أطفال الشوارع .. ظاهرة تحتاج إلى حل!
سهير الجبرتي 10/1/1428
29/01/2007
تفاقمت بشكل خطير خلال الفترة الأخيرة مشكلة أطفال الشوارع في الكثير من بلادنا العربية، وقد سارعت الكثير من المؤسسات الإسلامية للحد من تلك الظاهرة، ولما ينتج عنها من مشاكل كثيرة تساهم في حرمان شريحة كبيرة من هؤلاء الأطفال في إشباع حاجاتهم النفسية والاجتماعية، وأطفال الشوارع .. ظاهرة عالمية للأسف الشديد؛ فقد أثبتت الإحصاءات العالمية أن هناك من (100 - 150) مليون طفل يهيمون في الشوارع، بينما أكدت إحصائية صدرت عن المجلس العربي للطفولة والتنمية العام الماضي أن أطفال الشوارع في العالم العربي يتراوح عددهم ما بين (7 -10) ملايين طفل عربي في الشارع؛ إذ تشير تقديرات منظمة الصحة العالمية إلى أن أطفال الشوارع في مصر وحدها يزيدون على مليون طفل مشرد، فيما تقدرها مصادر أخرى فيما بين (900 ألف ومليون ونصف طفل).
ووفقا لدراسة أعدها المركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية بمصر، فقد وصل عدد المودَعين في مؤسسات الأحداث الحكومية حوالي (565) ألف طفل، ما بين مرتكب جريمة أو فاقد الأهلية وغيرهم في (27) مؤسسة لرعاية الأحداث .. وقد تم تقسيم أطفال الشوارع إلى أربع فئات .. تبدأ بفئة مطاريد البيوت، ثم فئة مطاريد الأحداث، وفئة مطاريد دور الأيتام بعد وصولهم عمر (18) سنة، وفقاً للوائح الداخلية لوزارة التضامن الاجتماعي، أما الفئة الأخيرة وهي التي ضلت الطريق في الأسواق والأماكن العامة.
وتشير دراسات أخري أجراها المركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية إلى أن مدينة القاهرة هي أكثر المدن التي ينتشر فيها المشردين معظمهم من الأطفال، حيث تأوي شوارع القاهرة 31.6% من إجمالي المشردين في مصر.
وكشف تقرير عن وضع أطفال الشوارع في القاهرة والإسكندرية بدعم من مكتب الأمم المتحدة والمعني بالمخدرات والجريمة وبرنامج الغذاء أن حوالي 66% من أطفال الشوارع الذين شملهم الاستطلاع يتناولون بانتظام عقاقير خطيرة، و80% معرضون لخطر العنف المدني من جانب مستخدميه في المجتمع وحتى أقرانه، وأن 70% منهم تسربوا من المدارس.
وعلى الرغم من عدم وجود فروق حقيقية في نشأة أطفال الشوارع من منظور الجنس، حيث الأسرة المفككة، والبيئة العشوائية المتهالكة، والظروف الاقتصادية الصعبة التي تدفعهم للخروج إلى الشارع، فإن إحصائيات مصلحة الأمن العام المصري أكدت أن ظاهرة أطفال الشوارع تتمثل غالبيتها( 92% ) في الذكور أكثر من الإناث (8%)، خاصة في المناطق الحضارية، على اعتبار أن العادات والتقاليد التي ما زالت راسخة في كثير من الأسر تمنع خروج الفتاة، وأن هروبها إلى الشارع يمس شرف الأسرة وكرامتها.
إلاّ أن الظروف الأسرية السيئة نتيجة الطلاق، أو الهجر والعيش في كنف زوج الأم أو زوجة الأب، والفقر، والأمية، والانحطاط الأخلاقي وغياب الوعي الديني للوالدين كثيرًا ما تدفع الفتاة إلى الهروب وخروجها إلى الشارع؛ حيث تتعرض لكافة أشكال الاستغلال المادي والجنسي والبدني، وتعاني من سوء المعاملة والحرمان النفسي، ومن أجل توفير لقمة العيش تمارس مجموعة من الأعمال غير الرسمية، مثل: الخدمة في المنازل، والتسوّل، وبيع السلع التافهة، والعمل في المحال العامة، وممارسة أعمال غير قانونية.
حلول عاجلة
تقول السيدة نادرة زكي- مسؤولة برنامج حماية الطفل في منظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسيف)-: إن المدخل الصحيح للتعامل مع ظاهرة أطفال الشوارع يقتضي الاعتراف أولاً بحقوق الطفل، والعمل على كفالة هذه الحقوق لجميع الأطفال خاصة الذين يعيشون في ظروف صعبة.
خاصة أن الوضع الحالي لأطفال الشوارع يُعدّ انتهاكًا صريحًا لجميع الحقوق المنصوص عليها في اتفاقية حقوق الطفل، على الرغم من الجهود العديدة المبذولة للتعامل مع هذه الظاهرة إلاّ أن المشكلة متشعبة، وتتطلب جهودًا متكاملة ذات رؤية طويلة المدى، خاصة أن هناك إستراتيجية قومية معلنة من عام 2003، ومتضمنة تحديدًا لأدوار ومسؤوليات مختلف الأطراف، لذلك نحن نطالب أولاً بالتعامل مع ظاهرة أطفال الشوارع من منظور اجتماعي إصلاحي وديني وليس أمنيًا وعقابيًا.
وإنشاء نظام اجتماعي يقوم على تفعيل آلية لرصد الأطفال المعرضين للخطر، والتدخل المبكر لحمايتهم وأسرهم من كافة أشكال العنف والاستغلال، وكذلك حماية الأطفال المتسربين من التعليم، والذين يتعرضون لعنف داخل الأسر أو المدارس، وضحايا الأسر المفككة والعاملين في سن مبكرة، وفي بيئة عمل غير آمنة.. والذين ينتمون إلى أسر ذات وضع اقتصادي متدن؛ لأن كل هذه العوامل تؤدي بدورها إلى نزوح الطفل إلى الشارع.
بالإضافة إلى ضرورة تطوير البرامج في بلادنا العربية مثل: مكافحة الفقر وتحسين وضع مكاتب الاستشارات الأسرية، وتفعيل نظام الضمان الاجتماعي، وإنشاء مراكز تأهيل مهني ونفسي واجتماعي للأطفال.
مع ضرورة حماية الأطفال الموجودين في الشارع من خلال التعامل معهم في الشارع نفسه؛ لتفادي المخاطر التي يتعرضون لها، وجذبهم تدريجيًا إلى الرجوع إلى أسرهم أو تشجيعهم على ارتياد المؤسسات الاجتماعية في حالة عدم التمكن من إعادتهم إلى أسرهم أو لأسر بديلة.
ـ تفعيل دور الإعلام لرفع الوعي وإثارة الرأي العام بأهمية التصدي للمشكلة في مرحلة مبكرة وعدم عدّ هؤلاء الأطفال مجرمين، بل ضحايا يستحقون الرعاية أكثر مما يستحقون الإدانة.
دورنا الأساس يتطلب التخلص من السلبية التي نعاني منها والنظر إلى هؤلاء الأطفال على أنهم ضحايا، وليسوا مجرمين.
مهن أطفال الشوارع
ويؤكد الدكتور أحمد وهدان أستاذ الاجتماع بالمركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية أن الأعمال التي يقوم بها هؤلاء في الشوارع هي بيع السلع التافهة، والتسول وجمع القمامة والورق، ومسح زجاج السيارات، والانضمام إلى العصابات الإجرامية.
وأما المهن التي يعمل بها أطفال الشوارع فهي: 40% منهم يبيع مناديل، و20% تسول، و11.5% مسح سيارات، و4% لا يعمل، و24% منهم يسرق قوت يومهم. .. لافتاً إلى إصابة هؤلاء الأطفال بالإحباط والاضطراب والخلل في وظيفة الأمومة والأبوة والحرمان من الأسرة الذي يجعلهم أكثر عدوانية.
ويحدد د.أحمد وهدان أماكن انتشار أطفال الشوارع بأنهم ينتشرون في مواقف سيارات النقل الجماعي، والحدائق العامة، ومترو الأنفاق، وبجوار المساجد ومواقف الأتوبيسات، وأسفل الكباري العلوية، وأمام المطاعم والمنازل المهجورة والآيلة للسقوط بالمدن .. مشيراً إلى أن سن السابعة من عمر الطفل هي أخطر سن يخرج فيها للشارع؛ إذ بلغت نسبتها 29% من عدد أطفال الشوارع، وسن الثامنة بلغت نسبتها 17%، والسادسة بنسبة 16%، وتقل النسب كلما ارتفع عمر الطفل إلى السنة الثانية عشرة.
بينما يؤكد د. محسن الويشي أن 60% من أطفال الشوارع يعيشون في المدن الكبيرة في العالم، وأن هؤلاء أصيبوا بمرض العزلة الاجتماعية، وهي أخطر الأمراض التي تهدد المجتمعات الحديثة في العالم، وهذا المرض يؤدي إلى انحسار الشخص في نفسه، ويشكل خطورة على المجتمع. فطفل الشارع عندما ينعزل عن المجتمع يفقد كل الرموز التي كانت حوله، ويفقد صورته الشخصية بالنسبة للمجتمع، ويشعر بأنه مهمش، ولا قيمة له في الدنيا، ويفقد التخطيط للمستقبل، ويسير في الشوارع بلا هدف، ويفقد علاقته بالمجتمع، ويعيش في جماعات وعصابات تلتزم بأخلاقيات الشارع وتصرفات الجماعة، ويحكم كل عصابة زعيم ونواب له، وأسفل هذه الطبقة أطفال كثيرون يعيشون تحت سلطان الزعيم الكبير، ويعملون لحسابه الخاص في بيع السلع التافهة والتسول وشراء المخدرات من أجل حمايتهم من الشرطة وعصابات الشوارع.
مسؤولية المجتمع الإسلامي
ويضيف د. محسن الويشي أنه من الناحية النفسية والانفعالية فإن هذه الفئة تكون مصابه بالقلق والتبول اللا إرادي إلى جانب الحقد على المجتمع والعصبية والحرمان من أبسط حقوقهم مثل اللعب، مع الشعور بعدم الأمان والظلم.. ومن الناحية الجسدية فهؤلاء الأطفال معرضون لحوادث سيارات أو اغتصاب أو تعلم عادات سيئة. وأيضاً نلاحظ على هؤلاء الأطفال مشكلات سلوكية كالكذب والسرقة لعدم توفر الرقابة الأسرية. ومن الناحية العقلية يتدني مستوى الطموح فينحصر في توفير لقمة العيش.
ويشير الدكتور محسن إلى أن شعور هؤلاء بالنقص والحرمان قد يولّد رغبة الانتقام لديهم، لذلك فهم بحاجة إلى الاستقرار النفسي والاجتماعي والجسدي، وأن يتحرك الأفراد في المجتمع الإسلامي القائم على التكافل والتضامن الاجتماعي للاهتمام بهذه الفئة، وكذلك لابد من توفّر جهات مختصة تدرس هذه الحالات كلاً على حدة، وتقوم بإشباع حاجاتهم الأساسية ومساعدتهم.
كما أن هناك الكثير من الأطفال الذين لهم بيوت، ولكنهم يختارون البقاء في الشارع. وربما يكون السبب في ذلك هو الفقر، أو شدة الازدحام، أو التمرد على ضغوط البيت أو المدرسة أو إساءة المعاملة في المنزل، وقد يقضي هؤلاء الأطفال بعض الوقت مع أسرهم أو أقاربهم، ولكنهم يقضون الليل في الشوارع. وبعض أطفال الشوارع جزء من أسرة تعيش في الشارع، كما أن هذه الظاهرة في بعض الأحيان تُعدّ نتيجة للحروب الأهلية والنزاعات.
من يرتب غرفتك ؟!
لم تعد غرفة (البنات) في أي بيت، مجرد غرفة للنوم وتخزين الملابس فقط، بل أصبحت بالنسبة للبنات كل شيء، فهي غرفة المعيشة والمذاكرة والأكل وممارسة الهوايات واستقبال الضيوف أيضاً، وللبنات فيها لمساتهن الرقيقة وتصاميمهن الشخصية وألوانهن المرحة، مما يجعلهن يقضين أغلب ساعات يومهن فيها..
في هذا الاستطلاع السريع، أحببنا أن نعرف مدى العلاقة بين الفتاة وغرفتها، هل هي علاقة حميمة تجعل الفتاة تعتني بغرفتها كل العناية، وتضفي عليها من سحر أناملها روائع الترتيب والجمال والأناقة، أم أن البنت لا تشعر بانتماء إلى غرفتها، فتراها تسمح بدخول الخادمة إليها وتأمرها بترتيبها، أو على أقل تقدير تعتمد على والدتها في الاعتناء بغرفتها الخاصة؟ لا أخفيكن عزيزاتي البنات، أني حين استقبلتني الأخت (غادة الحسين - ثالث متوسط) في غرفتها الجميلة، أحسست حقاً بلمسات أنثوية رائعة في غرفتها، فهي أنيقة.. بسيطة.. نظيفة.. وروائح الفواكه المحببة للبنات تنبعث من أرجائها، كما أنها مليئة بأفكار رائعة لتخزين البكلات والاكسسوارات والعطور في صناديق من صنع يدها، وثمة لوحة يبدو أنها رسمتها على الحائط، والسرير مليء بالوسائد الصغيرة المطرزة يدوياً.. تقول غادة باعتزاز: أشعر أن غرفتي مملكتي، وأحب كثيراً أن أعتني بها وأرتبها وأنسق حاجياتي فيها، فهي عنوان شخصيتي وحبي للجمال، ولست أحرص على تجديد الأثاث بأسعار غالية وتحف نادرة، كلا، بل أحب الأشياء البسيطة التي تكون غالباً من صنع يدي، باستخدام خامات منزلية بسيطة، المهم هو الذوق والرغبة، ولذلك أستقبل صديقاتي في غرفتي، نقرأ المجلات و(نلعب) بأدوات الزينة ونتبادل الأحاديث في جو (بنوتي) خاص. ولما سألت الأخت (نهى الراشد ـ أولى ثانوي) عن علاقتها بغرفتها قالت: علاقة حميمة جداً، فأنا أقضي وقتي كله تقريباً في غرفتي، أذاكر وأقرأ وأسمع الأشرطة، وأحب أن أصمم أعمالاً (بالفوتوشوب) وأطبعها وأعلقها في غرفتي، كما أن لدي لوحة ملاحظات عند باب الغرفة، أعلق عليها بعض تصاميمي التي أدرج فيها فوائد نافعة وأخبار طريفة من النت، فأشعر حقاً بالثقة في نفسي وأنا أصنع جو المرح والفائدة في غرفتي، خاصة عند اجتماع قريباتي فيها. أما الأخت (رشا السليمان - أولى ثانوي) فتقول: أنا بطبعي مرتبة ودقيقة جداً، لكني دائماً مشغولة بالمذاكرة وحريصة على التفوق، ولا وقت لدي لتنسيق وتجميل الغرفة والإبداع فيها وإن كان لدي بعض الاهتمامات كهذه في الإجازة، لكن لدي قاعدة للبنات أقول فيها: محافظتك على الترتيب ووضع كل شيء في مكانه الخاص به، خاصة الملابس والأوراق، يوفر عليك كثيراً من الوقت الذي قد تمضينه في الترتيب والتنظيف بعد أيام من الفوضى، وربما فقدت أشياءك في تلك العاصفة! أما (العنود البراهيم وجميلة الحامد- ثاني متوسط): فهما تعترفان باعتمادهما التام على الأم في ترتيب الغرفة وتنسيقها، تقول العنود عن السبب: ليس لي رغبة في الترتيب بصراحة! أما جميلة، فتقول إنها تماطل في الترتيب حتى آخر الأسبوع، ثم ربما انشغلت بالزيارات، ثم يأتي الأسبوع الدراسي، وهكذا حتى ترتبها والدتها بعد محاضرات من التوبيخ! أما (جود الأحمد - ثالث ثانوي)، فتعترف أن الخادمة ترتب غرفتها، فهي أثناء اليوم، تذاكر وتأكل وتغير ملابسها وتقرأ المجلات في غرفتها، حتى تصير عند المساء في غاية الفوضى، وبالكاد تستطيع ترتيب سريرها لتنام عليه، لكنها لا تحب أن تأتي من المدرسة إلا والغرفة نظيفة، ثم تبرر عملها بعد أن سألنها هل يعجبك هذا الطبع فتقول: هكذا تعودت! ومضات للبنات: ـ الجو الهادئ والجميل، والنظافة والترتيب، تساعدك على التركيز في المذاكرة وتحسسك بالسعادة والرضا. ـ الأكل في الغرفة ليس من العادات الجيدة، فهو يغير رائحتها وربما أتسخ أثاثها بشيء من الأكل. ـ ممارسة الهوايات كالتلوين والأشغال الفنية لا يستحسن أن يكون في غرفة النوم، وإن كان ولا بد فاحرصي على وضع بلاستك تحتك، ثم سرعة رفع الأشياء عن الأطفال. ـ تجميل الغرفة لا يكون بالأثاث الغالي النادر، إنما بالبساطة والذوق والنظافة. ـ لمساتك الخاصة، من الورق والقماش والورد المجفف والعلب الصغيرة وحافظة المجلات، تضفي على غرفتك ذوقاً شخصياً رائعاً. ـ بعض البنات يأخذهن الحماس والاهتمام بالغرفة إلى إضاءة شموع فيها، كوني على حذر واحرصي على إطفائها عند خروجك من الغرفة ولو لوقت قصير. ـ احرصي على نظافة المفرش وغسله دوريا ولا تتركي الأقلام مفتوحة عليه بأي حال! ـ تذكري أن مشجب الملابس ربما يسقط يوماً إن كثرت الملابس المعلقة عليه! ـ احرصي على اتباع أسس الصحة العامة، بفتح النوافذ وتعريض الغرفة للهواء المتجدد ونور الشمس.
http://www.aldaawah.com المصدر:
ـــــــــــــــــــ(101/13)
دموع أول يوم
بدرية الغنيم 25/12/1427
15/01/2007
أحمد طفل في الرابعة من عمره وقفت أمه أمامه تصلح أزرار قميصه في أول يوم له في رياض الأطفال.
أخذ يبعد يدها بلطف ويقول: أنا.. أنا أصلحه. والأم تنظر إليه وتبتسم وتقول: لا بأس. تتركه ليصلح أزرار القميص... تعود إليه وهي ترى أنها قد تأخرت عن عملها وتقول: هل أنهيت لبس ملابسك فإذا هو يسرح شعره أمام المرآة ويقول: حالاً حالاً. نظرت إليه، وابتسمت؛ إذ إن أحد الأزرار قد أُدخل في غير مكانه، فبدا القميص منكمشاً. أصلحته والصغير يقول: لا يا ماما ... وهي تصر على إصلاحه. سكت الصغير.. قرّبت حذاءه وألبسته إياه وهو يقول: أنا سوف أربط الحبل.. وهي تقول: أنا أساعدك في ربطه. فربطت واحداً ثم انصرفت لتحمل أغراضها، وعادت للصغير وقد حنى قامته ليصلح حذاءه، و يداه المكتنزتان تجذبان حبل الحذاء، ويلتف الحبل على يده الصغيرة، ولا تستطيع أصابعه الغضة أن تكمل العقدة، وأمه تنظر إليه، وهو لا يشعر بها حتى رأى أنه ربط الحذاء رفع رأسه، ونفض يديه، وتفاجأ بوجود أمه، فأحب أن يلطف الجو وقال: أنا كبير يا ماما...!! لقد كبرت... فقد لبست ملابسي وحدي، وربطت حذائي وحدي، وسأذهب إلى المدرسة وحدي. فأجابته: أنت كبير يا بني، لكنني سأذهب معك اليوم؛ لأريك فصلك ومعلمتك وأصحابك. قال: أرجوك يا ماما، لا تفعلي..!!
أجابت: لِمَ يا بني؟
كل الأطفال يحبون اصطحاب أمهاتهم في أول يوم. قال: يا ماما، إن ابن الجيران صالح يضحك مني، ويقول: أنت صغير وسوف تبكي إذا لم تذهب أمك معك، وأنت لا تعرف أن تتصرف وحدك!!
قالت أمه: نذهب إلى المدرسة، وأتركك تدخل وحدك، وتتعرف على معلمتك كما تريد يا بني.
وعند بوابة المدرسة وضع الصغير يده الباردة باستسلام في يد أمه. وأخذ ينظر إليها، وهي تتقدم به حتى أدخلته للساحة. التفت إليها وقال: ماما، اذهبي حتى لا يراك ابن الجيران وباقي الأطفال.
قالت: يا بني، لا بأس. انظرْ أكثر الأطفال معهم أمهاتهم!!
قال: لا بأس.
أخذت الأم تحدث المعلمة وتهم بالمغادرة، ثم ضمت الصغير إلى صدرها. فإذا هو يخفي دمعة غلبته، وتزحلقت على خده الوردي. مسحت الأم دمعته، وقالت: لقد كنت مثلك حينما دخلت المدرسة، وكانت أمي معي، وبكيت قليلاً.
لكن حينما رأيت صديقاتي ومعلمتي وفصلي الجميل شعرت بالراحة، ونسيت دموعي. تبسم الصغير، ثم قالت الأم: تعال لأريك فصلك ومعلمتك. وبعد أن رأى معلمته قال لأمه: يمكنك الذهاب الآن. وعودي حالما ينتهي اليوم الدراسي، وقفي عند هذا العمود.
قالت: حسناً ثم ودعها وانصرفت.
والتفت أحمد للساحة وكانت دمعاته تسرع لبكاء كل طفل تقع عيناه عليه. وإذا أحد الأطفال صراخه يملأ المكان. التفت الصغير نحو الصوت فإذا هو صالح ابن الجيران، قد تشبث بأمه، لا يريد الدخول إلى المدرسة، ولا يريد أن يترك عباءتها من يده خشية أن تغادر المكان. وكانت الأم تعد ابنها بأنها ستبقى معه طوال اليوم، وأنها سوف تأتي له بهدية، وسوف تذهب به إلى الملاهي. كل تلك الوعود لم تُجدِ نفعاً أمام صراخه. أخذت الأم تريه بقية الأطفال و تقول: ليس هناك ما يبعث على الخوف والقلق... كلهم صغار مثلك، وهم أبطال لا يبكون، وأنا ذهبت إلى المدرسة دون أمي، ولم أبك، وكذلك بقية إخوتك. لِمَ أنت مختلف؟ وهو لا يجيبها، ولا يريد أن يكف عن البكاء. قرصته بيده، ثم أخذت تهدده بأبيه، وأنه سوف لن يتساهل معه ما لم يستجب.
