سلسلة إصلاح الأسرة (5) الإسلام والعفة في الأسرة والمجتمع ؟؟؟
الحمد لله على كل حال, الحمد لله الذي كفانا وآوانا وهدانا , الحمد لله حمدًا كثيرًا طيبًا مباركًا فيه كما يحب ربنا ويرضى, القائل : { قد أفلح المؤمنون الذين هم في صلاتهم خاشعون والذين هم عن اللغو معرضون والذين هم للزكاة فاعلون والذين هم لفروجهم حافظون إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم فإنهم غير ملومين } [ سورة المؤمنون : 1-5 ].
اللهم إنا نسألك العافية في ديننا ودنيانا وأهلينا وأموالنا, اللهم استر عوراتنا وآمن روعاتنا, اللهم احفظنا من بين أيدينا ومن خلفنا وعن أيماننا وعن شمائلنا ومن فوقنا, ونعوذ بعظمتك أن نغتال من تحتنا, اللهم عالم الغيب والشهادة فاطر السموات والأرض رب كل شيء ومليكه لا إله إلا أنت نعوذ بك من شر أنفسنا ونعوذ بك من شر الشيطان وشركه .
والصلاة والسلام على خير خلق الله إمام المتقين, وقائد الغر المحجلين الذي كان يقول في دعائه: (( عَنْ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ الْهُدَى وَالتُّقَى وَالْعَفَافَ وَالْغِنَى وفي رواية ثانية : وَالْعِفَّةَ))[أخرجه الإمام مسلم برقم : 2721], والذي كان يسأل ربه أن يزكي نفسه فكان يقول: (( عَنْ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ قَالَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ الْعَجْزِ وَالْكَسَلِ وَالْهَرَمِ وَالْجُبْنِ وَالْبُخْلِ وَعَذَابِ الْقَبْرِ اللَّهُمَّ آتِ نَفْسِي تَقْوَاهَا وَزَكِّهَا أَنْتَ خَيْرُ مَنْ زَكَّاهَا أَنْتَ وَلِيُّهَا وَمَوْلَاهَا اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ قَلْبٍ لَا يَخْشَعُ وَنَفَسٍ لَا تَشْبَعُ وَعِلْمٍ لَا يَنْفَعُ وَدَعْوَةٍ لَا يُسْتَجَابُ لَهَا قَالَ فَقَالَ زَيْدُ بْنُ أَرْقَمَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُعَلِّمُنَاهُنَّ وَنَحْنُ نُعَلِّمُكُمُوهُنَّ ))[أخرجه الإمام أحمد برقم : 18821].
أما بعد:
فهذا هو اللقاء الخامس مع سلسلة إصلاح الأسرة ، تحت عنوان ((الإسلام والعفة في الأسرة والمجتمع ؟؟؟ )) والذي اخترت أن أتحدث فيه عن العفة وقوانينها في الإسلام ، والتي تشمل الأسرة والمجتمع ، ولنا معها مواقف هي :
أولاً ــ تعريف العفة والعفاف :
قال في النهاية في غريب الحديث مادة : عفف ،و فيه «مَن يَسْتعْفِف يُعفّه الله» الاسْتِعْفافُ: طلبُ العَفَاف والتعَفُّف، وهو الكَفُّ عن الحَرَام والسُّؤالِ من الناس: أي مَن طَلَب العِفَّة وتكلَّفها أعْطاه الله إيَّاها. وقيل الاسْتِعْفافُ: الصَّبْر والنَّزاهَةُ عن الشيء، يقال: عَفَّ يَعِفُّ عِفَّةً فهو عَفِيفٌ.
وفي لسان العرب مادة عفف : العِفّة: الكَفُّ عما لا يَحِلّ ويَجْمُلُ. عَفَّ عن المحارِم والأَطْماع الدَّنِية يَعِفُّ عِفَّةً و عَفّاً و عَفافاً و عَفافة، فهو عَفِيفٌ و عَفٌّ، أَي كَفَّ و تعَفَّفَ و اسْتَعْفَفَ و أَعفَّه الله. وفي التنزيل: {و لْيَسْتَعْفِف الذين لا يَجِدون نكاحاً}؛ فسَّره ثعلب فقال: ليَضْبِطْ نفسه بمثل الصوم فإِنه وِجاء. وفي الحديث: (( من يَسْتَعْفِفْ يُعِفّه الله )) .
الاسْتِعْفاف: طلَبُ العَفافِ وهو الكَفُّ عن الحرام والسؤال من الناس، أَي من طلب العِفّة وتكلَّفها أَعطاه الله إِياها، وقيل: الاستعفاف الصبْر والنَّزاهة عن الشيء؛ ومنه الحديث: اللهم إِني أَسأَلك العِفّة والغِنى، والحديث الآخر: فإِنهم ما علمت أَعِفّة صُبُر؛ جمع عَفِيف. ورجل عَفٌّ و عَفِيف، والأُنثى بالهاء، وجمع العَفِيف أَعِفّة و أَعِفّاء، ولم يُكَسِّروا العَفَّ .
وقيل: العَفِيفة من النساء السيدة الخَيْرةُ. وامرأَة عَفِيفة: عَفّة الفَرج، ونسوة عَفائف، ورجل عَفِيف و عَفٌّ عن المسأَلة والحِرْصِ، والجمع كالجمع؛ قال ووصف قوماً: أَعِفَّة الفَقْرِ أَي إِذا افتقروا لم يغْشَوُا المسأَلة القبيحة. وقد عَفَّ يَعِفّ عِفَّة و استعَفَّ أَي عَفَّ. وفي التنزيل: {ومن كان غنيّاً فليَستَعْفِفْ}؛ وكذلك تَعَفَّفَ، و تَعَفَّفَ أَي تكلَّف العِفَّة ، ومنه الحديث (( اللهم إني أسأَلُكَ العِفَّة والغِنَى )) ، والحديث الآخر «فإنَّهم ـ ما علمت ـ أعفَّةٌ صُبُر» جمع عَفيفٍ. وقد تكرر في الحديث .
ومن خلال التعريف اللغوي نخلص إلى تعريف العفيف وهو : ((التقي الذي إذا خلا بالحسناء خاف الله عز وجل وحصن فرجه )) وهذا التعريف هو لابن عباس رضي الله عنه ، وقد نظر إلى سلفنا الصالح الذين كانوا حقيقة مطبقين لهذا التعريف .
ولهذا أخبرنا صلى الله عليه وسلم عن ثلاثة نفر آواهم المبيت إلى غار فانطبقت عليهم الصخرة ففرج الله عز وجل عنهم هذه الصخرة بصالح أعمالهم, وكان من بين هؤلاء رجل كان يحب ابنة عم له كأحب ما يحب الرجال النساء, فلما تمكن منها وجلس بين فخذيها قالت له: اتق الله ولا تفض الخاتم إلا بحقه, فتركها ـ وهو قادر على الفاحشة ـ لله رب العالمين, فإذا بالصخرة انفرجت بنصيبه هذا من الإخلاص ، ورواية الإمام البخاري كالتالي برقم ( 2215 ) : حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ قَالَ أَخْبَرَنِي مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ خَرَجَ ثَلَاثَةُ نَفَرٍ يَمْشُونَ فَأَصَابَهُمْ الْمَطَرُ فَدَخَلُوا فِي غَارٍ فِي جَبَلٍ فَانْحَطَّتْ عَلَيْهِمْ صَخْرَةٌ قَالَ فَقَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ادْعُوا اللَّهَ بِأَفْضَلِ عَمَلٍ عَمِلْتُمُوهُ فَقَالَ أَحَدُهُمْ اللَّهُمَّ إِنِّي كَانَ لِي أَبَوَانِ شَيْخَانِ كَبِيرَانِ فَكُنْتُ أَخْرُجُ فَأَرْعَى ثُمَّ أَجِيءُ فَأَحْلُبُ فَأَجِيءُ بِالْحِلَابِ فَآتِي بِهِ أَبَوَيَّ فَيَشْرَبَانِ ثُمَّ أَسْقِي الصِّبْيَةَ وَأَهْلِي وَامْرَأَتِي فَاحْتَبَسْتُ لَيْلَةً فَجِئْتُ فَإِذَا هُمَا نَائِمَانِ قَالَ فَكَرِهْتُ أَنْ أُوقِظَهُمَا وَالصِّبْيَةُ يَتَضَاغَوْنَ عِنْدَ رِجْلَيَّ فَلَمْ يَزَلْ ذَلِكَ دَأْبِي وَدَأْبَهُمَا حَتَّى طَلَعَ الْفَجْرُ اللَّهُمَّ إِنْ كُنْتَ تَعْلَمُ أَنِّي فَعَلْتُ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ وَجْهِكَ فَافْرُجْ عَنَّا فُرْجَةً نَرَى مِنْهَا السَّمَاءَ قَالَ فَفُرِجَ عَنْهُمْ وَقَالَ الْآخَرُ اللَّهُمَّ إِنْ كُنْتَ تَعْلَمُ أَنِّي كُنْتُ أُحِبُّ امْرَأَةً مِنْ بَنَاتِ عَمِّي كَأَشَدِّ مَا يُحِبُّ الرَّجُلُ النِّسَاءَ فَقَالَتْ لَا تَنَالُ ذَلِكَ مِنْهَا حَتَّى تُعْطِيَهَا مِائَةَ دِينَارٍ فَسَعَيْتُ فِيهَا حَتَّى جَمَعْتُهَا فَلَمَّا قَعَدْتُ بَيْنَ رِجْلَيْهَا قَالَتْ اتَّقِ اللَّهَ وَلَا تَفُضَّ الْخَاتَمَ إِلَّا بِحَقِّهِ فَقُمْتُ وَتَرَكْتُهَا فَإِنْ كُنْتَ تَعْلَمُ أَنِّي فَعَلْتُ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ وَجْهِكَ فَافْرُجْ عَنَّا فُرْجَةً قَالَ فَفَرَجَ عَنْهُمْ الثُّلُثَيْنِ وَقَالَ الْآخَرُ اللَّهُمَّ إِنْ كُنْتَ تَعْلَمُ أَنِّي اسْتَأْجَرْتُ أَجِيرًا بِفَرَقٍ مِنْ ذُرَةٍ فَأَعْطَيْتُهُ وَأَبَى ذَاكَ أَنْ يَأْخُذَ فَعَمَدْتُ إِلَى ذَلِكَ الْفَرَقِ فَزَرَعْتُهُ حَتَّى اشْتَرَيْتُ مِنْهُ بَقَرًا وَرَاعِيهَا ثُمَّ جَاءَ فَقَالَ يَا عَبْدَ اللَّهِ أَعْطِنِي حَقِّي فَقُلْتُ انْطَلِقْ إِلَى تِلْكَ الْبَقَرِ وَرَاعِيهَا فَإِنَّهَا لَكَ فَقَالَ أَتَسْتَهْزِئُ بِي قَالَ فَقُلْتُ مَا أَسْتَهْزِئُ بِكَ وَلَكِنَّهَا لَكَ اللَّهُمَّ إِنْ كُنْتَ تَعْلَمُ أَنِّي فَعَلْتُ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ وَجْهِكَ فَافْرُجْ عَنَّا فَكُشِفَ عَنْهُمْ .
ثانياً ــ الجنة محفوفة بالمكاره :
أخرج الإمام الترمذي حديثاً حسناً صحيحاً برقم (2560 ) فقال: ((حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ حَدَّثَنَا عَبْدَةُ بْنُ سُلَيْمَانَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرٍو حَدَّثَنَا أَبُو سَلَمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَمَّا خَلَقَ اللَّهُ الْجَنَّةَ وَالنَّارَ أَرْسَلَ جِبْرِيلَ إِلَى الْجَنَّةِ فَقَالَ انْظُرْ إِلَيْهَا وَإِلَى مَا أَعْدَدْتُ لِأَهْلِهَا فِيهَا قَالَ فَجَاءَهَا وَنَظَرَ إِلَيْهَا وَإِلَى مَا أَعَدَّ اللَّهُ لِأَهْلِهَا فِيهَا قَالَ فَرَجَعَ إِلَيْهِ قَالَ فَوَعِزَّتِكَ لَا يَسْمَعُ بِهَا أَحَدٌ إِلَّا دَخَلَهَا فَأَمَرَ بِهَا فَحُفَّتْ بِالْمَكَارِهِ فَقَالَ ارْجِعْ إِلَيْهَا فَانْظُرْ إِلَى مَا أَعْدَدْتُ لِأَهْلِهَا فِيهَا قَالَ فَرَجَعَ إِلَيْهَا فَإِذَا هِيَ قَدْ حُفَّتْ بِالْمَكَارِهِ فَرَجَعَ إِلَيْهِ فَقَالَ وَعِزَّتِكَ لَقَدْ خِفْتُ أَنْ لَا يَدْخُلَهَا أَحَدٌ قَالَ اذْهَبْ إِلَى النَّارِ فَانْظُرْ إِلَيْهَا وَإِلَى مَا أَعْدَدْتُ لِأَهْلِهَا فِيهَا فَإِذَا هِيَ يَرْكَبُ بَعْضُهَا بَعْضًا فَرَجَعَ إِلَيْهِ فَقَالَ وَعِزَّتِكَ لَا يَسْمَعُ بِهَا أَحَدٌ فَيَدْخُلَهَا فَأَمَرَ بِهَا فَحُفَّتْ بِالشَّهَوَاتِ فَقَالَ ارْجِعْ إِلَيْهَا فَرَجَعَ إِلَيْهَا فَقَالَ وَعِزَّتِكَ لَقَدْ خَشِيتُ أَنْ لَا يَنْجُوَ مِنْهَا أَحَدٌ إِلَّا دَخَلَهَا قَالَ أَبُو عِيسَى هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ)).
الجنة سلعة الله الغالية لا تُنال إلا بأن تتجاوز المكاره التي حفها الله عز وجل بها, وإذا أردنا النصر من الله رب العالمين ينبغي أن تكون النفوس طاهرة, ولن تكون النفوس طاهرة إلا بالاستقامة ولن تكون هناك استقامة وثبات على الاستقامة إلا بالمجاهدة, إلا بمجاهدة النفس.
فإلى الذين يريدون النجاة من النار والفوز بالجنة عليهم أن يرجعوا إلى أنفسهم فيزكوها, وإلى قلوبهم فيحيوها, أي ينظروا إلى أبدانهم فيشغلوها بطاعة الله, وإلى عقولهم فيخضعوها لعبودية الله رب العالمين, عندها ينال العزة في الدنيا والجوار.. جوار النبيين والصحابة والصديقين رضوان الله عليهم أجمعين في جنات النعيم.
وإن مما ينبغي للشباب أن يجاهدوا فيه ويصرفوا عقولهم عنه مصارعة شهوة الفرج ، هذه الشهوة تحتاج إلى مجاهدة وتحتاج إلى عفة وتحتاج إلى استعفاف,وقد حض صلى الله عليه وسلم الشباب على الزواج لأنه مجال العفة والاستعفاف ،ففيما أخرجه الإمام البخاري في صحيحه برقم(5065): ((أنَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال : يَا مَعْشَرَ الشَّبَابِ مَنْ اسْتَطَاعَ مِنْكُمْ الْبَاءَةَ فَلْيَتَزَوَّجْ وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَعَلَيْهِ بِالصَّوْمِ فَإِنَّهُ لَهُ وِجَاءٌ)).
وما أشرفها من خصلة وما أكرمه من خلق, خلق العفة التي قال الله عز وجل عنها: { وليستعفف الذين لا يجدون نكاحًا حتى يغنيهم الله من فضله } [النور : 33] ،ليستعفف: ليطلب العفة كل من كان غير قادر على الزواج إما لقصور نفقة وإما لأي سبب آخر, والعفة كما هي مطلوبة من غير المتزوج فهي في حق المتزوج آكد لذلك كانت العقوبة أشد على المتزوج, فلقد أخرج الإمام البخاري برقم ( 6878 ) في صحيحه فقال : ((حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ حَفْصٍ حَدَّثَنَا أَبِي حَدَّثَنَا الْأَعْمَشُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُرَّةَ عَنْ مَسْرُوقٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يَحِلُّ دَمُ امْرِئٍ مُسْلِمٍ يَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَّا بِإِحْدَى ثَلَاثٍ النَّفْسُ بِالنَّفْسِ وَالثَّيِّبُ الزَّانِي وَالْمَارِقُ مِنْ الدِّينِ التَّارِكُ لِلْجَمَاعَةِ)) .
والعفاف هذه الخصلة إذا كان الإنسان متمتعًا بها فإنه إذا دخل حياة الزوجية فإنه يدخلها في سعادة وتستمر حياته في كرامة وفي طمأنينة, أمّا من دنس حياته بالرذيلة وارتكب الفواحش والموبقات فإنه قد لا يدخل هذه الحياة أبدًا, وهذه نعمة قد حرمها من دخلها وقد تلوث بهذه الموبقات فإنه يدخلها وهو يعاني فيها ما يعاني.
ثالثاً ــ العفة و أنواع النفس الإنسانية :
قال الله تعالى : { ونفس وما سواها، فألهمها فجورها وتقواها ، قد أفلح من زكاها }[الشمس : 7-9], ويقول ابن القيم رحمه الله تعالى: "النفس منها ما يدعوك إلى الطاعة, ومنها ما يدعوك إلى المعصية, والقلب بين ذلك, تارة يكون إلى هذا, وتارة يكون إلى ذلك, سيد الأعضاء ملك الأعضاء تارة يكون إلى النفس المطمئنة, وتارة يكون إلى النفس الأمارة بالسوء.
والله عز وجل وصف نفس الإنسان الواحدة بثلاثة صفات في القرآن الكريم هي :
1 ـ النفس المطمئنة:
وهذه النفس المطمئنة هي التي ينادى صاحبها عند الوفاة, قال الله تعالى: { يا أيتها النفس المطمئنة ، ارجعي إلى ربك راضية مرضية ، فادخلي في عبادي ، وادخلي جنتي }[الفجر: 27 - 30] ، يناديها ملك الموت نداء تشريف وتكريم .
2 ـ النفس الأمارة بالسوء :
وهي ضد النفس المطمئنة التي سكنت واستقرت بذكر الله وطاعته, أما الأمارة فهي التي تأمر صاحبها بمعصية الله وتأمره بترك الطاعات, والقرآن ما سمّاها آمرة وإنما سمّاها أمّارة فهي لا تكتفي بأمر أو أمرين في معصية الله بل هي مداومة على الأمر بالمعصية, قال سبحانه وتعالى ـ حكاية عن امرأة العزيز التي راودت يوسف عن نفسه ـ: { وما أبري نفسي إن النفس لأمارة بالسوء إلا ما رحم ربي} [يوسف : 53] إن النفس لأمارة بالسوء, أي تأمر بالسوء والفحشاء, إلا ما رحم ربي, إلا من عصم الله عز وجل.
3 ــ النفس اللوامة:
هي النفس التي أقسم الله بها في سورة القيامة فقال: { لا أقسم بيوم القيامة، ولا أقسم بالنفس اللوامة }[القيامة 1-2] اختلف فيها, فقيل: هي المترددة بين المعصية والطاعة, وقيل: هي التي تلوم صاحبها, وهذا هو الأرجح, وفي هذا يقول ابن عباس: " ما من نفس إلا وتلوم نفسها يوم القيامة؛ فإن كانت طائعة فإنها تلوم نفسها على قلة الطاعة, وإن كانت عاصية فإنها تلوم نفسها على المعصية".
ويقول الحسن البصري ـ رحمه الله تعالى ـ "ما يزال المؤمن بخير مادام له واعظ من قلبه", المؤمن مازال بخير مادام هناك واعظ في قلبه يعظه إذا كان قد فعل طاعة استقصر هذه الطاعة وذكر التفريط فيها, وإن فعل معصية حدثته هذه النفس أنه قد أذنب فينبغي عليه أن يتوب إلى الله رب العالمين.
العفة من صفات النفس اللوامة والمطمئنة :
العفة.. العفة تكون في النفس المطمئنة ويثبتها النفس اللوامة.., النفس اللوامة هي التي تثبتك على العفة وعلى الاستعفاف.
الحب والعشق و النفس الأمارة بالسوء :
هذا المظهر( مظهر الحب الحرام والعشق الحرام ) استشرى في مجتمعنا فترى الشباب الذين ليسوا متمسكين بالدين ( ليسوا بملتزمين ) نرى حديثهم ما هو؟ عن الحب, أنت من تحب؟ والفتاة تقول أيضًا لصاحبتها أنتِ من تحبين ؟ من هو حبيبك ؟ من تراسلين ؟ الحب والخنا العشق من أين جاء هذا ؟ جاء من وسائل الإعلام المدمّرة التي قلّ أن تكون هناك مسلسلات أو تمثيليات إلا وفيها دور للعشق والحب, كانت الأسرة في الماضي لا تعرف الغزل الحرام وأيضًا كان الأبوان لا يحبان أن ينظر أولادهما إلى غزل أو أن يتلفظا بكلمات حب أو عشق أو خنا وأصبحت ترى الأسرة بكاملها بينهما الأب والأم والفتاة والفتى يجلسون على شاشة التلفاز وأمامهم تمثيلية أو مسلسل, وفي هذه التمثيليات أو المسلسلات رجل يقول لفتاة: أحبك وأنا بموت فيك ...إلخ, وفتاة تقول لرجل: أحبك ، وأنا بموت فيك كمان .... إلخ , واسمع إلى تلك الكلمات التي تخرج منهما, والأب والأم ينظران والفتى والفتاة ينظران فأصبح المنكر معتادًا بسبب ماذا؟
وبسبب أن القلوب استشربت هذه المناظر فأصبحت النظرة إلى الحرام غير منكرة, تمر على بعض الأسواق وتمر على بعض البضاعات فترى صورًا للنساء المتبرجات فتقول لصاحب المحل ما هذا؟ أزل هذه المنكرات., فيقول: وأي منكر في هذا! هذه دعاية تجارية, هذه دعاية حتى يأتي الزبون إليها.
أصبح النظر إلى الحرام من وسائل التجارة, من وسائل ترويج البضاعات والله سبحانه يقول: { قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم ويحفظوا فروجهم } [النور : 30] لن يكون هناك حفظ للفروج إلا بعد غض الأبصار, هل سيكون هناك حفظ للفروج والأبصار تتطلع إلى الحرام؟ وكذلك الغناء حدث عنه ولا حرج, كلمات الهوى, كم تسمع من كلمات تتداول بين الشباب في الأغاني من كلمات الهوى, الهوى ذمه الله في القرآن فقال: { أرأيت من اتخذ إلهه هواه } [الفرقان : 43]هؤلاء يمدحون الهوى ويمدحون الليل الذي تكون فيه المعصية.
إذن الأغاني والمسلسلات والروايات الساقطة التي فيها كذلك العشق والغرام أدى كل هذا إلى أن تخترم العفة, وإلى أن تكون العفة في كثير من الأسر نادرة, فأصبح الإنسان الذي يريد أن يتزوج من أسرة ما يتخوف من أن تكون هذه الفتاة تراسل رجلاً ويراسلها, أو تحدث رجلاً في التليفون, أصبح الرجل يخاف بسبب ماذا؟ بسبب ندرة العفة والاستعفاف, هذا مظهر من مظاهر الانهزام لمجتمعاتنا أمام النفس الآمارة بالسوء.
مظهر العشق والهوى والغرام, وإن الذي يقع في هذه الحفرة ـ حفرة الحب والغرام ـ لا يكاد يرى دينًا, وكذلك لا يكاد يصلح دينًا, فإن الرسول صلى الله عليه وسلم أخبرنا أن الإنسان لا يحصل على حلاوة الإيمان إلا إذا حصل على ثلاثة شروط هي :
الأول: أن يكون الله والرسول أحب إليه مما سواه .
الثاني : أن يحب المرء لا يحبه إلا لله .
الثالث : وأن يكره أن يعود في الكفر كما يكره أن يقذف في النار.
ويقول الله تعالى: { ومن الناس من يتخذ من دون الله أندادًا يحبونهم كحب الله والذين آمنوا أشد حبًا لله }[البقرة : 165] .
رابعاً ــ نماذج من العفة في القرآن والسيرة :
1 ــ عفة يوسف عليه السلام :
وهو نموذج رائع يتحدث فيه الله عن ذلك النبي الشَّاب الذي امتلأ شبابًا وفتوة ، هذا الشاب غلقت الأبواب دونه وجاءت امرأة جميلة ذات منصب تغريه وتطلب منه أن يقع في الفاحشة, هذا النموذج مُسطّر في سورة يوسف, يقول الله عز وجل: { وراودته التي هو في بيتها عن نفسه وغلقت الأبواب وقالت هيت لك } ـ وعلى قراءة { قالت هئت لك }, أي تهيأت لك ـ { قال معاذ الله إنه ربي أحسن مثواي إنه لا يفلح الظالمون، ولقد همت به وهم بها لولا أن رأى برهان ربه كذلك لنصرف عنه السوء والفحشاء إنه من عبادنا المخلصين } [يوسف : 23-24] هذا النموذج الرائع يضربه الله تعالى لنا حتى نتعظ ونعتبر وحتى يعلم الناس أجمعين أن العفة لا تكون هكذا بمجرد الخاطرة وإنما لابد لها من همة وإرادة .
2 ــ عفة عثمان بن أبي طلحة رضي الله عنه :
تروي لنا أم سلمة رضي الله تعالى عنها قصة الرجل الصالح العفيف الذي هاجر معها أيامًا متتالية لا أحد معهما ، ويضرب مثالاً عاليًا للعفة والاستعفاف,تقول:
لمّا فرق قومي بيني وبين ابني, وهاجر زوجي إلى المدينة مكثت أيامًا أبكي أخرج إلى خارج داري ثم أعود إليه, فقام رجل من بني المغيرة رآني على حالي فرق لي, وقام إلى قومي وقال: ألا تخرجوا هذه المسكينة فرقتم بينها وبين زوجها وابنها, قالت: فتركوني أهاجر إلى المدينة وأعطتني بنو أسد ـ قوم زوجها ـ ابني, فأخذت ابني فوضعته على حجري وركبت بعيري وسرت وليس معي أحد إلا الله, حتى إذا أتيت إلى التنعيم ـ موضع قريب من مكة تجاه المدينة ـ لقيني عثمان بن أبي طلحة أخا بني عبد الدار, فقال: إلى أين يا ابنة أبي أمية؟ فقلت: أريد المدينة, فقال: أو ما معك أحد؟ فقلت: لا, قال: مالك من مترك؟ مالك من مترك ـ أي كيف أتركك تسافرين وحدك ـ فأخذ بخطام بعيرها فسار معها, قالت أم سلمة: فما رأيت قط رجل أكرم في العرب من عثمان بن طلحة, كان إذا جئت إلى مستراح أوقف بعيري وتأخر عني فإذا نزلت عن بعيري أخذ ببعيري وتأخر بالبعير فربطه في الشجرة واضطجع تحت الشجرة, فإذا حان موعد الرحيل جاءني بالبعير فترك البعير وتأخر عنّي, فإذا ركبت البعير جاء وأخذ البعير وسار بي على ذلك أيامًا متتالية حتى قرب من المدينة فرأى قرية عمرو بن أبي عوف فقال: يا ابنة أبي أمية, زوجك في هذه القرية, فقالت: فدخلت القرية فوجدت أبا سلمة, قالت أم سلمة ـ تحفظ الجميل لهذا الرجل ـ: فما رأيت رجلاً أكرم من عثمان بن طلحة قط في العرب.
هذا نموذج رائع في سلفنا الصالح في العفة والاستعفاف, الرجل لا ينظر إلى المرأة, ولا يبالغ في الحديث معها, بل يكلمها على قدر الحاجة, اركبي, انزلي, جاء البعير... على هذا النحو لا يبالغ معها في الحديث, هذه هي الرجولة حقًا, هذه هي العفة حقًا, لا أن تخضع المرأة بالحديث للرجل وأن يتكسر الرجل كذلك في الحديث مع المرأة. أهذه من العفة؟ لا, ليست هذه من العفة, وإن لكم فيهم لعبرة, وإن لكم فيهم لعظة.
خامساً ــ كيف تكون عفيفاً في هذه الأيام ؟؟
هناك الأسس الأربعة التي لابد أن ينتبه المرء إليها إذا أراد أن يكون عفيفًا, هذه الأسس لابد لها من شرط هام, هذا الشرط هو العزيمة والإرادة على التنفيذ؛ لأن هذه الأسس بغير عزيمة وبغير إرادة على التنفيذ تصبح وبالاً علينا ويسألنا الله عز وجل عنها:
1 ــ التربية الإيمانية:
أن تربي نفسك تربية إيمانية, أن تقوي صلتك بالله رب العالمين, أن تعلم أن الله تعالى يراك في السر وفي العلن, يقول تعالى: { وهو الله في السموات وفي الأرض يعلم سركم وجهركم ويعلم ما تكسبون } [الأنعام : 3 ] ،ويقول تعالى: { يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور } [غافر : 19 ] ،قال ابن عباس في قوله تعالى: { يعلم خائنة الأعين } قال: "هو الرجل يكون بين الرجال فتمر المرأة فيتظاهر بأنه يغض بصره, فإذا وجد فرصة نظر إلى المرأة والله إنه ليحب أن ينظر إلى عورتها"
بعض الوسائل التي تقوي الإيمان والتي تحد من الشهوة ؟
وهذه الوسائل هي :
أـ الصيام, قال صلى الله عليه وسلم: ((فمن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء))[سبق تخريجه].
ب ــ أن يحول معتقده الإسلامي في ذات الله وأسمائه وصفاته وكذلك في وجود الجنة والنار إلى معاني محسوسة في نفسه, أن يعلم أن معنى السميع أن الله تعالى يسمع كلماته, أن يعلم أن البصير هو أن الله عز وجل يُبصر حركاته, أن يعلم أن الله شديد العقاب بأنه يعاقب على المعصية, فهذه الأسماء والصفات لكي تتربى بها.(111/185)
يقول الربيع بين خثيم ـ وهو من التابعين ـ: "إذا تكلمت فاذكر سمع الله لك, وإذا هممت فاذكر علم الله بك, وإذا نظرت فاذكر نظره إليك, وإذا تفكرت فانظر إطلاعه عليك, فإن الله يقول: { إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسئولاً } [الإسراء : 36 ].
ج ــ الإكثار من ذكر الله, ليحصل لك الوجل من الله قال تعالى: { إنما المؤمنون الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم }[الأنفال : 2] يحصل لك الاطمئنان, قال تعالى: { ألا بذكر الله تطمئن القلوب }[الرعد : 28 ] .
2 ــ التربية الأخلاقية :
يقول صلى الله عليه وسلم : ((أكمل المؤمنين إيمانًا أحسنهم أخلاقًا, وخياركم خياركم لنسائكم)) أخرجه الترمذي بإسناد صحيح.
وإذا نظرنا في العفة وجدنا كتلة من الأخلاق الرفيعة العالية, فتجد فيها الصبر, ألا يصبر الإنسان على حر الشهوة؟ يقول الله عز وجل: { إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب }[الزمر : 10]ألا ترى فيه الخوف من العقوبة, جلس بين يدي المرأة
3 ــ تجنب المثيرات الجنسية:
أن يتجنب الإنسان المثيرات, لا ينبغي للإنسان أن يوقع نفسه في أوساط المثيرات الجنسية وهذا يتأتى كما أسلفت بغض البصر والابتعاد عن مواطن كثرة النساء, واختلاط الرجال بهن كالأسواق مثلاً, لا ينبغي عليك أخي الشاب في هذه الأيام أن تذهب للأسواق لمجرد بضاعة لا خير فيها أو منفعتها زهيدة بل ينبغي عليك أن تتورع عن أن تكون في هذه الأسواق؛ لأنها والله موئل للشيطان وما أكثر الفساد فيها فإن الفساد تراه بأم عينك ولا تستطيع ـ للأسف الشديد ـ أن تغيّره, فينبغي عليك أن تبتعد عن هذه المواطن, الأسواق, ومواطن اللهو التي فيها الاختلاط, فيتجنب المثيرات ؟
4 ــ الصحبة الصالحة :
فإن الصحبة الصالحة تعينه على أن يحفظ بصره وعلى أن يحفظ فرجه وإن لم يستحي من الله فإنه سيستحي من الصحبة الصالحة الذين هم حوله والذين يذكرونه إذا نسي ويعينونه إذا تذكر.
أسأل الله تعالى أن ينفعنا بما سمعنا وأن يغفر لنا ذنوبنا إنه هو الغفور الرحيم.
كما أسأل الله تعالى أن يقينا الزلات وأن يجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه, أقول هذا القول وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
ـــــــــــــــــــ(111/186)
تغريد .. خارج السرب
منير فرحان
إطلالة الفجر ..
ونسمة الصباح..
ودفئ الشمس..
تشعرك بشفافية الحياة..
أسراب من الطيور المغردة..
تتناغم أصواتها مع تناغم ضياء الفجر ونسماته..
ترانيم هادئة..
وزقزقات دافئة..
تجذبك إليها جذباً..
تبعث فيك أملاً مشرقاً متناغماً هادئاً دافئاً عند كل فجر جديد!!
في دراسة متخصصة أشارت إلى أن تغريد الطيور لا تتناغم (موسيقاها) إلاّ حين تغرّد بين أسرابها!!
كما أشارت ذات الدراسة إلى أن تغريد الطير مع نسمة الصباح إنما هو تغريد التزاوج والأزواج!!
ما أرقها...
ترانيم الحب الهادئ..
تماماً كرقة فؤاد الطير ولطافته..
إنه ليشدّني العجب وأنا أقرأ في حديث المصطفى - صلى الله عليه وسلم - وهو يقول: «لَوْ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَوَكَّلُونَ عَلَى الله حَقَّ تَوَكُّلِهِ لَرُزِقْتُمْ كَمَا تُرْزَقُ الطَّيْرُ تَغْدُو خِمَاصاً وَتَرُوحُ بِطَاناً».
ولربما يزداد عجبك - كما ازداد عجبي - لو علمت بخبره - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : «يدخل الجنة أقوام أَفْئِدَتُهُمْ مِثْلُ أَفْئِدَةِ الطَّيْرِ». !!
فتعجب من هذا الطير الذي يضرب الرسول - صلى الله عليه وسلم - لنا به مثلاً !
مثلاً... في رقّة الاحساس والشعور..
مثلاً... في القناعة و الرضا..
مثلاً... في الصفاء والوفاء
تغدو.. تغرّد شوقاً..
وتروح.. وهي تغرّد اشتياقاً !!
فهي بين الشوق والاشتياق!!
يعلمنا الطير كيف نغرّد داخل أسرابنا..
بكل رقّة..
ولطف..
ورضا..
وأن حياتنا إنما تتناغم مع طبيعتها وتأتلف
حين نغرّد في رضاً وقناعة..
حين نغرّد في شفافية وصدق..
حين نغرّد بين أسرابنا..
لا حين نهرب لنغرّد بعيداً بعيداً.. !!
كثرت شكاوى الزوجات عن أزواج يغرّدون بين أسراب - بل سراب - (الانترنت)!!
وبعضهم يطوّف بالتغريد حول ثياب (الخادمات)!!
وآخر أضناه التغريد في علاقات (زائفة) تبيع الحب بأبخس الأثمان!!
ومرتمٍ بين أحضان زوجته يسترق النظرات إلى فاتنات الفضائيات.. !!
وكما اشتكت الزوجات فقد اشتكى الأزواج!!
أن بعض زوجاتهم تتسلل لتهمس بالتغريد (عبر جوال أو موقع أو شات)..
همسة إعجاب..
وضحكة ساذجة..
فينتفض عن الفراش براءة الطهر والعفاف!!
خيانات زوجية!!
وهروب خلف الأسوار أو من بين الأسوار!!
وليته بين الأسراب..
إنما.. في سراب بقيعة..
يحسبه الظمآن ماءً حتى إذا جاءه لم يجده شيئاً.. !!
لماذا يهرب الأزواج..
ولماذا تهرب الزوجات..
ليغردوا بأصوات (نشاز) خارج أسرابهم.. ؟!
* أسباب الهروب الزوجي:
يمكن أن نقسم الأسباب إلى ثلاثة أقسام رئيسية:
القسم الأول: أسباب ذاتية.
القسم الثاني: أسباب مشتركة (بين الزوجين).
القسم الثالث: أسباب بيئية (عامة)!
الأسباب الذاتية.
أهمها:
1 - ضعف الوازع الإيماني في القلب سواء عند الزوج أو عند الزوجة وعدم العناية
بجانب تربية النفس وتزكيتها.
2 - ضعف معنى الرقابة والمراقبة وهذا السبب نتيجة طبيعية لضعف الإيمان.
3 - التجاوب مع دواعي الهوى والشهوة وضعف المجاهدة.
4 - إطلاق البصر وعدم حفظه عن الحرمات (مناظر - أفلام - قنوات - صور - مجلات .... ).
5 - التساهل واللين والخضوع في المحادثة مع الجنس الآخر، فالزوج ربما طبيعة عمله تحتّم عليه محادثة النساء أو حتى في مكالمة عابرة أو خاطئة ومع هذا هو لا يتورّع عن أن يتباسط في الحديث ويلين، والزوجة ربما كان عملها أو حتى في بيتها ربما تساهلت مع المتصل في الكلام خضوعاً وضحكاً...
الأسباب المشتركة بين الطرفين.
1 - عدم الشعور بالأمن العاطفي داخل المنزل وهذا (الإرهاب) العاطفي يأخذ صوراً في الحياة الزوجية منها:
- كثرة الأسئلة التحقيقية (أين أنت.. من يكون.. إلى متى.. ولماذا؟ )
- الشك و التخوّن والتربّص.
- شعور الزوج بسيطرة زوجته عليه.
- التقصير والتفريط في إعطاء كل طرف حق الآخر من الإشباع العاطفي.
2 - الانشغال داخل أو خارج البيت أو التغيب عن البيت، فالزوج كثير السهرات والسفريات والرحلات، والزوجة كثيرة الزيارات والحفلات والمناسبات أو كثيرة النوم والكسل.
3 - ضعف روح التغيير والتجديد بين الزوجين.
4 - غياب الحوار والمصارحة بين الزوجين مما يسبب خروج المشاكل الأسرية خارج أسوار البيت!
5 - كثرة التشكّي وافتعال المشاكل وتضخيمها.
6 - إهمال التجمّل والتزيّن بين الزوجين بعضهما لبعض.
7 - ضعف الغيرة عند الزوج أو الزوجة.
8 - الانطواء والخلوة بأجهزة الاتصال (جوال - انترنت... ) وعدم وجود رقابة منضبطة عليها.
9 - الحاجة المادّية ربما دفعت أحد الزوجين إلى الخيانة!!
10- العجز: وأعني به عجز أحد الطرفين عن تلبية رغبات الآخر إمّأ لضعف أو مرض أو كبر سن أو نحو ذلك.
11 - سوء الاختيار ابتداءً.
الأسباب العامة:
1 - الاختلاط في المجمّعات الخاصة سواءً (على مستوى العائلة - أقارب - خدم - سائقين - مربين - مربيات... ) أو في المجمّعات العامة (كمكان العمل والأسواق والمنتزهات والمستشفيات... ).
2 - القنوات الفضائية وتسللها إلى داخل المنزل بحجج واهية والتساهل في المراقبة .
3 - عدم التحصّن بالأوراد الشرعية والوقوع في شراك (عين أو سحر).
4 - الإكراه على الزواج. إذ أن 90 % ممن يفتقدن الأمن العاطفي من المكرهات على الزواج، فبنت العم لابن عمها!!
5 - التأخر في الزواج، الأمر الذي يعود بالأثر العكسي على الشاب والفتاة في صياغة سلوكهما قبل الزواج من جهة إنشاء علاقات عاطفية قبل الزواج لربما استمرت إلى ما بعد الزواج.
هذه الأسباب جعلت بعض الأزواج يهربون بالتغريد خارج أسرابهم.. يتتبعون أثر السراب !!
هذا التغريد - النشاز - أفرز عن ظاهرتين خطيرتين في مجتمعنا:
الظاهرة الأولى / الزواج (الطقوسي).
الذي صورته: الاستمرار في الحياة الزوجية من أجل تحقيق مصالح مادية واجتماعية بدون الإسهام في سد الاحتياجات النفسية والعاطفية عند الزوجين والذي يمكن تلخيص أهم سماته في ثلاث نقاط:
1 - ضعف التواصل الفكري والثقافي بين الزوجين.
2 - ضعف التواصل العاطفي بينهما.
3 - ضعف التواصل الجسدي " اللقاء والعشرة " بينهما.
الظاهرة الثانية / التفكك الأسري بالطلاق وضياع الأبناء والأولاد.
وكل ظاهرة تفرز عن مخاطر - إن لم يُتدارك الحال - والله المستعان.
http://www.naseh.net المصدر:
ـــــــــــــــــــ(111/187)
في الحياة الزوجية .. من هو صاحب القرار
ميرفت سعيد
إذا كنا نتكلم عن "مؤسسة اجتماعية" أي الأسرة مبنية على شراكة زوجية، فكيف ينتظر أحد الشركاء أن تنمو هذه الشركة إذا لم يكن كل واحد منهما على بينّة لكل الأمور الطارئة في الحياة؟ ومن الأمور التي يجب أن يتصارح بها الزوجان: الوضع الاقتصادي، المشكلات الطارئة في الأسرة، الهموم الخاصة بكل من الطرفين وغيرها من الأمور التي تعزز صفاء العلاقة وتمتّن الشراكة.
فالمشاورة مطلوبة من قبل الشريكين، الزوجة من زوجها والزوج من زوجته ولن تنقص قيمة أحد منهما أو كرامته أو رجوليته كما يظن البعض إن هو أخذ بمشورة الآخر.ويجب أن نبين أن المشورة لا تعني الأمر ولا تعني الفرض، يعني إذا تم التشاور بين الزوجين ثم قرر الزوج خلاقاً لما أشارت إليه الزوجة فإن ذلك لا يعني شماتة أو نقص بثقة الآخر ولا يصح لها أن تغضب، ويمكنها طلب توضيح ذلك فقط دون ممارسة الضغط النفسي أو المعاتبة.
استشارة المرأة حق شرعي:
وقد ثبت من هديه - صلى الله عليه وسلم - أنّه استشار أم سلمة - رضي الله تعالى عنها -، وقد كانت راجحة العقل نافذة البصر ففي الجامع الصحيح للإمام البخاري برقم (1566) من حديث المسور بن مخرمة - رضي الله عنه - في قصة الحديبية وفيها: قال فلما فرغ من قضية الكتاب قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لأصحابه: " قوموا فانحروا ثم احلقوا "، قال فو الله ما قام منهم رجل حتى قال ذلك ثلاث مرات. فلما لم يقم منهم أحد، دخل على أم سلمة - رضي الله عنها - فذكر لها ما لقي من الناس فقالت أم سلمة: يا نبي الله أتحب ذلك؟ اخرج لا تكلم أحداً منهم كلمة حتى تنحَرَ بُدْنَك وتدعو حالِقَك فيحلِقَك، فخرج فلم يكلم أحداً منهم حتى فعل ذلك: نحر بدنه ودعا حالقه فحلقه، فلما رأوا ذلك قاموا فنحروا، وجعل بعضهم يحلق بعضاً، حتى كاد بعضهم يقتل بعضاً غماً".
وقد أوضح الحسن البصري ما يؤخذ من هذه الواقعة ، من شرعية استشارة النساء ، فقال : إنْ كان رسول الله لفي غنى عن مشورة أم سلمة ، ولكنه أحب أن يقتدي الناس في ذلك ، وأن لا يشعر الرجل بأي معرّة في مشاورة النساء .
طرح مفهوم الندِّية
وعلينا أن نضع نصب أعيننا أن الزوج ليس ندًا أو عدواً أو منافساً يجب أن نواجهه ونتحداه، وأن الحياة الزوجية ليست معركة علينا أن نخوض غمارها وننتصر فيها. ولابد لنا أن نقف عند نقطة هامة وجوهرية ونعي أنه ليس المهم من بيده سلطة اتخاذ القرار بقدر ما هو مهم أن يكون القرار المتخذ والمعمول به قراراً سليماً وفي صالح الحياة الزوجية.
في إطار هذه المفاهيم قام العديد من الباحثين الاجتماعيين بدراسات حول الأدوار الزوجية ولعلَ أبرزها دراسة: "الشراكة في الأسرة العربية" التي قامت بها اللجنة الاقتصادية والاجتماعية لغربي آسيا التابعة للأمم المتحدة. تناولت هذه الدراسة 3 بلدان عربية وهي: لبنان، العراق، اليمن. تكونت عينة البحث من: 602 من الأسر اللبنانية، و500 أسرة يمنية من مدينة صنعاء، إضافة إلى 600 أسرة عراقية. وتم طرح استبيان على هذه العينة تضمّن 34 سؤالا ذات أجوبة محددة للزوج والزوجة من ضمنها أسئلة تتعلق بالأعمال والمهام المنزلية، وتربية الأولاد، والمساعدة في الأعمال المنزلية، كيفية اتخاذ القرارات بين الزوجين واحترام خصوصيات الزوج والزوجة، الأنشطة المشتركة بين الزوجين وطرق حلّ المشكلات الزوجية. وتركز البحث الميداني على العلاقة بين المستوى العلمي والاقتصادي للزوج والزوجة وأثر ذلك على الشراكة بينهما ولا سيما فيما يتعلق باتخاذ القرار داخل الأسرة وفي شتى المجالات.
وكانت أبرز النتائج المشتركة لهذه الدراسة على صعيد البلدان الثلاث أنه كلما ارتفع المستوى العلمي للزوجين ومستوى الدخل ارتفعت الشراكة بينهما.
ومن النتائج المشتركة أيضاً أن الأعمال المنزلية غالباً ما تكون على عاتق الزوجة. ويتشارك الأزواج باتخاذ القرار الموحد في الأمور التالية: الإنفاق، الإنجاب، الذهاب إلى الطبيب، سياسة تربية الأولاد. بينما تتحمل غالب النساء مسؤولية تربية الأولاد. كما يوجد تفاوت بين البلدان من حيث تفرّد المرأة باتخاذ القرارات المالية الخاصة بها. وفيما يتعلق بطرق حلّ النزاعات بين الزوجين اعتبر الحوار وأسلوب المناقشة كمعدّل وسطي لأجوبة العينة. كما يوجد حالات نزاعات زوجية قائمة على مشكلة التنافس والتحدي بين الزوجين.
صراع الأدوار بين الزوجين:
وحول من يتخذ القرار في المنزل، وهو ما يسمّى في علم الاجتماع "صراع الأدوار بين الزوجين".. وسننتقل للحديث عن: من هو أكثر عرضة لمشكلة "صراع الأدوار"؟ وما هي الإرشادات الوقائية لتفادي هذه المشكلة الزوجية؟ وما هي الإرشادات العلاجية لمثل هذه الحالات ؟
أولاً: التصنيفات الاجتماعية للحالات الأكثر عرضة لـ"صراع الأدوار".
إن أكثر الأزواج عرضة للتنازع على سلطة أخذ القرار في الحياة الزوجية هم:
-الزوجة المتسلطة والزوج المتسلط في منزل واحد حيث لا يمكن لأحدهما أن يتنازل عن رأيه.
-اختلاف البيئة الأسرية بين الزوجين أي أن تكون الزوجة من بيئة أسرية تربت على التشاور والاحترام المتبادل بين الزوجين بينما يكون الرجل من بيئة أسرية تربى فيها على أن الرجل وحده الآمر والناهي (والعكس صحيح).
-التفاوت الطبقي والثقافي بين الزوجين: عندما تكون الزوجة أغنى من الرجل أو من طبقة اجتماعية أعلى والعكس صحيح.
-عدم الانسجام الفكري وعدم النضج العاطفي والعقلي المتبادل بين الزوجين.
-النقص المعرفي في الحقوق والواجبات الشرعية بين الرجل والمرأة.
-فقدان الثقة المتبادلة بين الزوجين (الثقة هنا فيما يتعلق بالقدرة على اتخاذ القرارات السليمة).
-إصابة أحد الزوجين بأمراض نفسية واضطرابات سلوكية (مثال البارانويا، العدوانية، النرجسية).
بعد الانتهاء من ذكر هذه التصنيفات لابد لنا من التحدث عن كيفية الوقاية من الوقوع في مشكلة صراع الأدوار، وكيف يتخذ الزوجان القرار في حياتهما الأسرية؟
إرشادات مهمة قبل اتخاذ القرار:
في الحديث عن الإرشادات الوقائية التي يجب أن نسترشد بها لتفادي النزاع الزوجي حول اتخاذ القرار، لا بد لنا أن نتوقف لتفسير لماذا يختلف الزوجان عند اتخاذ القرار وكيف نتعامل معه؟
1-وجهات النظر: ينظر الرجل والمرأة إلى أمور الحياة ومجرياتها من نقاط أفضلية متغايرة إذ كل منهما ينظر إلى نفس الموضوع بصورة مختلفة. وعادة ما يكون الاختلاف في وجهات النظر لكثير من الأمور نظراً لاختلاف تكوين الشخصية والخبرة الحياتية عند كل من الزوجين. لذلك على كل منهما أن يسعى لفهم وجهة نظر الآخر واحترامها وتقبلها. ومن الأمور التي تختلف وجهات نظر الزوجين فيها، هي:
- أولويات الإنفاق: يختلف الرجل عن المرأة في تحديد أولويات الانفاق في المنزل. لذلك يستحسن منذ البداية تحديد هذه الأولويات بين الزوجين والاتفاق عليها، مثال: إعداد ميزانية العائلة، إعداد خطة لطرق الإدخار..
- تربية الأبناء: يختلف الزوجان في أسلوب تربية الأبناء. وعادة ما تكون المسؤولية مشتركة بين الزوجين في تربية الأبناء بنسب متفاوتة. فقد تكون وظيفة الأم أكبر من وظيفة الأب في مرحلة معينة أو في ظروف خاصة وقد تكون وظيفة الأب أكبر من وظيفة الأم في مراحل معينة أو في ظروف خاصة، والمهم أن يتفق الزوجان على سياسة تربوية موحدة يعتمدونها في تربية الأبناء تفادياً لنشوء خلافات زوجية حول هذا الموضوع.
2-أسلوب المحادثة بين الرجل والمرأة: يتكلم الرجل بلغة مختلفة عن لغة المرأة أي أن طريقة تعبير الرجل عن ما يريده وما يفكر فيه مختلف عن طريقة تعبير المرأة. عادة ما يكون الرجل دقيق في اختيار عباراته وواضح. كما يعبرّ عن احتياجاته ومطالبه بطريقة مباشرة ومحددة. بينما نرى المرأة تتكلم بلغة المشاعر قبل توضيح المعلومات التي تريدها (أي تعبّر عن مشاعرها بالدرجة الأولى قبل الخوض بالمسألة المطروحة بين الزوجين)، وعادة ما تستعمل المرأة أساليب خاصة في الكلام مثل صيغة التفضيل أو صيغة المبالغة وأسلوب المجاز والاستعارة. وهذه الاختلافات في أسلوب المحادثة تخلق مشاكل زوجية نتيجة سوء فهم مقصد الطرف الآخر لعدم تفهّم أسلوب المحادثة المتغاير بين كل من الزوج والزوجة.
هي اتساع أفق.. هو أسلوب تركيزي:
يختلف الرجل عن المرأة في اتخاذ القرارات لاختلاف أسلوب التفكير. فإن أسلوب تفكير الرجل في الحياة هو أسلوب تركيزي أما أسلوب المرأة هو التعميم وسعة الأفق. فالمرأة بسبب سعة الأفق في التفكير لا تتمكن من التركيز على أمر واحد بل تنظر إلى الاحتمالات الأخرى التي تكون لها علاقة مباشرة أو غير مباشرة بذلك الأمر.
فعلى الرجل أنه عندما يطرح قضية للتشاور عليه أن يصبر ويتفهم حاجة زوجته في جمع المعلومات والتكلم عن الاختيارات والبدائل والخوض في تفاصيل الموضوع. كذا على الزوجة ألا تغضب إن رأت زوجها يستغرق في التفكير بمفرده فهذه مرحلة من مراحل تفكيره ريثما ينتهي منها سيعود ليشاورك حتى تتخذا القرار النهائي معاً.
وفي نهاية الأمر علينا أن نؤكد أن الاختلافات في اتخاذ القرارت خلال السنوات الخمس الأولى من الحياة الزوجية طبيعية ينتج عنها التعارف الحقيقي بين الشريكين والوصول بالنهاية إلى الانسجام الفكري والعاطفي.
19/3/1426
28/04/2005
http://www.islamtoday.net المصدر:
ـــــــــــــــــــ(111/188)
ذعر موهوم
فاطمة البطاح
يشرع الإسلام أحكامه للناس من البشر وليس لطائفة من الملائكة...ويُقيم نظامه كُله على أساس أن هذا الإنسان إنسان.. !
وهذه حقيقة تبرز بوضوح حينما تتأمل قضية الزواج والطلاق.
فبالرغم أن الاستمرار هو الأصل في الرابطة الزوجية.. التي يُحيطها الإسلام بكل الضمانات لكي يكفل لها استمرارها إلى الحد الذي يرفعها لمرتبة الطاعات.. ويشرع حماية لها جملة من الأداب تمنع تعرضها للهزات والاضطرابات، إلا أن وجود سورة قرآنية كاملة باسم الطلاق، وإشغال سياقها كله بالتشريع له، وتنظيم أحكامه ومخلفاته و.... يشعر باعتراف الإسلام بمنطق الواقع الذي لا يجدي إغفالهِ وإنكاره!
فحينما يتضرر أحد الطرفين من البقاء تحت ظل الرابطة الزوجية فإن الاستمرار ليس إلا محاولة فاشلة قد يتضخم معها الضرر الذي يُراد أن يزول.. ! وهذا لا يرضاه الله لعباده؛ ولهذا.. طلق النبي - صلى الله عليه وسلم - إحدى زوجاته.. لمجرد أنها استعاذت بالله منه، واستجاب ثابت بن قيس - رضي الله عنه - لرغبة زوجتهِ بالانفصال عنه.. وإن لم تجد فيه عيباً عدا أنها لم تكن توده!
أما اليوم فتكاد تعجب من هذا الذعر المبالغ فيه تجاه ((المخرَج)) الذي شرعه الخالق رحمة بعباده وتيسيراً لهم! فالصحف تكاد تصدمك وهي تزف لك أخباراً عن نساء يتعرضن من أزواجهن لأنواع من الأذى غير المحتمل بدءاً بالضرب المتكرر، وانتهاءً بالتعرض للقتل الذي ظهر مؤخراً!
ما الذي يُجبر هؤلاء النسوة على البقاء.. وقد كتب الله لهن مخرجاً!
ترى هل يبدو الانفصال في أعينهنّ قاسياً إلى الحد الذي يتحملن معه رجلاً يُدمن تعاطي الكحول.. أو يهجر الصلاة نهائياً، أو يتنصل من مسؤولياته الزوجية كلها؟
ربما نلوم نحن هؤلاء النسوة، ويلقين هن اللوم على المجتمع الذي يعشن فيه! وعلى قائمة طويلة لمفاهيم موروثة ومغلوطة.. فشل حتى الانفتاح لتنويرها! فظلت تدين المرأة وتحبسها وحدها في قفص الاتهام إشارة لعدم الكفاءة الذاتية، وإخفاقها في الحفاظ على عش الزوجية الثمين!
ويبقى الذي أثق فيه: أن المرأة لدينا تحتاج مزيداً من الجرأة في البحث عن حظوظ الذات، وسبل نجاتها حينما لا يلوح في الأفق الزوجي بارقة أمل في إصلاح الحال.. !
والأهم: مزيداً من الوعي بفقه الارتباط و الانفصال! ومتى يكون الأخير لها أو عليها.. وتحت أي ظروف تلجأ إليه.. ومتى تستبعده؟ ومتى تراه كسباً.. ومتى تعده خسارة؟
هذا بعد أن يؤمن المجتمع الذي تعيش فيه بالعلاقة السببية بين المساندة الاجتماعية المنصفة.. والصحة النفسية الآمنة لكل امرأة يُحرضها وضع زوجها السيء على اختيار الانفصال عنه.. وتعجز!
http://www.saaid.net المصدر:
ـــــــــــــــــــ(111/189)
مجلس إدارة البيت
خالد عبد اللطيف
هو: أليس الله - تعالى -يقول: {الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ} ؟!
هي: بلى، وهو القائل - سبحانه -: {وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ}.
هو: أنا القائد.. أنا الراعي.. أنا المسؤول...
هي: "والمرأة راعية.. ومسؤولة"...
وصل صدى صيحات الجدال إلى الباب الذي يقف به والد الزوج (الذي تحبه الزوجة وتجلُّه كثيرا؛ لحكمته وإكرامه لها).. تناهت إلى سمعه أصوات غير مفهومة لكنها تشعر بسحابة من التوتر خيم على الأجواء.. قرر أن يقطع التوتر بقرع جرس الباب.. استقبله الأحفاد بسرور عظيم.. تناسى الزوجان خلافهما وانشغلا معا بالترحيب بالزائر الحبيب...
استمع الجد إلى الزوجين بعد أن أعلمهما بأنه أحس بشيء ما خلف الجدران!
طيّب خاطر زوجة ولده ـ كعادته ـ ورضي الزوج البار الذي يفرح كثيرا بتدخل والده بحكمته بينهما، ويعلم مقاصده النبيلة.. وانطلق الجد الحكيم يمنحهما من آفاق خبرته في إصلاح البيوت وتحري مرضاة الله فيها..
التفت لولده قائلاً: لست مديراً للبيت.. بل أنت رئيس مجلس الإدارة! وهي المديرة التنفيذية! يا أولادي.. الحياة الزوجية مؤسسة عظيمة، القوامة مسؤولية، والإدارة مسؤولية.. الزوج يغيب كثيرا عن البيت لانشغاله بعمله ومسؤولياته خارجه.. فيما تباشر الزوجة أغلب أعمالها ومسؤولياتها داخل البيت..
لك كزوج مسؤول أن تضع نظاماً للبيت وتتابعه من خلال خطوط عريضة بلا تعنت وغلو، وعليك كزوجة أن تبذلي وسعك في تحقيق هذا النظام حال غيابه..
وفيما يكون هو مشغولاً في عمله يباشر أعماله.. تكونين أنت مشغولة بحسن القيام بأعمال بيتك وتربية أولادك ومراجعة سور القرآن التي لقّنهم إياها قبل مغادرته البيت ليرجع في نهاية يومه وقد استقبلوه حافظين لها؛ فتقر عينه بهم وبك...
نعم أيها الأحباب.. الحياة شركة مثل كل الشركات.. تحتاج إلى توزيع الأعمال والمسؤوليات، كما تحتاج إلى علاقة صالحة بين فريق العمل ملؤها التعاون والتفاهم دون اتكال طرف على الآخر وإهماله لمسؤولياته..
نجاحه خارج البيت في عمله نجاح لبيتكما وحياتكما وصغاركما ومستقبلكم جميعا.. إضافة إلى انتفاع الأمة بهذا النجاح والتفوق..
ونجاحك في بيتك هو الوجه الآخر لنجاحكما المشترك ..
كما أن نجاح كل منكما في مهمته هو احد أهم مقومات نجاح الآخر؛ لاستقراره النفسي وطمأنينة نفسه بنجاح شريكه !
لم يكد يفرغ الجد الحكيم من مقالته الأخيرة حتى قام الزوجان ـ وفي أعينهما علامات السرور والامتنان ـ يقبلان رأسه، ويعاهدانه على العمل بوصاياه، وبثها في البيوت والأسر من حولهما..داعين له أن يبارك في عمره وحكمته!
http://www.asyeh.com المصدر :
ـــــــــــــــــــ(111/190)
مقياس منزلي للتقوى .!
خالد عبد اللطيف
الخلافات الزوجية كالملح للطعام! ولا يكاد يوجد بيت بدون خلافات زوجية..ومن ظن أن بيته مليء بالخلافات بخلاف بيوت الناس فهو واهم.. ولكن " للبيوت أسرار "! وليس وصف الخلافات الزوجية بأنها كالملح للطعام يعني الدعوة إلى افتعال الخلافات..
بل هي دعوة للنظر إلى هذه الخلافات على أنها أمر وارد، وليست دلالة على ضياع الحب والاحترام المتبادل بين الزوجين، ولا مؤشرا على انهيار الأحلام الوردية في بداية الزواج، كما أنها ليست علامة على خداع أحد الزوجين للآخر.. وأن الأقنعة سقطت وانكشف المستور... إلخ!
ولكنها مراحل طبيعية يمر بها الزوجان؛ ففي بداية الزواج واستقبال بيت جديد يحرص كلا الزوجين على تحقيق أحلامهما فيه، ثم تزيد الأعباء وينضم الأولاد إلى صرح الأسرة وينشغل كل منهما عن الآخر بمتطلبات الحياة ورعاية الصغار، فيحدث نوع من الجفاء النسبي والفتور، إضافة إلى وقوع الخلافات من آن لآخر...
إن فهم هذه المتغيرات والمراحل هو المنطلق الأول لحسن التعامل مع مسألة الخلافات الزوجية، وهذا الفهم مدعاة لالتماس الأعذار من كل منهما للآخر، وحسن الظن بينهما، والصبر والاحتساب أمام الهفوات والأخطاء.
من جهة أخرى.. تُهدي هذه الخلافات وما يلحق بها من هفوات ومشاحنات مقياسا لكل من الزوجين في محاسبة نفسه؛ عندما يلمس من الآخر شيئا من الأذى أو سوء الخلق، كما عبر عن ذلك التابعي الجليل محمد بن سيرين - رحمه الله - بقوله: "إني لأعرف معصيتي في خلق زوجتي ودابتي"!
فإذا أضيف هذا الفهم إلى ما سبق ذكره.. يصبح السبيل ممهدا لحل الخلافات الزوجية، فلا يغضب من أحس بإساءة الآخر عندما يرجع ما أصابه إلى تقصيره في جنب الله، وأنه قد يكون هو السبب فيما سلط عليه مما يكره. ومن جميل ما نقل في ذلك من أخبار السلف أن أحدهم وهو يمشي في الطريق ألقي عليه رماد، فما كان منه إلا أن قال: "من استحق النار فصولح على الرماد فلا ينبغي له أن يغضب"!
http://www.asyeh.com المصدر:
ـــــــــــــــــــ(111/191)
التربية بالثواب والعقاب
حمد عبدالله سلطان
تعتبر تربية الأبناء في هذا الوقت من أعقد المشكلات التي تواجه الآباء والأمهات ورجال التربية والتعليم وعلماء النفس تربية صحيحة توافق العرف والشرع. وديننا الحنيف يحث الآباء والأمهات على تنشئة الأبناء تنشئة حسنة ولا يتحقق ذلك إلا بتضافر الجهود بين البيت والمدرسة والمجتمع، لذا فإن التربية تبدأ من البيت من الآباء والأمهات وهم الذين يتمتعون بالقدرة التنفيذية لدى الأبناء، فهم المسؤولون أولاً وأخيراً عن تربية أبنائهم وبناتهم. قال تعالى {يا أيها الذين آمنوا قوا أنفسكم وأهليكم ناراً وقودها الناس والحجارة عليها ملائكة غلاظ شداد لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون}. لذا يجب على الآباء والأمهات تربية أبنائهم بغرس العادات الطيبة والمثل العليا وأن يكونوا القدوة الصالحة للأبناء، كما يجب مكافأة المحسن على إحسانه حتى يبعث في نفسه جانباً من الارتياح الوجداني. التربية لا تعني الضرب والشدة والتحقير والحرمان كما يظن البعض، وإنما مساعدة الناشئ للوصول إلى أقصى كمال ممكن. ويجب التدرج في الثواب والعقاب، فالتوبيخ العادي الخفيف ولهجة الصوت القاسي يحدثان في الطفل التأثير الذي يحدثه العقاب الجسمي الشديد، ويجب أن يتناسب العقاب مع العمر فليس من العدل عقاب الطفل في المراحل الأولى من حياته. وإذا وقع العقاب من أحد الأبوين فلا يعارض الآخر وإلا فلا فائدة من هذا العقاب. وتحاول إقناع الطفل الذي عوقب أن العقاب كان لمصلحته وليس للتشفي حتى لا يحدث انحرافاً معيناً في نفسه، فلو شعر الطفل أن العقاب كان للتشفي لكانت الخسارة مزدوجة، فلا العقوبة أدت هدفها في الإصلاح وزاد في نفسه انحراف جديد لتحقيق الذات عن طريق غير سوي، كما أرى أن العقاب يتلو الذنب مباشرة وألا يكون من الخفة بحيث لا يجدي ولا من الشدة بحيث يشعر بالظلم ويجرح الكبرياء. إن تشجيع الأولاد وحثهم على فعل الخير والإقدام عليه له عظيم الأثر وكبير النفع في صلاح الأولاد وعلوهم سواء كان هذا التحريض بكلمات التشجيع وعبارات الثناء أو بالأعطيات والهبات أو بزرع الثقة في الابن نفسه أو بغير ذلك مما يكون سبباً للدفع إلى الخير والحث عليه. وقد صدرت في ذلك جملة من المقولات عن المصطفى ص ومن أصحابه لغلمان أصبحوا فيما بعد أئمة هدى يهتدى بهديهم ويقتدى بهم ومنها: حدثنا الرسول ص عن ابن مسعود بقوله «إنك غلام معلم» وذلك فيما أخرجه ابن سعد في الطبقات بإسناد صحيح. عن ابن مسعود قال كنت غلاماً يافعاً أرعى غنماً لعتبة بن أبي معيط فجاء النبي ص وأبو بكر الصديق وقد فرا من المشركين فقالا: يا غلام هل عندك لبن تسقينا؟ فقلت: إني مؤتمن ولست أسقيكما، فقال النبي ص: هل عندك جزعة لم ينز عليها الفحل؟ قلت: نعم فأتيتهما بها فاعتقلها النبي ص ومسح الضرع ودعا فحفل الضرع ثم أتاه أبو بكر بصخرة متقعرة فاحتلب فيها فشرب أبو بكر ثم شربت قال للضرع أقلص فقلص قال: فأتيته بعد ذلك فقلت علمني من هذا القول فقال: إنك غلام معلم فأخذت من فيه سبعين سورة لا ينازعني فيها أحد. ومن ذلك تولية النبي صلى الله عليه وسلم لأسامة بن زيد إمرة جيش كبير وأسامة صغير لم يتجاوز العشرين . صور الثواب: للثواب صورتان مادية ومعنوية، فالثواب المادي يقوم على تقديم شيء من النقود أو اللعب والثواب المعنوي يقوم على إظهار الرضى والمسرة للطفل المحسن والافتخار به وتشجيعه عن طريق الكلام أو العفو عن الذنوب السابقة والتي لم يوقع بها عقاب. ويرى المختصون أن الثواب المعنوي أفضل من المادي بدعوى أن الأول يتيح للطفل تقوية ثقته بنفسه ويشعره بأنه محسن في عمله وأنه قادر على الإتقان بنفسه والنجاح ويزرع في الطفل نفسه مبادئ سليمة لتكوين شخصيته وفهمه لمن حوله. أما الثواب المادي فيحتمل أن يؤدي إلى النفعية وتكوين الإنسان المادي الذي يحرص على الهدايا والنقود أكثر من حرصه على النمو ويعتبر النجاح لديه وسيلة من وسائل الإكثار من المال والهدايا وهذا ما يجعل الثواب يخرج عن وظيفته الأساسية ويصبح غاية في ذاته بعد أن كان في الأصل مجرد وسيلة. وحين نفكر في إثابة أطفالنا فعلينا ألا ننسى القاعدة التي تقول: إنه لا ثواب على عمل يعد واجباً من الواجبات المحتمة أو الطبيعية، فإذا قام الطفل بتناول طعامه أو نام في الوقت المناسب فإنه لا يستحق ثواباً، أما إذا تبرع بهدية أو كتاب لأخته أو لأحد أصدقائه أو أعار لعبة من لعبه إلى أحد أصدقائه من الأطفال بكامل حريته، أو ندب نفسه لخدمة جاره أو صديقه فإنه يستحق منا التهنئة والثواب. صور العقاب: للعقاب صورتان مادية ومعنوية فالعقاب المادي يشمل الضرب أو الفصل أو الغرامة والحرمان من المكافآت المادية كما يشمل العقاب المعنوي اللوم والتأنيب والسخرية وعمل المربي ومدير المدرسة اتخاذ الحرص الشديد عندما يريدون إنزال عقوبة بالتلاميذ ويجب أن تكون هذه العقوبة هي الوسيلة الأخيرة التي نحتاج اللجوء إليها وبعد نفاد جميع
الوسائل والحلول التي ربما تؤدي إلى التقييم وتصحيح مسار خاطئ بدون العقوبة، ويجب أن يكون اتخاذ قرار العقوبة في وضع يكون الموقف هادئاً وغير متوتر وأن يؤخذ القرار بقصد الإصلاح والتقويم لا الضرب والانتقام. وفي الواقع إن هناك طبقة يحبذون الأخذ بفكرة العقاب البدني عند محاولة الإصلاح والتربية. ولكن جمهور المربين دعوا إلى عدم الأخذ بهذه الفكرة لاعتقادهم أن العقاب البدني يعتبر وسيلة احتقار للشخصية الإنسانية وإنزالها في غير منزلتها البشرية. وهو بالتالي لا يؤتي الثمار المرجوة والمأمولة منه، وعليه فنحن نجد أن دراسات علم النفس التعليمي والتي أجريت لبيان أثر كل من الثواب والعقاب في تعديل السلوك تشير إلى حقيقة لا يمكن إخفاؤها أو تجاهلها تقول: إن كلاً من الثواب والعقاب مؤديان إلى إحداث التعديل المرغوب في السلوك، لكن الثواب أبقى أثراً، حيث إن العقاب مرهون أثره بوجود مثير الخوف، فإذا مازال هذا المثير عاد السلوك إلى سيرته الأولى أي على طريقة غاب القط العب يا فأر. لذلك نجد أن معظم النظم التربوية الحديثة ترفض أسلوب العقاب البدني وتحرمه التشريعات في كثير من دول العالم. شروط العقاب: يشترط في العقاب عدد من الشروط أهمها ما يلي: - يجب أن يكون العقاب متناسباً مع الذنب في كميته ونوعه. - يجب أن يوقع العقاب بعد اقتراف الذنب أما تأجيله إلى فترة طويلة فيفقده المعنى والفائدة. - لا يجوز أن يوقع العقاب إلا بعد أن ينبه الطفل إلى خطئه ويعطى فرصة لكي يقلع خلالها عن خطئه فإذا أصر على الخطأ عوقب. - علينا حين نعاقب أن نلتزم بالهدوء والأناة والبعد عن الانفعال وذلك كيلا تأخذ العقوبة طابع التشفي والانتقام. - يجب الابتعاد ما أمكن من لغة التهديد والوعيد فهو إما أن يؤدي إلى خوف كبير وهلع، وإما أن يعرف الطفل أن هناك تهديداً بدون صنع شيء فيبدأ في عدم المبالاة. - يجب ألا تتحول العقوبة إلى إهانة للطفل وإهدار لكرامته. - يجب عند العقاب بالضرب الابتعاد عن الأماكن الحساسة لدى الطفل والخطرة والمؤذية كأن يضربه في وجهه أو رأسه أو الصدر اتباعاً لقول الرسول ص «ولاتضرب الوجه». - ألا يضرب الطفل بأداة مؤذية قد تؤدي إلى إلحاق الضرر الشديد به. - في حالة العقاب بالضرب أن يقوم المربي أو الأب بالضرب بنفسه فلا يترك هذا الأمر لأحد من الإخوة الكبار أو الزملاء حتى لا تتأجج بينهم الأحقاد والمنازعات. - على المربي العدل بين الأبناء في إعطاء المكافآت وإذا كان الخطأ مشتركاً بين الأبناء فعليه العدل في العقاب قال ص «واتقوا واعدلوا بين أبنائكم». - علينا أن نعيد النظر في وضع العقوبة التي اعتدناها لتقويمها وطرح الطرق السيئة منها غير المعقولة. المدرسة والعقاب وضعت العقوبة المدرسية لإصلاح الخطأ وحماية بقية الطلاب بالمدرسة، فالطالب الذي يعبث بمحتويات المدرسة يجب أن يكون هناك حد لممارساته الخاطئة وذلك حماية لبقية زملائه من شره ويجب أن تكون البداية هنا بالعقاب الأدبي فهو أبلغ في التأثير على التلميذ المخطئ من العقاب البدني، فالطالب المكلف بمراقبة الطلاب في الفصل الدراسي (العريف) ويخطئ يجب أن ينتخب تلميذ آخر لمراقبة التلاميذ داخل الفصل الدراسي وهذا العقاب بدوره سوف يؤثر تأثيراً نفسياً وسكيون أبلغ وأكثر وقعاً على الطالب من العقاب البدني وسيبدأ هذا الطالب المبعد بمحاولة استعادة ثقة معلميه فيه ليعود للمراقبة مرة أخرى ويجب على المربي التذكر دائماً أن هناك فروقاً فردية بين الطلاب في الطبع والميول والعادات والتقاليد فما ينفع لعقاب طفل في ناحية من النواحي قد لا يجدي مع طفل آخر اقترف نفس الذنب والخطأ وعلى المربي أن يعامل كلاً منهم بالمعاملة التي تليق به، فالتلاميذ يختلفون فمنهم من تكفيه إشارة ومنهم من يتألم بالحجز.. وهكذا. ولكي ينجح العقاب المدرسي يجب على المربيين أن يعاقبوا كل تلميذ بما يناسبه بعد وزن ذنبه ومعرفة الحافز لاقتراف ذلك، وإذا شعر الطالب بذنبه وتقصيرة وبدأ يتقبل العقوبة من معلمه شاعراً بعدالة ذلك المعلم وملتمساً للرحمة وبدأت عليه التوبة والرغبة في عدم العودة إلى ما فعل نكون بذلك قد وصلنا إلى الهدف التربوي من العقوبة وهو الإصلاح وتعديل السلوك الخاطئ. وعند تنفيذ العقوبة يجب ألا تصل للمساس بكرامة الطفل وألا يكون فيها إهانة أو تحقير وألا تعلن العقوبة ونوع الذنب أمام زملائه الطلاب، فالطفل له كرامة يجب مراعاتها وشخصية يجب احترامها. ولربما أخطأ بعض المعلمين بظنهم أن الشدة على التلاميذ والقسوة ربما تؤتي ثمار الإصلاح والإقلاع عن الذنب وهذا خطأ كبير فلربما أدت هذه الطرائق إلى جعل الطفل ميت النفس ضعيف الإرادة مضطرباً قليل النشاط والحيوية، وفي اعتقادنا أن العقوبة البدنية هي الوسيلة الأخيرة التي يلجأ إليها بعد نفاذ جميع الوسائل. على المعلم أن يقنع التلميذ بالذنب الذي عوقب من أجله وبعدالة العقوبة وعليه ألا يعاقب التلاميذ
وهو في حالة غضب ونرفزة وعليه إعطاء فرصة كافية للهدوء والتفكير ولربما أدى التفاهم على انفراد إلى تصحيح الوضع الخاطئ وأدى إلى نتائج إيجابية أفضل من الضرب والتحقير. ولعل أجدى الطرائق التي تتبع في تأديب الأبناء ما ذهب إليه ابن مسكويه في الموازنة بين الثواب والعقاب، يقول في ذلك «يمدح بكل ما يظهر به من خلق جميل وفعل حسن ويكرم عليه فإن خالف في بعض الأوقات ألا يوبخ عليه ولا يكاشف بأنه أقدم عليه بل يتغافل من لا يخطر بباله أنه قد يتجاسر على مثله ولا هم به ولاسيما إن ستره الصبي واجتهد أن يخفي ما فعله عن الناس. فإن عاد فليوبخ سراً ويعظم عنده ما أتاه ويحذر من معاودته فإنك إن عودته التوبيخ والمكاشفة حملته على الوقاحة، وحرضته على معاودة ما كان استقبحه وهان عليه سماع الملامة في ركوب قبائح اللذات التي تدعو إليها نفسه وهذه اللذات كثيرة جداً. فالعقاب ليس وسيلة التربية المجدية، فإنه قد يؤدي إلى كف الطفل عن العمل المعيب لكنه لن يؤدي إلى حبه للخير المطلوب، ومن ثم فسيعاود إلى ما منع عنه لإثبات ذاته ولإغضاب الآخرين، ولكن لو شعر واستحسن عمله في المحافظة على أدوات غيره وأدائها له فإن احترام حقوق الآخرين يصبح له عادة يعملها بسرور». (فالترغيب أفضل من الترهيب والاعتدال هو الميزان) أن الثواب يتيح للطفل تقوية ثقته بنفسه ويشعره بعمله الحسن، وأنه قادر على الاتقان والنجاح، فالثواب وبلا أدنى شك وسيلة من وسائل التشجيع والدعم ورفع المعنويات مما ينعكس أثره في زيادة ونماء المواهب الإيجابية لدى الأطفال وتأصيلها وتعويدهم على الابتكار والتعبير عن الذات وبالتالي التفوق والمشاركة الإيجابية داخل المدرسة وخارجها، وهذا ما يعزز أهمية مبدأ الثواب وأنه النهج السليم والتربوي الذي يجب السير عليه لرفع معنويات التلاميذ ودعمهم في مختلف المراحل والمستويات. وفي المقابل فإن العقاب من الأمور التي ربما يلجأ إليها المربون والآباء عند حدوث خطأ أو تجاوز غير مرغوب من الأطفال وعلى الآباء والمربين الحرص عند محاولة إنزال العقوبة بالتلاميذ، ويجب أن تكون هذه العقوبة هي الوسيلة الأخيرة التي نحتاج اللجوء إليها وبعد نفاذ جميع الوسائل والحلول والتي ربما أدت إلى تصحيح ذلك المسار الخاطئ. كذلك فإن من أهم الآثار المترتبة على العقاب في المدارس بوجه عام هو اهتزاز شخصية الطالب وفقدانه الثقة بنفسه وبالتالي تعطيل مهاراته وفكره الإبداعي إلى جانب إكسابه مهارات عدوانية وبروز سلوك الضدية لديه ويصبح لدى التلميذ كره للمدرسة وكل ما يتعلق بالعملية التربوية.
المصدر: http://www.bab.com
ـــــــــــــــــــ(111/192)
هل حقا أكره أبنائي ؟!
( 1 من 2 )
نعم..الآباء هم الذين يبذرون الكراهية في نفوس أبنائهم والأسباب هي:
1- العلاقة السيئة بين الأب والأم وشجارهما المستمر.
2- الأب القاسي وسوء معاملته لزوجته وأبنائه.
3- الأم السلبية التي لا تدفع الأذى عن أبنائها.
4- التفرقة في المعاملة بين الأبناء دون إبداء الأسباب.
5- التفرقة في المعاملة بين الأبناء لأسباب: الأقرب – الأجمل - الأصغر.
6- تحميل أحد الأبناء فوق طاقته بغية تحمل مسؤولية بقية إخوته أو صناعة رجل صغير.
7- المعاملة السيئة من أحد الوالدين من ازدراء وضرب مبرح.
8- إهمال أحد الوالدين للأبناء أو لأسرته.
9- كراهية أحد الوالدين للآخر ينتقل للأبناء.
10- تدخل أطراف من الأقارب في شؤون الأسرة والأبناء بشكل كبير.
• السؤال الأول: هل يمكن أن يكره الابن أباه؟
نقول: نعم الكراهية موجودة والقصص التالية تؤكد ذلك، فمن الكويت يقول (فيصل. أ) وعمره (35) عاماً ويعمل بإحدى الوزارات الحكومية: رغم أنني تزوجت وأنجبت، إلا أن ذكرى طفولتي المرة ما زالت في حلقي، ولا أستطيع أن أغفر لأبي معاملته السيئة لأمي، فكان يتشاجر معها ويضربها أحياناً، إلى جانب سلوكياته المنفرة من مطاردة الخادمات والسهر والسفر لغرض المتعة، وكان آخر شيء يفكر فيه هو زوجته وأسرته، لم أسامح أبي لأن دموع أمي ما زالت تخنقني، ولهذا بمجرد أن تخرجت وعملت وأصبح لي دخل ثابت انتقلت أمي لتعيش معي أنا وأسرتي، وأدعو الله أن أعوضها عن الحب الذي فقدته.
• أمي السبب!
وكراهية الأبناء لا تتولد بسبب قسوة الآباء فقط، بل تتوجه إلى الأمهات أيضاً، فتقول (رشيدة. ع) من الكويت، وفي السنة النهائية بإحدى الكليات:
هل تتصورون أن أمي تغار مني لأني بيضاء، وكما يقال أنني أتمتع بقسط وافر من الجمال، وأمي ترى أن جمالي لجدتي لأبي، وهذا ما يضايقها لأن كل من يقابلها يقول لها: هل حقاً هذه ابنتك؟ من أين أتيت بها؟!، وتلك الكلمات التي تسمعها أمي منذ ولادتي جعلتها تنفر مني حتى أني أتذكر أن أبي كان يقوم بكل شؤوني، وإذا سألتني الآن عن مشاعري تجاهها، فلابد أنني أبادلها نفس المشاعر.. مشاعر الكراهية.
• تتحدث مع رجل آخر!
وفي الكويت وبصعوبة شديدة تحدثت وقالت: لا أريد أن أصرح باسمي وكنت أرى سابقاً أنه من المستحيل أن أتحدث لأحد بهذا الموضوع، نعم أكره أمي، وأتذكر اليوم والساعة التي ولدت فيها هذه الكراهية حيث كنت عائدة من المدرسة، ولم تفطن أمي لعودتي وسمعتها تحدث رجلاً بالهاتف وتضحك معه بشكل آلمني جداً، خاصة عندما تذكرت أبي العطوف، ولذلك تسربت مشاعر الحب لتلك المرأة من نفسي واستبدلت بمشاعر الكراهية، وكنت أراقبها باستمرار من أجل حبي لأبي.
• الضرب المبرح يولد الكراهية
وتقول مها حسن كلدوز - أخصائية اجتماعية في الكويت -:
من خلال طبيعة عملي شعرت بمدى كراهية بعض الأبناء لأحد والديهم، وكانت الأسباب هي الضرب المبرح والتفرقة الواضحة، أو ميل عواطف الأب أو الأم تجاه أحد الأبناء على حساب الآخرين، وتلك الأسباب هي ما تدفع الأطفال لكراهية آبائهم وتنحني بهم إلى الخضوع والاستسلام وضعف الشخصية أحياناً، أو العدوانية والتخريب لإثبات الذات في أحيان أخرى.
• لم يحضر جنازة أبيه!
ومن سوريا يقول (.... ): الكراهية المتبادلة بيني وبين أبي لا يغفلها أحد، فلقد مات أبي وهو يقول إنه غير راض عني، وأنا لم أحضر جنازته، ولم أقم بواجب العزاء، ولقد غضبت والدتي لذلك، ولم تعد تستقبلني في منزلها، وبدوري لم أحاول زيارتها أو مصالحتها، رغم أن العلاقة معها كانت أفضل حالاً مما كانت عليه مع والدي، أيضاً منعت زوجتي وأبنائي من الاتصال بأحد من أهلي وإخوتي لأنهم لم يحاولوا يوماً كسب مودتي وتسوية الخلاف بيني وبين والدي، وقد أكون قاسياً كما يقول الآخرون، لكن هذا لم يأت من فراغ، وإنما كان نتيجة (25) عاماً عشتها عند والدي كان يضربني أبي بشدة ويسبني ويحرمني من النقود، مما اضطرني للعمل في سن مبكرة، ولم أكمل دراستي لكي يدرس إخوتي الآخرون مما أجنيه من مال!
• أختي أجمل مني:
ومن سوريا تحدثنا أيضاً الآنسة (.... ) (32) عاماً- معهد متوسط -، موظفة:
كان عندي شعور دائم أن والدتي تفرق بيني وبين أختي في المعاملة، هي الجميلة والأصغر سناً، وكانت والدتي تفرض عليّ أنا وإخوتي اقتطاع جزء من راواتبنا الشهرية لأختنا لأجل مصروفات الجامعة، وكانت تمتدحها بشكل دائم أمام الآخرين، ثم تزوجت أختي من رجل ثري وسافرت معه إلى قطر عربي، إلا أن والدتي لم تغيّر من معاملتها لي بعد سفر أختي، فأنا ما زلت العانس المعقدة برأيها، فكيف تظنون مشاعري تجاهها؟!
• صفعات أبي هي السبب:
ما زلت أفتكر إلى الآن الصفعات التي كانت تنزل على وجهي من والدي، هذا ما يذكره " مجدي بشر" ويتابع: كانت نظراتي هي الرد الوحيد لأبي، وكنت حينها في التاسعة من العمر، وكنت أنظر إليه وأقول في نفسي، الآن سأصمت ولكني في الغد سأرد على هذه الصفعات، ولقد قطعت صفعاته كل روابط الحب بيني وبينه، ولم أعد أشعر ناحيته بأي عاطفة، وأحياناً كنت أتعمد أن أفشل ليشعر هو بمدى فشل وسائله في التربية.. نعم أكره والدي.
• حب بطريقة خاصة!
وهذا قصة أخرى مشابهة، فبرغم أنه تعدى الستين بقليل إلا أن مشاعره تجاه والديه لم تتغير، فيقول (ع. ب) من السعودية: عشت في أسرة كبيرة جداً بين أب وأم قساة القلوب، فلم أرى الابتسامة على وجهيهما يوماً، ولا أذكر طيلة حياتي أن قبلني أبي أو احتضنتي أمي، بل أذكر فقط الأيام التي كنت أضرب فيها من أبي لأتفه الأسباب، وأذهب لأمي فتضربني هي الأخرى، لا أعرف لماذا كانا يفعلان هذا معي، أظن أنه كانت لهما طريقة خاصة في الحب، والآن بعد أن تزوجت أحرص على أن لا أكرر أي سلوك كان يتصف به أبي أو أمي، ولا أستطيع أن أقول إنني حزنت على وفاتهما، لأنهما لم يزرعا حبهما أصلاً داخل قلبي.
• أب قاس وأم سلبية:
ومن القاهرة جاءت الأقوال عن الكراهية متدافعة من هناء فتحي قائلة:
إنني الابنة الكبرى ولي أخ أصغر مني، ووالدي من نوعية الرجال الذين يفرقون بين البنت والصبي، فكان يؤيد أخي دائماً في ما يفعله، ويدلّلهُ حتى لو كان هذا على حساب حقوقي ورغباتي، ولقد استسلمت لهذا الوضع، ولكن ما لم أتقبله هو موقف أمي، فقد كنت أتوقع أن تساندني بدلاً من أن تدلل أخي هي الأخرى، لهذا شعرت بالكراهية تجاهها ورغماً عني.
• أخي كل من يقابلني:
أسامة محمد من القاهرة يشعر أحياناً أنه يكره والده ويوضح أسبابه قائلاً: والدي مزواج تزوج أربع مرات، وكل مرة ينسى زوجته وأبناءه السابقين، وينجرف في حياته الجديدة، ينصرف إلى الاهتمام بإخوتي غير الأشقاء، ويصرف عليهم ببذخ، ويحقق لهم كل ما يريدونه، أما نحن أبناءه من زوجته الأولى، فلا نستحق منه شيئاً ويقوم جدي بالإنفاق علينا، لقد تزوج والدي مرات عديدة لا نعرف عددها، وأصبحت الآن عاجزاً عن الإحاطة علماً بكل إخوتي غير الأشقاء من أبي.
لم نجد صعوبة كثيرة في الإجابة على السؤال الأول لأن الأبناء صرحوا بمشاعرهم دون تردد، ولكن الصعوبة التي واجهتنا في السؤال الثاني كبيرة لأن الآباء حتى وإن كرهوا أبناءهم يرفضون أن يصرحوا بذلك لأنفسهم، ولكنها مشاعر حقيقية لابد من الإفصاح عنها لتتبع جذورها ومعرفة العلاج المناسب.
* دفعتني الظروف:
لا أحب أن أصف مشاعري تجاه ابني بالكراهية، ولكنها مشاعر بداخلي تدفعني لأن أؤذي مشاعر ابني وأضايقه رغماً عني.
(أم حمود) من الكويت تقول: تزوجت وعمري (20) عاماً لم أكن صغيرة.. وكنت فرحة بالزواج والفستان الأبيض وأخطط للأسرة والأبناء، ومن أول يوم اكتشفت أن زوجي غير طبيعي في أمور خاصة، فضربه لي يسعده، ولم أستطع أن أتكلم وصبرت لعله يتغير في الأيام اللاحقة، ولكنه لم يتغير واكتشفت أن تلك طباعه، توجهت لأمي وصارحتها، فوافقتني على طلب الطلاق، ولم يعارض أبي حتى فوجئت أنني حامل، فانقلب موقف أبي وأمي من الموافقة للرفض التام وطالبوني بالتضحية، لم أرزق بغير ابني لأنني لا أرغب في المزيد من المعاناة وأحياناً كثيرة أقول " لولا وجود ابني لكنت حرة، أو أحيا حياة في أسرة أخرى"!.
* أكرههم جميعاً:
نعم أكره أبنائي جميعاً وفي كراهيتي لا أفرق بينهم... (أم سالم- ع) الكويت: أصرح بتلك الكراهية في وجه أبنائي دائماً، والسبب هو زوجي وإهماله لنا وترك أمور البيت والأولاد وحياتنا كلها لي، جعلني أتعود الاقتراض من الأهل والأصدقاء حتى بعدوا عنا رغم حالته الميسورة لكنه في آخر أولوياته، في الحقيقة أشعر بندم شديد كلما جلست مع نفسي وأرى أن كرهي لهم هو تنفيس عن كرهي لأبيهم.
* ضرائر في بيت واحد:
من سوريا تتحدث سيدة عمرها (50) سنة، فتقول: ولدت ابنتي الوحيدة ضعيفة الجسم، وقد اعتنيت بصحتها وما زلت أتابع كل شؤونها، لكن مشاعري في السنوات الأخيرة تغيرت تجاهها، والسبب أنها تصغي إلى ما يريده أقارب زوجي من أقاويل عني وتنقلها إليّ كما تنقلها إلى والدها، وما يسبب المشاكل بيني وبين زوجي هو دلاله المفرط لها، واتهامه أنني أغار منها، وأصبحت بدورها تحاول إغاظتي بأن ترافق أباها في الزيارات العائلية دون أن تسألني أو تخبرني بذهابها، فأصبحنا كالضرائر في بيت واحد.
* ابني ندّ لي:
وبصراحة تتحدث (ل. ف) من السعودية وهي أم لستة أطفال: في وقت من الأوقات شعرت أنني فقدت رابطة الحب بيني وبين أحد أبنائي، والسبب في ذلك هو أنه مشاغب جداً وباستمرار يعاندني في كل شيء ويعاملني بندية، وأصبح مصدر ألم دائم لي، وتوترت العلاقة بيننا حتى أنني لم أعد أشعر بالحب تجاهه في بعض الأحيان، بل تحول إلى جمود ورفض لسلوكه وله أيضاً وهذا الشعور يعذبني ويؤلمني إن لم أقل إنه قاتل بالنسبة لي.
ونقدم لك أولى خطوات العلاج:
عزيزي المربي لا تنفِ تلك المشاعر إن وجدت داخلك أو شعرت بها موجهة لأحد أبنائك، واجه نفسك بصراحة وابدأ في العلاج.
1- إن رأيت أن الأمر مستحيل وترفض التفكير فيه وحدك حدّث زوجتك/ زوجك إن كانت العلاقة بينكما على ما يرام، أو حدّث صديقاً مقرباً أو اتجه لأخصائي نفسي أو اجتماعي.
2- احتضان الأبناء وتقبيلهم ليست مجرد أشياء عابرة، بل جسور أمان يحتاجها الأبناء وزاد لا يستغنون عنه، ولقد وصانا الرسول الكريم - صلى الله عليه وسلم - بتقبيل أبنائنا واللعب معهم.
3- يمكننا أن نحب أبناءنا بنفس القدر، ولكن أبناءنا لا يعلمون ذلك، ويريدون ذلك عملياً من خلال المعاملة السوية والعادلة بينهم.
4- إذا شعرت بالكراهية تجاه أحد أبناءك، فاهدأ وفكر في علاج، فعناد الطفل ومشاغبته يكون تعبيراً في كثير من الأحيان عن الحرمان من الحب، امنح أبناءك الحب وبلا حدود.. وأنت بلا شك ستجني أيضاً الحب.
5- يتوقع الابن الحماية دائماً من والديه وسلبية الأب أحياناً تضر الأبناء أكثر من قسوته عليهم.
6- العلاقة بين الوالدين هي المعيار الأساسي لظهور أي كراهية داخل المنزل، فابدأ في تحديد علاقتك بزوجتك/ زوجك، وكن صريحاً وإن لم تصل لحل مع شريكك، صارح أبناءك بأسباب توترك وسلوكك معهم.
7- كل منا يحمل ذكريات جميلة وأخرى سيئة، فإن كنت ممن يحمل ذكريات سيئة في طفولته لن نقول لك: انزعها، لأن ذلك صعب، ولكن صارح نفسك بها وأبعد تأثيرها عن سلوكك مع أبنائك.
8- لا تهزأ من ابنك أو تسخر منه حتى وإن كان سلوكه يثير ذلك، لأنك عزيزي المربي أكثر الأشخاص قرباً لابنك، ولا يتوقع منك أبداً هذا الازدراء والسخرية.
9- العلاقة الطيبة بين الوالدين لها أثر كبير في نزع أي كراهية داخل الأسرة، فحاول مد جسور العلاقة الطيبة مع شريكك.
10- ليس عيباً فيك أو ضعفاً منك أن تعرض المشكلة بصراحة على أبنائك أو أحد الأبناء ليكون العلاج بينكم فعالاً.
http://www.waldee.com
ديسمبر 1999
http://waldee.com المصدر:
ـــــــــــــــــــ(111/193)
الرجل والمرأة .. هل يستويان ؟!
أ.د.عبد الرزاق بن حمود الزهراني
لم يكثر الحديث عن قضية المرأة ومساواتها بالرجل في أي عصر من العصور مثل عصرنا هذا، فالمطابع تخرج بين الفينة والفينة بكتب ومقالات كثيرة تتحدث عن هذا الموضوع، ووسائل الإعلام المسموعة والمقروءة والمرئية تولي هذا الموضوع عناية خاصة، فهناك برامج (للنساء فقط)، وهناك مجلات وصحف تركز على موضوع المرأة ومساواتها بالرجل.
ومثل هذا يمكن أن يقال عن دور السينما وما تنتجه من أفلام ومواد إعلامية، فما كاد مسلسل (المرأة المعجزة) التي تتمتع بقوة خيالية وقدرة سمعية تستطيع بها أن تلتقط الأصوات على بعد مسافات طويلة، ما كاد ذلك المسلسل الذي ظهر في منتصف الثمانينات الميلادية أن ينتهي حتى ظهر مسلسل (وندرويمن) التي تستطيع الاختفاء والطيران، وتحمل معها حبلاً سحرياً تستطيع أن تجر به الجبال فضلاً عن الرجال والأبطال، وتتابعت المسلسلات والأفلام التي تعكس ما يدور في المجتمعات الغربية من تفاعلات حول قضية مساواة المرأة بالرجل، والتي أسس من أجلها كثير من الجمعيات أكثرها نسائية، وإن كانت تضم في عضويتها بعض الرجال، ولقد تغلغلت تلك القضية في كثير من جوانب الحياة ابتداء من فصول الدراسة، وانتهاء بالأحزاب السياسية، وتحول المجتمع في ظلها إلى حزبين متناحرين ومتقابلين، وبدلاً من أن يكون كل من الرجل والمرأة مكملاً للآخر، أصحبا في معركة لا يخمد أوراها، ولا يفتر الاقتتال فيها، ونفر كل من الآخر، وانتشر الشذوذ الجنسي، وزوال المثل.
ورغم الجهود المتواصلة لتسوية المرأة بالرجل، فإن الفرق لا يزال كبيراً بين الرجل والمرأة في معظم الدول الغربية، لا من حيث المرتبات، ولا من حيث تولي المناصب القيادية، ولا من حيث الانخراط في التي تعتمد على العضلات، وعلى رباطة الجأش، وضبط النفس، ولا تزال أعداد النساء في القوات المسلحة قليلة، ولا تزال أعدادهن قليلة في مجالات الهندسة المدنية والمعمارية وهندسة الطرق، لأن المرأة تنفر من تلك الأعمال لعدم موافقتها طبيعتها. ومن أطرف ما يروى في مجال المنافسة بين الرجل والمرأة في الولايات المتحدة الأمريكية ذلك الاحتجاج الذي قامت به بعض النساء المتطرفات ضد الأكاديمية العسكرية الأمريكية في ولاية كارو لاينا التي رفضت التحاق النساء بها لقسوة برامجها التدريبية. بدأت المعركة عندما تقدمت (شيرون لولكنر) للالتحاق بالأكاديمية، وعندما رفض طلبها لجأت إلى القضاء، وشنت حملة إعلامية موسعة ضد سياسة الأكاديمية، وفي النهاية أجبرت المحكمة على قبولها، ولكنها لم تستطع الاستمرار في البرنامج التدريبي للأكاديمية سوى أسبوع واحد أعلنت بعده أنها فشلت في تحمل اختبارات الرجال، ولكنها دعت غيرها من الفتيات ممن لديهن قدرة أكبر على التحمل إلى الالتحاق بالأكاديمية بعد أن فتحت أمامهن الطريق. استجابت كل من (كيم مسر) و(جيني فيتابلوس) إلى دعوة شيرون والتحقتا بالأكاديمية، وخصصت لهما عنابر خاصة للسكن، وبرامج تدريس أخف وطأة من برنامج الرجال، ومع ذلك تركتا الأكاديمية بعد أن فشلتا في إكمال الدراسة، والغريب في الأمر أنهما لم تقولا أن طبيعة الدراسة والتدريب لا تناسب المرأة، بل عزتا فشلهما إلى ما سميتاه باضطهاد الرجال لهما.
وإذا ذهبنا نستقرئ الأسباب التي حالت بين المرأة الغربية والمساواة بالرجل، رغم تهيؤ الظروف لذلك، ورغم الجهود المكثفة سواء من الرجال أو النساء في هذا الاتجاه لوجدنا أن أولها هو اختلاف طبيعة الرجل العضوية عن طبيعة المرأة، ذلك الاختلاف الذي يملي على كل واحد منهما أن يكون له دور خاص في الحياة مع تلك الطبيعة. (فألكسيس كارليل) في كتابه (الإنسان ذلك المجهول) يقول: (إن كل خلية في المرأة تصرخ: أنا أنثى). وكلنا يعلم أن المرأة وليس الرجل هي التي تقوم بالحمل وإرضاع الأطفال، والحمل يستمر تسعة أشهر، يتغذى فيه الطفل خلالها مما تتغذى منه الأم، ويختلط دمه بدمها، ويتنفس هواءها وتختلط روحه بروحها، ثم تأتي فترة الرضاع الذي قد يستمر إلى حولين كاملين، يتغذى فيهما الطفل بلبن الأم، الذي ينتجه جسمها، ويلتصق أثناء تلك العملية بصدرها، ولهذا تكون الأم أقرب إلى الطفل من أبيه، لأنها حملته كرها، ووضعته كرهاً، وهو جزء منها، فعندما تقوم بتنظيفه فكأنها تنظف نفسها، أما الرجل فقد كان دوره في هذه العملية دوراً قصيراً وثانوياً، ومحفوفاً بالمتعة. ولهذا يصعب على الرجل القيام بتنظيف الطفل، ومن أجل ذلك حازت الأم على 75% من استحقاق حسن الصحبة، وحاز الرجل على 25% فقط، كما جاء في الحديث الشريف.
يضاف إلى ما تقدم أن المرأة تتأثر بالعادة الشهرية، وبظروف الولادة، وكل ذلك يؤثر على وظيفتها وأدائها ويجعلها تقصر عن الرجل في ذلك، كما أن الرجل لا يمكن أن يجاريها في العناية بالأطفال والاحتفاء بهم. ولا نستطيع في حال من الأحوال أن نجعل المرأة مساوية للرجل إلا في حالة واحدة، وذلك عندما نتمكن من أن نجعل الرجل يحمل مرة وزوجه تحمل مرة أخرى، ونجعله يحيض شهراً وهي تحيض شهراً آخر، وأن نجعل مشابها للمرأة من الناحية العضوية والنفسية.. وكلنا يعلم علم اليقين أن في ذلك صعوبة بالغة تصل إلى مستوى الاستحالة، ولكننا لن نستغرب أن يأتي بعض من غسلت عقولهم وحادت عن فطرتها يطالب بإجراء العمليات ونقل الأعضاء لتحقيق هذه المساواة المزعومة فنحن نعيش في عصر يسير في كثير من اتجاهاته ضد الفطرة وضد طبيعة الأشياء.
ومن أجل ذلك نعتقد أن المساواة بين المرأة والرجل مساواة كاملة أمر مستحيل وخيالي، وأن الذين يركبون هذا المركب الصعب يضيعون جهودهم هباء وبددا.. إما جهلاً منهم أو تجاهلاً لهذه الحقيقة الواضحة، وإما لحاجة في نفس يعقوب تكون المرأة فيها الضحية دون أن تدري. إن النساء شقائق الرجال، وإن كل ميسر لما خلق له، وإن الرجال والنساء لباس لبعضهما، وما أكرمهن إلا كريم ولا أهانهن إلا لئيم، والرجال والنساء وجهان لعملة واحدة، هما عماد الأسرة، وسبيل الاستمرار في الحياة، والمرأة هي الأم والأخت والعمة والخالة والبنت والزوجة، ويجب أن يسود التراحم والتعاطف والتآزر والتعاون بين الجانبين وأن نبتعد عن الشحناء والبغضاء والقطيعة والتحارب على أمور لا يستفيد منها إلا أعداء الأمة الذين يسعون إلى اختراقها بطرق مختلفة، والمرأة ودغدغة عواطفها، وتضخيم مطالبها، والمطالبة بحقوقها باب واسع من أبواب الاختراق. إن هناك الكثير من الجوانب التي تحتاج إلى معالجة وتحتاج إلى تغيير في أوضاع مجتمعاتنا، ومنها وضع المرأة الذي يجب أن يكون تغييره وفقاً لشرع الله ووفقاً لسنن الفطرة، ووفقاً لحاجة المجتمع ومتطلباته، بعيداً عن التعصب المقيت وبعيداً عن الانجراف وراء الآخر الذي أصبح يجني الثمار المرة من تحرره المنفلت التي تتمثل في ضياع الأسرة، وكثرة العقد النفسية والاجتماعية، وارتفاع معدلات الجريمة، واستخدام المرأة سلعة تباع وتشترى في سوق النخاسة، وكثرة الأطفال غير الشرعيين، وكثرة الشذوذ، وانتشار الأمراض الجنسية وغيرها من المشكلات الاجتماعية التي يعترف بها أصحابها ويتحدثون عن معاناتهم من آثارها وعواقبها. وفي اللغة الإنجليزية مصطلحان الأول يتحدث عن المساواة Equality والآخر يتحدث عن العدالة والإنصاف Equity والثاني هو الذي يجب استحضاره عند الحديث عن العلاقة بين الرجل والمرأة، وهو ما يدعو إليه الإسلام، وما تؤيده الفطرة السليمة، وطبيعة الحياة ومجرياتها العامة.
التاريخ: 20/02/1426
http://www.almokhtsar.com المصدر:
ـــــــــــــــــــ(111/194)
عندما يكون الزوجان صديقين
د. ليلى بيومي
يشكو الجميع بأنه بعد الزواج تفتر الحرارة العاطفيّة بين الزوجين، وينصح الكثيرون بأن تتحول الحياة بين الزوجين إلى حالة من الصداقة الدائمة...فهل يمكن أن تتحقق هذه الصداقة؟
السيدة ندى محمود الخبيرة في العلاقات الأسرية تقول: إن العطاء يستمر وينمو بالتشجيع والمكافآت، ونادراً ما نجد إنساناً يستمر في العطاء من غير تشجيع أو مكافأة، والعلاقة الزوجيّة كذلك تستمر، ويستمر العطاء فيها بين الزوجين إذا كافأ كل طرف الآخر، والمكافأة لا يُشترط فيها أن تكون مكلفة أو أن تكون مالية، وأمامنا أفكار كثيرة تمكّن الزوجين أن يكافئ كل واحد منهما الآخر من غير أن تكلّفه المكافأة شيئاً؛ فهناك المكافأة النفسيّة، وهناك المعنويّة وغيرها الكثير.
والمكافأة الزوجيّة هي رمز التقدير والاحترام للعلاقة الزوجيّة، وكلما كثرت المكافآت بين الطرفين كلما ازداد الحب وقوي الانسجام.
فهناك مكافأة تتمثل في "الابتسامة في الوجه" وهي تعطي الشعور بالتقدير للموقف الذي حصل بين الزوجين؛ فتدعمه معنوياً، وخصوصاً إذا ما أضيف إليها الإمساك باليد، والشدّ عليها فإن ذلك يعبر عن الفرح والامتنان من التصرف الذي قام به أحد الزوجين و "الابتسامة صدقة" كما أخبر الحبيب محمد - صلى الله عليه وسلم -..
وهناك مكافأة أخرى وهي "الشكر بحرارة وصدق"؛ فالكلمة الطيبة صدقة، وشكر أحد الزوجين للآخر على الموقف الذي وقفه يعطيه تأكيداً بأن عمله صحيح ومقبول عند الطرف الآخر، ولكن بشرط أن يكون الشكر بصدق وحرارة.
ولا ننسى مكافأة "التقدير العلني" كأن يمدح الزوج زوجته أمام الأبناء أو تمدح الزوجة زوجها أمام أهله أو المدح أمام الأصدقاء، بمعنى أن يكون المدح بصوت مسموع وعلني فيسعد الطرف الممدوح عند سماع هذا التقدير، أو يفرح عندما ينقل له الخبر فيزيد عطاؤه وحبّه للعلاقة الزوجيّة.
ولا يمكننا كذلك التقليل من أهميّة "رسالة الشكر"، وفكرتها أن يكتب أحد الزوجين رسالة شكر وتقدير على الجهود الذي يبذلها الآخر من أجل العائلة، ويغلّفها بطريقة جميلة، ثم يقدّمها له على اعتبار أنها هديّة، فمثل هذه اللّحظات لا تنسى من قبل الزوجين، وتطبع في الذاكرة معنى جميلاً للحياة الزوجية.
وهناك أمثلة كثيرة على المكافآت المجانية في العلاقة الزوجية، مثل إشراك الطرف الآخر في القرارات العائليّة، أو الموافقة على طلب لأحد الطرفين كان مرفوضاً سابقاً.
وسائل لتنمية الصداقة بين الزوجين:
يرى د. عزت الشحات أستاذ علم النفس بجامعة المنوفية أن اشتراك الزوجين معًا في عمل بعض الأشياء الخفيفة كالتخطيط للمستقبل، أو ترتيب المكتبة، أو المساعدة في طبخة معينة سريعة، أو الترتيب لشيء يخصّ الأولاد، أو كتابة طلبات المنزل، وغيرها من الأعمال الخفيفة، والتي تكون سببًا للملاطفة والمضاحكة وبناء المودة وتدعيم الصداقة بين الطرفين.
ويركز د. عزت الشحات على الكلمة الطيبة، والتعبير العاطفي بالكلمات الدافئة و الرقيقة كإعلان الحب للزوجة مثلاً، وإشعارها بأنها نعمة من نعم الله عليه.
وينبّه على الجلسات الهادئة، وجعل وقت للحوار والحديث، يتخلله بعض المرح و الضحك، بعيدًا عن المشاكل، وعن الأولاد وصراخهم وشجارهم، وهذا له أثر كبير في الأُلفة و المحبة بين الزوجين.
كما يركز على التوازن في الإقبال والتمنع، وهذه وسيلة مهمة، فلا يُقبل على الآخر بدرجة مفرطة، ولا يتمنّع وينصرف عن صاحبه كليًا، و قد نُهِيَ عن الميل الشديد في المودة، و كثرة الإفراط في المحبة.
ويلفت د. عزت الشحات إلى التفاعل من الطرفين في وقت الأزمات بالذات، كأن تمرض الزوجة، أو تحمل فتحتاج إلى عناية حسيّة و معنويّة، أو يتضايق الزوج لسبب ما، فيحتاج إلى عطف معنويّ، وإلى من يقف بجانبه، فالتألم لألم الآخر له أكبر الأثر في بناء المودّة بين الزوجين، و جعلهما أكثر قُربًا و محبة أحدهما للآخر.
أسباب الخلافات:
ويحدد د. إبراهيم فرحات أستاذ علم الاجتماع بجامعة القاهرة أسباب خلافات السنوات الأولى من الزواج، والتي تقف به أحيانًا على حافّة الطلاق، ومن ثم تزيد حالات الطلاق المبكّر، ويحصر هذه الأسباب في عدم جعل الدين هو الأساس الأول في اختيار الزوج "الزوجة"، وعدم البساطة في الزواج، ومحاولة توفير جميع الكماليّات والتحسينات في عشّ الزوجيّة، ولو أدّى ذلك إلى إضافة أعباء ماديّة قد ترهق الزوج أو تجعله مدينًا.
ومن هذه الأسباب تطلّع المرأة إلى من هي أعلى منها ماديًا باستمرار، ومحاولة محاكاتها وإرهاق الزوج بذلك.
وكذلك عدم توافر الجو الأسري الذي يجمع بين الزوجين ليناقش كل منهما أحوال الآخر ويستمع إلى مشكلاته.
وتمسّك كل طرف برأيه، وعدم التنازل عنه، أو الوصول إلى حلّ وسط.
وتدخل الأهل بمفاهيم خاطئة يبثّونها بين الزوجين (مثل القول للمرأة: أنت تعملين مثله فلابد أن يكون لك رأي، ولا تتنازلي عنه، فهو ليس أفضل منك).
وخروج المرأة للعمل واحتكاكها بمجتمع اختلط فيه الحق بالباطل؛ فلم تعد المرأة تعلم حقها من واجبها.
ومن هذه الأسباب أيضاً وسائل الإعلام وما تقوم به من غسيل مخٍّ في العلاقة الزوجية حتى صوّرتها على أنها علاقة ندّية بين اثنين، وليست علاقة تكامليّة، حتى توهمنا أن الزواج عبارة عن حلقة مصارعة بين طرفين، وكل طرف حريص على أن يحصل على أكبر قدر من المكاسب لصالحه.
ويضيف د. إبراهيم فرحات أن الصداقة بين الزوجين، تيسر عليهما أشياء كثيرة جدًا وتخفّف من حجم أي مشكلة، كما أن حسن طاعة الزوجة لزوجها، والعمل على استرضائه دائمًا بالتقرب إليه بفعل الأشياء التي يحبّها، يجعلها دائمًا حبيبته وصديقته.
وندعو كل زوجة إلى فهم الطاعة، لا على أنها الخنوع والذلّ للطرف الآخر، بل على أنها عبادة تتقرب بها الزوجة الصالحة إلى ربها - عز وجل - وإذا كانت طباع الزوج سيئة، ولم تعتد عليها الزوجة ففي صبرها على ذلك، ومحاولتها تغيير هذه الطباع أجرٌ تُثاب عليه، كما أن لها عظيم الأجر في إشعارها زوجها بأنه أول اهتماماتها في هذه الحياة، وأنها لا تقدّم عليه أي شيء آخر سوى الله.
الصراحة بين الأزواج تبني الثقة والصداقة:
الكذب والمداراة وعدم المصارحة من أهم أسباب ضعف الثقة؛ فالزوجة التي اعتادت الكذب وعدم الاعتراف بالخطأ تعطي الدليل لزوجها على ضعف ثقته بها وبتصرفاتها وعدم تصديقها وإن كانت صادقة، والزوج الذي يكذب يعطي الدليل لزوجته كذلك. ولو التزم الزوج والزوجة الصدق والمصارحة لخفّت المشكلات بينهما. والثقة لا تعني الغفلة، ولكنها تعني الاطمئنان الواعي، وأساس ذلك الحب الصادق والاحترام العميق وبناء ذلك يقع على الطرفين، والمصارحة تدفع إلى مزيد من الثقة التي هي أغلى ما بين الزوجين، وإلزام كل طرف بالصراحة منذ بداية حياتهما سوياً، ولا يطلب الزوج الذكيّ من زوجته أو خطيبته أن تقصّ له بداية حياتها، وإن طلب منها ذلك فلا يجب عليها أن تستجيب، ويظهر بطلبه ذلك أنه لا يعرف شيئاً عنها وعن عائلتها. والسؤال كيف يرتبط بفتاة لا يعرف عن أهلها وبيئتها شيئاً؟ فيجب على الشاب أن يعرف ذلك كله قبل الزواج وليس بعده، وهذا من حقه قبل الزواج، وليس من حقه بعد الزواج أن يطالبها بسرد قصة حياتها ويطرح عليها الأسئلة التي لن تزيد إلا في الفرقة. من الأسئلة التي هي طريق وإنذار ببداية انتهاء هذه العلاقة.
والصراحة هي أساس الحياة الزوجية، وهي العمود الفقري في إقامة دعائم حياة أسرية سليمة خالية من الشكوك والأمراض التي قد تهدّد كيان الأسرة بالانهيار، و إذا ارتكزت الحياة الزوجية عليها كانت حياة هادئة هانئة أما إذا أقيمت على عدم المصارحة فإنها تكون حياة تعسة يفقد خلالها كلا الزوجين ثقته في الآخر. ولكنْ للصراحة حدود فهي بين الأزواج ليست كما يفسرها البعض بأنها صراحة مطلقة وبلا حدود؛ لأنها بهذا التعريف تُعتبر نقمة وليست نعمة؛ فقد تؤدي إلى تدمير الأسرة خاصة إذا كان الزوجان ليسا على درجة كافية من التفهم والوعي والثقة المتبادلة.
لذا فإن للصراحة حدوداً تتمثل في مصارحة كلا الزوجين للطرف الآخر بما لا يضرّه أو يجرح مشاعره، أما فيما يتعلق بحياة كل منهما الخاصة البعيدة عن المنزل والأسرة والأبناء كعلاقتهما بأصدقائهما أو أهلهما فإنه لا يجب فيها المصارحة على الإطلاق وذلك لأن للأهل والأصدقاء أسراراً خاصة، يجب ألاّ يفشيها أي طرف، لاسيّما وأن معرفتها لن تنفع بل ربما تضر بهما وبأهلهما؛ فلذا على الزوجة التي تريد أن تحافظ على أسرتها أن تصون سرها، ولا تبوح به لأحد، وبذلك فهي تكسب ثقة زوجها واحترام أهلها في آن واحد.
http://www.islamway.com المصدر:
ـــــــــــــــــــ(111/195)
أبي .. أمي .. زوجي
خالد عبد اللطيف
هو: من أرضي؟! وكيف أوفق بينهما؟!
إذا أرضيت أمي أغضبت زوجتي.. وإذا أرضيت زوجتي غضبت أمي؟!
هي: علّمني عظم حق زوجي علي.. وكذلك أعلم عظم حق الوالدين..
وقد وقعت جفوة بين أبي وزوجي، ويوشك أن يمنعني زوجي من زيارة بيت أبي، فماذا أفعل؟!
مشكلة متكررة تلقي بظلال قاتمة على صرح الأسرة.. مبدؤها خلاف يسير (كان من الممكن تداركه بحكمة قبل أن يستفحل).. ونهايتها ضيق واضطراب وتساؤلات حائرة كالتي سبقت.. !
قد تحتاج بعض المشكلات من هذا النوع إلى فتوى شرعية، وأخرى قد تحتاج إلى مشورة متخصصة في التعامل الحكيم مع القضية.. لكن المؤكد أن كل هذه المشكلات يمكن حلها ـ بعون الله - تعالى - بالحكمة وحسن التصرف وشيء من المداراة والتلطف وتأليف القلوب وتذكيرها بالله - تعالى -.. !
لا يلزم أن تواجه زوجتك بجفاء بأن والديك أهم من الدنيا بمن فيها، "ومن يقف في طريق بري بهما لا أبالي به، وليضرب رأسه بالحائط"!
نعم، حسبك أن ينعقد قلبك على تعظيم حق الوالدين دون مبالغة متشنجة في إظهار ذلك لزوجتك المسكينة تشعرها بها أنها من سقط المتاع في بيتك!
أو على الأقل ـ إذا دعت الحاجة للتذكير بأهمية برك بهما ـ أشعر زوجتك بأنك تراها خير معين لها على بر والديك، كما ترى نفسك خير عون لها على بر والديها، وأنكما معا تلتمسان البركة لحياتكما وبر أولادكما بكما بهذا العمل الصالح الجليل!
وعلى الزوجة العاقلة الأريبة ألا تجازف بوضع مقارنات بينها وبين والدي زوجها! فتقع وتوقع زوجها في دوائر من التعنت والجدال هما في غنى عنها.. بل تشد أزره في البر، وهي في ذلك مسرورة تحتسب الأجر، وتحث صغارها على الحب والإجلال لوالديه ووالديها على حد سواء.
وإن بدت من زوجك لك بادرة جفاء وغلظة عند ذكر حق والديه فاغتفري له ذلك والتمسي له العذر، واحمدي الله - تعالى -أن منّ عليك بزوج بار بوالديه غير عاق، فإن العقوق ينزع البركة من البيوت!
للوالدين حقهما.. وللزوج حقه.. وللزوجة حقها.. والموفق من سدد وقارب، والوقاية خير من العلاج، فلنؤسس بيوتنا على التماس مرضاة الله - تعالى -في إيتاء كل ذي حق حقه، دون تضارب أو تعارض ولا تعنت!
http://www.asyeh.com المصدر:
-ـــــــــــــــــــ(111/196)
الكنز الضائع
سميرة أمين
أحبتي لن ابدأ في تسطير الكلمات كما عهدتموني فهذه المرة سوف استهلها بهذه الأبيات التي قد تعجبون لو أخبرتكم أنها أبكتني نعم أبكتني شوقا وحنينا ولهفه أبكتني لما تحمله من صدق مشاعر وعاطفة ملتهبة متأججة فتأملوها معي
أنت قلب خافق بين ضلوعي *** أنت من أحببت من بين الجموع
أنت يا من أنت في ظلمات ليلي *** جذوة النور أضاءت لي طريقي
أنت حب خالد يسكن قلبي *** وبه ودعت حزني ودموعي
هل تأملتم أحبتي هذه الكلمات؟ هل سرحتم وحلقتم بعيدا في فضاء الأحلام والأمنيات ؟ هل تاهت قلوبكم وبرقت مآقيكم لجمال العبارات ؟ بل لربما انطلقت الإهات والزفرات والحسرات؟
من المؤكد أنكم أجبتم نعم،، لأن هذا ما حصل لي تماما تسألت لماذا تبحث تلك الفتاة عن الحب مع ذاك الشاب فتضحي بأغلى ما عندها مرغمة مكرهه لتقع فريسة في يد صياد ماهر بل مستقذر ماكر استطاع أن يتلمس حاجتها ليعطيها شيئا من غايتها فقال لها (أحبك أحبك) فانتشت وفرحت وطربت وتراقص قلبها على أنغام تلك الكلمة وحق لها مع الأسف،، يوم أن غاب عنها الأب الحنون يحتويها بأحضانه يغمض عليها الجفون،، يوم أن تاقت أذانها لتسمع كلمات حب وحنان تحرك الشجون وتزيد إيمانها وخوفها من الرحمن فتقبل بالطاعات لتستعد ليوم لا ينفع فيه مال ولا بنون،، تتدفق شلالا عذبا بنصائحه وتوجيهاته،، يوم أن غابت تلك الأم الرؤوم وألهتها الدنيا عن مهمتها السامية،، يوم أن غاب ذاك الأخ فاه من غيابه واه من بعده وانشغاله ليتركها تتجرع من كؤوس الوحدة والفراغ يمزق كلا منهما قلبها بمر اسقامه...وذاك الشاب ذو الوسامة والأصالة حملته أمه كرها وتربى فجر أمل يحمل الخير بين ضحكات وابتسامه بين ترتيل آيات كتاب يكون منهاجه بين شدو في سيرة طه - عليه الصلاة والسلام - متخلقا بأخلاقه،، فارسا يخدم دينه يذود عن حمى وطن يحميه من أعدائه،، ما باله أراه ثملا بين أنغام غناء، مزامير شيطان وقع في مستنقعه وأوحاله؟؟ ما باله راح يبحث عن حب في فلم هابط ورذيلة بين فسق ومجون يتبجح إبطاله؟؟ ما باله قرة العين هجر مصحفه وكتابه وأقلامه؟؟ راح إلى السراب إلى الحرام ساقه هواه وشيطانه؟ ؟ تخلى عن مسجد وجفى صلواته وقيامه؟؟ أيبحث عن حب؟؟؟ أو يبحث عن قلب؟؟ أي وربي هذا ما اسهر ليله وأرق أجفانه يبحث عن ذاك الوالد فقده فبئس الفاقد فقده في سهرات وصفقات،،، فقده في بحث على لقمة عيش من بين أشلاء أسره دفعت الثمن تفككا وجراحات يتعذر مشغول ويلقي باللوم على زوجة وكأنه ليس عن رعيته مسؤول،، فذهب الشاب يحلق في فضاء دخان اسود وكلام معسول ذهب يتبارى مع من أوهمه أن الرجولة عزها في قائمة أرقام هواتف صديقات وجولات لعشيقات..
يبحث عن حبيبة كتلك التي في أبيات قصيدة ذهب يعيش قصة فلم ماجن ليكون فارسها يتعالى في فقدها أنينه (والذين لا يقتلون النفس التي حرم الله إلا بالحق ولا يزنون ومن يفعل ذلك يلق أثاما) آيات قالها ربنا - جل وعلا - غابت عنه وهي التي ما أكثر ما كان يرتلها ويهز الكون بترنيمه ما باله وما بالها وقع هو ووقعت هي في خطوات الشيطان وحبائله؟؟ أمام الحاجة الملحة لحب زائف يغضب الله عزوجل،،، أما تلك الزوجة وذلك الزوج وتلك الأم وذاك الأب الذين يفتقدون كلهم هذا الحب الا القليل والشحيح منه،،، فاعذروني فقد فاض همي وامتنعت حروفي عن البواح،، واعذروني فلم تسعفني كلمات تترجم أنات قلبي والنواح،، واعذروني أشعلت في قلوبكم نيران شوق للحب ونكات الجراح لكنني أردت أن اطرح هذه القضية بين أيديكم لاسيما أنها ليست بجديدة عليكم فكلكم تعلمون أن من أهم أسباب الانحراف والأفكار الهدامة بل وحتى الإرهاب إلى وصمنا به أعداء الإسلام ومنبع الإرهاب من أهم أسبابها فقدان الحب في البيت الأسري فلنسارع بوضع الحلول الصحيحة التي تخرج عن إيطار كتب تربوية أو دورات بعيده عن التطبيق والممارسة مع احترامي لها والشكر للقائمين عليها والقائمات أن الآوان لنوقظ هذا الأب تلك الأم وذلك الزوج وتلك الزوجة والأبناء ليستغنوا عن البحث عن زيف الحب وأوحال الخداع ونبحث جميعا عن الحب الكنز الذي ضاع منا لكنه حتما سيعود نعم سيعود متى وضعنا مخافة الله نصب أعيننا فحب الله ورسوله أول حب يجب أن نبحث عنه (قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم) فمن أين لنا الحب لبعضنا ونحن فرطنا وقصرنا في محبتنا لربنا لأوامره ونواهيه وأوامر نبينا - عليه السلام -؟؟
http://saaid.net المصدر:
ـــــــــــــــــــ(111/197)
لكم يا أهل العوانس !
د فيصل بن سعود الحليبي
في المنطقة الوسط لقضية العنوسة سوف أقف عدة وقفات، أجعل فيها الأسباب على جهة، والعلاج على جهة أخرى، متجاهلاً هذه أو تلك، لأن كلتا الجهتين قد نال حظًا وافرًا من الحديث والبحث..
وبقينا في المعاناة نفسها والواقع ذاته..حينما تتوفر أسبابه ويصعب علاجه.. إنها الآن فتاة عانس.. وحسب.. أقرب الناس لها أهلها الذين يعيشون معها.. ويعايشون مأساتها، ويصلهم لهيبها بعد أن يحرقها..
دعوني أتطفل عليكم يا أهل العوانس لأتحدث إليكم في موضوع ذي حساسية بالغة فأقول لكم: بأنها ابنتكم فلن أكون حينها أرقّ منكم عليها، ولا أعرف بأحاسيسها ومشاعرها منكم، ولكنها محاولة في تخفيف همها، وتسليتها عن غمها..
ربما يكون من المستغرب في التعامل مع هذه الفتاة أن نحذِّر من مزيد العطف والإرضاء لها بما يميّزها عن أقرانها في الظاهر؛ لأن هذا النوع من التعامل سوف يذكرها بحالها التي تحاول نسيانه، ولا يعني هذا أيضًا ألا نعوّضها شيئًا من الحنان والرعاية اللتين تنشدهما كأقرانها المتزوجات، ولكن بطريقة تلقائية غير متكلفة.
وإن من أسهل الأشياء وأكثرها أثرًا في نفس هذه الفتاة هو الابتسامة المشرقة التي يجب أن تستقبل بها أو تودّع، بها تنسى أحزانها، وتستقبل بها ساعات أكثر أملاً وسعادة، فكيف لو أُلحقت هذه الابتسامة بسؤال عن حالها وصحتها وما فعلته في دراستها أو عملها أو نحو ذلك، إنها بلا ريب ستشعر بأن قلوبًا صافية أخرى قد انضمت إلى قلبها ليحمل عنه شيئًا من همومها.
والحياة الزوجية التي تفتقدها العانس لا تخلو من أخطاء ترتكبها الزوجة، غير أن الزوج ربما تغاضى عن زلاتها وعفا عن أخطائها؛ لتسير دفة الحياة بمزيد من الحب والألفة، والزوجة لا ريب تجد لذة في هذا الإغضاء، وذلك العفو؛ لأنها تقيس به مكانتها في قلب زوجها وحبّه لها.. بمثال هذا التعامل يجب أن تُعامل به العانس.. بل بأحسن منه وأكرم؛ لأن الجود الخلقي في التعامل مع العانس مبرّأ عن حظوظ النفس ورغباتها، ولأنها حينما تحس بفقدان ما يكون سببًا للعفو عنها من التودّد القريب من نفس الزوج تزداد لوعتها وحنينها إليه، وإذا كان غضّ الطرف عن الخطأ سجيّة العظماء والقادرين مع الناس أجمعين فلأن يتعامل به مع أحوج الناس إليه أبلغ في العظمة وكمال الشخصية.
ومفاجأة العانس بهدية جميلة لمناسبة ما أو بدون مناسبة، أمر سينقُش في خاطرها المكلوم ذكريات تفيض بالمحبة لمن حولها، وتجعلها معهم أكثر صفاءً ونقاءً، ولو أنك اطلعت عليها وقد تفردت بهديتك الكريمة فسوف تجدها تردّد النظر إليها بين الفينة والأخرى، وتطيل التأمل فيها، وربما ضمّتها إلى صدرها، ولهج لسانها بالدعاء الصادق لمهديها إليها.
وقل مثل ذلك في كل أمر حسي تخصّ به هذه الفتاة كوجبة عشاء تحبّها أو حلوى تستلذها، أو حاجة كانت تسأل وتبحث عنها فيوفرها أحد أهلها لها، الأمر الذي سيترك حتمًا لمسات حانية على فؤادها، تكون ثمارها الفرحة والبهجة على محيّاها وقلبها.
ويا له من يوم سعيد على هذه الفتاة حينما نفرّحها بطلب مشاركتنا في رحلة خلوية أو سفر قريب، ليكون لها نصيب من المتعة المشتركة، والنزهة الخارجية، إنه يوم لن يُنسى، وساعات ستبقى.
ولفتة جميلة من أهل العانس ينبغي أن يمكنوها من الاستمتاع بها، وهي فسح المجال لإمتاع أطفالهم وملاعبتهم وتوجيههم والحديث إليهم، وعدم ردّ هداياها لهم، ولو تكررت منها؛ لأن في هذا محاولة لإشباع روح الأمومة التي فُطرت عليها.
كما أن على أهل بيت العانس أن يتجنّبوا - بطريقة طبيعية- الحديث عن أخبار الفتيات اللواتي خطبن قريبًا أو أوشكن على الزواج؛ لأن هذا ربما أثار أشجانها، وأعاد إليها أحزانها.
وإذا كنا نوجّه بعدم إسماعها مثل هذه الأخبار والأحاديث، فإننا نحذِّر بشدة من أن نمكّنها من إثارة مشاعرها الإنسانية، وذلك بتوفير كل ما فيه اطلاع على الجنس ومثيراته بكل أصنافها من قنوات فضائية لا ترعى لفتاة حشمة ولا حياءً، أو غرف الدردشة الملغومة بالمغريات عبر شبكة الإنترنت، أو المجلات التي تغريها بالفتن وتحببها لها، فهي أمانة يجب أن تُرعى، والرسول - صلى الله عليه وسلم - قال: (كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته) رواه البخاري.
ولا يعني الاهتمام بخاطر العانس أن نعين الفراغ القاتل على نفسها، بل يجب توفير كل ما فيه نفع لها، وذلك بفتح آفاق الثقافة والإبداع لفكرها، من أجهزة مساعدة لذلك كجهاز الحاسوب والمسجل والكتب المفيدة والمجلات النافعة والأشرطة الطيبة، أو حثها على الاشتراك في المناشط المفيدة المختلفة، كالدورات العلمية بكل أصنافها الشرعية وغيرها، ومراكز تحفيظ القرآن والجمعيات الإغاثية ونحوها، يحفّ ذلك كله إشراف مباشر على ما تنتجه من عمل، وما تقدّمه من خدمات لنفسها ولأمتها، ويراعي من يقوم على ذلك مزيد التكريم لها والتشجيع والمكافأة على ما تبذله من عطاء، وما تقدّمه من إبداع، لتبحر سفينتها بأمان دون سآمة أو ملل.
ولنتذكر أخيرًا حديث عَائِشَةَ - رضي الله عنها - أنها قَالَتْ: دَخَلَتِ امْرَأَةٌ مَعَهَا ابْنَتَانِ لَهَا تَسْأَلُ، فَلَمْ تَجِدْ عِنْدِي شَيْئًا غَيْرَ تَمْرَةٍ فَأَعْطَيْتُهَا إِيَّاهَا، فَقَسَمَتْهَا بَيْنَ ابْنَتَيْهَا، وَلَمْ تَأْكُلْ مِنْهَا، ثُمَّ قَامَتْ فَخَرَجَتْ، فَدَخَلَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - عَلَيْنَا فَأَخْبَرْتُهُ، فَقَالَ: مَنِ ابْتُلِيَ مِنْ هَذِهِ الْبَنَاتِ بِشَيْءٍ كُنَّ لَهُ سِتْرًا مِنَ النَّارِ) رواه البخاري.
----------------------------------------
3/3/1426
12/04/2005
http://www.islamtoday.net المصدر:
ـــــــــــــــــــ(111/198)
البلسم المفقود
قذلة القحطاني *
يعود الزوج إلى منزله منهكًا متعبًا قد أعيته متاعب الحياة ومتطلباتها، فتقابله الزوجة بوجه شاحب عابس يشكو هموم الأولاد ومسؤوليات المنزل، متذمرة من غياب زوجها الطويل عنهم، ومن رغبات وطلبات كثيرة لم تحقق، فلا يجد الزوج عندئذ بُدًّا من أمرين: إما أن يصب عليها وابل همومه ومتاعبه في صورة غضب يهز كيانهما ويقضي على أنسهما لتنقلب حياتهما صحراء جرداء لا أنيس فيها ولا جليس، ويعيش كلا الزوجين في أقصى نقطة من الخط منعزلاً عن صاحبه أيامًا بل شهورًا، وربما أعوامًا، لا يلتقيان بالود فيها أبدًا!
وإما أن يتمالك الزوج نفسه ويلتمس لها العذر وينسحب بكل هدوء إلى مخدعه مستسلمًا لنوم عميق، وتبقى الزوجة تعاني الحسرة والهم والشعور بالتعاسة!.
وفي المقابل، قد تعاني أيضًا الزوجة من مسؤوليات رعاية الأسرة المتعددة، ومسؤوليات الزوج الجسيمة، وقد يكون ثم حمل يثقل كاهلها تحمله كرهًا على كره، وربما كانت عاملة خارج المنزل يستنزف عملها جهدًا ونشاطًا، وإذ بالزوج يفاجئها كل يوم بضيف وضيفين، وكل أسبوع بوليمة ووليمتين، فلا تكاد تنتهي من واحدة حتى تُعدَّ للأخرى، ثم نجده كذلك لا يتنازل عن أبسط حقوقه ولو كان تلميع حذائه أو تأخيرًا لفنجان قهوته، ثم تنفجر الحال بالزوجة إلى أن ترفع صوتها بالرفض لكل ذلك، فتشتعل نار الخلاف يؤججها إبليس بخيله ورَجله، حتى تكون نهايتها أمورًا لا تحمد عقباها وانهيارًا لصرح الزوجية، وتشتيت أولاد وتفريق بين زوجين..
من المسؤول عما حصل في الصورتين، الزوج أم الزوجة؟!
لا شك أن كلا الزوجين يتحمل جزءا من المسؤولية، وله دور لا بد أن يعيه في مثل هذه القضايا التي لا يمكن تمثيلها بموقف عابر، بل هي هم عميق تحتاج إلى فهم وبصيرة، وتفتقد إلى بلسم يضفي عليها الدفء والتفاهم والود.
إن هذا البلسم المفقود، يمكن أن يكون قاعدة عظيمة تندرج تحته أصول حل الكثير من مشاكل حياتنا الزوجية، فكثير ممن يتصدون للكتابة في الإصلاح بين الزوجين وسبل حل المشاكل، يغفلون عن قضية مراعاة ظروف الشريك الآخر، لتمتلئ حياتهما بالحب والحنان، ويكون كل واحد عونا للآخر على أداء مهامه وواجباته وعيش حياته بهناء تام.
إن الزوج بدءًا يمر بظروف كثيرة لا بد أن تراعيها الزوجة وتقدرها ولو على حساب حقوقها، وكذلك الزوجة، فليست الحياة الزوجية ثكنة عسكرية لا بد لكل فرد فيها أن يؤدي ما عليه بدقة متناهية بدون أي تأخير، بل هي مودة ومحبة وأنس ورحمة، وآية من آيات الله في جعل الألفة بين قلبين غريبين مختلفين، قال - تعالى -: (ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون) [الروم: 21].
ومن أمثلة تقدير الظروف في حياتنا اليومية:
قدري ظروف زوجك الداعية
تقدير ظروف الزوج إن كان داعية أو طالب علم، يصرف الكثير من وقته وجهده في دعوة الناس وإصلاحهم، أو يصرف جل وقته في طلب علم شرعي يتقرب به إلى الله - تعالى -ويدعو الناس على بصيرة، فهنا يتضاعف دور الزوجة لتسد كثيرًا من النقص الذي يخلفه غياب الأب، ولا بد أن تتحمل ذلك بصبر واحتساب، ولا تدع مجالاً للمقارنات بحال غيرها ممن أزواجهن متفرغون لمتطلباتهم، ولتنتظر عظيم الأجر والمنزلة الرفيعة عند الله في تهيئة المكان لراحة زوجها، وتتذكر الدور العظيم الذي قامت به خديجة - رضي الله عنها - في إعانة الرسول - صلى الله عليه وسلم - لتحمل أعباء الرسالة، كيف كانت تحمل له الطعام وهو يتعبد ويتحنث الليالي ذوات العدد في غار حراء.
وفي المقابل، ليقدر الزوج هذه التضحية وهذا الصبر من زوجته، وليعط أهل بيته شيئًا من وقته ويفرغ نفسه للجلوس معهم ومؤانستهم، ويحاول أن يعوض فترات غيابه الطويلة عنهم.
قدري ظروف زوجك مع أهله
ومنها تقدير ظروف الزوج مع أهله، وخصوصًا الوالدين، فقد يكونان بحاجة إلى عونه ومساعدته وجلوسه معهم، فعلى الزوجة أن تظهر الاحترام لهذا البر وتعينه عليه، مظهرة المحبة لهم والاعتناء بشؤونهم، وتلتمس العذر لزوجها إن قصر في حقوقها وحقوق أبنائها قليلاً لأجل هذه الصلة.
وبالمقابل، على الزوج أن يحرص على القيام بقصارى جهده في حقوق زوجته، ويقدر تنازلاتها ويخصها بشيء من اهتمامه وإكباره وتقديره، ويسمعها الثناء على إعانتها إياه في بر والديه وأهله.
قدري ظروف زوجك في عمله
ومنها تقدير ظروف العمل، فبعض الأزواج يكدح ويسعى ليلاً ونهارًا لجمع المال وتوفير الحياة الكريمة لأسرته، ولا شك أن هذا السعي سيأخذ جهدًا وطاقة، فلا بد من مراعاة الزوجة لذلك، وأن تعد نفسها لتخفف عنه أعباء الحياة، ويجد لديها متنفسًا لمتاعبه ونصبه طوال اليوم، وليكن حديثك عن المشاكل والهموم في وقت آخر مناسب.
وفي المقابل، على الزوج أن يضع نصب عينيه أن أولاده وأسرته أهم من المال، فلا يكن كل غايته فيضحي دونه بكل شيء، فربما سعى لجمع ثروة عظيمة على حساب راحته وتربية أبنائه، الذين ربما تمر الأيام لم يروه ولم يجالسوه، وربما أسلمهم لوسائل لهو مفسدة مضلة.
قدري ظروف زوجك المالية
قد يكون الزوج مدينًا أو قليل ذات اليد، ومع ذلك تصر الزوجة على كماليات ومظاهر ترهق كاهله وتزيد من همه، بدلاً من مساعدة الزوجة له والوقوف معه في كربته.
وفي المقابل على الزوج أن يكون كريمًا مع أهله قدر إمكانه، فلا يقبح الرجال مثل خصلة البخل الذميمة.
***
وفي الجانب الآخر، هناك ظروف تمر بها الزوجة لا بد من مراعاة الزوج لها، ومنها:
قدر ظروف زوجتك المريضة
الحياة لا تدوم على حال، وربما يصاب أحد الزوجين بمرض عضال يجعله طريح الفراش، فتتجلى حقيقة الوفاء والتضحية.
والزوجة في مرضها أو في حملها، تلتمس يد الزوج الحانية لتخفف معاناتها، فنجد البعض من الأزواج يهجر المنزل ويتركها تعاني مع الأولاد، وهناك من يصر على طلباته ويغضب لعدم تنفيذها مع علمه بمرضها، وربما أسمعها غليظ القول وأذاقها مرير الهجران، وهذا من سوء الخلق وقبح العشرة.
قدر ظروف زوجتك الداعية
إن النساء الداعيات وطالبات العلم فئة قليلة، وكثير منهن من يخبو نشاطها وتفتر همتها بعد الزواج، والسبب غالبًا يكمن وراء الزوج الذي لم تجد منه المرأة عونًا لها على الاستمرار؛ بل ربما كان قيدًا لها عن الانطلاق مع شدة الحاجة إلى جهدها ودعوتها.
ومع ذلك فهناك صور مشرقة لأزواج ضربوا أروع الأمثال في عون الزوجة على الدعوة وطلب العلم، فربما تكفل برعاية الأولاد لتحضر الأم درسًا أو تلقي محاضرة، فيجني الزوج من ذلك رقيًا في فكر زوجته وصلاحًا في نفسها وبركة في حياتها، وآخر يشجع زوجته على حفظ قرآن أو طلب علم، وربما سهر الليل في ليالي امتحاناتها ليعتني برضيعها.
فلو وضع الزوجان نصب أعينهما التعاون معًا لخدمة دين الله وطلب رضاه، وليس لمكانة علمية أو اجتماعية، أو لنيل شهادة أو شهرة، لتسامت النفوس وارتقت الآمال وعلت الأهداف لتصل إلى جنة عرضها السموات والأرض.
قدر ظروف زوجتك العاملة
هناك من تعمل لهدف سامٍ وغاية نبيلة في الدعوة إلى الله - تعالى -وإصلاح واقع النساء، وهناك من تعمل لتعين زوجها على مطالب الحياة، وهناك من اشترطت ذلك في عقد النكاح فحق عليه أن يسمح لها بالعمل، وهي مع ذلك تسدد وتقارب لكي لا تخل بإحدى الأمانتين، فلا بد من بعض المراعاة والتنازلات من الزوج، وليغض الطرف عن بعض التقصير، فقد يكون في عملها مصلحة بشغل وقت فراغها بأمور نافعة وأعمال مباحة، بدلاً من صرفه في أمور محرمة يجني عاقبتها هو وأولاده، فربما كان هناك خادمات ومربيات، والزوجة لا تعمل خارج المنزل ولا داخله، فلا يكون فراغها إلا مضيعة للوقت.
وعلى الزوجة أيضًا بالمقابل أن تحرص على القيام بحقوق زوجها على أكمل وجه، وأن تضع نصب عينيها عظم حقه عليها، وأن واجباتها نحوه أعظم من أي شيء آخر، وتسأل الله البركة في الوقت وتتعلم حسن تنظيم يومها، لتوازن بين عملها وبيتها.
***
أسس هامة:
وأخيرًا أختم بوضع بعض الأسس الهامة في ترسيخ قاعدة "تقدير الظروف بين الزوجين"، لتسير سفينة الحياة الزوجية بود وأمان بإذن الله - تعالى -وتوفيقه:
- الشعور بالمسؤولية تجاه الآخر، فما يعد نجاحًا لأحدهما هو نجاح لشريكه، وكذلك إخفاق أحدهما هو إخفاق للآخر، وبالتالي تتحد الجهود والأهداف فلا فرق بينها.
- التحمل والصبر، فسفينة الحياة عمومًا لا تسير إلا بهما.
- كظم الغيظ وامتصاص الغضب، بالكلمة الحانية واللمسة الرقيقة التي تزيل متاعب الروح وتنسي أحزان الحياة.
- فهم معنى القوامة للرجل بمعناها الصحيح، فهي مسؤولية وقيادة وتربية وترشيد، وقدوة حسنة وليست أوامر صارمة وطاعة عمياء.
- تحقيق السكن النفسي لدى المرأة، فالزوج يبحث عند زوجته عن السكن النفسي والألفة وراحة البال، فلتكن له صدرًا حانيًا وقلبًا عطوفًا، وليجد منها البسمة والخدمة والطاعة في غير معصية الله (هن لباس لكم وأنتم لباس لهن) [البقرة: 87].
- تحقيق الرفق في جميع الأمور، ففي الحديث عن عائشة -رضي الله عنها قالت: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إذا أراد الله - عز وجل - بأهل بيت خيرًا أدخل عليهم الرفق" [رواه أحمد].
- فهم النفسيات وكيفية التعامل معها، ومعالجة أمراضها وعللها، ففهم كل من الزوجين لطبيعة الآخر، ما يفرحه وما يغضبه، يجعل التعامل معه سهلاً والدخول إلى قلبه ميسورًا.
- التنازل عن الأهواء والرغبات، وهي في جانب المرأة أهم وآكد لتصل إلى رضا زوجها، ولا تستعجل الثمار فقد تأتي ولو بعد حين.
- الاحترام المتبادل بين الزوجين حتى في أوقات الخلافات.
- تعزيز الدور الإيجابي عند كل طرف وتذكر المحاسن والغض عن العيوب ومغفرة الهفوات والتغافل، فهو قارب نجاة لكثير من المشكلات بإذن الله.
أسأل الله - تعالى -أن يمن علينا وعليكم بالسعادة في الدنيا والآخرة، وأن يقينا جميعًا شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا ويثبتنا على الحق وعلى صراطه المستقيم، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
----------------------------------------
*محاضِرة في العقيدة بكلية الخدمة الاجتماعية بالرياض، ومشرفة مركزية للعلوم الشرعية بالإدارة العامة للإشراف التربوي سابقًا.
6/10/1424
30/11/2003
http://www.islamtoday.net المصدر:
ـــــــــــــــــــ(111/199)
الأسرة وشبكة أفريقية إسلامية للتنمية
الخضر بن عبد الباقي محمد
في خطوة إيجابية تكاد تكون غير مسبوقة، انعقد المؤتمر الأول عن المرأة المسلمة في أفريقيا، تحت عنوان(سعادة الأسرة المسلمة في أفريقيا) تجمع في مدينة أبوجا العاصمة لجمهورية نيجيريا الاتحادية أكثر من (200) عالم وداعية ومفكر، وبوفود من سبع عشرة دولة من الدول الأفريقية الواقعة منطقة جنوب الصحراء، في شهر مارس من العام 2005م لصياغة ما يمكن تسميته أرضية مشتركة، ولكسب مزيد من المعرفة والتفاهم المتطور لرؤية إسلامية جماعية حول قضايا ذات صلة بالمرأة والأسرة المسلمتين، في ظل خصوصية الأوضاع وظروف المجتمعات الأفريقية المعاصرة من ناحية، والضغوط الخارجية عليها من ناحية أخرى، ويعكس هذا المؤتمر أيضاً في الوقت نفسه مدى قناعة العلماء والمفكرين والمسؤولين المسلمين بأهمية المراجعة الشاملة لأوضاع المرأة المسلمة في القارة الأفريقية، القضايا المثارة للنقاش والمداولة ذات أهمية بالغة، وفي الوقت نفسه تتسم بالحساسية والخطورة، مثل قضية الصحة الإنجابية للمرأة، والصحة النفسية، قضية تحديد النسل وتنظيمه، التربية الجنسية وموقف الإسلام من نشر الثقافة الجنسية بين الشباب، قضية صحة الشباب المراهقين، ومناقشة الوسائل وأساليب الوقاية من الإصابة بمرض فقد المناعة المكتسبة الإيدز، وحدود القبول باستخدام الواقي الذكري(الكوندوم) بين الشباب في المجتمعات الأفريقية المختلطة، قضية ختان البنت وفض الاشتباك بين العادات والتقاليد القبلية والإسلام، كما تناولت المناقشة القضايا الإشكالية عن حقوق المرأة وحدود الحريات الممنوحة لها في الشريعة الإسلامية والحرية الجنسية للمرأة على قدم المساواة بالرجل.
مناقشات ومداولات حادة وساخنة عكست تباينات في وجهات نظر المشاركين من ناحية واجتهادات فقهية إقليمية من ناحية أخرى، دامت تلك المداولات والمناقشات خمسة أيام متواصلة للوصول إلى صيغة توفيقية تناغمية تأخذ في الاعتبار الوضع الأفريقي المعقد حسب بيان المؤتمر وتوصيفه، الكلمة التي ألقاها المدير التنفيذي لصندوق الأمم المتحدة للسكان والتنمية UNITED NATIONs OF POPULATION FOUND الجهة المنظمة والمموّلة للمؤتمر تشير إلى الأجندة الغربية والموضوعة لاستخدام المدخل الديني لمكاسبها، السيدة درّية أحمد عبيد قالت: "إن الصندوق قد شرع في هذا المشروع للتواصل مع العلماء والمفكرين من رجال الدين والفكر لتعزيز جهوده في تكوين وإنشاء شبكة إسلامية أفريقية لإنجاح الجهود المبذولة لتنمية السكان والأسرة، وانطلقنا من قناعة أن الدين والثقافة هما حقيقة التاريخ والجغرافيا، وهما السياق الفعلي الذي يجب أن ينطلق من خلاله أي عمل أو محاولة للنهوض والتنمية، فالدين والثقافة هما الدّعامتان الأساسيتان لاتفاقيات الحرية العالمية لحقوق الإنسان، كما أن الثقافة الدينية تمثل قيمة كبيرة ومقدسة للسلوك اليومي للناس، وهذا ما حملنا على التحرك من خلال المظلة الدينية لنشر التوعية بقضايا السكان والأسرة".
تنوعت الأوراق المقدمة إلى المؤتمر ومن مختلف البلدان الأفريقية جنوب الصحراء، بالإضافة إلى مجموعات عمل؛ فهناك خمس مجموعات نقاش معمقة في محاور المؤتمر، وفي نهاية تلك المداولات أعلنت عن توصيات جمعت بين الرؤى المختلفة المطروحة للنهوض والتقدم بأوضاع مسلمي أفريقيا في مجالات النقاش، وهي:
أولاً: ختان الفتاة:
هناك ما يشبه حالة اتفاق بين المشاركين من العلماء والمفكرين على أن مسألة ختان البنت لا ترتبط بتوجيهات دينية صريحة موجبة كما تذهب إليه بعض الأوساط والآراء، لذا، اعتبرها المشاركون ووصفوها"بأنها ليست من متطلبات الدين الموجبة"، وإن كانت بعض المداخلات البحثية والنقاشية من جانب الخبراء في قضايا السكان وتنمية المجتمعات طلبوا وصف عادة ختان الفتاة بأنها"غير مشروعة".
ثانياً: تنظيم الأسرة
يرى المشاركون من العلماء أن فكرة تنظيم النسل في الأصل لا تتعارض مع الإسلام بل تندرج ضمن توجيهات وردت في القران بشأن التنظيم الأسري ورعاية الأولاد، إلا أن هناك تبايناً في الآراء حول الوسائل والأساليب التي تأخذ بها المجتمعات في ذلك، والورقة الرئيسة حول"الإسلام وتنظيم النسل رؤية شرعية" قدمها الشيخ الدكتور إبراهيم محمود جوب أمين عام علماء المغرب والسنغال، أوضحت أنه ليس هناك من مانع لتنظيم النسل في الإسلام إلا أنه نبّه إلى أهمية وضرورة التفريق بين مصطلح"تنظيم النسل"ومصطلح" تحديد النسل"، في حين يستهدف الأول تأخير الحمل لفترة أو فترات محدّدة، ويستهدف الثاني إيقاف تام لعملية الإنجاب، وعلى الرغم من أن الإشارة كانت واضحة من قبل العلماء إلى أن مسألة تحديد النسل بالعدد المعين غير مقبول في الإسلام، إلا أنهم بيّنوا أن الأخذ بفكرة الإيقاف بالكامل لعملية الإنجاب قد تفرضها ظروف واعتبارات أخرى تدخل في باب الضرورة، مثل الظروف الصحية للمرأة والتي قد تعرض حياتها لمخاطر وهلاك، وشجبت مداخلات العلماء اللجوء إلى تحديد النسل بدعاوى مخاوف اقتصادية، لأنه في هذه الحالة يتعارض مع ثوابت العقيدة الإسلامية ولوازم اليقين بالله وربوبيته للمخلوق.
ثالثاً: حقوق المرأة وقضايا الحرية:
الورقة الرئيسة لهذا المحور كانت عن(حقوق وواجبات المرأة في الإسلام) قدمها العلامة الشيخ محمد طاهر البوتشي من كبار العلماء في نيجيريا، أكّد فيها أن الإسلام أعطى المرأة حقوقها كاملة من غير نقصان كما يدّعي المغرضون لأسباب معروفة الغاية منه النيل من الإسلام وثوابته، وقد ركّزت هذه الورقة بشكل أساسي على معالجة قضايا العلاقات الجنسية للمرأة في الإسلام وحقوقها في الزواج، وذكرت جوانب منها" أن الإسلام أعطى المرأة حق التمتع بحياتها في اختيار شريك حياتها وحق عقد الزواج والميراث، منبّهة على أن العلاقات الجنسية الممنوحة لها وللرجل يجب أن تكون في إطار الزواج الشرعي" وكانت من المداخلات الأكثر إثارة مطالبة العلماء بالتوعية والتركيز على توجيهات الإسلام للرجال بتسهيل إجراءات الطلاق بين الزوجين عند اللزوم.
رابعاً: الحماية من مرض الإيدز:
شهد المؤتمر مناقشات ساخنة جداً في محاولة للتوصل إلى صيغة توافقية بين خبراء السكان والتنمية والعلماء المسلمين فيما يتعلق بالتوصية بطرق الحماية والوقاية من الإصابة بمرض فقد المناعة المكتسبة الإيدز، فعلى الرغم من الاعتراف بتضرر كثير من المجتمعات الأفريقية المسلمة من هذا الوباء الخطير، فقد أصر العلماء على أن إطلاق العنان للشباب في حرية استخدام غطاء "الواقي الذكري " (الكندوم) بمثابة الضوء الأخضر للترويج والسماح بممارسات وإقامة علاقات جنسية غير مشروعة، لذلك كان الاقتراح المجمع عليه هو تكثيف حملات التوعية والدعوة إلى ضرورة نشر ثقافة الإمساك والعفة بين الشباب، كأفضل وأسلم حلّ عملي لحماية أفراد الأسرة المسلمة والمراهقين بشكل أخص.
خامساً: التربية الجنسية وصحة المراهقين:
الورقة الأساسية التي قُدّمت في هذا المحور كانت للسيدة الحاجة بلقيس يوسف بعنوان(تعليم الحياة الأسريّة في المجتمعات المسلمة: الخبرة النيجيرية) وأبرزت الورقة استنتاجات المناقشات الوطنية الساخنة حول قضية التربية الجنسية للطلاب في المدارس، والتي وجدت معارضة شديدة لدى طوائف المجتمع النيجيري، لا سيما وأن هذا التعبير يثير حساسية كبيرة في مناطق ذات الأغلبية المسلمة، لذلك تم اعتماد استخدام تعبير" تعليم الحياة الأسرية" بدلاً من التعبير الشائع"التربية الجنسية" وأشارت إلى أنه إذا كانت أهداف هذه التربية هي توسيع مدارك الشاب حول المعلومات الضرورية لحياة صحية ولإقامة علاقات جنسية صحية، فإن تلك الأفكار يتم تدريسها في المدارس الإسلامية من خلال مادة الفقه الإسلامي بشكل أشمل وأوسع من مجرد النظرة السطحية في إطار الأخلاقيات العامة؛ إذ يدرس الناشئ قضايا النوع والجنس مثل علامات البلوغ، وما يتصل بها من حيض ونفاس وطهارة الأجسام والجماع وتداعياته المادية والمعنوية على الفرد، مداخلات العلماء شدّدت على أهمية التزام الآداب والأخلاقيات الإسلامية في عرض المعلومات الجنسية، وأن تكون في سياق تعليمي هادف بعيدة عن الإثارة وتهييج المشاعر العاطفية لدى الشباب، كما طالبوا بربط التربية من هذا النوع بالقضية الكلية للمسلم التي هي العبادة وليست مجردة عنها.
ومن الطبيعي لمؤتمر كهذا أن يثير عدة تساؤلات خاصة، وقد تحمس إلى تنظيمه والدعوة إليه هيئة دولية من وكالات الأمم المتحدة، إلا أن كثيراً من المسؤولين والقيادات الإسلامية في أفريقيا يرون ذلك تطوراً إيجابياً في علاقة الأمم المتحدة ووكالاتها بالمجتمعات المسلمة في أفريقيا، كما أشار سمو الأمير محمد ماسيدو سلطان صوكوتو، ورئيس المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية في نيجيريا في كلمته عند ختام المؤتمر وقال: "إن مستوى الحضور ومستوى المناقشات والطرح للأوراق المقدمة تُظهر بالفعل قادة الرأي والعلماء في أفريقيا جنوب الصحراء على أنهم على دراية و وَعي كاملين بالمشكلات التي تواجه القارة وقضاياها السكانية والتنموية"، ولعل دعوة سموه للأمم المتحدة بوضع برنامج عملي للخروج من تلك المشكلات هي مما يثير تساؤلات جديدة عن مدى تمكن الأجندة الأممية من اختراق صفوف الصفوة والقادة؛ إذ قال: " وليس بمقدور أفريقيا منفردة أن تتصدى لتجاوز هذه المشكلات؛ لذا نحتاج إلى مزيد من الدعم من المجتمع الدولي" إضافة إلى تفاؤل كبير بتبنيها لتأسيس شبكة أفريقية إسلامية للتنمية والسكان، مع العلم أن لها أهدافاً خاصة وبرامج معلنة مسبقة ترمي إليها وراء هذه المشروعات!
ويبقى أن نشير إلى أن عقد هذا المؤتمر الحيوي المهم قد حرك المياه الراكدة في صفوف العلماء المسلمين الأفارقة من ناحية وأظهر في الجانب الآخر المحاولات التكتيكية من المنظمات والهيئات الدولية تفادي حالة صدام بين طروحاتها وأجندتها وبين تجمعات مراكز الكثافة المسلمة في أفريقيا مثل نيجيريا والسنغال، أو على أقل تقدير احتواء بعض أصحاب المدارس والأفكار الأصولية الرادكالية المناهضة لطروحاتها!!
28/2/1426
07/04/2005
http://www.islamtoday.net المصدر:
ـــــــــــــــــــ(111/200)
بين زوجين
أمجاد الدغيم
زوجتي..أخذت بيدي إلى الجنان..
لم أخف شعورا بالدهشة لما عرضت زوجتي علي في صبيحة العرس أن نزور والدتي، فنحن قد رأيناها بالأمس، فما الداعي إلى زيارتها اليوم!
لكن زوجتي واجهت اعتراضي بلطف، وأبدت رغبتها في أن نبارك أول صباح في حياتنا الزوجية ببر والدتي والإحسان بزيارتها، فلم أملك إلا أن نذهب..
وعند أمي، شعرت بما يشبه الغشاء ينقشع من أمام عيني، فسلام زوجتي الحار عليها، والدعوات الصالحة تنهال من فيها بالبقاء والصحة والعافية، والسؤال عن الحال والأبناء، ومجاذبة أطراف حديث ساحر لا يمل معها، وخدمتها المبادرة بنفس راضية لطيفة، كل ذلك علمني أي غفلة كنت أسدر فيها سابقا..
إنني لا شك أشعر تجاه أمي بكثير من الحب والاحترام، لكني لم أفكر يوما أن أترجمه إلى أفعال، بل كنت أعاملها كما أعامل صديقا قديما لا كلفة بيني وبينه، فمن السهل علي أن أعتذر عن مواعيدها بأني مشغول، وأن أنتقد بكل يسر طعامها وترتيبها، وأن أكلفها بضيافة أصدقائي دائما دون بذل أي معونة..
لكن زوجتي، منذ تلك الزيارة المباركة وهي ما تفتأ تأخذ بيدي إلى جنان البر الراضية يوما فيوم، فقد علمتني أصول الترحيب الحار والسلام المشتاق على والديَّ جميعا، علمتني أنهما أحق الناس بالهدية وقضاء الحوائج، وأنا الذي كنت أبادر إلى فعل ذلك مع زملاء العمل؛ لأبدو رجلا كريما جوادا، وأتناسى والدي ببرود عجيب، وكثير من الناس في الحقيقة كذلك، تجده سباقا إلى قضاء حوائج زملائه وأصدقائه، حريصا على دعمهم والتواصل معهم، وإكرامهم وصلتهم، في حين إن علاقته مع والديه أقل من العادية، وليس ثمة وازع من الإخلاص أو نازع من التقى يدعوه إلى الإحسان إليهم والاعتراف بفضلهم، رغم أنه لا أحد أحق منهم بذلك قطعا..
كانت زوجتي تحثني على زيارة والديَّ كل يوم، بل وترفق معي إن استطاعت طبقا متقنا، وتحثني على كثرة السؤال عنهم والاتصال بهم، وألا نبدأ بالسلام على أحد في المناسبات والأعياد غيرهم، وتردد أن للبر بركة تشرق أنوارها على العمر والرزق والعمل، كما تتعاهد حاجاتهم فتخبرني بها، وتشجعني على التواصل مع إخوتي وأخواتي وحاجاتهم والسؤال عن حالهم برا بوالدتي..
ولما فكرت في العمرة أنا وإياها، عرضت علي تلميحا أن أبادر بصحبة أمي وأبي معنا، وكان ذلك فعلا، ولم تتوان أثناء الرحلة في خدمتهما وبيان الأحكام لهما، وتعليمهما فضل الأذكار والسنن الواردة وأقرب الأفعال موافقة للسنة، كما أصبح هذا الفعل ديدننا كل عام، بل أصبحنا نأخذ معنا بعض أخواتي ممن تتعسر ظروفهن، ولا تسمح لهن بالعمرة مع أزواجهن..
كل ذلك تفعله وترشدني إليه وهي تحسسني أني أنا المبادر، وكأنها مجرد مقترحة تود لو حازت أفكارها على إعجابي كرجل قوام عليها، وكشخص ناضج وشهم، كما كانت تمتدح بذكاء صفاتي الحسنة، ثم تعرج بإشارة خفية على اقتراح بمد يد البذل هذه إلى والدي، إتماما للمعروف وتتويجا للعطاء..
وفي الحقيقة، لا أجد أي غضاضة في الاعتراف بالجميل الخالص لزوجتي العزيزة، بأن ربت في نفسي معاني الإحسان، وعلمتني أصول البر، ولفتت نظري إلى جنان الوالدين التي كنت غافلا عنها، مادا المعونة وباذلاً الخير إلى أناس غيرهم، قد يستحقون وقد لا يستحقون..
وبعد أن ذقت طعم الإحسان العذب، أجدني غير راضٍ عن نفسي حتى الآن، فما زالت طموحاتي ترتقي إلى أن أجعل والديَّ يمشيان في الأرض على أجنحة الذل التي سأخفضها لهم، وما زال لدي الكثير من الأفكار التي أوحت إلي بظلالها الساحرة زوجتي الصالحة، حتى ينعم والدي ببري لهما أيما نعيم..
وإني والله كلما سمعت دعاء العجوز لي في جوف الليل، أو رأيت بسمة الشيخ تشرق برضا بين جدب السنين، أيقنت أني لم أفعل شيئا بعد..
21/1/1424
24/03/2003
http://www.islamtoday.net المصدر:
ـــــــــــــــــــ(111/201)
قبل القرار الأخير !
أسماء الرويشد
إن ظاهرة كثرة الطلاق في هذه السنوات وارتفاع نسبته تُعد مشكلة خطيرة تحتاج إلى حلول، مع ما يقابلها من قلة الزواج وعزوف الشباب عنه، إذا هو منذر بالخطر الذي حذر منه المصطفى - صلى الله عليه وسلم - (فتنة في الأرض وفساد كبير).
وقد عمت الشكوى والفوضى في الطلاق مع أن الإسلام وضع نظاماً وحدوداً، وجعله آخر الحلول للخلافات الزوجية المستعصية حين تفشل جميع طرق الإصلاح بين الطرفين.
ولعل من المهم التذكير بأن الله - جل وعلا - وصف ميثاق الزوجية بأنه ميثاق غليظ قال - تعالى -: (وَأَخَذْنَ مِنْكُمْ مِيثَاقاً غَلِيظاً) (النساء: 21)، ولم يطلق هذا الوصف إلا على ميثاق النبوة.
وذلك لعظم ذلك الميثاق لأنه عهد وإقرار يجمع بواسطته بين رجل وامرأة؛ فيكونان زوجين بكلمة الله يفضي كلاهما للآخر ليس الإفضاء الجسدي فقط بل ويشمل الإفضاء المعنوي والنفسي، لذا فلا بد أن يتنبه الزوجان إلى أن هذا الميثاق المتين لا يستهان بنقصه وفكه أي حال.
ومن المهم أن يفكر كل من الزوجين لما للطلاق من آثار ونتائج سيئة غالباً ويدرس كل منهما هذا القرار العظيم قبل أن يقع، ومن تلك الآثار والنتائج:
1. فوات نصيب الزوجان أو الزوجة من الإحسان والصبر وما يعقبهما من الفرج والخير في الدنيا والآخرة.
2. انهدام البيت الذي بناه الزوج، وتفكك الأسرة، فيكون الأمر كالتي نقضت غزلها من بعد قوة أنكاثاً، ورجوع كثير من النساء على بيوت آبائهن أو غيرهم من الأولياء مما يحدث في نفوسهن من الضيق واستثقال أنفسهن على أوليائهن فإن الحال في بيت الأولياء بعد الزواج ليس هو كحاله قبل الزواج.
3. عدم رغبة الرجال في المطلقة فربما بقيت بعد طلاقها بلا زوج مما يحدث لها الألم النفسي.
4. حصول المشكلات بين أولادها وبين أقربائهم من الصغار وغيرهم وضيق الأهل بأولادها مما يزيد الأمر سوءاً.
5. ربما يأخذ الأب القاسي أولاده من أمهم قهراً فلعلها لا تراهم إلا نادراً، فيحصل لها من جراء ذلك الحزن العظيم. كما يقع الأب في إثم كبير بسبب ضياع الأولاد لقوله - صلى الله عليه وسلم - (كلكم راع وكلكم مسؤول عن رغيته، فالإمام راع وهو مسؤول عن رعيته، والرجل راعٍ على أهل بيته وهو مسؤول...إلخ).
وقد يكون ذلك سبباً في تشتت الأولاد وضياعهم لغياب الرعاية الأسرية عنهم. مع صعوبة التربية من قبل الأم بمفردها غالباً، مما يعرضهم لرفقاء السوء والانحلال الخلقي، لا سيما في هذا الزمان الذي كثرت فيه الفتن والمغريات وربما وقعوا في الشهوات المحرمة والمخدرات فيصبحون خطراً على المجتمع.
6. كثرة وقوع الطلاق في المجتمع قد تؤدي إلى إحجام الذكور والإناث عن الزواج هروباً من المشكلات الزوجية، فينتج من هذا إفساد كبير في المجتمع ومنه اللجوء إلى قضاء الوطر بطرق غير مشروعة.
7. من آثار الطلاق أيضاً: افتقار الزوجة المطلقة وكذلك الزوج مصدر الارتواء العاطفي والجسدي الذي كان يجده كل منهما عند الآخر، إذ كل من الزوجين محتاج إلى الآخر كاحتياج الغريب الشارد إلى وطنه الذي يحقق أمنه وسكنه، فالزوج هو المصرف الطبيعي الشرعي المباح لهذه المشاعر والعواطف الذي لا ترتاح النفس وتطمئن في سريرتها بدونه، فيزول بذلك أعظم أسباب الاضطراب النفسي والجسدي، ولقد جاء القرآن يصور ذلك الأمر تصويراً رائعاً لحقيقة علاقة الرجل بزوجته في قوله - تعالى -: {هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ} فعلاقة الزوجين ببعضهما لشدة تقاربهما واتحادها شبهها الله - تعالى - بالثوب والجسد.
فكما أن اللباس يحتوي الجسد فكذلك الزوجة تحتوي زوجها بالحب والمودة والتفاهم والعكس كذلك.
كما أن اللباس يستر، فالزوجان يستران بعضهما فلا يفضح أحدهما الآخر ولا يكشف ستره.
واللباس يدفع تقلبات الجو، وكذلك الزوجان يدفعان عن حياتهما المشاكل والتقلبات.
واللباس يعطي صاحبه الأمن والراحة لأن العريان يشعر بالخوف والحرج وكذلك الزوجان هما أمان لبعضهما البعض وراحة نفسية.
وبهذه المناسبة أوصي المطلقة بتقوى الله - تعالى - وبالحفاظ على دينها وعفتها، وأن تجتهد في أن تشغل وقتها بالأعمال النافعة خاصة ما يكون به تقوية إيمانها كقراءة القرآن والصيام وكثرة الإطلاع على السير وقصص الصالحات والحرص على حضور حلق العلم ومجالس الذكر، وأن تشغل وقتها بالأعمال الإيجابية النافعة كالأعمال الخيرية والتطوعية وأن تختار الرفقة الصالحة التي تشد من أزرها على الصبر والعفة وتعينها على الخير، والحرص على قسط من قيام الليل مع كثرة الدعاء وسؤال الله التوفيق وأن يخلف عليها خيراً مما فاتها ولتستحضر أجرها على صبرها وتقواها لله - تعالى -، ولتتذكر دائماً أن الله - تعالى -وعد بأن العاقبة للمتقين، وأن الله - تعالى - ذكر بذلك على وجه الخصوص في سورة الطلاق كأن في ذلك إشارة وبشارة للمطلقات بالفرج والرزق الكريم (وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً ويرزقه من حيث لا يحتسب) (الطلاق: من الآية2) (وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ) (الطلاق: من الآية3).
http://www.asyeh.com المصدر:
ـــــــــــــــــــ(111/202)
حقوق الزوجين
جعل الإسلام لكل من الزوجين حقوقًا كما جعل عليه واجبات، يجب أن يعلمها خير عِلم، حتى يؤدي ما عليه من واجب خير أداء، ويطلب ما له من حق بصورة لائقة، وإذا علم الزوج والزوجة ما له وما عليه، فقد ملك مفتاح الطمأنينة والسكينة لحياته، وتلك الحقوق تنظم الحياة الزوجية، وتؤكد حسن العشرة بين الزوجين، ويحسن بكل واحد منهما أن يعطى قبل أن يأخذ، ويفي بحقوق شريكه باختياره؛ طواعية دون إجبار، وعلى الآخر أن يقابل هذا الإحسان بإحسان أفضل منه، فيسرع بالوفاء بحقوق شريكه كاملة من غير نقصان.
حقوق الزوجة:
للزوجة حقوق على زوجها يلزمه الوفاء بها، ولا يجوز له التقصير في أدائها، قال - تعالى -: {ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف} [البقرة: 228].
وهذه الحقوق هي:
1- النفقة:
أوجب الإسلام على الرجل أن ينفق على زوجته من ماله وإن كانت ميسورة الحال، فيوفر لها الطعام والشراب والمسكن والملبس المناسب بلا تقصير ولاإسراف، قال - تعالى -: {لينفق ذو سعة من سعته ومن قدر عليه رزقه فلينفق مما آتاه الله لا يكلف الله نفسًا إلا ما أتاها} [الطلاق: 7]. وقال: {وأسكنوهن من حيث سكنتم من وجدكم ولا تضاروهن لتضيقوا عليهن} [الطلاق: 6].
وقد رغب النبي - صلى الله عليه وسلم - في النفقة على الزوجة والأبناء، فقال - صلى الله عليه وسلم -: (دينار أنفقتَه في سبيل الله، ودينار أنفقته في رقبة، ودينار تصدقت به على مسكين، ودينار أنفقته على أهلك، أعظمها أجرًا الذي أنفقته على أهلك)[مسلم]. وقال - صلى الله عليه وسلم - أيضًا: (إذا أنفق الرجل على أهله نفقة وهو يحتسبها (أي: يبتغى بها وجه الله ورضاه) كانت له صدقة) [متفق عليه].
وإذا أنفقت المرأة من مال زوجها في سبيل الله من غير إفساد ولا إسراف، كان ذلك حسنة في ميزان زوجها، عن عائشة - رضي الله عنها - قالت: إذا أنفقت المرأة من طعام بيتها -غير مفسدة- كان لها أجرها بما أنفقتْ، ولزوجها أجره بما كسب [مسلم].
وللزوجة أن تأخذ من مال زوجها -من غير إذنه- ما يكفيها، إذا قصر في الإنفاق عليها وعلى أبنائها، ولا تزيد عن حد الكفاية. فقد سألتْ السيدة هند بنت عتبة -رضي الله عنها- رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فقالت: يا رسول الله، إنَّ أبا سفيان (زوجها) رجل شحيح، وليس يعطيني ما يكفيني وولدي إلا ما أخذت منه، وهو لا يعلم، فقال - صلى الله عليه وسلم -: (خذي ما يكفيك وولدك بالمعروف) [متفق عليه].
2- حسن العشرة:
يجب على الرجل أن يدخل السرور على أهله، وأن يسعد زوجته ويلاطفها، لتدوم المودة، ويستمر الوفاق. قال - تعالى -: {وعاشروهن بالمعروف فإن كرهتموهن فعسى أن تكرهوا شيئًا ويجعل الله فيه خيرًا كثيرًا} [النساء: 19].
وقد كان النبي - صلى الله عليه وسلم - نموذجًا عمليّا لحسن معاشرة النساء، فكان يداعب أزواجه، ويلاطفهن، وسابق عائشة -رضي الله عنها- فسبقتْه، ثم سابقها بعد ذلك فسبقها، فقال: (هذه بتلك) [ابن ماجه] وقال: (خيركم خيركم لأهله، وأنا خيركم لأهلي) [ابن ماجه].
وقال - صلى الله عليه وسلم -: (أكمل المؤمنين إيمانًا أحسنهم خلقًا، وألطفهم بأهله)الترمذي]، وتقول السيدة عائشة -رضي الله عنها-: كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يكون في مهنة أهله (أي: يساعدهن في إنجاز بعض الأعمال الخاصة بهن)، فإذا سمع الأذان خرج. [البخاري، وأبوداود].
ولحسن العشرة بين الزوجين صور تؤكِّد المحبة والمودة، وهي:
- السماح للزوجة بالتعبير عن رأيها:
فالحياة الزوجية مشاركة بين الزوجين، والرجل يعطي زوجته الفرصة لتعبر عن رأيها فيما يدور داخل بيتها، وهذا مما يجعل الحياة بين الزوجين يسيرة وسعيدة. ويجب على الرجل أن يحترم رأي زوجته، ويقدره إذا كان صوابًا، وإن خالف رأيه. فذات يوم وقفت زوجة عمر بن الخطاب لتراجعه (أي تناقشه) -رضي الله عنهما- فلما أنكر عليها ذلك، قالت: ولِمَ تنكر أن أراجعَك؟ فوالله إن أزواج النبي - صلى الله عليه وسلم - ليراجِعْنه. [البخاري].
ولما طلب النبي - صلى الله عليه وسلم - من الصحابة أن يتحللوا من العمرة ليعودوا إلى المدينة (وكان ذلك عقب صلح الحديبية سنة ست من الهجرة)، تأخر المسلمون في امتثال أمر النبي - صلى الله عليه وسلم -، وقد كانوا محزونين من شروط صلح الحديبية، وعدم تمكنهم من أداء العمرة في ذلك العام، فدخل النبي - صلى الله عليه وسلم - على أم سلمة -رضي الله عنها- فذكر لها ما لقى من الناس، فقالت أم سلمة: يا رسول الله. أتحب ذلك؟ اخرج، ثم لا تكلم أحدًا منهم، حتى تنحر بُدْنَك، وتدعو حالقك فيحلقك. فخرج فلم يكلم أحدًا منهم حتى فعل ذلك، فلما رأى المسلمون ما صنع النبي - صلى الله عليه وسلم - زال عنهم الذهول، وأحسوا خطر المعصية لأمر النبي - صلى الله عليه وسلم -، فقاموا ينحرون هَدْيهَم، ويحلق بعضهم بعضًا، وذلك بفضل مشورة أم سلمة.
-التبسم والملاطفة والبر: يجب على الرجل أن يكون مبسوط الوجه مع أهله، فلا يكون متجهمًا في بيته يُرهب الكبير والصغير، بل يقابل إساءة الزوجة بالعفو الجميل، والابتسامة الهادئة مع نصحها بلطف، فتسود المحبة تبعًا لذلك ويذهب الغضب.
فعن معاوية بن حيدة -رضي الله عنه- قال: قلت: يا رسول الله! ما حق زوجة أحدنا عليه؟ قال: (أن تطعمها إذا طعمتَ، وتكسوها إذا اكتسيت، ولا تضرب الوجه ولا تقبح (أي: لا تقل لها: قبحك الله)، ولا تهجر إلا في البيت)
[أبو داود، وابن حبان]، وقال - صلى الله عليه وسلم -: (استوصوا بالنساء خيرًا، فإن المرأة خلقت من ضِلَع، وإن أعوج ما في الضِّلَع أعلاه؛ فإن ذهبتَ تقيمه كسرته، وإن تركته لم يزل أعوج) [متفق عليه].
3- تحصين الزوجة بالجماع:
الجماع حق مشترك بين الزوجين، يستمتع كل منهما بالآخر، فبه يعف الرجل والزوجة، ويبعدا عن الفاحشة، ويُؤْجرا في الآخرة. وللزوجة على الرجل أن يوفيها حقها هذا، وأن يلاطفها ويداعبها، وعلى المرأة مثل ذلك.
وقد اجتهد بعض العلماء؛ فقالوا: إنه يستحب للرجل أن يجامع زوجته
مرة -على الأقل- كل أربع ليال، على أساس أن الشرع قد أباح للرجل الزواج بأربع نسوة، ولا يجوز للرجل أن يسافر سفرًا طويلاً، ويترك زوجته وحيدة، تشتاق إليه، وترغب فيه. فإما أن يصطحبها معه، وإما ألا يغيب عنها أكثر من أربعة أشهر.
4- العدل بين الزوجات:
من عظمة التشريع الإسلامي، ورحمة الله بعباده المؤمنين، ومنعًا للفتنة وانتشار الفاحشة، ورعاية للأرامل اللاتي استشهد أزواجهن، وتحصينًا للمسلمين، أباح الإسلام تعدد الزوجات، وقصره على أربع يَكُنَّ في عصمة الرجل في وقت واحد، والمرأة الصالحة لا تمنع زوجها من أن يتزوج بأخرى، إذا كان في ذلك إحصان له، أو لمرض أصابها، أو لرعاية أرملة، أو لمجابهة زيادة عدد النساء في المجتمع عن عدد الرجال، فإذا تزوج الرجل بأكثر من واحدة فعليه أن يعدل بينهن، قال - تعالى -: {فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثني وثلاث ورباع فإن خفتم إلا تعدلوا فواحدة أو ما ملكت أيمانكم} [النساء: 3].
وقد حذر النبي - صلى الله عليه وسلم - من لا يتحرى العدل بينهن، فقال - صلى الله عليه وسلم -: (من كانت له امرأتان، يميل مع إحداهما على الأخرى، جاء يوم القيامة وأحد شقيه ساقط) [الترمذي]. وكان النبي - صلى الله عليه وسلم - يعدل بين زوجاته، حتى إنه كان يقرع بينهن عند سفره. [البخاري].
والعدل بين الزوجات يقتضي الإنفاق عليهن بالتساوي في المأكل والمشرب، والملبس والمسكن، والمبيت عندهن، أما العدل بينهن في الجانب العاطفي، فذلك أمر لا يملكه الإنسان، فقد يميل قلبه إلى إحدى زوجاته أكثر من ميله للأخرى، وهذا لا يعنى أن يعطيها أكثر من الأخريات بأية حال من الأحوال.
عن عائشة -رضي الله عنها- قالت: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقسم بين نسائه فيعدل، ثم يقول: (اللهم هذا قسمي فيما أملك، فلا تلمني فيما تملك ولا أملك) [أبو داود، والترمذي، والنسائي، وابن ماجه]. وفي ذلك نزل قوله - تعالى -: {ولن تستطيعوا أن تعدلوا بين النساء ولو حرصتم فلا تميلوا كل الميل فتذروها كالمعلقة} [النساء: 129].
5- المهر:
وهو أحد حقوق الزوجة على الزوج، ولها أن تأخذه كاملا، أو تأخذ بعضه وتعفو عن البعض الآخر، أو تعفو عنه كله، وقد ورد فيما سبق تفصيلاً.
حقوق الزوج:
يمثل الرجل في الأسرة دور الربان في السفينة، وهذا لا يعني إلغاء دور المرأة، فالحياة الزوجية مشاركة بين الرجل والمرأة، رأس المال فيها المودة والرحمة، والرجل عليه واجبات تحمل أعباء الحياة ومسئولياتها، وتحمل مشكلاتها، وكما أن للمرأة حقوقًا على زوجها، فإن له حقوقًا عليها، إذا قامت بها سعد وسعدت، وعاشا حياة طيبة كريمة، قال - تعالى -: {ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف وللرجال عليهن درجة والله عزيز حكيم} [البقرة: 228].
وقد سألت السيدة عائشة -رضي الله عنها- رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فقالت: أي الناس أعظم حقًّا على المرأة؟ قال: (زوجها)، فقالت: فأي الناس أعظم حقًّا على الرجل؟ قال: (أمه) [الحاكم، والبزار].
وللرجل على المرأة حق القوامة، فعلى المرأة أن تستأذن زوجها في الخروج من البيت، أو الإنفاق من ماله، أو نحو ذلك، ولكن ليس للزوج أن يسيء فهم معنى القوامة، فيمنع زوجته من الخروج، إذا كان لها عذر مقبول، كصلة الرحم أو قضاء بعض الحاجات الضرورية. فما أكرم النساء إلا كريم، وما أهانهن إلا لئيم.
والقوامة للرجل دون المرأة، فالرجل له القدرة على تحمل مشاق العمل، وتبعات الحياة، ويستطيع أن ينظر إلى الأمور نظرة مستقبلية، فيقدم ما حقه التقديم، ويؤخر ما حقه التأخير، قال - تعالى -: {الرجال قوامون على النساء بما فضل الله بعضهم على بعض وبما أنفقوا من أموالهم} [النساء: 34].
ومن الحقوق التي يجب على الزوجة القيام بها تجاه زوجها:
1-الطاعة:
أوجب الإسلام على المرأة طاعة زوجها، ما لم يأمرها بمعصية الله - تعالى -، فلا طاعة لمخلوق في معصية الخالق، وقد أعدَّ الله - تعالى -لها الجنة إذا أحسنت طاعته، فقال - صلى الله عليه وسلم -: (إذا صلَّت المرأة خمسها، وصامت شهرها، وحفظت فرجها، وأطاعت زوجها، قيل لها: ادخلي الجنة من أي أبواب الجنة شئت) [أحمد، والطبراني].
وقال أيضًا: (أيما امرأة ماتت، وزوجها عنها راضٍ؛ دخلت الجنة) [ابن ماجه]. وروي عن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: جاءت امرأة إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقالت: يا رسول الله. أنا وافدة النساء إليك؛ هذا الجهاد كتبه الله على الرجال، فإن يصيبوا أجروا، وإن قتلوا كانوا أحياء عند ربهم يرزقون، ونحن - معشر النساء - نقوم عليهم، فما لنا من ذلك؟ فقال - صلى الله عليه وسلم -: (أبلغي من لقيت من النساء أن طاعة الزوج، واعترافًا بحقه يعدل ذلك (أي: يساويه )وقليل منكن من يفعله) [البزار، والطبراني].
2- تلبية رغبة الزوج في الجماع:
يجب على المرأة أن تطيع زوجها إذا طلبها للجماع، درءًا للفتنة، وإشباعًا للشهوة، قال - صلى الله عليه وسلم -: (إن المرأة تقبل في صورة شيطان، وتدبر في صورة شيطان، فإذا رأى أحدكم من امرأة ما يعجبه فليأتِ أهله، فإن ذلك يرد ما في نفسه) [مسلم]. وقال - صلى الله عليه وسلم - أيضًا: (إذا دعا الرجل امرأته إلى فراشه، فلم تأته، فبات غضبان عليها، لعنتها الملائكة حتى تصبح) [البخاري، ومسلم، وأحمد].
ولا طاعة للزوج في الجماع إذا كان هناك مانع شرعي عند زوجته، ومن ذلك:
- أن تكون المرأة في حيض أو نفاس.
- أن تكون صائمة صيام فرض؛ كشهر رمضان، أو نذر، أو قضاء، أو كفارة، أما في الليل فيحل له أن يجامعها؛ لقوله - تعالى -: {أحل لكم ليلة الصيام الرفث إلى نسائكم هن لباس لكم وأنتم لباس لهن} [البقرة: 187].
- أن تكون مُحْرِمَة بحج أو عمرة.
- أن يكون قد طلب جماعها في دبرها
- ما يحلّ للرجل من زوجته في فترة حيضها:
يحرم على الرجل أن يجامع زوجته وهي حائض؛ لقوله - تعالى -: {فاعتزلوا النساء في المحيض ولا تقربوهن حتى يطهرن} [البقرة: 222]، ويجوز للرجل أن يستمتع بزوجته فيما دون فرجها.
وعن عائشة -رضي الله عنها- أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يأمر إحدانا إذا كانتْ حائضًا أن تأتزر ويباشرها فوق الإزار. [مسلم]. فإذا جامع الرجل زوجته وهي حائض، وكان عالمًا بالتحريم، فقد ارتكب كبيرة من الكبائر، عليه أن يتوب منها، وعليه أن يتصدق بدينار إن كان الوطء في أول الحيض، وبنصف دينار إن كان في آخره؛ لقوله - صلى الله عليه وسلم -: (إذا واقع الرجل أهله، وهي حائض، إن كان دمًا أحمر فليتصدَّقْ بدينار، وإن كان أصفر فليتصدَّقْ بنصف دينار)[أبو داود، والحاكم]. ويقاس النفاس على الحيض.
3- التزين لزوجها:
حيث يجب على المرأة أن تتزين لزوجها، وأن تبدو له في كل يوم كأنها عروس في ليلة زفافها، وقد عرفت أنواع من الزينة على عهد النبي - صلى الله عليه وسلم -؛ كالكحل، والحناء، والعطر. قال - صلى الله عليه وسلم -: (عليكم بالإثمد، فإنه يجلو البصر، وينبت الشعر) [الترمذي، والنسائي].
وكانت النساء تتزين بالحلي، وترتدي الثياب المصبوغة بالعُصْفُر (وهو لون أحمر)، وقد أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - صحابته ألا يدخل أحدهم على زوجته فجأة عند عودته من السفر؛ حتى تتهيأ وتتزين له، فعن جابر-رضي الله عنه -أن النبي - صلى الله عليه وسلم - نهى أن يَطْرُقَ الرجل أهله ليلاً. [متفق عليه].
وما أبدع تلك الصورة التي تحكيها إحدى الزوجات، فتقول: إن زوجي رجل يحتطب (يقطع الأخشاب، ويجمعه من الجبل، ثم ينزل إلى السوق فيبيعها، ويشترى ما يحتاجه بيتنا)، أُحِسُّ بالعناء الذي لقيه في سبيل رزقنا، وأحس بحرارة عطشه في الجبل تكاد تحرق حلقي، فأعد له الماء البارد؛ حتى إذا قدم وجده، وقد نَسَّقْتُ متاعي، وأعددت له طعامه، ثم وقفتُ أنتظره في أحسن ثيابي، فإذا ولج (دخل) الباب، استقبلته كما تستقبل العروسُ الذي عَشِقَتْهُ، فسلمتُ نفسي إليه، فإن أراد الراحة أعنته عليها، وإن أرادني كنت بين ذراعيه كالطفلة الصغيرة يتلهى بها أبوها. وهكذا ينبغي أن تكون كل زوجة
مع زوجها. فعلى المرأة أن تَتَعَرَّف الزينة التي يحبها زوجها، فتتحلى بها، وتجود فيها، وعليها أن تعرف ما لا يحبه فتتركه إرضاءً وإسعادًا له، وتتحسَّس كل ما يسره في هذا الجانب.
4- حق الاستئذان:
ويجب على المرأة أن تستأذن زوجها في أمور كثيرة منها صيام التطوع، حيث يحرم عليها أن تصوم بغير إذنه، قال - صلى الله عليه وسلم -: (لا يحل لامرأة أن تصوم وزوجها شاهد (أي: حاضر) إلا بإذنه، ولا تأذن في بيته إلا بإذنه) [متفق عليه]. وقال - صلى الله عليه وسلم - أيضًا: (ومن حق الزوج على الزوجة ألا تصوم إلا بإذنه، فإن فعلت جاعت وعطشت ولا يقبل منها) [الطبراني]. ولا يجوز للمرأة أن تأذن في بيت زوجها إلا بإذنه، ولا أن تخرج من بيتها لغير حاجة إلا بإذنه.
عن ابن عباس وابن عمر قالا: أتت امرأة من خثعم إلى الرسول - صلى الله عليه وسلم - فقالت: إني امرأة أيِّم (لا زوج لي)، وأريد أن أتزوج، فما حق الزوج؟ قال: (إن حق الزوج على الزوجة: إذا أرادها فراودها وهي على ظهر بعير لا تمنعه، ومن حقه ألا تعطي شيئًا من بيته إلا بإذنه، فإن فعلتْ كان الوزر عليها، والأجر له، ومن حقه ألا تصوم تطوعًا إلا بإذنه، فإن فعلت جاعت وعطشت، ولم يُتقبَّل منها، وإن خرجت من بيتها بغير إذنه لعنتها الملائكة حتى ترجع إلى بيته أو أن تتوب) [البيهقى، والطبراني].
5- المحافظة على عرضه وماله:
يجب على المرأة أن تحافظ على عرضها، وأن تصونه عن الشبهات، ففي ذلك إرضاء للزوج، وأن تحفظ مال زوجها فلاتبدده، ولاتنفقه في غير مصارفه الشرعية، فحسن التدبير نصف المعيشة، وللزوجة أن تنفق من مال زوجها بإذنه. عن عائشة -رضي الله عنها- قالت: إذا أنفقت المرأة من طعام بيتها -غير مفسدة- كان لها أجرها بما أنفقت، ولزوجها أجره بما كسب. [مسلم].
6- الاعتراف بفضله:
يسعى الرجل ويكدح؛ لينفق على زوجته وأولاده، ويوفر لهم حياة هادئة سعيدة، بعيدة عن ذل الحاجة والسؤال، والرجل يحصن زوجته بالجماع، ويكفيها مئونة مواجهة مشاكل الحياة؛ ولذا قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: (لو أمرت أحدًا أن يسجد لأحد، لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها، من عظم حقه عليها) [أبو داود، والترمذي، وابن حبان].
وقد حذر النبي - صلى الله عليه وسلم - النساء أن يجحدن فضل أزواجهن، فقال - صلى الله عليه وسلم -: (اطلعتُ في النار، فإذا أكثر أهلها النساء؛ يكفرن العشير، لو أحسنت إلى إحداهن الدهر، ثم رأت منك شيئًا، قالت: ما رأيت منك خيرًا قط) [البخاري]. ولا يخفى على الزوجة عظم فضل زوجها عليها، فعليها أن تديم شكره والثناء عليه؛ لتكون بذلك شاكرة لله رب العالمين.
7- خدمة الزوج:
الزوجة المسلمة تقوم بما عليها من واجبات، تجاه زوجها وبيتها وأولادها وهي راضية، تبتغي بذلك رضا ربِّها - تعالى -، فقد كانت أسماء بنت أبي بكر تخدم زوجها الزبير بن العوام -رضي الله عنه- في البيت، وكان له فرس، فكانتْ تقوم على أمره.
كما كانت فاطمة -رضي الله عنها، بنت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - تقوم بالخدمة في بيت علي بن أبي طالب زوجها، ولم تستنكف عن القيام باحتياجاته، ولما طلبت من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خادمًا يعينها على شئون البيت، ولم يكن ذلك متوفرًا، أمرها الرسول - صلى الله عليه وسلم - بأن تذكر الله إذا أوت إلى فراشها، فتسبح وتحمد وتكبر، فهذا عون لها على ما تعانيه من مشقة.
وهذا الحق من باب الالتزام الديني، وليس حقًّا قضائيًّا، وعلى هذا نصَّ الشافعي وأحمد وابن حزم وغيرهم.
http://www.tihamah.net المصدر :
ـــــــــــــــــــ(111/203)
مطلوب زوجة
في كثير من البلدان، انتشرت في الصحف والمجلات أبواب ومساحات لإعلانات الزواج، مثل: مطلوب زوج، أو مطلوب زوجة، وفيها تُحَدَّد المواصفات، وكأن الزواج تجارة؛ يباع فيها الأزواج كالسيارات حسب الموديل، وتاريخ الصنع والحالة...
وهذه الظاهرة الغريبة قد يشوبها تغرير، وقد يستغلُّها بعض الشباب للَّهو والتَّسْلية، وقد يستغلها بعض ضعاف النفوس للتغرير بالفتاة التي تريد الزَّواج، وقد تحدث بعض المكالمات الهاتفيَّة، أو اللقاءات غير المنضبطة بين الرجل والمرأة بسبب هذه الإعلانات، وما تنشره من العناوين، والأرقام الهاتفيَّة؛ مما يسمح للرجل أن يتصل بالمرأة، وللشاب أن يقابل الفتاة.
والأحسن للمسلمة والأكثر صونًا لكبريائها، وإبقاءً على حيائها، ألا تسلك هذا المسلك، فتصير كالسلعة التي تعرض نفسها، وكل معروض هينٌ رخيص، والأفضل في حق المسلمة أنها إن وجدت رجلا من أهل الصلاح والتقوى أن تفعل -هي أو وليها- مثلما فعلت أم المؤمنين خديجة في زواجها من الرسول - صلى الله عليه وسلم -؛ حيث أرسلت إليه أنها تريد الزواج منه، ومثلما فعل الفاروق عمر - رضي اللَّه عنه - في أمر أم المؤمنين حفصة، حين عرضها على عثمان وأبي بكر - رضي الله عنهما -، بعد وفاة زوجها.
الخاطبة:
كثيرًا ما يتعذَّر على الرجل أن يخطب امرأة؛ لضيق الوقت أو لعدم معرفته بالأسر المسلمة وبناتها أو بُعد المسافة أو السفر للخارج، فيقوم أهله بتكليف (الخاطبة) التي تخصّصتْ في تزويج الرجال بالنساء، بعرض صفات وشروط الفتاة التي يريدها الزوج، وغالبًا ما تكون هذه الخاطبة ذات علاقة اجتماعية وطيدة مع أهل الحي.
وهذه الطريقة يمكن أن تكون وسيلة طيبة، إذا كانت الخاطبة امرأة أمينة، تتقي الله، فلا تكذب، ولا تخدع، ولا تغش في عرض مواصفات الطرفين بدقة، ولا تقول في الرجل أو في المرأة ما ليس فيهما. وقد يتزوج الرجل أو المرأة عن طريق الصور الفوتوغرافية، دون أن يرى كل منهما الآخر رأي العين، ولا يحسن مثل هذا الصنيع -غالبًا-، فإن الصورة قد تخفي ما يجب أن يلاحظ من سمات ومواصفات، وإن كان يُعتبر في بعض الحالات الخاصة.
http://www.tihamah.net المصدر:
ـــــــــــــــــــ(111/204)
بيوت ناجحة
ظهرت نماذج خالدة لبيوت مسلمة ناجحة، توفَّرتْ فيها الحياة السعيدة الهادئة.. إنها بيوت بنيت على تقوى الله وطاعته، وبدأت على أسس ومبادئ صحيحة من حسن الاختيار، وتربية الأبناء، وعرف كل فرد ما عليه فأعطاه، وما له فأخذه أو تسامح فيه، ومن هذه البيوت الطيبة:
1- البيت النبوي:
تزوج النبي - صلى الله عليه وسلم - بالسيدة خديجة - رضي الله عنها - وكانت تزيد عنه في العمر خمسة عشر عامًا، وعاش معها النبي - صلى الله عليه وسلم - حياة سعيدة هانئة، وظل الرسول - صلى الله عليه وسلم - يحن إليها ويحفظ عهدها بعد وفاتها إلى أن توفاه الله، فقد كانت خديجة أروع مثال للزوجة المسلمة الصالحة، حيث قدمت له خير ما تقدم زوجة لزوجها.
ومن ذلك أنه لما تفرغ النبي - صلى الله عليه وسلم - قبيل بعثته بسنوات للتأمل والتدبر في الكون خلال شهر رمضان من كل عام، لم تضجر السيدة خديجة - رضي الله عنها - لبعد النبي - صلى الله عليه وسلم - وانقطاعه عنها، بل قابلت ذلك بالرضا والقبول، فكانت تحمل إليه الطعام والشراب في الغار.
ولما نزل عليه الوحي ولَّى مسرعًا إلى السيدة خديجة، وهو يقول: (زملوني، زملوني) والرعدة تملأ جسده، فغطته وقامت على أمره حتى ذهبت عنه الرعدة، ثم حكي لها ما حدث له، وهو يقول: لقد خشيت على نفسي، فطمأنته، وبذلت غاية جهدها للتخفيف عنه، فجمعت قواها، وقالت له: كلا، والله لا يخزيك الله أبدًا، إنك لتصل الرحم، وتقْرِي الضيف، وتَحْمِلُ الكَلَّ، وتكسب المعدوم، وتعين على نوائب الحق. [البخاري].
وليس هذا فحسب، بل أسرعت لتخفف الأمر عنه وبحثت عن تفسيره لهذا الأمر، فعرضته على ابن عمها ورقة بن نوفل وكان راهبًا متعبدًا قد دخل دين النصارى، فقالت له: يا بن عم، اسمع من ابن أخيك، فلما حكى له، أخبره ورقة أن ذلك هو الوحي الذي نزل على موسى وعيسى من قبل، وبشره بالنبوة.
وكانت السيدة خديجة -رضي الله عنها- أول من آمن بدعوة زوجها المصطفى - صلى الله عليه وسلم -، كانت تخفف عنه ما يلقاه من أذى الناس، وتثبته وتمنحه الثقة، وتؤكد أن الله ناصره ومؤيده، وظلت السيدة خديجة تساند النبي - صلى الله عليه وسلم - وتؤازره، وتخفف عنه آلامه، وتدعم دعوته بمالها وجهدها، إلى أن توفيت قبل الهجرة بثلاثة أعوام.
ومن أعظم ما يذكر لها موقفها في سنوات الحصار الذي فرضته قريش على النبي - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه، للإضرار به وبأصحابه، فإنها لازمت زوجها النبي في هذه الشدة، وكان لها القدرة على البعد عن الحصار، وقد كانت سيدة مرموقة المقام، رفيعة القدر، ولو فعلت لكان معها العذر؛ فقد بلغت من العمر عِتيًّا.
وكان النبي - صلى الله عليه وسلم - يحب السيدة خديجة - رضي الله عنها - حُبًّا شديدًا، وامتد حبه لها بعد وفاتها، فكان يكثر من ذكرها، ويكرم أقاربها، ويحسن إلى صديقاتها، وقد ذكرها النبي - صلى الله عليه وسلم - يومًا عند عائشة، فأخذتها الغيرة، فقالت: هل كانت إلا عجوزًا أبدلك الله خيرًا منها. فغضب النبي - صلى الله عليه وسلم - وقال: (لا والله ما أبدلني خيرًا منها، آمنت بي حين كفر الناس، وصدقتني إذ كذبني الناس، وواستني بمالها إذ حرمني الناس، ورزقني منها الولد دون غيرها من النساء) قالت عائشة -رضي الله عنها- في نفسها: لا أذكرها بعدها أبدًا [أحمد]. وبذلك استحقت السيدة خديجة -رضي الله عنها- رضا ربها؛ كما رضي عنها رسوله - صلى الله عليه وسلم -، فنالت خير جزاء.
عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: أتى جبريلُ النبي - صلى الله عليه وسلم -، فقال: يا رسول الله، هذه خديجة قد أتتك، معها إناء فيه إدام، أو طعام، أو شراب، فإذا هي أتتك، فاقرأ - عليها السلام - من ربها - عز وجل -، ومنِّي، وبشِّرها ببيت في الجنة من قصب (اللؤلؤ المجوف) لا صخب فيه ولا نصب. [متفق عليه].
وذلك شأن كل زوجة مسلمة، تبتغي سعادة زوجها وتخفيف آلامه، لتُرضيه، فيرضى عنها ربها - عز وجل -، ومثلما كانت خديجة -رضي الله عنها- كانت كذلك جميع نسائه -رضوان الله عليهن- وكان - صلى الله عليه وسلم - حسن العشرة مع زوجاته، يقابلهن جميعًا بالوُدٍّ والحب، وقورًا لا يتكلم في غير حاجته، عدلا لا يفضل زوجة على أخرى في النفقة والمعيشة، مُبَشِّرًا لا منفرًا، وما خُير بين أمرين إلا اختار أيسرهما ما لم يكن إثمًا.
وكان - صلى الله عليه وسلم - لا يعيب طعامًا قط، إن أحبه أكله، وإن كرهه تركه، وكان يأكل الخبز بالزيت، فإن لم يجد طعامًا، قال: إني صائم. وكان في مهنة أهله؛ يحلب الشاة، ويخصف النعل، ويرقِّع الثوب، ويقمُّ البيت (يجمع قمامته)، ويحمل بضاعته من السوق، فكان نموذجًا كاملا للمسلم مع زوجته.
وكانت زوجات النبي - صلى الله عليه وسلم - عابدات طائعات، يتحملن معه نوائب الدهر، وتبعات الدعوة، وعاشوا عيشة الكفاف التي تسدُّ الحاجة، وتمنع الهلاك، وقد نظرن يومًا إلى فقرهن، وهن زوجات النبي - صلى الله عليه وسلم - قائد الأمة وسيدها، فمالت نفوسهن إلى شيء من النعيم والترف، فلما علم النبي - صلى الله عليه وسلم - بأمرهن قاطعهنَّ شهرًا؛ حتى أنزل الله فيهن قرآنًا.
قال - تعالى -: {يا أيها النبي قل لأزواجك إن كنتن تردن الحياة الدنيا وزينتها فتعالين أمتعكن وأسرحكن سراحًا جميلاً. وإن كنتن تردن الله ورسوله والدار الآخرة فإن الله أعد للمحسنات منكن أجرًا عظيمًا} [الأحزاب: 28-29]. فخيرهن النبي - صلى الله عليه وسلم - بين أن يبقين على حالتهن وجزاؤهن الجنة، أو أن يطَلِّقُهن، فاخترن الله ورسوله والدار الآخرة.. وهكذا، فالوقوف عند أوامر الله ونواهيه يوفر للزوجين حياة سعيدة هادئة مطمئنة، فالغاية عندئذ، هي رضا الله ورسوله.
