أحد، فلا أحد ينجو من الغفلة، ولا أحد يهرب من التأثر بدوامة الحياة..
ولكن ثمة لحظات صدق تائبة، ونوبات خشوع صادقة تتلمس شغاف القلب المنيب إلى ربه.. يحاسب فيها نفسه.. ويجدد فيها العهد.. وعندها تثور ثائرة مشاعره الصادقة التائبة.. وتغرورق عيناه بدموع إيمان.. فيكون بكاؤه عندئذ أشبه ما يكون بغيث السماء الذي يرسله الله سبحانه على جدباء الأرض فيحييها وينبت فيها الحياة من جديد..
القرآن والسنة يحثان على البكاء:
قال الله _تعالى_: "وَيَخِرُّونَ لِلْأَذْقَانِ يَبْكُونَ وَيَزِيدُهُمْ خُشُوعاً" (الاسراء:109).(115/1633)
وعن أبي أمامة _رضي الله عنه_ قال النبي _صلى الله عليه وسلم_: " ليس شيء أحب إلى الله _تعالى_ من قطرتين وأثرين: قطرة دموع من خشية الله وقطرة تهرق في سبيل الله، وأما الأثران فأثر في سبيل الله وأثر في فريضة من فرائض الله _تعالى_ " أخرجه الترمذي.
ولكن ثمة لحظات صدق تائبة، ونوبات خشوع صادقة تتلمس شغاف القلب المنيب إلى ربه.. يحاسب فيها نفسه.. ويجدد فيها العهد.. وعندها تثور ثائرة مشاعره الصادقة التائبة.. وتغرورق عيناه بدموع إيمان
وعن أبي هريرة _رضي الله عنه_ قال: قال رسول الله _صلى الله عليه وسلم_ " لا يلج النار رجل بكى من خشية الله _تعالى_ حتى يعود اللبن في الضرع، ولا يجتمع غبار في سبيل الله ودخان جهنم " أخرجه الترمذي.
وعن أبي هريرة _رضي الله عنه_ قال: قال رسول الله _صلى الله عليه وسلم_ " سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله.. وذكر منهم " ورجل ذكر الله خاليا ففاضت عيناه " متفق عليه.
البكاء سمت الصالحين:
عن العرباض بن سارية قال: "وعظنا رسول الله _صلى الله عليه وسلم_ موعظة سالت منها العيون ووجلت منها القلوب..." أخرجه أحمد والترمذي
وكان الضحاك بن مزاحم إذا أمسى بكى فيقال له: ما يبكيك؟ فيقول: لا أدري ماذا صعد اليوم من عملي!
وقال ثابت البناني: كنا نتبع الجنازة فما نرى إلا متقنعا باكيا أو متقنعا متفكرا
وقال كعب الأحبار: لأن أبكي من خشية الله فتسيل دموعي على وجنتي أحب إلى من أن أتصدق بوزني ذهبا
وقال قتادة: كان العلاء بن زياد إذا أراد أن يقرأ القرآن ليعظ الناس بكى، وإذا أوصى أجهش بالبكاء..
وقال الذهبي: كان ابن المنكدر إذا بكى مسح وجهه ولحيته من دموعه ويقول: بلغني أن النار لا تأكل موضعا مسته الدموع..
وعن يحيى بن بكير سألت الحسن بن صالح أن يصف لنا غسل الميت فما قدرت عليه من البكاء.
وعن محمد بن المبارك قال كان سعيد بن عبد العزيز إذا فاتته صلاة الجماعة بكى..
وقال معاوية بن قرة: من يدلني على رجل بكاء بالليل بسام بالنهار؟
وقال بكر بن عبد الله المزني: " من مثلك يا ابن آدم خلي بينك وبين المحراب، تدخل منه إذا شئت وتناجي ربك، ليس بينك وبينه حجاب ولا ترجمان، إنما طيب المؤمن الماء المالح هذه الدموع فأين من يتطيبون بها؟
من مثيرات البكاء من خشية الله:
1- الخلوة الصالحة في أوقات إجابة الدعاء: فالخلوة الصالحة هي خليلة الصالحين والعبّاد وكل قلب يفتقر إلى خلوة، وأنا هنا أنعتها بالصالحة وهي الخلوة التي يقصدها المرء بنية التعبد لله والخلوص له _سبحانه وتعالى_ قال الله _سبحانه_: " واذكر اسم ربك وتبتل إليه تبتيلا ".. وهذه الخلوة الصالحة يكون فيها التدبر في شأن الإنسان(115/1634)
وحاله مع ربه، ويكون فيها محاسبة المرء لنفسه، ويكون فيها استدعاء تاريخ حياة كل واحد مع نفسه وفقط، وتكون فيها المصارحة والمكاشفة بين كل امرئ وقلبه، فيعرف مقامه وتقصيره وكم هو مذنب مقصر خطاء.. وعندها يسارع إلى الاستغفار والبكاء من خشيته _سبحانه_..
2- الإنصات والتدبر للتذكرة والموعظة: فكم من كلمة طيبة كانت سببا في تغيير حياة إنسان من الغفلة إلى الاستقامة، وقد حذر العلماء من إغفال التذكرة وعدم التأثر بها، فقال إبراهيم ابن أدهم: علامة سواد القلوب ثلاث..ذكر منها: أن لا يجد المرء في التذكرة مألما!..وكان الحسن إذا سمع القرآن قال:والله لا يؤمن عبد بهذا القرآن إلا حزن وذبل وإلا نصب وإلا ذاب وإلا تعب، وقال ذر لأبيه عمر بن ذر الهمداني: ما بال المتكلمين يتكلمون فلا يبكي أحد فإذا تكلمت أنت يا أبت سمعت البكاء من ههنا وههنا؟ فقال: يا ولدي ليست النائحة الثكلى كالنائحة المستأجرة...
3- محاسبة الجوارح ومخاطبتها..فعن أحمد بن إبراهيم قال: نظر يونس ابن عبيد إلى قدميه عند موته فبكى وقال: قدماي لم تغبرا في سبيل الله!، فهذه إذن حسرات الصالحين، حسرة يوم يذكر طاعة لم يتمها، وحسرة يوم يذكر خيرا لم يشارك فيه، وحسرة يوم يمر عليه وقت لا يذكر الله _تعالى_ فيه، والحق إن في الحديث إلى الجوارح لاسترجاع لواقع المرء الحقيقي الذي غاب عنه، فينظر إلى كل جارحة من جوارحه ويخاطبها: كم من ذنب شاركت فيه؟ وكم من طاعة قصرت عنها؟ وكم من توبة تمنعت عنها؟ وكم من استغفار غفلت عنه؟..ويذكر قول الله _تعالى_: " حتى إذا جاءوها شهد عليهم سمعهم وأبصارهم وجلودهم بما كانوا يكسبون وقالوا لجلودهم لم شهدتم علينا قالوا أنطقنا الله الذي أنطق كل شيء..." الآيات فصلت.
البكاء والإخلاص:
تساؤل يثار كثيرا حول الموقف من البكاء أمام الناس وفي حضرتهم رغم ما يمكن أن يكتنف هذا من التماس ببعض شبهات المراءاة للناس وتصوير النفس بالخشوع والتقوى، فكثير من الناس يمتنعون عن ذلك البكاء ولا يبدونه مهما كانت الأحوال مخافة الاتهام بالرياء أو مخافة مداخلة النفس العجب، وعلى جانب آخر يرى البعض أن البكاء في المجالس وفى المواعظ شيء طبيعي لأصحاب القلوب الرقيقة لا يمكن إنكاره أو اتهام صاحبه بسوء نية، فما هو الموقف الصائب إذن؟..
الناظر إلى أحوال السلف الصالح من الصحابة والتابعين ومن تابعهم ونهج نهجهم من علماء الأمة ليرى بوضوح أن البكاء كان سمة مميزة لهم – كما سبق وبينا فيما سبق من آثار – بل أكثر من ذلك.. إن بعضهم كان ربما يظل طوال درس العلم الذي يلقيه يظل يبكي حتى ينتهي، فيروي الإمام الذهبي عن أبي هارون قال: كان عون يحدثنا ولحيته ترتش بالدموع، وقال جعفر بن سليمان: كنت إذا رأيت وجه محمد بن واسع حسبت أنه وجه ثكلى.. إلى غير ذلك من الآثار المتكاثرة.
ولكن هناك أيضا من الآثار ما حض على إخفاء ذلك البكاء وجعله في الخلوة ومنفردا فقط: فعن محمد بن زيد قال " رأيت أبا أمامة أتى على رجل في المسجد وهو ساجد يبكى في سجوده فقال له: أنت أنت لو كان هذا في بيتك"، وقال سفيان بن عيينة: "اكتم حسناتك كما تكتم سيئاتك "، بل نقل الذهبي عن عمران بن خالد قال سمعت(115/1635)
محمد بن واسع يقول: إن كان الرجل ليبكي عشرين سنة وامرأته معه لا تعلم به.. إلى غير ذلك من الآثار.
وخلاصة القول في ذلك أن يعلم الإنسان نفسه البكاء من خشية الله وعند سماع الموعظة والذكر والتذكرة وعند محاسبته لنفسه أو غير ذلك، والأصل في البكاء أن يكون في الوحدة ومنفردا وفي الخلوات، ولكن إذا كان المرء بين الناس وغلبه البكاء فلا شيء في ذلك أبدا إذا اطمأن من نفسه الصدق والإخلاص، بل إن ذلك كان حال الصالحين.
نصائح تربوية تطبيقية حول البكاء..:
1- تهيئة البيئة التربوية الإيمانية هام في تربية المرء على رقة القلب واستشعار الخشوع واعتياد العين على البكاء، فلم يكن الصالحون يصلون إلى هذه الدرجة العالية من البكاء من خشية الله لولا أن هناك بيئة إيمانية تربوا عليها وفيها أعانتهم على ذلك وتلك البيئة لها أكبر الأثر في التشجيع على الأعمال الصالحة والتربي عليها، والمربون الذين يهملون تهيئة تلك البيئة أو يتناسون أثرها هم مخطئون ولاشك، يروي ابن الجوزي أن عمر بن عبد العزيز بكى ذات ليلة، فبكت فاطمة زوجته، فبكى أهل الدار لا يدري أولئك ما أبكى هؤلاء فلما تجلت عنهم العبرة سألوه ما أبكاك؟ فقال: ذكرت منصرف القوم بين يدي الله فريق في الجمة وفريق في السعير، فمازالوا يبكون!
2- أثر القدوة هام جدا في التربية على تلك العبادة الصالحة فقد كان البكاؤون السابقون يجدون القدوة الصالحة في ذلك من معلميهم ومربيهم فكانوا يتشبهون بهم إلى أن يصير العمل الصالح عندهم أساسا وأصلا، أما أن يبح صوت خطيب أو معلم يعظ الناس في البكاء والناس لم يروا عليه أبدا أثرا للبكاء فلا أثر لنصحه أبداً.
3- يجب ألا يكون بكاء المرء على شيء من الدنيا فات أو صاحب فقد أو مصيبة حدثت فذلك بكاء الدنيا وإنما مقصودنا هو بكاء الخشية من الله، وهو أن يكون باعث البكاء دائما هو خشية الله سبحانه وتوقيره والتقصير في حقه تعالى وكثرة ذنوب العبد وخوف العاقبة، وقد كانت أسباب بكاء الصالحين السابقين تدور حول: تذكر ذنبهم وسيئاتهم وآثار ذلك، أو التفكر في تقصيرهم تجاه ربهم سبحانه وما وراء ذلك، أو الخوف من عذاب الله سبحانه وسوء الخاتمة أو الخوف من ألا تقبل أعمالهم الصالحة، أو الخوف من الموت قبل الاستعداد له أو الشوق إلى الله _سبحانه_ ومحبته، أو خوف الفتن ورجاء الثبات على دينهم أو رجاء قبول الدعاء.
ـــــــــــــــــــ
خطوات العلاج السلوكي للطفل (1/2)
خالد السيد روشه
28/10/1426
ارسل تعليقك ...
لا توجد تعليقات ...
ارسل الصفحة ...
الى مشرف النافذة ...(115/1636)
طباعة ...
يشكو كثير من الآباء والأمهات من سلوكيات غير سوية لأطفالهم, وقد يستخدم الوالدين أساليب مختلفة لمحاولة تغيير هذه السلوكيات, وفي معظم الأحيان تكون هذه الأساليب أساليب عشوائية غير منهجية, وبالتالي قد ينتج عنها من السلبيات الشيء الكثير, ونحن في هذا المقام نحاول تبيان بعض من الخطوات الهامة والأساسية التي اتفق عليها علماء التربية في تعديل سلوك الطفل تجاه المرغوب فيه, ونحاول هنا أن نصف طريقة علمية دقيقة في صورة مبسطة بحيث يستغني الوالدين بها عن زيارة الأخصائي العلاجي مبدئيا لكل سلوك سلبي يظهر من قبل الطفل, على أننا ننبه على أهمية زيارة الأخصائي العلاجي عند الشعور بتفاقم السلوك أو انتشار أثره بصورة مرضية..
الخطوة الأولى: دراسة السلوك المراد تعديله:
وتمثل هذه الخطوة حجر الأساس للانطلاق للعملية التشخيصية والعلاجية السليمة، حيث لا يمكن أن يستغنى عنها بحال, ففي هذه العملية نحاول تحديد السلوك المعين المراد تعديله بدقة وكذلك نحدد نوعية الشكوى السلبية التي تتسبب من جراء ذلك السلوك ويندرج تحت هذه الخطوة مجموعة من الإعدادات السابقة لها والتي تمثل أهمية كبيرة وهي على الترتيب:
يشكو كثير من الآباء والأمهات من سلوكيات غير سوية لأطفالهم, وقد يستخدم الوالدين أساليب مختلفة لمحاولة تغيير هذه السلوكيات
1- تحديد تاريخ السلوك السلبي: فيلزم ههنا أن يقف الوالدان على إجابة لعدة أسئلة هامة مثل (متى بدأ هذا السلوك لأول مرة, ما هي أهم الأسباب التي يتوقع أن تكون سببت هذا السلوك, ما مقدار تطور هذا السلوك سلبا؟, هل هناك مواقف معينة أو ظروف معينة تزداد فيها حدة هذا السلوك ومواقف أخرى تقل فيها حدته؟, هل يقوم الطفل بسلوكه السلبي ذلك وهو سعيد ومنبسط النفس أو أنه يقوم به وهو مكتئب وضيق الصدر وحزين؟, هل مارس الوالدان الضرب والزجر تجاه الطفل لينهيانه عن ذلك السلوك؟ ومتى وكيف كان الأثر؟) ويحاول الوالدان تدوين الإجابات في جدول واضح نضع عليه ترقيم (الجدول الأول).
2- تحديد السلوك المعين المراد علاجه بدقة: والمقصود ههنا أن كثيراً من الآباء والأمهات تختلط عندهم الشكاوى من سلوكيات متقاربة فيجمعونها في شكوى واحده ويريدون علاجها دفعة واحدة وهو خطأ شائع ينبغي اجتنابه أثناء العلاج السلوكي للطفل, وفي هذه الخطوة ينبغي علينا تحديد السلوك المعين الذي هو سبب الشكوى وهو الذي تتفق الآراء على أن تعديله سيؤدى إلى تحقيق العلاج, ويلزم تحديد السلوك تحديدا نوعيا ولهذا فليس من المقبول مثلا أن نستخدم عبارات مثل مكتئب أو مندفع أو ضعيف الشخصية, لأن كل هذه سمات عامة وغير دقيقة ومن ثم ستصعب علينا تحديد السلوك وعلاجه واختيار طرق العلاج ووسائله, لأن المطلوب هو تحديد الشكوى في شكل مظاهر سلوكية يمكن ملاحظتها ومتابعتها وتقييم جوانب التقدم فيها (مثلا بدلا من أن يقال مكتئب يمكن أن يقال إنه يكثر من الصمت والوجوم وأنه سريع الغضب وكثير البكاء وقليل الضحك والابتسام).(115/1637)
3- بيانات الملاحظة الشخصية: وهي خطوة أكثر تحديدا من الخطوة رقم (1) والتي قد جمعنا بياناتها في الجدول الأول سابق الذكر, فنحن هنا نجيب على أسئلة أكثر دقة وتكون غالبا ناتجة عن الملاحظة الدقيقة للطفل بعد تعريفنا للسلوك السلبي والمعين المراد علاجه, فنحن هنا نلاحظ الظروف الدقيقة التي ينشط فيها هذا السلوك لدى الطفل (مثال: الطفل يبدأ في الصراخ عند مداعبة أخيه الأصغر) أو (مثال آخر: الطفل يضرب أمه ويهجم عليها إذا انشغلت عنه بعمل ما من أعمال المنزل), ويرى المتخصصون أن هذه الخطوة يراد منها عدة أمور من أهمها متى تبدأ استثارة السلوك السلبي لدى الطفل وسبب هذه الاستثارة, وقد عقد الباحثون التربويون جدولا نموذجيا للإجابة على عدة أسئلة هامة وهي: ما هي أنواع السلوك مصدر الشكوى؟.... ما هي علامة استثارة السلوك السلبي المشكو منه؟... كم من الوقت يستغرقه السلوك السلبي؟.... مع من يحدث السلوك عادة؟...كم مرة يحدث في اليوم؟..كيف استجاب الآخرون للسلوك السلبي هذا؟..ما هي المكاسب التي جناها الطفل جراء سلوكه السلبي ذلك؟ ويتم تدوين كل ما سبق في جدول آخر نسميه (الجدول الثاني)..
الخطوة الثانية: التشخيص...:
وخطوة التشخيص تعد أهم الخطوات على الإطلاق لأنه سيبنى عليها العلاج وطريقته واختيار وسائله وغيره, فلذلك يجب التدقيق الشديد في هذه الخطوة واعتماد المنهج العلمي الدقيق فيها كما سنبين لك _إن شاء الله_ كالتالي:
1- دمج البيانات وتبويبها بشكل يسهل الاستفادة منه ويجيب على الأسئلة المعروضة بوضوح, ويراعى استغلال كل ما يمكنه أن يخدم وضوح وجلاء هذه البيانات من سؤال المحيطين بالطفل في شتى الأماكن المختلفة, كذلك يراعى تدوين البيانات بخط واضح وعدم تكرار السؤال الواحد أكثر من مره, كما يراعى أن يجيب السؤال أكثر من متابع وملاحظ للطفل وفي أكثر من وقت طوال اليوم.
2- استشارة الخبراء في تحديد السلوك السلبي ونوعيته, ومن هؤلاء الخبراء (التربويون المتابعون للطفل، سواء في المدرسة أو المربي الشخصي أو محفظ القرآن, وكذلك المعالج الطبيب المتوفر الذي يمكن الاستئناس بحديثه وتوجيهه, وكذلك العالم الشرعي الذي ربما يكون عنده من التوجيه النبوي والرباني ما يفيد بدرجة كبيرة... وغيرهم).
وخطوة التشخيص تعد أهم الخطوات على الإطلاق لأنه سيبنى عليها العلاج وطريقته واختيار وسائله وغيره, فلذلك يجب التدقيق الشديد في هذه الخطوة
3- وضع الاحتمالات التي يتوصل إليها من خلال البيانات المطروحة, مثال (الشعور بالضيق النفسي الحقيقي, أو الشعور بالتدليل الزائد, أو الشعور بالحاجة الملحة لما يطلبه).. ومن ثم نبدأ في الترجيح بين الاحتمالات التي قد توصلنا إليها بناء على عدة مشاهدات وأدلة, وكذلك بناء على مناقشات بين المسئولين والمهتمين بالطفل, ومن ثم يتم تحديد اسم السلوك السلبي المراد علاجه بدقة, ثم يكتب اسم هذا السلوك السلبي بعلاماته المميزة وتوقيته وأسبابه...الخ
الخطوة الثالثة: العلاج...(115/1638)
وتتضمن عدة محاور هامة وأساسية كالتالي:
1- تحديد الأهداف المراد تحقيقها من الوسائل العلاجية لهذا السلوك السلبي, وكذلك وضع جدولة لتلك الأهداف بحيث لا توضع الأهداف العامة مثل (العلاج الكامل للمرض) أو مثل (التعديل السلوكي التام) أو غيره ولكن ليكن هناك ترتيب للأهداف العلاجية عن طريق وضع أهداف مرحلية عند تحققها ينتقل إلى الهدف الذي يليها وهكذا مثل (تقليل أوقات التوتر السلوكي الخاصة بالسلوك المرضي) أو مثل (الابتعاد قدر الإمكان عن استثارة الطفل تجاه السلوك المرضي السلبي موضوع الحديث)..
2- إيجابية تحديد الهدف العلاجي: وأقصد به أن تكون النظرة العلاجية إيجابية وليست سلبية فمثلا يقترح المتخصصون أنه بدلا من أن يكون الهدف المرحلي هو (تقليل الشتائم والألفاظ النابية بنسبة 30% في الشهر الأول) نجعلها: (زيادة نسبة الاعتراض أو الابتسام أو النقاش بنسبة 30%).. وهكذا..مثلا بدلا من (التوقف عن المجادلة) نقول (زيادة نسبة الإصغاء) وهكذا..
3- إشراك الوالدين والمربين وغيرهم في وضع برنامج علاجي تعاوني يشارك في وضعه أيضا من يتمتع بخبرة في هذا المجال.
4- محاولة تبويب الهدف المرحلي ببيان سلوكيات معينة ومحددة تدل عليه ليسهل الحكم على التقدم أو الثبات أو التأخر لدى الطفل, مثال ذلك: إذا كان الهدف هو زيادة السلوك التعاوني لدى الطفل لمضادة الانطواء والسلوك الفردي فيكون التبويب هكذا: (ما الوقت الذي يقضيه الطفل مع والدته في التعلم والتدريس, وهل يكون ساكنا أثناء تلك الفترة ومنتبها لحديثها؟.. كم مرة قام بتنظيف حجرته وترتيب سريره؟ كم مرة يبادر بمساعدة أمه على جلب الأشياء... الخ)
مساعدة الطفل على تبني وابتكار وممارسة نماذج سلوكية معارضة للسلوك السلبي الخاطئ بحيث يصعب مع هذه النماذج آداء السلوك المرضي
5- تشجيع الاتجاه الإيجابي لدى الطفل وتدعيمه, ومعنى ذلك أن تشجع الأسرة طفلها إذا بدر منه سلوك إيجابي معين بدلا من التركيز على السلوك السلبي فقط.
6- الحذر من كثرة التأنيب والعقاب المتوالي للخطأ, بل ليجعل الوالدان يوماً أو يومين في الأسبوع لا يتحدثان فيهما مطلقا عن السلوك السلبي للطفل.
7- مساعدة الطفل على تبني وابتكار وممارسة نماذج سلوكية معارضة للسلوك السلبي الخاطئ بحيث يصعب مع هذه النماذج أداء السلوك المرضي مثال (يطلب من الطفل أن يعطي أخاه الأصغر لعبة لكي يداعبه بها كلما قامت الأم بإرضاع أو ملاعبة الصغير فهنا لا يمكن أن يكون الطفل عدائياً أثناء رضاع أخيه)
8- تقسيم السلوك المراد الوصول إليه – كهدف مرحلي – إلى خطوات فرعية وتشجيع كل خطوة عند ظهورها, مثال (عندما نلحظ من الطفل قيامه بمداعبة أخيه الرضيع لمدة دقيقين مثلاً نشجعه ونقول له: إن أخاك الرضيع يحبك أن تلاعبه ومن ثم نؤكد عليه ذلك كل مدة..).
9- ينبغي تكاتف المربين في المدرسة مع الوالدين في تدعيم السلوك الإيجابي واستنكار السلوك السلبي من خلال حكاية القصص الدالة على ذلك وبيان النماذج(115/1639)
الموحية بذلك وتوزيع الهدايا وغيره مما يمكننا أن نبينه في مقال آخر قريب _إن شاء الله_.
-------------------
مراجع الموضوع:
1- أساليب العلاج السلوكي الحديث – حسن مرضي
2- العلاج السلوكي للطفل – عبد الستار إبراهيم وعبد العزيز الدخيل
3- تقويم سلوك الطفل – بحث منشور – خالد روشه
4- أسس الدعم النفسي للطفل – عبد الله المطلق
5- مبادئ العلاج السلوكي – حمدي عزب
ـــــــــــــــــــ
الكتاتيب في أفغانستان ودورها في تحفيظ القرآن الكريم
فضل الله ممتاز
21/10/1426
ارسل تعليقك ...
لا توجد تعليقات ...
ارسل الصفحة ...
الى مشرف النافذة ...
طباعة ...
القرآن الكريم هو كتاب رب العالمين, لكل العالمين, عرباً وعجماً, شرقاً وغرباً, فهو كتاب كل الأجناس وكل الألوان, وكل الأوطان, وكل الألسنة والطبقات, يقول الله _عز وجل_: "تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيراً" (الفرقان:1), وكان وعد ربنا حقاً إذ قال: "إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ" (الحجر:9), فلم يزل هذا الكتاب محفوظاً في الصدور متلوّاً بالألسنة, مكتوباً في المصاحف, متعبداً بتلاوته في المساجد وفي الكتاتيب والمنازل.
والقرآن الكريم هو أساس العلوم والحضارة عند المسلمين, فنجد أن المسلمين الأوائل قد أخذوا كل نافع ومفيد من العلوم وسخروها لخدمة دينهم, وكانوا مثالاً لغيرهم في شتى ميادين العلوم سواء الدينية أو الدنيوية, وقد كان للكتاتيب كبير الأثر في نشر العلوم المختلفة حتى العلوم التجريبية كالفلك والرياضيات, والطب وغيرها.
القرآن الكريم هو أساس العلوم والحضارة عند المسلمين، وقد كان للكتاتيب كبير الأثر في نشر العلوم المختلفة حتى العلوم التجريبية كالفلك والرياضيات, والطب وغيرها.
ما هي الكتاتيب ؟
الكتاتيب هي عبارة عن حلق منظمة في المساجد لتعليم القرآن الكريم, وتجويده, وحفظه, وتعليم القراءة والكتابة(1). وتلقين الأطفال الصغار المبادئ الأساسية لدين الإسلام الحنيف, وهي جزء من حياة الناس في أفغانستان ارتبطت بواقعهم الديني والثقافي, وتوجد في كل قرية من قرى أفغانستان, وهي من التقاليد العريقة للشعب الأفغاني المسلم منذ فجر الإسلام, وتحتل موقعاً خاصاً في قلوب المسلمين هناك,(115/1640)
وهي من أعظم وأهم الوسائل التي من خلالها يظهر أثر ارتباط الجيل الجديد بالقرآن الكريم.
ما الغرض من إنشاء الكتاتيب؟
الغرض المباشر من إنشاء الكتاتيب هو تعليم القرآن الكريم, وتحفيظه, وتعليم الكتابة والقراءة, وربط الأجيال المسلمة بدينها, وترسيخ العقيدة القرآنية في نفوسها.
ولأن القرآن الكريم قد نزل ليبقى ولا سبيل إلى ذلك إلا إذا أودع في الصدور وكتب في الصحف والقراطيس, كان لا بد من محاربة الجهل والأمية ومقاومتها بترويج القراءة والكتابة, يقول ابن خلدون في مقدمته الشهيرة (2):
(اعلم أن تعليم الولدان شعار الدين, أخذ به أهل الملة ودرجوا عليه في جميع أمصارهم لما يسبق فيه إلى القلوب من رسوخ الإيمان وعقائده من آيات القرآن وبعض متون الحديث... وصار القرآن أصل التعليم الذي ينبني عليه ما يحصل بعد من المكان.. وسبب ذلك أن التعليم في الصغر أشد رسوخاً وهو أصل لما بعده لأن السابق الأول للقلوب كالأساس للملكات وعلى حسب الأساس وأساليبه يكون حال من ينبني عليه).
المرحلة الأولى من التعليم في الكتاتيب:
عندما يبلغ الصبي السادسة أو السابعة من عمره يتوجه إلى الكتاب ويلتحق بها, ويسجل اسمه في السجل الرسمي عند الملا أو خليفته, ويلزم بالخضوع للنظام التربوي السائد ويبدأ (الملا) بتعليمه بأيسر وأسهل كتاب وهو (قاعدة بغدادية) والكتاب يحتوي على المبادئ المهمة للغة العربية كحروف الهجاء، وأشكال الحروف وحركاتها، ويشتمل أيضاً على العشر السور الأواخر من جزء عمّ(3).
ويختار الملا إحدى الطريقتين المعمول بها في تدريسه وهما: التلقين, والتهجئة.
التلقين: يبدأ المدرس بتلقين التلميذ كلمة كلمة.
التهجئة: بمعنى أن يتهجى الطالب الكلمة حرفاً حرفاً, وعندما يشعر المدرس أن قراءة الطالب قد تحسنت ينقله إلى مستوى متقدم.
وعندما يختم التلميذ كتاب (قاعدة بغدادية) يقدر على معرفة الحروف وأشكالها ويكون قد اجتاز المرحلة التمهيدية فيبدأ بقراءة القرآن الكريم, ويتدرب على تلاوته, ويستمر على ذلك حتى يختمه, وهذه المرحلة تعتبر الثانية وفق النظام في الكتاتيب في أفغانستان.
حفلة ختم القرآن الكريم:
وعندما يختم التلميذ أو التلميذة القرآن الكريم يقيم والده احتفالاً بهذه المناسبة المباركة يحضرها الأهل والجيران والأصدقاء ويعرف هذا الحفل (حفلة ختم القرآن), ويقدمون للضيوف الحلويات وفي المقابل يحضر الضيوف أنواعاً من الهدايا تكريماً للطالب وأهله ويجد الإنسان الفرح والسرور قد ملأ الآفاق فسبحان من حبّبَ كتابه, الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه, إلى عباده.
المرحلة الثالثة:
ثم يدخل التلميذ هذه المرحلة حيث يبدأ بقراءة الكتب عند شيخ الكتاب حسب التسلسل المطبق في الكتاتيب, فبعد القرآن الكريم يتدرج في قراءة كتاب (بنج كنج) أي الكنوز(115/1641)
الخمسة, ويليه ديوان الحافظ الشيرازي, وكلستان سعدي, وبوستان، وهي كتب شعرية باللغة الفارسية مطعمة بالمعاني الإيمانية, والمصطلحات العربية, وتحتوي على معظم الأحكام الأولية في التوحيد, والفقه, وتحمل في طياتها الأخلاق الفاضلة والصفات الحميدة, فمن جانب يتقن الطالب لغته وبالتالي يقدر على القراءة والكتابة, ومن جانب أخر يتربى على أخلاق حسنة, ويكون على بصيرة بأمور دينه ودنياه.
المرحلة الرابعة, وتسمى المرحلة العليا, أو مرحلة المقررات العربية:
وتبدأ من كتاب خلاصة الكيداني (في الفقه), والأربعون النووية, وكتاب شروط الصلاة, والقدوري العربي, ومنية المصلي وغنية المبتدئ, وكنز الدقائق, وإلى جانب هذه الكتب يأخذ الطالب قسطاً كبيراً من الصرف والنحو من الكتب الآتية:
صرف بهائي (الصرف الغالي), وميزان الصرف, وهداية النحو, ونحومير, وشرح مئة عامل, وغيرها, فيتناول الطالب هذه الكتب عند شيخه حسب الترتيب والتسلسل, وإضافة إليها يعطى للطالب الواجب الشوفي يومياً قبل الانصراف بما تقتضيه كل مرحلة, فيلقن التلميذ أركان الإيمان والإسلام, والأدعية المأثورة, ويلزم بمعرفة الآداب الاجتماعية, وبحسن التعامل مع من حوله سواء في الأسرة أو في المدرسة أو الأماكن الأخرى (4).
وعند اقتراب موعد الانصراف من هذا اليوم يقومون بتنفيذ خطوة يهدفون من ورائها التحصين العقدي والثقافي للطلاب وغرس المفاهيم الإسلامية المهمة في أذهانهم, ويختارون طريقة السؤال والجواب بحيث كل تلميذ يتقدم بدوره ويقف أمام المدرسين وزملائهم الطلاب فيدور الحوار التالي(5):
المدرس: من ربك؟
التلميذ: ربي الله.
المدرس: من نبيك؟
التلميذ: نبيي محمد _ صلى الله عليه وسلم _.
المدرس: ماذا قدَّمت لله؟
التلميذ: نفذت ما أمرني به وانتهيت عما نهاني عنه.
المدرس: ما هي أوامر الله؟
التلميذ: النطق بالشهادتين والعمل بمقتضاهما, وإقامة الصلاة, وإيتاء الزكاة, وصيام رمضان, وحج البيت الحرام.
المدرس: ما هي نواهيه؟
التلميذ: ألا يكذب المسلم ولا يظلم...
المدرس: إلى أي أمة تنتمي؟
التلميذ: إلى أمة محمد _صلى الله عليه وسلم_.
المدرس: من أي ملة أنت؟
التلميذ: من ملة أبينا إبراهيم حنيفاً وما كان من المشركين.
المدرس: تُحبٌّ من؟
التلميذ: يجيب بلغته الشعرية الفارسية: (دوست دارم جار بارنبي را).(115/1642)
(أبو بكر وعمر وعثمان وعلي را), أي أحب الخلفاء الأربعة: أبا بكر وعمر وعثمان وعلياً.
المدرس: أنت مسلم أم والدك؟
التلميذ: والدي مسلم, وأنا مسلم.
المدرس: أنا أشك في إسلامك؟
التلميذ: عندي شاهد يشهد على إسلامي.
المدرس: من يشهد على إسلامك؟
التلميذ: لساني.
المدرس: ماذا ينطق لسانك؟
التلميذ: لا إله إلا الله, محمد رسول الله, وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له, وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.
المدرس: متى أسلمت؟
التلميذ: من يوم الميثاق حين قيل لنا "ألست بربكم قالوا بلى".
المدرس: ماذا تقول حين دخولك البيت؟
التلميذ: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
ثم يردد التلاميذ بصوت واحد:
غفر الله لأساتذتنا والصلاة والسلام على رسولنا الكريم.
الملا وبي بي آتون؟
الملا في اللغة الأفغانية هو شيخ العلم في التدريس, وبي بي آتون شيخة العلم في تدريس الجزء الخاص بالبنات, وكتاتيب البنات لها وجود متميز, خصوصاً في المناطق الشمالية والغربية من أفغانستان.
ونعود إلى الملا وهو الشخصية المميزة في الكتاتيب لا يستطيع أحد من التلاميذ أن يناقشه أو يخالف له أمراً, بل يأمر التلاميذ جميعاً أن يمتثلوا لأمره ودورهم الوحيد هو التلقي.
ومن الطبيعي أن يشترط في الملا أن يكون مؤهلاً تأهيلاً أعلى وفهماً أعمق لحقائق الدين وتفسير القرآن الكريم, والمعرفة التامة بالحديث النبوي الشريف, وأن يكون على بصيرة من الفقه بالأحكام.
المراقبة الجدية:
لا يقتصر دور الملا على القيام بمهمة التحفيظ والتدريس فحسب بل يتعدى إلى ما هو أهم من ذلك هو المراقبة العملية للطلاب ليتأكد أنهم يعملن بما تعلموا, ويتميزون عن غيرهم في جملة تصرفاتهم وسلوكهم سواء في أروقة الكتاتيب أو خارجها و إلا سوف يتعرضون للمساءلة من قبل الملا, كل ذلك من أجل الحفاظ على سمعة الكتاتيب الطيبة (6).
التأديب:
في العادة يجمع الملا بين الترغيب والترهيب في تعامله مع تلاميذه وهو ذو مهارة في التمييز بين من ينتبه للدرس ومن لا ينتبه فيطبق قاعدة (العصا لمن عصا) ويرى الملا أن التأديب لا بد منه كي يتعود الطلاب على النظام, إذ التلميذ في هذه السن(115/1643)
المبكرة يستهويه اللهو ويستقطبه اللعب فإذا لم يجد ما يصرفه إلى الجد ويلوي عنانه نحو آثر ما هو أميل فيه وأرغب, فالضرب الخفيف للأطفال في الكتاتيب هو إحدى وسائل التأديب والتهذيب باتفاق الملا وأولياء أمور التلاميذ في أفغانستان (7).
ما هو دور الحفاظ؟
هو فصل خاص من فصول الكتاتيب مهمته تعليم القرآن الكريم, تلاوة وتجويداً, يجلب الطلبة الراغبين في حفظ القرآن الكريم فيحفظهم ويقرئهم ويعطيهم شيئاً من مهمات الدين في العقيدة والأحكام طبقاً للمنهج المقرر في الكتاتيب.
________________
(1) المعجم الوسيط 2/775
(2) مقدمة ابن خلدون ص537
(3) تاريخ التربية والتعليم في أفغانستان لعرفان ص106
(4) تاريخ التربية والتعليم ص112
(5) تاريخ التربية والتعليم ص175
(6) تاريخ التربية والتعليم ص197
(7) تاريخ التربية والتعليم ص219
ـــــــــــــــــــ
مرحلة البلوغ.. كيف نتعامل معها!!
عبد الرحمن بن محمد آل عوضة
11/10/1426
ارسل تعليقك ...
تعليقات سابقة ...
ارسل الصفحة ...
الى مشرف النافذة ...
طباعة ...
1- توعية الأبناء بنموِّهم الجسدي، والجنسي، والتغيرات التي ستطرأ عليهم في مرحلة البلوغ هي مسؤولية الوالدين، مثل: شعر العانة، والاحتلام، ونمو الثديين والدورة الشهرية عند البنت... كل ذلك يجب أن يعرفوه بأسلوب بسيط دون الدخول في التفاصيل الدقيقة.
2- علّم الابن أن جسده ملك له فقط، وأنه ليس لأحد غيره أن يلمس جسده إلا والديه عند الحاجة.
3- الأبناء في مرحلة البلوغ يمر بهم تغيُّر عضوي سريع ومتتابع في وقت قصير، وقد يستغرب بعض الآباء والأمهات من هذا وهو أمر طبيعي.
4- الجدال والنقاش، وإظهار الاستقلال، والانفراد في اتخاذ القرار، والانفعالات المصاحبة لذلك، وعدم قبول رأي الآخرين بسهولة بل ورفضه أحياناً، كل ذلك من صفات معظم البالغين.
5- أحياناً يخاف المراهق من الفشل، ويتساءل عن مستقبله، وكيف يواجه الحياة.(115/1644)
6- المراهق لا يستطيع التحكم في انفعالاته، فهو إذا أحب أسرف وبالغ، وكذلك إذا كره.
7- يشعر بعض البالغين أحياناً بأن الآخرين لا يفهمونهم ولا يعرفون مشاعرهم وأحياناً ينقم البالغ على والديه، وعلى الناس، وقد يردد "لا أحد يفهمني" وقد يميل المراهق إلى الوحدة.
43- يمر الأبناء بمرحلة تغيرات كثيرة في سن البلوغ، وإذا لم تفهم تلك التغيرات والحاجات الجديدة في حياتهم ربما عشت في صراعات ومتاعب ومواجهات وربنا خسرت ابنك
8- يميل المراهق إلى تحقيق الذات، وإثبات وجوده، ولذا لا بد للآباء والأمهات من وضع تلك المشاعر محل الاهتمام والتفكير.
9- البالغ يرغب في تحقيق ذاته من خلال استغلال طاقاته، ومنحه المسؤولية والأعمال المناسبة، ويجب ألا يُترك البالغ دون تحمل مسؤولية إلى أن يصطدموا بمتطلبات المجتمع وحاجاته الطبعية.
10- ينبغي أن تعالج مشكلات المراهق بالجلوس معه والتزام الرفق واللين وعدم الزجر وأشعره بالأمان وبضوابط الحوار وآداب الاستماع واترك له الاختيار وحفزه عند الإنجاز وحمله أثر أخطائه عند التقصير ولا تواجه بالأخطاء وادع له.
11- المراهق قد يبتكر وسائل يؤكد من خلالها استقلاليته، ويحاول اكتشاف طرق جديدة للتعامل مع الآخرين.
12- قد يصبح المراهق فجأة مثالياً، وقد ينتقد الآخرين والأوضاع من حوله.
13- قد يكون المراهق أحياناً ساخراً ومستهزئاً، وقد يسخر أحياناً من أفكار والديه وأهله.
14- قد يشعر المراهق بالتحدي والمجادلة والمخالفة للآخرين.
15- يهتم المراهق بمظهره، وقد يقلق المراهق من مظهره، وخاصة عند ظهور بعض علامات البلوغ.
16- قد يصاب المراهق بالخجل الشديد، وقد يميل إلى الانطواء والعزلة والنوم الكثير.
17- ينبغي على الوالدين أن يُشعرا المراهقين بثقتهم بهم، وبقدراتهم، وأن يؤكدا لهم بأن من حقهم أن يكونوا مستقلين في شخصياتهم.
18- لا تجبر المراهق، بل اطلب منه المساعدة.
19- ينبغي على الآباء أن يتغيروا ويتعرفوا على حاجات المراهقين.
20- حاول متابعة الأبناء المراهقين بطريقة غير مباشرة.
21- الحوار والنقاش الهادئ هما من أفضل الطرق للتعامل مع المراهقين.
22- تجنب السخرية وجرح المشاعر، وانتقاد المراهق، وأسلوب الاستبداد والصرامة.
23- ينبغي أن تقلل من الأوامر والنواهي الموجهة إليهم.
24- ينبغي أن تكون واضحاً في تعاملك مع المراهق وأن تتجنب التردد والازدواجية.(115/1645)
25- احترم أصدقاء أبنائك، وأكرمهم، وادعهم إلى منزلك.
26- عن طريق الحوار الهادئ يمكن مناقشة الأبناء عن صفات رفقاء الخير والشر.
27- يحتاج المراهقون إلى الأمن والاطمئنان والراحة.
28- يشعر المراهق أحياناً بالضعف والخوف والإحساس بالذنب، وهو كثير التفكير والتأمل.
29- خاطب عواطف المراهق ومشاعره بالعقل والحوار الهادئ والاحترام.
30- تكلم بقدر الحاجة، وبالإجمال عن الأمور الجنسية عند سؤاله، وأجبه حتى لا ينصرف إلى صديق سيّئ.
31- امنحه الاستقلالية، ولا تكن عليه رقيباً في كل صغيرة وكبيرة.
32- اجعله يتحمل تبعات أخطائه.
33- ابتعد عن طريقة التحقيق والاستجواب، وعامله بلطف عندما يقوم بأعمال لا ترغب فيها، واحترم ذاته.
34- أشعره بالثقة التامة، واستمع له استماعاً تعاطفياً عندما يخطئ فقد يكون هناك مبررات.
35- لا تخجل من إظهار عواطفك وحبك لمجرد شعورك بأنهم قد أصبحوا كباراً.
36- علِّم ابنك أن الشخص الوحيد الذي يستطيع تغييره هو نفسه.
37- حاول أن تتكلم مع أبنائك المراهقين كصديق لهم، وعبّر عن حبّك لهم دون مناسبة.
38- عندما يبلغ الأبناء فإنهم يحتاجون إلى الاستقلال عن الآباء.
39- المراهقون لا يحبون كثرة النصائح، وكثرة الأسئلة، وكثرة الكلام.
40- يقول سفيان الثوري: "لا يزال التغافل من شيم الكرام".
ويقول الشاعر:
إذا كنت في كل الأمور معاتباً ... ...
صديقك لم تلق الذي لا تعاتبه
41- من الطبعي أن يكون لابنك المراهق أسرار خاصة به.
42- المراهق يميل بطبيعته إلى التدين، والتربية المتميزة تزيد التدين ثباتاً واستمراراً بتوفيق الله.
43- يمر الأبناء بمرحلة تغيرات كثيرة في سن البلوغ، وإذا لم تفهم تلك التغيرات والحاجات الجديدة في حياتهم ربما عشت في صراعات ومتاعب ومواجهات وربنا خسرت ابنك.
44- قد تكون مرحلة البلوغ مرحلة مزعجة للآباء بسبب تصرفات الأبناء وعندما يتذكر الآباء أنها مرحلة مؤقتة فإنهم يزدادون صبراً وحلماً وكظماً للغيظ.
45- كل ما سبق ذكره إن لم يوافق كتاب الله وسنة رسوله _صلى الله عليه وسلم_ فهو مردود مرفوض.
ـــــــــــــــــــ
قد رشحوك لأمر لو فطنت له
عز الدين فرحات(115/1646)
3/10/1426
ارسل تعليقك ...
تعليقات سابقة ...
ارسل الصفحة ...
الى مشرف النافذة ...
طباعة ...
تتكون العملية التعليمية من عدة عناصر منها المعلم والطالب والمنهج وغيرها، وإذا كان المستهدف من العملية التعليمية كلها هو الطالب، فإن أهم عوامل نجاح هذه العملية هو المدرس الكفء الذي يؤدي مهمته بأمانة وعلم وقدرة، و مهما أُنفق على العملية التعليمية من مال وهُيئت لها من أسباب إلا أنه لا يمكن الحديث عن أي تقدم للمجتمع دون النهوض بالمعلم ورفع كفاءته، فللمعلم دوره الأساسي في العملية التربوية والتعليمية، ولأهمية دور المعلم كان لا بد من توافر شروط ومميزات في شخصيته ليستطيع القيام بهذه المهمة بصورة جيدة تؤدي إلى تحقيق الأهداف المرجوة.
حول صفات المعلم الناجح يقول الدكتور/ عبد الكريم بكار: إن من بين الصفات الواجب توافرها في المعلم:
1- الثقافة: حيث إن العمل الأساسي للمعلم هو نقل المعرفة من مصادرها ومراجعها إلى الطلاب بشكل منظم؛ لذا فالمعرفة بالنسبة إليه كالبضاعة بالنسبة للتاجر؛ فالمعلم بحاجة إلى المعرفة الواسعة من أجل إثبات وجوده وتحقيق ذاته.
تتكون العملية التعليمية من عدة عناصر منها المعلم والطالب والمنهج وغيرها، وإذا كان المستهدف من العملية التعليمية كلها هو الطالب فإن أهم عوامل نجاح هذه العملية هو المدرس الكفء
2- القدوة: ذلك أن وثوق الناس بالمعرفة يرتبط كثيراً بمدى ثقتهم بمن يحمل هذه المعرفة، وانطلاقاً من هذا؛ فإن انسجام المعلم مع طبيعة المعرفة التي يقدمها ومع طبيعة المهمة التي ندب نفسه إليها يعد شرطاً لا غنى عنه لنجاحه في عمله.
فالقدوة تتمثل في كل جوانب السلوك، وفي كل تصرفات المدرس مع طلابه وغير طلابه. ذلك لأن المعلم مرب.
3- التربية: وحتى ينجح المعلم في أن يكون مربياً؛ فإن عليه أن يتمثل شخصية الأب الواعي، ويحاول أن يتصرف مع طلابه كما يتصرف الأب مع أبنائه.
أما الشيخ محمد بن عبد الله الدويش؛ فيقول: "إنه ينبغي للمعلم أو المربي لكي ينجح في أداء مهمته أن يتوافر فيه عدد من الصفات، من أهمها:
* القدرة على بناء العلاقات الإنسانية: ذلك أن التلقي فرع عن المحبة، وللعلاقة بين التلقي والمحبة من الاتصال قدر كبير مما قد نتصور أحياناً، فمن لم يغرس المحبة في نفوس الطلاب فكثير مما يقوله ستكون نهايته عندما يتلفظ به، ولن يأخذ طريقه نحو القلوب فضلاً عن أن يتحول إلى رصيد عملي.
* الاستقرار النفسي: حيث إن المربي يتعامل مع الناس ومع الطبيعة الإنسانية المعقدة فلا بد أن يملك قدراً من الاستقرار النفسي فلا يكون متقلب المزاج سريع التغير(115/1647)
مضطرباً أو يعاف من وحدة انفعالات أو سوء ظن وحساسية مفرطة، فضلاً عن بعده عن الأمراض النفسية.
* التوازن الاتصالي: حيث إن التربية ليست عملاً من طرف واحد، وليست تعاملاً مع آلة صماء ومن غير المقبول أن يحول المعلم الطالب إلى شخص مهمته أن يحسن الاستماع والاستقبال فحسب،بل لابد من قدر من التوازن الاتصالي؛ فالتربية عملية اتصال بين طرفين.
أخي المعلم: هذه بعض الصفات التي يرى خبراء التربية ضرورة توافرها في من يتصدر لحمل مهمة ورسالة النبي - صلى الله عليه وسلم- "إنما بعثت معلماً".
ويفصل الأستاذ/ علي لبن (الخبير التربوي، وعضو مجلس الشعب المصري) ؛ فيقسم صفات المعلم إلى قسمين:
صفات شخصية، وصفات مهنية.
فمن الصفات الشخصية التي يجب توافرها في المعلم الناجح:
1- أن يكون محباً لمهنته، ولوعاً بها، يؤدي عمله بشوق وشغف ونشاط، فيتابعه تلاميذه بنفس الشوق والنشاط.
2- أن يكون متواضعاً في غير ضعف، عطوفاً في حزم وكياسة، متحرراً من عقدتي الدونية والتعالي، يعرف متى يكون مرحاً، ومتى يكون جاداً.
3- صحته الجسمية وحيويته، وسلامة حواسه، وغير ذلك مما يساعد على تأدية رسالته.
4- صحته النفسية واتزانه الانفعالي، بحيث لا يسهل مضايقته، ولا تبدو صورته المزاجية هوجاء منفرة؛ لذلك يجب على المدرس أن يجاهد نفسه من أجل إكسابها فضيلة الصبر وسعة الصدر والجلد والوقار والاطمئنان وغيرها، مما يبعث في نفوس التلاميذ السكينة والإشراق.
5- أناقته ونظافته، وطيب رائحته، وحسن هندامه، وجاذبية مظهره؛ تعظيماً للعلم والعلماء.
روى الإمام مالك أن النبي _صلى الله عليه وسلم_ أشار إلى رجل ثائر الشعر واللحية وكأنه يأمره بإصلاح شعره، ففعل الرجل ثم رجع في هيئة حسنة فقال النبي - صلى الله عليه وسلم-: "أليس هذا خيراً من أن يأتي أحدكم ثائر الرأس كأنه شيطان".
6- فصاحته وجودة نطقه، ووضوح صوته، وقوة بيانه، وجمال تعبيره، وتسلسل حديثه،وإخراجه الحروف من مخارجها، وتنوع نبراته، ولهجته الطبيعية، وخلوه من "اللازمات" وحبسه اللسان... وغير ذلك.
7- ذكاؤه وفطانته، وسعة أفقه، وبعد نظره ويقظة عقله؛ ليمكنه معالجة مشكلات التدريس بحكمة.
8- فهمه لتلاميذه، ومعرفته بأسمائهم ومشاركته في حل مشكلاتهم، وسعيه في مصالحهم، وعدم التحيز في معاملتهم، خاصة عند فض منازعاتهم، استجابة لقول رسول الله - صلى الله عليه وسلم-: "اتقوا الله واعدلوا بين أولادكم"،كل ذلك يوطد علاقته بهم،ويكون من أهم أسباب نجاحه.(115/1648)
وفي هذا يقول الإمام ابن جماعة: "إذا غاب بعض الطلبة غياباً زائداً عن العادة سأل عنه معلمه أو قصد منزله بنفسه؛ فإن كان مريضاً عاده، وإن كان في حاجة أعانه، وإن كان في غم خفض عليه، وإن لم يكن شيء من ذلك تودد إليه ودعا إليه.
9- تمكنه من مادته؛ لأن أخطاءه تقلل من ثقة تلاميذه به، وتجعلهم لا يهتمون بالتحضير لمادته.
10- سعة اطلاعه؛ فلا يكتفي بالكتاب المدرسي حتى لا يهبط مستواه إلى مستوى تلاميذه، بل عليه مداومة الاطلاع على كل جديد، أو ما يدعم مهنته؛ كعلم النفس والتربية، أو طرائق التدريس وغيرها، حتى يظل دائماً في مستوى ثقافة عصره.
11- المحافظة على مواعيد المدرسة واحترام لوائحها، والالتزام بمتطلبات مهنته عن حب ورغبة داخل الفصل وخارجه.
12- التودد مع زملائه والبعد عن المشاحنات؛ دمث الخلق، متأدباً في ألفاظه بعيداً عن الغيبة والقول الذي يؤذي الآذان؛ لقوله_ تعالى_: "قل لعبادي يقولوا التي هي أحسن إن الشيطان ينزغ بينهم...".
13- الاختلاط بالناس ومشاركتهم في الحياة الاجتماعية، ولذلك يرى الإمام ابن جماعة "أنه ليس أضر على المعلم من الزهد في مصاحبة الناس، والبعد عن حركة الحياة العامة".
14- أن يكون عارفاً بأمور دينه متمسكاً، بها محافظاً على تأدية الشعائر آمراً بالمعروف، ناهياً عن المنكر، لا يخشى في الله لومة لائم، وفي ذلك يقول أبو اسحق الجبنياني: "لا تعلموا أولادكم إلا عند رجل حسن الدين؛ لأن دين الصبي على دين معلمه". كما يقول الصحابي عتبة بن أبي سفيان لمعلم ولده: "ليكن أول إصلاحك لولدي إصلاحك لنفسك؛ فإن عيونهم معقودة بعينك، فالحسن عندهم ما صنعت والقبيح عندهم ما تركت".
15- أن يكون مخلصاً؛ فيجعل تدريسه ابتغاء وجه الله _تعالى_، ودوام ظهور الحق وخمود الباطل، وكثرة العلماء؛ فيضحي بوقته وراحته في سبيل رسالته؛ كيف لا وهي أشرف رسالة عرفتها البشرية رسالة الأنبياء والمرسلين؟! وقد أشاد القرآن الكريم برسالة المعلم في قوله _تعالى_: "ولكن كونوا ربانيين بما كنتم تعلمون الكتاب وبما كنتم تدرسون" فانظر كيف كرم الله المعلم فنسبه إليه _تعالى_، فسماه ربانياً، والرباني هو المنسوب إلى الرب - كما يقول سيبويه-، والإخلاص هو الذي يجعل المعلم ربانياً، وبالتالي يجعل طلابه ربانيين، يرون آثار عظمة الله في كل ما يدرسون، ويخشونه ويحسبون الحساب ليوم الجزاء.
أما الصفات المهنية للمعلم؛ فمنها (والكلام للأستاذ علي لبن):
1- احترام شخصية التلميذ؛ وذلك بمراعاة حاجاته واهتماماته وحقوقه وأيضاً، معرفة قدراته وإمكانياته ليمكن توجيهه على أساس ذلك.
2- القدرة على ضبط الفصل.
3- إتاحة الفرصة للتلاميذ كي يتحدثوا هم معظم الوقت؛ فحديثهم يفوق حديث المدرس في أهميته؛ لأنهم يتعلمون من أخطائهم أكثر من تعلمهم من المدرس وهم صامتون.(115/1649)
4- تشجيع التلاميذ على المساهمة في النشاطات المدرسية؛ لأن شخصية الطفل تظهر على حقيقتها أثناء انطلاقه في اللعب والنشاط الحر، وذلك مما يساعد في التعرف على خلفياته، وتفهم مشكلاته وتحريره من المخاوف والضغوط.
5- مراعاة الفروق الفردية.
6- حسن التعامل مع السلوكيات غير اللائقة، وفي هذا يقول عتبة بن أبي سفيان لمعلم ولده: " قومه ما استطعت بالقرب والملاينة؛ فإن أباهما فعليك بالشدة والغلظة"
7- التشجيع على حسن الأدب والجد والاجتهاد في الدراسة؛ وذلك بالشكر والثناء والقبول والاستحسان، وغير ذلك مما يدفع التلميذ إلى المزيد من النجاح.
8- لا تكتفي بتدريس مادة الكتاب النظرية معزولة عن تطبيقاتها في الحياة العملية؛ بل تضيف إليها النشاطات التي يمكن بواسطتها تحويل معلومات الكتاب النظرية إلى سلوكيات عملية.
9- تزويد الدرس بمروحات عن النفس؛ كالمرح والطرائف وبعض المزاح لإنعاش التلاميذ، وبث الحيوية فيهم وتجديد نشاطهم على أن يتم ذلك بدون إسراف أو إسفاف، ليكون الجد هو الأصل، وفي هذا يقول الإمام علي: "أعط الكلام من المزح بمقدار ما تعطي الطعام من الملح".
ويذكر الدكتور بكار بعض الأنماط السلبية للمعلمين، منها:
1- المعلم المهمل:
هو إنسان دخل مهمة التعليم على سبيل الخطأ، وعلاقته بها علاقة شكلية وسطحية؛ فأنت لا تكتشف وأنت تتحدث معه أن له أي اهتمامات بالثقافة أو التعليم أو مستقبل الأجيال. ويظهر إهماله في تحضيره لدروسه، وفي تصحيحه لواجبات الطلاب وأوراق امتحاناتهم، ولا يلقي بالاً لشكواهم، ولا يفكر في أحوالهم.
2- المُعلِّم المستبد:
من سمات هذا الصنف من المُعلمين أنه يفتقر إلى الروح الرياضية والمرونة الذهنية، وهو قوي الإحساس بمركزه وسلطته، ويغلب عليه طابع الحرفية والتمسك بالأنظمة دون أن يأخذ بعين الاعتبار الظروف الخاصة التي يمر بها بعض الطلاب، والهم الذي يسيطر عليه هو إنهاء المناهج؛ فلا يعطي للثقافة العامة وتنمية شخصيات الطلاب ما تستحقه من عناية واهتمام.
3- المُعلِّم الفوضوي:
يسير المُعلِّم الفوضوي في الاتجاه المعاكس للمُعلِّم المستبد، فهو لا يأبه بتوجيهات الإدارة، ولا يلتزم بالنظم المرعية، كما لا يهتم بإنهاء المناهج، ولا يكترث بما يسمى الأهداف التعليمية. وهو يحمل في نفسه نوعاً من الرفض للتقاليد التعليمية المعترف بها. إن الذي يسيطر عليه هو العلاقات الإنسانية مع الطلاب. وحرصه على رضا طلابه ومسامرتهم يقع عنده في المرتبة الأولى، ولهذا فإن المحصلة العلمية التي يحصل عليها طلابه من وراء تدريسه تعد متواضعة.
4- المُعلِّم العادي:
نمط المُعلِّم العادي هو النمط السائد في معظم المدارس، ومستوى ما هو عادي وغير عادي تحدده البيئة التعليمية العامة؛ فالمُعلِّم العادي في دولة متقدمة يختلف كثيراً عن(115/1650)
المُعلِّم العادي في بلد متخلف فقير. يحرص المُعلّم العادي على إنهاء المناهج، كما يحرص على تنفيذ التعليمات العليا، لكنه مع هذا يتيح للطلاب نوعاً من المشاركة، كما يتيح فرصة محدودة لطرح الأسئلة، ومعرفته بمادته عادية، واهتمامه بتنمية شخصيته وتحسين فاعليته ضئيل أو دون المتوسط.
فهل ترضى لنفسك أيها المعلم المربي أن تكون من بين هذه الأصناف السلبية؟
نربأ بك عن هذه الحالة
قد رشحوك لأمر لو فطنت له ... فاربأ بنفسك أن ترعى مع الهمل
ـــــــــــــــــــ
من فقه التعامل مع الأبناء
عبد الرحمن بن محمد آل عوضة
23/9/1426
ارسل تعليقك ...
لا توجد تعليقات ...
ارسل الصفحة ...
الى مشرف النافذة ...
طباعة ...
1. تعلم الإصغاء لأبنائك وأنزل إلى مستواهم.
2. غضب الطفل قد يكون بسبب فرض رغبات عليه, أو بسبب صحي, أو أرق, أو لنيل مطالبه, أو لشيء آخر, ابحث عن السبب جيداً.
3. تمرد الأبناء يحتاج إلى احتضان, وتقبيل, وضم, ولمس.
4. تذكر أن إجبار الطفل على الطاعة العمياء يخمد نفسه, ويقتل شخصيته, ويعوده الغش والكذب, وعدم الثقة بالنفس.
5. ينبغي للوالدين أن يكونا مصدر أمن وتشجيع لأبنائهم.
6. ينبغي أن تقوم التربية على رقابة الله وحده بعيداً على ملاحظة الخلق والرياء.
7. الصحبة لها أثرها الكبير في حياة الأبناء, وهي ضرورية جداً, وتساعد على التنشئة الاجتماعية أو ما يسمى بالذكاء العاطفي والاجتماعي. وما أجمل أن تربط أبناءك بصحبة صالحة, فالمرء على دين خليله.
8. ينبغي اختيار السكن المناسب, والجار المناسب, والمدرسة المناسبة.
9. قم بمراقبة الأبناء دون أن تشعرهم بذلك.
10. ازرع في الأبناء دائماً أن الله يراهم ويسمعهم ويعلم سرهم ونجواهم.
7. الصحبة لها أثرها الكبير في حياة الأبناء, وهي ضرورية جداً, وتساعد على التنشئة الاجتماعية أو ما يسمى بالذكاء العاطفي والاجتماعي. وما أجمل أن تربط أبناءك بصحبة صالحة, فالمرء على دين خليله
11. عوده المبادرة والعطاء, وحمله المسؤولية وعوده على اتخاذ القرار ولو أخفق في ذلك.
12. وفر للأبناء المكتبة الصوتية, والكتب المناسبة, والقصص المؤثرة, والمجلات الهادفة.(115/1651)
13. لا تسرف في إعطاء الأبناء المال, وكذلك لا تبخل.
14. شجعه على أن يستخدم عقله في نقد ما يرى أو يسمع بعيداُ عن الغيبة والنميمة.
15. لا تعد أبناءك بشيء لا تستطيع الوفاء به.
16. لا تفعل لأبنائك الأشياء التي يستطيعون أن يفعلوها.
17. اترك لأبنائك أوقاتاً ليعشوا طفولتهم وتنمو قدراتهم.
18. ينبغي إبعاد الأبناء عن أفلام العنف والرعب والقصص المخيفة, وكل ما يزرع فيهم السلبية.
19. خطط مع أبنائك في شؤون العائلة.
20. لا تجعل ابنك يشعر أنك تحمل تجاه حقداً أو ضغينة.
21. ازرع في أبنائك التخطيط, ووجود الأهداف؛ لأن ذلك قد يغير حياتهم.
22. لا تستغرب إذا سمعت أبناءك يتلفظون بما يسمعونه منك.
23. عانق طفلك بحنان كل يوم.
24. علم الأبناء الطرق الإيجابية كي يتغلبوا على التوتر ويحافظوا على هدوئهم _بإذن الله_.
25. لا تتوقع من الأبناء أن يتعلموا من أول مرة تتكلم معهم.
26. لا تنهي يومك بخلاف مع ابنك, فإن ذلك يتعبه كثيراً.
27. ابتعد عن المبالغة في المثالية, فإن ذلك يقلل الضغوط عليك وعلى أبنائك.
28. تقبل طفلك كما هو, وطور نفسك, واقرأ واسمع وتغير ثم غير طفلك بعون الله.
29. ابتسم كثيراً لأبنائك, وتمتع بالأجر والتربية الطيبة.
30. لا تنس أبداً أنك أول وأهم مدرس في حياة طفلك.
31. لاحظ الأشياء التي يؤديها أطفالك بطريقة جيدة وشجعهم.
32. إن الأشياء التي يتكلم بها الأبناء كثيراً ويعلمونها تجعلك تتعرف على القيم المهمة عندهم.
33. لا تجعل معاملتك لأصدقائك أفضل من معاملتك لأطفالك.
34. علم أبناءك بعض ألعاب الدفاع عن النفس مثل الكاراتيه.
35. لا تعتمد على المدرسة أن تفعل كل شيء عنك.
36. لا تبالغ في أمراض أبنائك وإصاباتهم الخفيفة.
37. ساعد أبناءك على تذكر نعم الله عليهم والشكر للواهب _سبحانه_.
ـــــــــــــــــــ
11 وسيلة للتأثير على القلوب
خالد سعد الجربوعي
16/9/1426
ارسل تعليقك ...
تعليقات سابقة ...
ارسل الصفحة ...
الى مشرف النافذة ...
طباعة ...(115/1652)
هذه سهام لصيد القلوب، أعني تلك الفضائل التي تستعطف بها القلوب، وتستر بها العيوب وتستقال بها العثرات، وهي صفات لها أثر سريع وفعّال على القلوب، فإليك أيها المحب سهاماً سريعة ما أن تطلقها حتى تملك بها القلوب فاحرص عليها، وجاهد نفسك على حسن التسديد للوصول للهدف واستعن بالله.
الوسيلة الأول: الابتسامة :
قالوا: هي كالملح في الطعام، وهي أسرع سهم تملك به القلوب وهي مع ذلك عبادة وصدقة، ( فتبسمك في وجه أخيك صدقة ) كما في
الترمذي، وقال عبد الله ابن الحارث: ( ما رأيت أحداً أكثر تبسماً من رسول الله _صلى الله عليه وسلم_).
الوسيلة الثانية : البدء بالسلام :
سهم يصيب سويداء القلب ليقع فريسة بين يديك لكن أحسن التسديد ببسط الوجه والبشاشة، وحرارة اللقاء وشد الكف على الكف، وهو أجر وغنيمة فخيرهم الذي يبدأ بالسلام، قال عمر الندي: (خرجت مع ابن عمر فما لقي صغيراً ولا كبيراً إلا سلم عليه)، وقال الحسن البصري: (المصافحة تزيد في المودة) والنبي _صلى الله عليه وسلم_ يقول : "لا تحقرن من المعروف شيئا ولو أن تلقى أخاك بوجه طليق ". وفي الموطأ أنه _صلى الله عليه وسلم_ قال : (تصافحوا يذهب الغل، وتهادوا تحابوا وتذهب الشحناء ) قال ابن عبد البر: هذا يتصل من وجوه حسان كلها.
هذه سهام لصيد القلوب، أعني تلك الفضائل التي تستعطف بها القلوب، وتستر بها العيوب وتستقال بها العثرات، وهي صفات لها أثر سريع وفعّال على القلوب، فإليك أيها المحب سهاماً سريعة ما أن تطلقها حتى تملك بها القلوب فاحرص عليها، وجاهد نفسك على حسن التسديد للوصول للهدف واستعن بالله
الوسيلة الثالثة : الهدية :
ولها تأثير عجيب فهي تذهب بالسمع والبصر والقلب، وما يفعله الناس من تبادل الهدايا في المناسبات وغيرها أمر محمود بل ومندوب إليه على أن لا يكلف نفسه إلا وسعها، قال إبراهيم الزهري: (خرّجت لأبي جائزته فأمرني أن أكتب خاصته وأهل بيته ففعلت، فقال لي تذكّر هل بقي أحد أغفلناه ؟ قلت: لا. قال: بلى رجل لقيني فسلم علي سلاماً جميلاً صفته كذا وكذا، اكتب له عشرة دنانير) انتهى كلامه.
انظروا أثّر فيه السلام الجميل فأراد أن يرد عليه بهدية ويكافئه على ذلك.
الوسيلة الرابعة : الصمت وقلة الكلام إلا فيما ينفع :
وإياك وارتفاع الصوت وكثرة الكلام في المجالس، وإياك وتسيد المجالس وعليك بطيب الكلام ورقة العبارة (فالكلمة الطيبة صدقة) كما في الصحيحين، ولها
تأثير عجيب في كسب القلوب والتأثير عليها حتى مع الأعداء فضلاً عن إخوانك وبني دينك، فهذه عائشة _رضي الله عنها_ قالت لليهود: (وعليكم السام واللعنة) فقال لها رسول الله _صلى الله عليه وسلم_ : "مهلاً يا عائشة فإن الله يحب الرفق في الأمر كله" متفق عليه، وعن أنس _رضي الله عنه_ قال، قال رسول الله _صلى الله عليه وسلم_ : "عليك بحسن الخلق وطول الصمت فو الذي نفسي بيده ما تجمل الخلائق بمثلهما" أخرجه أبو يعلى والبزار وغيرهما.(115/1653)
قد يخزنُ الورعُ التقي لسانه ... ... حذر الكلام وإنه لمفوه
الوسيلة الخامس: حسن الاستماع وأدب الإنصات :
وعدم مقاطعة المتحدث فقد كان رسول الله _صلى الله عليه وسلم_ لا يقطع الحديث حتى يكون المتكلم هو الذي يقطعه، ومن جاهد نفسه على هذا أحبه الناس وأعجبوا به بعكس الآخر كثير الثرثرة والمقاطعة، واسمع لهذا الخلق العجيب عن عطاء
قال : ( إن الرجل ليحدثني بالحديث فأنصت له كأني لم أسمعه وقد سمعته قبل أن يولد).
الوسيلة السادسة : حسن السمت والمظهر:
وجمال الشكل واللباس وطيب الرائحة، فالرسول _صلى الله عليه وسلم_ يقول : "إن الله جميل يحب الجمال" كما في مسلم. وعمر ابن الخطاب يقول "إنه ليعجبني الشاب الناسك نظيف الثوب طيب الريح"، وقال عبد الله ابن أحمد بن حنبل: (إني ما رأيت أحداً أنظف ثوبا و لا أشد تعهدا لنفسه وشاربه وشعر رأسه وشعر بدنه، ولا أنقى ثوبا وأشده بياضا من أحمد ابن حنبل).
الوسيلة السابعة : بذل المعروف وقضاء الحوائج :
سهم تملك به القلوب وله تأثير عجيب صوره الشاعر بقوله:
أحسن إلى الناس تستعبد قلوبهم ... فطالما استعبد الإنسانَ إحسانُ
بل تملك به محبة الله _عز وجل_ كما قال _صلى الله عليه وسلم_ : " أحبُ الناس إلى الله أنفعهم للناس"، والله _عز وجل_ يقول: "وأحسنوا إن الله يحب المحسنين}".
إذا أنت صاحبت الرجال فكن فتى ... ... .. مملوك لكل رفيق
وكن مثل طعم الماء عذبا وباردا ... ... ... على الكبد الحرى لكل صديق
عجباً لمن يشتري المماليك بماله كيف لا يشتري الأحرار بمعروفه، ومن انتشر إحسانه كثر أعوانه.
الوسيلة الثامن: بذل المال :
فإن لكل قلب مفتاح، والمال مفتاح لكثير من القلوب خاصة في مثل هذا الزمان، والرسول _صلى الله عليه وسلم_ يقول :
" إني لأعطي الرجل وغيره أحب إلى منه خشية أن يكبه الله في النار" كما في البخاري.
صفوان ابن أمية فر يوم فتح مكة خوفا من المسلمين بعد أن استنفذ كل جهوده في الصد عن الإسلام والكيد والتآمر لقتل رسول الله _صلى الله عليه وسلم_، فيعطيه الرسول _صلى الله عليه وسلم_ الأمان ويرجع إلى النبي _صلى الله عليه وسلم_ ويطلب منه أن يمهله شهرين للدخول في الإسلام، فقال له رسول الله _صلى الله عليه وسلم_ بل لك تسير أربعة أشهر، وخرج مع رسول الله _صلى الله عليه وسلم_ إلى حنين والطائف كافراً، وبعد حصار الطائف وبينما رسول الله _صلى الله عليه وسلم_ ينظر في الغنائم يرى صفوان يطيل النظر إلى وادٍ قد امتلأ نعماً وشاء ورعاء.
فجعل _عليه الصلاة والسلام_ يرمقه ثم قال له: يعجبك هذا يا أبا وهب؟
قال نعم، قال له النبي _صلى الله عليه وسلم_ هو لك وما فيه.
فقال صفوان عندها :(115/1654)
ما طابت نفس أحد بمثل هذا إلا نفس نبي، أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.
لقد استطاع الحبيب _صلى الله عليه وسلم_ بهذه اللمسات
وبهذا التعامل العجيب أن يصل لهذا القلب بعد أن عرف مفتاحه.
فلماذا هذا الشح والبخل؟ ولماذا هذا الإمساك العجيب عند البعض من الناس؟ حتى كأنه يرى
الفقر بين عينيه كلما هم بالجود والكرم والإنفاق.
الوسيلة التاسعة : إحسان الظن بالآخرين والاعتذار لهم :
فما وجدت طريقا أيسر وأفضل للوصول
إلى القلوب منه، فأحسن الظن بمن حولك وإياك وسوء الظن بهم وأن تجعل عينيك مرصداً لحركاتهم وسكناتهم، فتحلل بعقلك التصرفات ويذهب بك كل مذهب، واسمع لقول
المتنبي:
إذا ساء فعل المرءِ ساءت ظنونه ... ... وصدق ما يعتاده من توهم
عود نفسك على الاعتذار لإخوانك جهدك فقد قال ابن المبارك: ( المؤمن يطلب معاذير إخوانه، والمنافق يطلب عثراتهم ).
الوسيلة العاشرة : أعلن المحبة والمودة للآخرين :
فإذا أحببت أحداً أو كانت له منزلة خاصة في نفسك فأخبره
بذلك فإنه سهم يصيب القلب ويأسر النفس ولذلك قال _صلى الله عليه وسلم_: " إذا أحب أحدكم صاحبه فليأته في منزله فليخبره أنه يحبه " كما في صحيح الجامع، وزاد في
رواية مرسلة ( فإنه أبقى في الألفة وأثبت في المودة)، لكن بشرط أن تكون المحبة لله، وليس لغرض من أغراض الدنيا كالمنصب والمال، والشهرة والوسامة والجمال،
فكل أخوة لغير الله هباء، وهي يوم القيامة عداء (الأخلاء يومئذ بعضهم لبعض عدو إلا المتقين).
والمرء مع من أحب كما قال صلى الله عليه وسلم - يعني
يوم القيامة -، إذا فإعلان المحبة والمودة من أعظم الطرقِ للتأثير على القلوب. فإما مجتمع مليء بالحب والإخاء والائتلاف، أو مجتمع مليء بالفرقة والتناحر
والاختلاف، لذلك حرص _صلى الله عليه وسلم_ على تكوين مجتمع متحاب فآخى بين المهاجرين والأنصار، حتى عرف أن فلانا صاحب فلان، وبلغ ذلك الحب أن يوضع المتآخيين
في قبر واحد بعد استشهادهما في إحدى الغزوات.، بل أكد صلى الله عليه وسلم على وسائل نشر هذه المحبة ومن ذلك قوله _صلوات الله وسلامه عليه_: "لا تدخلوا الجنة حتى تؤمنوا، ولا تؤمنوا حتى تحابوا، أولا أدلكم على شيء إذا فعلتموه تحاببتم؟ أفشوا السلام بينكم" كما في مسلم.
وللأسف، فالمشاعر والعواطف(115/1655)
والأحاسيس الناس منها على طرفي نقيض ، فهناك من يتعامل مع إخوانه بأسلوب جامد جاف مجرد من المشاعر والعواطف، وهناك من يتعامل معهم بأسلوب عاطفي حساس رقيق
ربما وصل لدرجة العشق والإعجاب والتعلق بالأشخاص. والموازنة بين العقل والعاطفة يختلف بحسب الأحوال والأشخاص، وهو مطلب لا يستطيعه كل أحد لكنه فضل الله
يؤتيه من يشاء.
الوسيلة الحادي عشر: المداراة :
فهل تحسن فن المداراة؟ وهل تعرف الفرق بين المداراة والمداهنة؟ روى البخاري في صحيحه من
حديث عائشة _رضي الله تعالى عنها_ ( أن رجلا استأذن على النبي _صلى الله عليه وسلم_، فلما رآه قال: بئس أخو العشيرة، فلما جلس تطلق النبي _صلى الله عليه وسلم_ في
وجهه وانبسط إليه، فلما انطلق الرجل، قالت له عائشة: يا رسول الله، حين رأيت الرجل قلت: كذا وكذا، ثم تطلقت في وجهه وانبسطت إليه، فقال رسول الله _صلى الله عليه وسلم_: يا عائشة متى عهدتني فاحشاً؟ إن شر الناس عند الله منزلة يوم القيامة من تركه الناس لقاء فحشه) قال ابن حجر في الفتح (وهذا الحديث أصل في
المداراة) ونقل قول القرطبي: ( والفرق بين المداراة والمداهنة أن المداراة بذل الدنيا لصلاح الدنيا أو الدين أو هما معا، وهي مباحة وربما استحبت، والمداهنة
ترك الدين لصلاح الدنيا ).
إذن فالمداراة لين الكلام والبشاشة للفساق وأهل الفحش والبذاءة، أولاً اتقاء لفحشهم، وثانيا لعل في مداراتهم كسباً
لهدايتهم بشرط عدم المجاملة في الدين، وإنما في أمور الدنيا فقط، وإلا انتقلت من المداراة إلى المداهنة فهل تحسن فن المداراة بعد ذلك؟ كالتلطف والاعتذار
والبشاشة والثناء على الرجل بما هو فيه لمصلحة شرعية، وقد روي عن النبي _صلى الله عليه وسلم_ أنه قال: " مداراة الناس صدقة" أخرجه الطبراني وابن السني، وقال ابن بطال: " المداراة من أخلاق المؤمنين، وهي خفض الجناح للناس، وترك الإغلاظ لهم في القول، وذلك من أقوى أسباب الألفة".
المصدر : بتصرف من شريط طريقنا للقلوب
ـــــــــــــــــــ
زهور في بستان التربية
عبد الرحمن بن محمد آل عوضة
12/9/1426
ارسل تعليقك ...
لا توجد تعليقات ...
ارسل الصفحة ...
الى مشرف النافذة ...(115/1656)
طباعة ...
1. كن متفائلاً وإيجابياً في نظرتك للحياة, فإن ذلك يزرع في الأبناء التفاؤل والإيجابية.
2. أسرع في التسامح مع أبنائك وإعادة البسمة إليهم.
3. لا تفترض أن أبناءك سوف يتبعون نفس خطاك وطبائعك.
4. حاول أن تضع نظاماً للبيت (مواعيد للنوم والاستيقاظ ... إلخ).
5. ما رأيك لو أن أباك يعاتبك ويلومك دائماً ؟!
6. حاول أن تكون كالنحلة تسقط على الأشياء الحلوة وانظر إلى إيجابيات وسلوكيات أبنائك الطيبة.
7. انشر الأمن والسلام بين أفراد عائلتك وادع لهم في غيابهم وحضورهم.
8. ادع أبناءك بأحب الأسماء والكنى إليهم.
9. تكلم مع أبنائك عن اهتماماتهم مهما كانت, إلا أن تكون حراماً حتى تقترب منهم.
10. مصارحتك أبناءك طريق لمصارحتك بما يدور في خواطرهم وحياتهم, وهذا هام للغاية.
11. شارك أبناءك في أفراحهم وألعابهم وكذلك أحزانهم.
12. إذا ساعدت أبناءك بتهيئة الاستقرار النفسي وتقدير ذواتهم فإنهم سيحققون _بإذن الله_ مجداً عظيماً.
كن متفائلاً وإيجابياً في نظرتك للحياة, فإن ذلك يزرع في الأبناء التفاؤل والإيجابية
13. ازرع في أبناءك العقيدة الصافية والأساس المتين لقيام حياة آمنة مطمئنة طيبة.
14. ازرع في أبنائك ما زرعه لقمان في ابنه كما في سورة لقمان.
15. الجبن لا يؤخر الموت, والإقدام والشجاعة لا يقدمانه قال ابن القيم (السعادة حرام على كل جبان).
16. علاقة الطفل بربه وعلاقته بوالديه تحددان غالباً كيفية استقراره في مرحلة البلوغ.
17. راجع أساليبك في التعامل مع أبنائك, ما تأثيرها الحقيقي ؟ وما الحصيلة التربوية التي تحصل عليها ؟ وهل هذا هو أحسن ما يمكن التوصل إليه ؟
18. العمل بالأخلاق التي جاءت في كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم أروع تربية وجدت في الكون, والأبناء أولى الناس بها.
19. حاول أن تتفق مع أبنائك في حالة الخطأ ماذا يترتب على ذلك ؟ وحاورهم في ذلك وتوصل معهم إلى اتفاقيات يقترحونها, ولا بد من تطبيق الاتفاقيات بحزم ورفق.
20. علم أبناءك كيف يتصرفون, وكيف يميزون الصحيح من السقيم, وكيف يفكرون.
21. لا تحاول إيجاد مبررات لأخطاء أطفالك, بل عودهم أن يتحملوا عواقب أعمالهم.
ـــــــــــــــــــ
تجربة في الخطابة (1/3)
د. لطف الله خوجة(115/1657)
17/8/1426
ارسل تعليقك ...
لا توجد تعليقات ...
ارسل الصفحة ...
الى مشرف النافذة ...
طباعة ...
مضى على انتظامي في الخطابة أربعة عشر عاماً، وهي مدة كافية لتسجيل ما لدي من خبرة في هذه التجربة.
مهما تعلم المرء ودرس كيفية إعداد الخطبة، فلن يكون مثله مثل من نالها عن: خبرة، ومكابدة، ومعالجة طويلة، وليس المعنى غلق باب الاستفادة من السابقين، كلا، لكن الفائدة لا تكمل ولا تحسن، ولا تتعمق إلا بالمكابدة، وحسب المستفيد من تجارب الآخرين أنه تقدم خطوات.
- كيف تعد خطبة؟
سؤال مهم لأمرين:
- الأول: كونه يتعلق بأمر شرعي، فقد أمر الله المؤمنين بإقامة خطبة الجمعة، وأوجبها وفرضها.
- الثاني: كونه يتعلق بعملية لها تأثير كبير في صياغة التوجهات والعقول.
أولاً: مشروعية الخطبة.
شرع الله _سبحانه وتعالى_ للمسلمين عيداً كل أسبوع، يجتمعون فيه للصلاة وسماع الذكر، وهم في أحسن هيئة، متطهرين، متطيبين، خاشعين، كافين أيديهم وألسنتهم، سامعين، منصتين، كما جاء الأمر بذلك في نصوص معروفة، فاستماع الخطبة غاية، فإن الصلاة يجتمع لها كل يوم خمس مرات، لكن الجمعة امتازت بالخطبة، ومن هنا أمر الشارع وحث على حضور الخطبة، ورتب أجور كبيرة على التبكير، فقد روى أبو داود عن بسنده أوس بن أوس الثقفي قال: سمعت رسول الله _صلى الله عليه وسلم_ يقول:
مضى على انتظامي في الخطابة أربعة عشر عاما، وهي فترة كافية لتسجيل ما لدي من خبرة في هذه التجربة.
مهما تعلم المرء ودرس كيفية إعداد الخطبة
"من غسل يوم الجمعة واغتسل، ثم بكر وابتكر، ومشى ولم يركب، ودنا من الإمام فاستمع، ولم يلغ، كان له بكل خطوة عمل سنة، أجر صيامها وقيامها" [في الطهارة، باب: الغسل يوم الجمعة]
وحرم من تأخر، فأتى بعد الشروع في الخطبة، من أن يكتب في صحيفة المسارعين.
فإذا تأملنا حرص الشارع على: تهيئة الناس، وإعدادهم لسماع الخطبة. أدركنا أهمية العناية بأمرها، وإتقانها، وأدائها على أحسن وجه ممكن، فقوم جاؤوا متطهرين، متطيبين، خاشعين، في أدب وإنصات، لا يتحقق مثله في غير هذا الموطن، من حقهم أن يحترموا، ويقدروا، ولا يتحقق تقديرهم إلا بإسماعهم المفيد الجيد الحسن من الذكر والعلم. فقد أتوا طائعين، ولو شاءوا لكانوا من المتأخرين، فليس من المروءة والكرم(115/1658)
مقابلتهم بكلام غير مفيد، أو كلام ممل، غير مرتب، لم يبذل فيه مجهود، وربما كتب قبل الجمعة بساعة!!..، فما أمر الله _تعالى_ به يجب أن يتقن، فهو من القربات، وإتقان القربات يزيد في الحسنات.
ثانياً: أثر الخطبة في تقويم الناس.
أستطيع أن أقول وبثقة: إن المنابر هي المؤثر الأول في توجيه الناس.
ربما كان هناك من يرى وسائل الإعلام أشد أثرا، وأنا أوافقه على ذلك، بقيد:
- ما إذا كان ما يعرض فيها من جنس ما يطرح في المنابر.
نعم حينذاك يكون لوسائل الإعلام أثرا كأثر المنابر، لكن إذا كان المعروض في وسائل الإعلام فاسد الفكر والخلق، فلا، بل الغلبة للمنابر بلا ريب، وذلك: أن كل باطل فمصيره إلى الزوال، ولا بد، ولا يبقى إلا الحق، قال _تعالى_:
- "فأما الزبد فيذهب جفاء، وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض".
- "قل إن ربي يقذف بالحق علام الغيوب * قل جاء الحق وما يبدئ الباطل وما يعيد".
- "بل نقذف بالحق على الباطل فيدمغه فإذا هو زاهق".
فالمنابر ليس فيها إلا الحق والإيمان، وهو الباقي، وأما غيرها فما فيها من باطل فلن يبقى، ولو اتبعه الناس فإلى حين.
أما ترى الناس إذا أرادوا الخير والنجاح والنجاة لأنفسهم، في: تفريج كربة، أو جواب سؤال، أو حل مشكلة. توجهوا إلى المساجد، وتركوا وسائل الإعلام وما فيها، إذا كان باطلاً، وراءهم ظهرياً؟
إن الأثر الكبير للمنبر ينبع من: كون ما يلقى فيه، ويتلى عليه، إنما هو كلام الله _تعالى_، وحديث رسوله _صلى الله عليه وسلم_، أو كلام يدور حول ذلك.
فهذا حال الناس، يبحثون عن اللهو واللعب في وسائل الإعلام، أما الجد والانطلاقة الصحيحة والإيمان، فإنهم إنما يبحثون عنها في بيوت الله _تعالى_، حيث: المحاريب، والمنابر، وكراسي العلم. وهذه حقيقة ساطعة يجب أن نلتفت إليها لندرك حقيقة: أثر المنبر. فإنه المؤثر الأشد على قلوب الناس.
ولا أدل على هذه الحقيقة من: نجاح هذه المنابر في توعية الناس، واستنقاذ قطاع عريض منهم، من فساد كثير من وسائل الإعلام، حتى باتت مصدر قلق لكل من يعادي الإسلام، ولقد تمنى كبار النصارى أن يكون لهم منبر يجتمع الناس إليه كل أسبوع، كما للمسلمين.
إن الأثر الكبير للمنبر ينبع من: كون ما يلقى فيه، ويتلى عليه، إنما هو كلام الله _تعالى_، وحديث رسوله _صلى الله عليه وسلم_، أو كلام يدور حول ذلك.
ومعلوم أن خطاب الشارع يلمس الفطر مباشرة بلا واسطة، ومن دون حجاب، ويخاطب العقل بحجة واضحة، فإذا كان الكلام يمس الفطر مباشرة، ويحج العقل بأدلته، فلا ريب أنه سيكون المؤثر الأقوى على النفوس، وهذا سر تأثير الخطب أكثر من غيرها:
- إن فيها الصدق، وليس فيها الكذب.
- فيها الأمانة، وليس فيها خيانة.(115/1659)
- فيها حرارة الإيمان، وليس برودة الكفر.
- فيها المحبة، وليس فيها الكراهية.
- فيها الإرشاد إلى الخير، والتحذير والتبصير بحقيقة الشر.
- فيها الفضيلة، وليس فيها رذيلة.
- وكل ذلك يخترق الآذان، ويصل القلوب، ويخاطب النفوس بحساسية وشفافية.
ها قد عرفنا طرفاً من أهمية الخطبة، من حيث الشرع، ومن حيث أثرها، فإذا بان ذلك، فإن السؤال السابق يعود مرة أخرى ليطلب جوابه: كيف تعد خطبة؟
نعم كيف تعد خطبة؟
- طريقة إعداد الخطبة.
أول ما يتبادر إلى الذهن عند طرح هذا السؤال: الطريقة التقليدية السائدة، وهي:
- تحديد الموضوع المراد، ثم حصر أدلته من الكتاب، ثم من السنة، ثم تتبع أقوال أهل العلم، ثم ترتيبه على هذا النحو، ثم بيان حقيقته، وصوره، وأهميته، وفوائد الامتثال لما جاء فيه، وسلبيات إهماله، مع مقدمة وخاتمة.
لو ضربنا مثلاً بموضوع الربا، فإن الطريقة المتبعة في الإعداد هي: إيراد أدلة تحريم الربا من القرآن، ثم من السنة، ثم أقوال أهل العلم، ثم بيان حقيقته وصوره، ثم الحكمة من تحريمه، وفائدة اجتنابه، وخطر التعامل به.
وهكذا في كل موضوع.. قد تختلف بعض النقاط، وقد تزيد وقد تنقص، ويقدم هذا ويؤخر هذا، بحسب الموضوع، لكن البنية الأساسية في جميعها واحد.
ووصف هذه الطريقة أنها تقليدية لا يعني بالضرورة ضعفها أو عدم جدواها، كلا، فقد تكون مفيدة، وقد لا يتيسر غيرها، وقد تكون في غاية التأثير، وذلك بحسب جودة الإعداد، ودقة العبارة، وحسن العرض، لكن هي على كل حال: طريقة منطقية، تقليدية، وترتيب سائد معروف عند أهل العلم وغيرهم. وهي أحسن الطرق في استيفاء نقاط الموضوع، وإعطاء كل نقطة حقها من الكلام والعرض. لكن:
- هل الخطبة مختصة بهذه الطريقة ضرورة؟.. وهل يجب أن يكون ما يطرح فيها مستوفى النقاط غير ناقص؟.
الجواب: يبدو أن ذلك ليس واجباً. وليست الخطبة مختصة بتلك الطريقة، بل هي طريقة من الطرق، ومن الجائز اتخاذ طرق أخرى غيرها، ما دامت خالية من أي محذور شرعي، والعلة في ذلك:
أن الخطبة لا يشترط فيها أن تكون درساً علمياً، يجب فيه الشرح والتفصيل والاستيفاء، بل قد تكون موعظة وتذكرة لا يشترط فيها إلا صحة الكلمة، وتحريك القلوب، لا يلزم فيها الاستيفاء والشرح، كما هو معلوم، فبالكلمة الواحدة والجملة والجملتين، قد تتحقق الموعظة ذات الأثر البالغ، ويحصل المقصود، وهذا مجرب معروف، وقد كان النبي _صلى الله عليه وسلم_ يعظ في خطبه، كما كان يعلم، في كلمات معدودة، قصيرة لا تتجاوز بضعة دقائق، لكنها مؤثرة، محركة للقلوب، مقومة للسلوك، يلقيها النبي _صلى الله عليه وسلم_ بصوت مسموع مرتفع، يشتد، وتحمر عيناه، كأنه منذر جيش، يقول: (صبحكم، ومساكم). [مسلم، الجمعة، باب: تخفيف الصلاة](115/1660)
فنحن الآن بين نوعين من الخطب: الخطب العلمية، والخطب الوعظية.
وكلاهما مهم، والناس بحاجة إليهما، الخطب العلمية لها طريقتها الموصوفة بالتقليدية _كما بينا آنفاً_ والوعظية لا يشترط فيها ما يشترط في العلمية..
في الحلقة الأولى ذكرنا أهمية العناية بأمر الخطبة، وكيف أن المنابر هي المؤثر الأول في توجيه الناس، وعرفنا أهمية الخطبة من مبدأ الشرع
وبكلا النوعين كان النبي _صلى الله عليه وسلم_ يخطب، وكانت خطبه تمتاز بالقصر، والكلمة الجامعة، ولم يكن يحرص على استيفاء نقاط ما يريد الكلام فيه، ولا اتباع طريقة الشرح والتحليل، بل كلمات معدودة جامعة.
إذن، إذا كان النبي _صلى الله عليه وسلم_ لم يتبع في خطبه طريقة الاستيفاء والشرح المفصل، فهذا دليل على عدم اشتراط تلك الطريقة، وهذا هو المطلوب.
لكن ههنا سؤال وهو:
- أليست تلك الخطب التقليدية خلاف هدي النبي _صلى الله عليه وسلم_ في خطبه؟
- وأليس من السنة قصر الخطبة، وقد قال _عليه الصلاة والسلام_: "قصر خطبة الرجل، وطول صلاته مئنة من فقهه" [رواه مسلم، في الجمعة، باب: تخفيف الصلاة والخطبة]، ومعنى مئنة: أي دالة على فقهه؟
فالجواب:
أولاً: قصر الخطبة من المستحبات، بمعنى أن التطويل ليس محرماً، وقد خطب النبي _صلى الله عليه وسلم_ بسورة ق.
ثانياً: المقصود بالخطبة هو الذكر والموعظة والتعليم، فإن حصل ذلك بخطبة قصيرة، وبكلمات معدودة، جامعة، يفهمها الناس، فهو الأولى والأحرى والأفضل، لموافقة الهدي النبوي، لكن:
ماذا لو أن الخطيب لا يملك الفصاحة والبلاغة، والقدرة على حصر المعاني واختصار ألفاظها؟
وماذا لو أن أذواق الناس وأفهامهم قد فسدت وتعطلت، حتى ما عادوا يفهمون إلا بالشرح والتبسيط؟..
يبدو أنه حينئذ لا مناص من الشرح والتفصيل والتبسيط، حيث إن المقصود من الخطبة هو حصول الموعظة والعلم، فإن كانت لا تحصل إلا بهذه الطريقة، فما حيلة المضطر إلا ركوبها، وعندئذ لا يبدو أن المطيل في خطبته، بالمقارنة بخطب النبي _صلى الله عليه وسلم_، مخالفاً للهدي النبوي، وذلك لأن الغاية والمقصود لا يتحقق إلا بها، وقد كانت الوسيلة في عهد النبوة الاختصار والقصر، لكون الناس على فهم صحيح، وخطيبهم أوتي جوامع الكلم، أما وقد تغير ذلك، فامتنع حصول المقصود من الخطبة إلا بالشرح والتفصيل، فلا أظن من الصواب تخطئة هذه الطريقة، خاصة إذا عرفنا أنه صلى الله عليه وسلم كان يخطب بسورة ق، والخطبة بها فيها شيء من الطول.
وتسويغ تطويل الخطبة عن الحد النبوي لا يعني التوسع في ذلك، بل ينبغي على الخطيب أن يجتهد في الاختصار قدر ما يمكنه، ويتخلص من داء التكرار المزعج، والشرح الممل حتى لما هو واضح.(115/1661)
ذلك من حيث قصر الخطبة وطولها، أما من حيث طريقتها، فإن الطريقة النبوية تقوم على طرح جزء من الموضوع والقضية المراد الحديث عنها، دون تقصٍ أو استيفاء، وهذا بخلاف الطريقة التقليدية القائمة على التقصي والاستيفاء.
- فهل هذه الطريقة كذلك تعد مخالفة للسنة؟.
الجواب أن يقال: الشارع لم يأمر باتخاذ طريقة معينة في إعداد الخطبة، لم يأمر بطريقة الاستيفاء، وكذا لم ينه عنه، ولم يأمر بطريقة طرح جزء من الموضوع، هو الأهم والمناسب للمقام والحال، ولم ينه عنه، بل أمر بإقامة الخطبة، وترك تحديد الطريقة، بحسب حال الخطيب، وحال السامعين، وقد كانت خطب النبي _صلى الله عليه وسلم_ قصيرة، ومن ثم لم يكن من الممكن بحال استيفاء الموضوع، وقد عرفنا أنه أوتي جوامع الكلم، والسامعون على قدر كبير من الفهم والإيمان والعلم، لكن الحال اليوم مختلف، الناس في قلة من العلم والإيمان، والناس محتاجون إلى معرفة كل ما يتعلق بالموضوع المطروح، لجهالتهم بكثير من أساسيات الدين، والمنبر كما أنه للوعظ كذلك هو للتعليم، فما الذي يمنع حينئذ من اتخاذ طريقة الاستيفاء؟
يبدو أنه لا مانع، خاصة وأنه ليس ثمة دليل يمنع من ذلك، غاية الأمر أن النبي _صلى الله عليه وسلم_ لم يفعله، لظروف الحال في زمانه، حيث السلامة في الفهم والعلم والإيمان، فكان يكفيهم أن يذكرهم بأهم جزء في الموضوع بحسب المقام، لكن الناس اليوم بحاجة إلى طريقة الاستيفاء، كي يتعلموا ويتفقهوا، وبحاجة كذلك إلى طريقة العرض الجزئي لكيلا يملوا، فنحن إذن بحاجة إلى الطريقتين: طريقة الاستيفاء للتعلم، وطريقة العرض الجزئي للتذكرة ولفت الانتباه.
إذن الأمر واسع، وليس من السنة التضييق في شيء وسعه الله على العباد، ولم يأمر فيه بشيء.
قد عرفنا بما سبق أن الإعداد إما أن يكون بطريقة الاستيفاء، وإما بطريقة العرض الجزئي، وكل ذلك باعتبار أن الخطبة ذات موضوع واحد، لكن كيف لو كانت الخطبة أكثر من موضوع؟..
ذلك جائز وممكن، ولا يمكن فيها توفية كل موضوع حقه، ولا نستطيع أن نفاضل بين الخطبة ذات الموضوع الواحد وذات الموضوعات المتعددة، فنحن نحتاج إلى النوعين جميعاً، بحسب الأحوال والمقتضيات، فمرة قد يكون هذا أفضل، ومرة الآخر.
قصر الخطبة من المستحبات، بمعنى أن التطويل ليس محرما، وقد خطب النبي _صلى الله عليه وسلم_ بسورة ق
هذه الطريقة طريقة الإعداد: الاستيفاء، أو العرض جزئي. يحسن أن نسميها الطريقة العامة، وذلك لنفسح المجال لبيان الطريقة الخاصة للإعداد، وهي التي تصور شروط وأدوات إعداد الخطبة، كيف تكون؟
وأهم نقطة فيها هو:
- أن نفهم أن الإعداد الصحيح الجيد المؤثر المثمر، لا بد له من دافع يدفع إليه، ويغري به، ويعين عليه، بدونه تفقد الخطبة أثرها وتأثيرها، وتكون جسدا بلا روح.
هذا الدافع يقوم على فكرة: المعاناة.(115/1662)
ويفسرها المثل القائل: "ليست النائحة الثكلى كالنائحة المستأجرة". [مجمع الأمثال لأحمد الميداني النيسابوري 2/200، المستطرف في كل فن مستظرف 69]
وأداتها: الملاحظة، والتأمل بعمق وتحليل، في الأخبار والحوادث والأحوال التي تمر بالخطيب، في كل مكان.
وشرح هذه الفكرة ما يلي:
إن الغرض من الخطبة هو: التأثير في القلوب والعقول، فمقصودها تحريك العاطفة وإعمال العقل.
والخطيب لا يمكن له أن ينجح في ذلك، ما لم ينفعل قبل بالأمر الذي يريد الحديث عنه.. لذا كان من الواجب عليه ألا يخطب إلا في أمر يشغل: قلبه، وعقله، ونفسه. حتى إنه ليتمثله في كل شيء يمر به، فيكون حديث نفسه، ونطق لسانه، فإذا كان ذلك فقد وضع قدمه على الطريق، وسهل عليه ما بعده.
قد يكون الخطيب مجيدا في اختيار الموضوع واستيفاء عناصره، لكن قد لا يكون لكلامه الأثر ما لم يعان موضوعه، ويعيش همومه وأحداثه، حتى ليمتنع لأجله من التمتع بالمباحات، لاشتغال الخاطر والذهن.
- لم كانت خطب النبي _صلى الله عليه وسلم_ ذات تأثير فريد على القلوب والعقل؟
لأنه كان على يقين بما يقول، وعلى قناعة تامة بالدعوة التي عليها، وهمّ دائم لتحقيق هدف معين.
والإنسان إذا كان راسخ الإيمان بفكرة وعقيدة ما، فكل ما يصدر منه من كلام يشرح فيه فكرته وعقيدته، سيحمل معه سلطانه على القلوب، فيطرق أبوابها. لا، بل هي مفتحة تدخلها الكلمات بلا استئذان.
إن كلمات الواثق تزلزل قلوب الغافلين..
فليست العبرة بتنميق العبارات، إنما العبرة بالصدق والثقة، وذلك لا يكون إلا من قلب جرحته الحقائق، حتى تركت أثرها فيه مدى الدهر..
إن الجرح الغائر إذا كان في البدن لم يمكن إخفاؤه، فإن قدر على ستره، لم يقدر على كتم ألمه، فيبدو في وجهه وفي عينيه.. وكذلك القلب إذا جرح لم يمكن التكتم على ما فيه، ويستوي في هذا العامي والعالم، فهي ميزة تميز بها الإنسان خاصة، دون النظر إلى موقعه، ومنزلته، وشأنه..
ويستوي في أصله المجروح بحقائق الدنيا والمجروح بحقائق الآخرة، إنما يتميز المجروح بحقائق الآخرة بشرف ما جرح به، كالفرق بين من قاتل للمغنم، ومن قاتل لتكون كلمة الله هي العليا، فكلاهما مسّه القرح، لكن فاز المخلص لله بالثواب، فلم يذهب ألمه سدى، بخلاف المبتغي للدنيا، فلا دنيا نالها، ولا آخرة حصل ثوابها، والخطيب بمنزلة من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا، وليس بمنزلة من قاتل للمغنم، فهو أولى بالمعاناة، لشرف ما يحمل، ولأنه يعلم من الحقائق ما لا يعلمه غيره من عامة الناس، روى الترمذي بسنده عن أبي ذر قال: قال رسول الله _صلى الله عليه وسلم_: "إني أرى ما لا ترون، وأسمع ما لا تسمعون، أطت السماء وحق لها أن تئط، ما فيها موضع أربع أصابع، إلا وملك واضع جبهته، ساجدا لله، والله لو تعلمون ما أعلم، لضحكتم قليلاً، ولبكيتم كثيراً، وما تلذذتم بالنساء على الفرش، ولخرجتم إلى(115/1663)
الصعدات، تجأرون إلى الله، لوددت أني كنت شجرة". [في الزهد، باب: لو تعلمون ما أعلم]
عرضنا في الحلقة السابقة أنواع الخطبة، وكيفية التعاطي من الخطبة التقليدية، والإيجاز والاستيفاء فيها، وعرّجنا على أدوات التأثير في الخطبة، وتوجهها للعقول والقلوب وكلمات الواثق في الخطبة، ونتابع في هذه الحلقة الأخيرة ما بدأناه عن تأثر النبي _صلى الله عليه وسلم_ وصدقه وإيمانه فيما يقول ويخطب.
إذ كان النبي _صلى الله عليه وسلم_ يحمل هذا النوع من المعاناة، فقد تركت أثرها فيه، فبدت في كلماته، وحركاته، يقول الله _تعالى_ يصف حاله مع المعاناة الإصلاحية:
"قد نعلم إنه ليحزنك الذي يقولون فإنهم لا يكذبونك ولكن الظالمين بآيات الله يجحدون* ولقد كذبت رسل من قبلك فصبروا على ما كذبوا حتى أتاهم نصرنا ولا مبدل لكلمات الله ولقد جاءك من نبأ المرسلين* وإن كان كبر عليك إعراضهم فإن استطعت أن تبتغي نفقاً في الأرض أو سلماً في السماء فتأتيهم بآية ولو شاء الله لجمعهم على الهدى فلا تكونن من الجاهلين* إنما يستجيب الذين يسمعون والموتى يبعثهم الله ثم إليه يرجعون".
ليست النائحة الثكلى، كالنائحة المستأجرة، وليس الخطيب الثكلان، كالخطيب المستأجر..
فمن أراد لكلماته الأثر في قلوب الناس، فليكن في كل ما يتكلم به:
- كالنائحة الثكلى..
- واليتيم الذي فقد أبويه..
- والمظلوم المهضوم..
- والمريض المتألم.
عرضنا في الحلقة السابقة أنواع الخطبة، وكيفية التعاطي من الخطبة التقليدية، والإيجاز والاستيفاء فيها، وعرّجنا على أدوات التأثير في الخطبة، وتوجهها للعقول والقلوب وكلمات الواثق في الخطبة، ونتابع في هذه الحلقة الأخيرة ما بدأناه عن تأثر النبي _صلى الله عليه وسلم_ وصدقه وإيمانه فيما يقول ويخطب
كل هؤلاء يشكون بمرارة، ويصفون حالهم بحرارة، حتى يغرق السامع معهم، فيعيش مأساتهم بنفسه، ويراها رأي العين، فكذلك يراد من الخطيب أن يكون، حتى يعيش الناس كلماته وموضوعاته، كأنهم يرونها رأي العين.
- قد يقول القائل: علمنا أهمية المعاناة لنجاح الخطبة، فكيف نولدها في نفوسنا؟
وهذا سؤال مهم، وجوابه: مختصر، ومفصل:
فأما المختصر فيقال فيه: إن الهم والمعاناة في القلب يتولد من اليقين بأمرين:
- الأول: اليقين بأمر الآخرة، من الموت، وما يتبعه من أهوال القيامة، والنعيم للمتقين، والجحيم للمجرمين.
- الثاني: اليقين بأمر الدعوة، بالعمل على استنقاذ الناس من عذاب الآخرة، شفقة، ورحمة، وخوفا عليهم.(115/1664)
فإذا تمكنا من القلب حضر الهم، وتحرك القلب، فنطق اللسان، وكتب القلم، وحصل الأثر.
وأما الجواب المفصل، فيقال فيه:
لا يخلو الإنسان من الهموم، والهم همان: هم الدنيا، وهم الآخرة. فمن سلم من أحدهما لم يسلم من الآخرة، والغافل من كانت همه الدنيا، أما العاقل فهو من كانت همه الآخرة، فالإنسان بين هذين الهمين ولا ثالث.
فإذا ثبت حصول الهم ولزومه للإنسان كان من العقل والحكمة أن يكون للآخرة، إذ هو المطلوب وصاحبه محمود مثاب، روى الإمام أحمد وابن ماجة بسنده عن النبي _صلى الله عليه وسلم_ قال:
"من كانت همه الآخرة، جمع الله شمله، وجعل غناه في قلبه، وأتته الدنيا وهي راغمة، ومن كانت همه الدنيا، فرق الله عليه أمره، وجعل فقره بين عينيه، ولم يأته من الدنيا إلا ما كتب الله له".
وعن همّ الآخرة يتولد ويتفرع هم الدعوة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وإصلاح الناس، إذ من شغلته آخرته بالرغبة في الجنة والرهبة من النار، وتعلم من دينه محبة الخير، وجد ميلاً إلى وصية الناس ونصحهم، حيث إن يقينه بالآخرة يشخصه في صورة النذير العريان، وفي صورة منذر الجيش، يقول: (صبحكم، ومساكم).
وحتماً لا بد أن يجد من يهمل وصيته، ومن يعرض عنه، ومن يجادله، ومن يعاديه، بجهل، وهذا حال البشر، لكن عنه يتولد ألم وهمّ في القلب، كالألم والهمّ يكون في قلب الأب من ضلال ولده وغوايته، فإذا صار كذلك، تكبد القلب المعاناة والحرقة، فحصل الأثر.
إذن، لمن أراد التأثير في الآخرين فعليه: أن يحمل هم دينه وآخرته، ويحمل كذلك تبعاً هم إصلاح الناس وإرشادهم، فإذا حصل له ذلك، تفقت له آفاق الكلمة، واقتدر على الإبداع بلا تكلف، فحصل التأثير المطلوب.
ذلك هو لب الموضوع، وأسّ الفكرة، ثم ما بعده إنما هي توجيهات يستكمل بها الموضوع، فمن ذلك:
1- دوام القراءة في القرآن، فإنه ينير القلب، ويزكي النفس، ويخرج الكلمات تحمل النور والزكاء.
2- متابعة أحوال المسلمين في العالم، ودوام الاطلاع على ما يستجد من الحوادث والأخبار، فهذه العناية لها أثر حسن على إعداد الخطبة، فمن المهم أن يكون الخطيب في دائرة الحدث ... ومثله معرفته لأحوال المجتمع والحي الذي يقطن فيه، ومد الصلات بينه وبين السكان، والتعرف على مشكلاتهم، فإن هذا التعايش له أثر كبير في حسن إعداد الخطبة، خاصة إذا كانت تتعلق بمشكلة تتعلق بالحي، فليس الخبر كالمعاينة، ومن يتغلغل في أوساط الناس، فحديثه عنهم ليس كحديث المنعزل.
3- القراءة في تراجم الصالحين، من أنبياء وصحابة وتابعين ومن تبعهم بإحسان، فإن لها أثر كبير في خشوع النفس ورقة القلب وزيادة الإيمان، وهي قوت الأفكار والمعاني المؤثرة في القلوب.(115/1665)
4- ملك الخطيب أدوات الخطابة، من لغة سليمة، وعلم أصيل، فسلامة اللغة وصدق المعلومة أصل في إعداد الخطب، فاللغة السليمة لها جرس في الآذان، والمعلومة الصادقة تستقر في النفوس، وتزرع الثقة في القلوب.
5- القراءة في كتب الأدب القديمة والحديثة، القديمة، مثل: عيون الأخبار، وأدب الكاتب لابن قتيبة الدينوري، والبيان والتبيين للجاحظ، والعقد الفريد لابن عبد ربه، والأغاني لأبي الفرج الأصفهاني، والأمالي لأبي علي القالي، ومؤلفات الأدباء المعاصرين، كالرافعي والمنفلوطي والطنطاوي، وكذا الدعاة البارزين الذين لهم كلمات عميقة المعنى في باب الدعوة مثل: الأستاذ سيد قطب، والأستاذ محمد قطب، والشيخ محمد الغزالي، وغيرهم.
6- اجتناب الكتب الصعبة في ألفاظها وأسلوبها، فإن تعابير الإنسان بنات قراءاته، فإذا كانت قراءته في الكتب السهلة في أسلوبها، البليغة في عباراتها، كانت تعابيره كذلك، وإذا كانت قراءاته في الكتب الصعبة في أسلوبها، الغامضة في عباراتها، كانت تعابيره كذلك، والواجب أن تكون الخطبة سهلة العبارة، مفهومة قريبة المعنى.
7- أن تكون فكرة الخطبة واضحة كالنهار، وكذا التعبير عنها.
8- عرض الخطبة قبل إلقائها على المختصين للتأكد من سلامتها وسهولتها.
9- مراعاة التسلسل المنطقي للفكرة المطروحة، وميزانه: ألا تنفذ فكرة إلى أخرى إلا بوساطة وجسر صحيح، ومن الخطأ القفز من فكرة إلى فكرة بدون تلك الوساطة، فإن ذلك مما يغمض الكلام، ويبهم المعنى.
10- عدم التكرار في الأفكار، فإن كان ولا بد فمرتان، وضبط الجمل والبحث عن أخصر التعابير، والبعد عن الشرح الممل الطويل.
11- الخطبة تتألف من مقدمة وموضوع وخاتمة، وللمقدمة أهمية كبرى، وكذا الخاتمة، إذ هي المفتاح للدخول إلى الموضوع، فإذا أحسن كان الموضوع محل عناية الحاضرين واهتمامهم، وهنا نحن بحاجة إلى الإثارة الإعلامية، التي تجذب السامع، وطرق الجذب متعددة، مثل البدء بقصة، أو سؤال، أو التقاط أهم جملة في الموضوع والبدء به، وربما يكون بآية أو حديث أو قول لعالم، كل ذلك بحسب الأحوال، وعلى الخطيب أن يحسن اختيار مادة البدء.. وكذا الخاتمة، فإنها مهمة، ولعله من المناسب أن تكون بإعادة ذكر أهم جملة أو فكرة في الموضوع، أو بذكر ملخص شديد لما ورد في الخطبة، يستخدم فيها الحكم والأمثال أو الجمل عميقة المعنى.
وللخطبة بعد كتابتها كتابة أولية عدة مراجعات:
- فمراجعة أولى: ينظر في: جملها، وعباراتها، وصياغتها، فيعدل ويصلح ويحذف إن شاء، فهي لإعادة النظر في الصياغة.. وهي مراجعة لازمة، لكل كاتب.
- ومراجعة ثانية: يكون فيها التصحيح الإملائي والنحوي، وينصح الخطيب بالتشكيل، كي يجتنب نسيان القاعدة النحوية، ومن ثم اللحن.
- ومراجعة ثالثة: لوضع الفواصل والنقاط، ولمعرفة الوقفات، وعلامات الاستفهام والتعجب، وهذا الإعداد مهم في تيسير فهم الخطبة، فالإلقاء لا بد أن يكون محكوما بهذه القواعد، ليحصل بها الغرض، من: فهم الكلام، واستيعابه، وتصوره، ومن الخطأ إلقاء الخطب بدونها.(115/1666)
- ومراجعة رابعة: يعد فيها الخطيب نفسه ويدربها على طريقة الإلقاء، يلقي الخطبة عدة مرات، والأفضل أن يحفظها، ويتدرب على إلقائها مرتجلاً، ليس لأنه يلزم أن يلقيها من على المنبر كذلك، كلا، بل ليكون مدركا لما يأتي من الجمل التي يقرأها، فيفهم ما يقول قبل أن يقول، فذلك أدعى للتفاعل مع الخطبة.
تلك هي طائفة من الوصايا لإنتاج خطبة ناجحة، ولا أزعم أني أحطت بالموضوع، ولم يكن ذلك همي، وإنما همي فتح الطريق أمام راغب في: تعلم كيفية إعداد خطبة ناجحة.. والله الموفق.
ـــــــــــــــــــ
5 بطاقات للعام الدراسي الجديد
نيرة بنت محمد عبد العليم خان
10/8/1426
ارسل تعليقك ...
لا توجد تعليقات ...
ارسل الصفحة ...
الى مشرف النافذة ...
طباعة ...
أيها الأب وأيتها الأم مع بداية العام الدراسي هل تشعران بقلق..؟
جربا هذه الوصفة مرة واحدة وستجدان الفرق..!!
دعونا نعيش لحظات العام الدراسي الجديد سوياً..
ونضع طوب البناء من جديد..
كلما مرت الأيام يجب أن تتجدد معها العزيمة..
وتتجدد الهمة...
ويتجدد الأمل..
علينا ألا نبني الجديد بناء على تصوراتنا للقديم...
إن كنتما قد وفقتما _بفضل الله_ في أمور كثيرة في الماضي.. عليكما أن تفكرا في تقدم أكثر في الحاضر والمستقبل _بإذن الله_
وإن كنتما قد عشتما لحظات القلق في العام السابق...عليكما أن تجددا كل شيء في حياة الأبناء.
لكن لا يتبادر إلى ذهنكما تجديد الأدوات المدرسية بالدرجة الأولى.. فذلك آخر ما يجب أن تفكرا فيه، ولكنني أقصد كل ما يتعلق بالعلم والتعلم من مفاهيم..
ما رأيكما أن تقدما لأبنائكما خمس بطاقات مع بداية هذا العام... ولكن عليكما أن تفهما جيداً ما تحتويه هذه البطاقات قبل أن تقدماها..
أيها الأب وأيتها الأم مع بداية العام الدراسي هل تشعران بقلق..؟ جربا هذه الوصفة مرة واحدة وستجدان الفرق
البطاقة الأولى:
قول النبي –صلى الله عليه وسلم-:(115/1667)
"من سلك طريقاً يطلب فيه علماً سلك الله له طريقاً إلى الجنة،وإن الملائكة لتضع أجنحتها رضاء لطالب العلم".
لتكن من أوائل الكلمات التي يجب أن تقرع آذانهم، ليتحول ذهابهم إلى المدرسة نعمة يشعرون بلذتها،كما تمنى الشافعي أن يكون لكل أعضائه أسماعاً ليتنعم بسماع العلم كما تنعمت الأذنان.
وبذلك تتغلبان على مشكلة كبيرة نعاني منها وهي شكوى الأبناء من الطفش والملل من الدراسة، فمن منا لا يريد الجنة، ومن منا لا يسعد بالملائكة وهو يشعر بأجنحتها وهي تحفهم.
نعم أيها الأب وأيتها الأم..لا بد من حوار مع الأبناء تشعران أبناءكما به أهمية العلم والتعلم، وضرورة العلم والتعلم،وفضل العلم والتعلم..عندها فقط تتجدد مفاهيم العلم في الذهن فيبدأ الأبناء عاماً جديداً يترقبون فيه بداية طيبة لنهاية طيبة..أي أنكما تضعان هدفاً لكل خطوة يخطوها أبناءكما في سبيل العلم.. بل تجعلانهم يضعون هدفاً... حتى لتفصيل ملابسهم المدرسية..لئلا يتوهوا في أهداف واهية..
أما البطاقة الثانية:
فهي قصص السلف الصالح..
فهاهو ذا عمر بن الخطاب-رضي الله عنه- كان يتناوب النزول إلى رسول الله _صلى الله عله وسلم_ مع جار له من الأنصار فإذا نزل الجار جاءه بخبر ذلك اليوم من الوحي وغيره، وإذا نزل هو جاءه بالخبر.
وهذا أبو أيوب الأنصاري-رضي الله عنه- رحل من المدينة إلى مصر ليروي عن عقبة بن عامر _رضي الله عنه_ حديثا واحدا، فسمع منه الحديث وقفل إلى المدينة راجعاً.
وهذا البخاري كان يستيقظ في الليلة الواحدة أكثر من عشرين مرة كلما خطر بباله فائدة.
وبذلك نغرس أهمية العلم، و نتغلب على مشكلة كثيراً ما نعانيها وهي الشكوى من الصعوبات في حل الواجبات أو الاستيقاظ المبكر أو الوقوف في الشمس انتظار المواصلات.
فتتولد فيهم الهمة والعزيمة، و الجدية والحزم..
فبدلاً من أن تركزا على المظاهر بأشكالها المختلفة في ميدان العلم، ركزا على الجوهر، واجعلاهم يستشعرون بأهمية العلم كل يوم من ساعة استيقاظهم إلى منامهم، وبدلاً من أن تستجيبا لكل الطلبات علما أولادكم الحفاظ على الدفاتر والكتاب والمقتنيات الأخرى.
البطاقة الثالثة:
قوله –صلى الله عليه وسلم-: "إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملاً أن يتقنه ".
فالسرعة والدقة من الأمور المهمة لنجاح عملية العلم والتعلم، فبدلاً من أن ترددا: الوقت لا يكفي لحل الواجب واستذكار الدروس،أو تردداً :"والله ضاغطينهم في المدرسة ".
علما أولادكم إنتاج الكثير في الوقت القليل، وعلماهم الدقة والإتقان في العمل.(115/1668)
فها هو الحافظ ابن حجر قرأ صحيح البخاري في أربعين ساعة، وقرأ صحيح مسلم في أربع مجالس.. لا تتعجبا ولا تستكثرا... بالله عليكما قولا في اليوم الواحد كم مرة يأكل أولادكم وكم وجبة أو صنف من الطعام يأكلون..؟
وكم برنامجاً من البرامج يشاهدون في الوقت الواحد..؟
عندما تقارنان هذا بذلك... عليكما ألا تستكثرا"الكثير من العلم في الوقت القليل".
البطاقة الرابعة:
قوله – صلى الله عليه وسلم- " ليس منا من لم يوقر كبيرنا...."
احترام العلم والمعلم، واحترام الكتاب، واحترام النظام والمواعيد من أسس النجاح والرقي التي يجب أن تهتما بها، فبدلاً من أن تقولا لأبنائكما ضد المعلم/المعلمة والمدرسة، اغرسا احترام المعلم،يمكنكما أن تتحدثا مع المعلم/المعلمة بعيداً عن أبنائكما لكن من الخطأ أن تكلماه أمام أبنائكما.
فكثير من أبنائنا وبناتنا لا يحترمون المعلم/المعلمة،أو لا يحترمون الكتاب فيمزقونه ويضعونه بين الأقدام ويرفسونه...
أو لا يحتمون المواعيد
والحصص والأنظمة..
وفي كثير من الأحيان نكون سنداً لهم في مبادئهم الخاطئة..
لكن اعلما...أن الاحترام ضروري جداً للرقي..
البطاقة الخامسة:
" اللهم إني أسألك علماً نافعاً ورزقاً واسعاً وعملاً صالحاً متقبلا ".
و"اللهم إني أسألك السداد في الرأي، والثبات في الأمر، والعزيمة في الرشد".
و"اللهم إني أعوذ بك من علم لا ينفع ومن قلب لا يخشع ومن نفس لا تشبع".
أعني...........
الدعاء أجمل بطاقة تقدماها لأبنائكما ليتبرؤوا من حولهم وقوتهم، ومن حولكما وقوتكما إلى حول الله وقوته.
علماهم تحصين أنفسهم بأدعية الصباح قبل الخروج من المنزل.
ذكراهم بأدعية الخروج والدخول والخلاء والركوب.
ذكراهم بضرورة التسمية قبل بدء أي عمل.
ثم لا تنسيا أن ترفعا أيديكما بالدعاء تسألان الله _تعالى_ صلاح الذرية والتوفيق لهم.
اقرءا بتمعن...وفكرا بتمهل.. وطبقا بهدوء
جربا مرة واحدة فقط و ستجدان الفرق...
ـــــــــــــــــــ
قطوف تربوية
عبد الرحمن بن محمد آل عوضة
3/8/1426
ارسل تعليقك ...
لا توجد تعليقات ...
ارسل الصفحة ...(115/1669)
الى مشرف النافذة ...
طباعة ...
1. الأبناء بشر غير كاملين، ومن الضروري أن نجعل علاقتنا مع أبنائنا علاقة صداقة، وذلك بالحوار والتفاهم والاحترام والاستماع والقبول، بعيداً عن الأوامر والنواهي، وهذا سر عظيم في التربية.
2. استغلال الأحداث بزرع العقيدة في نفوس الأبناء.
3. عرّف أبناءك بأن لهم حدوداً وضوابط.
4. ساعد أبناءك على اختيار الأصدقاء واحترم أصدقائهم، وتعرف عليهم، وعلى أسرهم.
5. إن ضعف الوازع الديني وضعف الرعاية الأسرية هما من أسباب الانحراف الذي ظهر في استبانة أجريت للمدخنين.
6. الهداية بيد الله، وإذا عمل الإنسان الأسباب فإن الغالب أن نتائج تربية الأبناء إيجابية.
7. ينبغي أن تترك الأبناء يتمتعون بالأمان، ولا تضطرهم إلى الكذب والخداع بسبب الخوف منك.
8. ينبغي الابتعاد عن الرسائل السلبية التي ترسلها للأبناء، فإن لها أبعد الأثر في حياة الأبناء.
9. التدليل والاستجابة لكل ما يريده الأبناء يعلم الطفل على عدم المبالاة.
الأبناء بشر غير كاملين، ومن الضروري أن نجعل علاقتنا مع أبنائنا علاقة صداقة، وذلك بالحوار والتفاهم والاحترام والاستماع والقبول، بعيداً عن الأوامر والنواهي، وهذا سر عظيم في التربية
10. القسوة والغلظة سبب في خوف الأبناء وترددهم، وضعف الثقة بالنفس.
11. التمييز بين الأبناء يولد بين الأبناء الغيرة والكراهية وحب الانتقام.
12. الخصومات بين الوالدين تولد للأبناء تشتت الذهن والضعف الدراسي وتثير المخاوف والاضطرابات والإزعاج وعدم التمتع بالحياة، وقد يصبح الأولاد أكثر عدوانية ومشاكل.
13. لا يمكن للتربية الطيبة أن تتم بدون حب، فإن الأبناء ينجذبون لمن يهتم بهم ويحبهم.
14. وراء كل سلوك تصور ذهني، حاول معرفة أسباب السلوك.
15. هناك أمر مهم وإسهام رائع وهو أن تجعل الأبناء على وعي كامل بما يفعلونه وأن يدركوا أنهم لو عملوا شيئاً أخر سيكون أفضل.
16. في خضم الحياة ينبغي أن لا تنشغل بتحقيق طموحاتك وتنسى مشاكل أبنائك.
17. مشاركة الآباء الأمهات في تربية الأبناء ترسم أسلوباً ناجحاً في التربية.
18. ينبغي أن نقضي وقتاً كافياً مع أبنائنا، ونعيش أحاسيسهم ومشاكلهم.
19. حاول تنمية الإحساس بالنجاح في نفوس الأبناء، واجعلهم يلتفتون إلى الجوانب الإيجابية في حياتهم وتصرفاتهم الحسنة.(115/1670)
20. حينما تكون في منزلك عش حياتك مع أبنائك بتفكيرك ومشاعرك، وتلك مزية رائعة في الآباء.
21. لا تحاول أن تصوغ أبناءك لتجعلهم نسخة منك، فربما قتلت فيهم الإبداع.
22. المدح والذم يكونان للسلوك بعيداً عن الذات.
23. من أفضل ما تقدمه للأبناء في حياتهم بث روح العدالة والمحبة بينهم واحرص على الدقة في العدل.
24. ينبغي أن تجمع بين الحزم والحب في تربيتك لأبنائك.
25. يقال: إن الطفل لا يتقن الترتيب والتنظيم إلا بعد سن العاشرة.
26. تذكر أن هناك آباء يضحون بأبنائهم بسبب أمور دنيوية، وأقول هذا على مضض.
27. يحتاج أطفالنا تصحيح السلوكيات الخاطئة بطريقة علمية تربوية مع تلبية حاجاتهم حتى يحدث التوازن.
28. يقال: إن العناد من سن 4-7 سنوات يعد طبعياً.
29. من أكثر آقات التربية (الاستعجال، والمبالغة في الحرص، والخوف الزائد).
30. أشعر ابنك بعد عقابه بأنك عاقبته لمصلحته، وأخبره بحبك له.
31. فكر ملياً في غضبك، فربما لا ينفع في تأديب ولدك، بل ربما يضرك أنت، ويزيده تمرداً.
لا يمكن للتربية الطيبة أن تتم بدون حب، فإن الأبناء ينجذبون لمن يهتم بهم ويحبهم
32. التربية ليست صعبة، ولكنها تحتاج إلى جهد ووقت ومال ونية.
33. كلما زاد العقاب قل تأثيره على الطفل، وربما زاد من تمرده في المستقبل.
34. ينبغي على الوالدين أن يتفقا في تربية أبنائهم ولا يختلفا.
35. ينبغي المكافأة على السلوك الإيجابي غالباً، وتنويع الثواب، وذلك حتى لا ينشأ الابن نفعياً.
36. المكافأة على السلوك البديل حتى يقوى، وبذلك يضعف السلوك غير المرغوب فيه.
37. ينبغي إيضاح السلوك الخاطئ بهدوء وعلم بعيداً عن جرح الكرامة وذم الذات.
38. ينبغي أن تحذر من نقد الأطفال أمام الآخرين.
39. اشكر أولادك عندما يعملون شيئاً متقناً كالالتزام بالوقت.
40. يحتاج أبناؤك أن تهتم بكل ما يشغل بالهم أو يختلج في نفوسهم من مشاعر وأحاسيس.
41. نحن نستطيع أن نزرع الفضائل في أبنائنا عن طريق القدوة بما يرونه منا وما يسمعونه ويشعرون به.
42. لا يمكن للطفل أن يثق بنفسه إلا حين نثق به، ونعهد إليه بالأعمال التي يستطيع القيام بها بهدوء.
43. ينبغي أن نعطي الأبناء بعض الأسرار ونشاورهم.
44. إذا كان ابنك مشغولاً بلعبة يحبها فلا تأمره إن أمكن.
45. حاول ألا تكثر من الطلبات دفعة واحدة.(115/1671)
46. كثير من المشاكل سببها سلوك الآباء دون قصد.
47. تذكر أن الطلب بلطف أقوى وأعظم تأثيراً من التأنيب والتوبيخ.
ـــــــــــــــــــ
التربية النبوية بالأحداث
د. محمد أمحزون
26/7/1426
ارسل تعليقك ...
تعليقات سابقة ...
ارسل الصفحة ...
الى مشرف النافذة ...
طباعة ...
التربية بالأحداث في المدة المكية
حيث بدأت الشدة منذ اللحظة الأولى في تلقي الوحي والجهد الذي بلغ بالنبي _صلى الله عليه وسلم_ أثناء تلقين جبريل –عليه السلام- الوحي بسورة العلق، لدى نزوله بالوحي أول مرة.
ثم جاء توثيق الصلة بالله _تعالى_ بقيام الليل والأمر بقيامه قريباً من عام، حتى ورمت أقدام الصحابة، وفي هذا تربية للنفس على ترك المألوف وترك الدعة والتغلب على النفس تمهيداً لحمل الرسالة.
بعد ذلك جاء الصدع بالدعوة والجهر بها، وفيه ما فيه من مجابهة الباطل.
ثم تلاه إيذاء قريش للنبي والمسلمين، وقد عانى الصحابة في ذلك أشد المعاناة مما هو مبثوث في كتب السيرة، وكان من نتيجة هذه الموجة من العذاب أن مات من مات تحت التعذيب، وصبر من صبر، وفتن من فتن، فتخلصت الدعوة منذ البداية ممن لم يكن أهلاً لحملها، إذا كانت التربية بالأحداث محك الاختبار، وعندئذ لم يكن يقدم على الإيمان إلا من نذر نفسه لله، وتهيأ لاحتمال الأذى والفتنة، بل والموت في أبشع الصور أحياناً، وللإشارة فالذين ثبتوا هنا كانوا أقدر على تحمله بعد ذلك.
بدأت الشدة منذ اللحظة الأولى في تلقي الوحي والجهد الذي بلغ بالنبي أثناء تلقين جبريل –عليه السلام- الوحي بسورة العلق، لدى نزوله بالوحي أول مرة
وهذا الموقف من ضبط النفس طول تلك المدة رغم كثرة الحوادث والمصائب التي أصابت المسلمين من حبس وتعذيب وإذلال واستهزاء يؤكد أن قوة ضبط الأعصاب وقوة التحكم بالإرادة وفقا للأوامر قد بلغت المستوى المطلوب، وأن تلك التربية قد أينعت ثمارها.
ومن التربية بالأحداث: تربية النفوس المؤمنة بالتوجيه والتحذير والعتاب، حيث كانت تجيء التوجيهات الربانية إلى النبي والذين معه وهم في مكة تدعوهم إلى السماحة واليسر والحلم "خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ " (الأعراف:199). لما في ذلك من تربية للنفس على الصبر والحلم والأناة وإعدادها لحمل أعباء وتبعات الدعوة مستقبلا.
ومن التربية بالأحداث: ربط العلم بالعمل.(115/1672)
وفي مسيرة التربية بالأحداث يتبادر سؤال: لماذا هاجر إلى الحبشة أشراف القوم الذين لم يتعرضوا للأذى كعثمان والزبير وجعفر ولم يهاجر المستضعفون كبلال وعمار وصهيب وخباب وأمثالهم؟
وفي الإجابة على هذا السؤال نقول: يبدو أنها كانت توطئة نفسية وعملية لهؤلاء على مغادرة وطنهم، بينما لم يكن للمستضعفين حاجة لذلك فليسوا من أهل مكة وليس لهم ارتباط بالأرض، فاجتمع للأشراف أمران: الارتباط بالقوم والقبيلة، والارتباط بالأرض، وهما يزاحمان في النفس معاني التوحيد، وكان لابد من التخلص عملياً وليس قولاً من ذلك، وكان إعلان الإيمان تخلصاً من العصبية القبلية، أما الارتباط بالأرض فقد اجتمع في مكة ما لم يجتمع في غيرها من مزايا نفسية واجتماعية تربطهم بها، فكانت الهجرة هي التطبيق العملي لأولوية العقيدة وترك الأرض.
ومن التربية بالأحداث: بلوغ الأذى ذروته في حصار الشعب، ومما يستخلص من عبر هذا الحصار، أنه لا تكاد تخلو جاهلية من الجاهليات القديمة أو المعاصرة من قيم يمكن الاستفادة منها، فقد ضحى بنو هاشم تضحيات كبيرة في سبيل قيمهم الجاهلية الخاصة بحماية القريب، واستفاد الإسلام من هذه المواقف والتضحيات. فإذا وجدت فرص في مجتمعاتنا المعاصرة مثل: الدفاع عن المظلوم أو الحرية الفكرية في بعض الدول فلا ضير من الاستفادة منها.
ومن التربية بالأحداث: الهجرة وما اكتنفها من مصاعب وشدائد، كمواقف أبي بكر مع الرسول ، ومواقف المسلمين منخلعين عن أهلهم وديارهم وأموالهم، كما حصل لصهيب ولأبي سلمة وأم سلمة وغيرهم.
خصائص التربية بالأحداث:
1- الاستفادة من تجارب السابقين التي تدور بين موقفين: إيجابي يؤتسى به، وسلبي يبتعد عنه، فالإيجابي يشد العزائم كقصة أصحاب الأخدود، التي كانت تشد من أزر المسلمين ولا زالت، وكما في حديث خباب حين جاء يشتكي للرسول فذكره بأحوال الأمم السابقة.
2- أنها تحول المفاهيم إلى حركة وهذا ما يخيف الجاهلية، وقريش لم تقف في وجه الحنفاء الذين كانوا على التوحيد قبل بعثة النبي لعلمها أن فكرهم شعور فردي لم يتحول إلى حركة.
3- أنها بطيئة وئيدة، ففي حساب الزمن استغرقت ثلاثة عشر عاما، بينما لم يستغرق بناء الدولة سوى عشر سنوات، وفي حساب الوحي نزل أكثر من نصف القرآن في العهد المكي، ذلك أن مهمة الإصلاح وتغيير النفوس ليست سهلة، تحتاج إلى جهد يرتقي بهم من حال إلى حال.
4- أنها تربط النفس بالعمل لا بالنتيجة، وهذا يستمد قيمته من الإخلاص وإصلاح النية، وله أيضا نتائج عظيمة في واقع الحياة، فأمر النتيجة يوكل إلى علام الغيوب فهو أعلم بحكمته الوقتَ المناسبَ لقطف الثمرة، وفي حديث عثمان بن عفان –رضي الله عنه- قال: أقبلت مع رسول الله آخذا بيدي نتمشى بالبطحاء، حتى أتى على آل عمار بن ياسر، فقال أبو عمار: يا رسول الله، الدهر هكذا؟! فقال له النبي : "اصبر" ثم قال: "اللهم اغفر لآل ياسر، وقد فعلت" أخرجه أحمد وقال الهيثمي رجاله رجال(115/1673)
الصحيح، وقد مات آل ياسر ولم يشعرا أنهما وصلا إلى نتيجة؛ لأن التربية النبوية علمت المؤمنين أن يعطوا في هذه الدنيا ولا يأخذوا فيها شيئاً، فهي علّقت قلوبهم بالآخرة بالجنة والرضوان.
التربية بالأحداث في المدة المدنية
في بداية المدة المدنية لقي المسلمون من اليهود والمنافقين أذى كبيراً، وكان المسلمون يحسون بالخطر كل وقت ولا يبيتون إلا في السلاح؛ لأنهم لا يستبعدون أن تهاجم المدينة في أي وقت، وصبروا على ذلك ما شاء الله حتى قال رجل من الصحابة: يا رسول الله، أبد الدهر نحن خائفون هكذا؟ أما يأتي علينا يوم نأمن فيه ونضع السلاح؟ فقال رسول الله : "لن تصبروا إلا يسيرا حتى يجلس الرجل منكم في الملأ العظيم محتبياً ليست له حديدة، وأنزل الله هذه الآية: "َوعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الْأَرْضِ ..." (الآية النور:55).
في بداية المدة المدنية لقي المسلمون من اليهود والمنافقين أذى كبيرا، وكان المسلمون يحسون بالخطر كل وقت ولا يبيتون إلا في السلاح، لأنهم لا يستبعدون أن تهاجم المدينة في أي وقت
وإزاء كل هذا تبرز الحاجة ملحة إلى التزود بالصبر والتقوى اللذين هما عدة المؤمن للتغلب على الصعاب.
لكن هذا الموقف لم يمنع من الاستعداد والتأهب لمواجهة العدو الظاهر على مسرح الأحداث يومئذ –وهو قريش-.
ويكفي لبيان كثافة الحركة الجهادية في هذه المدة: أن عدد الغزوات التي قادها النبي بنفسه سبع وعشرون غزوة، وعدد السرايا والبعوث ثمان وثلاثون بين بعث وسرية.
بعد ثمانية عشر شهراً من الهجرة كانت معركة بدر، وهي أعظم وأعمق الأحداث في تلك المرحلة، وقد نزلت سورة الأنفال في هذه الغزوة لتسديد الخطوات بالتوجيه، لوضع الخطوات الجهادية في مسارها الصحيح، فجاء فيها الأمر بالثبات والإعداد والتواضع والإنفاق وعدم التنازع والعتاب على قبول الفداء في الأسرى.
وفي أحد يتضح أن عاقبة المعصية وخيمة، وقد تجلت دروس كثيرة عملية فيها، ونجم النفاق، وظهر أن مخالفة جزئية وطمعا في الدنيا كان سببا في الخسارة، فما بالك بأمة تلقي كتاب ربها وراءها ظهرياً، ولا يخطر على بالها جهاد، وتستحل الربا والغلول وغير ذلك.
ثم جاءت غزوة الخندق والظروف الصعبة، وأضافت إلى دروس أحد دروساً جديدة، ترقى بها ذلك الجيل الذي لو توقف عند حد معين لخسرت الإنسانية كلها.
ثم جاء معلم جديد من معالم التربية، لكنه امتحان من نوع آخر، إنه امتحان القلوب المؤمنة التي جاشت بالحمية الإيمانية والغيرة لله، وهي قلوب مفعمة باستعلاء الإيمان وعز الطاعة، تأبى أن يستضيمها عدو الله، أو تنصاع لضغوطه في أي ميدان، لقد صدمت هذه الجماعة الراشدة الزاحفة أبداً إلى الأمام وهي تواجه منعطفاً خطيراً يشتهي فيه الكافرون من الشروط ما يشتهون ويحملونها عليها، ثم ترى قائدها يقبلها بدون تحفظ، مما أثار حميتها وغيرتها الإيمانية، رافضة هذه الشروط التي تبدو في نظرها مجحفة.(115/1674)
ولعل ما حدث من موقف المؤمنين بالنسبة للصلح كان بسبب الاندفاع الجهادي الذي كان نتيجة للتربية في المدة السابقة، فاقتضى الأمر مرحلة عليا من التربية، مرحلة تتعدى مراحل الحض والإيقاد ورفع الهمم والعزائم إلى مرحلة تهذيب الحماس وتسكين الحمية الإيمانية لتوافق الوحي في كل أمر، وإن رأت مواقفه شاقة على حظ النفس، فكان من أهم دروس الحديبية: اتهام العقل أمام النصوص الصريحة، وظلت الحادثة درساً لهم فيما استقبلوا من حياتهم، يقول عمر –رضي الله عنه- أيها الناس، اتهموا الرأي على الدين فلقد رأيتني أرد أمر رسول الله برأيي اجتهاداً، فوالله ما آلوا عن الحق، وذلك يوم أبي جندلن حتى قال لي رسول الله : "تراني أرضى وتأبى؟!" وكان سهل بن حنيف –رضي الله عنه- يقول: أيها الناس، اتهموا رأيكم على دينكم، لقد رأيتني يوم أبي جندل ولو أستطيع أن أرد أمر رسول الله لرددته" رواه البخاري.
ثم توالت الأحداث مؤكدة الحكمة البالغة وراء هذا الصلح، فاعترفت قريش بكيان المسلمين لأول مرة، وتمكنت خزاعة من إعلان تحالفها الصريح مع المسلمين وتفرغ المسلمون ليهود خيبر، وانتشر الإسلام كما يقول الزهري: فلما كانت الهدنة ووضعت الحرب وأمن الناس بعضهم بعضاً... ولقد دخل في تينك السنتين مثل ما كان في الإسلام قبل ذلك.اهـ . وقد خرج النبي إلى الحديبية في ألف وأربعمئة، ثم خرج في عام الفتح بعد ذلك بسنتين في عشرة آلاف، وبهذا يرقى الإيمان، وترسخ قاعدة عظمى من قواعد التزكية الإيمانية: أن من ثواب الإيمان حصول إيمان أعلى منه، ومن جزاء المعصية نقص الإيمان بمعصية أخرى، وهي قاعدة لم تثبت من خلال موعظة في مسجد، ولا محاضرة في جامعة وإنما في موقف مهول كهذا.
ثم جاءت غزوة حنين وفيها الاعتداد بالكثرة، فعوقبوا ثم عوتبوا على ذلك، وفي ذلك اليوم حذرهم النبي من الاعتداد بالكثرة، ورغم التذكير بما حصل لمن اغتروا من قبلهم، إلا أنهم لم يستوعبوا الدرس إلا بصورة عملية عندما تراجعوا وذاقوا مرارة الهزيمة، وقوي إيمانهم حينما رأوا ثبات النبي .
كما أن في هذه الغزوة عبر أخرى ظهرت عند قسمة الغنائم وتسلط بعض الأعراب وتم فيها اختبار قوة إيمان الصحابة وثباتهم أمام مغريات النفس.
وفي غزوة تبوك كان أعظم ابتلاء بإعلان الجهاد في وقت الحر الشديد ووقت ضائقة مالية، إلا أن الاستجابة كانت عظيمة، ومن العبر قول الله _تعالى_: "وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنفِرُواْ كَآفَّةً فَلَوْلاَ نَفَرَ مِن كُلِّ فِرْقَةٍ مِّنْهُمْ طَآئِفَةٌ لِّيَتَفَقَّهُواْ فِي الدِّينِ وَلِيُنذِرُواْ قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُواْ إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ " حيث يقول سيد قطب في هذا النفير: "تنفر من كل فرقة منهم طائفة –على التناوب بين من ينفرون ومن يبقون- لتتفقه هذه الطائفة في الدين بالنفير والخروج والجهاد والحركة بهذه العقيدة وتنذر الباقين من قومها إذا رجعت إليهم، بما رأته وما فقهته من هذا الدين..." ويذكر أصل رأيه من قول المفسرين ثم يقول: "أما الذين يقعدون: فهم الذين يحتاجون أن يتلقوا ممن تحركوا؛ لأنهم لم يشاهدوا ما شاهد الذين خرجوا ولا فقهوا فقههم... وبخاصة إذا كان الخروج مع رسول الله والخروج بصفة عامة أدنى إلى الفهم والتفقه".
لقد كان من آفاق هذه التربية أن كانت الغزوة بمثابة تمحيص نهائي واستئصال جذري للطفيليات المحسوبة عليها وليست منها.(115/1675)
ـــــــــــــــــــ
من أجل أبناء إيجابيين
عبد الرحمن بن محمد آل عوضة
19/7/1426
ارسل تعليقك ...
تعليقات سابقة ...
ارسل الصفحة ...
الى مشرف النافذة ...
طباعة ...
1. حاول أن تحفز الأبناء للمزيد من التساؤلات والحصول على الأجوبة الصحيحة.
2. وجود الأخطاء وعدم معرفة الخطأ والصواب أمر طبعيّ لدى الأبناء، وهذا يقل مع تقدم السن.
3. ينبغي أن نكون واضحين، وأن نطلع الأبناء على ما في أنفسنا؛ لأن هذا يولد الثقة بين الآباء والأبناء، وينتج نفسية مستقرة _بإذن الله_.