زاد صراخه ورمى حقيبته.
تقدم أحمد لابن الجيران صالح، وأخذ يناديه، سكت صالح عن صراخه، والتفت فإذا هو صديقه وجاره.
قال أحمد: تعال يا صالح معي.
هدأ صالح عن البكاء، وأفلت عباءة أمه، وأخذ ينظر لصديقه وهو يتنهد. مد يده إليه وقال: تعال أريك الفصل. قبض صالح يده، والتفت إلى أمه يريد أن يتأكد من وجودها. مد الصغير يده له في المرة الثانية ثم قال: تعال معي.
وذهب به يريه حقيبته الجديدة، ويريه الفصل، وتدور بينهما لغة بريئة وحديث هامس عن هم مشترك. وفي هذه الأثناء تسللت الأم خارج المدرسة، وصالح لا يدري. ثم بعد أن أخذا جولة، وانطلق صالح في الحديث مع صديقه عاد مرة أخرى، وقال: أين أمي؟ قال أحمد: إنها في الساحة! لنذهب إليها. ذهبا إلى الساحة ولم يجدا الأم. فتجدد بكاء صالح وصراخه. ثم ألقى بنفسه على الأرض يتمرغ ويبكي حتى حضرت المعلمة وأخبرته بأن أمه قد ذهبت.
بكى الصغير بكاء المفجوع، وأخذ أحمد يمسح دموعه ويضمه إليه، ويهمس في أذنه بكلمات ويمسح التراب عن جبينه، والمعلمة تساعده في ذلك حتى شعرت أنه يرتاح لصديقه فتركتهما، حتى عالج أحمد الوضع، وأكملا يومهما.
عند الانصراف حضرت الأمهات، فعاد أحمد ووجد أمه عند العمود كما وعدت. حمل حقيبته على ظهره، وانطلق إليها مسروراً، وأخذ بيدها، وبدأ يسلسل لها الأحداث حدثاً حدثاً. أما صالح فحينما رأى أمه عاتبها بقوله: لِمَ هربت وتركتني وحدي؟ أخذت تجمع له الأعذار كعادتها. ألقى بحقيبته إليها لتحملها عنه، وانطلق أمامها إلى السيارة. وانتهى أول يوم في التمهيدي.
شتان ما بين أم تزرع الثقة في نفوس أطفالها: بإتاحة الفرصة لهم بممارسة مهام صغيرة تشعرهم بأهميتهم، وتشعرهم بقدرتهم على التصرف وحدهم، وأم تهمل ذلك بذريعة ضيق الوقت وكثرة المشاغل!! فجميل أن نتيح لهم بعض الوقت حتى يفرغوا من إنجاز مهامهم. ولا نقوم بمهامهم بدلاً عنهم... لنترك لهم الفرصة ليعتنوا بأنفسهم بوجودنا. حتى يحسنوا التصرف في غيابنا.
كما أن إشعار الطفل بأن أمر الضيق الذي هو فيه أمر طبيعي يحصل لنا، لكننا نتجاوزه أمر جيد. أما إنكاره وإبداء تفاهته، وإشعار الطفل بأنه الوحيد الذي يفعل ذلك يفقد الطفل الثقة بنفسه، ويشعره فعلاً أنه طفل مختلف، ويجب أن يعامل معاملة خاصة، وأنه بحاجة دائمة لرعاية وحنان، كما أن زيادة الضغوط النفسية على الصغير وتهديده وعدم الأخذ بالحسبان لظرف صعب يمر به قد يربّيه على العنف أو يجرّئه على إذلال غيره و إهانته واستغلال ضعفه.
وكثرة الوعود غير المنجزة تربي الطفل على الكذب وخيانة الأمانة، وتشعره دائماً بعدم الأمن، فيضعف لديه الاعتماد على نفسه، كما يقوم بالحط من شأن الآخرين، أو يقسو عليهم، وقد يعامل الوالدين بهذه القسوة.
ـــــــــــــــــــ(101/14)
العصا في تربية الأبناء ... سلوك نحو الهاوية
بشار دراغمة 21/12/1427
11/01/2007
بيوت صاخبة وأخرى يسكنها الهدوء، أبناء ثائرون وآخرون معتكفون على صمتهم، آباء لجؤوا إلى العصا في تربية أبنائهم فتحوّل ذلك إلى وبال عليهم، وانقلبت البيوت إلى بركان ثائر لا يهدأ إلاّ بمزيد من ضربات العصا، لكنه سرعان ما يثور أكثر من ذي قبل.
ضرب الأبناء أسلوب يتبعه الكثير من الآباء في تربية أبنائهم؛ معتبرين ذلك الطريق الأفضل والأقصر للوصول إلى أبناء "جيدين"، لكنهم مع مضي السنين يكتشفون عظم الخطأ الذي ارتكبوه بهذا النوع من التربية التي انعكست نتائجها بشكل سلبي على كل أفراد المنزل. وحتى على التحصيل العلمي لدى الأطفال في المدارس.
هذا في وقت ترى فيه بعض وجهات النظر أن اللجوء إلى الضرب في بعض الأحيان يكون ضرورة مثل بعض الحالات التي يمارس فيها الطفل أفعالاً خاطئة، وهو مدرك أن ما يقوم به فعل خاطئ، وبالتالي فإن الترهيب في هذا الموقف يكون مطلوباً لتجنب موقف ربما يكون أخطر في المستقبل.
عناد وعدوانية
يرى الكثير من الباحثين والمختصين في المجال النفسي أن اعتماد الضرب وسيلة وحيدة في تربية الأبناء من شأنه أن ينتج في النهاية أطفالاً عنيدين وعدوانيين في نفس الوقت.
ويقول الباحث النفسي بهاء ناصر:" الكثير من الأطفال الذين يتعرضون للضرب يحاولون ممارسة هذا السلوك على من هم أصغر منهم داخل المنزل، كما أن عادة ضرب الأبناء تعمل على إيجاد جو متوتر داخل المنزل".
ويرى ناصر أن استمرار ضرب الأبناء على كل صغيرة وكبيرة يؤثر في النهاية على سلوكهم وتصرفاتهم، وأضاف: "كما أثبتت الدراسة أن هذا النوع من الأطفال
انخفض أداؤهم التعليمي بشكل كبير جداً بفعل ما يتعرضون له من ضرب متواصل".
شخصية ضعيفة
ويوضح ناصر أن ضرب الأبناء بشكل مستمر بهدف تربيتهم ينتج في النهاية أبناء ذي شخصية ضعيفة، وغير قادرة على التعامل مع المجتمع، كما أنهم لن يكونوا قادرين على اتخاذ قرارات بمفردهم، وستكون حياتهم أشبه بالمعقدة.
وتابع قائلاً: "هذا بالإضافة إلى أن هؤلاء الأبناء قد يتحولون في مرحلة ما إلى أشخاص لا مبالين، فربما يلجأ الأب إلى ضربهم بهدف تربيتهم، لكن مع تكرار الضرب تنقلب الأمور على حالها، ويصبح الطفل لا مبالياً، وهو يدرك أن أي خطأ سيقوم به ستكون نتيجته الضرب بالعصا أو بغيرها، وينتهي الأمر، ويكون الطفل قد اعتاد على ذلك".
الثواب والعقاب
ويرى الباحثون أن الكثير من الآباء يهتمون بالعقاب، وينسون الثواب أو يتناسونه ويقول الأخصائي النفسي ماجد برهوم: إن الآباء يلجؤون إلى معاقبة أبنائهم لأنهم قاموا بأفعال خاطئة، لكنهم لا يكافئونهم إذا قاموا بأفعال أو تصرفات إيجابية. وأضاف برهوم: "وفي بعض الأحيان يعتقد الأبناء أن التصرفات الإيجابية التي قاموا بها غير هامة؛ لأنهم لم يُثابوا عليها من الآباء، وربما تعتقد فئة أخرى من الأبناء أن ما قاموا به من تصرفات إيجابية يدخل في إطار الخطأ البسيط الذي لا يُعاقب عليه بالضرب".
ويؤكد برهوم على ضرورة تنمية التصرفات الإيجابية من خلال المكافأة على تلك التصرفات وعدم اللجوء إلى العقاب وحده كوسيلة لتربية الأبناء.
موضحاً أن هناك الكثير من الطرق التي يمكن أن يعاقب بها الآباء أبناءهم بعيداً عن الضرب والعصا مثل: منع المصروف اليومي عنهم لفترة محددة، أو إلغاء زيارة كانت مفترضة أو اعتاد الأبناء عليها إلى المتنزه أو حديقة الحيوان، أو الجلوس على كرسي لمدة مثلاً عشر دقائق دون السماح له بالحركة، الغضب منه، وحرمانه من مشاهدة برنامج محبب لديه، وهناك طرق كثيرة عدا الضرب.
وتابع قائلاً: "أحيانا نلجأ إلى ضرب الأبناء بهدف منع بعض التصرفات والأخطاء، لكننا لا ندرك أننا نساهم في ظهور سلوكيات وآثار أكثر خطورة من تلك التصرفات التي كانوا يقومون بها".
إصابة بالاكتئاب
وقال برهوم: هناك دراسة أمريكية أظهرت أن الأطفال الذين يتعرضون لإيذاء بدني أو إهمال تزيد لديهم احتمالات التعرض لاكتئاب شديد في مرحلة البلوغ. وقالت الدراسة: إن الأطفال الذين تعرضوا لإيذاء بدني تزيد لديهم مخاطر الإصابة باكتئاب خطير على مدى حياتهم بنسبة 59%مقارنة مع نظرائهم من الأطفال الذين لم يتعرضوا لهذه الإساءة.
ووجدت الدراسة أن الأطفال الذين تعرضوا لإيذاء بدني أو إهمال أو الاثنين معاً كانت لديهم احتمالات أكبر للتعرض لاكتئاب شديد بعد البلوغ. وقال التقرير: "إضافة إلى ذلك فإن هذه النتائج تكشف عن أن الاكتئاب بدأ في مرحلة الطفولة عند الكثير من الأطفال
تربية الأولاد على الآداب الشرعية
عبدالرحمن بن عايد العايد
الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين ،
أما بعد :
فيا أيها الإخوة نتكلمُ في هذه الليلةِ عن موضوعِ تربية الأولادِ على الآدابِ الشرعية، وسيكونُ الكلامُ في النقاط التالية :
1- أهميةُ الموضوع.
2- مفهومُ التربية.
3- جوانبُ التربية.
4- المؤسساتُ التربوية.
5- الحثُ على تربيةِ الأولاد.
6- كيفيةُ تربية الأولاد .
7- بم يتمُ الوصولُ إلى التربية .
أولاً : أهميةُ الموضوع
التربيةُ عملٌ شاق، وجهدٍ يحتاجُ إلى وقت، وهي مهمةٌ ليست جديدة ، وهي عملٌ فاضل . وتبرزُ أهميةُ الكلام في هذا الموضوع في النقاط التالية :
1- الاقتداءُ بالرسول- صلى الله عليه وسلم- والصحابة ومن بعدهم من السلف الصالح في تربية أتباعهم، وبمعرفةِ كيفيةِ تربيتهم لأتباعهم يتمُ التعرف على كيفية تربيتنا لأولادنا.
2- الوضعُ الحالي للأمة : فالناظرُ لواقعِ الأمة يجدُ وضعاً سيئاً لم يمر عليها طوالَ الأزمنةِ المتقدمة، لقد أوشكت أن تعدم كثيرٌ من المبادئِ الإسلامية في بعض البلدان الإسلامية، وبالتربية يمكنُ معالجةُ هذا الوضع.
3- بالتربية يتمُ إيجادُ الحصانة الذاتية لدى الولد، فلا يتأثرُ بما يقابلهُ من شهوات وشبهات؛ لأنَّها تقوى مراقبته لله فلا ينتهك حرمات الله إذا خلا بها، ولا يتأثرُ بالشهوات التي تزينت في هذا العصر تزيناً عظيماً فأصبحت تأتي للمسلم ولو لم يأتها، ولا بالشبهات التي قد تطرأ على عقله .
4- التربيةُ مهمة لتحمل الشدائد والمصائب، والفتن التي قد يواجهها الولد في مستقبل حياته .
5- التربية تهيئ الولد للقيام بدوره المنوط به ؛ دوره لنفع نفسه ونفع مجتمعه وأمته.
6- تتبين أهميةُ التربيةِ من خلالِ وجودِ الحملةِ الشرسة، لإفسادِ المجتمعِ من قبل أعداء الإسلام، فوجودُ هذه الحملة لابد أن يُقابل بتربيةٍ للأولادِ حتى يستطيعوا دفعها عن أنفسهم ومجتمعهم .
7- التربيةُ تحققُ الأمنَ الفكري للولدِ، فتبعدهُ عن الغلو، وتحميهِ من الأفكارِ المضادةِ للإسلام، كالعلمانية وغيرها.
8- التربيةُ مهمةٌ لتقصيرِ المؤسساتِ التربويةِ الأخرى، في أداء وظيفتها التربويةِ كالمدرسة والمسجد .
9- إن وُجود بعضُ الأمراضِ التي انتشرت في الأمةِ سببهُ التقصيرُ في التربية أو إهمالها، فالسفورُ والتبرجُ والمخدرات والمعاكسات وغيرها انتشرت بسبب الإهمال في التربية أو التقصير فيها .
10- التربيةُ وسيلةٌ للوصول بالولد إلى المُثل العليا، كالإيثار والصبر وحبِّ الخير للآخرين .
ثانياً : مفهومُ التربية :
تنشئةُ المسلمِ وإعدادهُ إعداداً كاملا ًمن جميع جوانبه، لحياتي الدنيا والآخرة في ضوء الإسلام، وإن شئتَ قُل: هي الصياغةُ المتكاملةِ للفرد والمجتمع على وفقِ شرع الله .
ثالثاً : جوانبُ التربية :
للتربيةِ جوانب مختلفة، فُهناك التربيةُ الإيمانية، والتربية الخلقية، والتربية الجسمية، والتربية العقلية، والتربية النفسية، والتربيةُ الاجتماعية، والتربية الجنسيةِ وغيرها .
أي لابد أن نفهمَ أنَّ التربيةَ ليست قاصرةً على تربية الجسم فقط، وليست قاصرةً على تعريفِ الولدِ ببعض الأخلاقِ والآداب فقط، بل هي أوسعُ وأشمل من هذا .
رابعاً : المؤسساتُ التربوية :
التربيةُ ليست قاصرةً على الوالدين فقط، فهناك إلى جانبِ الأُسرةِ المدرسة، وهُناك المسجدُ، وهُناك التجمعاتُ الشبابيةِ سواءً صالحةً أم غيرَ صالحة، وهُناك وسائلُ الإعلام وغيرها، فكلُّ هذه المذكوراتِ يشارك في عملية التربية.
خامساً : الحثُّ على تربيةِ الأولاد :
لقد حثَّ الإسلامُ على تربيةِ الأولاد، ومحاولة وقايتهم من النارِ فقال تعالى : (( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً )) ، وقال تعالى : (( وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا )) وقال عز وجل : (( يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلادِكُمْ ))
. ومدح عبادُ الرحمن بأنَّهم يقولون : (( رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَاماً )) .
ومن السنة يقولُ- صلى الله عليه وسلم-: (( الرجل راعٍ في أهله ومسؤولٌ عن رعيته، والمرأةُ راعيةً في بيتِ زوجها ومسؤولةٌ عن رعيتها)) البخاري ومسلم. وفي الترمذي: (( لأن يؤدب الرجلُ ولده خيرٌ من أن يتصدق بصاع )) ضعيف .وفيه أيضاً (الترمذي): (( ما نحل والد ولدا من نحل أفضل من أدب حسن )) ضعيف وفي المسند : (( مروا أولادكم بالصلاة وهم أبناء سبع )) الحديث،
وعند عبد الرزاق وسعيد بن منصور : (( علموا أولادكم وأهليكم الخير وأدبوهم)).
وحرص السلفُ على تربيةِ أبنائِهم، وكانوا يتخذون لهم المُربين المتخصصين في ذلك، وأخبارهم في ذلك كثيرة .
ولاشكَّ أنَّ للتربيةِ أثرٌ كبيرٌ في صلاحِ الأولاد؛ فالأولادُ يُولدون على الفطرةِ، ثَّم يأتي دورُ التربيةِ في المحافظةِ على هذهِ الفطرة أو حرفها (( كلُّ مولودٍ يُولدُ على الفطرة، فأبواه يهودانه، أو ينصرانه، أو يمجسانه )) . والولدُ على ما عودهُ والده.
وينشأُ ناشئُ الفتيانِ منَّا *** على ما كان عوَّدهُ أبوه
ومادان الفتى بحجىً و لكن *** يعوِدهُ التدين أقربوه
والولدُ في صغرهِ أكثرُ استقبالاً واستفادةً من التربية .
قد ينفعُ الأدبُ الأولادَ في صغرٍ *** وليس ينفعُهم من بعده أدبُ
الغصونُ إذا عدلتها اعتدلت *** ولا يلينُ ولو لينتهُ الخشب
فالولدُ الصغير أمانةً عند والديهِ إن عوداهُ الخيرَ اعتاده، وإن عوداهُ الشرَ اعتاده .
سادساً : كيفية تربية الأولاد :
1- اختيارُ الزوجةِ الصالحة، والزوج الصالح :
اختيارُ الزوجةِ الصالحة أو الزوج الصالح، هو الخطوةُ الأولى للتربية السليمة، وتَعرفون حديث : (( إذا أتاكم من ترضون دينهُ وخُلقه فزوجوه)) , وحديث (( فاظفر بذات الدين تربت يداك )) .
2- الدعاءُ بأن يرزقهُ اللهُ ذريةً صالحة، وهذا قبلَ أن يُرزقَ بالأولاد (( رب هب لي من الصالحين )) .
3- التسميةُ عند الجماعِ للحديث (( لو أن أحدكم إذا أراد أن يأتي أهله قال : بسم الله ، اللهم جنبنا الشيطانَ وجنب الشيطان ما رزقتنا، فإنَّهُ إن قُضي بينهما ولدٌ لم يضره ُالشيطان أبداً )) .
4- ما يفعلهُ إذا رُزق بمولودٍ من مثل : الأذانُ في أذنِه وتحنيكه وحلقُ رأسه، واختيارُ الاسم الحسن له، والعقيقةُ عنهُ وختانه .
5- الدعاءُ للأولاد بالصَّلاحِ بعد وجودهم، وقد كان الأنبياءُ يهتمون بذلك، فإبراهيمُ يقول : (( وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنَامَ )) ، (( رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلاةِ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي )) , (( رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُسْلِمَةً )) .
ويقول زكريا : (( رَبِّ هَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعَاءِ)) .
6- عدم إخافةَ الصبي بالجني والظلام و الحرامي، لاسيما عند البكاء .
7- تمكينهُ من أن يُخالط الآخرين، إذا لم يُخشى عليه منهم.
8- عدمُ إهانتهِ وتحقيرهِ خُصوصاً أمامَ أخوته وأقاربه، أو الأجانب .
9- ألا يُنادى بألفاظٍ غير طيبةٍ كـ يا غبي .
10- تنبيههُ للخطأِ برفقٍ ولين، وعدمُ معاقبته إذا أخطأ أول مرة .
11- الاعتدالُ في محبةِ الولدِ، بأن تُشعرهُ بمحبتهِ مع عدم التدليل الزائد.
12- أخذُ الاحتياطات عند قدومِ الطفل الجديد.
13- يُسمحُ للطفلِ الأكبر بمساعدةِ أمِّه في إحضارِ ملابس الطفلِ الجديد، ويُسمح له بمُداعبته حتى لا يحقدَ عليه .
14- تحقيقُ العدلِ بين الأولاد.
15- عدمُ السماحِ للابن أو البنت بلبسِ البنطلون بعد عمر السابعة تقريباً .
16- فصلُ البناتِ عن البنين كلٍّ في غرفةٍ مستقلة، أو التفريقُ في المضاجعِ إن كانوا في غرفةٍ واحدة .
17- أن يُعلمَ الاستئذانَ عند الدخولِ على والديهِ وخصوصاً في غرفةِ النوم .
18- إذا كان الولدُ ينامُ عند والديهِ فليحرصا أشدَّ الحرصِ على ألاَّ يراهُما في اتصالٍ جنسي ولو كان صغيراً.
19- لا تظهر الأمُّ أمامَ أولادها وقد أبدت عن مفاتنها، بارتداءِ ثيابٍ قصيرةٍ أو شفافة، ولا تُلبس بناتها ذلك .
20- تعويدِ الولدِ على غضِ البصر .
21- لا يرى أختهُ أو تراهُ في الحمام، ولا يدخلا الحمام جميعاً .
22- تعويدهُ على عدمِ كشفِ عورته، وعدمِ السماحِ للآخرين بمشاهدتها.
23- عدمُ السماحِ له بالدخولِ إلى النساءِ في الأعراسِ والأسواق النسائية إذا كان ذكراً .
24- لا يُسمح له بمشاهدةِ الأفلامِ والصورِ الخليعةِ والمجلاتِ الهابطة، أو قراءةَ القصص الغرامية.
25- غرسُ العقيدةِ والإيمانِ في نفسه؛ وذلك بما يلي :
أ- تعليمهُ أركانَ الإيمان وأركان الإسلام، والإيمان بالأمورِ الغيبيةِ، كالقبرِ ونعيمه وعذابه، وأن هناك جنة ونار .
ب ـ تنميةُ المراقبة لله عنده (( يَا بُنَيَّ إِنَّهَا إِنْ تَكُ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ فَتَكُنْ فِي صَخْرَةٍ أَوْ فِي السَّمَاوَاتِ أَوْ فِي الْأَرْضِ يَأْتِ بِهَا اللَّهُ )) .
ج ـ لفت انتباهَهُ إلى قُدرةِ اللهِ المطلقةِ في كلِّ شيء.
إذا رأى البحرَ قال: من خلقه؟من الذي خلقَ الجبالَ العظيمةِ والحيوانات الكبيرة ؟ وهكذا .
د ـ تنميةُ محبةِ اللهِ وخوفهِ في نفسه؛ وذلك بإسداءِ كلِّ نعمةٍ إلى اللهِ، والتحذيرُ من عقابِ الله، والتخويفُ منه.
هـ ـ على الأعمالِ الصالحة، بتعليمهِ الصلواتِ والقرآن، والخشوعُ فيهما والأذكار ونحو ذلك.