2- بيت على وفاطمة - رضي الله عنهما -:
تقدم علي بن أبي طالب إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - لخطبة السيدة فاطمة، أحب بناته إلى قلبه، وكان علي فقيرًا، فلم يكن له مال ترغب فيه النساء، ولكنه كان غنيًّا بإيمانه، وتقواه، وجهاده في سبيل الله. فأخبر النبي - صلى الله عليه وسلم - ابنته فاطمة برغبة علي في الزواج بها، فسكتت علامة على قبولها ورضاها، فزوجها النبي - صلى الله عليه وسلم - عليا، وكان صداقها درْع علي - رضي الله عنهما - الذي لم يكن يمتلك شيئًا غيره، والذي كان الرسول - صلى الله عليه وسلم - قد أهداه له.
وقد ساهم حمزة -رضي الله عنه- في نفقات هذا الزواج المبارك، ففي ليلة البناء ذبح كبشًا، وأعد وليمة العُرس، ودعا إليها الصحابة، ثم دعا لهما النبي - صلى الله عليه وسلم - بما يستحب أن يدعو به المسلم عند تهنئة الزوجين ليلة العرس، فقال: (بارك الله لك، وبارك عليك، وجمع بينكما في خير) [أبو داود].
وكانت السيدة فاطمة تقوم على خدمة زوجها علي - رضي الله عنهما -، ورعاية شئون البيت، ولما كثرت عليها أعباء الحياة الزوجية، رغبت في خادمة تساعدها، وكان علي فقيرًا لا يقوى على شراء خادم أو استئجاره، فسأل علي النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يمنحهما خادمًا، فأرشدهما إلى خير زاد فقال - صلى الله عليه وسلم -: (ألا أخبركما بخير مما سألتماني؟) فقالا: بلى يا رسول الله. قال - صلى الله عليه وسلم -: (كلمات علمنيهن جبريل: تسبحان دبر كل صلاة عشرًا، وتحمدان عشرًا، وتكبران عشرًا، وإذا أويتما إلى فراشكما: تسبحان ثلاثًا وثلاثين، وتحمدان ثلاثًا وثلاثين، وتكبران ثلاثًا وثلاثين) [متفق عليه].
وكان علي - رضي الله عنه - يقسم عمل البيت بين أمه فاطمة بنت أسد، وزوجته فاطمة بنت رسول الله - رضوان الله عليهما - فيقول لأمه: اكْفَ فاطمة بنت رسول الله سقاية الماء والذهاب في الحاجة، وتكفيك الداخل: الطحين والعجين. وذات يوم وقع الخلاف بين علي وفاطمة - رضي الله عنهما - فلما زارهما النبي - صلى الله عليه وسلم - وجد فاطمة غير هاشة له كعادتها، وسألها، فأخبرته. وكان علي خارج البيت، فذهب إليه حيث وجده نائمًا بالمسجد على التراب، فداعبه بقوله: (قم يا أبا تراب) [الطبراني]، ومازحه ولم يعكِّر صفو حياته الزوجية بتعميق المشكلة، بل أخذ عليًّا إلى بيته ليستأنف حياته الزوجية، ويعالج بنفسه المشكلة مع زوجته، ورزقهما الله أبناء بررة، فأنجبت السيدة فاطمة الزهراء: الحسن والحسين، وأم كلثوم، وزينب وغيرهم؛ فكانت ذرية طيبة.
3- عثمان بن عفان ونائلة - رضي الله عنهما -:
أما نائلة فقد أوصاها أبوها في ليلة زفافها، فقال لها: أي بنية، إنك ستقدمين على نساء قريش، وهن أقدر على الطيب منكِ، فاحفظي عني اثنتين: تكحلي وتطيبي بالماء، حتى تكون ريحك حسنة. فلما زُفَّت إلى عثمان جلس إلى جانبها، ومسح رأسها، ودعا بالبركة.
وكان عثمان - رضي الله عنه - يكثر من الصيام وقيام الليل وإطعام الطعام، وهي صابرة، تساعده بصدق ويقين، ولما خرج الخارجون على عثمان - رضي الله عنه - بمكيدة عبد الله بن سبأ أحد اليهود الذين أظهروا الإسلام، وحاصروا بيته يريدون قتله، وقفت إلى جانبه موقفًا نبيلاً، فلما دخلوا بيته ألقت بنفسها عليه تتحمل الضرب عنه، فضرب أحدهم عجيزتها، فقالت: أشهد أنك فاسق لم تأت غضبًا لله ولا لرسوله، وابتعدت عن عثمان قليلاً. فأهوى إليه بالسيف ليضربه، فمدت يدها دفاعًا عن زوجها، فقطع السيف إصبعين من أصابعها. وبعد استشهاد عثمان - رضي الله عنه - تدافع الخطاب إلى نائلة - رضي الله عنها - فرفضتْ وفاءً منها لعثمان.
4- الزبير وأسماء بنت أبي بكر - رضي الله عنهم -:
تحدثت أسماء عن زواجها من الزبير، فقالت: تزوجني الزبير وما له في الأرض مال، ولا مملوك، ولا شيء غير فرسه، فكنتُ أعلف فرسه، وأكفيه مئونته، وأسوسه، وأدق النوى، وأعلفه، وأسقيه الماء، وأعجن، ولم أكن أحسن الخبز، فكانت جاراتي من الأنصار يخبزن لي، وكُنّ نسوة صدق، وكنت أنقل النوى من أرض الزبير التي أقطعها إياه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على رأسي... [مسلم].
وكان الزبير رجلا شديد الغيرة على أهله، لذا فإنها قدرت غيرته، وراعتها لتتلافى ما ينجم عنها، وكانت أسماء تراعي فقر زوجها في بداية حياتهما، فكانت مقتصدة في الإنفاق والمعيشة، وقد سألت أسماء - رضي الله عنها - رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فقالت: يا رسول الله، ليس في بيتي شيء إلا ما أدخل على الزبير، فهل علي جناح أن أرضخ (أعطي قليلاً) مما أدخل علي؟ فقال - صلى الله عليه وسلم -: (ارضخي ما استطعت، ولا توكي فيوكي الله عليك (أي لا تبخلي فيضيق الله عليك) [متفق عليه].
وقد تزوج الزبير على أسماء بامرأة أخرى، فلم يكن زواجه منها ذا أثر على هدوء حياتهما الزوجية، فالمرأة الصالحة تعلم أن لزوجها أن يتزوج بأربع، ورزقهما الله: عبد الله، وعروة، والمنذر، وظلت أسماء وفية لزوجها حتى مات سنة ست وثلاثين من الهجرة، وشهدت وفاة ابنها عبد الله، ولقيت ربها صابرة شاكرة سنة ثلاث وسبعين من الهجرة.
5- بيت عمر بن عبد العزيز وفاطمة بنت عبد الملك:
كان عمر بن عبد العزيز رجلا جميلاً، محبًّا للنعيم والترف، وكان يغدق على أهله ويكرمهم، فلما ولي الخلافة، استوقف زوجته قليلا، وخيرها بين البقاء معه مع تحمل تبعات الخلافة، أو الطلاق، فاختارت أن تكون معه على كل حال.
وأودع ما تملكه من ذهب ببيت المال، وكان يدخل عليها، فيسألها أن تقرضه من مالها، وذات مرة استقرضها درهمًا ليشتري عنبًا لها، فلم يجد عندها شيئًا، فقالت له: أنت أمير المؤمنين، وليس في خزانتك ما تشترى به عنبًا؟ فقال: هذا أيسر من معالجة الأغلال والأنكال غدًا في نار جهنم.
ودخلت عليه زوجته فاطمة يومًا، وهو جالس في مصلاه، واضعًا يده على وجهه، ودموعه تسيل على خديه، فقالت له: مالكَ؟ قال: ويحك يا فاطمة! قد وليتُ من أمر هذه الأمة ما وليت، ففكرتُ في الفقير الجائع، والمريض الضائع، واليتيم المكسور، والأرملة الوحيدة، والمظلوم المقهور، والغريب، والأسير، والشيخ الكبير، وذي العيال الكثيرة، والمال القليل، وأشباههم في أقطار الأرض، وأطراف البلاد، فعلمتُ أن ربي - عز وجل - سيسألني عنهم يوم القيامة، وأن خصمي دونهم محمد - صلى الله عليه وسلم -، فخشيتُ ألا يثبت لي حجة عند خصومته، فرحمتُ نفسي فبكيت.
وبعد، فهذه أُسَرٌ مسلمة، طبقت الإسلام، واحتكمت إليه في كل أمورها، ورأت فيه حلا لمشاكلها، فكانوا قدوة حسنة، يهتدي اللاحقون بنورهم.
http://www.tihamah.net المصدر:
ـــــــــــــــــــ(111/205)
المدح في غرفة النوم
كيف يؤدي المدح بين الزوجين داخل غرفة النوم إلى الإشباع العاطفي؟
الزواج والأسرة هما عماد المجتمع في كل البلاد المتحضرة والزواج المثالي هو المبني على وحدة المشاعر والأحاسيس والأماني غير أن للمدح بين الزوجين دوراً مهماً في السعادة الزوجية والإشباع العاطفي.
ويعد المدح أو الغزل من أكثر العواطف الإنسانية إثارة للخيال وتتجمع حوله أرق المشاعر وأنبلها، والعشاق ملكوا العالم في لحظة عاطفية جياشة هامت بها قلوبهم وعقولهم ويخدم المدح أغراضاً كثيرة من أهمها توثيق روابط المحبة والألفة والإشباع العاطفي بين الزوجين، وعلى الرجل إذا أراد أن يأتي زوجته أن يقدم لذلك ويمهد ويقدر مشاعرها ويتطيب ويتزين لها كما يطلب منها ذلك، كذلك عليه أن يسمعها عذب الحديث وأن يمتدحها ويتغزل بها فهذه الأفعال والتصرفات لها تأثير السحر في الزوجة قال - تعالى -: (وقدموا لأنفسكم) وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لا يأتي أحدكم زوجته كالبهيمة وليسبق ذلك رسول والرسول هو القبلة، فالرسول - صلى الله عليه وسلم - يحث كل زوج على أن يجعل مقدمات لإتيانه زوجته بامتداحها والحديث معها فإن هذه الأشياء تعد من أهم وسائل الإشباع العاطفي للزوجين وتزيد السعادة الزوجية ومن ثم تساعد على الاستقرار العائلي ونذكر كل زوجين بأن التسامر بينهما يجعل الليل الطويل قصيراً حيث تطيب به النفوس ويذهب العبوس والعناء الذي يلاقيه الزوجان طوال اليوم.
وإن من أهم الوسائل التي توصل إلى الإشباع العاطفي والجنسي عند الزوجة هو الثناء والمديح من قبل الزوج، وليعلم جميع الأزواج أن نظرات الإعجاب والإطراء من الرجل أهم للمرأة وأدعى إلى الابتهاج من الغذاء وأدوية الشفاء، وقد قال أحد الخبراء في الجنس إن النساء لا يردن من الرجال أن يفهموهن فحسب، بل أن يحبوهن أولاً، فالنساء لا يردن أن يكن مادة للعمل الجنسي فقط لأنهن يحلمن دائماً بأن يكون لهن شخصية محبوبة لدى أزواجهن وعلى الزوجين أن يبوحا لبعضهما بالمشاعر الايجابية التي تثري الحوار وتزيد التفاهم والمحبة بينهما، والحديث عن الشعور الداخلي تجاه كل منهما للآخر من محبة وامتداح لتصرفات معينة وعدم البوح بالمشاعر السلبية وخصوصاً داخل غرفة النوم، بل إنه قد يمتدح أحد الطرفين الآخر بما ليس فيه أملاً في أن يصبح ذلك من خلقه وسلوكه فينصلح حاله ويستقيم، فقد رخص الرسول - صلى الله عليه وسلم - في حديث الزوج لزوجته والزوجة لزوجها أن يقول أحدهما للآخر ما ليس فيه، ومن هنا نعرف أن المدح بين الزوجين في كثير من الحالات قد يصلح أقوال وأفعال طرف من الأطراف ويزيد المحبة والترابط بينهما.
يقول الشاعر أبو القاسم الشابي ممتدحاً زوجته ومتغزلاً بها:
عذبة أنت، كالطفولة، كالأحلام
كاللحن، كالصباح الجديد
كالسماء الضحوك، كالليلة القمراء
كالورد، كابتسام الوليد
يالها رقة تكاد يرق الورد
منها في الصخرة الجلمود
لتعيد الشباب والفرح المعسول
للعالم التعيس العميد
نصائح لكل زوج:
ويمكن للزوج أن يستثمر مناسبات معينة لامتداح زوجته، كما يمكن له أن يستفيد من النصائح التالية:
- أن يمتدحها إذا لبست فستانا جديداً أو غيرت من تسريحة شعرها.
- الاهتمام بها وبحاجاتها المادية والعاطفية.
- استخدام الكلمات التي تشعرها بحبه وإخلاصه لها مثل يا حبيبتي يا عمري، أنت أهم شيء في حياتي ولا أستطيع أعيش من دونك.
- احترام مشاعرها وتقدير عواطفها والاستماع لحديثها.
- تدليلها والتغزل بمفاتنها وملابسها وامتداح أعمالها وشكرها عليها.
- امتداح أناقتها وماكياجها وطبخها وترتيبها للمنزل.
- إشعارها بأنوثتها من خلال الكلمات والأفعال واللمسات العاطفية.
- تقديم بعض الهدايا لها في المناسبات وتبادل التهاني معها.
كيف تكتسبين مدح زوجك؟
ويمكن للزوجة أن تكتسب حب زوجها وامتداحه لها، بأن تستفيد من النصائح التالية:
- أعدي الطعام بحيث يحتوي على الأصناف التي يفضلها زوجك.
- أنهي أعمالك المنزلية كلها قبل عودته من عمله.
- ألبسي وتزيني بأفضل ما لديك وتعطري له بالعطر الذي يفضله.
- اشتري هدية رمزية لزوجك في أي مناسبة جميلة.
- احرصي على إظهار مشاعرك الدافئة نحوه في عبارات رقيقة.
- وجهي اهتمامك إلى غرفة النوم واحرصي على أن تجعليها دائماً كما كانت يوم زفافكما.
- عطري أيضاً الفراش بالعطر الذي يحبه وقدمي له وجبتك الدسمة من العواطف.
- اجعلي زوجك في شوق ولهفة بصورة مستمرة لك.
تاج على رأسه:
والمرأة بوجه عام عاطفية وتزداد هذه العواطف داخل غرفة النوم التي هي المكان الذي يلتقي فيه الزوجان بعد عناء يوم كامل، فالمرأة تحب أن تسمع من زوجها كلمات تحمل معاني الحب والتقدير والاطمئنان بأن زوجها باق على وده لها بعد كل هذه السنين من العشرة وأنه يقدرها وأنها تاج على رأسه، ويمتدح كل شيء فيها فهذه الأفعال من شأنها أن تؤدي إلى الإشباع العاطفي بينهما.
http://al-farha.osrty.com المصدر:
ـــــــــــــــــــ(111/206)
التواصل العاطفي بين الزوجين
التواصل العاطفي هو مفتاح السعادة بين الزوجين، فالعلاقة بين الزوجين تبدأ قوية دافئة مليئة بالمشاعر الطيبة، والأحاسيس الجميلة، وقد تفتر هذه العلاقة مع مضي الوقت، وتصبح رمادًا لا دفء فيه ولا ضياء. وهذه المشكلة هي أخطر ما يصيب الحياة الزوجيَّة، ويُحْدِث في صَرْحها تصدُّعات وشروخ، وعلى الزوجة أن تعطي هذه المشكلة كل اهتمامها لتتغلب عليها، حتى تكون علاقتها بزوجها علاقة تواصل دائم، وحب متجدد.
وبداية العلاج تكون بمراجعة كل منهما لما عليه من واجبات تجاه الآخر، فلعل المشكلة قد بدأت من هذه الزاوية، إلا أن الحياة الزوجية لا تقف عند هذا الحدِّ، فالعلاقة الزوجية هي علاقة إنسانية، وليست علاقة آلية، فالرباط العاطفي بينهما حبل متين، يشكل ركنًا أساسيّا في الحياة الزوجية.
والعاطفة علاقة متبادلة بين الزوجين، فالزوج يحرص على أن يشعر زوجته بحبه لها، وعلى الزوجة أن تبادله هذه المشاعر الطيبة، وتعلن له عن حبها إياه وإخلاصها ووفائها له في كل وقت، وللعاطفة – الصادقة - سحر على حياة الزوجين، فهي تحول الصعب سهلاً، وتجعل البيت الصغير جنة يسعد فيها الزوجان والأبناء، ولهذه العاطفة طرق تعرفها جيدًا المرأة الذكية، والكلمة الطيبة أيسر هذه الطرق.
فالمرأة الحكيمة هي التي تشعر زوجها بحبها له، وتُكْبِرُهُ في نظرها، وأن تعوِّده من أول أيام زواجها على طيب الكلام، فذلك هو الذي يغذي حياتهما الزوجية، ويجعلها تثمر خيرًا وسعادة؛ فالحب إحساس وشعور تزكيه الكلمة الطيبة، والاحترام المتبادل، ومبادلة كلمات الحب والمودة، فلا يمنع حياء الزوجة من أن تبادل زوجها الكلمات الرقيقة والمشاعر الراقية، وعلى الرجل أن يشجع زوجته على ذلك؛ بكلماته الرقيقة، وأحاسيسه الصادقة نحوها..ولتكن ساحة الحب رحبة بينهما، ففيها يتنافسان؛ أملاً في سعادة حياتهما في الدنيا، ورجاء في أجر الله في الآخرة.
وفوق كل ذلك فإن الحساسية عند الزوجة قد تفسد هذه العلاقة، فعليها – إذن - أن تكون هي صاحبة القلب الكبير الذي يتغاضى عن هفوات الزوج، وهي بهذا المسلك تَكْبُر في عيني زوجها، بل إن ذلك قد يدفعه إلى الحرص على عدم الوقوع في هذه الهفوات مرة أخرى.
ولتعلم المرأة أنها في زمان عمَّت فيه الفتن وانتشرت، وخلعت النساء فيه برقع الحياء، وبذلت كل واحدة منهنَّ جهدها في التزين والتحلي.. والرجل قد تقع عينه على إحداهنَّ فيتمنى أن تكون زوجته أجمل منها، ليشبع حاجته في الحلال فينال رضا ربه - سبحانه -، ومن هنا كان على الزوجة أن تحرص على أن لا يراها زوجها إلا في ثياب جميلة نظيفة، واضعة رائحة جميلة طيبة، لتكفي زوجها حاجته، وتساعده على كمال الاستمتاع بها.
وعجيب شأن بعض النساء في حرصهن على بذل الوسع في التجمل والتزين حال خروجهنَّ إلى الشوارع والطرقات، ولا يبذلن نصف هذا أو ربعه حال تواجدهن مع أزواجهن في المنزل.. فليس من الإسلام في شيء أن تتحجب المرأة وتخفي زينتها أمام زوجها، ثم تسفر عن جمالها أمام كل غاد ورائح خارج البيت.
فعلى المرأة أن تتزين لزوجها قدر استطاعتها، وقد سئل - صلى الله عليه وسلم -: أي النساء خير؟ قال: (التي تسره إذا نظر إليها.. ) [أبو داود وابن ماجه]
وهناك أمور على قدر كبير من الأهمية قد تغفل عنها كثير من الزوجات، ظنًّا منهن أن الكلام الطيب والعلاقة الحسنة هي السعادة فحسب، لا.. بل هناك البيت النظيف الهادئ، الذي يحتاج إليه الزوج ليستريح فيه من عناء عمله، وهناك أيضًا مائدة الطعام المعدة إعدادًا جيدًا، كل هذه الأمور تهم الزوج، بل إن التقصير فيها يكون مكدرًا من مكدرات الحياة.
ويحسن بالزوجة أن تنظر إلى علاقتها بأهل زوجها إلى أنها علاقة بينها وبين زوجها، فحسن علاقتها لهم يعني حسن علاقتها به، فهي تحسن ضيافتهم، وترى في صنيعها هذا قربًا من زوجها.. كما أنها تشجع زوجها على دعوة أصدقائه وإخوانه على طعام تعده لهم فرحة مسرورة.. وكأن لسان حالها يقول لزوجها: أنا أحب من تحب، وأبغض من تبغض.
وفوق كل ما سبق؛ على الزوجة أن تكون مُعينة لزوجها على نوائب الدهر، فتقف إلى جواره، وتخفف عنه متاعب الأيام، ولها في سيرة السلف الصالح قدوة، فعن أنس قال: اشتكى ابن لأبي طلحة (أي: مرض) فمات، وأبو طلحة خارج البيت، ولم يعلم بموته، فلما رأت امرأته أنه قد مات، هيَّأتْ شيئًا ونَحَّتْهُ (أبعدته) في جانب البيت، فلما جاء أبو طلحة، قال: كيف الغلام؟ قالت: هو أهدأ مما كان، وأرجو أن يكون قد استراح.
فظن أبو طلحة أنه شفي، ثم قربتْ له العشاء، ووطَّأت له الفراش فجامعها، فلما أصبح اغتسل، فلما أراد أن يخرج أعلمتْه بموت الغلام، فصلى مع النبي - صلى الله عليه وسلم - ثم أخبره بما كان منها، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: (لعله أن يبارك الله لكما في ليلتكما). فرزقهما الله ولدًا، وجاء من ذريته تسعة أولاد، كلهم قَرَءُوا القرآن وحفظوه. [البخاري].
وعلى المرأة أن تداوم على الحديث في أوقات مناسبة مع زوجها، فتتعرف أحواله، وما تعرَّض له في حياته اليومية، فذلك يقرب المرأة من زوجها، ويُشعره بقيمته وأهميته. عن عائشة قالت: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا صلى ركعتي الفجر (يعني: سنة الفجر)، فإذا كنتُ مستيقظة حدثني، وإلا اضطجع حتى يؤذَّن بالصلاة (أي تقام). [متفق عليه].
التفاهم بين الزوجين:
الله - سبحانه - قد فطر الناس على طبائع مختلفة وأخلاق متباينة، فقد يحب أحد الزوجين ما لا يحبه الآخر، وقد يكره مالا يكرهه الآخر.. وقد تجد الزوجة اختلافًا بينها وبين زوجها في طريقة الكلام أو المحادثة، أو اختلافًا بينهما في طريقة الملبس، أو أنواع الطعام، أو في تنظيم حاجيات المنزل، أو في مواعيد النوم، بل قد يقع الاختلاف بينهما في كيفية استمتاع كل منهما بالآخر.
ولا يكون التوافق بين الطباع المختلفة إلا بحب يُلين الزوج للزوجة، والزوجة للزوج، عندئذ يصل الزوجان إلى قدر التوافق النسبي الذي لا يشعر معه أي منهما بإهدار شخصيته أو كرامته، فعلى الزوجة أن تصبر على اختلاف طباع زوجها عن طباعها وكذلك الزوج، فتلك خصال شبَّ عليها كل منهما، وسرعان ما يتعرف كل منهما على ما يريح الآخر، فيفعله أملاً في إرضاء نصفه الثاني، وتلك مرحلة على طريق التوافق بينهما.
وعلى المرأة الفطنة أن تعرف ما يناسب زوجها من الثياب، والألوان التي تليق بملابسه، والزي اللائق به في كل مناسبة؛ مما يحفظ له هيبته ووقاره، وأن تهتم بطعام زوجها، فتتعرف على أنواع الطعام التي يفضلها، وتحرص على تقديمها إليه، ولتعلم وقت تناول زوجها لوجباته فلا تتأخر عن موعده، وتقدم له الطعام بالكيفية التي يحبها، سواء في طريقة إعداده، أوفي شكل تقديمه.
والمسلمة تنتظر زوجها حتى يعود من عمله وإن تأخر، فلا تنام حتى تطمئن على قدومه، فتحسن استقباله، وتعد له طعامه، وتحادثه فيما يدخل السرور على قلبه، وتؤنسه حتى يخلد إلى فراشه، وهي تجتهد في الاستيقاظ مبكرًا، وتوقظ زوجها وأبناءها لصلاة الفجر، لتبدأ بالخير يومها ويومهم، ثم تعد للجميع طعام الإفطار، وتودع زوجها بشوق وحنان عند خروجه إلى عمله، وتوصيه بتحري الكسب الحلال.. ثم تقوم بواجبات المنزل وتهيئته ليكون واحة للسكينة والهدوء والاطمئنان. كل ذلك يهيئ للزوج جوًّا طيبًا، يجعله لا يفر إلى النوادي والمقاهي وغيرها من الأماكن التي يكثر فيها الفساد.. الأمر الذي يدمر الحياة الزوجية.
الزوجة العاملة:
وقد تضطر المرأة إلى الخروج للعمل، أيًّا كانت أسباب اضطرارها، وتلك المرأة عليها أن تنظم حياتها بما يضمن استقرار بيتها، وسعادة زوجها، حتى لا يشعر بابتعادها عنه وتقصيرها من ناحية، أو عدم قيامها بمسئولياتها كزوجة، فلا تبقى خارج البيت في أوقات وجوده، وإنما تجتهد أن تكون فترة عملها في وقت عمله خارج البيت، وأن تتواجد معه في فترة واحدة.
الجمال والجنس والتواصل العاطفي:
العلاقة الجنسية مشاركة بين طرفين، الزوج وزوجته، وقد تخجل بعض النساء فتترك أمر هذه العلاقة للزوج بالكلية، وهو خطأ في فهم الطبيعة المزدوجة للعلاقة الجنسية بين الزوجين، وقد تعتقد الكثير من النساء اللاتي يتمتعن بقسط وافر من الجمال، أنهنَّ أقدر على إنجاح العملية الجنسية، وهذا الاعتقاد يترتب عليه أن لا تقوم الزوجة بدور إيجابي عند الممارسة الجنسية، ظنًّا منها أن جمالها وحده كاف لإتمام هذا الأمر على أكمل وجه.
والحقيقة التي ينبغي معرفتها، هي أن الحياة الزوجية بكل جوانبها تفاعل بين الزوجين، ويجب أن يكون كلاهما إيجابيًّا في تفاعله مع الآخر، سواء أكان هذا التفاعل في أمر معنوي كإبداء مشاعر الحب والمودة، أو كان ماديًّا كتبادل المتعة الجنسية.
وجمال المرأة المادي شيء نسبي في نظر الرجال، فقد يشتهي رجل المرأة الشقراء، بينما يميل آخر إلى السمراء أوالسوداء، وقد يستحسن رجل المرأة القصيرة البدينة، بينما يفضل آخر المرأة الطويلة الرشيقة، إلى غير ذلك.. وجمال المرأة لا يتوقف على جسدها فحسب، فهناك الجمال المعنوي، الذي تكشف عنه شخصيتها فتكون المرأة هادئة، متزنة، وقورة، محبة، راضية، قانعة، متواضعة، لينة، متعاونة، ودودة، حريصة على إسعاد زوجها.
وامرأة بتلك الأوصاف هي الجميلة حقًّا، وإن كانت أقل جمالا من غيرها. وهي تدرك أن من الخطأ تصوُّر أن المرأة الجميلة هي وحدها القادرة على إرضاء زوجها وإشباعه جنسيًّا، بل كلهنَّ قادرات على إنجاح العملية الجنسية بالمداعبة والملاطفة والدلال المستمر وكلمات الغزل الطيبة، عند ذلك تمتع نفسها بما أحل الله - تعالى -، بقدر ما تمتع زوجها.
لا مكان لليأس بين الزوجين:
الرغبة الجنسية كغيرها من رغبات الإنسان وشهواته، لا ترتبط بسنٍّ معينة عند الرجل أو عند المرأة، إذ إنها جزء من التركيب العضوي لجسم الإنسان، ومن هنا ينبغي أن تعلم المرأة أن الرغبة الجنسية عندها أو عند زوجها لا تنعدم عند ما يسمى بـ (سن اليأس) فالمرأة إذا كانت تتمتع بصحة جيدة، ولا تعاني من الأمراض العضوية أوالنفسية، فإنها تستطيع أن تمارس الجنس إلى سن متقدمة من عمرها.
صحيح أن الرغبة في الجنس قد تقل بتقدم السِّنِّ، كما تقل نسبيًّا القدرة الجنسية أيضًا، ولكنها تظل موجودة تؤدي وظيفتها دومًا، بل إن طول فترة الزواج تعطي المرأة قدرة على التحكم والتكيف مع زوجها في مراحل العمر المختلفة. فمن الخطأ إذن الاعتقاد بأن سن اليأس يعني نهاية النشاط الجنسي للزوجة، بل إذا توافرت الرغبة في مزاولة الجنس لدى الزوجين لحدث الانسجام والوئام بينهما مهما كان عمر الزوجين.
وقد يلجأ البعض إلى استخدام العقاقير الطبية المنشطة للجنس، والتي قد تؤدي إلى نتائج عكسية في كثير من الأحيان، وإن كانت هناك حالات نادرة تناسبها مثل هذه العقاقير، وقد تعاني المرأة من البرود الجنسي، الذي يكون سببه إما عيب جسماني، ربما أمكن التغلب عليه بالعلاج والعقاقير أو بالجراحة، أو عامل نفسي نحو الرجال، أو بسبب إهمال الزوج لها، أو الخوف الشديد من الحمل والولادة، أو بسبب العنف والطيش والاندفاع من جانب الزوج، فكل هذه الأمور تؤدي – غالبًا - إلى البرود الجنسي.
والمرأة تحتاج إلى مدة أطول للاستثارة؛ حتى تستجيب تمامًا لنداء الجنس، فإن جهل الزوج هذه الحقيقة أو تجاهلها -بسبب اندفاعه وسرعة استثارته- فقد تكون النتيجة ألا تتهيأ الزوجة تمامًا فتصبح غير منفعلة بموقف الزوج، فعلى الرجل أن يدرك هذه الحقيقة، ويتخذ من المقدمات الطبيعية اللطيفة لمعاشرة زوجته، مثل كلمات الغزل، ولمسات الحنان، وغير ذلك ليهيئ الزوجة للاستجابة لنداء الجنس بكل جوارحها، مما يحقق للعملية الجنسية نجاحها، ويقي المرأة من البرود الجنسي، ولا حرج في أن تشير الزوجة على زوجها في مثل هذه الأمور.
وعلى الزوجين أن يدركا أن خير أوقات الجماع هي أوقات الحاجة إليه، فإذا اشتهى الرجل زوجته، أو اشتهته، عندها ينبغي أن يستجيب كل طرف منهما لحاجة الطرف الآخر. قال - صلى الله عليه وسلم -: (إذا دعا الرجل امرأته إلى فراشه فلم تأته، فبات غضبان عليها، لعنتْها الملائكة حتى تصبح) [متفق عليه]. وكذا إذا رأى من امرأة ما يعجبه ويثير شهوته، فإن إتيانه زوجته يحصنه من الشيطان، ويدفع غوائل الشهوة، ويحفظ الفرج. قال - صلى الله عليه وسلم -: (المرأة تقبل في صورة شيطان، وتدبر في صورة شيطان، فإذا رأى أحدكم من امرأة ما يعجبه، فليأتِ أهله فإن ذلك يرد ما في نفسه) [مسلم، وأبو داود].
وقال أبو سليمان الداراني - رحمه الله -: الزوجة الصالحة ليست من الدنيا، فإنها تفرغك للآخرة، وإنما تفريغها بتدبير المنزل وبقضاء الشهوة جميعًا، وبصفة عامة فإن أوقات الجماع وتحديدها يكون وفقًا لحاجة كلا الزوجين، وللزوجة أن تنال حظها من زوجها متى شاءت، وللزوج مثل ذلك، قال - تعالى -: {نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم} [البقرة: 223].
ويرتبط بأوقات الجماع أن يتهيأ كل طرف للآخر، وأن يكونا مرتاحين جسمًا ونفسًا، وأن يتسع لهما الوقت لراحتهما بعد المباشرة الجنسية، وعلى الزوجة أن تهتم بنظافة مخدعها وجماله، لما لذلك من علاقة قويَّة بإسعاد الزوج، وتمام استمتاعه بها، وكما ينبغي للزوج أن يحسن المداعبة والملاطفة والمغازلة لزوجته، فعلى الزوجة -كذلك- أن تكون ماهرة في مجاملة زوجها وملاطفته والثناء على حسناته والتجاوز عن سيئاته، والحذر من أن توحي إليه أنه ضعيف أو عاجز، حتى ولو كانت مازحة، فإنه سرعان ما يتأثر بذلك.
وعلى الزوجة أن تباسط زوجها بالكلام الحسن العذب الرقيق، وعليها أن تلاعبه، وتعانقه وتقبله، فقد قال النبي - صلى الله عليه وسلم - لجابر -رضي الله عنه-: (هلاَّ بكرًا تلاعبها وتلاعبك، وتضاحكها وتضاحكك) [متفق عليه]، وهكذا يوضح - صلى الله عليه وسلم - أن الأمر مشترك بين الزوجين.
واستخدام الروائح الطيبة له دور كبير في إنجاح الجماع؛ حيث تساهم في إثارة الأحاسيس والمشاعر، وإضفاء السعادة على لقاء الزوجين، أما الروائح الكريهة فهي عامل من العوامل التي تسبب النفور، وربما الكره، واللقاء بين الزوجين يتطلَّب الهدوء والاسترخاء؛ حتى لا يجهد الجسم أو تتوتر الأعصاب، فيحول ذلك دون الاستمتاع التام بالجماع.
وللجماع أوضاع كثيرة، ولا حرج في استعمال أي منها مادامت في القُبُل، والتغيير في هذه الأوضاع يعطي اللقاء بين الزوجين طعمًا جديدًا متجدِّدًا، فالنفس البشرية تملَّ من كل معتاد متكرر، وقد يصاب البعض بالضعف الجنسي رغم شدة الإثارة وبشكل مفاجئ، ويخفقون في ممارسة العملية الجنسيَّة، ولعلَّ هذا يرجع إلى طول فترة المداعبة التي تسبق الجماع، وكذلك إلى طول الترقب والانتظار والتمنُّع، والعلاج من كل ذلك هو الاعتدال في المداعبة، والبعد عن الإجهاد والتهيج الشديد من كلا الطرفين.
وقد يلجأ بعض الرجال إلى استعمال الغشاء الواقي (الكبوت) كأحد الطرق لمنع الإنجاب؛ حيث إنه يمنع ماء الرجل عن الوصول إلى رحم المرأة، ولا تخلو هذه الطريقة من الضرر، فقد يحدث الحمل لوجود ثقب في الغشاء الواقي، كما أنه يؤدي إلى عدم الإشباع الجنسي الكامل لدى كل من الزوجين، فينتج عنه بعض القلق والاضطراب النفسي.
وقد يلجأ بعض الرجال إلى القذف خارج المهبل، لمنع الحمل وهو ما يسمى بالعزل، ولهذه الطريقة أضرارها، فهي لا تعطي الزوجين الفرصة للاستمتاع الكامل، مما يسبب اضطرابًا نفسيًّا لكليهما، وقد ينشأ عنه الخلافات المستمرة بين الزوجين، وعدم استقرار حياتهما، إلا أن هذه الطرق يمكن اللجوء إليها في بعض الحالات لعلاج بعض المشكلات الاجتماعية مثل تنظيم النسل شريطة أن تكون برضا الطرفين من غير إسراف في استعمالها.
الأبناء والتواصل العاطفي:
للزوج حقوق على زوجته، ولا يجوز أن تنشغل عنها أو تفرِّط فيها، حتى لو كان ذلك من أجل أبنائه، فعليها أن توزِّع جهدها بين زوجها وأولادها، كما لا يجوز لها أن تُقَصِّر في التزين لزوجها بحجَّة الأبناء. وإن انشغال المرأة عن زوجها بحجة القيام بشئون المنزل أو الأولاد ليس عذرًا لها، فقد يدفع هذا الإهمال الزوج إلى الفرار من المنزل، والبحث عن مكان آخر يجد فيه الأنس المفقود والراحة المرجوة، بل قد يقع بعض الأزواج ممن ضعف إيمانهم وفَتَرَتْ عزائمهم في بعض الرذائل الخلقية من جراء هذا الإهمال، فلتتقِ الزوجة ربها في زوجها.
وتفاني الزوجة في رعاية أبنائها، والاهتمام بكل أمورهم- شريطة أن توازن بينهم وبين أبيهم- مدخل من مداخل السعادة الزوجية، فعندما تهتم الزوجة بأبنائها صحيًّا وأخلاقيًّا وعلميًّا، يصبح الزوج قرير العين، مرتاح البال على زوجته وأبنائه.
أهل الزوجين ودورهم في التواصل العاطفي بينهما:
رغَّب الشرع في صلة الأرحام، وجعل الإحسان إليهم سبيلاً إلى الجنة، والزواج يوسع دائرة الرحم، فعلى المرأة أن تحسن إلى أقاربها وأقارب زوجها معًا دون تفريط في حق أي من الطرفين، فالإحسان إلى أقاربها فرْض عليها، وحبها لزوجها يقتضي حب أهله والإحسان إليهم، فالرحم معلقة بعرش الرحمن، من وصلها وصله الله، ومن قطعها قطعه الله، قال - صلى الله عليه وسلم - فيما روي عن ربه - عز وجل -: (أنا الرحمن وأنا خلقتُ الرحم، واشتققتُ لها اسمًا من اسمي، فمن وصلها وصلته ومن قطعها قطعته) [البخاري]. وقال - صلى الله عليه وسلم -: (من سرَّه أن يبسط عليه في رزقه، أو ينسأ له في أثره، فليصل رحمه) [مسلم].
والزوجة تزور أهل زوجها وتحافظ على استمرار المودة والألفة بينها وبينهم، فهم أهلها، وإليهم ينتسب أولادها، واهتمام الزوجة بأهل زوجها، والحرص على إفادتهم ونفعهم، وحسن مقابلتهم، والسؤال عنهم، وإهدائهم، ومعاونتهم، كل هذه أمور تسعد الزوج، وتوفر الألفة والمحبة بينهما، وتحمل الزوج على احترام زوجته وتقديرها، ويجب على كل من الزوجين أن يحافظ على صلة أقارب الآخر، ويفرح لفرحهم، ويحزن لحزنهم، فإذا غاب أحدهم عن زيارتهم؛ سارع للاطمئنان عليه؛ ليرى إن كان في ضائقة، ويحتاج إلى أهله، فيراهم ملتفين حوله، يعرض كل خدماته عليه.
وعلى الزوج أن يكرم معارف زوجته، فقد دخلتْ امرأة على النبي - صلى الله عليه وسلم - فهشَّ لها وأحسن السؤال عنها، فلما خرجتْ قال: (إنها كانت تأتينا أيام خديجة، وإن حسن العهد من الإيمان) [الحاكم]. ويروى أن شاعرًا جاهليًّا وقف مذكرًا بني أعمامه بصلة الرحم، وأن فيها الحياة، وفي هجرها
الفناء، فقال:
إني أرى سَبَبَ الفناء وإنما *** سَبَبُ الفناء قطيعةُ الأرحام
فعلى الزوجين أن يدركا مغزى الترابط والألفة بين أقاربهما، وأن فيه تواصلا بينهما، يزيد الحب، ويكثر المودة والرحمة، ويغرس الاحترام والثقة بينهما، فينبت الأبناء محبين للخير، مبغضين للشر، يبغون صلاح الدنيا بأسرها.
التعاون بين الزوجين:
التعاون بين الزوجين يعطي الحياة الأسريَّة مذاقًا رائعًا، فكلاهما يشارك رفيقه في الحزن والفرح، وفي الفقر والغنى، وفي اتخاذ القرارات المناسبة، وعلى قدر هذه المشاركة يصبحان كيانًا واحدًا، ونفسًا واحدة، وتتوافر السعادة الفعالة بينهما، وتبقي المودة والرحمة، ويتحقَّق السَّكن النفسي.
وللتعاون بين الزوجين، والمشاركة في تحمل أعباء الحياة صور كثيرة، منها:
تعاون الزوجين في طلب العلم:
العلم سبيل إلى الرفعة ونيل الدرجات العالية؛في الدنيا والآخرة. قال - تعالى -: {يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات} [المجادلة: 11]. وقال - صلى الله عليه وسلم -: (من يرد الله به خيرًا، يُفَقِّهْهُ في الدين) [متفق عليه].
وعلى الزوج أن يعلِّم زوجته أمور دينها، إن كان قادرًا على ذلك، من حيث العلم والوقت، فإن لم يقدر فعليه أن يأذن لها بالخروج؛ لتحضر مجالس العلم والفقه في المسجد أو المعهد، وعليه أن يُيَسِّر لها سُبُل المعرفة من شراء كتب نافعة، أو شرائط مسجَّلة، بها دروس ومواعظ.
وقد عملت زوجات النبي -رضوان الله عليهن- على تبليغ الدين، وأحاديث النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى سائر المسلمين، كما حرصت نساء الصحابة على التفقُّه في الدين، فقالوا: يا رسول الله غلبنا عَليك الرجال، فاجعل لنا يومًا من نفسك، فوعدهنَّ يومًا لقيهنَّ فوعظهنَّ وأمرهنَّ. [البخاري].
وبرز من النساء فقيهات، ومحدِّثات، وواعظات، في القديم والحديث، فكانت المرأة تطلب العلم كزوجها، لحرصها على التفقه في الدين، وحتى تربى أبناءها على الدين والتفقه فيه. وكانت السيدة أم سلمة -رضي الله عنها- فقيهة، تجيب عن أسئلة النساء، وعرفت السيدة عائشة -رضي الله عنها- بالعلم الغزير.
التعاون على أداء الطاعات:
الزوجة شريكة الرجل في حياته، وبها تسعد حياة الرجل أو تشقى، والمرأة الصالحة تدفع زوجها لتأدية العبادات من صلاة وصيام وزكاة وحج، وتساعده على المحافظة عليها، بل وتعينه على قيام الليل، والتصدق على الفقراء، فالمرأة الصالحة نصف دين الرجل حقًّا، والرجل الصالح معين لزوجته على طاعة الله وفعل الخير، قال - صلى الله عليه وسلم -: (رحم الله رجلا قام من الليل، فصلى وأيقظ امرأته فصلَّتْ، فإن أبتْ رشَّ في وجهها الماء، رحم الله امرأة قامت من الليل فصلَّتْ وأيقظتْ زوجها فصلَّى، فإن أَبَى رشَّتْ في وجهه الماء)
[ابن ماجه].
وما أجمل أن يقرأ الزوجان معًّا شيئًا ولو يسيرًا من القرآن بعد صلاة الفجر، ويجعلان ذلك وِرْدًا يوميًّا لهما، فإن كثيرًا ممن قاموا بهذا الأمر أقروا بأثره الطيب على قلوبهم، بل إنه يذيب ما قد يعلق بقلب الزوجين من آثار الخلافات. تلك هي المشاركة الفعالة في الحياة الزوجية، التي تسعد الزوجين في الدنيا والآخرة.
التعاون في طلب الرزق:
النفقة حق للزوجة وواجب على الزوج، فعن معاوية بن حَيْدة - رضي الله عنه - قال: قلت: يا رسول الله، ما حق زوجة أحدنا عليه؟ قال: (أن تطعمها إذا طعمتَ، وتكسوها إذا اكتسيتَ، ولا تضرب الوجه، ولا تقبِّح، ولا تهجر إلا في البيت)[أبو داود، وابن حبان].(111/207)
والزوجة الفاضلة لها مزايا عظيمة، حيث إنها توفِّر على زوجها كثيرًا من نفقات المعيشة، تلبس ما يستر عورتها، وتأكل ما يَسُدُّ حاجتها، وتستطيع أن تتحمل نصيبًا من أعباء زوجها، فقد ساعدت أسماء بنت أبي بكر زوجها الزبير بن العوام -رضي الله عنهم- في زراعة الأرض التي أقطعها له النبي - صلى الله عليه وسلم -، فكانت تحمل النوى على ظهرها مسيرة عدة أميال، ثم تعدُّه غذاءً لفرس زوجها، حتى أهداها أبوها (أبو بكر الصديق) - رضي الله عنهما - خادمًا يكفيها هذه الخدمة.
وكانت أم المؤمنين زينب بنت جحش الأسدية - رضي الله عنها - تدبغ الجلود، وتبيعها؛كي تجد لديها ما تتصدق به في سبيل الله - عز وجل - وكانت زوجة الإمام أحمد بن حنبل - رحمه الله - تغزل الصوف؛ لتساهم في اكتساب
القوت، ويمكن للمرأة أن تقوم بأعمال تعين الزوج بها على العِفَّة وطلب الحلال، دون مبرر للخروج والاختلاط بالرجال، وهذه الأعمال تدرُّ ربحًا وتعين الزوج، وليست واجبة عليها، لكنها من باب المشاركة والتعاون، ومنها:
1- تربية الدواجن بالمنزل.
2- القيام بمهنة الخياطة للنساء.
3- القيام بأعمال التطريز والتريكو.
4- إعداد بعض التحف الفنية.
وكانت المرأة من نساء الصحابة تنصح زوجها قبل خروجه لطلب الرزق في الصباح، وتقول له: اتقِ الله فينا، ولا تطعمنا إلا من حلال، فإنا نصبر على الجوع في الدنيا، ولا نصبر على عذاب الله يوم القيامة، وقد حثَّ الإسلام على الزهد والقناعة، ورغَّب فيهما، فلا تتوق نفس المسلمة لما في أيدي أخواتها من المال والنعمة. قال - صلى الله عليه وسلم -: (قد أفلح من أسلم، ورُزق كفافًا، وقنَّعه الله بما آتاه) [مسلم].
وكان النبي - صلى الله عليه وسلم - قنوعًا، لم يَعِبْ طعامًا قَطَّ، إذا أحبه أكله، وإذا كرهه تركه، وكان يأكل الخبز بالخلِّ، والخبز بالزيت، وكان - صلى الله عليه وسلم - يلبس ما تيسَّر من الثياب، فيرتدي الثوب من الصوف، أو القطن، أوالكتَّان، ويرتدي مما يُهْدَي إليه. ويجوز للمرأة أن تخرج من بيتها للعمل في وظيفة، إذا أصبح زوجها عاجزًا عن العمل، أو احتاج العمل إليها، على أن تخرج عفيفة محتشمة، مبتعدةً عن مواطن الاختلاط بالرجال ما وجدتْ إلى ذلك سبيلاً.
التعاون في أعمال المنزل:
ما أروع أن يشارك الزوج زوجته في بعض أعمال المنزل، ولو من باب المودَّة والمشاركة الوجدانية، والتقدير المعنوي.. فهي فرصة طيبة لتعبير الرجل عن تقديره لزوجته، وتطييب نفسها، والتقرب إليها.. حتى ولو كانت هذه الأعمال بسيطة؛ مثل: حمل الأطباق إلى المائدة، أو فرش سجادة، أو غير ذلك.
وقد كان النبي - صلى الله عليه وسلم - نموذجًا يحتذَى في عونه لأهله، فقد كان يحلب الشاة، ويرقع الثوب، ويخصف النَّعْل، ويخدم نفسه، ويقُمُّ البيت
(أي: يكنسه)، ويعقل البعير، ويعلف الجمل، ويعجن مع أهله، ويحمل بضاعته من السوق.
وفي غزوة الخندق، شارك جابر بن عبد الله -رضي الله عنه- زوجته لإعداد مأدبة طعام، فذبح الشاة وسلخها وشواها، بينما كانت امرأته تطحن الشعير، وتعدُّ الخبز، فلما فرغ، دعا النبي - صلى الله عليه وسلم - لمأدبته، فاصطحب النبي - صلى الله عليه وسلم - الصحابة معه، فأكلوا جميعًا ببركته - صلى الله عليه وسلم -.
تعاون الزوجين في تربية الأبناء:
الأولاد زينة الحياة الدنيا، وهم أمنية كل زوجين، والأبوان يبذلان جهدهما لتربية الأبناء أحسن تربية، ليكونوا ذرية صالحة، تأتمر بأوامر الله، وتنتهي عما نهى عنه، أما إذا ترك الزوجان الأبناء دون تعهد ولا تربية سليمة، فإنهم يكونون نقمة لا نعمة.
وتعاون الزوجين في التربية يقتضي تعهُّد الأبناء بالرعاية، وقضاء حوائجهم من غير تقتير ولاإسراف، ودون تفرقة أو تفضيل لأحدهم عن الآخر، فيكون العدل بينهم في الطعام والشراب والثياب، بل وفي النظرة والبسمة والقُبلة كذلك، ولا يجوز تفضيل البنين على البنات، بل يجب المساواة بين الجميع في كل شيء حتى في الهدية.
فقد جاء بشير بن سعد الخزرجي ومعه ابنه النعمان -رضي الله عنهما- إلى النبي - صلى الله عليه وسلم -، فقال: يا رسول الله. إني أُشْهِدُك أنِّي قد نَحَلْتُ (أي: أعطيتُ) النعمان كذا وكذا، فقال - صلى الله عليه وسلم -: (أَكُلَّ ولدك نَحَلْتَ؟) قال: لا. قال: ) فأَشْهِدْ غيري). ثم قال: (أليس يسرُّك أن يكونوا في البرِّ سواءً؟). قال: بلى، قال: (فلا إذًا) [مسلم والنسائي وابن ماجه].
ويقع عبء التربية في جانبه الأكبر على الأمِّ؛ حيث إنها تشارك طفلها نهاره وليله، تطعمه وتسقيه، وتمنحه الحنان والدفء، وتعلمه مبادئ الدين وتعالىمه ومبادئ العلوم، وكيف يأخذ النافع، ويترك الضارَّ، وغير ذلك حتى يشب نافعًا لنفسه ولأسرته ولأمته.
قال شاعر النيل حافظ إبراهيم:
الأمُّ مدرسة إذا أعددتها *** أعددتَّ شعبًا طيب الأعراقِ
أما الوالد فإنه يكدح بالنهار؛ ليوفِّر لأهله حياة هانئة، وقد يصل الليل بالنهار، فلا يبقى إلا وقت يسير يكون من نصيب نومه، وكثيرًا ما نسمع أن الوالد يخرج لعمله في الصباح قبل أن يستيقظ الأبناء، ويعود في المساء بعد أن يناموا، فلا يرى الأبناء أباهم إلا في أيام العطلات، بل قد يسافر ويمضي السنوات بعيدًا عنهم، وهذا مما ينبغي أن يراجع الآباء فيه أنفسهم؛ لأثره السيئ في تربية الأبناء.
والحق أن عبء التربية يجب أن يتحمله الزوجان معًا، فلا يجوز للأب أن يترك أبناءه دون رعاية، بل يجب عليه أن يجلس معهم جلسات يومية، يتعرف أخبارهم، ويستمع إلى ما فعلوه في يومهم، ثم يوجههم ويرشدهم إن أخطئوا، ويشجعهم إن أصابوا، حينئذ تسود روح التفاهم والتعاون بين أفراد الأسرة، فيأتمر الأبناء بنصائح الآباء، ويحرصون على إرضائهم، فيسهل على الآباء إرشادهم، وإصلاح السيئ من أعمالهم.
ويجب على الزوجين أن يبذلا ما في وسعهما، ويتعاونا لتنشئة الأبناء على الصلاح والتقى، فإذا ما أهمل الولد منذ طفولته دون تربية سليمة؛ صعب تقويمه في كِبَرِه، فالولد يتطبَّع بما نشأ عليه. قال - صلى الله عليه وسلم -: (أكرموا أولادكم، وأحسنوا أدبهم) [ابن ماجه]. ومن أُغْفِل في الصِّغر، كان تأديبه في الكبر عسيرًا، قال الشاعر:
إن الغصون إذا قوَّمْتَها اعتدلت
ولا يلين إذا قومته الخشبُُ
قد ينفع الأدبُ الأحداثَ في صغر
وليس ينفع عند الشيبة الأدبٌ
ويراعى تدريب الأبناء على الصلاة، وترغيبهم في حفظ القرآن، وقراءة النافع من العلوم، وتنمية القدرات والمواهب الفطرية عندهم، وترغيبهم في التردُّد على المساجد ودور العلم؛ لإبعادهم عن أماكن اللهو والفجور، والصُّحبة الفاسدة. فإذا أحسن الزوجان في تعاونهما والصبر على تربية الأولاد، أدخلهما الله - تعالى -الجنة، وحُجِبَا عن النار.
عن عائشة - رضي الله عنها - قالت: دخلتْ على امرأة - ومعها ابنتان لها - تسأل، فلم تجد عندي شيئًا غير تمرة واحدة، فأعطيتها إياها، فقسمتْها بين ابنتيها، ولم تأكل منها شيئًا، ثم قامتْ فخرجتْ، فدخل النبي - صلى الله عليه وسلم - فأخبرتُه، فقال: (من ابتُلِي (أي: اختبُِر) من هذه البنات بشيء، فأحسن إليهنَّ (أي: أنفق عليهنَّ، وزوجهنَّ)، كُنَّ له سِتْرًا (أي: حجابًا) من النار)[البخاري، ومسلم، والترمذي].
معاملة الخدم:
قد تعجز المرأة عن الوفاء بمتطلبات البيت: من نظافة، وإعداد الطعام، وتربية الأولاد، وخدمة الزوج، وغير ذلك، فتلجأ إلى استخدام مربية أو خادمة؛ لتحمل عنها بعض هذه الأعباء، والأولى أن يكون الخدم من المسلمين، وهؤلاء الخدم هم إخوة لنا يجب الإحسان إليهم، وفي حياة النبي - صلى الله عليه وسلم - الأسوة والقدوة في كيفية معاملة الخدم. قال أنس -رضي الله عنه-: والله لقد خدمتُ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - تسع سنين، ما علمتُه قال لشيء صنعتُه: لم فعلتَ كذا وكذا؟ أو لشيء تركتُه: هلاَّ فعلتَ كذا وكذا؟ [مسلم].
وقال - صلى الله عليه وسلم -: (إخوانكم جعلهم الله تحت أيديكم، فأطعموهم مما تأكلون، وألبسوهم مما تلبسون، ولا تكلفوهم ما يغلبهم، فإن كلفتموهم؛ فأعينوهم) [البخاري]. فإن الرجل إذا أعان خادمه، غرس في نفسه المودة والمحبة وطيب الخاطر، وقد يُستخدم الرجل كبوَّاب، أو طبَّاخ، أو سائق، أو بستاني، أو غير ذلك؛ لضرورة الحاجة إليه، ومن دواعي استخدام الخادم -أيضًا- كبر سن الزوج والزوجة، أو عجزهما.
ويجب اختيار خادم أمين، يكتم أسرار البيت، ويحافظ على متاعه، ولا يجوز للزوج أن يختلي بالخادمة، ولا للزوجة أن تختلي بالخادم، ولا يجوز لها أن تظهر زينتها أمامه، والأفضل أن يتعامل الزوج مع الخادم، وأن تتعامل الزوجة مع الخادمة؛ درءًا للمفاسد، وحتى لا يقع مالا تُحْمَدُ عقباه، وعلى الزوجة أن تراعي الحذر والحيطة في تعاملها مع الرجال الذين يترددون على البيت بشكل دائم مثل: المكوجي، وبائع اللبن، ومحصل الكهرباء، وغيرهم.
http://www.tihamah.net المصدر:
ـــــــــــــــــــ(111/208)
حقوقي الزوجية
خالد عبد اللطيف
يتبادل الرجال والنساء رفع شعار " حقوقي الزوجية" كلما نزلت بساحة أحد الطرفين مشكلة أو خلاف مع الطرف الآخر؛ زاعماً أن شريكه في الحياة لا يرعى هذه الحقوق ولا يقوم بها حق القيام...
يأتي الرجل من عمله فيفاجأ بأن الطعام لم يعد في موعده، والأطفال في حالة لا تسره، ويزيد الطين بلة أن أم الأولاد لم تقدم أدنى اعتذار أو إشعار بأسباب شيء من ذلك، فهنا يضمر في نفسه أو يجهر بأعلى صوته: أين حقوقي كرجل وزوج؟!
في يوم آخر تنتظر الزوجة أبا الأولاد بفارغ الصبر، مجتهدة في إعداد مائدة شهية يحبها، وتهيئ الصغار لاستقبال أبيهم في أجمل صورة... لكن يدخل الرجل عابساً متجهماً مطرقاً لا يبادل فرحة الصغار بالأحضان، يلقي السلام هامساً بفتور، تمتص الزوجة الصدمة الأولى وفي أعماقها حزن مكبوت يوشك أن ينفجر.. يعجل بخروجه عدم التفات الزوج إلى مفاجأة المائدة أو تعبيره عن ذلك... وهنا تطلق عاطفة المرأة صرخة: أين حقوقي كامرأة وزوجة؟!
إن مرجع هذه الصرخات المعلنة أو الأحزان المضمرة لا يرجع في المقام الأول إلى هذه المواقف العابرة، بل إلى غفلة شريكي الحياة عن الحد الأدنى من أخلاق وآداب يعرفانها جيداً، ويتعامل بها كل منهما مع آخرين خارج البيت!! يغيب حسن الظن والتماس العذر والصبر والاحتساب؛ فتعظم الهفوة وتقع الجفوة، ويفرح الشيطان الذي لا يسره شيء مثل سروره بالتفريق بين زوجين!
ولو أن هذا الداخل إلى بيته وطّن نفسه على هذه الأخلاق لعذر امرأته في تأخرها في إعداد الطعام وبادر بمساعدتها، وقام بنفسه بتغيير ملابس الأطفال وإصلاح شأنهم، وهو في ذلك مسرور محتسب، أما الزوجة فلا تسل عن تراقص الفرحة في عينيها وعظيم امتنانها لهذا السلوك الرفيع!
ولو أنها بدورها حين دخل عابساً عذرته بأنه قادم من الخارج ولا تعلم ماذا وراء حالته، بل هي مشفقة عليه؛ لنسيت الطعام والأطفال والمفاجآت الحلوة، وسألته برفق: خيراً أيها الحبيب.. أحب الاطمئنان عليك؟! ثم لا تجهده في الإفصاح فوراً وتكتفي بالحرص على راحته حتى تهدأ نفسه..
إن حسن الصلة بالمولى الجليل - سبحانه - هو مفتاح نجاح العلاقة الزوجية بشيوع أخلاق الرحمة والمودة وحسن الظن والتماس العذر ومقابلة الإساءة بالإحسان في البيوت المسلمة..
كيف وفي ذلك تنشئة رائعة لأجيال الغد من الناشئة على هذه الأخلاق الكريمة؟!
http://www.asyeh.com المصدر:
ـــــــــــــــــــ(111/209)
التوزيع المدهش للأدوار داخل الأسرة
د. عماد الدين خليل
ارتباط المرأة المسلمة بالأسرة كمؤسسة اجتماعية معروف تماماً، ويجب أن نتذكر أنّ هذا الارتباط لا ينفي بشكل رياضي صارم قدرتها أو حرّيتها في التحرك عبر المؤسسات الأخرى. إذ ليست المسألة تتمثل هاهنا في عبارة: إما هذا وإما ذاك..إما البيت وإما الشارع..إنما هي الأولويات التي تنبثق عن طبيعة المرأة ووظيفتها الحيوية من جهة، وعن مطالب وضرورات العقيدة التي عرفت كيف تضع كل مخلوق في مكانه المناسب تماماً لأنها من صنع الله - سبحانه - وهو أدرى بخلقه - جل وعلا -.
ولقد كانت معطيات الواقع التاريخي، فضلاً عن التحليلات الفكرية الصرفة، تتأرجح دائماً لكن ما تلبث أن تستقر عند حقيقة أن التوزيع الإسلامي للأدوار البشرية على خريطة العالم والمجتمع، بما فيها دور المرأة، هو التوزيع الأكثر انسجاماً مع الخصائص البشرية كافة، والأقدر على منح الإنسان، وفق موقعه المرسوم، القدرة على العطاء والإبداع والإحسان، فضلاً عن التحققّ بالسوية النفسية والاجتماعية، والحصول بالتالي على الاستقرار والتوحّد والسعادة التي ضيّعتها أو كادت رياح المذاهب والأهواء.
وهكذا، وبدون أي قدر من التشنّج أو القسر، يتحتّم على المرء أن يدرك ما الذي تعنيه عبارة أن مكان المرأة الطبيعي هو البيت.
المسلمون عموماً فهموا جيداً هذا الشعار الإسلامي، ولم يروه، إلاّ في حالات استثنائية لا يقاس عليها، تحجيماً لدور المرأة، أو حجباً لحريتّها، أو منعاً لها من التعبير عن طاقاتها في مجالات ومؤسسات أخرى خارج نطاق البيت. خصوم الإسلام والعديد من الغربيين ومقلديهم من أبناء عالم الإسلام نفسه، فهموا، أو حاولوا أن يفهموا الأمر على غير وجهه، فقالوا فيه ما قالوا. ولكن، وبمواجهة هذا التيّار المضلّل، يبرز من بين هؤلاء جميعاً من تسوقه قناعاته الذاتية، ورؤيته المقارنة، فضلاً عن ضغوط الواقع ومعطيات التاريخ الجانحة، إلى أن يقول كلمة الحق في هذه المسألة. ورغم عدم التوازن النسبي بين هذا التيار والتيار السابق الأكبر اتساعاً، والأكثر صخباً وكدراً، فإننا نستطيع أن نتلّمس فيه ما يمكن أن يحدث مستقبلاً عندما تتجلى الحقيقة أكثر فأكثر، فيتبيّن لكل ذي عينين معنى أن يكون البيت هو مركز الثقل في وظيفة المرأة، وأن تكون الأسرة هي المؤسسة التي تتمحور على هذا الكائن المتفرّد في خصائصه وتركيبه ومكانته، والتي تسودها أجواء السلام والهناء والإخلاص والمحبة، في مقابل القلق والمشكلات المتجددة، والتفكك الذي يحيق بالأسر الغربية، وإزاء الخيانة الزوجية واتخاذ العاشقين والعشيقات من قبل الزوج الغربي والزوجة الغربية، الأمر الذي يتناقض ابتداءً مع ضرورات التكوين الأسري القائم على فردانية وطهر العلاقة الجنسية والعاطفية والوجدانية بين الرجل والمرأة، واليقين الذي لا يخترقه أي شك في أن الذريّة هي من صلب الآباء!
فمن المنظور الإسلامي الأصيل الذي يحتضن الحياة ولا يعاديها أو يجافيها، ويوحدّ بين مكوناتها، ولا يمزقّها أو يشتتها، ويستجيب لحاجاتها ومطالبها كافة، ولا يكبتها أو يرجح بعضها على بعض.. من رغبة الإسلام المؤكدة لضرورة استمرارية الحياة، وتواصلها، والتحقّق بأقصى درجات التناغم والانسجام بين أطرافها كافة من هذا كله تنبثق حتمية الأسرة كمؤسسة مركزية في نسيج هذا الدين.
إن مهمة الأسرة الأساسية ووظيفتها الكبرى، بموازاة حشد من الوظائف الأخرى، هي المحافظة على استمرار النوع وإرفاد الجماعة بالطاقات البشرية المتجددة التي تعينها ليس فقط على التواصل والديمومة، وإنما على النمو والتمكن في ميادين القوة والتحضّر.
فالأسرة كما هو معروف، هي المحضن الأول للطفولة التي تمثل هذا التوق للامتداد.
http://www.almujtamaa-mag.com المصدر:
ـــــــــــــــــــ(111/210)
المهر
المهر (أو الصداق): حق مالي للمرأة على الرجل الذي يتزوجها بعقد زواج صحيح، ليس لأبيها ولا لأقرب الناس إليها أن يأخذ شيئًا من مهرها إلا بإذنها ورضاها، قال - تعالى -: {وآتوا النساء صدقاتهن نحلة} [النساء: 4]. (أي: آتوا النساء مهورهن عطاءً مفروضًا). وقال - تعالى -: {فانكحوهن بإذن أهلهن وآتوهن أجورهن بالمعروف} [النساء: 25] والمهر يُطيِّب نفس المرأة،، وهو دليل على الحب والصدق، والرغبة في التعاون والمشاركة في الحياة الزوجية.
ولم يضع الشرع حدًّا لأقل المهر وأكثره. والمعيار في ذلك قدرة كل رجل واستطاعته، فيجوز للرجل أن يجعل مهر زوجته قنطارًا من ذهب، ولعل هذا ما أشارت إليه الآية الكريمة على وجه الإباحة. قال - تعالى -: {وإن أردتم استبدال زوج مكان زوج وآتيتم إحداهن قنطارًا فلا تأخذوا منه شيئًا أتأخذونه بهتانًا وإثمًا مبينًا} [النساء: 20].
وذات يوم قام الخليفة عمر - رضي الله عنه - في الناس خطيبًا، فقال: لا تزيدوا في مهور النساء على أربعين أوقية من فضة، فمن زاد أوقية جعلت الزيادة في بيت المال. فقالت امرأة: ما ذاك لك. قال: ولِمَ؟ فقالت: لأن الله - تعالى -يقول: {وآتيتم إحداهن قنطارًا} [النساء: 20] فقال عمر: اللهم عفوًا، كل الناس أفقه من عمر. [أبو يعلي].
لكن الإسلام رغب في تيسير المهور، واعتبر أكثر النساء يمنًا وبركة، أقلهن مهرًا. فلا يحسن بالمرأة أو وليها أن يفرض على الراغب في الزواج مهرًا كبيرًا يعجز عن أدائه، وقد أرشد الشرع الحنيف إلى التيسير في المهور، ليرغب الشباب في الزواج، فيحصنوا أنفسهم، وتعف نساء المسلمين، ولتكوين البيت الذي هو أساس المجتمع. والمغالاة في المهور عواقبها وخيمة؛ فهي تؤدِّي لانتشار العنوسة بين النساء، وحرمانهن من الزواج، كما تؤدي إلى تعطيل زواج الشباب، وهذا وذاك يؤدي إلى انحلال الأخلاق، وانتشار الفساد في المجتمع.
وكان عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- يرغب دائمًا في تخفيف المهور على الراغبين في الزواج، فقال: لا تغالوا في صداق النساء، فإنها لو كانت مكرمة في الدنيا، أو تقوى عند الله، كان أولاكم وأحقكم بها محمد - صلى الله عليه وسلم -. ما أصْدَقَ امرأة من نسائه، ولا أُصْدِقَتْ امرأة من بناته أكثر من اثنتي عشرة أوقية (والأوقية: عشرون درهمًا). [ابن ماجه].
ولحرص النبي - صلى الله عليه وسلم - على تخفيف المهور، زوج رجلاً بما يحفظه من القرآن. فقد جاءت امرأة إلى النبي - صلى الله عليه وسلم -، فقالت: يا رسول الله. إني وهبتُ نفسي لك. فقامتْ قيامًا طويلا، فقام رجل، فقال: يا رسول الله، زوجني بها إن لم يكن لك بها حاجة. فقال - صلى الله عليه وسلم -: (هل عندك من شيء تُصْدقُهَا إياه؟). فقال: ما عندي إلا إزاري هذا، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: (إن أعطيتها إزارك جلست لا إزار لك، فالتمس شيئًا). فقال: ما أجد شيئًا، فقال: (التمس ولو خاتمًا من حديد)، فالتمس فلم يجد، فقال له النبي - صلى الله عليه وسلم -: (هل معك من القرآن شيء؟) قال: نعم، سورة كذا، وسورة كذا، لسور يسميها، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: (قد زوجتكما بما معك من القرآن) [متفق عليه].
ومن النساء من رضيتْ بإسلام زوجها مهرًا لها، فعن أنس -رضي الله عنه- أن أبا طلحة خطب أُمَّ سُلَيْم -رضي الله عنها- فقالت: والله ما مثلك يُرَدّ، ولكنك كافر وأنا مسلمة، ولا يحل لي أن أتزوجَك، فإن تُسْلِم فذلك مَهْرِي، ولا أسألك غيره، فأسلم. فكان ذلك مهرها.
وللمهر أحكام تختلف حسب توقيت البناء بالزوجة، وتسمية المهر، وذلك على النحو التالي:
1- يجب المهر المسمى على الرجل إذا دخل بزوجته دخولا شرعيًّا قال - تعالى -: {وإن أردتم استبدال زوج مكان زوج وآتيتم إحداهن قنطارًا فلا تأخذوا منه شيئًا أتأخذونه بهتانًا وإثمًا مبينًا. وكيف تأخذونه وقد أفضى بعضكم إلى بعض وأخذن منكم ميثاقًا غليظًا} [النساء: 20-21].
فإذا مات الزوج قبل البناء، وكانا قد اتفقا على مقدار المهر، فيجب المهر المسمى -أيضًا- فإذا بنى الرجل بامرأة، ثم تبين له فساد عقد الزواج لسبب أو لآخر، فقد وجب عليه المهر كله. فقد تزوج (بصرة بن أكثم) بكْرًا فوجدها حبلى، فذكر ذلك للنبي - صلى الله عليه وسلم -، فقال له: (لها الصداق بما استحلْلت من فرجها)، وفرَّق بينهما. [أبو داود].
2- وإذا عقد الرجل على امرأة، وقد سمَّى لها المهر، ثم طلقها قبل الدخول بها، فلها نصف المهر، ويستحب لكل من الرجل والمرأة أن يعفو عن حقه أو جزء منه؛ ذكرًا للفضل الذي كان بينهما. قال - تعالى -: {وإن طلقتموهن من قبل أن تمسوهن وقد فرضتم لهن فريضة فنصف ما فرضتم إلا أن يعفون أو يعفو الذي بيده عقدة النكاح وإن تعفوا أقرب للتقوى ولا تنسوا الفضل بينكم إن الله بما تعملون بصير} [البقرة: 237] (أن يعفون: أي النساء، والذي بيده عقدة النكاح: هو الزوج).
3- أما إذا عقد رجل على امرأة، ثم طلقها قبل الدخول بها، ولم يفرض لها مهرًا، فقد وجب عليه أن يمتِّعها؛ تعويضًا لها عما فاتها، وتطييبًا لنفسها عن ألم الفراق. قال - تعالى -: {لا جناح عليكم إن طلقتم النساء ما لم تمسوهن أو تفرضوا لهن فريضة ومتعوهن على الموسع قدره وعلى المقتر قدره متاعًا بالمعروف حقًا على المحسنين} [البقرة: 236]. والمتعة: ليس لها حدٌّ معين، فهي تختلف باختلاف غنى الرجل أو فقره.
4- وإذا بنى الرجل بزوجته، ولم يحدِّدْ لها مقدار المهر، فللزوجة مهر المثل وهو مهر من يماثلها من النساء.
وإذا عقد الرجل على امرأة، ولم يدخل بها، ولم يتفقا على مقدار المهر، ثم مات عنها، فلها مهر المثل والميراث، ويقدر مهر المثل عند الأحناف والشافعية تبعًا لما يُدفع لنساء أسرة الأب؛ كالأخت والعمة، مع مراعاة التماثل في الجمال والبكارة، والثقافة، والخلق والدين، وما يراعى من صفات تقدير المرأة بوجه عام. وعند مالك: يكفي التماثل في الصفات ولو من غير القرابة. وعند ابن حنبل روايتان: الأولى أنه اعتبار قرابتها للأب، والأخرى اعتبار قرابتها للأم.
5- وإذا اشترط في العقد ألا يكون هناك مهر، فينعقد العقد، ويبطل الشرط، وللمرأة حق في مهر مثيلاتها، وذلك عند جمهور الفقهاء أيضًا.
6- ويسقط المهر عن الرجل إذا وهبته له المرأة، أو كانت المرأة سببًا في حدوث الفرقة؛ كأن وجد بها عيبًا يمنعه من تمام الاستمتاع بها.
7- وللزوجة أن تأخذ مهرها معجلا - في وقت العقد - أو مؤجلا فيما بعد، أو تأخذ بعضه وتؤخر بعضه. وعلى الزوج أن يعلم أن مهر زوجته دَيْن عليه، يحسن أن يؤديه إليها متى استطاع، ويجب أداؤه عند حلول أحد الأجلين الموت أو الطلاق.
الشبكة:
جرتْ الأعراف على أن يقدِّم الرجل (الشبكة) لمن يرغب في خطبتها، تقديرًا لها، وتعبيرًا عن مشاعره الطيبة نحوها، وقد يقَدمها في صورة ذَهَب أو غيره مما غلا ثمنه، وتعتبر الشبكة هدية أو جزءًا من المهر تبعًا لاتِّفاق الزوجين، فإذا قدمها، وقال: هذه هدية مني إليك عرفانًا بالحب والتقدير، فهي هبة وليست مهرًا. أما إذا قدمها، وقال: هذه جزء من المهر فله ذلك، والأفضل إشهاد رجلين على تقديم الشبكة؛ حتى لا ينكر أحد الطرفين ما اتفقا عليه، وتجري على الشبكة أحكام المهر إذا كانت جزءًا منه، فإذا لم يتفقا على ذلك جرتْ عليها أحكام الهدية.
ومن كرم المرأة وأهلها ألا تشترط على الخاطب أن يقدم الشبكة بمقدار معيَّن. ولا مانع أن يقدِّم الرجل الشبكة لمن يريد الزواج بها في حضور أهله وأهلها، في حفل صغير، يتعارف فيه أهل الزوجين ويتقاربان، وتتوطِّد العلاقات بينهما على أن يلتزم الجميع في هذا اللقاء بالآداب الشرعية الخاصَّة بالاختلاط والزِّي.
وكثيرًا ما نرى الخاطب يقوم بإلباس الشبكة لمخطوبته في حضور الأهل والأقارب، وفي هذا مخالفة شرعية؛ حيث إنه لا يجوز للخاطب أن يلمس جسم مخطوبته، ويمكن أن تقوم بذلك أمُّه أو أخته، أو يكتفي بتقديمها، ثم يُلبسها مخطوبته بعد ذلك. وفي بعض الأحيان تُقدَّم الشبكة بعد العقد، ولا مانع حينئذ من أن يلبس الرجل المرأة الشبكة. والمرأة لا تشترط على الرجل أن يلبس خاتمًا (أو ما يسمى دْبِلَةَ الخُطُوبة) ذهبيًّا، ولو اشترطت فشرطها باطل، ولا اعتبار له، فهذا مخالف للشريعة قال - صلى الله عليه وسلم -: (الذهب والحرير حلٌّ لإناث أمتي، وحرام على ذكورها) [الطبراني].
تأثيث البيت:
الرجل هو المسئول عن إعداد بيت الزوجية، وتجهيزه بالأثاث المناسب، ولأهل المرأة أن يتعاونوا مع الرجل في تحمل بعض النفقات، وليس ذلك واجبًا مفروضًا عليهم، وإنما هو إعلانٌ عن حبهم له، وكسبٌ لمودته، فعن علي -رضي اللَّه عنه - قال: (جهَّز رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فاطمة في خميل (ثوب له وبر؛ كالقطيفة)، وقِرْبَة، ووسادة حَشْوُها إذْخَر (نبات طيِّب الرائحة). [النسائي].
وفي بعض الحالات يدفع الزوج المهر لأهل العروس؛ ليقوموا بتجهيز منزل الزوجية من هذا المهر، مع ما يضيفونه إليه من مالهم الخاص، وبهذا يكون الجهاز مِلْكًا للزوجة وحدها، وإنما يستعمله الزوج بإذنها. فإذا دفع الزوج المهر للعروس، ثم قام بإعداد منزل الزوجية وتأثيثه، فإن الجهاز يكون ملْكًا له. فإن اشترك كل من الزوجين في إعداده، كانا شريكين في ملكيته على قدر مشاركة كل منهما.
وفي بعض المجتمعات، يتفق الرجل مع ولي المرأة على تأثيث بيت الزوجية بشرط أن لا يدفع لها مهرًا مقابل تجهيزه لبيتها، وكأنه قدم لها المهر في صورة أثاث وأجهزة للبيت، وفي هذه الحالة يكون أثاث البيت مِلْكًا للمرأة؛ عِوَضًا عن المهر، وفي بعض الحالات تقسم المسؤوليات عند الزواج بتوزيع النفقات على الطرفين، وهذا ليس واجبًا على المرأة، أما إن تم بالتراضي فلا بأس.
http://www.tihamah.net المصدر:
ـــــــــــــــــــ(111/211)
أهمية المدح بين الزوجين
أجمع الأزواج والزوجات على أن المدح ضروري لاستقرار الحياة الزوجية وتمتعها بمقومات الاستمرار والسعادة ذلك ما أظهره استبيان الفرحة حول أهمية المدح في العلاقة الزوجية.
السؤال الأول:
أيهما يحتاج إلى المدح أكثر الرجل أم المرأة؟
السؤال الثاني:
كيف تمدح زوجتك...كيف تمدحين زوجك؟
السؤال الثالث:
متى تمدح زوجتك.. متى تمدحين زوجك؟
السؤال الرابع:
هل المدح ضروري لاستقرار الحياة الزوجية؟
السؤال الخامس:
هل تميل لأسلوب المدح؟ هل تميلين لأسلوب المدح؟
السؤال السادس:
هل عواطف المادح أكثر من غير المادح؟
أجري الاستبيان على عينة عشوائية من المجتمع في بلدين عربيين هما الكويت ومصر ضمت خمسين رجلا متزوجا وخمسين امرأة متزوجة من درجات علمية مختلفة وبيئات اجتماعية منوعة ومراحل عمرية متعددة وخبرة زوجية متفاوتة ليكون الاستبيان أكثر مصداقيا وبأقل هامش خطأ.
وبمقارنة النتائج بين الكويت ومصر لاحظنا تشابه النتائج أو تطابقها تقريبا ففضلنا إجراء متوسط حسابي للنسبتين واستقرار النتائج بصورة مجملة.
وفي التفاصيل تشابهت آراء الأزواج والزوجات في أن المرأة هي أكثر احتياجاً للمدح من الرجل حيث رجح 92% من الأزواج والنسبة ذاتها من الزوجات هذا الرأي بينما رأى 8% فقط من الأزواج ومن الزوجات أن الرجل هو الأكثر حاجة للمدح.
أما في السؤال الثاني فقد أوضح 36% من الأزواج و 56% من الزوجات أنهم يمدحون طرفهم الآخر بالعبارات المباشرة والصريحة، أما الذين يفضلون أسلوب التلميح والعبارات غير المباشرة فقد كانت نسبتهم 8% من الأزواج و 12% من الزوجات، أما المدح بالسلوك والأفعال فقد فضله 52% من الأزواج و 28% من الزوجات أما الذين لا يمدحون إطلاقاً فلم تتجاوز نسبتهم 4% من الطرفين وباستقرار نتائج هذا السؤال يتضح أن مجتمعنا لا يزال يولي أهمية كبيرة للجوانب الشعورية والوجدانية والتي يعتبر المدح صدى مباشرا لها فلو اختلفت أساليب المادحين لكنهم في المحصلة يميلون لهذا السلوك بحيث نجد 96% من الأزواج والزوجات يلجأون للمدح ولكن بطرق مختلفة، بينما انحصرت نسبة من لديهم نوع من الجفاء العاطفي في التعبير عن مزايا الطرف الآخر بحدود 4% فقط.
أما السؤال الثالث: فقد فضل 52% من الأزواج مدح زوجاتهم بعد الفعل الذي يستحق المدح مباشرة بينما فضلت 68% من الزوجات هذا الأمر، كما رأى 16% من الأزواج إمكانية المدح بعد الفعل الذي يستحق المدح قبل الفعل الذي يستحقه وانسجمت 32% من الزوجات مع هذا الرأي فيما كانت نسبة الذين لا يمدحون 4%.
وتوحي نتائج هذا السؤال بأن عينة النساء انقسمت إلى قسمين فقط بحيث رأت 68% أهمية المدح بعد الفعل مباشرة و 32% قبل الفعل للتحريض والتشجيع عليه.
أما الأزواج فقد توزعت نسبتهم بين الاحتمالات الأربعة رغم أن الغالبية كانت تميل للمدح بعد الفعل الذي يستحق المدح مباشرة.
أما الأمر اللافت للانتباه في السؤال الرابع فهو أن الرجال بالإجماع يرون أن المدح ضروري لاستقرار الحياة الزوجية بينما رأت 96% من النساء هذا الرأي، مع أن طبيعة المرأة العاطفية تقتضي أن يكون الإجماع نسائياً لا رجاليا.
والأمر ذاته أيضاً لاحظناه في نتائج السؤال الخامس حيث مال 88% من الأزواج لأسلوب المدح وانخفضت النسبة لدى الزوجات إلى 80% وربما يكون الحياء سبباً في هذا الانخفاض فطبيعة المرأة عموماً لا تميل إلى الإفصاح عن مكنونات مشاعرها لفظياً وتكتفي بالتعبير والإيحاء.
أما في السؤال السادس فقد رأى 72% من الأزواج أن المادح عواطفه أكثر من غير المادح، وانخفضت النسبة لدى الزوجات إلى 64%.
العدد (77) فبراير 2003 ـ ص: 42
http://al-farha.osrty.com المصدر:
ـــــــــــــــــــ(111/212)
أبي .. أمي
بدرية الغنيم
كلمة شكر عاطرة أهديكموها في هذه الأيام المباركات.. كلمة شكر لك أنت يا أبي تتضوع عطراً لاستقبالك كلما دلفت الدار، تتلفت يمنة ويسرة تطمئن على أفراد أسرتك فرداً فردا.. كلمة شكر لك يا أبي حينما تبات ويداك كالتان من عملك، تأوي منهكاً قد بذلت جهدك في عملك بإخلاص، أرقبك حال عودتك من عملك محمل اليدين بالخيرات يتسابق الصغار للانضواء تحت جناحك، وأرقبك وأنت تتمدد منهكاً فأتذكر الحديث: "من أمسى كالا من عمل يده أمسى مغفورا له".
أقول: شكر الله لك سعيك كلما رأيتك في حنو قريب من أسرتك، أرقبك صباحاً عند عودتك من صلاة الفجر فأستمد عزيمتي من عزمك، يأخذني التقاعس فيأبى جدك إلا أن يشملني؛ لأني أفخر بك ولا أريد أن تراني بذرة متقاعسة أو متوانية، فأنت القدوة التي لا تغيب عن بالي.. أرقب جميع أفعالك وكلماتك لتكون نبراساً لي؛ فلا تلمني فإنهم يقولون "كل فتاة بأبيها معجبة" ربما لأنهم عرفوا رأيي فيك، بل رأي أسرتي وأهلي..
ولك أنت يا أمي موفور الشكر موصولاً بدعوات حارة بأن يجزيك الله خير الجزاء على صبرك وبذلك ورعايتك وتحاملك على نفسك وعلى صحتك؛ لأجل أسرتك، ولحبك وقربك من أسرتك. كم كنت أعجب من تواجدك معنا في كل وقت وفي كل مكان، أجدك عند نومي قريبة من سريري، وأجدك حال جوعي وقد مددت لي اللقمة قبل أن أطلبها، وأجدك إلى جواري عند مذاكرتي درسي، وعند مرآتي تصففين شعري، وأجدك معي في فرحي ومعي في حزني وفي جدي وهزلي، وعند عودتي من مدرستي.. كم هي سعادتي حين أجدك تستقبلينني استقبال الفاتحين؛ فكان لذلك الاستقبال بالغ الأثر في بث الطمأنينة في نفسي.. فأي حب تحملين؟ وأي كنز منه تبذلين؟
وأخيراً هنيئاً لنا جميعاً هذه الأسرة الطيبة الخيّرة فهي ثمرة الأبوين الصالحين..
{وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحاً}.
http://www.lahaonline.com المصدر:
ـــــــــــــــــــ(111/213)
الخلافات الزوجية
الحياة الزوجية قوامها المودة والرحمة، والحب والتفاهم، وحسن العشرة، والمشاركة، والتعاون، والشياطين تسعى بكل ما أوتيتْ من حيل للإفساد والتفريق بين الأزواج، فهي لا ترجو الصلاح ولا الاستقرار للمسلمين.
وأعلى الشياطين منزلة عند إبليس، وأقربهم إليه، وأدناهم منه منزلة؛ ذلك الذي يفرق بين زوجين. قال - صلى الله عليه وسلم -: (إن إبليس يضع عرشه على الماء، ثم يبعث سراياه (جنوده)، فأدناهم منه منزلة: أعظمهم فتنة (إغواءً وإفسادًا) يجيء أحدهم، فيقول: فعلتُ كذا وكذا، فيقول: ما صنعتَ شيئًا. ثم يجيء أحدهم فيقول: ما تركته حتى فرقتُ بينه وبين امرأته، فيدنيه منه ويقول: نِعْمَ أنتَ، فيلتزمه (أي: يحتضنه)) [مسلم].
وقال - تعالى -: {واتبعوا ما تتلو الشياطين على ملك سليمان وما كفر سليمان ولكن الشياطين كفروا يعلمون الناس السحر وما أنزل على الملكين ببابل هاروت وماروت وما يعلمان من أحد حتى يقولا إنما نحن فتنة فلا تكفر فيتعلمون منهما ما يفرقون به بين المرء وزوجه وما هم بضارين به من أحد إلا بإذن الله ويتعلمون ما يضرهم ولا ينفعهم ولقد علموا لمن اشتراه ما له في الآخرة من خلاق ولبئس ما شروا به أنفسهم لو كانوا يعلمون} [البقرة: 102].
فعلى كل زوجين أن يعلما أن شياطين الجن والإنس لهما بالمرصاد، فهم يتربصون بكل زوجين، ويضمرون لهما العداوة والبغضاء، فيصعِّدون الخلافات البسيطة مما يجعلها ذات حجم أكبر من أصلها، وربما كانت سببًا في إحداث الفرقة بينهما.
لا للخلافات الزوجية:
هذا هو الشعار الذي يجب أن يرفعه الزوجان، وذلك بأن يجعلا المناخ الأسري، والعلاقة بينهما بلا خلافات، وليس فيها مكان للمشكلات، وأن تكون العلاقة بينهما تربة صالحة، لا تنبتُ إلا الزهور والورود، ولا تعرف الأشواك، وإذا عرفتها، عرفت كيف تتعامل معها، حتى لا تتأثر بها وتتضرر، لكن الوقاية خير من العلاج، وخصوصًا في الخلافات الزوجية، فيجب وأْد هذه الخلافات مبكرًا، وأن تُجتزَّ من جذورها قبل أن يقوي عودها، ويصعب نزعها.
ويجب على الزوجين أن يسرعا في علاج الخلافات في بدايتها، وأن لا يهملا هذا الأمر، فالتواني والقعود عن حلها يعني تأصيلها وتغلغلها في جسد الحياة الزوجية. وإن الخلافات إذا استشرتْ في الحياة الزوجية؛ هزلت وضعفت ومرضت، وربما انتهت -لا قدر الله-. إنها كالسوس الذي ينخر في الساق المتين، فيجعله هباءً منثورًا، وما أجمل أن يضع الزوجان أسلوبًا أو منهجًا، يتفقان عليه في مواجهة المشكلات الزوجية؛ وذلك من أول أيام الزواج.
معرفة الأسباب بداية العلاج:
كل الأمراض وجميع المشكلات لا يمكن حلها أو التغلُّب عليها إلا إذا تمَّ تحديد أسبابها بدقَّة ووضوح، ومن هنا فإن التعرف على الأسباب الحقيقيَّة للخلافات بين الزوجين ضرورة للقضاء عليها، وقد ترجع هذه المشكلات لأسباب متعددة، منها:
- تفريط الزوج في بعض المسئوليات الأسرية، تجاه الأبناء أو تجاه الضيوف أو أهل الزوجة وأقاربها، أو غير ذلك.
- الإهمال من قِبَل أحد الزوجين في أداء حقوق الطرف الآخر.
- سوء الفهم، أو الفهم الخاطئ لموضوع أو موقف معين من قبل أحد الزوجين أو كليهما.
- اختلاف رؤية أو طباع أو عادات أو شخصية كل منهما، مما يظهر في اختلاف موقفهما تجاه أمر واحد.
- التربية الخاطئة للزوجة، فقد تكون أمها كالرقيب أو الشرطي لزوجها، تستجوبه عن كل شيء، فتقوم هي الأخرى بدور أمها مع زوجها.
- سوء الأحوال الاقتصادية؛ فقد يكون الزوج قليل الكسب لإهماله أو كسله، أو سوء تصرفه، أو أنه ينفق من مال زوجته ببذخ وإسراف وبغير رضاها أو قهرًا عنها.
- سوء تصرفات الزوجة الاقتصادية؛ فقد تتصرف في مال زوجها من غير إذنه، وقد تنفق المال في أمور لا تنفع ولا تفيد؛ كشراء الكماليات أو غير ذلك.
- اهتمام الزوجة بالأبناء على حساب الزوج، فقد تعطيهم معظم وقتها، فتحرم الزوج من حقوقه عليها، وقد يختلفان في طريقة أو أسلوب تربية الأبناء.
- سوء علاقة أحد الزوجين بأهل الزوج الآخر، ودوام الشكوى المتبادلة بينهم.
- السماح بتدخُّل الأهل أو الأصدقاء في الحياة الزوجية.
وإجمالاً، يمكن القول: أن أسباب المشكلات الزوجية تأتي من غياب المنهج الإسلامي في العلاقة التي بين الزوجين، والتي تنظم أحوال الأسرة جميعها.
والمرأة الذكية هي التي تستفيد من كل خلاف، فلا تعود إليه أبدًا؛ وأن تتخذ من المصالحة وسيلة جديدة للترابط والتوافق، فتعض عليها بالنواجذ، فالمؤمنة كيسة فطنة لا تُلدغ من جحر مرتين.
منهج التعامل مع المشكلات الزوجية:
إذا ترك الزوجان المشكلات التي تواجههما دون اتفاق على منهج محدد للتغلب عليها، فقد تعصف أمواج هذه المشكلات بحياتهما، ويمكن للزوجين أن يتخذا بعضًا من الأسس والمبادئ كدستور حتى يسهل عليهما التعامل مع الخلافات الزوجية، ومنها:
1- اللجوء إلى جوهر الإسلام فيما يتعلق بالمشكلة والأخذ بما جاء في القرآن والسنة، ثم عرض المشاكل على هذا المنهج والخضوع لرأي الدين فيها.
2- السرية، فليس لأحدهما أن يخبر أحدًا آخر بما دار بينهما من خلاف.
3- خير الزوجين من يبدأ بالسلام، ويقبل على الطرف الآخر ولا يهجره، ويصالحه ويصفح عنه.
4- التناصح والتواصي بالحق، والموعظة الحسنة من قبل الزوجين.
5- الاقتناع والتفاهم والتحاور الهادئ والاعتراف بالأخطاء هو السبيل لحل الخلافات.
6- الاختلاف لا يعني -أبدًا- التشاجر أو التخاصم.
7- التحلي بالصبر والأناة، وترك الغضب والثورة.
8- على الزوجة أن تتسم باللين والطاعة.
9- الاعتذار؛ فعلى من يشعر بالخطأ أن يبادر بالاعتذار للطرف الآخر.
10- لا يجوز الاختلاف على أمر ديني ثابت.
11- لا يجوز الاختلاف على حق يجب لأحدهما على الآخر، كأن يترك الزوج الإنفاق على زوجته، أو تأبى الزوجة طاعة زوجها.
12- تفادي الحرام في الخلافات، فلا يجوز السب أو الحلف بالطلاق، أو ما شابه ذلك.
13- تذكر إيجابيات الطرف الآخر، والمواقف الطيبة بين الزوجين خلال فترة الخلاف، وعند مناقشتها.
14- الانتباه، لأن الرابح الوحيد من الخلافات الزوجية هو عدو الله وعدوهما: الشيطان.
15- لا هجر إلا في البيت، فلا يجوز للزوج ترك البيت والذهاب إلى أحد الأصدقاء أو غيره، إلا أن يظن أن الخير في ذلك فيجوز، فإن تيقن منه، وجب عليه الخروج.
16- لا تترك الزوجة بيت زوجها، وتذهب إلى بيت أهلها مهما كانت المشكلة.
17- إبعاد الأبناء عن المشكلات، فلا يختلف الزوجان أمامهم.
18- السرعة في الحل، فلا يجوز ترك المشكلة وقتًا طويلا قبل المبادرة لحلها.
19- تقليل المدى الزمني للخلافات، فعلى الزوجين أن يتفقا على مدة زمنية، ينتهي الخلاف عندها مهما كان.
20- لا يجوز للزوج أن يضرب زوجته ضربًا مُبَرِّحًا، أو أن يسيء إليها في بدنها، كما لا يجوز أن يضرب الوجه أو يقبح.
21- إذا لم يتفق الزوجان، فعليهما أن يخبرا طرفًا ثالثًا، يُعرف بالصلاح والأمانة؛ ليسعى بالإصلاح بينهما، ويستحب أن يكون من الأقارب.
22- إذا تفاقمت الخلافات بين الزوجين فعليهما أن يبعثا برجل من قبل كل منهما؛ للتشاور والسعي لحل المشكلة.
23- إذا علم الزوجان أن حياتهما لم تعد تطاق، وفشلت كل سبل العلاج والوفاق، وأصبح زواجهما نقمة عليهما، فإن الطلاق -وإن كان أبغض الحلال إلى الله- هو الوسيلة الوحيدة للعلاج في هذه الحالة، عسى أن يصلح به الحال وترفع به المضرة، قال - تعالى -: {وإن يتفرقا يغن الله كلا من سعته}
[النساء: 130].
وقال - تعالى -: {واللاتي تخافون نشوزهن فعظوهن واهجروهن في المضاجع واضربوهن فإن أطعنكم فلا تبغوا عليهن سبيلا إن الله كان عليًا كبيرًا. وإن خفتم شقاق بينهما فابعثوا حكمًا من أهله وحكمًا من أهلها إن يريدا إصلاحًا يوفق الله بينهما إن الله كان عليمًا خبيرًا} [النساء: 34-35].
والمشكلات الزوجية تتعدد في أشكالها، ودرجة وخطورتها، والأطراف المشتركة فيها، ودرجة تأثيرها، وغير ذلك. ومن المشكلات التي تواجه الزوجين: الغيرة، وسوء العلاقة بأهل الطرف الآخر، وعناد أحد الزوجين، والزوج ذو اللسان السليط، والزوجة الثرثارة والكثيرة الأسئلة عن كل شيء، وغيرها.
مشكلة الغيرة:
الغيرة المباحة شرعًا من شيم النفوس الكريمة، فالمسلم يحب زوجته، ويتمنى لها الخير والصلاح، ويكره لها الفحش والمجون، وكل ما يهون من رفعتها ومقدارها عنده، فغيرة الزوج على زوجته من الإيمان، وبها تسعد وتفخر كل زوجة مسلمة، قال - صلى الله عليه وسلم -: (إن الله يغار، وإن المؤمن يغار، وغيرة الله أن يأتي العبد ما حرَّم الله) [متفق عليه].
والرجل الذي لا يغار على أهله، ولا يغضب إذا رأى زوجته متبرجة، أو رآها وهي تحدث الرجال في ميوعة أو خضوع فإنه ديوث يقبل الفحش والسوء على أهله، قال - صلى الله عليه وسلم -: (ثلاثة لا يدخلون الجنَّة: العاق لوالديه، والديوث، ورَجُلَة النساء (وهي التي تتشبه بالرجال من النساء)) [النسائي].
ويجب على المسلم أن لا يغار على زوجته إلا في موطن يستحق الغيرة -وكذا الزوجة- قال - صلى الله عليه وسلم -: (من الغيرة ما يحبه الله، ومنها ما يكره الله، فأمَّا ما يحبُّ الله فالغيرة في الريبة (أي: في مواطن الشك)، وأما ما يكره فالغيرة في غير ريبة) [ابن ماجه].
فيجب على كل زوجين أن يبتعدا عن مواطن الشبهات. قال - صلى الله عليه وسلم -: (إن الحلال بيِّن، وإن الحرام بيِّن وبينهما أمور مشتبهات لا يعلمهن كثير من الناس، فمن اتقى الشبهات فقد استبرأ لدينه وعِرْضِه، ومن وقع في الشبهات وقع في الحرام) [متفق عليه]. ولذا يجب على المسلم أن يبتعد عن دور اللهو والفساد، فيراه الله حيث أمره، ويفتقده حيث نهاه.
والمرأة تمنع الغيرة والريبة عن زوجها إذا تحلتْ بالفضائل، والتزمتْ بأوامر الشرع في خروجها من بيتها، وفي زيها، وقولها، وفعلها، ومشيتها، وفي سائر أخلاقها، والرجل يدفع الغيرة عن زوجته، إذا تمسك بأوامر الله، وانتهى عن نواهيه في كل أحواله.
والغيرة المعتدلة تحفظ العلاقة الزوجية، وتوفر السعادة، وتقضي على كثير من المشكلات، أما إذا اشتدتْ الغيرة (وهي الغيرة في غير ريبة)، فأصبح كل من الزوجين يشك في الآخر، ويتمنى أن يكون شرطيًّا على رفيقه، يراقبه في كل أعماله، ويسأله عن كل صغيرة وكبيرة، فهذا مما يوجد أسباب الخلاف، فتكون الغيرة مدخلاً للشيطان بين الزوجين، وربما أحدث الفرقة من هذه السبيل، وعلى الزوجين أن يثقا في بعضهما البعض، فلا يكثرا من الظن والشك، فذلك وسوسة من الشيطان، قال - صلى الله عليه وسلم -: (إياكم والظن، فإنه أكذب الحديث) [أحمد، وأبو داود، والترمذي].
والزوجة الفَطِنَة هي التي تبعد الغيرة عن زوجها، فلا تصف رجلا أمامه، ولا تمدحه ولا تثني عليه؛ فذلك مما يسبب غيرته، وضيق صدره، مما قد يدخل التعاسة بين الزوجين، بل تمتدح زوجها وتثني عليه بما فيه من خير، وتعترف بفضله، وعلى الزوجة أن لا تمنع زوجها من زيارة أهله بدافع الغيرة، وليكن شعارها: من أحب أحدًا أحب من يحبه. وهذا يساعد على استقرار الحياة الزوجية ودوام المودة والقربى.
مشاكل تتعلق بأهل الزوجين:
قد تنشأ بين الزوجين مشاكل تتعلق بأهل أحدهما، وربما تتفاقم هذه المشاكل حتى تصبح عائقًا أمام سعادتهما، ولها مظاهر كثيرة منها:
- خروج الزوجة من بيت زوجها لزيارة أهلها بدون إذنه؛ مما يغضبه. فعلى الزوجة أن تستأذن زوجها عند خروجها، وعلى الزوج أن يسمح لها بزيارتهم، ويذهب معها كلما استطاع، وعلى الزوجة أن تعلم أنه قد أصبح لها بيت آخر غير بيتها الذي نشأت فيه، فلا تكثر من زيارة أهلها، وتهتم ببيتها، وترعى شؤونه، فلابد لها من فطام أسري تستعين به على قضاء حاجات
زوجها وبيته.
- اختلاف الزوجة مع أهل زوجها إن كانوا يسكنون معها في بيت واحد، فعلى الزوجة أن تكون مطيعة لأم زوجها، فلا تكثر من الاختلاف والتشاجر معها أو التخاصم، ولا تدفع زوجها إلى مقاطعة أهله، ولتكن عاملا مساعدًا في تقريب الزوج من أهله، والمسارعة إلى إزالة أسباب الخلاف بين زوجها وأهله، وعليها أن تنظر إلى أم الزوج وأبيه كنظرتها لوالديها، وتعامل أخواته كأخواتها، ولتجعل من نفسها أمًّا لهم إذا كانوا صغارًا، وعليها أن تترفع عن الأمور الصغيرة وتتجاوز عنها.
- دخول الرجال من أهل الزوج على الزوجة: فعلى الزوجة أن تتفق مع زوجها في هذه المسألة، فلا يدخل عليها في بيتها أحد من أقاربه في غيابه، قال - صلى الله عليه وسلم -: (إياكم والدخول على النساء. فقال رجل من الأنصار: يا رسول الله، أفرأيت الْحَمُو (أخو الزوج)؟ قال: (الْحَمُو الموت)[البخاري، ومسلم].
- غضب الزوجة إذا أنفق الزوج كثيرًا من ماله على أهله، برًّا بهم، وهذا لا يليق بالمسلمة، بل عليها أن تمدح له ذلك.
- بخل الزوج في معاملته لأهل زوجته، أو بخل الزوجة في معاملة أهل زوجها، فالبخل ليس من شيم المسلمين، فما بالنا به مع الأهل والأصهار.
- كثرة استضافة الزوج لأهله في البيت، وإرهاق الزوجة في خدمتهم، والمسلمة صحيحة الفهم تفرح لذلك، وتجعله مدخلا لقلب زوجها، وبابًا واسعًا من أبواب كسب الحسنات.
- إهمال أهل الزوج في حق الزوجة، وعلى المسلمة أن تتسامح في مثل هذه الأمور من أجل زوجها، فتكسب الكثير إذا أشعرته أنها تقابل السيئة بالحسنة إرضاء لله - تعالى -.
- تدخُّل أهل أحد الزوجين الدائم والزائد في حياتهما، مما يحدث خلافات ومضايقات لهما، وعلى الزوجة هنا أن تبعد أهلها عن حياتها الخاصة مع زوجها، وأن تتفاهم مع زوجها في تودد في حالة تدخل أهله في حياتهما، وأن مثل هذه التدخلات قد يُحدِث تصدعًا في حياتهما.
وعلى كل من الزوجين أن يسعى لإيجاد الترابط والوفاق بين رفيقه وبين أهله وأقاربه، فإذا خاصمتْ الزوجة أهلها، فعلى الزوج أن يصلح بينهما. قال - تعالى -: {والصلح خير} [النساء: 128] وذلك لتدوم العلاقة الأسرية وطيدة، فيقوى المجتمع، ويتفرغ أبناؤه لمواجهة المشاكل الحقيقيَّة التي تواجه الأمة الإسلامية. وعليهما أن يداوما على زيارة أقاربهما حتى وإن لم يصلوهما، قال - صلى الله عليه وسلم -: (ليس الواصل بالمكافئ، ولكن الواصل الذي إذا قطعت رحمه وصلها)[البخاري وأبو داود والترمذي].
وجاء رجل إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: إن لي قرابة أصلهم ويقطعوني، وأحسن إليهم ويسيئون إليَّ، وأحلُم عليهم ويجهلون علي، فقال - صلى الله عليه وسلم -: (إذا كنت كما قلت فكأنما تسفهم الملَّ (الرماد الحار)، ولا يزال معك من الله ظهير عليهم ما دمت على ذلك). [مسلم].
وقد حذر الشرع من قطع الأرحام، واتهم من يرتكب ذلك بالإفساد في الأرض، قال - تعالى -: {فهل عسيتم إن توليتم أن تفسدوا في الأرض وتقطعوا أرحامكم. أولئك الذين لعنهم الله فأصمهم وأعمى أبصارهم} [محمد: 22-23]. وقال - صلى الله عليه وسلم -: (لا يدخل الجنة قاطع رحم) [مسلم].
- عناد أحد الزوجين: فعلى الزوجة أن تكون لطيفة لينة هينة مع زوجها بلا عناد ولا غضب. والعناد منع الحق مع العلم به، وهو مثيل الكبر، وكل متكبر عاقبته وخيمة، وقد قيل: العناد يورِّث الكفر. وقد وردت لفظة العنيد في القرآن الكريم أربع مرات، فاقترنتْ بالكفر والجبروت، فقد تخالف المرأة زوجها في الرأي عنادًا، وتصرُّ على موقفها بشكل متصلِّب، وهذا الفعل من عمل الشيطان، ومما يسعده، والمسلمة العاقلة لا تعرف العناد، فهي ترضي زوجها، وتطيعه وتلين له، وتنزل عن رأيها، وتميل إلى رأيه؛ إرضاءً له ما لم يكن مخالفًا للشرع.
والزوجة الذكية هي التي لا تواجه زوجها عند الغضب، وتغتنم لحظات المودة بينهما، فتنصحه بلطف وبشكل غير مباشر، وبأسلوب رقيق، مع تذكيره بسائر مزاياه الطيبة - أثناء ذلك-، وأنها تراه نموذجًا كاملا للزوج، ولكن حبذا لو ابتعد عن العناد والغضب؛ حتى لا يسيء ذلك إلى كماله أو رجاحة عقله وشخصيته.
مشكلة الزوج ذي اللسان السليط:
الكلمة الطيبة صدقة، ولها فعل السحر في نفوس الناس؛ فهي تبني ولا تهدم، وتصلح ولا تفسد، وعلى الزوجين أن يراعي كل منهما مشاعر الآخر وأحاسيسه، فلا يؤذيه بكلمة بذيئة أو لفظة نابية، وقد تُبْتَلَى المرأة بزوج سليط اللسان، يتطاول عليها بالسب واللعن، فعليها أن تصبر على أذاه، وأن لا تصنع ما يغضبه أويثيره، وعليها أن تتجمَّل عند ثورته بالهدوء، وأن تتصرف بحكمة؛ لتمتص غضبه. عليها أن تنتهز وقت هدوئه وصفائه، فتنصحه برفق وأناة وحلم، وتذكره بأن المسلم لا يكون طعّانًا، ولا لعَّانًا، ولا بذيء اللسان، وأن النبي - صلى الله عليه وسلم - قد مُدِح بخلقه الكريم، قال - تعالى -: {وإنك لعلى خلق عظيم} [القلم: 4].
وقد رغب النبي - صلى الله عليه وسلم - في الكلمة الطيبة، وحذر مما سواها، فقال - صلى الله عليه وسلم -: (إن الرجل ليتكلم بالكلمة لا يرى بها بأسًا، يهوي بها سبعين خريفًا في النار) [الترمذي والحاكم]. وقال - صلى الله عليه وسلم - -أيضًا-: (إن الرجل ليتكلم بالكلمة من رضوان الله - تعالى -، ما يظن أن تبلغ ما بلغتْ، فيكتُب الله له بها رضوانه إلى يوم القيامة، وإن الرجل ليتكلم بالكلمة من سخط الله ما يظن أن تبلغ ما بلغتْ، فيكتب الله عليه بها سخطه إلى يوم القيامة)[أحمد، والنسائي، وابن ماجه، وابن حبان].
فالزوجة إذا ما تحلَّتْ بالصبر على إساءة زوجها، وأخلصت في النصح له، فلابد وأن ينصلح حاله، وأن يصبح رجلا طيب اللسان، حلو الكلام. وعلى الزوجة أن تدعو لزوجها في صلاتها، وفي الأوقات الأخرى التي يفضل الدعاء فيها بأن يهديه الله ويصلح من عيوبه، ويعصمه من البذاءة.
مشكلة ثرثرة الزوجة وكثرة أسئلتها لزوجها:
على الزوجة أن لا تكثر من الثرثرة مع زوجها بعد عودته من عمله، فإنه يلقى من التعب والمشقة في يومه ما يتطلب الراحة والهدوء، بل عليها أن تحسن استقباله، وتخفف عنه تعبه، وعليها أن تتجنب كثرة الأسئلة، وأن لا تلح عليه في الإجابة عن سؤال لا يرغب في الإجابة عنه، مما قد يوقعه في حرج، فيوغر صدره نحوها، والزوجة الفطنة تستعين عن الإلحاح في السؤال بالجلسة الهادئة بينها وبين زوجها، فتبدأ الحوار بالكلام عن أحداث يومها، فلعل حديثها يريحه ويذهب بملله أو تعبه، فيبدأ بالتحدث عما في نفسه، فتحصل الزوجة على ما تريد أن تعرفه، أو تتأكد منه دون إحراج لزوجها.
الزوج الصامت والزوج الثرثار:
وهناك نوع من الرجال صامت دائمًا..الصمت من طبعه، فهو لا يتحدث بمقدار ما يسمع، وربما تعبت الزوجة؛ لأنها تظل تتحدث، وهو يستمع إليها دون أن يرد عليها ولو بكلمة، اللهم إلا إيماءة برأسه أو نظرة بعينه، وعلى الزوجة ألا تغضب من ذلك السكوت، فهي مع الأيام ستتعود على أن تتكلم، ويسمعها أو يغير هو من طبعه.
وعلى العكس فهناك نوع من الأزواج لا يمل الحديث، ولا يعطي لزوجته فرصة لأن تقص عليه أحداث يومها مثلاً، أو أن تحدثه بما يضايقها أو يهمها، وإنما يظل يحكي ويتكلم، ويطلب ويأمر، فما إن تنتهي من عمل حتى يكلفها بغيره مع امتصاص غضبها ببعض الكلمات الحلوة.. والنساء بطبعهن يحببن التحدث، فلا تغضب الزوجة من كثرة كلام زوجها، وإنما عليها أن تستمع إليه مصغية حتى إذا انتهى من حديثه، استغلتْ الفرصة لتتكلم هي، ولكن عليها ألا تزعجه بكثرة الحديث إلا إذا وجدت منه تجاوبًا معها وإنصاتًا منه.
http://www.tihamah.net المصدر:
ـــــــــــــــــــ(111/214)
وقفات للمرأة الصالحة في بيتها مع زوجها..
الاحترام المتبادل..
تجنب اللوم وإبداء الملاحظات وكشف العيوب في المجتمعات.. وإذا كان لا بد من الملاحظة فمن الأفضل أن تحصل في الوقت الملائم بشكل لطيف لبق بعيدًا عن مسامع الناس وعيونهم..
الشكل الحسن..
الاهتمام بالمظهر ومراعاته في جميع الأوقات هو الطريق إلى رضى زوجك ومحبته..
التوافق في العقلية..
المطلوب من الزوجة أن تسعد زوجها.. وتبتعد عن معاكسته ومشاكسته.. ولا تصر على مطالبها وفرض آرائها..
التفاهم..
لا تتوهمي أن هناك حياة زوجية لن يحصل فيها خلافات ومشكلات معينة.. لذلك فالتفاهم يجب أن يسود.. والخلاف في حال حصوله يجب ألا يتعدى الخط الأحمر.. وبذلك يعود الوئام بعد مرور فترة سوء التفاهم.. وينصح علماء الاجتماع الزوجين الجديدين بأن يتفهم كل منهما نفسية الآخر.. وميوله وشعوره وتصرفاته وطباعه.. وعليهما بالتالي تقديم أدنى حد من التضحية كي يستمر الحب وينمو ويملأ البيت فرحًا وبهجة..
لا تكوني الشاكية الباكية..
كثرة إظهار الشكوى والتعب ونقل مشاكل الطفل الصغير والظن أن ذلك مما يستجلب اهتمام الزوج وعطفه وإحساسه بها فما أن يجلس إلا وتسرد عليه ما حصل من صغيرها من تعب ومرض أو ما شابه ذلك..
فمحاولة التخفيف وتهيئة الجو المناسب له بعد ما يعود من عمله مرهقا هي الأولى.. وما أجملها إذا كللت بتخفيف من معاناته وسؤال الله الإعانة له..
عليك بالقناعة..
يقول - صلى الله عليه وسلم -: "انظروا إلى من هو أسفل منكم ولا تنظروا إلى من فوقكم، فهو أجدر أن لا تزدروا نعمة الله عليكم"..
لو أن كل امرأة قنعت بما كتب الله لعاشت في سعادة بالغة وأبعدت عن نفسها الكثير من الأمراض النفسية والعضوية..
حلول الأزمات الزوجية..
أي حياة زوجية لا بد أن تتعرض في بعض الأحيان للإصابة بالملل أو الفتور.. وتضغط الأزمات المالية أحيانًا بثقلها على الحياة الزوجية مما يزيد الأمور تعقيدًا..
وينصح خبراء علم الاجتماع الزوجين الجديدين باللجوء إلى الحلول التالية:
. اعتماد الحوار في الحياة الزوجية..
. الجلوس وجهًا لوجه للبحث عن إيجاد حل ملائم لأي مشكلة قد تطرأ..
. محاولة إيجاد هوايات مشتركة بين الزوجين.. فإذا كان الزوج يهوى المطالعة فعلى الزوجة مشاركته في هوايته قدر الإمكان..
. في حال حصول خلاف ما.. حاذري من إدخال ثالث.. بل اعملي على حل كل الخلافات مهما كبرت داخل البيت بينك وبين شريك حياتك.. فمن الأفضل عدم إطلاع أي شخص آخر على ما يجري في المنزل..
التجاهل..
هناك حل بسيط للمشكلات اليومية قد نغفل عنه أحيانا... وهو التجاهل! ليس كل مشكلة من الواجب أن تطرح لنقاش! لن ننتهي عندها! وقد تكبر بعض المشكلات عندما تناقش بطريقة غير صحيحة.. لذلك من المهم تجاهل بعض الأمور وغض الطرف عنها وكأنها لم تحدث... وكما يقال
وعين الرضا عن كل عيب كليلة *** كما أن عين السخط تبدي المساوي
عندها تموت تلك المشاكل في مهدها قبل أن تكبر
http://www.lakii.com المصدر:
ـــــــــــــــــــ(111/215)
للأزواج : لا تمنوا على زوجاتكم
سحر فؤاد أحمد
إذا كنت ممن يمسكون ورقة وقلما ويرصدون هفوات زوجاتهم وأخطاءهن، وفي المقابل يسجلون ما يقومون به من جهد ومسؤولية تجاه الزوجة والأولاد والبيت؛ فأنت على خطر عظيم؛ فأخطر ما يصيب العلاقة بين الأزواج أن يمنّ أحدهما على الآخر!
إذا كنت تريد طريقة مضمونة تماماً تهوى بك في هاوية الإحباط الذي لا ينتهي وفي نفس الوقت طريقة مضمونة لقلب حياتك الزوجية رأساً على عقب فعليك أن تأخذ على نفسك تسجيل ما تفعله من واجبات العلاقة الزوجية وما يقصر شريكك في فعله. وإذا كنت تريد أن تزيد الأمور تعقيداً فما عليك إلا أن تذكر شريكك بشكل دوري كم هو مقصر في أداء ما عليه، وكم تفعل أنت الكثير ممَّا لا يفعله هو.
وعلى الرغم من سخافة فكرة المنّ؛ فإن كثيرا من الأزواج يقعون فيها كل يوم ودون أن يدروا بذلك، وهذا الأمر يؤدي إلى الاستياء والإحباط واللامبالاة، بل وربما إلى انهيار الحياة الزوجية.
وهناك أشياء عديدة تغري الإنسان ليتذكر ويسجل كل ما فعله للمساهمة في الحياة الزوجية ولإسعاد شريك حياته وما ضحى به في سبيل هذه العلاقة.
وقد نفعل هذا خوفاً من عدم تقدير الآخرين لنا أو قد يكون هذا لأننا مستاؤون بعض الشيء من الدور الذي وجدنا أنفسنا فيه أو ربما كان السبب مختلفاً تماماً عن هذا. وأياً كان هذا السبب فإن له مردوداً سلبياً.
وإذا تعودت هذا الأمر الذي يقع فيه الكثيرون فهناك أمران سيقعان لا محالة:
الأمر الأول: سيصيبك الإحباط والمعاناة جراء التفكير الزائد في الظلم الذي تراه واقعاً عليك. فعندما تذكر نفسك بشكل دائم بما تبذله من جهد فستشعر بلا شك بغضب تجاه زوجتك، فأنت تصحو منذ الفجر ولا تعود إلا الساعة الرابعة عصرا لتناول الغداء ثم تعود إلى عملك الخاص الذي يستمر إلى العاشرة مساء، وبين الخامسة صباحا والعاشرة مساء تعمل وتوصل الأولاد للمدرسة وتقضي حوائج البيت، إنك باختصار أب وزوج وسائق وخادم، لكن لو فكرت زوجتك بالأسلوب نفسه الذي تفكر به لا متنت عليك فكل ما تقوم به لا يساوي متاعب حمل وتربية طفل واحد!
حتما ستشعر زوجتك بامتعاضك وقلقك المتزايد، وما من شخص يريد أن يشعر بأنه سبب في تعب الآخرين. وعندما تكتشف هذا فإن أول ما تلجأ إليه هو أن تتخذ موقفاً دفاعياً، حيث ستفكر في حجم ما فعلته وتفعله لصالح العلاقة مقارنة بما تقوم به أنت..وهكذا نجد أن كل من الزوجين يبدأ في التفكير في مساهماته ويدخلان معاً في مباراة الامتنان..وبهذا تخيم المشاعر السلبية على العلاقة، وتجد كل طرف يلقي باللائمة على الآخر.
عندما تنتابك فكرة الامتنان على زوجتك.. اقلب هذا التفكير، فبدلاً من التفكير فيما لم تفعله زوجتك ابدأ في التفكير فيما تفعله، وقد تصل من هذا إلى أن قدراً من قلقك ليس له ما يبرره من الواقع، وما هو إلا عادة عقلية تسربت إلى تفكيرك. وكلما رفضت فكرة أنك مظلوم؛ فأنت بهذا تبني علاقة قائمة على النوايا الحسنة.
17/02/1425
06/04/2004
http://www.lahaonline.com المصدر:
ـــــــــــــــــــ(111/216)
حينما يطرق المرض بيت الزوجية
د. فيصل بن سعود الحليبي
حُلُمٌ وادع يأسر مخيلة العروسين، تحلق أطياره الجميلة في سماء فكرهما العابق بالحب والأمل، وترقب أرواحهما إشراقة اللقاء، اللقاء الهانئ الذي لا يكدره تعب ولا ينغصه نصب! به تسافر النفوس بمن أحبت سفر الألفة والمودة، والحنان والرحمة ... يا له من حُلُمٍ تتكرر فصوله في أمسيات الانتظار، على مسرح الخيال، وخلف ستار السعادة..
وكم هي الأحلام الجميلة كثيرة، غير أننا لابد أن نصارح أنفسنا بأن هذه الدنيا مهما أسرّتنا فلابد أن تحزننا، ومهما أسعدتنا فلابد أن تشجينا، وأنه لا سعادة تامة إلا بلقاء الله في جنته، هناك تكمل الفرحة، وتتم البهجة.
والفأل بحياة زوجية طيبة من أروع وسائل نجاحها وبركتها؛ لأن الفأل كله خير، غير أن معرفة الواقع أمر ينبغي ألا نجهله أو نتناساه، حتى تكون النفوس أكثر استعدادًا لتقبله والتعامل معه، فإن من الأمور التي قد تغيب عن العروسين أن الحياة التي ينتظرانها بكل الشوق لابد أن يعتريها النقص والتعب، والمرض والنصب، ولا يعني هذا أبدًا أن يضع الزوجان هذه الهموم الملازمة لحياة كل إنسان نصب أعينهما، فتتراجع خطواتهما عن الفرح والحبور.. كلا.. وإنما لابد من الاستعداد النفسي لكل طارئ أو عارض.
والمرض واحد من نقائص هذه الدنيا وابتلاءاتها، فكيف لو طرق المرض باب الزوجية، كيف سيكون حالهما؟
نعم.. سيقل الأنس.. وتتضاءل المتعة.. غير أن المرض وإن كان سببًا في ذلك إلا أنه وسيلة للألفة مغبون فيها كثير من الأزواج والزوجات على سواء!
إنني أجدها فرصة ثمينة لتدفق مجرى الحنان بين المحبين، فكم تخفف الشكوى بينهما فيه وجع المرض وآلامه، وكم تتحول الآلام بينهما إلى جسر من العطف والسكن.
وهاهي ذي عائشة - رضي الله عنها - ألمّ برأسها ألمٌ فصاحت بالنبي - صلى الله عليه وسلم - قائلة:
(وَارَأْسَاهْ! فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - وكان قد أرهقه مرض الموت ذَاكِ لَوْ كَانَ وَأَنَا حَيٌّ فَأَسْتَغْفِرُ لَكِ وَأَدْعُو لَكِ، فَقَالَتْ عَائِشَةُ: وَا ثُكْلِيَاهْ ... فَقَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: بَلْ أَنَا وَارَأْسَاهْ ... ) رواه البخاري.
فتأمل كم تخفف كلمات الشكوى من وجع المصاب، لتترك بعدها أثر العافية إن كان فيها رجاء، إنها تنقش في القلوب الصافية أجمل عبارات الوفاء في وقت البلاء.
ويالها من لفتة حانية مغرقة في الحب والرحمة حينما تفيض مشاعر الحبيب على حبيبه في مصابه ليضع يده على مكان الألم ليتمتم بكلمات الله فيتلوها عليه، وليلهج بأدعية النبي - صلى الله عليه وسلم - لحبيبه بالشفاء، فقد قالت عائشة - رضي الله عنها -: (كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - إِذَا اشْتَكَى مِنَّا إِنْسَانٌ مَسَحَهُ بِيَمِينِهِ ثُمَّ قَالَ: أَذْهِبِ الْبَاسَ رَبَّ النَّاسِ، وَاشْفِ أَنْتَ الشَّافِي؛ لَا شِفَاءَ إِلَّا شِفَاؤُكَ، شِفَاءً لَا يُغَادِرُ سَقَمًا) رواه مسلم.
والزوجان حينما يتبادلان الحنان والعطف في رخائهما تحن أرواحهما لبعضهما في الشدائد والملمات، فلا تجد نفسيهما الأمان إلا حينما يجمعهما ظل واحد، فلا أعلم والله كيف أصف نداءات النبي - صلى الله عليه وسلم - بنبراته المؤثرة وهو يَسْأَلُ فِي مَرَضِهِ الَّذِي مَاتَ فِيهِ: (أَيْنَ أَنَا غَدًا أَيْنَ أَنَا غَدًا، يُرِيدُ يَوْمَ عَائِشَةَ، فَأَذِنَ لَهُ أَزْوَاجُهُ يَكُونُ حَيْثُ شَاءَ) رواه البخاري.
وحينما حانت ساعة الوداع لم تملك عائشة - رضي الله عنها - إلا أن ترد للنبي - صلى الله عليه وسلم - شيئًا من حنانه عليها؛ فإنه حينما مَرِضَ مَرَضَ موته وثقل أخذت بيده لتصنع به مثلما كان يصنع بها في مرضها، لكن لقاء الله كان أحب إليه من كل شيء، حتى حكت عائشة - رضي الله عنها - منظر الوفاء هذا فقالت: فَلَمَّا مَرِضَ رَسُولُ اللَّهِ وَثَقُلَ أَخَذْتُ بِيَدِهِ لِأَصْنَعَ بِهِ نَحْوَ مَا كَانَ يَصْنَعُ، فَانْتَزَعَ يَدَهُ مِنْ يَدِي ثُمَّ قَالَ: اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي وَاجْعَلْنِي مَعَ الرَّفِيقِ الْأَعْلَى، قَالَتْ: فَذَهَبْتُ أَنْظُرُ فَإِذَا هُوَ قَدْ قَضَى) رواه مسلم.
والمرض في بيت الزوجية منحة في ثوب محنة، تفوز فيها النفس الطيبة بين الزوجين بالمآثر الرائعة التي لا تنسى، والمواقف الحنونة التي لا تمحى، وتأملا أيها الزوجان الكريمان غبطة أم المؤمنين عائشة - رضي الله عنها - بهذه المآثر لما كانت أكثر حنانًا على رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فكان النبي - صلى الله عليه وسلم - بها ألصق وأحب، فقد روى البخاري بسنده عن عائشة - رضي الله عنها - أنها قالت: إِنَّ مِنْ نِعَمِ اللَّهِ عَلَيَّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - تُوُفِّيَ فِي بَيْتِي وَفِي يَوْمِي وَبَيْنَ سَحْرِي وَنَحْرِي، وَأَنَّ اللَّهَ جَمَعَ بَيْنَ رِيقِي وَرِيقِهِ عِنْدَ مَوْتِهِ، دَخَلَ عَلَيَّ عَبْدُ الرَّحْمَنِ وَبِيَدِهِ السِّوَاكُ وَأَنَا مُسْنِدَةٌ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فَرَأَيْتُهُ يَنْظُرُ إِلَيْهِ، وَعَرَفْتُ أَنَّهُ يُحِبُّ السِّوَاكَ، فَقُلْتُ: آخُذُهُ لَكَ؟ فَأَشَارَ بِرَأْسِهِ أَنْ نَعَمْ، فَتَنَاوَلْتُهُ فَاشْتَدَّ عَلَيْهِ، وَقُلْتُ: أُلَيِّنُهُ لَكَ؟ فَأَشَارَ بِرَأْسِهِ أَنْ نَعَمْ، فَلَيَّنْتُهُ فَأَمَرَّهُ وَبَيْنَ يَدَيْهِ رَكْوَةٌ أَوْ عُلْبَةٌ يَشُكُّ عُمَرُ فِيهَا مَاءٌ فَجَعَلَ يُدْخِلُ يَدَيْهِ فِي الْمَاءِ فَيَمْسَحُ بِهِمَا وَجْهَهُ يَقُولُ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ إِنَّ لِلْمَوْتِ سَكَرَاتٍ، ثُمَّ نَصَبَ يَدَهُ فَجَعَلَ يَقُولُ فِي الرَّفِيقِ الْأَعْلَى حَتَّى قُبِضَ وَمَالَتْ يَدُهُ) رواه البخاري.
إنه في مرضه يحنُّ إليها، وتحنُّ إليه، وتجعله بين سحرها ونحرها، وتشعر بما في نفسه، وتسأله عما في خاطره، لتلبيه له حتى تمزج ريقها بريقه، إنه رسمٌ إبداعي جذّاب للوحة المرض الأليمة ولكن بريشة الحنان وألوان الألفة.
ولندلف إلى بيت الصبر، بيت نبي الله أيوب - عليه السلام - المبتلى بمرضه، لا لنقف على صبره، فذاك صبر ضرب به المثل، ولكن لنرى كيف صبرت زوجته على بلائه، فإنه حينما طال مرضه عافه الجليس، وأوحش منه الأنيس، وأُخرج من بلده، وأُلقي على مزبلة خارجها، وانقطع عنه الناس، ولم يبق أحد يحنو عليه سوى زوجته، كانت ترعى له حقه، وتعرف قديم إحسانه إليها وشفقته عليها، فكانت تتردد إليه فتصلح من شأنه، وتعينه على قضاء حاجته، وتقوم بمصلحته، حتى ضعف حالها، وقلّ مالها فصارت تخدم الناس بالأجر، لتطعمه وتقوم بأوده، وهي صابرة معه على ما حلّ بهما من فراق المال والولد، وما آل إليه حالها في مصيبة مرضه، وضيق ذات اليد وخدمة الناس، بعد السعادة والنعمة والخدمة، ولمّا أنف الناس من خدمتها خوفًا على أنفسهم من بلاء زوجها ولم تجد من تخدمه باعت لبعض بنات الأشراف إحدى ضفيرتيها بطعام طيب كثير، فأتت به أيوب - عليه السلام -، فقال: من أين لك هذا؟ وأنكره، فقالت: خدمت به أناسًا، فلمّا كان من الغد ولم تجد أحدًا تخدمه، باعت ضفيرتها الأخرى بطعام فأتته به، فأنكره وحلف لا يأكله حتى تخبره من أين لها هذا الطعام؟ فكشفت عن رأسها خمارها، فلما رأى رأسها محلوقًا قال في دعائه: {رب إني مسني الضر وأنت أرحم الراحمين}.
فأي زوجة هذه التي تضحي بحياتها كلها من أجل زوجها المريض، إنها كما قال ابن كثير: امرأة صابرة محتسبة مكابدة صديقة بارة راشدة - رضي الله عنها -.
غير أن الزوجة لمّا كانت أكثر تعرضًا للمرض سواء كان حيضًا أو نفاسًا أو أعراضًا لهما فإنني أجد أن الزوج له النصيب الأوفر من مراعاة زوجته في تعبها ونصبها، ولو لم يكن عليها إلا وهن الحمل لكفاها نصبًا وإرهاقًا.
فإلى كل من ضاق بمرض شريك حياته، أو ملّ من طول انتظار العافية، أو تردد في نشر جناح العطف على حبيبه.. تذكر أن الحياة مواقف فاكسبها لنفسك، أو لحبيبك، أو لكما معًا.
ـــــــــــــــــــ(111/217)
ـــ
نشر في مجلة الأسرة في عدد محرم 1424هـ.
16/4/1423هـ
http://saaid.net المصدر:
ـــــــــــــــــــ(111/218)
العاطفة في الحياة الزوجية
محمد بن سعيد المسقري
العاطفة في الحياة الزوجية هي الحب الذي يكنه كل من الزوجين للآخر، أو هو الجاذبية التي تجذب كلا منهما نحو الآخر وتشده إليه، فهي شعور داخلي ناتج من استحسان أوصاف وطبائع وأخلاق الطرف الآخر، وميل فطري للنواحي الجمالية، والصفات الخَلقية والخُلقية لشريك الحياة.
وهي في العلاقة الزوجية بمنزلة الملح للطعام، أو الماء للنبات، فكما أنه لا قيمة للطعام بدون ملح، ولا حياة للنبات بدون ماء، فكذلك الحياة الزوجية لا طعم لها ولا ضمان لاستمراريتها، وبقاء حيويتها بدون عاطفة.
وتتجسد قيمة العاطفة في إبدائها للطرف الآخر، وإشعاره بوجودها، والعمل على تنميتها، فالحب المكنون في القلب الذي لا يعمل صاحبه على إبداءه كالوردة التي لا عطر لها، حيث تصبح العلاقة الزوجية علاقة سطحية جافة، فاقدة للحيوية والانتعاش، يسيطر الملل على جوانبها، وتعم الوحشة جميع أرجاءها، فالمرأة بحاجة إلى ما يخفف عنها عناء الأعمال المنزلية، والرجل بحاجة إلى ما يخفف عن متاعب العمل أو الوظيفة، وكلا منهما بحاجة إلى ما يسري عنه همومه وأحزانه، وخفف من وطأتها عليه، وبحاجة إلى إحساسه بأن هناك من يعتني به ويراعي مشاعره.
وهناك الكثير من الوسائل لتنمية العاطفة بين الزوجين، وهي في نفس الوقت وسائل تعبير عن الحب المضمر في القلب، وقبل الشروع في ذكر الوسائل فإني أحب أن أذكر القارئ الكريم أن أهم وسيلة وأعظم طرية لتقوية العلاقة بين الزوجين طاعتهما لله وابتعادهما عن محاربته بالمعاصي، قال - تعالى -: {إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات سيجعل لهم الرحمن ودا}..غير أن الله - تعالى -جعل لك شيء أسبابه.كما أن عامة صنوف الإحسان إلى الطرف الآخر تعمل على تنمية الحب بين الزوجين، فقد جبلت القلوب على حب من أحسن إليها وبغض من أساء إليها، غير أني سأركز على نقاط معينة غفل أو تغافل عنها الكثير من الأزواج، من أهمها:
أولا: الكلام العاطفي الصريح، واستخدام كلمات الحب والغرام، فقد روي أن السيدة عائشة كانت تقول: " سمعت حبيبي - صلى الله عليه وسلم - يقول كذا وكذا ".
ثانيا: مخاطبة شريك الحياة بالكنى والألقاب الحسنة وتدليل الأسماء أو ترقيقها أو ترخيمها، كما روي أنه - صلى الله عليه وسلم - كان يخاطب السيدة عائشة بقوله: "يا عائش" أو "يا حميراء".
ثالثا: المزاح والمداعبة، ومقابلة الطرف الآخر بالكلمة الرقيقة والابتسامة الحانية، وعدم التجهم والعبوس في وجهه دون مبرر، وهذا من أهم وسائل الترويح عن نفسية الطرف الآخر وتخفيف أحزانه، وقد ثبت أنه - صلى الله عليه وسلم - كان يمازح زوجاته ويداعبهن، وقد ذكر - صلى الله عليه وسلم - في بعض أحاديثه أن وضع اللقمة في فم الزوجة فيه أجر ومثوبة، وهو من صور المداعبة.
رابعاً: التغزل في الزوجة وذكر النواحي الجمالية فيها.
خامساً: الإشادة بأخلاق الطرف الآخر وحسن تعامله، وشكره على ما يقدم من خدمات، والإغضاء عن هفواته بتذكر حسناته، وعدم استخدام المناظير السوداء بالتركيز على النواحي السلبية.
سادساً: إطراء الزوج، حسن اختيار الزوجة للباسها، وحسن صنيعها في الطعام، وحسن ترتيبها لأثاث المنزل، واهتمامها بشؤون العائلة.
سابعاً: حرص الزوجة على التزين الدائم لزوجها، وحرصها على اختيار ما يميل إليه من اللباس وألوانها، وانتقاء ما يميل إليه ذوقه من العطر والزينة وغيرها، وكذلك الحال بالنسبة للزوج.
ثامناً: احترام الزوج لميول زوجته الفكرية واهتماماتها الثقافية، وعدم دفعها أو إجبارها على التقيد بنواحي فكرية معينة يميل إليها، إلا إذا كانت تميل إلى أفكار هدامة منافية للقيم الدينية والاجتماعية.
تاسعاً: احترام مشاعر الطرف الآخر وأحاسيسه، والابتعاد عما يكدر خاطره ويجرح مشاعره، فقد روي أنه - صلى الله عليه وسلم - قال لصفية بنت حيي - وكان أبوها من اليهود -: " لقد كان أبوك من أشد الناس عداوة لي حتى قتله الله " فقالت: يا رسول الله {ولا تزر وازرة وزر أخرى}، فلم يذكر - صلى الله عليه وسلم - أباها بعد ذلك بسوء، حفاظا على مشاعرها واحتراما لأحاسيسها.
عاشراً: تبادل الهدايا بين الزوجين في المناسبات، فإن الهدية من أكبر أسباب المحبة، كما قال - صلى الله عليه وسلم - " تهادوا تحابوا "
هدايا الناس بعضهم لبعض **** تولد في قلوبهم الوصالا
وتزرع في النفوس هوى وحبا ******** وتكسوهم إذا حضروا جمالا
حادي عشر: احترام أهل الطرف الآخر، والإشادة بهم وحسن تربيتهم، وعدم ذكر عيوبهم والتنقص بهم، فإن في ذلك إيذاء للطرف الآخر وتنقص به، إلا إذا كان على سبيل التحذير من عادة أو خلق معين يتصفون به.
ثاني عشر: الابتعاد عن سوء الظن بشريك الحياة، أو التشكيك في سلوكه دون مبررات وأدلة، فإن شدة الغيرة والمبالغة فيها معول هدم للحياة الزوجية.
وقد يعتقد كثير من الأزواج، أن بعض هذه الأمور منافية لرجولته، أو تقلل من هيبته أمام زوجته، ويرجع اعتقادهم هذا لعوامل نفسية أو تربوية أو اجتماعية، كالضعف النفسي، أو نشأتهم على الشدة والقسوة، أو التدليل الزائد، أو نشأتهم في بيئة جافة من ناحية عاطفية، فليقلب هؤلاء سير المصطفى - صلى الله عليه وسلم - أكمل الرجال رجولة وأعلاهم هيبة ليجدوا الأمر بعكس تصورهم، فقد كانت حياته - صلى الله عليه وسلم - حافلة بحسن تعامله مع زوجاته وتلطفه بهن، وكانت العاطفة الصادقة تسود جو حياته الزوجية، فقد كان طليق الوجه مبتسما، ولم يكن متجهما عبوسا، وهو القائل: " إن الله يحب السهل اللين القريب "، لا كما يفعل بعض الرجال، يدخل بيته كالوحش الكاسر يملأ البيت صخبا وصراخا، ولا يعرف إلا الشدة والعنف والغلظة، فنسأل الله السلامة والعافية.
http://www.islamway.com المصدر:
ـــــــــــــــــــ(111/219)
جملة من النصائح لعلاقة زوجية أفضل
أيتها الزوجة المسلمة يا من تنشدين السعادة في حياتك هاكي جملة من النصائح جمعتها لكِ..
نفعك الله بها..
1/ لا تكرري عبارات الأمر (افعل... ) على زوجك..
لأن ذلك يولد لديه شعوراً بالتحدي فتنتج عنه ردة فعل عكسية تنفره من أي شيء..
2/ تنازلي عن رأيكِ ولو كان صواباً في بعض الأحيان..
3/ تعرفي على طريقته المختلفة في حل المشكلة..
فالرجال يميلون إلى الإنجاز والمبادرة بينما تحب النساء الاستنتاج والبحث والتدقيق..
4/ لا تظهري له أن رأيك هو الصواب في كل مرة لأنك بذلك تجرحينه وتؤذين مشاعره..
5/ إياكِ أن تزيدي من ثورته أثناء غضبه بالتحدي أو السخرية أو مقارنته بالآخرين أو عدم المبالاة بما يقول..
6/ تفادي مناقشته في حالات انزعاجه أو مرضه أو عند راحته أو عند تعرضه لضغوط العمل..
7/ كوني له مصدراً للحنان والحب..
8/ دعيه يعبر عن مخاوفه وما يزعجه ولا تكوني سلبية في ردة فعلك تجاه ذلك وإلا فقدتِ ثقته..
9/ لا تظني أنه يقرأ أفكارك بل صارحيه بما في نفسك فهذا أفضل علاج للأوهام..
10 / اجلسي معه جلسة استرخاء لتشرحا لبعضكما أي سوء تفاهم أو مخاوف مستقبلية..
11/ تقربي من أمه وأبيه وأهله وأكرميهم فبهذا تنالين رضاه.. ورضاه من رضا الله - تعالى -..
12 / لا تنافسي أمه على قلبه..
ولا تدخلي معها في صراع لأجل الاستفراد به فهي أمه على كل حال ولن تقدمي له ما قدمت..
وتخيلي نفسكِ للحظة مكانها فكيف تحبين أن تعاملك زوجة ابنك؟!
13/ اجتهدي في استقباله كما يحب..
14/ علمي أبناءك الأسلوب الأمثل في التعامل مع والدهم..
تأكدي أن أبناءك سيعاملون أباهم كما تعاملينه..
فهم لن يرفعوا صوتهم عليه يوماً حيث لم يروا أمهم تفعل ذلك.
15/ ارفقي به
ولا تكثري من الطلبات غير الضرورية، واقتصدي فيما يعطيك من مصروف..
16/ لا تفشي له سراً ولا تهتكي له ستراً ولا تظهري له عيباً..
17/ لا تنسي فطاعة الله وتقواه هي مفتاح السعادة.. وكذا الدعاء فأثره عظيم..
{وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا} 74سورة الفرقان
الحياة الزوجية كأي دولة فيها وزارتان:
الداخلية ممثلة في الزوجة، والخارجية ويمثلها الزوج..
وعمل كلٍ منهما مكمل للآخر وبينهما تنسيق تام..
وكم من اضطراب داخلي سببه تخبط خارجي ولذا كان لزاماً علي استكمال الموضوع والذي بدأته بتوجيهات للزوجات العزيزات وذلك بالإشارة إلى ما ينبغي للزوج الكريم مراعاته إذا كان ينشد الحياة السعيدة والمستقرة
وحتى لا أطيل عليكم - معاشر الرجال - أترككم مع ما ترجوه نصفكم الآخر منكم:
1/ رتب حياتك من خلال أربع مناطق:
* منطقة ضروري وطارئ
*منطقة ضروري وغير طارئ
*منطقة طارئ وغير ضروري
*منطقة غير ضروري وغير طارئ
2/ بح لزوجتك بحبك فلن ينقص قدرك ولن تهدر رجولتك فقد قالها أعظم رجل عرفته البشرية - صلى الله عليه وسلم -..
3/ قدّر غيرتها عليك وكثرة سؤالها عنك وملاحقتها إياك فهذا ولا شك عنوان محبتها لك، كل ما عليك فقط هو تهذيب هذه الغيرة ووضعها في إطارها الشرعي حتى لا تنزلق إلى الشك والتلصص والتجسس.
4/ احترم رأيها ولا تسفهه وإن صادم رأيك..
5/ تفهم نفسيتها خاصة وهي تمر بظروف فسيولوجية تؤثر على عقليتها ومشاعرها واتزانها فتكون أقرب للمرض منها للعافية..
وتأمل أيها الرجل الكريم كيف كان - صلى الله عليه وسلم - يشرب من ذات الإناء الذي شربت منه عائشة بل ويتتبع مواضع شفتها - رضي الله عنها - وهي حائض!
6/ اقنعها بما تريد بالمفتاح الذي يناسبها، ومع ذلك ضع في اعتبارك أنها كيان مستقل وليست تابعة لك..
7/ استمع (ولا أقول اسمع) لها عندما تتحدث إليك خاصة عندما تكون في أزمة..
وكن صديقاً حميماً لها، و تأكد أنها تريد دعماً عاطفياً وتفهماً أكثر من كونها تبحث عن مخرج لمشكلتها..
8/ غض طرفك عن أخطائها وتقصيرها فهي أم أولادك ومدبرة بيتك والقائمة بشؤونك، فكم من بيوت صلُحت بالتغاضي!!
9/ بعد سنوات من الزواج لا تعتمد على رصيد الحب الأول ونشوة الامتلاك إذ لابد من إثارة اهتمامها بك..
10/ لا تكن أنانياً، ففي الوقت الذي تُطالبها بأن تراعيك وتقوم بحقك تُفرّط أنت في حقوقها..
11/ لا تدخل معها في مساومة لتترك عملها فربما لا تقدر - هي - العواقب وتصر على موقفها..
فقط حاول - بالنقاش الهادئ - أن تعرف أسباب بقائها في عملٍ تسبب في تقصيرها في واجباتها الكبرى ومن ثم ستصل ولا شك للحل الأمثل..
12/ ابتعد عن مقارنتها بأمك أو غيرها من النساء فهي لا تفهم من هذا إلا أنك لا تحبها..
13/ لا تخلط حقوق أمك بحقوق زوجتك وأعط كل ذي حق حقه..
14/ اخرج عن صمتك البيتي واكسر قيد الاغلاق على حياتك..
15/ لا تحتقر أي شرارة للمشاكل فتتركها للوقت..
بل بادر بمحاصرتها واستئصالها قبل الاستفحال ثم العجز عن العلاج..
16/ لا تجعل ما منّ الله به عليك وجعله بيدك من القوامة والطلاق سيفاً مصلتاً على رقبة رفيقة دربك..
17/ تجنب كثرة اللوم والنقد الجارح.
18/ لا تجعل من حقك في الزواج من أخرى سلاحاً تشهره في وجه زوجتك كلما عنّ لك ذلك فليس هذا من أخلاق الرجال، وتأكد أنه لم توجد بعد المرأة التي ترضى بزواج زوجها عليها..
19/ تجنب النقاش بحضرة الأولاد فأنتما محط أعينهم وموضع احترامهم وما يدور بينكما ينعكس سلباً أو إيجاباً على حاضرهم ومستقبلهم..
20/ تفقد حاجتها للمال ولا تجعلها تمد يدها لأهلها أو الجيران..
21/ لا تفشي لها سراً ولا تهتك لها ستراً ولا تظهر لها عيباً..
22/ إياك وأمرها بمعصية الله - تعالى - أو التهاون معها في المخالفات الشرعية أو إدخال ما يفسدها إلى البيت، فهي وديعة عندك..
23/ فكر وتأمل أرجوك في قوله - تعالى -: (هُوَ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا... )
والحظ كيف لم يقل: ليسكن معها.. ؟!!!
24/ لا تنس أن تقوى الله بوابة السعادة وكم من نشوز وعصيان وتمرد كان سببه تقصير في حق الله..
25/ أكثر من الدعاء فهو مفتاح لكل خير {وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا} 74 الفرقان.
وبعد..
فكلا الموضوعين (سواءً ما يتعلق بالأزواج أو الزوجات) هو محاولة اجتهادية للوصول بالبيت المسلم لشاطئ السلام فإن أصبت ففضل الله أحمده عليه وأسأله المزيد، وإن أخطأت فمن نفسي والشيطان، ولستُ بغنية عن تصويبكم وآرائكم خاصة وفيكم أصحاب تجارب وخبرات..
شكراً لدعمكم الإيجابي مقدماً...
http://www.saaid.net المصدر:
ـــــــــــــــــــ(111/220)
التهديد بالزوجة الثانية
منال الدغيم
لم يعجبه الأكل، فلفظ ما في فيه غاضباً، وصاح بانفعال:لأتزوجنّ عليك!
ساءه عبث الصغار ولعبهم، فانفجر في أمهم: لأتزوجنّ عليك!
أقلقه تأخر زوجته عند أهلها، بينما كانت تبحث عمن يرجعها من إخوتها إلى منزلها، فاستقبلها بقوله ثائراً: لأتزوجنّ عليك!
لم يعجبه أن تساهم زوجته براتبها في مشاريع استثمارية دون أن تنفق على البيت(!)، فهددها حانقاً: لأتزوجنّ عليك!
وهكذا، يجد بعض الرجال التهديد بالزوجة الأخرى سلاحاً يشهره في وجه زوجته عند كل اختلاف، قد يكون في أحيان ظالماً لها، وقد تكون أحياناً مقصرة حقاً ومخطئة، لكن هل ترون أن هذا التهديد سيعالج حقاً المشكلة، أم أنه سيضيف هوة أخرى سحيقة ملأى بالمشاكل بينهما؟
من العجيب أن يتفق أفراد الشريحة التي استطلعنا رأيها حول هذه الظاهرة على انتشارها الواسع بالفعل، وتحديداً بين تلك الطبقة ذات التعليم ما دون الجامعي، والظروف الاقتصادية المتوسطة أو أقل، مما يعني ضعفاً في الوعي الشرعي والاجتماعي وسبل التعامل مع الزوجات وحقوقهن عليهم.
متى يهدّد؟
تقول الأخت سارة السالم (محو أمية): يهدّد الزوج زوجته بالضرة غالباً عند غضبه، فالغضب معقد كل شر، لكنني أرى أنه يحقّ له ذلك إذا لمس من الزوجة تقصيراً حقيقياً أو إساءة مقصودة.
وتوافقها كذلك الأخت ليلى الزايد(جامعية)، على أن الغضب ورؤية التقصير يثيران تهديد الزوج بالأخرى، لكنها لم تبدِ رأيها حول حقه في ذلك، وإن لمّحت بأنه يؤثر على الزوجة ضيقاً وحنقاً، وقد يؤدي بها إلى التحسن!
لكن الأخت (مها الصالح/ جامعية) ترى أن الرجل يهدّد دائماً بالزوجة الثانية بسبب و بدون سبب، وهي ترى أنه لا يحقّ له ذلك بحال، حتى لو كانت الزوجة مقصرة.
وتقف الأخت (سلافة محمد/ جامعية) موقف الوسط من انتشار الظاهرة، فهي لا ترى أنها تصل إلى مستوى الظاهرة المتفشية، كما أن الرجل لا يهدّد بالزوجة الثانية إلا في حال وجود عدم توافق من الأصل بين الزوجين، أو أن تكون الزوجة ليست كما تخيّلها زوجها، أو لمس من الزوجة قصوراً في جوانب كان يتمناها فيها، فكلما وجد الزوج مناسبة أو ثغرة دخل منها برغبته الموجودة أصلاً وأخذ يهدّد بالثانية، ومن ناحية أخرى، قد تكون الزوجة قد عوّدت زوجها على معاملة حسنة وحسن تبعّل، ثم فترت هذه المعاملة لسبب ما، فتتبدل العلاقة ويلجأ الزوج إلى تهديدها بأخرى علها تعود لما كانت عليه من قبل.
وتتابع سلافة: يحق للزوج في رأيي أن يهدّدها بأخرى كوسيلة ضغط، إذا رأى أن الزوجة قد أخلّت بحقوقه الزوجية إخلالاً كبيراً، ولم تُجْدِ معها النصيحة تلو الأخرى.
ومن زاوية أخرى، ترى الأخت (لمياء العاصم/ جامعية) أن التهديد بالزوجة الأخرى عند أغلب الرجال، وأغلبهم يهدّد بها في جميع الحالات، فعندما يكون راضياً منشرحاً يهدّد بها مازحاً، وعندما يكون غاضباً يهدّد بها تخويفاً وانتقاماً، ولعل هذا يرجع إلى فهم الرجل للزواج من أخرى على أنه رجولة وفخر وقوة، وإذا كان يحق له أن يهدّد إذا رأى تقصيراً من زوجته، أفلا يرى تقصيره هو كذلك؟!
ومن جانب الرجال، يقول الأخ (إبراهيم علي/ مدرس): ربما يهدّد الرجل بالزوجة الثانية في حال تقصير متكرّر مقصود، كإبراز لقوة الرجل، فالمرأة تحتاج للقوة أحياناً، لكنني لا أرى أن كثيراً يفعلون ذلك، بل الشائع هو التهديد بأخرى كنوع من المزاح وليرى الرجل ما في قلب زوجته له من غيرة وحب!
كما وافقه على وجهة نظره الأخيرة (خالد الأحمد/ رجل أعمال)، و(بدر الهذيلي/ طالب جامعي).
ثمرة التهديد..حلوة أم مرة؟!
وبعد أن هدّد الرجل بضَرّة فوق الأولى جمالاً وطيبة وتدبيراً وطاعة بالطبع، هل نرى ذلك يثمر تحسناً في الزوجة وانصياعاً تاماً للأوامر رغبة في الزوج ورهبة من الضّرة، أم لعله لا يزيد الزوجة إلا حنقاً وخوفاً، فتلفح نيران التهديد برعم محبتهما وثقتهما واحترامهما، فيغدو كهشيم المحتظر؟!
تعدّد الأخت (مها الصالح) الآثار السيئة للتهديد فتقول: لن يجني الزوج في قلب الزوجة سوى الإحباط، الحقد، العقد النفسية، والخوف الدائم من المستقبل.
وتذهب الأخت (سارة السالم) بعيداً فتقول: لا يؤدي ذلك إلى تحسنها، بل إلى سوء حالتها كانعكاس لتضايقها من ذلك وحقدها على الزوج.
وتوضح الأخت آثار التهديد فتقول: لا شيء يدمر طمأنينة المرأة مثل موضوع الزواج من أخرى، لدرجة أنها قد تنفعل غيرة من امرأة لم تعرف بعد!! إن التهديد سلاح خطير لا ينبغي للزوج أن يستغله، فالتعدّد شرعه الله للزوج، وجعل لذلك شروطاً وضوابط، ولم يدع الأمر للهوى وما تشتهي الأنفس.
لكن الأخت (لمياء العاصم) ترى أثر ذلك بنظرة مفصلة فتقول: أثر ذلك على الزوجة يختلف باختلاف الزوج، فعندما نرى أن الزوج دائماً يهدّد بالزواج في كل المناسبات فإن الزوجة تفقد الرهبة والخوف ويؤدي بها إلى التبلد وعدم الاكتراث، أما إذا كان لا يهدّد إلا في أوقات نادرة وفي أوقات تستلزم ذلك التهديد فإنه في أغلب الأحوال يدفعها إلى التحسن والتقدم إلى الأفضل، أما حين تكون مظلومة فربما سبب لها الإحباط وعدم الثقة بالنفس أو بالزوج، وعموماً ردة الفعل ترجع إلى ثقة الزوجة بنفسها وحبها لزوجها.
تكليف لا تشريف!
يرى بعض الرجال (المهددون) أن تهديدهم مرتكز على قِوامتهم على المرأة، وأن من حقه كزوج أن يهدّدها بما أباحه الله - تعالى - له، وأن يتبع الأسلوب الذي يراه مناسباً في تأديب زوجته وتقويمها!
كيف ترى المرأة وجهة النظر هذه؟!
تقول (سارة السالم) باقتضاب لا يخلو من غضب: عدم فهم الرجل للقِوامة ناتج عن (نقص عقله) حتى لو كان رجلاً؛ إذ لو كان عاقلاً لأحسن إليها إما أمسكها بمعروف أو سرحها بإحسان!
فيما تتفق بقية المشاركات على أن السبب الأول للفهم الخاطئ هذا هو ضعف الوازع الديني والوعي الشرعي، والفهم الصحيح لسماحة الشريعة الإسلامية فيما يختص بنظرة الدين الشاملة للعلاقات الزوجية ودور الرجل والمرأة في منظومتها.
ثم يلي ذلك، شبه تأكيد على أن تربية المجتمع والعادات المتعصبة للذكر، التي تعطي الرجل حقه كاملاً وتبخس المرأة ما لها، فضلاً عن إهانتها، فتفرض على المرأة السمع والطاعة للرجل في المنشط والمكره دون مناقشة، لمجّرد أنه رجل وهي أنثى.
لكن الأخوات يرجعن فيوضّحن أن هذه التقاليد البالية منتشرة في أغلب العالم، وليست في البلاد العربية فحسب، في طبقة معروفة بقلة التعليم وتعظيم عادات القبائل، وتضخيم العار والعيب الاجتماعي بين أفرادها.
كما اتفقت الأخوات على أن ضعف المرأة وحاجتها الدائمة إلى الرجل، وأنها لا يمكن أن تعيش بأمان واستقرار بدونه، حين يبدو هذا الضعف الجميل أمامه قد يستغله بجهله وغروره ونظرته للمرأة كجسد فحسب، يستغله في الظلم والتسلط، خاصة وأن المرأة قليلاً ما تدافع عن نفسها عند وقوع الظلم عليها.
لكن الأخ (خالد الأحمد) يرى أن الفهم الخاطئ للقِوامة موجود، لكن الجيل الشاب الجديد، ذا العلم العالي والثقافة الأوسع، ينظر إلى المرأة نظرة ملؤها الاحترام والتقدير، ونوّه بضرورة نشر الوعي في وسائل الإعلام وخاصة الشرعي منها، من خلال الدروس والمحاضرات وخطب الجمعة، خاصة وأن تقديم المجتمع للحقائق الشرعية على العادات والتقاليد صار أقوى من قبل بكثير.
ويوافقه على ذلك الأخ بدر الهذيلي، ويضيف باختصار: إن كان ثمة تقصير في تعامل الرجل مع المرأة كقَوّام عليها، فلتكن المرأة شجاعة وتسأل نفسها عن مظاهر تقصيرها في حقه، وتبادر إلى علاجها، أما إذا كان ظالماً لها فالسبب الأول لذلك هو جهل الرجل، وجهالته التي تدفعه إلى استغلال ضعف المرأة.
وللشرع مقال..
حول هذه الظاهرة وآثارها، يقول الشيخ أ. د. فالح بن محمد الصغير، أستاذ الفقه بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية:
إن الزواج الناجح يقوم على المودة والرحمة، وغض النظر عما في الطرف الآخر من تقصير، ولن ينجح الزواج القائم على البغض والكراهية والتعنيف والإيذاء، ومما يؤذي الزوجة ويحرمها الراحة النفسية ويسبّب لها الهمّ والغم، ويوقعها في حرج من أمرها، هو تهديدها من الزوج بالتزوج بأخرى لما خلق الله الغيرة في النساء.
وظن الرجل أن معنى قِوامته هو أن يتسلط عليها بالسبّ والشتم وإثارة الغيرة فيها حتى تفقد عقلها ظن في غير محلّه، بل يصل الأمر إلى ضرب الزوجة ضرباً مبرحاً كأول علاج للتقصير من الزوجة سواء أكان هذا التقصير بقصد أو بدون قصد!
أما شرعنا الحنيف، فإنه يعلمنا أن معنى القِوامة ليس في التشديد والتعنيف والتوبيخ والتهديد، إنما هو توجيه برفق ولطف وإرشاد بالحكمة والإحسان، ولا يكون ذلك إلا بالاقتداء بقدوتنا محمد - صلى الله عليه وسلم - القائل: "خيركم خيركم لأهله، وأنا خيركم لأهلي"، الذي لم يكن يواجه الناس بالعتاب فضلاً عمن هن أقرب الناس إليه من الزوجات والبنات.
كيف نعالج ذلك؟
يتابع أ. د. فالح الصغير حديثه، متطرقاً إلى العلاج فيقول:
تقوية جانب الفقه في الدين، والتعريف بمعنى القِوامة بأنها إرشاد وتوجيه وتصحيح وتقويم، والقِوامة تظهر في أداء حقوقها في المطعم والمشرب والملبس والمسكن والمبيت وتعليمها أمور دينها، والتي لا تطيعه في غير معصية الله فعليه موعظتها، فإن لم ترتدع فله أن يهجرها، فإن لم ترتدع بالموعظة ولا بالهجران فله أن يعاقبها عقاباً خفيفاً، ولحظة عودتها إلى صوابها يُحرّم عليه أي من الهجران والعقاب، يقول - تعالى -: (فإن أطعنكم فلا تبغوا عليهن سبيلا)، وقوله - تعالى - بعد ذلك: (إن الله كان عليّا كبيرا) تهديد للرجال إذا بغوا على النساء بغير سبب، فإن الله العلي الكبير وليُّهن ينتقم ممن ظلمهن وبغى عليهن. كما يجب معرفة حقوق المرأة على الزوج، ومن حقوقها عليه ضبط اللسان عند حدوث مشكلة وارتفاع سوْرة الغضب، فالسكوت حينئذ أفضل وليذكر قول الرسول - صلى الله عليه وسلم -: "وهل يكب الناس في النار على وجوههم أو قال: على مناخرهم إلا حصائد ألسنتهم".
3/2/1426
13/03/2005
http://www.islamtoday.net المصدر:
ـــــــــــــــــــ(111/221)
من للمطلقة ؟
الشيخ محمد الدويش
الأولى:
فتاة حصان رزان، طاهرة عفيفة، يضرب بها المثل في الحياء، تسير بالحديث عن أخلاقها الركبان، ولاغرو فقد ورثت ذلك عن آبائها الغر الميامين، وأخوالها الكرام الصادقين. تزوجت من شاب لم يشبه أباه، ولم يكرم من أكرمه، شاب تائه ضائع، شاب لا يقدر عواقب الأمور ولا قدر الكرام، فأساء عشرتها وأهانها، وبعد أشهر من المعاناة صارت أيماًً مطلقه.
الثانية:
كالأولى لكنها تزوجت من رجل قد بلغ من الكبر مبلغه، أصغر أبنائه في سنها، أطغته المادة، فظن أنه بالمال يشري العفيفات، ولم يعد لديه فرق بين سيارة يمتطيها وفتاة ابنة كرام يصطفيها، فكان مصيرها كالأولى..
أما الثالثة:
فليست بأسعد منهن حظاً، ولا أوفر عزاً، تزوجت من شاب ليس فيه ما يعيبه، لكن الأرواح جنود مجندة، والقلوب بينها تنافر واتفاق، فلم يكتب الله لهما الوئام فكان الفراق إلى غير لقاء.
وهكذا الرابعة والخامسة....
إنها نماذج عدة تتفق معاناتها مهما اختلفت الصور وتنوعت، نماذج من فتياتنا اللاتي لم يكتب لهن التوفيق في الحياة الزوجية، فودعنها بعد شهر أو أشهر معدودة، وظللن حبيسات البيوت لا يعلم معاناتهن إلا من خلقهن. " أنا الآن في الثالثة والعشرين من العمر، لكن أشعر أني في الثالثة والعشرين بعد المائة من العمر لشدة ما أشعر به من الضيق والملل. أنا لست سعيدة، ولكني راضية والحمد الله على كل حال، أنكرت كل شيء بداخلي من المشاعر والأحاسيس، لكن شيئاً واحداً لم أستطع أن أنكره، إنه غريزة الأمومة تقوى بداخلي يوما بعد يوم، وأنا أرى كل من حولي يحضون بذلك، أقرب الناس أختي التي تصغرني فهي متزوجة برجل مثال الرجل الصالح وأخلاقه عالية، وعلاوة على ذلك فهي قريباً ستكون أما، إنني لا أحسدها ولكني أغبطها فقط... ". هذه كلمات وصلتني من فتاة شأنها كشأن أولئك " متزوجة منذ سنة، نصفها زواج فعلي والنصف الأخر زواج صوري " كانت وزوجها كما قالت "خطين متوازيين لا يلتقيان" حتى طلقت بعد ذلك. مشاعر كثيرة انتابتني وأنا أقرأ ما سطرته تلك الفتاة فشعرت بأسى لم أعتد الشعور بمثله، كيف لا وقد اختلطت دموع المسكينة بقلمها، أبت عيناي إلا التجاوب معها، وبعد أن هدأت العاطفة الجياشة، امتد أثرها ليأخذ مساحة من الفكر الهاديء، أملت علي تلك المشاعر هذه السطور.
إنهن فلذات أكبادنا، وبناتنا قبل أن يكن بنات الناس، ذاك حين نملك المشاعر الإنسانية الحقة التي يمليها علينا ديننا، أما أولئك فاقدو الإحساس والمشاعر، فأحسب أنا سنفشل في مخاطبتهم حتى تحيا مشاعرهم.
أليس من حق أخواتنا علينا أن نزيل معاناتهن؟ وأن نمسح ولو بعض دموع الحزن التي قد غرقت في بحر الغفلة واللامبالاة ممن يعنيهم الأمر.
ولست أدري من سيتولى علاج المشكلة، مراكز الدراسات الغربية؟ أو منظمات حقوق الإنسان؟ أو هواة الثرثرة والتشدق من المتاجرين بالكلمة والمسترزقين من أقلامهم؟.... فمن غيرنا يعنى بأمرنا؟ ومن لهن غير آبائهن وإخوانهن- وكلنا يجب أن نشعر بأنا كذلك-؟
قد لا أضع النقاط على الحروف، ولا أكون جهيزة تقطع قول كل خطيب ولكن حسبي أن أنقل بعض المعاناة التي تعيشها فتيات كثر غابت عنهن أعين وأقلام الناصحين. وحسبي من النجاح أن أثير اهتمام عشرة من القراء. فحينئذ أجزم أن جهداً ما سيبذل، وكلمة ناصحه ستقال، وبعد ذلك مشكلة ستحل.
وعلى بريد الصراحة أبعث هذه الرسائل العاجلة.
الرسالة الأولى:
لمن يركب الزواج من ثانية فيصر على أن ينكح بكراً، أو يتزوج من خارج البلاد، فلم لا تتنازل عن قدر من رغبتك وتتزوج واحدة من أولئك فتساهم في مسح دمعة، وإزالة حرقة، وقبل ذلك إعفاف امرأة قد يستهويها الشيطان حين لا تجد من يعفها فتبحث عن الرذيلة فيذوق المجتمع أجمع وبال المعصية.
الرسالة الثانية:
للآباء الذين سيسألهم الله عما استرعاهم"كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته" فليس من مؤهلات القبول لشاب خاطب أن يكون (ابن حمولة)، أو أبوه رفيقا لك، أو أمه إحدى محارمك " فابنتك لن تتزوج الحمولة، أو الأب أو الأم، إنما ستعاشر الشاب، فاتقوا الله في بناتكم ولا تزوجوهن إلا لمن يعرف قدرهن "خيركم خيركم لأهله".
الرسالة الثالثة:
لحملة الكلمة الصادقة الناصحة من الخطباء والكتاب، ما مصير هذه القضية وغيرها من حديثكم وخطبكم؟ فهلا كلمة قد تمسح بإذن الله دمعة، وتزيل بتوفيقه حزناً، وتزوج بعونه أيماً. فلله كم من دعوة صادقة ستنالها، قد يكون معها خير الدنيا والآخرة.
الرسالة الرابعة:
وأخص بها صاحبات الأقلام السيالة من النساء الناصحات، فأنتن اللاتي تحملن الوكالة عن أخواتكن، ولعلكن أكثر منا شعورا بآلامهن. فهلا سطر يراعكن، وخطت أقلامكن كلمات صادقة تعبر عن معاناة أخواتكن الفاضلات.
إنها كلمات أرجو أن لا تأخذ العاطفة فيها أكثر من مساحتها، وآمل أن تجد آذاناً صاغية، والله الموفق، وعليه التكلان.
http://muslm.net المصدر:
-ـــــــــــــــــــ(111/222)
أبعاد المؤامرة الدولية على المرأة والطفل
فاطمة الرفاعي
كشفت المهندسة كاميليا حلمي ـ مسئولة لجنة المرأة والطفل باللجنة الإسلامية العالمية للإغاثة النقاب عن المؤامرة التي تستهدف كيان الأسرة المسلمة وذلك عبر الحلقة النقاشية التي أقامها مركز الدراسات المعرفية تحت عنوان "الأبعاد الدولية لقضايا المرأة والطفل"، وقد أوضحت كاميليا حلمي في كلمتها أن صور الاستعمار الحالي سواء فكرياً أو ثقافياً أو اقتصادياً يستهدف بالدرجة الأولى الأسرة المسلمة وذلك من خلال تركيزه بالدرجة الأولى على المرأة باعتبارها الركيزة الأساسية المكونة للأسرة والتي يعتمد عليها في تربية وتشكيل النشء، ومن هذا المنطلق فإن الاستعمار الجديد يسعى لتدمير الكيان الأسرى من خلال المؤتمرات الدولية والجمعيات الأهلية وممارسة الضغوط الدولية وتسخير وسائل الإعلام لتحقيق ذلك. وقد تجلى هذا المخطط بوضوح في تنادي من جمعية "تقطيع أوصال الرجال" وهي حركة أنثوية جديدة تعمل تحت رعاية الأمم المتحدة وتدعو إلى عالم نساء بلا رجال، ومن أهم أهدافها تحقيق استغناء المرأة اقتصادياً وسياسياً وجنسياً عن الرجل.
وأبرزت حلمي أن السعي الدءوب لتمكين المرأة وتوليها المناصب القيادية هو تخطيط تدريجي يهدف للاستغناء التام عن الرجال، أن من الدعائم الرئيسية التي يعتمد عليها هذا المخطط هو الدعوة إلى حرية المرأة في التصرف في جسدها بعيداً عن ضوابط الشرع والدين وما يترتب عليها من دعوات شاذة جاءت في وثيقة (بكين + 5) ومنها تحقيق الجنس الآمن من خلال حماية حقوق الشواذ وتقنين الإجهاض وتوزيع وسائل الحمل وقبول العلاقات غير الشرعية بين الرجال والنساء وحمايتها.
تأنيث اللغة:
وتطرقت المهندسة كاميليا حلمي في كلمتها إلى محور جديد تسعى لتحقيقه حركة نساء بلا رجال ومثيلاتها هو تأنيث اللغة وموت التاريخ من خلال استبدال بعض المصطلحات وإلغاء دور الأب في الأسرة، ومن أمثلة المصطلحات التي تم استبدالها استبدال مصطلح "إنصاف المرأة" والذي كان سائداً في وقتنا بمصطلح جديد هو "تمكين المرأة"، وتتضح الدعوة لإلغاء دور الأب من الأسرة من خلال التعريفات والمفاهيم الجديدة التي يقدمونها للأسرة بأنها مجموعة من أفراد هم أب وأم وأولاد دون النظر إلى وجود رباط شرعي يجمعهم وحماية حرية المرأة أن تعاشر من تشاء وكذلك في ظهور دعوة غريبة هي حرية المرأة في رفض الأمومة والإنجاب على اعتبار أن قصر الأمومة والإنجاب على المرأة دون الرجل هو نوع من العنف ضدها، وفتح الطريق أمام المرأة بالاستغناء الجنس عن الرجل من خلال ممارسة الشذوذ والاستغناء عن حاجتها للحمل من خلال الحمل عن طريق الاستنساخ.
الهوية الجندرية:
وأوضحت المهندسة كاميليا حلمي أن كل هذه الدعوات الشاذة تدور في بوتقة الدعوة إلى فرض الهوية الجندرية في تصنيف الأفراد بعيداً عن الاختلافات البيولوجية التي تحصر النوع في (رجل وامرأة) في حين أن الهوية الجندرية تدعو لإحساس الفرد بنفسه سواء كان رجل أو امرأة أو شاذ والسعي إلى فرض الجندر (النوع الثالث الشاذ) ودخوله وانتشاره في كل مؤسسات الدولة الحكومية والغير حكومية وصبغ المجتمع كله بهذه الهوية حتى في المنازل لا بد من إلغاء الفوارق البيولوجية والاجتماعية كما أوضحت وثيقة (بكين + 5)، وأوضحت أن إلغاء قوامة الرجل ومنع استئذان المرأة عند السفر من زوجها جزء من حقوقها ومساواتها بالرجل، كما اعتبرت أن معاشرة الرجل لزوجته رغماً عنها هو نوع من الاغتصاب الزوجي وأحد أشكال العنف ضد المرأة. كما تطرقت إلى مصطلح الصحة الإنجابية والذي يجري الترويج له في تعليم الجنس الآمن للأطفال. أي إتاحة الحرية والأمان للأطفال في ممارسة الجنس وإباحة الإجهاض من الحمل غير المرغوب.
موقع الأمم المتحدة:
وأشارت المهندسة كاميليا أن هناك ضغوطاً على الدول الإسلامية لقبول هذه التحفظات التي تخالف الشريعة والعادات والتقاليد، كما أن هناك ضغوطاً على الوفود العربية في المؤتمرات الدولية لقبول ذلك. وأوضحت أن هناك ترجمة غير حقيقية للمصطلحات التي يقدمها موقع الأمم المتحدة باللغة العربية تختلف عن حقيقة هذه المصطلحات في الموقع غير المترجم ومن هذه المصطلحات مصطلح "الجندر إلكوتي" والذي يتم ترجمته إلى المساواة بين الجنسين في حين أنه يعني أن يأخذ الشواذ حقوق الأسوياء.
محاربة أمريكية لإعلان الدوحة:
وحول دوافع عقد مؤتمر عالمي للأسرة بالدوحة قالت كاميليا حلمي أن مؤتمر الدوحة كان محاولة من ائتلاف الهيئات والمنظمات الإسلامية للتأكيد على أهمية الكيان الأسرى في مواجهة الدعوة التي قدمتها منظمة "الفايسنست" التي قدمت بيان يؤكد أن العالم كله يرفض الأسرة لأنها عقبة من وجهة نظرهم في طريق التقدم. فما كان من الولايات المتحدة وكندا إلا مواجهة إعلان الدوحة بالرفض التام لأنه يساند الأسرة ويدعو للحفاظ عليها.
4/12/1425
15/01/2005
http://www.islamtoday.net المصدر:
ـــــــــــــــــــ(111/223)
منازلنا ليست مطاعم وفنادق ( الواجبات التربوية للأسرة المسلمة )!!
سلوى عبد المعبود
مسؤولية الزوج ليست في توفير الحياة المادية فقط لزوجته وأولاده فأين دوره التوجيهي والإرشادي؟
الزوج الذي لا يسأل زوجته عن عبادتها وصِلاتها بالله سيحاسب على هذا التقصير أمام الله..
الحوار المثمر في المنزل بين الآباء والأبناء يوفر البيئة الصحية للتربية..
تقع على عاتق الزوج المسلم مسؤوليات ضخمة وواجبات كبيرة يسأله الله - تعالى - عنها يوم القيامة، فهو حارس على ثغر من ثغور الإسلام هو «الأسرة المسلمة» فهل حفظ هذا الثغر أم ضيعه وأهمله وتجاهله وسط صراعات حياتية مختلفة؟!
المسؤولية الأسرية:
يقول الرسول - صلى الله عليه وسلم -: «إن الله سائل كل راع عما استرعاه حفظ أم ضيع حتى يسأل الرجل عن أهل بيته»، وأهل البيت هم الزوجة والأبناء ومن تقع مسؤوليتهم الأسرية على عاتق الزوج من إخوة وأخوات.. ويخطئ بعض الأزواج حين يظنون أن مسؤوليتهم تجاه أسرهم هي مسؤولية مادية فقط، وهذا يعني أنهم يندفعون بكل قواهم وطاقاتهم لتأمين الأموال والإنفاق لا على الضروريات فقط بل على ضروب مختلفة من البذخ والنعيم والترف، وهذا الفهم خطأ فادح لأن المسؤولية الإيمانية التربوية هي في مقدمة المسؤوليات التي يسأل الله - تعالى - عنها يوم القيامة لأنها وحدها هي التي تحقق الخيرية التي توصف بها المرأة المسلمة والرجل المسلم اللذان يكونان الأمة المسلمة المخاطبة في الآية القرآنية: «كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله».
وهذه الخيرية لا يوجدها إلا الإصرار على نقل العقيدة الإسلامية وتوارثها، وهذا لا يتم إلا في وجود إحساس حقيقي بالإلزام الإسلامي الذي يطالب به الزوج المسلم ليحفظ عقيدة أسرته كما يحفظ متطلباتها المالية.
صور من الأخطاء الشائعة:
أولاً: الزوج الذي يرى إهمال زوجته للصلاة أو انصرافها عنها ثم لا يؤاخذها بهذا التقصير معاتبة أو تعليماً سعياً وراء إفهامها الإسلام الحق هو زوج لا يعي حقيقة مسؤوليته التربوية، وهو زوج سيحاسبه الله - تعالى - على ضياع عقيدة الشق الثاني المشترك معه في المسؤولية الأسرية، وفي عملية التربية الإسلامية للجيل القادم يقول - تعالى - مؤكداً أهمية هذا الدور: «وأمر أهلك بالصلاة واصطبر عليها»، وهذا يعني أن التربية والإفهام والإقناع والتواصي بالإسلام وفروضه ونواهيه وزواجره مهمات خطيرة تلزم الزوج المسلم، وتبين خطورتها تلك اللفظة الحازمة «وأمر» التي تخرج من نطاق اللين والتجاهل والإهمال لتضع العقيدة نصب الاهتمام وفي قمة الأولويات.
ثانياً: الزوج الذي يرى زوجته تتحايل في مكر ودهاء على شروط الحجاب الإسلامي الشرعي فتظهر خصلات من شعرها أو تضع بعض الزينة في وجهها أو تضيق الرداء ليظهر ملامح جسدها للآخرين أو تكون من النامصات المتنمصات ثم لا يعترض على ذلك ولا ينهى عنه هو زوج يساهم أيضاً في الضياع العقائدي للأسرة كلها حين يسمح باستهانة زوجته بأمر الله - تعالى - ثم يصمت على ذلك.
ثالثاً: الزوج الذي لا يهتم بنقل ما يعرف من أحكام الإسلام إلى زوجته وأفراد أسرته آثم، لأنه بذلك يكون مقصراً في واجباته التربوية الأسرية، وكثيراً ما نجد الزوج الذي يعنت زوجته ويفرض عليها مطالب دنيوية خالصة، كنوع معين من الطعام أو الشراب، ولكنه لا يهتم بإشراك زوجته معه في المعارف الإسلامية والسلوك الإسلامي، والرسول - صلى الله عليه وسلم - يقول لكل فرد في المجتمع المسلم: «من دعا إلى هدى كان له من الأجر مثل أجور من اتبعه لا ينقص ذلك من أجورهم شيئاً».
خارج المنزل..
رابعاً: الزوج المسلم الذي يقضي أغلب يومه خارج المنزل في عمل مجهد شاق ليكفي أسرته مالياً ويرفع من مستواها الاقتصادي، ثم إذا عاد إلى منزله مكدود القوى، متعب الذهن، لا يقبل على مخاطبة زوجته ولا ملاعبة طفله ولا احتضان طفلته بل على العكس يدخل منزله صائحاً مغاضباً، ثائراً حانقاً، هذا الزوج يخطئ بذلك في حق أسرته لأنه يغلق بتصرفه ذلك كل منافذ الحوار المثمرة ويضع حاجزاً سميكاً بينه وبين أسرته ويعرقل محاولات الاندماج الأسري والفكري والعاطفي، بل يوجد حاجزاً آخر من النفور والجمود والإعراض فيقل التواصل العاطفي والفكري، وتضعف مساندة الأسرة لأفرادها وعند ذلك تتعثر الخطى على طريق الحياة القاسية وتتسلل العزلة الشعورية إلى الأسرة وكأن أفرادها لا يربط بينهم إلا رابط ضعيف كالمأكل والمشرب، ولذا يحذر الرسول - صلى الله عليه وسلم - من ذلك قائلاً للأزواج -مبيناً حق الزوجة على زوجها-: أن تطعمها إذا طعمت وتكسوها إذا اكتسيت ولا تضرب الوجه ولا تقبح ولا تهجر إلا في البيت».
التخطيط المالي:
خامساً: كثير من الأزواج ينفرون من إشراك زوجاتهم معهم في التخطيط المالي للأسرة بينما يتبسطون في الحديث مع أصحابهم في العمل وجيرانهم في السكن عن مشاريعهم المستقبلية أو ضوائقهم المالية في حين يبتعدون عن مجرد الهمس بها لزوجاتهم وهذا يبعد الزوجة عن عالم المال الذي يخوضه الزوج يومياً، كما أنه يحرم الأسرة من التعلم وازدياد الخبرات المتعلقة بالعمل الحلال ووسائل اكتساب المال المشروعة أو المحرمة، ولقد كانت الزوجة في عصر الرسول - صلى الله عليه وسلم - تدرك الأخطار التي تتعرض لها الدعوة الإسلامية، وتساهم في إيجاد حلول لها وتدرك أيضاً منافذ الزلل التي قد تزل بها الأقدام إلى الكسب الحرام. وقد ازدادت تلك المنافذ في عصرنا هذا، فوجب على الأب والأم اليقظة الكاملة لإرشاد الأبناء إلى الطريق المستقيم وتوجيههم وجهة إسلامية، خاصة مع ازدياد وسائل الإغراء وتزامن ذلك مع ضعف العقيدة وغياب التقوى في معظم النفوس اليوم، وهذا أوجب ضرورة تبصير الزوجة المسلمة بكل ذلك حتى تستطيع حماية الأسرة في حال غياب الزوج أو سفره.
http://www.al-mostaqbal.com المصدر:
ـــــــــــــــــــ(111/224)
مقارنه بين الأسرة الأوروبية والأسرة العربية
الأوروبيون وغيرهم من الجنسيات المختلفة يجهدون أنفسهم بالكثير من الدراسات والأبحاث العديدة، والتجارب والاكتشافات الغريبة، ويجري كل هذا في ظل وبسبب الفشل الأسري لديهم، والتفكك الأسري، وبهذه الدراسات والبحوث يبحثون عن شيء ما أو معجزة تعالج الفشل الأسري، فهم يبحثون عن عائلة مترابطة طويلة الأمد لأن الترابط الأسري لديهم يتناقص، بل قد أصبحت العائلات لديهم مهددة بالانقراض، وعلى العكس من ذلك نجد الأسرة المسلمة متماسكة مترابطة ناجحة منذُ مئات بل آلاف السنين، وبالرغم من الإشكالات والمشاكل والتدهور الذي تمر به هذه الأسرة إلا أن ذلك لم يؤثر عليها، ورغم الظروف الصعبة والقاسية نجد أن العائلات العربية لم يصبها تصدع أو تكسر مثل بعض ما مرت به العائلات الأوروبية؛ بل على العكس نجدها متماسكة إلى يومنا هذا.
هناك من يقول بأن الأسرة معرضة للانقراض مثل غيرها، فقد أصبحت العائلات مهددة بالوقوع في الهاوية بسبب العواصف الاجتماعية والاقتصادية التي تمر بها, فهل هناك أياد خفيه تحاول هدم هذه الأسرة، وجعلها كـ" الأسرة الأوروبية" المتهدمة، أم أننا لم ولن يؤثر علينا جميع هذه العوامل التي تحاول طمس العائلة العربية، وجعلها تفقد تاريخها العريق؟
لا أعتقد بأننا سوف نصبح مثلهم بالرغم من كل ما مر بنا، فالعائلة المترابطة المتماسكة ستبقى بالرغم من بعض الأفراد "النكرة" المطالبين بالاستقلال عن أسرهم، مقلدين في ذلك الغرب باسم الحرية الشخصية، والحقيقة أننا لا نريد هذه الحرية بل نريد البقاء بأحضان هذه الأسرة التي تحتضننا بكل حب، حتى لو صاحب هذا الحب بعض القسوة، وبعض الإهمال، والسؤال الأهم من كل ما ذكرت هو: ما سبب نجاح الأسرة العربية، وبقائها متماسكة عريقة؟
هل الإسلام هو من جعلها كذلك؟
نعم بكل تأكيد، لقد جعلنا الإسلام أفضل من الجميع، فنحن الأفضل - أحبتي - لأننا مسلمين، وعائلاتنا ذات تاريخ مشرف بالرغم من هذه الرياح المغبرة التي تحاول طمس هويتنا، فالإسلام لم ولن يتأثر بهذه الرياح، وسنبقى بإسلامنا الأفضل.
أتذكر أنه كانت لدينا محاضرة عن الأسرة الغربية، وسألتنا المحاضرة - وكانت دانمركية الأصل -: في اعتقادكم ما هو سبب تفكك الأسرة الأوروبية؟ وما هو سبب انخفاض عددها؟ ففي عام 1960 كانت النسبة الموجودة من عدد العائلات قليلة ولكنها معقولة، ولكن في عام 1970م أصبحت أقل، وفي عام 1980 أقل وأقل، وفي عام 1990 أصبحت أقل وأقل وأقل، وأعتقد بأنها الأسرة الغربية الأوروبية ستنقرض يوماً ما فما هو السبب؟
قلت لها: هل تعتقدين بأن امتناعكم عن الإنجاب هو أحد أسباب التفكك الأسري لديكم؟ قالت: نعم هو من الأسباب الرئيسية، قلت لها: وهل تعتقدين بأن الرجل أصبح كالمرأة لديكم، ولم تصبح المرأة كالرجل، وهذا سبب أخر لتفكك أسركم؟ أجابت بخجل: نعم هذا سبب أخر.
قلت لها: وأن الرجل والمرأة لا يتزوجان، ويفضلان العيش معاً بدون زواج لمدة ثلاث أو أربع سنوات لكي يختبرا نفسيهما هل يصلحان للزواج أم لا هو سبب ثالث؟ فأجابت: نعم!! وبما أنها ليست مسلمة فقد قلت لها: أمي وأبي وعائلتي الصغيرة عمرها 40 سنة، وعائلتي الأكبر عمرها مئات السنين، وهكذا أغلب العائلات المسلمة أعمارها طويلة جداً، فما السبب باعتقادك؟ أجابتني بغضب شديد شعر به كل من كان بالقاعة: نحن لا نتكلم عن ترابط الأسرة المسلمة بل نناقش التهدم الأسري الأوروبي! فقلت لها: نعم أنت محقه، ولكن لابد لنا من المقارنة بين الأسرة المتهدمة والأسرة المترابطة لكي نعرف الأسباب والحلول، وكنت بكلامي هذا - أحاول إغاضتها -، وفي هذه الأثناء أجابت طالبة باكستانية مسلمة: أجل أستاذتي لا بد لنا من المقارنة بين هذه الأسرة وتلك لكي نخرج بالأسباب والحلول، وأعتقد أن السبب واضح جداً، لأننا نسير على أسس ثابتة وواضحة وضعها لنا الدين الإسلامي ومن خالفها فليس بمسلم، بل أنه سيفقد هذه الأسرة التي نتحدث عنها.
وهنا فقدت تلك المحاضرة أعصابها وقالت: ألا تتوقفون عن ذكر محاسن دينكم؟ أجبتها: ديننا لا ينتظر منا ذكر محاسنه؛ لأن الجميع يعلم ما هي محاسن هذا الدين العظيم!!، فقال أحد الطلاب وكان مغربي الأصل مسلم: أستاذتي لماذا تغضبكم الحقائق دائماً؟
وانتهى بنا الأمر في خارج القاعة أنا والباكستانية والمغربي!!.
وبالرغم من ذلك فقد كنا سعداء جداً لأننا نعيش في أحضان العائلة المسلمة السعيدة بإسلامها وترابطها وعزتها، وبمن ينتمون إليها.
بتصرف من : http://www.dana1n.com/vb/showthread.php?t1406
ـــــــــــــــــــ(111/225)
الوداع يصنع الحب
فيصل بن سعود الحليبي
يمر الزوجان في حياتهما الزوجية بلحظات بُعد، ربما تكون قصيرة الأمد، وربما تكون طويلة، ولا يعنينا أن نفرق بين الحالين بقدر ما تعنينا تلك اللحظات وما تتركه من أثر وما تَعِدُ به من أمل..
ولعل أكثر حالةِ بُعدٍ يواجهها الزوجان هي فترة انصراف كل منهما إلى عمله أو انصراف أحدهما عن الآخر..نعم الأمر لا يعني في مثل هذه الحالة المتكررة يوميًا سوى ساعات من عدم اللقاء.. لكنني أجد هذه اللحظة مغبون فيها كثير من الأزواج والزوجات.. فإن الناظر إلى حال جملة منا يجد نفسه فيها منشغلاً بالاستعداد إلى ذهابه إلى عمله.. يرقب ساعته.. ويثير الهمة في أولاده حتى لا يكونوا سببًا في تأخيره.. وفكره يستعرض بقلق شديد تلك الطرقات الملتوية، والشوارع المزدحمة التي سوف يلفها بسيارته، وعيناه تُقمع بذلك الضوء الأحمر الذي يتسبب دائمًا في تأخيره.. وصورة رئيسه مطبوعة في مخيلته وكأنه يعاتبه على توانيه.... ولا أظنك إلا مثلي تقطع بأن الزوجة في مثل هذه الحالة هي (الكل في الكل) كما يقولون.. فكلٌ يهتف بها لتلبي له حاجته من الزوج إلى الرضيع.. وهي مع هذا كله لن تسلم من عتابٍ يقسو أحيانًا ويرق أحيانًا أخرى لسببٍ أو لآخر.. وما هي إلا دقائق إلا والجميع ـ بسلامة الله - تعالى - مستقر في مكانه الذي هيأه الله له.. هنا تبقى الذكرى.. ويأتي الأمل..
فأي ذكرى ستبقى في قلب الزوجين.. وأي أمل سيرتقب.. ؟!!
إن لحظة التوديع المتكررة هذه ينبغي أن نلتفت إليها لفتة الرعاية والحب والألفة، فما أجمل أن نستعد لهذه اللحظة بنوم مبكر هانئ ليلاً، ونبدؤها بصحو مشرق سعيد، تمتزج فيها أغاريد البلابل بأذكار الصباح، وتفتر فيه الشفاه بابتسامات صادقة حنونة، وتسكن الطمأنينة في النفوس، ويتبادل الزوجان كلمات التفاؤل بالخير والنور، ويطبع كلٌ منهما قبلة هادئة على وجنة صاحبه، ويودعه بوصايا الإخلاص والتقوى، فلقد كان بعض نساء السلف تودِّع زوجها بقولها: اتق الله، ولا تطعمنا إلا من حلال، فإننا نصبر على الجوع في الدنيا، ولا نصبر على النار في الآخرة..
بمثل هذا التوديع الآسر والمشاعر الريانة لن يكون صباح ذلك اليوم كأي صباح.. إنه يجدد في النفس النشاط، ويحملها على استقبال يومها كأفضل ما يكون الاستقبال: من الحيوية في البدن، والإشراق في الحياة، والصفاء في القلب، والعطاء الجاد في العمل.
إن لحظة التوديع هذه فاصل بهيج، من يجيد فن التعامل معه؛ سيطوي به كل كدر سابق، ليرسم بدله لوحة تذكارية جميلة بقلم التوديع السحري، تعدُ بعده بمشاهد حبٍ مرتقبة، يلتقي فيها الزوجان على أجمل مما افترقا عليه توهجًا وتشوقًا.. ليكونا كالشمس تترك في النفوس قبل أن تغيب ذكرى جميلة.. و تَعِدُ بإشراق جميل..
1425هـ
http://www.saaid.net المصدر:
ـــــــــــــــــــ(111/226)
قطوف تربوية حول قصة المجادلة
د. حمدي شعيب
شاهدة على عصرها:
عَنْ خَوْلَةَ بِنْتِ ثَعْلَبَةَ قَالَتْ: وَاللَّهِ فِيَّ وَفِي أَوْسِ بْنِ صَامِتٍ أَنْزَلَ اللَّهُ - عز وجل - صَدْرَ سُورَةِ الْمُجَادَلَةِ. قَالَتْ: كُنْتُ عِنْدَهُ وَكَانَ شَيْخاً كَبِيراً قَدْ سَاءَ خُلُقُهُ وَضَجِرَ. قَالَتْ: فَدَخَلَ عَلَيَّ يَوْماً فَرَاجَعْتُهُ بِشَيْءٍ فَغَضِبَ فَقَالَ: أَنْتِ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي. قَالَتْ: ثُمَّ خَرَجَ فَجَلَسَ فِي نَادِي قَوْمِهِ سَاعَةً، ثُمَّ دَخَلَ عَلَيَّ؛ فَإِذَا هُوَ يُرِيدُنِي عَلَى نَفْسِي. قَالَتْ: فَقُلْتُ: كَلا؛ وَالَّذِي نَفْسُ خُوَيْلَةَ بِيَدِهِ لا تَخْلُصُ إِلَيَّ وَقَدْ قُلْتَ مَا قُلْتَ حَتَّى يَحْكُمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ فِينَا بِحُكْمِهِ. قَالَتْ: فَوَاثَبَنِي، وَامْتَنَعْتُ مِنْهُ، فَغَلَبْتُهُ بِمَا تَغْلِبُ بِهِ الْمَرْأَةُ الشَّيْخَ الضَّعِيفَ، فَأَلْقَيْتُهُ عَنِّي. قَالَتْ: ثُمَّ خَرَجْتُ إِلَى بَعْضِ جَارَاتِي فَاسْتَعَرْتُ مِنْهَا ثِيَابَهَا، ثُمَّ خَرَجْتُ حَتَّى جِئْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَجَلَسْتُ بَيْنَ يَدَيْهِ، فَذَكَرْتُ لَهُ مَا لَقِيتُ مِنْهُ، فَجَعَلْتُ أَشْكُو إِلَيْهِ - صلى الله عليه وسلم - مَا أَلْقَى مِنْ سُوءِ خُلُقِهِ. قَالَتْ: فَجَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: يَا خُوَيْلَةُ! ابْنُ عَمِّكِ شَيْخٌ كَبِيرٌ فَاتَّقِي اللَّهَ فِيهِ. قَالَتْ: فَوَاللَّهِ مَا بَرِحْتُ حَتَّى نَزَلَ فِيَّ الْقُرْآنُ فَتَغَشَّى رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - مَا كَانَ يَتَغَشَّاهُ، ثُمَّ سُرِّيَ عَنْهُ. فَقَالَ لِي: يَا خُوَيْلَةُ قَدْ أَنْزَلَ اللَّهُ فِيكِ وَفِي صَاحِبِكِ. ثُمَّ قَرَأَ عَلَيَّ: {قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إلَى اللَّهِ وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا إنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ} [المجادلة: 1] إِلَى قَوْلِهِ: {وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [المجادلة: 4] فَقَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: مُرِيهِ فَلْيُعْتِقْ رَقَبَةً. قَالَتْ: فَقُلْتُ: وَاللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا عِنْدَهُ مَا يُعْتِقُ. قَالَ: فَلْيَصُمْ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ. قَالَتْ: فَقُلْتُ: وَاللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ! إِنَّهُ شَيْخٌ كَبِيرٌ مَا بِهِ مِنْ صِيَامٍ. قَالَ: فَلْيُطْعِمْ سِتِّينَ مِسْكِيناً وَسْقاً مِنْ تَمْرٍ. قَالَتْ: قُلْتُ: وَاللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا ذَاكَ عِنْدَهُ. قَالَتْ: فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: فَإِنَّا سَنُعِينُهُ بِعَرَقٍ مِنْ تَمْرٍ. قَالَتْ: فَقُلْتُ: وَأَنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ سَأُعِينُهُ بِعَرَقٍ آخَرَ. قَال: قَدْ أَصَبْتِ وَأَحْسَنْتِ، فَاذْهَبِي فَتَصَدَّقِي عَنْهُ، ثُمَّ اسْتَوْصِي بِابْنِ عَمِّكِ خَيْراً. قَالَتْ: فَفَعَلْتُ. قَالَ سَعْدٌ: الْعَرَقُ: الصَّنُّ»(1).
وردت هذه القصة، في مطلع (سورة المجادلة)، وهي أول سورة في الجزء الثامن والعشرين، من القرآن الكريم.
وسور هذا الجزء تركز على البعد الداخلي؛ والمشاكل الداخلية للمجتمع الوليد في المدينة، خاصة المشاكل الحياتية اليومية العادية، مع عدم إهمال البعد الخارجي للواقع المحيط وما يوجد به من أعداء للدعوة مثل اليهود والمنافقين.
وهو عبارة عن جولة (مع الجماعة المسلمة الناشئة؛ حيث تُربى وتُقوَّم، وتُعد للنهوض بدورها العالمي، بل بدورها الكوني، الذي قدّره الله لها في دورة هذا الكون ومقدّراته. وهو دور ضخم يبدأ من إنشاء تصور جديد كامل شامل للحياة، في نفوس هذه الجماعة، وإقامة حياة واقعية على أساس هذا التصور، ثم تحمله هذه الجماعة إلى العالم كله لتنشئ للبشرية حياة إنسانية قائمة على أساس هذا التصور كذلك ... وهو دور ضخم إذن يقتضي إعداداً كاملاً.
وفي هذه السورة بصفة خاصة نشهد صورة موحية من رعاية الله للجماعة الناشئة؛ وهو يصنعها على عينه، ويربيها بمنهجه.
هذه الفترة الفريدة في تاريخ البشرية؛ فترة اتصال السماء بالأرض في صورة مباشرة محسوسة.
فنشهد السماء تتدخل في شأن يومي لأسرة صغيرة فقيرة مغمورة، لتقرر حكم الله في قضيتها)(1).
وعندما نتأمل هذه السورة نجد أنها تدور حول عدة قضايا أو موضوعات رئيسة:
(أ) قصة المجادلة.
(ب) تهديد الذين يُحادّون، أي يخالفون ويعادون الله ورسوله.
(ج) التذكير بعلم الله - سبحانه - المحيط بكل نجوى، وتهديد من يتناجى بالإثم والعدوان والكيد والتآمر ضد المسلمين.
(د) التذكرة بأدب السماحة والطاعة للقيادة، وأدب مجالس العلم.
(هـ) كشف بعض كيد المنافقين الذين يتآمرون مع أعداء الدعوة من اليهود.
(و) بيان الصورة الربانية العظيمة لحزب الله؛ والممثل بالسابقين من المهاجرين والأنصار.
ولكن عندما نتدبر هذه القضايا المهمة والعظيمة، ونجد أن السورة قد بدأت بقضية المجادلة، بل إن اسم السورة التوقيفي نجده على نفس القضية، وهذا ما يُلقي في الروع؛ كيف أن الحق - سبحانه - يُولي أهمية خاصة بتلك القضية، وتكون في مقدمة سلم أولويات قضايا السورة بل والجزء كله.
وعندما نتأمل كيف أن التربية القرآنية الربانية ـ والممثلة في تلاوة وتدبر القرآن الكريم يومياً ـ تقوم بدور عظيم في عملية البناء الفكري والسلوكي لعقل الأمة الباطن، وتذكره بأهمية مثل تلك القضية.
لأن البداية في عملية التغيير الحضاري إنما تنبع من فكرة عظيمة في قلب رجل عظيم.
ثم تنشئ هذه الفكرة تحولاً نفسياً في نفوس البشر؛ وهذا التحول ينشئ دافعاً داخلياً؛ ثم يفرز هذا الدافع سلوكاً عملياً، فينتج تغييراً فردياً؛ ثم تحولاً حضارياً بأشكاله المنوعة؛ سواء الجانب الاقتصادي أو السياسي أو الثقافي أو الاجتماعي.
{إنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ} [الرعد: 11].
إذن: أي تغيير فردي أو جماعي أو أممي إنما ينطلق من تغيير فكري.
والتغيير الفكري هو الذي يحدد نوعية هذا التغيير الحضاري.
إذن: مقياس جودة أي تغيير فردي أو حضاري هو المنطلق الفكري لهذا التحول؛ أو القاعدة الفكرية لهذا التغيير.
فما أحوجنا لتأمل ذلك، وما أحوجنا لتدبر الأساليب التربوية القرآنية.
وكذلك ما أحوجنا لفقه دور القصة في تشكيل وإعادة صياغة عقل الأمة، في مواجهة التحديات الحضارية.
تلك التحديات التي تشمل صوراً منوعة من التدافعات؛ وأهمها التدافع الفكري والآرائي.
وبتدبر آيات هذه القصة، نجد أن لها بعدين:
الأول: وهو البعد الظاهر القريب؛ إذ تقص علينا أحداث خلاف حياتي عادي وملابساته، وقع في إحدى البيوتات الإسلامية، بين رجل وامرأته، فحدث بينهما ما يشبه الطلاق، ثم أراد الرجل أن يجامعها فأبت، وذهبت إلى الرسول - صلى الله عليه وسلم -، فشكت إليه، وحاورته، في رأيه في القضية، ولم تقتنع برأيه - صلى الله عليه وسلم -، حتى نزل الوحي بآيات الظهار، في مطلع سورة المجادلة؛ لتقدم الحل الرباني الشامل الكامل الخالد لهذه القضية.
الثاني: وهو البعد التربوي العظيم، والذي يمكننا استجلاؤه من خلال النظرة المنهجية الكلية الفاحصة لآيات القصة وملابساتها؛ حيث يقدم الرد الهادئ لقضية مهمة، طالما دار الجدال والتشكيك حولها؛ ألا وهي قضية مكانة المرأة ودورها في المجتمع الإسلامي.
وبتدبر آيات القصة ـ من خلال تلك النظرة ـ يمكننا أن نضع أيدينا على بعض السمات أو الركائز التي تجعل من خولة - رضي الله عنها - شاهدة صادقة وموثقة على عصرها؛ ولتكون خير دليل، وبرهان عملي على مكانة المرأة في هذا المجتمع الرباني:
السمة الأولى: قدرتها على إدارة الأزمة:
لقد أوضحت خولة بنت ثعلبة - رضي الله عنها - أن سبب المشكلة، وبداية القضية؛ أنها راجعت زوجها أوس بن الصامت ـ وهو أخو عبادة بن الصامت - رضي الله عنهما - في شيء مما أثار غضبه، فقال لها: أنت عليّ كظهر أمي؛ أي محرمة عليّ، وهو من الطلاق في الجاهلية.
ثم بعد ذلك أراد زوجها أوس بن الصامت - رضي الله عنه - أن يباشرها فأبت، وخرجت قاصدة الرسول - صلى الله عليه وسلم - في شكواها، ورفع القضية إليه.
وقد ورد أن أوساً كان (امرأً به لَمَمٌ، فكان إذا أخذه لممه واشتد به يظاهر من امرأته، وإذا ذهب لم يقل شيئاً)(2).
وسنرى كيف تصرفت خولة - رضي الله عنها - تصرفاً راقياً حيال هذه المشكلة.
وسنرى كيف أن كل الروايات الصحيحة، أوردت أنها هي التي تحركت وجادلت، بل صممت على الحل العادل الذي يتوافق وظروف بيتها.
ويؤكد ذلك الروايات الصحيحة عن القصة، وكذلك اسم السورة.
وكل هذا يؤكد أنها كانت على قدر من المسؤولية على استيعاب أي خلاف عائلي، أو إدارة الأزمات العائلية بحكمة؛ خاصة إذا علمنا سلوك وطباع زوجها المذكورة.
السمة الثانية: فقهها لأدب الاختلاف:
وعندما نورد هذا المثال إنما نورده، لنفتح باباً في التربية، وهو إذا كان هؤلاء بشر يخطئون، ويتشاحنون، ويختلفون، ولكن كان يظلل هذا الخلاف ضوابط معينة لم تك لتغيب عن امرأة من ذلك الجيل القرآني العظيم.
وهو باب عظيم في التربية، ومدخل يتوازى مع الخط الذي ينتهج دراسة الشخصيات المميزة، والقدوات من ناحية الفضائل، وننسى أنهم بشر، بل يجب دراسة أدب السلوك عند النقائص.
أو من باب فقه أن الإسلام من خصائصه العظيمة: الواقعية.
(وليس هذا من باب الطعن بالسلف بحالٍ من الأحوال، ونعلم أن الله - سبحانه - يزن المسلمين بميزان سورة الأحقاف: {أُوْلَئِكَ الَّذِينَ نَتَقَبَّلُ عَنْهُمْ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَنَتَجَاوَزُ عَن سَيِّئَاتِهِمْ فِي أَصْحَابِ الْجَنَّةِ وَعْدَ الصِّدْقِ الَّذِي كَانُوا يُوعَدُونَ} [الأحقاف: 16]. نعم! إنه ليس الطعن، ولكنها دعوة إلى الواقعية في فهم تاريخنا)(1).
وندرك أيضاً أن الاختلاف بين البشر سنة ثابتة ومطردة، من سنن الله - عز وجل - الإلهية {وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ * إلاَّ مَن رَّحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ} [هود: 118 - 119].
إذن لا يحق لنا أن نذهل أمام المشاكل والخلافات التي تقع، سواء في محيط الأفراد، أو في محيط الأسرة الواحدة، أو في محيط المؤسسات.
ولكن الخطورة هي أن ينقلب هذا الخلاف الظاهري إلى خلاف باطني مذموم، بل محرم: «لا تختلفوا فتختلف قلوبكم»(2).
ومن هذا الملمح التربوي المهم، نضع أيدينا على سمة مهمة من سمات المنهج الذي أفرز هذا العصر الناصع؛ وهو أن المنهج الذي أخرج هذه الأمة الرائدة القائدة، كان منهجاً واقعياً، منهجاً يرقى بالبشر إلى أفق وضيء، ولا ينسى أنهم بشر، يخطئون، ويتعاتبون ويغفرون، ويُعاقبون.