4. على الأبوين أن يحذرا الكلمات السيئة، فالأبناء يقلدون آباءهم.
5. اللطف والرفق والرحمة والحنان والمحبة والعطاء والبذل بوابة الدخول إلى نفوس الأبناء وعقولهم، ومن ثم تستطيع التأثير فيهم وهم من أحق الناس بذلك.
6. امنح أولادك جميع معاني الحب بلمساته وكلماته قبل أن يبحثون لدى الآخرين فربما أزعجهم ذلك.
7. ابتعد عن التدخل في شؤون الأبناء الخاصة قدر المستطاع.
8. ينبغي ألا يستفيد الأطفال من بكائهم في تلبية رغباتهم.
9. الرفض والعناد والكذب أمور قد تكون سبباً في العناد، وينبغي توفير بعض الألعاب وإشغال الأطفال بما ينفعهم، ووجود الأصدقاء الطيبين نافع وهام للأبناء.
اللطف والرفق والرحمة والحنان والمحبة والعطاء والبذل بوابة الدخول إلى نفوس الأبناء وعقولهم، ومن ثم تستطيع التأثير فيهم وهم من أحق الناس بذلك
10. ينبغي أن نربي الأبناء على تنمية مهارات التفكير الإيجابي والحوار البناء.
11. ينبغي أن نزرع في الأبناء التفاؤل والإيجابية وحسن الظن بالله _تعالى_.
12. توفير بيئة آمنة وتجهيزات متكاملة للأبناء يجعلهم يتطورون في مستوى التفكير والتعليم.
13. يقول د. تاد جميس (بأن 90% من مجموع الاعتقادات والقيم تخزنت في عقولنا في مدة ما قبل السابعة من العمر).
14. يذكر براين ترايسي أن الإنسان يقضي الـ 30 أو 40 سنة من عمره في التغلب على مشكلات الخمس سنوات الأولى.
15. تخيل أبناءك وهم يفارقون ذلك البيت الذي طالما عاشوا فيه وتزوجوا ثم فارقتهم ولم يبق في البيت إلا ذكرياتهم، فاستمتع بحياتك معهم قبل فراقهم، ودعهم يتذكرون تلك الأيام الجميلة التي عاشوها معك.
16. عامل أبناءك كما تحب أن يعاملك أبناؤك.(115/1676)
17. لا تتحدى استقلالية أبناءك فإن ذلك يولد تكرار السلوك غير المرغوب فيه.
18. ينبغي أن نبني علاقتنا مع أبنائنا على الثقة المتبادلة وحسن الظن.
19. ينبغي ألا تجعل المنزل مكاناً للصراع، بل اجعله سلماً وسلاماً ووداً ورفقاً وليناً.
20. يحتاج الأبناء إلى المحبة والاحترام والقبول والتفهم والاستمتاع العاطفي.
21. لا تنزعج من مشاجرة الأبناء ما لم يصل الأمر إلى الأذى البدني، والتزم الهدوء التام، وقد يكون هذا الأمر غير مريح لكنه مفيد.
22. المساواة والعدل في الأقوال والأفعال، بل في كل صغير وكبير بين جميع الأبناء تلك من صفات الآباء الأوفياء.
23. تمتع بالجلوس مع أبنائك والتحدث معهم، ومشاورتهم وأخذ آرائهم واحترامها مهما كانت، وذلك لزرع الثقة بالنفس، وتخفيف معاناة الأبناء من ضغوط الحياة.
24. احذر المقارنة بين أبنائك بأي شكل من الأشكال ولأي سبب كان.
25. ازرع المحبة بين الأبناء بالهدايا والاعتذار والتأسف عند الخطأ.
26. الخوف مكتسب ويزرعه في الطفل من حوله من الأبوين والإخوان والأقارب والمجتمع والزملاء والإعلام ... إلخ.
27. التقدير المتدني للذات قد يكون وراء كثير من السلوكيات المنحرفة.
28. النقد السلبي ينتج عنه الإحساس بالذنب والخجل، وضعف التقدير للذات.
29. تقدير الأبناء لذواتهم مرتبط إلى حد ما بتقدير الأهل لهم واهتمامهم بهم.
ـــــــــــــــــــ
التربية النبوية بأعمال القلوب
د.محمد أمحزون
12/7/1426
ارسل تعليقك ...
تعليقات سابقة ...
ارسل الصفحة ...
الى مشرف النافذة ...
طباعة ...
التربية بأعمال القلوب في المدة المكية:
حفل القرآن المكي بآيات كثيرة تحدثت عن أعمال القلوب، كالإنابة والخشية والصبر والمحبة والصدق ...
فمما كثر ذكره في القرآن من هذه الأعمال: الصبر، ذلك أنه الوسيلة الناجعة لتجاوز مدة الأزمات ولحسم المواجهة لصالح المسلمين، وإذا كان المؤمن بطبيعته بشراً ينتابه الضعف واستعجال الثمرة فإن آيات الصبر بمثابة محطات تقوية تشحذ الهمة وتدفعها للمضي في الطريق مرة أخرى وبعزم قوي، وكلما طالت المعركة نزل الوحي مطمئناً للنبي ومن معه، وقد امتد نزول تلك الآيات على طول المدة المكية لتقود المؤمنين خطوة خطوة ، حتى تمرنوا على تحمل المشاق والأذى، والالتزام بما يرد عن الله والانضباط مع أوامر رسول الله .(115/1677)
ومن أعمال القلوب: الصدق، ومن أمثلته التي تستحق الإكبار، موقف مهاجرة الحبشة في بيانهم عقيدتهم في عيسى بصراحة ووضوح رغم مخالفتها للنصرانية السائدة في الحبشة، فلم يلجؤوا لمجاملة الأساقفة الحاضرين في مجلس النجاشي، فأحسن الله عاقبتهم، ومن ذلك مواقف أبي بكر الصديق -رضي الله عنه- ولما فضل رجال على أبي بكر في عهد عمر -رضي الله عنهما- قال عمر: والله لليلة من أبي بكر خير من آل عمر وليوم من أبي بكر خير من آل عمر، لقد خرج رسول الله لينطلق إلى الغار ومعه أبو بكر... ثم ذكر بعض مواقف أبي بكر مع رسول الله في الهجرة وخوفه على رسول .
حفل القرآن المكي بآيات كثيرة تحدثت عن أعمال القلوب، كالإنابة والخشية والصبر والمحبة والصدق
ومن أعمال القلوب: المحبة، والقيام بالأعمال حباً لله _تعالى_، فكم بين إسلام أبي ذر الذي تحمل المشاق في سبيل هذا الدين، وبين إسلام الأعرابي الذي قال له النبي: أسلم، فقال: أجدني كارهاً، وكم بين الباحث عن الحقيقة سنين طوالاً سلمان الفارسي ولقي في سبيل ذلك المشاق، وكاد يسقط من النخلة فرحاً وشوقاً ومحبة لمقدم النبي وبين إسلام المؤلفة قلوبهم من جفاة الأعراب، والأمثلة من الصحابة على ذلك كثير.
التربية بأعمال القلوب في المدة المدنية:
ومن أعمال القلوب: الإيثار، والذي تجلى بعد الهجرة مباشرة وبعد المؤاخاة، فأمَّن الأنصار للمهاجرين السكن، واقتسموا الثمرة معهم، وقدموا المنائح لهم، وواسوهم بالهدايا، وظل هذا الإيثار سارياً حتى بعد انفراج الأزمة جزئياً بعد إجلاء بني النضير حيث جمع النبي الأنصار، وأثنى عليهم وما صنعوا بالمهاجرين، وخيرهم بين أن يقسم بينهم وبين المهاجرين الفيء ويبقى المهاجرون في ديار الأنصار، وبين أن يعطي المهاجرين ويخرجهم من ديار الأنصار، فاختار الأنصار أن يعطي المهاجرين ويبقون في ديار الأنصار.
وقد شهد المهاجرون بفضل الأنصار أمام رسول الله . وهذا التآخي في ذلك الوقت وفي كل وقت أساس قوة ونجاح الجماعة المسلمة.
ومن هذه الأعمال: الإخلاص، ويتجلى الحث على الإخلاص في الجهاد، وقد ورد في نصوص نبوية كثيرة، بل لا ينبغي الاستعانة بالمشركين لأهمية الظهور بالصبغة العقائدية في المواقف الإسلامية التي ينبغي أن تتميز بالإخلاص ووحدة الهدف.
ومن الأعمال: المحبة، فالمطلوب شرعاً أن ترجح كفة المحبة لله ورسوله على سائر ما يحب المرء، والجهاد دليل المحبة الكاملة، ولهذا كان الصحابة يفْدون رسول الله بأنفسهم ويقاتلون أمامه قتال الأبطال.
ومن الأعمال: اليقين، وقد تجلى في حياة النبي، فكان واثقاً من نصر الله، ويقول: إني رسول الله ولن يضيعني، وكان يعد صحابته بالنصر والتأييد، أما يقين الصحابة فيكفي فيه مثالا: موقفهم واستجابتهم لتحريم الخمر، واستجابة نسائهم السريعة لأمر الحجاب رغم تجذر هذه العادات واستحواذها على قلوبهم، وقد استقرت فيهم منذ قرون.(115/1678)
ومن الأعمال: اليقين، وقد تجلى في حياة النبي، فكان واثقا من نصر الله، ويقول: إني رسول الله ولن يضيعني
ـــــــــــــــــــ
29 ملمحاً تربوياً
عبد الرحمن بن محمد آل عوضة
5/7/1426
ارسل تعليقك ...
لا توجد تعليقات ...
ارسل الصفحة ...
الى مشرف النافذة ...
طباعة ...
1- ازرع في أبنائك روح التفاؤل، وحسن الظن بالله، فإن ذلك يجعل الحياة أكثر سعادة ومتعة وراحة وبهجة.
2- ينبغي أن تتخلص من الغضب والتوتر، ولا نسلم بأن ما نفعله من غضب وتوتر وإحباط صحيح ويتساءل الإنسان عن حال رجلين يمران في ظرف واحد أو يتعرضان لحادث واحد فيغضب أحدهم أشد الغضب ويتقبل الأخر الأمر بابتسامة ورضا نفس، لماذا؟ ربما لأن التصورات الذهنية عند الشخص الغاضب كانت غير صحيحة، لذا يتوجب علينا أن نراجع أنفسنا ونصحح مسارنا إذا واجهنا ما يغضبنا ولا نتمادى في التقدم نحو أمراض العصر، مثل: السكر والضغط بسبب الغضب والتوتر، ولم يكن يغضب الرسول _صلى الله عليه وسلم_ إلا إذا انتهكت محارم الله.
3- ينبغي أن نتجنب اللوم والاتهام والشتائم والتهديدات والأوامر والتحذيرات, والمقارنات والسخرية... إلخ. ولا تنس أن أكثر فساد الأبناء من الآباء، والله المستعان.
4- تزود من فنون تربية الأبناء والاتصال المحترم مع أبنائك ويمكن أن نسأل أنفسنا هل تربيتنا لأبنائنا الآن هي أفضل ما يمكن أن نصل إليه، وتذكر أن ما لم نعلمه أكثر مما علمناه قال _تعالى_ : "وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلاً".
ازرع في أبنائك روح التفاؤل، وحسن الظن بالله، فإن ذلك يجعل الحياة أكثر سعادة ومتعة وراحة وبهجة
5- أفصح عن مشاعرك لأبنائك دون مناسبة، أخبرهم بحبك العظيم لهم، أخبرهم بمشاعرك تجاههم، وربما كان البخل بالمشاعر أعظم من البخل بالمال.
6- الإخفاق في تربية الأجيال بعد عمل الأسباب أمر طبعي يمكن تعويضه مرات قادمة وليست المشكلة في الإخفاق، ولكن المشكلة أحياناً في عدم الأخذ بالأسباب، والإخفاق بعد بذل الأسباب يعد مجداً.
7- لا أظنه يخفي على الآباء أن حاجاتهم تختلف عن حاجات الأبناء، فهناك فرق في السن، وفي جميع النواحي النفسية والبدنية والاجتماعية... وينبغي علينا أن نبحث في الفروق ونراعيها لنساعد أنفسنا بقلة التوترات والغضب، ونساعد أبناءنا باستقرارهم النفسي.(115/1679)
8- الطرق والأساليب في تربية الأبناء كثيرة جداً، وعليك أن تتلمس الأسلوب الأمثل الذي يناسب ابنك.
9- سبب أخطاء الأطفال يرجع في أصوله على ثلاثة أشياء الأول فكري والثاني عملي والثالث إلى ذات الطفل إما لا يحمل فكرة صحيحة عن الشيء فيخطئ أو لا يستطيع أن يتقن العمل ولم يتدرب عليه فيخطئ أو يتعمد الخطأ ويكون من ذوي الطباع العنيدة لذلك يصر على الخطأ وضروري تحديد أصل الخطأ لتسهل معالجته.
10- الدعابة مع الأبناء تبهج المزاج وتشرح الصدر وتدفع الأولاد للعمل والمبادرة.
11- ربما تعرف أن احترامك مشاعر أبنائك يجعلهم يميلون لاحترام مشاعر الآخرين.
12- يحتاج الآباء إلى قليل من الهدوء، وبعض الوقت للتفكير في تربيتهم أبنائهم.
13- يحتاج الآباء إلى تخطيط مسبق لتربية أبنائهم فإن لم تخطط لتربية أبنائك فربما خططت للفشل في ذلك الأمر العظيم.
14- العقاب يمكن أن يؤدي إلى مشاعره الكره والانتقام وكثير من المشاعر السلبية ويمكن استخدام العقاب بعد بذل كل الوسائل الممكنة وكذلك بعد معرفة ضوابط العقاب.
15- أبرز إيجابيات ابنك أن تتغافل عن سيئاته وتخفيها قدر المستطاع.
16- يجدر بك أن تزرع في أبنائك الثقة بأنفسهم فهذا من أعظم أسباب إحراز التفوق في دنياهم وأخرتهم.
17- ينبغي أن تعلّم وتدرب طفلك كيف يتحمل المسؤولية.
18- ينبغي أن تعلّم ابنك اتخاذ القرارات ولو أخفق فإن ذلك يجعله إيجابياً في حياته فكما قيل في كل إخفاق يوجد بذرة نجاح ما لم يكن هذا الإخفاق فيما حرم الله.
19- الأبناء لديهم قدرة لحل مشاكلهم ووضع البدائل والحلول المتنوعة، علمهم آداب الحوار بالاستماع لآرائهم مهما كانت.
20- ينبغي للآباء الاعتراف بالخطأ عند حدوثه، فهذا يربي الأبناء على الاعتراف بالأخطاء والرجوع للحق والصواب عندما يخطئون.
21- أطفالنا لهم كرامتهم التي منحهم الله إياها، فلا تصادر كرامته، ولا تظلمه فإن الظلم ظلمات يوم القيامة.
22- عند أخطاء الأبناء ينبغي أن يعرفوا أن هذا خطأ، وينبغي لنا أن نتعلم كيف نتعامل مع تلك الأخطاء، وأكثر أخطاء الأبناء ليست متعمدة، ولا يخفى عليك كم أخطأنا ونحن صغاراً.
23- ينبغي أن نترك الأطفال يمارسون حياتهم، يواجهون مشاكلهم، يتعلمون من أخطائهم، يعتمدون على أنفسهم، يقومون بأعمالهم، يختارون لأنفسهم مع تشجيعنا لهم بضوابط الشرع، وذلك لنزرع في أبنائنا الثقة بالنفس.
24- المدح أو الثناء زاد لأولادنا، له ضوابط ينبغي ألا يبالغ فيه، ولا يغفل عنه ومن الضروري الانتباه في الثناء للعمر ودرجة كفايته، كما ينبغي تكرار الثناء وتنويعه معنوياً ومادياً.
25- عش مع أبنائك بقلبك، وتحمل أذاهم، فتلك سمات جوهرية في التربية.(115/1680)
26- ينبغي أن تفهم أبنائك، وتحترمهم بعيداً عن المجادلة والكلام العقيم.
27- الفوز الحقيقي للآباء والأبناء هو الفوز بالآخرة.
28- خلال تربيتك لأبنائك حاول أن تحسب الآثار والعواقب لعلميات التربية القولية والفعلية.
29- جميل أن ننمي الخيال لدى أبنائنا وأن نتدرج في تنمية الإرادة لديهم.
ـــــــــــــــــــ
التربية النبوية بالأخلاق
د.محمد أمحزون
28/6/1426
ارسل تعليقك ...
لا توجد تعليقات ...
ارسل الصفحة ...
الى مشرف النافذة ...
طباعة ...
التربية بالأخلاق في الفترة المكية
كانت للعرب في الجاهلية أخلاق أهلتهم لحمل الرسالة، إلا أنها كانت كثيراً ما تتجاوز حدها الطبيعي، وقد جاء الإسلام فزكى هذه الأخلاق ونقاها من الأخلاق الرديئة، ونستطيع أن نقول: إن النبي تأيّد في الأخلاق بلون من الإعجاز، تمثل ذلك في قول النبي: "إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق" أخرجه البخاري في الأدب المفرد وصححه الألباني، وقد احتوى القرآن الكريم في التربية الأخلاقية على حقيقتين هما: النفي والإثبات، النفي لما تعلق من رواسب الجاهلية، وتثبيت أركان البناء الخلقي.
ومن النماذج الفريدة في ذلك: موقف العباس بن عبدالمطلب عم الرسول حين كان على دين قومه وحضر معه بيعة العقبة الثانية ليتوثق له ويتثبت له في هذا الأمر، وقال: "يا معشر الخزرج، إن محمداً منا حيث قد علمتم، وقد منعناه من قومنا ممن هو على مثل رأينا فيه فهو في عز من قومه، ومنعة في بلده، وإنه أبى إلا الانحياز إليكم واللحوق بكم، فإن كنتم ترون أنكم وافون له بما دعوتموه إليه، ومانعوه ممن خالفه، فأنتم وما تحملتم من ذلك، وإن كنتم ترون أنكم مسلموه وخاذلوه بعد الخروج به إليكم، فمن الآن فدعوه، فإنه في عز ومنعة من قومه وبلده".
كانت للعرب في الجاهلية أخلاق أهلتهم لحمل الرسالة، إلا أنها كانت كثيراً ما تتجاوز حدها الطبيعي، وقد جاء الإسلام فزكى هذه الأخلاق ونقاها من الأخلاق الرديئة
ومن ذلك موقف عثمان بن أبي طلحة عندما رأى أم سلمة تريد الهجرة وحيدة للمدينة، حيث منعت أول الأمر من الهجرة مع زوجها، فقال لها: والله ما لك من مترك، فأخذ بخطام البعير، تقول: فانطلق معي يهوي بي، فوالله ما صحبت رجلاً من العرب قط أرى أنه كان أكرم منه، كان إذا بلغ المنزل أناخ بي ثم استأخر عني... إلى أن قالت: فلما نظر إلى قرية بني عمرو بن عوف بقباء، قال: زوجك في هذه القرية فادخليها على بركة الله، ثم انصرف راجعاً إلى مكة...(115/1681)
ومن ذلك خلق الجوار الذي استفاد منه المسلمون وهم مستضعفون في مكة، كجوار النجاشي، وجوار المطعم بن عدي للنبي بعد عودته من الطائف، ودخول أبي بكر في جوار ابن الدُّغنة، ولهذا يجوز للمسلمين الدخول في حماية غير المسلمين إذا دعت الحاجة سواء كان المجير كتابياً كالنجاشي أو مشركاً كأبي طالب، وقد يكون الجوار في عصرنا على شكل بلاد مفتوحة أمام المهاجرين، كما عرف في مصطلح الدبلوماسية المعاصرة بحق اللجوء السياسي.
ويمكن القول: إن المنهج الأخلاقي قد استكمل بناؤه في نفوس المسلمين في المرحلة المكية من جهة: بتوجيه القرآن الكريم، ومن جهة أنها تجلت في شخص الرسول ، ومن جهة أن بعض الأخلاق الحميدة كانت متأصلة في نفوس العرب منذ الجاهلية، وقد لعبت دوراً إيجابياً لمصلحة الدعوة مرحلة الاستضعاف.
إذن: فهما جهادان:
جهاد داخل النفس لإصلاحها وجهاد خارج النفس لإصلاح المحيط من حولها، غير أن جهاد النفس كان توطئة وإعداداً للمواجهة الخارجية، وهذه المواجهة مفروضة على المؤمنين؛ لأنها في حقيقتها معركة عقيدة وسنة ربانية لا محيص عنها.
التربية بالأخلاق في الفترة المدنية
وأولها: الشجاعة، فقد وجد الصحابة في رسول الله المثال الذي يحتذى، فكان أشجعهم، يسبقهم حين الفزع، ويثبت حين ينكشف المسلمون، بل يلوذ به شجعان الصحابة، وفي تأمل مواقف أبي دجانة وأنس بن النضر وعلي بن أبي طالب وقادة مؤتة الثلاثة ما يستوقف القارئ عجباً، على أن الشجاعة ليست إقداما وجرأة في القتال وحسب، بل هناك أوصاف تتفرع عنها كإغاثة الملهوف وحب النجدة والسماحة والصفح والمروءة.
ومن الأخلاق: الكرم، وهو موجود لدى العرب، إلا أن النبي كان له القدح المعلا في ذلك فهو أجود بالخير من الريح المرسلة، ولا يرد سائلا، وقد ضرب عثمان -رضي الله عنه- مثالاً عالياً في مواقفه لنصرة المسلمين كشراء بئر رومة، وكذلك أبو طلحة الأنصاري الذي تبرع ببيرحاء، وأبو الدحداح الذي أقرض ربه حائطه، وكرم المسلمين رغم فاقتهم في تجهيز غزوة تبوك، وفي مقدمتهم عثمان.
والوفاء من أخلاق العرب الأصيلة، التي وثقها الإسلام ودعا لها، ومن أمثلته: وفاؤه يوم الحديبية لقريش حين رد عليهم أبا بصير –رضي الله عنه- وإعادته لمفتاح الكعبة لحاجب الكعبة عثمان بن طلحة وقال له: اليوم يوم بر ووفاء، ومن أمثلة الصحابة: وفاء حذيفة بن اليمان بعدم القتال مع الرسول يوم بدر؛ لأنه عاهد قريشاً ألا يشارك الرسول في القتال لما أخذوه، وقال لهم رسول الله لما سألوه: نفي لهم بعهدهم.
وخلاصة القول: إن أخلاق الصحابة كان لها أثر على المدعوين من الأمم الأخرى، ففتحوا القلوب كما فتحوا الآفاق.
ـــــــــــــــــــ
التربية النبوية.. لماذا؟
عبد الرحمن آل عوضة
15/5/1426(115/1682)
ارسل تعليقك ...
لا توجد تعليقات ...
ارسل الصفحة ...
الى مشرف النافذة ...
طباعة ...
يتحفنا الأستاذ/ عبد الرحمن آل عوضة بسلسلة من الوقفات التربوية المتميزة، وهنا وفي الحلقة الأولى من سلسلته يبدأ بمقدمة للسلسلة تتضمن أسباب الاهتمام بالتربية، ثم أسباب اهتمامنا بالتربية النبوية بالذات، وفي الحلقات القادمة – بإذن الله – تبدأ الوقفات، نفعنا الله وإياكم بها.
مشرف النافذة
لماذا تربية الأبناء؟
- لأنها سبب في دخول الجنة والنجاة من النار بإذن الله.
- لأنها عبادة عظيمة ومتعة ولذة في الحياة الدنيا.
- لأنها عمل بالأسباب المشروعة ونحن مطالبون بذلك، بل فرض عين على وليهم.
- لأن الأمة تحتاج إلى شبابها.
- لأننا بحاجة أبنائنا في الدنيا والآخرة.
- لأن الولد الصالح هو واحد مما يبقى للإنسان بعد الموت.
- لأن أطفال اليوم رجال الغد.
- لأن الأبناء يولدون على الفطرة وللتربية الأثر في ثبات الفطرة أو فسادها.
- لأن الأبناء يحتاجون للتربية الصحيحة في بداية حياتهم.
التربية النبوية هي التربية الصالحة في كل زمان ومكان (حتى يرث الله الأرض ومن عليها)
- لأن الله _سبحانه وتعالى_ أمر الوالدين بتربية الأبناء.
- لأن وصية الله للآباء بأولادهم سابقة وصية الأولاد بآبائهم.
- لأنها مسؤولية يحاسب الله الآباء عليها.
- لأن أغلب المشكلات في مراحل العمر المتقدمة سببها التهاون في التربية في الصغر.
- لأن الأولاد زينة الحياة الدنيا.
- لأن تربية الأبناء بركة لوالديهم ومجتمعاتهم.
- لأن من حق الأبناء على الآباء أن يعيشوا حياة طيبة، والتربية السليمة سبب في ذلك بإذن الله.
- لأننا مطالبون بمواجهة التحديات بتربية متوازنة صحيحة.
وكم هي الأمور العظيمة والجميلة التي تعرفونها في أهمية وفضل تربية الأبناء.
التربية النبوية هي التربية الصالحة في كل زمان ومكان (حتى يرث الله الأرض ومن عليها)(1)، وذلك لأنها:
1- تقوم على الإيمان بالله _تعالى_ ومراقبته والإيمان باليوم الآخر والجنة والنار والاقتداء بسيدنا محمد _صلى الله عليه وسلم_.(115/1683)
2- تربية عملية وليست نظرية، فهي حقيقة واقعية.
3- تقوم على استشعار الأبوين دورهما ووظيفتهما، وتحثهما على تنشئة ورعاية الطفل.
4- تقوم على التهذيب الجنسي للطفل والمحافظة عليه من الوقوع في الفاحشة، وتختلف عن أي تربية أخرى.
5- تبدأ بتدريب الطفل على التكاليف الشرعية في السابعة من عمره وحتى سن البلوغ.
6- تنظر إلى أن كل ما يقدم من خير للطفل على أنه عبادة يثاب عليها الكبار وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء.
7- ترسخ في الطفل الخوف من الله _تعالى_ (وسؤاله عن كل شيء) والاستعانة به في قضاء الحاجات ومواجهة الأحداث.
8- تجعل للطفل رسولَ الله _صلى الله عليه وسلم_ قدوةً له في كل شيء، فهو يتفاعل مع قدوة واحدة وشخص واحد.
9- تنمي في الطفل بر الوالدين وطاعتهما.
10- تنشئ الطفل نشأة متوازنة تلبي حاجات الروح والجسد والعقل والقلب.
11- تنمي في الطفل العقيدة الصحيحة السليمة التي تتحطم معها كل شبهة وكل شهوة.
12- تقوم على الحق والصدق ودعوة الآخرين إلى الكتاب والسنة وما يترتب عليها في الدنيا والآخرة.
13- توزع المسؤولية بين الأب والأم تجاه تربية الأولاد.
14- تنمي الخيال عند الأطفال بحقائق موجودة كأخبار الرسل وقصص القرآن وأوصاف الجنة والنار.
____________
(1) بتصرف من كتاب منهج التربية النبوية للطفل، محمد نور عبد الحفيظ سويد.
ـــــــــــــــــــ
أولويات في التربية
عبدالرحمن بن محمد آل عوضة
21/6/1426
ارسل تعليقك ...
لا توجد تعليقات ...
ارسل الصفحة ...
الى مشرف النافذة ...
طباعة ...
1- إن تربية الأبناء في الإسلام مرتبطة بكتاب الله وسنة رسوله _صلى الله عليه وسلم_.
2- إن تربية الأبناء من أعظم الأمور التي يجب أن تصرف فيها الطاقات والأموال والأوقات.(115/1684)
3- إن تربية الأبناء الصحيحة تتسم بالعلم والعمل، ولا يمكن أن تكون بالمزاج والتقليد.
4- التربية الصحيحة للأبناء متكاملة؛ لأنها تعنى بالروح والعقل والجسد، فهي دائماً في توازن متميز وفريد.
5- إذا أردت أن تقرّ عينك ويرتاح أبناؤك؛ فربهم على مراقبة الله وحده، بعيداً عن تربية الرياء.
6- معرفتك القيم والمعتقدات ومراحل النمو عند الأطفال تفتح أمامك آفاقاً بتربية رائعة وممتعة _بإذن الله_.
7- أبناء اليوم رجال الغد، وما نبذله اليوم في تربيتهم إنما هو إسهام منا رائع في نصر أمتنا وعزها في المستقبل.
8- ينبغي علينا محاولة التعرف على ما يفكر فيه أبناؤنا، لأن الفكر الإيجابي يقود إلى الشعور والسلوك الإيجابيان _بعون الله تعالى_.
9- ينبغي علينا فصل الفعل عن الفاعل، وهذا يعني أن نوجه نقدنا عندما ننتقد إلى فعل الطفل لا إلى الطفل.
أبناء اليوم رجال الغد، وما نبذله اليوم في تربيتهم إنما هو إسهام منا رائع في نصر أمتنا وعزها في المستقبل.
10- ينبغي احترام مشاعر الأبناء، فهم كيان مستقل، لهم مشاعر تختلف عن مشاعرنا.
11- جاهد نفسك لتسمع أبناءك أحسن وأجمل وأطيب الكلمات واحتسب الأجر في ذلك.
12- اعترف بمعاناة ابنك عندما يشتكي إليك، أو يتضايق من أحد، فمثلاً عندما يشتكي من مدرّسه بأنه أهانه، فقل له: " صحيح أن هذا مزعج، ولو كنت مكانك لأصابني ما أصابك"، أو "هذا مزعج وسوف أنظر في الأمر" وتفاعل مع قضية ابنك لكي يفضي لك عما في صدره وقلبه دائماً، ولا تكن سبباً في إبعاده عنك لعدم الاعتراف بمعاناته، وإن كنت لا توافقه أحياناً.
13- إن أبناءك هم أحق الناس بالرفق واللين والرحمة والمحبة والوفاء والصدق والعدل والإحسان.
14- ينبغي أن تتقبل أبناءك على ما هم عليه ثم تتأهل بالقراءة والاستماع والسؤال والاستشارة، لتتمكن بعد ذلك _بإذن الله_ من أخذ أبنائك إلى ما تريده من تربية مطمئنة، وتربية بعيدة عن تربية المتشددين أو المتساهلين.
15- تقبل مشاعر الأولاد يجعلهم مستعدين لقبول الحدود التي تريد أن يقفوا عندها.
16- من آفات التربية الاستعجال، والصابرون هم الفائزون.
17- اختر الطريقة المناسبة والكلمات المعبرة لتفهم مشاعر الأبناء وقبولهم واحترامهم.
18- ينبغي للآباء أن يتعرفوا على مبادئ التربية الصحيحة، ثم يبذلون الجهد والمال والوقت لتطبيق هذه المبادئ.(115/1685)
19- الأبناء يختلفون فيما بينهم، سواء في الأمور الوراثية أو غيرها، وجميل أن تتعرف على ملكات ومؤهلات كل واحد منهم، حيث إن كلاً منهم يحتاج إلى علاج خاص أو طريقة خاصة، وهذا يحتاج إلى مزيد من الوقت والجهد والمال، ولكنه ليس بكثير على من جعلهم الله يثقلون كفة حسناتك بعد موتك.
20- الكلمات، ونبرات الصوت، وملامحم الوجه، كل ذلك له أبلغ الأثر في إيصال الأبناء إلى نفسية طيبة إيجابية، أو نفسية متعبة قلقه.
علاج المشكلات الإدارية واتخاذ القرارات 1/2
أحمد بن عبد المحسن العساف
7/6/1426
ارسل تعليقك ...
لا توجد تعليقات ...
ارسل الصفحة ...
الى مشرف النافذة ...
طباعة ...
المشكلات الإدارية حدث دائم متكرر مصاحب للأعمال ولا يكاد ينفك منه عمل قائم البتة، ولذا أحببت المشاركة بهذا الموضوع عن المشكلات الإدارية وكيفية علاجها بالقرارات الناجعة المثمرة.
مدخل:
- ما هو آخر كتاب قرأته في الإدارة؟ ومتى؟
- ما هي آخر دورة إدارية حضرتها؟ ومتى؟
- ماذا تتوقع أن تقرأ في هذا المبحث؟
- هل لديك مشاكل في العمل؟
- ما هي آخر مشكلة شاركت في حلها؟
ما هو الهدف من طرح هذا الموضوع؟
1. بيان الطرق المنهجية للتعامل مع المشاكل:وإذا فقدنا المنهجية غرقنا في الهمجية!
2. التخفيف من حدة الذعر وهول الدهشة الناتجين عن حدوث المشاكل: فرباطة الجأش مطلوبة؛ ويجب على القائد أن يتعامل مع الأمور الصعبة وكأنها أحداث طبعية.
3. توضيح الإيجابيات المستفادة من المشكلات:وسيأتي بيانها.
4. التأكيد على ضرورة الصراحة والدقة والوضوح في التعامل مع المشكلات.
المشكلات الإدارية حدث دائم متكرر مصاحب للأعمال ولا يكاد ينفك منه عمل قائم البتة
أين يقع حل المشكلات واتخاذ القرارات في خريطة العمليات الإدارية؟
العمليات الإدارية هي:
أولاً: التخطيط: ويشمل وضع الأهداف والمعايير ورسم السياسات والإجراءات وإعداد الموازنات وكتابة الجدول الزمني.(115/1686)
ثانياً: التنظيم: ويشمل الهيكل والمهام والعلاقات ثم اختيار المناسبين لشغل المناصب.
ثالثاً: التوجيه والإشراف: ويشمل التحفيز والقيادة والاتصال.
رابعاً:الرقابة: وتشمل تحديد المعايير الرقابية وقياس الأداء وتشخيص المشكلات وعلاجها بالقرارات الصائبة.
ما معنى المشكلة لغوياً؟
تدور معاني " شكل " في اللغة على الاختلاط والتشابه.
تعريف المشكلة:
هي الصعوبات التي تواجهنا عند الانتقال من مرحلة إلى أخرى؛ وهي إمّا تمنع الوصول أو تؤخره أو تؤثر في نوعيته.
مكونات المشكلة:
1. المشكلة: الوضع الموجود وصفاً وأسباباً.
2. الحل: الوضع المنشود مع تصوره وحصر منافعه. " الوظيفة الحقيقية للحل هي أن يؤدي إلى نتائج إيجابية مع استمرار نفس المدخلات التي كانت تؤدي لنتائج سلبية فالخطأ في حل مسألة رياضية لا يسوغ تغييرها وتبديلها. حاول دائماً التركيز على الحل والخروج من سياق ذهنية المشكلات حتى تحافظ على الروح الإيجابية ولا تقع في مصيدة السلبية.
3. الطريق من المشكلة للحل: آليات التنفيذ.
أنواع المشاكل:
مشكلات في التنفيذ:
وهي الانحراف عن المعايير المحددة بزيادة أو نقص.
مشكلات في الإنجاز:
وهي ما يمنع من الوصول إلى وضع أفضل.
تقسيمات أخرى:
- متفاقمة – متلاشية – ثابتة.
- مفاجئة – متوقعة.
- متكررة – نادرة.
- جماعية – فردية.
- حديثة – قديمة.
وتكمن أهمية التقسيم في تحديد استراتيجية التعامل مع المشكلة.
مقدمات مهمة عن المشكلات الإدارية:
1. لا تتصرف من فورك إلا في الأزمات الخطيرة.
2. السرعة في حل المشكلة قد يضيع الوقت والجهد ويساهم في خلق مشكلة جديدة.
3. قد يستحيل الحصول على حلول كاملة في واقع غير كامل!
4. إنّ ما يزعج الناس ليس مشاكلهم، وإنّما نظرتهم لها.
5. التعايش مع المشكلة أمر مطلوب أحياناً.
6. قد يحسن تجاهل المشكلة بعد استيفاء دراستها!(115/1687)
7. وازن بين الفعل التكيفي " لتهدئة الآثار " وبين الفعل التصحيحي " التوصل إلى حل ".
8. يفترض تسمية المشكلة باسم معين يتعارف عليه.
9. يجب أن يعلم رئيسك بالمشكلة عن طريقك.
10. تأكد أنّك لست جزءاً من المشكلة أو سبباً رئيساً لها: وهذه تحتاج إلى نقد الذات وإشاعة ثقافة الحوار والنقد البناء بين العاملين.
11. لا تحاول استنتاج شيء ثمّ تسعى لإثباته.
12. لا تقفز مباشرة إلى الحل.
13. لا يكن البحث عن كبش فداء أهم من حل المشكلة.
14. ميز بين أخطاء الأفراد وأخطاء النظام.
15. اسأل دائماً عن المظاهر والحقائق وليس عن المشاعر والأحاسيس.
16. كثير من المشاكل لها خاصية التفاعل والاتجاه نحو التضخم.
17. لا يوجد سبب واحد لكل مشكلة؛ بل عدّة أسباب متداخلة.
18. فجوة الأداء هي الفرق بين ما ينبغي فعله وبين الواقع الفعلي للعمل!
19. لا يمكن حل المشكلة بمستوى التفكير نفسه عندما أوجدناها!
20. نحتاج في حل المشكلات إلى مهارات التفكير الإبداعي والتحليلي.
21. إذا وقعت في مشكلة ففكر في مفاتيحها.. لا في قضبانها!
22. لابد من فتح طرق الاتصال بكل أشكاله: الصاعد والنازل والبيني: ويعد الفشل في الاتصال وباء الإدارة المعاصرة؛ وينسب 85 % من النجاح في العمل إلى مهارات الاتصال.
23. حل المشكلات ـ في الغالب ـ منطق وليس عاطفة: ومن سمات العاطفة الانفلات والجموح فلا مكان لها في حل المشكلات.
24. استشراف المستقبل يمنع حدوث المشكلة أو يقلل من أثرها: وعلم المستقبل من العلوم التي لم تحظ بعناية المسلمين ولذا نعاني من " صدمة المستقبل " ومن " توالي الضربات والمحن ".
25. العمل على تحقيق أهداف دائمة يستلزم عقد لقاءات منظمة لحل المشاكل وتوثيق المعلومات المتعلقة بحل المشاكل لمنع تكرار حدوثها.
26. يجب إطلاع المسؤول الجديد على مشاكل العمل وحلولها، ويجب على المدير الإطلاع بشكل دوري على ملف المشكلات.
المشكلة فرصة ثمينة!:
المعنى المرادف للمشكلة عند الصينيين هو:
الفرصة! فرصة.. لماذا؟
- إيجاد حل جديد وعدة حلول أخرى بديلة لكل مشكلة.
- اكتشاف قدرات فكرية وطاقات عملية.
- استمرارية البحث عن برامج وآليات جديدة وإبداعية.
- تحافظ على وحدة المجموعة وتزيد من ثباتها مما يعزز روح الفريق الواحد.
كيف تدرك المشكلة؟(115/1688)
1. بالمقارنة مع التاريخ السابق.
2. بالمقارنة مع مجموعات متشابهة.
3. من خلال النقد الخارجي.
4. بالرجوع لأهداف الخطة وبرامجها.
حال الناس مع المشاكل:
• النفي أو الغفلة: تتراكم.
• التضخيم والتهويل: اليأس.
• الاعتدال والتوسط: الحل.
أسئلة مهمة عند تحديد المشكلات:
- ما مدى حدّة المشكلة وصعوبتها؟
- ماذا عن تكرار حدوث المشكلة؟
- ما مدى أهميّة المشكلة؟
وبالإجابة الصريحة على هذه الأسئلة تتحدد طريقة التعامل مع المشكلات.
الأساليب المتبعة للتعامل مع المشكلات:
*لا تفعل شيئاًً:
1. إذا كانت المشكلة ستحل تلقائياً.
2. إذا كانت آثارها ضعيفة.
3. إذا كانت تكلفة الحل أعلى من تكلفة المشكلة.
*معالجة الآثار:
1. عندما نتوقع زوال السبب.
2. عندما تكون تكلفة معالجة السبب كبيرة.
3. عندما يكون السبب خارج السيطرة.
*مراقبة الوضع فقط:
1. إذا كانت غير ملحة.
2. إذا بدأت بالتلاشي.
3. إذا كانت الأسباب غير واضحة.
*معالجة المشكلة:
1. إذا كانت خطيرة.
2. إذا كانت متفاقمة.
3. إذا جاء أمر بعلاجها من جهة عليا.
من أسباب عدم مواجهة المشكلة:
1. الجهل بحدوثها.
2. الارتياح.
3. كونها تتعلق بشخص محبوب أو مكروه.
4. إذا كانت.......؟ انظر أساليب التعامل مع المشكلات.
أخطاء في تحديد المشكلات:(115/1689)
- تجميع المشاكل الصغيرة كمشكلة كبيرة واحدة: فمن الحكمة تحجيم العدو وليس تضخيمه.
- الاعتماد على المشاعر دون الحقائق.
- القفز مباشرة إلى الأسباب والحلول.
- الاختلاف حول معيار الأداء القياسي: ومن أسباب ذلك غياب التخطيط أو ضعفه.
- التركيز على الأسباب الخارجية فقط. " وإن تصبروا وتتقوا لا يضركم كيدهم شيئاً ".
- إغفال مشاركة المستويات الإدارية القريبة من تنفيذ العمل.
أسلوب كبنر- تريجو لتحديد وتعريف المشكلات:
ما هي المشكلة؟
أين المشكلة؟
ما هي السمات المميزة للمشكلة؟
ماذا ومن تعني المشكلة؟
متى حدثت / تحدث المشكلة؟
ما الذي يبقى ثابتاً؟ وما الذي يختلف؟
هل المشكلة تكبر أم تصغر؟ ما هو الشيء المميز عند تغير حجمها؟
ما هو الوضع الطبيعي؟
أين الوضع الطبيعي؟
ما هي السمات المميزة للوضع الطبيعي؟
ماذا ومن لا تعنيه المشكلة؟
متى لا تحدث
أدوات مهمة في حل المشكلات:
أين توضع هذه الأدوات؟ ضعها في متناول يدك.
الأدوات هي:
من؟ ماذا؟ أين؟ متى؟ كم؟ كيف؟ لماذا؟
من الذي يدعى لحل المشاكل؟
لا بد أن تتوافر فيمن يحضر جلسات مناقشة المشاكل وحلها صفة أو أكثر مما يلي:
1. لديه معلومات عن المشكلة وأطرافها.
2. صاحب خبرة للمشورة والرأي.
3. جيد التدريب والمهارة.
4. ملتزم بالتنفيذ.
5. من يراد تدريبه وتهيئته.
الحل الجماعي: إيجابيات وسلبيات:
الإيجابيات:
1. تنوع الأفكار وتلاقحها.
2. تعدد مصادر المعلومات.
3. أقل تحيزاً. حيث تنتفي الدواعي الشخصية.(115/1690)
4. فرصة للتواصل والتدريب.
5. الالتزام العالي بالأداء.
6. اختيار أفضل الحلول المقترحة. بسبب مشاركة عدة عقول في الحل والاختيار.
7. مشاركة عدة مستويات إدارية. فتشارك الإدارة العليا التي تهتم بالتخطيط والإدارة الوسطى المهتمة بالإشراف والإدارة الدنيا المعنية بالتنفيذ.
مجرد وجود المشكلات أمر طبيعي ويدل على وجود عمل له خاصية التفاعل والاستمرارية والتجديد
السلبيات:
1. إغفال تسجيل الأفكار.
2. التنافس المنفر.
3. المواكبة والمجاراة. بسبب الركون إلى خبرة أو مكانة أحد المشاركين.
4. الافتقار إلى التوجيه الموضوعي. انظر أسلوب القبعات الست في التفكير.
5. المقيدات الزما نية والمكانية.
6. سيطرة طريقة تفكير الرئيس.
أسباب الفشل في حل المشكلات:
1. عدم اتباع المنهجية في تحديد وحل المشكلات.
2. وضع المشكلة خارج نطاقها الحقيقي.
3. نقص المعلومات أو التحليل السيئ للمشكلة.
4. استخدام نوع واحد من التفكير (طريقة القبعات الست).
القبعة البيضاء نظرة موضوعية للأمور
القبعة الحمراء الانفعال والحدس والتفكير الفطري
القبعة السوداء الحذر والتشاؤم والتفكير السلبي
القبعة الصفراء الممكن والمنطق الإيجابي
القبعة الخضراء الأفكار الجديدة والتفكير الخلاق
القبعة الزرقاء ضبط عملية التفكير
5. غياب أو تحجيم مشاركة الأطراف المعنية.
6. الخوف من الفشل ومن التجديد ومن تبادل الأفكار.
7. مقاومة التغيير.
8. التوقف عن التنفيذ أو ترك المتابعة والتقويم.
أهمية المعلومات لحل المشكلات:
- المعلومات مهمة لحل المشاكل إذ المعلومة قوة.
- لا بد أن يكون للمعلومة صلة بالموضوع.
- توقيت الحصول على المعلومة مهم.
- يجب أن تكون المعلومات دقيقة ومفصلة وكاملة .
- شرعية طريقة الحصول على المعلومة .
- لابد من التعامل بكفاءة مع المعلومة.
أنواع المعلومات:(115/1691)
خارجية وداخلية.
مصادر المعلومات:
- المصدر البشري.
- البيانات الأولية والثانوية والتاريخية.
- البيانات الوصفية والكمية.
- التنبؤات والتوقعات واستشراف المستقبل.
ويمكن الحصول على هذه المعلومات من التقارير والكتب والاستبانات وغيرها.
أدوات تحليل المعلومات:
- سمكة إشيكاوا: حيث تكتب المشكلة وتحدد أهم أسبابها وأكثرها تأثيراً.
- خرائط الزمن: من خلال رسم بياني يتضح زمن الانحراف وبتحليل الزمن يتعرف على الأسباب.
- خرائط الإجراءات: لتحديد مكمن الخلل فيعالج.
خطوات تحليل المشكلة:
1-تعريف المشكلة وتمييزها. " المشكلة المعرفة جيدا هي مشكلة نصف محلولة.
2-تحليل المشكلة: أسبابها؛ماذا نريد؟هل تؤثر على أهدافنا؟
3-إعداد قائمة بالحلول (طريقة العصف الذهني).
تقوم طريقة العصف الذهني على مبادئ: الحرية في طرح الأفكار؛ يمكن البناء على فكرة مطروحة؛ عرض الأفكار دون نقد؛ الكم الكثير يولد الكيف المتميز، ثم تمحص الأفكار ويحذف المكرر و يختار المناسب منها ويقارن بينها.
4- تقييم الحلول (حسب المعايير). "الملائمة وتشمل المهارات المطلوبة والموارد البشرية والمادية، التكلفة، المخاطر: هل لديك القدرة على تحمل أسوأ النتائج المتوقعة (تقييم الخطر النازل)، مراعاة البيئة والقيم والمفاهيم الشخصية، مستوى القبول للقرار.
فعالية التنفيذ النوعية * القبول. (وعليه فلابد من تمتع القرار المتخذ بدرجة عالية من حيث النوعية ومن حيث قبول المعنيين له ؛ وتخلف أحد الدرجتين سبب في فشل القرار وسوئه).
5-تحديد الخيار الأفضل واتخاذ القرار . " الايجابيات والسلبيات (النوع لا العدد)، الإجماع الحقيقي؛ التصويت (بنوعيه : إما اختيار حل واحد أو تقييم جميع الحلول من 10 مثلاً وجمع قيم كل حل والأكثر قيمة هو المناسب)
6-وضع خطة للتنفيذ. " لأنه إحداث تغيير، توقع المخاطر ثم حاول منعها أو تقليلها، ناقش الأفراد التفيذيين فلابد من القناعة والوضوح والاستعداد النفسي وبين لهم منافع القرار ومضار عدمه.
7-المتابعة والتقييم:. " تابع التنفيذ ولاحظ مؤشرات النجاح أو الفشل، اعترف بالقرار السيئ؛ عند الحاجة الدائمة للقرار اجعله سياسة، تأكد من انتهاء المشكلة واتخذ خطوات وقائية لمنع تكرارها، اكتب تقريراً مفصلاً لرئيسك.
هل وجود المشكلات يعد مشكلة؟!
هل وجود المشكلات يعد مؤشراً سلبياً على العمل؟(115/1692)
*مجرد وجود المشكلات أمر طبيعي ويدل على وجود عمل له خاصية التفاعل والاستمرارية والتجديد.
*إذا كانت المشكلات كثيرة بدرجة لافتة للنظر فهذا يدل على وجود خلل في جهة ما.
*انتفاء المشاكل كلية يدل على انتفاء أصل العمل أو ضعف المتابعة والتقييم.
الخاتمة:
يبقى التنظير أمراً ماتعاً ويكمن التحدي في التنفيذ والتطبيق.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
ـــــــــــــــــــ
وقفات للآباء
عبد الرحمن آل عوضة
29/5/1426
ارسل تعليقك ...
لا توجد تعليقات ...
ارسل الصفحة ...
الى مشرف النافذة ...
طباعة ...
1- تذكر أن كل طفل هو عالم قائم بذاته.
2- ينبغي أن تتغير أنت إلى الأفضل إذا كنت ترغب في تربية أبنائك للأفضل.
3- يمكنك الاستفادة من تجارب الناجحين والمتخصصين في تربية الأبناء.
4- معرفة آفات التربية الخاطئة لكي لا تقع فيها، ومنها على سبيل المثال: الاستعجال، الجهل، الإهمال... إلخ.
5- الصحة النفسية العالية للوالدين تؤثر إيجابياً في تربية الأبناء أو العكس.
6- معرفة مدى تأثير الإعلام السلبي على الأبناء توجب تدخل الوالدين.
7- ما يمتاز به الوالدان من صفات، لها أبعد الأثر على الأبناء كالتفاؤل والإيجابية والثقة بالنفس.
8- ينبغي أن تنقل تربية الأبناء إلى العقل الواعي وتركز على ذلك.
9- الجهل بأمور تربية الأبناء قد يوقعك في أخطاء جسيمة وأنت لا تشعر وقد تضحي بأبنائك بسبب ذلك.
10- من الأفضل أن تعلم الأبناء كيف يفكرون بدلاً من التفكير عنهم.
11- معاناة الكبار اليوم هي نتائج تربية الأمس عندما كانوا صغاراً، وأرجو ألا تكرر المعاناة في جيل الغد فتلك مأساة.
الإخلاص في الأعمال هو روحها، وأنس العاملين، وسبب عظيم في التوفيق، ومن ذلك تربية الأبناء
12- هناك عوامل وراثية ينبغي مراعاتها عند تربية الأبناء.
13- ينبغي مراعاة السنن الكونية عند تربية الأبناء فمعاناة سنين لا يمكن التخلص منها في لحظات إلا أن يشاء الله.
14- اتفاق الوالدين في أمور تربية الأبناء ركيزة وحجر أساس.(115/1693)
15- صدق المشاعر مع الوالدين ينعكس إيجابياً في تربية الأبناء.
16- لا تحاول أن تجعل ابنك نسخة مكررة منك وأطلق له العنان للإبداع والتميز.
17- ينبغي الوضوح مع الأبناء حتى يزيد استقرارهم النفسي.
18- ينبغي معرفة مراحل وخصائص نمو الأبناء ومراعاة ذلك.
19- هناك فارق السن بين الآباء والأبناء، وكذلك فارق في الاحتياجات والتفكير والعقل ومن الضروري جداً مراعاة ذلك.
20- حاجات الآباء لمعرفة أمور التربية تختلف وتتفاوت، والكل يحتاج المزيد من العلم في ذلك.
21- عندما تعرف من نجح في تربية أبنائه فلا تتردد في الاستفادة منه مع مراعاة أن الأبناء يختلفون، فما ينفع عند بعض الأبناء قد لا ينفع مع الآخرين.
22- من أخطر الأمور في تربية الأبناء تربيتهم على الرياء والسمعة ومراقبة الخلق.
23- سألت أحد الآباء المربين عن تربية أبنائه، فأخبرني بأنه يعتمد على الدعاء، وهذا أمر عظيم.
24- ينبغي أن تحسب الآثار والعواقب في تربية الأبناء.
25- تذكر أن تربية الأبناء الجيدة قبل البلوغ لها ثمرتها الطيبة بعد البلوغ، وبعض الآباء يعاني في مرحلة بلوغ الأبناء نتيجة تربيته قبل البلوغ.
26- قد يكتشف الإنسان بعد مرور العمر أنه سبب في معاناة أبنائه طول حياتهم.
27- ليس هناك كنز حقيقي مثل كنز الأبناء فاحرص عليهم كحرصك على أحب وأعز صديق في الحياة.
28- التوفيق بيد الله وعلينا فعل الأسباب ولله الأمر من قبل ومن بعد.
29- الإخلاص في الأعمال هو روحها، وأنس العاملين، وسبب عظيم في التوفيق، ومن ذلك تربية الأبناء
ـــــــــــــــــــ
المنهجية في استغلال الإجازة الصيفية
بقلم: فواز الرحيمي
26/5/1426
ارسل تعليقك ...
تعليقات سابقة ...
ارسل الصفحة ...
الى مشرف النافذة ...
طباعة ...
الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده محمد وعلى آله وصحبه، وبعد:
إخوة الإيمان..هاهي الإجازة قد أقبلت بخيلها ورجلها مئة يوم..بليلها ونهارها وساعاتها ودقائقها، والناس تجاهها على أقسام:
1) قاتلون لأوقاتهم بسهام المعاصي فتجد ليلهم على الأطباق الهوائية أو المقاهي الليلية ونهارهم نوم عن الصلوات وهجر للجمع والجماعات هذا إن قضوها في(115/1694)
بلادهم وبين أهليهم وإلا فلديار الإباحية يطيرون وحول حماهم يحومون ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
2) مستغلون لأوقاتهم فتجد أوقاتهم بذكر الله معمورة وبطلب العلم والدعوة إلى الله مشغولة فبهم ينتصر الدين فهم نجوم ليل الفتن التي ترمى بها الشياطين.
3) مضيعون لأوقاتهم فيما لا فائدة فيه أو في نفع الآخرين على حساب إهمال أنفسهم محرومون من الاستفادة منها فيما يعود عليهم بالنفع فتنقضي الإجازة ورصيدهم العلمي والعملي والدعوي كما هو قبل الإجازة إن لم يكن أقل - وهذا يحصل لبعض المنشغلين بالبرامج الدعوية أو تربية الشباب وإن كان من المفترض أن يكونوا أولى الناس في استغلال الأوقات؛ لأنهم قدوات ومربون ويرجى لهم الخير وهم على خير فكم أصلح الله بهم من بيت وهدى الله على أيديهم من شاب فبهم حفظت أوقات الشباب وحيل بهم بين طلاب الهداية ودعاة الفساد.
إخوة الإيمان..هاهي الإجازة قد أقبلت بخيلها ورجلها مائة يوم..بليلها ونهارها وساعاتها ودقائقها، والناس تجاهها على أقسام
لكن يؤسفني ويؤسف كل محب لهم أن تنقضي الإجازة ولم يراجع فيها قرآنا أو يحفظ فيها حديثا ولم يقرأ فيها كتابا أو يواظب على حضور درس، بل إن الأسف يزداد حينما تراه من المتأخرين عن حضور صلاة الجماعة ومن المبكرين في الخروج بعد الصلاة وبعضهم لا يعرف جاره ولا يشاركه في أفراحه وأتراحه وقد ينشغل بعضهم عن خدمة أهله وقضاء حوائجهم، بل تجده يقوم بخدمة الآخرين في أي وقت كان وأهله لا يجدون من يقضي لهم حوائجهم وإن قضاها لهم فلا تسأل عن حاله وحالهم وغيرها من المتناقضات والحق أحق أن يتبع.
عذراَ فإن الجرح يؤلم ... ...
فكيف وقد وضعت يدي عليه
أخي على طريق الحق وبعد فهاهي خواطري بين يديك وتجربتي أمام عينيك فخذ منها ما شئت ودع ما شئت فحسبي أن يعلم الله مرادي "إن أريد إلا الإصلاح ما استطعت وما توفيقي إلا بالله عليه توكلت وإليه أنيب".
إذا أردت أن تستفيد من الإجازة حق الاستفادة وأن تكون فيها من الفائزين فعليك بما يلي:
1) أن تستشعر قيمة الوقت وأن له شأناَ عند الله فبه أقسم في غير ما آية من كتابه والله إذا أقسم بشيء دل على عظمته بل إنه أقسم بجميع أجزاء اليوم فأقسم بالنهار وأجزائه الفجر والضحى والعصر وأقسم بالليل.
2) أن تعلم أن هذا الوقت هو رأس مالك فإن ضيعته ضاع رأس مالك وإن حفظته فالربح حليفك.
3) أن تعلم أن مفاتيح استغلال الوقت بيدك فلا تحتاج إلى شرائها ولا استئجارها فليس عليك سوى أن تشمر عن ساعد الجد فإن الوقت يمضي والعمر قصير.
4) أن تعلم أن بهذا الوقت حفظت العلوم وجمعت السنة وحررت المسائل وكتبت القصائد وأنه ما من عالم رفع شأنه إلا واستغلال الوقت كان مركبه وما من داعية رفع ذكره إلا واستغلال الوقت كان همه.(115/1695)
5) أن تعلم أن الناس صنفان علماء وعامه، والذي ميز العلماء عن العامة هو استغلال العلماء لأوقاتهم. فإن كنت مضيعاَ لأوقاتك فقد شاركت طلاب العلم في هيئتك ولباسك وفارقتهم في استغلالك لأوقاتك.
6) أن تعلم أنه لن يكون لك تأثير في واقع أمتك إلا بالعلم والعمل ولن يتحققا لعشاق الدعة والكسل.
7) أن تقرأ سير أصحاب الهمم العالية وممن كتب في هذا الباب محمد المقدم " الهمة العالية" فلتراجعه.
وبعد ذلك ... هل قررت أن تستغل الإجازة؟ أظن جوابك.. نعم. إذا فابدأ بالخطوات التالية:
الخطوة الأولى: حدد الأهداف الكبرى التي ترغب في تحقيقها في الإجازة:
احرص أن تكون أهدافك الأولى هي " تزكية نفسك بالعلم النافع والعمل والصالح والدعوة إلى الله على بصيرة" ثم بعدها الأهداف الأخرى الخاصة.
"أمثله لبعض الأهداف":
1) حفظ شيء من القرآن والسنة أو ضبط القرآن وقراءة كتب السنة.
2) المنهجية في التأصيل العلمي وإنهاء بعض المتون العلمية.
3) المشاركات الدعوية العامة مثل المراكز الصيفية أو حلقات القرآن والخاصة، مثل: إلقاء الكلمات وغيرها.
4) المشاركات الإغاثية.
5) الحصول على دورات خاصة فنية كالحاسب الآلي أو رياضية بنية تقوية البدن.
6) تنظيم المكتبة أو الأوراق الخاصة وفهرسة الأشرطة وإعداد أفكار دعوية قادمة.
7) المشاركة في بعض الأعمال التجارية..
8) زيارة مكة والمدينة بنية العبادة وبعض المناطق السياحية للدعوة إلى الله.
وغيرها من الأهداف.. واعلم أن الأهداف تختلف من شخص إلى شخص المهم أن تختار الأهداف التي تحتاجها وأن تكون قادراَ على تحقيقها _بإذن الله تعالى_.
الخطوة الثانية: اجعل لكل هدف مراحل تؤدي إلى تحقيقه (أهداف صغرى):
مثال لكي تحقق الهدف الأول مثلاَ وهو حفظ أو ضبط القرآن الكريم مع فهم شيء من معانيه لابد من المراحل التالية:
1/ حفظ ثلاثة أوجه يومياَ أو أقل أو أكثر بعد صلاة الفجر وتسميعها على قارئ متقن وقراءة معانيها من تفسير السعدي مثلاَ وبعد ذلك كرر ما حفظته في نفس اليوم أكثر من عشرين مرة وذلك بقراءتها في الصلوات و السنن الرواتب والنوافل الأخرى وهكذا في اليوم الثاني والثالث والرابع ... ..
2/ في كل جمعه أحرص على التبكير إلى المسجد ومن ثم مراجعة ما تم حفظه في الأسبوع. وهكذا.
بهذه الطريقة يتحقق _بإذن الله_ الهدف الأول وهو حفظ شيء من القرآن أو ضبطه مع فهم شيء من معانيه في وقت قصير لا يتجاوز ساعة يوميا، وبانتهاء الإجازة _بإذن الله_ تكون قد حفظت أو ضبطت نصف القرآن وفهمت شيئاً من معانيه وإن(115/1696)
زدت زاد حفظك ... وهكذا. فالإجازة مئة يوم وعلى قدر حفظك اليومي يكون مجموع حفظك.
وهكذا حفظ السنة أو قراءة السنة فتخصص: صفحة يومياَ أو أكثر " من المختصرات مثل مختصر البخاري للزبيدي أو مختصر مسلم للمنذري وتخصص وقتاَ مناسباَ للحفظ أو القراءة إن عجزت عن الحفظ.
مثال آخر لتحقيق الهدف الثاني مثلاًَ، وهو: " المنهجية في التأصيل العلمي وإنهاء بعض المتون العلمية" لابد من وضع برنامج يتناسب مع حاجتك العلمية على سبيل المثال ترغب في برنامج للمبتدئين فتحتاج لإعداد هذا البرنامج مثلاًَ عن طريق الأشرطة لسماع شروح الكتب التالية:
(الأصول الثلاثة في التوحيد) و(لمعة الاعتقاد في العقيدة) و(أخصر المختصرات في الفقه أو بلوغ المرام في الحديث والفقه) و(الآجرومية في النحو) فيكون البرنامج كما يلي:
*الوقت المخصص لسماع هذه الدروس ساعتان يومياًََ (وقت الضحى أو بعد الظهر و بعد العصر أو بعد المغرب) تختار وقتين من هذه الأوقات بشكل ثابت ومنظم.
• الأيام المخصصة للدروس خمسة أيام من السبت إلى الأربعاء ويوما الخميس والجمعة للمراجعة، فتكون عدد ساعات البرنامج عشر ساعات في الأسبوع الواحد.
فبناء على ذلك يكون الجدول العلمي لتحقيق هذا الهدف كما يلي
اليوم الساعة الأولى الساعة الثانية المادة عدد الساعات مقدار الأشرطة.
السبت الأصول الثلاثة أخصر المختصرات أو بلوغ المرام توحيد 1 ساعة واحدة نصف شريط.
الأحد لمعة الاعتقاد أخصر المختصرات أو بلوغ المرام عقيدة 2 ساعتان شريط كامل.
الاثنين الآجرومية أخصر المختصرات أو بلوغ المرام فقه أو حديث 5 خمس ساعات شريطان ونصف.
الثلاثاء لمعة الاعتقاد أخصر المختصرات أو بلوغ المرام نحو 2 ساعتان شريط كامل.
الأربعاء الآجروميه أخصر المختصرات أو بلوغ المرام المجموع 10 ساعات خمسة أشرطة.
وبهذا الجدول تحقق _بإذن الله_ الهدف الثاني وقد تختلف الكتب من شخص إلى آخر ويمكن أن تضيف فناًَ آخر على حسب الحاجة والوقت مثلاَ في مصطلح الحديث أو أصول الفقه ... وبإمكانك أن تجعل لك أوقاتاًَ لحضور دروس كبار العلماء أو الدورات العلمية في وقت الدورات و بين الدورات يكون برنامجك عن طريق الأشرطة.
تنبيهان:
الأول: إذا أردت أن تعرف المدة الكافية لسماع شرح كتاب مسجل في أشرطة فعليك بالطريقة التالية (مجموع الأشرطة × 2 عدد الساعات الكافية لسماع شرح هذا الكتاب)(115/1697)
مثال: أشرطة شرح الآجرومية لابن عثيمين من أفضل الأشرطة في علم النحو عددها:16شريط.
لكي تعرف المدة الكافية لسماعها (16 × 2 32 ساعة فبناءَ على الجدول السابق تحتاج إلى 32 أسبوع إذا كان معدل سماعك شريط واحد في الأسبوع وتحتاج إلى 16 أسبوع إذا كان معدل سماعك شريطين في الأسبوع..وهكذا ... .
الثاني: لا يكن همك إنهاء المتن، ولكن ليكن همك فهمه واستيعابه كي لا تحتاج إلى إعادة سماعه مرة ثانية بل تكتفي بمراجعته ، واحرص على تقييد الفوائد وتنظيمها وترتيبها ومن ثم فهرستها.
* لكي تستفيد مما تعلمته اعمل به مباشرة وعلمه غيرك فهذا من أسباب ثبات العلم وعدم نسيانه.
مثال ثالث: لتحقيق الهدف الثالث وهو "المشاركات الدعوية العامة والخاصة." عليك أولاَ بتحديد قدراتك الخاصة في الدعوة إلى الله فهناك عدة أعمال دعوية نذكر منها على سبيل المثال
(إلقاء الكلمات في المساجد / توزيع الكتب والأشرطة النافعة على الأرصفة والأماكن العامة/ زيارة المقصرين من الأقارب أو الجيران/ إعداد دورات مصغرة في العلوم الشرعية /المشاركة في المراكز الصيفية..)
فإذا حددت قدراتك الخاصة حدد وقتاًَ أو أكثر للقيام بهذا العمل مع التنبه لأمر مهم، وهو أن إلقاء الكلمات والدورات تحتاج منك إلى وقت لتحضيرها وإعدادها إعداداَ علمياَ موثقاَ بالأدلة فلا يصلح فيها الارتجالية بل على قدر الإعداد لها يكون الانتفاع منها.
ولتحقيق الهدف الرابع تحتاج إلى زيارة الهيئات الإغاثية لتشارك فيما يناسبك في الوقت الذي يناسبك.
ولتحقيق الهدف الخامس تحتاج إلى النظر فيما تحتاجه من دورات سواء كانت في الحاسب الآلي أو اللياقة البدنية وبرمجة ذلك في الجدول العام.
ولتحقيق الهدف السادس تحتاج إلى اختيار وقت في الأسبوع للنظر فيما تحتاج إلى ترتيبه من أوراق وأنسب الأوقات قبل العصر من يومي الخميس والجمعة.
* قد تنتهي من بعض الأهداف في وقت قصير مثل الهدف السادس فلا مانع من إدراج هدف آخر.
وهكذا ... ... ... وليس بشرط أن تكون هذه أهدافك فأنت أعلم بنفسك من غيرك.
الخطوة الثالثة: قم بإعداد الجدول الخاص بك:
"طريقة وضع الجدول العام..للبرنامج. قبل وضع البرنامج يجب مراعاة الأمور التالية
أولاَ: أن يكون البرنامج معقولاَ بحيث يتناسب مع قدراتك وحاجاتك.
ثانياَ: أن يكون البرنامج فيه مرونة بحيث يمكنك التصرف فيه في الحالات الطارئة وتدارك ما فات منه.
ثالثاَ: أن تستشير أهل الخبرة في هذا الفن.(115/1698)
• لكي تعرف مدى نسبة نجاح هذا البرنامج ضع لنفسك جدول محاسبة على شكل نقاط ويكون إعداده كما يلي "
فقرات البرنامج في اليوم الواحد × 2 الناتج × عدد أيام البرنامج الحد الأعلى للنقاط
وتقوم بتعبئة الجدول بعد كل فقرة من فقرات البرنامج اليومي ويكون التقييم كما يلي:
(إذا تم البرنامج في وقته المحدد تحصل على نقطتين و في غير وقته المحدد لغير عذر نقطه وإذا فات البرنامج في هذا اليوم صفر)
وفي نهاية الدورة (مجموع النقاط التي حصلت عليها × 100 ÷ الحد الأعلى للنقاط نسبة نجاح البرنامج)
مثال تطبيقي:
فيما يلي صورة لبرنامج قام بإعداده "خالد" راعى فيه جميع ما ذكرنا
أولاَ / معلومات أولية
الاسم خالد بن ... ... . أل ... ... ..
مدة البرنامج من 1/4/1423هـ إلى 1/7/1423هـ مدة البرنامج 90 يوماًَ
وقت مقتطع من مدة البرنامج 10 أيام سبب الاقتطاع رحلة مع الأهل إلى ...
المدة الفعلية 80 يوماَ
الأهداف العامة خلال هذه الإجازة:
1) مراجعة القرآن كاملاًَ مع فهم شيء من معانيه.
2) حفظ ما تيسر من مختصر البخاري للزبيدي.
3) سماع شرح كتاب التوحيد لابن حميد (20 ش).
4) سماع شرح بلوغ المرام لابن عثيمين (40ش).
5) سماع شرح كتاب الآجرومية لابن عثيمين (16ش).
6) سماع شرح نخبة الفكر للخضير (7 أشرطه).
7) قراءة من كتاب البداية والنهاية.
8) قراءة من كتاب عيون الأخبار لا بن قتيبة.
9) دورة في الحاسب الآلي.
10) فهرسة وتنظيم المكتبة الخاصة
اليوم بعد الفجر وقت الضحى بعد الظهر بعد العصر بعد المغرب قبل النوم
السبت بعد قراءة الأذكار أقوم _بإذن الله_ بمراجعة
5 أوجه وتكرارها أكثر من عشرين مرة وقراءة معناها من تفسير ابن سعدي هذا الوقت مخصص لسماع درس بلوغ المرام بعد أداء سنة الضحى حفظ صفحتين من مختصر البخاري درس التوحيد برامج دعوية من إلقاء كلمات أو زيارة مرضى أو صلة أرحام قراءة من البداية والنهاية
الأحد درس النحو دورة حاسب.
الاثنين درس المصطلح قراءة من البداية والنهاية.
الثلاثاء درس التوحيد قراءة من عيون الأخبار.
الأربعاء درس النحو قراءة من البداية والنهاية.
الخميس مراجعة عامة لما تم حفظه ودراسته... دورة حاسب(115/1699)
الجمعة تنظيم وترتيب المكتبة.
* بإمكانه أن يضيف درساًَ في أصول الفقه مثلاً شرح الورقات بعد الانتهاء من شرح نخبة الفكر مثلاًَ.
* عند قراءتك لهذا الجدول لا تظن أن ما بين الوقتين سيقضى فيما حدد له وإنما ساعة واحدة وبقية الوقت خارج البرنامج.
• بإمكانك أن تستفيد من الأوقات التي هي خارج البرنامج في تحقيق بعض الأهداف الخاصة مثل " دورة اللياقة البدنية " و " برنامج زيارات الأقارب " و " زيارات العلماء " " البيع والشراء ... ..
• هذا الجدول مجرد مثال والذي عليك هو اختيار ما تحتاجه من متون أو كتب للقراءة .
• لا مانع أن يشترك اثنان أو أكثر في برنامج علمي أو دعوي بخلاف البرنامج الخاص فيفضل الانفراد.
• الأصل أن يكون البرنامج العلمي عن طريق الدورات العلمية أو الدروس المقامة في المساجد لكن إذا تعذر ذلك إما لعدم وجود درسِ لمتن يناسبك أو لتعذر الحضور فالأشرطة تقوم مقامهما.
بإمكان الموظف أن يضع له برنامجاًَ بعد العمل أو في أوقات الفراغ خلال مدة العمل وتكون البرامج يمكن تطبيقها في العمل مثل مراجعة قرآن أو قراءة كتاب أو مراجعة ما تم دراسته ونحو ذلك ...
الخطوة الرابعة: العمل بالبرنامج وهذا يحتاج إلى أمرين:
1/ الاطراح بين يدي الله وسؤاله العون والتوفيق، وأن يعينك على تحقيق أهدافك وقل اللهم أعني على تزكية نفسي بالعلم النافع والعمل الصالح والدعوة إليك على بصيرة، و قل: اللهم أعني على استغلال الأوقات بالأعمال الصالحات، واجعلني مباركا أينما كنت وبارك لي في أوقاتي.
2/ الهمة العالية والصبر والجلد "وفي ذلك فليتنافس المتنافسون".
وختاماً اعلم أخي أن الإجازة فرصة لتربية النفس على العبادة، وأسأل الله أن ييسر لي إنهاء " المنهجية في تربية النفس على العبادة " وسوف أشير إلى إشارات بسيطة أسأل الله أن يبارك فيها.
احرص على ما يلي:
• أن يكون لك نصيب من قيام الليل ولو خمس ركعات تصليها بعد العشاء، وتسأل الله فيها أن يعينك على التلذذ بمناجاته في الثلث الأخير من الليل.
• أن تبكر إلى أداء الصلوات مستشعراَ ما تقول في ذهابك وإيابك ففي التبكير خير كثير.
• أن تحرص على البقاء في المسجد ولو عشر دقائق خاصة بعد الفجر والعصر كي تكون من الذين يسبحون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه.
• أن تحافظ على سنة الضحى حين ترمض الفصال.
• أن تكون لك ساعات تناجي فيها ربك وتبكي بين يديه فوالله إن لها لأثراَ في صلاح قلبك.(115/1700)
• أن تزور المقابر ليلاَ كما كان يزورها رسول الله _صلى الله عليه وسلم_.
• أن تحرص على أن تتصدق خفية ولو بشيء قليل.
• أن تكثر من ذكر الله بقلبك ولسانك مستشعراَ ما تقول.
• أن يكون لك نصيب من زيارة المرضى والقراءة عليهم والدعاء لهم بالعافية فإن لها أثراَ في صلاح قلبك واستصلاح غيرك.
• احرص على طهارة قلبك من الرياء والعجب ومن الغل والحقد والحسد والكبر وأمراض القلوب فإن طهارته سبب لذوق حلاوة الطاعة.
هذا والله أعلى وأعلم وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين ومن سار على نهجه واقتفى أثره إلى يوم الدين.
ـــــــــــــــــــ
أمور هامة قبل التربية
عبد الرحمن آل عوضة
22/5/1426
ارسل تعليقك ...
لا توجد تعليقات ...
ارسل الصفحة ...
الى مشرف النافذة ...
طباعة ...
اختيار الزوجة الصالحة:
من أعظم هذه الحقوق وأهمها: حسن اختيار الأم تلك الحاملة الحاضنة المربية، والرسول _صلى الله عليه وسلم_ وضع وبيّن مرغبات الرجال في اختيار النساء ذكر الجمال، الحسب، والمال، والدين، ثم قال: «فاظفر بذات الدين تربت يداك».
وليمة العرس بضوابطها الشرعية:
فلا يبالغ فيها بالإسراف في الأطعمة والأشربة، وكذلك يبتعد عن الأغاني والموسيقى وكل ما يغضب ربه تعالى.
آداب الدخول على الزوجة:
ويستحب له إذا دخل على زوجته ليلة الزفاف أن يدعو الله ويسأله من خيرها ما جبلت عليه، ويضع يد على رأسها، ويصلي معها ركعتين.
الترغيب في طلب الولد:
قال صلى الله عليه وسلم: «تزوجوا الودود الولود فإني مكاثر بكم الأمم»، وقال _عليه الصلاة والسلام_: «ما من الناس مسلم يموت له ثلاثة من الولد لم يبلغوا الحنث إلا أدخله الله الجنة بفضل رحمته إياهم»، وقد كان لقيس بن عاصم _رضي الله عنه_ اثنان وثلاثون ذكراً.
يستحب حين الولادة أن يقوم الوالد بالأذان في أذن المولود اليمنى ويقيم في اليسرى، وذلك ليكون أول شيء يصل على المولود من أمور الحياة بعد الهواء هو التوحيد المنافي للشرك
الأذان في أذن المولود:(115/1701)
يستحب حين الولادة أن يقوم الوالد بالأذان في أذن المولود اليمنى ويقيم في اليسرى، وذلك ليكون أول شيء يصل على المولود من أمور الحياة بعد الهواء هو التوحيد المنافي للشرك.
التحنيك:
سنة مؤكدة من سنن الهدي التي سنها رسول الله _صلى الله عليه وسلم_ لأمته، فقد أورد البخاري _رحمه الله_ في صحيحه أن رسول الله _صلى الله عليه وسلم_ جاءته أسماء بنت أبي بكر _رضي الله عنهما_ بعبد الله بن الزبير بعد أن ولدته «فوضعته في حجره ثم دعا بتمرة فمضعها ثم تفل في فيه، فكان أول شيء دخل جوفه ريق رسول الله _صلى الله عليه وسلم_، ثم حنكه بالتمرة ثم دعا له فبرَّك عليه».
الرضاع:
يقول الله _سبحانه وتعالى_ في كتابه العزيز: "وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ" (البقرة: من الآية233)، فهذا حثٌّ من الله للوالدات بأن يغذين الأولاد الصغار مما وهبهن الله من اللبن في أثدائهن.
التسمية (اختيار الاسم الجميل):
يتأثر الطفل نفسياً بنوع الكنية أو الاسم الذي يعطى له، ويشير الإمام ابن القيم رحمه الله إلى أن هناك علاقة وارتباطاً بين الاسم والمسمى، وأن للأسماء تأثيراً على المسميات، فقد أمر رسول الله _صلى الله عليه وسلم_ بتحسين الأسماء فقال: «من ولد له ولد فليحسن اسمه وأدبه».
العقيقة:
وهي سنة مؤكدة عند جمهور العلماء قال _عليه الصلاة والسلام_: «عن الغلام شاتان مكافيتان وعن الجارية شاة».
الحلق لرأس الولد:
حلق رأس المولود بالموس من السنة، ويكون ذلك في اليوم السابع من ولادة المولود، ثم يتصدق عن المولود بما يعادل وزن شعره من الذهب أو الفضة، فقد وردت السنة بذلك عن رسول الله _صلى الله عليه وسلم_ حين ولدت السيدة فاطمة -رضي الله تعالى عنها قال لها: «زني شعر الحسين وتصدقي بوزنه فضة».
الختان:
هو إزالة الجلدة الموجودة على رأس الذكر، وهو من سنن الفطرة المباركة الواردة في الشرع.
ـــــــــــــــــــ
بَوْح مراهق
فهد بن إبراهيم السيف
8/5/1426
ارسل تعليقك ...
تعليقات سابقة ...
ارسل الصفحة ...
الى مشرف النافذة ...(115/1702)
طباعة ...
هذا البوح جُلُّه من ورقة قدمها إليَّ أحد الذين يقفون على بوابة الخروج من مرحلة المراهقة، وقد شكا فيها تعامل المربين معه، ولما رأيت صواب كثير مما قاله أحببت نشره، لنستفيد منه سوياً، إما بتصديق قوله، أو على الأقل نحسن التعامل معه بعد فهم نفسيته حتى لو لم نتفق معه في بعض شكواه.
بوح مراهق:
أيها المجتمع الذي يمارس معي ومع أبناء جيلي دور التربية هذه هموم وشكوى لي ولغيري من المراهقين أبوح بها لكم لتعرفوا كيف تتعاملون معي:
• أول ما أريد قوله ومنه تتفرع أغلب النقاط: أنني قد أصحبت رجلاً، وأنتم لا زلتم تتعاملون معي على أنني ما زلت طفلاً، فهلا شيء من الاحترام يرد إليَّ كرامتي!
• كثيراً ما يكون تعاملكم معي بطريقة الاضطهاد، وهذا الأمر يزيد في كبريائي وعنادي! فبإمكانكم أن توجهوا إليَّ شيئاً من التوجيه المختصر بدلاً من هذا الحرمان.
• ويجب أن تعلموا أنني بطبيعتي لا أحب المحاضرات الطويلة التي لا أستطيع الاستماع إلا إلى نصف دقيقة منها فقط على الأكثر، وما بعد ذلك فإن ذهني يتجه بعيداً عن أجوائكم المليئة باللوم.
أيها المجتمع الذي يمارس معي ومع أبناء جيلي دور التربية هذه هموم وشكوى لي ولغيري من المراهقين أبوح بها لكم لتعرفوا كيف تتعاملون معي
• كما أن تهديداتكم المتكررة لا تزيدني إلا عناداً، فأنا رجل لي شخصيتي المستقلة، لا تستطيعون التعامل معي بهذه الطريقة العسكرية، وتستطيعون بدل ذلك أن اتخاذ أساليب لينة تتعاملون بها معي كما تتعاملون مع الكبار.
• الرجال أمثالي ليسوا بحاجة أن يسألهم أحد حتى ولو كانت أمه الرؤوم أين قضوا يومهم ذلك، فهذا نوع من عدم الثقة لا أرتضيه، إنكم بهذه الطريقة تضطرونني إلى الكذب والتمويه عليكم، وأظن أنني أعرف أين أذهب ومتى أرجع.
• كما أنني أريد أن أفهم: ما المشكلة في خروجي من المنزل؟ ولماذا تحاولون تضييق الخناق علي؟ إن الذي أعرفه أن النساء هنَّ اللاتي قد أمرن بالقرار في المنزل.
• أعترف أنني –أحياناً- أقع في الخطأ كباقي البشر، لكن طريقتكم في التعامل معي تقطع علي خط الرجعة؛ لأن الاعتراف الصريح بالخطأ شيء صعب، ولا يعني سكوتي أنني لا أعرف خطئي، فبإمكانكم بعد تبيين الخطأ بأسلوب راقي أن تتركوني وشأني لأراجع نفسي، ولا تحاولوا انتزاع اعترافي مني رغم أنفي، فإن بهذا تقفون أمام رجوعي الصامت إلى الحق، فلا تشترطوا عليّ إعلان التوبة.
• حينما أتحدث معكم فإنني أعجب ممن يريد أن أسمع نصائحه وهو يهمش آرائي، ويعتبرها آراء مراهق –كما يزعم- أعتقد أن كثيرا من آرائي تتفق مع العصر الذي نعيشه بخلاف آرائكم العتيقة والتي تزعمون أنها حكيمة! وأظن أنني قد أكون على صواب –أحياناً- فلماذا تعطون آرائي حكماً مسبقاً بالتسرع والخطأ، أم أنكم تريدون –فقط- أن تجعلوني – دائماً أنا المخطئ.
• إن هذا الكبت لآرائي يضطرني أحياناً إلى تعويضها بأي شيء ولو كان سيئاً وذلك لإبراز شخصيتي، وإثبات رأيي، وجعلكم تندمون على هذا النوع من التعامل.(115/1703)
• أنا –كغيري- تواجهني مشاكل شخصية، وطبيعتي أنني كتوم لا أحب البوح، ولعلكم تعرفون –بفراستكم- أنني أواجه مشكلة، فلا تنتظروا مني أن أبوح بما في نفسي لكم؛ لأنني حين أبوح لكم من تلقاء نفسي أحس بأن هذا نوع من الاستنجاد وطلب المساعدة، وأنا أستطيع مواجهة مشاكلي بنفسي، وإن رغبتم بعاطفتكم الأبوية التعرف على شيء من مشاكلي، فإن أسلم طريقة للدخول إلى نفسي هو سؤالي -سؤال المشفق لا الأستاذ- عن حالي وترك المجال لي للتنفيس.
• أحس أنكم لا تفهمونني، والمشكلة أن تظنون أنكم أفهم الناس بي، وتدعون أنني ما دمت ابنكم فأنتم تعرفون كل صغيرة وكبيرة عني، والذي أعرفه أنكم بعيدون عني من حيث فهم نفسيتي، بينما بعض أصدقائي يعرفونني جيداً، لا سيما وأن همومنا مشتركة، وأفكارنا كثيراً ما تتفق، فهم في سني وجيلي.
• ومشكلتكم أنكم أبناء جيل سابق، وتعاملونني على أنني في جيلكم، إن هذا الجيل يختلف تماماً عن جيلكم، إن جيلنا جيل التقنية والتطور، وأيضاً هو جيل الفتن والشهوات، مما لم يكن موجوداً عندكم، أو أن ما كان عندكم من هذه الفتن لا يساوي واحداً بالمئة مما هو موجود الآن، فعليكم أن تراعوا ذلك، وتعترفوا بالفارق الكبير بيننا، ونحن غير ملومين على كثير من زلاتنا.
• إن مما ينبني على هذا أن تعرفوا أن لدي اهتمامات وميول قد لا تتفق مع ما تريدونه لي، فاهتماماتي عصرية وشبابية، وأنتم تريدون لي اهتمامات أخرى لا أميل لها، وأظن أنني لا أستطيع التأقلم معها ما لم يكن لدي ميول أو محبة، وإنني وإن تنزلت معكم وأرغمت نفسي على شيء مما تريدون فإنني لن أستمر ما لم يكن لديّ رغبة في ذلك.
• ومثل هذه الاهتمامات تلك المواهب التي أرى أنني تميزت بها، وأنتم تحاولون وأد مواهبي التي لا تتفق مع ما تريدونه مني، وهذا لا يمكن.
• إن بإمكانكم للتعامل معي في النقطتين السابقتين، أن توجهوا ميولي ومواهبي وتهذبوها، لا أن تقفوا في وجهي، إنكم لن تستطيعوا أن توقفوا السيل إذا انحدر، ولكنكم تستطيعون توجيه طريقه بطريقة مناسبة.
• أخيراً اسمحوا لي بهذه الهمسة التي همس بها لي أحد أصدقائي لأبوح بها إليكم حيث يقول: زوجوني، زوجوني، فأنا أواجه من المغريات ما لا يعلمه إلا الله، فالنساء في الأسواق والمجلات في المحلات، والنت والقنوات وغيرها، كل هذه الأشياء، تستجرنا إلى الوقوع في الحرام، فهلا عملتم على إعفافي، إنني في سن لا أحسد عليه وبحاجة إلى ما يعفني، فإن كنتم قد تزوجتم وملكتم أمر أنفسكم، فلا تنسوا ما يواجهه الشباب.
• أخيراً أشكر كل من قرأ زهقي ونزقي وبوحي وتحمل رفع صوتي، فهكذا هم المراهقون!! نتاج تربية وقدوة.
ـــــــــــــــــــ
صناعة الفكرة
أحمد بن عبد المحسن العساف
1/5/1426(115/1704)
ارسل تعليقك ...
لا توجد تعليقات ...
ارسل الصفحة ...
الى مشرف النافذة ...
طباعة ...
الكتابة المبهرة هي التي تحتوي على عنصرين مهمين، هما: الفكرة والبيان؛ وإذا ما تخلفت الفكرة فالكتابة مجرد زخارف لفظية ومحسنات وسجع قد يطرب لها السامع ثم يملها، بل ويمجها حين يعرضها على عقله فلا يكاد يفهم منها معنى أو مغزى، وقد تكون الفكرة حاضرة لكن ينقصها البيان العذب والكلمات الفخمة فتكون كأجمل إنسان لا يجد غير الخَلِق المرقع من الثياب فلا تنفعه ملامحه مادامت بلا حلة تنجذب لها العيون وتنقاد لها النفوس؛ وكم من حق ضاع بسوء التعبير وكم كم من باطل سرى بطلاوة الكلام وحلو الحديث، أما تلك التي تفقد العنصرين معاً فليست كتابة أصلاً ويصدق عليها وصف الهذيان وهمهمات المجانيين وتكون كما قال ابن دقيق العيد بعد جلوسه إلى الصوفي ابن سبعين: " جلست معه من ضحوة إلى قريب الظهر وهو يتحدث بكلام تفهم مفرداته ولا تعقل مركباته ".
وقد ابتلي الناس بمطبوعات ووسائل نشر تقذف يومياً أو أسبوعياً أو دورياً أو غير ذلك مقالات ودراسات وكتباً يكاد يحلف قارئها يميناً مغلظة بين الركن والمقام أنها كتبت بالقدم لا اليد أو أنها كتبت ساعة مس أو صرع أو خبل منقطع أو متصل وما حل بنا هذا البلاء المتناسل إلا من شهوة الكلام وحب التزيد وداء الغرور ومرض الشهرة ولو بشر حال وسوء مقال؛ وبالله الحفيظ نستعيذ من الخذلان.
الفكرة إما أن تكون جديدة لم يسبق إليها فيكون صاحبها أول من جاء بها، وقد تكون قديمة لكنها تطرح بطريقة جديدة أو من وجه لم يذكره أحد؛ وكم ترك الأول للآخر
إن الفكرة عزيزة المنال صعبة البلوغ ولا تتأتي لأي أحد ولا تنقاد بسهولة ويسر، بل قد تتمنع على الفطاحلة الكبار والأساطين العظام حتى يقول الكبير المقدم فيهم: لا أجد ما أقوله أو لا أستطيع التعبير عما يجيش في نفسي وأضرابها من العبارات التي لا تخفى على من قرأ الكبار وقرأ لهم.
والفكرة إما أن تكون جديدة لم يسبق إليها فيكون صاحبها أول من جاء بها، وقد تكون قديمة لكنها تطرح بطريقة جديدة أو من وجه لم يذكره أحد؛ وكم ترك الأول للآخر. ويتبادر كثيراً إلى الذهن سؤال مفاده: كيف نصنع الفكرة؟
لصناعة الفكرة عدة طرق، منها:
1. التفكير: وهو أكبر مصنع لها؛ وبواسطته تتولد الأفكار من الطرق التي بعده فكلها يجتاز من خلاله إلى العالم الخارجي.
2. الملاحظة والتأمل: وهما فرع من التفكير وإنما خصصتهما بالذكر لقربهما وسهولة استخدامهما؛ وكم من شيء أو مشهد يمر بنا كثيراً ولو تأملناه لظفرنا بفكرة أو خاطرة.
3. الإنصات: حيث إن سماع أحاديث الناس منجم للأفكار؛ ولا يذهب بك الظن بعيداً؛ فلست أعني صنفاً واحداً من البشر؛ بل كل من سنحت لك الفرصة أن تستمع إليه _(115/1705)
دون تضييع الوقت _ فاستفد منه ولو كان طفلاً أو عامياً أو ضعيف إدراك، وقد روي عن الجاحظ أنه كان يجلس لكل أحد مما جعل ذهنه متوقداً متدفق الأفكار عن أصناف الناس.
4. أحداث الساعة: وهي من أكثر المصادر استخداماً من قبل المتحدثين والكتاب.
5. التخيل والافتراض: ولا بأس في ذلك إن شرعاً أو عقلاً حتى لو كان المفترض ممنوع الوقوع مستحيلاً بدلالة غير آية من التنزيل الحكيم.
6. الحوار والمناقشة خاصة عندما يكون مع شخص مُلهِمٍ للأفكار حتى لو كنا نخالفه تماماً؛ ولاقتناص الأفكار من المتحدثين براعة قل من يجيدها وقليل من المجيدين من ينسب أفكاره.
7. استخدام الأفكار المتداولة اختصاراً أو زيادة أواستفساراً أو تعقيباً، وهذا من أسهل ما يكون.
8. الاستفادة من الموروث الشعبي المحلي أو العالمي لتوليد الأفكار، ويدخل ضمن ذلك الأمثال والقصص. وكذلك النظر في عادات الشعوب وأخلاقهم.
9. ومن جملة تسخير الحيوان للإنسان أن في طباعها ونظامها منبعاً لا ينضب للأفكار، ومن نظر في حياة الحيوان الكبرى للعلامة الدميري أو غيره تيقن من ذلك.
10. القراءة: ومهما قال الناس في الكتاب ولذة التنزه في عقول الرجال فلن يوفوه حقه ولا معشاره؛ وأجل وأكرم وأنفس ما يقرأ كتاب الله العزيز وسنة المصطفى _صلى الله عليه وسلم_ ثم كتب العلم فكل كتاب استيقن الواحد منا فيه المنفعة أو أمن منه المضرة؛ ويحسن التنبيه إلى أنه لا يجوز السماح للبوارق والقدحات الذهنية أن تجعل صاحبها مستسهل التقول على الله ورسوله بغير علم؛ بل يجب الرجوع إلى التفاسير والشروحات السلفية كي لا تزل قدم بعد ثبوتها.
وبعد ولادة الفكرة وصناعتها ينبغي التريث حتى تنضج على نار هادئة من الفكر النير المتزن قبل نشرها؛ ثم يبحث صاحب الفكرة ما وسعه الجهد وأسعفه الوقت عن فكرة مماثلة أو مناقضة لتجويد الصناعة وحمايتها من العوارض؛ وإن حادث المفكر عقلاً يأنس إليه وروحاً يشعر بطهارتها قبل النشر فخير على خير.
وتبقى مسائل لابد من الإشارة العاجلة إليها، وهي:
1. هل الفكرة حسنة لك عند الله أم سيئة؟
2. هل تنفع فكرتك البلاد والعباد؟
3. هل هذا هو التوقيت المناسب لعرض الفكرة؟ وما هو المكان المناسب لنشرها؟.
4. هل الأفضل لك كثرة الأفكار أم قلتها؟
5. سجل أفكارك كمشاريع مستقبلية إن ضاق عنها وقتك.
6. للفكرة المبتكرة حق الأقدمية والسبق لكنها قد تواجه بمعارضة شديدة فتنبه!
7. ثمة فرق كبير بين الدرر الغرر وبين العجر البجر؛ فاختر لنفسك وفكرك ما تحب.
وإذا فرغنا من صناعة الفكرة فلا مناص من صياغة الفكرة على الوجه الذي يجلو البهاء ويبين المحاسن؛ وكنت قد كتبت مقالة بعنوان "خطوات نحو الكتابة الراقية " وآمل أن تكون معينةً لقارئها على مزيد من إتقان الصياغة بعد ضبط الصناعة لنحصل على أعلى درجات جودة المنتج الذي يمكث في الأرض وينفع الناس.(115/1706)
ـــــــــــــــــــ
مشروع مسابقة القرآن الأسرية
محمد إسماعيل ربعي
24/4/1426
ارسل تعليقك ...
تعليقات سابقة ...
ارسل الصفحة ...
الى مشرف النافذة ...
طباعة ...
الفكرة:
مسابقة قرآن كريم تشارك فيها الأسرة ككل.
لماذا:
لأن الأمة مكونة من أسرة
والأسرة عماد المجتمع
والفرد عضو من هذه الأسرة
و القرآن روح هذه الأمة لذا يبدأ الإصلاح من هنا..
الأهداف:
1- تكوين روابط أسرية حقيقية تنطلق ابتداء من الاجتماع على حفظ القرآن الكريم وتفسيره.
2- تفعيل دور الأسرة التربوي من خلال العلم والتعلم.
3- حفظ كتاب الله _تعالى_ وإيجاد الجو المعين على تحقيقه.
4- إصلاح الأسرة المسلمة وإرشادها لما فيه خير وصلاح.
الفئة المستهدفة:
الأسرة المسلمة: سواء كانوا زوجين أو عائلة.
آليات التفعيل:
أولاً: الزمان:
يتم اختيار الزمان المناسب لإقامة هذه الفعالية، والذي تكون النفوس مهيأة لمثل هذه البرامج، فمثلا:
الكادر البشري هو عماد المسابقة، وكلما كان لهم اتصال من الجمهور أكبر زادت مؤشرات نجاح المشروع بشكل أكبر؛
شهر رمضان المبارك:
- يغلب الطابع العام على المجتمع الاتجاه لقراءة القرآن تلاوة وحفظاً.
- التهيئة النفسية مناسبة جداً لإقامة هذه الفعالية.
- فيه اجتماع للأسرة على مائدة الإفطار يومياً..
الإجازة الصيفية:
- تعاني الأسرة فيه من الفراغ لدى الأبناء.(115/1707)
- تقيم الأسرة غالبا فعاليات منوعة، مثل: الرحلات والزيارات وفيه اجتماع لأفراد الأسرة بعضهم مع بعض.
ومن هنا نعلم ضرورة التركيز على التوقيت المناسب وقياس أثره على الأسرة مجتمعة.
ثانياً: المكان:
ويجب أن يكون مكان إقامة المسابقة يستوعب أكبر قدر ممكن من المشاركين، وهنا نراعي:
- قربه من المشاركين.
- سهولة الوصول إليه.
- يستقبل أعداد المشاركين بدون حرج.
وتبرز أهمية تفعيل مراكز تحفيظ القرآن الكريم والمساجد والجمعيات الخيرية.
ثالثاً: الكادر البشري:
وهو عماد المسابقة، وكلما كان لهم اتصال من الجمهور أكبر زادت مؤشرات نجاح المشروع بشكل أكبر؛ لذا يلزم ترتيب كادر بشري مؤهل يتحمل إدارة المشروع، من حيث تكوين لجان أو فرق عمل، فمثلاً:
1- لجنة المحفظين أو المسمعين:
- مؤهلة بكفاءة لها القدرة على التقييم.
- تستثمر وجود أفراد الأسرة وتقوم بالنصح والتوجيه والإرشاد.
- يفضل وجود بطاقة مشتركة لجميع أفراد الأسرة يقوم بتعبئتها المشرف على عملية التسميع في كل عملية تسميع، تبقى مع الأسرة حتى يتم انتهاء التسميع لكل أفراد الأسرة ثم ترسل للجنة.
2- اللجنة الإعلامية:
تقوم بالتغطية الإعلامية للمشروع من خلال:
أ - الإعلان عن المشروع ، ولها عدة وسائل:
• الإعلانات المباشرة: وذلك عبر:
- النشرات الورقية الصغيرة: توزع عند التجمعات (مثلاً بعد صلاة الجمعة).
- الإعلانات الورقية: والتي تكون على شكل بوستر توزع في الأماكن العامة: أبواب المساجد، المدارس، الجامعات، المعاهد والكليات، الأسواق، المجمعات التجارية.
- اليافطات: ويراعى أن تكون في أماكن عامة وعلى الخطوط السريعة بشكل واضح.
- الصحف والجرائد المحلية: والتي تكون قريبة من الجمهور.
- الإعلانات السمعية: عبر الإذاعة المحلية.
- إعلانات الأجهزة الخلوية: عبر تكوين فرق ترسل الرسالة إلى أكبر قدر ممكن أو الاتفاق مع شركات الأجهزة الخلوية.
- إعلانات البلدية: والتي تكون على شكل قوائم في الشوارع الرئيسية وعند الإشارات.
• توجيه بطاقات دعوة للأسر كي يشاركوا في هذه الفعالية: ويمكن تفعيلها بأكثر من صورة منها:(115/1708)
- عن طريق شركات البريد على أن يتم تحديد الأحياء والعدد وضبط ذلك في المالية.
- عن طريق المراكز الخيرية
- عن طريق الأفراد وكل فرد يقوم بطباعة دعوة يوجهها لأسر قريبة وصديقة (وفيه تفعيل للجانب التطوعي).
ب - توثيق فعاليات المشروع:
- عبر إبراز الحدث في وسائل الإعلان المختلفة من خلال الأخبار.
- التوثيق الإعلامي عبر تصوير والفعاليات وإنتاجها عبر شركة إعلامية.
وكل ذلك يخضع لحجم الفعالية مع مراعاة أن نصل إلى الفئة المستهدفة بشكل واضح.
3- اللجنة المالية:
وهي التي تقوم بضبط العمليات المالية المختلفة في هذا الشروع من خلال:
ضبط الصادر: والذي يتشكل من خلال:
أ- التبرعات النقدية ويجب أن يقوم أفراد اللجنة المالية بالتحرك الجاد في إيجاد مصادر تمويل لهذا المشروع من خلال:
ب- التبرعات المباشرة من المساجد والأماكن العامة وزيارة أهل الخير: وشرح الفكرة لهم وتوضيحها وإعداد خطاب ونشرة تعريفية بالمشروع.
ج- توفير رعاة للمشروع:
الراعي الرسمي: شركة أو مؤسسة واحدة أو أكثر تقوم بتوفير تكاليف الإعلانات والجوائز وتكاليف توثيق المشروع.
• مميزات للراعي الرسمي:
- له الحق في كتابة اسمه في كل إعلان.
- كتابة اسمه على بوابات مراكز التسميع، وذلك باعتباره راعياً رسميّاً.
- يتم منحه دقيقة في العرض الحاسوبي في الحفل الختامي كدعاية له.
رعاة غير رسمين: وهم من يقوم بتوفير جزء من التكاليف أو الجوائز، ولهم:
- له الحق في كتابة اسمه في كل إعلان.
- يشار إليهم في عرض الحفل الختامي للمشروع.
4- لجنة الحفل الختامي:
وتقوم بالإعداد المناسب للحفل الختامي عبر:
- ترتيب الزمان والمكان المناسب الذي يستوعب المشاركين.
- ترتيب برنامج الحفل الختامي من حيث الكلمات والأناشيد.
- ترتيب الجوائز وشهادات الشكر وتوزيع بطاقات الدعوة.
5- لجان أخرى:
تنشأ حسب الاحتياج وحجم المشاركة.
ـــــــــــــــــــ
كيف تصبح أباً ناجحاً..؟
خالد رُوشه
17/4/1426(115/1709)
ارسل تعليقك ...
تعليقات سابقة ...
ارسل الصفحة ...
الى مشرف النافذة ...
طباعة ...
هو مطلب الآباء جميعاً ومرتجاهم وحلمهم في تربية أولادهم أن يصيروا آباء ناجحين، فيحسنون تربية أولادهم ويخرجون جيلاً حسناً صالحاً يفخرون به ويشعرون بالسعادة للنجاح في تلك المهمة الشاقة.
ولشديد الأسف فإن كثيراً ما يتمنى الآباء ذلك وهم في حالة أشد ما تكون بعداً عما هو مطلوب منهم أن يطبقوه أو يكونوا عليه للوصول إلى مبتغاهم وهدفهم.
فالناظر المتفحص لأحوال الآباء وأساليبهم ليدرك كم هو مقدار ذلك البون الشاسع بين المرجو والواقع وبين الأمل والحال.
كيف أصبح أباً ناجحاً ؟
للإجابة على سؤال كهذا نجد أنفسنا في حاجة إلى الوقوف عند عدة محاور هامة كالتالي:
أولاً: الفعل قبل القول..
لأهمية عنصر القدوة في حياة الناس ولكون الإنسان بطبيعته يحتاج إلى نموذج تطبيقي حي أمامه حتى يتصور الخلق المعين والسلوك الموجه فيصدق به ويتمثله في حياته، أرسل الله _تعالى_ المرسلين وأمرنا بالاقتداء بهم فقال _سبحانه_: " أولئك الذين هداهم الله فبهداهم اقتده " وقال عن النبي _صلى الله عليه وسلم_: " لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر..."
فالناظر المتفحص لأحوال الآباء وأساليبهم ليدرك كم هو مقدار ذلك البون الشاسع بين المرجو والواقع وبين الأمل والحال
إن الفعل أبلغ من القول، وفعل رجل في ألف رجل خير من قول ألف رجل في رجل، فالقول والعمل أهم من القول المجرد.. وكثير من يتكلم ولكن قليل من يفعل
يقول في منهج التربية الإسلامية: " القدوة الصالحة من أعظم المعينات على تكوين العادات الطيبة حتى إنها لتيسر معظم الجهد في كثير من الحالات ذلك أن الابن يحب المحاكاة من تلقاء نفسه وأطفال المسلمين يحاكون أبويهم في الصلاة حتى قبل أن يتعلموا النطق ويصبح تعويدهم عليها أمراً سهلاً في الموعد المحدد"
ولعل من بركة توجيهاته _صلى الله عليه وسلم_ لصلاة النوافل في البيوت وألا يجعلها الناس قبوراً فضل كبير الأثر في إقتداء الأولاد بذلك، فقد روى أبو داود أن الرسول _صلى الله عليه وسلم_ قال: "خير صلاة الرجل في بيته إلا الصلاة المكتوبة" وقال: " تطوع الرجل في بيته يزيد عن تطوعه عند الناس كفضل صلاة الرجل في جماعة على صلاته وحده " صحيح الجامع.
والأبناء في استقائهم الخلق وتشربهم بالسلوك لا يقنعون بالظاهر منها فحسب، بل يتعدون ذلك إلى مستويات أعمق بكثير مما يظن الآباء..(115/1710)
فالأب يعيش في بيته على طبيعته بغير تكلف، وهو الأمر الذي يجعله يتصرف بما وقر في حقيقته وداخليته والولد يقلد أباه فيما رآه منه على الحقيقة لا على التكلف والأبناء يلحظون الصغير الدقيق من السلوك والأخلاق كما يلحظون كبيرها وتؤثر فيهم صغائر الأحوال كما تؤثر فيهم كبائر الوقائع.
ثانياً: رحمة الأب تولد الاستقرار النفسي لدى الابن:
الأب الناجح هو الأب الرحيم العطوف بأبنائه وأسرته الذي يمنحهم الحب والعطف والحنان ويشملهم برعايته ويحتويهم بقلبه الكبير ويشعرون معه بالسعادة والآمان
والأب القاسي هو المتسبب الأول في الأمراض النفسية لدى أبنائه والمشجع الأول على الأمراض القلبية لهم من غل وحقد وحسد وحب ذات وغيره .
وقد كان النبي _صلى الله عليه وسلم_ خير قدوة في رحمته وعطفه وملاطفته الصغار وملاعبتهم والتبسط معهم والتحبب إليهم وعدم العبوس في وجوههم، فقد روى مسلم عن عبد الله بن جعفر: " كان رسول الله _صلى الله عليه وسلم_ يحمل أحدنا بين يديه والآخر خلفه حتى يدخلنا المدينة ".
وروى ابن ماجة عن يعلى بن مرة "خرجنا مع النبي _صلى الله عليه وسلم_ ودعينا إلى طعام فإذا حسين يفر ههنا وههنا ويضاحكه النبي _صلى الله عليه وسلم_ حتى أخذه فجعل إحدى يديه تحت ذقنه والأخرى في فأس رأسه فقبله ".
وروى الشيخان قول النبي _صلى الله عليه وسلم_: " إني لأدخل في الصلاة وأنا أريد إطالتها فأسمع بكاء الصبي فأتجوز في صلاتي مما أعلم من وجد أمه من بكائه ".
ومن الآباء من لا يراعى الرحمة مع أبنائه ولا الرقة في معاملتهم فيكون أشد عليهم من الغرباء فيترك في أنفسهم جروحاً غائرة لا تزول ولا بمرور السنين روى البخاري أن رسول الله _صلى الله عليه وسلم_ قبل الحسن وعنده الأقرع بن حابس، فقال الأقرع: إن عندي عشرة من الولد ما قبلت منهم أحداً فقال النبي _صلى الله عليه وسلم_: "من لا يَرحم لا يُرحم" وقد قال الله _سبحانه_: "فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ" (آل عمران: من الآية159).
ثالثاً: ومن يك حازماً فليقسُ أحياناً على من يرحم..
فقد روى مسلم عن رسول الله _صلى الله عليه وسلم- قوله: "إن الله يحب الرفق ويعطى على الرفق مالا يعطى على العنف ومالا يعطى على سواه ".
وقال _صلى الله عليه وسلم_: " إن الله إذا أحب أهل بيت أدخل عليهم الرفق " صحيح الجامع.
ولكن ليس معنى الرفق والحب والرحمة أن يتهاون الأب مع أولاده في مواطن الحزم فوضع السيف موضع الندى مضر كوضع الندى موضع السيف، والحكمة فعل ما ينبغي كما ينبغي في الوقت الذي ينبغي على الوجه الذي ينبغي، ولا يمكن أن يرى الأب ابنه يفعل السيئات أو المخالفات وبدعوى الحكمة و الرحمة والرفق يتركه أو يقره على ما هو عليه، ولكن الحزم والحكمة تستدعي من كل أب أن يقف مع ولده وقفة حازمة قوية يضع له فيها الحدود ويبين له القواعد التي ينبغي ألا يحيد عنها وليعلم كل أبد أن وقفاته مع ولده لا تنسى ولكنها تحفر في ذهن الولد فإن وجد فيما(115/1711)
يستقبل من عمره قدوة صالحة من أبيه زاد ترسخها وصارت خلقا ثابتا فيه وصفة أكيدة من صفاته..
رابعاً: توجيهات ومحاذير للآباء في معاملة أبنائهم:
1- ليعلم الأب أنه في بيته قائد لمدرسة تربوية لها منهج ووسائل كما أن لها محددات وأطر؛ فعليه أن يضع منهجها وفق السنة النبوية ويحدد أطرها مثلما حددها الشرع الإسلامي العظيم، ولكن مع ذلك فلا ينبغي الجمود التشنج في تطبيق ضوابط تلك المدرسة، فهي مدرسة محببة للولد تسعد البيت وتنشئ الأسرة السعيدة .
2- يجب على الآباء تثقيف أنفسهم وتعليمها فن التربية وأساليبها ومداومة سؤال المربين والخبراء والعلماء في ذلك، كما يستحب لهم متابعة الإصدارات التربوية الحديثة والوقوف على ما ينفع منها.
3- تعلم الصبر على الأولاد من المهارات الأبوية الهامة، وقد حذر المربون من كثرة معاملة الأولاد بالغضب خصوصاً إذا كانت طبيعة الأب عصبية أو سرعة الغضب، وليحذر الآباء من ضرب أولادهم في لحظات الغضب فإن ذلك من الأخطاء الخطيرة التي لا تؤدى إلى تعليم ولا توجيه ولكنها عبارة عن إنفاذ غيظ فحسب..
4- ليعلم كل أب أن أبناءه يتعلمون بالحب قبل أن يتعلموا بالأمر والشدة، فاحرص أيها الأب على توليد المحبة بينك وبين أبنائك..
5- كل أب بحاجة إلى أن يخلو بولده كل مدة قريبة ليمازحه ويكلمه ويسأله ويتقرب منه ويسأله عما يحزنه أو يؤرقه أو لا يعجبه ويسأله عن آماله وأحلامه وطموحاته فلقاءات المصالحة والمصارحة هي تفريغ نفسي وجداني هام للغاية في تربية الأولاد، ولئن اشتكى معظم الآباء من عدم قدرتهم على التقرب من أولادهم فلأنهم قد قصروا في لقاءات المصارحة تلك في الصغر فصعب عليهم ذلك في الكبر وبنيت الجدران بينهم وبين أولادهم!!
6- هناك علاقة قوية جداً بين كون الأب ناجحاً وبين كونه زوجاً ناجحاً، فالزوج الناجح هو الذي يهيئ لأولاده البيئة الأسرية الخالية من المشكلات والمؤرقات والمنغصات والمؤثرات النفسية السلبية وهو الذي يعين زوجته ويساعدها على إتمام العملية التربوية بنجاح وإنجاز...
ـــــــــــــــــــ
قافلة الخير تجربة مميزة
اللجنة الإعلامية في قافلة الخير
10/4/1426
ارسل تعليقك ...
تعليقات سابقة ...
ارسل الصفحة ...
الى مشرف النافذة ...
طباعة ...
نشأة القافلة:(115/1712)
انطلاقاً من قول النبي _صلى الله عليه وسلم_: "الدال على الخير كفاعله".
بدأت فكرة قافلة الخير عام 1419هـ 1420هـ وتبناها المركز الصيفي بالمعهد الثانوي التجاري بالدمام بالتعاون مع إدارة مكافحة المخدرات في المنطقة الشرقية بالمملكة العربية السعودية بهدف نشر الوعي بين أفراد المجتمع بجميع مستوياته وفئاته وغرس المفاهيم الصحيحة والأخلاق الفاضلة لدى الناس ثم أصبحت قافلة الخير حدثاً يرتقبه أهالي المنطقة بكل شغف سنوياً.
الجهات التي تشرف على قافلة الخير:
المؤسسة العامة للتدريب المهني بالتعاون مع إدارة مكافحة المخدرات بالمنطقة الشرقية.
أهداف قافلة الخير:
- نشر الخير بين فئات المجتمع.
- إبراز الجانب الفني والدور الذي تقوم به المؤسسة العامة للتعليم الفني والتدريب المهني من خلال عقد الدورات المتخصصة.
انطلاقاً من قول النبي _صلى الله عليه وسلم_: "الدال على الخير كفاعله" بدأت فكرة قافلة الخير، بهدف نشر الوعي بين أفراد المجتمع بجميع مستوياته وفئاته وغرس المفاهيم الصحيحة والأخلاق الفاضلة لدى الناس
- شغل أوقات الشباب بما يعود عليهم بالنفع والفائدة من خلال برامج سياحية جذابة.
- توعية المجتمع بأضرار المخدرات وحمايته من الشرور.
أنشطة قافلة الخير:
1-مسيرة القافلة:
مجموعة من العربات الدعائية تساندها مجموعة من الدوريات الأمنية تجوب الطرق الرئيسة في مدن المنطقة الشرقية، وتقوم بوضع نقاط توزيع في الأماكن الحيوية لتتمكن من تقديم الهدايا المناسبة لكل فئات العابرين من خلال تلك النقاط ، سواء كانوا عائلات أو شباباً أو نساء أو أطفالاً.
وتتميز الهدايا بطبع توعوي ترفيهي، حيث تحتوي على أشرطة وكتيبات ومطويات توجيهية ومسابقات ممتعة بجوائز قيمة.
فبعد أن كانت الهدايا الموزعة لا تتجاوز (15000) هدية في بداية المشروع أصبحت الهدايا الآن توزع بمئات الآلاف.
2- مخيم الشباب الترفيهي:
وهو منبر توعوي ومشروع ترفيهي ومحفل شبابي تقيمه قافلة الخير على ضفاف كورنيش الدمام، ويقدم المخيم لزواره الذين تجاوز عددهم العشرة آلاف زائر يومياً فعاليات عدة تشمل العروض المسرحية والمسابقات الحركية والرياضية والمعارض والمحاضرات والندوات والأمسيات.
ويحتوي المخيم على العديد من المرافق، مثل:
3- متحف (الدمام في قافلة الأيام):
وهو متحف يسلط الضوء على تاريخ مدينة الدمام.
4- معرض الحقيقة الضائعة:(115/1713)
ويقام لأول مرة على مستوى المملكة بهدف التذكير بفريضة الصلاة ومكانتها في الشريعة الإسلامية.
5- معرض مكافحة المخدرات:
وهو عبارة عن معرض تشرف عليه إدارة مكافحة المخدرات بالمنطقة الشرقية ويحتوي على عرضا بأضرار المخدرات وطرق حماية المجتمع من شرورها.
6- خيمة البداية والنهاية:
تحكي قصة إنسان يبحث عن الحقيقة والسعادة.
7- خيمة المعارض:
وهي خيمة تضم أكثر من 60 معرضاً تجارياً لمستلزمات الشباب بالإضافة إلى معارض الجهات الحكومية والخيرية وأجنحة لرعاة قافلة الخير.
8-خيمة الدورات المهنية:
عبارة عن مركز لتدريب الشباب ويقدم دورات تدريبية تعليمية ومهنية في مجال الحاسب الآلي والكهرباء والميكانيكا وكذلك دورات ترشيدية واجتماعية.
9- خيمة المركز الإعلامي:
يهدف المركز الإعلامي بمقر المخيم إلى تسهيل عمل رجال الإعلام المرئي والمسموع والمقروء.
10-خيمة الفعاليات الرئيسة:
عبارة عن خيمة عملاقة تقام فيها العديد من الفعاليات والبرامج وتحتوي على مسرح مفتوح تقام عليه العروض المسرحية والمسابقات الحركية والمحاضرات والندوات والأمسيات....
11- خيمة التشريفات:
وهي خيمة خاصة بكبار الزوار والمسئولين.
البرامج المرافقة:
ولم يكتف القائمون على قافلة الخير بما حققوه من نجاح، بل إنهم من أجل تحقيق الأهداف المرجوة من القافلة سعوا لزيادة البرامج المرافقة للقافلة، وعملوا على تطويرها واستحداث الجديد في كل عام ومن تلك البرامج:
أ-المحاضرات العامة:
والتي يتم التنسيق لها عبر الإعلان لها من قبل القافلة وتقام في مساجد المنطقة والقاعات والأماكن العامة.
ب- برنامج عبر الهاتف:
وهو عبارة عن استضافات متتابعة لعدد من المختصين في المجالات الشرعية والاجتماعية والتربوية والنفسية والطبية وغيرها حيث يقومون بالرد على استفسارات المتصلين في أوقات معينة وعلى هواتف محددة يتم الإعلان عنها في أرجاء المنطقة.
إقامة عدد من الدورات التربوية من المتخصصة في المجالات التربوية والنفسية والاجتماعية.
ج- الملتقى النسائي:(115/1714)
• خصصت القافلة للمرأة أسبوعا ثقافياً وترفيهاً يشمل برامج عديدة مثل:
• مسابقات ثقافية متنوعة.
• استضافة عدد من المتخصصات في شؤون المرأة.
• إقامة سوق خيري.
• إقامة دورات شرعية وتربوية ومهارية.
• إجراء سحوبات يومية على جوائز قيمة.
ثمرات القافلة:
لكل عمل ثمرات مسددة بإذن الله - عز وجل - ومن ثمار هذا المشروع:
- توزيع أكثر من 770000 هدية مع هدايا هذا العام على مدن ومحافظات المنطقة الشرقية.
- تقديم مشروع سياحي توعوي يخدم المنطقة.
- توبة الكثير من الشباب.
- نقل الفكرة للعديد من مناطق المملكة المختلفة.
جمهور القافلة يقولون:
• القافلة دفعتني للابتعاد عن رفقاء السوء.
• تسببت القافلة في توبة أفراد أسرتي.
• القافلة كانت سبباً في زيادة إيماني.
• قررت عدم ترك الحجاب بعد رجوعي إلى بلدي.
• تغير حالي أنا وأبنائي.
• أثرت تأثيراً واضحاً على أسرتي وتوبتها وعودتها إلى الله.
• أثرت فيّ كثيراً لأني جربت رفقاء السوء.
ـــــــــــــــــــ
الإقناع.. القوة المفقودة!
أحمد بن عبد المحسن العساف
7/4/1426
ارسل تعليقك ...
لا توجد تعليقات ...
ارسل الصفحة ...
الى مشرف النافذة ...
طباعة ...
تروي بعض الأساطير أن الشمس والرياح تراهنتا على إجبار رجل على خلع معطفه؛ وبدأت الرياح في محاولة كسب الرهان بالعواصف والهواء الشديد والرجل يزداد تمسكاً بمعطفه وإصراراً على ثباته وبقائه حتى حل اليأس بالرياح فكفت عنه؛ واليأس أحد الراحتين كما يقول أسلافنا، وجاء دور الشمس فتقدمت وبزغت وبرزت للرجل بضوئها وحرارتها، فما أن شاهدها حتى خلع معطفه مختاراً راضياً...
إن الإكراه والمضايقة توجب المقاومة وتورث النزاع بينما الإقناع والمحاورة يبقيان على الود والألفة ويقودان للتغيير بسهولة ويسر ورضا. إن الإقناع كما هو الحوار(115/1715)
لغة الأقوياء وطريقة الأسوياء؛ وما التزمه إنسان أو منهج إلا كان الاحترام والتقدير نصيبه من قبل الأطراف الأخرى بغض النظر عن قبوله.
والقرآن والسنة وهما نبراس المسلمين ودستورهم، وفيهما كل خير ونفع قد جاءا بما يعزز الإقناع ويؤكد على أثره، فآيات المحاجة والتفكر كالذي مر على قرية وهي خاوية على عروشها وكالملك الذي حاج إبراهيم _عليه السلام_ في ربه وكمناقشة مؤمن آل فرعون قومه؛ وأما الأحاديث فمن أشهرها حديث الشاب المستأذن في الزنا؛ وحديث الرجل الذي رزق بولد أسود؛ وحديث الأنصار بعد إعطاء المؤلفة قلوبهم وتركهم ؛ كل هذه النصوص مليئة بالدروس والعبر التي تصف الإقناع وفنونه وطرائقه لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد.
إن الإكراه والمضايقة توجب المقاومة وتورث النزاع بينما الإقناع والمحاورة يبقيان على الود والألفة ويقودان للتغيير بسهولة ويسر ورضا
ما هو الإقناع؟
للإقناع عدة تعريفات منها:
استخدام المتحدث أو الكاتب للألفاظ والإشارات التي يمكن أن تؤثر في تغيير الاتجاهات والميول والسلوكيات.
تعريف آخر:
عمليات فكرية وشكلية يحاول فيها أحد الطرفين التأثير على الآخر وإخضاعه لفكرة أو رأي.
تعريف ثالث:
تأثير سليم ومقبول على القناعات لتغييرها كلياً أو جزئياً من خلال عرض الحقائق بأدلة مقبولة وواضحة.
ويظهر جلياً من التعريفات السابقة أن الإقناع فرع عن إجادة مهارات الاتصال والتمكن من فنون الحوار وآدابه، وتتداخل بعض الكلمات في المعنى مع الإقناع مع وجود فوارق قد تكون دقيقة إلى درجة خفائها عن البعض؛ ومن أمثال هذه الكلمات: الخداع، الإغراء، التفاوض، فبعضها تهييج للغرائز وبعضها تزييف للحقائق وبعضها مجرد حل وسط واتفاق دون اقتناع وهكذا.
عناصر الإقناع:
1- المصدر: ويجب أن تتوافر فيه صفات منها:
الثقة: ويحصل عليها من تأريخ المصدر إضافة إلى مدى اهتمامه بمصالح الآخرين.
المصداقية: في الوعود والأخبار والتقييم.
القدرة على استخدام عدة أساليب للإقناع: كلمة، مقالة، منطق، عاطفة،...
المستوى العلمي والثقافي والمعرفي.
الالتزام بالمبادئ والقناعات التي يريد إقناع الآخرين بها.
2- الرسالة: لابد أن تكون:
واضحة لا غموض فيها بحيث يستطيع جمهور المخاطبين فهمها فهماً متماثلاً.
بروز الهدف منها دون حاجة لعناء البحث عنه.
مرتبة ترتيباً منطقياً مع التأكيد على الأدلة والبراهين.(115/1716)
مناسبة العبارات والجمل حتى لا تسبب إشكالاً أو حرجاً ولكل مقام مقال.
بعيدة عن الجدل واستعداء الآخرين؛ لأن المحاصر سيقاوم ولا ريب!
3 – المستقبِل: ينبغي مراعاة ما يلي:
الفروق العمرية والبيئية.
الاختلافات الثقافية والمذهبية.
المكانة العلمية والمالية والاجتماعية.
مستوى الثقة بالنفس.
الانفتاح الذهني.
يعتمد نجاح الإقناع على:
1- القدرة على نقل المبادئ والعلوم والأفكار بإتقان.
2- معرفة أحوال المخاطبين وقيمهم وترتيبها.
3- الجاذبية الشخصية بأركانها الثلاثة: حسن الخلق، أناقة المظهر، الثقافة الواسعة.
4- التفاعل الإيجابي الصادق مع الطرف الآخر.
5- التمكن من مهارات الإقناع وآلياته من خلال امتلاك مهارات الاتصال وإجادة فنون الحوار مع الالتزام بآدابه.
6- التوكل على الله ودعائه مع حسن الظن به _سبحانه_ .
ما يجب عليك فعله:
• قبل الإقناع:
1- الإعداد الكامل فالأنصاف إتلاف للجهد ومضيعة للأوقات.
2- البدء بالأهم أولاً خشية طغيان مالا يهم على المهم.
3- اختيار التوقيت المناسب لك وللطرف الآخر.
• في أثناء الإقناع:
1- توضيح الفكرة بالقدر الذي يزيل اللبس عنها.
2- المنطقية والتدرج.
3- العناية بحاجات الطرف الآخر.
4- تفعيل أثر المشاعر.
• بعد الإقناع:
1- دحض الشبهات والرد على الاعتراضات.
2- التأكد من درجة الاقتناع من خلال إخبار الطرف الآخر أو مشاركته في الجواب عن الاعتراضات أو حماسته للعمل المبني على اقتناعه.
3- التفعيل السلوكي المباشر.
قواعد الإقناع:
1- أن يكون القيام خالصاً لله _سبحانه وتعالى_ لا يشوبه حظ نفس.
2- الالتجاء لله بطلب العون والتوفيق ووضوح الحق.
3- وجود متطلبات الإقناع الرئيسة وهي:
أ- الاقتناع بالفكرة.
ب- وضوحها.(115/1717)
ج- القدرة على إيضاحها.
د- القوة في طرح الفكرة.
هـ- توافر الخصال الضرورية في مصدر الإقناع.
4- معرفة شخصية المتلقي وقيمه واحتياجاته مع تحديد ترتيبها. وقد ينبغي عليك تقمص شخصيته لتتعرف على دوافعه ووجهة نظره.كما يجب معرفة حيله وألاعيبه حتى لا تقع في شراكها.
5- حصر مميزات الفكرة التي تدعو إليها مع معرفة مآخذها الحقيقية أو المتوهمة وتحليل المعارضة السلبية المحتملة وإعداد الجواب الشافي عنها، واعلم أن أسلم طريقة للتغلب على الاعتراض أن تجعله من ضمن حديثك.
6- اختيار الأحوال المناسبة للإقناع: زمانية ومكانية ونفسية وجسدية؛ مع تحين الفرصة المناسبة لتحقيق ذلك.
7- تحليل الإقناع إلى:
أ- مقدمات متفق عليها كالحقائق والمسلمات.
ب- نتائج منطقية مبنية على المقدمات.
8- الابتعاد عن الجدل والتحدي واتهام النوايا؛ لأن جعل الطرف الآخر متهماً يلزمه بالدفاع وربما المكابرة والعناد.
9- إذا كنت ستطرح فكرة في محيط ما: فروج لها عند أركان ذلك المحيط قبل البدء بنشرها.
10- تعلم أن تقارن بين حالين ومسلكين لتعزيز فكرتك.
11- حدد مسبقاً متى وكيف تنهي حديثك.
12- لخص الأفكار الأساسية حتى لا تضيع في متاهة الحديث المتشعب.
13- اضبط نفسك حتى لا تستثر؛ وراقب لغة جسدك حتى لاتخونك.
14- أشعر الطرف المقابل باهتمامك من خلال:
أ- ربط بداية حديثك بنهاية حديثه ما أمكن.
ب- تعزيز جوانب الاتفاق .
ج- أشعره بمحبتك وعذرك إياه.
عوائق الإقناع:
1- الاستبداد والتسلط: لأن موافقة الطرف الآخر شكلية تزول بزوال الاستبداد.
2- طبيعة الشخص المقابل: فيصعب إقناع المعتد برأيه وتتعاظم الصعوبة إذا كان المعتد بنفسه جاهلاً جهلاً مركباً.
3- كثرة الأفكار مما يربك الذهن.
4- تذبذب مستوى القناعة أو ضعف أداء الرسالة من قبل المصدر.
5- الاعتقاد الخاطئ بصعوبة التغيير أو استحالته: وهذه نتيجة مبكرة تقضي على كل جهد قبل تمامه.
6- اختفاء ثقافة الإشادة بحق من قبل المصدر تجاه المستقبل.
وقفات مهمة:
1- "ما كان الرفق في شيء إلا زانه".(115/1718)
2- الصدق في الحديث خلة حميدة يكافئ عليها الصادق حتى لو كان في حديثه ما لا ينبغي؛ فلا تعارض بين تصحيح الخطأ ومكافأة الصادق.
3- سوف تمتلك مهارة الإقناع بدراية وتمكن من خلال متانة المعرفة وسلامة الممارسة؛ وإذا وجدت الموهبة فخير على خير وإلا فالمقدرة وحدها تفي بالغرض.
ـــــــــــــــــــ
البساطة في إلقاء الخطابة
إسلام داود
25/3/1426
ارسل تعليقك ...
تعليقات سابقة ...
ارسل الصفحة ...
الى مشرف النافذة ...
طباعة ...
إن أفضل الخطب يمكن أن يفسدها أسلوب الإلقاء غير المناسب، لقد كان دعاء النبي موسى _عليه السلام_ وهو يعد للتحدث إلى بلاط فرعون هو: "قَالَ رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِنْ لِسَانِي يَفْقَهُوا قَوْلِي" (طه:25-28).
إن الخطبة تتطلب تفاعلاً صادقاً لجسم المتحدث وعقله مع ما يقول، وهو في حاجة إلى توجيه الاهتمام إلى جسمه وصوته وعينيه وقسمات وجهه، إن عليه توجيه كيانه وحضوره كله إلى مهمة الاتصال مع جمهور المستمعين وذلك يتطلب مراعاة بعض القواعد والإكثار من ممارسة الخطابة والتدرب عليها وها هي بعض الاعتبارات ذات الأهمية:
قد يضطر المرء إلى تخصيص ساعات عديدة في البحث في المراد وفي إعداد الإطار العام لخطبة متواضعة الجودة؛ وذلك لأنه أخفق في اتخاذ أسهل خطوة في الخطوات جميعاً وهي التدرب على الإلقاء، وقد نتوجس من أن يحول مثل ذلك التدرب خطبتنا من عملية اتصال صادقة إلى مجرد عملية "أداء" فقط أو "موقف تمثيلي" لا شك أن الخطبة يجب أن تكون طبيعية، وأن تكون انعكاساً أميناً لشخصيتنا، بيد أن علينا أن ندرك أن التحدث إلى الجمهور له أسلوبه الخاص، وأن هدف الاتصال هو نقل أكبر قدر من المعلومات بشكل فعّال ومؤثر في أقصر وقت ممكن.
إن الخطبة تتطلب تفاعلاً صادقاً لجسم المتحدث وعقله مع ما يقول، وهو في حاجة إلى توجيه الاهتمام إلى جسمه وصوته وعينيه وقسمات وجهه
حركات الجسم والصوت والاتصال البصري:
1 – وضع الجسم:
الإيماءات:
ينبغي ألا يشعر المتحدث أنه متجمد في بقعة واحدة أو أن أطرافه متيبسة بلا حراك من المفيد أن نتدرب على إلقاء خطبتنا أمام مرآة، جرب باستخدام أنواع مختلفة من الإيماءات لترى كيف تبدو تماماً لا تخطط لاستخدامها عند نقاط معينة في الخطبة؛(115/1719)
لأن ترتيبها في صف واحد يجعلها تصرفات تمثيلية غير طبيعية على الإطلاق، المهم هو ألا ننفر من استخدام الإيماءات بل نوظفها بنجاح.
طريقة الوقوف:
يجب أن نظهر واثقين من أنفسنا، ولا سيما خلال اللحظات الهامة جداً التي نقترب فيها من المنصة أو المنبر الذي سنقف عليه، كما يجب أثناء إلقاء الخطاب ألا تتنافر حركات الجسم مع الألفاظ المستعملة في سياق الخطاب، ويحبذ الوقوف بثبات على كلتا القدمين مع جواز الاتكاء على قدم واحدة، لكننا عندما نفعل هذا نميل أحياناً إلى أن نراوح في وقوفنا من قدم إلى أخرى وإلى الأمام والخلف دون أن نشعر، ولكن جمهور المستمعين سوف يلاحظ ذلك ويدركه ويركز عليه، إن الوقوف بشكل ثابت يجعلنا أقل ميلاً إلى إلهاء الجمهور بحركات منفرة.
ويجب ألا تشعر بمجرد وقوفك وراء المنصة أن قدميك صارتا ضاربتين في الأرض كالجذور تحرك في مكانك بحرية طالما كان لهذا التحرك هدفه ولا تقطع المكان جيئة وذهاباً فقط لإهدار ما لديك من طاقة، بل تحرك حينما يكون لديك سبب لذلك، فقد يحتاج الأمر إلى التحرك نحو السبورة كي تكتب عليها، أو أن تلتفت بين حين وآخر كي تلتفت إلى جزء من جمهور المستمعين الذين قد لا يكون بإمكانهم رؤية المتحدث بشكل جيد.
2 – الاتصال البصري:
هناك نصائح متعددة حول كيفية الحفاظ على اتصال بصري جيد مع المستمعين، فمن المهم توزيع النظرات على جميع الحاضرين والتنقل من واحد إلى آخر لا تلق بنظرك فوق مستوى رؤوس الجمهور، وتجنب النظر في الفراغ أو التركيز على نقطة واحدة أو مجموعة معينة فقط.
كن على اتصال بعينك مع جمهور المستمعين، حاول أن توجه الحديث إلى كل شخص منهم، أو على الأقل إلى كل منطقة تجمع عدداً منهم مثل المتحدث في التلفاز الذي يبدو على الشاشة وكأنه يتحدث إلى كل شخص من جمهور المشاهدين.
ومن المفيد أحياناً النظر المتواصل إلى المستمعين المؤيدين أو المحايدين، وتفادي النظر إلى المعاندين والمعارضين.
ـــــــــــــــــــ
كيف تدير حلقة لتحفيظ القرآن الكريم؟(*)
أحمد بن عبد المحسن العساف
18/3/1426
ارسل تعليقك ...
لا توجد تعليقات ...
ارسل الصفحة ...
الى مشرف النافذة ...
طباعة ...
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.. وبعد:(115/1720)
فيا أيها الإخوة الأفاضل الأماجد:
أيُ رجالٍ أُحادث الليلة؟
ألستم مَنْ يصدق عليه الحديث الصحيح " خيركم من تعلم القرآن وعلمه "؟ألستم من جعل الدنيا دَبْر أذنه وخلف ظهره وسعى بجُهدٍ وجَهدٍ وجهاد لتعليم فلذات الأكباد كتاب الله الكريم؟
بلى! أنتم كذلك نحسبكم والله حسبكم وحسيبكم ولا نزكي على الله أحداً؛ ولذا فلكم من غالبية المجتمع كل الحب والتقدير والمؤازرة والدعاء، فنسأل الله لكم التوفيق والسداد والمباركة في أنفسكم وأهليكم وذراريكم وفي أعمالكم وأعماركم وأموالكم، وجعلنا الله وإياكم من قومٍ مباركين أينما كانوا مفاتيحَ للخير مغاليقَ للشر.
أيها الإخوة:
موضوعنا الليلة: كيف تدير حلقةً لتحفيظ القرآن الكريم؟ حيث سنتحدث عن الإدارة كعلمٍ وفنٍ وممارسةٍ؛ ونحاول إنزال الموضوع على واقع الحلق قدْر الإمكان.
فما هو تعريف الإدارة؟
تنقسم الأهداف إلى أهداف استراتيجية بعيدة المدى وهذه قد يستحيل التنازل عنها؛ وأهداف تكتيكية مرحلية قصيرة المدى ويمكن تغييرها حسب الظروف، ويجب أن تتناسب هذه الأهداف مع الأهداف الكبرى التي يقوم عليها العمل
الإدارة هي تحقيق الأهداف من خلال العمليات الإدارية الأربع:
التخطيط؛ التنظيم؛ التوجيه؛ الرقابة.
المستويات الثلاثة للإدارة:
• الإدارة العُليا: وأكبر مهماتها التخطيط.
• الإدارة الوسطى: ومهمتها الأساسية الإشراف.
• الإدارة الدنيا: وأهم مهماتها التنفيذ.
ولا يعني هذا أن الإدارة العليا لا تمارس التنفيذ وأن الإدارة الدنيا لا تشارك في التخطيط؛ فلكل مستوى مشاركة وعمل حسب المناسب.
الالتزامات الثلاثة للإدارة:
• التزام باختيار العناصر الملائمة لتحقيق النتائج المطلوبة.
• التزام باستخدام هذه العناصر الاستخدام الأمثل.
• التزام بالاستمرارية وتحقيق التوازن بين متطلبات المدى القريب والمدى البعيد.
العمليات الإدارية:
أولاً: التخطيط:
• تحديد الأهداف.
• وضع البرامج.
• إعداد الموازنات.
• كتابة الجدول الزمني.
وللتخطيط الاستراتيجي عدة أساليب؛ فمنها:
أسلوب تحليل الأسئلة الحرجة: C. Q. M
ماذا يريد المجتمع من الحلْقة؟(115/1721)
وماذا يريد الطالب منها؟
ماذا نريد نحن من الحلْقة؟
ما الموقف الحالي للحلْقة؟ وما نوعية البيئات التي تتعامل معها؟
ما الذي يمكن عمله حتى نحقق أهداف الحلْقة بدرجة أكبر؟
أسلوب تحليل البيئة: SWOT
S : مواطن القوة.
W: مواطن الضعف.
ويمثلان البيئة الداخلية للحلْقة.
مثلاً: كثرة المدرسين وتميزهم عامل قوة يجب استغلاله.
ومثلاً: قلة عدد المشرفين عامل ضعف يجب علاجه أو مراعاته عند التخطيط.
O: الفرص.
T: المخاطر.
ويمثلان البيئة الخارجية للحلْقة.
مثلاً: بناء جامع كبير في الحي فرصة ينبغي استغلالها.
ومثلاً: إعادة بناء المسجد يستلزم البحث عن مكان جديد.
ويجب في البداية تحديد رسالة الحلقة ورؤيتها:
فتحديد الرسالة مهم في التخطيط.
مثلاً: نحن حلْقة لتحفيظ القرآن الكريم وتعليمه للشباب في مدينة كذا.
والهدف من الرسالة ملاحظة الانحرافات؛ فمثلاً لو صرف مجموعة من الطلاب جهودهم لإصدار مجلة إسلامية للأطفال لقلنا لهم مكانكم! نحن حلْقة تحفيظ ولسنا مؤسسة إعلامية؛ بالرغم من تقديرنا للمؤسسات الإعلامية ذات التوجه الطيب، وعلى هذا المثال قس.
ثم تحديد الرؤية لشحذ الهمم.
مثلاً:
تخريج أئمة الحرمين والجوامع الكبرى.
تخريج مدرسين متقنين للحلق.
ثم تحدد الأهداف الإستراتيجية للحلقة؛ فمثلاً:
تخريج حفاظ متقنين من الشباب.
وبعدها توضع الأهداف المرحلية والبرامج العملية لتحقيق هذه الأهداف الإستراتيجية فمثلاً يكون الهدف المرحلي
تخريج 10 حفاظ خلال سنة. أو: حفظ 10 أجزاء خلال سنة من قبل 30 حافظاً ؛ وعند تحديد الأهداف المرحلية ووضع برامجها ينبغي التأكد من تحقق صفات الهدف فيها؛ وهي مجموعة في كلمة:
SMART
حيث تعني S أن يكون الهدف محدداً؛ فلا تقل هدفنا تعليم الناس الخير لتنوع الخير وكثرته ولكن حدد هدفك بتحفيظ القرآن الكريم.
M تعني القابلية للقياس؛ فنحدد عدد الأجزاء المطلوب حفظها كل سنة ( مثلاً 10 أجزاء من قبل 30 طالباً ).(115/1722)
: Aيمكن تحقيقه؛ فلا يكون الهدف مستحيلاً، ويكون هدفاً متفقاً عليه.
R: يكون الهدف واضحاً؛ واقعياً؛ مكتوباً؛ متذكراً.
والمعنى أن يكون الهدف غير غامض ويفهمه من يقرؤه؛ ويكون واقعياً حسب قدرة الحلْقة؛ ولا يكتفى بحفظه بل يكون مكتوباً ليسهل الرجوع إليه؛ ويكون الهدف حاضراً في الذاكرة بحيث توجه لتحقيقه الأعمال.
T: الوقت والتحدي؛ ويعني تحديد زمان لتحقيق الوقت لنتمكن من القياس، فيقال هذه الخطة: سنوية؛ ثلاثية؛ خمسية، ويكون الهدف فيه روح التحدي والمثابرة لاستحثاث الهمم فلا يكون هدفاً سهلاً يستطيعه الضعيف قبل القوي.
تنقسم الأهداف إلى أهداف استراتيجية بعيدة المدى وهذه قد يستحيل التنازل عنها؛ وأهداف تكتيكية مرحلية قصيرة المدى ويمكن تغييرها حسب الظروف، ويجب أن تتناسب هذه الأهداف مع الأهداف الكبرى التي يقوم عليها العمل مثل: إعداد وتربية جيل قرآني؛ تقويم سلوك الشباب وحمايتهم من الانحراف؛... إلخ.
ترتب الأهداف حسب الأولويات؛ ويعتنى بأهمها.
ثانياً: التنظيم:
• رسم هيكل التنظيم الإداري. انظر الشكل الملحق.
• التوصيف الوظيفي: ليعرف كل عامل مهمته وواجباته وسلطاته ومعايير تقييمه ومرجعيته الإدارية.
• اختيار الأشخاص المناسبين لكل مهمة وتكون البداية بإسناد المهمة الأيسر للموظف الأقل خبرة.
• تحديد العلاقات بين المسؤولين.
رسم الهيكل التنظيمي يكون قبل توزيع المهام.
عند توزيع المهام نبدأ بالمهمة الأيسر لتبقى المهمة الكبيرة للرجل المميز.
توصيف الوظائف مهم جداً؛ وعليه ينبني تحديد المسؤوليات والسلطات والصلاحيات.
لابد من تسمية نائب للمشرف على الحلْقة من أحد المساعدين الثلاثة؛ وينبغي أن يتولى هذا المساعد جميع وظائف المساعدين ليطلع على سير العمل من جميع جوانبه فيسهل عليه تصوره مستقبلا عندما يصير المشرف العام؛ وهدف آخر يتمثل في صرف تركيزه على جانب واحد فقط إذا تولى الإشراف العام؛ لأن هذا الجانب هو المعروف لديه بدقة وباقي الجوانب مجهولة.
من خلال الهيكل يتألف فريق عمل ناجح ومؤثر؛ ولفريق العمل الناجح سمات ولكل سمة درجة ومن خلال مجموع الدرجات تتحدد فعالية الفريق من عدمه؛ لكننا نكتفي بالصفات المجموعة في قولنا:
MAGIC
M: تعني المهمة والرؤية المشتركة للفريق؛ بحيث يحمل أعضاء الفريق هماً واحداً.
A: القبول للعمل وللعضوية وللزملاء.
G:المصداقية أو القواعد العامة؛ مثل: التصويت والاجتماعات... إلخ
I: مواطن القوة؛ بحيث يتمتع كل فرد بميزة على قاعدة " نتكامل ولا نكرر بعضنا ".
C: الالتزام بما يتفق عليه؛ فيذوب رأي الفرد في اتفاق المجموع.(115/1723)
ويؤكد الإداريون على أن يشمل كل فريق ثلاثة أنواع من الناس هي: القيادي المتفرد والتحليلي والإبداعي ويلاحظ غياب العاطفي إذ لا حاجة له غالباً.
ويقولون: إذا كنت أنت ومديرك دائماً على رأي واحد فأحدكما لا داعي له، وهذه ليست دعوة للمخالفة من أجل المخالفة؛ ولكنها دعوة لإبداء الرأي الذي نعتقده بصراحة مؤدبة.
ونحن نرفض أسلوب: وافق أو نافق أو فارق.
ثالثاً: التوجيه:
• التحفيز والدعم: ويشمل التحفيز الجانب الإنساني والتدريب والمشاركة.
• القيادة.
• الاتصال.
• توفير المعلومات: ويجب أن يكون تدفق المعلومات إنسيابياً ومن سياسات المؤسسة.
يعد الفشل في الاتصال وباء الإدارة المعاصرة.
من أساليب القيادة أسلوب التوجيه والدعم؛ بحيث يزداد التوجيه لمن لا يملك الخبرة؛ ويزداد الدعم لمن ضعفت حماسته؛ أما من كانت خبرته وحماسته عالية فيفوض مباشرة.
رابعاً: الرقابة:
• تحديد المعايير الرقابية.
• قياس الأداء.
• تشخيص المشكلات.
• اتخاذ القرارات.
سياسات مهمة:
• لتكن الأهداف والرؤية والرسالة واضحة معروفة وحاضرة في الأذهان.
• لتكن المسؤوليات والصلاحيات واضحة غير متشابكة.
• التدريب استثمار لا يترك والتفويض قرينه الذي لا ينفك.
• مراقبة البيئة ومتابعة المستجدات في مجال الحلْق.