و ـ قراءةُ بعض آياتِ وأحاديث الترغيبِ والترهيب، وشرح ما يتيسر.
ز ـ تسجيلهِ في حلقةٍ من حلقِ تحفيظ القرآن، ومتابعتهِ في ذلك.
ح ـ اصطحابهُ لزيارةِ المقبرة، أو زيارة المستشفى .
26- غرسُ الأخلاقِ الحميدةِ في نفسه :
أ ـ يربيهِ على الصدقِ والأمانة، والاستقامةِ والإيثار، ومساعدةِ المحتاج، وإكرامِ الضيف، وغير ذلك من الصفات الحميدةِ المعروفة .
ب ـ يربيهِ على تجنبِ الأخلاق الرديئةِ من مثل الكذب، والسبِّ والشتائم والكلمات القبيحة.
ج ـ قراءةُ بعضِ الأحاديثِ التي تُرغبُ في مكارمِ الأخلاق وتنهى عن سفا سفها .
27- تربيتهُ على مُراعاةِ حقوقِ الآخرين :
فيُربى على مُراعاةِ حقوقِ الوالدين، فلا يمشي أمامَهما ولا يناديهما بأسمائهما مجردةً هكذا، بدونِ كلمةِ أمي أو أبي، ولا يجلسُ قبلهما، ولا يتضجرُ من نصائحهما، ولا يُخالفُ أمرهما، ولا يبدأُ بالطعامِ قبلهما، وأن يدعو لهما ولا يرفع صوته أمامهما، ولا يقاطعهما أثناء الكلام، ولا يخرجُ إلا بإذنهما، ولا يزعجهما إذا كانا نائمين، ولا يمدُّ رجليه عندهما، ولا يدخلُ قبلهما، ويُلبي نداءَهما بسرعة، إلى غيرها من الآداب مع الوالدين .
وأُنبهك أيَّها الوالدُ إلى نقطةٍ وهي :لا تربطُ احترامُ ولدك لك بكثرةِ ما تعطيه، وإنَّما اربطهُ بحقكَ عليه الذي شرعه الله.
بعضُ الأمهات تطلبُ من ولدها أن يحترم أباهُ تقولُ : هو الذي اشترى لك وفعل وفعل ....)
كما يربيهِ على صلةِ الرحم، وحقِّ الجارِ، وحقِّ المُعلم، وحق الصديق، وحقِّ الكبيرِ ونحو ذلك .
28- تربيتهُ على التزام الآداب الاجتماعية فيراعي آداب الطعام وآداب السلام وآداب الاستئذان وآداب المجلس وآداب الكلام وغيرها من الآداب وليس المجال مجال ذكر هذه الآداب فبإمكانك الرجوع إلى الكتب ومعرفتها .
29- تربيتهُ على الأمرِ بالمعروفِ والنهي عن المنكر؛ ويتمُ ذلك بالتغلبِ على الخجلِ والخوف.
30- تهيئةُ المدرسةِ الصالحة، والرفقةُ الصالحة، والتعاونُ معهما في تربية الولد .
31- تربيتهُ على الثقةِ بالنفس، بتعويدهِ الجرأةِ والشجاعةِ والصراحة، وإعطاؤهُ حريةَ التصرفِ، وتحملُ المسئوليةِ، وممارسةُ الأُمور على قدرِ نموه، وأخذُ رأيهِ ومشورتهِ، وتعويدهُ على أنَّهُ لا يلزمُ أن يُؤخذ باقتراحهِ أو رأيه.
32- التربيةُ على التضحيةِ لهذه الأمة، واحتسابُ الأجرِ عند الله .
33- التربيةُ على ضبطِ النفسِ عند الغضب، وتجنبهِ أسبابَ الغضبِ إذا كان صغيراً حتى لا يصبحَ الغضبُ له عادة .
34- مراعاةُ استعداداتِ الولد: فبعضُ الأولادِ قد لا ينجحُ في الدراسة، فإذا كان الأمرُ كذلك فوجِّههُ إلى ما يمكنُ أن يحسنه، بعضُ الآباءِ يجعلُ نجاحَ الابنِ وفشله متوقفاً على نجاحهِ وفشله في الدراسة فقط، فالدراسةُ عندهُ هي الطريقُ الوحيدِ للنجاح والفشل، ولاشكَّ أنَّ هذا خطأ، فرُبما يفشلُ الابنُ في الدراسةِ ولكنَّهُ ينجحُ في شيءٍ آخر، فلابُدَّ أن تراعى استعدادات الابن.
35- تجنيبهِ الميوعةِ والانحلال والتخنث .
36- تعويدهِ على الاخشوشان وعدمُ الاستغراق في التنعم.
37- تحذيرهُ من التقليدِ الأعمى .
38- نهيهِ عن استماع الموسيقى والغناء.
39- ملءُ فراغه بما ينفعه .
40- اختيارُ الأصدقاءِ الطيبين له .
41- تعليمهُ سيرةَ الرسول _ صلى الله عليه وسلم _ وسيرة السلف الصالحِ للاقتداءِ بهم .
42- تعليمه ما يحتاجه من العلوم الشرعية والقصائد الأدبية الجميلة .
43- تعليمهُ أحكامَ البلوغ؛ فتعلم ابنك الاحتلامُ وما يترتبُ عليه، والأمُّ تُعلم بنتها أحكامَ الحيضِ، إننا نسمعُ كثيراً أسئلةً من بناتٍ حضنَ ولم يُخبرن أهليهنَّ، فحصلَ منهنَّ أخطاء، كأن تطوفُ أو تصومُ وهي حائض، ثم تسأل ماذا عليها الآن بعد أن كبُرت، ولو أنَّ الأمهات انتبهنَّ لهذهِ النقطةِ لكان عند البنتِ المعرفةِ المسبقةِ بهذا الحيضِ وأحكامه .
44- الكشفُ للولدِ عن مخططاتِ أعداءِ الإسلام.
45- الإشادةُ بحضارةِ الإسلامِ، وبثَّ روحُ الشوقِ عند الولدِ لإعادتها .
46- تعويدُ الولدِ على حفظِ الوقت .
47- التدرجُ في التأديب .
48- إيجادُ التصوراتُ الصحيحةِ عند الولد؛ فهُناك مفاهيمٌ يجبُ أن تُفهمَ الفهمُ الصحيح، إذ إنَّ الفهمُ الخاطئ لها يوقعُ في الخلل، ومن ذلك مفهومُ العبادةِ التي يحصرها كثيرٌ من المسلمين في العبادات التي لا يتعدى نفعها إلى غير فاعلها، وهذا لاشكَّ أن هذا خطأ، فالعبادةُ أشملُ من هذا، فالأمرُ بالمعروفِ والنهي عن المنكر عبادةً وليس تدخلاً في حُريات الآخرين، بعضُ الآباءِ إذا رأى ابنهُ يأمرُ بالمعروف أو ينهى عن المنكر، قال له: مالك وللناس عليك بنفسك فقط .
49- إيجادُ القنا عاتِ المتأصلةِ في النفس بالمعتقداتِ والأفكار الإسلامية، من مثل الحجاب، فتقتنعُ البنتُ به، وأنَّهُ إنِّما ترتديه امتثالاً لأمرِ الله، لا تقليداً للأُمهات، وإذا كان الشيءُ المأمورُ به شرعا،ً إنَّما يُعملُ تقليداً فقط، ويجعلُ من العاداتِ والتقاليد فقط، فإنَّه سرعان ما يترك.
وعندما أقولُ ما سبق، لا أقصدُ أنَّهُ يلزمُ أن يقتنعَ المسلمُ بتعاليم الله، وتدخلُ مزاجهُ وعقله، لا؛ لأنَّ اللهَ سُبحانه هو الذي شرع هذه التعاليم، وهو أعلمُ بما يصلحُ للناس، وليس الناسُ بعقولهم القاصرة يحكمون على هذه التعاليم، ومدى صلاحيتها لنا.
وإنَّما الذي أقصدهُ، أن يعملها الإنسانُ وهو يعلمُ أنَّها من الله، وأنَّهُ يعمُلها لله لا لغيره.
50- حثُ البالغين على الزواجِ قدر المستطاع، وتذليلُ عقباته، فإن لم يكن فيحثون على الصيام.
51- إبعادُ الأولاد عن المثيرات الجنسية .
52- تقويةُ الصلةِ بينك وبين ولدك، حتى تجعلهُ يعدُكَ صديقاً له، بالإضافةِ إلى كونك أباً، وهذا يتمُّ بالبشاشةِ معه، وممازحتهُ، وبما سبق أن ذكرنا من النقاط السابقة.
53- عدمُ إغداقِ المال عليه، بحيثُ يتوفر له المحرمات، وعدمُ التقتيرِ عليه بحيث يضطرُ إلى السرقة
54- الانتباهُ للسيارةِ وشرائها له، إذ قد تكون سبباً لانحرافه.
55- أحذر التناقض عندهم، ووفِ لهم بما تعدهم به.
56- جالسهم، واسمع لهم، وأشعرهم بأهميتهم .
57- عاقبهم إذا لزم الأمر .
58- إعانتهم على برِّك.
59 - لا تُجبر ولدك على أن يكون مثلك في الوظيفة، أنت عسكري فلابُدَّ أن يكون هو كذلك .
60 - لا تبث فيهم روحَ الخوفِ من المستقبل، وتحصرَ الرزق في الوظيفة، ولا يعني هذا إهمالُ توجيههِ وإرشاده إلى أهميةِ الدراسة .
أريدُ أن أهمس في أذنكَ همسةً قبل أن أنتقلَ إلى الفقرةِ التالية، وهي :أنت تُحبُ أن يصلحَ أولادك ويبروك، فإن أردت برهم لك فبر بوالديك.
سابعاً بم يتمُ الوصولُ إلى التربية :
أو ما الوسائلُ التي نسلُكها لتحقيق الأشياءِ المذكورةِ سابقا.
لتحقيق ما سبق نحتاجُ إلى ما يلي :
1- القدوةُ الحسنة : وهي من أقوى وسائلُ التربية تأثيراً؛ وذلك لأنَّ الولدَ ينظرُ إلى مربيهِ وماذا يعملهُ ويستفيدُ من فعله أكثر من قوله، فالولدُ إذا رأى مربيهِ ينهاهُ عن شيءٍ ثم يفعلهُ، كيف ينتهي الولد عن هذا؟ والمفترضُ أن يكونَ المربي قدوةً لمن يربيهم، فمثلا: إذا أذَّنَ أسكت للترديد مع المُؤذن، وبسرعةٍ توضأ، وخذهم معكَ للصلاة، إذا كلمَّ أحدهم في الهاتفِ لا تقُل لهم قولوا إني غيرُ موجودٍ، فتعودهم على الكذب .
والقدوةُ تكونُ في الأبوين، وفي الرفقةِ الصالحةِ، وفي المعلم.
فإذا كان أولئكَ قدوةً صالحةً لمن يُربونهم، أنتجت تربيتهم إنتاجاً سليماً صالحاً، وأمَّا إن كانوا بالعكس، ويُخالفُ قولهم فعلهم فلن يستفيدَ المُتربي منهم شيئاً إلا التناقض، وكذلك القدوةُ تكونُ في الأخِ الأكبر، ولذا ينبغي التنبهُ للمولودِ الأول، فيهتمُ بتربيتهِ اهتماماً كبيراً، لأنَّهُ سيكونُ قدوةً لأخوته الذين يأتون من بعده.
2- المراقبة والملاحظة : ينبغي ألا يغفلَ الوالدُ عن ولدهِ، بل يلاحظهُ ويراقبهُ دون أن يشعر الولدُ، سواءً كان الولدُ ابناً أو بنتاً، فيراقبُ ذهابهُ للمدرسةِ ورجوعه منها، ويراقبُ كتبهُ ومكتبته، وأدراجهِ وغيرَ ذلك، وليكُن هذا بشكلٍ سريٍ جداً ،ولا أقصدُ بالمراقبةِ أن تكون مجهراً على تصرفاتهما، ولكن المطلوبُ عدمُ الغفلةِ، وأيضاً أن تكونَ المراقبةُ من بعدِ دون أن يشعر الولدُ بهذا.(101/15)
3- التحذير : يحذرهُ من المعاصي على مختلفِ أنواعها التي يمكنُ أن يقعَ فيها، ويحذِّرهُ من الشرِّ وأهله، وأسبابِ الوقوع فيه، وأساليبُ أهلهِ في إيقاع غيرهم فيه، كأن يُحذِّر ابنتهُ عندما تسمع معاكساً أن تردَّ عليه، أو أن تفتحَ لهُ مجالاً ليكلمها، بل تُعلم أن تُغلق السماعةَ مباشرة.
4- التلقين : بأن يُلقنهُ مثلاً السورِ من القرآن، وبعضَ الأحاديثِ والأدعية والأذكار، وماذا يقول لوالديهِ إذا رآهما؟ وماذا يقولُ للضيفِ إذا قدم وهكذا؟!.
5- لتعويد : أن يعودهُ على ما يُريد؛ يعودهُ أنَّهُ يُبكر إلى الصلاة، يعودهُ على أن الاثنين يصام، يعودهُ مثلاً على القيام قبل الفجر ولو قليلاً ، يعودهُ على أنَّهُ يقرأُ القرآن يومياً وهكذا .
6- الترغيبُ والترهيب : بأن يُشجعه أحياناً بالكلمة الطيبة، وبالهدية أحياناً، وقد يلجأُ إلى ترهيبهِ وإخافتهِ من فعل شيءٍ أو ترك شيء .
7- الموعظة : يعظهُ بأسلوبٍ جيد، كأن يبدأَ بالاستعطاف؛ يا بُني ويا بنتي، وربَّما يقصُّ عليه قصةً فيها عبرةٌ وعظة، وربَّما يستعملُ معه السؤالُ والجواب؛ كأن يقولَ ألا تريدُ الجنة، ألا تخافُ من النار، ويمكنهُ أن يغتنمَ المناسبات، ويستفيدَ من المواقف، كأن يرى زحاماً شديداً فيذكرهُ بالقيامةِ، أو يراهُ فرحاً بنتيجةِ الامتحان فيقولُ له مثلاً : وإن شاء الله ستفرحُ في الآخرة أيضاً مادُمت تُطيعُ الله، وهكذا، وينبغي الاقتصادُ في الموعظة وعدمُ الإكثارُ منها لئلا يملَّ الولد.
8- القراءة : سواءً تقرأ عليهِ وعلى الأسرةِ شيئاً مفيداً من مثل سيرةَ الرسول _ صلى الله عليه وسلم _ وسيرةَ السلف الصالح، أو بعضَ القصصِ المُفيدةِ ونحو ذلك، أو هو يقرأُ بتشجيعٍ منك، وتوفيرٌ للكتب .
9- زرعُ مراقبةِ الله في نفسه : حتى يشعرُ أنَّ عليه رقيباً في كل أحواله، وبهذا يعملُ العمل الجميل ولو لم ترهُ، ويتجنبُ العمل القبيح ولو لم تره .
10- العقوبة : قد يلجأُ إليها المُربي بعد أن يستنفدَ التوجيهَُ والإرشادُ والوعظُ والهجر، وهذا الضربُ يراعى فيه التدرجُ من الأخفِ إلى الأشد، وأن لا يُعامل الولد دائماً بالعقوبة، وألا يعاقبَ من أولِ زلة، وألا يجعلَ عقوبات الأخطاء متساويةً مع اختلاف الأخطاء صغراً وكبراً، بل لابُدَّ أن تختلفَ العقوبة من خطأ لآخر . ثم يتجنبُ المواضعَ الخطرةِ كالرأس والوجه، وأيضاً لا يوكلُّ مُهمةَ الضربِ لغيرهِ، كأن يجعلَ أخاهُ الأكبرُ هو الذي يضربه، لأنَّ هذا يزرعُ بينهم العداوةَ والبغضاء، ثم إذا استقام الولدُ على الطريق فليلزم أن يبسط له الوالد، ويهشُ لهُ، ويتلطفُ معهُ، ولا يستمرُ على غضبه عليه.
11- معرفةُ طبيعة المراهق، وكيفية التعاملُ معه .
ثامناً : أخطاءٌ في تربيةِ الأولاد :
هُناك بعضُ الأخطاءِ التي يرتكبُها بعضُ المربين في تربيتهم لأولادهم، نمرُّ على شيءٍ منها بشكلٍ سريع، من هذه الأخطاء :
1- الطردُ من البيت :
قد يلجأُ بعضُ الآباءِ للتخلصِ من أذى ولده وعدم طاعتهِ له بأن يطردهُ من البيت، ويتوعدهُ بأن لا يقتربَ من البيت، ويقولُ : مادمتَ أنك لا تُطيعني، ومادمت عاصياً للهِ، فاذهب إلى من تشاء، فأنا لستُ بأبيك، وأقولُ هذهِ الطريقةُ هل هي صحيحة في هذا الزمن ؟
أيَّها الأخوة :
لنُقارنَ بين مفسدةِ جلوسهِ في البيتِ مع استمرارِ نُصحهِ وتحذيرهِ، وبين مفسدةِ طردهِ من البيت.
إذا طُرد من الذي سيؤويه ؟ بالتأكيد أن الذي سيؤويهِ أصدقاؤهُ الأشرار، وهل هؤلاءِ الأصدقاء سيلومونه ويوبخونهُ على أنَّهُ عصى والديه، وعصى قبل ذلك ربَّهُ حتى استحق الطرد ؟
الحقيقة أنَّهُ إن لم يجد التشجيعُ منهم فلن يجدَ منهم التقريع، وإذا كان معهم فلا شكَّ أن معاصيه ستزيد، قد يتعرفُ على المخدرات بدلاً من شربهِ الدخان الذي كان يضايقك، سيتعرفُ على السفرِ للخارج، سيتعرفُ على السرقةِ إذا احتاج للنقود .
أيَّها الأخوة :
إنَّ هذا العصرُ ليس كسابقه، في العصرِ السابق عصرُ الآباءِ والأجداد، لو طُردَ الولدُ من البيت فلن يذهب بعيداً عن قريته، لعدم توفرِ وسائل المواصلات، ولو وُجدت وسيلةُ مواصلات فلن يجدَ من يحملهُ إلاّ بنقودٍ ولا يملكُ هو هذه النقود، فيبقى في القريةِ، وإذا وُجد في القرية فسيجدُ من يؤنبهُ ويقرعه، ولا يجدُ من يؤويهِ مما يسببُ له الجوعُ لأنَّهُ لن يجدَ من يطعمهُ، فكلٌٌ عاجزٌ عن نفسه ومن يعول، فكيف يعولُ الآخرين ؟ ولذلك فإن طردهُ في هذه الحال سيجدي ويعطي نتيجةً بخلافِ العصر الحاضر.
وإذا عرفت هذا عرفت السبب الذي من أجلهِ يقترحُ كبارِ السن على أولادهم، أن يطردوا أولادهم من البيت إذا كانوا عاقِّين، لأنَّهم يَقيسون هذا العصر على العصر السابق.
2- تدخل الآخرين في تربيةِ الوالد لولده :
كأن يسمح الوالدُ بتدخلِ الجدِّ في تربيةِ الولد، نعم الجدُّ لهُ حقهُ واحترامهُ، ولابُدَّ أن يُربى الولدُ على طاعتهِ ومحبتهِ واحترامهِ وإجلاله، لكن تدخلُ الجدِّ قد لا يُعطي نتيجةً حسنة، وذلك لأنَّ الجدَ سيعطيك تجاربهُ وخبراته السابقة، التي قد لا تُناسبُ هذا العصر؛ مثلاً : الجدُّ يرى أنَّ الوسيلةَ الوحيدةِ لإصلاحِ الولد هي ضربهُ وعدمُ إعطائِه شيئا وهذا خطأ .
لكن لابُدَّ من التنبهِ إلى شيءٍ، وهو أن هذا الكلامُ لا يعني أن نلغي دور الجدِّ تماماً، لا، بل ليكن الاستفادةَ منهُ في الأشياءِ الصحيحة، كأن يُربي حفيدهُ على الكرمِ الذي كان موجوداً سابقاً في عهدهم أكثر من وجوده الآن، وعلى حُبِّ مساعدةِ الآخرين، ونحو ذلك من الأخلاق التي تستفادُ من الجد .
3- السفرُ بعيداً عن الأولاد ، خصوصاً في فترةِ المراهقة :
وربَّما يذهبُ بسببِ الانتداب من قبلِ العمل، أو يذهبُ مثلاً إلى مكة في رمضان ويتركُ أولاده، وربَّما يوكلُّ إلى غيرهِ مهمةُ التربية، كأن يقولُ للأخ الأكبرِ انتبه لأخوتك، وهذا خطأٌ من الوالد. إنَّ وجودَ الوالد ليس كعد مه، وهيبتهُ ليست كهيبةِ غيره، وربما في سفرك يتعرفُ أولادُكَ على أنواعٍ من المفاسد التي لا ترضاها، ولا تكتشفها أثناءَ وجودك القصير عندهم.
4-عدمُ فتح المجال للولدِ للترفيه والالتحاق مع شبابٍ صالحين :
يريدهُ دائماً في البيت، أو دائماً معه في السيارة، ورُبما ذهبَ به إلى زملائِه الكبار، الولدُ لا يرتاحُ إلا لمن هُم في سنه، وهذا ليس عيباً فيه، ولذلك فعليكَ أن تختارَ لولدك الرفقة الصالحة، التي تُعينُ ولدك وتدلهُ على الخير .
5-إرسالُ الولد للخارج بحجةِ الدراسة، مع أنه لم يتزوج، وهذا لاشك أنَّهُ خطأ إذ فيه خطرٌ على الولد، فهو إن لم ينحرف في المجتمعِ المفتوح التي تنتشر فيه المعاصي، فسيُعاني من الضغطِ الرهيبِ عليه في هذا المجتمع؛ فإذا رأى منظراً مثيراً للشهوةِ أين سيصرفها؟ هل سيعصي اللهََ أم يكبتها؟ وحصول هذا وهذا مضرٌّ به.
6- الاستهتارُ برأي الولدِ وعدم الاهتمام به:
بل رُبما أحياناً قد يقولُ لهُ : حتى أنت بدأت تتكلمُ ويكون لك رأي، الرأي الأول والأخير لي .
نعم يا أخي: لك الرأيُ والاحترام، لكن عوِّد ابنك على إبداءِ رأيه واحترامه، ولا يلزم أن يكون رأيُ الابن هو الصائب، لكن على الأقل يشعرُ أنَّ لهُ أهمية .