منهج لا يقوم على المثالية المجردة، التي لا تحدث ولا توجد إلا في الأحلام والخيالات، في أحلام (اليوتوبيا) أو مدينة أفلاطون الفاضلة. والأمثلة كثيرة، أكثر من أن تُحصى، ولك في الخلاف على الغنائم أثناء غزوة بدر، أبرز مثال نرى فيه كيف كان هذا القرآن هناك يعاتب ويصحح: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الأَنفَالِ قُلِ الأَنفَالُ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ إن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ} [الأنفال: 1].
والعجيب أننا لا نعي ولا نستفيد مما وصل إليه الإداريون التربويون، في هذا الجانب؛ لقد وصلوا إلى خلاصة تعتبر قاعدة تربوية دعوية، نحن أحق بأن نعيها، وهو أن الخطأ يعتبر ظاهرة صحية في حق الجماعات، وليس الأفراد فقط؛ لأنه طريق التجربة والرصيد والمعرفة، ثم النماء إلى ما هو أفضل، (فالقائد يدرك أن للجماعة الحق في أن تُخطئ، وأنها لا تنمو إلا إذا تعلمت كيف تتحمل المسؤولية كاملة لِمَا تُصدره من قرارات وما تحسمه من أمور)(3).
ومن هنا يتبين لنا أن لا نذهل، ولا يصيبنا الإحباط إذا رأينا بعض الخلافات الداخلية، وننظر إليها برؤية المنهج، الذي جاء ليرقى بالبشر، من حيث هم، ولم يعاملهم كملائكة مبرئين من النواقص، جاء ليصنع أمة من البشر العاديين، ولن يحمله إلى الإنسانية إلا بشر، يخطئون، فيُصححون، ويختلفون، فيُراجعون.
وسنرى كيف تصرفت خولة - رضي الله عنها - تصرفاً راقياً حيال هذه المشكلة.
حتى عندما نزل الوحي بالحل لقضيتها، نجد أنها جادلت وحاورت، وحصلت بحكمتها على أفضل الحلول، ثم كانت رفيقة بأسرتها، حتى بزوجها وهي في قمة غضبها منه ومن تصرفاته.
وهي بذلك تفتح لنا باباً عظيماً في التربية؛ وهو الباب الذي ننساه في خضم المشاكل الحياتية واليومية؛ ذلك الباب الذي نحن أحوج الناس إلى ممارسته؛ وهو الباب الذي لم يزل مفتقداً بين الدعاة، وانطمس أثره بين الناس عموماً؛ وهو أدب الاختلاف.
السمة الثالثة: الورع والخوف منه - سبحانه -:
لقد كان موقف خولة - رضي الله عنها - عظيماً وفريداً، عندما حكت عن زوجها عندما خرج وعاد؛ فقالت: «ثُمَّ دَخَلَ عَلَيَّ فَإِذَا هُوَ يُرِيدُنِي عَلَى نَفْسِي قَالَتْ: فَقُلْتُ: كَلاَّ وَالَّذِي نَفْسُ خُوَيْلَةَ بِيَدِهِ لا تَخْلُصُ إِلَيَّ وَقَدْ قُلْتَ مَا قُلْتَ حَتَّى يَحْكُمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ فِينَا بِحُكْمِهِ. قَالَتْ: فَوَاثَبَنِي وَامْتَنَعْتُ مِنْهُ فَغَلَبْتُهُ بِمَا تَغْلِبُ بِهِ الْمَرْأَةُ الشَّيْخَ الضَّعِيفَ، فَأَلْقَيْتُهُ عَنِّي. قَالَتْ: ثُمَّ خَرَجْتُ إِلَى بَعْضِ جَارَاتِي، فَاسْتَعَرْتُ مِنْهَا ثِيَابَهَا، ثُمَّ خَرَجْتُ حَتَّى جِئْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -».
فتدبر أحداث تلك الواقعة، والملابسات الداخلية التي حدثت بين زوجين داخل بيتهما، وقارن بين سلوك زوجها وسلوكها الراقي الورع الذي استوعب أخطاء الزوج، من أجل عدم الوقوع فيما يغضب الحق - سبحانه -.
وتذكر كيف فقهت أن طاعة الزوج لها حدود؛ وهي طاعة مبصرة في غير معصية لله - عز وجل -.
ثم سرعة تصرفها وحكمتها في وجوب الإسراع في حل تلك المشكلة العائلية، من أجل المحافظة على كيان الأسرة.
وهذا ما يشعرنا بالمستوى الراقي من الأخلاق والورع، الذي ربيت عليه المرأة في هذا المجتمع الرباني الفريد.
فالهدف العظيم الذي يرنو إليه أي زوجين؛ وهو حماية كيان الأسرة، لا يسوِّغ أن يكون ذلك على حساب طاعته - سبحانه -.
ولا يستوي بناء قام على طاعة الله - عز وجل - مع بناء قام على غير ذلك: {أَفَمَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى تَقْوَى مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٍ خَيْرٌ أَم مَّنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى شَفَا جُرُفٍ هَارٍ فَانْهَارَ بِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ} [التوبة: 109].
السمة الرابعة: فقهها للمرجعية:
لقد حملت خولة - رضي الله عنها - شكواها إلى الحبيب - صلى الله عليه وسلم -.
فلم تذهب لغيره - صلى الله عليه وسلم -، حتى وإن كانت عائشة رضوان الله عليها. وتدبر كيف أن خولة - رضي الله عنها - أتت إلى بيتها، وانفردت به - صلى الله عليه وسلم - ولم تشرك أحداً في حل قضيتها.
عَنْ عَائِشَةَ - رضي الله عنها -قَالَت: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي وَسِعَ سَمْعُهُ الأصْوَاتَ؛ لَقَدْ جَاءَتِ الْمُجَادِلَةُ إِلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - تُكَلِّمُهُ وَأَنَا فِي نَاحِيَةِ الْبَيْتِ مَا أَسْمَعُ مَا تَقُولُ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ - عز وجل -: {قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا} [المجادلة: 1] إِلَى آخِرِ الآيَةِ»(1). وهذا يضع أيدينا على سمة أخرى، نستشعرها من هذا التصرف.
لقد كانت ـ مثل أي فرد داخل هذا المجتمع ـ تقر وتعلم أن لها قيادة ومرجعية تنظيمية يرجع إليها.
وكان لهذه القيادة، المرجعية في كل المجالات، سواء في مجال الفقه والتعليم، أو في مجال الأمور الحياتية العادية، أو في المجال العسكري.
وكان لها أيضاً المرجعية لكل فرد من الأمة، وكأنهم جنود داخل معسكر، يأتمرون ويرجعون إلى قيادتهم، ولم يكن يجهل ذلك أي فرد سواء الرجل أو المرأة أو الطفل.
ففي مجال الفقه في الدين، كانوا جميعاً يعودون إلى قيادتهم، ولقد وردت كلمة (يسألونك) تسع مرات في القرآن الكريم. وذلك كما في قوله - سبحانه -: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ} [البقرة: 219].
وفي المجال العسكري والفقهي أيضاً. كما في قوله - سبحانه -: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الأَنفَالِ} [الأنفال: 1].
ويوضح هذا الملمح أيضاً أهمية وجود روح الانضباط التنظيمي داخل الأمة، ووجوب تنميتها، خاصة بين أفراد كل جماعة تتبنى المشروع الحضاري الإسلامي، وركن ذلك أن يعي كل فرد أن له قيادة ومرجعية يعود إليها.
فإذا كنا على قناعة بواقعية البشر؛ وأن من حقهم الخطأ، فلا يحق أن ننسى الضابط الذي يحمي هذه الواقعية ويمنع انحرافاتها؛ ألا وهو ضابط المرجعية التي يرجع إليها عند حدوث الخلافات.
وإن كنا على قناعة في أن كل زوجين من حقهما الخطأ، وأن حدوث أي مشاكل زوجية؛ هو أمر طبيعي من سمات البشر، فإننا نتعلم من خولة - رضي الله عنها -أهمية معرفة من له الحق في إصلاح هذا الخلاف؛ فيحافظ على السر، ويحاول حل المشكلة.
السمة الخامسة: شجاعتها الأدبية وقدرتها على الحوار:
لقد ورد عن خولة - رضي الله عنها -أنها كانت تتمتع بقدرة فائقة على الحوار؛ حيث عرضت قضيتها بشجاعة وثقة ولباقة.
وكيف أنها بهذه الصفة قد رفعت عن نفسها؛ بل عن أمة كاملة الحرج والظلم إلى يوم القيامة.
وتدبر كيف بدأت شكواها وهي تقول: (يا رسول الله! أكلَ مالي، وأفنى شبابي، ونثرت له بطني، حتى إذا كبرت سني وانقطع ولدي، ظاهر مني! اللهم إني أشكو إليك)(2).
ثم في حوارها وجدالها في رأي الحبيب - صلى الله عليه وسلم -:
(فسألت النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال لها: (حُرِّمْتِ عليه) فقالت: والله! ما ذكر طلاقاً، ثم قالت: أشكو إلى الله فاقتي ووحدتي ووحشتي وفراق زوجي وابن عمي وقد نفضت له بطني، فقال: (حُرِمْتِ عليه) فما زالت تراجعه ويراجعها حتى نزلت عليه الآية. وروى الحسن: أنها قالت: يا رسول الله! قد نسخ الله سنن الجاهلية وإن زوجي ظاهَرَ مني، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (ما أُوحي إليَّ في هذا شيء) فقالت: يا رسول الله! أوحِيَ إليك في كل شيء وطوي عنك هذا؟ فقال: (هو ما قلت لك) فقالت: إلى الله أشكو لا إلى رسوله. فأنزل الله: {قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إلَى اللَّهِ وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا إنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ} [المجادلة: 1](3).
وكذلك في حوارها وجدالها في الحل الرباني الذي جاءت به الآيات.
وتدبر ما ورد عن موقفها.
(قَالَتْ: فَوَاللَّهِ مَا بَرِحْتُ حَتَّى نَزَلَ فِيَّ الْقُرْآنُ، فَتَغَشَّى رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - مَا كَانَ يَتَغَشَّاهُ، ثُمَّ سُرِّيَ عَنْهُ. فَقَالَ لِي: يَا خُوَيْلَةُ! قَدْ أَنْزَلَ اللَّهُ فِيكِ وَفِي صَاحِبِكِ. ثُمَّ قَرَأَ عَلَيَّ: {قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إلَى اللَّهِ وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا إنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ} [المجادلة: 1] إِلَى قَوْلِهِ {وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [المجادلة: 4] فَقَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: مُرِيهِ فَلْيُعْتِقْ رَقَبَةً. قَالَتْ: فَقُلْتُ: وَاللَّهِ! يَا رَسُولَ اللَّهِ! مَا عِنْدَهُ مَا يُعْتِقُ. قَالَ: فَلْيَصُمْ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ. قَالَتْ: فَقُلْتُ: وَاللَّهِ! يَا رَسُولَ اللَّهِ! إِنَّهُ شَيْخٌ كَبِيرٌ مَا بِهِ مِنْ صِيَامٍ. قَالَ: فَلْيُطْعِمْ سِتِّينَ مِسْكِيناً وَسْقاً مِنْ تَمْرٍ. قَالَتْ: قُلْتُ: وَاللَّهِ! يَا رَسُولَ اللَّهِ! مَا ذَاكَ عِنْدَهُ. قَالَتْ: فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: فَإِنَّا سَنُعِينُهُ بِعَرَقٍ مِنْ تَمْرٍ. قَالَتْ فَقُلْتُ: وَأَنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ! سَأُعِينُهُ بِعَرَقٍ آخَرَ. قَال: قَدْ أَصَبْتِ وَأَحْسَنْتِ، فَاذْهَبِي فَتَصَدَّقِي عَنْهُ، ثُمَّ اسْتَوْصِي بِابْنِ عَمِّكِ خَيْراً»(1).
بل إنها كانت طوال حياتها على هذه السمة المميزة لها.
فقد (مر بها عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - في خلافته والناس معه على حمار، فاستوقفته طويلاً ووعظته، وقالت: يا عمر! قد كنت تدعى عُمَيْراً، ثم قيل لك: عمر، ثم قيل لك: أمير المؤمنين، فاتق الله يا عمر! فإنه من أيقن بالموت خاف الفَوْت، ومن أيقن بالحساب خاف العذاب؛ وهو واقف يسمع كلامها، فقيل له: يا أمير المؤمنين! أتقف لهذه العجوز هذا الوقوف؟
فقال: واللهِ! لو حبستني من أول النهار إلى آخره لا زلت إلا للصلاة المكتوبة، أتدرون من هذه العجوز؟ هي خولة بنت ثعلبة سمع الله قولها من فوق سبع سماوات، أيسمع رب العالمين قولها ولا يسمعه عمر؟)(2).
السمة السادسة: اعتزازها بكرامتها وإنسانيتها:
لقد ورد في أمر خولة - رضي الله عنها -أن أمها (معاذة) التي أنزل الله فيها: {وَلا تُكْرِهُوا فَتَيَاتِكُمْ عَلَى الْبِغَاءِ إنْ أَرَدْنَ تَحَصُّناً} [النور: 33] وهي الأَمَة التي كان عبد الله بن أُبَيّ بن سلول يُكرهها على البغاء والزنا والفجور، فأبت ذلك ونزلت فيها هذه الآية(3).
قال السدي: أنزلت هذه الآية الكريمة في عبد الله بن أُبي بن سلول رأس المنافقين، وكانت له جارية تدعى (معاذة) وكان إذا نزل به ضيف أرسلها إليه ليواقعها إرادة الثواب منه والكرامة له، فأقبلت الجارية إلى أبي بكر - رضي الله عنه - فشكت إليه فذكره أبو بكر للنبي - صلى الله عليه وسلم -، فأمره بقبضها، فصاح عبد الله بن أُبي: من يعذرنا من محمد؟ يغلبنا على مملوكتنا. فأنزل الله فيه هذا)(4).
ونستشعر من هذا الخبر ملمحاً تربوياً طيباً؛ وهو أن خولة - رضي الله عنها -قد نشأت متأثرة تأثراً بالغاً بأمها معاذة التي كانت مجرد أمة مملوكة؛ ولكنها لم تك إمعة أو سهلة أمام سيدها الذي أكرهها على الفسق، فرفضت وكان لها موقف زكاه الله - عز وجل - من فوق سبع سماوات، وخلده فكان سبباً في نزول آية سورة النور.(111/227)
ولو تدبرنا محور الآيات التي نزلت في خولة وأمها ـ رضوان الله عليهما ـ لوجدناها تدور حول قوة الشخصية، والاعتزاز بالرأي طالما كان على الحق، حتى كان موقفهما سبباً في نزول آيات بينات يتعبد بتلاوتها، وأحكام ثابتة نزلت لتوجه أمة إلى قيام الساعة.
وهي السمة التي تبين مدى رفعة المنهج الذي كان سبباً في بث روح الكرامة والعزة والأنفة في روح حامليه، حتى وإن كُنَّ نساءً أرقاءً.
وكذلك أهمية التربية الأسرية؛ وكيف أن الأبناء يتأثرون بالآباء والأمهات؛ ويحملون الكثير من صفاتهم.
السمة السابعة: احترام خصوصية الزوج:
وهناك ملمح تربوي عظيم نستشعره من الحديث الشريف الذي ورد (عن عَائِشَةَ - رضي الله عنها -قَالَت: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي وَسِعَ سَمْعُهُ الأصْوَاتَ؛ لَقَدْ جَاءَتِ الْمُجَادِلَةُ إِلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - وَأَنَا فِي نَاحِيَةِ الْبَيْتِ تَشْكُو زَوْجَهَا، وَمَا أَسْمَعُ مَا تَقُولُ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ {قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إلَى اللَّهِ وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا إنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ} [المجادلة: 1](5).
فعائشة - رضي الله عنها - وهي من هي ـ لم تشأ أن يدفعها الفضول لترى أو تتسمع ما يحدث في بيتها بين زوجها - صلى الله عليه وسلم -، وبين أحد الضيوف؛ خاصة عندما يكون امرأة.
وهو الملمح الذي يبين مدى سعة أفق هذا الجيل الرباني، ومدى السمو في العلاقات الزوجية، ومدى الثقة التي كانت بين الزوجين.
السمة الثامنة: الثقة في القيادة الواعية:
عندما حملت خولة - رضي الله عنها - شكواها إلى الحبيب - صلى الله عليه وسلم - أخذ الأمر بجدية وحقق في الأمر.
وتصرفه - صلى الله عليه وسلم - إنما يدل على أمور عظيمة، تضع الضوابط المطلوب توافرها في كل قيادة راشدة.
تلك الصفات هي التي جعلت كل فرد يرجع إليها في كل شيء، حتى ولو كانت مشكلة داخلية عائلية، لا يدري بها أحد.
تلك الضوابط هي التي جعلت من الجميع حتى ولو كانت امرأة أن ترجع إليها بشكواها، وتطلعها على أسرارها الداخلية.
ومن هذه الصفات:
أ - الشعور بالمسؤولية: لأنه - صلى الله عليه وسلم - كان على الرغم من مشاغله كحاكم مسؤول عن دولة عظيمة مترامية الأطراف، كان عنده الوقت ليفصل في الأمور الحياتية العادية بين الأفراد، دون قيود أو حواجز تحول بينه وبين كل فرد من أمته ليدخل عليه.
ب - التواضع: لأنه - صلى الله عليه وسلم - ـ وهو من هو ـ لم يدّع الدراية بكل شيء، بل قال رأيه، وسمح لخولة - رضي الله عنها -أن تحاوره، حتى نزل الوحي بالحل.
ج - الحيادية والتروي والعدل: وذلك عندما نرى أنه - صلى الله عليه وسلم - قد قال لخولة - رضي الله عنها -مذكراً إياها بحساسية القضية، فرد غيبة زوجها: «يَا خُوَيْلَةُ! ابْنُ عَمِّكِ شَيْخٌ كَبِيرٌ فَاتَّقِي اللَّهَ».
وكم مَنْ أُخذ بجريرة الوشايات، ولم يُستمع إلى رأيه!
د - الرفق بالرعية: خاصة إذا كان المقصود فرداً غائباً؛ وتدبر نصيحته - صلى الله عليه وسلم -: «قَدْ أَصَبْتِ وَأَحْسَنْتِ، فَاذْهَبِي فَتَصَدَّقِي عَنْهُ، ثُمَّ اسْتَوْصِي بِابْنِ عَمِّكِ خَيْراً».
هـ - الثقة المتبادلة بين الحاكم والمحكوم: وهذا هو حجر الزاوية؛ أو هي القاعدة التي تقوم عليها كل الصفات.
وهو ما يتضح من توجه خولة - رضي الله عنها -بشكواها لثقتها أنه سينصرها ويأتي لها بحقها؛ لأن الكل عنده سواسية.
وكذلك لعلمها أنه - صلى الله عليه وسلم - سيحافظ على سرها، وتدبر ما قالته عائشة - رضي الله عنها -من أنها لم تدر ما هي المشكلة وهي في غرفة مجاورة.
وفي هذا المقام لا يسعنا إلا أن نورد هذا الرأي لخطورة هذا الضابط. وذلك من باب أن الحكمة هي ضالتنا.
ولنأخذ العبرة من ذلك الحوار الذي دار حول السياسة، بين الفيلسوف الصيني (كونفوشيوس) وأحد أتباعه ويدعى (تسي كوغ) الذي كان يسأل أستاذه عن السلطة.
(أجاب الفيلسوف قائلاً: على السياسة أن تُؤمِّن أشياء ثلاثة:
1 - لقمة العيش الكافية لكل فرد.
2 - القدر الكافي من التجهيزات العسكرية.
3 - القدر الكافي من ثقة الناس بحكامهم.
سأل التلميذ: وإذا كان لا بد من الاستغناء عن أحد هذه الأشياء الثلاثة، فبأيها نضحي؟
أجاب الفيلسوف: بالتجهيزات العسكرية.
سأل التلميذ: وإذا كان لا بد أن نستغني عن أحد الشيئين الباقيين؛ فبأيها نضحي؟
أجاب الفيلسوف: في هذه الحالة نستغني عن القوت؛ لأن الموت كان دائماً هو مصير الناس، ولكنهم إذا فقدوا الثقة لم يبق أي أساس للدولة)(1).
وتدبر تلك الثقة العظيمة؛ فيما ورد عن الحبيب - صلى الله عليه وسلم -: «بينما رجلٌ يسوقُ بقرةً له قد حملَ عليها، فالتفتَتْ إليه البقرة، فقالت: إني لم أُخلق لهذا، ولكني إنما خُلِقْتُ للحرثِ».
فقال الناسُ: سبحان الله! ـ تعجباً وفزعاً ـ أَبقرةٌ تكَلَّمُ؟!
فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «فإني أُومن به، وأبو بكرٍ وعمر»(2).
والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات.
----------------------------------------
(1) مسند الإمام أحمد ـ كتاب: مسند القبائل ـ حديث مرفوع ـ برقم 26056. العَرَق والزبيل: كل منهما وعاء كالسلة.
(1) في ظلال القرآن: سيد قطب 28/3503 - 3504 بتصرف.
(2) تفسير القرآن العظيم: ابن كثير ـ تفسير سورة المجادلة.
(1) العوائق: الراشد 306.
(2) رواه البخاري على ما في الجامع الصغير 2/494.
(3) كيف نعد قادة أفضل؟: ترجمة د.حسين حمدي الطويحي 21 نقلاً عن: القيادة: جاسم بن محمد بن مهلهل الياسين 57.
(1) مسند الإمام أحمد ـ كتاب: باقي مسند الأنصار ـ مرفوع إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - ـ برقم 23064.
(2) تفسير القرآن العظيم: ابن كثير ـ تفسير سورة المجادلة.
(3) الجامع لأحكام القرآن: القرطبي ـ تفسير سورة المجادلة.
(1) مسند الإمام أحمد ـ كتاب: مسند القبائل ـ حديث مرفوع ـ برقم 26056.
(2) الجامع لأحكام القرآن: القرطبي ـ تفسير سورة المجادلة.
(3) تفسير القرآن العظيم: ابن كثير ـ تفسير سورة المجادلة.
(4) تفسير القرآن العظيم: ابن كثير ـ تفسير سورة النور.
(5) سنن ابن ماجه ـ كتاب: المقدمة ـ حديث شريف مرفوع إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - ـ برقم 148.
(1) تاريخ الحضارة: ترجمة بدران 4/60 نقلا عن: مشكلة الأفكار في العالم الإسلامي: مالك بن نبي 132.
(2) أخرجه مسلم في صحيحه ـ كتاب فضائل الصحابة 2388.
شوال 1425هـ * نوفمبر/ديسمبر 2004م
http://www.albayan-magazine.com المصدر:
ـــــــــــــــــــ(111/228)
الولد
خالد أبو شادي
إذا أحسنت تربيته، فكل حسنة يعملها توضع في ميزان أبويه اللذين ربيا وعلما، بل أن النبي يخبر في حديث يحفز كل واحد على إحسان تربية أبنائه وتقويهم فيقول إن الرجل لترتفع درجته في الجنة فيقول: أنى لي هذا؟! فيقال: باستغفار ولدك لك" صحيح.
فبفضل ولده الصالح ترتفع درجته بعد انقطاع عمله وإياسه من العودة إلى الدنيا ليعمل صالحا غير الذي كان يعمل، ويا له من استثمار!! أربح استثمار.
هل تحب ولدك؟!
إذا كنت تحبه بالفعل فاحرص على أن تزوده بالزاد الذي يبقى لينفعه في الحياة الأبدية لا أن تكتفي بالزاد الذي يفنى فلا يصل إليه منه شيء في الآخرة.
إذا كنت تحب ولدك فحفظه القرآن ألبس والداه تاجا ضوؤه مثل الشمس، ويكسى والداه حلتين لا تقوم بهما الدنيا جزاء ما قدما وغرسا في ابنهما، ولعل هذا هو الذي دفع عمر بن الخطاب إلى أن يقول: إني لأكره نفسي على الجماع، رجاء أن تخرج نسمة تسبح الله.
ما أحلى موت الأبناء!!
دخل أبو إسحاق الجنبياني على ابنه عبد الله وهو يحتضر، فلقنه الشهادة..فنطق بها ثم مات، فخرج على أمه فقال لها: أبشري يا أم عبد الله..لقد مات أبنك على الإسلام، وجعل ثوابه في صحيفتك، فتطيبي وارتدي أجمل ثيابك وأظهري شكر نعمة الله، ثم دخل حجرته وصلى ركعتين وارتدى ثوباً جديداً وخرج على الناس والبشر ظاهر عليه!!
وليس أبو إسحاق وحده بل كذلك الفضيل بن عياض ثلاثين سنة ما رأيته ضاحكاً مبتسماً إلا يوم مات إبنه على،، فقلت له في ذلك، فقال إن الله أحب أمراً فأحببت أمر الله.
حل اللغز!
والسبب في هذا السرور العجيب هو ما أخبر به النبي: إذا مات ولد العبد قال الله لملائكته: أقبضتم ولد عبدي؟ فيقولون نعم، فيقول أقبضتم ثمرة فؤاده؟ فيقولون نعم، فيقول ماذا قال عبدي؟ فيقولون: حمدك واسترجع، فيقول الله: ابنوا لعبدي بيتا في الجنة وسموه بيت الحمد.
هل عرفت الآن لماذا وهبك الله العيال؟! يا أبا العيال...
أبناؤك جواهرك:
قال أبو حامد الغزالي: الصبي أمانة عند والديه، وقلبه الطاهر جوهرة ساذجة خالية من كل نقش وصورة، وهو قابل لكل ما نقش عليه، ومائل لكل ما يمال به إليه، فأن عود خيراً أو علمه نشأ عليه، وسعد في الدنيا والآخرة أبواه، وإن عود شراً وأهمل إهمال البهائم شقي وهلك، وكأنه الوزر في رقبة القيم عليه.
ب - الولد نقمة:
لقول النبي: "الولد ثمرة القلب، وإنه مجبنة مبخلة محزنة" صحيح
مجبنة: تجعل الإنسان يسكت عن النطق بكلمة الحق خوفاً من أن يلحقه سوء أو يلحق ولده، فيسكت عن منكر ويغض الطرف عن باطل.
مبخلة: تدفع الإنسان إلى الضن بأمواله عن الإنفاق في سبيل الله، إتباعا لقول العامة، وبئس ما قالوا ما احتاجه البيت محرم على الجامع.
محزنة: فإذا شيك ابنه بشوكة، أو ديس له طرف، أو مرض امتلأ فؤاد أبيه حزناً وشفقة عليه.
أين هؤلاء من حال علي بن أبي طالب الذي رزقه الله أربعة عشر ولداً وخمس عشرة بنتاً ومع ذلك قال: والله ما طمع الشيطان أن يوسوس لي يوما في أرزاقهم.
وغير علي يسرق من أجل أبنائه، ويبيع أخرته بدنيا زائلة، ويذوق عذاب النار بنعيم فان، وليت هذا النعيم كان له بل لغيره.
احفظ الله يحفظك:
دخل مقاتل بن سليمان على المنصور يوم بويع بالخلافة، فقال له المنصور: عظني يا مقاتل. فقال: أعظك بما رأيت أم بما سمعت؟! قال: بما رأيت. قال: يا أمير المؤمنين... عمر بن عبد العزيز أنجب أحد عشر ولداً وترك ثمانية عشر ديناراً، كفن بخمسة دنانير، واشترى له قبر بأربعة دنانير ووزع الباقي على أولاده (نصيب كل واحد 9/11 ديناراً)، وهشام بن عبد الملك أنجب أحد عشر ولداً، وكان نصيب كل ولد من التركة مليون دينار، والله يا أمير المؤمنين لقد رأيت في يوم واحد ولداً من أولاد عمر يتصدق بمائة فرس للجهاد في سبيل الله، وأحد أولاد هشام يتسول في الأسواق!!.
http://www.muslema.com المصدر:
ـــــــــــــــــــ(111/229)
مفهوم الحياة الطيبة
الشيخ عائض القرنى
يقول أحد أذكياء الإنجليز: بإمكانك وأنت في السجن من وراء القضبان الحديدية، أن تنظُر إلى الأُفُقُ، وأن تُخرج زهرةً من جيبك فتشُمَّها وتبتسم، وأنت مكانك، وبإمكانك وأنت في القصر على الديباج والحرير، أن تحتدَّ وأن تغضب وان تثورَ ساخطاً من بيتك وأسرتك وأموالك. إذن السعادة ليستْ في الزمان ولا في المكان، ولكنَّها في الإيمان، وفي طاعة الدَّيَّان، وفي القلب، والقلب محلُّ نظرِ الرَّبِّ، فإذا استقرَّ اليقين فيه، انبعثت السعادة، فأضفَتْ على الروح وعلى النفس انشراحاً وارتياحاً، ثم فاضت على الآخرين، فصارت على الظِّراب وبطون الأودية ومنابت الشجر.
أحمد بن حنبل عاش سعيداً، وكان ثوبه أبيض مرقَّعا، يخيطه بيده، وعنده ثلاث غُرَف من طين يسكنها، ولا يجد إلا كسر الخبز مع الزيت، وبَقي حذاؤه - كما قال المترجمون عنه - سبع عشرة سنة يرقِّعه ويخيطه، ويأكل اللحم في شهره مرَّّةً ويصوم غالبَ الأيام، يذرع الدنيا ذهاباً وإياباً في طَلَب الحديث، ومع ذلك وجدَ الراحة والهدوء والسكينة والاطمئنان، لأنه ثابت القَدَم، مرفوع الهامة، عارفٌ بمصيره، طالبٌ لثوابٍ، ساعٍ لأجر، عاملٌ لآخِرةٍ، راغبُ في جنَّةٍ. وكان الخلفاء في عهده - الذين حكموا الدنيا- المأمون، والواثق والمعتصم، والمتوكل، عندهم القصور والدُّور والذهب والفضة والبنود والجنود، والأعلام والأوسمة والشارات والعقارات، ومعهم ما يشتهون، ومع ذلك عاشوا في كدر، وَقضوا حياتهم في هم ًّوغمًّ، وفي قلاقلَ وحروبٍ وثوراتٍ وشغبٍ وضجيجٍ، وبعضهم كان يتأوه في سكرات الموت نادماً على ما فرَّط، وعلى ما فعلَ في جنبِ اللَّه.
ابن تيمية شيخ الإسلام، لا أهل ولا دار ولا أسرة ولا مال ولا منصب، عنده غرفةٌ بجانب جامع بني أمية يسكنها، وله رغيفٌ في اليوم، وله ثوبان يغيرُّ هذا بهذا، وينام أحياناً في المسجد، ولكن كما وَصفَ نفسه: جنَّته في صدره، وقتله شهادة، وسجْنه خلوةٌ، وإخراجهُ من بلده سياحةٌ، لأن شجرة الإيمان في قلبه استقامتْ على سُوقها، تُؤتي أُكُلَها كلَّ حين بأذن ربِّها، يمُدُّها زيت العناية الربانية، «يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْه ُنَارٌ نُّورٌ عَلَى نُورٍ يهدي الله لنوره من يشاء»، «كفر عنهم سيئاتهم وأصلح بالهم»، «والذين اهتدوا زادهم هدى وآتاهم تقواهم»، «تعرف في وجوههم نضرة النعيم». خرج أبو ذرّ - رضي الله عنه - وأرضاه إلى الرَّبذة، فنصبَ خيمتَهُ هناك، وأتى بامرأته وبناته، فكان يصوم كثيراً من الأيام، يذكر مولاه، ويسبِّح خالقه، ويتعَّبد ويقرأ ويتلو ويتأمَّل، لا يملك من الدنيا إلا شمْلةً أو خيمة، وقطعهً من الغنم، مع صفحةٍ وقصعة ٍ وعصا.
زاره أصحابُه ذات يوم، فقالوا: أين الدنيا؟ قال: في بيتي ما أحتاجه من الدنيا، وقد أخبرنا - صلى الله عليه وسلم - أن أمامنا عقبة كؤوداٍ لا يجيزها إلا المخُففُّ. كان منشرح الصدر، ومثلج الخاطر، فعنده ما يحتاجه من الدنيا، أما ما زاد على حاجته، فأشغالٌ وتبعاتٌ وهمومٌ وغمومٌ.
http://www.osrty.com المصدر:
ـــــــــــــــــــ(111/230)
البيوت المسلمة منازل للنور
إن من سُنَن الله - تعالى - في الكون أن لا شيء فيه يستطيع أن يؤدي مهمته وحده، بل خَلَقَه الله محتاجًا للاتصال بغيره مِن نوعه، ليَكْمُلَ به ويُكَمِّلَه، قال - تعالى -: "وَمِن كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ " (الذاريات: 49)، وإذا كان الفرد هو اللبِنة الأساسية للأُمَّة، فإنَّ البيت المسلم - الأسرة الصالحة - هو الخلية الأولى للمجتمع الصالح، وهذه الخلية لا تتكون إلا من زواج.
هذا وقد أودع الله - تعالى - في كلٍّ مِنَ الرجل والمرأة حاجة كل منهما للآخر، فلا يَسْتَقِرَّا حتى يَسْكُنَا إلى بعضهما البعض، قال - تعالى -: "وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ" (الروم: 21).
الأنبياء يُقيمون البيت المسلم:
قَبِلَ موسى- عليه السلام - عرض والد الفتاتين بالزواج مِن إحداهما، وفي هذه المبادرة إشارةٌ لأهمية الإسراع في إقامة البيت، وكذلك فعل رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فقد سارع إلى البناء بزوجه أم المؤمنين عائشة - رضي الله عنها - في السنة الأولى مِن الهجرة، ثم بادر في السنة الثانية بتزويج ابنته فاطمة - رضي الله عنها - مِن علي بن أبي طالب - رضي الله عنه -، فعَنْ عَائِشَةَ وَأُمِّ سَلَمَةَ قَالَتَا: "أَمَرَنَا رَسُولُ اللهِ- صلى الله عليه وسلم - أَنْ نُجَهِّزَ فَاطِمَةَ حَتَّى نُدْخِلَهَا عَلَى عَلِيٍّ، فَعَمَدْنَا إِلَى الْبَيْتِ فَفَرَشْنَاهُ تُرَابًا لَيِّنًا مِنْ أَعْرَاضِ الْبَطْحَاءِ، ثُمَّ حَشَوْنَا مِرْفَقَتَيْنِ لِيفًا، فَنَفَشْنَاهُ بِأَيْدِينَا، ثُمَّ أَطْعَمْنَا تَمْرًا وَزَبِيبًا، وَسَقَيْنَا مَاءً عَذْبًا، وَعَمَدْنَا إِلَى عُودٍ فَعَرَضْنَاهُ فِي جَانِبِ الْبَيْتِ لِيُلْقَى عَلَيْهِ الثَّوْبُ وَيُعَلَّقَ عَلَيْهِ السِّقَاءُ، فَمَا رَأَيْنَا عُرْسًا أَحْسَنَ مِنْ عُرْسِ فَاطِمَةَ" (رواه ابن ماجة، الحديث 1901).
حُسْن اختيار الزوج:
الواجب على الفرد المسلم أن يقيم الأسرة المسلمة القدوة التي تتمثل الإسلام في كل صغيرة وكبيرة؛ فتتحرى الحلال، وتتجنب الحرام وما فيه شبهة، فعلى المسلم حين تتهيأ له أسباب النكاح أن يُحسِن اختيار شريكة حياته، وأن يلتزم بتوجيه الرسول- صلى الله عليه وسلم - في ذلك، فقد قَال النَّبِيُّ- صلى الله عليه وسلم -: "تُنْكَحُ الْمَرْأَةُ لأَرْبَعٍ: لِمَالِهَا، وَلِحَسَبِهَا، وَجَمَالِهَا، وَلِدِينِهَا، فَاظْفَرْ بِذَاتِ الدِّينِ تَرِبَتْ يَدَاكَ" (رواه البخاري، الحديث 4700).
وكذلك الواجب على أهل العَروس أن يلتزموا توجيه الرسول- صلى الله عليه وسلم - في حديثه، فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ- صلى الله عليه وسلم -: "إذَا خَطَبَ إِلَيْكُمْ مَنْ تَرْضَوْنَ دِينَهُ وَخُلُقَهُ فَزَوِّجُوهُ، إِلا تَفْعَلُوا تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الأَرْضِ وَفَسَادٌ عَرِيضٌ" (رواه الترمذي، الحديث 1004).
منازل النور:
والبيوت المسلمة هي منازل للنور؛ لأنها منازل يُذكَر فيها اسم الله - تعالى -، وسأل قوم عمر - رضي الله عنه - عن صلاة الرجل في بيته، فقَالَ - رضي الله عنه -: سَأَلْتُ رَسُولَ اللهِ- صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ: "أَمَّا صَلاةُ الرَّجُلِ فِي بَيْتِهِ فَنُورٌ، فَنَوِّرُوا بُيُوتَكُمْ" (رواه ابن ماجة، من الحديث 1365). وروى ابْنُ عُمَرَ عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "اجْعَلُوا فِي بُيُوتِكُمْ مِنْ صَلاتِكُمْ، وَلا تَتَّخِذُوهَا قُبُورًا" (رواه البخاري، الحديث 414).
والبيوت المسلمة هي منازل للنور، إذ تنطلق منها أجيال جديدة تواصل حمل نور الوحي لهداية البشر، قال - تعالى -: "وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِّنْ أَمْرِنَا مَا كُنتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلا الإِيمَانُ وَلَكِن جَعَلْنَاهُ نُورًا نَّهْدِي بِهِ مَن نَّشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ" (الشورى: 52).
فالبيت المسلم يُنَشِّئُ الذرية تنشئةً إسلاميةً صالحةً قويةً، تواصل المسيرة على الطريق، وترِث الأمانة من الآباء لتُوَرِّثها إلى الأجيال التالية بنفس الأصالة والقوة، ذرية تربَّت على اتباع هَدْي الرسول - صلى الله عليه وسلم - في أعمال اليوم والليلة، في مواعيد النوم والاستيقاظ، وفي معاملة الخدم، والعلاقة مع الجار، وفي حدود العلاقة مع المحارم وغيرهم من الأقرباء، ذرية تربَّت على بر الآباء والأمهات.
في هذا المناخ الإسلامي النظيف تنشأ الذرية الصالحة، فتكون بحق قرة أعين للوالدين، وذخرًا للأمة الإسلامية.
إقامة البيت المسلم واجبة:
قال عَبْدُ اللهِ بن عُمَرَ- رضي الله عنهما -: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ- صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: "كُلُّكُمْ رَاعٍ، وَكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، الإِمَامُ رَاعٍ وَمَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَالرَّجُلُ رَاعٍ فِي أَهْلِهِ وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَالْمَرْأَةُ رَاعِيَةٌ فِي بَيْتِ زَوْجِهَا وَمَسْئُولَةٌ عَنْ رَعِيَّتِهَا، وَالْخَادِمُ رَاعٍ فِي مَالِ سَيِّدِهِ وَمَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ" قَال ابن عمر: وَحَسِبْتُ أَنْ قَدْ قَالَ: "وَالرَّجُلُ رَاعٍ فِي مَالِ أَبِيهِ وَمَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَكُلُّكُمْ رَاعٍ وَمَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ" (رواه البخاري، الحديث 844).
ورعاية الأهل والبيت تقتضي الأخذ بأسباب الوقاية مِنَ النار، قال - تعالى -: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلائِكَةٌ غِلاظٌ شِدَادٌ لا يَعْصُونَ اللهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ" (التحريم: 6)، وسبيل ذلك أن يهتم كلٌّ مِنَّا بتكوين بيت مسلم، وبأن يحمل أهله على احترام فكرته، والمحافظة على آداب الإسلام في كل مظاهر حياته المنزلية، وذلك بعد حُسن اختيار الزوجة، وتوقيفها على حقها وواجبها، وحسن تربية الأولاد والخدم وتنشئتهم على مبادئ الإسلام.
خطوة عملية:
هذه هي البيوت الإسلامية، وهذه هي منازل النور، المنازل التي ينزل النور عليها، والبيوت التي يسكن نور الوحي فيها ويَشُعُّ منها، والإسهام العملي في تحقيق ذلك قد يكون بتدقيق الرجل وتدقيق المرأة عند اختيار الزوج، فيُخْتار على أساس حُسْن الالتزام بالإسلام، وقد يكون بتشجيع المقبلين على الزواج مِن معارفنا على التقيُّد بهذا الميزان، وقد يكون بنشر المعاني التي عايشناها توًّا بين الأصدقاء والزملاء أو الأقارب والجيران.
فأي هذه المساعي العملية سنفعل طلبًا للثواب؟!!
http://www.sharkiaonline.com المصدر:
ـــــــــــــــــــ(111/231)
مفاتيح العلاقة المثالية مع الوالدين
لا تجادل، ناقش الأسباب، اختر الحلول الوسط، اعرض مساعدتك، لا تتسمع إلى خلافاتهما، احترم نظام البيت..
مفاتيح مؤكدة لعلاقة مثالية مع والديك:
- هل تشعر بأن والديك لا يفهمانك؟
- هل يسكنك إحساس بأنهما يظلمانك ويقيدان حريتك؟
- هل تعتقد أنك دائمًا على حق وأنهما مخطئان في حقك على طول الخط؟
إذا أجبت بنعم، واتخذت بينك وبين نفسك قرارًا بتجميد علاقتك مع والديك، ووضعها في أضيق الحدود تجنبًا لما تعتقده أنت تعسفًا منهما ضدك، فتمهل، وخذ الخطوة الأولى، وحاول أنت تفهمهما، وتعامل معهما بحب يحميك من هذه المشاعر السلبية، والأهم من ذلك يجنبك عقوقهما، وما يترتب عليه من عذاب في الدنيا والآخرة.
ابدأ ونحن معك، نشد على يديك، وتأكد أنك ستكسب أرضية رائعة وممهدة لعلاقة نادرة من الألفة والفهم مع أبويك.
- والداك من النوع غير المحب للجدال، فلا تجادلهما، بل ابتسم ووافقهما، فسيجعلهما هذا يفكران، وقد يتبنيان رأيك وموقفك.
- عندما يكون الوالدان عقلانيين؛ فإنهما - حينئذ - يوضحان كل أسباب القرار الذي يتخذانه، فاستمع إليهما حتى ينتهيا من حديثهما وابق هادئًا، ثم تناول كل سبب بمفرده، وأخبرهما بسبب عدم اتفاقك معهما.
- إذا كان أحد والديك يرفض طلباتك، أو لا يسمح لك بالحصول على مزيد من الحرية، فلا تسأل «لماذا؟ »، فهذا لن يضيف لك إلا سببًا جديدًا لمقولة «لا»، والأفضل من أن تسأل «لماذا؟ » أن تقول: «ما الذي يمكنني أن أفعله لكي أحصل على هذا الامتياز، أو المطلب، أو الحرية؟ »، فإن سؤال: «ما الذي يمكنني فعله؟ » سيعطيك بعض الأفكار عن طريقة الحصول على إجابة «نعم»، بشرط أن يكون مطلبك عادلاً.
- عندما يغضب أحد الوالدين، فليس هذا الوقت المناسب لأن تغضبه أنت أيضًا، فكثيرًا من الأحيان لا يكون قد غضب منك، ولكن من رئيسه في العمل، أو الجيران، أو تكاليف العيش، وما يحدث أنك تكون أمامه في الوقت الخطأ، فاظهر بمظهر المتأثر المتعاطف معه.
- لا تناقش شكواك، عندما يكون أحدكما غاضبًا، واهدأ، وانتظر حتى يصبح مزاجهما حسنًا، وناقش مشاعرك في وقت لاحق في ذلك اليوم، أو بعد بضعة أيام.
- عندما تناقش شكواك، أو آراءك، أو مطالبك، لا تتصرف بطريقة وقحة، ولا ترفع صوتك، بل ناقش المسألة بصوت عادى، أما إذا صحت، أو كنت غير مهذب، فستزيد الطين بلة.
- لا تصنع مواقف يوجد فيها خاسر وفائز، فأنت الأصغر، وربما تخسر في معظم الأحيان، ولكن حاول أن تصل إلى حلول وسطية، و صنع موقف يفوز فيه كلاكما.
- إذا كنت تعانى من مشاكل في التحدث مع والديك، أو إذا كانا يغضبان في كل مرة تناقش أنت فيها شيئًا، فاكتب ملحوظة، وضعها على وسادتهما، فإن الآباء لا يستطيعون مقاومة مثل هذه الملحوظات، وربما يحتفظون بها إلى الأبد.
- اخرج أنت ووالدك في بعض الأحيان، وقل له إنك تريد أن تكون معه بمفردكما لكي تمشيا، أو تتناولا الطعام، وأنك تريد فقط أن تحظى به لنفسك من وقت لآخر.
- أمض بعض الوقت في ذات الغرفة مع والديك أثناء مشاهدتهما للتلفاز أو القراءة، وتحدث معهما عن المدرسة، وعن أصدقائك، أو عن شيء آخر يهمك، سيدهشان في البداية بسبب تغير سلوكك، ثم سيجتازان هذا الشعور، وسيحبان شخصك الجديد.
- أنت لا تؤدى خدمات للأشخاص الذين يتجادلون معك، أو لا يتعاونون معك، فإذا تصرفت بهذه الطريقة مع والديك، فمن المحتمل ألا يتعاونا معك عندما تطلب منهما شيئًا؛ لذا حاول أن تتعاون، وتحجم الصراعات؛ لأن هذا سيكون بالتأكيد في صالحك.
- اسأل والديك مرة واحدة في اليوم: «هل يوجد شيء أؤديه لكما؟ »، في معظم الأحيان سيقولان «لا»، أو ربما يعطيانك شيئًا يحتاج إلى دقائق لتنفيذه، سيحب والداك هذا، وسيريان فيك شخصًا متعاونًا جدًا، وعندما يحدث هذا ربما يكونان أكثر تعاونًا معك، ويمكنك أيضًا أن تفاجئهما بفعل شيء لا يطلبانه منك.
- عندما يتشاجر والداك، ابتعد، حتى لو كنت تريد الاستماع لهما، فعاجلاً أم آجلاً سيغضبان منك بسبب هذا التصنت إن لم يكن بسبب شيء آخر.
- أحيانًا ما يكون اتباع نظام البيت مثل: إطفاء الأنوار، أو تنظيف غرفتك، أو تعليق المنشفة بعد الاستحمام، وسيلة للسماح لك بالحصول على تفهم والديك لمطالبك.
- كن صبورًا مع والديك، وتذكر أنهما يمران بوقت عصيب في حياتهما.
- تذكر دائمًا أن من عقوق الوالدين ومن أكبر الكبائر، وضع نفسك مكانهما، وتخيل أن ابنك يعاملك بندية وتحد.
09/12/2004
http://www.islamweb.net المصدر:
ـــــــــــــــــــ(111/232)
حقوق أسرية ... المشاركة الوجدانية
خالد سعد النجار
المشاركة في الأفراح تجعلها مضاعفة، والمواساة في المصائب تكسر حدتها، والمصيبة إذا عمت خفت، فالمشاركة الوجدانية لأهل الحق نوع من المؤازرة، والإنسان في محنته يتفقد أنصاره ويلتمس أعوانه فإن وجد منهم التألم لما يصيبه، وهم لا يقدرون على غيره سلت نفسه، وخفت عليه آلامه، ووجد في تلك المشاركة العزاء الجميل.
حقاً ما أروع المؤازرة ولو بكلمة في وقت تكمم فيه الأفواه، ويعز فيه المتكلمون، ولقد حدث ذلك في مكة يوم كانت الدعوة الإسلامية في مقتبل عمرها، ويوم كانت القيادة الإسلامية عزلاء إلا من إيمانها.
والمشاركة الوجدانية بين الزوجين - في الأفراح والأحزان وفي الهموم والمطالب- كفيلة بأن تقود سفينة الزوجية إلى بر الأمان والاطمئنان والاستقرار، فالمودة لا تهبط علينا هبوطاً، ولا تنبع من تحت أرجلنا نبعاً، إننا إن لم نسع إليها ونأخذ بأسبابها الموصلة إليها لم نبلغها، ومن أعظم هذه الأسباب (المشاركة العاطفية والوجدانية)، التي إن لم يتشبع بها الجو الأسري، فقد المحبة والتعاون، وحل محلهما الكراهية والتنافر، وهذا هو الخراب الحقيقي للبيت، فإن بيتاً يقوم على الكراهية والنزاع والخصام بيت خرب، أشبه ما يكون بأتون يحرق كل من يقترب منه فما حال من يسكنه؟
وتاريخنا الإسلامي يزخر بالعديد من المواقف التي تتجلى فيها السعادة الزوجية بأبهى صورها حيث المشاركة الوجدانية تعمر القلوب والديار، ومن أروع الأمثلة في هذا الشأن أم المؤمنين خديجة بنت خويلد - رضي الله عنها - لما دخل عليها النبي - صلى الله عليه وسلم - يرجف فؤاده بعد نزول الوحي عليه قائلاً (زملوني، زملوني) فزملوه حتى ذهب عنه الروع وأخبرها الخبر وقال - صلى الله عليه وسلم - «لقد خشيت على نفسي» فقالت خديجة: كلا والله ما يخزيك الله أبداً إنك لتصل الرحم، وتحمل الكل، وتكسب المعدوم، وتقري الضيف، وتعين على نوائب الحق.
وكذلك فاطمة بنت عبد الملك زوجة عمر بن عبد العزيز - رضي الله عنه -، فقد روى ابن الجوزي أن عمر بن عبد العزيز بكى فبكت فاطمة فبكى أهل الدار لا يدري هؤلاء ما أبكى هؤلاء! فلما تجلى عنهم العسر قالت له فاطمة: بأبي أنت يا أمير المؤمنين مم بكيت؟ قال: ذكرت يا فاطمة انصراف القوم بين يدي الله، فريق في الجنة، وفريق في السعير.
ويروى أن عمر بن عبد العزيز رحمة الله عليه قال لرجل من جلسائه: أبا فلان! لقد أرقت الليلة مفكراً. قال: فيم يا أمير المؤمنين؟ قال: في القبر وساكنه، إنك لو رأيت الميت بعد ثلاثة في قبره لاستوحشت من قربه بعد طول الأنس منك بناحيته، ولرأيت بيتاً تجول فيه الهوام، ويجري فيه الصديد، وتخترقه الديدان، مع تغير الريح، وبلى الأكفان، بعد حسن الهيئة، وطيب الريح، ونقاء الثوب. ثم شهق شهقة خر مغشياً عليه فقالت فاطمة: ويحك يا مزاحم أخرج هذا الرجل عنا، فلقد نغص على أمير المؤمنين الحياة منذ وَلي، فليته لم يل. فخرج الرجل، وجاءت فاطمة فجعلت تصب على وجهه الماء وتبكي، حتى أفاق من غشيته، فرآها تبكي! فقال: يا فاطمة ما يبكيك؟ قالت: يا أمير المؤمنين رأيت مصرعك بين أيدينا، فذكرت مصرعك بين يدي الله والموت، تخليك من الدنيا، وفراقك لها، فذاك الذي أبكاني، قال: حسبك يا فاطمة! فلقد أبلغت. ثم مال ليسقط، فضمته إلى صدرها فقالت: بأبي أنت وأمي يا أمير المؤمنين ما نستطيع أن نكلمك بكل ما نجد لك في قلوبنا، فلم يزل على حاله تلك حتى حضرت الصلاة، فصبت على وجهه الماء ثم نادته: الصلاة يا أمير المؤمنين! فأفاق فزعاً.
ما أجمل أن تعيش الأسرة المسلمة هذه المعاني السامية التي يمليها عليها دينها الحنيف والذي هو أبعد ما يكون عن العنت والصلف، وما أجمل أن نقضي بهذه الأحاسيس الرقيقة على هذا الجفاء الذي خيم على العلاقة الزوجية نتيجة بعدها عن تعاليم ربها وهدي نبيها - صلى الله عليه وسلم -.
http://www.al-mostaqbal.com المصدر:
ـــــــــــــــــــ(111/233)
الرأي والمسلمات
عبد الله بن علي السعد الريمي
الشورى من الأمور الإيجابية في المجتمع المسلم..وأعني بالشورى الشورى العامة في كل المحافل، حتى البيت والأسرة.وفتح باب المشاورة لمن حولنا سيظهر لنا إبداعاً كامناً لم نكن نتوقع وجوده، وغالباً ستكون الآراء التي نحصل عليها منقسمة إلى ثلاثة أقسام.
- رأي فوق رأينا أي أصح منه. فهذا أحرى بنا أخذه واتباعه؛ لأنه أصوب وأرضى لله - عز وجل -، ويجب أن نسابق إخواننا إلى أخذ هذا الرأي.
- ورأي تحت رأينا فهذا نرده مع ملاحظة الاستفادة منه في تجنب الخطأ المشترك أو تقوية المبدأ من خلال معرفة الجوانب الإيجابية المشتركة، وعند رده يجب أن نحسن الرد.
- ورأي مثل رأينا. فهذه الأمور تخضع لعدة اعتبارات؛ منها الأولويات، والواقع، والمصلحة والمفسدة، وغيرها.
وقسم إن شئت على غرار هذه التقسيمات - خطأ وصواب ومحتمل وغيرها -.
ومن فوائد الشورى في حياتنا الأسرية:
1- تعويد الزوجة والأبناء على اتخاذ القرار السليم وحسن التصرف.
2- شعورهم بالمسؤولية.
3- التواصل معهم وإشراكهم في الأمور التي تخصهم، والوصول إلى معرفة مداخل قلوبهم من خلال معرفة رغباتهم.
4- تعويدهم على قول الحق والإسهام الإيجابي فيه، وغير ذلك.
وفيما يخص الاستشارة خارج نطاق الأسرة، أي عند استشارة إنسان في مسألة معينة ينبغي لنا أن ننظر إلى عقله.. فليس كل إنسان مؤهلاً لإعطاء المشورة. وينبغي لنا أن نبحث عمن نثق في تقواه.. ولكن ليس كل من أظهر التزاماً ببعض شعائر الدين مؤهلاً لإعطاء المشورة، فالتزام الأخ شيء وقابليته لإعطاء الرأي والمشورة أمر آخر. فأصحاب الآراء الصائبة قليلون ولذلك علينا أن لا نلقي بمشاكلنا الأسرية والتربوية لأي إنسان لمجرد أننا آنسنا منه خيراً في بعض الجوانب.
كم من الأخوة الذين منّ الله عليهم بالهداية عندهم القدرة على إعطاء الرأي والمشورة؟.
قليل، لذلك ليس كل أخ يستشار.. وليس كل من يستشار يشير بالصواب.
والأخ الذي تكون قراراته ردات فعل فلننتبه عند مشورته. ولنكن حذرين لأنه غالباً سيندم على فعله لأسباب منها:
- استعجاله في اتخاذ القرار.
- الارتجالية في اتخاذ القرار من غير تفكير ولا تأمل.
- غلبة العاطفة في حكمه وبالتالي سرعة تغير القرار بعد زوال المؤثر.
كما أنه يجب علينا مراعاة طبيعة المواضيع التي نريد الاستشارة فيها، وطبيعة الناس الذين سنتعامل معهم.. والتفكير والتأمل في أبعاد الموضوع المختلفة. وهذا أمر يساعدنا على الدقة في تحديد المسار، فنحن لا نريد العجلة التي تجعلنا نجهل واقعنا.. فلا ندرك حقيقة الأمور التي نتعامل معها ونريد أن نعالجها.
http://www.al-mostaqbal.com المصدر:
ـــــــــــــــــــ(111/234)
كيف تشعلين نار الغرام مع زوجك ؟
يتخلل الزواج الناجح، فترات من الروتين، في غالب الحالات، بالرغم من كونه مبنياً على الحب والثقة المتبادلة.
إذا كنت متمسكة بالحبيب، وترغبين في تأجيج نار الغرام التي خبت جذوتها اتبعي النصائح التالية:
مع الأيام يتحول الشغف إلى عادة أو واجب تفرضه الحياة المشتركة والحس بالمسؤولية، وفي موازة ذلك يشغل المرأة ولو ضمنياً هاجس خيانة زوجها لها فهي تخشى على حبيبهاً دوما من الوقوع في التجربة، ولا سيما إذا كانت هي قد استعملت التكتيك نفسه للإيقاع بعازب شهير صار زوجاً، فما العمل؟
ـ اتصلي بوالدته هاتفياً، تبادلي معها أطراف الحديث وادعيها لقضاء الويك أند عندك، واطلبي منها أن تعلمك كيف تطهين أصناف الطعام المفضلة عنده.
ـ اشتري مستلزمات طاولة العشاء التي ستعدينها لزوجك، ومن ضمنها شموع حمراء، ثم اقصدي المزين واعتمدي في أسلوب الماكياج وألوانه ما يناسب وجهك ويروق لزوجك.
ـ أعدي مائدة العشاء، زينيها بالشموع واستعملي أطباقاً فضية، ولتكن الإضاءة خافتة.
ـ اختاري من ملابسك ثوباً يجعلك جذابة ويمكنك كذلك ارتداء قميص النوم الأبيض الذي ارتديته ليلة الزفاف وأتمي زينتك بالإكسسوار الخفيف.
ـ لا تجادليه في شؤون العمل عندما يحضر بل أصغي إلى مشاكله، وتبادلي معه أطراف الحديث إلى المائدة، وكأنما في اللقاء الأول.
ـ اطلبي منه أن يستريح إلى حين تفرغين من رفع المائدة تمايلي أمامه بجاذبية في تنقلك وارمقيه بنظرات دافئة.
ـ في صباح اليوم التالي، ارتدي ثيابك أمام ناظريه، وبتمهل أنثوي ملفت تظاهري بعدم الانتباه له وهو يراقبك، ولا تلبي دعوته للعودة إلى السرير، بل دعيه هو يأتي إليك.
ـ إذا اتصل بك خلال النهار، عاودي الاتصال به، ولكن بعدما تنتهين أعمالك.
ـ عندما يعبر لك عن حبه، بعد عودته إلى البيت، انظري إلى السقف (وعدي إلى العشرة) قبل مبادلته الاعتراف ولا تدعي عواطفك تسيطر على انفعالاتك.
ـ إذا جاملك قائلاً كم أنت جميلة، انظري إليه بعنج، وقولي إنك تعرفين ذلك لكن تعبيره عنه يسعدك.
ـ في المساء احفظي الطعام الذي قمت بإعداده نهاراً في الثلاجة لأنه سيدعوك حتماً إلى العشاء خارجاً.
http://www.lakii.com المصدر:
ـــــــــــــــــــ(111/235)
كيف تجعلين حياتك الزوجية شهر عسل دائم ؟
المرأة هي من تمتلك مفتاح السعادة، وهي التي تمسك بيدها حلول معظم المشكلات التي تواجهها مع الزوج أو الأسرة.
تمر الأيام والسنوات على الحياة الزوجية لكل امرأة ... فتشعر بالملل والفتور والرتابة تتسلل رويداً إلى حياتها الزوجية، بذلك تصطدم الأحلام الوردية بالعقبات والمصاعب خاصة بعد إنجاب الأطفال وتوجيه كل الاهتمام لهم وللعمل.
آنذاك يتهم كل واحد من الزوجين الآخر بالإهمال والتقصير في واجباته الزوجية وبذلك نجد من الأزواج من يصمد ويعمل على تقبل الوضع ويحاول إضفاء التغيير ومعالجة كل الجراح، لكن ليس في كل مرة، يستعمل العقل ويحل الصبر، فغالبا ما تضيق الصدور وتختنق النفوس، فيبدأ الزوج نتيجة اللامبالاة، وأيضا الزوجة، في البحث عن طرف آخر نتيجة الفراغ، بذلك تتفاقم المشاكل فتؤدي إلى القطيعة والانفصال...و في هذا الصدد نجد البروفيسور السويسري "ويني ياسين"، الباحث في قضايا الأسرة والعلاقات الزوجية ومشكلة الملل الزوجي، يجعل المرأة هي من تمتلك مفتاح السعادة، وهي التي تمسك بيدها حلول معظم المشكلات التي تواجهها مع الزوج أو الأسرة، لذا عمل على وضع وصفة ناجعة لطرد الروتين والملل وإنقاذ الحياة الزوجية والحفاظ على توهجها. ولقد لخص "ويني" هاته الوصفة في سبعة محاور كالتالي:
1- الحوار: فعلى المرأة أن تحاور زوجها باستمرار إضافة إلى الاستماع إليه والأخذ برأيه في ما يتعلق بأية مشكلة تواجهها في بيتها وحياتها الزوجية، كما يجب أن تحرص على عدم مقاطعته والاستماع إليه حتى النهاية، حتى وإن كانت لا تشاطره الرأي، وبعد ذلك تعرض بدورها وجهة نظرها في الموضوع، وعدم ترك حل المشكلات لمرور الوقت، لأن مرور الوقت لا يحلها بقدر ما يعقدها أكثر، ومواجهة المشاكل بالنقاش الهادئ والمتبادل والخالي من العراك، فهو السبيل الأمثل لتجاوزها.
2- المرونة: عدم تعصب الزوجة لرأيها مهما كانت نسبة صحته، وعدم وضع مسؤولية كل ما يحدث من مشاكل على عاتق الزوج، ثم الاعتماد على أسلوب مرن في إقناع الزوج بما تراه الزوجة هو الأصوب، وهذه هي الطريقة المثلى التي توصلهما معا في النهاية إلى الاقتناع بوجهة نظر واحدة.
3- التسامح: فعلى الزوجة ألا تنتظر دائما مبادرة الزوج بالمصالحة بل يجب أن تكون بدورها متسامحة اتجاهه حتى تتقلص هوة الخلاف.
4- تنظيم الوقت: يجب على المرأة باستمرار مراجعة وقتها اليومي، وإيجاد الوقت الكافي لاتخاذ المبادرات للقضاء على الرتابة والروتين في حياتها الزوجية وعدم التحجج بالتعب وكثرة الأشغال والمسؤوليات العائلية مهما كان ذلك صحيحا، لأن هذا يؤدي إلى فتور العلاقة الزوجية.
5- روح المفاجأة: على المرأة مفاجأة زوجها وأولادها من حين لآخر ببرنامج يومي مغاير للروتين اليومي المعتاد، خاصة أثناء العطل وأيضاً على المستوى العاطفي يجب على الزوجة القيام بتغييرات لم يعهدها زوجها كاقتناء ملابس نوم جديدة أو تغيير تسريحة الشعر أو الماكياج... فهذا يذكر الزوج بأيام الزواج الأولى ويجعله يكتشف أنه لم يفتقد المرأة الجميلة التي أحبها...
6- الغيرة: نوعان، غيرة إيجابية، تعطي الزوج الإحساس بحب الزوجة له وحرصها للحفاظ عليه، لها وحدها لكن الغيرة إذا تجاوزت الحدود تصبح غيرة مَرَضية، لأن الشك في كل تصرفات وتحركات الزوج تؤدي إلى عواقب وخيمة.
7- الإخلاص: وهو القاعدة الأساسية التي يستند عليها نجاح الحياة الزوجية، خصوصاً إذا كان الإخلاص عن قناعة واختيار للزوجة وليس من أجل قيم المجتمع. وهكذا عزيزتي فإن اتباع هذه الوصفة السحرية، ستجعلك حتما تتغلبين على مجموعة من المصاعب، فما عليك سوى مراجعة الذات والتحلي بسعة الصدر ومحاولة تطبيقها والسلام.
http://www.lakii.com المصدر:
ـــــــــــــــــــ(111/236)
الأسرة حجر الزاوية
د. رقية بنت محمد المحارب
تكمن خطورة مرض الأيدز في أنه يستهدف جهاز المناعة ومهما كانت قوة جسم الإنسان وشدة بأسه فإن هذا المرض سيقضي عليه ويهلكه وذلك بعد أن يشل أطرافه. ويبدو أن جماعات الشذوذ بسبب معرفتهم بهذا المرض استفادوا من استراتيجيته فاستهدفوا عبر طروحاتهم الأسرة كونها تمثل جهاز المناعة في المجتمعات. فإن المجتمع إذا تقبل التعريف الجديد للأسرة الذي وضعته منظمات الإباحية فإن الطريق سيكون ميسراً للقضاء على كل مقاومة لنشر الفساد وبقوة القانون.
استهداف الأسرة وتغيير مفهومها بحيث لا يطلق على الكيان المكون من أب وأم وأولاد فقط بل على كل اجتماع حتى بين الجنس الواحد لم يكن إلا بوابة لنيل الشهوات دون حسيب أو رقيب. فالنظام الشيوعي كان من أبرز أفكاره الشيوعية الجنسية لكنها اصطدمت بالرصيد الفطري الذي لم يتم أخذه في الحسبان حينذاك.
واليوم تتعرض الأسرة لهذا الهجوم ولكن في الوقت الذي يكون فيه الرصيد الفطري لدى المجتمعات قد ضعف نتيجة زخم الشهوات المحرمة، وتتمثل أبرز الوسائل للقضاء على الأسرة في محاربة كل وسيلة تؤدي إلى تكوينها-أي الأسرة- مثل محاربة الزواج ومحاربة النسل وربط الناس بالترفيه بدرجة غير معقولة بحيث يؤدي إلى العزلة الكاملة عن المجتمع.
وحتى تستطيع الأمة بمجموعها التصدي لهذا الخطر فإنها يجب أن تشجع الزواج وتسهله وتحث على النسل وترفع من درجة الجدية في حياة الأفراد وتعرفهم بالهدف الذي خلقوا له بمختلف الطرق. ومن أهم الأمور التي تؤدي إلى تقوية الأسرة محاربة الزنا وما يحث عليه من غناء وصور وقصص وروايات فإنها السبب الكبير في كل ما يحدث في المجتمع من تفكك أسري عريض. كذلك توجيه العناية البالغة بالتربية والتعليم الذي يستهدف الفرد ضمن إطار الأسرة وقد سرني إدخال مادة الأمومة ضمن مناهج البنات وتبقى المسؤولية على المعلمات كبيرة في زرع أهمية تكوين الأسرة في وجدان البنات وتنبيههن على الأخطار التي تهدد نسيجها وتوجيههن لأسباب الشقاء والسعادة الزوجية.
الشيء المهم أيضاً أن تدخل مادة الأسرة في مناهج الأبناء حتى ينشأ جيل يحترم هذه المؤسسة ويعرف ما له من حقوق وما عليه من واجبات تجاه زوجته وأولاده.
إن مشروع حماية الأسرة مهمة كل فرد في المجتمع ومتى ما قام كل بدوره فلن تخترق جيوش الإباحية خطوطنا الأمامية.
http://www.saaid.net المصدر:
ـــــــــــــــــــ(111/237)
عبارات الحب الدائمة إكسير الحياة الزوجية السعيدة
كثيرا ما نسمع أزواجاً جدداً أو مر عليهم سنوات عديدة في الحياة الزوجية نسمعهم يستخفون بأهمية الكلمات والإطراء والحوار في حياتهم الزوجية، أليس في هذا ما يكفي؟ أليس فيه الدليل على الإخلاص والمحبة؟ إذاً لا داعي للكلمات. وقولها" وهذا جواب أغلبية الرجال الذين قد يطرح عليهم مثل هذا السؤال. وربما تكون الإجابة موحدة أو شبيهة بالسابقة إذا ما طرح نفس السؤال على سيدة متزوجة، بالتالي فإن الرجال ليس وحدهم الملامون إنما النساء أيضا لأن استمرار الحياة العائلية والزوجية تقع على عاتق الزوج والزوجة معا وليس على عاتق أحدهما دون الآخر وبالتالي فإن دوام العلاقة الزوجية وبقائها وثيقة العرى تحتم عليهما معا أن يعرفا بأن للكلمات والمواد الدافئة دور كبير في استمرار العلاقة الأسرة والبرهان على تمسك الواحد بالآخر ومع أهمية ذلك ما زال الزوجان يتناسيانه أو يتجاوزانه وكأنه شيء صعب تقديمه وصعب الحصول عليه وقد تكون النتيجة شعوراً مثبطاً والشعور الآخر بفقدان الآلفة وإن وقع هذا فأفضل طريقة لإذابة الجليد هي قول كلام جميل ودافئ قد لا يكلف شيئاً إنما يعنى كل شيء.
فالزوج يمكن أن يطرى زوجته فتبادله هي الثناء وتحصل المساواة ولكن بعد بذل القليل من الجهد ليصبح الحوار عادة وشيئا لا يحتاج إلى تكلف ملحوظ. ولتكون الكلمات طريقة حياة يتعايشها الزوجان عليهما أن يتدربا على قولها حتى تصبح حياتهما سعيدة ومشرقة.
كلمات تصل إلى أعماق النفس:
من الجيد للزوجين أن يتذكرا يومياً بأن للكلمات وقع مهم في حياتهما وقد تساعدهما كثيراً في تخطي المصاعب والمشاكل فمهما كانت المسؤوليات التي تنهكهما والتي ربما تجعل الحديث يقل بينهما عليهما أن يوفرا بعضا من الوقت ليتحدثان فيه لأن اختفاءه أو تلاشيه قد يسبب الملل والعناء في أحيان أخرى مما يجعل صلة الود والحنان تختفي بينهما وهذا ما يحدث لبعض الأزواج الذين لا يتحدثون إلا في المناسبات أو بسبب الضرورات مما يعني اختفاء العلاقة الإنسانية بينهما وعليه يتطلب هذا الأمر الانتباه وتفادي خطر أن تصبح حياتهما معاً عديمة الجدوى ولتلافي كل ذلك عليهما أن يكونا صادقين وأن يثني كل منهما على عمل الآخر وأن لا يكتفوا بالإطراء السطحي الذي لا يمكنه أن يصل إلى أعماق النفس فكل إنسان يحب أن يقدر شخصه وعمله لا منظره وشكله وحسب فإذا كان الزوج مثلاً صبوراً ومكافحاً ويعالج الصعب من أمور الحياة بمهارة وأناة فيمكن للزوجة أن تقول ذلك وأن تطري زوجها بذلك، كما على الزوج أن يفعل ذلك أيضاً وأن يقدر عمل الزوجة ويحترمه ويبلغها عن مدى تقديره لكفاحها ويعمل على توصيل ما يشعر به من أحاسيس إليها بكلمات رقيقة وجذابة وفى حوار متأنق وجميل فالإطراء يمكن أن يمحوا إساءة سببها أحدهما للآخر وهو علاج مضمون يشفي الكثير من الهموم ويعيد المياه إلى مجاريها ويقرب القلبين المتجافين.
الإطراء خير وسيلة لبداية الحوار:
هناك بعض الأزواج قد يلغون الحديث والحوار على زوجاتهم بشكل شبه كلي ويستخفون بأهميته ويعتقدون بأن ذلك يجب أن يحدث أيام الخطوبة التي تكون حافلة بالحديث والمجاملات والوصف الرائع للصفات التي يلمسها الواحد في الآخر ومتى تزوجا تحول الاهتمام إلى العمل والمنزل والأطفال ويغيب عن نظريهما ما رأياه فجد بهما كل في الآخر، ومن يعتبر بأن الزواج قضية مسلمة بها وأمر ثابت عليه أن يصرف نظره عن ذلك وأن يعيد حساباته من جديد لأن الزواج يمكن أن يسقط في لحظة واحدة متى ما وجد الزوجان نفسيهما غير قادرين على الاستمرار لأن جذور العلاقة قد اختفت وحل محلها الجفاء والتباعد وهذا الأمر لا يحل إلا بالحوار والتفاهم فمثلاً على الزوج أن لا ينتظر مناسبة خاصة لفتح الحوار والحديث الدافئ العميق بل عليه أن يدع شريكه يعلم بأن كل يوم معه هو يوم خاصة وهذا ينطبق على الزوجة أيضاً التي تستطيع أن تعلم زوجها المعتقل اللسان الإطراء فالإطراء يلد الإطراء وهو علاج مضمون يعمل على إعادة المياه إلى مجاريها ويقرب القلبين المتجافيين.
وأفضل نصيحة يمكن أن نطلقها لكل زوجين أو حتى لأشخاص على قائمة الانتظار وهى أن العلاقة المتينة والقوية لا يمكنها أن تبنى عن فراغ بل يحتاج إلى القليل من الجهد والطاقة والمهارة أيضا وهى أشياء لا يمتلكها إلا الشخص القوي والذي يمتلك القدرة على إحياء جذور علاقة إنسانية لا يمكنها أن تستمر بدون وجود الحديث أو الحوار الخلاب فمتى تسنح الفرصة لكل زوجين عليهما أن يتبنيا ذلك ويجعلا منه شيئاً ملاصقاً لعلاقتهما على مدار حياتهما ومحور كيانهما كزوجين.
http://www.lakii.com المصدر:
ـــــــــــــــــــ(111/238)
رسالة من زوج لزوجته
هذا الموضوع لكل زوجة ولكل فتاة مقبلة على الزواج..... نصائحك درر وجواهر لو تقلدتها كل زوجة لما وجدت في بيتها غير السعادة والهناء.
زوجتي الحبيبة... حافظي على أركان الدين ونسكه وعبادته، احمدي الله على كل حال واملئي عليَ حياتي وواقعي وبيتي ولا تجعليني وحيداً في الحركة والتصرف ولا في الكفاح والتفكير.
واحرصي على التقارب بيننا في وجهات النظر، امسحي عني المتاعب والآلام في كل وقت، وكوني البلسم والشفاء. حافظي على هدوء البيت واستقراره وسامحيني عندما أخطئ فالعصمة للأنبياء.
لا تبخلي عليَ بالنصيحة والإرشاد، وحافظي على كرامتي في حضوري وغيابي وفي داخل البيت وخارجه، ولا تبحثي عن عيوبي ولا تستغلي نقاط ضعفي.
لا تجامليني فتزيني ليَ الأخطاء على أنها صواب حاولي إصلاح عيوبي خطوة خطوه ودون ملل أو يأس أو تهور.
حاولي أن تكوني أجمل امرأة في عيني. ابتعدي عما حرم الله ورسوله ونهى الله ورسوله.
حددي أهدافك في الحياة واربطيها بحاضر الأسرة ومستقبلها، جددي عزمي وثقتي بنفسي، لا تحاصريني بالغيرة الشديدة.
أحبي أهلي وعشيرتي واجعليهم إحدى السبل إلى قلبي.
التزمي بالعمل الجاد والسعي المستمر لتحقيق مستقبل أفضل للأسرة.
هل تعلمين أن وراء كل عظيم امرأة تدفعه إلى الأمام.
خاطبيني بما أحب أخاطبك بما تحبين.
اقتصدي في الإنفاق ونظمي اقتصاد البيت.
كوني قريبة مني دائماً وفي كل شيء، لا تغتري بما لديك من مال وجمال، لا تجعلني المال يفرق بيننا، فالمال وسيلة لا غاية.
احذري من إفشاء سري وسر بيتي لأي إنسان.
لا تفتحي أذنيك لغيرك من النساء بالغيبة.
اغرسي روح التعاون والعطف والحب بين أفراد الأسرة، وساوي بين الأبناء في المعاملة، واجعلي الصدق والصراحة أساس التعامل بيننا، لا تتحدثي عن النسوة الأخريات وتجاربهن عندنا.
كوني رحيمة بي وبأولادنا وبالناس، ساعديني على صلة الرحم، وهوني عليَ أمر هذه الصلة، لا تكثري من الصديقات والزيارات لإضاعة الوقت انشري البهجة والسرور على البيت والأسرة، وأحيطيني بالحب والعطف والحنان والرعاية الكاملة.
http://www.lakii.com المصدر:
ـــــــــــــــــــ(111/239)
كيف تكسب زوجتك ؟
1- أوفر لها الراحة في كل الظروف الحياتية
2- لا أظهر عيوبها في الملابس أو الطعام أو الكلام بشكل مباشر
3- اشتري لها هدية بين حين وآخر وابتكر في تسليم الهدية لها كأن تخفيها في مكان وتدعوها إليه
4- لا أكون متعنفا في التعامل معها وأتذكر أنها امرأة (فرفقا بالقوارير)
5- إذا كانت لديها هواية أشجعها عليها و أشاركها في إبداء الرأي و لا أقول (أنا لا افهم في الطبخ أو الزراعة أو الخياطة أو الكمبيوتر)
6- أراعيها في بعض حالاتها النفسية وخصوصا في وقت الدورة الشهرية و الحمل والنفاس
7- إذا دخلت المنزل فلا أفكر بعملي أتحدث معها باهتماماتها وأحوالها اليومية
8- أناديها باسم مميز أتحبب به إليها كما كان النبي - صلى الله عليه وسلم - ينادي عائشة - رضي الله عنها - بـ ((عائش))
9- أقبل رأسها إذا بذلت مجهودا من أجلي أو عند دخولي المنزل
10- أشجعها على حضور بعض الدروس الدينية والبرامج والأنشطة الإسلامية والثقافية
11- أفاجئها ببعض الطلبات التي كنت ارفضها و أحضرها لها
12- إذا أهدتني هدية أنقل لها رأي أصدقائي فيها
13- أزيّن ألفاظي عند ندائها أو عند الحديث معها و لا أعاملها كما يعامل الرئيس مرؤوسه بالأوامر فقط
14- اتخذ الزينة في لباسي فإن ذلك محبب إليها
15- أحاول قول الشعر فيها أو النشيد في وصفها
16- أتغزل بها بين حين وآخر سواء كان الغزل قولا أو فعلا
17- أمتدح زينتها إن تزينت وأبالغ في المدح
18- امتدح رائحة المنشفة وطريقة ترتيب الفراش ووضع الملابس وتطييبها وتنسيق الزهور وكل ما لامسته يدها الطعام
19- أمدح الطعام أو الشراب الذي أعدته و أبين مزاياه ومدى رغبتي إلى هذه الوجبة وأنها كانت في خاطري منذ يوم أو يومين
20- أحرص على ألا آكل أبدا حتى تحضر إلى المائدة فنأكل معاً
21- أعلّم الأبناء ألا يتقدموا على والدتهم في الطعام
22- أساعدها في تجهيز المنزل إذا كانت لديها وليمة
23- إذا أعدت طعاما لأصدقائي أنقل لها مدحهم للطعام بالتفصيل
24- إذا دخلت المنزل ووجدتها مشغول، أخفف عنها بعض أشغالها حتى أزيل عنها الهم في ذلك ((وخيركم خيركم لأهله)) كما قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -.
25- أساعدها أثناء الطبخ أو تنظيف المنزل
26- أسألها بين فترة وأخرى عن حاجاتها المنزلية
27- القيام بمتطلبات الأطفال ليلا
28- أفرّق في معاملتي المالية معها بين ظروف الحياة اليومية العادية وبين المناسبات والمواسم فلا بد أن أفتح يدي عليها بالإكرام في المناسبات وأحيانا في بعض الأيام لتتجدد الحياة بيننا
29- أساعد أهل زوجتي وبالأخص إذا وقعوا في مشكلة
30- لا أمنعها من صلة أرحامها وزيارة والديها
31- أظهر البشاشة عند زيارتهم
32- أحضر لهم هدية بين حين وآخر
33- إذا غضب أهلها عليها أرد عليهم بكلمات طيبة ملطفة للجو ومهدئة لها
34- أمدحها أمام أهلها في حسن تدبيرها للمنزل وتربية أولادها
35- أكون علاقة طيبة مع إخوانها
36- إذا مرضت الزوجة أهتم بها واقبلها وأوفر لها الجو الصحي المناسب لها
37- أقوم بالأعمال المنزلية التي كانت تقوم بها
38- أعطيها هدية بعد شفائها
39- أسهر على راحتها و أدعو لها بالشفاء
40- أقرأ عليها القرآن وأرقيها بالأذكار المشروعة
41- أوفر لها الطعام ولا آمرها بالطبخ
42- أربي أبنائي على احترام والدتهم وطاعتها
43- أربيهم على تقبيل رأس أمهم
44- إذا طلب الطفل مني شيئا ... أقول له ماذا قالت أمك؟..حتى لا أعارضها
45- أعاونها في تنظيف الأبناء فهي تغسلهم مثلا وأنا ألبسهم ملابسهم
46- أتفق معها على أسلوب تربية الأطفال حتى لا نختلف في ذلك
47- أصحبهم معي خارج المنزل لكي تستريح والدتهم من إزعاجهم
48- اجعل يوم واحدا في الأسبوع للأسرة للخروج والزيارة للترفيه عن النفس والابتعاد عن روتين المنزل
49- أجتمع معها لعبادة الله كقيام الليل أو قراءة القرآن أو غيره لنستفيد من إجازتنا بما يقوي علاقتنا وينفعنا في ديننا
50- أذكرها يوم الجمعة بقراءة سورة الكهف لقول الرسول - صلى الله عليه وسلم -: (من قرأ سورة الكهف في يوم الجمعة أضاء له ما بين الجمعتين)
51- أسافر معها إن استطعت ذلك
52- إذا سافرت عنها أخبرها بمشاعري تجاهها ومكانتها في قلبي
http://www.lakii.com المصدر:
ـــــــــــــــــــ(111/240)
تعلمي فن الإتيكيت مع زوجك
د. رمضان حافظ
الحياة بلا دستور ومجموعة من القوانين والأنظمة تحترم وتطبق، حياة جاهلية فوضوية متخلفة.
والبيت الذي يؤسس على الغرائز تهدمه الغرائز.. والمنزل الذي يبنى على الماء يغرقه الماء.. والدار التي تشيد في مجرى السيل يهدمها السيل.. والأسرة التي تتكون على تقوى وطاعة الله لا تقلعها الريح مهما كانت..
ابن بيتك على صخرة.. تلك نصيحة الأجداد للأحفاد.
ما أجمل النظام وما أروعه في داخل الأسرة.. والمدرسة.. والمصنع. والمسجد والشارع. وما أقبح الفوضى وما أفظعها في البيت والمدرسة والنادي والميادين. ومن مهام الأنبياء العظيمة التي خصهم الله - تعالى - بها: تعليم الناس مكارم الأخلاق. ويطلق بعض الناس على الفضائل ومحاسن الأخلاق لفظ الإتيكيت. ومن يطبق هذه القواعد فإنه رجل عالم بالإتيكيت وأصوله. ومن يخالف هذه اللوائح يسمى رجلاً جاهلاً بالإتيكيت وفنونه.
وكثيراً ما يراعي كل إنسان مشاعر الطرف الآخر الغريب عنه، حتى يكتسب ثقته واحترامه وتقديره.
ونحن غالباً لا نلقي بالاً لطريقة تعاملنا مع إنسان عزيز علينا، يعيش بيننا - مثل شريك الحياة - وقد نجرح مشاعره دون قصد غالباً (أو بقصد أحياناً) لأننا نعتقد أن أصول الإتيكيت تطبق فقط حين نتعامل مع الغرباء.. أما الجفاء والغلظة وقلة الذوق تستعمل مع الأقرباء.
ومن هنا وجب على كل عروسين جديدين أن يتفقا سوياً على قواعد، تكتب في شكل وثيقة أو اتفاق، تشمل كل ما تثرى به الحياة، ويوفر المتعة فيها من أنشطة وهوايات مختلفة وقراءات وزيارات وتأملات ورحلات.. إلخ. وذلك ليحترم كل شريك شريكه ويشعره بقيمته، ويقلل مخالفاته وسوء معاملاته.
وليكن هناك نوع من الجزاء أو التأديب المناسب للمخالفة مثل خصام يوم أو يومين فقط، والاعتذار لمن أخطأنا في حقه، أو دفعُ مبلغ من المال للإرضاء، أو شراء هدية معقولة.. إلخ.
وبعد ذلك يوقع الطرفان على الوثيقة برضا كامل. وقد تضاف بنود جديدة مع مرور الوقت وتحذف بنود، ولكن يظل النظام قائماً والاحترام متواصلاً.
ومن قواعد الأخلاق التي يحث عليها الإسلام وأصحاب العقول المستنيرة والتي يسميها البعض إتيكيتاً:
1. قبل أن ندخل على أحد في غرفته نستأذن ونطرق الباب.
2. عند الدخول إلى البيت أو الغرفة أو السيارة نلقي السلام.
3. الخروج من الغرفة نسأل من فيها: هل يريد شيئاً قبل الانصراف؟
4. لا نقرأ خطاباً أو شيكاً أو ورقة لا تخصنا.
5. عندما نستعير قلماً أو كتاباً أو مسطرة نعيدها إلى مكانها.
6. إذا كسرنا شيئاً أو أفسدناه اشترينا بديلاً له.
7. عندما نقلب شيئاً أو نغير موضعه مما يخص شريكنا نعيده إلى وضعه الأول.
8. إذا أخطأ أحدنا في حق الآخر فليعتذر له.
9. إذا اعتذر أحدنا وهو مسيء فليقبل الثاني اعتذاره، ولا يكثر في اللوم.
10. الحديث بيننا يجب أن يكون هادئاً ومحترماً، وليس فيه سباب.
11. نقول الحق ولو كان مراً، ولكن بطريقة لطيفة غير جارحة.
12. من يحتاج إلى نصيحة، نقدمها له بحب وبلا تعالٍ.
13. عندما يفرح أحدنا فليفرح الآخر، وإذا بكى أحدنا فليحزن الثاني معه، وليبك أو يتباك.
14. إذا حلّت مناسبة سعيدة لأحدنا فلنشارك جميعاً فيها دون اعتذار.
15. نحترم هوايات كل منا ونقدرها، ونثني عليها، وكأنها هواياتنا.
16. لا نقابل عصبية واندفاع أحدنا بعصبية مماثلة.
17. إذا عجز أحدنا عن أداء مهمة واحتاج للعون فلنعاونه دون إبطاء.
18. لا داعي لخلق المشكلات والنبش في الماضي حتى لا تتجدد الآلام والأحزان.
19. التسامح والعفو عند المقدرة من شيم الأكرمين.
20. فلنقسم العمل فيما بيننا، وليؤد كل منا ما عليه، قبل أن يطلب ما له.
21. لا نكذب مهما كان الأمر والخطأ فالكذب أبو الخطايا، ولا يدخل كذاب الجنة.
22. ولا يكذّب أحدنا الآخر إذا تحدث أمام الناس، وروى قصة شاهدناها معاً فنقص منها شيئاً أو زاد، بل ندعه يكملها كما أراد.
23. لا نسرق مهما كان احتياجنا للمال.
24. فليجب كل منا لزوجه ما يحبه لنفسه وليعمل على راحته قدر استطاعته.
25. الصبر على الشدائد عبادة.. وشكر الله دوماً واجب.
26. الصلاة عماد الدين، والثقة بالله هي أساس النجاح واليقين.
27. فلينادِ كل منا صاحبه بلقب يحبه، ولا يرفع الكلفة في الحوار والمزاح سراً أو جهراً.
http://www.lakii.com المصدر:
ـــــــــــــــــــ(111/241)
أيتها الزوجة طاعة الزوج مفتاح الجنة
قررت الشريعة الإسلامية بجميع مصادرها حق الزوج على الزوجة بالطاعة، إذ عليها أن تطيعه في غير معصية، وأن تجتهد في تلبية حاجاته، بحيث يكون راضياً شاكراً.
ونجد ذلك بقول النبي - صلى الله عليه وسلم - في الحديث النبوي الشريف إذا صلت المرأة خمسها وصامت شهرها وحفظت فرجها وأطاعت زوجها دخلت جنة ربها.
وفي قول الله - سبحانه وتعالى -: فإن أطعنكم فلا تبغوا عليهن سبيلا. وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: لو كنت آمراً أحداً أن يسجد لأحد، لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها
فمن أول الحقوق التي قررها الدين للرجل هي أن تطيعه زوجته في كل ما طلب منها في نفسها مما لا معصية فيه، إذ ورد أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق.
بالتالي عليها أن تأتمر بأمره، إن نادى لبت، وإن نهى أطاعت، وإن نصح استجابت، فإذا نهى أن يدخل قريب أو بعيد محرم أو غير محرم إلى بيته في أثناء غيابه أطاعت.
قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ألا أن لكم على نسائكم حقاً، ولنسائكم عليكم حق، فأما حقكم على نسائكم ألا يأذن في بيوتكم لمن تكرهون.
زوجات مطيعات:
والزوجة التي تعرف واجباتها الدينية تجاه زوجها، على وعي تام بأهمية طاعة الزوج، وتقول السيدة مها جابر: أن على الزوجة أن تسلس قيادها لزوجها فيما يفيد وينفع، حتى تهيئ لأفراد الأسرة أجواء الأمان والحماية والاستقرار والمودة، وليكونوا أعضاء أسوياء تمضي بهم سفينة الحياة بعيداً عن الهزات التي قد تتعرض لها، وفي المقابل فإن الإسلام قد أعطى المرأة حقها كاملاً وأوجب على الرجل إكرام زوجته وصيانة حقوقها، وتهيئة الحياة الكريمة لها لتصبح له طيعة ومحبة.
أما السيدة منى المؤذن فتقول: إذا كانت طاعة الزوج قد فرضت على الزوجة كأمر واجب القيام به فما ذلك إلا لأن المسؤولية والتبعية يتحملها الرجل، والرجل راع في بيته وهو مسؤول عن رعيته، كما أنه قد فرض فيه أنه أبعد نظراً وأوسع أفقاً، وأنه قد يعلم أموراً لا تعلمها الزوجة بحكم اتساع دائرته، أو يرى بحكم تجاربه وخبرته ما لا تراه هي، والزوجة العاقلة هي التي تقوم بطاعة زوجها وتنفيذ أوامره، وتستجيب لآرائه ونصحه برغبة وإخلاص، فإذا ما رأت فيه ما هو خطأ في نظرها تبادلت معه وجوه الرأي، وأرشدت إلى موضع الخطأ بلين ورفق واقتناع، فالهدوء والعبارة اللينة تفعل فعل السحر في النفوس.
وقد تجد آفة الغرور و الاستعلاء طريقها إلى المرأة، وهنا تقول السيدة عبير مرشد: في حال وصلت هذه الآفة إلى قلبها فقل على الدنيا السلام، إذ تصبح الشركة الزوجية مهددة بأخطر أنواع المشاحنات والمنازعات، فإن الرجل قوام الأسرة بحكم وظيفته التي وهبها الله له، إذا حاولت الزوجة أن تغير من خلق الله وسنته فإن ذلك لن يعود عليها إلا بأضر النتائج.
وعن طريقة تعامل السيدة لينا الغضبان مع زوجها تقول: إذا دعاني زوجي إلى طاعة الله والرسول فاستجيب لدعوته من غير تضرر، ففي ذلك النجاة والغفران، وإذا طلب مني الاحتشام وعدم التبرج فأطيع أمره، ففي ذلك الفوز والرضوان من الله، ولا يهمني ما درج عليه المجتمع فالله يقول: (وإن تطع أكثر من في الأرض يضلوك عن سبيل الله). وإذا طلب مني الاعتدال في نفقات البيت أكون معه بقلبي وحبي وإخلاصي فتلك هي أصول الحياة الزوجية التي وضعها الله بالمودة والرحمة، وأعلم أنه عندما يغضب زوجي من أفعالي بعد نصح وتوجيه فإن السماء تغضب لغضبه.
تقول السيدة خديجة حجازي: إن الطاعة ربما تكون ثقيلة على النفس، وبقدر استعداد الزوجة للقيام بها والإخلاص في أدائها كان الجزاء بقدرها، فقد ذكر الرسول - صلى الله عليه وسلم - النساء بخير وبين أنهن يؤدين خدمات لا يمكن لغيرهن القيام بها ويقدمن تضحيات من أعصابهن وأجسامهن ينوء غيرهن بها، فقد خلقن لأداء رسالة سامية ومهمة، ولهن عند الله الأجر وعظيم الثواب، ولن يكمل هذا الأجر إلا بطاعة الزوج وإرضائه وعدم الإتيان بشيء يكرهه.
أما هناء الصالح فتقول: أن الرجل قوام على الأسرة فهو راعيها ومراقب أخلاقها وشؤونها، فواجب على جميع أفراد الأسرة طاعته، ثم هو مكلف بأعباء الأسرة والسعي للإنفاق عليها وقضاء حاجاتها، وهكذا نظمت الأسرة على أن يكون لها راع وصاحب أمر مطاع ورعية تسمع وتطيع.
حدود الطاعة:
على أن هذه الطاعة المفروضة على المرأة لزوجها ليست طاعة عمياء وليست طاعة بدون قيد أو شرط أو حدود، وإنما هي طاعة الزوجة الصالحة للزوج الصالح النقي، التي تعتمد على الثقة بشخصه والإيمان بإخلاصه والصلاح في تصرفاته والطاعة المبنية على التشاور والتفاهم تُدعم من كيان الأسرة وأحوالها وتزيد من أواصرها وقوتها، فالمشاورة بين الزوجين واجبة في كل ما يتصل بشؤون الأسرة، بل أنها يجب أن تمتد إلى كل ما يقوم به الرجل من عمل، فليس هناك كالزوجة المخلصة الصادقة مستشار، تعين زوجها وتهديه بعواطفها وتحميه بغريزتها وتغذيه برأيها، وقد كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يستشير زوجاته ويأخذ برأيهن في بعض الأمور الهامة.
وقد استشار رسول الله - صلى الله عليه وسلم - زوجته أم سلمة في أحرج المواقف وأعصبها فكان لمشورتها ورأيها الثاقب أثر كبير في انفراج الأزمة وعودة الأمور إلى مجراها الطبيعي.
وفي النهاية نجد أن الإسلام قد نظم الحقوق الممنوحة لكل من الزوجين، بحيث لو قام بها كل واحد خير قيام لسعد هو وأسعد من حوله، أما إذا أساء أحدهما استخدام هذا الحق فشلت الحياة الزوجية.
فالحياة الزوجية شركة بين الزوجين، وكما قرر الإسلام حقوقاً للزوج قرر أيضاً حقوقاً للزوجة وبين كذلك الواجبات المفروضة على كل منهما، فإن هما قاما باتباعها خير قيام وعرف كل منهما حقوقه وواجباته كما جاءت في الإسلام سعدت الأسرة وأظلتها السكينة وغمرتها رحمة الله.
http://www.muslema.com المصدر:
ـــــــــــــــــــ(111/242)
شموع دافئة .. لمشاعر باردة
د.مسفر بن علي القحطاني *
قبل أسابيع قليلة حلّ علينا فصل الشتاء ضيفاً عزيزاً طالما انتظرناه وهو بعيد، واشتقنا إليه ونحن نمسح عرق الصيف الملتهب.. وكم بحث عنه البعض في أصقاع الأرض خلال إجازة الصيف هروباً من لهيب شمس النهار ورطوبة جوّ الليل.. وها نحن هذه الأيام نستقبله لمّا حضر بالفرار إلى الأسواق والاستنجاد بالمعاطف والثياب الثقيلة؛ صداً لهجوم رياحه الباردة وقرصات ليله اللاذعة.. وقد يدور في خلد البعض الحنين لأجواء الصيف، فعدو الأمس أصبح صديق اليوم.. وكل ذلك من أجل البحث عن الدفء.. تلك النعمة العظيمة والمنحة الجزيلة التي لا يعرف قدرها إلا من حُرِمها... غير أن المتأمّل في واقعنا اليوم يجد أن هناك نوعاً من الناس قد حُرم ذلك الدفء ليس لأن جسده عُرضة للبرد بل لأن قلبه وعواطفه وإحساسه بالغير قد أُصيبت بنزلة برد؛ٍ فلم تعد أنواع التدفئات أو المضادات تكفيه، أو تبعث في روحه ووجدانه حياة الدفء من جديد، وهذا المرض الشتوي قد لازم كثيراً من الناس في جميع فصول حياتهم، وأعراضه المزمنة تظهر بغير خفاء على أحوالهم ومواقفهم تجاه مجتمعهم وأمتهم.
منها على سبيل المثال:
البرود القاتل في علاقاتنا الاجتماعية، وصلتنا لأرحامنا التي أصبحت في هذا الزمن طقوساً رسميّة خالية من دفء العاطفة وحرارة المحبة الصادقة، وانقطعت حبال الودّ إلا من خلال الأثير أو البريد، وربما يأتي دورها وتسفّها رياح التغريب وماديّة الحياة لتجعلها ذكريات تتّندر بها أجيالنا القادمة، أو تتنهد شوقاً لماضيها القريب؟!
وأما عوارضه الأخرى فذلك البرود القلبي تجاه ما يحصل لإخواننا المسلمين في كل مكان من مصائب ونكبات وكوارث ومجاعات حتى أصبحت صور النساء الباكيات والأطفال الأبرياء وهم يفترشون الأرض ويلتحفون السماء في شتاء قارس، يزداد مرارة مع ألم الجوع وقهر الحرب وصقيع الثلج، ولا يحرك فينا شعور الأخ لأخيه، وكأن المشاهد والمآسي أفلام للتسلية وأحاديث "للمؤانسة"، فهل تنسى كغيرها من المآسي في سكرة حرب الإرهاب واحتفالات عيد الميلاد؟
إن أعراض هذا المرض قد ساعد أيضاً في انتشار الفيروس القاتل الذي بدأ يدبُّ في نفوس الشباب والأجيال القادمة، وهو داء البرود النفسي والخمول الفكري، وعدم الحرص على الإنتاج والإنجاز وبلوغ الأهداف، والرضا بالعيش الهيّن والسعي وراء الأفكار الرخيصة والموضات الفارغة.
وكأنّ الهمم والعقول قد التحفت تحت أطباق من المعاطف الوثيرة لتعلن بياتاً شتوياً لا أمد لانقضائه ولا نهاية لامتداده.. فهذه العوارض السابقة للبرود القلبي والوجداني قد يوجد لها في قائمة الدواء علاج من خلال طب إحياء المشاعر والعواطف الصادقة، ومن داخل محراب الإيمان الدافئ المشتعل بشموع الرحمة والمودة والصدق مع الله، لعلنا ننجو من صقيع ذلك الشتاء، ومن قرصات برده اللاذعة قبل أن يموت فينا الإحساس.. فحينها لا صيفاً عرفنا ولا شتاء!!
----------------------------------------
* رئيس قسم الدراسات الإسلامية والعربية جامعة الملك فهد للبترول والمعادن
27/10/1425
10/12/2004
http://www.islamtoday.net المصدر:
ـــــــــــــــــــ(111/243)
إفشاء أسرار الحياة الزوجية
جاسم المطوع
حاولت أن أغير رأيه في تطليق زوجته، لم أستطع، وقلت في نفسي لعله يفكر فيما قلت له ثم يرجع وقد تنازل عن رأيه وقرر الاستمرار مع زوجته وعنده منها أربعة أطفال، وقد استمرت حياتهما الزوجية خمسة عشر عاماً، ولكنه عاد مرة أخرى وهو أكثر تمسكاً برأيه، فحصل الطلاق وكم كان سعيداً وهو يطلق زوجته.
أعتقد أن القارئ يهمه أن يعرف ما هو سبب الطلاق؟
وسأذكر الآن السبب وأعتقد أن القارئ سيقول إنه سبب بسيط كما قلت أنا في نفسي في بداية التعرف على المشكلة، ولكن قناعتي ازدادت يوما بعد يوم بأنه سبب جوهري يهدد الثقة والأمان في العلاقة الزوجية، وهما أصل الرابطة الزوجية وهدفها.
إنه (إفشاء أسرار الحياة الزوجية)، يقول هذا المطلق:إنني لا أعمل عملاً إلا وزوجتي تشيع ما فعلت بين أخواتها وأمها وصديقاتها، سواء أكان هذا العمل في بيتي أم في وظيفتي، وحتى فيما يتعلق بمالي ودخلي، الكل يعرف حياتي وأسرارها، وقد حاولت نصح زوجتي ولكن دون فائدة، فأصبحت حياتي معها مهددة وغير آمنة، حتى أسرار الفراش وعلاقتي الخاصة معها تتحدث بها عند صديقاتها...انتهى كلامه.
أقول معلقاً على هذه الحادثة:
أن النبي - عليه الصلاة والسلام -، حذر الزوجين من أن يفشي الواحد منهما سر الآخر، كأسرار البيت وأسرار العلاقة بالآخرين، والأسرار المالية، وأشدها أسرار الفراش، فقال - عليه الصلاة والسلام -: (((إن من أشر الناس منزلة يوم القيامة الرجل يفضي إلى المرأة وتفضي إليه ثم يفشي سرها)))، (رواه مسلم).
فيعتبر إفشاء المرء لسر غيره خيانة إن كان مؤتمناً، ونميمة إن كان مستودعاً، وكلاهما حرام ومذموم، بل إن الميت يكره لمن يغسله أن يتحدث بما يراه من سوء عليه، فحفظ السر للحي والميت، وكذلك الأسرار الزوجية تحفظ أثناء بقاء العلاقة الزوجية وبعد وفاة أحد الطرفين أو حصول الطلاق.
وإني أعرف عائلة كويتية حصل فيها الطلاق منذ عشر سنوات، وإلى الآن لا يعرف أحد سبب الطلاق.
وقد نقل الغزالي - رحمه الله - رواية عن بعض الصالحين أنه أراد طلاق زوجته، فقيل له: ما الذي يريبك فيها؟
فقال: العاقل لا يهتك سر امرأته، فلما طلقها قيل له: لم طلقته؟ فقال: مالي وامرأة غيري.
فالواجب ستر المسلم، ومن باب أولى ستر أسرار العلاقة الزوجية، فقد قال الرسول - عليه الصلاة والسلام -: (من ستر مسلماً ستره الله يوم القيامة)، ولعل البعض يستغرب مما سأذكره الآن من إفشاء السر حصل مع إحدى زوجات النبي عليه الصلاة والسلام وهي السيدة (حفصة) عندما حرم النبي - عليه الصلاة والسلام - السيدة مارية على نفسه، فأوصى حفصة بعدم إخبار أحد فكشفت هذا السر، فغضب النبي - عليه الصلاة والسلام - منها فطلقها، ثم ردها جبريل - عليه السلام -، ولكن المشكلة تحصل عندما يكون أحد الطرفين ثرثاراً بالأسرار الزوجية، ولهذا فإن الشريعة أجازت لأحد الطرفين أن يرفع دعوى على الآخر إذا كان يفشي الأسرار الزوجية دائماً، وللقاضي أن يعزر من يفشي السر، إلا أن هناك بعض الأسرار يمكن لأحد الزوجين أن يتحدث بها ويفشيها للمصلحة، كأن يستشير أحد الزوجين مختصا لإرشادهما في علاج مشاكلهما الزوجية أو إذا أصيب أحد الزوجين بمرض معد كالكوليرا والطاعون والإيدز وغيرها، وهذا ما قرره مجلس مجامع الفقه الإسلامي المنعقد في بروناي (1993 م).
فإفشاء الأسرار في العلاقة الزوجية يهدد كيان الأسرة ويفتك بها، وحفظ الأسرار يساهم في استقرار الأسرة وسعادتها، فهذه رسالة موجهة إلى كل زوجين مخلصين... والله الموفق.
http://www.lakii.com المصدر:
ـــــــــــــــــــ(111/244)
وهل تزني الحرة
إيمان الوزير
غبار حوافر الخيل تملأ المكان..ووقع الحوافر يتأجج ما بين مضرم بنار ثأر وآخر متحفز للدفاع عن معقل الإسلام الجديد...
والأرض تخبئ تحت ترابها قصصاً لبطولات عانقت أكف السماء... والتراب متوهج يستعد ليرتوي من دماء الشهداء.. إنها إحدى معارك الإسلام ومعلمة الأجيال بأن كلمات القائد لا بد وأن تكون نقشاً يعتلي جباه الجنود لا رجعة فيه.
بين ضلال السيوف يطل وجه امرأة قرشية تعتلي هامة فرس تصول بين ذويها القادمين من براثن الوثنية الثملين على كأس الثأر صائحة..
مشي القطا البوارق **** نمشي على النمارق
نحن بنات طارق **** إن تقبلوا نعانق
والدر في المخانق **** والمسك في المفارق
أو تدبروا نفارق **** فراق غير وامق
حتى إذا ما التحمت الجيوش صلصلت مجلجلة تطلب ثأر أبيها وأخيها وعمها فتقول:
ويها بني عبد الدار
ويها حماة الدار
ضرباً بكل بتار
حتى إن صوت صليلها ليضايق المسلمين فيراودهم الخاطر في قتلها لولا أن كرامة الإسلام تأبى قتل امرأة لم تحمل السيف إلا بلسانها فقط.
لابد وأنكم عرفتموها.. إنها هند بنت عتبة بن ربيعة القرشية.. زوجة أبي سفيان وصاحبة أكبر ثأر وأعظم مصاب تحدثت عنه كتب التاريخ.
حين تقابل المسلمون مع قوى الشرك في بدر كان حمزة بن عبد المطلب - رضي الله عنه - يقدم للإسلام أعظم ضروب القوة والتحدي فقد استطاع في المبارزة التي سبقت التحام الجيشين في بدر أن يقتل عمها ويجهز على أبيها ثم أخيها لتستعر نيرات الثأر في قلبها على حمزة منذ تلك اللحظة.. فكان مصابها أوقع من خنجر مسموم في صدر امرأة عرفت بقوة شكيمتها التي فاقت بها بعض الرجال.. وإذا بالدمعة تتحجر في عينها فلا تدعها تخرج حتى لا يصل خبرها لمن أرادت أن تأخذ بثأرها منهم.. وحرمت على نفسها الطيب والقرب من فراش أبي سفيان حتى تثأر لقتلاها في بدر.. ولئن عزت دمعتها فإن لسانها وصف حالها حين قالت:
أعيني جودا بدمع سرب ** على خير خندف لم ينقلب
تداعى له رهطه غدوة ** بنو هاشم وبنو المطلب
يذيقونه حد أسيافهم ** يعُلّونه بعدما قد عطب
يجرونه وعفير التراب ** على وجهه عاريا قد سُلب
فكان يوم أحد هو يوم الثأر عند هند لتشفي به غليلاً جاش في صدرها وأضرم ناره عاماً كاملاً.. ترى هند بصيص أمل في تحقيقه في صورة (وحشي) ذاك العبد الحبشي الذي لم يخطئ رمحه الهدف قط فتمنيه بالفضة وعتق الرقاب قائلة: اليوم يومك أبا دسمة اشف واستشف.
ليقتل وحشي حمزة غيلة بظلم ثأر استشرت نيرانه لتطعن في أسود الإسلام حقداً على ضراوتهم.. لكن ذلك لم يشف غليل هند وبؤس جاهليتها.. فنرى أنياب الثأر تطل من أعماقها لتلوك كبد حمزة وهو في عرف البشر ميت.. ثم تجدع أنفه وتقطع أذنيه في أبشع صورة عرفها الانتقام في فعل امرأة ثم تعلقهما أقراطاً وسلاسل تتزين بها بعد أن خلعت كل ما اعتلى قدّها من جواهر لتعطيها لوحشي.
أي هند هذه.. والوحشية تعانق قلبها تمحو من خطواتها معالم الإنسانية.. تقطع في طريقها أوصال الحنان والرأفة من قلب امرأة.. في سبيل الثأر الذي سيطر على العقل في شيطانية تعلن عن انتصار روح العصبية القبلية من قلوب أعراب رفضوا دعوة رجل منهم يقول: ربي الله!!! رغبة منهم في التمسك بخطوات الضلالة يقدمونها قرابين في معابد الشيطان.
تلك هي الصورة الموحشة من حياة هند بن عتبة.. أقوى نساء العرب وأكثرهن شكيمة وشهرة على الإطلاق.
وقد حرص رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حين علم أنها لاكت كبد حمزة على التوثق ممن شاهدوا فعلتها إن كانت بلعتها أم لا.. تحسباً من بلعها فيحرم الله جسدها بمضغة من كبد حمزة على النار.. يا لطهر قطعة من كبد حمزة حين يصعب على وثنية هند ابتلاعها.. فكيف للباطل أن يبتلع الحق.. وهل يقوى الشيطان على هضم نور من أنوار الله!!! لتظل هذه الصفحة نقطة سوداء تشوه حياة امرأة من أشرف بيوت العرب.
وهذا الأمر يدفعنا للتساؤل: هل لو كانت هند بنت عتبة مع المسلمين وعدوها الذي لاكت كبده من المشركين أكانت تفعل ذلك؟؟ بالطبع لا فالإسلام يهذب الأخلاق ويزرع رياحين الخير في طباع أهله.. يقضي عبر أنواره على تعطشهم للدماء إلا ما كان دفاعاً عن دين الله وفي سبيل مرضاته.. وأيم الله لو أن نساء المسلمين قاطبة أمسكن بوحش معاصر كالصهيوني المتغطرس شارون الذي يرتوي كل صباح من دماء الشعب الفلسطيني لما فعلن به هذه الفعلة لأن إنسانيتنا كمسلمين أقوى من مطالب التشفي بالثأر إلا في غمار الخطوب.
وبعد أعوام على هذه الواقعة يفتح الله على المسلمين مكة.. ليعلو صوت الحق ممتشقاً عنان السماء محطماً لمعقل الوثنية الأول في جزيرة العرب.. معلناً عن عودة الإسلام إلى رحاب مهبط الوحي فترتعد هند من ذكرياتها الدامية.. ترتجف من إهدار النبي - صلى الله عليه وسلم - لدمها اعترافاً منها بخطأ لحق بها جراء وحشية أثقلت كاهلها حتى أخذت بثأرها.. وكأن الاعتراف بالخطأ بات حملاً ثقيلاً يستوجب معه الصفح والغفران من صاحبه.. فخرجت مع نساء مكة لتلتقي برسول الله - صلى الله عليه وسلم - وقد تنقبت بنقاب يغطي وجهها حتى لا يعرفها أحد.. فلما دنت منه - عليه السلام - قالت له: يا رسول الله الحمد لله الذي أظهر هذا الدين الذي اختاره لنفسه.. لتنفعني رحمتك يا محمد.. إني امرأة مؤمنة بالله مصدقة لرسوله.. أنا هند بنت عتبة، فقال لها النبي - عليه الصلاة والسلام -: مرحبا بك... لتنزل كلمات الترحيب على قلبها كغيث عذب يغسل في طريقه كل ضباب الجاهلية وأوحالها، فترد عليه قائلة: (والله ما كان على الأرض أهل خباء أحب إليّ من أن يذلوا من خبائك.. ولقد أصبحت وما على الأرض أهل خباء أحب إليّ من أن يعزوا من خبائك.
ثم بدأت بيعة الرسول الكريم لنساء مكة وهند فيهن.. فيخاطبهن النبي - صلى الله عليه وسلم - كعادته في بيعة النساء (تبايعنني على ألا تشركن بالله شيئاً)، فقالت هند بفطنة المرأة حين سمعت ببيعة النبي للرجال من قريش: وإنك والله لتأخذ علينا ما لم تأخذه على الرجال فسنؤتيكه. فقال النبي - عليه السلام -: (ولا تسرقن)، فردت عليه معترفة بخطئها حين كانت تأخذ من مال أبي سفيان شيئاً لنفسها دون علمه قائلة: والله إني كنت لأصيبن من مال أبي سفيان الهنة والهنة. فقال أبو سفيان وكان حاضراً: أما ما مضى فأنت منه حل.
ثم أكمل نبي الله - عليه الصلاة والسلام -: (ولا تزنين)، فردت هند بروح المرأة الصادقة الأبية (وهل تزني الحرة؟!).. ليردف النبي - صلى الله عليه وسلم - قائلاً: (ولا تأتين ببهتان تفترينه من بين أيديكن ولا أرجلكن)، فتقول هند: إنه لعمل قبيح!! كلمات عابرة مرت عبر غياهب التاريخ دون أن يتلمس حروفها أحد.. صاحبتها امرأة قوية الشكيمة لاكت كبد حمزة بن عبد المطلب وجدعت أنفه وقطعت أذنه.. اليوم تستهجن عبر حروفها قائلة: (أو تزني الحرة).. تأنف باستنكار واضح رذيلة تعافها المرأة في جاهليتها وحتى يوم أباحت مضغ أكباد الرجال وأباحت لنفسها السجود للأصنام!! لنقف هنا وقفة مع المرأة الحرة حين تعاف الرذيلة وتبغضها قبل أن تعتنق الإسلام، وتصفها بالقبح والإسلام بعد حديث عهد في قلبها لم يبلغ بها مبلغ السابقين.. فهل يعني هذا أن العفة تسكن قلب المرأة الحرة بغض النظر عن دينها؟ وأن دماثة الخلق يمكن أن تأنس لقلوب لم يسكنها الإيمان بالله بعد؟
نعم.. وهند أصدق دليل!!!
فكيف بنا نحن المجتمع المسلم وهذه الرذيلة تنهش في أعراضنا وتستشري نارها في ديارنا.. حين تغرق بعض النساء من مجتمعاتنا في خصلة هي قبيحة في الجاهلية فكيف بها في الإسلام.. يعلق البعض السقوط بها على شماعة الفقر والظروف!!! ألا يحق لنا الآن أن نطالب بحرية نسمو بها بفضائلنا قبل أن نسجد لخالقنا ونصلي لبارئنا!!!
وهذه الخصلة الدنيئة تأنف منها الأحرار النساء الجاهليات، وصدق لسان العرب حين قال: (تجوع الحرة ولا تأكل بثدييها)، فكيف بنا ونحن نعيش في ظل مجتمعاتنا المسلمة التي ولدنا وتربينا في أحضانها.
هاتان صورتان للمرأة الصلبة التي دقت طبول الثأر تتحدى بها الصعاب رغم الأخطار الأبية التي تأنف القبح الذي لا يتفق مع الفطرة والأعراف.. ولنا من مواقف النساء عبرة لمن أرادت أن تعتبر.
http://www.muslema.com المصدر:
ـــــــــــــــــــ(111/245)
بالكلمة والإشارة والنظرة نقتل الفتور في العلاقات الزوجية
الشعور بالفتور بين فترة وأخرى أمر طبيعي بل إن بعض الأزواج يمرون بمرحلة فتور رهيبة وسرعان ما يرجع الحب والدفء بينهما.
التعبير عن الحب يكون بالكلمة تارة وبالإشارة تارة وبالنظرة تارة بل وباللمس والإيماء تارات أخرى. فمن كان يجيد هذا التعبير في كل فنونه فهو موفق.
وأعتقد أن النساء أكثر تعبيراً من الرجال فالمرأة كثيراً ما تشتكى الجفاء والقسوة من زوجها.
وكم سمعت وتردد على مسامعي أن الزوج عند حاجته يقترب ويعبر بسخاء عن الحب والغزل وما أن ينتهي ينتهي كل الكلام عن الحب والغزل والمدح أيضاً.
ذكر رسول الله صلوات الله عليه: ( تزوجوا الودود الولود فإني مكاثر بكم الأمم ) [سنن أبي داود] فالودود هي التي تبادر زوجها وتكون له النفس الهادئة المطمئنة الوديعة الجميلة.
هي التي تفهم طلبه من غير أن يطلب.
هي التي تكون له نعم الأرض التي يطأ بها قدمه فيكون لها سماء وغطاء يحميها ويرعاها.
أختي الحبيبة: إذا أصاب حياتك الفتور ووجدت نفسك تقفين بعيدة تنظرين إلى زوجك وهو مشغول مهموم ليس ذلك الزوج الحبيب الذي كان يسمعك الكلام العذب والغزل ما يشبع به أنوثتك؟
ماذا تفعلين؟
- مدي له يديك وعانقيه معانقة العشاق وقولي له" أحبك..اشتقت لك" واغمريه بالجميل من الكلام واللطيف من النظرات، أو ابعثي له رسالة حب تخبريه فيها عن مدى حبك واشتياقك واحتياجك له.
- اجلسي معه جلسة مصارحة واختاري الوقت المناسب لهذه الجلسة وعاتبيه عن إهماله لكِ ولأولاده وكلميه عن مدى احتياجكم له.
- تحدثي عن مشاعرك واتجاهاتك.
- حاولي أن تغيري من روتين حياتك سواء بأوقات اجتماعكم أو بتغيير شيء من مظهرك سواء بطريقة المكياج أو الملابس أو حتى بديكور المنزل.
- ابتعدي قليلاً عنه بزيارة أهلك حتى يتولد الشوق بينكم ويكون هناك تجديد في حياتكم الزوجية.
26-12-1425 هـ
http://www.lakii.com المصدر:
ـــــــــــــــــــ(111/246)
أحبها وتحبني
محمد بن سعيد المسقري
العاطفة في الحياة الزوجية هي الجاذبية التي تشد كلا الزوجين نحو الآخر، فهي شعور داخلي ناتج من استحسان أوصاف وطبائع وأخلاق الطرف الآخر، وميل فطري للنواحي الجمالية، والصفات الخَلقية والخُلقية لشريك الحياة.
وهي في العلاقة الزوجية بمنزلة الماء للنبات، فكما أنه لا قيمة للطعام بدون ملح، ولا حياة للنبات بدون ماء، فكذلك الحياة الزوجية لا طعم لها ولا ضمان لاستمراريتها، وبقاء حيويتها بدون عاطفة.
وتتجسد قيمة العاطفة في إبدائها للطرف الآخر، وإشعاره بوجودها، والعمل على تنميتها، فالحب المكنون في قلب أحد الزوجين بلا تعبير عنه، كالوردة التي لا عطر لها، حيث تصبح العلاقة الزوجية علاقة سطحية جافة، فاقدة للحيوية والانتعاش، يسيطر الملل على جوانبها، وتعم الوحشة أرجاءها، فالمرأة بحاجة إلى ما يخفف عنها عناء الأعمال المنزلية، والرجل بحاجة إلى ما يخفف عنه متاعب العمل أو الوظيفة، وكلا منهما بحاجة إلى ما يسري عنه همومه، وبحاجة إلى إحساسه بأن هناك من يعتني به ويراعي مشاعره.
وهناك الكثير من الوسائل لتنمية العاطفة وتقوية العلاقة بين الزوجين، وأعظم طريقة لتقوية هذه العلاقة طاعة الزوجين لربهما وابتعادهما عن المعاصي وقد جعل الله - تعالى - لكل شيء أسبابه. فما أسباب تنمية الحب بين الزوجين؟!
لقد جبلت القلوب على حب من أحسن إليها وبغض من أساء إليها، غير أني سأركز على نقاط معينة غفل أو تغافل عنها الكثير من الأزواج، من أهمها:
الكلام العاطفي الصريح، واستخدام كلمات الحب والغرام، فقد روي أن السيدة عائشة كانت تقول: " سمعت حبيبي - صلى الله عليه وسلم - يقول كذا وكذا "
مخاطبة شريك الحياة بالكنى والألقاب التي يحبها وتدليل الأسماء أو ترقيقها أو ترخيمها، كما روي أنه - صلى الله عليه وسلم - كان يخاطب السيدة عائشة بقوله: " يا عائش " أو " يا حميراء ".
المزاح والمداعبة، ومقابلة الطرف الآخر بالكلمة الرقيقة والابتسامة الحانية، وعدم التجهم والعبوس في وجهه دون مبرر، وهذا من أهم وسائل الترويح عن الطرف الآخر وتخفيف أحزانه، وقد ثبت أنه - صلى الله عليه وسلم - كان يمازح زوجاته ويداعبهن، وقد ذكر - صلى الله عليه وسلم - في بعض أحاديثه أن وضع اللقمة في فم الزوجة فيه أجر ومثوبة، وهو من صور المداعبة.
التغزل في الزوجة وذكر النواحي الجمالية فيها.
الإشادة بأخلاق الطرف الآخر وحسن تعامله، وشكره على ما يقدم من خدمات، والإغضاء عن هفواته بتذكر حسناته.
إطراء الزوج لحسن اختيار الزوجة للباسها، وحسن صنيعها في الطعام وحسن ترتيبها لأثاث المنزل، واهتمامها بشؤون العائلة.
حرص الزوجة على التزين الدائم لزوجها، وحرصها على اختيار ما يفضله من اللباس، وانتقاء ما يميل إليه ذوقه من العطر والزينة وغيرها، وكذلك الحال بالنسبة للزوج.
احترام الزوج لميول زوجته الفكرية واهتماماتها الثقافية، وعدم دفعها أو إجبارها على التقيد بنواحي فكرية معينة يميل إليها، إلا إذا كانت تميل إلى أفكار هدامة منافية للقيم الدينية والاجتماعية.
احترام مشاعر الطرف الآخر وأحاسيسه، والابتعاد عما يكدر خاطره ويجرح مشاعره، فقد روي أنه - صلى الله عليه وسلم - قال لصفية بنت حيي وكان أبوها من اليهود -: " لقد كان أبوك من أشد الناس عداوة لي حتى قتله الله " فقالت: يا رسول الله {ولا تزر وازرة وزر أخرى}، فلم يذكر - صلى الله عليه وسلم - أباها بعد ذلك بسوء، حفاظا على مشاعرها واحتراما لأحاسيسها.
تبادل الهدايا بين الزوجين في المناسبات، فإن الهدية من أكبر أسباب المحبة، كما قال - صلى الله عليه وسلم - " تهادوا تحابوا "
هدايا الناس بعضهم لبعض *** تولد في قلوبهم الوصالا
وتزرع في النفوس هوى وحبا *** وتكسوهم إذا حضروا جمالا
احترام أهل الطرف الآخر، والإشادة بهم، وعدم ذكر عيوبهم والتنقص بهم، فإنفي ذكر عيوبهم إيذاء للطرف الآخر وتنقص به، إلا إذا كان على سبيل التحذير من عادة أو خلق معين يتصفون به.
الابتعاد عن سوء الظن بشريك الحياة، أو التشكيك في سلوكه دون مبررات وأدلة، فإن شدة الغيرة والمبالغة فيها معول هدم للحياة الزوجية.
وقد يعتقد كثير من الأزواج، أن بعض هذه الأمور منافية لرجولته، أو تقلل من هيبته أمام زوجته، ويرجع اعتقادهم هذا لعوامل نفسية أو تربوية أو اجتماعية، لكن إذا تأمل هؤلاء سيرة المصطفى - صلى الله عليه وسلم - أكمل الرجال رجولة وأعلاهم هيبة سيجدوا الأمر بعكس تصورهم، فقد كانت حياته - صلى الله عليه وسلم - حافلة بحسن تعامله مع زوجاته وتلطفه بهن، وكانت العاطفة الصادقة تسود حياته الزوجية، فقد كان طليق الوجه مبتسما، ولم يكن متجهما عبوسا، وهو القائل: " إن الله يحب السهل اللين القريب "، لا كما يفعل بعض الرجال، يدخل بيته كالوحش الكاسر يملأ البيت صخبا وصراخا، ولا يعرف إلا الشدة والعنف والغلظة،
22/08/1423
28/10/2002
http://www.lahaonline.com المصدر:
-ـــــــــــــــــــ(111/247)
لكل الأزواج لا للصمت
تشكو الكثير من الزوجات، وعادة ما يصاحب الشكوى صمت الزوج، فيزيد الحياة مللاً فوق ملل، ولن يتم حل هذه المشكلة إلا تجديد الحياة الزوجية ودفع الملل، فالملل شيء يأتي غالبًا من داخل الإنسان لانتصار الظروف السيئة وكثرة المشاغل والأعباء والضغوط.....
ولكي ينجو الزواج من مصيدة الملل، يجب الاهتمام به ورعايته، فالزواج مثل الكائن الحي يظل متمتعاً بالحياة ما دام هناك الجديد، ولن يتم قهر الملل إذا لم يكن لدى الإنسان غاية في هذه الحياة، فالزواج بحد ذاته ليس غاية، بل هو وسيلة لحفظ النوع الإنساني وحفظ المجتمع من الانحراف، وتربية النشء على الخلق القويم الراسخ، كما على الزوجة أن تشارك المجتمع في مسراته وأحزانه؛ فتشارك جيرانها على قاعدة: "أن الذي يخالط الناس ويصبر على أذاهم خير من الذي لا يخالطهم ولا يصبر على أذاهم" فمشاركة الزوجة في أعمال الخير والبر وحضور دروس العلم وحلقات القرآن الكريم، كما على الزوجة مساعدة الزوج في تجديد أسلوب الحياة اليومي وفي طريقة العيش.
كما على الزوج أن يقوم برحلات للراحة والاستجمام مع عائلته، فمن لا يحسن فن الراحة لا يحسن فن العمل، ويمكن كذلك ترتيب الزيارات العائلية وصلة الأرحام.
وليكن للزوجة والزوج (ورد يومي من القرآن)، فالقرآن الكريم أنيس يزيل كل وحشة وهم، وعلى الزوج أن لا ينسى زوجته من كلمات الحب والثناء، وأن يشعرها بأهميتها في حياته ومدى مساندتها له في مواجهة الحياة وظروفها، وأن يحاول قدر الإمكان العمل على سعادة أسرته وزوجته، وأن لا تجعل الأنانية تسيطر عليه، فيذهب للتسلية مع أصدقائه بشكل مبالغ فيه، مع إهمال تام للزوجة والأولاد...
من أكثر المشاكل العائلية أو الزوجية بالأحرى هي عدم تفهمهم لغة الحوار وعدم اختيارهم للوقت المناسب لذلك، وخاصة من الزوجة بحيث تبتعد عن المناقشة وهو يتناول الطعام أو عند قدومه من العمل متعب أو إن كان يعاني من مشاكل في العمل أو في الصحة فاختيار الوقت المناسب للمناقشة هي أفضل الحلول... ومحاولة تلطيف الجو عند احتدام النقاش...
وهناك عدة وسائل للمرأة لجذب انتباه الزوج: إما عن طريق إشباع العين بما يحب أن يراه أو إشباع البطن بما يحب أن يأكل وهي أسرع الطرق للوصول إلى قلب الزوج. وهناك طريقة سحرية ناجحة بكل المعايير ألا وهي اللمسة السحرية.. كيف ذلك؟؟؟ عندما يكون هناك اختلاف في وجهات النظر واختلاف في الرأي ويكون الزوج منزعجاً ويكاد يكون متضايق؛ فتأتي الزوجة بوضع يدها على يده؟ وهنا كما يقولون يطيح الحطب؟ فيبتسم الزوج وينتهي الخلاف؟
http://www.lakii.com المصدر:
ـــــــــــــــــــ(111/248)
مهلا أيها الزوجان
محمد بن عبد الله الهبدان
في خضم هذه الحياة الطويلة وعبر صفحاتها المليئة بالأحداث تحدث قضايا تتطلب الصمود أمامها بحزم وحنكة، وروية وحكمة؛ لأن الإنسان قد ينسى نفسه وهو يخوض في غمار تلك الأحداث، وينسى من باب أولى أهله وولده، لذا كان لزاماً على الزوجين أن يكون بينهما تنسيق وتنظيم؛ فيتعاونا جميعاً في سد الثغرات، ويضحي كل واحد منهما ببعض حقوقه، ويتغاضيا عن بعض التقصير الحاصل بسبب كثرة التبعات الملقاة على كاهل الزوجين الكريمين اللذين يخوضان غمار الدعوة، ويسبحان في بحرها العميق.
فالبيت له متطلباته وحاجاته، والأولاد لهم ما لهم من التبعات والمستلزمات، وكل من الزوجين له حقوق وواجبات، هذه الأمور في كفة، وأمور الدعوة وقضاياها المصيرية للأمة في كفة..وكلا الكفتين تحتاج إلى بذل وعطاء وتضحية وفداء.والتقصير الكبير في أحدهما إيذان بعدم استقرار الجو الأسري.لذا كان لزاماً على الزوجين أن يجلسا لتنسيق الأعمال، وترتيب الأوراق، وتقاسم المهمات.. بهذه الطريقة تحصل النتيجة، وتنال الثمرة.
وإن من الأمور التي ينبغي أن يعيها كل من الزوجين: أن وضع المجتمع يحتاج إلى مزيد جهد وعناء في إصلاحه وانتشال الغرقى فيه من براثن الغواية. فالمجتمع الآن يموج فتناً، ويضطرب محناً، ودعاة الشر يعملون ليلاً ونهاراً لغاياتهم الباطلة، وأهوائهم الفاسدة، ويبذلون في ذل الغالي والنفيس، بدون ملل ولا كلل، فكم من شاب على فطرته أضلوه، وجعلوه يتيه في مستنقع الرذيلة ويسبح في بحر الخطيئة، وكم من امرأة عفيفة سلبوها عقلها بعباراتهم المحبوكة، وكلماتهم المعسولة، فخدعوها ولبّسوا عليها، وكم من الأمور غيّروها، وكم من المنكرات نشروها.
وإن استمرارهم على هذا الوضع دون أدنى مقاومة تذكر، وأدنى جهد يبذل، إيذان بأن المجتمع سيغرق في هذا الطوفان الجارف، عندها ستسقط أول لبنة من لبنات المجتمع، ألا وهي الأسرة المكونة من الزوجين اللذين تقاعسا عن العمل للدعوة، وتخاصما في قضايا جانبية، وجعلا من الحبة قبة، وكل منهما يطالب بالكمال، والكمال عزيز. وبالتعاون يحصل التوفيق والتسديد وتسير الأمور من جديد.
08/03/1425
27/04/2004
http://www.lahaonline.com المصدر:
ـــــــــــــــــــ(111/249)
الأسرة والشاشة
د. رقية بنت محمد المحارب
هل تتذكرون يوم نادى جاك شيراك رئيس وزراء فرنسا الأسرة في بلده بأن تستغني عن جهاز التلفاز يوماً واحداً فقط في الأسبوع؟..أراد أن يجلس أفراد الأسرة مع بعضهم ولو لبضع ساعات يؤكدون بها رابطة الأسرة ! لقد أطلق هذا النداء عندما رأى الواقع المنهار للأسرة الفرنسية، وأزعجه الحال الذي وصل له المجتمع الفرنسي فحاول أن يعيد نوعاً من التوازن، من ذلك أن حوالي 5 ملايين امرأة متزوجة على علاقة جنسية بغير زوجها! وأن عدد الأمهات العازبات يصل إلى مليون امرأة وأن هناك طفلاً غير شرعي بين كل 15 طفلاً! لا نحتاج إلى إيراد الأرقام لنؤكد الوضع السئ للأسرة الفرنسية وليست الأسرة البريطانية أو الأمريكية بأحسن حالاً منها.
لقد أدرك بعض عقلاء الغربيين خطورة ما يعرض على الشاشات على القيم والأخلاق فكرروا الدعوة إلى وجوب المحافظة على الرابطة الأسرية، ولكن هذه الأصوات الضعيفة القليلة تضيع وسط السعار المحموم وعبودية الشهوات واستعباد المرأة والجري وراء المال خصوصاً أن هذا ترعاه شركات كبرى ضربت بكل شيء عرض الحائط إلا مصالحها الشخصية.
ونحن اليوم نقف بعد أكثر من 6 سنوات من البث الفضائي فماذا كانت النتيجة وما هو الحصاد؟ وما أثر الآف البرامج على الرابطة الأسرية وعلى تعظيم الله - عز وجل - وتكريس احترام الوالدين والحفاظ على المروؤات والأخلاق والأعراض؟.. إن الواقع يشهد بوضوح نهماً متزايداً لاستهلاك كل ما هو غربي، وزيادة في المشكلات الأسرية بسبب ما يعرض في القنوات من مشاهد لحسناوات المظهر خبيثات المعدن تزهد الرجل في زوجته وتغرقه في نهر الشهوات المحرمة ويضيع أولاده وينحرفون دون أن يحرك ساكناً لأن فاقد الشئ لا يعطيه، كما أثمرت هذه البرامج رقة في الدين إلا من استمسك من الله بحبل متين.
تذكرت أيضاً ذلك الخبر الصغير المنشور على استحياء في إحدى صحفنا المحلية حول اتفاق مجموعة من الجيران في مدينة الطائف على تنظيف حيهم من الأطباق الفضائية ودعم سكان الحي تلك الاتفاقية بالتعاون مع المكاتب العقارية بوضع شرط إضافي هو عدم تركيب الطبق بالمنزل المؤجر..
إنها وسائل للحياة السعيدة يتطلبها من وفقهم الله للخير وإنها تصرفات من عقلاء أرادوا أن يتجنبوا ويلات المعصية فهل يكون بعض الغربيين أعقل منا وأحرص على مصالح مجتمعاتهم؟
http://www.saaid.net المصدر:
ـــــــــــــــــــ(111/250)
لتحقيق السعادة الزوجية
د. عبير زهير
يعتبر الزواج وبناء الأسرة من الأسس المهمة في حياة الفرد والمجتمع منذ زمن بعيد؛ لهذا نجد أن العلاقة الزوجية بين الرجل والمرأة لا تزال موضوع اهتمام العديد من المفكرين والعلماء والأدباء في جميع المجالات؛ لما له من أهمية في تكوين نظام المجتمع وتقدمه وتطوره، خاصة أن الأسرة هي البيئة الأولى التي تستقبل الطفل منذ الميلاد، وهي التي تقوم بغرس القيم والعقائد والعادات في الطفل، بالإضافة إلى دورها في رعايته جسميا وعقليا ونفسيا واجتماعيا، وتوفير البيئة الأسرية السليمة التي تجعل منه إنسانا سويا متوافقا مع البيئة والأفراد المحيطين به؛ لهذا لابد أن تتسم العلاقة الزوجية بالحب والمودة والتعاطف والتقدير والارتباط العاطفي الصادق والرضا بين الزوجين لإسعاد كل منهما الآخر. وحتى نصل إلى ذلك لابد أن تُبنى الأسرة على أسس إسلامية، وهى:
1- لابد أن يتبع ويحترم طرفا الزواج ما جاء بالشريعة الإسلامية في اختيار شريك حياته، حيث يوصي الإسلام أن يكون معيار الاختيار الدين والخلق، مع عدم إهمال الجوانب الأخرى، وقد أرشد النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى هذا المعيار الصالح فقال: "تنكح المرأة لأربع: لمالها ولحسبها ولجمالها ولدينها، فاظفر بذات الدين تربت يداك".
2- لابد من توافر شرط الرضا والموافقة من الطرفين دون أي ضغط أو إكراه، والموافقة تكون صريحة وواضحة من اللسان والقلب.
3- لابد من وجود توافق بينهما اجتماعيا واقتصاديا وثقافيا لاستمرار الحياة الأسرية.
4- قد حرصت الشريعة الإسلامية على فرض منحة تقديرية للزوجة يعبر بها الزوج عن تقديره لها، وهو المهر، ولكن حرص الإسلام أيضا على عدم المغالاة في المهور حتى لا يؤثر على العلاقات الأسرية بعد ذلك، وإذا توافرت هذه الأسس يتم الزواج، وهو عقد يتوافر فيه الإيجاب والقبول والشهود والإعلان.
5- وحتى تكون الحياة الأسرية يسودها الحب والمودة والرحمة والتعاطف لابد أن نتعرف على حقوق كل من الزوج والزوجة.
حقوق الزوج:
1- الطاعة بالمعروف:
أول حقوق الزوج: طاعة المرأة له بالمعروف، والمراد بالمعروف: ما أقره الإسلام وأذن به؛ لقوله - صلى الله عليه وسلم -: "لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق"، فهي تطيعه في غير ما نهى عنه الله. ويرجع حق الزوج في الطاعة إلى أنه أصلب وأحزم وأحكم من المرأة في الشؤون الحياتية؛ لأن المرأة بطبيعتها عاطفية، فتجعلها مترددة في اتخاذ القرارات، بالإضافة إلى أن الرجل ينفق عليها من بداية المهر والتأثيث للحياة الزوجية والنفقة الزوجية من مسكن وملبس ومأكل وغيرها من متطلبات الحياة الأسرية، وهذا لا يعني أن الزوجة ليس لها دور أو قرار، فقد قال النبي - صلي الله عليه وسلم -: "كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته، والمرأة راعية في بيت زوجها وهي مسؤولة عن رعيتها".
2- عدم خروج الزوجة بدون إذن زوجها:
حيث يترتب على الحق السابق للزوج، وهو الطاعة: ألا تخرج الزوجة من بيت زوجها إلا للضرورة والحاجة الشديدة حتى لو لزيارة أهلها دون إذنه. ولكن لا ينبغي له أن يمنعها من ذلك؛ حتى لا يكون قاطعا لصلة الرحم. والدليل على ذلك قول الله - تعالى -: {وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الأولَى}.
3- الحفاظ على عرضه وماله:
فيجب على الزوجة الحفاظ على شرف زوجها وماله في وجوده وفي غيابه، ولا يجوز أن تتصرف في ماله، ولو بالصدقة، دون إذن منه، إلا في حالة أن كان بخيلا ويقصر في احتياجاتها الضرورية لها ولأبنائها؛ فتأخذ فقط ما يكفي حاجاتها الضرورية، وتتقي الله في ماله وعرضه.
4- رعاية المنزل والأبناء:
يجب على الزوجة أن تقوم بشؤون البيت من الطهي والتنظيف ورعاية الزوج الأبناء والقيام بالأعمال المنزلية المختلفة، وهذا يكون أفضل من إحضار خادمة للقيام بهذه الأعمال تجنبا للمشاكل التي نسمع عنها في الوقت الحالي.
5- تجمل الزوجة وتزينها لزوجها:
يجب على الزوجة أن تتجمل وتتزين لزوجها؛ حتى يرى فيها ما يهواه ويحبه، وهذا يزيد من التوافق والانسجام والوئام بينهما.
من حق الزوج إذا خرجت زوجته عن طاعته: أن يعظها ويرشدها بالمعروف أو بالهجر في الفراش، ولا يترك البيت، ولكن يفضل ألا تطول فترة الهجر، أو يستخدم الضرب الذي أقره الإسلام، وهو الضرب بسواك أو الكف ثلاث مرات على أعلى الكتف، وليس الضرب المبرح، وهذا ما قاله رسول الله صلي الله عليه وسلم: "ألا واستوصوا بالنساء خيرا فإنما هن عوان عندكم ليس تملكون منهن شيئا غير ذلك، إلا أن يأتين بفاحشة مبينة فإن فعلن فاهجروهن في المضاجع، واضربوهن ضرباً غير مبرح فان أطعنكم فلا تبغوا عليهن سبيلا، ألا إن لكم على نسائكم حقا ولنسائكم عليكم حقا، فأما حقكم على نسائكم فلا يوطئن فرشكم من تكرهون، ولا يأذنّ في بيوتكم لمن تكرهون، ألا وحقهن عليكم أن تحسنوا إليهن في كسوتهن وطعامهن".
وقال الله - تعالى -: {الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاء بِمَا فَضَّلَ اللّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُواْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِّلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللّهُ وَاللاَّتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلاَ تَبْغُواْ عَلَيْهِنَّ سَبِيلاً إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا}. وإن لم يتم الإصلاح فيُطلب حكم من أهله وحكم من أهلها للوفاق بينهما، كما قال الله - تعالى -: {وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُواْ حَكَمًا مِّنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِّنْ أَهْلِهَا إِن يُرِيدَا إِصْلاَحًا يُوَفِّقِ اللّهُ بَيْنَهُمَا إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلِيمًا خَبِيرًا}. وإن لم يتم ذلك فالطلاق بالمعروف، وذلك في قول الله - تعالى -: {وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النَّسَاء فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ سَرِّحُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَلاَ تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَارًا لَّتَعْتَدُواْ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ وَلاَ تَتَّخِذُوَاْ آيَاتِ اللّهِ هُزُوًا وَاذْكُرُواْ نِعْمَتَ اللّهِ عَلَيْكُمْ وَمَا أَنزَلَ عَلَيْكُمْ مِّنَ الْكِتَابِ وَالْحِكْمَةِ يَعِظُكُم بِهِ وَاتَّقُواْ اللّهَ وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ}.
حقوق الزوجة:
1- الحفاظ على كيان المرأة وكرامتها، واحترامها والحفاظ على أسرارها؛ لأنها شريكة حياته وأم أولاده، فلا يهنها، ويعاملها معامله كريمة، سواء لها ولأولادها، قال الله - تعالى -في ذلك: {وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِن كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا}.
2- يوفر الزوج للزوجة كل احتياجاتها الضرورية من مأكل وملبس ومأوي وغيرها من متطلبات الحياة.
3- الاهتمام بتوفير التوافق الجنسي بين الزوج والزوجة؛ لأنها إنسان، ولها شهوة، مثلها مثل الرجل، ويجب على كل منهما أن يعمل على إرضاء الطرف الآخر وإسعاده، وأن تكون هذه العلاقة خالية من الأنانية والسيطرة؛ حتى تستمر الحياة بينهما.
4- على الزوج أيضا المساواة بين زوجاته في جميع الجوانب، سواء كانت مادية أو نفسية، وان لم يستطع فواحدة؛ لقول الله - تعالى -: {فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تَعْدِلُواْ فَوَاحِدَة..}.فإذا عرف كل منا الحقوق المطلوبة منه فسوف نصل في النهاية إلى التوافق والسعادة الزوجية بين الطرفين، وهي البيئة التي ينمو فيها الأبناء وتؤثر في حياتهم المستقبلية بصفة خاصة، والنهوض بمجتمعاتهم بصفة عامة.
01/03/1425
20/04/2004
http://www.lahaonline.com المصدر:
ـــــــــــــــــــ(111/251)
كيف تساعدين ابنك على حبك
بثينة السيد
- تيقني دائماً من أن حب ابنك لك فطري و كرري هذا لنفسك دائماً.
- فكري بحيادية في كل مشكلاتك معه، و حاولي فهم و جهة نظره حتى يمكنك تلافي الاصطدام مع ابنك و يزيد اقترابك منه.
- أشعريه بقدرته على تحمل المسؤولية فهذا يجعله يصارحك و يعطيك المزيد من الثقة.
- ينصحك علماء النفس و الاجتماع بجعل ابنك يشعر برغبتك في بناء صداقة معه و سعيك لإرضائه.
- لا تنامي يوما وأنت على خلاف معه.
- اقتطعي وقتاً من يومك لقضائه معه و اجعلي بينكما حواراً دائماً.
- لا تبدي الضجر من حديثه الطويل معك.
- لا تكرري أمامه أن بينكما فرقاً في المستوى الثقافي و العلمي.
- احرصي على احترامه أمام أصدقائه.
- اعلمي أن ابنك بشر و أن أقل شيء تستطيعين أن تفعليه لكسب بره هو التماس العذر له و أن تكون صدورنا رحبة عند التعامل معه.
http://www.naseh.net المصدر:
ـــــــــــــــــــ(111/252)
سفينة الحياة الزوجية
يتقدم الزوج لزوجته طالبا يدها.. وهو في غاية السرور إنه يحلم بحياة هادئة مستقرة.. مفعمة بالحب.. مليئة بالتفاؤل..
لطالما رسم في مخيلته حياته السعيدة بعد الزواج.. لقد سرح بخياله كثيرا مع أحلامه الوردية.. وتلك لطالما رسمت صورة رائعة لشريك حياتها .. ولطالما سبحت في عالم الخيال.. وهي تحلم بذلك الإنسان وكيف ستعيش معه حياة هانئة سعيدة بكل المقاييس.. بل إنها تمني نفسها بحياة أسعد وأفضل من الحياة التي تعيشها بين أهلها.. ينتظران زواجهما على أحر من الجمر .. حتى إذا ما اقترب موعد زواجهما خفقت قلوبهما فرحا واستبشارا.. وبعد الزواج يعيشان فترة من السعادة والاستقرار.. ولكن ما تلبث أن تظهر إحدى المشكلات البسيطة وحينما لا يحسن الزوجان التصرف معها بحكمة.. تنقلب تلك السعادة إلى هم وشقاء.. وبعد أن كان الزوجان صديقين حميمين.. وعاشقين متيمين.. وإذا بهما عدوان لدودان.. تكثر الخصومات والشجارات.. ويصبح كل منهما يثأر لكرامته كما يزعم!! إن الحياة الزوجية شراكة يهتم كل من الشريكين بنجاح تلك الأسرة وسعادتها.. فلم يدخل البعض عند حدوث المشكلات بين الزوجين كلمة "الكرامة".. إذا أخطأ أحد الزوجين واعتذر للآخر عن خطأه.. هل نعتبر هذا الاعتذار إهانة!! إذا تنازل أحدهما عن شيء من حقه للآخر.. هل يعتبر إهانة!! إذا كان الزوجين يفكران بهذا النوع من التفكير فاعتقد أن حياتهما ستأخذ أحد منحنيين.. إما بقاء الأسرة مفككة مهلهلة تكثر فيها المشاكل والنزاعات.. أو ينتهي الأمر إلى فشل الحياة وبالتالي الطلاق.. إن الحياة الزوجية تشبه السفينة.. لها قائد وبها ركاب.. فالجميع يحرص على سلامتها ووصولها إلى بر الأمان.. فمتى ما نازع أحد الركاب القائد على القيادة فإن هذا قد يكون سببا للغرق والهلاك.. وهكذا الزوج جعله الله قواما على أسرته مسؤولا عنها وهي قوامة تكليف لا تشريف.. فعلى زوجته الانقياد والطاعة في المعروف وعدم منازعته القيادة.. إذ كيف تسير السفينة بقائدين!! كما أن على الزوج تفهم حاجات زوجته.. وأن يكون سلسا في القيادة هينا لينا في موضع اللين.. شديدا وصلبا في موضع الشدة.. والغالب أن كثيرا من الأزواج الأسوياء إذا رأوا من زوجاتهم الطاعة والمحبة والتفاهم فإنهم يلينون كثيرا معهن بل ويصدرون كثيرا عن آرائهن ومشورتهن.. فيشعر الزوج أنه لا يستطيع الاستغناء عن زوجته.. والسبب أن تلك الزوجة عاقلة لبيبة عرفت كيف تتعامل مع زوجها.. ولم تنازعه القيادة.
http://www.lakii.com المصدر:
ـــــــــــــــــــ(111/253)
زوجي العزيز هل تأذن لي ؟
ما أجملها من كلمه تخرج من ثنايا شفتيك وأنت تخاطبين بها زوجك، إن كنت متزوجة - أو إلى ولى أمرك إن كنت فتاه ... قاعدة يجب أن تتمسكي بها، ففيها من تجديد الرابطة الأسرية الشيء الكثير، وحميمة العلاقة بينكما ما يجدد الود ويسقي شجرة الحب بينكما، فتنمو في أفق بيتك السعيد وستقطفين ثمارها صباح مساء.
وهي قاعدة استوحتها أمك الأولى عائشة بنت الصديق وهي تخاطب زوجها وحبيبها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وقد اشتد عليها الخطب في حادثة الإفك ونزل بها ما لم تتحمله الجبال الشم .. (هل تأذن لي أن أمرض في بيت أبي)؟
ما أجملها من كلمة تستطيعين بها أن تحصلي على طلبك من زوجك بكل سهوله وراحة بال..
إن التي تريد أن (تسترجل) فتضع كل شيء بما يمليه عليها رأيها - مهما يكن رأيها صوابا - فتخرج من بيتها وحدها، وتسافر خارج بلدها وحدها وتعيش - وهى متزوجة في كنف زوج - وحدها أو تعيش منفصلة عن زوجها أيضا وحدها، ليست حره ولا تعرف فقه الحرية، لأن ربها وخالقها لا يسمح لها بذلك، وإن فعلت فقد خالفت ما أراد الله منها، وإن زعمت أن هذه الحرية الشخصية التي لا يحق لكائن أن يمسها أو يسلبها منها.
إن المرأة الوقور هي التي تجعل من شريك حياتها شريكا لها فيما تريد فعله، وأول هذه الشراكة تقديره واستشارته في صغير الأمور وكبيرها.
واسالي نفسك كيف عاشت جداتك زمانا في أمن واستقرار وطول عشره ولم يكن ثم هناك غول كبير اسمه الطلاق يهدد البيوت كما يهددها الآن؟ السبب هو ذلك التقدير الذي ألفه جدك منها حسن العشرة والاستئذان في
جميع الشؤون والشجون.
لا تمصمصي شفتيك وتطاردك الأفكار غير السوية فتقولين - ولو في نفسك ماذا تريد يا هذا؟
فأنا لا أريد العودة إلى الوراء.
واقل لك: إن نساء الغرب ومعهن نساء الشرق أيضا يتمنون العودة إلى الوراء - إن كان لهن وراء مشرف مثل ورائنا بعد أن تبين لهن بعد الجري وتقطعت أنفسهن من اللهث، وفى الأخير وجدته سرابا، ولم يجدن بعد هذا المزعوم شيئا، جربى حميمة التواصل، واعني بها خاصية الاستئذان ولن تجني منها سوى مزيد من الحب مزيد من الرضا الزوجي والأسري، مزيد من الثقة من الطرف الآخر، مزيد من العشرة الطويلة المطعمة بالحبور والسرور، مزيد من راحة البال التي نكاد ونسعى للوصول اليها.
27-7-1425 هـ
http://www.hawahome.com المصدر:
ـــــــــــــــــــ(111/254)
كيف تسعدين زوجكِ ؟
تستطيع المرأة أن تجعل بيتها جنة يحب الزوج أن يأوي إليها كل حين ويجد في رحابها السكينة والطمأنينة وتذهب عنه الهموم والأحزان وتمسح عنه المتاعب والآلام وترفع معنوياته فيؤدي رسالته نحو ربه ومجتمعه..ولكن كيف ذلك؟.
هذا ما يجيب عليه كتاب كيف تسعدين زوجكِ للكاتب (محمد عبد الحليم حامد) حيث يقدم لنا القواعد والتوجيهات التي تمكَن الزوجة المسلمة من إسعاد زوجها المسلم :
حسن الاستقبال:
من الأمور التي تسعد به الزوجة زوجها أن تحسن استقباله عند عودته إلى البيت فتمسح عنه متاعبه في العمل وتخفف عنه عنا ومشقات الحياة.قال الرسول - صلى الله عليه وسلم - : (لا تحقرن من المعروف شيئاً ولو أن تلقى أخاك بوجه طلق).
الغيرة المحمودة:
هي دليل على حب الزوجة لزوجها وتعلقها به ولكن الغيرة التي تدفع إلى معصية لا يقرها الإسلام.. قال الرسول - صلى الله عليه وسلم - : (إن الله كتب الغيرة على النساء والجهاد على الرجال فمن صبر منهم احتساباً كان له أجر شهيد).
حفظ غيبة الزوج:
يجب على المرأة أن تحافظ على أسرار زوجها وما يحدث بينهما، وتحفظه في اولاده بحسن التربية والتعليم والتأديب ورعاية صحتهم وتحفظه في ماله. ولا تخرج إلا بإذنه كما يجب أن تحفظه في أهله وأقاربه فلاتسيء إليهم وأن تكرم أهله وضيوفه.
تجميل الصوت وترقيقه:
يجب على المرأة أن تخص زوجها برقة خطابها ونعومته ولا تتعداه لغيره لئلا تكون فتنة. قال - تعالى -: (فلا تخضعن بالقول فيطمع الذي في قلبه مرض).
التزين والتطيب:
مما يشرح الزوج ويقر عينه أن يرى زوجته في زينة جذابة من ثياب نظيفة وجميلة وشعر مصفف مع العطر الفواح فيشعر حينئذ بالسرور والارتياح.
أوقات الزينة:
المرأة الذكية هي التي تحسن وضع الشيء في أوقاته. فتضاعف الزينة في الأوقات التي ذكرها الله في وقت الرحة وقبل الفجر وعند الظهيرة وبعد العشاء وعند العودة من السفر.
اجتناب الزينة المحرمة:
يحرم على المرأة أن تصل شعرها بشعر آخر وهو ما يسمى بالبروكة. وغيره (لعن الله الواصلة والمستوصلة والواشمة والمستوشمة والنامصة والمتنمصة والفالجة والمتفلجة). والنماص هو إزالة شعر الحاجبين أو تسويتها.
طاعة الزوج:
الزوج هو القائد وهي قيادة تكليف وبذل وتضحية لا قيادة استعباد وتسلط. والزوجة تعين زوجها على مهمته بالسمع والطاعة. قال الرسول - صلى الله عليه وسلم - : (لو كنت آمراً أحداً لأن يسجد لأحد لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها)
الرضا بما قسم الله:
عليكِ بالقناعة والرضا بما قسم الله لكِ وعليكِ أن تنظري لمن هو دونك في الدنيا. قال الرسول - صلى الله عليه وسلم - : (من أصبح معافى في جسده آمناً في سربه عنده قوت يومه فكأنما حيزت له الدنيا بحذافيرها).
الاعتراف بالجميل:
على الزوجة أن تكون دائمة الاعتراف بالجميل لزوجها فإن ذلك يدعم بينهما الألفة والمحبة وما يتبعه من وفاء وإخلاص.
إعداد الطعام واتقانه:
يحسن بالزوجة أن تجهز الطعام وتتقنه (إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملاً أن يتقنه). وقد قيل أقرب طريق لقلب الرجل معدته.
المرأة الراعية:
قال الرسول - صلى الله عليه وسلم - : (المرأة راعية في بيت زوجها ومسؤولة عن رعيتها) فلقد كلفها الإسلام رعاية البيت والحفاظ عليه.
الصبر والمواساة:
مما يساهم في زيادة السعادة الزوجية وحمايتها أن تتحلى الزوجة بالصبر على ما يحل بها أو زوجها من بلاء في النفس والمال وتعمل على مواساة زوجها على ما نزل به من ضر.
الجماع:
من حقوق الزوج على زوجته أن تستجيب له بسرعة إذا دعاها إلى الفراش قال الرسول - صلى الله عليه وسلم - : (إيما امرأة باتت وزوجها عنها راض دخلت الجنة).
الأخبار السارة:
يحسن بالمرأة المسلمة أن تستقبل زوجها بالأخبار السارة والأحداث السعيدة ولايليق بها أن تفجر في وجه الزوج المجهد بالمتاعب أخبار الهموم والمصائب والمشاكل.
التعاون على الطاعة:
مما يسعد الزوج أن يرى زوجته تقوم بواجبها
نحو ربها وتعينه على طاعة الله وعبادته.
حسن تدبير المنزل:
من واجبات الزوجة أن تحسن تدبير منزلها فتنظف بيتها وتعمل على إزالة كل كريه منه.
http://www.lakii.com المصدر:
ـــــــــــــــــــ(111/255)
إصلاح البيوت .. وتداخل الحقوق !
يقف كثير من الناس حيارى عندما تنزل بهم محنة من الشحناء بين طرفين؛ أحدهما من بيوتهم التي ينتسبون إليها (بيتِ العائلة..الوالدين والإخوة والأخوات.. )، والآخر من بيوتهم التي تنسب إليهم (الزوجة وذويها والأولاد.. )..
العاقلون من ذوي الديانة والمروؤة يكون همهم إصلاح ذات البين، والتوفيق والتأليف بين الجميع، وغالبا يتوّج مسعاهم في ذلك بالنجاح {إِن يَعْلَمِ اللّهُ فِي قُلُوبِكُمْ خَيْرًا يُؤْتِكُمْ خَيْرًا.. }، {رَّبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَا فِي نُفُوسِكُمْ إِن تَكُونُواْ صَالِحِينَ فَإِنَّهُ كَانَ لِلأَوَّابِينَ غَفُورًا}. وأمثال هؤلاء لا يبادرون بتصديق الوشايات أو التجاوب مع فلتات الغضب، ولكن يهيمن الشرع على ميل قلوبهم؛ فيستفتون ويشاورون ويتمهّلون!
صنف آخر من الناس تتجارى به عاطفته مع أحد الطرفين ضد الآخر، فيعين شيطانه عليه بدلا من إعانته على الشيطان، فيظلم بذلك ثلاثة أنفس في آن واحد، يظلم من انحاز إليه بعدم كفه عن الشحناء والبغضاء، ويظلم الطرف الآخر بميله للأول ومجانبته للعدل، بعد أن ظلم نفسه أولاً بتنكبه سبيل الشرع وصراط الحق!
أشد ما تكون المحنة حين يكون أحد الوالدين طرفا في المشكلة في مقابل الزوجة، فهنا تتداخل الحقوق وتلتبس الأمور، ويحتاج العاقل الرشيد إلى الفتوى والمشورة بحسب حجم المشكلة.
الوصية هنا لكل مسلم ومسلمة، أن يحرص ـ إذا نزل بساحته شيء من ذلك ـ بعد تقوى الله وتحري الحق والعدل ما استطاع، على الفتوى ومشورة الفضلاء، قبل الإقدام على أمر قد لا تحمد عقباه، فما أسهل الهدم وما أصعب البناء.. !
13/10/1425
25/11/2004
http://www.lahaonline.com المصدر:
ـــــــــــــــــــ(111/256)
بالتدين يسمو الحب وتسعد الحياة
• لم يكن التدين الإسلامي قطّ أمراً كمالياً أو زائداً عن ضروريات الحياة، بل هو أساس بناء الحياة الإنسانية الكاملة والسليمة والسعيدة.
. فالحيوانات تعيش، والسكارى والمجرمون والملاحدة يعيشون ويأكلون ويتناسلون.
ولكن الإنسان السوي هو الإنسان الذي يفهم الحياة في مختلف جوانبها وعلاقاتها وأهدافها، ويفهم كيف وجدت الحياة ولماذا وما الغاية منها وإلى أين تنتهي..
هذه القضايا لا يجيب عنها كثرة الأكل أو المال أو الشغل أو الانغماس في الملذات والحياة المادية أو التكنولوجيا..
• إن للدين وجوداً عقلياً ونفسياً وفلسفياً لا يستغني عنه عاقل..
والتدين الإسلامي هو دستور الحياة الطيبة. للفرد والأسرة والمجتمع والعالم..
• ليس التدين بالادعاء ومجرد الانتماء أو التظاهر، بل هو حقائق عملية واعتقاديه تعصم الفكر والعمل من الخطأ ولابد من الالتزام بالمظهر الإسلامي والأخلاق والعقائد والشريعة الإسلامية ليكون التدين حقيقياً
• ليست الأسرة المتدينة خالية من المشاكل والخلافات، بل يوجد فيها مثل ذلك، ولكنها لا تكون هشة تمزقها الأنانية وتحطمها النزاعات وتضمحل لأدنى مشكلة أو ضائقة، كما هو الحال في الأسر غير المتدينة..
• التدين يدعم الأسرة ويمنح أفرادها ثقة وأمناً وطمأنينة بلا حدود وأملاً في المستقبل وتفاؤلاً لا ينتهي وسعياً حثيثاً نحو الفضيلة والأكمل..
• تديّن الزوجين يجعلهما أكثر إنسانية وسمواً.. لأن التدين أكرم صفات الإنسان ومزاياه
8-10-1425 هـ
http://www.gafelh.com المصدر:
ـــــــــــــــــــ(111/257)
الرجل والمرأة تكامل لا تضاد...!
مصطفى صادق الرافعي
قد يكون بعض النساء أحياناً أكمل من بعض الرجال، وأوفر عقلاً وأسد رأياً، وقد تكون المرأة هي الرجل في الحقيقة عزماً وتدبيراً وقوة نفس، ويتلين الرجل معها كأنه امرأة.
وكثير من النساء يكن نساء بالحلية والشكل دون ما وراءهما، كأنما هيئن رجالاً في الأصل ثم خلقن نساء بعد، لإحداث ما يريد الله أن يحدث بهن، ما يكون في مثل هذه العجيبة عملاً ذا حقيقتين في الخير والشر.
وإنما عم الحديث ليدل على أن الأصل في هذه الدنيا أن تستقيم أمور التدبير بالرجال؛ فإن البأس والعقل يكونان فيهم خلقة وطبيعة أكثر مما يكونان في النساء: كما أن الرقة والرحمة في خلقة النساء وطبيعتهن أكثر مما هما في الرجال، فإذا غلبت طاعة النساء في أمة من الأمم، فتلك حياة معناها هلاك الرجال، وليس المراد هلاك أنفسهم، بل هلاك ما هم رجال به والحديد حديد بقوته وصلابته، والحجر حجر بشدته واجتماعه؛ فإن ذاب الأول أو تفلل وتناثر الآخر أو تفتت، فذاك هلاكهما في الحقيقة، وهما بعد لا يزالان من الحجر والحديد.
والمرأة ضعيفة بفطرتها وتركيبها، وهي على ذلك تأبى أن تكون ضعيفة أو تقر بالضعف، إلا إذا وجدت رجلها الكامل، رجلها الذي يكون معها بقوته وعقله وفتنته لها وحبها إياه، كما يكون مثال مع مثال. ضع مئة دينار بجانب عشرة دنانير، ثم اترك للعشرة أن تتكلم وتدعي وتستطيل؛ قد تقول: إنها أكثر إشراقاً، أو أظرف شكلاً، أو أحسن وضعاً وتصفيفاً؛ ولكن الكلمة المحرمة هنا أن تزعم أنها أكبر قيمة في السوق...!
http://www.al-eman.com المصدر:
ـــــــــــــــــــ(111/258)
كيف يحب الرجال ؟ وكيف تحب النساء ؟
ـ إن أساس العلاقة الزوجية بين الرجل والمرأة هي علاقة المودة والرحمة كما بينها الله - سبحانه وتعالى- ـ في كتابه العزيز في قوله - تعالى -: {وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً} [الروم: 21].
والمودة والرحمة هي علاقة مزدوجة بين العلاقة العاطفية والارتباط الفطري بالحب من جهة وعلاقة الجسد من جانب آخر.
وكما كانت العلاقة العاطفية ركن العلاقة الزوجية الأول، ولما لها من أثر كبير في استمرار واستقرار هذه الحياة، فضلاً عن الاستمتاع بتلك الحياة وما له أكبر الأثر في السعادة الزوجية كان يجب أن تعرف كيف يحب الرجال والنساء.
ـ ولما كان الذكر غير الأنثى كما بين - سبحانه - في قوله - تعالى -: {وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالأنْثَى} [آل عمران: 36]، فالذكر غير الأنثى في كل شيء سواء كان هذا الفرق فسيولوجيًا [المكونات الجسدية] أو سيكولوجيًا نفسيًا].
الصفات النفسية للمرأة والرجل فيما له علاقة بالزواج: [التفاهم في الحياة الزوجية د/ مأمون مبيض]
هناك من يشبه بعض الجوانب النفسية للمرأة بأمواج البحر، حيث تتراوح عواطفها ومشاعرها بالارتفاع الشديد عندما تكون مسرورة مبتهجة، لتعود مشاعرها بالانخفاض عندما تنزعج، وتضعف ثقتها بنفسها، وما تلبث مشاعرها أن ترتفع من جديد، وهكذا كأمواج البحر المتقلبة.
ـ وعندما ترتفع مشاعر المرأة وتعظم ثقتها بنفسها، فإنها تكون مصدرًا لا ينضب للحب والتضحية والعطف والحنان للآخرين وخاصة زوجها، ولكن عندما تنخفض أمواجها وتشعر ببعض الاكتئاب، فإنها تحس بفراغ كبير في داخلها، وبأنها تحتاج إلى الحب والرعاية من قبل الآخرين، وخاصة زوجها.
وهناك من يشبه انخفاض مشاعر المرأة وعواطفها وكأنها تنزل في بئر أو جُب عميق مظلم، وما تلبث المرأة بعد أن تصل إلى قاع البئر، وخاصة إذا شعرت أن هناك من يحبها ويتمناها، أن تبدأ رحلة الصعود للخروج من هذا البئر وتعود كما كانت نبعًا معطاءً من الحب والرعاية لمن حولها وخاصة زوجها. وبناءً على ما سبق فكيف يتكيف الرجل مع تقلب أمواج المرأة؟
ـ إن الحياة مليئة بالمتغيرات الكثيرة وخصوصًا العلاقة الزوجية، ويجب أن يفهم الرجل أن تبدل مشاعر المرأة على هذا النحو من الارتفاع والانخفاض، ونزولها إلى البئر وصعودها منه، ليس من تصرفاتها، بل هو سجية وخلقة خلقها الله عليها، ويجب أن يتعامل معها كما هي.
إذن من الأخطاء التي يمكن أن يقع فيها الرجل أن يمنع زوجته من تقلبات المشاعر والمزاج، أو أن يحاول أن يخرجها من ذلك البئر العميق.
بل المرأة عندما تنزل إلى ذلك البئر فإنها لا تحتاج إلى من يخرجها منه، وإنما تحتاج أن تشعر بأن زوجها بجانبها يحبها ويرعاها، وتحتاج أن تسمع منه كلمات الرعاية والعناية وأن تحسن بدفء الحب ولطف المعاملة.
إذن فالنزول إلى البئر هو أمر طبيعي كتبدل حالة الطقس والموج، وهي فرصة للرجل أن يقف بجوار امرأته ويظهر لها الدعم والتأييد والمحبة والمشاعر والفياضة تجاهها.
ـ إن من الصفات النفسية للرجل عمومًا أنه عندما ينزعج فإنه لا يتكلم أبدًا عما يشغل باله، وبدلاً من أن يدخل أحدًا في مشكلاته فإنه يلزم الصمت ويعتزل الناس في 'الكهف' ليفكر في حل مناسب لهذه المشكلات، وعندما يجد الحل فإنه يخرج من عزلته ومن الكهف وهو أكثر سعادة وبهجة.
وإذا لم يعثر على الحلول المناسبة، فإنه يحاول أن يقوم ببعض الأعمال التي يمكن أن تنسيه مؤقتًا هذه المشكلات، كقراءة صحيفة أو اللعب أو غير ذلك. وعلى المرأة أن تفهم أن أي ابتعاد للرجل عنها ليس دليلاً على عدم الحب والرعاية، بل يمكن أن يكون أمرًا آخر.
ـ وكما ذكرنا أن المرأة في الحب والعاطفة كموج البحر، كذلك فإن الرجل في علاقته مع المرأة أمر آخر، فهو يقترب جدًا من المرأة ثم يبتعد بلا سبب، ثم يقترب مرة أخرى.
ـ قد تفاجأ المرأة عادة عندما تلاحظ أن زوجها يبتعد قليلاً رغم قناعتها بمحبته وتقديره لها، والذي يجب أن تعلمه المرأة أن الرجل لا يقرر ذلك عمدًا وعن تخطيط، وإنما هي صفة تلازمه، وإنما هي جبلة خلقه الله عليها.
ـ وعلى الجميع أن يتذكر أن حب الرجل كالقمر يذهب ويأتي وأن حب المرأة كموج البحر صعودًا وهبوطًا، وأن المرأة تنزل إلى البئر وأن الرجل عندما تواجهه المشاكل يدخل إلى الكهف، وأن هذه أمور خلق الله الذكر والأنثى عليها ولا سبيل إلى تغييرها بل لا بد من التعامل معها كما هي.
الحاجات العاطفية للرجل والمرأة:
ـ لابد أن يعرف الرجل والمرأة أن الحاجات العاطفية لكل منهما تختلف عن الآخر، فمن الخطأ أن يقدم الرجل الحب والعاطفة للمرأة على الطريقة التي يفضلها هو لا على الطريقة التي تفضلها هي أو العكس. فلكل منهما طريقته الخاصة.
فالرجل مثلاً يحتاج إلى الحب الذي يحمل معه الثقة به وقبوله كما هو، والحب الذي يعبر عن تقدير جهوده وما يقدمه.
ـ بينما تحتاج المرأة إلى الحب يحمل معه رعايتها وأنه يستمع إليها، وأن مشاعرها تفهم وتقدر وتحترم.
ويمكن أن نذكر تلك الحاجات فيما يلي:
1ـ ثقة المرأة بالرجل ـ رعاية الرجل للمرأة:
ـ عندما تثق المرأة في قدرة زوجها، فإنه يصبح أكثر رغبة في رعايتها وخدمتها.
وكذلك عندما يقوم الرجل برعاية زوجته فإنها تصبح أكثر قدرة على الثقة العميقة به وبإمكاناته.
2ـ قبول المرأة للرجل ـ تفهم الرجل للمرأة:
ـ يحتاج الرجل أن يشعر بأن زوجته تتقبله كما هو، دون أن تحاول تغييره، وتترك له أمر تحسين نفسه إذا احتاج لذلك.
ـ وتحتاج المرأة أن تشعر بأن زوجها يستمع إليها ويفهمها، ويصغي إليها وإلى مشاعرها وعواطفها، وهناك دورة لكل من قبول المرأة للرجل وتفهم الرجل للمرأة، فكلما تقبلت المرأة زوجها، كلما كان أقدر على الاستماع إليها وتفهمها، وكلما استمع إليها أكثر، كلما زاد تقبلها له.. وهكذا.
3ـ تقدير المرأة للرجل ـ احترام الرجل للمرأة:
ـ يحتاج الرجل أن يشعر أن زوجته تقدر ما يبذله من أجلها وما يقدمه لإسعادها.
ـ بينما تحتاج المرأة أن تدرك أن زوجها يحترمها عندما يعطي أهمية أولى لمشاعرها وحاجاتها ورغباتها وأمانيها وذلك من خلال تذكر المناسبات الهامة لها، القيام بالأعمال المادية التي تظهر اهتمامه بها كالهدية أو باقة الورد.
4ـ إعجاب المرأة بالرجل ـ تفاني الرجل للمرأة:
ـ يحتاج الرجل إلى الشعور بأن زوجته معجبة به، وعندما يشعر الرجل بإعجاب زوجته به، فإن هذا يدفعه للتفاني أكثر في خدمتها ورعايتها.
ـ بينما تحتاج المرأة للشعور بأن زوجها يتفانى في خدمتها ويسخر نفسه لرعايتها، وحمايتها، وسيزداد إعجاب المرأة بزوجها عندما تشعر بأنها رقم واحد في حياته.
5ـ تشجيع المرأة للرجل ـ طمأنة الرجل للمرأة:
ـ يحتاج الرجل إلى تشجيع المرأة، وهذا التشجيع يعطي الدافع القوي للبذل والعطاء أكثر.
ـ بينما تحتاج المرأة إلى استمرار طمأنة الرجل لها، ويكون ذلك من خلال إظهار رعايته وتفهمه واحترامه لها، وإقراره لمشاعرها وتفانيه في حبها ورعايتها.
كيف تحسب النقاط عند الجنسين؟
من المهم أن يفهم كل من الرجل والمرأة كيف يحسب كل منهما النقاط للآخر، فالرجل عادة يتصور أنه سيحقق نقاطًا أكثر ويزداد تقدير شريكة حياته له إذا قدم لها شيئًا كبيرًا، كأن يشتري لها سوارًا من ذهب أو يوفر مصروفات المدرسة لأبنائه.
والمرأة تحسب النقاط على نحو مختلف، إذ لا أهمية لديها لحجم هدايا الحب، فكل هدية تساوي نقطة واحدة، فالطريقة التي تحسب بها المرأة النقاط ليست مجرد عملية تفضيلية ولكنها احتياج حقيقي لكي تشعر بالحب في علاقتها.
إذن لا شيء أهم من المشاعر بالنسبة للمرأة، وأي رجل يريد إسعاد زوجته، يجب أن يعرف كيف يدير مشاعرها.
والرجل الذي يهين زوجته أمام الناس أو أمام أهله وأولادها، فهو حقيقة رجل بلا شعور.
29 جمادى الآخرة 1425هـ - 15 أغسطس 2004
http://links.islammemo.cc المصدر:
ـــــــــــــــــــ(111/259)
هكذا يخدعون الفتيات
تحدّث معي أحد الأصدقاء من هولندا وقال لي: (ابنتي لم تتجاوز سبع السنوات جاءتني يوماً فقالت لي: إن صديقتي في المدرسة تخبرني عن إعجابها بشاب من سنها وأنها تريد أن تكون معه بالفراش).
انتهت الحادثة، ثم قال لي والدها: كيف أتصرف معها؟
وبعدما أجبته عن السؤال قلت له: أحقاً ما تقول إن عمرها لم يتجاوز سبع السنوات؟
قال: نعم، وهذه معاناتنا مع أبنائنا في الغرب.
تكررت أمامي هذه المعاناة وطرحت عليّ قضايا عدة أثناء زيارتي الأخيرة لهولندا من هذا النوع، ومما لفت نظري في شوارع هولندا كثرة المحلات الجنسية بشكل مبالغ فيه حتى يشعر الزائر والمتسوّق وكأن الحياة كلها جنس، وقد زرت هولندا سابقاً ولم تكن هذه الظاهرة بهذا الشكل، مما إنعكس أثره على المسلمين، فأسست جمعية للشاذين أطلقوا عليها اسم (يوسف) نسبة كما يدعون إلى يوسف - عليه السلام - وهو منهم بريء، لأنه رفض امرأة العزيز، فيفسرون هذا الرفض في قاموسهم الشذوذي أنه شاذ (معاذ الله) وبعض الجهات تدعم هذه الجمعية، والآن يفكرون في تأسيس مسجد خاص للشاذين.
إن يوسف - عليه السلام - هو قدوة للعفة والعفاف، وقد ضرب لنا مثلاً دائماً عبر التاريخ يعين جيل الشباب على الصبر أمام المغريات والفتن، وقد - حفظه الله - تعالى -بحفظه لله - تعالى -، وقد جلست مع مجموعة من الشباب المغترب في هولندا ولمست صبرهم اليوسفي وعفتهم وعفافهم أمام هذه التحديات التي تواجههم، وهم ينطلقون في الدعوة إلى الله ونشر الخير.
ومما لفت نظري أيضاً استغلال بعض الشباب قضية الجنس لكسب المال، فقد بدأت ظاهرة غريبة يخطط لها بعض الشباب العاطل عن العمل، فيتعرف الشاب على فتاة ويتقرب إليها ويسمعها بعض العبارات حتى تتعلق به وتحبه ثم يقنعها أن هذه العلاقة شريفة وأنهما مستقبلاً سيتزوجان، فتمكنه من نفسها ويتم تصويرها من خلال الكاميرا الخفية، وبعد سقوط الفتاة في يد ذلك الذئب المخادع يعطيها نسخة من الشريط ويهددها إذا لم تستجب له في أن تنضم معه في شبكة الدعارة لكسب المال من ورائها وإلا فضحها ونشرالشريط وسلّم نسخة لأهلها، وعندها تستجيب لطلبه وتبدأ رحلتها السوداء في حياتها وتنقلب حياتها رأساً على عقب، وهكذا كما قال علماؤنا: (السيئة تولّد السيئة، كما أن الحسنة تولد الحسنة).
إن هذه الأحداث التي ذكرتها بدءاً من البنت الصغيرة ومروراً بالواقع الجنسي الذي عرضته وختاماً بخداع الفتيات المسلمات تدفعنا لإثارة النظر في أسلوب تربيتنا لأبنائنا، وأن نستمر نحن الآباء والأمهات والمربون في تطوير أنفسنا وتنميتها تربوياً، حتى نحسن مواجهة الواقع كما نجح صاحبي في تعامله مع ابنته الصغيرة ووجهها توجيهاً حسناً ليحميها من الأفكار الفاسدة والعلاقات المشبوهة.
http://www.almutawa.info المصدر:
ـــــــــــــــــــ(111/260)
الثقة بين الزوجين
من المشكلات التي تواجه الأسرة، وتتسبب في متاعب كثيرة، ضعف أو فقدان الثقة بين الزوجين، وما يستتبع ذلك من ازدياد الشك والقلق بينهما، وتفسير التصرفات المعتادة على هذا الأساس، فالمرأة إذا ضعفت ثقتها في زوجها، تبادر إلى ذهنها أن في حياته امرأة أخرى، فتقيس كل تصرفاته وانفعالاته وفق نظرتها، وتتحول حياتها إلى جحيم!
وإذا فقد الزوج الثقة في زوجته، أحال حياتها إلى عذاب وحياته أيضاً..إنه يراقبها في كل وقت، ويفتش في أحوالها وخصوصياتها، وربما يفاجئها في أوقات لا تعتادها منه، فلعله يجد ما يدعم به شكه وما يبرر تصرفاته معها، وبذلك تنهار الأسرة، والسبب هو فقدان الثقة بين الزوجين.
والكذب والمداراة وعدم المصارحة من أهم أسباب ضعف الثقة، فالزوجة التي اعتادت الكذب وعدم الاعتراف بالخطأ تعطي الدليل لزوجها على ضعف ثقته بها وبتصرفاتها، وعدم تصديقها وإن كانت صادقة، والزوج الذي يكذب يعطي الدليل لزوجته كذلك...
ولو التزم الزوج، والتزمت الزوجة بالصدق والمصارحة تنفيذاً لأمر الله (يأيها الذين آمنوا اتقوا لله وكونوا مع الصادقين) (التوبة: 119). ؟
والثقة لا تعني الغفلة، ولكنها تعني الاطمئنان الواعي، وأساسه الحب الصادق والاحترام العميق وبناء الثقة مسؤولية الزوج والزوجة معاً، والمصارحة تدفع إلى مزيد من الثقة التي هي أغلى ما بين الزوجين...
والكذب يدمر الحياة الأسرية، ويدفعها إلى حافة الانهيار، ويحولها إلى كيان محطم، والصدق هو أساس البناء لأسرة سعيدة قوية.
Nov 28، 2004
http://www.naseh.net المصدر:
ـــــــــــــــــــ(111/261)
هل تسقي زوجتك أيها الرجل ؟
د. إلهام شاهين
تتحمل المرأة في زمننا المعاصر كثيراً من المسئوليات والأعباء التي تشكل عليها ضغوطًا نفسية وبدنية، من عمل خارج المنزل يبدأ بشقاء المواصلات، وتحكم الرؤساء، وينتهي بتحمل مسئولية العمل نفسه، وما يتطلبه من جهد ذهني وبدني، ثم يأتي دورها وعملها الأساسي الذي خلقت من أجله، والتي لا يمكنها الفكاك منه أو الإخلال به، ولو قيد أنملة، وهو تحمل مسئولية وأعباء الزوج والمنزل والأولاد، وما يتطلبه ذلك من جهد وصبر وقوة تحمل لترعى أولادها دراسيًا، وبدنيًا، ونفسيًا، وترعى بيتها، وزوجها نفسيًا، وبدنيًا أيضًا، وتحت كل هذا الضغط تنظر الزوجة إلى زوجها، وتأمل فيه أن يشعر بآلامها، وتطلب منه أن يسهم معها في بعض أعبائها، ويتحمل معها بعض مسئولياتها.
ويأبى كثير من الرجال أن يساعد زوجته في الأعمال المنزلية، فتتساءل المرأة المسكينة المضغوطة: وهل يمكنها أن تطلب تلك المشاركة كحق من حقوقها؟، يجب على الزوج أن يقوم به أم لا؟
وتشرد بعض النساء، فتظن أن الغرب أعطى للمرأة تلك الحقوق، وسلبها عنها الإسلام، وتنظر إلى الرجل الغربي الذي يشارك زوجته في كل الأعمال المنزلية على أنه رمز للتحضر، وتنظر للرجل المسلم نظرة سيئة على أنه رمز للتخلف، وهذه النظرة تسيء كثيراً للرجل المسلم.
ولو نظرت هي ونظر هو إلى رسولنا الكريم وصحابته الكرام، لوجدا لديهم الأسوة الحسنة التي يمكن للمرأة أن تطلب من زوجها أن يتمثل ويتشبه بها، ويتأسى بهؤلاء في بيوتهم ومع زوجاتهم، وهذا من وجهة نظري أوقع وأقرب إلى نفس الرجل المسلم، من التشبه بالرجل الغربي، فقد ضرب الرسول - صلى الله عليه وسلم - وصحابته - رضوان الله عليهم - أمثلة عملية في إعانة الزوجة، وتحمل الأعباء معها.
وها هو رسولنا الكريم - عليه الصلاة والسلام - يقول: «خيركم خيركم لأهله وأنا خيركم لأهلي»، ولكن كيف كان الرسول خير الرجال في بيته وبين أهله؟
تحكى لنا السيدة عائشة - رضي الله عنها -، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان في مهنة (خدمة) أهله، فإذا سمع الأذان خرج.
وما خدمة أهل بيته تلك التي تحدثنا عنها السيدة عائشة؟
لقد كان رسولنا الكريم يخصف النعل (أي يصلح ما فسد من أحذية)، ويقمُّ البيت، أي يكنس البيت، ويخيط الثوب، ويحلب الشاة، أي أنه يعاون زوجاته في كل أعمالهن المنزلية.
يا لروعة هذا النبي العظيم، لقد كان متزوجًا من تسع نساء، ولو أنه أمر سيطاع، ولن يكلف زوجاته عبئًا، فخياطة ثوبه، أو خصف نعله، أو حلب شاته، لو أن كل واحدة من زوجاته قامت بواحد منها لما تكلف شيئًا، لكنه أعفاهن من هذه الأعباء رحمة وتحببًا.
لكم أوصى النبي بالنساء فقال - صلى الله عليه وسلم -: «استوصوا بالنساء خيرًا، فإنهن عندكم لا يملكن لأنفسهن شيئًا، وإنما أخذتموهن بأمانة الله، واستحللتم فروجهن بكلمة الله تعالى».
فالرسول - صلى الله عليه وسلم - يشجع الرجال على معاونة النساء، ويذكر لهم أن ذلك العمل يؤجر الرجل عليه، إذا قام به من أجل زوجته، ويسمع منه الصحابة فيستجيبون.
فهل يسقي الرجل العصري زوجته، كما كان يفعل الصحابة اقتداءً بنبيهم - صلى الله عليه وسلم -؟
الأحد: 05/12/2004
http://www.islamweb.net المصدر:
ـــــــــــــــــــ(111/262)
من أهم أسباب المشكلات العائلية
عادة ما تنشأ معظم المشكلات العائلية، نتيجة لاحتكاك الأفراد فيما بينهم، وهي غالبا ما تكسر حدة الملل والروتين وتنشط العلاقات الإنسانية، إذا ما تعاملنا معها بايجابية.
ويصنف العلماء هذه المشكلات من ثلاث زوايا:
الزاوية الأولى: وهي تعبر عن وجهة نظر الرجل: الذي يعتقد بعدم تقدير الزوجة لأعباء زوجها وواجباته الاجتماعية، وعدم مراعاتها لأوضاعه المالية، واختلاف ميول الزوجة ورغباتها عن ميول ورغبات الزوج، وإهمال المرأة لشؤون الأسرة. ولعل من أظهر أسباب الطلاق وبخاصة في المجتمعات الشرقية، ظهور الزوجة بمظهر المرأة "المسترجلة"، حيث كشفت بعض الدراسات أن أكثر من 45% من حالات الطلاق التي تتم حالياً، يرجع إلى محاولة المرأة تمثل شخصية الرجل لتتحكم بشئون البيت وتستولي على صلاحيات الرجل التقليدية في إدارته، كما أوضحت هذه الدراسة التي شملت عددا كبيرا من حالات الطلاق أن الزوجة المسترجلة والمحبة للجدل، والتي تستعذب البحث عن المشاكل وإثارتها، وتحول بيتها لساحة معارك، رغبة منها في لفت أنظار الزوج إليها ولشخصها..إنما تحدث بهذا السلوك المقيت، ودون أن تدري، صدعا لا يمكن رأبه إلا بالانفصال والطلاق، وهو عادة ما يلجأ إليه الزوج كملاذ أخير للخلاص من الجو الكئيب الذي خلقته تلك الزوجة.
وفي هذا السياق، يؤكد الدكتور احمد المجدوب أن بعض الزوجات مصابات بما يسمى "عقدة الأنوثة"، وأن صاحبة هذه العقدة لا تعتني بأنوثتها من أجل زوجها.. كما لا تعترف بقوامة الزوج وحقه الطبيعي في قيادة الأسرة، بل وتشعر دائما أنه يستضعفها ويمارس رجولته عليها، فتنفر منه وتحاول إثبات وجودها وكيانها ونديتها له، فتجلب بذلك على نفسها مشاكل عادة ما تحسم في النهاية لصالح الزوج.
ويضيف الدكتور المجدوب إلى أن وجود مشاكل في كل منزل هو أمر طبيعي، لكن عددا كبيرا من الزوجات ينظرن إلى وقوع أي خلاف مهما كان صغيرا على أنه كارثة، وهي بذلك تضخم المشكلة دون أن تدري، لتثبت لنفسها ولزوجها أن موقفها "صحيح" وأن موقفه "خطأ".
وبهذا المعنى يقول الدكتور عبدا& السيد استاذ علم الاجتماع في الجامعة اللبنانية: إن عددا لا بأس به من الزوجات، ينكدن عيشتهن وعيشة أزواجهن بقصد تحسين وضعهن العاطفي ومكانتهن في بيت الزوجية، من دون أن يعلمن أن الأمور قد تنقلب ضدهن فيما بعد.
وفي الاتجاه ذاته تعلق الدكتورة شاهيناز عبد الفتاح، أستاذ علم النفس بجامعة القاهرة، قائلة: تخطئ الزوجة التي تعتقد أنها يمكن أن تشتري سعادتها الزوجية وهناءها من خلال لجوئها إلى السيطرة وتحكيم الرأي في مسار الأمور في بيت الزوجية.
فالرضا والهناء ليسا في السيطرة على الآخرين، وإجبارهم على التقيد بأشياء لا يرونها صحيحة، إنما بالإقناع والمناقشة الهادئة. وتستطرد الدكتورة شاهيناز قائلة بأنه: وللأسف هناك نوع من الزوجات، ممن يشعرن بالرغبة القوية والإشباع الداخلي في إرغام الأزواج على التقيد بما يردن إرضاء لغرورهن، من دون أن يدركن أن تماديهن في هذا الأمر قد يدفع الأزواج إلى العناد والإصرار والتحكم أكثر من ذي قبل، مما يعمق هوة الخلافات والمشكلات بينهم.
أما الزاوية الثانية: فتعبر عن وجهة نظر المرأة التي ترى بأن تدخل الزوج في شئون البيت هو أكثر مما ينبغي، وأن بقاءه فترة طويلة خارج المنزل أمر غير مقبول، وأن رغبة الزوج في الانعزال عن الآخرين أو الاختلاط في المجتمع المحيط به، أمر لا يقرره هو بمفرده.
ويرد العلماء العديد من المشكلات التي تواجه الأسرة ـ من وجهة نظر المرأة ـ إلى النظرة الدونية التي تعتقد المرأة بأن الرجل ينظر لها للزوجة، وإلى تلفظ الرجل أمام الأطفال بكلمات غير لائقة، وانخفاض المستوى الثقافي والاجتماعي للزوج مقارنة بالزوجة، وعدم إعطاء الزوجة الحرية أو الثقة في تصرفاتها الشخصية، وعدم تعاون الزوج في محاولة الزوجة التوفيق بين عملها والوفاء بواجباتها نحو الأسرة.
أما الزاوية الثالثة: والتي هي بمثابة أسباب يشترك فيها الطرفان، فتتلخص في تحكيم العاطفة أو المصلحة المادية عند اختيار الزوج أو الزوجة، وسوء فهم كل من الزوجين لطباع الآخر، والمشكلات الجنسية والعاطفية، وتباين أسلوب كل منهما في تربية الأبناء، والخلافات بينهما حول المسائل المادية، وكذب كل منهما على الآخر، وتدخل أهل الزوج أو الزوجة في كل صغيرة وكبيرة تتعلق بالأسرة، هذا فضلا عن مواقف العناد والأنانية التي يتخذانها، وفارق العمر وانعدام الحوار بينهما، والخلاف على عدد الأطفال الذي يرغب كل منهما في إنجابه، وعدم تحمل المسؤولية، وانعدام فهم كل طرف لشخصية الآخر. كما تتضمن إفشاء أسرار البيت، وإنفاق المال في غير محله، والعمل المرهق خارج المنزل.
الأربعاء: 13/10/2004
http://www.islamweb.net المصدر:
ـــــــــــــــــــ(111/263)
النفاق الاجتماعي
د. نجم عبد الرحمن خلف*
أ. المطوع: السلام عليكم، الأخوة المشاهدون والمشاهدات نتواصل معكم عبر حلقات برنامجنا (البيوت السعيدة) وعنوان حلقتنا اليوم {النفاق الاجتماعي} ومعلوم عندما نتكلم عن الحياة السعيدة فإننا نتكلم عن الإخلاص بين الزوجين، والصدق في التعامل.
أما النفاق الاجتماعي فهو مرض، وإذا وجد بين الزوجين أو في العلاقات الاجتماعية فإنه بساهم في تفكيك الأسرة.
وضيفنا اليوم (الدكتور نجم عبد الرحمن خلف) فأهلاً بك دكتور معنا اليوم.
الفرق بين المجاملة والنفاق:
د. نجم: في الحقيقة هناك فرق شاسع بين المجاملة والنفاق فالمجاملة اصطلاح جميل جدا ومعبر، ومقتبس من لفظة (الجمال) والله جميل يحب الجمال، فمن يستعمل المجاملة إنما هو رجل يحترم الآخرين ولبق وعنده كياسة، ويحسن الرد وله من الضوابط بحيث لا ينفعل ولا يغضب وهو جميل الرد.
أما النفاق فمذموم في كل الملل والنحل، وأصل كلمة النفاق مأخوذ من (النفاقات) فالجربوع (الفار البري) تعمل لنفسها أنفاقاً لجحرها وتوهم من يهاجمها بأن لها جحراً واحداً ومنفذاً واحداً فإذا أعوزته الضرورة وحوصر فإنه يستعمل هذه المنافذ للهرب بل إنه في بعض الأحيان يخفف من حجم سقف جحره ويقلل من سماكة السقف فإذا سدت المنافذ هدم السقف وهرب منه فالنفاق مساربه ودروبه كثيرة وهو اختلاف في المدخل والمخرج لذلك يقول الحسن البصري إن أصل النفاق والذي بنى على النفاق هو الكذب.
أ. المطوع: إذن فكل منافق كذاب
د. نجم: هذا صحيح
المداراة:
أ. المطوع: التشبيه في البداية بين النفاق وبين الجربوع في اتخاذ أكثر من منفذ ومهرب هو تشبيه جميل هل من الممكن القول بأن الزوج المنافق أو الزوجة المنافقة هي التي تتخذ أو يتخذ أكثر من مهرب ومنفذ؟ هل النفاق الاجتماعي هو عمل كعمل الجربوع؟!
د. نجم: في البداية يحب ألا نطرح النفاق كأصل في الحياة الزوجية وتعامل الزوجين بل إن الأصل أن تكون المعاملة بين الزوجين بعيدة كل البعد عن النفاق وموضوع الفرق بين المجاملة والنفاق الذي سألتني إياه يجعلني أتوقف قليلاً عند المداراة فلها أهداف ومقاصد وفيها جانب حسن الخلق ورقة الطبع والاحتراز عن إيذاء الآخرين وفيها ملاينة الاصطلاحية انك تبذل الدنيا من أجل الحصول على الدنيا أو الحق أو الحصول عليهما معاً فأنت تجاري وتجامل من أجل الحفاظ على بيتك وعلى زوجتك وعلى الود واستمرارية التواصل.
وقد تكون (المداراة) عملاً شرعياً فأنت قد تداري وأنت تريد وجه الله يقول الله - تعالى -مخاطباً موسى وهارون - عليهما السلام - {فقولاً له قولاً ليناً لعله يتذكر أو يخشى} وعندما يكون المداري هدفه النصيحة في الدين يكون متعبداً والآية تدل على ذلك.
المرأة أكثر مداراة من الرجل:
أ. المطوع: يقال إن المرأة أكثر مداراة من الرجل فما رأيك بهذه الجملة؟ هل هي صحيحة؟ وهل كون المرأة أكثر عاطفة هو السبب؟ وهل كون الرجل أكثر واقعية يجعله أقل مداراة منها؟
د. نجم: إذا وقفنا عند خواص المرأة وخواص الرجل لوجدنا أن المرأة هي منجم الحياة ومنجم الود وأنا كثيراً ما أقول من تزوج امرأة غلب عقلها على عاطفتها فقد تزوج رجلاً بالخطأ..!! فجمال الأنوثة بهذه العاطفة وهذا هو اعوجاج الضلع والاعوجاج هذا منقبة للمرآة والرأفة وهى التي تمسح عنه ما يلاقيه من معاناة وشجن خارج بيته.
ومداراة الرجال... !!
أ. المطوع: وقد نحد أحياناً أن الرجل أكثر مداراة من المرأة؟!
د. نجم: هذه منقبة جديدة تضاف لمناقب الرجال وهو حسن تدبيره في البيت ومن لا خير فيه في بيته لا خير فيه مع الآخرين ومن عنده رقة وحنان يجب أن تظهر على أهلة قبل أن يظهرها على الناس وهذا للأسف ما نجده أحياناً يلاقي الرجل الناس خارج البيت بالبشاشة والكلمة الطيبة فإذا ما دخل بيته متجهماً ولم يسمع أهله إلا الجافي من الكلام و لا يتكلم إلا بانفعال.
أ. المطوع: ألا تلاحظ دكتور أن كلامنا أحياناً يبدو مثالياً نوعاً ما؟
د. نجم: لا شك أن كل القضايا تبدأ نظرية فإذا هيأ الله لها أناساً يتلقون ثم يصغون ثم بعد ذلك يطبقون ثم يكيفون أنفسهم للعمل به فهذا هو المراد ولا شك أنه يبدأ كطرح نظري فكري واقعاً وكان من جملة أوامره إشاعة السلام بالعفو والصفح عن الآخرين فإذا تخلق الزوج مع زوجته والزوجة مع زوجها بهذه الأمور حولوا النظريات والكلام الجميل إلى مواقف عملية وتكثر حينئذ البيوت السعيدة إن شاء الله.
المداهنة:
أ. المطوع: أحيانا تنشأ بعض الأسر مفككة وتنتهي الأمور بالطلاق وعندما تبحث عن السبب تقول الزوجة: إن زوجي ذو وجهين إذا كان مع هؤلاء بوجه وإذا صار مع هؤلاء بوجه أخر! وتصف بعض الزوجات أزواجهن بأنه ليس له ممسك، فلا تقدر على معرفة حقيقته من باطله وصدقة من كذبه! فهذا النفاق والمجاملة المبالغ فيها إن صح التعبير يكون مرفوضاً من الطرف الثاني فما رأيك بهذا؟
د. نجم لو رأينا تحت موضوع القصد الذي يحكم هذه المسالة وعشرات من الأمثلة أو مئات منها يتدرج تحت القصد ولا نستطيع الاستقصاء والسبب في هذا كله هو اختلال التوازن والخروج عن خط الاعتدال يقول - عليه الصلاة والسلام - (والقصد القصد تبلغه) فالعناية والاقتصاد والاعتدال توصل إلى المطلوب فنحن عندنا خلق المداراة الشرعية فإذا بالغنا فيه يتحول (المداهنة) وإن أنقصنا منه نصرة للحق كان يقول الرجل: أجبر زوجتي على كذا وأولادي على كذا من أجل الحق وهذا من المبالغة في القسوة فأنا أظن أن الزوج ومع أولاده ومع رئيسه في العمل مثلاً دخل في النفاق ودخل في التصنع والمداهنة والتملق.
أ. المطوع: فضابط المداهنة ما هو؟
د. نجم: المداهنة هي ترك الحق من أجل الدنيا، وأن تضيع المبادئ والمثل من أجل الدنيا.
أ. المطوع: أي يجامل الآخرين على حساب الحق ولا يخبرهم به لحساب مصلحته الشخصية.
د. نجم نعم فهو يرى الانحراف والخطأ والباطل في أهله أو أولاده أو أصدقائه ويأتي فيثنى على هذا الخطأ ويمتدحه إلى حد التملق فيما يقول وهو يعلم أنه ليس بصادق في قوله والمرجع في المسألة هو الكذب وجماع النفاق هو الكذب.
أ. المطوع: إذن فالكذب هو الشجرة التي تتفرع منها الأغصان الفاسدة؟
د. نجم: هذا صحيح.
اكتشاف الخطأ من الطرف الأخر وكيف نواجهه؟
أ. المطوع: ما دامت المداراة مصطلحاً جميلاً فماذا تفعل الزوجة إن كشفت أن زوجها على علاقة بامرأة أخرى أو انه أعطاها معلومة ثم تبين أنها غير صحيحة؟ بماذا تنصح الزوجة في مثل هذه الحالات؟ تكتم أم تواجه الزوج؟ وكذلك اكتشف الزوج شيئا على زوجته؟
د. نجم هناك قاعدتان ذهبيتان أعطانا إياهما الرسول - صلى الله عليه وسلم -.
القاعدة الأولى: كل ابن ادم خطاء وخير الخطاءين التوابون: فهذا يريح النفس وهى نظرة واقعة فلا يوجد إنسان معصوم من الخطأ فاحتمال وقوع الخطأ هو حركة دفعة إلى نقد الذات وهذه هي حقيقة الاستغفار.
القاعدة الثانية: الدين النصيحة: فماذا هناك أخطاء، أمراض وأوجاع فلابد من الصفوة الكريمة وأصحاب الأخلاق الفاضلة أن يكونوا صمام الأمان والقدوة والنصيحة والإرشاد بأسلوب رفيع كما اخبر الله - تعالى -: {ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة} فنحن نرجع إلى جادة الصواب دون أن نخسر الإنسان هذا في الإجمال.
وبالتفصيل: فيما يتعلق بالزوج والزوجة وما يحدث من قضايا فأنا افرق تفريقاً كبيراً بين الخطأ شرعياً منصوصاً عليه أو خطأ قانونياً تترتب عليه عقوبات ونحن نعرف بالنسبة لضوابط الإصلاح الاجتماعي أنه تدخل فيه ضوابط إيمانية وضوابط شرعية وضوابط قانونية دستورية وضوابط الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فهناك ضوابط كثيرة، فأنا أنظر إلى هذا الخطأ الواقع فإذا كان خطأ فادحاً فهو يحتاج إلى معالجة سريعة وحاسمة، كالذي احترق بيته، فلا وقت لديه للتأمل والتفكير، فالحركة السريعة هنا مطلوبة، فإذا كان الخطأ الواقع هو أحد الكبائر فأنا أنصح - هنا - بشيء من الحزم، أما إذا كان مثلاً غير ذلك كما لو اكتشفت الزوجة أنَّ زوجها على صلة بامرأة أخرى عبر علاقة شرعية فهنا يختلف أو تختلف المعالجة.
وهنا أذكر حادثة طريفة وقعت لأحد الصحابة - واسمه عبد الله بن رواحة - في زمن النبي - صلى الله عليه وسلم -، إذ كان عنده جارية في البيت يهواها ويريد قربها ويتوق إليها، وهو يعلم أن زوجته حادة الطبع حادة الخلق وغيورة جداً، وهو لا يظهر شيئاً أمامها وفي يوم من الأيام استطاع أن يختلي بالجارية، وشاءت الأقدار أن تطلّع زوجته عليهما، وقد قاربا من الانتهاء، فكأنها رأت شيئاً، فرفعت سكيناً على زوجها، وقالت له: أفعلتها يا ابن رواحة؟ أتترك حُرَّتك وتُضاجع أمتك؟! وهي تصرخ، فقال عبد الله: لم أفعل شيئاً؟! فقالت: بل فعلت، قال: لم أفعل!!، قالت: أنت لا تقرأ القرآن وأنت جُنُب فاقرأ شيئاً من القرآن، يقول عبد الله: فهبت أن أقرأ القرآن، فقرأت عليها شيئاً من الشعر - وكان شاعراً - من نظمه ومن وحي المأساة، ورتله ترتيلاً كترتيل القرآن:
وفينا رسول الله يتلو كتابه
إذا انشق معروف من الفجر ساطع
يبيت يجافي جنبه عن فراشه
إذا ما استثقلت بالمشركين المضاجع
فقالت: صدقت والله وكذبت البصر!! وهو في الحقيقة إنما يمارس حقاً من حقوقه، وعلى المرأة أن تُراعي ذلك، وهنا أمران (العدالة والإحسان)، فالعدالة هي هذا حقي وهذا حقك، لكن الإحسان أن يُراعي الزوج أو الزوجة الطرف الآخر في طلبه لحقوقه.
شعور الممدوح وهو يعلم أننا نتملقه!
مشاهد (الهادي محمد من الجزائر): عندما نلاطف شخصاً ما، وعندما نتكلم عن أشياء ليست فيه، فما هو شعور هذا الشخص وهو يعلم أننا نكذب عليه؟ وهو يعلم أنني ليست صريحاً ولست صادقاً معه؟ وثانياً ما هو السبب في أنّ الرجل عندما يكون خارج منزله يكون لطيفاً وبشوشاً، وعندما يعود إلى البيت يفقد هذه الأمور اللطيفة؟
د. نجم: كيف يكون انطباع السامع عندما أمدحه؟! الحقيقة أنّ انطباعه يكون على شقين: فإن كان خفيف العقل قليل القدر صدّق بما يُقال له، وهو يعلم في قرارة نفسه أنه لا يستحق هذا المدح، وإذا كان هذا الإنسان عاقلاً فيستهين بمن يمدحه بما ليس فيه، فمن مدحك بما ليس فيك فسوف يأتي يوم من الأيام يذمك بما ليس فيك!
تغير أخلاق الأزواج داخل البيت:
أ. المطوع: وسؤاله الثاني عن بعض الأزواج الذين يكونون خارج البيت بأخلاق راقية، وداخل البيت بغير ذلك.
د. نجم: لانعدام (صناعة الحياة)!، فكل من خالف سنن الله - تعالى -في الإرواء والإنماء والدعم والرعاية، فسوف تذبل الشجرة حتى تموت، وكل من رعى البيت بالبسمة والكلمة الطيبة والحنان، وبشتى أنواع الحب والمودة، فسوف تترقى الصلات، وينمو الحب ويترعرع.