• استخدام التقنيات الجديدة إن في الحفظ والمراجعة أو في المتابعة والتقارير.
• لا بد من مراقبة الانحرافات عن الأهداف والرسالة وتعديل المسار حالاً.
• الاستفادة من تجارب الحلق الأخرى.
• التجديد والإبداع مطلب ملح.
• التواصل المستمر مع أولياء الأمور بالتقارير وعرض الأنشطة.
• الاتصال المستمر مع مَنْ يدعم الحلْقة وإبراز الإنجازات.
• لابد من التعاون المثمر مع الجمعية وفروعها.
• ضرورة الضبط التربوي والإداري والمالي.
• إيجاد مناخ عمل آمن ملائم مناسب.
• العناية بالجوانب الإعلامية من حيث إعداد الملاحق الصحفية والبرامج المسموعة والمرئية.(115/1724)
• الاستفادة من العالم الموازي: الإنترنت.
• أهمية عمليات المراجعة المستمرة والتقويم الفصلي لعمل الحلْقة.
• قد يحسن تأليف مجلس إشرافي على الحلقة يضم إمام المسجد وعلماء ووجهاء الحي وأهم المتبرعين إضافة للمشرف العام.
• يجب اعتماد فلسفة الوفرة والابتعاد عن فلسفة الندرة؛ فبدلاً عن المسجد يوجد ألف مسجد، وغير المدرس الفلاني يوجد مئات المدرسين وهكذا.
• يقع على عاتق مشرف الحلقة والعاملين معه أمانة المحافظة على الشباب من الانحراف وحماية الحلق من الاختراق حتى لا تكون مكاناً لنشر أي فكر أفسده غلو أو جفاء.
وأخيراً:
فهذه أسباب والتوفيق من عند الله_ سبحانه_؛ فأسأله سبحانه بأسمائه الحسنى وصفاته العُلى أن يريكم ثمار غراسكم الطيب في الدنيا مع ما يدخره لكم في الآخرة من المثوبة وحُسن العاقبة؛ والسلام عليكم.
ـــــــــــــــــــ
دعه يتوهَّق
هاني العبد القادر
11/3/1426
ارسل تعليقك ...
تعليقات سابقة ...
ارسل الصفحة ...
الى مشرف النافذة ...
طباعة ...
هذا المقال هو خاتمة المقالات التي تتحدث الأساليب العملية في التعامل مع المراهقين، حيث قسمنا الموضوع إلى محورين: بناء الصداقة، وتضمن خمس عناصر تحدثنا عنها في وقتها، والمحور الثاني حل المشاكل بلا مشاكل، وتضمن سبع عناصر، هي:
أ – طوّل بالك. ب – اقبل ابنك بعيوبه.
جـ - الخطوات الخمس لحل مشكلة ابنك.
د – أسلوب "أنا" لحل مشكلتك. هـ - اعترف برأيه.
و – الحزم اللطيف. ز – دعه يتوهق.
واليوم نحن مع العنصر الأخير الذي يكمل المقال الحادي عشر عن أساليب التعامل مع المراهقين.
العنصر السابع: دعه يتوهق(1):
يتحمل الوالدان مسؤولية وقاية أبنائهم من المشاكل بصورة مفرطة، فيتكل الأبناء على حرص الآباء، وهذا ما لا نريده، نريد أن نربي أولادنا على تحمل مسؤولية أنفسهم إذا كان الدين حملهم مسؤولية الأحكام الشرعية أو سيحملهم قريباً، ألا نحملهم نحن مسؤولية ملابسهم وأكلهم؟ إلى متى نظل في حرب معهم على الاستيقاظ إلى(115/1725)
المدرسة؟ إلى متى نلقط وراءهم ثيابهم المتسخة المرمية في كل مكان؟ إلى متى تتعبين أختي القارئة في الغداء، وهم ما عليهم إلا الأكل ثم يقومون، لا يأتون بالغداء، ولا يُرجعون الصحون، ولا يرتبون السفرة ولا يساعدونك في شيء أبداً، هذه الحاسة تستمر إذا لم نغير طريقتنا، يعني لماذا الولد يتعب نفسه ويلقط ملابسه المرمية على الأرض وعند الدولاب وطرف السرير هناك من يجمعها، لماذا يكدر على نفسه ويقطع اللعبة لكي يحمل ويضع في الغداء؟ ويخدم أهله طالما أنه –نظاماً- سيأكل ما لذ وطاب (وما سال له اللعاب) اشتغل أو ما اشتغل بالنسبة للاستيقاظ الصباح ما يحتاج كل مدة تأتين وتوقظين ويرجع وينام، وترجعين له مرة ثانية، وتغضبين، وهو نائم أبرد ما عنده، لا.. ريحي بالك، أيقظيه مرة واحدة أو أعطيه ساعة منبه ويتأخر قليلاً ليتحمل هو مسؤولية تأخره هناك في المدرسة، يقول الشاعر:
نريد أن نربي أولادنا على تحمل مسؤولية أنفسهم إذا كان الدين حملهم مسؤولية الأحكام الشرعية أو سيحملهم قريباً، ألا نحملهم نحن مسؤولية ملابسهم وأكلهم؟
فقسى ليزدجروا ومن يكن حازماً ... ...
فليقسُ أحياناً على من يرحم
الملابس مثلاً هذه الغسالة تشتغل بهذه الطريقة، وهذه الجفافة تشتغل بهذه الطريقة، وهناك المكواة، تريد أن نشتري لك مكواة خاصة تختارها بنفسك؟ لا بأس، نفس الكلام في الأكل تساعدنا وتقوم بدورك تأكل، لن تساعدنا لن تأكل وستحرمنا من جلستك الحلوة وحديثك معنا على الغداء كل هذا في أمور الدنيا طبعاً أما أمور الآخرة، وأهمها: الصلاة فالوضع يختلف نجاهد أبناءنا في شأن الصلاة ونصبر على ردود أفعالهم المختلفة حتى يعظموا الصلاة ويقيموها ويأمروا غيرهم بها، قال _تعالى_: "وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا" (طه: من الآية132)، وحينما يجد المراهق أن الصلاة وأمر الدين هي الشيء الذي يتابع فيه بدقة ويسأل عنه ليدرك عظم قدرها ويشعر بالفارق الكبير بينها وبين بقية الأمور التي تركت له يتحمل عواقب أفعاله فيها.
إخواني وأخواتي أبناؤنا ليس لهم ذنب في الاتكالية التي يعيشونها، ولا نقدر أن نلومهم بكلمة، نحن الذين حرمناهم من تحمل المسؤولية عندما أتينا بخادمة؛ لأننا لسنا قادرين أن نتركهم يواجهون مسؤولياتهم الطبيعية، أو نضحي قليلاً على حساب شكل البيت، فقط نعلم أولادنا.. تناسينا أن إحضار خادمة في بيت المراهقين إصابة لتربيتهم في مقتل لا من ناحية تحملهم المسؤولية ولا من ناحية ثانية تُشَيِّبُ رؤوسكم لا نريد قولها.
إلى هنا نكون قد انتهينا من هذه المقالات سائلين المولى –جل وعلا- أن تكون إسهاماً في دفع عجلة التربية لدى الوالدين، وأن تكون أدت الغرض الذي من أجله كتبت، كما نتمنى أن تروا هذه المقالات –بمشيئة الله- مجتمعة في مكان واحد من خلال هذا الموقع.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
___________(115/1726)
(1) توهق فلان في الكلام: اضطره إلى ما يتحير فيه. (القاموس المحيط)836 باب القاف فصل الواو.
ـــــــــــــــــــ
كيف تحضر خطبة ؟
إسلام داود
4/3/1426
ارسل تعليقك ...
تعليقات سابقة ...
ارسل الصفحة ...
الى مشرف النافذة ...
طباعة ...
قبل البدء في تحضير الخطبة لا بد من اعتبارات تمهيدية:
أولاً: اعرف مستمعيك:
أول خطوة في التخطيط للخطبة هي معرفة جمهور المستمعين فعليك مثلاً أن تعي طبيعة المجموعة التي ستتحدث إليها والقضايا التي تهم الحاضرين، ومن تحدث إليهم قبلك، وما مواقف المستمعين تجاه موضوع الحديث كما ينبغي التعرف على أي عناصر مشاكسة موجودة بين الحاضرين والعناصر "الصديقة" أو المتعاطفة مع آراء المتحدث.
ولتحقيق جو من الألفة والتواصل مع جمهور المستمعين، على المتحدث أن يصل مكان الاجتماع مبكراً، وأن يكون بين آخر المنصرفين هذا من شأنه أن يمكن المتحدث من التعرف على بعض الحاضرين واكتشاف العناصر الحليفة بينهم كما يوفر فرصة للتحدث إلى المعارضين والتعرف عليهم بصفة شخصية إذا دعت الحاجة إلى الإشارة إليهم بالاسم أثناء الحديث وإلى آرائهم كنوع من إبداء التقدير والاحترام لهم، ويمكن الاستفادة من ذلك لتعزيز وتقوية بعض النقاط التي سترد في الخطبة أو الحديث.
يستجيب الجمهور المستمع للمتحدث إذا اقتنع بمصداقيته ولتأكيد هذه المصداقية فإن على المتحدث أن يكون على دراية تامة بالموضوع الذي يتناوله
ثانياً: أكد مصداقيتك:
يستجيب الجمهور المستمع للمتحدث إذا اقتنع بمصداقيته ولتأكيد هذه المصداقية فإن على المتحدث أن يكون على دراية تامة بالموضوع الذي يتناوله، وأن يكون بإمكان مستمعيه أن يصدقوه فيما يطرح من أفكاره، وأن بكسبه تصرفاته حب الجمهور وإقباله عليه.
فعندما آن الأوان لأن يجهر رسول الله _عليه السلام_ لأهل مكة ببعثته وأن يبلغهم رسالة ربه وقف على جبل الصفا ودعاهم للتجمع ليخطب فيهم بأن قال: "يا معشر قريش، لو أخبرتكم أن جيشاً يوشك أن يظهر عليكم من وراء هذا الجبل فهل كنتم مصدقي؟" فقالوا: "نعم"، وذلك لأنهم لم يعرفوا عليه الكذب طوال أربعين عاماً، وبعد أن أكّد مصداقيته لديهم قال لهم: "فإني نذير لكم بين يدي عذاب يوم شديد".(115/1727)
إعداد الخطبة:
نقدم فيما يلي أنموذجاً عاماً للخطبة، وقد لا يكون مناسباً في جميع الحالات، إذ قد تملي مناسبة خاصة أو يفرض موضوع ذو ملامح معينة أنموذجاً مختلفاً، ولكن الهدف يجب أن يكون دائماً هو إعداد خطبة متكاملة تنقل أفكار المتحدث بوضوح مع العناية بجذب اهتمام المستمعين وحسن إنصاتهم وتركيزهم.
1 – اختر الموضوع المناسب لخطبتك:
وحدِّد عنوانه وعناصره بدقة، وضع خطة شاملة له، مستحضراً الأسباب التي تجعلك تعتقد بأن هذه القضية هامة للمستمعين متيقناً ضرورة طرحها أمام الرأي العام، مع توضيح مرامي الخطبة.
2 – حلل الموضوع:
اشرح الخلفية التاريخية واذكر دروس الماضي، وَضَعْ الموضوع في إطاره العملي والواقعي، إن من أنجع الوسائل ترتيب المادة حسب المواضيع وليس على أساس زمني أو تاريخي، كما أنه من المهم أن يعرف الجمهور بوضوح لماذا أصبحت هذه القضية هامة في هذا الوقت خاصة.
3 – عرض الأمثلة:
اضرب أمثلة محددة إذا توافرت من الماضي الإسلامي وغير الإسلامي، أو قصصاً تصويرية أو لغزاً أو شعاراً، وناقش ما اقترح من حلول لوقائع تاريخية مشابهة وما حققته تلك الحلول من نجاح أو إخفاق أما إذا كانت القضية جديدة تماماً فناقش أوجه الشبه أو التباين بينها وبين حالات سابقة.
4 – شخص المشكلة واقترح الحلول:
ابدأ بتشخيص المشكلة بشكل إبداعي مستشهداً بالآيات القرآنية التي تعين في التحدث عن الحل، وارجع إلى السنة الشريفة لمزيد من التوضيح، افحص إمكان تطبيق المبادئ القرآنية في واقع المسلمين اليوم، وخذ في حسابك ما طرح من اجتهادات في تفسيرها كمحاولة للتوصل إلى الحل، وقدم اقتراحات لحلول جديدة في إطار مقاصد الشريعة الغراء حين لا توجد النصوص المباشرة في القضية محل البحث.
5 – الخاتمة:
هناك فرعان للخاتمة، أحدهما: علمي منهجي، والثاني: تربوي، يشتمل الأول على:
- تلخيص أساسيات الموضوع في نقاط محددة لا تتجاوز الخمس كي يسهل استيعابها واستذكارها.
- أهم النتائج العلمية والعملية التي تمخضت عنها الخطبة.
- فتح آفاق جدية للبحث والتأمل.
أما الثاني التربوي فهو أن تختتم حديثك بثلاث نقاط:
- التواضع وهو تاج الحكمة والاعتراف بقصور العلم البشري مهما اتسع.
- التفاؤل والتأكيد على أن الله _سبحانه وتعالى_ قد جعل لكل شيء سبباً ولكل داء دواء وأن الأمة قادرة على اكتشاف تلك الأسباب والأدوية وإقامة مجتمع أفضل.
- التقدم بالشكر والتحية للمنظمين وللمستمعين.
ـــــــــــــــــــ(115/1728)
برنامج تحفيظ الفتيان
حمزة بن سعد الحجري
27/2/1426
ارسل تعليقك ...
تعليقات سابقة ...
ارسل الصفحة ...
الى مشرف النافذة ...
طباعة ...
من باب الحرص على الخير وعلى نشر العلم والسعي في بثه في أرجاء المعمورة، وانطلاقاً من باب استغلال الطاقات الكامنة،سنتناول هذه التجربة لمشروع تحفيظ الفتيان، نرجو من الله أن تحقق الأمل والنجاح.
فكرة البرنامج:
الفكرة هي تحفيظ الفتيان (صغار السن) من سن الثانية عشرة حتى سن الخامسة عشر عاماً خمسة عشر جزءاً من القرآن الكريم مع حفظ كتاب الأربعين النووية من الحديث حفظاً متقناً في مدة وجيزة مدتها أربعون يوماً، يقوم بتدريسهم معلمون مربون ومتميزون، ولعل هذه تقام على مرحلة أولى في السنة الأولى ثم يقام في المرحلة الثانية وهي سنة أخرى (السنة الثانية) المرحلة الأخرى وفيها حفظ النصف الآخر من القرآن مع مراجعة النصف الأول من القرآن مع حفظ كتاب مختصر في الحديث أو غير ذلك مما يُرى تعديله خلال السنوات القادمة.. ولعل كل برنامج تمهيد لما بعده وتأهيل لحفظ ما هو أكثر..
هدف البرنامج:
بهدف البرنامج إلى استغلال الطاقات الكامنة والتي لا زالت مزهرة تطالع الينوع والإنضاج فيما هو دليل لحياة مستقبلية ترفرف بالعلم والدعوة إلى الله، ومن أجل حِفاظ فتيان الأمة لدينهم ومعتقدهم
استغلال الطاقات الكامنة والتي لا زالت مزهرة تطالع الينوع والإنضاج فيما هو دليل لحياة مستقبلية ترفرف بالعلم والدعوة إلى الله، ومن أجل حِفاظ فتيان الأمة لدينهم ومعتقدهم، ومن أجل سلامة منهجهم وتمرينهم على حياة العلم منذ نعومة الأظفار، ومن أجل أن تستغل عقولهم التي لا زالت صافية، بكتاب الله وبكلام رسول الله – صلى الله عليه وسلم – حيث ينشأ على هذا، وحيث إن البرنامج شبه مخصص للموهوبين وأهل الطاقات الموهوبة.
المواد الرئيسة المعدة في البرنامج وسبب اختيارها:
1- خمسة عشر جزءاً من القرآن الكريم، وعدد صفحاتها: 305 صفحة، ولقد اختير؛ لأنه الركن الأول والأساس الأسمى، ولأن جميع الأمور تأتي تبعاً له.
2- كتاب الأربعين النووية، وعدد أحاديثه: اثنان وأربعون حديثاً، ولقد اختير لسهولة أحاديثه وسرعان حفظها ولجمعه بين بعض الأحكام وأمور الحياة ولاشتماله على بعض الآداب، ولأن جميع أحاديثه صحيحة.
مكان إقامة البرنامج ومدته الزمنية، وسبب ذلك:(115/1729)
يقام في أطهر البقاع وفي أفضل الأماكن في مكة المكرمة، ويكون في بيت الله الحرام لمدة أربعين يوماً خلال الإجازة الصيفية من كل سنة _إن شاء الله تعالى_، ولقد اختير المكان لروحانيته ولفضله ولتضاعف العمل والأجر فيه، ولما يتميز الحفظ في حرم الله، وكذلك ليبتعد المشارك عن أهله وبلده لكي لا يطرأ عليه شاغل يصرفه عن جدوله اليومي، ولقد اختير الزمان؛ لأنه الأنسب في السنة والأطول مدة خلال السنة كاملة.. ولعلنا _بإذن الله تعالى_ وخلال السنوات القادمة وبعد تثبيت هذا البرنامج مبدئياً وعمل السير عليه في مكة المكرمة وتجربته خلال هذا العام نوسع المدد والفكرة إلى مختلف أنحاء المملكة إن رأى المشايخ وأهل الرأي ذلك.
البرامج الثانوية المقترحة في البرنامج:
1- يتمتع البرنامج ببرامج ترفيهية مختلفة تتخلل عدة نشاطات، ويعقد البرنامج الترفيهي كل يومين يوم بعد العصر ويوم بعد العشاء من أجل الترويح عن النفس وإذهاب الملل والكلل، والتخفيف من العناء والجهد، وإراحة البال لتتجدد للمدة التي تليها، ويتخلل هذا البرنامج الترفيهي إما برنامج مصغر ينفس عن النفس أو زيارة لأحد الأعلام أو زيارة لأحد المعالم أو الذهاب إلى منتزه بعيد عن اللغو واللهو أو الترفيه بأمور رياضية تعيد من نشاط النفس أو غير ذلك، وكذلك يكون هنالك يوم مفتوح خلال كل عشرين يوماً، وهذا مما رآه المشايخ.
2- بعد الانتهاء من الدورة تقام رحلة خارجية إلى مدينة أبها أو الباحة للمتميزين في البرنامج، وذلك يكون تحفيزاً ودافعاً لهم أيام الدورة بالحفظ والإكمال وكذلك من أجل جعل فسحة وتنفساً طويلاً بعد قطع هذا المشوار الطويل، وبعد حمل هذا الكم الهائل الذي يجعل للنفس غاية التعب ومنتهاه، وسيكون منظماً لها تنظيماً رائعاً، وهذه الفكرة مما اقترحها المشايخ وأيدوها جميعهم بكل شدة؛ لأنها تجعل للنفس فسحة وتشجيعاً.
تقسيم البرنامج:
1- يحفظ كل يوم ثمان صفحات من القرآن الكريم.
2- يحفظ كل يوم حديثاً من أحاديث الأربعين النووية.
3- يوقف بين المغرب والعشاء على دروس تربوية مختصرة جداً، وفي وقت مختصر جداً وغير مملة ومناسبة للمقام وتعد من قبل متخصصين بالأسلوب، وهذه الخطة في البرنامج الذي لا يوجد فيه برنامج ترفيهي.
4- على التقسيم الماضي يكون معدل الحفظ بالساعات في اليوم ثمان ساعات، ويكون معدل أوقات الراحة ثلاث ساعات، ويكون معدل وقت النوم ثمان ساعات.
5- تكون هنالك مراجعة دورية.. فهنالك مراجعة يومية لما حفظه في ذلك اليوم.. مع مراجعة لكل ما حفظ، وذلك خلال الأسبوع الواحد مراجعتان الأولى يوم الثلاثاء والثانية يوم الجمعة.
ملحقات البرنامج:
1- يتخلل أيام الحفظ جوائز نقدية وعينية حرصاً على التشجيع للمواصلة.
2- كما يتخلل أيام الحفظ دروس تربوية مناسبة لمقامهم تعقد خلال كل يومين.
3- يُرى في سائر الأيام الوقفات التربوية ومسايرة الأحداث الهادفة بالتقرير للحدث الهادف عياناً والصرف عن الحدث الضار، حيث لو وقعت حادثة جميلة ومفيدة أمام(115/1730)
الأبصار فإنها تقرر بأسلوب يستفيد منها المشارك بخلاف لو وقعت حادثة سيئة فإنه يقلل من حقها ويحذر منها بأسلوب تربوي مقنع.
4- يدعى أحد المشايخ أو المسؤولين خلال أيام الحفظ للسماع من بعض النماذج الحافظة حتى يكون لها وقع في نفس الحافظ وفي نفس السامع.
ماذا عن المشايخ والعلماء والمفكرين:
إننا لنحيط النظر بأننا لم نُقِم هذا البرنامج إلا باستشارة أهل الرأي والمشورة، فلقد عرضنا هذا البرنامج على كبار العلماء والمفكرين والدعاة فكان منهم من أقر، ومنهم من عرض عليه، ومنهم من أدلى بتوجيهاته وآرائه حول البرنامج، ولقد قمنا بالمطلوب وبما أشاره علينا جمع من المشائخ وعدلنا في هذا البرنامج وبدلنا فيه بناءً على ما وصلنا من تعديلات وآراء ومقترحات مقنعة من ثلة من المشايخ العلماء والمربين، ولقد حاولنا أن نطرح البرنامج على أكثر من عالم ومربي حتى يستقيم أمر هذا البرنامج.. وإنا لنعرض إليكم هنا بعض من عرضناه عليهم وأقوالهم التي صاحبت توجيهاتهم وهم:
1- معالي الشيخ/ صالح بن محمد اللحيدان.
2- الشيخ الدكتور/ عبد الله بن عبد الرحمن الجبرين.
3- الشيخ الدكتور/ سلمان بن فهد العودة. (هذا برنامج ممتاز)
4- الشيخ/ محمد بن عبد الله الدويش. (برنامج مناسب)
5- الشيخ/ متعب بن سليمان الطيار.
6- الشيخ/ علي بن عبد الخالق القرني. (استعينوا بالله وابدؤوا فما تعسر مطلب أنتم طالبوه بربكم)
7- الشيخ/ سعود بن إبراهيم الشريم.
8- الشيخ/ عبد الله بن عبد العزيز المصلح. (شكر الله لهذه الفتية مشروعها وأحسن الله إليكم) [وقد أدلى الشيخ بآراء عمل بها]
9- الشيخ/ سعد بن سعيد الحجري.
10- الشيخ الدكتور/ عائض بن عبد الله القرني.
11- الشيخ الدكتور/ سعيد بن مسفر القحطاني. (هذا عمل عظيم)
12- الشيخ الدكتور/ علي بن حسن الألمعي.
13- الشيخ/ عبد اللطيف بن عبد الله الوابل. (بارك الله في جهودكم ونفع بكم وهذا عمل مبارك)
14- الشيخ الدكتور/ ناصر بن عبد الكريم العقل. (برنامج جيد ومفيد ونسأل الله أن يعينكم وشكر الله لكم) [وقد أدلى الشيخ بآراء عمل بها]
15- الشيخ الدكتور/ عبد الله بن محمد المطلق.
16- الشيخ الدكتور/ محمد بن عبد الرحمن العريفي. (هذه فكرة جيدة وحماس جيد) [وقد أدلى الشيخ بآراء عمل بها]
17- الشيخ/ محمد بن عبد الله السبيل.
18- الشيخ/ عبد الله بن محمد الشهراني. (شكر الله للقائمين على هذا البرنامج وأمثاله حرصهم وغيرتهم وجهدهم وجهادهم) [وقد أدلى الشيخ بآراء عمل ببعضها](115/1731)
19- الشيخ/ محمد بن محمد المختار الشنقيطي.
20- الشيخ/ عبد الرحمن بن ناصر البراك.
21- الشيخ/ صلاح بن محمد البدير.
22- الشيخ/ أحمد بن أحمد الضبعان.
وفيما يلي الجدول الذي سيسير عليه نهج الأيام.
ـــــــــــــــــــ
الحزم اللطيف!!
هاني العبد القادر
20/2/1426
ارسل تعليقك ...
لا توجد تعليقات ...
ارسل الصفحة ...
الى مشرف النافذة ...
طباعة ...
كنا قد وعدناكم في مقال سابق بإكمال الحديث عن عناصر "حل المشاكل بلا مشاكل"، والتي تتضمن سبع عناصر، هي:
أ – طوّل بالك. ب – اقبل ابنك بعيوبه.
جـ - الخطوات الخمس لحل مشكلة ابنك.
د – أسلوب "أنا" لحل مشكلتك. هـ - اعترف برأيه.
و – الحزم اللطيف. ز – دعه يتوهق.
ونحن اليوم مع العنصر قبل الأخير، والذي يتحدث عن أسلوب جميل في كيفية التخلص من مشاكل المراهقين:
العنصر السادس: الحزم اللطيف:
الآباء والأمهات يجيدون إعطاء الأوامر، لكنهم لا يوضحون ماذا سيعملون لو لم ينفذ ولدهم الأمر، يعني مثلاً يقول الأب: لا تنم عن صلاة الفجر، ويسكت دون أن يخبره بالعقاب في حال المخالفة، ويؤجل تحديد هذا العقاب وتنفيذه إلى أن يقع الخطأ، وهذا هو الخطأ، يجب أن يكون هناك وضوح مبكر في القانون أو النظام عقوبة مخالفته عند الأب وعند المراهق، وأنجح القوانين ما يشترك الأب وابنه في وضعه واختيار عقوبة مخالفته القوانين المبكرة تتميز بالحزم الصحيح في التربية، وحتى هذا الحزم يمكن تغليفه بطبقة من اللطف والاحترام كما يغلف الدواء المُرّ بطبقة من السكّر، كما فعل أبو مالك مع ابنه في وضع القانون المبكر لصلاة الفجر، فكان قانوناً حازماً مغلفاً باللطف والحب والرحمة، يقول أبو مالك لولده: يا مالك يقول الله _تعالى_: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلائِكَةٌ غِلاظٌ شِدَادٌ لا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ" (التحريم:6)، وأنا لا أرضى أن مالكاً أحب الناس عندي تمسه النار، لذلك أريد أن أساعدك في الانضباط في صلاة الفجر توافقني يا مالك قال: نعم. قال: طيب إذن نتفق على القيام لصلاة الفجر تتحمل مسؤولية الاتفاق. قال: إن شاء الله يا أبي. قال أبو مالك: ما العقوبة اللي تختارها(115/1732)
لنفسك إذا نمت عن الصلاة؟ قال: تحرمني من الطلعة ذاك اليوم. قال أبو مالك: أنا أتوقع إنك تحافظ على الصلاة،لكن للاحتياط، هل توافق أنك إذا استمريت في النوم عن صلاة الفجر بعد هذه العقوبة، نجلس جلسة ثانية ونزيد العقوبات اتفقنا.. اتفقنا..
الآباء والأمهات يجيدون إعطاء الأوامر، لكنهم لا يوضحون ماذا سيعملون لو لم ينفذ ولدهم الأمر، ويسكت دون أن يخبره بالعقاب في حال المخالفة، ويؤجل تحديد هذا العقاب وتنفيذه إلى أن يقع الخطأ، وهذا هو الخطأ
لو تأملنا القانون المبكر لوضع أبي مالك لوجدنا فيه بعض الفوائد التي يمكن أن نستفيد منها في القوانين المبكرة الأخرى.
الأب من البداية ربط الأمر بالله فجعل ابنه في مواجهة سلطة الدين والأمر الشرعي، وليس في مواجهة سلطة الأب وأمره الشخصي، وبالتالي نزع فتيل الاصطدام مع ابنه من البداية.
الأب عبر لابنه عن محبته الصادقة لما وصف ابنه بأنه أحب الناس، ومثل هذا الكلام العاطفي هو أفضل تمهيد لعقد الاتفاقات.
اعترف الأب أيضاً بإرادة ابنه ورأيه أثناء الحوار فقد كان يكرر سؤاله عن موافقته وعن رأيه يقول له: توافقني؟ ما رأيك اتفقنا؟
الأب حسس ابنه بالمسؤولية أكثر وأكثر لما أخذ موافقة مالك على القيام لصلاة الفجر وعلى تحمله مسؤولية الاتفاق، ومن أجمل ما في هذا القانون أن مالكاً اختار عقوبته بنفسه في حال المخالفة، وهذا يشعر الابن بالعدل، وهو من أهم مطالبه كمراهق هذا العدل يزيد التزامه بالاتفاق وقبول العقوبة في حال المخالفة.
من فوائد الحوار: أن الأب أشعر مالكاً بإحسان الظن فيه لما قال: أنا أتوقع منك المحافظة على الصلاة.
ومن فوائد الحوار الهامة: أن الأب جعل الابن يعرف أن باب زيادة العقوبات مفتوح في حال المخالفة وبموافقة الابن.
لا أشك أن أبا مالك إذا لاحظ على ابنه الالتزام بالاتفاق لن ينسى أن يكافئ ابنه بهدية أو زيادة في الحرية والصلاحية، لكنه لم يقل له حتى لا تتحول المكافأة إلى رشوة.
وأنا متأكد أنه سيختار هدية تناسب اهتمامات مالك الحقيقية، وإن لم تعجب الأب طالما أنها حلال.
ولن يختار لابنه الهدية التي يتمنى هو أن تكون من اهتمامات مالك، وهي ليست كذلك.
أنا واثق أن مالكاً سيحافظ على صلاة الفجر _إن شاء الله_؛ لأن الأب استخدم الحزم اللطيف من خلال القوانين المبكرة بالتفاهم والحوار.
حسناً. صلاة الفجر أمر شرعي يسهل على المراهق تقبله لكن هناك الكثير من الأمور الدنيوية ربما لم تصل مع ابنك إلى رأي مشترك وشعرت بضرورة وضرورة حقيقية لقانون، وهذا هو المهم عندها تبين له مبرارت وجود القانون، وتطلب رأيه وتبذل كل جهدك في حسن الاستماع وتقدير وجهة نظره، وهذا أساسي ولا يمنع أننا نقتنع بكلامه إن كان صحيحاً، وإن كان غير ذلك أعرض عليه سبب عدم اقتناعي ثم(115/1733)
نضع القانون وأُخَيِّرُه بين أكثر من عقوبة وأنفذ العقوبة إذا خالف تخييره بين العقوبات يتركه يتقبل ويستجيب وما يعاند أو يحمل بقلبه عليك وهذه مهمة.
من الأشياء التي يمكن أن تضعها ضمن اختيارات العقوبة استرجاع ما أعطيته كعقاب سيارة مثلاً تسحب منه مؤقتاً أو نهائياً، قال رسول الله _صلى الله عليه وسلم_: "لا يحل لرجل أن يعطي عطيةً أو يهب هبةً فيرجع فيها إلا الوالد فيما يعطي ولده"، والحديث في صحيح الجامع الصغير، ومهما قال الباحثون والمختصون في المراهقة يتجلى تقدير الوالدين للأسلوب الذي يناسب ابنهم نظراً للفروق الفردية بين المراهقين.
هذه الاتفاقات وهذا الحزم اللطيف يحل نوعاً آخر من المشاكل الشائعة بين الآباء والأبناء عندما يلح المراهق بطلب شيء ما ويواجه بالرفض القاطع من والدته ووالده، ورغم شرح كل طرف لوجهة نظره يظل الخلاف قائماً، ويتسبب في خلافات أخرى أيضاً المبدأ الهام، هو: اسمح لابنك أن يدفع ثمن رغباته التي لا تعجبك، ونقصد طبعاً رغباته المباحة التي لا تصادم الشرع ابنك على استعداد على التضحية مقابل تحقيق هذه الرغبات المباحة التي قد لا تعجبك تماماً، تجده يعلن عن الاستعداد عندما يتعلق بشيء ويرفض طلبه، تسمعه يقول: طيب ماذا تريدون أعمل لكي توافقون؟ مستعد أن يدفع الثمن المطلوب هنا أن يفكر الأب في المكاسب التي يمكن أن يحققها قبل أن يرفض رفضاً قاطعاً نهائياً على سبيل المثال يقول الأب: إذا رتبت غرفتك أو مثلاً المستودع على الترتيب الذي أقوله لك، أسمح لك أن تخرج مع زملائك فلان وفلان هذه الطلعة التي تريدها، يكون الأب محدداً تفاصيل ما يريد، فيقول: ضع ثيابك المستخدمة في الغسالة، الكتب والمجلات على الرفوف، الأوساخ في الزبالة، الأوراق في الكرتون الخاص بالورق، لا تضع شيئاً تحت السرير، ونظف الأرضية بالمكنسة الكهربائية ، وسأرى ترتيبك _إن شاء الله_ بعد صلاة العشاء.
ذكر الدكتور إبراهيم الفارس في محاضرة (الوسطية في تربية الأولاد) قصة أحد الآباء جعل أبناءه يدفعون ثمن رغبتهم التي لا تعجبه، اشترط على أبنائه الصغار حفظ حديث واحد من الأربعين النووية لكل يوم يريدون أن يلعبوا فيه بجهاز السوني بلاي ستيشن في المدة المخصصة، وهي من عودتهم من المدرسة إلى صلاة العصر بعدها يكونون في حلقة تحفيظ من لا يحفظ لا يلعب ذلك اليوم، فكان الأبناء يحرصون على حفظ الحديث المطلوب حتى في وقت الاستراحة المدرسية لئلا تفوتهم فرصة اللعب، فحفظوا الأربعين النووية في أربعين يوماً، هذا الأب وظف تعلقهم بهذه اللعبة السلبية بما يعود عليهم بشيء إيجابي، وإن كان هناك تحفظات شرعية على هذه اللعبة أساساً فضلاً عن التحفظات التربوية أحياناً يلح المراهقون على السماح لهم بقيادة السيارة ويرفض الوالدان رفضاً قاطعاً وتبدأ المشاكل، يمكن أن نصل لحل وسط يرضي الطرفين بجعل الابن يدفع ثمن هذه الرغبة إذا كنا لا نريدها في موضوع السيارة هناك اعتبارات ،مثل: السن والقدرة على القيادة وتوافر السيارة، يمكن أن تترك بين مدة وأخرى إذا كانت هذه الأمور مهيأة يمكننا تحديد ثمن لهذه الرغبة فيحول جهده من الإلحاح على والديه وإزعاجهم إلى الإلحاح على نفسه(115/1734)
بتحقيق ما طلب منه مقابل قيادة السيارة ليكن الأمر معقولاً لا يشعره باليأس، ولا تحاول تعجيزه، مثلاً يقول الأب: كل وجه تحفظه من القرآن تأخذ مقابله السيارة من بعد صلاة العصر إلى قبيل المغرب، وإن سمّعت بدون خطأ تمدد المدة إلى قبيل صلاة العشاء على شرط أن تذهب بأهلك لحاجتهم، وتقضي مشاوير البيت بين مدة وأخرى مهما كانت مشاوير البيت كثيرة، الفرق بين هذا الأسلوب وبين الرشوة: أنه في هذا الأسلوب يدفع ثمناً لإشباع دوافعه، أما الرشوة فهو يتلقى ثمناً لإثارة دوافعه، الرشوة تحطم الشعور بالمسؤولية، أما هذا الأسلوب فهو ينمي الشعور بالمسؤولية، وهذا ما سيحدثنا عنه العنصر السابع من عناصر حل المشاكل، والذي سيتم الحديث عنه –إن شاء الله- في المقال القادم والأخير ضمن حلقات هذه السلسلة
كيف ربى الشيخ أحمد ياسين أبناءه وأمته؟
متابعة وإعداد القسم التربوي بموقع المسلم
13/2/1426
ارسل تعليقك ...
تعليقات سابقة ...
ارسل الصفحة ...
الى مشرف النافذة ...
طباعة ...
إن أرواح الشهداء التي هي في حوصلة خضراء تسرح من الجنة حيث شاءت، تشهد أن الذين يضحون بحياتهم مخلصين لوجه ربهم لا يموتون...
والذين صدقوا عهدهم وأدوا واجبهم وباعوا الفانية بالآخرة الباقية هم الذين يفوزون دوماً في الدارين.....
والذين بذلوا جهدهم وثبتوا على درب الأبطال سيظل التاريخ دوماً يذكرهم ولا ينساهم، إذ هم الذين تبني عليهم الأمم مجدها وعزها وفخرها.... وهم باقون مهما ذهبوا بعيداً عنا....
إن المرء قد يعجب من رائحة شذا عطر تفوح من شهيد.. وقد يندهش من رجل شلت أطرافه الأربعة كيف له الجهاد.. وقد يستغرب أن يربِّي رجل واحد مريض مشلول أمة كاملة، ويضرب لها مثلاً من الإباء والشمم قل أن يجود بمثله ذاك العصر وتلك الأزمان.. فماذا لو اجتمع كل ذلك لدى مناضل؟ وماذا لو صار موته ولادة عالم جديد؟!
لقد ربى الشيخ أحمد ياسين أولاده وأمته على مبادئ سامقة وقيم عليا لم يكن هو إلا نموذجاً عملياً تطبيقياً لها، فكانت تربيته باقية، وكان منهجه في ذلك حياً تتوارثه الأجيال المؤمنة..
إن المرء قد يعجب من رائحة شذا عطر تفوح من شهيد.. وقد يندهش من رجل شلت أطرافه الأربعة كيف له الجهاد.. وقد يستغرب أن يربِّي رجل واحد مريض مشلول أمة كاملة ، ويضرب لها مثلا من الإباء والشمم قل أن يجود بمثله ذاك العصر وتلك الأزمان(115/1735)
يقول إسماعيل هنية (أحد كبار قياديي حماس): " مرافقتي للشيخ تركت في آثاراً كبيرة.. إن الخمسة أعوام التي عشتها برفقة الشيخ كانت بالنسبة لي مدرسة ومحضناً تربوياً أكثر من عمري السابق كله، فتعلمت منه التواضع، وتعلمت الحكمة وبعد النظر والتفكير دائماً في مآلات الأمور، وعدم التهور والمجازفة، كما كان الشيخ يوسع دائرة الشورى، وكان لا يقطع أمراً إلا ويستشر إخوانه، كما كان كريماً برغم بساطته فإذا جاء أحد يطلب منه شيئاً إلا ويعطيه كما كان كريماً مع ضيوفه، كما تعلمنا منه حب الوطن، وحب الآخرين، والابتعاد عن الصراعات الداخلية، كما تعلمنا منه المرح، وتعلمنا من الشيخ الحزم في الأمور واللين مع الإخوان "أذلة على المؤمنين أعزة على الكافرين".
نقاط وفاء.. وتمتمات ذكرى نتابعها عبر نظرات في منهجه التربوي العملي الأصيل مستشهدين بكلمات من حوارات بعض ممن اقتربوا منه وعايشوه وتعلموا منه وتربوا على يديه...
أولاً: موافقة القول العمل..
إن أول ما يلحظه المتابع لسيرة الشيخ أحمد ياسين– رحمه الله – أن أقواله لم تكن مجانبة لأفعاله أبداً ، بل كان سلوكه هو واقع حي تتجلى فيه كلماته، وكانت حياته هي كتابه المكتوب وأقواله هي النموذج المطبق على الأرض من سلوكه، فكم كان يكره الأقوال بلا أفعال، وكم كان يلوم كثيري الكلام قليلي العمل، وكم كان ينصح بتطبيق العلم قبل الحديث به... وهو في ذلك ينطلق من أصل إيماني أصيل أساسه قول الله _تعالى_: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لا تَفْعَلُونَ كَبُرَ مَقْتاً عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لا تَفْعَلُونَ" (الصف:3)، وقوله _سبحانه_ " أتأمرون الناس بالبر وتنسون أنفسكم وأنتم تتلون الكتاب أفلا تعقلون واستعينوا بالصبر والصلاة وإنها لكبيرة إلا على الخاشعين " وإنكار النبي على مذكر الناس بالخير وهو لا يأتيه وتصويره وهو يدور تندلق أقتاب بطنه في النار يدور بها كما يدور الحمار برحاه فيجتمع إليه الناس قائلين: يا فلان ألست كنت تأمرنا بالمعروف وتنهانا عن المنكر، فيقول: كنت آمركم بالمعروف فلا آتيه وأنهاكم عن المنكر وآتيه. وما أحوج الدعاة إلى الله وموجهي الأمة بالتخلق بهذا الخلق القويم والتخلي عن كثرة الأقوال إلى كثرة الأعمال..
لقد استعلى الشيخ ياسين بإيمانه على تهديدات القتل والموت واستعلى بإيمانه على النفي وترك الوطن ، واستعلى بإيمانه على السجن والتعذيب ، فأبدله الله مكان الاستعلاء مكانا – نحسبه – في عليين
يقول (أحد شيوخ حركة المقاومة الإسلامية حماس)، وهو الشيخ حسن شمعه: "كان الشيخ _رحمه الله_ هو دينامو الحركة،وأراد لملمة الصف والعقد الذي انفرط، وكان الجهد الذي يقوم به أكبر من طاقته.."
ويقول الدكتور عاطف عدوان: " لقد آمن الشيخ بأن مقاومة المحتل لا تتحمل المواقف الوسط ولا المهادنة ولا التأجيل ولا الاستراحة، وأن الطريق إلى فلسطين يمر فقط عبر فوهة البندقية، كما أكد أن الجهد الأعظم سوف يرسخ لخدمة هذه القضية وأنه لن يسمح لأية قضية جانبية أن تطغى على الهدف الأساسي وهو مقاومة الاحتلال. وقال: لقد شكّل الشيخ المجاهد الشهيد أحمد ياسين مركز وقلب الحركة(115/1736)
السياسية والعسكرية، وإليه كانت ترجع جميع الأمور، ويرجع الفضل إليه في نشر وتقوية الحركة في كل اتجاه..."
ويقول الدكتور صلاح البردويل: كانت كلماته الخافتة البسيطة أقوى وقعاً من كلّ الكلام، حيّا شعبه بكلّ أطيافه، و دعا إلى وحدة الصف و الكلمة، و أكّد على ضرورة هزيمة الظلم و الاحتلال. هو هو لم يتغيّر، لم تتغير إرادته و عزيمته و عطاؤه.
ويتذكر إسماعيل هنية بعضاً من الأحاديث والأقوال التي تحدث بها الشيخ، ويقول: بعدما سمع باغتيال الشهيد المهندس إسماعيل أبو شنب قال: ضربنا فارتفعنا وضُربنا فارتفعنا.
وقال: إن من أقواله: صراعنا مع اليهود هو صراعنا على هذا الحبل فإذا كسبوه سينتصرون علينا، وإذا كسبناه سننتصر عليهم. ويقول هنية: ومن الآيات التي كان يكررها: "فاستقم كما أمرت ومن تاب معك".
ثانياً: الصبر و الثبات على المبدأ والتضحية في سبيله..
لقد كان الشيخ ياسين مثالاً يحتذى في صبره وثباته، وقد ضرب في ذلك نموذجا قل تكراره... فصبره على ألم الاعتقالات والعذاب داخل السجون تارة، وصبره على ألم تفرد الطريق وكثرة الأعداء تارة وصبره على تربية جيل سليم صحيح تارة، وصبره على ثبات منهجه ورسوخه، وعدم تسلل الهوان إليه ولا التردد تارة أخرى...
والصبر ضروري لكل الدعاة إلى الله، وأوامر القرآن بالصبر أكثر من أن تحصى كقوله _سبحانه_: " يا أيها الذين آمنوا اصبروا وصابروا ورابطوا.." وكذا إنكاره _صلى الله عليه وسلم_ على المترددين العاجزين والمتعجلين الغير صابرين، بل لقد جعل الله الإمامة في الدين قائمة على أصلين هما الصبر واليقين في قوله _تعالى_: " وجعلنا منهم أئمة يهدون بأمرنا لما صبروا وكانوا بآياتنا يوقنون ".
يقول علاء عايش (أحد الذين عايشوه قي سجن كفار يونا): لقد كان الشيخ يعيش القهر والألم وهو مبتسم ولم يتأفف يوماً، كما كان شامخاً دائماً معتزاً بدينه يخاطب الأعداء بعزة وكبرياء، وكان يخاطب قادة مخابراتهم وجيشهم باستعلاء كبير.
ويقول إسماعيل هنية: رأيت أثناء وجودنا في (المسلخ)، وهو ما كان يطلق على مكان التحقيق، أحد الجنود يمسك بعجلة الشيخ و يدفعها للأمام فتنقلب ويقع الشيخ على الأرض، ويبقى ساعات طويلة ملقى،كما قاموا بنتف لحيته، و قاموا بالضغط على خصيته بحيث أصبح هناك ورم دائم في الخصية، وكانوا يقومون بضربة في مناطق القفص الصدري، ومن أثر هذا التعذيب القاسي ساءت حالة الشيخ الصحية، وتم نقله إلى مستشفى السجن.
يقول الشيخ ياسين– رحمه الله – :" لقد عمّقت الزنازين في نفسي كراهية الظلم، و أكّدت لي أنّ شرعية أيّ سلطةٍ تقوم على العدل و إيمانها بحقّ الإنسان في الحياة بحرية".
يقول الدكتور صلاح البردويل: لم تفتّ الزنازين في عضد الشيخ الذي كره الظلم و كره الصمت على الذلّ، فتحرّك بما تبقّى من أعضاء جسده المشلول يقاوم الاحتلال على كلّ المنابر و في كلّ الساحات يبني جيلاً من الشبان في كلّ أرجاء قطاع غزة، و لم يُعِقْ من حركته و متابعة عمله ملاحقة مخابرات الاحتلال له، و ظلّ الشيخ أحمد(115/1737)
ياسين كذلك حتى كان العام 1977م، حيث بدأ خطواتٍ عمليّة لترسيخ العمل المنظّم المتفاعل مع الجماهير قولاً و فعلاً..
يقول الدكتور عاطف عدوان: يمكن القول بكل ثقة إن الشيخ أحمد ياسين _رحمه الله_ شكل الأب الروحي لجميع الأعمال الجهادي لحركة المقاومة الإسلامية حماس، فحب الجهاد والعمل له كان مما ميز الشيخ ياسين منذ بداية قيادته للحركة، بل إنه ذهب في كثير من الأحيان إلى أن يبادر مبادرات فردية تؤكد نزوعه وتشوقه لانطلاق العمل الجهادي، وهذا هو الذي يفسر نجاح كتائب القسام في إحداث تطور سريع وانطلاقة واسعة نحو الأمام، إذ لو لم تلق التأييد الكافي والتشجيع الكبير من قيادة على مستوى قيادة الشيخ أحمد ياسين _رحمه الله_ لما توافرت لها الإمكانيات اللازمة والدعم المعنوي الكبير نتيجة للظروف الأمنية الصعبة التي تعيشها.
إن ما دفع (إسرائيل) لأن تفكر في اغتيال الشيخ المجاهد هي أنها قدرت أنه الشخصية الأكثر دعماً للمقاومة والأكثر إصراراً عليها، ولأن المقاومة في عهده حققت إنجازات كبيرة جداً لذلك أرادت من خلال تخلصها من قيادة الدعوة والأب الروحي للعمل العسكري الميداني أن تفقد الحركة توازنها وقدرتها على الاستمرار
تقول زوجته أم محمد: إن الشيخ كان يشعر في الأيام الأخيرة أنه سوف يستشهد، وأبلغ أهل بيته بذلك، وقال الشيخ: أشعر أنني سوف استشهد وأنا أطلبها، وأبحث عن الآخرة ولا أريد الدنيا.
أما سمية ابنة الشيخ، فقالت: على غير العادة جمعنا والدي _رحمه الله_ أنا وإخوتي قبل استشهاده بيوم واحد، ورغم أن والدي اعتاد ما بين وقت وآخر جمعنا والجلوس معنا إلا أن جلسته الأخيرة هذه بدت أشبه بجلسة مودع، وقال خلالها: إنه يشعر بأنه سوف يستشهد، وأنه يطلب الشهادة.
إن الدعاة إلى الله الذين يريدونها غضة طرية لا ألم بها ولا ابتلاء إنما يخالفون بأمانيهم تلك سنن الأرض والسماء، قال الله _سبحانه_: " أحسب الناس أن يتركوا أن يقولوا آمنا وهم لا يفتنون ولقد فتنا الذين من قبلهم فليعلمن الله الذين صدقوا وليعلمن الكاذبين "
ثالثاً: الزهد والكرم والبعد عن شهوات الدنيا:
لقد كانت حياة الرجل بعيدة كل البعد عن ملذات الدنيا وزخرفها وزينتها، وكان قنوعاً عازفاً عن الاستكثار من الأموال والمتاع، وهو في ذلك يقتدي بنبيه الكريم _صلى الله عليه وسلم_ إذ يقول: " ما لي ودنياكم هذه ما أنا في الدنيا إلا كراكب استظل بظل شجرة ثم راح وتركها.." وقوله _صلى الله عليه وسلم_: " من جعل الآخرة همه جمع الله عليه شمله وأتته الدنيا راغمة، ومن جعل الدنيا همه فرق الله عليه شمله ولم يأته منها إلا ما كتب له ".
يقول ابن أخيه أبو بلال: لقد كنت جالساً معه في مكتبه، ودخل أحد الزوار ومعه هدايا للشيخ مرسلة من الخارج، ووضعها الزائر على الطاولة وبعد انصراف الرجل أردنا أن تَدخل تلك الهدايا للمنزل، فأمرنا الشيخ أن نتركها مكانها، وبعد وقت قصير حضر زوّار آخرون فوزع الشيخ الهدايا عليهم ولم يُبقِ لنفسه شيئاً.(115/1738)
انتقل أبو بلال للحديث عن المواقف التي تدل على تمسك عمه الشيخ المجاهد وإصراره دائماً على صلاة الفجر في المسجد، وفي تلك اللحظات لم يستطع أبو بلال أن يتمالك نفسه فبكى، وهو يذكر أحد المواقف قائلاً: عندما كان يقيم الشيخ في معسكر الشاطئ خرج لصلاة الفجر برغم أنه كان مريضاً ولم يرافقه حينها أحد، وتعثر الشيخ ووقع وبقي مُلقَىً على الأرض حتى طلوع الشمس.
ومن مواقف الزهد في الحياة يذكر أبو بلال أنهم عندما أرادوا تركيب ستائر للمكتب ومع معرفتهم بأن الشيخ سيرفض ذلك انتهزنا فرصة خروجه، وقمنا بتركيب الستائر، وعندما رجع ورأى ذلك بقي يقرّعنا أياماً عديدة بسبب ذلك، وهو يقول لنا: تكسو الجدران، أليس من الأفضل إطعام فقير بثمن الستائر؟
ويقول أبو بلال: إن هذا أمر طبيعي بالنسبة للشيخ فهو الذي رفض بعد خروجه من السجن عام 1996م العرض بأن يغير مكان بيته إلى مكان آخر يليق به فرفض ذلك وأصر على البقاء في المكان الذي عاش فيه طيلة حياته، وحتى أثناء حدوث الاجتياحات رفض تغيير مكان بيته؛ لأنه كان يشعر بوفاء كبير لكل من يعرفه فكيف بالمكان الذي عاش فيه.
ويقول إسماعيل هنية: كان الشيخ _رحمه الله_ يعد من طبقة الفقراء،وذلك رغم أن أموال الحركة والمتبرعين بين يديه،ولكنه كان تقياً، يخشى الله _سبحانه وتعالى_.
إن الدعاة إلى الله الذين يغريهم المتاع وتغرهم الزينة أولئك أنى لهم أن يبنوا أمة أو يربوا جيلاً إلا جيلاً ينكسر أمام الشهوة ويفتن بكل شبهة!!
رابعاً: الشفقة والرحمة والعطف والصلة ورقة القلب:
لقد كان الشيخ _رحمه الله_ أباً عطوفاً لكل من عايشه، حريصاً على الاهتمام به وإسعاده، والسعي في جلب السرور له وتفريج كرباته وآلامه، وهو في ذلك يضرب مثلاً للدعاة إلى الله الذين ينسون – في زحمة اهتمامهم بشؤونهم الخاصة – أن يهتموا بالناس من حولهم.. وهذا الخلق هو خلق نبوي كريم إذ يقول الله _سبحانه_: " فبما رحمة من الله لنت لهم ولو كنت فظاً غليظ القلب لانفضوا من حولك". وقوله _تعالى_ " لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم بالمؤمنين رؤوف رحيم ".
يتحدث أبو بلال ابن أخي الشيخ عن علاقة الشيخ بأقاربه ووصفها بأنها كانت غاية في المحبة والرحمة، وقال: كان يعطي كل ذي حق حقه من أقاربه وعائلته، فكان يأخذ من وقته المشغول دائماً ساعة أو ساعتين ليختلي بزوجته وأولاده وبناته، وقد كان كريماً مع زوجته يحب دائماً أن يدخل السرور لقلبها، ففي أوقات مرضها وعندما كان يأتي لزيارته د. محمود الزهار أو الشهيد الدكتور عبد العزيز الرنتيسي – وهما طبيبان -، كان حينها ينادي الشيخ على زوجته لتتحدث عن الآلام التي تشتكي منها، وذلك ليُشعرها باهتمامه.
ويشير أبو بلال أن الشيخ كان عندما يرى طفلاً صغيراً يعاني من أي مرض أو يشتكي من أي ألم يحثنا على الذهاب به إلى المستشفى من شدة حرصه وحبه للأطفال، ويضيف قائلاً: لقد كانت معاملته الحسنة تفوق كل تصور، وقد كان دائم الزيارة لرحمه.(115/1739)
وتقول ابنته الكبرى عايدة: الشيخ كان حريصاً على الاجتماع بالعائلة مرة كل أسبوعين، وبأنه كان دائم الزيارة لهم، وإذا لم يتمكن كان يرسل ما قدره الله عليه إلى أرحامه الذين يتعذر عليه زيارتهم.
وتقول زوجته أم محمد: تزوجنا وعشنا حياة سعيدة، وأنجبنا 3 أبناء و 8 بنات قمنا بتربيتهم على خلق الإسلام، مشيرة إلى أن الشيخ كان مثالاً للزوج الحنون الذي يعطي كل ذي حق حقه، وهي كانت تعامله بالمثل بحيث أشرفت دوماً على حاجاته الخاصة، وتذكر أن الشيخ لم يكن ينظر في مسألة تزويج بناته سوى لاعتبار واحد هو التقوى.
ويقول إسماعيل هنية: الشيخ كما كان قائداً وزعيماً كان إنساناً بكل ما تحمله الكلمة من معاني لقد كان كثيراً يسألني عن بيتي، وإذا ما شكوت له هماً اجتماعياً وجدت عنده أكبر سلوى في ذلك.
ويضيف هنية: كلما أراد أحد منا أن يشحذ همته وعزيمته كان يزور الشيخ واذكر قضية اجتماعية عرضت على الشيخ قبل الانتفاضة وحكم فيها، وكان قبل استشهاده بأسبوع يسألني ماذا جرى في الموضوع فكان يهتم بالناس ومشاكلهم، كما كان في أيامه الأخيرة يوحي بالإسراع لإنجاز ورقة الاتفاق بين الفصائل الفلسطينية، ووصى أحد الإخوة الذين زاروه بذلك، وكانت هذه آخر وصية سياسية متعلقة بحماية وحدة شعبنا وترتيب البيت الفلسطيني.
خامساً: استعلاء الإيمان..
قال الله _تعالى_: " ولا تهنوا ولا تحزنوا وانتم الأعلون إن كنتم مؤمنين ".
يقول الدكتور إبراهيم اليازوري (أحد مؤسسي حماس): إن الشيخ كان في أيامه الأخيرة لا يعير اهتماماً للتهديد باغتياله، وكان دائماً يقول: العمر واحد والرب واحد.
وأضاف قائلاً: كان يمثل الشيخ قيمة معنوية عالية لنا استنفرت فينا السير على نفس الخطى والتمني للحاق بهم مثلما استشهدوا.
ويقول إسماعيل هنية: الأيام الأخيرة في حياة الشيخ حملت معها معاني عديدة، فقد رجع في المدة الأخيرة للنوم في غرفة قديمة في منزله القديم التي بناها يوم أن سكن في منطقة جورة الشمس بعد أن كان يمكث في المكتب، وكان ذلك قبل 15 يوماً من استشهاده.
ويقول: إنه التقاه قبل استشهاده بثلاثة أيام تقريباً، وما زال نبض الحياة يسري في عروقه وكان حيوياً، ولم يكن قد أثرت التهديدات باغتياله على سير عمله.
لقد استعلى الشيخ ياسين بإيمانه على تهديدات القتل والموت، واستعلى بإيمانه على النفي وترك الوطن، واستعلى بإيمانه على السجن والتعذيب، فأبدله الله مكان الاستعلاء مكاناً – نحسبه – في عليين..
ـــــــــــــــــــ
مع الأبناء : استخدم (أنا) واعترف بآرائهم
هاني العبد القادر
6/2/1426
ارسل تعليقك ...(115/1740)
تعليقات سابقة ...
ارسل الصفحة ...
الى مشرف النافذة ...
طباعة ...
لا زال الحديث مستمراً عن عناصر حل المشاكل بلا مشاكل، وكنا قد تعرضنا لثلاثة عناصر سابقة من سبعة في مقالات سابقة، ونواصل اليوم مع الأساليب ونتناول العنصرين الرابع والخامس، لكننا نذكركم العناصر إجمالاً:
أ – طوّل بالك. ب – اقبل ابنك بعيوبه.
جـ - الخطوات الخمس لحل مشكلة ابنك.
د – أسلوب "أنا" لحل مشكلتك. هـ - اعترف برأيه.
و – الحزم اللطيف. ز – دعه يتوهق.
ونبدأ في عناصر اليوم
العنصر الرابع: "أنا" لحل مشكلتك
أم خالد قضت العصر تنظف الصحون وترتب المطبخ بعدما تعبت ورتبت دخل خالد المطبخ يبحث عن أكل، أخرج قدراً من الثلاجة والصينية من الفرن، وأكل وشبع وترك القدر مفتوحاً، وترك الصينية والصحون التي أكل منها وبقايا العصير ، المهم أنه بعثر المطبخ وخرج، غضبت أم خالد، ترتب وتنظف وتتعب، ويأتي هذا يضيع تعبها دون إحساس بهذا الجهد، كان يمكن أن تتكلم عليه وتنتقده، لكن هذا كله لن يغير ولدها، لذلك أحسنت لما سكتت ومسكت لسانها وهدأت نفسها، وراحت لخالد، وقالت له بكل هدوء: يا خالد أنا أقضي وقتاً طويلاً في ترتيب المطبخ وتنظيف الصحون ، وعندما تدخل وتترك بقايا أكلك بهذا المنظر تضايقني كثيراً وتحسسني أن تعبي ضاع ولم أعمل شيئاً، لابد أن أرجع وأرتب من جديد، بكل بساطة رجع يرتب المطبخ؛ لأن خالدا وأي مراهق يحب أمه ولا يقصد إيذاءها.
المراهق يريد أفكارك يريد ملاحظاتك، لكن ليس معناه أنه لابد أن يوافق على أفكارك ويقتنع بها، أنت بدورك انتهز كل فرصة ممكنة للترحيب بهذا الاختلاف في وجهات النظر، استخدم عبارات تشعره باحترامك العميق لرأيه
انتهت المشكلة بكل هدوء لما استخدمت الأم أسلوب "أنا" لحل مشكلتها بدل النقد والتجريح والصراخ الذي يتعبها ولا يفيد، هذا الأسلوب يعتمد على وصف مشاعر المتكلم: استخدام كلمة أنا – أنا يتعبني كذا – أنا أتضايق من كذا – أنا أحب كذا – أنا يعجبني كذا –.
سر التأثير في هذا الأسلوب أنه يركز على آثار السلوك ليس السلوك نفسه، وهذا الذي عملته أم خالد، تكلمت عن آثار التصرف على نفسيتها، ولم تتكلم عن التصرف نفسه، وأنه غلط وقلة حياء، أو أنك لا تفكر إلا بنفسك.
دعونا نأخذ مثالاً آخر: الولد يتأخر عن البيت، والوالدان مشغولان عليه، المشكلة الآن تزعج، من تزعج؟ الآباء لا شك، والابن مسرور، استمعوا للأب وهو يستخدم أسلوب "أنا"، ويصف آثار السلوك على نفسيته يقول الأب: فلان ينشغل بالي عليك كثيراً، وأقلق وأنزعج عندما تتأخر عن الساعة التاسعة، عبارة قصيرة وصفت(115/1741)
المشاعر بدون غضب أو احتقار للابن وافتعال مشكلة أو صراخ، يستطيع الأب أن يقول: أين كنت تدور في هذه الليالي، ما تفهم الكلام؟ كم مرة قلت لك: لا تتأخر عن الساعة التاسعة .
ولأن الأبناء يختلفون في استجابتهم للأساليب التربوية لذلك مع بعض الأبناء قد لا يفيد هذا الأسلوب، لكن بشكل عام التعبير بهدوء وصدق واختصار عن مشاعر الوالدين بدون نقد أو توجيه مباشر له الأثر الكبير في نفس المراهق، أيضاً لا نستخدم أسلوب "أنا" فقط للمشاكل، أختي الفاضلة: البنت أخيراً رتبت غرفتها إنجاز أعبر لها عن مشاعري باستخدام كلمة "أنا" تقول الأم مثلاً : أنا مسرورة من ترتيب الغرفة أصبح شكلها جميلاً الأوساخ في سلة المهملات، والملابس في مكانها، والسرير مرتب، والتسريحة منظمة سوف تفرح البنت، وتحرص دائماً على معرفة مشاعرك المختلفة.
من أسلوب (أنا) وعباراته المؤثرة جداً عندما تقول الأم: أنا آسفة يا بنتي هل تسامحيني يا سلام ما أجمل الاعتذار، وكيف أثره الرائع في تقوية العلاقة بين أفراد الأسرة، يقول الله _تعالى_: "ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ" (فصلت: من الآية34) إذا اعتذر الآباء تعلم الأبناء كيف يعتذرون ولا يستحون من الاعتذار، ويتعلمون أن الحق أكبر من الناس، ويزداد حبهم وتقديرهم لآبائهم، يقول فاخر عاقل في كتابه (رحلة عبر المراهقة): "المراهق يحترم الوالد الذي يعترف بخطئه أو جهله أو حتى عدم عدالته أما الذي لا يستطيع الابن نسيانه، فهو رفض الوالدين هذه الاتهامات إذا كان يعرف أنها حقيقية" ا.هـ.
أسأل الله _تعالى_ أن يحمينا وإياكم من الكبر، وأن يجعلنا ممن يعترف بأخطائه ويعتذر منها، ويقول الحق ولو على نفسه، قال _تعالى_: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ " (النساء: من الآية135)، وقال رسول الله _صلى الله عليه وسلم_: "قل الحق ولو كان مراً" أسلوب "أنا" يساعد المراهق على تقدير مشاعر الآخرين وعلى تقبله لتغيير الخطأ.
ذكرنا كيف يزداد تقديره لوالده عندما يعترف هذا الأب بخطئه، هذا يشعر المراهق بالعدل وأنه ليس وحده الذي يغلط، هناك أمر آخر يزيد من تقدير المراهق لوالديه، ويزيد استجابته لهم، ويزيد من شعوره بالعدل، ويقلل المشاكل كثيراً، وهو: الاعتراف برأيه، وهذا هو موضوع العنصر الخامس من عناصر حل المشاكل.
العنصر الخامس: اعترف برأيه:
يقول د.عبد العزيز النغيمشي في كتابه (المراهقون): "يجب على المربين تدريب المراهقين على الحوار والنقاش وتبادل الآراء" ا.هـ.
أول خطوة في الحوار الناجح مع المراهق هي الاعتراف بأن آراءه ومواقفه تستحق الاستماع، تذكر الآن شخصاً عزيزاً عليك جداً وتخيل نفسك كيف كنت تستمع له لتفهمه وتشعره بقربك منه، لا بد أنك انتبهت له انتباهاً كاملاً ،وتركت كل الذي بيدك وعدلت جلستك من أجله كأنك تقول له: أنت أهم عندي من أي شيء آخر، عندما تعيش هذا الاستماع الراقي مع ابنك المراهق لاحظ تعابير وجهه مع كل حركة تحسسه فيها بأنك تحبه وتحب أن تسمع له، ستقرأ في عيونه كلمة: "شكراً لأنك لم(115/1742)
تقاطعني أو تكمل عباراتي بالنيابة عني، شكراً يا أبي لأنك كنت تحاول أن تفهمني، وغير مشغول بتجهيز الرد الذي ستسكتني فيه". ابنك سيشعر بحبك وحرصك على فهمه عندما يعرف أنك لم تتضايق من أسلوبه غير الناضج في تعابيره عن نفسه، وركزت على الأفكار الأساسية من أجل هذا غضيت النظر عن ارتفاع صوته، وتجاوزت له الكلمات الانفعالية، وركزت فقط على الأفكار التي يقولها، وتعاملت معه بصدر واسع وعقل يرحب بتعدد وجهات النظر، ويفترض أن الصواب قد يكون عند ابنه مثل ما يكون عنده بدون أن يقع في خطأ بعض الآباء، فيربط بين عدم اقتناع ابنه بقناعاته ونصائحه وبين قلة الاحترام والمحبة.
المراهق يريد أفكارك يريد ملاحظاتك، لكن ليس معناه أنه لابد أن يوافق على أفكارك ويقتنع بها، أنت بدورك انتهز كل فرصة ممكنة للترحيب بهذا الاختلاف في وجهات النظر، استخدم عبارات تشعره باحترامك العميق لرأيه، مثل: رأيي يختلف قليلاً عن رأيك، لكن من حقك أن يكون لك رأيك الخاص، أو قد لا أتفق معك مئة بالمئة لكن لا أقدر أقول لك: إن رأيك خطأ أو هذا رأيي وهذا رأيك وأنا وإياك نرجع للدين ونرى أين الصواب، أو تقول: أنت صح يا ولدي وأنا غلطت،كيف يكون تأثيرها على نفسك لو كان أبوك في عز مراهقتك هو الذي يقول لك: أنت صح يا ولدي وأنا غلطت! لغة جديدة لم يتعودها أبناؤنا، يتعلم منه أن رأيه محترم وآراء الآخرين محترمة إن كانت لا تصادم شرع الله، فيسهل الحوار والتفاهم، وتخيل العكس لو كلنا نعاملهم أننا نحن –الآباء- صح، وأنتم أيها الأبناء غلط سيزيد العناد ويصعب التفاهم اعترافك أكثر برأي ابنك سيقلل انزعاجك من مخالفة ابنك لرأيك، ويقلل المشاكل ويعطي مساحة أكبر لنمو العلاقة بينك وبينه، وستسعد _بإذن الله_ عندما ترى ابنك يستمد ثقته بنفسه وفي قناعاته من اعترافك برأيه، وسيتعلم منك كيف يحتمل الآراء المخالفة له، وأولها آراؤك وبالفعل اعترف برأيه بنفسك حتى يعترف برأيك في قرارة نفسه أيضاً،وفي هذه الحالة فقط تكون استفادته الدائمة لآرائك وترتفع مكانتك في نفسه أكثر وأكثر، وتحتل مكانة القدوة التي تنتظرك في نفسه منذ زمن، اعترافك برأيه يعطي فرصة للحوار بينكم هذا الحوار الذي ستستخدمه معه دائماً حتى في مواقفك الحازمة في القواعد والقوانين إن صلحت التسمية التي تريد ابنك يتقيد بها، وهذا هو حديثنا في العنصر السادس من عناصر حل المشاكل سنتناوله في مقال قادم _إن شاء الله_.
ـــــــــــــــــــ
هل يتحمل ابنك المسؤولية
أ.د. ناصر بن سليمان العمر
28/1/1426
ارسل تعليقك ...
لا توجد تعليقات ...
ارسل الصفحة ...
الى مشرف النافذة ...
طباعة ...(115/1743)
• لا تتحمل المسؤولية عن أبنائك دائماً، فلكل مرحلة ما يناسبها، ولكن دعهم يساعدون أو يصنعون – تحت رقابتك – برنامجهم الذي يناسبهم، إما جماعياً، أو فردياً، وكلما تقدّم العمر، كلما زاد الوقت الذي يرسمه لنفسه، مع مناقشة كل برنامج قبل وأثناء وبعد، لتطويره وإبداء الملحوظات حوله، مع الانتباه أن ابنك يرسم برنامجاً له لا لك فكن واقعياً لا مثالياً، فرسم برنامج لعبة له أهم عنده من صنع قنبلة نووية.
• احذر الفوضى في البيت، وضع نظاماً عادلاً يعرفه جميع الأولاد، وحدد فيه مسؤولية كل فرد، حيث يعرف الابن حدود مسؤوليته، واحرص أن يكون النظام واضحاً مختصراً، وكن حازماً في تطبيقه، على أن يكون متوافقاً مع قدرات كل فرد، مع إمكانية مراجعته بين مدة وأخرى، فمثلاً: تقول: على كل واحد أن يرتب غرفته يومياً، ومن لم يفعل يحرم من المصروف اليومي، وكذلك على سعد مسؤولية إخراج النفايات قبل النوم، وعلى فهد إضاءة الأنوار الخارجية وإطفاؤها وهلم جرّا.
• لا تتحمل المسؤولية عن أبنائك دائماً، فلكل مرحلة ما يناسبها، ولكن دعهم يساعدون أو يصنعون – تحت رقابتك – برنامجهم الذي يناسبهم، إما جماعياً، أو فردياً
• عوّد أبناءك على تحمل المسؤولية من صغرهم، وكلفهم ما يتناسب مع أعمارهم، ابتداء من ترتيب الدروس قبل النوم، وتنظيم الغرفة يومياً، ووزع المسؤوليات عليهم، ولتكن واضحة ومحددة، حتى تستطيع أن تحاسب المقصر، وتكافئ المجدّ، وكلما تقدم عمر ابنك فأعطه مسؤولية أكبر، وهكذا حتى يتحملوا جميع المسؤوليات عنك.
• يشتكي كثير من الآباء بأن أبناءهم لا يفكرون في مستقبلهم، ويترتب على ذلك آثار لا تحصى، من عدم الاهتمام في دراستهم، والتفنن في تضييع أوقاتهم، وكثرة النوم والكسل إلى آخر هذه المنظومة التي لا تنتهي، وتجد أن الأب وهو يقنعك بشكواه وما يلقاه من عنت يقول لك: إنني أصبحت أفكر عنه، وهنا مربط الفرس، فنقول للأب أخطأت في الأولى فكانت الثانية، وما من نتيجة إلا ولها مقدمات، السبب الحقيقي أنك لم تعوِّد ابنك على التفكير منذ الصغر، بل الأخطر من ذلك أنه لو أراد التفكير وهو صغير لم يجد التشجيع، بل قد يواجه بالتأنيب، فمثلاً لو جاء ابنك وهو صغير، وقال لك: يا أبي لماذا تشتري هذا النوع من الأثاث، لقيل له: وما دخلك، بل وربما قلنا له: "من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه"، ولو قال لأمه: لماذا يكون غداؤنا كذا، لماذا لا يكون الغداء كذا والعشاء كذا، لقالت له على البديهة: كلْ واسكت، ويستمر قاموس المنع والتأنيب حتى يكبر الابن، ثم نقول: أبناؤنا لا يفكرون، وهل ننتظر من تلك المقدمات إلا هذه النتائج، فنقول لك: يداك أوكتا وفوك نفخ، لماذا لا تعلم ابنك على التفكير الجاد من صغره، فإذا أردت أن تدخله المدرسة تقول له: هناك عدة مدارس، وتشرح له امتيازات كل مدرسة، ثم تطلب منه أن يفكر وأن يختار أحدها معللاً ذلك، فإن اختار ما ترغب فذاك، وإلا فناقشه ثم أقنعه بدخول المدرسة التي تناسبه، وإياك أن تقبل التفويض من أول الأمر، فضلاً عن أن تأخذه إلى المدرسة وكأنه شاة تقاد إلى المرعى، وإذا تجاوزنا المرحلة الأولية، فلا عذر لمن يفكر عن ابنه في بقية المراحل، فهناك آباء يقدّمون عن أبنائهم في المرحلة الجامعية، ولا خيار(115/1744)
للابن في ذلك. درِّب أبناءك على التفكير من الصغر، ناقش معهم الأمر بحرية وتجرد، وجههم إلى أسلوب التفكير الصحيح، دعهم يرسمون الخطط لشؤونهم الخاصة، كترتيب الغرفة، وبرنامج قضاء العطل والإجازات، شجعهم على ذلك، اشرح لهم قوله _تعالى_: "إِنَّمَا أَعِظُكُمْ بِوَاحِدَةٍ أَنْ تَقُومُوا لِلَّهِ مَثْنَى وَفُرَادَى ثُمَّ تَتَفَكَّرُوا" (سبأ: من الآية46)، لا تغضب عندما يخطئون في ذلك اليوم، فسيصيبون غداً _بإذن الله_، وعندها سترى ما تقرّ به عينك _إن شاء الله_.
ـــــــــــــــــــ
تجربة بناء طالب علم
الشيخ/ فهد العيبان
21/1/1426
ارسل تعليقك ...
تعليقات سابقة ...
ارسل الصفحة ...
الى مشرف النافذة ...
طباعة ...
لقاء مع الشيخ/ فهد العيبان
حول تجربته في المتون التأصيلية السبعة
يقوم الشيخ فهد العيبان (إمام وخطيب جامع الإحسان بحي القدس) بتدريس طلابه بعض المتون للمبتدئين بعد العصر، يحفظونها ويشرحها لهم، كما له درس بعد صلاة العشاء في شرح بلوغ المرام، وقد أقام دورة في بلوغ المرام قبل ذلك، سنتعرض إلى تفاصيل تجربته في التدريس من خلال هذا الحوار الذي أتحفنا فيه بسعة صدره وبسطه للإجابةَ عَلّ قارئاً يستفيد أو يفيد من خلال التجربة. فإلى الحوار:
كيف ومتى بدأت فكرة هذه التجربة؟
بدأت هذه البرامج منذ أكثر من 12 سنة، ولكنها لم تكن على هذا المستوى الذي وصلت إليه من الترتيب والتنظيم، وإنما كانت بعض المتون تُقرأ إلى أن وصلت إلى مرحلة من ترتيبها وتنظيمها حتى استقرت على سبعة متون للمرحلة الأولى، ولعلنا نذكرها فيما يأتي من أسئلة.
طالب العلم المفترض فيه أن يعتني بالمتون التي اعتنى بها مشائخ عصره، والتي لها شروح كثيرة لا يصعب عليه فيما بعد دراستها والاعتناء بها وقراءتها على أهل العلم
ما السبب في عدم الإعلان عن هذا البرنامج إلى الآن؟ هل هو مقتصر على أشخاص بأعيانهم أم المجال مفتوح؟
السبب في عدم إعلانها هو طريقتي السابقة، والتي كانت تعتمد على انتقاء المتفوق من الطلاب، والذي يتميز بقدرته على الحفظ والفهم وإعدادهم إعداداً علمياً، وقد نتج عن هذا الانتقاء ثمار طيبة – ولله الحمد – حيث تخرج عدد من طلاب العلم الذين انتفعوا بمثل هذه الطريقة، وهي الاقتصار على عدد معين من الطلاب، إلى أن اشتهرت هذه الطريقة وهذا البرنامج، فأصبحنا لا نستطيع حصرها في عدد معين،(115/1745)
وأصبح الإقبال كبيراً، ففتحت المجال بدون تقيد، وهي في مصيرها إلى الإعلان _إن شاء الله_ قريباً وتوسيع المشاركة.
ما هي المتون التي يتم تحفيظها؟ وهل لها ترتيب معين أو مراحل يتم السير وفقها؟
البرنامج العلمي الذي نقوم عليه جزء منه قد أُعلن عنه، وهو برنامج حفظ بلوغ المرام، لكنه برنامج حفظ فقط، وأقيم مرتين على مدى سنتين متتاليتين ولعله يستمر، وهو يعد المرحلة الثانية؛ لأن البرنامج يقوم على مرحلتين، المرحلة الأولى المتون السبعة، والمرحلة الثانية هي المتون الكبيرة المطولة كبلوغ المرام وزاد المستقنع والألفية، وبدأنا الآن ببلوغ المرام تدريساً وحفظاً، وتفصيل هذه المراحل كالتالي:
أولاً: المرحلة الأولى من البرنامج، ويقوم على سبعة متون، وهذه المتون ليست مجرد حفظ فقط، فالأساس والأصل هو الشرح ولكن الحفظ مكمل لها، وهو شبه يومي من السبت إلى الثلاثاء، تدرس هذه المتون واحداً تلو الآخر، نبدأ بالأول ثم إذا انتهى نبدأ بالثاني وهكذا حتى تنتهي هذه المتون السبعة في مدة نرجو أنها لا تتجاوز السنتين في الأعم الأغلب، وهذه المتون هي بإيجاز: الأصول الثلاثة، ثم كتاب التوحيد، ثم الواسطية هذه الثلاثة متون في العقيدة، ثم ثلاثة متون في علوم الآلة كالآجرومية ونخبة الفكر والورقات، ثم المتن السابع في الفقه وهو (منهج السالكين) لابن سعدي، هذه سبعة متون كمقدمة لطالب العلم يبدأ بها أولاً.
المرحلة الثانية: مرحلة المتون المطولة، وهي بلوغ المرام وزاد المستقنع وألفية ابن مالك وابتدأتُ هذه المرحلة ببلوغ المرام والآن هي قائمة حفظاً وشرحاً، وسيليها _بإذن الله_ في القريب زاد المستقنع.
إني ضامن لطالب العلم المبتدئ الذي يضبط هذه المتون السبعة ويضبط شرحاً واحداً لها فقط أن يصبح متميزاً بين أقرانه
كتاب الآجرومية يسير على النحو الكوفي، بينما الناس في الغالب يسيرون على النحو البصري، فما سبب اختيار هذا المتن بالذات؟
كتاب الآجرومية بغض النظر عن الخلافات النحوية بين النحويين هو المتن المشتهر عند عامة أهل العلم في الزمن المتأخر، ولها شروح كثيرة، واعتنى بها العلماء أكثر من غيرها، ثم إن هذه الخلافات التي بين الكوفيين والبصريين خلافات ليست ظاهرة بشكل مؤثر في هذا المتن فيمكن تجنبها في أثناء الشرح ونحن نتجنبها غالباً في أثناء الشرح، ونشرح على المشتهر من كلام أهل العلم فهذه السلبية يمكن تجاوزها ولا إشكال فيها.
بناء على هذا السؤال، نقول: لماذا تم اختيار هذه المتون بعينها؟
المتون العلمية حصرتها في عشرة متون، وهي التي ينبغي لطالب العلم أن يعتني بها.
وهذه المتون العشرة غالب مشايخنا قد اعتنوا بها ولو ذهبت إلى أي واحد من مشايخنا تجده قد درس هذه المتون وحفظها، نعم هناك متون أخرى مكملة لها لكن هذه هي الأساس وهي الأصل التي يقوم عليها طالب العلم، والتي ينبغي لطالب العلم أن يعتني بها، وما زاد عنها لا بأس بأن يحفظ ويدرس، لكن هذه هي الأساس التي لا بد لطالب العلم أن يعتني بها حفظاً ودراسة، مع العلم أن الألفية والزاد لم أقم ببرامج تحفيظ لها؛ لأني لا أرى أن يبدأ الطالب بحفظ المتون المطولة قبل حفظ كلام الله(115/1746)
_عز وجل_ فإذا حفظ القرآن يبدأ بعده بحفظ السنة، وإذا أتقن السنة بعد ذلك كبلوغ المرام أو غيره لا بأس أن يعرج على بعض المتون الأخرى كالزاد أو الألفية .
ومن تلك المتون (زاد المستقنع) الكلام عليه كالكلام على ما سبقه من متون، هو متن مشتهر، وهو الذي يشرحه علماؤنا وعليه شروح كثيرة، واعتنى به المشائخ المتأخرون في المذهب، فلذلك أنصح طالب العلم ألا يعتني بالمتون التي ليس للعلماء اعتناء بها، قد يأتي من يقول لنا أيضاً: إن بلوغ المرام فيه ما هو أفضل منه مثلاً كالمحرر لابن عبد الهادي نعم قد يكون أحسن منه من جهة لكن بلوغ المرام يكون أحسن من جهة أخرى، ثم أيضاً بلوغ المرام قد اعتنى به العلماء أكثر من اعتنائهم بالمحرر، فطالب العلم المفترض فيه أن يعتني بالمتون التي اعتنى بها مشائخ عصره، والتي لها شروح كثيرة لا يصعب عليه فيما بعد دراستها والاعتناء بها وقراءتها على أهل العلم.
هل هناك أمر آخر غير مجرد التحفيظ؟ شرح هذه المتون مثلاً؟!
ذكرت قبل قليل أن الذي اشتهر أو عُرِف عن هذا البرنامج أنه برنامج حفظ متون فقط، هذا غير صحيح، فأنا ليس عندي برامج تحفيظ مجرّد، الذي أعمل عليه هو برامج علمية لإعداد طالب العلم، تقوم على الشرح أولاً وهو الأساس مع حفظ هذه المتون، لكن يمكن أن أقبل أن يأتي الطالب ليستمع الشرح ويتعلم دونما حفظ، أما أن يأتي ويحفظ ولا تُشرح له هذه المتون، هذا لا أقوم به، وليس عندي برامج من هذا النوع، إلا ما يتعلق ببلوغ المرام، حيث كانت هناك برامج لحفظ هذا المتن تخرج عليها عدد كثير من الطلاب كان آخرها الدورتين المعلنتين، والتي قام بها طلابي الذين حفظوا المتن عندي قديماً، ثم بعد هاتين الدورتين ابتدأت بشرح بلوغ المرام كما هو معلن.
كيف يتم التسميع لحفاظ المتون لديكم؟ وهل هناك طريقة معينة في التسميع؟
طريقة دروس المتون السبعة أننا نبدأ بالتسميع، حيث أسمع من كل طالب المقدار الذي وصل إليه، في الحفظ؛ هذا في الآجرومية، وهذا في كتاب التوحيد، وهذا في الأصول الثلاثة... وهكذا، فيقرأ كل إنسان المقدار الذي حفظه، هذا لما كان الطلاب عددهم محصور، لكن لما فتح المجال للجميع أصبح العدد كبيراً فلم أعد أسمع لهم، وإنما وضعنا طريقة، وهي أننا وزعنا الحفاظ على أبرز الطلاب الذين عندي، ممن يحفظون هذه المتون، وتم تقسيمهم على ثلاث مجموعات أو أربع، فيتابعون من أراد الحفظ من هؤلاء الطلاب في أوراق معينة لمتابعة الحفظ خارجة عن الدرس (الشرح)، يأتون ويَسْمعون للشرح ثم كل إنسان يتابع حفظه مع الشخص الذي يتابع له الحفظ.
ما هي الطريقة لشرح هذه المتون؟
هذه المتون السبعة كما قلنا تبدأ بالأصول الثلاثة، وأنا قد قررت لكل متن من هذه المتون السبعة شرح يعتني به الطالب بحيث يأتي وقد قرأ درس اليوم ويعلق على نفس هذا الشرح من الكلام الذي يسمعه أثناء الشرح، فنأتي لها بالترتيب:(115/1747)
أولاً: الأصول الثلاثة، قررنا لها شرحاً، إما أن يضع الطالب معه حاشية ابن قاسم أو شرح عبد الله الفوزان (تحصيل المأمول) أو غيرها من الشروح لكن هذه من أبرز الشروح.
وكتاب التوحيد أيضاً حاشية ابن قاسم أو شرح ابن عثيمين، أحدهما.
الواسطية شرح الشيخ صالح الفوزان تعد من أكثر الشروح اختصاراً، وهو شرح مناسب للتعليق عليه.
الآجرومية شرح محيي الدين عبد الحميد التحفة السنية، وهي من أحسن الشروح تقريباً، وخرجت شروح أخرى، لكن هذه من أكثر الشروح اختصاراً وأحسنها.
الورقات شرح الشيخ عبد الله الفوزان.
نخبة الفكر لم أجد لها شرحاً مناسباً بحيث يعتني به الطالب، لكن نزهة النظر هي التي تقرأ أحياناً ونعلق عليها، وهي شرح لنخبة الفكر، وكلاهما للمؤلف الحافظ ابن حجر – رحمه الله.
وبالنسبة لمنهج السالكين لابن سعدي له شرح واحد خرج في الأسواق وهو شرح جيد لا بأس به، وإن كان مختصراً جداً، وهو شرح الشيخ ابن جبرين.
وطريقة الشرح هي أن يبدأ القارئ بقراءة جزء من أحد هذه المتون وهو الأصول الثلاثة مثلاً، حيث إنها أول هذه المتون، ونشرح هذا المتن والطالب يعلق على الشرح المقرر عليه، مع اعتبار أنه لا بد أن يكون قد قرأ هذا الشرح الذي قُرر عليه حتى يستفيد من الشرح، ويعلق ما زاد عن هذا الشرح على جانب الكتاب أو في أوراق خارجية.
ونقوم قبل بداية كل درس بمراجعة الدرس الماضي بالأسئلة وهكذا، وقد نقيّم أحياناً بوضع أسئلة عامة على المتن كاملاً بعد الانتهاء منه، ولكن هذا الأمر لم نفعّله بسبب أن الطلاب يتفاوت دخولهم الحلقات؛ لأن بعضهم يأتي في أثناء شرح هذا الكتاب، فبعضهم أتى من أوله وبعضهم أتى من آخره، فمن الصعب وضع أسئلة للجميع، وهذا الذي جعلنا لا نفعّل مثل هذه الطريقة مع العلم أن هذه الطريقة نافعة ومهمة.
وطالب العلم عندما يريد الالتحاق بمثل هذه الدروس لا يضر أن يبدأ من أول الشرح أو من وسطه أو من آخره؛ لأن النقطة التي ابتدأ منها سيعود إليها بعد سنتين تقريباً، حيث إن هذه الدروس تبتدئ بالأصول الثلاثة وتنتهي بالفقه، فنبدأ بالمتن الأول ونستمر في شرحه خلال أربعة أيام في الأسبوع إلى أن ينتهي ثم نبدأ بالمتن الآخر.
هل هناك مراجعة في الحفظ؟
الطريقة في الحفظ أن الطالب يحفظ كل يوم المقدار الذي يستطيع عليه، إلى أن ينتهي من المتن، ثم يمتحن قبل أن يبدأ في متنٍ آخر، فمثلاً إذا أراد أن ينتقل من الأصول الثلاثة إلى كتاب التوحيد يراجع الأصول الثلاثة، فإذا انتهى من كتاب التوحيد وأراد أن ينتقل إلى الواسطية يختبر مرة أخرى في الأصول الثلاثة وكتاب التوحيد ثم إذا انتهى من الواسطية وأراد أن ينتقل إلى الآجرومية يختبر في الثلاثة التي قبلها، وهكذا كلما أراد أن ينتقل إلى الذي بعده يختبر في المتون السابقة كلها؛ لأنه إذا لم يحفظ التي قبلها لا حاجة في أن يستمر في الحفظ، وهذه الطريقة تعينه على ضبط المتون؛ لأن الفكرة في حفظ هذه المتون وشرحها، أن أكثر طلاب العلم زهد في مثل(115/1748)
هذه المتون البسيطة أو المبسطة وزهد في شرحها تجده دائماً يحضر شروحها ثم ينساها ويريد الانتقال إلى غيرها، وأنا قلت كثيراً للطلاب: "إني ضامن لطالب العلم المبتدئ الذي يضبط هذه المتون السبعة ويضبط شرحاً واحداً لها فقط أن يصبح متميزاً بين أقرانه" _طبعاً ما عدا منهج السالكين؛ لأني لا أنصح بحفظه الآن قبل أن يحفظ الإنسان القرآن وشيئاً من السنة- لكن تجاوزاً نقول سبعة متون من يحفظ هذه المتون ويضبط شرحاً واحداً لها فقط ويضبطها فأنا ضامن له أن يكون متميزاً بين أقرانه، وضامن له أن يفهم ما بعدها من الشروح المطولة ويفهم إذا قرأ في الكتب والشروح المؤلفة في الحديث والفقه وغيرها _بإذن الله_.
هل مرت التجربة بمراحل تطويرية من حيث المتون ومن حيث طريقة التدريس؟
نعم مرت بمراحل كثيرة، كما قلت هذه الدروس ابتدأت منذ أكثر من 12 سنة، وكانت متوناً متفرقة، إلى أن توصلت إلى أن المتون التي درسها وحفظها وتعلم عليها علماؤنا ومشايخنا هي المتون التي ينبغي أن يحفظها ويتعلم عليها أيضاً طلاب العلم اليوم، فقد وجدت مجموعة اسمها: (المجموعة السعودية) من جمع الشيخ محمد بن إبراهيم _رحمه الله_، ألف هذه المجموعة وجعلها لطلاب المعاهد العلمية قبل افتتاح كلية الشريعة، وهذه المجموعة السعودية مشتملة على أكثر المتون التي معنا وإن كان ينقصها متنان: الورقات ومنهج السالكين، وهناك متون أخرى موجودة في (المجموعة السعودية) يمكن الاكتفاء بهذه المتون عنها، ولكن لا يعني الاستغناء عنها، يمكن شرحها والاستفادة منها وإدراجها ضمن المتون، مثل: كشف الشبهات، والقواعد الأربع، وآداب المشي إلى الصلاة وغيرها، ولكن البدء بهذه المتون السبعة أولى.
مما سبق نفهم أنك تشترط حفظ القرآن قبل حفظ بعض المتون، كيف ذلك؟
أما المتون القصيرة التي لا تأخذ وقتاً طويلاً، مثل: الأصول الثلاثة وكتاب التوحيد هذه متون قصيرة ومعظمها قرآن وسنة فلا نشترط حفظ القرآن أو إكمال حفظه؛ لأنها في الغالب لا تشغل عن حفظ القرآن إذا حفظها الإنسان باقتصاد، أما المتون المطولة، مثل: بلوغ المرام أو الزاد أو الألفية ونحوها فهذه نعم نشترط حفظ كتاب الله قبل البدء بحفظها.
هل يجرى اختبار في حفظ القرآن؟ أو يسأل عنه؟
لا، لا نجري اختباراً، بل يكفي قول الطالب عن نفسه: إني أتممت حفظ القرآن.
ما المدة التقريبية لانتهائكم من تدريس جميع المتون وانتهاء الحافظ منها جميعاً؟
بالنسبة للحفظ فكثير من الطلاب يحفظون المتون قبل الانتهاء من الشرح؛ لأن المتن يبدأ به بغض النظر عن ترتيب الشرح، أما بالنسبة للشرح فمن خلال هذه المدة التي قمت فيها بشرح هذه المتون تفاوتت مدة الانتهاء من الشرح، فقد كنا في السابق نشرح في 3 أيام في الأسبوع، فزدناها إلى 4 أيام، فتفاوتت مدة الانتهاء بسبب تفاوت الشرح، وكنا نشرح في هذه الأيام متنين: متناً في علوم الآله ومتناً في العقيدة فكان هذا يسبب لنا تأخراً في الانتهاء، الآن اقتصرنا في المرحلة النهائية بعد التجارب أننا نجعل 4 أيام كاملة في متن واحد فقط، إلى أن ينتهي ثم ننتقل إلى المتن الذي بعده ،وهذا مما سرَّع في عملية الانتهاء من شرح هذه المتون فقد نأخذ فيها قرابة 4(115/1749)
فصول دراسية بمعنى سنتين إلى خمس فصول تقريباً، حسب الظروف، أحياناً قد تأتي ظروف معينة تجعلنا نتوقف في الإجازة الصيفية، مع أننا في الغالب لا نتوقف إلا في منتصف الإجازة الصيفية، حيث نأخذ من بداية الإجازة شهراً تقريباً، إنما نتوقف أيام الامتحانات وآخر الإجازة ورمضان فقط، وأما غالب السنة تكون مستمرة، وأيضاً في السابق كان الشرح نوعاً ما فيه نوع من التبسيط الآن أصبح الشرح فيه نوع من التوسع في ذكر أقوال العلماء والخلاف ومحاولة بسط الشرح بحيث يناسب جميع الطلاب من المتقدمين والمتأخرين.
هل تقدمون شهادات لحافظ المتون أو إجازة؟
لا لم نقم بهذا من قبل، لكن نقدم إجازات حديثية في حفظ بلوغ المرام، أما باقي المتون لم نقم من قبل بإعطاء إجازات أو شهادات، ولكن سنقوم بها في القريب _إن شاء الله_.
هل لك أن تذكر لنا بعض النتائج والنماذج التي أحرزتها التجربة؟
النماذج كثيرة، ولكن لا أستطيع ذكر أسماء تلك النماذج، وإلا النماذج كثيرة وطيبة، وتدل على حرص هؤلاء الطلاب، وأنهم فقط يحتاجون إلى من ينظم ويرتب لهم الدروس والمتون، ويبعدهم عن كثير من الشتات الذي يحصل لهم، فأذكر من التجارب الجيدة أن أحد طلاب العلم -وهو حافظ لكتاب الله- وهو في مجال التعليم- أتاني يوماً من الأيام في المسجد منذ أكثر من 7 سنوات وفاجأني بسؤال، أنه يريد أن يلتحق بهذه الدروس، وأنا أعرف عنه أنه طالب علم، وليس بحاجة لمثلي يجلس لدروسه، فلما سألته قال: الحقيقة قرأنا كثيراً وحفظنا كثيراً ولكن ننسى وليس هناك برنامج منضبط يستمر الإنسان عليه ويتخرج ويشعر أنه خرج بحصيلة جيدة، هذا الطالب ابتدأ معي لما سمع بهذا البرنامج فبدأ بالأصول الثلاثة حفظاً وشرحاً كأنه طالب مبتدئ، ثم كتاب التوحيد، ثم الواسطية، ثم الآجرومية، ثم نخبة الفكر، ثم الورقات، ثم زاد عليها حفظ الجزرية من نفسه لاهتمامه بعلوم القرآن ، ثم ابتدأ بحفظ بلوغ المرام، وتجاوز الثلاثمئه أو أربعمئة حديث، ثم توقف لظروف معينة أشغلته عن المواصلة، لكن أكمل عقد حفظ هذه المتون وشروحها أو حضر معظم هذه الشروح وخرج بحصيلة أظن أنها مناسبة وجيدة، وانتهى منها بمدة لا بأس بها، فاستفاد وانتفع مع أنه ليس محتاجاً لشروح مثل هذه المتون، ولكن أراد برنامجاً مرتباً يعينه على الضبط والإتقان.
مما خرجت به من تجربة هذا الرجل وغيره من الشباب: أن كثيراً من الشباب أكثر ما يحوجهم قضية حصر المتون العلمية، لكن للأسف الموجود في الساحة الآن هو أن بعض طلاب العلم يعرض على الطلاب وينثر عليهم عدداً كبيراً من المتون، يشرح هذا ويقرأ هذا فيتشتت الطالب ولا يعلم ماذا يقرأ أو ماذا يحفظ وماذا يسمع من الشروح، فكثيراً ما يأتي الطلاب ويسألون هذا السؤال: ماذا أقرأ؟ ماذا أحفظ؟ أكثر ما يسأل الطلاب هذه الأسئلة، مما يدل على التشتت الذي يعيشونه في مجال طلب العلم، لكن لو أن طلاب العلم الذين يقومون بشروح المتون العلمية جعلوا نوعاً من التنظيم والترتيب للمتون التي يشرحونها واقتصروا فيها على الشرح الميسر الذي ينتهون فيه من المتون خلال مدة وجيزة وزادوا من عدد الأيام لحصلت نتائج كثيرة وطيبة جداً،(115/1750)
لكن للأسف الدروس الموجودة الآن والحالية أكثرها يوم في الأسبوع وغير منظم وغير مرتب وإنما كيفما اتفق، إلا بعض أهل العلم الذين اشتهروا بالدروس المرتبة المنظمة وهؤلاء للأسف قلة.
هل هناك نصائح مهمة أو خطوط عريضة لمن يريد أن يقيم برنامج المتون؟
أنا أضع نقطتين مهمتين لطالب العلم، ولعلنا نتجاوز ما يتعلق بقضايا الإخلاص والتعبد لله فهذه أمور مفروغ منها، حيث إن طالب العلم يجب ألا يقبل على العلم إلا بإخلاص وبتعبد لله _عز وجل_.
ولكن أقول: إن طالب العلم يحتاج إلى أمرين مهمين في حفظه لهذه المتون والاستفادة من مثل هذه البرامج:
الأمر الأول: الهمة، التي يحاول طالب العلم أن يبثها في نفسه وينميها في نفسه، وذلك بمجالسة أهل العلم وقراءة تراجمهم، وقراءة صبرهم على طريقة طلب العلم والسفر في طلب العلم فالهمة هذه مهمة جداً لمواصلة طالب العلم في طلب العلم.
والأمر الثاني: الحرص على الإتقان والضبط، فأكثر المبتدئين في طلب العلم يحفظ ويقرأ لكنه لا يحرص على الضبط، فلذلك كثيراً ما نسمع من طلاب العلم المبتدئين أنه يقول: سمعنا وقرأنا وحفظنا الشروح، ولكن بعد سنوات ما خرجنا بحصيلة مناسبة، والسبب أنهم لم يحرصوا على الضبط، قد يكون حرص على الضبط في بداية الحفظ، لكن لما انتهى من الحفظ، انتهى الحفظ بالنسبة له، لكن إذا استمر في الضبط والإتقان ومراجعة الشروح ومداومة النظر لاستفاد استفادة كبيرة، ولذلك أذكر كلام الإمام الحافظ الحجة الإمام البخاري وهو جبل الحفظ وهو من هو في الحفظ والإتقان يذكر كلاماً نفيساً، وهو قوله لطالب العلم: لم أر أنفع من نهمة الرجل ومداومة النظر. فنهمة الرجل: حبه وشغفه للعلم وهي الهمة العالية في طلب العلم، ومداومة النظر: أي الضبط والإتقان، حيث إن (مداومة النظر) هي التي تؤدي إلى الضبط والإتقان، وهذه نصيحة مهمة لطلاب العلم، ثم إن أحسن ما يؤدي إلى الضبط والإتقان هو مداومة النظر في العلم وهو التكرار، ولذلك قل لي: كم تكرر العلم أقل لك: كم مقدار ضبطك في الحفظ والشرح، والذين يقولون: يصعب علينا الحفظ هذا غير صحيح، والذين يسألون: ما هي أسهل طريقة للحفظ؟ هل أحفظ في الكتاب الفلاني أو الفلاني؟ هل أحفظ في الصباح أو في المساء؟ قبل النوم أو بعد الفجر؟ كل هذه الأمور معينة، لكنها ليست هي الأساس، الأساس بعد توفيق الله _عز وجل_ مداومة النظر، والتكرار الذي سيؤدي إلى الضبط والإتقان، ولذلك يحكى عن كثير ممن يعتنون بالحفظ كالشناقطة مثلاً أنهم كانوا يعتنون بالتكرار، ولذلك كان ينقل عن بعضهم أنه يحفظ الوجه الواحد من المصحف فإذا حفظه بدأ يكرره 100 مرة، وبذلك حصل على الضبط والإتقان المتميز.
ما رأيك باهتمام طالب العلم في حفظ متون السنة النبوية كالصحيحين والسنن وغيرها، وهل هذا يعارض التدرج؟
مسألة التدرج في الحفظ أمر مهم جداً، وعلى هذا جرى العلماء، أن طالب العلم المبتدئ يتدرج في الحفظ، والتدرج في الحفظ يعين طالب العلم على الضبط والإتقان، أما أن يبدأ في حفظ المتون الكبيرة قبل الصغيرة فهذا يؤدي إلى التفلت والسآمة(115/1751)
والملل، فالإنسان كلما ابتدأ بالقصير من المتون التي يستطيع إنهاءها في وقت قصير فهذا يجعله يحرص ويزداد نهمه في المواصلة، أما المتون الطويلة فقد تصيبه بالسآمة، ولذلك أرى أن طالب العلم إذا كان سنه صغيرا، كطالب الثانوي، أرى له ألا يعتني بمتن قبل حفظ كتاب الله، فإذا اعتنى وحفظ كتاب الله انفتحت عليه أبواب الحفظ كلها _بإذن الله_، أما إذا لم يحفظ كتاب الله فقد يصعب عليه حفظ بعض المتون، أما بالنسبة لطالب العلم الكبير -أي مثل: طالب الجامعة- لا نقول له: اترك العلم، حتى تحفظ القرآن، وإنما نقول له: اجمع بين هذا وهذا، أما الطالب المبتدئ الذي ما زال في الثانوي ولم يدخل الجامعة، فنقول له: احرص على حفظ القرآن ولو أن تُعَطِّل أكثر مشاريعك العلمية وتقتصر على بعض الدروس العلمية المبسطة لأجل حفظ القرآن، أما إن تعذّر عليه حفظ القرآن فلا يعني هذا أنه لا يصلح لطلب العلم، فكم في العلماء من لا يحفظ القرآن.
أما مسألة حفظ السنة فمحل نظر واجتهاد ممن يعتنون بتحفيظ السنة، فهناك من أهل العلم من يرى حفظ مختصر الصحيحين، وهناك من يرى حفظ بلوغ المرام وحفظ أحاديث الأحكام بحجة أن الصحيحين فيها أحاديث كثيرة قد لا يحتاجها الفقيه ابتداء مثل أحاديث السير والمغازي ونحو ذلك، والمسألة محل اجتهاد، ولكن يظهر لي من اجتهاد قمت به قبل أكثر من 10 سنوات بعد سؤال أهل العلم في أول حلقة أقمتها لحفظ بلوغ المرام، حيث أوصيت من أراد حفظ بلوغ المرام من الطلاب -وكانوا متحيرين بين حفظ بلوغ المرام أو مختصر الصحيحين- فقلت لهم: اسألوا أهل العلم، فسألوا الشيخ ابن باز _رحمه الله_ وسألوا الشيخ ابن قعود وسألوا الشيخ ابن جبرين وغيرهم، وكلهم أجابوا بأن حفظ بلوغ المرام أولى من حفظ مختصر الصحيحين، وعلى كلٍّ المسألة محل اجتهاد وقد يكون الجمع بينهما بأن يحفظ بلوغ المرام ثم مختصر الصحيحين لعل هذا يكون مناسباً.
دورة بلوغ المرام أو درس بلوغ المرام ما صلته بهذا البرنامج وما آليتها؟
دورة بلوغ المرام ودرس بلوغ المرام تعد البرنامج الثاني والمرحلة الثانية لطالب العلم، فالمرحلة الأولى كما قلت هي السبع المتون السابقة، فإذا انتهى منها طالب العلم ينتقل منها إلى البرنامج أو المرحلة الثانية، نعم قد يوجد من المشاركين في البرنامج الأول ذهبوا وشاركوا في درس بلوغ المرام، فهذا لا يمنع، لكن في الأساس أن طالب العلم يمشي على هذا التدرج، يبدأ في المتون السبعة إذا أتقنها انتقل إلى ما بعدها من المتون المطولة، ونحن نبتدئ بهذه المتون المطولة بالتدريج، لا نريد أن نبدأ بها جميعاً، فابتدأنا الآن ببلوغ المرام، ثم لعلنا في الأيام القادمة نبدأ بزاد المستقنع، وهكذا بالمتون التي بعدها فهذا الترتيب بلوغ المرام حفظاً وشرحاً يعد هذا من المرحلة الثانية، وفي الغالب طالب العلم الذي انتهى من المرحلة الأولى يستطيع أن يختار لنفسه ما يناسبه من الشروح؛ لأن هذه المتون السبعة كما قلت هي الأساس إذا ضبطها طالب العلم وأتقنها سيكون متميزاً بين أقرانه ويستطيع هو بنفسه أن يعلّم نفسه ويستدل على الدروس والمتون المهمة.
إذن في درس العصر لا يشرح بلوغ المرام؟
لا، لا يشرح بلوغ المرام فقط المتون السبعة.(115/1752)
إذا انتهيت من بلوغ المرام فهل ستنتقل منه؟
إذا انتهينا منه ربما يعاد مرة أخرى؛ لأن المتون الأخرى سيكون لها وقت آخر، نحن لا نريد أن نبدأ ببلوغ المرام ومعه زاد المستقنع، بعد أن نقطع مسافة من بلوغ المرام _بإذن الله_ قد نبدأ بزاد المستقنع في وقت منفصل عن وقت بلوغ المرام.
بعد أن ينتهي طالب العلم من حفظ المتون كيف يواصل طلب العلم؟
كما قلت: أهم شيء إذا انتهى طالب العلم من هذه المتون أن يعود بالنظر فيها ويكرر ولا يتركها، وعلماؤنا على جلالة قدرهم وكبر سنهم ما زال الواحد منهم يراجع هذه المعلومات، وقد نقل لي من أكثر من طريق عن الشيخ ابن باز _رحمه الله_ أنه إذا جاء مواسم مثل مواسم رمضان أو العيد أو الحج، كان يأمر بإحضار هذه الكتب وتقرأ عليه حتى يراجع معلوماته والمسائل، لئلا يفاجأ بسؤال أحد المستفتين، فإذا كان أكابر أهل العلم يراجعون علمهم وما قرؤوه فما بالك بطالب العلم، خطأنا وخطأ الكثير من طلاب العلم –وللأسف- إذا انتهى من متون معينة نسيها ولم يرجع إليها مرة أخرى، لتصبح من التاريخ فلا يعود ويرجع إلى ما علقه وقرأه أو إلى ما شرح له، ولو رجع طالب العلم كثيراً وكرر النظر لمثل هذه العلوم أو توسع فيها وفي شروح أخرى لمثل هذه المتون لحصَّل خيراً كثيراً، بل نقل لي عن أحد كبار المفتين في بلادنا أن له ورداً متواصلاً في قراءة الزاد والروض ليراجع معلوماته ومسائل الفقه حتى لا تتفلت منه هذه المسائل.
في ختام هذا اللقاء لا يسعنا إلا أن نتقدم بجزيل الشكر للشيخ فهد العيبان على بسطه لنا تجربته في المتون السبعة تحفيظاً وشرحاً، سائلين المولى -جل وعلا- أن ينفع به أمته.
وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
ـــــــــــــــــــ
الخطوات الخمس لحل مشكلة ابنك
هاني العبد القادر
14/1/1426
ارسل تعليقك ...
لا توجد تعليقات ...
ارسل الصفحة ...
الى مشرف النافذة ...
طباعة ...
كنا في مقال سابق قد شرعنا في الحديث عن (حل المشاكل بلا مشاكل)، وذكرنا أن له سبع عناصر هي:
أ – طوّل بالك. ب – اقبل ابنك بعيوبه.
جـ - الخطوات الخمس لحل مشكلة ابنك.
د – أسلوب "أنا" لحل مشكلتك. هـ - اعترف برأيه.
و – الحزم اللطيف. ز – دعه يتوهق.
وانتهينا من الحديث عن العنصرين الأولين، لنبدأ اليوم في العنصر الثالث، وهو:(115/1753)
الخطوات الخمس لحل مشكلة ابنك:
أم عبد الله كانت تعرف هذا العنصر، وفعلاً تركت ابنها يحل مشكلته بنفسه جاء عبد الله لأمه، وقال: يا أمي عندي شيء أريد أن أقوله: أبي شمَّ في ثيابي رائحة دخان وظن أني أدخن، ومن ذلك الوقت وهو لا يكلمني، وأنا -والله العظيم- ما دخنت وإنما كان معنا واحد يدخن، وثبتت الرائحة بثيابي، لا أدري ما رأيك يا أمي؟ (قبل أن نقول ماذا قالت أم عبد الله)دعونا نسمع ماذا نقول نحن لو كنا مكانها (تستاهل تستاهل من قال لك تمشي مع ناس يدخنون، من حق أبيك أن يقاطعك ويطردك من البيت،أنت لست منضبطاً يا عبد الله، لا في صلاتك، ولا في دراستك، ولا مع إخوانك، وأصدقاؤك حالتهم سيئة، هل يعجبك ما حصل لك؟! يا عبد الله لم لا تصبح رجلا، وتحافظ على الصلاة وتهتم بدراستك وتبتعد عن السيئين الذين تصاحبهم، والذين لا يرضوني ولا يرضون أباك، نحن ماذا نريد يا عبد الله؟ نريد مصلحتك) هذا هو الذي نقوله في مثل هذا الموقف، كلام مضمونه نصائح مباشرة، وانتقاد ولوم، وتأثيره الواقعي صفر، هذه هي الحقيقة.
حاول بقدر استطاعتك أن تجعل توجيه الحوار بيدك من خلال التغاضي عن هذه التصرفات السلبية، والتعامل بحكمة ولباقة، وبما يتناسب مع طبيعة ابنك التي أنت أدرى بها
البديل أن نعمل الذي عملته أم عبد الله أراحت نفسها من النصائح واللوم واقتراح الحلول، وجعلت عبدالله يحل مشكلته بنفسه من خلال خمس خطوات أساسية استخدمتها أم عبد الله:
1 – أنا أحس بمشاعرك. 2 – ما الحلول الممكنة؟
3 – ما أحسن الحلول؟ 4 – السؤال والمتابعة.
5 – أسأل الله أن يوفقك.
خمس خطوات يمكننا استخدامها في مساعدة أبنائنا لمواجهة مشاكلهم.
استمع لأم عبدالله وهي تنفذ الخطوة الأولى (أنا أحس بمشاعرك)، ولاحظ كيف تصف مشاعره وتعذره في مخاوفه: (واضح من كلامك أنك مهموم ومتضايق؛ لأن أباك قد قاطعك، وتتمنى لو لم يحصل هذا الموقف حتى لا يسيء الظن بك، وأكيد أنك محتار، يحق لك، لو كنت مكانك سأحس مثلك بالإحراج والحيرة، ولا أريده أن يغضب علي ويقاطعني؛ لأني مثلك أحبه وأحترمه.ا.هـ.
أصبح الآن متهيئاً للخطوة الثانية: (ما الحلول الممكنة؟) تقول طيب يا عبد الله حصل ما حصل، ما رأيك؟ ما الذي نستطيع عمله الآن؟ قال: يا أمي تستطيعين أن تكلميه؟ تقول الأم: هذا حل، ما الحلول الأخرى؟ سكت قليلاً، وقال: أنا أكلمه لكن أخاف أن يغصب علي،ما رأيك أن نكلمه معاً؟ تقول الأم: ما عندي مانع، لكن دعنا نفكر، ربما هنالك حلول أخرى، قال عبد الله: فكرت أن أكتب له رسالة، قالت: جيد.. ماذا أيضاً ؟ قال: وأحاول أن أرضيه في الأشياء التي يريدها، يعني: أبي يريدني أن أجلس أكثر، قالت: ممتاز هل هناك شيء آخر؟ قال: وأحافظ على الصلاة، قالت: أحسنت بقى شيء مهم يا عبد الله، قال: وأحاول ألا أسير مع هؤلاء الشباب. إلى هنا انتهت أم عبد الله من الخطوة الثانية، وهي:ما الحلول الممكنة؟(115/1754)
الآن تبدأ في الخطوة الثالثة، وهي: (اختيار أفضل الحلول).
قالت: جيد.. ما رأيك الآن؟ أنا أكلمه أو تكلمه أنت ، أو نكلمه جميعاً؟ أو تكتب له رسالة؟ قال: لا أنا أكلمه لوحدي أحسن. طيب ماذا ستقول له؟ سأقول له: كذا كذا كذا ..
عبد الله استطاع أن يحدد الذي سيقوله؛ لأن أمه ساعدته كثيراً على اتضاح الرؤية عنده، بقي أن ينفذ كل الذي اختاره ثم تكون الخطوة الرابعة، وهي: (السؤال والمتابعة).
تقول الأم فيما بعد: هاه بشر.. ما أخبار موضوعنا؟ تسأل ومثل ما بدأت حديثها معه بالرحمة واللطف تختم بالخطوة الخامسة بدعاء محب متفائل: أسأل الله أن يوفقك ويعينك ويصلح ما بينكما.
أم عبد الله تعمدت أنها لا تقدم نصيحة أو تقترح حلولاً إلا إذا طلبها عبد الله، ربما هو غير محتاج لهذه النصائح، وبهذه الطريقة يزيد قيمة نصيحتها واستعداده لتنفيذها.
يقول مهدي عبيد في كتابه (سؤال وجواب ونصائح في تربية المراهقين): "وأكثر النصائح تقبلاً هي التي تقدم للمراهق بناءً على طلبه".ا.هـ.
وبالمقابل أقل النصائح تقبلاً هي التي تأتي بدون طلب وتتكرر على مسامع الأذن حتى تموت هذه النصيحة ويموت تأثيرها في قصة عبد الله لو واجهت الأم مشكلة أخرى متوقعة، وهي أن ابنها يستصعب أن يترك أصدقاءه السابقين، ماذا تعمل أم عبد الله؟ تتعامل معه على أنها مشكلة ثانية، وتأخذ نفس الخطوات الخمس لحل مشاكل الأبناء، وهي:
1 – أنا أحس بمشاعرك. 2 – ما الحلول الممكنة؟
3 – ما أحسن الحلول؟ 4 – السؤال والمتابعة.
5 – أسأل الله أن يوفقك.
عند تطبيقك لهذا العنصر مع ابنك المراهق قد تواجهك ردود فعل سلبية من المراهق لا تساعدك على الانتقال من خطوة إلى خطوة، ما الحل؟
نقول: حاول بقدر استطاعتك أن تجعل توجيه الحوار بيدك من خلال التغاضي عن هذه التصرفات السلبية، والتعامل بحكمة ولباقة، وبما يتناسب مع طبيعة ابنك التي أنت أدرى بها، وكل ما ابتعد الموضوع رُدَّه بهدوء وبأسلوبك الخاص، المهم أن تجعل حل المشكلة يكون من ابنك وليس منك، لكن لو كان الوضع أسوأ، ورأى الأب أن أبناءه يكذبون عليه أو لا يصارحونه أصلاً، بل يتحاشون الكلام معه، ويرهبون من مجالسته، في هذه الحالة ندعو الله أن يكون في عون هذا الأب، لا شك أن كذب أبنائه عليه أو عدم رغبتهم في الجلوس معه فضلاً عن محادثته لا شك أنها تضايق الأب كثيراً وتشعره بالحيرة، نقول له: استعن بالله، وابذل جهدك للتقرب أكثر من أبنائك، وزد من ثقتهم وحبهم، واستخدم ما تستطيع من أساليب هذه المقالات، وستجد أبناءك _بإذن الله_ يقتربون منك أكثر ويتجاوبون معك بشكل أفضل، وربما صارحوك أحياناً، ماذا لو كان صاحب المشكلة ليس المراهق، وإنما الأب هو صاحب المشكلة، وسببها الابن المراهق ما الحل؟ كيف يحدث تواصل ناجح بين مشاعر الأب المنزعجة ومشاعر المراهق المتقلبة، ونحل المشكلة بدون أن نحدث(115/1755)
مشكلة أخرى بين الأب وابنه؟ هذا هو حديثنا في العنصر الرابع من عناصر حل المشاكل وهو أسلوب (أنا) لحل مشكلتك، نتناوله بالحديث في مقال قادم –بإذن الله-.
ـــــــــــــــــــ
من فنون التعامل الأسري
أ.د. ناصر بن سليمان العمر
7/1/1426
ارسل تعليقك ...
لا توجد تعليقات ...
ارسل الصفحة ...
الى مشرف النافذة ...
طباعة ...
الزوجة أولا:
1. إيّاك أن تقلل من قدر زوجتك عند أبنائك، أو تكثر من التشكي والتظلم من تقصيرها في حقك، إنهم لن يفعلوا تجاه ذلك شيئاً يذكر، بل إنك ستقلل من قدرك في قلوبهم، وتدخل عليهم الحزن والكآبة، وإذا كان هناك من ملحوظة، فكن كيساً في ذكرها وكن فطناً، فالتعريض يغني عن التصريح.
فلتجلس معهم بقدر:
2. أهمية تفريغ وقت يناسب كل مرحلة للجلوس مع الأولاد والسفر معهم، جلوس جزئي كل يوم ساعة مثلاً، وكل سنة شهر.
3. لا تضايق أبناءك بكثرة جلوس معهم، وكن معتدلاً في ذلك، وأعطهم شيئاً من الحرية، واختر الوقت المناسب للجلوس بينهم، وإياك والإكثار من دخول الفجأة، فقد ترى ما تكره ويرون منك ما يكرهون.
من أجل أب مهيب:
4. لا تدخل نفسك في كل جزئية فتضيع هيبتك "كن جاهلاً أو متجاهلاً...".
5. لو شعر أبناؤك باحترامك لهم لاحترموك، وحقوق الأبوة لا تبيح لك إهدار كرامتهم، والتبسط مع الأبناء ومداعبتهم لا تعني إسقاط الأدب وذهاب الهيبة.
إيّاك أن تقلل من قدر زوجتك عند أبنائك، وإذا كان هناك من ملحوظة، فكن كيساً في ذكرها وكن فطناً، فالتعريض يغني عن التصريح
6. لا تكثر المزح مع أبنائك، ولا تكن متجهماً، وخير الأمور الوسط، فكثرة المزح والضحك تسقط الهيبة والاحترام، والتجهم والغلظة تهدم المودة والمحبة، وكلا طرفي قصد الأمور ذميم.
7. لا تكثر الكلام مع أبنائك، وكن معتدلاً في ذلك، ولكل حالة ما يناسبها، ولكل مقام مقال، ومن كثر كلامه كثر سقطه، وقلة الكلام تعطيك هيبة واحتراماً.
8. الصراخ في وجوه الأبناء حيلة العاجز، ولا يزيد الابن إلا تمرداً، وقد لا يلقى له بالاً، حيث يتعود عليه، مع ما قد يكون له من تأثير سلبي في اهتزاز شخصية الطفل وكثرة ارتباكه، ومن علا صوته فقد ضعفت حجته وقلّت حيلته، ولولا بعد المستقى لما أطال رشاءه.(115/1756)
9. ربِّ أبناءك على أن يستجيبوا لك فور سماعهم لندائك دون أن يتوقف ذلك على معرفة ما تريد، حيث تكون استجابتهم؛ لأنك أنت قد دعوتهم بحكم أنك والدهم، لا من أجل الأمر الذي تريده، فهناك فرق بين الاستجابة لك والاستجابة لطلبك، فالأول يربي على السمع والطاعة والانضباط والنظام، والاستجابة من أجل الأمر الذي تريد تعود على الفوضى والسلبية والتسويف والخصام، ومن ثم التمرد.
فإذا طلبت ابنك ثم أرسل إليك سائلاً لماذا تدعوه فكن حازماً، وإياك والاستجابة لسؤاله، أو إغرائه، وتصرف بما يناسب الموقف ويحفظ هيبتك، وإلا فعلى هيبتك السلام.
ليس معناه أن تكون غضوباً:
10. الناس منهم من هو سريع الغضب سريع الفيأة، ومنهم بطيء الغضب بطيء الفيأة، ويتولد منهما نوعان آخران، فكن بطيء الغضب سريع الفيأة، واحذر أن تكون سريع الغضب بطيء الفيأة فهذا شرّ الأربعة.
11. لا تدفع ابنك إلى الزاوية الضيقة، واحذر احتقان الغضب وكبت المشاعر، فقد يقوم بعمل لا تحمد عقباه، إما في نفسه أو في المنزل في غفلة منك ومن أمّه، فكن حازماً حليماً حكيماً، فمعظم النار من مستصغر الشرر.
مثال السفر وتحديد الوقت دون حساب الوقفات والعوارض سيرفع من ضغطك وقد يحدث لك كارثة، أما حساب السرعة بهدوء وحساب الوقفات سيجعلك سعيداً جداً.
لكن بكلمات موزونة:
12. حذار من فلتات اللسان، وبخاصة من الأب فهي جرح لا يندمل.
13. المعاني أهم من المحسوسات، وقد يتحمل أبناؤك النقص في النفقة أو الترفيه أو السكن، ولكن لا يتحملون ما يسيء إليهم، كالسب أو الإهانة أو التجريح، وكلمة طيبة أثمن من هدية نادرة، وتشجيع موزون أغلى من جائزة يستحقونها.
لهم شؤونهم الخاصة حتى بالنسبة لك:
14. لا تتدخل في كل شؤون أولادك، وإذا اتفقوا على أمر ليس فيه خلل ولا خطل ولا إساءة لنظام البيت، فدعهم وما يعملون، بل شجعهم على ذلك إن كان مما يزيد ألفتهم، ويقوي وشائج الروابط بينهم، فمثلاً: لو أعطيت كل واحد منهم غرفة، ثم اتفقوا على تبادل الغرف، أو إعادة تقسيم الأعباء بينهم، دون أي ضرر يترتب على ذلك، فلا تقف حجر عثرة دون ما يريدون، ولكن أخبرهم بأن الأولى أن يستأذنوك قبل أن يتخذوا قرارهم، وإذا بدا لك أن المصلحة خلاف ما يريدون فأقنعهم بذلك بالأسلوب الذي يناسبهم، دون الاكتفاء بالمنع دون تعليل.
ماذا تريد يا أبي؟!
15. عوّد ابنك على أن يعرف ما له وما عليه، فالشريعة جاءت بذلك، وحديث معاذ في ذلك صريح وواضح "أتدري ما حق الله على العباد" ولماذا تجعله يعيش في دوامة لا يَدري ما هي حدود مسؤولياته وواجباته، وما هي حقوقه ومكافآته، ثم تعاقبه على أمور غير واضحة لديه، وقد سمعت من بعض الأبناء وهو يشكو والديه، بأنه لا يعرف ماذا يريدان، فيعيش الابن في حيرة وغموض، نتيجتها الفوضى والاضطراب، وكثرة الكلام والخصام.(115/1757)
في أعماق النفس:
16. العناية بالجوانب النفسية هي أهم مفاتيح التربية، فكم من ابن تحطم وانحرف بسبب موقف نفسي لم يحسن الوالدان التعامل معه، وكم من ولد كان سبب بروزه وتفوقه مسألة نفسية أحسن استثمارها من قبل الوالدين والأساتذة والمربين.
ولذا فمن المهم أن يولي الأبوان وأولياء الأمور والمربون هذا الجانب حقه من الرعاية والاهتمام، فنحن نتعامل مع بشر من لحم ودم ونفس وروح، والتركيز على جانب وإهمال الآخر يودي بصاحبه، والقرآن والسنة قد ركزا على هذا الجانب في مواضع عدة، وللرسول _صلى الله عليه وسلم_ مع صحابته أحداث ووقائع فيها العجب العجاب، واقرأ سورة يوسف والنور وارجع إلى أحاديث السلام والاستئذان والنجوى والغزوات وبخاصة حنين، تجد فيه مغانم كثيرة، ولا مانع من الإفادة مما لدى الآخرين في هذا العلم، على ألا يكون هو الأصل والمرجع، بل يرد ذلك إلى كتاب الله وسنة رسوله _صلى الله عليه وسلم_ وهدي سلف الأمة.
أريد ابناً إيجابياً:
17. ركز على الصفات الإيجابية في أبنائك، فإنها ستتعمق وتقوى مع الأيام، وشجعهم على ذلك حتى يكون ابنك أسيراً لتلك الصفات،
وحذار من إبراز صفات السلب، بل عالجها وحاول أن تتجاهلها دون إهمالها حتى تنقرض تلقائياً دون تركيز عليها حتى لا يستمرئها ويتهاون بها.
18. عوّد ابنك على الأخذ والإعطاء منذ الصغر، فتعويده على أن يكون آخذاً لا معطياً يجعله كسولاً غير منتج، ينتظر خدمة الآخرين له دون مقابل. إن تربيته على أن الحياة تقوم على الأخذ والعطاء، ينمي فيه عنصر الإيجابية الفعالة، حتى يصبح عطاؤه أكثر من أخذه، وبهذا يصبح عنصراً ناجحاً في الحياة، نافعاً لنفسه وأسرته ومجتمعه وأمته، وإلا أصبح وبالاً وكلا
ـــــــــــــــــــ
حل المشاكل بلا مشاكل
هاني العبد القادر
30/12/1425
ارسل تعليقك ...
تعليقات سابقة ...
ارسل الصفحة ...
الى مشرف النافذة ...
طباعة ...
ضمن مقالات سابقة عن الأساليب العملية في التعامل مع المراهقين، وذكرنا أن الموضوع يندرج تحته محوران اثنان، هما: بناء الصداقة، وحل المشاكل بلا مشاكل، وبعد أن انتهينا من المحور الأول في عدة مقالات، نشرع اليوم في الحديث عن المحور الثاني، والذي يندرج تحته عدة عناصر أيضاً، هي إجمالاً:
أ – طوّل بالك. ب – اقبل ابنك بعيوبه.
جـ - الخطوات الخمس لحل مشكلة ابنك.(115/1758)
د – أسلوب "أنا" لحل مشكلتك. هـ - اعترف برأيه.
و – الحزم اللطيف. ز – دعه يتوهق.
وتفصيلها كالتالي:
العنصر الأول: طوِّل بالك:
تقصيرنا في وقت طفولة المراهق في جانبين مهمين، وهما: تقوية علاقته بالله وتقوية صداقتنا معه يسهم في حدوث بعض المظاهر المزعجة في مرحلة المراهقة، وبدل ما نستمتع مع أبنائنا نتعب ونتعبهم معنا في صدامات ومشاكل، وتمر علاقتنا معهم في أسوأ مراحلها، وتصبح فعلاً بحاجة إلى طول بال، وهذا ما سنتحدث عنه في العنصر الأول من عناصر حل المشاكل بلا مشاكل،وهو: طول بالك .
كل مراهق ومراهقة بحاجة إلى تفهم والديه ومراعاة هذا الظرف المؤقت الخارج عن إرادته، وأن يقف معه لا ضده، ويراعون هذه الانفعالات التي تتراكم وتتجمع في نفس المراهق كما يتجمع الهواء الحار في القِدْر
من العجيب والغريب أن يصبر الزوج على اضطرابات نفسية زوجته في مدة العذر الشهري وفي مدة الحمل وما بعدها يصبر ويتحمل ولا يخطر في باله أن زوجته تمس كبرياءه أو تتحدى سلطته وقوامته في البيت بهذه التغيرات يرحمها ويعطف عليها ولا تستفزه هذه الأمور، في الوقت نفسه ابنه يمر بتغيرات في كل جسمه ونفسيته، وليست أياماً بل سنوات، يكون فيها المراهق في أمَس الحاجة لنفس التفهم ونفس المودة ونفس الرحمة، فإذا بالأب يفسر تصرفات ابنه على أنها تعدٍّ على مكانته وتحدٍّ لسلطته واستفزاز لكرامته، ويبدأ يستنفر قوته حتى يضعها في مواجهة عنيفة مع ابنه المراهق، هذا الناشئ الذي يلملم أطراف شخصيته، تجد نفسه مع مواجهة مع والده يستخدم فيها كل الأسلحة في صدامه يضع قوته كلها على قطعة من قلبه لماذا؟ لماذا يؤذي الأب ابنه ويؤذي نفسه بنفسه ويضرب قلبه بيده؟ هذا بدل أن يراعي تغيرات ابنه كما يراعي تغيرات زوجته، ويصبر على اضطراباته كما يصبر على اضطرابات زوجته ويغمر الاثنين بالحب والرعاية.
كل مراهق ومراهقة بحاجة إلى تفهم والديه ومراعاة هذا الظرف المؤقت الخارج عن إرادته، وأن يقف معه لا ضده، ويراعون هذه الانفعالات التي تتراكم وتتجمع في نفس المراهق كما يتجمع الهواء الحار في القِدْر، الانفعالات متراكمة في قلب صغير يضيق بها، يحتاج يخرج قليلاً من الهواء الحار، وفي لحظة إخراجه لهذا الهواء الحار يحتاج إلى معرفة كيفية إخراج هذه الانفعالات باللباقة والذوق ومراعاة الآخرين؛ لأنه في عالم ثان تشغله انفعالاته الداخلية عن تصرفاته الخارجية، ولا يخطر في بالك أنه يقصد إيذاء أحب الناس عنده، وهم والداه عندما تسمعه مثلاً يعاند أو يرفع صوته أو يصفق الباب بقوة.
والحقيقة أقول للآباء: أسأل الله أن يعينكم ويجزيكم على صبركم وضبطكم لانفعالاتكم تجاه الظواهر المزعجة _والحمد لله_ أنها ظواهر مؤقتة تنتهي بانتهاء المرحلة، لذلك نقول للأب العصبي: ريح نفسك ولا تدقق كثيراً، واسأل نفسك، هل يتعمّد ابنك أو بنتك إغضابك بقصد الإيذاء؟ نسينا ماذا كنا نعمل مع آبائنا لما كنا في عمرهم؟ رغم حبنا الكبير وتقديرنا العميق لآبائنا، إذن لماذا نتشدد كثيراً ونزعل أنفسنا عندما(115/1759)
نطالبهم بالذي نحن لم نكن نعمله، ثم نوهم أنفسنا أن عيالنا لا يحبوننا كما كانوا أولا أو لا يحترموننا، أُقَدِّر أن تصرفات المراهقين أحياناً تشكل تحدياً كبيراً لقوتنا في ضبط انفعالاتنا، لكن هذا التحدي هو الحد الفاصل بين الأب القوي القادر على ضبط نفسه والتحلي بالرفق والحلم ،وبين الأب الضعيف العاجز عن السيطرة على انفعالاته وأن يملك غضبه فضلاً عن السيطرة على أبنائه وأن يملك قلوبهم، قال رسول الله _صلى الله عليه وسلم_: "ليس الشديد بالصرعة، إنما الشديد من يملك نفسه عند الغضب" متفق عليه.
أبناؤك أولى من تملك غضبك عندهم وترفق بهم وتعفو عنهم استمع معي لهذا الحديث الوارد في صحيح الجامع الصغير، قال رسول الله _صلى الله عليه وسلم_: "اعفوا عنهم" يقصد عن الخادم في كل يوم 70 مرة، يا الله! وهذا خادم، عيالك بالرفق أولى وبالعفو أحق وهم لن يعملوا أكثر مما عمل أبناء يعقوب _عليه السلام_ يأتيه أبناؤه وقد نفذوا جريمتهم، واستمع لرده عليهم، وهو يعرف أنهم ارتكبوا جريمة في يوسف _عليه السلام_، "قَالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنْفُسُكُمْ أَمْراً" (يوسف: من الآية18) وارتكبوا جريمتهم مع مَن؟ مع الذي جمع علامات النبوة، وأوتي شطر الجمال، حتى إذا حسن باطنه وحسن ظاهره فجع يعقوب على ابنه، ومن الذي يفجعه؟ أبناؤه، هل هناك أشنع من هذا؟ ورغم هذا ما عاتبهم بكلمة ولا سألهم ولا حقق معهم ولا قاطعهم إنما توجه إلى اللطيف الخبير، وقال: "فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ" (يوسف: من الآية18) أفلا تصبرون أنتم على أقل من هذا بكثير.
أنا واثق أنكم تستطيعون أن تصبروا على الأخطاء المؤقتة التي تنتهي بانتهاء المراهقة، بل تستطيعون الصبر على أكثر من أخطاء مؤقتة حتى العيوب الدائمة تستطيعون أن تتقبلوا أبناءكم رغم هذه العيوب، وهذا هو العنصر الثاني من عناصر حل المشاكل، وهو: اقبل ابنك بعيوبه.
العنصر الثاني: اقبل ابنك بعيوبه:
يجب أن نكون واقعيين في الإصلاح مع استخدام الحكمة ونترك الأحلام المثالية، ابنك بشر مملوء عيوباً حاله حال غيره، والشاعر يقول:
ومن ذا الذي تُرضى سجاياه كلها ... ...
كفى المرء نبلاً أن تعد معايبه
ما معنى أننا غضينا الطرف عن عيوب الأزواج والزوجات والأقارب والأصدقاء، وأشعرنا كل هؤلاء الناس بقبولنا لهم رغم عيوبهم، وأتينا لأولادنا وقعدنا لهم، ربما تقول هؤلاء لا أقدر أن أغير فيهم شيئاً، لكن ولدي وبنتي لي سلطة عليهم ،نقول: طيب دعك من الآخرين انظر إلى عيوبك أنت شخصياً وأنت أمير نفسك، وتستطيع تغييرها، ورغم ذلك فيك عيوب من رأسك إلى أخمص قدميك، وتعرفها جيدا، وقبلت نفسك رغم عيوبك، كما تنظر لنفسك انظر لأولادك، يا أخي ابنك ليس مثالياً وابنتك كذلك، ولن يكونوا أحسن الناس أخرجها من بالك.
ولذلك تأكد فقط أنك وصلت لهم المعنى العظيم، أنا أقبلك يا ولدي رغم عيوبك، أنا أقبلك يا ابنتي رغم عيوبِك.(115/1760)
قبولك لابنك بعيوبه والصبر على أخطاء المراهقة يقوي علاقتك معه بشكل يساعدك على التخفيف التدريجي من هذه العيوب، إضافة إلى أنه سوف يشعر بالأمان أكثر ويصارحنا بهمومه ومشاكله الخاصة، عندها سنساعده أنه يحل مشكلته بنفسه، وهذا هو موضوع العنصر الثالث من عناصر حل المشاكل، وهو: الخطوات الخمس لحل مشكلة ابنك، سنتناولها –إن شاء الله- في مقال قادم.
ـــــــــــــــــــ
أب يتعاون مع ابنه على الطاعة!
هاني العبدالقادر
23/12/1425
ارسل تعليقك ...
لا توجد تعليقات ...
ارسل الصفحة ...
الى مشرف النافذة ...
طباعة ...
في هذا المقال سنختتم تلك العناصر التي بدأناها فيما سبق، والتي كانت ضمن محور مهم من محاور تربية المراهقين، وهو: (بناء الصداقة)، وتذكيراً لكم بهذه العناصر نجملها كالتالي:
أ – اكتشف الإيجابيات الصغيرة. ب – عبّر له عن حبك.
جـ - تحدث كصديق. د – شاركه المتعة.
هـ - شاركه العبادة.
ونحن اليوم مع العنصر الأخير:
العنصر الخامس: شاركه العبادة:
المراهقون والمراهقات مهيؤون تماماً للتدين والاستقامة على الدين بطبيعتهم كمراهقين يقول معروف زريق في كتابه (خفايا المراهقة): "يحقق الدين بالنسبة للمراهق ارتياحاً نفسياً واطمئناناً داخلياً بعد أزمات عنيفة مرت به وأحدثت هزات في كيانه، فهو ملاذ أمين يلجأ إليه المراهق كلما عصفت به مشكلة"ا.هـ، سبحان الله كما أن الله فجر الناحية الجنسية لدى المراهقين فإنه برحمته وحكمته _سبحانه وتعالى_ قابلها بتفجر الناحية الروحية والتعلق بالله، وأما الفئة غير المتدينة من المراهقين فإنك تجد حتماً صارفاً صرفهم عن طبيعتهم، إما أصدقاء سوء أو أجهزة فساد تحارب التقوى في قلوبهم، والأصل أن الفرصة مهيأة لك تماماً أيها الأب وأيتها الأم لاستخدام صمام الأمان الحقيقي لابنك في الدنيا والآخرة، وهو: علاقته بالله، فقط تجنب التوجيه المباشر بقدر الإمكان لكون المراهقين حساسين وينزعجون من الأسلوب الإملائي المباشر، وقد يثير عنادهم، لذلك استخدم التوجيه غير المباشر بقدر الإمكان حتى إذا شعرت أنك نجحت في ربط ابنك بالله ووفقك الله للإخلاص، وشعر ابنك أن نصائحك فعلاً إرضاءً لله، وليس لتحكم فيه وفرض السلطة عليه باسم الدين، عندها تفيد النصائح المباشرة ويتقبلها، وخصوصاً إذا كانت موجزة ومختصرة، تركز فيها على الأمور الهامة والأساسية،وتتجنب غيرها.(115/1761)
يحقق الدين بالنسبة للمراهق ارتياحاً نفسياً واطمئناناً داخلياً بعد أزمات عنيفة مرت به وأحدثت هزات في كيانه، فهو ملاذ أمين يلجأ إليه المراهق كلما عصفت به مشكلة
هذا لقمان عندما ربط ابنه بالله أهدى نصائحه العظيمة، وجعل نصائحه موجزة مختصرة، وركز فيها على الأمور الهامة والأساسية وتجنب غيرها، ورغم الإيجاز والاختصار والاكتفاء بالقضايا الكبرى لم ينس حاجة ابنه للحب والتلطف فمهد لنصائحه بكلمة الرفق الأبوية "يا بني" ثم لاحظ الوصية التي بعدها "لا تشرك بالله إن الشرك لظلم عظيم"، وفيها إشارة للآباء والأمهات بتعليم أبنائهم العقيدة الصافية وتحصينهم ضد الشرك المتشرك فيه كثير من بلاد الإسلام.
ولا شك أن للتربية الدينية منذ سنوات الطفولة المبكرة وربط كل شيء بالله وتنمية مراقبته في نفس الطفل، لا شك أنها أكبر معين للوالدين عندما يصبح مراهقاً، ومن الاشتراك في العبادة الاشتراك في تلاوة القرآن الكريم وحفظه وفي قيام الليل _إن أمكن_ اجعل البيت بما فيه من مراهقين يشتركون في التصدق بشيء من أموالهم لمشروع خيري بسيط، كحفر بئر مثلاً أو غيرها من مشاريع الخير، وهناك التبرع الشهري للأسرة كل شهر يشترك الأولاد والبنات والوالدين في التبرع بشيء قَلَّ استخدامه في المنزل؛ شهر بالملابس والأحذية يشتركون في جمعها وغسلها وترتيبها، الشهر الذي بعده بالكتب والمجلات غير المستخدمة، الذي بعده بالأشرطة الإسلامية التي تم سماعها، وشهر بالأواني وأدوات المطبخ التي يرى تجديدها، وآخر بألعاب الأطفال، والذي بعده بالأجهزة الكهربائية وهكذا، إضافةً للناحية التربوية سيحبون الصدقة أكثر من حبهم لممتلكاتهم في المستقبل _بإذن الله_.
ومن أجمل صور الاشتراك في العبادة وأعمقها تأثير الاشتراك مع الأبناء في صيام الاثنين والخميس تلاحظون اجتماع الأسرة حول مائدة الإفطار برمضان ولحظة سماع أذان المغرب ما أجملها مشاعر! وما أحلاه من اجتماع! لا تحرموا أنفسكم وأبناءكم منها كل اثنين وخميس أو على الأقل أيام البيض اشترك مع ابنك بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وأنتِ كذلك أيتها الأم اشتركي مع ابنتك في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، سواءً للأب أو للأبناء في أمر الصلاة وعند الغيبة أثناء الكلام، في أمر التلفزيون، في الاستخدامات الخاطئة للإنترنت، في الإصلاح بين الإخوان أو حتى بين الوالدين، اشتركي معها في الأمر والنهي في مجالس النساء وفي المدرسة وفي السوق، علميها حديث رسول الله _صلى الله عليه وسلم_ "من أرضى الله بسخط الناس رضي الله عليه وأرضى عنه الناس" فتتعلم أن رضا الله عنها قبل رضا الناس، وأن الحياء من الله أشد على قلبها من الحياء من العاصيات، وأن الدين يحول ضعفها قوة، والمؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف، علميها حديث رسول الله _صلى الله عليه وسلم_ "لتأمرنّ بالمعروف ولتنهون عن المنكر أو ليسلطن الله عليكم عذاباً ثم لَتَدْعُنَّ ولا يستجاب لكم" من خيانة الأمانة ألا نعلم أبناءنا وبناتنا الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بعد ما سمعنا هذا الحديث "لتأمرن بالمعروف ولتنهون عن المنكر أو ليسلطن الله عليكم عذاباً ثم لتدعن ولا يستجاب لكم"..(115/1762)
لا تقولي: ابنتي صغيرة، قال _تعالى_ معلماً الآباء جميعاً في وصايا لقمان لابنه: "يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ" (لقمان:17) شجعي زوجك أن يتوقف لتارك الصلاة في الطريق والمجاهرين بالمعاصي يأمرهم وينهاهم، شجعي أبناءك ينهون المغتابين في المجالس والمدارس، دعي أبناءك من صغرهم إذا دخلوا بقالة ينهون من فيها عن بيع الدخان والمجلات الفاسدة، دخلوا مطعماً يأمرون من فيه باستخدام الدجاج المذبوح في البلد الإسلامي، وهكذا نُدخل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في كل نواحي حياتهم، فيتعلم المراهق مجاهدة هوى النفس ومجاهدة هوى الناس، ويكتسب الشجاعة والإقدام والثقة والحكمة بالدعوة والصبر على الأذى المرتبط بهذه العبادة العظيمة، لاحظي قول لقمان لابنه: "يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ" (لقمان: من الآية17).
ويتعلم أيضاً أن ينتصر للحق ويعلي كلمة الله فتكونون بذرتم في نفس المراهق بذرة الجهاد في سبيل الله، وهذا ما يغفل عنه بعض الآباء والأمهات، وهو: إعداد أبنائهم للجهاد في سبيل الله، وقد نسوا حديث رسول الله _صلى الله عليه وسلم_ "اجتنبوا السبع الموبقات... وقال منها: التولي يوم الزحف" أتحبين أيتها الأم حينما يرفع علم الجهاد ويفرح به العباد ويخلى بيننا وبين إخوان القردة والخنازير أن يكون ابنك من بين كل المجاهدين هو المتولي يوم الزحف؟ الهارب من الله، الفار من الجنة، أتحبين يوم يناديه الحجر والشجر يا مسلم يا عبدا لله هذا يهودي خلفي فتعال واقتله وهو يفر ويهرب؟ أتحبين أن يحمل في رقبته إحدى السبع الموبقات المهلكات؟ ويحمل في قلبه نفاق المنافقين، ويحمل في وجهه ذل الجبناء الهاربين! ويحملك أمام الله خيانة الأمانة في تربيته وإعداده! لا والله ما تحبين، بل تحبين أن تبرأ ذمتك أمام من خلقك، وتحبين أن تتشرفين بجهاده، واعلمي أنكِ تنتظرين لتهيئي ابنك للزواج، ولا تنتظري لكي تهيئيه للزواج من الحور العين.
وإن كنت تحذرين عليه من مصاحبة أصدقاء السوء، فاحرصي على مصاحبته النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقاً، وإن كنتِ تحذرين عليه من الجرائم والسجون فأخرجيه من السجن الذي هو فيه، قال رسول الله _صلى الله عليه وسلم_: "الدنيا سجن المؤمن" وإن كنتِ تريدين أن يكون من أهل التجارة والبيع والشراء فعلميه صفقة العمر، قال _تعالى_: "وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتاً بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ" (آل عمران:169)، وإن كنت تخافين على نفسك من النار فهيئيه للجهاد، فإن الشهيد يشفع في 70 من أهله، وأنت أولى الناس بشفاعته بالآخرة كما كنت أولى الناس بحسن صحابته في الدنيا.