7- أمرهُ بالسكوتِ عند الرجال :
وهذا أحياناً قد يكونُ مفيداً إذا كان الولدُ صغيراً ولا يحسنُ الكلام، أو عندما لا يُطلبُ منه الكلام، أو لا يجدُ فرصةً للكلام فيقاطع الآخرين، لكن عندما يجدُ فرصةً للكلام دون مقاطعةِ الآخرين، وبالأخذِ بآداب الكلام، فلماذا يُمنعُ من الكلام ؟
8- أمرُ الآباءِ أبناءَهم الذكور بعدمِ رفعِ سماعةَ الهاتفِ :
إذا كانت الأمُّ قريبةً من الهاتف، وهذا فيه تحطيمٌ لشخصية الابن.
9- تحقيرُ أمهِ والاستهتارُ بها وهو يسمع :
لأنَّهُ في هذه الحالةِ إمَّا أن يكرهك لأنَّكَ احتقرت أُمه، وأنت في موضعِ قوةٍ وأُمهُ ظهرت في موضعِ ضعف، ويظهرُ له أنَّها المظلومة، أو أنَّهُ يكتسبُ هذه الصفةُ منك، فلا يحترمُ أُمه، وبالتالي فلا يطيعها في سبيلِ تربيته، فتكونُ أنت الخاسر إذا فقدت مساعدةَ الأم في تربيته .
10- تعييرهُ بأخواله :
كأن يتندرَ الأبُ بأخوالِ ابنهِ، ويتهمهم بعدمِ الرجولةِ ونحو ذلك، وهذا خطأٌ وينطبقُ عليه الكلامُ السابق.
11-عدمُ احترام أصدقائِه، وإذا كلموا في الهاتف قال لهم : إن فلاناً غيرَ موجود، مع أنَّ الابن يسمعُ هذا، إن كانوا أصدقاءَ سُوءٍ فنعم، وتُخبر الولد بسببِ تصرفك هذا، وتقنعهُ بهذا الأسلوب . وبالنسبةِ للبنت تُعلم وتُقنع بأن إطالةَ الكلام في الهاتف مع صديقاتها غير جيد، وتُحذر من هذا بأسلوبٍ حكيم، كأن يقولُ: يا ابنتي، عندما تطيلين المكالمةِ رُبَّما يُكلمنا أحدٌ فيجدُ الخطَّ مشغولاً، ظنَّ أن هُناك من يُغازلُ بهذا البيت، فيؤذينا بالاتصال وهكذا .
12- استخدامُ الضربِ مع أولِّ زلةٍ أو خطأ دون توجيه وإرشاد.
13- توحيدُ الضربِ في أي خطأ :
والمفترضُ أن يكون لكلِّ خطأٍ ما يناسبه من الضرب .
14- استمرارُ هجرهِ بعد أن صلحت حالهُ أو قدَّمَ اعتذاره .
15- تركُ إيقاظهِ للصلاة وإهمالهِ بحجةِ هجره .
16-المفاضلةُ بين الأولادِ :
وذلك بالمقارنةِ السيئةِ بينهم، كأن يصفَ أحدهم بالذكاءِ والآخر بالغباء، أو يهتمُّ بأحدهم ويهملُ الآخرين، فهذا مثلاً يُعطى ويُداعب ويُقبّل ويُحمل والآخر لا، أو بالإعفاءِ عن هفوةِ الولد المحبوب ومعاقبة الآخر.
17- الكذبُ على الطفلِ بحجةِ إسكاته من البكاءِ، أو لترغيبهِ في أمرٍ :
كأن يقول : اسكت وأذهبُ بك إلى المكان الفلاني، وأشتري لك الشيء الفلاني، ولا يفي بذلك فيعُودُ الطفلَ على الكذب وإخلاف الوعد.
18- الدفاعُ عن الولدِ بحضرته :
كأن تُدافعَ الأمُّ عن ولدها عندما يلومُهُ أبوهُ، وتقولُ هو أفضلُ من غيره، هذا الكلامُ لا يصلحُ عندما يكونُ الولدُ يسمع .
19- المبالغة في إحسانِ الظنِّ بالولد :
مما يُؤدي إلى الغفلةِ عنه.
20- المبالغة في إساءةِ الظنِّ بالولدِ :
مما يجعلهُ رُبَّما تجرأَ على المعصية.
تاسعاً : مظاهرُ غير مرغوبةً في الأولاد :
هذه المظاهرُ إمَّا أن تكون غيرَ مرغوبةً شرعاً أو غير مرغوبة طبعاً، من هذه المظاهر :
1- الخوفُ والجبن : بحيث لا يصعدُ للدورِ الثاني إلا ومعهُ أحد، ولا يستطيعُ أن ينامَ إلاَّ والنورُ مفتوح، وهذا قد يكونُ بسببُ إخافةِ أُمهِ له عند بكائِه بالجني أو الحرامي، أو يكونُ السبب الدلالُ الزائد له.
2- الشعورُ بالنقصِ بسببِ كثرةِ التحقيرِ له وإهانته، أو بسبب عاهةٍ جسديةٍ فيه، أو بسببِ عدمِ تحميله المسؤوليةِ وتعويده على الثقة بالنفس.
3-الخجل: بحيث لا يجرؤُ على الكلامِ ولا يُطيق مشاهدة الأجانب، ولذا يُعوَدُ الطفلُ على الاجتماع بالناسِ، ويُمكن أن يأخذهُ أبوهُ معهُ في زيارةِ الأقارب .
والخجلُ أيَّها الأخوة غير الحياء ؛ فالحياءُ محمود، وأما الخجلُ فهو انكماشُ الولدِ وانطواؤهِ عن ملاقاةِ الآخرين، وليس من الخجلِ أن تعودَ الطفلُ على عدمِِ مقاطعةِ الكبير، أو تعودهُ على عدمِ الجرأةِ على المعصية .
4- سرعةُ الغضبِ : يغضبُ الولدُ لأيِّ سبب، والذي ينبغي أن يُجنب الولدُ الغضبَ في بدايةِ حياته حتى لا يصبح لهُ عادة .
5- عدمُ احترامِ العاداتِ والتقاليدِ التي اعتاد أهلُها عليها وليست مخالفةً للشرع .
6-الحسدُ لأخوته : وذلكَ لأنَّهُ يخافُ أن يفقدَ دلالهُ وامتيازاته إذا ما جاءَ مولودٌ جديد، أو لتفضيل أخوته عليه.
7- الميوعة : وهذه من أقبحِ المظاهرِ التي انتشرت، تجدُ الابنُ يتخنفس في مظهرهِ، ويتخلعَ في مشيتهِ، ويتميع في منطقه .
8- عقوقُ الوالدين : وقد انتشرت في هذا العصر، فعدمُ تلبيةِ طلبات الوالدين، وعدمُ احترامهم وتقديرهم أصبح شيئاً معتاداً عند بعض الأولاد .
أحياناً تجدُ الأب عندهُ ضيوفٌ وقد تعبَ في استقبالهم، وإحضار القهوة والشاي ونحو ذلك، والولد إمَّا مع أصدقائهِ أو عند المباراة أو نائم .
عموماً ليس المجالُ هُنا مجالٌ للكلام عن هذه الظاهرة، وإنَّما هي إشارةٌ سريعة.
9-عدمُ حفظِ الفرج :
سواءً وقوعهُ في زنا أو لواطٍ أو العادة السريةِ، وهذا ناتجٌ عن قوةِ الشهوةِ عند الشاب، وما يتعرضُ لهُ من مثيراتٍ جنسية، من أفلامٍ وصورٍ، بل وحقيقةً من وجودِ نساءٍ سافرات، وأحياناً معاكِساتٍ على الهاتف.
10-الكذب : بعضُ الأولادِ يكذبُ ويُكثر من ذلك، وقد يكونُ والداهُ سبباً في ذلك، إمَّا بأن يكون قدوةً لهُ في ذلك، أو لأنَّهما يضطرونهُ إلى ذلك، كأن يعتادَ منهما أنَّهما يُعاقبانه عقاباً عسيراً على كلِّ شيء، فيضطرُ إلى الكذبِ تهرباً من ذلك .
11-السبُّ والشتمُ : تجدُ بعضُ الآباءِ يعودُ ولدهُ على ذلك منذُ الصغرِ، فيقولُ للصغيرِ سب واشتم هذا، وذلك ليضحك الآخرين ويستملحُ ذلك .
وقد يكتسبها الولدُ من والديه، إذا كانا سبابين أو شتَّامين، وقد يكتسبها من رفقائهِ أو أصدقائه.
12- السرقة : إذا وجدت معه شيئاً غريباً فاسألهُ ما مصدره، وحاول أن تُحققَ معه بطريقةٍ جيدة ، من الذي أعطاك هذا ؟
13-التدخين: وهي عادةٌ ضارةٌ مالياً وبدنياً، يسقطُ بها الولدُ لإهمال الوالدين وللرفقة السيئة، وأعظم منها السقوطُ في المخدرات، وهي مثلُ التدخينِ من ناحيةِ أسبابها، فإهمالُ الوالدين، والرفقةُ السيئةِ لها الدورُ الكبير في ذلك.
14- السهرُ بالليل والنومُ في النهار خصوصاً في الإجازات.
15- حُبُّ التسيب والتسكعِ في الأسواق، وكثرةُ الدوران على السيارة.
16- المعاكساتُ الهاتفية و في الأسواق .
عاشراً: أسبابُ انحرافِ الأولاد :
1- الإهمالُ في تربيةِ الولد أو التقصيرِ فيها ، أو الخطأ في طريقة التربية.
فإمَّا إن يُهملَ الوالدان تربيةَ ولدهما ويتخليان عن ذلك، أو التقصيرُ في تربيتهِ أو يُخطئا في طريقةِ التربية، كأن يحتقراهُ أو يُهيناه، أو يتعرضُ للدلال الزائد فيسبب له فقدان الرجولةِ، وضعفُ الثقةِ بالنفس، أو يرى المفاضلةَ بينه وبين أخوته، مما يُولدُ عندهُ الحسدَ والكراهية، والانطواءَ والعقدُ النفسية.
2- النزاعُ بين الوالدين وكثرةُ الشجار بينهما ممَّا يُضايقُ الولد، لأنَّهُ لم يجد في البيت الراحةُ النفسية، والحنان العاطفي.
3- الطلاقُ : لأنَّ تَساعُدَ الوالدان في التربيةِ له دورٌ عظيم، أمَّا إذا انفردَ أحدُ الطرفين بذلك صعُب نجاحهُ وان لم يكن مستحيلاً، ومثلُ الطلاق اليتم.
4- اليتم: وهو قد يكون أشدُّ من الطلاق، لأنَّ في الطلاقِ قد يوجدُ عنده والدهُ وهو أكثرُ هيبةً من أُمهِ، أمَّا اليتيمُ فلا.
ولا يعني أنَّ وجودَ حالةُ الطلاق أو اليتم، يعني بالضرورةِ انحرافُ الولد، لا، فكم من عالمٍ من عُلماءِ المسلمين نشأ يتيماً، وإنَّما المقصودُ أنَّها قد تُسببُ الانحراف.
5- الفقر: أحياناً قد يكونُ سبباً للانحراف، لأنَّ الوالدَ مشغولٌ بلقمةِ العيش، وأيضاً الولدُ قد ينحرفُ بسبب بحثهِ عن المالِ، كأن يسرق مثلاً.
6- رفقاءُ السُوء : وهم من أقوى أسبابَ الانحراف.
7- البطالةُ والفراغ: يتركُ الدراسةَ ويتركهُ والداهُ دون عمل، وهذا يضرهُ ضرراً كبيراً،
إن الشباب والفراغ والجدة *** مفسدة للمرء أي مفسدة
8- القدوةُ السيئة : سواءً كان هذا القدوةِ الوالدين أو المعلم أو الرفقة.
9- مظاهرُ الفتنةِ والإغراء :
سواءً في الأفلامِ أو المجلات ، أو شبكات الإنترنت ، أو حتى الواقع ، وهذه أيضاً من الأسبابِ القويةِ للانحراف.
عموماً أيَّها الأخوةُ :
أيَّها الآباءُ والأمهات، نُناشدكم أشدَّ المناشدة بالاهتمامِ بتربيةِ أولادكم، وابذلوا كلَّ ما تستطيعون لأجلِّ ذلك، فلو لم يأتكم من تربيتهم إلاَّ أن تكفوا شرهم، وتبرأَ ذممُكم لكفى.
أيَّها الأخوة ُ:
الموضوعُ طويلٌ وتصعبُ الإحاطةُ به، ولكن كما قيل يكفي من القلادةِ ما أحاطَ بالعنق.
اسألُ الله- سُبحانه وتعالى- أن يُصلحَ نياتنا وذرياتنا ، (( وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَاماً)).
اللهمَّ أقر أعيننا بصلاحِ أولادِنا وأزواجنا وأقاربنا وإخواننا المسلمين.
اللهمَّ اغفر لنا ولوالدينا ولجميعِ المسلمين ، وصلى اللهُ على نبينا محمد وعلى آلهِ وصحبهِ أجمعين.
المصدر : شبكة نور الإسلام
أبناء ناصر
هناء الحمراني 12/12/1427
02/01/2007
"على الرغم من محبتي العظيمة لأحفادي..إلا أن أبناء ناصر هم الأغلى لدي..
في كل مرة أحاول فيها إخفاء هذا الحب عن أنظار أبنائي الآخرين.. يقوم أبناء ناصر بانتزاع هذا الحب من قلبي انتزاعاً.. إنهم يتسللون دون أن أشعر بهم إلا وقد اختطفوا لب قلبي.. ولذلك..قررت أن أسمح لهم بممارسة هذا الاختطاف..وقررت أن أتعامل معهم بكل عفوية..لأنهم يستحقون ذلك..
***
احتجّ بقية أبنائي:
لماذا تحبين أبناء ناصر أكثر من أبنائنا؟
***
عندما أستيقظ في الصباح.. وأتناول فطوري.. تأتي إليّ زوجة ناصر.. تحمل أبناءها..مذ كانوا في مهدهم.. تقربهم مني لأقبلهم قبلة الصباح..إنها تفهم بأنني لا أستطيع القيام لحملهم ولذا تحملهم إليّ..
تحكي لي عن طرائفهم وقصصهم التي باشروها في المساء..
تستشيرني زوجة ناصر فيما تقدمه لهم أثناء نموهم من الأطعمة..
تسألني عن رأيي فيما يرتدونه من ثياب..
وعندما تذهب.. تأخذهم معها لكي لا يعبثوا بغرفتي..ولكي لا يزعجوني إن كنت مرهقة..
كبر أولاد ناصر.. صاروا يأتون إلي ليقبلوني.. ويسألوني عن حالي.. ويحكون لي قصصهم المثيرة..
يمسك أكبرهم بقدمي ليدلكها لي.. ويظل الصغير يحكي قصة من قصصه الطويلة.. والوسطى تمد يدها نحو شالي لتضعه حول عنقها فينبهها أخوها:
- هذا لجدتي..دعيه يظل نظيفاً ومرتباً..
في العيد.. يأتي أبنائي جميعاً مهنئين.. يقبلني أبناؤهم.. ويمدون أيديهم لطلب الحلوى ككل مرة.. ولكن أبناء ناصر.. مختلفون..
فالكبير يحضر لي قطعة من القماش.. والوسطى تحمل في يدها زجاجة عطر زكي.. والصغير يقدم لي علبة من البخور الأصيل.. كل ذلك هدية لي بمناسبة العيد..
إنني أمتلك في خزانتي العديد من الأقمشة الجميلة..
وتختال على رفوفه أشكال مغرية من العطور..
وتتربع على الرف الجانبي أصناف مختلفة من البخور المعتق..
ولكن.. لأن تلك الهدايا من أحفادي.. فإن لها قيمة خاصة.. ونكهة لذيذة..
عندما أمرض.. يهتم أبنائي بصحتي.. وأجد أبناء ناصر يتحلقون حولي.. يسألونني عن حالي.. وتعبر زوجة ناصر عن مدى قلقهم قائلة:
لقد كانوا البارحة يدعون لك كثيراً.. فأنت بركة هذا البيت.. وأنت مصدر كبير لسعادتهم..
أفتلومونني إذا أحببت أبناء ناصر؟"
***
انتهت اعترافات أم ناصر.. والتي ربما لم تستمع إليها قبل اليوم.. ففي غالب الأمر يمكنك أن تنتظر من الآخرين أن يطلبوا ما يريدونه منك.. ولكن هذه لا ينطبق مطلقاً على أمك.. وأبيك.. والكبار في السن والأطفال الرضع.. والضيوف..
بل عليك أن تقدم لوالديك كلما يمكن تقديمه لإسعادهما وتقريب أبنائك إليهما..
كلما تحين كل فرصة في الحياة لإنشاء هذا التقريب.. فلا تحرم أبناءك من كنوز الحب والخبرة التي يحملها هؤلاء الكبار.. فضلاً عن أن الأجداد يتعطشون لحب أحفادهم وقربهم لهم..
***
عندما تفقد أحد أبويك.. فليس من حقك أن تنكفئ بحزنك بعيداً عن أبنائك.. دعهم يشاركونك أحزانك.. وألمك.. وحرارة الفقد.. ودع هذا الألم يتحول إلى عمل بناء في الحياة.. كدعوة طيبة بأن يرحم موتانا وموتى المسلمين..
وصدقة بريال من مصروفه اليومي..
واستفادة من نصيحة كان الجد أو الجدة يكررانها على مسمع الأحفاد..
قبل الرحيل:
غيث من الأحزان أم سيل له مدُّ /// ذاك الذي أجرى دموعاً ما لها حدُّ
فقدي لمن أحببت أمر لا أكذبه /// حمداً لربي دائما قبلٌ ومن بع
-ـــــــــــــــــــ(101/16)
عدم التوافقية ما بين البيت والمدرسة .. إلى أين ..
محمد عكروش
إن تعليم الأبناء مسئولية مشتركة بين البيت والمدرسة ولكن بدلاً من أن نجد صورة نابضة للتعاون بين الجانبين نلاحظ أن هناك حرباً غير معلنة..
فالمدرس يلوم الآباء على نقائض الطفل ويتهم البيت بأنه يدلل الأبناء والآباء يلومون المدرس ويلقون عليه مسؤولية تأخر الطفل في دراسته.
والسؤال الذي يطرح نفسه كيف يلتقي الطرفان من أجل تربية ناجحة لمستقبله? وهل لمشاغل الحياة من دور لتراخي الأهل تجاه أبنائهم?
وهل لتقصير القائمين على التربية دور في ذلك? وهل للمراهقة دور، ما تفسير ذلك?
التقينا بالمرشدة النفسية سيمونة نصر لتقول:
مراعاة حاجاتهم
لقد تخلت الأسرة عن دورها تجاه الأبناء والبنات إلى حد ما دون أن تقصد ذلك ويعود السبب إلى ظروف الحياة التي تجعل الأسرة والرجل يعمل أكثر من عمل حتى يفي بحاجات الأسرة وهذا يجعله يتغيب عن المنزل لمدة طويلة لا يتمكن خلالها من متابعة أولاده أو التحدث معهم ومراعاة حاجاتهم.
وأحياناً تقوم بهذا الدور الأم وقد يكون أكثر مما يشغلها عن أولادها أيضاً، وقد يكون السبب أحياناً على الأولاد أنفسهم الذين تشغلهم الدراسة ثم الحاسوب إن وجد وأيضاً متابعة برامج الفضائيات التي تغزو أفكار الشباب والشابات بشكل لا يقاوم.
خلق علاقة ودية
وعن التقصير الذي يعود على القائمين على المؤسسات التعليمية في التعامل مع المراهقين والمراهقات تقول سيمونة: هو تقصير تفرضه زمن الحصة الدراسية المخصصة فهو 45 دقيقة وأعداد الطلاب الكبير أحياناً فهذا يجعل المعلم أو المعلمة غير قادرة على الإطلاع على مشكلات طلابها والشعور بمعاناتهم أو خلق علاقة ودية بينها وبينهم خارج نطاق المادة المقررة فهي بالكاد تراجع الدرس الماضي وتعطي الدرس الجديد وتحل الوظائف إن وجدت. ولكن وجود المرشد في المدرسة له دور إيجابي في الإطلاع على مشكلات المراهقين ومعاناتهم والتخفيف منها والأخذ بيدهم وتقريب وجهات النظر بينهم وبين مدرسيهم وبين أهلهم أحياناً إذا تعاونوا مع الإرشاد. وما هو معروف عن مرحلة المراهقة وما تعترض مراهقينا من اضطرابات نفسية وعصبية وعقلية أرجئ تفسير ذلك. والمراهقة هي الانتقال من مرحلة الطفولة المستقرة البريئة الهادئة إلى مرحلة أكثر نضجاًًًًً ووعياً.
تقدير حدود إمكانياته :
حيث يطرأ على هذه المرحلة الجديدة التبدلات الجسمية الواضحة للذكر والأنثى وهذه تشغل المراهق إلى حد كبير حيث إنها متفاوتة من مراهق إلى آخر حسب نموه الشخصي المميز هنا.
وهنا يقارن المراهق نفسه برفاقه وأقرانه هل هو أكثر نمواً? أكثر طولاً? أسمن? أنحف من غيره وما صورته في نظر الآخرين هل هو جميل مقبول? محبب أم لا..
كما يقلق على صورته في نظر الجنس الآخر هل هو مرغوب فيه أم لا.. كما يشغله تحصيله الدراسي حيث إن منهاجه يصبح أكثر اتساعاً وصعوبة فكثيراً ما يصيبه الإحباط ويترك المدرسة لشعوره بأنه غير قادر على المتابعة بجدارة رغم أن حقيقة الأمر غير ذلك ولكنه لا يستطيع تقدير حدود إمكانياته.
قلق وشعور بعدم الأمان :
وبرأيك ما أسباب اضطرابات المراهق أيضاً - هي معاملة الأهل المذبذبة فأحياناً يقولون له أنت أصبحت شاباً وعليك أن تفعل كذا وكذا وأحياناً أخرى إذا فعل أي شيء من أفعال الشباب التي لا يرغب بها الأهل يقولون له مؤنبين أنت ما زلت صغيراً وهذه تزعج المراهق كثيراً ويتساءل بحدة هل أنا حقاً صغير أم كبير.
- وقد يكون الوضع المالي سبب الاضطرابات فلا تستطيع الأسرة تأمين المتطلبات التقنية الكثيرة للمراهق فيشعر أحياناً بعجزه أمام رفاقه الذين يملكونها.