التسامح المتبادل:
أ. المطوع: ألا يمكن دكتور أن يكون الزوج بهذه الصورة بسبب الزوجة (النكدية) مثلاً؟
د. نجم: يجب أن يحرص - إن كانت زوجته نكدية - أن يرقى بمستواها كما يرقى بتعلميها، وهنا أمر من ناحية أخرى فقد تكون هي (نكدية) وهو (انفعالي).. !! فالخطأ متبادل هنا، وأذكر مثلاً أن (أبا الدرداء) الصحابي الجليل، قال لزوجته: إن غضبت فرضِّيني، وإن غضبت رضَّيتك، وألا فما أسرع ما نفترق!
وقال أحد التابعين شعراً لزوجته:
خذي العفو مني تستديمي مودتي
ولا تنطقي في سورتي حين أغضب
فإني رأيت الحب والأذى
إذا اجتمعا لا يلبث الحب يذهب
الأذى يؤثر على الحب.. !!
أ. المطوع: وبالتالي قد يكون الحب موجوداً، لكن الافتراق مقدم!، وأذكر هنا إحدى القصص أن زوجين ذهبا إلى المحكمة وثبتا الطلقة التي جرت بينهما، وبعد ذلك كانا يبكيان!! فسألهم رجل موجود في المحكمة: لماذا البكاء وأنتم أتيتم بأنفسكم لتطلبوا الطلاق، والقاضي عمل بما أردتم؟ فقالا: نحن متحابان، ولكننا لا نقدر على العيش معاً.. !! فهذه القصة متوافقة للأبيات التي ذكرتّها، فأحياناً يتغلب الأذى على الحب فلا يستطيع الإنسان أن يعاشر الطرف الآخر.
د. نجم: لافتقاد روح (المداراة) فأنا في الشركة (مثلاً) قد لا أكون راضياً عن مديري مائة بالمائة، وفي بيتي عن أهلي مائة بالمائة، وعن ولدي كذلك، وقد يحصل هذا، ولكن يجب أن أحرص على تطوير العلاقة.
إتيكيت إسلامي!!
أ. المطوع: الآن في الغرب يُعطون (كورسات أو فصول دراسية) في العلاقات الإنسانية يسمونها (الإتيكيت)، وعلم (الإتيكيت) الآن يدّرس في الجامعات والمعاهد، وفيه أبحاث ودراسات ورسائل ماجستير ودكتوراه، وما ذكرته الآن بالمصطلح الشرعي (المداراة) قد لا يُفهم في عصرنا إلا إذا قلنا مثلاً: فلان عنده إتيكيت، أو مجاملة أو دبلوماسية، وهو ما يتعلمه (الدبلوماسيون) في السفارات، كيف يقابل هذا المسئول؟ وكيف يتعامل مع هذا الشخص وهكذا... وبرأيك ألا تجد من الضروري للمقبلين على الزواج رجالاً ونساء من حضور مثل هذه الدورات؟
د. نجم: نتحدث الآن عن الاتيكيت ونحن أمة الاتيكيت وأذكر هنا جملة من الحوادث التي تدل على ذلك فالنبي - صلى الله عليه وسلم - لما شربت عائشة من الكأس أخذ سؤرها وشرب من نفس الموضع الذي شربت منه وكان يعلم أصحابه حتى اللقمة ترفعها إلى في امرأتك لك بها أجر وكانت السيدة عائشة تأخذ القطعة من اللحم فتأكلها ويبقى العرق فيأخذ النبي - صلى الله عليه وسلم - فيمصه مما علق وبقى في العظم فهناك إتيكيت إسلامي رفيع.
أ. المطوع: وصلنا فاكس من الأخت (هـ. م) من أمريكا وهى بعد التحية تؤكد أن زوجها وأولادها الثلاثة يتابعون برنامجنا كل ثلاثاء وأن الأفكار الموجودة في البرنامج إن تابعها المشاهد واقتنع بها تطبع وطبقها دون أن يشعر وهو ما يحث فيما لو تابع البرامج السيئة فتنتقل العدوي منها إليه.
د. نجم: وأنا معها فيما قالت.
الكذب للإصلاح بين الناس:
أ. المطوع: في مجال النفاق الاجتماعي أحياناً يحصل خلاف شديد بين الأب وأخيه الذي هو عم الأولاد فيوصي الأب أولاده بعدم زيارة عمهم والحديث معه: مالي ولخلاف أبي وعمي! لكن عندما يسأله الأب هل زار عمه أو قابله أو كلمه فبماذا الابن؟ وما هي الطريقة المثلى لمعالجة هذا الوضع؟
د. نجم: من أهداف المداراة الإصلاح بين الناس وهو عمل عظيم بعد إرضاء الله –عز وجل - باعتبار المداراة صدقة تجري على أصحابها فمن أهدافها الإصلاح بين الناس والله - تعالى –يقول: {لا خير في كثير من نجواهم إلا من أمر بصدقة أو معروف أو أصلاح بين الناس} وهنا الشرخ وقع بين الأب وأخيه فالأصل أن يتحرك لرأب الصدع ولم الشمل لان البغضاء هي الحالقة أي تحلق الدين من أساسه، وأنا أعلم قصة كما ذكرت وهى أن الابن كان يذهب خلسة إلى عمه فيصله ويزوره وينقل انطباعات جميلة لم يقلها والده عنه بل هو يفتعلها تقريبا للقوالب وعندما يرجع إلى البيت لا يظهر شيئاً فهو يبر أباه ولا يسئ إلى عمه وبعد فترة استطاع أن يقربهما من بعض إلى أن عادت الأمور إلى نصابها.
أ. المطوع: إذن يقول للوالد: لم أذهب وهو في الحقيقة قد ذهب!
د. نجم: كل الكذاب حرام، غلا في ثلاثة مواضع في الإصلاح بين الناس والكذب بين الزوج وزوجته في بعض الحالات والكذب في خديعة الحرب كما اخبر بذلك الحديث الصحيح: الحرب خدعة.
الكذب أساس النفاق:
مشاهدة (من شيكاغو بأمريكا) أرى أن النفاق الداخلي الذي يكون بين الزوجين أصعب من النفاق الخارجي فيكف يمكن أن تستمر العلاقة الجيدة والصحيحة بين الزوج وزوجته وهذه العلاقة مبنية على الكذب والنفاق؟ يقول الشاعر:
البيت لا يبني إلا على عمد
ولا عماد إذا لم ترس أوتاده
فان تجمع أوتاد وأعمدة
وساكن بلغوا الأمر الذي سادوا
وأفضل إن حصل لي مشكلة أو خطأ أن أخبر زوجي وأتردد ولا يجب أن يخفي أحد الزوجين على الأخر ما يحصل معه ولأن طبيعة المرأة ضلع قاصر فقد تخاف من زوجها وتحسب له حساباً ولهذا تكذب لكن ما الداعي إلى كذب الرجل؟!
د. نجم: أحب أن أقول هنا إن النفاق نفاقان نفاق كفر وهو النفاق المتعلق بالقلب الذي ينعقد به الحق أو الباطل العقيدة، وهو كفر استهزاء بمثل القيم ولكن يظهر خلاف ما يبطن ونفاق قول وهو نفاق القول والعمل وهناك نفاق دون نفاق، كما أن هناك كفر دون نفاق، وهذا واضح إن كان النفاق يؤدي إلى مفسدة عظيمة، أو كان نفاقاً شخصياً وهو مذموم شرعاً وعرفاً كالأول، إلا أن بينهما فرقاً كما قلنا، يكذب ويكذب حتى عند الله كذاباً وعندها يصبح هذا الرجل مصدراً للكذب، معسكر للكذب، وكل شيء يشع فيه كذباً والكذب كما نعلم شعبة من النفاق.
بر الرجل بأهله دون علم زوجته:
أ. المطوع: اتصلت بنا أخت من (أمريكا)، ولم تذكر اسمها، وهى تشتكي من زوجها بأنه يكذب عليها حين يزور أهله ولا يخبرها، وهو يصلهم ويعايدهم، فإذا سألته قال لها: لم أزرهم، ثم تكتشف بطريقة ما أنه يزورهم، فإذا واجهنه قال لها: أنت شكاكة وظنونة!
د. نجم: هذه القضية الأصل أن تحال إلى الزوج، فإذا علم من زوجته أنها تشجعه على البر بأهله وصلتهم وزيارتهم والإحسان إليهم فله أن يخبرها ويشركها في الأجر، وإذا وجد الزوج أن زوجته غيورة، وأنها قد تفسر الأمور تفسيراً خاطئاً، كأن تتهمه أنه يهتم بأهله أكثر منها، ويبرهم أكثر منها فله أن يخفي هذا عنها رحمة بها، حتى لا تتعذب ولا تفهم الأمر فهماً سيئاً، فالزوج هو المرجع في هذه القضايا، وهو أدرى بزوجته.
الخلط بين تحريم الكذب وجوازه في بعض الأحيان:
مشاهدة (هدى من ليبيا) عندي بعض الملاحظات:
1-النفاق الاجتماعي أصبح مرضاً ينتشر في وطننا العربي.
2-محاولة الرجل الإخفاء عن زوجته أعتبره استغفالاً لعقلها واستصغاراً له.
3-المجاملة أخت الوقاحة والنفاق، ويجب أن يكون شعارنا هو نعم للكذب أم لا للكذب.
د. نجم: هناك خلط واضح بين (المداراة) والنفاق، فلا شك أن الكذب مرفوض صغيراً كان أو كبيراً إن لم يكن له هدف، وكما ذكرنا الحديث، فإن النبي - صلى الله عليه وسلم - أجاز الكذب في الإصلاح بين الناس، والزوجة قد تسأل زوجها: هل رأيت أجمل مني؟ فهل يقول لها نعم.. !! وهذه الإجابة بنعم تعتبر سوء تعبير، وسوء رد، وربما (كانت) له علاقة عاطفية قبل أن يتزوجها، ثم ماتت هذه العلاقة أو غير رأيه أو أخفاء، فهل يصرح لها عن هذه العلاقة؟ وقد تكون غيورة جداً وتحزن، فأنا أري أن تفرق بين الكياسة وحسن اللباقة وحسن التصرف في حدودها وبين ما أباح الشرع.
أ. المطوع: الآن آتاني فاكس من (م. م. م) من أمريكا ويذكر فيه نفس المثال الذي ذكرناه ويقول إنه أحب فتاة ثم تزوج بأخرى، وهو وفي لزوجته ومخلص لها مع أن قلبه لا يزال متعلقاً بالفتاة الأولى.
د. نجم: والله تصرفه رائع، فهو ما زال مخلصاً لزوجته الحالية ووفياً معها، مع تعلقه بعلاقة عاطفية سابقة.
النفاق الاجتماعي عند الغرب:
أ. المطوع: ذكرت الأخت (هدى) من (ليبيا) أن النفاق الاجتماعي عند العرب أكثر من غيرهم، فما هو رأيك؟
د. نجم: والله هي أدرى بما تقول، وإن كنت لا أوافقها في ذلك، فأنا مثلاً كنت لفترة مديراً للمركز الإسلامي في (مانشستر)، وزارنا ضيوف من السعودية، منهم إمام الحرم، وأحد الدعاة البارزين، فأحبوا أن يروا المقبرة الإسلامية في (مانشستر) في (ديفزبيرغ)، وإذا بنا نرى امرأة عجوز قد توفي زوجها العجوز أيضاً، وقد أتوا بالزوج وفتحوا المحرقة ليحرقوه - وأنا أول مرة أعلم أن النصارى يحرقون أيضاً -، وحتى أننا صورناه بالفيديو بعد أن احترق بناء على طلب الضيوف، وأذكر أننا سألنا الزوجة العجوز: من هذا؟! قالت: زوجي، قلنا: لماذا طلبت حرقه؟ قالت: ظل زوجي مريضاً ستة أشهر قبل موته، وهو يتوسل إلي أن لا أحرقه بعد موته، إلا أنني أرى أنه رجل أناني، فهو يريدني أن أعمل له تأبيناً، وهو يكلفني مبلغاً كبيراً، بينما حرقه لا يكلف سوى جنيهات معدودة..!! ونهايته معروفة فهو سيكون طعاماً للدود!! ثم علمنا أنه كان رجلاً مرموقاً وترك لها ثروة كبيرة، لكنها استكثرت عليه جنازة عادية، فلا أدري هل نفاق العرب أسوأ من نفاق الغرب الذي يتشدق بالحرية والحب، ورقة المرأة على الرجل، والرجل على المرأة؟
كذب الأزواج في النفقة:
مشاهدة (أم فهد من أميركا) زوجي عنده مال كثير ولا ينفق علي إلا قليلا ولما أواجهه يقول لي: مالي قليل، فهذا الكذب أليس هو من النفاق الاجتماعي، وكيف الحل؟
د. نجم، أذكر الأزواج بقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: «كفى بالمرء إثما أن يضيع من يعول» وفي رواية: «من يقوت» وحديث: «كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته» فينبغي على الأزواج أن يعطوا حد الكفاية من الإنفاق على زوجاتهم وأبنائهم وبناتهم والمناسبة فسؤال (أم فهد) يشبه حالة حصلت في زمن النبي - صلى الله عليه وسلم - عندما جاءته (هند بنت عتبة) تشكي له شح (أبي سفيان) زوجها فقال لها: «خذي وولدك ما يكفيك بالمعروف» وهذا شريطة أن يكون الزوج حقيقة مقصراً معها، وأخذ بقدر حاجتها وإن لم يعلم وعلى كل حال لابد من تقدير المصالح حتى لا تتفكك البيوت.
النفاق في النساء والرجال:
أ. المطوع: الاتصالات التي جاءتنا توحي بأن المنافقين هم الأزواج فقط؟ ألا يمكن أن تكون المرأة منافقة وعندها نفاق اجتماعي؟ ألا يمكن أن تقول لزوجها كلاماً وهي تخفي في داخلها كلاماً آخر؟
د. نجم، طبعا النساء شقائق الرجال، وفي صحيح مسلم: «ولولا حواء لم تخن أنثى زوجها) فإن حواء لما رأت ضعف (آدم) ساعدته في ضعفه، وما اعترضت عليه، فانساق إلى المعصية، والأصل أن تكون الزوجة الجيدة إن رأت انحرافاً من زوجها فلا تمدح هذا الانحراف، ولا تسكت عليه، بل تنصحه بأدب مرة وثانية وثالثة، وأن تضغط عليه بكل الوسائل الممكنة وبالترقي، تستعمل جميع أساليبها العاطفية والنفسية والجسدية، وكما تجتهد المرأة في طلب حقوقها وأمورها الشخصية، فيجب عليها أن تجتهد في إصلاح زوجها، إن عق والديه أو ترك الصلاة أو صاحب الأشرار.
مثال على النفاق الاجتماعي:
مشاهدة (أم زيد من أميركا) عندي مشكلة بالنسبة للنفاق الاجتماعي، فأنا سيدة متزوجة، وأعتقد أن أهل زوجي منافقون فعندما يقابلونني في زيارة يتكلمون بكلام لطيف، وإذا زارهم زوجي تكلموا عني كلاما آخر، فيرجع زوجي إلى البيت وهو متغير ويثير المشاكل معي.(111/264)
د. نجم هذا هو النفاق بعينه، وإذا أردنا مثالاً لحلقتنا اليوم فهذه الحادثة هي أفضل مثال، وهذا من نفاق (القول والعمل)، وهو عمل الشياطين {ما يفرقون به بين المرء وزوجه} البقرة: 102، والأب والأم العاقلان هما اللذان يخفيان أخطاء الزوجة عن ابناهما، بل ويحسنان من صورتها أمامه، وكذلك العكس وغير هذا إنما فيه الشقاء للابن ولأولاده، وهذه جريمة كبيرة، وأنصح الآباء والأمهات بعد أن يزوجوا أولادهم أن يبتعدوا عن إيغار الصدور، ويحببوا الزوجة في زوجها، والزوج في زوجته.
المجاملة القريبة من الكذب:
مشاهدة (مريم من ليبيا) أنا لست كذابة، ولكني مضطرة إلى (المجاملة) كثيراً، والإنسان العربي في مجتمعاتنا مضطر إلى هذا، وعندما أجامل إحدى زميلاتي، وأنا أعلم أن هذا غير صحيح مائة في بالمائة فأخلد إلى النوم وأقول: أنا كذبت في كذا وكذا، فما أدري كيف أتخلص من هذه (العقدة)؟
د. نجم الأخت (مريم) تعتبر صاحبة قلب، وهي صاحية القلب وإنسانه واعية وملتزمة، وهذا حسن، ونصف المشكلة يحل عندما نعرف العلة، وأما المعالجة فينبغي أن تلجأ إلى الصدق مهما كلفها، فالكذب حرام، وينبغي ألا يلجأ إليه بحال إلا إن كان هناك هدف كإرضاء الله أو الإصلاح بين الناس.
نفاق المرأة أخطر:
مشاهدة (من أمريكا) نفاق النساء أكثر عدداً من نفاق الرجال ولكن نفاق الرجال أخطر، وقد يكون نفاق المرأة خوفاً من زوجها أو مجاراة له بخلاف نفاق الرجل، ونحن نؤيد المجاملة إن لم تكن على حساب الدين، وهي من الكلمة الطيبة.
د. نجم: والله هي التي فتحت الباب!! يقول الله - تعالى -: {إن كيدهن عظيم} وعاد الضعيف يكون كيده أقوى، ومفاجئاً دوماً وبقول الله تعالى: {إن كيد الشيطان كان ضعيفاً} ونحن لا نقبل العنصرية، فالنساء شقائق الرجال، ولا نتحيز للرجال أو النساء.
أ. المطوع: في النهاية نشكرك دكتور نجم خلف على المعلومات القيمة، وحتى تصبح السعادة عادة، مع السلامة.
_____________________
* أستاذ مساعد الدراسات الإسلامية في جامعة عجمان للعلوم والتكنولوجيا، بلغت مؤلفاته 29 مؤلفاً في الدراسات الإسلامية والتربية.
|
http://www.almutawa.info المصدر
ـــــــــــــــــــ(111/265)
المعاكسات آلام وحسرات : الأسباب والعلاج
سامر محمد داوود
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه...وبعد:
أختي المسلمة: لو تأملت في جمال الإسلام ومحاسنه، وأهدافه ومقاصده، لوقفت على حقيقة ما أراده الله لعباده باتباعهم دينه من الخير والفضل والسعادة في الدنيا والآخرة.
فمن أجل مقاصد الإسلام: حفظ الأعراض! وحول هذا المقصد العظيم تدور جملة من الأحكام الشرعية تهدف كلها إلى الحفاظ على تماسك الأسر، وحفظ النسل، والنسب، وتطهير المجتمع من الرذيلة، والأمراض، والأدران، وصيانة العرض من التهتك والتشويه.
ولأجل حفظ الأعراض كانت تلك الأحكام على قسمين: القسم الأول: هو منع وقوع الفاحشة بمختلف صورها وقطع الطريق على كل مواردها، فلقد حرم الله - جل وعلا - الزنى وحرم ما يقرب إليه من إطلاق النظر، وخفض الصوت والتهتك والتبرج وغير ذلك مما يوقع في هذه الفاحشة العظيمة.
القسم الثاني: فهو سن النكاح والترغيب في التعفف والحياء وتسهيل الطريق على من أراد التحصن.
ولو تأملت في حقيقة "المعاكسات الهاتفية" لوجدتها سبيل هتك العرض والشرف.. ذاك العرض الذي حفظه من أجل مقاصد الشريعة والدين، ولو لم يكن حفظه من آكد الواجبات لما سخرت أحكام شتى في الكتاب والسنة كلها تخدم حفظ العرض وتقدر حرمته. فتأملي.
فالمعاكسات الهاتفية خطوة من الخطوات الشيطانية تقود إلي الفاحشة والهلاك، قال - تعالى -: ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ وَمَن يَتَّبِعْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ فَإِنَّهُ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ)) [النور 21].
أسباب المعاكسات:
1- الجهل بحكم المعاكسات: لا يخفى على كل مسلمة عاقلة حكم المعاكسات الهاتفية في الشرع، فهي من أعظم وسائل جلب الفساد وانتشار الفاحشة، لأنها تمكن الفساق من الانفراد ببنات المسلمين في أي وقت، وتتجاوز الرقابة البشرية، كالأبوين والجيران وعموم الناس.
- قال الشيخ بكر أبو زيد: كنت أظن المعاكسة مرضاً تخطاه الزمن، و إذا بالشكوى تتوالي من فعلات السفهاء في تتبع محارم المسلمين في عقر دورهن، فيستجرونهن بالمكالمة والمعاكسة، ومن السفلة من يتصل على البيوت مستغلاً غيبة الراعي ليتخذها فرصة عله يجد من يستدرجه إلى سفالته، وهذا نوع من الخلوة أو سبيل إليها، وقد قال - صلى الله عليه وسلم - فيما رواه البخاري ومسلم: "إياكم والدخول على النساء" أي الأجنبيات عنكم. فهذا وأيم الله حرام حرام، وإثم وجناح، وفاعله حري بالعقوبة، فيخشى عليه أن تنزل به عقوبة تلوث وجه كرامته، ومما ينسب للإمام الشافعي- يرحمه الله تعالى -: "إن الزنا دين فإن أقرضته كان الوفا من أهل بيتك فاعلم"
نعوذ بالله من العار ومن خزي أهل النار.
وكيف لا تكون "المعاكسات" من أشنع المحرمات، وهي معول هدم للبيوت الرفيعة، وزلزال يخسف بالحصون المنيعة، فيدمر فيها الأسر والأنساب، ويهتك فيها الأعراض والأحساب، ويلبس أهلها لباس الذل والصغار.. بعدما كانت في عز ووقار!! ومن تتبع ما وقع من جراء المعاكسات، من حوادث أليمة.. وفواحش عظيمة.. تحسر أيما تحسر على أحوال بنات المسلمين.. وأدرك أن معاكستهن وسيلة تغرير.. وشباك صيد.. يستهدف عرضهن.. ويسود وجههن.. ويتركهن ضحايا في الزوايا.. إلا أن يحسن دفع هذا الشر الخطير.. والبلاء المستطير.. الذي يتسلل إلى حرمات البيوت.. من خط الهاتف!!
أختي المسلمة: فإن كنت تشكين في تحريم المعاكسات الهاتفية" فتأملي قول الله - جل وعلا -: ((وَلاَ تَقْرَبُواْ الزِّنَى إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاء سَبِيلاً)) [الإسراء32]
فقد نهى الله - جل وعلا - عن مجرد القرب من الزنى حيطة من الوقوع فيه، ولا شك أن المعاكسات هي بريد الزنى، ووسيلته، لأنها تمكن المتعاكسين المتهاتفين من الكلام في مقدماته "كالحب واللقاءات الغرامية... ".
وقد صدق الشاعر:
نظرة فابتسامة فسلام فكلام فموعد فلقاء
وقال - تعالى -: ((وَلَا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِن زِينَتِهِنَّ)) [النور: 31]، فإذا كان الله - جل وعلا - قد نهى المؤمنات عن الضرب بالرجل على الأرض حتى لا يسمع صوت الخلخال الذي يلبسنه في أرجلهن، فلا يفتتن الرجال بذلك؟ فكيف بمن تعاكس الرجال في الهاتف! بمعسول الكلام، وعذب عبارات الغزل والتهتك، وهو يعلم بيتها وأسرتها.. أليس ذلك أشد تحريما من ضرب الخلخال في الأرض؟!
بيد العفاف أصون عز حجابي *** وبعصمتي أعلو على أترابي..
وبفكرة وقادة وقريحة *** نقادة قد كملت آدابي...
ما ضرني أدبي وحسن تعلمي *** إلا بكوني زهرة الألبابي...
ما عاقني خجلي عن العليا *** ولا سدل الخمار بلمتي ونقابي...
وتذكري أخية.. أن "المعاكسات الهاتفية" لا يأتي من ورائها خير قط، فمن المسلمات من تظن أنها! تظفر من المعاكسات - بزوج تسكن إليه- وهي في الواقع تنهج طريق الدمار في حياتها:
أوردها سعد وسعد مشتمل *** ما هكذا يا سعد تورد الإبل
فالزواج وسيلة للعفاف وحفظ الأعراض، والمعاكسات وسيلة لهتكها فكيف تغامر العاقلة بشرفها وكرامتها مع من هو مضنة الفسق والفجور، بذريعة الزواج، فهذا تناقض وتهور واضح. تقول إحدى المعاكسات: كانت البداية مكالمة هاتفية عفوية.. تطورت إلى قصة حب وهمية.. أوهمني أنه يحبني وسيتقدم لخطبتي.. طلب رؤيتي.. رفضت هددني بالهجر! بقطع العلاقة!! ضعفت.. أرسلت له صورتي مع رسالة معطرة!! توالت الرسائل.. طلب مني أن أخرج معه.. رفضت بشدة.. هددني بالصور، بالرسائل المعطرة بصوتي في الهاتف- وقد كان يسجل- خرجت معه على أن أعود في أسرع وقت ممكن.. لقد عدت ولكن عدت وأنا أحمل العار.. قلت له: الزواج.. الفضيحة.. قال لي بكل احتقار وسخرية: إني لا أتزوج فاجرة.. ألا فاعتبري يا أخيه!! وإياك والاغترار بما يردده الغافلات من أن الزواج السعيد لابد أن تسبقه العلاقات الغرامية.. فهذه كلها إيحاءات شيطانية، تستدرج أصحاب النفوس الضعيفة لتوقعها في الفحشاء والمنكر!
فالحب والمودة بين الزوجين يحصل بإذن الله - جل وعلا - بعد الزواج ولو لم يتعارف الزوجان على بعضهما بالكلام واللقاء. ثم إن المودة والحب في أي ثقافة من الثقافات القديمة أو الحديثة هما من الظواهر الإنسانية المتجددة، وتجددها يقوم على أساس أخلاقي محض. فمتى كانت المرأة المسلمة على خلق ودين كانت أجدر بحب زوجها بل وحب أهلها جميعهم. وأما ما يروج له دعاة الرذيلة من الإباحية والانحلال فيتناقض! مع هذه الثقافة التي يؤمنون بها ويقررونها في دراساتهم الاجتماعية والنفسية. فتأملي.
وإذا تتبعنا أسباب المعاكسات الهاتفية فسنجد مجملها ينحصر في الآتي:
2- التساهل في تناول الهاتف: وهذا السبب قد يشمل حتى الملتزمات الخاشعات، لأن مجرد الرد على الهاتف والجرأة على الكلام مع الأجانب قد يسقط الأخت المسلمة في شباك الفساق، ولو كانت نيتها حسنة، ذلك لأن الأخت المسلمة قد يستغفلها المعاكس بعذب كلامه لا سيما إذا كان ممن يحسن فن إثارة العواطف، وتعسيل الكلام مع إظهار البراءة والخلق. لذا أختي المسلمة، احذري أن تعرضي نفسك لهذه الفتنة لغير ضرورة. لأنها وإن لم يلحقك الضرر من معاكسة ومعاكستين، فستجدين صعوبة بالغة في مجاهدة فتان ثالث، وقد يخطر ببالك سلوك هذا الطريق والثقة بمن يظهر حسن النية، كالرغبة في الزواج أو الخطبة.
فكم من فتاة بريئة ردت على الهاتف- لا لقصد المعاكسة- فإذا بها تسمع من كذب الكلام وسحره ما جعلها تتردد في زجر المتكلم وإغلاق الهاتف! في وجهه. وبقيت على حالها حتى سقطت في شباك المعاكسة.. بل واللقاء.. والفضيحة.
تقول إحدى الفتيات: كانت والدتي خارج البيت.. ولم يكن في البيت إلا أختي وكانت نائمة.. أما أنا فكنت أطالع دروسي ووجباتي في سكون وهدوء.. وفجأة رن جرس الهاتف.. ولم يكن أمامي إلا أن أرد عليه.. لا لأجل المعاكسة.. ولكن لمعرفة المتكلم.. فقد يكون أخي وقد تكون والدتي.. وإذا بصوت ذئب بشري ينبعث من سماعة الهاتف.. لقد سرق مني عواطفي.. وسحرني بعذوبة كلامه.. ورقة عباراتها.. وإظهاره لحسن النية.. ومعالي الأخلاق.. لقد كان محور كلامه على الشرف والعفاف.. والحب الطاهر البعيد عن أحوال المراهقين.. لقد كان يريدني للزواج.. وإنما تجرأ على مكالمتي ليعبر عن مودته اتجاهي.. فكل كلامه سحر عقلي فلم أجد إلا أن ترددت في الجواب.. وتلعثمت في الرد.. ثم أغلقت الهاتف..
ثم اتصل بي ثانية فوجدتني مهيأة للكلام.. وبدأت أنساب معه فيما يقول حتى أصبحت علاقاتنا لا حدود لها عبر الهاتف. ولم يكن لهذا الأمر أن يحصل لولا أني رفعت السماعة أول وهلة.. وتماديت في سماع الكلام حتى تسلل إلى قلبي ليفتنني. ومن رحمة الله بي.. أن سمع أخي- في مرة من المرات - نص مكالمتي مع ذاك الفاجر فلطمني وزجرني ونصحني.. حتى أفقت من غفلتي وتبت إلى الله!
أختاه لا تعاكسي بهاتف فتنكسي..
وتندمي وتلبسي ثوب الصغار الأوضع..
فغبة المعاكسات جميعها تحسرات..
فاعتبري قبل الفوات والتزمي واستمعي..
3- ضعف الإيمان: وغالبا ما تكون "المعاكسات الهاتفية لما ناشئة عن الهوى وضعفه. الإيمان، لا سيما إذا كانت الفتاة هي التي تبادر إلى معاكسة الآخرين فترقم الأوراق برقم هاتفها وترميها في الأسواق أو تلتقطها من الطرقات بعد أن تدرك من المعاكس قصده، بإشارة يدوية أو "بلغة العيون " المعروفة عند الشباب الطائش..
ولا يتصور صدور مثل هذه الحماقة ممن كمل إيمانها واستقامت جوارحها على طاعة الله ورسوله، فقد وصف الله - جل وعلا - المؤمنين بحفظ الفرج والبعد عن نواقض ذلك. قال - سبحانه -: ((قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ * الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكَاةِ فَاعِلُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ)) [المؤمنون: 1-5]
وقال - تعالى -في وصف المؤمنات ((وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ.. )) [الأحزاب: 35]، ولا شك أن المعاكسات سبيل هتك الأعراض، فلا يصدر إلا من ضعف إيمانه، وهان يقينه وغلبت عليه نار الشهوة وفتنة المعصية!
ألأجل لهو أم لأجل فساد *** عاكست هاتفه بغير رشاد
ترمين من عذب الكلام وسحره *** للسامعين بشهوة وودادي
أوما علمت بأن عرضك وقتها *** يشرى لنذل سافل رواد!
وكأن أذنك لم تسمع ما جرى *** لمعاكسات في الضياع تنادي
وستعلمين إذا رماك ذليلة *** ماذا جنيت "بهتفة" وعناد!!
4- رفقة السوء: وهذا السبب من أكثر الأسباب شيوعاً وتشجيعاً على (المعاكسات) لأن رفيقة السوء، المتمرسة في العلاقات المشبوهة لا يهدأ لها بال إلا إذا أوقعت صديقتها في مغبة ما هي واقعة فيه، فتجدها تزين لأختها معاكسة الشباب، بل وتقترح عليها من تعاكس أو تعطيها رقما هاتفية لشاب طائش.. حتى تقع تلك المسكينة في هذا الفخ المظلم!!
أختي المسلمة: ولا يخفى عليك أن الرفقة السيئة لا بد أن تؤثر سلباً على مسارك وأخلاقك، وأن تكسبك من العيوب والرذائل بقدر ما في تلك الصحبة من مساوئ الأخلاق. قال - صلى الله عليه وسلم -: "إنما مثل الجليس الصالح وجليس السوء، كحامل المسك ونافخ الكير، فحامل المسك إما أن يحذيك، وإما أن تبتاع منه، وإما أن تجد منه ريحاً طيبة، ونافخ الكير، إما أن يحرق ثيابك، وإما أن تجد منه ريحاً منتنة " [متفق عليه].
وحدة الإنسان خير من جلوس السوء عنده *** وجليس الصدق خير من جلوس المرء وحده
5- سوء التربية والتوجيه: ففي غياب التوجيه والتربية للفتاه المسلمة.. تنمو الظواهر السيئة والأخلاق المشينة لاسيما في مرحلة الشباب أو ما يصطلح على تسميتها "بالمراهقة. فالتربية الواعية تعرف الأخت المسلمة بمسؤولياتها في الحياة، وتوقفها على أشكال الشر وأساليبه وطرقه، وتعلمها الحذر من الوقوع فيه، وتبين لها طريق الهداية والرشاد وما ينصلح به حالها في الدنيا والآخرة.. وهذا الدور منوط بالوالدين فهما مسؤولان يوم القيامة عن توجيه الأبناء وتحذيرهم من الذنوب والمعاصي، ومنها المعاكسات. فيجب على الأسرة أن تعرف أبناءها لا سيما البنات بخطر هذا الداء، وأن تسرد من قصصه ما يجعل أبناءها يستقذرونه وينأون عن طريقه.
أبي هذا عفافي لا تلمني *** فمن كفيك دنسه الحرام
زرعت بدارنا أطباق فسق *** جناها يا أبي سم وسائم
نرى قصص الغرام فيحتوينا *** مثار النفس ما هذا الغرام؟!
فلو للصخر يا أبتاه قلب *** لثار فكيف يا أبتي الأنام
تخاصمني على أنقاض طهري *** وفيك اليوم لو تدري الخصام
أختي المسلمة: فاحذري- رعاكِ الله- من هذه الأسباب، واقطعي عنك سبل المعاكسات فإنها حسرات وعذاب، وجاهدي نفسك وأشغليها بما ينفعها من ذكر وتبتل وصلاة وطلب علم وصلة رحم واجتماع على الخير.. فإنك في دار امتحان وابتلاء.. وعمل وجهاد.. وغداً تسألين وتحاسبين.. أمام رب العباد!!
5- إطلاق النظر: فلقد قرن الله - جل وعلا - الأمر بغض النظر بحفظ الفرج، قال - سبحانه -: ((وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ)) [النور: 31]. فحفظ الفرج منوط بالبعد عن مواطن الريبة والفتنة، وإطلاق البصر بالنظر إلى الرجال الأجانب من أعظم دواعي الفتنة والشهوة، فتأثيره على القلوب وتحويلها وتحريكها إلى الاندفاع نحو الشهوة والفتنة لا يجهله أحد.. وكلما كانت المرأة مفتونة بالنظر إلى الحرام، في الطرقات والأسواق، كانت نفسها تواقة إلى البحث عن أسباب الشهوة والعلاقات المحرمة، ومن ذلك المعاكسات.
فالنظر المسموم يهيئ في نفسها جموحا إلى تقبل دعوات الفساق سواء عبر الهاتف أو غيره، فلا تجد في نفسها القوة على دفع من يعاكسها في الهاتف! هذا إذا لم تكن هي من تعبث بالمكالمات بحثاً عن علاقة محرمة.
كل الحوادث مبداها من النظر *** ومعظم النار من مستصغر الشرر
كم نظرة بلغت من قلب صاحبها *** كمبلغ السهم بين القوس والوتر
والعبد ما دام ذا طرف يقلبه *** في أعين الغيد موقوف على الخطر
يسر مقلته ما ضر مهجته *** لا مرحباُ بسرور عاد بالضرر
ولذلك فقد نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أمته عن النظر المحرم صيانة لعرضها وشرفها فقال: "لا تتبع النظرة النظرة، فإنما لك الأولى وليست لك الأخرى" [رواه أبو داود وهو حسن]، وقال - صلى الله عليه وسلم -: "غضوا من أبصاركم واحفظوا فروجكم " [رواه أحمد وهو حديث حسن].
والسر في أن النظرة إلى الأجانب تكون سببا في الوقوع في "المعاكسات" هي أن إطلاق البصر يولد في النفس الخطوات السيئة والرغبات المنحرفة، ثم تتولد بعد ذلك الفكرة، والفكرة تولد الشهوة، ثم تتولد الإرادة فلا يقوى صاحبها على دفعها إلا بإذن الله. ولا حول ولا قوة إلا بالله.
يا رامياً بسهام اللحظ مجتهداً *** أنت القتيل بما ترمي فلا تصب
وباعث الطرف يرتاد الشفاء له *** احبس رسولك لا يأتيك بالعطب
أختي المسلمة: واعلمي أن البعد عن النظر المحرم لا يعني فقط غض النظر عن الرجال في الأسواق والطرقات، وإنما البعد أيضا عن أسباب الفتن الأخرى، كالقنوات الفضائية والمجلات الماجنة وغيرها مما يسبب الفتنة عند النظر.
تقول إحدى الطالبات: لي صديقة دعتني يوماً إلى منزلها وفي غرفتها الخاصة، وبعد أن تحادثنا كثيراً عن المدرسة وعن الثياب ثم عن أسماء بعض الروايات الماجنة، رأيت رفيقتي قفزت فجأة وأخرجت من بين ثنايا الثياب شريط فيديو، ثم أحكمت باب غرفتها، وسألتني هل شاهدت فيلماً جنسياً من قبل؟
ذهلت لسؤالها المفاجئ.. ثم لم تنتظر مني الإجابة، بل وضعت الشريط وأدارت الجهاز فاستدرت أنا وأعطيتها ظهري، وطلبت منها فتح الباب لأنصرف، وقلت لها: هذا ليس من أخلاقي وأخلاقك، ما الذي حدث لك!! فلم تجبني، فقامت ووضعت يدها على كتفي وأدارت وجهي وهي تقول: افتحي عينيك لقطة واحدة فقط!! هيا افتحي عينيك أرجوك!!
وفتحت عيني وليتني لم أفعل.. شاهدت أمراً مهولا رهيباً، وشعرت كأن مسماراً ملتهباً دخل من رأسي إلى عيني وشعرت بقبضة في صدري.. فصرت لا أنام الليل.. وأخذني الهم والسهر والحزن.
فتأملي أختي المسلمة فيما أصاب هذه الطالبة من تحول رهيب في نفسها حتى أسهرت ليلها وهي تفكر فيما رأته من المشاهد الخليعة... ولا شك أن مثل هذه الآثار تولد في النفس رغبة قاتلة... وتضعفها أمام أدنى محاولة من معاكس سافل فتأملي!!
7- التبرج والخروج لغير حاجة: ولأن التبرج دليل على انحلال من تتصف به، وبعدها عن الحياء والحشمة فإن السفلة من المعاكسين يطمعون في الكلام مع المتبرجات، أشد من طمعهم في غيرهن، فلو لم ير المعاكس عنوان الفسق في لباس المرأة لما تجرأ على معاكستها ومحاولة الإيقاع بها في أحضان الرذيلة.
لذا- أختي المسلمة- عليك أن تصوني عرضك بالحجاب، وأن تلتزمي بالحشمة والوقار فإن ذلك يدفع عنك المعاكسات، ويجنبك الوقوع في الفتن والمحرمات.
إن الرجال الناظرين إلى النسا *** مثل السباع تطوف باللحمان
إن لم تصن تلك اللحوم أسودها *** أكلت بلا عوض ولا أثمان
وأما الخروج لغير حاجة فإنه مضنة الوقوع في الفتن، لا سيما إذا تخلله البعد عن الحياء، ولذلك فقد قرر الإسلام أن لزوم المرأة في بيتها هو المخرج من الفتنة والكفيل بإبعاد الفتنة عنها وعن المجتمع، وكلما لزمت الأخت المسلمة بيتها كانت آمنة من حيل المعاكسين، الذين يتربصون في الأسواق والطرقات، ويتفننون في التعريف بأرقام الهواتف أو استخراجها من الأطفال والجيران. قال - تعالى -: ((وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى)) [الأحزاب: 33].
8- الفراغ: وليس الفراغ في حد ذاته سبباً في الوقوع في المعاكسات، وإنما الفراغ المقترن بالغفلة، فإذا غفلت المرأة المسلمة عن ذكر الله - جل وعلا - وأفرغت نفسها لخواطر النفس ووساوس الشيطان أصابها الضعف والهوان، وأصبحت رهينة شهواتها وملذاتها.. ولذلك فقد قرن الله - جل وعلا - بين الغفلة واتباع الهوى فقال: ((وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَن ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطاً)) [الكهف: 28].
أختاه: اعلمي أن الفراغ نعمة من النعم العظيمة.. لو عرفت كيف توظفينها في الخير لكانت لك فوزاً في الدنيا وذخراً يوم القيامة. قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس الصحة والفراغ" [رواه البخاري].
بادر شبابك أن تهرما *** وصحة جسمك أن تسقما
وأيام عيشك قبل الممات *** فما قصر من عاش أن يسلما
ووقت فراغك بادر به *** ليالي شغلك في بعض ما
فقدم فكل امرئ قادم *** على علم ما كان قد قدما
9- تأخير الزواج: وكثيراً ما يكون الآباء سبباً في دفع بناتهن إلى اقتفاء طريق المعاكسة والمغامرة بأعراضهن من أجل الزواج. ذلك أن الأب إذا كان ممن يرفض تزويج بنته لأسباب تافهة فإنه بتصرفه ذاك يحرمها من السكينة والتحصن، وقد يدفع بها إلى مهاوي الفساد والهلاك..
تقول أخت أنها كانت ضحية والدها:
إنني أعاني أشد المعاناة، وأعيش أقسى أيام حياتي، ذبحني والدي بغير سكين، ذبحني يوم حرمني من الأمان والاستقرار والزواج والبيت الهادئ بسبب دريهمات يتقاضاها من مرتبي آخر الشهر، يقتطعها من جهدي وتعبي وكدي!!
وهذه الأخت: أخذ الشيطان بيدها إلى الرذيلة، وساقها إلى الشر، فأخذت تعاكس وتتكلم مع الشباب والرجال في الهاتف، حتى أصبحت سمعتها في الحضيض بسب رفض أبيها لزواجها.
ألا فليتق الله الآباء في بناتهن، وليبعدوهن عن أسباب الفتنة والضياع، لا سيما في هذه الأزمان، حيث كثرت الفتن وأصبحت نساء المؤمنين أضعف عن مواجهة زلازل الشهوة وبراكين الفتنة، فكل أب مسؤول عن ابنته ولا يجور له أن يقذف بها إلى مسار المعصية بحرمانها من الزواج والعفاف، قال - صلى الله عليه وسلم -: "إذا خطب إليكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه إلا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد عريض".
وعن عبد الله بن عمر - رضي الله عنهما - أن رسول - صلى الله عليه وسلم - قال: " ألا كلكم راع، وكلكم مسؤول عن رعيته، فالإمام الذي على الناس راع، وهو مسؤول عن رعيته والرجل راع على أهله، وهو مسؤول عن رعيته".
وقال - صلى الله عليه وسلم - "لا يسترعي الله- تبارك وتعالى -عبداً رعية قلت أو كثرت إلا سأله الله- تبارك وتعالى - عنها يوم القيامة، أقام فيم أمر الله- تبارك وتعالى -أم أضاعه، حتى يسأله عن أهل بيته خاصة"
أبى هذا العتاب وذاك قلبي *** يؤرقه بآلامي السقام
أبي حطمتني وأتيت تبكي *** على الأنقاض ما هذا الحطام
أبي لا تغض رأسك في ذهول *** كما تغطيه في الحفر النعام
لجاني الكرم كاس الكرم حلو *** وجنى الحنظل المرء الزوام
أثارها ومخاطرها: آثار المعاكسات عظيمة، ومخاطرها في المجتمع وخيمة وأهمها:
1- شيوع الفاحشة: فمهما كانت مسوغات المعاكسة أو المعاكس، فإن نهاية هذا البلاء لا يمكن أن يكون إلا الفاحشة والرذيلة، لأن المعاكسة شرعة في حكم الخلوة، ومما خلا رجل بامرأة إلا كان ثالثهما الشيطان. قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إياكم والدخول على النساء" فقال رجل من الأنصار: يا رسول الله! أفرأيت الحمو؟ قال: "الحمو: الموت" [رواه البخاري].
والحمو هو قريب الزوج فإذا كان دخوله على زوجة أخيه والخلوة بها محرماً وإيذاناً بهلاك الأسرة والحياة الزوجية فكيف بالأجنبي البعيد.
لا يأمنن على النساء أخ أخا *** ما في الرجال على النساء أمين
إن الأمين وإن تعفف جهده *** لا بد منه بنظرة سيخون
ولو تتبعنا قصص التائبات من المعاكسة والتائبين لوجدن أغلب الحالات قد انتهت بالفسق والفجور ودمار الأعراض.
2- دمار الأسر: فكثيرة هي حالات الطلاق بسبب بلاء المعاكسات، فهناك من يستغل غياب الزوج ورقابته ليعاكس أهله وقد تكون الزوجة ممن تتساهل في الردود أو ممن تهوى العبث واللعب بالمعاكسات فتبادل ذاك المعاكس الكلام- لا لقصد الفاحشة- ثم تتطور الأمور حتى يبلغ الخبر إلى زوجها فيحدث الطلاق!! بل قد تكون المعاكسات سبباً في الطلاق حتى بعد التوبة من ذلك.(111/266)
يقول أحد المعاكسين: أنا وسيم جداً، كنت أطارد النساء أينما حللن وكانت لي مغامرات لا يعلم بها إلا الله.. وهذه المغامرات التي فتحت لي اليوم أبواب المشاكل وعصفت بنفسيتي وجعلتني أستعيد كل لحظة عشتها مع إحداهن فحياتي الزوجية مهددة بسبب تلك العلاقات.. وعندما قلت سابقا أنني أستعيد كل لحظة مع إحداهن.. فإنني أقولها حقيقة بمرارة كبيرة، لأنني أتصور زوجتي الآن تمارس نفس الدور وأن حركة يدها في السوق مثلا: تعني شيئاً لواحد ينتظرها.. أو أن لفتتها.. حتى لو كانت عفوية في السيارة تعني شيئاً.. بل أكثر ما يطحن في نفسي هو أنها إذا أمسكت بسماعة الهاتف وتحدثت لإحدى أخواتها أو صديقاتها... إلخ. أظل ساكناً متابعا لكل كلمة تنطقها.. وكثيراً ما جلست أحلل كلماتها ومعانيها.. إذا إنها ربما تعمل مثل صاحباتي السابقات اللاتي كن تحدثن معي على أنني إحدى زميلاتهن أو صديقاتهن ودوماً يكون حديثهن مؤنثا. مثلا: "ما تدرين يا فلانة " كل هذا وغيره كثير مما أواجهه مع نفسي.. ولا أدري ماذا أصنع حيال هذا الموقف العجيب.. الذي أعيشه. إن بي رغبة في أن أريح نفسي من هذا العناء إلى درجة أنني فكرت في تطليق زوجتي وهو الحل الأسلم الذي أراه أمامي.. وفكرت بعد طلاقها أن لا أتزوج بعدها.
وهذا الأخ لم يرجع من رحلة المعاكسات بغير الوساوس المدمرة لعرى الأسرة!! وقد كان ينتابه الوسواس الذي يذكره الشاعر بقوله:
يا هاتكاً حرم الرجال وتابعاً *** طرق الفساد فأنت غير مكرم
من يزن في قوم بألفي درهم *** في أهله يزني بربع الدرهم
إن الزنا دين إذا استقرضته *** كان الوفا من أهل بيتك فاعلم
ناهيك عما في المعاكسات من تضييع للأعمال والأوقات، والوساوس والحسرات، وإهدار الأموال والطاقات، والعبث بالعرض والشرف والسمعة، وعرضه للتهتك والضياع.
إذا المرء لم يلبس ثياباً من التقى *** تقلب عريان وإن عاش كاسيا
وخير خصال المرء طاعة ربه *** ولا خير فيمن كان لله عاصيا
العلاج:
أختي المسلمة: لقد تبين لك ما لظاهرة المعاكسات من نتائج سلبية على الأعراض والأسرة والمجتمعات وعرفت ما تسببه من المهالك والجنايات.. والأضرار والعقوبات، وهذا كله يدفع المرأة العاقلة أن تنهج سبل الوقاية من هذا الداء وأن تبحث لذلك الدواء.
واليك بعض النصائح والتوجيهات التي تعينك على ذلك:
1- تقوى الله ومراقبته: إن تقوى الله - جل وعلا - مفتاح كل خير ووقاية من كل شر، قال - تعالى -: ((وَاتَّقُواْ اللّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللّهُ)) [البقرة: 282]، فمن اتقى الله باجتناب المحارم وأسبابها وأداء الفرائض في أوقاتها وقاه الله كل شر وعلمه طرقه وأسبابه وجنبه عقوباته وعذابه، فإن التقوى تولد في النفس الحياء من الله ومراقبته، فإذا لبست المسلمة ثوب الحياء، فهي على خير عظيم، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "الحياء خير كله " [رواه مسلم]، والحياء هو أساس الحشمة والعفة.
إذا لم تخش عاقبة الليالي *** ولم تستحي فاصنع ما تشاء
فلا والله ما في العيش خير *** ولا الدنيا إذا ذهب الحياء
2- الاستعفاف: فإنه خير معين على كبح الشهوة وجموحها، وخير مفتاح لباب الفرج، فإن الجزاء عند الله من جنس عمل صاحبه، وكلما كنت أختي المسلمة- حيية عفيفة سهل الله لك طريق الزواج والسكينة وما ذلك على الله بعزيز، فقد وعد بذلك في كتابه الكريم فقال: {وليستعفف الذين لا يجدون نكاحا حتى يغنيهم الله من فضله} [النور: 33].
فإذا أتاك- أختي المسلمة- من ترضين دينه وخلقه فتزوجيه، يكن لك عونا على الدين والدنيا ولو كان فقيراً، قال - صلى الله عليه وسلم - " حق على الله عون من نكح التماس العفاف عما حرم الله". وقال - صلى الله عليه وسلم - "ثلاثة حق على الله - تعالى -عونهم: المجاهد في سبيل الله والمكاتب الذي يريد الأداء، والنكاح الذي يريد العفاف".
3- مرافقة الخيرات الطيبات: لأن الرفقة السيئة من أعظم أسباب الوقوع في المعاصي عموما والمعاكسات خصوصا - كما سبقت الإشارة إليه.
أما مرافقة الطيبات فإنها تعين على كل خير، وتدل على ما فيه صلاح الدين والدنيا، وتبذل النصح والمعروف، وتنكر القبيح والمكروه.
أنت في الناس تقاس *** بمن اخترت خليلا
فاصحب الأخيار تعلو *** وتنل ذكراً جميلا
4- البعد عن أسباب الإثارة: كإطلاق النظر على الرجال المحارم، وسماع الأغاني، ومشاهدة الأفلام والمسلسلات الماجنة، والمجلات الساقطة، فكل هذه الأمور تهيج الشهوة وتثير الغريزة وتشجع على الفساد والانحلال، فهي من أعظم ما يوقع في شراك المعاكسات.
لذا أختي المسلمة فإن البعد عنها يقطع الطريق على المعاكسين، ويولد في النفس قوة إيمانية تستطيع مواجهة فتنتهم وحيلهم. وبالله التوفيق.
5- الاشتغال بما يعود على النفس بالنفع: فإن الغفلة هي سبب كل بلاء، وكما كانت الفتاة المسلمة لاهية عن ذكر الله أوقعتها غفلتها في مواطن الفتن والريبة لأن الشيطان يتقوى في الغفلات فإذا ذكر الله خنس وانتكس
وأهم ما ينبغي لك أختي المسلمة ـ الانشغال به ذكر الله - جل وعلا -، وتلاوة القرآن، ومطالعة الكتب النافعة، والدروس المفيدة، فإنها من مقويات الإيمان، ومجددات العزيمة، قال - تعالى -: ((ألا بذكر الله تطمئن القلوب)) [الرعد: 28]
ولأن الله - جل وعلا - قد وعد من حفظه بطاعته والمسارعة إلى فضله بالحفظ. قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "احفظ الله يحفظك، احفظ الله تجده اتجاهك "
فاحفظي أخية نفسك بطاعة الله يحفظك من كل سوء وبلية. - وبالله التوفيق، وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه وسلم
10-5-1424 هـ
http://akhawat.islamway.com المصدر:
ـــــــــــــــــــ(111/267)
البيوت المنقرضة
ضيف الحلقة: أ. فهمي هويدي
تاريخها: 16/5/2000 م
باحث ومفكر وكاتب إسلامي
أ. المطوع: السلام عليكم نرحب بكم في حلقة جديدة من برنامج {البيوت السعيدة} وتحت شعار{حتى تصبح السعادة عادة} نتواصل معكم من خلال هذا البرنامج.
موضوعنا اليوم {البيوت المنقرضة} قد يبدو غريبا بعض الشيء، وفي الحقيقة أن كثيرا من الدراسات والأبحاث تؤكد على أن معدل الولادات يتناقض جدا في البلاد الصناعية والمتقدمة وفي الستينات كتب البروفيسور {بول هرين} الشهير {قنبلة السكان}، وفيه يتوقع أن انفجارا سكانيا سيقع في المستقبل، لكن الخبراء الديمغرافيين وعلماء الاجتماع يعيشون اليوم في هلع.. !! فدراساتهم السابقة تقول إن عدد سكان العالم في عام 2050 سيصل تسعة مليارات، إلا أن توقعاتهم اليوم تقول: بل سيصل إلى سبعة مليارات ونصف المليار.. ! بمعنى أن السكان في تناقص بمقدار مليار ونصف عن التقدير السابق.
فما الذي أحدث هذا التناقض؟ ما هو السبب؟ وهل سيؤثر هذا النقص في البيوت واستقرارها؟ وهل النقص في الدول الصناعية والمتقدمة سيؤثر على بيئتنا وبيوتنا وسعادتنا؟!
هذا ما سنبحثه في هذه الحلقة مع ضيفنا الأستاذ والباحث فهمي هويدي فأهلا بك في برنامجنا.. وفي البداية نسألك استأذنا ما رأيك في عنوان حلقتنا اليوم؟!
أ. فهمي: طبعا العنوان مثير.. وهو حقيقة يعالج مشكلة تواجه العالم الصناعي الذي يكاد يتحول إلى نموذج للعالم ككل، فلعل بحثنا الآن يكون دافعا إلى عدم الإقتداء بالعالم الغربي ككثير من القيم التي انتقلت إلى عالمنا، وما ذكرته هو واقع يثير قلق كثير من الباحثين في العالم الغربي.
توقعات المستقبل للغرب:
أ. المطوع: هل يمكن أن تعطينا جولة رقمية بأحدث المواليد عند الغرب، وأخر الإحصاءات ونسبة المواليد عندهم، وتوقعاتهم للمستقبل؟
أ. فهمي: كما تفضلت فأنا عندي بيانات في هذا الموضوع، وبالنسبة هذا الموضوع كان عنوانا نشرته إحدى الصحف في الأرجنتين أهل الدول الصناعية معرضون للانقراض وهناك توقعات في عام 2025 م تظهر آثار التراجع بشكل حاد وفى الدانمرك مثلا فان عدد سكانها الآن في عام 1997 م خمسة ملايين ونصف المليون نسمة وفي عام 2025 م سيكون العدد أربعة ملايين وسبعين ألف نسمة... !
وفى النمسا يوجد اليوم مليون عازب تقريبا وسيصل عددهم في عام 2020 م إلى مليون وثلاثمائة ألف عازب بزيادة قدرها 42 %.
ففي الحقيقة يزداد عدد العزاب في العالم ويقل عدد المتزوجين وبالتالي تقل أعداد المواليد وتتراجع فرص الإنجاب مما يهدد الشعوب للانقراض وهذا نوع من أنواع توقع المستقبل.
السبب وراء توقع التناقص:
أ. المطوع: وما رأيك في السبب وراء هذا التناقص وهذه الإحصاءات؟ هل هو تطور التكنولوجي؟ هل هي الثورة العلمية؟ هل تغيير المفاهيم الاجتماعية له اثر، خاصة وأننا نرى أن تعريف الأسرة عندهم في الغرب مختلف؟ وهل ينظرون إلى هذا التناقض بأنه أمر مقبول أم مرفوض؟ وما هي العدة التي يعدونها لهذا الأمر؟
أ. فهمي: أظن أنه في الدرجة الأولى فإن المشكلة نشأت عن تفكك المنظومة القيمة وتراجع عديد من المفاهيم كما ذكرت {موضوع الأسرة}، أو موضوع الفضيلة وما هو الفرق بين الفضيلة والرزيلة؟ وعندنا تنفك منظومة القيم {ينفلت العيار} كما قال (بريجسك) عن المجتمع الأمريكي والغربي أنه مجتمع (Out of Control) فلم يعد الحاكم في المجتمع هي منظومة القيم بل القانون وليس أي قيم مرجعية معينة، وهم يقولون: القانون وليس الكنيسة والمراد بها الدين.
البعد الديني ملغى:
أ. المطوع: والبعد الديني ملغى أيضا.
أ. فهمي: طبعا بل انهار وحصل فيه تراجع كامل، وأصبح البعد الديني يكيف مع هذا التصور بحيث أصبحت بعض الكنائس في أمريكا تعقد زيجات بين الشواذ {المرأة بالمرأة والرجل بالرجل} للحفاظ على شيء يسمى الأسرة.
أ. المطوع: إذن فهذا هو الذي قاد إلى التدهور الموجود الآن، الانفعالات الذي لم يكن يتصورونه منذ خمسين عاما أو مائة عام، بدليل أنهم كانوا يتصورون العكس
(الانفجار السكاني):
أ. فهمي: هذا الكلام صحيح واحفظ في هذا الشأن (نكتة) معروفة في انجلترا، تقول (النكتة): إن رجلاً كبيرا في السن أراد الهجرة خارج انجلترا فاستغرب الناس وسألوه: لماذا، أنت الذي عشت عمرك فيها حتى كبرت؟ فقال: والله زمان كان الشذوذ أمر يعاقب عليه القانون، والآن أصبح القانون يدافع عنه وأصبح للشاذين حقوق فأنا أهاجر من هنا قبل أن يصبح الشذوذ إجباريا!!
وهذا الحاصل (تفكيك مستمر للقيم الاجتماعية)
الإسلام يدعو إلى زيادة النسل:
أ. المطوع: التوجيهات النبوية للرسول - صلى الله عليه وسلم - كانت تؤكد على التوجه إلى كثرة الإنجاب، يقول - عليه الصلاة والسلام -، {تناكحوا تكاثروا فإني مباه بكم يوم القيامة}، وفي حديث آخر: {تزوجوا الولود الودود} فقيمنا وثقافتنا تدعم هذا الاتجاه، بخلاف قيم الغرب الفقيرة في هذا الأمر.
هل سكان العالم في تزايد أم نقصان؟
أ. المطوع: تجول مصور البرنامج في الشارع وسأل الناس الذي قابلهم هذا السؤال: هل تعتقد أن سكان العالم في تزايد أم في تناقص؟ وأكثر الناس أجاب: إن السكان في تزايد فما هو تعليقك أستاذ فهمي؟
أرى أن الإجابة لا تؤخذ هكذا على الإطلاق بل الأمر يحتاج إلى فرز بين مجتمعات صناعية تقل فيها نسبة المواليد وبين مجتمعات غير صناعية (زراعية) تكثر فيها نسبة المواليد، وتقرير الأمم المتحدة في الشهر الماضي يؤكد على حاجة أوربا إلى حوالي تسعة ملايين نسمة من الخارج تستجلبهم من آسيا أم من شمال أفريقيا؟! والأرجح اعتمادهم على شمال أفريقيا لأنه الشاطئ الأقرب لهم.
التأثر بالغرب لم يصل لمرحلة خطرة:
أ. المطوع: هل تعتقد أن الأفكار المنتشرة في الغرب مثل الاقتصار على طفل واحد، أو زواج بلا أطفال، وأحيانا بلا زواج أصلا، هل تعتقد أن مثل هذه الأفكار قد تنسحب علينا وتؤثر في قيمنا، وقد يأتي مثلا ابني أو ابن احد المشاهدين ليقول أبى لا أريد الزواج!! أو يقول: أتزوج لكن لماذا الإنجاب؟ هل حدث مثل هذا؟
أ. فهمي: إننا أخذنا كثيرا من الأفكار والقيم، واستوردناها من الغرب، هذا أمر صحيح، وكمثال فإن القاعدة الآن هي الزوجة الواحدة، والتعدد هو الاستثناء لظروفه ومعطياته، وبالتالي فنحن قد تأثرنا ليس في موضوع التعدد بل وفى موضوع الإنجاب وموضوع الأسرة الكبيرة في تراجع، وبيت الأسرة في تراجع وكذلك في مسألة (تنظيم الأسرة) لم يقل إنسان: (تنظيم المجتمع)، لأن ما يصلح في مجتمع قد لا يصلح لمجتمع آخر، قد يكون التنظيم مطلوبا في الهند وغير مطلوب في الخليج مثلا، ثم إن بلاد الشرق الأوسط مثل إيران ومصر وتركيا كانت جاهزة لتقبل الأفكار المصدرة والمعلبة من الغرب وكان من الممكن الحديث عن تنظيم في عمل المجتمع، وتنظيم في شكل الموارد واستثمارها، وأنت في النهاية لابد من أن تحتاج إلى البشر.
لا زلنا في الشحم واللحم!!
أ. المطوع: ذكرت قبل قليل أننا لازلنا محافظين على الأسرة، وعلى القيم والعادات، لكن اسمح لي أن أعطيك مثالاً حصل معي أنا شخصياً، وأبين لك أن التأثير هذا حقيقة موجودة وأنه ليس من بالأمر السهل جدي وجدتي كان عدد أفراد أسرتهم أحد عشر شخصا، والآن جيلي ومن معي معدل عدد الأفراد الأسرة اثنان أو ثلاثة ونحن نحسب لهم ألف حساب، إذا نحن نتأثر بقضية الإنجاب، ويا ترى كم سيكون عدد أبناء أبناءنا؟! ماذا نتوقع استأذنا؟
أ. فهمي: أنا قلت إننا نتأثر بالفعل لكن في الحدود الدنيا، والتي لا تشكل تصادما حادا مع البنيان العقائدي الديني، فلا يزال مفهوم الأسرة مثلا في عالمنا العربي هو مفهوم الأسرة المستقر في ثقافتنا، والتطور الحاصل في بلادنا لا يزال هو الآخر ضمن الدائرة التي لم تتجاوز الخطوط الحمراء، فمثلا الفتاة تستطيع أن تخرج من منزلها بحرية، بل وتعيش في بعض الأحيان مع فتى في مكان واحد، وهناك نكون دخلنا في الخطوط الحمراء، إلا أنه في البنية العامة فإن التأثر لم يصل إلى العظم، ولازلنا في الشحم واللحم كما يقولون!
الدين يحافظ على الأسرة:
أ. المطوع: وهل ترى هذا الأمر إلى أن التمسك بالدين لا يزال موجوداً؟
أ. فهمي: نعم وأنا أرى أن الدين له تأثير كبير، والدين لم يهزم عندنا بعد، وإنما هزم في عالم الغربي والصناعي، وعندنا الدين يشمل الحياة كلها، وليس هو مجرد طقوس أو كما في الغرب كالكنيسة التي يرتبط بها الغربي ساعة في الأسبوع ثم ينفصل عنها بقيته إن الدين عندنا لا يزال هو الذي يحافظ على ثوابت الأسرة، وله رسوخه، وإنما أخشى إن يكونوا المسلمون في الغرب يتعرضون أكثر منا لمثل هذا الأمور.
إحصائيات غريبة:
أ. المطوع: أمامي الآن إحصائيات تتعلق بهذا الموضوع:
في (بريطانيا) هناك امرأة من بين كل خمسة نساء ترفض الإنجاب نهائيا، وفي (أسبانيا) معدل الولادة لكل امرأة هو (1. 15) وفي بعض الأجزاء من أسبانيا معدل الولادة لكل امرأة طفل واحد، وفي الاتحاد الأوربي في عام 1998م كانت معدلات الولادة أدنى من أي عام سابق منذ الحرب العالمية الثانية، وفي الهند تنجب المرأة أطفالا أقل من إنجاب المرأة الأمريكية في الخمسينيات! وفي الصين وتايلاند وكوبا اليوم فإن إنجاب النساء أقل من معدلات الوفيات.
النظرة إلى الحياة أصبحت مادية:
مشاهدة (السيدة ميرفت من أمريكا): أرى أن نظرتنا إلى الحياة أصبحت مادية مائة بالمائة، وبالتالي كل متطلباتنا تنحصر تجاه المادة، فإذا أردت أن أنجب أربعة أو خمسة أولاد، ولم أستطيع أن أؤمن لهم حياة ميسرة فلماذا أتى بهم إلى الدنيا؟ إن عندي طفل واحد والثاني على الطريق، لكن ليس عندي فكرة أن أزيد عددهم، لماذا آتي بأطفال، وليس عندي ما أستطيع أن أؤمن لهم النفقات الكافية مثل التدريس الجامعي أو سفرهم إلى الأهل في بلدنا؟ وكذلك أرى أن التعليم له دوره في هذا الاتجاه، فالجهل والأمية جعلت القدماء لا يفكرون إلا بالإنجاب، ولم يفكروا كيف سيتعلم هؤلاء الأبناء، بخلاف ما نحن عليه اليوم.
أ. المطوع: أرى أن هذه المداخلة مهمة، وهى تعطينا فكرة عن وضع (أهلنا) في الاغتراب، وكأني أشتم رائحة تأثر بالقيم الاجتماعية هناك، فالسائلة عندها ولد والثاني آت على الطريق، ولا تريد الزيادة، فما هو تعليقك على هذا الكلام؟
أ. فهمي: هذه صحيح بالنسبة للوضع في الغرب، فإن كنت لا تملك قرشا إذن فلا مكان لك بالحياة، أما في بلادنا فهناك الأسرة وهناك تكافل، وهناك تراحم، وهى لا تزال موجودة إلى اليوم، وأنا أرى أن هناك تأثراً كبيراً بالنسبة للجاليات المسلمة في الغرب عما هو عندنا من استيراد القيم الغربية، مع أن أمثال الذي ذكرته المشاهدة شائع في بلادنا العربية هذه الأيام، وهنا أقول: وأنا أسمع حديثها تذكرت أهلنا في فلسطين، فالإنجاب هناك لا علاقة له بأنه يتعلم أو لا يتعلم، هناك أباده للشعب الفلسطيني، وأحده الوسائل المشروعة للمقارنة أن يحارب الشعب عن طريق الإنجاب، فهنا القضية مختلفة، هنا مقاومة، وأعود أكرر أن كل مجتمع يجب أن تدرس خصوصيته، ولا يجب التعميم والمشكلة ليست فقط بسبب الحسابات المادية، إنما هي أكبر، وأنا اعرف بعض الأسر التي تحدث بها بعض المشاكل بسبب الفتاة التي تريد الاختلاط أو الخروج خارج البيت مع شبان آخرين، وهذه مسائل معقدة جداً ويعاني منها المسلمون في البلاد الغربية عموماً.
أ. المطوع: أرى أن قرارات الأسرة في عدم القدرة على التعليم أو التربية أن تلتزم بوجود طفل أو اثنين خير من ستة أو سبعة أطفال يكونون وبالا على المجتمع والأسرة، ويحضرني الآن قضية ابن رفع دعوى على أبيه: بأنه لا ينفق عليه، وعنده ثلاثة وعشرون ابنا، وهو يقول: أنا لا امتلك نقودا لكي اصرف عليه! كيف وهذا الابن أنت السبب في وجوده، وأنت صاحب القرار، فلا بد أن تتحمل مسؤوليته.
مليار فاعل لا خامل.. !!
مشاهد (السيد: محمد من الجزائر) أنا أتمنى أن أرى إحدى الدول العربية يصل عدد سكانها إلى مليار مثل الصين أو الهند، إن الأعداد تتناقص وهذا ما نلاحظه بسبب لقمة العيش وصعوبة الحياة فلا نجد أعداد الأولاد كالماضي، أريد أن تمتلئ بيوتنا بالأولاد لان هذا سيقودنا إلى العمل والإعداد لهم ونحسن بالوحدة والقوة على ظهر الأرض.
أ. المطوع: ما رأيك بقول السيد محمد الذي يريد دولة عربية عدد سكانها مليار؟ 1
أ. فهمي: أنا أيضا أتمنى وجود هذا العدد في دولة عربية، وأتمنى أن تكون لدينا القدرة حتى يكون هذا المليار فاعلا وليس مليارا خاملاً.
أ. المطوع: كما قال - عليه الصلاة والسلام - (غثاء كغثاء السيل) أي غير منتجين.
أ. فهمي: ولهذا ألح على فكرة الإنتاج والتنمية قبل الحديث هنا التحديد وتقليص الأعداد، لأن الكثيرين يقولون: إمكانياتنا هكذا فقط، والحقيقة أنه يمكن مضاعفة الإمكانيات، وهذه القضية تختلف من بلد إلى آخر، فبعض المناطق العربية تحتاج إلى أعداد كبيرة من البشر مثل منطقة الخليج العربي وبعض الدول في شمال أفريقيا مثل ليبيا.
مشاكل الشرق غير مشاكل الغرب:
مشاهد{السيد عبد الله من أمريكا} بالنسبة للأخ المشاهد الذي طرح النظام الإسلامي وتطبيق الشريعة أود التأكيد على أن تطبيق الشريعة يعتمد على ثلاث نقاط:
1-أن نغير من أنفسنا، ويبدأ كل فرد منا بنفسه ثم بيته ثم جيرانه وهكذا.
2-العدالة مع أنفسنا ومع أسرنا ومع كل شيء.
3-التدرج في الالتزام.
وهذا أود السؤال، فقد ذكرتم منظومة القيم عند الغرب، ألا يوجد عندنا خيانة زوجية؟ ألا يوجد طلاق في بلادنا؟ ألا يوجد فشل أسري لدينا؟
أ. المطوع: ما تعليقك يا أستاذ فهمي بقوله: كما في الغرب مشاكل خيانة وطلاق وفشل أسري أليس لدينا مثل هذه المشاكل؟
أ. فهمي: بالطبع لم يقل أحد أن هناك أشراراً وهنا أخياراً، بل هناك بشر وهنا بشر، وكما لهم مشاكلهم فلنا مشاكلنا، ومن هنا قال: بأننا مجتمع بلا مشاكل؟ وهناك بعض المناطق عندنا بسبب العادات والتقاليد ذات ضغط بالنسبة لمسائل الطلاق والعنوسة والفضائل والرذائل، فإن فهناك مشاكل لكن الشيء المختلف هي المعدلات، فضلاً عن أن المشاكل تختلف عندنا عما هي عليه في الغرب.
كم طفلا تريدين أن تنجبي؟
أ. المطوع: تجول المصور في الشارع، وكان يسأل الفتيات هذا السؤال المحدد (كم طفلاً تريدين أن تنجبي؟ ) وكان جواب الكثيرين منهن طفلين أو ثلاثة، فما تعليقك على هذا؟
أ. فهمي: أولا هذه تمثل الشريحة في مجتمع معين (المجتمع المصري) والأغلب يقولون اثنان أو ثلاثة، وأنا هنا ألاحظ تأثراً بتعبئة ثقافية معينة، وهى أنهم يريدون (ولد وبنت) من أجل تربية جيدة، في الحين أن الجيل السابق كانوا يربون تربية مع إن عدد الأولاد كان ستة وسبعة وثمانية.
تضخم الأنا في الغرب:
أ. المطوع: أتانا فاكس من السيد مازن الشيخ إبراهيم من ألمانيا وهو يتحدث عن تضخم الأنا في الغرب، وكيف أن المدرسة التي علمته اللغة الألمانية وهى وحيدة أبويها لم ترب يوما في أن تعوض النقص في عائلتها بإنجاب الأولاد بل ترغب يوما في إن تعوض النقص في عائلتها بإنجاب الأولاد بل قالت أن أهم شيء أن أعيش سعيدة وبحرية وإن كان على حساب ابني!
ثم يقول: بأن الانفجار السكاني هو سمة هذا العصر، وأن الدول النامية والفقيرة والتي لا تجد الرفاهية كما في الغرب تعوض هذا النقص بالإنجاب ولكن هل سنقاوم الأمراض المنتشرة بشدة وكثرة؟ هل سنقاوم الجفاف والتصحر؟ أليس من الخير تنظيم النسل؟
أ. فهمي: فيما يتعلق بحديثه عن المدرسة الألمانية هذا يعبر عن نمط وتفكير سائد في الفكر الغربي والاستدلال به صحيح، وفيما يتعلق بالانفجار السكاني فالحقيقة أن هناك نوعاً من التناقض كما ذكرنا أول الحلقة، والدليل أنهم الغربيون هم الذين يتحدثون عنه في الغرب ويتوقعونه للمستقبل وليس من الغريب أن يحدث نوع من التوازن في هذا الكون فالفقر والحروب الأهلية والكوارث وإن كنا لا نريدها تحدث عادة نوعا من التوازن وفي العالم الصناعي فإن له مشاكله المعينة والتي تختل بالتأكيد عن مشاكل العالم الثالث أو العالم الإسلامي والعربي، وفي أفريقيا نجد مشاكل كثيرة مثل الجنس والجفاف والحروب الأهلية الكثيرة التي أضعفت وأثرت في أفريقيا.
من يربي الأسرة؟
مشاهد (السيد لؤي من أمريكا) لدى ملاحظة فبعض الناس يظنون أن الإنسان إن كانت حالته المادية جيدة فإنه سينجب الكثير من الأولاد وأنه كانت حالته على العكس فسيقتصر على عدد ضئيل من الأولاد وأنا أرى أن المهم هي التربية وليس الحالة المادية فما معنى أن تنجب الكثير من الأولاد دون أن يتمتعوا بقدر جيد من التربية والتعليم؟ وهنا أقول ليس بالضرورة التربية الدينية.
أ. المطوع: الأخ (لؤي) يرى أن القضية ليست مالية ويجب أن نهتم بالمحتوى والتربية شيء أساسي وقال ليس بالضرورة أن تكون التربية دينية فما رأيك استأذنا؟
أ. فهمي: هذا صحيح ولكن السؤال من يربي؟ وفي الحقيقة لم يعد الأب هو رب الأسرة بل التلفزيون هو رب الأسرة فمتى يربي الأب؟ وهو دائما مشغول والأم كذلك وليسا متفرغين للتربية مما يجعل الأبناء فريسة سهلة للتلفزيون الذي يتعلمون منه الكثير.. والمشاهد (لؤي) يتحدث عما نتمناه لكن الحاصل شيء مختلف.
الإنجاب وخشية الفقر:
أ. المطوع: جاءنا فاكس من السيدة: (أم عبد الكريم) تقول فيه: إن من أسباب قله الإنجاب خشية الفقر وهى تروى حادثة لها تقول: من خمس سنوات تزوجت رجلاً فقيرا، ثم رزقنا بولد فطلب أهل زوجي منى الاكتفاء به، وعندما ولدت الطفل الثاني لامني الجميع وبعد فترة من الزمن تحسنت أحوالنا بشكل لا يصدقه عقل ولذا أطلب من يخشون الإنجاب بسبب الفقر أن يعلموا أن الغيب بيد الله وان الرزق من فضله - سبحانه -.
أ. فهمي: (أم عبد الكريم) تستحق التحية لأنها تملك الثقة بالله - سبحانه - وأنا فعلا مع فكرة أن الحسابات كلها لا تكون فقط مسالة جمع وطرح ليكن هناك نصيب للجميع والطرح لكن يستحوذ هذا على كل شيء والتجربة أم كريم خير برهان ولو جمعت وطرحت من البداية لما أنجبت أصلا أو اكتفيت بولد واحد فالمطلوب من الإنسان أن يكون عنده أمل برحمة الله، وأن الأمور قد تتحسن وكل هذا بشرط التوازن فلا إفراط ولا تفريط في حساب الأمور.
أ. المطوع: من الأمثال العربية المشهورة (يا رازق البغاث في عشه) والبغاث هو الصغار فراخ الغراب، وكما نعلم أن الغراب ريشة أسود وعندما يفرخ فإن أفراخه يكون ريشها ابيض ولهذا ينفر ويستنكر الأب والأم من أولادهم ويتركون العش ويهربون فينشئ الله - عز وجل - البغاث بين الريش الوليد الغراب، ليتغذى به، وبعد فترة يكبر وينقلب ريشه أسود، فيعود الوالدان إلى أولادهم، فيا سبحان الله.
مجتمعات المسنين في الغرب:
أ. المطوع: وهنا أسال دائماً: توصف المجتمعات الغربية بأنها مجتمعات كبار السن والشيوخ بينما توصف مجتمعاتنا بأنها مجتمعات شباب فما رأيك بهذه المقولة ومستقبلها؟
أ. فهمي: المقولة صحيحة لقلة الإنجاب في العالم العربي وكثرة المسنين، وهناك دراسات تبين أن هناك مصانع بدأت تصنع سيارات للمسنين، وكيف أن كبار السن سيؤثرون في الحياة السياسية باعتبارهم كثر في التصويت والانتخابات وستكون المجتمعات أكثر محافظة، وأكثر ميلاً لناحية التأمينات، وهناك رؤى مستقبلية مثل هذه الأمور.
الهداية + السعي
المشاهد (السيد: أبو سعد من سويسرا) يقول الله - تعالى -: (الم نجعل الأرض كفاتاً، أحياء وأمواتا) والله هو مالك الملكوت كله، من سمائه إلى أرضه، وهذه المسالة جوهرية في حسنا، نحن المسلمين ووالدي له تسعة أولاد والآن فان أحفاده قد وصلوا إلى مائة!! فانا أقول: إن اتبعنا هداية الله والتزمنا بها فسنكون بخير سواء عندنا عشرة أولاد أو ثمانية أو اقل من ذلك.
أ. فهمي: الخلاصة التي ذكرها المشاهد وهى (الهداية) أمر مهم ومطلوب لتوازن المجتمع واستقراه، وأضيف عليها أمرا آخر وهو السعي ولا نستطيع الاكتفاء فقط بالهداية مع أهميتها البالغة، وهذا ما سيوصلنا إلى السعادة وتوثيق الله - عز وجل -.
الأم المجانية:
أ. المطوع: في الغرب قضية وفكرة (الأم المجانية) شائعة عندهم وهى الأم الجالسة في بيتها لتربية أبنائها، ويقولون: كيف تصرفين من وقتك في تربية أبنائك مجانا؟ وكيف تصرفين عليهم من غير دخل عمل؟ هذه الفكرة هل نتوقع أن تنسحب يوما على أمهاتنا في الشرق؟ وهل ترى لها بوادر في مجتمعاتنا؟
أ. فهمي: والله جيل أمهاتنا مستحيل، لكن هذا ممكن في جيل بناتنا، وفي الحقيقة حصل تأثر بالقيم والأفكار الغربية والثقافة الغربية، بحيث أصبحت المرأة العاملة هي التي تعمل خارج البيت ولو نظرنا نظرة فاحصة لعلمنا أن هناك امرأة عاملة خارج البيت وامرأة عاملة داخل البيت واعتقد أن المرأة العاملة داخل البيت تعمل أضعاف المرأة العاملة خارج البيت والسبب أن المرأة في داخل البيت مستنفرة للعمل أربعاً وعشرين ساعة بينما المرأة خارج البيت تعمل لساعات معينة؟ ثم تعود لبيتها مرة أخرى.
التأثر بالمنظومة الغربية:
مشاهد (السيد: مصطفى علام من أمريكا) عندي بعض التعليقات البسيطة، فالظروف الاقتصادية تؤثر على الشاب والفتاة المقبلين على الزواج وضيق المسكن يؤثر على الإنجاب، والإعلام ودور الدولة له تأثير أيضا، ففي مصر مثلا الدولة تعطى دعما بالنسبة للأطفال الثالث والأم العاملة تأخذ إجازة بدون مرتب ودور الرعاية بالنسبة للأطفال غير متوفرة، ونرى وسائل الإعلام تنشر فكرة أن من يولد له أكثر من طفلين فإن حياته في المستقبل ستكون صعبة.
أ. فهمي: المشاهد يتحدث عن المسكن والظروف الاقتصادية ودور الرعاية ودعم للدولة، والأمر أعمق من هذا بكثير، المسالة هي التأثير بالمنظومة الثقافية الغربية، حتى أن بيوتنا نصممها على النمط الغربي، ونقول: والله البيت ضيق لا يتحمل.. !!
وأكرر أن كل مجتمع له خصوصيته، وفي مصر نجد اختلافا عما هو عليه في دول شمال أفريقا مثلا أو الشام أو دول الخليج، فأنا أجد صعوبة في التعميم.
دور المجتمعات في حل القضايا:(111/268)
أ. المطوع: من القرارات الجميلة في الإمارات مثلا أن كل إماراتي متزوج من امرأة إماراتية يعطى (70 ألف درهم) من صندوق الزواج والآن صدر قانون جديد منذ أسبوعين أن لكل إماراتي فوق سن الثلاثين سنة زيادة (5 ألاف دولار) وهذا القانون يساهم في استقرار الأسر والمجتمع وفي السويد على سبيل المثال ومنذ ستة شهور صدر قانون في أن كل طفل ينجب من عائلة سويدية يخفض عنه نسبة معينه من الضرائب، ويعطى مكافأة مالية من الحكومة، والسبب أن مجتمعاتهم آيلة إلى الانقراض، فهم بين أمرين: إما استقبال مهاجرين جدد، وإنا التشجيع على زيادة المواليد.
ومما يذكر على سبيل المثال وهو حقيقة أن الصين سنويا تلد مصر.. !! ومصر سنويا تلد الكويت.. !!
أ. فهمي: أنا هنا لدى ملاحظة، وهي ما لفت نظري في كلام المشاهد مصطفى علام فنحن دوما نتحدث عن دور الحكومات ولكن أين دور المجتمعات؟ فلابد أن يكون لها إسهام في تحريك القضايا، وقد تحدث عن الإمارات وهذه لفته طيبة عن إدراك ووعى بحقائق الواقع فالسيدات فوق الثلاثين يحتجن إلى دعم لمن ينظر إليهن على أنهن قد فاتهن قطار الزوجية، وأعود فأقول يجب على المجتمع أن يفكر بمستقبله وكثير من نشاطنا الأهلي متجه إلى للعمل السياسي وما يتعلق به، أما الأمور الاجتماعية فمهمشة مثل فكرة كيف نساعد على الزواج؟ وكيف تقيم حضانات إذ لزم الأمر؟ فالمسالة لا تنظر مبادرة حكومية، وهذا الإحساس بان المجتمع يستقبل ولا يرسل فهذا أمر خاطئ.
أ. المطوع: وموضوع الوقف ينبغي أن يوظف اجتماعيا.
أ. فهمي: هذه إشارة طيبة والوقف قديما كان له دوره الاجتماعي بالغ الأهمية وكان عبارة عن تنمية المجتمع وتصحيح دوره ومساره باستمرار ونحن للأسف أسقطنا من رصيدنا هذه التجربة المميزة وحبذا لو يكون هناك (صندوق الزواج) بالنسبة لكبار السن أو كبيرات السن يعتمد فيه على الوقف وما شابهه.
تحصين مجتمعاتنا من الانقراض:
أ. المطوع: ما هو الحل؟ نحصن أنفسنا وكيف نحصن بيوتنا من عدم الانقراض مستقبلا، دون أن نتبع الغرب شبرا بشبر حتى لو دخلوا جحر ضب لدخلنا خلفهم، فكيف نأخذ من حسناتهم ونترك سيئاتهم؟
أ. فهمي: هذا من أصعب الأسئلة التي طرحت في هذا اللقاء، لكن في ذهني أننا الآن في حالة من الهزيمة الحضارية التي كما قال عنها (ابن خلدون): (المغلوب مولع دائما بتقليد الغالب) فالظن بان الغرب هو المثل الأعلى هذا ظن خاطئ وفي رأي أن الغرب له تجربة مهمة وهى نافعة في أشياء وضارة في أشياء أخرى ولكننا المسلمين مطالبون بأن نكون أكثر دقة في أنفسنا وأكثر وعيا بديننا وتمسكا بتعاليمه وان تكون الرؤيا لدينا متسقة أكثر ولدينا الحقيقة أزمة في منظومة القيم وهى أزمة وضوح فدور المدرسة ودور الأهل ليس بينهما تنسيق واضح والجيل الذي ينشئ يجب أن يعلم هل يقلد الغرب أم يستفيد من الغرب؟ هل هو معتز بدينه وذلته وقيمه وحضارته، والتي هي الحاضن الحقيقي لأرى رؤية مستقبلية؟
أسباب التكاثر:
مشاهد (السيد: على سعد أمريكا) أقول إن الأب يعطي ابنه في البلاد العربية النسب والطاعة بينما الابن لا يستفيد هذا الشيء من أبيه، ثم إن التربية هي المهمة في مسألة الإنجاب وليس المال.
أ. فهمي: ليس فقط طاعة ونسب، بل التكاثر له عدة أسباب فمثلا في بعض الأفكار العربية يكثر الأب أفراد أسرته ليتخذهم عمالة.. !!
وأنا لا أظن أن مسألة الإنجاب تتقيد بهدف معين، إنما هي سنة من سنن الله - تعالى -يدور ويعيش الناس في ظلها، وتستثمر في اتجاهات معينة.
العدل أساس الأمم
أ. المطوع: وصلنا فاكس من السيد رءوف أباظة من ألمانيا يقول فيه إنما يجعل البيوت تصير في حكم المنقرضة أمران: التشبه بمجتمعات كتب الله عليها الفناء بسبب كفرها!!
والخوف الثالث من قدرة الله، والذي نبع من اشتراك الحكومات والمجتمعات في البعد عن شرع الله التي قننت لنا الأخلاق.
أ. فهمي: أنا لا أوافق الأخ على ما ذكر أنها دول مكتوب عليها الفناء، لأنها ديار كفار، فقبل فترة كنت أقرا كلام (ابن تيمية) بان المسألة ليست كفر وإيمان، إنما هي عدل وظلم، وسماها (الدولة العادلة وإن كانت كافرة) وهذا من العدل أيضا، وربما المشاهد يستفيد من مقامه من سماحة العدل الموجودة في هذه الدول، فأنا لا أريد أن نذهب بعيدا، فنراهن على فناء الدول واندثارها، ولا أريد أن نقيم بناءنا على أنقاض الآخرين، بل نريد أن نبني بناء أفضل وأمتن، وأما مسألة كفرهم فالله يحاسبهم، وقد يهديهم ذات يوم.
أ. المطوع: في النهاية نشكرك أستاذ فهمي..وحتى تصبح السعادة عادة، مع السلامة.
|
http://www.almutawa.info المصدر:
ـــــــــــــــــــ(111/269)
البيت السعيد
صالح بن عبدالله بن حميد
مقدمة
الحمد لله الذي هدانا للإسلام، وجعلنا من أهله وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله، أحمده سبحانه وأشكره على نعمه، وأسأله المزيد من فضله وكرمه، وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، أرسله بالهدى ودين الحق بشيراً ونذيرا؛ دعا إلى الحق وهدى إلى الخير، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحبه، ومن اهتدى بهديه إلى يوم الدين.
أما بعد:
فاتقوا الله أيها المسلمون وعظموا أمر ربكم واحفظوا دينكم وأماناتكم، وقوموا بمسئولياتكم
أتقوا الله في أنفسكم وأهليكم وأصلحوا ذات بينكم.
فكثير من النالس يطلب السعادة ويتلمس الراحة وينشد الاستقرار وهدوء النفس والبال، كما يسعى في البعد عن أسباب الشقاء والاضطراب ومثيرات القلق ولا سيما في البيوتات والأسر. وليعلم أن كل ذلك لا يتحقق إلا بالإيمان بالله وحده، والتوكل عليه، وتفويض الأمور إليه، مع الأخذ بما وضعه من سنن وشرعه من أسباب.
أهمية بناء الأسرة والألفة في بيت الزوجية:
وإن من أعظم ما يؤثر في ذلك على الفرد وعلى الجماعة بناء الأسرة واستقامتها على الحق؟ فالله سبحانه بحكمته جعلها المأوى الكريم الذي هيأه للبشر من ذكر وأنثى... يستقر فيه ويسكن إليه، يقول جل جلاله وتقدست أسماؤه ممتتا على عباده:
{وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ} (21) سورة الروم
نعم ليسكن إليها ولم يقل ليسكن معها، مما يؤكد معنى الاستقرار في السلوك والهدؤ في الشعور، ويحقق الراحة والطمأنينة بأسمى معانيها، فكل من الزوجين يجد في صاحبه الهدوء عند القلق، والبشاشة عند الضيق.
إن أساس العلاقة الزوجية الصحبة والإقتران القائمان على الود والأنس والتآلف، إن هذه العلاقة عميقة الجذور بعيدة الآماد، إنها أشبه ماتكون صلة للمرء بنفسه بينها كتاب ربنا بقوله:{ هُنَّ لِبَاسٌ لَّكُمْ وَأَنتُمْ لِبَاسٌ لَّهُنَّ } (187) سورة البقرة
فضلا عما تهيئه هذه العلاقة من تربية البنين والبنات وكفالة النشء... التي لا تكون إلا في ظل أمومة حانية وأبوة كادحة... وأي بيئة أزكى من هذا الجو الأسري الكريم.
دعائم بناء الأسرة المسلمة
أيها القارئ الكريم:
هناك أموركثيرة يقوم عليها بناء الأسرة المسلمة وتتوطد فيها العلاقة الزوجية، وتبتعد فيها عن رياح التفكك وأعاصير الانفصام والتصرم.
(1) الايمان بالله وتقواه:
وأول هذه الأمور وأهمها: التمسك بعروة الإيمان الوثقى... الإيمان بالله واليوم الآخر، والخوف من المطلع على ما تكنه الضمائر ولزوم التقوى والمراقبة، والبعد عن الظلم والتعسف في طلب الحق.
{ ذَلِكُمْ يُوعَظُ بِهِ مَن كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ} [سورة الطلاق، الآية: 2- 3].
ويقوي هذا الإيمان.. الإجتهاد في الطاعة والعبادة والحرص عليها والتواصى بها بين الزوجين، تأملوا قوله- صلى الله عليه وسلم-: "رحم الله رجلاً قام من الليل فصلى وأيقظ امرأته فصلت، فإن أبت نضح في وجهها- يعني رش عليها الماء رشاً رفيقا- ورحم الله امرأة قامت من الليل فصلت وأيقظت زوجها فصلى، فإن أبى نضحت في وجهه الماء).
إن العلاقة بين الزوجين ليست علاقة دنيوية مادية ولا شهوانية بهيمية، إنها علاقة روحية كريمة، وحينما تصح هذه العلاقة وتصدق هذه الصلة فإنها تمتد إلى الحياة الآخرة بعد الممات: {جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ } [سورة الرعد، الآية 23].
(2) المعاشرة بالمعروف:
إن مما يحفظ هذه العلاقة ويحافظ عليها... المعاشرة بالمعروف، ولايتحقق ذلك إلا بمعرفة كل طرف ما له وما عليه، وإن نشدان الكمال في البيت وأهل البيت أمر متعذر، والأمل في استكمال كل الصفات فيهم أو في غيرهم شيء بعيد المنال في الطبع البشري.
* دور الزوج في الحفاظ على بيت الزوجية والمعاشرة بالمعروف:
ومن رجاحة العقل ونضج التفكير توطين النفس على قبول بعض المضايقات والغض عن بعض المنغصات، والرجل وهو رب الأسرة مطالب بتصبير نفسه أكثر من المرأة، وقد علم أنها ضعيفة في خلقها، وخلقها إذا حوسبت على كل شيء عجزت عن كل شيء، والمبالغة في تقويمها يقود إلى كسرها وكسرها طلاقها، يقول المصطفى الذي لا ينطق عن الهوى- صلى الله عليه وسلم-: "واستوصوا بالنساء خيراً فإنهن خلقن من ضلع وإن أعوج شيء في الضلع أعلاه فإن ذهبت تقيمه كسرته وإن تركته لم يزل أعوج فاستوصوا بالنساء خيرا" فالاعوجاج في المرأة من أصل الخلقة فلابد من مسايرته والصبر عليه.
فعلى الرجل ألا يسترسل مع ما قد يظهر من مشاعر الضيق من أهله وليصرف النظر عن بعض جوانب النقص فيهم، وعليه أن يتذكر لجوانب الخير فيهم وإنه لواجد في ذلك شيئا كثيرا.
وفي مثل هذا يقول الرسول، صلى الله عليه وسلم:((- لا يفرك مؤمن مؤمنة- أي لايبغض ولا يكره- إن كره منها خلقا رضي منها آخر"، وليتأن في ذلك كثيراً فلئن رأى بعض ما يكره فهو لا يدري أين أسباب الخير وموارد الصلاح.
يقول عز من قائل: {وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِن كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا} [سورة النساء، الآية: 19]
وكيف تكون الراحة؟ وأين السكن والمودة؟ إذا كان رب البيت ثقيل الطبع سيء العشرة ضيق الأفق، يغلبه حمق، ويعميه تعجل، بطيء في الرضا، سريع في الغضب، إذا دخل فكثير المن، وإذا خرج فسيء الظن، وقد علم أن حسن العشرة وأسباب السعادة لا تكون إلا في اللين والبعد عن الظنون والأوهام التي لا أساس لها، إن الغيرة قد تذهب ببعض الناس إلى سوء ظن... يحمله على تأويل الكلام والشك في التصرفات، مما ينغص العيش ويقلق البال من غير مستند صحيح.
{ وَلَا تُضَارُّوهُنَّ لِتُضَيِّقُوا عَلَيْهِنَّ } [سورة الطلاق، الآية: 6]. كيف وقد قال،صلى الله عليه وسلم: "خيركم خيركم لأهله، وأنا خيركم لأهلي ".
* دور الزوجة في الحفاظ على بيت الزوجية والمعاشرة بالمعروف:
أما المرأة المسلمة: فلتعلم أن السعادة والمودة والرحمة لا تتم إلا حين تكون ذات عفة ودين تعرف ما لها فلا تتجاوزه ولا تتعداه، تستجيب لزوجها فهو الذي له القوامة عليها يصونها ويحفظها وينفق عليها، فتجب طاعته وحفظه في نفسها وماله، تتقن عملها وتقوم به وتعتني بنفسها وبيتها، فهي زوجة صالحة وأم شفيقة، راعية في بيت زوجها ومسئولة عن رعيتها، تعترف بجميل زوجها ولا تتنكر للفضل والعشرة الحسنة، يحذر النبي- صلى الله عليه وسلم- من هذا التنكر ويقول: "أُريتُ النار فإذا أكثر أهلها النساء يكفرن. قيل: أيكفرن بالله؟ قال: لا. يكفرن العشير، لو أحسنت لإحداهن الدهر ثم رأت منذ شيئا قالت؟ ما رأيت منك خيرا قط ".
فلابد من دمح (غفران) الزلات والغض عن الهفوات... لا تسيء إليه إذا حضر ولا تخونه إذا غاب.
بهذا يحصل التراضي وتدوم العشرة ويسود الإلف والمودة والرحمة. و"أيما امرأة ماتت زوجها عنها راض دخلت الجنة" .
فاتقوا الله يا أمة الإسلام- واعلموا أنه بحصول الوئام تتوفر السعادة، ويتهيأ الجو الصالح للتربية، وتنشأ الناشئة في بيت كريم مليء بالمودة عامر بالتفاهم... بين حنان الأمومة، وحدب الأبوة... بعيداً عن صخب المنازعات والاختلاف وتطاول كل واحد على الآخر، فلا شقاق ولا نزاع ولا إساءة إلى قريب أو بعيد.
{وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا} [سورة الفرقان، الآية: 74].
خاتمة
وختاماً- أخي المسلم، أختي المسلمة- وفقكما الله:
إن صلاح الأسرة طريق أمان الجماعة كلها، وهيهات أن يصلح مجتع وهت فيه حبال الأسرة. كيف وقد امتن الله سبحانه بهذه النعمة... نعمة اجتماع الأسرة وتآلفها وترابطها فقال سبحانه: {وَاللّهُ جَعَلَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا وَجَعَلَ لَكُم مِّنْ أَزْوَاجِكُم بَنِينَ وَحَفَدَةً وَرَزَقَكُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ أَفَبِالْبَاطِلِ يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَتِ اللّهِ هُمْ يَكْفُرُونَ}[سورة النحل، الآية: 72].
إن الزوجين وما بينهما من وطيد العلاقة، وإن الوالدين وما يترعرع في أحضانهما من بنين وبنات يمثلان حاضر أمة ومستقبلهما، ومن ثم فإن الشيطان حين يفلح في فك روابط أسرة فهو لا يهدم بيتا واحدا ولا يحدث شرا محدودا، وإنما يوقع الأمة جمعاء في أذى مستعر وشر مستطير والواقع المعاصر خير شاهد.
فرحم الله رجلاً محمود السيرة، طيب السريرة، سهلاً رفيقا، لينا رؤوفا، رحيما بأهله حازما في أمره، لايكلف شططا ولا يرهق عسرا، ولا يهمل في مسئولية.
ورحم الله امرأة لا تطلب غلطا ولا تكثر لغطا صالحة قانتة حافظة للغيب بما حفظ الله.
فاتقوا الله أيها الأزواج واتقوا الله أيها المسلمون فإنه من يتق الله يجعل له من أمره يسرا.
وصلى الله وسلم على خير خلقه نبينا محمد، وعلى آله وأزواجه الطيبين الطاهرين، وعلى صحبه الغر الميامين وتابعيهم بإحسان إلى يوم الدين.
سبحانك اللهم وبحمدك أشهد أن لا إله إلأ أنت أستغفرك وأتوب إليك.
موقع صيد الفوائد
ـــــــــــــــــــ(111/270)
عشرة مبادئ لك ولأطفالك تضمن الانضباط الأسري !
** السنوات الأولى من عمر الطفل هي سنوات التشكيل والتلوين لحياته القادمة، لذا فإن تنشئة الصغار التنشئة الصحيحة والسليمة، هي أساس نجاحهم في الحياة، إضافة إلى أن نجاحهم سيكون نجاحا وصلاحا للمجتمع كله، وعبء تربية الصغار مهمة كبيرة تقع على عاتق الوالدين، اللذين يهمهما أن يؤمنوا الكثير من السعادة للأبناء، وفي الوقت نفسه أن لا تكون هذه السعادة مفسدة لهم، أو أن تكون على حساب نجاحهم في الحياة العامة أو الحياة العملية.
وهذا الكتاب الذي يقدمه خبيران في التعليم والتربية، هو أحد سلسلة تربية الناشئة، وهو الكتاب الثاني من سلسلة "الشقري للتربية الحديثة". والكتاب يحمل عنوان
"كيف تنمي الانضباط الداخلي عند أطفالك".
البداية من الداخل!
ويقدم المؤلفان كتابهما على أساس أن عملية التربية والتأديب والانضباط يجب أن تأتي من داخل الفرد لا من خارجه، ويسعيان أن يرى الوالدان نفسيهما وأبناءهما بطريقة تختلف عن الطريقة التقليدية المتعارف عليها، أو التي يذكرانها من خلاصة التربية التي حصلت لهما في مبتدأ حياتهما.
يقول الكتاب إن هدف الوالدين أن ينشأ الطفل سعيداً في حياته، واثقاً من نفسه، يشعر أنه مقبول ومحبوب في مجتمعه. ومن هنا فان التربية تتعلق بالطفل وشعوره، وليس بشعور الوالدين وإحساسهما، ومن هنا يجب فهم شعور الأطفال وأفكارهم وبذل الوقت الكافي لمعرفة هذا الشعور.
لتسهيل شرح وفهم فكرة الكتاب فإن المؤلفين يقدمان أفكارهما من خلال عشرة مبادئ، ويتم شرح كل مبدأ بشكل مفصل ويلحقه بحالة توضيح، بقصة أو حوار بين الصغار والكبار، مما يشوق القارئ ويزيد في وضوح الفكرة والصورة والمبدأ. ويمكن إيجاز هذه المبادئ بما يلي:
المبدأ الأول- تخلص من مشاعر طفولتك:
يقول الكتاب" ولعلك تتساءل: كيف يمكنني أن أدرك هذا الأمر الآن، وأنا بالتأكيد لا أعرف شيئا عن تفاصيل الطفولة التي عشتها. "ويثير الكاتب فكرة غاية في الأهمية، وهي أن الطفل بريء مسكين لا حول ولا قوة له، وأنه لا يعني ما يقوله، لذا فيجب على الوالدين تقمص شخصية الطفل مرة أخرى، وعندها سيدرك المربي أنه قام بدور الطفل وتعامل مع قدراته العقلية الصغيرة.
بعد أن يتعرف الوالد على مشاعره الجديدة أو ينتقل إلى الإحساس بالمشاعر الجديدة، يقدم له المؤلف سبع خطوات للتغيير.
المبدأ الثاني- العقاب ليس حلا:
يقول الكتاب" العقاب يتعارض مع بناء الثقة بين الآباء والأبناء، فإذا كان وجود الثقة المتبادلة بين الآباء والأبناء أمرا ضروريا فإن وجود العقاب أمر غير ضروري".
"العقاب يؤدي إلى نتائج سريعة، ولكن أثره التربوي لا يعمر طويلا، وأما آثاره السلبية فتبقى في الذاكرة طويلة الأمد، وتتخندق في شخصية الطفل وتؤثر في مستقبل حياته. "
المبدأ الثالث- ناقش الأمور وخطط لها وابن عليها:
في عالم متسارع وانشغال الوالدين كثيرا عن أبنائهما لا يعفيهما من المسئولية التربوية، ويجب ترتيب الأمور بوضوح للجميع لتكون هناك خطة يضعها ويعرفها الجميع.
المبدأ الرابع- القانون هو القانون:
ينصح الكتاب الوالدين بوضع قوانين للأسرة يشترك في إعدادها ووضعها جميع أفراد الأسرة، ويقول الكتاب"إن القوانين السهلة تساعد أطفالك على فهم العالم المحيط بهم، وتجعلهم يشعرون بالأمان، ويعودهم على النظام والترتيب في حياتهم. "
المبدأ الخامس: لا تكتف بوضع الحدود:
" ان وضع الحدود والتعليمات الواضحة تغنيك عن الصراخ وكثرة الكلام، وتكرار النصائح، ويحدد الكتاب ضرورة توضيح خرائط السلوك المقبول والسلوك السيئ، وتحديد ما يجوز عمله ومالا يجوز، وتناقش هذه الحدود مع أفراد الأسرة ليحترمها ويسير على هداها الجميع.
المبدأ السادس: اكتب الاتفاقات العائلية:
ان كتابة الاتفاقات العائلية تساعد في أشعار الأطفال بأهميتهم، وقد تبدو في البداية كأنها لعبة، ولكن عند التطبيق تتضح معانيها، ويجب الالتزام بها من الجميع ويجب أن يحرص الوالدان على أن لا يخلا بما التزما به، وهنا يتعود الطفل على أن هذا الأمر يحترمه الجميع ويتعلمون الوفاء بالعهد.
يتميز هذا الكتاب بأنه يقدم اتفاقية مثالية تم إعدادها من قبل عائلة حرصت على تنفيذ هذا المبدأ، ومنها يرى القارئ أنها فعلا مفيدة إلى مالا يمكن تصوره.
المبدأ السابع- كن على استعداد للتنازل:
عند وضع القوانين، يجب الالتزام بها، ولكن لا يعنى الوقوف عندها مهما كانت الظروف، فإن الوالدين يجب أن تكون لديهما المرونة للتعديل حسب مصلحة الجميع وإصلاح الصغير بالذات، فإن التنازل هنا لا يعني كسر النظام ولكنه يعني التعديل.
هناك نظرية تربوية هامة تقول إن الأطفال يتعلمون من المشاهدة أكثر مما يتعلمون من القول، لذا فعندما يلتزم الأب بوعوده يدرك الصغار أهمية ذلك، ولكن لو قال لهم إنه من الواجب احترام الوعود، فإن الصغار لا يلقون لهذا الأمر بالا.
المبدأ الثامن- المناقشة:
يتصور بعض الوالدين أن فتح باب المناقشات مع أبنائهم يفتح مجالا للجدال، ويفتح مجالا للتهرب من الأعمال، ولا يستطيع الآباء فرض سيطرتهم على الأبناء، ولكن الكتاب يقول عكس ذلك، بل أن النجاح سيكون حليف الوالدين، وسيكون الأبناء أكثر سعادة وقبولا لكل نتائج النقاش.
المبدأ التاسع- ليربح أطفالك المعركة واربح الحرب:
اجعل أبناءك يشعرون بأنهم محبوبون ومحترمون، وأنهم موضع ثقتك، لا تكن حرفيا معهم، اجعلهم يربحون المعركة ويحققون ما يريدون من تغيير موعد النوم، أو اختيار الملابس أو طريقة تمشيط شعرهم. وعليك أن تكسب الحرب بأن تعلمهم تحمل المسئولية، وأن يحافظوا على عهودهم ووعودهم.
المبدأ العاشر- القاعدة الذهبية:
إن القاعدة الذهبية هي معرفة الله وخشيته في الأمور كلها، لذا فيجب ان تقوم التربية بخلق هذا الوازع في النفس الطرية، لتنشأ على مبدأ الإحسان وهو أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك، هنا تتم الرقابة الذاتية، وإحسان العمل قولا وعملا وضميرا.
ومن هذه المبادئ العشرة نرى أهمية خاصة لهذا الكتاب لكل مربٍ وكل أسرة لديها صغار في طور النمو والكبر. فهو دليل لتربية جيل على معالجة الحياة معالجة حكيمة وناجحة.
http://www.almualem.net المصدر:
ـــــــــــــــــــ(111/271)
لك أيتها المطلقة
طيبة الهندي
وقفة مع أختي المطلقة..
أخيتي الحبيبة.. أعطني فرصة ولو دقيقة واحدة لاخترق أعماق قلبك وأسمع مخاطبتك لنفسك.. دعيني أهمس في أذنيك لاقول لك أولاً.. إني أحبك في الله.. وأسأل الله أن نجتمع تحت ظل عرشه الكريم.. دعيني أشاركك همومك لعل وعسى أن أجد لك حلاً..
يا من فارقك شريك حياتك بقضاء من الله - تعالى -، وقدر كتبه لك منذ آلاف السنين.. ألم تسمعي لقوله - تعالى - (ما أصاب من مصيبة في الأرض ولا في أنفسكم إلا في كتاب من قبل أن نبرأها.. ) فالمصائب والآلام قدر مكتوب وقضاء محتوم وهي ضريبة الجنة..
عزيزتي.. إنك إن تتألمي لمصائب الدنيا فإنما هي سويعات ويأتيك الفرج..
ولرب نازلة يضيق بها الفتى ذرعاً وعند الله منها المخرج
ضاقت فلما استحكمت حلقاتها فرجت وكنت أظن أنها لاتفرج
وإن الله - تعالى - هو الواحد الأحد الذي بيده مقاليد السماوات والأرض قادر على رفع البلاء والضر عنك.
فاضرعي إلى ربك فإنك أدنى لمن يدعوه من حبل الوريد وأقرب، فهو - سبحانه - ناصر الضعيف ومفزع كل ملهوف...
من تكلم سمع نطقه.. ومن سكت علم سره.. ومن عاش فعليه رزقه.. ومن مات فإليه منقلبه.. - سبحانه - إذا أراد شيئاً فإنما يقول له كن فيكون..
تذكري أختي الحبيبة أن الله يبتلي عباده بالمصائب ليطهرهم من المعائب، فالحمد الله ثم الحمد الله الذي لا تحصى محامده، فهذا قضاء وكل قضاء من الحبيب حبيب،، فعليك بالصبر واحتساب الأجر وتذكري أن الصبر مفتاح الفرج.. ومن صبر ظفر.
وأنا أكون شاكرة لك أن أعطيتني من وقتك بضع دقائق لقراءة رسالتي المتواضعة المكتوبة بقلم المحبة في الله.. ووضعتها في ظرف الإخوة.. على العنوان القلبي الذي يوصلك إلى السعادة بإذن الله.
وأرجو من الله - تعالى - أن تكون كلمات هذه الرسالة سبب في تغيير حياتك 180 درجة، ولكنني أخبرك أنني لن أستطيع أن أغير شيئاً إلا إذا كان عندك استعداد لتغيير حياتك نحو الأفضل فإن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم..
ففي هذه الرسالة سوف أتصفح معك التاريخ حول نساء ضرب الله بهن الأمثال لصبرهن وثباتهن.. فهن نماذج من قوة الإيمان.
أخيتي.. إقرأي رسالتي واعزمي على التغيير ودعي الحزن.. وافتحي صفحة جديدة نحو طريق مشرق يضيء بالأمل والتفاؤل.. إلى حياة تحمل في طياتها السعادة
والإيمان.. ثم توكلي على الله.
الصبر بلسم المصائب..
يقول الإمام ابن القيم - رحمه الله - في كتابه عدة الصابرين:
إن الله - سبحانه وتعالى- جعل الصبر جواداً لا يكبو، وصارماً لا يبنو، وجنداً غالباً لا يهزم، وحصناً حصيناً لا يهدم ولا يلثم ،فهو والنصر إخوان شقيقان فالنصر مع الصبر، والفرج مع الكرب والعسر مع اليسر، فهو أنصر لصاحبه من الرجال بلا عدة ولا عدد، ومحله من الظفر كمحل الرأس من الجسد، ولقد ضمن الوفي الصادق لأهله في محكم الكتاب أنه يوفيهم أجرهم بغير حساب، وأخبرهم أنه معهم بهدايته ونصرة العزيز وفتحه المبين فقال - تعالى - (واصبروا إن الله مع الصابرين) فظفر الصابرون. إن الله معنا..
كلمة.. قالها سيد البشر - صلى الله عليه وسلم - وهو في الغار مع أبي بكر الصديق قال (ما بالك باثنين الله ثالثهما).
كلمة إن دلت على شيء فإنما تدل على مدى شعوره النبيل - صلى الله عليه وسلم - بمعية الله - تعالى -.
ولك مثالا في أبو الأنبياء عند ما وضع بالمنجنيق ليقذف في النار قال له جبريل - عليه السلام - (ألك إلي حاجة فقال له إبراهيم: إما إليك فلا، وأما الله فنعم.. وقال حسبنا الله ونعم الوكيل، فصارت النار برداً وسلاماً عليه..
أخيتي سئلت إحدى النساء بعد وفاة زوجها.. من الذي جلب لكم الرزق؟ فأجابت الحكيمة قائلة: عرفت زوجي أكالاً ما عرفته رزاقاً وإنما الرازق هو الله - تعالى - (وفي السماء رزقكم وما توعدون).
تذكري قصة هاجر - عليها السلام - مع ابنها الرضيع إسماعيل.. تركهم إبراهيم - عليه السلام - في واد غير ذي زرع.. فقالت له بلهجة المؤمنة الصابرة: آلله أمرك بذلك فقال: نعم قالت: إذن لن يضيعنا.
فهل تظنين أن الله - تعالى - يضيعك.. إذا كانت السيدة هاجر في صحراء لا ماء ولا رع ولا ناس فيها ففجر تحت قدمي ابنها بئر زمزم فجعل أفئدة الناس تأوي إليهم، فهل أنت في صحراء، وهل أنت في مكان ليس به أناس، بل إنك في وضع أفضل من ذلك.. ألا إنك تفتدقين إلى الزوج..
واعلمي أخيتي.. أن الزواج ليس كل شيء في الحياة، فكم من امرأة تعيسة في حياتها الزوجية لا يحسن زوجها عشرتها، فلا هي من المطلقات ولا هي من الزوجات السعيدات.
واعلمي أنه متى كان طريقك إلى الله.. سخر الله لك الأرض بمن فيها وفتح لك أبواب رزقه.. كما فتحها على السيدة هاجر وابنها.
أتعرفين خولة بنت ثعلبية.. المرأة التي ظاهرها زوجها؟ ذهبت تشتكي لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: والله ما أراك إلا وقد حرمت عليه. فماذا قالت..
هل جزعت أم سخطت.. لا بل قالت بلهجة المؤمنة الواثقة بالله.. أشكو أمري إلى الله - تعالى -.. فبسبب لجوئها إلى الله - تعالى - وصدق إيمانها أنزل الله - تعالى – بها قرآنا (قد سمع الله قول التي تجادلك في زوجها وتشتكي إلى الله والله يسمع تحاوركما إن الله سميع بصير).
عائشة - رضي الله عنها - زوج النبي - صلى الله عليه وسلم -.. طعنت في عرضها واتهمت بعفافها.. هجرها النبي - صلى الله عليه وسلم - شهراً كاملاً.. لا يكلمها ولا ينظر إليها وهي تبكي تكاد كبدها أن تتفطر من البكاء.. فليس هناك أعظم من أن تطعن الفتاة بعفافها.. لكنها أحسنت الظن بالله وقالت بلهجة المؤمنة الصابرة: فوالله ما أجد لي ولكم مثلاً إلا ما قال يعقوب لبنيه (فصبر جميل والله المستعان على ما تصفون) قالت إني أعلم أني بريئة وأن الله - تعالى - مبرئي ببرائتي ولكن والله ما كنت أظن أن ينزل الله في شأني وحياً ولشأني في نفسي أحقر من أن يتكلم الله - تعالى - في بأمر يتلى.. وعندما أنزل الله - تعالى - براءتها من السماء قالت لها أمها: قومي إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قالت: والله لا أقوم إليه ولا أحمد إلا الله - تعالى -.. هو الذي أنزل برائتي.
آسيا امرأة فرعون.. مثالاً لامرأة صبرت على ظلم زوجها وكفره بالله.. قال الله - تعالى -: (وضرب الله مثلاً للذين آمنوا امرأة فرعون إذ قالت رب ابن لي عندك بيتاً في الجنة ونجني من فرعون وعمله ونجني من القوم الظالمين).
لا تتعلقي بغير الله..
قال الشيخ عائض القرني في كتابه (لا تحزن):
إذا كان المحيي والمميت والرزاق هو الله فلماذا الخوف من الناس والقلق منهم، ورأيت أن أكثر ما يجلب الهموم والغموم التعلق بالناس وطلب رضاهم والتقرب منهم ،والحرص على ثنائهم، والتضرر بذمهم وهذا من قلة التوحيد..
فليتك تحلو والحياة مريرة وليتك ترضى والأنام غضاب
وليت الذي بيني وبينك عامر وبيني وبين العالمين خراب
إذا صح منك الود فالكل هين وكل الذي فوق التراب تراب
كوني محضن لأبنائك..
حبيبتي.. لا تجعلي الطلاق يكون منك وحشاً يكشر عن أنيابه فيأكل كل من يقتر حوله، فإن الوحش أو اللبؤة مهما بلغوا من الشراسة إلا أنهم أحن الكائنات على صغارهم.. فهذه فطرة جعلها الله - تعالى - في قلب الأم رحمة بالأبناء.. إن كنت قد فقدت رجلاً وهو الزوج فبإمكانك أن تربي رجالاً وهم أبناؤك.. ماذا يكون مصير الأبناء إن تركتيهم.. وجعلتيهم عرضة للذل والمهانة، ما ذنبهم؟ هل ارتكبوا خطأ يجعلهم يتحملون أو يدفعون ثمن الطلاق.
أختي الحبيبة..
لا تنسي واجبك نحو أبنائك.. لا تنسي دورك كأم.. ولا تنسي أنك راعية ومسئولة عن رعيتك، إياك أن تعلميهم الحقد على والدهم أو تحمليهم سبب طلاقك أو يعيشوا في كنف الحزن، وإياك أن تحرمي والدهم من رؤياهم ليراهم بقوة القانون في مخافر الشرطة.. اكسري القاعدة التي تقول:
أن الطلاق سبب لانحراف الأبناء، وكوني مثالاً ونموذجاً للأم التي حضنت أبنائه وفلذات أكبادها على الرغم ما تمر به من ظروف ومصاعب.
عيشي يومك..
أختي الحبيبة.. إن اشتغالك بالماضي وتذكره واجترار المصائب التي حدثت ومضت والكوارث التي انتهت إنما هو ضرب من الحمق والجنون.. فكيف يعيش من يحمل هموم الماضي واليوم والمستقبل، وكيف يرتاح من يتذكر ما صار وما جرى فيعيده على ذاكرته ويتألم ألمً لاينفعه.
يقول أحد السلف.. يا ابن آدم إنما أنت ثلاثة أيام، أمسك وقد ولى، وغدك ولم يأتي، ويومك فاتق الله فيه... وقد جاء في الأثر،، إذا أصبحت فلا تنتظر المساء، وإذا أمسيت فلا تنتظر الصباح.
ومعنى ذلك أن تعيشي في حدود يومك فحسب فلا تتذكري الماضي ولا تقلقي من المستقبل، وكوني قصيرة الأمل منتظرة الأجل محسنة العمل، فلا تطمحي لهمومك لغير هذا اليوم، وركزي جهودك عليه ورتبي أعمالك واهتماماتك فيه.. واعلمي أن نفسك إن لم تشغليها بالخير شغلتك بالشر، فلا تجعلي لشياطين الإنس والجن سبيل إليك ولا تنخدعي بوساوسهم وأقوالهم الباطلة، فإنهم يضعوا شباكهم لك في كل مكان ويقول: أين مصروف الأبناء.. اسرقي.. افعلي.. تحرري.. ألا تريدين الحب والحنان..
لم هذا الانتظار وقد غابت عنك الأنظار، ألست الآن بلا قيود بلا زوج بلا رقيب.. إذن داومي في محلات الفجور والعصيان.
أختي الغالية.. إياك والتعميم فإن أصابعك ليست سواء، وليس كل الرجال مثل زوجك.. فالزواج قسمة ونصيب.
كلام الناس:
عزيزتي.. لا تجعلي لكلام الناس ونظرتهم لك كمطلقة مكان في قلبك.. ولا تعطيه أي اهتمام، فإنه كلام محبط قد يدمر ويهدم حياتك، وحاولي قدر الامكان أن تختلطي بصحبة صالحة ترتفعي معها نحو القمة.. فانضمي مثلاً إلى لجنة نسائية يمكنك أن تثبتي وجودك من خلالها وتغيري الجو النفسي وتكتشفي قدراتك.. ومنها تستغلي وقتك بكل ما هو نافع ومفيد، واحضري حلقة علم أو درس أو خطبة جمعة، اجعلي لنفسك ورداً يومياً من القرآن، والجئي إلى الله - تعالى - بكثرة الدعاء والتضرع، وصلي وأصلحي ما بينك وبين الله يصلح ما بينك وما بين الناس.
ولا يسعني قبل الختام إلا أن أدعو الله لك بالتوفيق والسداد والسعادة في الدارين الدنيا والآخرة.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
بتاريخ: 26/7/1424هـ
http://www.alislam4all. com المصدر:
ـــــــــــــــــــ(111/272)
أيها الأزواج رفقا بالقوارير
إن مما فطر الله عز وجل عليه الكائنات الحية في هذه الحياة الدنيا أن جعل الزواج طبيعة وجبلة فيها ، به يسكن بعضها إلى بعض ، ويحصل التناسل والنماء والتكاثر ، فالزواج سكن نفسي ، وتفريغ جسدي وشعور بالأمن وعدم الخوف ، ويقين بدوام الأنثى مع الرجل في كل وقت وحال ، وإحساس بتسامي العواطف والمودة الصادقة وبُعدها عن الامتزاجية والتزييف ، نعم .. إن العلاقة بين الزوجين ليست علاقة فراش وجنس كما يفهم بعض الأزواج .. لا ، إنها علاقة حميمة عميقة الجذور ، بعيدة الآماد ، العلاقة بين الزوجين علاقة عقل وعاطفة ، نعم .. عقل يسير أمور الحياة بحكمة وعاطفة تخفف من لهيب شمسها الحارقة ، العلاقة بين الزوجين علاقة قلبين وروحين بينهما من التقدير والاحترام والتعامل مالا يمكن رسمه أو وصفه .
روحُها روحي وروحي روحها ولها قلب وقلبي قلبها
فلنا روح وقلب واحد حسبها حسبي وحسبي حسبها
العلاقة بين الرجل والمرأة علاقةٌ سامية نبيلة طاهرة ، علاقة ربانية أنزل الله عز وجل في شأنها قرآنا يتلى إلى قيام الساعة " ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة "
إن السعادة الزوجية أشبه بقرص من العسل تبنيه نحلتان ، وكلما زاد الجهد فيه زادت حلاوة الشهد فيه ، وكثيرون هم الأزواج الذين يسألون كيف يصنعون السعادة في بيوتهم ؟ ولماذا يفشلون أحيانا في تحقيق هناءة الأسرة واستقرارها ؟ ولا شك أن مسؤولية السعادة الزوجية تقع على الزوجين أولا وأخيرا ، إذْ لا بد من وجود المحبة بين الزوجين ، وليس المقصود بالمحبة هو ذلك الشعور الأهوج الذي يلتهب فجأة وينطفئ أخرى ، إنما هو ذلك التوافق الروحي والإحساس العاطفي النبيل بين الزوجين ، والبيت السعيد لا يقف على المحبة وحدها بل لا بد أن تتبعها روح التسامح بين الزوجين مع بعضها البعض ، ولذلك فلا ريب أن نسمع بين الحين والآخر كثيرا من الأزواج من يهمل حبيبة قلبه وينسي رفيقة دربه ويقسوا على نبع حنانه ويجفوا بحر أمانه ، لا ريب أن نرى بين الفينة والأخرى من يعرض عن ساكنة الوجدان ، ويسئ التعامل مع تلك الوردة الشذية والزهرة الندية والدرة السنية الزوجة الأبية ، نعم .. لا ريب أن نسمع جراحا غائرة ، ونوازل عاثرة ، ودموعا هامرة ، وأفئدة ملتهبة في علاقات كثير من الأزواج مع زوجاتهن ، لا ريب أن نسمع عن كثير من الزيجات ممن تصيح وتأن من معاملة زوجها تحت وطأة الضغط وبين جدران البيوت ، واللاتي يشكين في نفس الوقت من التصحر والجفاف في الحياة الزوجية ، ويفتقدن كثيرا من الكلمات العاطفية ، ويعانين جدباً في العبارات الغزلية ، والتي تتمنى الواحدة منهن أن تسمع من حبيب روحها وهوى فؤادها ، ما يأسر فؤادها ، ويهز وجدانها ، وتطرب لها أركانها ، نعم .. كثير هن الزوجات اللاتي يعشن حياة سطحية بائسة ولقاءات جافة جامدة لا تتجاوز أحاديث الحياة اليومية وهمومها ، والتذكير بالواجبات المنزلية ومشكلاتها ، والله المستعان ..
فيا ترى .. ما هي الأسباب ولماذا هذه الأعراض ..؟ وكيف نعالج هذه الأسقام ..؟ وإلى متى يعيش الزوجان في قفص صغير لا يتجاوز حدود الأخذ والعطاء في الحياة اليومية .. ؟
أسئلة تبحث عن إجابة .. أرجئ الإجابة عنها في اللقاء القادم ..
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
----------
وللزوجات هموم وآهات ..
إلى كل من يسعى إلى السعادة الزوجية ، وإلى كل من يعاني من بعض المشاكل الأسرية ، إلى الزوجين الذَيْن يعيشا في البيت الزوجي وفي العش السكني ، عليكما أن تعرفا جيدا أن سر السعادة الزوجية هو قيام بيتكما على محبة الله وطاعته ومحبة رسوله صلى الله عليه وسلم الذي بيده سبحانه أن يوفق ويبارك ويجمع بين قلبيكما ، فوالله إن طاعة الله لها أثر كبير في الألفة والمحبة بين الزوجين ، والمعصية لها أثر عجيب في كثرة المشاكل والخلافات وعدم الوفاق بين الزوجين ، فمتى ما قامت الأسرة على حب الله وحب رسوله صلى الله عليه وسلم وإقامة شرع الله وترك معصيته كبيرة كانت أو صغيرة فلتهنأ الأسرة والزوجين معا بالسعادة والسرور والاستقرار الدائم في الدنيا ويوم لقاء الله ، ولهذا فإن الحب له همسات ولمسات وأرقى معانيه وأسمى معاليه : التقاء قلبين يؤسسان على طاعة الله حياتهما ، ويزرعان في صحراء السنين غرسهما ، على الصدق يلتقيان ، وعلى العهد يمضيان ، وينْقشان على جبين الدهر حروف الوفاء .. حبيبين صديقين عروسين ، فما ألذ الحب في رحاب الله ! .. رفيقين ، ونعم الرفقة على منهج الله .
أيها الزوج المبارك ..
هذه نماذج أطرحها بين يديك ورسائل أبثها بين ناظريك ، شكاوى أنثرها ، ومآسي أطرحها لترى بأم عينيك حقيقة التألم والتأوه والتفجع الذي يصيب بعض نساءنا المتزوجات ، نعم .. هذه همومهن وآلامهن الزوجية أطرحها لنعرف حقا الواقع المرير المؤلم المؤسف الذي يخيّم على بيوت بعض المتزوجين والمتزوجات من بني جلدتنا ، وما بقي وربي في حبيس الصدور ولم يصل إلى السطور أكثر وأعظم ..
الآهة الأولى .
زوجي لا يهتم بي إطلاقا ، يكون دائما عابس الوجه ضيق الصدر ، فأنا مع قيامي به وتقديمي له الراحة والإطمئنان ، إلا أنه سيء الطبع ، ذميم الخلق سريع الغضب , كم رأيته والله المرة تلو المرة بشوشا مع أصحابه وزملائه متوددا لأقربائه وجيرانه ، أما أنا فلا أرى منه إلا التوبيخ والمعاملة السيئة وقد راودتني نفسي عدة مرات أن أرفع السماعة فقط لأحظى بشعور الحب ، لكن خوفَ الله يمنعني .
الآهة الثانية .
لا تتعجب يا زوجي طالما طرحت على نفسي هذا السؤال ، وطالما سمعته من صغاري وهو : أين تقضي وقتك خلال الأسبوع ؟ نرى أن الأصدقاء والزملاء والرحالات والاستراحات قد أخذت وقتك كله ، بل ليس لنا من دقائقك إلا القليل القليل ، وهل يا زوجي الزملاء والبيع والشراء أحق منا بوقتك ؟ دعني أُرجع ذاكرتك إلى الوراء سنوات وقرون لترى من كان أكثر منك عملا ودعوة ومقابلة وتعليما لترى نبي هذه الأمة وقائدها ومعلمها صلى الله عليه وسلم مع كثرة أعبائه ومشاغله إلا أنه أعطى كل ذي حق حقه فهل تمنحني حقي ؟ وتبادلني الشعور ..؟
الآهة الثالثة .
مشكلة زوجي أنه كثير الصمت ، لا يتكلم لا يشتكي لا يناقش ، فقط يكتفي بالصمت وإذا ناقشته في أمر من أمور حياتنا هزَّ رأسه وربما وضع اللوم عليّ ثم يسكت طويلا ، فأنا والله لم أهمل نفسي يوما من الأيام تجاهه ، بل أقوم بواجباتي الزوجية من نظافة الجسد والمكان والأولاد ولكن دون فائدة ، لم يُسمعني كلمة جميلة رقيقة حانية عفيفة ، لم يبادر في يوم من الأيام بمدحي ولو بشيء يسير من الكلمات التي طالما انتظرتها منه ، كم كنت أتمنى أن يقول لي : ما أحلى هذه الأكلة ! ما أجمل هذا الفستان ! ما أروع هذه النظرة ! بل والله لقد كنت أطوي الليالي الطوال مريضة ولم تحمله نفسه على أن يضع يده على جبيني أو رأسي ، أو أن يدعوا لي بالشفاء العاجل ، أو يقرأ عليّ رقية شرعية من كتاب الله وسنة نبي الله صلى الله عليه وسلم ، نعم .. كم كنت أتمنى أن يريني مثل ما أريه من حسن العشرة وجمال التودد فقد والله أتعبت نفسي من أجله ، وبذلت جل وقتي له ، فأين يا ترى حقي ..؟
الآهة الرابعة .
منذ تزوجت .. وزوجي يضربني ضرب الدواب ، وكنت أحسب هذا شأن الأزواج كلهم فأنا يتيمة وصغيرة وجاهلة ومنعزلة عن الناس ، وبقيت على هذه الحال سنوات طويلة ، حتى أنجبت بنتا معوقة وصرت لأجلها أتردد على المستشفى بكثرة ، فاختلطت مع النساء وتعرفت على أحوالهن ، عندها .. عرفت أن وضعي غير طبيعي على الإطلاق .
الآهة الخامسة .
زوجي يتنكد مزاجه في أوقات كثيرة لأتفه الأسباب ، فينهال عليّ بالضرب ويأمرني بعدم البكاء أو الصراخ ، ولو فعلت ذلك اشتاط غضبه وازداد بطشه ، فإذا توقف عن الضرب وجب عليّ تقبيل رأسه والاعتذار منه ، والمضحك والمبكي في نفس الوقت ، أنني في الغالب ليس لي شأن بالسبب المثير لأعصابه ولكنني أبقى أنا الضحية نعم .. أبقى أنا الضحية ..
فلماذا هذه الآهات والحسرات ..؟ لماذا هذه الهموم والتصرفات من بعض الأزواج ..؟ أسئلة محيرة ، وأساليب خاطئة ، تبحث عن حلول وتحليلات ، وتوجيه ومصارحات .. أرجئ الإجابة عنها في اللقاء القادم إن شاء الله تعالى ، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
-----------
لنكن قلبا واحدا ..!
الحب تضحية وعطاء ، الحب ليس مجرد غزل وادعاء ، الحب بين الزوجين رابطه رابط شرعي سماوي رباني ، نعم .. حب الزوج لزوجته قربة وطاعة وهو حب نافع تحصل به المقاصد النافعة التي من أجلها شرع الله النكاح لغض البصر والقلب عن التطلع إلى غير أهله ، فإن لم يكن الحب أيها الزوجان فتحببا لبعضكما ، فإن التحبب داعية الحب كما يُقال .. وإليك أيها الزوجين بعضا من تلك الأسباب التي تورث المشكلات في الحياة الزوجية .
أولها : فإني قلبت نظري ، وأمعنت ببصري في أحوال كثير من مجتمعاتنا العامة على حسب المستويات ، فإذا بنسب الطلاق تفوق المئين والمئات بل الآلاف ، نعم .. نسبة الطلاق في مجتمعاتنا كثيرة بشكل كبير وملفت للنظر ، مما يستوجب العناية الخاصة والاهتمام الكبير بمعرفة أسباب الطلاق ودوافع ذلك والسعي الحثيث إلى علاج تلك الأسباب واستئصالها .
ثانيا : قد يحاول كثير من الأزواج ـ رجالا كانوا أو نساء ـ الهرب من جحيم المشاكل الزوجية ودوامة الخلافات المستمرة بين الزوجين ، والاضطراب وتوتر الحالة النفسية المترتب على تلك الخلافات والمشاكل بسبب غياب ذلك الحب وفتوره مما يؤدي إلى الفتور والملل في الحياة الزوجية ، إلى أن يكون أحد الأزواج فريسة للمخدرات والمسكرات عياذا بالله ، وكم سمعنا والله من زوجة تشكوا من زوجها لوقوعه في براثن السكر والعهر وأحضان المخدرات ، فهذا واقع كثير من بيوت المسلمين هاربين من عذاب المشاكل والمعاناة متناسين واقعهم الأليم ، فيصبحوا بعد ذلك فريسة الإدمان والحرمان ، ثم لا تسل بعد ذلك عن ضياع الأولاد وانتشار الجرائم الأخلاقية كالزنا واللواط والسلب والنهب والسرقات ، باحثين بزعمهم عن السعادة الموهومة والمتعة المزعومة وهم في الواقع كالمستجير من الرمضاء بالنار .
ثالثا : من المعلوم بل المعقول أن الخلافات الزوجية والمشاكل العائلية تؤثر تأثيرا سلبيا على نفسية الزوجين معا ، وبالتالي يقل إنتاجهما في هذه الحياة ، ويضعف تضاءل قدرتهما على البذل والعطاء ، لما فيه مصلحة دينهما ونفسيهما ومجتمعها وأمتهما ، بل ينعكس ذلك على الحياة الزوجية كلها ، بل وعلى البيت والأولاد أضف إلى ذلك أن تلك المشاكل والخلافات لها تأثيرا كبيرا وسلبيا على الأبناء من بنين وبنات ، فكم سببت لهم عقدا نفسية ، ورسخت في أذهانهم أفكارا مغلوطة ، ومفاهيما معكوسة تجاه والديهم وأقاربهم ومجتمعهم ، مما أثرّ حقيقة على مستقبلهم ، وطريقة تفكيرهم في حياتهم وأسلوب تعاملهم مع الآخرين ، فكم من ولد ذكر كان أو أنثى حُرم المودة والحنان والشفقة والإحسان ، في طفولته وفي رعيان شبابه فأصبحنا بين عشية وضحاها نرى جيلا من شبابنا وفتياتنا يخرجون للمجتمعات ويتطلعون للعالم وهم لا يعرفون حقوقهم الزوجية تجاه بعضهم البعض ولا حتى التعامل السوي في حياتهم العائلية مما أدى إلى الوقوع في مثل هذه المشاكل والخلافات .
رابعا: ونحن في عالم أصبح البعيد فيه قريبا والغريب حبيبا في زمن وعالم يسّر الله لأبناء هذا العصر ما يسره من اكتشافاتٍ واختراعات في وسائلِ الاتصالات والتقنية من أنواعِ الهواتف وشبكات المعلومات ، وقنواتِ البث وغيرها من وسائل الاتصال والإعلام ، من مسموعها ومقروئها ومشاهدها ، مما أدى إلى انتشار الغزو الإعلامي العجيب السريع والامتداد الهائل للفضائيات ، حتى أصبحنا نعيش في عالم ضجّت فضائياته بالحب والغرام والعشق والهيام التي امتلأت بها الروايات العاطفية والمسلسلات والمسرحيات والأفلام ، فأخذت تغزونا من كل جهة فتفتحت الأبصار ، وتفتقت الآذان ، واليوم نشكو إلى الله من أناس أفسدوا الحب بالتعري والمسلسلات والأفلام والغناء والمجون ، مما أدى بكثير من الأزواج والزوجات إلى مقارنة واقعهما المرير بتلك الصور العاطفية الرقيقة المرهفة ، وهنا يتردد في نفسية كل زوج تجاه زوجته ، وكل زوجة تجاه زوجها بأن يسأل أحدهما الآخر : لماذا زوجي لا يعاملني كتلك المعاملة الرقيقة ؟ ولماذا لا تعاملني زوجتي كتلك المعاملة المهذبة ؟ والتي شُوهدت عبر وسائل الإعلام إما في قصة حب وغرام ، أو في مسلسل كذب وافتراء ، مما سبب بعد ذلك من إلقاء الاتهامات المتبادلة بين الزوجين ، فكلٌ يحمّل الآخر مسؤولية الوضع المزري والمتردي ، والتي ووصلت إليه حياتهما الأسرية فالزوجة ترى نفسها مظلومة مهضومة الحقوق ، والزوج يرى تلك الرؤية والله المستعان .
خامسا : الجفاف العاطفي بين كثير من الأزواج وعدم التعبير عن مشاعر الحب والمودة تجاه كل منهما ، هذا إن وجد هذا الحب وهذه المشاعر إلا أنها تبقى مكتومة يثقل على اللسان إخراجها وبثها ، ويندُر التكلُم بها والتعبير عنها ، فالقليل منا من يسمع شيئا من العواطف والمحبة بين أبويه ، بل وربما انتقل هذا فينا نحن الأزواج وفي أولادنا ، أضف إلى ذلك بعض العادات والتقاليد وطبيعة المعيشة والبيئة التي لها الأثر الكبير ، وبالأخص جنس الرجال ، حيث القوة والرجولة وشدة الطباع وربما الجلافة والفضاضة عند البعض ، فقد نسوا والله هؤلاء الأزواج أن الله جعل هذا الحب في النفوس لأهداف سامية ، وغايات عظيمة وجعل لهذا الحب آدابا شرعية ليعش الزوج والزوجة بعد ذلك في جنة الدنيا والسعادة الحقيقة والحب الصادق المبني على العفة والاحتشام بعيدا عن الفحش وبذاءة اللسان .
------------
ويوم ينتهي الحب تطلق النحلة الزهرة
الحب هو ماء الحياة بل سرها ، الحب هو لذة الروح بل روح الوجود ، الحب إخلاص وصفاء ونقاء ، الحب عهد ورسالة ومبدأ ، الحب من أسمى المطالب في الحياة ، سعيد من فهمه وناله ، شقي من جهله وحُرمه ، بالحب تصفوا الحياة وتشرق الشمس ويرقص القلب ، بالحب تُغفر الزلات وتقال العثرات وترفع الدرجات ، ولولا الحب ما التف الغصن على الغصن ، ولا عطف الضبي على الضبية ، ولا بكى الغمام على جدب الأرض ، ولا ضحكت الأرض لزهر الربيع ، وحين ينتهي الحب ويضيع تضيق النفوس ويكون البغض وتكثر الخلافات والمشاكل ، ويوم ينتهي الحب تنتهي الأزهار وتظلم الأنوار وتقصر الأعمار وتُجدب الأرض وتكثر الأمراض ، ويوم ينتهي الحب تطلق النحلة الزهرة ويهجر العصفور الروض ويغادر الحمام الغدير ، نعم .. إن الحب من أهم المحركات الرئيسية للحياة الزوجية ، إذا فقد فقدت الحياة واللذة الزوجية ، وإذا وجد وجدت الحياة ولذتها ، ولئن كان الماء سر وجود الكائنات فالحب سر وجود الأرواح وصدق من قال :
إنما الحب صفاء النفس من حقد وبغض
إنها أفئدة تهوى وتأبى هَتك عرض
وجفون حذرات تلمح الحسن فتغضي
إن أصفى الحب وأعذب العشق وأرقّ الغرام وأحلى الهيام بين الزوجين لا يكون إلا بعد الزواج ، فالحب المتبادل بينهما يظهر في الاهتمام المتبادل بشؤون الطرف الآخر ومتابعة أحواله والتضحية من أجله ، نعم .. يظهر الحب بين الزوجين وتتجلى الرومانسية في حياتهما في ساعات الرضى والغضب وأوقات الصلح والخصام وتربية الأطفال ، يظهر الحب بين الزوجين في الملاطفة أثناء التعامل اليومي والحرص على السلام والتعانق والتقبيل وتبادل المشاعر ، وإذا ما تكاثرت وازدحمت الأعباء على كلا الطرفين ، فما أجمل لقاء الحبيب بحبيبته والزوج بزوجته عصفورين متحابين متعاونين .
أيها الزوج الكريم ..
إذا أردت أن تنعم بعبق الزهور وتغريد الطيور وشذا العطور ، وتستمتع بالزهرة الندية واللؤلؤة البهية وتستظل تحت الدوحة الغناء وترتشف من معين البذل والعطاء فبدون شك أنها حبيبة قلبك ومهجة فؤادك وريحانة ضميرك زوجتك الغالية ، فما أجمل ذلك القلب الرقيق ، وما أروع تلك العاطفة الجياشة ، وما أسمى ذاك الفؤاد الحنون ، نعم .. إنها الزوجة أجمل ما في الكون ، زينة الدنيا وعطر الوجود وسلوان الفؤاد وبهجة الضمير ، تُظلم الأيام في وجه الرجل فتشرق حياته على ابتسامة المرأة ، وتعبُس الأحداث في دنيا الزوج فيعزف ألحان الرضى على نغمات المرأة ، وتقسوا الليالي فتذوب قسوتها بزلال من حنان المرأة ، لو صرخت الدنيا قائلة للرجل أكرهك فإن المرأة إذا قالت أحبك نسفت ذلك كله ، سكنت وجدان النبي صلى الله عليه وسلم وملأ بالسعادة قلبها يوم قال " أصبر على الأكل والشرب ولا أصبر على النساء " [ أخرجه الإمام أحمد ] تشرب المرأة فيدير الكأس ويشرب عليه الصلاة والسلام من موضع فمها ، تسافر معه فيسابقها ويمازحها ويضاحكها ، يجلس على مائدتها فيأنس لحديثها ويضحك لمزاحها ، يهتف بحقوقها وعدم ظلمها ، ويلفظ أنفاسه الأخيرة ويودع الحياة وهو يتمتم قائلا " استوصوا بالنساء خيرا " إنها المخلوق العجيب الرقيق الذي تحتاج منك أن تكون لها السماء التي يظلها وتحتويها ، لتكون لك بعد ذلك كالشمس في النهار وكالقمر في الليل ، تحتاج منك أن تكون لها الأرض الخصبة لتكون هي المطر المدرار الذي ينبت الشجر ويخرج الورد والرياحين وينتج الثمار الناضجة ، إنها تريدك أن تكون لها الينبوع الصافي المتدفق ، لتكون هي النهر الرقراق الذي يلتقي ذلك الينبوع ويحتضن كل قطرة منه ، إنها تريدك أيها الزوج أن تكون لها مصباحا يضيء ظلام حياتها ، لتكون هي الزيت الذي يوقَد به ذلك المصباح ، تحتاج منك فقط شيئا واحد ، أن تُحبَها ولكن بصدق وإخلاص وحب ووفاء ، تحتاج منك أن تحافظ على مشاعرها وتراعي أحاسيسها ، ووقتها أجزم لك أيها الزوج جزما قاطعا بل أقسم لك وأحلف بالله الذي لا إله إلا هو أنها ستكون لك بعد كل هذه المعاملة : زوجة وأما وأختا وبنتا وتلميذة وخادمة ورفيقة درب وشريكة حياة ، وقتها ستضحي بحياتها من أجلك ، بل ستحارب كل الدنيا لئلا يخطفك منها أحد ، بل والله لو وضعوا الدنيا بزخارفها المتنوعة في كفة ووضعوك في كفة لرجّحت كفتك ولاختارتك دونا عن كل البشر ، فيا أيها الأزواج : رويدا رويدا ، ورفقا رفقا بالقوارير ..
-----------
الزوجة .. المودة والرحمة والجمال والبسمة .
أيها الزوج المبارك ..
لا بد أن تعلم أن الزوجة شقيقة الرجل ، هي نور المنزل وجماله ، والقائمة عليه والمدبرة لشؤونه ، الزوجة صانعة الأجيال ومربية الأطفال وحاملة الأولاد وحاضنة الأبطال ، كم تعبت في حملها ، وقاست الآلام في جسدها وتعرضت للهلاك في وضعها ، مشقة في إرضاعها ، سهر وتضحية براحتها لأولادها ، كم تعبت أيها الزوج واسترحت ، وسهِرتْ ونمت ، حملت أولادك خِفّا ووضعتهم شهوة ، وحملتهم كرها ووضعتهم كرها ، تحملتْ ضجيج الأطفال وتبرمتَ ، اقتربتْ هي منهم وابتعدت ، هل فكرت في حالك أيها الزوج لو مرِضَتْ زوجتك في يوم من الأيام وبقيَتْ على سريرها الأبيض في المستشفى لا قدر الله وبقيتَ أنت أسير المنزل مع أطفالك ، هل تستطيع الصبر على ضجيجهم ؟ هل تتحمل مشاجراتهم ؟ ما هو حالك وإياهم مع الغداء والعشاء ؟ ما حالك معهم في نظافة المنزل وملابس الأطفال ؟ بل نظافة أبدانهم ؟ وإماطة الأذى عن الرُضَع منهم ؟ كيف أنت في الصباح الباكر وأنت تجهزهم بثيابهم إلى مدارسهم ؟ أضنك حينئذ أنك غيرَ محسود على ما أنت فيه من العنت والشقاء ..
نعم.. الزوجة قلب رقيق ، وعاطفة جياشة ، وفؤاد حنون ، الزوجة هي المودة والرحمة ، والسكن والنعمة والجمال والبسمة ، تُظلم الأيام في وجه الرجل فتشرق حياته على ابتسامة الزوجة ، وتعبس الأحداث في دنيا الزوج ، فيعزف ألحان الرضى على نغمات الزوجة ، وتقسوا الليالي الظلماء فتذوب قسوتها بزلال من حنان الزوجة ، نعم .. الزوجة بطبيعتها تأسرها الكلمة الجميلة ، وتهزها العبارة الرقيقة ، وتسحرها الابتسامة الصافية ، وتذيبها المشاعر الصادقة ، وتسلب فؤادها المعاملة الحسنة المهذبة .
أن كل زوجة على وجه هذه البسيطة تحب أن تسمع من زوجها كلمات المدح والثناء ، وأن يصفها بالحسن والجمال والملاحة والدلال ، إن كل زوجة في هذه الدنيا تتمنى أن يكون زوجها قويا في شخصيته وتعامله ، سواء معها أو مع الآخرين ، فهي تكره الزوج الضعيف ، المنخذل الشخصية ، المتردد الغير حازم وجازم ، فلا تستشعر بكيانها الأنثوي الرقيق الضعيف إلا إذا كان زوجها قوي الكيان ، مستقلّ التفكير ، رجلا فذّا ، لكن تلك الشخصية القوية وتلك الرجولة الفذة لا تعني بحال من الأحوال ، أن تكون أيها الزوج ظالما مستبدا في تعاملك مع زوجتك ديكتاتورا متسلطا في علاقتك معها ، لا همّ لك إلا إصدار الأوامر وإبداء النواهي ، نعم .. لا تعني تلك الشخصية القوية أن تكون مع زوجتك عنيفا قاسيا بذيء اللسان سيء الأخلاق .(111/273)
إن أكبر خطئ يرتكبه بعض الأزواج اليوم أنهم يعاملون نسائهم كما كان أباؤهم يعاملون نساءهم في الزمن الماضي ، نعم .. إن الزوجة اليوم تختلف عن الزوجة الأمس ، فزوجة اليوم تواجه موجات من الثقافات والآراء ، إنها اليوم تشاهد وتقرأ وتسمع ، إنها ترى ما لم يُرى من قبل ، وهي في أمسّ الحاجة اليوم إلى الإقناع والحجة كما هي في نفس الوقت بحاجة إلى الحب والعطف والتقدير ، إنه وللأسف ومع بالغ الأسى والحسرة لا يعرف كثير من الأزواج كيف يتعامل مع زوجته ، لا يعرف كيف تفكر أنثاه ، وبماذا تشعر وتحس ، كم من زوج أبكى زوجته وما أفرحها ؟ كم من زوجة فقدت الكلمة الطيبة الرقيقة الحانية من زوجها ؟ من منا يُبدي إعجابه بما عملته زوجته أثناء غيابه من تنظيم أو ترتيب أو أكل أو شرب ..؟ من منا يُخرج عبارات اللطف والثناء والتقدير ويجلس مع زوجته ليحدثها ويضاحكها ويشاركها همومها ويطلب منها رأيها ويثني عليه حتى ولو لم يكن رأيها صائبا ؟ من منا ينتزع نفسه من سهراته وجلساته ليسهر مع درة زمانه وحبيبة قلبه ومهجة فؤاده ، ويخصص يوما ليخرج فيه مع زوجته فيغير من جوِ المنزل ورَتابةِ الحياة ..؟ من منا يشتري الهدية المقبولة بين الفينة والأخرى ويفاجئ بها زوجته ويقدمها لها معبرا عن حبه وتقديره وارتباطه بها ..؟ من منا يستعد للتنازل عن رأيه في مقابلِ رأي زوجته الذي لربما لم يقدم ولن يؤخر شيئا في حياته اليومية ..؟ من منا يتلمّس حاجة الزوجة ومطالبها ويسعى جاهدا لتحقيقها مؤكدا بذلك على اهتمامه بخصوصياتها وحرصه على تحقيق طلباتها ..؟ من منا يقدر أهل زوجته ويحسن إليهم امتدادا لتقدير الزوجة ومراعاة شعورها ..؟ من منا من يتغاضى عن العيوب والزلات وينبه عليها بطريقة حكيمة وغير مباشرة ..؟ من منا يساعد زوجته في شؤون منزله تخفيفا عليها ورحمة بها ..؟ كم هم أولئك الأزواج الذين يظنون أن المهم الأهم في الحياة الزوجية الأكل والشرب وتقديم طلباته غضة طرية سريعة ، كم هم الأزواج الذي يتناسون أن الابتسامة والرقة والرحمة والحنان والاحترام لكيان الزوجة ، وتقديرها مشاعرها هو الذي يكسبها احترامها له ، وهيبتها منه وتوقيرها لكلامه ، وقبولها لآرائه وأفكاره ، يظن بعض الأزواج أنه بقسوته مع زوجته وغلظته وتسلطه عليها وجفائه في التعامل معها ، يفرض عليها هيبته ويكسب تقديرها واحترامها له ، وطاعتها لأوامره ، فلا تجرؤ على مخالفته أبدا ، فتكون عنده خادمة مطيعة ، ويظن آخرون أنه باعتذاره من زوجته إذا أخطأ عليها أو تعامل معها برقة وحنان وعطف ولطف ، يفقد احترامها وتقديرها ، وتسقط مهابته من قلبها ، وكل هذه وربي هي في الحقيقة مفاهيم مغلوطة معكوسة تعشعشت في عقول كثير منا إلا من رحم ربي ، بل إنه لا يعرف وربي حقيقة هذه المفاهيم إلا من عرف طبيعة نفسية الأنثى الرقيقة الحساسة ، فها هو رسول الهدى ونبي التقى صلى الله عليه وسلم يضع لنا أسسا لبناء الحياة الزوجية ، من تقدير واحترام ، وتودد ومحبة ومكارم أخلاق ليعلن للعالم صلى الله عليه وسلم أن في ديننا حبا ومودة ومشاعر وأحاسيس ، ليعلن للعالم أجمع أن هذه الشريعة مليئة بالحب الصافي والنبع الحاني ، ولكن العيب فينا نحن أيها الأزواج ، نعم .. العيبُ فينا ، لا في غيرنا ، فما أكثر تلك المواقف التي توضح المحبة والمودة في حياته صلى الله عليه وسلم لأزواجه في التعامل معهن ، وسأعرض الكثير من هذه الصور خلال اللقاء القادم بإذن الله تعالى .
والسلام عليكم ورحمة الله وبركات
----------
الزوجة والصدود العاطفي
أخي الزوج المبارك ..
أتدري من زوجتك ؟. إنها فراشك وموضع سرك ، وأسيرة بيتك ، إنها موطن المودة والرحمة التي قال الله عنها " وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةًَ " إنها موضع قضاء وطرك وإعفاف نفسك ، إنها طاهية طعامك وكانسة منزلك ، ومنظفة ملابسك ، ومرتبة حالك ، ومربية أولادك ، فهل أدركت يا ترى كل هذه الأبعاد ؟ إن كثيرا من الأزواج لم يعد يأبه بزوجته فلم يتق الله في أهله ، ولم يرع العهود التي بينه وبين زوجه ، فرويدا .. رويدا .. ورفقا رفقا بزوجاتكم ، ومزيدا مزيدا من حسن التعامل ، ولطف العشرة ، ودماثة الخلق معهن .
إني أخاطبك ، وأنادي فيك رجولتك قبل عقلك ، أخاطبك وأناديك بخطاب رسولك صلى الله عليه وسلم يوم أن قال : رفقا .. رفقا بالقوارير ألم تسمع قول ربك لك " فإن كرهتموهن فعسى أن تكرهوا شيئا ويجعل الله فيه خيرا كثيرا " ألم تتأمل قول رسولك صلى الله عليه وسلم " استوصوا بالنساء خيرا " ألم تفقه قوله عليه الصلاة والسلام " خيركم خيركم لأهله وأنا خيركم لأهلي " ألم تهزك كلماته الجميلة وهو ينادي الرجال " خياركم خياركم لنسائهم " وقوله " إن من أكمل المؤمنين إيمانا أحسنهم خلقا وألطفهم بأهله " ألم تقرع أذنيك وصيته صلى الله عليه وسلم بالنساء في حجة الوداع وهو يقول أمام الآلاف من الرجال " اتقوا الله في النساء فإنكم أخذتموهن بأمان الله واستحللتم فروجهن بكلمة الله " ويقول " استوصوا بالنساء خيرا فإن المرأة خلقت من ضلع أعوج وإن أعوج شيء في الضلع أعلاه فإذا ذهبت تقيمُه كسرت ، وإذا تركته لم يزل أعوج ، فاستوصوا بالنساء خيرا " يقول ابن كثير رحمه الله تعالى في قوله تعالى " وعاشروهن بالمعروف " أي : طيِّبوا أقوالَكم لهنَّ، وحسِّنوا أفعالَكم وهيئاتكم حسب قدرتكم كما تحبُّ ذلك منكم .. نعم .. كم هم الرجال الذين يتوهمون أن الزواج هو مقبرة الحب والرومانسية ، وأن الرومانسية في التعامل مع الزوجة وتبادل الأحاسيس الرقيقة ، والمشاعر المرهفة معها ، وبثّها حديث الغرام ومناجاتها بأشعار الهيام شيء خاص مقصور على أيام الملكة فقط تنتهي صلاحيته مع نهاية الملكة ، وهذا في الحقيقة ظن خاطئ ووهم كبير ، كيف لا ..؟ والإعتراف المتبادل بالحب والمودة الصادقة الخالصة بين الزوجين هو الذي يسموا ويترعرع ويكبر تحت ظل شجرة الزواج الوارفة الظليلة .
تذكر دائما أن زوجتك حين تأتي إليك ، وتقبل تجاهك ، فإنها تحمل قلبا ومشاعر مرهفة ، نعم تحمل مشاعر وقلبا لتقدمه لك على طبق من ذهب ، فإذْ بها تفاجأ بك ، وقد أخذت مشاعرها وأحاسيسها تلك لترمي بها في مهب الريح ، فتذهب أدراجها ، وحينها يئن قلبها وينزف ، ويتألم فؤادها الجريح ، ويتأوه وجدانها الذبيح ، وتنهمر من عينيها الدموع الساخنات ، وتتصاعد من أعماق قلبها الآهات والزفرات ، لقد تركتها أيها الزوج مذبوحة بخنجر الصدود ، ومقتولة بسيف الجمود ، فهي تتمنى أنك لو ضربتها بالسياط لكان في قريرة قلبها أسهل بكثير من صدودك العاطفي تجاهها ، فلماذا كل هذه القسوة مع رفيقة دربك ، وأسيرة فؤادك ، ومهجة عينك وروحك ، لماذا ...؟ ألا تعلم كم هي الآلام النفسية ، والجراح الوجدانية التي يسببها صددوك عنها ويؤدي إليها احتقارك لمشاعرها ونفورك من فيض حبها وودادها ، نعم .. أتعلم مدى تأثير ذلك الصدود على نفسها وعلى كبريائها وعلى أنوثتها والتي أنت في أمس الحاجة إليها ، فلماذا المكابرة والعناد ؟
لا تقل : قد تقدم بي السن ، فلم أعد بحاجة إلى تلك المشاعر والعواطف ، أنا لا أريد ذلك الفيض من الحب فأنا لست بحاجته ، فلدي من الأعمال والأشغال والارتباطات ما يجعلني أنسى تلك العواطف والتُفاهات لكنني أقول لك : إن لم تكن بحاجة إلى تلك العواطف الرقراقة والمشاعر الفواحة ، فما ذنب زوجتك إذا التي أتت تحمل مشاعرها الرقيقة لتهديها لك وتشنف بها أذنيك ؟ ما ذنبها الذي اقترفته حتى تقابل صافي حبها وودادها بالجحود والصدود والجمود ؟ صحيح .. أنك ربما قد تعاني من ضغوط العمل ، أو بعض المشاكل الاجتماعية أو النفسية ، لكن لماذا تحمِّلها خطأ غيرها ؟ ولماذا تعاقبها بجريرة سواها ؟ ولماذا تحاسبها على خطأ لم ترتكبه يداها ؟ ألم تكن في بداية عمرك مع شريكة حياتك تبحث عن هذا الحب الصافي ، وتتمنى هذه المشاعر الرائعة ؟ لقد أخطأت الطريق أخي الزوج ، نعم .. أخطأت الطريق وتاهت بك الخطوات في دروب القسوة والغلظة ، فليس ثمة إنسان لا يحتاج إلى العاطفة الصادقة والمودة الصافية ، إني أقولها بملئ فيّ الذي بين فكي ( ليست هناك حياة جميلة بغير هذا السحر الخفي الحب )
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
------------
ماذا تريد الزوجة من زوجها ..؟
سؤال يطرح نفسه بنفسه ، ماذا تريد الزوجة من زوجها ..؟ زوجتك أيها المبارك ماذا تريد منك ؟ وماذا تؤمل فيك .؟ نعم .. إنها تحتاج منك أن تسقيها بماء حبك ، فهي وردة نبتت في صحراء حياتك ، فما أنت فاعل بتلك الوردة الجميلة..؟ كأني بك أيها الزوج تغذيها برباط حبك وحنانك ، وتلفها بعبير هواك وتحافظ عليها حتى من لمسات يديك ، فكل حياتها أنت ، وكل وجودها أنت ، هل رأيت أيها الزوج المبارك في يوم من الأيام وردة تسقى بالدراهم ؟ أم هل رأيت زهرة جميلة تغذى بالملابس والمجوهرات ؟ إن زوجتك لا تريد منك مالا ولا قصورا ولا خدما ، إنها تريدك أنت ، نعم.. تريد قلبك لتسكن إليه ، تريد وجدانك لتمتلك عرشه ، إنها تريد صدرك لترتمي عليه ، تريد حبك لتأنس به ، تريد حنانك لترتوي منه ، تريد عطفك لتعيش فيه ، نعم .. تريد قربك لتشعر معك بالدفء والآمان الذي تبحث عنه ، هل تعلم أخي الزوج المبارك أن زوجتك حين تهتم بالمجوهرات والفساتين والأموال وتطلبها منك بكثرة وتنظر إلى غيرك وتُهمل تعاملك فذلك لأنها افتقدتك أنت .. أنت .. دون سواك ، نعم افتقدت حبك يروي حبها ، افتقدت وجودك يلف وجودها ، افتقدت حنانك يسقي ظمأها ، افتقدت شريك القلب وساكن الوجدان ، فأخذت بنفسها تبحث عن البديل ، الذي يكون مصدره أنت ، وهي في كل ذلك تناديك : عد زوجي فإن العود أحمد ، فلا شواطئ وربي لحبها ، ولا سواحل لبحر ودادها ، إنها لا تملك في الحياة إلا أنت ، فحق لها أن تحبك ، لأنك زوجها ، ليس حبا فقط بل زد مع ذلك الحب جنون وهوس ، نعم.. تتمنى لو أن الدنيا ملك يديها ، حتى تقدمها بين يديك ، تود لو بحياتها تفديك ، إنها ترمي بسعادتها تحت قدميك كي تسعدك أنت فقط لا غيرك ، بل تنثر ودادها في أرضك ، وتحاول أن تحيطك بشباك حبها وتوصد الأبواب عليك بأقفال ودها ، ومع ذلك فهي تغار عليك ، حتى من نسمة الهواء التي تداعب وجنتيك ، بل من قطرات الماء التي تلامس شفتيك ، بل من كل ما يجذب ناضريك ، بل من كل ما تنظر إليه عينيك ، نعم .. عذاب .. جحيم .. بكاء دموع ، ألم بلا حدود ، تلك هي الغيرة تؤرق نومها ، وتقض مضجعها ، وتقتل الابتسامة على شفتيها ، وتزرع الحزن في عينيها ، فرفقا رفقا عزيزي الزوج بذلك القلب الرقيق الرحيم الغيور .
نعم .. أيها الزوج :
تتمنى الزوجة منك أن تلاطفها أثناء التعامل اليومي ، وهذه الملاطفة والمداعبة والملاعبة عبادة تؤجر عليها إذا ما نويت بها وجه الله عز وجل ، أما سمعت يوم من الأيام عن نبيك صلى الله عليه وسلم وهو يلاطف ويداعب أزواجه ويراعي شعورهن ..؟ أما قرأت في سيرته العطرة الطاهرة كيف كان يجلس معهن ويقلب النظر إليهن ليُمتعهن ويتمتع بهن ..؟ وهو من ؟ إنه القائد الأعلى والزوج الأكمل ، إنه من كمل مع زوجاته ، وكملن معه عليه الصلاة والسلام ورضي الله عنهن ، كيف لا ..؟ وهو القائل " كل شيء ليس من ذكر الله فهو لهو ولعب ، إلا أن يكون أربعة ، وذكر منها ملاعبة الرجل امرأته " [ رواه النسائي وقال الألباني صحيح الإسناد ] وللكلام بقية .. والسلام عليكم ورحمة الله وبركات
--------------
صور من مداعبة النبي صلى الله عليه سلم لأزواجه
الملاعبة والمداعبة والمؤانسة للزوجة لها صور متعددة أذكرها لك أخي الزوج وأذكّرك بها ، لكن قبل أن تسمع مني بعض هذه المداعبات والملاعبات والملاطفات مع زوجتك الغالية حاول أن تجرب ولو مرة وسترى الشعور ، نعم .. جرِّب وسترى والله الأنس والابتهاج والارتياح والاستقرار في بيتكما بيت الزوجية ، إن من الصور التي كان يتعامل معها النبي صلى الله عليه وسلم مع زوجاته ما يلي :
الصورة الأولى : لقد كان صلى الله عليه وسلم يُطعم زوجاته ويسقيهن بيديه الكريمتين الشريفتين الطاهرتين ، نعم .. قد تعجب أيها الزوج من هذه المعاملة ، ولربما سفهت منها وتذمرت من صنيعها ، لكنه الواقع يحكيه لك رسولك صلى الله عليه وسلم حيث يقول لسعد بن أبي وقاص رضي الله عنه لما زاره في بيته وهو مريض ، قال له " حتى اللقمة تضعها في في امرأتك يكون لك بها صدقة " فما أجمل الإسلام وما أشمل تعاليمه ، لقمة لكنها تقرب الزوجين إلى أن يسكن أحدهما إلى الآخر ، لقمة لكنها تهدف إلى إيجاد محبة ومودة بين الزوجين ، لقمة لكنها ترسم الابتسامة على شفتي زوجين متحابين ، إنها لو تأملتها أخي الزوج المبارك هي والله لقمة لا تقدم ولا تؤخر ، لكنه الشعور والتضامن عقِب هذه اللقمة من حسن العشرة ورقة الطبع وتآلف القلوب .
الصور الثانية : لقد كان عليه الصلاة والسلام يشارك أزواجه في الشراب من كأس واحدة ، بمعنى : أنه يشرب مما تشرب منه زوجته عليه الصلاة والسلام ، نعم .. لا بد أن تتنازل أخي الزوج عن العنجهية الخرقاء والأغلاط المفهومة التي ربما حملت شيئا منها في ذهنك ، اسمع إلى أمك أم المؤمنين عائشة رضي الله تعالى عنها تحكي حالها وواقعها مع زوجها الكريم صلى الله عليه وسلم ، ماذا تقول ؟ تقول رضي الله عنها : كنت أشرب وأنا حائض ، ثم أناوله النبي صلى الله عليه وسلم فيضع فاه ( أي فمه ) على موضع فيَّ فيشرب عليه الصلاة والسلام ، الله أكبر ما هذه المعاملة الحسنة ..؟ أيُ روعة يضربه لنا عليه الصلاة والسلام من هذا الموقف ، هكذا كان في إظهار المحبة والمودة لأزواجه عليه الصلاة والسلام ، نعم .. أين أنتم يا من تتبرمون من زوجاتكم وتعادونهن أثناء ووقت عادتهن ، لقد حدثني أحد الأزواج الذي كان يحمل فكرا ومنهجا شيطانيا مع زوجته ، نعم .. أقولها بكل صراحة ، كان يحمل منهجا وفكرا شيطانيا حدثني وأنا أرى الافتخار والبهجة تملأ نفسيته قائلا : إني والله لا أعرف زوجتي متى ما بليت بهذا العفن ؟ ( يقصد عفن الدورة الشهرية ) وأردف قائلا : بل والله إني لا أركبها معي في السيارة إلا ورائي وخلف ظهري ، ولا أحاول إركابها بجانبي ، لقد والله كنت أنام في غرفة وحدي وهي في غرفتها لوحدها ، إني أقول لهذا الزوج ولأمثاله ، أقول لهم : إن تصرفكم هذا لهو الجنون والسفه بعينه ، كيف لا والنبي صلى الله عليه وسلم يشرب من موضع فم عائشة رضي الله عنها وهي حائض ، بل كان يضع رأسه عليه الصلاة والسلام في حضنها وهي حائضة ، فقلي بربك عليك من أنت أيها الزوج ؟ نعم .. من أنت حين تعامل زوجتك هذه المعاملة ؟ أأنت أفضل من هذا النبي الطاهر الزكي الباهر ؟ أرجوا أن تحسب الموازين والمعاملة مع زوجتك ؟ فهي نبع فؤادك وصفاء قلبك ... وللكلام بقية والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
---------------
ومن الصور في مداعبة النبي صلى الله عليه وسلم أزاوجه ..
الصورة الثالثة :
التقبيل أحيانا فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يقبل عائشة رضي الله عنها وهو صائم ، وانظر إلى حبيبك ونبيك صلى الله عليه وسلم كيف كان يعامل عائشة رضي الله تعالى عنها ، قالت : أهوى النبي صلى الله عليه وسلم ليقبلني فقلت : إني صائمة ، فقال : وأنا صائم ، فقبلني [ رواه الترمذي ] وفي لفظ آخر قالت : كان النبي صلى الله عليه وسلم يظل صائما ، فيقبل ما شاء من وجهي "
الصورة الرابعة :
كان النبي صلى الله عليه وسلم يصبح ويمسي في خدمة أهله ، نعم تأمل أيها الزوج .. يصبح ويمسي في خدمة أهله ، لا وقتا قصيرا يقضيه مع أهله ، لا.. بل يمسي ويصبح عليه الصلاة والسلام في مهنة أهله ، وهو سيد الرجال جميعاً وقائد الأمة الإسلامية ، وزعيم البشرية ، وصاحب الأعباء والمشاغل الكثيرة والخطيرة والجسيمة ، أعز وأكرم من وطئت قدماه الثرى ، فما أظلت الخضراء ولا أقلت الغبراء خيرا منه عليه الصلاة والسلام تقول عنه زوجته عائشة رضي الله عنها : كان عليه الصلاة والسلام في مهنة أهله ، فإذا نودي بالصلاة خرج إليها وكأنه لا يعرفنا [ رواه البخاري ] وسئلت عائشة عنه: ما كان يصنع في بيته ؟ قالت: "يكون في مهنة أهله فإذا حضرت الصلاة قام إلى الصلاة" [رواه البخاري] وقد كان صلى الله عليه وسلم يرقع الثوب ويخصف النعل ويقطع اللحم ، فما المانع أيها الزوج الكريم أن تساعد زوجتك في القيام ببعض أعمال المنزل ، فإن هذا وربي من أعظم أسباب زيادة المحبة بين الزوجين ، وتمتين الروابط الزوجية بينهما ، وخاصة إذا تكاثرت وازدحمت عليها الأعباء المنزلية مع أن هذه ليست مهمتك ، لكن .. لِيكن مقصود من ذلك : أن تشعرها باهتمامك بها ، وحرصك عليها ، ومراعتك لتعبها ومجهودها ، وحاول أن تطلب منها متى ما كانت متعبة أن تستريح ولا تقوم بأي عمل منزلي ، وقم أنت بهذا العمل بدلا عنها وإياك الغرور والاستكبار أو استثقال هذا العمل ، فقد يظن كثير من الرجال أن مساعدته لزوجته ومعاونته لها شرخ في رجولته ، أو نزولٌ عن قوامته ، وإهداراً لكرامته ومنزلته.. كلا والله .. بل هي الرحمة والرفق والتعاون الذي حث الإسلام عليه.
الصورة الخامسة :
تعاونه صلى الله عليه وسلم مع أزواجه في أمور العبادة كالصلاة والصدقة ونحوها من الفرائض والمستحبات كالتعاون في قيام الليل ، فهاهو ينادي صلى الله عليه وسلم كل زوجين مسلمين قائلا "رحم الله رجلاً قام من الليل فصلى وأيقظ امرأته ، فإن أبت نضح في وجهها الماء " [ حسّنه الألباني ] ويقول عليه الصلاة والسلام " سبحان الله ! ماذا أُنزل الليلة من الفتن ، وماذا فتح من الخزائن ، أيقظوا صويحبات الحُجَر ، فرب كاسيةٍ في الدنيا ، عارية في الآخرة " [ رواه البخاري ] يقول ابن حجر-رحمه الله- في الحديث فوائد منها " ندبية إيقاظ الرجل أهله بالليل للعبادة " فهنيئا لكل زوج وزوجة قاما في ليلة مليئة بالسكينة والطمأننية ليرفعا أكف الضراعة إلى الله ويسيلا دموع الأسى والحرقة على ما فات لكتبهما الله تعالى مع الذاكرين الله كثيرا والذاكرات ، يقول عليه الصلاة والسلام : إذا أيقظ الرجل أهله من الليل فصليا ركعتين جميعاً كتبا في الذاكرين والذاكرات " [ صححه الألباني في الترغيب (622) ] وكذا التعاون في الصدقة فعن عائشة رضي الله عنها تقول قال النبي صلى الله عليه وسلم " إذا أنفقت المرأة من طعام بيتها غير مفسدةٍ ، كان لها أجرها بما أنفقت ولزوجها أجره بما اكتسب ، وللخازن مثل ذلك ، لا ينقص بعضهم من أجر بعض شيئاً " [ رواه البخاري ومسلم ] وعموما فالزوجين مسؤلين في تربية أبنائهما التربية الصالحة لأنها شراكة بينهما فـ " الرجل راعٍ في أهل بيته ومسئول عن رعيته ، والمرأة راعية في بيت زوجها وولده " وكلما أخلص الشريكان في تربية الأبناء وتعاونا في ذلك وقام كل واحدٍ بواجبه كلما أينعت الثمرة ونضجت وطابت بإذن الله تعالى .
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
----------
الحب بين الحقيقة والخيال
إن الحب قبل الزواج حب زائف ووهم خادع ، فإن كلا من الشاب والفتاة يحرصان قبل الزواج على الظهور أمام الطرف الآخر ، بمظهر مثالي رقيق متفاهم متفاني ، ليكسب ثقة الطرف الآخر وينال رضاه ولكن هذا القناع المزيف ما يلبث أن يسقط ويتهاوى عند أول مشكلة تواجه هذين الزوجين في حياتهما الاجتماعية ، إن الحب الذي ينموا في الظلام ويترعرع عبر مكالمات ورسائل الغرام ، الحب الذي لا يظهر إلا في آخر الليل كالخفافيش ليس حبا عفيفا ولا عشقا صادقا ، بل هو حرق للأعصاب وإشغال للقلوب والأرواح ، وقتل للمشاعر النبيلة ووأد للفضيلة ، إنه جحيم لا يُدرِك بشاعته وشناعته إلا من جربه وعرفه ، أما الحب الشريف الحب الطاهر ، الحب النقي ، فهو الذي ينموا وينبت في النور ، وهو الذي يُسقى بماء الحياء والفضيلة ، هو الحب الذي يَطرُق البيوت من أبوابها ، فليتأمل هذا .
كم من الرجال يتوهمون أن الزواج هو مقبرة الحب والرومانسية ، وأن الرومانسية في التعامل مع الزوجة وتبادل الأحاسيس الرقيقة ، والمشاعر المرهفة معها ، وبثّها حديث الغرام ومناجاتها بأشعار الهيام شيء خاص مقصور على أيام الملكة فقط تنتهي صلاحيته مع نهاية الملكة ، وهذا في الحقيقة ظن خاطئ ووهم كبير ، بل إن الإعتراف المتبادل بالحب والمودة الصادقة الخالصة بين الزوجين هو الذي يسموا ويترعرع ويكبر تحت ظل شجرة الزواج الوارفة الظليلة ، وقد يتوهم بعض الرجال أيضا وخاصة ممن جاوزوا سن الأربعين وترحلوا عن رعيان الشباب أن التفاعل العاطفي وتبادل كلمات الحب والغرام مقصور بالمتزوجين الجدد من الشباب والفتيات فقط ، أما هم فقد كبروا على هذه الأشياء ، وصارت عيبا في حقهم فيا عجبا ، منذ متى أصبح الحب يهرم ويشيخ ؟
أيها الرجل اللبيب والزوج الكريم ..
إن أصفى الحب وأعذب العشق وأرقّ الغرام وأحلى الهيام بين الزوجين لا يكون إلا بعد الزواج نعم .. بعد الزواج يتعرف الرجل على كثير من أخلاق زوجته ، وعاداتها وطبائعها الفاضلة فيزداد لها حبا وإعجابا ، بعد الزواج تكون حِدة الغريزة الجنسية وثورة الشهوة الجسدية خفت وهدأت ، فيكون حبه لزوجته حبا حقيقا ، لأنه يحبها لا لأجل شهوته ، وإنما لأخلاقها وأفكارها وطيبتها وحسن تعاملها معه بعد الزواج يصبح الزوج لا يتأثر بالجمال الشكلي والإغراء الجسدي ، لأنه قد تعود عليه وألف ذلك الجمال الشكلي والشيء المكرر المعتاد ، فيظهر جمال الروح والأخلاق حين يكتشف الزوج زوجته في كل يوم خلقا جميلا ، وصفة نبيلة سامية وتضحية من أجله ، وسهرا على راحته وتفانيا في خدمته ، فكأنها كل يوم عروس جديدة فتكبر في عينه ، ويزداد حبه لها .
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته ..
--------------
الزوجة والصدود العاطفي
أن تعلم أيها الزوج المبارك أن زوجتك الغالية ، وأنثاك الحبيبة ، هي مخلوق حساس رقيق ، لا يحتمل نسمات الهواء البارد ، فكيف بالعواصف الثائرة ، إنها مخلوق لا يحتمل كلماتٍ نابية فما بالك بصدود عاطفي كامل ..؟
عزيزي الزوج ..(111/274)
تذكر دائما أن زوجتك حين تأتي إليك ، وتقبل تجاهك ، فإنها تحمل قلبا ومشاعر مرهفة ، نعم .. تحمل مشاعر وقلبا لتقدمه لك على طبق من ذهب ، فإذْ بها تفاجأ بك ، وقد أخذت مشاعرها وأحاسيسها تلك لترمي بها في مهب الريح ، فتذهب أدراجها ، وحينها يئن قلبها وينزف ، ويتألم فؤادها الجريح ، ويتأوه وجدانها الذبيح ، وتنهمر من عينيها الدموع الساخنات ، وتتصاعد من أعماق قلبها الآهات والزفرات ، لقد تركتها أيها الزوج مذبوحة بخنجر الصدود ، ومقتولة بسيف الجمود ، فهي تتمنى أنك لو ضربتها بالسياط لكان في قريرة قلبها أسهل بكثير من صدودك العاطفي تجاهها ، فلماذا كل هذه القسوة مع رفيقة دربك ..؟ فإنك والله لا تعلم الآلام النفسية ، والجراح الوجدانية التي يسببها صددوك عنها ويؤدي إليها احتقارك لمشاعرها ونفورك من فيض حبها وودادها ، نعم .. أنت لا تعلم مدى تأثير ذلك الصدود على نفسها وعلى كبريائها وأنوثتها التي أنت في أمس الحاجة إليها ، فلماذا المكابرة والعناد ؟ لا تقل : قد تقدم بي السن ، فلم أعد بحاجة إلى تلك المشاعر والعواطف ، أنا لا أريد ذلك الفيض من الحب فأنا لست بحاجته ، فلدي من الأعمال والأشغال والارتباطات ما يجعلني أنسى تلك العواطف والتُفاهات لكنني أقول لك : إن لم تكن بحاجة إلى تلك العواطف الرقراقة والمشاعر الفواحة ، فما ذنب زوجتك إذا التي أتت تحمل مشاعرها الرقيقة لتهديها لك وتشنف بها أذنيك ؟ ما ذنبها الذي اقترفته حتى تقابل صافي حبها وودادها بالجحود والصدود والجمود ؟ صحيح أنك لربما قد تعاني من ضغوط العمل ، أو بعض المشاكل الاجتماعية أو النفسية ، لكن لماذا تحمِّلها خطأ غيرها ؟ ولماذا تعاقبها بجريرة سواها ؟ ولماذا تحاسبها على خطأ لم ترتكبه يداها ؟ ألم تكن في بداية عمرك مع شريكة حياتك تبحث عن هذا الحب الصافي ، وتتمنى هذه المشاعر الرائعة ؟ لقد أخطأت الطريق أخي الزوج ، نعم .. أخطأت الطريق وتاهت بك الخطوات في دروب القسوة والغلظة ، فليس ثمة إنسان لا يحتاج إلى العاطفة الصادقة والمودة الصافية ، إني أقولها بلئ فيّ ليست هناك حياة جميلة بغير هذا السحر الخفي ( الحب ) اقرأ إن أردت التاريخ وسطوره الذهبية ؟ اسمع بأذنيك كيف كان نبيك صلى الله عليه وسلم رحيم القلب مرهف الحس عذب المشاعر يوم يقول لزوجه عائشة رضي الله عنها : إني لأعلم إذا كنت عني راضية وإذا كنت عليّ غضبى ، فقلت : ومن أين تعرف ذلك ؟ فقال عليه الصلاة والسلام : إذا كنت عني راضية فإنك تقولين : لا ورب محمد ، وإذا كنت غضبى قلت : لا ورب إبراهيم " فما أجمل هذا الحس المرهف منه صلوات ربي وسلامه عليه ، أرأيت كيف كان يفكر صلى الله عليه وسلم في اهتمامه بعبارات زوجته التي تناديه أو تخاطبه بها ، وكيف يعرف نفسيتها الدقيقة وحال رضاها وغضبها .. فهلا اقتديت به في ذلك ؟ إني أتمنى أن تقرأ تاريخ أولئك العظماء أمثال عمر وخالد وغيرهم من الصحابة ، ألم تدهشك في ثنايا السطور وأنت تقرأ تاريخ عمر بن الخطاب رضي الله عنه وهو القوي الشديد الجبار المهاب التي تفرّ منه وتخاف لهوله وجبروته الشياطين كيف كان يعامل زوجته ؟ ألم تقرع أذنيك كلمات الغزل العفيف وعبارات الحب اللطيف التي كان يسوقها علي بن أبي طالب رضي الله عنه لمحبوبته وزوجته فاطمة بنت محمد صلى الله عليه وسلم ؟ هاهو يدخل عليها رضي الله عنه يوما من الأيام ليجد زوجته فاطمة تستاك بعود أراك ، فأحبّ أن يلاطِفها فسحب عودَ الأراك من فمها ووضعه أمام عينيه وهو يقول :
حضيتَ يا عودَ الآراك بثغرها أما خِفتَ يا عودَ الآراك أراك
لو كنتَ من أهل القتالِ قتلتك ما فازَ مني يا سواكُ سواكَ
سبحان الله .. كم لهذه الكلمات من أثر عميق في نفس الزوجة ، وكم ستحدث من الترابط والمودة بين الزوجين فأين أنت منهم أيها الزوج ؟ وقد كانوا سادة العالم وقادته ؟ وهم من هم ؟ وأنت من أنت ؟
-------------
صور للصدود العاطفي تجاه الزوجة ..
عزيزي الزوج ..
إن أصعب شيء تواجهه الزوجة من زوجها ، وهو الشيء الذي يحطمها ويغتال مشاعرها ويجرح أنوثتها ويخدش كبريائها ويئد حبها وينكأ جراحها ويشعرها بالتضاؤل والانهيار ويحسسها بالتلاشي والاحتراق ويفجر في وجدانها براكين الألم ويزلزل أعماقها ويهز وجدانها ، الصدود العاطفي ، وقد تقول ما الصدود العاطفي ؟ إنها حين تأتي إليك تحمل قلبها فوق كفيها ، مفعما بالحب ، معطرا بأريج الوداد ، تلفه مشاعرها السامية ، وتحتويه أحاسيسها المرهفة المتدفقة وتحيط به آمالها وأحلامها وأمانيها ، تأتي لتقدمه إليك ، ولا تريد منك أن ترده إليها مرة أخرى بل تريد منك أن تحتويه ، وتحفر له مكانا آمنا بين ضلوعك ، ثم تسكنه في داخل وجدانك ، ثم تحيطه برعايتك وعنايتك ، وترويه بحبك وحنانك ، وتسقيه بعطفك وودادك لكنك وللأسف الشديد وقد حطمت أحلامها ، وذبحت آمالها أمام عينيها ، وأدرت لها ظهرك ووليت عنها خارجا ، وتركتها تقتات الحسرات ، وتذرف من عينيها العبرات الساخنات لقد تركتها مذبوحة بخنجر الصدود ، مقتولة بسيف الإعراض والجمود ، نعم .. إنك بتصرفك هذا ، تقتلها أبشع قتلة ، وتجرح كبرياءها ، وتئد كل معنى جميل في نفسها وتدفن إلى الأبد مشاعرها الرقيقة ، فليتك حطمت جسدها عوضا عن أن تحطم روحها ؟ إن ذلك والله أهون عليها ، فلماذا النفور وأنت تحتاج إلى الوداد ؟ ولماذا كل هذا الصدود والعناد ؟ لماذا تغتال الحب الذي أنت في حقيقة الأمر محتاج إليه ؟ إن من الصور للصدود العاطفي لدى كثير من الأزواج تجاه زوجاتهم :
أن يناديها بغير اسمها ، كقول بعض الأزواج : يا هيه ، يا ولد ، يالي في الغرفة ، يا كذا أو يا امرأة أو أن يناديها بصراخ وصخب ورفع صوت غير مبال بنفسيتها ومشاعرها ونحو ذلك من الكلمات الجارحة ..
ومن الصدود أيضا : كثرة خروج الزوج وغيابه عن البيت ، لفترات طويلة ، والبذاذة في الملبس فليس هناك تنظف ولا تطيب ولا زينة ولا هيئة جميلة .
ومن الصور: عدم الاحترام والتوقير ، والذي قد يصل للعناد والتسرع وربما للسباب واللعان وتقاذف كلمات التنقص والازدراء تجاه الزوجة ، فمرة بسبب الراتب ، ومرة بسبب الأولاد ومرة بسبب الأهل ، والمشكلة الحقيقية هي غياب المودة وبرود المشاعر والتقصير في أداء الوجبات والحقوق .
ومن الصدود أيضا : الأنانية وحب الذات والتمسك بالرأي الآخر ، فليس هناك تنازلات من الزوج لزوجته من أجل بقاء المودة والعطف والمحبة ، وربما وصل الأمر إلى اتهامها بأنها السبب في إحداث المشاكل والخلافات الزوجية والله المستعان
------------
الحياة الزوجية وجحيم الطلاق
موضوع الطلاق موضوع يقلق الغيور المشفق ، حُقَّ لدمعِ العين أن يُسكب ، ولأنات الفؤاد أن تظهر ، لكن أيتها الزوجة المباركة اعلمي جيدا أن الطلاق ليس نهاية الدنيا بل هو بداية حياة جديدة نعم ، الطلاق رحمة ونعمة . . !فعندما تتحطّم الآمال يكون رحمة ، عندما تتناثر الأحلام الوردية يكون الطلاق رحمة ، عندما توأد العواطف في مهدها يكون الطلاق حينها رحمة وتصبح الآهات أصداء يمزعها الهواء ، ويصير الحب شمعة تذوي !وركام ثلج تحرقه الشمس عندها يكون الطلاق رحمة !!!إنني لأعجب أشد العجب وأنا اقرأ قوله جل وعز الرحيم بخلقه ( وَإِن يَتَفَرَّقَا يُغْنِ اللّهُ كُلاًّ مِّن سَعَتِهِ وَكَانَ اللّهُ وَاسِعًا حَكِيمًا ) .
أيها الزوج المبارك ..
هل لك أن تعرف مشاعر زوجتك في حال فراقك لها لا قدر الله ، ومدى العذاب النفسي الرهيب والصراع الداخلي المرير التي تعيشه المطلقة الرجعية وهي تنتظر عودة زوجها الحبيب واسترجاعه لها مع أنها قد تكون هي التي طلبت منه الطلاق ، نعم .. قد يستغرب بعض الأزواج تلك المشاعر من زوجته مع أنها هي التي طلبت الطلاق ، وهنا لابد لك أيها الزوج أن تدرك أنك بالنسبة للمرأة كل شيء ، بل أنت حياتها ، بخلاف المرأة فإنها غالبا جزء من حياة الزوج . فإذا كان الأمر كذلك فليتق الله تعالى أولئك الأزواج الذين يعبثون بالطلاق ويتلفظون به في اليوم عدة مرات ، بل ربما على أبسط الأشياء وأتفهها .
إن كلمة الطلاق أيها الزوج بالنسبة للأنثى هي كاسمها ، طلقة قاتلة مدوية ، تقتل مشاعرها وأحاسيسها قبل أن تقضي على جسدها وآمالها وطموحاتها ، فالله ألله أيها الأزواج : رفقا بالقوارير ، رفقا بزوجاتكم رفقا بكلمة الطلاق ، التي أصبحت على لسان أحدنا أسهل من شرب الماء البارد ، إن هذه الكلمة عند الأنثى تعني نهاية الآمال وتحطيم الأحلام ، تعني الغروب الذي لا شروق بعده ، تعني الظلام الذي لا نور يعقبه ، تعني الجراح الدامية التي لا شفاء لها ، فإياك إياك أيها الزوج إن طلبت زوجتك منك طلاقها أن تلبي لها طلبها ، فالمرأة بطبيعتها عاطفية فربما اتخذت قرار الطلاق تحت تأثير الغضب والانفعال والتهور ، ألا ترى كيف أن الله عز وجل جعل أمر الطلاق بيد الرجل لا بيد المرأة ، فحتى ولو طلبت منك الطلاق فينبغي أن تكون حليما عاقلا متزنا ، فلا تجبها إلى ما طلبته منك ، لأنها إنما فعلت ذلك بغير وعي منها ولا شعور ، ولا إدراك لعواقب الأمور ، ولا أدل على ذلك أنها لو كانت صادقة في الطلاق وراغبة فيه حريصة عليه لما بكت عد سماعها كلمة طالق ، فألله ألله أيها الزوج كن رجلا حليما لا أحمقا بليها ، وأما أنت أيتها الزوجة فلا بد أن تعرفي أن أصل الطلاق ليس حلا للمشاكل وليس هو العلاج الناجع لأغلب الخلافات الزوجية ، بل هو في الحقيقة ينقل المرأة من نار الخلافات الزوجية إلى جحيم الوحدة والوحشة والإشاعات ونظرات الشفقة وكلمات الغمز واللمز المؤلمة المريرة ، وإنما يكون الطلاق حلا للمشاكل ، إذا استحالت العشرة الزوجية مع ذلك الزوج ، كأن يكون قاطعا للصلاة بالكلية فلا يصلي لا في المسجد ولا في بيته ، ولذا فإني أدعوا كل زوجة ألا تلجأ حال وقوعها في مشكلة مع زوجها إلى طلب الطلاق إلا في حالات الضرورة القصوى ، كأن يغلب على ظنها أن الحياة مع هذا الزوج أصبحت مستحيلة ، وخشيت على نفسها من زوجها بالهلاك والتلف في دينها وإيمانها أو في عفافها وشرفها ، أو في بدنها وجسدها فحينئذ يحق لها الطلاق والمطالبة بذلك ، لتنقذ نفسها من جحيم قد لا يُطاق ، وهنا تأتي رحمة هذه الشريعة الإسلامية ، إذ أن الطلاق في هذه الحالة رحمة بهذه الزوجة ، وأما عدا تلك الأحوال الطارئة فلتصبر الزوجة ولتحتسب ولتعلم أن طبيعة الدنيا دار هموم وغموم ومشاكل وأحزان ، وكما قال الأول :
طبعت على كدر وأنت تريدها صفوا من الأقذاء والأكدار
كما أني أدعوا كل زوجة أن تعمل مقارنة سريعة بسيطة ، بين بيت زوجها بمشاكله وهمومه وآلامه وبين بيت أهلها حين تعود إليه مطلقة ، فإن من المعلوم أن المرأة المطلقة إذا عادت إلى بيت أهلها وأبيها الذي فارقته منذ سنين فستشعر بأنها غريبة بين أهلها وكأنها ضيف جديد نزل بهم ، بخلاف بيت الزوجية فإنها لن تشعر فيه بالغربة مطلقا فهو بيتها وبيت أطفالها ، كما أن هناك فرق كبير بين بيت الزوجية الذي تكون فيه هي الآمرة الناهية وهي المسئولة عن كل شيء فيه وصاحبة القرار الأول والأخير في ترتيبه وتنظيمه ولها مطلق الحرية في الحركة والتنقل والتصرف داخله ، وبين بيت أهلها الذي لن يكون لها عليه مهما بلغت محبة أهلها لها ولطفهم معها من السلطة وحرية التصرف واتخاذ القرار كما كان الحال في بيت الزوجية ، وعلى المرأة أيضا أن تعلم أن الزوجة المطلقة التي ظنت أن الطلاق نجاة لها من المشاكل الزوجية ، ستجد نفسها في جحيم آخر من المشاكل والخلافات إما مع زوجة الأب ، أو مع زوجات إخوانها وهنا ستبدأ حرب فرض السيطرة على البيت بينها وبينهن وستكون تلك الزوجة المطلقة هي الخاسرة وحينها تكون قد فرّت من مشاكل إلى مشاكل ربما تكون أشد وأبشع ، بل عليها أن تعلم أن أطفالها الذين ربتهم في بيتها هم كحال الأطفال يلعبون ويمرحون ويكسرون كما يشاءون وأما في بيت أهلها فالوضع مختلف جدا بالكلية ، فهل ستطيق المطلقة أن ترى أمها أو زوجة أبيها وهي تضرب واحدا من أطفالها أمام عينيها ؟ فكم من الزوجات ندمن بعد طلاقهن أشد الندم ، وهي تقول : ردوني ، أعيدوني إليه ، أنا لا أريد الطلاق ، كم من امرأة تمنت لو أنها صبرت على زوجها دون أن تواجه جحيم الطلاق فألله ألله أيها الزوجة العاقلة .. لا تتسرعي في اتخاذ القرار ، فكم من سرعة أودت بقتلة والله المستعان .
--------------
إلى زوجي مع التحية ..
زوجي الحبيب ، ورفيق الدرب حفظه الله ورعاه .
السلام عليك ورحمة الله وبركاته .. وبعد :
فإني لم أكن أتوقع في يوم من الأيام ، أن يكون رسول مشاعري إليك وسفير أحاسيسي تجاهك وقد أصبحتَ شريك حياتي ورفيق دربي ونور قلبي ، ورقةٌ صمّاء وقلمٌ أخرس نعم .. لم أتوقع ذلك ، ولكنها تصرفاتك معي وعدم مبالاتك بي ، وإتاحتك الفرصة لأعبر لك عما في قلبي ، فهي والله التي اضطرتني إلى أن أكتب لك هذه الرسالة وعلى كل حال .. أتمنى أن تصل كل كلمة من كلماتي هذه ، إلى قلبك قبل عقلك ، فتحتويها مشاعرك ، ويتفاعل معها وجدانك ، لتشعر بي إنسانة أعيش معك وبجوارك ..
زوجي العزيز :
قبل زواجي منك ، كنت أحلم بك ، وأحلم بحياتي معك ، التي تصورت أن تكون سعادة وهناء وفرحة وسرورا وكنت قد عقدت العزم على أن أكون لك الزوجة المخلصة الوفية والأخت العطوف ، والأم الرحيمة ، والحبيبة العاشقة المتيّمة ، التي لا ترد لك طلبا ولو كان نور عينيها ولا تقصر معك في واجب من واجباتك وحقوقك عليها ، لقد كنت أراك خلال فترة ( المِلكة ) أحلام صباي ، ومَلِكَ دنياي ، ومزرعة آمالي وأمنياتي ونور قلبي وحياتي ، لقد كنت أعتبرك محطّ رحلتي الطويلة مع البؤس والشقاء والحرمان ، لقد خططتُ وعزمت ، على أن أبذل كل ما أملك من وقت وجهد وطاقة ، في سبيل أن أجعل حياتي معك أسعد وأهنأ محطة على وجه الأرض ، وقد أتيتها وأنا خالية الهموم والأحزان كيما أجعلها للأبد ، خالية من الهموم والأحزان .
يا رفيق الدرب : ما زالت كلماتك تلك ، التي كانت تقرع سمعي ويهتز لها قلبي ويرقص لها فؤادي طربا وفرحا عند مهاتفتك لي في أيام ( الملكة ) ما تزال تلك الكلمات الرقيقة والأحلام الجميلة والعبارات العاطفية ، عالقة بذهني ، يتردد صداها في أذني ، ولن أنساها قط ما حييت وأتمني أن لا تكون مجرد كلمات وعبارات ، ذهبت أدراج رياحَ تلك الأيام ، فهل نتذكر ذلك ؟ أتذكر عندما كنتَ تقول لي : سأجعلك أسعد إنسانة في الوجود ، أتذكر والله عندما كنت تقول لي : اطلبي مني ما شئت ، ستجدينه بين يديك مهما كان ، فها أنا ذا يا زوجي الحبيب ، أطلب منك وعبر هذه الرسالة أن تشعر بي ، نعم .. أطلب منك أن تحس بكياني ، أن تحترمني وتقدرني أن تراعي مشاعري وأحاسيسي ، أن تمنحني ما تبحث عنه كل زوجة من حب وحنان ودفء وأمان ، أن تعطيني المزيد من وقتك ، فأنا أولى به من زملائك ورفقائك الذين تسهر معهم حتى الفجر ، أليست مأساة مريرة أن أظلّ كل ليلة إلى قرب الفجر أنتظر عودتك وحيدة فريدة خائفة ، بين أربعة جدران صامتة بدون زوج يؤنسني ويحادثني ويضاحكني , إذن لماذا تزوجتني .. ؟ هل تزوجتني لأجل أن أكنس لك وأطبخ ، وأنظف المنزل وأنجب الأطفال ، لا مانع عندي من القيام بكل ذلك فتلك حقوقك عليّ ، ولكن أليست لي أنا حقوق عليك ؟ فلماذا لا تقوم بها ؟ لماذا تكيل بمكيالين .؟
يا حبيب القلب : لم تمض بعد ، أربعة أشهر منذ زواجنا ، وخلال تلك الفترة القصيرة تجرعت كل ألوان العذاب حتى كرهت الزواج وتمنيت أني لم أتزوج ، نعم.. وقد تستغرب صدور هذا الكلام مني ، ولكنني أقول لك : أيُ عذاب أشدُ وأشنع من أن ترى أحلامك وآمالك التي بنيتها عبر السنين المتطاولة وهي تتهاوى وتسقط أمام عينيك ، أي عذاب أقسى وأمرّ من أن ترى من شقيق روحك وتوأم فؤادك ، أفعالا تخالف ما كنتَ تسمع منه لماذا .. لماذا يا زوجي .. ما الجريمة التي ارتكبتها ، حتى تعاملني بهذه القسوة والجحود والعصبية .. ؟ بل قل لي : ما الذنب الذي اقترفَتْه يداي حتى أعَاقبَ عليه بهذا الصدود العاطفي المرير ؟ كلما حاولت الاقتراب منك وكسر الحواجز التي أقمتَها بيني وبينك تهربت وابتعدت وتذمرت ، فما ذنبي أنا ؟ ما ذنبي كي أحصد الشوك ، في أول أيام الحصاد ؟ .. نعم أشياء كثيرة أود الحديث معك عنها لكنني عندما أحوال المبادرة ، وفتح الباب للنقاش أجد منك العصبية والنفور ، إنك تحاول أن تشعرني بأنني مقصرة ومهملة ، لا يعجبك شيء من تصرفاتي بل دائما تواجهها بالانتقاد واللوم ولو كانت صائبة صحيحة ، لماذا تعاملني بهذا الأسلوب ؟ أم أنك تعتقد كغيرك من الرجال أن ثناء الرجل على تصرفات زوجته وامتداحه لها بالكلمة الطيبة الجميلة ، مدعاة إلى تكبرها واستعلائها عليه ، كلا ليس الأمر كذلك بل هو سبب لازدياد تعلقها به وحبها له وتفانيها في خدمته وطاعته فليتك تدرك ذلك جيدا .
زوجي الحبيب .. لماذا جعلت موضوع ( راتبي ) حاجزا بيني وبينك ؟ لماذا تعتقد وتتوهم أن المرأة إذا لم تعط زوجها الراتب فهي لا تحبه ؟ منذ متى صارت النقود معيارا لأحاسيس القلوب ؟ بل قل لي : لماذا حين أعطيك الراتب كله تنقلب إلى زوج آخر رقيقا حنونا عطوفا تملأ البسمة محياك ، وتعلوا الفرحة وجهك ، وأما حين أحتفظ بجزء قليل من راتبي أو أعطيه أهلي تغضب وتثور وتتحول إلى بركان ثائر هادر لا يعرف إلا السباب والشتم ، فهل يا ترى تزوجتني لراتبي ؟ لماذا تشعرني بأن راتبي أهم عندك مني ومن أحاسيسي ومشاعري ..؟ في العادة يا زوجي تظل الزوجة عروسا إلى تنجب طفلها الأول ، أما أنا فقد فقدت كلمة ( عروس ) منذ أول أيام زواجنا ، نعم .. فقدتها اسما ومعنى .
حبيبي الغالي : لماذا أفقدتني الثقة فيك ؟ لماذا تحاسبني على كل دقيقة وجليلة ؟ لماذا تتصيد لي الأخطاء ؟ أين الصفح والعفو والتسامح على افتراض أنني أنا المخطئة ؟ أرجوك أن تمنحني الحب والحنان والعطف والأمان والسعادة والاطمئنان التي كنت أحلم بها منذ صغري وما زلت أحلم بها ، وستجدني ومالي وكل ما أملك تحت أمرك وملك عينيك ، أرجوك لا تشعرني في يوم ما أنني أشتري المشاعر والأحاسيس منك فأنا حقيقة أحبك ، نعم .. أحبك بصدق ، ولا غرابة في ذلك ، فأنت اليوم زوجي وشريك عمري وغدا بإذن الله ستكون أبا لأبنائي فأرجوك أن تحافظ على مكانتك الغالية في نفسي ولا تجعلني في يوم من الأيام أندم على أن منحتك هذه المكانة الغالية في حنايا قلبي أرجوك لا تجعلني مستودعا لرغباتك وشهواتك الجسدية أرجوك لا تعاملني كشيء ليس له في حياتك وجود إلا لقضاء نزواتك الجنسية ، فأنا حقيقة لا أستحق تلك المعاملة منك لأنني إنسانة ، نعم .. إنسانة لها مشاعرها المرهفة ، وأحاسيسها الرقيقة فرفقا بتلك المشاعر ورفقا بتلك الأحاسيس ، تذكر أننا لا زلنا في بداية الطريق ، فدعنا ننزع الأشواك ، ونزرع الورود بدلا منها ، دعنا نملأ حياتنا سعادة وسرورا وفرحة وحبورا ، دعنا نعيش هذه الأيام الجميلة ، ونجعلها ذكرى رائعة ، نتذكرها دائما بمزيد الشوق والحنين ، عندما يتقدم بنا العمر وحين نجلس سويا معا تحت ضوء القمر ، نتذكر الماضي ونحن نرسم خطوط المستقبل والسعادة تغمر حياتنا ، أرجوك يا زوجي العزيز : لنفتح صفحة جديدة في حياتنا ، تكون أول كلمة فيها هي : الحب ، سر الحياة وغذاء الروح ومداد الدوام .
وتقبل خالص تحياتي وودادي ,,
التوقيع : زوجتك المحبة والمخلصة لك أبدا ..
-------------
التعدد في الحياة الزوجية .
أيها الزوج المبارك .. أيتها الزوجة الوفية ..
مع اعتقادي الشديد أن بعض النساء يغضبن كثيرا من كلمة تعدد ، وربما مرضت الواحدة منهن إذا قال لها زوجها سأتزوج عليك ، وقد تموت في بعض الأحيان إلا أنني أقدر للنساء غيرتهن لكن على المرأة أن تعلم أن تعدد الزوجات ليست مشكلة بحد ذاتها ، فلم نسمع في يوم من الأيام أن التعدد أصبح مشكلة خاصة إذا روعيت فيه الأطر والضوابط الشرعية ، بل إن التعدد هو وسيلة ناجحة لحل كثير من المشاكل الاجتماعية ، وهو قبل هذا وذاك أمر أباحه الله بنص القرآن الكريم " فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع " فلا عبرة بعد ذلك بكلام الغوغاء وهذيان الحثالة السفهاء ، الذين يعقدون الندوات ويقيمون المنتديات ، ويجعجعون في الصحف والقنوات لمحاربة فكرة " تعدد الزوجات ".