لا تقولي: ولدي صغير، قد علمنا أهل الجهاد من واقع التجربة أنه العمر الذهبي لهذه الفريضة العظيمة، حيث ينجذب الشاب بفطرته السليمة إلى ساحات الجهاد.
يقول د.عبد العزيز النغيمشي في كتابه (المراهقون) ص40:" يتوق المراهق إلى العمل التطوعي والتعاون والجهد الجماعي وتجتذبه ساحات الجهاد وتستهويه وتأخذ بشغاف قلبه لما فيها من القوة والبطولة والتضحية، ولما يترتب على الجهاد من نصرة الحق والحرية والعدالة، ورفع الظلم وما فيه من الحركة والمغامرة..." ا.هـ.(115/1763)
ذكريه دائماً بالجهاد، وأنه ميدان الرجولة واحتقارك للجبناء والمنافقين، وأنه لا يشرفك حين يصير ولدك جباناً مثلهم أو منافقاً، اجعليه يربط حبه لكم ورغبته في بره بالجهاد إذا كنت تحبنا وتريد أن تبرنا جاهد لتشفع لنا، وأي بر أعظم من أن يكون ابنك سبباً في دخولكم الجنة، دعي أباه يتكلم معه عن آيات الجهاد وأحاديث الجهاد الكثيرة جداً وبطولات المجاهدين في القديم والحديث وفضل الشهيد، وعن الجنة وزوجاته من الحور العين وجمالهن وصفاتهن، ودائماً رددوا معه أناشيد الجهاد.. أسأل الله _تعالى_ أن يرزقنا عيشة السعداء وميتة الشهداء ومرافقة الأنبياء، وأن يجمعنا ووالدينا وذرياتنا والمؤمنين في جنات ونهر في مقعد صدق عند مليك مقتدر آمين.
ـــــــــــــــــــ
شذرات تربوية
أ.د. ناصر بن سليمان العمر
9/12/1425
ارسل تعليقك ...
لا توجد تعليقات ...
ارسل الصفحة ...
الى مشرف النافذة ...
طباعة ...
1. الرقابة الذاتية:
من المهم ألا يعمل ابنك شيئاً تكرهه وأنت تراه، ولكن الأهم منه ألا يعمل ذلك الشيء حين لا تراه.
2. واصبر:
أمرنا عجيب فإن لدينا قدرة على تقبل أخطاء الآخرين بما لا نقدر عليه مع أبنائنا، فلو أن زميلك أو جارك أو ضيفك أسقط الكأس على رأسك لبادرته بعبارات المجاملة والتهدئة، وهذا خلق حسن، والويل كل الويل لو فعل ذلك أحد أبنائك، حتى لو كان أول مرة: [يا أرفل – ما تشوف – ... إلخ] ودون قصد أو تفريط.
3. إنه فوق ما تظن:
• من السهل جداً إلقاء اللوم على الآخرين، وتحميلهم كثير من المشكلات وما تواجهه من عقبات، وكم رددت علانية أو في نفسك عبارات الإحباط والألم، فمرة تقول: أولادي لا يسمعون لي، وأخرى لا يتجاوبون فيما أريد منهم، وهلمّ جرّا، ولكن لو أنصفت لرأيت أنهم يستجيبون لك كثيراً، وقد يقصرون أحياناً، والعبرة بالأكثر، ثم لنكن صرحاء مع أنفسنا، فكم مرة أردت من نفسك أشياء ولم تتجاوب معك، وكم عزمت على أمر ولم تنفذه، وكم بدأت في عمل ولم تكمله، إذا كان هذا مع نفسك التي تملك زمامها، فلماذا تلقي باللوم على الآخرين؟ ولو كانت زوجتك وأبناءك، فكن منصفاً وعادلاً وواقعياً، وركز على الإيجابيات فسترى ما يسعدك.
من المهم ألا يعمل ابنك شيئاً تكرهه وأنت تراه ولكن الأهم منه ألا يعمل ذلك الشيء حين لا تراه(115/1764)
• لماذا تكون سعادة الآخرين سبباً لشقائنا؟ فإذا رأينا أبناء أقاربنا يبرون بآبائهم، حينها جام غضبنا على أبنائنا، واتهمناهم بالتقصير والجحود، وإذا رأينا أبناء الجيران يتسمون بالأدب وحسن الخلق تفننّا في تحطيم أبنائنا والسخرية بهم، ولو سيطرنا على مشاعرنا لجعلنا من هؤلاء وهؤلاء قدوة وأسوة ورفقة وزملاء لأبنائنا، ولطلبنا من أبنائنا استضافتهم وصحبتهم وتبادل الهدايا معهم، ثم ما يدريك فلعل لهؤلاء وجهاً آخر لم تره، وإنما بان لك جانب فحفظت شيئاً وغابت عنك أشياء، فلا تعلم ما يجري خلف الجدران، وقد يكون لدى أبنائك من الجوانب الإيجابية ما يفوق ما لدى هؤلاء، ولعل آباءهم يقرعونهم ويقولون لهم: لماذا لا تكونون مثل أبناء فلان؟ والكمال عزيز، والسعي إليه صفة الرجال الأسوياء، ولكن لا يكن حرصك الشديد على حفظ الجرّة سبباً لتحطيمها، وقد تصاب بشظية منها تريق منك الدم، فتندم ولات ساعة مندم.
4. كما أنهم يختلفون:
• تأمل في وجوه أبنائك، وفي شكل أجسامهم ألا ترى أنهم يختلفون عنك في بعض الصفات الخَلْقية، هذا أمر مسلم به، إذن لماذا لا يتسع صدرك لبعض الاختلافات في المواهب والرغبات، وتصر على أن يكونوا نسخة منك؟ فكن عملياً وواقعياً، وهذا لا يعارض علوّ الهمة وطلب الكمال، والسعي الجاد للتخلص من الصفات السلبية، ثم ألا ترى معي أن بعض صفاتك التي أنت معجب بها تحتاج إلى إعادة نظر، أو قد يكون ما لدى ابنك أكمل منها، أو قد لا تناسب أحداً سواك.
• العقل ينمو كما ينمو الجسم، فلا تطلب من ابنك فوق ما يعقل، ولا تلمه على عدم إدراكه لأمور تحدثه بها فوق مستواه، فأنت الملوم، فأنت لم تصل إلى ما وصلت إليه إلا بعد حين، والعقل لا يكمل إلا بعد بلوغ الأربعين – غالباً – ولذلك قال الله عن موسى: "وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَاسْتَوَى" (القصص: من الآية14). وقال: "حَتَّى إِذَا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً" (الأحقاف: من الآية15) وبعث محمد _صلى الله عليه وسلم_ بعد الأربعين، ولا يعني هذا نقص العقل قبل ذلك، ولكنني أتحدث عن التمام، وفرق بينهما، وهذا في الأعم الأغلب لا على الاطراد، وعقول الأنبياء أكمل العقول وأزكاها، والمهم أن تتعامل مع ابنك مراعياً مستواه العقلي، دون إفراط أو تفريط، فكلا طرفي قصد الأمور ذميم.
5. زمان غير زمانك:
كثير منا يريد أن يربي أبناءه على ما رباه عليه أبواه، وهذا هدف نبيل وغاية سامية، لكن ألا ترى معي أن جيل أبويك غير جيلك، وجيلك غير جيل أبنائك، واختلاف الزمان والمكان عامل مؤثر في التربية، وما كان أسلوباً ناجحاً بالأمس قد يؤدي إلى الفشل اليوم، فشباب الأمس غير شباب اليوم، ورفقة اليوم غير رفقة الأمس، وهلم جرّا.
6. هل لك أعوان في التربية؟
• اختر المدرسة المناسبة لابنك، وكن على صلة بالإدارة والمدرسين، وتعرف على زملاء ابنك في الفصل، وتابعه في دراسته، فإن وجدت المدرسة إدارة ومنهجاً وأساتذة وطلاباً على خير ما يرام فاحمد الله، وإلا فبادر في البحث عن الجو المدرسي(115/1765)
التربوي الذي ترضاه لابنك، نظراً لما للمدرسة من أثر عميق في صياغة شخصية ابنك وتحديد مستقبله.
• لا يمكن أن يعيش أبناؤك بدون زملاء وأصدقاء، ولكل سن ما يناسبها، ومن هنا فعليك أن تبادر باختيار رفقة لأبنائك قبل أن يختاروا هم من ليس أهلاً لذلك، أو يختارهم من لا ترضى سلوكهم وأخلاقهم، وقد يكون من المناسب أن تتفق مع ابنك على رفقة تناسبه، بحيث يختارهم تحت إشرافك.
7. قرار صارم!!
قد يجد الأب أنه في وضع يحتاج إلى حلول جذرية وقرارات قوية، كأن يكون في بلد أو حارة يكثر فيها السفهاء، ويصعب عليه أن يمنع اختلاط أبنائه بهم، وبخاصة من يكثر غيابه عن البيت، فقد يجد أنه لا مناص له من الانتقال من الحارة أو البلدة إلى مكان يناسبه ويناسب أبناءه، وهو حلّ عملي، بل وشرعي والصعوبة في اتخاذ القرار، ولو فعل لوجد أن الأمر أسهل مما كان يتصور.
فكن قليل الكلام، كثير الفعل، حازماً دون قسوة، حليماً دون ضعف، جاداً دون جفاء.
8. فارغ؟!
الفراغ داء قاتل، وهو مفرخة لكثير من الأدواء، وسبب معظم المشكلات، فاشغل أولادك يكفونك شرّهم، أشغلهم بالمفيد، أو بالمباح، وقد تضطر إلى المكروه، ولكن لا يكن ذلك أصلاً، بل استثناء، فالإكثار من المباح يوقع في الحرام، فكيف بالمكروه، وإياك والغفلة والتشاغل.
ـــــــــــــــــــ
العشر من ذي الحجة.. مدرسة إيمانية
خالد السيد رُوشه
5/12/1425
ارسل تعليقك ...
تعليقات سابقة ...
ارسل الصفحة ...
الى مشرف النافذة ...
طباعة ...
تحتاج النفس البشرية المؤمنة إلى استثارات إيقاظية قوية كلما لفها الكسل عن الطاعة وأقعدها الميل إلى المتاع.
وفي غمرة الزحام الدنيوي المتكاثر من الملهيات والمغفلات والمكتسبات المادية المحضة تتطلع نفس المؤمن إلى حالة إيمانية ترفعها عن الأرض وترفرف بها إلى عنان الأفق الرباني الرحب.
وتمر على النفس أوقات وأيام تكون فيها أقرب ما تكون إلى العودة إلى الله وبناء عهد جديد معه _سبحانه_، وتعد هذه العشر من ذي الحجة أنسب ما يكون لتلك الأوبة وخلاص التوبة.
والمنهج الإسلامي التربوي جعل من استغلال تلك الأيام وسيلة ناجعة لتربية إيمانية موجهة، ودفعة قلبية روحانية صالحة، تغسل فيها القلوب العاصية من درنها، وتؤوب(115/1766)
فيها النفوس المقصرة إلى بارئها، وتأوي الروح فيها إلى حياة شفافة نقية لا تلوي على شيء غير الطاعة والإيمان.
جماع الخير:
لقد جمعت تلك الأيام العشر الخير من أطرافه، فهي خير الأيام وأعلاها مقاما.
وفي غمرة الزحام الدنيوي المتكاثر من الملهيات والمغفلات والمكتسبات المادية المحضة تتطلع نفس المؤمن إلى حالة إيمانية ترفعها عن الأرض وترفرف بها إلى عنان الأفق الرباني الرحب
- أقسم بها الله _سبحانه_ في كتابه بقوله _تعالى_: "وليال عشر" إذ يقول جمهور المفسرين: إن مقصودها عشر ذي الحجة.
ورفع النبي _صلى الله عليه وسلم_ شأن العمل الصالح فيها أيما رفعة حين قال: " ما من أيام العمل الصالح فيها أحب إلى الله من هذه الأيام يعني أيام العشر " أخرجه البخاري عن ابن عباس _رضي الله عنه_.
وقال أيضاً _صلى الله عليه وسلم_: "ما من عمل أزكى عند الله _عز وجل_ ولا أعظم أجراً من خير يعمله في عشر الأضحى" رواه الدارمي عن ابن عباس وحسنه الألباني.
وأمر فيها _صلى الله عليه وسلم_ بكثرة الذكر، إذ يقول _صلى الله عليه وسلم_: "ما من أيام أعظم عند الله ولا أحب إليه العمل فيهن من هذه الأيام العشر فأكثروا فيهن من التهليل والتكبير و التحميد". أخرجه أحمد عن ابن عمر.
وقد كان النبي _صلى الله عليه وسلم_ يصوم تسع ذي الحجة فقد أخرج النسائي وأبو داود وصححه الألباني عن بعض أزواج النبي _صلى الله عليه وسلم_ أنها قالت: كان النبي _صلى الله عليه وسلم_ يصوم تسع ذي الحجة ويوم عاشوراء وثلاثة أيام من كل شهر. أول اثنين من الشهر وخميسين"، قال الإمام النووي عن صوم أيام العشر: "إنه مستحب استحباباً شديداً"
وأمر بصيام يوم عرفة فقد روى مسلم عن أبي قتادة أن النبي _صلى الله عليه وسلم_ سئل عن صوم يوم عرفة، فقال: "يكفر السنة الماضية والباقية "وروى الطبراني عن ابن عمر أنه قال: " كنا ونحن مع رسول الله _صلى الله عليه وسلم_ نعدله بسنتين " وصححه الألباني.
يقول الإمام ابن حجر في فتح الباري: والذي يظهر أن السبب في امتياز عشر ذي الحجة لمكان اجتماع أمهات العبادة فيه، وهي الصلاة والصيام والصدقة والحج، ولا يتأتى ذلك في غيره.
وكان التابعي الجليل سعيد بن جبير " إذا دخلت العشر اجتهد اجتهاداً حتى ما يكاد يقدر عليه"، وروي عنه أنه قال: "لا تطفئوا سرجكم ليالي العشر" يريد قراءة القرآن وصلاة الليل.
وقال بن رجب الحنبلي: "لما كان الله _سبحانه_ قد وضع في نفوس عباده المؤمنين حنيناً إلى مشاهدة بيته الحرام وليس كل أحد قادراً على مشاهدته كل عام فرض على المستطيع الحج مرة واحدة في عمره، وجعل موسم العشر مشتركاً بين السائرين والقاعدين".(115/1767)
وسئل شيخ الإسلام ابن تيمية عن عشر ذي الحجة والعشر الأواخر من رمضان أيهما أفضل؟
فأجاب: "أيام عشر ذي الحجة أفضل من أيام العشر من رمضان، والليالي العشر الأواخر من رمضان أفضل من ليالي عشر ذي الحجة".
وقال ابن القيم مقارناً بين فضل تلك الأيام: "خير الأيام عند الله يوم النحر، وهو يوم الحج الأكبر" كما في سنن أبي داود عنه _صلى الله عليه وسلم_ قال: "إن أعظم الأيام عند الله يوم النحر، ثم يوم القر". ويوم القر هو يوم الاستقرار في منى، وهو اليوم الحادي عشر. وقيل: يوم عرفة أفضل منه؛ لأن صيامه يكفر سنتين، وما من يوم يعتق الله فيه الرقاب أكثر منه في يوم عرفة، ولأنه _سبحانه وتعالى_ يدنو فيه من عباده، ثم تباهي ملائكته بأهل الموقف "
لقد جمعت هذه العشر حقاً الخير من أطرافه، فصارت بحق جماعاً للخير، فما من عمل صالح إلا ويستحب فيها ، وما من أيام هذا العمل الصالح فيها خير منها.. فهي خير محض للنفس الطاهرة النقية، وهي دورة روحية إيمانية تتبوأ من العام مكان الصدارة من حيث خيرية الأيام.
بين الحج والثج:
أما من وفقه الله لحج بيته فقد وفقه إلى خير ما يحب، وقد اختاره ليغسله من ذنوبه ويرجعه – إن أخلص نيته وأحسن حجه – كيوم ولدته أمه، ويسر له أن يفتح سجلاً جديداً أبيض يبتدئ فيه عهداً إيمانياً جديداً.
فثياب الإحرام تخرجه من حيز رؤية المتاع وتضعه في حيز رؤية الكفن، فلا زينة خداعة، ولا شهوة مغفلة، ولا صراعاً أحمق على الدنيا الزائلة، فالكل في ثوب الإحرام سواء تماماً كما هم في الثوب الأخير، والكل خائفون من الذنب راجون الرحمة التي وسعت كل شيء.
وليعلن المؤمنون يوم الحج إعلاناً عالمياً – في وقت تنزف فيه الأمة وتسيل دماؤها – أن شعوب المسلمين في كل أنحاء الأرض هم على قلب واحد، ومنهج واحد، وهدف واحد.. يعبدون رباً واحداً، يرجون رحمته ويخافون عذابه، فليخسأ عندئذ الشيطان وأولياؤه، وليعتز كل مسلم بدينه، ذاك الدين الذي يعلوا؛ إذ إن الله مولاه وأعداؤه لا مولى لهم..!!
وفي ذات الوقت الذي يثج فيه الحجيج دماء هديهم..وينهر المضحون دماء أضاحيهم يوم النحر وتعلوا في الآفاق أصوات التكبير.. يقدم الشهداء الصالحون في كل ربوع الأرض دماءهم ونفوسهم طيبة رخيصة لوجه الله ربهم، فتبتسم شفاههم عند آخر أثر للروح، ويستقبلون الآخرة يثج منهم الدم.. اللون لون الدم.. والريح ريح المسك..
كيف يستغل المربون أيام العشر؟
تعد أيام العشر من ذي الحجة فرصة تربوية يستطيع كل مرب أن يستغلها في التوجيه إلى معالي الفضائل والأخلاق، كما يستطيع أن يجعلها منطلقاً صحيحاً لتجديد نفسي سنوي لمتربيه ومتعلميه على مستوى الإيمان والتوبة والعمل الصالح، ونحن نقترح أن يكون ذلك من خلال بعض المحاور الأساسية:
أولا: صناعة البيئة الإيمانية:(115/1768)
فالمنهج الإسلامي يساعد المربي في تلك الأيام على تهيئة البيئة الإيمانية وصناعة الجو الإيماني العام المؤثر على الأفراد المراد توجيههم.
فالصيام والتكبير والذكر وعدم الأخذ من الشعر أو الأظفار- للمضحين - وارتفاع أصوات التلبية من الحجيج في شتى الأماكن تنقلها الإذاعات ووسائل الإعلام وشراء الأضاحي والاستعداد ليوم النحر، كل ذلك يساعد المربي على إكمال الجو الإيماني المطلوب.
ودور المربي هنا هو استغلال ذلك بأعمال دعوية تكون ذلك الجو الإيماني الصالح، فيدعو متربيه إلى لزوم المساجد لأوقات قد تطول بعض الشيء وينتظرون من خلالها الصلاة بعد الصلاة، ويتلون من خلالها القرآن، ويتحينون الفرصة عند الإفطار في كل يوم للدعاء الصالح والمناجاة..
كما يمكن المشاركة في بعض الأعمال الجماعية التي تنشئ روح التضحية والبذل كالاجتماع على صناعة طعام للصائمين، ودعوة الفقراء لذلك الطعام الذي قد أعدوه بأنفسهم وتعبوا في إعداده وتعاونوا على الإنفاق عليه من أموالهم الخاصة.
كما يمكنه أن يجتمع بهم فيتلوا عليهم آيات وأحاديث تأمر بالصدقة والبذل والعطاء وسير الصالحين في التصدق في سبيل الله ثم يأمرهم بالخروج للتصدق ( كل على حدة ) ويذكرهم باستحضار النية الصالحة وإخفاء الصدقة.
كما يمكنه أن يذكرهم بحديث أبي بكر الصحيح يوم أن قام بأربعة أعمال صالحات،هي: الصيام واتباع الجنائز وعيادة المريض والتصدق بصدقة، وبأن النبي _صلى الله عليه وسلم_ قد قال عنه لما عرف ذلك منه: " ما اجتمعن في رجل في يوم إلا غفر الله له "، فيتشبهون بفعل أبي بكر في جمع تلك الأعمال الصالحات الأربع في يوم... وغير ذلك
ثانياً: الدعوة إلى تغيير النفس والخلق والعادات من السلب إلى الإيجاب:
تناسب هذه الأيام أن يجدد المربى دعوته لمتربيه أن يقوموا بعملية تغيرية لأنفسهم وأخلاقهم السيئة أو السلبية وعاداتهم المرفوضة إلى نفوس نقية للخلق جميعاً، وأخلاق تتشبه بأخلاق نبيهم _صلى الله عليه وسلم_، وعادات إيمانية طيبة، خالعين أخلاق وعادات الجاهلية والنفعية وما يتعلق بحب النفس والرغبة في العلو على الآخرين.
وينبغي أن يوجه المربي توجيهه نحو ذم خلق الكبر والعجب مذكرا إياهم كيف أمر الشرع أن يستوي الناس في الحج في ثيابهم وسلوكهم وكلامهم وأهدافهم، وأن يتركوا الدنيا والعلو فيها.
وكيف يستوون في الرغبة فيما عند الله يوم عرفة فلا فضل لأحد على أحد إلا بالتقوى والعمل الصالح، كما يوجههم نحو السيطرة على النفس وعلى شهواتها ورغباتها وترك الترفه والتنعم ما استطاعوا إلى ذلك والاخشوشان عملاً بحديث النبي _صلى الله عليه وسلم_ " البذاذة من الإيمان " وتشبهاً بالمحرمين الذين لا يجوز لهم الترفه بحال ولا التنعم بشيء من المتاع الممنوع منه المحرم، بل ضبط للنفس ورباطة للجأش وبعد عن شهوات الفرج والجنوح نحو المعاصي " فلا رفث ولا فسوق ولا جدال".(115/1769)
ثالثاً: التوجيه نحو التعاون والاعتصام ووحدة الكلمة:
ففي العشر من ذي الحجة تبين معاني الاعتصام بحبل الله _تعالى_ وعدم التفرق، فالمسلمون جميعهم كل عام يرغبون في حج بيت الله _تعالى_، والحجيج يمثلون أعظم الصور الواقعية من التعاون والاعتصام بذات المنهج وذات الهدف في مشارق الأرض ومغاربها، والذين لم يقدر الله لهم الحج لهذا العام فهو يشارك الحجيج مشاعرهم القلبية وترفرف روحه من حولهم داعيا ربه أن يلحقه بهم في قابل.
والمربي ههنا يدعو متربيه لنبذ الخلاف والتفرق والسعي للوحدة وعدم استحقار العمل الصالح من أحد أياً كان، ورؤية العاملين لله جميعهم على ثغور مستهدفة، فيدعو لهم ، ويرجو لهم النصرة، ولا يخذلهم ولا يسلمهم، بل يدعو لهم وينصرهم بما استطاع، ويناصحهم فيما رآه خطأ منهم ويوجههم بالحسنى فيما خفي عنهم.
إنها أيام صالحات مباركات ينتظرها المؤمنون الصالحون ليخلعوا ربقة الارتباط بالدنيا عنهم ويتحرروا من قيد الشهوة وقيد الأماني البالية، ويسطروا سجلاً من نور، فلا مادية تكسر حاجز الشفافية ولا معصية تدنس الطاعة بل ذكر وخشوع وتوبة وبكاء، فيرون الكون كله حبور وشفافية، ويمتزج النور بالسعادة، والأمل بمعنى الصدق، وتصبح الجنة هي المطلب والإخلاص هو المرتجي، وحسن الظن بالله هو كهف الأمنيات
ـــــــــــــــــــ
شارك أبناءك متعتهم
هاني العبدالقادر
1/12/1425
ارسل تعليقك ...
لا توجد تعليقات ...
ارسل الصفحة ...
الى مشرف النافذة ...
طباعة ...
في مقالات سابقة تحدثنا عن محور مهم من محاور التربية ، لا سيما مع المراهقين وهو بناء الصداقة، وأدرجنا ضمن هذا المحور "خمس عناصر" لكي يتحقق هذا المحور على الوجه المطلوب، وهذه العناصر هي:
أ – اكتشف الإيجابيات الصغيرة. ب – عبّر له عن حبك.
جـ - تحدث كصديق. د – شاركه المتعة.
هـ - شاركه العبادة.
ولما كنا قد انتهينا من العناصر الثلاثة الأولى فإننا اليوم نتحدث عن العنصر الرابع.
العنصر الرابع: شاركه المتعة:
(13)سنة عمر محمد حينما عرض عليه أبوه أن يشركه في هوايته المفضلة وهي رياضة الغوص، وفعلاً تدربوا عليها وعلى الاستعداد لرحلاتها والتعاون مع معداتها من بدلة غوص وأسطوانة أوكسجين وبقية التجهيزات، وكيف يتصرفون في المواقف الطارئة، صار محمد ووالده يشكلون ثنائياً مميزاً في فريق الغوص يستمتعون معاً في(115/1770)
مخلوقات الله، ويستمتعون بقربهم من بعض حتى تحت سطح الماء. سألتُ محمد عن أثر هذه الهواية المشتركة مع والده على علاقتهم وعليه هو شخصياً قال: علاقتي بوالدي ممتازة جداً صارت عندنا اهتمامات مشتركة تأمل معي أخي القارئ العبارات القادمة يقول: وصرت أقضي معه وقتاً أطول لوحدنا، وهذا هو الشيء الذي أحبه يقول أيضاً: الغوص قربني من أبي كثيراً، وأعطاني ثقة أكبر في نفسي، أحس أني أعمل شيئاً، كثيرون لا يعرفون كيف يعملونه،ثم الغوص علمني الجرأة والخشونة والحذر والصبر والاعتماد على النفس، مثلاً تجهيزات الغوص ثقيلة ومتعبة في نقلها وحملها والعناية بها، ومع ذلك عودني أبي أنه لا يساعدني لكي أكون مسؤولاً عن نفسي مسؤولية كاملة،
مشاركة الابن مع والده في نشاط ممتع وإيجابي ليس فقط عاملاً مساعداً على تميز الابن وبناء شخصيته، بل حتى في علاجه من بعض الأمراض والمتاعب النفسية
نقضي في الرحلة البحرية يوماً كاملاً تحت الشمس الحارة، وأحياناً يتعبنا الموج ودوار البحر، وأيضاً لابد أن ننتبه من الكائنات البحرية الخطرة، سألت أبا محمد نفس السؤال عن أثر اشتراكهم في الهواية على علاقتهم وعلى شخصية ابنه، قال: الآن لا أشعر أن بيني وبين محمد أي حواجز، علاقتنا صداقة أكثر من أي شيء آخر، والحمد لله رب العالمين، الهواية أكسبت محمداً خبرة اجتماعية جيدة من خلال اشتراكنا باستمرار مع فرق الغوص، وأكسبته صفات كثيرة وحلوة، كنت فقط خائفاً أنه يمل منها، لكن الحمد لله صار محباً للغوص أكثر مني، وحصل على عدة جوائز فيه. ا.هـ.
هذا النشاط المشترك بين الأب وابنه لا أشك أنه ساهم في إشباع الكثير من حاجات محمد النفسية، وساعده على تحقيق إنجازات أكثر روعة من رياضة في الغوص، إنجازات يتمناها كل أب لابنه محمد الآن عمره (15 سنة)، وترتيبه الأول على المدرسة، و_بفضل الله_ أتم حفظ القرآن الكريم كاملاً.. نسأل الله _تعالى_ أن يبارك في حفظه، وأن يجعله وإخوته قرة عين لوالديهم، وأن يجزي من رباه خير الجزاء.
مشاركة الابن مع والده في نشاط ممتع وإيجابي ليس فقط عاملاً مساعداً على تميز الابن وبناء شخصيته، بل حتى في علاجه من بعض الأمراض والمتاعب النفسية. تأملوا معي قصة أبي عمر لم يوفق أبو عمر في زواجه الأول وانتهت الأمور إلى الطلاق، بعد مدة لاحظ أن ابنه عمر، وعمره (9 سنين) بعدما كان يتكلم بشكل طبيعي بدأ يتلعثم في الكلام ويتعثر في النطق ويتأتئ كثيراً، استمرت المشكلة، راجع إحدى عيادات النطق والكلام لكي يأخذ تدريبات لحركات اللسان ونطق الحروف، ولكن بدون فائدة، الحقيقة لم يكن محتاجاً لهذا النوع من العلاج، هذا الذي فهمه أبو عمر لما قال له أحد الأطباء: المتاعب النفسية لها ظواهر خارجية، وإذا لم نعالج الناحية النفسية قد تعود المشكلة من جديد بعد مدة كان سن عمر (11 سنة) لما قرر والده قراراً مهماً، وهو أن يتدرب مع أبنائه على ركوب الخيل ويشتركون جميعاً في نادي الفروسية، وبالفعل ارتبطوا بالخيل، وأصبحت هوايته الجميلة وجزءاً من حياتهم فيها تنافسهم وعنها أحاديثهم تكسرت خلالها الحواجز بين الأب وأبنائه، وتكسرت معه المخاوف في نفوس الأبناء، وأهدتهم الفروسية الكثير من الثقة بالنفس والخشونة(115/1771)
والرجولة والشجاعة، وبدأ عمر يتخلص تدريجياً من التلعثم حتى اختفت تماماً _بحمد الله_ وانقلب ضعفه إلى قوة، سألت أبا عمر عن آثار اشتراكهم في الهواية على علاقته بابنه، فقال بالحرف الواحد: عمر ولدي الآن (15 سنة) لو قلت لك: تكسرت الحواجز بيننا فهذا قليل بالنسبة للحقيقة، الأمر أكثر من هذا، صرنا أصدقاء بمعنى الكلمة، وهذا أهم شيء. انتهى كلامه.
هنيئاً للأب بابنه وهنيئاً للابن بوالده الذي استثمر وقته وجهده في أعظم ثروة -مع ابنه- إذن نشترك مع أبنائنا وبناتنا في نشاط ممتع، ومن لم يستطع أن يتفرغ لأبنائه لظروف حقيقية فهو معذور فعلاً، فلا أقل من انتهاز الفرصة السانحة للمشاركة في اللعب، سواءً في المنزل أو خارجه، واستمتِعْ بصداقة أبنائك كما يستمتع بها أبو محمد وأبو عمر وغيرهم كثير، وسترى أبناءك يشتركون معك في أعظم ما يقوي العلاقة، يشتركون معك في أغلى شيء وأعظم أمانة وسر الوجود يشتركون معك في عبادة الله الواحد القهار، وهذا هو العنصر الخامس من عناصر بناء الصداقة، نتعرض له –إن شاء الله- في مقال قادم.
ـــــــــــــــــــ
الميزان في التعامل مع الأبناء
أ.د. ناصر بن سليمان العمر
24/11/1425
ارسل تعليقك ...
لا توجد تعليقات ...
ارسل الصفحة ...
الى مشرف النافذة ...
طباعة ...
عندما تريد الانتقاد:
1. النقد سلاح ذو حدين، فقد يكون وسيلة إصلاح وتقويم، وقد يكون سلاح هدم وتحطيم، والناس في ذلك بين إفراط وتفريط ، والقليل هم الموفقون المسددون لاستخدام هذا السلاح بمهارة وتؤدة، ومن أخطر أنواع النقد أن يكون أمام الآخرين، وبخاصة الزملاء والجيران والأقارب، ولذلك فعلى الأب أن يكون حذراً متيقظاً حتى لا يعود السهم إلى صدره أو صدغه، وأسوأ أنواع النقد ما كان تجريحاً وهو من النقد اسماً لا حقيقة، ويترك في النفوس جروحاً لا تندمل وقروحاً على مرّ الأزمان والدهور، وأفضل أنواع النقد ما كان تعريضاً وتلميحاً لا مباشراً وتصريحاً، على منهج: ما بال أقوام، إلا ما دعت الحاجة إلى التصريح فيه، ولكل حالة ما يناسبها، وقد ورد الأمران في القرآن والسنة، والأول هو الأعمّ الأغلب، والنقد الإيجابي أولى من السلبي، أي بدل أن تقول: لماذا تفعل كذا؟ وهي صيغة سلبية أن تقول له: لو فعلت كذا، فهي أسهل وقعاً على النفس، وبخاصة إذا كان الحديث موجهاً إلى شخص، لا إلى مجموعة.(115/1772)
1. النقد سلاح ذو حدين، فقد يكون وسيلة إصلاح وتقويم، وقد يكون سلاح هدم وتحطيم، والناس في ذلك بين إفراط وتفريط ، والقليل هم الموفقون المسددون لاستخدام هذا السلاح بمهارة وتؤدة
هل أنت مطَّرد؟
2. من أكثر ما يفسد التربية ويضعف أثرها تناقض الوالدين وعدم اطرادهما في أمرهما ونهيهما، حتى يصبح الأبناء في حيرة من أمرهم، وقد لا يصارحون والديهم ويكاشفونهم في حقيقة الأمر، وقد يكون أي من الوالدين له فلسفته في هذا، ولكن الأبناء لا يدركون ذلك، ويصعب عليهم فهمه وتفسيره، ولذلك على الوالدين، وبالأخص الأب أن يكونا واضحين في أوامرهما ونواهيهما، مطّردين في تعليماتهما، عادلان في عطائهما ومنحهما، في ثوابهما وعقابهما، مما يسهل على الأبناء فهمهما والتجاوب مع مرادهما.
وللمراهقين تعامل خاص:
3. إذا تعاملنا مع المراهقة كمرحلة وليست حياة مستقرة هان علينا الأمر وانتظرنا تجاوزها، كمن يسير في طريق متعرج يعلم أنه سيتجاوزه بعد قليل فسيجد راحة وسهولة [قصتنا مع طريق الهدا 1%] بينما إذا شعر أن الطريق كله كذلك فسيعاني كثيراً، وأشد منه إذا تعاملنا مع طريق قصير على أنه طريق طويل فقد نتصرف تصرفات نندم عليها؛ لأننا لم نتعامل معه بواقعية وانظر كيف تصرف معك أبواك في تلك المرحلة، فإن كان خطأ فلماذا تعيد الخطأ مع أبنائك وتحملهم خطأ أبويك، وإن كان صواباً فلماذا لا تعيد التجربة نفسها مع أبنائك مع مراعاة اختلاف الزمان والحال والمكان.
4. يفاجئنا الأولاد بتصرفات تثير الأعصاب وبخاصة في مدة المراهقة، بل إن بعض الأولاد يتفنن في إثارة أعصاب والديه، قصد أو لم يقصد، فحذار أن تستجيب لهذا الاستفزاز، ومن ثم تطلق للسانك العنان سباً وشتماً، وأسوأ أنواع السبّ عبارات التجريح والهمز واللمز، فهي تثير جروحاً قَلَّ أن تندمل فاربط على لسانك وفي اللغة دون تجريح متسع، أما القاصمة الكبرى فهي أن تعير ابنك بلقب لا يحبه، فسيظل طول حياته يحمل في صدره الأضغان ما استعمل هذا اللقب، وبخاصة أن بعض الألقاب لا تمحى، بل قد تصبح لقباً لابنك ولأبنائه من بعده، فتتوارثها الأجيال، وسيسجل التاريخ أنك الذي أطلقت هذا اللقب على أبنائك، فيتوارث الأبناء بغضك كما ورثتهم هذا اللقب القبيح، وأنت تملك الكلمة ما تخرج من فيك، فإذا خرجت أصبحت ملك غيرك لا تعود، فأمسك عليك لسانك فإن خنته خانك.
فإذا طالبوك هم:
5. يكثر الأولاد من الطلبات من والديهم، بل كثير منهم يلح في طلبه، وعلى الوالدين الانتباه لذلك، وأن يعوّدوا الطفل على عدم السرعة في الاستجابة لطلبه، وإنما يطلبان منه أن يذكر المبررات لهذا الطلب، بل يشعرانه أنهما بحاجة إلى التفكير في هذا الأمر قبل الاستجابة لذلك، وبخاصة إذا كان مما يحتاج إلى مثل هذا التفكير.
وليحذر الآباء والأمهات من ابتزاز أولادهم لهم من أجل أن يستجيبوا لطلباتهم وتحقيق مرادهم، كأن يرفض أي عمل يسند إليه إلا بعد تحقيق طلبه، أو يستغل(115/1773)
انشغال أحدهما بأمر مهم فيلح عليه بالطلب فيسرع بالاستجابة لطلبه تخلصاً منه وتفرغاً لشغله، فيجب أن ينتبه الوالدان لذلك، وأن يكونا حازمين في هذه المسألة، ولا يخضعا للابتزاز مهما كان نوعه، بل يشعران الابن بأنه إن كرر هذا مرة أخرى فلن يستجيبا له أبداً، أو أنهما سيؤخران تحقيق رغبته كثيراً، فيعامل بنقيض قصده، تربية وتأديباً.
من المسائل التي تأملتها كأسلوب من أساليب التربية هو المال، والمعروف أن المال مفسد للابن كما قال الشاعر:
إن الشباب والفراغ والجدة ... ...
مفسدة للمرء أي مفسدة
ولذلك قد يستغرب كون المال من وسائل الإصلاح والتربية، ولكن الأمر هنا مختلف، فالمال مفسد للابن إذا أعطيه وأغدق عليه دون ضوابط، ودون حسيب أو رقيب، وهذه حال كثير من الناس، وبخاصة الأثرياء، حيث يتخلصون من مشكلات أبنائهم بالاستجابة لطلباتهم المالية فينصرفون عنهم، انشغالاً بالمال وملذاته.
والذي أعنيه هنا أن يكون المال وسيلة من وسائل الإصلاح والتربية، وذلك بأن يشجع الابن على عمل الخير، كقراءة كتاب ويجعل له جائزة، والمشاركة مع حلقة التحفيظ، ويجعل له جائزة أكبر، وإذا حفظ جزءاً من القرآن له من المال كذا، أما إذا حفظ القرآن كله فله سيارة أو نحوها، والمهم أن تكون الجائزة على قدر العمل، فكلما كان العمل عظيماً كانت الجائزة مغرية، بل يمكن أن تكون الجائزة قطعة أرض، أو أسهم في شركة أو نحو ذلك بما يؤدي إلى إغراء الابن دون أن يكون سبباً في فساده.
ومما زاد من قناعتي في هذه الوسيلة أنني رأيت كثيراً ممن يعرف بالصلاح بل قد يكون من الدعاة أو طلاب العلم قد أفسدهم المال بعد أن كانوا أخياراً، فقلت إذن يمكن أن يستخدم المال لإصلاح الأولاد وهدايتهم، كما استخدمه الآخرون لإفسادهم.
6. ولنا في رسول الله _صلى الله عليه وسلم_ قدوة وأسوة، فقد استخدم المال لهداية أناس كانوا من أشدّ الناس عداوة لله ورسوله، وكثيراً من المؤلفة قلوبهم كانوا كذلك، فأصبحوا من خيار الصحابة، وقد روى سعد بن أبي وقاص عن رسول الله _صلى الله عليه وسلم_ أنه قال: "إني لأعطي الرجل، وغيره أحبّ إلي منه، مخافة أن يكبه الله في النار" قال أنس: "إن كان الرجل ليسلم لا يريد إلا الدنيا، فما يسلم حتى يكون الإسلام أحب إليه من الدنيا وما عليها، وإنه لأبغض الناس إلي، فما برح يعطيني حتى إنه لأحب الناس إلي"، فإذا استخدمت هذه الوسيلة بحكمة ودراية كانت من أنجع الوسائل _بإذن الله_.
وأخيراً لا تنس الحوافز:
7. تشجيع النبي _صلى الله عليه وسلم_ لأصحابه عجيب جداً، ومدرسة تربوية متكاملة، فإذا أحسن أحدهم بادر إلى مكافأته، فهذا يلقبه بلقب جميل، وذاك يدعو له بدعوة يسعد فيها بأولاه وأخراه، وآخر يكافئه مكافأة حسيّة تترك أثرها فيه بل وفي ذريته، وهكذا إن أسلوب التشجيع بصوره المتعددة من أنجح أساليب التربية على أن يكون واقعياً متزناً يراعى فيه العدل بين الأولاد، مع الانتباه والتيقظ، وبعكس ذلك فإن الشعور باللامبالاة والإهمال مدرسة للكسالى والفاشلين.(115/1774)
8. هناك فرق بين ا لمكافأة والرشوة، فالمكافأة تكون على إنجاز الابن لعمل إيجابي، أو تلافي عمل سلبي، أما الرشوة فمنحها للتخلص من أذى الابن وإزعاجه، وبخاصة إذا كان الأبوان مشغولين، والأولى لها آثارها الإيجابية، أما الثانية فلها آثارها السلبية على تربية الابن ونشأته، إلا في حدود ضيقة يضطر إليها، إلا أن تكون منهجاً، فقد دفع عمر للحطيئة ثلاثة آلاف درهم ليسكت عن أعراض المسلمين.
وهناك قسم ثالث وهو الأجرة على إنجاز عمل ما، وهو يختلف عن المكافأة حيث تكون بدون اتفاق ولها وقع المفاجأة، دون تحديد القيمة والنوع، أما الأجرة فهي اتفاق مسبق، مع تحديد العمل والقيمة، ولا يصلح التوسع فيها، حيث تعود على التمرد والعصيان، والاعتدال سيّد الميدان.
9. الهدية أسلوب من أساليب التربية، وتمكين المودة، وإزالة الجفوة، ولكن يخطئ البعض منا في اختيار الهدية، فيختار هدية يحبها هو، وقد لا تناسب ابنه، فيقبلها مجاملة، لكن لا يكون لها ذاك الأثر، ومن ذلك أيضاً أن يأتي بهدايا متماثلة لأبنائه مع اختلاف أعمارهم وميولهم، وفقه الهدية مهم جداً، حتى تكون مناسبة للمهدى إليه، حيث ينبغي أن تأتي بالهدية التي يحبها ابنك، لا التي تحبها أنت ما دامت في دائرة المشروع.
ـــــــــــــــــــ
من أجل أحاديث ودية مع أبنائنا
هاني العبد القادر
17/11/1425
ارسل تعليقك ...
لا توجد تعليقات ...
ارسل الصفحة ...
الى مشرف النافذة ...
طباعة ...
في مقال سابق تكلمنا عن كيفية الحديث مع أبنائنا كأصدقاء، وذكرنا ضمنه ست مهارات هامة، هي:
1 – اترك محاضراتك. 2 – اختصر إجابتك.
3 – قلّل أسئلتك. 4 – اختر أسئلتك.
5 – تكلم لمجرد الحديث. 6 – صارح ابنك المراهق.
وفي المقال السابق نفسه انتهينا من الحديث عن المهارات الأربع الأولى، وهذا اليوم نواصل الحديث عن المهارتين الأخيرتين الخامسة والسادسة.
المهارة الخامسة: تكلم مع ابنك لمجرد الحديث:
تخيل: لو كان هناك شخص يحبك ويحب مصلحتك، لكنك ما إنْ تفتح معه موضوعاً للحديث إلا قلبها محاضرة ونصائح، ولوم وعتاب، وتوجيه وأسئلة، لا أظنك تشتاق له كثيراً..
مع الأسف هذا ما يغلب على حديثنا مع أبنائنا المراهقين إذا كان الإنسان بطبعه لا يحب النصائح المباشرة، فأشد مرحلة يكره فيها هذا النوع من النصائح هي مرحلة(115/1775)
المراهقة، وخصوصاً من والديه اللذين يصران أحياناً بنصائحهم ومحاضراتهم التي لا تنتهي أن يلعبوا دور حكيم الزمان المطلوب من هذا الأب أو هذه الأم، أن يعيدوا النظر في كلامهم فيبدؤون يتكلمون لمجرد الكلام لهدف هام هو (السوالف) ليس النصائح، حينما تتحدث مع ابنك تحدث عن اهتماماته ربما لا تهمك لكن ولدك يهمك، انظر ما اهتماماته، السيارات؟ تكلم عن السيارات وموديلاتها ومواصفاتها، دعه هو يتحدث لك عنها، تحدث معه عن أخبار الشباب، مع أحاديثك أنت عن أيامك الأولى، وأحاديثك عن المدرسة وأحداثها وما يعجبه وما يضايقه فيها، مهتم بالرياضة؟ تحدث معه عن الرياضة وفريقه المفضل ومن فاز ومن خسر، وما المشكلة؟ تكلم معه عن اهتماماته المختلفة طالما كانت مباحة حتى لو كنت لست مقتنعاً بها.
مع الأسف هذا ما يغلب على حديثنا مع أبنائنا المراهقين إذا كان الإنسان بطبعه لا يحب النصائح المباشرة، فأشد مرحلة يكره فيها هذا النوع من النصائح هي مرحلة المراهقة، وخصوصاً من والديه اللذين يصران أحياناً بنصائحهم ومحاضراتهم التي لا تنتهي أن يلعبوا دور حكيم الزمان
وكذلك أنتِ أيتها الأم حينما تتحدثين مع ابنتك لا بأس، جاريها في مواضيع الموضة وتصفيف الشعر مع مراعاة الحشمة طبعاً، تحدثي معها عن مدرساتها المفضلات وآخر أخبارهن، والصديقات العزيزات، واسأليها عن الجديد في الأناشيد تكلمي معها عن اهتماماتها المختلفة طالما كانت مباحة حتى لو لم تكوني مقتنعة بها، هذه ميزة أحاديث الأصدقاء، الحديث في مواضيع تهم المراهق فعلاً، المراهق يجد ميزات يتملكها صديقه، وربما تمتلكها أنت، وتمتلك معها قلب ابنك، تدري ما هي؟ صديقه لا يحاول أن يتفلسف عليه ويتعالم بالمحاضرات والنصائح أو الإجابات الطويلة على أسئلته، ولا يحاول أن يضايقه أو يفرض السلطة عليه بكثرة الأسئلة، ويهتم أن تكون أسئلته مقبولة ومشجعة على الكلام، إضافة إلى أن حديثه في مواضيع تهم المراهق كل هذا يخلق تقارباً كبيراً بين الصديقين، ويهيئ فرصة أفضل لواحدة من أهم الصفات التي تميز هذه العلاقة وهي المصارحة وأنت أولى بها وعن المصارحة تتحدث المهارة السادسة من مهارات الحديث كصديق، وهي: صارح ابنك.
المهارة السادسة: صارح ابنك:
بين الصديقين كل ما صارح أحد الصديقين الآخر بشيء تشجع الآخر وصارح بما لديه أيضاً فتقوى العلاقة أكثر وأكثر، لكن مهما صارح صديقه وقويت علاقتهم يظل محتاجاً حاجة عميقة في نفسه، وهي الحاجة لمصارحتك أنت وتقوية العلاقة معك مهما أوحت تصرفاته بعكس هذا الشيء، لا يضرك عناد ابنك وجداله، ويخدعك تمرده وعصبيته ولا تنتبه للكلام المدفون، هو يتمنى علاقة أفضل تساعده ليخرج الكلام الذي يحتاج أن يقوله لك ابنك، محتاج أن يقول: يا أبت هذه إنجازاتي شجعني وافتخر بي، محتاج أن يقول: لا تشك فيّ يا أبت (أنا لست كما تظن)، محتاج أن يقول: يا أبت عندي مشكلة، ساعدني، محتاج أن يقول: يا أبت ارض عني، يا أبت لا تنم هذه الليلة وفي نفسك عليّ شيء.
صدق أو لا تصدق! ابنك مهما كبر يحتاج أن يقول: يا أبت احضني! منذ زمن لم تفعل! كما يشير لذلك الدكتور محمد الثويني في كتابه (لمسة حنان)، هذه المصارحة(115/1776)
الغالية من يعلمها أبناءنا غيرنا، يقول الدكتور محمد الثويني في سلسلة نصائح (دموع الفرح) :" علم الأبناء المصارحة بالمحادثة والكتابة والتوسط عن طريق شخص آخر".ا.هـ.
كيف نعلمهم هل يكفي أن نقول لهم: هناك شيء؟ قولوا لنا، بل نحن نبدأ ونصارحهم في بعض همومنا وأسرارنا ومشاكلنا، نصارحهم بحبنا لهم والكلام معهم، مرة نصارحهم بالمحادثة الخاصة، ومرة نصارحهم خلال وساطة شخص آخر، ومرة بالكتابة والرسائل وهي أسلوب جميل ومؤثر يرجع يقرأ الكلام عدة مرات ويساعده على التفكير بهدوء والتحكم في ردود فعله السريعة.
شجع أبناءك لمصارحتك بالطريقة التي يرتاحون لها حسب الموضوع والموقف، وأنتِ كذلك أختي الفاضلة افرحي إذا صارحك ولدك أو صارحتك ابنتك، ودعيها تطمئن وتشعر بالأمان، وأنك أمها بمعنى الكلمة ستجدينها تضع قلبها بين يديك وتسمعك كل ما يدور بخاطرها وتحسين لأول مرة بمتعة ولذة أن عيالك مراهقين.
كل ما صار لك علاقة جيدة مع أبنائك ستكونين أكثر استمتاعاً في الأنشطة التي تشتركون فيها وعن هذه المتعة المشتركة سنتحدث في العنصر الرابع من عناصر بناء الصداقة في مقال قادم –بإذن الله-.
ـــــــــــــــــــ
إذا كنت مصراً على العقاب!
أ.د. ناصر بن سليمان العمر
10/11/1425
ارسل تعليقك ...
تعليقات سابقة ...
ارسل الصفحة ...
الى مشرف النافذة ...
طباعة ...
• إيّاك وكثرة الوعد والوعيد، واقتصد في ذلك، ودع الحقائق تتحدث عن نفسها، وكم من مفاجأة كانت أمضى أثراً وأبعد مدى.
• إياك أن تكثر من العقاب أيّاً كان نوعه، حسياً أو معنوياً، فهو كالدواء إذا زاد نقص، وإذا تعود الجسم عليه ضعف أثره، وإذا اضطررت إليه فليعلم ابنك أنك تعاقبه لا بغضاً له، ولكن كرهاً لعمله، بل أقنعه أنك تعاقبه من أجله، بل محبة له وحرصاً على مستقبله، وإزالة الأدواء المعنوية كإزالة الأمراض الحسية، فإذا كان ابنك لا يشك أنك عندما تجري له عملية لإزالة الزائدة أو المرارة أن هذا نابع من محبتك له وحرصك على حياته، فليكن شعوره كذلك وأنت تعاقبه، وإيصاله إلى هذه القناعة ليس بالأمر اليسير لكنه ليس بالمستحيل، وإن لم يقتنع اليوم فسيقتنع غداً، وأسلوبك معه في العقاب نوعاً وكماً ووقتاً هو الذي سيوصله إلى تلك النتيجة ولو بعد حين.
• موضوع عقاب الأبناء من أكثر الموضوعات تعقيداً، والناس في ذلك مختلفون، منهم المقلّ ومنهم المكثر، وقليل من يوفق إلى طريق الصواب، وقد نشأ بسبب الخطأ في هذا الجانب مشكلات أسرية أدت في بعض الأحيان إلى تفرق الأسرة وتشتتها،(115/1777)
والعقاب إحدى وسائل التربية المؤثرة، كيف وقد ثبت عن المصطفى _صلى الله عليه وسلم_ "واضربوهم عليها في عشر"، ولكن المهم كيف يكون العقاب، وما هي وسائله، ومتى يستخدم، إلى غير ذلك مما يتعلق بهذا الأمر، نظراً لحساسيته، وأثره السلبي أو الإيجابي في العاجل أو الآجل.
• موضوع عقاب الأبناء من أكثر الموضوعات تعقيداً، والناس في ذلك مختلفون، منهم المقلّ ومنهم المكثر، وقليل من يوفق إلى طريق الصواب
والعقاب أنواع، منه:
1- العقاب بالتكليف الإيجابي، حيث يعاقب الابن بأن يؤدي عملاً إيجابياً يخدم الأسرة، مقابل ما وقع فيه من خطأ، كأن يكلف بتنظيف البيت أو جزء منه، أو بغسل السيارة، أو بترتيب المكتبة، وهكذا حسب نوع الخطأ وسن الابن.
2- العقاب بالمنع والحرمان، كأن يحرم الابن من مصروفه اليومي، أو من الذهاب إلى زيارة بعض الأقارب، أو الخروج إلى البر، أو بركة السباحة، أو ممارسة بعض ألعابه التي يحبها، وهكذا.
3- العقاب بالهجر، كأن يهجره أبواه أو أحدهما، أو كل الأسرة، وهذا العقاب من أشدها حساسية، حيث قد يؤدي إلى بعض المفاسد، فلذلك لا بد من الانتباه الشديد له، واستعماله بحذر.
4- العقاب بالتعويض، وذلك بإصلاح ما أفسد، وهذا مهم جداً، وناجح، وثماره ملموسة، مع أهمية العدل في ذلك.
5- العقاب بالزجر والتهديد، وينتبه إلى عدم الإكثار منه، حيث يصبح ضعيف التأثير، محدود الفائدة، مع تجنب التجريح الشخصي، والدقة في العبارة، فآثار الكلمات الجارحة لا تذنمحي.
6- العقاب بالضرب، ولا ينكر تأثيره، ولا أرى استخدامه إلا في أضيق الحدود، وإن استطعت أن تتجنبه فافعل، فإن أُلجئت إليه فكن حذراً متيقظاً، ملتزماً بالآداب الشرعية في ذلك، حيث تتجنب الوجه، والضرب المبرح، والأماكن الحساسة، ونحوها.
7- العقاب بالسجن في البيت، وليكن استثناء لا أصلاً، وله ضوابط معتبرة، حتى يكون ناجعاً ومؤثراً، ولا تلجأ إليه إلا مكرهاً، لما قد يترتب عليه من سلبيات لا ينتبه لها، وهي سلبيات طويلة المدى والأثر قد تنعكس على حياة الابن ومستقبله.
وهناك أنواع أخرى من العقوبات، تختلف من فرد لفرد، ومن بلد لبلد، ومن خطأ لخطأ، حيث تخضع لاختلاف الزمان والمكان، والحال والمحل، ولكل حالة ما يناسبها.
وأنبّه إلى بعض الأمور التي يجب مراعاتها عند العقاب:
1- أن تشعر ابنك بأنك تعاقبه كرهاً لذنبه وخطئه، لا كرهاً له، بل محبة وشفقة وحرصاً على مستقبله.
2- الحذر من التجريح الشخصي، والسخرية والاستهزاء، وبخاصة من الأبوين، فهي جروح لا تندمل، وكسر لا يجبر.(115/1778)
3- العدل ثم العدل، حيث يكون العقاب مساوياً للذنب أو أقل، وتحرم الزيادة شرعاً وعقلاً، ومن العدل: العدل بين الأولاد في العقاب وعدم المحاباة، فإن كانت المراعاة لسبب معتبر فأفهم أولادك ذلك، كأن يكون أول خطأ، أو لأنه مريض، وهكذا.
4- أهمية ضبط الأعصاب، وعدم الانسياق مع الغضب، فقد ترتكب خطأ أكبر من الخطأ الذي وقع فيه ابنك، ولا يقضي القاضي وهو غضبان.
5- قد يكون العفو والإحسان أشدّ أثراً من العقاب، إذا أحسن استخدامه ووافق محله، وليدرك أبناؤك أن عفوك وتسامحك ليس ضعفاً ولا إهمالاً.
6- يجب أن تكون مطرداً، لا تخضع أحكامك للمزاج والانفعال، بل تحكمها المصلحة وإشاعة النظام.
7- يجب أن تكون العقوبات معروفة لأبنائك، وإن لم يكن تفصيلاً، وإنما إجمالاً.
8- من المستحسن أن تكون العقوبة مباشرة للذنب حتى لا تفقد أثرها، ويمكن أن تؤجل بعض العقوبات لأسباب معتبرة، كما إذا كنتم زواراً، أو عندكم ضيوف، أو وقت الامتحانات، أو في مواسم الأفراح أو الأحزان، وغيرها مما لا يخفى؛ لأن العقاب علاج وليس انتقاماً، فإذا لم يصادف محله عاد بأسوأ مما أريد علاجه، ولذلك لا بد أن يكون كما ينبغي في الوقت الذي ينبغي.
9- قد يكون العقاب، خاصاً أو عاماً، وقد يكون أمام أهل البيت أو بدون علم أحد، وتُراعى في ذلك أمور مهمة، الغفلة عنها تؤدي إلى سلبيات كثيرة.
10- من الحكمة توزيع الأدوار بين الأب والأم في نوع العقاب ووقته، فبعضها لا يصلح إلا للأب وبعضها الأجدى أن تقوم به الأم، وإذا كان له بعض الأبناء الكبار فيحسن أن يقوموا بما لا يناسب أن يقوم به أحد الأبوين، ولكل حالة ما يناسبها، ولكل أسرة ما يلائمها.
• وكما يعاقب المقصّر يحسن أن يكافأ المجدّ والمنتظم، دون إفراط أو تفريط، نظراً لحساسية هذا الأمر عند الأولاد
ـــــــــــــــــــ
الابن الصديق
هاني العبدالقادر
3/11/1425
ارسل تعليقك ...
لا توجد تعليقات ...
ارسل الصفحة ...
الى مشرف النافذة ...
طباعة ...
– لبناء الصداقة: "خمس عناصر"
أ – اكتشف الإيجابيات الصغيرة. ب – عبّر له عن حبك.
جـ - تحدث كصديق. د – شاركه المتعة.
هـ - شاركه العبادة.
تحدثنا فيما سبق عن العنصرين السابقين واليوم نتعرض في مقالنا هذا إلى:(115/1779)
العنصر الثالث: تحدث كصديق:
في هذا العنصر الهام نفصّل _بإذن الله تعالى_ ست مهارات هامة، وهي:
1 – اترك محاضراتك. 2 – اختصر إجابتك.
3 – قلّل أسئلتك . 4 – اختر أسئلتك .
5 – تكلم لمجرد الحديث . 6 – صارح ابنك المراهق .
المهارة الأولى من مهارات الحديث كصديق، هي: اترك محاضراتك:
كثير من جلسات الآباء مع الأبناء فيها محاضرات طويلة، ويتكرر فيها تشغيل شريط معين لكل مناسبة تشاجر مع أخيه شغل محاضرة "عيب عليك" الأب ضرب ولده وأنّبه ضميره شغل محاضرة "أنا أحبكم لأجل مصلحتكم"، جاء ذكر المدرسة شغل محاضرة "الدراسة وشد حيلك".
الأب الحكيم يحاول أن يجعل كلامه مختصراً ومحدد الهدف، وإن كان لا بد أحياناً من بعض المحاضرات فلتكن محاضرات وقائية قبل الخطأ وليست علاجية بعد الخطأ
الولد يقول في خاطره : يا الله هذه عاشر مرة أسمع فيها نفس الكلام ، الكلام بهذه الطريقة لا يفيد كثيراً، لذلك نقدر ونتخيل مدى نجاح أو فشل التعليم النظامي الذي يقوم على سماع الكلام من المعلمين ست ساعات يومياً لمدة 12 سنة على الأقل، أولادنا يخرجون لا يعرفون يتكلمون مع الناس، ولا يعرفون يستمعون لغيرهم ، أم قد نسوا كل الذي أخذوه؟ 12 سنة من عمر الإنسان ثمن غالٍ جداً، لمجرد شهادة ومن أجل وظيفة؟
الأب الحكيم يحاول أن يجعل كلامه مختصراً ومحدد الهدف، وإن كان لا بد أحياناً من بعض المحاضرات فلتكن محاضرات وقائية قبل الخطأ وليست علاجية بعد الخطأ، وبذلك تخلص ابنك من ضغط الاتهام ومسؤولية الدفاع عن النفس وتحوله إلى شريك في الكلام يساهم معك في إثبات صحة ما تقول من خلال تجاربه الشخصية ويتحول من معارض إلى مُغَيِّر.
توقفك عن إلقاء المحاضرات إلا القليل من التوجيهات الوقائية والمختصرة قدر الإمكان سيضاعف تأثير الكلام وفائدته، لذلك دعنا نستبدل المحاضرات الطويلة والمملة بخير الكلام وخير الكلام ما قلّ ودلّ، أحياناً نقع في المحاضرات بسبب إسهابنا في الإجابة عن سؤال سأله المراهق وتورط.
عن هذه النقطة تحدثنا عن المهارة الثانية من مهارات الحديث كصديق، وهي: اختصر إجاباتك .
المهارة الثانية: اختصر إجاباتك:
يميل الآباء للتحدث كثيراً وإظهار ثقافتهم الواسعة أمام أبنائهم، فإذا سأله ابنه سؤالاً محدداً يجيب الأب ويتفرع في الإجابة ويطيل ويأخذ راحته والابن مهما يكن بشر يمل، وحبه واحترامه لوالده يمنعه أن يقول: يا أبتِ يكفي، ولذلك تلاحظ اختفاء أي علامة اهتمام ، ينتظر فقط متى يعتقه أبوه، والأب مسترسل في الكلام كأن الولد يقول في نفسه: أنا غلطان أني سألتك ، سألتك وتوهقت، قيمة كلام هذا الأب مهما كانت لن تكون بقيمة كلام الرسول _صلى الله عليه وسلم_ ورغم ذلك كان _عليه الصلاة(115/1780)
والسلام_ يتخير الأوقات المناسبة في كلامه يخشى أن يمل الصحابة الذين هم أكثر تشوقاً لحديثه _عليه الصلاة والسلام_ من تشوق الأبناء لحديث هذا الأب، عن عبد الله بن مسعود _رضي الله عنه_ قال: كان رسول الله _صلى الله عليه وسلم_ يتخولنا في الأيام بالموعظة كراهة السآمة علينا" رواه البخاري ومسلم، لذلك وجب إصلاح هذا الخلل في كلامنا، ليس فقط مع المراهقين ، بل حتى مع الطفل الصغير، ويكفينا ويكفيه الإجابة على قدر سؤاله، هذا إذا كنا نريده أن يسأل مرة ثانية.
المهارة الثالثة: قلل أسئلتك:
يقول الدكتور عبد الكريم بكار في كتابه (دليل التربية الأسرية) علينا أن نحذر من الاستقصاء ومحاولة التحقق من كل صغيرة وكبيرة في حياته، إذ ليس هناك أي مصلحة في أن ينكشف الابن أمامنا على نحو تام، ويقول الحسن البصري: "ما استقصى كريم قط"، وقال سفيان الثوري: ما زال التغافل من شيم الكرام، ويقول الشاعر:
ليس الغبي بسيد في قومه ... ...
لكن سيد قومه المتغابي
هذا القدر من التغافل المعقول يريحنا أولاً ثم يريح أبناءنا من الأسئلة الكثيرة ، وبالذات الأسئلة العادية والصغيرة هذه الأسئلة مهما كانت عادية وصغيرة تمثل سلطة وسيطرة، وهذا الذي يحتاج المراهق أن يتخلص منه ولو ظاهرياً، حتى تستمد شخصيته شيئاً من القوة والاستقلال بذاته عن والديه، ولذلك تجده يجيب باختصار وضيقة نفس ويترهب منها، والأهل يظنون خطأ أنه مخف شيئاً أو فعل فعلاً خاطئا، ويشكون فيه والأفكار تكثر وهو ما عمل شيئاً مجرد أنه يتضايق من الأسئلة.. تخيلي يا أختي الفاضلة الضيق الذي يشعر به الزوج مثلاً لما تكثرين عليه الأسئلة، وكل دقيقة تفتحين له محضراً (سين جيم، سين جيم) يتضايق الزوج ما يتحمل، كذلك المراهق ما يجد سلطة واضحة أو سيطرة مباشرة عليه.
أخي الفاضل أختي الفاضلة ، رغم تقليل الأسئلة تستطيعون أن تعرفوا أكثر عن حياة ابنكم والمعلومات التي تطمئنكم من خلال المهارة الرابعة من المهارات، وهي: اختر أسئلتك .
المهارة الرابعة: اختر أسئلتك:
مثلاً صديق ولدك الجديد تريد أن تعرف شيئاً عنه؟ لست بحاجة أن تلبس ملابس الشرطة، وتسأل: ما اسم صاحبك؟ من والده؟ ماذا تعملون مع بعض؟ وأين تذهبون؟ ماذا عندكم هناك؟ تستطيع أخذ أضعاف هذه المعلومات من خلال الصداقة التي بينكم، تختار له سؤالاً مفتوحاً، مثلاً: كلمني عن صاحبك فلان ، ما أكثر شيء أعجبك فيه؟ إذا كنت تريد تعرف شيئاً عن طلعته التي طلعها مثلاً افتح له مجال الحديث بسؤال، مثل: هاه فلان ما أحلى ما في طلعة اليوم، سؤال يطلب المعلومة ويمنح الثقة والمحبة في نفس الوقت، إذن اختر أسئلة غير مباشرة، وكذلك تحتوي على شيء يشجعه على الكلام ويشعره بالأمان والراحة، وكل ما اهتميت باختيار أسئلتك أتتك معلومات أكثر دون بحث عنها لكن تظل عند المراهقين بعض الأسرار الخاصة، وهذا طبعي، يقول الدكتور مأمون المبيض في كتابه (أولادنا من الطفولة إلى(115/1781)
الشباب): "من غير المعقول أن تتوقع أن يخبرك المراهق بكل شيء في حياته فهو يهوى أن تكون له أسراره التي تشعره باستقلاله وحريته".ا.هـ
إذا تركنا محاضراتنا، واختصرنا إجاباتنا، وقللنا أسئلتنا وهذا القليل من الأسئلة نختاره اختياراً ماذا بقي أن نقول؟ انتهى الكلام؟ لا، بقي كثير جداً بقي تكلم أنت وإياه، وهذه هي المهارة الخامسة من مهارات الحديث كصديق، وهي تكلم مع ابنك لمجرد الحديث.
أما المهارتان الخامسة والسادسة فنؤجل الحديث عنهما إلى مقال قادم -بإذن الله- شاكرين لكم متابعتكم لنا.
ـــــــــــــــــــ
هل أنت مربٍّ فاشل؟!
أ.د.ناصر بن سليمان العمر
25/10/1425
ارسل تعليقك ...
تعليقات سابقة ...
ارسل الصفحة ...
الى مشرف النافذة ...
طباعة ...
قبل كل شيء:
من السهل أن نلقي اللوم على الآخرين لفشلهم في تربية أبنائهم، ولكننا عندما نواجه الحقيقة سندرك أن الأمر أصعب مما كنا نتصور، ولذلك فإني أهمس في آذان الشباب ومن ليس لديه من الأولاد إلا صغاراً، وأقول له: رويدك، وعلى رَسْلك، وأقلّ اللوم والعتابا، والتمس لإخوانك الأعذار، فقد يأتي اليوم الذي تدرك فيه خطأ منهجك وقصر نظرك، وأن الأمر أعظم مما كان يدور في خلدك، وويل للشجي من الخلي، وقد تبتلى بأحد أبنائك عصياناً وتمرداً، فتقف عاجزاً، متعباً، تحمل الهموم وتعاني من السهر، ولا ملجأ من الله إلا إليه، و:
إذا لم يكن عون من الله للفتى ... ...
فأول ما يجني عليه اجتهاده
من السهل أن نلقي اللوم على الآخرين لفشلهم في تربية أبنائهم، ولكننا عندما نواجه الحقيقة سندرك أن الأمر أصعب مما كنا نتصور
فكن حكيماً، متعقلاً، بعيد النظر، ملتمساً لإخوانك الأعذار، حتى يعذروك، وإلا فلا تلومن إلا نفسك، والعاقل من وعظ بغيره.
قد لا يكون فشلاً وإنما:
هنا مسألة آمل أن تلقى لها سمعك وعقلك، وذلك أن بعض الآباء مع حرصه على هداية وصلاح أبنائه، قد يشذ بعضهم، فيحاول أبوه إعادته إلى جادة الصواب، وقد لا يوفق ويزداد الابن انحرافاً وبعداً، وهنا تقع القاصمة، عندما ييأس الأب ويستسلم لهذه المصيبة، ويقول: فعلت وفعلت، ولكنه فعل وفعل، وهذا خطأ من عدة وجوه:(115/1782)
1- أن انحراف ابنك ابتلاء وامتحان لك من الله ليعلم صبرك وجهادك وحسن بلائك، فاحذر أن تفشل في هذا الامتحان.
2- أنك بهذا التصرف تزيد ابنك انحرافاً وشذوذاً، ولو أنك صبرت وصابرت، مراعاةً لقاعدة المصالح والمفساد، لوجدت أنك بهذا تمنعه من شرّ كثير، فلا تنظر إلى ما يعمله الآن، ولكن انظر إلى ما لم يعمله من السوء بسبب قربك ومجاهدتك، ولو أهملته وتركته وجفوته لازداد بعداً وسوءاً.
3- يعقوب _عليه السلام_ يقول لبنيه: "اذهَبُوا فَتَحَسَّسُوا مِنْ يُوسُفَ وَأَخِيهِ وَلا تَيْأَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِنَّهُ لا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ" (يوسف: من الآية87)، فانظر كيف كان إيمان يعقوب، وصبره، وأخذه بالأسباب من أعظم أسباب اجتماع الشمل بعد طول انقطاع ويأس من بنيه "تَاللَّهِ تَفْتَأُ تَذْكُرُ يُوسُفَ حَتَّى تَكُونَ حَرَضاً أَوْ تَكُونَ مِنَ الْهَالِكِينَ" (يوسف: من الآية85)،وكذلك إذا بعد عنك ابنك منهجاً وطريقاً لا جسداً فلا تيأس من روح الله، إنه لا ييأس من روح الله إلا القوم الكافرون، وكم من ابن ضل وانحرف حتى كاد الناس أن ييأسوا منه، فإذا هو يعود أقوى مما كان، وانظر إلى قصص التائبين تجد فيها ما يسلّيك ويعيد روح الأمل إلى قلبك، ثم ألا تذكر أن عمر الفاروق، أفضل الأمة بعد رسول الله وأبي بكر، الذي إذا سلك فجاً سلك الشيطان فجاً آخر، فرقاً منه وخوفاً، قد بلغ في جاهليته من عدائه للإسلام مبلغاً جعل أحد الصحابة السابقين للإسلام يقول عنه: والله لا يسلم عمر حتى يسلم حمار الخطاب، فاحذر اليأس والقنوط، فإن اليأس لا يصنع خيراً، بل يزيدك بلاء وشقاء، ويزيد ابنك بعداً وضلالاً.
4- ثم ماذا عليك، فالهداية ليست إليك، فقد قيل للحبيب من قبلك: "إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ" (القصص: من الآية56)، وهو الذي استمر يحاول هداية عمه حتى فارق الدنيا، ونوح – عليه السلام– من قبله، بذل كل ما في وسعه لهداية ابنه حتى بعد ركوب السفينة لم ييأس ولم يقنط، واستمر في محاولته وحواره معه بأحسن أسلوب وألطف عبارة حتى حال بينهما الموج فكان من المغرقين، ولم يعاتبه الله على ذلك، وإنما عاتبه على قوله بعد غرقه:"رَبِّ إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي وَإِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُّ" (هود: من الآية45) فقال له _سبحانه_: "إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ فَلا تَسْأَلْنِ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنِّي أَعِظُكَ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ" (هود: من الآية46).
إنك مطالب بالسعي والجد من أجل هداية ابنك وصلاحه، لا تدخر بذلك وسعاً ولا جهداً ولا مالاً، ثم ما عليك ما يحدث بعد ذلك، فلله الأمر من قبل ومن بعد، وكم من ابن اهتدى بعد وفاة أبيه، فلا ينقطع رجاؤك وحسن ظنك بالله، فهو العليم الحكيم، وحسبك أنك قمت بما عليك، ولا تشغل قلبك بما ليس إليك.
بقي أن أشير إلى مسألتين في هذا الموضوع:
الأولى: أن كل ما سبق لا يمنع من استخدام الهجر، والصدود المؤقت كنوع من العلاج، لا من باب اليأس والقنوط، على أن يكون ذلك عند الضرورة، دون إكثار منه، وإلا فإنه يصبح أمراً عادياً غير مؤثر.(115/1783)
الثانية: أن هذا لا يعني الرضاء بما عليه الابن والسكوت عنه، فإن ذلك مما يهون من ارتكاب المعصية وسهولتها عليه.
وأخيراً، فإن هناك حالات توجب على الأب البراءة من ابنه كما تبرأ إبراهيم من أبيه وقومه "إِنَّا بُرَآءُ مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَداً حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ" (الممتحنة: من الآية4)، ولكن هذه حالات لا تدخل في موضوعنا الذي نحن بصدده، ومع ذلك فالقاعدة في مثل هذه الحالات آيات سورة الممتحنة، حيث فيها الضوابط الشرعية، ولكل حالة ما يناسبها، نسأل الله السلامة والعافية، وصلاح النية والذرية.
فإن كان:
• ضعفنا، وعدم قدرتنا على تحمل المسؤولية، وعدم اطرادنا، وقلة صبرنا، واستعجالنا سرّ من أسرار فشلنا، فهل ندرك ذلك ونعترف به، كخطوة أولى للسير في الطريق الصحيح نحو النجاح.
ـــــــــــــــــــ
اكتشف إيجابيات ابنك وعبر له عن حبك
هاني العبدالقادر
18/10/1425
ارسل تعليقك ...
لا توجد تعليقات ...
ارسل الصفحة ...
الى مشرف النافذة ...
طباعة ...
نبدأ في هذه الحلقة في الأساليب العملية للتعامل مع المراهقين، والتي سبق لنا ذكر مقدمتها في مقال سابق، فنستهلها بالمحور الأول:
بناء الصداقة، ويتضمن عدة عناصر نتحدث في هذه المقالة عن عنصرين:
العنصر الأول: اكتشاف الإيجابيات الصغيرة:
في الغالب ينتبه الوالدان لأخطاء الابن وعيوبه أكثر من انتباههم لمحاسنه وميزاته وإنجازاته، أو ينتبهون لبعض الإيجابيات الجيدة نسبياً، مثل: اجتهاده في الدراسة ولا ينتبهون لما هو أهم منه ألف مرة وهو محافظته على الصلاة مثلاً، أو يلاحظون لكن لا يقدمون رد فعل إيجابي يوازي على الأقل رد الفعل السلبي على أخطائه، ما أظن أحداً يحب رئيسه في العمل إذا كان هذا الرئيس ينتقده بشكل متواصل، بعض الجهلة من الرؤساء أو المديرين يظن أن الموظف لا يستحق أن يشكر على تصرفاته الجيدة؛ لأنه واجب أصلاً عليه في الوقت الذي يستحق اللوم أو العتاب على تقصيره وأخطائه، فيصبح 90% من حديث هذا الرئيس الفاشل لوم وعتاب وتوجيه وأوامر أنت أيضاً أيها الأب لا تكن رئيس أسرة فاشل في بيتك، نجاحك الحقيقي بعنايتك بإيجابيتك مهما كانت صغيرة في نظرك عنايتك بـ5% من إيجابيات ابنك المراهق أو بنتك المراهقة تحولها المرة القادمة إلى 50% وكفانا ملاحظة وانتباه إلى سلبيات أولادنا وعيوبهم، واستمع معي لقول الشاعر:(115/1784)
في الغالب ينتبه الوالدان لأخطاء الابن وعيوبه أكثر من انتباههم لمحاسنه وميزاته وإنجازاته، أو ينتبهون لبعض الإيجابيات الجيدة نسبياً
لسانك لا تذكر به عورة امرئٍ ... ...
فكلك عورات وللناس ألسنُ
وأبناؤنا أيضاً لهم ألسن ولهم أعين فاحصة، تنتقد آباءهم بكل دقة ومثالية وقسوة أحياناً، وإذا أصريت على تتبع عثراتهم وملاحظة زلاتهم سيبادلونك النظرة السلبية بتتبع عيوبك واكتشاف التناقض بين المثالية التي تطلبها وحقيقة شخصيتك، وتشوه صورتك المشرقة في أذهانهم وعلى العكس إذا لاحظت ميزاتهم سيتعلمون هذه الإيجابيات، وتبدأ أعينهم تبحث عن الإيجابيات التي بك فيزداد إعجابهم وتعلقهم واستفادتهم منك، أضف إلى ذلك بحثك عن إيجابيات ابنك وميزاته يزيد اعتزازك بابنك وحبك له، هذا الحب الذي يحتاج دائماً إلى تعبير فلا تحرم نفسك وتحرم ابنك لذة التعبير عن هذا الحب.
العنصر الثاني: عبر له عن حبك:
عبّر عن حبك بالهدية فهي تعبير عن المحبة وسبب في زيادتها، قال رسول الله _صلى الله عليه وسلم_: "تهادوا تحابوا" حسنه الألباني.
هناك شيء آخر يعبر له عن المحبة ويزيدها، قال رسول الله _صلى الله عليه وسلم_: "ألا أدلكم على شيء إذا فعلتموه تحاببتم؟ أفشوا السلام بينكم" رواه مسلم، وحتى تكون هذه الوسيلة في المحبة لا بد من إفشائها في البيت، لا تقل: سلمت أول ما دخلت البيت يكفي، بل أفشِ السلام إذا دخلت غرفة سلّم، أردت الخروج سلّم، رجعت سلّم لست خسراناً، عن أبي هريرة _رضي الله عنه_ عن رسول الله _صلى الله عليه وسلم_ أنه قال: "إذا لقي أحدكم أخاه فليسلم عليه، فإن حالت بينهما شجرة أو جدار أو حجر ثم لقيه فليسلم عليه" رواه أبو داود وصححه الألباني.
من أكثر ما يثبت المودة: احترامك وإكرامك لأصدقاء ابنك؛ تدعوهم للبيت، تهديهم الهدايا، تسأل عنهم لا ولدك ولا أصدقاؤه ينسونها لك
الأسرة كلها تكتسب منك هذه الصفة طول اليوم، أفراد أسرتك يدعون لبعضهم بالأمن والرحمة والبركة من خلال هذه التحية العظيمة.
من أكثر ما يثبت المودة: احترامك وإكرامك لأصدقاء ابنك؛ تدعوهم للبيت، تهديهم الهدايا، تسأل عنهم لا ولدك ولا أصدقاؤه ينسونها لك، وتكسب في صفك أكبر مؤثر على ابنك وهم أصدقاؤه.
مهم جداّ أن تدعو لابنك في ظهر الغيب، ومهم أيضاً أن تدعو لابنك في وجهه وعلى مسامعه دعوات تسعده وتشعره بحبك له، فلا تبخل عليه بدعائك.
عبّر عن حبك بثنائك عليه في غيابه، وسيصل حديثك ولو بعد حين وأثرها بالغ جداً على نفسه، كذلك لا تنس أن تعطي ولدك أو بنتك كنية يحبها، وهذه سنة: أبو فلان، أم فلان نادهم بها.
ثم لماذا لا نعبر بطريقة مباشرة ؟ أخي الفاضل، أنت ألا تحب عيالك؟ قل لهم هذا الشيء، رسول الله _صلى الله عليه وسلم_ قال: "إذا أحب أحدكم أخاه فليخبره" أخبر ابنك وأخبر ابنتك، قل: أحبك يا فلان أحبك يا فلانة، لماذا قاموس الكلام الحلو(115/1785)
محصور بين الأزواج يجددون فيه ويتفننون، ماذا يقولون لأجل النعيم، أما المراهقون! مساكين حتى هم يريدون أن يسمعوا كلاماً حلواً يكفيهم عن البحث خارج البيت ستغمر قلب ابنك المراهق بالحنان إذا أخذته بين ذراعيك، وقلت له: أحبك يا فلان، الحمد لله الذي رزقني ولداً مثلك، اليوم جربها،يفرح كثيراً، يستغرب يقول: فيه شيء يا أبتِ، قل له: ليس هناك شيء فقط أحببت أن أحضنك، وانظر أثر السحر على قلبه وتصرفاته لكن لا تربطها بشيء، يعني لا تفعلها وهو يذاكر مثلاً حتى لا يخطر في باله أن المحبة من أجل المذاكرة، ولا تؤخر كل هذا عن ابنك أو بنتك إلى أن يتوقف عن شيء ما تريده أو ينفذ شيئاً تريده، وكأنك تبتز عيالك واحدة بواحدة، تذاكر أحبك، تجيء للبيت مبكراً أضحك لك، ترتب غرفتك أقول لك كلمة حلوة، تكون الأول أحضنك مبدأ الأرض مقابل السلام، هذا لا نريده.
اكتشافك لإيجابيات ابنك وتعبيرك عن حبك له سيجعل لأحاديثك مكاناً في سمعه ووجدانه بشرط أن تتحدث كصديق، وهذا هو عنوان العنصر الثالث من عناصر بناء الصداقة، والذي سيكون –بمشيئة الله موضوعنا في مقال قادم.
ـــــــــــــــــــ
مشاكل الأبناء وكيف تتعامل معها
أ.د. ناصر بن سليمان العمر
7/10/1425
ارسل تعليقك ...
لا توجد تعليقات ...
ارسل الصفحة ...
الى مشرف النافذة ...
طباعة ...
• استقرار الأسرة من أقوى دعائم تربية الأولاد تربية صالحة، والعمود الفقري في ذلك قوة العلاقة بين الزوجين، والاحترام المتبادل بينهما حقيقةً لا تكلّفاً، وما قد يحدث بينهما من مشكلات أو اختلاف يجب ألا يكون أمام الأولاد بل في معزل عنهما، ويجب على كل واحد منهما أن يعظم قدر الآخر في نظر الأولاد، ويحافظ على هيبته ومكانته.
• لا تكن مثالياً، في عدم توقع حدوث المشكلات، بل كن متوقعاً لذلك، فإذا وقعت هان عليك أمرها، وإن لم تقع ستعيش في راحة بدون ثمن مثلاً، توقع أن أحد أبنائك قد يكسر زجاج النوافذ أو الإضاءة بالكرة، أو أن أحدهم سيسكب العصير على الكتب، واعلم أن هذا شيء طبيعي، لكن لا يعني إقراره والرضاء به، ولكنه يعطيك قدرة عجيبة على التعامل معه، فإن لم يقع فهنيئاً لك بسعادة لم تتكلفها، ومثلاً توقعك أن السيارة ستبقى ممتازة كما اشتريتها عدة سنوات، فمجرد أن يلمسها أحد أطفالك سيرفع الضغط عندك ويبدأ الصراخ والشجار، فكيف أن تعلق بها وأحدث بها ضرراً، هنا ستقع القاصمة فقد تحدث عاهة في ابنك أو في نفسك حسية أو معنوية وأنت لا تشعر، مع أن الأمر كان أسهل من ذلك، فكن واقعياً ودرّب نفسك على ذلك، وإياك والإهمال واللامبالاة.(115/1786)
• استقرار الأسرة من أقوى دعائم تربية الأولاد تربية صالحة، والعمود الفقري في ذلك قوة العلاقة بين الزوجين، والاحترام المتبادل بينهما حقيقةً لا تكلّفاً
• وقوع المشكلات العائلية أمر لا مناص منه، وقد يكون حرصك الشديد على عدم وقوع مشكلة هو السبب في وقع تلك المشكلات، فكن واقعياً، وإذا وقعت المشكلة فلا بد أن تعالجها بحكمة حتى لا تعقدها فقد تكون مشكلة صغيرة، وحلها يسير، ولكن أسلوبك في حلها قد يجعلها عويصة بعيدة الأثر والتأثير، وهي أشبه بحل عقد الشعر، أو لعبة المكعبات.
• قناعتك بأن علاقتك بأبنائك ضرب لازب يجعلك تتكيف مع واقعهم، وتعالج مشكلاتهم بواقعية وهدوء، وحذار أن تحدث نفسك يوماً بأن تتخلص من أحد أبنائك لخطأ وقع فيه أو سلوك لا ترضى عنه، ما لم يكن جرماً عظيماً "فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلَّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ" (التوبة: من الآية114).
• تذكر أن أبناءك سيكبرون يوماً، وتنتهي معاناتك، حيث يساعدك ذلك على الصبر والتحمل وحسن مواجهة المشكلات، بل إنهم سيتحملون جزءاً كبيراً من مشكلات الأسرة ومعاناتها، بل دعني أصدقك القول: إنهم سيتحملون جزءاً من مشكلاتك ومعاناتك عندما تبدأ خطواتك إلى أرذل العمل – إن مدّ الله في أيامك ولياليك_، وكما تدين تدان، واليوم قرض وغداً وفاء.
• من المسلّم به اختلاف أمزجتنا، وتغير أحوالنا، وتقلب حالتنا، تبعاً للظروف التي نعيشها، فحذار أن تتخذ قراراً مهماً وأنت في غير حالتك الطبيعية التي عرفها من نفسك، سواء كانت حالتك في وضع سيئ لأمر اعتراك أو في حالة فرح وسرور غير طبيعي، فقد تسيء في الأول، وقد تتحمل وتعد ما لا تقدر عليه في الثاني، أجّل قراراتك في حل المشكلات إلى أن تعود إلى وضعك الطبيعي، فالمشكلة العادية تكون غير ذلك في حالة الفرح والسرور أو الحزن والضيق والمرض، درّب نفسك على ذلك حتى لا تفقد أعصابك بلا ثمن، فإنما العلم بالتعلم، والحلم بالتحلم، ومن يصطبر يصبره الله، والوضع غير السوي ينتج عملاً غير سوي، ولذلك تكره صلاة الحاقن، ويحرم حكم الغضبان ولا تقبل صلاة السكران.
• معايشتك لمشكلات أبنائك يزيد من التقارب والألفة، ولا أشد على المرء من شعوره بأن من حوله يتجاهلونه، وبخاصة أبويه، وإذا كنت تحب أن يشاركك الناس في مشكلاتك ويشعرونك بتعاطفهم معك، فالناس كذلك، وأبناؤك أشدّ وأحوج، فتفقد أبناءك، وأشعرهم بتعاطفك معهم إن واجه أحد منهم مشكلة أو مرض، وإياك أن تتجاهلهم، فذلك جرح لا يندمل، وقد يبدو لك أن مشكلاتهم صغيرة لا تستحق الاهتمام، وهذا خطأ وسوء تقدير، فمشكلاتهم على قدر أعمارهم، فعطب في لعبة ابنك أعظم عنده من انشطار سيارتك إلى نصفين، ومشكلته مع ابن الجيران أكبر عنده من قيام حرب بين دولتين.
• مشكلتنا أننا نقف عند ظواهر المشكلات دون تعمق في تحليلها وسيرها والبحث عن أسبابها، ولذلك تأتي الحلول غير عملية، بل مؤقتة، وأحياناً يأتي العلاج بعكس ما أردنا، فتتعمق المشكلة وتزداد، ولو قمنا بدراسة المشكلة دراسة شاملة، متأنية ثم حللنا أسبابها وآثارها وأسلوب علاجها، لجاءت النتائج مبهرة دون ثمن باهظ.(115/1787)
أرى أن مفتاح حلّ مشكلة الابن يكمن بمعرفة شخصيته ونفسيته، ونوازعه، ثم القدرة على التعامل مع تلك الخصائص والنوازع بتوازن وحكمة وطول نفس، والعجيب أن كثيراً من الآباء يجهلون أبناءهم، ولذلك يتعاملون معهم تعاملاً عكسياً، والأم – غالباً- أقدر من الأب على معرفة خصائص الابن وغرائزه، والإخوة الكبار يدركون عن إخوانهم ما لا يعرفه الأب، والأصدقاء والرفقة قد يكونون أقدر وأعرف من الجميع، والمهم الإفادة من الجميع لتقويم شخصية الابن حتى يتمكن الوالدان من التعامل معها بصورة صحيحة؛ لأن الحكم على الشيء فرع عن تصوره، والله _سبحانه_ قد أعطى كل شيء خلقه ثم هدى.
أما الشجار:
• لا تنزعج كثيراً من الخلافات بين الأولاد فهي طبيعية، على أن تكون داخل دائرة معقولة.
• حذار من خروج أسرار بيتك إلى الآخرين، وبخاصة ما فيها من خلاف وشجار _إن وجد_.
• قد يكون الشجار بين أولادك يسيراً، ولكنك تجعله معقداً وصعباً حينما تتدخل فيه، ولو جعلته يمر لربما انتهى خلال دقائق معدودة دون أن تبذل أي جهد إلا أن تضبط نفسك وتضغط على أعصابك، فلا تجعل ضعفك سبباً لأزمات الآخرين.
• الفصل بين القوات: تذكر هذا المصطلح العسكري عندما ينشب خلاف بين الأولاد فلا أجد حلاً إلا بإبعاد أحدهما عن الآخر، إما إبعاداً جزئياً أو كلياً لمدة من الزمن، وهو من الحلول العملية إذا استخدم بمهارة وحكمة "وفرقوا بينهم في المضاجع".
• تنبأ بالحدث من مقدماته حتى يسهل القضاء عليه قبل أن يستفحل فيصعب علاجه، فمثلاً قد تسمع ببداية الخلاف بين أولادك ، فبإمكانك مناداة أحدهما بشكل عفوي وإرساله في مهمة تنسيهما الموضوع.
• كم نسيء إلى أنفسنا وإلى غيرنا في كثير من الأحيان، ولا نغير من الواقع شيئاً، وذلك عندما نفقد الحكمة والاتزان عند معالجتنا لكثير من الأمور، وبخاصة ما يقع من الأولاد، فمثلاً عندما يتشاجر الأولاد، بل قد يصل إلى العراك بينهم سرعان ما نتصرف تصرفاً غير منطقي فندخل طرفاً ثالثاً في الشجار والعراك، ولو أننا نظرنا إلى هذا الأمر نظرة طبيعية، وهذا لا يعني اللامبالاة والتسيب وترك الحبل على الغارب، ولكنه شيء من الحكمة والتعقل، ووضع الأمر في نصابه، كل ذلك سيحقق لنا مكاسب جمة، منها أننا سنحافظ على صحتنا وأعصابنا، ومنها أننا لن نجرح مشاعر أبنائنا ونسيء إليهم، ومنها قدرتنا على تلمس أسباب المشكلة ومن ثم حلّها، إلى غير ذلك من الفوائد التي لا تخفى، إنني أدرك أن هذا الأمر يحتاج إلى تدريب للنفس، وعدم انسياق مع الغرائز والانفعال، وقد تجد صعوبة في أول الأمر، ولكنه يصبح سجية وألفة بعد ذلك، وهذا يذكرني بما يفعله كثير من الناس عند وقوع الحوادث، فالاستعجال بإسعاف المصابين وبخاصة من المقربين قد يسيء إليهم، بل قد يفقدون حياتهم بسبب الانفعال الزائد وعدم القدرة على التحكم في الأعصاب مما تكون معه طريقة الإسعاف خاطئة تسيء إلى المصاب، بينما أننا إذا تحكمنا في أعصابنا، وعالجنا الحادثة بهدوء ورويّة ساعدنا ذلك على إنقاذ المصاب وحسن(115/1788)
التعامل معه، ولذلك فأقدر الناس على إسعاف المصاب أبعدهم قرابة، لاعتدال انفعالهم وضبط توترهم، فهلا كنت كذلك مع أولادك لتصل إلى الهدف؟
• الكذب أساس كل خصلة ذميمة، وقد ينزعج الأب إذا علم أن ابنه يضرب إخوانه، أو يستمع إلى الأغاني، ولا ينزعج إذا علم أن ابنه يكذب، بل قد يشجعه على ذلك وينمي فيه تلك الخصلة وهو لا يشعر علماً أن تلك الخصال وأمثالها لا تقارن بخصلة الكذب، حيث إن تلك يسهل التخلص منها، أمّا الكذب فهو داء عضال من ابتلي به قلّ أن ينجو منه أو من آثاره، ولذلك يجب الحزم في التصدي لهذه الخصلة إن ابتلي بها أحد من أولادك، واحذر أن تكون سبباً في ذلك، وكن متيقظاً فالأولاد لديهم مهارة في إخفاء كذبهم، ولولا ذلك لما وقعوا فيه.
• ومع أنني لا أميل إلى العقاب في كثير من تصرفات الأبناء إلا أنني أؤيد استخدام الضرب عند الكذب إذا لم تجد مع أبنائك الوسائل الأخرى، حيث لا يحتمل الأمر طول النفس والتساهل، وكثير من الأخطاء تعالج بالتدرج، أما الكذب فلا بد من اقتلاعه من جذوره، والتدرج ينمّيه ولا ينقصه وليتواطأ أهل البيت على الصدق، فبه نجا كعب بن مالك وصاحباه، وبالكذب هلك المنافقون "وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ" (المنافقون: من الآية1).
ـــــــــــــــــــ
أساليب عملية في التعامل مع المراهقين
هاني العبد القادر
20/9/1425
ارسل تعليقك ...
تعليقات سابقة ...
ارسل الصفحة ...
الى مشرف النافذة ...
طباعة ...
مدخل ومقدمة:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته..
نعرض في هذه السلسلة بعض الأساليب التربوية نستمد محتواها من القرآن الكريم والسنة المطهرة وآراء المختصين في مرحلة المراهقة... أساليب عملية نرجو أن تكون واضحة وسهلة على الآباء وعميقة التأثير في الأبناء، نهدف بها إلى زيادة راحتكم في منازلكم وزيادة استمتاعكم بتربية وإصلاح المراهقين من أبنائكم ،وذلك من خلال حديث عن المحورين التاليين:
1 – بناء الصداقة: "خمس عناصر"
أ – اكتشف الإيجابيات الصغيرة.
ب – عبّر له عن حبك.
جـ - تحدث كصديق.
د – شاركه المتعة.
هـ - شاركه العبادة.(115/1789)
2 – حل المشاكل بلا مشاكل: "سبع عناصر"
أ – طوّل بالك.
ب – اقبل ابنك بعيوبه.
جـ - الخطوات الخمس لحل مشكلة ابنك.
د – أسلوب "أنا" لحل مشكلتك.
هـ - اعترف برأيه.
و – الحزم اللطيف.
نعرض في هذه السلسلة بعض الأساليب التربوية نستمد محتواها من القرآن الكريم والسنة المطهرة وآراء المختصين في مرحلة المراهقة..
ز – دعه يتوهق.
سأتجنب الحديث عن تعريفات المراهقة والتغيرات الجسدية وعلامات البلوغ وبقية النواحي النظرية إلا في مواضع قليلة لأهميتها الخاصة، وذلك على افتراض أنها متيسرة في غير هذا المقام.
عندما أقول في مقالاتي هذه:كلمة "الآباء" فأنا أقصد الوالدين الأب والأم، وعندما أقول: "الأولاد" أو "الابن" أو "المراهق" فأنا أقصد المراهق والمراهقة على حد سواء، والآن ننطلق معاً إلى بداية الموضوع.
سبحان من أودع في قلب الأم غريزة فطرية وعاطفة جيّاشة، سبحان من جعل حبها لأبنائها أكبر من أي تعب أو معاناة أكبر حتى من آلام المخاض وطلقات الولادة هذه المعاناة الكبرى التي وصفتها أم شاعرة بعد إنجابها طفلها الأول تقول:
إذا ما تكورت في داخلي ... ...
وأثقلت جسماً خفيفاً خلي
وبت أقلب فكر التمني ... ...
سأحظى بليلى ترى أم علي
ولما توالت شهور الطوال ... ...
وقاربت حولاً به مأملي
ذبلت ذبول غصون الخريف ... ...
ومن تك مثلي ولم تذبلي؟!
وحين تزمجر ريح المخاض ... ...
تلاطم أمواجها مركبي
شعرت بنوبة شبه الجنون ... ...
وموجة صخب إلى الأصخبِ
كأني من القهر بين الرحى ... ...
تدك عظامي بلا موجبِ
استجرت بلطفك يا من على ... ...
ضفافك ألقيت ما حلّ بي
وتنسل مني جذور العروق ... ...
جنيناً دعاني من مغربي(115/1790)
وكنت مودعة للحياة ... ...
ومبحرة في دجى غاربي
هناك تذكرت بين الملا ... ...
حنانك أمي وعطف أبي
وأيقظني من سبات عميق ... ...
ملاك يغرد في جانبي
استعانة بالله وحب وصبر، كل هذا يحتاجه المولود الضعيف في ولادته الأولى، ويحتاجها مدة أخرى في ولادته الثانية، ولادة رجولة الولد، وولادة أنوثة البنت، ومثلما الولادة الأولى تأتي بعد تسعة أشهر حملاً في رحم امرأة ضعيفة، كذلك الولادة الثانية ولادة الرجولة والأنوثة، تأتي بعد تسع سنين حملاً في رحم مرحلة ضعيفة هي مرحلة المراهقة، للحمل الأول علامات، وللحمل الثاني علامات، في شهور الزواج الأولى ينتظر الزوجان علامات الحمل بفارغ الصبر رغم أن هذه العلامات مزعجة في حد ذاتها من غثيان واضطراب في النفسية وآلام وإغماء أحياناً، رغم ذلك ينتظرون هذه العلامات ويفرحون بها؛ لأن وراءها شيء رائع، وراءها طفل ينتظرونه، وكذلك علامات الحمل الثاني يجب أن ننتظرها بشوق أيضاً، ونفرح لقدومها ولا يؤثر على فرحتنا بها على كون هذه العلامات مزعجة في حد ذاتها من تمرد وتذمر وعناد، أو الابتعاد عن الآباء إلى الأصدقاء، أو حساسية عاطفية، رغم إزعاج هذه العلامات نفرح بقدومها؛ لأن وراءها شيء رائع، وراءها رجل صالح تنتظرونه، ووراءها امرأة صالحة تنتظرونها، للولادة الأولى آلام متعبة، وللولادة الثانية آلام متبعة أيضاً، أشد آلام الولادة الأولى انفصال الطفل بجسده وروحه، وأشد آلام الولادة الثانية انفصال المراهق بإرادته وعواطفه، ومتى يحدث هذا الانفصال الصعب يحتاج المراهق لقوتين دافعتين يفجرهما الله في نفسه شدة: 1- الانفعال. 2- والحاجة للاستقلال، ومن القوتين تكون مظاهر المراهق المزعجة أحياناً، لكن مهما كانت مزعجة فأنتم صبرتم على الأكثر إزعاجاً منها، صبرتم على آلام الولادة الأولى، و_بإذن الله_ تستطيعون الصبر على آلام الولادة الثانية، على متاعب المراهقة، وتحلون مشاكلها وتبنون صداقة حقيقية مع ابنك والمراهق، وتبدعون في تعاملكم معه، و_بإذن الله_ سيتعلم منكم من حولكم من الآباء كيف يربون أبناءهم، والأهم من ذلك أنكم تُعَلِّمون أبناءكم كيف يكونون آباء في المستقبل _بإذن الله تعالى_.
كانت هذه مقدمة لأساليب التعامل مع المراهقين، وفي حلقة قادمة –بإذن الله- سنتعرض للمحور الأول: (بناء الصداقة)
ـــــــــــــــــــ
تذييل على "التربية الساخنة"
باسم السبيعي
13/9/1425
ارسل تعليقك ...
تعليقات سابقة ...(115/1791)
ارسل الصفحة ...
الى مشرف النافذة ...
طباعة ...
رابط موضوع التربية الساخنة الموضوع الأصل
http://www.almoslim.net/tarbawi/show_article_main.cfm?id538
تمهيد:
مر بك في الورقة السابقة حديث عن التربية الساخنة.. ..أعني بها أن يسعى المربي في اختيار مواقفه التربوية؛ فيوقعها حسب المواقف والأحداث، عليه أن (يتربص) بإخوانه (المواقف)، ويضرب (بمطارق) التربية في (سخونة) الأحداث.. أن يجعل الموقف الساخن فرصته السانحة لإيقاع التربية المناسبة؛ لـ(تفصيل) المستحبات والمكروهات على (جسم) الأحداث.. الإسلام حياة..
والمقصود بالتربية الساخنة ، هي أن يكون الموقف نفسه ساخناً، ولا يعني أن يكون أسلوب التربية ساخناً..!
ولا بد لنا هنا من تذييل على ما سبق..في مسائل:
المسألة الأولى: التربية المستمرة أساس التربية الساخنة:
قد قرأتَ فيما سبق أنه لا يكفي في التربية أن تسرد عليهم قائمة بالمستحبات والمكروهات، لا بد أن تجعل الموقف الساخن فرصتك السانحة لإيقاع التربية المناسبة.
مر بك في الورقة السابقة حديث عن التربية الساخنة.. ..أعني بها أن يسعى المربي في اختيار مواقفه التربوية؛ فيوقعها حسب المواقف والأحداث، عليه أن (يتربص) بإخوانه (المواقف)؛ ويضرب (بمطارق) التربية في (سخونة) الأحداث
وأظن أن القارئ الحصيف يدرك أنها دعوة لتعاضد التربية الساخنة الطارئة المستثمرة للحدث مع التربية الترسيخية المستمرة البانية للنفوس، فالتربية الساخنة حالة من حالات التربية المتنوعة.. مثلها مثل التربية التعليمية، والتربية التلقينية، والتربية الإيحائية...
ويغلط المربي حين يستروح الكسل، ويكتفي بالصمت حتى تحين فرصة تربوية!، فإن التربية المستمرة والتربية الساخنة تتعاضدان في التربية تعاضد اليدين؛ لأمور منها:
1- إن كانت عامة أسباب نزول الآيات وورود الأحاديث أمثلة للتربية الساخنة؛ فإن عامة النصوص التي لم يرد فيها سبب نزول أو ورود هي أمثلة للتربية المستمرة..
2- أن التربية المستمرة تصنع –بإذن الله- النفسية المؤمنة التي تتقبل التربية الساخنة وتتفاعل معها.
3- أن التربية المستمرة ترسخ المعاني والألفاظ في النفس، فإذا جاءت التربية الساخنة أصبح الأمر أشبه بالتذكير، والتذكير أسهل من التأسيس.
4- أن زمن التربية الساخنة أضيق من زمن التربية المستمرة.. وإن كان لها من الأثر ما ليس لغيرها.(115/1792)
فاستمر..! استمر في تربيتك وتعليمك وتلقينك وتحفيظك وسرد المعاني والألفاظ؛ فإذا جاء الموقف الساخن فاضرب بمطرقتك التربوية في سخونة الأحداث..!
المسألة الثانية:السخونة أنواع ومراتب..:
حين نقول: "التربية الساخنة" فإن السخونة أنواع، وهي كذلك مراتب.. فهذه فرصة لاتساع التفكير، ومن ثم اتساع الفرص التربوية.
فقد يكون الموقف الساخن عالمياً: في أزمة تخنق الأمة كلها ، أو انتصار يفكها.. في عالم ساخن بالأحداث.
وقد يكون الموقف الساخن جماعياً: في مواقف بشرية ضمن مجتمعك التربوي الصغير؛ الذي لا يخلو من المواقف.
وقد يكون الموقف الساخنة فردياً: في ظروف تتابع على المتربي الواحد ممن تحتك؛ ظروف تحيطه وتغلي به، ضمن عالم الإنسان العجيب.
وقد تكون السخونة فرحاً أو ترحاً ، نعمة أو بأساء، موقفاً مشرفاً من المتربي أو تصرفاً سيئاً من آخر..وهكذا..
والسخونة أيضاً مراتب، وهي تفاوت كما تتفاوت درجات مسبار الحرارة.
وحين يتسع ذهن المربي لأنواع من "السخونة" ستزيد بين يديه الفرص التربوية، حين يفتح عينيه سيرى أن فرص التربية الساخنة تتقاطر عليه وتتناثر، بعد أن كان لا يبصرها إلا حوليةً؛ مرة كل سنة!
الثالثة: مثال تربوي:
مرَّ بك في الورقة السابقة بعض التطبيقات للتربية الساخنة.. ونزيد هنا أمثلة نوسِّع بها المعنى..
خذ مثلاً: يشتكي بعض المربين من بعض المظاهر السيئة في مجتمعه، فقد يجد فيها تراجم بالألفاظ القبيحة، أو تداعياً بدعوى الجاهلية، أو ترفاً رخواً يميت الجد.. وهذه من أمراض المجتمعات التربوية.
ولكل منها علاج جاء به الكتاب والسنة، والذي نريده هنا اقتباس أسلوب التربية الساخنة، فنقول:
لا بد للمربي –من قبل ومن بعد- أن يرسخ في النفوس أمر الله وتعالى ونهيه في هذا الباب وغيره، ويلقنهم كلام الله وكلام رسوله صلى الله عليه وسلم، ويخبرهم بثوابه وعقابه فيه، حتى تتشبع النفوس بهذه المعاني.
ثم –وهذا المراد هنا- عليه أن يتتبع المواقف ، ويبدأ بتقوية قنوات استشعاره لتصرفاتهم؛ فمتى ما وقع التصرف المذموم فقد بدأت مهمته المهمة: بتفعيل المعلومات السابقة، وبربط ما تعلموه –من الأمر والنص والجزاء- بهذا الموقف، ويشحن موقفه بإخلاصه وبلاغته وعاطفته..هنا يكون الأثر!
لأن المشكلة أن كثيراً من المربين تؤلمه هذه الأمور؛ فيسكت ويسرها في نفسه، وربما تنبت الظاهرة السيئة وتأزر وتستغلظ وتستوي على سوقها وهو ساكت يتأمل ويتألم!، وربما يجتمع بهم يوماً فيلقي كلمة عامة تجريدية عن أهمية الأخلاق للمسلم؛ ثم لا يربطها بتفاصيل أحداثهم، ومواقع النصوص من أفعالهم.. في تربية باردة!(115/1793)
كثير منَّا يعلم أن الخلق الحسن من فضائل الأعمال، لكنه في تصرفاته اليومية لا يعمل بذلك؛ لماذا؟ لأنه ربما لا "يعلم" أن هذا الموقف يدخل في الخلق الحسن، أو يعرف ولكنه لا "يستحضر" ذلك، فهو مصاب بـ"جهل" أو "غفلة"، ودواؤه "البصيرة" و"التذكرة"، ومهمة المربي هنا " أُبَلِّغُكُمْ رِسَالاَتِ رَبِّي" ، "وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنفَعُ الْمُؤْمِنِينَ".
والتربية الساخنة التي نريد هي التي تجمع بين هذين، وهي التي توقع "النص" على "المثال"، وهي التي قلنا لك من قبل: "(تفصيل) المستحبات والمكروهات على (جسم) الأحداث.. فالإسلام حياة".
الرابعة: العلم الشرعي الراسخ.. هو أصل التربية الساخنة:
فإن التربية الساخنة هي ثمرة أمور: العلم الشرعي الراسخ، الفهم الواعي للواقع، والصبر على الدعوة.
وهذه كلمة تحتاج إلى تفصيل، ولعل في مستقبل الأيام فرصة _بإذن الله_..
وأخيراً، ففيما مضى فرصة لك أيها المربي أن تستغل سخونة الموقف لصياغة التربية، وقد أجمع أهل المعادن أن سخونة الحديد فرصة لتشكيله.. وعلى هذا فليجمع أهل التربية!
ـــــــــــــــــــ
الدعوة بالمراسلة
عبدالرحمن الريس
6/9/1425
ارسل تعليقك ...
تعليقات سابقة ...
ارسل الصفحة ...
الى مشرف النافذة ...
طباعة ...
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين محمد بن عبد الله وعلى صحبه أجمعين.. وبعد:
"كم أنا في شوق إلى رسائلكم، وأنتظرها بفارغ الصبر، حيث علمتني أشياء كنت أجهلها"
"لم أعلم أهمية التوحيد وعظم تعلمه إلا بعد قراءتي لكتبكم وسماعي لأشرطتكم"
" لقد كنت في بدع وجهل، وتعلمت منكم أشياء ما كنت أعرفها من قبل _جزاكم الله خيراً_"
"عندنا فقر وجهل بالعقيدة الصحيحة، فأمدونا بالعلم والاستفادة يا أهل الحرمين"
أخي الحبيب:
إن ما قرأته في السطور السابقة نماذج من مضمون كثير من الرسائل التي وصلتنا من إخواننا المسلمين خارج هذا البلد الطيب، حيث يتضح من خلالها تعطش الناس إلى معرفة الدين الصحيح بعد أن ألصق به أعداؤه والجهلة من المنتسبين إليه ما ليس منه، حيث نشروا البدع والمنكرات والمفاهيم الخاطئة.(115/1794)
وإيماناً منا بأهمية الدعوة إلى الله في تصحيح تلك الانحرافات الخطيرة عن منهج الله نشأت فكرة الدعوة بالمراسلة بالكتاب والشريط الإسلامي، وقد روعي في هذا المشروع التركيز على تصحيح العقيدة الإسلامية ووضع منهج مدروس يتدرج من خلاله بالشخص المدعو "المراسَل" مرحلة بعد مرحله ليصبح بعد توفيق الله داعياً مؤهلاً لتصحيح ما في مجتمعة من انحرافات عقدية ومناهج خاطئة، وقد رأينا أن نرفق مع كل "رد" مرسل رسالة أخوية تتضمن ذكر الدافع لإرسال هذه الكتيبات والحث على العمل بها والدعوة إلى ما فيها.
وإيماناً منا بأهمية الدعوة إلى الله في تصحيح تلك الانحرافات الخطيرة عن منهج الله نشأت فكرة الدعوة بالمراسلة بالكتاب والشريط الإسلامي
أهداف اللجنة:
1. تصحيح العقيدة من الشرك وتصحيح العبادات.
2. محاربة المنكرات والمفاهيم الخاطئة.
3. ربط المسلم بسيرة الرسول وصحابته الكرام للاقتداء بهم.
4. الوعي بالمذاهب والطرق الهدامة.
5. تنمية الجوانب التربوية اللازمة لتهيئة الداعية.
6. إقامة الحجة وإبراء الذمة أمام الله في تبليغ الدعوة.
7. خدمة العقيدة الإسلامية بتوضيح الرؤية العقائدية الصحيحة.
8. حث المراسلين على الدعوة إلى الله بالمنهج الصحيح.
9. الاهتمام بالمرأة المسلمة توجيهياً وتربوياً.
10. الرغبة في إيجاد دعاة في كل بلد وقطر.
11. التصدي للغزو الفكري والمذاهب.
طريقة المراسلة:
1. نستقبل رسائل الإخوة والأخوات من شتى أقطار العالم بعد أن حصلوا على عنواننا من بعض المجلات الإسلامية، وبما ينشره من استقبل رسائلنا من المدعوين في مناطقهم.
2. نرسل لهم كتباً وأشرطة على مجموعات متفرقة بعد ردهم على رسائلنا.
3. يتخلل الكتب والأشرطة بعض الأسئلة، ويطلب منهم الإجابة عليها ثم إرجاعها إليهم مصححة.
4. نستقبل أسئلة الفتاوى وغيرها ونحيلها لبعض العلماء ليجيبوا عليها ثم نرسلها لأصحابها.
5. تصوير أركان التعارف من بعض المجلات الهابطة ومراسلة أصحابها لنصحهم ودعوتهم.
6. طلبنا من بعض المراسلين نشر عنواننا في بلادهم مع تزويدنا بعناوين من يرى عليهم انحراف في العقيدة وغيرها لمراسلته ودعوته.
برنامج المراسلات:
الكتب التي تحتاجها اللجنة بشكل دائم:
الكتب العربية:(115/1795)
1. (كتاب التوحيد) د.صالح بن فوزان الفوزان.
2. (تحفة الإخوان بأجوبة مهمة تتعلق بأركان الإسلام) سماحة الشيخ: عبد العزيز بن باز.
3. مخالفات في التوحيد ( الشيخ: عبد العزيز الريس )
4. (العقيدة الصحيحة وما يضادها ونواقض الإسلام) الشيخ: عبد العزيز بن باز.
5. (أحياء يستغيثون بأموات) شيخ الإسلام ابن تيمية.
6. (الأصول الثلاثة وأدلتها، شروط الصلاة، القواعد الأربع) الإمام: محمد بن عبد الوهاب.
7. (ظاهرة ضعف الإيمان) الشيخ: محمد المنجد.
8. (فتاوى مهمة لعموم الأمة) سماحة الشيخ: عبد العزيز بن باز.
9. (محرمات استهان بها الناس) الشيخ: محمد المنجد.
10. (تسعون فتوى في أحكام الحيض والنفاس) الشيخ: محمد العثيمين.
الكتب المترجمة:
1. (عقيدة المسلم) فضيلة الشيخ: محمد العثيمين
2. (الدروس المهمة لعامة الأمة) سماحة الشيخ: عبد العزيز بن باز.
3. (الأصول الثلاثة) الإمام المجدد: محمد بن عبد الوهاب.
4. (حصن المسلم من أذكار الكتاب والسنة) الشيخ: سعيد بن علي القحطاني.
قالوا عن المشروع:
• يقول الشيخ عمر بن سعود العيد: "..هذا المشروع من وسائل الدعوة إلى الله النافعة؛ فكم اهتدى بسببه من عاص ومنحرف، وكم استفاد منه من طالب علم وعالم، وبهذه المناسبة أحث إخواني من القائمين على الجمعيات الخيرية، وكذا الشباب على الاستفادة من خبرات هذا المشروع لينتشر الخير ويعم في الناس، كما وأحث المحسنين على التبرع لهم بالمال والكتب والأشرطة لعلها أن تصل إلى مستفيد وطالب علم، فإن ذلك من الصدقات الجارية".
• يقول الشيخ عبد العزيز بن محمد الوهيبي: "...وهم أهل للإعانة المعنوية والمادية لعظم ما يقومون به من الدعوة إلى الله _تعالى_ لا سيما أنهم يحتاجون إلى مبالغ من أجل شراء الكتب وطباعتها.. "
• يقول الشيخ عبد العزيز بن محمد بن علي آلعبداللطيف:"..إن المشروع حقق – بفضل الله تعالى – مكاسب كبيرة في باب الإصلاح والدعوة إلى الله _تعالى_، ويقوم على هذا المشروع نخبة من الإخوة الأفاضل الثقات ممن لهم عناية بالعلم الشرعي والدعوة إلى الله _تعالى_.."
نماذج من بعض الرسائل:
• هذه مراسلة من دوله السودان تقول: "هل تعلمون أن جميع أفراد أسرتي كانوا يتوسلون بأصحاب القبور، وأن زوجي لا يصلي، ولكن _و لله الحمد_ هدانا الله بفضله أولاً – ثم بما أرسلتموه لنا من هذا النور الذي أضاء لنا قلوبنا قبل طريقنا، راجين منكم دوام التواصل معنا ".(115/1796)
• وهذا آخر يصف الرسائل التي أستلمها بأنها "نور يقودنا من ظلمات الجاهلية التي كنا نعيش فيها، وخاصة ظلمات تعظيم الأموات والغائبين، فكم أسمع ممن يعيش حولي وهم يرفعون أصواتهم بالنداء للأموات والغائبين، وقد كنت – وللأسف – واحداً منهم، ولكن هذه الكتيبات قادتنا إلى نور التوحيد والعقيدة الصافية.
• وينقل أحد مراسلينا في دولة تنزانيا البشرى لنا، فيقول: "يسرني إفادتكم أنه في أوائل صفر من هذا العام 1424 ه دخل إلى الإسلام على يدي رجلان، كل واحد منهم أبوه راهب بأكبر كنيسة عندنا، وهم الآن يجتهدان في تعلم العلم الشرعي نظراً لما ضيعاه من الوقت في الكنيسة فنأمل التواصل معهم".
• ويذكر أحدهم من دوله غانا موقفاً مؤثراً فيه دلالة كبيرة على الأهمية الكبرى التي تحظى بها بلاد الحرمين – حرسها الله – فيقول " اطلعت على الكتيبات التي أرسلتموها لنا فعلمت أن ما يدعو إليه مديرنا هو الحق، وأن ما يدعونا إليه شيوخنا هو الباطل، حيث إنهم يجمعون الرجال والنساء في المقابر ويطوفون عليها ويبكون عندها، فنهاهم مدير المدرسة فلم ينتهوا، - يقول المراسل قبل هدايته-: ونحن نقول في أنفسنا يحب الفتنة في البلاد!! فلما وصلتنا الرسائل منكم أطلع عليها مديرنا وأخذ منها كتاباً في أحكام زيارة المقابر ثم جمع الناس، وقال لهم: هل تؤمنون بأهل السعودية بأنهم على الحق؟! قالوا: نعم، فقرأ لهم الكتاب وفسره لهم بلغتهم فآمن كثير منهم _ولله الحمد_".
• و تقول إحدى المراسلات من بعض الدول العربية: "إن قولكم بأن احتفالات المولد النبوي من البدع المخالفة للتوحيد هي معلومة أتلقاها لأول مرة، حيث يتم التحضير لهذا الاحتفال قبل الموعد بعدة أيام، ناهيك عن احتفال رأس السنة ونحوها، وتتساءل: إلى أين نحن سائرون؟".
• و يذكر مراسل آخر من دوله غانا " أن كتاب (تحفة الإخوان) للشيخ ابن باز _رحمه الله تعالى_ قد استفدت منه استفادة كبيرة، ذلك أن الرسالة وصلتني قبل شهر ذي الحجة من عام 1423ه، ولذا انتهزت الفرصة لأوضح الكثير من أحكام الحج لمن عزموا على الحج من أهالي بلدتنا...ثم يواصل: إن أهالي إحدى القرى المجاورة لقريتنا تركوا الصلاة في الجماعة بسبب فتنة وقعت بينهم وبين الإمام فطلبت منهم أن يجتمعوا في بيت أحدهم بعد صلاة الصبح ثم قرأت عليهم رسالة ( وجوب أداء الصلاة في جماعة ) للشيخ ابن باز _رحمه الله_، حتى بلغت قوله: ولأن التخلف عن أدائها في الجماعة من أعظم أسباب تركها بالكلية، فقالوا:لا والله، سمعنا وأطعنا،سنرجع إلى المسجد،يقول المراسل: فرأيتهم جميعاً في صلاة الظهر من نفس اليوم – والله الحمد –".
• ويذكر أخ لنا من نيجيريا "أن مسألة الصلاة في مسجد فيه قبر كانت مسألة خلافية لدينا في المدينة، ثم استطعت _بعون الله_ ثم برسائلكم أن أحل هذه المشكلة لأهالي البلدة".
• ويصف أحد المراسلين في دولة عربية كتاب الشيخ ابن باز (فتاوى مهمة لعموم الأمة) بأنه "أحدث زلزالاً في رأسي وتفكيري، حيث التناقض المخيف بينما ذكره الشيخ من تحريم الاحتفال بالمولد وليلة النصف من شعبان وليلة السابع والعشرين من(115/1797)
رجب، وأن النبي _صلى الله عليه وسلم_ لم يفعل شيئاً من ذلك بينما نرى مشايخنا هنا يقيمون الاحتفالات والسرادقات لهذه المناسبات، بل ونحتفل بها احتفالاً رسمياً..ثم يستطرد بقوله: فماذا نفعل – نحن شباب المسلمين – وقد صرنا مذبذبين لا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء؟! فمن نتبع ومن نخالف؟!"
• ويحذر أحد المراسلين من دولة تنزانيا فيقول: "أخبركم أن الشيعة الضُلاّل لهم جهود تتسع في المنطقة يوماً بعد يوم ولهم مساجد ومدارس وغير ذلك حتى في القرى، ولهم عادة في رمضان حتى يغلقون مدارسهم ويبعثون طلابهم إلى القرى لنشر ضلالهم؛ لأن قلوب المسلمين مفتوحة وقابلة للإرشاد..وقد بعث إلينا المراسل صوراً لبعض مساجدهم ومراكزهم بالمنطقة – والله المستعان–".
• ويوضح أحد مراسلينا من السودان في رسالته " أن في منطقة غرب هرر يوجد أكثر من 220 كنيسة يوزعون على المسلمين في كل شهر الطعام والثياب والقمح والشعير والصابون، كما يمنحون الطلاب أقلاماً ودفاتر وكتباً وحقائب، ويذكر المراسل أنه في هم وحزن على هذا الوضع خوفاً من تغير معتقدات المسلمين هناك وأخلاقهم بهذه المعونات التنصيرية".
• ولا تسأل عن الطلبات الكثيرة للحجاب الإسلامي الساتر من نساء المسلمين في دول متعددة، حيث تقول إحداهن: "أريد أن أسد عيون الناس عني بهذا الحجاب".
ـــــــــــــــــــ
مسابقة رمضانية في مسجد الحي
د. فؤاد العبد الكريم
5/9/1425
ارسل تعليقك ...
تعليقات سابقة ...
ارسل الصفحة ...
الى مشرف النافذة ...
طباعة ...
التعريف بالمسابقة اليومية الرمضانية بمسجد هارون الرشيد
(في حي الروابي بالرياض)
فكرة المسابقة تقوم على وضع سؤالين يومياً، أحدهما ترفيهي، وهو البحث عن كلمة السر، وهي كلمة مفيدة، والثاني سؤال عام يُسبق بمعلومات مفيدة حول موضوع الإجابة، ثم يطلب الإجابة على السؤال.
وتتكون المسابقة من أربعة أوجه على ورقتين، الوجه الأول عبارة عن واجهة المسابقة، ويحوي (عنوان المسابقة "على مائدة الإفطار"، - رقم المسابقة والعام الهجري - آية أو حديث أو توجيه مفيد - شروط المسابقة - إجابة العدد السابق)، أما الوجه الثاني فيحوي سؤال (البحث عن كلمة السر)، والوجه الثالث يحوي مقالاً مفيداً، والوجه الرابع يحوي السؤال العام، وفي أسفل الصفحتين الثالثة والرابعة يخصص مكان لكتابة اسم المتسابق وإجابة السؤالين، ويمكن الإجابة في ورقة خارجية.(115/1798)
ويتم توزيع المسابقة بعد صلاة المغرب مباشرة من كل يوم، في أماكن مخصصة عند الأبواب، وتعلق نسخة من المسابقة على لوحة المسجد، ، وتوضع الإجابات في صندوق مخصص للمسابقة عند أبواب المسجد من الداخل، وآخر موعد لاستقبال الإجابة قبيل إقامة صلاة عشاء ذلك اليوم، ولا يشترط حضور صلاة التراويح في المسجد.
فكرة المسابقة تقوم على وضع سؤالين يومياً، أحدهما ترفيهي، وهو البحث عن كلمة السر، والثاني سؤال عام يُسبق بمعلومات مفيدة حول موضوع الإجابة
وبالنسبة لإعلان الإجابة فتكون من الغد بعد صلاة المغرب مباشرة، وتسلم الجوائز للثلاثة الأوائل، وهي جوائز متفاوتة القيمة، وفي السنة الأخيرة كانت الجوائز نقدية.
والهدف من هذه المسابقة إشغال هذا الوقت (من صلاة المغرب إلى صلاة العشاء) بما هو مفيد، حيث إن هذا الوقت يعد فترة تناول طعام العشاء وهو وقت استرخاء وراحة، ولذلك فليس في هذه المسابقة في هذا الوقت إلهاء عن العبادة في شهر رمضان.
معلومات عامة عن المسابقة:
- هذه المسابقة لا تحتاج إلى توفير مراجع، فهي إما أسئلة عامة، أو أسئلة عن القرآن الكريم.
- مجرد قراءة المسابقة تكفي لحصول الفائدة؛ نظراً لما فيها من معلومات وتوجيهات مفيدة.
- إعلان المسابقة داخل المسجد فقط، ويحق للعائلة الواحدة المشاركة بأكثر من إجابة حسب أفراد العائلة، ولكن لا يحق للعائلة الفوز بأكثر من جائزة في اليوم، كما يحق للأطفال المميزين المشاركة في المسابقة، ولا يحق لأقارب الإمام المشاركة.
- في حال فوز امرأة فإنه تسلم الجائزة إلى أحد محارمها، والتحقق من هذا الأمر في الغالب سهل؛ لأن المشاركين من جماعة المسجد، ويجوز المشاركة من خارج الحي.
- يتم توزيع (150) نسخة من المسابقة يومياً، وعدد الإجابات يتراوح يومياً بين (70 و 100) إجابة.
- يتم توفير الدعم المادي للمسابقة من جماعة المسجد.
- لا تحتوي المسابقة على أي دعايات؛ لأن الدعاية داخل المسجد لا تجوز، والله أعلم.
- المسابقة تتوقف عند اليوم العشرين من شهر رمضان المبارك؛ حتى لا يشغل الناس في هذه العشر الأواخر المباركة من هذا الشهر.
وختاماً أسأل الله أن يجزي خيراً كل من شارك في هذه المسابقة، مادياً ومعنوياً وفكراً وجهداً.
والله أعلم وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه
إمام المسجد
د. فؤاد بن عبدالكريم العبدالكريم
الرياض – حي الروابي(115/1799)
أخي الكريم/ إليك نموذج من نماذج المسابقة الرمضانية من العام الماضي ويمكنك طلب جميع الأعداد، وذلك عن طريق مراسلة الركن التربوي، ولابد من وجود بريد لك :
وبريد الركن التربوي هو :
tarbawi@almoslim.net
ـــــــــــــــــــ
كيف تضاعف محبة أبنائك لبعضهم؟
هاني العبد القادر
29/8/1425
ارسل تعليقك ...
تعليقات سابقة ...
ارسل الصفحة ...
الى مشرف النافذة ...
طباعة ...
أولاً: التهادي المستمر:
يقول الرسول _صلى الله عليه وسلم_: "تهادوا تحابوا" اشتراك الأم مثلاً مع الأبناء لشراء هدية للأب أو العكس، الاشتراك مع الأبناء لشراء هدية لأحدهم سواء اشتراك مالي واشتراك ذهني في اختيار الهدية التي سيفاجأ بها هذا الأخ يقول الأب مثلاً: تعالوا يا أولاد نريد القيام بمؤامرة على أخيكم، فلان أخوكم له شهر كامل لم يتأخر عن صلاة الفجر، ما رأيكم ما الهدية اللي نفرحه بها من يغلفها؟ أين نضعها؟ نكتب معها رسالة أو لا؟ من يكتبها؟ متى نقدمها؟ وهكذا.. يحاول أن يشرك الجميع.
ملاحظة:
الأبناء يحبون ألفاظاً مثل مؤامرة، وعصابة، وخطة، وموعد تنفيذ الجريمة والضحية، في المثال السابق الضحية هو الشخص المهدى إليه، وطبعاً ليس في هذه الكلمات أي خطورة _بإذن الله_.
ثانياً: تعليق لوحة تسمى لوحة أخبار البيت أو أي تسمية أخرى:
لا بد من التدريب العملي على الاعتذار فيبدأ الوالدان بنفسيهما فيعتذران لبعضهما إن أخطأ أحدهما على صاحبه فيما يمكن اطلاع الأبناء عليه ويعتذران من أبنائهما إن أخطأ أحدهما على ابنه
تقسم إلى مساحات متساوية لكل ابن مساحة خاصة يكتب فيها ما يشاء على ورقة ويثبتها في مساحته، ويمكن أيضاً أن يكتب فيها الوالدان أسئلة مسابقة أو كلمات شكر على سلوك يرغبان في تثبيته في المنزل، ولا أرى إدخال الأمور المدرسية فيها تجنباً لإثارة المقارنات في نفوس الأبناء إلا أن يضع أحدهم شيئاً من ذلك في زاويته بنفسه فذلك شأنه.
ستكون هذه الصحيفة مصدر متعة غير طبيعية، وخصوصاً حينما تحوي أخبار الصغار وطرائفهم ورسائل الكبار المتبادلة في الشجارات، وطبعاً ستكون ممتعة للغاية يكفي لإحيائها وتحريك الجميع لملء مساحاتهم وتجديدها باستمرار أن يشاهد الأب والأم ما فيها يومياً ويتابعان جديدها ويسألان عنه ويقرآن تقارير أبنائهم عن(115/1800)
أنفسهم فتكشف للأبناء وللوالدين الكثير من جوانب شخصياتهم وأيضاً تخفف من انفعالات التعبير عنها وتنمي المهارات الكتابية وتدرب الجميع على القراءة بطريقة مسلية وتعطي فرصة للكثير من إبداعات للظهور مثل الخط والرسم والشعر وغيرها، ستكون هذه اللوحة _بإذن الله_ وسيلة فهم للآخرين تقوي الروابط الأسرية وتساعد على التعبير عن النفس.
ثالثاً: تعويد الأبناء على الاعتذار فيما بينهم:
ولا يكون ذلك بالتوجيه المباشر من قولنا كالعادة: اعتذر من أخيك، بل لا بد من التدريب العملي على الاعتذار، فيبدأ الوالدان بنفسيهما فيعتذران لبعضهما إن أخطأ أحدهما على صاحبه فيما يمكن اطلاع الأبناء عليه ويعتذران من أبنائهما إن أخطأ أحدهما على ابنه، نعم أيها الإخوة فالحق لا يعرف كبيراً، هذه هي الطريقة المنطقية لإكساب أبنائنا هذا السلوك الحميد، وهو أن نبدأ بأنفسنا فنربيها على ما نتمناه في أبنائنا.
رابعاً: هناك طريقة لزيادة المحبة بين الإخوة، وهي: لعبة أنا أعرف أسرتي:
يجمع الأبناء ثم يطلب منهم أن يكتب كل واحد ميزات وإيجابيات إخوانه جميعاً بدون ذكر سلبيات ويمكن مساعدة الصغار في الكتابة، يتم إعداد نموذج جميل خاص بهذه اللعبة تقسم فيه الورقة إلى حقول وكل حقل يكتب في أعلاه اسم أحد الأبناء بخط جميل ويعطى الأبناء فرصة كافية للتفكير جيداً لكتابة الميزات والإيجابيات واستحضار المواقف التي تشهد لهذه الصفة تعلق الإيجابيات في صحيفة أخبار البيت فوائد هذه اللعبة كثيرة جداً وآثارها أعمق مما تتخيلون سواء في تنمية سلوكياته الطيبة وتثبيتها أو في انتباه الابن لميزات إخوانه أو بمعرفته لنفسه من خلال آراء الآخرين كما تزيد معرفتكم أنتم بأبنائكم وبالجوانب التي يهتمون بها في الآخرين.
هذه اللعبة تزيد - إن شاء الله – من الألفة والمحبة بين الأبناء وتحتاجها الأسرة على أوقات متباعدة نسبياً ويعلن غرضها، وهو معرفة الإيجابيات الجديدة التي اكتشفها الأبناء في إخوانهم أو التي تطبّعوا بها حديثاً، أيضاً هذه اللعبة ستشعر كل ابن بتفهم الآخرين له وتقديرهم لميزاته وباستقلال شخصيته وبقبول مَن حوله لها ونظرتهم الإيجابية ومتابعتهم لتحسين نفسه وكل هذا يحتاجه الأبناء.
وبهذا نكون – بحمد الله – قد انتهينا من سلسلة المقالات في تربية الأبناء، وسنخص – إن شاء الله – المراهقين بسلسلة أخرى.
ـــــــــــــــــــ
هل يشعر أبناؤنا بالعدل؟
هاني العبد القادر
22/8/1425
ارسل تعليقك ...
لا توجد تعليقات ...
ارسل الصفحة ...
الى مشرف النافذة ...
طباعة ...(115/1801)
سيكون الحديث حول ثلاثة أركان رئيسة، هي:
1- المساواة.
2- عدم المقارنة.
3- سن القوانين والأعراف الأسرية.
أولاً: المساواة:
وأقصد بها المساواة الدقيقة، وبالذات على وجبة الطعام؛ لأنها مكان الاجتماع، مساواة فيما يخص الطعام، ومساواة في توزيع الكلام، مساواة في توزيع الانتباه والاهتمام، مساواة في توزيع النظرات والضحك والمداعبات كل هذا بقدر الإمكان، يحرص الأب أن ينمي عدالة في هذا الجانب، كذلك المساواة في الهدايا والأعطيات والمساواة باتخاذ القرارات، لذا يجب استشارة الجميع بدون استثناء وأخذ القرارات بالأغلبية فيما يخصهم، وهناك جانب مهم جداً، وهو: المساواة في الإصغاء والاستماع: تعرفون الأبناء يتفاوتون في الجرأة والخجل وليس كل واحد منهم يبادر بالحديث ويستأثر بأذن والديه واهتمامه ومنهم من تزيد متعة الاستماع إليه ومنهم من تقل، لضبط هذا الجانب الصعب ولتلبية حاجة الأبناء إلى الاستماع إليهم والاهتمام بهم والتعبير عن أفكارهم، لتلبية كل ذلك بمساواة بين الأبناء يحسن تخصيص وقت للأحاديث الخاصة لكل ابن ربع ساعة أقل أو أكثر ما بين مدة وأخرى كل ثلاثة أيام أو كل نهاية أسبوع مثلاً.
من الضروري أن يشعر الأبناء بأن هناك وقتاً مخصصاً لكل منهم تحترم خصوصيته ترفض فيها أي تدخلات ويعتذر عن أي مقاطعات
كلما زادت المدة، مدة هذا اللقاء، لقاء الأحاديث الخاصة وتقاربت أيامها كلما كان ذلك أفضل ويمكن أن تحتوي هذه الربع ساعة على أية أحاديث عادية أو أسرار من الطرفين أو لعبة أو مشكلة عند أحدهما ولا يستثنى من هذه الطريقة الصغار.
هذه الطريقة في الاستماع على جانب كبير من الأهمية، من الضروري أن يشعر الأبناء بأن هناك وقتاً مخصصاً لكل منهم تحترم خصوصيته ترفض فيها أي تدخلات ويعتذر عن أي مقاطعات، بعض الناس حتى الهاتف ما يرد عليه عندما تبدأ – أيها الأب – وتبدئين – أيتها الأم – بتنفيذ هذه الفكرة وتحرصين عليها ستجدون الثمار واضحة على نفسية أبنائكم _بإذن الله_ وعلى علاقتكم بهم وفهمكم لهم، وستقل الخلافات والمشاجرات التي تستجدي اهتمامكم حتى ثرثرة الأبناء وكثرة كلامهم للفت النظر وجلب الاهتمام ستقل أيضاً.
وإضافة إلى كل هذا ستستمتعون بالنظر إلى ثقة أبنائكم بأنفسكم تنمو وتقوى، وهناك المساواة بالمشاركة باللعب والمساواة في كلمات المحبة (يا حبيبي – يا عمري) المساواة في حركات المحبة كالضم والتقبيل والتربيت على الكتف ملاعبة الشعر.
ثانياً: عدم المقارنة:
يقول الدكتور قتيبة الجلبي: "المقارنة هي بؤرة وخلاصة المشكلة التي يدور حولها التنافس الأخوي فالإخوة فيما بينهم في حالة مقارنة مستمرة كلما يملك أحدهم من صفات عقلية أو عضلية أو شكلية كلها تقارن بنفس المقادير منها عند أخيه أو أخته(115/1802)
وهنا يبدأ دور الوالدين، أهم ما يمكن عمله هو الحرص التام على عدم وضع أيّة مقارنة بين الأبناء" انتهى كلامه.
إذن أهم ثلاث مناطق يجب عدم الاقتراب منها، وهي:
1- المقارنة في الذكاء والقدرات العقلية، ومن صورها: انظروا إلى أخيكم فلان دائماً يحصل على (ممتاز) تتبرمج فوراً على النحو التالي أمي تظن أن أخانا فلاناً ذكي ونحن أي كلام!
2- المقارنة بالقوة العضلية والمهارة الحركية بين الأولاد، مثل: لا تتشاجرون مع فلان هو أقوى منكم، أو محادثة السمين والبدين بالنصيحة التالية: لماذا لا تلعب رياضة وتخف وزنك حتى تصبح مثل أخيك فلان.
3- المقارنة في الجمال بين البنات، ومن صورها مجرد الثناء على جمال فتاة بحضور أخت لها وما يدور في ذهن أختها كالتالي: بما أنهم مدحوا شكل أختي إذن شكلي .........
الجوانب الثلاثة كلها تمس شعوره بقبول الآخرين له ولعيوبه وبالتالي قبوله لنفسه مع التنبيه إلى أن مشكلة المقارنة لن تنتهي حتى بعد ما تعملوا هذا كله؛ لأن الأبناء أنفسهم يقارنون حالهم بإخوانهم كما أن مقارنات الأقارب والمعارف وملاحظاتهم العبقرية حول الأبناء مستمرة! لكن المشكلة ستخف كثيراً إذ إن الابن يمكن أن يتقبل نفسه بنقائصه إذا تقبله الآخرون وأهمهم والداه، وهذا ما نشعره به بهذه الإجراءات، إذاً لإشاعة جو العدالة نشعر أبناءنا بالمساواة العملية وعدم المقارنة.
وأيضاً وهو الركن الثالث: سن القوانين والأعراف المنزلية:
يسن الوالدان في البيت مجموعة من القوانين والأعراف ثم يتم عرضها على الأولاد لأخذ آرائهم ومناقشتها في جو عائلي مرح والاتفاق معهم على العقوبات المقررة على المخالفات الكبيرة ولا مانع من تعليقها في لوحة أخبار البيت كما سيأتي بيان هذه اللوحة تعليقها للتذكير فلا يخالف الأبناء الاتفاق ولا يتجاوز الآباء حد العقاب عند المخالفة.
من الأعراف التي يجب إعلانها بوضوح:
1- لكل ابن حدودٌ تعد ملكه الطبيعي ولا يحمد لإخوته أن يتعدوا على هذه المنطقة بدون رضاه فغرفة الطفل مثلاً تعد حدوده الشخصية، ويُعَلَّم الجميع الآداب الشرعية للاستئذان للتقيد بها عند دخول غرف الآخرين وإن كانوا أكثر من طفل في غرفة واحدة توضع خطوط وهمية فيما بينهم لتكون لكل واحد منهم منطقته الخاصة.
2- يتولى الأبناء حل خلافاتهم بأنفسهم ويمنع إزعاج الوالدين بها مهما كانت الأسباب.
3- يلتزم الجميع بحديث الرسول _صلى الله عليه وسلم_ "لا يحل لرجل أن يهجر أخاه فوق ثلاث".
4- لا يجوز قطع السلام بين الإخوة المتخاصمين مهما كان خلافهما.
5- يحق للوالدين مكافأة أسبق الأبناء إلى حل خصوماته مع إخوانه.
6- لا يحق لأي فرد من أفراد الأسرة سواء من الآباء أو الأبناء التخلف عن وجبة الغداء بدون عذر تقبله الأغلبية.(115/1803)
هذه أمثلة لما يمكن أن يسن من الأعراف والقوانين المنزلية، كل هذا كان لإشاعة جو العدالة من خلال المساواة وعدم المقارنة وسن القوانين
ـــــــــــــــــــ
كونوا قدوات
أ.د. ناصر بن سليمان العمر
15/8/1425
ارسل تعليقك ...
لا توجد تعليقات ...
ارسل الصفحة ...
الى مشرف النافذة ...
طباعة ...
• كيف تطالب أبناءك بأن يتحكموا في أعصابهم، وأنت عاجز عن ذلك حتى وأنت تناقش معهم هذا الموضوع فقد تكون مغضباً.
• الرسائل غير المباشرة أمضى وأقوى من التوجيه المباشر، مع الحاجة إليهما، فمثلاً: حسن علاقتك بزوجتك يؤدي دوراً عظيماً في حياة أبنائك، هدوؤك وحسن تصرفك والقدرة على الاستماع أولى من عشر محاضرات في الموضوع، تنظيمك لوقتك، ودقة مواعيدك ومبادرتك إلى ما يخصك دون أن تعتمد على الأوامر أقوى من دروس وجدال، إذا أمرت ابنك بعمل فلم ينجزه أن تقوم بإنجازه دون أن تنبذه بكلمة واحدة أشدّ تأثيراً من الضرب المبرح... وهلم جرا.. والحالات الاستثنائية لها علاجها.
• قلل ما استطعت من قولك لأبنائك: كنت وكنت وكان أبي، فالإكثار من ذلك سيتحول إلى سخرية بينهم، دع أعمالك الحاضرة تتحدث عن شخصيتك، فأبناؤك لا يهمهم كثيراً كيف كنت، وكيف كان أبوك، وقد لا يصدقونك، ولكن يهمهم كيف أنت الآن دون دعوى وضجيج.
• من أنجح وسائل التربية المثل والقدوة، والمحبة والإعجاب أقصر وسيلة للاقتداء والتشبه، وقدوتنا هو رسول الله _صلى الله عليه وسلم_، فامتلاء قلوبنا بمحبته وقلوب أبنائنا بمحبته يدفعنا إلى التأسي به والصدور عن هديه وأخلاقه، ثم مما يعين على ذلك محبة صحابته، واختيارك أحد كبار الصحابة مثلاً لأبيك، مما ترى أن هناك توافقاً بين صفات ابنك وصفاته، فيقرأ سيرته، ويتشبع بأخلاقه، ويجعله مثلاً له بعد رسول الله _صلى الله عليه وسلم_ كل ذلك مؤثر في تربيته وعلو همته وتقويم سلوكه، وقل مثل ذلك في كبار قادة سلف الأمة وعلمائها، وقد يكون الاقتداء نسبياً في صفة أو خلق أو علم.
من أنجح وسائل التربية المثل والقدوة، والمحبة والإعجاب أقصر وسيلة للاقتداء والتشبه، وقدوتنا هو رسول الله _صلى الله عليه وسلم_، فامتلاء قلوبنا بمحبته وقلوب أبنائنا بمحبته يدفعنا إلى التأسي به والصدور عن هديه وأخلاقه
• مهما كان للقول من تأثير فإن الفعل أقوى تأثيراً وأمضى سلاحاً، وهناك من الأفعال ما يكون تأثيره سريعاً ومباشراً، وهناك ما يكون تأثيره متدرجاً وهو التأثير(115/1804)
التراكمي، حيث إن مجموعة من الأفعال على مدى عدة أيام أو شهور أو أعوام يكون لها من التأثير ما لسواها؛ فالكرم – مثلاً – لا يكون بمرة أو مرتين، وإنما يعرف الكريم بكرمه إذا تكرر منه الفعل وأصبح سجية له وطبعاً، والصدق لا يوصف به من صدق يومين أو شهرين، بل يتوج به من لم يعرف بالكذب في يسر أو عسر "وما يزال الرجل يصدق ويتحرى الصدق حتى يكتب عند الله صدّيقاً".
• تريد من ابنك أن يكون منظماً ومرتباً، ودقيقاً في مواعيده، وحازماً في إنجاز أموره، وأنت تعيش الفوضى وتمارسها "أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ" (البقرة: من الآية44)، "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لا تَفْعَلُونَ" (الصف:2). كن قدوة في نفسك، مرتباً في عملك، يرى منك ابنك في تعاملك معه ما تطالبه به، ويجدك في تعاملك مع الآخرين أسوة ومثلاً، إذا كنت كذلك فسترى ما يسرك، وإلا فعلى نفسها جنت براقش.
لا تنه عن خلق وتأتي مثله ... ...
عار عليك إذا فعلت عظيم
ـــــــــــــــــــ
التربية الساخنة!
باسم السبيعي
8/8/1425
ارسل تعليقك ...
تعليقات سابقة ...
ارسل الصفحة ...
الى مشرف النافذة ...
طباعة ...