- وقد تكون الاضطرابات ناتجة عن صراع شديد حول نوع العمل المعقول في المستقبل.
- وقد يرافق هذا الاضطرابات أحياناً اضطرابات سببها الأهل وما يترتب عليه من خلافات زوجية بين الأبوين والأجواء المشحونة بالحقد والكراهية تجعل المراهق يشعر بالقلق وعدم الشعور بالأمان.
وهذا قد يضعف اعتبار الذات عنده ويعتبر علاقة والديه السيئة نقطة ضعف عنده في اعتبار شخصه فلابد من تحميله المسؤولية والاعتراف بآرائه.
16/12/2005م
http://thawra.alwehda.gov.sy المصدر:
ـــــــــــــــــــ(101/17)
صغيري .. عندما يتأمل في ملكوت الله
منال الدغيم 29/11/1427
20/12/2006
نهر من اليقين جارٍ، يسقي القلوب بإيمان حي وتسليم راضٍ، ويملأ النفس بإجلال مهيب وتعظيم مقدس، إنه التأمل في ملكوت السماء والأرض، فيجد المؤمن في كل ورقة، وفي كل قطرة، وفي كل شعاع، وفي كل نبضة أفقاً فسيحاً من التفكر، يسمو به إلى مدارك العلا، ليهتف من أعماقه: سبحانك ربي!
وصغارنا، تلك القلوب الناشئة والنفوس الغضة، أجمل بمن يسقي جوانحها من نهر التفكر، ويضيء بصيرتها بنور التأمل، ليشتد عودها على أساس قوي من التعظيم والتسبيح، واليقين والإجلال!
ومن أعظم وأيسر السبل الموصلة إلى تعظيم الله تعالى؛ التأمل في خلق الإنسان وتكوينه، (وفي أنفسكم أفلا تبصرون)، ولذا فإن من المؤثر بحق أن يغرس الوالدان في الأبناء منذ نشأتهم، مهارات النظرة العميقة لقدرة الله تعالى في خلق الإنسان، وما وهبه من قدرات عظيمة، والتساؤل معهم بخيال خلاّق: ماذا لو كان لدينا يد واحدة؟ أو كيف سنكون لو لم يكن لدينا ركب أو أجفان أو أظافر؟ ماذا لو كانت الأصابع أقل أو أكثر؟ كيف يعمل القلب بلا كلل ولا ملل؟ وكيف ترشح الكلى الدم على الرغم من صغر حجمها؟ حتى نصل بالإجابات معهم إلى قمة الشكر لله تعالى، وذرا الإيمان به وبقدرته سبحانه!
ومن زاوية مشابهة، نجد أن صغارنا بعشقهم لعالم الحيوانات المثير خاصة في سنيهم الأولى، نجد أنهم سيستمتعون حقاً باستغلال هذا الحب في التفكر في آلاف المخلوقات المدهشة، بتنوعها، ونظامها، ورزقها، وأممها، وفوائدها للإنسان أو ضررها، وبالصراع بينها، وبجمال خلقتها أو غرابتها، محاولين ربط كل صورة مدهشة بآية تدل عليها من كتاب الله، وتسبيح البارئ جل وعلا في كل نظرة: (أفلا ينظرون إلى الإبل كيف خُلقت).
كما أن النزهات في الهواء الطلق؛ فرصة الوالدين لتدريب صغارهما على التأمل في السماء "لخلق السموات والأرض أكبر من خلق الناس" ، والجبال "وإلى الجبال كيف نصبت"، والأرض والنجوم، والأشجار، والرمال، وفضاء واسع للنظر والتسبيح!
بل إن في إمكان الوالدين حتى على مائدة الطعام،أن يثيرا نقاشاً ثرياً حول التفكر في خلق الله تعالى للنبات وما أخرجه الله تعالى من الأرض، واختلاف طعومها وألوانها وأشكالها، وكيف تُسقى من ماء واحد، فيخرج به أزواج من نبات شتى..
وليذكر الوالدان صغارهما دائما بآيات التفكر والتأمل عند كل مشهد مناسب، والوقوف عندها إن مرت بهم في السور التي يحفظونها في المدرسة أو الحلقة، وليرسخ في نفوسهم أن التأمل عبادة يؤجرون عليها، وبها الاستجابة لدعوة الله تعالى، والزيادة في اليقين والإيمان.
وليكن التأمل في ملكوت الله، دافعاً إلى تقدير الله تعالى حق قدره، فتُطاع أوامره، وتُجتنب نواهيه، ويُرجى ثوابه ويُخشى عقابه، ويعظم نظر الله تعالى إليه، فيكبر الطفل وفي نفسه هذا الوازع، قوياً في نفسه راسخاً في ذهنه، مهما تغيّرت الأحوال والظروف.
كما أن التأمل في الأنفس والآفاق، يصل بالطفل إلى نتيجة أن كل ما في الكون هو نعمة من الله علينا، فالواجب شكره تعالى وحمده، والقيام بحقه، ولتعترف ألسنتهم وقلوبهم كل صباح ومساء: "اللهم ما أصبح بي من نعمة أو بأحد من خلقك فمنك وحدك لا شريك لك، فلك الحمد ولك الشكر"..
ـــــــــــــــــــ(101/18)
صفاء الابتداء .. وقصة مؤثرة حتى البكاء !
خالد عبد اللطيف
بعد أن يبذل الوالدان جهدهما في تهيئة الصغار للمدرسة، بالتدريج والتمهيد، والوسائل المناسبة، يأتي دور المدرسة، الذي يكمل هذا التمهيد ويعززه، وإنها لأمانة ومسؤولية كبيرة في أعناق المعلمين والمعلمات، تجاه هذه الجواهر النفيسة، أمل الغد، ومستقبل الأمة.
فكم من ناشئة مباركين طاب غرسهم بفضل الله - تعالى - ثم بفضل معلمين مهرة، أتقياء، رحماء القلوب، يفتشون عن الكنوز والمواهب، ويرعونها حق رعايتها، ويرفقون بالضعيف ويقدرون له ما يناسبه! فلله درّهم، وما أجمل أثرهم!
وكم من نجباء وأفذاذ في حياة الأمة كان "صفاء الابتداء" مع معلمين أمناء أذكياء.. مرحلة مهمة في مسيرة نبوغهم، لا يزالون يذكرونها بالشكر والامتنان لهؤلاء المعلّمين!
وفي المقابل - للأسف! - كم من معلمين قساة (ما كان ينبغي أن يُوَلّوا هذه الأمانة!) يحملون بين جوانحهم عُقداً وتراكمات، فلا يلقى منهم فلذات الأكباد إلا عبوساً وجفاءً، ما لم يصل الأمر إلى ما هو أشد من الإيذاء النفسي أو البدني!
وهذه قصة مؤثرة حتى البكاء، من بيتٍ صالحٍ.. عاد الصغير واختفى عن نظر أمه، ثم اكتشفت مكانه في ركن خفي، ممسكاً بدمية يزجرها وينهرها! فتلطفت الأم إليه حتى علمت أنه يعني بها معلمه الذي قسا على براءته، وجنى على تربيته الرائعة؛ بمعاملة فظة مهينة جرحت فؤاد الصغير الذي لم يعتد مثلها من قبل. ومع ذلك لم يكن من الأم الصالحة إلا أن استجمعت قواها وراحت تسمو بمشاعر طفلها وتُعلي في نفسه قيم الخير وتهدهد القلب المسكين وتهدئ من روعه.. !
فاتقوا الله يا من وُلّيتم شيئاً من أمر هؤلاء الناشئة، وتأسوا بخير البشر - صلى الله عليه وسلم - في معاملته للصغار، ولا تعتدوا على حصاد البيوت من التربية؛ بل المأمول منكم تعزيز هذا الحصاد وتنميته. فمن خاف من نفسه ميلاً عن الحق والعدل في هذه الأمانة فليعتزلها؛ فإنها في الآخرة لمن لم يقم بحقها حسرة وندامة!
وسبحان الله! ما أعظم الفرق بين أولئك الأخيار الأبرار، صُنّاع المجد من مواهب هؤلاء الصغار، وبين غُرّاس الحقد والضغينة في نفوسهم المسكينة؛ حتى يشب الواحد منهم فلا يقول: "هذا ما جناه أبي".. ولكن: "هذا ما جناه معلمي"!
اللهم ألهم كل راعٍ تقواك فيما استرعيته، وبصّر كل ذي أمانة بمسؤوليته، واحفظ أولاد المسلمين من كيد المعتدين وجهل الجاهلين.
http://www.asyeh.com المصدر:
ـــــــــــــــــــ(101/19)
مجلة الطفل بين السطحية والترجمة
مروان الصقعبي 27/11/1427
18/12/2006
إن بناء ثقافة الطفل المسلم تستحوذ على اهتمام كثير من المفكرين والمربين الذين ُبحّت أصواتهم لإعادة صياغة ثقافة الطفل المسلم بما يناسب العصر.
إن مشكلة ثقافة الطفل العربي هي امتداد لمشكلة "الكتاب والقراءة في العالم العربي"، فما زالت عقول الأطفال تستقبل القصة والمجلة المترجمة التي لم تجد في واقع المجلات العربية والإسلامية منافساً حقيقياً لها!
إن غياب النموذج الرمز الجاذب في حكايات الأطفال جعل أطفالنا يهيمون بنماذج
لا تتعدى"البطه والفأر".
والواقع يشير إلى أن مبيعات مجلات "ديزني" المترجمة تجاوزت مبيعات مجلات
الأطفال الإسلامية والعربية بمراحل.... ولم نستطع في السنوات القريبة الماضية أن
نقلل الفارق لصالح "مجله تعتني بالطفل المسلم"؟
والحديث عن خطر المجلات المترجمة، والرسائل الخفية التي تبثها، بل والظاهرة أحياناً؟! تحتاج إلى فتح ملفات من قبل التربويين والمفكرين، ناهيك عن فقرها التربوي والأخلاقي الذي يحتاجه الطفل المسلم في هذه المرحلة خصوصاً.
ينبغي في هذه الحقبة الإعلامية السريعة، والتطور التقني السريع..أن تتجاوز أي مجله تعتني بالطفل المسلم مرحلة "سد الثغرة" فتكون مجلة الأطفال خيارًا ضعيفًا لشريحة معينه في المجتمع.
هذه المرحلة ينبغي أن تتجاوزها إلى المنافسة الحقيقية، وخاصة أن عقلية الطفل لا تعرف المجاملة، ولا تُلقي بالاً للتعاطف... فلا يجذبها إلاّ الأفضل والأجود.
إن رفع مستوى طرح المجلة، أو القصة، أو الحكاية.. لها أهميه كبيره في رفع مستوى فكر الطفل عموماً، إن استمرار"سذاجة" الطرح في قصص الأطفال لا ينبغي أن يكون هو السائد في جميع مجلات الأطفال.
ينبغي أن نمارس نوعاً من التفتيش، والتمحيص، لما سوف نطرحه لعقل الطفل المسلم..
ينبغي أن يتحول عمل مجلة للطفل المسلم إلى عمل مؤسسي يضم نخبة من المفكرين
والتربويين، بل وحتى المتخصصين الشرعيين حتى يصوغوا مجلة للطفل العربي المسلم عموماً، تكون منافسة للمجلات المترجمة الخارجية، خصوصًا إذا علمنا أنه في بلد مثل السويد الذي يُعدّ من البلدان الأوروبية المتقدمة في مجال "ثقافة الطفل".
يُنشر في السويد فقط أكثر من (1000) قصه جديدة سنوياً، تشرف الكنيسة على جزء كبير منها؟!
نحن نملك في تراثنا الإسلامي والعربي حكايات وقصصاً رائعة.. ورموزاً جذابة تدعو إلى الأخلاق الحميدة، والفضائل الكريمة لم تُستغل إلى الآن بالشكل المطلوب.
ويستطيع المؤرخون، والشرعيون، والأدباء ثم الإعلاميون أن يقوموا بمشروع جبار لمجله للطفل المسلم تكون منافساً حقيقياً للمجلات المترجمة، فتربية الطفل -كما يُقال- تبدأ قبل (20) عاماً من ولادته، وهو في النهاية لن يبقى طفلاً، بل سينطلق إلى العالم
الرحب شاباً يقود الأمة، ولن ينسى أبدًا حكايات قرأها وهو صغير.
إليك أختي المربية
خولة درويش
المقدمة:
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام علي نبي الهدى والرحمة. وبعد:
فهذه أبحاث وجيزة، كنت قد أعددتها في مناسبات مختلفة، ركزت فيها القول على تربية الأطفال خلال المرحلة الأولى من حياتهم.
وقد ابتغيت التربية الدينية المثلى لناشئتنا، مراعية أفضل السبل لغرس العادات الطيبة التي تنسجم مع تعاليم ديننا الحنيف كما فهمها سلف هذه الأمة، وخاصة بعد أن طغت عادات غربية، وتبعية عجيبة على كثير من عادات الناس وأعرافهم، وما غاب عن بالنا دور المربية، إذ أنها الأساس في العملية التربوية، فلابد أن تكون قدوة طيبة، لا يتعارض قولها مع فعلها بعيدة عن الازدواجية في تصرفاتها.
ثم أوليت اهتمامي المشكلات السلوكية التي قد تعترض الأطفال، مما يتعذر على بعض الأمهات علاجها، لنتعاون على حلها حسب أفضل الطرق التربوية، ومما أود الإشارة إليه أنني وجهت كلماتي هذه للمربية أيا كانت: إما في منزلها, أو معلمة في مدرستها.
راجية من العلي القدير أن تجد فيها ما يعينها على مهمتها..وهي مهمة ليست بالأمر اليسير... لأنها مهمة إعداد الأجيال المؤمنة.. وقد باتت الشكوى مريرة بسبب ندرة الكتابات التربوية من الوجهة الإسلامية والمنطلق العقدي، كما كان عليه سلف هذه الأمة.
وإنه لحلم يراود نفوسنا، أن نرى أسرنا المسلمة وقد أدت دورها الريادي البناء في إعداد لبنات متماسكة، ذات إيمان عميق وخلق قويم، وذوق رفيع، ونفوس مستقرة لتهيأ لحمل الرسالة السماوية، وقيادة البشرية التائهة نحو الخير والعدل، نحو الإسلام من جديد.
والله ولي التوفيق، والحمد لله رب العالمين
1- التربية الدينية للأطفال:
لقد أثبتت التجارب التربوية أن خير الوسائل لاستقامة السلوك والأخلاق هي التربية القائمة على عقيدة دينية.
ولقد تعهد السلف الصالح النشء بالتربية الإسلامية منذ نعومة أظافرهم وأوصوا بذلك المربين والآباء، لأنها هي التي تقوم الأحداث وتعودهم الأفعال الحميدة، والسعي لطلب الفضائل.
ومن هذا المنطلق نسعى جميعا لنعلم أطفالنا دين الله غضاً كما أنزله - تعالى - بعيدا عن الغلو، مستفيدين بقدر الإمكان من معطيات الحضارة التي لا تتعارض مع ديننا الحنيف.
وحيث أن التوجيه السليم يساعد الطفل على تكوين مفاهيمه تكويناً واضحاً منتظماً، لذا فالواجب اتباع أفضل السبل وأنجحها للوصول للغاية المنشودة:
1- يراعى أن يذكر اسم الله للطفل من خلال مواقف محببه سارة، كما نركز على معاني الحب والرجاء "إن الله سيحبه من أجل عمله ويدخله الجنة" ولا يحسن أن يقرن ذكره - تعالى - بالقسوة والتعذيب في سن الطفولة، فلا يكثر من الحديث عن غضب الله وعذابه وناره، وإن ذكر فهو للكافرين الذين يعصون الله.
2- توجيه الأطفال إلى الجمال في الخلق، فيشعرون بمدى عظمة الخالق وقدرته.
3- جعل الطفل يشعر بالحب "لمحبة من حوله له " فيحب الآخرين، ويحب الله - تعالى - لأنه يحبه وسخر له الكائنات.
4- إتاحة الفرصة للنمو الطبيعي بعيداً عن القيود والكوابح التي لا فائدة فيها..
5- أخذ الطفل بآداب السلوك، وتعويده الرحمة والتعاون وآداب الحديث والاستماع.، وغرس المثل الإسلامية عن طريق القدوة الحسنة. الأمر الذي يجعله يعيش في جو تسوده الفضيلة، فيقتبس من المربية كل خير.
6- الاستفادة من الفرص السانحة لتوجيه الطفل من خلال الأحداث الجارية بطريقة حكيمة تحبب من الخير وتنفر من الشر.
وكذا عدم الاستهانة بخواطر الأطفال وتساؤلاتهم مهما كانت، والإجابة الصحيحة الواعية عن استفساراتهم بصدر رحب. وبما يتناسب مع سنهم ومستوى إدراكهم. ولذلك أثر كبير في إكساب الطفل القيم والأخلاق الحميدة وتغيير سلوكه نحو الأفضل.
7- لابد من الممارسة العملية لتعويد الأطفال العادات الإسلامية التي نسعى إليها، لذا يجدر بالمربية الالتزام بها "كآداب الطعام والشراب وركوب السيارة... "وكذا ترسم بسلوكها نموذجاً إسلامياً صالحاً لتقليده وتشجع الطفل على الالتزام بخلق الإسلام ومبادئه التي بها صلاح المجتمع وبها يتمتع بأفضل ثمرات التقدم والحضارة. وتنمي عنده حب النظافة والأمانة والصدق والحب المستمد من أوامر الإسلام،.. فيعتاد أن لا يفكر إلا فيما هو نافع له ولمجتمعه فيصبح الخير أصيلاً في نفسه.
8- تستفيد المربية من القصص الهادفة سواء كانت دينية، واقعية، خيالية لتزويد أطفالها بما هو مرغوب فيه من السلوك، وتحفزهم على الالتزام به والبعد عما سواه.
وتعرض القصة بطريقة تمثيلية مؤثرة، مع إبراز الاتجاهات والقيم التي تتضمنا القصة، إذ أن الغاية منها الفائدة لا التسلية فحسب.
وعن طريق القصة والأنشودة أيضاً تغرس حب المثل العليا، والأخلاق الكريمة، التي يدعو لها الإسلام.
9- يجب أن تكون توجيهاتنا لأطفالنا مستمدة من كتاب الله - عز وجل - وسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم -، ونشعر الطفل بذلك، فيعتاد طاعة الله - تعالى - والإقتداء برسوله - صلى الله عليه وسلم - وينشأ على ذلك.
10- الاعتدال في التربية الدينية للأطفال، وعدم تحميلهم ما لا طاقة لهم به، والإسلام دين التوسط والاعتدال، فخير الأمور أوسطها، وما خير الرسول - صلى الله عليه وسلم - بين أمرين إلا اختار أيسرهما مالم يكن إثما.
ولا ننسى أن اللهو والمرح هما عالم الطفل الأصيل، فلا نرهقه بما يعاكس نموه الطبيعي والجسمي، بأن نثقل عليه التبعات، ونكثر من الكوابح التي تحرمه من حاجات الطفولة الأساسية، علما أن المغالاة في المستويات الخلقية المطلوبة، وكثرة النقد تؤدي إلى الجمود والسلبية، بل والإحساس بالإثم ".
11- يترك الطفل دون التدخل المستمر من قبل الكبار، على أن تهيأ له الأنشطة التي تتيح له الاستكشاف بنفسه حسب قدراته وإدراكه للبيئة المحيطة بها وتحرص المربية أن تجيبه إجابة ميسرة على استفساراته، وتطرح عليه أسئلة مثيرة ليجيب عليها، وفي كل ذلك تنمية لحب الاستطلاع عنده ونهوضا بملكاته. وخلال ذلك يتعود الأدب النظام والنظافة، وأداء الواجب وتحمل المسؤولية، بالقدوة الحسنة والتوجيه الرقيق الذي يكون في المجال المناسب.
12- إن تشجيع الطفل يؤثر في نفسه تأثيراً طيباً، ويحثه على بذل قصارى جهده لعمل التصرف المرغوب فيه. وتدل الدراسات أنه كلما كان ضبط سلوك الطفل وتوجيهه قائما على أساس الحب والثواب أدى ذلك إلى اكتساب السلوك السوي بطريقة أفضل، ولابد من مساعدة الطفل في تعلم حقه، ماله وما عليه، ما يصح عمله وما لا يصح، وذلك بصبر ودأب، مع إشعار الأطفال بكرامتهم ومكانتهم، مقروناً بحسن الضبط والبعد عن التدليل.
13- غرس احترام القرآن الكريم وتوقيره في قلوب الأطفال، فيشعرون بقدسيته والالتزام بأوامره. بأسلوب سهل جذاب، فيعرف الطفل أنه إذا أتقن التلاوة نال درجة الملائكة الأبرار،.. وتعويده الحرص على الالتزام بأدب التلاوة من الاستعاذة والبسملة واحترام المصحف مع حسن الاستماع. وذلك بالعيش في جو الإسلام ومفاهيمه ومبادئه، وأخيراً فالمربية تسير بهمة ووعي، بخطى ثابتة لإعداد المسلم الواعي.
والله ولي التوفيق
2- المربية القدوة:
لقد أكد المربون على أهمية مرحلة الطفولة بقولهم: "إن الطفولة صانعة المستقبل", وقد سبقهم الإسلام إلى تقرير هذا المبدأ التربوي فقد قال - صلى الله عليه وسلم -: (كل مولود يولد على الفطرة فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه).
لهذا كان واجبنا جميعاً أن نوفر لأطفالنا كل ما يؤهلهم لحياتهم المقبلة، فنعمل جاهدات على إحياء قلوبهم بمحبة الله، وإيقاظ عقولهم ومداركهم، وتمرين حواسهم، كما ونرعى نمو أجسادهم...
وباختصار نربيهم على طريقة الإسلام التي تعالج الكائن البشري كله معالجة شاملة لا تترك منه شيئاً، ولا تغفل عن شيء، جسمه وعقله وروحه. فلا تستهيني- أختي المربية- بمهمتك، فأنت تربين رجال المستقبل الذين سيرفعون من شأن الأمة ويبنون لها مجدها بإذن الله، وأنت في عملك هذا في عبادة تؤجرين عليها إن شاء الله- إن أحسنت القصد- وما تربية الأجيال إلا إعدادهم لحمل رسالة الأمة ونشر عقيدتها.
إنك تعدين النساء الفاضلات اللاتي يتمثلن مبادىء الإسلام، ويعملن بها بعزة وفخار، ويضحين برغباتهن في سبيل الله.