كم نسمع عن كثير من الأزواج الذين قدموا كثيرا من العهود والمواثيق الغليظة لزوجاتهم على إن تزوجوا أن يوفوا بوعودهم وعهودهم من العدل والاحسان والشفقة والاحترام ، لكنها الأيام تحكي واقعا ، فهذا زوج بعد ما حرم الله زوجته الأولى من نعمة الإنجاب تزوج عليها وحق له أن يتزوج في إطار الضوابط الشرعية في هذه القضية ، فتزوج عليها بعد ما عاهدها بالعهود والمواثيق الغليظة ، على أن يعدل بينها وبين الزوجة الجديدة وأنها ستظل حبيبة القلب وملكة الفؤاد ، ولكنه لم يف بعهوده ووعوده ، وخاصة بعد ما أنجب من الزوجة الجديدة طفلا جميلا ، فنسي زوجته الأولى وأهملها وتغيرت معاملته لها ، فلم تطق تلك الزوجة الوفية الصبر على ذلك فرحلت إلى بيت أهلها ثم جاءتها الصدمة الرهيبة ، حين استلمت ورقة طلاقها فسقطت طريحة الفراش ، تعاني آلام المرض النفسي قبل الجسدي ، ثم تداركها الله برحمته ففارقت هذه الدار ، ورحلت إلى دار القرار وفي قلبها حسرات وآهات وزفرات .
نعم .. كثير من هذه القصص تطرق أبواب البيوت الزوجية ، وتكمن خلف وراء جدران البيوت المستورة ، والكثير لا يشعر بالعواقب وما يُخبا ، إن أخوف ما تخافه الزوجة إذا تزوج عليها زوجها ألا يعدل ، وأن يهضمها حقها وأن يتغير معها ، نعم .. لربما كثير من النساء لا يتأففن من قضية التعدد ، لكن إذا بدأت تحسب النتائج المريرة إذا بها تتراجع إلى الوراء وتحسب الحسابات الكثيرة خشية وقوع شيء بعد التعدد .
إن عدم عدل الزوج المعدِّد بين زوجاته يرجع إلى أسباب عدة من أهمها :
أولا : ضعف الوازع الديني في قلب الزوج ، وعدم مراقبته لله تعالى ، فالله الله أيها الزوج لا تكن كذاك الزوج الظالم الباغي على زوجته الأولى ، واحذر أن تأتي وشقك مائل يوم القيامة بسبب ظلمك لها ، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم " من كانت له امرأتان ، فمال إلى إحداهما جاء يوم القيامة وشقه مائل " .
ثانيا : كون الزوجة الثانية ، أصغر سنا ، أو أجمل شكلا ، من زوجته الأولى ، فيتعلق قلبه بها وينسى ويهمل الثانية .(111/275)
ثالثا : قد يكون ميل الرجل للثانية بغير قصد من الزوج لا إرادة ولا اختيار ، إنما بتأثير السحر وغيره من الأعمال الشيطانية التي تفرق بين المرء وزوجه وكما قال الله " فيتعلمون منهما ما يفرقون به بين المرء وزوجه " .
رابعا : إثارة الزوجة الأولى للمشاكل والخلافات المستمرة ، بخلاف الزوجة الثانية فإنه قد لا يجد منها الزوج أية مشكلة فيضطر إلى الزواج من امرأة أخرى .
خامسا : اعتقاد بعض الأزواج وتوهمهم أن الثانية لا بد أن تكون أفضل من الأولى ، وهذا مفهوم خاطئ ، لا يمكن تعميمه على كل حالات التعدد .
وأخيرا .. فإنه يمكن الجمع بين الحب والتعدد إذا تخيلت الزوجة أنها الوحيدة في حياة زوجها ، وإذا تخيل الزوج أنه الوحيد ما دام أنه عندها ، بمعنى أن نتخلص من الأنانية والظلم ، وليجرب المعددون من الرجال والنساء هذا الأمر إن كان هناك معددون وسيجدون طعم الحياة بإذن الله تعالى .
--------------
وسائل تنمية الحب بين الزوجين
أيها الزوج المبارك ..
وأنت في واقعك اليومي إذا أردت أن تزيد أي حساب من حساباتك في أي بنك من البنوك المالية ، فلا شك أنك ستسعى جاهدا إلى تنمية هذا المال بأية وسيلة مجدية كانت ، وكذا فمن أراد تنمية المحبة والمودة مع زوجه فعليه البحث عن وسائل مناسبة لزيادة درجة المحبة والوفاء بينه وبين زوجه الكريم ، وقبل طرح هذه الوسائل في تنمية الحب بين الزوجين على سمعك الكريم أود التنبيه على معلومة مهمة وهي : لا بد أيها الزوج أن تعرف أن الحب ليس فطريا يولد معك في هذه الحياة ، إنما هو فن ومهارة ، مهارة تأتي بالدربة والتعلم ، وفن يأتي في الاستقبال والاسترسال ، وقد يظن بعض الأزواج الخُنفشاريين المتكبرين ما سيقرؤونه مني في هذا الجانب أنه بمثابة أحلام ومثاليات ولكني أقول : بل هي وربي زينة الحياة الدنيا الخالية من التعقيد والرسميات ، فالعلاقة الزوجية علاقة ترتبط بالنفوس والأرواح قبل الأجساد وإليك أيها الزوج هذه الوسائل عسى أن تكون نافعة لك لتجديد الحب مع زوجك .. ومنها :
• أولا : تبادل الهدايا حتى وإن كانت هدية رمزية ، فهل جربت في يوم من الأيام أن تأتي وتفاجئ زوجتك بهدية ؟ نعم .. ما أجمل أن تضع أيها الزوج تلك الوردة الندية على الفراش قبل النوم مثلا ، فإنها والله السحر العجيب في تغير نفسية زوجتك ، وقل مثل ذلك في البطاقة الصغيرة الملونة التي يكتب عليها من الكلمات الجميلة ما يسحر الفؤاد ويهز الوجدان ، فإن لها الأثر الفعال ، وجرب وسترى فإنك والله متى تدفع ثمن هذه الهدية فإنك تسترده إشراقا وبهجة في وجه زوجتك الغالية ، وابتسامة حلوة طرية على شفتيها ، وكلمة ثناء على حسن اختيارك ورقة ذوقك وبهجة تشرق في أرجاء البيت .
• ثانيا : حاول أن تخصص يوما ووقتا للجلوس مع زوجتك ، وأن تنصت بتلهف لكلامها وكما قال الإمام المحدث سفيان الثوري رحمه الله " إن الرجل لحدثني بالحديث قد سمعته قبل أن تلده أمه فيحملني حسن الأدب على أن أستمع إليه " فما بالك وأنت تتخاطب مع من هي أقرب إليك من القريب ، وأحب إليك من الحبيب وأعز إليك من العزيز ، وما أجمل أن تضع مكتبا صغيرا في البيت تعتاد الجلوس فيه مع زوجتك ، فإن مثل هذه الجلسات تزيد في المحبة والمودة ، وتأمل أيها الزوج هذه الجلسة الهادئة للنبي صلى الله عليه وسلم مع زوجه عائشة رضي الله عنها قالت : كان صلى الله عليه وسلم يخصف نعله وكنت أغزل ، قالت فنظرت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فجعل جبينه يعرق ، وجعل عرقه يتولد نورا قالت : فبُهِتُّ ، فنظر إليّ رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : مالكِ بُهِتِّ ؟ فقلت يا رسول : نظرت إليك فجعل جبينك يعرق وجعل عرقك يتولد نورا ، فلو رآك أبو كبيرٍ الهذلي لعلم أنك أحقُ بشِعره قال النبي صلى الله عليه وسلم : وما يقول أبو كبير الهذلي ياعائشة ؟ فقالت يقول :
ومُبَرَّءٍ من كل غُبَّرَ حيضةٍ وفسادِ مرضِعةٍ وداءٍ مُغيِلي
وإذا نظرتَ إلى أسِرَّةَ وجهه بَرَقَتْ بُروقَ العارِضِ المتهلِّلِ
قالت : فوضع رسول الله صلى الله عليه وسلم ما كان في يده ، وقام إليّ فقبّل ما بين عينيَّ وقال : جزاكِ الله يا عائشةَ خيرا ، ما سُرِرْتِ مني كسرُوري منك " فسبحان الله ما أجمل هذه الجلسة وهذه المداعبة ، إنها المودة في بيت النبوة ، فأين الأزواج عن التأسي بالحبيب صلى الله عليه وسلم .
ثالثا: النظرات التي تنمُّ عن الحب والإعجاب ، فما المانع أيها الزوج أن تتغزل في زوجتك بنظرتك إليها بحب وإعجاب ، في مشيتها في ملبسها في مجْلَسها ، فكم للغة العيون من سحر على القلوب ، يُروى عن أبي سعيد رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال " إن الرجل إذا نظر لامرأته ونظرت إليه نظر الله إليهما نظر رحمة فإذا أخذ بكفها تساقطت ذنوبهما من خلال أصابعهما " فالمشاعر مع زوجتك لا يتم تبادلها عن طريق أن تؤدي إليك واجبك الرسمي مثلا ، أو حتى عن طريق تبادل كلامات المودة فقط ، بل كثير منها يتم عن طريق إشارات غير لفظية من خلال تعبيرات الوجه ونبرة الصوت ونظرات العيون ، فكل هذه من وسائل الإشباع العاطفي والنفسي ، فهل نتعلم فنّ لغة العيون ، وفن لغة نبرات الصوت ، وفن تعبيرات الوجه ، واسمع إلى هذا الزوج ما يقول لزوجته :
أغار عليك من عيني ومني ومنكِ ومن زمانكِ والمكان
ولو أني خبّأتكِ في عيوني إلى يوم القيامة ما كفاني
رابعا: التحية الحارة والوداع الحار ، عند الدخول والخروج ، وعند السفر والقدوم وعبر الهاتف ، والثناء عليها وعدم مقارنتها بغيرها ، والكلمة الطيبة والتعبير العاطفي بالكلمات الدافئة والعبارات الرقيقة ، كأن تعلن الحب لزوجتك مثلا ، وإشعارها بأنها نعمة من الله عليه ، فكم تحب الزوجة أن تسمع منك : أحبكِ يا زوجتي بدون تكلُفٍ ولا مجاملة ، فدلالك وغزلك لها عبر اللمسات والكلمات وأثناء النداء وطلب الحاجات وإشعارُك أنها أجمل مخلوق في عينيك لها أثر عجيب وفاعل في النفس ، كيف لا .. والكلمة الطيبة صدقة كما قال النبي صلى الله عليه وسلم ، فماذا لو قلت لها : أنت أجمل من القمر لكن صدق الله " ولكنها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور " واسمع إلى هذا الزوج ينشد في زوجته فيقول لها :
الصِبا والجمالُ مُلْكُ يديْكِ أيُ تاجٍ أعزُّ من تاجَيكِ
نصبَ الحبُ عرشه فسألنا من تُراها له فدلّ عليكِ
قتلَ الوردُ نفسه حسدا منكِ وألقى دِماه في وجنتيك
والفراشاتُ ملّتِ الزهرَ لما حدثتها الأنسام عن شفتيك
ويقول الآخر :
فلو تفلت في البحر والبحر مالح لأصبح البحر من ريقها عذبا
خامسا : الاشتراك معا في بعض الأعمال الخفيفة ، فما المانع أن تشترك مع زوجتك أيها الزوج كالتخطيط للمستقبل أو ترتيب المكتبة أو المساعدة في طبخةٍ معينة سريعة أو الترتيب في المنزل أو كتابة طلبات المنزل أو غيرها من الأعمال الخفيفة ، والتي تكون سببا للمضاحكة والملاطفة وبناء المودة وعليك أن تعلم أخي الزوج أن البيت الذي تسكن فيه زوجتك لا بد أن يُترك لها ، لا بد أن تُدير مملكتها كما تريد ، ما دام أن الأمر لا يخرج إلى محرم أو محذور ، دعها تجدد وتغير وتبدل وقابل ذلك بالشكر والثناء والتقدير والمساعدة في ذلك حتى ولو لم يُعجبك ما تفعل .
-----------
وسائل تنمية الحب بين الزوجين
سادسا : نزهة قصيرة وزيارة جميلة ، بعيدا عن المنزل وضجيج الأبناء ، ولو لساعات في جوٍ جميل وقد تشابكت اليدان ، لتشتعل حرارة المودة فتزيد القلبين تماسكا ومودة وأنسا ، وجرب وسترى النتيجة وتأمل هذه المداعبة من سيد البشر عليه الصلاة والسلام مع زوجه الطاهر المطهرة عائشة رضي الله عنها فتقول " كنت مع النبي صلى الله عليه وسلم في سفر فأمر أصحابه بالتقدم فتقدموا فجاء إليها فطلب منها أن تُسابقه قالت : فسابقته فسبقته قالت رضي الله عنها : فسكت عندي دهرا ، حتى إذا كنت معه في سفر آخر وحملت اللحم وبدنت ونسيت خرجت معه مرة أخرى فقال لأصحابه تقدموا ثم قال تعالي : لأسابقك قالت : فقلت يا رسول الله ، كيف أسابقك وأنا على هذه الحال فقال : لتفعَلِّنّ ، قال فسابقته ، فسبقني فجعل يضحك وهو يقول : هذه بتلك السبقة " فكم من الرجال يتشاغلون عن زوجاتهم طوال الأسبوع ويعتذرون بكثرة مشاغلهم، وهذا هو قائد الأمة وسيد البشر يجد في جدول أعماله المزدحم وقتاً يلاعب فيه أهله، ويضاحك فيه زوجته ... فمن هم دونه أولى بأن يخصصوا وقتاً ولو يسيراً لملاعبة الزوجة والأولاد ، ثم انظر أيها الزوج المبارك إلى هذه الملاطفة والمداعبة بين الزوجين الكريمين كم لها من أثر في النفوس ، فرسول الله صلى الله عليه وسلم ظل يذكر عائشة المرة الأولى التي سبقته فيها عائشة على الرغم من طول العهد بها..
سابعا : الجلسة الهادئة ، وحاول أن تجعل مكانا للحوار والحديث ، فالجدال بالتي هي أحسن والحوار معها بالطريقة المُثلى أمر مهم وضروري ، فمما لا شك فيه أن الحوار والجدال يحدث بين الزوجين ولكن بطرق مختلفة وأساليب متعددة والأسلوب الأمثل هو الحوار الهادف والنقاش العاقل مع التحلي بالصبر ورحابة الصدر والتنازل عن بعض ما يمكن التنازل عنه كسبا لودها وجلبا لتقديرها وجبرا لخاطرها فالمرأة تحب أن يسمع لها زوجها كما تسمع له وتحب أن تنقل له وجهة نظرها ليعيش معها أفكارها وخواطرها مع مراعاة أن يتخلل هذا الحوار بعض اللعب والضحك والمداعبة بعيدا عن مشاكل الأولاد وصراخهم وأذيتهم فالله الله في الحوار الهادئ فكم من حوار هادئ أزال شحناء وبغضاء كانت توغر الصدر وتجلب الهم وكم أبعد من جفاء يُذكي العداء ويؤجج البغضاء وكم أساء من سوء فهم وظن كان يُفسد الود وينغص الحياة وكم أعاد من ابتسامة كانت غائبة زمنا طويلا فلماذا لا تجرب أخي الزوج الكريم هذا الأسلوب لماذا لا نعطي لنسائنا قيمة كما نعطيها للآخرين في خارج المنزل ؟ إن جلسة واحدة في المنزل أو في مكان هادئ كفيلةٌ بأن تزيل كلُ أسباب الخلاف بينكما ..
ثامنا : التفاعل مع الزوجة في وقت الأزمات ، كأن تمرض أو تحمل فتحتاج إلى عناية وعطف حسي ومعنوي وإلى من يقف معها ، فكونك تتألم لحالها فإن له الأثر في بناء المودة بينك وبين زوجتك ، ولا أنسى أن أذكر الأزواج بأن عليهم أن يتفهموا طبيعة زوجاتهم المتقلبة وخاصة أثناء فترة الحمل والدورة الشهرية .
تاسعا : التجديد ومحاولة تغيير الروتين ، نعم .. حاول أن تجدد حياتك بين فترة وأخرى وأن تطرد الملل والروتين من حياتك تجاه زوجتك ، وماذا لو فرغت نفسك أيها الزوج يوما من الأيام فخرجت مع زوجتك وأولادك في نزهة برية أيام الربيع أو الشتاء الممطر ، فكم والله ستُحدث مثلُ هذه التصرفات من أثر في تجديد الدورة الدموية في الحياة الزوجية .
• عاشرا : الملاطفة أثناء النهار في التصرفات واللمسات ، كقبلة عارضة أو لمسة حانية للتعبير عن مدى حبك لها وإشفاقك عليها ، مع الحرص على التكرار من وقت لآخر ، وانظر إلى حبيبك ونبيك صلى الله عليه وسلم كيف كان يعامل عائشة رضي الله تعالى عنها ، قالت : أهوى النبي صلى الله عليه وسلم ليقبلني فقلت : إني صائمة ، فقال : وأنا صائم ، فقبلني [ رواه الترمذي ] وفي لفظ آخر قالت : كان النبي صلى الله عليه وسلم يظل صائما ، فيقبل ما شاء من وجهي " فهل تأملت أخي الزوج حاله وعشرته وحبه ومودته عليه الصلاة والسلام لأهله ، فكم أولئك الذي تثقل نفوسهم وتعجز طباعهم عن هذه اللمسة الحانية وهذه القبلة العارضة إلا عند شهواتهم ، ولذلك تأمل هذا الفم الجميل وهو ينطق كلمة ( حب ) كأنه متهيئ لقبلة وأما اللمسة فلها أثر كبير خاصة حين الغضب .
• الحادي عشر : المصارحةُ والتنفيس ، فهو من أعظم أسباب السعادة وأنجح العلاج لحل المشكلات شريطة أن تكون المصارحة بألفاظ وعبارات لا تؤدي إلى جرح مشاعر وأن لا تتحول إلى مجادلات ثم تتطور إلى مشاحنات تنتهي إلى منازعات ، فكم من مصارحة أخرجت من مكنونات كانت في النفس وقرّبت بين زوجين وحلت من مشاكل لاسيما في بداية نشوئها وكم أشعرت الزوجة بمكانتها وأهميتها عند زوجها ، وعلى العكس فإن أخطر ما يهدد الحياة العاطفية بين الزوجين هو الكبت وعدم البوح بالمشاعر مما يسبب تخزينُ المشاكل ، ومن ثَمّ تضخيمها ، ولكن بمجرد إظهار حديث الزوج لزوجته والحوار الهادئ والمناقشة الجميلة معها ومشاورتها وإشعارها بوجودها وقيمتها وأهميتها له تأثير وفاعل في النفس وهو مما ترتاح وتطمئن إليه .
• الثاني عشر : نداءك لزوجتك بأحب الأسماء إليها ، ولا بأس بتلديع اسمها وتصغيرها من باب التلميح والترخيم وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يقول لعائشة : يا عائش وكان يقول لها : ياحميرا ، فحاول أن تصغر اسم الزوجة ونادها باسمها مرخما ، وستجد أثرا عجيبا .
• الثالث عشر : محاولة الانسجام والاستمتاع وخاصة عند النوم ، وذلك بهجر مشاكل العمل والأهل والأولاد فإن بعضا من الأزواج : لا يحلوا له النقاش في المشاكل والكلام في العمل والمعاملات إلا عند النوم وهذا من أكبر العوامل في برود العواطف وتلاشي المشاعر ، بل إن من أهم أسباب فتور المودة انصرافكَ عن زوجتك في الفراش أو سوء التصرف عند اللقاء ، أو السهر خارج المنزل ، فإذا ما جاء الزوج رمى بنفسه على الفراش بدون أيةِ مبالاة بزوجته ومشاعرها .
• الرابع عشر : الشكر والثناء ، وقول : جزاكِ الله خيرا ، ومحاولة تكراره أحيانا فمن لا يشكر الناس لا يشكر الله .
• الخامس عشر : التغاضي عن الزلات والاعتذار عند الخطأ ، وهذا من أعظم الوسائل في تنمية الحب والمودة وإياك أيها الزوج والإكثار من اللوم والملاحظة وكثرةَ التشكي والتبرم فإن هذا مُذهب للمودة منغص للسعادة وما أحسن هذه الزوجة يوم قالت لزوجها :
إذا أردتَ صفاء العيشَ يا أملي فجنِب الصدر أثار الحزازاتي
نحِّ الخلافاتِ عن دُنيا محبتنا فالحب يذبُلُ في أرض الخلافات
يا من يعاتبني والنفسُ عاشقة للومه وهو لم يعلم بغاياتي
هل أصطفيكَ لنفسي إن بي شغفا إلى اصطفاءكَ يا أحلى ابتساماتي
وكيف لا أصطفي من يسترح له قلبي ويسلم من تنغيصِ آفات
بعض الأحبة عبْؤٌ في محبتهم وبعضهم خيرُ عونٍ في الملمات
• السادس عشر : الاحترام والتقدير للزوجة ، فإكرام المرأة وحسن معاملتها دليل على شخصية الرجل ونُبله وإهانتها علامة على الخسةِ واللوم ، وكما قيل : ما أكرمهن إلا كريم وما أهانهن إلا لئيم ، تقول عائشة رضي الله عنها كنت أعلب بالبنات أي بالعرائس عند النبي صلى الله عليه وسلم وأنا صغيرة وكان لي صواحب يلعبن معي ، فكان عليه الصلاة والسلام إذا دخل يتقمعن منه ( أي يدخلن وراء الستار ) فإذا رأى ذلك أرسلهن إليّ فيلعبن معي " وتحكي لنا موقفا آخر فتقول رضي الله عنها " دخل الحبشة إلى المسجد يلعبون بالحراب فقال يا حميراء أتحبين أن تنظري إليهم ، والحميراء ( شديدة البياض ) تقول : فقلت نعم : فجئته فجعلت ذقني على عاتقه فأسندت وجهي إلى خده وهو يسترني بردائه قالت فقال حسبك فقلت : يا رسول الله لا تعجل ، فقام إلي ، ثم قال حسبك ، قلت يارسول الله لا تعجل ، قالت رضي الله عنها : والله ما لي من حُبٍّ في النظر إليهم ولكني أحببت أن يبلغ النساء مقامه لي ومكاني عنده " وفي رواية أخرى تقول " فوالله لم يكن لينصرف حتى أكون أنا التي أنصرف " إنه التقدير لهموم الزوجة ولو كانت صغيرة .
• السابع عشر : النظر بعمق وتأمل في سيرة الحبيب صلى الله عليه وسلم ومعاشرته لأزواجه وحكمته ورحمته في باب التعامل الأسري ، اقرؤوا في كتاب الأدب المفرد للبخاري رحمه الله في باب : الرجل يستدفئ بزوجته وغيرها من الأبواب ، وكذلك القراءة في كتب السنة والصحاح ، ومحاولة سماع الأشرطة ، والذي تتحدث عن فن التعامل واكتساب المهارات والتجارب والأساليب خاصة : في مواجهة المشاكل الزوجية ، وانظر إلى هذه المشكلة التي تقع فيها إحدى زوجات النبي صلى الله عليه وسلم كيف تعامل معها عليه الصلاة والسلام " دخل صلى الله عليه وسلم على أم المؤمنين صفية بنت حُيي بنت أخطب رضي الله عنها فوجدها تبكي فسألها ما يبكيك قالت : قالت لي حفصة : إني بنت يهودي ، أي حقرتها وجرحت مشاعرها فقال عليه الصلاة والسلام في لمسة إنسانية وعاطفية رائعة راقية " إنك لأبنة نبي " أي موسى بن عمران " وإن عمك نبي " أي هارون " وإنك لتحت نبي " أي زوجك نبي " ففيم تفخَرُ عليك حفصة " فانظروا أيها الأحبة إلى تطييب الخواطر ومراعاة النفوس وحسن العشرة والكلمة الطيبة الدافئة التي تخرج من الزوج لزوجته فتمسح كل الأكدار والآثار والأحزان وتزيد الاحترام والتقدير ، ويزيد النبي صلى الله عليه وسلم الموقف الصورة وضوحا وإشراقا وروعة في ذلكم المنزل النبوي ، فيأتي عليه الصلاة والسلام في يوم ما وكعادة البيوت الزوجية تحصل الخلافات فيحصل خلاف بين سيد البشر محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم مع زوجه عائشة رضي الله عنها ، فيستعدي رسول الله صلى الله عليه وسلم أبيها ، فيأتي أبو بكر رضي الله عنه ليرى ما المشكلة فيجلس أمام رسول الله صلى الله عليه وسلم وأمام ابنته عائشة ليسمع المشكلة فتقوم عائشة رضي الله عنها من مكانها مخاطبة زوجها عليه الصلاة والسلام قائلا له : أقسمت عليك يا رسول الله إلا صدقت في كلامك ، فيغضب أبو بكر رضي الله عنه ويحمرّ وجهه ويقول لها : يا عدوة نفسها ، أو يكذب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فهمّ أن يضربها فولت مسرعة تحتمي خلف ظهر رسول الله صلى الله عليه وسلم خشية أن يضربها فيقول عليه الصلاة والسلام رويدا رويدا يا أبا بكر ما لأجل هذا دعيناك ، بل إنه عليه الصلاة والسلام لم ينس الملاطفة والملاعبة والدقائق الصغيرة من المواقف التي لا تفوت على مثله عليه الصلاة والسلام
http://saaid.net/Doat/slman/r.htm
ـــــــــــــــــــ(111/276)
اختلاط الجنسين في نظر الإسلام ( 1 )
الشيخ / محمد الخضر حسين
ألقى أحد الأساتذة محاضرة تعرض فيها لاختلاط الفتيان والفتيات في الجامعة، وأبدى استحسانه لهذا الاختلاط، ووقف موقف الدفاع عنه.
وما كنا ننتظر من الأستاذ المحاضر وقد قضى سنين غير قليلة وشئون المجتمع تمر عليه بمقدماتها وبما ينتج عنها من خير وشر، أن يقول ما قاله في تلك المحاضرة.
بل كنا ننتظر منه أن يملي على أبنائنا وبناتنا كلمات يتلقونها على أنها آراء أحكمتها التجارب، فيستنيرون بها في حياتهم المحفوفة بالأخطار من كل جانب.
ولكن الأستاذ لم يشأ إلا أن يتناول في محاضرته مسألة اختلاط الفتيان والفتيات، ويرضى عن ذلك الاختلاط، صارفاً النظر عما يجر إليه من الانحلال في الأخلاق، وغمز في الأعراض.
وغَرضنا من هذه المحاضرة نقد كلمات وردت في محاضرة الأستاذ، وإنما ننقدها على طريقة آداب البحث، وما تقتضيه قوانين المنطق، ثم انظروا ماذا ترون.
وما كان لي ولا للأستاذ وقد أخذنا نبحث في شأن اجتماعي أن نهمل وجهة الدين الإسلامي في هذه المسألة الهامة، فإذا نحن حققنا النظر فيها من حيث اتجاه الدين الإسلامي، وأعقبناه بالنظر في حكمة هذا الاتجاه، استطعنا أن نحكم على ما يقال في اختلاط الفتيان والفتيات بين جدران الجامعة، أو حول جدرانها، ونحن على بينة من أمر هذا الحكم.
قال الأستاذ في محاضرته: "ويتصل بخطأ الجمهور في فهم رسالة الجامعة مسألة قبول الفتيات المصرية طالبات في الجامعة".
يعد الأستاذ فيما أخطأ الجمهور في فهمه من رسالة الجامعة مسألة قبول الفتيات المصريات طالبات في الجامعة، ويريد بخطأ الجمهور إنكارهم لما صنعته الجامعة من قبولهن وخلطهن بالفتيان في حجرات التدريس.
والواقع أن الجمهور لم يخطئ، وأن الجامعة هي التي أخطأت في هذا الخلط، ذلك أن جمهور الأمة المصرية يستضيء في حياته بدين قامت لديه الأدلة القاطعة على أنه وحي سماوي، لا يأتيه الباطل من يديه ولا من خلفه، فإذا عرضت له مسألة اجتماعية كالجمع بين الفتيان والفتيات على الوجه الذي يقع في الجامعة، أقبل يستفتي دينه الحق، فإن وجده قد أذن في ذلك، سكت عنه ورضي به، وإن وجده قد نهى عنه، بادر إلى إنكاره.
وتحريم الدين لاختلاط الجنسين على النحو الذي يقع في الجامعة معروف لدى عامة المسلمين، كما عرفه الخاصة من علمائهم، وأدلة المنع واردة في الكتاب والسنّة وسيرة السلف الذين عرفوا لباب الدين، وكانوا على بصيرة من حكمته السامية.
يقول الله - تعالى -: (قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ) (النور: 30)، ويقول: (وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنّ) (النور: 31). ومعنى غضّ البصر صرفه عن النظر الذي هو وسيلة الفتنة، والوقوع في فساد، ومن ذا الذي يجمع الفتيان والفتيات في غرفة وينتظر من هؤلاء وهؤلاء أن يصرفوا أبصارهم عن النظر، ولا يتبعوا النظرة بأخواتها؟ وهل يستطيع أحد صادق اللهجة أن يقول: إن أولئك المؤمنين والمؤمنات يحتفظون بأدب غضّ أبصارهم من حين الالتقاء بين جدران الجامعة إلى أن ينفضّوا من حولها، والشريعة التي تأمر بغض النظر عن النظر إلى السافرات، تنهي أولي الأمر عن تصرف شأنه أن يدفع الفتيان والفتيات إلى عواقب وخيمة؟
ويقول الله - تعالى -: (وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَائِهِنَّ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُولِي الْأِرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاءِ) (النور: 31).
والزينة ما يتزين به من نحو القرط والقلادة والخاتم والوشاح والشعر، والأصباغ من نحو الكحل والخضاب، والملابس الأنيقة، وما ظهر من الزينة هو الثوب الذي يستر الجسد حتى لا يظهر ما تحته من حلي وشعر ونحوه.
ثم إن القرآن قد استثنى طائفة من الناس تكثر مداخلاتهم للمرأة فيكون في التزامها التستر الذي تلزمه مع الأجنبي، مشقة عليها، فأذن لها في عدم زينتها منهم، ثم إن توقع الفساد منهم شأنه أن يكون مفقوداً أو نادراً، إما لشدة القربة، كالأب والابن والأخ والخال والعم وابن الأخ وابن الأخت، وإما لأن شأنهم الغيرة على حفظ عرض المرأة كأبي الزوج وابنه، فإن أبا الزوج أو ابنه تدعوه الغيرة على أن يحافظ على عرض المرأة؛ لأن في حفظ عرضها حفظاً لعرض ابنه إن كان أباً، أو لعرض أبيه إن كان ابناً.
وهؤلاء وإن اشتركوا في جواز رؤية الزينة الباطنة، لا يتساوون فيما يصح أن يطلع عليه، فالزوج يحل له النظر إلى ما شاء، وأما الابن والأب والأخ والجد وكل ذي محرم، فلا يجب على المرأة أن تستر منهم الشعر والنحر والساقين والذراع، وأما غير أولي الإربة من الرجال، وهم الذين عرف منهم التعفف وكانوا على حالة من لا يقدر على مباشرة النساء، كالطاعنين في السن الذين عرفوا بالصلاح وعدم الحاجة إلى النساء، فإنما يحل للمرأة أن تظهر أمامهم في ثياب صفيقة وإن لم تكن عليها ملحفة.
وليس من شك في أن طالبات الجامعة لا يضربن بخمرهن على جيوبهن، وقد يأتين في أجمل ثيابهن، ويختلطن بفتيان ليس بينهم وبينهن صلة من الصلات المشار إليها في الآية الكريمة.
ويقول الله - تعالى -: (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلا يُؤْذَيْنَ) (الأحزاب: 59).
الجلباب: الثوب الذي يستر المرأة من فوق إلى أسفل، أو كل ثوب تلبسه المرأة فوق ثيابها، وإدناؤه عليهن إرخاؤه عليهن، قال ابن عباس وجماعة من السلف: أن تلوي الجلباب فوق الجبين وتشده ثم تعطفه على الأنف، فتستر الصدر ومعظم الوجه إلا عينيها. ثم ذكر حكمة هذا الستر، وهي أن التستر يدل على العفاف والصيانة، إذ من كانت في هذا الحال من التستر لا يطمع الفسَّاق في أن ينالوا من عرضها، فلا تلقى من الفساق تعرضاً يؤذيها مثلما تلقى المتبرجات بزينتهن، وذلك معنى قوله - تعالى -: (ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلا يُؤْذَيْنَ).
والأحاديث الصحيحة الواردة في النهي عن اختلاط المرأة بغير محرم لها، تدل بكثرتها على أن مقت الشريعة الغرَّاء لهذا الاختلاط شديد، وإن عنايتها بأمر صيانة المرأة بالغة، وأذكر منها ما رواه البخاري في صحيحه عن أبي سعيد الخدري: "قالت النساء للنبي - صلى الله عليه وسلم - غلبنا عليك الرجال، فاجعل لنا يوماً من نفسك، فوعدهن يوماً لقيهن فيه، فوعظهن وأمرهن"، ولو كان اختلاط الطلاب بالطالبات مما يأذن به الدين، لكان للنساء أن يجلسن مع الرجال في مجلس رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ولما قلن له: غلبنا عليك الرجال فاجعل لنا يوماً من نفسك ولما وعدهن يوماً لقيهن فيه وحدهن.
وأذكر منها ما رواه الإمام البخاري في صحيحه عن عائشة - رضي الله عنها - قالت: "لقد كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يصلي الفجر، فيشهد معه نساء من المؤمنات متلفعات في مروطهن، ثم يرجعن إلى بيوتهن ما يعرفهن أحد".
ولو كان اختلاط الرجال بالنساء مأذوناً فيه لما احتاج المؤمنات إلى أن يتلفعن بمروطهن ويرجعن إلى بيوتهن، دون أن يعرفهن أحد.
وأذكر منها ما رواه البخاري في صحيحه عن ابن عباس -رضي الله عنهم-، قال: قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "لا تسافر المرأة إلا مع ذي محرم، ولا يدخل عليها رجل إلا ومعها محرم، فقال رجل: يا رسول الله إني أريد أن أخرج في جيش كذا وكذا وامرأتي تريد الحج، فقال: أخرج معه".
ولو كان اختلاط النساء والأجانب مأذوناً فيه، لما حرَّمت الشريعة على المرأة أن تسافر لأداء فريضة الحج إلا أن يكون معها محرم، ولما نهى النبي - صلى الله عليه وسلم - عن أن يدخل رجل على امرأة إلا ومعها محرم.
وأذكر منها ما رواه البخاري في صحيحه عن أم سلمة - رضي الله عنها - قالت: " كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم -إذا سلَّم، قام النساء حينما يقضي تسليمه، وهو يمكث في مقامه يسيراً قبل أن يقوم، قالت: نرى والله أعلم أن ذلك لكي ينصرف النساء قبل أن يدركهن الرجال".
فقيام النساء وانصرافهن عقب تسليمه - صلى الله عليه وسلم -؛ لأنه مأذون لهن في الصلاة دون البقاء في المسجد لغير صلاة، وقد أشارت رواية الحديث إلى أن مكث النبي - صلى الله عليه وسلم - في مقامه عقب الصلاة من أجل تسكين النساء من الانصراف؛ لأن الرجال لا يقومون من موضع الصلاة إلا إذا قام - عليه الصلاة والسلام -، وفي هذا شاهد على كراهة الشارع لاختلاط الرجال الأجانب بالنساء، ثم إن سنة النساء في صلاة الجماعة أن يصلين خلف صفوف الرجال، روى البخاري في صحيحه عن أنس بن مالك -رضي الله عنه-أنه قال: "صلى النبي - صلى الله عليه وسلم - في بيت أم سليم، فقمت ويتيم خلفه وأم سليم خلفه".
ويدلكم على أن النهي عن اختلاط الرجال بالنساء كان معروفاً بين الصحابة - رضي الله عنهم -، حتى أصبحت قاعدة يذكرونها عندما يشتبه عليهم الأمر في بعض الآثار أو الأحاديث، ما رواه الإمام البخاري في صحيحه عن ابن جريح قال: "أخبرني عطاء إذ منع ابن هشام الطواف مع الرجال، قال: كيف يمنعهن وقد طاف نساء النبي - صلى الله عليه وسلم - مع الرجال، قلت: أبعد الحجاب أو قبل؟ قال: أي لعمري لقد أدركته بعد الحجاب، قلت: كيف يخالطن الرجال؟ قال لم يكن يخالطهن: كانت عائشة - رضي الله عنه- تطوف في حجرة من الرجال لا تخالطهم: والحجرة الناحية المنفردة، تقول رأيت رجلاً يسير من القوم حجرة أي ناحية منفردة.
فانظر كيف بدا لابن هشام أن يمنع النساء الطواف مع الرجال أخذاً بالقاعدة المعروفة في الشريعة من منع اختلاط النساء بالرجال، ولما أنكر عليه عطاء لم يقل له: إن اختلاط النساء بالرجال لا حرج فيه، ولكنه استدل بحديث أن نساء النبي - صلى الله عليه وسلم - كن يطفن مع الرجال، ولما بدا لابن جريج أن طوافهن مع الرجال يقتضي الاختلاط بهم، والاختلاط محظور في الشريعة، قال متشكلاً الأذن لهن في الطواف مع الرجال: كيف يخالطهن الرجال؟ فلم يقل له ابن جريج: وأي مانع من هذا الاختلاط، بل بيّن له أنهن يطفن مع الرجال دون أن يخالطنهم.
وليست نصوص الدين وحدها هي التي تسوق الجمهور إلى إنكار اختلاط الطلاب والطالبات، بل المشاهدات والتجارب قد دلتا على أن في هذا الاختلاط فساد لا يستهان به، ومن أنكر أن يكون لهذا الاختلاط آثار مقبوحة، فإما أن يكون غائبا عن شئون المجتمع، لا يرقبها من قريب ولا من بعيد، وإما أن يكون قد نظر إلى هذا الاختلاط وآثاره بعين لم تنبه إلى وجهة استقباحه ووجوب العمل على قطع دابره.
ومن عمد إلى البلاد التي يباح فيها اختلاط الجنسين، ونظر إلى ما يقع فيها من فساد الأعراض، وقاسه بالفساد الذي يقع في البلاد التي يغلب على رجالها ونسائها أن لا يجتمعوا إلا على وجه مشروع، وجد التفاوت بين الفسادين كبيراً.
بل لا نحتاج في معرفة هذا التفاوت إلى إحصاء مفاسد هذه وتلك، فإن المعروف بالبداهة أن الاختلاط يُحْدِث في القلوب فتنة، ولا تلبث الفتنة أن تجر إلى فساد، فعلى قدر كثرة الاختلاط يكثر ابتذال الأعراض.
قال الأستاذ: "وهي مسألة كانت قليلة الأنصار في الرأي العام"، يريد أن قبول الطالبات في الجامعة لم يرض عنه فيما مضى إلا قليل من الناس، والواقع أن الذين يرضون عن هذا الاختلاط لا يزال عددهم قليلاً إذا نظر إليهم إزاء من ينكرونه، ويشكون من سوء مغبته، ولو استفتيت الأمة استفتاء صحيحا؛ لظهر أن أنصاره لا يزالون في قلة، على أن المسائل الاجتماعية إنما يرجع الحكم فيها إلى الأدلة القائمة على رعاية ما يترتب عليها من مصالح أو مفاسد، أما كثرة الأنصار فلا تجدي أمام النصوص الشرعية، والأدلة المؤيدة بالتجارب ولو مثقال ذرة.
قال الأستاذ: "بعد عشر سنوات من قبول هؤلاء الطالبات، قامت ضجة تنكر علينا هذا الاختلاط فلم نأبه له؛ لأن التطور الاجتماعي معنا، والتطور لا غالب له".
ليس هناك تطور يعرض للاجتماع في نفسه، وإنما تطور الاجتماع أثر أفكار وأذواق وميول نفسية، ورقي هذا التطور أو انحطاطه يرجع إلى حال تلك الأفكار والأذواق والميول، فإن غلب على الناس جودة الفكر، وسلامة الذوق، وطهارة ميولهم النفسية، كان التطور الاجتماعي راقياً وهذا هو الذي لا تنبغي معارضته، ويصح أن يقال فيه: إنه تطور لا غالب له، أما إذا غلب على الناس انحراف الأفكار في تصور الشئون الاجتماعية، أو تغلبت أهواؤهم على عقولهم، كان التطور الاجتماعي في انحطاط، وهذا هو الذي تجب معارضته، وأقل دعوة تقوم لإصلاحه يمكنها أن تقوِّم عوجه، وترد جماحه.
وإذا كان اختلاط الجنسين من قبيل التطور الاجتماعي، فهو من نوع ما ينشأ عن تغلب الأهواء، وتقليد الغربيين في غير مصلحة، فيتعين على دعاة الإصلاح أن يجهروا بإنكاره، ويعملوا على تنقية المجتمع من أقذائه، ومتى قويت عزائمهم وجاهدوه من طرقه الحكيمة، أماطوا أذاه، وغلبوه على أمره.
وما كانت حالة العرب في الجاهلية إلا تطوراً اجتماعياً، وقد قام النبي - صلى الله عليه وسلم - يحارب هذا التطور، فقضى عليه في أعوام غير كثيرة.
ولو عرض حال فرنسا قبل الحرب، ونظرنا إلى ما كان فيها من تهتك، وحاول بعض عقلائهم التخفيف من شر ذلك الاستهتار، لوجد من يقول له: هذا التهتك تطور اجتماعي، والتطور الاجتماعي لا غالب له.
فهل يرضى الأستاذ المحاضر أن يسكت دعاة الإصلاح عما يغلب في الناس من الفساد، وييئسوا من إصلاحه بدعوة أنه تطور اجتماعي، والتطور الاجتماعي لا غالب له.
والذي نرى أن الإصلاح يسود بالدعاية الحكيمة، وقد يسود بقوة السلطان العادل متى كانت الأمة في عماية عن طريق الرشد، وصمم من مواعظ الحكماء، أما الباطل فإنما يسود بوجاهة أشياعه، أو قوة سلطانهم، وإذا تغلب باطل بالدعاية الماكرة، فلأن أنصار الحق كانوا غارقين في نوم ثقيل، ولا يرفع الباطل صوته إلا في بيئة غاب عنها الدعاة المصلحون.
وقد حسبنا عندما سقطت فرنسا في هذه الحرب تلك السقطة المزرية، أن يأخذ منها رجالنا عبرة بالغة، فيعود الذين كانوا يحبذ ون السفور، واختلاط الجنسين، دعاة إلى أدب الإسلام من تستر المرأة بثياب العزة، وصيانتها عن مواقف الابتذال، ومواطن الاختلاط.
ومن دواعي الأسف أن يتنبه رجال فرنسا قبل أن يتنبه كثير من رجالنا، ويأخذ من سقوط دولتهم عبرة، هي أن سبب ضعف فرنسا وانهيار بنائها هو انحلال أخلاق شبابها، وإغراقهم في الملاذ والشهوات، ولا إغراق في الشهوات أكثر من تخلية السبيل للنساء يخالطن الرجال، ويبدين لهن ما بطن من زينتهن دون أن تلتهب في نفس أبيها أو أخيها أو زوجها غير حامية.
وقال الأستاذ المحاضر: " ومعنا العدل الذي يسوي بين الأخ وأخته في أن يحصل كل منهما أسباب كماله الخاص".
لا يتنازع أحد في العدل بين الأخ والأخت، ولا يمانع من التسوية بينهما في تحصيل كل منهما كماله الخاص، لا يستدعي اختلاطها بالفتيان، بل يعد هذا الاختلاط عائقاً لها عن الوصول إلى كمالها الخاص، فإنه يذهب بجانب كبير من الحشمة وهدوء النفس ويهيئها؛ لأنْ تنحدر في حفرة من سوء السمعة، ولو كان ولي أمرها الناصح في تربيتها، ينظر إلى هذه العاقبة بعين تدرك حقيقتها، لحال بينها وبين هذا الاختلاط بكل ما يملك من قوة.
ونحن لا نعارض في تعليم المرأة، ولا في استمرارها على التعليم إلى أبعد مدى، ولكنا نريد الاحتفاظ بأساس كمالها الخاص وهو الصيانة ونقاء العرض، ولا شك في أن اختلاطها بالفتيان وسيلة قريبة إلى هدم ذلك الأساس، فالذين ينكرون اختلاط الطلاب بالطالبات هم الذين يناصرهم العدل الذي يسوي بين الأخ وأخته في أن يحصل كل منهما أسباب كماله الخاص.
فللمرأة أن تطلب من العلوم ما وسعها أن تطلبه، ولكن على أساس الصيانة، فإن كان طلبها لبعض العلوم يعرض هذا الأساس للانتقاص، فلتكتف بما وصلت إليه يدها من علم، وفي الرجال كفاية للقضاء، والمحاماة، وعضوية مجلس النواب، إلى ما يشابه هذا من الأعمال التي لو تولتها المرأة لأنجزت بطبيعة العمل إلى عاقبة سيئة هي الاختلاط بالرجال.
قال الأستاذ المحاضر: "ومعنا فوق ذلك منفعة الأمة من تمهيد الأسباب لتكوين العائلة المصرية على وجه يأتلف مع أطماعنا في الارتقاء القومي".
إذا كنَّا لا نستسلم لتقليد أوربا في كل شأن من شئون الاجتماع، وترفَّعنا عن أن نجعل حال الأوربيين المثال الكامل للارتقاء القومي، قلنا: إن أساس ارتقائنا القومي هو الاحتفاظ بآداب ديننا، وأن يكون في فتياتنا علم واسع، وعزم صارم، وإدارة ماضية، وصبر على تحمل المشاق، وأن يكون في فتياتنا حشمة، وصيانة، وعلم يساعدهن على تأدية واجباتهن في الحياة من نحو تدبير المنزل، والقيام على تربية الولد، وقد دل النبي - صلى الله عليه وسلم - على هاتين المهمتين بقوله: "خير نساء ركبن الإبل صالح نساء قريش أحناه على ولد في صغره، وأرعاه على زوج في ذات يده".
وأشار - صلى الله عليه وسلم - إلى مهمة تدبير المنزل بقوله: "والمرأة راعية على بيت زوجها".
فمن أطماعنا أن تكون المرأة على خلق عظيم من الحشمة، بعيدة من مواطن الفتنة والريبة، فرغبتنا في تكوين العائلة المصرية على وجه يأتلف مع أطماعنا، تدعونا وتلح في دعوتنا إلى أن نجعل بين الفتيات والفتيان فارقاً يقطع مثار الفتنة، وتسلم به النفوس من خواطر السوء التي قد تنقلب إلى عزم ثم إلى مقدرة.
وإذا كان النظر إلى زينة المرأة والتأمل في محاسن وجهها وسيلة تعلق القلب بها، وتعلق القلب مدرجة الفتنة، فالاختلاط الذي يستدعي تكرار النظر، ويجر إلى الأخذ بأطراف الحديث، يكون بلا ريب أمرا منكراً، إذ هو الوسيلة المباشرة لزلزلة نفوس الفتيان والفتيات بعد سكونها زلزلة قد تذهب بأعراض كانت مصونة، وإذا دخل ابتذال العرض في الأسرة، فمن أين لنا أن نكونها على وجه يأتلف مع أطماعنا في الارتقاء القومي؟.
وليس في حماية الفتاة من الاختلاط بغير محارمها، تضييق لدائرة الحياة في وجهها، وإنما هو احتفاظ بكرامتها، وتوفير لهنائها، إذ بصيانتها عن الاختلاط تعيش بقلب طاهر ونفس مطمئنة، وبهذه الصيانة تزيد الصلة بينها وبين زوجها، وأولي الفضل من أقاربها متانة وصفاء.
وأنا لا أستبعد صحة ما أسمعه كثيراً من أن النزاع بين الرجال وزوجاتهم أصبح أكثر مما كان، وأن منشأ هذا الخصام تهافت النساء على التبرج الممقوت، وتساهلهن في الاجتماع بغير محارمهن.
والواقع أن أنصار اختلاط الجنسين لا يؤيدهم تطور اجتماع صحيح، ولا يناصرهم العدل بين الأخ وأخته في تحصيل كل منهما أسباب كماله الخاص، ولا تقف بجانبهم مصلحة الأمة في حال، وليس معهم إلا أنهم فعلوا ذلك ففتحوا أبواب الجامعة للطالبات، وكان منكر وهذا الاختلاط على كثرتهم في تفرق، فلم يصدعوا بإنكارهم، واقتصروا على أن يرددوا هذا الإنكار في مجالسهم، وربما كتب أحدهم مقالة في صحيفة، أو قال كلمة في محاضرة.
ولو عقد دعاة الإصلاح مؤتمراً أخلاقياً، ونظروا في شأن اختلاط الجنسين نظراً خالياً من كل هوى، وبسطوا القول في وجوه مفاسده، لكان لقرارهم شأن، وكان لرجال السياسة الرشيدة في أمر الفتيات رأي يجمع بين إعطائهن حظهن من التعليم، وصيانتهن من مواضع الفتنة والابتذال.
27 / 4 / 1425 هـ
----------------------------------------
(1) من كتاب محاضرات إسلامية لفضيلة الشيخ محمد الخضر حسين جمعها وحققها علي الرضا التونسي (190-200).
http://www.toislam.net المصدر:
ـــــــــــــــــــ(111/277)
جدد حياتك واقتل الملل
الشيخ مازن الفريح
أشعر بالملل، ليس لي رغبة في الرجوع إلى البيت، أشعر بالروتين الممل في حياتي، علاقتي يشوبها فتور مع أم العيال هذه الأيام لا أدري ما السبب، لا طعم للقاء بأم العيال، هذه عبارات يرددها بعض الأزواج الذين لا يبالون في إدخال (شيء) من التجديد والتغيير على حياتهم الزوجية فيفقدون (شيئاً) من سعادتهم ويصلون إلى حالة الخمول في الحياة الزوجية، ومن خلال تتبعي لأسرار السعادة في العلاقات الزوجية وجدت أن التغيير والتجديد في الحياة الزوجية له أثر بالغ في إذكاء العواطف وإشعالها، ومقاومة أسباب الرتابة وعوامل الملل وإبعادها، فالأزواج الذين يحرصون على برنامج غير مكرر عبر الأسبوع أكثر إلفة وانسجاماً وأقل مشكلات من غيرهم ممن يعيشون حياة رتيبة.
وعند التأمل، نجد أننا نمل من الأمر المكرر الذي يسير على نسق واحد ويخلو من معان جديدة، ولولا غياب الشمس وشروقها لملها الناس فما بين غروبها وبزوغها مرة أخرى نرى صوراً جميلة وحرارة متفاوتة وأوضاعاً مختلفة وألواناً جذابة، وليس الأمر مقصوراً على الشمس فهناك الليل والنهار والشتاء والصيف وما يندرج بينهما من أحوال مختلفة تعطي الحياة طابعاً من الإبداع الدائم ويعطيها أيضا طعمها المتجدد.. وفي الحياة الزوجية لا بد من التجديد والتغيير في بعض البرامج والأساليب والوسائل لنتجاوز عوامل الملل والسآمة ونحاول أن لا نكرر الأسلوب نفسه في التعامل حتى ولو كان ذلك الأسلوب محبباً إلى نفوسنا وليكن في التغيير شيء من التشويق للأسلوب الأول عند العودة إليه مرة أخرى. إن طعم الغداء يا سادة على شاطئ بحر أو حافة نهر أو في بستان ألذ بكثير من طعمه على مائدة الطعام في البيت وطعم الحياة الزوجية في رحلة ترفيهية يختلف عن طعمها بين جدران البيت، هكذا علمتني تجارب السعداء في حياتهم الزوجية (واسأل مجرب ولا تسأل طبيب).
تنبيهات حول التجديد والتغيير:
• التغيير والتجديد لا يعني الإسراف كشراء أثاث جديد بدل أثاث جديد أخر ولكن بإعادة ترتيبه.
• بعض الأزواج لا يرتاح للتغيير طبعاً فتراعي الزوجة هذا الأمر وتحاول أن تعالجه.
• بعض الأزواج بخلاء في إظهار مشاعرهم فلا يعبرون بلغة الكلام عن إعجابهم عندما يرون تغييرا أو تجديداً على الرغم من تأثرهم بذلك وفرحهم به، فلا تصاب الزوجة باليأس والإحباط من عدم وجود رد فعل مناسب لدى زوجها ولتحاول أن تسأله عن رأيه حتى تستخرج منه كلمات الإعجاب ولو كرهاً!!
http://www.naseh.net المصدر:
ـــــــــــــــــــ(111/278)
العلاقات الخارجية في الأسرة
حرص واعتدال تعارف وبر
م.عبد اللطيف البريجاوي
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
على الرغم من أن الأسرة كيان مستقل له صفاته الخاصة وحوائجه الخاصة وميزاته الخاصة، إلا أنه كيان ضمن مجموعة كبيرة من الأمواج المتلاطمة من الأسر والأفراد، وهذه الأسرة أو تلك ليست وحيدة على الساحة بل تتأثر وتؤثر بما يحصل في خارج محيطها، وتتفاعل معه.
ولم يكن الإسلام ليترك هذه العلاقات الخارجية على أهميتها دون ضبط ودون توجيه، وخاصة أن الأسرة أول المعاقل الإسلامية التي يجب أن تحصن تحصينا جيدا حتى لا يتخلخل جسد الأمة.
والعلاقات الأسرية الخارجية علاقات متشابكة ومتداخلة ومتنوعة، تنطلق من علاقة الزوجين بعائلة كل واحد منهما إلى علاقة الأولاد مع الخالة والعمة والخال والعم وأولادهم.
والعلاقات الخارجية هذه لا بد أن تتصف بالصفات التالية:
1 - الحرص: فحرص المسلم على بيته من الأولويات في حياته، وهو حرص يشمل الحماية والرعاية والخوف من التسربات المختلفة نتيجة هذه العلاقات لذلك لا بد أن يكون المسلم حريصا على بيته أشد الحرص ولقد أمرنا رسول الله - عليه السلام - بالحرص فقال: " احرص على ما ينفعك واستعن بالله ولا تعجز وإن أصابك شيء فلا تقل لو أني فعلت كان كذا وكذا ولكن قل قدر الله وما شاء فعل فإن لو تفتح عمل الشيطان "رواه مسلم. ولا شيء ينفع المسلم اليوم كحرصه على بيته، فعندما يرى مثلا أن بعض الزيارات لبعض الأشخاص تؤثر على بيته سلبا فلا بد أن يحد من هذه العلاقة.
2 - الاعتدال: فلا إفراط ولا تفريط وأي علاقة زادت عن حجمها الطبيعي فقد تؤدي إلى خطورة متوقعة، وأي علاقة وقع التقصير فيها فهي جفوة وقطيعة لا يرضاها الإسلام.
وهذه العلاقات أيضا لا بد أن تحقق الأهداف التالية:
1 - التعارف: فالزواج ليس علاقة بين فردين فقط بل هو علاقة بين أسرتين وعائلتين، وبهذا الزواج يزيد الإنسان من قاعدته المعرفية بالناس التي هي أحد الأهداف التي رصدها الإسلام فقال - تعالى -: " يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم إن الله عليم خبير(13) الحجرات.
وهو الذي خلق من الماء بشرا فجعله نسبا وصهرا وكان ربك قديرا(54) الفرقان.
قال القرطبي: " النسب والصهر معنيان يعمان كل قربى تكون بين آدميين "
والزواج أحد أسباب الرزق لأنه يحقق علاقات جديدة وكما يقول د. البكار " العلاقات الجيدة مصدر رزق جيد ".
2 - البر والإحسان والتواصل: وهي من أهم أهداف هذه العلاقات المتنوعة لأن هذه القرابة لها حقوق كثيرة " وآت ذا القربى حقه والمسكين وابن السبيل ولا تبذر تبذيرا " (26) الإسراء.
"واعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا وبالوالدين إحسانا وبذي القربى واليتامى والمساكين والجار ذي القربى والجار الجنب والصاحب بالجنب وابن السبيل وما ملكت أيمانكم إن الله لا يحب من كان مختالا فخورا "(36) النساء.
وهذه العلاقات المتشابكة علاقات بالغة التعقيد، ترك الإسلام للمسلم حرية التصرف والإدارة فيها بما يحقق الأهداف الأساسية لهذه العلاقات ولكنه رسم لذلك الخطوط العريضة ومنها:
أولا علاقة الزوج مع أسرة الزوجة:
الضوابط لهذه العلاقة هي الضوابط العامة للإسلام مع تركيز على عدد من النقاط المهمة:
1- الاحترام المتبادل: وهو أن يحترم الزوج أهل الزوجة ويكرمهم، ويخاطبهم بأحب الأسماء إليهم، ويقدمهم في مجالسه.
2- عدم التكلم بالكلام البذيء أمام أهل الزوجة: وخاصة بما يمس أمور الجماع وغيرها وهذا الأمر يضعهم في دائرة الحرج والخجل، والمسلم بطبيعته ينبغي ألا يحرج أحدا فكيف إذا كان أهل زوجته، ولقد فطن لذلك علي - رضي الله عنه - فأبى أن يكلم رسول الله - صلى لله عليه وسلم - في حكم فقهي هو بحاجة له لأنه كان زوجا لابنته فأرسل رسولا هو المقداد بن الأسود فقد روى الإمام مسلم عن علي قال كنت رجلا مذاء وكنت أستحيي أن أسأل النبي - صلى الله عليه وسلم - لمكان ابنته فأمرت المقداد بن الأسود فسأله فقال يغسل ذكره ويتوضأ.
3- عدم إفشاء سر الزوجة أمام أهلها: وهذا من الأمور الخطيرة التي قد يرتكبها بعض الرجال في حق نسائهم، سواء كان الأمر أمام أهلها أو غيرهم، ولقد اعتبر الإسلام أن ذلك الرجل من أشر الرجال روى الإمام مسلم عن أبي سعيد الخدري قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " إن من أشر الناس عند الله منزلة يوم القيامة الرجل يفضي إلى امرأته وتفضي إليه ثم ينشر سرها ".
حيث أفرد الإمام مسلم في صحيحه بابا سماه باب تحريم إفشاء سر المرأة
4 - السماح للزوجة بزيارة أهلها والسماح لهم بزيارتها: وهذا من أنواع البر والترفيه للمرأة، فمساعدتها على بر ذويها والسماح لهم برؤيتها، وفتح قلبه لهم قبل بيته، وتفهمه لطبيعة العلاقة بينها وبين ذويها يشعر المرأة بقرب الزوج منها، وتشعر بأمن وهي في مملكتها التي تعيش فيها، فهي بذلك لم تخسر أهلها، وربحت زوجها فمن أحسن منها حالا.
إن من الأخطاء الشائعة والقاتلة أن الزوج يريد أن يقطع وريد زوجته عن أهلها، ويغير الدم الذي يجري في عروقها، فيمنع ويهدد ويحذر من زيارة أو حتى اتصال فتعيش الزوجة في قلق دائم، ويسري هذا القلق إلى المفاصل المختلفة من الأسرة فيعمل فيها حتى يشلها.
إن ضبط العلاقة مع أسرة الزوجة بهذه الضوابط وبغيرها من الضوابط العامة للإسلام تجعل من البيت المسلم في مأمن من كثير من المآزق المحتملة والتي تكون غالبا بسبب إهمال في مثل هذه النقاط وتجاهلها وبالتالي توتر دائم في هذه العلاقة وشعور بالقلق يسري في أوصال الأسرة.
http://saaid.net المصدر:
ـــــــــــــــــــ(111/279)
أخطاء احذريها أيتها الأم
هناك بعض الأخطاء نقع فيها:
أولا: إن تأخر النوم بالنسبة للطفل يحدث عنده توترات عصبية وخاصة عندما يستيقظ للمدرسة ولم يأخذ كفايته من النوم، مما قد يؤدي إلى عدم التركيز في الفصل أو النوم فيه.
ثانيا: إن بعض الأسر تحدد مواعيد ثابتة لا تتغير مهما تكن الأسباب، فالطفل حدد له موعد الثامنة ليلا، ولذلك يجب عليه أن يلتزم به مهما تكن الظروف، وهذا خطأ لأن الطفل لو كان يستمتع باللعب ثم أجبر على النوم فإن ذلك اضطهاد له وعدم احترام لشخصيته وكذلك فإن الطفل ينام متوترا مما ينعكس ذلك على نومه من الأحلام المزعجة وعدم الارتياح في النوم.
ثالثا: بعض الآباء يوقظ ابنه من النوم لكي يلعب معه أو لأنه اشترى له لعبة، وخاصة عندما يكون الأب مشغولا طول اليوم وليس عنده إلا هذه الفرصة، فإن هذا خطأ، لأنك قطعت على ابنك النوم الهادئ ومن الصعب أن ينام مرة أخرى بارتياح.
رابعا: بعض الآباء ينتهج أسلوب التخويف وبث الرعب في نفس الطفل لكي ينام، وهذا أكبر خطأ يقع فيه الآباء.
خامسا: بعض الأمهات قد تقص على ابنها حكايات قد تكون مخيفة وبالتالي تنعكس آثارها السلبية على الطفل في نومه على شكل أحلام مزعجة مما يؤثر على استقرار الطفل في النوم.
سادسا: بعض الأسر قد تُرغّب ابنها بشرب السوائل من عصير أو ماء أو غيرهما وخاصة قبل النوم مباشرة، وذلك يؤدي إلى التبول اللاإرادي الذي تشتكي منه معظم الأسر.
سابعا: غلق الغرفة على الطفل عند الذهاب للنوم والظلام الدامس يزرع الخوف في نفس الطفل من الظلام كما يسبب عدم الاستقرار والاضطراب في النوم.
ثامنا: عدم تعويد الطفل منذ الصغر النوم بمفرده، حيث إن بعض الأسر تسمح للطفل أن ينام مع الوالدين أو الأم حتى سن السادسة وهذا خطأ كبير؛ لأنه في هذه الحالة ينشأ اتكاليا غير مستقر.
لذلك ننصح بأن نعود الطفل النوم منذ الصغر أي من السنة الأولى بالنوم لوحده حتى يتعود على ذلك.
وأخيرا: نجد أن كثيراً من المشكلات التي يعانيها الأطفال سواء في التبول اللاإرادي أو الخوف من الظلام أو الصراخ أثناء النوم أو النوم في المدرسة أو عدم الاستيعاب أو عدم الذهاب إلى المدرسة.. كلها بسبب الاضطراب في النوم وعدم الاستقرار.
ـــــــــــــــــــ(111/280)
المصدر:
مجلة الشقائق العدد 36 ص 44.
22-3-1424 هـ
http://mynono.hawaaworld.com المصدر:
ـــــــــــــــــــ(111/281)
أسرة بلا مشاكل
الحمد لله، والصلاة والسلام على نبينا محمد، وآله، وصحبه أجمعين، أما بعد:
فلقد وضع الإسلام القواعد الحكيمة للحفاظ على الأسرة من الشقاق والشتات، كما منع كل ما من شأنه أن يفرق بين أفرادها، أو يعيق الأسرة عن تحقيق أهدافها، واهتمام الإسلام بالأسرة له أسبابه؛ فالأسرة هي اللبنة القوية التي يبنى بها صرح المجتمع المسلم، وهي المدرسة الإيمانية التي تخرج الأجيال المسلمة؛ لذلك فقد حرص أعداء الإسلام أن يفرقوا شملها، ويزعزعوا أركانها؛ لتفقد قدرتها على الإنتاج والعطاء، فأدخلوا باطلهم إليها عبر وسائل كثيرة من أهمها الإعلام.
إن مما يؤسف له أن هذه الأسرة المستهدفة من قبل أعدائها مهددة أيضاً من قبل أصحابها المسؤولين عنها، وبالأخص: الزوج بالدرجة الأولى، والزوجة ثانياً.
وحرصاً منا على سلامة الأسرة المسلمة من المشكلات التي تعصف بها رأينا أن ننبه الزوج إلى بعض الأخطاء المهمة التي لها الأثر الكبير في هدم الأسرة، وزرع الحقد والبغضاء بين أفرادها؛ لكي نصل باجتناب الوقوع في مثل هذه الأخطاء ونحوها إلى 'أسرة بلا مشكلات' إلا ما كان عارضاً، ومما هو من طبيعة البشر والتي لم يسلم منها حتى بيت النبوة كالغيرة بين النساء ونحوها، وحتى هذا النوع من المشكلات فإن فقه الزوج والزوجة لمسؤوليتهما وواجباتهما كفيلان ـ بإذن الله ـ بحل مثل هذه الإشكالات العارضة. ولقد وصينا الزوجة ببعض الوصايا التي من شأنها ـ إن أخذت بها ـ أن تجعل من بيتها عشاً هادئاً، ومكاناً آمناً تسوده المحبة والرحمة، والسكن والألفة.
أولًا: الوقاية خير من العلاج:
هناك أمور مهمة لا بد من مراعاتها قبل الزواج لوقاية الأسرة المسلمة من المشكلات التي ربما أوهنت جدارها، ومن هذه الأمور:
1- حسن الاختيار: فيتأكد من صلاح المرأة التي ستكون زوجته وأم أطفاله وموضع سره، وليعلم أن تفريطه في التحقق من صفات مخطوبته سيعرضه إلى مشكلات عظيمة.
وأهم الصفات:
صفة التقوى والصلاح: وفي هذا يقول - صلى الله عليه وسلم -: [تُنْكَحُ الْمَرْأَةُ لِأَرْبَعٍ لِمَالِهَا وَلِحَسَبِهَا وَجَمَالِهَا وَلِدِينِهَا فَاظْفَرْ بِذَاتِ الدِّينِ تَرِبَتْ يَدَاكَ]رواه البخاري ومسلم. قال النووي - رحمه الله -: 'الصحيح في معنى الحديث أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أخبر بما يفعله الناس في العادة، فإنهم يقصدون هذه الخصال الأربع، وآخرها عندهم ذات الدين فاظفر أنت أيها المسترشد بذات الدين'.
وما يقال عن المرأة يقال أيضاً عن الرجل، فلابد من التأكد من صلاحه، وتقواه، والله عزوجل يقول: {وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ... [32]}[سورة النور]. ويقول - صلى الله عليه وسلم -: [إِذَا أَتَاكُمْ مَنْ تَرْضَوْنَ خُلُقَهُ وَدِينَهُ فَزَوِّجُوهُ إِلَّا تَفْعَلُوا تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الْأَرْضِ وَفَسَادٌ عَرِيضٌ]رواه الترمذي وابن ماجة. كما ينبغي سؤال أهل التقوى والصلاح واستشارتهم في أمر الزواج.
2- النظر: كم من الأسر تفككت روابطها وهي في أشهرها الأولى لعدم الوئام القلبي بين الزوج والزوجة، ودليل القلب وبريده النظر؛ ولذلك قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - للمغيرة وقد خطب امرأة: [انْظُرْ إِلَيْهَا فَإِنَّهُ أَحْرَى أَنْ يُؤْدَمَ بَيْنَكُمَا] رواه الترمذي والنسائي وابن ماجة والدارمي وأحمد. قال المغيرة - رضي الله عنه -: 'فنظرت إليها، ثم تزوجتها، فما وقعت عندي امرأة بمنزلتها'. فانظر إلى من تريد خطبتها ثم اسأل قلبك بعد ذلك: هل أحببتها، أو يمكن أن تحبها؟ واحذر- أو احذري- أن تخادع نفسك، أو تستحيي أن تصارح أهلك!
3- الشروط قيود فلا توافق إلاّ على ما تستطيع القيام به: كثير من المشكلات التي تحدث بعد الزواج هي لإخلال الزوج ببعض الشروط التي وافق عليها عند العقد ولم يستطع الوفاء بها بعد الزواج، يوم أن ذهب الاندفاع والحماس العاطفي، وأحس بثقل تلك الشروط التي ألزم نفسه بها، و[الْمُسْلِمُونَ عَلَى شُرُوطِهِمْ]رواه أبوداود. وأحق الشروط وفاءً، ما استحللتم به الفروج فاحذر أن تلزم نفسك بشروط لا تستطيع الوفاء بها.
ثانيًا: أزواج على طرفي نقيض:
هناك فئة من الأزواج على طرفي نقيض.. بين إفراط وتفريط في تعاملهم مع زوجاتهم:
الطرف الأول: أهانوا الزوجة وتعدوا على حقوقها، وارتكبوا بحقها أخطاء منكرة، لا تقرهم عليها الشريعة التي أعطت للمرأة كرامتها وأعلنت منزلتها.
والطرف الثاني: أطلقوا لها الزمام، وتركوا الحبل على الغارب، فغرقت المرأة في بحر الشهوات وأهدرت كرامتها بيدها.. وهذا لا شك مخالف لمبدأ القوامة الذي أعطاه الله للرجال لكي يمنع التسيب والتنصل من المسئولية في الأسرة المسلمة. لقد نتج عن هذا الطرف وذاك نتائج وخيمة أحدثت شرخاً في الأسرة المسلمة، ومن هذه النتائج على سبيل المثال:
1- حالات الطلاق وما يترتب عليه من إضاعة للأولاد غالباً، وتفكيك للأسرة بكاملها.
2- كثرة المشكلات الزوجية التي لا تجعل من الأسرة محضناً تربوياً سليماً له الأثر الكبير على تربية الأجيال المسلمة.
3-إن أخطاء بعض الرجال بحق المرأة، استغلت استغلالاً ماكراً من قبل أهل الأهواء من علمانيين وغيرهم، وصاروا يضخمون هذه الأخطاء ويعممونها، ويغزون المرأة بكسر قيد الطاعة لزوجها بعبارات ظاهرها معسول وباطنها سم زعاف، كعبارة 'تحرير المرأة ومساواتها بالرجل'.
ثالثًا: أخطاء يقع فيها بعض الأزواج:
أولاً: عدم تعليم الزوجة تعاليم دينها، وأحكام شريعتها: فهناك من النساء من لا يعرفن كيف يصلين الصلاة الصحيحة، ومنهن من لا تعرف أحكام الحيض والنفاس، ومنهن من لا تعرف كيف تتعامل مع زوجها معاملة شرعية، أو كيف تربي أبناءها تربية إسلامية، بل قد يقع البعض منهن في الشرك وهن لا يشعرن كالنذر لغير الله، والسحر والكهانة. ولكن وبالمقابل تجد كل همها أن تتعلم كيف تعمل الطبخة الفلانية وكيف تجهز الأكلة الفلانية لأن زوجها يسألها عن ذلك.
وهذا لاشك إخلال بالمسئولية التي قال عنها - صلى الله عليه وسلم -: [كُلُّكُمْ رَاعٍ وَكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ... وَالرَّجُلُ رَاعٍ فِي أَهْلِهِ وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ] رواه البخاري ومسلم.
أيها الزوج الكريم: إن طرق وسائل تعليم المرأة أمور دينها كثيرة، نذكر لك بعضها:
1- تهديها كتباً عن الإسلام وأحكامه، وتناقشها فيها.
2- تهديها شريطاً وتطلب منها أن تلخص لك ما ذكره المحاضر في محاضرته.
3- تحضرها إلى الدروس، والندوات، والمحاضرات التي يلقيها المشايخ، وطلبة العلم في المساجد.
4- تتدارس معها كتاباً من الكتب مثل: رياض الصالحين، أو كتاب التوحيد.
5- تخبرها كل جمعة عن موضوع الخطبة، وتناقشها فيه.
6-تربطها بصحبة صالحة، وتساعدها على حضور مجالس الذكر معهن.
7-تحرص على حضورها ـ إن أمكن ـ إلى المراكز النسائية التي تقوم على إدارتها الصالحات من النساء.
8- تكون في بيتك مكتبة فيها مجموعة من الكتب الإسلامية، وتحثها على الاطلاع والقراءة.
9- تخصص هدية شهرية لها إن هي حفظت من كتاب الله بعض السور، أو الآيات.
ثانياً: تلمس الزلات وتتبع العثرات: وقد نهى الرسول - صلى الله عليه وسلم - عن ذلك، فعَنْ جَابِرٍ قَالَ: ' نَهَى رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم – "أَنْ يَطْرُقَ الرَّجُلُ أَهْلَهُ لَيْلًا يَتَخَوَّنُهُمْ أَوْ يَلْتَمِسُ عَثَرَاتِهِمْ" رواه البخاري ومسلم. بل على الزوج أن يتحمل ويتغاضى عن تقصير زوجته في بعض حقوقه، وتباطئها في تنفيذ بعض أوامره، وأن لا يكثر من المحاسبة؛ لقوله - صلى الله عليه وسلم -: [اسْتَوْصُوا بِالنِّسَاءِ فَإِنَّ الْمَرْأَةَ خُلِقَتْ مِنْ ضِلَعٍ وَإِنَّ أَعْوَجَ شَيْءٍ فِي الضِّلَعِ أَعْلَاهُ فَإِنْ ذَهَبْتَ تُقِيمُهُ كَسَرْتَهُ وَإِنْ تَرَكْتَهُ لَمْ يَزَلْ أَعْوَجَ فَاسْتَوْصُوا بِالنِّسَاءِ] رواه البخاري ومسلم. والحديث فيه فوائد عديدة منها: إن تقويم الاعوجاج يكون برفق حتى لا يكسر، ولا يترك فيستمر على عوجه، خاصة إذا تعدى الاعوجاج من نقص هو في طبيعة المرأة إلى معصية بمباشرة منكر، أو ترك واجب. قال ابن حجر: وفي الحديث 'سياسة النساء بأخذ العفو منهن والصبر على عوجهن، وأن من رام تقويمها فاته الانتفاع بهن مع أنه لا غنى للإنسان عن امرأة يسكن إليها ويستعين بها على معاشه، فكأنه قال: الاستمتاع بها لا يتم إلا بالصبر عليها'
ثالثاً: الظلم بإيقاع العقوبات التي لا تتناسب مع الخطأ الذي وقعت فيه المرأة، ومن صور ذلك:
1- استخدام الضرب كأول خطوة للعلاج: والله - عز وجل - يقول: {... وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلاً... [34]}[سورة النساء]. فإذن الموعظة، ثم الهجر، ثم الضرب غير المبرح. لقوله - صلى الله عليه وسلم -: [اسْتَوْصُوا بِالنِّسَاءِ خَيْرًا فَإِنَّمَا هُنَّ عَوَانٌ عِنْدَكُمْ لَيْسَ تَمْلِكُونَ مِنْهُنَّ شَيْئًا غَيْرَ ذَلِكَ إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ فَإِنْ فَعَلْنَ فَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ ضَرْبًا غَيْرَ مُبَرِّحٍ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلَا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا] رواه الترمذي وابن ماجة.
2-ومن الظلم في مبدأ العقوبات: إخراج الزوجة من بيتها بدون مسوغ شرعي يقتضي ذلك: والله - عز وجل - يقول: {لا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَلا يَخْرُجْنَ إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ... [1]} [سورة الطلاق].
3- ومن الظلم في مبدأ العقوبات: الضرب على الوجه والسب والتقبيح: فعن معاوية بن حيدة قَالَ: قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا حَقُّ زَوْجَةِ أَحَدِنَا عَلَيْهِ؟ قَالَ: [أَنْ تُطْعِمَهَا إِذَا طَعِمْتَ وَتَكْسُوَهَا إِذَا اكْتَسَيْتَ أَوْ اكْتَسَبْتَ وَلَا تَضْرِبْ الْوَجْهَ وَلَا تُقَبِّحْ وَلَا تَهْجُرْ إِلَّا فِي الْبَيْتِ] رواه أبوداود وابن ماجة.
ومن أخطاء الرجال في حق زوجاتهم:
رابعًا: التقتير في النفقة: إن نفقة الزوج على زوجته واجبة بالكتاب والسنة والإجماع. فإذا ابتليت المرأة بزوج بخيل يمنعها حقها في النفقة بغير مسوغ شرعي؛ فلها أن تأخذ من ماله ما يكفيها بالمعروف، وإن لم يعلم الزوج. فَعَنْ عَائِشَةَ أَنَّ هِنْدَ بِنْتَ عُتْبَةَ قَالَتْ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ أَبَا سُفْيَانَ رَجُلٌ شَحِيحٌ وَلَيْسَ يُعْطِينِي مَا يَكْفِينِي وَوَلَدِي إِلَّا مَا أَخَذْتُ مِنْهُ وَهُوَ لَا يَعْلَمُ فَقَالَ: [خُذِي مَا يَكْفِيكِ وَوَلَدَكِ بِالْمَعْرُوفِ] رواه البخاري ومسلم.
أيها الزوج الكريم: يقول - صلى الله عليه وسلم -: [أَفْضَلُ دِينَارٍ يُنْفِقُهُ الرَّجُلُ دِينَارٌ يُنْفِقُهُ عَلَى عِيَالِهِ...] رواه مسلم.
خامساً: الغلظة والرعونة، وعدم التلطف مع الأهل: وقد قال - صلى الله عليه وسلم -: [أَكْمَلُ الْمُؤْمِنِينَ إِيمَانًا أَحْسَنُهُمْ خُلُقًا وَخِيَارُكُمْ خِيَارُكُمْ لِنِسَائِهِمْ خُلُقًا] رواه الترمذي وأحمد.
سادساً: استنكاف الرجل عن مساعدة زوجته في بعض شئون البيت: بل بعض الجهال يعده من خوارم الرجولة.
سابعاً: نشر أسرار زوجته وعيوبها: فقد قال - صلى الله عليه وسلم -: [إِنَّ مِنْ أَشَرِّ النَّاسِ عِنْدَ اللَّهِ مَنْزِلَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ الرَّجُلَ يُفْضِي إِلَى امْرَأَتِهِ وَتُفْضِي إِلَيْهِ ثُمَّ يَنْشُرُ سِرَّهَا] رواه مسلم.
ثامناً: تسرع وتساهل بعض الأزواج في طلاق زوجاتهم: إن الطلاق لم يشرع في الإسلام ليكون سيفاً مصلتاً على رقبة المرأة -كما يعتقد بعض الأزواج- وإن الإسلام لا يغفل عن الواقع، فقد ينشب الخلاف بين الزوجين، مما يؤدي إلى الطلاق، ولكن لا يجوز أن يكون الطلاق الخطوة الأولى في حسم خلافك مع زوجتك؛ بل لابد من أن تلجأ إلى الكثير من الوسائل قبل الطلاق لعلاج هذا الخلاف. فلا تعجل ولا تتسرع بالطلاق، فتندم بعد فوات الأوان.
تاسعاً: الإقدام على تعدد الزوجات دون مراعاة ضوابطه الشرعية: إن التعدد حق.. ولكن: إذا لم تحسن استخدامه، وتلتزم بشروطه ومسئولياته؛ فإنه يهدم البيوت ويشرد الأطفال، ويزيد في المشكلات الأسرية والاجتماعية.. فقدر التبعة، وتدبر الأمور قبل الشروع فيه، ورحم الله امرءاً عرف قدر نفسه.
عاشراً: ضعف الغيرة: وله صور كثيرة، منها: أن يسمح للرجال الأجانب بمصافحة زوجته أو مخالطتها، أو تركها مع السائق تجوب الأسواق والطرقات بالسيارة. وكم من المشكلات نشأت من هذا التفريط، وكم من الأسر تفككت نتيجة لهذه المعاصي.
أخيرًا..
بعد هذه الجولة نضع بين أيديكم حديثين عظيمين:
الأول: نهديه إلى الزوج الكريم حيث يقول - صلى الله عليه وسلم -: [لَا يَفْرَكْ مُؤْمِنٌ مُؤْمِنَةً إِنْ كَرِهَ مِنْهَا خُلُقًا رَضِيَ مِنْهَا آخَرَ]رواه مسلم. فانظر إلى محاسن زوجتك كلما رأيت منها تقصيراً، أو تفريطاً.. وتذكر أن أولادك بحاجة إلى حنان أمهم، وهم بحاجة إلى أن يروا أبويهما ينعمان بحب ووئام... وتفاهم وانسجام.
وأما الحديث الثاني: فلك أنت يا أم الأولاد.. فاسمعي إلى ما يقوله عليه أفضل الصلاة والسلام: [وَنِسَاؤُكُمْ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ الْوَدُودُ الْوَلُودُ الْعَؤُوُدُ عَلَى زَوْجِهَا، الَّتِي إِذَا غَضِبَ جَاءَتْ حَتَّى تَضَعَ يَدَهَا فِي يَدِ زَوْجِهَا وَتَقُولُ: لَا أَذُوقُ غَمْضًا حَتَّى تَرْضَى] 'السلسلة الصحيحة' 1 / 515.
فالمرأة المسلمة التقية لا تستطيع أن تنام وزوجها عليها غضبان، فهلمي حفظك الله.. ضعي يديك في يده وتعاهدا على 'أسرة بلا مشكلات'.
ـــــــــــــــــ
من كتاب: 'أسرة بلا مشاكل' مازن بن عبد الكريم الفريح
12رجب 1425هـ - 28 أغسطس 2004
http://links.islammemo.cc المصدر:
ـــــــــــــــــــ(111/282)
المحبة الزوجية
والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد:
قال الإمام ابن القيم - رحمه الله -:[فمن المحبة النافعة: محبة الزوجة، وما ملكت يمين الرجل؛ فإنها معينة على ما شرع الله - سبحانه - له من النكاح وملك اليمين، مِن إعفاف الرجل نفسَه وأهلَه؛ فلا تطمح نفسُه إلى سواها من الحرام، ويعفها فلا تطمح نفسُها إلى غيره، وكلما كانت المحبة بين الزوجين أتم وأقوى كان هذا المقصود أتم وأكمل.
قال - تعالى -: {هو الذي خلقكم من نفس واحدة وجعل منها زوجها ليسكن إليها}.
وقال: {ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجاً لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة}
وفي الصحيح عنه - صلى الله عليه وسلم - أنه سئل من أحب الناس إليك؟ فقال: ((عائشة)).
ولهذا كان مسروق - رحمه الله - إذا حدث عنها يقول: حدثتني الصديقة بنت الصديق، حبيبة رسول الله، المبرأة من فوق سبع سموات.
وصح عنه - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: ((حبب إلي من دنياكم النساء والطيب، وجعلت قرة عيني في الصلاة)).
فلا عيب على الرجل في محبته لأهله، وعشقه لها، إلا إذا شغله ذلك عن محبة ما هو أنفع له؛ من محبة الله ورسوله، وزاحم حبَّه وحبَّ رسوله.
فإن كل محبة زاحمت محبة الله ورسوله بحيث تضعفها وتنقصها، فهي مذمومة.
وإن أعانت على محبة الله ورسوله، وكانت من أسباب قوتها، فهي محمودة.
ولذلك كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يحب الشراب البارد الحلو، ويحب الحلواء والعسل، ويحب الخيل، وكان أحب الثياب إليه القميص، وكان يحب الدباء.
فهذه المحبة لا تزاحم محبة الله، بل قد تجمع الهمَّ والقلب على التفرغ لمحبة الله، فهذه محبة طبيعية تتبع نية صاحبها، وقصده بفعل ما يحبه.
فإن نوى به القوة على أمر الله - تعالى - وطاعته كانت قربة، وإن فعل ذلك بحكم الطبع والميل المجرد لم يثب ولم يعاقب، وإن فاته درجة مَن فعله متقرباً به إلى الله.
فالمحبة النافعة ثلاثة أنواع:
محبة الله، ومحبة في الله، ومحبة ما يعين على طاعة الله - تعالى -، واجتناب معصيته.
والمحبة الضارة ثلاثة أنواع:
المحبة مع الله، ومحبة ما يبغضه الله - تعالى -، ومحبة ما تقطع محبته عن محبة الله - تعالى - أو تنقصها.
فهذه ستة أنواع، عليها مدار محاب الخلق.
فمحبة الله - عز وجل - أصل المحاب المحمودة، وأصل الإيمان والتوحيد، والنوعان الآخران تبع لها.
والمحبة مع الله أصل الشرك، والمحاب المذمومة والنوعان الآخران تبع لها.
ومحبة الصور المحرمة، وعشقها من موجبات الشرك، وكلما كان العبد أقرب إلى الشرك وأبعد من الإخلاص؛ كانت محبته بعشق الصور أشد.
وكلما كان أكثر إخلاصاً، وأشد توحيداً؛ كان أبعد من عشق الصور.
ولهذا أصاب امرأة العزيز ما أصابها من العشق لشركها.
ونجا منه يوسف الصديق - عليه السلام - بإخلاصه.
قال - تعالى -: {كذلك لنصرف عنه السوء والفحشاء إنه من عبادنا المخلصين}.
فالسوء: العشق، والفحشاء: الزنا.
فالمخلص قد خلص حبه لله فخلصه الله من فتنة عشق الصور، والمشرك قلبه متعلق بغير الله، لم يخلص توحيده وحبه لله - عز وجل -.
انظر: إغاثة اللهفان من مصايد الشيطان ومكايده(2/194-198).
http://www.alathry.com المصدر:
ـــــــــــــــــــ(111/283)
الأسرة: نقطة البداية ومهدداتها
أسماء عبدالرازق
الإنسان أطول المخلوقات طفولة، فمتوسط أعمار هذه الأمة بضع وستون عاما، والطفولة اثنا عشر عاما تقريبا، فهي تمثل نسبة (5:1)، وتلك نسبة كبيرة لا تكاد توجد مثلها بين المخلوقات، فطفولة القط مثلا نحو شهرين بينما متوسط عمره عشر سنوات، وهذا ما نسبته (60:1)، وقد جعل الحكيم الخبير الإنسان مستخلفاً في الأرض، ولأنه حامل الأمانة التي أبت السماوات والأرض والجبال أن يحملنها وأشفقن منها، فكان لابد من اكتسابه خبرات طويلة، وإعداده لحمل الأمانة بدنياً ونفسياً وعقلياً واجتماعياً، وقبل ذلك كله إيمانياً وخلقياً.
وأداء واجب الخلافة في الأرض يكون بنشر دين الله الذي ارتضاه بين الناس، ولما كانت المبادئ النظرية لا تعيش، فضلاً عن أن تنتشر، إلاّ على أجساد الأجيال، فتكون سلوكا تطبيقياً يحرك الأجسام؛ كان من الأهمية بمكان أن يكون كل فرد نموذجاً مجسّماً للإسلام، يراه الناس فيرون الإسلام، وهذا ما فعله المربي الأعظم عليه أفضل الصلاة والسلام، "لقد كان هدفه الأول أن يصنع رجالاَ لا أن يلقي مواعظ، وأن يصوغ ضمائر لا أن يدبج خطباً، وأن يبني أمة لا أن يقيم فلسفة، لقد صاغ من فكرة الإسلام شخوصاً، وحول إيمانهم بالإسلام عملاًَ، وطبع من المصحف عشرات النسخ، بل مئات وألوف، لكنه لم يطبعها بالمداد على صحائف الورق، بل طبعها بالنور على صفحات القلوب، ثم أطلقها تعامل الناس تأخذ منهم وتعطي، وتقول بالفعل والعمل ما هو الإسلام الذي جاء به محمد بن عبدالله عليه الصلاة والسلام"([1]) .
وهذه هي مهمة أمة الرسالة. أن تصوغ من الإسلام شخوصاً تمشي على الأرض وقلوبها متعلقة برب السماء.
ولتحقق ذلك لابد من سلوك سبيل تربية طويل للنشء، زاد قاصده حصيلة أعوام من التربية الذاتية، أو موروث ثمين من المؤن التربوية.
والخطوة الأولى في طريق التربية هي بناء الأسرة المسلمة التي تعرف ما الذي يراد منها، وتملك من الوسائل ما يبلغها الغايات. وهذه هي أهم الخطوات، ولذا كان التشريع للأسرة يشغل حيزاً كبيراً من تشريعات الإسلام, وقدراً ملحوظاً من آيات القرآن. فالتربية تبدأ من هنا.. جاء أحدهم إلى مالك بن نبي يسأله كيف يربي ولده، فسأله: كم عمره؟ قال: بضعة أشهر، فقال له: لقد تأخرت كثيراً يا أخا العرب!
إن الطفل يقضي أشد فترات عمره حساسية بجانب أمه، فالسنوات الخمس الأولى تتشكل فيها الملامح العامة لشخصية الطفل، وأي خطأ تربوي، وكل هزة نفسية فيها، تحدث شرخاً عميقاً ربما عزّ علاجه. لذا كان من حق الولد على أبيه أن ينتقي أمه، فالناكح مغترس، والعرق السوء قلما يَنْجُب، فلينظر امرؤ حيث يضع غرسه. كما يحسن أن يغترب ما استطاع لئلا يُضوِ، فكلما تباعدت الخريطة الجينية كان أصح للولد وأنجب.
كما أن على المرأة كذلك ألا ترضى بغير ذي دين يعرف حقها، وذي خلق يحسن صحبتها، ويكرم بنيها، وما عدا ذلك عرض تأتي به الأيام وتذهب، وبيت أبيها خير لها من زوج شكسٍ غضوب، وابن عاق عاص.
إن أعداء الأمة يعلمون أن السبيل لإضعاف الأجيال المسلمة هو خلخلة قواعدها وإضعاف أساسها، فلا غرو أن تراهم في عمل دءوب يرمي إلى تصديع كيان الأسرة وإشاعة التوتر والاضطراب فيها، باسم تحرير المرأة تارة، ودعاوى مناهضة التمييز تارة أخرى. يستغلون لذلك الإعلام والمنظمات الدولية، ويعقدون من أجله المؤتمرات الإقليمية والعالمية، ويبتكرون وسائل شتى في سبيل إعادة تشكيل العقول وصياغة المبادئ من ناحية، وإرغام المارقين على المخطط الأثيم من ناحية أخرى.
إن صيحات المساواة والحرية والانفلات من قبضة الرجل، كما يحلو للمستغربين أن يقولوا، لتهز كيان الأسرة هزاً، وتمزق نفسيات الصغار تمزيقاً. فالمرأة التي تنازع زوجها القوامة إنما تجني على نفسها أولاً، ثم على بنيها وزوجها. إنها تخطئ ألف مرة حينما تتصور أن القوامة تعني التسلط والسيطرة كما يردد أدعياء الحرية والتمدن، واللغة والشرع يشهدان بغير ذلك. فالقيّم: على الشيء هو: الذي يصلح أمره، ويقيم أوده، ويلم شعثه.
والشريعة ناطت خيرية الرجال بإحسانهم إلى أهلهم، ونبي الإسلام كان أرفع مثل في ذلك. والله العليم الحكيم جعل المرأة والرجل شطرين لنفس واحدة، ليسكن أحدهما للآخر، ويكمل أحدهما صاحبه. فالعلاقة بينهما ليست علاقة تصارع وتغالب، لكنها علاقة تكامل وتعاون.
أما الآية الوحيدة التي تعجب المتحررين المشفقين على المرأة من شرع خالقها، فهي التي يرددون جزءها: (فاهجروهن في المضاجع واضربوهن) بمناسبة وغير مناسبة، ولا يعلمون أنها جاءت في مقابل تقصير المرأة في أوجب واجباتها وإصرارها على ذلك بعد وعظها وتذكيرها. أو يعلمون ويتجاهلون!
إن المرأة كسائر عناصر الطبيعة مخلوقة بمواصفات معينة، يصلحها ما يناسب الذي فطرها عليه أحسن الخالقين، فإذا انقلبت على خِلقَتها وأبت إلاّ أن تكون خلقاً آخر شقيت وتعست وربما أشقت وأتعست وكانت عاقبة أمرها خُسرا. إن التشريع الرباني يراعي عند توزيع الأعباء على شطري النفس الواحدة، يراعي الاستعدادات الفطرية الموهوبة لكل منهما.
إن الصراع على السلطة في مملكة البيت، كما يقولون، والتي هي عبء يثقل أمطاء الرجال، ليخلق صراعاً مدمراً محتدماً في نفوس الأطفال، حتى ولو حاول الوالدان إبعاد الطفل عن هذه المعارك أو حاولا إخفاءها عنه، "فالذي ينشأ في أسرة مضطربة يتوقع دائما أن تكون حياته الزوجية مليئة بالنكد والخلافات والصراع وجرح كرامة الآخر، بل يسعى دون أن يشعر لخلق المشاكل في حياته العامة والخاصة. إن الذي كان يلعب في طفولته دور الضحية لخلافات الأبوين ويتألم لذلك يصبح في الكبر جلاداً، ويجد لذة في ممارسة هذا الجلد النفسي للآخرين"([2]).
أما إذا انتهى الصراع بفوز الأم واستطاعت أن تثبت أنها شرسة قوية! ليست بحاجة إلى وصاية، وأن قبضتها الحديدية لن يفلت منها صغير ولا كبير، فما أتعسها وما أتعس بنيها!
لقد أثبتت دراسة نفسية أن الولد يولد بذكورة فطرية، ويسعى لاكتساب صفات الرجولة بتقليد صاحب السلطة في البيت، فإن كان قيمُ الأسرة أباه كمّلت صفاته الرجولية المكتسبة ما فطر عليه، وإلا اكتسب من صفات أمه وعاش وفيه شيء من أنوثة، وقد قرر علماء الاجتماع أن نسبة الشذاذ بين هؤلاء أكبر من غيرهم.
وبالمقابل تولد البنت رقيقة لطيفة لينة، فإن صادفت أما متسلطة تأثرت بأبيها وجاءت مسترجلة "وهذه ستجد نفسها غير قادرة على احترام الرجال أو الثقة بهم مهما حققوا من نجاح في حياتهم العملية"([3]).
[1] سيد قطب: دراسات إسلامية، فصل انتصار محمد بن عبد الله، بتصرف يسير.
[2] د.سبوك: حديث إلى الأمهات، مشاكل الآباء في تربية الأبناء، ص327، بتصرف.
[3] د. سبوك، المصدر السابق، ص330.
ـــــــــــــــــــ(111/284)
العلاقة الزوجية بين المثالية والواقعية
يجنح بعض الكتاب فيما يخص العلاقة الزوجية إلى اعتماد منهج يصور الحياة الزوجية الصحيحة على أنها جنة الله في الأرض، احترام متبادل، حب ودفء في المشاعر، رعاية للصغار، احترام للأقارب، وحدة وتجانس في كل شيء في الأفكار والأمزجة وحتى في علاقة الفراش، وأنه إذا لم تتوافر المعاني بتلك الدرجة في المثالية فإن الحياة ربما تتحول إلى جحيم لا يطاق فما العمل وما الحل؟
الفهم الصحيح هو الحل:
فالحياة الزوجية ليست لحظات متلاحقة من بث الشوق والهيام ومن فناء الجسدين الواحد في الآخر إنما أيضًا 'ثلاث وجبات كل يوم' و'هل فكرت في إخراج وعاء القمامة أيتها الزوجة؟ '
* صحيح أن الحب هو أساس العلاقة الزوجية، ولكن ليس هو كل شيء، فيجانبه أمور كثيرة تتعلق بالحياة والمعيشة، وليس لنا أن نلوم الزوج السعيد إذا ما رأيناه يكرس وقتًا كثيرًا لعمله، فهو يلتمس مسؤولياته الجديدة ويريد أن ينجح، وخير للمرأة أن تقول لنفسها إن تصرفه حيالها على ما فيه من عدم اكتراث ظاهر، دليل على أنها أصبحت في نظره رفيقًا مألوفًا ومريحًا، وأنه بات واثقًا من أن علاقته بها غدت من الرسوخ بحيث لم تعد بحاجة إلى تدليل مستمر وإبداء دائم لتعلقه بشخصها'.
أو كل البيوت تبنى على الحب؟
ونحن هنا نتساءل ماذا لو كان عنصر الحب ضعيفًا في العلاقة الزوجية أو انتفى.. هل يهدم البيت ويحدث الانفصال؟ أم يتعايش الزوجان بواقعية؟
يرد على السؤال عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - عندما جاء رجل يستشيره في طلاق امرأته، فقال له عمر: لا تفعل، فقال الرجل: ولكني لا أحبها قال عمر - رضي الله عنه -: ويحك وكم من البيوت يبنى على الحب؟ فأين الرعاية وأين التذمم؟ وهنا ويقصد عمر - رضي الله عنه - أن البيوت إذا عز عليها أن تبنى على الحب فهي خليقة أن تبنى على ركنين آخرين شديدين هما:
1ـ الرعاية: التي تثبت الراحم في جوانبها ويتكافل بها أهلها البيت في معرفة ما لهم وما عليهم من الحقوق والواجبات.
2ـ التذمم: وهو التحرج من أن يصبح الرجل مصدرًا لتفريق الشمل وتقويض البيت وشقوة الأولاد، وما قد يأتي من وراء هذه السيئات من نكد العيش وسوء المصير.
* وفي رواية أخرى قال عمر لامرأة تبغض زوجها وتقول له ذلك: 'بلى فلتكذب إحداكن ولتجمل ـ أي تقول القول الجميل ـ فليس كل البيوت تبنى على الحب ولكن معاشرة على الإحسان والإسلام'.
نعم: البيوت تحتاج إلى المجاملة والمداراة والمسامحة أحيانًا كثيرة، حتى وإن كان الرجل يحب زوجته وزوجته تحبه؛ لأن الحب يمر بأوقات فتور، وإنما يزكيه الكلام الطيب والمجاملة والمديح والثناء على المحبوب.
* وقول عمر بن الخطاب 'فليس كل البيوت تبنى على الحب' يعني أن هناك رسالة عظيمة للبيت المسلم ألا وهي تربية الأبناء وتقويم سلوكهم والعبور بهم إلى بر الأمان، والعشرة بين الرجل وزوجته على العسر واليسر والحلو والمر، كل هذا يقوي الرابطة الزوجية ويجعل منها رباطًا قويًا لا تنفصم عراه بسهولة.
هذا هو مبدأ الواقعية في الحياة الزوجية.
* ما أتفه الكلام الرخيص الذي ينعق به المتحذلقون باسم 'الحب' وهم يعنون به نزوة العاطفة المتقلبة ويبيحون به الانفصال بينا لزوجين وتحطيم المؤسسة الزوجية بل خيانة الزوجة لزوجها أليست لا تحبه؟ وخيانة الزوج لزوجته أليس لا يحبها؟ وما يهجس في هذه النفوس التافهة الصغيرة معنى أكبر من نزوة العاطفة الصغيرة المتقلبة، ونزوة الميل الحيواني المسعور.. ومن المؤكد أنه لا يخطر لهم أن في الحياة من المروءة والنبل والتجمل والاحتمال، ما هو أكبر وأعظم من هذا الذي يتشدقون به في تصور هابط هزيل.. ومن المؤكد طبعًا أنه لا يخطر لهم على خاطر.. الله.. فهم بعيدون عنه في جاهليتهم المزروعة فما تستشعر قلوبهم ما يقول الله - تعالى -: {فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْراً كَثِيراً} [النساء: 19].
* العلاقة الزوجية تنمو بالأحداث اليومية:
إن العلاقة الزوجية لا تنمو نموًا صحيًا بمجرد تقديم هدية هنا أو باقة ورد وقت المناسبات، وإنما تنمو من خلال الحديث اليومي سيؤثر تأثيرًا عميقًا في شعور الزوج تجاه الزوج الآخر.
حب الزواج أقل خيالية وأكثر عمقًا في واقع الحياة [وهذا هو الحب الواقعي] إن الحب يكبر مع كبر الزوجين، ومع مواجهتهما لمشكلات الحياة وتحدياتها، ومع اشتراكهما معًا في التغيير والتكيف مع علاقتهما المتغيرة باستمرار.
وهناك من الأزواج من قد يعاني من الصعوبات حتى يصل كل منهما في محبته أن يعتقد أن الحب قد اختفى وزال تمامًا، إلا أن كل طرف منهما لا يدرك أن سبب شعوره هذا هو المرحلة التي هما فيها، وأن هناك الكثير من العلاقات الزوجية ممن يصل طرفاها لهذا المستوى ثم يتجاوزانه إلى اكتشافه في نوعية ناضجة ومتميزة من الحب، فيمكن للأزواج من خلال مواجهة التحديات والاختلافات بوعي ورعاية، ومن خلال تطبيق مهارات الكلام والاستماع أن يبدءا برحلة شيقة وبناء نوع جديد من العلاقة العاطفية.
وقد وجدت بعض الأبحاث أنه كلما بذل الزوجان جهدًا لتجاوز خلافاتهما، كلما ساعد هذا كلاهما على النمو الفردي، وهذا بدوره يزيدهما قدرة عل النجاة الاستمرار ونحن نرى أن الحياة الزوجية أشبه بقرص من العسل تبنيه نحلتان، وكلما زاد الجهد فيه زادت حلاوة الشهد فيه.
عندما تذكر أنفسنا أن الحياة ليست مثالية وليست مجردة من المتاعب فإننا بهذه النظرة نكون أكثر قدرة على التعامل مع التحديات بعقل وحكمة.
وفي الحقيقة فإنك حين تذكر نفسك دائمًا بحتمية المشكلات التي تتعامل معها، فإن ذلك لن يجعل حياتك مثالية، ولكن ذلك يضع الأمور في جو أكثر صحة، ويجعل الحياة تبدو أقل ازدحامًا بالمشاكل.
خلاصة القول هي:
إنه من الخطورة بمجال أن نجعل العلاقة الزوجية التي هي قوام البشرية وكأنها طلاسم وبحار عميقة لا يخوض غمارها إلا الفارس المغوار، وهذا من التكلف فالموضوع أسهل من ذلك بكثير، والمتأمل في القرآن الكريم يجده قد وضع القواعد الضابطة لهذه العلاقة بأوضح عبارة وأوجزها، وتراه يستخدم العبارات الموصية المؤدية للمعاني بطريقة حانية صافية، فتراه يتحدث عن المودة والرحمة والسكن، وكيف أن المرأة لباس الرجل، وأهمية أن يقدم الرجل لنفسه مع أهله، وكيف يربي لقمان ابنه وكيف يبر الأبناء بالأباء، وكيف تكون النفقة، وكيف يكون الخلاف وكذلك العقاب، وكيف تبدأ الحياة الزوجية وكيف تنتهي والكثير والكثير.
والذي يفسر ذلك بوضوح وجلاء تعامل النبي - صلى الله عليه وسلم - مع زوجاته، وكيف تتصور مجتمع الصحابة تصورًا صحيحًا يتعامل مع الآيات والأحاديث والنفس الإنسانية أيما تعامل، وإن كنا لا نرى بأسًا في أن يتعلم الإنسان بعض الأمور التي تمكنه من جعله سعيدًا مع أهله ويتفن فن السعادة حتى يحولها إلى عادة ولكن الذي ننهى عنه هو الإغراق في النظريات والفلسفات والتقعر والإسفاف عند الكلام في هذه الأمور، فكيف نجعل الأمر الفطري الذي غرسه الله في أنفسنا جميعًا ورجالاً ونساء بهذه الصعوبة، فالمرأة تحب الرجل والرجل يحب المرأة، وهذا فطري ولكل واحد منهما طباع وتفاهمها وتفهمهما لبعضهما هو مفتاح النجاح.
ـــــــــــــــــــ(111/285)
ـــــــ
المراجع:
1ـ فن السعادة الزوجية / محمد الخشت.
2ـ الخلافات الزوجية في ضوء الكتاب والسنة / رعد كامل الحيالي.
3ـ الخلافات الزوجية وحلول علمية.
4ـ في ظلال القرآن ـ سيد قطب.
5ـ التفاهم في الحياة الزوجية د/مأمون مبيض.
6ـ لا تهتم بصغائر الأمور مع أسرتك د/ ريتشارد كارلسون
20 شعبان 1425هـ - 4 أكتوبر 2004 م
http://links.islammemo.cc المصدر:
ـــــــــــــــــــ(111/286)
الحماة رحمة أم نقمة ؟
علي رضوان الخطيب
لا ينكر عاقل مدى الدور الذي تقوم به الأم خاصة نحو أبنائها من رعاية ومحبة وشفقة، وما يصاحب ذلك من مشقة ونصب، ومن هنا كانت وصية الله - جل وعلا - بالوالدين خيرًا، من اللطف في القول وخفض الجناح لهما بالفعل سيما الجانب الضعيف وهو الأم، نظرًا لعطائها وبرها وفضلها، وأحزانها.
ولكن رغم ما ذكر من فضل وعطاء ومحبة ورغبة عن أريحية ورضاء فلا تزال الشكوى من الأمهات من قبل الأبناء أو الحموات من قبل الزوجات، فصارت أم الزوج تمثل في بعض الأحيان جانبًا لا يستهان به في ضعف العلاقة الزوجية وفتورها أو نهايتها في أحيان أخرى، فما هي إذًا الأسباب الرئيسة التي تجعل من الحماة آمرة متسلطة؟ وما هي مظاهر ذلك التسلط؟ وهل من أمل سريع في علاجها؟
أسباب المشكلة:
الأسباب التي من شأنها إيجاد الهوة في العلاقات الزوجية والأسرية بسبب تدخل أم الزوج وتسلطها كثرة منها:
أولاً: تدليل الأمهات للأبناء منذ نعومة أظفارهم فينشأ الابن اتكاليًا وعندما يكبر يصبح هيكلاً قد فرغ من مضمونه ومحتواه، وتبقى إرادته تبعًا لمراد أمه ويصير بسببها دمية من الدمى ينتظر حركة من خارج حسه وإدراكه، فيحيله ذلك كله إلى سلبية مريرة باردة فلا تجعل منه رجلاً جديرًا باتخاذ أبسط القرارات فضلاً عن أشدها وأخطرها.
ثانيًا: موت الزوج مبكرًا؛ وقد يُحدث موت الزوج في فترة مبكرة قلقًا وارتباكًا في حياة الأسرة وخاصة الزوجة الشابة، التي ترفض من يتقدم للزواج منها لأنها نذرت أن تربي أبناءها، فتقوم بدور الأب والأم معًا، فتستخدم تبعًا لذلك سلطة الأمر والنهي في آن يدفعها إلى ذلك دوافع كثيرة من الحرص والخوف على الأبناء. حتى إذا كبر أبناؤها وتزوجوا شعرت أنهم ضاعوا منها فراحت تتدخل في حياتهم لتشعر أنهم مازالوا قريبين منها طائعين لها.
ثالثًا: الرواسب البيئية المعقدة؛ ومما يساعد على تسلط الأم وتدخلها في حياة الأبناء سلبًا وإيجابًا أن تكون الأم صبغت مع الأيام بجملة من الرواسب البيئية المعقدة، والأمراض النفسية المقيتة، وعدم فهم العلاقة المثلى بين الآباء والأبناء. فتظل تلك الرواسب تظهر بين حين وآخر فتفسد على المرء أنسه بالحياة والأحياء...
رابعًا: غياب الفهم الواعي، فكثير من الناس والنساء منهم في حاجة ماسة إلى الفهم المدرك والبصر بالأمور، والتأمل في عواقبها وتأصيلها وردها إلى الحقيقة؛ لأن الفهم الواعي يحجز عن الزلل قولاً وفعلاً، فإذا أضيفت إلى كل ما ذكرناه وفرة ميراث الأم، ومساعدتها للابن في ظل ظروف تثقل الكاهلين، كان ذلك مدعاة لأن تضن بما في يدها على ولدها بين حين وآخر، مظهرة أنها ولية نعمته التي لها حق التوجيه والتأثير بالحق وبالباطل، وهنا مكمن الخطر، وربما تكون الأم مصابة بأمراض حادة، تحدث اضطرابات مفاجئة لديها وتؤثر بالتالي على تصرفاتها بطريقة شعورية أو غير شعورية.
أما عن مظاهر المشكلة:
فما نراه من الغلظة في الأقوال والزجر في الأفعال لزوجة الابن، والنظر إليها شزرًا لأنها باعدت بينها وبين ولدها، فإذا ما أرادت زوجة الابن أن تبين وجهة نظر ما من باب النصح لكل مسلم قامت الدنيا ولم تقعد، من جهة الأم التي يبح صوتها، وتنتفخ أوداجها وتحمر عينيها، وقد تفقد السيطرة على نفسها فينفلت اللسان بعبارات موجعة، وقد تمتد الأيدي فتنال من وجه متبتل مشرق، فإذا ما أقبل الناس على أثر الصياح ظهرت شكايتها من زوجة ابنها، وأنها قد أساءت في أدبها، وبأن زوجات اليوم لا يردن أمهات الأبناء أن يشاركنهنَّ اللقمة والكسرة.
آثار المشكلة:
أما عن الآثار التي تترتب على تلك المعضلة من بين ما رأيناه من مظاهر الشقاق وعدم الانسجام الأمثل، بين الزوجة والأم من ناحية وضياع الابن بينهما من ناحية أخرى فهي:
آلام نفسية مبرحة بسبب اضطرابات الجهاز العصبي والاضطرابات في وظائف الأعضاء إذا ثبت أن القلق والحزن واليأس الذاتي يؤثر على أجهزة الجسم المختلفة فقد يؤدي إلى خلل بين وظائف الأعضاء وصدق الله العظيم إذ يقول: (وَابْيَضَّتْ عَيْنَاهُ مِنَ الْحُزْنِ فَهُوَ كَظِيمٌ)[يوسف: 84].
تعطيل الملكات البنَّاءة بسبب كبت الإرادة، فتقل الفرصة الحقيقية للاستفادة من عطاء الزوجة وبذلها.
إصابة الزوجة بداء التردد في غالب أمرها، لأنها طالما أحجمت عن اتخاذ قرارها، أو أن تبوح بما في طيات نفسها.
فقدها القدرة على التصور الصحيح للحياة، بسبب فرض المفاهيم الموروثة بالضغط والقوة الأدبية.
العلاج:
أن تعلم الأم أن الزواج من سنن الكون الحياتية والفطرية، وأن ارتباط الأب بزوجته وأبنائه أمر غريزي محض، وذلك كي يتحقق السكن المنشود والموّدة الموجودة: (وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً)[الروم: 21]. فإذا علمت الأم ذلك استراحت وأراحت ولو رجعت بها دواعي الذكريات إلى الوراء قليلاً لعلمت أنها في يوم ما قد استأثرت بزوجها وهو يرعاها بمودته، ويغذوها بحنانه ويتدفق عليها بعطفه. عندها لن تنكر على فلذة الكبد أن يشمل أهله بالرعاية والعناية والود والرأفة.
أن تعلم الأم أن سعادتها الحقيقية إنما تنبثق من سعادة الأبناء والأحفاد؛ لأنها بمثابة الشجرة التي تلتف حولها جميع الأغصان فيفيء الناس في ظلالها ويأنسون بنسيمها.
أن يقرأ الابن لأمه وزوجه في جلسة عائلية كريمة فصولاً من الترغيب والترهيب بشأن ما تمر به الحياة الزوجية من منعطفات، فلعل دوام التذكير يحوّل القلوب القاسية إلى العطف واللين والشفقة ويهذب غبشها.
أن تصبر الزوجة صبر الرضا بالقضاء لا صبر القهر والاضطرار حتى تؤجر في كل ما تفعل وما تدع، وأن تدعو لأم زوجها بظهر الغيب أن يشرح الله صدرها، ويهذب طبعها ويلين قلبها نحوها، فهي أم لزوجها وجدة لأبنائها، ومرضاتها جزء من الإيمان بالله ورسوله.
أن تبذل الزوجة جهدها قدر الطاقة في أن لا ترد على أم زوجها سبابها أو إهانتها حال الرضا أو الغضب راجية من الله وحده المثوبة، تاركةً حظ نفسها، ومن ترك شيئًا لله عوضه الله خيرًا منه.
على الزوج أن يناصح أمه بعيدًا عن زوجته، وأن يكلم زوجته في غيبة أمه، وأن يمسح بقلبه الشفيق جراحات زوجته، وأن يجبر كسرها بين حين وآخر فيأخذ بيدها إلى طريق العفو والصفح، ويخبرها أن الله قادر على تغيير الحياة النكدة والأيام الرتيبة إلى حياة سعيدة سهلة منظمة ممتعة في معناها ومبناها.
عندها ستنقشع العاصفة، ويندحر الشيطان، وتسير القافلة في هدوء إلى مقصدها وغايتها، فلعل الله أن يمن بعناية ترفع البناية إنه على ما يشاء قدير.
الثلاثاء:19/10/2004
http://www.islamweb.net المصدر:
ـــــــــــــــــــ(111/287)
ابني يقول ألفاظ بذيئة فما الحل ؟!
الدكتورة أماني السيد
ما أكثر ما يعانيه الآباء والأمهات من تلفظ أبناءهم بألفاظ بذيئة وكلمات بذيئة، ويحاولون علاجها بشتى الطرق كما أن "لكل داء دواء" فإن معرفة الأسباب الكامنة وراء الداء تمثل نصف الدواء.
فالغضب والشحنة الداخلية الناتجة عنه كما يقولون "ريح تطفئ سراج العقل". ورحم الله الإمام الغزالي حينما دلنا على عدم قدرة البشر لقمع وقهر الغضب بالكلية ولكن يمكن توجيهه بالتعود والتمرين. فالله - تعالى - قال: "والكاظمين الغيظ" ولم يقل "الفاقدين الغيظ".
وبالتالي فإن المطلوب هو توجيه شحنات الغضب لدى الأطفال حتى يصدر عنها ردود فعل صحيحة، ويعتاد ويتدرب الطفل على توجيه سلوكه بصورة سليمة، ويتخلص من ذلك السلوك المرفوض وللوصول إلى هذا لا بد من اتباع الآتي:
أولاً: التغلب على أسباب الغضب:
- فالطفل يغضب وينفعل لأسباب قد نراها تافهة كفقدان اللعبة أو الرغبة في اللعب الآن أو عدم النوم... الخ. وعلينا نحن الكبار عدم التهوين من شأن أسباب انفعاله هذه. فاللعبة بالنسبة له هي مصدر المتعة ولا يعرف متعة غيرها (فمثلا: يريد اللعب الآن لأن الطفل يعيش "لحظته" وليس مثلنا يدرك المستقبل ومتطلباته أو الماضي وذكرياته.)
- على الأب أو الأم أن يسمع بعقل القاضي وروح الأب لأسباب انفعال الطفل بعد أن يهدئ من روعه ويذكر له أنه على استعداد لسماعه وحل مشكلته وإزالة أسباب انفعاله وهذا ممكن إذا تحلى بالهدوء والذوق في التعبير من مسببات غضبه.
ثانيًا: إحلال السلوك القويم محل السلوك المرفوض:
1- البحث عن مصدر تواجد الألفاظ البذيئة في قاموس الطفل فالطفل جهاز محاكاة للبيئة المحيطة فهذه الألفاظ هي محاكاة لما قد سمعه من بيئته المحيطة: (الأسرة الجيران الأقران الحضانة...).
2- يعزل الطفل عن مصدر الألفاظ البذيئة كأن تغير الحضانة مثلاً إذا كانت هي المصدر.. أو يبعد عن قرناء السوء إن كانوا هم المصدر فالأصل كما قيل- في "تأديب الصبيان الحفظ من قرناء السوء".
3- إظهار الرفض لهذا السلوك وذمه علنًا.
4- الإدراك أن طبيعة تغيير أي سلوك هي طبيعة تدريجية وبالتالي التحلي بالصبر والهدوء في علاج الأمر أمر لا مفر منه.
"واستعينوا بالصبر والصلاة وإنها لكبيرة إلا على الخاشعين".
5- مكافئة الطفل بالمدح والتشجيع عند تعبيره عن غضبه بالطريقة السوية.
6- فإن لم يستجب بعد 4-5 مرات من التنبيه يعاقب بالحرمان من شيء يحبه كالنزهة مثلاً.
7- يعود سلوك "الأسف" كلما تلفظ بكلمة بذيئة ولا بد من توقع أن سلوك الأسف سيكون صعبًا في بادئ الأمر على الصغير، فتتم مقاطعته حتى يعتذر، ويناول هذا الأمر بنوع من الحزم والثبات والاستمرارية.
13-9-1424 هـ
http://mynono.hawaaworld.com المصدر:
ـــــــــــــــــــ(111/288)
عشر وصايا لزوجة تريد أسرة بلا مشاكل
الحمد لله، والصلاة والسلام على نبينا محمد، وآله، وصحبه أجمعين، أما بعد:
أيتها المؤمنة: عشر وصايا أضعها بين يديك، ترضين بها ربك، وتسعدين بها زوجك، وتحفظين بها عرشك.
الوصية الأولى:
تقوى الله والبعد عن المعاصي: إذا أردت أن تعشش التعاسة في بيتك، وتفرخ فاعصي الله!
إن المعاصي تهلك الدول وتزلزل الممالك.. فلا تزلزلي بيتك بمعصية الله، ولا تكوني كفلانة عصت الله، فقالت- نادمة، باكية- بعد أن طلقها زوجها: جمعتنا الطاعة، وفرقتنا المعصية. يا أيتها المؤمنة: احفظي الله؛ يحفظك، ويحفظ لك زوجك وبيتك. إن الطاعة تجمع القلوب، وتؤلف بينها، والمعصية تمزق القلوب، وتشتت شملها؛ ولذلك كانت إحدى الصالحات إذا وجدت من زوجها غلظة ونفرة؛ قالت: أستغفر الله.. ذلك بما كسبت يداي، ويعفو عن كثير.
فالحذر الحذر أختي المسلمة من المعاصي وعلى الأخص:
1- ترك الصلاة أو تأخيرها أو أداؤها على غير الوجه الصحيح.
2-مجالس الغيبة والنميمة، والرياء والسمعة.
3-انتقاص الآخرين، والسخرية منهم: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْراً مِنْهُمْ وَلا نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ عَسَى أَنْ يَكُنَّ خَيْراً مِنْهُنَّ... [11]}[سورة الحجرات].
4- الخروج إلى الأسواق بغير ضرورة وبدون محرم.. قَالَ - صلى الله عليه وسلم -: [أَحَبُّ الْبِلَادِ إِلَى اللَّهِ مَسَاجِدُهَا وَأَبْغَضُ الْبِلَادِ إِلَى اللَّهِ أَسْوَاقُهَا] رواه مسلم.
5- تربية الأطفال تربية غربية، أو ترك تربيتهم للخادمات والمربيات الكافرات.
6- تقليد الكافرات.. فـ: [مَنْ تَشَبَّهَ بِقَوْمٍ فَهُوَ مِنْهُمْ] رواه أبوداود وأحمد.
7-مشاهدة الأفلام الخليعة، واستماع الأغاني.
8-قراءة المجلات الماجنة.
9-دخول السائق والخادمة إلى المنزل بلا ضرورة.
10-إهمال الزوج ومعصيته.
11-مصاحبة الفاجرات والفاسقات.. فـ: [الْمَرْءُ عَلَى دِينِ خَلِيلِهِ] رواه أبو داود والترمذي وأحمد.
12-التبرج والسفور.
الوصية الثانية:
التعرف على الزوج: أن تتعرف المرأة على زوجها.. تعرف ماذا يحب، فتحاول أن تلبيه، وتعرف ماذا يكره، فتحاول أن تجتنبه، ما لم يكن في التلبية، أو الاجتناب لأمر ما معصية لله، فعندئذٍ لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق
الوصية الثالثة:
الطاعة المبصرة للزوج، وحسن المعاشرة: إن حق الزوج على زوجته عظيم.. قَالَ - صلى الله عليه وسلم -: [لَوْ كُنْتُ آمِرًا أَحَدًا أَنْ يَسْجُدَ لِأَحَدٍ لَأَمَرْتُ الْمَرْأَةَ أَنْ تَسْجُدَ لِزَوْجِهَا] رواه الترمذي وابن ماجة وأحمد. وأول هذه الحقوق: الطاعة في غير معصية الله، وحسن عشرته وعدم معصيته قال عليه أفضل الصلاة والسلام: [اِثْنَانِ لَا تُجَاوِز صَلَاتهمَا رُءُوسهمَا: عَبْد آبِق، وَامْرَأَة عَصَتْ زَوْجهَا حَتَّى تَرْجِع] رواه الحاكم. ولذلك قالت عائشة أم المؤمنين تعظ النساء: 'يا معشر النساء لو تعلمن بحق أزواجكن عليكن لجعلت المرأة منكن تمسح الغبار عن قدمي زوجها بخد وجهها'.
أنت من خير النساء!! بطاعتك لزوجك، وحسن معاشرته؛ تكونين بإذن الله من خير النساء، قِيلَ لِرَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: 'أَيُّ النِّسَاءِ خَيْرٌ؟ ' قَالَ: [الَّتِي تَسُرُّهُ إِذَا نَظَرَ وَتُطِيعُهُ إِذَا أَمَرَ وَلَا تُخَالِفُهُ فِي نَفْسِهَا وَمَالِهَا بِمَا يَكْرَهُ] رواه النسائي وأحمد. واعلمي أنك من أهل الجنة- بإذن الله- إن اتقيت الله، وأطعت زوجك؛ لقوله - صلى الله عليه وسلم -: [إِذَا صَلَّتْ الْمَرْأَةُ خَمْسَهَا وَصَامَتْ شَهْرَهَا وَحَفِظَتْ فَرْجَهَا وَأَطَاعَتْ زَوْجَهَا قِيلَ لَهَا ادْخُلِي الْجَنَّةَ مِنْ أَيِّ أَبْوَابِ الْجَنَّةِ شِئْتِ] رواه أحمد.
الوصية الرابعة:
القناعة: نريد من المرأة المسلمة أن ترضى بما يقسم لها قلَّ أو كثر.. فلا تطلب من زوجها ما لا يستطيع، أو ما لا تمس الحاجة إليه.. وقد ورد في الحديث: [أَعْظَمُ النِّسَاءِ بَرَكَةً...] من هي يا ترى'! أهي التي تلبس أغلى الثياب- ولو اقترض زوجها ثمنها من بعض الأصحاب؟! كلا.. والله.. [أَعْظَمُ النِّسَاءِ بَرَكَةً أَيْسَرُهُنَّ مَئُونَةً] رواه أحمد.
وتأملي أختي أدب نساء السلف - رضي الله عنهن -.. كانت إحداهن إذا هم زوجها بالخروج من البيت أوصته وصية.. ما هذه الوصية؟ تقول له: 'إياك وكسب الحرام، فإنا نصبر على الجوع ولا نصبر على النار'.. أما بعض نسائنا اليوم فبماذا يوصين أزواجهن إذا هموا بالخروج من البيت؟ اترك الإجابة على هذا السؤال لأني على يقين أنك أعلم بالإجابة مني.
الوصية الخامسة:
حسن تدبير شئون البيت: ومن حسن التدبير: تربية الأولاد، وعدم تركهم للخادمات، ونظافة البيت وحسن ترتيبه، وإعداد الطعام في الوقت المناسب.
ومن حسن التدبير: أن تضع المرأة مال زوجها في أحسن موضع، فلا تسرف في الزينة والكماليات، وتخل بالضروريات.
وتأملي حفظك الله في قصة هذه المرأة.. امرأة الحطّاب.. قالت: إن زوجي إذا خرج يحتطب [يجمع الحطب من الجبل] أُحِسُّ العناء الذي لقيه في سبيل رزقنا، و أُحِسُّ بحرارة عطشه في الجبل تكاد تحرق حلقي، فَأُعِدُّ له الماء البارد حتى إذا ما قدم وجده، وقد نسقت و رتبت متاعي وأعددت له طعامه، ثم وقفت أنتظره في أحسن ثيابي، فإذا ما ولج الباب استقبلته كما تستقبل العروس عروسها الذي عشقته، مسلمة نفسها إليه.. فإذا أراد الراحة أعنته عليها، وإن أرداني كنت بين ذراعيه كالطفلة الصغيرة يتلهى بها أبوها'.
الوصية السادسة:
حسن معاشرة أهل الزوج وأقاربه: وأخص بذلك أمّه التي هي أقرب الناس إليه.. فيجب أن تتوددي إليها، وتتلطفي معها، وتظهري الاحترام لها، وتتحملي أخطاءها، وتنفذي في غير معصية الله ـ أوامرها ما استطعت إلى ذلك سبيلاً. كم من البيوت دخلها الشقاق والخلاف، بسبب سوء تصرف الزوجة تجاه أم زوجها.. وعدم رعايتها لحقها.. تذكري يا أمة الله أن التي سهرت وربت هذا الرجل الذي هو زوجك الآن.. هي هذه الأم.. فاحفظي لها جهدها، وقدري عملها {هَلْ جَزَاءُ الْإِحْسَانِ إِلَّا الْإِحْسَانُ[60]}[سورة الرحمن].
الوصية السابعة:
مشاركة الزوج في أحاسيسه ومشاعره، ومقاسمته همومه وأحزانه:
إذا أردت أن تعيشي في قلب زوجك؛ فعيشي همومه وأحزانه.. ولعلي أذكرك بامرأة ظلت تعيش في قلب زوجها حتى بعد موتها، ظل يذكرها، ويذكر مشاركتها له في محنته وشدته، ظل يحبها حباً غارت منه زوجته الثانية التي تزوجها بعدها، فقالت ذات يوم: ' مَا غِرْتُ عَلَى أَحَدٍ مِنْ نِسَاءِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - مَا غِرْتُ عَلَى خَدِيجَةَ وَمَا رَأَيْتُهَا وَلَكِنْ كَانَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - يُكْثِرُ ذِكْرَهَا'.. وذات مرة قالت عائشة للنبي - صلى الله عليه وسلم - بعد أن ذكر خديجة: ' كَأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ فِي الدُّنْيَا امْرَأَةٌ إِلَّا خَدِيجَةُ' فَيَقُولُ: [إِنَّهَا كَانَتْ وَكَانَتْ]رواه البخاري ومسلم.
وجاءت رواية تفسر قوله: [إِنَّهَا كَانَتْ وَكَانَتْ] وفيها: [قَدْ آمَنَتْ بِي إِذْ كَفَرَ بِي النَّاسُ وَصَدَّقَتْنِي إِذْ كَذَّبَنِي النَّاسُ وَوَاسَتْنِي بِمَالِهَا إِذْ حَرَمَنِي النَّاسُ وَرَزَقَنِي اللَّهُ - عز وجل - وَلَدَهَا إِذْ حَرَمَنِي أَوْلَادَ النِّسَاءِ] رواه أحمد.
إنها خديجة التي لا ينسى أحد تثبيتها للنبي - صلى الله عليه وسلم -، وتشجيعها إياه، ووضعها كل ما تملك تحت تصرفه من أجل تبليغ دين الله للعالمين. لا ينسى أحد قولتها المشهورة التي جعلت النبي مطمئناً بعد اضطراب، وفرحاً بعد اكتئاب، لما نزل عليه الوحي لأول مرة: ' كَلَّا وَاللَّهِ مَا يُخْزِيكَ اللَّهُ أَبَدًا إِنَّكَ لَتَصِلُ الرَّحِمَ وَتَحْمِلُ الْكَلَّ وَتَكْسِبُ الْمَعْدُومَ وَتَقْرِي الضَّيْفَ وَتُعِينُ عَلَى نَوَائِبِ الْحَقِّ 'رواه البخاري ومسلم. فكوني يا أختي المسلمة كخديجة - رضي الله عنها - وعنّا جميعاً.
الوصية الثامنة:
شكر الزوج على جميل صنيعه، وعدم نسيان فضله: [مَنْ لَمْ يَشْكُرْ النَّاسَ لَمْ يَشْكُرْ اللَّهَ] رواه الترمذي وأحمد. فلا تكوني من اللاتي لو أحسن إليها زوجها الدهر كله ثم رأت منه شيئاً قالت ما رأيت منك خيراً قط.. ولقد قال - صلى الله عليه وسلم -: [يَا مَعْشَرَ النِّسَاءِ تَصَدَّقْنَ فَإِنِّي أُرِيتُكُنَّ أَكْثَرَ أَهْلِ النَّارِ] فَقُلْنَ: وَبِمَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: [تُكْثِرْنَ اللَّعْنَ وَتَكْفُرْنَ الْعَشِيرَ] رواه البخاري ومسلم. وكفران العشير: جحود فضل الزوج، وعدم القيام بحقه.
أيتها الزوجة: شكر الزوج يكون ببسمة على محياك تقع في قلبه، فتهون عليه بعض ما يلقاه في عمله، أو بكلمة حانية ساحرة تفيد حبك في قلبه غضًا طريًا.. أو بكلمة بإعذاره عن خطئه في حقك.. وأين هذا الخطأ في بحر فضله وإحسانه إليك.
الوصية التاسعة:
كتمان أسرار الزوج وستر عيوبه: الزوجة موطن سر الزوج، وألصق الناس به، وأعرفهم بخصائصه.. ولئن كان إفشاء السر من الصفات الذميمة من أي شخص كان، فهو من الزوجة أعظم وأقبح بكثير.. إن مجالس بعض النساء لا تخلو من كشف، وفضح لعيوب الزوج، أو بعض أسراره؛ وهذا خطره جسيم، وإثمه عظيم، فحافظي أختي المسلمة على أسرار زوجك، واستري عيوبه ولا تظهريها إلا لمصلحة شرعية كالتظلم عند القاضي، أو المفتي، أو من ترجين نصحه.
وأخيراً: الفطنة والكياسة.. والحذر من الأخطاء:
فمن الأخطاء: وصف الزوجة لزوجها محاسن بعض النساء اللاتي تعرفهن.. وقد نهى الرسول - صلى الله عليه وسلم - عن ذلك فقال: [لَا تُبَاشِرُ الْمَرْأَةُ الْمَرْأَةَ فَتَنْعَتَهَا لِزَوْجِهَا كَأَنَّهُ يَنْظُرُ إِلَيْهَا] رواه البخاري. هل تعرفين لماذا؟!
ومن الأخطاء: ما تفعله كثير من الزوجات عند رجوع أزواجهن من العمل.. فما أن يجلس الزوج مستقراً حتى تذكره بما يحتاجه البيت من مطالب، وما يجب عليهم تسييره من الأمور، ومصاريف الأولاد.. والزوج لا يرفض الحديث في مثل هذه الأمور، ولكن يجب أن تتحين الزوجة الوقت المناسب لذلك..
ومن الأخطاء: ارتداء أحسن الثياب، والتحلي بأحسن الحلي عند الخروج من البيت، وأما عند الزوج.. فلا جمال ولا زينة.. إلى غيره من الأخطاء التي تنغص على الزوج متعته بزوجته. والزوجة الفطنة هي التي تجتنب ذلك كله.
وإليك وصية تلك الأم الحكيمة لابنتها وهي تعظها، فقالت: 'أي بنية، إنك قد فارقت بيتك الذي فيه درجت، إلى رجل لم تعرفيه، وقرين لم تألفيه، فكوني له أمة يكن لك عبداً، واحفظي له خصالاً عشراً يكون لك ذخراً:
أما الأولى والثانية: فالخشوع له بالقناعة، وحسن السمع والطاعة.
أما الثانية والرابعة: فالتفقد لموضع عينه وأنفه، فلا تقع عينه منك على قبيح، ولا يشم منك إلا أطيب ريح.
وأما الخامسة والسادسة: فالتفقد لوقت نومه وطعامه، فإن ثورات الجوع ملهبة، وتنغيص النوم مغضبة.
وأما السابعة والثامنة: فالاحتراس بماله، والإرعاء على حشمه وعياله، وملاك الأمر في المال حسن التقدير، وفي العيال حسن التدبير.
وأما التاسعة والعاشرة: فلا تعصين له أمراً، ولا تفشين له سراً، فإنك إن خالفت أمره؛ أوغرت صدره، وإن أفشيت سره لم تأمني غدره.. ثم إياك والفرح بين يديه إذا كان مهموماً، والكآبة بين يديه إن كان فرحاً.
من كتاب: 'أسرة بلا مشاكل' مازن بن عبد الكريم الفريح
14رجب 1425هـ - 30 أغسطس 2004
http://links.islammemo.cc المصدر:
ـــــــــــــــــــ(111/289)
لا تتزوج ملكة جمال
علي الطنطاوي
قابلت صديقاً لي فوجدته ضيق الصدر كأن به علة في جسده أو هماً في قلبه؛ فسألته أن يكشف لي أمره، فتأبى ساعة وتردد ثم قال لي: أنت الصديق لا يكتم عنه، وأنى مطلعك على سري، ومستشيرك فيه أني أريد الزواج.
قلت: وما فعلت ربة دارك وأم أولادك؟
قال: هي على حالها.
قلت: وهل أنكرت شيئاً من خلقها أو من دينها أو من طاعتها لك وميلها إليك؟
قال: لا والله.
قلت: فلم إذن؟
قال: إني رجل أحب العصمة وأكره الفجور، وقد ألفت زوجتي حتى ما أجد فيها ما يقنع نفسي عن أن تميل إلى غيرها، وبصري عن أن يشرد إلى سواها، وأطلت عشرتها حتى مللتها وذهبت في عيني فتنتها.
قلت: ما أقبح والله ما جزيتها به عن صحبتها وإخلاصها وما أعجب أمرك تسمع صوت النفس وأن تظنه صوت العقل، وتتبع طريق الهوى وأنت تحسبه سبيل الصلاح، وهذا تلبيس إبليس أو من وساوسه.
وهل تحسب أن المرأة الجديدة تقنعك وتغنيك إن أنت لم تقهر نفسك وتزجرها؟ إن الجديدة تمر عليها الأيام فتصير قديمة، وتطول ألفتها فتصير مملولة، وتستقري جمالها فلا تجد فيها جمالاً فتطلب ثالثة، والثالثة تجر إلى الرابعة، ولو أنك تزوجت مئة، ولو أنك قضيت العمر في زواج لوجدت نفسك تطلب امرأة أخرى.
وهل يمضى زوج عمره في تقبيل وعناق؟ إن لذلك لحظات؟ وباقي العمر تعاون على الحياة وتبادل في الرأي وسعي للطعام واللباس وتربية للولد.. واسترجاع الماضي وإعداد للمستقبل.
وهل تظنك تسعد بين زوجتين وتعرف إن جمعتها ما طعم الراحة؟ وهل تحسب أن ولدك يبقى معك وقد عاديت أمه وصادقت غريبة جئت بها تشاركها مالها ودارها وزوجها؟ فهل يرضيك أن تثير في أسرتك حرباً تكون أنت أول ضحاياها. كلا يا صاحبي لقد تغير الزمان، وحكم الله في التعدد باق أبداً ولكنه مباح؟ ليس واجباً أو مندوباً.. فعليك بزوجك عد إليها وانظر إخلاصها لا تنظر إلى وجهها ولا إلى جسمها فإني قرأت كتباً في تعريف الجمال كثيرة فلم أجد أصدق من تعريف طاغور "إن الجمال هو الإخلاص" ولو أن ملكة الجمال خانتك وغدرت بك لرأيتها قبيحة في عينك، ولو أخلصت لك زنجية سوداء كأن وجهها حذاء السهرة اللماع لرأيتها ملكة الجمال.
وثق أن ما حدثتني به سيبقى سراً بيننا ولا أفشيه أبداً ولا اطلع عليه أحداً.
وهل سمعت أديباً (أفشى) سراً !!؟؟
http://www.alnoor-world.com المصدر :
ـــــــــــــــــــ(111/290)
العودة إلى العائلة
أ.مها الجريس
في بادرة غير مسبوقة، قامت إحدى المحطات التلفزيونية الأمريكية ببث برنامج تعدَّه إحدى الاختصاصيات الاجتماعيات، ولاقى قبولاً واسعاً وتفاعلاً كبيراً من المشاهدين والمشاركين، وتتخلص فكرة هذا البرنامج الذي عنون له بـ (العودة إلى العائلة)ا(Back to Family) في لم شمل الأسر التي استقل فيها الأبناء أو البنات عن آبائهم وأمهاتهم بمحض اختيارهم ممَّن هم دون الثامنة عشرة، والذين يعتبرون أطفالاً في تصنيف القانون الأمريكي.
وتحاول الباحثة معدَّة البرنامج بالتنسيق مسبقاً مع الآباء والأمهات الراغبين في عودة أبنائهم إلى كنفهم، فتقوم بمقابلتهم تلفزيونياً ليحكوا معاناتهم ويستدروا عطف أبنائهم الجاحدين.. ومن ثمَّ تقوم الباحثة في لقاء آخر باستضافة من يرغبون من هؤلاء الأبناء في لقاء مستقل في هذا البرنامج أيضاً.. وقد لوحظ أنَّ البنات هنَّ أكثر من يلجأ إلى هذا البرنامج.. فيعترفن خلال اللقاء بمعاناتهن النفسية بعد الاستقلال. وكم هو مثير للشفقة والألم أن تجد أماً تحكي وتذرف الدموع وتناشد ابنتها بالعودة إليها، وربما حملت معها صوراً لتلك الفتاة وهي صغيرة.
وكم هو مثيرٌ للعجب أن تسمع اعترافات الأبناء ومنهم من يبكي بأنه اختار لنفسه طريق الشقاء.. فذلك أصبح مدفعاً وتسليط عليه رفقاء السوء.. وتلك هربت مع الصديق لتواجه مشاكل الحمل والإجهاض والانتقال من أحضان رجل إلى آخر.. لتجد نفسها بلا راحة ولا استقرار ولا ملاذ عاطفي تأوي إليه..
ومن ثمَّ تقوم الباحثة بلم شمل عوائل الأبناء الراغبين في العودة..
وينتهي البرنامج في تلك الحلقات بلحظة اللقاء الأولى بين الطرفين وسط تصفيق الجماهير ودموعهم.. إلا أنَّه أحياناً قد تخفف المحاولة الرامية إلى إقناع الأبناء بالعودة إلى أسرهم؛ لينتهي البرنامج بهتافات التنديد والسخرية من بعض الجمهور لذلك الابن العنيد الذي يرفض العودة إلى أحضان أسرته، أو تلك البنت القاسية التي جاءت لتعلن بكل وقاحة أنَّها لم تعد بحاجة إلى رعاية الوالدين، وأنَّها ترغب في ممارسة حريتها المزعومة، وأحياناً تبلغ فيها الوقاحة مبلغاً عظيماً فتصطحب معها صديقاً مدافعاً ومنافحاً عن رأيها في حياتها الخاصة.. شأنهم في ذلك شأن كل مكابر يجادل في البدهيات ويجحد الضروريات مقابل شهوة عاطفية ورغبات جسدية نفخها الشيطان في رؤوسهم، فتخلوا من أجلها عن كل القيم والمبادئ.
وقد شوهدت إحدى الفتيات التي لم تتجاوز الرابعة عشرة في إحدى الحلقات وهي تجادل بصلف عن حريتها.. ثمَّ قامت بالكشف عن موضع في جسدها لتبين للجمهور شعار الجماعة التي انضمت إليها، وهي واحدة من الجماعات المتكاثرة في المجتمع الغربي، مثل الهيبز والبانكس، والتي تولَّدت من الفراغ النفسي والعاطفي الذي يعانيه أعضاؤها، والتي تتفنن أيضاً في التسابق إلى الغريب من الملابس والشعارات وطرائق السلوك التي تدل أخيراً على أنَّ هذا المجتمع بلا هوية وبلا قيم اجتماعية راسخة.
عزيزي القارئ:
كم نحن غافلون عن نعمة هذا الدين العظيم، فنحن لسنا بحاجةٍ إلى خوض تجارب وجلسات إقناع لنبقى مع آبائنا وأمهاتنا وندين لهم بكل البرّ والوفاء.. لأننا أبناء دين علَّمنا حقوق الوالدين، كما نملك فطرية سوية تأبي نكران الجميل وجحود المعروف، وإن وجد شيء من هذا فليس هو الأغلب بحمد الله..
ولك أن تتساءل
ما الذي دفع هؤلاء الأبناء والبنات إلى الهروب؟ هل هو الشدَّة؟ أم فقد العاطفة الأسرية؟
لقد حاولت الاختصاصية معدة البرنامج أن تبحث عن جواب لهذا السؤال، وذلك بإجراء استبانة واسعة النطاق لكل من الآباء والأبناء، فخلصت إلى ما يلي:
1ـ 95% من الأبناء يهربون في سن المراهقة (13ـ18) عاماً.
2 ـ 93% من الأمهات اللواتي فقدان أبناءهن عاملات، أو كنَّ عاملات، في المراحل الأولى من حياة الطفل (من الولادة إلى سن 5 سنوات).
3 ـ 90% من الوالدين لا يمانعون من إقامة أبنائهم للعلاقة الجنسية.. بل لا يمانعون أن يحدث ذلك في بيوتهم، كما لا يعارضونهم في كثير من الرغبات الأخرى.
والنتيجة التي خلصت إليها الباحثة (Sally) هي:
ضعف الارتباط العاطفي والشعور بمفهوم الأسرة، ممَّا يجعل الابن يبادر إلى التخلص من أسرته بمجرَّد شعوره بالقوة والقدرة على الاستقلال، فالطفل منذ الولادة تتلقفه أيدي الحاضنات ثم المدارس التي يقضي فيها جلّ يومه؛ ليعود متسمراً أمام شاشة التلفاز، ثم فراش النوم. أمَّا الأم والأب فمنهمكان بالعمل وتوفير لقمة العيش.. أو السهرات واللقاءات الخاصة.. وقد سعت الأنظمة لرقع هذا التمزق الأسري، فسمحت للموظفة بالحصول على إجازة 3 سنوات لحضانة طفلها ثم تعود مرة أخرى، لكنني ــ قبل أن أختم هذا المقال ـ أهدي هذه الكلمات:
الكلمة الأولى:
إلى الأمهات العاملات اللواتي تركن فلذات أكبادهن لأيدي الخادمة التي لا يربطها بالطفل أي رابط معنوي أو عاطفي فأقول:
اتقين الله في أماناتكن وابحثن عن البديل المناسب، أو كفاكن جرياً وراء الوظيفة مهما كان الثمن.
الكلمة الثانية:
إلى الناعقين بالحرية والداعين إليها: ها هو الغرب أمامكم يتيه في الظلمات بحثاً عن سراب الحرية فلا يرتوي منها، أما آن لهم أن يدركوا أنَّ الحرية الحقيقية هي حرية القلب من أسر الشهوات والماديات وغناه بالفضيلة؟
الكلمة الثالثة:
إلى المتنكبين للفطرة الداعين إلى خروج المرأة أقول: هبوا لنا قلباً كقلب الأم إذا هي خرجت، أو كفوا عنَّا هراءكم!!
الكلمة الرابعة:
إلى المعجبين بالغرب الداعين إلى تقليده: ها هي مجتمعاتهم تئن من جراح الانهيار الاجتماعي والأخلاقي، فتأبى قطع الداء وتكتفي بتضميد الجروح، فكيف تقرّ المرأة في بيتها وترعى أطفالها في مجتمع لا يكفل لها حقوقها ولا يلتزم فيه أحد بمسؤوليته؟
الكلمة الأخيرة:
إلى البشرية جمعاً:
خذوا شرع ربكم، تسعدوا ونسعد بكم..
إنَّ الإنسان بلا دين وأخلاق؛ أدنى مرتبة من الحيوان، والذي قد تأبي فطرته بعض ما لا يترفَّع الإنسان عنه.
فهل آن الأوان لندرك ذلك؟
ودمتم.
http://saaid.net المصدر:
ـــــــــــــــــــ(111/291)
العنوسة والزواج
رياض المحيسن
الحمد لله خالق الخلق، ومدبر الأمر، في كتابه العزيز وَأَنَّهُ خَلَقَ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى(45) مِنْ نُطْفَةٍ إِذَا تُمْنَى [النجم: 46، 45].
فَلْيَنْظُرِ الْإنْسَانُ مِمَّ خُلِقَ (5) خُلِقَ مِنْ مَاءٍ دَافِقٍ (6) يَخْرُجُ مِنْ بَيْنِ الصُّلْبِ وَالتَّرَائِبِ [الطارق: 5-7].
نحمده - عز وجل - ونشكره على إنعامه علينا بهذا الدين الحنيف، وشريعة رسوله الأكرم محمد، الشاملة الجامعة المانعة.
والصلاة والسلام على صاحب المقام المحمود، والحوض المورود، والشفاعة العظمى يوم الدين، نبينا محمد، معلم الناس الخير بأقواله وأفعاله وأحواله، الذي هو مثلنا الأعلى وأسوتنا الحسنه في كل شأن وأمر، وعلى آل بيته وأصحابه الأبرار الأخيار أجمعين أما بعد:
فإن الزواج آية من آيات الله - تعالى - ونعمة من نعمه، كما قال - سبحانه -: وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ [الروم: 21]. والزواج هو السبيل القويم لتكاثر النوع البشري وبقائه حتى نفخة الصور الأولى ليوم القيامة، إذ به يجعل التوالد والإنجاب، وتتألف الأسر، وتتقارب العائلات والقبائل.
قال - تعالى -: "يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ "[الحجرات: 13].
سوف نتطرق في هذا الموضوع إن شاء الله إلى انتشار ظاهرة العنوسة في مجتمعنا وأسباب ذلك وتوضيحها ووضع الحلول المناسبة.
سائلين الله - جل وعلا - العون والتوفيق،،،
الزواج:
إذا نظرنا إلى مجتمعنا أو المجتمعات الأخرى لرأينا كثرة العنوسة والمطلقات. هذا من الله - سبحانه -، ثم من أنفسنا. الأمر فيما يبدو - أيها الفضلاء - أكبر من ذلك وأوسع، إن الناظر في أحوال المجتمعات والمراقب لتغيراتها في هذا العصر، يحس بأشياء كثيرة وكبيرة، ويدرك أموراً مخيفة ومهولة. إن هذه المشكلات وهذه العوائق راجعة إلى خلل في التصور. وزعزعة في الفكر، ولا مبالغة إذا قيل: إنها راجعة إلى ضعف في العقيدة، وخلل في تطبيق الشريعة، إنه التفكير المشوش حول المستقبل، والخوف الذي لا مسوغ له، ثم ما يرتبط بهذا التخوف من الاعتمادات على الشهادات والتعلق بالوظائف وتأمين فرص العمل، والانشغال في سلم التعليم حتى يفوت الجميع قطار الزواج، ومشاركة الوالدين في هذا التخوف. وقبول المجتمع له والرضا عن هذا المسلك يؤكد هذا الخلل في التفكير، والانقلاب في الموازين، وتزعزع الثقة بالله، وضعف النظر المتعقل:" إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِه" [النور: 32]، "لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَهَا [البقرة: 286]، لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا مَا آتَاهَا سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْراً "[الطلاق: 7].
اضطربت المقاييس، وطاشت الموازين، فالمستقبل مادة، والتخطيط مادة، وشريعة الحياة وزواج المستقبل يقومان بالمادة، وشبه المادة الوظيفية والشهادة والمرتب والوجاهة هي السوق الرائجة، يستوي في ذلك الشاب وأهله، والشابة وأهلها، إلا ما رحم ربي، وما يثقفه الناس والشباب من معلومات وأخلاقيات في المقالات والمسلسلات والصحف والإذاعات، بطريقة مباشرة، أو غير مباشرة لها الأثر البين في اختلال النظرة إلى الحياة. هذا الزخم من الثقافات، وهذا الطرح من التصورات، قلب المفاهيم، وأفسد الأمزجة، وجعل علاقات الناس وروابطها منافع ذاتية ومادية بحتة، إذا انحدر الناس في هذه المقاييس وحكموها في علاقاتهم.
فقد فسد الزمان، وبطل دليل العقل، و تعطل أمر الشرع يعيرون بالفقر " لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنْفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللَّهُ لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا مَا آتَاهَا "[الطلاق: 7].
الزواج من الفضلاء والصالحين. حتى لا يبتلى بأصهار وأنساب يتجاوزون في مطالبهم حدود المعروف فيكلفونه في حياته عسرا، ويزيدونه من أمره رهقا، لماذا كل هذا أيها الناس؟!
إن جميل الخلق أبقى من جمال الخلق، وغنى النفس مقدم على غنى المال، والعبرة كل العبرة في كريم الخصال، لا في زين الأجسام، وكثرة الأموال.
سئل سعيد بن المسيب - رحمه الله - عن حديث {خير النساء أيسرهن مهراً} كيف تكون حسناء ورخيصة المهر؟ فقال سعيد: (يا هذا انظر كيف قلت أهم يساومون في بهيمة لا تعقل؟ أتراها بضاعة طمع صاحبها يغلب على مطامع الناس). رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا [النساء: 1].
إنه إنسان مع إنسانة، وليس متاعاً يطلب متاعاً.
أما الحمقاء، وأهل الحمقاء فيتمسكون بالجمال والمنصب، والمال والمركز، ليزايدوا في الثمن. ترى هؤلاء من الأخيار أم من الأشرار؟!
إن المرأة للرجل نفس لنفس، وليست بضاعة لتاجر، إن ميزان الرجال لا يوزن بمال، ولكن المهر يوزن بالمعاملة. إن صاحب الجمال والجاه قليل الدين والخلق من الرجال والنساء لا يغني عنه كثرة المال شيئاً. أرأيت لو كان مع الجبان مائة سيف أكان ذلك يغني عن ضعفه وجبنه وخوره؟!
فاستكثار المال وموازين المادة، لا تستر خيبة الزوجين وصفاتهما وسوء خلقهما، ولو كان ذلك قناطير الذهبوالفضة.
إن نسب الطلاق والفراق وأسباب الانفصال في هذا العصر عالية جداً.
جاء في وصية ابن جني لبنيه:
(يا بني لا يحملنكم جمال النساء على صراحة البنت وكرم العنصر، فإن الناكح الكريمة مدرجة الشرف، إن الجمال ونضارة الشباب تزيلها السنون، وإن المال غاد ورائح، ولا يبقى إلا الدين، فاظفر بذات الدين تربت يداك).
قالت الحكماء: العجلة في خمسة أشياء محمودة هي: الكريمة إذا خطبها الكفء، وفي الميت حتى يدفن، وفي عيادة المريض، وفي الصلاة إذا دخلت حتى تؤدى، وفي الضيف إذا نزل حتى يعد له الطعام.
إن تأخر زواج الفتاة يعد مدعاة لكثير من التساؤلات والاستفسارات، بل يعتبر عيباً، ومع ذلك فقد برزت في السنوات الأخيرة ظاهرة ارتفاع سن الزواج لدى الرجل والمرأة عنه في السنوات السابقة، وربما يرجع هذا التأخير النسبي في سن الزواج بالنسبة للمرأة إلى انتشار التعليم العالي للبنات انتشاراً كبيراً في المجتمع العربي، والملاحظ بصفة عامه أن الرجل يستطيع الزواج من المرأة مهما كان عمره، وتزداد فرصته في اختيار ما يناسبه كلما ارتفع مستواه الثقافي والاقتصادي وارتفعت مكانته الاجتماعية، وكان يتمتع بسمعة حسنة وبيئة اجتماعية ذات سمعة طيبة.
قال - تعالى -: " وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً " [الروم: 21]. أما المرأة فعلى العكس من ذلك، فكلما ارتفع مستواها التعليمي والثقافي كلما قلت فرصتها في الزواج، إلا إذا كانت قد تزوجت قبل إتمام التعليم والحصول على الشهادة.
أما إذا بقيت دون زواج حتى حصولها على الشهادة الجامعية، أو ما يعادلها، أو ما بعدها، فإن فرصتها في الزواجتقل الفتاة التي لم تنل هذا الحظ الكبير من التعليم.
قال رسول الله: {يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج، فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم، فإنه له وجاء}.
إن نداء الحديث للشباب يفهم منه استحباب التبكير بالزواج وهو كما يكون للذكر يكون للأنثى، وهناك سمتان بارزتان للزواج في المجتمع المعاصر يمكن ملاحظتهما بصفة عامة وهامة: الزواج المبكر، وتفضيل الزواج من الأقرباء. اعتقادنا أن السمة الأولى ترجع إلى دافع ديني وخلقي بحكم التنشئة الدينية التي ينشأ عليها الشباب والفتيان في الأسرة والثقافة الإسلامية.
والدين الإسلامي الحنيف أعلى من قيمة الزواج وحث عليه طالما هناك إمكانية لذلك، والزواج لابد منه لأنه عصمة وحماية للشباب المسلم، خاصة في ظل ما يتعرض له الشباب حالياً من مغريات، كما أن الزواج سكن وسكينة، كما يقول الله - عز وجل - في كتابه الكريم: " وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً "[الروم: 21]. والأسرة هي الخلية الأولى في بناء المجتمع الصالح المؤمن، إن قامت على أسس سليمة، وقواعد صحيحة، من الإيمان والسلوك، والتربية الفاضلة، والتفاهم بين الزوجين. روى البخاري ومسلم وغيرهما عن أبي هريرة - عن النبي قال: {تنكح المرأة لأربع، لمالها، ولحسبها، ولجمالها، و لدينها، فاظفر بذات الدين تربت يداك}. ومعنى تربت يداك: أي التصقت بالتراب من الفقر والمعنى: إن تركت ذات الدين إلى غيرها خسرت، وذات الدين هي المرأة المتدينة الصالحة ذات الخلق الحسن. فينبغي أن يكون هدف الخاطب هو الظفر بامرأة ذات دين. لا خير في صاحبة مال أو جمال بغير دين. فالمرأة ذاتالجمال من دون الدين مغرورة، وذات المال من دون الدين طاغية، وذات الجاه من دون الدين متكبرة، أما ذات الدين فهي خلوقة متواضعة، مطيعة وإن كانت بارعة الجمال وفيرة المال رفيعة الحسب والنسب، وليست هذه الأحوال والصفات مخصوصة بالمرأة ومن جانبها فحسب، بل هي أيضاً تعني الرجل وتخصه، فإن على المخطوبة ألا تنخدع بجمال الشخصية، ولا بثروة العريس، ولا بنسبة وحسبه، بل عليها أن تبحث أولاً عن دينه، فإن كان متديناً صالحاً فقد استجمع أهم الشروط، وتكون الصفات الأخرى بعد شرط الدين في المرتبة الأدنى. إن الرجل المتدين يصون المرأة ويحفظها ويعاشرها بالمعروف ويصبر عليها - وهذا هو الأهم - فهو إن أحبها أكرمها، وإن أبغضها لم يظلمها، وإن هي كرهت العيش معه وفضلت مفارقته فإنه لا يمسكها ضراراً، بل يسرحها سراحاً جميلاً.
إن الحياة الزوجية مليئة بالمتاعب والمسئولية، وعرضة لتقلب الأحوال، فإن كانت قائمة على الرغبة في المال ثم ذهب المال فماذا يحدث؟!
وإن كانت قائمة على الجمال، أو الجاه وتغير الحال، فماذا يحدث؟! لاشك في أنه سيحدث انقلاباً في الحياة الزوجية ويحتدم الخلاف، لأن الزوجية لم تكن قائمة على أساس ثابت، بل على شهوة شخصية غير ثابتة الجذور والأسس.
أما إذا كان الزواج مبنيا على مراعاة جانب الدين، فإن الدين عقيدة ثابتة راسخة في قلب المسلم (المتدين) يبني عليها أفعاله وأقواله، ومنها ينطلق في تعامله مع الآخرين، ومعلوم أن المسلم المتدين - رجلاً كان أو امرأة - يشكر الله في الرخاء، ويصبر في الشدة، ويتعامل مع الواقع بإيمان وصبر، ويتعاون مع زوجه وشريك حياته بكل وفاء وتضحية.
يتبين مما سبق أسباب انتشار، ظاهرة العنوسة في مجتمعنا - في النقاط التالية:
1- غلاء المهور، وعدم قدرة الشباب على تحمل تكاليف الزواج.
2- اعتذار الفتاة عن الزواج المبكر بحجة إكمال التعليم.
3- رفض الفتاة الزواج من رجل متزوج بأخرى.
4- وضع الشروط التعجيزية من جهة أهل الزوجة أو العكس.
أما طرق حلول هذه المشكلة فهي كالتالي:
1- ينبغي على أهل الفتاة البحث عن الرجل المناسب الذي يستطيع أن يسعد ابنتهم، وعدم النظر إلى غلاء المهر، وإنما البحث عن رجل دين وأخلاق طيبة؛ يحفظ على ابنتهم دينها ويصونها ويسعدها.
2- على الفتاة ألا تعتذر عن الزواج بحجة مواصلة التعليم، فيضيع عمرها وتصل إلى مرحلة العنوسة، فلا تجد من يتزوجها. ولكن يمكن أن تتفق مع الزوج على مواصلة التعليم وهي متزوجة، وذلك ميسر والحمد لله.
3- ألا تنظر الفتاة إلى الرجل الذي تقدم لخطبتها وهو متزوج بأخرى أنه غير مناسب لها أو غير قادر على إسعادها. فكثير من الفتيات لا يقبلن بالرجل المتزوج، ثم يضيع العمر ولا يأتي من يتزوجها. فالدين الإسلامي الحنيف والسنة النبوية أجازا للرجل المسلم التعدد في الزواج إلى أربع من النساء في ذمة الرجل، وبشرط أن يكون الرجل عادلاً بين زوجاته.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد.
http://www.kalemat.org المصدر:
ـــــــــــــــــــ(111/292)
أيها الشاب الفطن
أخي الحبيب...
أرجو أن تقرأ هذه الرسالة بنفس الهدوء الذي كتبت لك به بعيدا عن الانفعال أو اتخاذ موقف سلبي قبل أن تستكمل قراءتها فالعاقل الفطن من يستمع ويقرأ للنهاية ثم هو وشأنه! قد يقوم البعض منا بأعمال يكون دافعه لها الشهوة المجردة دون التفكير المتعقل لعواقبها ومن ذلك ما يقوم به المعاكس للنساء لذا نقول له: دعنا نقف معك قليلا ونلقي الضوء على ما تقوم به:
1ـ إن الفتاة التي تعاكسها هي من أفراد مجتمعك ويعني ذلك أنك تساهم في إفساده إرضاء لشهوتك وكان من المفترض ـ وأنت ابن الإسلام ـ أن تسهم في إصلاحه. فهل ترضى لمجتمعك وفتياته الفساد؟!
2ـ إن الفتاة التي تعاكسها وتسعى إلى أن تفعل بها الفاحشة أو أنك قد فعلت: إنما هي في المستقبل إن لم تكن زوجة لك فهي زوجة لقريبك أو لأحد من المسلمين وكذلك الفتاة التي عاكسها غيرك وساهم في إفسادها قد يبتليك الله بها عقوبة لك في الدنيا قال - تعالى -: (الخبيثات للخبيثين) [النور: 26].
3ـ إن فساد النساء يعني فساد المجتمع وقد يبدأ من شخصك أو مما تساهم في تنشيطه وينتهي في المستقبل مع قريباتك ومن أفسدتها اليوم أنت أو غيرك قد تكون صديقة لزوجتك أو أختك أو قريبتك ويقمن بإفسادها ودلالتها على طريق الغواية.. فهن جزء لا يتجزأ من مجتمعك وقد حذر نبيك من مغبة الأمر فقال - صلى الله عليه وسلم -: (فاتقوا الدنيا واتقوا النساء فإن أول فتنة بني إسرائيل كانت في النساء) [رواه مسلم].
4ـ إن كانت الفتاة ترضى أن ترتبط معك في علاقة محرمة فما ذنب أهلها بتدنيسك لعرضهم؟
ثم هل طواعيتها لك عذر مقبول لاعتدائك؟! بمعنى آخر لو أن أحدا من الناس بنى علاقة غير مشروعة مع أحد قريباتك ثم اكتشفت ذلك فهل يكفيك عذرا أن يقول لك من هتك عرضك: هي التي دعتني لذلك لتغفر له خطيئته؟ وأسوق لك حديث الشاب الذي جاء إلى الرسول - صلى الله عليه وسلم - فقال له: ائذن لي في الزنا فقال - صلى الله عليه وسلم -: (أتحبه لأمك لابنتك لزوجتك لعمتك لخالتك) وكان يقول: لا والله يا رسول الله جعلني الله فداك فقال - صلى الله عليه وسلم -: (ولا الناس يحبونه لبناتهم وأخواتهم وعماتهم وخالاتهم أو كما قال - صلى الله عليه وسلم -) [رواه أحمد عن أبي أمامة].
5ـ لو خيرت بين الموت أو أن يهتك عرضك ماذا تختار؟ إذا كيف ترضى لنفسك الوقوع في محارم الناس؟! قال الرسول - صلى الله عليه وسلم -: (من قتل دون أهله فهو شهيد) [رواه أحمد وأبو داود والنسائي وهو صحيح].
6ـ ما هو الشعور الذي ينتابك وأنت تعيش في مجتمع خنته وهتكت محارمه وأفسدت نسائه؟
7 ـ هل يكفيك من الفاحشة أن تقوم بها مرة ـ مرتين ـ ثلاث أم أن الشيطان يريد لك الهلاك؟
فالأمر لا يتوقف وهو مسلسل سقوط خطير في دنياك وآخرتك قال - تعالى -: (إن الشيطان لكم عدو فاتخذوه عدوا إنما يدعو حزبه ليكونوا من أصحاب السعير) [فاطر: 6].
8ـ سمعت عن القول المأثور (الجزاء من جنس العمل) فهل أنت مستعد أن تبتلى في عرضك الآن أو حتى بعد حين مقابل التنفيس عن شهواتك؟
قد تقول: أتوب قبل أن أتزوج أو أرزق بنتا! فأسألك: هل تضمن أن الله يقبل توبتك ولا يبتليك؟!
قال - تعالى -: (وجزاء سيئة سيئة مثلها) [الشورى: 40].
واعلم أن الذئاب كثير ولك أم وأخت وزوجة وبنت وابنة عم وابنة خال.. فاحذر وانتبه!
قال الشافعي - رحمه الله -:
عفوا تعف نساؤكم في المحرم *** وتجنبوا ما لا يليق بمسلم
إن الزنى دين فإن أقرضته *** كان الوفاء بأهل بيتك فاعلم
9ـ إذا صنف الناس إلى صنفين: مصلحين ومفسدين فأين تصنف نفسك؟ وقد نهى الله - عز وجل - عن الفساد قال - تعالى -: (ولا تفسدوا الأرض بعد إصلاحها..) [الأعراف: 56].
10ـ ما هو شعورك وأنت تفعل الفاحشة بزانية يدخل عليك والداك وإخوانك وكل صديق يثق بك ويحبك وكل عدو يود أن يشمت بك ثم الناس كلهم ويرونك على هذه الحال بل ما هو موقفك وأنت بعيد عن أعينهم في مأمن لكن عين الله تراك؟ وهل تذكرت وقوفك بين يدي الله في أرض المحشر عندما (ينصب لكل غادر لواء فيقال: هذه غدرة فلان) كما جاء في الحديث الذي رواه البخاري.
11ـ إن كنت ذكيا وحاذقا واستطعت بذكائك التلاعب بأعراض المسلمين دون أن يكتشف أمرك فما هو موقفك من قول الله - تعالى -: (ولا تحسبن الله غافلا عما يعمل الظالمون إنما يؤخرهم ليوم تشخص فيه الأبصار) [إبراهيم: 42].
12ـ هل تظن أن ستر الله عليك في هذا العمل كرامة؟ لا بل قد يكون استدراجا لك لتموت على هذا العمل وتلاقي الله به (إن الله ليملي للظالم حتى إذا أخذه لم يفلته) [رواه البخاري ومسلم]، (ومن مات على شيء بعثه الله عليه) [السلسلة الصحيحة 1/ 282].
13ـ ثم لنفترض أن الله ستر عليك، أفلا تستحي منه وتتوب، وإلى متى وأنت تفعل الذنوب؟!
14ـ نهاية طريق حياتك الموت (ثم توفى كل نفس ما كسبت) [البقرة: 281]، فهل تستطيع أن تشذ عن الخلق وتغير هذا الطريق؟! إذا لماذا لا تستعد للموت وما بعده والقبر وظلمته والصراط وزلته!؟!
واعلم أنك تموت وحدك، وتبعث وحدك، وتحاسب وحدك.
15ـ روى البخاري في صحيحه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: (إنه أتاني الليلة آتيان وإنهما قالا لي انطلق ـ وذكر الحديث حتى قال: فأتينا على مثل التنور فإذا فيه لغط وأصوات فاطلعنا فيه فإذا فيه رجال ونساء عراة وإذا هم يأتيهم لهب من أسفل منهم، فإذا أتاهم ذلك اللهب ضوضوا) فلما سأل عنهم الملائكة قالوا: (وأما الرجال والنساء العراة الذين هم في مثل بناء التنور فإنهم الزناة والزواني).
فهل تود أيها الشاب أن تكون منهم؟!
16ـ قد تقول لا أستطيع الزواج لغلاء المهور فهل الحل الوقوع في الحرام؟! ثم إن سلوكك طريق الحرام تواجهك فيه مصاعب وتسعى جادا لتذليلها بجهدك ومالك وفكرك وأنت مأزور غير مأجور فلماذا لا تكون لك هذه الهمة في طريق الحلال فتواجه الصعوبات، وأنت مأجور لك الأجر وحسن المثوبة والذكر الحسن؟ قال - صلى الله عليه وسلم -: (ثلاث حق على الله عونهم ـ ذكر منهم ـ الناكح يريد العفاف) [أخرجه الترمذي والنسائي وحسنه الألباني].
فماذا تختار؟
إن ممارسة الشيء والاستمرار عليه مدعاة لحبه والدعوة إليه فيخشى على من داوم فعل هذه الفاحشة أن يستسيغها حتى في أهله بعد حين فيصبح ديوثا والعياذ بالله من ذلك.
أخي المسلم... قد تكون المرأة التي بدأت معها علاقة غير مشروعة عن طريق الهاتف متزوجة وفي لحظة ضعف أو غياب وعي استرسلت معك في الحديث ثم قمت بالتسجيل كالعادة ثم بدأت بتهديدها.. الخ
هل تعلم أنك بهذا العمل قد ارتكبت جريمة شنعاء؟!! ليس في حق المرأة فقط بل وفي حق زوجها الذي أفسدت عليه زوجته والرسول - صلى الله عليه وسلم - يقول: (ليس منا من خبب ـ أفسد ـ امرأة على زوجها) [رواه أبو داود]، ثم في حق أطفالها إن كان لديها أطفال فما ذنبهم أن يدنس عرضهم ويفرق بين أبويهم وقد يكون ذلك أيضا سببافي ضياعهم وانحرافهم. والمسؤول عن ذلك كله هو أنت فما هو عذرك أمام الله؟
وختاما...
نتمنى أن لا تكون ممن قال الله فيهم: (وإذا قيل له اتق الله أخذته العزة بالإثم فحسبه جهنم ولبئس المهاد) [البقرة: 206] ولكن عد إلى الله واعلم أن التوبة تَجُب ما قبلها واسع إلى التوبة النصوح قبل أن توسد في قبرك وتحصى عليك أعمالك.
قال - تعالى -: (فمن تاب من بعد ظلمه وأصلح فإن الله يتوب عليه إن الله غفور رحيم) [المائدة: 39]
وقال - تعالى -: (قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعا إنه هو الغفور الرحيم * وأنيبوا إلى الله وأسلموا له.. ) [الزمر: 53، 54]
أخي الشاب..
اغتنم شبابك قبل هرمك وحياتك قبل موتك واجعل هذا الذكاء وهذه الفطنة لنفع الإسلام والمسلمين ورفع شأن راية الدين. جعلك الله هاديا مهديا إماما في الخير والهدى ورزقنا جميعا العفاف والتقى، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
http://www.saaid.net المصدر:
ـــــــــــــــــــ(111/293)
نعمة الاستقرار
د. محمد عمر دولة
كثيراً ما يغفل الإنسان عن النعمة التي حباه الله بها، فينسى شكرها، ويغفل عن ذكرها، ويقصر في الاستفادة منها. وربما حسب هذه النعمة مما يحصل عليها كل أحد من العالمين.!!
ولكنه ما إن يُبتلى بفقد تلك النعمة؛ حتى يعلم قدرها، لإدراكه حينئذ عظمة فقدها، وفداحة ضياعها بعد تحصيلها.
وحينئذ يشعر المرء بالذين ابتلاهم الله بالحرمان من تلك النعم، فتنفتح العيون حينئذ على المرضى والمدينين والفقراء والمساكين وأصحاب الهموم، بعد أن كان غافلاً عنهم حينما كان يرتع في النعم، ولم يخطر بباله أن يقول الحمد لله الذي عافانا مما أبتلى به كثيراً من الناس.
تذكرت هذه المعاني وأنا أغادر بيتاً أقمت فيه زمناً طويلاً فسكنت بيتاً غيره.. لم استطع الإقامة فيه إلا أياما قليلة ثم غادرته إلى غيره..
لقد حضرني شعور غامر تملك على أرجاء نفسي، شعور غريب بالعدمية وفقدان الوجود، حتى كأنني خرجت من هذا العالم.
كنت مثل الشجرة التي اقتلعت من جذورها.. وغرست في غير تربتها..
فقد ضاقت علي الأرض بما رحبت وضاقت علي نفسي.. لا استقرار ولا راحة ولا طمأنينة حتى لم أقدر على فتح كتاب من الكتب أياماً متتالية.. فضاعت حلاوة الحياة وما عاد شيء يستساغ.
ثم حوّل الله تلك الأيام.. وبدّلها بأحسن منها فعاد للقلب استقراره، وراحته، وسرى الإحساس بالحياة من جديد.. سبحان الله.. كم تستغرقنا الأحوال التي تمر بنا.. حتى إننا ننسى كل ما عدها ولا نفكر إلا فيما يتعلق بها فهذا من مقتضى البشرية (خلق الإنسان ضعيفا).
إن هذا الاستقرار الذي نتفيأ ظلاله، ليس من صنعنا، بل هو من رحمة الله بنا، ونعمته علينا التي لا نعرف لها حداً، ولا نحصيها عداً. كما قال - عز وجل - (وما بكم من نعمة في الله). ولو لا هذا الاستقرار، الذي يتنعم به كل من أصبح آمنا في سربه معافاً في بدنه عنده قوت يومه، لم نشعر بقيمة الحياة ولذتها ولم نقدر أن نعمل شيئاً مفيداً نافعاً.
فإذا ذهب الاستقرار.. أظلم القلب، وضاقت النفس، وتعطلت الجوارح، حتى يصير المرء عاجزاً عن القيام الواجبات، وأداء العبادات على الوجه الأكمل. إن توفيق الله وحده هو الذي يوفر لنا الاستقرار والراحة والطمأنينة فننشغل بما بنفع الناس. إن تجربة كهذه التجربة تستثقلها النفس عند وقوعها، لشدتها وغياب المألوف عنها، ولكن بعد تحصيل الاستقرار المفقود؛ تكون التجربة أنفع الفائدة أوقع، لقد أدركت بعض المعاني التي كانت خافية عليّّ من قول الني - صلى الله عليه وسلم - في الصحيحين ((السفر قطعة من العذاب)) فعرفت الآن هذه الحقيقة النبوية والحكمة الإنسانية الخالدة وعشتها بنفسي فالسفر (قطعة من العذاب) على قلب ابن آدم، والعذاب النفسي أشد من العذاب الجسدي. ومما لا يمكن أن أنساه في هذه التجربة ما قاله أحد الفضلاء وقد رأى مشقة الرحيل، وتعب الانتقال، وشدة مفارقة الجيران الذين عرفناهم وألفناهم؛ فتمثل من وحي اللحظة بقول النبي - صلى الله عليه وسلم - (اللهم لا عيش إلا عيش الآخرة). فقد كان لهذه العبارة النبوية وقعٌ بليغ في نفسي (لا عيش) لا حياة حقيقة ولا استقرار ولا سعادة خالية من الضنك والتعب والنصب (إلا عيش الآخرة) إلا في جنة الفردوس، وأما في هذه الدنيا فلا راحة على الحقيقة إلا ومعها التعب، ولا استقرار إلا ومعه الرحيل والتحول والأسفار، ولهذا قد استفتح البخاري رحمة الله كتاب (الرقائق) بهذه الترجمة (باب ما جاء في الرقائق وأن لا عيش إلا عيش الآخرة) فالعاقل يدرك نعمة الاستقرار ويستعد لدار القرار، ورحم الله التهامي حين قال:
طُبعت على كدر وأنت تريدها *** صفواً من الأقدار والأكدار
فاقضوا مأربكم عجالى *** إنما أعماركم سفر من الأسفار
http://new.meshkat.net المصدر:
ـــــــــــــــــــ(111/294)
المرأة والرجل
د.علي بن عمر بادحدح
* من أهم الأمور التي يعلمها الناس - والتي لا تخفى على أحد - أن المرأة تحب أن يكون بيتها مملكتها الخاصة بها... لكن الواقع كان غير ذلك، فقد يكون البيت مملكة مفتوحة للآخرين في المقام الأول ... ثم للزوجة في المقام الثاني.
* لكل حياة أسرارها الخاصة، وهذه الخصوصية تضفي على الحياة عمقاً نفسياً، وارتباطاً روحياً وثيقاً.. وقد تصدم الزوجة وهي ترى زوجها قد هتك ستر خصوصيتها للآخرين من الأقربين أو غيرهم.
* الصمت في موضعه مطلوب.. والكلام في موضعه مطلوب، ولكن أن تكون الحياة كلها صمت دائم؛ فإن ذلك من شأنه أن يبعث على الملل في النفس والسأم في الحياة والغربة بين الزوجين.
* جميل أن يعيش الزوجان وهما يشعران بكل العلاقات الإنسانية تربط بينهما... فهما أخوين وصديقين وزوجين.
* ولكن أن تتلاشى الرابطة الأساسية بينهما، ولا يبقى إلا الأخوة العامة، فقد حُكم على الحياة بالنهاية الحتمية مهما استمرت.
* الزوجة مرأة.. والمرأة بطبعها تحب من زوجها الكلمة الطيبة، والنظرة الحانية، والحس المتوقد - ولو بين الحين والآخر - ولكن ألا تسمع الكلمة حتى تطلبها! ولا ترى النظرة إلا حين خدمته على بعض حوائج عمله! فذاك أمر تستحيل معه الحياة.
* أحياناً يستخدم الزوج مع زوجته لعبة الطريق المسدود؛ فكلما جاءته من وجهة وجدتها مغلقة، لا تعلم من أين تأتيه؟ ولا تعرف عنه شيئاً. إني لأعجب من زوج جعل زوجته آخر من يعلم!.
* أحياناً يلتبس الأمر على الزوجة فما تدري من المقصود بحديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (لو كنت آمراً أحداً أن يسجد لأحد، لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها)، فما تدري أكان المقصود الزوج أم أهله!. وكيف ستعرف ذلك وعليها الطاعة لهم جميعاً!.
* المرأة بطبعها عاطفية معطاءة، تحب العطاء، وترضى بالقليل، ولكن أن تعطي كل ما عندها وتتفانى، ثم لا تسمع حتى " جزاك الله خيراً " فتلك والله مصيبة.
* لكننا بشر نصيب ونخطئ - رجالاً ونساءاً - ولا يعيب الرجل أو المرأة أن يخطئ فيعتذر! ولكن أن يكون على المرأة أن تعتذر دوماً وأبداً - وإن كانت محقة - فذاك ظلم. إن غضت الطرف يوماً سيؤلمها في الأخر.
* على وجه الخليقة كلها ما من إنسان إلا ويحب أن يشعر أنه موضع اهتمام شخص ما، والمرأة تحب أن تشعر باهتمام زوجها، وحاجته لها على وجه الخصوص، أما أن تكون كسقط المتاع، وأثاث البيت، إن كانت فحيّ هلاً، وإن لم تكن فستمضي الحياة بدونها. فعذراً سيدي الرجل فأنت بحاجة إلى خادمة لا زوجة!.
* أوَ يعجز الرجل، ويحرم نفسه أجر ثواب كذبة مباحة، يكذبها على أهل بيته! فيقول لهم كلمة طيبة، وإن يجدها حقيقة في نفسه فيدخل السرور عليهم.
http://islameiat.com المصدر:
ـــــــــــــــــــ(111/295)
3علامات تجعل الزوجين صديقين
الأستاذ جاسم محمد المطوع
مفاهيم زوجية ومواقف أسرية ومعان تربوية يحتاجها الزوجان لتكون علاقتهما الزوجية عشرة على عشرة، فيزداد الحب بينهما ويكثر التفاهم ويتحقق الانسجام والتناغم.
هل يتصور أن تنتقل العلاقة الزوجية إلى علاقة صداقة ومحبة؟!
أم أن الزوجين لا يمكنهما أن يكونا صديقين؟ !
لقد أوقفتني حادثة للحبيب محمد - صلى الله عليه وسلم - عندما رأيته يتعامل مع زوجته عائشة - رضي الله عنها - وكأنها صديقته، وذلك فيما يرويه الإمام مسلم عن مالك (خادم رسول الله) - صلى الله عليه وسلم - قال: دعا رجل فارسي النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى طعام: فقال النبي: أنا وعائشة فقال: لا. فلا، ثم أجابه بعد، فذهب هو وعائشة يتساوقان، فقرب إليهما إهالة (اللحم السمين).
إن هذا الموقف يبين مدى العلاقة الحميمة للزوجين ودرجة الحب بينهما، حتى إنهما لا يريدان الاستغناء عن بعضهما البعض، وإن كانت الدعوة للزوج إلا أنه اشترط مجيء زوجته معه..
ولم يهمه رضى الداعي من عدمه، وإنما يهمه مرافقة زوجته له، إن هذا المعنى من معاني الصداقة في العلاقة، وإذا توفرت هذه المعاني في العلاقات الزوجية أصبحت العلاقة راقية ومتميزة، وليس كل زوجين تتوفر فيما بينهما علي اعتبار أنها زوجته وأم أولاده، فلها من الحقوق مالها وعليها من الواجبات ما عليها، ولكن مفهوم الصداقة هو التفاني في المحبة والرقة في المعاملة، فقد كتب صديق إلى صديقه: (لساني رطب بذكرك، ومكانك في قلبي معمور بمحبتك) وكتب آخر لصديقه: (الله يعلم أنني أحبك لنفسك فوق محبتي إياك لنفسي، ولو أني خيرت بين أمرين: أحدهما لي وعليك والآخر لك وعلي لآثرت المروءة وحسن الأحدوثة بإيثار حظك على حظي وإني أحب وأبغض لك وأوالي وأعادي فيك. فهذه من علامات الصداقة وإشاراتها..
فلو أن العلاقة الزوجية تضمنت علاقة صداقة لا يستغني كل واحد منهما بالآخر عن الآخرين فيكون كل طرف هو مركز اهتمامه وصندوق أسراره، يعتمد عليه في المهمات الصعبة، فإن سقط رفعه، وإن مرض وقف علي رأسه، وإن احتاج أعطاه وإن طلب لباه، فهذه من علامات الصداقة، فالصداقة قرب قلبي أكثر من كونها قربا جسديا.
قال ابن عينية عن ابن عباس - رضي الله عنهما -: (القرابة تقطع، والمعروف يكفر، ولم ير لرفقته وصداقته، ولهذا فإن للصداقة ثلاث علامات:
الأولي: التقبل:
أي أن أتقبل الطرف الآخر بما فيه من حسنات وسيئات، وأرتاح بالجلوس معه والحديث إليه وأفرح عند اللقاء به، ولعل من أكبر المآسي التي نعيشها في حياتنا الزوجية أن لا يتقبل أحدنا الآخر فهذا توضع الحواجز ويبحث كل واحد عن البديل لبناء العلاقة معه وهنا تبتعد (الصداقة) عند أول خطوة في بناء العلاقة.
الثانية: القبول:
وهذه العلاقة الثانية تعد التقبل، وهي أنني أبحث عن إيجابيات الطرف الآخر، وأركز عليها فيكون مقبولا عندي ويزداد حبي له لأنني أري الإيجابيات والحسنات فيه، ولا أحرص منذ البداية على تغيير السيئات وإبداء الملاحظات التي عليه، فقد قال أحد علماء النفس (ليس بمقدور أحد أن يقوم إنسانا آخر، ولكن بحبك لهذا الإنسان الآخر على ما هو عليه، تستطيع أن تمنحه القوة لتغيير نفسه.
الثالثة: التقدير:
بعد التقبل والقبول يأتي التقدير لاستمرارية العلاقة بين الطرفين.
وتقدير الذات حاجة أساسية ولهذا ركزت عليها كبري الشركات والمؤسسات الربحية وغير الربحية عندما رفعت شعار: (تقدير العميل أهم شيء) أو شعار: (العملاء دائما على حق) وكذلك يركز عليها الطفل الصغير، فإنه يفعل الحركات الغريبة من أجل لفت النظر، ففي ذلك تقدير له وإعطاؤه الاهتمام بوجوده، وهذا ما نريده من الزوجين، ولهذا عندما دعا الرجل الفارسي الحبيب محمدا - صلى الله عليه وسلم - اشترط عليه الرسول أن ترافقه زوجته، فهذا من كمال التقدير للطرف الآخر، وهذا من التصرفات التي ترفع العلاقة بين الطرفين من علاقة زوجية إلي علاقة صداقة، فتنشأ بعدها كل الأخلاق التي يتمناها الإنسان من الطرف الآخر بسبب وجود علاقة صداقة بينهما، فإذا طلب لا يرد طلبه، وإذا سأل أعطي، وإذا مرض وقف عند رأسه، وإذا احتاج لبي حاجته، وإذا مات كان وفيا له.
ولا يعني ذلك أن الصداقة أعلى مرتبة من المودة والرحمة في العلاقة الزوجية، ولكن عندما يرتبط الطرفان بالعلاقة الزوجية، ثم تكون العلاقة بينهما علاقة صداقة لأصبحا نور على نور.
http://saaid.net المصدر:
ـــــــــــــــــــ(111/296)
الوجيز في التربية
يوسف محمد الحسن
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، وعلى آله وصحبه أجمعين وبعد:
إنه كثيراً ما يتردد على ألسنة الناس أن هذه الدولة قوية وتلك الأمة عزيزة مكينة، وتلكم الدولة لا يفكر أحد في حربها أو احتوائها لسبب قوتها ومنعتها.
وإن مقومات القوة هي القوة المادية والفكرية والعسكرية والثقافية، وأهم من هذه كلها القوة البشرية حيث إن البشر هم الأساس الذي ترتكز عليه بقية عناصر القوة فلا يتصور أن ينتفع بالسلاح مهما كان متطوراً بدون من يجيد استخدامه وتوظيفه، ولا ينتفع بالأموال همهما كثرت بدون من يديرها ويستعملها في الأغراض النافعة.... وهكذا.
ومن هذا المنطلق نجد أن الأمم تهتم بإعداد أفرادها وتنمية ثروتها البشرية وإعداد مواطنيها إعداداً خاصاً ليكونوا عاملين لأمتهم وفي خدمة أوطانهم.
وجدير بالمسلمين أن يهتموا بتربية أبنائهم وإعداد أفرادهم لينالوا الخيرية التي وصفهم ربهم - عز وجل - بها بقوله: {كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر} ويرتفعون عن تلك الوهدة وهذا المنحدر الذي انحدروا فيه حتى أصبح حالهم مع غيرهم من الأمم كما أخبر عنه رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " يوشك الأمم أن تداعى عليكم كما تداعى الأكلة إلى قصعتها، فقال قائل: ومن قلة نحن يومئذ؟ قال: بل أنتم يومئذ كثير، ولكنكم غثاء كغثاء السيل، ولينزعن الله من صدور عدوكم المهابة منكم، وليقذفن الله في قلوبكم الوهن، فقال قائل: يا رسول الله وما الوهن؟ قال حب الدنيا وكراهية الموت ".
ولذلك كان هذا الموضوع.
أهمية الأسرة في الإسلام:
إن للأسرة أهمية بالغة في التربية في المجتمعات الإسلامية وغير الإسلامية على حد سواء، إذ أنها هي أول منشأ ينشأ فيه الطفل ويتأثر بأفراده وذلك في أهم وأخطر مرحلة في تربية الطفل وهي السنوات الأولى من حياته (سنوات ما قبل المدرسة) إذ في هذه السنوات يكون ما يغرس في نفس الطفل عميقا جداً فلا تسهل إزالته أو تغييره بعد ذلك.
ومن هنا كان للأسرة تلك الأهمية الكبيرة في بناء المجتمع فهي اللبنة الأساسية لبنائه وهي المحضن الأول لتخريج وإعداد أفراده.
وقد فطن لأهمية دور الأسرة هذا أعداء الإسلام فلم يألوا جهداً في سبيل تدميرها والقضاء عليها فبذلوا في سبيل ذلك كل محاولة، ومن وسائلهم لتحقيق هذا المأرب ما يلي:
1- إفساد المرأة المسلمة ودعوتها إلى التخلي عن مهمتها الأساسية في رعاية الأسرة وإعداد الجيل.
2- إفساد النشء بمحاولة تربيتهم في محاضن بعيدة عن الأسرة ليسهل إفسادهم فيما بعد.
3- إفساد المجتمعات بنشر الفساد والانحلال فيها مما يضمن تدمير الأسر والأفراد والمجتمع بأكمله.
وقبل هذا فقد فطن لأهمية التربية من خلال الأسرة علماء المسلمين، فهذا الشيخ أبو حامد الغزالي يتحدث عن دور الوالدين في التربية فيقول: " اعلم أن الصبي أمانة عند والديه، وقلبه الطاهر جوهره ساذجة خالية من كل نقش وصورة، وهو قابل لكل ما نقش، ومائل إلى كل ما يمال به إليه، فإن عود الخير وعلمه نشأ عليه، وسعد في الدنيا والآخرة أبواه، وكل معلم له ومؤدب، وإن عود الشر وأهمل إهمال البهائم، شقي وهلك، وكان الوزر في رقبة القيم عليه والوالي له، فينبغي أن يصونه ويؤدبه ويهذبه ويعلمه محاسن الأخلاق، ويحفظه من قرناء السوء، ولا يعوده التنعم ولا يحبب إليه أسباب الرفاهية، فيضيع عمره في طلبها إذا كبر ".
هدف تربية الناشئ في الإسلام:
تحدث الكثير من الكتاب والباحثين عن هدف تربية الفرد المسلم، فذكروا كلاما كثيرا وتفصيلا مفيدا في هذا المجال، ويمكن أن نلخص أقوالهم في القول التالي: " يتضح أن لتربية الفرد في الإسلام هدفا واحدا واضحا ومحددا وهو: إعداده لعبادة الله - سبحانه وتعالى-. وغني عن القول هنا أن من شمول الدين الإسلامي أنه لم يقتصر العبادة على الصلاة والصوم والحج، بل جعل كل عمل يقوم به المسلم ويريد به وجه الله عباده ".
الاهتمام بالولد قبل الحمل:
يبدأ الاهتمام بالمولود من مرحلة سابقة لولادته، وذلك باختيار الزوجة الصالحة فقد قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ناصحا ومعلما لمن أراد الزواج: " فاظفر بذات الدين تربت يداك ".
وكذلك بالنسبة للمرأة عليها أن تختار الزوج المناسب ممن يتقدم لخطبتها فتحرص على ذي الدين والخلق، فقد قال - صلى الله عليه وسلم - موجها أولياء النساء: " إذا جاءكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه، إلا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد عريض ".
ومن العناية بالطفل قبل الحمل الالتزام بهدي الرسول - صلى الله عليه وسلم - في حياتنا الزوجية حيث أمرنا - صلى الله عليه وسلم - بقوله: " لو أن أحدكم إذا أراد أن يأتي أهله، قال: بسم الله، اللهم جنبنا الشيطان وجنب الشيطان ما رزقتنا، فإنه إن قدر بينهما ولد لم يضره شيطان ".
الاهتمام بالولد أثناء الحمل:
إن المسلم ليعجب لعظمة هذا الدين فهو دين الرحمة والبر، فكما اهتم بالولد قبل خلقه كما أسلفنا فكذلك اهتم اهتماما بالغا به أثناء حمله جنينا في بطن أمه فقد شرع للحامل أن تفطر في رمضان من أجل جنينها. قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (إن الله وضع عن المسافر شطر الصلاة. والصوم عن المسافر والمرضع والحبلى ".
وينبغي للأم أن تدعو لجنينها وتسأل الله له أن يكون صالحا خيرا وأن ينفع الله به والديه وعامة المسلمين فمن الدعاء المستجاب دعاء الوالد لولده.
الاهتمام بالمولود بعد الولادة:
بعد ولادة المولود يستحب للوالد أو الولي ومن حوله أمور منها:
1- استحباب البشارة والتهنئة عند الولادة: فبمجرد الولادة تزف البشرى للأهل والأقارب فيدخل السرور على الجميع بهذه المناسبة السارة وقد قال الله - عز وجل - في قصة إبراهيم - عليه السلام - مع الملائكة: {وامرأته قائمة فضحكت فبشرناها بإسحاق، ومن وراء إسحاق يعقوب} وقال - تعالى - في قصة زكريا - عليه السلام -: {فنادته الملائكة وهو قائم يصلي في المحراب: أن الله يبشرك بيحيى}.
أما التهنئة فلم يرد عن الرسول - صلى الله عليه وسلم - نص خاص بها إلا ما قالته أم المؤمنين عائشة- رضي الله عنهما-: " كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، يؤتى بالصبيان فيدعو لهم بالبركة ويحنكهم ".
وعن أبي بكر بن المنذر أنه قال: روينا عن الحسن البصري: أن رجلاً جاء إليه، وعنده رجل قد ولد له غلام، فقال له يهنيك الفارس، فقال الحسن: وما يدريك أفارس هو أم حمار؟ فقال الرجل: فكيف نقول، قال: قل " بورك لك في الموهوب، وشكرت الواهب ورزقت بره، وبلغ أشده ".
2- التأذين في أذن المولود:
قال أبو رافع - رضي الله عنه -: " رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أذن في أذن الحسن بن علي حين ولدته فاطمة " والحكمة من ذلك - والله أعلم- أن يكون الأذان وهو متضمن لتعظيم الله والشهادتين أول ما يطرق سمع المولود، وكذلك تحصيلاً لما للآذان من تأثير على الشيطان في طرده وإبعاده عن هذا المولود الجديد الذي يحرص على إيذائه وإغوائه وذلك مصداقا للحديث: " إذا نودي للصلاة أدبر الشيطان له ضراط حتى لا يسمع التأذين ".
3- التحنيك:
ومن السنن التي ينبغي أن تفعل حين استقبال المولود سنة التحنيك وهي تليين التمرة بمضغها أو تليينها بطريقة مناسبة ودلك حنك (المولود بها. وذلك بوضع جزء من التمر اللين على الإصبع وإدخال الإصبع في فم المولود، ثم تحريكه يمينا وشمالا حركة لطيفة، حتى يبلغ الفم كله بالمادة (تمر أو سكر أو عسل) حيث إنه إذا لم يتيسر التمر فيحنك بأي مادة حلوة.
قال أبو موسى: " ولد لي غلام، فأتيت النبي، - صلى الله عليه وسلم -، فسماه إبراهيم. وحنكه بتمر، ودعا له بالبركة، ودفعه إلي ".
وللتحنيك أثر صحي يتحدث عنه الأطباء فيقول أحدهم وهو الدكتور فاروق مساهل في مقال له في مجلة الأمة القطرية عدد (50) ما نصه: و التحنيك بكل المقاييس معجزة نبوية طبية مكثت البشرية أربعة عشر قرناً من الزمان لكي تعرف الهدف والحكمة من ورائها، فلقد تبين للأطباء أن كل الأطفال الصغار (وخاصة حديثي الولادة والرضع) معرضون للموت لو حدث لهم أحد أمرين:
1- إذا نقصت كمية السكر في الدم (بالجوع).
2- إذا انخفضت درجة حرارة أجسامهم عند التعرض للجو البارد المحيط بهم.
4- التسمية:
ومن حق المولود على الوالد تسميته باسم حسن فعن أبي وهب الخثعمي قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " تسموا بأسماء الأنبياء وأحب الأسماء إلى الله - تعالى - عبد الله وعبد الرحمن وأصدقها حارث وهمام وأقبحها حرب ومره ".
والتسمية من حق الأب وله أن يترك أمر التسمية للأم وله كذلك أن يوكل أمر تسمية المولود للجد أو الجدة أو غيرهما.
وكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يتفاءل بالأسماء الحسنة فقد ذكر ابن القيم في تحفة الودود بأحكام المولود: أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - لما رأى سهيل بن عمرو مقبلاً يوم صلح الحديبية، قال: " سهل أمركم "، وانتهى في مسيرة إلى جبلين، فسأل عن اسمهما، فقال: مخز وفاضح، فعدل عنهما ولم يسلك بينهما.
وكذلك كان من هديه - صلى الله عليه وسلم - تغيير الأسماء القبيحة إلى أسماء حسنة فقد غير اسم عاصية بجميلة، واسم أصرم بزرعه، قال أبو داود في السنن: وغير النبي - صلى الله عليه وسلم - اسم العاصي وعزيز وغفله وشيطان والحكم وغراب، وشهاب فسماه هشام، سمي حربا أسلم
وسمي المضطجع المنبعث، وأرض غفره خضره، وشعب الضلالة سماه شعب الهداية، وبنو الزنيه سماهم بنو الرشدة.
5- العقيقة:
وهي الشاه التي تذبح عنه يوم السابع من ولادته. للحديث الذي يرويه سلمان بن عمار الضبي قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " مع الغلام عقيقة، فأهريقوا عنه دماً، وأميطوا عنه الأذى ". وعن عائشة - رضي الله عنها - قالت: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " عن الغلام شاتان مكافئتان، وعن الجارية شاة".
وهي سنة مستحبة على القول الراجح من أقوال أهل العلم.
أما وقت ذبحها فهو اليوم السابع من ولادة الطفل، فإن لم يتيسر في اليوم السابع جاز في أي يوم من الأيام والله - تعالى - أعلم.
ويجزئ منها ما يجزئ للأضحية، فمن الضأن ما لا يقل عمرها عن ستة أشهر ومن المعز ما لا يقل عن سنه، وأن تكون سليمة من العيوب.
6- حلق رأس المولود والتصدق بوزنه فضة:
ولهذا الأمر فوائد جمة منها أن في إزالة شعر رأس المولود تقوية له، وفتحاً لمسام الرأس وتقوية كذلك لحاسة البصر والشم والسمع وكذلك فإن في التصدق بوزنه فضة فائدة ظاهرة. عن جعفر بن محمد عن أبيه قال: " وزنت فاطمة - رضي الله عنها - شعر الحسن والحسين وزينب وأم كلثوم، فتصدقت بزنة ذلك فضة".
7- الختان:
وهو قطع القلفة (أي الجلدة) التي تحيط برأس الذكر، والمتدلية فوق فتحة الأنثى.
عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " الفطرة خمس: الختان، والاستحداد، وقص الشارب، وتقليم الأظافر، ونتف الإبط ".
والختان واجب في حق الذكور، مستحب في حق الإناث.
والله - تعالى - أعلم.
هذه هي أهم الآداب التي ينبغي للوالد أو الولي أن يحرص عليها ويفعلها في أول ولادة المولود، ولكن هناك بعض الأخطاء التي تقع عند استقباله نورد بعضها بإيجاز:
1- كتابة أو قراءة آيات من القرآن للمرأة لتسهيل الولادة: فإن بعضاً من المسلمين يقومون بقراءة آيات معينة أو كتابتها وتعليقها على المرأة، أو كتابتها ثم محوها واسقائها للمرأة أو رشها على بطن المرأة وفرجها لتسهيل الولادة وهذا كله باطل لم يصح عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وإنما الواجب على المرأة التي تعاني من آلام الولادة أن تلجأ إلى الله ليخفف عنها ما تجد من آلام وينفس عنها كربتها. وهذا لا يتعارض مع الرقية الشرعية.
2- الاستبشار والفرح بولادة الذكر دون الأنثى: وهذه من عادات الجاهلية التي حاربها الإسلام، فقد قال - عز وجل - واصفا أهل هذه الحالة: {وإذا بشر أحدهم بالأنثى ظل وجهه مسودا وهو كظيم، يتوارى من القوم من سوء ما بشر به أيمسكه على هون أم يدسه في التراب ألا ساء ما يحكمون}.
وقد يبالغ بعض الجهلة في هذا الأمر ويسخط على زوجته لأنها لا تلد إلا البنات وقد يطلقها من أجل ذلك مع أن الأمر- لو كان هذا الجاهل يعقل- أولا وأخيرا بيد الله - عز وجل - فهو الذي يعطي وهو الذي يمنع وقد قال عز من قائل: {يخلق ما يشاء، يهب لمن يشاء إناثا، ويهب لمن يشاء الذكور، أو يزوجهم ذكرانا وإناثا ويجعل من يشاء عقيما}. فنسأل الله الهداية لجميع المسلمين.
3- تسمية المواليد بأسماء غير لائقة: كالأسماء ذات المعاني القبيحة أو أسماء المشهورين من المنحرفين من المغنيين والمغنيات أو مشاهير الكفار، مع أن تسمية المولود باسم حسن حق له على وليه.
ومن الأخطاء المتعلقة بالتسمية كذلك تأخير التسمية إلى ما بعد الأسبوع الأول.
4- ترك ذبح العقيقة عن المولود مع القدرة عليها: فإن العقيقة من هدي المصطفى - صلى الله عليه وسلم -، وفي إتباع هديه - صلى الله عليه وسلم - الخير كل الخير.
5- عدم الالتزام بالعدد المحدد للعقيقة: فبعض من يعق يدعو لطعام العقيقة كل من يعرف فيذبح عشرين رأساً من الأغنام فهذه زيادة غير مشروعة، والبعض قد ينقص عن ذلك فيذبح ذبيحة واحدة عن الذكر وهي مخالفة للمشروع أيضاً، فينبغي أن نلتزم بسنة الرسول - صلى الله عليه وسلم - دون زيادة أو نقص.
6- تأخير الختان إلى البلوغ: وكان هذا ساريا عند بعض القبائل حيث يختن الولد قبل زواجه بطريقة وحشية على مرأى من الناس.
هذه بعض الأخطاء وغيرها كثير ولعل مما يغنينا عن ذكرها ذكر الآداب والسنن الواردة عند استقبال المولود حيث إن ما خالف هذه الآداب فهو من الأخطاء غير المشروعة.
الاهتمام بالطفل في السنوات الست الأولى من حياته:
إن المرحلة الأولى من حياة الطفل (السنوات الست الأولى) من أخطر المراحل وأهمها، حيث إن لها أبلغ الأثر في تكوين شخصيته فكل ما يطبع في ذهن الطفل في هذه المرحلة تظهر آثاره بوضوح علي شخصيته عندما يصبح راشدا.
لذا يجب على المربين أن يهتموا كثيرا بتربية الطفل في هذه المرحلة.
ويمكن أن نلخص الجوانب الواجب مراعاتها من قبل الوالدين بما يلي:
أولا: منح الطفل ما يحتاجه من حب وحنان من قبل الوالدين وخاصة الأم، وهذا ضروري لتعلم الطفل محبة الآخرين، فإذا لم يشعر الطفل بهذه المحبة فسوف ينشأ محباً لنفسه فقط كارها لكل من حوله (فالأم المسلمة عليها أن تدرك أنه لا شيء على الإطلاق ينبغي أن يحول بينها وبين منح الطفل حاجته الطبيعية من الحب والحنان والرعاية، وأنها تفسد كيانه كله إن هي حرمته من حقه في هذه المشاعر، التي أودعها الله برحمته وحكمته في كيانها بحيث تتفجر تلقائيا لتفي بحاجة الطفل).
فينبغي أن تحرص الأم على هذا الأمر، ولا تنشغل عنه بأي شاغل من عمل خارج المنزل أو خلافات مع الزوج أو غير ذلك.
ثانيا: أن يعود الطفل الانضباط من أول حياته (منذ الأشهر الأولى) ولا نظن أن هذا أمر غير ممكن فقد ثبت أن تعويد الطفل على أوقات محددة وثابتة للرضاعة، وكذلك قضاء الحاجة في أوقات محددة أمر ممكن مع المحاولة المتكررة، حيث إن الجسم يتعود على هذا وينضبط به.
وينمو الانضباط ويزداد بنمو الطفل حتى يصبح قادرا على التحكم في مطالبه واحتياجاته مستقبلا.
ثالثا: أن يمثل الوالدان قدوة صالحة للطفل من بداية حياته فيلتزمان منهج الإسلام في سلوكهما عامة وتعاملهما مع الطفل خاصة، ولا يظنان أن هذا الطفل صغير ولا يعي ما يحيط به فيتصرفان تصرفات خاطئة أمامه فإن لهذا أعظم الأثر على نفسيه الطفل (حيث إن قدرة الطفل على الالتقاط الواعي وغير الواعي كبيرة جدا أكبر مما نظن عادة ونحن ننظر إليه على أنه كائن صغير لا يدرك ولا يعي. " نعم " حتى وهو لا يدرك كل ما يراه فإنه يتأثر به كله! فهناك جهازان شديدا الحساسية في نفسه هما جهاز الالتقاط وجهاز المحاكاة، وقد يتأخر الوعي قليلا أو كثيرا. ولكن هذا لا يغير شيئا من الأمر. فهو يلتقط بغير وعي، أو بغير وعي كامل. وهو يقلد بغير وعي أو بغير وعي كامل كل ما يراه حوله أو يسمعه).
رابعا: يعود الطفل على آداب عامة يلزمها في تعامله منها:
* أن يعود الأخذ والإعطاء والأكل والشرب بيمينه فإذا أكل بشماله يذكر ويحول الأكل إلى يده اليمنى برفق.
* أن يعود التيامن في لبسه فعندما يلبس الثوب أو القميص أو غيرهما يبدأ باليمين وعندما ينزع ملابسه يبدأ بالشمال.
* أن ينهى عن النوم على بطنه ويعود النوم على شقه الأيمن.
* أن يجنب لبس القصير من الثياب والسراويل، لينشأ على ستر العورة والحياء من كشفها.
* أن يمنع من مص أصابعه وعض أظفاره.
* أن يعود الاعتدال في المأكل والمشرب ومجانبة الشره.