تمهيد:
قال _تعالى_: "وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلَا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً وَاحِدَةً كَذَلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ وَرَتَّلْنَاهُ تَرْتِيلًا".
وقال _تعالى_: "وَقُرْآناً فَرَقْنَاهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلَى مُكْثٍ وَنَزَّلْنَاهُ تَنزِيلاً". (وقرئ "فرَّقناه" بالتثقيل).
تفسير:
المجتمعات التربوية حياة.. خِضمٌّ حافل بالأحداث.. بالمواقف.. بالنفوس المختلفة.
ستمر بك –أيها المربي- في مجتمعك التربوي مواقف مختلفة ونفوس مختلفة؛ إحسان وإساءة، تقدم وتأخر، نجاح وفشل، نعم ومصائب، يمر بك مغرور ومحطم، مستعجل ومبطئ، عاقل وجاهل، كريم ولئيم..
والمربي يحتاج إلى علاج المواقف.. كما يحتاج إلى علاج النفوس.
وهنا أسلوب راقٍ في التربية، هو: (التربية الساخنة).
أعني بها أن يسعى المربي في اختيار مواقفه التربوية؛ فيوقعها حسب المواقف والأحداث، عليه أن (يتربص) بإخوانه (المواقف)؛ ويضرب (بمطارق) التربية في (سخونة) الأحداث.(115/1805)
أعني بها أن يسعى المربي في اختيار مواقفه التربوية؛ فيوقعها حسب المواقف والأحداث، عليه أن (يتربص) بإخوانه (المواقف)؛ ويضرب (بمطارق) التربية في (سخونة) الأحداث
حين تلقي على إخوانك فائدة فهذا تلقين ، ولكن حين تلقيها في الموقف المناسب لها فتلك تربية.
لا يكفي في التربية أن تسرد عليهم قائمة بالمستحبات والمكروهات؛ لا بد أن تجعل الموقف الساخن فرصتك السانحة لإيقاع التربية المناسبة؛ لـ(تفصيل) المستحبات والمكروهات على (جسم) الأحداث.. الإسلام حياة.
أمثلة:
عامة أسباب النزول في القرآن وأسباب الورود في الحديث هي أمثلة لنا..
خذ مثلاً.. روى أهل التفسير أجمع –كما يقول القرطبي- أن قوماً من أشراف قريش كانوا عند النبي _صلى الله عليه وسلم_ وقد طمع في إسلامهم، فأقبل عبدالله بن أم مكتوم، فكره رسول الله _صلى الله عليه وسلم_ أن يقطع عبدالله عليه كلامه، فأعرض عنه، ففيه نزلت هذه الآية : "عَبَسَ وَتَوَلَّى {1} أَن جَاءهُ الْأَعْمَى {2} وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّى {3} أَوْ يَذَّكَّرُ فَتَنفَعَهُ الذِّكْرَى {4} أَمَّا مَنِ اسْتَغْنَى {5} فَأَنتَ لَهُ تَصَدَّى {6} وَمَا عَلَيْكَ أَلَّا يَزَّكَّى {7} وَأَمَّا مَن جَاءكَ يَسْعَى {8} وَهُوَ يَخْشَى {9} فَأَنتَ عَنْهُ تَلَهَّى {10} كَلَّا..."
إنه موقف ساخن؛ النبي _صلى الله عليه وسلم_ يتصدى لمن استغنى، ويتلهى عمن جاء يسعى وهو يخشى.. فينزل الله _عز وجل_ الآية مع موقفها.. لتكون أبلغ ما تكون.
وهكذا سبب نزول في قوله _تعالى_: "مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَن يَكُونَ لَهُ أَسْرَى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الأَرْضِ تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيَا وَاللّهُ يُرِيدُ الآخِرَةَ وَاللّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ "، وفي قوله _تعالى_: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ وَأَوْلَادِكُمْ عَدُوًّا لَّكُمْ فَاحْذَرُوهُمْ"، وفي قوله _تعالى_: "لَيْسَ لَكَ مِنَ الأَمْرِ شَيْءٌ..."
متى أبرق النبي _صلى الله عليه وسلم_ عن هدايا العمال؟ حين قدم بها ابن اللتبية.
متى أرعد النبي _صلى الله عليه وسلم_ في الشفاعة في حدود الله؟ حين شفع أسامة.
متى أغاث النبي _صلى الله عليه وسلم_ ببشائر النصر ودفع عجلة المستعجلين؟ حين شكى إليه خباب،
هكذا.. في مواقف تربوية ساخنة.
مثال أوضح وأشهر: اقرأ قصة أبي بكر _رضي الله عنه_ بعد وفاة النبي _صلى الله عليه وسلم_: في حديث ابن عباس _رضي الله عنهما_: أن أبا بكر _رضي الله عنه_ خرج وعمر _رضي الله عنه_ يكلم الناس، فقال: اجلس، فأبى، فقال: اجلس، فأبى، فتشهد أبو بكر _رضي الله عنه_، فمال إليه الناس وتركوا عمر، فقال: أما بعد، فمن كان منكم يعبد محمداً _صلى الله عليه وسلم_ فإن محمداً _صلى الله عليه وسلم_ قد مات، ومن كان يعبد الله فإن الله حي لا يموت، قال الله _تعالى_: "وَمَا مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَن يَنقَلِبْ عَلَىَ عَقِبَيْهِ فَلَن يَضُرَّ اللّهَ شَيْئًا وَسَيَجْزِي اللّهُ الشَّاكِرِينَ". والله، لكأن الناس لم يكونوا(115/1806)
يعلمون أن الله أنزلها حتى تلاها أبو بكر _رضي الله عنه_، فتلقاها منه الناس، فما يسمع بشر إلا يتلوها، متفق عليه.
هذا أثر التربية الساخنة.. أثر التصرف المناسب في الموقف المناسب: " والله، لكأن الناس لم يكونوا يعلمون أن الله أنزلها حتى تلاها أبو بكر _رضي الله عنه_، فتلقاها منه الناس، فما يسمع بشر إلا يتلوها".
قلت لك قبل قليل: حين تلقي على إخوانك فائدة فهذا تلقين، ولكن حين تلقيها في الموقف المناسب لها فتلك تربية.
تطبيق:
هذه هي التربية الساخنة: ضربة تربوية في الموقف الساخن.
استعمل هذا الأسلوب في تربيتك.. ليس من الإتقان التربوي أن تتكلم عن أثر الحج وأنت في شهر رجب، وأن تتحدث عن طلب العلم والاختبارات على الأبواب، وأن تسهب في فضائل الإيثار والمال يسيل بين الأيدي.
الإتقان.. أن تتربص المواقف.. فالمصائب فرصة (ساخنة) لعتاب القلوب على الذنوب، والنعم فرصة (ساخنة) لبيان رحمة الله وغفلة العبد عن شكر المنعم، وشح المال فرصة (ساخنة) لتربية الإيثار، والفتنة فرصة (ساخنة) لتربية الناس على اللجوء إلى الله، والاعتصام بكتابه وسنة رسوله _صلى الله عليه وسلم_..
قال أحدهم:تعثرت بنا السيارة في أرض منقطعة وحر شديد؛ جاهدنا فلم نقدر، وحاولنا فلم نفلح، فبقينا ندعو الله ونلح عليه، ونسأله ونلجأ إليه، وشاء الله تعالى أن يفلح أحد الإخوة بتحريك السيارة والخروج من الأزمة.. ففرحنا..وأخذنا نمدح هذا القائد (الذكي) ( المتقن) ونشكره ونهزج له أهازيج..
يقول صاحبي: ولما ذهبت سكرة الفرح؛ قال شاب عاقل: ما أكفر الإنسان؛ نحن منذ اليوم ندعوا الله ونخلص له ونلجأ إليه؛ فلما أغاثنا شكرنا غيره..!
يقول صاحبي: فكانت هذه الكلمات كالضربة على قلوبنا، وكان تربية ساخنة؛ تربية لا توازيها عشرات الخطب التي تضرب في حديد بارد.
شاطئ:
بادر الفرصةَ واحذر فوتها ... ...
فبلوغُ العز في نيل الفرصْ
وابتدر مسعاك واعلم أن من ... ...
بادر الصيدَ مع الفجرِ قنصْ!
ـــــــــــــــــــ
إذاعة صوت الحق
أمين بن سليمان الدخيل
1/8/1425
ارسل تعليقك ...
تعليقات سابقة ...
ارسل الصفحة ...
الى مشرف النافذة ...(115/1807)
طباعة ...
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين، وبعد:
الدعوة إلى الله طريقها طويل، لا يسلكه إلا القليل، وكم من الدعاة من يعملون لهذا الدين بصمت باذلين أغلى ما يملكون من أوقاتهم وجهدهم وأموالهم، بلا ملل ولا ضجر شعارهم "لا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلا شُكُوراً إِنَّا نَخَافُ مِنْ رَبِّنَا يَوْماً عَبُوساً قَمْطَرِيراً" (الإنسان:9، 10) عملهم في الأرض ورجاؤهم برب السماء.
ما أحوج الأمة لمثل هؤلاء الدعاة! وما أحوجنا نحن لسماع أخبارهم ومعرفة أحوالهم! لتكون عوناً لنا في السير على ما ساروا عليه ومنهاجاً يضيء لنا الطريق.
أحبتي الكرام، أنقل لكم صورة مضيئة في هذا الزمن المظلم الذي تسلط فيه أعداء الله على أمة الإسلام.
في بلد تسمى (كواكرو) بجمهورية (مالي) التي تقع في غرب قارة أفريقيا، هذا البلد الذي تضرب الصوفية فيه بأطنابها، يعيش ( حبيب الله نيانتا ) داعياً لله، مبشراً ومنذراً.
دعوة إلى الله طريقها طويل، لا يسلكه إلا القليل، وكم من الدعاة من يعملون لهذا الدين بصمت باذلين أغلى ما يملكون من أوقاتهم وجهدهم وأموالهم، بلا ملل ولا ضجر
هذا الداعية الذي يحمل بين أضلاعه هماً قد تعجز الجبال عن حمله، كثيراً ما كان يسائل نفسه:
كيف أخرج قومي من ظلمات الصوفية إلى نور الحق؟ وما الوسيلة التي أستطيع بها أن أبلغ هذا الحق للناس؟
ويشاء الله الذي لا تخفى عليه خافيه أن يسوق له الخير إلى داخل منزله...!
كيف...؟
لن نطيل...
بل نترك الحديث لهذا الداعية ليخبرنا خبره.
يقول: " في ليلة من ليالي عام 1418هـ، وأنا مضطجع على سريري بعد درس ألقيته، وبينما أنا أستمع لبعض الأخبار في الإذاعة الوطنية، حصل أن أدرت الزر لتحسين صوت الراديو، فإذا أنا بقائل يقول:" تستمعون الآن إلى صوت إذاعتكم المحبوبة في كواكرو"
- وللفائدة: (كواكرو) هي مسقط رأسي ومقري للدعوة إلى الله - سبحانه وتعالى – بعد أن تخرجت من معهد في الجزائر - نهضت نهضة حائر مشتاق، ولم أتمالك نفسي بل لم أستطع النوم بعد سماع هذه الجملة المثيرة.
أتدرون لماذا هي مثيرة؟
لأني أدركت أني لو تمكنت من تركيب مثل هذه الإذاعة، سوف تكون أسرع معين لي – بعد الله - في إيصال هذه الدعوة التي من أجلها استقررت في هذه القرية.
قمت... ولكن إلى أين؟
بدأت الأسئلة تتردد في داخلي..!
أين مصدر هذه الإذاعة؟ ومن الذي سيدلني عليها؟(115/1808)
استعنت بالله وخرجت باحثاً عن مكان الصوت...
لم أزل أبحث حتى دللت عليه، فإذا أنا بشاب بسيط في غرفة لوحده بين أسلاك وبطاريات، سلمت عليه وبعد أن رد علي السلام قلت له: ما أخرجني في هذه الساعة إلا ما سمعته، ولن أطيل عليك الكلام: هل في استطاعتك أن تركب لي مثل هذه الإذاعة؟ على أن تكون دينية فحسب!
قال: نعم، بشرط أن توفر لي لوازمها.
بدون أي تأخير قمت بتوفير ما طلب – وهي لوازم بسيطة جداً وبدائية –
بعد يوم كامل أصبحت أمتلك إذاعة.
وبما أن الله هو الحق، ورسوله _صلى الله عليه وسلم_ هو الحق، وأن كلامهما حق، ولا ينشر في هذه الإذاعة إلا هذان الحقان، وما يفسرهما ويفصلهما من أقوال الأئمة والعلماء قررت أن أسميها ( صوت الحق )، ولكن..!
عندما بدأ البث اكتشفت أن الصوت لا يصل إلا للحي الذي أقيم فيه فقط.
عندها عقدت العزم على السعي في إيصاله لكل القرية، فاستعنت بمن يعينني في ذلك، حتى يسر الله لي من زودني ببعض اللوازم لتقوية بثها إلى القرية كاملة، بل إلى مسافة ميل أو اكثر خارج القرية، وأصبح يستمع لها أكثر من أربعة آلاف شخص، ونفع الله بها نفعاً عظيماً، فقد أخرج الله بها أناساً كُثر من ضلالات الصوفية إلى طريق السنة، فقد كان علماء الصوفية يغطون أعين الناس بخرافاتهم وبدعهم.
أصبحت (كواكرو) تمتلك إذاعة تسمى صوت الحق، ولم تعد تسمع في البلدة إلا هذه الإذاعة، يستمعون خلالها إلى قراءة أئمة الحرمين من أشرطة مسجلة، وما يفسر هذه الآيات، وإلى العقيدة الصافية الخالية من خرافات الصوفية، بل وأصبحوا يتفقهون في دينهم من خلال الدروس العلمية التي تبث عبر هذه الإذاعة، والتي كانت تبث خمس ساعات في اليوم.
أما عند سفري فكانت زوجتي تقوم بتشغيل الإذاعة بعد أن دربتها على ذلك.
بعد ذلك علم أهل القرى المجاورة بخبرها فطالبوني بتمديد بثها لهم – مع العلم أن أكثرهم من الصوفية ولكن من العوام – ولازلت ساعياً في نشرها _بإذن الله_ لينتشر نور الحق لأكثر من عشرة آلاف نسمة.
يقول أهل قريتي: لقد نفعنا الله بها وعرفنا ديننا الحق وأن ما كنا نعيش فيه من قبل لم يكن سوى ضلال. ا.هـ
ما أحوجنا – أحبتي- لأخذ الدروس والعبر من قصة هذا الداعية، والذي لم نسق قصته إلا للعبرة والفائدة لا للتسلية وتقطيع الأوقات، فمن هذه الدروس:
1- كيف لرجل واحد أن يغير في مجتمعه بجهده وقدرته وأن يخرجهم من الضلال إلى الهدى – بإذن الله – وفي هذا رد لمن يعلن دائماً عجزه عن العمل الفردي.
2- نعم الحماس لهذا الدين مطلوب، ولكنه وحده لا يكفي إذا لم يكن مقروناً بالعلم الشرعي المؤصل.
3- من أصلح ما بينه وبين الله أصلح الله ما بينه وبين الناس، فعندما كان هذا الداعية صادقاً في عمله يسر الله له القبول بين الناس، وانتشار دعوته في بلده والمناطق المحيطة بها.(115/1809)
4- حاجة الدعاة إلى تطويع الوسائل الحديثة لخدمة الأهداف السامية كبير، بل والتفنن في ذلك، وخاصة في هذا الزمان الذي تتجدد فيه وسائل الاتصال بصورة كبيرة، واستخدامها للوصول السريع إلى قلوب الناس.
5- كما أن النساء شقائق الرجال فلهن نصيب كبير في خدمة الدعوة، فحري بكل داعية أن يشرك أهله في الدعوة إلى الله ، بل ويجعل لهم نصيباً فيها.
هذه صورة مشرقة لحملة لواء الدعوة تتوارثها الأجيال، بدأت من عصر النبوة لتبقى معيناً لا ينضب، ونهراً متدفق ومشعلاً في طريق الدعوة إلى الله.
فهل بادرنا بالعمل لهذا الدين، هل قارعنا أعداء الله في تفننهم لوسائل نشرهم للرذيلة بأن نتفنن بأساليب نشر الفضيلة.
أسأل الله – جل وعلا – يرزقنا الإخلاص في القول والعمل، وأن يوفقنا لما يحبه ويرضيه عنا، إنه على ذلك قادر، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
ـــــــــــــــــــ
اللُّعب والألعاب.. إرشادات للأهل والمربين
23/7/1425
ارسل تعليقك ...
لا توجد تعليقات ...
ارسل الصفحة ...
الى مشرف النافذة ...
طباعة ...
يمكن تعريف اللعب بأنه نشاط يعبر عن حاجة الفرد إلى الاستمتاع والسرور وإشباع الميل الفطري له، وهو ضرورة بيولوجية في بناء ونمو الشخصية المتكاملة للفرد، وهو سلوك طوعي، ذاتي، اختياري، داخلي الدافع غالبا أو تعليمي تكليفي يوافق النفس، وهو وسيلة لكشف الكبار عن عالم الطفل للتعرف على ذاته وعلى عالمه، ويمهد لبناء الذات المتكاملة من ظل ظروف تزداد تعقيداً ويزداد معها تكيفاً.
ويسهم اللعب والألعاب (الأدوات) في تطوير المهارات الحسية والحركية عند الطفل، من خلال:
1- تنمية المهارات الحركية والنمو الجسمي واستثارة القدرات العقلية وتنميتها.
2- تنمية مدركات الطفل وتفكيره وحل مشكلاته.
3- جعل الطفل اجتماعياً؛ لأنه يشارك إخوته وأصدقاءه بما يملك من ألعاب.
4- السيطرة على القلق والمخاوف والصراعات النفسية البسيطة التي قد يعاني منها الطفل.
5- اكتشاف مقومات شخصية الطفل ومواهبه الخاصة التي تنعكس على حياته في المستقبل.
يجب ألا يكون اختيار نوعية وطبيعة الألعاب أمراً اعتباطياً أو عشوائياً.. بل لا بد من أن يتم ذلك على أسس علمية وصحية ونفسية تجنب تعرض الطفل لأية مخاطر، خاصة الجسدية منها،(115/1810)
6- إثراء لغة الطفل وتحسين أداءه اللغوي وإغناء قاموسه اللفظي.
7- استهلاك طاقة الطفل الزائدة، وإعطائه الفرصة للحركة أو الجري، مما يعمل على فتح شهيته، ويشجعه على النوم السريع بعد مجهود اللعب، وبذلك ينمو نمواً طبيعياً وسلساً.
الأطفال واللعب:
يختلف موقف الأطفال من اللعب بسبب اختلاف الثقافات والنظم التربوية، وقد صنفت دراسة علمية الأطفال وعلاقتهم باللعب، من خلال ملاحظاتهم أثناء لعبهم في دور الحضانة، إلى فئات ثلاث:
أ- طفل غير مشارك في اللعب: حيث يقف منزوياً في مكان ما من الغرفة أو الملعب، يجول نظره في أرجاء المكان، ويقوم بحركات غير هادفة، وهم قلة.
ب- الطفل الوحيد: وهو يلعب وحده وينهمك فيما يلعب فيه.. لا يهمه أحد، وهؤلاء تترواح أعمارهم غالباً ما بين سن الثانية والثالثة من العمر.
ج- الطفل المراقب: وهو يكتفي بالتحدث مع الآخرين المنهمكين في اللعب، إذ يبدي اهتماماً بلعب الآخرين، ولكنه لا يشاركهم.
أين يلعب الطفل؟
هناك شروط خاصة، صحية وتربوية، للمكان والجو العام الذي يفضل أن يخصص للعب الأطفال، ومن شروطه:
1- أن يكون مكاناً آمناً، جيد الإضاءة والتهوية.
2- يفضل أن يكون مشمساً وواسعاً، حتى يتسنى للطفل أن يجري وينطلق ويتنفس الهواء النقي.
3- يجب أن يعطى الطفل وقته الكافي ليلعب قبل أن يطلب منه أن يكف عن اللعب ليأكل أو ينام.
4- أن يشرف على المكان شخص كبير؛ لملاحظة الطفل أثناء لعبه ولحمايته من أي مخاطر أو إصابات.
سلامة وأمان الألعاب:
ولحماية الأطفال، والتأكد من عدم وجود أخطار أو أضرار في لعبهم، وضعت الكثير من الدول مواصفات ومتطلبات فنية لألعاب الأطفال، يشترط وجودها فيها قبل الشراء، ومن هذه المواصفات:
1- أن تصمم وتصنع اللعبة بشكل لا يعرض مستخدميها لأية أخطار جسدية تؤذي الجلد أو الجهاز التنفسي أو العيون.
2- يجب ألا تكون الألعاب أو أي جزء يمكن فصله منها ذا حجم يمكن ابتلاعه أو دخوله إلى الأذن أو الأنف، وخاصة للعب المصنعة للأطفال دون سن الثالثة.
3- يجب ألا تحتوي الألعاب على أية مادة قابلة للانفجار بسبب التفاعل الكيميائي الناتج من خلط مواد مع بعضها البعض أو بسبب التسخين أو الأكسدة.
4- وجود معلومات إرشادية أو دليل استخدام مع اللعبة يوضح طريقة الاستخدام وكافة الأخطار المتوقعة من جراء استخدامها _إن وجدت_، مع ذكر الأعمار(115/1811)
الملائمة للاستخدام شاملاً ذلك الحاجة إلى إشراف أشخاص بالغين متى كان ذلك ضرورياً.
5- ألا يتعارض تصميم اللعبة أو شكلها مع الدين أو العادات أو التقاليد.
6- لا يجوز أن تحتوي اللعب على أية مواد أو عناصر مشعة قد تضر بصحة الطفل أو الآخرين.
7- ألا تصدر اللعبة أشعة فوق بنفسجية أو تحت الحمراء ما لم تكن مصحوبة بشهادة صلاحية للاستخدام الآمن معترف بها وفقاً للمقاييس الدولية.
قبل شراء اللعبة:
يجب ألا يكون اختيار نوعية وطبيعة الألعاب أمراً اعتباطياً أو عشوائياً.. بل لا بد من أن يتم ذلك على أسس علمية وصحية ونفسية تجنب تعرض الطفل لأية مخاطر، خاصة الجسدية منها، كما يجب أن تتناسب اللعبة مع سن الطفل ومستوى تفكيره.
ويمكن أن يتم اختيار الألعاب حسب السن كما يلي:
- من الولادة حتى الشهر السادس: ينصح باختيار الألعاب المعلقة فوق سرير الطفل بألوانها وأشكالها المتنوعة؛ لأنها توفر للطفل فرصة ممتازة لتنمية الإدراك الحسي عنده والتنسيق بين الحواس.
- بين الشهر السادس والسنة الأولى: ننصح بتوفير المكعبات الصغيرة الخفيفة، أوان مطبخية، ألعاب بلاستيكية خلال الاستحمام، كرة خفيفة، ألعاب بلاستيكية تحدث أصواتاً غير موسيقية عند مسكها.
- في السنة الأولى والثانية: تناسب الطفل في هذه المرحلة المكعبات والعلب الفارغة، العربات الصغيرة، هاتف للعب، ألعاب تركيبية خشبية أو بلاستيكية.
- من السنة الثالثة حتى الخامسة: ننصح بالألعاب التركيبية، التي يمكن فكها ثم تركيبها مرة أخرى، أدوات الرسم والتلوين، دراجة أو عربة صغيرة بعجلات.
- من سن السادسة: يناسب الطفل القصص ذات الصور الجميلة والملونة عدا المحرمة، الألعاب الرياضية، ألعاب تركيبية متعددة، سيارات يمكن التحكم بها عن بعد.
وهناك شروط عامة وفنية، ينبغي أن يأخذها الأهل والمربون بعين الاعتبار عند شراء الألعاب، وهي:
أولاً: شروط عامة:
1- لا بد أن تكون اللعبة ملائمة لخصائص ومحددات نمو الطفل عند مختلف المراحل.
2- أن تتفق مع ميوله وتساعده على تحقيق حاجاته النفسية.
3- أن توفر المتعة له قدر الإمكان؛ لأن المتعة ستقوده للتعلم.
4- أن تزيد اللعبة من انتمائه لوطنه وهويته وتراثه.
5- ألا تعلمه قيم خاطئة أو عادات مخالفة للدين.
ثانياً: شروط فنية:
1- أن تكون اللعبة سهلة الحمل بالنسبة للطفل، وغير ثقيلة.
2- ألا يكون بها جوانب حادة أو زوايا مدببة حتى لا تجرح الطفل.(115/1812)
3- أن تكون ثابتة الألوان حتى لا تؤذي الطفل إذا وضعها على فمه.
4- ألا تكون ذات شرائط طويلة أو حبال حتى لا تلتف على رقبة الطفل فتؤذيه.
5- ألا تكون صغيرة جداً حتى لا يبتلعها الطفل.
6- ألا تكون قابلة للكسر أو الاشتعال.
7- ألا تكون مصنعة من مواد يمكن للطفل أن ينزع جزءاً منها بأسنانه.
ـــــــــــــــــــ
فلنحاورهم
أ.د. ناصر بن سليمان العمر
13/7/1425
ارسل تعليقك ...
لا توجد تعليقات ...
ارسل الصفحة ...
الى مشرف النافذة ...
طباعة ...
• دع أبناءك يشاركون في البرنامج المشترك كالرحلات، والزيارات، وخذ آراءهم واقتراحاتهم وملحوظاتهم، واستمع بجد إلى تقييمهم لتلك الرحلة أو ذلك البرنامج، وقد يكون قرار أحد أبنائك أن الرحلة فاشلة، لا تفاجأ فقد يكون السبب ؛ لأنك لم تذهب به إلى حديقة الحيوان، فناقشه وأقنعه بالأسباب، وقد يقول الآخر: إن الرحلة ناجحة 100% لا لشيء إلا من أجل إغاظة أخيه، وإلا فرأيه غير ذلك، فكن متيقظاً، وعوّدهم على ألا يعطوك الرأي الذي تحب، بل الرأي الذي يعتقدونه مع الدليل والتعليل.
• ربِّ أبناءك على أن تكون لهم أهداف كبرى في الحياة، وخاطبهم في ذلك على قدر أعمارهم، واسألهم عن اهتماماتهم، وناقش معهم ذلك.
• علم أبناءك على الشورى من صغرهم، أفراداً ومجموعة، فإذا كان الأمر يتعلق بالجميع، فشاورهم جميعاً، وإذا كان خاصاً بأحدهم، فاستشره وحده أو مع غيره حسب الموضوع، واطلب منهم أن يستشيروك في شؤونهم، فإذا تصرف أحدهم دون استشارة، ثم أخفق وجاء يستنجد، فعاقبه بالصدود، وقل : هذه ثمرة تفردك واستعجالك وعدم استشارتك، وكذلك على الأم أن تعلم أبناءها وبخاصة البنات على الشورى وألا يقطع أمر يتعلق بالنساء دون استشارتها، وهناك فرق بين الاستشارة والاستئذان، ولكل أمر ما يناسبه، وإياك أن تتحمل كامل المسؤولية عنهم فتعطل لديهم ملكة التفكير.
إن الحديث وسيلة لتحقيق غاية، وإذا كانت في الوسيلة خلل، فلن يتحقق المراد، وكما أنك تحب أن ينصت لك الآخرون، فهم كذلك، وكما تكره أن يقاطعك أحد، فالناس يكرهون، وأولادك ناس من الناس
• إذا جاء ابنك يعرض عليك مشكلة تواجهه، فلا تستعجل بحلها، ولكن اطلب منه أن يحددها، ثم يحللها، ثم يبدي ما يراه نحو حلّها، وافتح معه حواراً نحوها، كيف وقعت، وما أسبابها، وماذا نتج عنها، ثم أعطه الرأي الذي تراه نحوها.(115/1813)
• هل تنصت لأولادك إذا تحدّثوا؟ هل تقاطعهم عندما يتحدثون؟
أخي الكريم: إن الحديث وسيلة لتحقيق غاية، وإذا كانت في الوسيلة خلل، فلن يتحقق المراد، وكما أنك تحب أن ينصت لك الآخرون، فهم كذلك، وكما تكره أن يقاطعك أحد، فالناس يكرهون، وأولادك ناس من الناس.
إن الإنصات فن لا يحسنه كل أحد، وهو أعمّ من السكوت، حيث هو سكوت وإصغاء وإشعار للمتحدث بأنك معه في حديثه، ولا يعني ذلك الموافقة أو الإقرار، فإذا انتهى من حديثه فقل بعد ذلك ما شئت.
إننا عندما نقاطع أبناءنا في حديثهم، أو نشعرهم بعدم الإنصات لهم، نرتكب عدة أخطاء في آن واحد:
منها: شعوره بعدم التقدير والاحترام والاهتمام.
ومنها: تربيته على عدم الإنصات، ومقاطعة الآخرين.
ومنها: قتل روح الإبداع، وإضعاف ملكة الحديث والتعبير.
ومنها: تعويده على التعبير عما يريد بأسلوب آخر.
وقد لمست أن بعض الأولاد يحب الحديث مع الآخرين، أكثر مما يحب الحديث مع والديه، وذلك أن أولئك ينصتون إليه، فيشعر بقيمته و ذاته، ما لا يجده عند أقرب الناس إليه.
• كلام قليل واضح محدد، أجدى من محاضرة يتبرم منها الابن، وينتظر متى تنتهي، ومما يجهله الآباء والمربون، أن الطفل دون الخامسة لا يستطيع الإنصات والاستيعاب أكثر من خمس دقائق أو عشر على الأكثر، حيث تتعطل لديه ملكة الاستيعاب، ويتحول إلى ضجر وملل وسآمة، وبخاصة إذا كان الكلام جاداً، فلا بد من مراعاة ذلك والتعامل معه، حتى لا تكون ثقيلاً في نظر أبنائك، ولو أظهروا لك خلاف ذلك.
• معرفة الخطأ والصواب من سمات الشخصية المتزنة، وتربية الابن من صغره على ذلك ينمي لديه هذه الملكة، ولا يوجد مجتمع بشري إلا ولديه نظام يقوم على الخطأ والصواب، فتجد فيه الأمر والنهي، تجد فيه افعل ولا تفعل، فيه المشروع والممنوع، والمجتمع المسلم يتميز عن غيره أن اعتماده في ذلك على الوحي، وهو قانون الحلال والحرام، ومعرفة الخير والشر، وما لم يرد بنصه، فله ضوابطه التي تحكمه، من قواعد الشريعة وأصولها، ومن هنا تتأكد أهمية تربية الأبناء على معرفة الخير والشر، والمشروع والممنوع، حيث يسهل بعد ذلك التعامل مع هذا الأمر، ومن المهم ألا يعتمد ابنك في هذا على الحفظ والتلقين، ولكن عوّده على التمييز بين الخيرين وشر الشرين بعد مرحلة معرفته للخير والشر، وذلك يكون بالنقاش والتعليل والاختبار والإقناع، على أن نتحمل ما يرد في ذلك من أسئلة محرجة، لماذا وكيف، وما الفرق، وإياك أن تقول له: أطفئ نور عقلك واعتقد، كما يفعل النصارى في عقيدة التثليث، وقد تقول أيحدث هذا مع الأبناء؟ أقول لك: ألم تسمع لمن يقول لابنه عندما يناقشه في بعض الممنوعات: (ممنوع يعني ممنوع) والابن يقبل ذلك مكرهاً وينفذ مجبراً، وعندما تحين الفرصة للمخالفة ترى العجب.
-ـــــــــــــــــــ(115/1814)
دعونا نتشاجر من فضلكم
هاني العبدالقادر
2/6/1425
ارسل تعليقك ...
تعليقات سابقة ...
ارسل الصفحة ...
الى مشرف النافذة ...
طباعة ...
المشاجرات رغم إزعاجها وقلق الوالدين منها ومن تأثيرها على شخصيات أبنائهم وعلاقتهم ببعض تظل هذه المشاجرات أمراً طبيعياً وفطرياً مفيداً لهم يجربون خلالها مشاعرهم ومشاعر الآخرين من خيبة الأمل واختلاف وغضب وانزعاج ، متى يغضبون ؟! متى يغضب الآخرون ؟
يتعلمون من مشاجراتهم كيف يدافعون عن أنفسهم و حقوقهم، وهذا مهم بل كيف يدافعون عن بعضهم البعض ، كما يكتشفون خلالها طرق حل هذه الخلاف ، هذه الأشياء التي ذكرناها هي الأقرب لحياتهم القادمة .
بل قد تستغرب لو قلت: إنها تقوي العلاقة بينهم فقط لو أعطيناهم فرصة الخلاف وفرصة حل الخلاف ، إن دورنا المراقبة الهادئة من بعيد هذه حياتهم وهذه علاقتهم فيها حلو وفيها مُرّ .
أنت شخصياً علاقتك مع الزوجة فيها حلو وفيها مر، وفي نفس الوقت ترفض تدخل أي إنسان في كل مشكلة أو خلاف عادي بينك وبين زوجتك حتى لو كان هذا المتدخل أقرب الناس ، كذلك الوالدان ينبغي ألاّ يتدخلا في خلافات الأبناء إلا عند توقع أضرار حقيقية نزف أو كسر وهذا نادر جداً ، أما غير ذلك من الشجارات المعتادة إن رافقها صراخ عالي أو بكاء، فعليك بالتالي :
المشاجرات رغم إزعاجها وقلق الوالدين منها ومن تأثيرها على شخصيات أبنائهم وعلاقتهم ببعض تظل هذه المشاجرات أمراً طبيعياً وفطرياً مفيداً لهم يجربون خلاله مشاعرهم ومشاعر الآخرين من خيبة الأمل واختلاف وغضب وانزعاج ، متى يغضبون ؟! متى يغضب الآخرون ؟
الاحتفاظ بهدوئك الكامل ، فإذا أزعجك الصراخ أغلق الباب عليهم أو اطلب منهم أن يختاروا مكاناً آخر ليحلوا مشاكلهم فيه؛ لأن أصواتهم تزعج، قل لهم ذلك ولا تتدخل نهائياً فإن بدؤوا بالشكوى أو عرض خلافهم فاستمع لمدة دقيقتين لكل واحد منهم، وقل في الدقيقة الأخيرة أنتم تعرفون إني أقدر أحل المشكلة،وأنا أعرف أنكم تقدرون تحلون المشكلة وتتجاوزونها، و لذلك لن أتدخل أنتم إخوان وقل هذا حتى للصغار ، بعض الخلافات بالذات بين الصغار تكون للفت انتباهك وحتى منهم أكبر قليلاً ليعرف كل واحد منهم من ستختار أن تكون في صفه، ولذلك لا تتدخل إلا إذا استمر الخصام أكثر من ثلاثة أيام دع الأبناء يكتشفون حلولاً لأنفسهم ، ونقدر أن في داخل الأم و الأب غريزة لدفع الأذى عن أولادهم ورفع الظلم عنهم ، احتفظ بهذه الغريزة للمواقف الحقيقة في الحياة وتحكم بها تماماً بين أبناءك أثناء مشاكلهم المعتادة، فلا(115/1815)
تضعف أمام بكاء الطفل المهموم إذا جاء يتحدث عما في نفسه، استمع إليه باهتمام كما تستمع لغيره باهتمام بدون أن تظهر موقفك من القضية أو تقترح شيء .
إذن في موضوع شجارات الأبناء اخفضوا قليلاً من السلطة المركزية في البيت أعطوا الفرصة لشخصيات أبنائكم لتنمو بشكل طبيعي ، أما الآباء والأمهات الذين نجحوا من خلال سياسة القبضة الحديدية إلى تحويل بيوتهم إلى فنادق ليس لأحد شغل بالثاني ، نقول لهم الخدمة التاريخية التي ممكن تقدمها لأبنائك ليست هذه، الخدمة التاريخية هي إشاعة جو العدالة و إشاعة جو المحبة، وهما العلاج العميق للأسرة .
ـــــــــــــــــــ
مقارئ القرآن الكريم
الشيخ/ جماز الجماز، أ/ حمدي نور الدين
5/5/1425
ارسل تعليقك ...
تعليقات سابقة ...
ارسل الصفحة ...
الى مشرف النافذة ...
طباعة ...
تبذل حلقات تحفيظ القرآن الكريم في المساجد جهوداً جبارة في تحفيظ القرآن للناشئة، ورغم أهمية هذا الأمر إلا أن مقارئ القرآن الكريم التي يشير إليها كاتبا المقال تضاهي حلقات التحفيظ في الأهمية إن لم تزد عليها، لكنها لم تجد من يتكفل بها، كما أنها تصلح لجميع فئات المجتمع، حتى الكبار والعوام، حيث لا يستطيعون الحفظ، وتناسبهم جداً هذه المقارئ، أتركك أخي القارئ مع هذه الفكرة وتفصيلاتها. «مشرف النافذة»
مقدمة:
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه , ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا , من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله وسلم عليه وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد:
فقد اختص الله - عز وجل - هذه الأمة المباركة أن أنزل عليها أفضل كتبه المتعبد بتلاوته , ورتب – سبحانه - على مجرد قراءته الأجور العظيمة فضلاً عن تدبره والعمل به , فهو حبل الله الموصل إلى رضوانه وجنته - تبارك وتعالى-، وقد تكفل – سبحانه - بحفظه وصيانته من الضياع والاندثار، ومن التحريف والتبديل إلى أن يقضي الله أمراً كان مفعولاً .
تبذل حلقات تحفيظ القرآن الكريم في المساجد جهوداً جبارة في تحفيظ القرآن للناشئة، ورغم أهمية هذا الأمر إلا أن مقارئ القرآن الكريم تضاهي حلقات التحفيظ في الأهمية إن لم تزد عليها(115/1816)
وإن من حفظه - عز وجل - للقرآن أن قيض له أئمة وعلماء قاموا وشمروا عن ساعد الجد، وواصلو الليل والنهار وأفنوا أعمارهم في ضبط حروفه ومبانيه على الصفة المتلقاة من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فنقلوا كل شيء يتعلق به حتى يكون غضاً كما نزل، وهؤلاء الأعلام الذين اجتمعت الأمة على إمامتهم في هذا الشأن حاشاهم أن يكونوا قد زادوا فيه أو نقصوا منه أو أضافوا إليه أو غيروه ما لم يكن منه فإن ذلك منافٍ لحفظه - عز وجل-، وقد قال سبحانه: "إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ" (الحجر:9)، ونود في هذا المشروع أن نكمل مسيرة هؤلاء الأئمة الأعلام, وندعوا الأمة أفراداً وجماعات ومؤسسات دعوة جادة لإنشاء مقارئ للقرآن الكريم تعنى بضبط التلاوة وتجويدها وألا يقتصر على حلقات تحفيظ للقرآن الكريم، حيث إن فئاماً من الناس كثير من الحفاظ لا يحسنون التلاوة، ويقعون في أخطاء وذلك في بعض الأقطار، فكان لزاماً على الأمة تصحيح هذا الخطأ الفادح , والعمل على تلافيه ,والاستفادة من تجارب بعض البلدان التي استطاعت تجاوز هذه المشكلة وإليك البيان.
أهمية مقارئ القرآن الكريم:
مقارئ القرآن الكريم لها أهمية بالغة؛ لأنها تعنى بمدارسة القرآن الكريم تلاوة وليس حفظاً و العلماء الكرام سموا قراءة القرآن الكريم قراءة سليمة تجويداً للقرآن الكريم , والتجويد هو التحسين، والتحسين يدخل فيه أمران: حد الصحة وحد الكمال وما يخالف التجويد أمران:
أولاً :اللحن الجلي، وهو مخالفة ظاهرة لكل أحد وهو ما خالف حد الصحة، واللحن المقصود به (الخطأ والميل عن الصواب) والجلي المقصود به (الواضح البين)، وهذا النوع من اللحن ينافي القراءة السليمة منافاة تضاد , وهو عبارة عن الخلل الذي يطرأ على لفظ القرآن الكريم فيخل بمبانيه ومعانيه وبلاغته وإعجازه.
ثانياً: اللحن الخفي، وهو مخالفة غير ظاهرة لكل أحد، وهو ما خالف حد الكمال الزائد عن الصحة، وهو: خلل يطرأ على اللفظ فيخل بعرف القراءة ورونقها.
وهو نوعان :
1/نوع يعرفه كل من طلب علم التجويد، فهو يتعلق بتطبيق القواعد والأحكام الدائرة في جميع القرآن الكريم .
2/نوع لا يعرفه إلا المختصون المهرة في القراءة، فهو يتعلق بكيفيات تطبيق هذه القواعد ومقاديرها ,وكيفية النطق بالكلمات المختلفة بشكل سليم ,وكذلك ما يتعلق بالوقف والابتداء.
فإن قيل ما الفرق بين اللحن الجلي وبين النوع الثاني من اللحن الخفي، وهو لحن أشد خفاء وهو ما لا يدركه إلا الحذاق المهرة من القراء عن طريق الضبط على شيخ متقن مما يتعلق بالمخارج والصفات، وهو ما يتفاضل فيه القراء مع أن كليهما يتغير معه المعنى؟
قيل : إن اللحن الجلي هو تغيير واضح للمعاني لكل من له دراية ولو بسيطة بقواعد اللغة العربية وفيه إجحاف ببعض الحروف، وهو في مقدور كل أحد تعلمه واجتنابه(115/1817)
بقليل من الجهد, أما اللحن الخفي وإن كان يحيل المعنى ويغيره أحياناً ويخل برونق القراءة أحياناً إلا أنه ليس في وسع كل أحد ملاحظته إلا بإمعان النظر والذوق السليم للنطق باللفظ القرآني المتلقى من فم الشيخ المتقن وكثرة التدريب عليه.
أهداف مقارئ القرآن الكريم:
1/ النصح لكتاب الله - عز وجل - وخدمته.
2/ ربط المسلمين بكتاب ربهم وتوثيق الصلة به.
3/ القيام بواجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر الذي جعله الله في عنق الذين أوتوا العلم كما قال - عز من قائل-: "وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلا تَكْتُمُونَهُ" (آل عمران: من الآية187).
4/ إحياء لطريقة العرض بين الطالب والشيخ، وهي الطريقة الوحيدة الصحيحة لتعلم القرآن الكريم، وهذا معنى قول السلف :- القراءة سنة متبعة يأخذها الآخر عن الأول .
5/ تحقيق القراءة السليمة، وذلك بتجنب اللحن الجلي والخفي.
6/ تصحيح قراءة بعض القراء وخاصة أئمة المساجد.
7/ الاهتمام بتدبر القرآن الكريم، فإن القراءة الصحيحة سبب للفهم والتدبر.
8/ فتح المجال أمام الراغبين لإتقان القرآن الكريم والعمل به ولو لم يكونوا حفاظاً.
9/ تخريج أجيال في جميع أنحاء العالم من مختلف شرائح المجتمع يحسنون قراءة القرآن الكريم تلاوة ويجتنبون اللحن الجلي والخفي ولو لم يكونوا حفاظاً.
10/ استغلال الإمكانات المتاحة والتقنيات الحديثة وتسخيرها لتعلم وتعليم كتاب الله في كل بلد.
كيف تنفذ مقارئ القرآن الكريم:
1/ تكون هذه المقارئ تابعة لوزارة الشؤون الإسلامية أو المراكز الإسلامية أو الجمعيات الخيرية لتحفيظ القرآن الكريم أو مكاتب الدعوة, أو إدارة المساجد أو نحوها على أن تقوم بتحمل جميع الأعباء رسمية أو مادية.
2/ ينبغي الاستفادة من القطاع الخاص والمحسنين لتحمل نفقات المقارئ أو رعاية بعض البرامج المنفذة في المقارئ؛ لأن الناس حريصون على خدمة كتاب الله أشرف كتاب على وجه الأرض .
3/ يقوم الخطباء والدعاة والوعاظ في المنطقة بالتوعية الكافية لهذه المقارئ وحث الناس على الالتحاق بها والاستفادة منها رجالاً ونساءً صغاراً كباراً.
4/ تقوم الجهة المختصة بإلزام من تراه يحتاج لهذه المقارئ من الأئمة والمؤذنين والدعاة وطلبة العلم بالحضور والمواظبة والاستفادة ومحاسبة المقصر.
5/ يُدرس فيها المتخصصون الأكفاء من القراء ويفضل حملة الأجازات في القرآن الكريم أو من دونهم ممن يحسنون التلاوة ولو لم يكونوا حفاظاً للقرآن الكريم.
6/ إقامة حلقات مقارئ في المساجد أو الدور على غرار حلقات التحفيظ وتقسم إلى مستويات .
7/ يعرض في المقارئ القرآن الكريم و يقسم إلى مستويات , كل واحد منها يحدد بمقدار معين ويشمل المستويات القرآن الكريم كاملاً.(115/1818)
8/تقام هذه المقارئ بنحو ثلاثة أيام أسبوعياً في ساعة من اليوم تناسب المستفيدين.
9/ تقام كل مدة اختبارات فترية لقياس مستوى الملتحقين بالمقارئ في القراءة السليمة وأحكام التلاوة والتجويد، ويفضل أن يكون هناك مكافآت تشجيعية.
10/ ينبغي أن يكون فيها حوافز مادية من الهدايا أو معنوية كالتشجيع والثناء أو نحوها من الرحلات واللقاءات بغية تجديد النشاط وتثبيت الروابط بين الجميع.
ثمرات مقارئ القرآن الكريم:
1/ رفع الحرج وربما الإثم عن التالين للقرآن الكريم، وخاصة الدعاة والقائمون بالعمل العلمي و الدعوى والتربوي في المجالات المختلفة.
2/ العمل على نشر قواعد القراءة السليمة الخافية على كثير من الناس.
3/ تشجيع كثير من الناس على الالتفاف حول كتاب الله – تعالى - وتحبيبهم فيه.
4/ فتح المجال لكثير من الذين يتحرجون من الذهاب لحلقات التحفيظ صغاراً وكباراً، إما لعدم قدرتهم على الحفظ أو لعدم رغبتهم في الحفظ لتعلم القراءة السليمة.
الخاتمة:
وفي نهاية المطاف ,هذا جهد متواضع أردت به وضع لبنة في سبيل خدمة كتاب الله - عز وجل-, ونسأل الله - تعالى - أن تكون صالحة مباركة، وإن المسؤولية الكبيرة تقع على كواهل أهل العلم ومن أقدرهم الله على صنع القرار أو المشاركة فيه أو التأثير عليه,أنْ يُولوا هذا المشروع العناية التامة حتى يرى النور, وتنعم الأمة بضبط كتاب ربها تلاوة وتجويداً، أسأل الله - عز وجل - بأسمائه الحسنى وصفاته العلى أن يرد المسلمين إلى دينهم وكتاب ربهم رداً جميلاً ,وأن ينفعنا ويرفعنا بالقرآن الكريم , وأن يهدينا لما فيه من الآيات والذكر الحكيم، وأن يرزقنا العمل به والفهم فيه، وألا يجعل حظنا فيه إقامة حروفه, وأن يغفر لنا ولوالدينا ولمشايخنا ولعلمائنا وكل من له حق علينا، كما نسأله - جلت قدرته - أن يتقبل هذا العمل ويكتب له القبول حتى يعم به النفع لكل مسلم ومسلمة, وأن يكلل أقوالنا وأعمالنا بالنجاح إنه جواد كريم، وما كان فيه من توفيق فمن الله وحده , وما كان من خطأ أو وهم فمني والشيطان والله ورسوله منه بريئان "إِنْ أُرِيدُ إِلَّا الْأِصْلاحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ" (هود: من الآية88).
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
ـــــــــــــــــــ
كيف تحفظ القرآن في ستين يوماً
28/4/1424
ارسل تعليقك ...
تعليقات سابقة ...
ارسل الصفحة ...
الى مشرف النافذة ...
طباعة ...(115/1819)
الحمد لله رب العالمين.. الحمد لله علم القرآن خلق الإنسان علمه البيان والصلاة والسلام على أشرف الأنام وخير من نطق بالبيان نبينا محمد وعلى آله وأزواجه وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، أما بعد:
فقد يسر الله - تعالى - القرآن للذكر وللحفظ، ورتب على حفظه الدرجات العلى في الجنان لما ورد في السنن من حديث عبد الله بن عمرو "يقال لصاحب القرآن يوم القيامة: اقرأ وارتق ورتل كما كنت ترتل في الدنيا فإن منزلتك عند آخر آية تقرؤها"، ومن اشتغل بحفظ القرآن فإنه يجمع بين أجر التلاوة والحفظ، وكفى بالقرآن شغلاً فالعيش في ظل القرآن عيش طيب وحياة سعيدة في الدارين، وإن هذه الدورات كشفت للناس أن شباب هذه الأمة على مستوى عالٍ، وعندهم من الطاقة والعزيمة ما يفجر الجبال وهذا من نعم الله، فقد خص الله هذه الأمة بقوة الحفظ يوم أن سلبها من الأمم الماضية حيث ضيعوا الكتب المنزلة، فلله الحمد من قبل ومن بعد، فأقول لإخواني الشباب: شمروا مادام هذا الباب فتح لكم، وما دام أن الله أعطاكم النعم والوقت والأمن والإيمان والفتوة، وإني أكتب هذه الكلمات لعل الله أن ينفعني وينفع غيري من طلاب الدورات وغيرهم بها موضحاً ما يلي:
كفى بالقرآن شغلاً فالعيش في ظل القرآن عيش طيب وحياة سعيدة في الدارين، وإن هذه الدورات كشفت للناس أن شباب هذه الأمة على مستوى عالٍ، وعندهم من الطاقة والعزيمة ما يفجر الجبال
1 - الطريقة المناسبة لتوزيع الحفظ في هذه المدة.
2- أهل الدورة (الفترة).
3 - الطريقة السليمة للمراجعة اليومية والأسبوعية والنصفية والنهائية.
4 - الطريقة المناسبة للحفظ.
5 - الطريقة المناسبة للتدبر والفهم.
6 - الطريقة المناسبة للاختبارات.
7 - الطريقة المناسبة لوقت التسميع ومقداره.
8 - الطريقة المناسبة لتوزيع المجموعات والمشرفين والمتابعة.
9 - الحد الأدنى من أحكام التجويد للاستمرار في مثل هذه الدورات.
10 - تنبيهات مهمة وتوجيهات قبل الحفظ.
11- تنبيهات مهمة وتوجيهات مع الحفظ.
12- تنبيهات مهمة وتوجيهات بعد الحفظ.
13 – ملحق بأمور يجب مراعاتها في القراءة والأداء والأخطاء التي يقع فيها كثير من الطلبة.
14 – من الكلمات التي يخطئ فيها بعض الطلبة.
1-الطريقة المناسبة لتوزيع الحفظ:
إذا كانت الدورة ستين يوماً فقد يقول القائل القضية محلولة كل يوم نصف جزء لكن أقول: لابد من الجمع بين المراجعة والحفظ، فبدون برنامج المراجعة احتمال كبير أن يخفق الطالب في إتقان القرآن فإني أقترح الجدول التالي (رسم 1) لتوزيع الحفظ(115/1820)
حسب السور (ما يعادل 12 وجهاً يومياً تقريباً باستثناء أيام المراجعة )، ويناسب هذا الجدول من أراد أن يضبط ويراجع القرآن.
2-أهل الدورة:
وأقولها بكل صراحة: إن هذه المدة الوجيزة ليست كافية في حفظ وتدبر كلام الله، ولا أرى أن هذا هو المنهج الذي سار عليه سلف الأمة، فكتاب الله يحتاج إلى وقوف وضبط وتعاهد وتأمل، لكن أوصي الشباب بوضع برنامج ولو لسنتين، بحيث يعطي القرآن حقه من التجويد والضبط والتفسير وغيره، لكن ربما تناسب شريحة من الطلاب يتصفون بما يلي:
- طالب سبق أن حفظ القرآن، ويريد أن يجمع ما تفلت منه.
- طالب قد حفظ جزءاً كبيراً من القرآن وما بقي عليه إلا القليل.
- طالب ذكي، وعنده قوة حافظة مع الحرص والتجلد والمصابرة، ويريد أن يتفرغ للمراجعة القوية بعد الدورة بحيث يختم بأقل من أسبوع.
3 – المراجعة:
أ – المراجعة اليومية: لابد من إلزام الطالب بترديد حفظ اليوم أكثر من مرة في آخر النهار مع مراجعة حفظ الأمس للربط، وحبذا أنه يشترط ألا يبدأ بالحفظ اليومي حتى يقرأ حفظ الأمس، وهذا يعد الحد الأدنى للمراجعة اليومية، ومن زاد على ذلك فهو خير.
ب-المراجعة الأسبوعية: يتفرغ الطالب في اليوم السابع للمراجعة فقط دون الحفظ، وذلك بعد الأيام الستة حسب الجدول المقترح، فإن المراجعة الأسبوعية من أهم أيام الدورة، حيث يتم ربط حوالي ثلاثة أجزاء ونصف، ولا يسمح للطالب بأي عذر من الأعذار في التخلف عن الاختبار؛ لأن طبيعة بعض الطلاب يريد العجلة، وقد لا يهتم بالمراجعة والضبط، ومن المصلحة إلزام الطالب بذلك.
ج – المراجعة النصفية: يتم تفريغ ثلاثة أيام حسب الجدول لمراجعة تقريباً نصف القرآن، وهذه المراجعة تثبت للطالب أنه قادر على المراجعة في هذه المدة حتى يعتاد الطالب على قراءة نصف القرآن في ثلاثة أيام، وليس ذلك على همة وعزيمة الشباب بصعب وبعيد، وتعد هذه المراجعة مقياس لنجاح الطالب في هذه الدورة، فإن العبرة ليست بالحفظ فقط إنما بالضبط والإتقان.
د – المراجعة النهائية: وذلك للقرآن كاملاً، وهذه تعد من شروط إكمال هذه الدورة، ويفرغ الطالب الأيام الأخيرة حسب الجدول حتى يعطى شهادة أنه حفظ القرآن كاملاً.
4 – الطريقة المناسبة لكيفية حفظ الوجه:
أ - تلاوة الوجه أكثر من ثلاث مرات، ومحاولة الفهم مع الحفظ، فهو أدعى لسرعة الحفظ، وأفضل وأنفع لحافظ القرآن.
ب- تقسيم الوجه إلى قسمين أو ثلاثة حسب قدرة الطالب.
ج - تحديد وقت معين تلزم نفسك بالحفظ حتى تعتاد عليه مثلاً الوجه يأخذ عشرة دقائق أو خمسة عشر دقيقة.
د - تكرير القسم الأول حتى يتم حفظه.
ل - تكرير القسم الثاني حتى يتم حفظه.(115/1821)
ك- ربط الوجه جميعاً وتكريره حتى يتم ضبطه، وكلما زدت في التكرار كان الضبط أقوى.
هـ- ربط الوجه الأول بالوجه الثاني وهكذا.
و- قراءة أربعة أوجه جميعاً بدون النظر إلى المصحف.
ي- قراءة الحفظ على المسمِّع.
5 - الطريقة المناسبة للتدبر تكون بما يلي:
أ- اختيار مصحف خاص للحفظ يكون على الهوامش معاني الكلمات، وهو موجود في المكتبات.
ب- اختيار أحد كتب التفاسير المختصرة؛ كالجلالين وغيره من التفاسير الكثيرة، والمرور على المعنى الإجمالي للآيات.
ج- التأمل والتدبر من قبل الطالب، وجعل الهم ليس الحفظ فقط، بل إشغال العقل والاستفادة من الآيات، فإن الآيات واضحة المعنى لكن تحتاج إلى توقف يسير، وهذا النوع من أقوى الطرق لفهم الآيات، وحتى لا يكون القارئ كالأعجمي الذي يقرأ ولا يفهم، وحتى لا تنطبق عليه الآية "أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا" (محمد:24) ولله المثل الأعلى لو أعطاك شخص رسالة، هل يليق أن تقرأ حرفاً فيها بدون فهم للمقصود؟ فكتاب الله أحق وأولى أن تفهم ما يريد الله منك.
6 - الطريقة المناسبة للاختبارات:
الاختبار ضروري للطالب؛ لأنه يبين الضابط من غيره، وسبب رئيس لاعتياد الطالب على المراجعة، فيتم الاختبار كالتالي:
أ- طباعة كشف يوضح فيها الأسماء وأعمدة للمقاطع التي تعطى للطالب والدرجات النهائية.
ب- إعطاء الطالب الفرصة لقراءة أكثر من ثلاثة مقاطع، ولتكن متفرقة ولا يلزم أن تكون من أول الوجه.
ج- تحديد وقت الامتحان، وليكن في نهاية أيام المراجعة.
د- يجب التشديد وعدم التساهل في الدرجات، وإعلان أسماء البارزين والمخفقين ليحصل التنافس وانسحاب من لم يكن قادر على المواصلة في الدورة.
7 – الطريقة المناسبة لوقت التسميع ومقداره:
تختلف ظروف الدورات من حيث المكان في هذا الوقت لكن أقترح:
أ- التسميع يكون على فترتين أو ثلاث في اليوم.
ب- يكون التسميع أولاً تلاوة لضبط الآية والتأكد من عدم اللحن ومراعات التجويد قبل حفظ الوجه، وهذا يخضع لمستوى الطلاب وعدد المسمعين، فلكل دورة ظروفها.
ج- تكون الفترات بعد الفجر والظهر والعصر وباقي الوقت للمراجعة، ويكون المقدار على أربعة أوجه أو حسب ما يراه المشرفون مراعاة لمستوى الطالب وانسجامه مع البرنامج.
8 – الهيكل الإداري:
تحتاج الدورة إلى هيكل إداري متكامل لنجاح الدورة على النحو التالي:
9 – الحد الأدنى من المعلومات في التجويد والضبط:(115/1822)
ويكون بتعليم النقاط التالية:
أ- النطق السليم للآية بدون لحن جلي.
ب- تعلم أحكام النون الساكنة والتنوين / الإدغام / الإخفاء / الإظهار / الإقلاب (انظر جدول النون الساكنة والتنوين الملحق).
ج - تعلم أحكام المدود وأحكام المتصل والمنفصل والعارض للسكون والمد اللازم (انظر جدول المدود الملحق).
وبعد ذلك يمكن التوسع في تعلم أحكام التجويد بالتفصيل بعد الدورة، أو أثناء الدورة وهذا حسب نوعية المدرسين ومستوى الطالب.
10 – تنبيهات قبل الدخول في الدورات:
أ- تجريد النية وتجريد غرضك وهدفك من حفظ القرآن، هل هو طلب مرضات الله ونيل الدرجات العلى ونفع الناس، والخلوة والأنس بترتيل وتدبر آياته أم أنه التقليد والمباهاه، وحب الشهرة؟ فإن كانت الأولى فأقدم وأبشر، وإن كانت الثانية فتب وراجع نيتك وجاهدها، واعلم أن من طلب شيئاً من الدين لا يريد إلا عرضاً من الدنيا لم يرح رائحة الجنة - كما ورد في السنن في هذا المعنى - فتنبه إلى هذا.
ب- أنت أعرف الناس بنفسك، فإذا كنت لا تستطيع أن تحفظ القرآن في هذه المدة القليلة، فابحث عن دورة أخرى أقل كنصف القرآن أو ثلثه مع الضبط حتى لا يحصل عندك ردة فعل وإحجام عن مشروع حفظ القرآن، وأقترح أن تجرب مع نفسك أن تحفظ خلال ثلاثة أيام 30 وجهاً من القرآن وتقيس مدى حفظك وضبطك.
ج- يجب أن تعرف أنه لا يلزم من كونك ترغب حفظ القرآن دخولك في دورة، فقد يحول بينك وبين هذه الدورة بعض الأعراض فلا تعجز عن ترتيب وقتك والبحث عن صديق تتعاون معه على هذا الدرب وما أكثرهم - ولله الحمد-، وبالإمكان عند عدم توافر مكان للطالب في هذه الدورات أن يتفق ثلاثة أو أكثر والتعاون والتعاضد على هذا المشروع فيما بينهم.
د- احرص على الدورات التي فيها برنامج للمراجعة والاختبارات، فهي أفيد لك وأضبط، وحذاري يا أخي أن يقال لك: حافظ للقرآن وأنت مضيع للقرآن، ولو أعطيت وجهاً من القرآن للقراءة بعد الدورة لضربت أخماساً في أسداس، لذا أوصيك بالدورة التي تهتم بالمراجعة أكثر من اهتمامها في الحفظ.
هـ- قد تسمع من أحد الناس أن حفاظ الدورات غير ضابطين للقرآن فلا تلتفت إلى هؤلاء، فالناس يختلفون، فمنهم السابق للخيرات الضابط المجاهد، ومنهم العادي المنصف الذي يعرف من نفسه التقصير ويجاهدها، ومنهم المفرط الذي أهمل نفسه فكن مفتاحاً للخير معيناً عليه، ولاتكن من المثبطين الذين لا همّ لهم إلا اللمز وربما تجدهم من أكسل الناس.
و- اعتماد طبعة واحدة للحفظ، وأفضل طبعة في هذا الزمان - فيما أراه - طبعة مجمع الملك فهد.
11- تنبيهات وملاحظات أثناء الدورات:
أ- الاعتناء بالمتشابه والمتقارب، وابتكار طريقة تناسبك لربط الآية بشيء معين ليسهل استذكارها، وهناك كتب كثيرة في هذا المجال .(115/1823)
ب- ملازمة أحد الحفاظ للمراجعة الدائمة معه في الدورة وفي غيرها - إن تيسر ذلك-.
ج- الصبر و المصابرة والدعاء بالتوفيق والإعانة على إكمال المشوار.
د- التقليل من الطعام، فالبطنة تذهب الفطنة وتجلب النوم.
ل- التفرغ الكامل نفسياً وجسدياً من هموم الدنيا و أشغالها.
ك- خلو المكان من الإزعاج والخلطة وغيرها من المكدّرات.
م- مراجعة المحفوظ في النوافل لتثبيت الحفظ.
ن- اصطحاب مسجل لسماع قارئ مجود حتى يكون الحفظ متقن.
هـ- إياك والفتور أثناء هذه الدورة، فالشيطان سيقف لك في بدايتها ووسطها حتى يعيقك عن إكمال المشوار، فتعوذ منه واستعن بالله من الشيطان الرجيم.
12- تنبيهات بعد الدورات:
أ- تنظيم وقت للمراجعة المستمرة، فالنبي - صلى الله عليه وسلم - يقول: "تعاهدوا القرآن فوا الذي نفسي بيده لهو أشد تفصياً من الإبل في عقالها" رواه البخاري.
ويفضل للحافظ أن يجعل جدولاً للمراجعة بمقدار ثلاثة أجزاء يومياً، ويجاهد نفسه ألا ينام حتى يقرأها، بحيث يختم كل عشرة أيام ويجعلها ديناً عليه في كل وقت صلاة يراجع 12 وجهاً.
ب- قد تنسى شيئاً من السور، وقد يأتيك شعور بأنك نسيت وتفلت القرآن منك، لكن هذا الشعور ينتاب أغلب الحفاظ، وهو أمر طبيعي، فإذا أحسست بذلك فلا تطع الشيطان وتيأس من المواصلة والمراجعة، فإن أحسست بذلك حاول أن تتفرغ بعض الأيام لإتقان الحفظ.
ج- محاولة إمامة المصلين في رمضان وفي غيره من الشهور لإتقان الحفظ.
د- لا تعتقد أنك بحفظك للقرآن قد بلغت مراتب العلماء، فاعرف قدر نفسك، وتزود بالعلم النافع، واطلع على كتب التفاسير، وواصل طريق العلم، ومن سلك طريقاً يلتمس به علماً سهل الله له طريقاً إلى الجنة.
ل- احرص على دخول دورات أخرى للضبط، فهي أكبر معين على ضبط القرآن وإتقانه.
ك- عود نفسك على قراءة محفوظك بدون النظر إلى المصحف حتى لا تعتاد عليه.
م- يقول أحد الصحابة في معركة من المعارك: "بئس حامل القرآن أنا إن فررت".
وأنت قل بئس حامل القرآن أنا إن عصيته وخالفت أمره، فإن المعصية شؤم وسبب لنسيان القرآن كما قال الشافعي - رحمه الله-:
شكوت إلى وكيع سوء حفظي ... ... فأرشدني إلى ترك المعاصي
ن- ترنم بالقرآن إذ الناس نائمون، ورتل القرآن ترتيلاً فإن من أسباب تثبيت القرآن القيام به بالليل قال الله – تعالى-: "وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَكَ" (الإسراء: من الآية79)، وكما جاء عند الإمام مسلم أن النبي - صلى الله عليه وسلم – قال: "وإذا قام صاحب القرآن فقرأه بالليل والنهار ذكره، وإذا لم يقم به نسيه".
هـ- اطّلع على بعض الكتب التي تبين آداب حملة القرآن؛ ككتاب (التبيان في آداب حملة القرآن) أو غيره من الكتب.(115/1824)
و- إن مما يعين على تثبيت الحفظ كثرة المراجعة والقراءة، وتذكر حال السلف فإن ذكر الصالحين حياة للقلوب وشحذ للهمم، فخذ بعض النماذج لتكون قدوة لك وميدان فسيح للحوق بهم، ومنها:
1-يروى عن أكثر من واحد من الصحابة أنهم قرؤوا القران كاملاً في ليلة منهم الخليفة الراشد عثمان ابن عفان وغيره.
2- قال ابن جريج: " يذكر عن سعيد بن جبير أنه قال: لأن تختلف النيازك في صدري أحب إلي من أن أسقط من القرآن شيئاً ".
3- جاء بسند صحيح عن الشافعي أنه ختم في رمضان ستين ختمه.
4- أعرف من الشباب في عصرنا من يختم يوم الجمعة وأعرف من ختم القرآن في ليلة، والنماذج كثيرة.
ـــــــــــــــــــ
تجربة دورة حفظ القرآن والسنة بمسجد علي بن المديني
خالد الزريقي
20/4/1425
ارسل تعليقك ...
تعليقات سابقة ...
ارسل الصفحة ...
الى مشرف النافذة ...
طباعة ...
كانت الفكرة موجودة في الأذهان منذ مدة ليست طويلة، وكذلك الهمة والحوافز، وخلال صيف عام 1243هـ بدأنا بتطبيق هذه الفكرة على أرض الواقع، وخلال مدة بسيطة تكشف لنا مدى نجاح هذه التجربة، ومدة أهميتها وحاجة الناس إليها، فاستمرت عام 1424هـ.
الدورة تخص أحد أكثر مطالب المسلمين حاجة، وتعد مما ينال بها الإنسان مرتبة عالية في الدنيا والآخرة، وهو ما جعل هذه الدورة جديرة بالنجاح والرفعة.
والدورة هي دورة تحفيظ القرآن الكريم للشباب المسلم خلال وقت الصيف، وإن مما يثلج صدر المؤمن أن يرى كوكبة من شباب الأمة يُقبلون على حفظ كتاب ربهم _عز وجل_ وسنة نبيهم _صلى الله عليه وسلم_، بل ويتسابقون في ذلك، وكأن لسان حالهم، يقول:سارعوا يا شباب الإسلام بحفظ كلام الرحمن فإنه الحصن الحصين من الشيطان الرجيم! وما ذاك إلا دليل على اهتمامهم بهذا الدستور العظيم الذي هو عز هذه الأمّة وفخرها وأساس قوتها .
وهذه الدورة تتعلق بكتاب الله _تعالى_ وسنّة نبيه _صلى الله عليه وسلم_، وقد رتبنا لها برنامجاً مكثفاً مدته ستة أسابيع خلال هذه الإجازة يحفظ الشاب القرآن الكريم كاملاً، وكتاب (عمدة الأحكام) للحافظ عبدالغني المقدسي _رحمه الله تعالى_، ومنطلقنا في ذلك قول الله _عز وجل_ : "وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإثْمِ وَالْعُدْوَانِ" (المائدة: من الآية2? .(115/1825)
الدورة تخص أحد أكثر مطالب المسلمين حاجة، وتعد مما ينال بها الإنسان مرتبة عالية في الدنيا والآخرة، وهو ما جعل هذه الدورة جديرة بالنجاح والرفعة
ومما يثلج الصدر ويدعو إلى مواصلة الجهود وتكثيفها وتطويرها تلك النتائج التي ظهرت منذ بزوغ فجر هذه الدورة على أرض الواقع –ولله الحمد- فمن ذلك على سبيل المثال:
استطاع أحد المشاركين فيها (وهو طالب في المرحلة الجامعية) أن يختم القرآن الكريم كاملاً عن ظهر قلب بعد ستة عشر يوماً، وقد حصل على إجازة برواية حفص عن عاصم.
وما أن علم كثير من الإخوة المشاركين عنه، إلا ولمعت من أعينهم شعلة التنافس المحمود بينهم، واستطاع فارس الدورة الثاني أن يختم القرآن كاملاً عن ظهر قلب في ثمانية عشر يوماً، وهو طالب في مرحلة الثالث ثانوي .
كما استطاع الفارس الثالث أن يختم القرآن كاملاً عن ظهر قلب كذلك في ثمانية عشر يوماً، وقد حصل على إجازة برواية حفص عن عاصم .
وقد تنافس في ذلك كثير من الشباب، وفرّغ كثير من الإخوة أوقاتهم لحفظ كتاب ربهم _عز وجل_، فقد استطاع أربعون مشاركاً _ولله الحمد والمنة_ أن يختموا القرآن الكريم كاملاً عن ظهر قلب خلال سبعة وعشرين يوماً، منهم من ختمه خلال تسعة عشر يوماً، ومنهم من ختمه خلال اثنين وعشرين يوماً، فكل يوم يختم اثنان أو ثلاثة من المشاركين.
أعداد المتقدمين:
تقدم لهذه الدورة أكثر من 800 طالب عام1423هـ وقبل منهم614 طالباً، وتقدم أكثر من 900 طالب عام1424هـ فتم قبول 560 طالباً.
ونظراً لعدم اتساع مسجد علي بن المديني لهذا العدد الكبير، خاصةً أن حفظ القرآن الكريم يحتاج له تهيئة المكان لكي يتمكن الإنسان من تلاوته وحفظه ومراجعته، فتم توزيع هذا العدد على خمس مساجد في شرق وشمال الرياض، مع إشراف مسجد علي بن المديني على المساجد ، وهذه المساجد، هي :
مسجد علي بن المديني _رحمه الله_ بحي الروضة .
مسجد أنس بن مالك _رضي الله عنه_ بحي الازدهار .
جامع الشيخ محمد بن عثيمين _رحمه الله_ بحي الواحة .
مسجد الربيع بحي الربيع .
مسجد الخريّف بحي المعذر الشمالي .
برامج الحفظ المكثفة في الدورة:
أولاً : حفظ القرآن موزع على أربعة فروع كما يلي في هذا الجدول:
ثانياً : حفظ السنّة النبوية :
وقد قمنا باختيار كتاب (عمدة الأحكام) للحافظ عبدالغني المقدسي، وذلك أن أحاديثه في الصحيحين أو أحدهما، وكذلك لأن هذا الكتاب يستطيع الإنسان أن يحفظه في هذه المدة الوجيزة، وهي ستة أسابيع موزعة على ثلاثة أوقات كما يلي في هذا الجدول :-
وقد تخلل هذه الدورة دورات تتعلق بالقرآن الكريم، ومنها:(115/1826)
دورات مصاحبة في عام 1423هـ، وهي:
( 1 ) دورة في الحاسب الآلي .
( 2 ) دورة في فن التفاعل مع الآخرين .
( 3 ) دورة في فن الإلقاء والخطابة .
أما الدورات المصاحبة في عام1424هـ فكانت:
( 1 ) دورة في تحسين التلاوة لمن لم يجد تلاوة القرآن .
( 2 ) دورة في الوقف والابتداء .
اللجنة العلمية والاستشارية:
تم تشكيل لجنة علمية واستشارية، ومهمة هذه اللجنة اختيار مدرسي الدورة وجودتهم وسلامة عقيدتهم من الخلل، ممثلة في كل من :-
( 1 ) فضيلة الشيخ الدكتور / سيد بن ساداتي الشنقيطي (أستاذ الإعلام الإسلامي بكلية أصول الدعوة والإعلام بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية بالرياض) .
( 2 ) فضيلة الشيخ الدكتور / صلاح بن عبدالمقصود المهداوي (أستاذ التفسير وعلوم القرآن المساعد بكلية أصول الدين بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية بالرياض) .
آليات عمل الدورة والأهداف التي تسعى لها:
مثل هذه الدورات المباركة لابد أن يكون لها أهداف وآلية تسعى لها، ومن ذلك:
(1) تحقيق الخيرية التي وعدت بها الأمة في قوله _صلى الله عليه وسلم_ : "خيركم من تعلّم القرآن وعلّمه".
(2) إحياء رسالة المسجد في الإسلام .
(3) إيجاد حفّاظ لكتاب الله _عز وجل_ وسنة رسوله _صلى الله عليه وسلم_ خلال 45 يوماً، والاستفادة منهم في التدريس في حلقات القرآن والسنّّة النبوية .
(4) تحقيق مبدأ التعاون الذي أمر الله به، وذلك بتهيئة الفرص للشباب في الإجازة الصيفية لحفظ كلام رب البريّة .
(5) تشجيع شباب الأمة ورفع همتهم لحفظ كتاب ربهم _عز وجل_، واستغلال أوقاتهم في هذه المدة القصيرة .
أما آلية عمل الدورة والطريقة التي تسير عليها فكانت وفق ما يلي:
حفظ القرآن الكريم .
حفظ كتاب (عمدة الأحكام) للحافظ عبدالغني المقدسي .
حفظ كتاب (بلوغ المرام) للحافظ بن حجر العسقلاني .
أما ما يتعلق بكتاب الله _تعالى_، وكتاب (عمدة الأحكام)، فيكون برنامجهما في الإجازة الصيفية .
وأما ما يتعلق بكتاب بلوغ المرام فيكون في بداية الدراسة ولمدة فصلين دراسيين بمشيئة الله _تعالى_، وقد وضعنا لحفظ هذا الكتاب القيّم برنامجاً زمنياً يحفظ فيه الإنسان هذا الكتاب المفيد خلال هذه المدة المحددة _بمشيئة الله_ .
شروط الالتحاق بالدورة:
1- الانتظام بالحضور طيلة مدة إقامة الدورة وعدم الغياب .(115/1827)
2- تعبئة استمارة الالتحاق بالدورة .
3- أن يكون الملتحق من المرحلة المتوسطة والثانوية والجامعية، ويدخل في ذلك الموظفين والمتقاعدين .
4- إجادة قراءة القرآن الكريم من المصحف ( نظراً ) .
5- يشترط لحفظ كتاب (عمدة الأحكام) أو كتاب (بلوغ المرام) أن يكون الإنسان حافظاً للقرآن الكريم كاملاً .
المميزات والحوافز التشجيعية خلال الدورة:
وضعت إدارة الدورة ميزات وحوافز تشجيعية لمن يشارك فيها، وتتضمن الآتي:
( 1 ) يقوم بالتدريس فيها نخبة من حفّاظ كتاب الله، والحاصلين على أكثر من رواية .
( 2 ) يحصل الحافظ للقرآن كاملاً على إجازة برواية حفصٍ عن عاصم من الشيخ الذي حفظ عنده القرآن، وذلك حسب قراءة القارئ وتجويده، وحسب ما يراه الشيخ إذا كان الطالب يستحق هذه الإجازة أو لا يستحقها .
( 3 ) يحصل الحافظ للسنّة النبوية على إجازة حديثية في كتاب (عمدة الأحكام) أو كتاب (بلوغ المرام) .
( 4 ) يحصل المشارك على شهادة حضور مصدقة من الجمعيّة الخيريّة لتحفيظ القرآن الكريم .
( 5 ) إيجاد حلقات خاصة بالقراءات العشر لمن هو حاصل على إجازة برواية حفص عن عاصم .
( 6 ) إيجاد حلقات خاصة لمن لم يجد قراءة القرآن ( نظراً ) لتحسين التلاوة .
( 7 ) جوائز تشجيعية لجميع المشاركين في الدورة .
( 8 ) توفير وسيلة نقل لمن يبعد عن مقر المسجد .
( 9 ) مسابقات يومية لطلاب الدورة أثناء أيام الدورة وتوزيع جوائز لهذه المسابقة .
وهناك جوائز كبرى للدورة ـ لمن هو متقن للقرآن ـ وقد تم ترشيح لجنة لاختبار الطلاب الذين ختموا القرآن خلال 45 يوماً، وذلك للتمييز بين الأوائل حسب إتقانهم وضبطهم للقرآن .
وتتمثل الجوائز الكبرى فيما يلي :
الفائز الأول : سيارة كورولا .
الفائز الثاني : كمبيوتر محمول + أثاث مكتبي .
الفائز الثالث : كمبيوتر محمول .
الفائز الرابع : كمبيوتر مكتبي .
الفائز الخامس : تذكرة سفر عمرة بالطائرة مع الإقامة لمدة ثلاثة أيام .
( من نتائج الدورة الأولى عام 1423هـ ):
عدد الذين حفظوا القرآن كاملاً أكثر من 200 طالب .
وعدد الذين حصلوا على إجازة برواية حفص عن عاصم أكثر من 80 طالباً .
عدد الطلاب الذين حفظوا عشرين جزءاً أكثر من 120 طالباً .
عدد الطلاب الذين حفظوا عشرة أجزاء أكثر من 220 طالباً .(115/1828)
كما كان من نتائج الدورة إصدار شريط كاسيت باسم ( التاجان ) يحتوي على : مقابلات مفيدة مع مدرسي الدورة، ومقابلات مع الذين حفظوا القرآن كاملاً وحصلوا على إجازات برواية حفص عن عاصم، ويحتوي الشريط كذلك على بعض الخطوات العملية لحفظ كلام رب البريّة _عز وجل_ .
نتائج عام1424هـ:
إن نتائج مثل هذا المشروع المبارك واضحة كوضوح الشمس في رابعة النهار، ومهما تحدثنا عنه إلا أن اللسان يقف أحياناً عن وصف نتائجه وثمراته، ويكفي من نتائجه وثمراته ما جاء في الحديث الصحيح أن النبي _صلى الله عليه وسلم_ قال : " من قرأ حرفاً من كتاب الله فله به حسنة، والحسنة بعشر أمثالها، لا أقول : "ألم" حرف، ولكن ألف حرف، ولام حرف، وميم حرف " رواه الترمذي والحاكم عن ابن مسعود _رضي الله عنه_ .
وقد ذكر الإمام السيوطي في كتابه (الإتقان في علوم القرآن) أن عدد حروف القرآن مليون وسبعة وعشرون ألف حرف، واستدل بحديث عند الإمام الطبراني من حديث عمر بن الخطاب _رضي الله عنه_ مرفوعاً : القرآن ألف ألف حرف، وسبعة وعشرون ألف حرف، فمن قرأه صابراً محتسباً كان له بكل حرف زوجة من الحور العين " .
وإذا تصورنا أن هناك أكثر من ثلاثمائة مشارك يقرؤون ويحفظون _بمشيئة الله تعالى_ القرآن كاملاً، فكم من الحسنات التي سيحصل عليها الإنسان الذي بذل وقته وماله لنجاح مثل هذه الدورات النافعة _إن شاء الله تعالى_ .
فيا لها من سعادة تنتظر الإنسان، وقد قال النبي _صلى الله عليه وسلم_ :" إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث : صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له" .
وتوفيقاً من الله _تعالى_ أثبتت الدورة نجاحها بعد أيام قلائل، وكأن الإجابات العملية لتلك التساؤلات النظرية من طلبة العلم والدعاة ظهرت وبدأت " تؤتي أكلها كل حين بإذن ربها".
حيث إن كثيراً من طلبة العلم والدعاة تخوفوا عندما سمعوا عن العدد الكبير الذي تقدم لها خشية أن يضمحل ويتلاشى ويتساقط خلال أيامٍ قلائل، وخاصةً أن من يتقدم لها عنده من الحماس والاندفاع لحفظ هذا القرآن العظيم، ولكن قد يتوقف وينسحب من الدورة خلال أيام معدودات؛ لأن هذا المشارك ليس عنده المقدرة على حفظ هذا القرآن في هذه المدة الوجيزة 45 يوماً .
وأذكر على سبيل المثال : أنه أتى إليّ رجل كبير متقاعد عمره 60 عاماً تقريباً، خلال الدورة الأولى في العام الماضي ورغب أن يشارك في الدورة في الفرع الثالث بحفظ عشرة أجزاء، فلما سألته عن محفوظاته السابقة فلم يكن معه من القرآن إلا نصف جزء يحفظه تقريباً، فلما بدأت الدورة كانت همته عالية، وكنت أتابعه متابعة خاصة عند الشيخ الذي يسمّع عليه، فاستمر في الدورة تقريباً أربعة أسابيع، وقد حفظ أكثر من ثلاثة أجزاء، فما استطاع أن يكمل وانسحب من الدورة! وهذا على خير(115/1829)
عظيم، كونه يحفظ ثلاثة أجزاء خلال أربعة أسابيع ورجل كبير في السن، فالله المستعان!
وأحب أن أقول : إن المشاركين في هذه الدورة ليس كلهم حفّاظ، ولكن منهم من هو حافظ للقرآن الكريم كاملاً واستغل وجود مثل هذه الدورات لمراجعة حفظه وضبطه خلال هذه المدة الوجيزة .
ومنهم من كان حافظاً لنصف القرآن أو ثلثه أو ربعه، ومنهم من لم يحفظه مطلقاًً وهم القلة.
نتائج الدورة الثانية لهذا العام 1424هـ:
ومن نتائج الدورة الأولى : أن أحد الطلاب الذين التحقوا فيها وأخذوا إجازة برواية حفص عن عاصم، استحق أن يصبح مدرساً في الدورة الثانية، وهذا هدف قد حققناه _ولله الحمد_، بتوفيق الله _تعالى_ أولاً وآخراً .
( ميزانية الدورة كاملة):
تطلعات لمثل هذا المشروع المبارك:
ومن تطلعاتنا لمثل هذا المشروع المبارك أن تتبنى إحدى الجهات الخيرية أو الرسمية في هذه البلاد ـ حرسها الله ـ هذا المشروع المبارك النافع _بإذن الله تعالى_ خلال الأعوام القادمة ويتم قبول أكثر من 5000 طالب خلال الإجازة الصيفية يتم تخريجهم في مدة 45 يوماً حافظين للقرآن الكريم وكتاب (عمدة الأحكام)، ولو انشغل الإنسان طيلة عمره في تعلّم كتاب الله وتعليمه والعمل به وتأمله وتدبره لكان في هذا الخير العظيم له وللأمّة
ـــــــــــــــــــ
الدورات الشرعية والعلمية
التعريف بدورة علي بن المديني الشرعية السنوية
خالد الزريقي
12/4/1425
ارسل تعليقك ...
تعليقات سابقة ...
ارسل الصفحة ...
الى مشرف النافذة ...
طباعة ...
في حياتنا الدنيا، ثمة أشياء قليلة لا يشبع منها الإنسان، وكلما زاد في نيل بعضها؛ شعر بحاجة أكبر للحصول على سواها.
وبحسب أقوال العلماء والحكماء وطلاب العلم، فإن العلوم الشرعية هي إحدى تلك القلائل التي لا يمّل الإنسان منها ولا يشبع.
لذلك فقد كثرت الدورات والندوات والدروس التي تدور في فلك العلوم الشرعية، واتسع نطاقها، وضمت الآلاف من الشبان والشابات وحتى الكبار في السن.
ولعل من الملاحظ هنا أنه ورغم كثرة الدورات واتساعها، وتشابهها أحياناً، إلا أنها لا تزال تحظى بكثرة المشاركين وحرص العامة على التسجيل والاستفادة منها.(115/1830)
ومن بين الدورات التي أعلن عنها مؤخراً، هي دورة شرعية مكثفة في مسجد (علي بن المديني) في حي الروضة بمدينة الرياض.
والتي من المخطط لها أن يشارك فيها مجموعة من كبار المشايخ في السعودية.
وبحسب القائمين على هذه الدورة، فإنه سيتم اختيار عدد من المتون العلمية لتدريسها للطلاب خلال مدة وجيزة، ما يتيح لهم الحصول على فائدة قد لا يحصلون عليها في أشهر.
في حياتنا الدنيا، ثمة أشياء قليلة لا يشبع منها الإنسان، وكلما زاد في نيل بعضها؛ شعر بحاجة أكبر للحصول على سواها.
تنظيم الدورات:
كما هو الحال في العديد من الدورات السابقة، فإن التنسيق للدورة القادمة قد بدأ، وسيتواصل خلال افتتاح الدورة، وعلى هامشها أيضاً.
وقد استضافت الدورات العلمية خلال السنوات الماضية عدد من أهل العلم، ومنهم:
معالي الشيخ صالح بن عبدالعزيز آل الشيخ (وزير الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد) _وفقه الله_، وفضيلة الشيخ صالح بن غصون _يرحمه الله_، وفضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين _يرحمه الله_، ومعالي الشيخ الدكتور عبدالله بن عبدالمحسن التركي.
ولعل ما يساعد القائمين على الدورات العلمية في إقامتها ومتابعتها والتنسيق لها والعمل بها دون ملل، هو إقبال الناس عليها والسؤال عنها قبل بدايتها بعدة أشهر، وهذا يدل على أن الناس بحاجة إلى العلم الشرعي.
الحاجة إلى التنسيق المسبق:
على أن الكثافة في إقامة الدورات الشرعية، وتشابهها أحياناً، وإقامتها في أماكن وأزمان متقاربة، يخلق نوعاً من الإرباك وهدر جزئي في العمل.
ويرى بعض العاملين في هذا المجال أنه يمكن عبر التنسيق المسبق والتخطيط البناء، تجاوز هذه المشاكل والإرباكات، فعلى سبيل المثال، تعد مدينة الرياض منطقة مساحية كبيرة، تضم كثافة بشرية هائلة، لذلك يمكن أن يقام فيها أربع دورات متزامنة في وقت واحد، بشرط أن تكون متباعدة في المسافة.
وهنا لا بد من تنمية الإحساس بتقديم المصلحة العامة والشمولية لدى القائمين على العمل هذه الدورات، إذ إن هذه الدورات يستفيد منها عامة الناس فضلاً عن طلاب العلم، فلو نظر كل مشرف إلى المصلحة العامة التي من أجلها تقام الدورة، ونظر بعين الاعتبار إلى الوقت الذي سيقضيه هو بالتنسيق والترتيب والتخطيط والاستشارة! فضلاً عن الوقت الذي سيقضيه الشيخ والطالب لكان في ذلك إعادة نظر إلى التقديم والتأخير في إقامة مثل هذه الدورات النافعة؛ لأنها تأخذ من جهد الإنسان ووقته وتفكيره الشيء الكثير.
وبناءً على ذلك، يمكن تجاوز بعض المشاكل في أن تقام (مثلاً) عدة دورات متقاربة في وقت واحد، أو في منطقة واحدة.(115/1831)
فالرغبة في فعل الخير قد لا تكفي في مثل هذه الظروف، إذ يجب أن يوازيها عمل إداري تنسيقي، يضمن الاستفادة القصوى للطلاب والدارسين من جهة، ومن جهة أخرى لا يهدر وقت وجهد وعمل المشايخ والطلاب والقائمين على الدورات.
كما يمكن عبر التنسيق المسبق، أن يتم تجاوز خطأ آخر قد يقع في بعض الأحيان، وهو أن تقام دورات لمناهج شرعية ذات مضمون متشابه في وقت واحد.
وهذا من شأنه أن يبدد قسماً من الجهود، ويربك الدارسين والمدرسين، في حين يمكن التنسيق المسبق على أن تقام _على سبيل المثال_ دورتان مختلفتان في المتون، ولو كانت في وقت متقارب.
يقدم أحد العاملين في هذا المجال اقتراحاً لحل هذه المشكلة، فيقول: "لا بد لكل مشرف دورة أن يكون عنده بعد نظر لإقامة مثل هذه الدورات، وألا يضع تصوره لتحقيق هدفه خلال سنة أو سنتين أو ما شابه ذلك، وإنما من المفترض أن تكون له خطة زمنية كل خمس سنوات ينتهي من خلال إقامة الدورات من متون علمية تأصيلية تناسب الطالب المبتدئ والمتوسط".
ويتابع بالقول: "أما السلبيات واللائمة فلا شك أنها تقع على مشرفي الدورات بالدرجة الكبرى، فتوحيد الجهود وتلاقح الأفكار واستفادة كل شخص من تجربة أخيه تختصر له الوقت والجهد، بل لو تأمل الإنسان في واقع الناس، وخاصة طلبة العلم المبتدئين منهم والمتقدمين وما يحتاجونه من دورات وعلوم ومعارف لاحتار في اختيار المناسب منها؛ لأن هناك دورات في فنون مهمة لم تطرح على شكل دورة".
الاستفادة أولاً:
وطالما أن الدورات تقام أساساً من أجل تقديم أكبر فائدة للطلاب والمتابعين، لذلك فمن المنطقي أكثر أن تبدأ الدورات الخاصة بالمتون بتقديم مستويات بسيطة وسهلة، تتناسب مع الطالب المبتدئ، كي يتمكن فيما بعد من الارتقاء إلى متن أصعب أو (أثقل) وفقاً لتعبير بعض الطلاب.
فغالباً ما يحضر الدورة طلاب العلم المبتدئين أو المتوسطين، أما طلاب العلم الذين تمكنوا من العلم الشرعي فيقلّ عددهم بعض الشيء في هذه الدورات.
وبالنسبة للمسجد الذي يقيم دورات متتالية لابد أن تكون عنده النظرة التي يسعى لتحقيق رغبات الفئات الثلاث المبتدئ والمتوسط والمنتهي، ومن الخطأ أن يكرر المسجد الواحد متون علمية سبق وأن تم شرحها والانتهاء منها، ومن المفترض أن يلتفت إلى متون علمية لم تشرح حتى يستفيد منها طلاب العلم المنتهون.
ويلاحظ بعض القائمين والمتابعين للدورات العلمية، بأن هذه الدورات تركز أساساً على المتون الصغيرة التي سبق وأن شُرحت عدة مرات، لذلك فمن المنطقي هنا أن نجد بعض الطلاب المتقدمين وقد حضر مرة أو مرتين ثم تغيب، بعد أن لم يجد ما يناسبه.
وهنا يقترح بعض المتابعين أن يوضع في الدورة درس أو درسان متقدمان على الأقل، كي تتحقق الفائدة للجميع.
الجمع بين الفائدة واختصار الوقت:(115/1832)
تتباين الآراء حول الدورة وما تقدمه للطلاب، حيث يرى البعض أن الدورة إنما هي فرصة للانتهاء من متن علمي خلال أسبوع أو أسبوعين، وبذلك يتم تلافي المدة الطويلة التي قد يتطلبها هذا المتن خلال العام الدراسي، والذي قد لا ينتهي إلا بنهاية العام.
وهذا بالتالي يوفر الوقت على الطلاب.
فيما لا يهتم البعض الآخر بمدة الانتهاء من المتن بقدر ما يهمه ثبات العلم والفائدة المرجوة من تعلّمه، وهذا في الحقيقة هو الأصل الذي ينبغي أن يجعله الإنسان نصب عينيه.
وعلى كل الأحوال، فإن المتن العلمي لا يمكن أن يثبت ويرسخ لدى الطالب إلا إذا تعاهد الرجوع إليه، مرات ومرات، وهذا خلاف ما عليه واقع كثير من الناس اليوم ممن لا يهتم بالمراجعة والضبط.
ورغم ذلك، إلا أنه هناك اختلاف عام بين متن علمي وآخر، فالمتون القصيرة يمكن الانتهاء منها خلال أسبوع أو أسبوعين أو ثلاثة، ولو أن الإنسان انتهى منها خلال هذه المدة الوجيزة ستمر عليه سنوات قادمة يحتاج إلى متن علمي أكبر منه، فيحتاج إلى ثلاثة أمور تقريباً هي:
أولاً: إما أن يختصر الشارح ـ المتن العلمي ـ اختصاراً شديداً، بحيث تصبح الفائدة من هذا المتن استعراض ما فيه من فوائد عارضة، وقد تكون هناك فوائد لم يذكرها.
ثانياً: وإما سيقسّم المتن العلمي قسمين ـ بحيث يؤخذ القسم الأول منه في السنة الأولى والقسم الآخر في السنة الثانية مع استعراض المتن كاملاً واحتواء كثير من الفوائد والشوارد العلمية.
ثالثاً: وإما أن يزاد في وقت الدورة بحيث تصبح شهراً كاملاً أو شهراً ونصف، وأظن أن هذا محرج للشارح وللطالب، وخاصة أن الناس عندهم من الأشغال والارتباطات الشيء الكثير.
كثافة المتقدمين للدوارت:
بحسب التجارب والخبرات السابقة في هذا المجال، فإن أعداداً كبيرة من الناس تحرص على متابعة الدورات العلمية التي يتم تقام بين مدة وأخرى، لذلك فإن هذه الدورات لا تستطيع أن تستوعب أقل من ألف وخمسمائة طالب، مع تقييمهم وإصدار شهادات لهم معتمدة من قبل إدارة الدورة.
ومن أجل تلافي الضغط والإرباك الذي يحصل نتيجة وجود أعداد كبيرة من الدارسين والطلاب، عليه يمكن أن يعلن لمن يرغب الشهادة في متن علمي بتسجيل اسمه في بداية الدورة بشرط أن يكون في نهاية الدورة مناقشة علمية من الشيخ الذي شرح المتن أو من لجنة علمية يقترحها الشيخ، وتكون المناقشة شفهية أو تحريرية، ويعطى اجتيازاً في هذا المتن بالتقدير المناسب.
ولعل فكرة الشهادات والإجازات في المتون العلمية ينظر لها تحت ضوابط وأسس وقواعد ويستشار فيها نخبة من المشايخ وطلاب العلم.
مشاكل في الطبع والمطابع:(115/1833)
إحدى المشاكل التي تواجه معظم الدورات العلمية، مشكلة الطباعة والمطابع، إذ تشكل المطبوعات التي يتم توزيعها على الطلاب أوقات الدورة، مسألة مهمة وملحة، بسبب أنها تساهم في:
أولاً: إعانة طالب العلم وخاصة من كان منهم طالباً في المرحلة المتوسطة أو الثانوية أو الجامعية وليس عنده ما يكفيه من المال.
ثانياً: توفر الوقت والجهد لطالب العلم، بحيث إنه سيقوم بالبحث في المكتبات، والسؤال عن الكتاب، وربما لا يجده فيضيع عليه الوقت الطويل بالذهاب إلى المكتبات.
وربما يسأل طالب العلم عن الكتاب فيجد أن جميع النسخ قد نفدت من المكتبات، فلا يجد حيلة إلا أن يقوم بتصوير ما يحتاجه من المتن العلمي، وهذا فيه خلل واضح وهو نفاد الكتاب من المكتبات.
ثالثاً: إن هناك عدداً لا بأس به من الطلاب الذين يحضرون الدورة العلمية من خارج المملكة يفرحون بأن توفر لهم متون الدورة، وخاصة أنهم قد قطعوا المسافات الطويلة للاستفادة من مثل هذه الدورات النافعة.
ولكن طباعة النشرات بشكل مجاني وتوزيعها على الطلاب يعد مشكلة لدور النشر، التي تدعي أن هذا العمل يؤدي إلى كساد بضاعتهم، وهو ما لم يتم التأكد منه، وما تعده إدارات الدورات العلمية كلاماً مبالغاً فيه وغير دقيق، وذلك لعدة أسباب، منها:
(1) أنّ دور النشر لم تجعل السبب الرئيس في جلب الرزق محصورٌ في الدورات العلمية فقط، ويتوقفون عند هذا الحد إلى العام القادم!
(2) أنّ الكثير من دور النشر ـ إلا من رحم الله ـ يستغلون مثل هذه الدورات العلمية برفع سعر تكلفة الكتاب، بحيث يضطر طالب العلم إلى شرائه على مضض، فهذه نظرة تجارية فقط.
وبدلاً من ذلك، يمكن أن يستغل أصحاب دور النشر هذه المسألة عن طريق تخفيض قيمة الكتاب إلى النصف أو أقل من ذلك، بحيث يشتركون في الأجر وإعانة طلاب العلم على ما يبذلونه من جهد وتفريغ أوقاتهم لتلقي العلم على أيدي المشايخ.
تقييم تجربة الدورات العلمية:
كغيرها من المهارات والتجارب الإنسانية، يحتاج العاملون في حقل الدورات العلمية إلى إعادة نظر وتأصيل وتجديد، وتطوير في المناهج والأساليب من أجل تنمية العمل واستغلال كافة المورد والمصادر المتاحة؛ خدمة للطلاب والمشايخ.
وبالنسبة لتقييم الدورة العلمية بشكل عام، فإنها لا تزال تحتاج إلى سنوات أخرى، كي يمكن للقائمين عليها أن يقيموها بشكل عام، ويستخرجوا منها إحصائيات ونتائج تسهم فيما بعد في تطوير هذا العمل.
ولكن بشكل عام، هناك نتائج وتقييمات عامة حول هذه الدورات، وتجارب حصل فيها تعطي دلالات على أثرها وفائدتها، منها:
أولاً: خلال الدورة العلمية الخامسة عام 1421هـ، وأثناء درس سماحة الشيخ محمد بن صالح بن عثيمين _رحمه الله_، وكان الدرس بعد صلاة المغرب ـ تأثر اثنان من الجنسية الفلبينية، وكانت ديانتهم نصرانية، وكانا يخدمان في الإعاشة اليومية للدورة،(115/1834)
وتفاجأ بالعدد الكبير من الحضور وكأنهما يفتشان عن شيء مفقود، فطلبا من أحد الإخوة أن يخبرهما عن هذا الحضور، وماذا يصنع هؤلاء! طبعاً أخبرهم أحد الإخوة بأن هؤلاء الحضور يستمعون ويستفيدون من درس سماحة الشيخ الوالد محمد بن عثيمين _رحمه الله_، وكان درس سماحته في أركان الإيمان الستة، وهي: الإيمان بالله، والإيمان بالملائكة، والإيمان بالكتب، والإيمان بالرسل، والإيمان باليوم الآخر، والإيمان بالقدر خيره وشره.
فأخبرهم بأسلوب مناسب عن هذا الدرس فطلبا أن يسلما، فأبلغنا الشيخ محمد _رحمه الله_ بحالتهما، فلما انتهينا من صلاة العشاء أدخلناهم إلى المسجد فأسلما على يدي الشيخ _رحمه الله_، فسمى أحدهما: عبدالله ، والآخر عبدالرحمن، وكان المشهد حقيقة مفرحاً للجميع، فاستقبل الناس هذين الرجلين استقبالاً حاراً بقلوب يملؤها الإيمان والطمأنينة.
ثانياً: ومن ضمن نتائج الدورة العلمية السادسة عام 1422هـ توبة أحد المطربين، وذلك باستماعه للدروس العلمية عبر موقع مسجد علي بن المديني على شبكة الإنترنت، وقد أرسل إلى فضيلة الشيخ عبدالعزيز بن عبدالله الراجحي ـ رسالة طويلة يطلب فيها من الشيخ الدعاء له بالثبات على طريق الخير والصلاح، وقد حضر بنفسه الدورة ليستمع إلى تأمين الحاضرين له، وذلك بدعاء الشيخ _جزاه الله خيراً_.
فوائد نقل الدورات عبر شبكة الإنترنت:
استطاع القائمون على الدورات العلمية أن يستغلوا شبكة الإنترنت العالمية في بث هذه الدروس عبرها، من أجل إيصال الفائدة إلى أوسع شريحة ممكنة، وتتمثل فوائد استخدام الإنترنت في بث الدروس العلمية عبرها بما يلي:
أولاً: يعد بث دروس الدورات العلمية عبر شبكة الإنترنت من الوسائل المفيدة لكل الناس، وخاصة من يكون خارج المملكة ويتعطش لمتابعة مثل هذه الدورات السنوية المباركة.
ثانياً: تقوم بعض المواقع الإسلامية، ومنها: موقع البث الإسلامي المباشر، بتقديم خدمات سهلة وقوية في إيصال هذه الدورات ونشرها عبر الإنترنت، كما حدث في الكثير من الدروس والدورات العلمية السابقة.
ثالثاًً: خلال السنوات الأخيرة شهدت الدورات العلمية وغيرها من الدروس الأسبوعية تطوراً سريعاً، وذلك بنقلها عبر شبكة الإنترنت، وهذا فيه فوائد كثيرة، ومنها:
(1) سهولة تلقي العلم الشرعي بأسهل الطرق وأوفر السبل.
(2) متابعة من هو خارج المملكة وداخلها لهذه الدورات العلمية.
(3) تبليغ العلم الشرعي لكل الناس عبر هذه الوسيلة الدعوية النافعة.
تسجيل الدورات عبر CD:
أهم ما يمكن الاستفادة من الـ(CD) في هذه الدورات، هو استخدامه في حفظ الدورات والعلم، وبثها لمن لم يتابع الدورة أولاً بأول.
وفيما يتعلق بأشرطة الدروس العلمية، فإن الناس (بشكل عام) يختلفون اختلافاً جذرياً في التعامل معها، حيث يتعامل بعضهم معها تعاملاً وقتياً، والسبب في ذلك يرجع إلى أصحاب التسجيلات الإسلامية من حيث:(115/1835)
(1) عدم جودة التسجيل، فنجد بعض الدروس فيها التسجيل ضعيف أو متقطع وما شابه ذلك.
(2) أسعار الأشرطة نجدها مرتفعة جداً، ولذلك نجد بعض طلاب العلم لا يشتري جميع الأشرطة، وإنما يختار ما يناسب بسبب غلاء الأسعار.
(3) تأخر التسجيلات الإسلامية بإخراج دروس الدورة العلمية أو أشرطة الدروس بعد مدة طويلة.
(4) سوء التخطيط للدعاية الإعلانية لأشرطة الدورات العلمية أو الدروس الأسبوعية من قبل التسجيلات الإسلامية بخلاف أشرطة المحاضرات العامة، فنجد أصحاب التسجيلات ينهضون للدعاية الإعلانية في المجلات الإسلامية والصحف المحلية وغيرها.
أما القسم الآخر من الطلاب، فإنهم يتعاملون مع هذه الأشرطة تعاملاً كاملاً، ويعدونها مراجع مهمة، يعودون إليها بين الحين والآخر
ـــــــــــــــــــ
فن العقاب
هاني العبد القادر
30/3/1425
ارسل تعليقك ...
تعليقات سابقة ...
ارسل الصفحة ...
الى مشرف النافذة ...
طباعة ...
ذكرنا في العنصر السابق ضمن سلسلة (من أجل أبنائنا) وسائل السيطرة على الأبناء، والعقاب وسيلة مساعدة في السيطرة، وحديثنا عن العقاب هو العنصر السادس من هذه السلسلة.
أمر النبي _صلى الله عليه وسلم_ بتعليق السوط في البيت وكأنه إشعار للأبناء بإمكانية العقوبة، إننا يجب أن نضبط انفعالاتنا عند العقوبة ثم نحسن اختيار العقوبة المناسبة، ومن أنواعها المعتادة: الحرمان من شيء محبوب، أو إظهار عدم استحسان السلوك، أيضاً من العقوبات: أن يترك يتحمل نتائج عمله بعد تنبيهه مسبقاً، مثل: مشكلة التأخر في الاستيقاظ من النوم، ينبه مسبقاً ثم يترك يتحمل العقوبة في المدرسة، وهناك نوع مفيد جداً من العقاب لا يستخدمه كثير من الآباء، وهو الحجز المؤقت، كأن يطلب من الولد الجلوس على كرسي محدد في جانب الغرفة أو أن يقف في ركن من الغرفة بعض الوقت في مساحة صغيرة تُشعره أنها عقوبة، وتوضع ساعة منبهة مضبوطة على مدة انتهاء العقوبة وهي من خمس دقائق إلى عشر دقائق كافية _إن شاء الله_ يطلب من الطفل التنفيذ فوراً بهدوء وحزم، وإذا رفض يأخذ بيده إلى هناك مع بيان السبب لهذه العقوبة باختصار، ولا يتحدث مع الطفل أثناءها أو ينظر إليه وإذا انتهت العقوبة اطلبي من طفلك المعاقب أن يشرح لك أسباب العقوبة حتى تتأكدي من فهمه لسبب العقوبة، تطبق هذه العقوبة على جميع الأبناء من عمر(115/1836)
سنتين حتى 12 سنة، إذا كرر الهرب من مكان العقوبة يتحمل عندها الحجز في غرفة تغلق عليه مع مراعاة أن الحجز في غرفة لا يستخدم إلا بقدر الضرورة الملحة ولمدة محدودة، والأصل الحجز في زاوية أو على كرسي في غرفة مفتوحة.
ذكرنا في العنصر السابق ضمن سلسلة (من أجل أبنائنا) وسائل السيطرة على الأبناء، والعقاب وسيلة مساعدة في السيطرة
ومن طرق العقاب الشائعة (الضرب)، فأما الضرب الخفيف المنضبط عند الحاجة فنعم، وأما عدا ذلك فهو يضر أكثر مما ينفع، على أيّة حال يستخدم الضرب كورقة أخيرة، ويجب على الأب الحذر من التعامل معه؛ لأنه لو استخدمها ولم تُجْدِ ماذا سيفعل؟! ستسقط هيبته وهيبة العقوبات وسيستهين الأبناء به مهما اشتد ولو في قرارة أنفسهم، ومما يجب مراعاته عند الضرب تجنب الوجه، وألا يضرب الأب وهو غضبان وهذا مهم جداً، وليكن الأب قدوة لأبنائه في كيفية تعامله مع غضبه بالاقتداء بسنة رسول الله _صلى الله عليه وسلم_ من وضوء واستعاذة وتغيير وضعه جلوساً أو قياماً أو اضطجاعاً، ثم يتصرف مع أبنائه بما يراه صواباً.
من الأخطاء الشائعة في الضرب: أن تهدد الأم ابنها بأن أباه سيعاقبه عندما يعود إلى البيت، وهذا يجعل الأب شرطياً مهمته العقاب لا صديق حميم، بل إن الوالد قد يشعر بالحرج من زوجته يعني يعاقب على شيء لم يشهده، وإذا كان الأب متعباً قد يترك الابن دون عقاب فنكون هددنا ولم ننفذ، وعموماً الضرب له ضوابط ومحاذير كثيرة وطالما هناك وسائل إيجابية فعالة فيحسن ترك هذا الأسلوب بقدر الإمكان.
لا تسمح لأية تصرفات من أبنائك أن تستفزك إلى درجة الضرب حتى ولو كانت مشاجرات ومزعجة ومقلقة، أتوقع أن يتغير الكثير من نظرة الآباء والأمهات للشجارات ويغيروا من طريقة تعاملهم معها بعد سماعهم _بمشيئة الله تعالى_ للعنصر التالي من عناصر السلسلة، وهو: (دعونا نتشاجر من فضلكم)..
ـــــــــــــــــــ
التراشق التربوي
باسم السبيعي
24/3/1425
ارسل تعليقك ...
تعليقات سابقة ...
ارسل الصفحة ...
الى مشرف النافذة ...
طباعة ...
فاتحة:
"وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَن ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا".
عن أبي سعيد أنه سمع رسول الله _صلى الله عليه وسلم_ يقول: "لا تصاحب إلا مؤمناً، ولا يأكل طعامك إلا تقي" رواه أبو داود الترمذي وسنده محتمل.(115/1837)
تفسير:
التراشق التربوي أسلوب شرعي راقٍ في التربية.. أقصد به أن الشريعة تتشوف إلى عيش المتربي في مجموعة تربوية نظيفة أطول مدة ممكنة.. مما يساهم في التراشق التربوي!
يعني..:إن بقاء المتربي مع مجموعة صالحة سيساهم في تبادل الخبرات التربوية –النظرية- والتطبيقات التربوية –العملية- فيما بينهم، فتنغرس المعاني في نفس المتربي أكثر من انغراسها بخطاب تعليمي أو وعظي مجرد..
التراشق التربوي أسلوب شرعي راقٍ في التربية.. أقصد به أن الشريعة تتشوف إلى عيش المتربي في مجموعة تربوية نظيفة أطول مدة ممكنة.. مما يساهم في التراشق التربوي!
تكثيف البرنامج سبيل إلى التراشق التربوي:
حتى لو لم تأمرهم، بل حتى لو لم يكن برنامج! فطول مكوث الشباب في جو تربوي نظيف سيدعوهم إلى التعاضد الإيماني، إلى تراشق السلوك التربوي الذي يعيشونه! أو على الأقل سيحجمون عن إظهار السلوكيات السيئة مما يساهم في كبتها ثم اختناقها وموتها!
أو على أقل قليل –لو أخرجوها في غفلة منك- سيخرجونها في قلق وتوجس، وهذا مكسب عظيم أن يعتاد النظر إلى هذا السلوكيات بعين الريبة!
ثم إن هذا الزخم التربوي الظاهر سيتسرب جزء منه ولا شك إلى الباطن.. سيصطبغ به المتربون –وهذه ثمرة عملية- وسيتعرفون إلى أدبيات تربوية لم يعرفوها سابقاً –وهذه ثمرة معرفية-..
وهناك تطبيقات عملية أدق..! مثلاً ينبغي على المربين مراعاة النخب النجيبة في المحضن التربوي، والحرص على ربطهم –ولو جزئياً- بأجواء تربوية أرقى .. خاصة مع العلماء وكبار الدعاة، أو على الأقل طلبة العلم.. ليتسنى لهم الحصول على تراشق تربوي متقدم!..
وإن من الموت البطيء أن نستهلكهم في العيش مع مجموعات تربوية دونهم؛ بحجة الخوف من غرورهم أو الحاجة إلى أوقات فراغهم.. لا بد.. لا بد أن نعطيهم حصة وافية من حياة تربوية متقدمة..
شواهد شرعية:
ولهذا استمر أمر الشريعة بالحض على هجران أرض الكفر والفسق والتحضيض على صحبة الصالحين؛ لأن الجلوس مع الصالحين أمان ورحمة وأدب، ويسرِّب السلوكيات الراقية ، والجلوس مع أهل الدنيا يميت القلب..يرخي العزيمة.. يسرِّب السلوكيات الضعيفة! فعلى هذا كثف تواجد الصالحين مع بعضهم "وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ" (الكهف: من الآية28)، و"لا تصاحب إلا مؤمناً، ولا يأكل طعامك إلا تقي".
ومن جميل الأخبار خبر الرجل الذي قتل تسعة وتسعين نفساً، فسأل عن أعلم أهل الأرض فدل على راهب، فسأله: هل له من توبة؟ فقال:لا، فكمل به مئة! ثم سأل عن أعلم أهل الأرض فدل على رجل عالم فسأله هل له من توبة؟ فقال: نعم ومن يحول(115/1838)
بينه وبين التوبة؟ انطلق إلى أرض كذا وكذا، فإن بها أناسا يعبدون الله فاعبد الله معهم ولا ترجع إلى أرضك فإنها أرض سوء...، قال الحسن: ذُكِر لنا أنه لما أتاه الموت نأى بصدره!، والحديث رواه مسلم عن أبي الصديق عن أبي سعيد _رضي الله عنه_ وأصله في البخاري.
إن بقاء المتربي مع مجموعة صالحة سيساهم في تبادل الخبرات التربوية –النظرية- والتطبيقات التربوية –العملية- فيما بينهم، فتنغرس المعاني في نفس المتربي أكثر من انغراسها بخطاب تعليمي أو وعظي مجرد
أرأيت؟ إلى الصالحين.. ولو بشبر..!
قال النووي _رحمه الله_: قال العلماء:في هذا استحباب مفارقة التائب المواضع التي أصاب بها الذنوب والأخدان المساعدين له على ذلك ومقاطعتهم ما داموا على حالهم، وأن يستبدل بهم صحبة أهل الخير والصلاح والعلماء والمتعبدين الورعين ومن يقتدي بهم وينتفع بصحبتهم، وتتأكد بذلك توبته".
شواهد أخرى:
ويمكن الاستدلال على ذلك أيضاً بالنهي عن المجاهرة.. وفي الصحيحين من حديث ابن شهاب عن سالم بن عبدالله عن أبي هريرة أن النبي _صلى الله عليه وسلم_ قال: "كل أمتي معافى إلا المجاهرين".
المجاهرة –إضافة إلى كونها استخفافاً برب العباد وبالعباد أيضاً- فهي سبيل إلى التراشق التربوي السيئ، فالزخم التربوي السيئ يتسرب إلى النفس ويضعف الهمة –وهذه آفة عملية-، وسيعرف المتربي على أبواب شر وطرق فساد لم يكن يعرفها من قبل، وهذه –آفة معرفية-.
وعلى هذا:
فمن المهم غاية الأهمية: الحرص على المجموعة التربوية، وتنقيتها، والحرص على الجو التربوي النظيف العام أعظم من الحرص على تفصيلات البرنامج:
وبلوتُ أخلاقَ الرجالِ فلم أجدْ رجلاً يؤثِّر دون أن يتأثَّرا
إلا النبيَّ محمداً فجعلتُهُ ... مَثَلِي وسِرتُ على هُداه مكبِّرا!
ـــــــــــــــــــ
السلوك الانطوائي عند الطفل.. أسبابه وعلاجه
د. بدر محمد ملك د. لطيفة حسين الكندري
16/3/1425
ارسل تعليقك ...
تعليقات سابقة ...
ارسل الصفحة ...
الى مشرف النافذة ...
طباعة ...
الإنسان مدني بطبعه؛ لأنه يأنس بالناس ولا يستطيع الاستغناء عن الاحتكاك الحميد بهم، والتكيف المفيد معهم، والتعلم السديد منهم، ولأن الإنسان يمر بمتغيرات كثيرة تؤثر في عاداته، فإن الطفل قد يرغب عن الآخرين، فيحب الوحدة ويكره الاختلاط(115/1839)
بالناس. قد تقلل المواقف السلبية من تفاعل الفرد الاجتماعي فيسلك سلوكاً سلبياً يعيقه من التواصل مع غيره، ومن مظاهر هذا السلوك الانسحابي: البعد عن مخالطة الناس والتضجر من العمل أو حتى اللعب الجماعي.
قال الرسول - صلى الله عليه وسلم-: "المؤمن الذي يخالط الناس ويصبر على أذاهم أعظم أجراً من الذي لا يخالط الناس ولا يصبر على أذاهم" (رواه أحمد والترمذي وابن ماجة)، ولهذا فإن الأسرة المسلمة تحرص دائماً على غرس معاني المودة والألفة في نفوس الأولاد والبنات على حد سواء كي يكونوا لبنة صالحة في عملية بناء المجتمع المتراحم، وتقوم المدرسة فيما بعد - وبصورة منهجية - بترسيخ تلك المعاني النبيلة والمقاصد الكريمة.
الإنسان مدني بطبعه؛ لأنه يأنس بالناس ولا يستطيع الاستغناء عن الاحتكاك الحميد بهم، والتكيف المفيد معهم، والتعلم السديد منهم
عرف أعلام الفكر الإسلامي أهمية الجانب الاجتماعي فتحدثوا عن ضرورة مخالطة الناس بالحسنى، وحثوا على تجنب العزلة فحذروا من آفاتها، وقد عدد أبو حامد الغزالي فوائد ودواعي التواصل الاجتماعي، في كتابه (إحياء علوم الدين) فذكر الفوائد التالية: "التعليم والتعلم، والنفع والانتفاع، والتأديب والتأدب، والاستئناس والإيناس، ونيل الثواب وإنالته في القيام بالحقوق، واعتياد التواضع، واستفادة التجارب من مشاهدة الأحوال، والاعتبار بها" ثم شرع في شرح كل فائدة منها بالتفصيل.
الطفل الانطوائي هو الطفل الذي لا يخالط بيئته المحيطة به بفاعلية ويشعر بخجل شديد إلى درجة كبيرة تؤثر على سلوكه فيمنعه الخجل من فوائد الاستعانة بخبرات الآخرين، والمشاركة في أنشطتهم، واللعب معهم، والاستفادة منهم. كان ابن سينا يفضل أن يذهب الطفل إلى الكتاتيب ولا يحبذ فكرة المؤدب (المدرس الخاص) فالجلوس مع الصبيان الآخرين يدفع عن الصبي السأم ويدفعه للتنافس والاستفادة من زملائه، كما أنه يعده للتعايش مع أفراد المجتمع والاختلاط الحسن بهم.
أسباب ضعف التواصل الاجتماعي:
ينجم الضعف الاجتماعي من اضطراب الوسط العائلي أو المدرسي، كما يلعب الأقران دوراً كبيراً في انحراف الشخصية السوية. فيما يلي جملة من الأسباب المؤدية إلى العزلة عند الأطفال:
1- ضعف العلاقة الودودة الوطيدة بين أفراد الأسرة لتلبية الاحتياجات النفسية.
2- التدليل الزائد وحجب الطفل عن الأنشطة العامة خوفاً عليه من الحسد أو خشية الإصابة بالأذى.
3- اهتمام الأسرة والمدرسة بتنمية الحصيلة المعرفية للطفل، وعدم امتلاكها لبرامج منهجية لتطوير المهارات الحياتية القائمة على حل المشكلات اليومية والتكيف مع البيئة.
4- سياسة الأسرة التسلطية في التهذيب المبنية على الزجر والتأنيب لا الرفق والترغيب.(115/1840)
5- الجهل بالمهارات الاجتماعية، مثل: معرفة طرق اكتساب الأصدقاء، والاستئذان، وإفشاء السلام، وفن الإصغاء الايجابي، وأدب الحديث.
6- قيام الأصدقاء أو الأقارب بتوجيه النقد القاسي، واستخدام التوبيخ الصارم، والاستخفاف المستمر به فيفقد الطفل الثقة بقدراته ولا يتقبل ذاته.
7- تساهم الصدمات العاطفية (وفاة الأم مثلاً)، والصعوبات الصحية والاجتماعية بأزمات حادة لا يستطيع كل الأطفال مواجهتها دون عناء شديد، كما أن التنقلات المفاجئة من بلد لآخر أو من مدرسة لأخرى قد تسبب تقلبات سلوكية تربك فكر ونفس الطفل. يشعر الطفل بالنقص إذا فقد أعز أقربائه أو عندما يصاب بمرض دائم، أو سمنة مفرطة، أو عندما يتعرض للفقر الشديد فيشعر بأنه منبوذ ويتخذ ذلك ذريعة لهجر الواقع والهروب إلى عالمه الصغير الخالي من التحديات.
8- قد يقوم الأهل بترسيخ تصورات غير صحيحة أمام الطفل وزملائه مثل ترديد الجملة التالية: ابني فاشل منذ الصغر ويكره المشاركة في الأنشطة الجماعية. تقوم التصورات الخاطئة بتشكيل تصرفات مماثلة وأحاسيس سلبية تسيطر على الفرد، فعندما نقول عن ابنتنا مثلاً: إنها تافهة وغير اجتماعية وهذا طبعها لا تستطيع تغييره مستقبلاً، فإننا نكون قد أقنعناها بفكرة تجافي الصواب وتنافي الفطرة ووقعنا في خطأ كبير. فكل إنسان سوي رزقه الله ذكاءً اجتماعياً يمكنه من خلاله تنظيم حياته وتوظيف طاقاته بالتعاون مع من حوله إذا اجتهد الفرد في تعلم وتنمية المهارات اللازمة. الاعتقاد بخلاف ذلك قد يؤدي إلى ترسيخ معتقدات وعادات غير سليمة تدعو للسلبية.
المظاهر:
يتصف الطفل الذي يعاني من ضعف في علاقاته الاجتماعية بالخجل الشديد فينكمش نشاطه، وتضطرب تصرفاته، وينطوي على نفسه، ويمتنع من مخالطة الآخرين، ويخاف من التجمعات والحفلات أو قد يخجل من شكله ومظهره، ويمكن التعرف على الطفل الذي يعاني من الانطواء والانزواء بعدة طرق منها الأمور التالية:
1- الحساسية الشديد من التوبيخ والزجر والنقد لا سيما من الكبار.
2- الاعتماد التام على الاحتكاك ببيئة مغلقة قد تتمثل في الوالدين.
3- عدم التعبير عن أحاسيسه ومشاعره الدفينة، ومواقفه وذكرياته الأليمةن بل يلجأ إلى الصمت والكبت، ويلوذ بالكتمان والعزلة.
4- الابتعاد عن الأنشطة التي تتطلب الثقة بالنفس (الملاعب، المسرح، إذاعة المدرسة).
5- يرتبط بشبكة صداقات محدودة وغير مستقرة ويعجز عن تكون صداقات جديدة.
6- يختار الأنشطة الفردية في الفصل (الرسم والقراءة) ولا يستطيع الانخراط بسهولة في العمل الجماعي مع أقرانه.
7- لا يندمج بسهولة مع المجموعة التي يلعب معها.
8- يشعر بحرج وارتباك عندما تتجه نحوه الأنظار في المواقف الاجتماعية، وقد يتلعثم في الكلام، وتتشتت أفكاره، ويحمر وجهه، ويصبح فمه جافاً، ويشعر بسرعة خفقان قلبه.(115/1841)
9- يستسلم الطفل الخجول للأوهام والكلمات المحبطة، مثل: "لا نريدك"، "أنت عديم الفائدة"، "أنت طفل منعزل لا تعرف أن تتحدث"، "لا نريدك أن تلعب معنا لأنك أناني"، "شخصيتك غريبة"، "أنفك مضحك".. فهذه الكلمات السلبية التي يسمعها من أقرانه أو أهله ساعة الغضب يصدقها الطفل الانطوائي كحقائق ثابتة وتؤثر فيه لاحقاً.
10- التمارض للبعد عن المشاركة الجماعية.
11- الخشية من إبداء الرأي وطرح الأسئلة المناسبة والملل من الاسترسال في الكلام كي لا يتورط بعلاقات جديدة.
12- الإفراط في مشاهدة التلفاز أو برامج الحاسب الآلي، والتفريط في الوفاء بالواجبات الاجتماعية الأساسية.
13- التشاؤم واللامبالاة.
14- قد يعاني من تعثر دراسي وضعف الحصيلة اللغوية.
15- يحب أن يشاهد الناس ويرفض أن يشارك في المناسبات خوفاً من الإحراج ولعدم ثقته بنفسه.
الوقاية والعلاج:
هناك العديد من الوسائل المعينة على مواجهة ضعف الجانب الاجتماعي لدى الأطفال، ولا شك أن لكل طفل خصوصياته التي نشاهدها في الفروق الفردية، ورغم ذلك فإن المتخصصين يقترحون مجموعة طرق علاجية يمكن الاستفادة منها أثناء التعامل مع الطفل الانطوائي، منها:
1- معرفة الأسباب وطرق الحد منها أو السيطرة عليها.
2- يحتاج الطفل إلى المدح والثناء والدفء العاطفي ليشعر بأنه شخص مهم عنده جوانب مضيئة، وأنه مقبول وله قيمة كشخص خلقه الله - تعالى - في أحسن تقويم، فهو عزيز ويمتلك ذكاءات متنوعة، منها: الذكاء الاجتماعي فينبغي تفعيله من خلال الحرص على تكوين علاقات جديدة والمشاركة في الأنشطة الجماعية، ومواجهة العقبات بحكمة والحذر من الهروب منها، وهذا الأمر من شأنه أن يجعل الطفل يثق بنفسه وبقدراته لتحسين علاقاته بالآخرين. يجب أن نكثر من ذكر إيجابيات أطفالنا كما نحذر من نقدهم علانية.
3- فتح قنوات الحوار والمصارحة بين الطفل ووالديه لتعزيز الثقة وكشف أسباب معاناة الطفل. ينبغي أن نستمع لمخاوف الطفل ليبثها ولا نقاطعه أثناء الكلام، ولكن نبين له إيماننا بقدرته الذاتية على تجاوز المعوقات الخارجية.
4- رواية الكبار تجاربهم للأطفال فالمواقف التي تسبب لنا الحرج والخجل الزائد تجعلنا أحياناً نتجنب الحياة الاجتماعية ونخشى مواجهة الناس، ولكننا نتغلب على المخاوف بعدة طرق. رواية الحكايات الواقعية والتاريخية والرمزية وسيلة هامة لعلاج الطفل المنعزل؛ لأنها تدفع الفرد للتدبر ثم الاقتداء بالنَّماذج الناجحة.
5- لا بد للأسرة والمدرسة من تدريب الطفل على المهارات الحياتية الخاصة ببناء العلاقات الاجتماعية الناجحة بطريقة منظمة مع استبعاد الأحاسيس السلبية من نفس الطفل. يحتاج الطفل إلى تعلم طرائق التحدث أمام الناس دون رهبة، كما يحتاج إلى معرفة فن تكوين الصداقات، مثل: احترام رغبة الآخرين، وممارسة أدب الاعتذار(115/1842)
والتسامح، فيطور مهاراته الاجتماعية، ويتعلم العبارات المناسبة للاشتراك بفاعلية مع الآخرين كقول: "لو سمحت لي أن أشاركك في اللعب.. هل تحب أن تلعب معي..؟" وذلك كي يتدرب على الأخذ بزمام المبادرة ويواجه بروية المواقف السلبية فلا يحبط منها.
6- يجب أن نعلم أن الانعزال الآمن لبعض الوقت ومن البيئات الخطرة قد يكون علاجاً مناسباً يلجأ له الطفل أحياناً لعلاج مشكلاته، وهذا يختلف باختلاف الأشخاص والأحوال، فينبغي أن نترك الطفل أحياناً، ونراعي مشاعره الساخطة طالما أنها لا تخرج عن حدود المسموح به. يستغل المربي الواعي سياسة العزلة عند الطفل ويجعلها محمودة إذا استخدمها في هجرة أصحاب السوء، ويستعين بها لترك أماكن الخطر والشغب.
7- نجنب الطفل النصيحة العلنية؛ لأنها تورث الجرأة على الاعتزال وتدفع إِلى الإصرار على الخطأ.
8- الترغيب بذكر فضائل الاختلاط بالناس، والترهيب ببيان آفات العزلة.
9- احذر من تصنيف الطفل على أنه يحب العزلة ولا تقل له: "أنت انطوائي"، بل يجب أن نقنعه دائماً بأنه شخص اجتماعي متفائل وقادر على التغلب على المعوقات - بإذن الله سبحانه وتعالى - يجب أن يسمع الطفل الكلمات التشجيعية التي تحثه على المزيد من العمل المفيد.
10- لا نقارن في كل الأمور، فلكلٍّ استعداداته، ولكلِّ طفلٍ طريقته المناسبة لتحرير طاقاته الكامنة، وتطوير مواهبه المتنوعة.
11- تتكون العادات من خلال المزاولة الدائمة لأفعال يحبها الفرد ويملك معرفة كافية عنها، ولهذا علينا أن نحبب الطفل الخجول بالمبادرة في تكوين علاقات ناجحة مع أقرانه، فيتعلم أدب الحديث أمام الآخرين، ومن التمارين النافعة لتنمية الناحية الاجتماعية المشاركة الجماعية في تنظيم مائدة الطعام، وترتيب الكتب، وتنظيف الحديقة، وتنظيم الألعاب. يبدد التدريب الجاد المخاوف التي تكبل طاقات الطفل وتقلل من نشاطه، كما يحسن السلوك ويصقل مهارات التقبل والتواصل والعطاء فيتغلب على صفة التردد، وهكذا فلا بد من وضع مجموعة تمارين وألعاب يختار منها الطفل ما يتفق مع ميوله ويمارسها على أساس الرغبة، ومن خلال المعرفة وبطريقة منتظمة إلى أن يتخلص تدريجياً من نزعته الفردية وسلوكه الانسحابي.
12- الطفل المنطوي في غرفته والمنعزل في صفه لا يهمل، بل يستعان على تأديبه بحيائه وخجله بطريقة تدريجية.
13- تضع الأسرة والمدرسة مع الطفل أهدافاً مرحلية يمكن قياسها لاصطحاب الأطفال في أنشطة جماعية للمنتزهات والمتاحف العلمية لتعميق معاني الإخاء والمودة والتعاون والثقة والحوار لجميع المشاركين. الهدف من تلك الرحلات كسب مهارات وعدم تكديس معلومات. يجب مراجعة نتائج تلك البرامج لاحقاً والتركيز على أكثرها نفعاً.
14- يطلب أولياء الأمور من إدارة المدرسة وضع سياسة واضحة للطلاب الجدد كي يتكيفوا مع البيئة الجديدة ويواجهوا التحديات.(115/1843)
15- الاستفادة الناجحة من التجارب والإطلاع الواعي على نتائج الدراسات المتخصصة.
16- الدعاء المستمر، فنواظب على الدعاء كما نحافظ على بذل الأسباب لنكسر الحواجز، ونتصدى للمصاعب، ونبارك الجهود، والمؤمن يسأل الله الخير لنفسه وذريته، وهذه طريقة قد يغفل عنها البعض رغم أنها من أنفع طرق الإصلاح، الدعاء عاصم من القواصم ورقية تقي من شر الحاسدين.
17- تشجيع الأبناء والبنات على الالتحاق بالأندية الثقافية والرياضية، تهدف الأندية عموماً إلى توثيق وتعزيز روح التضامن بين الأعضاء من خلال تنظيم عملية الاشتراك في المسابقات والمعسكرات والندوات وتبادل الزيارات مع الأندية الأخرى.
18- لا بد من مراجعة المختصين في حال تفاقم السلوك الانطوائي عند الطفل.
19- يجب أن نذكر الطفل بطريقة منهجية ودائمة ومتجددة على الحقائق التالية:
- تقوم الصداقة الحميمة الحميدة على دعائم الصدق والفضيلة.
- نحترم الاختلافات ولا نسمح لها بإفساد متعة الصداقة واحترام الآخرين.
- الحب والنظام والتسامح من أساسيات الإسلام.
- تقوم الإيماءات والابتسامات بتوصيل معاني الحب والتعبير عن الترحيب.
- تصويب الأخطاء طريق النجاح.
- تؤدي السخرية والاستهزاء إلى تحطيم النفوس. الكلمات المحبطة: "أنت متعب"، "أنت لا تفهم"، "أنت مزعج".. كلمات دارجة ولكنها جارحة؛ لأنها تمزق كيان الطفل وتدفعه نحو الانطواء.
- أصارح والدي ووالدتي بالمصاعب التي لا أستطيع حلها.
- الحياة مليئة بالفرص والاختيارات فلا تأسى على ما فات فتتندم وتتألم، ولكن تعلم مما مضى واغتنم ما هو قادم لتتقدم.
- الأخطاء الخطيرة كثيرة، تبدأ بالأنانية وتنتهي باليأس.
- ينبغي تشجيع الأطفال على مهارات إبداء الرأي وأخذ المبادرات.
قد يجنح الطفل نحو الانطواء وتفضيل العزلة إذا واجه قيوداً تحد من حركته الطبيعية أو إهمالاً يقلل من مكانته. يجد الطفل بعد التجارب المحبطة أن الانسحاب من الحياة العامة أسلم له من الاختلاط الذي يسبب له مشكلات لا يستطيع التغلب عليها، ومهما يكن الأمر فلكل طفل مداخل يستجيب لها وطرق تجذبه وتحببه في مشاركة الناس والتعاون معهم لكسر طوق العزلة، ولا شك أن أولياء الأمور على دراية بأحوال أبنائهم، وينبغي الاستفادة من معرفة ميول الأطفال في عملية تهذيب سلوكهم واستمالة قلوبهم وتدريبهم على بناء العلاقات الاجتماعية السليمة كلما سنحت الفرصة المناسبة، والمهم ألا يعتاد الطفل الانطواء كسلوك ثابت في شخصيته، فكل طفل يألف ويؤلف بطريقة من الطرق إذا أزلنا العوائق التي تمنع ذلك، وواصلنا تنمية مهاراته الحياتية بما يتناسب مع ظروفه، واحتياجاته واستعداداته.
ـــــــــــــــــــ
منبع التربية
باسم السبيعي(115/1844)
9/3/1425
ارسل تعليقك ...
تعليقات سابقة ...
ارسل الصفحة ...
الى مشرف النافذة ...
طباعة ...
فاتحة:
قال _تعالى_: "لَقَدْ مَنَّ اللّهُ عَلَى الْمُؤمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِّنْ أَنفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُواْ مِن قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُّبِينٍ"
انظر: ويزكيهم..
وقال _تعالى_: "كَمَا أَرْسَلْنَا فِيكُمْ رَسُولاً مِّنكُمْ يَتْلُو عَلَيْكُمْ آيَاتِنَا وَيُزَكِّيكُمْ وَيُعَلِّمُكُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُعَلِّمُكُم مَّا لَمْ تَكُونُواْ تَعْلَمُونَ"
انظر: ويزكيكم..
ودعا أبوانا إبراهيم وإسماعيل –عليهما السلام- ربهما فقالا: "رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولاً مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ إِنَّكَ أَنتَ العَزِيزُ الحَكِيمُ وَمَن يَرْغَبُ عَن مِّلَّةِ إِبْرَاهِيمَ إِلاَّ مَن سَفِهَ نَفْسَهُ وَلَقَدِ اصْطَفَيْنَاهُ فِي الدُّنْيَا وَإِنَّهُ فِي الآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ"
فإن المؤمن إذا عرف وفرة النصوص في التربية أورثه ذلك: السعي إلى معرفتها وتعلمها والتفكر فيها وإلباسها واقعه التربوي الذي هو فيه.
انظر : ويزكيهم..
إذن: التزكية من أخص غايات البعثة..
بين التربية والتزكية:
والتربية والتزكية تشتركان كثيراً في المعنى اللغوي والاصطلاحي، فالزاي والكاف والحرف المعتل ( ز ك ى) أصل يدل على النماء والزيادة والطهارة.. ومنه الزكاة لزيادة المال، وزكا الزرع نما..
والتربية كذلك يتجاذبها أصلان؛ أحدهما: الراء والباء والحرف المعتل ( ر ب ى)، وهو أصل يدل على النماء والزيادة، ومنه الربوة وهي المكان المرتفع، والربا، وهي: الزيادة المخصوصة، والربو وهو علو النَفَس.. والثاني:الراء والباء بالتضعيف(ر ب ب)، وهو أصل يدل على إصلاح الشيء والقيام عليه وضم الشيء إلى الشيء، ومنه رب البيت للقائم عليه، والربيبة الحاضنة، وهي أيضاً ابنة الزوجة...، ومعاني التربية تدور بين هذين الأصلين.
وهذان المعنيان –التزكية والتربية- يتداخلان.. والمعنى الاصطلاحي للتربية قريب جداً من معنى التزكية، بل هو جزء منه وإن كانت التزكية أشرف لفظاً ومعنى، وربما كان من الفرق بينهما أن التزكية متضمنة للتطهير، والتربية قد تتضمن وقد لا تتضمن، وأن التزكية أشمل لمعاني الإيمان والعلم النافع والعمل الصالح، والتربية أقرب إلى إصلاح السلوك، والتزكية تكون من الخارج ومن الداخل، والتربية أقرب إلى كونها من الخارج.. وفروق أخرى اجتهادية..(115/1845)
الشريعة جاءت بأحسن التزكية والتربية..
بعث الرسول _صلى الله عليه وسلم_ يتلو علينا الآيات ويعلمنا الكتاب ويعلمنا الحكمة ويزكينا..
فالنبي _صلى الله عليه وسلم_ كما بعث ليعلم أمور التوحيد وصفة الصلاة فقد علم أصول التربية وقواعدها ومعاقدها، ولا شك أن النصوص في التربية أكثر من النصوص في الزكاة الصوم..! وهذا مهم جداً لتقرير قواعد تربوية مهمة جداً..
فإن المؤمن إذا عرف وفرة النصوص في التربية أورثه ذلك السعي إلى معرفتها وتعلمها والتفكر فيها وإلباسها واقعه التربوي الذي هو فيه.
أضف إلى ذلك كما قلنا إن التربية مبسوطة في الشريعة أحسن بسط، وأكثره اختصاراً، وأصدقه، وأوفاه.. فهذه أربع ميزات لن تجدها في غير نصوص الشريعة التربوية.
"مَّا فَرَّطْنَا فِي الكِتَابِ مِن شَيْءٍ":
و"شيء" نكرة جاءت في سياق النفي فتعم كل شيء، ومنها بلا شك أمور التربية، ودخلت عليها "من" فتمحَّضت للعموم.. والمقصود بالكتاب هنا: القرآن على أحد وجهي التفسير، ويشهد له قوله _تعالى_: "وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِّكُلِّ شَيْءٍ"، ونحو هذا ما جاء عن أبي الطفيل عن أبي ذر قال: " تركنا رسول الله _صلى الله عليه وسلم_ وما طائر يطير بجناحيه إلا عندنا منه علم" رواه ابن حبان.
ومحال أن يجيء الشرع بتفصيل سنن الأكل والشرب ودخول الخلاء ويغفل ما جاءت الرسل لأجله؛ وهو تزكية الناس وتربيتهم! روى مسلم عن عبد الرحمن بن يزيد عن سلمان أنه قيل له:قد علمكم نبيكم _صلى الله عليه وسلم_ كل شيء حتى الخِراءة! فقال:أجل؛ لقد نهانا أن نستقبل القبلة لغائط أو بول، أو أن نستنجي باليمين، أو أن نستنجي بأقل من ثلاثة أحجار، أو أن نستنجي برجيع أو بعظم!
والمقصود أن الشريعة كما جاءت بتفصيل ما دون التربية فأولى أن تجيء الشريعة بأصول التربية وفصولها، ولا يشذ من مهمات التربية شيء إلا وفي الشرع بيانه من جهة الشمول أو جهة الإلحاق.
الشرع جاء بأصول التربية.. من التفسير والتغيير:
فالتربية لها مرتكزان:
الأول: تفسير المتربي وما يدخل في ذلك من التحليل النفسي بفروعه..
الثاني: تغيير المتربي، وما يتبع ذلك من قواعد التربية وأساليبها..،
فإن وجدت في كلام المُحْدَثين تطويلاً وتعقيداً وتخليطاً؛ فالشريعة جاءت بهذين بأحسن اختصار، وأوضح بيان، وبيقينٍ لا يختلجه شك وبحقائق لا يلحقها غلط..
واستقصاء الأمثلة يطول، فمن الأصل الأول –تفسير المتربي-: الصفات المتتابعة عن الإنسان في القرآن: (فرح، فخور، ظلوماً، جهولاً، هلوعاً، جزوعاً، منوعاً...) وغير ذلك من الأسماء المشتقة أو الأفعال الكاشفة، وهذا مما لا يحصى في القرآن فضلاً عن السنة، ومن الأصل الثاني –تغيير المتربي-:نصوص الأخلاق والزهد والتعليم وحوادث السيرة، وهذا مما لا يحصر.. إذا أضفت إلى هذا أن الشرع جاء من(115/1846)
العليم الذي يعلم كل شيء، والقدير الذي يقدر على كل شيء.. انفتح لك باب من التربية لا يأتي بعشر عشر معشاره الجاهلون..:
"هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُوا مِن قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ وَآخَرِينَ مِنْهُمْ لَمَّا يَلْحَقُوا بِهِمْ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاء وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَارًا بِئْسَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِ اللَّهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ".
أي دين ذلك الدين الذي ... ...
حوَّل الأفكار عن كل اتجاهْ
صهر الأنفسَ حتى لم تعد ... ...
تدرك الأنفسُ شيئاً ما عداهْ
باسمه أمسى يسوس الأرضَ من ... ...
يحلبُ النوقَ ومن يرعى الشياهْ
ويجوب البحرَ من لم يره ... ...
غيرَ طيفٍ من خيال في كراهْ
ناشراً من فوقه أعلامَهُ ... ...
تفزع العقبانُ منه والبزاةْ!
ـــــــــــــــــــ
التربية بالحب
فضيلة الشيخ الدكتور/ ناصر العمر
2/3/1425
ارسل تعليقك ...
تعليقات سابقة ...
ارسل الصفحة ...
الى مشرف النافذة ...
طباعة ...
• إشعار أبنائك بأنك تحبهم، بل إخبارهم صراحة في ذلك يساعدك في مهمة تربيتهم وبخاصة إذا وجد الابن مصداق ذلك في تعاملك، وأشعره أنك حينما تؤنبه أو تغضب عليه فإن الدافع لذلك هو محبته لا سوى ذلك، كن دقيقاً وصادقاً في استعمال هذه الكلمة (إني أحبك) فسترى العجب، إنها كلمة سحرية.
• البيت الذي يسوده الحب لا يخرّج المجرمين، والتركيز على الأشياء الجميلة في حياة الزوجين يزيد من توثيق عرى المحبة والمودة، وتزداد مع الأيام قوة ومتانة مما يجعل البيت يشع سعادة وحبوراً، ويبني قلوباً صافية سليمة.
• يقولون: العدل أساس الملك، وأقول: الحب أساس بناء الأسرة، فبيت يخلو من الحب أهله أيتام، ويفعل الحب الصادق السوي ما لا تفعله المدارس والجامعات.
• من الأخطاء التي يقع فيها كثير من الآباء والأمهات قيام علاقاتهم بأبنائهم على أسلوب السلطة والأمر والنهي، وحقوق الآباء وواجب الأبناء، حتى تتنامى فتصبح(115/1847)
سلطة قهرية، دون مراعاة للجوانب الإنسانية، وعلاقات المحبة والقدوة، وهذا الأسلوب له آثار سلبية في العاجل والآجل، منها:الاستياء والغضب، ثم الكره والنفور، ثم التحدي والتمرد، وقد يتعدى إلى العدوان والانتقام، وقد يضطر الابن إلى الكذب والغش والخداع ما دام لا يستطيع أن يعبر عن تمرده، بل قد يتحول الأمر إلى سيطرة القوي من الأبناء على الضعيف حيث يفرغ كبته وأحاسيسه، بل إن هذا الأسلوب له آثاره البعيدة على حياة الابن بعد بلوغه، حيث ترى أثر هذه التربية الفاشلة على حياته إما تسلّطاً، أو ضعفاً في الشخصية، أو يصبح شخصية غامضة.
إشعار أبنائك بأنك تحبهم، بل إخبارهم صراحة في ذلك يساعدك في مهمة تربيتهم
وينشأ ناشئ الفتيان منا ... ... على ما كان عوّده أبوه
• القسوة والظلم تعطل الإبداع، بل تخرج المجرمين ومحبي الانتقام، ليس على مستوى البيوت، بل على مستوى الشعوب والدول.
وأخطر ما يكون الظلم والقسوة إذا كانا واقعين على بعض الأولاد دون بعض، وبخاصة إذا كان بغير سبب واقعي كاختلاف الأمهات، أو اختلاف المواهب والملكات مما لا حيلة للابن فيه، وليس ناشئاً عن تقصير منه، والظلم كله محرم "يا عبادي إني حرّمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرماً فلا تظالموا" ولكنه درجات بل دركات:
من يزرع الحنظل لا يرتجي ... أن يجتني السكر من غرسته
، كن دقيقاً وصادقاً في استعمال هذه الكلمة (إني أحبك) فسترى العجب، إنها كلمة سحرية
وفرق بين الحزم والعدل والقوة وبين الظلم والقسوة والتسلط.