ولما كان للمربية الأثر الكبير في الناشئة، حيث أنها المثل الأعلى الذي يجتذب الأطفال، فيقلدوها وتنطبع أقوالها وأفعالها في أذهانهم.
لذا فلابد للمربية المسلمة أن تراقب الله - تعالى - في حركاتها وسكناتها تتعهد نفسها بالتقوى، وتحاول أن تصعد إلى القمة السامقة في تمسكها بكل ما يدعو إليه دينها، وتأخذ بيد غيرها إلى الخير الذي تسعى إليه فذلك من صميم ما يدعو إليه ديننا.
إنها قدوة لأطفالنا فلا يناقض قولها عملها، إن دعتهم لمبدأ فهي أحرص الناس على القيام به لأنها المسلمة التي تقرأ قوله - تعالى -: {كَبُرَ مَقْتًا عِندَ اللَّهِ أَن تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ}سورة الصف, وإذا دعت إلى الالتزام بالآداب الإسلامية فلا تهملها أو تغفلها:
- فهي تلتزم بتحية الإسلام، وترد على أطفالها تحيتهم بأحسن منها.
- تلزم نفسها بآداب الطعام والشراب وتعلمها أطفالها وتذكرهم بها.
- تدعوهم إلى شكر صاحب المعروف، وهي أحرص الناس على تطبيق المبدأ حتى في معاملتها لأطفالها.
- تعاملهم بأدب واحترام، ليستطيعوا احترام غيرهم في المستقبل، اقتداء بسلوك مربيتهم.
- تبتعد عن الظلم، وتسعى جاهدة لإشاعة العدل بين أطفا لها: قال - صلى الله عليه وسلم -: (اتقوا الله واعدلوا بين أولادكم). وقد كان سلفنا الصالح يستحبون التسوية بين الأطفال حتى في القبل.
- تعاملهم بالرحمة والرفق. ليكونوا في المستقبل متكافلين متعاطفين كالجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى، وعلى قدر ما يعطي الأطفال من التشجيع والثقة بالنفس والعاطفة الصادقة تستطيع النهوض بهم.
- لا تتلفظ بكلمة نابية تحاسب عليها، ولا تتكلم بكلمة جارحة قد تبقى عالقة في عقل الطفل وقلبه، وقد لا تزيلها الأيام والأعوام..
تضبط نفسها ما أمكن، فكما يسوؤها أن تسمع الأطفال يتلفظون الكلمات التي لا تليق، كذلك يجب أن تمسك لسانها وتحبسه عن قول ما لا ينبغي وما لا تحب أن يقلدها بها صغارها.
إنها تلتزم بما تدعو إليه، لأنها تسمع قول الرسول - صلى الله عليه وسلم - كالذي يقول ولا يفعل: (ويجاء، بالرجل يوم القيامة فيلقى في النار فتندلق أقتابه فيدور بها كما يدور الحمار برحاه. فيجتمع أهل النار عليه، فيقولون: فلان ما شأنك، ألست كنت تأمر بالمعروف وتنهى عق المنكر فيقول كنت آمركم بالمعروف ولا آتيه، وأنهاكم عن الشر وآتيه) رواه لبخا ري ومسلم. إننا إذ نريد أجيالاً تخلص نفسها لله، وتعمل جاهدة لرضاه، فيجب أن نكون لها القدوة الصادقة في ذلك بعملنا المخلص الدؤوب، وبعد ذلك فإن شفافية الأطفال سرعان ما تلتقط الصورة وتنفذها بالقدوة الطيبة التي تعرف قيمة الوقت ولا تضيعه والذي طالما لمسوه من مربيتهم.
ثم تركز المربية في توجيهها على ما يحبه الله ويرضاه، إن ذلك هو الهدف الحقيقي من التربية. فلا يصح أن تركز على المصلحة أثناء حثهم على العمل، ذلك لأن التعلق بالمصالح الذاتية يخرج أجيالاً أنانية بعيدة عن تحمل المسؤولية وحمل الرسالة بأمانة.
ولا مانع أثناء توجيهها من الإشارة إلى فوائد هذا العمل الذي تدعو له، لكن التركيز الفعلي يركز على مرضاة الله - تعالى -.
فالمربية الناجحة لا تهمل التشجيع، لكن التشجيع الذي لا يفسد عليها هدفها بحيث لا يكون التشجيع المادي هو الأساس، وإنما تثني عليهم وتغرس الثقة في نفوسهم وتحفزهم إلى كل عمل طيب.
إنها المربية القدوة في حسن مظهرها:
تعتني به لتظهر دائمة بمظهر جذاب يسر الطفل على أن لا يكون في ذلك سرف ومبالغة.
وهذا الأمر الذي تدعو له التربية المعاصرة قد سبق إليه الإسلام. فقد دعا الرسول الكريم - صلى الله عليه وسلم - إلى حسن المظهر بقوله: (كلوا واشربوا وتصدقوا والبسوا في غير إسراف ولا مخيلة) والتوسط في الملبس كما بين ابن عمر - رضي الله عنهما - هو: (ما لا يزدريك به السفهاء ولا يعتبك عليه الحلماء).
إن المريية القدوة في حسن إعدادها للأجيال: تعمل على تربية الطفل على طرائق التفكير المنظم، يلاحظ الظاهرة فيدرسها بالطريقة العلمية السليمة ليصل إلى النتائج، وهي طريقة الإسلام الذي يمتدح العقل والنظر والفكر... تعوده على التفكير المنطقي السليم بكونها قدوة خيرة في ذلك، تبتعد عن أحاديث الخرافة، تثير تفكيره وتربط الأسباب بمسبباتها.
وأخيراً:
لابد من صدق النية وسلامة الطريقة، نخلص لله في نياتنا ونلتمس الصواب في أعمالنا. فالغاية التي نسعى إليها تستحق أن يبذل في سعيها كل جهد.... إنه عمل يبقى لما بعد الموت.
فلنتق الله في الأمانة التي بين أيدينا... وما علينا إلا أن نسأل أنفسنا قبل أي تصرف... ما أثر ذلك على سلوك الطفل في المستقبل، فإن كان أثره إيجابياً يتناسب مع مبادىء الإسلام وغايته فلنقدم، وإلا فلنراقب الله - تعالى -ولنمتنع عنه.
ولتكن كل واحدة منا مربية قدوة في التزامها الشرعي لواجباتها الدينية.
- قدوة في كلامها العفيف.
- قدوة في عدلها ورحمتها.
- قدوة في إتقان علمها وتقدير قيمة وقتها.
- قدوة في التفكير المنطقي السليم والبعد عن الخرافة. - قدوة في البعد عن الازدواجية والتناقض بين القول والعمل.
ولعل حاجة المسلمين تكمن في تربية جادة عقدية للأجيال الناشئة، شباب المستقبل، الذي يخطط له الطريق ليسير على نهج السلف، سلف هذه الأمة الذين رفعوا لواء الإيمان والأخلاق بالدعوة إلى الله والجهاد في سبيله، فكانت لهم العزة في الدنيا والفلاح في الآخرة، وأرجو ألا يكون ذ لك عنا ببعيد.
3ـ غرس العادات الطيبة في الأطفال:
إن أهم وظائف التربية في مرحلة الطفولة إكساب الطفل مختلف العادات الصالحة إلى جانب الاتجاهات السليمة المرغوب فيها، والعادات التي نريد غرسها في الأطفال ليعملوا بها، أنماطاً من السلوك الإسلامي المتميز.
إن غرس العادة يحتاج إلى فترة زمنية غير يسيرة، فلا يكفي أن نقول للطفل اعمل كذا وكذا ثم نلتمس بعدها أن تتكون عنده العادة التي نسعى إليها. لا بد من التكرار والمتابعة، رغم أن تكوين العادة في الصغر أيسر منه في الكبر، ومن أجل ذلك أمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الآباء بتعويد أبنائهم على الصلاة قبل موعد التكليف بها بقوله: (مروا أولادكم بالصلاة وهم أبناء سبع، واضربوهم عليها وهم أبناء، عشر), رواه أبو داوود, وأحمد والدارقطني, والحاكم وإسناده حسن.
ومن هنا كانت فترة الطفولة من أنسب الفترات لتعويد الصغار آداب الطعام والشراب والجلوس والنوم والتحية والاستئذان والحديث وقضاء الحاجة.،، وغيرها.
وتعتبر القدوة الطيبة الصالحة عند المربية خير معين على تكوين العادات الطيبة، لذلك يعتبر من الأهمية بمكان التزامها بالخلق الحسن، إذ تحاسب نفسها على كل كلمة أو حركة، فلا تسمح لنفسها بالتراشق بكلمات سيئة مع الآخرين لئلا تنطبع في ذهن الطفل فيسعى إلى تقليدها. بل تعطي جهدها لتسن السنة الحسنة بحسن سلوكها، لتنال أجرها وأجر الأمانة التي بين يديها "الطفل المسلم ".
إننا حين نود غرس العادات الطيبة لا بد أن نحاول مكافأة الطفل على إحسانه القيام بعمل ما، الأمر الذي يبعث في نفسه الارتياح الوجداني وحب ذلك العمل. فالتشجيع مطلب لا غنى عنه، وهو واجب لا تغفله المربية الحكيمة فلابد من الحوافز والتشجيع لمعالجة الخ أو للنهوض بالطفل نحو الأفضل.
والتشجيع قد يكون مادية ملموسة كإعطاء الطفل لعبة أو حلوى، وقد يكون معنوياً يفرح به كالمدح والابتسام والثناء عليه أمام الأخرين.
ولا يفوتنا أن نذكر أن كثرة مدح الطفل أو التهويل في تفخيم ما أتى به من عمل بسيط، يضربه وقد يؤدي إلى نتائج عكسية.
فالشكر يجب ألا يكون إلا على عمل مجد؟ والإسلام إذ دعا إلى شكر صانع المعروف، نهى عن الإطراء والمبالغة في المدح. وهذا توجيه تربوي هام يلتزمه المربي فلا يكثر من عبارات الاستحسان لئلا تفقد قيمتها وتدخل الغرور إلى نفس الطفل، فقد يصل به الأمر إلى أن يقول مثلاً لزميله: أنا أحسن منك.
وكذلك إذا أحست المربية أن الثواب يمنع الأطفال من الإحساس بالواجب، فلا يعينون بعضهم إلا إذا أخذوا قصة... ولا يطيعون المربي إلا إذا أخذوا الحلوى.،. عندها يجب أن يتحول التشجيع إلى إلزام، وقد يضطر الأمر بالمربية إلى العقاب آنذاك.
فالعقاب: طريقة تلجأ إليها المربية عندما تخفق الطرق العادية عندها (من تعلم، وتعاون، ونظام), والعقاب ليس مرادفة للتربية حيث يظن البعض أن التربية تعني الضرب والشدة والتحقير... بينما الواجب ألا يغفل المربي عن مساعدة الناشيء للوصول إلى أقصى كمال ممكن. فيسعى إلى إسعاد الطفل وتهذيبه من غير إرهاق له ولا تدليل. فالأصل ألا يعالج المسيء بالضرب أو القسوة، وإذ يؤكد الواقع أن العقاب تقل الحاجة إليه كلما ازدادت حكمة المربية، إذ تبتعد عن الأسباب المؤدية إلى العقاب كأن تبعد الطفل عن مواقف العصيان والتمرد.
(فكيف تمنعه مثلا من إكمال لعبة يحبها وينسجم معها، ثم تحذره من العصيان؟!) لذا كانت المعاملة المبنية على الحب والعطف، لا الإرهاب والقمع، هي خير معين للوصول إلى النتائج المرجوة. وقد قال - تعالى -: {........ وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ...... } (159) سورة آل عمران.
فالمربية الناجحة تعطف على صغارها وتعالج أخطاءهم بحزم وصبر وأناة وتحمل، فلا تكون سريعة الغضب كثيرة الأوامر لئلا تفقد احترام أطفالها.
تعودهم على احترام مشاعر الآخرين وتساعدهم على معرفتها كأن تقول:
- انظر كيف ضربت جارك، (أخاك) يبكي!
- أخذت ألعابه وهو حزين!
وبذلك يتدرب الصغار على محاسبة أنفسهم فيبتعدون عن الأنانية وحب الذات وهكذا... تراعي أحوال أطفالها وتقدر العقوبة بحسب الحال.
ولا تلجأ إلى العقوبة الأشد إذا كانت الأخف كافية، فمن كان يتلقى التشجيع تكون عقوبته الكف عن التشجيع. وقد تكون الإعراض عن الطفل وعدم الرضى، وقد تكون العبوس والزجر.. إلى الحرمان من الأشياء المحببة للطفل. أما الضرب فلا ضرورة له البتة، ذلك أن من يعتاد الضرب يتبلد حسه ولن يزجره وجه عابس، ولا صوت غاضب ولا تهديد ووعيد، وكثيرا ما يعبر الأطفال عن استهانتهم بعقوبة الضرب وإقدامهم المقصود على المخالفة بقولهم "ضربة تفوت ولا أحد منها يموت ".
وأي عقوبة قد تظل شيئاً مرهوناً في بادىء الأمر، ولكنها إن تكررت كثيراً تفقد شيئاً من تأثيرها كل مرة.
ومن صفات العقوبة الناجحة:
1- أن يكون العقاب مناسباً للعمل.. فمن وسخ ينظف، ومن مزق قصة يحرم من القصص لفترة. ولا يكون من الخفة بحيث لا يجدي أو من الشدة بحيث يجرح الكبرياء.
2- أن يكون عادلاً، فإن عوقب طفل لأنه ضرب زميله، لابد وأن يعاقب من يعمل مثل ما عمل، وإن عوقب لأنه سرق متاع أخيه، لا يضحك الأهل له لأنه سرق متاع أخيه.
3- أن يكون فورياً ليتضح سبب العقاب،. فيتلو الذنب مباشرة.
4- أن يخفف بالاعتراف، ليتعود الأطفال فضيلة الصدق.
5- التدرج في إيقاع العقوبة، فيوبخ سراً في البداية لأن من اعتاده جهاراً حمله ذلك على الوقاحة وهان عليه سماع الملامة.
أما إذا وجد المربي أن الأصلح الردع لضخامة الخط، ومنعاً لمعاودته، فلا مانع من استعمال العقوبة الأشد لئلا يستهين الطفل بالذنب.
6- ألا يتوعد الطفل بما يسيء إلى المبادئ والمثل كأن يقال: إن عملت كذا سأضربك إبرة، مثلا.... (حتى لا يعتاد الخوف من الطبيب).(101/20)
7- عدم تكرار الوعيد والتوبيخ الذي لا جدوى منه، إذ يتعلم الطفل عدم الاكتراث والاستمرار في ا لعصيان.
8- البعد عن استخدام كلمة سيء، بليد وما شابه هذه الألفاظ، لئلا يعتادها الطفل فيتبلد إحساسه وكذا عدم الاستهزاء به بندائه: يا أعرج، يا أعور... أو مناداته يا كذاب، يا لص، فيتجرأ على الباطل بهذا النداء، والله - تعالى -يقول: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَومٌ مِّن قَوْمٍ عَسَى أَن يَكُونُوا خَيْرًا مِّنْهُمْ وَلَا نِسَاء مِّن نِّسَاء عَسَى أَن يَكُنَّ خَيْرًا مِّنْهُنَّ وَلَا تَلْمِزُوا أَنفُسَكُمْ وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ بِئْسَ الاِسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ وَمَن لَّمْ يَتُبْ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ} (11) سورة الحجرات.
9- عدم مناقشة مشاكل الأطفال أمام الآخرين، فالانتقاد اللاذع للطفل ومقارنته السيئة مع الآخرين خطأ فاحش يؤدي إلى إثارة الحقد والحسد، وهذا أدب علمنا إياه الإسلام، فقد كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يلمح ويعرض ولا يصرح يقول:
"ما بال أقوام! يفعلون كذا و كذ ا... "
10- أن تتحاشى المربية شكوى الطفل إلى والده أو مدرسته إلا في الحالات التي تحتاج إلى مساعدة الغير وبدون علم الطفل لئلا يفقد الثقة بها، وإذا وقع العقاب من أحد الأبوين، فالواجب أن يوافقه الآخر وكذا إن وقع من المعلمة فلا تناقض الأسرة المدرسية (من مديرة وإداريات ومعلمات) رأي المعلمة ويشعر الطفل بذلك. وإلا فلا فائدة من العقاب.
11- أن يشعر أن العقوبة لمصلحته لا للتشفي وليس سببها الغضب.
12- ألا تعطي المربية وعوداً بالثواب بأشياء لا تستطيع الوفاء بها، وإلا لن تنفعها النصائح والتوصيات المتوالية بالصدق.
أما التهديد فلا ضرر بعده من عدم تنفيذ العقاب وإنما يمكن أن يستتاب الطفل دون تنفيذ التهديد بشرط واحد، هو ألا يعتقد الطفل أن التهديد لمجرد التهديد لا للتنفيذ، فينبغي أن ينفذ التهديد أحياناً حتى يعتاد الطفل احترام أقوال المربية.
13- الاهتمام بالثواب أكثر من العقاب وذلك بسبب الأثر الإنفعالي السيء الذي يصاحب العقاب. أما الاستحسان ففيه توجيه بناء لالتزام السلوك المرغوب فيه وحب الخير أكثر منه الكف عن العمل المعيب.
وأخيراً، فالمربية في يقظة تامة، ومتابعة مستمرة لأطفالها ومحاسبة لنفسها، تراعي في تصرفاتها أن تكون بحكمة وروية. طريقها في التربية خالية من الفوضى، ونظام خال من التزمت.
حازمة لأنها تعلم أنها لن تسدي لطفلها صنيعاً إن استسلمت لرغبته فبالحزم يتعلم الطفل التعامل مع بعض الظروف القاسية في المستقبل إذا خرج إلى معترك الحياة.
لا يفوتها تشجيع ذي الخلق من أطفالها، ولا الحزم مع العابث المؤذي فتحاول انتشاله مما هو فيه، مراعية تناسب العقاب مع الخط.
ولتعويد الأطفال الطاعة ينبغي على المربية أن تراعي:
- عدم إعطاء أوامر كثيرة مرة واحدة.
- البعد عن الاستبداد والصرامة، وعدم اللجوء إلى التهديد أو الرشوة.
- متابعة تنفيذ الأوامر والتحقق من الاستجابة.
- الطلب الرقيق أعظم أثراً من التأنيب.
- طلب تنفيذ أمر محدد واضح يساعد على الاستجابة أكثر من طلب أمر عام وعائم.
- عدم تعجيلهم لئلا يؤدي ذلك إلى تأخيرهم أكثر من الإسراع مع إشعارهم بالثقة بأنفسهم.
وختاماً فالمربية بحسن حكمتها تضع الأمر في نصابه، وهي مهمة شاقة مهمة بناء الأجيال. والله لا يضيع أجر من أحسن عملاً.
4- المشكلات السلوكية عند الأطفال:
يقصد بالمشكلات السلوكية هنا: المشكلات التربوية التي تعانيها المربية في تنشئة الطفل، كمشكلة تعلم النظام والنظافة، والتعدي، والصراخ، والانطواء... وما شابه ذلك وهي مشكلات موجودة عند غالبية الأطفال، وهي لا تدل بحال على سوء طبع الطفل أو شذوذه. بيان أحسن المربي علاجها تزول تلقائياً وبسهولة.
فما هو الحل وما الطريقة المثلى التي يحسن إتباعها مع الأطفال المشكلين.
بادىء الأمر نؤكد أنه لابد للطفل من أن يجد نصيبه وحقه من الحب والعطف والحنان. وأغلب الانحرافات تنشأ من عدم التوازن بين الحب والضبط، فالزيادة في الحب تؤدي إلى الميوعة وتكوين شخصية غير متماسكة لا تعتمد عليها.
والزيادة في الكبح تؤدي إلى الثورة والعنف.
هذه ملاحظة تهمنا هنا نضعها في الحسبان. ومن جهة أخرى تحرص المربية على أن تلم إلماماً كافياً بميول أطفالها وغرائزهم، فإن وجدت من طفل حبه للعبث دعته إلى رفع ألعابه وتنظيمها ليعتاد الترتيب.
وإن وجدت منه قذارة وعدم نظافة، ساعدته لغسل وجهه ويديه وأثنت على حسن مظهره بعدها- دون مبالغة وهكذا.، ومن مشكلات الأطفال التي قد تواجه المربية:
1- كثرة البكاء والصراخ:
من واجبات المربية تعليم أطفالها ضبط الانفعال، لذا فعليها تهيئة الجو المناسب الذي يبعد طفلها عن الانفعال غير المرغوب فيه وذلك بتحقيق المعقول من طلباته... وبعدها إن لمست منه الغضب الذي لا يتناسب مع المثير وكثرة البكاء. حتى أصبحت الدموع عنده وسيلة لتحقيق غايته يقال له: لا تبك وإلا لا تسمع شكواك من ثم ينظر في سبب البكاء:
أ- فإن كان يريد الحصول على ما لا حق له فيه فلا تعطيه إياه وإلا فيعتاد الصراخ كل مرة لينال ما يريد.
ب- عدم اللجوء إلى التهديد حين ثورة الغضب فذلك قد يؤدي إلى إيذائه لنفسه.
جـ- التعامل معه بأنه عادي، والتشاغل عن غضبه ثم نرى أنه يهدأ بعد فترة قصيرة وتذهب حدة التوتر.
هذا ونعمل جهدنا أن لا نكون قصرنا في إشعار الطفل بالراحة والحنان والطمأنينة وأخذ كفايته من الطعام. ونتأكد من سلامته من المرض (لا سيما إذا كان الصراخ طارئاً)، أما إن كان السبب المبالغة في تدليله: فتعمل على زيادة الضبط والكبح، لئلا يعتاد الاعتماد على الآخرين، فتضمحل شخصيته ويكثر تردده، ونكون قد كثرنا سواد التسيب واللامبالاة.
2- السرقة:
إن الأطفال لا يعرفون ما هي ممتلكات الغير، فاللعبة التي يرونها مع غيرهم أو الحلوى يشعرون أنهم أحق بها.
وأفضل طريقة لتعليمهم الأمانة: هي احترام حقوق الطفل فيما يملك فيتدرب على احترام حقوق الغير- على أن لا يكون بذلك مبالغة فينقلب الأمر إلى أنانية وحب للذات.
وإن حصل وعبث الطفل بأغراض غيره وأخذها، فيعالج الأمر دون إثارة ضجة أو تهويل، فلا يصح بحال أن ينادى يالص، وإلا تجرأ على ذلك وهانت عليه نفسه، وننتهز الفرصة المناسبة للتوجيه غير المباشر، والقصة الهادفة مع حسن الإلقاء تؤدي إلى نتائج طيبة في هذا المجال.