* أن ينهي عن اللعب بأنفه.
* أن يعود أن يسمى الله عند البدء بالطعام.
* أن يعود الأكل مما يليه وألا يبادر إلى الطعام قبل غيره.
* ألا يحدق النظر إلى الطعام ولا إلى من يأكل.
* ويعود ألا يسرع في الأكل وأن يجيد مضغ الطعام.
* أن يعود أن يأكل من الطعام ما يجد ولا يتشهى ما لا يجد.
* أن يعود نظافة فمه باستعمال السواك أو باستعمال فرشة الأسنان المعروفة بعد الأكل وقبل النوم وبعد الاستيقاظ.
* أن يحبب إليه الإيثار بما يحب من المأكل والألعاب، فيعود إكرام إخوانه وأقاربه الصغار، وأولاد الجيران إذا رأوه يتمتع بشيء منها.
* أن يعود النطق بالشهادتين وتكرارها في كل يوم مرات.
* أن يعود حمد الله بعد العطاس وتشميت العاطس بعد أن يحمد الله.
* أن يكظم فمه عند التثاؤب وأن يغطي فيه، ولا يحدث صوتاً عند التثاؤب.
* أن يعود الشكر على المعروف إذا أسدى إليه مهما كان يسيراً.
* أن لا ينادي أمه وأباه باسميهما، بل يعود أن يناديهما بلفظ: أمي، وأبي.
* أن لا يمشي أمام أبويه أو من هو أكبر منه في الطريق ولا يدخل قبلهما إلى المكان تكريما لهما.
* أن يعود السير على الرصيف لا في وسط الطريق.
* أن لا يرمي الأوساخ في الطريق بل يميط الأذى عنه.
* أن يسلم بأدب على من لقيه بقوله: السلام عليكم ويرد السلام على من سلم.
* أن يلقن الألفاظ الصحيحة ويعود النطق باللغة الفصحى.
* أن يعود الطاعة إذا أمره أحد الأبوين أو من هو أكبر منه بأمر مباح.
* أن يعالج فيه العناد، ويرد إلى الحق طوعاً إن أمكن وإلا أكره على الحق، وهذا خير من البقاء على العناد والمكابرة.
* أن يشكره أبواه على امتثال الأمر واجتناب المنهي عنه، وأن يكافئاه أحيانا على ذلك بما يحب من مأكل أو لعبة أو نزهة.
* ألا يحرم من اللعب مادام آمنا فيمكن من اللعب بالرمال والألعاب المباحة حتى ولو اتسخت ملابسه، فإن اللعب في هذه المرحلة ضروري لتكوين الطفل جسميا وعقليا.
* أن يحبب إليه الألعاب المباحة مثل الكرة أو السيارة الصغيرة والطائرة الصغيرة وغيرها ويكره إليه الألعاب ذوات الصور المحرمة من إنسان وحيوان.
* أن يعود احترام ملكية غيره، فلا يمد يده إلى ما لغيره من ألعاب ومأكولات، ولو كانت لعبة أخيه.
الاهتمام بالطفل فيما بعد السنوات الست الأولى من حياته:
في هذه المرحلة يصبح الطفل أكثر استعداداً للتعلم المنظم فهو يتقبل التوجيه بشكل أكثر، ويكون أكثر انسجاماً مع أقرانه في اللعب، فيمكننا القول بأنه أكثر إدراكاً وحرصاً على التعلم واكتساب المهارات فيمكن توجيهه بشكل مباشر لذا فإن هذه الفترة من أهم الفترات في تعليم الطفل وتوجيهه.
وسوف نتحدث بمشيئة الله - تعالى - عن أهم الجوانب التي لابد للمربين من الحرص عليها في هذه المرحلة وهي:
أولا: تعريف الطفل بخالقه بشكل مبسط:
فيعرف الطفل بالله - عز وجل - بطريقة تناسب إدراكه ومستوى تفكيره.
- فيعلم أن الله واحد لا شريك له.
- ويعلم أنه الخالق لكل شيء فهو الخالق للأرض والسماء والناس والحيوانات والأشجار والأنهار وغيرها ويمكن أن يستغل المربي بعض المواقف فيسأل الطفل وهم في نزهة في بستان أو في البرية عن خالق الماء والأنهار والأرض والأشجار وغيرها ليلفت نظره إلى عظمة الله.
- ويعلم الطفل محبة الله ويرغبه فيها وذلك بلفت نظره إلى ما أسبغه الله عليه وعلى ذرية من النعم فيقال له مثلاً من الذي أعطاك السمع والبصر والعقل؟ من الذي أعطاك القوة والقدرة على الحركة؟ من الذي أعطالك وأسرتك الرزق والطعام؟ وهكذا يلفت نظره للنعم الظاهرة ويحث على محبة الله وشكره على هذه النعم الغامرة، وهذا الأسلوب ورد في القرآن حيث أن الله في آيات عديدة يلفت نظر العباد إلى نعمه - عز وجل - مثل قوله - تعالى -: {ألم تروا أن الله سخر لكم ما في السماوات وما في الأرض وأسبغ عليكم نعمه ظاهرة وباطنه}.
وقوله عز من قائل: {يا أيها الناس اذكروا نعمة الله عليكم هل من خالق غير الله يرزقكم من السماء والأرض}. وقوله - تعالى -: {ومن رحمته جعل لكم الليل والنهار لتسكنوا فيه ولتبتغوا من فضله ولعلكم تشكرون}.
ثانياً: تعليم الطفل بعض الأحكام الواضحة ومن الحلال والحرام:
فيعلم الطفل ستر عورته والوضوء وأحكام الطهارة ويعلم أداء الصلاة، وينهي عن المحرمات والكذب والنميمة والسرقة والنظر إلى ما حرم إليه وبالجملة يؤمر بما يؤمر به الكبار من التزام شرع الله وينهي عما ينهي عنه الكبار مما لا يحل حتى يشب على ذلك ويألفه ومن شب على شيء شاب عليه.
ويحرص على تعليمه العلم فكما يقول سفيان الثوري: ينبغي للرجل أن يكره ولده على العلم فإنه مسئول عنه.
ثالثا: تعليم الطفل تلاوة القرآن:
فإن القرآن هو النهج القويم الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، فالخير كل الخير أن يعود الطفل قراءة القرآن بصورة صحيحة ويبذل الجهد والطاقة في تحفيظه إياه أو جزء كبير منه ويشجع على ذلك بشتى الوسائل، فليحرص الوالدان على أن يلتحق الطفل ولدا كان أو بنتا بأحد مدارس تحفيظ القرآن، فإن لم يتيسر ذلك فليحرص على التحاقه بأحد حلقات تحفيظ القرآن المنتشرة- ولله الحمد- وقد روى أبو داود عن معاذ بن أنس أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: " من قرأ القرآن وعمل بما فيه ألبس الله والديه تاجا يوم القيامة ضوءه أحسن من ضوء الشمس في بيوت الدنيا، فما ظنكم بالذي عمل بهذا ".(111/297)
وقد كان السلف يحرصون على تعليم أبنائهم القرآن وتحفيظهم إياه فهذا هو الشيخ ياسين بن يوسف المراكشي يخبرنا عن الإمام النووي عليهم رحمة الله جميعا فيقول: رأيته وهو ابن عشر سنين بنوى والصبيان يكرهونه على اللعب معهم وهو يهرب منهم ويبكي لإكراههم ويقرأ القرآن في تلك الحالة، فوقع في قلبي محبته، وكان قد جعله أبوه في دكان، فجعل لا يشتغل بالبيع والشراء عن القرآن، فأتيت معلمه فوصيته به وقلت له: إنه يرجى أن يكون أعلم أهل زمانه وأزهدهم وينتفع به الناس، فقال لي: أمنجم أنت؟ فقلت لا وإنما أنطقني الله بذلك. فذكر ذلك لوالده فحرص عليه إلى أن ختم القرآن وقد ناهز الحلم ".
رابعا: تعليم الطفل حقوق الوالدين:
فيعود الطفل على احترام والديه وطاعتهما وبرهما فيشب على ذلك ويألفه، وكثيرا من حالات العقوق وتعدي الأبناء على حقوق آبائهم إنما حصلت نتيجة لتقصير الآباء في تربيه الأبناء وتعويدهم على البر منذ الصغر قال الله - تعالى -: {وقضى ربك أن لا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحسانا إما يبلغن عندك الكبر أحدهما أو كلاهما فلا تقل لهما أف ولا تنهرهما وقل لهما قولاً كريما واخفض لهما جناح الذل من الرحمة وقل رب ارحمهما كما ربياني صغيرا}.
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم -: " رغم أنفه ثم رغم أنفه ثم رغم أنفه من أدرك أبويه عند الكبر أحدهما أو كلاهما فلم يدخل الجنة ".
وهذه قصة شاب بار بوالده أوردها صاحب (عيون الأ خبار): قال المأمون - رحمه الله -: لم أر أحداً أبر من الفضل بن يحيى بأبيه، بلغ من بره أن يحيى كان لا يتوضأ إلا بماء مسخن، وهما في السجن فمنعهما السجان من إدخال الحطب في ليلة باردة. فقام الفضل- حيث أخذ أبوه مضجعه- إلى قمقم كان يسخن فيه الماء، فملأه ثم أدناه من نار المصباح، فلم يزل قائما وهو في يده حتى أصبح. فعل كل هذا براً بأبيه ليتوضأ بالماء الساخن.
خامسا: ربط الطفل بالقدوات العظيمة في الإسلام:
وقدوتنا الأولى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثم شخصيات الصحابة الكرام - رضي الله تعالى عنهم - ومن تبعهما بإحسان ممن ضربوا أروع الأمثلة في مناحي الحياة المختلفة، فيربط الطفل بهم ويعلم من أخبارهم وقصصهم ليقتدي بجميل فعالهم ويتأسى بصفاتهم الحسنة من شجاعة وفداء وصدق وصبر وعزة وثبات على الحق وغيرها من الصفات.
وينبغي أن تتناسب القصة أو الموقف الذي يروى للطفل مع إدراكه وأن لا تكون مملة وأن يركز فيها على الجوانب الحسنة فتبرز وتوضح ليسهل على الطفل استيعابها.
فمثلا لو روي للطفل قصة الرسول - صلى الله عليه وسلم - مع ذلك اليهودي الذي كان يطالب الرسول - صلى الله عليه وسلم - بدين كمثال على حسن خلقه: يروى أن يهوديا كان له عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم - دينا فأراد أن يطلب دينه فبل حلول أجله. فاعترض رسول الله في طريق المدينة وقال: إنكم بني عبد المطلب قوم مطل(مماطلون). ورأى عمر ذلك فاشتد غضبه وقال: ليأذن لي رسول الله فأقطع عنقه. فقال النبي: أنا وصاحبي أحوج إلى غير هذا يا عمر، مره بحسن التقاضي ومرني بحسن الأداء ثم التفت إلى اليهودي وقال: يا يهودي إنما يحل دينك غداً.
وهذه قصة في الشجاعة وقوة التحمل عن معاذ بن عمرو قال: جعلت أبا جهل يوم بدر من شأني، فلما أمكنني، حملت عليه، فضربته، فقطعت قدمه بنصف ساقه، وضربني ابنه عكرمة بن أبي جهل على عاتقي، فطرح يدي وبقيت معلقة بجلدة بجنبي، وأجهضني عنها القتال، فقاتلت عامه يومي وإني لأسحبها خلفي، آذتني وضعت قدمي عليها ثم تمطأت عليها حتى طرحتها".
وتاريخ المسلمين مليء بالشخصيات العظيمة والقصص الرائعة المعبرة أصدق تعبير عن الفضائل والمعاني الجميلة.
سادسا: تعليم الطفل الآداب الاجتماعية العامة:
مثل آداب السلام والاستئذان وآداب البصر والأكل والشرب وآداب الحديث والمعاملة مع الآخرين فيعلم كيفية يعامل والديه الكبار وأصدقاء والده ومعلميه وأقرانه ومن يلعب معهم.
ويعلم كذلك ترتيب غرفته والمحافظة على نظافة البيت، وترتيب ألعابه، وكيف يلعب دون أن يزعج الآخرين، وكيف سلوكه في المسجد وفي المدرسة.
وكل هذه الأمور وغيرها إنما يعتمد في أخذها على سنة المصطفى - صلى الله عليه وسلم - في الدرجة الأولى ومن سيره السلف الصالح - رحمهم الله - تعالى - ثم من كتابات المتخصصين في التربية والسلوك.
سابعا: تنمية جانب الثقة في النفس وتحمل المسئولية عند الطفل: حيث إن أطفال اليوم هم رجال ونساء الغد فلابد من إعدادهم وتدريبهم على تحمل المسئوليات والقيام بالأعمال التي لابد لهم من القيام بها في المستقبل.
ويمكن أن تحقق ذلك في نفوس الأطفال عن طريق بناء ثقتهم في أنفسهما واحترام ذواتهم وإعطاء الطفل الفرصة للتعبير عن آرائه وما يدور في خلده وتشجيعه على القيام بشؤونه الخاصة بل وتكليفه بما يناسبه من أعمال البيت مثل أن يكلف بشراء بعض مستلزمات البيت من البقالة المجاورة للمنزل وتكليف البنت بتنظيف بعض الأواني أو العناية بأخيها الصغير، ويتدرج مع الأطفال في التكاليف شيئا فشيئا حتى يتعودوا على تحمل المسؤوليات والقيام بالأعمال المناسبة لهم.
(ومن تحميل الطفل المسئولية) أن يتحمل تبعة ما يقوم به من أعمال فيعلم أنه هو المسئول عما يرتكبه من أخطاء ويطالب بإصلاح ما قد أفسده والاعتذار عن أخطائه.
وانظر إلى هذه القصة التي تعبر عن الثقة بالنفس: روى الحافظ ابن عساكر أن عبد الله بن الزبير كان يلعب مع بعض أترابه من الصبيان، فمر الخليفة عمر بن الخطاب - رضي الله عنه -، ففر الصبية خوفا من الفاروق وبقي ابن الزبير لا يريم فأقبل عليه عمر وقال له: مالك لم تفر مع أصحابك يا غلام؟
فرد عليه عبد الله ببساطة وبراءة: يا أمير المؤمنين!... لست مذنبا فأخافك.. وليست الطريق ضيقه فأوسع لك فيها!.
وإذا تربى الأطفال على الثقة بالنفس أمكنهم تحمل المسئوليات الجسام كما كان أبناء الصحابة يسعون جاهدين ليكونوا مع المجاهدين في سبيل الله ويبكي أحدهم لأن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لم يجزه ليقاتل مع الجيش فيرق الرسول - صلى الله عليه وسلم - لحاله ويجيزه فيكون في النهاية من شهداء المعركة، ويأمر الرسول - صلى الله عليه وسلم - أسامة ابن زيد على جيش فيه أبو بكر وعمر مع صغر سنه لأنه كفؤ لهذه الإمارة. فأين أبناؤنا اليوم من هذه القمم الشامخة.
الاهتمام بالناشئ في مرحلة المراهقة:
في هذه المرحلة يسرع نمو الجسم ويأخذ العقل في الاتساع وتقوى عواطف الناشئ وتشتد اشتدادا كبيرا وتتيقظ الغريزة الجنسية. وتعتبر هذه المرحلة تمهيد لمرحلة البلوغ.
وعلى المربي أن يهتم بالأمور التالية في تعامله مع المراهق:
1- أن يشعر الناشئ أو المراهق بأنه قد أصبح كبيرا سواء كان صبيا أو فتاة لأنه يطالب بأن يعامل معاملة الكبار وأن لا يعامل على أنه صغير.
2- يعلم الناشئ أحكام البلوغ ويروى له بعض القصص التي تنمي جانب التقوى والابتعاد عن الحرام في نفسه.
3- يشجع الناشئ على أن يشارك في تحمل بعض أعباء البيت كممارسة عملية تشعره بأنه قد أصبح كبيرا.
4- يحرص المربي على مراقبة المراهق وإشغال وقته بما ينفع وربطه بأقران صالحين.
أخطاء المربين:
وهذه بعض الأخطاء التي تصدر عن كثير من المربين أسأل الله أن يعيننا على تجنبها ويهدينا للصواب:
1- مخالفة قول المربي لفعله:
وهي من أهم الأخطاء حيث يتعلم الطفل من أبويه أمورا ثم يجد أنهما يخالفان ما علماه وهذا السلوك له أثره السيئ على نفس الطفل وسلوكه ويكفينا قول الله - عز وجل - في إنكار هذا الأمر: {يا أيها الذين آمنوا لم تقولون ما لا تفعلون كبر مقتا عند الله أن تقولوا مالا تفعلون} فكيف يتعلم الصدق من يرى والده يكذب؟ وكيف يتعلم الأمانة من يرى والده يغش؟ وكيف يتعلم الطفل حسن الخلق وهو يرى من حوله يسب ويفحش في القول ويسيء خلقه؟
2- عدم اتفاق الوالدين على منهج محدد في تربية الطفل:
فقد يتصرف الطفل أمام والديه تصرفا معينا فتكون النتيجة أن الأم تمدح وتشجع والأب يحذر ويتوعد فيحتار الطفل أيهما على صواب وأيهما على خطأ، فهو لا يستطيع بإدراكه المحدود أن يتعرف على الصواب من الخطأ فتكون نتيجة ذلك تذبذب الطفل وعدم وضوح الأمور بالنسبة له.
في حين أنه لو كان الوالدان متفقين على منهج موحد ولم يظهرا للطفل هذا الاختلاف لما كان هذا الخلل.
3- ترك الأطفال فريسة لجهاز التلفاز:
إن لوسائل الإعلام تأثيرا بالغا في سلوكيات الطفل ومكتسباته ومن أخطر هذه الوسائل التلفاز الذي لا يكاد يخلو منه بيت وله تأثير واسع على الصغار والكبار والمثقفين ومحدودي الثقافة.
يقول الباحث (بلومري): إن أغلب الأطفال، وكثير من الكبار يميلون إلى أن يقبلوا دون أي تساؤل جميع المعلومات التي تظهر في الأفلام، وتبدو واقعية ويتذكرون تلك المواد بشكل أفضل... فتتغذى أفكارهم بتلك القيم الهابطة....
إن كثيرا من المربين لا يكترثون لإدمان صغارهم مشاهدة التلفاز مع أن لهذا الأمر أثرا بالغا على أخلاقهم وفطرتهم حتى ما يسمى ببرامج الأطفال فإنها مليئة بالغث من الأفكار التي يستقيها الطفل من خلال مشاهدتها (فإن كثيرا من أفلام الرسوم المتحركة (الكارتون) تتضمن قصص الحب والغرام... حتى بين الكلاب أو الحيوانات الأخرى، ألم تر القطة- في تلك البرامج- على أعلى مستوى من الأناقة... تتزين برموش طويلة وعيون كحيلة جميلة.... وكعب عال... تتمايل لتخطف قلب القط).
والتركيز في إظهار الاقتتال لأجل أنثى، والسكر- أيضا- والتدخين واللصوصية والاحتيال والكذب وغيرها من الصفات غير الأخلاقية... كل تلك العروض تقتحم عالم الصغار وتلطخ الفطرة البريئة تلطيخا بحجة أنها (برامج أطفال).
إذا فلابد من حماية أبنائنا من هذا الجهاز المدمر ولاشك أن هذا الأمر ليس سهلا ولكنه ليس مستحيلا أيضا إذا أردنا أن نحافظ على أخلاق أبنائنا ونعدهم لحمل رسالة دينهم وأمتهم، أعاننا الله على ذلك.
4- ترك مسؤولية التربية للخادمة أو المربية:
إن من أخطر الأخطاء وأكثرها شيوعا في مجتمعاتنا ظاهرة تشاغل الأم عن دورها الأساسي وهو رعاية بيتها وأطفالها واشتغالها بأمور هي لاشك أقل أهمية من أمر تربية الأولاد مثل اشتغالها بالعمل خارج المنزل أو الإسراف في الزيارات وحضور الحفلات أو مجرد التكاسل وعدم مباشرة شؤون الأطفال بنفسها مع أن لهذا أثرا كبيرا على نفسية الطفل والقيم التي يتلقاها إذ أن (الأطفال الصغار هم أول من يتضرر بخروج الأم للعمل خارج المنزل، إنهم يفقدون الحنان والعطف، فالأم إما أن تتركهم في رعاية امرأة أخرى كالخادمة وإما أن تذهب بهم إلى دور الحضانة، وفي جميع الحالات فهم يفقدون عطف الأمومة، وفي ذلك خطر كبير على نفسية الطفل وعلى مستقبله، إذ ينمو وهو فاقد للحنان، وفاقد الشيء لا يعطيه، فيقسو على أفراد مجتمعه فيعيش المجتمع الضياع والتفكك والقسوة، ولا يخفى أن الآخرين لا يهتمون بتهذيب الطفل وتعويده على الأخلاق الفاضلة كما يهتم به أهله، وفي ذلك ما فيه من البلاء على الطفل وعلى مجتمعه.
وقد تكون هذه الخادمة كافرة فيتلقى الطفل ما عندها من انحراف عقدي، أو أنها منحرفة أخلاقيا فيتأثر الطفل كذلك.
فلنحرص إذا اضطررنا لجلب الخادمة على أن تكون مسلمة طيبة وأن نحرص على أن لا تمكث مع الطفل إلا فترات قصيرة جدا عند الاضطرار.
5- إظهار المربي عجزه عن تربية الطفل:
وهذا يقع كثيرا عند الأمهات مع وقوعه عند الآباء أحيانا. فتجد أن الأم مثلا تقول: إن هذا الولد أتعبني، أنا لا أقدر عليه، لا أدري ماذا أصنع معه، والطفل يستمع إلى هذا الكلام فيشعر بالفخر لإزعاجه والدته ويتمادى في هذا الأمر لأنه يشعر أنه يثبت وجوده بهذه الطريقة.
6- الإسراف في العقاب والثواب:
أ- العقاب: إن العقاب أمر مشروع وهو من وسائل التربية الناجحة والتي قد يحتاجها المربي أحيانا ولكن هناك من يسرف في استخدام هذه الوسيلة إسرافا كبيرا مما يجعل هذه الوسيلة ضارة تعطي نتائج عكسية فنسمع عمن يحبس أطفاله في غرفة مظلمة إذا أخلى والساعات طويلة، ومن الآباء من يربط أبناءه ويقيدهم إذا ارتكبوا ما يزعجه.
والعقوبة تتدرج من النظرة ذات المعنى إلى العقوبة بالضرب وقد لا يحتاج المربي إلى أكثر من نظرة فيها شيء من الاستياء أو كلمة عاتبة وقد يضطر إلى العقاب بالضرب ولكن هذا هو العلاج الأخير فلا يلجأ إليه إلا إذا استنفدت بقية الوسائل.
وهناك ضوابط لعملية العقاب بالضرب منها:
- أن لا يلجأ للضرب إلا بعد استنفاد الوسائل الأخرى.
- أن لا يضرب وهو في حالة غضب شديد مخافة الإضرار بالولد.
- أن يتجنب الضرب في الأماكن المؤذية كالوجه والرأس والصدر.
- أن يكون الضرب في المرات الأولى من العقوبة غير شديد وغير مؤلم وأن لا يزيد على ثلاث ضربات إلا للضرورة وحيث لا تتجاوز عشر ضربات.
- أن لا يضرب الطفل قبل أن يبلغ العاشرة.
- إذا كان الخطأ للمرة الأولى يعطى الطفل فرصة ليتوب ويعتذر عما فعل ويتاح المجال لتوسط الشفعاء ليحولوا- ظاهرا- دون العقوبة مع أخذ العهد عليه.
- أن يقوم المربي بضرب الولد بنفسه ولا يترك، هذا الأمر لأحد الأخوة أو لأحد رفاق الولد لأن هذا يتسبب في كراهية الطفل لمن يتولى عقابه من الأطفال الآخرين وأن يحقد عليه.
- إذا ناهز الولد سن البلوغ والاحتلام، ورأى المربي أن العشر ضربات غير كافية لردعه فله أن يزيد عليها.
ب- الثواب: وهو كذلك من وسائل التربية ولكن ينبغي أن يكون بقدر أيضا وأن لا يسرف في استخدامه لأن ذلك الطفل سيصبح ماديا لا يفعل الأشياء الحسنة إلا بشرط المكافأة فينبغي أن يعود على فعل الخير لذاته ويشجع على ذلك أحيانا.
7- محاولة ضبط الطفل أكثر من اللازم:
بحيث لا تتاح له الفرصة للعب والمرح والحركة. وهذا يتعارض مع طبيعة الطفل وقد يضر بصحته إذ أن هذا اللعب مهم لنمو الطفل بصورة جيدة إذ أن (اللعب في المكان الطلق الفسيح من أهم الأمور التي تساعد على نمو جسم الطفل وحفظ صحته) فينبغي أن يتجنب الأب زجر الأولاد عند مبالغتهم في اللعب بالتراب أثناء النزهة على شاطئ البحر أو في الصحراء. وذلك لأن الوقت وقت ترفيه ولعب وليس وقت انضباط، وليس ثمة وقت ينطق فيه الأولاد بلا قيود إلا في مثل هذه النزهات البريئة، فلابد من التغافل عنهم بعض الشيء.
8- تربية الطفل على عدم الثقة بنفسه واحتقار ذاته:
وهذا حادث عند كثير من الآباء للأسف، مع أن له أثرا سيئا على مستقبل الطفل ونظرته للحياة فإن من يتربى على عدم الثقة بنفسه واحتقار ذاته سوف ينشأ على الجبن والخور وعدم القدرة على مواجهة أعباء الحياة وتحدياتها حتى بعد أن يصبح راشدا.
فينبغي إذا أن نعد أبناءنا للقيام بأمور دينهم ودنياهم وذلك لن يكون إلا بتربيتهم على الثقة بالنفس والاعتزاز بالذات بدون غرور أو تكبر، والحرص على ربط الولد بمعالي الأمور وإبعاده عن سفاسفها وإليك هذا المثال:
قحطت البادية في أيام هشام بن عبد الملك، فقدمت القبائل إلى هشام ودخلوا عليه، وفيهم " درواس بن حبيب " وعمره أربع عشر سنة، فأحجم القوم وهابوا هشاما، ووقعت عين هشام على درواس فاستصغره، فقال لحاجبه: ما يشاء أحد أن يصل إلى إلا وصل، حتى الصبيان؟! علم درواس أنه يريده، فقال يا أمير المؤمنين: إن دخولي لم يخل بك شيئا ولقد شرفني، وإن هؤلاء القوم قدموا لأمر أحجموا دونه، وإن الكلام نشر، والسكوت طي، ولا يعرف الكلام إلا بنشره، فقال هشام: فانشر لا أبا لك!! وأعجبه كلامه، فقال يا أمير المؤمنين: أصابتنا ثلاث سنين: فسنة أذابت الشحم، وسنة أكلت اللحم، وسنة نقت العظم، وفي أيديكم فضول أموال، إن كانت لله ففرقوها على عباد الله المستحقين لها، وإن كانت لعباد الله فعلام تحبسونها عنهم؟ وإن كانت لكم فتصدقوا بها عليهم فإن الله يجزي المتصدقين، ولا يضيع أجر المحسنين، واعلم يا أمير المؤمنين: أن الوالي من الرعية كالروح من الجسد، لا حياة للجسد إلا به. فقال هشام: ما ترك الغلام في واحدة من الثلاث عذرا، وأمر أن يقسم في باديته مئة ألف درهم. وأمر لدرواس بمئة ألف درهم. فقال يا أمير المؤمنين: أرددها إلى أعطية أهل باديتي فإني أكره أن يعجز ما أمر لهم به أمير المؤمنين عن كفايتهم؟ فقال: ما لك من حاجة تذكرها لنفسك؟ قال: مالي من حاجة دون عامة المسلمين!. فانظر إلى ثقة هذا الغلام وجرأته في الحق.
خاتمة:
قال الله - تعالى -: {وقال ربكم ادعوني أستجب لكم}.
وقال عز من قائل: {وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداع إذا دعان}.
وعن النعمان بن بشير - رضي الله عنهما - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: " الدعاء هو العبادة ".
إن للدعاء أهمية بالغة جدا في تربية الأولاد بل في جميع أمور الحياة والله - عز وجل - هو الموفق والهادي، فقد يبذل المسلم قصارى جهده في محاولة إصلاح أبنائه ولا يوفق إلى ذلك، وعلى العكس قد يصلح من الأبناء من تربى في وسط منحرف وبيئة سيئة، بل وقد يصلح منهم من ينشأ دون والدين يهتمان بتربيته، إذا فالهداية أولا وأخيرا من الله وهو القائل - عز وجل -: {إنك لا تهدي من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء}.
فيجب علينا جميعا أن لا نغفل هذا الجانب وأن نتضرع إلى الله ونبتهل إليه أن يصلحنا وذرياتنا فإنه الهادي إلى سواء السبيل.سبحان ربك رب العزة عما يصفون، وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين.
http://www.mknon.net المصدر:
ـــــــــــــــــــ(111/298)
جنس المولود .. من المسؤول علمياً ؟
د. عبد الدائم ناظم الشحود
تتردد بين الفينة والأخرى أحاديث وقصص عن ظلم الأمهات ممن رزقهن الله بالبنات دون البنين، وقد يتمادى بعض الأزواج في صب جام غضبه على زوجته التي رزقت حديثاً بأنثى، ويبدأ يكيل لها الاتهامات اللاذعة التي تنعتها بسوء الطالع وأنها المسؤولة عن هذا العار! ولاتواجه الزوجة موقف الزوج السيئ فحسب، بل تشاركه أسرته في دعم موقفه والحض على إتباع سياسة ونهج جديدين، يعيد للعائلة كرامتها وعزة نفسها ويمحو العار الذي تسببت به الزوجة!.
ويبدأ النقاش ويحتدم الجدال، ويتخذ صوراً وأشكالاً شتى وقد يدس بعض الجيران أنوفهم فيما لا يعنيهم ويدلون بدلوهم في القضية، وتصبح الأم المسكينة من حيث لا تدري في قفص الاتهام تبحث عن بصيص من النور والأمل لينقذها من هذه الورطة التي أُقحمت فيها إقحاماً من غير حول ولا قوة.
ولكن المنطق يقول إنه لايمكن أن تحمل الشخص أوزاراً - هذا إن اعتبرناها أوزاراً - لا دخل له بها، هذا من ناحية المنطق والافتراض، أما من الناحية الطبية والعلمية فإن الرجل وبالتحديد النطفة هي التي تحمل أحد نوعين من الصبغيات أو المورثات أحدهما X والثانيY أما البيضة الأنثوية فلا تحمل إلا نوعاً واحداً من الصبغيات هو النوعX. وحتى يتشكل الجنين لابد أن تتحد النطفة مع البيضة لتشكل البيضة الملقحة ثم الجنين، فالبيضة من النوعX دائماً ولذلك لا خلاف هنا البتة أما النطفة فلها نوعان، وحسب هذه النطفة يكون جنس الجنين، فلو اتحدت النطفة Y مع أي بويضة كان المولود بإذن الله أنثى، أما لو اتحدت النطفة من النوع X مع أي بويضة كان المولود بإذن الله ذكراً، وبناءً عليه يتم تحديد الجنس اعتماداً على نوع النطفة، ولنقل مجازاً إن المسؤولية تقع على الرجل، والأصح أن هذه الأمور تتعلق أولاً وأخيرا ًبإرادة المولى - عز وجل - ولكن من أجل تقريب الفكرة وجعلها أبسط لعقول هؤلاء المتحذلقين.
وفي سياق الحديث عن الذكورة والأنوثة نذكر قصة الأعرابية التي هجرها زوجها لأنها أنجبت البنات دون البنين فجادت قريحتها بهذه الأبيات الشعرية التي تغني عن الكثير من غث الكلام:
ما لأبي حمزة لا يأتينا
يظل في البيت الذي يلينا
غضبان ألا نلد البنينا
تالله ما ذلك في أيدينا
إنما نحن أرض ننبت
ما قد زرعوه فينا
وفي الواقع قصص كثيرة تشيد بفضل البنات، فالبيت الذي لا بنت فيه أشبه بالبيت الخرب، لأن البنات يمثلن دائماً جانب العطف والحب والحنان.
وعليه.. نهمس في أذن الأزواج من الرجال أن يكونوا أكثر منطقية وعقلانية في اتخاذ قراراتهم الارتجالية التي يمكن أن تزعزع استقرار الأسرة وتكون الشرارة التي تحرق ما تبقى من دفء عاطفي فيها فتهوي بها في مهاوي الضياع.
http://www.almujtamaa-mag.comw المصدر:
ـــــــــــــــــــ(111/299)
أخطار تهدد كيان الأسرة
عبد الباري الثبيتي
الحمد لله الذي خلقنا في أحسن تقويم، وربانا على موائد بره وخيره العميم، أحمده - سبحانه - وأشكره، وهو الحكيم العليم، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه ومن اتبع هداه إلى يوم الدين: أما بعد:
حين نتجول في أُسر السلف الصالح تتلألأ هذه النماذج:
يقول القاسم بن راشد الشيباني: (كان رفعة بن صالح نازلاً عندنا، وكان له أهل وبنات، وكان يقوم فيصلي ليلاً طويلاً، فإن كان السحر نادى بأعلى صوته.. قال فيتواثبون: من هنا باك، ومن هاهنا داع، ومن هاهنا قارىء، ومن هاهنا متوضيء، فإذا طلع الفجر نادى بأعلى صوته: عند الصباح يحمد القوم السرى).
وانتبهت امرأة حبيب العجمي بن محمد ليلة وهو نائم، فنبهته في السحر وقالت له: (قم يا رجل، فقد ذهب الليل وجاء النهار، وبين يديك طريق بعيد وزاد قليل، وقوافل الصالحين قد سارت ونحن قد بقينا).
وكان للحسن بن صالح جارية فباعها من قوم، فلما كان جوف الليل قامت الجارية فقالت: يا أهل الدار الصلاة)، فقالوا: أصبحنا؟ أطلع الفجر؟ فقالت: وما تصلون إلا المكتوبة؟ قالوا: نعم، فرجعت إلى الحسن فقالت: يا مولاي، بعتني من قوم لا يصلون إلا المكتوبة، ردني، فردها.
وعن إبراهيم بن وكيع قال: كان أبي يصلي فلا يبقى في دارنا أحد يصلي إلا صلى، حتى جارية لنا سوداء.
وعن ابن عثمان النهدي قال: كان أبو هريرة وامرأته وخادمه يتعقبون الليل أثلاثاً، يُصلي هذا، ثم يُوقظ هذا، ويصلي هذا، ثم يُوقظ هذا.
هذه الأُسر بمنهجها هذا، تمثل قلعة من قلاع الدين، إنها أُسر مؤمنة في سيرتها، متماسكة من داخلها، حصينة في ذاتها، مثلها الأعلى أُسوةً وقُدوةً رسول الله، أُسر قائمة على الاستمساك بشرع الله المطهر، الصدق والاخلاص، والحب والتعاون، والاستقامة والتسامح، والخلق الزكي.
والحديث عن الأسرة له أهميته، فهي حجر الزاوية في بناء المجتمع، والقاعدة التي يقوم عليها بناء الأمة، ألا ترى أولئك النابغين من التابعين كيف ملؤوا التاريخ بطولةً ومثلاً وقيماً؟
لقد كانت الأسرة في حياتهم تُمثل أهم عناصر النبوغ، وزرع الهمة العالية منذ نعومة أظفارهم، وهذا ما قد يفسر لنا سر اتصال سلسلة النابغين من أبناء أسر معينة كآل تيمية مثلاً.
وهل يمكن لأمير المؤمنين عمر بن عبد العزيز أن يقوم بواجبه في تجديد الدين، ويتهيأ له، لولا البيئة الصالحة والأسرة الكريمة التي وجهته إلى المعالي، وبذرت الهمة العالية في قلبه منذ الطفولة.؟
لهذا عُني الاسلام ببناء الأسرة وأحكامها من بدء الخطبة إلى عقد الزواج، وبيّن واجبات الزوجين، والأبناء، والأقربين، شرع النفقات والطلاق، والميراث. أحاط الأسرة بالرعاية والحماية، وأمن لها الاستقرار والمودة، خطب المغيرة بن شعبة امرأة فقال النبي: {أُنظر إليها، فإنه أحرى أن يؤدم بينكما} [رواه الترمذي]. أي أجدر أن تتآلفها، وتجتمعا وتتفقا.
لحفظ الأسرة بيّن الإسلام أسباب الألفة ووسائل حسن المعاشرة، شيَّد صرح المحبة بين أفرادها بتأسيس حقوق معلومة حذر الإسلام من هدم الأسرة، وحث على تماسكها، ونفر من زعزعة أركانها، وانفصام عراها.
واذا اشتدت الأزمات شرع الطلاق في أجواء هادئة، بمعزل عن أحوال الغضب الهوجاء.
واعتبر ايقاع الطلاق الثلاث دفعة واحدة سلوكاً طائشاً ولعباً بكتاب الله - عز وجل -.
إن الكيان الأسري ليس امرأة فقط، وليس رجلاً أيضاً، إنما هو كيان متكامل، للمرأة وظيفة أنثوية، وللرجل وظيفته المكملة، ولو تعاضدا وتشاورا وأدى كلٌ منهما رسالته في التربية والبناء لما أصيب السواد الأعظم من الأسر بالخور، والفشل، والضعف، والهلاك.
وإنك لتحزن لذلك الدفق الهائل من السموم عبر الفضائيات لمسخ الأسرة المسلمة، وهدم نظامها بالدعوة إلى تحرير المرأة والتمرد على قوامة الرجل، ورفض بل نزع الحجاب، والنكوص على الأعقاب بتزيين العري والاختلاط، ومحاربة القيم، وتعدد الزوجات، ناهيك عن الدعوة إلى تأخير الزواج،، حيث يصورونه أغلالاً، وقيوداً تُكبل الحرية، وتحجز عن الانطلاق، ثم لوثوا العقول، وأفسدوا القلوب بعلاقات مشينة سموها صداقة، وزمالة، ومخادنة!.
ومما يُؤسف له أن هذه الأسر المغزوة من قبل أعدائها، مُهددة من قبل أصحابها المسؤولين عنها.
حين تنشأ الأسرة على قاعدة هشة من الجهل بمقاصد الزواج السامية، والحقوق الشرعية المتبادلة، وفن التعامل، بحيث يكون الزوجان لم يُهيآ ويتهيأ لتحمل مسؤولية الحياة وتبعاتها، وجِد العيش وتكاليفه، فيكون السقوط السريع والمريع عند أول عقبة في دروب الحياة.
ذلك أنهم يظنون أنها حياة تمتُع دائم لا ينقطع، وسرور لا يُنغص، وبهجة لا تنطفىء، مع أحلام وردية، وأمانٍ ساحرة.
لهذا نرى هذا السيل الجارف المحزن من حالات الطلاق بلا أسباب مقنعة أو خلافات جوهرية، بل تذهل لسماع قذائف من ألفاظ تحمل في طياتها طلاقاً بائناً، لا تُراعى فيه ضوابط الشرع، وهكذا يُكسر هذا الكيان الصغير الجميل، والبيت الذي كانت تظلله سحائب المحبة والوئام، يكسر بمعاول الجهل والغرور، والمكابرة والعناد وهوج التفكير، وخطله.
وما أفظعها من خاتمة مروعة موجعة، هي قرة عين الشيطان، فعن جابر عن النبي قال: {إن إبليس يضع عرشه على الماء، ثم يبعث سراياه، فأدناهم منه منزلة أعظمهم فتنة، يجيء أحدهم فيقول: فعلت كذا وكذا، فيقول: ما صنعت شيئاً قال: ثم يجيء أحدهم فيقول: ما تركته حتى فرقت بينه وبين امرأته قال: فيدنيه منه، ويقول: نعم أنت، فيلتزمه} [أخرجه مسلم].
والشيطان حين يفلح في فك روابط الأسرة، لا يهدم بيتاً واحداً، ولا يضع شراً محدوداً، إنما يوقع الأمة جمعاء في شر بعيد المدى، ذلك أن الأمة التي يقوم بناؤها على لبنات ضعيفة، من أُسر مخلخلة وأفراد مُشَردين، وأبناء يتامى لن تحقق نصراً، ولن تبلغ عزاً، بل تتداعى عليها الأمم كما تداعى الأكلة إلى قصعة الطعام.
أيها الأزواج:
إن شراب الحياة الهنيئة قد يتخلله رشفات مرة، والحياة الأسرية لا تخلو من مكدرات ومتاعب، ثم لا تلبث أن تنقشع. غيومها وتتذلل عقباتها ويذوب جليدها بالصبر والحكمة، وضبط النفس، والفطنة، فمن من البشر لا يخطىء؟ مَنْ من الناس بلا عيوب؟ ومَنْ منهم لا يغضب أو يجهل؟.
وما أعقل وأحكم أبا الدرداء وهو يخاطب زوجته: (إذا رأيتني غاضباً فرضيني، وإذا رأيتك غضبى رضيتك، وإلا لم نصطحب).
ومن الأخطار المحيطة بالأسرة تأرجح مفهوم القوامة بين الإفراط والتفريط، فهي عند فريق من الناس قسوة من الزوج تنتشر في أرجاء الدار، وعواصف من الرهبة والفزع، وعبوس لا استعطاف معه ولا حوار، في جو قهري يتمثل في التنفيذ دون مناقشة ولا تردد، وهي عند فريق آخر تتمثل في ميوعة يفقد البيت فيها قوامة الرجل، وفي فوضى مروعة في إدارة شؤون الأسرة.
والأدهى أن يكون رب الأسرة حاضراً جسداً مفقوداً تربيةً وقيادةً، فتشق سفينة الأسرة طريقها في الحياة، فتتمايل بها الأهواء، وتتجاذبها العواصف دون أن يكون لها قائد يضبط حركتها، وقيَّمٌ يوجه سيرها.
إن قيَّم الأسرة حاضرٌ جسداً ومادةً، لكنه غائبٌ اصلاحاً وتوجيهاً، إنه لا يتأخر في سبيل شهواته وملذاته، لكنه يغفل من متطلبات التربية والبناء.
لقد سلم دفة قيادة الأسرة لجلساء وأصدقاء، قد تكون أحوالهم مجهولة، ولتلك الشاشة الفضية التي تغرس بفضائيتها مباديء الرذيلة، والانحراف، وتهدم أخلاق الأسرة، وقيمها الإسلامية.
وقد تتشرب الأسرة مع الزمن تلك المبادىء الهزيلة، ثم لا تلبث أن تسير في ركابها فتحاكيها فكراً، وتسايرها خلقاً، وتقلدها لباساً، فتكون العاقبة ندماً، والثمرة مكروهاً.
قيَّمُ الأسرة:
أين قيَّمُ الأسرة؟ أين قائدها؟ إنه في الصباح يكدُ في عمله، وفي الظهيرة مستلقٍ على فراشه، ثم ينطلق مساء في لهوٍ أو دنيا، ولا يعود إلا مكدود الجسم، مهدود الفكر، وبهذا يفقد القدرة على تربية الأولاد، ويزداد الخطب حين تخرج المرأة للعمل، فيصبح البيت حديقة مهجورة، على بعض أشجارها طيور يتيمة محرومة من الأب والأم، وأصبحت بعض البيوت محطة استراحة للزوجين، أما الأبناء فعلاقتهم بالآباء علاقة حسن الجوار.
القوامة الفعالة:
إن القوامة الفعالة تعني القدوة في الإيمان والاستقامة.
إن القوامة ليست مجرد توفير طعام وشراب، وملبس ومسكن، إنها مسؤولية الاضطلاع بشؤون أسرة كاملة، تبدأ من الاهتمام بشؤون شريكة الحياة. الزوجة، أخلاقها وسلوكها، ثم لا تلبث أن تشمل الأبناء والبنات، إنها مسؤولية صنع أبناء الأمة وبناتها، وإعطاء الأمة انتماءها بالحفاظ على كيان الأسرة.
القوامة ليست لهواً وعبثاً، ونوماً متواصلاً، إنما هي عمل، وتخطيط، وجهد متواصل في مملكة البيت للمحافظة على أمنه واستقراره.
إن واجب قيَّم الأسرة، أن يغرس في نفوس أفراد أسرته الدين والمثل السامية، وأن يُنمي فيهم حب الله، وحب رسوله، وحتى يكون الله ورسولُه أحب إليهم مما سواهما، ينمي فيهم مخافة الله والرغبة فيما عنده من ثواب.
قال - تعالى -: " إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَن كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ " [ق: 37].
لو تأملنا بعض آيات القرآن الكريم وأحاديث الرسول لوجدنا أن أهم مقاصد تكوين الأسرة هي:
أولاً: إقامة حدود الله وتحقيق شرعه ومرضاته، وإقامة البيت المسلم الذي يبني حياته على تحقيق عبادة الله.
ثانياً: تحقيق السكون النفسي والطمأنينة. قال - تعالى -: " هُوَ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا " [الأعراف: 189].
ثالثاً: تحقيق أمر رسول الله بإنجاب النسل المؤمن الصالح.
رابعاً: إرواء الحاجة إلى المحبة عند الأطفال.
خامساً: صون فطرة الطفل عن الرذائل والانحراف.
ذلك أن الطفل يولد صافي السريرة، سليم القلب فعلينا - معشر المسلمين - تعليم أُسرِنا عقيدتها، وأن نُسلحها بسلاح التقوى؛ لتحقيق مجتمع أسمى وأمة أقوى.
اللهم ظلل على بيوت الموحدين الأمن، والإيمان، والمحبة، والإخلاص.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
http://www.kalemat.org المصدر:
ـــــــــــــــــــ(111/300)
الإدارة المنزلية
الأسرة تلك المؤسسة المهمة، وعلى الرغم من صغرها فهي ما زالت أهم المؤسسات في المجتمع، واعتبار الأسرة مؤسسة لا بد من وجود كيان إداري له أهداف وخطط يدير ذلك الصرح الصغير وهذا من الأمور الجيدة.
ومن أهم الإدارات الداخلية تلك المؤسسة هي الإدارة المالية، والإدارة المالية للأسرة مهمة جدًا إذ إن المال هو عصب الحياة وبه تكون النفقة واستمرارية الحياة.
ونظرًا للظروف التي تمر بالناس جميعًا فغالبًا أن الدخل لا يكفي لتمويل ذلك الصرح لتحقيق أهدافه وطموحاته ومن ثم كان لازمًا من وضع تصور لإدارة المال في الأسر عمومًا.
غالبا ما تتداخل مجموعة من المؤثرات في كيفية توزيع الدخل عند وضع ميزانية ما لأي أسرة على أبواب الصرف المختلفة، مثل مقدار الدخل، عدد أفراد الأسرة، طبيعة عمل الزوج، عمل الزوجة، مكان سكن الأسرة، ما يتمتع به أفراد الأسرة من مواهب وما لهم من قدرات، فلكها عوامل تتفاعل وتتداخل لتحدد أبواب الصرف وأهمية كل باب.
ـ ومن المهم جدًا عند وضع خطط الميزانية الاستفادة من تجارب الآخرين في هذا المجال وخصوصًا من يجيد التخطيط في الإدارة المنزلية وممن يكبرنا في السن.
وعند وضع أي خطة منزلية لا بد من مشاركة جميع أفراد الأسرة أو معظمهم على الأقل؟ وذلك لأن المشاركة في التخطيط غالباً ما تساعد على إنجاح أي خطة؟ وتضع الجمع في موضع المسئولية، وتقع كذلك المبررات لمعظم التصرفات، وفي حالة الأزمات يكون هناك نوع من التراضي والتفاهم فيما يكن الاستغناء عنه لمواجهة الأزمة.
ـ ونرفع اللوم عن أي طرف من الأطراف، وأيضا هي مناخ جيد لصياغة تربوية جيدة للزوجة والأولاد فيها نوع من المشاركة في تحمل المسئولية والإيجابية وعدم السلبية وكذلك ملكة وموهبة التخطيط في الحياة عمومًا.
ـ الخطط الناجحة بعد المعايرة: أي لكي ينجح أي خطة لا بد من تجربتها لمدة عام على الأقل ورصد الإيجابيات والسلبيات فيها ومن ثم محاولة تعديلها ومن ثم التقييم للوصول إلى خطة أكثر واقعية وأكثر نجاحًا.
وهنا قد تبرز مشكلة مهمة وسؤال مهم هل الاتفاق على الأسرة يحتاج كل هذا التعقيد؟ معظم الأسر تسير والحمد لله، فهذه مشكلة المسلمين عمومًا، حيث إن الوقت المبذول في التخطيط وكذلك الجهد، أهون بكثير من أزمة مالية طاحنة تعصف بالأسرة، وتخيم جو الكآبة والحزن على جميع أفراد الأسرة، كان يمكن تلافيها ببذل بعض الوقت في التخطيط.
والسؤال المهم الآن كيف أضع خطة لإدارة الأموال في أسرتي؟
والجواب على هذا الأمر لكل أسرة مع خصوصية في وضع خطة تناسبها، ولكن هناك ثوابت يمكن الانطلاق لكل أسرة والتفاصيل يمكن أن يرصد شهريًا لمواجهة هذه التكاليف عند حلول موعدها.
المصروفات الثابتة ÷ 12 المصروف الثابت كل شهر.
ثانيًا: تدوين الدخل المالي، ويكون بحساب كل النقود المتوقع الحصول عليها خلال العام، سواء مرتبات أو أرباح مشاريع أو غيره.
ويكون بالنسبة للموظفين بالضبط قدر الإمكان بالنسبة لغيرهم يحسب المتوسط في خلال السنوات الخمسة الأخيرة.
ثالثا: حساب الدخل الصافي وهو بعد طرح المصروفات الثابتة من إجمالي الدخل وصافي الدخل هذا هو الذي يخطط لكيفية إنفاقه.
رابعًا: بعد تحديد صافي الدخل المتبقي للإنفاق اليومي، تبدأ مرحلة أخرى من التخطيط، بحيث تحدد نسبته للادخار ولتكن مثلاً 10 ـ 20% من الدخل الصافي ويمكن أن يزيد مع زيادة الدخل وفي بداية الزواج قبل أن تكثر الأعباء الزوجية.
وبعد ذلك يتم تقسيم الدخل، فتحدد نسبة الطعام ونسبة أخرى للمواصلات، والمصروفات الشخصية، ومصاريف الترفيه وهكذا.
أهمية الادخار:
والادخار هو صمام الأمان لكل أسرة، والادخار له عدة فوائد مهمة وجوهرية، منها أنه العاصم بعد الله - عز وجل - في كثير من الأزمات، والثاني أن تلبية أي طلب جديد أو تجديد أي من الأثاث أو المنزل أو السيارة أو الأجهزة لني يكون إلا عبر هذا المال المدخر، وأمر آخر مهم جدًا، وهو رفع مستوى دخل الأسرة المادي لن يتم إلا من خلال الادخار ومحاولة استثمار هذا المال المدخر بصورة ما، مما يتيح للأسرة فرصة تنمية مواردها ورفع مستواها، والادخار مهم في بداية الحياة الزوجية حيث تقل النفقات نظرًا لقلة عدد أفراد الأسرة وكذلك لأن معظم أثاث المنزل جديد وكذلك الأجهزة.
وأيضًا يكون الادخار مهمًا في حالة الفرص غير العادية أو غير المتوقعة، كسفر ونحوه، فيجب استثمار هذه الفرص لتنمية المدخرات.
ـ ويجب أن يكون هناك اهتمام بتوزيع مصادر الدخل، وكذلك التنمية البشرية للأفراد المنتجين داخل الأسرة، مما يتيح فرصًا أكبر لزيادة الدخل، وذلك من خلال الاهتمام بالدورات المختلفة في مجال العمل، أو غيره وكذلك الدراسات العليا، أو القراءات الدائمة في مجال العمل وغيره، مما يتيح فرصًا أكبر لزيادة الدخل والترقي وتحسين المستوى في وظائف أخرى ذات دخل أقل.
29 محرم 1425هـ - 20 مارس 2004م
http://links.islammemo.cc المصدر:
ـــــــــــــــــــ(111/301)
العلاقات الخارجية في الأسرة
حرص و اعتدال تعارف و بر
م.عبد اللطيف البريجاوي
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
على الرغم من أن الأسرة كيان مستقل له صفاته الخاصة وحوائجه الخاصة وميزاته الخاصة، إلا أنه كيان ضمن مجموعة كبيرة من الأمواج المتلاطمة من الأسر والأفراد، وهذه الأسرة أو تلك ليست وحيدة على الساحة بل تتأثر و تؤثر بما يحصل في خارج محيطها، وتتفاعل معه.
ولم يكن الإسلام ليترك هذه العلاقات الخارجية على أهميتها دون ضبط ودون توجيه، وخاصة أن الأسرة أول المعاقل الإسلامية التي يجب أن تحصن تحصينا جيدا حتى لا يتخلخل جسد الأمة.
والعلاقات الأسرية الخارجية علاقات متشابكة ومتداخلة ومتنوعة، تنطلق من علاقة الزوجين بعائلة كل واحد منهما إلى علاقة الأولاد مع الخالة والعمة والخال والعم وأولادهم.
والعلاقات الخارجية هذه لابد أن تتصف بالصفات التالية:
1 - الحرص: فحرص المسلم على بيته من الأولويات في حياته، وهو حرص يشمل الحماية والرعاية والخوف من التسربات المختلفة نتيجة هذه العلاقات لذلك لا بد أن يكون المسلم حريصا على بيته أشد الحرص ولقد أمرنا رسول الله - عليه السلام - بالحرص فقال: " احرص على ما ينفعك واستعن بالله ولا تعجز وإن أصابك شيء فلا تقل لو أني فعلت كان كذا وكذا ولكن قل قدر الله وما شاء فعل فإن لو تفتح عمل الشيطان " مسلم ولا شيء ينفع المسلم اليوم كحرصه على بيته، فعندما يرى مثلا أن بعض الزيارات لبعض الأشخاص تؤثر على بيته سلبا فلا بد أن يحد من هذه العلاقة.
2 - الاعتدال: فلا إفراط ولا تفريط وأي علاقة زادت عن حجمها الطبيعي فقد تؤدي إلى خطورة متوقعة، وأي علاقة وقع التقصير فيها فهي جفوة وقطيعة لا يرضاها الإسلام.
وهذه العلاقات أيضا لا بد أن تحقق الأهداف التالية:
1 - التعارف: فالزواج ليس علاقة بين فردين فقط بل هو علاقة بين أسرتين وعائلتين، وبهذا الزواج يزيد الإنسان من قاعدته المعرفية بالناس التي هي أحد الأهداف التي رصدها الإسلام فقال - تعالى -: " يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم إن الله عليم خبير(13) الحجرات .
وهو الذي خلق من الماء بشرا فجعله نسبا وصهرا وكان ربك قديرا(54) الفرقان
قال القرطبي: " النسب والصهر معنيان يعمان كل قربى تكون بين آدميين "
والزواج أحد أسباب الرزق لأنه يحقق علاقات جديدة وكما يقول د. البكار " العلاقات الجيدة مصدر رزق جيد "
2 - البر والإحسان والتواصل: وهي من أهم أهداف هذه العلاقات المتنوعة لأن هذه القرابة لها حقوق كثيرة " وآت ذا القربى حقه والمسكين وابن السبيل ولا تبذر تبذيرا " (26) الإسراء
واعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا وبالوالدين إحسانا وبذي القربى واليتامى والمساكين والجار ذي القربى والجار الجنب والصاحب بالجنب وابن السبيل وما ملكت أيمانكم إن الله لا يحب من كان مختالا فخورا(36) النساء.
وهذه العلاقات المتشابكة علاقات بالغة التعقيد، ترك الإسلام للمسلم حرية التصرف والإدارة فيها بما يحقق الأهداف الأساسية لهذه العلاقات ولكنه رسم لذلك الخطوط العريضة ومنها:
أولا علاقة الزوج مع أسرة الزوجة:
الضوابط لهذه العلاقة هي الضوابط العامة للإسلام مع تركيز على عدد من النقاط المهمة:
1- الاحترام المتبادل: وهو أن يحترم الزوج أهل الزوجة ويكرمهم، ويخاطبهم بأحب الأسماء إليهم، ويقدمهم في مجالسه.
2- عدم التكلم بالكلام البذيء أمام أهل الزوجة: وخاصة بما يمس أمور الجماع وغيرها وهذا الأمر يضعهم في دائرة الحرج والخجل، والمسلم بطبيعته ينبغي ألا يحرج أحدا فكيف إذا كان أهل زوجته، ولقد فطن لذلك علي - رضي الله عنه - فأبى أن يكلم رسول الله صلى لله عليه وسلم في حكم فقهي هو بحاجة له لأنه كان زوجا لابنته فأرسل رسولا هو المقداد بن الأسود فقد روى الإمام مسلم عن علي قال كنت رجلا مذاء وكنت أستحيي أن أسأل النبي - صلى الله عليه وسلم - لمكان ابنته فأمرت المقداد بن الأسود فسأله فقال يغسل ذكره ويتوضأ.
3- عدم إفشاء سر الزوجة أمام أهلها: وهذا من الأمور الخطيرة التي قد يرتكبها بعض الرجال في حق نسائهم، سواء كان الأمر أمام أهلها أو غيرهم، ولقد اعتبر الإسلام أن ذلك الرجل من أشر الرجال روى الإمام مسلم عن أبي سعيد الخدري قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " إن من أشر الناس عند الله منزلة يوم القيامة الرجل يفضي إلى امرأته وتفضي إليه ثم ينشر سرها "
حيث أفرد الإمام مسلم في صحيحه بابا سماه باب تحريم إفشاء سر المرأة
4 - السماح للزوجة بزيارة أهلها والسماح لهم بزيارتها: وهذا من أنواع البر والترفيه للمرأة، فمساعدتها على بر ذويها والسماح لهم برؤيتها، وفتح قلبه لهم قبل بيته، وتفهمه لطبيعة العلاقة بينها وبين ذويها يشعر المرأة بقرب الزوج منها، وتشعر بأمن وهي في مملكتها التي تعيش فيها، فهي بذلك لم تخسر أهلها، وربحت زوجها فمن أحسن منها حالا.
إن من الأخطاء الشائعة والقاتلة أن الزوج يريد أن يقطع وريد زوجته عن أهلها، ويغير الدم الذي يجري في عروقها، فيمنع ويهدد ويحذر من زيارة أو حتى اتصال فتعيش الزوجة في قلق دائم، ويسري هذا القلق إلى المفاصل المختلفة من الأسرة فيعمل فيها حتى يشلها.
إن ضبط العلاقة مع أسرة الزوجة بهذه الضوابط وبغيرها من الضوابط العامة للإسلام تجعل من البيت المسلم في مأمن من كثير من المآزق المحتملة والتي تكون غالبا بسبب إهمال في مثل هذه النقاط وتجاهلها وبالتالي توتر دائم في هذه العلاقة وشعور بالقلق يسري في أوصال الأسرة.
ثانيا علاقة الزوجة مع أسرة الزوج:
وهي علاقة دقيقة بعض الشيء إذ أن الزوجة تنتقل من بيت أهلها إلى بيت الزوجية حيث تصبح علاقتها مع بيت أهل زوجها علاقة مباشرة واحتكاكها معهم شبه يومي، لذلك لا بد أن تكون الزوجة حكيمة في علاقتها معهم، دقيقة الملاحظة لتصرفاتها، سريعة البديهة لتجاوز الأخطاء إن وقعت.
وهذه العلاقة أيضا علاقة ترك الإسلام فيها حرية التصرف للطرفين بما يحقق أهدافه السامية ويزيد ترابط العلاقة بين جميع الأطراف ومن هذه الضوابط:
1- احترام أهل الزوج: فوالد الزوجة كالوالد تماما وحرمته حرمة مؤبدة، وأم الزوج كذلك فهي أم أهدت للزوجة فلذة كبدها، وهذه الهدية هي أغلى هدية للزوجة فلا بد من احترام مهديها وتقديره ومراعاة شعوره وتقديمه في المناسبات والمحافل واستخدام اللباقة وحسن الكلام معه.
2 - تشجيع الزوج على بر والديه وأشقائه: فليست أم الزوج منافسة للزوجة في زوجها، ولكنها أم فقدت ولدها الذي كان بين يديها ليكون بين يد امرأة أخرى، فهي تشعر بفقد وفراغ كبيرين في حياتها ولا سيما إذا كانت الأم نرجسية بعض الشيء في حبها لولدها، وهنا تأتي حكمة الزوجة في إزالة هذه الفكرة من ذهن الأم بتشجيع زوجها على بر والدته و أشقائه وإظهار رغبتها بذلك أمامهم بحب ولطف وأن تذكرهم بخير أمام الناس وتذكر حب زوجها لأهله فهذه السيدة عائشة تتعامل مع السيدة فاطمة بحكمة وهي (ابنة زوجها) وتذكرها بخير فقد روى الترمذي عن جميع بن عمير التيمي قال: " دخلت مع عمتي على عائشة فسئلت أي الناس كان أحب إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قالت فاطمة " قال أبو عيسى هذا حديث حسن غريب
فعندما تسمع فاطمة بهذا الكلام الذي ذكرته زوجة أبيها (عائشة) لن يكون منها إلا المبادلة بالمثل من ذكر بالمعروف والخير.
2- زيارتهم والتودد لهم: الزيارة بلسم من بلاسم الشفاء للأمراض الاجتماعية المختلفة فهي يد من الرحمن لمسح الآلام المختلفة لما فيها من رأب للصدع وتقريب للقلوب وإزالة للجفوة، وتخفيف للآلام وتعبيد للطرق الوعرة.
ولقد حث الإسلام على الزيارات بين الناس ولا سيما إذا كان الرابط لهذه الزيارة مرضاة الله وتحقيق أهداف الإسلام فعن معاذ بن جبل رضي الله عنه قال: " إني سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول قال الله - عز وجل -: " وجبت محبتي للمتحابين في والمتجالسين في والمتزاورين في والمتباذلين في المتزاورون في سبيل الله " أحمد ومالك.
وإعراض بعض الناس عن الزيارات وخاصة زيارة الكنة لأهل زوجها يسمح لكثير من المتطفلين الدخول والعبث بأمن الأسرة فينقلون الكلام ويحللون ويأولون وهم في مأمن من أن هؤلاء لا زيارات بينهم.
4- الحياد الإيجابي بين الأطراف: العلاقات الخارجية في الأسرة كأي علاقة يصيبها أعراض وأمراض مختلفة، والمسلم تجاه هذه الأعراض ليس سلبيا إلى درجة مقيتة، بل هو يتعامل مع الأطراف المختلفة تعاملا حياديا ولكنه حياد ايجابي، بحيث لا ينقل إلا خيرا ولا يقول إلا خيرا، ويبتعد عن الحديات الجازمة وعن التحزب ضد أحد في محيط الأسرة، ويأخذ دور المصلح الذي تهفو إليه القلوب وتطمئن له النفوس وتودع عنده الأسرار.
فإذا وقعت قطيعة بين بعض الأطراف في الأسرة فواجب الزوجة مثلا أن تكون حيادية ما استطاعت ولا تتحزب لأحد وتحاول الإصلاح مضيقة شقة الخلاف ومطبقة قول النبي - عليه السلام -: " ليس النمام الذي يقول خيرا "
ثالثا قواعد مشتركة للعلاقات الخارجية في الأسرة:
1 - " من حسن إسلام تركه مالا يعنيه ": قاعدة مهمة جدا لكل العلاقات وخاصة العلاقات في محيط الأسرة
2- " من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه ": إكرام الضيوف يدخل السرور إلى قلوبهم ويجعلهم أكثر قربا، وأكثر حبا.
3 " تبسمك في وجه أخيك صدقة "
4- تحديد أولويات الحياة الزوجية: فأهم الأولويات هو حماية الأسرة من أنواع التسربات المختلفة، ثم تحقيق الطمأنينة فيها، وهذه الأولويات يجب الاتفاق عليها بين الزوجين
5- الاتفاق على بعض الأمور التي لها حساسية من قبل بعض الأطراف.
6- شجار الأطفال يجب ألا يتعدى ليصل إلى شجار الكبار.
http://saaid.net المصدر:
ـــــــــــــــــــ(111/302)
جريمة أبوين
حسين بن رشود العفنان
الحمدُ للهِ والصلاةُ والسلامُ على رسولِ اللهِ أما بعدُ:
فحدثني من حدثَ فقالَ: رأيتُ طفلاً بينهُ وبينَ البلوغِ مفاوزٌ يحملُ بينَ شفتيهِ الصغيرتينِ جذوةً متلهبةً عرفتُ تفاصيلَ وجههِ من ضوئِها فهي تلتهبُ ولا تكادُ تخبو يستنشقُها كما يستنشقُ الهواءَ الباردَ السائرَ إلى جوفهِ.!
رأيتهُ يسيرُ وميزانُ الليلِ قدْ مالَ والقمرُ في المُحاقِ والطريقُ موحشٌ خالٍ إلا من أعقابهِ الصغيرةِ!
رأيتهُ في وقتٍ لا يكونُ لداتهُ فيهِ إلا في أحضانِ أمهاتِهمُ الدافئةِ وتحتَ أبصارِ آبائِهمُ الحانيةِ في مملكةِ الأسرةِ المترابطةِ الآمنةِ!
رأيتهُ يسيرُ وحدهُ ولا أنيسَ لهُ إلا تلك الجمرةِ التي دفنَ بها طفولةُ وصحتهُ!
تلك الجمرةُ التي أحرقتْ جسوماً هي أشدُ وأقوى من جسمهِ اللينِ النحيلِ وأفسدتْ عقولاً هي أكبرُ وأحدُ من عقلهِ الغمرِ الصغيرِ يضعُها على قلبٍ هو أضعفُ القلوبِ تحملاً للماءِ النميرِ!
فقلتُ لنفسي: لمَ يطرقُ هذا السبيلَ؟!
أ راغبٌ هو عن الحبِ والحنانِ؟!
أ زاهدٌ هو بالأمنِ والطمأنينةِ؟!
فلما أحسَ بوقعِ نظري عليهِ خبأَ جمرتهُ في باطنِ كفهِ فعزمتُ على نصحهِ حينَ رأيتُ منهِ ذلك. فلما أثقلتُ عليهِ النصحَ واللومَ قالَ: أ تعلمُ أنَّ الدارَ عند أبويَّ للأكلِ والنومِ! لا تعجبْ فأنا لستُ من جلسائِهما وإنَّه لتمرُ عليَّ الليالي ذواتِ العددِ فلا أحسُ منهم من أحدٍ ولا أسمعُ لهمْ ركزا!
فقلتُ وقد أخذني العجبُ: ويوم الأكلِ ألا تراهما ويوم النومِ ألا تقعدُ معهُما؟!
قال: لا! فأبي قدْ عهدَ بالأمرِ لأمي وحذرَها أنْ يرى أحداً منا عند مطعمهِ أو منامهِ.!
قلتُ: وأمكَ؟!
فسكتَ! فعلّيتُ عليهِ السؤالَ حتى قالَ: أمي عهدتِ بالأمرِ للوصيفةِ(*) التي لا دينُها دينُنا ولا لسانُها لسانُنا وأوصتْها بأنْ تُمضي بياضَ يومِها وسوادَ ليلِها معنا وأنْ لا ترى وجوهُنا إلا في أوقاتِ فراغِها حينَ تعودُ!
وإنْ ضاقتِ الوصيفةُ بنا تركتْنا أمامَ الرائي(1) ننهلُ من مزابلِ الغربِ ونعبُ من أوساخِ الكفرِ.!
و إنْ نصحَهُما أحدٌ أو جادلهما مخلوقٌ نهراهُ وقالا لهُ لقد أكثرتَ نصحَنا وجدالنا وكأنَّنا هضمنا حقَهم وقدرَنا عليهم رزقهم ثم انظرْ إلى الدارِ فلقدْ ملأناها بأسبابِ الحياةِ الكريمةِ الرغيدةِ!
فيسدانِ بهذا الجوابِ أفواهَ الناصحينَ!
أ فتلومني حين أبقتُ من بيتٍ كالمفازةِ خالٍ من أسبابِ الحياةِ؟!
قالَ الراوي:
فقلتُ في نفسي: ما أراني أعرفُ من كلامِهما إلا أنهما جاهلانِ قدْ رِينَ على قلبيهما فلا يفرقانِ بينَ (التربيةِ) و(التسمينِ) وإنَّ هناك بوناً كبيراً بينَ تربيةِ الإنسانِ وتربيةِ الحيوانِ.!
وبينا(2) أنا كذلك إذ ركضَ الطفلُ إلى عنقِ الشارعِ وانضمَ لثلةٍ من الأطفالِ الشاردينَ. عرفتُ ذلك من أسمالِهمُ القذرةِ وأقدامِهمُ الحافيةِ!
فاسترجعتُ! ومضيتُ في طريقي والحزنُ يفتُ قلبي من أجلهِ ومن أجلِهم!
قلتُ: لقد صدقَ الأميرُ:
ليس اليتيمُ من انتهى أبواهُ من***همِ الحياةِ وخلفاهُ ذليلا
فأصابَ بالدنيا الحكيمةِ منهما***وبحسنِ تربيةِ الزمانِ بديلا
إنَّ اليتيمَ هو الذي تلقى له*** أماً تخلتْ أو أباً مشغولا
-------------
الحاشية:
(*) قال العلامة الرافعي - رحمه الله تعالى - في وحي قلمه (1/145): أعرف معلمة ذات ولد تترك ابنها في أيدي الخدم... وتمضي ذاهبة عن يمين الصباح ويمضي زوجها عن شماله وقد رأيت هذا الطفل مرة، فرأيته شيئا جديدا غير الأطفال، له سمة روحانية غير سماتهم، كأنما يقول لي: إنه ليس لي أب وأم، ولكن أب رقم (1) وأب رقم (2)...!
(1) الرائي: كلمة شريفة فصيحة وضعها العلامة الطنطاوي - رحمه الله تعالى - بدلا عن كلمة ((Television اللقيطة الأعجمية.
(2) بينا وبينما يدلان على معنى واحد انظر كتاب الصاحبي (ص105) للإمام ابن فارس - رحمه الله تعالى - .
http://saaid.net المصدر:
ـــــــــــــــــــ(111/303)
أسباب المشاكل الزوجية
* الزواج سكن ومودة لطرفي العلاقة الزوجية أو من شأن السكن والمودة أن يتصف بالديمومة والثبات والاستقرار، لكن مع فقدان الوعي، وارتفاع نسبة الضغوط النفسية والاجتماعية والاقتصادية يبقى ذلك السكن أملاً منشودًا إذ من شأن تلك الضغوط أن تزعزع استقرار الأسرة، وتقتحم عليها ذلك الهدوء.
* وحينما نتكلم عن المشاكل الزوجية فلا نقصد بعض الاختلافات في وجهات النظر، أو اليوميات العادية أو حالات عارضة نتيجة ظرف مؤقت أو طارئ، ولكننا نتكلم عن تلك التي تنشأ عن أسباب حقيقية وجوهرية، حتى ولو لم يتم الإفصاح عنها، ومع كونها أصل المشاكل.
* وإننا حين نتكلم عن أصول وجذور المشاكل يمكن أن نرجعها إلى أربعة أسباب رئيسية وهي:
[سوء الاختيار ـ عدم التفاهم في القضايا الأساسية ـ اختلاف النشأة الأولى ـ عدم فهم الحاجات النفسية والعاطفية].
أولاً: سوء الاختيار:
1ـ لقد أكد الإسلام أول ما أكد على حسن اختيار شريك الحياة ورفيق العمر، واعتبر حسن الاختيار من عوامل تحقيق [إسلامية] الحياة الزوجية، ومن تباشير الوفاق والمودة بين الزوجين، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: 'تنكح المرأة لأربع: لمالها، ولحسبها، ولجمالها، ولدينها، فاظفر بذات الدين تربت يداك'. [متفق عليه].
وما ذلك إلا لأن الاختيار خطير، إذ كثيرًا ما تطيش بمن يقدم على الزواج الرغبات وتستبد بهم الشهوات فتجرفهم في تيارها بسبب جمال فاتن، أو كثرة مال، أو كبر مكانة لا يكون وراءها حصانة من دين أو خلق، فتكون الحياة الزوجية شرًا ونارًا مستطيرًا تنفذ جمراته في جوانح الزوجين ثم ينتقل أثره إلى الذرية إن كتب لهم ذرية، فتتصدع أواصر الزوجية وتتقطع روابط الأسرة، وتغرس العداوة، ثم يحصل أبغض الحلال، لأن الأساس الذي قام عليه الزواج كان خطأً.
إذًا فالاختيار الصحيح الذي سياجه الدين والخلق والأصل الكريم، عاصم من قواصم المشاكل الزوجية، لأن الدين وقواعده الربانية هي القاعدة السليمة لحل أي خلاف بعد نشوئه، واجتنابه قبل وقوعه، ولا أمان لمن لا إيمان له، ولا دين لمن لا يحمى دينًا، ويمكن أن نقول: إن ضعف الوازع الديني في شريك الحياة هو أس البلاء وأساس المشاكل.
2ـ عدم الكفاءة:
عدم تكافؤ الزوجين يتبلور من حيث الوعي والتعليم والإمكانيات والمفاهيم التي تعمق الفجوة، وتضاعف مسافات البعد في الرؤية والفهم، وذلك نتيجة للحصيلة الثقافية والتعليمية التي تخلق صورًا مختلفة لتفسير الأمر وفهمًا مما يضاعف من حجم المشكلة ووزنها وأبعادها، ويخلق من المسائل العادية مشاكل كبرى بسبب سوء الفهم أو عدم القدرة على التقييم السليم أو النضج في الاستيعاب والتعبير.
ـ [وإن عنصر الكفاءة ليس بابًا من أبواب الطبقية ولا نوعًا من أنواع التعالي والاستكبار، وإنما هو تنظيم أريد به حماية الأسرة من عدم الرضا بين أفرادها، ومن ضعف التلاحم بين أعضائها، كما أريد به مراعاة حق المرأة في الزواج تطمئن إليه وحق الولد في رب يعتمد عليه، وموجه يثق به، وحق المجتمع في أسرة تمده بالحب عن رضا، وبالتكافل عن قوة، ولا شيء وراء ذلك من طبقية أو عنصرية].
3ـ فارق السن:
وفارق السن المناسب يجعل الزواج أكثر استقرارًا وثباتًا، بحيث يجعل المرأة تقدر زوجها أكثر، نظرة احترام وتقدير، لأنه الأكبر والأكثر خبرة، وهكذا تسير السفينة بربان واحد وسط أمواج الحياة الهادرة، وينشأ الأطفال في جو طبيعي، ليس معنى ذلك أن الزواج الذي لا يراعي فارق السن محكوم عليه بالفشل، فكثير من الأسر تعيش سعيدة بالرغم من ذلك، ولكن الحديث هنا عن الوضع الأفضل والأمثل.
ـ إن صور الزواج التي لم يراع فيها فرق السن تتنافى مع الحكم التشريعية المرجوة منه، سواء من الإشباع والإحصان النفسي والجنسي، ولو كان في الزمن الماضي يمكن أن يستمر هذا النوع من الزواج وتتحقق منه بعض المصالح، فإن الوضع الآن اختلف وحاجات الرجل والمرأة من بعضهما البعض قد اختلفت فيجب أن يراعى ذلك.
4ـ عدم الفهم الصحيح لمعنى الزواج:
هناك فئة من الناس تفهم الزواج على أنه متعة وإنجاب فقط، وأما ما وراء ذلك من مسئوليات، وما تتطلبه الحياة الزوجية من كدح وتعاون، وما تستوجبه من إدراك سليم وحس صادق، ومعاملة حكيمة وتقديس للحق والواجب، والتزام بحدود الله ـ فلا نكاد نهتم به، بل ربما لا يخطر لبعضنا على بال.
وقد يحلو للبعض أن يسمي الزواج مؤسسة الزواج، وهي كذلك لأنها مؤسسة تحتاج إلى أنواع مختلفة من الإدارة، سواء كانت مالية أو تربوية، الخلافات عامة وغيرها، ولا بد لمن يريد الزواج أن يعد العدة لتحمل تلك المسئولية، ولذلك من يفهم الزواج على أنه متعة وإنجاب فقط، عندما يصطدم بالواقع المخالف لذلك، تبدأ من هنا الخلافات والمشاكل، لأنه لم يؤهل نفسه لتحمل تلك المسئوليات.
ثانيًا: عدم التفاهم بين الزوجين في القضايا الأساسية: وهي [المال ـ الأولاد ـ طريقة التعامل ـ العلاقة الجنسية].
1ـ المال:
إن مسألة المال والحقوق المالية من المسائل الهامة التي إن لم يتم إلا تفاهم عليها بين الزوجين؟ دب الخلاف في تلك الأسرة، حيث إن المال هو عصب الحياة وعليه تقوم أمور الناس وتتحقق مطالبهم وغالبًا ما تنشأ المشاكل في هذا الموضوع من [النفقة وحدودها، وإسراف الزوجة، الذمة المالية للزوجة].
أـ النفقة والتقتير فيها:
إن نفقة الزوج على زوجته واجبة بالكتاب والسنة والإجماع، قال - تعالى -: {وعلى المولود له رزقهن وكسوتهن بالمعروف} [البقرة: 233]. والمعروف المتعارف عليه بالشرع، من غير إفراط ولا تفريط، وإنما استحقت الزوجة هذه النفقة لتمكينها له من الاستمتاع بها، وطاعتها له، والقرار في بيته، وتدبير منزله، وحضانة أطفاله، وتربية أولاده.
وتبدأ المشاكل عندما تعلم المرأة أن زوجها ميسور الحال وله قدرة في التوسعة عليها وعلى أبنائها، ومع ذلك تراه يمسك عليها ويقتر على أبنائها فتبدأ المطالبة والامتناع وتظهر المشاكل.
ب ـ الإسراف وعدم القناعة من المرأة:
وهناك من النساء من لا تقنع أبدًا بأي حد، وهذا النوع من النساء دمار البيوت، لأنها تجعل الرجل في توتر دائم وبالتالي الأسرة، فهو إما أن يرفض فتبدأ المشاكل، أو يستجيب ويكون هذا فوق طاقته مما يضطره إلى الدين أو الطرق غير المشروعة.
ج ـ الذمة المالية للزوجة:
وهذا موضوع طويل وقد سبق طرحه بالتفصيل، ولكن المهم هنا أن عدم فهم الرجل والمرأة ما له ولها وعليه وعليها، يولد كثيرًا من الجدل والمشاكل، والتفاهم في هذا الأمر وفق قواعد الشرع والعرف العاصم من هذه القاصمة، والفضل وحسن العشرة وهو المنجي من هذا الصراع.
2ـ الأولاد:
إن تربية الأولاد والمسئولية عن ذلك، وكذلك متابعة المستوى الدراسي، هي من الأمور التي يكثر حولها الجدل، من المسئول عن ذلك الرجل أم المرأة، وهل هذا الأسلوب المتبع في التربية وطريقة الدراسة مرضٍ للطرفين أم غير مرضٍ. والحقيقة أن هذه المشكلة أعني الأولاد من الأمور الهامة التي يجب أن يحسن الأزواج إدارتها إذ إن التنازع فيها، يعرض الأسرة إلى الدمار، والتذبذب يؤدي إلى نشوء أجيال غير واضحة الهوية، مشتتة الوجدان والفكر.
3ـ طريقة التعامل:
طريقة التعامل بين الزوجين محور من محاور التفاهم بين الزوجين الأساسية، إذ إن الحياة الزوجية قائمة على التفاهم والحوار، والحوار جزء كبير من هذه الحياة، ولذلك نبه القرآن على ذلك بقوله: {وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ}، وهناك من الأزواج من يتفاهم مع زوجته من منطلق الدونية وإلغاء الهوية والكيان، فهي أشبه بأمة ليس لها من الأمر شيء، فالقوامة عنده قهر وإذلال، وهناك من النساء من تعامل زوجها أسوأ معاملة وتتسلط عليه وتلغي شخصيته وقوامته فيذوب الرجل، وتتذبذب الأسرة، وهناك أسر كأنها حلبة صراع ومعارك حربية، وخطط ومؤامرات، مع أن الصورة المثالية الإسلامية حددت وبوضوح الحقوق والواجبات وأيضًا طريقة العشرة.
4ـ العلاقة الجنسية:
[يعتبر وجود علاقات جنسية سليمة ومشبعة بين الزوجين أمرًا أساسيًا في كل زواج سعيد ناضج، ذلك أنه إذا كان السكن هدفًا من أهداف الزواج كما ورد في الآية القرآنية الكريمة {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً}، فإن المشاكل الجنسية منغص كبير لهذا السكن على المستويين النفسي والجسدي.
وقد أثبتت الدراسات النفسية أن السكن والمودة والرحمة بين الزوجين، تزداد قوة بوجود توافق جنسي بينهما، وذلك لأن العلاقة الجنسية بحكم طبيعتها مصدر نشوة ولذة، فهي تشبع حاجة ملحة لدى الرجل والمرأة على السواء، واضطراب إشباع هذه الغريزة لمدة طويلة يسبب توترًا نفسيًا ونفورًا بين الزوجين، إلى الحد الذي جعل كثيرًا من المتخصصين ينصحون بالبحث وراء كل زواج فاشل أو متعثر، عن اضطراب من هذا النوع.
ثالثًا: النشأة الأولى، وأثرها في استقرار الزواج:
لقد نشأنا في أسر مختلفة، ومرت بنا ظروف متباينة، جعلت توقعاتنا مختلفة جدًا فنحن عادة نتأثر بما نلاحظه من تعامل أبوينا في محبتهما واختلافهما، وبما يقولان أو يفعلان، أو بما يصمتان عنه، ونكون تعلمنا ومن غير أن ندري أساليب مختلفة في معظم أمور الحياة، كيف ننفق المال، وكيف نرتب أمور المنزل والحياة الأسرية، وما يفعل الرجل داخل البيت، وما لا يفعل، ودور المرأة وعملها ومن يتخذ القرارات وكيف يربي الأولاد وكيف نحتفل بالأعياد، وكيف نحل الخلافات والنزاعات، وأهمية الترتيب أو عدم أهميته، وأهمية الوقت وكيفية قضائه، وكيفية استعمال التلفزيون، ودور الأصدقاء في حياتنا وكثير من غير هذه المواضع.
1ـ اختلافات شخصية:
إن اختلاف الشخصيتين وعدم فهم هذا الأمر يؤدي إلى كثير من المشاكل، فالشخصيات كثيرة ومتنوعة ولها سماتها، فهناك العقلاني والعاطفي والاجتماعي، والانطوائي، وهذه الشخصيات آية من آيات الله في الكون، فإذا لم يتفهم كل صاحب شخصية صاحبه ومفاتيح تلك الشخصية وكيفية التعامل معها فستقع كثير من المشكلات، والشخصيات المتشابهة تتفاهم أكثر من غيرها، وكذلك الشخصيات المتكافلة، حيث يوجد من القوة في كل شخصية ما لا يوجد في غيرها، أما الشخصيات المتنافرة فهي بيت الداء في العلاقات الزوجية.
2ـ اختلاف تجارب الحياة:
وتجارب الحياة لها أثر كبير في صياغة الشخصية والنفسية، وحجم هذه التجارب ونوعيتها، والنتائج المستخلصة منها، فإذا كان الشخص مجربًا وناضجًا وفي بيئة تؤهله لذلك، أدى ذلك إلى واقعيته وقدرته على حل المشكلات، والتعامل معها، على العكس من الآخر قليل التجربة حيث يمكن أن ينزلق في بعض المشكلات كان يمكن البعد عنها.
وكذلك نوعية هذه التجارب هل هي ناجحة أو فاشلة، سعيدة أو تعيسة، فالإنسان دائمًا أسير تجاربه وقناعته التي تكون فكره، والسلوك دائمًا مرآة الفكر، أي نابع منه ونتيجة له.
3ـ النشوء في بيئة مختلفة وتأثير العوامل الوراثية:
تؤثر النشأة والعوامل الوراثية على كل من الزوجين وخاصة إذا كان ما يحمله أحدهما بعيدًا عن الآخر ومتعارضًا معه، فالتنشئة لها أثر كبير على لون السلوك وطبيعة التعامل، وللوراثة المساحة الأكبر من ذلك، وكلها تؤثر على التئام الحياة الزوجية، وخلق المناخ المناسب الذي تقل فيه المشاكل، وتزيد الفجوة الناتجة من اختلاف الطبائع والعقلية والمفاهيم، ومن هنا ندرك أن لطبيعة كل من الزوجين ما ينعكس على تعامله وحياته الزوجية.
4ـ الاختلاف في الموروثات الثقافية والاجتماعية:
ـ أي إنسان يعيش في أي مجتمع سواء كان رجلاً أو امرأة سوف يتأثر ويحمل الشيء الكثير من حضارة وثقافة ومفاهيم ذلك المجتمع الذي عاش فيه وحسب تكوينه، وكل هذه الموروثات والمفاهيم تنعكس على طريقة التفكير والتعامل بين الزوجين وعلى معالجة المشاكل والنظرة إلى الحياة.
ـ ولوسائل الإعلام الأثر الكبير في صياغة أفكارنا، فبعض وسائل الإعلام وما يتناقله الناس في أحاديثهم وأفكارهم تساهم في تكوين انطباعات وتوقعات الإنسان من علاقته الزوجية، وقد تكون هذه التوقعات من أبعد الأمور من الواقع العملي المعاش، ولذلك سيصاب هذا الإنسان بخيبة الأمل والإحباط عندما يصدم بعدم تحقق هذه الأمور التي حدثته عنها وسائل الإعلام.
رابعًا: عدم فهم الاحتياطات النفسية والعاطفية لكل طرف:
تشير بعض الأبحاث إلى أن أغلب الصراعات الزوجية إنما تنشأ بسبب أربعة عوامل هي: المال، والأولاد، طريقة التعامل، والعلاقة الجنسية، ولكن يبدو في الحقيقة أن هذه الأمور الأربعة إنما هي مجرد أعذار أو مبررات رغم أهميتها وأن سبب المشكلات حقيقة أعمق من ذلك، وإنما هو بسبب معان وقيم خفية أكثر عمقًا، كأن يشعر أحدهما بأن الآخر لا يحبني ولا يرعاني أو أنها تحاول السيطرة على، أو أنه لا يساعدني أبداً، ويمكن لهذه المعاني العميقة أن تظهر إلى السطح عند أقل مشكلة صغيرة، ويبدو أن الرجل بشكل عام يقدر مسألة الاستقلال، بينما المرأة جانب المودة.
الثلاثاء 23صفر 1425هـ - 13 أبريل 2004م
http://links.islammemo.cc المصدر:
كثيرا من الحب
ندى بنت عبد العزيز محمد اليوسفي
الحبّ..، كلمة لوهلةٍ أولى نجدها قد ارتبطت في أذهان بعض النّاس برواياتِ الساقطين..، وأفلام العاشقين..، وقصص المتأخّرين..، ونوادر المتقدّمين..، كل أولئِك قد شوّهوا الحبّ وربطوه بما يُعجبهم من رذائل وحمّلوا تلك الكلمة الجميلة ما لا تحتمل ولا تطيق من صورٍ بشعة لهلاك العاشقِ في أثرِ معشوقته، وجنون العاشق من فواتِ لقاء معشوقتهِ..، وهكذا..دواليك.
الذين لا يحسنون من الحبّ ولا يعرفون عن الحبّ إلا ما تناول أولئك، ومثّل قيسٌ وليلى، و أبدعَ عنترة وعبلة، أولئكَ قلوبُهم فيها بأس، فطرُهم قد شوّهت، ومُلِئَت حُجَر قلوبهم الأربع غُباراً و سُدَاداتٍ أعمت أبصارهم وبصائرهم وأتَت على ما تبّقّى من بقيّة عقلٍ تلمّها أفئدتهم فكانت الكارثة، ونال المجتمع منهم ما ناله.
كم تمنيتُ أن يُنصِف أحدهم هذه الكلمة، وينقذها من براثن أولئك، كم تمنيت أن يأخذ أحدهم هذه الكلمة فيلبسها لباسها وينزلها منزلها ومكانتها، فتكون رواحاً لنا ومتنفّساً، لا نشعرُ بالذّنب كلما مرّت أمامنا خلسة، أو جرّتنا إليها أحاديثنا الغضّة البريئةٌ الخجِلَة.
وإن كان ابن القيّم قد أبدع في مصنّفه روضة المحبّيين ونزهةُ المشتاقين؛ فيظلُّ فريداً في تصنيفه، قد لمّ شعثاً متناثراً، و نظلّ بحاجة للمزيد و لإفراد الكثير عن الحبّ الذي تحتاجه أمتنا هذا الوقت، الحب الذي يسمو بالنّفس إلى قمم العزة و الكرامة و دنيا العطاء غير المحدود. الحبّ الذي سيردّ بإذن الله ضالّها و يهدي ضائعها و يعين ضعيفها ويخرجها من دوّامة الألم إلى دنيا الأمل.
ذلك الحبّ الذي أُمرنا به، الحبّ الذي اتّصف الله به، فالله يحبّ عباده المؤمنين، وهم أشدّ الناس حباً له، وهو الودود القائل - جل وعلا - في حديثه القدسي: ((مَنْ عَادَى لِي وَلِيًّا فَقَدْ آذَنْتُهُ بِالْحَرْبِ وَمَا تَقَرَّبَ إِلَى عَبْدِي بِشَيْءٍ أَحَبَّ إِلَى مِمَّا افْتَرَضْتُ عَلَيْهِ وَمَا يَزَالُ عَبْدِي يَتَقَرَّبُ إِلَى بِالنَّوَافِلِ حَتَّى أُحِبَّهُ فَإِذَا أَحْبَبْتُهُ كُنْتُ سَمْعَهُ الَّذِي يَسْمَعُ بِهِ وَبَصَرَهُ الَّذِي يُبْصِرُ بِهِ وَيَدَهُ الَّتِي يَبْطِشُ بِهَا وَرِجْلَهُ الَّتِي يَمْشِى بِهَا وَإِنْ سَأَلَنِي لأعْطِيَنَّهُ وَلَئِنْ اسْتَعَاذَنِي لأعِيذَنَّهُ وَمَا تَرَدَّدْتُ عَنْ شَيْءٍ أَنَا فَاعِلُهُ تَرَدُّدِي عَنْ نَفْسِ الْمُؤْمِنِ يَكْرَهُ الْمَوْتَ وَأَنَا أَكْرَهُ مَسَاءَتَهُ))!!!
ذلك الحب الذي يُطرَح لصاحبه القبول في الأرض فيصل إلى كل القلوب، حيث روى البخاري عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِي - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: ((إِذَا أَحَبَّ اللَّهُ الْعَبْدَ نَادَى جِبْرِيلَ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ فُلانًا فَأَحْبِبْهُ فَيُحِبُّهُ جِبْرِيلُ فَيُنَادِى جِبْرِيلُ فِي أَهْلِ السَّمَاءِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ فُلانًا فَأَحِبُّوهُ فَيُحِبُّهُ أَهْلُ السَّمَاءِ ثُمَّ يُوضَعُ لَهُ الْقَبُولُ فِي الأَرْضِ))..!!!
وما فرح الصحابة بشيء فرحهم بقوله - صلى الله عليه وسلم -: ((المرء مع من أحبّ))، فذهب المحبون لله بشرف الدنيا والآخرة.
والمستقيم والمستقيمة على دين الله أشدّ الناس حبّاً لرفيقه وصاحبه في ذلك الميثاق الغليظ، لقاؤهما في الله ولله و حبّاً لله، وحبّ أحدهما للآخر حباً يتقربان به إلى الله، لم تنسف مشاعرهما تجارب سابقة، ولا قصص حبّ فاشلة، ما ظنّكم بقلوبٍ غضّة طرية بريئةٍ نقية، لا تجتهد في إخفاء آثار جروح قديمة أو قصص بائدة عجيبة، لم تتقلب على نار الغضا حيناً ولم تقف على الاطلال أحياناً أخرى باكية مودّعة، تركت مشاعرها لحينها فكانت أروع ما تكون وكان أصحابها بها أكثر النّاس فرحاً وسعادةً بها.
إنه الحب الصادق النّقي العذب الطاهر الذي لا يتحرّج صاحبه من النطق باسم محبوبته بل يعتبر حبّه مما يُتَقرّب إلى الله به، ذلك الحب الذي جمع الرسول - صلى الله عليه وسلم - بأمته وأصحابه و زوجاته وضرب لنا به أروع الأمثلة فيأتيه عمرو بن العاص رضي الله عنه كما روى البخاري لما بعثه على جيش ذات السلاسل فيسأله: أي الناس أحبّ إليك؟ فيحيب - صلى الله عليه وسلم - بسرعة ودون تحرّج أمام صحابته ويهتف باسم: عائشة..!!، فيكرر عليه السؤال ظناً ويأكّده بصيغة أخرى ويحدّده: من الرجال؟ فيؤكّد - صلى الله عليه وسلم - الإجابة ويهتف بأبي وأمي هو صلوات الله وسلامه عليه: أبوها..!!، وفي رواية: " إني لست أعني النساء إني أعني الرجال"!!!!، وفى حديث أنس عند ابن حبان أيضا"سئل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من أحب الناس إليك؟ قال: عائشة، قيل له ليس عن أهلك نسألك"..!! وما ظنّكم بقلوبٍ طاهرةٍ نقيّة، لم يطرق بابها العابثون، ولم يخض فيها المختالون المتكبّرون، ولم يقضِ عليها العشّاق الكاذبون؟!!، ما ظنّكم بقلوبٍ لم تعرف الحبّ إلا حبّ الله وحبّ رسوله وحب طاعتهما..؟!
ما ظنّكم بقلوبٍ لم تعرف إلا الحبّ في الله وذاقت حلاوته، تحابوا بروح الله على غير أرحامٍ بينهم ولا أموال يتعاطونها، في وجوههم نور، وإنهم لعلى نور يوم الفصل كما أخبر الحبيب - صلى الله عليه وسلم -، هم الذين يقول الله لهم يوم القيامة: أين المتحابون بجلالي؟ اليوم أظلهم بظلي يوم لا ظل إلا ظلي؟!!!
ماظنّكم بقلوب أحبّت و تركت الملذّات والشهوات طلباً لمحبة الحبيب الأسمى والأعلى؟!!!، ما ظنّكم بقلوبٍ أحبّت فكانت أرواحها ودماؤها وأموالها وأولادها فداء الحبيب دون حسرةٍ بل شعورٍ بالتقصير وعدم أداء حق الحبيب؟!!!
إنه الحب الذي يسمو بالروح، ويصل بها إلى أعلى مراتب العقيدة، حب الله ودينه وأهله عندما يتغلغل في النفس، فقدّم له الصحابة من قبل كل غالٍ ونفيس حين تساقطوا على درب العزة شهداءً وعشّاقاً للشهادة ولقاء المحبوب.
أحسب أنني لم آتِ على بعضِ مما أردتُ من معاني، حسبي أنني قد فتحتُ لكم الباب لتأمّل ذلك الحب وحال المحبين الصادقين، وفي آي القرآن و حوادث السيرة وقصص السلف و بعض المتأخّرين ما فيه الغناية والكفاية، وما لا يُدرَك كلّه؛ لا يُترَك جُلّه.
اللهم إنا نسألك حبّك وحب من يحبّك وحبّ عملٍ يقربنا إلى حبّك، اللهم ما رزقتننا فيه مما نحبّ فاجعله قوة لنا فيما تحبّ، وما زَويت عنا مما نحبّ فاجعله فراغاً لنا فيما تحب، اللهم اجعل حبّك أحبّ إلينا من أهلينا وأموالنا ومن الماء البارد على الظمأ، اللهم حببنا إليك وإلى ملائكتك وأنبيائك ورسلك وعبادك الصالحين، اللهم أحي قلوبنا بحبك واجعلنا لك كما تحبّ، اللهم اجعلنا نحبّك بقلوبنا كلّها، ونرضيك بجهودنا كلّها، اللهم اجعل حبنا كله لك، وسعينا كله في مرضاتك.
ذي الحجة1424هـ
http://saaid.net المصدر:
ـــــــــــــــــــ(111/304)
نحو بيت سعيد
إن البيت المسلم السعيد هو الدعامة الأساسية لقيام المجتمع المسلم الرشيد وإن الأسرة المسلمة الآمنة المستقرة ضرورة لابد منها لصلاح المجتمع وتماسكه وشرط لا مفر منه.
إذا ما أريد لأمة أن تعز وأن تنتصر وتسود ولهذا كانت عناية الإسلام كبيرة بالأسرة فأقام على الحق والعدل بناءها وثبت بالود قواعدها وقوى بالخوف من الله عُراها.
ولهذا بذل أعداء الإسلام جهوداً مضنية لتدمير الأسرة المسلمة وتفكيك أواصرها، وسلكوا إلى ذلك سبلاً شتى، فحرضوا الزوجات على التمرد على أزواجهن، وزينوا للنساء سبيل هجر البيوت
والانطلاق إلى الشوارع والطرقات في ظل شعارات زائفة. ونشأت من جراء ذلك مشاكل لم تكن لتوجد أصلاً لو أن الأمور سارت وفق ما أمر الله.
وعمل أعداء الإسلام كذلك بما يملكون من وسائل الإعلام وغيرها على تخريب علاقات الحب والاحترام بين الآباء والأبناء وبين الأمهات والبنات وبين الشيوخ والشباب تحت ستار مبادئ اخترعوها مثل ضرورة الاختلاف بين الأجيال وما إلى ذلك من الأباطيل والأقوال.
وإذا كان أتباع الباطل جادين في نصرة باطلهم فأولى بأتباع الحق أن ينصروا حقهم، لكن ذلك يقتضي عملاً دؤوبا وجهاداً مستمراً في جميع المجالات وعلى كل المستويات حتى يتحقق الأمل وتجنى الثمار، (وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ * بِنَصْرِ اللَّهِ يَنْصُرُ مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ) [الروم: 4، 5].
كيف تتحقق السعادة في البيت؟
البيت المسلم يتكون من رجل وامرأة جمع بينهما الزواج الشرعي المعلن، والزواج ـ الذي هو أصل الأسرة في الإسلام ـ تنظيم لفطرة أودعها الله في الإنسان، به يتميز عن الحيوان، وهو إشباع لهذه الفطرة بطريقة كريمة تناسب الإنسان الذي كرمه الله - سبحانه - واستخلفه في الأرض لعمارتها.
يقول الله - تعالى -: (وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً) [الإسراء: 70].
وإذا تصورنا أن عقد الزواج بين رجل وامرأة هو عقد شركة بين طرفين كل منهما كامل الأهلية، فإن كل شركة قابلة للربح والخسارة، تربح إذا نظمت تنظيما سليماً وأديرت إدارة رشيدة وأدى كل شريك واجبة على الوجه الأكمل، وسادتها روح التفاهم والمودة وتوافرت فيها الأمانة والإخلاص بين طرفيها.
يقول الله - تعالى - في الحديث القدسي: (أنا ثالث الشريكين ما لم يخن أحدهما صاحبه فإذا خانه خرجت من بينهما). (رواه أبو داود).
والإسلام يبغي لشركة الزواج التي تنشأ بين رجل مؤمن وامرأة مؤمنة أن تنجح وتربح وتثمر أطيب الثمرات، ذرية طيبة تجاهد في سبيل الله وترفع راية الحق وتنشر العدل والسلام في الأرض، ومن أجل ذلك رسم الإسلام طريقاً واضح المعالم ميمون الخطوات.
أولاً: اختيار طرفي الشركة:
وحتى لا نخدع بالمظاهر أو نتأثر بالأهواء فنقع في الخطأ أرشدنا الإسلام إلى الطريقة المثلى لاختيار شريك الحياة.
يقول رسول الله - صلى الله عليه وسلم - " تنكح المرأة لأربع لمالها ولجمالها ولحسبها ولدينها، فاظفر بذات الدين تربت يداك ". متفق عليه.
فمن استطاع الحصول على امرأة ذات خلق ودين تشاركه الحياة في بيته زوجة صالحة فقد ظفر وانتصر. وذلك لا يعني أن الجمال مرفوض فإن وجوده من أسباب السعادة بلاشك وكذا بقية الصفات المذكورة في الحديث غير أنه ينبغي ألا يكون هو الهدف، وعليه فيجب أن تتوافر في المرأة مع الدين صفات:
1. الجمال: لقوله - صلى الله عليه وسلم -: " انظر إليها فإنه أحرى أن يؤدم بينكما " رواه الترمذي والنسائي وابن ماجه.
2، 3. ـ أن تكون ودوداً ولوداً. لقوله - صلى الله عليه وسلم -: " تزوجوا الودود الولود".. رواه أبو داود والنسائي.
4. ويستحب أن تكون قليلة المهر لقوله - صلى الله عليه وسلم -: " أعظم النساء بركة أيسرهن صداقاً " (رواه الإمام أحمد والبيهقي)،
5. أن تكون بكراً لحديث جابر بن عبد الله - رضي الله عنه - وقد تزوج ثيباً فقال رسول الله صلى عليه وسلم: " هلا بكراً تلاعبها وتلاعبك " (متفق عليه).
أما أهم الصفات التي ينبغي أن تتوافر في الزوج فهي الدين والخلق. يقول رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " إذا أتاكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه. إلا تفعلوه تكن فتنة في الأرض وفساد عريض ". (رواه الترمذي وأحمد).
وقال رجل للحسن: إن لي بنية فمن ترى أن أزوجها؟ فقال: زوجها ممن يتقي الله - تعالى - فإنه إن أحبها أكرمها وإن أبغضها لم يظلمها.
ثانياً: إدارة الشركة:
لابد لنجاح أية شركة من وجود إدارة تقوم بشأنها وتحفظ أمرها، وأن تكون لهذه الإدارة صلاحيات البت في كل ما يطرأ من مشاكل أو يستجد من أحوال، ولا يقبل أبداً أن تترك هذه المسألة دون تحديد واضح لئلاً يتنازع الطرفان الرئاسة ويتجاذبا القيادة فيقع الخلاف وتدب الفوضى ويحل الشقاء.
وبنظرة موضوعية نتساءل: أي الطرفين مؤهل للقيادة في شركة الأسرة الرجل أم المرأة؟ لقد أنعم الله - تعالى - على النساء بقسط وافر من جيشان العاطفة ونبل المشاعر ورهافة الإحساس، وفي مقابل ذلك أنعم - سبحانه - على الرجال بنصيب أوفر من حسن التبصر ودقة التفكر وعظيم الروية والنظر في عواقب الأمور دون تسرع أو انفعال، ولا ينكر ذلك إلا جاحد ومكابر. (هذا هو الغالب المشاهد ولا يعني هذا أن المرأة قليلة التبصر، وأن الرجل خال من العاطفة)
إن من مصلحة هذه الشركة ومن أجل سعادة طرفيها المؤسسين ومن يعيش في ظلالها من بنين وبنات أن يسلم زمام الإدارة إلى الزوج، رب الأسرة وعمادها ومثلها الأعلى. وهذا ما جاء به القرآن الكريم وأمر به الله العلي الحكيم بقوله - تعالى -: (الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ)[النساء: 34].
ثالثاً: التشاور:
ومادامت القوامة حكماً ورياسة؛ فإن كل حاكم في الإسلام ليس مطلق الصلاحيات وإنما هو محكوم بشرع الله مسؤول بين يديه - سبحانه - عن رعيته التي استرعاه، حفظهم أم ضيعهم؟ عدل فيهم بمقتضى أمر الله ونهيه أم ظلمهم؟
والشورى شرعة شرعها الله في دينه لتقوم عليها العلاقة بين الحاكم والمحكوم، ولا يظن أحد أن ذلك خاص بحكام الأمة وأمرائها وإنما هو عام يشمل كل حاكم وكل قائد على أي مستوى وفي أي موقع.
رابعاً: توزيع الأعمال والاختصاصات:
في كل شركة لابد أن يكون لكل شريك حقوق وعليه واجبات حتى تستقيم الأمور، وكذلك فعل الإسلام بالنسبة للبيت؛ فقد جعل لكل من الزوجين حقوقاً ورتب عليها واجبات، لن تتحقق السعادة إذا أهمل أحد الطرفين أداء واجبه وراح يطالب الآخر بحقوقه عليه، وإنما ينبغي لكل منهما أن يبادر بتأدية ما عليه من واجبات، رغبة في إسعاد شريكه وإدخال السرور على نفسه، وعلى الآخر مثل ذلك.
فقد تكفل الله - سبحانه وتعالى- وهو أحكم الحاكمين بتحديد تلك الحقوق والواجبات حتى لا يتظالم الشريكان فتتبخر السعادة، ووفق قاعدة متوازنة دقيقة من صنع العليم الحكيم تقرر الأمر على أساس العدل يقول - سبحانه -: (وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ)[البقرة: من الآية228].
خامساً: حقوق الزوجة:
قرر الإسلام للزوجة حقوقاً طالب بها الزوج وحثه على القيام بها بحكم ولايته للأسرة ورياسته لها ومسؤوليته عنها، منها.
1. أن يكون حسن الخلق في معاملتها: وليس حسن الخلق معناه أن يكف الأذى عنها فحسب، ولكن معناه أن يتحمل ما قد يبدر منها وأن يكون حليماً عند غضبها، اقتداء برسول الله - صلى الله عليه وسلم -.
2. المداعبة والمزاح والملاعبة: فإنه بهذا تطيب قلوب النساء ويغشاهن السرور والحبور ويأنسن بالزوج ويسعدن بقربه، وهكذا كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؛ فقد روى أنه كان - صلى الله عليه وسلم - يسابق عائشة - رضي الله عنها - فسبقته مرة وسبقها أخرى فقال ".. هذه بتلك " (رواه أبو داود والنسائي وابن ماجه).
وهو - صلى الله عليه وسلم - القائل: " أكمل المؤمنين إيماناً أحسنهم خلقاً وألطفهم بأهله ". (رواه الترمذي والنسائي والحاكم).
3. أن يغار عليها: وغيرة الرجل على امرأته من ثمرات الإيمان ومن دلائل المروءة وأمارات الحب. قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " أتعجبون من غيرة سعد؟ أنا والله أغير منه والله أغير مني "(متفق عليه).
وغيرة الله أن يأتي الرجل المؤمن ما حرم الله عليه، والغيرة المحمودة هي الغيرة المعتدلة، أما الغيرة المفرطة والتي لا يوجد لها مبرر فهي مذمومة قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " إن من الغيرة غيرة يبغضها الله - عز وجل -، وهي غيرة الرجل على أهله من غير ريبة ". (رواه أبو داود والنسائي ابن حبان).
حقوق الزوج:
وكما أن على الزوج حقوقاً لزوجته، فكذلك للزوج حقوق على امرأته، وقاعدة الإسلام العادلة أنه لا حق إلا في مقابلة واجب، ونذكر من هذه الحقوق ما يلي:
1. الطاعة: فلا يجوز للمرأة عصيان زوجها أو مخالفة أمره إلا فيما حرم الله وفي ذلك يقول رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " لو كنت آمراً أحد أن يسجد لأحد لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها لعظم حقه عليها " رواه الترمذي وابن ماجه.
2. التجمل: على المرأة أن تتجمل لزوجها وأن تتزين له بحيث لا يقع نظره عليها إلا وهي في أحسن حالاتها بهاء.
3. أن تكون بارة بزوجها: ومن البّر به ألا توقعه في الحرج والإثم بعنادها وإصرارها على خلاف ما يطلب، وعمل ما لا يرغب، خاصة إذا أقسم عليها أن تفعل شيئاً ما أو أقسم عليها ألا تفعل.
والمرأة الصالحة تبر زوجها إذا أقسم ولا تضطره للتكفير عن يمينه بعد الحنث فيها؛ لأنها تخشى الله وترعى حق زوجها ولاتضطره لتحمل المشقات، فضلاً عما يسببه هذا التصرف من انعكاسات تعود على البيت.
4. الرعاية التامة: وتعني أن على المرأة أن ترعى حق زوجها غائباً وحاضراً فيجب ألا تدنس عرضه ولا تبدد ماله، وأن تبتعد عن كل ما يسوءه أو ينال من سمعته، وأن ترحم أبناءه وبناته سواء كانوا أبناءهما معاً أم لا.
قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " ما استفاد المؤمن بعد تقوى الله - عز وجل - خيراً له من زوجة صالحة، إن أمرها أطاعته، وإن نظر إليها سرته، وإن أقسم عليها أبرته، وإن غاب عنها حفظته في نفسها وماله " (رواه الإمام أحمد).
5. القناعة: يجب على الزوجة العاقلة ألا ترهق زوجها بكثرة المطالب وأن تكون قانعة راضية بما قسم الله لها، فإن كثرة مطالب المرأة ربما تدفع زوجها إلى السعي في كسب الحرام وفي ذلك شقاء الأسرة كلها في الدنيا والآخرة، وأيضاً فإن كثرة مطالب الزوجة تجعل الزوج يعيش مهموماً مغموماً عندما لا يستطيع تلبية مطالبها، وهمه وغمه لابد أن ينعكس عليها وعلى البيت كله، وفي الكتاب العزيز: (لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا مَا آتَاهَا) [الطلاق: 7].
6. الوعظ والتهذيب: قرر الله تبارك و- تعالى - هذا الحق ليستعان به على حفظ دعائم البيت كيلا تعصف به رياح الغضب أو تدمره عواصف الخلاف.
ولأن الرجل هو المسؤول عن حفظ البيت ورعايته والدفاع عنه ضد الأنواء والأعاصير فقد كلفه الله تبارك و- تعالى - بذلك في قوله الحكيم: (وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلاً إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيّاً كَبِيراً) [النساء: 34].
فإذا ظهرت على المرأة أعراض النشوز ـ وهو التمرد والعصيان ـ فإنه يحق للزوج أن يقوم بنصحها ووعظها حيث يذكرها بالله - سبحانه - ويخوفها من غضبه وعقابه، ويذكرها كذلك بحقه عليها، وبأن الله - تعالى - فرض عليها طاعته، على أن يكون ذلك بطريقة حكيمة مؤثرة، وليس له أن يزيد على ذلك، نحو سب أو شتم أو كلام مكروه، فإن لم ينفع هذا العلاج كان له أن ينتقل إلى ما بعده وهو الهجر بأن يعرض عن كلامها وليس له أن يزيد في ذلك على ثلاثة أيام، وأن يعتزل فراشها ولا يزيد ذلك على شهر وقوفاً عند حدود ما ورد في ذلك، فإذا لم ينفع هذا العلاج أيضاً انتقل إلى الأمر الثالث وهو الضرب، وكان - صلى الله عليه وسلم - يكرهه وما فعله قط.
وبعد:
فإن البيت السعيد يزهى بالمرأة الصالحة الحافظة لزوجها، ونفسها، وبيتها، القائمة على رعاية ما استرعاها الله - سبحانه - وهي التي يبارك لها ويتم بها الخير والسعادة.
http://mag.ma3ali.net المصدر:
ـــــــــــــــــــ(111/305)
مفاهيم زوجية
مفاهيم زوجية ومواقف أسرية ومعان تربوية يحتاجها الزوجان لتكون علاقتهما الزوجية عشرة على عشرة، فيزداد الحب بينهما ويكثر التفاهم ويتحقق الانسجام والتناغم.
هل يتصور أن تنتقل العلاقة الزوجية إلي علاقة صداقة ومحبة؟!
أم أن الزوجين لا يمكنهما أن يكونا صديقين؟ !
لقد أوقفتني حادثة للحبيب محمد - صلى الله عليه وسلم عندما رأيته يتعامل مع زوجته عائشة - رضي الله عنها - وكأنها صديقته، وذلك فيما يرويه الإمام مسلم عن مالك خادم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: دعا رجل فارسي النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى طعام: فقال النبي: أنا وعائشة فقال: لا. فلا، ثم أجابه بعد، فذهب هو وعائشة يتساوقان، فقرب إليهما إهالة (اللحم السمين)
إن هذا الموقف بمدي العلاقة الحميمة للزوجين ودرجة الحب بينهما، حتى إنهما لا يريدان الاستغناء عن بعضهما البعض، وإن كانت الدعوة للزوج إلا أنه اشترط مجيء زوجته معه..
ولم يهمه رضي الداعي من عدمه، وإنما يهمه مرافقة زوجته له، إن هذا المعني من معاني الصداقة في العلاقة، وإذا توفرت هذه المعاني في العلاقات الزوجية أصبحت العلاقة راقية ومتميزة، و ليس كل زوجين تتوفر فيما بينهما علي اعتبار أنها زوجته وأم أولاده، فلها من الحقوق مالها وعليها من الواجبات ما عليها، ولكن مفهوم الصداقة هو التفاني في المحبة والرقة في المعاملة، فقد كتب صديق إلي صديقه: (لساني رطب بذكرك، ومكانك في قلبي معمور بمحبتك) وكتب آخر لصديقه (الله يعلم أنني أحبك لنفسك فوق محبتي إياك لنفسي، ولو أني خيرت بين أمرين: أحدهما لي وعليك والآخر لك وعلي لآثرت المروءة وحسن الأحدوثة بإيثار حظك على حظي وإني أحب وأبغض لك وأوالي وأعادي فيك. فهذه من علامات الصداقة وإشاراتها..
فلو أن العلاقة الزوجية تضمنت علاقة صداقة لا يستغني كل واحد منهما بالآخر عن الآخرين فيكون كل طرف هو مركز اهتمامه وصندوق أسراره، يعتمد عليه في المهمات الصعبة، فإن سقط رفعه، وإن مرض وقف علي رأسه، وإن احتاج أعطاه وإن طلب لباه، فهذه من علامات الصداقة، فالصداقة قرب قلبي أكثر من كونها قربا جسديا
قال ابن عينية ابن عباس رضي الله عنه: (القرابة تقطع، والمعروف يكفر، ولم ير لرفقته وصداقته، ولهذا فإن للصداقة ثلاث علامات:
الأولي: التقبل:
أي أن أتقبل الطرف الآخر بما فيه من حسنات وسيئات، وأرتاح بالجلوس معه والحديث إليه وأفرح عند اللقاء به، ولعل من أكبر المآسي التي نعيشها في حياتنا الزوجية أن لا يتقبل أحدنا الآخر فهذا توضع الحواجز ويبحث كل واحد عن البديل لبناء العلاقة معه وهنا تبتعد (الصداقة) عند أول خطوة في بناء العلاقة.
الثانية: القبول
وهذه العلاقة الثانية تعد التقبل، وهي أنني أبحث عن إيجابيات الطرف الآخر، وأركز عليها فيكون مقبولا عندي ويزداد حبي له لأنني أري الإيجابيات والحسنات فيه، ولا أحرص منذ البداية علي تغيير السيئات وإبداء الملاحظات التي عليه، فقد قال أحد علماء النفس (ليس بمقدور أحد أن يقوم إنسانا آخر، ولكن بحبك لهذا الإنسان الآخر علي ما هو عليه، تستطيع أن تمنحه القوة لتغيير نفسه.
الثالثة: التقدير
بعد التقبل والقبول يأتي التقدير لاستمرارية العلاقة بين الطرفين.
وتقدير الذات حاجة أساسية ولهذا ركزت عليها كبري الشركات والمؤسسات الربحية وغير الربحية عندما رفعت شعار: (تقدير العميل أهم شيء) أو شعار: (العملاء دائما علي حق) وكذلك يركز عليها الطفل الصغير، فإنه يفعل الحركات الغريبة من أجل لفت النظر، ففي ذلك تقدير له وإعطاؤه الاهتمام بوجوده، وهذا ما نريده من الزوجين، ولهذا عندما دعا الرجل الفارسي الحبيب محمدا صلي الله عليه وسلم اشترط عليه الرسول أن ترافقه زوجته، فهذا من كمال التقدير للطرف الآخر، وهذا من التصرفات التي ترفع العلاقة بين الطرفين من علاقة زوجية إلي علاقة صداقة، فتنشأ بعدها كل الأخلاق التي يتمناها الإنسان من الطرف الآخر بسبب وجود علاقة صداقة بينهما، فإذا طلب لا يرد طلبه، وإذا سأل أعطي، وإذا مرض وقف عند رأسه، وإذا احتاج لبي حاجته، وإذا مات كان وفيا له.
ولا يعني ذلك أن الصداقة أعلي مرتبة من المودة والرحمة في العلاقة الزوجية، ولكن عندما يرتبط الطرفان بالعلاقة الزوجية، ثم تكون العلاقة بينهما علاقة صداقة لأصبحا نور علي نور.
http://mag.ma3ali.net المصدر:
ـــــــــــــــــــ(111/306)
ما هكذا تبنى البيوت ..؟!
من أغرب الأخبار التي تناقلتها الصحف والمواقع مؤخرا (على أنها طريفة!!) إقدام شاب على تطليق عروسه بالثلاثة في ليلة زفافها بسبب نشوب خلاف حاد بينه وبينها هي وشقيقها أثناء وجودهم في قصر الأفراح وقبيل مغادرة العريس وعروسه إلى عش الزوجية (بسبب الخلاف على طريقة الزفة)!
أياً كانت تفاصيل الخبر أو سبب الخلاف.. تبقى القصة شاهدا مؤسفا على غياب الوعي الكافي بحقيقة هذا العقد العظيم.. عقد الزواج، الذي تبنى عليه مؤسسة عظيمة هي مؤسسة الأسرة؛ تلك اللبنة الأساسية في المجتمع المسلم المنشود.
قد ينشغل الكثيرون بمن المسؤول عن هذا الاستهتار والتمادي فيه إلى حد الوصول في دقائق قليلة إلى طلاق بالثلاثة.. والناس يتفرجون؟!
لكن قبل أن نلقي باللوم على أحد أفراد القصة.. لابد أن نراجع جيدا مدى التقصير الشديد في نشر الوعي الثقافي والشرعي في أوساط الشباب والشابات قبل الزواج، وتبصيرهم بأهمية ما هم مقبلون عليه من مسؤوليات وتبادل للحقوق والواجبات، وأن تأسيس البيوت على اختيار صحيح وتوافق وانسجام.. لا تؤثر فيه هبات غضب عابرة أو مواقف عارضة، وأن إقامة البيت المسلم مسؤولية كبيرة وأمانة عظيمة.
قد يرى البعض أن هذا الموقف من المواقف النادرة..لكننا نرى فيه عبرة وتبصرة.ولعل فيه تذكيرا للدعاة وحملة الأقلام وذوي التأثير للقيام بدورهم في نشر الوعي الذي نتمنى أن يتزود به المقبلون على الزواج!
http://www.lahaonline.com المصدر:
ـــــــــــــــــــ(111/307)
هل ستسكنين عند أهل زوجك ؟!
هل تملكك مخاوف من حدوث مشكلات مع أخواته أو والدته بحكم الاحتكاك؟!!..
إذا خذي هذه النصائح..
1-منذ الأيام الأولى في حياتك الزوجية يجب أن تجلسا سويا و تخططا لحياتكما الجديدة المشتركة و تحدثا بشأن السكن عند أهله
2- ادخلي عليهم بنفسية محبة ولا تتوقعي إساءتهم إليك و تلمسي العذر في كل تصرف قد يتبادر إلى ذهنك أن فيه إساءة واحسني الظن بهم
3- ليكن تعاملك معهم قائما على الاحترام والتودد إليهم، احبيهن و عاملي أخواته كأخوات أو صديقات و عاملي أمه كأعز خالة لك (ولا أقول كأمك فلن يصل إلى منزلتها أحد) و سترين ثمارها قريبا
4- اهديهن بين فترة وأخرى وفاجئيهن بما يحبنن، اشرحي لهن دروسهن أو ساعديهن في بحث صعب
5- اكظمي غيضك و تحملي ما قد يبدر منهن فالإنسان ضعيف معرض للإساءة والخطأ
6- تناقشي مع زوجك بهدوء واطلبي منه أشياء..
• أن لا يظهر محبته الزائدة لك عند والديه وأخواته وبالذات أمه (فبعض المشاكل سببها غيرة الأم من زوجة ابنها و اعتقادها أنها سلبته محبتها)
• عندما لا يعجبه شيء في سلوكك لا يقومه أمامهن بل ينتظر قليلا حتى تكونان في غرفتكما الخاصة فيناقشك كيفما أراد لان ذلك يسبب إحراجا شديدا لك ومن ثم تكرهين نظراتهن
• إياه أن يصرخ في وجهك أو يعيرك بأي شي في حضرتهن بالذات (بغض النظر عن رداءة هذا الأسلوب في تقويم الزوجات) فاحترامه لك سبب في احترامهن أيضا
• لا يتحدث أمامهن عن رحلاتكما أو نزهاتكما الخاصة أو ما أهداه لك أو يمتدح جمالك بشكل متكرر فهذا يغضبهن ويثير حزنهن خصوصا أن لم يتيسر لهن الخروج
7- قسموا الأعمال المنزلية بينك وبين أخواته بشكل يرضي الجميع فغالبا ما تكون تلك الأعمال سبب قوي في الخلافات
8- احذري أن يغضبنك لأنهن لن يحببنك بعدها أبدا فأنت في نظرهن (بنت ناس) لا يهمهن أمرك كثيرا فان أحببنك ستكون حياتك معهن اجمل حياة وان أبغضنك فستتنغص حياتك دوما، فحياتك مرتبطة بهن.
9- احفظي أسرارهم و أخبارهم الخاصة التي لا يحبون أن يعرفها الآخرون و اكتميها حتى عن اهلك فمن المثير للغضب أن تصل إسرارهم إلى الغرباء و تكونين أنت من سرب الخبر.
10-اذكريهم بالخير دائما، فسمعتهم من سمعتك وهم أعمام أولادك ولهم ينتسبون!
11-إياك أن تقارني بين اهلك وبينهم في أي شي، فهذا يثير الغضب و كأنك تقولين أن مستوى أهلي أعلى منكم (أهلي يسافرون سنويا إلى كذا، أو أهلي يشترون هذا النوع الغالي، أو بيت أهلي فيه كذا وكذا من الأثاث.. أو.. أو.. أو.. الخ)
12-و أخيرا... كل فتاة بحكم احتكاكها مع أهل زوجها ستعرف ما يحبون و ما يبغضون فتتصرف بما تعتقد انه المناسب..
رجب 1423 هـ..
http://mag.ma3ali.net المصدر:
ـــــــــــــــــــ(111/308)
فن التعامل مع المشاكل الزوجية
الزواج سكن ومودة لطرفي العلاقة الزوجية، ومن شأن السكن والمودة أن يتصف بالديمومة والثبات والاستقرار، لكن مع فقدان الوعي وارتفاع نسبة الضغوط النفسية والاجتماعية والاقتصادية والسياسية يبقى ذلك السكن أملاً منشوداً، إذ من شأن تلك الضغوط أن تزعزع استقرار الأسرة، وتقتحم عليها ذلك الهدوء.
فن التعامل مع المشكلة:
في سبيل حل المشكلة التي تواجه الزوجين لا بد من الشعور بها أولاً، فإدراك المشكلة، والوعي بها، ثم البحث عن أسبابها يعتبر نصف الحل، كما أنه لا بد من المصارحة بين الزوجين، فهي أساس الثقة، والثقة هي أُسُّ الأسرة وأساسها.
فإذا تمت معرفة الأسباب، ومراجعة الحقوق والواجبات في حوار هادئ أمكن حَلّ المشكلة وتجاوزها، وليحذر الزوجان من حب "الإدانة" بحيث يسعى كل واحد منهما إلى إدانة الآخر، لأن ذلك ربما ولّد النقمة والحرص على تَلَمُّس العثرات، وتتبع العورات.
الألفة بين الزوجين:
كثيراً ما تشكو الزوجات من انهماك أزواجهن في العمل وانصرافهم عنهنّ، وربما يعود ذلك إلى أن بعض الأزواج يحبون فكرة "الزواج" أكثر مما يحبون "معناه" وما يشتمل عليه من حقوق وواجبات و"سَكَن ومودة"، أو يكون الزواج طموحاً يسعى إليه الرجل، فإذا تحقق ذلك الطموح ملَّه ورغب عنه، وعاد كما لو أنه ما زال يعيش فرداً وحيداً، أو ربما لأن العمل يشعره بالرضا عن نفسه، ويولّد عنده الثقة بالنفس والاستقرار الداخلي أكثر مما يولّدهُ عنده السَّكن العاطفي بوجود رابطة الزوجية، وربما لأن عمله يسبب شعوره بالاقتدار والسيطرة أكثر مما يشعر بذلك عندما يرتبط بزوجة عاطفياً، فإن كثيراً من الرجال لا يدركون أن التعلق العاطفي لا يبدأ إلا بمعزل عن السيطرة، فالسيطرة إنما تكون في عالم الأشياء، والتعلق العاطفي والمودة إنما تكون في عالم الأشخاص، والخلط بين العالمين يسبب مشاكل كبيرة.
وثمة مسألة على جانب من الأهمية كبير، وهي أن كثيراً من النساء، وبعض الرجال يفرطون في تعلقهم العاطفي بأزواجهم مما يشكل عبئاً كبيراً على المتعلَّق به أشبه ما يكون بالحصار العاطفي، فيشعر الزوج بالضيق، ويتململ من تلك الحالة فيسعى إلى الانشغال عنها والهروب منها، لأن الرجال لا يتحملون المرأة المفرطة في التعلق العاطفي بزوجها، وكذا النساء مما يولِّد النفور.
وهذا التعلق المفرط له أسباب كثيرة منها أن لا يكون للمرأة صديقات يتقاسمن مع الزوج تلك العاطفة الفيَّاضة التي يفيض بها قلب المرأة، وقد يكون سبب ذلك الفراغ الذي تعاني منه المرأة إذا لم يكن لها ما يشغلها، وخاصةً إذا لم يكن لديها أطفال، مما يجعل الزوج شغلها الشاغل، ومن ثمَّ وجب على المرأة أن يكون لها اهتمامات متنوعة تحرص من خلالها على تحقيق وجودها المنفصل عن زوجها بصفتها فرداً له كينونته، مكمِّلاً للزوج وليس متناحراً معه.
http://mag.ma3ali.net المصدر:
-ـــــــــــــــــــ(111/309)
كيف تغيرين طباع الرجل ؟
تغيير طباع الرجل فن لا تقدر عليه إلا المرأة..
يخطىء الزوج الذي يعتقد أن بإمكانه تغيير عادات زوجته بين ليلة وأخرى، كذلك تخطىء الزوجة التي تعتقد إنها بضغطها وإلحاحها الشديدين تستطيع إعادة تشكيل الزوج وتغيير عاداته التي تراها سلبية في وقت قصير..
فالعلاقة الزوجية تفاعل حر طويل الأمد قائم على التأثير والتأثر، وإذا كنت تشكين من عادات زوجك السيئة، فليس أمامك إلا إتباع مهاراتك وذكائك وحكمتك لتغيير طباعه وستنجحين حتما، ولكن بالتقسيط الممل -:: والوصفة كما يلي:: - قليل من الحب،، مع شيء من سعة الصدر،، ومقدار من الصبر والاحتمال امزجى كل ذلك في إطار الحوار الهادئ الذي يراعى ما نشأ عليه الرجل من مفاهيم موروثة وعادات سلوكية وستحصلين على ما تريدين ابحثي عن نقاط الاتفاق بينك وبينه، تجاهلي نقاط الاختلاف ثم غيري قدر الامكان عاداتك السلبية التي يرفضها حتى يشعر بحبك له وبأنك تضحين من اجله لعل ذلك يشكل حافزا له لكي يغير من عاداته السيئة في نظرك لا تتذمري، ولا تقلقي فبقدر توافر المشكلات ثمة حلول لا حصر لها المهم أن تستخدمي مواهبك التي حباك بها المولى فى ابتكار وسائل التأقلم وطرق إيجاد الحلول.. وحاولي أن تتعرفي على أسباب العادات التي ترينها سيئة في زوجك، من أجل إن تساعدية على التخلص منها تغيير الذات إذا هي المدخل لتغيير الآخر ولكن لماذا يتوجب على المرأة أن تكون دائما هي الطرف البادىء بالتغيير الذاتي؟؟ ((أمانة عليك في حالة احتاط، أو حزن.. أما خطر ببالك هذا التساؤل؟ لماذا يتوجب على المرأة التنازل؟؟ ))..
إنه ليس تنازل عزيزتي ولكن هي سفينة قبطانها الرجل خارجيا ولكن لو تمعني لوجدتي بأنك أنت القبطان في تسيير تلك السفينة إلى بر الأمان وفي الواقع لا احد يشترط أن تكون البداية من المرأة ولكن حتى لو حدث ذلك فليكن من أجل عيون العلاقة الأحب إلى قلبك أليس استمرار الحياة الهانئة جدير بالقليل من التضحية؟؟ ونصيحة من أختاَ َ لكم لا تتطلعي أبدا لما حبى به المولى غيرك من نعم فقد حباك بنعم لا ترينها ولكن إذا رأيتي من هو محروم منها عندها ستفكرين الآلاف المرات كيف تحافظين على نعمة المولى لك.
http://www.lakii.com المصدر:
ـــــــــــــــــــ(111/310)
زواج موسى عليه السلام وما فيه من دروس وعبر
د. سعيد عبد العظيم
بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد:
آداب خروج المرأة:
خرج نبي الله موسى - عليه السلام - من مصر خائفاً يترقب، خوفاً تمهدت أسبابه (وَلَمَّا وَرَدَ مَاء مَدْيَنَ وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّةً مِّنَ النَّاسِ يَسْقُونَ وَوَجَدَ مِن دُونِهِمُ امْرَأتَيْنِ تَذُودَانِ قَالَ مَا خَطْبُكُمَا قَالَتَا لا نَسْقِي حَتَّى يُصْدِرَ الرِّعَاء وَأَبُونَا شَيْخٌ كَبِيرٌ)[القصص: 23]. فالمرأتان ذكرتا السبب الذي لأجله خرجتا، فلابد من السقيا، والأب كبير السن لا يقوى على ذلك، وعلى الرغم من ذلك، فقد تباعدتا عن مكان السقاة، وذلك لأن المرأة لا ينبغي أن تكون خراجة ولاجة، وإذا احتاجت للخروج لا بد من التأدب بالآداب الشرعية، والتباعد عن مواطن التهم والريب والشكوك، والنصوص في حقها تأمرها بالصبانة والتحفظ والتحجب والتستر، قال - تعالى -: (وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الأُولَى)[الأحزاب: 33]. وقال: (وَإذا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعاً فَاسْأَلُوهُنَّ مِن وَرَاء حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ)[الأحزاب: 53]. وقال: (يَا نِسَاء النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِّنَ النِّسَاء إِنِ اتَّقَيْتُنَّ فَلا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلاً مَّعْرُوفاً)[الأحزاب: 32]. وقال: (وَلا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِن زِينَتِهِنَّ)[النور: 31].
وقالي – تعالى - مخاطباً نبيه الكريم والأمة في شخصه الكريم: (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاء الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَن يُعْرَفْنَ فَلا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَّحِيماً)[الأحزاب: 59]. وصح عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: " والمرأة راعية في بيت زوجها ومسئولة عن رعيتها " فحدد بذلك مكانها، فإذا احتاجت للخروج فعليها أن تأخذ حواف الطريق، وتغض بصرها، وترتدي زيها الشرعي بحيث يضرب من الرأس حتى القدم، ويكون فضفاضا غير ضيق لا يصف حجم العظام ولا يشف ما تحته من البدن ولا يكون ثوب شهرة ولا زينة ولا يشابه مثل الرجال ولا مثل الكافرات، والمرأة لا تختلط بالرجال حتى في أماكن العبادة، فهي تطوف بالكعبة من خلف صفوف الرجال، وخير صفوف الرجال أولها وشرها أخرها، وخير صفوف النساء أخرها وشرها أولها وذلك في الصلاة، فالمباعدة بين الرجال والنساء من جملة المطالب الشرعية التي ينبغي أن نحافظ عليها في دور العلم ووسائل المواصلات.... وهي لمصلحة الرجال والنساء، إذ أن النبي - صلى الله عليه وسلم - ما ترك فتنة أضر على الرجال من النساء، وثبت الخبر أن أول فتنة بنى إسرائيل كانت في النساء ولا شك أن بليه هذه الأمة بالمرأة المتهتكة المتبرجة غاية في الخطر، لذا يحرص أعداء الإسلام على استدراجها إلى حتفها لتكون فتنة لنفسها وفتنة لغيرها وبزعم المطالبة بحريتها وبحقها في أن تكون رئيسة وقاضية.
ورفعت من أجل ذلك الشعارات مثل مشاركة المرأة للرجل في جميع ميادين الحياة، والمرأة نصف المجتمع فلا بد من إنصافها...
وتنادي بعض هؤلاء بأنه لا بد وأن نجعل المرأة رسولا لمبادئنا التحررية ونخلصها من قيود الدين، لقد أراد هؤلاء للمرأة أن تكون سلعة رخيصة معروضة على الملأ وأن تكون أداة لتحلل الأمة وانسلاخها من دينها بمثل هذه الشعارات البراقة المعسولة وإلا فهل ضاعت المرأة مع شرعة ربها، حتى يحفظ حقها الملاحدة الخبثاء!! وما كان ربك نسيا، فهو - سبحانه - البر الرحيم بالمرأة وبخلقه وبعباده، وليس الذكر كالأنثى، فالمرأة تحمل وترضع وتحيض وتنفس، وهي نصف المجتمع وتلد النصف الأخر، فلها دورها ومكانها ومكانتها المناسبة في الحياة، والحرية الحقيقية للرجل والمرأة في إقامة واجب العبودية والاستقامة على كتاب الله وعلي سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فلا حاجه لنا في استيراد الحريات العفنة المدمرة من الشرق أو الغرب (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِيناً)[المائدة: ] إن جمال المرأة في حيائها لا في ابتذالها، والحياة خير كله ولا يأتي إلا بخير، والحياء والإيمان قرنا جميعاً فإذا رفع أحدهما رفع الآخر، وإن مما أدرك الناس من كلام النبوة الأولى إذا لم تستحي فافعل ما شئت " وكانت المرأة لربما خرجت تسال عن صغيرها وهي منقبة، فّا روجعت في ذلك قالت ولأن أرزأ في ولدي خير من أرزأ في حياتي، فلذلك تباعدت المرأتان في مكان الرجال مع الحاجة لسقيا الماء.
أهمية التضرع والدعاء:
ويحكي لنا القرآن ما كان من نبي الله موسي - عليه السلام -: (فَسَقَى لَهُمَا ثُمَّ تَوَلَّى إلى الظِّلِّ فَقَالَ رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ فَجَاءتْهُ إِحْدَاهُمَا تَمْشِي عَلَى اسْتِحْيَاء قَالَتْ إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ مَا سَقَيْتَ لَنَا) [القصص: 24: 25]، مروءة وشهامة ورجولة من نبي الله موسى، وما ضاع العبد ولا خاب بطاعة الله، فقد تمت المصلحة، وقضي الأمر، دون مخالفة، سقى لهما نبي الله موسى، ثم أرجع حاجته لله (تَوَلَّى إِلَى الظِّلِّ فَقَالَ رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِير)[القصص: ] استشعر فقره، واشنكي حاله لخالقه ومولاه وهو الغني الحميد، الذي يجبر الكسير ويرحم الكبير ويقيل العثرات ويكشف الكربات ويقضي الحاجات، والإنسان لا يحتاج فقط لمطعم وملبس ومشرب ومسكن، فقد ابتلي بشهوة وغريزة يحتاج إلى تصريفها في الحلال، الرجل بحاجة لزوجه يسكن إليها لتعينه على نوائب الحق، والمرأة بحاجة لزوج تأنس به ليكون عوناً لها على طاعة الله، وحوائجنا جميعاً عنده - سبحانه - ففي الحديث القدسي: "يا عبادي لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم قاموا في صعيد واحد فسألوني فأعطيت كل إنسان مسألته ما نقص ذلك من ملكي إلا كما ينقص المخيط إذا أدخل البحر".
وسواء امتلك العبد معونة الزواج أو افتقدها فعليه أن يصنع صنيع نبي الله موسى، ويظهر فقره وضعفه إلى الله فمن الثلاثة الذين يعينهم الله، الناكح يبتغي العفاف، وكان عمر بن الخطاب - رضي الله عنه – يقول: "عجباً لمن لم يلتمس الغني في النكاح والله يقول (إِن يَكُونُوا فُقَرَاء يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ) [النور: 32].
وانظروا لقيمة الدعاء في جلب الخيرات وتحقيق المطلوبات فما كاد نبي الله موسي يفرغ من قوله: (رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِير فَجَاءتْهُ إِحْدَاهُمَا تَمْشِي عَلَى اسْتِحْيَاء قَالَتْ إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ مَا سَقَيْتَ لَنَا) [القصص: ]
عرض شعيب على موسى الزواج بابنته:
قص نبي الله موسي على شعيب والد الفتاتين، ما كان منه بمصر فقال: (قَالَ لا تَخَفْ نَجَوْتَ مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ)، فقالت إحدى الفتاتين: (يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ)، وقال: (إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هَاتَيْنِ عَلَى أَن تَأْجُرَنِي ثَمَانِيَ حِجَجٍ فَإِنْ أَتْمَمْتَ عَشْراً فَمِنْ عِندِكَ وَمَا أُرِيدُ أَنْ أَشُقَّ عَلَيْكَ سَتَجِدُنِي إِن شَاء اللَّهُ مِنَ الصَّالِحِينَ قَالَ ذَلِكَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ أَيَّمَا الأَجَلَيْنِ قَضَيْتُ فَلا عُدْوَانَ عَلَيَّ وَاللَّهُ عَلَى مَا نَقُولُ وَكِيلٌ)[القصص: ]. عرض الرجل موليته أو ابنته على من يتوسم فيه الصلاح. وهو سنة الصالحين، وقد عرض عمر ابنته على أبي بكر وعثمان - رضي الله عنهم - أجمعين - ولا بد من التدقيق في من يقع عليه اختيارنا، ولما سئل الحسن: من أزوج ابنتي؟ قال: زوجها التقي النقي، فانه إن أحبها أكرمها، وإن أبغضها لم يهنها " والكفاءة في الرجل معتبرة للصلاح والحرص على طاعة الله، وقد أدخل جمهور العلماء النسب والحرفة والغنى والسلامة من العيوب..
إن قوامة الرجل على المرأة ليس معناها التسلط والقهر، بقدر ما هي قوامة شفقة ورحمة وقيام على مصلحة المرأة.
لقد وقع اختيار الفتاة على القوي الأمين، وهو أحد أولي العزم من الرسل، واستن شعيب بسنة الصالحين، فمثل نبي الله موسي لا يفرط فيه حتى وإن كان فقيراً، فكان العرض، الذي لاقى قبولاً وارتياحاً من نبي الله موسى، فلا كبر ولا عجب ولا غرور، كما يفعل بعض من لا تقوى عنده، إذا تم عرض الابن عليه، وشأن المرأة أن تكون مطلوبة، فلا بد من المحافظة على هذا الأمر أثناء العرض أو التوفيق في الزواج، والمرأة لا تستكره على الزواج ممن لا تحب، وفي ذات الوقت لا تستقل هي في النظر، إذ لا بد من موافقة الولي، ففي الحديث " لا نكاح إلا بولي "، وأيما امرأة نكحت بغير إذن وليها فنكاحها باطل فنكاحها باطل فنكاحها باطل، وهذا هو قول جماهير العلماء سلفاً وخلفاً، وبل لو زوج الأبعد في وجود الأقرب لم يصح تزويجه، إلا إذا عضلها ومنعها الأقرب من زواج الكفؤ، والمرأة لا تزوج نفسها، فالزانية هي التي تزوج نفسها، بل المرأة لا تزوج المرأة وإنما يزوجها الولي، وفي ذلك محافظة على حقوقها وماء وجهها، ومن هنا تدرك خطأ وخطر الزواج العرفي، التي تزوج المرأة فيه نفسها دون الرجوع للأولياء، وفي قصة نبي الله موسي رد بليغ على دعاة الحب والعشق والغرام قبل الزواج واعتبار ذلك مسألة لا يتم الزواج بدونها، وقد يترتب على ذلك معاشرة كمعاشرة الأزواج، وفضائح تزكم الأنوف قيل الخطوبة وبعدها!!! والكثرة من هؤلاء لم تتزوج وفق الهدي النبوي، وإنما جرياناً مع الأفلام وقصص العشق ووفق الحياة الغربية التعيسة.
أجرى عميد أحد المعاهد الاجتماعية إحصائية على 1500 حالة زواج مبنية على الحب فوجدها فاشلة، ولا يتعجب من ذلك، ففساد الانتهاء من فساد الابتداء، والعبد إذا فسدت بدايته فسدت نهايته، وإذا فسدت نهايته فربما هلك إلا أن يتوب إلى الله والعلاقات الغرامية التي تحدث تقوم في الغالب على الغش والتكلف والتجمل والتزين بالباطل بل والكذب، ثم مع الوقوف على أرضية الواقع بعد الزواج تنتهي خياليات العشاق، حيث تنهمك الزوجة في الطبخ والكنس والاعتناء بالأولاد وقد تهمل نفسها وزينتها لزوجها، ويصبح المنزل بالنسبة للرجل عبارة عن فندق للأكل والنوم!!!! نعم لم ير للمتحابين مثل النكاح، ولكن لا بد من إعمال الضوابط الشرعية، فإن لم يتم الزواج فلا يصح التجني على الأطلال والهيام على الوجه والإنشاد في كلب الحارة التي تسكنها المحبوبة فهذا ضيع أصحاب القلوب الفارغة من محبة الله وذكره.
ولكي يكون الزواج مباركاً فلا بد من بدايات صحيحة فالمرأة تنكح لأربع لمالها وجمالها وحسبها ودينها فاظفر بذات الدين تربت يداك، " وإذا أتاكم من ترضون خلقه ودينه فزوجوه، إن لم تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد كبير " فما خاب من استخار الخالق واستشار المخلوق وينظر الرجل للمرأة إذا أراد خطبتها، وهي تنظر إليه لأنه أحرى أن يؤدم بينهما - أي يتم الوفاق - وتطلب من وليها، والخطوبة علاقة أجنبي بأجنبية، أي أنها مجرد وعد بالزواج، فإذا تم القبول عادت الحرمة كما كانت فلا يحق له النظر -إلا إذا كان لم يتحقق منها أول مرة - ولا يخلو بها ولا تخضع معه بالقول ولا تظهر زينتها له...... ثم العقد بعد ذلك زواج إلا انه يفترق على البناء (الدخول) فالمعقود عليها لها طلقة واحدة - إذا وقعت تحتاج لمهر جديد وعقد جديد - أما المدخول بها فلها ثلاث تطليقات.
والمعقود عليها لها نصف المهر أما المدخول بها فلها المهر كاملاً، والمعقود عليها لا عدة عليها - أما المدخول بها فعليها العدة.
والدخول بالمرأة كحق في مقابله النفقة والسكنة، وهاأنت ترى كيف تم زواج نبي الله موسى من ابنة شعيب، حيث آجر نفسه لإعفاف نفسه، وحسن الاختيار من الطرفين، وحدث التراضي بينهما وتم تحديد المهر، وانتفت المشقة والمغالاة والحرج، ووثقا الأمر والله على ما نقول وكيل ونحن نحتاج في زواجنا لشهادة وإعلان، إذ قد يخون الأمين، أو قد يموت ويأتي من بعده من لا يعرفون للأمانة طعماً، وتوثيق العقود اليوم - عند المأذون - هو لضمان وإثبات الحقوق ليس أكثر وإلا فالعقد يصح بدونه شرعاً- وقد ورد في الخبر إن أحق الشروط أن يوفي به ما استحللتم به الفروج.
وأحياناً يطلب الإنسان حقاً في الوقت الذي لا يؤدي الواجب عليه كمن يطلب الدخول بالمرأة بعد العقد في الوقت الذي لا ينفق عليها ولا يسكنها ويخل بالميعاد الذي اتفق عليه مع وليها في الدخول والبناء، ثم قد يموت عنها أو يطلقها ويتكتم أمر البناء، وقد تحمل منه ولا يجد مسكناً لها، ويتم إعلان البناء بعد أربعة أشهر مثلاً من الحمل ويفاجأ الناس بالوضع والولادة بعد خمسة أشهر مما يترتب عليه أذى ومضرة وعدم قدرة على رفع الرأس في وجوه المدعوين والخلق ويصيرون فتنة لكل مفتون فلا بد من مراعاة للضوابط والآداب الشرعية ومراعاة العرف الذي لا يصطدم بالشرع.
الوفاء بشروط الزواج:
طوى عنا القرآن ما حدث بعد الاتفاق بين موسى - عليه السلام - وشعيب وانتقلت بنا الآيات إلى هذا المشهد (فَلَمَّا قَضَى مُوسَى الْأَجَلَ وَسَارَ بِأَهْلِهِ آنَسَ مِن جَانِبِ الطُّورِ نَاراً قَالَ لِأَهْلِهِ امْكُثُوا إِنِّي آنَسْتُ نَاراً لَّعَلِّي آتِيكُم مِّنْهَا بِخَبَرٍ أَوْ جَذْوَةٍ مِنَ النَّارِ لَعَلَّكُمْ تَصْطَلُون) القصص: 29 فقد وفى - عليه السلام - لأبيها بما قطعه على نفسه والمسلمون عند شروطهم وبني بامرأته وتلمس من خلال العرض مدي شفقته وحرصه على أهله وفي الحديث: " خيركم خيركم لأهله وأنا خيركم لأهله " إن الزواج من أعظم الآيات ومن ثماره حصول المودة والرحمة (وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً) الروم: 21 وهذا هو الزواج المبارك المبني على السنن وعلى تعظيم شعائر الله حتى وإن افتقد العلاقة والمحبة قبل الزواج فبإذن الله تتحقق الخيرات والبركات (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَنُ وُدّاً) مريم: 96 أي مودة يقذفها لهم - سبحانه - في القلوب ويبقي النظر في عواقب الأمور وتقدير المصالح التي تنجم من وراء الزواج وحتى إن لم تكن المحبة كهذه التي تحصل في القصص الغرامية.
أتي رجل لعمر بن الخطاب يقول له إني أريد أن أطلق امرأتي قال له عمر ولما؟ قال له لأني لا أحبها فقال عمر: وهل كل البيوت بني على الحب؟ فأين الرعاية والتذمم. ليس من المعاشرة بالمعروف كثرة التلويح بالطلاق، فالطلاق أحياناً يجب وأحياناً يستحب وقد يحرم أو يكره ولا يكون مباحاً مستوي الطرفين وورد في خبر ضعيف أبغض الحلال إلى الله الطلاق وقد يستنفذ الرجل الطلقات الثلاث فتبين منه زوجته بينونته الكبرى ولا تحل له حتى تنكح زوجاً غيره فلابد من تقوى الله في هذا الميثاق الغليظ والبعض لا يجد وسيلة لتأديب امرأته إلا تهديدها بالزواج عليها بأخرى حتى أصبح التعدد أمراً مخيفاً من جراء سوء السلوك والتصرف إن لنا في رسول لله أسوة حسنة فهو خير الأزواج لنسائه صلي الله عليه وسلم ورضي الله عنهن ما مست يده امرأةً ولا خادماً ولا دابة إلا أن تنتهك محارم الله، كان في خدمة أهله يسابق أم المؤمنين عائشة ويعدل بين نسائه في النفقة والسكني والمبيت-.... نحتاج لبيوت تؤسس على تقوي الله وعلى معاني الإيمان في الغضب والرضا والعسر واليسر، فهنا ينشأ ويترعرع الأبناء فتتواصل معاني الهداية ويظهر أشباه أبي بكر وعمر وعثمان وعلي وخالد والمقداد والقعقاع وصلاح، يجدد بهم - سبحانه - دينه ويعلي بهم كلمته ويملئون الأرض عدلاً بعد أن ملأت ظلما ًوجوراً ويتم على أيديهم فتح بيت المقدس والانتصار على اليهود وما ذلك على الله بعزيز، وآخر دعوانا أنِ الحمد لله رب العالمين.
16/8/2004
http://www.tarbawi.com المصدر:
ـــــــــــــــــــ(111/311)
قبل أن تفعل ... تذكر
إن جمعا من الشباب والرجال ليس لهم هم إلا البحث عن النساء من أجل الفساد، أي أنهم لا يتورعون عن ارتكاب الحرام، لذا فهم في عمل دائم لإخراج المرأة من بيتها، يجرونها جرا لذلك، فإذا خرجت لم يتركوها تسير آمنة، بل يعترضون طريقها بكل وسيلة.. قد فتنوا في دينهم وأخلاقهم، والسبب:
المتابعة الدائمة للإغراء الآتي من الفضاء الغربي، المسول والداعي للتمتع بالنساء في الحرام..
ونحن هنا نريد أن نعالج هذه المشكلة بما نقدر من وحجة وإقناع، فنقول:
----------------
كان أول من هاجر إلى المدينة من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من المهاجرين من قريش من بني مخزوم: أبو سلمة بن عبد الأسد بن هلال بن عبد الله بن عمر بن مخزوم، واسمه عبد الله، هاجر إلى المدينة قبل بيعة أصحاب العقبة بسنة، وكان قدم على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مكة من أرض الحبشة، فلما آذته قريش وبلغه إسلام من أسلم من الأنصار، خرج إلى المدينة مهاجرا.
قال ابن إسحاق فحدثني أبي إسحاق بن يسار عن سلمة بن عبد الله بن عمر بن أبي سلمة عن جدته أم سلمة زوج النبي - صلى الله عليه وسلم - قالت: لما أجمع أبو سلمة الخروج إلى المدينة، رحل لي بعيره، ثم حملني عليه، وحمل معي ابني سلمة بن أبي سلمة في حجري، ثم خرج بي يقود بعيره، فلما رأته رجال بني المغيرة بن عبد الله بن عمر بن مخزوم، قاموا إليه فقالوا: هذه نفسك غلبتنا عليها، أرأيت صاحبتك هذه، علام نتركك تسير بها في البلاد؟!.
قالت: فنزعوا خطام البعير من يده، فأخذوني منه.
قالت: وغضب عند ذلك بنو عبد الأسد رهط أبي سلمة.
فقالوا: لا والله لا نترك ابننا عندها، إذ نزعتموها من صاحبنا.
قالت: فتجاذبوا بني سلمة بينهم حتى خلعوا يده، وانطلق به بنو عبد الأسد، وحبسني بنو المغيرة عندهم، وانطلق زوجي أبو سلمة إلى المدينة.
قالت: ففرق بيني وبين زوجي وبين ابني.
قالت: فكنت أخرج كل غداة فأجلس بالأبطح، فما أزال أبكي حتى أمسي، سنة أو قريبا منها، حتى مر بي رجل من بني عمي، أحد بني المغيرة، فرأى ما بي فرحمني.
فقال لبني المغيرة: ألا تخرجون هذه المسكينه، فرقتم بينها وبين زوجها وبين ولدها؟!.
قالت: فقالوا لي: الحقي بزوجك إن شئت.
قالت: ورد بنو عبد الأسد إلي عند ذلك ابني.
قالت: فارتحلت بعيري، ثم أخذت ابني فوضعته في حجري، ثم خرجت أريد زوجي بالمدينة.
قالت: وما معي أحد من خلق الله؛ قالت: فقلت: أتبلغ بمن لقيت حتى أقدم على زوجي.
حتى إذا كنت بالتنعيم لقيت عثمان بن طلحة بن أبي طلحة، أخا بني عبد الدار.
فقال لي: إلى أين يا بنت أبي أمية؟.
قالت: فقلت: أريد زوجي بالمدينة.
قال: أوما معك أحد؟!.
قالت: فقلت: لا والله، إلا الله وبني هذا.
قال: والله ما لك من مترك.
فأخذ بخطام البعير، فانطلق معي يهوي بي، فوالله ما صحبت رجلا من العرب قط أرى أنه كان أكرم منه، كان إذا بلغ المنزل أناخ بي، ثم استأخر عني، حتى إذا نزلت استأخر ببعيري، فحط عنه، ثم قيده في الشجرة، ثم تنحى عني إلى شجرة، فاضطجع تحتها، فإذا دنا الرواح قام إلى بعيري فقدمه فرحله، ثم استأخر عني وقال: اركبي؛ فإذا ركبت واستويت علي بعيري، أتى فأخذه بخطامه فقاده حتى ينزل بي، حتى أقدمني المدينة، فلما نظر إلى قرية بني عمرو بن عوف بقباء قال: زوجك في هذه القرية وكان أبو سلمة بها نازلا فادخليها على بركة الله، ثم انصرف راجعا إلى مكة ...
فكانت تقول: والله ما أعلم أهل بيت في الإسلام أصابهم ما أصاب آل أبي سلمة، وما رأيت صاحبا قط كان أكرم من عثمان ابن طلحة. (السيرة النبوية لابن هشام 2/316، الإصابة 8/222، السيرة النبوية الصحيحة 1/202)
الشاهد من هذه الحادثة: عفة، وشهامة، ونخوة، ورجولة عثمان بن طلحة، حيث رعى تلك المرأة أم سلمة - رضي الله عنها - حتى بلغها زوجها أبا سلمة، عف عنها، فلم يطمع فيها، مع وجود الداعي، من خلو مكان وبعد، وقدرة، وغريزة متحركة، وميل لا يخفى..
ما الذي منعه من العدوان على المرأة؟..
لقد كان عثمان وغيره من العرب في ذلك الزمان يعظمون الحرائر، ويسعون في الحفاظ على عفتهن، من باب الرجولة والنخوة، ويفتخرون بمثل ذلك، إذ كان الكف عنهن من مفاخر العرب، كما قال عنترة:
وأغض طرفي إن بدت لي جارتي حتى يواري جارتي مأواها
واليوم.. لم نعد نسمع بمثل عثمان بن طلحة، بل صرنا نسمع بعكس ذلك، من يجر الحرائر من خدروهن ليكن فريسة، ومن إذا رأى النساء لم يكف عن ملاحقتهن بالنظر، والكلام، وبالفعل إذا قدر.. حتى صار العقلاء يحذورن من إخراج أهليهم دونما محرم، وكذا صارت المرأة العاقلة تحذر أن تخرج وحدها، من كثرة ما يرون اجتراء السفهاء على النساء..
ما الذي حدث؟..
وما الذي تغير؟..
هل ذهبت الرجولة والشهامة والنخوة والعفة؟..
إلى عهد قريب كان الناس في خدمة المرأة التي غاب زوجها في سفر، ومن في حكمها، كانت في الصباح تضع عند الباب العجين، فيمر أحدهم فيأخذه فيذهب به إلى الخباز، ثم يعود به فيضعه أمام بابها، ويمضي، فتخرج لتأخذه.
وكان من الناس من يكون في خدمة زوجة صاحبه إذا غاب، فيقضي لها ولأبنائها كل ما يحتاجون، كيلا تضطر للخروج من بيتها..
أين هؤلاء؟..
لم نعد نسأل عنهم.. ولم نعد نطلب وجودهم.. بل غاية ما نتمنى اليوم أن تترك المرأة في حالها إذا خرجت فلا يتعرض لها معترض، يريد بها الفتنة.. نتمنى أن يدع هؤلاء النساء وشأنهن، مهما كن متبرجات أو مظهرات للزينة، فليس ذلك مسوغ أبدا للتعرض لهن..
لقد تغيرت الأمور، وفسدت الأذواق، وقلت الأخلاق.. والسبب ولا شك:
التغيرات الطارئة الحادثة الظاهرة، من الترف، وكثرة المال، والإطلاع على أحوال الكفار، ومخالطتهم، والتلقي عنهم، وعرض أخلاقهم وأحوالهم وأفكارهم على المسلمين في وسائل الإعلام..
لقد سبق أولئك الكفار المسلمين إلى إيذاء المرأة، بعدما عروها من سترها، فصارت المسكينة محل العدوان والظلم، وعمل الكفار بعد أن تشبعوا من فساد الأخلاق إلى نقل ما لديهم إلى المسلمين، فنجحوا في ذلك، حتى صرت ترى المسلم يفعل بعرض أخيه المسلم فعل الكفار؟؟!!!..
وإذا كان هؤلاء الكفار قد صدروا فسادهم إلى المسلمين، فإنهم كذلك صدروا نتائج ذلك، فكل يوم نرى ونسمع ونقرأ التقارير الطويلة الكثيرة التي تبين الوضع الحقيقي الذي يعيشه الغرب في الناحية الاجتماعية جراء التحرر وإخراج المرأة من حصنها، للتمتع بها، ومن تلك النتائج:
- شيوع الأمراض الجنسية، كالأيدز، وسرطان الرحم.
- شيوع البرود الجنسي، بسبب الإلف والنظر الدائم إلى جسد المرأة في كل مكان.
- شيوع الاغتصاب، بالرغم من توفر الجنس في كل مكان.
- شيوع إهانة المرأة بالسب والضرب.
- شيوع الأمراض النفسية.
- تفكك الصلات الاجتماعية والأسرية، وكثرة الطلاق، وقلة الزواج، حتى صارت الدول الغربية تخشى على نفسها من الانقراض، بعدما اكتشفوا تناقص نسب المواليد كل عام.
وأشياء أخرى يجب أن توضع جميعها في إطار واحد مع صور الفساد التي تزين وتصدر إلينا، ننظر إليها جميعا، كي ندرك النتائج الحقيقية لدعوات تحرر المرأة، وخروجها من بيتها، وسفورها وتبرجها أمام الرجال، واختلاطها بهم..
والمقصود هنا أن جمعا من الشباب والرجال ليس لهم هم إلا البحث عن النساء من أجل الفساد، أي أنهم لا يتورعون عن ارتكاب الحرام، لذا فهم في عمل دائم لإخراج المرأة من بيتها، يجرونها جرا لذلك، فإذا خرجت لم يتركوها تسير آمنة، بل يعترضون طريقها بكل وسيلة.. قد فتنوا في دينهم وأخلاقهم، والسبب:
المتابعة الدائمة للإغراء الآتي من الفضاء الغربي، المسول والداعي للتمتع بالنساء في الحرام.. ونحن هنا نريد أن نعالج هذه المشكلة بما نقدر من كلام وحجة وإقناع، فنقول:
يا هذا.. يا أيها الذي ليس لهم هم إلا في الزنا، قبل أن تقدم على شيء كهذا تذكر ما يلي:
- تذكر أن الله حرمه فقال: {ولا تقربوا الزنا إنه كان فاحشة وساء سبيلا}، فهي إحدى الوصايا العظام التي أوصى بها عباده.. رحمة بهم، فمن عصى فله النار.. فهل تطيق النار؟..
لكن ربما كانت على عينيك غشاوة، وقد علا الران على قلبك، فها أنت لا تخاف من هذا الوعيد.. فليس لنا إلا أن ننتقل لتذكيرك بغيره فنقول:
- تذكر أن هذه البلايا تسقط الإنسان وتفضحه بين الناس، فهل تحب أن تُعرَّض بمثل هذه المعصية، فيشار إليك: هذا فلان الزاني؟..
لو كنت صاحب حياء وخلق فإن هذا يكفي في منعك من هذا الذنب، كي تبقي على سمعتك حسنة، ويكون لك بين الناس قدر..
قد تقول: أستتر، فلا يراني أحد.. فنقول: ربما استترت مرة، ومرة، لكن سيظهر ذلك عنك، و لابد، وليس أحد دام على معصية إلا وعرف بها.. فخذ حذرك.. فإن لم تنجع معك هذه الحقيقة، فلم تنزجر، فإليك الذكرى الثالثة:
- تذكر أن الزنا دين، فلو لم يكن إلا هذا لوجب على الإنسان أن يكف عن هذا الذنب، فإن كثيرا ممن يحبون هذه المعصية، قطعاً هم يكرهونها في أهليهم، ولا يبتغونها فيهم، ولذا تجدهم عند الزواج يطلبون العفيفات، لكن هذا تحذير، من اعتدى اعتدي عليه، وبيان ذلك:
أنه لن يخفى فعله على أهله وأبنائه، مما يغريهم أن يفعلوا مثله، وهم يرون قدوتهم وكبيرهم لا يتورع منه، خاصة الصغيرات البريئات اللاتي لا يدركن الشر ولا يعرفن منه إلا ما يتعلمنه من هذا القدوة..
لكن إن لم تنفعه هذه الذكرى أيضا، فقد صار إلى الدياثة، والديوث هو الذي يرضى لأهله الخبث، والجنة عليه حرام، وهو ما صار في هذا الخبث إلا بعد أن رضي لأعراض إخوانه المسلمين الخبث، فعوقب بمثل ذلك في نفسه ومن يعز عليه.. لكن لنا أن نعظه ونذكره بالتذكير الرابع فنقول:
- تذكر أن الزنا، يعني الاطلاع على عورات المحرمات، ومن اعتاد النظر وما يتبعه من المعصية، عوقب بنقيض قصده، فيصاب بالبرود الجنسي، وهو مرض عسير على الرجال، يصيبهم بالهلع والخوف والألم والانطواء والاكتئاب، حيث لا يجد الرجل من نفسه انبعاثا تجاه المرأة، ولو رأى منها كل شيء، وهذا أمر معروف مشهور في الغرب المنحل، ودليله:
أن العيادات المختصة بعلاج البرود الجنسي كثيرة جدا، والاهتمام الطبي بتقوية الأداء الجنسي: كبير، ولذا يخرجون كل يوم بدواء لعلاج مشكلة العجز المبكر.. ذلك العجز المبكر والبرود الجنسي لا تجده في المجتمعات المستترة، التي تمنع النساء من التكشف..
فمن كان حريصا على التمتع بهذه النعمة، فليكن في الحلال، تبقى قوته، وتدوم نعمته، أما في الحرام فالضعف والزوال السريع..
وأظن هذه النقطة بالذات ستحمل كثيرا ممن لم يقنع بالتذكيرات السابقة أن يعيد التفكير فيما يصنع.. لأنها الأساس في الحرص على هذه المتعة، وتأكيدا نزيد في التذكير فنقول خامسا:
- تذكر أن الزنا، يورث مرض الأيذر، وأمراض أخرى، لكن الأيدز موت محقق.. فهل تحب الموت؟.. لا أظن، فلو كنت تحب الموت ما عصيت..
قد تقول: اتخذ الاحتياط.. نقول: ربما مرة، ومرة، لكن العادة بلاء، تنسي الإنسان، فقد يذهل، وقد يخطيء، وأي شيء من هذا يعني السقوط.. ونزيد في التذكير، فنقول سادسا:
- تذكر أنك في حاجة إلى أسرة، وسلوك طريق المتعة المحرمة، تحرمك من تكوين أسرة، فهذا ما يحدث في الغرب، حيث استعاضوا عن الزواج بالزنا، فاكتفوا به، واستثقلوا الزواج والإنجاب، لكن الإنسان إذا كبر صار في حاجة إلى من يرعاه، ولن يجد أحسن من زوجه وأبنائه، فإذا كان ممن ترك الزواج إلى الزنا، لم يجد من يرعاه حيث احتاج، تماما كما هو الحال في الغرب.. فهل تحب ذلك؟..
أنت اليوم في عنفوان شبابك، لكنك غدا ستشيخ وتكبر، فانتبه..
ثم اعلم أن كل من استمرأ هذه المعصية، لم يقدر على تركها حتى بعد الزواج، مما يكون سببا في فساد أهله، وفساد بيته، فقد لا يطيق أن يرى أهل يمارسون الذي يمارسه، فيكون سببا في فشل حياته الزوجية، وتقويض بناء أسرته.. ثم هذه هي التذكرة السابعة:
- وهي أن هذه المعاصي تورث الأمراض النفسية، وهذا معروف، والغرب شاهد، فانتقال الرجل من امرأة إلى أخرى، وإن كان في ظاهره لذة، لكن الحقيقة غير ذلك، إنما هو قضاء وطر فقط لا غير، والإنسان بحاجة إلى السكن حاجته إلى قضاء الوطر وأكثر، لكن في العلاقات المحرمة لا يجد ذلك، فيبلغ به الألم والتعب أن ينصرف عن النساء، ومن هنا ظهر الشواذ من الجنسين في بلاد الانحلال، ظهروا لأنهم ما عادوا يجدون ما يبتغون من اللذة والراحة في الجنس الآخر، وتلك نتيجة مخالفة الفطرة..
أضف إلى ذلك أن الرجل قد يعاشر امرأة ثم يحبها ويتعلق بها، ويطلب أن تكون له وحده، فترفض وتمتنع، لأنه لا عقد بينهما، وتذهب إلى غيره، ومن هنا يكثر شكوى هؤلاء وحرقة قلوبهم لعدم الظفر بالمحبوب، ما لا تجد مثله في المجتمع المستتر، البعيد عن الزنا.
- ثم أخير تذكر أن هؤلاء النساء اللاتي تراهن في مجتمعك إنما هن أخواتك في الدين، فهن بمنزلة أخواتك في النسب، من حيث التوقير والاحترام والحفظ، فاحذر أن يكون العربي الجاهلي خيرا منك في النخوة والشهامة..
هل يسرك أن تكون سببا في تحطيم مستقبل أختك المسلمة؟..
هل تعلم أن لها نفسا وقلبا وإحساسا مثلك؟..
فهل ترضى أن يؤذيك أحد في قلبك وإحساسك؟..
ثم هل تعلم ما هو اللقيط؟..
إنه ولد الزنا، ينشأ بائسا محروما من الأمومة والأبوة..
هل تعلم من سبب بؤسه ومن يحمل وزره إلى يوم القيامة؟..
أنه الزاني والزانية.
- ثم ما بعد الأخير تذكر: أنا أمة واحدة، وسعيك في إفساد عرض مسلمة يعرضك ويعرضها للفساد، فتكونا بمثابة الثلمة والخرق في جدار الأمة، ينفذ منه العدو، فهل يليق بالعاقل أن يعين العدو على نفسه؟، ألا تعلم أن عز الأمة في أخلاقها، وذلها وأسرها في فساد أخلاقها؟..
فتلك التذكيرات ليست قاصرة على الرجل، بل المرأة كذلك، وإنما خوطب الرجل بها أولاً لأنه هو الطالب، وهو الساعي، وتلك التذكيرات فيها طرف من أبزر المفاسد المجتناة من ركوب المتع المحرمة المسماة شرعا بالزنا..
فمن كان له قلب أو عقل أو ألقى السمع وهو شهيد كانت له ذكرى، ومن لم تنفعه بعضها نفعته بعضها، أما من طمس الله بصيرته، وأبى إلا الغواية، فليس لنا معه حيلة، والله يهدي من يشاء.
http://saaid.net المصدر:
ـــــــــــــــــــ(111/312)
فلنتصارح .. يا أبي
أبي... السلام عليكم ورحمة الله وبركاته..
لقد فتحت عينيَّ أول ما فتحتها عليك.. وصرتُ أنظر إلى الحياة من عدسة واحدة هي أنت.. بل وأقيس الرجال كلّهم عليك فقط.. وأُعجب بك وبتصرفاتك ويوم أن كبرتُ.. وتعلمتُ.. وتوسعتْ مداركي.. وتعدّدت المصادر عليّ.. صرتُ بعدها أعيش معك في حلم مزعج تموج فيه صور شتى بالمتناقضات اللامفهومة!!
وكم عانيتُ من التردد في إبلاغ ذلك لك.. لما أحسّه من ثقلها عليك غير أنه لا مناص من الصراحة فيها.. والصراحة إذ ذاك كمبضع الجّراح يستأصل به ورماً مزمنا.
وإذا بي أراها صوراً حقيقية تتكرر في حياتي اليومية.. ويا ليتها كانت حلماً ّّ فلقد صرتُ بعدها أفكر فيك كثيراً.. وأتساءل.. هل أنت ناصح في تربيتك أو غاش لنا؟... وبشكل سريع تمرُّ صور كثيرة لك معنا تثقل كفة الغش على كفة النصح.. فأجاهد نفسي لطردها.. وأحاول أن أشيح بوجهي عنها.. فتدمع عيني وأنا أتذكر قول النبي - صلى الله عليه وسلم - " ما من عبد يسترعيه الله رعية يموت يوم يموت وهو غاش لرعيته إلا حرّم الله عليه الجنة "
أبي العزيز:
.. ربما يكون في كلماتي شيء من الحرارة. بيد أنها أخف بكثير من حرارة الهموم المضطرمة بين جوانحي..
... فتحملها من ابنتك يا أبي..
أبي رعاك الله:
لقد رأيتَ الحياة قبل أن أراها.. وسَبَرْتَها قبل أن أعرف شيئاً منها.. ولا أظنّك بعد كل هذا تجهل ما للصديق من أثر على صديقه.. ومن تغيير لسلوكه وأخلاقه.. والصاحب ساحب كما تقول العرب.. ولو أردت يا أبي أن أغوص لك في عالم النّساء لطال علينا الحديث..
غير أنّ الذي يهمّني هنا تنبيهك إلى ما أغمضت عينيك عنه كثيرا.. وأغفلته أبداً.. في النظر إلى من يصاحبني أو يجالسني من قريباتي أو في المدرسة..
فكم كنتَ كثيراً ما ترفع سمّاعة الهاتف.. ثم تناديني بأن المكالمة لكِ وليس إلا زميلات المدرسة.. ولكن لم أسمع ولا مّرة واحدة سؤالاً عمّن اتصل بي.. من هي؟ هل الكلام ضروري حتى يطول الحديث؟.. هل هي من ذوات الأخلاق في المدرسة. هل هي قرينتك في المدرسة؟..
وغيرها من الأسئلة التي كنتُ أتوقعها كثيراً...
وكذلك فأنت تعرف ابنة عمي (....) كيف كانت تعبث بشعرها وتغير وجهها بالأصباغ والألوان إلى حدٍّ يستحي المتحدّث معها أن يُحدّ النظر فيه.. وهي مزهوّة منتفشة.. تظنّ ذلك تقدمّاً وتطوراً كما ترى في الشاشة أو على صفحات المجّلات.. وذلك كّله نتيجة لرضى عمي لها أن ترى كل شيء.. حتى العرض الفضائي (عافنا الله من ذلك).
هذا شكلها.. أمّا كلامها.. أمنياتها.. أفكارها.. فلا تعجب من غرابتها وسفاهتخا.. وهي بحق عّينة تجربة تتقلب بين أيدي نساء الكفر الفارغات.. عن طريق القنوات أو على صفحات المجلات.. حتى ليمكنك القول بأنها امرأة أجنبيّة في مسلاخ ابنة عمّي!!..
ولكن..
... ولكن ومع علمك بهذا كلّه.. لم أر منك ولا كلمة واحدة تنصحني فيها بعدم إكثار الكلام معها.. أو الإعجاب بشكلها، أو كثرة مجالستها في اجتماعاتنا.
وعلى الطرف الآخر.. عندما ترى ابنة عمتي (....) فتاة طيبة متمسكة.. تدرس في مدارس تحفيظ القرآن.. وتحرص على المفيد كثيراً.. وأنت تلمس ذلك حينما نعود من زيارة عمتي وقد حُملنا بالكتب النافعة والأشرطة المفيدة.. ولكن.. ومع علمك بهذا أيضاً.. لم أر منك ولا كلمة واحدة في تشجيع هذا المسلك والثناء على صاحبه.. ولم أر منك نصحاً في التقرب من ابنة عمّتي في اجتماعاتنا العائليّة.
... وحينها أشكّك في نفسي.. هل كان تفريقي بين الصورتين مخطئاً؟ أم إنّ أبي لا يعرف الخطأ من الصواب؟!.. أم هي الثقة بأنّ النساء معصومات لا يقضي عليهن بالتأثر والإنحراف؟!..
أبي رعاك الله:
.. في المدرسة.. وفي إحدى حصص التربية الإسلامية.. كانت المعلمة تتحدّث عن تفسير قوله - تعالى -:
{وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ}" النور: 31".. وشَرَعَتْ في شرحها تقول إنَّ على المرأة أن لا تمدّ بصرها إلى ما يرغبها في الفاحشة ويرغبها في الرجال من النظر إليهم أو إلى صورهم.. إذ هو السرّ في إتباع ذلك بقوله {وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ} فحفظ البصر طريق لحفظ الفرج...
... وَشَردْتُ عن شرحها وأنا أتذكر ما أراه كل يوم على الشاشة.. حينما يخرج الممثل.. وقد استكمل زينته.. وأظهر مفاتنه وهو يتغزل بتلك الممثلة.. أو يبادلها كلمات الحب والغرام.. ويدغدغ مشاعرها بمعسول الألفاظ.. وهي ليست حرماً له..
أو حينما أشبع لا من رؤية الرجال فقط وإنما من عوراتهم إلى مادون السوأة في كثير من المشاهد الرياضيّة..
.. فتضطرم النار! حينئذٍ وتتأجج.. شأن أكثر الفتيات أمام تلك الصور.. كل تلك المشاهد أراها وأنت إلى جانبي.. أو أنت تعلم أني أراها فتضطرب لدي المبادئ.. وتختلط الصور..
أبي حفظك الله:
لست أنسى يوم أن كنتُ وأهلي معك في السيَّارة لزيارة أحد الأقارب.. فاضطرتنا الإشارة للوقوف.. وحين رأيت إلى جانبنا سيارة مليئة بالرجال أسرعت بالإلتفات إليّ وقلت: غطي وجهك جيداً.. فاستجبتُ سريعاً وغطيتُ وجهي.. ولكن..
ولكن وفي مساء ذلك اليوم نفسه كنّا كعادتنا أمام المسلسل على الشاشة ظهر فيه عددٌ من الممثلات لم يغطين وجوههن!!.. ولم يتركن الحجاب فقط.. بل وأظهرن مفاتنهنّ وأبدين زينتهنّ..
وكنتَ من غير شعور أو بشعور مطموس بهوى معجباً بعرضهنّ.. وحسن أدائهنَّ.. وتحفظ أسماء عدد منهنّ..
.. فغبتُ عن الموقف.. وحَلَّقْتُ مع خاطري في حوار بعيد طويل.. لو فعلت مثل هذه المرأة هل سيعجب بي أبي؟!..
لكنه اليوم أمرني أن أغطي وجهي جيداً!!
هل ترك الحجاب حلال للممثلات؟!.. فلأكون ممثلة إذن حتى يحلّ لي كشف وجهي!!.. ولكن..
.. هل سيرضى أبي أن أكون ممثلة؟.. ولماذا؟..
ولماذا يُعجب بهن أبي وهن لم يغطين وجوههنَّ؟!..
ولماذا لا يأمرهن آباؤهن بتغطية وجوههنَّ؟.. وإذا لم يكن لهن آباء فلماذا لا يأمرهن أبي كما يأمرني؟
وإذا كان لا يستطيع فلماذا لا ينهاني عن رؤيتهن بهذا الشكل؟.. وهل ضروري أن ننظر إليهنّ؟!... وهل ضروري أن ندخل في منزلنا ما يعرض صورهن؟..
وإذا لم يحل للرجال أن ينظروا إلى وجهي فيأمرني أبي بتغطيته جيداً فلماذا ينظر هو إلى وجوه تلك النساء؟.. بل وأكثر من الوجوه!!.. وينحشر فؤادي بجيش من التساؤلات الهادرة.. الحائرة.. أفرزه لك علَّهُ أن يكون منفِّساً عن بعض الضنك الذي أتخبط فيه.. غير أني أحمد الله دائماً أن صرت عارفة لحكمِه الشرعيِّ.. مقتنعة بأهميته وجدواه.. عالمة بخطر تركه.
.. لكنّ الذي لا يعجبني ويؤثر عليّ الرضا بدخول مثل تلك السافرات إلى منزلنا دون أن يلتزمن بالحجاب.. والذي طالما عوّدتني الإلتزام به وما حالي وحالك أمام تلك المشاهد بخارج عن بيت الشعر الذي يقول:
ألقاه في اليم مكتوفاً وقال له *** إيّاك إيّاك أن تيتل بالماء!
هذان الموقفان.. [غيضٌ من فيضٍ].. من مواقف التناقض.. والمصادمة للسنن الشرعيّة.. والتربية المباشرة وغير المباشرة لكل ما ينافي الخلق والدين.. ينفثها هذا الجهاز والذي سمحت أنت له بالدخول إلى المحضن الذي نتربى فيه...
أبي وفقك الله:
ومما يجب مفاتحتك به أيضاً الاعتراف لك بما تمتلكه من قلب كبير وثقة ممتدة.. تشبع الرغائب.. وتلبي المطالب.. ولكن.. وبعد ذلك كله تبيّن لي أن الثقة لا تعني أبداً فتح الأبواب والدروب دون رقابة أو اهتمام.. ولا تعني أبداً ترك عود الثقاب مشتعلاً قرب إناء ممتلئ بالوقود... ولا تعني الثقة أبداً إثراء المنزل بما نشتهيه ونرغبه ونطلبه من ملذات المادّة الفانية على حساب الجوهر الذي خلقنا من أجله.... أقول هذا الكلام وأنا أتصفح في خاطري رصيداً ضخماً من التجاوزات الشرعيَّة والأخطاء التربويّة والتي أوكتها يداك ونفخنا فيها بأفواهنا.. أذكر منها للمثال لا الحصر:
• موافقتك شبه المفتوحة لنا في الاختلاف إلى السوق والذهاب إليه.. دون محرم أو رقيب.. لشراء ما يعنّ لنا حتى لو لم يكن ذا بال!!.. وكم لاقينا في السوق من تعرض للفتنة كثير؟! وكم جرَّ السوق من آلام؟!.. وكم عقد السوق بين شيطان وشيطانة عقداً إبليسياً دون شروط؟! فلقد كنّا نخرج إلى السوق فنزاحم الرجال ونكثر الحديث معهم على أشياء غير ضروريّة.. ونخاطب الباعة وهم في أوج زينتهم شكلاً ومنطقاً ونمايز بينهم.. فهذا بائع حلو الكلمة.. عذب الأسلوب..
وذلك جميل المنظر.. باسق الطول.. أنيق.. وذلك أحسن من هذا وذلك أفضل.. والنفس تميل والهوى غلاّب.. ولقد كنّا نجول فنرى البائع في شئون المرأة الخاصّة.. رجلاً.. زيّن نفسه... وألان لسانه.. والشيطان يعرضه بصورة أحسن مما هو عليه.. وتبدأ المبايعة بلغةٍ يفرض عليها الموقف أن تكون غير نظيفة وتتداول الأيدي ما أستحي من ذكره لك.. وتتباين الاختيارات فتُسترجع هذه لأنها صغيرة!! وتؤخذ الأخرى لأنها كبيرة!! وتلك قصيرة!!.. وهذه أحسن!!.. وذيك الأنسب!! والولي غافل والشيطان حاضر.. يؤجج في الكلمات.. ويوقد النار في النفوس {وخلق الإنسان ضعيفاً} [النساء: 28] وفي الحديث عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ((.. أنّ المرأة تقبل في صورة شيطان وتدبر في صورة شيطان)) ولئن كنت تُحسُّ بعظم التبعة في بعض الأحيان فتأمر أمّي بالخروج معنا فإنّه لا يفوتني الآن أن أنبّهك لعدم صوابية هذا التصرف.. لأنّ المرأة في أصلها ضعيفة أينما حلّت.. رقيقة رحيمة.. تغلبها الكلمة اللينة.. وتؤثّر فيها حركات الوجه.. ويثني رأيها شيء من الإلحاح!!
ومن الأمثلة أيضاً:
• يوم أدخلت في منزلنا (امرأة) لا يربطنا بها نسب أو رحم.. حتى لكأنّها مدرسة متنقلة تدرّسنا أنت فيها كيف تعامل المرأة الرجل الغريب عنها!! فنراك وأنت تناديها وتأمرها.. ونراك وهي ليست بمحرم لك تكلمها وهي كاشفة عن وجهها.. أو تناولها بعض الأغراض أو تأخذ منها.. أو عندما أحضرتها من المكتب لوحدك من دون محرم وكذلك يوم ذهبت بها إليه مسافرة.. ولا نحفظ كم كنتَ تعتب على جارنا تهاونه في ترك نساءه مع السائق!!.. أفيجوز لك مع النساء مالا يجوز للسائق؟! أم هل يجوز لتلك المرأة مالا يجوز لنساء جارنا؟! وكذلك حين تأمنها راضياً أن تكون حاضنة لأخي الصغير.. فيشبُّ في حجرها وقلبه متعلق بها بحكم قربها منه.. فيسري إليه عدوى ما تعتقده هذه المرأة من سلوك وأخلاق وحتى المبادئ والمعتقدات كما نسمع في كثير من القصص وكذلك أيضاً حين ننظر لتلك المرأة من منظار المجتمع فإنّ كثيراً من الرجال يزهد بالفتاة التي لم تتعلم أن تقوم بشئون بيت زوجها أو تجهل شيئاً منه.. أو حتى من تقوم بشئون بيت زوجها أو تجهل شيئاً منه.. أو حتى من تنوء بتحمّله لأدنى سبب.. وذلك كله لا يكثر وجوده إلا عند من أجهزت عن العمل في وقت تربيتها لوجود مثل تلك (الخادمة).
أفتراك يا أبي بعد هذا ترى مكوثها في البيت سائغاً؟!
ومن الأمثلة أيضاً:
• تهاونك في وضع الهاتف موضعه الصحيح.. حينما تتركه في كل زاوية من زوايا المنزل.. أو في كل غرفة منه.. وأنت تعلم أنه بوابة كبيرة يدخل معه الرجال الطامعون!! يوم أن تتوالى رنّات الهاتف.. ولا أحد حوله إلا أنا.. فأرفع السمّاعة.. فيسألني الرجل مخطئاً من يريد.. فأردّ عليه.. فيعيد سؤالاً آخر مطليٌّ ببراءة خبيثة ثم كلمة مدح وإطراء.. وأخرى فيها قصد ودهاء.. والعذارى يستهويهنّ الثناء.. فأغلق الهاتف في وجهه.. ثم تتوالى رنّاته أخرى فأعزم على أن لا أرفع السماعة.. فيسابقني إلى ترحيبه مخدّرة.. ولوم لطيف كما لو كان هناك علاقة بعيدة.. ويلومني الشيطان: أنت مخطئة!!.. هو كلام.. وكلام فقط.. والمكان خالٍ.. وأنت بالفعل كما يقول في وصفه وإعجابه.. والنفس في شهوتها جائعة تفتقر للإشباع.. فأنزلق مع التيار.. وأنساق مع الكلام في رحلة غامضة آثمة.. نعم يا أبي. أعلم أن الخطأ نتقاسمه أنا وأنت.. وأنّ لي نصيب الأسد منه.. غير أنّ لك يا أبي حظاً وافراً من الخطأ حين تُشرع ذلك الباب دون حارس أو رقيب.. أو حتى معالجة وضعية ذلك الجهاز وترشيد مكانه..
و من الأمثلة أيضاً:
• اللامبالاة الظاهرة فيما يخص المظهر.. فكم كنّا نلبس الضيق من الملابس وتراها وهي تصف أعضاءنا وصفاً أحسن مما هي عليه.. فلا نرى منك أمراً.. أو نهياً.. أو تنبيهاً..
ومثله المفتوح.. والقصير.. والبنطال.. والخفيف. ولا أكتمك ما ترسّخ في عقولنا منذ الصغر من أنَّ بعض تلك الأعضاء ليست من العورة.. وأنها خارجة عن دائرة الحياء.. لأنها لم تتعود الستر منذ الصغر!! أو حينما ترى قصّات الشعر الغير عاديّة والإفراط فيها.. ثم لا نراك تحرّك ساكناً معها!! وكم رجف فؤادي عندما طرق سمعي حديث النبي - صلى الله عليه وسلم - [صنفان من أهل النار لم أرهما قوم معهم سياط كأذناب البقر يضربون بها الناس، ونساء كاسيات عاريات مميلات مائلات رؤوسهنّ كأسنمة البخت المائلة، لا يدخلن الجنّة ولا يجدن ريحها وإن ريحها ليوجد من مسيرة كذا وكذا].
وكذلك حينما نركب معك فتفوح رائحة العطر في السيّارة.. وأنت تعلم أنها ليست منك فلا تلقي لذلك بالا والنبي - صلى الله عليه وسلم - يقول: (أيما امرأة استعطرت فمرّت على قوم ليجدوا من ريحها فهي زانية]
أو حينما ترى منزلنا وقد شبع من كلمات العشق والحب والهيام حتى التخمة وهي ترتفع من كل جهاز فيه من أصوات المزامير المخدّرة.. والطبول الفاتنة ثم لا نرى بعد ذلك توجيهاً أو إرشاداً وكأنّ الغناء حلال محض جاءت به الشريعة!!
ذلك ما أتذكره الآن.. وغيره كثير ربما تلاشي مع فوران الذاكرة الغير منضبط وأشكرك يا أبي إذ تحرص مجتهداً على بعض الأمور وأن كنت غير ملتفت إلى حكم الشرع فيها..
والاجتهاد هنا لا يسوّغ أبداً اقتراف تلك الأمور المنهي عنها..
وأخيراً.. أبشرّك يا أبي أني سأختط لي درباً هو إلى كل ما ذكرتُه لك بعيد.. وإلى الدرب الذي دعا إليه الله ورسوله - صلى الله عليه وسلم - قريب.
أبي..
وأختم كلامي بسؤال سيظلُّ شاهراً رايته وهو:
هل تفكّر جادّاً في التغيير يا أبي لكل ما ذكرته لك؟
.... والجواب بين يديك..
والسلام عليك ورحمة الله وبركاته..
http://saaid.net المصدر:
ـــــــــــــــــــ(111/313)
الحوار اللفظي في البيت النبوي
براء زهير العبيدي
إن حوارات النبي - صلى الله عليه وسلم - مع أهل بيته، فيها من العناوين الشيء الكثير ليستفيد منه البيت المسلم، ومن أراد أن يتعلم الحوار العائلي، فما عليه إلا أن يقتفي خطوات سيد الخلق في حواراته مع أهل بيته، فإن في كل نموذج حواري مدرسة يتعلم منه الحوار الراقي، في كل الحالات؛ حالة الجد واللعب، حالة الرضى والغضب، وفي حالة حوار كبيرة السن و صغيرة السن ....، إلى ما هنالك من عناوين حاولت جمعها وتسليط الضوء عليها.
وقسمت الحوارات إلى عنوانين رئيسيين (الحوار اللفظي) و (الحوار غير اللفظي)
ونقصد بالحوار اللفظي: الحوار الذي جرى بين النبي - صلى الله عليه وسلم - وأهل بيته من خلال الكلام، والحوار غير اللفظي: الحوار الذي جرى من خلال الحركات أو التعابير غير الكلامية كالإشارة واللمسة والنظرة وهزة الرأس و..، وأدرجت تحتهما عناوين فرعية حسب طبيعة الحوار، وفي ذلك إثراء لمادة السيرة النبوية وإعطاء نصوصها بعدا تحليليا أكبر من كونها قصصا تاريخية.
ومن معاني القدوة في النبي - صلى الله عليه وسلم - في جميع شؤون الحياة، أن نسلط الضوء على جانب الحوار مع زوجاته ونستفيد من هذه النصوص العبر والعظات.
ونبدأ هذه الحوارات بالعنوان الأول.
أ -الحوار اللفظي:
قبل أن أبدأ بالعنوان الأول في الحوار اللفظي مع السيدة خديجة، فإنه لا بد من هذه المقدمة حتى نعلم أوصاف هذه الزوجة، و حياتها مع المصطفى - صلى الله عليه وسلم -.
خديجة رضي الله عنها:
جاء في وصفها - رضي الله عنها - أنها ما زالت تعظم النبي - صلى الله عليه وسلم - وتصدق حديثه قبل البعثة وبعدها.
قال ابن حجر - رحمه الله -: (ومن مزايا خديجة أنها ما زالت تعظم النبي - صلى الله عليه وسلم - وتصدق حديثه قبل البعثة وبعدها) الإصابة جـ7ص603.
قال ابن حجر - رحمه الله -: (كانت حريصة على رضاه بكل ممكن، ولم يصدر منها ما يغضبه قط كما وقع لغيرها) فتح الباري جـ7ص138.
قال ابن حجر - رحمه الله -: (صدقته - صلى الله عليه وسلم - في أول وهلة، ومن ثباتها في الأمر ما يدل على قوة يقينها، ووفور عقلها، وصحة عزمها) فتح الباري جـ7ص134
قال ابن هشام: (آمنت به خديجة بنت خويلد، وصدقت بما جاء من الله، ووازرته على أمره، وكانت أول من آمن بالله ورسوله، وصدق بما جاء به، فخفف الله بذلك عن نبيه - صلى الله عليه وسلم -، لا يسمع شيئا مما يكرهه من رد عليه وتكذيب له، فيحزنه ذلك، إلا فرج الله عنه بها إذا رجع إليها، تثبته وتخفف عنه، وتصدقه وتهون عليه أمر الناس، - رحمها الله - تعالى -) السيرة النبوية لابن هشام جـ2ص224.
إن العنوان العريض بعد هذه المقدمة التعريفية بالسيدة خديجة - رضي الله عنها -، أنها كانت الداعم الأول منذ اللحظة الأولى للوحي، ومن ثم هموم الدعوة الإسلامية التي كان يعاني بها من قومه - صلى الله عليه وسلم -، فحوارها كان فيه الدعم النفسي المعنوي والمادي، فهي لم تكتفي أن بشرته بكلماتها بل ذهبت به إلى ابن عمها ورقة بن نوفل وهي لم تواسيه في تخفيف أذى الناس فحسب، بل وضعت كل إمكانياتها المادية في خدمة الدعوة إلى الله - عز وجل -، ومن هنا لا نعجب إن كان - صلى الله عليه وسلم - كثير الحوار معها بعد رجوعه من معاناة أذى الناس له في سبيل الدعوة إلى الله - سبحانه وتعالى-، كما ورد (لايسمع شيئا مما يكره من رد عليه وتكذيب له، فيحزنه ذلك، إلا فرج الله عنه بها إذا رجع إليها...........) و من هنا كان عنوان الحوار الأول مع السيدة الأولى هو:
1- الحوار الزوجي الداعم نفسيا و ماديا:
ومعروف حوارها في تثبيت قلبه أثناء الوحي (... حيث رجع - صلى الله عليه وسلم - يرجف فؤاده فدخل على خديجة - رضي الله عنها - فقال زملوني فزملوه حتى ذهب عنه الروع فقال لخديجة وأخبرها الخبر لقد خشيت على نفسي فقالت خديجة: كلا والله ما يخزيك الله أبدا، إنك لتصل الرحم، و تصدق الحديث، وتحمل الكل، وتكسب المعدوم، وتقري الضيف، وتعين على نوائب الحق، ثم انطلقت به حتى أتت ورقة بن نوفل..........) رواه البخاري.
روى الفاكهي في كتاب مكة عن أنس - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان عند أبي طالب، فاستأذنه أن يتوجه إلى خديجة، فأذن له، وبعث بعده جارية يقال لها نبعة، فقال لها: انظري ما تقول له خديجة. قالت نبعة: فرأيت عجبا، ما هو إلا أن سمعت به خديجة، فخرجت إلى الباب، فأخذت بيده، فضمتها إلى صدرها ونحرها، ثم قالت: بأبي وأمي، والله ما أفعل هذا لشيء، ولكني أرجو أن تكون النبي الذي سيبعث، فإن تكن هو فاعرف حقي ومنزلتي، وادع الإله الذي يبعثك لي. قالت: فقال لها: (والله لئن كنت أنا هو، قد اصطنعت عندي ما لا أضيعه أبدا). فتح الباري جـ7ص134.
وفكرت السيدة خديجة - رضي الله عنها - بعقلها الرشيد ورأيها السديد أن تختبر جبريل - عليه السلام - لتتأكد من حقيقته، فقالت للنبي - صلى الله عليه وسلم -:
(يا ابن عم: أتستطيع أن تخبرني بصاحبك هذا الذي يأتيك إذا جاءك؟ قال: نعم، قالت: فإذا جاءك فأخبرني به، فجاءه جبريل، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (يا خديجة هذا جبريل قد جاءني)، فقالت: قم يا ابن عم فاجلس على فخذي اليسرى، فقام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فجلس عليها، فقالت: هل تراه؟ قال: (نعم)، قالت: فتحول فاقعد على فخذي اليمنى، فتحول رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فجلس على فخذها اليمنى، فقالت: هل تراه؟ قال: (نعم) قالت: فتحول فاجلس في حجري، فتحول رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فجلس في حجرها، قالت: هل تراه؟ قال: (نعم)، فحسرت فألقت خمارها، ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - في حجرها ثم قالت: هل تراه؟ قال: (لا)، قالت: يا ابن عم اثبت وأبشر، فوالله إنه ملك، ما هذا بشيطان) السيرة النبوية لابن هشام جـ1ص223.
وما فعلته السيدة خديجة - رضي الله عنها - يدل على شدة ذكائها وبعد نظرها، وحرصها على تسكين النبي - صلى الله عليه وسلم - وتبشيره وتثبيته، لأن الملك غادر المكان عندما كشفت رأسها وأدركت أن هذا التصرف لا يتصرفه شيطان، بل هو ملك من الملائكة.
وهذا ما جعل لفقدها فراغا في قلب المصطفى - صلى الله عليه وسلم -؛ قال ابن إسحاق: (فتتابعت على رسول الله المصائب بهلاك خديجة وكانت وزير صدق على الإسلام) السيرة النبوية لابن هشام جـ2ص57.
وبقيت ذكرى خديجة عالقة في قلبه الشريف، لا تفارقه، كأنها أصبحت جزءا منه، لا تكاد تنفصل عنه، حتى قالت له السيدة عائشة: (كأن لم يكن في الدنيا امرأة إلا خديجة) رواه البخاري.
2-الحوار الترفيهي:
عن عائشة قالت: (دخل علي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوما وأنا ألعب بالبنات فقال: ما هذا يا عائشة؟ فقلت: خيل سليمان، فضحك) الطبقات لابن سعد ص60.
وكان - صلى الله عليه وسلم - يقدر لها حداثة سنها وحاجتها إلى اللعب وكان يسرب إليها صواحب يلاعبنها، وكان يمكنها أن تضع رأسها على كتفه الشريف وهي خلفه مستترة به، لتنظر إلى الأحباش يلعبون بحرابهم في المسجد، قالت السيدة عائشة: وكان يوم عيد، يلعب فيه السودان بالدرق والحراب، فإما سألت النبي - صلى الله عليه وسلم - وإما قال: (تشتهين تنظرين؟ ) فقلت: نعم فأقامني وراءه، خدي على خده، و هو يقول: (دونكم يا بني أرفدة) حتى إذا مللت قال: (حسبك). (رواه البخاري).
ومن لطفه - صلى الله عليه وسلم - بهن أنه كان يمازحهن ويضاحكهن، قالت: عائشة: أتيت النبي - صلى الله عليه وسلم - بحريرة قد طبختها له، فقلت لسودة والنبي - صلى الله عليه وسلم - بيني وبينها: كلي، فأبت، فقلت: لتأكلين أو لألطخن وجهك، فأبت، فوضعت يدي في الحريرة فطليت وجهها، فضحك النبي - صلى الله عليه وسلم - فوضع يده لها وقال لها: (ألطخي وجهها) ففعلت، فضحك النبي - صلى الله عليه وسلم -، فمر عمر، فقال: يا عبد الله، يا عبد الله، فظن أنه سيدخل، فقال: (قوما فاغسلا وجوهكما، قالت عائشة: فما زلت أهاب عمر لهيبة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. (رواه أبو يعلى).
ويسمر معهن مستمعا إلى أحاديثهن، وحفظت لنا كتب السنة شيئا من هذا السمر الشائق، فانظر مثلا إلى تحديث السيدة عائشة النبي - صلى الله عليه وسلم - حديث أم زرع، وقول النبي - صلى الله عليه وسلم - لها بعده: (كنت لك كأبي زرع لأم زرع، إلا أنه طلقها وإني لا أطلقك).
وملخص حديث أبي زرع: أن إحدى عشر امرأة تعاهدن على ألا يكتمن شيئا من أخبار أزواجهن ولما جاء دور الحادية عشر أم زرع مدحت زوجها أبا زرع مدحا فاق كل ما سبقه ولما طلقها أبو زرع وتزوجت آخر كريم عدت محاسنه وكرم أخلاقه ولم تنس الثناء على أبي زرع فقالت: لو جمع ذلك كله ما ملأ أصغر وعاء لأبي زرع. فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - لعائشة: (يا عائشة كنت لك كأبي زرع لأم زرع) وفي رواية (ألا إنه طلقها وأنني لم أطلقك) (البخاري) وزاد (النسائي) قالت عائشة: (بل أنت خير من أبي زرع).
وهذه أمُّنا سودة بنت زمعة فقد اشتهر عنها أنها كانت تضحك النبي - صلى الله عليه وسلم - في حديثها، قالت سودة بنت زمعة لرسول الله - صلى الله عليه وسلم -: صليت خلفك البارحة فركعت بي حتى أمسكت بأنفي مخافة أن يقطر الدم. قال فضحك. وكانت تضحكه الأحيان بالشيء.
(الطبقات لابن سعد)
- الحوار الديني:
عائشة بنت أبي بكر:
سألت عائشة النبي عن قوله - تعالى -:
(والذين يؤتون ما آتوا وقلوبهم وجلة أنهم إلى ربهم راجعون)
فقالت: يا رسول الله أهو الرجل يسرق ويزني ويشرب الخمر وهو مع ذلك يخاف الله - تعالى -.؟
قال: (لا... ولكنه الرجل يصوم ويتصدق ويصلي وهو مع ذلك يخاف الله - تعالى - أن لا يتقبل منه). (رواه أحمد)
حفصة بنت عمر:
عن جابر بن عبد الله أنه قال: أخبرتني أم مبشر أنها سمعت النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول عند حفصة: لا يدخل النار إن شاء الله من أصحاب الشجرة أحد من الذين بايعوا تحتها، قالت: بلى يا رسول الله! فانتهرها، فقالت حفصة (وإن منكم إلا واردها)، فقال النبي - عليه السلام -: قد قال الله - تعالى -: (ثم ننجي الذين اتقوا ونذر الظالمين فيها جثياً) (رواه مسلم).
جويرية بنت الحارث:
عن جويرية أنها قالت: أتى علي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأنا أسبح غدوة ثم انطلق لحاجته، ثم رجع قريبا من نصف النهار وأنا أسبح، فقال: (ما زلت قاعدة؟ قلت نعم.. فقال: (ألا أعلمك كلمات لو عدلت بهن أو لو وزن بهن- وزنتهن وهو سبحان الله عدد خلقه ثلاث مرات سبحان الله زنة عرشه ثلاث مرات، سبحان الله مداد كلماته ثلاث مرات) (رواه مسلم).
عن جويرية بنت الحارث أن النبي - صلى الله عليه وسلم - دخل عليها يوم الجمعة، وهي صائمة فقال: أصمت أمس؟
قالت: لا.
قال: أتريدين أن تصومي غدا؟
قالت: لا.
قال: فأفطري إذا. (رواه البخاري).
زينب بنت جحش:
عن زينب بنت جحش قالت: استيقظ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - محمرا وجهه وهو يقول: (لا إله إلا الله، ويل للعرب من شر قد اقترب، فتح اليوم من ردم يأجوج ومأجوج مثل هذا، وحلق، قالت: قلت يا رسول الله أنهلك وفينا الصالحون؟ قال: نعم إذا كثر الخبث) (متفق عليه).
4- الحوار العاطفي:
عن فاطمة الخزاعية قالت: سمعت عائشة تقول يوما: دخل علي يوما رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقلت: أين كنت منذ اليوم؟ قال: يا حميراء كنت عند أم سلمة. فقلت: وما تشبع من أم سلمة؟ قالت: فتبسم فقلت: يا رسول الله ألا تخبرني عنك لو أنك نزلت بعدوتين إحداهما لم ترع والأخرى قد رعيت أيهما كنت ترعى؟ قال: التي لم ترع. قلت: فأنا ليس كأحد من نسائك، كل امرأة من نسائك قد كانت عند رجل غيري. قالت فتبسم رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. (الطبقات لابن سعد) ص80
وها هي تريد أن تتعرف على مكانتها في قلب النبي - صلى الله عليه وسلم - بالقول الصريح فتسأله: كيف حبك لي؟ قال: كعقدة الحبل، وتقول السيدة عائشة: كنت أقول كيف عقدة الحبل يا رسول الله؟ فيقول على حالها.
وهذا إن كان يرضيها فلا يكفيها، بل تريد أن تطمئن على جوارها للنبي - صلى الله عليه وسلم - في الآخرة أيضا فتسأله: من أزواجك في الجنة؟ فيقول لها النبي - صلى الله عليه وسلم -: أنت منهن. (البخاري ومسلم)
وقد كانت تفتخر بهذا وتدل أحيانا به إدلال الحبيب أمام النبي - صلى الله عليه وسلم - فتقول له: أرأيت لو نزلت واديا، وفيه شجرة قد أكل منها، وجدت شجرا لم يأكل منها، في أيها كنت ترتع بعيرك؟ قال: (في الذي لم يرتع منها). )رواه البخاري
5- الحوار في حالة الغضب:
إن من السمو النبوي في الحوار أن تجد حوار النبي - صلى الله عليه وسلم - مع عائشة في حال الغضب والرضا متشابها وإليكم النص:
عن عائشة قالت: كان رسول الله إذا غضب على عائشة وضع يده على منكبها فقال: (اللهم اغفر لها ذنبها وأذهب غيظ قلبها وأعذها من مضلات الفتن) الأربعين في مناقب أمهات المؤمنين ص 80.