ـــــــــــــــــــ
مذكرات إمام
د/محمد بن عبدالعزيز الخضيري
5/1/1425
ارسل تعليقك ...
تعليقات سابقة ...
ارسل الصفحة ...
الى مشرف النافذة ...
طباعة ...
الحمد لله، والصلاة على رسول الله وآله وصحبه ومن والاه، وبعد:
عشرون عاماً في الشهر الماضي مرت على إمامتي المصلين _ولله الحمد والمنة_ لقد مرت كأنها عام أو أقل، وفيها من الذكريات الكثير، ومن الأحداث والدروس شيء غير قليل، كم حدثت نفسي أو هي حدثتني أن أدون التجربة، لكني أتهيب أو أعلل النفس بعدم الجدوى، أو تغلبني نفسي بما طبعت عليه من كسل أو رهبة الكتابة التي تنتابني عند إمساكي بالقلم، أو هي مزيج من كل ذلك.
لكني اليوم أجد في نفسي عزيمة على كتابة هذه المذكرات بما حوته من أحداث، وما تضمنته من ذكريات لعل قارئاً يستفيد أو إماماً ينتفع فأكسب أجره، وأحوز فضل(115/1848)
إهدائه تجربتي مع الإمامة، وسأحكيها لكم قرائي الكرام دون ترتيب تاريخي أو منطقي، وإنما حسب إسعاف الذاكرة، معقباً بذكر الدرس والعبرة، مسترسلاً في أحايين إلى قصص وأحداث مرت بي أو بغيري من أئمة المساجد، ولن أذكر لكم إلا ما أطمئن إلى جدواه وأرتضي _بإذن الله_ عاقبته، معرضاً في الوقت ذاته عن ذكر الأشخاص أو تحديد التواريخ اعتناءً بالمفيد، واطراحاً لغيره ظناً مني بأوقاتكم وأذهانكم أن تشغل بما لا طائل تحته، والله وحده الموفق والهادي إلى سواء السبيل.
لكني اليوم أجد في نفسي عزيمة على كتابة هذه المذكرات بما حوته من أحداث، وما تضمنته من ذكريات لعل قارئاً يستفيد أو إماماً ينتفع فأكسب أجره، وأحوز فضل إهدائه تجربتي مع الإمامة
_ المذكرة الأولى.
- لم يكن شيء أهيب عندي من الإلقاء، ومباشرة الكلام من وحي الخاطر وإنشاء الذهن، وكنت أتعجب كثيراً ممن يتحدثون إلى الناس بطلاقة، وأظن الأمر – في تقديري – موهبة يمنحها قوم ويمنعها آخرون، وقد كان حرجي بالغاً عندما طلب إلي رجل من خيار جماعة مسجدي أن أرتجل كلمة في حث الناس على الصلاة جماعة، والترهيب من التهاون في ذلك، وقد وعدته أن أفعل، ولكن هيهات.
بعدها عزمت على الإعداد حيث لا مناص من القيام بهذا الدور لمن قام مقامي وصار إماماً، فبدأت يا أحبابي بالإكثار من القراءة على جماعة المسجد، ثم انتقلت من مجرد القراءة إلى التعليق اليسير عندما أثق بقدرتي عليه في بعض المواطن، بحيث إذا آنست من نفسي لعثمة عدت إلى القراءة مباشرة، وعَمَّيْتُ الأمر على المستمعين، وما زال بي الحال كذلك حتى بدأت التعليقات تكثر والجأش يثبت والقلب يستقر، وصرت أدير الفكرة في خاطري وأقلبها كيف أشاء ثم ألقيها بالصورة التي يحلو لي إلقاؤها بها، ثم من بعد صار أمر ارتجال الكلام أمراً هيناً بالدربة والمران وإتيان الأمر من وجهه، وهكذا أخي الإمام لا بد لك من إتقان مهارة الإلقاء التي صار لها دروس في منتدياتنا ودورات، لكي تعبر عن أفكارك، وتوجه مأموميك، والله يحفظك ويرعاك.
*ملحوظة:
ستتبع هذه الحلقة –بإذن الله- حلقات أخرى لنفس الكاتب كل أسبوعين.
وبعد اكتمال الحلقات سيتم جمعها في ملف واحد لتعرض بصورة متكاملة -إن شاء الله- فعلى من يرغب الإضافة والإفادة من تجاربه في هذا المجال مراسلة الدكتور/ محمد بن عبدالعزيز الخضيري على بريده الاكتروني:
mkh@islamway.net
سائلين الله للجميع التوفيق والسداد
هذه هي المذكرة الثانية من حلقات (مذكرات إمام)، وللاستفادة هناك رابط الحلقة الأولى
وستتبع هذه الحلقة –بإذن الله- حلقات أخرى لنفس الكاتب كل أسبوعين.وبعد اكتمال الحلقات سيتم جمعها في ملف واحد لتعرض بصورة متكاملة -إن شاء الله- فعلى من يرغب الإضافة والإفادة من تجاربه في هذا المجال مراسلة الدكتور/ محمد بن عبدالعزيز الخضيري على بريده الاكتروني:
mkh@islamway.net(115/1849)
سائلين الله للجميع التوفيق والسداد
مشرف النافذة
المذكرة الثانية:
لكون الإمام يقابل عدداً كبيراً من المصلين ويتعامل مع جمهور الناس فإنه لن يصل إلى إرضائهم جميعاً وتحقيق طلباتهم، فعلى الإمام أن يوطن نفسه على الصبر وقوة التحمل، وحسن الرد، والتجاوز عن هنات الجماعة، وإذا تذكر أنهم جاؤوه من كل حدب، كل واحد منهم قد تلقى نوعاً من التربية، وله طبيعة مغايرة وأخلاق مختلفة فإن ذلك يحمله على تحمل تلك الطلبات والاقتراحات والرغبات، وامتصاص غضبة الغاضب، ورد طلب من يبغي محالاً.
فعلى الإمام أن يوطن نفسه على الصبر وقوة التحمل، وحسن الرد، والتجاوز عن هنات الجماعة
ولعلي أحدثكم عن بعض ما مر بي في ذلك وفيه عبرة:
1- جاءني مرة شيخ من المواظبين على الصف الأول، لكنه من العوام الذين لا يقرؤون ولا يكتبون ولا يقطعون الوقت بقراءة القرآن فيتبرم بالدقيقة التي يقضيها في انتظار إقامة الصلاة.
فقال لي: أظن أنك ثقيل النوم؟ فقلت له مندهشاً: قد ظهرت علي آثار صدمة التهمة: وكيف عرفت ذلك؟ قال: لأني أراك لا تقيم صلاة الفجر إلا بعد زمن طويل، قلت له: وهل تعلم أني أنا الذي أوقظ المؤذن للصلاة، وكان إذ ذاك يؤذن في المسجد شاب ثقيل النوم فيطلب مني أن أوقظه عبر الهاتف فأفعل، قال لي: فما الذي يجعلك تتأخر علينا وتقطعنا؟ فقلت له بأدب جم واحترام: يا عم وكم نجلس بين الأذانين؟ فقال لي بلغة الواثق العارف بالأمر بلا تردد: نجلس خمساً وعشرين دقيقة، ثم استطرد قائلاً: ألا تعلم يا شيخ أن في الجماعة المريض وذا الحاجة؟ ألا تعلم أن فيهم المسلوس (صاحب السلس) ومريض السكر الذي تعجله البولة؟ وفيهم وفيهم، حتى ظننت أنه سيجعل الجماعة كلهم قطيعاً من المرضى فقاطعته قائلاً: ألا تعلم يا عم أن نظام الوزارة يقضي بهذه المدة فلا نتعداها، وعلى كل فإذا أبيتم إلا أن نقصر المدة مراعاة لظروف هؤلاء فلا بأس لأن مصلحتكم مقدمة على غيرها، فما هو الحل برأيك الذي ينقذنا من هذه الأزمة، فقال مبادراً: أن تجعلها عشرين دقيقة، لقد ذهلت من ضحالة الطلب وضخامة العرض، وقلت: وهل الخمس دقائق ستقضي على مشكلة كل واحد من هؤلاء؟ فأجاب: نعم، لقد كان يمكنني أن أرد طلبه بكل قوة؛ لأن الحل المقترح لا يصنع شيئاً، ولأننا ملزمون من قبل الوزارة باقتفاء المدة بلا تعد إلا أن الله وفقني لطريقة حفظت بها الود وجعلت الأمر فيها إلى غيري، وهي أن آكل الأمر إلى جماعة المسجد إن وافقوا على ذلك فإن طلبه سيكون محل الإجابة والتنفيذ، حينها شعر بالانتصار؛ لأنه كان يؤكد بأن جماعة المسجد كلهم على رأيه لا يخالفونه فيه، ولعله كان يتكلم بذلك مع بعض الشيوخ فيوافقه بعضهم من الأميين ويسكت آخرون تركاً للمخالفة وبعداً عن المشاقة، لما وافق على اقتراحي طلع علينا رجل من عقلاء الجماعة وأوسطهم عمراً، وممن كنت أستنير بخبرتهم، وأستفيد من آرائهم عند أي عارض، فدعوته وعرضت عليه اقتراح تقصير مدة الانتظار في صلاة الفجر إلى(115/1850)
عشرين دقيقة فسأل عن الداعي لذلك فأخبرته بالعلة التي أخبرني بها الشيخ العامي وهو فصيح يستمع إلى عرضي، فقال صاحبنا المستشار: بل أقترح أن تزاد المدة خمساً لتصبح نصف ساعة؛ لأن العشرين وما زاد عليها لا تكفينا نحن للاستيقاظ وإيقاظ أهل البيت خصوصاً من الصبيان الذين يؤذوننا عند القيام فنحتاج معهم إلى مزيد وقت لندرك الصلاة مع الجماعة، وكم اضطرونا لترك سنة الفجر، ثم التَفَتَ إلى الشيخ قائلاً: أما عمنا هذا فإنه ينام مبكراً ويقوم مبكراً وليس في بيته أولاد يوقظهم ويزعجونه وليس ممن يقرؤون فيقطعون الوقت بالقراءة فهو يستثقل المدة، فعليه أن يراعينا نحن المثقلين بالمسؤولية.
لقد فرحت بإجابته أيما فرح وشعرت أنه خضد شوكة هذا الشيخ وخرجت من هذه القضية قائلاً: على كلٍّ أنا معكم على الذي تتفقون عليه، فإن شئتم الزيادة زدت أو النقص فكذلك أو نبقى على ما كنا عليه فالأمر إليكم، وبقي الرجلان يتناقشان ويتحاوران، ولعل صاحبنا قال للشيخ الأمي: لعل الأسلم يا أبا فلان ألا نستعجل في الخروج إلى المسجد عند سماع الأذان حتى تمضي مدة تشعر أن البقاء معها غير محرج لك، فلملم الشيخ حاله يجر اقتراحه مصحوباً بالخيبة وحفظت بالذي وفقت له الود بيني وبينه وعرف أن اقتراحه ليس قول الجميع ولا أكثرهم، وحمدت الله أن خلصني من المشكلة بلا فرقة ولا دماء أو خصومة، وعندي مثلها أخريات سأحكيها لكم فيما يأتي من الحلقات.
فالله الموفق والهادي إلى سواء السبيل.
مازال الحديث موصولاً _ أحبتي الكرام _ بالمواقف المختلفة مع جماعة المسجد ذوي الطلبات المتباينة والرغبات التي لا تنتهي والملاحظات التي يروق بعضها، بعضها من المستحيل تطبيقه أو على أقل الأحوال يصعب، وعلى الإمام حيالها أن يتقبلها بصدر رحب وثناء مفعم بالود، ورد جميل يمتص الحماسة، ويقلل أثر عدم القبول.
ذات مرة صليت بجماعتي إحدى العشاءين فلما سلمت والتفت إلى المصلين إذا بشيخ كبير في السن أعمى (وهو والد أحد الجيران)لا يصلي معنا إلا لماماً عندما يزور ابنه يتحدث بصوت عالٍ موجهاً الحديث إلي قائلاً: يا مطوع تعلم القراءة قبل أن تصلي بالناس، فالإمامة مسؤولية، وأمانة عظيمة، وإياك والغمغمة والغنغنة في القراءة، أفصحْ في نطق الألفاظ، وبيِّن مخارج الحروف، ثم شرع في تعليمي طريقة القراءة والناس يسمعون، ولما يتموا قراءة أول الأذكار التي تقال بعد الصلاة، فقرأ الفاتحة بطريقته التي يرى أنها أفصح وأوضح.
لقد علت وجهي ابتسامة عريضة في هذا الموقف الذي لا أحسد عليه، حيث كان الناس ينصتون لحديثه وقد سمروا أعينهم ينظرون إلي ويترقبون أن أفتح النار عليه، ووالله لم تحدثني نفسي أن أنبس في تلك اللحظة ببنت شفة؛ لأنه لا يليق بالإنسان المدافعة في ذلك الموطن، إذ المدافعة تتضمن مدح الإنسان نفسه، وهذا ما لا يحسن ويجمل، ولا أكتمكم - أيها الأحبة - أني فوجئت كثيراً بهذه التهمة التي لا أشك أني بريء منها براءة الذئب من دم يوسف، ولو عبر عن عدم إعجابه بصوتي لما أثار في نفسي قِيد أنملة من دهشة؛ لأن الناس أذواق وما يعجبك لا يعني بالضرورة أن يحوز(115/1851)
إعجاب الآخرين، وكما يقولون: لولا اختلاف الأذواق لبارت السلع، لقد فجعني هذا الشيخ في صوتي الذي كنت أتوقع أنه في حدود المقبول عند الجميع وأكثر من ذلك عند بعض المعجبين، وتبينت أنه ما ارتفع شيء من الدنيا إلا وضعه الله.
على الإمام حيال المواقف المختلفة مع جماعة المسجد ذوي الطلبات المتباينة، والرغبات التي لا تنتهي، والملاحظات أن يتقبلها بصدر رحب, وثناء مفعم بالود، ورد جميل يمتص الحماسة، ويقلل أثر عدم القبول
أحبتي الكرام لم تنته القصة بإطلاق الشيخ قنبلته، حيث انبرى له شيخ آخر في مثل سنه لا يصلي معنا أيضاً إلا أحياناً، فقال بصوت عالٍ لما أطال الأول في الشرح والتعليم: اسكت فهو خير منك وأحسن صوتاً ((تبي أزين من ها القراية يالله من فضلك)) أو كلمة نحوها.
عندها شعرت ببرد الانتصار، وحمدت الله أن سلط على ذلك الشيخ ممن يرد عليه ويدافع عني ويعيد الحق إلى نصابه، ولقد وجدت برد الثأر في قلبي وأنا أسمع ولا أنطق وكأن الأمر لا يعنيني وهو يعمل في قلبي ما شاء الله أن يعمل، ورأيت الابتسامه تعلو وجوه المصلين وهم يستمعون سجالاً من الكلام ذي الوزن الثقيل بين شخصين كبيرين، بعضهم يبتسم رضاً وآخرون استطرافاً للموقف واستلذاذاً بالحدث، وبعد أن أدينا الراتبة خرجت فركبت السيارة فوجدت الشيخ الأعمى يمشي ومعه ابنه فما كان مني إلا أن توقفت لأحملهما وأوصلهما للبيت، ووجدت الابن يعتذر من تصرف أبيه المشين ويطلب مني العفو، فوالده شيخ قليل الصبر أعمى، والحياء كما يقال في العينين فهو لا يعرفك ولا يقدرك حق المقدرة، فقلت له بانبساط وأدب: أنا أقدر ذلك كله ولا أجد في قلبي على والدك الشيخ شيئاً ولي رغبة أن أوصلكما فاعتذر بلطف وانصرفت.
كان يمكنني يا أحبتي الكرام أن أرد وأدافع لكن مثل هذا لا يحسن الكلام - كما أسلفت - ولو كان في أمر آخر لا علاقة له بالشخصية لكان في الأمر متسع بيد أن الأمر ضاق لما تعلق بالدفاع عن الذات، ولا يمكنني أيضاً أن أرد وأدافع؛ لأن الذي يقابلني شيخ كبير واحترام الكبار وتلقي عتابهم بالقبول منقبة بكل حال، وكان الإمام أحمد يمر به ذوو الجاه وأهل الدنيا فلا يحتفي بهم فإذا مر به شيخ من شيوخ المسلمين قام له وبالغ في الحفاوة امتثالاً لقول النبي _صلى الله عليه وسلم_: "إن من إجلال الله إكرام ذي الشيبة المسلم".
والأمر العجيب أن يقيض الله من يدفع عني من لا يعرفني حق المعرفة، وليس بيني وبينه علائق مودة أو وشائج قربى، ولعل هذا جزاء معجل لمن ترك الانتصار لنفسه أن يسخر الله له من ينصره، وقد حصل لي مع هذا الشيخ قصة أخرى أحكيها لكم باختصار: ذلكم أني كنت ألقي درساً مطولاً بعد صلاة العصر من رمضان، وفي أيام قليلة أدع الحديث خشية الملل من جهة ولئلا يظن أن الحديث بعد العصر مما وردت به السنة من جهة أخرى، ولذا كنت لا أحدد يوماً للترك كما يفعل كثير الأئمة حين يدعون الحديث عصر يوم الجمعة اكتفاء بالخطبة، ولذا يعتقد بعض العامة أن ترك الحديث عصر الجمعة مشروع وينكرون على من يفعله، وهذا من آثار التزام الترك في يوم بذاته، وقد بلغني أن سماحة الشيخ عبدالعزيز بن باز – رحمه الله – ينكر(115/1852)
هذا، ويأمر بالحديث اتقاء لهذا المحذور، فصلى معي هذا الشيخ عصراً وانتظر أن أشرع في الحديث فلم أفعل، فرفع عقيرته بالشكوى والإنكار مستفتحاً بالعبارة المشهورة عند أهل نجد (يا دافع البلاء) واندفع يعاتب بشدة على ترك الحديث أصلاً وفي رمضان خصوصاً، ويحثني على أن لا أعود إلى هذه الفعلة، ويخلط ملامته بالحوقلة والاسترجاع. حينها لذت بالصمت لعلمي بأن أفضل شيء لإطفاء المنازعة الصمت، وكل كلمة من الطرف الآخر وقود عظيم للخصومة، وكثرةٌ للغط في المسجد وإشغال للناس بما لاينبغي أن يشتغلوا به، ولست أنسى مرة أخرى أن في هذا تربية لي على ترك الانتصار للنفس وتربية لمن يسمع ممن أراد الله بهم خيراً.
وإلى لقاء قادم - بإذن الله تعالى-.
وستتبع هذه الحلقة –بإذن الله- حلقات أخرى لنفس الكاتب كل أسبوعين.
وبعد اكتمال الحلقات سيتم جمعها في ملف واحد لتعرض بصورة متكاملة -إن شاء الله- فعلى من يرغب الإضافة والإفادة من تجاربه في هذا المجال مراسلة الدكتور/ محمد بن عبدالعزيز الخضيري على بريده الاكتروني:
mkh@islamway.net
سائلين الله للجميع التوفيق والسداد.
ـــــــــــــــــــ
لماذا لا نسيطر على أبنائنا تماماً؟!
هاني العبد القادر
17/2/1425
ارسل تعليقك ...
تعليقات سابقة ...
ارسل الصفحة ...
الى مشرف النافذة ...
طباعة ...
وتحتوي على عناوين فرعية، هي:
أولاً: أبناؤنا والضيوف.
ثانياً: أساليب خاطئة للسيطرة، وهي:
1- يا وليك. 2- تطيعني غصب. 3- الأب الراشي والابن المرتشي.
4- أوعدك. 5- ما أحبك. 6- الكلمة الخالدة (عيب).
7- الغضب والانفعال.
ثم نذكر العلاج.
أولاً: أبناؤنا والضيوف:
لماذا نشعر أحياناً أن أساليبنا في التربية تحت الامتحان عندما يتعامل ضيف مع أحد أبنائنا؟!! لماذا نكون قلقين نخاف فشل الولد أو لا يتصرف بشكل صحيح؟!! الولد يشعر بأنه محاصر بنظرات الضيف من جهة وبنظراتنا المشحونة برغباتنا، ومنها: أنه يسلم على الضيف ويقبل رأسه ويبتسم في وجهه...، فالولد يقول في ذهنه: لماذا نظرات أبي إليّ هكذا؟!! لم أفعل شيئاً!!
بعض الآباء يعلم ابنه الأدب بطريقة خطأ..(115/1853)
مثال: عندما ينسى الطفل أن يقول: شكراً.. نجد الأب يقول له: قل: شكراً، قل: شكراً.. وبعض الأطفال الصغار مع زيادة إطلاق النظرات والأوامر والإحراج يبكي، ومع كل ضيف يتكرر نفس الموقف.
الاستماع، والامتناع عن إلقاء القنابل عليه، وذكر الوالدين مشاعرهم وأفكارهم بدون هجوم عليه، هذا كله يجعلهم يكسبون الطفل تماماً ويملكون أقوى وسيلة للسيطرة عليه..
وتخيلي أختي القارئة لو كنتِ في مجلس كبير وقدمت لك امرأة لا تعرفينها عصيراً ونسيتِ أن تقولي: شكراً، ثم قالت امرأة في نهاية المجلس بصوت عالي: قولي لها شكراً، ما شعورك؟!! لا شك (قلة ذوق من هذه المرأة؟!)
كذلك نحن لا يصح أن نعلم أبناءنا الذوق بقلة ذوق، وإنما نعلم الابن مُسْبَقاً وليس أثناء دخول الضيوف أو قبلها مباشرة، كذلك عندما يرى والديه ينتهجان السلوك الصحيح يبدأ يقلدهما تدريجياً - إن شاء الله-.
ثانياً: أساليب خاطئة للسيطرة:
1 – يتمنى كل الآباء السيطرة على سلوك الأبناء بتوجيهه حسب رغبته، سواء مع الضيوف أو بشكل عام إلى ما يظنون أنها مصلحة الابن، وفي سبيل ذلك قد يستخدم الآباء أساليب غير سليمة للسيطرة مثل: التهديد أو أسلوب (يا ويلك) وهو أول الأساليب مثل ما نقول للطفل الصغير: اعمل كذا مرة ثانية وستشاهد ما أفعل بك! (تهديد) وليس هذا التهديد إلا تحدٍّ لاستقلال الطفل الذاتي، فإذا كان عنده أي احترام ذاتي لنفسه لا بد أن يخالف مرة أخرى ويظهر لنفسه وللآخرين أنه ليس جباناً، ولذلك إذا قلت له اعمل كذا مرة ثانية وتشوف وش أسوي بك! فهو لا يسمع كلمة (وتشوف وش أسوي بك).
مثل قصة عبد الكريم عمره(9 سنوات) أمسك البندقية البلاستيك ثم صوبها على أخيه وعمره سنة، فقالت له أمه: عبد الكريم يا ويلك إن ضربت أخاك الصغير، صوِّب على الجدار.
يتغافلها عبد الكريم ويصوِّبها على أخيه مرة ثانية فيبكي الولد وتنزعج الأم أكثر، لكنها تصرفت بحكمة لما أخذته بهدوء مع يده وأجلسته في حضنها وضمته وقبلت رأسه، وقالت: يا ولدي الناس ليسوا هدفاً حتى تصوب عليهم البندقية، إلا إذا أصبحت مجاهداً تقتل الكفار، هل تريد أن تدخل الجنة؟! قال: نعم، قالت: هل تريد أن يدخل أبوك وأمك الجنة؟! قال: نعم، قالت: إن كَبُرت تصبح مجاهداً في سبيل الله – إن شاء الله-.
لاحظوا كيف وجهت ابنها بدون ما تثيره للعناد بتحدي استقلاليته، وجهته إلى مفاهيم إسلامية عظيمة وغرستها في نفسه.
الأسلوب الثاني: تطيعني غصب :
فعندما يقول الأب مثلاً: أنا أبوك ولازم تسمع الكلام، فكأن الأب يقول: أنا لا أستطيع أن أقنعك وليس عندي إلا القوة حتى يمشي كلامي، أتمنى أن يتخيل هذا الأب وهو يسمع مديره في العمل يقول له أمام الموظفين: أنا مديرك ولازم تنفذ ما أقول لك، فكيف سيكون رد الفعل؟!(115/1854)
الأسلوب الثالث من الأساليب الخاطئة: الأب الراشي والابن المرتشي :
الصورة الأولى، كقول أحد الوالدين لابنه: إذا حفظت جدول الضرب فسأعطيك كذا وكذا يعني ليس متأكداً أن الابن يقدر يحفظ، فالبديل المناسب أن نعترف له أن في جدول الضرب صعوبة ونؤكد على ثقتنا في قدرته على الحفظ كأن تقول الأم مثلاً: الله يعينك، أنا أعرف أن جدول الضرب صعب، وفي نفس الوقت متأكدة أنك ستحفظه، ولا مانع من مكافأته بحافز جيد إذا حفظ ولكن بدون وعد والتزام مسبق، ومن صور هذا الأسلوب:
الصورة الثانية: أن يقول أحد الوالدين لابنهما: إذا لم تضرب إخوانك سأعطيك كذا، من ناحية كأننا نقول: نتوق أنك تضرب إخوانك، وهذا يجعله يستمر؛لأننا رسمنا له صورة عن نفسه.
ومن ناحية أخرى يبدأ الولد يتعمد المخالفة حتى يحصل على ما يريد بطريقة الرشوة، وهذه مشكلة أخرى..
الأسلوب الرابع من أساليب السيطرة الخاطئة: طريقة (أوعدك) :
يجب ألاّ يعطي الآباء وعوداً ولا يأخذوا وعوداً من أبنائهم بقدر الإمكان؛ لأن علاقتنا مع أبنائنا يجب أن تبنى على الثقة، فإذا اهتزت ثقة أحد الطرفين بالآخر أصبحت الوعود والمواثيق ضرورية مثل نبي الله يعقوب عندما فقد الثقة بأبنائه "قَالَ هَلْ آمَنُكُمْ عَلَيْهِ إِلَّا كَمَا أَمِنْتُكُمْ عَلَى أَخِيهِ مِنْ قَبْلُ" (يوسف: من الآية64)، فطلب تأكيد أقوالهم بالأيمان المغلظة والمواثيق "قَالَ لَنْ أُرْسِلَهُ مَعَكُمْ حَتَّى تُؤْتُونِ مَوْثِقاً مِنَ اللَّهِ لَتَأْتُنَّنِي بِهِ إِلَّا أَنْ يُحَاطَ بِكُمْ فَلَمَّا آتَوْهُ مَوْثِقَهُمْ قَالَ اللَّهُ عَلَى مَا نَقُولُ وَكِيلٌ" (يوسف:66)، وهذا توكيد آخر عندما يلزم أحد الأبوين نفسه بأن يعد ويؤكد ما يقول فإنه بذلك يعترف أن كلامه غير الموعود به غير جدير بالثقة، كأنما يقول لأبنائه: إذا لم أعدكم فلا تصدقوني، فعندما يعد الأب ابنه ولم يتيسر ذلك لظروف خارجة عن إرادته يشعر الأطفال بأننا نضحك عليهم، ويقتنعون بأن آباءهم ليسوا محل ثقة، والشكوى لا تتوقف، أنت قلت كذا، أنت وعدتني، ويجلس يكررها بطريقة تجعل الأب يندم أنه وعده ولا يستطيع أن يرد رداً مقنعاً، وتصبح شخصيته ضعيفة أمام أبنائه.
الأسلوب الخامس: من أسوأ أساليب السيطرة على الأبناء الصغار وأخطرها أثراً على نفسية الطفل: أسلوب التلاعب بالثوابت النفسية لدى الطفل، كأن تقول الأم لابنها إذا أخطأ: (ما أحبك) ، أو تجمع هذا الأسلوب السيئ مع أسلوب التهديد، فتقول بأسلوب التهديد: إذا فعلت كذا فأنا لا أحبك، فهذا أسلوب سيئ للغاية؛ لأن الأساس الذي يستمد منه الطفل قوته وثقته بنفسه وطمأنينته هو حب أمه له، فإذا هدد بهذا الحب ينشأ ضعيفاً غير واثق بحب أحد له، متعطشاً دائماً للمزيد من الطمأنينة لحب الآخرين له، و_للأسف الشديد_ هذا القلق وعدم الطمأنينة والحاجة للحب تخزن في العقل ولا يمسحها سرعة تغيير الأم لموقفها بابتسامة حنونة بعد استسلام طفلها لهذا التهديد الغريب، أبداً لا يمسحها، ثم إن الأم يجب عليها أن تصدق حتى مع الطفل فإن هذه الكلمة كذب، فهي في الحقيقة ستظل تحبه وإن فعل ما لا تريد، وإنما هي لا تحب الفعل بذاته وليس صاحبه، لا يستهان بالكذب مع الصغير، أخرج الإمام أحمد عن أبي(115/1855)
هريرة _رضي الله عنه_ عن الرسول _صلى الله عليه وسلم_ أنه قال: "من قال لصبي: تعال هاك أعطك ولم يعطه كتبت كذبة"، و_للأسف_ مثل هذه الأم تهدي الأمة أجيالاً ضعيفة من الداخل بسوء استغلال هذه لعاطفة ابنها وحاجته لحبها.
الأسلوب السادس: (كلمة عيب) :
يقول الدكتور عبد الكريم بكار في شريط (هكذا تكون الأمهات): "إن كلمة عيب تنمي عند الابن الشعور بالرقابة الاجتماعية فيفهم أنه من الخطأ أن يراك أحد تفعل هذا الأمر، وهذا يعني لا مشكلة لو لم يرك أحد.." انتهى كلامه، يعني تربية يومية على الرياء، وهذا سيئ جداً، والبديل الصحيح تنمية الشعور لمراقبة الله بدلاً عن مراقبة الناس – كما ذكرت صاحبة الرسالة التي ذكرناها في (رسالة أم) مقال سابق – وكيف قال ابنها إنها تجلس معه دائماً في الصباح وتنصحه وتذكره بأنه إن لم يكن يرى الله فإن الله يراه وتوصيه بالإخلاص وصدق النية وتغرس في ابنها بذلك سر الصلاح في الدنيا وسر الفلاح في الآخرة، هذا ما نريده تماماً تنمية الرقابة الذاتية في نفس الطفل بتنمية شعوره بمراقبة الله له.
الأسلوب السابع من أساليب السيطرة الخاطئة: أسلوب الغضب والزعل :
يقول الدكتور قتيبة الجلبي في كتابه القيّم (100 سؤال) في مشاكل الأطفال: إن استعمال الغضب والزعل كوسيلة للسيطرة على تصرفات الطفل الخاطئة هي من أكبر وأكثر الأخطاء التربوية شيوعاً، فترى الأم تظل طول النهار عابسة الوجه غاضبة على طفلها وقد تصرخ به بين الحين والحين، وكأن هذا الزعل هو بالذات وسيلة للسيطرة على الطفل وتعليمه الانضباط.
ولو أن شرطياً لا يحق له استعمال أياً من سلطاته وكل ما يبديه هو العبوس في وجه المخالفين والصراخ هنا وهناك، هل تعتقد أن هناك من سيطيعه؟! أبداً ليس الخطأ إظهار زعل الوالدين أحياناً حتى يعرف المشاعر التي سببها، ولكن إظهار الغضب دائماً هو الخطأ. انتهى كلامه.
إضافة إلى ما في ذلك من استنزاف – أي: الغضب والانفعال – إضافة إلى ما فيه من استنزاف لأعصاب الوالدين وإرهاق لنفسيتهم وإضعاف تدريجي لقيمة غضبهم في أعين صغارهم، كل هذا يجتمع ليجعلنا نبتعد عن هذا الأسلوب.
الطرق السليمة للسيطرة على الأبناء (العلاج):
الخطوة الأولى: نَقْل العلاقة من الصراع إلى الوفاق، الوالدان يعيشون مع أبنائهم فيما يشبه حالة حرب على الواجبات المدرسية، على وجبات الطعام، على الحفاظ على أثاث المنزل، على الشجار بين الإخوان.. وهكذا، والحقيقة الأطفال لديهم طاقة ووقت لمقاومة ضغط الوالدين أكثر مما لدى الآباء، ولا يمكن كسب هذا الصراع إلا إذا كسبنا الأطفال أنفسهم، هل يمكن فعلاً أن نكسب الأطفال؟!!
نعم يمكن أن نكسب أطفالنا من خلال بعض التعديلات على طريقتنا معهم ستكون متعبة في البداية فقط ثم ستكون متعة في حد ذاتها _إن شاء الله_:
أولاً: الاستماع بحساسية، الأب أو الأم الذي يستمع باهتمام لابنه ينقل له المعنى التالي (أنت أفكارك قيمة، أنت محترم وتستحق اهتمامي)، وهذا يعطيه رضا وهدوءاً داخلياً(115/1856)
وثقة جيدة في نفسه وبمحبة أهله وتقديرهم له، حب الاستماع من الابن يشعره بقبولنا له على طبيعته واحترامنا لشخصيته وتفهمنا لحاجاته.
ثانياً: الامتناع عن إلقاء القنابل والمتفجرات عليه.. كيف؟!!
1 – أي الامتناع عن الإهانات.. يا قليل الأدب، يا قليل الحياء، أنت ما تفهم، ولا يمكن أن نتوقع من الطفل احترام نفسه والآخرين إذا كان والداه يهينانه بهذه الطريقة.
2 – التنبؤات والتوقعات السلبية، مثل: أنت راسب نهاية هذه السنة.
3 – التهديد: إذا ما سمعت الكلام تجلس في البيت ونذهب ونتركك وحدك أو خلّك تضايق أختك تشوف وش أسوي لك!!
4 – الاتهامات: أكيد أنت الذي ضربت أخاك، أكيد أنت الذي كسرت الإضاءة، أو نتهمه بأنه ما يسمع الكلام.
5 – الدعاء على الابن: ونحذر من الدعاء عليه، مثل: الله يأخذك أو الله يعلك، وهذه خطيرة جداً، قال رسول الله _صلى الله عليه وسلم_: "لا تدعوا على أنفسكم، ولا تدعوا على أولادكم، ولا تدعوا على خدمكم، ولا تدعوا على أموالكم لا توافق من الله ساعة يسأل فيها عطاء فيستجيب لكم".
ثالثاً: ذكر الوالدين مشاعرهم وأفكارهم بدون هجوم: يحرص الوالدان على ذكر مشاعرهم وأفكارهم بدون هجوم على شخصية طفلهم وكرامته، كما يحرصون على إبداء رأيهم سواء مدح أو ذم للسلوك نفسه وليس الطفل وهذا مهم جداً.
إن هذه العناصر الثلاثة السابقة، وهي: الاستماع، والامتناع عن إلقاء القنابل عليه، وذكر الوالدين مشاعرهم وأفكارهم بدون هجوم عليه، هذه العناصر تخلق جواً ودياً يشد الطفل أكثر لوالديه بسبب مواقفهم العادلة ومراعاتهم لمشاعره وظروفه ولباقتهم معه، وهذا كله يجعلهم يكسبون الطفل تماماً ويملكون أقوى وسيلة للسيطرة عليه.
انتهى هذا العنصر، وموعدنا _بمشيئة الله_ في الحلقة القادمة مع العنصر السادس بعنوان: (فن العقاب).
ـــــــــــــــــــ
مراحل ووقفات في تربية الأبناء
أ.د. ناصر بن سليمان العمر
3/2/1425
ارسل تعليقك ...
لا توجد تعليقات ...
ارسل الصفحة ...
الى مشرف النافذة ...
طباعة ...
هذا الموضوع مقدمة لحلقات سوف تنزل متفرقة –بمشيئة الله- لفضيلة الشيخ أ.د/ناصر العمر.
مدخل: متى تبدأ التربية؟
أهمية تقسيم مراحل العمر والتعامل مع كل مرحلة بما يناسبها.
ما سأذكره في كل مرحلة قد يكون خاصاً بها، وقد يكون لتلك المرحلة وما بعدها.(115/1857)
العناية بالجانب العاطفي.
العناية بالجانب الإيماني.
العناية بالجانب الأخلاقي.
العناية بالجانب العقلي.
معنى "إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ" (الفاتحة:5-7)
ما قبل الولادة:
1- اختيار الزوجين. (يشمل الأهل والأقارب).
2- ما يقال عند الجماع.
3- العناية بالجنين.
بعد الولادة:
1- الأذان والإقامة.
2- تسمية المولود.
3- العقيقة.
أهمية تقسيم مراحل العمر والتعامل مع كل مرحلة بما يناسبها.
مرحلة الطفولة:
1- الاتفاق بين الأبوين على منهج لتربية الأولاد وخطورة الخلاف في ذلك.
2- الحذر من الخلاف عند الأولاد.
3- العناية بالصغير، وخطأ تصور أنه لا يفهم.
4- الإجابة على الأسئلة.
5- القدوة الحسنة.
6- خطورة التدليل.
مرحلة السابعة وما بعدها:
وفيها يدخل المدرسة ويؤمر بالصلاة.
1- أهمية التعاون بين البيت والمدرسة.
2- إلحاقه بالمسجد في حلقات التحفيظ.
3- اصطحابه إلى المسجد لأداء الصلاة.
4- الأقارب وما أدراك ما الأقارب.
5- المثل الأعلى.
مرحلة المراهقة:
وهي من أخطر مراحل العمل وأصعبها، وفيها تبدأ معاناة الأسرة، وتحتاج إلى التعامل معها بمهارة.
1- الأصدقاء، ويشمل اختيار الأصدقاء.
2- تدريبه على تحمل المسؤولية وبناء شخصيته المستقلة.
3- لا تدع لأحد أن ينفرد بتربية ابنك مهما كانت ثقتك فيه.
4- العناية بالغرائز وتوجيهها وعدم كبتها.
مرحلة ما بعد المراهقة (مرحلة الرجولة):(115/1858)
1- تحمله للمسؤولية وبث الثقة فيه.
2- إعداده للاستقلال بنفسه.
3- ربطه بعمل يناسبه.
4- تزويجه.
وقفات تربوية:
1- الدعاء، والاستعانة(1) بالله وأثرهما.
2- أهمية أسلوب الإقناع حتى مع الصغير وإتاحة الفرصة ليعبر عما في نفسه وخطورة الكبت.
3- اختيار الوقت المناسب للتوجيه.
4- مراقبة الأبناء والتوازن في ذلك.
5- خطورة الثقة الزائدة بما لا يتناسب مع عمره.
6- بين التحطيم والغرور.
7- كيف نواجه الفشل الأول.
8- أهمية بناء الرقابة الذاتية.
9- الضرب وكثرة العتاب والتأنيب.
10- الثالوث الخطير "إن الشباب والفراغ..."
11- أهمية مبدأ الثواب والعقاب والتوازن في ذلك.
12- عدم التساهل في الأخطاء الصغيرة، والتعامل معها بما يناسبها (انظر 19).
13- العدل مع الأولاد، وعدم التفرقة بينهم كالحب والمال والتقدير والاحترام.
14- معرفة قدرات كل ابن والتعامل معه وفق ذلك (مراعاة الفروق الفردية بالمواهب والسن ونحوهما)، وهذا من العدل مع إقناع الآخرين بأسباب التفريق، حتى لا يشعروا بالظلم.
15- لا بد من إتاحة الفرصة للابن في أن يعبر عما في نفسه، وخطورة الكبت، وكن مستمعاً جيداً، وقلل من الكلام ما استطعت.
16- خطورة التناقض بين قنوات التربية في داخل البيت وخارجه.
17- استثمار الأحداث الخاصة والعامة لتربية الأولاد.
18- إغلاق منافذ الشر.
19- كيف يتعامل مع معطيات العصر (إنترنت – كمبيوتر – هاتف).
20- البدائل المباحة، وأخف الضررين.
21- التحصين الذاتي وأثره على الفرد.
22- الحكمة في معالجة الأخطاء، بين الإفراط والتفريط.
23- أهمية الأمن بالنسبة للأولاد وأثره في التربية (الأمن النفسي – والحسي – والمالي – الأمن في اليقظة والمنام).
24- خطورة الشماتة القلبية والقولية والفعلية.
25- خطورة الدعاء عليهم.
26- الصبر وعدم اليأس مع استمرار الدعاء.(115/1859)
27- دع الآخرين يساعدونك في حل ما يعترض تربية أبنائك (اعرض مشكلتك على أهل الاختصاص) أو بعض الأقارب والأصدقاء "فَابْعَثُوا حَكَماً مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَماً مِنْ أَهْلِهَا إِنْ يُرِيدَا إِصْلاحاً يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيماً خَبِيراً" (النساء: من الآية35).
28- الاستغفار وأثره في مواجهة المشكلات.
___________
(1) معنى "إياك نعبد وإياك نستعين" هنا: تعبيده لله والاستعانة بالله.
ـــــــــــــــــــ
حديث المركبة
"أهداف وتوجيهات وأفكار"
بدر التميمي
10/2/1425
ارسل تعليقك ...
تعليقات سابقة ...
ارسل الصفحة ...
الى مشرف النافذة ...
طباعة ...
عن ابن عباس _رضي الله عنهما_ قال: كان الفضل بن عباس رديف النبي _صلى الله عليه وسلم_ من عرفة، فجعل الفتى يلاحظ النساء وينظر إليهن، وجعل النبي _صلى الله عليه وسلم_ يصرف وجهه من خلفه، وجعل الفتى يلاحظ إليهن، فقال له النبي _صلى الله عليه وسلم_ : "ابن أخي، إن هذا يوم من ملك فيه سمعه وبصره ولسانه غفر له" [رواه أحمد].
مقدمة:
في زحمة الأحداث المتتابعة والاستهداف الواضح لفئة الشباب من أقوام نذروا أنفسهم لإضلالهم وتنحيتهم عن طريق الهداية وإقحامهم في زوبعة الشهوات وجحيم الشبهات وقفت محاضن تربوية برجال صادقين يصدون الكيد ويفندون الأخطاء من خلال برامج تربوية واعية ومتواكبة مع تطلعات الشاب وطموحاته، ابتداءً بترسيخ العقيدة ومروراً بتهيئته لأن يعيش شاباً صالحاً ينفع أمته ومجتمعه فانتهاء بتعليمه مهارات الحياة التي يعيشها،وفي ظل ذلك كله يتذكر قول حبيبه _صلى الله عليه وسلم_:"الذي يخالط الناس ويصبر على أذاهم خير من الذي لا يخالط الناس ولا يصبر على أذاهم".
في زحمة الأحداث المتتابعة والاستهداف الواضح لفئة الشباب من أقوام نذروا أنفسهم لإضلالهم وتنحيتهم عن طريق الهداية وإقحامهم في زوبعة الشهوات وجحيم الشبهات وقفت محاضن تربوية برجال صادقين,يصدون الكيد..
وعندما نتأمل وبعمق في المؤثرات الإيجابية التي تلقاها الطالب من بداية توجهه إلى طريق الاستقامة نجد أن المحاضن التربوية كان لها الحظ الأوفر من الإصلاح والتنشئة على الاقتداء بهدي الرسول _صلى الله عليه وسلم_ والتربية على الأخلاق(115/1860)
القويمة. ذلك أن هذه المحاضن تتسم بكثرة المجالسة والمخالطة الذي كان له أكبر الأثر في التأثير غير المباشر على شخصية الطالب مما يدفعه إلى الاقتداء بالمربي في أغلب تصرفاته وأقواله، ومما يؤسف ـ وإن كان قليلاً ـ أن بعض المربين ينسى أنه بتصرفاته الخاطئة، سواء في البرامج العامة أو حتى في الأحاديث العفوية أو أثناء مرافقة الطالب له بسيارته يسيء إلى المنظومة التربوية التي يعيش داخلها مما يشغل المربين الآخرين في تعديل الخطأ أو على الأقل تبرير الموقف!
(لهذا الأمر وغيره يتبين لنا أهمية أن تكون برامجنا واضحة ومدروسة لئلا يتضح لنا بعد مدة عوار ما نقوم به من زلات وهفوات يكون ضحيتها طالب تلقف كل ما جاءه على أنه الصواب الذي لا شك فيه).
وما سنراه في هذه الوريقات البسيطة إنما هو نتاج خبرة إخوان لكم أحبوا أن يضيفوا على الحقل التربوي الأخضر وردة بيضاء تعطر المكان وتبعث الأمل من أجل أن يتخرج جيل يعرف واجباته وينفع أمته.
ومحتوى هذه الوريقات يمثل "مقترحات عملية لبرنامج مرور المربين لطلابهم مدعوماً بضوابط وإرشادات وملاحظات" كبداية لنشجع أنفسنا على العمل المنظم المدروس الذي يعود على المحاضن بالنفع والفائدة.
ومما ينبغي لنا دائماً في أعمالنا أن يكون لنا سند من سنة فعلها حبيبنا _صلى الله عليه وسلم_ أو خبرة نفذت في مكان ما لا تعارض منهجاً شرعياً ثابتاً لتنال الأجر والمثوبة، وتحظى بالقبول والتطبيق بين أوساط المربين المخلصين.
ماذا نقصد بـ"حديث المركبة"؟
هو البرنامج الذي يدار بين المربي والطلاب أثناء مرور المربي لهم بسيارته من منازلهم إلى المحضن وبالعكس.
ويختلف وقت المرور من محضن لآخر، فالمكتبات يكون فيها المرور شبه يومي، وذلك لكثرة البرامج المطروحة يومياً، أما الحلقات فيتركز المرور في الرحلات والبرامج البعيدة عن المسجد؛ لأن أغلب الطلاب قريبون من المسجد، وقد يناسب هذا البرنامج كثيراً من الأسر في سفرهم أو زياراتهم.
من القائد؟
يجب أن تتوافر في الشخص الذي يتعهد مجموعة من الطلاب عدة صفات:
1. أن يكون أميناً حريصاً مواظباً على الحضور.
2. أن يأمنه مشرف المحضن من النواحي الشرعية والأخلاقية والأمنية.
3. أن يكون لديه خلفية ولو بسيطة عن فن التعامل مع الآخرين، سواء الطلاب أو أولياء أمورهم.
4. أن يكبر الطلاب الذين معه سناً وعلماً وفهماً.
5. أن يكون قادرا على قيادة السيارة بشكل جيد متبعاً للأنظمة.
أهداف المرور:
1. اختصار الوقت وضبط الحضور في وقت محدد للجميع.
2. طرح الموضوعات الخاصة، والتي لا يناسب طرحها أمام المجموعة كاملة.
3. التأكيد على ما يطرح في الحلقة وتحقيق مبدأ الفروق الفردية.(115/1861)
4. التعرف على بيئة الطالب وتوطيد العلاقة مع ولي أمره.
5. تقوية الروابط الأخوية بين الطلاب أنفسهم.
6. متابعة المربي لنشاط الطالب في المحضن والمدرسة والمنزل.
توجيهات تربوية لقائد المركبة:
قضايا مهمة:
1. كن (وقفاً) لله، فعندما يكون من مهامك الإشراف على الطلاب ومرورهم، لماذا لا تستحضر النية الصادقة وتخلص هذا العمل لله، وتحتسب النفقة في السيارة لتنال الأجر والمثوبة؟
2. عندما تكون في محضن تربوي فلا يبتعد عن هاجسك بأن ما تعيشه مع الطلاب أثناء قيادتك للسيارة إنما هو جزء من النسيج التربوي الذي يتلقونه من المحضن كله، وهذا يعني أن المكوث في المركبة ليس للقيادة فقط، وإنما هو إكمال لمشروع التربية والتزكية، وليكن شعارك على الدوام "أنا مربٍ ولست بسائق".
3. لعل من مستلزمات العمل المنظم أن يكون هناك نوع من التريث والتنظيم مع مشرف المحضن في إيصال الطلاب إلى بيوتهم أو إلى أي برنامج آخر.
4. مما يجدر التنبيه عليه أن يهتم المربي بسيارته فيكون سمتها مطابقاً لسمته الذي من المفترض أن يكون عليه، فالاعتدال في نظافتها وبمظهرها مطلوب.
5. أيها الكريم أنت لا تمثل نفسك فحسب، وإنما تمثل شريحة المستقيمين كلهم أمام المجتمع فاحرص على الظهور دائماً بأبهى حلة من الأخلاق في تعاملك مع الآخرين، ولا نجد داعياً لـ(السرعة الجنونية،قطع الإشارة،التشاجر، و.....)
6. قد تواجه الطالب صعوبات من جهة ولي أمر الطالب من ناحية رفضه لذهاب ابنه لبرنامج أو رحلة، ومن هنا تكمن أهمية تقوية الأواصر والعلاقة مع أولياء الأمور والدخول معهم ومصارحتهم في أمر ابنهم حتى يثقوا بك ويكونوا عوناً لك، وحين تجد الأبواب مغلقة فلا تتردد في إخبار مشرف المحضن ليتخذ اللازم ويبصرك في الأمر.
7. قد يُظهر أحدهم اهتماماً بشريط قرآن أو محاضرة لديك أو حتى أحد الكتب الخاصة بك، فمن المناسب عند ذلك إهداء نسخة له، ولا شك أن ذلك يدل على اهتمامك به وتحسسك لمشاعره.
ليكن في الحسبان:
1. مشاورة طلابك.
2. اعترف بخطئك إذا أخطأت.
3. مراعاة النفسيات (برنامج السيارة لا بد أن يكون أكثر مرونة من غيره).
4. الاتصاف (بحسن التعامل).
5. اكسب من حولك، ولكن برضا الله _سبحانه وتعالى_.
6. كن على مشورة بأخيك الأكبر منك سناً وخبرة عن أوضاع من معك إما بطرح مشاكل أو غير ذلك.
7. لا تتساهل بصغائر الأخطاء، فمنها معظم العطب،ولكن عالجها بالحكمة والرفق.
8. التأني في التربية وعدم العجلة رأس مال الرابحين.(115/1862)
9. التعلق بالحق لا بالأفراد.
10. لا تستنسخ من طلابك نسخاً منك، فكل ميسر لما خلق له.
11. الهدية لها أثر كبير وملموس، فمن المناسب أن يكون لك بين وقت وآخر هدايا تهديها لإخوانك مهما صغرت، ولتحرص أن تكون خاصة ومميزة عن غيرها.
12. احذر النقد اللاذع خصوصاً لمن هم في المرحلة الثانوية.
13. اجتنب المنة. قال _تعالى_: "ولا تبطلوا صدقاتكم بالمن والأذى".
أخطاء يقع فيها بعض قادة المركبات:
1. توجيه الأسئلة الدقيقة والتي تمس خصوصيات الطالب .
2. طلب الخدمة من الأهل في أمور شخصية.
3. عدم الاهتمام بالمواقف الطارئة والتعليق عليها.
4. عدم الإنكار لبعض المنكرات التي يسوغ لك إنكارها (الصلاة لأصحاب المحلات).
5. الذهاب لأي مكان دون ضابط أو لأماكن يرتادها شرائح مختلفة، وعدم الذهاب لها فيه "تربية على التميز".
6. كثرة مرور الشاب خارج وقت البرامج.
7. عدم العدل في الاهتمام بالطلاب داخل السيارة.
8. إغفال الواقع الذي نعيشه (مآسي المسلمين وأخبارهم).
9. عدم إعطاء فرصة للطلاب للتحدث.
10. الروتين في البرنامج والاستمرار في نفس الطرح.
11. التشجيع المفرط للطلاب (الاتزان مطلوب).
12. الاهتمام في "الإخراج الفني" للوسائل الدعوية دون المضمون (الأناشيد،الكتب،اللوحات...)
مقترحات عملية لتفعيل "حديث المركبة":
يشتكي بعض المربين من عدم وجود أفكار بإمكانها أن تنعش هذا البرنامج فيصبح برنامجاً رتيباً ومملاً فيصاب الجميع بالجمود.
ولكن المربي الناجح هو الذي لا تحده الحدود ولا تقف أمامه السدود في الابتكار والاستفادة من أي وسيلة بإمكانها أن تفيد طلابه وتنعش سيارته.
ومن الأفكار والمقترحات :
1. الاستفادة من الشريط والكتيب الإسلاميين، وذلك إما بالسماع والقراءة أو ترتيب برنامج بين المجموعة (مجموعة السيارة) ليطرح هذا البرنامج بشكل جميل ومفيد.
2. الزيارات فيها مجال واسع للاستفادة وتعليق الطلاب بالقراءة والاطلاع الدائم، فحبذا لو كان هناك زيارة بين الفينة والأخرى لأحد التسجيلات التي تخدمك من ناحية سعة المكان وجودة الإصدارات، أو المكتبات الكبيرة.
3. تفعيل الاستضافات الخاصة كزيارة شيخ فاضل، أو طالب علم، أو حضور درس لأحد المشائخ، أو محاضرة مناسبة لهم، أو حتى زيارة مكتب الدعوة والتعاون معه وغيرها كثير.(115/1863)
4. انتقاء كتاب ويتم تجزئته بحيث يقرأ على مدار فصل دراسي أو على مدى مجموعة مذاكرة أو عطلة صيفية، وتبتكر طريقة لعرض الكتاب تكون مناسبة للجميع.
5. التعاون على القيام ببعض العبادات كالصلاة (الفجر ،صلاة الجمعة)، والصوم المستحب، والتفطير في رمضان، والاعتكاف، وتتبع المحتاجين والفقراء.
6. إخراج فكرة دعوية عن طريق السيارة وتوزع على جميع طلاب المكتبة والحلقة، كمطوية، أو مجلة صوتية، أو درس قيم، أو تلخيص شريط، وغيرها الكثير.
7. ابتكار برنامج (منوع) وخفيف في السيارة، ويكون له جدول واضح، وهذا من شأنه أن يشعل الهمم ويعين على المواظبة في الحضور.
وهذا مثال بسيط على برنامج وضع في مدة المرور لمجموعة المذاكرة بين ثلاثة أشخاص:
وعندما تطلق العنان لخيال طلابك الأحبة سيأتوا بما لا يخطر على البال، ولا تنس أهمية إشراكهم في تنفيذ وإعداد البرنامج حتى يكون دافعاً لهم للمشاركة الفاعلة وتقديمه بشكل جيد، وفيه أيضاً تعويد لهم على وضع الخطط والبرامج الذاتية لأنفسهم، (مع الأخذ بالاعتبار أن حديث المركبة يجب أن يكون أكثر مرونة وأريحية وعفوية من أي برنامج آخر،ولكن هذا المقترح هو من باب التغيير وكسر الروتين).
8. من الجميل أن تضع في الجيوب الخلفية للمرتبة بعض الكتب أو المجلات المناسبة، فقد تضطر يوماً للانشغال عن طلابك بمكالمة طويلة، أو قضاء أمر في مكتبة، أو محل فيكون هناك فرصة لأن يطلعوا عليها.
9. إليك أيها الأخ الفاضل باقة من الأفكار التي يمكن الاستفادة منها داخل المركبة:
• برنامج التحدث باللغة العربية.
• برنامج "نريد حلاً".
• مناقشة قضية (داخل أو خارج الحلقة).
• مشاغبات ذهنية (ألغاز عقلية).
• الزيارات الهادفة (مغسلة الموتى - المقابر – المستشفيات ...)
• الصيام والعبادات عموماً.
• برنامج فنون التعامل (الوالدان – الأطفال – الزملاء – المعلمين ....)
• استضافة في السيارة.
• شعارات أسبوعية داخل السيارة.
• يوم مفتوح.
• ضيافة منزلية.
• إهداءات.
• قصص وخواطر.
• سماع إذاعة القرآن الكريم.
• اعرف فائدة ما تأكل "خضار أو فواكه مع التطبيق العملي".
• تطبيق سنة مهجورة.
• تراجم أعلام (سير أعلام النبلاء).(115/1864)
• صحفي السيارة "حسن قطامش".
• سلسة الطريق إلى الصواب (كيف تخسر صديقاً؟).
• الدورات السماعية "أشرطة مهارية يتم سماعها في السيارة".
• فائدة مدرسية "من المدرسة".
• بطاقات الطوارئ "كل شخص يجعل معه بطاقة فيها فوائد يتم استخدامها عند حدوث أي خلل في البرنامج".
• مواقف وعبر "آية وتعليق ...".
• شفاء العي السؤال "فتاوى".
• فوائد تخصصية "كل مشرف يحضر فائدة من تخصصه الذي يدرس فيه".
• تأملات في المحيط الخارجي "تفكر في بعض آيات الله _تعالى_".
• هكذا علمتني الحياة.
• برنامج حول "الرجولة أو المروءة".
• تطبيق حديث أبي بكر _رضي الله عنه_. (صوم ـ صلاة جنازة ـ صدقة ـ عيادة مريض)
• جديد الساحة "كتب – أشرطة – أخبار ..."
• مراجعة درس علمي سابق.
• رسائل من محب "رسائل تصدرها السيارة إلى المقصرين وغيرهم"
• برنامج "كيف التزمت؟".
• قرأت لكم – سمعت لكم.
• مسرحية كلامية هادفة.
• "أجمل برنامج" كل طالب يطرح برنامجه ويتم اختيار الأفضل.
وفي آخر المطاف نسأل الله _سبحانه وتعالى_ أن يبارك في هذا الجهد البسيط، وتذكر أخي الكريم أنك متى ما صدقت مع الله في تربية هؤلاء الطلاب الذين بين يديك فإن الله _سبحانه_ سوف ييسر على يديك ما تقر به عينك من الخير لهم.
وما كان من صواب فمن الله وحده وماكان من خطأ فمن أنفسنا والشيطان..
والله أعلم، وصلى الله على المربي الأول نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
ـــــــــــــــــــ
أطفالنا والتربية النفسية
حسام أبو جبارة
19/1/1425
ارسل تعليقك ...
لا توجد تعليقات ...
ارسل الصفحة ...
الى مشرف النافذة ...
طباعة ...(115/1865)
تؤثر الخلافات بين الأب والأم على النمو النفسي السليم للطفل، ولذلك على الوالدين أن يلتزما بقواعد سلوكية تساعد الطفل على أن ينشأ في توازن نفسي، ومن هذه القواعد:
أولاً: الاتفاق على نهج تربوي موحد بين الوالدين
• إن نمو الأولاد نمواً انفعالياً سليماً وتناغم تكيفهم الاجتماعي يتقرر ولحد بعيد بدرجة اتفاق الوالدين وتوحد أهدافهما في تدبير شؤون أطفالهم. على الوالدين دوماً إعادة تقويم ما يجب أن يتصرفا به حيال سلوك الطفل، ويزيدا من اتصالاتهما ببعضهما خاصة في بعض المواقف السلوكية الحساسة، فالطفل يحتاج إلى قناعة بوجود انسجام وتوافق بين أبويه.
• شعور الطفل بالحب والاهتمام يسهل عملية الاتصال والأخذ بالنصائح التي يسديها الوالدان إليه.
مثال على ذلك الاضطراب الانفعالي الذي يصيب الولد من جراء تضارب مواقف الوالدين من السلوك الذي يبديه:
زكريا عمره أربعة أعوام يعمد إلى استخدام كلمات الرضيع الصغير كلما رغب في شد انتباه والديه، وبخاصة أمه إلى إحدى حاجاته فإذا كان عطشاً فإنه يشير إلى صنبور الماء قائلاً: "أمبو.. أمبو" للدلالة على عطشه.
• إن نمو الأولاد نمواً انفعالياً سليماً وتناغم تكيفهم الاجتماعي يتقرر ولحد بعيد بدرجة اتفاق الوالدين وتوحد أهدافهما في تدبير شؤون أطفالهم
ترى الأم في هذا السلوك دلالة على الفطنة والذكاء لذا تلجأ إلى إثابته على ذلك، أي تلبي حاجته فتجلب له الماء من ذاك الصنبور.
أما والده فيرى أن الألفاظ التي يستعملها هذا الولد كريهة، فيعمد إلى توبيخه على هذا اللفظ الذي لا يتناسب مع عمره. وهكذا أصبح الطفل واقعاً بين جذب وتنفير، بين الأم الراضية على سلوكه والأب الكاره له ومع مضي الزمن أخذت تظهر على الطفل علامات الاضطراب الانفعالي وعدم الاستقرار على صورة سهولة الإثارة والانفعال والبكاء، وأصبح يتجنب والده ويتخوف منه.
ثانياً: أهمية الاتصال الواضح بين الأبوين والولد
• على الوالدين رسم خطة موحدة لما يرغبان أن يكون عليه سلوك الطفل وتصرفاته.
شجع طفلك بقدر الإمكان للإسهام معك عندما تضع قواعد السلوك الخاصة به أو حين تعديلها، فمن خلال هذه المشاركة يحس الطفل أن عليه أن يحترم ما تم الاتفاق عليه؛ لأنه أسهم في صنع القرار.
على الأبوين عدم وصف الطفل بـ(الطفل السيئ) عندما يخرج عن هذه القواعد ويتحداها، فسلوكه السيئ هو الذي توجه إليه التهمة وليس الطفل، كي لا يحس أنه مرفوض لشخصه مما يؤثر على تكامل نمو شخصيته مستقبلاً وتكيفه الاجتماعي.
مثال على المشاركة في وضع قواعد السلوك: هشام ومحمد طفلان توأمان يحبان أن يتصارعا دوماً في المنزل، وهذه المصارعة كانت مقبولة من قبل الوالدين عندما كانا أصغر سناً (أي: في السنتين من العمر) أما في عمر أربعة أعوام فإن هذا اللعب أضحى مزعجاً بالنسبة للوالدين.(115/1866)
جلس الوالدان مع الطفلين وأخذا يشرحان لهما أن سنهما الآن يمكنهما من أن يفهما القول، ولابد من وجود قواعد سلوكية جديدة تنظم تصرفاتهما وعلاقاتهما ببعضهما.
بادر الولدين بالسؤال: هل يمكننا التصارع في غرفة الجلوس بدلاً من غرفة النوم؟ هنا وافق الأبوان على النظام التالي: المصارعة ممنوعة في أي مكان من المنزل عدا غرفة الجلوس.
• عندما يسن النظام المتفق عليه لابد من تكرار ذكره والتذكير به، بل والطلب من الأطفال أو الطفل بتكراره بصوت مسموع.
كيف تعطى الأوامر الفعالة؟
"أحمد، أرجوك.. اجمع لعبك الملقاة على الأرض وارفعها إلى مكانها".. عندما تخاطب ابنك بهده اللهجة فمعنى ذلك أنها طلب.
أما عندما تقول له: "أحمد، توقف عن رمي الطعام أو تعال إلى هنا وعلق ملابسك التي رميتها على الأرض" فإنك تعطيه أمراً ولا تطلب طلباً.
• يتعين على جميع الآباء إعطاء أوامر أو تعليمات حازمة وواضحة لأطفالهم، وبخاصة الصعبين منهم إزاء سلوكيات فوضوية أو منافية للسلوك الحسن، وليس استجداء الأولاد والتوسل إليهم للكف عنها.
• إذا قررت الأم أن تطبق عقوبة الحجز في غرفة من غرف المنزل لمدة معينة (وهذه عقوبة فعالة في التأديب وتهذيب السلوك) عليها أن تأمر الولد أو البنت بتنفيذ العقوبة فورا وبلا تلكؤ أو تردد. الأمر الذي نعنيه ليس معناه أن تكون عسكرياً تقود أسرتك كما يقود القائد أفراد وحدته العسكرية، وإنما أن تكون حازماً في أسلوبك.
متى تعطى الأوامر للطفل؟
تعطى الأوامر للطفل في الحالتين التاليتين:
1- عندما ترغب أن يكف الطفل عن الاستمرار في سلوك غير مرغوب، وتشعر أنه قد يعصيك إذا ما التمست منه أن يتخلى عنه.
2- إذا وجدت أن على طفلك إظهار سلوك خاص، وتعتقد أنه سيعصيك لو التمست منه هذا إظهار هذا السلوك.
كيف تعطى الأوامر للطفل؟
لنفترض أنك دخلت غرفة الجلوس فوجدت أحمد، ابنك الصعب القيادة، يقفز على مقاعد الجلوس القماشية قفزاً مؤذياً للفراش الذي يغلف هذه المقاعد، وقررت إجبار الولد على الكف عن هذا اللعب التخريبي.
هنا تعطي تعليماتك بالصورة التالية:
1- قطب وجهك واجعل العبوس يعتلي أمارات الوجه.
2- سدد إليه نظرات حادة تعبر عن الغضب والاستياء.
3- ثبت نظرك في عينيه وناده باسمه.
4- أعطه أمراً حازماً صارماً بصوت قاس تقول فيه: "أحمد.. أنت تقفز على المقاعد، وهذا خرق للنظام السائد في البيت.. كف عن هذا السلوك فوراً ولا تقل كلمة واحدة".
5- يجب أن يكون الأمر واضحاً وغير غامض.(115/1867)
مثال: إذا أمرت طفلك بالصيغة التالية: "سميرة تعالي إلى هنا وضعي هذه الألعاب على الرف" فإنها بهذا الأمر الواضح لا عذر لها بالتذرع بأي شيء يمنعها من التنفيذ.
أما لو قلت لها: "لا تتركي الألعاب ملقاة هكذا" فإنها ستتصرف وفق ما يحلو لها عكس مرادك ورغبتك؛ لأن الأمر كان غير واضح.
6- لا تطرح سؤالاً ولا تعط تعليقاً غير مباشر عندما تأمر ابنك أو ابنتك، فلا تقل له: "ليس من المستحسن القفز على المقاعد"، ولا أيضاً "لماذا تقفز على المقاعد؟" لأنه سيرد عليك، وبذلك تعطي لطفلك الفرصة لاختلاق التبريرات، فالقول الحاسم هو أن تأمر طفلك بالكف عن القفز دون إعطاء أي تبرير أو تفسير.
7- إذا تجاهل الطفل أمرك وتمادى في سلوكه المخرب ليعرف إلى أي مدى أنت مصر على تنفيذ أمرك هنا لا يجب عليك اللجوء إلى الضرب أو التهديد لتأكيد إصرارك على أمرك، فمثل رد الفعل هذا قد يعقد الموقف ويزيد عناد الولد وتحديه لك. الحل بسيط نسبياً: ما عليك إلا أن تلجأ إلى حجزه في مكان ما من البيت لمدة معينة.
ثالثاً: الأطفال يحتاجون إلى الانضباط والحب معاً
الانضباط يعني تعليم الطفل السيطرة على ذاته والسلوك الحسن المقبول وطفلك يتعلم احترام ذاته والسيطرة عليها من خلال تلقي الحب والانضباط من جانبك.
لماذا لا يتمكن بعض الآباء من فرض الانضباط على أولادهم؟
يجب أن يكون هناك الوعي الكافي لدى الآباء في الأخذ بالانضباط لتهذيب سلوك أطفالهم وإزالة مقاومتهم حيال ذلك، وهذا يتحقق إذا باشروا برغبة تنبع من داخلهم في تبديل سلوكهم.
يمكن إيجاز الأسباب المتعددة التي تمنع الآباء من تبديل سلوكهم بالآتي:
1- الأم الفاقدة الأمل (اليائسة): تشعر هذه الأم أنها عاجزة عن تبديل ذاتها، وتتصرف دائماً تصرفاً سيئاً متخبطة في مزاجها وسلوكها.
مثال: في اليوم الأخير من المدرسة توقفت الأم للحديث عن ولدها أحمد مع مدرسه. هذه الأم تشكو من سوء سلوك ولدها أينما سنحت لها الفرصة لكل من يستمع لها إلا أنها لم تحاول قط يوماً ضبط سلوك ابنها الصغير، وعندما كانت تتحدث مع المدرس كان ابنها يلعب في برميل النفايات المفتوح.. قالت الأم: أنا عاجزة عن القيام بأي إجراء تجاه سلوك ابني.. إنه لا يتصرف أبداً بما يفترض أن يفعل. وبينما كانت مستغرقة بالحديث مع المعلم شاهد الاثنان كيف أن أحمد يدخل إلى داخل برميل النفايات ويغوص فيه ثم يخرج. توجه المعلم نحو أمه قائلا لها: أترين كيف يفعل ابنك؟! فأجابت الأم: نعم إنه اعتاد أن يتصرف على هذه الصورة، والبارحة قفز إلى الوحل وتمرغ فيه.
الخطأ هنا: أن الأم لم تحاول ولا مرة واحدة منعه من الدخول في النفايات والعبث بها، ولم تسع إلى أن تأمره بالكف عن أفعاله السلوكية السيئة حيث كانت سلبية، متفرجة فقط.(115/1868)
2- الأب الذي لا يتصدى ولا يؤكد ذاته: مثل هذا الأب لا يمتلك الجرأة ولا المقدرة على التصدي لولده. إنه لا يتوقع من ولده الطاعة والعقلانية، وولده يعرف ذلك، وفي بعض الأحيان يخاف الأب فقدان حب ولده له إن لجأ إلى إجباره على ما يكره. كأن يسمع من ابنه: أنا أكرهك. أنت أب مخيف. أرغب أن يكون لي أب جديد غيرك. مثل هذه الأقوال تخيف الوالد وتمنعه من أن يفعل أي شيء يناهض سلوكه وتأديبه.
3- الأم أو الأب الضعيف الطاقة: ونقصد هنا الوالدين ضعيفي الهمة والحيوية، اللذين لا يملكان القوة للتصدي لولدهما العابث المستهتر المفرط النشاط، وقد يكون سبب ضعف الهمة وفقدان الحيوية مرض الأم والأب بالاكتئاب الذي يجعلهما بعيدين عن أجواء الطفل وحياته.
4- الأم التي تشعر بالإثم: ويتجلى هذا السلوك بالأم التي تذم نفسها وتشعر بالإثم حيال سلوك ابنها الطائش، وتحس أن الخطيئة هي خطيئتها في هذا السلوك وهي المسؤولة عن سوء سلوكه، ومثل هذه المشاعر التي تلوم الذات تمنعها من اتخاذ أي إجراء تأديبي ضد سلوك أطفالها.
5- الأم أو الأب الغضوب: في بعض الأحيان نجد الأم أو الأب ينتابهما الغضب والانفعال في كل مرة يؤدبان طفلهما، وسرعان ما يكتشفان أن ما يطلبانه من طفلهما من هدوء وسلوك مقبول يفتقران هما إليه، لذلك فإن أفضل طريقة لضبط انفعالاتهما في عملية تقويم السلوك وتهذيبه هي أن يُلجأ إلى عقوبة الحجز لمدة زمنية رداً على سلوك طفلهما الطائش.
6- الأم التي تواجه باعتراض يمنعها من تأديب الولد: في بعض الأحيان يعترض الأب على زوجته تأديب ولدها أو العكس، لذلك لابد من تنسيق العملية التربوية باتفاق الأبوين على الأهداف والوسائل المرغوبة الواجب تحقيقها في تربية سلوك الأولاد، ويجب عدم الأخذ بأي رأي أو نصيحة يتقدم بها الغرباء فتمنع من تنفيذ ما سبق واتفق عليه الزوجان.
7- الزوجان المتخاصمان: قد تؤدي المشاكل الزوجية وغيرها من المواقف الحياتية الصعبة إلى إهمال مراقبة سلوك الأولاد نتيجة الإنهاك الذي يعتريهما - مثل هذه الأجواء تحتاج إلى علاج أسري، وهذه المسألة تكون من اختصاص المرشد النفسي الذي يقدم العون للوالدين ويعيد للأسرة جوها التربوي السوي
ـــــــــــــــــــ
اللعب ثم اللعب ثم اللعب
هاني العبد القادر
12/1/1425
ارسل تعليقك ...
تعليقات سابقة ...
ارسل الصفحة ...
الى مشرف النافذة ...
طباعة ...(115/1869)
قصة السيف المكسور التي سبق ذكرها في مقال: "لماذا نفشل في الحوار مع أبنائنا" فيها جانب آخر، وهو جانب اللعب، وهذا هو موضوع العنصر الرابع...
لا أظن أبا يوسف عندما أثار هذه الزوبعة من أجل سيف انكسر أنه يدرك الهدف أصلاً من شراء اللعبة، وهو أن ابنه يتسلى بها ويتعلم منها، وهذا الذي حصل، تعلم أنه إذا ضرب قطعة بلاستيكية في الأرض الصلبة بقوة أنها تنكسر وأشبع فضول ابنه..
لماذا الأب غضبان؟! والهدف قد تحقق! قد يكون ذلك لشعوره أنه مطالب بأن يشتري أخرى، وهذا غير صحيح فليس من الضروري شراء أخرى، أو استهانة بالجهد الذي بذله في شراء هذه اللعبة!! أيضاً هذا غير صحيح فالابن لا يقصد إطلاقاً أن يستهين بجهد والده، بل يظل يقدر هذا الأمر، ربما يكون غضباناً لقيمة اللعبة وتكلفتها..
نقول: أنت اشتريتها لهدف، والهدف تحقق وإذا لاحظت أن ابنك قد ملَّ من اللعبة لا تجبره بالاحتفاظ بها؛ لأن هذا مسؤولية وَهَمّ جديد عليه، وتتحول من لعبة تسلية ويستمتع بها ويعمل معها صداقة إلى هَمٍّ على رأسه، فمجرد ما تراه قد انتهى منها وملّ منها، نمِّ فيه جانب الصدقة، قل له: ما رأيك أن نتصدق بها إلى أطفال مساكين ما عندهم ألعاب... إلى آخره، وتأخذه بألعابه يسلمها بيده إلى الجماعة الخيرية تُفَرّح المساكين الذين يتصدق عليهم الناس بكل شيء إلا الألعاب لا يتصدقون بها، فنتصدق بألعاب الولد القديمة، وحتى الجديدة لماذا لا نتصدق بها؟!! ونذكره بقوله – تعالى-: "لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ" (آل عمران: من الآية92)، ونزرع فيه بذرة هذا الخلق العظيم، وهذه العبادة العظيمة.
قصة السيف المكسور التي سبق ذكرها في مقال: "لماذا نفشل في الحوار مع أبنائنا" فيها جانب آخر، وهو جانب اللعب، وهذا هو موضوع العنصر الرابع...
لماذا نظن أن اللعبة الجيدة هي الغالية؟! هذا غير صحيح، فضول الولد يتوجه لكل شيء، لذلك أشياء بسيطة جداً قد تسليه وتثير خياله وتحرك جسمه أيضاً، بل حتى مخلفات البيت يحولها إلى ألعاب ممتعة (خذ يا ولدي فهذا قالب بيض فارغ ضع فيه بقايا الرز واربطه بخيوط وعلقه بشجرة حتى نتفرج على العصافير وهي تقف عليه وتأكل منه).
الأنشطة بالنسبة للطفل إما ممتعة تستحق القيام بها أو غير ممتعة لا تستحق القيام بها، هذا تصنيف يمشيه على كل شيء، سواء على المذاكرة أو الأعمال المنزلية، لذلك لو ربطنا بين الأعمال المنزلية اليومية واللعب والتسلية واستطعنا تقديمها في قالب المتعة، سيتعلم المسؤولية ويساعد ويشارك، مثلاً: تحديد زمن محدد لكل ابن حتى يرتب غرفته، (يا عيال أمامكم خمس دقائق لكل واحد يرتب فيها غرفته) في جو من الإثارة والقبول، يمكن الاكتفاء بالفكرة إلى هذا الحد ويمكن وضع حافز بسيط معنوي أو مادي لكل المشاركين، وحافز إضافي لصاحب أجمل غرفة، فيُقْبِل الابن على هذه العملية بطريقة ممتعة له.
يجب أن نكسب كل ما نريده من الأبناء برداء اللعب والمتعة كقاعدة عامة، وهذا ما يريده الأطفال، يريدون اللعب في المدرسة، ويريدونه عند الطعام، ويريدونه عند(115/1870)
النوم، مستواه الدراسي يرتفع إذا قدمت له المادة العلمية على شكل ألعاب مسلية، فَهْم هذه النقطة من أسباب تألق العديد من المدرسين.
كل ما على الآباء أن ينتهزوا اهتمام الطفل بشيء، فهو دائماً يهتم بشيء، نعطيه الحرية لإشباع فضوله ونطلق خياله ونشاركه، كل هذا يعكس مفهومه لحاجته في التخيل واللعب والمشاركة.
يقول الدكتور مأمون مبيض في كتابه (أولادنا من الطفولة إلى الشباب): حاول ألا تكون سلبياً أمام خياله، فإذا قال لك مثلاً عن علبة اللبن الفارغة: إنها سيارة فلا تسارع إلى تحطيم خياله، فتقول: هذه ليست سيارة، بالنسبة إليه هي سيارة تمشي ولها محرك، وعلى العكس حاول أن تشجع خياله على التصور والإبداع، ويضيف قائلاً: لا تحاول أن تتسرع بإبداء اقتراحاتك وهذه مشكلتنا، إذا أردنا أن نلعب مع أولادنا لا بد أن نقترح ونوجه اعمل كذا.
يقول الدكتور مأمون: "اعرض مساعدتك عندما يطلب ذلك، ولتكن مساعدتك عن طريق أسئلة تثير خياله" انتهى كلامه.
قاعدة الكبار: هي أن نضع جهودنا لنصل إلى نتيجة معينة، أما الطفل فلا يستمتع باللعب ولا تهمه المحصلة النهائية أو النتيجة فلا يجب أن نلوم وكأنه أخطأ عندما لم يكمل اللعبة.
فأقول: الخطأ عموماً في اللعب والحياة حق من حقوقه يجب أن نَقْبل بأخطائه ونعطيه الفرصة أن يُعَدِّلَها ويصححها، ولا يمكن أن يتعلم إلا إذا أخطأ، فأنتِ على سبيل المثال، هل يمكن أن تتعلمي الخياطة بقراءة كتاب أو أحد يقول لك: اشتغلي؟ مستحيل!
وإذا كان الكبار يتعلمون بعض الأشياء بالقراءة فقط، فالأطفال يتعلمون كل شيء بالعمل والممارسة، لذلك إذا كنا دائماً نعاتبه على أخطائه فكأننا نعاتبه على التعلم، هكذا يجب أن ننظر إلى اللعب على أنه حصة تعليمية كحصص المدرسة، بل أهم فهو في اللعب يعلم نفسه بنفسه ولا ينسى ما تعلمه، كما هو الحال في المدرسة هناك شخص آخر يعلمه، وأيضاً ينسى ما تعلمه في نهاية السنة ويقضي حصصها بملل، بعكس اللعب، بل ربما تكون أجمل وأحلى لحظات حياته كلها هي لحظات اللعب، لذلك يجب علينا عدم مقاطعة لعبه إلا لضرورة ونتذكر جميعاً كم يكدر صفو الزوجين مقاطعة الأطفال في لحظاتهم الخاصة، وكذلك الأطفال لا يحبون من يقاطع لحظاتهم الخاصة، ولنا في رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أسوة حسنة، إحدى المرات أطال السجود حتى ظن الصحابة أنه يوحى إليه أو حدث أمر فسئل عن ذلك، فقال: كل ذلك لم يكن ولكن ابني ارتحلني فكرهت أن أعجله حتى يقضي حاجته، فلا الصلاة ولا الناس جعل الرسول يقطع لعب الصغير أبداً، ثم لاحظوا كيف سمى اللعب حاجة - صلوات الله وسلامه عليه - حتى النوم إذا أردت أن توقفيه عن اللعب لينام فلا تقاطعيه، بل خذيه مع لعبته إلى الفراش واتركيه قليلاً لينام، أو تحدّثي معه بقصة جميلة أو استمعي لبعض أحاديثه حتى ينام.
يجب النظر إلى أن الأسرة، وهذا البيت كله ما أقيم إلا لهذا الطفل، فكذلك أثاث منازلنا يجب أن نراعي عند اختيارنا طبيعة الأطفال وما نتوقعه، لاحظوا كيف(115/1871)
صممنا منازلنا، مجلس الرجال (ممنوع اللعب فيه)، مجلس النساء (ممنوع اللعب فيه)، مقلط الرجال والنساء أيضاً غير صالحين للعب بحرية، ولا حتى حديقة البيت، انتبه لا تخرب الزرع لا تدس الورد، إذا لعب في هذه الأماكن وخرب عوقب، لا يوجد مساحة يمتلكها بالكامل يعمل فيها ما يشاء إلا سريره حتى السرير (لا تقفز على السرير يا ولد)، وللأسف اكتفينا بألعاب (السوني)؛ لأنها لا تأخذ مكاناً، والأبناء يحبونها جداً ويصبحون هادئين تماماً لكن هذا لا يكفي لا بد من النظر في آثارها، ينقل الشيخ عبد الحميد البلالي في كتابه (فنون في تربية الأبناء) حديثاً عن دكتور أمريكي في علم النفس وهو غير مسلم، يقول: ألعاب التلفزيون تسهم إلى حد كبير في غرس آثار نفسية عميقة سيئة، وتعوق الخبرة الواقعية وتزيد من أوهام الطفل بالإضافة إلى غرس مفاهيم مغلوطة مما ينتج عنه أطفال ذوو شخصيات مهزوزة اتكالية عنيفة، غير مقنعة، غير متذوقة للجمال، غير منسجمة مع الواقع، وكلما كانت اللعبة تحتاج إلى مجهود عضلي وذهني من الطفل كانت مفيدة له في غرس هذه الخبرات الواقعية، انتهى كلامه.
هناك أحد الجيران تفهم حاجة أطفاله للعب والاستقلال، استغل سطح البيت وعمل فيه غرفة كبيرة وجعلها للعب، كل ألعاب الأولاد وحركتهم فيها، بل ويشاركهم اللعب أيضاً كلما وجد فراغاً في الوقت، وهذا يسعدهم طبعاً؛ لأنهم يحبون أن يكون لهم مكان في حياته.
أحد الأقارب بيته مليء بالتحف ولمسات ديكور في كل مكان لا تحتمل اللعب خمس أطفال كانوا يسكنون هذا البيت، رغم ذلك لا تعاني صاحبة البيت من أية متاعب، صاحب البيت كان يبني أيام أزمة الخليج، ولذلك جهز قبواً واسعاً احتياطياً، وصار القبو من حظ العيال، مساحة واسعة للعب، ويستفاد منها في المناسبات الكبيرة عند الحاجة، حتى الذي ليس عنده قبو سيجد مساحات ميتة يمكن إحياؤها بضحكة أطفاله وفرحتهم بدون قيود، وهذا أهم شيء (بدون قيود)..
أذكر عندما انتقلنا إلى بيت جديد في الدمام ما فيه إلا السجاد، تعال حتى تشاهد فرحة العيال وهم يركضون في المساحات الواسعة ويلعبون فرحين بدون قيود من الوالدين؛ لأن ليس فيه شيء أصلاً يخاف عليه، لذلك أقل ما في الأمر أن نخفف قدر الإمكان مما نخشى عليه من الأطفال، نجعل بيوتنا أكثر بساطة ونوسع صدورنا أكثر بلعب الأطفال وفوضاهم، والله فوضى أبنائنا وضحكتهم وهم يلعبون بحرية لها حلاوة لا نعرف قيمتها إلا إذا راحوا عنا مثل ما راحوا عن عمر بهاء الدين الأميري، وبقي يتأمل آثارهم وذكرياتهم وصورها أبدع تصوير في الأبيات التالية بقوله:
أين الضجيج العذب والشغب ... ... أين التدارس شابه اللعِبُ
أين الطفولة في توقُدِيها ... ... أين الدمى في الأرض والكتبُ
أين التشاكس دونما غرض ... ... أين التشاكي ما له سببُ
أين التباكي والتضاحك في ... ... وقت معاً والحزن والطرب
أين التسابق في مجاورتي ... ... شغفاً إذا أكلوا وإن شَرِبوا
يتزاحمون على مجالستي ... ... والقرب مني حيثما انقلبوا
يتوجهون بسَوق فطرتهم نحوي ... ... إذا رهبوا وإن رغبوا(115/1872)
فنشيدهم (بابا) إذا فرحوا ... ... ووعيدهم (بابا) إذا غضبوا
وهتافهم (بابا) إذا ابتعدوا ... ... ونجيبهم (بابا) إذا اقتربوا
بالأمس كانوا ملء منزلنا ... ... واليومَ وَيح اليومِ قد ذهبوا
ذهبوا أجل ذهبوا ومسكنهم ... ... في القلب ما شقوا وما قربوا
إني أراهم أينما التفتت نفسي ... ... وقد سكنوا وقد وثبوا
وأحس في خلدي تلاعبهم في الدار ... ... ليس ينالهم نصبوا
وبريق أعينهم إذا ظفروا ... ... ودموع حُرقتهم إذا غلبوا
في كل ركن منهم أثرٌ ... ... وبكل زاوية لهم صخبوا
في النافذات زجاجها حطموا ... ... في الحائط المدهون قد ثقبوا
في الباب قد كسروا مزالجه ... ... وعليه قد رسموا وقد كتبوا
في الصحن فيه بعض ما أكلوا ... ... في علبة الحلوى التي نهبوا
في الشطر من تفاحة قضموا ... ... في فضلة الماء التي سكبوا
إني أراهم حيثما اتجهت عيني ... ... كأسراب القطا سربوا
بالأمس في قرنايلٍ نزلوا ... ... واليوم قد ضمتهم حلبُ
دمعي الذين كتمته جلداً ... ... لما تباكَوْا عندما ركبوا
حتى إذا ساروا وقد نزعوا ... ... من أضلعي قلباً بهم يجبوا
ألفيتني كالطفل عاطفة ... ... فإذا به كالغيث ينسكبوا
قد يعجب العُذّال من رجل يبكي!! ... ... ولو لم أبكِ فالعجبو!!
هيهات ما كل البكاء خَوَرٌ ... ... إني وبي عزم الرجال أبو
في الصف الثاني الثانوي طلب مِنّا مدرس اللغة العربية وكان مدرساً سورياً، طلب موضوعاً عن علاقة الآباء بالأبناء، وفي الحصة التالية كان دوري ألقيت موضوعي، وكنت قد ختمته بهذه القصيدة، ويبدو أن هذه القصيدة أثارت في نفسه ما أثارت، وعندما انتهيت إلا وقد كان يمسح دمعة هربت من عينه، فاستغربنا دمعته على شدة الأستاذ وهيبته!! ولكن - سبحان الله - كل إنسان مهما كان، يضْعُف ما بين ضحكة ودمعة من أحد أبنائه يتذكرها، عيالكم لم يذهبوا عنكم فاستمتعوا معهم وشاركوهم فيما يحبون، ونراهم في المقابل يشاركون في ترتيب البيت والاستعداد في استقبال الضيوف.
ـــــــــــــــــــ
التربية الخاصة
27/12/1424
ارسل تعليقك ...
لا توجد تعليقات ...
ارسل الصفحة ...
الى مشرف النافذة ...
طباعة ...
تربية الطفل اليتيم:(115/1873)
الطفل اليتيم يحتاج إلى تربية خاصة، ويلحق به من فقد والديه أو أحدهما بمرض مزمن أو طلاق أو سفر أو جهاد أو غيرها.
وأهم احتياجات الطفل اليتيم الإشباع العاطفي والإحساس بالأمن، ووجود بديل عن الوالدين أو أحدهما يقوم بالتوجيه والتهذيب، كما يحتاج إلى التوافق الاجتماعي مع البيئة الجديدة وتقبُّل فكره المربي البديل.
واليتيم يشعر بالضعف وفقدان عناصر القوة، كما أنه يفقد المصدر الحقيقي للحنان، ولذا حثَّ الإسلام على إشباع حاجاته ورتب الأجر العظيم لكل من يسدي المعروف إليه.
وتختلف حالات اليتم، فهناك اليتيم الوحيد الذي يموت والداه أو أحدهما وهو صغير فيسهل دمجه في بيئة جديدة ويتوافق معها بسرعة، ويمكن للموجود من والديه الزواج ويربى مع إخوته الجدد دون اضطرابات نفسية، بشرط أن يكون المتزوج من أرملة أو مطلقة لها طفل، على قدر من الوعي، وكذلك المتزوجة من أرمل أو مطلق.
واليتيم يشعر بالضعف وفقدان عناصر القوة، كما أنه يفقد المصدر الحقيقي للحنان، ولذا حثَّ الإسلام على إشباع حاجاته ورتب الأجر العظيم لكل من يسدي المعروف إليه.
وقد يفقد الطفل والديه أو أحدهما وله إخوة كبار راشدون يتولون تربيته، فيحل الأخ الأكبر محل والده بشرط أن يتمتع بشخصية قوية وحازمة، وعلى الأم أن تحترمه وتتعاون معه وتسلم له القيادة ظاهراً؛ لأن ذلك يعود الصغار على الانقياد للأخ الكبير ويتعود هو على تربيتهم، ولأن الأم مهما كانت قد تكون الآمرة والناهية، وتسيطر على الصغار ولكن إذا راهقوا صاروا يحتاجون إلى سلطة موجهة من نوع آخر هو الأخ الأكبر.
وقريب من ذلك الطفل اليتيم أو فاقد أحد أبويه بالطلاق أو الغياب الدائم أو المرض، فإذا كان وحيداً وعزفت أمه عن الزواج وبقيت عند أهلها، أو كان لها عدة أطفال، فهنا لا بد من سلطة موجهة كالجد أو الخال، ولا بد أن تسلم الأم لهذا البديل زمام الأمور حتى إذا كبر الأطفال وانفلتوا من سلطة الأم تبقى سلطة الجد أو الخال، والرجل عادة أكثر حزماً وأتم عقلاً من الأم التي تنساق بفطرتها نحو الدلال والتراخي.
وهناك وسائل تضمن – بإذن الله – سلامة الطفل النفسية والتربوية، وهي:
1- أن يكون المربي البديل على قدر من الوعي وتحمل المسؤولية، وأن يفهم مشاعر الأيتام فهماً تاماً، وكذلك أبناء المطلقة، وأن يشبع حاجتهم إلى الحب والحنان، وعدم التفرقة بينهم وبين الأبناء ما أمكن.
2- الحزم في التربية؛ لأن اليتيم غالباً يعامَل معاملةً فيها تساهل وإفساد، والواجب معاملته كالابن تماماً في التربية والتقويم.
3- إتاحة الفرصة له ليختلط بالأطفال الآخرين إذا كان وحيداً، وعدم إبداء القلق عليه، وعدم التدخل الدائم في أموره، وبهذا تساعده لينضج عقلياً واجتماعياً، وعلى الأم في مدة المراهقة بالذات أن تشعر الطفل بمسؤوليته في الحياة، وأنه مَعْقِد آمالها حتى تساعده على النضج والاتزان.(115/1874)
4- في حالات الطلاق على الوالدين أن يرتقوا إلى مستوى من النضج النفسي حتى ينشأ الطفل سويّاً بلا عُقد وأمراض، فيتبادلان الاحترام والتقدير ويرتفعان عن الاتهامات والمشاكل، وهذا يكفل سعادة الطفل وحبه لوالديه وحفظ حقهما في التربية والإصلاح؛ لأن احترام كل من الوالدين للآخر يحفظ في ذهن الطفل تلك الصورة المثالية التي يراها متمثلة في والده ووالدته، ولكن إذا أقبل كل منهم على ثلب الآخر وسبّه أمام الطفل اهتزت ثقة الطفل بوالده أو والدته ونقص احترامه لهما أو لأحدهما، وعندها لن يتقبل توجيهاته وتربيته.
تربية الطفل الذكي بين الأفراد والمؤسسات:
التربية الخاصة يحتاجها الطفل الذكي؛ لأن المواهب إذا لم تكتشف مبكرة تموت، إذ لا بد من تطويرها، كما أنه قد يعتريه الإحساس بالغربة والوحدة بسبب الفرق بينه وبين أقرانه.
ويمكن اكتشاف ذكاء الطفل من خصائصه فهو أكثر استجابة للأوامر بسبب نضجه العقلي، ومتعاون، يتعلم بسرعة ويفكر منطقياً ويسأل أسئلة دقيقة، ويميل إلى من هو أكبر منه ويقلده تقليداً واعياً، ويميل إلى الابتكار، ويكره التكرار الرَّتيب.
وعلى المربي مسؤولية المحافظة على صحة الذكي وتنمية قدراته، ولذلك وسائل منها: التوسط في معاملة الذكي والتوسط في تقدير مواهبه، فالتحدث عن ذكاء الطفل بإسراف يخلق فيه الغرور، والتساهل بذكائه يخلق له مشكلات نفسية، فيكون التشجيع مناسباً، ويجب أن يوجد له بيئة مناسبة لاحتواء مواهبه، وأن يمده بالمواد والوقت ليكتشف ويبتكر، كاللُّعب التعليمية والكتب المصورة والأشرطة العلمية المصورة والمسموعة، والألعاب التي تعتمد على ذكاء الطفل ومهاراته.
وأما المؤسسات فكثيرة، منها: المكتبات ومراكز المعلومات والمدارس، وقد أُفردت مدارس خاصة للأذكياء، ولكن كثيراً من علماء التربية يرون أن من الخير دمج الأذكياء مع غيرهم في المدارس العامة على أن تخصص لهم فصول مستقلة، كما اقترح بعض التربويين إتاحة الفرصة للأذكياء ليدخلوا المدرسة قبل السن المقررة، على أن يتم تزويد فصولهم بالأجهزة والمعامل والكتب وكافة الوسائل الممكنة، ووضع مناهج تقوم على فكرة التنوع، وتتميز بالمستوى الرفيع الذي يناسبهم.
تربية الطفل المريض أو المعاق، وتغيير وسائط التربية بحسب المرض:
للمريض تربية خاصة، ويختلف المريض مرضاً جسدياً عن المريض مرضاً نفسياً، ويختلف المريض مرضاً مزمناً عن المريض مرضاً طارئاً.
1- الطفل المريض مرضاً طارئاً يؤثر في حياته، وبخاصة إذا لزم الأمر وضعه في المستشفى وحرمانه من أسرته، حيث تتأثر شخصيته وطباعه وتطوره العقلي والاجتماعي، ولتفادي الأضرار الجانبية على الطفل ينبغي أن ترافقه أمه أو أحد أقاربه أثناء مدة علاجه، وللعامل النفسي أثره في تعويد الطفل على الصبر والشجاعة ومنبع هذا الإيحاء إليه بأن هذا الألم خفيف ولا يضر، وأنه طفل شجاع يتحمل الإبرة والدواء المر، وليتحقق ذلك لا بد من الابتعاد عن كثرة سؤال الطفل عن موضع الألم، ومحاولة إخفاء مشاعر الشفقة والبكاء ؛ لأن إظهار هذه المشاعر يضعف الطفل ويقوي إحساسه بالألم، كما يحسن إشغاله باللعب والهوايات التي تناسب وضعه، وأما(115/1875)
إعطاء المريض الدواء فيكون بالملاطفة والمسايرة والابتعاد عن القوة، والحذر من الكذب والادعاء أن الدواء حلو وهو بخلاف ذلك، وليحذر المربي من استمرار التساهل والتدليل بعد الشفاء فقد يتعود الطفل عادات سيئة، أثناء مدة المرض، فبعض الأطفال يطلب أشياء أثناء مرضه ويجاب طلبه؛ لأنه مريض، وقد يشتهي نوعاً من الطعام فيُسن إعطاؤه إياه لمساعدته في مدة المرض، وإذا تماثل للشفاء فيجب عدم تدليله أو استمرار طلباته الزائدة أو نومه في أحضان والدته أو كثرة حمله وغيرها من العادات السيئة.
2- الطفل المريض مرضاً مزمناً أو المعاق؛ إذ يسهم هذا المرض في حرمان الطفل من كثير من فرص التعلم، وقد يشعر باحتقار الذات والدونية، ولا يحتاج إلى توجيهات، منها:
- احترام الطفل والنظر إليه نظر حب ورحمة، وأن يشعره أهله بتميزه عن غيره بالذكاء والمواهب الأخرى، حتى يزول شعوره بالنقص، ويجب أن يعامله كذلك كل من حوله مبتعدين عن الاستهزاء والتحقير.
- تهوين الضعف الصحي، وتقديم العلاج اللازم له، وإذا احتاج يُلحق بالمراكز التي تحتوي من هو مثله.
- تصحيح السلوك الخطأ ومساعدته على التوافق الاجتماعي، وهذا يعني أن مرضه لا يمنع من تأديبه والحزم تجاه سلوكه المنحرف.
- إعداده ليمارس مهنة ليكسب منها قوته، وذلك بالاستفادة من قدراته العقلية والبدنية، ومحاولة تنمية مواهبه بالتشجيع والتدرج.
وأما المريض مرضاً نفسياً فيحتاج المربي إلى إرشادات الطبيب المعالج بشأن تربيته حسب حالته النفسية.
_______________
(*) من كتابها (كيف تربي ولدك).
ـــــــــــــــــــ
تنمية ثقافة الطفل في مراحله الأولى
20/12/1424
ارسل تعليقك ...
لا توجد تعليقات ...
ارسل الصفحة ...
الى مشرف النافذة ...
طباعة ...
استقبال الطفل:
ثقافة الطفل تبدأ قبل أن تحمل به أمه، فلا بد من تثقيف الأم وتدريبها على استقبال ابنها الذي لن يشفع له حبها، بل لا بد وأن يساند هذا الحب مساعدة كاملة له لكي يشب سليماً سوياً، وبخاصة سنوات وجوده الأولى، فالأم ومعها الأب والأسرة تتحمل السنين الأولى، وفي مدة الرضاعة والحضانة كل المسؤولية تجاه طفلها، والرضيع(115/1876)
يعتمد اعتماداً كاملاً على الأم، لا في التغذية فحسب، بل هو يرضع مع لبنها ثقافتها وعاداتها وتقاليدها.
ولدينا الكثير من الأمثال العاميّة التي تتحدث عن لبن الأم وأهميته وخطورته بالنسبة إلى الطفل، حتى لينسبون إلى هذا اللبن مدى حدة ذكاء الطفل، والرضيع يلتمس سبيله في الحياة عن طريق حواسه الخمس، ويعتمد عليها بالكامل كنوافذ إلى ذلك العالم المحيط به، وليس أفضل للصغير في هذا العمر من اللعب المصنوعة على هيئة دُمى آدميّة أو حيوانية، وحبذا لو أن هذه اللعب تحدث أصواتاً رقيقة.
ثقافة الطفل تبدأ قبل أن تحمل به أمه، فلا بد من تثقيف الأم وتدريبها على استقبال ابنها الذي لن يشفع له حبها، بل لا بد وأن يساند هذا الحب مساعدة كاملة له لكي يشب سليماً سوياً
ومن المهم أن تكون اللعب أنيقة وجميلة، ناعمة الملمس وغير حادة الأطراف، حتى لا تجرح الصغير أو تصيبه، وتكمن كل محاولاتنا في هذه السن المبكرة لتنمية القدرات الثقافية على تهيئة الفرصة للحواس الخمس لكي نُحسِّن أداء وظائفها، فإنها السبيل مستقبلاً لحياة أفضل، وهي الوعاء الذي يتلقى الثقافة وتتجمع فيه، لسنا في حاجة إلى أن نذكر أن حياة الأسرة وأمنها واستقرارها تساعد الطفل في هذا السن المبكر، وفيما بعد على أن يشعر بالاطمئنان، وهذه واحدة من احتياجاته الضرورية التي لا بد أن تتوافر له لكي يشب سليماً سوياً.
الطفل في عامه الثاني:
ويبدأ الطفل مع عامه الثاني في الحبو والزحف، والمشي والتعثر، ويبدأ في ممارسة بعض السيطرة على أصابع يديه، وهو يميل في هذه المدة إلى اللَّعِب واللُّعَب، وهو يستمتع كثيراً باللُّعَب البسيطة والألعاب التي يعتمد فيها على الشد والجذب وعلى الدفع والرمي، ويظل على حبه للحيوانات الأليفة التي يشعر أنها قريبة منه شبيهة به وهو يتحدث إلى لُعَبه، وبالذات تلك التي تشبه الإنسان أو الحيوان، ومن الضروري أن تكون اللعب بهيجة الألوان، وإذا ما كانت هذه اللعب متحركة، ويصدر منها صوت ما فإنه سيزداد حباً لها، ويرى كثيرون من أساتذة علم التربية ضرورة إحاطة الطفل في هذا السن بالكتب المصوّرة الملونة ليعتاد عليها ويألفها، فضلاً عن أنها تنير خياله وتمتعه، وقد ابتكرت كتب من ورق مقوى، وأخرى من القماش تصلح لهذه المرحلة من العمر، التي يبقى الطفل خلالها لصيقاً بأمه وأسرته معتمداً كل الاعتماد على الآخرين.
وتظل مهمتنا تجاهه تنمية استخدامه لحواسه وأعضائه وجسمه، ومن الواضح أن المدرسة وبقية الأجهزة العاملة في ميدان الثقافة والإعلام لا يمكنها أن تصل إلى الطفل في هذا السن، ولكن المجتمع ممثلاً في بعض مؤسساته لا بد أن يقدم الكثير، كإنشاء الحدائق والمتنزهات، وإقامة مصانع اللعب التي تنتج ما يناسب هذا السن، كما لا بد أن يوجد بعض المدارس التي تدرب مربيات للحضانة، وللأسر القادرة، والحق أننا في حاجة ماسة إلى توضيح أهمية المهنة ودورها في المجتمع، وحاجته الماسة إليها، وكلنا – ولا شك – يعرف أن كثيرات من طالبات الجامعات يقمن بهذه المهمة بضع ساعات مع الصغار في أثناء خروج الأبوين في عمل أو نزهة.(115/1877)
ولقد بات من الضروري أن يستغني مجتمعنا عن (الدادا) التي لا تعرف القليل أو الكثير عن الأطفال، والتي تسببت في كوارث عديدة نتيجة جهلها، وليس ببعيد ما سمعناه وقرأناه عن واحدة منهن كانت تدفع بالصغير إلى شم (البوتاجاز) لينام، وتستريح من لعبه وضجيجه وبكائه.
الطفل في عامه الثالث:
وما إن يُنهي الصغير عامه الثاني حتى يبدأ التدرب على الجري والقفز والتسلق، ولأنه لم يكف عن التعثر بعد، فإنه يجب أن يثبت لنفسه وللآخرين قدرته على حفظ توازنه فوق الأماكن العالية والمرتفعة، ويستطيع الطفل في هذا السن أن يعبر عن نفسه بكلمات قليلة تزداد رويداً رويداً، كما أن في مقدوره أن يفهم بعض الحكايات المصحوبة بالمؤثرات الصوتية والوسائل التوضيحية، على أننا يجب أن ننتبه إلى أن الصغير في هذه السن يكون فرديّ النزعة، لا يقبل أن يشاركه أحد في لعبه، كما أنه يصعب عليه أن ينضم إلى اللعب الجماعية.
وهو في هذه المرحلة يحب الانطلاق والتحرك، ويهتز للإيقاع، ويمارس بعض ألوان الرقص التعبيري، ويتقدم في استخدام أصابعه ويديه، إلا أنه يظل وعمره ثلاث سنوات غير قادر على أن يؤدي بها ما يرغب فيه، ومن هنا يجب تدريب أصابعه ويديه على أعمال (القص واللصق) تمهيداً لغرس حب العمل اليدوي في نفسه، وتنمية لقدراته الفنية التشكيلية، ومن المستحسن إعطاء الأطفال فرصة في هذا السن لركوب الدراجة ذات ثلاث العجلات وما شابهها من أدوات تقوي عضلات ذراعية وساقيه، وقد يكون من المفيد أن نقدم في هذا السن لعباً صغيرة للأدوات المستخدمة في البيت والمطبخ، بجانب مكعبات لبناء البيوت تحبيباً لهم في البناء، ولنكن يقظين لرغبتهم في الهدم من أجل تحويلها إلى مجرد تنفيس، ثم إعداد لبناء جديد، وليس أكثر في عصرنا من تلك اللعب التعليمية كوسائل المواصلات من قطارات وعربات وطائرات وسفن، والأسلحة من دبابات وبنادق ومدافع، ولتكن هذه اللعبة فرصة لتدريبه على فهم العدوان، ورد العدوان، والفارق بينهما؛ لأنها قضية أساسية تجعله يدافع عن حريته وحقه في أرضه، وعن وحدته وتجميع أشلائه الممزقة.
وإسرائيل تنشد للطفل في أذنيه أغنية أرض الميعاد وشعب الله المختار، وذلك الأيام الأولى لمولده، وأحرى بنا مع صغارنا فتح أعينهم على قضية حياتية تعني مستقبلهم ومصيرهم.
كما أن هناك لعباً تلفت نظر الأطفال إلى أمور هامة، مثل: عربات إطفاء الحريق، وعربات الإسعاف، وكلها تضيف للصغير في هذا السن خبرات ومعارف لا يمكن أن تُنْسى، وبجانب هذه اللعب المصنوعة هناك الألعاب التي يتسلى بها الصغير وتعوده على الاشتراك مع الجماعة، وهنا نركز على الألعاب الشعبية التي ترتبط بتاريخ وجغرافية بلادنا.
المرحلة التالية من الرابعة للخامسة:
ومن الخامس للسادسة تبدأ مرحلة دُور الحضانة والرياض، وقد تبدأ قبل هذا السن، ومن المهم أن نؤكد هنا أن دور الحضانة قد تحولت في كثير من الأحيان إلى مخازن تودِع فيها الأمهات أبناءها إلى حين تنتهي من عملها، وفي حين يجب أن تكون(115/1878)
مسؤوليتها الأساسية تنمية قدرات الأطفال الثقافية، دون أن تفرض عليهم معارف بذاتها، ومعلومات يتصور البعض أنه يسدي للصغار بها خيراً، وفي حين أنه يخطئ بحقهم حين يبدأ في تلقينهم – قبل الأوان – بعض دروس القراءة والحساب، بل تحاول المربيات إرضاءً للآباء والأمهات القيام بدور المعلمات، فيضعن الأقلام في أيدي الأطفال، ويطلبن منهم كتابة بعض الكلمات والأرقام.
إن الآباء حين يتعجلون تعليم أبنائهم قبل أن يحين الوقت المناسب، يحملون الصغار ما يفوق عمرهم العقلي، وما يتجاوز قدراتهم التعليمية، إن الطفل في هذه السن يمتلئ بالحيوية والنشاط، وإذا ما أبقيناه طويلاً فوق مقاعد الدرس والتحصيل ضاق بجلسته، وأصبح أشد حاجة إلى الانطلاق والجري، خاصة وقد أصبحت لديه بعض مهارات يستطيع استخدامها في هذا السبيل، ويقيناً من الأفضل توجيه هذا النشاط إلى اكتساب قدرات ثقافية تمكنه مستقبلاً من استيعاب دروسه، وتحصيل المنهج الذي أعد له.
ويمكن هنا للأجهزة التي أعدها المجتمع أن تلعب دوراً هاماً، وفي مقدمة هذه الأجهزة التليفزيون، ثم الإذاعة واستخدام التليفزيون في تقديم برامج للأطفال قبل سن المدرسة سهل ويسير، وإذا ما تضافرت الصورة الكبيرة الواضحة، مع الكلمات البسيطة المفهومة، بجانب الحركة السريعة على الشاشة الصغيرة استطعنا أن نقتنص انتباه هؤلاء الأطفال، وتمكننا من أن نضع أقدامهم على طريق الثقافة، ويمكن للإذاعة أن تسهم أيضاً في هذا المجال.
ولو أن الأمهات والآباء بقوا خلال هذه البرامج مع أبنائهم، لأفادوهم كثيراً، ولأصبح لدى الأمهات حصيلة رائعة من الحكايات والقصص، بل هم يطلبون حكاية بذاتها أن تعاد مرات ومرات، والإذاعة هنا لا تمتع الأطفال بالحكاية والغنوة فحسب، بل هي تثقفهم من خلالها، ثم هي تدربهم على فن الاستماع.
كما يجب أن نختار لغرفهم بعض لوحات جميلة بهيجة، تتغير بين حين وآخر، وحبذا لو أننا استشرناهم في أمر اختيار هذه اللوحات.
وأعتقد أن هذه المدة من عمر الطفل هي أخطر الأوقات، وإذا ما تضافرت جهود الأسرة ودار الحضانة وهذه الأجهزة، فإنها سوف تلعب دوراً بالغ الأهمية في خلق قدرات الأطفال الثقافية خلقاً وتعبيراً عن واقع الوجود، وكل الوجدان وتلقياً واستمتاعاً ينمي هذه القدرات، ويجعلها أكثر تفتحاً، وأكثر قدرة على الاستيعاب.
مرحلة الدراسة الابتدائية:
يصبح الطفل في سن القبول في المرحلة الابتدائية في المدارس، ويميل بعض مربي التلاميذ إلى تقسيم هذه المرحلة إلى قسمين من السادسة إلى التاسعة، ومن التاسعة إلى الثانية عشرة، وفي هذه المرحلة يبدأ الطفل في التفتح على الحياة، ويتصور البعض أن البيت قد انتهت مهمته عند هذا الحد ويلقي بالمسؤولية كلها على المدرسة، ويجب أن يكون واضحاً أن المدرسة بأعدادها الغفيرة ومناهجها المرهقة، وأساليبها الحالية لن تقوم بكل العبء، بل لا بد أن تتضافر المدرسة مع البيت، وأن يضيف المجتمع وأجهزته إلى الطفل ما يجعله يشب سوياً سليماً، لديه من القدرات الثقافية ما يمكنه من مواصلة تعليمه المدرسي، وتعليمه الذاتي.(115/1879)
وفي هذه المرحلة تبدأ الروح الجماعية في الظهور، ويتعرف الطفل على الصواب من الخطأ، ويتدرب على الامتثال للوائح والقوانين والواجبات، كما يبلغ الذروة في ميله للعب، ورغبته في تنويعه، بعد أن تقدم في السيطرة على حركات أطرافه وعضلاته، وتدفعه مهاراته هنا إلى محاولة الخلق والابتكار، كما أنه يبدأ في التقليد واللعب التمثيلي، ويود الصغير لو أنه استطاع أن يجرب كل شيء.
والأطفال في هذه السن يتجهون إلى الالتقاط والجمع، ومن هنا يمكن تدريبهم على بعض الهوايات، كما أن الطفل يبدأ في إدراك مفهوم الزمان والمكان، ومن الممكن أن نبدأ معهم بعض المفاهيم الجغرافية والتاريخية في القسم الثاني من هذه المرحلة.
وهو قسم يتسم بحب المغامرة والنشاط، ويميلون إلى قراءة القصص من هذا النوع ومشاهدتها على الشاشة، أو الاستماع إليها، وكانوا في القسم الأول من هذه المرحلة أكثر ميلاً إلى قصص الحيوانات، والقصص التي تشبع خيالهم وميلهم إلى الحكايات الخرافية والأساطير، وهم يستغنون كل ما كبروا عن هذا اللون، ويتجهون إلى عالم أكثر واقعية، ومن المهم في هذه المرحلة مساعدة الطفل على اكتساب المقدرة على الأخذ والعطاء؛ ليكون عضواً نافعاً في مجموعته الصغيرة، ثم في أسرته وإذا ما نمت لديه هذه الروح، أصبح مفيداً لوطنه وأمته بل والإنسانية، وإلى جوار ذلك يجب أن يتشبع الطفل بالروح الرياضية، وأن يتدرب على استقبال النصر بلا زهو، وعلى مقابلة الهزيمة من غير يأس، والطفل هنا يبدأ في التدرب على الاعتماد على النفس، وعلى تحمل المسؤولية متنقلاً بين مهارات مختلفة، ممارساً أشياء عدة، إلى أن يكتشف نفسه، فيستقر عند إحداها، وينتقي منها ما يبرز ويتفوق فيه وهو يحتاج في هذه المرحلة إلى التشجيع والمساندة، كما يحتاج إلى المعونة والمساعدة إلى أن يصبح قادراً على الاختيار (بنفسه).
وتتضافر المدرسة والبيت من أجل كل هذا، ويتعاون المجتمع معها بذاته وبأجهزته، لخلق القدرات وتنميتها في هذه المدة بالذات التي تتكون لدى الصغير قدرات هامة وجديدة، وبالذات قدرته على القراءة والكتابة، وعلى فهم الحروف المجردة والأرقام واستخدامها، وهذه نقلة إنسانية بعيدة المدى، على أننا يجب أن نكون يقظين إلى أننا لا نستهدف محو أمية القراءة لدى الصغير فحسب، بل لا بد وأن نعقد بينه وبين الكتاب صلة ود وحب وصداقة على أن تستمر هذه الصلة على مدى عمره كله، من أجل التعليم الذاتي المستمر.
توجيهات لأسرة طفل ما قبل المدرسة:
وهناك توجيهات عامة ينصح بها كل من (جاكلين جروس، وليمونارد جروس) في كتاب (اجعل طفلك قارئاً مدى الحياة) فيما يختص بطفل ما قبل المدرسة، وتدريبه وتعويده على الكلمات المكتوبة، الكتاب ينصح بكتابة أسماء أدوات الطفل وممتلكاته عليها، كأن نكتب: (غرفة شريف)، (حقيبة سامية)، (سرير محمود)... إلخ، وذلك بحروف كبيرة، يَسَّرتها لنا الأقلام الكبيرة الحجم التي يستخدمها الرسامون (فلوماستر)، ويستطيع الصغير أن يلاحظها على البعد، ويجدر بنا استخدام خط النسخ لكتابة حروف ضخمة، وقد نبدأ ذلك بوضع علامة على الشيء، ثم تتبعها الكتابة، وفي استطاعتنا تدريب الصغار على معرفة لافتات المحلات، خاصة تلك التي ندخلها(115/1880)
معه، كلمات، مثل: (صيدلية، حلاق، مدرسة، مخبز... إلخ) مدخل طريف للعبة، وتسلية تستهدف الملاحظة السريعة و(القراءة) العابرة، ومن المهم الربط بين المكان والكلمة المنطوقة، والكلمة المكتوبة ومحاولة إفهامه تطابقها.
ومطلوب مع الأعمار الصغيرة جداً تقديم أدوات الكتابة لديهم، على أن هناك تحذيراً من محاولة تعليمه كيف يمسك بالقلم، له أن يمسكه بطريقته إلى أن يستطيع ضبط مهارة تعاون اليد والعين والقوة المنظمة والمحركة التي سيحتاجها لرسم الحروف، كما أننا بحاجة لتوفير المكعبات والملصقات التي تحمل الكلمات مع صور الأشياء وصولاً إلى الحروف من أجل أن تتعود عليها عيناه ويراها شيئاً عادياً وطبيعياً.
والكتاب ينصح كذلك بضرورة وجود كتب تعليم المبتدئين، وإذا لم تجد الأسرة الكتاب المناسب لطفلها، فللأب أو الأم أن يحاولا تأليف كتاب خاص لابنهما، ومن اللطيف أن يشارك الكبير مع الطفل في قص بعض الحروف من عناوين الصحف والمجلات، وكأننا أمام لعبة لطيفة، قص اسم الطفل إن كان يتردد نشره أو اسم أحد أفراد الأسرة أو الأماكن التي يعرفها الأطفال، وما إلى ذلك، على أن يتم توضيح استخدامات الحروف بشكل مختلف في أول الكلام ووسطه ونهايته، والحروف التي ترتبط بالأخرى، والتي لا ترتبط، الراء مثلاً ترتبط بما قبلها، ولكنها لا تلتصق بما بعدها، والفاء تختلف حين تكون في بداية الكلمة عما هي عليه في آخرها، وهكذا، ومن الضروري أن نشارك بالمعرفة في هذا السبيل دون أن نفرضها عليه إلى أن نصل إلى الجمل والعبارات القصيرة، كما وصلنا إليها نطقاً بعد الأصوات فالكلمات، وهناك ما يحمل شحنات عاطفية، مثل: (أنا أحبك)، أو (ماما فخورة بك).
كل ذلك يقودنا إلى المرحلة التالية مرحلة التعليم الأساسي التي تستهدف تنمية الكفاءة والثقة.
_____________
(*) ضمن كتابه: (تنمية ثقافة الطفل) بتصرف.
ـــــــــــــــــــ
هذه تجربتي في الحياة 1/2
6/12/1424
ارسل تعليقك ...
لا توجد تعليقات ...
ارسل الصفحة ...
الى مشرف النافذة ...
طباعة ...
قام أ.د/ مقداد يالجن بكتابة مجموعة من تجاربه في الحياة، وضمنها كتابه (الطريق إلى العبقرية)، وقمنا هنا باختيار ما يمس التربية للنفس والغير من تجاربه التي يستفاد منها في هذا المجال. ونعرضها في حلقتين هذه أولاها:
هكذا تغلبت على الصعوبات:
هناك هدفان أساسيان لي في الحياة، فالهدف الأول، هو: الإصلاح الاجتماعي والنهوض بالأمة، ووسيلتي هي التربية كما أبينها فيما أكتب في مجال التربية، وأما(115/1881)
الهدف الثاني، فهو: أن أكون سعيداً في الدنيا والآخرة، ووسيلتي في ذلك هي السير في طريق السعادة كما هو مرسوم في كتابي(طريق السعادة).
أما طريقة تغلبي على الصعوبات والعقبات التي اعترضتني، ولا يزال يعترضني بعضها، أقول: إن استطاعتي التغلب على العقبات السابقة أعطاني الثقة بأنني أستطيع التغلب على كل العقبات الحاضرة والآتية- بإذن الله-، بل إن أملي زاد بأن الإنسان إذا تسلح بالعلم والحكمة وقوة الإرادة والبصيرة البعيدة المدى، وكان عازماً في تحقيق أهدافه، وحازماً في تنفيذ تخطيطاته تكاد لا توجد هناك مشكلة في إطار القدرة الإنسانية لا يمكن حلها. هذا إلى أنني أدرس أساليب من سبقني في السير في ا لدرب نفسه، وأتعظ من سيرهم وأدرس لماذا فشلوا إذا فشلوا؟ ولماذا نجحوا إذا نجحوا؟ وأدرس كل الجوانب الإيجابية والسلبية، فأترك السلبية وآخذ الإيجابية، ثم أخترع وسائل إيجابية بدل السلبية.
فالمهم في الوصول إلى الأهداف تحديد الهدف الممكن، وتحديد الطريق ثم تحديد الرجال، ثم تكوين الرجال بالأساليب التربوية السليمة بحيث يصبحون أهلاً لتحقيق الأهداف والغايات العليا
ورأيت أن معظم الذين قاموا بدعوى الإصلاح مثلاً ضعفوا أو فشلوا إما لأنهم لم يحددوا الهدف الأساسي من الإصلاح، أو لم يحددوا حجم الإصلاح، أو أنهم حددوا الهدف دون الطريق والوسيلة، أو حددوا الطريق ولم يحددوا الرجال الذين يسيرون في هذا الطريق، أو حددوا الرجال ولكنهم لم يحاولوا تكوين الرجال، بحيث يستطيعون السير في ذلك الطريق إلى النهاية، أو حاولوا تكوين الرجال، ولكنهم أخطؤوا في طريقة التربية السليمة أو لم يعرفوا طرق التربية وأساليبها على الإطلاق.
فالمهم في الوصول إلى الأهداف تحديد الهدف الممكن وتحديد الطريق ثم تحديد الرجال، ثم تكوين الرجال بالأساليب التربوية السليمة بحيث يصبحون أهلاً لتحقيق الأهداف والغايات العليا.
ومن أساليبي في حل المشكلات أنني لا أدخل في مشكلة لا أستطيع أن أخرج منها، ولا أضع مشروعاً لا أستطيع تنفيذه، وإذا أحاطت بي المشكلات الخارجية أصبر ريثما تزول؛ لأن المشكلات الخارجية كالعواصف والزوابع، فإنك إذا ثبتَّ في موقفك أو استطعت أن تحمي نفسك لمدة، فإنها ستزول ولا تضرك إلا قليلاً، وأما إذا تخليت عن هدفك لمجرد هبوب بعض العواصف فإنك قلما تستطيع أن تحقق من أهدافك. كما أنني لا أدخل في أمر قبل أن أعرف لنفسي مخرجاً منه، إذا اضطررت الخروج منه، ولهذا كانت مشكلاتي أقل من مشكلات الناس، سواء أكانت مشكلات نفسية أو خارجية؛ لأن المشكلة أساساً ليست هي وجود مجرد بعض العقبات والظروف، أو صعوبة العمل، وإنما المشكلة الأساسية التي تقهر الإنسان، أو هي التي تصادفه ولا يجد مخرجاً منها ويشعر في قرارة نفسه بالعجز عن حلها، ومن ثم تجعله يعدل عن أهدافه وغاياته وطريقته.
وإني لم أصادف مشكلة شعرت بالعجز عن حلها وإن عانيت كثيراً في اقتحام كثير من العقبات، ولهذا لم تثنني أية مشكلة صادفتها عن طريقي، ولم تجعلني أعدل عن(115/1882)
هدفي حتى الآن، إنّ من يضع هدفاً لنفسه ثم يظن مبدئياً خلوّ طريقه من العقبات ولم يعدّ نفسه لاقتحامها فإنه من الصعب أن ينجح في الوصول إلى هدفه وتحقيق أمانيه؛ لأنه لا يوجد هناك طريق يخلو من العقبات، وإن وجد في حال ما فإنه لا يوجد في كل الأحوال، وإن وجد في الحاضر فقد تقع عقبات في المستقبل؛ لأن الظروف والأحوال تتغير، ولكن الإنسان لا يتغير ما لم يغير إرادته وأهدافه وغاياته، وهناك قوتان خير وسيلة لتحقيق الأهداف، وهما: قوة العلم، وقوة الإرادة المؤمنة، وكلما ازداد الإنسان منهما ازداد قوة، وقد لا توجد هنا قوة مادية أو قوة سياسية يمكن أن تقف أمام الإنسان المزود بهاتين القوتين. إن الإنسان الواحد بقوة العلم والفكر والإرادة يستطيع أن يغير المجتمعات ويجلب القوى إليه ولا تستطيع القوى الأخرى تغييره وتعديل اتجاهه، والإنسان يشعر بتلك القوة بقدر ما يزداد علماً وفكراً وإرادة وحكمة، وقد رأينا في التاريخ القديم والحديث بعض العباقرة استطاعوا تغيير مجتمعاتهم والتأثير على المجتمعات الأخرى، وذلك مَثَل حي لنا فلا داعي لإثبات ذلك بالنظر والمنطق.
تجربتي في المذاكرة وطلب العلم:
كنت أذاكر حتى نهاية دراستي في الكلية دون معرفتي بطريقة المذاكرة العلمية، أي: دون العلم بعلم التعلم؛ لأن التعلم له أسس وقواعد فمن كان على علم بها فاق من لم يكن على علم بها وحصّل ما لم يحصله، كما أنه لا يتعب كما يتعب بالتعلم من لا يملك تلك القواعد، وقد أجرى التربويون دراسة لمعرفة مدى دور التوجيه التربوي في التفوق في التعلم وفي الفرق بين من يتعلم على تلك الأسس وبين من يتعلم بدون علم بها، فوجدوا في نهاية الدراسة، أن الذين يتعلمون وفقاً لأسس التعلم يحصلون على ضعف ما يتعلمه الآخرون بدون العلم بها في المدة المحددة لكلا الطرفين، ونتيجة لذلك قرروا مبدأ التعلم بالتوجيه على الأسس العلمية؛ لأنه يدفع عجلة التعلم إلى الأمام، كما أنه وسيلة التقدم العلمي في البلاد وأهمية ذلك تتضح أكثر إذا قارنا بلدين، فقد تعلّم أبناء أحد البلدين بالتوجيه العلمي مثلاً، وتعلم أبناء البلد الآخر بدون هذا التوجيه، فإن البلد الأول يتقدم في العلم ضعف ما يتقدم البلد الآخر، ولهذا فإن القائمين بشؤون التعليم في الدول المتقدمة يحرصون دائماً على تحقيق هذا المبدأ التعليمي، وهو كيف نستطيع أن نعلّم أكبر قدر ممكن من المعلومات في أقل وقت وبأقل جهد، ويقولون: كلما استطعنا تطبيق هذا المبدأ في ميدان التعلم – بأكبر قدر ممكن من الشمول والعمق – استطعنا أن ندفع عجلة التقدم العلمي أكثر فأكثر،
ولما علمت تلك الأسس السيكولوجية والتربوية للتعلم الجيد – وذلك بعد أن تخصصت في كلية التربية، وبعد ما قست ذلك بأساليب مذاكرتي وتعلمي – بكيت على حالي ولمت كل المؤسسات التعليمية التي تعلمت فيها؛ لأن التعليم فيها يسير بدون توجيه وإرشاد لطرق التعلم العلمي والتربوي؛ ذلك أنه يجب أن نعلّم المتعلمين طرق التعلم الجيدة قبل أن نعلمهم العلوم؛ لأن هذه الطرق مفتاح تحصيل العلوم، ومن ثم علمت لماذا لا نستطيع نحن التقدم في العلوم كالدول المتقدمة.(115/1883)
وبعد علمي بمنهج التعلم ذلك قلت في نفسي: إنني لو كنت تعلمت في ضوء ذلك المنهج لحصلت ضعف ما حصلت، وما كنت تعبتُ في الوقت نفسه كما تعبت في التعلم نتيجة لجهلي بأصول التعلم الجيد،
كما أنني كنت أفكر أثناء تعلمي في الذين تعلموا فمنهم من أصبح مفكراً عالماً منتجاً يستفيد من علمه ويفيد غيره، ومنهم من لم يصل إلى هذه المرتبة، بل إنه لم يشم رائحة العلم، ولا تجد الفرق بين أسلوب تفكيره وتصرفاته، وبين الجاهل الذي لم يتعلم إطلاقاً،
فلما تعلمت في كلية التربية علمت سر ذلك كله، وبعد ذلك كنت أفكر في أمر آخر، وهو لماذا لا يصبح المتعلمون علماء أخياراً، بل يصبح معظمهم علماء أشراراً، وقد يضرون المجتمع أكثر مما ينفعون، وقد يضرون أكثر من الجهال الذين لم يتعلموا إطلاقاً، وكيف يصبح المتعلم عالماً خيّراً إذا تعلم، وما السبيل إلى ذلك. وعلمت في نهاية الدراسة أن السبب في ذلك سوء التربية، وسوء توجيه المتعلمين، أو عدم توجيههم إطلاقاً إلى السبيل الذي به يصبحون في النهاية علماء أخياراً يفيدون أنفسهم ومجتمعهم بما تعلموا.
كل ذلك دفعني إلى أن أكتب كتاباً بعنوان (توجيه المتعلم في ضوء التفكير التربوي والإسلامي) لأوجه به المتعلمين إلى أفضل طرق التعلم والأسس السيكولوجية التي أقرها علماء التربية والتعليم، وبينت فيه كيف ينظمون أوقاتهم تنظيماً علمياً، وكيف يستطيعون أن يتقدموا في كل علم من العلوم؛ لأنه كما أن هناك طرقاً وأساليب مشتركة للتعلم الجيد إلا أن هناك بعض الطرق والأساليب الخاصة للتقدم في كل علم من العلوم أيضاً، كما يكون هناك أسلوب بحث وتجربة خاصة لكل ميدان من ميادين العلوم والبحث فيها، كما بينت العوامل المساعدة على التعلم الجيد.
وكانت غايتي من وضع هذا الكتاب هي أنني لم أرد أن يتعب غيري كما تعبت في التعلم وفي البحث عن أساليب التعلم الجيد، وأن أكون عاملاً مساعداً في تقدم بلادنا علمياً، وأن تصل إلى الركب العلمي الحضاري الذي وصلت إليه الدول المتقدمة.
وأخيراً كانت غايتي من ذلك التوجيه الأخلاقي للمتعلمين؛ لأنني أريد أن يكون تقدمنا العلمي تقدماً أخلاقياً أيضاً، وذلك لا يكون إلا إذا تمسك المتعلمون بالأخلاق الفاضلة، وأصبح علماؤنا على خلق قويم؛ لأن الدول المتقدمة لما تقدمت في العلم وتأخرت في الأخلاق لإهمالها التوجيه الأخلاقي أنتجت شروراً في الحياة الاجتماعية أكثر من الخيرات التي جلبها تقدم العلوم، وذلك بسبب إهمالها التوجيه الأخلاقي في ميدان التعلم، ونحن يجب أن نأخذ العبرة من غيرنا، فالعاقل من اتعظ بغيره؛ لكي نتفادى النقص في سيرنا التقدمي، وليكن تقدمنا تقدماً كاملاً فيأتي منه الخير ولا يأتي منه الشر،
ولهذا فإن خير ما أنصح به طلاب العلم في هذه الأيام قراءة ما كتبتُ في هذا الميدان؛ لأنني خير ما قدمته لهم في هذا الميدان من نصائح تضم تجاربي وتجارب غيري، وبما أن الكتاب قد نشر أخيراً بدار المريخ بالرياض فأصبحت الاستفادة منه ميسورةً إذا أراد المتعلمون التقدم في التعلم والتقدم العلمي لبلادهم.(115/1884)
والله أدعو التوفيق لكل من يريد الخير للناس؛ لأن من يريد ذلك هو خير الناس مصداقاً لقول الرسول- صلى الله عليه وسلم-: "خير الناس أنفعهم للناس".
طريقتي في القراءة، وكيف استفدت منها:
ليس هناك ساعات محددة للقراءة الآن، أما عندما كنت طالباً فكنت أقضي معظم أوقاتي في القراءة، وكنت أتردد على المكتبات، وأبحث في الفهارس وأي كتاب يجذبني عنوانه كنت أطلبه وأقرؤه، أما الآن فإنني أقضي معظم أوقاتي في الكتابة؛ لأنني أشعر الآن بحاجة إلى الوقت لكثرة ما يتردد في ذهني من الأفكار وتلح عليّ رغبة شديدة في تدوينها، وإذا كانت هناك قراءات فهي على حسب البحوث والمشكلات العلمية التي تدور في ذهني، وأي كتاب أراه يتصل بتلك الموضوعات أقرؤه.
وأما طريقة استفادتي مما أقرأ فهي التدبر والتفكير في كل ما أقرأ، وأقضي من الأوقات في تحليل ما أقرأ، أكثر مما أقضيها في القراءة
وأنظم قراءاتي عادة على حسب ما يقول المبدأ التعليمي من أنه ينبغي أن ينتقل الإنسان من موضوع إلى آخر، ومن علم إلى علم آخر إذا ما شعر بالملل من هذا العلم، كما ينصح المربون أن يكون الانتقال من الأصعب إلى الأسهل في أي من العلوم الصعبة، مثل الفلسفة إلى الأسهل، وذلك مثل علم الأصعب إذا بدأ بالأسهل ومل منه؛ لأن الانتقال من علم إلى آخر يجدد النشاط، وهذا ما يحصل فعلاً، فالإنسان أحياناً عندما يحس بملل من علم يرى أن يرتاح قليلاً، لكن إذا أخذ يقرأ علماً آخر في الوقت نفسه يشعر بتجدد النشاط وكأنه لم يتعب، ثم إنه كلما كانت القراءة على حسب الحاجة إلى معلومات كانت القراءة فيها أكثر استمراراً وأكثر فائدة، ويجب أن نلاحظ هنا أمراً وهو أن المخ مقسم إلى مراكز، فكل مركز خاص بقدرة معينة من القدرات العقلية، مثل: القدرة الرياضية، والقدرة اللغوية، والقدرة العلمية، والقدرة على الاستدلال المنطقي، والقدرة على هذا التذوق الفني، والقدرة الكلامية والكتابية والتذكر، وما إلى ذلك من مراكز معروفة لدى علماء التربية، فإذا تعب الإنسان من مذاكرة علم معين خاص بمركز معين من تلك المراكز، فإن القدرة الخاصة بهذا المركز هي التي ترهق أكثر من غيرها، وإذا انتقل إلى علم آخر فإن النشاط يستمر؛ لأن القدرة المركزية الخاصة بهذا النوع من العمل العلمي لا ترهق كإرهاق المركز الآخر، ومن هنا يجد الإنسان نفسه عند الانتقال من علم إلى آخر وكأنه لم يرهق.
وبناء على علمي بمراكز القدرات العلمية في المخ أنتقل من نشاط علمي إلى آخر، ومن هنا أستطيع الاستمرار في الأعمال العلمية مدة طويلة، فهناك عدة تنقلات في نشاطي هذا من علم إلى آخر في القراءة، ومن كتابة إلى المراجعة ثم إلى التفكير فيما أقرأ، وهكذا وكل ذلك أنشطة مختلفة ترجع إلى مراكز للقدرات المختلفة،
وأما طريقة استفادتي مما أقرأ فهي التدبر والتفكير في كل ما أقرأ، وأقضي من الأوقات في تحليل ما أقرأ، أكثر مما أقضيها في القراءة، وإذا كانت فكرة صعبة أفكر فيها بعد الاستيقاظ صباحاً؛ لأن الذهن يكون متفتحاً عندئذ، وخاصة عندما يفكر الإنسان وهو مستلق على ظهره قبل الاشتغال بأي علم أو بأي شيء آخر.(115/1885)
ثم إنني أدون الأفكار القيمة المهمة المتعلقة في أي بحث من البحوث التي تدور في ذهني وعازم على كتابتها إن عاجلاً أو آجلاً، وأشير إلى تلك الأفكار في أماكنها، وأعمل لها فهرساً في الغلاف الداخلي للكتاب ليسهل الرجوع إليها عند البحث وعند اللزوم.
ومن الناحية العملية فإنني وضعت مبدأ لنفسي بأنه يجب أن أطبق كل فكرة إذا اقتنعت بها في حياتي الخاصة.
وهذا العزم يجعل المعلومات تستقر في ذهني، ثم عندما أطبقها ترسخ في ذهني بصورة لا أظن أنها تنسى بعد ذلك.
برنامجي اليومي:
ابتداءً من الفجر أو قبل طلوع الشمس أفتتحه بصلاة الفجر، وبعد صلاة الفجر إلى وقت الإفطار وقت التفكير وتحليل للأفكار التي سأكتبها اليوم، وبعد الإفطار أقوم بالواجب اليومي، وأحاول كتابة جزء مما أكتبه في ذاك اليوم إلى صلاة الظهر، وبعد الصلاة أشتغل بالأعمال الثانوية كالقراءة أو قضاء الأعمال الخارجية، وما إلى ذلك، وذلك إلى وقت الغداء، وبعد الغداء أحاول بقدر الإمكان أن آخذ وقت الراحة بقليل من النوم، أو الاستلقاء إلى صلاة العصر، وبعد ذلك أبدأ بالكتابة والقراءة إلى العشاء، وبعد صلاة العشاء أتناول عشاءً خفيفاً، وبعد ذلك بقليل من الراحة أواصل الأعمال الخاصة بالكتابة والاستعداد لأعمال الغد، إلى الثانية عشرة ليلاً، وبعدها أنام إلى صلاة الصبح، هذا هو غالب الأعمال اليومية، وهناك حالات استثنائية حسب مقتضيات الظروف ومقتضيات الواجبات الوظيفية.
وهذا التنظيم قائم على أساس علمي؛ لأن العلم ينصح بأن تكون المدة ما بين الوجبتين ست ساعات، وكما ينصح بعدم العمل بعد الأكل مباشرة؛ لأن الإنسان يرهق عندئذ بسرعة؛لأن النشاط الفسيولوجي يتركز عندئذ على المعدة لهضم الغذاء، فإذا حاول الإنسان أن يعمل عقله أيضاً، فيتوزع النشاط إلى هنا وهناك ومن ثم لا يكون التركيز الذهني كما ينبغي أولاً ثم يرهق بسرعة ثانية، كما ينصح الطب أن يتناول الإنسان الأغذية القليلة في الحجم والغنية بالفيتامينات؛ لأن ملء المعدة بالأطعمة الثقيلة تعيق عمل المخ، كما ينبغي أن يتعشى الإنسان عشاء خفيفاً؛ لأنه إذا أكثر من الأطعمة عندئذ لا يستطيع النوم براحة، ثم إن عمل المعدة حالة النوم إرهاق له، وقد يكون ذلك سبباً لعسر الهضم.
هذا إلى أن العلماء ينصحون دائماً بتنظيم الإنسان أوقاته، أوقات العمل والراحة والوجبات على الأسس العلمية، وأن يستمر على ذلك التنظيم دائماً؛ لأن اختلال النظام يؤثر على عمل الإنسان وعلى صحته معاً.
_____________
(*) من كتاب (الطريق إلى العبقرية).
ـــــــــــــــــــ
أساليب التربية 1/2
22/11/1424
ارسل تعليقك ...(115/1886)
لا توجد تعليقات ...
ارسل الصفحة ...
الى مشرف النافذة ...
طباعة ...
للتربية أساليب متعددة، منها:
أولاً: التربية بالملاحظة:
تعد هذه التربية أساساً جسَّده النبي _صلى الله عليه وسلم_ في ملاحظته لأفراد المجتمع تلك الملاحظة التي يعقبها التوجيه الرشيد، والمقصود بالتربية بالملاحظة ملاحقة الولد وملازمته في التكوين العقيدي والأخلاقي، ومراقبته وملاحظته في الإعداد النفسي والاجتماعي، والسؤال المستمر عن وضعه وحاله في تربيته الجسمية وتحصيله العلمي، وهذا يعني أن الملاحظة لا بد أن تكون شاملة لجميع جوانب الشخصية.
ويجب الحذر من أن تتحول الملاحظة إلى تجسس، فمن الخطأ أن نفتش غرفة الولد المميز ونحاسبه على هفوة نجدها؛ لأنه لن يثق بعد ذلك بالمربي، وسيشعر أنه شخص غير موثوق به، وقد يلجأ إلى إخفاء كثير من الأشياء عند أصدقائه أو معارفه، ولم يكن هذا هدي النبي _صلى الله عليه وسلم_ في تربيته لأبنائه وأصحابه.
كما ينبغي الحذر من التضييق على الولد ومرافقته في كل مكان وزمان؛ لأن الطفل وبخاصة المميز والمراهق يحب أن تثق به وتعتمد عليه، ويحب أن يكون رقيباً على نفسه، ومسؤولاً عن تصرفاته، بعيداً عن رقابة المربي، فتتاح له تلك الفرصة باعتدال.
المقصود بالتربية بالملاحظة ملاحقة الولد وملازمته في التكوين العقيدي والأخلاقي، ومراقبته وملاحظته في الإعداد النفسي والاجتماعي، والسؤال المستمر عن وضعه وحاله في تربيته الجسمية وتحصيله العلمي
وعند التربية بالملاحظة يجد المربي الأخطاء والتقصير، وعندها لا بد من المداراة التي تحقق المطلوب دون إثارة أو إساءة إلى الطفل، والمداراة هي الرفق في التعليم وفي الأمر والنهي، بل إن التجاهل أحياناً يعد الأسلوب الأمثل في مواجهة تصرفات الطفل التي يستفز بها المربي، وبخاصة عندما يكون عمر الطفل بين السنة والنصف والسنة الثالثة، حيث يميل الطفل إلى جذب الانتباه واستفزاز الوالدين والإخوة، فلا بد عندها من التجاهل؛ لأن إثارة الضجة قد تؤدي إلى تشبثه بذلك الخطأ، كما أنه لا بد من التسامح أحياناً؛ لأن المحاسبة الشديدة لها أضرارها التربوية والنفسية.
ثانياً: التربية بالعادة:
المبحث الأول: أصول التربية بالعادة:
الأصل في التربية بالعادة حديث النبي _صلى الله عليه وسلم_ في شأن الصلاة؛ لأن التكرار الذي يدوم ثلاث سنوات كفيل بغرس العبادة حتى تصبح عادة راسخة في النفس، وكذلك إرشاد ابن مسعود – رضي الله عنه – حيث قال: "وعودوهم الخير، فإن الخير عادة"، وبهذا تكون التربية بالعادة ليست خاصة بالشعائر التعبدية وحدها، بل تشمل الآداب وأنماط السلوك.(115/1887)
المبحث الثاني: كيفية التربية بالعادة:
يبدأ تكوين العادات في سن مبكرة جداً، فالطفل في شهره السادس يبتهج بتكرار الأعمال التي تسعد من حوله، وهذا التكرار يكون العادة، ويظل هذا التكوين حتى السابعة، وعلى الأم أن تبتعد عن الدلال منذ ولادة الطفل، ففي اليوم الأول يحس الطفل بأنه محمول فيسكت، فإذا حمل دائماً صارت عادته، وكذلك إذا كانت الأم تسارع إلى حمله كلما بكى، ولتحذر الأم كذلك من إيقاظ الرضيع ليرضع؛ لأنها بذلك تنغص عليه نومه وتعوده على طلب الطعام في الليل والاستيقاظ له وإن لم يكن الجوع شديداً، وقد تستمر هذه العادة حتى سن متأخرة، فيصعب عليه تركها، ويخطئ بعض المربين إذ تعجبهم بعض الكلمات المحرمة على لسان الطفل فيضحكون منها، وقد تكون كلمة نابية، وقد يفرحون بسلوك غير حميد لكونه يحصل من الطفل الصغير، وهذا الإعجاب يكون العادة من حيث لا يشعرون.
وترجع أهمية التربية بالعادة إلى أن حسن الخلق بمعناه الواسع يتحقق من وجهين، الأول: الطبع والفطرة، والثاني: التعود والمجاهدة، ولما كان الإنسان مجبولاً على الدين والخلق الفاضل كان تعويده عليه يرسخه ويزيده.
ولكي نعوِّد الطفل على العبادات والعادات الحسنة يجب أن نبذل الجهود المختلفة ليتم تكرار الأعمال والمواظبة عليها بالترغيب والترهيب والقدوة والمتابعة وغيرها من الوسائل التربوية.
ولكي نعوِّد الطفل على العبادات والعادات الحسنة يجب أن نبذل الجهود المختلفة ليتم تكرار الأعمال والمواظبة عليها بالترغيب والترهيب والقدوة والمتابعة وغيرها من الوسائل التربوية.
ثالثاً: التربية بالإشارة:
تستخدم التربية بالإشارة في بعض المواقف كأن يخطئ الطفل خطأ أمام بعض الضيوف أو في مَجْمَع كبير، أو أن يكون أول مرة يصدر منه ذلك، فعندها تصبح نظرة الغضب كافية أو الإشارة خفية باليد؛ لأن إيقاع العقوبة قد يجعل الطفل معانداً؛ لأن الناس ينظرون إليه، ولأن بعض الأطفال يخجل من الناس فتكفيه الإشارة، ويستخدم كذلك مع الطفل الأديب المرهف الحس.
ويدخل ضمنه التعريض بالكلام، فيقال: إن طفلاً صنع كذا وكذا وعمله عمل ذميم، ولو كرر ذلك لعاقبته، وهذا الأسلوب يحفظ كرامة الطفل ويؤدب بقية أهل البيت ممن يفعل الفعل نفسه دون علم المربي.
رابعاً: التربية بالموعظة وهدي السلف فيها:
تعتمد الموعظة على جانبين، الأول: بيان الحق وتعرية المنكر، والثاني: إثارة الوجدان، فيتأثر الطفل بتصحيح الخطأ وبيان الحق وتقل أخطاؤه، وأما إثارة الوجدان فتعمل عملها؛ لأن النفس فيها استعداد للتأثر بما يُلقى إليها، والموعظة تدفع الطفل إلى العمل المرغب فيه.