3- الخوف:
يعتبر من المظاهر الطبيعية لدى الأطفال، وعلى الآباء ألا يخيفوا أطفالهم إلا في الأمور المستحقة للتخويف كتخويفهم من الحوادث والأمور الخطيرة حماية لحياتهم.
أما إذا بدت من الطفل مخاوف غير عادية، فلا تسفه المربية مخاوفه وإنما تبث فيه الإحساس بالأمن والطمأنينة وكذا تشعره بالثقة في نفسه والتي قد تنتجها مهارته في عمل ما.،. لذا فتشغله المربية الحكيمة بعمل أشياء يحبها ويتقنها.. أو لعبة تلهيه وتشغله.
4- التأتأة وعدم الكلام:
إن من أهم واجبات المربية تعويد الطفل التفاعل مع الآخرين والجرأة الأدبية وتعلم السلوك المناسب في المواقف المختلفة.
فإن وجدت من طفلها تأتأة... عليها تجاهلها في بداية الأمر حتى لا يحدث ذلك إثارة لانتباه إخوته وأقرانه... ومن ثم لا تسرف في تصحيح نطقه أمام الآخرين وتمنحه الثقة بنفسه.. فإذا به يتعود التعبير عن نفسه بلسان سليم ولباقة وإتقان.
إن غرس الثقة في نفوس الأطفال له أهميته في هذا المجال "
5- مص الأصبع:
لوحظ أن غالبية أبناء الموظفات أو المشغولات عن أطفالهن لديهم هذه العادة. وحيث أن غريزة المص هي الأساس عند الصغار، فهذه عادة طبيعية في السنة الأولى، وتعالج عند الصغار بإطالة فترة الرضاعة من الثدي، وتضييق ثقوب الحلمة (عند الرضاعة الصناعية).
وأما الأطفال الأكبر سناً فيشجعون على النشاط المتصل بالفم كمضغ اللبان والشرب من العصي المثقوبة. وبعد سن الثالثة تعمل المربية على إشغالها ما أمكن، مع العمل على إقناعه. بأن هذه من عادات الصغار ولا تليق به... لكن لا يسخر منه ولا تكون مجال تندر به أمام الآخرين.
6- كثرة الأسئلة:
دليل على ذكاء الطفل، وهي فرصة للمربية للتعرف على أطفالها وعقلياتهم، والمربية الناجحة تحاول الإجابة عن أسئلتهم وتشجعهم لطرح المزيد منها، ومهما كان لديها من أعمال فتوسيع مدارك طفلها وإشعاره بالثقة أولى من أعمالها الأخرى. لأن هذه مهمتها الرئيسية فلا تضيق ذرعا بكثرة الأسئلة، وحسن الإجابة له تأثيره الطيب.
7- التبول اللاإرادي:
أول علامة من علامات المراقبة الإرادية للتبول " هي إنتباه الطفل إلى كونه قد بل ملابسه ولفت نظر أمه إلى عمله، فإذا بدا ذلك من الطفل فهنا تهتم الأم بتدريب ابنها، وتنظم طعامه وراحته وتبعد عن الفظاظة في تعاملها معه لأنه قد تكون سبباً للتبول العرضي ليعبر عن سخطه.
فإن حصل منه التبول اللاإرادي:
أ- تضع المربية حداً لمضايقة الأطفال من إخوة وأقارب للطفل. فلا يصح بحال أن يكون هذا سبباً لإذلال الطفل.
ب- تعويده على التبول قبل النوم مباشرة.
ج- منحه مكافأة كلما استيقظ وفراشه نظيف.
د- إشعاره بالسعادة والراحة النفسية، وعدم مقارنته بالآخرين. للتقليل من شأنه.
8- مشكلات الطعام:
قلة الشهية أو التباطؤ في تناول الطعام، قد تكون لجلب انتباه الآخرين والحديث عن الطفل أمام الصديقات.
وقد تكون بسبب المرض، أو قلة نشاط الطفل، وعليه ففي كل مرة يعالج السبب... فالمريض يعالج وعديم النشاط ندفعه إلى نشاط بدني، كلعب الكرة أو ركوب الدراجة أو حتى الجري ومن ثم يدعى لتناول الوجبة. أما أن يكون عدم الأكل لإثبات الذات فهذا لا يصح وإنما نحاول أن يسمعهم الطفل انشودة أو يريهم عملاً من أعماله مع عدم حديث المربية عن طعام طفلها أمام صديقاتها...
وفيما عدا ذلك لا يستعمل العنف والضرب على الطعام وإلا أصبحت فترة الطعام بغيضة عند الطفل وبالتالي تزيد قلة شهيته.
كذلك لا يدعى للطعام عند استغراقه للعبة يحبها لأن ذلك يحرمه من الإقبال على الطعام بشهية.
9- الكلام البذيء:
قد يحلو لبعض الأطفال ترديد كلمة بذيئة سمعوها من الشارع. والمربية الحكيمة تتجنب إظهار الغضب لكلمة الطفل، وتتجاهله ما أمكن، إنها في غضبها تشعره بالفوز في إثارة اهتمامها، أما إن تكرر منه الأمر فتكتفي بالعبوس والتقطيب في وجهه، ودعوته إلى المضمضة من الكلمة القذرة. أما إذا لم يرعو كلميه على انفراد، وأشعريه بقبح ما ردده أطفال الشارع، وهو المسلم النظيف اللسان ولا مانع من عقابه بحرمان من لعبة بعينها أو نحو ذلك إلى أن يترك هذه البذاءة.
هذه بعض المشكلات التي قد تعترض المربية خلال معايشتها للأطفال سواء في المنزل أو الروضة، وقد عرضتها بإيجاز، وأرجوا أن أكون قد أوصلت المقصود إلى أخواتي المسلمات.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
http://www.saaid.net المصدر:
التمييز بين الأبناء خطر يتربّص بالعائلة
بشار دراغمة 20/11/1427
11/12/2006
"أمي تحب عمر أكثر مني، أراها دائما تُقبّله عشرات المرات دون أن تلتفت إليّ، أبي أيضاً كذلك دائماً عندما يخرج إلى السوق يأخذ أخي عمر معه، ونادراً ما يأخذني أنا". بهذه الكلمات بدأ الطفل أسامة التعبير عما يشعر به داخل أسرته المكونة من ثمانية أشخاص، هم إضافة إلى الأب والأم أربعة أشقاء وشقيقتان.
التمييز بين الأبناء داخل الأسر خطر حقيقي يهدد استقرار العائلة، ويؤثر على نمو الأطفال في المستقبل، ويتولد لديهم شعور الغيرة الذي يوجد حالة من العداء بين الأطفال، وربما تبقى تلك الحالة إلى مرحلة الشباب.
الكثير من الآباء والأمهات يميزون بين أطفالهم دون أن ينتبهوا لذلك، وتكون تصرفاتهم تلك عفوية. ولا يستطيع هؤلاء الآباء إخفاء حبهم لأحد الأبناء أكثر من غيره.
شبكة (الإسلام اليوم) استطلعت آراء عدد من الأطفال حول تلك الظاهرة كما واستمعت إلى رأي الآباء والأمهات بشأنها.
أكره أخي
الطفل عميد (9 سنوات) لم يخف "كرهه لأخيه". يقول: "لم أعد أحب أخي الصغير أنس فهو المدلل الوحيد في البيت، وهو من يحصل على كل ما يريد، لكن أنا وبقية إخوتي عندما نطلب شيئاً ما فلا أحد يلتفت إلينا".
هذا الشعور الذي تولد لدى عميد يواصله بشكل مستمر، سألناه: هل شعورك هذا كان لمرة واحدة فقط فيقول: "إنني لا أحب أخي.. أكرهه دائماً".
أما الطفلة آلاء فهي البنت "المدللة" في عائلتها، سألناها عن شعورها؛ لأن أباها وأمها يحبانها أكثر من بقية إخوتها فتقول: "أنا لا أشعر بذلك. ما أعرفه أن أبي وأمي يحبان جميع أخوتي بنفس الدرجة، لكن أحياناً أنا أطلب شيئاً ما من أمي فتعطيني إياه، وفي أحيان أخرى يطلبه أحد من إخوتي لكنه لا يحصل عليه".
أما سعيد فهو يشعر بالتمييز بينه وبين أخيه من خلال تصرفات والده.
يقول: "إذا أخطأت بأي شيء أو حتى نسيت أمراً ما فإن والدي يضربني، لكن إذا أخطأ أخي فإن أبي يتكلم معه فقط، ويقول له: لا تكرر هذا الخطأ".
آباء لا يشعرون
أما الآباء الذي يمارسون التمييز بين أبنائهم فإنهم غالباً ما يمارسون ذلك بعفوية، دون الانتباه إلى ما يقومون به.
عمر خيري أم لأربعة أطفال يقول: "أحب أحمد كثيراً؛ لأنه دائماً مبتسم، وتصرفاته هي التي تدفعني لأحبه أو أفضله أكثر".
ويوضح عمر: "إنه لا يشعر أنه يقصر بحق بقية أبنائه، مؤكداً أن ما يقوم به هو عمل عفوي، ولا يقصد به التفريق بين الأبناء".
أم أمل وهي أم لطفلتين تقول: "أحب طفلتي الاثنتين كثيراً، لكنني أشعر أنني أحب إلهام أكثر من ناريمان؛ فإلهام مطيعة لي جداً، ولا ترفض لي أي طلب. أما ناريمان فإنها تعاندني أحياناً".
كما يتضح من النماذج السابقة فإن الآباء والأمهات يحمّلون الأبناء مسؤولية التمييز فيما بينهم. خاصة تصرفات الأبناء وميولهم النفسية وغيرها من الأسباب التي تدفع إلى هذا النوع من التمييز.
الخبراء يحذرون
ويحذر خبراء علم الاجتماع والاستشاريون النفسيون من هذا النوع من التمييز بين الأبناء داخل العائلة الواحدة، ومن المخاطر التي يسببها هذا التمييز التأثير السلبي على أداء الأطفال في المدارس وانخفاض مستوى التحصيل العلمي لديهم. ومن الممكن أن تؤدي أيضاً إلى وجود حالة نفسية لدى الأطفال من الممكن أن تصل إلى درجة الحالة المرضية. إضافة إلى تأثيرات سلبية أخرى، مثل: العزلة والانطواء و النزاع والاصطدام والشجار بين الأبناء.
يقول الاستشاري النفسي إبراهيم عامر: "ما من شك أن التمييز بين الأبناء يؤدي إلى وجود علاقة عدائية بين هؤلاء الأبناء، ويتولد شعور بالكره بينهم، وفي بعض الحالات نلاحظ أن الابن الذي يكون التمييز في غير صالحه يتمنى أن يصيب أخاه مكروه أو مرض".
ويدعو عامر الآباء إلى ضرورة الوعي بأهمية وأسس التربية الصحيحة من أجل تربية أبنائهم بالطريقة الصحيحة.
ويضيف: "ربما من الطبيعي أن يكون هناك طفل ما داخل العائلة أكثر حباً لوالديه من بقية إخوته؛ فهذا أمر فطري، لكن في حال حدوث هذا الأمر فإن المطلوب هو عدم ظهور شعور التمييز نهائياً، وإلاّ ستكون النتائج سلبية بدرجة كبيرة جداً".
ويدعو عامر إلى ضرورة تطبيق المساواة التابعة في جميع أمور الحياة، وأبسطها القُبلة يقول: "إذا قبّل الأب أحد أبنائه فعليه أن يقبّلهم جميعاً، ومن أشكال المساواة في جميع الأمور أيضاً مساواة في الملابس والطعام والهدايا، وحتى في الكلام فلا يتحدث الأب أو الأم مع أحد الأبناء، و يهمل البقية، وإنما العدل في كل شيء، حتى في النظرات والاستماع".
ومن المفاهيم الأساسية التي يدعو إليها علماء النفس في هذا المجال من أجل تجنّب الوقوع في الآثار السلبية الناتجة عن التمييز أن يقوم الآباء بمراقبة تصرفات أبنائهم بشكل مستمر، وحتى دراسة نفسيّاتهم وانطباعاتهم حول ما يحدث داخل البيت.
ـــــــــــــــــــ(101/21)
الطفل وأركان الإسلام : الزكاة و الصيام و الحج
الطفل والزكاة :
الزكاة فرض وليس على الطفل زكاة ولكن لا مانع في تقديري أن يشترك الطفل مع الوالد قي التقدير والتوزيع ليشعر بأهمية الفريضة, أيضا يعطيه الوالد الصدقات لتوزيعها ليتعلم أن التصدق مهم للمسلمين وأنه مسئول عن فقراء المسلمين ولا يصح له أن يبيت شبعان وجاره جائع, وأيضا لا يصح له أن ينام وغيره من المسلمين مظلوم أو مهان وهو يستطيع دفع الإهانة والظلم عنه, أيضا من الممكن توليته مجموعة من فقراء المسلمين ليتفقد أمورهم وعندها يشعره الوالد بأنه ليس صاحب فضل بل المال مال الله يعطيه من يشاء ويمنعه عمن يشاء.
الطفل والصوم :
الطفل غير مكلف بالصوم ولكن كما كان يفعل الصحابة بالأطفال يصومون ويلاعبونهم بالأشياء التي تنسيهم الطعام حتى يأتي المغرب, ولا مانع بالتعود على الصوم يوما أو بعض يوم فيصوم الطفل إلى الظهر, ثم إلى العصر, ثم إلى المغرب يصوم يوما ويفطر يوما, ثم يومين ويفطر يوما ثم ثلاثة وهكذا.
مع الترغيب في الصوم الأشياء التي يحبها الأطفال من فسح وشراء أشياء طالما أنه لا يدرك فضل الصوم عند الله فإن أدرك فحدثه عن فوائد الصوم الصحية والنفسية والدنيوية والأخروية, هذا مع أب يصوم وأم تصوم ولا تظهر له أنها تأكل في أيام حيضها حتى لا يهدم مابنت.
الطفل والحج:
لا حج على صبي ولكن إن تيسر له الحج فحجه في ميزان حسنات أمه وأبيه ولا مانع من تحديثه عن الحج وأنه فريضة على المسلم المستطيع وفيه من الفوائد الكثير والكثير مع بيان أهمية مكة وما بها من حرم وماء زمزم والأماكن المقدسة والبقاع الطاهرة.
http://www.sst5.com المصدر:
ـــــــــــــــــــ(101/22)
مَن أزوّج ابنتي؟
رحمة الغامدي 7/11/1427
28/11/2006
كانت أم المؤمنين عائشة- رضي الله عنها- تقول: "النكاح رق فلينظر أحدكم عند من يسترق كريمته" (أي ابنته)، ولما سُئل الحسن: "من أزوّج ابنتي؟ قال: زوّجها التقي فإنه إن أحبها أكرمها وإن أبغضها لم يهنها". وروى الترمذي بإسناد حسن عن أبي حاتم المزني أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "إذا أتاكم من ترضون دينه وخلقه فأنكحوه، إلاّ تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد كبير".. قالوا يا رسول الله: وان كان فيه؛ قال: "إذا جاءكم من ترضون دينه وخلقه فأنكحوه-ثلاث مرات-ومن زوّج ابنته من فاسق فكأنما قطع رحمها".
معنى الكفاءة:
ومن الحديث السابق يتضح لنا مفهوم الكفاءة، فالكفاءة معتبرة بالاستقامة والخلق والحرص على طاعة الله، ولابد من تحريها في المتقدم للزواج من الفتاة؛ لأنها أمانة يحرم أضاعتها أو التفريط فيها، وإن كان جمهور الفقهاء لا يقصرون الكفاءة على ذلك، بل يرون أن ثمة أموراً أخرى لابد من اعتبارها كالنسب والحرية والحرفة والمال والسلامة من العيوب، إلاّ أنه ليس معنى ذلك إهدار أمر الاستقامة بل هو أولى ما يُنظر إليه بعين الاعتبار في المتقدم للزواج.
النظرة التي تراها بعض الفتيات أو بعض الأهالي للزوج:
من الملاحظ أن بعضاً من المسلمين بينما يدقق النظر في الراتب والمسكن المناسب وهيئة وشكل المتقدم، إلاّ أنهم لا يكادون يلتفتون لصلاته، ولا لخلقه، وربما يتعدى ذلك إلى الطامة الكبرى فيكون منحرفاً في عقيدته وفكره... بل بعض الأولياء إذا ما سُئل: هل من قبلته زوجاً لابنتك يصلي أم لا؟ يجيب ويقول: خجلت من سؤاله عن ذلك، بينما هو لم يخجل من سؤاله عن دخله الشهري.. وغير ذلك من المعاني المادية؛ ،وقد كان عمر -رضي الله عنه- يبعث لولاته ويقول لهم: "ألا إن أهم أموركم عندي الصلاة، ألا إن من ضيع الصلاة فهو لما سواها أضيع".
وهل مثل هذا يُؤتمن على غيره؟! وهذا الذي يمتلك السيارات والملايين ولا يحافظ على الصلاة.. هل تأمن عليه أن يبدّد ما هو أمانة لديه من زوجة وأبناء؟!!! وهل نأمن على الفتاة من أن تتحول عقيدتها بسبب تسلطه على عقلها، و لا يُستبعد أن يأمرها الرجل بأن تخلع الحجاب وغير ذلك من الأمور المنهيّ عنها...بسبب قهره لها؟!
رفع الأمانة من القلوب:
بيّن الرسول الكريم -صلى الله عليه وسلم- كيف تضيّع الأمانة، وما أكثر مظاهر تضييع الأمانة، وما أكثر الموازين الفاسدة في حياة الناس. وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال: رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا ضُيّعت الأمانة فانتظر الساعة، قال: كيف إضاعتها يا رسول الله؟ قال: إذا أُسند الأمر إلى غير أهله فانتظر الساعة".
ماذا تصنع الفتاة إذا أراد الوليّ تضييعها بتزويجها من لا دين له؟!
هذا وهو وليّها شاءت أم أبت ولا نكاح إلا بولي؟
إذا أعضلها الأقرب عن زواج الكفء الصالح، زوّجها الوليّ الأبعد، والحاكم وليّ من ولا وليّ له، وإن خربت الموازيين عند الوليّ فليس لها أن تفرّط في حق نفسها، وعليها أن ترفض الزواج بتارك الصلاة، ومن لا يقيم لشرع الله وزناً حتى وإن كان عنده الملايين، والسلامة لا يعدلها شيء، ودين الإنسان هو أغلى ما يملك، والدنيا بأسرها لا تصلح عوضاً عن معنًى من معاني الآخرة
ـــــــــــــــــــ(101/23)
من أجل صغار أبرار .. !
خالد عبد اللطيف
اعدل بينهم حتى وقت نومهم!
كيف نجعلهم قرة عين لنا؟!
مرّ على صغاره وهم نيام، بعد عودته متأخراً، تفقّدهم وعوّذهم ودعا لهم، ولم يتمالك نفسه أمام براءة وجه أصغرهم وهو نائم فقبّله بحنان، ثم همّ بالانصراف.. وفجأة توقف.. وعاد لإخوته الآخرين فقبّلهم جميعاً.. وقال في نفسه: إذا كانوا نياماً.. فربي وربهم لا ينام، والعدل واجب بكل حال!
وقد جاء عن السلف وجوب العدل بين الأولاد؛ في التقبيل!
تحصين مضاعف!
قبيل الغروب جمعت صغارها بنداء جذاب، وجلست وهم حولها يرددون أذكار المساء، فغشيتهم السكينة، وغمرتهم الطمأنينة. وضربت عصفورين بحجر واحد: كفتهم عن اللعب وقت الغروب؛ لانتشار الشياطين، وعوّدتهم المحافظة على الأوراد. وفي الحديث: "إذا كان جنح الليل فكفوا صبيانكم فإن الشياطين تنتشر حينئذ فإذا ذهب ساعة من الليل فخلوهم وأغلقوا الأبواب واذكروا اسم الله.. " الحديث (صحيح الجامع 764).
بين البرّ والتربية.. !
شديد البر بأبويه، وأمام صغاره يحرص على إظهار بره بهما؛ ليتعلموا عملياً.. لكن المأزق حين يخالفه أحد الوالدين في مسألة من مسائل تربية الصغار، أو ينهاه أمامهم عن تصرف يتخذه معهم؟!
فكر في الأمر، واستعان بالله، وفي جلسة برّ معتادة تلطّف إلى الوالد في بيان أهمية عدم الازدواجية، وأثر ذلك على الصغار، واقتنع الوالد.. وزال المأزق.. وبقي البرّ!
حروف الختام..
استعن بالله ولا تعجز.. قد لا تصيب النسبة النهائية فيما تروم من الخير والبر والتربية، ولكن إن بذلت وسعك في البذل والاجتهاد؛ فقد أديت الأمانة، ومن الله - تعالى - الثمرة..
على المرء أن يسعى إلى الخير جُهْدَه *** وليس عليه أن تتم المقاصدُ!
http://www.asyeh.com المصدر:
في جلسة خاصة .. البنات والمسؤولية
منال الدغيم 6/11/1427
27/11/2006
مجلس ضم أمهات من فئات شتى، يدور حديث بينهن عن فتيات هذا الجيل، طباعهن وعاداتهن وطموحهن، فإذا الأغلبية تبدي وجهة نظر بأسف وحسرة، فهن يصرحن بأن الفتيات في هذا الزمن ضعيفات الشخصية والثقة، لا يُعتمد عليهن، ولا يمكن أن يتحملن مسؤولية، اتكاليّات، وكسولات، واتهامات مجحفة أخرى..! فهل ما يقولونه هو الحقيقة؟! لنرَ معاً!
الثقة بالنفس والذكاء والقدرة على تحمل المسؤولية، صفات ذهبية في الشخصية الناجحة، فهي في المنزل مهمة، والكل يقدّرها ويكبرها في عينه ويفخر بها، وفي المدرسة فتاة جادة حسنة الخلق، وفيّة بالوعد، منجزة للواجب على أكمل وجه، بل ومبدعة ومفكرة ومبتكرة، وفي المجتمع عضو فعّال في العطاء والتأثير..