6- الحوار في حالة الرضا:
عن عائشة قالت: لما رأيت رسول الله طيب النفس. قلت: يا رسول الله ادع لي، قال: (اللهم اغفر ما تقدم من ذنبها وما تأخر، وما أسرت وما أعلنت). فضحكت عائشة حتى سقط رأسها في حجرها، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (أيسرك دعائي؟).
فقالت: (وما لي لا يسرني دعاؤك).
فقال: (والله إنها لدعوتي لأمتي في كل صلاة) رواه البزار بإسناد صحيح.
عندما نقرأ هذين الحديثين وتشابههما في دعائه - صلى الله عليه وسلم - لها لا يسعنا إلا أن نقول (وإنك لعلى خلق عظيم)، ولن يجد القارىء فرقا بينهما، أما السيدة عائشة فكان النبي يعرف متى تكون راضية عنه ومتى تكون غضبى، فقط من خلال حديثها معه وأسلوبها، فلاحظ الفرق!!!.
عن عائشة قالت: قال لي رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (إني لأعلم إذا كنت عني راضية وإذا كنت علي غضبى) قلت: كيف يا رسول الله؟ قال: (إذا كنت عني راضية، قلت لا ورب محمد. وإذا كنت علي غضبى، قلت: لا ورب إبراهيم) قالت: أجل والله ما أهجر إلى اسمك. (البخاري ومسلم).
أيضا هنا رقي في الحوار (ما أهجر إلا اسمك).
7- الحوار في حل الخلافات العائلية:
عن عائشة قالت: دخل علي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأنا أبكي.
فقال: ما يبكيكي؟
فقلت: سبتني فاطمة.
فدعا فاطمة فقال: يا فاطمة! سببت عائشة؟ فقالت: نعم! يا رسول الله.
فقال: ألست تحبين من أحب؟ قالت: نعم!.
قال: وتبغضين من أبغض؟ قالت: بلى!
قال: فإني أحب عائشة، فأحبيها.
قالت فاطمة: لا أقول لعائشة شيئا يؤذيها أبدا (رواه أبو يعلى والبزار بإسناد صحيح).
عن النعمان بن بشير قال: استأذن أبوبكر على النبي فسمع صوت عائشة عالياً، وهي تقول: والله لقد علمت أن علياً أحب إليك من أبي! فأهوى إليها أبوبكر ليلطمها، وقال: يا ابنة فلانة، أراك ترفعين صوتك على رسول الله! فأمسكه رسول الله وخرج أبوبكر مغضباً، فقال رسول الله: (ياعائشة كيف رأيت أنقذتك من الرجل)، ثم استأذن أبوبكر بعد ذلك، وقد اصطلح رسول الله وعائشة، فقال: أدخلاني في السلم، كما أدخلتماني في الحرب، فقال رسول الله: (قد فعلنا). (رواه النسائي).
عن حبيب بن أبي ثابت قال: كان بين علي وفاطمة كلام، فدخل رسول لله فألقى له مثالا فاضطجع عليه، فجاءت فاضطجعت من جانب، وجاء علي فاضطجع من جانب فأخذ رسول الله بيد علي فوضعها على سرته وأخذ بيد فاطمة فوضعها على سرته ولم يزل حتى أصلح بينهما، ثم خرج. قال فقيل له: دخلت وأنت في حال وخرجت ونحن نرى البشر في وجهك. فقال: وما يمنعني وقد أصلحت بين أحب اثنين إلي. (الطبقات لابن سعد ص26).
8- الحوار في حالة الغيرة:
كانت السيدة عائشة تغير عليه من فرط حبها له. ومن ذلك أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خرج من عندها ليلا، قالت: فغرت عليه، قالت: فجاء فرأى ما أصنع فقال: ما لك يا عائشة؟ أغرت؟ فقالت: فقلت: وما لي لا يغار مثلي على مثلك. فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أفأخذك شيطانك، قالت: يا رسول الله أو معي شيطان؟ قال: نعم. قلت: ومع كل إنسان؟ قال: نعم. ومعك يا رسول الله؟ قال: نعم. ولكن ربي - عز وجل - أعانني عليه حتى أسلم (فقه سيرة نساء النبي ص59).
9- الحوار الأخلاقي السلوكي:
عن عائشة - رضي الله عنها - أن يهودا أتوا النبي - صلى الله عليه وسلم - فقالوا: (السآم عليكم)، فقالت عائشة: عليكم، ولعنكم الله، وغضب الله عليكم، قال: (مهلاً يا عائشة، عليك بالرفق، وإياك والعنف والفحش) قالت: أو لم تسمع ما قالوا؟ قال: (أو لم تسمعي ما قلت؟ رددت عليهم، فيستجاب لي فيهم، ولا يستجاب لهم فيّ) (رواه البخاري).
ويؤيد هذا المعنى من الرفق المقصود منه اتقاء الشر حديث آخر، عن عائشة - رضي الله عنها - قالت: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (إن شر الناس عند الله منزلة يوم القيامة من تركه الناس اتقاء شره). (رواه البخاري).
10- الحوار التوجيهي نحو الأفضل:
علي و فاطمة بنت رسول الله - صلى الله عليه وسلم -:
عن علي - رضي الله عنه - أن فاطمة أتت النبي صلى الله عليه وسلم تشكو إليه، وما تلقى من يدها في الرحى، وبلغها أنه جاءه رقيق فلم تصادفه فذكرت ذلك لعائشة، فلما جاء أخبرته عائشة. قال: فجاءنا وقد أخذنا مضاجعنا فذهبنا نقوم فقال: على مكانكما. فجاء فقعد بيني وبينها حتى وجدت برد قدميه على بطني، فقال: ألا أدلكما على خير مما سألتماني؟ إذا أخذتما مضاجعكما أو أويتما إلى فراشكما فسبحا ثلاثا وثلاثين واحمدا ثلاثا وثلاثين، وكبرا أربعا وثلاثين، فهو خير لكما من خادم. (رواه البخاري ومسلم).
وفي رواية أخرى:
قال علي لفاطمة ذات يوم: والله لقد سنوت (استقييت الماء) قد اشتكيت صدري، وقد جاء الله أباك بسبي فاذهبي فاستخدميه. فقالت: وأنا والله قد طحنت حتى مجلت يداي، فأتت النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: ما جاء بك يا بنية؟ قالت: جئت لأسلم عليك، واستحيت أن تسأله ورجعت فقال: ما فعلت؟ قالت: استحييت أن أسأله. فأتياه جميعا فقال علي: والله يا رسول الله لقد سنوت حتى اشتكيت صدري، وقالت فاطمة: قد طحنت حتى مجلت يداي وقد أتى الله بسبي وسعة فأخدمنا. قال: والله لا أعطيكما وأدع أهل الصفة تطوي بطونهم لا أجد ما أنفق عليهم ولكني أبيعهم وأنفق عليهم أثمانهم. فرجعا فأتاهما النبي - صلى الله عليه وسلم - وقد دخلا في قطيفتهما، إذا غطيا رؤوسهما تكشفت أقدامهما، وإذا غطيا أقدامهما تكشفت رؤوسهما، فثارا فقال: مكانكما، ألا أخبركما بخير مما سألتماني؟ فقالا: بلى، فقال كلمات علمنيهن جبريل، تسبحان في دبر كل صلاة عشرا، وتحمدان عشرا، وتكبران عشرا، وإذا آويتما إلى فراشكما فسبحا ثلاثا وثلاثين، واحمدا ثلاثا وثلاثين، وكبرا أربعا وثلاثين. قال: والله ما تركتهن منذ علمنيهن رسول الله. (الطبقات لابن سعد ص25)
ميمونة بنت الحارث:
عن كريب مولى ابن عباس: أن ميمونة بنت الحارث أخبرته أنها أعتقت وليدة ولم تستأذن النبي - صلى الله عليه وسلم - فلما كان يومها الذي يدور عليها فيه قالت: أشعرت يا رسول الله أني أعتقت وليدتي؟ قال: أوفعلت؟ قالت: نعم. قال: أما إنك لو أعطيتها أخوالك كان أعظم لأجرك. (البخاري ومسلم).
11-الحوار النفسي:
عائشة بنت أبي بكر:
عن عائشة قالت: لما كانت ليلتي التي كان النبي - صلى الله عليه وسلم - فيها عندي انقلب فوضع رداءه وخلع نعله فوضعه عند رجليه، وبسط طرف إزاره على فراشه فاضطجع، فلم يلبث إلا ريثما ظن أن قد رقدت، فأخذ رداءه رويدا وانتعل رويدا، وفتح الباب فخرج ثم أجافه رويدا، فجعلت درعي في رأسي، واختمرت وتقنعت إزاري ثم انطلقت على إثره حتى جاء البقيع فقام فأطال القيام، ثم رفع يديه ثلاث مرات ثم انحرف فانحرفت فأسرع فأسرعت فهرول فهرولت، فأحضر فأحضرت فسبقته فدخلت. فليس إلا أن اضطجعت فدخل فقال: ما لك يا عائش حشيا رابية؟! قلت: لا شيء قال: لتخبريني أو ليخبرني اللطيف الخبير. قلت: يا رسول الله بأبي أنت وأمي، فأخبرته قال: فأنت السواد الذي رأيت أمامي؟ قلت نعم. فلهدني في صدري لهدة أوجعتني ثم قال: أظننت أن يحيف الله عليك ورسوله! قلت: مهما يكتم الناس يعلمه الله، نعم. قال: فإن جبريل أتاني حين رأيت فناداني فأخفاه منك، فأجبته فأخفيته منك، ولم يكن يدخل عليك وقد وضعت ثيابك. وظننت أن قد رقدت فكرهت أن أوقظك وخشيت أن تستوحشي، فقال: إن ربك يأمرك أن تأتي أهل البقيع فتستغفر لهم، قالت: قلت: كيف أقول لهم يا رسول الله؟ قال: قولي السلام على أهل الديار من المؤمنين والمسلمين، ويرحم الله المستقدمين منا والمستأخرين، وإنا إن شاء الله بكم للاحقون. (رواه مسلم)
وفي حديث الإفك الطويل (... فقدمنا المدينة، فاشتكيت حين قدمت شهرا، والناس يفيضون في قول أصحاب الإفك، لا أشعر من ذلك، وهو يريبني في وجعي أني لا أعرف من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - اللطف الذي كنت أرى منه حين أشتكي، وإنما يدخل علي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فيسلم ثم يقول: (كيف تيكم؟ ) ثم ينصرف، فذلك الذي يريبني ولا أشعر...). (رواه البخاري).
فالريب الذي ورد في نفس السيدة عائشة أنها لا تجد اللطف الذي تعرفه من النبي - صلى الله عليه وسلم -، وكان بالنسبة لها كافيا حتى يداخلها الريب، ويحدث عندها هذا الحوار النفسي رغم عدم معرفتها ما الحدث.
ميمونة بنت الحارث:
عن ميمونة قالت: خرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ذات ليلة من عندي فأغلقت دونه الباب فجاء يستفتح الباب فأبيت أن أفتح له فقال: أقسمت إلا فتحته لي. فقلت له: تذهب إلى أزواج في ليلتي هذه. قال: ما فعلت ولكن وجدت حقنا من بولي. (الطبقات لابن سعد 138).
والحمد لله رب العالمين.
http://www.almutawa.info المصدر:
ـــــــــــــــــــ(111/314)
وليس الذكر كالأنثى
ـ قد يعجب كثير من الأزواج رجالاً ونساءً عندما يسمعون أن هناك فروقًا هامة بين الرجل والمرأة، وأن فهم طبيعة هذه الفروق بين الجنسين من شأنه أن يغير حياتهم، ويزيد من قدرتهم على التعايش الزوجي، ويجنبهم الكثير من المشكلات والصعوبات، والتي يمكن أن يؤدي عدم فهمها إلى تفكك هذه العلاقة الزوجية المقدسة.
قد تستطيع المحبة وحدها حفظ الزواج لبعض الوقت، وإن كان زواجًا فيه الكثير من الخلافات والمشكلات، وإنما لا بد مع الحب من الفهم العميق والصحيح للفروق بين الرجل والمرأة، ومعرفة الطريقة الأنسب للتعامل مع الجنس الآخر.
ـ وكثير من الناس يقرون ويعرفون نظريًا أن هناك فروقًا بين الجنسين، إلا أن طبيعة هذه الفروق قد لا تكون واضحة، إلا إذا كانت الفروق جسدية أو ربما انفعالية وعاطفية.
ودراسة الفروق بين الجنسين تكون لدينا فهمًا عميقًا عن الآخر، وهذا الفهم العميق يولد المحبة والمودة والاحترام أيضًا، وهذا الفهم سيولد نوعية من الاقتراحات والبدائل لحل كثير من المشكلات على ضوء هذا الفهم.
كيف تبدأ المشكلات؟
تبدأ المشكلات بداية عندما ينسى الرجل أو تنسى المرأة أن كلاً منهما مختلف عن الآخر وأن لكل منهما طبيعة خاصة به جبله الله عليها، فيتوقع من الآخر فعلاً أو رد فعل معينًا يتناسب مع طبيعته هو، ثم يكون الفعل غير ما توقع لاختلاف الطبيعة، فالرجل يريد من المرأة أن تطلب ما يود هو الحصول عليه، وتتوقع المرأة منه أن يشعر بما تشعر هي به تمامًا.
إن كلاً منهما يفترض خطأ، أنه إن كان الآخر يحبه فسوف يتصرف بنفس الطريقة التي يتصرف فيها هو ما يعبر عن حبه وتقديره، وهذا الافتراض الخاطئ سيكون عند صاحبه خيبات الأمل المتكررة، وسيضع الحواجز الكثيرة بين الزوجين.
ولذلك كان من الواجب على كل طرف منهما التعرف على معالم الفروق بينه وبين الآخر لتلافى كثير من المشكلات ولخلق جو من الحوار المثمر والفهم المتبادل بين الطرفين يثمر عن حياه هادئة وسعيدة.
معالم الفروق بين الذكر والأنثى:
وهذه المعالم كما ذكرها د/ مأمون مبيض في كتابه التفاهم بين الزوجين نذكرها مختصرة.
[1] اختلاف القيم والنظرة إلى الأمور:
فالرجل يخطئ عندما يبادر إلى تقديم الحلول العملية للمشكلات، ولا يرى أهمية لشعور المرأة بالانزعاج أو الألم، وهذا ما يزعج المرأة من حيث لا يدري.
والمرأة تبادر إلى تقديم النصائح والتوجيهات للرجل، وهذا ما يزعجه كثيرًا من حيث لا تدري.
فالمرأة عندما ينتابها أمر أو تحل عليها مشكلة، تحب أن تتكلم وتحب من يستمع إليها فإن ذلك يشعرها بالحب والرعاية، ولا تطرح المشكلة للبحث عن حل وخصوصًا في بداية الطرح ولكن لتحس أن هناك من يهتم بها ويرعاها ويقدر ما هي فيه من البلاء.
في حين أن الرجل عندما تنتابه مشكلة فهو يرى أن عليه المسئولية في حلها وأن أي نصح للمرأة في هذه الحالة دون طلب ذلك منه فإنه يشعره أنها ترى أنه عاجز وأنه غير قادر على حلها وهو بدوره يبحث عن الحل بنفسه أو يسأل من يظن أنه خبير ويستطيع الحل.
[2] اختلاف الوسائل في التعامل مع المشاكل:
فالرجل عندما يواجه مشكلة ما، فإنه يميل بطبعه إلى الانعزال بنفسه والتفكير بهدوء في مخرج من هذه المشكلة التي تواجه، بينما تميل المرأة إلى الرغبة في الجلوس مع الآخرين، والحديث فيما يشغل بالها، والمرأة كلما كانت المشكلة كبيرة، شغلت بالها كثيرًا وكانت في حاجة إلى الكلام كثيرًا والعكس من ذلك الرجل.
[3] اختلاف المحفزات والدوافع للعمل والعطاء:
فالرجل يقوم ويعمل ويعطي ما عنده عندما يشعر أن هناك من يحتاج إليه. بينما تميل المرأة للعمل والتقديم والعطاء عندما تشعر أن هناك من يرعاها.
[4] القرب من الطرف الآخر:
فعندما يقترب الرجل من المرأة يشعر بالحاجة الملحة للابتعاد لبعض الوقت، وليعود للاقتراب من جديد، مما يشعره باستقلاليته المتجددة، بينما تميل المرأة في علاقتها ومشاعرها إلى الصعود والهبوط كموج البحر، وفهم هذه الفروق يساعد المرأة على التعامل الأمثل مع الأوقات التي يميل فيها الرجل لبعض الابتعاد، ويعين الرجل على التعامل الأفضل مع المرأة عندما تتغير فجأة طبيعة مشاعرها، وكيف يقدم لها ما تحتاج في هذه الأوقات.
[5] تقدير أعمال الآخر:
حيث تقوم المرأة باعتبار تقدير كل العطايا وما يقدمه الرجل بنفس الدرجة تقريبًا، فمثلاً إذا اشترى لها مجوهرات بمبلغ كبير فقدره عندها كخاتم صغير من الذهب، بينما يميل الرجل إلى التركيز على عمل واحد كبير، أو تضحية عظيمة، ويهمل الأعمال الأخرى الصغيرة.
وأخيرًا فالرجل يتصرف دائمًا وكأنه دومًا على حق، مما يشعر المرأة بعدم صحة مشاعرها وعواطفها.
[6] اختلاف الحاجات العاطفية:
فالرجل يحتاج إلى الحب الذي يحمل معه الثقة به وقبوله كما هو، والحب الذي يعبر عن تقدير جهوده وما يقدمه.
بينما تحتاج المرأة إلى الحب الذي يحمل معه رعايتها وأنه يستمع إليها، وأن مشاعرها تفهم وتقدر وتحترم.
وبالطبع فهذه المعالم ليست كل الفروق بين الرجل والمرأة ولكنها أهمها، وبداية حل أي مشكلة هي تفهم دوافع الطرف الآخر [ما حملك على هذا؟] وفهم طبيعة وجبلة الطرف الآخر يعين على التفاهم معه.
السبت غرة محرم 1425هـ - 21 فبراير 2004م
http://links.islammemo.cc المصدر:
ـــــــــــــــــــ(111/315)
عودوا أولادكم الصلاة
أبناؤنا فلذات أكبادنا، نعمة الله التي منَّ بها علينا، وأقرَّ بها أعيننا، وأسعدَ بها قلوبَنا، وهم- مِثلُ كلِّ نعم الله علينا- اختبار وامتحان لنا.. هل نؤدي شكر هذه النعم أم نضيعها ونجحد فضل الله علينا؟! وشكر لله - تعالى - على نعمة يَحفظها ويُزيدها ويُبارك فيها، أمَّا الجحود والنكران، فيمحقُ النِّعم ويحولها إلى نِقَمٍ.
ولتعلم - أخي الفاضل أختي الفاضلة - أن تربيتك لأولادك هي جزء كبير من أداء حق الله، وحفظ أمانته التي استودعها عندنا، وبقدر ما تغرس فيهم من قيم دينية وأخلاق إسلامية بقدر ما تجني من برٍّ وطاعة وبهجة، تسعد قلبك بفلاحهم وتفوقهم في أمور الدين والدنيا، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "كلكم راعٍ وكلُّكم مسئولٌ عن رعيته" (رواه البخاري).
والصلاة عماد الدين، وهي أول ما يُحاسَب عليه المرء يوم القيامة؛ فهي أول ما يجب أن نغرسه فيهم، ونعوِّدَهم عليه في الصِّغر ليسهل عليهم أداؤها في الكبر، ونسعى جميعًا إلى أن يكون أبناؤنا من أهل الصلاة.. (وَكَانَ يَأْمُرُ أَهْلَهُ بِالصَّلاَةِ وَالزَّكَاةِ وَكَانَ عِنْدَ رَبِّهِ مَرْضِيًّا) (مريم: 55)؛ ليفوزوا في دنياهم وأخراهم، ويكونوا فوزًا لنا.
كيف نستطيع أن نجعل أبناءنا مقيمي الصلاة؟
(رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلاَةِ وَمِن ذُرِّيَّتِي رَبَّنَا وَتَقَبَّلْ دُعَاءِ) (إبراهيم: 40)
1- اعلموا أنكم إن أردتم غرس أمرٍ معيَّن في نفوس أبنائكم فعليكم أن تستشعروه أولاً، ويملأ قلوبكم؛ ليسهل نقله إلى الأبناء، واعلموا أن صغاركم يرون الحياة بعيونكم، وتتعلق أبصارهم وأسماعهم وعقولهم بما تقولونه وتفعلونه.. فاتقوا الله وكونوا قدوةً صالحةً.
فلا يُعقل أن تأمرَ الطِّفل بالصلاة، وتطالبَه بحسن أدائها، وهو يراك تقصر في الأداء فتؤديها على عجل أو تؤخرها عن وقتها، ولا تعطيها حقها من الحرص والاهتمام، ولا تنسَوا – إخواني - أنها آخر ما وصَّى به رسول الله- صلى الله عليه وسلم - أمته عند وفاته: "الصلاة الصلاة وما ملكت أيمانكم" (رواه أحمد)، وهي أول ما يُحاسَب عليه العبدُ، فعليكم استشعار هذه الأمور، ومحاولة إشعار الأبناء بمنزلتها العالية، وقيمتها الرفيعة، والتحدث عمَّا تجلبه للنفس من راحة، وللوقت من بركة، وعن أثرها الفعَّال في قضاء الحاجات وتيسير الأمور، واحذروا كثرة الأوامر والنصائح حتى لا يملَّ الابن أو يعاند، فالتعوُّد على الصلاة يكون بتحببها إليه وإشعاره فضلها.
2- شجِّع ابنك وأثنِ عليه وامدحه وقدِّم له بعض الهدايا من حين لآخر عند استجابته لداعي الصلاة، وعند حرصه عليها، وحُسن أدائها، ويجب أن تحرص على هذا الأمر حتى بعد بلوغ الابن، وحفاظه على أدائها، فتمتدحه بأنه من المصلين، وتذكر ذلك أمام أهله وأصدقائه؛ ليثبت الأمر في نفسه، ويتعلق به أكثر.
3- يمر الطفل بمراحل مختلفة في فترة تعويده على الصلاة:
أ- فمن نعومة أظافره، وعند بداية وعيه يؤمر بالصلاة، قال- صلى الله عليه وسلم -: "إذا عرف الغلام يمينه من شماله فمروه بالصلاة"، فيؤمر بالتشجيع وبالرفق واللين أن يقف للصلاة، وتجاوز عن بعض ما يفعله من كثرة حركة أو غيرها أثناء ذلك، مع إفهامه ما يجب أن يكون عليه المصلى من طهارة ووقار؛ لأنه يقف أمام الخالق - سبحانه وتعالى-، ويجب الحرص على عدم نهر الطفل بشدة إذا مرَّ من أمام المصلين أو جلَسَ أمامهم وغير ذلك؛ حتى لا ينفر من الصلاة، كما يجب تشجيعه والثناء عليه عند وقوفه للصلاة وأداء حركاتها.
ب- مرحلة ما قبل السابعة، والتي يكون الطفل فيها مدركًا لأهمية الصلاة، وأنها فرض على المسلمين، فيجب إعداده وتزويده ببعض المعلومات التي تفيده في المرحلة التالية، وهي الحرص على أدائها بانتظام، فقبل أن يبلغ الطفل السابعة يجب أن يعرف بعض أحكام الطهارة والوضوء، والعلاقة بين الطهارة والصلاة وكيفية التطهر، وآداب قضاء الحاجة وغيرها، وتعليمه الوضوء وتدريبه على ذلك عمليًّا حتى يتقنه، ويعلم الطفل الفاتحة وبعض قصار الصور؛ ليسهل عليه أداء الصلاة فيما بعد، ويشجَّع على أداء بعض الفرائض مرةً أو أكثر يوميًّا، ولا يطالَب بالفرائض جملةً واحدةً مع اصطحابه إلى صلاة الجمعة، وإلى أداء بعض الفرائض بالمسجد ليتعوَّد على إقامة الصلاة، ويألف دخول المسجد والصلاة فيه.
ج- مرحلة ما بين السابعة والعاشرة، وهي مرحلة التدريب والمواظبة على الصلاة، ويُنصح بأن يميز يوم بلوغ الطفل السابعة، ويجعله الوالدان حدثًا سعيدًا وحبَّذا لو أهديا ابنهما ثوبًا أو سجادةً للصلاة؛ ليرتبط الابن بالأمر أكثر بحب وسعادة، ويُذكَّر بأنه من الآن سيبدأ بالمواظبة على كل الصلوات، وخلال هذه الفترة يدعو الوالدان أبناءهما للصلاة دومًا بالبشاشة والرفق والحب واللين.. "مروا أولادكم بالصلاة وهم أبناء سبع واضربوهم وهم أبناء عشر، وفر ِّقوا بينهم في المضاجع"، فيتعلم أهميتها، وأحكامه وصفة صلاة النبي، وبعض الأدعية المرتبطة بها، ويجب على المربِّي أن يصطبر على تعويده الصلاة.. (وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاَةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا) (طه: 132)، فلا يضجر أو يمل؛ فالأخلاق تُكتسب بالتعوُّد، مع تعليمه حديث رسول الله: "مروا أولادكم بالصلاة وهم أبناء سبع سنين، واضربوهم وهم أبناء عشر".
د- وعندما يبلغ الطفل العاشرة مع ما سبق من تحبيب في الصلاة، وتشجيع عليها، وتعويد على أدائها، ووجود القدوة الصالحة له يكون الطفل قد ارتبط بالصلاة، واعتاد على المحافظة عليها، خاصةً مع وجود التشجيع المادي والمعنوي، وعلى الوالد والوالدة في هذه المرحلة أن يعلموه أحكام صلاة الجماعة والسنن والوتر، ويجب أن يهتموا بصلاة الفجر والعشاء، وأن يعودوا الطفل على أداء الفرائض كلها مهما كانت الظروف والأحوال.
كذلك يعوَّد على قضاء الصلاة إذا فاتته ناسيًا، أما إذا فاتته تكاسلاً فإنه يعلَّم أن العلاج هو المسارعة بالقضاء والاستغفار وعمل الكثير من الحسنات.. كالصدقة والتسبيح أو التقرب إلى الله بأي عمل صالح يحبه الله؛ كي يتجاوز عنه ويغفر هذا الذنب.
انتبه..!!
عليكم- إخواني- ربط شعور الطفل وفكره بالصلاة، فربط المواعيد يكون بأوقات الصلاة: قبل المغرب، وبعد العشاء... وهكذا، وعدم السماح بتأخير الصلاة لأي سبب، فلا يسمع الطفل منك إلا "نصلي أولاً، ثم نفعل كذا إن شاء الله.. " فيتعوَّد على تقديم الصلاة على كل الأعمال.
علم ابنك وبنتك
رخصة القصر والجمع في السفر، وتشجيعه على النوافل بعد اعتياده صلاة الفرائض، وحثَّه على أن يكون شجاعًا في دعوة زملائه للصلاة، وعلِّمْه ألا يترك الصلاة مهما كان حاله، وعلى قدر استطاعته، فلا عذرَ في تركها حتى وإن كان مريضًا- لا قدَّر الله.
احرص على..
اصطحاب الأبناء لصلاة الجمعة والعيدين، وتعليمهم صلاة الاستخارة قبل أن يقدموا على أمرٍ ما، وصلاة قضاء الحاجة لييسر الله له الخير، وأكثِر من قيامك بهذه الصلوات أمامهم، فتذكر ما قمت به من صالح الأعمال أمامهم؛ ليقتدوا بك فإذا استخرت الله في شيء قلت: لقد صليت الاستخارة، ووفقني الله لكذا أو سجدتُ لله شكرًا عندما حدث كذا، وبهذا يُغرس حبُّ الصلاة والاعتياد عليها في وجدان الطفل، وبإمكانكم- إخواني- استخدام المساطر وجداول الحصص والمجسمات التي تحث على الصلاة في وقتها، وغيرها من الأشياء التي تذكِّر الطفل بالصلاة، كما أن بالإمكان تعليم الطفل الجمع والضرب والحساب باستخدام عدد الركعات أو المسافة إلى المسجد أو عدد الحسنات التي تُعطَى على المشي إلى المسجد، وغير ذلك من الأمور التي تُحبِّب في الصلاة وتشجِّع على أدائها.
لا تنس..
الاستعانةَ بالله، وإخلاصَ النية له، ودعاءَه في كل وقت وحين؛ ليجعل أبناءنا من الصالحين- إن شاء الله- وأكثر من دعاء "رب اجعلني مقيم الصلاة ومن ذريتي ربنا وتقبل دعاء".. "ربنا هب لنا من أزواجنا وذرياتنا قرة أعين واجعلنا للمتقين إمامًا".
ولا تنس الرفق واللين والإثابة والتشجيع في تعويد الطفل الصلاة وغيرها من القيم الإسلامية، ولا تنس أن القدوة الصالحة خيرُ وسيلة للتربية، فحافظ على الصلاة، ولا تهمل تعويد أبنائك عليها، وفقنا الله وإياكم في تربية أبنائنا، وجعلهم قرة أعين لنا وذخرًا وقوةً لأمتنا..اللهم آمين.
11/05/2004
http://www.ikhwanonline.com المصدر:
ـــــــــــــــــــ(111/316)
موعد ولادة الطفل .. هل يحدده الأب ؟
هل يستطيع الأب أن يحدد مواعيد ولادة أطفاله؟.. هذا ما تثيره دراسة حديثة نشرتها المجلة الطبية البريطانية، ترى أن المورثات الجينية للأب تحدد طول فترة الحمل وهي المسؤولة عن تأخر ولادة الطفل أو ولادته قبل الأوان.
ووجد الباحثون في جامعة آرهوس بالدانمارك، بعد متابعة 22 ألف امرأة ممن أنجبن بعد حمل أول متأخر، ثم حملن بعد ذلك لإنجاب طفل ثان بين العامين 1980 1994 أن خطر تعرضهن لحمل ثان طويل كان 19. 9%، بينما انخفض عند السيدات اللاتي أنجبن بعد حمل أول طبيعي بلغ 37 41 أسبوعاً، إلى 7. 7 %.
وبعد تحليل الولادات المتأخرة عند مجموعة من النساء الحوامل، لوحظ أن النساء اللاتي أنجبن الطفل الأول بعد حمل طويل، تعرضن لحمل طويل ثان بنسبة أقل إذا كان الطفل الثاني من أب مختلف، وهو ما يدل على أن جينات الأب تساهم جزئياً في تحديد موعد ولادة الطفل، لذلك تكون هناك اختلافات بين مواعيد الولادة تبعاً للآباء.
واكتشف العلماء أنه إذا تغير أزواج السيدات اللاتي تعرضن لحمل أول طويل، فإن خطر التعرض لحمل ثان طويل ينخفض إلى 15. 4%، بمعنى أن تغيير الأب قلل هذا الخطر بحوالي 30%.
وتعتبر هذه أول دراسة تبحث دور الأب في فترات الحمل الطويلة التي تزيد على 42 أسبوعاً، وبالتالي فإن الخطوة القادمة تتمثل في تحديد الجينات المسؤولة عن تأخر الحمل والعوامل التي تمنح الأب قدرة على تحديد فترة الحمل.
http://www.almujtamaa-mag.com المصدر:
ـــــــــــــــــــ(111/317)
تأثير الذكورة على بعض الأمراض
د. عبد الدايم ناظم الشحود
ولننتقل معاً إلى تأثير الذكورة على حدوث بعض الأمراض ومنها مرض (إنجلمان) ANGELMAN DISEASE حيث قد يحدث خلل أثناء تكون البويضة الملقحة من اندماج نطفة وبويضة، فينتقل الصبغي الخامس عشر من هذا الاندماج إلى البويضة الملقحة في وقت لا تحتوى فيه البويضة الملقحة على أي صبغي يحمل الرقم الخامس عشر من طرف الأم، ويعرف هذا المرض بالتخلف العقلي عند الطفل، حيث تحدث تبدلات شكلية مميزة لهذا المرض، وتبدو عليه منذ السنوات الأولى علامات البلاهة، ولكنه قد يكون طفلاً محبوباً بالنسبة لأقرانه ويتمتع بالمرح وخفة الظل.
أما لو حمل الطفل الصبغيْن اللذين يحملان الرقم الخامس عشر من الأم دون الأب لحدث مرض آخر يعرف بمتلازمة (برادر ويلي) PRADER WILLI حيث يكون الرضيع رخواً بعد الولادة وتكون رضاعته ضعيفة وقد يحتاج تغذية خاصة بالأنبوب مثلاً في المراحل الأولى من حياته، لكنه حالما يكبر ويشتد عوده تحدث عنده زيادة للشهية تجاه الطعام وهي زيادة مرضية ويصبح بديناً جداً، ولكنه يختلف عن مرض أنجلمان بأن الملكات العقلية تكون أفضل.
ومن المعروف أن بعض الحالات المرضية تزداد مع زيادة عمر أحد الوالدين، فزيادة عمر الأم عند حملها قد تؤدي لزيادة نسبة مرض داون أو تثلث الصبغي الحادي والعشرين أو ما يعرف بين العامة بالمنغولية، أما زيادة عمر الأب فقد تؤدي لمرض عدم تصنع الغضاريف أو ما يعرف بالACHONDRO PLASIA ويكون الشخص قصيراً جداً مع نمو طبيعي للرأس والناحية العقلية الذكائية.
http://www.almujtamaa-mag.com المصدر:
ـــــــــــــــــــ(111/318)
الملل في الحياة الزوجية
قالت: بعد عامين من الزوج وإنجابي طفلتين أصبح زوجي يتأخر في عمله ولا يعود مبكرًا، وإذا عاد فإنه يتناول الطعام، ويظل طوال الوقت مشغولاً بأوراق عمله، أمَّا في الإجازات فإنه ينصرف للخروج مع أصدقائه، وعندما يرجع يكون منهكًا للغاية، وإذا أردتُ الحديث معه يقول: ليس الآن.. أنا مشغول.. ولا أدري متى سينتهي من مشغولياته؟!
أما هو فيقول: بعد مرور عام على زواجي اتجهت للسهر مع أصدقائي؛ إذ زوجتي امرأة محدودة الثقافة، حديثها الدائم يدور في فلك الأسرة واحتياجات المنزل والأسعار ومشاكل الجيران، فقد حاولت بشتى الطرق أن أتوصل معها بطرق مختلفة حتى ينفتح بيننا الحديث والحوار حول بعض القضايا التي نقرأ عنها؛ ولكن دون فائدة، فكان الحلُّ بالنسبة لي هو السهر مع الأصدقاء، فنجلس ونتسامر بعيدًا عن الزوجات.
أكَّد الدكتور "سيد صبحي"- أستاذ الصحة النفسية بتربية عين شمس في إحدى دراساته-: "إن الزوجين إذا عاشا حالة من الخلافات، وتراجعت لغة الحب وتحولت الحياة إلى روتين قاسٍ، ووصلت إلى درجة كبيرة من التباعد فإن كِلا الطرفين لا يملك إلا أن ينسحب ويلوذ بنفسه دون إعلان صريح عن الإخفاق، حتى لا تصدمها فجأة حقيقة أن ما يجمع بينهما هو الجدران الخاوية، فلا كلام بينهما؛ بل وجوم صامت دون تواصل حقيقي، وربما أحاديث ممتدة؛ ولكنها فارغة من المعنى.. وهنا تزيد المشكلات، وتتعقد وتبدأ سلسة طويلة من عدم التفاهم، وفهم الأمور بطريقة غير سليمة.
الحوار الميت:
إن الحب الذي يبدأ مع الزواج لا يكاد يمر عليه سنوات، أو ينتصف معه العام، حتى يبدو وكأنه شمعة انتهت صلاحيتها وآن الأوان لأن يخبو نورها، ويحل مكانه الحوار الميت، والملل والروتين الزوجي الذي يتهدد معه حصن الأسرة وسعادة الزوجين.
إن هذه المشكلة التي تحدث بين الزوجين بعد مرور سنوات على الزواج أو بعد الأربعين عمومًا لا يجب أن ننظر إليها على أنها ظاهرة؛ بل هي حدثٌ عارضٌ سرعان ما يختفي، فالزوج في هذا السن يحتاج إلى رعاية خاصة من زوجته.
سبب الملل:
إننا نرى أنَّ تسرُّب الملل إلى الحياة الزوجية يعود بالدرجة الأولى إلى الزوجة، التي ما إن تنجب الأطفال وتزداد المسئوليات حتى تنصرف عن زوجها، وعن مشاركته أفراحه وأتراحه؛ ليكون في المرتبة الثانية أو الثالثة في حياتها، فيبدأ- لتعويض هذا الجزء الكبير من الحب الذي فقده- بالاتجاه إلى أصدقائه أو إلى أوراقه ومكتبه وكتبه؛ ليجد نفسه التي يفقدها، وربما فكَّر كثيرًا في الزواج حتى يعوض هذا الحب مع امرأة أخرى تمنحه الحب والاهتمام، ويكون هو الأول في حياتها.
فالمرأة إذًا هي الوحيدة التي تستطيع علاج هذا الملل في حياته، فتشارك زوجها اهتماماته وهواياته، ولا تؤثر مسئوليات الأبناء على منحه حقه من الحب والسعادة التي كان ينالها أول عهده بها.
الملل لا يعرف منزلي:
تقول إحداهن: رغم أنني سيدة متزوجة منذ 15 عامًا إلا أن الملل الزوجي لم يعرف طريقه إلى منزلي، وذلك لأن الزوجة الذكية تستطيع تجنب وقوع الملل الزوجي، فهي تمتلك جميع مقومات التغيير والتجديد في مظهرها، واختيار الوقت المناسب للحديث مع الزوج، والتفاهم في جميع الأمور التي تخصهم.
وتوافقها الرأي أخرى فتقول: الزوجة بيدها كل مفاتيح السعادة وإشاعة أجواء الودِّ، فبعض النساء وللأسف يكرسن وقتهن للأولاد، فيصبح الزوج في المرتبة الثانية بعد أن كان الأول في حياتها، وعلى الزوجة أن تنقذ حياتها من تسرب الملل، فتشعر زوجها باهتمامها ورعايتها له وتناقشه في أمور حياتها، وتشاركه هواياته، والخروج سويًّا للتنزة.. وأهم شيء هو الحرص على التفاهم والترابط الأسري. لقد أصبح من المتعارف عليه بين كثير من الأزواج أن متعة الزواج والسعادة الزوجية ما هي إلا سنوات، وسيحل محلها الملل والقلاقل والعراقيل، والكل يُرجع هذه المشكلة إلى الزوجة؛ لأنها في الغالب هي المسئولة عن التحول، والدليل على ذلك أنها الوحيدة التي بإمكانها إعادة الحب والسعادة إلى الحياة الزوجية.
زوجك هو الماضي والمستقبل:
يقول د. عادل صادق- في أحد أبحاثه: "إن الزوج ليس هو المستقبل فقط، وإنما هو الماضي أيضًا، ومن الطبيعي أن تكون عين الإنسان على المستقبل دائمًا بينما في الزواج فإن عيون الزوجين تكون على الماضي، إنهما يهتمان بالماضي مثل اهتمامهما بالمستقبل، والماضي معناه جذورهما وامتدادهما.
كنَّا معًا وسنظل معًا:
فمرور الأيام على الزواج يعمق هذا الزواج، وهذا هو ما يعطيه الصلابة والاستمرار والثبات، ومرور السنوات يخلق بين الزوجين شيئًا أقوى من الحب.. شيئًا يجعل من الزوجين روحًا وجسدًا واحدًا، إنها العشرة والطموحات والآمال والصعوبات والجراحات والآلام المشتركة.. المعنى أننا "كنَّا معًا وسنظل معًا" هذا هو معنى الماضي وأهمية الذكريات، وضرورة الجذور، جذور تتعمق وتقوى على مر سنوات وتلك أبدية الزواج ودوام العلاقة.. إن خلاصة القول: إن الماضي في الزواج يعمق الجذور، ويجدد الحب، ويقرب المسافات، ويزيد الحوار.
عدوى الحب:
يقول الدكتور سيد صبحي: "لا شك في أن لهذه المشكلة علاجًا، وهو عدوى الحب التي تجعل صاحبها يبعد عن مساعي الغضب، ويقترب من شريك حياته، ويعيد العواطف إلى مكانها في الصدارة، ويجدد مشاعر الحب، ويقرب المسافات، ويزيد مساحات الحوار، وبهذا الأسلوب يتحول كل طرف إلى شخص قادر على أن ينقل إلى شريك حياته مشاعر الحب والتفاهم والسعادة والشعور الراقي الذي يجمع بين لغة الحب ولغة العقل الوجدان في انسجام وعدالة، هذه دعوة ليتحمل بعضنا البعض، ويرشد بعضنا البعض، وهكذا يتحقق التفاعل السليم بين الزوجين، ويستمر تحت مظلة توظيف العقل والرؤية الوجدانية السليمة وقبلها المبادئ الدينية الإيمانية.
ساعة مصارحة:
يقول الدكتور أحمد فكري: "من المهم تخصيص ساعة مصارحة في الأسبوع يتصارح فيها كلا الزوجين، ويتحدثان لبعضهما عما يشعر كل طرف منهما تجاه الآخر، وذلك حتى يتخلصا من كمِّ المشاحنات الداخلية.
هذا بالإضافة إلى عدم الاكتفاء بهذه الساعة؛ بل من الواجب تخصيص وقت كافٍ للحوار الأسري، وقضاء يوم الإجازة بطريقة مختلفة عن باقي أيام الأسبوع، ومن ناحية أخرى يجب ألا تطغى أعباء الزوج في عمله على الوقت اللازم لإدارة شئون أسرته، كما أن على الزوجة أن تبحث دائمًا عن التغيير، بحيث لا تدور في فلك الأعباء المنزلية.
فإذا منح الزوج والزوجة وقتًا لأسرتهما بعيدًا عن الأعباء في المنزل والعمل فإن هذا الوقت من شأنه أن يتيح الفرصة لقيام حوار ثقافي أو اجتماعي مشترك بقرب المسافات الفكرية بينهما، ويقلص الفجوة بينهم ويجب أن يعتني الزوجان بالاستقرار النفسي عن طريق فهم كل واحد منهما لطبيعة الآخر، وتقدير مشاعره، وتحقيق رغباته، وإشباع احتياجاته العاطفية والنفسية والاجتماعية، وإذا تحققت هذه الأمور فلا مجال لوجود الملل الزوجي بينهما.
ويجب على الزوجة أن تراعي ظروف زوجها، من أجل أن يوفر لهما الحياة الكريمة يجب عليها أن تشاركه روحيًّا ومعنويًّا لتشعره أنَّها شريكته في الكِفاح، ولتصرف عن نفسه الشعور بأنه وحيد في حياته، أو أنها بعيدة عنه وتريد نفسها فقط، أو أن اهتمامها به قلَّ نظرًا لظروفه الحياتية التي أجِبَر عليها.
نصائح مهمة:
1- لا تكوني متسلطة في طلباتك التي لا تنقطع بمكوث زوجك معك بأن يعطيك المزيد من وقته، نعم أنت تحبينه وتريدين قربه؛ ولكن يجب أن يكون ذلك في حدود طاقته، وأن تراعي ظروف عمله؛ لأنه إن قصَّر في عمله فسوف يقصِّر حتمًا في طلباتك، وتبدأ مشاكل أخرى هي: إن البيت يحتاج كذا وكذا.. وإن الفاتورة متأخرة من شهر كذا.. وإن كذا يجب أن يستبدل من عام.. وإن الثلاجة معطلة منذ شهر.. وسلسة من المطالب ربما تؤدي به أن يموت قهرًا وغمًّا إلى جانب ما يحل به من ديون.
2- تجنبي كل ما يثير المشاكل في حياتك؛ لأن كثرة المشاكل من قِبَلك من أقوى ما يبعث على ملل الزوج منك ومحاولة البعد- لفترات طويلة- عنك وعن البيت.
3- تعلمي بعض الهوايات التي تعينك على قضاء وقت فراغك في غياب زوجك في العمل كالخياطة والتطويز، ولتتجهي إلى القراءة والثقافة، تصفحي في المجالات التي يهتم بها زوجهك حتى تشاركيه دفَّة الحديث إذا دار بينكم حوار، وكذلك كتب التربية الخاصة بتربية الأبناء وقصص الأطفال التي تساعدك على جذب أبنائك إليك.
4- اجعلي بيتك كل يوم كأنه بيت جديد؛ فغيري وبدلي وانشري فيه البهجة والسرور وداعبي الزوج ومازحيه عند عودته من عمله، ويا حبذا لو ذكرتيه بمزاحٍ ولطفٍ بتلك المواقف المضحكة التي مرت بكما في حياتكما، وكذلك لو اقترحتِ عليه زيارة أهله أو الذهاب إلى مكانٍ يحبُّه؛ ليشعر بذلك أنك تبحثين عن سعادته وحبه فتكون الاستجابة سريعة لتبادل الحب.. وقد قالوا: إذا أردت أن تنال حُبًّا من أمامك فحدثه عما يحب لا عما تحب.
5- كوني ذكية ولبقة وماهرة في إدارة الحوار بينك وبين زوجك، وليكن كل الحوار عنه وله، وعما يحب ويعشق وينجذب إليه، وعن ذكرياته ومسيرة حياته وظروف عمله، قضاياه التي يدافع عنها ومبادئه التي يدعو إليها، وكذلك مغامراته.
6- وما أجمل أن تدلليه وتلاطفيه كما كنت في سابق العهد، وأن تأتيه في سريره، فتجلسي إلى جواره تلاعبينه، ولا مانع من عبارة لطيفة كان تقولي أثناء هذا: "احذر أيها القلب أن تدخلك واحدة غيري، فإن قلبي ليس فيه مكان لغيرك"..
وهكذا فإن أزمات الحياة وصعابها تحتاج إلى امرأة مبدعة تقتل الملل وتبدد الروتين وتضع مكانهما الحب والوئام.
13/05/2004
http://www.ikhwanonline.com المصدر:
ـــــــــــــــــــ(111/319)
نور ونار
كثيراً ما نسمع ونرى ونقرأ شكوى من بعض البيوت المسلمة لما يقع فيها من مشاكل وقلاقل ومحن وإحن، يتنغص بها العيش ويتعكر بها صفو الحياة.
ويلتفت المسلم ذات اليمين والشمال فلعله يجد مكمن الداء وموطن البلاء في هذا الشقاء، فيجد بعض الثغرات الغائرة في جسد الأسرة المسلمة والناس عنها في غفلة، بل لعل البعض يحتقرها ويراها دون اهتمامه وأقلَّ من أن يصرف لها شيئاً من عنايته ورعايته.
ومنها وجود التماثيل والصور في البيوت، وهذه بلوى عمت الديار وغزت الأمصار، ومن منا قد سلم!!
ولا شك لدى المسلم أن لهذه الصور والتماثيل أثراً بالغاً في وجود المشاكل في البيوت والأرق والقلق في النفوس، فما حال بيتٍ خرجت منه الملائكة بكل ما معها من بركة وخير ونور وهداية، لتحل فيه الشياطين بما لديها من خيل ورجل وتلبيس وتدليس ونفث وهمز وشر وضر؟!
فعن عائشة - رضي الله عنها - أنها اشترت نمرقة فيها تصاوير، فلما رآها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قام على الباب فلم يدخله، فعرفت في وجهه الكراهية، فقلت: يا رسول الله! أتوب إلى الله وإلى رسوله - صلى الله عليه وسلم - ماذا أذنبت؟! فقال: ما بال هذه النمرقة؟ قلت: اشتريتها لك لتقعد عليها وتوسدها. فقال: إن أصحاب هذه الصور يوم القيامة يعذبون، فيقال لهم: أحيوا ما خلقتم. وقال: إن البيت الذي فيه الصور لا تدخله الملائكة.
فمن منا يحتمل أن تخرج الملائكة من بيته لأمر غير ذي بال؟!
إذاً فهلم ـ عباد الله ـ لنخرج هذه الآفات من بيوتنا ما استطعنا إلى ذلك سبيلا، وخصوصاً ما له ظل أو حجم وجرم من مجسمات ذوات الأرواح، لننعم ببرد الطاعة وحلاوة السعادة في بيت تظلله أحكام الشريعة وتسوسه ضوابط الدين.
1 - صحيح البخاري ـ كتاب البيوع ـ باب التجارة فيما يكره لبسه
17-04-2004
http://www.hajs.net المصدر:
ـــــــــــــــــــ(111/320)
الأنوثة في نصوص الوحيين ( 1 – 2 )
أ. د. عبد الله بن إبراهيم الطريقي *
اقتضت حكمة الخالق - جل شأنه - أن تكون الخلائق مركبة من زوجين، والزوجية تقتضي الاختلاف بينهما، إما اختلاف تضاد أو اختلاف تشابه وتنوع.
ولذا قال الحق - تعالى -: "وَمِن كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ" [الذاريات: 49].
قال مجاهد بن جبر فيما رواه عنه الطبري: "وَمِن كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ" الكفر والإيمان، والشقاوة والسعادة، والهدى والضلالة، والليل والنهار، والسماء والأرض، والإنس والجن.
والزوجية هنا تشمل المعنويات كالهدى والضلال، والخير والشر، والمحسوسات كالليل والنهار، والذكورة والأنوثة.
وقد أوضح ذلك الراغب الأصفهاني بقوله: "الزوج: يقال لكل واحد من القرينين من الذكر والأنثى في الحيوانات المتزاوجة زوج، ولكل قرينين فيها وفي غيرها زوج كالخف والنعل، ولكل ما يقترن بآخر مماثلاً له أو مضاد زوج.. وقوله: "خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ" فبين أن كل من في العالم زوج من حيث إن له ضداً أو مثلاً ما أو تركيباً ما، بل لا ينفك بوجه من تركيب، وإنما ذكر هاهنا زوجين تنبيهاً أن الشيء وإن لم يكن له ضد ولا مثل فإنه لا ينفك من تركيب جوهر وعرض وذلك زوجان" [المفردات/ صـ216].
والذكورة والأنوثة هما صورة من صور الزوجية المشار إليها؛ فما علاقة الأنوثة بالذكورة؟
هذا هو محور الحديث هنا، ونقصر الحديث على جنس البشر.
وذلك في النقاط التالية:
أولاً: أصل الخلقة:
جاءت نصوص الوحيين بإشارات كثيرة لا يخلو أكثرها من التفصيلات في شأن (بدء الخلق).
قال - سبحانه -: "اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ مَا لَكُم مِّن دُونِهِ مِن وَلِيٍّ وَلا شَفِيعٍ أَفَلا تَتَذَكَّرُونَ 4 يُدَبِّرُ الأَمْرَ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الأَرْضِ ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ مِّمَّا تَعُدُّونَ 5 ذَلِكَ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ 6 الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ وَبَدَأَ خَلْقَ الإِنسَانِ مِن طِينٍ 7 ثُمَّ جَعَلَ نَسْلَهُ مِن سُلالَةٍ مِّن مَّاءٍ مَّهِينٍ 8 ثُمَّ سَوَّاهُ وَنَفَخَ فِيهِ مِن رُّوحِهِ وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالأَبْصَارَ وَالأَفْئِدَةَ قَلِيلًا مَّا تَشْكُرُونَ" [السجدة: 4-9].
هكذا خلق آدم - عليه السلام -، ثم إن الله - تعالى - قدر أن يوجد له مخلوقاً يأنس به ويسكن إليه، فخلق منه زوجه حواء، كما أشارت إلى ذلك الآية الأخرى "هُوَ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا فَلَمَّا تَغَشَّاهَا حَمَلَتْ حَمْلاً خَفِيفًا فَمَرَّتْ بِهِ فَلَمَّا أَثْقَلَت دَّعَوَا اللَّهَ رَبَّهُمَا لَئِنْ آتَيْتَنَا صَالِحاً لَّنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ" [الأعراف: 189].
وجاء توكيد ذلك في أول سورة النساء "يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاءً".
وجاء في الأحاديث الصحيحة أن حواء خلقت من ضلع آدم، كما في حديث: (استوصوا بالنساء، فإن المرأة خلقت من ضلع، وإن أعوج شيء في الضلع أعلاه) [البخاري برقم 3331].
وهذا يفيد أمرين:
الأول: أن المرأة إنسان كالرجل:
الثاني: أنها جزء من الرجل وفرع منه.
ولعل ما يؤكد هذه الحقيقة قوله - عليه السلام -: (إنما النساء شقائق الرجال) [رواه أبو داود/ 236].
قال الخطابي في معالم السنن 1/79: "أي نظائرهم وأمثالهم في الخلق والطباع، فكأنهن شققن من الرجال".
وعلى هذا لا فرق في القيمة الإنسانية بين الرجل والمرأة، بل هما متساويان فيها، مما يجعلهما مشتركان في جملة الفضائل الإنسانية، التي أشارت إليها نصوص القرآن الكريم.
كقوله - تعالى -: "وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً" [الإسراء: 70].
وقوله - تعالى -: "لَقَدْ خَلَقْنَا الإِنسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ" [البينة: 4].
ثانياً: خصائص الأنوثة:
وبرغم تلك المساواة في القيمة الإنسانية أو أصل التكوين إلا أنه مما تقتضيه الحكمة الإلهية، والخلقة الطبيعية أن يكون الزوجان ـ الذكر والأنثى ـ مختلفين في بعض الخصائص والمكونات، كما تقتضيه الحال في كل زوجين من النبات والحيوان، فضلاً عن المتضادات كالخير والشر، والنفع والضر، والحب والبغض.. إلخ.
ولو كان الرجل والأنثى سواء في كل شيء لم يكن في التعددية فائدة، لذلك لابد أن يقول العقل ومنطق الأشياء: إن بينهما اختلافاً في مجالي: الخلق والتكوين والخُلق والطبع.
وقد يكون من غير الممكن هنا تفصيل ذلك عند علماء الطب والتشريح، أو عند علماء النفس والأخلاق، لكنني أشير إلى ماله صلة وثيقة بالتشريع، وهو علم اللغة الذي عني أصحابه بالموضوع عناية واضحة وبالغة.
فابن سيده في (المخصص) بدأ بخلق الإنسان، وذكر اسم كل جزء فيه، ثم كل نعت فيه، بما يشمل الذكر والأنثى، ثم جاء بعنوان آخر هو: كتاب النساء، حيث أورد ما فيهن من خصائص وسمات، ثم نعوت وصفات، مما يحمد أو يذم.
وسبق ابن سيده علماء آخرون من أهل اللغة والأدب مثل الجاحظ وابن قتيبة، كما يلحظ ذلك في كتاب عيون الأخبار لابن قتيبة، حيث خص النساء بكتاب مستقل سماه (كتاب النساء).
بل إن الأصل اللغوي لكل من لفظتي (الذكر، والأنثى) تعطي أبعاداً للمفاهيم، فالذكر: مأخوذ من الذكرة، وهي القطعة من الفولاذ، ويقال: حديد ذكر: أي يابس شديد، ورجل ذكر: قوي شجاع.
أما الأنثى، فمأخوذ من الأنوثة وهي الليونة، يقال: أنّث في الأمر: لان ولم يتشدد، وأرض أنيثة: سهلة منبات. ينظر: المعجم الوسيط. مادتا: أنث وذكر.
ولعل من المناسب أن نتوقف عند بعض الخصائص التي وردت في الوحيين، والتي لا يختلف عليها مسلم يؤمن بالله و اليوم الآخر؛ لإيمانه وتسليمه بالوحي أولاً، ثم لكون الخصائص هذه حقائق أكيدة ثانياً.
1- أن المرأة محل الزينة والجمال: "زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ" [آل عمران: 14].
وفي الحديث: (حبب إلي من الدنيا النساء والطيب) [رواه النسائي/ 3941]، وهو ما عبرت عنه تلك الشاعرة بقولها:
إن النساء رياحين خلقن لكم وكلكم يشتهي شم الرياحين
2- والمرأة محل الحرث: "نِسَآؤُكُمْ حَرْثٌ لَّكُمْ فَأْتُواْ حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ" [البقرة: 223].
والجنين منذ مرحلة النطفة حتى ساعة الميلاد وهو يعيش في رحم أمه، وهو معنى الحرث.
3- وهي عرضة للطمث، والحمل والولادة والرضاع: "وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذىً فَاعْتَزِلُواْ النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ وَلاَ تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّىَ يَطْهُرْنَ" [البقرة: 222]. "وَوَصَّيْنَا الإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ" [لقمان: 14]. "وَوَصَّيْنَا الإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَانًا حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهًا وَوَضَعَتْهُ كُرْهًا وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلاثُونَ شَهْرًا" [الأحقاف: 15].
4- وفي جنس النساء نقص أكثر منه في جنس الذكور: ففي الحديث الصحيح أن النبي - صلى الله عليه وسلم - خرج في يوم العيد إلى المصلى فمر على النساء فوعظهن وقال: (يا معشر النساء تصدقن فإني أريتكن أكثر أهل النار) فقلن: وبم يا رسول الله، قال: (تكثرن اللعن، وتكفرن العشير، وما رأيت من ناقصات عقل ودين أذهب للب الرجل الحازم من إحداكن) قلن: وما نقصان ديننا وعقلنا يا رسول الله؟ قال: (أليس شهادة المرأة مثل نصف شهادة الرجل؟) قلن: بلى، قال: (فذلك من نقصان عقلها، أليس إذا حاضت لم تصل ولم تصم؟) قلن: بلى، قال: (فذلك من نقصان دينها) [رواه البخاري/304، ومسلم برقم 132].
وهذا النقص أمر نسبي، في كل من الرجل والمرأة، ولكن في المرأة أكبر نسبة.
ومما يؤكد وجود النقص في الرجل، قوله - عليه الصلاة والسلام -: (كمل من الرجال كثير، ولم يكمل من النساء إلا آسية امرأة فرعون، ومريم بنت عمران، وأن فضل عائشة على النساء كفضل الثريد على سائر الطعام) [رواه البخاري /3411، ومسلم /2431].
فإذا كان كثير من الرجال قد كمل، فإنه يقابلهم كثير آخرون ناقصون.
5- ومما يؤكد وجود خصائص في كل من الذكر والأنثى: قول الحق - تعالى - في سياق قصة مريم - عليها السلام -: "إِذْ قَالَتِ امْرَأَةُ عِمْرَانَ رَبِّ إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ مَا فِي بَطْنِي مُحَرَّرًا فَتَقَبَّلْ مِنِّي إِنَّكَ أَنتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ * فَلَمَّا وَضَعَتْهَا قَالَتْ رَبِّ إِنِّي وَضَعْتُهَا أُنثَى وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا وَضَعَتْ وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالأُنثَى وَإِنِّي سَمَّيْتُهَا مَرْيَمَ وِإِنِّي أُعِيذُهَا بِكَ وَذُرِّيَّتَهَا مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ" [آل عمران: 35-36].
والشاهد هنا هو قوله - تعالى -: " وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالأُنثَى" وهو من تتمة كلام امرأة عمران، بعد الجملة الاعتراضية "وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا وَضَعَتْ" وهي من كلام الرب - تعالى -.
قال الطبري: "فتأويل الكلام إذًا والله أعلم من كل خلقه بما وضعت، ثم رجع جل ذكره إلى الخبر عن قولها، وأنها قالت ـ اعتذاراً إلى ربها مما كانت نذرت في حملها فحررته لخدمة ربها (وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالأُنثَى)، لأن الذكر أقوى على الخدمة وأقوم بها، وأن الأنثى لا تصلح في بعض الأحوال لدخول القدس والقيام بخدمة الكنيسة، لما يعتريها من الحيض والنفاس".
6- والنساء لهن خصيصة في اللباس تختلف عن الرجال: "وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ ُرُوجَهُنَّ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَائِهِنَّ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُوْلِي الإِرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاءِ وَلا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِن زِينَتِهِنَّ" [النور: 31].
ثالثاً: المسؤولية والتكليف: خلق الله الإنس والجن لعبادته، والقيام بالأمانة والعدل. "إِنَّا عَرَضْنَا الأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الإِنسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا"الأحزاب: 72. "وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ" [الذاريات: 56].
"يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ" [البقرة: 21].
والإنس، والناس، والإنسان، كلها أسماء جنس يدخل فيها جميع عقلاء البشر من الذكور والإناث ممن يفهم الخطاب.
وجاءت نداءات متكررة ومتنوعة في القرآن الكريم تتضمن تكليفات إلهية. مثل: يا أيها الذين آمنوا، يا أيها الناس، يا بني آدم، يا أيها الإنسان. وهي خطابات للذكور والإناث، والقاعدة الشرعية في الخطاب أنه عام للذكور والإناث إلا ما جاء مستثنى.
لكن هل يدخل النساء في الخطاب بأصل الوضع، أم يدخلن بالتغليب؟ خلاف بين الأصوليين.
قال ابن القيم في رده على نفاة القياس عندما قالوا: "إن الإسلام سوَّى بين الرجل والمرأة في العبادات البدنية والمالية كالوضوء والصلاة والصوم والزكاة والحج، وفي العقوبات كالحدود، ثم جعلها على النصف من الرجل في الدية والشهادة والميراث والعقيقة".
فعلق ابن القيم على هذه المقولة بقوله: "هذا من كمال شريعته وحكمتها، ولطفها؛ فإن مصلحة العبادات البدنية ومصلحة العقوبات، الرجال والنساء مشتركون فيها، وحاجة أحد الصنفين إليها كحاجة الصنف الآخر، فلا يليق التفريق بينهما، نعم فرقت بينهما في أليق المواضع بالتفريق، وهو الجمعة والجماعة.. وكذلك فرقت بينهما في عبادة الجهاد التي ليس الإناث من أهلها، وسوت بينهما في وجوب الحج لاحتياج النوعين إلى مصلحته، وفي وجوب الزكاة والصيام والطهارة.. " [أعلام الموقعين 2/145].
وابن القيم يفصل هنا مواطن التسوية والتفرقة بين الجنسين.
والنصوص الشرعية واضحة وقاضية في كلا الأمرين والمقام لا يتسع لإيراد التفصيلات، لكن نشير إلى أهم مواطن الاختلاف بين الجنسين مما لا نزاع فيه بين أهل العلم في الجملة.
ففي نظري أن القضايا والأحكام ذات العلاقة لها أنواع:
1- تخفيف الحكم على المرأة من الوجوب إلى ما دونه، مثل: صلاة الجمعة، والجماعة، والجهاد.
2- إسقاط الحكم التكليفي عنها، مثل: عدم قضاء الصلاة بسبب الحيض والنفاس، وعدم النفقة على الزوج والأولاد.
3- تأجيل الحكم التكليفي وتأخيره، مثل: صيام رمضان بسبب الحيض والنفاس.
4- تمييز المرأة بأحكام تتعلق بأنوثتها: كالحجاب، وإباحة التحلي بالذهب والحرير، وعدم حلق شعر الرأس، وإرضاع الأطفال وتربيتهم.
5- وضع أحكام احتياطية لصالح المرأة، مثل: عدم السفر إلا مع ذي محرم، وعدم الخلوة بالرجل الأجنبي إلا مع ذي محرم، وعدم التبرج، و عدم الاختلاط في غير مواطن الحاجة.
6- إسناد الأعمال القيادية للرجل دون المرأة، مثل:
أ- قوامة الرجل على المرأة، ولزوم طاعة الزوج بالمعروف.
ب- ولاية النكاح.
ج- الولايات العامة للمجتمع (كالإمامة، والإمارة، والوزارة).
7- تحديد أنصبة أقل من الرجل، في الميراث، والديات والشهادة.
8- منحها حقوقاً مادية مثل: المهر، والنفقة.
وكل هذه الأحكام الخاصة بالمرأة، والتي تميزت بها عن الرجل هي عند التدقيق عين الحكمة ومقتضى العقل الصحيح ومساحة هذه المقالة لا تتسع للتفصيل.
رابعاً: الجزاء:
لا تكاد تختلف المرأة عن الرجل في مجال (الجزاء) دنيوياً كان أو أخروياً.
فالثواب والعقاب يستوي فيه الجنسان.
قال - سبحانه -: "مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ" [النحل: 97].
يقول الطاهر بن عاشور: قوله: "مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى" تبيين للعموم الذي دلت عليه (من) الموصولة، وفي هذا البيان دلالة على أن أحكام الإسلام يستوي فيها الذكور والنساء، عدا ما خصصه الدين بأحد الصنفين".
وقد ثبت أن جبريل - عليه السلام - قال للنبي - صلى الله عليه وسلم -: (اقرأ على خديجة السلام من ربها ومني، وبشرها ببيت في الجنة من قصب، لا صخب فيه ولا نصب) [البخاري رقم/3820].
ولما قالت أم سلمة رضي الله عنها: يا نبي الله، مالي أسمع الرجال يذكرون في القرآن، والنساء لا يُذكرن أنزل الله: "إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقَاتِ وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِرَاتِ وَالْخَاشِعِينَ وَالْخَاشِعَاتِ وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقَاتِ وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِمَاتِ وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا" [الأحزاب: 35].
----------------------------------------
* الأستاذ بالمعهد العالي للقضاء
7/4/1425
26/05/2004
http://www.islamtoday.net المصدر:
ـــــــــــــــــــ(111/321)
الأنوثة في نصوص الوحيين ( 2 / 2 )
أ. د. عبد الله بن إبراهيم الطريقي
خامساً: المرأة والعلم:
الخطاب الشرعي الحاث على التعلم والتحصيل، عام يشمل الذكور والإناث، ومن أمثلة هذا الخطاب:
أ- قوله - تعالى -: "فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ" محمد: 19.
قال البخاري فبدأ بالعلم.
والخطاب وإن كان للنبي - صلى الله عليه وسلم - فهو متناول لأمته، كما يقول ابن حجر. [فتح الباري/ 1/160].
والأمة: اسم جنس يشمل الذكر والأنثى اتفاقاً.
ب- قوله - صلى الله عليه وسلم -: (من يرد الله به خيراً يفقهه في الدين) [البخاري رقم/71].
فـ (من) شرطية وهي تعم الذكور والإناث، بلا نزاع يذكر. [ينظر شرح الكوكب المنير(3/240)].
"وإذن فلا خلاف في مشروعية تعليم الأنثى، لكن في الحدود التي لا مخالفة فيها للشرع" [الموسوعة الفقهية الكويتية 7/77].
ومن المحذورات هنا: اختلاط الطلاب والطالبات، وخلع الحجاب، والتبرج، وتعليم الأنثى ما لا يليق بها كرياضة الأجسام، والموسيقى، والعلوم العسكرية.
وكان كثير من نساء النبي - صلى الله عليه وسلم - ونساء الصحابة عالمات فاضلات، مجيدات لكثير من فنون العلم.
وكما قال أحمد شوقي:
هذا رسول الله لم *** ينقص حقوق المؤمنات
العلم كان شريعة ***لنسائه المتفقهات
ردن السياسة والتجارة ***والشؤون الأخريات
سادساً: المرأة والعمل:
إذا كانت للأنثى تلك الخصائص السابقة، ولها تلك الاستثناءات التي أوردناها، فالنتيجة المنطقية أن يكون مجال العمل متناسباً معها.
وإذا كان كثير من الأعمال مشتركاً بين الرجل والمرأة فلا يمنع ذلك وجود أعمال أخرى لها خصوصية ذكورية، أو أنثوية.
والقاعدة هنا: أنه بقدر ما يشترك الجنسان في المعاني الإنسانية، يكون العمل مشتركاً بينهما، وبقدر ما بينهما من الفروق يكون اختصاص العمل.
وإذا كان من خصائص الرجل القوة والشدة والمغامرة فإن كل عمل يحمل هذه الخصائص لا يتحمله سوى الرجل في الغالب.
وإذا كان من خصائص الأنثى النعومة والعاطفة فإن كل عمل يحمل هذه الخصائص لن يتناسب إلا مع المرأة في الغالب أيضاً، وبهذا التكامل تستقر الحياة وتقوم على سوقها.
أما إذا ا فترضنا عدم صحة تلك القاعدة، وأسندت كل الأعمال إلى الرجل، أو إلى المرأة، فلابد أن يكون الخلل والقلق والفوضى لمصادمة الفطرة، والواقع، والشرع.
أما من حيث الفطرة، فلو قيل للرجل: أمامك ثلاثة مجالات للعمل، لتختار واحداً منها، وهي:
1- حضانة الأطفال.
2- قبالة النساء (توليدهن).
3- العمل في مجال العسكرية والأمنية.
ترى أي المجالات سيختار؟
أعتقد أنه لا محل للتردد هنا، بل سيختار المجال الثالث.
وهكذا بالنسبة للمرأة لو خيرت بين تلك الأعمال فإنها قد تختار الأول أو الثاني أما الثالث فلا.
وأما من حيث الواقع، فإن المرأة والرجل مازال كل منهما يمارس الأعمال التي تناسب شخصيته عند أمم الشرق والغرب.
وبرغم المناداة بتحرير المرأة، وتحرر نساء الغرب في الجملة، إلا أن السلوك الاجتماعي يفرض التنوع، ويملي على كل من الرجل والمرأة أعمالاً ومجالات محددة، ويفرض عليها فروضاً لا ينفكان عنهما.
وأما من حيث الشرع فهو محور الحديث هنا، وعرضنا ما وسعنا عرضه.
وبناء على ما تقدم فهل يمكننا أن نفهم أو نفسر طبيعة الحياة بين الجنسين بأنها تجنح إلى المنافسة على مجالات العمل، أو وجود التعارض بين متطلبات كل منهما ومصالحه؟
أظن أن النتيجة هنا واضحة، وهي أنه لا تعارض بين مصالح المرأة ومصالح الرجل، بل كل منهما يكمل الآخر.
ولعل مما يؤكد هذه الحقيقة، هو طبيعة العلاقة الخاصة (الجنسية)، حيث تقوم على حاجة كل منهما للآخر، وعدم إمكان الاستغناء عنه، عقلاً، وفطرة، وواقعاً.
حيث لا يمكن تصور مجتمع مكون من رجال فقط، أو من نساء فقط، كما لا يمكن تصور وجود أسرة مكونة من رجال فقط، أو نساء فقط، اللهم إلا في حالات خاصة وعارضة، فقد لا يوجد في البيت إلا رجال، أو نساء لأسباب قاهرة، كالكوارث ونحوها.
وصدق الله العظيم إذ يقول: "وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ" [الروم: 21].
وما شرع الزواج إلا لتلك الأغراض، كيما تسير الحياة وفق نظام سليم ومحكم.
فلا جرم أن ذلك كله يفيد شدة حاجة كل من الجنسين إلى الآخر، وأن في كل منهما نقصاً يكمله الآخر.
وأن العلاقة بينهما هي علاقة تكامل ليس إلا، نظراً إلى وجود التشابه بينهما.
إنها الحقيقة التي لا يمكن تجاهلها.
والقول بغيرها لا يخلو من أحد أمرين:
أحدهما: أن تكون العلاقة بينهما علاقة ندية.
الثاني: أن يكونا متطابقين ومتماثلين.
هذا هو التقسيم المنطقي في هذه المسألة.
ولو قيل: إن العلاقة بينهما علاقة الند لنده، لأصبح بينهما من التنافر والتنافس والمشاحة ما يصعب معه التعايش إلا بالمجاملات والمعاهدات، كما يلحظ ذلك في طبيعة العلاقة بين التجار، والطلاب، والأمم والحضارات.
ولو قيل: إنهما متطابقان لم يكن أحدهما محتاجاً إلى الآخر، بل تكون العلاقة بينهما كالعلاقة بين الرجلين، أو بين المرأتين.
فلم يبق إذن إلا أن تكون العلاقة بينهما علاقة تكامل نظراً للتشابه الكبير بينهما.
والآية السابقة، تؤكد هذه الحقيقة "وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً".
يقول محمود الألوسي (ت. 127هـ) عند هذه الآية خلق لكم أي من أجلكم، "مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا" فإن خلق أصل أزواجكم حواء من ضلع آدم - عليه السلام - متضمن لخلقهن من أنفسكم... فمِن تبعيضيةٌ، والأنفس بمعناها الحقيقي، ويجوز أن تكون مِن ابتدائية والأنفس مجاز عن الجنس، أي خلق لكم من جنسكم لا من جنس آخر، قيل، وهو الأوفق بقوله - تعالى -: "لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا" أي لتميلوا إليها، يقال: سكن إليه: إذا مال، فإن المجانسة من دواعي النظام والتعارف كما أن المخالفة من أسباب التفرق والتنافر. [روح المعاني 21/30].
و على هذا فإن إقحام المرأة في ميدان الرجل الذي لا يليق إلا به، هو تكليف للمرأة بمالا يناسبها، بل ربما لا تطيق.
سابعاً: المرأة والإغراء:
أشرنا من ذي قبل إلى أن من خصائص المرأة الليونة والنعومة والتجمل، وهذا يجعلها محط اهتمام الرجل وميوله إليها، وتعلق قلبه بها، ما لم تكن من محارمه، وهي حقيقة لا مرية فيها؛ ولأجلها جاءت النصوص الشرعية المحذرة من الفتنة بالنساء، والتعلق بهن بالطرق غير المشروعة.
ومن هذه النصوص:
أ- قوله - عليه الصلاة والسلام -: (ما تركت بعدي فتنة هي أضر على الرجال من النساء) [البخاري رقم/ 5096 ومسلم رقم/ 2740]، فالمرأة فتانة بلا شك، وهو ما أشار إليه جرير بقوله:
يصرعن ذا اللب حتى لا حراك به وهن أضعف خلق الله أركاناً
ب- قوله - صلى الله عليه وسلم -: (إن الدنيا حلوة خضرة، وإن الله مستخلفكم فيها فينظر كيف تعملون، فاتقوا الدنيا، واتقوا النساء؛ فإن أول فتنة بني إسرائيل كانت في النساء) [مسلم /رقم 2742].
ومعنى (اتقوا النساء) أي احذروهن بأن تميلوا إلى المنهيات بسببهن وتقعوا في فتنة الدين لأجل الافتتان بهن. [مرقاة المفاتيح لملا علي قاري 6/190].
وعلى هذا فليس معنى اتقاء النساء اعتزالهن بترك الزواج وتكوين الأسرة، بل المقصود اتقاء الفتنة المؤدية إلى المحظور، وهو معنى اتقاء الدنيا أيضاً.
ج- ما جاء في الحديث (المرأة عورة، فإذا خرجت استشرفها الشيطان). [الترمذي /رقم 1173، وقال: حديث حسن غريب]، ومعنى "عوره" كما في المفردات للراغب: "العورة: سوأة الإنسان، وذلك كناية، وأصلها من العار، وذلك لما يلحق في ظهوره من العار أي الذمة، ولذلك سمي النساء عورة". أ. هـ.
د- قوله - عليه السلام -: (إن المرأة تقبل في صورة شيطان، وتدبر في صورة شيطان، فإذا أبصر أحدكم امرأة فليأت أهله، فإن ذلك يرد ما في نفسه) [مسلم /رقم 1403].
قال النووي: "قال العلماء معناه الإشارة إلى الهوى والدعاء إلى الفتنة بها لما جعل الله - تعالى - في نفوس الرجال من الميل إلى النساء والتلذذ بالنظر إليهن، وما يتعلق بهن، فهي شبيهة بالشيطان في دعائه إلى الشر بوسوسته وتزيينه له" [شرح صحيح مسلم 9/178].
قلت: وصورة الشيطان ليست لها جاذبية، بل هي مكروهة للنفس السوية، بعكس المرأة، فلعل المقصود الصورة المعنوية الجاذبة للشهوة.
وبناء على ما تقدم فالمرأة لديها الجاذبية للرجال، وهي محط أنظارهم ورغباتهم، والأمر الذي يفرض واجبات على كل من الرجل والمرأة، تحول بينهما وبين الجريمة.
أما الرجل فواجبه أن يغض البصر، ويحذر الخلوة بالمرأة، أو يدخل على النساء بدون استئذان، أو يكن في حال من التبرج والزينة، وألا يتعامل مع النساء إلا بحشمة ووقار، سواء في كلامه، أو في تصرفاته.
وأما المرأة فواجبها ألا تخرج متبرجة أو متطيبة أو تبدي زينتها لغير محارمها، أو تخضع بالقول للرجل، وألا تختلط بالرجال إلا في المواضع الضرورية.
بل إن الإسلام احتاط للمرأة بأكثر من ذلك، فأسند أمر الولاية والمحرمية إلى الرجل (القوي بطبيعته) ليكون راعياً وسنداً لها في كل مواطن الخطر أو الريبة، مثل السفر، والخلوة بالرجل.
ففي الحديث الصحيح: عن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يخطب يقول: (لا يخلون رجل بامرأة إلا مع ذي محرم، ولا تسافر المرأة إلا مع ذي محرم) فقام رجل فقال: يا رسول الله، إن امرأتي خرجت حاجة وأني اكتتبت في غزوة كذا وكذا، قال: (انطلق فحج مع امرأتك) [البخاري /رقم 1862 ومسلم /رقم 1339].
ولنتخيل المرأة وهي تواجه مثل هذه المأزق، كيف يكون وضعها؟
وكيف تستطيع الخلاص ـ وهي وحيدة أو معها امرأة مثلها ـ من براثن المجرمين العابثين؟
الحقيقة أنها في وضع لا يحسد عليه، وشواهد الحال أكثر مما يخطر في البال.
ولله در تلك المرأة الشريفة التي كانت تطوف بالبيت وكانت جميلة، فأبصر بها عمر بن أبي ربيعة الشاعر المشهور، فجعل يكلمها ويتابعها، فقالت لزوجها: إني أحب أن أتوكأ عليك إذا رحت إلى المسجد، فراحت متوكئه على زوجها، فلما رآها عمر بن أبي ربيعة ولى، فقالت: على رسلك يا فتى، ثم أنشدت:
تعدو الذئاب على من لا كلاب له *** وتتقي مربض المستثفر الحامي
[ينظر: عيون الأخبار المجلد الرابع 109].
ثامناً: آراء متباينة نحو المرأة:
المرأة مخلوق عجيب، احتار الرجال من سائر الأمم والأجيال في معرفة كنهه وطبيعته، ومن ثم التعامل معه.
وليس غرضنا هنا تتبع هذه النظرات والنظريات والفلسفات عند الأمم وأهل الملل والنحل، ولكن المهم أن نتوقف عند آراء ونظرات أهل ملتنا وبني جلدتنا، فذلك ما ينسجم مع طبيعة هذا البحث.
وفي تقديري أن هذه الآراء أو المواقف يمكن إجمالها في ثلاثة:
الأول: الموقف المتشدد:
الذي ينظر إلى المرأة نظرة مطبوعة بالارتياب والحقارة، والتشاؤم، فبالارتياب يعامل المرأة بالشك وسوء الظن، حتى لو كانت من صالحات الأقارب والجيران.
وكأن القاعدة لديه: الاتهام حتى تثبت البراءة.
وبالحقارة يعامل المرأة كأنها مخلوق دنيء، لا صلة له بالإنسانية، فهو يتحاشى ذكر المرأة في أحاديثه، أو ذكر اسمها أو أن ترافقه في المناسبات والاجتماعات، ولو كانت أماً أو زوجة، وهو لا يعرف من المرأة إلا أنها ناقصة وسفيهة، وقرينة الكلب والحمار.
وبالتشاؤم يعامل المرأة كأنها شيطان، ويرى أن كل معصية أو مصيبة في الدنيا فسببها المرأة؛ لأنها حبالة الشيطان، ويروون في ذلك أثراً غير معروف (النساء حبائل الشيطان).
الموقف الثاني: الموقف المتساهل الجافي:
الذي ينظر إلى المرأة بإحدى رؤيتين:
أولاهما: الرؤية المادية (الجنسية).
الثانية: الرؤية الفلسفية القائمة على المساواة مع الرجل.
أما الرؤية الأولى؛ فهي تنظر إلى المرأة نظرة متعة جنسية ليس إلا، وكأنها خلقت لا لشيء إلا لاستمتاع الرجل وقضاء وطره، بأي أسلوب كان، مشروعاً أو غير مشروع.
وعلى المجتمع أن يتسامح في ذلك، فلا يلزم المرأة بحجاب، ولا يمنعها من مخالطة الشباب، ولا يخشى على عفتها أو بكارتها أو سمعتها.
وأما الرؤية الثانية: فإنها لا تختلف كثيراً عن الأولى، إلا أنها تنظر بعين العقل المجرد من وحي السماء، فالمرأة إنسان كالرجل، والإنسان جنس واحد لا يجوز التمييز بين عناصره.
فإذا كان لا يجوز التمييز بين الأسود والأبيض؛ فكذلك لا يجوز التمييز بسبب الجنس، ولا بسبب الدين.
وأظن أن النتيجة عند هؤلاء منطقية، فما دام الدين لا أثر له في المفاضلة بين الناس، بحيث يتساوى المسلم مع غير المسلم، أيا كانت ديانته يهودية أو نصرانية، أو بوذية، أو إلحاداً... الخ.
فالناس سواسية في الحقوق عند أصحاب هذا المبدأ، وإن كان مبدأ نظرياً لا يمكن تحقيقه على أرض الواقع، بل إن أصحابه أول من يخرق هذا المبدأ، فيقدمون المتأخر، ويؤخرون المتقدم، ويفاضلون بحسب أهوائهم ويقربون من شاءوا ويُقْصون من شاءوا، فيقعون في التناقض.
والدليل على ذلك أنهم في الوقت الذي يحتفون به بأصحاب الشذوذ الفكري ويجعلون منهم نماذج مثالية، فهم في الوقت نفسه يقصون أهل الاستقامة ويزدرونهم ويسفهون آراءهم، وإن كانوا نساء.
الموقف الثالث:
الذي توسط في هذه القضية، بين أهل الغلو، وأهل الجفاء.
فينظر إلى المرأة نظرة تقدير واحترام، وأنها شقيقة الرجل، ولها حقوقها الكاملة المتناسبة مع أنوثتها.
وأن الأنوثة ليست صفة ذم، بل وليست صفة نقص، فإن العرب تقول: امرأة أنثى: أي كاملة.
[الفيروز آبادي ص210].
وأما النقص الموجود فيها، فهو نسبي، أي بالنسبة إلى الرجل.
وليس المقصود أن كل رجل هو أكمل من كل امرأة وأفضل منها، كلا؛ بل المقصود أن جنس الرجال أكمل من جنس النساء.
وإلا فقد يوجد من النساء من هو أكمل من آلاف الرجال.
وهل تقاس مريم ابنة عمران، أو آسية امرأة فرعون أو خديجة أو عائشة أو أم سلمة بأمثال فرعون وهامان وقارون وأبي جهل وأمية بن خلف؛ بل أمم الكفر والضلال؟ اللهم لا.
بيد أن التشريعات الإلهية إنما تنظر إلى الأعم الأغلب.
ودين الإسلام وهو يضع الأنصبة في مكانها فإنه لا يقر الدعاوى الفارغة التي تستغل عواطف المرأة وتسوقها إلى براثن الرذيلة، تحت ذرائع المساواة والتحرير، والحرية.
وإذا جاز أن يقع ذلك في مجتمعات لا تؤمن بالله واليوم الآخر، ومن قبل دعاة الإلحاد والإباحية فإنه لا عذر للمجتمعات المسلمة، ولا لأي مسلم أو مسلمة أن ينخدع بتلك الدعاوى المزخرفة والمزيفة.
وأخيراً، أوجه نظر الباحث المنصف، الذي ينشد الحق والحقيقة، إلى أنه لا يمكن فهم المنهج الإسلامي نحو الأنوثة إلا بالوقوف على جملة النصوص الشرعية وشروحاتها وبياناتها اللغوية المتصلة بالموضوع، وعند ذلك تكتمل الرؤية، وتتضح الصورة.
أما أخذ بعض النصوص دون بعض وانتقاء بعضها فذلك منهج خداج لا يعطي الصورة الصحيحة عن الإسلام.
والله ولي التوفيق..
13/4/1425
01/06/2004
http://www.islamtoday.net المصدر:
ـــــــــــــــــــ(111/322)
كيف تحمي بيتك من الشياطين؟
الحمد لله الذي خلق كل شيء، وإليه يرد علم كل شيء، والصلاة والسلام على خير البشر، وسيد الثقلين، وأشهد أن لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أما بعد: فمن منا إلا ويريد هذه النعمة العظيمة، وهي حماية بيته من دخول الشياطين فيها، بكل ما يحملون من شرٍّ، وفتنة، وتلبيس، وتدليس، ووسوسة؟!
إن البيت الذي حماه الله من بأسهم ووسواسهم في نعمة عظيمة، ترفرف عليه السعادة، وتسكنه الراحة، وتتوطن فيه الطمأنينة والسكينة، وبيت طردت منه الملائكة بكل ما يحملون من خير وبركة بيت محروم مشؤوم ـ نعوذ بالله منه.
وإليك بعض الأسباب التي تحمى بها البيوت من الشياطين:
1 ـ ذكر الله - تعالى - عند الدخول فيه:
عن أبي موسى الأشعري - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله ـ - صلى الله عليه وسلم -: "إذا ولج الرجل بيته، فليقل: اللهم إني أسألك حير المولج وخير المخرج، بسم الله ولجنا، وبسم الله خرجنا، وعلى رينا توكلنا، ثم يسلم على أهله". [رواه أبو داود، وقال الألباني: صحيح، انظر: صحيح الكلم الطيب، تعليق رقم 43).
2 ـ ذكر الله عند الطعام والشراب:
عن جابر - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " إذا دخل الرجل بيته فذكر الله عند دخوله، وعند طعامه، قال الشيطان: لا مبيت لكم، ولا عشاء، وإذا دخل فلم يذكر الله - تعالى - عند دخوله، قال الشيطان: أدركتم المبيت، وإذا لم يذكر الله - تعالى - عند طعامه، قال: أدركتم المبيت والعشاء". [رواه مسلم في صحيحه].
3 ـ كثرة تلاوة القرآن في البيت:
عن عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله ـ - صلى الله عليه وسلم -: " اقرأوا سورة البقرة في بيوتكم، فإن الشيطان لا يدخل بيتاً تقرأ فيه سورة البقرة " [رواه الدارمي].
4 ـ تطهير البيت من الأجراس:
عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله ـ - صلى الله عليه وسلم -: " لا تصحب الملائكة رفقة فيها كلب أو جرس" [رواه مسلم]
وعن عائشة - رضي الله عنها - قالت: سمعت النبي - صلى الله عليه وسلم -: " لا تدخل الملائكة بيتاً فيها جرس " [رواه أبو داود].
5 ـ تطهير البيت من الصلبان:
سواء في الفرش أو الزخارف أو الأثاث أو الملابس أو غير ذلك، وهذا شرٌّ دبَّ إلينا من أعدائنا، فالواجب المتحتم على كل مسلم أن ينقض الصلبان من ملكه، ويطهر بيته منها، ليطرد معها الشياطين. فعن عائشة - رضي الله عنها - قالت: لم يكن النبي - صلى الله عليه وسلم - يترك في بيته شيئاً فيه تصاليب إلا نقضه" [رواه البخاري].
6 ـ تطهير البيت من التصاوير:
وهذا مما عظمت به البلوى وفحشت منه الشكوى، فالواجب للعبد أن يتقي الله ما استطاع، و يخرج هذه الصور من بيته، فعن عائشة - رضي الله عنها - قالت: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " إن البيت الذي فيه الصور لا تدخله الملائكة " رواه البخاري ومسلم].
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " لا تدخل الملائكة بيتاً فيه تماثيل أو تصاوير" [رواه مسلم].
7 ـ تطهير البيوت من الكلاب:
فعن أبي طلحة - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: " لا تدخل الملائكة بيتاً فيه كلب ولا صورة" [رواه البخاري ومسلم].
وعندما واعد النبي - صلى الله عليه وسلم - جبريل - عليه السلام - أن يأتيه، فلم يدخل عليه، واحتجب عنه، فسأله النبي - صلى الله عليه وسلم -، وقال له: " واعدتني فجلست لك فلم تأت؟ " فقال له جبريل: " منعني الكلب الذي كان في بيتك، إنا لا ندخل بيتاً فيه كلب ولا صورة".
[رواه البخاري ومسلم].
أخي الكريم!
إذا ما حرصت على عدم دخول الشياطين لبيتك، فأنت بخير إن شاء الله، ولكن عليك بشياطين الإنس؛ فاجتنبهم، فإنهم من أعظم المخاطر، فإن كيدهم عظيم، ومكرهم كبير، وضرهم كثير، وإلى الله المصير.
{سعادتنا في طاعة ربنا}
06-04-2004
http://www.hajs.net المصدر:
ـــــــــــــــــــ(111/323)
البركة
الشيخ عبد المحسن القاسم
الخطبة الأولى:
الحمد لله على إحسانِه، والشّكر له على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحدَه لا شريك له تعظيمًا لشأنه، وأشهد أنّ نبيّنا محمّدًا عبده ورسوله، صلّى الله عليه وعلى آله وأصحابه، وسلّم تسليمًا مزيدًا.
أمّا بعد: فاتَّقوا الله- عبادَ الله- حقَّ التقوى، فتقوى الله نورُ البصائِر، وبها تحيى القلوبُ والضمائر.
أيّها المسلمون، يسعَى الخلائقُ في هذِه الحياةِ بألوانٍ منَ الأعمال شتّى، يضمَحلّ منها ما كان في معصية الله وسخَطه، ويزكو ما كان في مرضاتِ الله وطاعتِه، قال - سبحانه -: فأما الزبد فيذهب جفاء وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض {الرعد: 17}.
وكلُّ شيءٍ لا يكونُ لله فبركتُه منزوعَة، والربُّ هو الذي يُبارِك وحدَه، والبركةُ كلُّها مِنه، وهو - سبحانه تبارَك - في ذاتِه، ويباركُ فيمن شاءَ من خلقِه.
قال - جل وعلا -: " وتبارك الذي له ملك السماوات والأرض وما بينهما وعنده علم الساعة وإليه ترجعون" {الزخرف: 85}، وكلُّ ما نُسِب إليه فهو مبارَك، واسمه - تعالى - مباركٌ تُنال معه البركة، قال - عز وجل -: " تبارك اسم ربك ذي الجلال والإكرام " {الرحمن: 78}.
والله - جل وعلا - برحمته يأتي بالخيرات، وبفضله يضاعِف البركات، وليسَت سَعةُ الرّزق والعملِ بكثرته، ولا زيادةُ العمر بتعاقُب الشهور والأعوام، ولكن سعةُ الرزقِ والعمُر بالبركة فيه.
بالعمَل المبارَك يُكتسَب الذّكر الجميل في الحياة، وجزيلُ الثوابِ في الآخرة، فيه طهارةُ القلبِ وزكاةُ النفس وعليُّ الخلُق.
والبركةُ ما كانت في قليلٍ إلاَّ كثَّرته، ولا في كثير إلا نفَعَته، ولا غِنَى لأحدٍ عن بركةِ الله، حتى الأنبياء والرسل يطلبونها من خالقِهم، يقول النبيّ - صلى الله عليه وسلم -: "بينما أيّوبُ يغتسِل عريانًا، فخرَّ عليه جرادٌ من ذهَب، فجعل أيّوب يحتسي في ثوبه، فناداه ربّه: يا أيّوب، ألم أكن أغنيتُك عمّا ترى؟! قال: بلى وعزّتِك، ولكن لا غِنى بي عن بركتك" رواه البخاري.
والرسُل والدعاةُ مبارَكون بأعمالهم الصّالحةِ ودعوتهم إلى الخيرِ والهدى، قال عيسَى - عليه السلام -: "وجعلني مباركا أين ما كنت وأوصانى بالصلاة والزكواة ما دمت حيا "{مريم: 31}. ونوحٌ - عليه السلام - أُغدِق ببركاتٍ من الله: " قيل يا نوح اهبط بسلام منا وبركات عليك وعلى أمم ممن معك " {هود: 48}، ودعا نوحٌ - عليه السلام - ربَّه بالمنزلِ المبارَك: " وقل رب أنزلني منزلا مباركا وأنت خير المنزلين " {المؤمنين: 29}. وألقى الله البركة على إبراهيم وآله، قال - تعالى -: " وبشرناه بإسحاق نبيا من الصالحين وباركنا عليه وعلى إسحاق" {الصافات: 112، 113}، وبارَك فيه وفي أهل بيته، قال - عز وجل -: " رحمت الله وبركاته عليكم أهل البيت إنه حميد مجيد" {هود: 73}، قال ابن القيم - رحمه الله -: "هذا البيتُ المبارَك المطهَّر أشرفُ بيوت العالم على الإطلاق، فلم يأتِ بعدَ إبراهيمَ نبيٌّ إلاَّ من أهل بيتِه، وكلُّ من دخل الجنّةَ من أولياء الله بعدَهم فإنما دخل من طريقهم وبدعوَتهم". ودعا نبيّنا ربَّه بالبركة في العطاء في قوله - عليه الصلاة والسلام -: "وبارِك لي فيما أعطيتَ" رواه الترمذي.
وتحيّة المسلمين بينهم عند اللّقاء طلبُ السّلام والرحمة والبركة.
أيّها المسلمون، القرآنُ العظيم كثيرُ الخيراتِ واسِع المبرّات، كتابٌ مبارَك محكَم، فصلٌ مهيمِن، أنزله الله رحمة وشفاءً وبيانًا وهُدى، قال - سبحانه -: "وهذا ذكر مبارك أنزلناه" {الأنبياء: 50}. وسورةُ البقرة سورة مبارَكة، مأمورٌ بتعلّمها، قال - عليه الصلاة والسلام -: "تعلَّموا سورةَ البقرةِ، فإنّ أخذَها بركَة، وتركَها حَسرة، ولا تستطيعها البطَلَة" أي: السّحرة. رواه أحمد.
وسَعة الرِّزق وبركةُ العمُر في صلةِ الرحِم، يقول المصطفى: "مَن أحبَّ أن يُبسَط له في رِزقه وينسَأ له أثره فليصِل رحمه" رواه البخاري.
والصادقُ في البيع والشراءِ والمعاملات مبارَكٌ له في الكَسب، مترادفٌ عليه الخير، يقول النبي: "البيِّعان بالخيار ما لم يتفرّقا، فإن صدَقا وبيَّنا بُورك لهما في بيعِهما، وإن كذبا وكتَما مُحِقت بركة بيعِهما" متفق عليه.
و الإسلام على الأسرةِ وحلولِ البركة فيها وعليها مِن أوّل نشأتها شُرع الدّعاء للزوجين بالبركة عند النكاح، يقول أبو هريرة رضي الله عنه: كان النبيّ إذا رفّأ الإنسانَ إذا تزوّج قال له: "بارَك الله لك، وبارك عليك، وجمع بينكما في خير" رواه الترمذي وقال: حسن صحيح.
وأوفرُ الزوجاتِ بركةً ما قلّت المؤونة في نكاحها، والزواجُ السعيد ما صاحبه اليسرُ والتسهيلُ، يقول المصطفى: "أعظمُ النّساء بركةً أيسرُهنّ مؤونة" رواه أحمد.
والزوجةُ المبارَكة هي المطيعةُ لله القائمة بحقوق زوجها في غير معصيةِ الله. والولدُ المبارك هو الناشئ على طاعة ربِّه، المستمسِك بسنّة نبيه - عليه الصلاة والسلام -، الصائنُ لنفسِه عن الذنوب والعِصيان.
وإذا دَخل ربُّ الأسرةِ دارَه شُرع إفشاءُ السلام على أهله رجاءَ البركة، يقول أنس - رضي الله عنه -: قال لي رسول الله: "يا بنيّ، إذا دخلتَ على أهلك فسلّم، تكُن بركةً عليك وعلى أهل بيتك" رواه الترمذي وقال: حديث حسن صحيح.
والرجلُ المبارَك هو الذي ينتفَع به حيثُما حلّ، وإذا قرُب العبد من ربّه بورِك في وقته وعمِل أعمالاً كثيرةً في زمنٍ يسير. أبو بكر الصديق - رضي الله عنه - قبل صلاة الفجر عاد مريضًا وتبِع جنازةً وأطعَم مسكينًا وأصبح صائمًا، يقول أبو هريرة - رضي الله عنه -: قال رسول الله: "من أصبَح منكم اليومَ صائمًا؟ " قال أبو بكر: أنا، قال: "فمن تبِع منكم اليومَ جنازَة؟ " قال أبو بكر: أنا، قال: "فمَن أطعمَ منكم اليومَ مسكينًا؟ " قال أبو بكر: أنا، قال: "فمَن عاد مِنكم اليومَ مريضًا؟ " قال أبو بكر: أنا، فقال رسول الله: "ما اجتَمَعت في امرِئ إلا دخل الجنة" رواه مسلم.
وخير الصُّحبةِ صُحبةُ الصالحين، وأزكى المجالس مجالسُ الذّكر، تحضرُها الملائكة، ويُغفَر لجليسها، "فتقول الملائكة لربّها: فيهم فلانٌ ليس مِنهم، وإنما جاء لحاجةٍ، قال: هم الجلساءُ لا يشقى بهم جليسهم" متفق عليه. فهذا من بركَتهم على نفوسهم وعلى جليسهم.
والمالُ المبارَك ما كثُر خيرُه وتعدّدَت منافعه وبُذِل في طُرقِ البرّ والإحسان ابتغاءَ مرضاته، ومن قنِع بربحٍ حلال قليل وتحرّى الصدقَ في معاملاته ظهرتِ البركة في ماله وفي أولاده، قال النبيّ: "من أخذه بحقّه ووضعه في حقِّه فنِعمَ المعونة" رواه البخاري.
وسرورُ الدنيا وبهجةُ زينتِها لا تتمّ إلا بكسبٍ حلال، والمالُ يكثُر عددُه بالبذلِ والعطاء في الخيرات، قال المصطفى: "ما نقصَت صدقةٌ مِن مال" رواه مسلم. وقالَ - عليه الصلاة والسلام -: "أنفِق ينفَق عليك" رواه البخاري. ومن أخذ ما أُعْطِي بتعفُّف وغِنى نفسٍ من غَير مسألةٍ ولا استشرافٍ له بالقلب بورِك له فيه، قال: "من أخذه بطيب نفسٍ منه بورِك له فيه، ومن أخذَه بإشرافِ نفسٍ له لم يبارَك له فيه" رواه ابن حبان.
والبركةُ يتحرّاها العبدُ في مأكلِه في يومه وليلتِه، فالطّعام المبارَك ما أكلتَه ممّا يليك، وتجنّبتَ الأكلَ من وسط الصحفَة، وذكرتَ اسمَ الله عليه، قال - عليه الصلاة والسلام -: "البركةُ تنزل وسطَ الطعام، فكُلوا من حافتيه، ولا تأكلوا من وسطه" رواه الترمذي وقال: حديث حسن صحيح.
وأمَر رسول الله بلَعقِ الأصابعِ والصحفة بعد الفراغ من الطعام رجاءَ البركة، وقال: "إنّكم لا تدرون في أيِّها البركة" رواه مسلم.
وفي الاجتماعِ على الطعام بركة، وفي التفرّق نزعٌ لها، يقول وحشيّ بنُ حرب: قالوا: يا رسولَ الله، إنّا نأكل ولا نشبع، قال: "فلعلّكم تفترِقون"، قالوا: نعم، قال: "فاجتمِعوا على طعامكم، واذكروا اسم الله، يبارَك لكم فيه" رواه أبو داود.
وسيّد المياه وأنفعُها وأبركُها ماءُ زمزم، قال - عليه الصلاة والسلام -: "إنها مبارَكة، إنها طعامُ طُعم" رواه مسلم.
أيّها المسلمون، اصطَفى الله من الدهرِ أزمنةً، ومِن البقاع أمكنَة، خصّها بالتشريف والبركة، فليلةُ القدر ليلةٌ مباركة رفيعةُ القدر عظيمةُ المكانة، إنا أنزلناه فى ليلة مباركة {الدخان: 3}، وأوّلُ النهار بعد صلاةِ الفجر زمنُ الغنيمة المبارك ووقتُ نزول الأرزاق وحلول البركات، أقسَم الله به في كتابِه بقوله - جل وعلا -: "والليل إذا عسعس والصبح إذا تنفس "{التكوير: 17، 18}، والنبيّ دعا بالبركةِ في بُدُوِّ الصباح، قال - عليه الصلاة والسلام -: "اللهمَّ بارك لأمّتي في بكورها" والنومُ بين صلاة الصبحِ وشروقِ الشمس تفويتٌ لزهرة اليوم.
وبيتُ الله الحرام مبارك، ليس في بيوتِ العالمَ أبرك منه ولا أكثرَ خيرًا ولا أدوم ولا أنفعَ للخلائق، قال - جل وعلا -: "إن أول بيت وضع للناس للذى ببكة مباركا وهدى للعالمين "{آل عمران: 96}.
ومدينةُ المصطفى مدينةٌ مباركة، الصلاةُ في مسجِد النبيّ تعدل ألفِ صلاةٍ فيما سواه، وصاعُها ومدُّها مبارك فيه، وتمرُ عاليتها شِفَاء، يقول النبيّ: "اللهمّ بارك لنا في مدينتِنا، وبارك لنا في صاعِنا ومُدّنا" رواه مسلم، وفي لفظٍ له: "اللهمّ اجعَل مع البركة بركتين"، وقال - عليه الصلاة والسلام -: "اللهمَّ اجعَل بالمدينة ضِعفَي ما جعلتَ بمكّة من البركة" متفق عليه. قال النوويّ - رحمه الله -: "الظاهرُ أنَّ البركةَ حصلت في نفسِ المكيل، بحيث يكفي المدّ فيها من لا يكفيه في غيرها، وهذا أمرٌ محسوسٌ عند من سَكنها".
وبارَك الله في مواطنَ من أرضه كما في قوله - تعالى -: "سبحان الذي أسرى بعبده ليلا من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى الذي باركنا حوله لنريه من ءاياتنا" {الإسراء: 1}.
والفضيلة الدائمةُ في كلِّ زمانٍ ومكان بالإيمانِ والعمل الصّالح، وأيّ مكانٍ وعمل كان أعونَ للشّخص كان أفضلَ في حقِّه، يقول سلمان - رضي الله عنه -: (إنَّ الأرضَ لا تقدّس أحدًا، وإنما يقدّس الرجلَ عملُه).
أيّها المسلمون، إذا أظهَر العبادُ ذنوبًا تتابعَت عليهم العقوبات، وكلّما قلّتِ المعاصي في الأرض ظهرَت فيها آثار البركة من الله، وانتشارُ المعاصي وفشوّها سببٌ لنزع الخيراتِ والبركات، قال - جل وعلا -: - وألو استقاموا على الطريقة لأسقيناهم ماء غدقا لنفتنهم فيه ومن يعرض عن ذكر ربه يسلكه عذابا صعدا "{الجن: 16، 17}.
وللمعصيةِ أعظمُ تأثير في محقِ بركةِ المال والعمُر والعلم والعمَل، يقول النبيّ: "وإنّ العبدَ ليُحرَم الرزقَ بالذنبِ يصيبه" رواه ابن ماجه، قال ابن القيم - رحمه الله -: "وفي الجملةِ فالمعصيةُ تمحق بركةَ الدين والدنيا ممّن عصى الله، فلا تجد بركةً في عمُره ودينه ودنياه".
ولا يُنال ما عند الله إلا بطاعتِه، والسعادةُ في القربِ من الله، وبالإكثار من الطاعات تحُلّ البركات، وبالرجوع إليه تتفتّح لك أبوابُ الأرزاق.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: "ولو أن أهل القرى ءامنوا واتقوا لفتحنا عليهم بركات من السماء والأرض ولكن كذبوا فأخذناهم بما كانوا يكسبون" {الأعراف: 96}.
بارَك الله لي ولكم في القرآنِ العظيم، ونفعني وإيّاكم بما فيه من الآياتِ والذكر الحكيم، أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم ولجميع المسلمين من كلّ ذنب، فاستغفروه وتوبوا إليه، إنّه هو التواب الرحيم.
الخطبة الثانية:
أيّها المسلمون، محقُ البركةِ يجلِب قلّةَ التوفيقِ وفسادَ القلب، وأنفعُ الأشياءِ أبركُها، ومن بارَك الله فيه وعليه فهو المبارَك، ولا تُرتَجى البركة فيما لم يأذَن به الشرع الحكيم. وبالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر تزكو النفس وتصلح الأحوال وتحلّ البركاتَ على المجتمعات. ومن التزم الصدقَ في البيان أُلقِيت الحكمةُ على لسانه والسدادُ في أفعاله. ومن أخذ المال بغير حقِّه بارَ نفعُه، قال النبيّ: "ومن أخذه بغير حقِّه كان كالذي يأكل ولا يشبع" رواه البخاري.
والرِّبا عديمُ النفعِ ماحقٌ للمالِ مُجلِب للهمّ، يجري آكِلُهُ خلفَ سَراب، قال - سبحانه -: "يمحق الله الربوا ويربى الصدقات "{البقرة: 276}.
والحلِف منفقةٌ للسلعة ممحِقٌ للكَسب، ومنعُ الصدقة خشيةَ النفادِ تلفٌ للمال، قال: "اللهمَّ أعطِ ممسكًا تلفًا" رواه البخاري.
فالزَم جانبَ العبودية والاتباع، وابتعِد عن المحرّمات والشّبهات في المال وغير المال، يبارَك لك في الأخذ والعطاء.
ثمّ اعلَموا أنّ الله أمركم بالصلاة والسلام على نبيّه، فقال في محكَم التنزيل: "إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين ءامنوا صلوا عليه وسلموا تسليما" {الأحزاب: 56}.
اللهمّ صلِّ وسلِّم وبارك على نبينا محمّد، وارض اللهمّ عن خلفائه الراشدين.
http://www.altawhed.com المصدر:
ـــــــــــــــــــ(111/324)
الإرهاب العائلي
إن للإرهاب صوراً مؤلمة تتوارى تحت ستار حفظ الكرامة، وتحقيق الرجولة، وإثبات الذات، والحقيقة الدقيقة أن بعضها سوءات خُلقية وأمراض نفسية تُمارس داخل البيوت، ومنبعها حبّ النفس، ورؤية الذات، والأنانية المطبقة، فبعض الأزواج والآباء لا يريد أن يسمع إلا صوته، ولا يرى سوى صورته، فرأيه ـ دوماً ـ صواب، وقوله ـ جزماً ـ هو الفصل، واختياره هو الحقّ الذي لا محيص عنه، ولا مناص منه!
فإذا ما حام حول حماه بعض أهله دارت حماليق عينه، وقام شعر رأسه، وأرعد وأزبد، وجاء بكلِّ باقعة، وأزرى بمن أمامه، وأخزى من عارضه أو فاوضه!
هكذا الرجولة والقوامة والولاية في نظره: [ما أريكم إلا ما أرى وما أهديكم إلا سبيل الرشاد]!!
أما أتباعه المستسلمون، فيلتزمون الطاعة بغير قناعة، ويرونه استبدادا أطبق على صدورهم، وقيوداً كبَّلت أقدامهم، وغمامات عُصبت على صدورهم، فلا يرون إلا قليلاً، وينبعث في قلوبهم حبّ التمرد والعناد، والصلف الذي يورد موارد التلف، ويغري بالوقوع في الممنوع، ويحدث الانحراف عن الحق، والانجراف إلى مهاوي الهوى، فلكلِّ فعل ردُّ فعل، وقد صاح الجدار بالمسمار: لم تشقني؟ فقال وقد أعجزه الحال وأزعجه السؤال: سل من دقَّني!
وما أدخل الله على أهل بيتٍ أفضل من الرفق، فما كان في شيء إلا زانه، وما نزع من شيء إلا شانه، وكانت الفظاظة والغلظة عنوانه.
فمتى تصبح بيوتنا وارفة الظلال بالحب والمودة؟ متى تغدو واحات حنان، ومحطات أمان؟
متى يفرح أهلها بدخولها كفرحهم بخروجهم منها؟!
متى نجد السكن الذي تسكن إليه النفوس، وتطيب به القلوب، وترتاح فيه الأفئدة؟ فمن فقد الحب والحنان والأمان بين جدرانها فسيبحث عنها خارجها، ويا لبوابة المآسي كم سيكون الوالجون!!
فما عادت نفوس الجيل القادم تطيق صبراً على جور الجلادين، ولا تحتمل الإرهاب الذي يفري الأعصاب ويقود إلى مُرِّ العذاب، فما أنتم فاعلون؟!
17-04-2004
http://www.hajs.net المصدر:
ـــــــــــــــــــ(111/325)
إصلاح الزوج
م.عبد اللطيف البريجاوي
الزوج عماد الأسرة، وأساس استقرارها وهنائها، ومنبع التفاؤل والأمل فيها، وأي كلام عن إصلاح الأسرة لا يكون الزوج طرفا فيه فهو كباسط كفيه إلى الماء ليبلغ فاه وما هو ببالغه
فلن تبلغ الأسرة شأوها في الاستقرار والصلاح إذا كان الأب بعيدا كل البعد عن منهج الإصلاح ومقوماته.
وقد يطرأ ما يعكر صفو الحياة الزوجية، ويطيح باستقرارها، ويهدم المودة الربانية التي سكبها الله - سبحانه - بين الزوجين، فيتحول المنزل إلى كابوس نتيجة تصرفات شيطانية وعشوائية من رب الأسرة، حيث يصعق الأولاد والزوجة بكثير من هذه التصرفات التي تهز مشاعرهم
وتسلب السكينة من قلوبهم، وتحيل حياتهم إلى ذهول واضطراب بدلا من أن تتحول إلى مودة واستقرار.
وانطلاقا من حرص الإسلام على الأسرة واستقرارها جعل للمرأة سبلا مختلفة لإصلاح الزوج ورده إلى الأسرة الهانئة، والحياة الرغيدة، والمسؤولية الجسيمة الملقاة على عاتقه.
قال - تعالى -: " وإن امرأة خافت من بعلها نشوزا أو إعراضا فلا جناح عليهما أن يصلحا بينهما صلحا والصلح خير وأحضرت الأنفس الشح وإن تحسنوا وتتقوا فإن الله كان بما تعملون خبيرا
(128) النساء
قال القرطبي - رحمه الله -: النشوز: التباعد، والإعراض: ألا يكلمها ولا يأنس بها.
يقول صاحب الظلال: ".. في هذه الآية ينظم القرآن حالة النشوز حين يخشى وقوعها من ناحية الزوج فتهدد أمن المرأة وكرامتها، وأمن الأسرة كلها كذلك. إن القلوب تتقلب والمشاعر تتغير والإسلام منهج حياة يعالج كل جزئية فيها ويتعرض لكل ما يعرض لها "
وهذه الآية وإن كان تعرض للمراحل الأخيرة التي قد تمر بها الأسرة وهو أن تتخلى الزوجة عن بعض حقوقها من أجل أن تحافظ على الروابط الأسرية المقدسة، إلا أنها قد أطلقت للزوجة العنان في كثير من الخيارات وأوضحت أن الصلح خير وبقاء الرابطة الزوجية أفضل الحلول وأسلمها يقول صاحب الظلال: " والصلح خير: فينسم على القلوب التي دبت فيها الجفوة والجفاف نسمة من الندى والإيناس ".
إن الإسلام جعل كل أطراف البيت يتحملون مسؤولية تجاه استقرر البيت وهدوئه وطمأنينته، فحمل الزوج المسؤولية تجاه إصلاح بيته وإصلاح زوجه، وبالمقابل حمل الزوجة كذلك مسؤولية حماية بيتها ورعايته ومسؤولية إصلاح زوجها ورعايته، فكانت هذه المسؤوليات الملقاة على عاتق كل واحد كحزام الأمان بالنسبة للأسرة حتى لا ينفرط عقدها، ولا ينفر ودها.
وإن السنة النبوية الشارحة للقرآن والمبينة له وضحت كثيرا من المفاصل الأخرى في هذه المسؤوليات.
وفي حالتنا هذه وهي حال إعراض الزوج ونفوره، وقسوة قلبه و نشوزه، سمح الإسلام للمرأة أن تتدخل لتعالج الموقف و ترد الزوج إلى العيش الرغيد والبيت السعيد و أن تستخدم بعض الطرق المختلفة والمتنوعة حسب أحوال الناس ومعيشتهم منها:
1 الحوار بالتي هي أحسن: من المشاكل التي تعاني منها الأسر اليوم قلة الطرق الحوارية بين الزوجين، وهي دائما مقطوعة، أو سالكة بصعوبة، وهي لا تكون إلا في حالات محدودة ومعدودة.
إن حكمة المرأة للمحافظة على بيتها يقتضي منها تذليل الصعوبات في هذه الطرق
الحوارية، وجعلها أمرا طبيعيا في الحياة الزوجية، يطرح فيه المشاكل التي تعانيها الزوج بحكمة وعقلانية، محافظة كل الحفاظ على احترام الزوج ومكانته.
2 - التفاني في خدمته: وهو أمر مطلوب شرعا في الحالات العادية، وهو مطلوب أكثر في مثل هذه الحالات لأنه أقرب لتقبل الزوج وأسرع للدخول إلى قلبه، وأوثق للعلاقة الزوجية والآيات والأحاديث أكثر من أن تحصى في وجوب طاعة الزوجة لزوجها والأهم من ذلك لا بد أن يعلم الرجل أن من أسباب السعادة المرأة ومن أسباب الشقاء كذلك المرأة فلا بد أن تظهر المرأة لزوجها أسباب السعادة والهناء فقد روى الإمام أحمد في مسنده عن سعد بن أبي وقاص قال قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " من سعادة ابن آدم ثلاثة ومن شقوة ابن آدم ثلاثة من سعادة ابن آدم المرأة الصالحة والمسكن الصالح والمركب الصالح ومن شقوة ابن آدم المرأة السوء والمسكن السوء والمركب السوء ".
فلا بد أن يلحظ الزوج أهمية الزوجة الصالحة في البيت وأنها من أهم أسباب الحياة السعيدة ولا يكون ذلك إلا بالتفاني في خدمته وخدمة بيته.
3 تدخل والد الزوجة: وفي حال عدم نجاح الممارسات المختلفة والمتنوعة فإنه لا بد من خطوة أخرى تكون أثقل وأقوى قي نفس الزوج وهي تدخل والد الزوجة الصالح ونؤكد على كلمة الصالح الذي يكون أكبر اهتمامه هو المحافظة على حياة ابنته وأسرتها ويسعى دوما إلى تخفيف حدة التوتر بين ابنته وزوجها بحكمة وعقلانية وهذا ما حصل للسيدة فاطمة مع سيدنا علي - رضي الله عنهما - فقد روى البخاري ومسلم عن سهل بن سعد قال جاء رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بيت فاطمة فلم يجد عليا في البيت فقال أين ابن عمك قالت كان بيني وبينه شيء فغاضبني فخرج فلم يقل عندي فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لإنسان انظر أين هو فجاء فقال يا رسول الله هو في المسجد راقد فجاء رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو مضطجع قد سقط رداؤه عن شقه وأصابه تراب فجعل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يمسحه عنه ويقول " قم أبا تراب قم أبا تراب ".
ووالد الزوجة هنا صاحب قلب كبير، ووعي ناضج، ولسان كالعسل، ودعابة لطيفة
تتسرب إلى القلب لتزيل منه ما كان من غضب ونفور.
4- تدخل الأصدقاء الصالحين: الأصدقاء الصالحون ليسوا أقل تأثيرا في نفوس الزوج وخاصة إذا كانوا أصحاب مكانة عند الزوج، وكلامهم له تأثير في نفسه وتصرفاته، وكانوا أصحاب علم وأمانة.
فقد روى البخاري والترمذي أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - آخى بين سلمان وبين أبي الدرداء فزار سلمان أبا الدرداء فرأى أم الدرداء متبذلة فقال ما شأنك متبذلة قالت إن أخاك أبا الدرداء ليس له حاجة في الدنيا قال فلما جاء أبو الدرداء قرب إليه طعاما فقال كل فإني صائم قال ما أنا بآكل حتى تأكل قال فأكل فلما كان الليل ذهب أبو الدرداء ليقوم فقال له سلمان نم فنام ثم ذهب يقوم فقال له نم فنام فلما كان عند الصبح قال له سلمان قم الآن فقاما فصليا فقال إن لنفسك عليك حقا ولربك عليك حقا ولضيفك عليك حقا وإن لأهلك عليك حقا فأعط كل ذي حق حقه فأتيا النبي - صلى الله عليه وسلم - فذكرا ذلك فقال له صدق سلمان
5- تدخل الأقارب الصالحين:
وربما تكون هذه في مراحل متقدمة من الشقاق، قال - تعالى -: " وإن خفتم شقاق بينهما فابعثوا حكما من أهله وحكما من أهلها إن يريدا إصلاحا يوفق الله بينهما إن الله كان عليما خبيرا "
(35) النساء.
ومع ذلك فهي إحدى الوسائل المهمة والناجعة والناجحة في إعادة شريان الحياة للحياة الزوجية، فتنفض عنها الغبار، وتزيل عنها ما لحقها من أدران الجاهلية حيث يبين الحكمان الحقوق والواجبات لكلا الطرفين.
إن تقصير الزوجة في متابعة أخطاء زوجها، ومحاولة تصحيحها، والتقليل منها، وإهمالها في ذلك ليولد الكثير من المشاكل التي يكون البيت في غنى عنها منها:
1 نشوز الزوج وإعراضه ونفوره.
2- انقطاع الحوار والتفاهم بين الزوجين.
3- ضياع الأولاد بين الأبوين المتنافرين.
4- انهدام الرابطة الزوجية.
والحمد لله رب العالمين.
http://saaid.net المصدر:
ـــــــــــــــــــ(111/326)
إنهم ملح الطعام
أ.مها الجريس
ليس شيء أحب إلى المرء من أولاده وذريته.. تلك هي الحقيقة التي تشهد لها الفطرة ويقررها العقل وينطق بها الحال.. غير أنَّ الحياة يمكن أن تسير بلا ذرية، كما هو حال كثير من النَّاس ممَّن كتب الله عليهم أن لا يتذوقوا طعم هذه النعمة، وقد قال - تعالى -: {الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا..}، ولفظ الزينة يدل على ذلك ـ فهم ليسوا قوام الحياة، بل زينتها.
ولكن الذي نلحظه.. ـ أحياناً ـ أنَّ بعض الآباء والأمهات لم يعد ـ وللأسف ـ يقدِّر هذه النعمة قدرها.. ولا يضع تلك الزينة في موضعها اللائق بها، أو يعتني بها كما ينبغي، بل لا يشعر بثقل أمانتها وعظيم خطرها، ممَّا يجعلنا نطيل الوقوف والعجب من بعض الممارسات التي تصدر من الآباء والأمهات تجاه فلذات أكبادهم.
من ذلك ـ مثلاً ـ ما وقفتُ عليه بنفسي خلال هذه الإجازة من طغيان الأثرة وحب الذات على المسؤولية الأسرية عند البعض، أو سمُّوها إن شئتم (التملص من قيود الأبوة والأمومة) حيث يعمد الأبوان إلى ترك أبنائهم والسفر للنزهة والسياحة بدونهم، ولا فرق عند البعض بين صغير يترك لحضن خادمة يقاسي مرارة فقد والديه دون مكروه ألمَّ بهما، أو كبيرٍ يترك لاستضافته عند أحد الأقارب أو حتى الأصدقاء، لا لشيء إلا للعيش في جو من الرومانسية والصبيانية يريده الزوجان، بعد أن دبَّ الملل إليهما من ممارسة أو تمثيل دور الأبوة والأمومة طوال العام الدراسي!
لستُ أدري ما هو شعور بعض الأبناء والبنات حينما علموا أنَّ أبويهم لم يكونوا في رحلة علاجية ـ كما ادعوا ـ بل عادوا محملين بالصور والهدايا التي تدل على زيارة كثير من الأماكن والتجول في الأرض؟!
إنَّ من أسوأ الأمور أن يشعر أبناؤك أنهم عالة عليك، أو أنَّ وجودهم يجب أن يمحى من وقت راحتك واستجمامك.
قد يتعلل البعض بأنَّ ذلك ضروري لراحة النفس ـ وتجديد العلاقة ـ كما يقولون، لكن ذلك يبقى مربوطاً بمدى تعلق قلوبكم أنتم بهم، وليس العكس، وبمدى استعدادكم للتضحية لهم واعتبارهم جزءا لا يتجزأ من كيانكم.
وأخيراً.. إنهم كالملح للطعام، يمكن الاستغناء عنه، لكننا لن نشعر بطعمه الحقيقي إلا حينما نستمتع بمذاقه، فاجعلوا أبناءكم على قائمة أولوياتكم ليكونوا لكم غداً كذلك.. ومن ترك شيئاً لله عوَّضه الله خيراً منه.
http://saaid.net المصدر:
ـــــــــــــــــــ(111/327)
خمسة عشر سببا من أسباب الطلاق
محمد عايض الشهري
الأول| تعاطي المخدرات والمسكرات ولم تنفع معه النصيحة ولم تجدي الموعظة..
الثاني | لا يصلي ولا يقيم للأوامر الشرعية وزنا ولا يهتم بها..
الثالث| لا يهتم بنظافة جسده وثيابه، وقد تنبعث منه رائحة كريهة..
الرابع| أن المرأة تسب زوجها وتشتمه وربما تلعنه وتلعن والديه وقد تحتقره..
الخامس | تهمل شئون بيتها وتنصرف إلى اللهو مع صديقتها خارج المنزل..
السادس| تعتمد بشكل كلي على الخادمة حتى في إعداد الطعام وتهيئته..
السابع| تسرف وتبذر دونما تعقل أو حكمة سعيا وراء الهوى وشراء كل جديد وإثقال كاهل الزوج بالديون..
الثامن| تترك الصلاة ولا تحرص عليها رغم التزام زوجها بأمر الله - سبحانه - حيث قال (وأمر أهلك بالصلاة)
التاسع | لا تترفع عن مشاهدة الأفلام الرخيصة أو الساقطة وتتخذ من محطات التلفاز موجها لها ومرشدا وعندها هوس بجمع أشرطة المغنيين والمغنيات..
العاشر | تنكر المعروف الذي يسديه لها زوجها، وتستهين بجهده، وتعبه، وهو ما يدخل تحت عنوان (كفران العشير) الذي يعتبر سببا رئيسا من أسباب دخول النار يوم الحساب...
الحادي عشر | لا تلتزم بأوامر الشريعة الإسلامية وتحاول حسب زعمها أن تتحرر من الضوابط وتسميها قيودا.
الثاني عشر| تختلس النظرات من طرف خفي لغير زوجها ولا تتورع عن إبداء زينتها أو بعض منها لغير بعلها متناسيه قول الحق - سبحانه -: (ولا يبدين زينتهن إلا لبعولتهن)
الثالث عشر | تضع الرائحة الطيبة أثناء خروجها من المنزل، وتحرص على ذلك دون الاكتراث بالوعيد الشديد الوارد بحق من فعلت ذلك..
الرابع عشر | كثرة النمامون والحساد والواشون، الذين لا يتقون الله..
الخامس عشر| تدخل الوالدين من كل الطرفين في جميع الأشياء الخاصة والعمامة..
.............
http://www.deen.ws المصدر:
ـــــــــــــــــــ(111/328)
عندما فتحت الباب على زوجي !!!
جلال المصلح
لم أكن أتصور أن زوجي ذو الأربعة أطفال - الذي دائما ما كان يُغلق الباب على نفسه ويجلس أمام الكمبيوتر كان غارقا في النظر إلى الصور والأفلام الجنسية..؟!
كم أصبت بخيبة الأمل عندما دخلت عليه في تلك الغرفة التي نسي أن يحكم إقفالها ذلك اليوم المشؤوم.. ! الذي أحسست فيه بدوار شديد كدت أسقط على الأرض بسببه.. !
يا له من منظر محزن ومخزي عندما وجدته متلبسا بذلك العمل المشين.. ؟! فلم أكن أتصور أن الجرأة تصل به إلى هذا الحد الذي يضعف فيه أمام إرادته فيقلب بصره في الحرام على مرأى من ربه الذي رزقه بتلك العينين التين ينظر بهما إلى ذلك الحرام.. !
كم خارت قواي عندما رأيت المعلم الأول لأبنائي.. يقوم بهذا العمل القذر.. ! الذي يرسم في عقله الجنس على أنه هو الحياة.. !! وبعده يضيع من بين يديه كل شيء وقد لا يؤمن على من هم تحت يده من الأبناء ولا يحسن تربيتهم لأن فاقد الشيء لا يعطيه.. !!!
خرجت هذه الكلمات من امرأة بائسة.. بأحرف متقطعة ممزوجة بشيء من العبرات.. تفوهت بها تلك المرأة بعد أن انكشف لها زوجها بلباس غير الذي عهدته منه..!
هذه حقيقة ينبغي ألا نغفلها ولا نتهرب منها.. فقد كثر الكلام من النساء عن تورط أزواجهن بتلك المواقع النجسة المؤثرة على العقول والقلوب.. فأصبحوا يتهربون من مسؤولياتهم وما وكل إليهم من تربية وتعليم لمن هم تحت أيديهم.. بل هجروا النساء على الفرش بسببها ولا حول ولا قوة إلا بالله.. ! فكيف يُهرب من العفاف إلى السفاف والسقوط والانخراط في المواقع الإباحية التي تفتك بلب الصغير قبل الكبير. !
كيف يجرأ ذلك الأب على أن يغيب عن بيته في بيته.. ويستقبل المخازي في عقر داره.. حيث يقبع أمام تلك الشاشة التي تنقله من سوء إلى أسوء... كيف يفعل ذلك وقد لاح في عارضيه الشيب؟! أم أنه الفشل في امتحان المراقبة للرب العليم!؟
إنها كارثة عُظمى أن يصاب الهرم الأكبر في البيت بذلك الداء!؟ إنها كارثة مخزية يوم أن يعلم الأبناء وتعلم الزوجة أن رب البيت بين المومسات وبين المواقع التي تطرد الملائكة وتستقبل الشياطين؟! إنها مصيبة عظمى يوم أن يهجر الزوج زوجته في الفراش ويلجأ ربما للعادة السرية المضرة المغضبة لربه... ؟!
إنها نقطة تحول خطرة يوم أن يسمح لنفسه بمعرفة المشبوهين والساقطين من أجل تحقيق تلك الرغبة المنحرفة؟!!
فما قيمة الزواج والعفاف إذا!؟ وما موقف هذا المغيب لو رأى تلك الزوجة تقوم بما يقوم به؟! هل يغض الطرف أم يفتل عضلاته إمامها؟! ويتستر بالنقاء والصفاء.. ؟!
أيها الزوج الفاضل...
قد يكون لسهول الوصول إلى ذلك الفساد دور كبير في جرك إلى ذلك العمل المشين.. وقد يكون ثمة سبب أو أسباب ساهمت في دفعك إلى ذلك، لكن إلى متى ستستمر على تلك الحال؟! وإلى متى وأنت تواصل في جمع أكبر رصيد من الآثام من أجل تحقيق ما تطلبه نفسك؟! ألا تخش أن ينتهي مشوار حياتك الدنيا وأنت على تلك الحال المخزية؟! ألا تخشى من أن يفضح أمرك بأي طريقة تناسب الحال التي أنت عليها؟! ألا تستحي من رب ينظر إليك وأنت على تلك الحال!!!
فالله الذي خلقك وركبك ونعمك مطلع على كل ما تقوم به في ذلك المكان البعيد المستور إلا من عين الله الذي هو أقرب إليك من حبل الوريد؟!!!
أيها الأب الكريم..
ألا تعلم أنك بفعلك هذا تساهم مساهمة فعالة في تفعيل دور الفساد في المجتمع!! نعم وإلا من كان يصدق أنه في يوم من الأيام سيقوم فلان بن فلان الرجل الرزين العاقل الذي لا يذكره الناس إلا بالخير بجعل بيته الحصين نواة لاستقبال أكبر حجم من الفساد الأخلاقي، ومن ثم يُشربه عقله وتفكيره فيطغى على همته وعزمه فيضعف عن الإصلاح والمتابعة والتفرغ لمن هم تحت يده ومن هم سبب في دخوله النار إن قدم لهم الغش بدل النصح، قال - صلى الله عليه وسلم -: (ما من عبد يسترعيه الله رعية يموت يوم يموت وهو غاش لرعيته إلا حرم الله عليه الجنة)!! فأسألك بالله هل ما تقوم به من تغذية منحرفة لروحك ونفسك سيكون له أثر إصلاح ومنفعة لرعيتك؟!
لا أظن ذلك، لأن فاقد الشيء لا يعطيه..
أيها الزوج الكريم..
فقط اجلس مع نفسك لحظات وتمعن بصدق فيما تفعله أمام الجهاز من أعمال، وقس حجم الخير فيها من الشر، وكم هي الإيجابيات من السلبيات... وهل تأثر من خلالها مستوى تدينك وإيمانك أم لا؟ عندها ستنكشف لك نفسك وتراها رأي العين، ولا أعتقد بعد ذلك أنك ستُغفل أمر النتائج إن لم تكن إيجابية وتستمر في مسيرة الانحطاط، فالمؤمن لا يلدغ من جحر مرتين.
رزقنا الله وإياك الخشية في السر والعلن.. وجعلنا من التقاة الصادقين.. وأعاننا على حمل أمانة النفس والأنفس.. وصلى الله على نبينا الكريم أخشى الناس لرب العالمين..
http://saaid.net المصدر:
-ـــــــــــــــــــ(111/329)
لوحة كن أنت رسامها !
هناء الحمراني
أسرة مكونة من أب وأم ومجموعة من الأبناء ما بين بنات وأولاد.. يعيشون معًا فترة من الزمان ثم يفترقون.. كذلك الحال بالنسبة للمعلم وتلميذه.. يمرون بنفس القصة.. عِشرة ثم افتراق.. "أحبب من شئت فإنك مفارقه".
ألا إن في نفس كل إنسان فارقته لا تزال هناك لوحة أنت رسامها.. تقع بين ملايين اللوحات الموجودة في قلبه..
هل هي لوحة كئيبة: سماء مربدة.. ملأى بالغيوم السوداء.. والظلام يبتلع شوارعها.. وخيوط العنكبوت على أبواب مبانيها؟
أم لوحة مورقة.. تتجدد مع الأيام.. الشمس تسير في نهارها.. والبدر يضيء ظلمتها.. الورد يتفتح في صباحها.. والأشجار تثمر في مواسمها؟
***
لنجلس معًا على مائدة إحدى الأسر.. انظروا إلى طريقة الأكل.. إنهم يأكلون بأيديهم.. هل يهمنا ذلك؟ كلا.. ولكن انظروا جيدًا.. الابن الأصغر كيف يطلب من شقيقته كأسًا من الماء.. نعم.. إنه خشن الطبع قليلاً.. يفتقر إلى أسلوب الخطاب والطلب: "هيه.. أعطيني ماء بسرعة.. بسرعة" كلنا الآن ننظر إلى الأخت الكبرى فالماء عندها. كيف ستقابل طلبه؟ عقدت حاجبيها.. صرخت في وجه أخيها: "ألا تعرف كيف تقول (لو سمحت؟)".. يرد عليها: "لن أقولها.. هات الماء".. ترد بفظاظة أكثر: "وأنا لن أعطيك الماء" تتدخل الأم غضبى: "أنتم قليلو الاحترام".. يقوم الأب من فوق المائدة: "الحياة معكم لا تطاق"..
***
عفوًا.. ألا زلتم تشاهدون الموقف معي.. لقد بقيت الأخت الوسطى والأخ الأكبر على المائدة.. انسحبا بهدوء بعد أن لملمت الأخت الوسطى الصحونَ ووضعتها في المطبخ.. أحب أن نتعرف على الأخت الوسطى أكثر وليكن اسمها (بلسم) فهي أهل لهذا الاسم..
***
وقت العشاء.. كلهم على المائدة.. كلهم يأكلون بصمت.. أخذت بلسم الماء قربها.. صاح الصغير: "هاااااات كأسا من الماء" نظرت الكبرى إليه شزرًا.. تقول بنظراتها ما قالته بلسانها على الغداء.. تبادلها أمها نظرات أكثر حدة.. لكي تغض طرفها.. والأب بدأ بالتململ.. في هذه الثواني المشحونة.. تشرق وبقوة ابتسامة بلسم مادة كأس الماء إلى أخيها: "تفضل يا عزيزي"..
***
كيف هي حياة بلسم اليومية؟ ما البرنامج الذي تسير عليه.. ما الألوان التي تختارها لكي ترسم لوحاتها الجميلة في قلوب الناس من حولها؟ إنها تحب لون السلام.. تضعه في لوحة كل من تقابله.. حتى ابن شقيقها الذي لم يتجاوز عمره الشهر لم يحرم من سماع هذه التحية الزكية منها..
الابتسامة ظل مبدع تضعه بلطف تحت أشجار لوحاتها..
عندما تستيقظ من النوم صباحًا.. أو تعود من جامعتها مساءً.. لابد وأن تدلف إلى كل فرد من أسرتها تسلم عليه وتسأله عن حاله.. وتقدم له رأيًا أو مساعدة.. أو ملاحظة رقيقة على عمله..
على المائدة.. بقدر حبات الأرز المعروضة هناك ألوان زاهية يمكن إضافتها للوحاتها.. ليست بلسم وحدها التي تستطيع استخدام هذه الألوان.. بل كل فرد يمكنه ذلك.. إن بلسم تقرب أصناف الطعام إلى والديها.. تمد البطاطس المقلية إلى شقيقها الصغير؛ فهو يعشق هذا الصنف ولا يشبع منه أبدًا.. سعل أكبر إخوتها.. قدّمت له كأس الماء دون أن يطلبه منها.. وهي التي مدت بالملعقة لشقيقتها الكبرى.. هل تتخيلون الصورة التي رسمتها في اللوحات؟ فراشة ملونة تدور بين الأزهار.. أو نحلة تجمع الرحيق لصنع العسل..
لنترك مائدة الطعام.. ها هو شقيقها المشاكس يقف فوق خزانة الملابس.. آه.. وقع على الأرض.. الضحكات ت- تعالى - من إخوته.. كل يدلي بتعليق سمج.. أو متهكم: (أحسن.. تستحق ذلك.. ليتك لا تزال واقعا ولم تصل إلى الأرض بعد...) ولكن بلسم لها شعور مختلف.. وتصرف آخر.. أمسكته من يده.. رفعته عن الأرض.. "سلامتك.. هل تأذيت؟ " هكذا رسمت بلسم القمر في لوحة أخيها..
***
هل تظنون أن بلسم لا تطلب شيئًا من أحد؟ بل على العكس فهي لا تخجل من طلب الخدمة أو المساعدة أو أي شيء آخر من أسرتها.. ولكنها تعرف المعادلة التي تصل بها إلى الطرف الثاني بنجاح.. فهي تعلم كما أنه من حقها أن تطلب فمن حق الآخر أن يرفض إن لم يستطع تنفيذ الطلب.. تعرف أن الطلب لن ينفذ إلا إذا أراد الله له أن ينفذ.. وتعرف أيضًا أن الطلبات لا يجب أن تكون كلها مجابة.. تمامًا كما لا يمكن أن تكون كلها مرفوضة..
***
اصدقوا النية.. تحزموا بالصبر.. وستجدون أمامكم علبة الحياة مفتوحة تعطيكم أزهى الألوان لرسم لوحاتكم..
***
قال أكثم بن صيفي: "إنما أنتم أخبار فطيبوا أخباركم".
21/3/1425
10/05/2004
http://www.islamtoday.net المصدر:
ـــــــــــــــــــ(111/330)
للأزواج فقط : أنصتوا لآهات زوجاتكم
سلمان يحيى المالكي
إلى كل من يسعى إلى السعادة الزوجية، وإلى كل من يعاني من بعض المشاكل الأسرية، إلى الزوجين اللذَيْن يعيشان في البيت الزوجي وفي العش السكني، عليكما أن تعرفا جيدا أن سر السعادة الزوجية هو قيام بيتكما على محبة الله وطاعته ومحبة رسوله - صلى الله عليه وسلم -، الذي بيده - سبحانه - أن يوفق ويبارك ويجمع بين قلبيكما.
إن طاعة الله لها أثر كبير في الألفة والمحبة بين الزوجين، والمعصية لها أثر عجيب في كثرة المشاكل والخلافات وعدم الوفاق بين الزوجين، فمتى ما قامت الأسرة على حب الله وحب رسوله - صلى الله عليه وسلم - وإقامة شرع الله وترك معصيته، كبيرة كانت أو صغيرة؛ فلتهنأ الأسرة والزوجان معا بالسعادة والسرور والاستقرار الدائم في الدنيا ويوم لقاء الله. ولهذا فإن الحب له همسات ولمسات، وأرقى معانيه وأسمى معاليه: التقاء قلبين يؤسسان على طاعة الله حياتهما، ويزرعان في صحراء السنين غرسهما، على الصدق يلتقيان، وعلى العهد يمضيان، وينْقشان على جبين الدهر حروف الوفاء.. حبيبين صديقين عروسين، فما ألذ الحب في رحاب الله!.. رفيقين، ونعم الرفقة على منهج الله.
أيها الزوج المبارك.. هذه نماذج أطرحها بين يديك ورسائل أبثها بين ناظريك، شكاوى أنثرها، ومآس أطرحها؛ لترى بأم عينيك حقيقة التألم والتأوه والتفجع الذي يصيب بعض نسائنا المتزوجات، نعم.. هذه همومهن وآلامهن الزوجية أطرحها لنعرف حقا الواقع المرير المؤلم المؤسف الذي يخيّم على بيوت بعض المتزوجين والمتزوجات من بني جلدتنا، وما بقي ـ وربي ـ في حبيس الصدور ولم يصل إلى السطور أكثر وأعظم..
الآهة الأولى: زوجي لا يهتم بي إطلاقا، يكون دائما عابس الوجه ضيق الصدر، فأنا مع قيامي به وتقديمي له الراحة والاطمئنان، إلا أنه سيئ الطبع، ذميم الخلق، سريع الغضب، كم رأيته ـ والله ـ المرة تلو المرة بشوشا مع أصحابه وزملائه، متوددا لأقربائه وجيرانه، أما أنا فلا أرى منه إلا التوبيخ والمعاملة السيئة.
الآهة الثانية: لا تتعجب يا زوجي.. طالما طرحت على نفسي هذا السؤال، وطالما سمعته من صغاري، وهو: أين تقضي وقتك خلال الأسبوع؟ نرى أن الأصدقاء والزملاء والرحلات والاستراحات قد أخذت وقتك كله، بل ليس لنا من دقائقك إلا القليل القليل، وهل يا زوجي الزملاء والبيع والشراء أحق منا بوقتك؟ دعني أُرجع ذاكرتك إلى الوراء سنوات وقرونا لترى من كان أكثر منك عملا ودعوة ومقابلة وتعليما.. لترى نبي هذه الأمة وقائدها ومعلمها - صلى الله عليه وسلم -، مع كثرة أعبائه ومشاغله إلا أنه أعطى كل ذي حق حقه، فهل تمنحني حقي؟ وتبادلني الشعور..؟
الآهة الثالثة: مشكلة زوجي أنه كثير الصمت، لا يتكلم، لا يشتكي، لا يناقش، فقط يكتفي بالصمت. وإذا ناقشته في أمر من أمور حياتنا هزَّ رأسه، وربما وضع اللوم عليّ ثم يسكت طويلا، فأنا ـ والله ـ لم أهمل نفسي يوما من الأيام تجاهه، بل أقوم بواجباتي الزوجية من نظافة الجسد والمكان والأولاد.. ولكن دون فائدة، لم يُسمعني كلمة جميلة رقيقة حانية عفيفة، لم يبادر في يوم من الأيام بمدحي ولو بشيء يسير من الكلمات التي طالما انتظرتها منه، كم كنت أتمنى أن يقول لي: ما أحلى هذه الأكلة! ما أجمل هذا الفستان! ما أروع هذه النظرة! بل ـ والله ـ لقد كنت أطوي الليالي الطوال مريضة ولم تحمله نفسه على أن يضع يده على جبيني أو رأسي، أو أن يدعو لي بالشفاء العاجل، أو يقرأ عليّ رقية شرعية من كتاب الله وسنة نبي الله - صلى الله عليه وسلم -، نعم.. كم كنت أتمنى أن يريني مثل ما أريه من حسن العشرة وجمال التودد، فقد ـ والله ـ أتعبت نفسي من أجله، وبذلت جل وقتي له، فأين يا ترى حقي..؟
الآهة الرابعة: منذ تزوجت.. وزوجي يضربني ضرب الدواب، وكنت أحسب هذا شأن الأزواج كلهم، فأنا يتيمة وصغيرة وجاهلة ومنعزلة عن الناس، وبقيت على هذه الحال سنوات طويلة، حتى أنجبت بنتا معوقة، وصرت لأجلها أتردد على المستشفى بكثرة، فاختلطت مع النساء وتعرفت على أحوالهن، عندها.. عرفت أن وضعي غير طبيعي على الإطلاق!
الآهة الخامسة: زوجي يتنكد مزاجه في أوقات كثيرة لأتفه الأسباب، فينهال عليّ بالضرب، ويأمرني بعدم البكاء أو الصراخ، ولو فعلت ذلك اشتاط غضبه وازداد بطشه، فإذا توقف عن الضرب وجب عليّ تقبيل رأسه والاعتذار منه! والمضحك والمبكي في الوقت نفسه أنني في الغالب ليس لي شأن بالسبب المثير لأعصابه، ولكنني أبقى أنا الضحية.. نعم.. أبقى أنا الضحية..
فلماذا هذه الآهات والحسرات؟
لماذا هذه الهموم والتصرفات من بعض الأزواج..؟
أسئلة محيرة، وأساليب خاطئة، تبحث عن حلول وتحليلات، وتوجيه ومصارحات.
http://www.lahaonline.com المصدر:
ـــــــــــــــــــ(111/331)
د. بهيجة : الأسرة لا تقوم على المادة فقط
حوار: علي مهدي
ـ التقاليد البعيدة عن الإسلام هي سبب المظالم التي تعاني منها المرأة.
ـ مشاريع إعلامية وثقافية لتصحيح صورة الإسلام وموقفه من المرأة.
أقدمت رابطة العالم الإسلامي بالمملكة العربية السعودية على خطوة طيبة حين أنشأت الهيئة العالمية للمرأة والأسرة المسلمة؛ كمنبر ذي طابع دولي للدفاع عن المرأة والأسرة في ظل التحديات الخطيرة التي تتهدد مؤسسة الأسرة من جانب القوى الغربية التي تسعى لفرض نموذجها الثقافي، الذي يقوم على الإباحية والحرية الفردية المطلقة المتحللة من كل ضوابط أو قيود دينية أو خلقية وهم يستخدمون العولمة وشعارات القرية الكونية الصغيرة ستارًا للتغلغل في المجتمعات الإسلامية لبث سمومهم والترويج لقيم حضارتهم الآفلة..
وفي مقابلة مع الدكتورة بهيجة بهاء عزى - الأمين العام للهيئة -، طرحنا عليها العديد من التساؤلات حول الهدف من إنشاء الهيئة والمخاطر التي تتعرض لها المرأة المسلمة ومؤسسة الأسرة والطفل، ودور المنظمات المنبثقة عن الأمم المتحدة في خدمة المشروع التغريبي الذي يقوده الغرب، وكيفية مواجهة الأخطار التي تهدد المرأة والطفل المسلم وقضايا أخرى، وفيما يلي نص الحوار...
مواجهة التشويه:
يستغل الإعلام الغربي قضية المرأة في المجتمعات الإسلامية لشن حملة تشويه؛ فكيف يواجه المسلمون تلك الحملة؟
الإسلام أنصف المرأة وأعطاها حقوقها كاملة في التعليم والعمل والأهلية المالية المستقلة وغيرها، وللرد على حملات التشويه التي تقودها بعض وسائل الإعلام الغربية لا بد من عرض الحقائق كاملة حول الإسلام وموقفه من القضايا المختلفة (خاصة الموقف من المرأة) عرضًا علميًّا موثقًا بعيدًا عن لغة الخطابة التي تخاطب المشاعر ولا تصل إلى العقول، وتطبيًقا لذلك قامت الهيئة بطبع كتيبات باللغة الإنجليزية ترد على الشبهات المثارة ضد المرأة المسلمة وموقف الإسلام منها في قضايا مثل الميراث وتعدد الزوجات وغيرها من القضايا التي لا يمل الإعلام الغربي عن إثارتها. وقد عرضنا من خلال هذه الكتيبات الحقائق مدعمة بالوثائق والنصوص من القرآن الكريم والسنة النبوية مع مقارنة نقدية لأوضاع المرأة الغربية التي رغم دعاوى الحرص عليها وإعطائها حقوقها لا زالت تعاني من هضم حقوقها ولم تصل إلى ما وصلت إليه المرأة المسلمة من تكريم، وتضمنت تلك الكتيبات أرقامًا وإحصاءات عن العنف الذي يمارس ضد المرأة في الغرب، وعقدنا مقارنة بين ما يقوله الطب عن الإجهاض المنتشر في أوربا والولايات المتحدة ومخاطره الطبية، ثم عرضنا وجهة نظر الإسلام التي تحرم الإجهاض إلا في حالة وجود الخطر على حياة الأم، وهو ما يتفق مع رأي الطب ويعد إعجازًا علميًّا لصالح الإسلام.
وتناولنا قضية (الجندر) أي النوع، وهو مصطلح تستخدمه المنظمات النسوية في الغرب بمعنى المساواة المطلقة بين الرجل والمرأة وتجاهل أي اختلافات بيولوجية ونفسية بينهما، والزعم بأن التنشئة الاجتماعية هي التي توجد الفروق بين الجنسين وليس الاختلافات البيولوجية. وبيّنا رأي علماء الغرب في تكوين الدماغ لدى الجنسين والاختلافات الفسيولوجية في تركيب الجسم لدى المرأة والرجل، وأثبتنا أنهما مختلفان وأن التنشئة الاجتماعية ليست كما تزعم النسويات الغربيات هي المسؤولة عن تحديد الذكورة والأنوثة وأداء كل منهما في الحياة.
مخاطر تهدد مؤسسة الأسرة:
ما هي أهم المخاطر والتحديات التي تواجه مؤسسة الأسرة في العالمين العربي والإسلامي؟ وكيف يمكن مواجهة تلك المخاطر والتحديات؟
مؤسسة الأسرة سواء على المستوى الإسلامي أو العالمي تواجه تحديات تهدد وجودها وتحدث شرخًا في بنيانها وأدوارها الرئيسة في المجتمع بدعوى النظام العالمي الجديد، وكان لا بد من مواجهة هذه التحديات لضمان استمرار المجتمعات محليًّا وعالميًا، والساحة المحلية والدولية تكاد تخلو من وجود طرح إسلامي معاصر يرى في الأسرة عمودًا فقريًا وركيزة أساسية للأمن الفردي والاجتماعي.
وأكثر ما يهدد مؤسسة الأسرة موجة التحلل والإباحية القادمة عبر الفضائيات والإنترنت، والتي تتستر وراء الدعوة لتحرير المرأة وهي في الحقيقة دعوة لتحرير المرأة من أي قيود أخلاقية أو دينية تحفظ عليها عفافها وتصون كرامتها وإنسانيتها، وقد ظهرت هذه الدعوات بوضوح خلال مؤتمرات الأمم المتحدة الخاصة بالمرأة والشباب وانعكست على الكثير من المواثيق الدولية التي من شأن تطبيقها داخل الدول التي صادقت عليها تعريض العلاقات بين المرأة والرجل ومؤسسة الأسرة للكثير من الهزات؛ فبعض هذه المواثيق تقنن للعلاقات غير المشروعة بين الرجل والمرأة؛ بل وتدعو لنوع من الأسر يتكون من رجل ورجل، أو امرأة وامرأة. ولحماية الأسرة المسلمة من مخاطر الفكر الغربي الوافد فإن الهيئة تعتزم عقد ندوات ومؤتمرات محلية وإقليمية وإصدار مجلة وفتح موقع على شبكة المعلومات الدولية (الإنترنت) لتفنيذ هذه الأفكار وبيان ما فيها من خروج على تعاليم الإسلام ومخاطرها على الأسرة، وتوجيه ثقافة صحيحة واعية تنبثق من تعاليم الإسلام بدلاً من الثقافة المغلوطة المشوهة، والعمل على توظيف الإعلام في خدمة قضايا الأسرة المسلمة بالتعاون مع الأقلام الإسلامية وغير الإسلامية ضد موجات الإباحية الغربية.
تحرير المرأة
هناك مفهوم لتحرير المرأة والمساواة مع الرجل تطرحه المنظمات النسوية الغربية فهل هناك فرق بين تحرير المرأة بالمفهوم الغربي والمفهوم الإسلامي؟
المساواة التي تدعو إليها المنظمات الغربية هي المساواة المطلقة بمعنى التماثل بين الرجل والمرأة وإلغاء أي فروق بيولوجية أو نفسية بين الجنسين، وبالتالي فهي مساواة تتنكر للفطرة السوية والحكمة من خلق النوعين الذكر والأنثى، وأن لكل منهما دورًا في الحياة يتناسب مع قدراته واستعداداته الفطرية؛ أما مفهوم تحرير المرأة من وجهة النظر الإسلامية؛ فهو يقوم على احترام آدمية وكرامة المرأة والاعتراف بالفروق البيولوجية والنفسية بين كلا الجنسين، وأنهما خلقا من أصل واحد ومتساويان في التكاليف الشرعية، وأن لكل منهما رسالة في الحياة هي عبادة الله - تعالى - وإعمار الكون، وأن من حق المرأة التعليم والعمل إذا احتاجت إليه، والحق في الذمة المالية المستقلة والميراث وفق ما شرعه الله - سبحانه وتعالى-، وأن نفقتها هي وأولادها تقع على كاهل الزوج.
النساء شقائق الرجال
ما هي الأسس التي تقوم عليها الأسرة المسلمة؟
الإسلام ينظر للأسرة على أنها نواة المجتمع وهي أساس قوته وتماسكه، وأن النساء هم شقائق الرجال، وبناء الأسرة يقوم على المودة والرحمة فيما بين الزوجين وليس على الجانب المادي وحده، وأن هدف الأسرة إنجاب الأولاد لإعمار الكون والحفاظ على النوع الإنساني وتحقيق خلافة الإنسان على الأرض بعبادة الله - سبحانه وتعالى- وفق المنهج الذي أنزله على نبيه محمد - صلى الله عليه وسلم -، والأسرة التي يعرفها الإسلام هي المكونة من رجل وامرأة يجمع بينهما عقد الزوجية الشرعي وليس كما يدعو الغرب إلى ما يطلقون عليها "الأسرة غير النمطية" المكونة من رجل ورجل، أو امرأة وامرأة؛ لأن هذا النوع من الأسرة يصادم الفطرة السوية ويخالف شريعة الإسلام وهي نذير بأن المجتمع الغربي يسير نحو الهاوية.
إذا كانت الشريعة الإسلامية أعطت للمرأة حقوقها وأنصفتها؛ فمن أين جاء الظلم الواقع على المرأة في بعض البلاد الإسلامية؟ وكيف يمكن مواجهة مصادر هذا الظلم؟!
هناك بعض التقاليد والأعراف التي تسيء للمرأة وهذه التقاليد بعيدة عن الإسلام ولكنها مع تقادم الزمن اكتسبت بعض القداسة، وفي ظل الأمية الدينية اعتبرها البعض أنها من الإسلام والإسلام منها براء، لذلك فإن علاج هذا الوضع يكمن في العودة إلى تعاليم الإسلام وتوعية الناس رجالاً ونساء بهذه التعاليم التي من شأن تطبيقها تحقيق سعادة الرجال والنساء في الدنيا والآخرة. ومواجهة هذه التقاليد والأعراف تكون بالتعاون بين المسجد والإعلام والمدرسة ومؤسسات التثقيف التي ينبغي أن تتكاتف جميعًا في التوعية بموقف الإسلام من المرأة، وحض الناس على إعطاء المرأة حقوقها التي كفلتها لها الشريعة الإسلامية، وإقناع الناس بأن الدين وليس العرف البعيد عن الإسلام هو الأولى بالاتباع وتربية النشء على هذه التعاليم، فإن أطفال اليوم هم آباء وأمهات الغد.
17/3/1425
06/05/2004
http://www.islamtoday.net المصدر:
ـــــــــــــــــــ(111/332)
طلاق بعد الستين !
منال الدغيم
تتعدد وجهات النظر حول سر السعادة الزوجية، فحين يرى البعض أن "طول العشرة" كفيل ببناء السعادة والتقارب النفسي بين الزوجين، وإلغاء كافة الحواجز بينهما، يبرز لنا الواقع وجهًا كالحًا لصور عديدة، لم يزدها اختلاف الليل والنهار إلا تنافرًا وشقاقًا، وتراكمًا لظلمات المشاكل بعضها فوق بعض، فتصير الحياة جحيمًا دائمًا من البؤس والجفاء!
ولدينا هاهنا إحداها، فرغم عمر الكفاح المشترك الطويل، إلا أن حياة "أبي صالح" وزوجته كانت مشحونة بالمشاكل والتوتر، تتخللها أيام كثيرة من القطيعة والخصام، حتى بعد أن كبر أبناؤهم وتزوجوا!
وفي نهار يوم قائظ، أخذ أبو صالح يرن جرس منزله بإلحاح ولكن ما من مجيب، فاشتدت أعصابه وأخذ منه الغضب كل مبلغ، فلم يكن منه بعد أن فتحت زوجته الباب أخيرًا، وهي التي لم تسمعه من قبل، إلا أن رمى في وجهها كلمة الطلاق البائن إلى الأبد، ففرحت الزوجة كثيرًا بشهادة الحرية هذه، ورفضت كل محاولات أبنائها وأحفادها للعودة إلى "شايبها"، وهي الآن تنعم بحياة مستقرة هانئة في منزل مستقل، بعيدًا عن توتر ما يزيد على ثلاثين سنة!
أما "أم عبد الواحد"، فقد طلبت الطلاق وأصرت عليه رغم تجاوز عمر "آخر العنقود" الثلاثين، ورغم العدد الكبير من الأبناء والأحفاد وسنين العمر المشتركة، لكنها لم تحتمل الوضع، فزواج "أبي عبد الواحد" من أجنبيات لمرات عديدة، وإهمال النفقة والحقوق، جعلها تقسم بالله وهي تشد رحالها إلى مدينة أخرى، أنها لن تبقى معه يومًا واحدا "لئلا تحد عليه"!! فهو لا يستحق، خاصة وقد أعطاها ورقة الطلاق بنفس راضية غير آسفة!!
هذه الظاهرة الغريبة التي شاعت بين المجتمع في الآونة الأخيرة، وهي الطلاق بين كبار السن من الأزواج، بعد عقود من الرباط الزوجي وعدد من الأبناء الكبار، وبعد قصة كفاح وحياة مشتركة، لتعبر بقوة عن هشاشة بالغة في العلاقة رغم السني الكثيرة لها، ونما عن خلل في أساس العلاقة قامت عليه فكان بناؤها متداعيًا سرعان ما انهار وتحطم..
ما السبب في انفصال هذه الزيجات التليدة؟ ولماذا انتشرت هذه الظاهرة وما مدى ذلك؟ وما حقيقة الألفة الزوجية إذًا وما مقوماتها حتى لا تنتهي بعد مدة بمأساة؟ وما تأثير هذا الانفصال على أفراد الأسرة؟ وكيف يكون للتوعية أثر نافع في منع انفصام هذه الروابط، وعلاج المشاكل التي تعصف بها؟
هذه هي الأسباب!
يشاركنا الشيخ د. إبراهيم بن صالح الخضيري القاضي بالمحكمة الكبرى بالرياض في أسباب هذه الظاهرة، فيشير بدءًا إلى أهمية الحديث عنها، فهي أمر حساس ويعاني منه القضاة كثيرًا، ثم يعدد أسبابه قائلاً:
1) معاصي الله - عز وجل - المنوعة.
2) السحر.
3) الزواج بأجنبية.
4) الضعف الجنسي.
5) الأولاد في سلوكياتهم وانحيازهم إلى أحد الطرفين.
6) الإعلام السيئ والسهر أمام الفضائيات ثم الانحراف الجنسي وضياع الحقوق الزوجية.
ونتناول بالنظر بعض هذه الأسباب مفصلة، لنلحظ مدى تأثيرها على الواقع المرير الذي تشهده كثير من العلاقات الطويلة.
نرى أن الانحراف الديني لأحد الزوجين له مؤثرات سلبية عليهما؛ فالسهر والسفر للخارج والشرب وتضييع الصلاة، معاص عظيمة تخنق بشؤمها كل برعم سعادة أو نسمة أنس، ويجعل البيت لقمة سائغة للشياطين توقد نيران الشقاء فيها وتثير الخصام والمشاكل.
وإضافة إلى ذلك، نرى أنه مما يزيد الإحباط كون الزوجين كبارا في السن، وأولي مسؤولية وأولاد، فما ينتظر منهما هو الرزانة والتعقل والنظر المتوازن، لا اللهث وراء المعاصي والمنكرات، فيلاشي كل شعور بالصبر وانتظار ركود فورة الصبا، والتي غالبا ما تكون الأمل للأزواج الشباب حين ينحرف أحدهما عن الجادة.
أما الزواج بأجنبية، فهو سبب منتشر ومهم، فلقلة تكاليف الزواج هذا ومميزاته، نجد كبار السن من الأزواج يلهثون خلفه ضاربين بزوجاتهم وحقوقهن عرض الحائط، فتتجرع المسكينة غيرتها وأسفها مرارة وحسرة، وهو غافل في السعادة الجديدة والشباب العائد، ثم لا يجد غضاضة في الانفصال عن أم أولاده طلبًا للراحة من إزعاجها ونصح المحيطين بشأنها!
كما تشاركنا الأستاذة هيفاء الميموني، وتوضح أسباب الطلاق بعد الستين بقولها: " لقد شرع الله الطلاق لعباده رحمة منه، لفض زواج قد استحال استمراره، ولم يكن مرتبطًا بعمر أو بسن، غير أن المستغرب هو الطلاق بعد عشرة طويلة!! فأين هو السبب الذي أدى إلى الطلاق خلال هذه السنوات الطويلة؟ هل هو أمر قد طرأ على الحياة أو معاناة مستمرة أم ماذا؟!
برأيي الشخصي أرى أن هناك ثلاثة أسباب رئيسة:
1- المشاكل الزوجية المتراكمة، فقد تمضي العشرات من السنوات بين الزوجين ولا يكاد أن يخرجان من مشكلة أو خلاف حتى يقعان في أخرى وتبقى هذه الملفات مفتوحة عبر الزمن متراكمة يؤزم بعضها بعضاً غير أن الأبناء وصغر سنهم يشكل عائقًا دون هذا الانفصال فلما زال هذا المانع حدث ما كان منطقياً طوال هذه السنين.
2- هوان أمر الطلاق: ففي عصر تشكل وسائل الإعلام شخصية المجتمع وثقافته أصبحنا نلمس هوان شأن الطلاق عند الناس تفاعلاً مع ما يُطرح من صور الطلاق وتفشيه وهوان أمره عبر وسائل الإعلام المختلفة.
3- الخطأ البشري: فلماذا نستبعد بشرية الزوجين واحتمال تسرعهما في اتخاذ مثل هذا القرار؟! فقد يطرأ شجار فيبادر الزوج على أثره بالطلاق أو تبادر الزوجة بطلبه، فهما بشر يغضبون ويوّزهم الشيطان وحتى إن تقدم بهم العمر وطالت سنوات العشرة.
وأين الألفة؟!
ما يعجب منه المرء حقيقة هو عدم حصول الألفة رغم العشرة الطويلة والحياة المشتركة، فالزواج ليس رباطًا جسديًّا فحسب، إذا زالت أصر هذا الرباط تداعى الزواج وانهار؛ بل هو كما يؤكد الشيخ د. إبراهيم الخضيري: "ألفة الزواج هي (هن لباس لكم وأنتم لباس لهن)، و(لا تنسوا الفضل بينكم)، و(وجعل بينكم مودة ورحمة)، و"رفقا بالقوارير"، و"واستوصوا بالنساء خيرا"، و"خيركم خيركم لأهله"، فالاستقامة على طاعة الله - تعالى - ورسوله - صلى الله عليه وسلم - وتحقيق العبودية لله والصبر على المحن والفتن هي مقومات الألفة الزوجية.
ونضيف إلى ذلك، أن حسن الخلق وسمو النفس، والشكر لرفيق الدرب ومعرفة فضله، وترك الغيرة من الناس والتنافس غير الشريف، والرضا بالقضاء والقدر، ومعرفة إنتاج السعادة من الذات والنظر بمنظار ملون مشرق إلى الحياة، كل هذه عوامل مهمة في حسن العشرة ودوام الألفة.
كيف نوعيهم؟!
ويتابع الشيخ د. إبراهيم الخضيري حديثه، فيوضح أهمية توعية الناس بخطر المشاكل المتراكمة المؤدية إلى الطلاق بعد الستين، داعيًا إلى استصلاح التعليم والإعلام والدعوة، ومعالجة الفقر، وإنارة عقول الناس بالعلم المكافح للجهل.
كما أنه حين ينتشر الشريط الإسلامي الذي يوعي الناس على أسس قويمة من العلم والنصح، والتعاون على الخير وعبادة الله - تعالى - حق العبادة، وهيمنة الوازع الديني على دوافع الناس وتصرفاتهم، يكون للتوعية حينئذ أثرًا فاعلاً..
ويؤكد الشيخ إبراهيم الخضيري على أهمية معالجة ظلم الأزواج حين يعدد أو حين يجعل سفره للخارج على حساب قيمه وماله وعياله، أوحين يجعل همه الأكبر رفقاء السوء، وكذلك حين تصغي المرأة للمفسدات من النساء وتطالب الزوج بما فوق طاقته.
إذًا فهذا الموضوع المهم، مسؤولية المسجد وإرشاده، ومؤسسات التعليم، والإعلام بوسائله، مع التركيز على دور الخطباء في توعية الناس بالحقوق الزوجية وحسن العشرة وخطر الطلاق، خاصة ونحن نرى أن أهم رسالة دينية توجه إلى كبار السن الأميين غالبًا هي خطبة الجمعة ودروس المسجد.
كما يقع على عاتق الأبناء كذلك مسؤولية الإصلاح بين الوالدين، وتطييب خواطرهما، وإرشادهما بالأسلوب المناسب إلى فضل الوئام وحسن العشرة، وطرق ذلك.
نسأل الله - تعالى - أن يمن بفضله على كل بيت مسلم، سرورًا واستقرارًا وسعادة وألفة.
13/3/1425
02/05/2004
http://www.islamtoday.net المصدر:
ـــــــــــــــــــ(111/333)
الدكتورة بهيجة : خطر الإباحية على الأسرة
علي مهدي
ـ التقاليد البعيدة عن الإسلام هي سبب المظالم التي تعاني منها المرأة.
ـ مشاريع إعلامية وثقافية لتصحيح صورة الإسلام وموقفه من المرأة.
أقدمت رابطة العالم الإسلامي بالمملكة العربية السعودية على خطوة طيبة حين أنشأت الهيئة العالمية للمرأة والأسرة المسلمة؛ كمنبر ذي طابع دولي للدفاع عن المرأة والأسرة في ظل التحديات الخطيرة التي تتهدد مؤسسة الأسرة من جانب القوى الغربية التي تسعى لفرض نموذجها الثقافي، الذي يقوم على الإباحية والحرية الفردية المطلقة المتحللة من كل ضوابط أو قيود دينية أو خلقية وهم يستخدمون العولمة وشعارات القرية الكونية الصغيرة ستارًا للتغلغل في المجتمعات الإسلامية لبث سمومهم والترويج لقيم حضارتهم الآفلة..
وفي مقابلة مع الدكتورة بهيجة بهاء عزى -الأمين العام للهيئة-، طرحنا عليها العديد من التساؤلات حول الهدف من إنشاء الهيئة والمخاطر التي تتعرض لها المرأة المسلمة ومؤسسة الأسرة والطفل، ودور المنظمات المنبثقة عن الأمم المتحدة في خدمة المشروع التغريبي الذي يقوده الغرب، وكيفية مواجهة الأخطار التي تهدد المرأة والطفل المسلم وقضايا أخرى، وفيما يلي نص الحوار...
مواجهة التشويه:
يستغل الإعلام الغربي قضية المرأة في المجتمعات الإسلامية لشن حملة تشويه؛ فكيف يواجه المسلمون تلك الحملة؟
الإسلام أنصف المرأة وأعطاها حقوقها كاملة في التعليم والعمل والأهلية المالية المستقلة وغيرها، وللرد على حملات التشويه التي تقودها بعض وسائل الإعلام الغربية لا بد من عرض الحقائق كاملة حول الإسلام وموقفه من القضايا المختلفة (خاصة الموقف من المرأة) عرضًا علميًّا موثقًا بعيدًا عن لغة الخطابة التي تخاطب المشاعر ولا تصل إلى العقول، وتطبيًقا لذلك قامت الهيئة بطبع كتيبات باللغة الإنجليزية ترد على الشبهات المثارة ضد المرأة المسلمة وموقف الإسلام منها في قضايا مثل الميراث وتعدد الزوجات وغيرها من القضايا التي لا يمل الإعلام الغربي عن إثارتها. وقد عرضنا من خلال هذه الكتيبات الحقائق مدعمة بالوثائق والنصوص من القرآن الكريم والسنة النبوية مع مقارنة نقدية لأوضاع المرأة الغربية التي رغم دعاوى الحرص عليها وإعطائها حقوقها لا زالت تعاني من هضم حقوقها ولم تصل إلى ما وصلت إليه المرأة المسلمة من تكريم، وتضمنت تلك الكتيبات أرقامًا وإحصاءات عن العنف الذي يمارس ضد المرأة في الغرب، وعقدنا مقارنة بين ما يقوله الطب عن الإجهاض المنتشر في أوربا والولايات المتحدة ومخاطره الطبية، ثم عرضنا وجهة نظر الإسلام التي تحرم الإجهاض إلا في حالة وجود الخطر على حياة الأم، وهو ما يتفق مع رأي الطب ويعد إعجازًا علميًّا لصالح الإسلام.
وتناولنا قضية (الجندر) أي النوع، وهو مصطلح تستخدمه المنظمات النسوية في الغرب بمعنى المساواة المطلقة بين الرجل والمرأة وتجاهل أي اختلافات بيولوجية ونفسية بينهما، والزعم بأن التنشئة الاجتماعية هي التي توجد الفروق بين الجنسين وليس الاختلافات البيولوجية. وبيّنا رأي علماء الغرب في تكوين الدماغ لدى الجنسين والاختلافات الفسيولوجية في تركيب الجسم لدى المرأة والرجل، وأثبتنا أنهما مختلفان وأن التنشئة الاجتماعية ليست كما تزعم النسويات الغربيات هي المسؤولة عن تحديد الذكورة والأنوثة وأداء كل منهما في الحياة.
مخاطر تهدد مؤسسة الأسرة:
ما هي أهم المخاطر والتحديات التي تواجه مؤسسة الأسرة في العالمين العربي والإسلامي؟ وكيف يمكن مواجهة تلك المخاطر والتحديات؟
مؤسسة الأسرة سواء على المستوى الإسلامي أو العالمي تواجه تحديات تهدد وجودها وتحدث شرخًا في بنيانها وأدوارها الرئيسة في المجتمع بدعوى النظام العالمي الجديد، وكان لا بد من مواجهة هذه التحديات لضمان استمرار المجتمعات محليًّا وعالميًا، والساحة المحلية والدولية تكاد تخلو من وجود طرح إسلامي معاصر يرى في الأسرة عمودًا فقريًا وركيزة أساسية للأمن الفردي والاجتماعي.
وأكثر ما يهدد مؤسسة الأسرة موجة التحلل والإباحية القادمة عبر الفضائيات والإنترنت، والتي تتستر وراء الدعوة لتحرير المرأة وهي في الحقيقة دعوة لتحرير المرأة من أي قيود أخلاقية أو دينية تحفظ عليها عفافها وتصون كرامتها وإنسانيتها، وقد ظهرت هذه الدعوات بوضوح خلال مؤتمرات الأمم المتحدة الخاصة بالمرأة والشباب وانعكست على الكثير من المواثيق الدولية التي من شأن تطبيقها داخل الدول التي صادقت عليها تعريض العلاقات بين المرأة والرجل ومؤسسة الأسرة للكثير من الهزات؛ فبعض هذه المواثيق تقنن للعلاقات غير المشروعة بين الرجل والمرأة؛ بل وتدعو لنوع من الأسر يتكون من رجل ورجل، أو امرأة وامرأة. ولحماية الأسرة المسلمة من مخاطر الفكر الغربي الوافد فإن الهيئة تعتزم عقد ندوات ومؤتمرات محلية وإقليمية وإصدار مجلة وفتح موقع على شبكة المعلومات الدولية (الإنترنت) لتنفيذ هذه الأفكار وبيان ما فيها من خروج على تعاليم الإسلام ومخاطرها على الأسرة، وتوجيه ثقافة صحيحة واعية تنبثق من تعاليم الإسلام بدلاً من الثقافة المغلوطة المشوهة، والعمل على توظيف الإعلام في خدمة قضايا الأسرة المسلمة بالتعاون مع الأقلام الإسلامية وغير الإسلامية ضد موجات الإباحية الغربية.
تحرير المرأة:
هناك مفهوم لتحرير المرأة والمساواة مع الرجل تطرحه المنظمات النسوية الغربية فهل هناك فرق بين تحرير المرأة بالمفهوم الغربي والمفهوم الإسلامي؟
المساواة التي تدعو إليها المنظمات الغربية هي المساواة المطلقة بمعنى التماثل بين الرجل والمرأة وإلغاء أي فروق بيولوجية أو نفسية بين الجنسين، وبالتالي فهي مساواة تتنكر للفطرة السوية والحكمة من خلق النوعين الذكر والأنثى، وأن لكل منهما دورًا في الحياة يتناسب مع قدراته واستعداداته الفطرية؛ أما مفهوم تحرير المرأة من وجهة النظر الإسلامية؛ فهو يقوم على احترام آدمية وكرامة المرأة والاعتراف بالفروق البيولوجية والنفسية بين كلا الجنسين، وأنهما خلقا من أصل واحد ومتساويان في التكاليف الشرعية، وأن لكل منهما رسالة في الحياة هي عبادة الله - تعالى - وإعمار الكون، وأن من حق المرأة التعليم والعمل إذا احتاجت إليه، والحق في الذمة المالية المستقلة والميراث وفق ما شرعه الله - سبحانه وتعالى-، وأن نفقتها هي وأولادها تقع على كاهل الزوج.
النساء شقائق الرجال:
ما هي الأسس التي تقوم عليها الأسرة المسلمة؟
الإسلام ينظر للأسرة على أنها نواة المجتمع وهي أساس قوته وتماسكه، وأن النساء هم شقائق الرجال، وبناء الأسرة يقوم على المودة والرحمة فيما بين الزوجين وليس على الجانب المادي وحده، وأن هدف الأسرة إنجاب الأولاد لإعمار الكون والحفاظ على النوع الإنساني وتحقيق خلافة الإنسان على الأرض بعبادة الله - سبحانه وتعالى- وفق المنهج الذي أنزله على نبيه محمد - صلى الله عليه وسلم -، والأسرة التي يعرفها الإسلام هي المكونة من رجل وامرأة يجمع بينهما عقد الزوجية الشرعي وليس كما يدعو الغرب إلى ما يطلقون عليها "الأسرة غير النمطية" المكونة من رجل ورجل، أو امرأة وامرأة؛ لأن هذا النوع من الأسرة يصادم الفطرة السوية ويخالف شريعة الإسلام وهي نذير بأن المجتمع الغربي يسير نحو الهاوية.
إذا كانت الشريعة الإسلامية أعطت للمرأة حقوقها وأنصفتها؛ فمن أين جاء الظلم الواقع على المرأة في بعض البلاد الإسلامية؟ وكيف يمكن مواجهة مصادر هذا الظلم؟!
هناك بعض التقاليد والأعراف التي تسيء للمرأة وهذه التقاليد بعيدة عن الإسلام ولكنها مع تقادم الزمن اكتسبت بعض القداسة، وفي ظل الأمية الدينية اعتبرها البعض أنها من الإسلام والإسلام منها براء، لذلك فإن علاج هذا الوضع يكمن في العودة إلى تعاليم الإسلام وتوعية الناس رجالاً ونساء بهذه التعاليم التي من شأن تطبيقها تحقيق سعادة الرجال والنساء في الدنيا والآخرة. ومواجهة هذه التقاليد والأعراف تكون بالتعاون بين المسجد والإعلام والمدرسة ومؤسسات التثقيف التي ينبغي أن تتكاتف جميعًا في التوعية بموقف الإسلام من المرأة، وحض الناس على إعطاء المرأة حقوقها التي كفلتها لها الشريعة الإسلامية، وإقناع الناس بأن الدين وليس العرف البعيد عن الإسلام هو الأولى بالاتباع وتربية النشء على هذه التعاليم، فإن أطفال اليوم هم آباء وأمهات الغد.
17/3/1425
06/05/2004
http://www.islamtoday.net المصدر:
ـــــــــــــــــــ(111/334)
إلى الزوجة المسلمة .. كيف تعاملين ... أمك الثانية ؟
إلى أختي الزوجة المسلمة حديثة الزواج أوجه هذه الأسئلة:
ـ هل تحبين زوجك؟
ـ هل تحبين أم زوجك؟
ـ هل تعتبرينها مثل والدتك؟
ـ هل تعرفين أن أم زوجك مفتاح من مفاتيح سعادتك الزوجية؟
في هذا العصر وفي مجتمعنا تأتي الزوجة الجديدة إلى بيت الزوجية وهي ترفع شعارات تحرير المرأة، وتتبنى نظرة مشوهة إلى الزواج فتراه مجرد إجراء اجتماعي يكمل صورة الإنسان ولا يترتب عليه أية واجبات، ولا تعلم هذه الزوجة الحديثة أن الله يمهل ولا يهمل وأن التاريخ سيعيد نفسه إن رزقت بالولد، وأن المثل الشعبي القائل 'مصيرك يا زوجة أن تصبحي حماة' هو مثل بليغ في الواقع الاجتماعي.
وفي الحديث الشريف: [[البر لا يبلى والذنب لا ينسى والديان لا يموت، افعل ما شئت فكما تدين تدان]].
ولأهمية هذا الموضوع وتأثيره على حياتك الزوجية إليك هذه الخطوات العريضة للتعامل مع أم زوجك:
[1] تجنبي الشكوى لزوجك عما فعلته أمه:
لأن هذه معادلة صعبة بالنسبة للزوج فيقف حائرًا بين طرفين هامين في حياته أمه وزوجته، لذا احرصي على إسماعه كل ما يبهجه ويثير السرور في نفسه، ويقلل من متاعبه إذ إن الشكوى قد تولد نتائج غير حميدة.
[2] تكلمي عنها بخير:
سواء أمامها أو بعيدًا عنها، أمام زوجها وأقاربها أم أمام الغرباء لأن ذلك يشعر الحماة أن هذه الزوجة تحبها بصدق وإخلاص.
[3] زيارتها وتفقد أحوالها:
إن كانت تسكن في منزل آخر، احترامًا لها وتقربًا منها عندها ستكونين لديها أفضل من بناتها.
[4] احترمي خصوصية العلاقة بين زوجك ووالدته:
يعني اتركي لها مع زوجك مساحة، فإذا همس زوجك في أذن أمه أو العكس فلا تحرصي على معرفة ماذا قال لها، فمن الوقار وحسن الخلق أن تدركي أن الأمر لا يعنيك.
[5] اغرسي في نفوس أطفالك محبة جدتهم وجدهم:
بأن يقدموا للجدة فروض التوقير والتقدير، ومساعدتها إن احتاجت المساعدة، وتقديم الهدايا لها وغير ذلك.
[6] دللي حماتك وامنحيها الأولوية:
فالحماة امرأة كبيرة السن سهرت وتعبت وبذلت وقدمت الكثير لأبنائها، لذلك من الضروري أن تشعر أن لمطالبها القابلة للتنفيذ الأولوية.
[7] قابلي حماتك بوجه طلق وابتسامة صادقة:
فالابتسامة لها مفعول السحر، وهي تزرع المودة في القلوب وتزيل جليد العلاقات المتوترة.
والزوجة الواعية تستطيع أن تتعلم من حماتها إذا أحسنت معاملتها، ولكنها تخسر مستقبلها أو راحتها إذا عاملتها معاملة ندية أو فظة، أو عدائية، فالإسلام يأمرنا أن نحسن معاملة الكبير.
ـ وأخيرًا تذكري أنه كلما كان إيمانك عميقًا وصادقا كان تعاملك مع والدة زوجك في ضوء هذا الإيمان.
أختي الغالية:
حلول أبعثها لك عبر السطور إذا واجهتك مشكلة مع أم زوجك:
1- اعملي الخير لوجه الله لأنك الفائزة، وناكر الجميل هو المسيء الخاسر.
2- انتبهي إلى مقومات فن اكتساب الآخرين وفي مقدمتها نبل الشخصية وحسن الخلق.
3- عاملي أم زوجك بالحسنى وبتقوى الله، فتقوى الله تفتح للإنسان الأبواب المغلقة يقول - تعالى -: {وَمَا تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللَّهِ}.
4- ولاستقرار حياتك الأسرية لا تنسي الفضيلة المنسية وهو فضيلة الصبر، وغالبًا ما يكون الصبر مقترنًا بالإيمان في كتاب الله كقوله - تعالى -: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} [آل عمران: 200]
5- فاصبري أيتها الزوجة على أم زوجك لتنالي أعلى الدرجات يقول - تعالى -: {إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ}.
6- كوني هادئة تصنعي المعجزات:
هناك مثل قديم يقول: 'إن نقطة من العسل تصيد من الذباب أكثر مما يصيد برميل من العلقم 'وكذلك الحال مع البشر.
والحقيقة إن العنف يولد العنف، والغضب يولد الغضب، أما الهدوء فإنه يطفئ الغضب كما يطفئ الماء النار، فكوني هادئة في تعاملك مع أم زوجك، واستخدمي لباقتك وتكلمي بعبارات رزينة وودية فهذا هو الطرق لكسب حبها ونيل إعجابها.
ولي وقفة قصيرة مع الأم الكبيرة العظيمة [الحماة]:
انظري إلى زوجة الابن نظرتك إلى ابنة من بناتك، ساقتها الأقدار لتكون زوجة لابنك وأصبحت فردًا من أفراد الأسرة.
وعليك أن تضحي ولا تتدخلي في الخصوصيات صنيعك مع ابنتك، فكما أنك تريدين لابنتك أن تعيش حياتها الزوجية بكل جوانبها هانئة سعيدة مستقلة راضية، لا ينغص عيشها تدخل مزعج في خصوصياتها، كذلك تحبين لزوجة ابنك ما تحبين لابنتك.
ـ ولو أن كلاً من الحماة وزوجة الابن أقرت بحق كل منهما في الحياة كما رسمه الإسلام، ووقفت عند الحد الذي أمرها بالوقوف عنده، لتلاشت تلك العلاوة التقليدية بين الحماة وزوجة الابن.
أيتها الزوجة المسلمة المنشأة على قيم الإسلام وأخلاقه لو أنك نظرت إلى حماتك نظرتك إلى أمك لما حدث أي خلاف بينكما، ولن تكون العلاقة بينكما إلا كل ود وحب واحترام.
وتذكري أنك فارقت ديار والديك إلى دار الزوجية فلا بد أن تتفهمي وتتأقلمي مع حياتك الجديدة، وتتفهمي زوجك وعائلة زوجك لاستقرار حياتك الأسرية، هذا في الدنيا ولتنالي رضى الله ـ - تعالى - ـ في الآخرة ولا تنسي القاعدة الأساسية في علاقتك بأم زوجك:
المثل الشعبي: 'مصيرك يا زوجة الابن أن تصبحي حماة'.
والحديث الشريف:[[البر لا يبلى والذنب لا ينسى والديان لا يموت، افعل ما شئت فكما تدين تدان]].
السبت 29 محرم 1425هـ - 20 مارس 2004م
http://links.islammemo.cc المصدر:
ـــــــــــــــــــ(111/335)
حوار بين الحشمة والسفور .. لقاء بين عباءة ساترة، وعباءة كتف
الدكتور فيصل بن سعود الحليبي
• العباءة الساترة: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
• عباءة الكتف: أهلاً بك..
• العباءة الساترة: غريب أمرك يا أختاه، أحييك بتحية الإسلام، فتردين عليّ بغيرها!؟
• عباءة الكتف: وماذا في الأمر؟
• العباءة الساترة: الأمر جدًا خطير.. لأنك تركت تعاليم الإسلام واستبدلت بها غيرها؟
• عباءة الكتف: كأنك تقصدين أمرًا آخر غير السلام، أليس كذلك؟
• العباءة الساترة: نعم يا أختاه، لقد حزّ في نفسي أن أراك وقد لبسك بنات المسلمين، وتخلو عن حشمتهم وسترهم بعد أن كانوا أهل الغيرة والفضيلة!
• عباءة الكتف: مهلاً مهلاً، وهل ترين فيّ أني غير محتشمة أو غير ساترة؟
• العباءة الساترة: وأين الستر هداك الله وأنت تعلمين أن هذه العباءة ليست من صنع بلاد الإسلام، وأن أعداء الفضيلة قد صنعوها لإغواء بناتنا وفتياتنا؟
• عباءة الكتف: وأين السفور فيها؟
• العباءة الساترة: المشكلة أننا نخدع أنفسنا أو نكذب عليها، ونظن أنه بالإمكان أن نخادع الله - جل وعلا -.
• عباءة الكتف: بدأت أيها العباءة الفضفاضة تقولين كلامًا كبيرًا وخطيرًا أيضًا.
• العباءة الساترة: أنا عباءة مثلك، ولن تستطيعي أن تكذبي عليّ، صارحيني بالله عليك؛ ألا ترين أن هذه العباءة تلفت أنظار الرجال إلى المرأة المسلمة؟
• عباءة الكتف: الحقيقة نعم.
• العباءة الساترة: صارحيني بالله عليك.. ألم تصبحي الآن بالنسبة للمرأة التي تلبسك علامة على قلة الدين وضعف الإيمان وضياع المروءة؟
• عباءة الكتف: بلى.. بلى..
• العباءة الساترة: قولي بربك.. كم مرة كنت سببًا في مضايقة الشباب للفتيات؟؟
• عباءة الكتف: ربما يكون كثيرًا؟؟
• العباءة الساترة: لا.. لا تترددي.. بل قولي كثير وكثير جدًا.. ألم تعلمي أن نسبة مضايقة الرجال للنساء بسببك تصل إلى 86% في دراسة علمية دقيقة.
• عباءة الكتف: ما كنت أظن أن الأمر يصل إلى هذا الحد.
• العباءة الساترة: بل أشد وأعظم، فإن الأمر قد يصل إلى ما لا تتوقعه الفتاة التي اغترت بفتنتك وموضتك.
• عباءة الكتف: أراك قد بالغت كثيرًا أيتها العباءة القديمة.
• العباءة الساترة: هذه مصيبتنا لا نشعر بالنار إلا بعد اشتعالها في أجسامنا، ولا نتقيها قبل وقوعها، ونشعر دائمًا أن الأمر سهل وتافه، ونسينا أن أول النار عودُ كبريت صغير.
• عباءة الكتف: أنا لا أقصد الإفساد والانحلال والانحراف، كل ما في الأمر زينة وتقدم وعصرية وموضة جميلة.
• العباءة الساترة: هذا الكلام قاله غيرنا قبل عشرات السنين حينما أرادوا أن يسقطوا الحجاب عن رؤوس المسلمات، والآن ماذا ترين في كل بلاد الدنيا غير بلادنا - حفظها الله - من كل سوء؟
• عباءة الكتف: لا أحد يعرف العباءة إلا القليل.
• العباءة الساترة: وماذا بعد سقوطها أيتها الحبيبة؟
• عباءة الكتف: الفتنة، والانحراف، والانحلال.
• العباءة الساترة: هاأنت ذا قد قلتها بنفسك وبلسانك.
• عباءة الكتف: ألهذه الدرجة أكون قد أفسدت في بنات المسلمين.
• العباءة الساترة: غريب حقًا حالنا، نسرع في أخذ الأوامر والنواهي من غير ديننا، وما أشد غفلتنا عن تعاليم الله - تعالى - لنا.
• عباءة الكتف: ماذا تقصدين يا أختاه؟
• العباءة الساترة: ديننا وفقك الله للخير والهداية دين كامل ليس فيه أدنى نقص، وقد أمر الله - تعالى - نساء المسلمين أن يرتدوني أنا لكوني في قمة الستر والحشمة فقال: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا}.
• عباءة الكتف: أواه.. لقد شدني قول الله - تعالى -: {ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ}، فكم مرة تسببتُ في إيذاء فتاة من قبل الشباب الطائش هداني الله وإياهم.
• العباءة الساترة: أراك قد علاك الندم حينما سمعت كلام الله - تعالى -.
• عباءة الكتف: بلا ريب جزاك الله خيرًا، ولكن ماذا تريدين مني أن أعمل؟
• العباءة الساترة: أريدك الآن بعد أن اقتنعت بحرمة لبسك أن تتوجهي لبناتنا ونسائنا بالنصيحة من صميم قلبك ألا يلبسنك، وألا يلبسن أي شيء يثير الفتنة لهن وعليهن من عطر أو تطريز أو تخصير أو نحو ذلك، وأن تغيري الآن من ملامحك لتكوني مثلي، فهذا البلد طيب لا يقبل على أرضه إلا الطيب، ولن يسمح للفساد بكل صوره أن ينشر ألوانه القاتمة على رباه الطاهرة.
• عباءة الكتف: حسنًا حسنًا.. أخواتي.. يا بنات المسلمين.. يا أهل الغيرة والحشمة.. يا حفيدات عائشة وفاطمة، وزينب ورقية.. احفظن على أنفسكن الستر والفضيلة، لا تغتررن بأمثالي، احذرن أن يغويكن الشيطان فتزل أقدامكن عن طريق الهداية، واعلمن أن الفتاة يجب عليها أن تفتح آذانها وقلبها إلى داعي الإيمان، وأن تصمها عن داعي السفور والرذيلة، وإني والله أخشى عليكن من جرح الأعراض الذي سببته لكثيرات منكن، فلا تقعن يا أحبتي فيه أنتن أيضًا، فجرح الأعراض بدايته حقيرة يسيرة كأمثالي، ولكن فضيحته عظيمة تسري على الألسنة كسريان الماء عليها، وإني أعلن توبتي حينما جثمت على أكتافكن التي تعودت الركوع لله - تعالى - والسجود له، وواندماه على ذلك وواحسرتاه على فعلتي المشينة.. فتاة الصلاة والعبادة.. والأسرة المؤمنة.. تظهر بمثلي لا حشمة فيّ ولا ستر.. حتى تصبح الفتاة وقد لبستني شيطانًا يجول في الأسواق بالفتنة والبلاء..
اللهم اهد فتياتنا إلى الحشمة والوقار، واهدهم أن يلبسن العباءة الساترة الفضفاضة، واحفظ عليهن دينهن وأعراضهن، ووفقهن إلى الخير والصلاح، إنك سميع مجيب.
http://www.islamway.com المصدر:
ـــــــــــــــــــ(111/336)
قواعد لإذكاء العلاقة العاطفية بين الزوجين
العلاقة العاطفية بين الزوجين هي الروح التي تسري في كيان الحياة الزوجية فتبعث فيها الحب والسعادة والرضا، وهي الدرع الحصينة التي يتقيان بها وهج مشكلات الحياة وافرازاتها،، و الشجرة التي يتفيؤ الزوجان تحت ظلالها من رهق المعيشة وهمومها، وهذه الشجرة تحتاج منهما إلى سقاية دائمة وعناية مستمرة لتبقى مخضرّة وتظل على الدوام مثمرة، وإلا أصابها الجفاف ونخرتها الآفات فتذبل أوراقها وتذروها رياح النزغات الشيطانية والخلافات الزوجية حتى تصبح أعواداً موحشة وفروعاً مفزعة تذكرك رؤيتها بروؤس الشياطين. وقد عني الإسلام بهذه العلاقات لتبقى حية قوية نضرة من خلال آدابه وأحكامه والتي أرى أن واقع الكثير من الأزواج يدل على الجهل بها أو التجاهل عنها مما يقرر ضرورة التذكير بها و الحث عليها لتكون منطلقاً لحياة زوجية سعيدة. واليكم بعض هذه القواعد والمشاعل لنوقد بها جذوة العواطف كلما خبت، ولنهتدي بنورها كلما خفتت.
أولاً: اشعلوا العواطف بجذوة الإيمان :
إن الإيمان باعث العواطف القلبية ومهذب الطباع البشرية ومعين متدفق لا ينضب من الرقة والحنان والرفق والأمان وكلما ازداد حظ الزوجين منه كلما زاد تدفق العواطف وانهمرت المشاعر التي تعبر عن ترابط القلوب وحبها وتآلفها ومودتها.. قالت زوجة: (ما زالت المحبة والإلفة بيني وبين زوجي حتى تكاثرت الذنوب فافترقنا) وهي تشير في خلاصة تجربتها الزوجية إلى حقيقة مطلقة بيّنها الحق عزوجل فقال (ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكاً) فمن انقطع عن الاتصال بالله ذاق مرارة القلق والاضطراب، وقاسى من الهموم والاكتئاب ما يحوّل متاع الدنيا لديه إلى جمرة من العذاب.، فكم من فتور في الحب والتعلق كان تأخير الصلاة سبباً له؟!، وكم أورث استبدال صحبة الذي هو أدنى بالذي هو خير من الرجال والنساء جلافة خلق وسلاطة لسان لم تكن معهودة من قبل!!، وكم من تقليب طرف في شهوات محرمة منعت متعة نظرات الود والحنان والحب والوئام بين زوجين كانا يتبادلانها بين الحين والآخر وقد غمرت قلبيهما عاطفة غامرة من السعادة والرضا؟! يا لله كم للذنوب من آثار على العلاقة الزوجية حتى عبّر عنها بعض السلف فقال: إني أعرف ذنبي من سوء خلق زوجتي وتعثر دابتي). فهل نجدد عواطف الحب بتجديد العهد مع الله ونزيد من الإقبال بين القلوب بزيادة الإقبال على الخالق الذي قلوب العباد بين أصبعين من أصابعه عزوجل؟!!.. أسئلة تحتاج إلى إجابة صادقة من زوجين حريصين على دوام الحب بينهما.
http://www.naseh.net المصدر:
ـــــــــــــــــــ(111/337)
المرأة والرجل .. من كذبة المساواة إلى جحيم التسوية
الشيخ طارق الحسين
الإنسان حين خلقه الله جعله شطرين كل شطر أساس في وجود الإنسان ولا غنى لأحدهما عن الآخر، يختلف كل واحد عن الآخر في أشياء ويتفق في أخرى، إذا لو كان كل واحد كالآخر في كل شيء لكان الأولى ألا ينقسم أو يتنوع، ولكانت الحكمة تقتضي أن يكون الإنسان ماهية واحدة في الإجمال والتفصيل ولما كان هناك ما يدعو إلى التكامل أصلاً.
هذان الشطران هما الذكر والأنثى، أو المرأة والرجل أو النصف والنصف الآخر.
يتفقان في الأساسات التكوينية ويختلفان في فروعها، سواء في الجانب الشكلي والخلقة أو في الجانب المعنوي والنفسي، وكذلك في الأساسات التكليفية، مع اختلاف في فروع هذا التكليف. {والْمُؤْمِنُونَ والْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ ويَنْهَوْنَ عَنِ المُنكَرِ ويُقِيمُونَ الصَّلاةَ ويُؤْتُونَ الزَّكَاةَ ويُطِيعُونَ اللَّهَ ورَسُولَهُ..}.
ويأمر الله المؤمنين والمؤمنات بالهجرة من دار الكفر إلى دار الإسلام ومن لم يهاجر فمأواه جهنم لا فرق بين الرجال والنساء عدا المستضعفين منهم. وفي فروع هذا التكليف يقول - عز وجل -: {والْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَن يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ وعَلَى المَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ}، وقال - صلى الله عليه وسلم - لما سئل عن جهاد المرأة قال: عليهن جهاد لا قتال فيه: الحج والعمرة، إلى غير ذلك.
في حديثنا عن تحرير المرأة أو المساواة بين المرأة والرجل لا مفر من الانطلاق من هذين الجانبين وهما الجانب الجسدي والجانب النفسي الذين ينطلق منهما الجانب التكليفي ومنهما نستطيع أن نحدد الثمرة الإنتاجية ونوظف الطبيعة دون صدام بين هذين الجانبين.
ولابد من توظيف الواقع شواهد حية من حياة أولئك الذين خلطوا الشطرين الإنسانيين وتكلفوا غاية التكلف لرفض هذا التقسيم الفطري، ونرى كيف تخبط الذين يجشمون المرأة مالا تطيق.
يتفق الرجل مع المرأة في الأساسات الكبرى للإنسان كما قلنا ويختلف الرجل مع المرأة في الفرعيات الإنسانية وتتفق الحقوق بينهما إذا ما اتفقا في التكوين أو التكليف، وتختلف في المواضع التي يختلفان فيها.
فالمرأة والرجل يتفقان في الإنسانية وحقوقها ويتفقان في التكليف والمحاسبة والسؤال في الدنيا والآخرة، ويتفقان كذلك في احتياجات الجسد العامة وأمثال ذلك فلا خلاف أن الحقوق تتفق.
ولكن عندما تختلف معالم التكوين وتتباين الأوصاف وتتنوع الوظائف وتتعدد المسارات الفرعية للفطرة والجبلة فإن الحقوق تتباين ليس لصالح الرجل معاذ الله، فهذا ليس من ديننا ولكن لصالح التكامل ولصالح الحكمة فالرجل إذا أعطي القوامة على الزوجة فلأنه مفروض عليه أن يصرف قوته الفطرية وجبلته في مواجهة الحياة والكسب والمعاناة في إسعاد المرأة والنفقة عليها وعلى بنيها، فإذا ما فضلت على الرجل في البر وعناية الولد بها ثلاثة أضعاف الرجل فلأنها أجهدت وجدها وأفنت ذوب قلبها وفطرتها في الإنجاب والأمومة والتنشئة والرعاية وما هذا ولا ذاك يعد مكافأة للرجل أو المرأة بل لأن مسار الحكمة يقتضي ذلك قبل كل شيء، فإذا ما جعل للمرأة القوامة مع واجبات الفطرة الأنثوية فإن ذلك يحدث هزة اجتماعية في عالم الإنسان، والرجل كذلك لن يستطيع أن يجمع القوامة إلى فطرة الأنثى التي ليست جبلة فيه، وقس على ذلك كل تباين الحقوق بين الذكر والأنثى على أنه ليس عن جانب تفضيلي مطلق بل من جانب نسبي وتكاملي.
فالمساواة الإسلامية تأتي على هذا الشكل أما المساواة التي تراد منا الآن فهي تسوية وإلغاء لأهم الخصوصيات التي لا تتم الحياة إلا بها وهي خلط الجنسين في ماهية واحدة وقتل للتكامل بينهما بإغفال الفطري منهما والتكويني.
إن الإسلام لا يعاني من مشكلة تحل بالمساواة ولا يوجد فيه مفاضلة مطلقة تعالج بالتحرير. وعندما قالت أم مريم - عليهما السلام -: {ولَيْسَ الذَّكَرُ كَالأُنثَى} أي فيما نذرت من الخدمة والقيام بمشاقها فهذا تخصص الذكر وليس معناه التفاضل.
إننا نقر بأن واقع المسلمين ظلم المرأة، ولكن الذين استغلوا ذلك يدعون إلى تحريرها وفق المنظور الغربي وأرادوها أن تكون نسخة معدلة من الرجل، فنادوا لها بكل تخصصات الرجل فأرادوها لاعبة كرة محترفة وفعلوا ثم جعلوها مصارعة وملاكمة وسبّاحة وهكذا، وجاءوا في الجانب السياسي وقالوا: هي مثل الرجل وقد أثبت الواقع والتاريخ فشلهم في ذلك حيث لم يستطيعوا دمج المرأة مع الرجل في أي شيء من ذلك إلا في السياسية وكان ذلك نادراً كما سنرى.
إذ كانوا ينادون بالمساواة بين الجنسين في كل شيء وينكرون اختلاف الطبيعة الجسدية والنفسية فلماذا لم نجد مباراة في كرة القدم بين الرجال والنساء؟ ولماذا لم نسمع عن ملاكمة في بطولة العالم بين رجل وامرأة؟ إنهم يفرقون بين الجنسين في هذا كله ويعلمون جيداً أن الدعوة إلى هذا تسوية لا مساواة وتشويه لا تجميل وتحوير لا تحرير.
كم امرأة حكمت الولايات المتحدة طوال تاريخها؟ الجواب ولا واحدة إلا مستشارة أو وزيرة أو سفيرة؟ أليس الغرب يدعو إلى تحرير المرأة فما بال المرأة فصلت عن الرجل في أكثر الجوانب التحريرية وما بالها تهمش في الجانب السياسي؟
في التاريخ نوادر من النساء مثل بلقيس ملكة سبأ وأمثالها وفي الواقع نوادر كذلك كما حدث في بريطانيا أو في دولة الصهاينة أيام جولدا مائير أو في بنغلاديش أو في غيرها مما لا يقارن بحكم الرجل في سائر أدوار التاريخ والواقع العالمي الآن. وإن نجحت واحدة أو اثنتان فما هما بالنسبة للرجل إلا كالشعرة البيضاء في الثور الأسود فلا مقارنة أبداً في أي شيء.
إن كثيراً من الغربيات ينادين بالفصل بين الجنسين في التعليم والحياة بأكملها ولو نظرت إلى ما يحدث من خلط بين الذكر والأنثى لرأيت تكلفاً شديداً في محاولة الاستغراق في هذا النسق الذي باتت مفاسده يصرخ منها العالم بالصوت المرتفع.
إن العلم الحديث أثبت أن عقل المرأة يختلف في أدائه وطريقة هذا الأداء عن عقل الرجل ومحاولة توحيد التعليم للجنسين أمر يدل على تخلف مهما بلغت حضارة من يفعلون ذلك، وقد أدركوا ذلك جيداً ولكن الهدف هو للتسوية لا للمساواة.
إن الرجل غير المرأة في كثير من تفصيلات التكوين الجسدي والنفسي وما من أحد في هذا الكون ينكر قوة الرجل وضعف المرأة، وأن الشطر الأنثوي بحاجة إلى القوة والحماية والرعاية التي في الرجل كما أن الشطر الذكوري بحاجة إلى سكن يأوي إليه يحمل فطرة الجمال والحنو وتسكين هذه القوة المتحركة في الأرض.
والمرأة لا تمنع حقها في الكسب والعمل والرأي وممارسة الحياة ولكنها في الحد الطبيعي ويجب ألا تذهب بعيداً عن أنوثتها ومكانها الطبيعي وممارسة فطرتها. لماذا نجد أكبر بطلات العالم في الفن والرياضة والسياسة وغيرها برغم شهرتها ومكانتها وقوتها تعود لتنضوي تحت كنف رجل هو أقوى وأصلب منها بطبيعته وفطرته؟ قد يقول قائل: ما معنى قوله - عز وجل -: {الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وبِمَا أَنفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ}.
هل هذا يعني التفضيل لجنس الرجل على جنس المرأة؟
والجواب أن كلمة {قوامون} مفردها قيّم أو قوّام، قال الإمام القرطبي: " أي يقومون بالنفقة عليهم والذب عنهم وأيضاً إن فيهم الحكام والأمراء ومن يغزو وليس ذلك من النساء ".
وقال أيضاً: " ويقال إن الرجال لهم فضيلة في زيادة التدبير فجعل لهم حق القيام عليهن لذلك ".
على أن العلماء اختلفوا في سبب النزول.
أما من ناحية الإنفاق فقال - رحمه الله -: منهج العلماء من قوله - تعالى -: {وبِمَا أَنفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ} أنه متى عجز عن نفقتها لم يكن قواماً عليها فدليل على أن التفضيل ليس لجنس الرجل على جنس المرأة وإنما هو تفضيل نسبي حسب تخصص وخاصية كل جنس أما المرأة فمن حقها أن تخلع نفسها إذا لم تجد بغيتها عند من قبلته قواماً عليها، وإنما تفدي نفسها لشدة الضرر الذي يجده الرجل من فراقها فليس ثمة تفضيل للرجل على المرأة فهو وإن أعطي القوامة عليها أمر بدفع المهر والنفقة عليها وعلى أولادها مدى الحياة ورعايتها والمحافظة عليها ونهى عن ظلمها والإضرار بها أو أكل شيء من مالها الذي أعطاها وأعطيت حق الحضانة وغير ذلك مما يجعلها تعيش في حصن أمين وحرز قوي من أن تعيش مهانة أو ذليلة وليس مع الزوج فقط بل وابنة وأختاً وأماً وجدة.