ومن أنواع الموعظة:
1- الموعظة بالقصة، وكلما كان القاص ذا أسلوب متميز جذاب استطاع شد انتباه الطفل والتأثير فيه، وهو أكثر الأساليب نجاحاً.(115/1888)
2- الموعظة بالحوار تشد الانتباه وتدفع الملل إذا كان العرض حيوياً، وتتيح للمربي أن يعرف الشبهات التي تقع في نفس الطفل فيعالجها بالحكمة.
3- الموعظة بضرب المثل الذي يقرب المعنى ويعين على الفهم.
4- الموعظة بالحدث، فكلما حدث شيء معين وجب على المربي أن يستغله تربوياً، كالتعليق على مشاهد الدمار الناتج عن الحروب والمجاعات ليذكر الطفل بنعم الله، ويؤثر هذا في النفس؛ لأنه في لحظة انفعال ورِقّة فيكون لهذا التوجيه أثره البعيد.
وهدي السلف في الموعظة: الإخلاص والمتابعة، فإن لم يكن المربي عاملاً بموعظته أو غير مخلص فيها فلن تفتح له القلوب، ومن هديهم مخاطبة الطفل على قدر عقله والتلطف في مخاطبته ليكون أدعى للقبول والرسوخ في نفسه، كما أنه يحسن اختيار الوقت المناسب فيراعي حالة الطفل النفسية ووقت انشراح صدره وانفراده عن الناس، وله أن يستغل وقت مرض الطفل؛ لأنه في تلك الحال يجمع بين رقة القلب وصفاء الفطرة، وأما وعظه وقت لعبه أو أمام الأباعد فلا يحقق الفائدة.
ويجب أن يَحْذَر المربي من كثرة الوعظ فيتخوَّل بالموعظة ويراعي الطفل حتى لا يملّ، ولأن تأثير الموعظة مؤقت فيحسن تكرارها مع تباعد الأوقات.
للتربية أساليب متعددة، منها:
1- التربية بالملاحظة.
2- التربية بالعادة.
3- التربية بالإشارة.
4- التربية بالموعظة وهدي السلف فيها.
وقد تم التفصيل فيها في الحلقة السابقة، وهذه بقية الأساليب:
خامساً: التربية بالترغيب والترهيب وضوابطها:
الترهيب والترغيب من العوامل الأساسية لتنمية السلوك وتهذيب الأخلاق وتعزيز القيم الاجتماعية.
المبحث الأول: الترغيب:
ويمثل دوراً مهماً وضرورياً في المرحلة الأولى من حياة الطفل؛ لأن الأعمال التي يقوم بها لأول مرة شاقة تحتاج إلى حافز يدفعه إلى القيام بها حتى تصبح سهلة، كما أن الترغيب يعلمه عادات وسلوكيات تستمر معه ويصعب عليه تركها.
والترغيب نوعان: معنوي ومادي، ولكلٍّ درجاته فابتسامة الرضا والقبول، والتقبيل والضم، والثناء، وكافة الأعمال التي تُبهج الطفل هي ترغيبٌ في العمل.
ويرى بعض التربويين أن تقديم الإثابة المعنوية على المادية أولى؛ حتى نرتقي بالطفل عن حب المادة، وبعضهم يرى أن تكون الإثابة من جنس العمل، فإن كان العمل مادياً نكافئه مادياً والعكس.
الترهيب والترغيب من العوامل الأساسية لتنمية السلوك وتهذيب الأخلاق وتعزيز القيم الاجتماعية
وهناك ضوابط خاصة تكفل للمربي نجاحه، ومنها:
• أن يكون الترغيب خطوة أولى يتدرج الطفل بعدها إلى الترغيب فيما عند الله من ثواب دنيوي وأخروي، فمثلاً يرغب الطفل في حسن الخلق بالمكافأة ثم يقال له:(115/1889)
أحسن خلقك لأجل أن يحبك والدك وأمك، ثم يقال ليحبك الله ويرضى عنك، وهذا التدرج يناسب عقلية الطفل.
• ألا تتحول المكافأة إلى شرط للعمل، ويتحقق ذلك بألا يثاب الطفل على عمل واجب كأكله وطعامه أو ترتيبه غرفته، بل تقتصر المكافأة على السلوك الجديد الصحيح، وأن تكون المكافأة دون وعد مسبق؛ لأن الوعد المسبق إذا كثر أصبح شرطاً للقيام بالعمل.
• أن تكون بعد العمل مباشرة، في مرحلة الطفولة المبكرة، وإنجاز الوعد حتى لا يتعلم الكذب وإخلاف الوعد، وفي المرحلة المتأخرة يحسن أن نؤخر المكافأة بعد وعده ليتعلم العمل للآخرة، ولأنه ينسى تعب العمل فيفرح بالمكافأة.
المبحث الثاني: الترهيب:
أثبتت الدراسات الحديثة حاجة المربي إلى الترهيب، وأن الطفل الذي يتسامح معه والداه يستمر في إزعاجهما، والعقاب يصحح السلوك والأخلاق، والترهيب له درجات تبدأ بتقطيب الوجه ونظرة الغضب والعتاب وتمتد إلى المقاطعة والهجر والحبس والحرمان من الجماعة أو الحرمان المادي والضرب وهو آخر درجاتها.
ويجدر بالمربي أن يتجنب ضرب الطفل قدر الإمكان، وإن كان لا بد منه ففي السن التي يميز فيها ويعرف مغزى العقاب وسببه.
وللترهيب ضوابط، منها:
• أن الخطأ إذا حدث أول مرة فلا يعاقب الطفل، بل يعلم ويوجه.
• يجب إيقاع العقوبة بعد الخطأ مباشرة مع بيان سببها وإفهام الطفل خطأ سلوكه؛ لأنه ربما ينسى ما فعل إذا تأخرت العقوبة.
• إذا كان خطأ الطفل ظاهراً أمام إخوانه وأهل البيت فتكون معاقبته أمامهم؛ لأن ذلك سيحقق وظيفة تربوية للأسرة كلها.
• إذا كانت العقوبة هي الضرب فينبغي أن يسبقها التحذير والوعيد، وأن يتجنب الضرب على الرأس أو الصدر أو الوجه أو البطن، وأن تكون العصا غير غليظة، ومعتدلة الرطوبة، وأن يكون الضرب من واحدة إلى ثلاث إذا كان دون البلوغ، ويفرقها فلا تكون في محل واحد، وإن ذكر الطفل ربه واستغاث به فيجب إيقاف الضرب؛ لأنه بذلك يغرس في نفس الطفل تعظيم الله.
• ويجب أن يتولى المربي الضرب بنفسه حتى لا يحقد بعضهم على بعض.
• ألا يعاقبه حال الغضب؛ لأنه قد يزيد في العقاب.
• أن يترك معاقبته إذا أصابه ألم بسبب الخطأ ويكفي بيان ذلك.
المبحث الثالث: ضوابط التربية بالترغيب والترهيب:
وهذه الضوابط _بإذن الله_ تحمي الطفل من الأمراض النفسية، والانحرافات الأخلاقية، والاختلالات الاجتماعية، وأهم هذه الضوابط:
1- الاعتدال في الترغيب والترهيب:
لعل أكثر ما تعانيه الأجيال كثرة الترهيب والتركيز على العقاب البدني، وهذا يجعل الطفل قاسياً في حياته فيما بعد أو ذليلاً ينقاد لكل أحد، ولذا ينبغي أن يتدرج في العقوبة؛ لأن أمد التربية طويل وسلم العقاب قد ينتهي بسرعة إذا بدأ المربي بآخره(115/1890)
وهو الضرب، وينبغي للمربي أن يتيح للشفعاء فرصة الشفاعة والتوسط للعفو عن الطفل، ويسمح له بالتوبة ويقبل منه، كما أن الإكثار من الترهيب قد يكون سبباً في تهوين الأخطاء والاعتياد على الضرب، ولذا ينبغي الحذر من تكرار عقاب واحد بشكل مستمر، وكذلك إذا كان أقل من اللازم،
وعلى المربي ألا يكثر من التهديد دون العقاب؛ لأن ذلك سيؤدي إلى استهتاره بالتهديد، فإذا أحس المربي بذلك فعليه أن ينفذ العقوبة ولو مرة واحدة ليكون مهيباً.
والخروج عن الاعتدال في الإثابة يعوِّد على الطمع ويؤدي إلى عدم قناعة الطفل إلا بمقدار أكثر من السابق.
كما يجب على المربي أن يبتعد عن السب والشتم والتوبيخ أثناء معاقبته للطفل؛ لأن ذلك يفسده ويشعره بالذلة والمهانة، وقد يولد الكراهية، كما أن على المربي أن يبين للطفل أن العقاب لمصلحته لا حقداً عليه.
وليحذر المربي من أن يترتب على الترهيب والترغيب الخوف من المخلوقين خوفاً يطغى على الخوف من الخالق _سبحانه_، فيخوّف الطفل من الله قبل كل شيء، ومن عقابه في الدنيا والآخرة، وليحذر أن يغرس في نفسه مراعاة نظر الخلق والخوف منهم دون مراقبة الخالق والخوف من غضبه، وليحذر كذلك من تخويف الطفل بالشرطي أو الطبيب أو الظلام أو غيرها؛ لأنه يحتاج إلى هؤلاء، ولأن خوفه منهم يجعله جباناً.
وبعض المربين يكثر من تخويف الطفل بأن الله سيعذبه ويدخله النار، ولا يذكر أن الله يرزق ويشفي ويدخل الجنة فيكون التخويف أكثر مما يجعل الطفل لا يبالي بذكره النار؛ لكثرة ترديد الأهل "ستدخل النار" أو "سيعذبك الله؛ لأنك فعلت كذا"، ولذا يحسن أن نوازن بين ذكر الجنة والنار، ولا نحكم على أحد بجنة أو نار، بل نقول: إن الذي لا يصلي لا يدخل الجنة ويعذب بالنار.
2- مراعاة الفروق الفردية:
تتجلى حكمة المربي في اختياره للأسلوب التربوي المناسب من أوجه عدة، منها:
• أن يتناسب الترهيب والترغيب مع عمر الطفل، ففي السنة الأولى والثانية يكون تقطيب الوجه كافياً عادة أو حرمانه من شيء يحبه، وفي السنة الثالثة حرمانه من ألعابه التي يحبها أو من الخروج إلى الملعب.
• أن يتناسب مع الخطأ، فإذا أفسد لعبته أو أهملها يُحرم منها، وإذا عبث في المنزل عبثاً يصلُح بالترتيب كُلِّف بذلك، ويختلف عن العبث الذي لا مجال لإصلاحه.
• أن يتناسب مع شخصية الطفل، فمن الأطفال من يكون حساساً ليناً ذا حياء يكفيه العتاب، ومنهم من يكون عنيداً فلا ينفع معه إلا العقاب، ومنهم من حرمانه من لعبه أشد من ضربه، ومنهم من حرمانه من أصدقائه أشد من حرمانه من النقود أو الحلوى.
• أن يتناسب مع المواقف، فأحياناً يكون الطفل مستخفياً بالخطأ فيكون التجاهل والعلاج غير المباشر هو الحل الأمثل، وإن عاد إليه عوقب سراً؛ لأنه إن هتك ستره نزع عنه الحياء فأعلن ما كان يسر.(115/1891)
وقد يخطئ الطفل أمام أقاربه أو الغرباء، فينبغي أن يكون العقاب بعد انفراد الطفل عنهم؛ لأن عقابه أمامهم يكسر نفسه فيحس بالنقص، وقد يعاند ويزول حياؤه من الناس.
• المراوحة بين أنواع الثواب والعقاب؛ لأن التكرار يفقد الوسيلة أثرها.
• مراعاة الفروق الفردية في التربية فالولد البالغ أو المراهق يكون عقابه على انفراد؛ لأنه أصبح كبيراً، ويجب أن يحترمه إخوانه الصغار، ويعاتَب أمامهم عتاباً إذا كان الخطأ معلناً؛ لأن تأنيبه والقسوة عليه في الكلام يحدثان خللاً في العلاقة بين المراهق والمربي، ويكون ذلك أوجب في حق الولد البكر من الذكور؛ لأنه قدوة، وهو رجل البيت إذا غاب والده أو مرض أو مات.
• ومن الفروق الفردية جنس الطفل فالبنت يكفيها من العقاب ما لا يكفي الذكر عادة؛ لأن جسدها ضعيف وهي تخاف أكثر وتنقاد بسهولة.
__________
(*) من كتابها (كيف تربي ولدك؟) بتصرف يسير.
ـــــــــــــــــــ
بناء الشخصية الاجتماعية
15/11/1424
ارسل تعليقك ...
لا توجد تعليقات ...
ارسل الصفحة ...
الى مشرف النافذة ...
طباعة ...
يعتمد بناء الشخصية الاجتماعية للطفل على شقَّين؛ الأول: إشباع حاجاته النفسية. والثاني: إعداده لممارسة حياته المستقبلية.
1- إشباع الحاجات النفسية والاجتماعية:
إن هذه الحاجات قد يعيش الإنسان بدونها، ولكن لن يكون شخصاً سوياً أبداً إذا فقدها أو فقد بعضها، وسنعرضها باختصار:
أ- حاجته إلى الاحترام والتقدير والاستقلال:
وإشباع هذه الحاجة يعني قبوله اجتماعياً وزرع الثقة به واكتساب ثقته، وقد حفلَتْ السنة بمظاهر احترام الطفل: كسلام النبي _صلى الله عليه وسلم_ على الصبيان، ومناداتهم بكُنىً جميلة، واحترام حقوقهم في المجالس، فقد استأذن النبي _صلى الله عليه وسلم_ الغلام أن يعطي الأشياخ قبله، وكان هو الجالس عن يمين الرسول _صلى الله عليه وسلم_.
والاحترام لا بد أن يكون نابعاً من قلب الوالدين وليس مجرد مظاهر جوفاء، فالطفل وإن كان صغيراً فإنه يفهم النظرات الجارحة والمحتقرة ويفرق بين ابتسامة الرضا والاستهزاء، وإضافة إلى السلام عليه ومناداته بأحب الأسماء واحترام حقوقه، إجابة أسئلته وسماع حديثه وشكره إذا أحسن والدعاء له والثناء عليه وإعطائه فرصة للدفاع عن نفسه وإبداء رأيه وسماع مشورته.(115/1892)
يعتمد بناء الشخصية الاجتماعية للطفل على شقَّين الأول: إشباع حاجاته النفسية. والثاني: إعداده لممارسة حياته المستقبلية.
وأما في مرحلة الطفولة المتأخرة، فيجب أن يتفاعل المربي مع ولده تفاعلاً عاطفياً وعملياً، إذ يصادقه ويرافقه في السفر ويشاركه في اللعب المباح والعمل والقراءة، ويسمع شكواه، وإذا اختلف المربي معه في الرأي، فبينهما الحوار الهادئ واحترام كل للآخر إلا أن للوالدين حق الطاعة والبر.
كما على المربي أن يتقبل فكرة وقوع ولده في الخطأ، وأن يتذكر أن الخطأ ربما كان طريقاً للنجاح واستدراك الفائت، فلا يشنِّع عليه، ويتيح له فرصة الرجوع والتوبة؛ ليستعيد توازنه النفسي، وقد أشارت الدراسات إلى أن الأسوياء كان آباؤهم يتلفتون إلى محاسنهم ويمدحونهم على أعمالهم الحسنة أكثر من نقد الأخطاء، ويشاركونهم في اللعب والعمل كالأصدقاء.
وإذا فقدت هذه الصداقة وجدت الطفل في مراهقته يتعلق بزميل أو معلم أو قريب، وقد يكتسب خبرات سيئة كان الأولى أن يكتسبها من والده لو أن الصداقة عقدت بينهما.
كما أن احتقار الطفل يشعره بالغربة بين أسرته والرغبة في العزلة، ومن جهة أخرى يقوّي صلته برفاقه الذين يعجبون به، وقد يكون هؤلاء رفقة سيئة فينساق معهم وينحرف، والواقع يشهد بمئات الأمثلة.
وقد تختلف شخصية الطفل وتفكيره عن والده، فعندها يجب أن تظل بينهما أواصر الصداقة والمحبة، إذ ليس شرطاً أن يكون الولد صورةً عن أبيه، ولكن المهم المحافظة على حالته النفسية.
وأما الاستقلال فيبدأ عند الطفل في سن مبكرة، إذ يحاول الاعتماد على نفسه في تناول الطعام وارتداء الثياب، وعلى الأم أن تساعده على الاستقلال والاعتماد على النفس، وسيكون أمراً صعباً يحتاج إلى صبر، وينبغي ألا تقدم له المساعدة إلا إذا كان العمل عسيراً لا يستطيعه، ويستمر في ذلك في كل حاجاته وأعماله، مما يدعم ثقته بنفسه ويسهل تكيفه مع المجتمع.
ب- حاجته إلى الحب والحنان:
وهي من أهم الحاجات النفسية، ولذا حَفِلَت السنة بكثير من مظاهر هذا الحب، وتختلف وسائل إشباع هذه الحاجة من مرحلة لمرحلة، ففي مرحلة الطفولة المبكرة يَلَذُّ للمربي ملاعبة الطفل وترقيصه ومداعبته بأرقّ العبارات وتقبيله وضمه، وبعد أن يبلغ خمس سنوات يحب الطفل أن يجلس قريباً من الوالدين أو يضع رأسه على فخذ أحدهما أو يقبلهما أو غير ذلك، بل إنه تشتد حاجته عند رجوعه من المدرسة أو من مكان لم يصحب فيه والديه أو عند وجود مشكلة خارج البيت أو داخله.
وفي مرحلة المراهقة يظل محتاجاً إلى الحنان والحب من والديه، وذلك أنه قد يخجل من إظهار هذه العاطفة، وبخاصة إذا كان والداه ينتقدان حاجته للحب أو ينكران أن يقبّلهما أو يسند رأسه إليهما أو يحسان بالانزعاج والتضايق عندما يعبِّر عن حبه لهما.(115/1893)
وعدم إشباع هذه الحاجة يؤدي إلى انعدام الأمن وعدم الثقة بالنفس، فيصعب على الطفل التكيف مع الآخرين ويصاب بالقلق والانطواء والتوتر، بل يعدّ الحرمان من الحب أهم أسباب الإصابة بمرض الاكتئاب في المستقبل.
ومن الناحية الاجتماعية تحدث فجوة بين المربي والطفل عندما لا تشبَع حاجته إلى الحنان فيحس الطفل بالانقباض تجاه والديه ويستقل بمشكلاته، أو يفضي بها للآخرين دون والديه، ويصبح عنده جوعة عاطفية، تجعله مستعداً للتعلق بالآخرين، والتعلق يتخذ صوراً عدة كالإعجاب والحب المفرط المؤدي إلى العشق المحرم والشذوذ الجنسي.
وفي مقابل ذلك فإن الإفراط في الحب وفي التعبير عنه، يمنع المربي من الحزم في تربية الطفل ويعرض الطفل للأمراض النفسية، فقد يكون التدليل وتلبية الرغبات وتوفير أكثر الحاجات الضرورية والكمالية سبباً في إفساد الطفل؛ لأنه يتعود على الترف، ويعجز في مستقبله عن مواجهة الواقع، ولن يستطيع تحمل المسؤوليات؛ لأن حب الوالدين له زاد عن حده وجعلهما يمنعانه من الاستقلال وتحمل المسؤولية والقيام بالأعمال.
ج- حاجته إلى اللعب:
يحقق اللعب للطفل فوائد نفسية وبدنية وتربوية واجتماعية، ومنها:
1- استنفاد الجهد الفائض، والتنفيس عن التوتر الذي يتعرض له الطفل فيضرب اللعبة متخيلاً أنه يضرب شخصاً أساء إليه أو شخصاً وهميّاً عرفه في خياله، وفيما يُحكى له من الحكايات.
2- تعلم الخطأ والصواب وبعض الأخلاق كالصدق والعدل والأمانة وضبط النفس عن طريق اللعب الجماعي، وبناء العلاقات الاجتماعية، إذ يتعلم التعاون والأخذ والعطاء واحترام حقوق الآخرين، كما يتعلم دوره المستقبلي، إذ تمثل الفتاة دور الأم ويمثل الصبي دور الأب، وقد يمثلان مهنة من المهن..
3- يدل اللعب بكثرة على تَوَقُّد الذكاء والفطنة، ويساعد على نمو العضلات وتجديد النشاط، وتنمية المهارات المختلفة.
ضوابط اللعب:
للعب ضوابط، منها:
أ- ضوابط شرعية:
فقد تكون اللعبة محرمة في حد ذاتها، كالنرد والقمار واللعب بالحمام، ويدخل تحت ذلك اليانصيب والرِّهان غير المشروع، وقد تكون اللعبة حراماً؛ لأنها تشغل عن الواجبات الشرعية، أو لأنها تؤذي الجسم وتعرضه للهلاك، أو أنه يقترن بها محرم ككشف عورة أو لعن أو شتم أو معاداة لمسلم أو موالاة لكافر، أو صورة ذات روح أو صليب أو غير ذلك من المحرمات.
والقاعدة في ذلك: أن كل لعبة مباحة، إلا لعبة حرّمها الشارع، أو اقترن بها محرم أو أدت إلى فوات واجب أو ارتكاب محرم.
ب- ضوابط صحية:(115/1894)
منها ما ورد في النهي عن اللعب بعد المغرب إلى العشاء؛ لأن تلك الساعة تنتشر فيها الشياطين، فهذا الخطر معلوم شرعاً، وهناك أخطار معلومة بالعقل والتجربة كاللعب بالأدوات الحادة أو في الأماكن الخطرة.
ج- ضوابط تربوية، منها:
• تَنَاسُب اللعبة مع عمر الطفل، ففي السنة الأولى يميل الطفل إلى الألعاب البسيطة كالمكعبات وكرة البلاستيك، ثم يتطور فيصبح بإمكانه اللعب بالتركيبات وأدوات الحَفْر، والبنت تميل إلى اللعب بالدُّمى وأدوات المطبخ، ويمكن تعليمه مسك القلم ومشاهدة الكتب المصورة، وتعد الألعاب الصامتة من أهم الألعاب؛ لأنها تحتاج إلى تخيل وتمرين، وتتيح للطفل فرصة الابتكار، وتستحوذ على اهتمامه مدة أطول من الألعاب المتحركة.
• تعويد الطفل على اللعب بمفرده إذا كان وحيداً، وعلى الأم ألا تشارك ولدها اللعب إلا كتمهيد ثم تنسحب تدريجياً، ليتعلم كيف يلعب وحده ويعتمد على نفسه.
• اللعب مع الحيوانات الأليفة، مع ضرورة الانتباه إلى الرعاية الصحية، وهي تكفل للطفل متعة وفائدة لا تحد.
• إخفاء بعض الألعاب حتى يشتاق إليها ثم إعادتها إليه.
• عدم الإغراق في شراء ألعاب الحرب؛ لأنها تزيد العدوان عند الطفل.
• تهيئة مكان للعب الطفل، ويحسن أن يكون واسعاً مفتوحاً، وهذا يكفل سلامة الطفل وترتيب البيت وسلامة الألعاب.
2- إعداده لممارسة حياته المستقبلية:
ولن يكون هذا الإعداد إلا بزرع الثقة في نفس الطفل وتعويده الاعتماد على النفس وتقوية إرادته وعزيمته وتنمية مواهبه، وهناك وسائل تساعد على ذلك، منها:
• احترام الطفل: وهذا الاحترام يحمل على إكرام الطفل وعدم السخرية منه ولو أخفق في عمل ما، بل إن احترامه يقتضي الثناء عليه عند نجاحه، واستشارته في بعض الأمور، واستحسان رأيه الصائب، وإرشاده برفق إلى خطأ رأيه، وإذا كان أحد الوالدين أو بعض الأقارب يستهزئ بالطفل أو يواجهه بالنقد الجارح كانتقاد الشكل أو العقل، فعلى الأطراف الأخرى أن تدعم الطفل وتنمي ثقته بنفسه وتمدحه وتمنع الأطراف الأخرى من الانتقاص من الطفل؛ لأن ذلك يضعف ثقته بنفسه في المستقبل، ويهز شخصيته، ويجعله مستعداً للتخلي عن أفكاره بسرعة إذا انتقده الآخرون ولو كانت تلك الأفكار صائبة؛ لأنه لم يتعود على الثقة بالنفس واحترامها منذ الطفولة.
• تكليفه ببعض الأعمال: وأول خطوة في ذلك: استغلال رغبته في الاستقلال وتأكيد الذات، فقد أثبتت الدراسات الحديثة أن الطفل يسعى إلى الاستقلال في سن مبكرة، فيحاول الأكل وحده وغسل يديه وتمشيط شعره وارتداء ملابسه، ويحب مساعدة الآخرين، وعلى الأم خاصة أن تُرضي هذه الحاجة فتعطي أطفالها حريتهم في الاستقلال، وتساعدهم دون سخرية ولا تدللهم بدافع المحبة الزائدة.(115/1895)
• وتأتي الخطوة الثانية في تعويد الطفل على ترتيب غرفته وقضاء حوائجه الخاصة، وإذا كان في البيت خدم، فينبغي أن يعلم أن الخدم للبيت عامة، وعلى كل فرد القيام بعمله وحوائجه.
• الخطوة الثالثة: تتمثل في أشياء كثيرة، منها: استئمانه على الودائع وتكليفه بالبيع والشراء، وأعمال أخرى بحسب قدرة الطفل وقوته.
• اختلاطه بالناس؛ لأن الحياة مدرسة لن يتعلم الطفل إلا من ممارستها، فيعوَّد الطفل على حضور المجالس ومصاحبة والده في زياراته وحضور الولائم والأعراس بشروطه وضوابطه؛ لأن هناك جوانب لن تتضح إلا إذا خرج الطفل من البيت والتقى بالغرباء، وقد يأتي بعادات سيئة أو كلمات بذيئة ليس لها علاج إلا التصحيح السريع، وأما منعه من ذلك فخطأ جسيم يمنعه من تعلم أشياء كثيرة، ومن ثم يصعب عليه التكيُّف مع الآخرين.
• ويجب أن يعلِّم المربي ولده آداب المجالس والحديث ويتركه يعتمد على نفسه فلا يلقنه الإجابة إذا سُئِل، ويحذره من الثرثرة، ويطلب منه المشاركة في الحديث.
• تقوية إرادته عن طريق تعويده الصبر وإبعاده عن الترف، ويتعلم الطفل الصبر وضبط السلوك في الشهور الأولى من حياته إذا تَرَيَّثَت الأم قليلاً في إجابة ندائه وتحقيق طلباته من طعام أو شراب أو غير ذلك، وهذا التريُّث قليل لا يصل إلى حد الإضرار به، وكذلك: عدم إجابة طلباته وحرمانه من بعض الكماليات حتى لا يفسد بالترف.
• تعويده الخضوع للسُّلطة المُرشِدة التي تضبط سلوكه وتحد من رغباته المتهورة، وعلى يدها يتعلم السلوك الصحيح، ويتوافق مع المجتمع الذي يعيش فيه بخضوعه للقيم الاجتماعية المتعارف عليها، ويستحسن أن يُقنِع المربي ولده بالعادات الاجتماعية، وأما التكاليف الشرعية فليس ضرورياً أن يقتنع بها، بل ينبغي أن يعلم حرمتها ويحترم كونها أمراً شرعياً.
• ينبغي أن يختلف إعداد الفتى عن الفتاة، فلا بد من منع الطفلة من مجالس الرجال إذا بلغت الرابعة أو الخامسة، ومن الخروج إلى الشارع، وتُعَلَّم الأدب والحشمة والحياء، وتُلزَم بالحجاب، وتُعلَّم أعمال المنزل وكل ما يساعدها لتكون زوجة ناجحة وأماً مثالية، ومن الواجب أن تكون الأم صديقةً لبنتها فتشركها معها في أعمال المنزل والتزيُّن والمكوث في البيت وتشابه اللباس، والأب يصادق ولده ويخرج معه إلى قضاء الحوائج والصلاة ويلبس مثله، ولكن ليحذر من أخذه معه في رحلات أصدقائه؛ لأنه قد يتعلق بأحدهم، وبخاصة إذا كان مراهقاً ويحدُث الانحراف من حيث لم يحذر الوالد.
___________
(*) من كتابها (كيف تربي ولدك).
ـــــــــــــــــــ
صفات المربي الناجح
ليلى الجريبة
8/11/1424(115/1896)
ارسل تعليقك ...
تعليقات سابقة ...
ارسل الصفحة ...
الى مشرف النافذة ...
طباعة ...
للمربي الناجح صفات كلما ازداد منها زاد نجاحه في تربية ولده بعد توفيق الله، وقد يكون المربي أباً أو أماً أو أخاً أو أختاً أو عماً أو جداً أو خالاً، أو غير ذلك، وهذا لا يعني أن التربية تقع على عاتق شخص واحدٍ، بل كل من يعايش الطفل يسهم في تربيته وإن لم يقصد.
وصفات المربي كثيرة، أهمها: العلم، والأمانة، والقوة، والعدل، والحرص، والحزم، والصلاح، والصدق، والحكمة.
1- العلم:
عُدَّة المربي في عملية التربية، فلا بد أن يكون لديه قدر من العلم الشرعي، إضافة إلى فقه الواقع المعاصر.
والعلم الشرعي: هو علم الكتاب والسنة، ولا يُطلب من المربي سوى القدر الواجب على كل مكلف أن يتعلمه، وقد حدده العلماء بأنه "القدر الذي يتوقف عليه معرفة عبادة يريد فعلها، أو معاملة يريد القيام بها، فإنه في هذه الحال يجب أن يَعرف كيف يتعبد الله بهذه العبادة، وكيف يقوم بهذه المعاملة".
وإذا كان المربي جاهلاً بالشرع فإن أولاده ينشؤون على البدع والخرافات، وقد يصل الأمر إلى الشرك الأكبر – عياذاً بالله – ولو نظر المتأمل في أحوال الناس لوجد أن جل الأخطاء العَقَدية والتعبدية إنما ورثوها عن آبائهم وأمهاتهم، ويَظَلُّون عليها إلى أن يقيّض الله لهم من يعلمهم الخير ويربيهم عليه، كالعلماء والدعاة والإخوان الصالحين أو يموتون على جهلهم،
والمربي الجاهل بالشرع يحول بين أبنائه وبين الحق بجهله؛ وقد يعاديه لمخالفته إياه، كمن يكره لولده كثرة النوافل، أو ترك المعاصي، أو الأمر بالمعروف، أو طلب العلم، أو غير ذلك.
ويحتاج المربي أن يتعلم أساليب التربية الإسلامية ويدرس عالم الطفولة؛ لأن لكل مرحلة قدرات واستعدادات نفسية وجسدية، وعلى حسب تلك القدرات يختار المربي وسائل زرع العقيدة والقيم وحماية الفطرة السليمة، ولذا نجد اختلاف الوسائل التربوية بين الأطفال إذا اختلفت أعمارهم، بل إن الاتفاق في العمر لا يعني تطابق الوسائل التربوية؛ إذ يختلف باختلاف الطبائع.
وعلى المربي أن يعرف ما في عصره من مذاهب هدَّامة وتيارات فكرية منحرفة، فيعرف ما ينتشر بين الشباب والمراهقين من المخالفات الشرعية التي تَفِدُ إلينا؛ ليكون أقدر على مواجهتها وتربية الأبناء على الآداب الشرعية.
2- الأمانة:(115/1897)
وتشمل كل الأوامر والنواهي التي تضمنها الشرع في العبادات والمعاملات، ومن مظاهر الأمانة: أن يكون المربي حريصاً على أداء العبادات، آمراً بها أولاده، ملتزماً بالشرع في شكله الظاهر وفي الباطن، فيكون قدوة في بيته ومجتمعه، متحلياً بالأمانة، يسلك في حياته سلوكاً حسناً وخُلُقاً فاضلاً مع القريب والبعيد في كل حال وفي كل مكان؛ لأن هذا الخلق منبعه الحرص على حمل الأمانة بمعناها الشامل.
وتطلق الأمانة كذلك على الودائع من مالٍ أو متاع، وحري بالوالد أن يحرص على ولده فهو أمانة أغلى من كل شيء.
3- القوّة:
أمرٌ شامل فهي تفوّقٌ جسدي وعقلي وأخلاقي، وكثير من الآباء يتيسر لهم تربية أولادهم في السنوات الأولى؛ لأن شخصياتهم أكبر من شخصيات أولادهم، ولكن قليلٌ أولئك الآباء الذين يَظلون أكبر وأقوى من أبنائهم ولو كبروا.
وهذه الصفة مطلوبة في الوالدين ومن يقوم مقامهما، ولكن لا بد أن تكون للأب وهي جزء من القوامة، ولكن ثمّة خوارق تكسر قوامة الرجل وتضعف مكانته في الأسرة، منها:
- أن تكون المرأة نشأت في بيت تقوده المرأة، والرجل فيه ضعيف منقاد، فتغتصب هذه المرأة القوامة من الرجل بالإغراء، أو التسلط وسوء الخلق، واللسان الحاد.
- أن تعلن المرأة أمام أولادها التذمر أو العصيان، أو تتهم الوالد بالتشدد والتعقيد، فيرسخ في أذهان الأولاد ضعف الأب واحتقار عقليته.
- أن تَعرض المرأة على زوجها أمراً فإذا أبى الزوج خالفته خفية مع أولادها، فيتعود الأولاد مخالفة الوالد والكذب عليه.
ولا بد أن تسلم المرأة قيادة الأسرة للرجل، أباً كان أو أخاً كبيراً أو خالاً أو عماً، وعليها أن تنقاد لأمره ليتربى الأولاد على الطاعة، وإن مَنَعَ شيئاً فعليها أن تطيع، وإن خالفه بعض أولادها فيجب أن تخبر الأب ولا تتستر عليه؛ لأن كثيراً من الانحرافات تحدث بسبب تستُّر الأم.
وفي بعض الأحوال تصبح الأم في حيرة، كأن يطلب الأولاد شيئاً لا يمنعه الشرع ولا الواقع، ولكن الأب يمانع لرأي يراه قد يفصح عنه وقد يكتمه، فيحاول الأولاد إقناع الأب فلا يقتنع، ففي هذه الحال لا بد أن تطيع المرأة، وتطيّب نفس أولادها، وتبين لهم فضل والدهم ورجاحة عقله، وتعزيهم بما في الحياة من أحداث تشهد أن للوالدين إحساساً لا يخيب، وهذا الإحساس يجعل الوالد أحياناً يرفض سفر ولده مثلاً، ثم يسافر الأصدقاء فيصابون بأذى، فيكون رفض الوالد خيراً، وذلك بسبب إحساسه.
4- العدل:
وقد كان السلف خير أسوة في العدل بين أولادهم، حتى كانوا يستحبون التسوية بينهم في القُبَل، وعاتب النبي _صلى الله عليه وسلم_ رجلاً أخذ الصبي وقبَّله ووضعه على حِجره، ولما جاءت بنته أجلسها إلى جنبه، فقال له: "ألا سوَّيت بينهما"، وفي رواية "فما عدلت بينهما".
والعدل مطلوبٌ في المعاملة والعقوبة والنفقة والهبة والملاعبة والقُبَل، ولا يجوز تمييز أحد الأولاد بعطاء؛ لحديث النعمان المشهور حيث أراد أبوه أن يهبه دون(115/1898)
إخوته، فقال له النبي _صلى الله عليه وسلم_: "أشهد غيري فإني لا أشهد على جور"، إلا أن هناك أسباباً تبيح تمييز بعض الأولاد كاستخدام الحرمان من النفقة عقاباً، وإثابة المحسن بزيادة نفقته، أو أن يكون بعضهم محتاجاً لقلة ماله وكثرة عياله.
ولا يعني العدل تطابق أساليب المعاملة، بل يتميز الصغير والطفل العاجز أو المريض، وذلك لحاجتهما إلى العناية. وكذلك الولد الذي يغيب عن الوالدين بعض أيام الأسبوع للدراسة أو العمل أو العلاج، ولا بد أن يبيّن الوالدان لبقية الأولاد سبب تميز المعاملة بلطف وإشفاق، وهذا التميز ليس بالدرجة الكبيرة ولكن فرق يسير بين معاملة هؤلاء ومعاملة البقية، وهذا الفرق اليسير يتسامح الإخوة به ويتجاوزون عنه،
ومما يزرع الكراهية في نفوس الإخوة تلك المقارنات التي تُعقَد بينهم، فيُمدح هذا ويُذم هذا، وقد يقال ذلك عند الأصدقاء والأقارب، فيحزن الولد المذموم ويكره أخاه.
والعدل ليس في الظاهر فقط، فإن بعض الناس يعطي هذا خفية عن إخوته، وهذا الاستخفاء يعلِّم الطفل الأنانية والتآمر.
5- الحرص:
وهو مفهوم تربوي غائب في حياة كثير من الأسر، فيظنون أن الحرص هو الدلال أو الخوف الزائد عن حده والملاحقة الدائمة، ومباشرة جميع حاجات الطفل دون الاعتماد عليه، وتلبية جميع رغائبه.
والأم التي تمنع ولدها من اللعب خوفاً عليه، وتطعمه بيدها مع قدرته على الاعتماد على نفسه، والأب الذي لا يكلف ولده بأي عمل بحجة أنه صغير كلاهما يفسده ويجعله اتّكالياً ضعيف الإرادة، عديم التفكير، والدليل المشاهَد،هو: الفرق الشاسع بين أبناء القرى والبوادي وبين أبناء المدينة.
والحرص الحقيقي المثمر: إحساسٌ متوقدٌ يحمل المربي على تربية ولده وإن تكبَّد المشاق أو تألم لذلك الطفل، وله مظاهر منها:
أ - الدعاء: إذ دعوة الوالد لولده مجابة؛ لأن الرحمة متمكنة من قلبه فيكون أقوى عاطفة وأشد إلحاحاً، ولذا حذر الرسول _صلى الله عليه وسلم_ الوالدين من الدعاء على أولادهم، فقد توافق ساعة إجابة.
ب - المتابعة والملازمة؛ لأن العملية التربوية مستمرة طويلة الأمد، لا يكفي فيها التوجيه العابر مهما كان خالصاً صحيحاً، وقد أشار إلى ذلك النبي _صلى الله عليه وسلم_، حيث قال: "الزَموا أولادكم ... وأحسنوا آدابهم".
والملازمة وعدم الغياب الطويل عن البيت شرط للتربية الناجحة، وإذا كانت ظروف العمل أو طلب العلم أو الدعوة تقتضي ذلك الغياب، فإن مسؤولية الأم تصبح ثقيلة، ومن كان هذا حاله عليه أن يختار زوجة صالحة قوية قادرة على القيام بدور أكبر من دورها المطلوب.
6- الحزم:
وبه قوام التربية، والحازم هو الذي يضع الأمور في مواضعها، فلا يتساهل في حال تستوجب الشدة ولا يتشدد في حال تستوجب اللين والرفق.(115/1899)
وضابط الحزم: أن يُلزم ولده بما يحفظ دينه وعقله وبدنه وماله، وأن يحول بينه وبين ما يضره في دينه ودنياه، وأن يلزمه التقاليد الاجتماعية المَرعيَّة في بلده ما لم تعارض الشرع. قال ابن الجوزي – رحمه الله-: "فإنك إن رحمت بكاءه لم تقدر على فطامه، ولم يمكنك تأديبه، فيبلغ جاهلاً فقيراً".
وإذا كان المربي غير حازم فإنه يقع أسير حبه للولد فيدلِّله، وينفذ جميع رغائبه، ويترك معاقبته عند الخطأ، فينشأ ضعيف الإرادة منقاداً للهوى، غير مكترث بالحقوق المفروضة عليه،
وليس حازماً من كان يرقب كل حركة وهمسة وكلمة، ويعاقب عند كل هفوة أو زلة، ولكن ينبغي أن يتسامح أحياناً،
ومن مظاهر الحزم كذلك عدم تلبية طلبات الولد، فإن بعضها ترف مفسد، كما أنه لا ينبغي أن ينقاد المربي للطفل إذا بكى أو غضب ليدرك الطفل أن الغضب والصياح لا يساعده على تحقيق رغباته، وليتعلم أن الطلب أقرب إلى الإجابة إذا كان بهدوء وأدب واحترام.
ومن أهم ما يجب أن يحزم فيه الوالدان النظام المنزلي، فيحافظ على أوقات النوم والأكل والخروج، وبهذا يسهل ضبط أخلاقيات الأطفال، وبعض الأولاد يأكل متى شاء، وينام متى شاء، ويتسبب في السهر ومضيعة الوقت وإدخال الطعام على الطعام، وهذه الفوضوية تتسبب في تفكك الروابط واستهلاك الجهود والأوقات، وتنمي عدم الانضباط في النفوس.. وعلى رب الأسرة الحزم في ضبط مواعيد الرجوع إلى المنزل والاستئذان عند الخروج للصغار – صغارِ السن أو صغار العقل-".
7- الصلاح:
فإن لصلاح الآباء والأمهات أثر بالغ في نشأة الأطفال على الخير والهداية – بإذن الله – وقد قال _سبحانه_: "وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحاً" (الكهف: من الآية82)، وفيه دليل على أن الرجل الصالح يُحْفَظ في ذريته، وتشمل بركة عبادته لهم في الدنيا والآخرة، بشفاعته فيهم، ورفع درجتهم إلى درجته في الجنة لتقر عينه كما جاء في القرآن ووردت به السنة.
ومن المُشاهَد أن كثيراً من الأسر تتميز بصلاحها من قديم الزمن وإن ضل ولد أو زل فاءَ إلى الخير بعد مدة؛ لصلاح والديه وكثرة طاعتهما لله، وهذه القاعدة ليست عامة ولكن هذا حال غالب الناس، وقد يظن بعض الناس أن هذا لا أثر له، ويذكرون أمثلة مخالفة لذلك؛ ليبرروا تقصيرهم وضلالهم.
8- الصدق:
وهو: التزام الحقيقة قولاً وعملاً، والصادق بعيد عن الرياء في العبادات، والفسق في المعاملات، وإخلاف الوعد، وشهادة الزور، وخيانة الأمانات.
وقد حذر النبي _صلى الله عليه وسلم_ المرأة المسلمة التي نادت ولدها لتعطيه، فسألها: "ماذا أردت أن تعطيه؟ قال: أردت أن أعطيه تمراً، فقال: لو لم تعطيه شيئاً كتبت عليك كذبة".(115/1900)
ومن مظاهر الصدق ألا يكذب المربي على ولده مهما كان السبب؛ لأن المربي إذا كان صادقاً اقتدى به أولاده، وإن كان كاذباً ولو مرة واحدة أصبح عمله ونصحه هباء، وعليه الوفاء بالوعد الذي وعده للطفل، فإن لم يستطع فليعتذر إليه.
وبعض الأطفال يتعلم الرياء بسبب المربي الذي يتظاهر أمام الناس بحال من الصلاح أو الخلق أو الغنى أو غيرها، ثم يكون حاله خلاف ذلك بين أسرته.
9- الحكمة:
وهي: وضع كل شيء في موضعه، أو بمعنى آخر: تحكيم العقل وضبط الانفعال، ولا يكفي أن يكون قادراً على ضبط الانفعال واتباع الأساليب التربوية الناجحة فحسب، بل لا بد من استقرار المنهج التربوي المتبع بين أفراد البيت من أم وأب وجد وجدة وإخوان، وبين البيت والمدرسة والشارع والمسجد وغيره من الأماكن التي يرتادها؛ لأن التناقض سيعرض الطفل لمشكلات نفسية.
وعلى هذا ينبغي تعاون الوالدين واتفاقهما على الأسلوب التربوي المناسب، وإذا حدث أن أمر الأب بأمرٍ لا تراه الأم فعليها ألا تعترض أو تسفِّه الرجل، بل تطيع وتنقاد ويتم الحوار بينهما سراً لتصحيح خطأ أحد الوالدين دون أن يشعر الطفل بذلك.
ـــــــــــــــــــ
قبل أن يغازلها الآخرون!!
فهد السيف
1/11/1424
ارسل تعليقك ...
تعليقات سابقة ...
ارسل الصفحة ...
الى مشرف النافذة ...
طباعة ...
فتاة في مرحلة المراهقة.. طاهرة القلب.. لم تسمع بالأشرار.. أو سمعت بهم دون أن تراهم أو تحادثهم.. كانت تظنهم يلبسون لباسا خاصا بهم، أو أن لهم ملامح تميزهم عن الآخرين، كان أبوها جاف العواطف، يخاطبها بصفة رسمية، إنه يبتسم أحيانا، لكنه منذ بلغت ابنته التاسعة من عمرها بدأ يخاطبها بأسلوب الأوامر، لم تسمع منه يوما كلمة حانية ورقيقة، أما أمها فمما يحسب لها أنها حريصة جدا على تعليم ابنتها شؤون المنزل والضيافة وكذلك الحياء.
لقد كان ينتابها شعور –أحيانا- بأنها عادية الجمال، وغير لافتة للنظر، فكرت بالزواج وأنه استقلال وتربية أولاد ومشاكل، رأت مسلسلات تلفزيونية، فتعرفت على شيء اسمه ((الحب)) فتمنت أنها في بيئة غير بيئتها الصحراوية ذات الجفاف العاطفي.
دق عليها جرس الهاتف وهي تذاكر ليلا:
- نعم.
- أهلا بهذا الصوت العذب.
- من أنت؟ وماذا تريد؟!(115/1901)
- أنا شاب مهموم و...
أغلقت السماعة في وجهه، لكن ضميرها بدأ يؤنبها بأنها أخطأت في حقه، وبأنه هو الوحيد في العالم الذي يعرفها حق المعرفة!!
إن شيئًا من الثناء على من يُنَشَّأ في الحلية (البنت) في شعرها أو قسمات وجهها أو ثوبها كفيل بأن يلبي رغبة هذه الفتاة في العاطفة
ألم أقل لكم إنها طاهرة القلب؟!!
اتصل ثانية فردت عليه ووقعت في شراكه..الخ القصة
نعم إنها قصة مكرورة ومعروفة، لكن هل التمسنا أسبابها من جميع الجوانب؟ وهل فكرنا في أن نطرق أسبابا أخرى غير ما نكرره من إلقاء اللوم على الشباب والفتيات؟ ألم نفكر -يوما- في دورنا نحن في القضية، وما هي الأساليب التي كانت سببا في سهولة وقوع فتيات الطهر والعفاف في شراك شياطين الإنس؟
لست أزعم هنا أنني سأتعرض للأسباب، ولكني أكتفي بذكر سبب واحد فقط.
إنه الجفاف الصحراوي في عواطفنا نحو أبنائنا.
ألم يكن من الممكن أن نتعامل مع أبنائنا ذكورا وإناثا بشيء من العاطفة والمديح في جوانب يستحقون المديح فيها، حتى لو كانت في المظهر؟
إن شيئا من الثناء على من يُنَشَّأ في الحلية (البنت) في شعرها أو قسمات وجهها أو ثوبها كفيل بأن يلبي رغبة هذه الفتاة في العاطفة، ويجعلها أكثر نفورا من الأصوات المبحوحة التي تريد إلقاءها في شرك الغزل، والشيء نفسه نقوله في التعامل مع الأولاد.
دخلت فاطمة –رضي الله عنها- على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقام إليها، وقبلها وأجلسها مكانه، إنها ثلاث أشياء نفتقدها في التعامل مع أبنائنا، تأمل قليلا.. (قام إليها).. (قبَّلها).. ولم يقل لها قبلي رأسي!! بل (أجلسها مكانه).
وفي موضع آخر يذكر عليه الصلاة والسلام أنها بضعة منه يريبه ما يريبها، يقوله أمام الناس.
ولما رغبت في الخادم ولم تجده عند عائشة جاء إليها بعدما علم بخبرها، وتأمل معي قليلا كيف دخل وكيف جلس: حيث جلس بينها وبين زوجها علي -رضي الله عنهما- حتى أحسا برد أصابعه، ثم قال لهما بأسلوب رقيق: ألا أدلكما على ما هو خير لكما من خادم؟ سبِّحا الله ثلاثا وثلاثين واحمدا الله ثلاثا وثلاثين، وكبراه ثلاثا وثلاثين. أو كما ورد.
كما أنه -عليه الصلاة والسلام- يجعل عائشة –رضي الله عنها- تنظر إلى صبيان الحبشة في المسجد يلعبون من وراء ظهره، فلا يتركها حتى تكون هي التي تطلب ذلك.
ثم هو يقبل الصبيان، ويحملهم في الصلاة، وفي الخطبة أمام جماهير المصلين!! ويلعب معهم ويخرج لسانه لهم و...الخ.
دخلت فاطمة –رضي الله عنها- على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقام إليها، وقبلها وأجلسها مكانه، إنها ثلاث أشياء نفتقدها في التعامل مع أبنائنا، تأمل قليلا.. (قام إليها).. (قبَّلها).. ولم يقل لها قبلي رأسي!! بل (أجلسها مكانه).(115/1902)
كم نحن بحاجة إلى مثل هذه التعاملات الرقيقة التي تجعل لنا أمام أبنائنا قبولا فيما نلقي إليهم من توجيهات، وتعرفهم على مدى القرب والمحبة التي نكنها لهم.
وما يجري على الفتاة يجري قريب منه على الابن.
وإن مثل تلك الفتاة التي تحدثنا عنها آنفا كثير، ممن تعيش في بيتٍ أهلُه صالحون، لكن لها رفيقات يزيِّنّ لها محادثة الشباب، ثم إذا سمعت صوت الشاب فرحت بذلك، لأنها لم تسمع يوماً كلمةً عاطفيةً من أبيها، واستساغت سماعها من الغريب قبل القريب.
ـــــــــــــــــــ
هل يكذب أحد أبنائك؟
هاني العبدالقادر
23/10/1424
ارسل تعليقك ...
تعليقات سابقة ...
ارسل الصفحة ...
الى مشرف النافذة ...
طباعة ...
أهم أسباب الكذب ما يلي:
1- عدم الأمان. 2- لا تقل يا بني الحقيقة. 3- الكذب الخيالي.
4- يا كذاب. 5- أمي وأبي يكذبان أيضاً.
1- أهم أسباب الكذب،هو: الخوف وعدم الشعور بالأمان..
عندما نستخدم أسلوب المحقق -كما رأينا- أو نستخدم العقاب الشديد أو النهر واللوم والصراخ بصوتٍ عالٍ عندما يتصرف بشكل خاطئ؛ فيكذب في هذه الأحوال للدفاع عن نفسه، والتخلص مما يخاف من العقوبة.
علاج هذا النوع من الكذب، يكون باستخدام الحوار والتفاهم، والأهم إشعاره بالأمان، والسؤال هنا:هل يمكن للوالدين أن يشعرا أبناءهما بالأمان إذا لم يكونا يشعران أصلاً بالأمن والطمأنينة في قلبيهما؟ إن فاقد الشيء لا يعطيه، لذا ينبغي أن يتأملا أسباب عدم طمأنينتهما، سواء في صلتهما بالله أو علاقتهما الزوجية أو ما يتصل بالعمل.. فيبدآن أولاً بتحقيق الأمان والسكينة والطمأنينة لنفسيهما، والإكثار من الدواء الرباني، يقول علام الغيوب: "أَلا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ" (الرعد: من الآية28).
أهم أسباب الكذب ما يلي:
1- عدم الأمان. 2- لا تقل يا بني الحقيقة. 3- الكذب الخيالي.
4- يا كذاب. 5- أمي وأبي يكذبان أيضاً.
2- من أسباب الكذب ألا نسمح له بقول الحقيقة:
خذ على سبيل المثال موقفاً قد نحتار فيه، عندما يقول الطفل لأمه: إنه يكره أخاه الجديد، يقولها لشعوره بالغيرة منه، قد تضربه أمه لقول الحقيقة وتقول له: عيب لا تقل هذا الكلام، أما إذا لف ودار وساير أمه، وأعلن كذبة واضحة بأنه حالياً يحب(115/1903)
أخاه قد تكافئه أمه بحضنه أو قبلة فيستنتج الطفل أن الحقيقة تؤذي، وأن عدم الأمانة وعدم الصدق يفيد، والأم تكافئه، إذن فهي تحب الكذبات الصغيرة.
العلاج لهذا النوع من الكذب (لا تقل يا بني الحقيقة): قبوله بعيوبه والعمل على تعديلها، نعترف بمشاعره السلبية، ونظهر تفهمنا لها ونشعره باحترامنا لاستقلاليته، واستقلالية مشاعره عنا، وهذا كفيل -إن شاء الله- بزوالها، مع عدم لومه أو معاتبته عليها، مع العمل على علاج جذور المشكلة التي أدت إلى الشعور السلبي الذي رفضته الأم بطريقتها الخاطئة.. كانت المشكلة أنه يغار من أخيه، هذا الأخ سرق اهتمام والديه، وأكل الجو عليه، فيكون العلاج بعد قبوله بمشاعره السلبية، أن نعمل على تغييرها بإعطائه مزيداً من الاهتمام الصادق والمشاركة في اللعب والحديث وتحسين العلاقة بينه وبين أخيه بطريقة غير مباشرة مثلاً: (أخوك يحتاجك.. أنت ستساعده.. هو يحتاج واحد يلعب معه.. أنت الذي ستفهمه.. أنت الذي ستعلمه.. أنت الذي ستساعدنا على تربيته... إلخ).
3- السبب الثالث من أسباب الكذب: (الكذب الخيالي)،وهو عند الأطفال الصغار.
لمدة معينة من حياة الغير، يعطي الطفل لنفسه ما يحتاجه من (الأمان) أو يتمناه من (الحنان) أو (الهدايا) من خلال الكذب الخيالي، فأكاذيبه هنا تتحدث عن مخاوفه وآماله، عندما يقول الطفل إن أحد أقاربه أهدى إليه سيارة حقيقية كسيارة والده، يمكن أن ندرك رغبته وآماله في ذلك، فنقول له:أنت تريد يكون عندك سيارة مثل سيارة أبيك.. صح.. أنت تريد يكون عندك سيارات كثيرة وسريعة.. جيد)، وهكذا مع مختلف الكذبات التي من هذا النوع.. أظهر تفهمك لما خلف الكلام من المشاعر والمعاني، وساعده على إظهارها والتعرف عليها وقبولها منه، واحذر من الأخطاء الشائعة التي يقع فيها كثير من الآباء، سواء من السخرية بهذه الكذبات أو نهره عن هذا الكلام أو اتهامه بالكذب، هذا الاتهام بالكذب سيؤدي به مستقبلاً إلى السبب الرابع من أسباب الكذب.
4- السبب الرابع من أسباب الكذب [يا كذاب]، وهو أن يسمع والديه وهم يقولون له: يا كذاب، سواء بالتصريح أو التلميح بأنه بهذا الوصف..
عندما يظهر بغض أخيه مثلا ينبغي قبوله بعيوبه والعمل على تعديلها، نعترف بمشاعره السلبية، ونظهر تفهمنا لها ونشعره باحترامنا لاستقلاليته، واستقلالية مشاعره عنا، وهذا كفيل -إن شاء الله- بزوالها، مع عدم لومه أو معاتبته عليها، مع العمل على علاج جذور المشكلة التي أدت إلى الشعور السلبي الذي رفضته الأم بطريقتها الخاطئة
الذي يكون عندما نرسل له هذه الرسالة (يا كذاب) هو أن نخزن في عقله الباطن صورة الكذاب عن نفسه، فتحركه هذه الصورة نحو الكذب تلقائياً، خلاف ما لو كانت الصورة التي تطبعها في ذهن ابنك عن نفسه صورة مشرقة، كصورة المجاهد والعالم، الذي كانت إحدى الأمهات تذكر ابنها بها، وكانت هذه الصورة هي فعلاً الصورة التي بدأت تكسو شخصية هذا الابن وتحركه نحو الوصول إلى هذا الطموح الرائع.(115/1904)
ولذلك يجب على الوالدين أن يخزنوا في عقل ابنهم أنه صادق وغيرها من الصفات الحميدة التي يريدون زرعها فيه، ويرسلوا هذه الرسائل باستمرار.
ذكرنا إلى الآن أسباب الكذب عند الأطفال، وهي:
1- عدم الأمان. 2- لا تقل يا بني الحقيقي.
3- الكذب الخيالي. 4- يا كذاب.
ويتبقى السبب الخامس.
5- السبب الخامس من أسباب الكذب: (أبي وأمي يكذبان أيضاً): وهذه مصيبة في الحقيقة، قد يجد الابن والده يكذب على أمه، وأمه تكذب على والده ، والاثنان يكذبان عليه أو على إخوته... وهكذا، فيرث الابن الكذب ويكتسبه من هذا البيت (بيت الكذابين)، وفضلاً عن أن يكون كذاباً فهو يفقد الثقة بأحاديث والديه معه.
قال الشاعر:
كذبت ومن يكذب فإن جزاءه ....... إذا ما أتى بالصدق ألا يصدقا
فالابن لا يفقد الثقة في أحاديث والديه فحسب، بل المرّ والمؤلم أنه يفقد الثقة حتى في عواطفهم، ويفقد احترامه وتقديره لهما، وكل هذا بالغ الألم عليه وعلى والديه الذين لم يتبقَّ لهما شيء بعد كل الذي فقداه.
الدين لا يفرق بين الكذب صغيره وكبيره، فكله كذب، كذلك الطفل، ولذلك يمكن للوالدين أن يسقطوا تاج الصدق عن رؤوسهم أمام أبنائهم بمداومة الكذب ولو في الأشياء الصغيرة.
وعلى من يكذب من الآباء أن يتذكر قول الله –تعالى-:"إِنَّمَا يَفْتَرِي الْكَذِبَ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِآياتِ اللَّهِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْكَاذِبُونَ" (النحل:105) وعليهم أن يخشوا على أنفسهم الكذب وإثم تعليمه صغارهم فيشاركونهم الوزر كلما كذب هؤلاء الصغار مستقبلاً.
أما إذا صحح الوالدان أو المبتلى منهما بالكذب.. هذا العيب الشنيع في نفسه، وصدق هو أولاً مع الله، ثم استمر الكذب عند الابن.. عندها يوجه الطفل توجيهاً مباشراً وهادئاً، ويخوفونه من صفة الكذب، وأن الله –تعالى- يقول:"مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ" (قّ:18)، وأنها من صفات المنافقين والفجّار، وأن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- علمنا أن الكذب لا يكون في مؤمن، وأن خوفنا من الله جعلنا نتوب من الكذب (لاحظ الاعتراف بكذبهم سابقاً)، وأنت أيضاً ستتوب من الكذب من هذه اللحظة، ثم اطلب من الطفل أن يتوضأ ويصلي ركعتين.. ويستغفر الله (عشر مرات مثلاً)، وقل له: إنه كلما زاد فهذا أفضل، غالباً سيخبركم أنه استغفر أكثر فأظهر الفرح والإعجاب بذلك، وإن كان صغيراً لا يعرف الصلاة فيكفي الاستغفار -إن شاء الله-، وابذل كل جهدك بعد ذلك لضبطه متلبساً بالصدق فتكرمه بتشجيعك وبالعفو عنه عند خطئه؛ لأنه صادق.
من أسباب الكذب: (أبي وأمي يكذبان أيضاً): وهذه مصيبة في الحقيقة، قد يجد الابن والده يكذب على أمه، وأمه تكذب على والده ، والاثنان يكذبان عليه أو على إخوته... وهكذا، فيرث الابن الكذب ويكتسبه من هذا البيت (بيت الكذابين)
نلتقي في المقال القادم مع موضوع هام آخر وهو (اللعب)، فإلى ذلك الحين أستودعكم الله، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.(115/1905)
ـــــــــــــــــــ
برامج واقتراحات تربوية أسرية
عبدالله بن حمود البوسعيدي
16/10/1424
ارسل تعليقك ...
تعليقات سابقة ...
ارسل الصفحة ...
الى مشرف النافذة ...
طباعة ...
• بعض الأولاد يدخلون غرف الوالدين وغرف بعضهم مباشرة بلا استئذان، وهذا مخل ومحرج جداً.
- أقترح: تعليمهم طرق الباب، والقول قبل الدخول: السلام عليكم أأدخل، علمتُ أولادي ذلك فتعودوا جميعاً حتى أختهم الصغيرة "روضة" 3 سنوات، فصار أطفالي يعلمون أترابهم يقولون لهم: يا فلان لا تدخل هكذا، قل: السلام عليكم أأدخل...
عن عطاء _رضي الله عنه_ قال: "سألت ابن عباس _رضي الله عنهما_: أستأذن على أختي؟ فقال: نعم، فأعدت، فقلت: أختان في حجري وأنا أمونهما وأنفق عليهما أستأذن عليهما؟ قال: نعم، أتحب أن تراهما عريانتين؟" [الأدب المفرد للبخاري].
وعن عمرو بن عبد الله بن صفوان أن كلدة بن حنبل أخبره: أن صفوان بن أمية بعثه بلبن ولبإ وضغابيس إلى النبي _صلى الله عليه وسلم_ والنبي _صلى الله عليه وسلم_ بأعلى الوادي، قال: فدخلت عليه ولم أسلم ولم أستأذن، فقال النبي _صلى الله عليه وسلم_: "ارجع فقل: السلام عليكم أأدخل" [الترمذي: 2634].
مما كَتَبتْه ابنتي عائشة وهي يومها في الثاني الابتدائي: أتمنى هذه السنة أن أحفظ مسند أم المؤمنين عائشة _رضي الله عنها_.
• للتربية على الحس التجاري، وعلى حسن صرف ما لا نحتاج إليه.
- أقترح: إعلان الأولاد لكل أهلهم عن معرض تجاري في بيتهم وتحت إدارتهم، يبيعون فيه كل ما لا يحتاجون إليه من حاجياتهم وما يهديهم إياه الوالدان لتشجعيهم، فَعَل ذلك أولادي فربحوا المئات، وخلصونا مما لا نحتاج إليه بلا جهد منا، وأحسوا بمعنى المال الذي حصلوه بعد جهدهم، غير ما تحصلوا عليه من مفاهيم البيع والشراء.
• لاحظت في استقبال كثير من الأولاد سوء التصرف وبرودة اللقاء، وعدم الالتزام بالذوق اللائق، غير الخجل المتكلف.
- أقترح: تطبيق الأولاد لعملية الاستئذان واحداً تلو الآخر، مع إبداء الملاحظات على كل واحد منهم، وإخوته هم الذين يستقبلون المستأذن، والآخرون يبدون ملاحظاتهم وهكذا.
• كم أزعجتني تلك المصافحة الباهتة الباردة الخجولة العبوسة الصامتة.(115/1906)
- أقترح: أن تَصُفَّ الأولاد ثم تطلب منهم واحداً بعد الآخر السلام والمصافحة وكأنك تلتقيه الآن، للنظر في مدى إتقانهم لفنون الالتقاء والمصافحة وذوقياتها، ولكن ينبغي أن يسبق ذلك تعليمهم فنون المصافحة وآدابها.
• إعداد جدول للأدعية يحفظ منه الصغار كل أسبوع أدعية من نوع واحد فقط، مع تسميعهم المستمر حتى نضمن حفظهم للمطلوب.
إليك نموذجاً:
أقترح: أن يبدأ الأهل في تعليم الأول من الذرية الأذكار، فسيكون ذلك مساعداً لتسهيل الأمر لمن بعده، وسيقود الكبير إخوته الصغار، وسيلقنهم الأذكار حتى يحفظوها، وهذا ما فعلته، ذلك أني حفّظت ولدي "غانماً" كل أذكار الصباح والمساء، فحفظها وهو في الثاني الابتدائي، ومن يومها وهو يقود إخوته فيذكر ويرددون وراءه صباح مساء كل يوم إلى يومنا هذا، حتى حفظ الجميع الأذكار _ولله الحمد_.
• مما يزعج أن ترى جيلاً لا يدري ما يريد، ولا أهداف له، ولا يحسن تحديد آماله.
- اطلب من الأولاد أن يكتبوا لك أهدافهم، أطلبُ ذلك من أولادي بداية كل سنة دراسية، فكان مما كَتَبتْه ابنتي عائشة، وهي يومها في الثاني الابتدائي: أتمنى هذه السنة أن أحفظ مسند أم المؤمنين عائشة _رضي الله عنها_.
• في حال السفر أقترح: توزيع المهام على الذرية، كأن يكون: أحدهم مسؤولاً عن التغذية، وآخر عن الثقافة، وآخر عن المعاملات الرسمية، وهكذا...
- جَدْول لأولادك برنامجاً قرآنياً وثقافياً يحفظون من خلاله القرآن، ويقرؤون كذا من الكتب، ويستمعون إلى كذا شريط، وذلك في زمن محدد، مع مراعاة المتطلبات الأخرى والقدرات والفروق الفردية.
• اطلب من الأولاد إحياء حوار بينهم في موضوع هم يحددوه، ولا تتدخل بل انظر إليهم وراقبهم، لترى مدى معرفتهم والتزامهم بفنون الحوار.
• أقترح: توزيع صناديق التوفير على الذرية، وتشجيعهم على التوفير لصالح المسلمين، ففي ذلك تربية على الادخار والإنفاق.
• وزّع دفاتر رسم على كل الأبناء والبنات، وشجعهم على الرسم، وشاركهم في ذلك أنت وأمهم، فلعل موهبة تتفجر.
• هل قبّلت أولادك يوماً دونما سبب، فلقد اعتادت بعض الذرية ألا تُقبّل إلا كمكافأة على إنجاز أو لاشتياق، وهذا غير مناسب البتة.
- أقترح: تقبيل الوالدين الذرية دونما سبب واضح.
عن عائشة قال: "قدم ناس من الأعراب على رسول الله _صلى الله عليه وسلم_، فقالوا: أتقبلون صبيانكم؟ فقالوا: نعم، فقالوا: لكنّا والله ما نقبل، فقال رسول الله _صلى الله عليه وسلم_: "أوأملك إن كان الله نزع منكم الرحمة" [مسلم: 4281].
• تجميع أهل البيت كلهم ما لا يحتاجون إليه من الألبسة والأحذية، ثم تنظيفها وتغليفها لتوزيعها على المحتاجين، في ذلك تربية على الإنفاق، ومحافظة على كرامة الفقير.
• كفالة كل فرد من الأسرة يتيماً، بشرط متابعة أمره ومراسلته.(115/1907)
قال _صلى الله عليه وسلم_ : "كافل اليتيم له أو لغيره أنا وهو كهاتين في الجنة"، وأشار مالك بالسبابة والوسطى [مسلم: 5296].
• في حال السفر أقترح: توزيع المهام على الذرية، كأن يكون: أحدهم مسؤولاً عن التغذية، وآخر عن الثقافة، وآخر عن المعاملات الرسمية، وهكذا...
• أقترح: تعليق ملصقات في البيت حول موضوع محدد، لتعميق معنىً يرى رب البيت أن الحاجة ملحة إلى تعميقه، وذلك لمدة أسبوع مثلاً، ثم معنىً آخر، وهكذا.
• رتّب جدولك ليلاً لبرنامج الغد، ودوّن ذلك في الأجندة، أو اتخذ من الأجهزة الحديثة المجدولة، وربِّ على ذلك ذريتك.
• شارك بين مدة وأختها في تنظيف البيت، وغسل الثياب، وإعداد الطعام...
• الطفل المشاكس والمزعج بنشاطه غير الطبيعي وجِّهْهُ إلى ما فيه تخفيف وتوجيه طاقته، مثل أن يتأكد من عدد الكتب التي في المكتبة.
عن هشام بن عروة عن أبيه، قال: سأل رجل عائشة: هل كان رسول الله _صلى الله عليه وسلم_ يعمل في بيته شيئاً؟ قالت: "نعم كان رسول الله _صلى الله عليه وسلم_ يخصف نعله، ويخيط ثوبه، ويعمل في بيته كما يعمل أحدكم في بيته" [أحمد: 23756].
• أقترح: أن ترفعوا في البيت شعار: "ما أبيض أسنانه"، وقصة هذا الشعار أن نبي الله عيسى _صلى الله عليه وسلم_ مرّ هو وحواريه على حيوان ميت، فقالوا: ما أنتن ريحه، قال _صلى الله عليه وسلم_: "ما أبيض أسنانه"، يريد بذلك أن يربيهم على عدم تلمس الهنات، وإنما النظر إلى الجوانب المشرقة في الآخر.
• حفّظ أولادك كلمات المجاملة، وكن قدوة أنت والزوجة في التخاطب بها.
إليك بعض الأمثلة:
قال _صلى الله عليه وسلم_: "يا معاذ بن جبل، قال: لبيك يا رسول الله وسعديك" [البخاري:125]
قال الرسول _صلى الله عليه وسلم_: "ارم فداك أبي وأمي" [البخاري: 2690]. وغير هذا كثير جداً..
ويا حبذا اختبار حفظ الأولاد.
• تسامح مع شجار الأولاد بدلاً من التدخل فيه؛ لأن تدخلك سيشجعهم على الاستمرار، وعلى سعي كل واحد منهم إلى كسبك ضد الآخر، وظهورك بصورة منفعلة مضطربة سيدعوهم إلى التمادي.
• لا تعتقد أن أبناءك هم أنت، ذلك أن بعض الآباء يريدون أبناءهم أن يكونوا على مستوى عظيم كما هم تماماً، وهذا غير صحيح، فالأب الحافظ لكتاب الله يُشكر على رغبته في حفظ ولده للقرآن، ولكن قد لا تكون هذه من طاقات ولده، إصرار الوالد قد يتعب الولد وقد يصده.
• أقترح: عقد اجتماع عائلي نستمع فيه إلى بعضنا: اقتراحات، ملاحظات، شكاوى، سلبيات، إيجابيات...
إني إذا أردت أو أي واحد من أهل بيتي أي اجتماع، قلنا: الصلاة جامعة، ويحترم الجميع رغبته، وفي ثوان إذا بالجميع حاضر.(115/1908)
• قم وأهل البيت بإعداد مجلة حائط، لكلٍّ حق المشاركة فيها.
• عرِّف أولادك على مؤسسات المجتمع، عن طريق زيارة ميدانية مباشرة، أو وأنت في السيارة، قل لهم: هذا المبنى كذا وكذا، وتلك مؤسسة كذا، وهكذا...
• اشرح لأبنائك وبناتك معاني أسمائهم.
• الطفل المشاكس والمزعج بنشاطه غير الطبيعي وجِّهْهُ إلى ما فيه تخفيف وتوجيه طاقته، مثل: أن يتأكد من عدد الكتب التي في المكتبة.
• إلغاء الجرس في المدارس؛ لما فيه من إزعاج، وتعويد الطالب على حتمية وجود منبه بهذا القدر من الإزعاج ليدرك ما عليه من واجب، والمفروض تعويد الطلبة على معرفة برنامج حياتهم وفق النظام والمتطلبات والحس.
ـــــــــــــــــــ
آفاق تربوية للمنزل والعائلة
فهد بن يحيى العماري
11/10/1424
ارسل تعليقك ...
لا توجد تعليقات ...
ارسل الصفحة ...
الى مشرف النافذة ...
طباعة ...
يقول الله _تبارك وتعالى_: "وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ" (الشعراء:214)، ومن طرق البلاغ والإنذار ما يلي:
- الجلوس مع الأهل وتعليمهم الخير بأي وسيلة وأي طريق، والسعي في خدمتهم ومساعدتهم داخل البيت وخارجه، وتحين الفرص المناسبة كسماع بعض الأشرطة أثناء ركوبهم السيارة والقراءة عليهم من كتاب أو مقال أو طرح بعض المسائل والمسابقات، ودعوة الأمهات والبنين والبنات للالتحاق بحلق القرآن وإدخال السرور عليهم أثناء الجلوس لتناول الشاي والطعام أثناء الرحلات مع مشاركة الجميع في ذلك، وأهلك أولى الناس بالدعوة لكل خير بالرفق واللين والبرامج الدعوية وهذه المجالات، والدعاء لهم بالهداية وحسن الاستقامة "قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ" (التحريم: من الآية6)، والقدوة القدوة فَفِعْلُ رجل في ألف رجل أعظم من قول ألف رجل في رجل.
- استغلال اللقاءات العائلية والأسرية بتقديم النافع ودعوة أحد الدعاة للاستفادة منه.
- الاهتمام بالحاسب الآلي وجعله عنصراً مهماً في خدمة دين الله ودعوة الناس للخير من خلال قنواته
- الاهتمام بالحاسب الآلي، وجعله عنصراً مهماً في خدمة دين الله، ودعوة الناس للخير من خلال قنواته المتعددة والمتنوعة في جدية وتفكير وتجديد، وتعليم الأهل ذلك ذكوراً وإناثاً، صغاراً وكباراً ، والاستفادة من برامجه ومشاهدتها على مستوى الفرد والأسرة والجماعة، وجعله بديلاً عن كل ناقص ورذيل.(115/1909)
- إنشاء مكتبة صوتية ومرئية داخل المنزل، وترتيبها ومعاهدتها بين الفينة والأخرى، وفهرستها مع إنشاء مكتبة صغيرة الحجم في مجلس الرجال ومجلس النساء، وتكليف الأهل بكل ذلك.
- المشاركة في اقتناء إحدى المجلات الإسلامية كالبيان والأسرة والشقائق وسنان وشباب، وتكليف الأهل أو أفراد المحضن التربوي بفهرستها موضوعياً، وجمع بعض المقالات المفيدة ونشرها لكي تعم الفائدة، وحين الاستغناء عن المجلات تعطى للآخرين للاستفادة منها، وكذا وضعها في محلات الحلاقة والمكاتب العقارية وكبائن الاتصالات وأماكن انتظار المراجعين في المحاكم والمستشفيات وغيرها.
- إرسال ما بقي من ولائم وما كان قديماً من ملبس وأثاث وحذاء وأوانٍ منزلية وغيرها إلى جمعيات البر، وتذكير الأهل والإخوان والناس، وتكليف بعضهم بذلك بين كل فينة وأخرى وعند الأعياد وتغيير المساكن وغيرها.
- توزيع المهام بين أفراد العائلة وغرس الثقة فيهم، وتعويدهم على تحمل المسؤولية مما يساعد على ملء أوقاتهم وبعدهم عن الفراغ وأصحاب السوء، مثل: مسؤول عن الفواتير وتسديدها، وآخر عن المشتروات وإصلاحات السيارة والبيت، وآخر عن متطلبات النساء والصغار وصندوق البريد وغيرها، مع تغير المهام بينهم كل فينة وأخرى.
- زيارة الأرحام والأقارب وتقديم النافع لهم واصطحاب الأبناء والتنسيق بين شباب العائلة الأخيار في ذلك لغرس الخير من خلال ذلك.
- دعوة ذوي الفضل والصلاح لزيارة الأهل والإخوان، وزيارة أهلك لهم للتعرف عليهم وإيصائهم بأهلك خيراً عند وجودك وأثناء غيابك.
- تعليق نصيحة مختصرة أو إعلان محاضرة بجانب باب المنزل، بحيث يقرؤها الزوار وأهل المنزل.
- إرسال ما بقي من ولائم وما كان قديماً من ملبس وأثاث وحذاء وأوان منزلية وغيرها إلى جمعيات البر،
ـــــــــــــــــــ
التربية التكاملية
فهد السيف
6/10/1424
ارسل تعليقك ...
لا توجد تعليقات ...
ارسل الصفحة ...
الى مشرف النافذة ...
طباعة ...
التربية التكاملية
(((خلل)))
يدرك غالب الناس نوعية التربية التي تلقاها هذا الطفل أو ذاك، لا سيما إذا كان في التربية نوع خلل، والمربون أكثر إدراكاً لذلك.(115/1910)
ومن أنواع الخلل الموجودة لدى بعض الأطفال: نزوع فئة من الذكور إلى الميوعة، والتأثر بوالدته أو أخواته اللاتي يكبرنه سناً، بسبب ضعف احتكاكه بأبناء جنسه، وهذا المثل ينطبق على بعض الفتيات، وإن كان في صفوفهن أقل، وعلى ذلك فنحن بحاجة إلى تربية تكاملية تنمي صفات الرجولة في الطفل، مع وجود شيء من العاطفة وحسن التعامل مع الآخرين فيه، وأيضا تنمي صفات الأنوثة في الفتاة، مع عقل راجح دون إغراق في العاطفة.
(((من الأسباب)))
السبب الرئيس بلا شك هو نوعية التربية التي تلقاها ذلك الطفل، فقد يكون ذكراً بين بنات، أو بنتاً بين ذكور، أو يكون فاقداً لوالده بطلاق أو وفاة وبقي مع أمه التي تغرقه بوابل من العواطف الناعمة، ولا تجعله يحتك بأبناء جنسه خوفاً عليه فهو وحيدها، وربما كان والده موجوداً لكنه مشغول بدنياه، فصار كأنه غير موجود.
السبب الرئيس بلا شك هو نوعية التربية التي تلقاها ذلك الطفل، فقد يكون ذكراً بين بنات، أو بنتاً بين ذكور، أو يكون فاقداً لوالده بطلاق أو وفاة...
(((في الصميم)))
قام مجموعة من علماء النفس في أمريكا بدراسة على مدى عشرين عاماً، تم فيها حصر الصفات الموجودة في الرجل والمرأة، ووجدوا أن هناك 32 صفة مشتركة بينهما، و32 صفة خاصة بالرجل، و32 صفة خاصة بالمرأة، (الأهرام ص2 في 29/2/2001)
وصدق الله "وليس الذكر كالأنثى".
فلما كانت صفات الذكر تختلف عن الأنثى جعل الله –تعالى- الوالدين يتوليان تربية أبنائهما؛ ليبقى الابن متردداً بين والدين لكل منهما جانب مكمل للآخر، فالأب يقوم بدور الحزم ودور اللعب والمرح الحركي والتوجيه المباشر وغير المباشر و.. وغيرها من الأدوار المنوطة به في مهمته التربوية، والأم تقوم بدور العاطفة والرحمة والعناية المباشرة، وصاحبة سر الطفل و... وغيرها من الأدوار المختلفة.
وحينما يخل أحدهما بدوره في تربية ولده فإنه سيسري على الابن –ذكراً كان أم أنثى-، وليس غريباً على اليتيم أن يوجد لديه خلل في تربيته؛ لأنه فقد أحد والديه، بيد أن التاريخ يشهد أن فقد الأب –وإن كان عسيراً- فإنه أيسر من فقد الأم، وكم قرأنا وسمعنا عن أيتام الأباء، تولت أمهاتهم رعايتهم ، فخرجوا لنا مبدعين في علوم شتى، وما الإمام أحمد –رحمه الله- إلا أحد هذه النماذج الكثيرة، ولعل جزءاً كبيراً من ذلك يرجع إلى حرص تلك الأمهات على سد الخلل الذي يحصل بسبب فقدان الأب، والتاريخ يحفظ معروف تلك النسوة للأمة، ولا عجب –إذن- أن يكون للأم قبل الأب ثلاثة حقوق.
وعوداً على موضوعنا: فإن الخلل الذي نراه في كثير من الأبناء إنما يحصل بسبب الأبوين أو أحدهما.
(((أمثلة)))
من ذلك عدم اهتمام أحد الأبوين بالتربية الصحيحة، وإنما يعامله كيفما اتفق الحال.
أو الجنوح إلى تربية غير سوية، بتعويد الطفل على السلوك السيئ.(115/1911)
وأيضاً كون أحد الأبوين يحتاج إلى تقويم سلوكه هو.
ومن الأمثلة أيضاً: إهمال أحدهما لابنه، فالأب يلقي بكامل التربية على الأم، ويعيش حياته خارج المنزل مع أصدقائه، تاركاً أطفاله لأمهم، ثم هو يعاتبها في أي خلل يحدث من أولاده.
وقد تولي الأم التربية للخادمة أو المربية، ناسيةً دورها الجوهري في ذلك.
وأيضاً من الأمثلة: إدخال الأجهزة التي تجهز على ما تبقى من تربية في نفوس الأبناء من فطرة سوية، وتنزع الحياء لتتولى تلك الأجهزة بشتى أنواعها دور تربية الأبناء.
وكذلك قد يتولى التربية الشارع أو الأصدقاء وربما الأقارب، خصوصاً في عوائل متواصلة لدرجة أنهم كل مساء يجتمعون لتبادل الأحاديث تاركين أولادهم في عالم منعزل، حتى إذا انتصف الليل عادت كل أسرة إلى مضاجعها منهكة القوى، فلا يكاد يلتقي الأب بأبنائه إلا قليلاً.
هناك 32 صفة مشتركة بينهما، و32 صفة خاصة بالرجل، و32 صفة خاصة بالمرأة،
(((الأعوان)))
وهذا لا يعني بحال أن تقتصر التربية على الوالدين دون أن تشارك فيها مؤسسات أخرى أو مربون من غير الأسرة!!
فالنفس بطبعها اجتماعية وتحب الاحتكاك بالأقران والآخرين، والعزلة التامة في المنزل خلل يجب تجاوزه، لهذا كان لابد للوالدين من أعوان على التربية، قد يكون لهم أكبر الأثر على الأبناء، بل إن كثيراً من الأبناء يسمع من أصدقائه –لا سيما مدة المراهقة- أكثر من والديه.
ولذلك كان لا بد أن يختار الوالدان لأبنائهما أصدقاء صالحين، يربطونهم بهم بطرق لسنا في مجال تعدادها، وأيضاً يختارون لهم مدرسة جيدة، وحلقة قرآن متميزة، وتنتقى لهم برامج حاسوبية وأشرطة فيديو مناسبة تعين على تتميم التربية التي يقوم بها الوالدان وتكميلها.
هذا ما أردنا بالتربية التكاملية، والتي تنمي الجوانب الإيجابية في نفس الطفل أو الابن، وتزرع أو تسقي ما يضعف منها، وتجتث الجوانب السلبية بطرق متنوعة.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد.
ـــــــــــــــــــ
إلى إمام المسجد
إبراهيم بن عبدالمحسن الفليج
25/9/1424
ارسل تعليقك ...
لا توجد تعليقات ...
ارسل الصفحة ...
الى مشرف النافذة ...
طباعة ...(115/1912)
إن للإمام دوراً كبيراً وواجباً عظيماً إذا قام به حصل الخير الكثير للمصلين ولأهل الحي، فينبغي عليه مراعاته وعدم الإخلال به،وسأذكرها على شكل نقاط:
(((فقه الإمامة)))
1- إعطاء الإمامة والصلاة حقها، والحرص على تحري السنة واتباعها في ذلك، والشعور بأداء الواجب والإخلاص في العمل.
2- الاطلاع على أحكام الإمامة والصلاة، والاستزادة منها، ومناقشة بعض الموضوعات المتعلقة بذلك بين وقت وآخر، ورصد الفتاوى وقراءتها، حبذا لو قُرئ من كتاب (مخالفات في الصلاة والطهارة) للشيخ: السدحان.
3- تحري السنة في المجيء للصلاة، وفي الانصراف منها، وفي الأذكار بعدها، ونحو ذلك؛ لأنه قدوة ينظر إليه.
4- التأني والتوسط في أفعال الصلاة، وتحري السنة فيها، وعدم الاستعجال المخل أو التطويل الممل.
5- المحافظة على السنن الرواتب في المسجد أو المنزل، والتأكيد على أنها حِمىً وسياج للصلاة تحمي صلاة المحافظ عليها.
(((أدب الإمامة)))
3- الحرص على عدم التخلف في صلاتي الفجر والعصر خاصة، والابتعاد بالنفس عن مواطن سوء الظن والقيل والقال، فهي أكبر ما يقاس به الإمام من محافظة؛ لأنه غالباً موجود في منزله.
1- الحرص على المواظبة، وضرب المثل الطيب في ذلك، بحيث يعد غيابه عن المسجد أو تأخره في إقامة الصلاة على مدار العام شيئاً لا يذكر.
2- عدم التخلف عن الإمامة، والحرص على المواظبة عليها.
3- الحرص على عدم التخلف في صلاتي الفجر والعصر خاصة، والابتعاد بالنفس عن مواطن سوء الظن والقيل والقال، فهي أكبر ما يقاس به الإمام من محافظة؛ لأنه غالباً موجود في منزله.
4- عند الاضطرار للتخلف عن الإمامة لسفر أو انشغال، ينبغي إنابة الكفء، وحين طروء الانشغال، والإحساس بعدم القدرة على المجيء للصلاة يكون الاتصال بالمؤذن، أو غيره؛ حتى لا يطول انتظار المصلين ويصيبهم الملل والنفور.
5- الحرص على إقامة الصلاة في مواعيدها، وتثبيت ذلك، وعدم التقدم أو التأخر، وتراعى ظروف مساجد الأسواق ونحوها، أو المساجد المجاورة للمدارس.
6- تفويض المؤذن أو غيره من القادرين على الإمامة في إقامة الصلاة بعد دقيقتين أو ثلاث مثلاً من الوقت المحدد حتى لا يمل الناس الانتظار.
7- التقليل _ما أمكن_ من الارتباطات والأسفار غير المهمة التي تؤدي إلى التخلف عن الإمامة، وإذا اضطر نوّب الكفء.
8- التحلي بالأخلاق الفاضلة، وأن يكون قدوة حسنة مألوفاً بين الناس، فأكثر ما يؤثر في الناس حسن الخلق فهو الباب الذي يقرب الناس من الإمام وغيره، وقد جاء في وصف الرسول الكريم _صلى الله عليه وسلم_ قوله _تعالى_: "وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ" وهو أثقل شيء في الميزان تقوى الله وحسن الخلق.(115/1913)
9- تفقد أهل الحي، سواء المحتاج منهم أو من يمر بمشاكل والمساهمة في حلها (التوظيف – إصلاح ذات البين) فلكل حي مشاكله وحاجاته، فينبغي على الإمام تفقد أهل الحي، سواء المحتاج والمريض والذي عليه دين، بل حتى السعي مع الوجهاء والمسؤولين في الحي في توظيف بعض شباب الحي والعاطلين، وكذلك الحرص على السعي في حل النزاعات بين الجيران، وكذلك بين الزوجين وإصلاح ذات البين، ففيها عظيم الأجر، وكذلك محبةً لصاحبها.
(((الإمام والنشاط الدعوي)))
فأكثر ما يؤثر في الناس حسن الخلق فهو الباب الذي يقرب الناس من الإمام
1- إلقاء الإمام لبعض الكلمات أحياناً فيما يتعلق بأحداث الساعة الهامة، وما يراه من ملحوظات على المصلين، تربية الناس على الإخلاص في القول والعمل وعدم رؤيته – أي العمل – أو حتى طلب العوض عنه بمدح أو غيره، فالله وحده هو المكافئ، وهذا لا يمنع من أن ينسب الفضل لأهله، لكن لا يكون على هيئة تكريم على الملأ، فالله هو صاحب الفضل في الأولى والآخرة، حقيقة "ما أجمل التعامل مع الله".
2- إقامة مكتبة خيرية في المسجد، أو مكتبة للقراءة والاطلاع.
3- توجيه بعض البرامج المذكورة إلى النساء، مثل: المحاضرات، والكلمات، وحلقات التحفيظ، والمسابقات، ونحوها بالتعاون مع دُور الذِّكْر في الحي.
4- إيجاد دوريات لنساء الحي تكون ذات مردود دعوي إيجابي، وتكون في إحدى دور الذكر أو بعض المدارس، وتشجيع نساء الحي بالالتحاق بدور التحفيظ، وحثهن على ذلك.. أفضل من وضع دوريات؛ لأننا بالتجربة لاحظنا أن الدوريات ربما أخذت طابعاً مغايراً عما وضع ورسم لها.
5- إقامة حلقة تحفيظ قرآن وما يتبعها من رحلات تربوية هادفة، سواء في داخل البلد أو خارجه، مثل: رحلة عمرة أو حج.
6- دعوة بعض الدعاة لإلقاء الكلمات من حين لآخر في المسجد، والتأكيد على المواضيع التي تهم المسلم.
7- إعداد مسابقة لأهل الحي لكل شهر أو شهرين وجوائزها.
8- التعاون مع النشطين في الحي، وذلك بتوزيع الكتب والأشرطة، ومتابعة المتهاونين في الصلاة وزيارتهم، وكذلك باقي المنكرات.
9- التعاون مع أئمة المساجد المجاورة والتنسيق معهم في صالح الدعوة، بحيث يكون للإمام اجتماع مع مجموعة من الأئمة في الأحياء المجاورة والتنسيق معهم في طريق إيصال الخير إلى الجميع، وتحذيرهم من أسباب الفساد والعقوبة.
10- الاهتمام بالملصقات الدعوية التي تعلق في المسجد وإعلانات المحاضرات.
11- القراءة عليهم بعد العصر حسب المصلحة، والقراءة عليهم بعد أذان العشاء حتى وقت الإقامة، في كل أسبوع يوم محدد؛ وذلك لنشر العلم الذي يسهم إسهاماً إيجابياً في صلاح المجتمع "فَلَوْلا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ" مرة في تفسير آيات، ومرة قراءة فتاوى.(115/1914)
الشورى وعدم الاستبداد بالرأي في أي قضية صغرت أو كبرت؛ لأنه نوع من التعامل بالغلظة والشدة الذي يورث النفور وكره الجماعة للإمام وتؤدي إلى عدم الاجتماع على الخير، بل إلى كره المسجد أحياناً.
12- الاهتمام بالرحلات الدعوية، وكذلك رحلة الحج والعمرة باختيار مجموعة مناسبة ومن يذهب معهم.
13- الاهتمام بالمواسم الدعوية، مثل: رمضان، والحج، بل أيام المحن والنكبات لإخواننا المسلمين، ودعمهم مادياً ومعنوياً.
14- الاهتمام بالجاليات، سواء العمالة، وكذلك الخادمات، وتوزيع الكتب والأشرطة عليهم، وربطهم بمكتب الجاليات في الحي، ووضع مسابقات لهم، والإجابة على فتاويهم وأسئلتهم، وحسن الخلق معهم، وحث أهل الحي على ذلك.
(((الإمام والنشاط الاجتماعي)))
1- الإفادة من المتقاعدين في خدمات الحي وغيرها.
2- الشورى وعدم الاستبداد بالرأي في أي قضية صغرت أو كبرت؛ لأنه نوع من التعامل بالغلظة والشدة الذي يورث النفور وكره الجماعة للإمام، وتؤدي إلى عدم الاجتماع على الخير، بل إلى كره المسجد أحياناً.
3- توثيق الصلة بالمسؤولين في الحي، والاستفادة منهم دعوياً واجتماعياً في إدارتهم التي يعملون فيها.
4- الحرص على إكرام أعيان الحي ومعاملتهم معاملة خاصة تليق بهم، بما يعود على الحي بالخير.
5- المشاركة في دورية للجيران كبيرة كل شهر ومصغرة كل أسبوع، فهي من أكبر الروابط في الحي، ورأيت ثمارها في بعض الأحياء.
6- حصر التجار والمسؤولين في الحي، والارتباط بهم أو ضمهم _إذا أمكن_ في الدورية الشهرية، والاستفادة منهم، وكذلك مديرو المدارس، فالدعوة تحتاج إلى أمور كثيرة، منها: المال الذي يسهل كثيراً من أمور الدعوة، وكذلك المسؤولون الذين يساعدون على إيصال الخير إلى دوائرهم وأحيائهم.
7- أن يكون للإمام دور مع أقربائه وزملائه بإقامة دورية شهرية، أسبوعية، فلا يكفي في حيه، بل في كل من جالسه من قريب وزميل.
8- أن يكون لدورية الحي قسط ثابت (100 - 50) يصرف في الكتاب، الشريط، محفظ القرآن، الجوائز.
9- العمل على إيجاد عمل جماعي مع أهل الحي، سواء كان للقيام بمشروعات معينة أو لمواجهة سلبيات الحي.
10- الاهتمام بالمؤسسات والدوائر الموجودة في الحي، وذلك بتعاون الإمام وغيره من أهل الحي مع تلك الجهات فيما يخدم الصالح العام، وتوثيق صلته بهم، ومن أهم هذه الجهات:
أ- مراكز هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ولا يخفى ما لهذه المراكز من خير ومنع الفساد، وهي بحاجة ماسة إلى التعاون معها كل في حينه.
ب- مراكز الشرطة.(115/1915)
ت- مكاتب الدعوة وتوعية الجاليات، وهي في حاجة إلى كوادر كبيرة من أهل الحي كل فيما يجيده، سواء في لجنة الكتاب – الشريط – المسلم الجديد – الموارد المالية - الإدارة.
ث- الجمعيات الخيرية.
ج- البلديات، وموظفوها الميدانيون خاصة.
ح- إدارات المدارس في الحي... وغير ذلك "مراكز الأحياء"
ـــــــــــــــــــ
المحاضن التربوية
فهد بن يحيى العماري
19/9/1424
ارسل تعليقك ...
لا توجد تعليقات ...
ارسل الصفحة ...
الى مشرف النافذة ...
طباعة ...
أيها المربون والمربيات، أَرسل إليكم الآباءُ والأمهاتُ فلذاتِ الأكباد، أرسلت إليكم الأمة أعز وأغلى ما تملك، أرسلت إليكم أجساداً لكي تنفخوا فيها روح الإيمان وأوعية لتملؤوها بوحي الله ، ولبنات لتجعلوها حصناً لهذا الدين وثماراً تؤتي أكلها كل حين ونوراً يهدي به الله من يشاء، فليست القضية أن تُملأ العقول بالنصوص ومن ثم تُلفظ على الأوراق وتُنال الشهادات، أو يحفظ القرآن في الصدور وتُجرى عليه المسابقات.
إن الأمة تنتظر أن تُخرجوا لها أُسْداً بالنهار ورهباناً بالليل عالمين عاملين.
أفلا حياء من الله أن يعيش المربي عشرات السنين في محاضن التربية ولم يقف يوماً بكلمة تؤثر في النفوس فتدمع العيون وتُترجم واقعاً عملياً في حياة النشء والقدوة القدوة، يا أيها المربون (لنكن دعاة صامتين قبل أن نكون متكلمين)، ومما يساعد على تلك التربية أمور منها:
- غرس الإيمان وحب العلم وخدمة دين الله في قلوب الناشئة وتربيتهم تربية جادة نحو التمسك الصحيح والاهتمام بهم وتوجيههم لكل خير كل بحسب قدرته وما يناسبه، وغرس الثقة فيهم وأنهم يعيشون لله ومن أجل دين الله لا لأنفسهم " قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ" (الأنعام:162)، والترقي بهم نحو أهداف منشودة وغايات نبيلة في معارج الخير والفضيلة وليلمسوا منا الشفقة عليهم والحب لهم أثناء التوجيه.
الأمة تنتظر أن تُخرجوا لها أُسْداً بالنهار ورهباناً بالليل عالمين عاملين.
- ربط الشباب حديثي العهد بالتمسك بالصالحين والتوصية عليهم؛ كإمام المسجد، ومدرس التوعية في المدرسة، ومدرس الحلقة، وطلاب العلم وتوثيق الصلات بينهم بالطرق ا لمناسبة.(115/1916)
- متابعة حديثي العهد بالتمسك عن طريق زيارتهم والسؤال عن أحوالهم وتوجيههم لكل خير، ودعوتهم واصطحابهم لحضور المحاضرات واللقاءات المفيدة، والدال على الخير كفاعله، وإهداء المفيد، وكسب قلوبهم، والسفر معهم لأداء العمرة وزيارة مسجد رسول الله _صلى الله عليه وسلم_، والارتباط بهم ببرامج مفيدة ومنوعة دون تضييع للأوقات، وكثرة اللقاءات، والعشوات، والسهر إلى ساعات متأخرة ربما كانت سبباً في ضعف الأخوة والانقطاع وعدم الاحترام والتقدير المتبادل، والقيل والقال، والتكاسل عن قيام الليل والوتر وصلاة الفجر، وطلب العلم، وحقوق الأهل والدراسة النظامية وغيرها من الواجبات "وأعط كل ذي حق حقه" رواه البخاري.
- إعداد جلسة فوائد منوعة أو تحت موضوع معين توزع على الجميع عناصره، بحيث يأتي كل واحد بفائدة مع ذكر مصدره،ا والإعداد المسبق لها، أو إعداد جلسة مكتبية تلحقها جلسة الفوائد في الوقت المناسب، وتعطى جائزة لصاحب أحسن فائدة.
- الالتحاق بالمراكز الصيفية الهادفة والبناءة، ومن ثم الصلة بعد ذلك بمن يلمس منهم الحرص والاستفادة والخير وتكليف البعض بذلك.
- تكليف أفراد المحضن التربوي أو أفراد العائلة بالتنسيق والتنظيم للمواعيد والزيارات وغير ذلك.
- المشاركة الفعالة طلاباً ومدرسين في الأنشطة المدرسية، وغرس الخير في قلوب الناشئة من خلالها، وتحبيبهم بالبرامج المفيدة والشيقة، وحث الآباء على التعاون في ذلك، واستغلال المدرسين هذه الآفاق في حصص الانتظار أو العشر دقائق الأولى من حصص المراجعة، وفي بداية العام قبل بدء المناهج وفي نهاية العام عند الانتهاء وفي حصص النشاط ودعوة الدعاة لإلقاء المحاضرات في مدارس البنين والبنات.
- الاهتمام بالوافدين من الدارسين والعاملين وتوجيههم حتى يعودوا إلى أوطانهم وهم أصحاب رسالة.
- زيارة العلماء والدعاة والقضاة وطلبة العلم ومراكز الهيئة للاستفادة منهم ونقل ما قد يخفى عليهم من أخبار المجتمع المسلم.
أفلا حياء من الله أن يعيش المربي عشرات السنين في محاضن التربية ولم يقف يوماً بكلمة تؤثر في النفوس فتدمع العيون وتُترجم واقعاً عملياً في حياة النشء
-ـــــــــــــــــــ
غير التهديد يجدي أيضا..
اللجنة التربوية
7/9/1424
ارسل تعليقك ...
لا توجد تعليقات ...
ارسل الصفحة ...
الى مشرف النافذة ...
طباعة ...
غير التهديد والتخويف يجدي أيضا
(((مشكلة)))(115/1917)
تكاد تتوقف تربية الكثير لأبنائهم على أسلوب واحد هو الأوامر المباشرة المقترنة بالتهديد عند عدم التنفيذ، وعندما يخطئ الطفل أو يزل فإن أساليب فجة تستخدم معه لمنعه من الوقوع في خطئه مرة أخرى، رغم كونه لا يزال طفلاً، ربما لا يفهم –كثيراً- لغة التهديد التي تمارس ضده، فالعقاب هو الحل الأوحد إن لم يفعل، أو إن فعل.
كما أن الحرص على تنمية مراقبة الله- تعالى- في نفوس أبنائنا يجعلنا أحياناً نخوفهم منه – سبحانه- وننسى أن هناك أساليب أخرى قد تكون أجدى في تقويمه، وآخر الطب الكي.
(((نظرة)))
إن الله – تعالى- في كتابه الكريم حينما خوفنا من أليم عقابه وناره، فإنه قد رغبنا في جنته ورحمته، بل رحمته وسعت كل شيء، وجنته عرضها السماوات والأرض، ورحمته سبقت غضبه.
(((ومهارة)))
وإننا حينما نريد أن نطلب من الطفل أن يصلي مثلاً فإن الأجدر أن نذكره بعاقبة الصلاة وأجرها وثوابها، قبل أن نهدده بالعقاب إذا تركها، وكأننا نرسم له طريق الخطأ.
الحرص على تنمية مراقبة الله -تعالى- في نفوس أبنائنا يجعلنا أحيانا نخوفهم منه -سبحانه-، وننسى أن هناك أساليب أخرى قد تكون أجدى في تقويمه، وآخر الطب الكي.
وعبادة الله تقوم على أركان ثلاثة: الحب، والخوف، والرجاء، فلماذا ننزع إلى جعل الرب – سبحانه- أداة تهديد فقط؟
ألا يمكن لنا أن ننمي في نفس الطفل محبة المنعم – سبحانه- ورجاء ما عنده قبل أن نهدده؟
وإنك حينما تقدم على عمل ما فإنك تعمل به بكل شغف وشوق وأريحية إذا كان الرجاء يحدوك، ويحرك أركانك، فتقوم بعمله بإتقان بالغ.
ومن الرجاء الموجود لدى المربين أنفسهم استخدام الحوافز والجوائز التشجيعية التي تزيد المتربي شوقاً للعمل، وهذه الحوافز ليست هي الحوافز المادية فقط ، بل هناك أمور أخرى من الحوافز معنوية لها وقعها العميق في نفس الطفل.
(((خذ مثلاً)))
التشجيع، والألقاب الحسنة، والنزهة، بل والقبلة وغيرها من الأمثلة التي تناسب من تحت يدك، سواء كان طفلاً أو شاباً.
(((أما الجانب الآخر والأهم فهو: التربية بالحب)))
الحب هو تلك العبارة الرقراقة التي تنساب معها النفس بكل أريحية، فتنبسط لها الأسارير، وتعمل الجوارح دون كلل أو ملل، ودونما ضجر أو تأفف.
الحبيب يلمح إلى محبه بمراده، فيسارع المحبوب لتلبية إلماحه دون طلب صريح، فما بالك لو كان الطلب صريحاً؟(115/1918)
حينما يتربى طفلك في بيت تكتنفه المحبة وتظلل جنباته، وتنمو بذور المحبة في أحشاء هذا الطفل، ولا يزال يكبر وتكبر المحبة معه، فإنه إن شم من محبوبه –والذي يمارس معه دور التربية وزرع المحبة المتبادلة- طلباً معيناً يسارع لتلبية ذلك الطلب دون الإلحاح المعتاد.
وهكذا نحن نرى حال المحبين، المعلم المحبوب يرغب كل التلاميذ في تلبية رغباته، بل يعدون خدمته وجلب كأس من الماء له نوعاً من البر ورد المعروف له.
ولا شك أن كل الآباء الأسوياء يحبون أبناءهم، إلا أن شدة المحبة تجعل الكثيرين لا يبدون المحبة لهم خوفاً من ((الدلع)) والدلال، ويريدون من الأبناء أن يسلكوا الطريق السوي بأسرع وقت، ومهما كانت أعمار أبنائهم فإنهم لا يريدون منهم أن يخطئوا، وربما جعلوا من الخطأ الصغير كبيراً وهماً لا يفارقهم؛ لأن الطفل –كما يزعم- لم يستفد من التربية التي تلقاها من والديه عبر سنوات شيئاً!! لذلك قد يستخدمون لغة القسوة للتعبير عن عدم رضاهم بالخطأ، وبعد ذلك يحق لنا أن نقول: أليس من الممكن أن نجرب لغة ((المحبة)، ونعرض عن القسوة لنجعلها آخر الحلول الممكنة؟ خصوصاً حينما يبلغ الطفل سن العاشرة فما فوق بشروط ليس هنا محل تفصيلها.
ألا يمكن لنا أن ننمي في نفس الطفل محبة المنعم -سبحانه- ورجاء ما عنده قبل أن نهدده؟
(((مثال(((
بإمكاني حينما يخطئ ولدي أن أبين له خطأه بكل المحبة والود، فأقول على سبيل المثال: إن محبتي الكبيرة لك تجعلني أطلب منك هذا الطلب، لا سيما وأني قد تعاركت مع السنين، وأبدت لي –يا ولدي- أننا بهذه الطريقة نكون أسوياء، وسوف تتعارك معها أنت وستجدها كما وجدتها، فها أنا أدلك على الطريق فاختصر المسافة وابدأ من حيث انتهيت، ولا تحسبني في معزل عن جيلك وما يدور في خلدك، وإنك مدرك ما أقول لك لا محالة –إن كنت من الأحياء- طال الزمان أم قصر، بعد نضوج فكرك.
وهكذا حدثه بلغته التي يفهمها والأسلوب المناسب له.
إن من تحت يدك حين يدرك إدراكاً تاماً أن ما تقوم به يصب في مصلحته سوف يسارع في الإقدام عليه، لكن المشكلة هي أن يكون اللجوء إلى هذا الأسلوب هو الحل الأخير.
فكثير من الآباء يبدأ باستخدام القسوة زمناً طويلاً فإذا تبين له بعد زمن عدم جدواها راح إلى الطرف الآخر المغاير تماماً فوقع في الدلال، وهيأ لابنه كل ما تهفو إليه نفسه دون تردد.
(((ليس دائماً)))
وأخيراً أحب أن أبين بأنه ليس المراد باستخدام أسلوبي الحب والرجاء قبل التخويف أن يغرق المربي من تحت يده بالدلال، ثم إذا لم ينفع بدأ في استخدام العقاب، ولكن المقصود أن يستخدم هذه الأساليب متنوعة بحسب ما يفيد في تلك الحال.
فقد يحث ولده على صلاة الفجر مثلاً، ويبين فضلها وأجرها عند الله، بل لا بأس بأن يعده بهدية إن هو صلى، كما يجب ألا ينسى أن يذكر ابنه بأن أداء الصلاة نوع من(115/1919)
شكر المنعم - سبحانه-، فهو الذي رزقنا نعمة النوم، ونعمة الفراش الوطيء و...، فهو الحقيق بالشكر العملي، ولا بأس بأن يخوفه من عقاب تركها إن قرأ في عينيه الكسل عنها، فإن رأى أن شيئاً من ذلك لا يجدي فله أن يستخدم شيئاً من القسوة يبدؤها بالنظرة القاسية وينتهي بالضرب غير المبرح مبتعداً عن الإهانة والتجريح ونحوه، ثم لا يمل بعد ذلك من تكرار هذه الأساليب، ويجمع إليها شيئاً من الدعاء الملح، واستخدام أساليب أخرى مجدية، كإثارة روح التنافس بين الأبناء، أو مع غيرهم، وذكر أحوال السابقين في هذا المجال، وغير ذلك من الأساليب التي ثبتت جدواها.
ليس المراد باستخدام أسلوبي الحب والرجاء قبل التخويف أن يغرق المربي من تحت يده بالدلال
ولك خالص شكري وتقديري.
ـــــــــــــــــــ
الإغراق
باسم السبيعي
27/8/1424
ارسل تعليقك ...
تعليقات سابقة ...
ارسل الصفحة ...
الى مشرف النافذة ...
طباعة ...
تفسير:
من خيوط التربية خيط (الإغراق)..
الإغراق، هو: أن ترمي من تحتك من المتربين في بحر من الأفكار التي تريدها، أن تحيطهم بسيل من المواضيع ذات العلاقة، أن تروح عليهم وتغدو بحديث ينفعهم.
نعم افسح لهم وقتاً لحديث الدنيا، ثم ارجع عليهم بغيث متتابع من الحديث النافع في مختلف المجالات، اجعل كلامك الذي تتشرَّبه وتنضح به فيما ينفع؛ اجعل الإسلام مركز الدائرة التي تدور عليه أحاديث القوم.
ولا شك لا بد من التنويع،الناس أجناس، والطباع أنواع، لكن هناك هموم مشتركة، هناك أحاديث المجالس، هناك الخبر والقصة والترجمة والسالفة والتعليق، وفي كل ذلك أغرقهم بهموم الإسلام..
مثال:
أول الأمثلة في الإسلام، الإسلام يملأ قلوب أبنائه، يملأ الوقت والعقل..
صلاة فجر، ظهر، عصر، مغرب، عشاء، أذكار صباح ومساء، أذكار دخول وخروج، أذكار عارضة، بر والدين، صلة رحم، حق جار وحق طريق وحق صاحب...
دوامة من التشريعات والأفكار والأحكام.(115/1920)
الإغراق، هو: أن ترمي من تحتك من المتربين في بحر من الأفكار التي تريدها، أن تحيطهم بسيل من المواضيع ذات العلاقة، أن تروح عليهم وتغدو بحديث ينفعهم.
نعم افسح لهم وقتاً لحديث الدنيا، ثم ارجع عليهم بغيث متتابع من الحديث النافع في مختلف المجالات، اجعل كلامك الذي تتشرَّبه وتنضح به فيما ينفع؛ اجعل الإسلام مركز الدائرة التي تدور عليه أحاديث القوم.
في مجتمعك التربوي، أغرقهم بالهمم الكبار،اجعل من نفسك ومن ممن يتعاون معك محطة بث وضخ للأفكار المفيدة..
لاحظ أنه في بعض المجالس قد يتحدثون عن الحر والبرد، عن سرعة الوقت، عن النخل...، هذا إن لم يتحدثوا عن ملعب ومطعم وأخبار السيارات وموضات الشماغ والجوالات.
بل وفي مجتمعات بعض الصالحين تدور أفكار صغيرة؛ عراك بين اثنين رآه، زحمةُ طريقٍ ركبه، موقف عادي قابله، بل وربما موقف سخيف..
لم لا نشيع الحديث عن أحوال المسلمين، بل وواقع العالم عن أحكام فقهية، عن سنن قلما تفعل، عن تفسير آية وخبر أحاديث، عن سيرة عطرة من النبوة، من الصحابة، من العلماء، من العباد، من المجاهدين، بل ومواقف عطرة من عامة الناس..
عن محاضرة تقام، وشريط ينزل، وكتاب ينشر، عن مقال رائع في صحيفة، في إنترنت، عن حكمة أخذتها من الحياة، وخذ طوابير من الأفكار..
أسلوب:
قد يكون الإغراق: هو في المجالس العامة التي يجتمع فيها المربي بالمتربين، وقد يكون هو في الأحاديث الخاصة التي تدور بينك وبينه، وكلاهما مهم..
أما المجالس العامة فإنها أوفر وقتاً، وأبلغ في بيان أن مجالسنا العامة لا بد لها من هذا – فهذا امتداد أفقي -، وأما الأحاديث الخاصة فإنها أكثر تأثيراً وعمقاً وأنسب لخصوصية المتربي – فهذا امتداد عمودي-
في المجالس العامة: اسألهم بل وحضّر أسئلة، واكتبها في دفترك؛ لأن السؤال يحرك الأذهان، بل يفتحها فتحاً..
أو تحدث مع واحد وارفع صوتك تدريجياً حتى يتسع النطاق، أو تحدث مع شخص بينك وبينه رجلين أو ثلاثة حتى تشملهم!
أو إذا كانوا في موضوع فادخل معهم ثم ابحث عن "مخرج" إلى الحديث النافع..
ووجه حديثك إلى الشخصيات المؤثرة في المجلس، وعلى كل فإدارة المجالس تحتاج إلى حديث أطول من هذا، كما أنها تحتاج إلى صبر وجرأة وثبات ولباقة وبديهة..
أما في الأحاديث الخاصة فإذا انفردت بالمتربي فخاطبه بلطف عن أحواله وأحلامه، عن آماله وآلامه، عن أهله، عن مجتمعه، عن أي خيط يتعلق به؛ ثم اجمع خبراتك العلمية والتربوية والنفسية وخبراتك معه هو، ثم اسكبها في توجيه لطيف رفيع، اجعله يعرف عنك ومنك الهموم الجادة، الأفكار العالية، المواضيع الملتزمة..
إنه نافع فجربه!
تنبيه وفائدتان:(115/1921)
الإنسان ابن بيئته، فإذا أشعت الحديثَ عن شيء كانت بيئتهم؛ فتأثروا به _كل بحسبه_ ..
لا يلزم أن تكون في درس مخصص؛ بل اجعل نفسك درساً متنقلاً في المدرسة والمسجد والسيارة والمجلس وفي فراغات البرنامج، وقل خيراً فهو خير من أن تصمت، وخير من حديث باهت لا طعم له.
وحين تغرقهم بهذا الحديث يتشرّبونه؛ فينضحون به في أنفسهم ولغيرهم؛ خاصة لزملائهم في المجتمع التربوي، وهنا يبدأ النماء والأثر المضاعف؛ لأنهم سينقلونها لغيرهم الآن وفيما بعد؛ إنها تربية مزدوجة!
ومن أقل فوائده أن يعرفوك بهذا؛ فإذا كانوا يحبونك وجدوا في الحديث النافع سبيلاً إليك فحادثوك به؛ فأراحوك أولاً من حديث الدنيا، وأصبحوا بأنفسهم يبحثون عن الأخبار والأسئلة التي تنفعهم..
شاطئ:
رجال إذا الدين ناداهمُ أجابوا بـ"لبيك" قبل الصدى!
جرى حبُّ نصرته في العروقِ فأضحى بها المنهض المقعدا
إذا ابتدأوا همة في العلا ... ففي ظله خبر المبتدا
ـــــــــــــــــــ
الإيحاء التربوي
مشرف النافذة
9/8/1424
ارسل تعليقك ...
تعليقات سابقة ...
ارسل الصفحة ...
الى مشرف النافذة ...
طباعة ...
ما المقصود بالإيحاء ؟
إذا أطلقت كلمة الإيحاء فإنها تعني التأثير على النفس بدون تصريح أوتوجيه مباشر .
ما فكرة الإيحاء التربوي ؟
الفكرة باختصار : هي وضع لافتات في الأماكن العامة تحمل في طياتها (صورة وتعليقاً قصيراً) على تلك الصورة ، وتكون ثابتة لمدة طويلة .
ضوابط اللوحات :
1/ أن تكون اللوحة كبيرة وفي مكان بارز يكثر المرور عليه أو الجلوس حوله .
2/ أن يستطيع المار بالقرب من اللوحة قراءتها وهو يمشي ولا يحتاج إلى الوقوف ليقرأ أو يرى اللوحة .
3/على المصمم أو الرسام تغليب الصورة على التعليق؛ لأن أثر الصورة قوي ومؤثر .
4/ أن يكون التعليق قصيراً جداً ودقيقاًً في الوصف ليبقى في الذهن .
هل لهذه الفكرة تأثير على المشاهدين أو المتربين ؟(115/1922)
فكرة الإيحاء التربوي باختصار : هي وضع لافتات في الأماكن العامة تحمل في طياتها (صورة وتعليقا قصيرا) على تلك الصورة وتكون ثابتة لمدة طويلة .
عندما تتأمل قليلاً في أحد شوارع المدن الكبرى تجد أن على جنبات ذاك الطريق لوحات إعلانية ضخمة لاتحمل في داخالها سوى التذكير بالمنتج التجاري، بل وبعض الأحيان تجد اسم المنتج فقط دون أي وسيلة إقناعية أو عبارات ملفتة ، ومن البدهي أن الشركات لن تنفق على هذه اللوحات الأموال الطائلة دون فائدة ، ومن مزايا هذه الوسيلة أنها لا تعتمد على التوجيه المباشر ولا المواجهة، فليس هناك طريقة لأن يتناقش المستهلك مثلاً مع الشركة في حسن أو سوء ذاك المنتج ومع الزمن الطويل إذا كان المستهلك غير مقتنع بالمنتج فإنه سيتغير رأيه في ذلك؛ لأن الزمن والتكرار كفيلان بتغيير الرأي ،،
عفواً ،، على الإطالة لكن هناك علاقة وطيدة بين فكرتنا وبين أسلوب الوكالات الإعلانية .
كيف نعالج مشكلة التخلف عن صلاة الفجر مع الجماعة بأسلوب الإيحاء التربوي ؟
من المعلوم أن هذه المشكلة قديمة ومتكررة في كثير من مجتمعات المسلمين ، وعندما نريد حل هذه المشكلة فإننا نلجأ غالباً إلى التوجيه المباشر والمؤقت، وذلك من خلال إلقاء كلمة بعد الصلاة، مع العلم أن المستهدفين غالباً لا يكونون موجودين في وقت التوجيه، ومن الأساليب المعروفة كذلك توزيع مطوية تناقش هذه القضية بوضوح ودون أي تلميح .
أيها القارئ العزيز أرجو ألا يفهم كلامي الماضي على أن الطرق الماضية كانت غير مناسبة أو غير مجدية كلا بل كل الطرق التي ذكرتها لها تأثيرها ووقعها، ولكن هناك أسلوب جديد يبرئ الذمة _بإذن الله_ ، وهو وضع لافتات في الأماكن العامة التي يردها الناس، ونكون قد وصلنا إلى المستهدفين وأثرنا فيهم ..
تجربة سابقة :
في إحدى المدارس سأل المعلم طلابه عن صلاة الفجر، وكم شخص يؤدي تلك الصلاة في المسجد؟ فإذا بأغلب الفصل لا يصلونها مع الجماعة..
فكر المعلم بتوجيه مباشر يؤثر فيهم ويختصر المسافة في الإصلاح، فبدأ بالتوجيه والحديث الجلي الواضح، مع العلم أن الطلاب يعلمون الأحاديث الواردة في النهي عن التخلف عن صلاة الفجر وعقوبة ذلك، ومن سوء الحظ أن المعلم بدأ يشعر بنعاس الطلاب ففهم بعد ذلك بأن أغلب المعلمين في الحصص الأخرى يناقشون هذا الموضوع بأساليب متعددة يجمعها أسلوب التكرار واللوم،
فبدأ المعلم يفكر في شيء يؤثر في الطلاب دون أن يخاطبهم مباشرة أو يلومهم فجاء ت فكرة الإيحاء التربوي على النحو التالي :
1/ الذهاب إلى أحد المصممين وطرح الفكرة عليه .
2/ عرف المصمم ما الهدف من اللوحة ثم اختار صورة مناسبة لذلك ( صورة مسجد في ظلام )، ووضع الصورة في ثلاثة أرباع اللوحة .
3/ كتبت عبارة " بشر المشائين في الظلم بالنور التام يوم القيامة "(115/1923)
4/ وضعت هذه العبارة في الفصل وقريبة من السبورة بمقاس متر مربع( طباعة ملونة على بنر ).
5/ بقيت هذه الصورة مدة سنة كاملة في المدرسة، وكانت تتجول على الفصول .
فوائد مثل هذه اللوحات :
1/ معالجة المشكلة بأسلوب جديد ومحبب، وذلك من خلال عرض الصور .
2/ براءة الذمة، وذلك من خلال النصح الدائم غير المباشر .
3/ يحفظ الطالب الحديث المصاحب للصورة .
4/ توظيف كل شيء للدعوة، وذلك أن الجدار بدأ يتكلم بهذه النصيحة كل يوم .
أماكن مقترحة لتطبيق الفكرة :
1/ الفصول الدراسية .
2/ أماكن الانتظار ( المطار ، المستوصف ، الأسواق النسائية).
3/ البيوت ( المجلس ، الضيافة ، الصالة الداخلية ، غرف الأطفال ... )
4/ عند أبواب المساجد .
5/ مكتبك في العمل والمنزل.
اختر الأماكن التي يرتادها الناس، ولتكن صورة جميلة تعطي المكان رونقا وبهاء، وتوصل المدلول بأبهى صورة.
هذه الطريقة –أخي القارئ- استخدمت في تلك المدرسة على بنرات،فكرة رائعة أن تختار صوراً جميلة تعبر عما تريد ولو على ورق عادي A4 وتضعها في لواصق بالمنزل، أو تضعها في إطار وتغيرها بين آونة وأخرى..
ـــــــــــــــــــ
الأعمال الكبيرة - تجربة ابن باديس-
محمد العبدة
26/7/1424
ارسل تعليقك ...
لا توجد تعليقات ...
ارسل الصفحة ...
الى مشرف النافذة ...
طباعة ...
في عام 1931م تأسست في الجزائر جمعية العلماء المسلمين الجزائريين، وكان هذا العمل من أبرز الأعمال وأنجحها في نهضة الجزائر في العصر الحديث، واستقلالها عن فرنسا. كان هذا بعد مرور قرن كامل على احتلال فرنسا للجزائر (كانت بداية الاحتلال عام 1830م)، وبعد أن ظنت فرنسا أن الجزائر قطعة منها وإلى الأبد، وأنها تابعة لفرنسا ثقافياً وسياسياً. احتفلت فرنسا عام 1930م بمرور قرن كامل على احتلالها لهذا القطر الإسلامي، وأرادت أن يكون هذا الاحتفال لمدة ستة أشهر، ودعت إليه دول العالم، وقال أحد ساسة فرنسا في هذا الاحتفال: "لا تظنوا أن هذه المهرجانات من أجل بلوغنا مئة سنة، فقد أقام الرومان قبلنا فيه ثلاثة قرون، ومع(115/1924)
ذلك خرجوا منه، إن مغزى هذه المهرجانات هو تشييع جنازة الإسلام في هذه الديار" وكتب الكاردينال (لافيجري) بهذه المناسبة: "إن عهد الهلال في الجزائر قد ولّى".
أرادت فرنسا سلخ الجزائر عن هويتها ولسانها العربي، فمنعت تدريس التاريخ الإسلامي، والمدرسة التي تريد تعليم العربية تحتاج إلى إذن من الحاكم العسكري، ومنعت تفسير القرآن في المساجد، وصادرت الأوقاف الإسلامية وألحقتها بأملاك الدولة، وحولت بعض المساجد إلى كنائس وبعضها إلى مرافق دنيوية، وهدم بعضها لإنشاء الشوارع والساحات. إن صنع فرنسا هذا جعل الشعب الجزائري يعود إلى الأمية العلمية بعد أن كان أكثر الجزائريين عام 1830م يحسنون القراءة والكتابة، وكان في العاصمة وحدها مئة مدرسة، وكان في كل قرية مدرسة، وكانت الجزائر قوية أيضاً في اقتصادها، ولكن الماريشال (كلوزيل) نهب عشرات الهكتارات من الأراضي الخصبة بعد أن قتل أصحابها أو نفاهم من بلادهم، لقد فعلت فرنسا في الجزائر ما لم تفعله دولة محتلة مع شعب مُحتل، حتى إنها استنكرت أن يصلي أهل الجزائر صلاة الغائب على الأمير خالد حفيد الأمير عبد القادر الجزائري الذي توفي في دمشق، مع أن فرنسا تقيم مئات التماثيل لتخليد ذكرى قوادها وكبرائها، ولكنها تقاوم صلوات على رجل خدم أمته.
في عام 1931م تأسست في الجزائر جمعية العلماء المسلمين الجزائريين وكان هذا العمل من أبرز الأعمال وأنجحها في نهضة الجزائر في العصر الحديث، واستقلالها عن فرنسا.
لم يمت الشعب الجزائري، وإن كانت حركته لمقاومة فرنسا قد هدأت بعد عام 1870م، والأمة الإسلامية أمة ولود وليست عقيماً؛ فمن عائلة كبيرة ذات تاريخ عريق في الجزائر جاء الشيخ عبد الحميد بن باديس ليعيد إلى الأمة روحها في مدينة قسنطينة في شرقي الجزائر ولد ابن باديس عام 1889م، وفي جامعة الزيتونة تخرج ورجع إلى الجزائر بعد أن اتفق هو وصديقه ورفيق جهاده الشيخ البشير الإبراهيمي على خطة واضحة لإنقاذ الجزائر من براثن فرنسا، يقول الإبراهيمي عن المدة ما بين (1920-1931م): كنا نتلاقى فنزن أعمالنا بالقسط، ونزن آثارها في الشعب بالعدل، وكانت مقدمة لتأسيس جمعية العلماء.
إنه عمل كبير جداً، ولكن ابن باديس بدأه بداية بسيطة: تدريس الدين والعربية، وتفسير القرآن في مساجد قسنطينة، حتى إذا نضجت الفكرة وتهيأت الأمور تأسست جمعية العلماء، وأسندت رئاستها إلى الشيخ ابن باديس ونائبه الإبراهيمي، ولم تقم هيئة علمية منظمة من علماء أحرار مستقلين في بلد آخر مثلما قامت في الجزائر، وكانت فرنسا تعتقد أن المسلمين لا يضطلعون بالأعمال العظيمة، فخاب ظنها، وفي عام 1938م احتلفت الجزائر ولمدة أسبوع بختم تفسير القرآن للشيخ ابن باديس هذا التفسير الذي امتد لمدة خمس وعشرين سنة، وكان حدثاً يستحق هذا الاحتفال.
اجتمع علماء الجزائر على اختلاف طبقاتهم ومن كل الجزائر، واتحدوا على أهداف واضحة محددة، ومن أعظم إنجازات هذه الجمعية:
1- محاربة البدع والخرافات، وتطهير عقائد الإسلام وعباداته من الانحراف والضلال.(115/1925)
2- إحياء تاريخ الإسلام.
3- الشروع العاجل في تعليم العربية للصغار، ودعوة كل المتخرجين من الزيتونة للمساهمة في هذا العمل.
4- إبراز فضائل الإسلام: إيثار العزة والنفور من الذلة، بذل المال والنفس في سبيل الدين، نشر التآخي بين أفراد المجتمع، ومحاربة الرذائل التي شجعها الاستعمار.
5- المطالبة باستقلال المساجد والأوقاف عن الدولة وإلحاقها بالجمعية.
6- أنشأت الجمعية الصحف والمجلات لتبصير الشعب بحقوقه وواجباته، كما أنشأت آلاف المدارس وبعض المعاهد العليا.
وأعلن الشيخ ابن باديس رداً على فرنسا: "إن الأمة الجزائرية ليست هي فرنسا، ولا يمكن أن تكون فرنسا، ولا تستطيع أن تكون فرنسا ولو أردات؛ لأنها بعيدة في لغتها وأخلاقها وعنصرها ودينها..." وأصبحت الجمعية هي روح الجزائر، فإذا ذكرت الجزائر ذكرت الجمعية، حتى إذا شعرت بقوتها واجتماع الناس حولها، وبرز منها القادة والعلماء، شاركت في الأمور السياسية ثم كان مقاومة بالقوة، ثم كان الاستقلال عن فرنسا.
لم تقم هيئة علمية منظمة من علماء أحرار مستقلين في بلد آخر مثلما قامت في الجزائر، وكانت فرنسا تعتقد أن المسلمين لا يضطلعون بالأعمال العظيمة، فخاب ظنها
بدأ ابن باديس عمله بداية سهلة لينة وانتهت صارمة ممتنعة، لم يفطن لها المستعمر الفرنسي أول الأمر وظنه شيخاً مثل باقي الشيوخ الذين يدرسون الأطفال في المساجد، ولكنه كان الرجل الذي ينحت في الصخر تحت خرير الماء الهادئ حتى أتى على الصخر وأزاله من طريق الأمة.
----------------------
(*) وذكرهم بأيام الله، ط 1423هـ، كتاب المنتدى – سلسلة تصدر عن المنتدى الإسلامي.
ـــــــــــــــــــ
التربية المزدوجة
باسم السبيعي
16/7/1424
ارسل تعليقك ...
تعليقات سابقة ...
ارسل الصفحة ...
الى مشرف النافذة ...
طباعة ...
تفسير:
من خيوط التربية خيط (التربية المزدوجة): أن تربي من تحتك من شاب وابن وطالب بل ورجل وامرأة عن طريق تربيته هو لغيره، وتوجيه هذا لهذا وهذا لهذا..(115/1926)
قد تكون عندك الفكرة أو المعنى تريد إيصاله إلى من تحتك، فالتربية المزدوجة أن توصلها إلى بعضهم ثم تكلفهم أن يوصلوها إلى البعض الآخر، وهكذا...
قد تراها هكذا سهلة؛ ولكن حين تزدحم بك الأعمال، وتتلفت باستعجال فلا تجد من تظنه يحمل عنك دعوتك، فهنا قد تغرك نفسك أن تتولى أنت أمر كل تربية لمن هم تحتك، وحينئذ تعال إلى التربية المزدوجة.
مثال:
الدعوة كلها مثال للتربية المزدوجة، وفي حديث عمرو مرفوعاً: "بلّغوا عني ولو آية".
ومن الأمثلة: أن تحفِّظه الجزءَ من الآي أو الحديث ثم يحفّظه هو لغيره، أو تشرح له ثم يشرحه هو..
ومنها: أن توصيه بدعوة من دونه، بالتعرف عليه وكسب قلبه والنفوذ إلى فكره..
ومنها: أن تجعل بعض من تحتك يلقي جزءاً من كلمتك التي تريد إلقاءها بمعناها لكن بلفظه هو لا لفظك..
من خيوط التربية خيط (التربية المزدوجة): أن تربي من تحتك من شاب وابن وطالب بل ورجل وامرأة.. عن طريق تربيته هو لغيره، وتوجيه هذا لهذا وهذا لهذا..
ومنها: أن توصي الجبان بتشجيع الجبان، وتحرّض ضعيف الهمة على تحميس ضعيف الهمة، وأن تكلف المعجب أو المغرور بكلمة عن الغرور أو العجب، وهكذا...
فائدة:
وفي التربية المزدوجة فوائد:
منها: تعليمه بالمثال فنون الدعوة، طبيعتها، همومها، أسرارها سيظل يطرق الأبواب حتى يوصل الرسالة التي أرسلته بها،
ومنها: أن تبليغك المتربي الأول الرسالة التي سيبلغها إلى المتربي الثاني هو بمثابة ترسيخ لها فيه، وغرسها في أعماقه غرساً، وجعل قلبه يتكلم بها تكلماً قبل لسانه!، وكلما حضَّر لها أو كررها في نفسه ضربت جذورها في قلبه، فإذا حصل أن دافع عنها أمام معارض أو لقي موافقاً لها فهنا يا جبال اثبتي!
ومنها: توفير الوقت والجهد عليك، أيستطيع أن يتصل بكل أحد؟ ولو استطاع.. أيستطيع أن يوصل كل فكرة؟ التربية المزدوجة أرقام متضاعفة تضيفها إلى حساب الدعوة، امتداد في الزمان والمكان، تنوع في نوعيات المستفيدين، أما أن تقذف نفسك في كل موقف فهو رهق لطاقتك، وتقصير في التفاتك لنفسك، وتحجيم لمساحة الدعوة.
ومنها: أنهم قد يملون من صوتك وصورتك؛ إذ أنت وحدك تكرر على الناس تطلع عليهم: تعلم وتخطب وتأمر وتنصح وتدعو، وقد ترمى بالمركزية والعجب وحب الثرثرة..!
ومنها: أنك سترحل عن من تحتك يوماً ما، فلا بد لك من خلائف لئلا يغرقوا في الفراغ.(115/1927)
ومنها: أن يشعر من تحتك بأن هذا الرأي رأي جماعة؛ فيها فلان وفلان، وفيها المربي والمتربي، لا رأي واحد يعيد نفسه، فيتأثرون بكثرة القائلين كما يتأثرون بحسن القول.
ومنها: أن من طلابك من هو أقدر منك في بعض فنون الدعوة، أو على الأقل في دعوة بعض النوعيات والأشخاص.
ومنها: أنها دعوة فردعية (فردية جماعية)؛ فهي تحقق ميزة الدعوة الفردية من حيث قرب التأثير ووضوح المعنى وقوة العاطفة، وتحقق ميزة الدعوة الجماعية من حيث الشمول واختصار وقتك وطاقتك.
شاطئ:
أنت نشءٌ، وكلامي شعلٌ ... علَّ شدوي مضرمٌ فيك حريقاً
منتهى الآمال مني أن أرى ... قطرةً فيك غدت بحراً عميقاً
الدعوة كلها مثال للتربية المزدوجة، وفي حديث عمرو مرفوعاً: "بلّغوا عني ولو آية".
ـــــــــــــــــــ
هكذا ربّاني جدي علي الطنطاوي
عابدة المؤيد العظم
4/7/1424
ارسل تعليقك ...
لا توجد تعليقات ...
ارسل الصفحة ...
الى مشرف النافذة ...
طباعة ...
حفيدة الطنطاوي – رحمه الله – تروي تجربته التربوية ، وقامت بنشرها في حلقات في مجلة "المجتمع" الكويتية" عام 1417 هـ ، ثم جمعتها في كتاب يحمل هذا العنوان ، نشرته دار المنار عام 1418 هـ ، وأعيدت طباعته عام 1421 هـ ، ونحن ننقل ملخص تجربة الشيخ علي الطنطاوي _رحمه الله_ من هذا الكتاب .
تجربة تربوية فريدة:
تقول حفيدة الشيخ علي الطنطاوي – رحمه الله – عابدة المؤيد العظم عن تجربة جدها: اهتم جدي بموضوع التربية، ونبه الناس إليه في خطبه وكتبه وأحاديثه، وذلك بإنشاء دعامتين أساسيتين:
1- بناء الإيمان العميق.
2- زرع الإحساس الدائم بمراقبة الله.
وضرب لذلك مثلاً وهو عملية البناء، فهو لا يقوم إلا بأساس، ويضع من أراد أن يبني أساساً متيناً بحسب عدد الطوابق، وكلما زادت الطوابق زاد الأساس، ونحن نريد جيلاً عميق الإيمان قوي البنيان يفهم الإسلام فهماً صحيحاً مستقيماً لا اعوجاج فيه، ويتوجب على المربي استغلال المواقف لغرس هذه المبادئ مع التركيز الدائم.(115/1928)
اهتم جدي بموضوع التربية، ونبه الناس إليه في خطبه وكتبه وأحاديثه، وذلك بإنشاء دعامتين أساسيتين:
1- بناء الإيمان العميق.
2- زرع الإحساس الدائم بمراقبة الله.
ثم أتم جدي مثاله: تأتي بعد ذلك أعمال مهمة مكملة، لكنها ليست من الأساسيات، مثل: بناء الحوائط ووضع الشبابيك والتركيبات الداخلية، فهي مثل السنن المؤكدة التي ينبغي أن نشجع أبناءنا عليها بطرق متعددة لكن لا نجبرهم عليها، وأخيراً تأتي التشطيبات النهائية حيث يتم كل فرد بناء بيته حسب ذوقه، الرخام أو الدهان أو ورق الجدران...
وأكثر ما يعجبني في جدي أنه كان قدوة في كل ذلك يطبق ما يدعو إليه، فأثبت أن عمل الدعاة في التوجيه لا يتناقض مع تربية الأبناء، فكيف استطاع ذلك؟
بدأ بالتنبيه إلى وجود الله وقدرته منذ طفولة بناته، فإذا طلبت إحداهن منه شيئاً، قال لها: اطلبيه من الله فهو يسمعك ومعك أينما كنت، فإذا أتى بالمطلوب بعد أيام، قال: لأنك قلت: يا رب، رزقني الله مالاً وقدّرني على شراء ما تريدين، وربما اشترى لهن شيئاً لطيفاً ووضعه على طرف سريرها بعد أن تنام، وفي الصباح يخبرها إذا سألت بأن الله رزقها فلتحمده ولتشكره.
وإذا أقدمت إحداهن على ذنب صغير بَيَّن لها أنه عمل سيئ وطلب منها الاستغفار والتوبة لئلا يغضب الله منها ويحرمها ثوابه ولا يجيب دعاءها، وصارت إحداهن تدعو أحياناً بالمستحيل لشدة ثقتها بقدرة الله وقربه منها.
وقد كان يراقبنا عند الوضوء – مثلاً – وينبهنا إلى وجوب غسل العقب جيداً ويحذر: "ويل للأعقاب من النار".
وعندما رأي صلاتي السريعة – ولما تفرض عليَّ الصلاة – أخذني إلى غرفته ونصحني وذكرني وبيّن أن الصلاة المطمئنة الخاشعة لا تأخذ أكثر من خمس دقائق ولا شيء أهم من الصلاة أستعجل لأجله،
كما كان يمنعنا منعاً عنيفاً من نتف الحواجب أو الأخذ منها ويصوره من العظائم، وكذلك يفعل في لبس ما يصف أو يشف.
أما السنن فكان يحثنا عليها دائماً ويرغبنا ويشجعنا بالجوائز – أحياناً – لكنه لم يكن يجبرنا أو يكرهنا على شيء منها.
ملامح من شخصية المربي الناجح:
تقبل النقد:
في بعض الجلسات العائلية يطلب منا أن نعينه على نفسه فنهدي إليه عيوبه، كنا نشعر بالحرج فهو كبير العائلة، ونحن نحبه ونحترمه، لكنه كان يصرّ على سماعنا ويقنعنا بأنه لا يوجد كمال في الدنيا، والإنسان – مهما كان منصفاً – لا يستطيع معرفة نفسه تماماً، وأن يُبَصَّر المرء في الدنيا بعيوبه خير من أن يحاسب عليها في الآخرة... فنذكر له على استحياء وأدب بعض ما نعرفه فيشكرنا ويعد ببذل جهده للتقويم، وعند اتفاقنا يشهدنا جميعاً بأنه سيحاول التغلب على عيبه ويرجو منا تنبيهه إذا نسي وعاد...(115/1929)
هيبة المربي:
ينجح كثير من الآباء في أن يكون مهاباً قاسياً، يسير أهل بيته وفق مشيئته، لكن قليلاً منهم من ينجح في ضبطهم بالمحبة والمودة واللطف واللين، وهكذا كان جدي، فقد كان يتابع أحوالنا ويهتم بأمورنا ويسأل عن كل فرد، ويحل مشكلاتنا المادية والمعنوية على كثرتنا، ورغم هذا اللطف فقد كان حازماً في موضع الحزم.
فربما مازحنا ثم يعرّفنا أنه حان وقت الجد، وإذا أخطأنا تارة أو تقاعسنا عن ندائه رمانا بنظرة صارمة فتردنا عن الخطأ، وإن كان الخطأ كبيراً زاد إلى نظرته كلمات قاسيات معبرات بهدوء ودون صياح، فالصياح يفقد المربي هيبته، والانفعال يقلل من احترامه ويُدني منزلته، وكانت الأمور تقف – غالباً – عند هذا الحد، ولئن كان قد اضطر – نادراً – إلى ضرب بعض الأحفاد – كما سمعت – فلأن آخر الدواء الكي.
ونظريته التي علمها بناته أن الضرب للتأديب لا للانتقام، فلم يضرب أحداً؛ لأنه كسر شيئاً دون قصد ولو كان ثميناً، بينما عوقب أحد الأحفاد حين كسر زهرية رخيصة عبث بها فوقعت أرضاً، وعلة العقاب التمرد على القانون فالزهرية للزينة لا للعب.
قد يكون المربي اليوم هو الأقوى والأقدر، لكنه غداً الأضعف والأحوج إلى الرعاية والعناية والبر والحب، وما لم يفكر بهذا فهو الخاسر، والضغط يولد الانفجار.
مع الصغار:
في عالم الصغار:
كان جدي لطيفاً معنا – ونحن صغار – ودوداً، يرحب بنا إذا دخلنا غرفته تاركاً ما بيده مقبلاً علينا فيجلسنا على ركبتيه ويمازحنا ويتفاعل مع قصصنا.
وإذا وجد منا فتوراً ابتكر أسلوباً ليدخل البهجة لقلوبنا، فربما بنى لنا من وسائد الكنب بيتاً للعب، أو صنع لنا طعاماً نسرّ بتناوله، وربما خرج بنا في نزهة ممتعة، والأمثلة على ذلك كثيرة.
فيا أيها الآباء: ادخلوا عالم أولادكم وعيشوا معهم جَوَّهم وخاطبوهم بلغتهم، واعلموا أن لكم بإدخال الفرحة قلوبهم أجراً ومثوبة، ثم استغلوا هذه اللحظات من القرب في التوجيه وزرع المفاهيم والقيم والأفكار التي تريدون.
المراقبة والمتابعة:
لما كان الكبار يعجزون عن حل شجاراتنا حيث لا يعلمون الظالم من المظلوم، صار جدي يلقي علينا نظرة بين الحين والآخر من نافذته المطلة على الحديقة ليتأكد من سلوكنا، فإذا لاحظ شيئاً مريباً على أحدنا نبهه آخر النهار دون أن يلاحظ الآخرون، وإذا حدث شجار وصراخ وقف بهدوء خلف النافذة مراقباً ما يحدث، ونحن منشغلون بالمشاجرة ثم يخرج إلينا – وهو عالم بما جرى – فيحقق في الأمر دون أن يشير إلى ما رآه، ثم يوقع العقاب على من يستحقه فقط.
الصدق مع الصغار:
حدثتني والدتي أنها اشتكت – وهي صغيرة – ألماً في بطنها، فرأى الطبيب حاجتها إلى صورة إشعاعية، وهذه الصورة تحتاج إلى تناول شَربة من الملح الإنجليزي ذي الطعم البشع والرائحة الكريهة، إلا أن أمي رفضت تناوله فحاولت معها جدتي لإقناعها بأن طعمه ليس كرائحته، فلما تذوقت بعضاً منه ازداد إصرارها على عدم(115/1930)
شربه، فحاولت الجدة لإجبارها ورغبت ورهبت لكن دون جدوى، فلما حضر جدي قام بتولي المهمة، فكان صادقاً وأخبرها ببشاعة طعمه، وأنه هو لم يستطع – مرةً – أن يشربه، وطلب منها أن تكون أشجع منه وأقوى، وتفعل ما لم يستطعه هو؛ ليتم لها الشفاء _بإذن الله_ قالت أمي: عندما صدقني والدي شربته جرعة واحدة وأنا سادة أنفي مغمضة عيني، لشعوري بأنه مقدر بمعاناتي غير مستخف بآلامي.
إن الأطفال أذكى مما نتصور، فسرعان ما يكتشفون كذبنا عليهم فيلجؤون إلى الأسلوب ذاته للتعامل معنا، والكذب سهل الاكتساب صعب العلاج.
ورغم صدق أهلنا معنا إلا أننا لجأنا في بعض المرات إلى الكذب خوفاً من العقاب، فما تساهل جدي في هذا الأمر، إلا أنه عالجه بحكمة، فإن شك في كذب أحدهم استدعاه ووعده إن صدق بألا يعاقبه، فإذا سمع منه وجهه وعلمه لئلا يخطئ مرة أخرى، وبهذا الأسلوب صرنا نصدقه ونصدق أمهاتنا مهما كان حتى صار الصدق من طباعنا حتى لو أيقنا بالعقاب.
ومن ذلك تعامله مع التكاليف الشرعية والدنيوية، فقد كان يرغبنا فيها بالأجر والثواب لكنه يبين لنا صعوبتها كالصلاة والحجاب أول ما بدأنا فيه، ومن قوله: "كل المعالي ثقيلات على النفس، ترك التلميذ الرائي والإقبال على الدرس ثقيل، وترك العالم مجلس التسلية والاشتغال بالقراءة والإقراء ثقيل، وترك النائم فراشه والنهوض إلى صلاة الفجر ثقيل، وهجر الرجل زوجه وولده ومشيه إلى الجهاد ثقيل، ولا تنكروا وصف الدين بأنه ثقيل، فالله سماه بذلك في القرآن: "إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلاً ثَقِيلاً" (المزمل:5) لذلك تجد الطالحين أكثر من الصالحين والغافلين السادرين في الغي أكثر من السالكين سبيل الرشاد".
التربية بالتشجيع:
أهمية الثناء:
من ذلك أن جدي كان يركز على النواحي الإيجابية في شخصية كل حفيد مثنياً عليه أمام الجميع، مقدماً له الهدايا البسيطة التشجيعية من وقت لآخر.
هذه الطريقة بَنَتْ بيننا وبينه المحبة مع الثقة عندما لمسنا اهتمامه الخاص بنا، مما سهل مهمته في الإرشاد لنا، وتقبلنا منه النقد كما تقبلنا المديح، وسعينا للتخلص من السلبية فوراً لنحصل على ثواب الله ثم رضا جدي وثنائه علينا علناً.