هذا الكلام هو الذي يقرره الإسلام في الحقيقة وما يحدث من شذوذ في الطبيعة أو انحراف عن الدين فيجب أن ينسب إلى أهله أو إلى أفهام سقيمة لا إلى الإسلام.
وما يدور الحديث حوله من مشاركة المرأة في الجهاد والسياسة والرأي فإن لذلك حالات يحدث فيها الخلط ولعلها دعوة يراد بها الوصول إلى غايات أبعد من ذلك. إن مشاركة المرأة في الجهاد لم تأت إلا في حالات يفرضها الواقع تستدعي ضرب العدو بكل قدرة لدينا من رجال ونساء أما في حالات الكفاية بالرجال فمن أحق أن يتبع؟
الذين يرمون بالمرأة في أوار الحرب وسعيرها ويعرضونها للقتل والأسر والفتك؟ أم الذين يستميتون في حفظ عرضها وشرفها ودمها وتسفك دماؤهم حماية لها؟
ولما جاءت الصحابية تعترض على تعطيل المرأة عن الجهاد وعن مخالطة النبي - صلى الله عليه وسلم - وفضائل النفرة وكثير من الأعمال وهن قواعد في البيوت قال لها - عليه الصلاة والسلام -: (إن تبعل إحداكن لزوجها يعدل ذلك كله) لأن المرأة على مدار التاريخ هي القاعدة التي ينطلق منها الرجل وهي الفئة التي يأوي إليها وحين يقتل الرجال وتشرّد الشعوب وتفتت، فإن المرأة هي الجذر الذي يبقي أمل العودة والنصر حياً حيث تنتفض بجيل جديد كانت تظلله أثناء المحنة حيث كان الرجل في غياهب الأسر أو في عالم الشهداء، فهي صانعة الرجال.
وأما المشاركة في السياسة فالإسلام أعطى المرأة حق البيعة وحرية الرأي وأن تصوت لمن تريد وأن تتولى بعض الولايات الصغرى حسب قدرتها، وعندما نسمع من يبالغ في تولية المرأة ويدعو إلى تنصيبها فيما ليس من تكوينها وطاقتها فإننا نحاكمهم إلى أنفسهم، أين المرأة الآن؟ بلاد العالم كله شرقية وغربية مسلمه وكافرة يحكمه رجال إلا في أماكن محدودة جداً حكمت فيه النساء بأمجاد آبائهن أو بفريق عظيم من الرجال المساندين لهن. إن الفطرة تأبى على الجميع إلا أن يضعوا كلاً في موضعه ونحن الإسلاميين لن نرفض أن يقام تصويت على امرأة وسنعطي حق التصويت للنساء ونمنع الرجال من التصويت ووالله ما نشك لحظة أن النساء لن يرضين إلا بحكم الرجال عدا نسبة لا تعد في عالم السياسة ذات بال فكيف لو صوت الرجال والنساء؟ وهذا هو الحاصل في كل بلاد الغرب التي هي النموذج في نظر هؤلاء.
خلاصة الأمر: فيما يخص الإسلام لا مجال فيه للدعوة إلى المساواة لأن الظلم لا مكان له أصلاً في الإسلام ولا تفاضل فيه بين الجنسين بالمعنى الذي يقال، وإن كان المسلمون انحرفوا فعليهم العودة إلى الله.
http://islameiat.com المصدر:
ـــــــــــــــــــ(111/338)
من المنزل يبدأ الاستبشار
د. عبد الرحمن صالح العشماوي
منزل الرسول - صلى الله عليه وسلم - مثالٌ حيُّ للمنزل المستبشر، لأنَّه عامرٌ بطاعة الله - عز وجل - وعبادته، ومشرق بطلاقة وجه صاحبه وابتسامته، ومطمئنُّ بما يتردَّد فيه من القرآن الكريم وتلاوته.
منزل محمد بن عبد الله - عليه الصلاة والسلام - متواضع الأثاث والرِّياش، خشن المعيشة قليل الفِراش، بعيدٌ عن مظاهر الزينة والتَّزويق، ولكنَّه منزل الهدوء والسعادة، والعيش الرَّغيد والرِّيادة، منزل الرَّاعي المشفق على رعيَّته، والزَّوج الودود المحسن إلى زوجته، منزل الذي يقول والابتسامة المباركة تضيء كلَّ ما حوله: (خيركم خيركم لأهله، وأنا خيركم لأهلي).
منزل محمد بن عبد الله منزل المودَّة والمحبة، والرحمة والشفقة، منزل المناقشات العائلية المفتوحة القائمة على الثقة وحسن الظن والعشرة، وصفاء السَّريرة.
منزل الحبِّ الكبير بين زوجات صالحاتٍ قانتاتٍ، وزوجٍ مؤمنٍ بربه إيماناً أقوى رسوخاً من الجبال الراسيات.
من منزل (أبي القاسم) - عليه الصلاة والسلام - انطلقت تباشير الخير إلى كلِّ مكان، بالرغم من الحوادث الجسام، والهموم العظام، فهو منزل عامرٌ بالكلمة الطيبة، والعمل الصالح، والصَّدقة الجارية، والضِّيافة والكرم، والعزيمة والهمم، ورحابة الصَّدر، ونقاء النَّفس من أدران الحقد والحسد، واليأس والقنوط.
من منزل (أبي القاسم) - عليه الصلاة والسلام - خرجت إلى الناس قصص الحبِّ العائلي الصادق الكبير، وحكايات المودَّة والرَّحمة، والتآلف الذي ليس له نظير، وأحاديث الصِّدق التي ترشد التائهين، وتوضح الطريق للحائرين، من هذا المنزل المبارك انبثقت أنوار الحياة الزوجية التي لا مجال فيها للتعنُّت والقسوة ومصادرة الحرية والرأي، ولا مكان فيها للجحود والنكران، ولا موقع فيها للّهو والغفلة والانصراف عن عبادة الرحمن، الحياة الزوجية النبوية المضيئة بالحب الصادق، والعبارة الصافية النقية، والاحترام المتبادل بين أعضائها المؤمنين الطيبين.
الحياة الزوجية التي فتحت أبواب الصفاء والنقاء، والتفاهم والوفاء، وأغلقت أبواب الغيبة والنميمة وسوء الظن بالنَّاس، حتى صارت مثلاً أعلى للاستقرار العائلي المنشود، الذي تبدأ منه رحلة التفاؤل والنجاح في جوانب الحياة الأخرى.
من المنزل يبدأ الاستبشار بالخير، وتبدأ رحلات النجاح في العمل، والفلاح في السعي، والصلاح في القول والفعل، فالمنزل هو الواحة التي يستظلُّ الإنسان بظلال الحنان والمودَّة فيها منذ ولادته إلى أنْ يخرج منه إلى ميدان الحياة مقتدراً قويَّاً، متعلِّماً عاملاً.
إذا رأيت أطفالاً مؤدبين، صالحين، مستبشرين، يعزفون بصدى ضحكاتهم البريئة أجمل الألحان، وترتفع كلماتهم عن ساقط القول، وبذيء الكلام، فاعلم أنَّ وراءهم منزلاً طيباً مباركاً، وولاةَ أمرٍ يحسنون في طريقة تعاملهم وتربيتهم لأولادهم إحساناً تبدو نتائجه واضحةً في صورة أولادهم المشرقة التي يظهرون بها خارج بيوتهم.
(يا غلام سَمِّ الله، وكلْ بيمينك، وكل مما يليك) عبارات تربوية جميلة، فيها توجيه كريم ممزوجٌ بروح المحبة التي لا تخفى على من يقرأ ما وراء العبارة، وملوَّنُ بألوان المودَّة التي تراها عين البصيرة ألواناً زاهية بديعة، وفيها تربية هادئة ليس فيها من التشدُّد والقسوة والعَنَتِ والقول الغليظ المنفِّر شيء أبداً، وإنما فيها هذا الشعور الفيَّاض بالحب الكبير، والعطف والمودة والتقدير.
من المنزل يبدأ الاستبشار، ويبدأ العطاء والبناء، وتبدأ رحلة الحياة الطيبة المباركة، فما أجمل أنْ يدرك الآباء والأمهات ذلك.
إشارة:
أعيذ قلبك أن يشقى بلوعته *** وأنْ يفجِّر فيه الحزن بركانا
http://new.meshkat.net المصدر:
ـــــــــــــــــــ(111/339)
هل يحق للزوج أن يتخذ قرارا أسريا دون الرجوع لزوجته ؟
من صاحب القرار في المنزل؟ ومن له مرجعية القرار في البيت؟ وهل يحق للرجل أن يتخذ قراراً أسرياً دون الرجوع لزوجته؟
كل هذه الأسئلة طرحتها على مجموعة من الشباب والفتيات، وقد أذهلتني النتيجة إذ اعتبر أكثر من 85% من الحضور أن للرجل الحق في اتخاذ القرار دون الرجوع إلى زوجته.
وهذه الإجابة فيها مخالفة صريحة لهدي الإسلام ورسالته والتي أقامها على نشر العدل والمساواة، وليس عبثاً أن تكون قصة موسى - عليه الصلاة والسلام - مع فرعون هي أكثر قصة كررها القرآن الكريم لنبذ الدكتاتورية والسلطوية في اتخاذ القرار ودعماً لمبدأ الشورى والتشاور، وهي المرحلة السابقة لإصدار القرار.
اعترض عليّ أحد الحضور بأن (الشورى) مبدأ سياسي ولا دخل للإدارة الأسرية فيه.
فأجبته قائلاً إن لفظ (الشورى) ورد في القرآن ثلاث مرات.
الأولى:في خطاب الله لرسوله: {فاعف عنهم واستغفر لهم وشاورهم في الأمر}.
والثانية: {والذين استجابوا وأقاموا الصلاة وأمرهم شورى بينهم}.
والثالثة: في الأسرة والعلاقة الزوجية في موضع اتخاذ قرار إنهاء رضاعة الطفل وفطامه: {فإن أرادا فصالاً عن تراض منهما وتشاور فلا جناح عليهما}.
ثم أكدت ذلك للمعترض ببعض النصوص من السنة النبوية وكيف أن الزوج يستشير زوجته ويأخذ رأيها قبل اتخاذ القرار، ومنها قصة أبي طلحة] التي يرويها البخاري عندما أراد أن يستضيف رسول الله على الطعام في بيته، وليس في بيته شيء، عرض الأمر على زوجته فقبلت بذلك، فأصدر قرار الضيافة ولم يتجاوز زوجته ويتخذ القرار لوحده، وكذلك القصة المشهورة في تزويج الصحابي جليبيب]، نستفيد منها استشارة الأب ابنته وزوجته في الخاطب، ولم يتخذ القرار بمفرده، وقصص أخرى كثيرة، بل إن الزوجة يحق لها فيما تملكه ولا يملكه زوجها أن تتخذ القرار فيه دون الرجوع إليه، وقد حدث هذا مع أمنّا ميمونة - رضي الله عنها - عندما أعتقت وليدها كما يروي البخاري فقال لها رسول الله: أَو فَعَلَتِ؟ قالت: نعم قال: إما إنك لو أعطيتها أخوالك كان أعظم لأجرك، ونلاحظ هنا أن النبي وجهها بعد اتخاذها للقرار والتصرف بطريقة أفضل في استثمار القرار الذي اتخذته ولم يعنفها على ذلك لأنها تصرفت فيما تملكه.
ولا يخفى على القارئ مشورة النبي لأمنا خديجة - رضي الله عنها - في قصة الوحي وأمنا أم سلمة في صلح الحديبية.
ولكن التربية التي تلقيناها في تضخيم (الأنا) عند الرجل على حساب المرأة وفهمنا لمبدأ القوامة فهماً خاطئاً، هو الذي أدى إلى الاعتقاد بأن الرجل من حقه اتخاذ القرار المنزلي دون الرجوع إلى زوجته.
كما أنه لا يُفهم من هذا الكلام أن يكون الرجل خاضعاً في كل قراراته للمرأة، وهي خاضعة له، وإنما العلاقة الزوجية تبنى على المودة والرحمة، ونجاح الأسرة يبنى على التشاور والتعاون في اتخاذ القرار.
ولو اتفق الزوجان على سياسة التفويض بينهما فلهما ذلك إن كان يحقق لهما السعادة، وإن اتفق الزوجان على عدم اتخاذ أحدهما لقرار دون الرجوع للآخر في بعض الأمر فلهما ذلك والمسألة خاضعة للاتفاق بما يحقق العدالة ومصلحة الأسرة ويحق للرجل في حالات خاصة تقتضيها المصلحة أن يتخذ قراراً سرياً منفرداً ولكن هذا استثناء من أصل.
فلا للمرأة العسكرية، ولا للرجل العسكري وإنما نعم للشورى الزوجية.
http://www.almutawa.info المصدر:
ـــــــــــــــــــ(111/340)
أكثر من 400 ألف موقع تبث الدعارة والجنس والمخدرات
في الوقت الراهن يتحول ليل غالبية الشباب من الجنسين إلى نهار، ونهارهم إلى ليل، فيمضي بعضهم الساعات الطويلة متصفحًا مواقع الإنترنت ومنتدياتها، ومقلبًا في صفحاتها دون رقيب أو حسيب، وإن سألت عن دور الأبوين في الأسرة فهما وللأسف الشديد يغطان في نوم عميق بحيث لا يعرف أحدهما في أي شيء يضيع أولاده وبناته أوقاتهم الثمينة، ومن بين هؤلاء الشباب من يجنح في استخدامه للإنترنت ويتحول من مستخدم عادي إلى مدمن له وهذا كله يكون بسبب عشقه له وكما يقول المثل: 'حبك للشيء يعمي ويصم'
ومن حبه له يتغاضى عن النظر إلى عيوبه، فمن هؤلاء من يتسلل دون حياء، أو خجل، ودون حرج إلى تلك المواقع المشبوهة فيدمن على مشاهدتها، بل إن بعضهم لا يكتفي بمشاهدتها بمفرده بل يلجأ إلى نشرها بين أصدقائه وأقاربه وأقرانه، فيجتمع مجموعة من الشباب على مشاهدة هذه المواقع المخلة بالآداب العامة، وبما أمر به ديننا الحنيف من عفة الفرج، وغض البصر...
واقع أولادنا وبناتنا مع الإنترنت:
ولا يكتفي هؤلاء الشباب من الجنسين بالمشاهدة فقط، بل إنهم يعمدون، نتيجة لإدمان مشاهداتهم لمثل هذه الصور المتحركة التي تشع قذارة، إلى تكوين جماعات مشاهدة ومن ثم يلجئون لتطبيق مشاهداتهم بصورة بهيمية على أرض الواقع، فينشأ بين الصبيان كما بين البنات الشذوذ الجنسي [فاحشة قوم لوط، والسحاق] فيتكون من ثم في مجتمعاتنا المسلمة، نتيجة لانحراف فطر بعض شبابنا المسلم، أو فتياتنا المسلمات مجتمع السحاقيات من الفتيات اللاتي يتحدث البعض عن وجودهن في مدارس البنات، والشاذين الذين نجدهم في استراحات الشباب وتجمعاتهم في الشوارع العامة.
مؤسسات المجتمع المسلم في البلاد الإسلامية، ولا سيما المدارس والجامعات والأسرار، ودور العبادة، إضافة إلى جهود المربين والدعاة لإفهام الشباب خطورة نتائج هذه الأفعال المحرمة، مع تسهيل فرص الزواج وتيسيره من قبل الدول والمجتمعات الإسلامية.
وقد تسأل قارئة: لماذا تطرح 'المتميزة' مثل هذا الموضوع؟ ولماذا نهول من استخدام الشباب والفتيات للإنترنت؟
فنجيبها قائلين:
إن الاستخدامات السيئة للإنترنت هي التي تجلب الضرر على الفرد المستخدم وعلى المجتمع سواء كان هذا الاستخدام منحرفًا في الواقع، أو غير منحرف [بمعنى معروف بين أفراد المجتمع بانحرافه، أم لا].
وإليك عزيزتي القارئة المتميزة قصصًا واقعية لمستخدمي الإنترنت بطرق ضارة ففسدوا وأفسدوا مجموعات حولهم في المجتمع.
الحكاية الأولى: رغم كونها جميلة:
تقول صاحبتها: إنها كانت تعاني من فراغ عاطفي لكون زوجها الذي اقترنت به أتى لخطبة أختها الصغرى، ولكن أختها تصغره بكثير فأشاروا عليه بزواجه منها هي البكر، فقبل وقبلت أسرته، ولكنها بعد الزواج السريع اكتشفت بأن ثمة فوارق كبيرة بينهما في الاهتمامات، ورغم كونها جميلة، إلا أن زوجها لا يمكث في المنزل وخصوصًا بعد عودتهما من شهر العسل، حيث اشترى لها جهازًا، ووصله بالإنترنت وعلمها كيفية استخدامه.
ومع الوقت احترفت استخدامه، فأصبحت تدخل على غرف الدردشة والمسنجر، وتعرفت على عدد من الشاب والفتيات عن طريقها، ولقد لفت انتباها واحد من مجموعة الشباب الذين كانت تحادثهم وحاولت التعرف عليه أكثر، إلى أن اطمأنت له وتملكها حبه فأعطته رقم هاتفها الجوال وصار يتصل عليها أثناء غياب زوجها، ويبث لها لوعته وهيامه، ويؤكد عشقه لها، ومع الأيام توطدت علاقته معها على الرغم من حملها من زوجها.. ثم بدأت تهمل زوجها وأصبحت ترفض الخروج معه وتطالبه بالخروج بمفرده.
هذا الشاب أصبح يرسل إليها الصور الإباحية ويطلب منها أن تدخل إلى المواقع المشبوهة.. في البدء كانت ترفض ومن ثم أصبحت تفتح الرسائل التي تردها منه، وشيئًا فشيئًا أصبحت مدمنة عليها، ثم أصبح يرسل إليها ويسألها عن رأيها فكانت تحدثه.. وفي النهاية طلب منها مقابلته، وعندما رفضت هددها بفضح أمرها لدى زوجها، ومن ثم رضخت لأوامره وقابلته وتكررت لقاءاتها معه، إلى أن دعاها يومًا إلى شقة لصديقة وتحت إلحاحه وخوفها من تهديداته لها، قبلت والتقت به وحدث بينهما ما حرم الله.. وتوالت لقاءاتهما السرية المحرمة والزوج في غفلة من أمره، إلى أن دخل عليها يومًا قبل ولادتها دون أن تشعر هي به، وهي غارقة في حبال الرذيلة، وكشف الزوج أمرها وانتظر الزوج ولادتها ومن ثم طلقها وأخذ منها مولودها.. وهكذا حكمت على نفسها بالإعدام ثلاث مرات: بالطلاق مرة وأخرى بحرمانها من مولودها الأول، ومرة ثالثة بالفضيحة.
الحكاية الثانية: فقدت عذريتها وعمرها 13 سنة:
وهذه أخرى تفقد عذريتها وهي ابنة ثلاثة عشر ربيعًا دون أن تدرك معنى لما حدث لها، ودون أن تعي أمها أو تشعر بما حدث لابنتها إلا بعد أن اصطحبتها ذات مساء للمستشفى بعد مغص ألم بها، حيث أدركت هناك الصدمة التي اقشعر لها بدنها عندما أسفرت نتائج كشف الطبيبة عليها عن كون الفتاة على وشك الوضع. وبعد تحقيق الأم في الموضوع كشفت البنت أن ابن خالها كان يلعب معها لعبة العريس والعروس ونال منها مبتغاه. في ظل غياب الأم عن مسؤولياتها، وعدم توعيتها لابنتها، وترك ابن
الخال يلعب معها ويدخل غرفتها ويجالسها...
ومع التحقيق أيضًا تبين أن هذا الذئب الصغير يكبرها بأربع سنوات فقط، وكان يشاهد أفلامًا إباحية على مواقع الإنترنت مع رفقائه في مقاهي الإنترنت التي تكثر فيها العمالة الأجنبية، مع غياب الرقابة على هذه المحلات...
هذه الطفلة تزوجت ابن خالها وسترت الأسرة نفسها.. ولكن ماذا لو لم يكن الجاني هو ابن الخال؟!
قصص أخرى:
وهذه قصص أخرى تتعلق بمجموعة صبية من أبناء الجيران لا يمكثون في البيت بمقدار مكوثهم في الشارع مع رفقاء السوء. والأم والأب مشغولون عن تربيتهم بأمور أخرى.. في يوم من الأيام، بينما الجار عائد إلى منزله في وقت متأخر من الليل بعد مناسبة فرح لقريب له خارج المنطقة، إذ به يسمع أصواتًا تتسلل في الظلام الدامس، فأنصت قليلاً وإذا به يسمع أحدهم يقول لصاحبه: أنا دفعت لك مئة ريال من أجل أن آخذ منك ما أريد، واليوم ليس لدى مال، أنا أريدك وسوف أدفع لك حين ميسرة، وإذا به يوافقه ولكنه يطلب منه ثمنًا أكبر!!
وآخر من أبناء الجيران أيضًا يأتي إليه شخص.. في منتصف الليل ويأخذه معه إلى مكان ما في المدينة ولا يعيده إلى المنزل إلا في الساعات الأولى من الصباح.
كل ذلك يحدث في ظل غياب الآباء والأمهات، وفي ظل وجود وسائل اتصال مسمومة تنشر الفساد والانحلال الخلقي بين الشباب من الجنسين.
وبهذه الصورة وفي ظل غياب الوعي والوازع الديني بين الشباب، وفي ظل غياب تربية الأهل ودورهم في الحماية.. تستخدم شرائح معينة من الشباب من الجنسين الإنترنت في إقامة العلاقات المشبوهة عبر مواقع المحادثة أو ما يسمى بغرف الدردشة، ومن ثم تتحول إلى علاقات تمارس في الواقع وتتسبب في ظهور الأمراض الجنسية والاجتماعية، وتفشي السلوكيات المضطربة والمحرمة في المجتمعات الإسلامية.. وبهذا تضيع الأوقات الباهظة الثمن من عمر الشباب دون طائل، بين مشاهدة الصورة العارية، أو إقامة علاقة محرمة بين شباب وفتاة ضائعين، أو إقامة علاقات بين المثلين من الجنسين.. وهذا هو الهلاك بعينه للمجتمع وللأنفس..
وقفة مع الطب:
ويعلق الدكتور سليمان الخضري على ممارسة الشباب لهذه الأفعال فيقول: إن للصور الخليعة مخاطر نفسية وصحية على المراهقين والشباب؛ لأن تلك الصور تنطبع في ذهن المراهق وذاكرته حتى يألفها ومن ثم تصبح لديه شيئًا عاديًا.
كما يرى الدكتور الخضري أن الخطورة تظهر عندما يتذكر هذا المراهق تلك الصور والمشاهد التي طالعها عبر الإنترنت، ويرغب أن يشبع رغبته الجنسية بأي صورة، فلا يجد أمامه إلا سبيل الانحراف، فيسقط عن طريق الممارسة الخاطئة، أو ممارسة العادة السرية، التي يؤدي إدمانها إلى تدميره صحيًا ونفسيًا وقد يصاب عن طريق الممارسات الخاطئة بالأمراض الجنسية الخطيرة مثل الإيدز.
الآثار والنتائج:
تؤكد معظم الإحصائيات والتحليلات على الآتي:
* أن 80% من مرتادي مقاهي الإنترنت لم يتزوجوا بعد.
* أن 70% من هؤلاء يأتون للتسلية المحرمة والاتصال بالمواقع الإباحية.
* أن 55% من رواد مقاهي الإنترنت لا يعلم ذووهم عنهم شيئًا.
* أن كثيرًا من هؤلاء يتبادلون عناوين المواقع الإباحية حتى في مدارسهم ومواقع عملهم وجامعاتهم وكلياتهم.. وهذا يشكل خطرًا كبيرًا على العملية التعليمية.
* إن أغلب مدمني الإنترنت من الشباب قد أثر ذلك في مستواهم الدراسي، فرجعوا القهقرى بعد أن كان بعضهم من المتقدمين دراسيًا.
* إن إدمان الإنترنت يؤدي إلى حدوث صراع نفسي داخلي بين ما ترسخ في وجدان المدمن من قيم ترى عليها، وبين هذه القيم الجديدة التي يتلقاها عبر الإنترنت.
* يعمل إدمان الإنترنت على تفكيك الروابط الأسرية، ودفع العديد من الأفراد إلى الاستغناء عن الطريق الطبيعي لتكوين الأسرة من خلال الزواج والإنجاب والاكتفاء بما يشاهد وما يمكن أن يمارس من محرمات تعوضه ـ فيما يرى ـ عن الزواج الذي يتطلب منه مبالغ باهظة.
* أن رخص أسعار أجهزة الكمبيوتر والاشتراك في شبكة الإنترنت ومجانيته في بعض الدول العربية والإسلامية أدى إلى جذب عدد كبير من الشباب وانضمامهم إلى عالم الإنترنت.
* ثمة أكبر من 400 ألف موقع لبث الدعارة والجنس والمخدرات والقمار من خلال الشبكة العنكبوتية حول العالم تدخل كل ممتلكي أجهزة الحاسوب واشتراكات الإنترنت، حتى مع وجود الرقيب في بعض الدول التي تفرض الرقابة على المواقع الإباحية.
* أثبتت الدراسات أن ضعف الرقابة على الإنترنت أدى إلى وقوع كثير من أبناء الأسر المحافظة في براثنها.
http: //kuwait666. com المصدر:
ـــــــــــــــــــ(111/341)
مسرح الأحزان " ضحية الطلاق "
محمد بن سرّار اليامي
وقفت على الباب...
وإذا بيد والدي تهوي كالشهاب على ظهر أمي..
يالله... والدي يضرب أمي..
أمي تنهار باكية...
كلمات غريبة أطلقها والدي على والدتي، ولأول مرة أسمعها..
لم أكن أعلم أن هذه الكلمات مفتاح مأساتي...
خرجت أمي من البيت تحمل حقائبها.. وبقيت مع إخوتي في البيت بعد أن رفض والدي أشد الرفض أن نخرج لأخوالنا..
لم أكن أعلم أن هذه المرة هي آخر مرة أرى فيها أمي...
طالت الغيبة...
أماه... أراك في كل صباح.. ما زلت في قلبي ذكرى خالدة.. في كل شيء أراك...
أماه... لا أستسيغ طعاماً إلا من يديك... لا أرتمي إلا في أحضانك..
لا أبكي إلا على ذراعيك... لا أبوح بما تحمل الروح إلا إليك...
ما هو ذنبي أن أكون يتيمة وأمي على قيد الحياة...
آهٍ... يا أماه...
من يمسح الدمعة..
من يطفئ اللوعة..
من يواسي..
من يحمل عن قلبي الصغير المآسي...
كانت رؤيتك في كل لحظة تُعدُّ حُلماً أتمنى تحققه...
كم بكيت وبكيت، ولكن دون جدوى، لعل القلوب المحيطة قد قُدّت من صخر... أقرب هذه القلوب، وليس بقريب..
فعلاً هو ذلك الوالد الذي دفن طفولتي وحطم براءتي..
بل عشت حقبة من الزمن في مسرح الأحزان...
يا والدي موعدنا غداً...
عند جبار منتقم، يخفض القسط ويرفعه...
يا والدي.. لا أجد ما أفعله تجاه ظلمك وتعسفك، وجورك، وحرمانك لي من الصدر الحنون .... لا أجد حيلاً ولا قوة..
تعلم يا أبي رقة مشاعري....
تعلم يا أبي همسة خواطري...
تعلم يا أبي أني ممن يُنشأ في الحلية، وأني في الخصام غير مبينة كما أخبر الله جل في علاه...
يا والدي خذها مني لوعة..
يا والدي خذها مني حسرة..
يا والدي لقد عقدت العزم على أن يكون سلا حي الوحيد هو ترك قوام البدن والإعراض عن الطعام..
وهل يلذ لي طعام...، أو يهنأ لي منام.. وقد حرمت قلبي من أعظم ما يملك... حرمتني من " أمي "..
والله... لا آكل...
والله... لا آكل...
والله... لا آكل...
هاج شوقاً فراقك الأحبابا فتناسيتَ أو نسيت الصحابا
حتى أرى نور منزلنا...
وقرة عيوننا...
هذا سلاحي.... وهذه دموعي..
فويل للقلوب القاسية...
في غفلتها بملذاتها عني ناسية..
والدي...
أنت من أوقد فتيل الفتنة..
وأنت من شبّ نار الفراق وأضرمها.. والعجب أنني رغم هذا الإضراب لا تأبه لي...
لا ببسمة...
لا بهمسة...
لا بحنان...
لا بعطف...
وتعلم أني قد تعرضت لزلزالٍ عاطفي... إنها أمي...
والدي... إن أحشائي يمزقها الجوع...
وإن أوصالي يقطعها التعب..
وأنت مع زوجتك الجديدة... تهنأ بحياة سعيدة..
ولكني بعد هذا...
أرى الثبات والصبر على هذا حتى ولو كانت نفسي هي الثمن..
ولقد خرجت على عادتك مع الزوجة الجديدة... بعد أن أوسعتني ضرباً، وأغلقت دوني الباب
... وتركت الهموم تحاصر قلبي، والجوع يعتصر بدني المضنى..
حتى إذا دنت المنية، وأتى أمر الله نظرت في السماء، ثم ختمت العمر بالدعاء..
نعم بالدعاء، ولكن على من حرمني أصل الحنان ومعدنه..
وداعاً يا دميتي.. فليس لك أي ذنب..
وداعاً يا أماه.. والملتقى غدا..
وداعاً يا حجرة ضمت الآلام والأحزان..
وداعاً غرفة الأحزان..
وداعاً مسرح الأحزان..
وداعاً أيها الظالم... والملتقى غَدا..
غداً... أنتصف منك...
فأعِدَّ للسؤال جواباً، وللجواب صواباً...
وداعاً يا دنيا... ما أرخصك في عيون البائسين... لا إله إلا الله..
يا كرام يا بررة...
هذه المأساة... حقيقة لا خيال.. نُشرة في الصحف السيارة.. لفتاة أسمها سميرة..
يا سادة...
حاسبوا ألسنتكم على كل عبارة وكل لفظ... فلربما كانت المأساة تنطلق من أفواهنا..
هذه سميرة..، ومعها ألف سميرة... شمعة أطفأتها القلوب القاسية.. ماتت هذه الطفلة الصغيرة
وأسلمت الروح للخالق جل وعز..
وبعد ليلة حافلة، وأمسية حالمة يدخل ذلك الرجل الظالم... الذي طالما جرّع هذا البدن الهزيل
الويل والثبور.. وإذا بجسد الطفلة قد ذبل في وسط المنزل، وقد خلفت أحزانها ورحلت... نعم
رحلت... سميرة
بحزنها..
بجوعها..
بهمها..
بغمها..
حملت عريضة التظلم..
لتنشرها بين يدي الجبار جل في علاه..
والجاني فيها هو والدها..
فهل يعي كرام الرجال مصائب الطلاق وأخطاره..
وداعاً سميرة..
نلقاك غداً..
ليكون مشهد الإنصاف..
رحمك الله...
كم من سميرة في مجتمعنا تعيش ما عشتي.. وتتجرع ما تجرعتي..
ولكن إلى محكمة عدلٍ عظمى لأخذ الحق من كل ظالم...
رحمك الله يا سميرة..
يا ليت شعري وهمُّ المرء ينصبهُ المرء ليس له في العيش تحريز
هل أجزينكم يوماً بقرضكم والقرض بالقرض مجزي ومجلوزُ
آه يا سميرة.....
يا عين جودي بدمع منك هتاناً
بكي سميرة حُزناً ليس سلوانا
وداعاً على خشبة مسرح الأحزان...
نبكيك بدمع هتان...
http://saaid.net المصدر:
ـــــــــــــــــــ(111/342)
أين واجبات الزوجية ؟!
أسامة طه حمودة
قلنا فيما سبق أن النجاح في حياة الأسرة يعتمد على:
1. كفاءة كلا الزوجين للآخر ومناسبته له..
2. حسن فقه كلا الزوجين لواجباته ومسارعته لأدائها..
وقد أسدى الإسلام إلينا مجموعة من الإرشادات والنصائح، إذا نحن عملنا بها فإنها تمسى كفيلة بحياة مطمئنة سعيدة.
فالشريعة هنا لم تكتف بتوضيح الحقوق والواجبات لكل طرف، ولم تقف عند الخطوط العامة- كأمر الشورى مثلاً- إنما وضع الشارع خطوطاً مفصلة لا تدع مجالاً لشطط، أو فرصة لخَطل..
وقد أفهم الإسلام كلا الزوجين أن حياتهما معاً ليست شركة مادية مساهمة، أو منفعة عاجلة زائلة، بل غرس في نفوسهما أن كلا منهما ضروري للآخر ومتمم ومكمل له، فالبيت الذي استظلا بعرشه، هو المأوى الطبيعي والوحيد لكليهما!!.
ومن هنا فقوانين الأسرة ليست مجرد بنود وقضاء، بل هي تعمل عملها لتوطيد الروابط الإنسانية والتحليق بها، ولنقرأ قوله - تعالى -: "هو الذي خلقكم من نفس واحدة وجعل منها زوجها ليسكن إليها". (الأعراف: الآية 189).
فتلك هي نظرة الإسلام للذكر والأنثى.. وحقيقة وظيفة الأسرة، إنها وحدة شعور، ووحدة أمل، وورشة عمل!
إن كل واحد منهما ما يبلغ تمامه إلا بالنصف الآخر!!
ففي هذا الجو- ليس جو القوانين والتحاكم- يظللُ السكون والأمن جو البيت، أي جو المحضن الذي يترعرع فيه الجيل الناشيء ليحمل التراث البشري بل ويضيف إليه...
وقد جمع الله تلك المعاني في ست كلمات معجزات، قال - تعالى -: " هنّ لباس لكم وأنتم لباس لهنّ ". (البقرة: الآية 187).
يقول الإمام الطبري:
"... أن يكون جعل كل واحد منهما لصاحبه لباساً لأنه سكنٌ له، كما قال جل ثناؤه: " جعل لكم الليل لباساً ". يعني بذلك سكناً تسكنون فيه! أي جعل كل واحد منهما لصاحبه لباساً لأنه سكنٌ له، وكذلك زوجة الرجل سكنه يسكن إليها، كما قال - تعالى - ذكره: " وجعل منها زوجها ليسكن إليها ". فيكون كل واحد منهما لباساً لصاحبه، بمعنى سكونه إليه.. ".
تلك المعاني هي المقدمة الطبيعية قبل الحديث عن واجبات الزوجية، فإنها إن لم تكن واضحة بيّنة، صار الإنسان " دابّة اجتماعية" لا يشهد من صفات الجمال، ولا آفاق العواطف شيئاً، ومن ثم لا تنفعه بنود قانونية.. أرضية كانت أو سماوية!!
وحتى لا تتداخل الواجبات الزوجية، سنتكلم عن واجبات الزوجة، ثم واجبات الزوج، ونسأل الله أن يرزقنا السلامة في الرأي، والعزيمة على الرشد.
أ- واجبات الجنس اللطيف..
تعوّد الفقهاء أن يبدءوا الواجبات الزوجية بذكر " واجبات الزوج ".. أي بيان حقوق المرأة أولاً، لأن المرأة هي الجانب الأضعف في المعادلة..
أما نحن فسنبدأ ببيان " واجبات الزوجة " أي حقوق الرجل، ليس انحيازاً منا لجانب الرجل، بل اعترف بأن المرأة الصالحة هي " دعامة البيت السعيد ".. فالمرأة- إن كانت زوجة هي مادة السعادة في البيت، أو مادة تعاسته، شئنا أم أبينا!!
ألا وإن جوهر واجبات الزوجة هي:
1. معرفة مكانة زوجها.
2. طاعة الزوج وحسن عِشرته والتزين له..
3. رعاية الأولاد وحُسن تربيتهم وتنشئتهم.
ويمكن اختصار تلك الواجبات في جملة واحدة وهي:
أن تكون لأولادها قُرّة عين، ولزوجها سكن فؤاد!
فهم تلك الحقيقة ليس أمراً صعباً.. فحينما جاء الإسلام، ومسّت رحمته حياة المرأة، وردّ عنها طغيان المجتمع، وعرفها عالمة ونابغة، وفقيهة، ومحدّثة!!
إنه بصفة عامة حرر إنسانيتها، وحصّن حقوقها في إطار لا يزيغ ولا يختل ولا يحيف..
هذه الحقوق العامة، وتلك المجالات الرحبة التي نبغت فيها المرأة في صدر الإسلام الأول، كل ذلك لم يعزل المرأة عن وظيفتها العتيدة التي لا تقوم أسرة إلا بها.
فملامح المرأة النبيلة لا تكون ولا تكتمل إلا برعايتها لرسالتها الكبرى، ووظيفتها العتيدة.. ألا وهي الأسرة، فهذا هو الأساس والذي تمثله تلك الزوجة المتكاملة خلقياً ونفسياً، النظيفة مظهراً ومخبراً..
إنه يستحيل بدونها أن تعرف البيوت الاستقرار، أو أن يهدأ للأولاد قرار!.
لذلك جاءت الآيات والأحاديث في هذه المسألة تفوق كل تصور، وهاك طرفاً منها قال - تعالى -: " الرجال قوامون على النساء بما فضّل الله بعضهم على بعض وبما أنفقوا من أموالهم فالصالحات قانتات حافظات للغيب بما حفظ الله.. ".
في تلك الآية الكبرى ذكر الله - تعالى - أصل واجبات الزوجة- حقوق الرجل وهي:
1. حق القوامة:
المعروف من قديم أن الرجال قوّامون على النساء، وأن الرجل والمرأة قرينان متعاونان، لا ضدّان متغالبان، ولا شريكان متشاكسان!
فحين استوحش آدم من الوحدة، خلق الله له حواء ليأنس بها. ولكي تستقر لهما الهناءة- جعل الله حواء معطوفة على آدم وملازمة له، قال - تعالى -: " وقلنا يا آدم اسكن أنت وزوجك الجنة... ". (البقرة: الآية 35).
ويقول أهل العلم والتفسير أن الأمر الإلهي كان لآدم- اسكن- وليس الأمر كليهما- اسكنا- لأن سكن حواء يتبع بالبديهة " سكن آدم ".
تلك الومضات الهادية في ساحة الملأ الأعلى- هي التي مضى عليها البشر من قديم..
فقوامة الرجل في أسرته عرفها نوح - عليه السلام -، وإبراهيم وموسى وعيسى وخاتم الأنبياء، بل وعرفتها حضارات أثينا وروما في القرون القديمة والوسطية، وأيضاً أقرّها الصدر الأول من حضارتنا الحديثة.
فلا بد لكل عمل من إدارة، ولكل تجمع إنساني من رياسة، ورياسة الرجل للبيت ليست تشريفاً واستعلاءً، إنما هي تكليف ومسؤولية!
وتلك هي الفطرة، وذلك هو الحق، فلا يليق أن تحمل المرأة- وهي الجانب الأضعف- مسؤولية البيت عملاً واكتساباً، حماية وإنفاقاً!.
حتى جاءت الصيحات النشاز التي تريد أن يكون الرجال والنساء سواء! فلا قيّم للأسرة، ولا رئيس للبيت!
وليس المقصود طبعاً هو إنصاف المرأة، أو الدفاع عنها، إنما المقصود هو إخراجها من حصنها الآمن، واللعب بها لتتمرد على أقدس رسالة، وأشرف مسئولية..
فمن حق الرجل أن يكون متبوعاً لا تابعاً، وقد سمى القرآن الزوجَ " سيداً " قال - تعالى -: " وألفيا سيّدها لدى الباب ". (يوسف: الآية 25). فإذا شرست المرأة، أو استنوق الرجل فقد بدلاً نعمة الله! فبالعدل قامت السماوات والأرض، فمن جاوز قانون الله، كانت تعاسته بنسبة هذا التجاوز..
هذه القوامة تقتضي من جانب الزوجة- بالضرورة:
2. كما الطاعة وحُسن العشرة..
فإن تبادل المصالح أصل معترف به، وأمر مفروض شرعاً وعقلاً، وواجب محتوم فتوى وجدوى، فالحقوق على الزوج تقابلها واجبات عند الزوجة لا محيص عنها..
وحين نتكلم عن أول واجبات المرأة نعود إلى الشطر الثاني من الآية الكريمة:
"... فالصالحات قانتات حافظات للغيب بما حفظ الله.. ". يقول الإمام ابن جرير في تفسيره:
قال ابن عباس: " قانتات " أي مطيعات.. وقال قتادة: أي مطيعات لله ولأزواجهن..
" حافظات للغيب ". قال: حافظات لما استودعهن الله من حقه، وحافظات لغيب أزواجهن، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " ما استفاد المؤمن بعد تقوى الله خيراً له مِنْ زوجةٍ صالحةٍ ".
إن أمرها أطاعته وإن نظر إليها سرته وإن أقسم عليها أبرّته وإن غاب عنها نصحته في نفسها وماله ". (رواه ابن ماجه).
وفي رواية أبي داود:.. " ألا أخبرك بخير ما يكنز المرء؟ المرأة الصالحة.. إذا نظر إليها سرته وإذا أمرها أطاعته وإذا غاب عنها حفظته" (انفرد به أبو داود).
أما قوله: " بما حفظ الله " بمعنى: بحفظ الله إياهن إذ صيّرهن كذلك ".
أما الإمام الفخر فقال:
"إن حال المرأة إما أن يعتبر عند حضور الزوج أو عند غيبته:
- أما حالها عند حضور الزوج فقد وصفها بأنها قانتة، وأصل القنوت دوام الطاعة، واعلم أن المرأة لا تكون صالحة إلا إذا كانت مطيعة لزوجها؛ لأن الله - تعالى - قال: " فالصالحات قانتات " والألف واللام في الجمع يفيد الاستغراق، فهذا يقتضي أن كل امرأة تكون صالحة فهي لا بد وأن تكون قانتة مطيعة.
- أما حال المرأة عند غيبة الزوج فقد وصفها الله - عز وجل - بقوله: " حافظات للغيب "
بعد هذا البيان المختصر لمعنى الآية، يمكن أن نفهم من فحوى كلام كبار المفسرين، أن المرأة التي لا تعرف قيمة زوجها، ولا تعترف له بحق الطاعة، لا تعرف معنى الحياة الزوجية!!
وكيف تعرف معنى الحياة الزوجية، تلك المرأة التي إذا نظرت إليها غمّتك؟ وإذا أمرتها شاغبتك؟ كيف تعرف معنى الحياة، تلك الزوجة التي إذا مشت في البيت فكأنها بركان، وإذا سكنت فسكون زلزال؟
والطاعة التي طلبها الشارع.. أمر عام يدخل تحته تنفيذ أوامر الزوج دون تردد أو استنكاف(1) ما لم تكن في معصية الله- ويدخل تحت هذا:
- ألا تُدخل أحداً بيته وهو كاره، ولو كان أقرب الناس إليها، كما ورد الحديث بذلك..
- أن تلزم البيت ولا تخرج منه إلا بإذنه، ولو كان خروجها لزيارة أبيها وأمها..
إن أعباء الرجال جسام، وأحمالهم ثقال، وهذا هو دورهم الذي ينطق به الواقع، لذا طلب الشرع من المرأة المسلمة أمراً لا بد منه إن كانت زوجة، وهو أن تعيش لأولادها قرّة عين، ولزوجها سكن فؤاد، وقرار ضمير.
فلا تتبرم به، ولا تتجهم له، ولا تحقرن فضله وإن كان- كالعادة- قليلاً في عينها، فهنا يستطيع المجتمع أن يتكامل أساسه، وأن تقوى أركانه.
ثم هناك بشرى مشروطة لكل امرأة، تقول أم سلمة - رضي الله عنها -، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " أيما امرأة ماتت وزوجها عنها راض، دخلت الجنة ". (رواه الترمذي ابن ماجه والحاكم).
ثم إن الزوجة العاقلة تعلم أنها حين تطيع زوجها، وتحسن عشرته، وتسبغ عليه من عواطفها ورقة كلامها، فإنها تكسب ثقته ودوام محبته، فيعطيها أضعاف ما تعطيه..
وخلاصة القول أن الزوجة ينبغي أن تجاهد نفسها ما استطاعت، لتنال البشرى والتوفيق والرضى، فإن كنودها وأنفتها من أكبر الأبواب الجالبة لغضب الله - تعالى -، يقول الشيخ الغزالي - رحمه الله -: " من الرذائل النفسية، تحقير نعمة الزوج، وتقليل شكره، إن المرأة التي تبني سلوكها على جحد زوجها وكفر نعمته تخط لنفسها طريقاً إلى النار!.
ونسيان الجميل شائع في خلائق الناس، رجالاً وإناثاً، وكأن تقدير النعمة واحترام صاحبها عبدء جسيم!
لكن التقاطع في الحياة العامة قد يكون له مكان، أما أن يلمح الرجل في خلق زوجته كنوداً لا إقرار معه بنعمة، ولا اعتراف معه بفضل، فهذا من أكبر سيئات المرأة، وقد عدّه النبي - صلى الله عليه وسلم - ذريعة لاستحقاق الزوجة عذاب الله، وفي الحديث: " ورأيت النار فلم أر كاليوم قطٌّ ورأيت أكثر أهلها النساء قالوا بم يا رسول الله؟ قال بكفرهنّ. قيل أيكفرون بالله؟ قال: بكفر العشير وبكفر الإحسان، لو أحسنْتَ إلى إحداهن الدهرَ ثم رأت منكَ شيئاً قالتْ ما رأيتُ منك خيراً قط".!! (البخاري ومسلم واللفظ له).
وفي آخر: " لا ينظر الله - تبارك وتعالى - إلى امرأة لا تشكر لزوجها، وهي لا تستغني عنه ". (رواه النسائي والحاكم).
فهل تفهم الزوجات أمثال تلك النذر الحكيمة؟ وهل يدركن تلك الخطوط الفاصلة المستقيمة؟ للأسف قليل من يفهمهن ذلك!.
ب- واجبات الزوج..
أما واجبات الزوج فيمكن اختصارها فيما يلي:
الصداق- المهر- والنفقة، وحسن العِشرة، وتعليمها أمور دينها..
فما من شك أن أوجب واجبات الرجل هو ضمّ شمل الأسرة وتوجيهها إلى الخير وإبعادها عن مزالّ الأقدام ومواطن الشرور..
فالرجل بعد أن كان جندياً في المجتمع- مسئولاً عن نفسه فحسب- أمسى بعد الزواج، قائداً ميدانياً مسئولاً عن كل من له في عنقه حق التربية والتوجيه!!
وتلك ليس بالمهمة السهلة أو المؤقتة، فالزواج بصفة عامة ليس رحلة ً ترفيهية إنما هو رحلة عمل وحَمل أمانة، وجُهد موصول وقيادة..
وبقدر ما يفهم الزوج واجباته ويسعى لأدائها، يكون نجاحه في تلك المهمة، ألا وإن من أول واجباته نحو زوجته:
• حُسن العِشرة..
فإحسان العشرة، والتلطف في الصحبة مع النساء من الواجبات الشرعية المقررة، والتي بها يستخدم الرجل معنى السكينة وروح النماء..
ولئن كان الإحسان هنا واجباً شرعياً، فإنه أيضاً دليل رجولة وعلامة صلاح، وقد دل القرآن الكريم الرجالَ على المسلك الأشرف في سلوكهم نحو نسائهن، قال - تعالى -: " وعاشروهن بالمعروف فإن كرهتموهن فعسى أن تكرهوا شيئاً ويجعل الله فيه خيراً كثيراً ". (النساء: الآية 19).
يقول الإمام الفخر في تفسيره:
".. كان القوم يسيئون معاشرة النساء فقيل لهم: وعاشروهن بالمعروف، قال الزجّاج: هو النصفة- الإنصاف- في المبيت والنفقة، والإجمال في القول " ونحن نقول إن من حسن العشرة: طلاقة الوجه، ولين الكلمة، وشكر العمل والخدمة..
بل حسن العشرة يتطلب أمراً لا محيد عنه، ألا وهو احتمال الأذى والصبر على المضايقات التي لا بد منها!!
فالراحة الكاملة هدف بعيد المنال، فبيت النبوة- وهو الذروة في الشرف والأدب- كانت تحدث فيه بعض المضايقات والتي ذُكر طرف منها في سورة التحريم..
فعلى الرجل- إتماماً لمعنى الإحسان- أن يصابر الأيام وألا يسترسل مع مشاعر الضيق التي تأتي من جانب زوجته، فهو لا يعلم من أين يأتي الخير... الآن نكمل تفسير الآية..
قال - تعالى -: "... فإن كرهتموهن.. " يقول الفخر الرازي:
" أي كرهتم عشرتهن بالمعروف وصحبتهن، وآثرتم فراقهن " فعسى أن تكرهوا شيئاً ويجعل الله فيه خيراً كثيراً " والضمير في قوله " فيه " على ماذا يعود؟
ففيه وجهان:
الأول: المعنى أنكم إن كرهتم صحبتهن فأمسكوهن بالمعروف فعسى أن يكون في صحبتهن الخير الكثير ومن قال بهذا القول فتارة فسر الخير الكثير بولد يحصل فتنقلب الكراهة محبة، والنفرة رغبة...
وتارة بأنه لما كره صحبتها ثم إنه يحمل ذلك المكروه طلباً لثواب الله، وأنفق عليها وأحسن إليها على خلاف الطبع، استحق الثواب الجزيل في العقبى والثناء الجميل في الدنيا.. ".
أي أنه يتاجر بصبره مع الله - تعالى -!.
دارها.. تعشْ بها!!
من المعلوم من شأن المرأة، أن طبيعة تركيبها النفساني يختلف عن الرجل اختلافاً كبيراً، فمع ما للمرأة من حُسن الدلّ، فإن فيها شيئاً من العوج- الذي يكون غالباً هو السبب في تنغيص الحياة، وتكدير صفو الرجال!
فعلى الرجل إدراك ذلك، لهضم بعض التصرفات الحمقاء التي تصدر عن بعض الزوجات، وفي الحديث عن أبي هريرة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " إن المرأة خُلقت من ضِلَع- أي أن فيها ما في الضلع من عوج- لن تستقيم لك على طريقة! فإن استمتعتَ بها استمتعت بها وبها عوج وإن ذهبت تُقيمها كسرْتَها وكسرها طلاقها ". (البخاري ومسلم واللفظ له).
وفي رواية ابن حبان: " فدارها... تعشْ بها!! ".
فلا تثريب(2) على النساء من بعض التصرفات الصغيرة أو المزعجة، لأن ذلك شيء رُكّب فيهن فلا محيص عنه!
لكن المحظور هنا هو جحود الزوج، أو الإساءة إليه أو إلى أهله، فهنا الخطوط الحمراء التي لا ينبغي لمسلمة تجاوزها، لأن هنا يكون " النشوز " وهل يعني النشوز إلا الترفّع والشراسة؟!
قال - تعالى - بعد الوصية بالنساء وبعد الحديث بمنع عضلهن:.. "... إلاّ أن يأتين بفاحشة مبيّنة ". (النساء: الآية 19).
وفي معنى الآية يقول الفخر الرازي:
" في الفاحشة المبينة قولان: الأول- والأولى-: أنها النشوز وشكاسة الخلق وإيذاء الزوج وأهله، والمعنى: إلا أن يكون سوء العشرة من جهتهن فقد عُذرتم في طلب الخلع... ".
فكم من امرأةٍ أبطرتها(2) المعاملة الحسنة من زوج خَلوق كريم؟
وهنا يقول الشرع- استبقاءً لعقد الزوجية- لا بد من بعض الشدة لسكون الغزالة المختالة، أو لترويض النمرة الجامحة!!
وقساً ليزدجروا، ومن يكُ راحماً
فليقسُ أحياناً على من يرحمُ
إن العلاقة الزوجية يجب أن تكون قوية البنيان، مكتملة الأركان، فهي مربوطة العُرى بالعروة الدائمة- عروة الإيمان بالله- وهي أوثق العُرى وأبقاها.. فباسم الله تزوج المؤمنون، وعلى سنته كان ميثاق الزوجية الغليظ.. ومن ثم فلا يستهين بذلك العقد وبحرمته مؤمن يعرف ربه، أو مؤمنة ترجو لقاه..
فعلى الرجل- مراعاةً لواجبات الزوجية- أن يؤدي أمانته، وأن يستسيغ بعض التصرفات التي لا تليق، وأجره على الله.
وذلك أيضاً كي تمضي سفينة الحياة لمنتهاها.. فما أضر على المرء من ضيق الصدر، وكثرة الملامة، لذلك قال الشاعر الحكيم:
إذا ضاق صدر المرء لم يصفُ عيشه
ولا يستطيع العيش إلا المسامحُ
ثم على المرأة أن تتقي الله في أعظم الناس حقاً عليها.. أعني زوجها!!.
6/4/2004
__________________________
(1) استنكف: أصله نَكَفَ أي عدل، واستنكف من الشيء وعوه: أَنِفَ وامتنع.
(2) لا تثريب: لا تأنيب
(2) البطر: شدة المرح والزهوّ، وبطرت النعمة: استخفتها وجحدتها.
المراجع أسامة طه حمودة، سلوكيات مرفوضة، ص 135-146.
http://www.tarbawi.com المصدر:
ـــــــــــــــــــ(111/343)
نبتة غريبة
بدرية الغنيم
نظر الفلاح إلى حقله المترامي الأطراف وقد اكتسى نضارة وخضرة بدت معالمها على وجهه سروراً وانشراحاً وفترت شفتيه عن ابتسامة دائمة زادت وضوحاً في حرارة الشمس الملهِبة التي صرّ عينيه متأذياً من وهجها، لكنه لا يمل تلك الابتسامة وكأنها من واجباته اليومية في رعاية الحقل، وكان يعمد لحقله قبل بزوغ الشمس يتفقده نبتةً نبته.. يتلمس أوراقها، ويعدل سيقانها ويبعد عنها ما يؤذيها، ويحادثها وكأنها تبادله الحديث وتبثه شكواها؛ فكان يشعر بما ينقصها فيشاركها المشاعر والأحاسيس، فغدا وكأنه من شجيرات الحقل وفي لحظات تفقده لحقله الممتد على الأرض والممتد حبًّا في قلبه نظر؛ فإذا نبتة صغيرة بين نباتات حقله نظر إليها في رحمة ولامس بيديه أوراقها بأسى لأنها غريبة تركها وهو يتمتم: "صغيرة.. صغيرة"، وأخذ يمتع ناظريه بجمال حقله وخضرته ورواء أغصانه، يغيب عن حقله ويعود بشوق متجدد وعزم متجدد لما يرى من تسابق شجيراته في الإعلان عن طيب رعايته وحسن تعهده لها، وكأنهن يقلن له في تسابقهن للتطاول والنمو: شكراً لتلك العناية، وذلك الحب. ثم بدأن بتقديم الهدايا له بتلك الزهور التي زادت من زهو الحقل وكان كلما مرّ على النبتة الغريبة ضحك ورحم غربتها في حقله، وإذا بها تسابق شجيرات الحقل في عنفوان وصمود وشموخ... وفي يوم مشرق دلف الفلاح إلى حقله بابتسامته المعهودة، ولم تلبث إلا قليلاً حتى تلاشت لما رأى بعض الشجيرات بدا عليها الإعياء؛ فكانت لا ترتفع وفرتها عاليًا؛ بل كانت منكسة مطأطئة وجذوعها مرنة تقلبها الرياح يمنة ويسرة.. قد ذوت ولم تعد في صمودها ومقاومتها.. أخذ يقيم جذوعها ويسندها، ثم أجرى نحوها تيار الماء وأسمدها لكن الماء يتغلغل في الأرض دون أن تصيب منه نهمها..
أدرك أن الأمر فيه ما فيه حينما رأى وسطهن تلك الشجرة في عنفوان وقوة ورأى بشاعة ورقها وصلابة جذوعها ونتنها ونتن ثمارها ومستعمرات الحشرات التي ارتضتها وطناً، بعدها قرر في نفسه أن يقتلعها.. حمل فأسه فضرب الأرض حولها فإذا هي قوية متماسكة لم تعمل فيها معاوله.. حاول أخرى لكنه لم ينجح إلا ببعثرة شيء من التراب و الحشرات المتراكضة.. بعدها دب في نفسه رعدة غريبة.. هذه الشجرة التي كنت أكرمها وأرحمها وجعلتها تعيش في حقلي وبين شجيراتي نبتة خبيثة!! لا بد أن تقتلع، أخذ هدير "البلدوزر" في الحقل يثير اضطراب الشجيرات، وأمسك بالشجرة الخبيثة وأخذ يسحبها وتأبى أن تترك الأرض التي نبتت فيها.. أخذ يسحبها بعنف وتقاوم.. ويسحبها ولم يفلح.. حتى أحضر أداة للحفر تضرب في جذورها والبلدوز ممسكاً بجذعها وتكاد أن تقف تروسه من قوة جذعها وأداة الحفر كسرت مدقتها مراراً، ومع إصرار الفلاح وتضافر الأدوات والحبال والشد والقطع والجذب نتقت الشجرة الخبيثة بجذورها من الأرض وقد علقت بها جذور شجيرات الحق فتساقطن واحدة تلو الأخرى متناثرة ثمارها، ثم تبعثرت نباتات الحقل وقلبت تربته؛ فأحدثت هوة في أرض المزرعة؛ فكانت إزالتها شاقة حيث قد صنعت لها شبكة من الجذور الموصلة بكل نبتة قريبة منها و كانت تستأثر بالماء والغذاء وتتغذى على ما تصنعه الشجيرات في جذورها حتى ضعفت النباتات وذوت.
فكان مشهد الشجرة الخبيثة وهي مجندلة وتلك الشجيرات الجميلة الميتة حولها والجريحة قد أثار حزن الفلاح واسفه فعض أصابع الندم إذ لم يبادر الأمر من أوله إذ أحسن الظن بنبتة دخيلة عملت على إفساد حقله ونثرت سمومها في تربته.
وهذا هو حال التربية في كثير من البيوت إلا من رحم الله حيث لا تتجاوز الغذاء والدواء والكساء، وإذا كبر الأولاد والبنات وبدأت تظهر السلوكيات الخاطئة التفت الأهل لأمر التربية في وقت متأخر جدًّا، وبدؤوا يجربون حلولهم المرتجلة والوقتية، وأخذوا يلقون بالملامة على الجيل الجديد وعصايتهم وتحديهم لإرادة الأهل وعدم التزامهم واحترامهم للقيم التي نشأ عليها الآباء؛ فيبدأ الآباء حينها بالبحث عن جميع عيوب الشاب لعلاجها؛ من تهاون في الصلاة، وتكاسل في أداء العبادات، ثم السلوكيات السيئة التي أصبح عليها الشاب؛ فيبدأ العلاج لكم هائل من المشاكل في وقت واحد بدون ترتيب للأولويات، مما يثير حفيظة الشاب، ويعلن التمرد وعدم الاستجابة، ثم يقوم الأهل بعد أن دب اليأس في أوصالهم بالانسحاب من ساحة التربية التي دخلوها متأخرين، ويترك الأمر للشاب، ويحل الفتور والقطيعة، وتخسر الأسرة والمجتمع عنصرًا مهمًّا؛ فيتهرب المعنيون من هذه المصادمة، فتزيد الحالة سوءًا أو يؤثر بعضهم البتر والقطع والعنف لعلاج المشكلة؛ فتحصل مفاسد كثيرة في سبيل إصلاح أمر كان علاجه هيناً في البداية صعب عند تضخمه. فيؤثر المربي أن يكون مدافعاً لا مبادراً، وذلك أصعب وضع يكون فيه المربي إذ تتوالى الأهداف في مرماه؛ فيضعف ولا يستطيع تحقيق أي هدف وتضيع أهدافه في ثنايا الدفاع، ويتحول من وضع التخطيط والتنفيذ إلى الترقيع وسد الخلل. فكيف يحسن عندها وضع التربية لمن يضيع الفرص المتاحة للتربية ولمن لا يدرك ولا يلاحظ المشاكل الخطيرة حال تمرحلها وتعدد أدوارها وآثارها السلبية ويعجز عن مواجهة بؤر التقصير. ويأبى أن يقر بمساهمته في صناعتها.
http: //www.islamtoday.net المصدر:
ـــــــــــــــــــ(111/344)
الشورى بين الزوجين هل هي مطلقة ؟
أحلام علي
في بداية الحياة الزوجية قد يتعارض الزوجان ويختلفان لاختلافهما في تقدير الأمور وفهمها.. ولكن مع التعايش لفترة من الزمن يصبح بينهما نوع من التفاهم والانسجام.. ورغم أن بعض الأزواج يمكن أن يتغافر ويتراضى ويتسامح لكنه لا يشاور زوجته، لأنه يرى ذلك نقصاً في رجولته.. كما أن الزوجة قد تنفرد بقرار ما بعيداً عن زوجها فيحدث ما لا تحمد عقباه. فماذا عن الهدي النبوي في ذلك؟ وهل الشورى بين الزوجين مطلقة؟ أم تكون في أمور بعينها فحسب؟ وهل بيوتنا مبنية على الشورى كمبدأ تربوي في المعاملات؟ هذا ما يجيب عنه التحقيق التالي:
تقول "أم عبد الله": وجود مبدأ الشورى بين الزوجين أنا أرجعه بقدر كبير إلى المرأة وطريقتها في التعامل مع زوجها، فالزوج بحكم رجولته وقوامته التي منحها الله إياها يرفض فرض الرأي أو حتى المشاركة في الرأي إذا تدخلت المرأة بطريقة مجحفة فيلجأ إلى الاستئثار بالقرار، لكن إذا تدخلت الزوجة بطريقة لطيفة مشعرة الزوج أن القرار أولاً وأخيراً بيده، حينئذ قد يقبل مشاركتها في الرأي بترحاب وسعة صدر.
وهناك نقطة تشير إليها وهي ثقة الزوج في عقلية الزوجة، فمن خلال تكرار المواقف يوقن الزوج أن زوجته حكيمة في نظرتها للأمور ولديها سعة أفق وإدراك، وبالتالي لا يدخر وسعاً في مشورتها وأخذ رأيها في القرارات الأسرية وغيرها مما يتعلق بحياة أبنائهما وحياتهما معاً.
وترى الأستاذة آمال ياسين الخيري أن الشورى بين الزوجين لها حدود حتى لو كان الزوج أو الزوجة موضع ثقة تامة للآخر، فهناك أمور لا يستطيع أحد الطرفين أخذ مشورة الطرف الآخر فيها، وهنا يلجأ لأقرب الأقربين إليه.
وتختلف "أم أسامة الهلالي" قليلاً مع الرأي السابق فتقول: الشورى بين الزوجين شبه مطلقة لأنها أمر مهم وضروري، ولابد أن يتشاور الزوجان في كل أمور الحياة صغيرها وكبيرها سواء ما يتعلق بشخص كل واحد منهما أو بالأولاد والبيت والأهل، وذلك لأنهما يركبان سفينة واحدة.. ووجهتهما واحدة وذلك يجعل اتفاقهما على شيء واحد أمراً مهماً وذلك الاتفاق لن يأتي إلا بالتشاور.. وقد قال الله لنبيه الكريم وشاورهم في الأمر (آل عمران: 159)، ولا أرى أن هناك أمراً من أمور الحياة لا ينبغي للزوجة أن تشير على زوجها فيه أو العكس، فالرسول أخذ بمشورة أم سلمة في الحديبية وهذا يرد على من يقولون بقلة عقل المرأة أو ضعف حكمتها.. ومن البديهي أنه لا شورى فيما افترضه الله على العباد.. فلا تستشير المرأة زوجها في شيء من الفرائض، ولكن كما أسلفنا يكون التشاور في أمور الحياة العادية التي يحتاج فيها الإنسان أحياناً لرأي غيره ومشورته.. وقد يكون هناك بعض الخصوصيات التي لو اطلع عليها الطرف الآخر لفسدت بعض الأمور، وهنا تشذ القاعدة فلا يستشير صاحب القضية الخاصة الطرف الآخر.. وإلا فالأصل هو الشورى بين الزوجين.
وتتفق مع هذا الرأي "أم عبد الرحمن" فتقول: الأصل في أمورنا الأسرية الشورى فنحن نتشاور في أمورنا الحياتية، وأيضاً أمورنا المصيرية كشراء منزل أو غير ذلك مثلاً أو أمور الزواج الخاصة بالأبناء، أما الأمور التي تخص عائلتي إذا هم باحوا لي بسرٍ ما فهذه لا آخذ رأي الزوج فيها لأنها من الممكن أن تؤثر على علاقتنا كزوجين فيما بعد، وخلاف ذلك من أمورهم العامة، فليست سراً ويمكن التشاور فيها.
وتضيف أم عبد الرحمن: هناك أمور أخرى يفرض القرار فيها نفسه، وهذه يكون التصرف فيها من دون شورى، وهناك الهدايا والمجاملات التي قد يغفل عنها الزوج نتيجة كثرة مشاغله، فهذه أسد عنه فيها ويترك هو لي حرية التصرف في هذا الجانب لثقته في حرصي على تقوية الروابط العائلية والاجتماعية.
ويؤكد محمد شربي أن استشارة الزوجة منطلقة من مبادئ الإسلام السمحة، فالإسلام كرم المرأة واحترم عقليتها، وخاطبها كما خاطب الرجل فلماذا لا نحترم عقلية المرأة ولا نأخذ برأيها إذا كان فيه الصواب؟ والزوجة التي تسير على هدى الإسلام لابد أن لها مرجعية تنطلق منها في آرائها. وبالنسبة لي فأنا أستشير زوجتي في الأمور المتعلقة بحياتنا معاً وحياة أبنائنا ولا أرى في هذا أي نقيصة أو إقلال من كرامتي، بل العكس هو الصحيح، فرسولنا الكريم يقول: "ما أكرمهن إلا كريم وما أهانهن إلا لئيم" وعدم أخذ رأي الزوجة إهانة لها لأنه يعتبر استخفافاً بعقليتها وإقلالاً من شأنها. وبالنسبة للأمور المتعلقة بعملي أو علاقاتي الخارجية فهذه لا آخذ رأي زوجتي فيها لأني أنا الموجود في هذا المجال وأدرى بما أفعل وما لا أفعل..
ويختلف مع هذا الرأي (ت. أ) أستاذ جامعي متزوج منذ ست سنوات فيقول: استشارة المرأة مصطلح ليس سهلاًً فهو ينطوي على عمق قوي، لذا أرى أن الاستشارة من خصوصية الرجل وليست من خصوصية المرأة.. فالرجل ذو عقل راجح وهو سيد الموقف بلا منازع والزوجة تستشار في الأمور التي تخصها والتي هي محصورة داخل المطبخ، أما خارج ذلك فلا تجدي استشارتها. وفي الجوانب التربوية المتعلقة بالأبناء أنا أطور رأيها ولا أطبقه، أنا لا أؤيد استشارة المرأة فهي كاستشارة الحجر(!) والرجل الذي يستشير زوجته رجل ضعيف الشخصية!
ويعلق الشيخ جاسم المطوع على الرأي الأخير فيقول: إنه رأي مخالف لأحكام شريعتنا واختلاف الناس رحمة، ولكن إذا كان الاختلاف مبنياً على أسس علمية شرعية منهجية، ولا يتكلم الإنسان من وحي الفراغ، وقد أخذ الرسول ص بمشورة أم سلمة في أمر ليس بالهين فهو متعلق بمصير المسلمين، ولم يكن أمراً متعلقاً بالشؤون المنزلية، كما رأينا أيضاً هناك آية من كتاب الله تؤيد قضية التشاور بين الزوجين، وهي التي تخص الرضاعة وفطام الطفل فإن أرادا فصالا عن تراض منهما وتشاور فلا جناح عليهما (البقرة: 233)، فلا يكون قرار الفطام فردياً، وصيغة هذا القرار الجماعي أنه يخرج من الشورى، وهذا يدل على أن القرار الفردي في هذا الجانب باطل وغير صحيح، فالتشاور بين الزوجين أصل من الأصول.. وعمر بن الخطاب - رضي الله عنه - يقول: الرجال ثلاثة.. رجل ترد عليه المسألة فيسددها برأيه، ورجل يشاور فيما أشكل عليه وينزل حيث يأمره أهل الرأي. ورجل حائر بائر لا يأتمر رشداً ولا يطيع مرشداً. والرجل الذي لا يستشير زوجته مطلقاً قد يندرج تحت الصنف الثالث.. ويقول علي - رضي الله عنه -: نعم المؤازرة المشاورة وبئس الاستعداد الاستبداد.
http: //www.almujtamaa-mag.com المصدر:
ـــــــــــــــــــ(111/345)
الشورى بين الزوجين هل هي مطلقة ؟
أحلام علي
في بداية الحياة الزوجية قد يتعارض الزوجان ويختلفان لاختلافهما في تقدير الأمور وفهمها.. ولكن مع التعايش لفترة من الزمن يصبح بينهما نوع من التفاهم والانسجام.. ورغم أن بعض الأزواج يمكن أن يتغافر ويتراضى ويتسامح لكنه لا يشاور زوجته، لأنه يرى ذلك نقصاً في رجولته.. كما أن الزوجة قد تنفرد بقرار ما بعيداً عن زوجها فيحدث ما لا تحمد عقباه. فماذا عن الهدي النبوي في ذلك؟ وهل الشورى بين الزوجين مطلقة؟ أم تكون في أمور بعينها فحسب؟ وهل بيوتنا مبنية على الشورى كمبدأ تربوي في المعاملات؟ هذا ما يجيب عنه التحقيق التالي:
تقول "أم عبد الله": وجود مبدأ الشورى بين الزوجين أنا أرجعه بقدر كبير إلى المرأة وطريقتها في التعامل مع زوجها، فالزوج بحكم رجولته وقوامته التي منحها الله إياها يرفض فرض الرأي أو حتى المشاركة في الرأي إذا تدخلت المرأة بطريقة مجحفة فيلجأ إلى الاستئثار بالقرار، لكن إذا تدخلت الزوجة بطريقة لطيفة مشعرة الزوج أن القرار أولاً وأخيراً بيده، حينئذ قد يقبل مشاركتها في الرأي بترحاب وسعة صدر.
وهناك نقطة تشير إليها وهي ثقة الزوج في عقلية الزوجة، فمن خلال تكرار المواقف يوقن الزوج أن زوجته حكيمة في نظرتها للأمور ولديها سعة أفق وإدراك، وبالتالي لا يدخر وسعاً في مشورتها وأخذ رأيها في القرارات الأسرية وغيرها مما يتعلق بحياة أبنائهما وحياتهما معاً.
وترى الأستاذة آمال ياسين الخيري أن الشورى بين الزوجين لها حدود حتى لو كان الزوج أو الزوجة موضع ثقة تامة للآخر، فهناك أمور لا يستطيع أحد الطرفين أخذ مشورة الطرف الآخر فيها، وهنا يلجأ لأقرب الأقربين إليه.
وتختلف "أم أسامة الهلالي" قليلاً مع الرأي السابق فتقول: الشورى بين الزوجين شبه مطلقة لأنها أمر مهم وضروري، ولابد أن يتشاور الزوجان في كل أمور الحياة صغيرها وكبيرها سواء ما يتعلق بشخص كل واحد منهما أو بالأولاد والبيت والأهل، وذلك لأنهما يركبان سفينة واحدة.. ووجهتهما واحدة وذلك يجعل اتفاقهما على شيء واحد أمراً مهماً وذلك الاتفاق لن يأتي إلا بالتشاور.. وقد قال الله لنبيه الكريم وشاورهم في الأمر (آل عمران: 159)، ولا أرى أن هناك أمراً من أمور الحياة لا ينبغي للزوجة أن تشير على زوجها فيه أو العكس، فالرسول أخذ بمشورة أم سلمة في الحديبية وهذا يرد على من يقولون بقلة عقل المرأة أو ضعف حكمتها.. ومن البديهي أنه لا شورى فيما افترضه الله على العباد.. فلا تستشير المرأة زوجها في شيء من الفرائض، ولكن كما أسلفنا يكون التشاور في أمور الحياة العادية التي يحتاج فيها الإنسان أحياناً لرأي غيره ومشورته.. وقد يكون هناك بعض الخصوصيات التي لو اطلع عليها الطرف الآخر لفسدت بعض الأمور، وهنا تشذ القاعدة فلا يستشير صاحب القضية الخاصة الطرف الآخر.. وإلا فالأصل هو الشورى بين الزوجين.
وتتفق مع هذا الرأي "أم عبد الرحمن" فتقول: الأصل في أمورنا الأسرية الشورى فنحن نتشاور في أمورنا الحياتية، وأيضاً أمورنا المصيرية كشراء منزل أو غير ذلك مثلاً أو أمور الزواج الخاصة بالأبناء، أما الأمور التي تخص عائلتي إذا هم باحوا لي بسرٍ ما فهذه لا آخذ رأي الزوج فيها لأنها من الممكن أن تؤثر على علاقتنا كزوجين فيما بعد، وخلاف ذلك من أمورهم العامة، فليست سراً ويمكن التشاور فيها.
وتضيف أم عبد الرحمن: هناك أمور أخرى يفرض القرار فيها نفسه، وهذه يكون التصرف فيها من دون شورى، وهناك الهدايا والمجاملات التي قد يغفل عنها الزوج نتيجة كثرة مشاغله، فهذه أسد عنه فيها ويترك هو لي حرية التصرف في هذا الجانب لثقته في حرصي على تقوية الروابط العائلية والاجتماعية.
ويؤكد محمد شربي أن استشارة الزوجة منطلقة من مبادئ الإسلام السمحة، فالإسلام كرم المرأة واحترم عقليتها، وخاطبها كما خاطب الرجل فلماذا لا نحترم عقلية المرأة ولا نأخذ برأيها إذا كان فيه الصواب؟ والزوجة التي تسير على هدى الإسلام لابد أن لها مرجعية تنطلق منها في آرائها. وبالنسبة لي فأنا أستشير زوجتي في الأمور المتعلقة بحياتنا معاً وحياة أبنائنا ولا أرى في هذا أي نقيصة أو إقلال من كرامتي، بل العكس هو الصحيح، فرسولنا الكريم يقول: "ما أكرمهن إلا كريم وما أهانهن إلا لئيم" وعدم أخذ رأي الزوجة إهانة لها لأنه يعتبر استخفافاً بعقليتها وإقلالاً من شأنها. وبالنسبة للأمور المتعلقة بعملي أو علاقاتي الخارجية فهذه لا آخذ رأي زوجتي فيها لأني أنا الموجود في هذا المجال وأدرى بما أفعل وما لا أفعل..
ويختلف مع هذا الرأي (ت. أ) أستاذ جامعي متزوج منذ ست سنوات فيقول: استشارة المرأة مصطلح ليس سهلاًً فهو ينطوي على عمق قوي، لذا أرى أن الاستشارة من خصوصية الرجل وليست من خصوصية المرأة.. فالرجل ذو عقل راجح وهو سيد الموقف بلا منازع والزوجة تستشار في الأمور التي تخصها والتي هي محصورة داخل المطبخ، أما خارج ذلك فلا تجدي استشارتها. وفي الجوانب التربوية المتعلقة بالأبناء أنا أطور رأيها ولا أطبقه، أنا لا أؤيد استشارة المرأة فهي كاستشارة الحجر(!) والرجل الذي يستشير زوجته رجل ضعيف الشخصية!
ويعلق الشيخ جاسم المطوع على الرأي الأخير فيقول: إنه رأي مخالف لأحكام شريعتنا واختلاف الناس رحمة، ولكن إذا كان الاختلاف مبنياً على أسس علمية شرعية منهجية، ولا يتكلم الإنسان من وحي الفراغ، وقد أخذ الرسول ص بمشورة أم سلمة في أمر ليس بالهين فهو متعلق بمصير المسلمين، ولم يكن أمراً متعلقاً بالشؤون المنزلية، كما رأينا أيضاً هناك آية من كتاب الله تؤيد قضية التشاور بين الزوجين، وهي التي تخص الرضاعة وفطام الطفل فإن أرادا فصالا عن تراض منهما وتشاور فلا جناح عليهما (البقرة: 233)، فلا يكون قرار الفطام فردياً، وصيغة هذا القرار الجماعي أنه يخرج من الشورى، وهذا يدل على أن القرار الفردي في هذا الجانب باطل وغير صحيح، فالتشاور بين الزوجين أصل من الأصول.. وعمر بن الخطاب - رضي الله عنه - يقول: الرجال ثلاثة.. رجل ترد عليه المسألة فيسددها برأيه، ورجل يشاور فيما أشكل عليه وينزل حيث يأمره أهل الرأي. ورجل حائر بائر لا يأتمر رشداً ولا يطيع مرشداً. والرجل الذي لا يستشير زوجته مطلقاً قد يندرج تحت الصنف الثالث.. ويقول علي - رضي الله عنه -: نعم المؤازرة المشاورة وبئس الاستعداد الاستبداد.
http: //www.almujtamaa-mag.com المصدر:
ـــــــــــــــــــ(111/346)
اتخاذ القرار
سهير الغالي و براء العبيدي
مدخل:
إن قضية من يتخذ القرار في الحياة الزوجية وفي البيت المسلم على وجه الخصوص، لها أطر ومجريات تحددها الشريعة الإسلامية ضمن ضوء مفاهيم أخرى، من أبرزها الشورى والقوامة لما لهذين المبدأين من ترابط شديد مع (من يتخذ القرار؟)، الزوج أو الزوجة، أم الاثنين معا، في هذا البحث سنعالج الموضوع لتقرير النظام القرآني، وكيف يستغل بعض الرجال مفاهيم معينة مثل القوامة لفرض سلطانهم على البيوت، سنوضح هذا المفهوم، ثم نبين النظرة الاجتماعية، والحلول لهذه الاشكالية، وخاصة في بدايات الزواج
أولا: الشورى في الحياة الزوجية:
أرشد القرآن الكريم والسنة النبوية الأسرة المسلمة أن تكون حياتها مبنية على أساس التشاور والتراضي. وذلك منذ البداية قبل الزواج، فليس للأب الحق في أن يزوج ابنته ولو كانت بكرا- دون أن يأخذ رأيها، وجعل الهدي النبوي إذن البكر-إن كانت تستحي- صماتها.
وقد رد النبي - صلى الله عليه وسلم - بعض عقود الزواج التي تمت بغير إرادة البنت، لأن الشرع لم يجز لأحد أن يتصرف في مالها وملكها بغير إذنها، فكيف بمصيرها ومستقبل حياتها؟! بل رغبت السنة الآباء أن يشاوروا زوجاتهم في أمر تزويج بناتهم، وفي هذا جاء الحديث، قال - صلى الله عليه وسلم -: (آمروا النساء في بناتهن) رواه أحمد.
وبعد بناء الأسرة فإن على الزوجين أن يتفاهما ويتشاورا فيما يهم حياة ذريتهما ومستقبلهما، ومن هنا كان من حق الزوجة أن يشاورها زوجها، ومن الروائع القرآنية قوله - تعالى -: (والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين لمن أراد أن يتم الرضاعة وعلى المولود له رزقهن وكسوتهن بالمعروف لا تضار والدة بولدها ولا مولود له بولده وعلى الوارث مثل ذلك فإن أرادا فصالا عن تراض منهما وتشاور فلا جناح عليهما) البقرة 233.
فإذا كان هذا هو حق الزوجة فيما يتصل برضاع المولود والفطام ولو بعد الانفصال لما فيه مصلحة الطفل، فأولى أن يكون هو حق الزوجة القائمة على رعاية البيت في جميع الشؤون.
قال ابن كثير عند تفسيره لهذه الآية: (أي فإن اتفقا والدا الطفل على فطامه قبل الحولين ، ورأيا في ذلك مصلحة له ، وتشاورا في ذلك وأجمعا عليه فلا جناح عليهما في ذلك ، فيؤخذ منه أن انفراد أحدهما بذلك دون الآخر لا يكفي ، ولا يجوز لواحد منهما أن يستبد بذلك من غير مشورة الآخر قاله الثوري وغيره، وهذا فيه احتياط للطفل ، وإلزام للنظر في أمره، وهو من رحمة الله بعباده حيث حجر على الوالدين في تربية طفلهما وأرشدهما إلى ما يصلحه ويصلحهما كما قال في سورة الطلاق: (فإن أرضعن لكم فآتوهن أجورهن وأتمروا بينكم بالمعروف وإن تعاسرتم فسترضع له أخرى) تفسير ابن كثير ص 298.
ولعل الملفت للنظر في كلمة ابن كثير قوله: (وهو من رحمة الله بعباده......... الخ) فإن كان الإلزام بالتشاور والتراضي غايته مصلحة المولود الرضيع في شأن الرضاع فماذا نقول في الشورى عندما تتعلق بالأسرة كل الأسرة أفلا يكون أوجب وألزم؟!....... دون ريب بلى!!!.
ويقول الإمام الشوكاني عند تفسيره للآية: (فلا بد لأحد الأبوين إن أراد فصال الرضيع أن يرضي الآخر ويشاوره حتى يحصل الاتفاق بينهما على ذلك) فتح القدير ص 215.
أ-الشورى بين الزوجين دليل الإحترام.
انطلاقا من كلمة الإمام الشوكاني (أن يرضي الآخر ويشاوره) نقول: لو اتخذ أحد الزوجين قرارا لم يوافق رأي الآخر ، فليس أقل من أن يراضيه في ذلك ويشاوره ، فإن في هذا الإرشاد الرباني توجيه إلى مبدأ إحترام كل طرف للآخر في الحياة الزوجية وإشعاره بقيمته في البيت أي في اتخاذ القرار-وعدم تهميشه كأنه فرعون (لا أريكم إلى ما أرى ولا أهديكم إلا سبيل الرشاد) فإن هذه العقلية الفرعونية في اتخاذ القرارات في البيت نتيجتها الغرق في بحر الخلافات حتى تصل إلى شاطىء الطلاق وتدمير الأسرة كما أغرق الله - سبحانه - فرعون وأوصله إلى الشاطىء جثة هامدة!.
بل إن بعض الرجال تجاوزوا فرعون في عدم احترام زوجاتهم وتحطيم نفسياتهم، ذلك أن فرعون رغم جبروته فإنه قبل مشورة زوجته في شأن موسى - عليه السلام - قال الله - تعالى -: (وقالت امرأة فرعون قرت عين لي ولك لا تقتلوه عسى أن ينفعنا أو نتخذه ولدا وهم لا يشعرون) القصص 9
بل أكثر من ذلك فقد شاور قومه في شأن موسى وأخيه لما أحس بخطورتهما على مملكته. قال الله - تعالى -: (قال للملأ حوله إن هذا لساحر عليم يريد أن يخرجكم من أرضكم بسحره فماذا تأمرون؟ قالوا أرجه وأخاه وابعث في المدائن حاشرين يأتوك بكل سحار عليم) الشعراء (34-37) ، فتصور!
لكن بعض الرجال رغم الخطر الذي يحدق بأسرته وحياته الزوجية وحياة أولاده يبقى على ما هو عليه من التعامل، فليس عنده حتى تواضع فرعون إن جاز تسميته تواضع!
فاللهم سلم.
ب-الشورى في هدي النبي - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه:
إن نبينا - عليه الصلاة والسلام - شاور زوجاته حتى في أمر تسريحهن أو بقائهن معه وطلب من عاثشة أن تشاور أبويها كما روى أبو سلمة بن عبد الرحمن أن عائشة - رضي الله عنها - زوج النبي - صلى الله عليه وسلم - أخبرته: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - جاءها حين أمره الله أن يخير أزواجه ، فبدأ بي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: (إني ذاكر لك أمرا ، فلا عليك أن تستعجلي حتى تستأمري أبويك) ، وقد علم أن أبوي لم يكونا يأمراني بفراقه. قالت: ثم قال: (و إن الله قال (يا أيها النبي قل لأزواجك) إلى تمام الآيتين ، فقلت له: ففي أي هذا أستأمر أبوي؟ فإني أريد الله ورسوله والدار الآخرة. رواه البخاري.
فكانت مشورة النبي - صلى الله عليه وسلم - لهن بأمر من الله - سبحانه وتعالى- ، وهذا إن دل على شيء فإنه يدل على مكانة الشورة في الحياة الأسرية بين الزوجين، وعلى حرص الإسلام أن تنشأ بيوتنا على هذه العقلية في إدارة البيوت.
والرسول - صلى الله عليه وسلم - القدوة علمنا ذلك في هديه الشريف فإنه استشار أم سلمة في أمر يخص عامة المسلمين عند صلح الحديبية ثم أخذ برأيها في هذا الأمر العام، عن المسور بن مخرمة ومروان بن الحكم قالا:... فلما فرغ من قضية الكتاب (كتاب صلح الحديبية) قال رسول الله لأصحابه: قوموا فانحروا ثم احلقوا، قال: فوالله ما قام منهم رجل حتى قال ذلك ثلاث مرات ، فلما لم يقم منهم أحد دخل على أم سلمة فذكر لها ما لقي من الناس. فقالت ام سلمة: يا نبي الله ، أتحبب ذلك؟ أخرج ثم لا تكلم أحدا منهم كلمة حتى تنحر بدنك، وتدعو حالقك فيحلقك. فخرج فلم يكلم أحدا منهم حتى فعل ذلك، نحر بدنه ودعا حالقه فحلقه ، فلما رأوا ذلك قاموا فنحروا وجعل بعضهم يحلق بعضا. رواه البخاري.
فكيف لا يستشير الزوج زوجته إن كان الأمر يخص بيتها أو يخصها؟! وما المانع أن يأخذ برأيها بعد ذلك؟!.
وتأكيدا لهذا المعنى -بما أن الحديث عن أمنا أم سلمة- فإن النبي - صلى الله عليه وسلم - حين تزوج أم سلمة وأصبحت عنده قال لها: ليس بك على أهلك هوان، إن شئت سبعت عندك وإن شئت ثلثت ثم درت ، قالت رضي الله عنها-: ثلث. رواه مسلم.
و المعنى: ليس بك على أهلك هوان إن شئت سبعت عندك: ليس لهوانك وقلة شأنك أقمت ثلاثا ، إنما هي القاعدة أن يقيم الزوج عند البكر سبعا وعند الثيب ثلاثا عقب الزفاف ، ثم يدور على نسائه يوما يوما، فإن سبع للثيب خلافا للقاعدة أقام عند كل من نسائه سبعا.
فهذين الحديثين يدلان على أن الذي كان خلقه القرآن - صلى الله عليه وسلم - ما كان ليستشير زوجاته في الأمور العامة ويتركهم في الأمور التي تخصهم وتخص بيوتهم. كيف لا يكون ذلك كذلك والله - عز وجل - يقول له (وشاورهم في الأمر) آل عمران 159 و قوله - سبحانه -: (وأمرهم شورى بينهم) الشورى 38. فلفظ الشورى في الآيتين وإن ورد في سياق معين ولكنه يبقى قاعدة عامة يتناول السياسة و الأسرة والمجتمع على حد سواء، وكم من امرأة كان رأيها خيرا وبركة على قومها وأهلها والأمثلة من نموذج بلقيس كثيرة.
وما أحصف رأي أم المؤمنين السيدة خديجة - رضي الله عنها - وموقفها في أول ساعات الوحي، ودورها في تثبيت فؤاد النبي - صلى الله عليه وسلم - والذهاب معه إلى ابن عمها ورقة بن نوفل ليطمئنه ويبشره.
وإليكم نص الحديث، عن عائشة أم المؤمنين قالت: أول ما بدىء به رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من الوحي الرؤيا الصالحة في النوم... حتى جاءه الحق وهو في غار حراء فجاءه الملك فقال: (.... اقرأ باسم ربك الذي خلق. خلق الإنسان من علق. اقرأ وربك الأكرم). فرجع بها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يرجف فؤاده، فدخل على خديجة بنت خويلد رضي الله عنه فقال: زملوني زملوني. فزملوه حتى ذهب عنه الروع ، فقال لخديجة وأخبرها الخبر: لقد خشيت على نفسي. فقالت خديجة: كلا والله لا يخزيك الله أبدا ، إنك لتصل الرحم ، وتحمل الكل ، وتكسب المعدوم وتقري الضيف، وتعين على نوائب الحق. فانطلقت به خديجة حتى أتت به ورقة بن نوفل... ابن عم خديجة وكان امرأ تنصر في الجاهلية وكان يكتب الكتاب العبراني... فقالت خديجة: يا ابن عم ، اسمع من ابن أخيك. فقال له ورقة: يا ابن أخي ماذا ترى؟ فأخبره رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بخبر ما رأى. فقال له ورقة: هذا الناموس الذي نزل على موسى ، يا ليتني أكون حيا إذ يخرجك قومك.
قال: أو مخرجي هم؟ قال: نعم... لم يأت رجل قط بمثل ما جئت إلا عودي ، وإن يدركني يومك أنصرك نصرا مؤزرا) رواه البخاري ومسلم.
ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - بقوله وشكواه لخديجة: (لقد خشيت على نفسي) كأنه كان يطلب رأيها ومشورتها فيما عرض له في غار حراء ، فما كان منها إلا أن طمأنته بكلمات حانية ثم أشارت عليه بمراجعة ورقة بن نوفل فقبل مشورتها وانطلقا معا.
وإن من روائع سير صحابة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في خصوص الشورة بين الزوجين ما رواه أنس بن مالك قال: قال أبو طلحة لأم سليم لقد سمعت صوت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ضعيفا أعرف فيه الجوع ، فهل عنك من شيء؟ قالت: نعم. فأخرجت أقراصا من شعير ثم أخرجت خمارا لها ، فلفت الخبز ببعضه ثم دسته تحت يدي ولاثتني ببعضه، ثم أرسلتني إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فذهب به فوجدت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في المسجد ومعه الناس فقمت عليهم، فقال لي رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: آرسلك أبو طلحة؟ فقلت: نعم. قال: بطعام؟ قلت: نعم ، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لمن معه: قوموا. فانطلق وانطلقت بين أيديهم حتى جئت أبا طلحة فأخبرته ، فقال أبو طلحة: يا أم سليم ، قد جاء رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالناس وليس عندنا ما نطعمهم. فقالت: الله ورسوله أعلم. فانطلق أبو طلحة معه ، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: هلمي يا أم سليم ما عندك ، فأتت بذلك الخبز ، فأمر به رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ففت ، وعصرت أم سليم عكة فأدمته ، ثم قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فيه ما شاء الله أن يقول ثم قال: ائذن لعشرة ، فأذن لهم فأكلوا حتى شبعوا ثم خرجوا. ثم قال ائذن لعشرة... فأكل القوم كلهم حتى شبعوا والقوم سبعون أو ثمانون رجلا. رواه البخاري ومسلم
يستشير زوجته في ضيافة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، فأين هذا الخلق الرفيع ممن يستضيف الناس على الولائم ويكلف زوجته بالطبخ والعمل دون استشارة لها أو مراعات لوقتها أو حالها هل هي قادرة أم لا ، أو... أو..... أو..... الخ؟!.
ونختم شواهد التشاور بين الزوجين بمبادرة حدثت من أم المؤمنين ميمونة بنت الحارث - رضي الله عنها - ، صحيح أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم ينكر هذا التصرف لكن وجهها إلى الأفضل وأشار عليها بما هو أعظم لأجرها ، مما فيه لفتة كريمة لفضل مشورة المرأة زوجها.
عن كريب مولى ابن عباس: أن ميمونة بنت الحارث - رضي الله عنها - أخبرته أنها أعتقت وليدة ولم تستأذن النبي - صلى الله عليه وسلم - ، فلما كان يومها الذي يدور عليها فيه قالت: (أشعرت يا رسول الله أني أعتقت وليدتي؟ قال: أو فعلت؟ قالت: نعم. قال: أما إنك لو أعطيتها أخوالك كان أعظم لأجرك)
رواه مسلم والبخاري.
وبعد هذه الجولة في الشورى ننتقل لموضوع طالما يفهمه كثير من الرجال خطأ وله ترابط شديد مع قضية من يتخذ القرار؟ ونبدأه بشرح مفهوم القوامة.
ثانيا: ما هو مفهوم القوامة؟ والرجال قوامون على النساء؟
قال الله - تعالى -: (الرجال قوامون على النساء بما فضل الله بعضهم على بعض وبما أنفقوا من أموالهم فالصالحات قانتات حافظات للغيب بما حفظ الله) النساء 34
هذه الآية من أهم الآيات التي تحدد علاقة الرجل بالمرأة وتوضحها، لذلك كان من المهم أن نتفهم المعنى المراد من هذه الآية كما أراده الله - تعالى -، لا كما يفهمه العامة من الناس، فالرجال يستشهدون بهذه الآية ويرددونها في كل ظرف مناسب وغير مناسب للتدليل على أن الرجل هو كل شيء في البيت فما من حركة أو سكون إلا بأمره تكون!.
أ- القوامة قيد ولكن هل هي عبودية؟
وللتوضيح نقول: رغم أن القوامة قد تكون قيدا، إلا أنها ليست رقا! فهي لا تعني قهر المرأة وإلغاء شخصيتها ، وإهمال رغباتها وحاجاتها ، يقول صاحب الظلال عن مفهوم القوامة (ولكن ينبغي أن نقول: إن هذه القوامة ليست من شأنها إلغاء شخصية المرأة في البيت ولا في المجتمع الإنساني، ولا إلغاء وضعها المدني، إنما هي وظيفة داخل كيان الأسرة لإدارة هذه المؤسسة الخطيرة وصيانتها وحمايتها. ووجود القيِّم في مؤسسة ما، لا يلغي وجود ولا شخصية ولا حقوق الشركاء فيها، والعاملين في وظائفها. فقد حدد الإسلام في مواضع أخرى صفة قوامة الرجل وما يصاحبها من عطف ورعاية، وصيانة وحماية، وتكاليف في نفسه وماله ، وآداب في سلوكه مع زوجته وعياله) الظلال جـ2 ص652 .
والنطاق الذي تشمله قوامة الرجل، لا يمس حرمة كيان المرأة ولا كرامتها، وهذا هو السر العظيم في أن القرآن لم يقل (الرجال سادة على النساء) وإنما اختار هذا اللفظ الدقيق (قوامون) ليفيد معنى عاليا بنَّاء،
يفيد أنهم يصلحون ويعدِّلون، لا أنهم يستبدون ويتسلطون، فنطاق القوامة إذن محصور في مصلحة البيت، والاستقامة على أمر الله، وحقوق الزوج، أما ما وراء ذلك فليس للرجل حق التدخل فيه أبدا ، فالمرأة مثلا حرة تتصرف في مالها وحدها تبيع وتشتري، والمرأة في الإسلام تجير من تشاء ، وغيره مما هو معروف. وهذا الكلام ينقلنا إلى السؤال التالي:
ب- ما هو مجال القوامة للرجل؟
نطاق القوامة ليس شاملا لكل أمر وإنما هو محصور مقصور، فالقوامة لا تكون إلا داخل الأسرة، فلو كانت مثلا امرأة رئيسة لزوجها في العمل كانت هي القيمة عليه في مكان العمل ، وخلال ساعات الدوام ، فلا يستطيع إجبارها على تنفيذ أو إقرار أمر لا تريد ه ولا يتماشى مع مصلحة العمل بدعوى القوامة، بل عليه الامتثال لأوامرها حسب القوانين التي تقتضيها مصلحة العمل.
والقوامة أيضا مقيدة بأمور منها وأهمها الشرع الحنيف ، وها هو عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - لا يستطيع منع زوجته من الخروج من البيت (كانت امرأة لعمر تشهد صلاة الصبح والعشاء في الجماعة في المسجد فقيل لها: لم تخرجين وقد تعلمين أن عمر يكره ذلك ويغار؟ قالت: وما يمنعه أن ينهاني؟ قال ابن عمر: يمنعه قول رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (لا تمنعوا إماء الله مساجد الله) رواه البخاري.
وقد استمرت على خروجها وهو كاره له حتى طعن عمر وإنها لفي المسجد تشهد الصلاة.
ومن هذا القبيل نذكر ما يفعله كثير من الرجال من منع زوجاتهم من زيارة أرحامهم، فإن كثيرا من الفقهاء نصوا على أنه ليس للزوج أن يمنع زوجته من زيارة والديها بل يسمح لها بزيارتهما ، قال الإمام الزيلعي (لا يمنعها من الخروج إلى الوالدين، ولا يمنعهم من الدخول عليها في كل جمعة) الدر المختار جـ3 ص603.
وقال أشهب وابن نافع في الأيمان بالطلاق (إن حلف به أو بعتق أن لا يدعها تخرج أبدا يقضى عليه في أبيها وأمها) الخرشي جـ4ص188.
واستدلوا أن منعها من زيارة والديها تحريض لها على عقوق زوجها والنفور منه ، وهذا يتنافى مع العشرة بالمعروف التي أمر الله بها بقوله: (وعاشروهن بالمعروف) النساء 19.
فالقوامة للرجل لا تزيد عن أن له بحكم أعبائه الأساسية الكلمة الأخيرة -بعد المشورة- ما لم يخالف بها شرعا أو ينكر بها معروفا أو يجحد بها حقا أو يجنح إلى سفه أو إسراف أو........ الخ.
ج- حقوق لا تتنافى مع القوامة:
ومن حق الزوجة إذا انحرف أن تراجعه وألا تأخذ برأيه ، وأن تحتكم في اعتراضها عليه بالحق إلى أهلها وأهله أو إلى سلطة المجتمع الذي له وعليه أن يقيم حدود الله.
ولما اختلف النبي - صلى الله عليه وسلم - مع عائشة دعا أباها ليفصل بينهما ولم يستبد برأيه ، ثم لما تراضيا قال أبو بكر رضي الله عنه: (أشركاني في سلمكما كما أشركتماني في حربكما) فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: (قد فعلنا قد فعلنا) رواه أبو داود
والقوامة لا تمنع الزوجة من أن تنتقد زوجها وتأخذ على يده ليعدل سلوكه ويتجه صوب الأحسن والأكمل ، فالرجل بشر يخطىء ويصيب، ولما كان للمرأة الحق في أن تأمر الناس جميعا بالمعروف وتنهاهم عن المنكر أفلا يكون من واجبها أن تأمر زوجها بالمعروف؟ خاصة وأنه أقرب الناس إليها فهي ترى عيوبه وتعرف مواطن الضعف عنده وأماكن الخلل في تصرفاته، فيكون من واجبها المسؤولة عنها أن تنهاه إن أخطأ في قوامته عليها أو في حق من حقوقها أو في أي أمر ، وعليه الاستجابة ولها الأجر.
إن الناس اختلفوا في فهم القوامة، وعلى قدر ما أدركه الناس بعقولهم من مفهوم القوامة كان سلوكهم ، الأمر الذي أدى إلى اختلاف أحوال النساء: فهن إما مظلومات أو ظالمات مستبدات، أو متمتعات بحقوقهن الكاملة.
فالقوامة لم تظلم المرأة ، إنما الفهم الخاطىء هو الذي ظلمها وأساء إليها فإن فهم الناس اليوم حقيقة القوامة كما نزلت وكما أرادها الله - عز وجل - اظهرت لهم عدة نتائج:
1-القوامة إن قيدت المرأة فقد قيد الرجل معها، فلا يجوز للزوج قوامة الأسرة حسب مزاجه وهواه، بل عليه أن يسوس الأسرة بالمعروف وبتقوى الله، فالزوج القوام محكوم بأوامر الشريعة ونواهيها، فعليه تجنب الظلم ، والابتعاد عن التعسف في استعمال الحق ولا يتحقق هذا إلا بتقوى الله والعلم الصحيح بما تعنيه القوامة وبالتروي واجتناب الغضب والانفعال خوفا من عمل خاطىء متسرع، وبالمدارسة الجيدة الشاملة المتوازنة لأي أمر قبل استخدام الزوج سلطته واتخاذه قرارا بشأنه، فالزوج القوام مقيد بقوانين الشريعة الإسلامية ويجب على الزوجة الامتناع عن طاعة الزوج في الأمور المخالفة للشرع لأنه (لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق).
2-القوامة إن ظلمت أحدا فالمظلوم هو الرجل! ذلك أن الرجل يدين نفسه عندما يردد هذه الآية: (الرجال قوامون على النساء) كل حين لأنها تلزمه بتحمل مسؤولية القوامة ، والقيام بأعبائها.
3-وأخيرا القوامة فضلا على أنها عبء معنوي ومادي يتحمله الرجل في الدنيا فهو يسأل عنه يوم القيامة: (إن الله سائل كل راع عما استرعاه أحفظ أم ضيع؟ حتى يسأل الرجل عن أهل بيته) رواه النسائي
وقال - تعالى -: (يا أيها الذين آمنوا قوا أنفسكم وأهليكم نارا) التحريم 6
وبعد توضيح هذين المفهومين في الشريعة الإسلامية وترابطهما مع (من يتخذ القرار؟) ننتقل لنتناول هذا الموضوع من وجهة نظر علم الاجتماع.
من المهم جدًا أن يتفق الزوجان على تحديد الوظائف والأدوار وتوزيع المسؤوليات بينهما بشكل واضح ومكتوب، حيث يستطيع كل منهما مراجعة ما تم الاتفاق عليه بينهما في حال وجد أي خلاف زوجي. ولكي يتمكن الزوجان من رسم حدود هذه العلاقة لا بد أن يتسلحان بالمشاركة والمصارحة والمشاورة.
فماذا نقصد بالمشاركة والمصارحة والمشاورة؟
*المشاركة هي التعاون ومساعدة الآخر لإتمام دوره على أكمل وجه (مثال المشاركة في الأعمال المنزلية، الاعتناء بالأولاد..).
*المصارحة هي مفتاح الأمان في العلاقة الزوجية. فإذا كنا نتكلم عن "مؤسسة اجتماعية" أي الأسرة مبنية على شراكة زوجية، فكيف ينتظر أحد الشركاء أن تنمو هذه الشركة إذا ما كان كل واحد منهما على بينّة لكل الأمور الطارئة؟ ومن الأمور التي يجب أن يتصارحان بها الزوجين: الوضع الاقتصادي، مشكلات طارئة في الأسرة، هموم خاصة بكل من الطرفين وغيرها من الأمور التي تعزز صفاء العلاقة وتمتّن الشراكة.
*المشاورة مطلوبة من قبل الشريكين، الزوجة من زوجها والزوج من زوجته ولن تنقص قيمة أحد منهما أو كرامته أو رجوليته كما يظن البعض إن هو أخذ بمشورة الآخر. ويجب أن نبين أن المشورة لا تعني الأمر ولا تعني الفرض، يعني إذا تم التشاور بين الزوجين ثم قرر الزوج خلافا لما أشارت إليه الزوجة فإن ذلك لا يعني شماتة أو نقص بثقة الآخر ولا يصح لها أن تغضب، ويمكنها طلب توضيح ذلك فقط دون ممارسة الضغط النفسي والكلامي والمعاتبة.
وعلينا أن نضع نصب أعيننا أن الزوج ليس ندًا أو عدواً أو منافساً يجب أن نواجهه ونتحداه، وأن الحياة الزوجية ليست معركة علينا أن نخوض غمارها وننتصر فيها. ولابد لنا أن نقف عند نقطة هامة وجوهرية ونعي أنه ليس المهم من بيده سلطة اتخاذ القرار بقدر ما هو مهم أن يكون القرار المتخذ والمعمول به قراراً سليماً وفي صالح الحياة الزوجية.(111/347)
في إطار هذه المفاهيم قام العديد من الباحثين الاجتماعيين بدراسات حول الأدوار الزوجية ولعلَ أبرزها دراسة: "الشراكة في الأسرة العربية" التي قامت بها اللجنة الاقتصادية والاجتماعية لغربي آسيا التابعة للأمم المتحدة. تناولت هذه الدراسة 3 بلدان عربية وهي: لبنان، العراق، اليمن. تكونت عينة البحث من: 602 من الأسر اللبنانية، مكوّنة من 300 إمرأة متزوجة و302 رجل متزوج لا ينتمون إلى الأسرة نفسها وهم من مستوى علمي واقتصادي وتوزيع جغرافي مختلف. وشملت العينة: 500 أسرة يمنية من مدينة صنعاء، أي 250 إمرأة و250 رجلاً متزوجاً من أسر مختلفة، إضافة إلى 600 أسرة عراقية مؤلفة من 300 زوج و300 زوجة من أسر مختلفة. وتم طرح استبيان على هذه العينة تضمّن 34 سؤالا ذات أجوبة محددة للزوج والزوجة من ضمنها أسئلة تتعلق بالأعمال والمهام المنزلية، وتربية الأولاد، والمساعدة في الأعمال المنزلية، كيفية اتخاذ القرارات بين الزوجين واحترام خصوصيات الزوج والزوجة، الأنشطة المشتركة بين الزوجين وطرق حلّ المشكلات الزوجية. وتركز البحث الميداني على العلاقة بين المستوى العلمي والاقتصادي للزوج والزوجة وأثر ذلك على الشراكة بينهما ولا سيما فيما يتعلق باتخاذ القرار داخل الأسرة وفي شتى المجالات.
وكانت أبرز النتائج المشتركة لهذه الدراسة على صعيد البلدان الثلاث أنه كلما ارتفع المستوى العلمي للزوجين ومستوى الدخل ارتفعت الشراكة بينهما. ومن النتائج المشتركة أيضا أن الأعمال المنزلية غالباً ما تكون على عاتق الزوجة. ويتشارك الأزواج باتخاذ القرار الموحد في الأمور التالية: الإنفاق، الانجاب، الذهاب إلى الطبيب، سياسة تربية الأولاد. بينما تتحمل غالب النساء مسؤولية تربية الأولاد. كما يوجد تفاوت بين البلدان من حيث تفرّد المرأة باتخاذ القرارات المالية الخاصة بها. وفيما يتعلق بطرق حلّ النزاعات بين الزوجين اعتبر الحوار وأسلوب المناقشة كمعدّل وسطي لأجوبة العينة. كما يوجد حالات نزاعات زوجية قائمة على مشكلة التنافس والتحدي بين الزوجين، وحول من يتخذ القرار في المنزل؟ وهذا يسمّى في علم الاجتماع "صراع الأدوار بين الزوجين".
وسننتقل للتحدث عن: من هو أكثر عرضة لمشكلة "صراع الأدوار"؟ وما هي الإرشادات الوقائية لتفادي هذه المشكلة الزوجية؟ وما هي الإرشادات العلاجية لمثل هذه الحالات؟؟
أولاً: التصنيفات الاجتماعية للحالات الأكثر عرضة ل"صراع الأدوار".
إن أكثر الأزواج عرضة للتنازع على سلطة أخذ القرار في الحياة الزوجية هم:
-الزوجة المتسلطة والزوج المتسلط في منزل واحد حيث لا يمكن لأحدهما أن يتنازل عن رأيه.
-اختلاف البيئة الأسرية بين الزوجين أي أن تكون الزوجة من بيئة أسرية تربت على التشاور والاحترام المتبادل بين الزوجين بينما يكون الرجل من بيئة أسرية تربى فيها على أن الرجل وحده الآمر والناهي (والعكس صحيح).
-التفاوت الطبقي والثقافي بين الزوجين: عندما تكون الزوجة أغنى من الرجل أو من طبقة اجتماعية أعلى والعكس صحيح.
-عدم الانسجام الفكري وعدم النضج العاطفي والعقلي المتبادل بين الزوجين.
-النقص المعرفي في الحقوق والواجبات الشرعية بين الرجل والمرأة.
-فقدان الثقة المتبادلة بين الزوجين (الثقة هنا فيما يتعلق بالقدرة على اتخاذ القرارات السليمة).
-إصابة أحد الزوجين بأمراض نفسية واضطرابات سلوكية (مثال البارانويا، العدوانية، النرجسية).
بعد الانتهاء من ذكر هذه التصنيفات لابد لنا من التحدث عن كيفية الوقاية من الوقوع في مشكلة صراع الأدوار، وكيف يتخذ الزوجين القرار في حياتهما الأسرية؟
ثانياً: الإرشادات الوقائية لاتخاذ القرار بين الزوجين.
في حديثنا عن الإرشادات الوقائية التي يجب أن نسترشد بها لتفادي النزاع الزوجي حول اتخاذ القرار، لا بد لنا أن نتوقف لتفسير لماذا يختلف الزوجان عند اتخاذ القرار وكيف نتعامل معه؟
1-وجهات النظر: ينظر الرجل والمرأة إلى أمور الحياة ومجرياتها من نقاط أفضلية متغايرة إذ كل منهما ينظر إلى نفس الموضوع بصورة مختلفة. وعادة ما يكون الاختلاف في وجهات النظر لكثير من الأمور نظراً لاختلاف تكوين الشخصية والخبرة الحياتية عند كل من الزوجين. لذلك على كل منهما أن يسعى لفهم وجهة نظر الآخر واحترامها وتقبلها. ومن الأمور التي تختلف وجهات نظر الزوجين فيها، هي:
* أولويات الإنفاق: يختلف الرجل عن المرأة في تحديد أولويات الانفاق في المنزل. لذلك يستحسن منذ البداية تحديد هذه الأولويات بين الزوجين والاتفاق عليها، مثال: إعداد ميزانية العائلة، إعداد خطة لطرق الإدخار..
*تربية الأبناء: يختلف الزوجان في أسلوب تربية الأبناء. وعادة ما تكون المسؤولية مشتركة بين الزوجين في تربية الأبناء بنسب متفاوتة. فقد تكون وظيفة الأم أكبر من وظيفة الأب في مرحلة معينة أو في ظروف خاصة وقد تكون وظيفة الأب أكبر من وظيفة الأم في مراحل معينة أو في ظروف خاصة، والمهم أن يتفق الزوجان على سياسة تربوية موحدة يعتمدونها في تربية الأبناء تفادياً لنشوء خلافات زوجية حول هذا الموضوع.
2-أسلوب المحادثة بين الرجل والمرأة: يتكلم الرجل بلغة مختلفة عن لغة المرأة أي أن طريقة تعبير الرجل عن ما يريده وما يفكر فيه مختلف عن طريقة تعبير المرأة. عادة ما يكون الرجل دقيق في اختيار عباراته وواضح. كما يعبرّ عن احتياجاته ومطالبه بطريقة مباشرة ومحددة. بينما نرى المرأة تتكلم بلغة المشاعر قبل توضيح المعلومات التي تريدها (أي تعبّر عن مشاعرها بالدرجة الأولى قبل الخوض بالمسألة المطروحة بين الزوجين)، وعادة ما تستعمل المرأة أساليب خاصة في الكلام مثل صيغة التفضيل أو صيغة المبالغة وأسلوب المجاز والاستعارة. وهذه الاختلافات في أسلوب المحادثة تخلق مشاكل زوجية نتيجة سوء فهم مقصد الطرف الآخر لعدم تفهّم أسلوب المحادثة المتغاير بين كل من الزوج والزوجة.
3-الفرق بين الرجل والمرأة في اتخاذ القرارات: يختلف الرجل عن المرأة في اتخاذ القرارات لاختلاف أسلوب التفكير. فإن أسلوب تفكير الرجل في الحياة هو أسلوب تركيزي أما أسلوب المرأة هو التعميم وسعة الأفق. فالمرأة بسبب سعة الأفق في التفكير لا تتمكن من التركيز على أمر واحد بل تنظر إلى الاحتمالات الأخرى التي تكون لها علاقة مباشرة أو غير مباشرة بذلك الأمر. وعلى سبيل المثال فالمرأة التي تحاول شراء هدية لزوجها بمناسبة قدوم عيد الأضحى، نراها تقضي وقتاً طويلاً قد يستغرق أياماً تقوم المرأة باستعراض كل الهدايا التي يمكن أن تقدم في مثل هذه المناسبة. أما الرجل الذي يود شراء هدية لزوجته فإن أول ما يفعله هو التفكير أولاً وبعد ذلك التقرير ومن ثم الذهاب إلى السوق لشراء تلك الهدية. فرق كبير بين أسلوب التفكير.
بما أن المرأة ذات طبيعة تتسم بسعة الأفق لذلك نراها أحيانا تتشاور مع أشخاص آخرين وتطلب رأيهم وبعد التشاور يتم اتخاذ القرار. أما الرجل وبسبب طبيعته التركيزية يفكر بمفرده وبعد ذلك يتخذ قرار وقد يقوم بعد ذلك بطرح تلك الفكرة على أشخاص آخرين من أجل التشاور معهم، وبعد التشاور قد يثبت الرجل على رأيه أو يغير موقفه. وما نريد أن نصل إليه في ختام هذه الفقرة أنه بدون إدراك لهذا الفرق في اتخاذ القرارات بين الزوجين فإن المشاكل ستظهر. لذلك نقول للرجل أنه عندما يطرح قضية للتشاور عليه أن يصبر ويتفهم حاجة زوجته في جمع المعلومات والتكلم عن الاختيارات والبدائل والخوض في تفاصيل الموضوع قبل أن تتخذ قرارا أو توافق على طرح زوجها. كما نقول للزوجة لا تغضبي إن رأيت زوجك يستغرق في التفكير بمفرده فهذه مرحلة من مراحل تفكيره ريثما ينتهي منها سيعود ليشاورك حتى تتخذان القرار النهائي معاً.
4-الحياة الاجتماعية: هناك اختلافات في النظرة إلى الحياة الاجتماعية خاصة بالنسبة للصدقات والأقارب والجيران. هل نقلل الصداقات أو نكثرهم؟ كيف نتعاطى مع الأقارب؟... هذه الاختلافات تحتاج إلى كثير من الحوار والمناقشة بين الشريكين للوصول إلى نقطة توافق يرضى عنها الاثنان معاً. وتشمل الحياة الاجتماعية:
*تحديد الأدوار بين الزوج والزوجة: دور الأب والأم، دور المعيل، دور الموجه، دور المرجعية في المنزل، دور الصديق والحبيب...
*تحديد المسؤوليات: من مسؤول عن الإنفاق، الكسب وتوفير مستلزمات المعيشة، من يجلب حاجيات المنزل؟ من المسؤول عن تدبير شؤون المنزل؟...
في ختام سرد هذه الاختلافات بين الزوجين نؤكد هنا على أهمية تفهّم كل من الطرفين لهذه الاختلافات الموجودة بينهما واحترامها حتى يتمكنان من رسم حدود علاقتهما الزوجية بوضوح وتأني وبالاتفاق والتفاهم فيما بينهما. وأن يتساءلان: ما هي الأمور التي يجب أن تحدّد وتوزع فيما بيننا وما هي الأمور التي نتشارك بها وما هي الأمور الخاصة بكل فرد منا؟ وفي حال اختلفنا في حسم أمر ما كيف نعالج ذلك؟
هذه الأسئلة تنقلنا إلى ذكر الأساليب المختلفة التي يعتمدها الزوجان لاتخاذ القرار في الأسرة، وهي:
*الأسلوب المتكافىء: ويعني وجود اتساق في أسلوب التفاعل بين الزوجين، وعلاقة الوالدين مع الأبناء، ولا يختلف هذا الأسلوب باختلاف المواقف، ويشترك كل من الزوجين في اتخاذ القرارات معاً، مثل اختيار نوع تعليم الأبناء، أماكن النزهات، توزيع الأعمال المنزلية.
وقد يحدث أحياناً تعارض في الأفكار والآراء ولكنه لا يهدد العلاقة بينهما حيث أن الخلافات سرعان ما تنتهي وتحل ببساطة ومرونة وبالتالي يسود جو من الاحترام والمشاركة والتفاهم الأسري.
*الأسلوب المتكامل: حيث تتوزع الأدوار بالتساوي بين الوالدين فكل منهما يمارس سلطته وخبرته في بعض النواحي الأسرية، فيمارس الأب مسؤولياته في العمل وكسب الرزق وفي تولي المناصب السياسية والإدارية والقيام ببعض الواجبات المنزلية، وكذلك عندما يتعلق الأمر بشؤون المنزل أو الأبناء تكون حرية اتخاذ القرار من سلطة الأم. على أن تتسم قرارات كل منهما بالموضوعية والمنطقية.
وهذا لا يعني انفصال الوالدين بل يوجد نوع من التكامل بين تلك الأدوار والمهام بحيث لا يسمح بوجود أي خلاف بينهما.
*الأسلوب المتصارع: بحيث لا يوجد اتفاق على تحديد المسؤوليات وتوزيع المهام بين الزوجين، وترى كل من الزوج والزوجة يختلفان في كل صغيرة وكبيرة تتعلق باتخاذ القرارات في الحياة الأسرية. ونجد كل من الزوجين يسعى لاتخاذ القرارات منفرداً بحيث لا يشاور الطرف الآخر، مما يسبب تصادم وتصارع مستمر بين الزوجين فينعكس ذلك سلباً على الحياة الزوجية بشكل خاص والأسرية بشكل عام.
هنا يُطرح سؤال مهم:
في حال اختلف الطرفين على اتخاذ قرار مشترك ما هو الأسلوب الذي يجب اعتماده لحلّ هذه المشكلة؟ هذا بدوره ينقلنا للتحدث عن الإرشادات العلاجية لهذه المشكلة.
ثالثاً: الإرشادات العلاجية لكيفية اتخاذ القرارات بين الزوجين.
عند اختلاف وجهات النظر بين الزوجين في قضية تحتاج لأخذ قرار لا بد أن يجتنبان في حديثهما: أساليب التهكّم والسخرية، أو التعالي والغرور، المشادّة وتعالي الأصوات في النقاش. اللجاجة والمخاصمة والعناد، حسم الموضوع برفض نقاشه. ولا يتسرعان في اتخاذ قرار معين لفض هذا الخلاف. إذ القرار اللحظي يكون في الغالب قراراً غير صائب بل وقد تكون نتائجه وخيمة.
وإن من الوصفات الناجحة لهذه المشكلة هو إنهاء الجلسة بتحديد موعد آخر للنقاش في هذا الموضوع العالق في وقت تكون النفوس فيه هادئة ويكون كل من الزوجين قد أخذ وقتا مناسباً للتفكير. ولا يشترط أن تكون الجلسة الثانية في فترة بعيدة من الزمن إنما قد يستلزم فقط دقائق أو ساعات وفقاً لما يناسب الأزواج.
أثناء هذه الهدنة لا بد من الزوجين أن يقفان مع أنفسهما وقفة محاسبة ذاتية ويسألان أنفسهما هل استخدمت أسلوباً في الحديث غير لائق أو غير واضح؟ هل راعيت الاختلافات فيما بيننا؟ هل كانت نيتي هادفة لتحقيق المصلحة للعلاقة الزوجية أم كان الدافع هو تحقيق الذات وفرض الرأي والتغلب على الآخر؟؟ ما الذي يمكنني أن أفعله لتفادي تكرار مثل هذا الخلاف؟؟
وبعد هذه الفترة من الهدنة يحدد الزوجان بتقسيم المشكلة أو موضوع البحث والنقاش إلى مراحل واضحة ومحددة. ويمكن أن يتم التقسيم من خلال تحديد المراحل التالية:
1-ما هو الموضوع الذي نحتاج لعلاجه أولا؟
2-توضيح وجهات النظر المختلفة بين الزوجين ومقصدهما من ذلك، الإصغاء والكلام ومحاولة التأكد من تحقق فهم كل من الطرفين للآخر.
3-ذكر مباشرة ما نحتاج إليه وما نريده من طرح هذا الموضوع للمناقشة.
4-لنحاول التفكير معاً وتقديم أكبر ما يمكن من الاقتراحات والبدائل والحلول الممكنة ومن المفيد هنا أن يكتب الزوجان هذه الاقتراحات على ورقة واحترام أي رأي يقدمه الزوج والزوجة دون استخدام الاستهزاء أو السخرية أو إبداء المعارضة.
5- دراسة هذه المقترحات والنظر في إيجابياتها وسلبياتها ومن ثم اتخاذ قرار نهائي على مبدأ التشاور وتحكيم العقل في الرأي الأنسب بغض النظر عن صاحب الرأي إن كان رجلاً أو امرأة على أن يكون القرار يرضي الطرفين ويحقق المصلحة للعلاقة الزوجية.
قد يجد البعض صعوبة في ممارسة هذه العملية بسبب عدم اعتماد هذه المنهجية لاتخاذ القرارات الزوجية الشائكة. لكن ذلك لا يمنع من اكتساب هذه المهارة وممارستها لما ينتج عنها من ثمرات طيبة في العلاقة الزوجية لعلّ أهمها هو تحقيق التفاهم والتواصل بين الزوجين.
ختاماً نقول بأن طرق اتخاذ القرار بين الزوجين هي مسألة شخصية بالدرجة الأولى وتختلف من زوج لآخر ويعود ذلك إلى الاتفاق بين الزوجين سواء أكان اتخاذ القرار يحسم فقط من الرجل أم قرار تشاركي أم أن يكون الرجل له المرجعية النهائية في حال اختلف الزوجان في اتخاذ قرار موحد. وسواء أكانت المرأة عاملة أم مثقفة أم ربة منزل إذ نجد في الاستطلاعات العلمية بأن صورة الرجل عند المرأة هي صورة الرجل الراعي، فهذي صورة لها ارتباط بسيكولوجية المرأة ونظرتها للرجل من حيث احترامه، لابد أن يكون راعي، ولابد أن يكون قائد. والأسباب التي تجعل الرجل بهذه الصورة مرتبطة بسيكولوجية الرجل وسيكولوجية المرأة، فإن الرجل يتعامل مع الأحداث ومع الوقائع على أساس أنها جزء من العالم الخارجي، وبالتالي فهو يستطيع التحكم فيها وإصدار قرار بشكل عاجل. أما بالنسبة للمرأة فكل الأحداث والوقائع المتعلقة بالأسرة تمر عبر دواخلها انطلاقاً من أنها هي التي تتحمل الحمل والولادة والإرضاع فكل عالم الأسرة هو عالم داخلي، فلابد للإنسان أن تكون ذاته بعيدة شيئاً ما عن الموضوع الذي يتعامل معه ليتخذ القرار السليم. وإذا حدث واكتسبت المرأة أهلية تفوق الرجل، ففي إطار الود وفي إطار الرحمة وعلاقة المودة يمكن للمرأة أن تمارس بعض الاستقلالية في اتخاذ القرارات وإدارة شؤون الأسرة على أساس أن هناك تفويض من قبل الرجل. وفي نهاية الأمر علينا أن نؤكد أن الاختلافات في اتخاذ القرارت خلال السنوات الخمس الأولى من الحياة الزوجية طبيعية ينتج عنها التعارف الحقيقي بين الشريكين والوصول بالنهاية إلى الانسجام الفكري والعاطفي.
http: //www.almutawa.info المصدر:
ـــــــــــــــــــ(111/348)
من أخطاء الزوجين
هيفاء بنت راشد بن عنزان
لقد أمرنا الله - سبحانه وتعالى - بأمر في غاية الأهمية في الحياة الدنيا وهو أمر الزواج حتى تتكاثر الأمة الإسلامية بالشكل الصحيح، والطريقة السليمة بعيداً عما حرم الله، وقد قال - تعالى - في محكم كتابه الكريم: (ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون) (21) {الروم: 21} وإضافة إلى ذلك ما جاء في السنة المطهرة الشريفة عن الرسول - صلى الله عليه وسلم - حيث قال: "يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج فإنه أغض للبصر وأحفظ للفرج ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء" (1) وكما هو واضح من خلال الآية والحديث السابقين أهمية الزواج بالنسبة للشاب المسلم؛ ولكننا مع الأسف نسمع في هذه الأيام كلمة الطلاق بين المرء وزوجه هي المسيطرة على الأجواء وتتردد كثيراً في مجتمعنا المسلم، ونسمع كثيراً بانهيار البيوت بسبب هذه الكلمة، وأنتاب الشباب الخوف من الزواج والإقدام عليه لسماعهم عن حالات الفشل والانفصال في الحياة الزوجية.
وبالنظر إلى الأسباب المؤدية إلى الطلاق نجدها كثيرة ومختلفة، وسيكون حديثي لمعالجة القضية من باب التذكير والتنبيه؛ لقول الله - تعالى -: (وذكر فإن الذكرى تنفع المؤمنين) {الذاريات: 55} وإيجاد عائلة تنعم بالطمأنينة والاستقرار علماً بأنه ليست هذه هي الأسباب فقط لهذه المشكلة وإنما هي جزء منها، وهي كما يلي:
(1) قضاء الوقت خارج المنزل:
يقوم بعض الأزواج بقضاء أغلب الوقت خارج منزله بين الأصدقاء في المقاهي، والاستراحات، وقضاء الوقت فيما هو غير مفيد من لعب الورق وما شابه ذلك، وترك مسؤولية المنزل على الزوجة، وجعل منزل الزوجية فندقاً حينما يحين موعد النوم فقط بدون مراعاة لحق الزوجة والإحساس بوجودها في المنزل، وعدم القدرة على قضاء حاجاتها ومستلزمات المنزل، وتربية الأطفال؛ مما يؤدي إلى وجود فراغ كبير في حياتها العاطفية، علماً بأنه يجب على الزوج أن يضع اهتمامه الأول والأخير لبيته وعائلته؛ لأن الرسول - صلى الله عليه وسلم - قال في الحديث: "كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته" (2)، كما يجب عليه أن يغير نمط حياته بين الحرية قبل الزواج وارتباطه الحالي بمسؤوليات وواجبات عائلية.
(2) فرض الرأي وعدم المشاورة:
يقوم الزوج بفرض سيطرته وسيادته على الزوجة بأسلوب تعسفي يخلو من الحكمة أحياناً من خلال عدم مناقشته إذا أصدر أمراً، وليس للزوجة الأحقية بإعطاء الرأي؛ لأنه لا أهمية لرأيها في الحياة الزوجية، واستخدام كلمة (لا) في أغلب الأحيان، وتهميش دورها في الحياة الزوجية مع مرور الأيام، مع أنه في الأصل يجب وضع الاعتبار لشريكة حياته في جميع الأمور التي يمكن أن تواجههما في الحياة؛ حتى يتمكنا من التغلب عليها معاً، ومن الأحاديث الدالة على ذلك قوله - صلى الله عليه وسلم -: "استوصوا بالنساء خيراً فإن المرأة خلقت من ضلع" (3).
(3) اختيار أسلوب التأديب المناسب:
يقوم أغلبية الأزواج بتفسير معنى الآية الكريمة: الرجال قوامون على النساء 34 {النساء: 34} بمفهوم خاطئ حيث يستند بعضهم على هذه الآية بوجود الأذن الصريح بضرب الزوجة من أجل التقويم والتعديل عند صدور الخطأ منها مع عدم تقييم هذا الخطأ بالشكل الصحيح، وهل هو عظيم أم صغير، متناسياً قول الله - تعالى -: (فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان) {البقرة: 229} حيث يجب أن تكون الحياة الزوجية مبنيةً على الود والتفاهم، وبذلك نلاحظ أن التفسير السابق للآية الأولى خاطئ عند بعض الأشخاص، ومردود على صاحبه؛ لأن الدين الحنيف قد وضع بعض الحلول قبل اللجوء إلى الضرب، مثل: الهجر في المضاجع من باب التأديب، أو استخدام الضرب غير المبرح؛ كما قال الرسول - صلى الله عليه و سلم -: "فإن الله قد أذن لكم أن تهجروهن في المضاجع وتضربوهن ضرباً غير مبرح"(4) وحتى لو افترضنا جدلاً أنه استدعى الأمر اللجوء إلى الضرب فإن الضرب لا يكون من أجل سبب بسيط كما يفعل بعض الأزواج هذه الأيام، كما يجب أن يراعى في الضرب أن يكون خفيفاً غير مؤلم، وكذلك أن لا يكون موجهاً إلى الأجزاء الحساسة من الجسم.
(4) غياب كلمات المودة والمحبة:
يلاحظ على بعض الرجال عدم اهتمامه بالكلمات التي تخرج من فمه؛ حيث إنها خالية من كلمات المحبة والمودة التي بين الزوج وزوجته، وقد نجد بعضهم تطاول في الأمر باستخدام الألفاظ السيئة والبذئية مع زوجته، وإظهار عدم احترامها، وإيضاح أن مكانتها لا تتجاوز الاهتمام بالمأكل والمشرب ورعاية الأطفال فقط؛ مما يؤدي مع مرور الأيام إلى الإحباط في نفس تلك الزوجة لهذه الحياة الخالية من طعم المحبة والمودة، ولو عدنا لسؤال الزوج عن مثل هذه التصرفات لوجدنا الإجابة أن تعامله مع زوجته باحترام وإظهار المحبة والمودة لها يمكن أن يصوره إنساناً ضعيف الشخصية أمام زوجته، مما يجعلها تحاول التمرد والعصيان عليه، وهذا التصرف هو بعكس ما أمرنا به رسولنا الكريم صلوات الله وسلامه عليه عندما قال: "خيركم خيركم لأهله وأنا خيركم لأهلي" (5).
هذه بعض الأخطاء التي تقع من الزوج في حق زوجته، كما أن هناك بعض الأخطاء التي تقع من الزوجة في حق زوجها وهي كما يلي:
(1) تذمر الزوجة من العيش مع عائلة زوجها:
قد يكون من حق الزوجة العيش في مملكتها الخاصة، وأن يكون لها منزلها المستقل بها، تقوم بتنظيمه بحسب ما تراه مناسباً؛ ولكن في بعض الأحيان قد تضطر الظروف الزوجة للعيش مع أهل زوجها في منزل واحد، فنلاحظ أن بعض الزوجات لا تقدم يد الخدمة والمساعدة في المنزل، أو قد لا تحترم والدة الزوج لا سمح الله، وخصوصاً إذا كانت كبيرة في السن؛ مما يؤدي إلى وجود المشاكل في المنزل، والتنافر بين الساكنين فيه، مما يضطر الزوج إلى الانتقال والبحث عن منزل آخر لتفادي المشاكل الواقعة، وهو في قرارة نفسه متأكد أن الذي دفعه لمثل هذا التصرف هو الزوجة وطريقة تعاملها، مما قد يفتح باباً جديداً من المشاكل بين الزوج وزوجته.
(2) الإثقال بالطلبات المادية:
تنظر بعض الزوجات إلى زوجها على أنه البئر التي لا تنضب من الناحية المادية، وأنه يستطيع تحقيق جميع ما تريده عند طلبها بشراء أحدث الماركات، أو تغيير الملابس بحسب الموضة والصرعات الجديدة، وتجديد الإكسسوارات، أو تأثيث البيت بأفخم الأثاث؛ لأنها شاهدت ذلك عند أحد المعارف أو الأصدقاء بدون مراعاة حدود الدخل للزوج؛ مما يضطره لاقتراض المبالغ الطائلة، وتراكم الديون عليه من أجل إرضاء هذه الزوجة، وهذا يعكر صفو حياته، وينغص عليه، وكان من الواجب على الزوجة فعل عكس ذلك لضمان حياة زوجية سعيدة داخل مملكتها الصغيرة، وعدم تحميل الزوج فوق طاقته من الأعباء المادية من أجل المفاخرة بين الآخرين على حساب حياتها الزوجية.
(3) إكثار الخروج من المنزل:
قد يكون الخروج من المنزل لزيارة الأقارب والأصدقاء للترفيه عن النفس أمراً ضرورياً في الحياة الزوجية؛ ولكننا نجد أن بعض الزوجات تنظر إلى زوجها على أنه السائق الخاص لتلبية طلباتها بالذهاب إلى الأسواق، أو حضور المناسبات عند الأقارب والأصدقاء، ويكون ذلك من أولى الاهتمامات في الحياة، وإذا ما حصل اعتراض من الزوج قامت بالتذمر، وذكر مدى تعاون بعض الأزواج مع زوجاتهم، ومطالبته بأن يكون مثل هؤلاء، متجاهلة أن لكل طباعه وسلوكه، وكان من الأولى على الزوجة أن تهتم بقضاء الوقت مع زوجها بدلاً من قضاء الوقت بين الأسواق والزيارات.
هذا فيما يتعلق ببعض الأخطاء التي تقع من الأزواج والزوجات؛ ولكن هناك خطأ يشترك فيه الجميع وقد حرصت على إيضاحه أيضاً وهو:
عدم تقييم ومعرفة الحياة الزوجية على الوجه الصحيح:
هنالك أمر يغفل عنه الجميع وهو وجود النظرة القاصرة عن الحياة الزوجية لدى الطرفين؛ حيث إن الشاب يرى أن الحياة الزوجية هي إشباع لغرائزه الجنسية بدون التفكير في المسؤولية الواقعة على عاتقه من تأمين المأوى والمأكل والمشرب وتربية الأطفال، وأما بالنسبة للفتاة فترى أن الحياة الزوجية هروب من المسؤولية الواقعة عليها في بيت أهلها من طبخ وتنظيف أو اهتمام بالأخوة، وأن المخرج الوحيد من هذه الأزمة هو الزواج، وهذا الغلط يشترك فيه الوالدان حيث يجب عليهما تعليم الشاب والفتاة جميع الأمور المتعلقة بالحياة الزوجية، والمسؤولية الملقاة على عاتق كل منهما حتى يستطيعان النهوض بحياتهما الزوجية والوصول بها إلى بر الأمان.
في الختام أتمنى أن أكون قد وفقت للوصول إلى الهدف المطلوب من كتابة المقال حتى نجد عائلة تقوم على أساس من المحبة والمودة، وخالية من المشاكل، وتطبق قول الله - تعالى -: هو الذي خلقكم من نفس واحدة وجعل منها زوجها ليسكن إليها189 {الأعراف: 189} والله الهادي إلى سواء السبيل.
____________________
الهوامش:
1- أخرجه البخاري في الصوم (4106) ومسلم في النكاح (1400).
2- أخرجه البخاري في الأحكام (13100) ومسلم في الإمارة (1829).
3- متفق عليه كما في صحيح الجامع (960).
4- سيرة ابن هشام (610).
5- أخرجه الترمذي عن عائشة، وابن ماجه عن ابن عباس كما في صحيح الجامع (3314).
http://jmuslim.naseej.com المصدر:
ـــــــــــــــــــ(111/349)
دور الأسرة في الوقاية من المخدرات
ليلى بنت عبدالرحمن السلطان
الأسرة نواة المجتمع، فإذا صلحت صلح المجتمع وإذا فسدت فسد المجتمع، وانعكس ذلك وبالاً على جميع أفراده، وعند ظهور أي خلل أو ظاهرة مرضية في محيط الأسرة يؤدي ذلك وبدون شك إلى اضطراب في أحوالها وشؤونها.
ومن هذه الظواهر: ظاهرة تعاطي المخدرات التي تصيب الأسرة، والروابط الأسرية بإصابات بالغة الخطورة في تكوينها وفي وظائفها الأساسية؛ مما يؤدي بها إلى التدهور، والانحلال، والتفكك، والتشرد.
كما أن الأسرة هي المحضن الأول للطفل، والطفل حين يولد يولد على الفطرة، فطرة التوحيد وعقيدة الإيمان بالله عز وجل، فإذا تهيأت لهذا الطفل التربية المنزلية الواعية التي تساهم في تنمية هذه الفطرة، وتغذيتها، وزيادة انتماء صاحبها إلى الدين نما شعوره الديني، ونشأ على الإيمان الراسخ، والأخلاق الفاضلة، والسجايا الحميدة.
أما إذا أهملت هذه الفطرة أو شوهت أو حرفت فلا ريب أن المسؤول الأول عن ذلك هما الأبوان، أو من يقوم بدورهما من المربين، ومن هنا كانت الأسرة مسؤولة وكانت مسؤوليتها عظيمة.
يقول الأستاذ "محمد قطب" في كتابه "منهج التربية الإسلامية": "إذا كان البيت والشارع والمدرسة والمجتمع هي ركائز التربية الأساسية فإن البيت هو المؤثر الأول، وهو أقوى هذه الركائز جميعاً؛ لأنه يتسلم الطفل من أول مراحله؛ ولأن الزمن الذي يقضيه الطفل في البيت أكبر من أي زمن آخر؛ ولأن الوالدين أكثر الناس تأثيراً في الطفل".
إن أي اضطراب في الوضع الأسري، وتخلخل البناء العائلي بالشقاق الدائم بين الوالدين، أو تصدع التماسك الزوجي يجعل الطفل يكابد ويعاني في منزله ضروباً شتى من مشاعر الخوف، وانعدام الأمن والقلق النفسي.
إن أحد العوامل التي تؤدي إلى تفكك الأسرة هو إدمان المخدرات، أو تعاطيها، أو التعامل في بيعها، أو شرائها، أو ترويجها، أو تهريبها، فالمخدرات كابوس جاثم طالما كتم أنفاس الكثيرين، وحطم أسراً كانت تنعم بحياة مليئة بالسعادة، وأتعس آباءً وأمهات وشرد أطفالاً.
ولكي تتجنب الأسرة هذه النتائج الخطيرة يجب على الأبوين القيام بالدور السليم المطلوب منهما الذي يؤدي إلى وقاية أفراد الأسرة من الوقوع في مهاوي السقوط في شراك المخدرات؛ فتلعب الأم دوراً مهماً ومتميزاً في تنشئة الأبناء، والوصول بهم إلى وضع تربوي سليم بعيداً عن كل المؤثرات الخطرة التي قد تعصف بهم، والتي قد تؤدي بهم إلى الهلاك والانحراف والشذوذ.
وأخطر تلك المؤثرات ظاهرة المخدرات التي تفتك بالإنسان، وبجيل الشباب على وجه التحديد؛ إذ إن غياب المراقبة الدائمة والمستمرة من قبل الأهل عامة، والأم على وجه الخصوص يعرض الأبناء إلى الانزلاق في مهاوي الانحراف والضياع، وكذلك الأب يجب أن يتابع ولده على كل صغيرة وكبيرة، وأن يلاحقه دائماً، ويراقب تصرفاته؛ لأن أي إهمال أو تفريط في العملية التربوية يؤدي بالولد إلى الشذوذ، والوقوع في شراك الرذيلة، ولكي يتقي الأب شر ذلك عليه أن ينشئ الولد تنشئة صحيحة، وأن يبين له دائماً طريق المعروف والخير، وأن ينبهه إلى المنكر ويحذره منه.
ولا شك أن المخدرات من المنكرات السائدة التي يجب على الأسرة أن تأخذ دورها في تحذير أبنائها وحمايتهم من جحيمها، إذ للأسرة دور هام في وقاية الأبناء من جحيم المخدرات، ويبرز ذلك الدور في النواحي التالية:
1- المراقبة المستمرة لتصرفات الأطفال، ومتابعة ودراسة التطورات التي تطرأ على سلوكهم وتصرفاتهم، ومراقبة التغيرات الجسمية والاجتماعية والنفسية لديهم.
2- التقرب المستمر من الأبناء من خلال التحبب والتودد لهم، والاستماع إلى آرائهم ومشاكلهم، ومحاولة حلها ومساعدتهم في ذلك.
3- يجب على الوالدين حل المشاكل العائلية في جو أسري خاص كي لايسود الأسرة القلق والاضطراب، وتعشش فيها الكراهية التي قد تدفع الأبناء إلى البحث عن الحب والأمان خارج محيطها.
4- يجب أن يكون الأب والأم قدوة صالحة للأبناء، فليس معقولاً أن يتعاطى الأب أو الأم أو كلاهما المخدرات أو يمارسون التدخين أمام أبنائهم أو على علم منهم ثم يطالبون الأبناء بالامتناع عن ذلك، وعلى الأب والأم عدم قول مالا يفعلانه، ولابد أن يكونا صادقين بأقوالهما وأفعالهما مصداقاً لقول الله - تعالى -: يا أيها الذين آمنوا لم تقولون ما لا تفعلون (2) كبر مقتا عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون (3) {الصف: 2، 3}.
5- معاملة الأولاد معاملة حسنة، وإشعارهم بالحب والحنان وعدم التفرقة بينهم في المعاملة، وعدم نبذ الأبوين لأي منهم بالإضافة إلى ضرورة تفهم مشكلاتهم ومشاركتهم في حلها.
6- على الأبوين إبعاد الأولاد عن رفاق السوء، ومراقبة تصرفاتهم، وتقريبهم من الرفاق الصالحين، يقول الرسول {: "إنما مثل الجليس الصالح وجليس السوء كحامل المسك ونافخ الكير، فحامل المسك إما أن يحذيك وإما أن تبتاع منه وإما أن تجد منه ريحاً طيباً، ونافخ الكير إما أن يحرق ثيابك وإما أن تجد منه ريحاً خبيثة" رواه مسلم.
ـــــــــــــــــــ(111/350)
المصارحة الزوجية نعمة أم نقمة ؟!
إبراهيم الزعيم
العلاقة بين الزوجين تعتمد على التفاهم، وذلك لا يتأتى إلا من خلال المصارحة التي تسمح لكل طرف بالتعرف على أسلوب وطريقة الطرف الآخر في الحياة، فضلاً عن أنها تخلق جوًّا من المشاركة النفسية بينهما، فكيف ينظر الأزواج للمصارحة، هل هي مبدأ ضروري لا غنى عنه أمام متطلبات الحياة، أم أنها لاتجر إلا المشاكل والخلافات. (الإسلام اليوم) التقى العديد من الأزواج والزوجات والمختصين للتعرف على موقف كل طرف من هذه المسألة.
تحلى بالحكمة
أم بلال (38عامًا) قالت إنه من يعيش على مبدأ المصارحة يعيش سعيدًا طول عمره، والمصارحة ليست بكل أشكالها جميلة؛ فهناك مصارحة بناءه وأخرى هدامة؛ فعلى سبيل المثال المصارحة البناءة تكون بشكل عام في أمور البيت والأولاد.
وحول ما إذا كانت عصبية الزوج تمنع الزوجة من مصارحة زوجها خشية من غضبه؛ قالت أم بلال: ولماذا تخاف الزوجة من مصارحة زوجها إذا كانا متفقين بالأساس على المصارحة، إلا أنه يتوجب عليها اختيار الوقت المناسب للمصارحة، وسواء كانت المشكلة صغيرة أو كبيرة؛ فإن حلها بسيط، ولكن على الزوجة أن تتحلى بالحكمة، فتعرف ما يسعد زوجها وما يغضبه، وكيف تصارحه وفي أي وقت؛ فعلى سبيل المثال: لا يعقل أن تقابل الزوجة زوجها بعد عنائه من العمل وبمجرد دخوله إلى المنزل وبدون مقدمات بحديث جاف، وتسمي ذلك مصارحة؛ لأن ذلك سيؤدي إلى غضبه بلا شك، بل يجب عليها أن تختار الوقت والمكان المناسبين.
وأوضحت.. لا أغضب من زوجي عندما أعلم أنه أخفى عني أمرًا أبدًا، لأنه يكون حريصًا على مشاعري، وفي كثير من الأحيان يعترف لي بذلك بعد مدة من الوقت، وأسامحه؛ لأني متأكدة من إخلاصه لي، فهو أحن عليّ من نفسي.
أما ميرفت (32عامًا)؛ فقالت: إن المصارحة تساعد على استمرار التفاهم بين الزوجين، لكن هذه المصارحة ليست مطلقة، بمعنى أنها ليست في كل شيء؛ فلزوجي خصوصيات لا يصارحني بها لسبب ما، وأنا كذلك لا أصارح زوجي في كل شيء خشية أن يغضب؛ لأن المصارحة في بعض الأحيان تؤدي إلى نتائج عكسية قد تعكر صفو الحياة، فلكل منا خصوصياته التي يحتفظ بها لنفسه، ومع ذلك فأحيانًا أجد أنه من الضروري مصارحة زوجي مع علمي التام أن ذلك سوف يغضبه مني، ولكني أجد نفسي مضطرة لذلك لأحافظ على استمرار حياتي، وإذا علمت أن زوجي لا يصارحني؛ فهذا سيحزنني كثيرًا لأن ذلك يعني أنني لا أمثل شيئًا في حياته، ولا أعني له شيئًا.
أم عمر (22عامًا) قالت: إن زوجي لا يعطيني مساحة كبيرة للمصارحة والحوار.. صحيح أنه يصارحني في بعض القضايا التي تخصنا، إلا أنني اشعر أحيانًا أنه يخفي عني الكثير، وذلك يتمثل عندما ألاحظ استغراقه في التفكير، وعندما أسأله عن سبب ذلك، وألح عليه ليخبرني، حتى أني أكاد أسحب الكلام من بين فكيه، فيتهرب من الإجابة، الأمر الذي يضايقني كثيرًا، حيث أشعر بأن بيننا فجوة كبيرة، ثم أحاول بعد ذلك أن أجدله مبررًا، فلا أشعره بغضبي.
وأضافت أم عمر.. إنني لا أريد أن يخبرني زوجي بكل شيء، ولكني أريد أن أعرف ما يخصنا نحن الاثنين، وكذلك ما يسرق تفكيره حتى أتمكن من مساعدته، أو على الأقل مشاركته همومه وآلامه.
لا تصارح في كل شيء
أبو أشرف العامودي (34 عامًا) قال: إن المصارحة بين الزوجين عنصر أساسي من عناصر الحياة الزوجية، وإن لم يكن موجودًا أدى ذلك إلى هدم الأسرة؛ لأن الحياة الزوجية عبارة عن أسس، وإذا ذهب أي أساس منها، كان سببًا في تدمير هذه الحياة.
وأضاف العامودي أن المصارحة ضرورية من ناحية الزوجة في كل شيء حتى تستمر الحياة بين الرجل والمرأة؛ لأن الرجل هو الذي يمتلك زوجته، أما المرأة فلا تمتلك زوجها، وهي من ناحية الزوج ليست ضرورية في كل شيء، فهناك بعض الأمور لا تحسن فيها المصارحة، وأوضح أنه إذا كانت نسبة الضرر جراء المصارحة بسيطة ويستطيع تحملها فعليه أن يصارح، لأنه لا شيء أفضل منها، أما إذا علم أن الضرر سيكون كبيرًا وسيؤدي إلى متاعب كبيرة فعليه ألا يصارح.
وحول شعور الزوج إذا علم أن زوجته تخفي عنه بعض الأمور؛ قال: إنه إذا كان الرجل عاقلاً فإنه يستطيع أن يستدرج زوجته، ويعلم ما هو سبب عدم مصارحتها له، ويحاول أن يعالج ذلك بحكمة، أما إذا كان متهورًا فإنه سيتهمها بالخيانة. موضحًا أنه على سبيل المثال لو علم أن زوجته تخفي بعض النقود؛ فقد يتهم زوجته بسرقة ماله لأن وساوس الشيطان كثيرة، وقد تكون الزوجة ادخرت هذا المال بحسن نية، لذلك لابد للزوجة أن تصارح زوجها في كل صغيرة وكبيرة.
تعويد النفس عليها:
أما عادل الركن (32عامًا) فقال: إن المصارحة مبدأ لابد منه؛ إلا أن المصارحة لا تجب في كل أمر؛ فهناك الكثير من الأمور التي تخص الزوج وحده مثل علاقته بأصدقائه، موضحًا أن الزوج لو علم بأن زوجته تخفي عنه بعض الأمور؛ فعليه أن يعلم هذه الأمور، وما سبب إخفائها لها، فإن كان الأمر الذي أخفته الزوجة مهمًّا، ومن الضروري أن يعلمه الزوج، فإنه من الممكن أن يترتب على صنيعها هذا مقاطعة الزوج لزوجته.
وقدم الركن نصيحة لكل اثنين يقبلان على الزواج أن يبادرا إلى مصارحة بعضهما البعض منذ فترة الخطوبة؛ لأن المصارحة تبدأ من خلال تعويد النفس عليها، وقد تكون ثقيلة في البداية؛ إلا أنها سرعان ما تصبح بعد ذلك أسلوب حياة. مشيرًا إلى أنه لو تعود كل شخص إخفاء بعض الأمور عن الآخر فسيؤدي ذلك إلى المشاكل والخلافات، وخاصة إذا كان هناك تدخل من الأهل وغيرهم.
أبو أحمد هنية (28عامًا) قال: إنني متفاهم مع زوجتي إلى أبعد الحدود، وأشاركها أفراحي وأحزاني، وقد تعودنا ألا نخفي عن بعضنا أي أمر يخصنا نحن الاثنين، أو يخص أحدنا؛ لأنني أعلم أن الزوجة سكن لزوجها وهو سكن لها، موضحًا أنه مع ذلك لا يخبر زوجته ببعض خصوصياته مع أصدقائه.
وأوضح هنية أنه يضع مصروف البيت مع زوجته، وكانت زوجته تدخر منه دون علمه، وحدث أن مر بضائقة مالية واحتاج لبعض النقود لتأمين بعض الحاجيات الأساسية للمنزل؛ فلم يكن معه شيء، إلا أن زوجته قدمت له ما ادخرته. مشيرًا إلى أنه تصرف جيد يجعلك تقدر زوجتك، مع أنها لم تصارحك بذلك.
وقال: إنه ينبغي أن يصارح الزوج زوجته من بداية الطريق: ماذا يحب، ماذا يكره، علاقاته، وضعه المالي، حتى لا يحدث الخلاف والشقاق.
أما أبو محمد (43عامًا) فقال: إن المصارحة أمر سليم جدًّا وهو ما يساعد على بناء روابط الثقة والتفاهم بيني وبين زوجتي؛ فهو يجعل الثقة متبادلة بين الزوجين، ولكن في بعض الأحيان يحدث أن تكون المصارحة سببًا في تعاسة الزوجين، وتعطي نتائج سلبية إذا كانت هذه المصارحة لا ترضي أحد الزوجين، والمصارحة بيني وبين زوجتي ليست في كل شيء، وإنما هناك حدود لهذه المصارحة وفق ما يساعد على استمرار الحياة الزوجية بلا مشاكل، فإن كانت المصارحة ستثير حنق وغضب زوجتي فلا أصارحها، ولكن في المقابل أغضب كثيرًا إذا علمت أن زوجتي لا تصارحني بكل شيء، وهذا ليس من باب التسلط على المرأة، ولكن من باب حرصي على استمرار الحياة الزوجية بتفاهم وثقة متبادلتين.
المصارحة أمر إلهي
د. حمدان الصوفي الأستاذ المساعد في كلية التربية ومشرف الدراسات العليا بالجامعة الإسلامية؛ قال: إن القرآن الكريم عرض العلاقة بين الزوجين بطريقة واضحة وصريحة، فعندما وصف الله - عز وجل - العلاقة بين الزوجين وصفها في آيتين كريمتين؛ فقال (الذي خلق لكم من أنفسكم أزواجًا لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة)، وقال - تعالى -: (هن لباس لكم وأنتم لباس لهن)، من هنا فإن الإسلام في هذه الآيات يوجب الصراحة بين الزوجين لدواع عدة وهي:
أولاً: إن الله - سبحانه وتعالى - وصف الزوجين بأنهما نفس واحدة، والإنسان أصرح ما يكون مع نفسه.
ثانيًا إن مهمة الزواج تحقيق السكن النفسي والاجتماعي، والسكن النفسي والاجتماعي يقتضى نوعًا من عدم التكلف والصراحة والتلقائية، كما أن المودة والرحمة جاء وصفها في القرآن الكريم (وجعل بينكم مودة ورحمة)؛ فالرحمة هي جانب وجداني وانفعالي في الإنسان، والمودة هي جانب وجداني كذلك؛ ولكن لابد أن يظهر على شكل ممارسة في حياة الإنسان توحي بهذا الشيء وتدلل على الرحمة الموجودة في النفس.
وحول فوائد المصارحة؛ قال الصوفي: للمصارحة فوائد عديدة منها: إخراج مكنونات النفس وعدم تراكمها، والتقريب بين وجهات النظر وأنماط السلوك، والشعور بالثقة المتبادلة، والوقاية من كثير من المشكلات وحلها في مهدها قبل تفاقمها، بالإضافة إلى أن فيها إشعارًا لكل طرف بأهميته عند الطرف الآخر.
وعن آداب المصارحة الزوجية أوضح الصوفي أن للمصارحة آدابًا منها: أن تكون المصارحة لينة رقيقة، لا تؤذى شريك الحياة؛ كالمصارحة بعدم حب أحد الزوجين للآخر، فهذه مصارحة من النوع المؤذى، ولكن كيف يحولها الزوج إلى مصارحة إيجابية؟ من الممكن أن يقول مثلاً: "نريد أن نذكر بعض الوسائل التي من خلالها يمكن أن يزداد الحب بيننا "، بمعنى أنه يقول إن الحب موجود ولكننا نريد أن نزيده. ويجب اختيار الظرف المناسب للمصارحة، فليس من المعقول أن تتم المصارحة في حال الغضب أو بعد مشكلة معينة، وأن تحمل المصارحة معنى النصيحة الصادقة لا التعيير أو التشنيع أو التوبيخ أو التشفي، وأن يكون أسلوبها هادئًا ولا تتحول إلى مجادلات.
وأشار إلى أن هناك جملة من الضوابط والحدود للمصارحة وهي، أن تكون المصارحة فيما يمكن تداركه مثل الطعام والشراب، وليس في ما لا يمكن تداركه مثل الأمور التي جبل عليها المرء مثل شكله أو غير ذلك، وألا تتناول المصارحة الذنوب والمعاصي التي سترها الله على أحد الزوجين، وألا تتناول أسرار الزوج مع أصدقائه أو العكس.
14/2/1425
04/04/2004
http://www.islamtoday.net المصدر:
ـــــــــــــــــــ(111/351)
تمهل وتأمل قبل أن تطلق
عبد الملك القاسم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين وبعد:
أخي الكريم: أعرف أنك اليوم تحمل هموماً كثيرة، ولديك غموماً متوالية، أحياناً قد تحجبك عن السير في الاتجاه الصحيح.
دعنا نتعاون معاً في إنهاء هذه المعضلة التي نزلت بك، ونرفع سوياً المعاناة التي ألمت بك فإن أمر الطلاق عظيم، وقد يكون له مضاعفات على الزوجة مع فراق الأبناء وغير ذلك.
وقبل أن نبدأ المسير؛ انطلق بنا نطل على بيت النبوة، حال وقوع مشكلة أسرية وكيف هو موقفه منها.. نسير في وقفتين سريعتين مع خير الأخيار وسيد ولد آدم - عليه الصلاة والسلام - لنرى موقفاً جرى له مع زوجاته أمهات المؤمنين.. فقد ذكر تلك القصة ابن سعد في الطبقات الكبرى [8/137]:
الموقف الأول: عن أم ذرة عن أم المؤمنين ميمونة - رضي الله عنها - قالت: (خرج رسول الله ذات ليلة من عندي، فأغلقت دونه الباب، فجاء يستفتح الباب فأبيت أن أفتح له، فقال: {أقسمت إلا فتحته} فقلت له: تذهب لأزواجك في ليلتي هذه، قال: {ما فعلت ولكن وجدت حقناً من بولي}).
نبي هذه الأمة عليه الصلاة وقائدها ومعلمها يخرج لحاجته فيغلق دونه الباب، في الليل المظلم ويستفتح الباب فترفض زوجته.. فيقسم عليها أن تفتح له الباب، ويوضح لها ويشرح لها بكلمات حانية رقيقة لماذا ذهب؟! عندها ترضى أم المؤمنين - رضي الله عنها - وتفتح له الباب وينتهي الأمر!! ولم يكن لينتهي لولا سعة حلمه، ونبل صفاته!!
أما الموقف الثاني: فهو موقف يقع أحياناً بين الضرات، فكيف حال الزوج، حين يقع بينهن أمر يكدر الخاطر، وكيف يتصرف حين تشتد الأمور وتظهر علامات القطيعة؟
روى النسائي عن أم سلمة - رضي الله عنها -: (أنها أتت بطعام في صفحة لها إلى رسول الله وأصحابه فجاءت عائشة متزرة بكساء ومعها فهر - حجر - ففلقت به الصفحة، فجمع النبي بين فلقتي الصفحة ويقول: {كلو، غارت أمكم} مرتين، ثم أخذ رسول الله صفحة عائشة فبعث بها إلى أم سلمة، وأعطى صفحة أم سلمة عائشة) وهكذا أنهى النبي المشكلة بتصرف حكيم!.
أوردت هاتين القصتين بين يدي الأخ الكريم حتى يعرف أن للصفح مكاناً وأن الإحسان أولى وأتم، كما قال - تعالى - في مدح المؤمنين: "الَّذِينَ يُنفِقُونَ فِي السَّرَّاء وَالضَّرَّاء وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ" [آل عمران:134] فهذه منازل تجعل المؤمن يتنازل عن حقوق له ويعفو عمن أساء إليه، لتدوم المحبة وتبقى الألفة. بل وتحسن إلى من أساء إليك، وهذا يتحقق لمن منحه الله - عز وجل - مرتبة عالية في حسن المعاملة وطيب المنبت..
أخي الكريم: أطرح بين يديك علاجاً شافياً بإذن الله - عز وجل - لما ألمّ بك، وجلاءٌ لما أصابك، ومن ذلك:
أولاً: عدم العجلة في الأمر: فإن العجلة مذمومة في كل شيء إلا في عمل الخير، وأراك ذلك الرجل الفطن الذي تدقق وتراجع، وتقدم وتؤخر في شراء سياؤة مثلاً، وما أنت فيه اليوم أولى وأحق بذلك، ثم إن التأخير لا يضرك شيئاً، وإن لم ينفعك فلن تندم بإذن الله، كم من رجل ندم على العجلة والطيش ولم يندم على التأخير مطلقاً، والقرار بيدك اليوم أو غداً فلم العجلة؟
ثانياً: من عادة عقلاء الناس إرجاع الأمور إلى أهلها واستشارتهم، فها أنت تستشير في شراء قطعة أرض أصحاب العقار والمهتمين بذلك، فمن باب أولى أن تقصد طلبة العلم والعلماء وتشرح لهم ما أنت فيه، فإن الحق ضالة المؤمن. وأنت بإخوانك عزيز الرأي ثاقب الفكر.
ثالثاً: ما نزل بك من الهموم والغموم والمشاكل إنما هو من أنواع الابتلاءات التي يجب الصبر عليها واحتساب الأجر فيها، قال: {ما يصيب المؤمن من وصب ولا نصب ولا هم ولا حزن ولا غم ولا أذى حتى الشوكة، يشاكها إلا كفّر الله بها من خطاياه} [متفق عليه] وأكثر من الاسترجاع.. قال: {ما من مسلم تصيبه مصيبة فيقول أمر الله: إنا لله وإنا إليه راجعون، اللهم أجرني في مصيبتي وأخلف لي خيراً منها، إلا أخلف لله خيراً منها} [رواه مسلم].
رابعاً: طهر قلبك من الحقد والكراهية: فإن هذه الأمور تجعل على عينيك غشاوة تجعل فكرك مشلولاً، والشيطان يفرح بذلك النصيب منك، فاحذر أن تبني مصير حياة زوجية على حقد أو كراهية أو انتصار للنفس، والنبي يقول: {اللهم إني أحرج حق الضعيفين: اليتيم والمرأة } [رواه النسائي].
خامساً: قال الله - تعالى -: "وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُواْ" [الأنعام:152] وقال في شأن الأعداء والخصماء: "وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُواْ اعْدِلُواْ هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى" [المائدة:8]. ومن العدل ذكر حسنات الزوجة طوال الشهور والسنوات التي مضت، واعلم أخي الكريم أن تصيد الهفوات والزلات ليس من ديدن وطريقة كرام القوم، وأراك تصفح عن زميلك وصاحبك في زلات كثيرة، فما بالك اليوم تجانب المسامحة والصفح في أمر من قال الله عنها: "وَالصَّاحِبِ بِالجَنبِ" [النساء:36]. وقال - تعالى -: "وَلاَ تَنسَوُاْ الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ" [البقرة:237].
سادساً: لا تنس أن في بقاء الزوجة مع محاولة إصلاحها، إعفاف لبصرك، وسمعك وفرجك، من نزعات الشيطان. والإنسان ضعيف يتصدى للفتن بما أحل الله - عز وجل - وشرع.
سابعاً: إن كان لك أبناء فإنهم قد يعانون من سرعة اتخاذك للقرار، وقد تحرمهم حنان الأم أو حنان الأب، واعلم أن جزءاً من سعادتك هي رؤية صغارك من حولك، وأنت الآن على مفترق طرق فلا تتعجل الأمر، وإن كان عليك مشقة في البقاء مع الزوجة، إلا أن رجاء صلاح صغارك يجعلك تتحمل ذلك، فكم تحملت من التعب والحزن لأجلهم.
ثامناً: ابتعد عن الكبر والتسلط والانتصار للنفس، فإن النبي كان رأس المتواضعين وهو أشرف الخلق. وتجنب إيقاع الطلاق بدون سبب شرعي، ولا يكن فعلك حال الطلاق أو بعده الرغبة في الانتقام بإيذاء المسلمة أو أهلها فإن هذا من الظلم.
تاسعاً: اقرأ سيرة رجال كرام كان لهم أدوار عظيمة في قيام الأمة من الصحابة والتابعين وكيف هو حالهم مع زوجاتهم، بل واقرأ النماذج الحية من حال النبي مع زوجاته!.
عاشراً: توجه إلى الله - عز وجل - بالدعاء والاستغفار والصدقة لعل الله أن يصلح ما فسد "وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجاً" [الطلاق:2].
الحادي عشر: هناك اختلاف في الطبائع والعادات والرغبات الشخصية والمستويات الفكرية بين الزوجين، فكل منهم عاش وتربى في منزل وفي بيئة أسرية مختلفة سنين طويلة طبّعته فيها الأسرة بعاداتها وطبائعها، وأنت الآن تريد أن تغير ما كان في لحظات، ولهذا لا بد من التنازل عن بعض الحقوق والتغاضي عن الهفوات، وغالباً تنشأ المودة والمحبة بعد حين من الزمن، وتقوى بعد إنجاب الأبناء ومعرفة طباع كل زوج لزوجه. وليس من شروط الزواج الناجح أن تتوافق جميع الرغبات، وتتطابق الأفكار.
الثاني عشر: لهذه الزوجة أعمال كثيرة وخدمات جليلة تقدمها لك ومنها: إعفافك وصيانة حاجاتك النفسية والعاطفية، وتقديم أكلك وشربك، ونظافة ملبسك، وتربية أبنائك، والنبي يقول: {لا يفرك مؤمن من مؤمنة إن كره منها خلقاً رضي منها آخر - أو قال - غيره} [رواه مسلم].
وقد يجد الرجل زوجة؛ لكنها صعبة المراس فيعجبه دينها وعفافها، وآخر قد يجد بعض الصفات وتنقص أخرى، وهكذا أنت أيضاً توجد فيك بعض الصفات وتنقصك أخرى، فلا تنشد الكمال في غيرك دون النظر إلى حالك. وتأمل في حديث النبي وحسن التشبيه: {المرأة كالضلع إن أقمتها كسرتها، وإلا استمتعت بها وفيها عوج} [متفق عليه].
وجاء رجل إلى عمر بن الخطاب يشكو خلق امرأته، فوقف ببابه ينتظر خروجه، فسمع امرأته تستطيل عليه بلسانها وهو ساكت يحير جواباً، فانصرف الرجل قائلاً: إذا كان هذا أمير المؤمنين مع زوجته فكيف حالي؟ فخرج عمر فرآه مولياً. فقال: يا هذا ما حاجتك؟ فقص عليه الرجل ما كان، فقال له عمر ناصحاً: ( يا هذا، إني أحتملها لحقوق لها عليّ، إنها طباخة لطعامي، خبازة لخبزي، مرضعة لولدي، وسكن بها قلبي عن الحرام)، فقال الرجل: وكذلك زوجتي يا أمير المؤمنين، فقال عمر - رضي الله عنه -: ( إذاً فاحتملها ). ولهذا فإن عدم المواجهة، أحياناً تكون من الفطنة والنباهة وليس في ذلك أدنى نقص.
ـــــــــــــــــــ(111/352)
الأسرة والشبكة العنكبوتية
ليلى عمر الخنبشي
تدرجت الشبكة العنكبوتية بين الأيادي، فكان استعمالها في بادئ الأمر تحت أيادي العاملين في المؤسسات بين الدول، ومن ثم توسع نطاق استخدامها حتى أصبح في شركات الدولة الواحدة، ومن ثم كبرت الدائرة حتى شملت المقاهي والأماكن العامة، ومن بعدها اجتاحت البيوت الأسرية، ولا يكاد يخلو منها بيت خاصة في البلاد التي يجد أفرادها بسطة في الرزق، وكان أول ما برك على مكاتب البيوت يُعد ضيفاً غريباً، لا يأنس له.
كان رب المنزل لأولاده ولأهله، ومن ثم استسهله باعتياده عليه، فسمح لأكبر أولاده، وتوالى التسامح حتى تشبث به أصغرهم عمراً، فبعدما كان الإنترنت الشبح المرعب الذي يمقته كل راعٍ لبيته، أصبح الأنيس المرفّه لعائلته، حتى إنك لتجد في البيت الواحد أكثر من خط ليوفر الخدمة لعدد من الأجهزة، فالأب له جهاز خاص لا يحب أن يعبث به أحد، والأم لها أيضاً جهازها المحمّل بكثير من الملفات الخاصة بأمورها، وخصوصياتها، والأولاد لهم جهازهم الذي يعبثون به ويتعلمون عليه، وقد تجد من البيوت من ينفرد كل فرد من أفراد الأسرة بجهازه الخاص الذي لا يسمح لغيره باستخدامه. فمن بعد ما ضُربت أجراس الإنذارات بالحذر من دخول هذه الشبكة للبيوت، وأخذت منصب الحديث في لسان المجالس، بذكر قصص ضحايا مستخدميها، وذكر إحصائيات رواد برامجها السيئة، انقلبت الموازين، وتغيرت المصطلحات، فالمستخدم لها أصبح مثقفاً متحضراً، والتارك لها جاهل أُمي.
أثرها على الزوج:
كانت شكاوى الزوجة المعتاد عليها هو سهر زوجها، وعدم إنفاقه عليها، وإهماله لأهل بيته، والآن وبعد استضافة هذه الشبكة في البيوت تجددت شكوى من الزوجات وهي على سياق من قالت: (إن هذه الكتب أشد عليّ من ثلاث ضرائر) وأما الآن فيقلن: (إن هذه الشبكة أشد علينا من ثلاث ضرائر).
وهم أصناف في توجّه الاستخدام وفي طريقتها:
فهناك من يستخدمها بتوجه سليم، لا انحراف فيه ولا زيغ، وبطريقة معقولة متزنة، فلا يطيل في القعود عليها، ولا يهمل أمراً مستلزماً واجباً لأجلها، سواء كان في أمر دينه أم نفسه أم أهله. فاستخدامه لها في أمور تنفعه في دائرة عمله أو دينه أو استجمام نفسه، وخيرهم من يستخدمه لخدمة دينه، فتجده يُزوّد المواقع بالمفيد النافع، ويدخل البرامج لينصح ويدعو، ويصنع ببعض البرامج أموراً كالفلاش والفوتشوب وغيرها أعمالاً فنية قيمة، فيتوب على يده الكثير من أهل الضلال، ويتوعى الكثير من أهل الجهل، ويستفيد الكثير من أهل العلم.
قال - تعالى – "ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر "(104) {آل عمران: 104}.
وقد سمعت بنفسي عائلة أمريكية كاملة تنطق الشهادة بسبب ذلك الصالح الذي دعاهم إلى الإسلام ووضح لهم محاسنه وفضائلة.
وهذا هو الرابط:
http//www. aljmilah. com/vb/showthread. phps78ece393bf011735e846a4fe156bb041threadid2461
ومن أصحاب هذا التوجه السليم من لا يحسن الطريقة والتعامل معها، فتجده يطيل الساعات التي يمكثها عليها، وقد تكون على حساب أمور أولوية وواجبة، ويصرف الأموال في سبيلها إلى حد الإسراف، ويعتبر هذا إسرافاً في المباح قد يؤدي إلى نتائج لا تحمد عقباها. فاستخدامه لها لا يعدو منتديات شبابية، أو مواقع رياضية، أو برامج تحاوريه بين بني جنسه، أو أموراً أخرى لا تخرج عن نطاق المباح.
وهناك صنف آخر يختلف تماماً في التوجه والطريقة، فتوجهه سيئ ممقوت، فلا يستخدمه إلا لإشباع غرائزه وهواه، ولا يستعمله إلا لأغراض دنيئة منحطّة، فأغلب ساعات يومه يقضيها في مواقع جنسية، أو في برامج تحاورية مختلطة، وغيرها من الأمور التي تضره وتضر غيره.
ومثل هذا غالباً ما يغلق الباب على نفسه الساعات الطوال، ويترك أهله بلا سؤال عنهم، ولا اجتماع بهم، بل لا تراه إلا صارخاً ضارباً لكل من يزعجه أو يقلق انفراده بها أو يسهر عليها ساعات ليله تاركاً زوجته، لينام ساعات نهاره حالماً بالصور التي اختزنتها ذاكرته التي لم تعد تحمل في جعبتها إلا فضلات هذه الشبكة، ومن ثم يقوم بنشاط وحيوية ليعاود تكرار سابق ليلته الماضية.
وأذكر رسالة قرأها الشيخ محمد المنجد على منبر الجمعة لامرأة تشتكي زوجها من بعد استخدامه للإنترنت فقالت: (كان زوجي أحد الدعاة إلى الله، وكان دوماً ينصحني، ويعاتبني على تقصيري في أمور ديني، فلقد كان محافظاً على الصلاة في المسجد، مطيلاً للحيته، مقصراً لثوبه، ومن بعد أن أحضر هذا الجهاز وأدخل الإنترنت، أصبح يقعد عليه بالساعات وبدأ يؤخر صلاته، حتى إنه أصبح يغلق على نفسه الباب ليستفرد بنفسه، وترك الصلاة في المسجد، وما هي إلا أيام وقص لحيته، وأسبل ثوبه، وبعدها بأيام ترك صلاته بالكلية)
أثره على الزوجة:
بالمقابل يشتكي الزوج من زوجته المسرفة في استخدام هذه الشبكة، فتهمل بيتها وزوجها، ونفسها، وأولادها.
والنساء أيضاً أصناف في الاستخدام والطريقة، لا تبعد عن الأصناف المذكورة آنفاً.
فهناك المستخدمة لها بالطريقة الصحيحة المتزنة، فاستخدامها لها إما لاستفادة وإما لإفادة، باشتراك في المنتديات الهادفة، وتجنب محاكاة الرجال فيها، وبذلك تحصل المعرفة بالأخوات الطيبات من جميع الأقطار سواء كانت في بلاد عربية أو غربية، وإما بالنصح والإرشاد في برامج التحاور غير المشبوهة كالماسنجر، أو البالتوك في غرف خاصة بالنساء أو غير ذلك من الأمور الطيبة، التي تستزيد بها علماً ومنفعة.
فكثير ممن اهتدين بسببها، وكثير ممن التزمن بتوجهها، وكثير ممن توعين بعلمها.
وأعرف كثيراً من الأخوات لهن باع في نشر الفضيلة بين المسلمات في هذه المنتديات، أو نشر العلم في برامج التحاور مثل: البالتوك، فتاب الكثيرات على أيديهن، وهذا فضل من الله عظيم.
وهناك صنف آخر من النساء في طريقة الاستخدام سواء كانت ساذجة النية أو خبيثة النية وهن اللاتي لا يعرفن من الإنترنت إلا مواقع التجمعات مثل التشات، أو المنتديات الساقطة، أو المواقع الدنيئة، فتراها تقضي الساعات الطوال بنية التسلية والتعرف، وبعد ذلك تنجرف بموج العاطفة نحو أعماق المحيط المهلك.
وهذه قصة إحداهن تحكيها بنفسها بعد توبتها وندمها على ما سلف: "أروي لكم هذه القصة من واقع مؤلم وحزين، أضاعني وهدم مستقبلي، وقضى على حياتي العائلية، وفرق بيني وبين زوجي، أنا بنت من عائلة محافظة ومعروفة بالسعودية تربيت على الأخلاق والتربية الإسلامية، لم أكن الفتاة المستهترة، أو التي تبحث عن التسلية، لم أعرف يوماً أني قمت بعمل ما يغضب الله، تزوجت من شخص محترم، يحبني وأحبه، ويثق بي بدرجة كبيرة، كنت الزوجة المدللة لديه، وحتى أهلي والكثير من الأقارب يقولون لي: إنك مدللة من زوجك. لم أذكر أنني طلبت شيئاً من زوجي ورفضه. كل الذي أطلبه يأتي به، حتى جاء يوم وطلبت منه أن استخدم الإنترنت. في بادئ الأمر قال: لا أرى أنها جيدة وهي غير مناسبة لك، فتحايلت عليه حتى أتى بها، وحلفت له أني لا استخدمها بطريقة سيئة، ووافق وليته لم يوافق أصبحت أدخل الإنترنت وكلي سعادة وفرحة بما يسليني، وأصبح هو يذهب إلى عمله، وأدخل إليها كل يوم، وأوقاتاً يكون هو متواجد، ولكن لا يسألني ماذا افعل!!؛ "لأنه يثق بي".
مرت الأيام، وحدثتني صديقة لي تستخدم الإنترنت عن الشات، وقالت لي: إنه ممتع، وفيه يتحدث الناس، وتمر الساعات بدون أن أحس بالوقت، دخلت الشات هذا وليتني لم أدخله، وأصبحت في بادئ الأمر اعتبره مجرد أحاديث عابرة، وأثناء ذلك تعرفت على شخص كل يوم نتحدث سوياً، كان يتميز بطيبته وأخلاقه الرفيعة، التي لم أشهد مثلها بين كل الذين أتحدث معهم، أصبحت أجلس ساعات وساعات بالشات، واتحادث أنا وهو، وكان زوجي يدخل علي ويشاهدني ويغضب لأجل المدة التي أقضيها على الإنترنت، رغم أنى أحب زوجي حباً لم أعرف حباً قبله مثل محبتي لزوجي، ولكني أعجبت بالشخص الذي أتحادث معه مجرد إعجاب، وانقلب بمرور الأيام والوقت إلى حب، واستملت له أكثر من زوجي، وأصبحت أهرب من غضب زوجي على الإنترنت بالحديث معه، ومرة فقدت فيها صوابي وتشاجرت أنا وزوجي، و ألغى اشتراك الإنترنت، وأخرج الكومبيوتر من البيت، بسبب الوقت الطويل الذي أقضيه فيه. غضبت منه؛ لأنه أول مره يغضب علي فيها، ولكي أعاقبه قررت أن أكلم الرجل الذي كنت أتحدث معه بالشات بالهاتف، رغم أنه كان سابقاً يُلح عليّ أن نتحادث بالصوت وكنت أرفض، وفي ليلة مشؤومة اتصلت عليه، وتحدثت معه بالتلفون، ومن هنا بدأت خيانتي لزوجي، وكل ما ذهب زوجي خارج البيت قمت بالاتصال به، والتحدث معه، لقد كان يعدني بالزواج لو تطلقت من زوجي، ويطلب مني أن يقابلني، دائماً يلح عليّ أن أقابله، حتى انجرفت وراء رغباته وقابلته، وكثرت مقابلتي معه حتى سقطنا في أكبر ذنب تفعله الزوجة في زوجها، عندما تخونه، لقد أصبحت بيننا علاقة وقد أحببت الرجل الذي تعرفت عليه بالشات، وقررت أن يطلقني زوجي، وطلبت منه الطلاق، وكان زوجي يتسآل: لماذا؟ كثرت بيننا المشاكل، ولم أكن أطيقه، حتى لقد كرهت زوجي.. بعدها أصبح زوجي يشك فيّ، واستقصى وراء الأمر، وحدث مرة أن اكتشف أنني كنت أتحدث بالهاتف مع رجل، وأخذ يتحقق من الأمر معي، فقلت له الحقيقة، وقلت: إني لا أريده، وكرهت العيش معه، رغم هذا كله كان زوجي طيباً معي ولم يفضحني، أو يبلغ أهلي، وقال لي: أنا لا أستطيع أن استمر معك، ويا بنت الناس الله يستر علينا وعليك لكن قولي لأهلك: إنك لا تريدين البقاء معي، ومع ذلك كنت أكرهه فقط لمجرد مشاكل بسيطة حول الإنترنت، لم يكن سيئ المعاملة معي، ولم يكن بخيلاً معي، ولم يقصر بأي شيء من قبل، فقط لأنه قال: لا أريد إنترنت في بيتي، لقد كنت عمياء، لم أر هذا كله إلا بعد فوات الأوان، بعد ذلك رجعت للرجل الذي تعرفت عليه بالشات، واستمر يتسلى بي، ويقابلني، ولم يتقدم لخطبتي حتى تشاجرت معه، وقلت له: إذا لم تتقدم لخطبتي سوف أتخلى عنك، فأجابني بهدوء وقال: "يا غبية، أنت تصدقين يوم قلت لك: ما اقدر أعرف غيرك، وعمري ما قابلت أحلى منك، وأنت أحلى إنسانة قابلتها!!.. وثاني شيء: أنا لو أريد الزواج ما أتزوج واحدة كانت تعرف غيري، أو عرفتها عن طريق خطأ مثل الشات، وهي في سنك كبيرة وعاقلة، أنا لو أردت الزواج عن طريق الشات لتعرفت على طفلة أربيها على ما أريد، وليست مثلك كانت متزوجة وخانت زوجها".
ـــــــــــــــــــ(111/353)
الجذور العفنة لحرية المرأة في انجلترا
أبو إسلام أحمد عبدالله
المُسَاوين والحَفّارين والصَخّابين قدوة المرأة الشيوعية في بلاد المسلمين:
كالببغاوات يحاكون ما يسمعون، أبواقاً لا تعي ما تسمع؛ لأنها لم تفهم ولم تستوعب تراث الأمة، وتطوعوا مختارين أن يضعوا في رقابهم طوق القياد، الذي يُسحبون منه إلى حيث يريد أسيادهم الذين استعبدوهم بشهواتهم وملذاتهم.
ولا شك أن الجهل بأصول الدين وأحكام الشرع، قد أسهما كثيراً في السقوط إلى هاوية الانحراف، الذي أنجب مواليداً سفاحاً من بطون غير طاهرة، ينتسبون إلى أمتنا، ويحملون أسماءنا، لكنهم أبداً لم يكونوا أولياء لها، ولم يعرفوا أن للإسلام قوانيناً تتجاوز قدسيتها العقول غير السوية، والمذاهب الوضعية التي جعلت من حاجات الإنسان ورغباته سيداً لا يرفض له أمر، ولا يؤجل لأهوائه قرار.
وواحدة من علامات السقوط الكبرى، تلك البدعة التي تنتقل في أيامنا من بلد إلى بلد من بلاد المسلمين، رافعة رايات إنقاذ المرأة من براثن الذكورة الشريرة، تحت شعار لئيم ارفعوا الحجاب عن العقل، فرفعوه هم عن العقل والجسد دفعة واحدة.
دعوة خبيثة، لا تنتمي إلى مجتمعاتنا، إلا في صورة هؤلاء المشوهون الذين اعتنقوا التغريب فكراً وسلوكاً وعقيدة، بدعم سياسي ومالي وتعليمي من هيئة الأمم المتحدة، فالضرب والسباب والإيذاء واللكم والطرد والزنا وتجارة الجسد واستبدال الزوجات بالعشيقات وإيقاف المرأة دون طلاق لإذلالها أو تزويجها برغم إرادتها، والاختلاط وتبادل الزوجات وترويج الفحش وتقنين الدعارة و... و... كل ذلك ليس من ديننا، ولم يكن يوماً وصية نبوية (معاذ الله)، أو تفسيراً لآية في كتاب الله (أستغفر الله)، إنما هو كله، من صنيع الباطل وأهله، ومن تخطيط الغرب الصليبي والوثني وضلالاته، أمراض وعلل سعوا لنشرها بين قومنا، وبذوراً وضعوها في جوف أرضنا، من خلال إعلامهم وفضائياتهم ومناهجهم التربوية والتعليمية، واليوم حان وقت قطافها، بعدما نجحوا في إلصاقها بعقيدتنا الراقية، وكأنه منها، وليس منهم.
ونبش بعض القبور التي أخفوا فيها مصائبهم، وجثث ضحاياهم، ونفايات تاريخهم، كفيل بفضح عشرات الأسرار التي يعلمها عملاءهم الذين تربوا على أيديهم، أو أكلوا السم على موائدهم، قبل أن ينفثوه فينا.
ولعلكم سمعتم حتى الأمس، وقد يكون صباح اليوم، هؤلاء الغوغاء الذين تسللوا إلى بيوت الأمة، وكلهم اليوم يتربعون على رؤوس قاعات جامعاتها، ويتصدرون مناصب وزارات الثقافة والإعلام فيها، بل إن بعضهم اليوم يعتلي منابر المساجد ومآذنها، منادياً بتحرير المرأة، ومنحها حرية.... (ما يعيب اللسان نطقه)، وحرية الزواج والطلاق، وإباحة التعدد للمرأة كما هو في الإسلام مباح للرجل أو منع التعدد للطرفين على سواء، بل اشتطت واحدة من مصر في حضور واحدة من المغرب صفقت لها كثيراً عندما طالبت بـ المساواة بين الرجل والمرأة، في كل شيء، بما في ذلك ـ والقول قولها ـ الدورة الشهرية والحمل والإنجاب، وإلا فلا معنى للمساواة.
هكذا تراكمت تلال الإسفاف، ولهذا نبشنا واحدة من قبورهم التي دفنوا فيها أصول جرائمهم في شعوبنا.
يقولون أن النصف الثاني من القرن السابع عشر، وما تبعه من إرهاصات واكبت الثورة الإنجليزية، كان بحق هو فجر دعوة تحرير المرأة، حين تكالبت الفِرَق والشيع الكنسية والسياسية والقومية، لكسب تأييد التجمعات النسوانية وضمّها إلى صفوفها، حتى اضطرت بعض الكنائس أن تنسخ قوانينها وتُعدّل شرائعها إرضاء للمرأة، إلى أن منحتها حقوقاً لممارسة البغاء الرسمي فيما سمي بـ حرية الحب.
ووسط ضجيج وطبول الأحزاب السياسية والحرب الأهلية والصراع الوحشي بين المذهبيات الكنسية، كسبت الجمعيات النسوانية مساحة لا بأس بها من الجدل حول مساواة النساء وحول الأخلاقيات الجنسية، وتوالدت من أجلهن في قلب أوربا؛ ثلاث منظمات شيوعية: المساوين والحفارين والصخابين.
تركزت دعوة ليلبورن زعيم المساوين في الربط المباشر بين زواج المرأة من رجل واحد والملكية الخاصة، إذ رأى أن تحقيق الحرية والمساواة في العنصر الأول، لن يتحققا إلا بإلغاء كل صور الملكية الخاصة، باعتبارها مظهراً من مظاهر الرأسمالية المتوحشة.
وبرغم الوهج الذي حققته دعوة ليلبورن، فإنها لم تكمل من العمر عامين اثنين، ومن حطامها انبثقت حركة الحفارين الفقراء، التي نال زعيمها جيرارد وينستالي قدراً كبيراً من احترام وتقدير الحركات الشيوعية الأخري في انجلترا كافة، خاصة بعد أن توالت عشرات الكُرّاسات الفكرية التي أصدرها، للإعلان عن أفكار جماعته ومتابعة نشاطها وانتشارها السريع بين الفقراء في المجتمع الإنجليزي.
وفي خلال عام واحد، انضم إليه عدة آلاف من المناهضين لاستبداد الكنيسة، ومثلهم من جماعة المساوين (السابقة) - الذين استولت عليهم مرارة الهزيمة - متسابقين لدعم أفكاره.
رفع وينستالي شعاراً مخالفاً لجماعة المساوين، ونادى بالزواج الأحادي للمرأة والرجل، طلباً لاستقرار الأسرة الذي هو الطريق المستقيم لعلاج الفقر وتقليل عدد الضحايا.
لكنه كان حريصاً أيضاً على ألا يصطدم مع الرافضين للزواج الأوحد، باعتباره نوعاً من أنواع الاستغلال والسلطوية، خاصة من جانب الرجل، الذي تتاح له مساحة من الرزق أكثر من تلك المتاحة للمرأة، فوضع شرطاً للزواج الأوحد، أن يقوم هذا الزواج على حرية الطرفين، حريتهما في الاختيار وحريتهما من القيود الاقتصادية والقانونية.
بمعنى أن يكون الطرفان متساويان في اختيار: نوع العلاقة بينهما، ونوع العمل، وقيمة الأجر، والحقوق الاجتماعية، والحقوق السياسية، وحق الاقتراع والترشيح في الانتخابات، وصاغ فكرته هذه فيما أسماه >قانون الحرية الذي نصه: لكل رجل وامرأة، الحرية في الزواج ممن يحب أو تحب، إذا استطاع أن يحوز حب وقبول الطرف الذي يود الزواج منه، ولا يسمح بتعطيل هذا الزواج بالطلاق، حتى لو كان ذلك برغبة الطرفين أو أحدهما لأي سبب من الأسباب.
ولتيسير زواج المطلقات قبل هذا القانون، فسوف تكون المحلات الجماعية مفتوحة لأجلهن أمام كل رجل وكل فتاة، مجاناً للجميع على قدم المساواة....، وإذا عاشر أي رجل واحدة منهن أو فتاة وحملت منه طفلاً، سيتزوجها، وليس من حق طرف منهما بعد ذلك التبديل في الأزواج...
ولأن المرأة والطفل في هذه الحالة سيكونان هما المتورطان إذا ما مضى الرجل وتركهما بعد أن يكون قد قضى وطره، لذلك يجب على النساء أن تحاذرن، ففي هذا المسلك العربيد ـ هكذا نصاً ـ تكمن قوة تدمير المرأة والمجتمع، إذ تصبح المطالبة بالحرية هنا، نوعاً من الاستعباد الاختياري.
لكن دعوة الحفارين، برغم ما حققته من رواج وقبول، ولأسباب خفية غير واضحة، لم تر نور العام الثالث من نشاطها، وطفت على السطح، الجماعة الثالثة والأخيرة من أنشط الجماعات التي تَبَنّت فكرة حرية المرأة فى التاريخ الحديث لانجلترا، وهي جماعة الصخابين.
انفردت هذه الجماعة بوضوح معارضتها للزواج الأحادي باعتباره من أعتى القيود التي تُكبل حياة المرأة.
وعلى سبيل إعطاء القدوة وإعلان التحدي للسلطان الكنسي الذي يرفض دعاوى تحرير المرأة من هذا القيد الأبدي ـ حسب تعبيره ـ أصدر واحداً من زعمائها الكبار وهو جون روبينز قراراً يمنح تلاميذه وتلميذاته سلطة تغيير الزوجات والأزواج.
ورفع أبيزر كوب العضو البارز بالجماعة شعار اهجر أسرتك العفنة، تبرأ من التزاماتها.
ثم توالت أدبيات الصخابين تقول: إن الإنسان لا يمكن أن يتحرر من الخطايا إلا بعد أن يمارسها وكأنها ليست خطيئة، وأن الرجل الذي لم يعاشر كل النساء كما لو كن امرأة واحدة ودون أن يستشعر أن في ذلك خطيئة، فإن كل أفعاله تكون خطيئة وللمرأة مثل ذلك تماماً.
لكن لورانس كلاركسون زعيم الجماعة، خطى خطوات أكثر لرفع هذه الممارسات الجديدة إلى مستوى التنظير فيما أسماه نظرية الحرية الجنسية الكاملة.
وخَلِصَ كلاركسون في آخر كراساته الفكرية إلى أن ربط رجل واحد بامرأة واحدة، أو امرأة واحدة برجل واحد، إنما هو ثمرة اللعنة الإلهية التي تحررنا منها، وأصبحنا قادرين على أن نستعمل من نشاء، ثم يضيف فليس هناك فرق بين فعل الخيانة والصلاة، لأن كل الأفعال نقية، بما في ذلك الخيانة الزوجية بين أي زوجين.
وفي كراستهما مسألة المرأة يقول إدوار أفلنج وإليانور ماركس: إن كثيرون من المفكرين التقدميين (الشيوعيين) يطالبون الآن بتسهيل إجراءات الطلاق ومساواة شروط الطلاق للجنسين، وهذا كله ممتاز، لكنه فقط لن يكون عملياً إلا إذا كان الوضع الاقتصادي للجنسين متماثلاً< فهل يقبل المجتمع الإنساني أن يشارك الصخابين صخبهم؟.
ـــــــــــــــــــ(111/354)
البيت المسلم
عبد الباري الثبيتي
الخطبة الأولى:
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
أما بعد: فأوصيكم ونفسي بتقوى الله، قال - تعالى -: "يا أَيُّهَا الَّذِينَ ءامَنُواْ اتَّقُواْ اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ" [آل عمران:102].
في مثل هذه الأيام من كل عام تكثر مناسبات الزواج التي يتحقَّق بها أغلى أمنياتِ الشباب من البنين والبنات، في إقامة بيتٍ مسلم سعيد، يجدون فيه المأوى الكريم، والراحة النفسية، والحلم السعيد، فيترعرع في كنَف هذا البيت وينشأ بين جنباتِه جيلٌ صالح فريد، في ظل أبوَّةٍ حاجبة وأمومة حانية. هذا البيت، ما هي سماته؟ وما منهجه؟ وكيف تتحقق سعادته؟ قال - تعالى -: "وَمِنْ ءايَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْواجاً لّتَسْكُنُواْ إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ" [الروم:21].
البيت نعمةٌ لا يعرف قيمتَه وفضله إلا من فقده، فعاش في ملجأ مُوحش، أو ظلماتِ سجن، أو تائه في شارع أو فلاة، قال - تعالى -: "وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مّن بُيُوتِكُمْ سَكَنًا" [النحل:80]، قال ابن كثير رحمه الله: "يذكر - تبارك وتعالى - تمام نعمته على عبده بما جعل لهم من البيوت التي هي سكن لهم يأوون إليها، ويستترون فيها، وينتفعون بها سائرَ وجوهِ الانتفاع"[1].
البيت المسلم ـ إخوةَ الإسلام ـ أمانةٌ يحمِلها الزوجان، وهما أساس بنيانه ودِعامة أركانه، وبهما يُحدِّد البيتُ مسارَه، فإذا استقاما على منهج الله قولاً وعملاً وتزيَّنا بتقوى الله ظاهرا وباطنا وتجمَّلا بحسن الخلق والسيرة الطيبة غدا البيتُ مأوى النور وإشعاعَ الفضيلة، وسَطع في دنيا الناس، ليصبح منطلَق بناءِ جيل صالح وصناعة مجتمعٍ كريم وأمَّة عظيمة وحضارة راقية.
أيها الزوجان، بيتُكما قلعةٌ من قلاع هذا الدين، وكلٌّ منكما يقِف على ثغرة حتى لا يبرز إليها الأعداء. كلاكما حارسٌ للقلعة، صاحبُ القوامة في هذا البيت هو الزوج، وطاعته واجبة، قال: ((كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته))، وقال: ((والمرأة في بيت زوجها راعية وهي مسؤولة عن رعيتها)) أخرجه البخاري[2].
إن البيت النبوي ومن فيه من أمهات المؤمنين هو أسوة البيوت كلها على ظهر الأرض، فهو بيت نبويٌّ ترفّع على الرفاهية والترَف، وداوم الذكرَ والتلاوة، ورسم لحياته معالمَ واضحة، وضرَب لنفسه أروعَ الأمثلة في حياة الزهد والقناعة والرضا. خيَّر رسول الله نساءَه دون إكراهٍ بعدما أعدّهنَّ إعدادا يؤهِّلهنَّ لحياة المثل العليا والميادين الخالدة. نزلت آية التخيير تُخيِّر زوجاتِ النبي بين الحياة الدنيا وزينتِها وبين الله ورسوله والدار الآخرة: "يا أَيُّهَا النَّبِىُّ قُل لأَزْواجِكَ إِن كُنتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَواةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا فَتَعَالَيْنَ أُمَتّعْكُنَّ وَأُسَرّحْكُنَّ سَرَاحاً جَمِيلاً وَإِن كُنتُنَّ تُرِدْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الآخِرَةَ فَإِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْمُحْسِنَاتِ مِنكُنَّ أَجْراً عَظِيماً" [الأحزاب:28، 29]، قالت عائشة وكل زوجاته رضي الله عنهن كلهن: نختار الله ورسوله والدار الآخرة[3].
إن البيت المسلم الذي أقامه الرعيل الأول جعل منهجَه الإسلام قولا وعملا، صبَغ حياته بنور الإيمان، ونهَل من أخلاق القرآن، فتخرج من أكنافه نماذجُ إسلامية فريدة، كتبت أروعَ صفحات التاريخ وأشدَّها سطوعاً. خرّج البيت المسلم آنذاك للحياة الأبطالَ الشجعان، والعلماءَ الأفذاذ، والعبَّادَ الزهاد، والقادة المخلصين، والأولاد البررة، والنساءَ العابدات. هكذا هي البيوت المسلمة لما بُنِيت على أساس الإيمان والهداية، واستنارت بنور القرآن.
إن البيت المسلم التقيّ النقي حصانةٌ للفطرة من الانحراف، قال: ((ما من مولود إلا يولد على الفطرة، فأبواه يهودانه أو ينصِّرانه أو يمجِّسانه)) أخرجه البخاري[4].
يقول ابن القيم - رحمه الله -: "وأكثر الأولاد إنما جاء فسادهم من قبل الآباء وإهمالهم لهم وترك تعليمهم فرائضَ الدين وسننه، فأضاعوهم صغاراً، فلم ينتفعوا بأنفسهم، ولم ينفعوا آباءهم كباراً"[5].
ـــــــــــــــــــ(111/355)
الجدة والأحفاد عقد حب لا ينفرط
د. إكرام العدوى
الجدة الحكيمة نعمة في البيت، وخبراتها الحياتية كنز للأزواج.
تعتبر نعمة الوالدين نعمة كبيرة، فإن وجود الأبوين أو أحدهما يكون سببا في دخول الجنة لمن كان باراً بهما، وخاصة الأم التي وصانا بها رسولنا الكريم - صلى الله عليه وسلم - ثلاث مرات في حديثه الشريف.
وبعد أن تصبح جدة تزيد منزلتها ويصير رضاها عن الابن والأحفاد والزوجة فرحة كبيرة يتمناها أحفادها، ويتمنوا أن تبقى معهم دائمًا، حيث يكون وجودها بينهم رحمة، وتتنزل البركة على البيت الذي به الجدة أو الجد.
تقول هدى حسين:
جدتي كانت تعيش وحيدة في منزل عند أخوالي، وكنت أحزن لأنها تعيش بمفردها، وكم تمنيت أن أعيش معها كي أرعاها، وأستفيد من خبراتها في الحياة، فقد كانت تحبني كثيرًا، كانت تعطيني نقودًا وأنا صغيرة كلما فعلت شيئًا ترضى عنه، أو حتى يضحكها، وقد حزنت كثيرًا يوم فراقها؛ لأني كنت متعلقة بها، وأحبها كثيرًا.
وتقول دينا محمود:
تعيش جدتي وجدي في منزل قريب منا، ونتجمع نحن الأحفاد والأسرة عندها يوم الجمعة، فهو يوم جميل وسعيد بالنسبة لنا جميعًا، حيث يرى كل الأبناء والأحفاد بعضهم، ويجلسون سويًا، ويعرفون أخبار بعضهم، وتصنع لنا جدتنا ما نحبه من الطعام، وتصر على ذلك رغم وجود زوجات أبنائها وبناتها، وتجلس معنا نحن الحفيدات، وتعطينا ثمار خبراتها وتجاربها.
وقد نصحتني كثيرًا عند زواجي، واستفدت من نصائحها، فجدتي حكيمة، وواعية في فض أي اشتباك بين أبنائها أو زوجاتهم.
ويقول أيمن حسن
جدتي كانت فيضًا من الحنان، وكم دافعت عنى وأنا صغير، حينما كانت أمي تضربني، فهي راجحة العقل، وتتميز بالفهم والذكاء والصبر، وكانت سيدة المنزل وتديره بوعي وحكمة، وكان والدي يحترمها كثيرًا، ويحبها، ويشعر بأن وجودها معنا نعمة كبيرة.
أسترجع ذكرياتي:
تقول هدى عبد الله وهي جدة:
لا أستطيع أن أبعد عن أحفادي، فهم حياتي كلها، فرغم ما يفعلونه معي من مواقف كثيرة، فإنني أضحك من داخلي على أفعالهم؛ لأنهم أطفال، ويريدون أن يلهوا ويلعبوا، هم يعتبرونني صديقة لهم، فهذه المواقف والاحتكاكات نتيجة اختلاف الأجيال.
لقد عاد شبابي مع أحفادي، وشعرت بأن لي دورًا وقيمة بعد زواج أبنائي.
جدتي قدوتي
سامية عبد العظيم - صحفية
جدتي كان لها فضل كبير عليّ بعد الله - تعالى - فقد ضمتني إليها منذ السنوات الأولى من عمري، وعشت معها سنوات طويلة كانت لي فيها المربية والموجهة والحانية والراعية.
منها تعلمت المواظبة على صلاة الفجر، والتزام الدعاء، والكرم، فبرغم أنها بسيطة وغير متعلمة فقد كانت تتعامل بفطرة سليمة تلتقي مع مبادئ الإسلام وتوجيهاته الحكيمة.
ولم تكن يومًا عالة على أحد، فقد كانت تساعد في أعمال البيت - برغم كبر سنها - وتغضب إذا منعها أحد من ذلك؛ لأن لديها طاقة لا تريد تعطيلها.
وحتى عندما وصلت إلى مرحلة الجامعة ظلت ترعاني حتى أنها كانت تقدم لي وصاياها كل صباح، وكأني طفلة ذاهبة إلى الحضانة.
وعندما توفاها الله فقدنا نبعًا للخير والبركة، وعقدًا لصلة الرحم انفرط.
الجدة في الريف
تقول الدكتورة إكرام العدوى - الأستاذة بمركز الدراسات النفسية والاجتماعية بمعهد دراسات الطفولة - إن وجود الجدة في المنزل مع الوالدين ظاهرة مازالت موجودة في المجتمعات الريفية أكثر منها في المجتمعات الحضرية، فما زال الترابط الأسرى هناك موجودًا وبشكل كبير.
حيث مازالت الجدة الحماة أم الزوج هي المهيمنة على المنزل وعلى أولادها وأحفادها عكس ما هو موجود في المجتمعات الحضرية التي تكون فيها الجدة موجودة مع أبنائها وأحفادها بشكل غير مستمر.
الجدة..و الحنان
وتشير الدكتورة إكرام إلى أن وجود الجدة في المنزل مع أحفادها له إيجابياته وسلبياته، فمن الإيجابيات أنها امرأة ذات خبرة في الحياة تقدم المشورة والنصيحة إذا كانت أمًا واعية، وأحيانًا كثيرة يمكن أن تقدم الجدة حلولاً لكثير من المشكلات التي تواجه الأزواج في حياتهم نظرًا لخبرتها في الحياة، ويمكن أن تكون قد مرت بهذه المشكلة في حياتها من قبل، وبالتالي فوجودها يمكن أن يكون ذا قيمة إذا تخلصت من السيطرة والغيرة التي تكون رغبة في عدم فقد المكانة والسلطة التي كانت لها قبل زواج الأبناء.
وتوضح الدكتورة إكرام أن الجدة تلعب دورًا كبيرًا مع الأحفاد، فالمربى دائمًا يأمر وينهى، ويعاقب، لكن الجدة يحبها الطفل؛ لأنها تعطى، وتوجه، وتنصح بحب أكثر مما تعاقب، وتلبى رغباته، فالجدة هنا تستعيد مشاعر الأمومة مع الأحفاد، وكثيرًا ما يفرح الأبناء بوجودها معهم؛ لأنها تعطيهم الحنان الذي قد يكون مفتقدًا من الوالدين، فهي تغدق عليهم بحنانها، ولهذا يكون للحفيد استعداد لأن يتقبل منها أي شيء، ويقبل منها النصيحة ويسمع كلامها.
وألاحظ أن بعض الآباء والأمهات عندما يريدون توصيل شيء معين للطفل، فإنهم يلجأون للجدة، وهى بدورها توصله للطفل دون نهى أو أمر، ولكن بالحب والحنان.
تدليل زائد:
وتشير الدكتورة إكرام إلى بعض سلبيات وجود الجدة مثل التدليل الزائد الذي يؤدى في بعض الأحيان إلى إفساد الطفل.
ولذلك على الجدة أن تكون ذات وعى تربوي كي تشارك في تربية الأحفاد، وتسهم بخبرتها التربوية معهم.
وعن أهمية الحكاية (الحدوتة) التي ترويها الجدة للأحفاد تقول الدكتورة إكرام: إنها تعد معلمة للطفل، ولها مذاقها الخاص الحميم رغم حواديت التليفزيون وغيره.
فالجدة تقدم لأحفادها القيم والسلوكيات بالحكاية وغيرها بشكل تلقائي، فعندما يرى الحفيد الجدة تصلى، فهو يصلى مثلها، وتختزن في ذاكرته صورتها وهى تسبح وتدعو فيفعل مثلما تفعل.
http://www.islamweb.net المصدر:
ـــــــــــــــــــ(111/356)