أساليب مبتكرة للتشجيع:
كانت لجدي خزانة خاصة لا يملك مفاتيحها غيره، فيها أشياء كثيرة يسميها (النفائس) من طرائف وهدايا متنوعة الأشكال والأحجام تناسب الصغار والكبار والذكور والإناث من الأحفاد، وهي تصل جدي خفية، ويقدمها في الوقت المناسب مكافأة لمن يستحقها أو يحتاج إلى التشجيع، كما كانت تتجدد باستمرار، حيث يعطي بناته الكبار مبلغاً من المال ويوصيهن بشراء المزيد عند ذهابهن إلى السوق مما يفرح الأطفال.
كم ابتكر شهادات تقدير يخطها بالخطوط العربية تكون تذكاراً أو تقديراً لإنجاز متميز من أحد الأحفاد، فمرة فازت إحدى الحفيدات الصغيرات جداً بشهادة لنجاحها في صنع الشاي دون مساعدة أحد، فخطها وجعل من شهد الواقعة من الكبار أن يوقعوا عليها شاهدين، ومرة استحق أحد الأحفاد هذه الشهادة وسماها: (شهادة الذوق(115/1931)
الرفيع في إعداد المائدة)، ومرة حصل حفيد له صام أول مرة وعمره خمس سنوات على هذه الشهادة التي كتب فيها: (بسم الله الرحمن الرحيم.. يوم الأحد غرة رمضان 1411.. أول يوم صامه فلان وفقه الله وجعله من الصالحين.. مكة المكرمة).
ولم يكن جدي يبالغ في منح هذه الشهادات في كل المناسبات، بل يختار ما يظنه إنجازاً متميزاً لأحد الصغار، ولهذا بقيت لهذه الشهادات قيمتها، حتى إن بعض الأحفاد لا زال يحتفظ بهذه الشهادة بعد ربع قرن من الزمان.
من العقاب إلى الثواب:
اضطررنا لظروف البناء أن نجتمع في دار جدي، وكانت أمهاتنا يعاملننا كالكبار – مما يزيد بهجتنا – فإذا حضر وقت الأكل تركتنا أمهاتنا على طاولة الطعام دون إشراف نأكل ونتحدث، وربما تركنا الطعام نلعب ونضحك، وكانت أمهاتنا يقمن بتنبيهنا باستمرار لنكف عن العبث ونسرع في تناول الطعام، ورغم اجتهادنا في طاعتهن إلا أن شعورنا بالحيوية كان يلهينا – أحياناً – عن تلك التوصيات فنستحق العقاب.
ولما جاء جدي في العطلة الصيفية ورأى ما يحدث، دخل المطبخ، وتناول ثلاثة أطباق فوضع في أولها عشر ليرات، وفي الثاني سبع ليرات، وفي الثالث خمساً، ثم قال: أنتم في مسابقة "مَنْ ينهي طعامه أولاً" وهذه الليرات جوائز المسابقة، وأنا أنتظر الفائزين الثلاثة في غرفتي، مما أشعل الحماسة في نفوسنا، لقد استطاع جدي أن ينقلنا من جو التهديد بالعقاب إلى جو التربية بالثواب، بلمسة مبدعة، كما جعل إنهاء الطعام هدفنا، وجاء رغبة ذاتية.
تقويم علاقة الوالدين بالأولاد:
التربية على بر الوالدين:
كان أولاً حريصاً على بناته، ربما سهر من أجلهن وربما منعهن من الدراسة بسبب قلة النوم فجعل البرمجة له، ثم كان يتحين الفرص لتركيزنا بأهمية البر، وأيضاً يؤنب من يسترخي وأمه تعمل، ولم يذكر أمه إلا وفاضت عيناه مما يجعلنا نخشى أن نفقد أمهاتنا ثم نتحسر بعد ذلك على عدم البر بهن.
العقاب الرادع:
لما حيل بين جدي وبين بلده دمشق استأجر – ذات صيف – منزلاً كبيراً في أحد مصايف الأردن الهادئة ليجمع شمل العائلة المفترق، لكن البيت كان بلا كهرباء، فلا تعمل الأجهزة فيه كغسالة الملابس مثلاً، وكنا نحن الصغار نلعب حول البيت في الحدائق والبساتين الواسعة، وفي المساء نعود وقد اتسخت ملابسنا، فنغتسل ثم ننام تاركين أمهاتنا لغسيل الملابس، وفي الصباح نجد الملابس نظيفة فنخرج بها بعد وصايا الأمهات للحفاظ على الملابس، لكننا ننسى التوصيات عندما نندمج في اللعب، وفي كل مرة يتكرر الموقف، وربما الضرب والمنع من اللعب، لكن ذلك لم يفد شيئاً، فكيف عالج جدي المشكلة؟(115/1932)
استخدم أسلوباً رادعاً قاسياً حازماً لكنه كان مفيداً فيما بعد، فلما عُدنا ذات ليلة منهكين من اللعب نحلم بالفراش، ألزم كل واحد بغسيل ملابسه قبل النوم كما كانت أمه تفعل، اعتذرنا وحاولنا لكن دون جدوى.
تعبنا تلك الليلة وتجرحت أيدينا الناعمة، وأنهكنا النعاس حتى أشفقت علينا أمهاتنا، ورجونه بالعفو عنا، لكنه كان مصمماً على المضي في العقوبة، لكن ذلك كان علاجاً ناجعاً طوال الصيف، فلم نعد بعدها لأنانيتنا وأثرتنا.
أساليب مختلفة للإقناع:
في نفس الدار كانت البهجة والسعادة، ولم نكن نشكو إلا من كثرة الأعمال المرهقة في المنزل، فلما كثرت شكوانا كلف جدي واحداً يطوف المنزل منادياً لاجتماع خاص بالأحفاد مما أثار الفضول في نفوسنا، فاندفعنا نحوه مسرورين، وقد تهيأنا لتقبل ما سيقال لنا، فأخبرنا أنه جمعنا بناء على شكوانا سالفة الذكر، وقال: إنكم أولاً تقضون النهار كله في اللعب، فهل يعقل أن ترهقكم الأعمال التي لا تتجاوز ساعة أو ساعتين، وثانياً: العمل رياضة مفيدة من وجهين: تحرك عضلات الجسم وتخفف العبء عن أمهاتنا فننال رضاهن ويرضى الله عنا، وثالثاً: إذا ساهمنا في الإفساد فلا بد أن نساهم في الإصلاح، ولو تقاعس الكل عن العمل فمن سيعمل؟ رابعاً: أمهاتنا مثلنا يستثقلن العمل لكنه واجب يجب القيام به. وأخيراً: العمل جزء من الحياة لا بد أن نتقبله، وقد تقبلنا أكثر منه أيام المدرسة، فخرجنا من الغرفة بنفس غير التي دخلنا بها.
العدل والحسم صفتان ضروريتان في المربي الناجح:
العدل في المعاملة:
بعد قناعتنا بأهمية العمل بقيت عندنا مشكلة: عدم شعورنا بعدم العدل، حملنا الشكوى إلى جدنا قاضي الصيف، وكل منا يناقشه لإقناعه بأنه يحمل العبء الأكبر حتى إذا انتهينا كلنا أعلن أنه سيحل المشكلة، ثم أمسك ورقة فكتب عليها الأعمال المنزلية المطلوبة يومياً، ثم عرضها علينا لينتقي كل واحد العمل الذي يفضله مراعياً أعمارنا وقدراتنا رغم تقاربنا مسنداً للأكبر أعمالاً أكثر أو أصعب، وبعد التوزيع بالتساوي سطر جدولاً منظماً كتب فيه أسماءنا بخط جميل وأمامها الأعمال التي اخترناها، ثم أطلعنا على الجدول ليتأكد من موافقتنا عليه، ووقع كل منا أمام اسمه، وعندئذ علق الجدول على الحائط في الصالة التي نمر عندها طوال اليوم، فكنا بعد ذلك نقوم بأعمالنا بسرعة وإتقان وعن طيب نفس، ثم نقضي نهارنا كما يحلو لنا.
لقد أراحنا جدي بإحساسنا بالعدل والمساواة، وكان طبعاً فيه، ولم أحس أنه فضل أحداً على غيره أبداً، ولقد علمت عندما كبرت أن بعض الأحفاد أحظى لديه من بعض فكان مفاجأة له، وبعض الصغار يملك من الصفات أو غيرها ما يجعله محبوباً مقبولاً بين الكبار، وهذا قَسْمُه فيما لا يملك.
فيا أيها الآباء: إن من حقكم أن تحبوا بعض أطفالكم أكثر من بعض، لكن من حقهم أن تبقى مشاعركم حبيسة قلوبكم فلا يحسوا بأي مفاضلة.
العدل في العطاء:
ومن الأمثلة على ذلك أنني عندما كنت في الثانية عشرة من عمري أردت ساعة جديدة، بيد أن والدي رفض ذلك بحجة أنني صغيرة، لكن جَدّي عندما جاء في(115/1933)
الصيف وعلم برغبتي تلك، صحح على إهدائي ساعة، وطلب من والدتي أن تأخذني وأختَيَّ فوراً إلى السوق وتشتري لكل واحدة منا ساعة بالمواصفات التي تريد، مع أن أختَيَّ لم تطلبا شيئاً ولم تعترضا على شراء ساعة لي وحدي، بل إن الصغرى كان عمرها ثمان سنوات ولم تتعلم بَعْدُ كيف تقرأ الوقت.
لقد أفادتني هذه الوصفة في تعاملي مع أبنائي، فكنت كلما ناولت ابني الكبير شيئاً وقف الصغير ذو العامين بكل أدب منتظر حصته دون اعتراض أو مزاحمة، بل كلما لعبت مع الأول انتظر الآخر دوره مهما تأخر...
علاج حاسم وصريح:
عاد أهلنا من إحدى السفرات لبيروت وكان معهم علب تحتوي قطعاً صغيرة من الحلوى اللذيذة التي يحبها الأطفال، وقد وافق زيارة بعض أقاربنا ومعهم صغارهم، فوزع أهلنا هذه العلب علينا وعلى صغار الأقارب فصار لكل واحد علبة.
أما نحن فقد حمل كل حفيد علبته ودار بها على أقاربنا الكبار الزائرين لتذوقها، فَسُرَّ أولادهم بذلك واحتفظوا بعلبهم مغلقة إلى حين اختلائهم بها، وأخذوا قطعاً من علبنا، ولما لاحظ جدي استغلالهم لكرمنا جمع الحلوى من أيديهم وجيوبهم وأعادها إلينا، وقال لآبائهم: إنه فعل ذلك ليعلم أولادهم أن ما فعلوه بخل واضح وطمع وأثرة لا يرضاها الله، ثم نبه الآباء إلى التربية وتقويم السلوك، وبيّن أن تصرف الأطفال هكذا مألوف لأنهم صغار، لكن الواجب على الآباء التوجيه لئلا يتحول السلوك العفويّ طبعاً يصعب الخلاص منه مستقبلاً.
وقد تنتقدون جدي لهذا التصرف، وأنا – رغم سروري بعودة الحلوى إليّ – إلا أنني وجدته غير لائق، لكن أقاربنا لا يجدوا فيه غضاضة، فجدي مربٍ للجميع، وقد نبههم إلى لمسة تربوية مهمة لم تخطر على بالهم.
لقد تعلمت أن الأسلوب المباشر مفيد في بعض الأحيان، فبعض الناس لا يدركون أنهم المعنيون إذا استخدمنا أسلوباً مبطناً، وأيقنت أن الخطأ الجلي الذي أمام الجميع يحتاج إلى تصحيح أمام الجميع.
تكوين الشخصية القوية والناجحة:
تنمية الشخصية:
كان جدي يكلفنا بالعمل الذي ينمي شخصياتنا ويصقلها حين يكلفنا بأشياء فوق مستوانا وفوق ما هو متوقع من قدراتنا، كما كان يضفي على تكليفه جواً من المرح يستحيل الصعب معه سهلاً ويصبح ممتعاً.
كنت صغيرة عندما طلب مني أن أصنع له قهوة، ولما قلت له: إني لا أعرف هوّن الأمر ثم أخبرني بخطوات صنع القهوة وفي الخامس منهن قال: خامساً: دعيها تغلي وتغلي وتغلي... حتى تغلي ستا وسبعين فَوْرة، وكدت – أثناء صنع القهوة – أعد الفورات لولا أن نبهتني أمي إلى أنه يمازحني.
وكان يدفع أحفاده الصغار للإمامة في الصلاة وهم حديثوا عهد بالبلوغ، وربما عهد إلى بعضهم بشراء بعض ما يلزم البيت وهم صغار، كشراء أشياء طريفة تفرح الصغار، ويترك لهم الخيار في الانتقاء، ثم يشكرهم ويشجعهم حتى لو أخطؤوا، وقد(115/1934)
كانت المبالغ التي يدفعها لهم أكبر بكثير مما اعتاد أمثالهم حمله مما يشعرهم أنهم قد كبروا في يوم واحد سنوات عديدة.
الجرأة في الحق:
عندما انتقلت إلى المرحلة الإعدادية كانت ساعات الدوام تبدأ بعد أذان الظهر بقليل، وتنتهي قبيل المغرب بدقائق، ولم يكن في شعبتي طالبة واحدة تصلي في المدرسة، بل ربما سَخِرْن مني لاهتمامي بالصلاة، ونصحنني أن أجمعها مع صلاة المغرب، ثم منعت رسمياً من الصلاة داخل غرفة الدرس، فشكوت لوالدتي ما لقيت، وسألتها عن جواز جمع الظهر والعصر كل يوم، فأفتتني بعدم الجواز، ثم شجعتني على الصلاة في المدرسة بإصرار، مستهدية بإرشادات جدي – الذي كان مسافراً – حيث علمهن ألا يخفن في الله لومة لائم، فعلّي أنا أيضاً ألا أخجل ما دمت أعمل لرضا الله، وقصَّت عليّ بعض مواقف جدي التي تعرض لها وخرج منتصراً، وأن من ابتغى رضا الناس بسخط الله سخط الله عليه وأسخط عليه الناس، وأشارت علي بحمل بساط صغير للصلاة عليه أمام الجميع في الاستراحة، وبعد مدة قصيرة تحولت نظرات الاستهزاء إلى نظرات احترام، مما أشعرني بالقوة والفخر والسعادة، وشجع ذلك طالبات صالحات في المدرسة على الصلاة في المدرسة، فصرنا نتناوب على الصلاة لعدم اتساع البساط.
إن الجرأة في الحق تدفع الظلم وتحفظ الحق.
العناية بالصحة والقوة:
لعدة مرات في طريق الخروج من المدرسة تحرض ابنة الجيران أخاها الصغير بإيذاء التلميذة الصغيرة بالحجارة، ويتبعها بالسباب والشتائم، حاولت التلميذة الصغيرة التسامح وحذرت البنت وأخاها من عواقب تصرفاتهم هذه عدة مرات، فزادت وقاحة البنت وتطاولت بالكلام؛ لأنها حسبت التسامح جبناً، فقررت التلميذة الصغيرة أن تدافع عن نفسها فوقفت بكل كبرياء وجمعت قبضتها كما علمها أبوها، وضربت المعتدية لكمة قوية في بطنها انثنت على إثرها متألمة ألماً شديداً، فعادت التلميذة إلى البيت منتصرة، ومن بعدها لم تتعرض لها البنت ولا أخوها بسوء.
كانت التلميذة الصغيرة هي والدتي، أما أبوها الذي علمها الدفاع عن نفسها، وامتدحها ذلك اليوم فهو جدي علي الطنطاوي، وكانت هذه إحدى لمساته التربوية في التسامح مع الضعيف، واستعمال القوة حين لا ينفع إلا القوة.
لقد علم جدي بناته كيفية الدفاع عن أنفسهن والطريقة الصحيحة في قبضة اليد ومكان ارتكاز الضربة...
وكان يمارس الرياضة دائماً، وقد اقتنى بعض أدوات التدريب الشائعة تلك الأيام، وكان يمشي مشية رياضية مشدود الظهر منتصب القامة ويعلمنا ذلك حتى لا تتأذى فقراتنا الظهرية..
كما كان يعتني بالغذاء الجيد ويوصينا بذلك، وبالمواد الأساسية اليومية في الغذاء، وكذلك النوم الجيد – عنده – من أهم أسباب المحافظة على الصحة.
تنمية المهارات:(115/1935)
كان جدي يستغل جلساتنا العائلية العادية فيحولها إلى جلسات علمية هادفة، وربما استشهد فيها بالشعر أحياناً، فيلتفت فجأة نحو أحد الأحفاد فيطلب منه إعادة البيت مرة أخرى لاختبار انتباهه وسرعة حفظه، كنا نجد في ذلك صعوبة فقد ننسى بعض الكلمات أو نرتبك، إلا أننا صرنا بعد ذلك ننتبه جيداً، وعودنا أنفسنا على حفظ الأشعار فور سماعها.
ومرة فكرنا بكتابة الشعر، فكتبناه في وصف الطبيعة ونحوها – بلا وزن ولا قافية! – ثم عرضناها على جدي بكل فخر، فلم يسخر منا بل شجعنا وخاطبنا على قدر عقولنا شارحاً بفكرة مبسطة العروض والوزن والقافية.
وعدما لاحظ نبوغاً مبكراً لدى أحد أحفاده وميلاً أدبياً أرشده إلى الكتب القيمة المفيدة وشجعه على الكتابة، وصار يصحح له ما يكتب...
ولما لمس مني اهتماماً بالتجويد صار يناديني من حين لآخر إلى غرفته ليصحح قراءتي، مما شجع بعض الأحفاد للانضمام إلينا، وعندما لاحظ عدم إعطاء بعض المدود حقها من بعضنا بسبب انقطاع النفس، صار يدربنا على الاحتفاظ بالنفس الطويل ويجري مسابقات في ذلك، ويشجع الذي يتحسن أداؤه عن اليوم السابق...
بل كان يشجع أي عمل إيجابي – مهما كان بسيطاً – فيحاور صاحبه موضحاً له قيمة عمله وحاثاً إياه على تقديم الأفضل، مغدقاً عليه من الثناء والتقدير.
الفرصة ذبابة:
استطاعت ذبابة التسلل – ذات يوم – إلى غرفة جدي، فطلب مني المسارعة بقتلها، فقمت بتثاقل، باحثة عن مضرب الذباب بتكاسل، ومشيت ببطء، ولما وصلت مكانها وجدتها قد طارت فبحثت عنها، إلا أنها اختفت بين كتب جدي وأوراقه، فغضب مني جدي لتباطئي في التنفيذ، خصوصاً وأنني أضعت وقتاً طويلاً ريثما عثرت عليها وقتلتها، يومها قال جدي: احفظي هذا الدرس جيداً يا ابنتي، وإياك أن تنسيه: "الفرصة ذبابة" إن فرص الحياة كفرصة قتل الذبابة تماماً، فإن تباطأت خسرت كثيراً، وستطير الفرص كما طارت الذبابة، وستحتاجين وقتاً طويلاً وجهداً للبحث عنها، وربما لا تعود.
تكوين فضائل الصفات والعادات:
الآداب الإسلامية الاجتماعية:
كان جدي يرسخ الآداب الإسلامية التي تعلمناها من أمهاتنا ويؤكد عليها، كاحترام الكبير والجلوس أمامه بطريقة مهذبة، وعدم رفع الصوت على صوته، وعدم الاشتراك في حديث لا يخصنا، وإذا أردنا المساهمة بالحديث انتظرنا الفرصة المناسبة ولم نقاطع المتكلم، وكان لا يسمح إلا لشخص واحد أن يتكلم وعلى الباقين الإنصات، وإلا تعرضوا لتنبيه، وكأننا في مدرسة نظامية.
وعندما تمتلئ الغرفة يطلب منا التفسح في المجالس، ونجلس الكبار أماكننا، وعندما نجتمع نحن الأحفاد الصغار وحدنا عنده كان يطبق عليها القوانين ذاتها فيخص أكبرنا بالمقعد المريح ثم الذي يليه... وهكذا، رغم قلة فروق السن بيننا، ويطلب من الكبير أن يفتتح الحديث ويتيح للجميع فرصة المشاركة لكن بنظام وبمراعاة الأعمار، ثم يطمئننا بأننا إذا قمنا على راحة الكبار سيأتي من يقوم على راحتنا إذا كبرنا.(115/1936)
الإيثار في الطعام:
مما علمنا ألا نتسابق إلى المائدة إذا جاء موعد الطعام، بل ننتظر حتى يجلس الكبار، ثم نتقدم نحن الصغار طامعين في ثواب الإيثار، ندعو بعضنا إلى المكان الجيد أو نتأخر عن الباقين في البدء بالطعام حتى لا تزدحم المائدة.
كما كان يوجهنا إلى الانتباه إلى عدد الحاضرين وإلى كمية الطعام لنقسم الكمية على عدد ا لحاضرين فنعرف حصتنا ونتيح الفرصة لغيرنا، ولذلك كنا نُبْقي آخر قطعة من أي صنف، وصرنا نسمي القطعة ا لأخيرة من الحلوى – من باب الفكاهة – القطعة المقدسة.
ومن الابتكارات التربوية لدى جدّي أنه ذات يوم جاء بلوح كبير من الشوكولاتة وقطعه قطعاً غير متساوية بل متفاوتة كثيراً في الحجم، ثم رتبها على صحن كبير، وأخذ يدور علينا يدعو كل واحد لأخذ قطعة – ليختبرنا ونحن لا ندري – وقد حدثتني إحدى الحفيدات أنها أخذت – ذلك اليوم – كبرى القطع، تقول: فنظر إليّ جدي طويلاً، وقال: لقد أخذت أكبر قطعة يا ابنتي، فشعرت بالحياء الشديد ولم أدر ما أفعل، ثم علقتْ: لقد مر على هذه الحادثة عشرون عاماً، لكني لم أنس أبداً هذا الدرس، ومن يومها صرت أختار من العصير أقله تعبئة ومن الطعام أقله كمية، وأتأخر في الطعام حتى يستوفي الحضور حاجتهم منه ثم أتقدم طمعاً في الثواب.
احترام الموعد:
احترام الموعد صفة لم يخلفها جدي أبداً، وكان إذا أراد الخروج يعد عدته ويجهز الأوراق اللازمة، ويلبس ثيابه ويجلس على كرسي عند الباب ممسكاً ساعة يدوية صغيرة مراقباً عقاربها، كارهاً دقائق الانتظار الأخيرة، وكنت إذا جلست عنده أتحدث ينشغل عني بانتظار السيارة التي سوف تقله إلى مبنى التلفزيون لتسجيل برنامجه.
وكان يتجهز قبل مواعيده بعشر دقائق، ويجلس في غرفة الاستقبال منتظراً من واعده من الزائرين، ويعد من يتأخر عن موعده مرتكباً ذنباً يستحق العقاب عليه، وقد انتظر – مرة – رجلاً واعده في زمن محدد، وانزعج كثيراً من تأخره، وبدا على وجهه حتى مرت ثلث ساعة كاملة، وحينها حضر الرجل، ففتح له الباب كاظماً غيظه، وأدخله غرفة الضيوف، ثم تركه وحده وجلس مع جدتي وبناته ثلث ساعة كاملة، بالقدر نفسه، تاركاً الرجل دون استضافة ليقدم له درساً عملياً بالأذى الذي يسببه تأخره على الآخرين، ثم استقبله وأكرمه،
أما نحن المقربون فقد كنا نحذر تقديم وعد لا نضمن تنفيذه أو الوفاء به.
تقدير النعم والمحافظة عليها:
الاعتناء بالأشياء:
عاش جدي حياة حافلة بالتغيرات، فكان العالم الذي فتح عليه عينيه ودرج فيه أيام طفولته غير العالم الذي تعيش فيه اليوم، فهو قد عايش التطور التقني من أوله، وبدأ حياته صعبة شاقة ثم دخلها التطور فصارت مريحة مما جعل للأشياء عنده قيمتها.(115/1937)
وخوفاً من أن يصيبنا البطر؛ لأننا لم نعانِِِِ كما عانى فقد أشعرنا بقيمة الأشياء في حياتنا، لما توفره من سرعة في الأداء وراحة من العناء، فواجبنا بالتالي المحافظة عليها.
بل كان يحرص حتى على الأشياء الصغيرة التي لا تخطر بالبال، لئلا يصبح سلوك عدم الاهتمام عادة يصعب التخلص منها، وقد كان ينهانا – مثلاً – أن نتناول شيئاً من التحف فنعبث به أو نقلبه بين أيدينا ونحن نتحدث، بل كان ينهانا عن شد شريط الهاتف اللولبي.
ولم يكن في قاموسنا أن الأشياء ترمى، بل كل شيء مرتب، والفاسد يصلحه، وما أنهكته الأيام فيعطى لعائلة تحتاجه.
المحافظة على النعمة:
فمن ذلك عدم ترك الأنوار مضاءة في الغرف الفارغة، وإحكام إغلاق صنابير المياه، وتناول المناديل من علبتها بحسب الحاجة، وأهم من هذا كله عدم رمي الطعام حتى كسرة الخبز فكان يخوفنا بعقاب الله إن رميناها، وأننا قد نحرم منها في الدنيا قبل الآخرة، بل يحرص حتى على عدم إبقاء شيء من الطعام في الصحون، ومما تعلمنا أن نأكل البائت ولا نجد في ذلك حرجاً.
في عالم الكتب وفي رحاب المعرفة:
الأحاديث المفيدة:
حين كن يحول جلساتنا العائلية إلى فائدة فإنها كانت أيضاً ممتعة ومسلية، حتى أننا – ونحن صغار – كنا نترك اللهو لننضم إلى هذه الجلسات، وقد كان يلتقط كلمة من الحديث الدائر بيننا ليحوّل بها مسار البحث وينتقل إلى الموضوع المفيد.
قال أحدهم بالفصيح: هل تغلق الباب من فضلك؟ فجعل جدي من كملة (تغلق) مدخلاً إلى حديث طويل ممتع سائلاً عن الدولة التي نسبت إلى (تغلق) ومتى وأين قامت فدخلنا في التاريخ والأعلام حتى وصلنا إلى الدين وما حققته هذه الدولة بسبب تمسكها بالإسلام...
وكان في نهاية هذه الجلسات يرشدنا إلى الكتب التي تفصِّل ما طرح من معلومات، وربما حدثنا عنها وعن مؤلفها مشجعاً على الرجوع إليها.
المراجعة في الكتب:
كان جدي يهتم بالإجابة على أسئلتنا المختلفة، مسمياً لنا الكتب التي استفاد منها مثنياً على علم مؤلفيها مؤكداً المراجعة فيها، حتى حفظنا أسماء بعض الكتب وأسماء مؤلفيها، بل وموضوعاتها الرئيسية من فقه وحديث وتفسير ، ونظام الكتب في التبويب...، وكان يدعونا أحياناً إلى مراجعة أسئلتنا الفقهية والدينية – رغم صغرنا – فيسأل: ما موضوع السؤال (تفسير، تاريخ، فقه)؟ وفي أي كتاب نتوقع الإجابة؟.. ثم يحيلنا على مكتبته الواسعة ونبحث بإرشاد جدي حتى نصل إلى المسألة فنقرأ ويشرح..
قيمة الكتاب:
ما رأيت جدي يحب شيئاً حبه للكتب، ولما اضطرته الظروف مفارقة بلده وترك بيته لم يسأل عن شيء من متاع أو مال غير كتبه، كتب متحسراً: (دنيا طالب العلم(115/1938)
مكتبته، ومكتبتي في الشام مودعة في خمسة وثمانين صندوقاً لم تفتح من إحدى عشرة سنة، ولست أدري أأكلتها الأرضة أم هي سالمة لا تزال؟ وأنا هنا محروم منها لا أستطيع الوصول إليها) ولعلها الآن قاربت الثلاثين عاماً.
لقد قال: إنه يقرأ في كل يوم ساعات، فإذا أقلّ القراءة يوماً قرأ مئة صفحة، وإني إذا حاولت استرجاع صورته تخيلته جالساً في زاوية مخصصة واضعاً نظارته ممسكاً بواحد من كتبه وقد حفت به أكوام من الكتب والمجلات والجرائد والأوراق مجمّعة على غير نظام تنتظر دورها للقراءة أو الفرز والتوزيع، هذه هي العدوى الأولى التي نشرها بين أهل بيته (حب الكتب).
والعدوى الثانية: احترام الكتاب والعناية به، حيث كان التعامل مع الكتاب علماً لا بد من إتقانه؛ لأنها نسخة واحدة قد يرثها الأبناء، أما تناول الكتاب من الرف فطريقته أننا نضع السبابة على الطرف العلوي من حرفه الخلفي ونميله برفق..., وتقليب الصفحات له فن آخر، كما كان يحظر علينا وضع قلم رصاص داخل الكتاب، أو نضع الكتاب مطوياً على الأرض... كما كان لا يسمح بخروج الكتاب خارج بيته إلا بظروف استثنائية وتحديد مدة، ثم يسأل المستعير عن كل ما قابله أو هاتفه، وربما ندم على استعارته.
فن القراءة:
يقول: (كنت طوال عمري عائشاً وحدي، أنيس كتابي، فكنت أمضي يومي – إلا ساعات المدرسة – في الدار لا أجد ما أشغل به نفسي وأملأ به فراغ حياتي إلا القراءة) ولقد تعلمت منه أن أقرأ كل يوم عدداً من الصفحات لا يقل عن عشرين – مهما كانت الظروف والمشاغل – فإني إن تعللت وتثاقلت عن المطالعة بسبب الظروف ما كنت لأقرأ أبداً؛ لأن الملاهي والصوارف لا تنتهي.
والطريقة الصحيحة التي علمنيها للقراءة:
1- أقرأ العنوان جيداً.
2- أنتبه لاسم المؤلف، فلا يصح أن أقرأ لأي كاتب، وقد سمى لنا بعض الكتّاب لا نقرأ لهم قبل أن يشتد عودنا كجورجي زيدان مثلاً.
3- أقرأ المقدمة بعمق، فهي تبين هدف الكتاب، ومحتوى الكتاب، والطريقة التي عرض بها المؤلف الأفكار...
4- أستعرض فهرس الكتاب فأستوعب محتواه وأحيط بمادته بنظرة سريعة شاملة.
5- أقرأ الخاتمة – إن وجدت – بعمق؛ لأنها الزبدة والمغزى.
وبهذا نأخذ فكرة عن مضمون الكتاب في زمن وجيز فإن أحببناه قرأناه أو تحولنا إلى سواه.
مهلاً قبل مغادرة القراءة:
نصيحتي لكم ألا تملوا من التربية بل ثابروا، وكرروا المحاولات، وليس شيء ينفع في التربية كالتكرار والمداومة على التوجيه.
إحدى الحفيدات مقصرة في دراستها رغم تميزها في مواهبها وقدراتها فكان جدي إذا رأى منها هذا العيب يقول:
ولم أرَ في عيوب الناس عيباً كنقص القادرين على التمام(115/1939)
لقد ردد على مسمعها هذا البيت مئات المرات شهراً بعد شهر، وعاماً بعد عام دون يأس، حتى استقام هذا الطبع فيها أو كاد.
وأرى مبتلاة بسرعة الكلام، فنبهها إلى ذلك العيب وأرشدها إلى إخراج كل حرف من مخرجه الصحيح مع إبطاء تدفق الكلمات، واتفق معها على أن تنطق كلمة واحدة كلما ضم أصبعيه وتصمت برهة ريثما يباعد بينهما، واستمرا هكذا سنوات عدة كلما اجتمع بها في الشام صيفاً ثابر على العلاج، حتى حسن كلامها.
وبعد:
فقد أهملت من تربية جدي الأمور العامة التي يشترك فيها معظم الوالدين، والتوجيهات التي يقدمها – عادة – الآباء للأبناء، وصرفت جهدي في تلمس تلك الملاحظات الصغيرة واللقطات العابرة التي بقيت عالقة في نفسي لإبداع جدي في عرضها.
إنها مواقف بسيطة تقع كل يوم في كل بيت مما يجعلنا لا نلقي لها بالاً ولا نعدها ذات شأن، لكن جدي نجح في اصطيادها فوضع منها منهجاً تربوياً متميزاً.
وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
ـــــــــــــــــــ
لماذا نفشل في الحوار مع أبنائنا؟
هاني العبد القادر
28/6/1424
ارسل تعليقك ...
تعليقات سابقة ...
ارسل الصفحة ...
الى مشرف النافذة ...
طباعة ...
قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: "كفى بالمر إثماً أن يضيع من يعول".
وقال ابن القيم الجوزية في كتابه (تحفة المودود بأحكام المولود) – ولاحظ ما يقول -: "وأكثر الأولاد إنما جاء فسادهم من قِبَل الآباء وإهمالهم لهم".
أما أبو حامد الغزالي فيقول: "الأبناء جواهر". ونقول له: صدقت – الأبناء جواهر – ولكن يا أبا حامد، كثير من الآباء – مع الأسف – حدادون مع هذه الجواهر.
أستغرب ممن يقول بكل ثقة: أولادي هم أغلى الناس، ثم يخبئ الكلام المهذب، والأسلوب الظريف ليقدمه للغرباء، ولا يكاد يقدم شيئاً منه لأولاده؛ مع أنهم أولى الناس بالكلمة اللطيفة، والتعامل اللبق.
ولعل هؤلاء شغلتهم متاعب التربية وروتينها عن حلاوتها ولذتها، وهي متاعب وآلام لا بد منها، ولا ينبغي أن تؤثر على علاقتنا بهم رغم شدة هذه المتاعب وكثرتها.. إنها كآلام الولادة! هل رأيتم أمّاً تضرب ابنها المولود حديثاً؛ لأنه سبب آلامها؟!! مستحيل.. إنما تحتضنه.. راضية.. سعيدة.. قريرة العين رغم كل ما تسبب فيه من معاناة وآلام. وكذلك التربية يجب أن نفصل فيها بين متاعبنا بسبب الأطفال، وبين تعاملنا معهم. يجب أن نبحث عن المتعة في تربيتهم، ولا يمكن أن نصل لهذه المتعة(115/1940)
إلا إذا نزلنا لمستواهم، هذا النزول لمستوى الأطفال: (ميزة) الأجداد والجدات، عند تعاملهم مع أحفادهم، ينزلون لمستوى الطفل، ويتحدثون معه عما يسعده، ويتعاملون معه بمبدأ أن الطفل هو صاحب الحق في الحياة، وأن طلباته مجابة ما دامت معقولة، ورغم أن الأطفال يحبون أجدادهم وجداتهم لا شك، إلا أنهم ينتظرون هذا التعامل اللطيف، والعلاقة الخاصة منا نحن، وتظل صورة الأب الشاب القوي التقي هي النموذج الذي يحبه الولد ويقتدي به ويتعلم منه كيف يقود البيت، ويرعى زوجته وأبناءه في المستقبل.
أستغرب ممن يقول بكل ثقة: أولادي هم أغلى الناس، ثم يخبئ الكلام المهذب، والأسلوب الظريف ليقدمه للغرباء، ولا يكاد يقدم شيئاً منه لأولاده؛ مع أنهم أولى الناس بالكلمة اللطيفة، والتعامل اللبق.
وتظل صورة الأم الشابة الأنيقة، ذات الدين والحياء والعفة، والذوق الرفيع هي النموذج الذي تتعلق به الفتاة وتقتدي به، وتتعلم منه كيف تكون زوجة وأماً، والفرصة لا تزال متاحة للجميع لتغيير العلاقة بالأبناء، تغييراً ينعكس إيجابياً عليكم وعليهم، سواء في التفاهم والحوار معهم، أو احترام شخصياتهم المستقلة، أو قبولنا لعيوبهم ونقائصهم. إذن: تفهم، واحترام، وقبول.
كل هذا ممكن أن نحققه إذا جعلنا علاقتنا بأبنائنا أفقية، كعلاقة الصديق بصديقه، يغلب عليها الحوار والتفاهم، أما إذا كانت العلاقة رأسية كعلاقة الرئيس بمرؤوسه، ويغلب عليها الأوامر والنواهي، لا شك سيكون تأثيرها الإيجابي قليل.
من علامات نجاحنا في التربية، نجاحنا في الحوار مع أبنائنا بطريقة ترضي الأب وابنه، ولكننا – للأسف – نرتكب أخطاء تجعلنا نفشل في الحوار مع الأبناء؛ وهذا هو مادة هذه المقالة (لماذا نفشل في الحوار مع أبنائنا؟)، وهو العنوان الثاني من العناوين التي تتناولها سلسلة حلقات (من أجل أبنائنا).
أهم أسباب الفشل في الحوار أسلوبان خاطئان:
الخطأ الأول: أسلوب (ما أريد أن أسمع شيئاً).
والخطأ الثاني: أسلوب (المحقق) أو (ضابط الشرطة).
الخطأ الأول: هو أننا نرسل عبارات (تسكيت)، وكذلك إشارات (تسكيت) معناها في النهاية (أنا ما أريد أن أسمع شيئاً منك يا ولدي). مثل العبارات التالية: (فكني)، (بعدين بعدين)، (أنا ماني فاضي لك)، (رح لأبيك)، (رح لأمك)، (خلاص خلاص)، بالإضافة إلى الحركات التي تحمل نفس المضمون، مثل: التشاغل بأي شيء آخر عن الابن أو عدم النظر إليه، وتلاحظ أن الولد يمد يده حتى يدير وجه أمه إلى جهته كأنه يقول: (أمي اسمعيني الله يخليك) أو يقوم بنفسه، ويجيء مقابل وجه أمه حتى تسمع منه.. هو الآن يذكرنا بحقه علينا، لكنه مستقبلاً لن يفعل، وسيفهم أن أمه ممكن تستمع بكل اهتمام لأي صديقة في الهاتف أو زائرة مهما كانت غريبة، بل حتى تستمع للجماد (التلفاز) ولكنها لا تستمع إليه كأن كل شيء مهم إلا هو.
لذلك عندما تنتهي من قراءة المقال، ويأتيك ولدك يعبر عن نفسه ومشاعره وأفكاره، اهتم كل الاهتمام بالذي يقوله، هذا الاستماع والاهتمام فيه إشعار منك له بتفهمه، واحترامه، وقبوله، وهي من احتياجاته الأساسية: التفهم، والاحترام، والقبول بالنسبة(115/1941)
له، حديثه في تلك اللحظة أهم من كل ما يشغل بالك أياً كان، إذا كنت مشغولاً أيها الأب أو أيتها الأم.. أعطِ ابنك أو ابنتك موعداً صادقاً ومحدداً.. مثلاً تقول: أنا الآن مشغول، بعد ربع ساعة أستطيع أن أستمع لك جيداً، واهتم فعلاً بموعدك معه.. نريد أن نستبدل كلماتنا وإشاراتنا التي معناها (أنا ما أريد أن أسمع منك شيئاً) بكلمات وإشارات معناها (أنا أحبك وأحب أن أسمع لك وحاس بمشاعرك) وبالأخص إذا كان منزعجاً أو محبطاً ونفسيته متأثرة من خلال مجموعة من الحركات: الاحتضان، الاحتضان الجانبي، والاحتضان الجانبي حتى نتخيله.. حينما يكون أحد الوالدين مع أحد الأبناء بجانب بعضهم وقوفاً، كما في هيئة المأمومين في الصلاة، أو جلوساً يمد الأب أو الأم الذراع خلف ظهر الابن أو فوق أكتافه ويضع يده على الذراع أو الكتف الأخرى للابن ويلمه ويقربه إليه، بالإضافة إلى الاحتضان الجانبي التقبيل بكل أشكاله، والتربيت على الكتف، ومداعبة الرأس، ولمس الوجه، ومسك اليد ووضعها بين يدي الأم أو الأب... وهكذا.. لمّا ماتت رقية بنت الرسول – صلى الله عليه وسلم – جلست فاطمة – رضي الله عنهما – إلى جنب النبي – صلى الله عليه وسلم – وأخذت تبكي .. تبكي أختها.. فأخذ رسول الله – صلى الله عليه وسلم – يمسح الدموع عن عينيها بطرف ثوبه يواسيها مواساة حركية لطيفة، ودخل علي بن أبي طالب وفاطمة ومعهما الحسن والحسين – رضي الله عنهم أجمعين – على رسول الله – صلى الله عليه وسلم-، فأخذ الحسن والحسين فوضعهما في حجره، فقبلهما، واعتنق علياً بإحدى يديه، وفاطمة باليد الأخرى، فقبّل فاطمة وقبّل علياً – رضي الله عنهما -.
حتى الكبير يحتاج إلى لغة الحركات الدافئة، فما بالكم بالطفل الصغير؟! والشواهد على احتضانه وتقبيله للصغار كثيرة جداً.
كان حديثنا في هذه الحلقة علاجاً للخطأ الأول في الحوار مع الأطفال، وهو ما لخصناه في عبارة (ما أريد أن أسمع شيئاً) أما علاج الخطأ الثاني من أخطاء الحوار، وهو أسلوب (المحقق) فهو حديثنا - بمشيئة الله – في الحلقة القادمة.. والله يرعاكم.
لا نزال معكم في أسباب الفشل في الحوار مع الأبناء.. وبعد عرضنا للخطأ الأول وعلاجه في الحلقة السابقة.. ها نحن نلتقي على علاج الخطأ الثاني، وهو: (أسلوب المحقق) أو (ضابط الشرطة)..
ومع مشهد ننقله كما هو بكلماته العامية:
جاء خالد لوالده، وقال: (يبه اليوم طقني ولد في المدرسة).. ركّز أبو خالد النظر في ولده، وقال: (أنت متأكد إنك مش أنت اللي بديت عليه)؟! قال خالد: (لا والله.. أنا ما سويت له شي).. قال أبو خالد: (يعني معقولة كذا على طول يضربك؟!).. قال: (والله العظيم ما سويت له شي).. بدأ خالد يدافع عن نفسه، وندم لأنه تكلم مع أبيه.. لاحظوا كيف أغلق أبو خالد باب الحوار، لما تحول في نظر ابنه من صديق يلجأ إليه ويشكي له همه إلى محقق أو قاضٍ يملك الثواب والعقاب، بل قد يعد أباه محققاً ظالماً؛ لأنه يبحث عن اتهام للضحية، ويصر على اكتشاف البراءة للمعتدي.. الأب في مثل قصة أبي خالد كأنه ينظر للموضوع على أن ابنه يطلب منه شيئاً.. كأن يذهب للمدرسة ويشتكي مثلاً، ثم يستدرك الأب في نفسه، ويقول: قد يكون ابني هو المخطئ، وحتى(115/1942)
يتأكد يستخدم هذا الأسلوب.. في الحقيقة الابن لا يريد شيئاً من هذا أبداً، إنه لا يريد أكثر من أن تستمع له باهتمام وتتفهم مشاعره فقط لا غير..
الولد يريد صديقاً يفهمه لا شرطياً يحميه، ولذلك يبحث الأبناء في سن المراهقة عن الصداقات خارج البيت، ويصبح الأب معزولاً عن ابنه في أخطر مراحل حياته، وفي تلك الساعة لن يعوض الأب فرصة الصداقة التي أضاعها بيده في أيام طفولة ابنه، فلا تضيعوها أنتم.
أسلوب المحقق يجبر الطفل أن يكون متهماً يأخذ موقف الدفاع عن النفس، وهذه الطريقة قد تؤدي إلى أضرار لا تتوقعونها.. خذ على سبيل المثال، قصة يوسف والسيف المكسور.. يوسف عمره سبع سنوات.. اشترى له والده لعبةً على شكل سيف جميل، فرح يوسف بالسيف، أخذه الحماس، وعاش جو الحرب وكأنه الآن أمام عدو، وبدأ يتبارز معه، وقع عدوه على الأرض، رفع السيف عليه وهوى به بشدة على السيراميك فانكسر السيف طبعاً، خاف يوسف من والده، فكّر في طريقة يخفي بها خطأه، جمع بقايا السيف وخَبَّأه تحت كنب المجلس.
جاء ضيف لأبي يوسف، وأثناء جلوسهم سقط الهاتف الجوال لأبي يوسف فانحنى لأخذه وانتبه عندها للسيف المكسور، عندما خرج الضيف، نادى ابنه (لاحظوا الآن سيأخذ الأب دور المحقق) صرخ قائلاً: (يوسف وين سيفك الجديد؟).. قال: (يمكن فوق..) قال: (إيه يمكن فوق.. ما أشوفك يعني تلعب به؟) قال الولد: (ما أدري وينه..). قال الأب: (ما تدري وينه؟ دوّر عليه أبغى أشوفه هالحين).. – ارتبك يوسف – ذهب قليلاً.. رجع قال: (يمكن أختي الصغيرة سرقته) صاح الأب قائلاً: (يا كذاب.. أنت كسرت السيف.. صح ولاّ لا..؟ أنا شايفه هناك تحت الكنب.. شوف ترى أكره شيء عندي الكذاب)، وأَمْسَكَ يد ابنه وضربه، ويوسف يبكي، أخذته أمه، ونام ليلته ودمعته على خده لتكون هي هدية والده وليست السيف.
في هذه القصة ظن الأب أنه معذور في ضرب ابنه؛ لأنه لا يريد أن يكون ابنه كذاباً، وهذا العذر غير مقبول نهائياً.. نقول له: ما الذي جعل يوسف يكذب غير أسلوك.. كان يكفيه أن يقول: (أشوف سيفك انكسر يا يوسف) يقول مثلاً: (إيه كنت ألعب فيه وكسرته) يقول الأب: (خسارة؛ لأن قيمته غالية).. وينتهي الأمر عند هذا الحد. وقتها يفهم يوسف عملياً أنه يستطيع التفاهم مع والده، وأن يقول مشاكله وهو مطمئن، وسيشعر بالخجل من نفسه ويحافظ على هدايا والده أكثر؛ لأن الأب أشعر يوسف بأنه مقبول رغم خطئه بكسر السيف.
أسلوب المحقق أدّى إلى الكذب، والكذب هو موضوع العنصر الثالث الذي سنتناوله – بمشيئة الله – في الحلقة القادمة.
والله يرعاكم.
ـــــــــــــــــــ
القراءة القيمة مفاهيم وآليات
بقلم/ أ.د. عبد الكريم بكار
1/6/1424
ارسل تعليقك ...(115/1943)
تعليقات سابقة ...
ارسل الصفحة ...
الى مشرف النافذة ...
طباعة ...
مقدمة:
الحمد لله الذي علَّم بالقلم، علَّم الإنسان ما لم يعلم، والصلاة والسلام على إمام الهدى ونبي الرحمة، نبينا محمد وعلى آله وأصحابه، ومن سلك سبيلهم إلى يوم الدين، وبعد:
قد كان لأمة الإسلام تاريخ حافل بالإنجازات الكبرى في شتى المجالات، وهو على درجة من الوضوح تغنيه عن أي شرح، والمتابع لتاريخ النمو الحضاري في الإسلام يلحظ بوضوح أنه كان في توتره مقترناً دائماً بـ(القراءة) وحب العلم والشغف بالمعرفة، وكثرة العلماء والباحثين في ميادينها المختلفة، مما لا يدع مجالاً لأي شك في أن الولع بالمزيد من الاطلاع، واصطحاب الكتاب هو أحد الحلول المهمة للأزمة الحضارية التي تعاني منها أمة الإسلام.
وإذا أمعنا النظر في واقع الأمم الصاعدة اليوم؛ لمسنا للوهلة الأولى أنها اعتمدت النهوض بالتعليم وتيسير سبل التثقف أساساً لتقدمها الحضاري في جوانب الحياة كافّة، وفي المقابل فإن الشعوب التي توصف اليوم بأنها متخلفة، تشترك جميعاً في أنها لا تملك بنية معرفية صحيحة، كما أن بين معظم أفرادها وبين الكتاب نوعاً من الجفاء، ونوعاً من الخلل في أسلوب التثقف، وفي الحساسية نحو المعارف الجديدة.
المتابع لتاريخ النمو الحضاري في الإسلام يلحظ بوضوح أنه كان مقترناً دائماً بـ(القراءة) وحب العلم والشغف بالمعرفة، وكثرة العلماء والباحثين في ميادينها المختلفة.
سيكون من المؤسف أن تحتاج أمة، أول كلمة نزلت في كتابها ودستورها الثقافي كلمة (اقرأ) إلى من يحثها على القراءة، ويكشف لها عن أهميتها في استعادة ذاتها وكيانها!
ومع هذا، فإن علينا أن نواجه مشكلاتنا بواقعية وشجاعة، ونكف عن التغني بأمجاد الآباء والأجداد، والإشادة بانتصارات لم نخض معاركها.
التعلم مدى الحياة:
الدواعي التي تفرض علينا التعلم، وهي:
1- أن الإنسان كلما توغل في العلم أحس باشتداد الحاجة إليه والتزود منه، وحين يحس بالاكتفاء فإنه ما يلبث أن يجد نفسه خارج البوتقة.
2- صار العلم مرتبطاً بالكسب المادي، وبدونه سنبقى تابعين للأمم الأخرى.
3- قدرتنا على المنافسة مع العالم مرهونة بما نملكه من معارف وخبرات، وشيوع الأمية بشتى ألوانها قد جلب على أمتنا المشكلات والتخلف الذي حال بينها وبين المنهج الرباني.
4- ما لم يكن الإنسان واسع الاطلاع فإن رؤاه ستصبح ضيقة ويبقى شديد المحلية، ولهذا حرص العلماء على الرحلة في الطلب.(115/1944)
5- تفيد بعض التقديرات أن 90% من جميع المعارف العلمية قد تم استحداثها في العقود الثلاثة الأخيرة، وستتضاعف هذه المعارف مع مرور الزمن، وستصبح معلوماتنا قد شاخت ما لم نتابع الجديد ونستمر في التعلم.
القراءة ومصادر المعلومات الأخرى:
مع التقدم التقني والإعلامي الذي يصاحبه كثير من الزخرفة والسهولة في تلقي المعلومات الكثيرة ضعفت أهمية الكتاب، لا سيما في عالمنا الإسلامي.
لا شك أن المصادر الأخرى غير الكتاب لها أثر في تنحية درجة الوعي في الناس، لكن لا يمكن أن تكون بديلة عن ثقافة الكتاب، وتلك المصادر لها آثار سلبية على طريقة التفكير والتعليم، وهي أدوات جذب في الوقت نفسه.
من أجل القراءة:
ليست القراءة مسألة ترفيهية، بل هي مسألة مصير، لهذا كان لزاماً علينا أن نجعلها ضمن سلوكياتنا وعاداتنا، وهذا يتطلب شيئاً من الجهد، ومن أجل إشاعة هذه الثقافة، فهذا أهم ما نقوم به:
ليست القراءة مسألة ترفيهية، بل هي مسألة مصير، لهذا كان لزاماً علينا أن نجعلها ضمن سلوكاتنا وعاداتنا، وهذا يتطلب شيئاً من الجهد
1- الدافع: حيث إن التخلف الحضاري لا يعطي دافعاً للقراءة، عكس المجتمع المتقدم فإنه يحث أفراده عليها كما كان في العصور الإسلامية الأولى، وما أجمل أن يوجد في كل مدينة جمعية للتشجيع على القراءة.
2- تكوين عادة القراءة: البداية صحبة ولكنها تبدأ من المنزل حين يهتم بتنمية القراءة لدى أبنائه بالطرق المختلفة، ثم يأتي دور المؤسسات التعليمية لتقدم برامجها وتكف عن مجرد تلقين المعلومات.
3- توفير الكتاب: قد لا يتسنى للبعض توفر المال لشراء الكتب، إما لحاجة أو بسبب الهدر المالي أو غيره، لكن هناك حلول عن طريقها يتوافر الكتاب، مثل: إلزام الجهات المختلفة بتوفير مكتبات لتثقيف منسوبيها، أو إيجاد رابطة أصدقاء الكتاب تنشط إقامة المعارض وأسواق الكتاب المستعمل، والطبعات الشعبية لأمهات الكتب، وكذلك إيجاد نظام وطني لإعارة الكتب وتبادلها فيما بين المؤسسات العلمية، وأيضاً إصدار سلاسل كتب الجيب في التخصصات المختلفة، وتخصيص كل أسرة (2%) من مصاريفها للكتاب.
4- توفير الوقت للقراءة: يعتذر الكثيرون بعدم وجود الوقت الكافي للقراءة بأعذار كثيرة، لكننا لو دققنا النظر لوجدنا أن أوقاتنا غير منظمة، بل بعضها يضيع هدراً، ومشكلة الذين لا يقرؤون أنهم لا يملكون أهدافاً وأولويات.
5- تهيئة جو القراءة: من أجل الاستمرار وقتاً أطول في القراءة والاستيعاب أكثر فلا بد من كون الأجواء والأوضاع مريحة ومساعدة، مثل: كون المكان منظماً وجميلاً، والحجرة صحية، وحسنة التهوية، بعيدة عن الضوضاء، وكون الكرسي مريحاً، مع توافر الأدوات كالمعاجم والمراجع المساعدة، وجعل أوقات للاستراحة من أجل استيعاب أفضل.
لماذا نقرأ؟:(115/1945)
تختلف أهداف الناس من وراء القراءة بحسب ما يؤملون منها، وباختلاف الظروف الحياتية، تحديد الأهداف مهم لأجل تحديد نوعية الكتب المقروءة، والأهداف لدى معظم الناس، هي:
1- التسلية: وهي لا تخلو من فائدة، على الأقل يتخلص القارئ من ملء وقته بأشياء ضارة.
على القارئ أن يهيئ من عقله كل ما يساعده على استيعاب ما أمامه على أفضل نحو ممكن، والقراءة ليست بديلة عن التفكير، وليس التفكير مطلوباً للوقوف على مرادات الكاتب فحسب، وإنما تمتد الحاجة إليه إلى ما بعد القراءة من أجل البرمجة لما قرأناه ودمجه في أنساقنا الفكرية
2- الاطلاع على معلومات معينة ومقصودة لذاتها.
3- من أجل توسيع قاعدة الفهم، وهي الأشق وقراؤها قليلون، وهي تكسبنا عادات فكرية جديدة، وتزيد في مرونتنا الذهنية، كما تنمي الخيال لدينا.
أنواع القراءة:
أولاً: القراءة الاكتشافية: بحيث نلقي نظرة تصفحية على الكتاب لنكتشف مدى حاجتنا له، وهل نحن مستهدفون به؟ ولكي نصل إلى حكم جيد على الكتاب نقوم بما يلي:
1- قراءة مقدمة الكتاب.
2- قراءة فهرس الموضوعات من أجل الاطلاع على موضوعات الكتاب، والأهم منه اكتشاف المنظور المنطقي للكتاب.
3- الاطلاع على فهرس المصادر والمراجع، ومن خلالها نكتشف الخلفية الفكرية والثقافية التي تشكل ميول المؤلف المعرفية.
4- بعض المؤلفين يضع ملخصاً مكثفاً في آخر كل فصل، فمن المفيد قراءته.
5- قراءة بعض صفحات أو فقرات من الكتاب لمعرفة مستوى المعالجة في الكتاب، وهذا مهم.
ثانياً: القراءة السريعة: بأن يقفز النظر من مساحة إلى أخرى، وعندما يستقر على مساحة معينة فإنه يلتقط عدداً من الرموز والإشارات، ثم يقفز ليستقر ثانية وهكذا، ولأهمية هذه القراءة أقامت لها الدول المتقدمة الدورات منذ أكثر من نصف قرن، ولكنها إنجاز مشكوك فيه، وتكون ذات قيمة إذا كان ما نقرؤه لا يستحق القراءة، كما أن معظم الأفراد يجب أن تكون لديهم قابلية لأن يقرؤوا بأسرع مما هم عليه.
ثالثاً: القراءة الانتقائية: وهي التي توجد في كتب لا تنتمي إلى الحقل المعرفي الذي ينتمي إليه الموضوع الذي نود سبر أغواره، كأن نعود إلى كتاب في الفقه من أجل العثور على فكرة اجتماعية أو تربوية..
رابعاً: القراءة التحليلية: وتعني نوعاً من الارتقاء بالقارئ إلى أفق الكاتب الذي يقرأ له ومحاولة النفاذ إلى معرفة شيء من مصادره وخلفيته الثقافية، بل وحواره ونقده والوقوف على جوانب القصور في الكتاب..
سمات القارئ الجيد:
1- المثابرة على القراءة، والحماسة في متابعتها، وعلى المسلم أن يستحضر أنه في عبادة ما دام يقرأ شيئاً نافعاً.(115/1946)
2- يتمتع بقابلية جيدة لاستيعاب الجديد، ويمتلك بنية عقلية متفتحة تقبل التحوير وتستفيد من المراجعة.
3- القدرة على الاستجابة لنبض العصر الثقافي، وننظر هل ما يقدمه الكتاب الذي نقرؤه من معرفة مناسب لمن يعيش عصرنا، ولا نعني بذلك الانفتاح المطلق وقراءة كل ما هب ودب، لكننا نعني الوعي بالمعرفة التي يحتاجها المسلم اليوم.
4- أن يعرف كيف يتعامل مع الكتب التي عزم على قراءتها، من حيث السرعة في القراءة، أو التلخيص والتعليق ونية العودة إليه مرة أخرى.
أنواع الكتب:
- هناك نوع من الكتب لا يُقرأ دفعة واحدة، مثل: أمهات المراجع والموسوعات والمعاجم والشروح الكبرى، وإنما يعود إليها طالب العلم عند الحاجة.
- وهناك ما يُقرأ للتسلية أو للحصول على بعض المعلومات، وهذا لا يرفع درجة الفهم لدى القارئ ولا يعمق إدراكه، كما أنه لا يقرأ – عادة – إلا مرة واحدة.
- ومنها ما يشعر المرء أنه بحاجة إلى قراءة بطيئة وتركيز جيد، لكنه يشعر بعد قراءته أنه أخذ كل ما فيه، وقد يعود إليه فيما بعد لاستقصاء نقاط معينة، ومن المفيد هنا أن يدوّن القارئ بعض ملاحظاته على حواشي الكتاب.
- ومن الكتب ما يشعر قارئه أنه لم يستنفذ كل ما فيه مهما استخدم من مهارات القراءة، وأنه يستحق عودة ثانية، لكنه إذا عاد إليه مرة ثانية لم يجد فيه ما كان يؤمله منه، والسبب: أن فهم القارئ قد ارتقى بسبب قراءة ذلك الكتاب وغيره.
- ومن الكتب النادرة جداً ما لا ينضب محتواه، وكلما عدت إليه شعرت أنه ينمِّيك، وكأنه ينمو معك، والقرآن هو الكتاب الذي لا تنقضي عجائبه، ويجد بعض أهل الفكر والعلم شيئاً أدنى من ذلك في بعض الكتب التي صيغت بمهارة فائقة.
مبادئ وقواعد:
1- على القارئ أن يهيئ من عقله كل ما يساعده على استيعاب ما أمامه على أفضل نحو ممكن، والقراءة ليست بديلة عن التفكير، وليس التفكير مطلوباً للوقوف على مراد الكاتب فحسب، وإنما تمتد الحاجة إليه إلى ما بعد القراءة من أجل البرمجة لما قرأناه ودمجه في أنساقنا الفكرية، وتعزيز الملاحظات التي كوّناها من قبل، فإذا قرأ أحدنا ساعةً قراءةً تحليلية، فليخصص ثلث ساعة – على الأقل – للتأمل فيما قرأه، ومحاولة ربطه بما يمكن أن يمثل امتداداً فكرياً ومعرفياً له، والقارئ كلما كثرت قراءته وتضخم حجم معلوماته ازدادت حاجته للتفكير.
2- اللغة، فعلى القارئ أن يكون على وعي بالمعنى اللغوي للمفردات التي يقرؤها، وحين يكون للكلمة أكثر من معنى فعليه أن يعتمد على السياق، وعلى تذوقه الخاص للغة في تحديد مراد الكاتب، وعليه أن يفرق بين المدلول اللغوي والمدلول الاصطلاحي للكلمة، وعليه أيضاً أن يهيئ آلية الفهم المناسبة للمجال الذي يقرأ فيه، فالكتّاب الذين يكتبون في مجال عَقَدي أو فقهي أو قانوني يكونون أقرب إلى الحرفية والدقة في استخدام اللغة.(115/1947)
3- من المهم معرفة المصادر والمراجع التي رجع إليها المؤلف، فمصادر أي بحث تشكل جزءاً من تاريخ العلم الذي ينتمي إليه البحث، ونحن لا نفهم أي علم حتى نفهم تاريخه فهماً جيداً، ومما يساعد على ذلك الرجوع إلى الموسوعات والمعاجم.
4- على القارئ أن يحرص على ترقيم الفقرات أو وضع الخطوط تحت العبارات المهمة من أجل إيجاد نوع من التصور المنطقي المتسلسل لمسائل الموضوع، وتوضيح حصر الفِقَر والجمل والكلمات المحملة بتركيز خاص.
تساؤلات مهمة:
على القارئ أن يوجه إلى نفسه عدداً من الأسئلة قبل شرائه الكتاب، وأثناء قراءاته، وبعد الفراغ منه، مما يساعد على زيادة درجة الوعي بما يأمل الحصول عليه من الكتاب الذي يقرؤه، ومنها:
1- هل أنا من الشريحة التي يستهدفها المؤلف؟
2- كذلك لا بد أن يعرف القارئ هُوية الكتاب والجنس المعرفي الذي ينتمي إليه، مثلاً: كتاب في الفقه، إلى أي المذاهب ينتمي؟ هل يتناول كل أبواب الفقه أم باباً بعينه؟ وهل هو مخصص لسرد المسائل دون سوق الأدلة عليها؟ وهل هو من الكتب المعتمدة للفتيا في المذهب؟
3- يتأكد القارئ أنه فهم فعلاً مراد المؤلف، ومن أهم أدوات اختبار الفهم:
الأولى: أن يحاول القارئ أن يأتي بأمثلة وملاحظات على القواعد والأفكار التي يثيرها الكاتب.
الثانية: أن يحاول تلخيص ما قرأه في عبارات محددة بأسلوبه الخاص.
4- من التساؤلات: أن يسأل نفسه: ما المسائل التي حاول الكاتب حلها، وقدم رؤى جديدة حولها؟ وإلى أي مدى استطاع إقناع القارئ بحلوله؟ ثم ما الأسئلة الجديدة التي طرحها؟ وذلك لكي يختبر درجة وعيه بطبيعة الموضوع الذي يقرؤه.
الحوار مع الكاتب:
بداية الحوار ستكون من قبل المؤلف، فهو الذي ينبغي أن يقنع قارئه أن كتابه جيد، وعلى القارئ أن يبدأ بداية صحيحة، حيث لا يبدأ الحوار واتخاذ موقف مخالف قبل أن يتأكد من فهمه للكتاب جيداً، ونقد الكتاب ومحاولة العثور على وجهة نظر مغايرة لوجهة المؤلف دليل على أن تقدماً حصل للقارئ وأن الفائدة حصلت.
ولا ينبغي أن يفهم الحوار معه على أنه تتبع للهفوات، فمن المهم جداً قدرة القارئ على كشف مساحات الجمال في الكتاب، والقبض على النقاط الجديدة التي شرحها الكاتب على نحو ممتاز، كما لا ينبغي له أن يصدر حكماً نهائياً على الكاتب من خلال كتابه هذا إلا إذا تبيّن أنه آخر كتبه، وهذه نقاط تشكل مساقاة لنقد القارئ لما يقرأ:
1- بعض الكُتّاب يلجأ في إقناعه إلى استخدام البيان والخطابة بعيداً عن الإحصاءات والمعلومات الضرورية للإقناع، وهذه تعد نقصاً في الكتاب.
2- على الكاتب الحرص على توثيق المعلومات المنقولة وتحري صحة طرق نقلها، ويجب ألا تنسى أن بعض الاجتهادات والآراء المبتكرة يصعب استنادها إلى أدلة وبراهين محددة، كالتحليلات السياسية مثلاً.
3- بعض الكتّاب يهمل عوامل أساسية أثناء معالجاته مما يجعلها ناقصة.(115/1948)
المهم من خلال النقد يجب معرفة ما الذي كان يجب على الكاتب فعله، وأن يتم تدعيم وجهات النظر التي نرى أنها بديل صالح للصورة التي قدمها، وبذلك ستعيد إنتاج الكتاب من جديد.
انتهى ما يخص القراءة التحليلية.
خامساً: القراءة المحورية:
وهي تلك القراءة التي تستهدف الوقوف على معلومات وأفكار ومفاهيم تتعلق بموضوع معين كما يفعل باحث أراد أن يكتب في موضوع ما، فإنه يحاول الاطلاع على مصادر المعلومات المختلفة التي تقدم له مادة أو خلفية أو رؤية تساعده في إنجاز عمله، ولذا فقد لا يقرأ سوى فصل أو أقل من الكتاب ويتجاوز الباقي ، وخطوات القراءة المحورية، هي:
الخطوة الأولى: أن يطلع القارئ على الكتب والمراجع التي تعرض الأدبيات العامة للعلم الذي ينتمي إليه الموضوع الذي يقرأ من أجله، ويستحسن بعد انتهائه من قراءة الكتاب أن يقرأ كتاباً أو أكثر مما يعرض وجهات نظر معارضة لما قدمه الكتاب الأول، ثم عليه أن يقوم بقراءة سريعة وتفحصية للكتب التي قرأها لتحديد الموضوع بدقة، ويستبعد الكتب التي لا تخدم موضوعه، ويستخرج النصوص التي تهمه في بطاقات أو يضع عليها علامات.
الخطوة الثانية: يقرأ كل ما هو لصيق بموضوعه قراءة تحليلية، ويخضعها لقواعد القراءة التحليلية، ويصوغ عدداً من الأسئلة التي تغطي موضوعه.
الخطوة الثالثة: يوزع النصوص التي اختارها على الأسئلة التي طرحها، حيث يلتقط أجوبة أسئلة من نصوص ربما كانت في الأساس بعيدة عن حقل الموضوع الذي يعالجه، كما أن عليه أن يقوم بعملية ترجمة فكرية واسعة للمفاهيم المختلفة التي تخدم موضوعه، ثم سبكها بلغته الخاصة وفق نسقه الفكري ومسلماته المعرفية.
إن أي شاب متوسط الذكاء يمكنه خلال خمس سنوات من القراءة الجادة في فقه الزكاة مثلاً أو التأمين أن يصبح حجة على مستوى قطر أو منطقة في موضوعه، وسيتمكن من التأليف والاجتهاد في الموضوع، بل ويضيف أفكاراً كثيرة، ولو أن 1% من خريجي كلية الشريعة اقتنعوا بهذه الفكرة، فكيف ستكون الحال؟!
قراءة كتاب في التاريخ (نموذجاً):
لا نرمي هنا إلى التحدث عن طرق أو قواعد خاصة علينا أن نسلكها، أو نلتزم بها في قراءتنا لكتاب من كتب التاريخ، فما ذكرناه من قواعد وملاحظات في القراءة التحليلية والمحورية، يمكن استخدام أكثرها في قراءة أي كتاب مهما كان الحقل المعرفي الذي ينتمي إليه، لكننا نريد هنا أن نوضح أهمية أن يمتلك القارئ شيئاً من (الخلفية المعرفية) عن طبيعة العلم الذي يقرأ فيه.
إن معظم الكتب التي يقرؤها الواحد منا، تتناول بعض المسائل والموضوعات في بعض العلوم، لكنها لا تمنحنا رؤية واضحة حول نوعية الأحكام والمعالجات التي تتم في ذلك العلم، كما لا يتبين لنا مدى مصداقية التعميمات والقوانين التي يستخدمها الباحثون فيه، مما يولد الكثير من الانطباعات الخاطئة لدى القراء، بالإضافة إلى نوع(115/1949)
من القصور في حساسية الإدراك، ونوع من العتمة في الشفافية المطلوبة منهم لاتخاذ موقف معرفي جيد مما يقرؤونه.
ولهذا كله نرى أن معرفة القارئ بتاريخ العلم الذي يقرأ فيه وبطبيعته ومشكلاته الحقيقية، ستعود عليه ببصيرة معرفية لا تقدر بثمن، وستكون حاجة الذي يقرأ الكتاب قراءة محورية إلى هذا النوع من البصيرة أكثر إلحاحاً.
وقد اخترت أن أقدم للقارئ هذه الخلفية عن علم التاريخ لما له من أثر خطير في حياة الناس، ولما أثاره ويثيره في حياتنا الفكرية والمعرفية من إشكالات تفوق الحصر، ولعلي أوجز ما أظنه يساعدنا على تشكيل رؤية حول هذا العلم في المفردات الآتية:
1- تعرض التاريخ إلى مواقف متباينة كثيرة، فقد أفرط في تقديره وتقديسه قوم حتى صار عندهم كل شيء، فهو علم العلوم وليس أي علم آخر إلا مجرد ظاهرة تاريخية، وقال قوم آخرون: إنه لا يصلح أن يكون علماً، كما لا يصلح لعمل، وهو لا شيء، يقول جوفنر العلم الإنجليزي: "من السخف أن نفكر في التاريخ على أنه علم بالمعنى الصحيح! إذا سلمنا بأن التاريخ علم، فمن أي العلوم هو؟ ليس كالفلك علم معاينة مباشرة، ولا هو كالكيمياء علم تجربة واختبار، لكنه علم نقد وتحليل.
يرى الأستاذ هرنشو أن أقرب العلوم الطبيعية شبهاً بالتاريخ هو الجيولوجيا، يجد الجيولوجي مادته الأساسية فيما سلم من نفايات الطبيعة من أدلة قليلة، تشير إلى التصورات الجيولوجية القديمة، ويعتمد المؤرخ في معرفة الوقائع الماضية على آثار أو سجلات أو تقاليد سلمت اتفاقاً أو عن قصد من عوادي الزمن وقيمتها من دلالتها على الماضي لا في ذاتها، وهذه الدلالة ليست مباشرة، ولكنها تتشكل من خلال مرورها بفكر الباحث؛ لأن الوقائع والآثار مغمورة في محيط من الآراء والإرادات والانفعالات التي كانت تلك الوقائع والآثار معبرة عنها أو أثراً لها، وهذه كلها خارجة عن المعاينة المباشرة حتى بالنسبة إلى من كانوا شهود عيان، وعلى المؤرخ أن يقوم بالجراحة النفسية والعقلية ليستشرف العوامل الخفية.
لكن بين التاريخ والجيولوجيا مفارقة كبيرة، فالصخور شواهد محايدة، لكن وثائق التاريخ وثائق تتصل بمختلف جوانب حياة الناس، وكتبتها يد إنسان، ويدرسها أيضاً إنسان له عواطفه ومعاييره ومسلماته ومصالحه.
2- مهما امتلك المؤرخ من عناصر مساعدة على قراءة التاريخ، مثل: الآثار والنقوش والوثائق المختلفة فإنه لا يستطيع أن يجد كل المواد التي يحتاجها في بناء الصورة التي يوضحها للناس، وقصور الصورة لا يعود إلى أن بعض أجزائها مفقود، ولكن أيضاً لأن الذين يكونون الصورة عن حالة مدينة ما في مرحلة ما – مثلاً – ما هم إلا جزء من الصفوة، والتي ربما تكون قد تشبعت بفكرة معينة، وظنت أن الوقائع المؤيدة لفكرتها جديرة بالبقاء والنشر، ولكن ما انطباع العامة والمشتغلين بغير التاريخ من الناس؟ هذا ما لا نعرفه! إذا كان القاضي في محكمة اليوم، لا يستطيع أن يتأكد دائماً من أنه أصدر أحكامه بناء على معطيات الحقيقة اليقينية التي توصل إليها، على الرغم من وجود الشهود بين يديه، وعلى الرغم من إمكانية فحص أشياء مرئية كثيرة، تتعلق بالقضية موضع الحكم، فكيف يعرف المؤرخ التفاصيل المطلوبة لمعرفة حقيقة، تفصله عنها مئات السنين، كما أن التفاصيل التي سيعتمد(115/1950)
عليها في بناء الحدث التاريخي ليست من اختياره دائماً، فكثيراً ما تكون قد اختيرت له من قبل أناس صدقوها وأرادوا من الآخرين تصديقها!
إن إشكالية المسألة التاريخية لا تنتهي عند جمع معلومات مجردة، حيث إنها أيضاً أسلوب رواية وطريقة تحليل ومنهج تركيب، وهذه مجتمعة تشكل أدوات تقديم المعرفة التاريخية.
3- من أخطر ما يتعرض له العمل التاريخي، هو: الانتقائية فالروايات المتعددة والمتضاربة أحياناً حول حادثة ما، تلزم المؤرخ أن يختار منها ما يتناسب مع رؤيته العامة لتلك الحادثة، وحين تتوافر معلومات كثيرة حول واقعة ما، فإن المؤرخ سيضطر إلى الاختيار وإلا خنقه سيل الوقائع المجدبة التي لا تربط بينها أية رابطة.
الانتقاء الذي يقوم به المؤرخ يجعل البنيان التاريخي كله انتقائياً، أي: أن ثقافة المؤرخ وحدسه ومدى اطلاعه على الواقعة التي يؤرخ لها ومركبه العقلي العام ومزاجه وخياله.. كل ذلك وسائط وأدوات معرفية، تسهم في تشكيل الصورة التي اجتهد المؤرخ في تقديمها، وما دام عمله اجتهادياً، فإنه إذن سيظل محتملاً للخطأ والصواب.
4- طبيعة العمل التأريخي تملي نوعاً من الالتزام (الأدب) على المؤرخ نحو قرّائه، فهو إلى جانب شعوره بضرورة توخي الدقة والأمانة يشعر بضرورة تقديم صورة كاملة أو شبه كاملة عن الحدث الذي يؤرخ له. المعلومات مهما كانت وافرة فإنها – في الغالب – لا تكون كافية لمعرفة الجذور العميقة للحدث ولا الدوافع التي أدت إليه، ولا السياق العام الذي وقع فيه، ولا النتائج المختلفة التي ترتبت عليه...
ولذا فإن المؤرخ يعد الحقائق القليلة المتوافرة لديه تمثل كل الحقائق المحيطة بالحدث، وعليه أن يسد الثغرات ويكمل النواقص، ولن يكون ذلك إلا من خلال إصدار سلسلة من الأحكام المقبولة، والتي ترسم في النهاية صورة ما للواقعة التي يتحدث عنها، ومن المعلوم أن اليونان اخترعوا (التعليل) لتلافي الثغرات التي يتركها الاستقراء الناقص.
5- اختلاف المؤرخين في سوق الأحداث وتحليلها واتخاذ موقف شخصي منها يعود إلى أسباب كثيرة مرئية وغير مرئية، ومن أهمها:
أ- المزاج، ويتشكل عبر حوادث ومواقف وقراءات، وهو انطباع محدد تجاه أشخاص أو فئات أو مذاهب أو بلدان...، فكاوكيل مثلاً يعشق عظماء الرجال، بينما ويلز ينفر منهم وهكذا...، ومن ذلك الانتماء إلى وطن أو مذهب أو غيره.
ب- المؤرخ مهما بلغ فهو ابن بيئته، وما شاهده من الوقائع يختلف صداه عما قرأه لمؤرخ آخر، ورؤية مؤرخ أمته في أوج قوتها وتماسكها تختلف عن مؤرخ أمته مفككة، فالأول نظرته تفاؤلية والثاني تشاؤمية، وهو بلا شك سيتأثر بما تحمل بيئته من ملامح وتقاليد.
ت- حاول الباحثون في فلسفة التاريخ الوقوف على العوامل الرئيسة التي تتحكم في سير التاريخ، وأخذ الاختلاف منهم كل مأخذ في العامل الحاسم: هل هو البيئة الطبيعية أو السلالة العرقية، أو الخصائص النفسية، أو العوامل الاقتصادية، أو البطولات القيادية، أو المعتقدات، ولكل من هذه العوامل أنصار ومؤيدون.(115/1951)
6- نتيجة ما سبق: أنه ليس في أعمال المؤرخين موضوعية مطلقة، ونقول: إما أن التاريخ له موضوعية خاصة به أو أنه ذو موضوعية ناقصة.
ومهما حاول المؤرخ أن يبتعد عن التحيز فلن يتوقى ذلك تماماً، وكما كان العمل التاريخي محاطاً بالضرورات والمكدرات، فإن المؤرخين المعاصرين قد يخضعون لضغوط أدبية أو مادية قاسية...،وقد قسم محب الدين الخطيب مَنْ كتب في التاريخ الإسلامي الذي لم يبدأ تدوينه إلا بعد زوال الخلافة الأموية ثلاثة أقسام: من يتقربون إلى مبغضي بني أمية، ومَنْ يتقرب بتشويه أبي بكر وعثمان وبني عبد شمس، والقسم الثالث: أهل الإنصاف.
7- حين يقع حدث تاريخي ما فإنه لا يقع في فراغ فكري أو اجتماعي أو سياسي أو جغرافي، فهذه الجوانب التي تكتنف أعمالنا، تظل عوامل مؤثرة في صياغة حجم الحدث ومضمونه، ودلالته ونتائجه ووقعه في حس الناس المعاصرين له... وما لم يراعِ المؤرخ وقارئ التاريخ معاً كل ذلك، فإنه قد يسيء الفهم...
إن نزع أي نص تاريخي من سياقه وبيئته سيؤدي إلى سوء التعامل معه، ولا بد لفهم التاريخ من دراسة الفكر المشترك والثقافة السائدة في موطن الواقعة التاريخية، وقد حاول ابن خلدون بلورة بعض الأسس والمبادئ التي يمكن على هديها فهم طبائع الأشياء والعادات، وفهم تأثير البيئة في حدوث الواقعة التاريخية.
8- لم نُرِدْ من وراء ما سبق الحط من قدر التاريخ أو المؤرخين، وإنما أردنا توضيح بعض المعالم المسعدة لتكوين خلفية ثقافية لمطالعي كتب التاريخ على أمل أن يقوم القارئ بدوره المتم لدور المؤرخ، فيركز على معرفة الكاتب وطبيعة الأحداث والمؤثرات فيها، وما يساعده على الفهم طرح أسئلة ومحاولة الإجابة عليها، مثل:
أ- هل المؤرخ ذو صبغة مذهبية معينة؟ وهل هو ذو اتجاه ليبرالي أو عقلي حاد؟
ب- هل البيئة التي ينتمي إليها المؤرخ بيئة مغلقة يسود فيها التفكير النمطي؟ وهل هو ممن رحل خارج بلاده أم لا؟ وهل كان يمر بأزمة حادة أم حالة ازدهار وانتصار؟
ت- وهل هو ممن يحاول أن يدمج بين رؤيته الشخصية للحدث وبين مفرداته وحيثياته أم أنه يحلل الخبر وينقده ويتخذه موقفاً؟
ث- هل المؤرخ ذو دراية حسنة بما يكتب؟ وهل مصادره موثوقة؟ هل قرأ المراجع التي نقل عنها على الوجه الصحيح؟
ج- هل المؤلف يكثر من التفاصيل الدقيقة في رواياته أم يقف عند أصول الأخبار؟
الخاتمة:
ما ذكرناه هو النموذج الأرقى في تنظيم الجهود القرائية، وسيكون بإمكان كل قارئ أن يقترب من ذلك النموذج على مقدار ما تسمح به إمكاناته وظروفه.
ـــــــــــــــــــ
عدوى الأخلاق
باسم السبيعي
23/5/1424
ارسل تعليقك ...
لا توجد تعليقات ...(115/1952)
ارسل الصفحة ...
الى مشرف النافذة ...
طباعة ...
تفسير:
من خيوط التربية خيط (عدوى الأخلاق): ضع في خطتك التربوية أن الأخلاق طائفة من الميكروبات، تستنشقها من المجاورين كما تستنشق الهواء وذرات الغبار، بل إنها تنتقل إليك وإلى غيرك عبر الأذن والعين واللمس..!
وعليه فإذا كنت في منظومة تربوية فركز على إشاعة الأخلاق الحسنة، وعلى حرب أخلاق السوء، بل والتطعيم ضدها! إذا رأيت أجرب الأخلاق يسير بين الأصحاء فبادر بحجره، أخلاق السوء كالطاعون إذا تسرب في المجتمع قضى بأمر الله على بعضٍ، وأنهك بعضاً، ونجا برحمة الله بعضٌ...
هل هناك حاجة إلى القول: إن الأخلاق رأس التربية؟ لأنها أولاً: عبادة بل ربما امتلأَت بها النصوص الشرعية أكثر من بعض العبادات الطاهرة، وثانياً: لأنها جامعة لمعاني التربية، وثالثاً: لأنها تعالج كثيراً من المشاكل..
مثال:
هناك أخلاق شديدة العدوى، منها: الجدال والنقد الساخر والتعصب الإقليمي والعرقي والحزبي، فإذا كنت في مجتمع تربوي فاقطع جذور هذا الداء، احذر انتشاره، امنع ذراته أن تتطاير في هواء المتربين!
من خيوط التربية خيط (عدوى الأخلاق): ضع في خطتك التربوية أن الأخلاق طائفة من الميكروبات؛تستنشقها من المجاورين كما تستنشق الهواء وذرات الغبار، بل إنها تنتقل إليك – وإلى غيرك – عبر الأذن والعين واللمس..!
واحذر بعض المرضى، وفر من المجذوم فرارك من الأسد، فكم يوجد في مثل هذه المجتمعات من شخص يحكه لسانه! فإما أن يُصلَح أو يُبعَد؛ لأن العدوى في مثل هذا تسري سريان النار في الهشيم، وكم من مجتمع كاد أن يدخل في دوامة من الأحقاد والتحزب، لكن وفق الله أهله فأبعدوا جماعة منهم وحاربوا جماعة وأصلح الله جماعة.. نحسبهم لو استمروا على ما هم عليه لفسد الباقون.
والترف والتأنث عدوى بغيضة، وهي من أمقت الأخلاق، حين تتراخى الصفات، وتصيبها الميوعة، ويصبح الذكور إناثاً لكن بغير نون نسوة ولا تاء تأنيث، ولا تكاد ترى مريضاً بهذا حتى تتكاثر البكتريا والجراثيم عن يمين وشمال! ومن واجب المربي أن يحجر ويداوي أو حتى يقطع!
وبالنظرة الإيجابية فالأخلاق الحسنة عدوى، بل إن الفطرة تتقبلها فيكون الأثر مضاعفاً والله يبارك..
الشجاعة مثلاً، الكرم، التضحية، الرحمة، عفاف اللسان، الزهد... أخلاق فاضلة تنتقل إلى الآخرين بالمصاحبة، بل بالنظر والسمع، وهذا معروف مشاهد، فإذا هيأت جوَّها فأبشر بالعدوى.
وملاحظة الدول والقبائل والأسر والمجتمعات تفتح لك باباً في التفكر حين ترى تشابه الطباع لكل منظومة إنسانية..(115/1953)
وصفة طبية:
وحتى يكون الأثر أعمق:
1- حاول أن تؤسس الأخلاق الحسنة بتوضيح معناها وضرب أمثلتها أولاً، وبتأصيلها شرعاً وعقلاً ثانياً، وبالقدوة ثالثاً، وبالثناء والتشجيع.
2- الْفِتْ نظرهم إلى أمثلة الخُلُق السيئ؛ فقد ينتشر بينهم الجدال وإن كانوا لا يعرفون معناه الاصطلاحي أو حكمه الشرعي أو آثاره السلبية، فإذا فتحت أعينهم ساعدوك في علاج أنفسهم بأنفسهم، ومثل ذلك الترف والسرف والكذب والتمسخر.
3- في كل مرحلة زمنية ركز جهودك في تنمية خلق معين أو حرب آخر، وتتابع الكلام، وإيراد القصص؛ لأن تتابع الطرق يضعف المناعة ويقتل كريات الدم السوداء فتنتشر العدوى!
4- ابحث عن المنابع تتبع الخلق السيئ وجفف منابعه؛ لأن غالب هذه الأمراض لها مصدرها الذي وجد بيئة مناسبة فباض فيها وفرخ! وبالعكس فابحث عن منابع الخير فاحفرها وأظهرها، واسق واستق.
5- التربية المزدوجة، بأن تجعل بعض المتربين أطباء يعالجون القسم الآخر..
شاطئ:
مصنعُ الأبطال دينٌ قيمُ ... فاسأل التاريخ يخبر عنهمُ
هم غياثُ الأرض هم نورٌ همُ
... شمسُ حقٍ حين تغشى الظلمُ
ـــــــــــــــــــ
رسالة أم
16/5/1424
ارسل تعليقك ...
لا توجد تعليقات ...
ارسل الصفحة ...
الى مشرف النافذة ...
طباعة ...
بسم الله الرحمن الرحيم
والصلاة والسلام على نبنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد:
إلى كل أب وأم يتمنى أن يحدث تغييراً حقيقياً على سلوك أولاده..
إلى كل يد ارتفعت تدعو خالقها، وترجو مولاها، بصلاح الذرية..
أدعوهم جميعاً لمشاركتي هذه الحلقات التربوية؛ من أجل أبنائنا، نهدف بها اكتساب أساليب عملية، تقوي علاقتنا بأبنائنا، وتضاعف تأثيرنا الإيجابي عليهم، وتقلل همومنا، وعصبيتنا معهم، وتزيد استمتاعنا بتربيتهم... تسع عناصر رئيسية سنمر بها بإذن الله تعالى، في مقالات متعاقبة، نبدأها "برسالة أم" ثم العنصر الثاني "لماذا نفشل في الحوار مع أبنائنا؟" ثم الثالث "ابنك.. هل يكذب؟" والعنصر الرابع بعنوان "اللعب ثم اللعب ثم اللعب"، في العنصر الخامس سنجيب على علامة استفهام يخفيها أصحابها تقول في حيرة: "لماذا لا أسيطر على أبنائي تماماً؟"، ثم نتحدث بإذن الله(115/1954)
عن "فن العقاب" في العنصر السادس، وفي العنصر السابع سنجد أخوين متشاجرين يلتفتان إلينا ويقولان: "دعونا نتشاجر من فضلكم" ثم يستأنفا شجارهما، العنصر الثامن بعنوان "هل يشعر أبناؤك بالعدل؟" نرجو ذلك.. أما العنصر التاسع والأخير من هذا اللقاء فهو: "كيف تضاعف محبة أبنائك لبعضهم البعض"..
اسمحوا لي أن أترك مكاني لأم فاضلة، وفّقها الله في تربية ابنٍ لها، فكان لها الفضل بعد الله تعالى، فيما تميز به من خلق رفيع، وحب للقراءة والاضطلاع إلى جانب تميزه الدراسي، نسأل الله تعالى أن يبارك لها فيه وفي إخوته، وأن يجمعهم في جنته.
هذه العناصر التي سنتناولها بمشيئة الله في المقالات التالية.. تدور مجمل أفكارنا حول السؤال التالي:
كيف نشعر أبناءنا بالكلمات الثلاث:
1- التفهم. 2- الاحترام. 3- القبول.
1- تفهمنا "لحاجات" الطفل.
2- احترامنا "لاستقلاليته".
3- قبولنا له "بعيوبه" وأخطائه مع العمل على تعديلها، وإشعارنا له بهذا التفهم والاحترام والقبول، وهذا هو المهم..
إذن: تفهم – احترام – قبول.
كلماتي موجهة للآباء، وللأمهات أكثر.. حينما أقول الأبناء أو الأولاد أقصد البنين والبنات، وحينما أقول الآباء أو وجهت خطابي للأمهات فالحديث يشمل الاثنين على حدٍ سواء.
حلقات متعاقبة سنسعد بصحبتكم فيها.. ويهون عبئها علينا وعليكم أنها "من أجل أبنائنا".
العنصر الأول: رسالة أم
اسمحوا لي أن أترك مكاني لأم فاضلة، وفّقها الله في تربية ابنٍ لها، فكان لها الفضل بعد الله تعالى، فيما تميز به من خلق رفيع، وحب للقراءة والاضطلاع إلى جانب تميزه الدراسي، نسأل الله تعالى أن يبارك لها فيه وفي إخوته، وأن يجمعهم في جنته.
كتبت هذه الأم بعد إلحاح – طريقتها في تربية ابنها.. أختار لكم من رسالتها مايلي:
1- أدعو لأبنائي بالهداية والصلاح، كما علمنا الله تعالى بقوله: (وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَاماً) (الفرقان:74).
2- أركز على إقامة الصلاة وتعظيمها في نفوسهم.
3- أفرغ وقتي ما استطعت لأبنائي.
4- أربط أبنائي بالله في جميع الأحوال.
5- أحفظهم كتاب الله وأحفزهم لذلك.
6- أذكرهم بشكر النعم التي أنعمها الله عليهم.
7- أبعدهم عن النعومة والترف بحرمانهم أحياناً من بعض المحبوبات.
8- أشجعهم على التعاون فيما يستطيعون من أعمال المنزل، وأن هذا مما يؤجرون عليه.
9- أعامل كل ابن من أبنائي بما يناسبه.(115/1955)
10- أذكرهم بمصاحبة الأخيار.
11- أشكرهم عند عمل المعروف.
12- أعاتبهم عند التقصير.
13- أتغاضى عن بعض الزلات.
وتقول هذه الأم الفاضلة: أشارك ابني في طلب العلم منذ صغره بما يناسبه في المختصرات وغيرها حتى أصبح في الحادية عشرة من عمره يقرأ معي في كتاب الشرح الممتع على زاد المستقنع للشيخ ابن عثيمين رحمه الله تعالى؛ فأقرأ أنا المتن بصوت مسموع، ثم يقرأ هو الشرح، ونخطط تحت العبارات التي نعتقد أنها مهمة.. كما نستمع لشروح الأشرطة العلمية مثلاً: شرح بلوغ المرام للشيخ/ سلمان العودة حفظه الله، أجلس مع ابني وأكتب ويكتب هو كذلك النقاط المهمة، ونراجعها غداً". انتهى كلامها.
لو تلاحظ معي أخي القارئ وأختي القارئة.. أن كثيراً من الآباء يتعاملون مع أبنائهم بمبدأ "أن أعلمك" بخلاف هذه الأم التي تتعامل بمبدأ "أنا أتعلم معك"، وما أحلى العلم إذا كان سيجمع هذا الابن بأحب إنسانة عنده.
صورة رفيعة لمبدأ المشاركة، وهي الشيء الذي يفتقده كثير من الأبناء لا مشاركة في طلب علم ولا حتى في اللعب، وهي تغرس في نفس ابنها بصورة عملية، عدم حصر العلم بالمناهج الدراسية العقيمة اللي ينساها الطالب أول ما يخلص الاختبار، بل تنطلق مع ابنها إلى المعرفة حيث كانت.
وهناك شيء نسيته هذه الأم، وذكره ابنها لي.. يقول.. تجلس معي دائماً في الصباح إذا خلا المكان، وتنصحني وتذكرني بأني إن لم أكن أرى الله، فإنه يراني، وتوصيني بالإخلاص وصدق النية، وتذكرني كيف صار النووي وابن تيمية، وابن باز وغيرهم علماء، وتذكرني بمواقفهم العظيمة وهم صغار.. وإذا فعلت شيئاً غير صحيح، كانشغالي بشيء لا نفع فيه، أو تأخري قبل وبعد الصلاة، ذكرتني بطموحي وهو: أن أكون عالماً أو مجاهداً يخدم دينه، وتقول لي: هل العالِم يفعل هكذا؟ هل المجاهد يفعل هكذا؟ أتريد أن تخدم الأمة وأنت لا تحافظ على الصلاة؟ لكي أقوم على الفور عندما أتذكر ما خلقت له. انتهى كلامه.
أسأل الله العظيم أن يكثر من أمثال هذه الأم وابنتها، وأن يعيننا على الانتفاع بكلماتها.. والاستفادة منها.
وإلى لقاء آخر.. أستودعكم الله، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته..
ـــــــــــــــــــ
برنامج متكامل لطفلك بالإجازة
مشرف النافذة
2/5/1424
ارسل تعليقك ...
تعليقات سابقة ...
ارسل الصفحة ...
الى مشرف النافذة ...(115/1956)
طباعة ...
تبنى مكتب الدعوة بحي الروضة بالرياض بالتعاون مع مجلة الأسرة في إعداد برنامج أسري ينفذ خلال الإجازة الصيفية ، ويسر الموقع عرضه لتستفيد الأسر منه .
البرنامج في أعين المختصين
لو أن كل أسرة عاشت هذا البرنامج أو جزاً منه لحققنا إنجازاً كبيراً ولحمينا أبناءنا وبناتنا من الخطوات الأولى نحو الانحراف.
أ.د. عمر بن عبد الرحمن المفدى
***************************
إن أولئك الذين لم يرزقوا أطفالاً يبذلون جهداً مضنياً في علاج مشكلتهم، وينفقون أموالاً هائلة ويسافرون هنا وهناك.
وحين يقدم المولود يستبشر به الوالدان ويسترخصان ما يبذلان وما ينفقان.
فكم هي الأموال التي ننفقها على أولادنا في تعليمهم؟ في غذائهم؟ بل في الترفيه عنهم؟
إن أحدنا حين يريد بناء منزل أو تصميم مشروع فإنه يعنى باستشارة المختصين، ويسأل من لهم سابق تجربه، وهكذا في سائر عالمنا المادي، فهل اعتناؤنا بتربية أولادنا وفلذات أكبادنا يتناسب مع اعتنائنا بحياتنا المادية؟
وانطلاقاً من أهمية التربية الأسرية للأولاد كان هذا الجهد المتواضع وهو جزء من واجب مكتب الدعوة: فالتربية لصيقة بالدعوة، ولا غنى لأحدهما عن الآخر
ولكن هل يتناسب هذا الجهد مع الجهد الذي نبذله في تربيتهم وإصلاحهم؟
إن أحدنا حين يريد بناء منزل أو تصميم مشروع فإنه يعنى باستشارة المختصين، ويسأل من لهم سابق تجربه، وهكذا في سائر عالمنا المادي، فهل اعتناؤنا بتربية أولادنا وفلذات أكبادنا يتناسب مع اعتنائنا بحياتنا المادية؟
وانطلاقاً من أهمية التربية الأسرية للأولاد كان هذا الجهد المتواضع وهو جزء من واجب مكتب الدعوة: فالتربية لصيقة بالدعوة، ولا غنى لأحدهما عن الآخر.
فبارك الله في جهودهم وسدد خطاهم،،،
فضيلة الشيخ
محمد بن عبد الله الدويش
تنبيهات قبل البدء
• إن أول أسباب النجاح عند تطبيق مثل هذه البرامج هو وضع أهداف تريد تحقيقها مع طفلك في هذه الإجازة.
• ما تراه أخي وتقرأه دائماً هو خطوة أولى على الطريق قد يوجد فيه الكثير من القصور فلا تبخل علينا بملاحظة أو فكرة أو رأي.
• عدم القدرة على تنفيذ البرنامج بأكمله أمر متوقعن فلا تجعل ذلك سبباً لتركه كله.
• في كل جزء سنحاول ذكر أمثلة عليه لأن الإتيان على جميعها قد يكون أمراً صعباً.
• ستجد الكثير من الوسائل المساعدة التي ستذكر في هذا البرنامج في المكتبات ودور النشر والتسجيلات الإسلامية ومحلات الفيديو الإسلامي وأفياء والفناتير ومحلات بيع برامج الحاسب الآلي.(115/1957)
أولاً: الوسائل المساعدة:
في هذا الجزء سنحاول طرح الوسائل التي تعين على تطبيق البرنامج المقترح.
(أ) قصص الأطفال:
• سلسلة القاسم للصغار (1 – 26) مثل أصحاب الفيل (دار القاسم).
• سلسلة الأخلاق الإسلامية (1-6) مثل الصدق (دار الوطن).
• سلسلة الأبناء والأذكار (1-9) مثل عمر في المسجد (دار الوطن).
• سلسلة أعمال الإحسان درجات في الجنان مثل سورة تدخل الجنة (مؤسسة الأوراق الملونة).
• مؤلفات الشيخ محمد موفق سليمة من القصص مثل الأعاجم الثلاثة وقصص الأنبياء.
• سلسلة سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم، إعداد سمير عدنان الماضي (مؤسسة الأوراق الملونة).
• سلسلة الأذكياء – ذكاء الصحابة (الناشر أطفالنا).
• سلسلة المشاهير (الناشر أطفالنا).
• مجلة سنان.
(ب) مطبوعات تعليمية:
• سلسلة القاسم التعليمية للصغار (لون مع...) مثل احفظ الأذكار ثم لون (دار القاسم).
• سلسلة الكتب التعليمية المساندة مثل المتعاكسات (مؤسسة الأوراق الملونة).
• سلسلة اكتب وامسح مع الكتب التدريبية مثل الحروف العربية (مؤسسة الأوراق الملونة).
• سلسلة المراوح التعليمية مثل مروحة الضرب (مؤسسة الأوراق الملونة).
(جـ) الأشرطة السمعية (الكاسيت):
• الوسيلة لحفظ القرآن الكريم (وهي حقيبة بها مسجل يمكن به تكرار الآية أو السورة على مسامع طفلك بشكل مستمر).
• أشرطة تعليم وحفظ القرآن الكريم.
• سلسلة محبوب للصغار 1-7 (مؤسسة محسن).
• سلسلة أين أسامة (مؤسسة محسن).
• سلسلة القرية الجميلة (مؤسسة محسن).
• سلسلة قصص الأنبياء الصغار (مؤسسة محسن).
• قصص الأنبياء للأطفال للشيخ محمد موفق سليمة.
• سلسلة اسمع ولون للصغار (مؤسسة محسن).
• سلسلة للصغار فقط 1-6.
• أناشيد إليكم.
• هيا إلى الإيمان.
• الطفل والبحر.
(د) الأشرطة المرئية (الفيديو):(115/1958)
• المصحف المرتل (تلاوة الشيخ سهل ياسين) وهو تعليمي رائع بطريقة عرض جيدة تجمع بين إتقان التلاوة ومعرفة أحكام التجويد وأسباب النزول ومعاني الكلمات (إنتاج دار الزاد للإنتاج والتوزيع).
• "كان يا ما كان" أفلام تعليمية رائعة عن جسم الإنسان بأسلوب مشوق (قرطبة).
• مواهب وأفكار والاحتفالات التي شاركت فرقة افرح وامرح (أفياء).
• الأفلام التي تحدث عن الحيوانات والطبيعة مثل الافتراس واضحك مع غير البشر.
• فيلم الكرتون محمد الفاتح.
• حروف الهجاء (دار البلاغ).
• الابن البار.
• راضي المحبوب.
(هـ) الألعاب التعليمية: لا شك أن الطفل يحتاج للمرح ولكن ما أجمل أن يمرح ويتعلم ويستفيد في وقت واحد.
• لعبة القرآن إمامي.
• المعارك الإسلامية.
• لعبة ألوان وأشكال.
• منتجات لوجو دكتا وهي ألعاب تعليمية رائعة تجعل الطفل يفكر ويبتكر.
• المنتجات المعروضة لدى محلات "فناتير" وهي تنمي ملكة التفكير.
(و) البرامج الحاسوبية: يمكن تقسيم البرامج الحاسوبية إلى:
• أفلام منتجة على سي دي روم: مثل سلوك الاحتيال عند الحيوان والشمس والطبيعة.
• برامج تعليمية مثل تعليم الصلاة، تعليم القرآن.
• مسابقات تعليمية مثل هرم المعلومات.
(ز) أماكن مناسبة للزيارة مع طفلك في الرياض:
• فيفا.
• حديقة الحيوان.
• مكتبة الملك عبد العزيز (مكتبة الأطفال).
• أفياء.
• مركز التحسين.
• واحة العلوم (الحي الدبلوماسي).
(ح) بدائل: قد يغني عن الكثير مما تقدم إشراك الابن أو البنت في:
• المراكز الصيفية.
• حلق تحفيظ القرآن والدور النسائية.
• الدورات التدريبية في الحاسب ونحوه مع ملاحظة حسن الاختيار للمركز التدريبي من حيث جودة التدريب والمجتمع المحافظ.
ثانياً: للوالدين: كتب وأشرطة للقراءة والاستماع من قبل الوالدين.
الكتب:
• علم نفس المراحل العمرية، أ.د. عمر المفدى، دار الزهراء للنشر.(115/1959)
• سلسلة أفكار (للمبدعات للمتميزات للداعيات) تأليف هناء الصنيع.
• منهاج الطفل المسلم في ضوء الكتاب والسنة تأليف أحمد سليمان.
• التأديب من دون صراخ أو صفع، د. جيري وايكوف، الدار العربية للعلوم.
• سلسلة المشكلات السلوكية للأطفال محمد علي الهمشري مكتبة العبيكان.
• تربية الأطفال في رحاب الإسلام في البيت والروضة محمد حامد الناصر مكتبة السوادي بجدة.
• برنامج عملي لتربية الأسرة، آمنة اليحيى (إصدار مجلة الأسرة).
• كيف تربي ولدك المسلم، شقير العتيبي.
• سياسات تربوية خاطئة، محمد ديماس.
• 100 فكرة لتربية الأسرة، عبد اللطيف الغامدي.
الأشرطة:
• الإبداع في تربية الأبناء، د. طارق السويدان.
• توجيهات وأفكار في تربية الصغار، فضيلة الشيخ إبراهيم الدويش.
• أبي هل أنت مبدع، د. محمد الثويني.
• يتيم بين أبويه، فضيلة الشيخ سعد البريك.
• عالم الطفل وأسلوب التربية، د. عبد العزيز النغيمشي.
• تربية الأبناء همسات ووقفات، فضيلة الشيخ محمد المنجد.
ثالثاً: برامج وأفكار:
هذه مجموعة من البرامج والأفكار التي حاولنا جمعها وهي أطروحة يمكن تطويرها أو التعديل عليها أو التفكير في أفضل منها.
برنامج دعاة المستقبل: فكرة البرنامج هي تعويد الابن على الإسهام في أعمال الخير وذلك بعدة طرق منها:
• زيارة إحدى المؤسسات الخيرية أو مكاتب الدعوة ليتعرف عليها الابن ويسهم بأي شكل مهما كان يسيراً.
• إذا كان الابن يجيد استخدام الحاسب الآلي أو صاحب خط جميل يمكن أن يقوم بطباعة حديث أو فائدة أو قصة جميلة ومن ثم يعلقها في البيت أو في المسجد بعد التنسيق مع إمام المسجد.
• شراء بعض الكتيبات والمطويات النافعة وجعل الطفل يقوم بتوزيعها بعد الصلاة عند باب المسجد بعد التنسيق مع إمام المسجد.
برنامج اللقاء الأسبوعي:
فكرة البرنامج تحديد وقت في الأسبوع يجتمع فيه أفراد البيت ويقوم الأطفال بإعداد وطرح برنامج متنوع الفقرات ويمكن للأب أو الأم مساعدتهم في البدايات ثم سترى بإذن الله أشكالاً من الإبداع قد لا تفكر فيه أنت.
برنامج السؤال الأسبوعي:
فكرته عبارة عن سؤال يعلق أسبوعياً في صحيفة معدة لذلك في البيت ولتكن مثلاً يوم السبت وآخر موعد لتسلم الإجابات هو يوم الجمعة ومن ثم يعلق الجواب(115/1960)
الصحيح واسم الفائز ويطرح سؤال آخر وهكذا ويكون الفائز هو الذي يتكرر اسمه في الشهر أكثر وتقدم له جائزة.
فكرة الكسب الحلال:
وتقوم الفكرة على الاتفاق مع الطفل للقيام بعمل إضافي ليس من الواجبات المعروفة عليه على أن يكون له مقابل على جهده مثل طباعة بحث أو خطاب بالكمبيوتر سواء كان لأحد والديه أو أحد الأقارب فيتعود بذلك الابن أو البنت على الكسب الحلال وتحمل المسؤولية.
فكرة حصالة الخير:
تقوم الفكرة على شراء حصالة كهدية للطفل ليقوم بجمع التبرعات لإخواننا المسلمين في فلسطين مثلاً، سواء كانت من مصروفه الخاص أو في الاجتماعات العائلية مع الأقارب والأصحاب ومن ثم تقوم مع طفلك بإيصالها لأحد اللجان الخيرية فما أروعها من تربية.
فكرة الطفل البار:
تقوم الفكرة على تعويد الطفل مساعدة أمه في أعمال البيت ولو بشكل يسير جداً لكي لا يمل من العمل المطلوب منه وتشجيعه بالكلام والثناء أو بهدية ولكن لا تجعل عادة حتى لا يكون عمله من أجلها.
فكرة الطفل المنظم:
تقوم الفكرة على وضع منافسة بين الأطفال في البيت على ترتيب ما يخصهم من ألعاب وملابس ونحوها ويمكن جعل المكافأة هي المشاركة في رحلة أو زيارة للأقارب.
فكرة المنافسات والألعاب الحركية لحاجة الطفل لها:
- للأبناء: سباق (على الأقدام، الدراجات، ونحوها).
- للبنات: أعمال منزلية: ويقاس فيها المهارة والسرعة (إعداد شاي أو غسيل أواني أو تنظيف أو تطريز..).
فكرة البرامج العائلية الترفيهية: تطالع في صفة 16 من كتاب أفكار للمبدعات.
فكرة سباق الملصقات: تطالع في صفحة 20 من كتاب أفكار للمبدعات.
فكرة دفتر الفوائد للطفل: تطالع في صفحة 26 من كتاب أفكار للمتميزات.
فكرة إيجاد مسبح صغير متنقل للطفل.
ـــــــــــــــــــ
الحفظ الميسر
مشرف النافذة
28/4/1424
ارسل تعليقك ...
لا توجد تعليقات ...
ارسل الصفحة ...
الى مشرف النافذة ...
طباعة ...(115/1961)
تبنى قسم التوعية الاسلامية في الإدارة العامة لتعليم الرياض برنامج الحفظ الميسر لمصمم لتطبيقه في فترة الإجازة الصيفية (سبعة اسابيع ) ،فنأمل من الأسر ان تستفيد منه وتسعى إلى تطبيقه .
واليكم عرضاً للبرنامج..
الشعار: قول الله تعالى: (وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ) (القمر:17).
الاسم: الحفظ الميسر.
الفكرة: برنامج لحفظ أجزاء محددة من القرآن الكريم خلال الإجازة الصيفية بخطة زمنية مرسومة، بأقصر وقت، وأقل جهد.
الأهداف:
1- استثمار أوقات فراغ الطلاب في الإجازة بما يعود عليهم نفعه في الدنيا والآخرة.
2- الانضمام مع السفرة الكرام البررة.
3- الحصول على الخيرية الموعود بها في قول المصطفى صلى الله عليه وسلم: "خيركم من تعلم القرآن وعلمه".
4- رب الطلاب بكتاب الله عز وجل والتخلق بأخلاقه والتحلي بآدابه.
قال ابن خلدون – رحمه الله تعالى:
(اعلم أن تعليم الولدان للقرآن شعار الدين، أخذ به أهل الملة، ودرجوا عليه في جميع أمصارهم لما يسبق فيه إلى القلوب من رسوخ الإيمان، وعقائد من آيات القرآن، وبعض متون الحديث، وصار القرآن أصل التعليم الذي ينبني عليه ما حصل من بعد الملكات).
5- بث روح المنافسة بين الطلاب.
6- تنمية القدرات العقلية لدى الطلاب من خلال حفظهم كتاب الله عز وجل.
المستفيدون:
طلاب المراحل الدراسية الثلاث: (الابتدائي – المتوسط – الثانوي).
المشرف على البرنامج:
المدرسة، الأسرة، المسجد، المركز الصيفي، وذلك بالتعاون بينهم.
الحوافز التشجيعية:
تقدم المدرسة للطلاب المشاركين في البرنامج:
أ- جوائز عينية أو نقدية.
ب- شهادات شكر وتقدير.
ت- شهادات إتمام الجزء المقرر.
طريقة تنفيذ البرنامج:
• يقوم الطالب بالحفظ بإشراف مدرس الحلقة أو إمام المسجد أو أحد والديه.
• إذا رأى المشرف على الطالب إتقاناً في الحفظ يقوم بالتوقيع نهاية كل أسبوع، كما في دليل الحفظ الميسر، مع كتابة التقدير.
• يعد الطالب مجتازاً في الحفظ إذا حقق نسبة 85% فما فوق.
• في الأسبوع الثالث من بداية الدراسة تستعيد المدرسة (دليل الحفظ الميسر) للاطلاع عليه، ومن ثم تجري اختباراً للوقوف على قوة حفظه، وفي حال اجتيازه(115/1962)
لهذا المقرر من البرنامج (85% فما فوق) يخصص له (سجل متابعة) وفق ما سيصل المدارس من قسم التوعية الإسلامية بالمنطقة.
• بعد تقويم الطالب يتم تحرير تقديره وإثبات اجتيازه في (سجل متابعة الطالب) حتى ينتهي الحفظ، أو ينتقل من المدرسة.
• يمنح الطالب بناءً على ما تقدم شهادة في حفظ القرآن الكريم أو أجزاء منه حسبما حفظه.
• حال انتقال الطالب من مدرسته إلى مدرسة أخرى يسلم السجل مع ملف الطالب رسمياً للمدرسة الأخرى.
الهدف من سجل المتابعة:
1- معرفة مقدار حفظ الطالب وتوثيقه.
2- الترقي في الحفظ.
3- تشجيع الطالب على الاستمرار وضمان دخوله في مشاركات أخرى.
4- اطلاع ولي الأمر على مضمون هذا التدرج وفوائده، ليتابع ابنه ويقوم بتشجيعه.
5- اطلاع قسم التوعية الإسلامية أو غيره على مستوى الطالب ومدى تفاعله مع البرنامج.
تنبيهات وتوصيات:
• رب عمل صغير كبرته النية! ورب عمل كبير صغرته النية!.
• من أهم روافد تفعيل هذا البرنامج وتنفيذ آليته وجني ثماره المباركة: مدير المدرسة، ومعلمو التربية الإسلامية، ورائد النشاط، ورائد التوعية.
قل أبو جعفر ابن جرير الطبري – رحمه الله تعالى:
(حفظت القرآن ولي سبع سنين، وصليت بالناس وأنا ابن ثمان سنين، وكتبت الحديث وأنا ابن تسع سنين).
• للأسرة دور عظيم وفاعل في نجاح هذا البرنامج من خلال الإشراف والتحفيز والمتابعة.
• للمسجد قصب السبق في هذا المضمار من خلال تنشيط الطلاب وتشجيعهم لتطبيق هذا البرنامج.
• للطالب حق اختيار أحد النماذج المطلوب حفظها حسب قدرته في كل إجازة صيفية.
• البدء بالبرنامج في الأسبوع الثاني من بداية الإجازة الصيفية.
• يشمل برنامج الحفظ العام الدراسي التالي: مراجعة ما تم حفظه في العام السابق/ الأعوام السابقة.
• سيتم تكريم المدارس الأكثر تفاعلاً مع البرنامج وذلك على مستوى مراكز الإشراف التربوي وكذلك سيعتني بالطلاب المتميزين في مواصلة البرنامج.
خطوات تنفيذ الطالب للبرنامج:
1- قراءة (دليل الحفظ الميسر) وهو دليل إرشادي كما بين يديك.
2- اختيار شريط لأحد القراء المجودين.
3- سماع المقطع المراد حفظه حسب المنهج المحدد.(115/1963)
4- من العوامل المعينة على الحفظ وضبطه استخدام إحدى الوسائل مثل (التكرار – ربط الآيات بعضها ببعض – المراجعة – العناية بالمتشابهات).
5- عرض المقطع المحفوظ على المشرف على البرنامج (الأب، الأم، المعلم).
6- تكرار المحفوظ بين حين وآخر بتسجيله في الحقول المخصصة كما في جدول توزيع الحفظ.
أقوال مضيئة:
قال الحافظ الخطيب البغدادي – رحمه الله تعالى:
(ينبغي للطالب أن يبدأ في حفظ كتاب الله عز وجل، إذ كان أجل العلوم وأولاها بالسبق والتقديم).
(الجامع لأخلاق الراوي ولآداب السماع)
قل أبو جعفر ابن جرير الطبري – رحمه الله تعالى:
(حفظت القرآن ولي سبع سنين، وصليت بالناس وأنا ابن ثمان سنين، وكتبت الحديث وأنا ابن تسع سنين).
(تفسير ابن جرير مقدمة المحقق 1/3)
قال ابن خلدون – رحمه الله تعالى:
(اعلم أن تعليم الولدان للقرآن شعار الدين، أخذ به أهل الملة، ودرجوا عليه في جميع أمصارهم لما يسبق فيه إلى القلوب من رسوخ الإيمان، وعقائد من آيات القرآن، وبعض متون الحديث، وصار القرآن أصل التعليم الذي ينبني عليه ما حصل من بعد الملكات).
قال الحافظ الخطيب البغدادي – رحمه الله تعالى:
(ينبغي للطالب أن يبدأ في حفظ كتاب الله عز وجل، إذ كان أجل العلوم وأولاها بالسبق والتقديم).
(مقدمة ابن خلدون – 537، 538)
نماذج الحفظ الميسر
النموذج الأول: جزء النبأ.
النموذج الثاني: جزءا النبأ والملك.
النموذج الثالث: أجزاء: النبأ والملك والمجادلة.
النموذج الرابع: أجزاء: النبأ والملك والمجادلة والذاريات.
النموذج الخامس: أجزاء: النبأ والملك والمجادلة والذاريات والأحقاف
ـــــــــــــــــــ
الإمام ابن الجوزي والتربية الذاتية
عبدالمجيد بن عثمان الزهراني
4/4/1424
ارسل تعليقك ...
لا توجد تعليقات ...
ارسل الصفحة ...
الى مشرف النافذة ...(115/1964)
طباعة ...
مدخل :
الإمام ابن الجوزي ( 1 ) له تجربة في التربية الذاتية فصلها في كتابه " لفتة الكبد في نصيحة الولد " فقال في سبب تأليفه : " ... ثم رأيت منه ( 2 ) توان عن الجد في طلب العلم ، فكتبت له هذه الرسالة ، أحثُّه بها على سلوك طريقي في كسب العلم ، وأدله على الالتجاء إلى الموفق – سبحانه وتعالى – مع علمي بأنه لا خاذل لمن وفق ، ولا مرشد لمن أضل " .
وسأقوم بعرضها كما وصفها هو من غير تصرف ، بل بنقل نص عباراته ، وسيكون دوري في عرضها الترتيب المنهجي ، ليسهل على القاريء استيعاب تجربة هذا الإمام .
مجالات التربية الذاتية :
المجالات التي يجب الاعتناء بها في تربية الذات لدى الإمام ابن الجوزي ، تميزت بوضوح المعالم ، وشمولية التربية ، تركيز الهدف ، وصرامة قيادة الذات لاستكمالها ، وهي تشمل :
1 ) التربية على التقوى والإخلاص :
يقول : " وها أنا قد ترى ما آلت حالي إليه وأنا أجمعه لك في كلمة واحدة ، وهي قوله تعالى : ( واتقوا الله ويعلمكم الله ) " . [ البقرة : 282 ] .
ويقول : " يا بني ، ومتى صحت التقوى رأيت كل خير ، والمتقي لا يرائي الخلق ، ولا يتعرض لما يؤذي دينه ، ومن حفظ حدود الله حفظه الله ... واعلم أن أوفى الذخائر غض الطرف عن محرم ، وإمساك اللسان عن فضول كلمة ، ومراعاة لحد ، وإيثار الله – سبحانه وتعالى عن هوى النفس .. " .
ويقول : " فلا تعظن إلا بنية ، ولا تمشين إلا بنية ، ولا تأكلن لقمة إلا بنية " .
2 ) التربية على الاستعداد للآخرة :
الإمام ابن الجوزي له تجربة في التربية الذاتية فصلها في كتابه " لفتة الكبد في نصيحة الولد " وسأقوم بعرضها كما وصفها هو من غير تصرف ، بل بنقل نص عباراته ، وسيكون دوري في عرضها الترتيب المنهجي
يقول : " فإذا عاد إلى النظر في مقدار بقائه في الدنيا ، فرضنا ستين سنة مثلاً ، فإنه يمضي منها ثلاثين سنة في النوم ، ونحواً من خمس عشرة في الصبا ، فإذا حسب الباقي كان أكثر في الشهوات والمطاعم والمكاسب ـ فإذا خلص ما للآخرة وجد فيه من الرياء والغفلة كثيراً ، فبماذا تشتري الحياة الأبدية ، وإنما الثمن هذه الساعات ؟ " .
3 ) التربية على العبادات :
ويقول : " واعلم أن أداء الفرائض واجتناب المحارم لازم ، فمتى تعدى الإنسان فالنار النار " .
4 ) التربية على الآداب :
منها : العزلة عن أصحاب السوء ، فيقول : " وعليك بالعزلة ، فهي أصل كل خير ، واحذر من جليس السوء " .(115/1965)
ومنها : الزهد في الدنيا ، فيقول : " واجتهد يا بني في صيانة عرضك من التعرض لطلب الدنيا والذل لأهلها ، واقنع تعز ... " .
ومنها : القيام بالحقوق ، فيقول : " وأدِّ إلى كل ذي حق حقه من زوجة وولد وقرابة " .
ومنها : " تأديب النفس ، فبقول : " وراع عواقب الأمور ، ليهن عليك الصبر عن كل ما تشتهي وما تكره ... " .
5 ) التربية على طلب الكمال :
يقول : " وينبغي أن تسمو همتك إلى الكمال ، فإن خلقاً وقفوا مع الزهد ، وخلقاً تشاغلوا بالعلم ، وندر أقوام جمعوا بين العلم الكامل والعمل الكامل " .
6 ) التربية على الجمع بين العلم والعمل :
يقول في الجمع بينهما : " وإياك أن تقف مع صورة العلم دون العمل به ، فإن الداخلين على الأمراء والمقبلين على أهل الدنيا قد أعرضوا عن العمل بالعلم فمنعوا البركة والنفع به " .
ويقول : " وإياك أن تتشاغل بالتعبد من غير علم ، فإن خلقاً كثيراً من المتزهدين المتصوفة ضلوا طريق الهدى إذ عملوا بغير علم " .
ويقول : " ومتى لم يعمل الواعظ بعلمه زلت موعظته عن القلوب كما يزل الماء عن الحجر " .
ويقول : " وعلى الحقيقة ، فليست الفضائل الكاملة إلا الجمع بين العلم والعمل ، فإذا حصلا رَفَعَا صاحبهما إلى تحقيق معرفة الخالق – سبحانه وتعالى – وحرّكاه إلى محبته وخشيته والشوق إليه .
ويقول في التربية العلمية : " وأول ما ينبغي النظر فيه : معرفة الله تعالى بالدليل ... ثم يتأمل صدق الرسول صلى الله عليه وسلم إليه ، وأكبر الدلائل : القرآن الذي أعجز الخلق أن يأتوا بسورة من مثله ... ثم يجب عليه أن يعرف ما يجب عليه من الوضوء والصلاة والزكاة والحج وغير ذلك من الواجبات ، فإذا عرف قدر الواجب قام به ... ولا بد من معرفة ما يقيم به لسانه من النحو ، ومعرفة طرف مستعمل من اللغة ... والفقه أصل العلوم " .
ويقول : " تعلم بالدليل أنك مخلوق مكلف ، وأن عليك فرائض أنت مطالب بها ... " .
أساليبه في التربية الذاتية :
كما حدد الإمام ابن الجوزي هدفه في استكمال تربية الذات في المجالات السابقة ، فقد حدد أساليبه لبلوغ تلك التربية ، وتميزت بالتنوع ، والشمول ، والصرامة في تطبيقها ، وهي تشمل :
1 ) الاشتغال بطلب العلم الشرعي :
ويشمل :
أ – حفظ القرآن والسنة :
يقول : " ... فيتشاغل بحفظ القرآن وتفسيره ، وبحديث الرسول صلى الله عليه وسلم ... " .
ب – حفظ وكتابة دروس العلماء ومراجعتها :(115/1966)
يقول : " ... بل أطلب المحدث فيتحدث بالسير ، فأحفظ جميع ما أسمعه ، وأذهب إلى البيت فأكتبه " .
ويقول : " ولقد كان الصبيان ينزلون إلى دجلة ، ويتفرجون على الجسر وأنا في زمن الصغر ، آخذ جزءاً ، وأقعد حُجْزَة ( 3 ) من الناس إلى جانب الرَّقة ( 4 ) ، فأتشاغل بالعلم " .
ويقول : " فعليك بالحفظ ، وإنما الحفظ رأس المال " .
ج – التوسع في طلب العلم :
يقول : " ولم أقنع بفن من العلوم ، بل كنت أسمع الفقه والوعظ والحديث ... " .
د – ملازمة العلماء ومسابقة الطلاب إليهم :
يقول : " ولقد وفق لي شيخنا أبو الفضل أبي ناصر ( 5 ) – رحمه الله – وكان يحملني إلى الشيوخ ، فأسمعني المسند وغيره من الكتب الكبار ، وأنا لا أعلم ما يراد مني ، وضبط لي مسموعاتي إلى أن بلغت ، فناولني ثبتها ، ولازمته إلى أن توفي رحمه الله ، فنلت به معرفة الحديث والنقل " .
ويقول : " ولقد كنت أدور على المشايخ لسماع الحديث ، فينقطع نفسي من العدو لئلا اُسْبق " .
هـ - حضور مجالس العلماء الزائرين لبلده :
يقول : " ولم أترك أحداً ممن يروي ويعظ ، ولا غريباً يقدم إلا وأحضره " .
و – إحكام العلم :
يقول : " ولا تشتغل بعلم حتى تحكم ما قبله " .
ز – النفقة في طلب العلم :
يقول : " واعلم يا بني أن أبي كان موسراً ، وخلّف ألوفاً من المال ، فلما بلغت دفعوا لي عشرين ديناراً ودارين ، وقالوا لي : هذه التركة كلها ، فأخذت الدنانير واشتريت بها كتباً من كتب العلم ، وبعت الدارين وأنفقت ثمنها في طلب العلم ... " .
2 ) التبكير في التربية :
يقول : " فإني أذكر نفسي ولي همة عالية وأنا في المكتب ( 6 ) ابن ست سنين ، وأنا قرين الصبيان الكبار ـ قد رقت عقلاً وافراً في الصغر يزيد على عقل الشيوخ ، فما أذكر أني لعبت في طريق مع الصبيان قط ، ولا ضحكت ضحكاً خارجاً ، حتى إني كنت ولي سبع سنين أو نحوها أحضر رحبة ( 7 ) الجامع ... " .
3 ) الاجتهاد في طلب الكمال :
يقول : " ... وعلى قدر أهل العزم تأتي العزائم ، وليس كل ما يُراد مراداً ، ولا كل طالب واجداً ، ولكن على العبد الاجتهاد ... " .
ويقول : " ولم أقنع بفن من العلوم " .
4 ) رفع الهمة وتخليص النفس من الكسل :
يقول : " والكسل عن الفضائل بئس الرفيق ، وحب الراحة يورث من الندم ما يربو على كل لذة ، فانتبه واتعب لنفسك " .(115/1967)
ويقول : " وقد عرفت بالدليل أن الهمة مولودة مع الآدمي ، وإنما تقصر بعض الهمم في بعض الأوقات ، فإذا حُثّت سارت ، ومتى رأيت في نفسك عجزاً فسل المنعم ، أو كسلاً فالجأ إلى الموفق " .
ويقول : " وألزمت نفسي الصبر فاستمرت ، وشمرت ولازمت ، وعالجت السهر " .
5 ) تزكية النفس بفعل الطاعات واجتناب المعاصي :
يقول : " فلن تنال خيراً إلا بطاعته ، ولا يفوتك خيرٌ إلا بمعصيته ... " .
ويقول : " فالزم نفسك يا بني الانتباه ( 8 ) عند طلوع الفجر ولا تتحدث بحديث الدنيا ... وقل ذكر الاستيقاظ من النوم ... ثم قم إلى الطهارة واركع سنة الفجر ، واخرج إلى المسجد خاشعاً ... واقصد الصلاة إلى يمين الإمام ... ثم عليك بالأذكار بعد الصلاة ... فإن صح لك فاجلس ذاكراً الله تعالى إلى أن تطلع الشمس وترتفع ، ثم صلِّ واركع ما كتب لك ، وإن كان ثماني ركعات فهو حسن " .
ونلاحظ أن التربية على العبادات تشمل المحافظة على الفرائض ، والإكثار من النوافل ذكراً وصلاة .
ويقول : " وصلِّ الضحى ثماني ركعات ... وصلِّ بعد المغرب ركعتين بجزأين ... وإذا فتحت عينيك من النوم فاعلم أن النفس قد أخذت حظها ، فقم إلى الوضوء وصلِّ في ظلام الليل ما أمكن ، واستفتح بركعتين خفيفتين ، ثم بعدهما ركعتين بجزأين من القرآن ... " .
ويقول : " وإن وجدت من نفسك غفلة ، فاحملها إلى المقابر ، وذكّرها قرب الرحيل " .
6 ) المداومة على مطالعة سير السلف :
يقول : ينبغي التشاغل " بمعرفة سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم وسير أصحابه والعلماء بعدهم ، ليتخير مرتبة الأعلى فالأعلى ... " .
ويقول : " وليكن جلساؤك الكتب والنظر في سير السلف ... وتَلَمَّح سير الكاملين في العلم والعمل " .
ويقول : " واعلم أني قد تصفحت التابعين ومن بعدهم ، فما رأيت أحظى بالكمال من أربعة أنفس : سعيد بن المسيب ، والحسن البصري ، وسفيان الثوري ، وأحمد بن حنبل ، وقد كانوا رجالاً ، وإنما كانت لهم همم ضعفت عندنا ، وقد كان في السلف خلق كثير لهم همم عالية ، فإذا أردت أن تنظر إلى أحوالهم ، فانظر في كتاب ( صفة الصفوة ) ، وإن شئت تأمل أخبار سعيد ، والحسن ، وسفيان ، وأحمد رضي الله عنهم ، فقد جمعت لكل واحد منهم كتاباً " .
ويقول : " ومع مطالعة أخلاق السلف ينكشف لك الأمر " .
7 ) استغلال الوقت وتنظيمه :
يقول : " فانتبه يا بني لنفسك ... واندم على ما مضى من تفريطك ، واجتهد في لحاق الكاملين ما دام في الوقت سعة ، واسق غصنك ما دامت فيه رطوبة ، واذكر ساعتك التي ضاعت فكفى بها عظة ... " .
ويقول : " واعلم يا بني أن الأيام تبسط ساعات ، والساعات تبسط أنفاساً ، وكل نفس خزانة ، فاحذر أن يذهب نَفَس بغير شيء ، فترى في القيامة خزانة فارغة فتندم " .(115/1968)
ويقول : " وانظر كل ساعة من ساعاتك بما تذهب ، فلا تودعها إلا إلى أشرف ما يمكن "
ويقول بعد أن ذكر الجلوس في المسجد إلى طلوع الشمس : " ثم أعد درسك إلى وقت الضحى الأعلى ... " ، و ذكر بعد صلاة الضحى : " ثم تشاغل بمطالعة أو نسخ إلى وقت العصر ، ثم عد إلى درسك من بعد العصر إلى وقت المغرب ... فإذا صليت العشاء فعد إلى دروسك " .
---------------------------------------
الهوامش:
( 1 ) هو الشيخ العلامة ، الحافظ المفسر ، شيخ الإسلام ، مفخر العراق ، جمال الدين أبو الفرج عبدالرحمن بن علي بن محمد بن علي ابن عبيدالله بن عبدالله بن حمَّادي بن أحمد بن محمد بن جعفر بن عبدالله بن القاسم بن محمد بن عبدالله ابن الفقيه عبدالرحمن ابن الفقيه القاسم بن محمد ابن خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم أبي بكر الصديق القرشي التيمي البكري البغدادي الحنبلي . وقد أخذ العم عن نيف وثمانين شيخاً ، وكان رأساً في التذكير بلا مدافعة ، وهو حامل لواء الوعظ . كان بحراً في العلوم . صاحب تصانيف عديدة ، من أشهرها : زاد المسير . ولد عام : 508 هـ ، وتوفي عام : 597 هـ رحمه الله . ( سير أعلام النبلاء : 21 / 365 – 384 ) .
وهو من أولاد أبي بكر كما قال : " يا بني ، واعلم أننا من أولاد أبي بكر الصديق رضي الله عنه، وأبونا القاسم بن محمد بن عبدالرحمن ابن أبي بكر بن محمد بن أبي بكر رضي الله عنه " . ( لفتة الكبد في نصيحة الولد ، ص : 67 ) .
( 2 ) له ولد اسمه القاسم وجه له هذه النصيحة من خلال عرض تجربته .
( 3 ) حجزة من النس : أي بعيداً عن الناس .
( 4 ) الرقة : كل أرض إلى جنب واد ينبسط الماء عليها أيام المد .
( 5 ) محمد بن ناصر أبو الفضل اللامي ، محدث العراق في عصره ، مولده ووفاته في بغداد ، توفي عام ( 550 هـ ) .
( 6 ) أي في الكُتّاب أو المدرسة .
( 7 ) أي : ساحة الجامع .
( 8 ) الاستيقاظ من النوم .
ـــــــــــــــــــ
تجربة مدرسية لتفعيل البرامج الأسرية
مشرف النافذة
10/3/1424
ارسل تعليقك ...
لا توجد تعليقات ...
ارسل الصفحة ...
الى مشرف النافذة ...
طباعة ...(115/1969)
قبل البداية
تبنت مدرسة أبي بن كعب الابتدائية لتحفيظ القرآن الكريم منذ عام ( 1420 هـ ) التواصل مع الأسر في التخطيط لبرامج الإجازة الصيفية ، وتفاعلت مع التجربة العديد من الأسر ، وبذلك تكون قد ساهمت في بناء لبنة في التربية الأسرية ، وشاركت في تبنيه العديد من المدارس ، وترتكز التجربة على المنطلقات التالية :
1 ) أهمية تواصل المدرسة كمؤسسة تربوية مع الأسرة في التخطيط لبرامج التربية الأسرية .
2 ) وضع الخطوط الرئيسة للبرنامج ، وترك الحرية للأسرة في اختيار البرامج بما يناسب مختلف فئات وحاجات الأسرة التربوية .
3 ) التواصل مع الأسرة بعد الإجازة الصيفية عن طريق تنظيم المسابقات على البرنامج ، مثل : المسابقات على الكتيبات والأشرطة ، ومسابقة أفضل برنامج أسري .
إدارة التحرير
الفراغ والإجازة الصيفية
في الإجازات يعاني أولادنا من فراغ كبير، ولا بد من شغله بالأنشطة المناسبة التي تفيد في بناء شخصيتهم وتكسبها خبرات ومهارات تفيدهم في حاضرهم ومستقبلهم كما أنها تدفع إلى التفكير والإنتاج وتدرب على المثابرة والعمل وتعين على تطوير الشخصية والنهوض بالمجتمع وحين يحفظ الشاب وقته، وينشأ في طاعة ربه، يظله الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله، ويرزق والديه بركة دعائه الصالح فيجري لهم العمل بعد الموت.
وانطلاقاً من الرسالة التربوية للمدرسة، قامت المدرسة بإعداد هذا الجهد المتواضع، تعاوناً على البر والتقوى وتواصياً بالحق والخير فنسأل الله أن يبارك في أعمارنا وأعمالنا وأن يجعلنا ممن يفلح ويفوز باغتنام أوقاته وسني عمره.
الإجازة الصيفية والتخطيط
التخطيط.. التغيير.. الإدارة.. القيادة: مفردات إدارية من عالم المال والأعمال، هي محور اهتمام المؤسسات والشركات والمنشآت والمنظمات يبذل في سبيل تحقيقها وتحصيلها الغالي والنفيس لأنها تسعى إلى الربحية، والربح لا يأتي إلاَّ بالإدارة الجيدة والقيادة الواعية والنظرة المستقبلية الثقافية.
تبنت مدرسة أبي بن كعب الابتدائية لتحفيظ القرآن الكريم منذ عام ( 1420 هـ ) التواصل مع الأسر في التخطيط لبرامج الإجازة الصيفية ، وتفاعلت مع التجربة العديد من الأسر، ونتطرق فيما يلي لتفاصيل هذه التجربة.
إن التخطيط والتغيير والإدارة والقيادة وغيرها من المفردات ليست هامة على مستوى الشركات والمنظمات فحسب، بل هي مهمة حتى على مستوى الأمم والحضارات.
وما الأمة إلا مجموع أفرادها: الرجال والنساء والأبناء والبنات لذا أصبح لزاماً على كل فرد من أفراد الأمة أن يلتزم منهجية فردية وأسرية، تتبنى هذه المفردات الإدارية(115/1970)
وغيرها وتطبقها في شتى مناحي الحياة، لأننا نسعى إلى الربح بل والربح الكبير في الدنيا والآخرة.
أخي الأب.. أختي الأم..
إن نهضة الأمة الإسلامية قاطبة متوقفةٌ على جهودكما في بناء أسرة ناجحة تكون هي النواة الأولى لمجتمع صالح، فصلاح شأن الأمة الإسلامية وقف على صلاح أفرادها، وصلاح الفرد ينبعث حين ينبعث من ذاته.
فلنعد إلى الداخل... ولنبدأ بالإصلاح... ثم ننطلق لتغيير الذات، والله معنا ومعكم موفقاً وحافظاً.
وقد وضعنا بين أيديكم خطوات عملية لإعداد وتخطيط برامج ومناشط، وسبل تحقيقها وتنفيذها، أثناء الإجازة وغيرها. والله من وراء القصد، وهو الهادي إلى سواء السبيل.
خطوات إعداد برنامج
أولاً: وضع الأهداف:
في ضوء واقع الأسرة يقوم رب الأسرة بتحديد الأهداف وهي نوعان:
أهداف عامة للأسرة مثل:
1- التشجيع على القراءة.
2- رفع الجانب الإيماني.
3- الحفاظ على أفراد الأسرة من المؤثرات الخارجية.
4- ..........................
5- ..........................
أهداف خاصة لكل فرد مثل:
1- علاج ضعف الابن أو الابنة في القراءة أو الكتابة.
2- مراجعة ما تم حفظه من القرآن الكريم.
3- تنمية المواهب الخاصة لكل فرد من الأسرة.
4- ...........................
5- ...........................
ويلاحظ في ذلك ما يأتي:
- ترتيب الأهداف حسب الأولويات.
- يراعى في الهدف الاعتبارات الآتية:
1- أن يكون الهدف واضحاً.
2- أن يكون الهدف قابلاً للقياس.
3- أن يكون الهدف واقعياً.
4- أن يكون الهدف محدداً.
ثانياً: وسائل تحقيق الأهداف مثل:
1- الرحلات بأنواعها.
2- التسجيل في المراكز الصيفية.
3- التحاق البنات والنساء بالدور النسائية لتحفيظ القرآن الكريم.(115/1971)
4- التسجيل في أحد مراكز التدريب لاكتساب بعض المهارات.
ثالثاً: حصر أفراد البرنامج مثل:
أفراد الأسرة، الأقارب، الجيران، جماعة المسجد.
رابعاً: تحديد المدة الزمنية وعمل جدول أسبوعي في ضوء تلك المدة الزمنية.
نموذج (1)
م
...
المشارك في البرنامج
...
الهدف
...
الوسائل
...
مدة التنفيذ
...
نفذ
...
لم ينفذ
... ... ...
1-
2-
3-
... ... ...
... ... ...
1-
2-
3-
... ... ...
نموذج (2)
م
...
اسم النشاط
...
اليوم
...
المكان
...(115/1972)
صاحب النشاط
...
نفذ
...
لم ينفذ
1 ... ... ... ... ... ...
2 ... ... ... ... ... ...
3 ... ... ... ... ... ...
نموذج (3)
جدول متابعة الحفظ + الحديث
التاريخ من .......... إلى ............
السورة
...
الآية
...
حفظ
...
لم يحفظ
... ...
الحديث
...
حفظ
...
لم يحفظ
......
...
...
...
...
...
........
...
...
.....
...
...
...(115/1973)
...
...
........
...
...
.....
...
...
...
...
...
.......
... ...
خامساً: توزيع الأهداف على الجدول الأسبوعي السابق المقترح.
سادساً: وضع حوافز مادية ومعنوية.
أهداف مقترحة
وقدمت المدرسة أهدافاً مقترحة يمكن تحقيقها مثل:
أخي الأب.. أختي الأم..
إن نهضة الأمة الإسلامية قاطبة متوقف على جهودكما في بناء أسرة ناجحة تكون هي النواة الأولى لمجتمع صالح، فصلاح شأن الأمة الإسلامية وقف على صلاح أفرادها، وصلاح الفرد ينبعث حين ينبعث من ذاته.
1- زيادة الوعي الديني عند أفراد الأسرة.
2- تنمية حب القراءة.
3- استثمار مهارة الحفظ في القرآن والحديث وغيرها.
4- زيادة ثقافة الأسرة (الثقافة العامة - والإسلامية بشكل خاص).
5- التدرب على التخطيط والتنظيم والإعداد لاستثمار الوقت.
6- تحقيق الترويح المباح.
7- ممارسة هوايات نافعة.
8- مدارسة في السيرة والمغازي.
9- التدرب على أساليب الدعوة ومكارم الأخلاق.
10- المساهمة في أعمال الخير.
11- تقوية الروابط مع الأقارب.
12- تكوين علاقات اجتماعية جديدة موجهة.
13- زيارة أماكن منتقاة ومتنوعة.
14- معالجة السلوكيات الخاطئة.
15- تقوية جوانب الضعف الدراسي عند أفراد الأسرة.
16- تنمية المهارات اللغوية.(115/1974)
17- رحلات العمرة.
وسائل مقترحة
إن كل هدف يمكن تحقيقه عن طريق عدة وسائل، وإليكم أمثلة لبعض الوسائل:
1- اشتراك الأبناء في حلقات التحفيظ والمراكز الصيفية.
2 - اشتراك البنات في الدور النسائية لتحفيظ القرآن الكريم.
3- الاشتراك في دورات لتعليم الحاسب الآلي.
4- المساهمة والتعاون مع مكاتب الدعوة.
5- تسجيل الأبناء في معاهد لتعليم الإلقاء والخطابة.
6- زيارة المكتبات العامة والاستفادة منها.
7- المساهمة في أنشطة المسجد.
8- زيارة المؤسسات الخيرية والتعرف عليها والتعاون معها.
9- حضور الدورات العلمية.
10- الاشتراك في المجلات والنشرات المفيدة.
11- زيارة المشايخ وطلاب العلم والدعاة.
وغير ذلك من الوسائل الكثيرة.
مشاريع عملية
1- حلقات المدارسة:
- يتم التحضير لهذا الموضوع.
- يستحسن اختيار الموضوعات التي تمس الحاجة إليها.
- الاجتماع لمناقشة الموضوع بحيث يقدم كل مشارك ما لديه، والخروج بتوصيات عامة.
وضعنا بين أيديكم خطوات عملية لإعداد وتخطيط برامج ومناشط، وسبل تحقيقها وتنفيذها، أثناء الإجازة وغيرها. والله من وراء القصد، وهو الهادي إلى سواء السبيل.
2- قراءة كتاب:
- اختيار أحد الكتب المهمة.
- تحديد مدة معينة للانتهاء من هذا الكتاب.
- مدارسة للكتاب في جلسة خاصة.
3- العمل مع جماعة الحي:
- هدية المسجد: اختيار كتيب أو شريط بين فترة وأخرى والقيام بإهدائه على بيوت الحي باسم هدية المسجد.
- زيارة الجماعة، حيث تحدد أوقات يزار فيها أفراد الجماعة.
- رحلة قصيرة للجماعة لتعميق روح التآلف وتثبيت رسالة المسجد.
- التنسيق مع بعض الدعاة وطلاب العلم لإلقاء كلمات في المسجد.
4- العمل مع مكاتب الدعوة والجاليات:
- تخصيص وقت في كل أسبوع ولو لمدة ساعتين في التعاون مع المكاتب في المجال المناسب.(115/1975)
5- إطعام الأسر الفقيرة والمحتاجة:
- وذلك بالتعاون مع جمعيات البر.
6- إلقاء الكلمات:
- اختيار مجموعة من المساجد.
- الاتفاق مع عدد معين من الشباب بحيث يحضر كل واحد منهم كلمة يتم إلقاؤها بعد الصلاة.
توصيات لنجاح البرنامج
لا بد من الاتفاق على آلية لتنفيذ البرنامج من خلال جلسة لمدة ساعتين - مثلاً - أسبوعياً.
1- تحديد مسؤول لمتابعة البرنامج.
2- ضرورة إشراك أفراد الأسرة في وضع هذا البرنامج.
3- مراعاة الظروف والحاجات الخاصة للأسرة مع مراعاة المرونة في العمل.
4- عمل ملف خاص لوضع البرنامج فيه للاستفادة المستقبلية منه وعدم التكرار.
نماذج من تفاعل الأسر مع البرنامج
كلمة حق:
يسّر الله لي الاطلاع على المطوية المعدة من قبل مدرسة أبي بن كعب لتحفيظ القرآن الكريم لعام 1422هـ وأول ما شدني فيها الفكرة التي قامت عليها المطوية فهي فكرة قيمة في ذاتها، وحسبها أنها تستحث تفكير الأسرة إلى إعمار الأوقات.
والأمر الثاني: أنها أَتْبَعَتِ الفكرة بتقديم خطة فيها الهدف والوسيلة لاستثمار الأوقات بأوجه متعددة جمعت بين الفائدة والترويح، فتكون بذلك قد يسرت على كثير من الأسر تنفيذ الفكرة وخوض التجربة بنجاح - بإذن الله - والأمر الثالث: التذكير بأساليب لاستثمار الأوقات التي قد يغفل عن بعضها المرء وتدفع به إلى التفكير في خطط كثيرة تحتوي أوقات العطلة احتواء محكماً، وهناك لفتة جيدة واعية عندما شملت الخطة جميع الأفراد في الأسرة بما في ذلك الخادمة، وهذا يؤكد حقيقة المسئولية التي تتحملها الأسرة المسلمة.
أسأل الله أن يبارك في الجهود وأن يخرجها مخرج الإخلاص لله وحده حتى يجعل لها القبول ويستمر بها النفع. وللعلم ليس لي أبناء في هذه المدرسة ولكن هو الخير في الكلمة الطيبة الذي يتجاوز حدود المكان. ( أم مصعب )
كلمة إعجاب :
في السابق كانت حالتي كحالة الكثير من البيوت في العطلة ، تمر دون استغلالها بما يفيد مما يحز في النفس ، ومع توالي الأيام وتعاقب الشهور ونحن على حالة واحدة من عدم استغلال الوقت وضياعه ، وبعد الاطلاع على البرنامج المرسل من المدرسة عرضت الفكرة على أبي فراس ، واتفقنا جميعاً على وضع جدول وبرنامج نسير عليه في العطلة لكل فرد منا ، ورغم بعض الصعوبات التي واجهتنا في البداية أثناء تطبيق البرنامج إلا أنه - بحمد الله - أثمر نتائج إيجابية مقارنة بما مضى من أعوام ، وأصبح وقتنا أكثر تنظيماً وأكثر جدية . ( أم فراس ) .
أمل التطوير :(115/1976)