أذكر من النماذج الإيجابية في تحمّل المسؤولية، أن التقيت بفتاة صغيرة السن لكنها تمتلك قدراً مباركاً من الفعالية والإيجابية، تحدثنا معاً، فمما قالت حول ذلك: "أحمد الله تعالى أن وهبني حسن اتخاذ القرار وتحمُّل المسؤولية، فأنا متفوقة في دراستي، وأتحمل جانباً كبيراً من مهام المنزل، فأجيد إدارة البيت والطبخ (حتى الأكلات الشعبية!) وأستمتع بالعناية بإخوتي الصغار، كما أني مجيدة لهوايات ممتعة كالحاسب والتجميل، أشعر حقاً بسعادة في حياتي، ورضا كبير عن نفسي وإنجازاتي، وطموحي لا حدود له، ويرجع الفضل في ذلك بعد الله إلى تربية والدتي الحسنة، فقد عوّدتنا منذ صغرنا (من المرحلة الابتدائية) على القيام ببعض الأعمال المنزلية التي تتدرج كلما كبرنا، وتهتم كثيراً بهواياتنا، وتشجعنا في مجالات الإبداع المختلفة.. فلك دعواتي يا أمي.." ثم تابعت بحماس: "لا تنظروا إلينا كأطفال، أعطونا الثقة، وكلفونا بالمسؤولية، وسنقوم بها إن شاء الله كما تحبون..".
كيف تكونين على قدر المسؤولية؟
- الثقة بالنفس نابعة من الثقة بالله والتوكّل عليه، ومن تكون قريبة من الله بعمل الخير والدعاء والتوكل يوفقها ويبارك في وقتها وجهدها.
- الرغبة القوية والعزيمة الجبارة في الوصول إلى الهدف هي أولى درجات السلم، وبعدها يكون كل شيء سهلاً، وكل عسير يسيراً، فهل أنت عازمة حقاً؟!
- تحمّل المسؤولية أمر يأتي بالممارسة والتجربة، حدّدي لك هدفاً واضحاً في البداية، مثل تعلّم العناية بالصغار أو الطبخ ونحوه، ثم اعزمي وحاولي القيام ببعض المهام التي تعرفين خلفيات عنها، وبعد ذلك طوّري ذاتك شيئاً فشيئاً، وقومي بذلك عدة مرات.
- بعد فترة ستجدين نفسك مكتسبة خبرة لن تجديها في أي كتاب، وربما لن يقولها لك أحد؛ لأن الممارسة الذاتية للعمل تعطيك علماً به مختلفة تماماً عن المعرفة النظرية.
- عند وجود خادمة في بيت أسرتك، انزعي من نفسك شعور الاتكالية عليها في كل شيء، رتبي غرفتك بنفسك وأعدي لعائلتك وجبة العشاء مثلاً دون أن تلاحقيها بالأوامر البسيطة: "أعطيني المقلاة، أين الملاعق؟ ناوليني الملح، صبي لي كأساً من العصير... الخ!"، بل جرّبي الاعتماد على نفسك في كل شأن صغر أو كبر.
- كوْنك أخطأت هذه ليست كارثة، لا بأس، اضحكي قليلاً على نفسك إذا احترق القدر مثلاً أو لبست أخيك الصغير ملابسه بالمقلوب، وانظري إلى أنك كسبت معرفة جديدة، وأصلحي خطأك، وأقنعي نفسك أنك استفدت من ذلك تجربة قيمة لن تجعلك تعيدين ذلك ثانية بإذن الله.
- الوقت ليس مبكراً، فتحملك لبعض مسؤوليات المنزل منذ صغرك (12 عاماً) مثلاً أو أقل، يتيح لك مدة فسيحة لتعلم أشياء رائعة ومدهشة، تتميزين بها على أقرانك وتمنحك الثقة بنفسك والسعادة بالنجاح والتفوق، بل وتكسبك الطمأنينة والثقة بنفسك وقدراتك في المستقبل، إذا صار لك بيت وأسرة ومسؤولية كبيرة!!
- هل تصدقين؟! وجدنا من الفتيات (7 و 9 سنوات) يصنعن أنواع لذيذة من الحلوى ويقمن بتحميم إخوتهن الصغار وإطعامهم، ويرتبن المنزل، وينظفن المطبخ وهن سعيدات ومتفوقات في المدرسة ورائعات!
همسة للأمهات
سمعت كثيراً من الفتيات استياءهن من الاتهام دائماً بالاتكالية وعدم تحمل المسؤولية، وربما كان لنمط التربية في البيت دور في ذلك؛ فربما كانت الفتاة في المدرسة متفوقة ذات شخصية مستقلة ناجحة، تتحمل من المسؤوليات والواجبات الكثير وتبدع في إنجازه، لكن المجال غير مفتوح لها تماماً في المنزل؛ فالأم لا تعتمد على ابنتها إلا فيما ندر، وما زالت تعدها صغيرة، خاصة في مهام إدارة المنزل، وربما لو كلفتها ذلك لأرتك إبداعها!
وفي الحقيقة، قليل من الفتيات من تكون لها القدرة الذاتية على اتخاذ القرار وتحمّل المسؤولية، إذن فجانب كبير من ذلك يقع عليك أيتها الأم، على نمط تربيتك ومدى تشجيعك..
أعطي بناتك شيئاً من المسؤوليات، ادخلي معهن المطبخ مثلاً، وقوموا بإعداد طبق بسيط في البداية، واطلبي منها إعادة تحضيره بعد أيام، ستفرح بذلك كثيراً، وتشعر بأنها شخص مهم وفعّال ومنتج..
لا تغضبي من سخطها من القيام ببعض الواجبات المنزلية؛ فعدم اعتيادها على ذلك منذ صغرها صعب نوعاً ما، لا تيأسي، واستمري في الصبر والمحاولة بأساليب جذّابة ومشوقة..
هناك من صغيراتنا مثلاً من لديها مواهب في التصميم والديكور والتزيين، شجّعيها في ذلك، وضعي أعمالها في مكان بارز في المنزل، وكلفيها بتزيين غرفتها مثلاً، ثم ليكن ذلك مدخلاً لتحمل مسؤوليات أخرى في مجالات عديدة..
إذا اشتكت من صعوبة الأمر وهي لم تجرب بعد، سهّلي لها ذلك، وساعديها وعلّميها، شجعيها وحفّزيها بكلمات الثناء والعاطفة، وأشغلي وقتها بالنافع المفيد، نمّي هواياتها، ووفري لها ما تحتاجه لذلك، فبهذا تبنين فتاة قوية الثقة بنفسها، قادرة على إنجاز المهام، مبتكرة معطاء، طموحاً مبادرة، ناجحة في الحياة..!
ـــــــــــــــــــ(101/24)
الخطوات العشر لتغيير المراهق
عمار بن عبد الله الحجاج
1. الخطوة الأولى: اجلس معه:
• أنواع المجالسة:
1. الفوقية: بأن تكون أنت جالس وهو واقف.
• الرسالة: افهم. أنا أعلم منك وأنا أعلى منك شرفاً ومعرفة.
• النتيجة: المكابرة والعناد.
2. التحتية: أنت واقف وهو جالس.
• الرسالة: أنا أقوى منك وأستطيع أن ألطمك وأهجم عليك في أي لحظة.
• النتيجة: الخوف وضعف الشخصية.
3. المعتدلة: نفس مستوى المراهق وبمواجهته و الدنو منه.
• الرسالة: أنا أحبك.
• النتيجة: الاطمئنان و الصراحة.
• أين تجالسه:
1. في مكان مألوف.
2. بعيد عن أعين الناس.
3. فيه خصوصية وسرية.
4. يفضل خارج المنزل أو مكان غير مكان حدوث المشكلة.
5. يفضل التغيير والانتقال إذا كان الوقت طويلاً.
• متى تجالسه:
1. في وقت لا يتبعه انشغال.
2. في وقت كاف للمراهق أن يقول ما لديه.
3. في غير أوقات العادة اليومية الخاصة (النوم، الطعام...غيرها).
4. وقت الصباح أفضل من المساء.
5. في أوقات أو فترات متقطعة.
2. الخطوة الثانية: لا تزجره (الرفق و اللين) :
• لاحظ في هذا:
? مراعاة نبرة الصوت في الحديث معه أن لا تكون حادة في كل وقت.
? مراعاة البطء في الحديث لتتأكد من أن المراهق يسمع كل كلمة مراده.
? فصاحة ووضوح الكلمة و العبارة باستعمال العبارات التي يفهمها الشاب.
3. الخطوة الثالثة: أشعره بالأمان:
• يجب أن يشعر المراهق بالأمان و الثقة وأن المقصود هو البعد عن العادات السيئة و الأخطاء المرفوضة ويمكن لتحقيق ذلك مراعاته:
* في شكل الجلسة بالدنو منه دون التلويح باليد.
* بالصوت الهادئ بدون تأفف أو تذمر.
* بإعطائه فرصة كافية ليعبر عن نفسه.
4. الخطوة الرابعة: تحاور معه:
• ينتبه في هذه الخطوة إلى أهمية:
* الحديث معه بعرض المشكلة وبيان خطرها، ومدى حرصنا على حمايته، وإمكانية سماعنا منه، واحتمالية سماحنا له عنها.
* عدم تصيد أخطاؤه أثناء الحديث معه، وعد مقاطعته كلما وجدنا تناقض أو خطأ، لأننا قد نعدل به عن الصراحة بهذا التصرف.
* استعمال أسلوب الإقرار الذاتي، بحيث يقوم المراهق بالإقرار من نفسه على نفسه بالخطأ الذي وقع فيه، وهذا يكون بالسؤال، غير المباشر المؤدي إلى الإجابة المباشرة.
* الحرص على الأسئلة الكثيرة التي تكون إجاباتها بـ (لا) إذا كان المقصود منع الشاب، و الأسئلة الكثيرة التي تكون إجاباتها بـ (نعم) إذا كان المقصود دفع الشاب، بحيث لا يقل تكرارها عن عشر مرات في نفس الموقف.
5. الخطوة الخامسة: أحسن الاستماع إليه:
• وللاستماع بصورة أجود يجب مراعاة:
* عدم التحديق في عين المراهق، إنما النظر إليه بهدوء.
* الاستماع إلى الكلمات بالاهتمام المناسب.
* الانتباه إلى الإشارات الجسمية (مكان العين، الشفاه المشدودة، اليد المتوترة، تعبيرات الوجه وتغيراته، طريقة الجلسة... غيرها).
* التقليل من المقاطعة، أو الشرود عنه (بالنظر إلى مكان آخر، صوت فتح الباب، الاستماع للراديو... غيرها).
* الانتباه إلى نبرة صوته، مع التفاعل معها.
6. الخطوة السادسة: أعطه حرية الاختيار:
• مجالات يمكن إعطاء الخيار للمراهق فيها:
* طرق الحل للمشكلة.
* العقوبة وقدرها.
* المكافأة وكيفية الحصول عليها.
* أسلوب تنفيذ التكاليف المطلوبة.
7. الخطوة السابعة: حفزه عند الإنجاز :
• الحوافز تشمل الأمور المعنوية كالشكر و الثناء و إبداء الرضا عنه، و الأمور المادية كالهدية و تقديم مصلحة له و الخروج به لمكان معين، ويقصد من الحوافز تغيير سلوك غير سوي أو استقرار وتعزيز سلوك حسن.
8. الخطوة الثامنة: عاقبة عند التقصير:
• من أشكال العقاب:
* حرمانه من بعض محبوباته، أو التقليل منها.
* اللوم و العقاب اللفظي كالكلام معه بشدة.
* خسارته من بعض حقوقه مثل منعه من المصروف أو الخروج مع أصحابه.
* فقده للثواب الموعود به عند الإنجاز.
* ضربه إذا دعت الحاجة لذلك، لكن يكون آخر العلاج.
9. الخطوة التاسعة: اجعل له مجال للعودة:
• وذلك بتقبله بعد التغيير، ونسيان ما كان منه، وكما قيل: " الوالد المنصف هو الذي تتغير نظرته عن ابنه كلما تغير ابنه "، وبفتح المجال لذلك عند الحديث معه عن ما يراد تغيره.
10. الخطوة العاشرة: الدعاء:
• وهذه الخطوة على جانبين:
* الأول: الدعاء له بظهر الغيب، وأمامه بأن يغيره الله إلى ما هو أفضل.
* الثاني: حثه على الدعاء دائماً بأن يدعو الله أن يغيره إلى ما هو أفضل.
ـــــــــــــــــــ
ــ
أعده: عمار بن عبد الله الحجاج.
وبتصرف من كتاب مراهق بلا أزمة، للدكتور أكرم رضا
http://saaid.net المصدر:
ـــــــــــــــــــ(101/25)
برنامج عملي لأمر الأولاد بالصلاة
منال الدغيم 28/10/1427
19/11/2006
أرأيت لو كان بين يديك غراس غضّ، فتعاهدته بالسقي ماءً نقياً، والعناية والاهتمام شعوراً حياً، فنمت هذه النبتة وترعرعت، واشتد سوقها وسمق عودها، هل يمكن أن تكون غير شجرة طيبة، أصلها ثابت وفرعها في السماء، تؤتي أكلها كل حين بإذن ربها للناس أجمعين؟!
وهكذا هو الولد، إن سقيته منذ فجر طفولته المشرق بأحسن الآداب وسامي الفضائل، وتعاهدته بحسن التربية دون دلال أو غلظة، فإنه سيشب امرأ صالحاً قوياً، عابداً تقياً، نافعاً لنفسه ولأهله وللناس، فيعيش طيباً ببره، ويمضي حميداً بذكره..
يقول الله تعالى: "قوا أنفسكم وأهليكم نارا.."، ويفسر ذلك علي بن أبي طالب رضي الله عنه: أي علموا أنفسكم وأهليكم الخير..
وهذا نهج الأنبياء والمرسلين، فلقد دعا نوح عليه السلام ابنه إلى الإيمان، ووصى إبراهيم عليه السلام بنيه بعبادة الله وحده، وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم - أستاذ المربين وسيد المؤدبين - يحمل الوالدين مسؤولية تربية الأبناء مسؤولية كاملة، فعن ابن عمر -رضي الله عنهما- قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته، والرجل راعٍ في أهله ومسؤول عن رعيته، والمرأة راعية في بيت زوجها ومسؤولة عن رعيتها.." متفق عليه.
عمود التربية
وخير ما يُربّى عليه الأبناء، فيحسّن أخلاقهم ويقوي إيمانهم، وينهاهم عن الفحشاء والمنكر، ويحفزهم إلى الخير والمعروف، هو الصلاة؛ فهي مناجاة العبد لربه، وسؤاله الإعانة والهدى والغفران والسلام.
ونحن هنا، نود أن نسلط الضوء على دور الأم خاصة في أمر أبنائها بالصلاة، سواء الصبيان بصلاة الجماعة، أو البنات في دورهن؛ إذ قرب الأم من أبنائها وطيد بحكم مكثها في البيت أكثر من الأب، وتوليها مهمة العناية بالصغار والنظر في شؤونهم، فكان عليها العبء الأكبر في التربية والتوجيه والإرشاد.
يقول الله تعالى: (وأمر أهلك بالصلاة واصطبر عليها)، فحمل المسؤول واجب أمر رعيته بالصلاة، وعطف على ذلك الوصية بالصبر؛ لأن الأمر بالصلاة يحتاج إلى مداومة ومشقة وحرص، كما هو ظاهر؛ إذ يشتكي كثير من الأسر الفاضلة من تهاون أبنائهم بالصلاة ومشقة أمرهم بها، وخاصة صلاة الجماعة، وهذه في الحقيقة مشكلة، ولكل مشكلة حل بإذن الله.
منذ البداية
أولاً: التزمي السنة في أمر أبنائك بالصلاة، فالرسول -صلى الله عليه وسلم- يقول: "مروا أبناءكم بالصلاة لسبع، واضربوهم عليها لعشر"، فلا يمكن أن تأمري ابنك وهو في المرحلة المتوسطة بالصلاة لأول مرة، ثم تأملي أن يحافظ عليها بين عشية وضحاها!
أيتها الأم الفاضلة، إن الطفل ليألف منظرك وأنت تقومين وتركعين، وتسجدين وتناجين وهو قبل السابعة، كما يتوق الطفل لمصاحبة أبيه إلى المسجد، ويعرف شكل المسجد من غيره، فأخبريه كلما مررتم به أن هذا هو المكان الذي سيذهب إليه إن شاء الله بصحبة أبيه إذا أتم السابعة من عمره ، وأنه بيت الله، ويحب الله من يحافظ على الصلاة فيه، واتخذي للبنت كذلك سجادة وخماراً، فتألف زي الصلاة وتتوق إلى أدائها والمحافظة عليها.
وحين يتم الطفل السابعة، كوني أنت وأبوه مستعدين لاجتماع معه، حدثاه حديث الكبير للكبير، عن فضل الصلاة وعظيم أجر المحافظة عليها، وطيب ثمارها في الدارين، وثواب الوضوء والمشي إلى المساجد، وصلاة الجماعة والصف الأول، فمعرفة الفضل تحفز النفس كثيراً إلى فعل الخير، لكن الأمر المجرد (صلّ!) بلا دعاء ولا رحمة ولا حكمة ولا موعظة، ينفّر الطفل، خاصة مع صعوبة استمرار الطفل على نمط معين من السلوك دون تحفيز وتشويق.
الله أكبر
وحين ينادي المؤذن للصلاة، يكون ذلك إيذاناً بانتهاء كل ما في اليد من الأعمال والقيام فوراً للصلاة، فالله أكبر من كل شيء، فينفضّ المجلس ويُقفل جهاز التلفاز ونحوه، ويُرفع الطعام، فلا يكن ثمة شيء من الملهيات تصدّ الطفل عن الصلاة.
كما أنه من الطيّب تعويد الطفل على تعليق ثوبه ووضع حذائه دائماً في مكان معين، حتى لا يضيع الوقت دائماًً في كيّ الثوب والبحث عن الحذاء (!)، فيهبّ الطفل إلى الوضوء والخروج باكراً إلى المسجد.
دعي طفلك يتخيل الأجر الكبير في طريقه إلى المسجد، الحاصل من خطوات الذهاب إليه، فهذا مما يدخل السرور على نفسه لهذا الإنجاز الذي يؤديه، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال صلى الله عليه وسلم: "صلاة الرجل في جماعة تضعف على صلاته في بيته وفي سوقه خمساً وعشرين ضعفاً، وذلك أنه إذا توضأ فأحسن الوضوء ثم خرج إلى المسجد لا يخرجه إلاّ الصلاة، لم يخط خطوة إلاّ رُفعت له بها درجة، وحُطّت عنه بها خطيئة، فإذا صلى لم تزل الملائكة تصلي عليه ما دام في مصلاه، تقول: اللهم اغفر له ، اللهم ارحمه، ولا يزال أحدكم في صلاة ما انتظر الصلاة" متفق عليه.
علم وعمل
وعلى الوالدين كذلك تعليم الابن أحكام المسجد وآدابه منذ صغره، كوجوب تسوية الصفوف، وأحكام صلاة الجماعة والجمعة، وتحية المسجد، والوقار والأدب وترك العبث واللهو داخل المسجد، بأسلوب مبسط عملي قريب من إدراكه.
ولا تنسي أن لدعائك ودعاء والده أهمية عظمى في صلاحه، فدعاؤكما أحرى أن يُجاب ويُقبل، فألحّي على الله في كل حين بالدعاء لصغيركما بالهداية والصلاح والبر والتقوى، وأسمعي صغيرك دعواتك الطيبات؛ فإن لذلك أثراً في رقة قلبه وثقته بنفسه والأنس بدعائك من أجله.
وليكن الضرب آخر العلاج، فإنك لو تأمّلت قول النبي -صلى الله عليه وسلم- لم يأمر به إلاّ بعد ثلاث سنين من الأمر الدؤوب والتربية والتعويد، برحمة ولطف ودون غلظة وعنف، فإذا شبّ عوده على الأمر بالصلاة، ثم عصى وأهمل، احتاج إلى تقويم وشدة ليهتم ويأخذ الكتاب بقوة، والضرب هنا هو ضرب خفيف للتأديب والتقويم، ولا بد أن يكون بعد النصح والموعظة.
وليعلم الوالدان أن الصراخ والتعنيف والغلظة، هي من باب العقاب الذي لا يصلح للأمر بالصلاة؛ إذ لا يستقيم بها الحال ولا تورث إلاّ عناداً وعصياناً وكرهاً للصلاة، بل ربما أفرط فيهما الآباء فسبوا وشتموا ودعوا على أبنائهم، من أجل ذلك!
وماذا عن البنات؟
ولا يعني عدم وجوب صلاة الجماعة على الفتيات، التهاون في أدائها وعدم المبالاة بوقتها، حتى ينقرن الصلاة أحياناً بعد خروج الوقت، خاصة صلاة الفجر والعصر والعشاء، بل عوديهن منذ صغرهن على الصلاة في أول الوقت، مذكرة إياهن بأن ذلك من أحب الأعمال إلى الله تعالى، والصلاة أول الوقت تهب ساعات يومهن بركة عظيمة فينجزن فيه أعمالاً عديدة مفيدة، بسكينة وراحة بال.
اتخذي لكل صغيرة خمارها الخاص، واعتني به وطيّبيه، وعوّديها على لفّه عند الانتهاء واحترامه، ولتكن صلاتهن في مكان معين، فهذا مما يدفع بالنفس إلى التركيز والخشوع، فيكون شأن الصلاة في نفوسهن معظماً مقدساً.
وكما عوّدت صغارك على الصلاة المكتوبة، يمكنك أن تعوّديهم على السنن الراتبة وركعة الوتر وركعتي الضحى، فهذا ليس بالأمر العسير إن شاء الله، وكم من أهل فضلاء عودوا صغارهم على الاعتناء بشأن النافلة فشبّوا وهم لا يدعونها في ليل أو نهار، ويلهجون بالدعاء لوالديهم، أن بذروا في نفوسهم الحرص على الطاعة والرغبة في القربات..
المكافأة..
هي أسلوب تربوي رائع ناجع، فهي تحبب الابن في السلوك الإيجابي، وتشعره بالثقة في نفسه والسعادة، والرغبة في معاودة السلوك مرة أخرى..
وفي تربية الأبناء على الصلاة، يمكن اتخاذ المكافأة طريقاً ميسوراً لذلك، فيتم عمل جدول يضم أيام الأسبوع، وفي كل يوم عدد الصلوات، فإن قام بها الابن في أول وقتها وأحسن وضوءها وأركانها، وُضعت له الدرجة العالية، وإن قصر فينقص بحسب تقصيره، وفي آخر الأسبوع تتم مكافأة كل ابن حسب درجاته..
وبعد أن يعتاد الأبناء على الصلاة، يُخفف الجدول ليكون كل شهر، ثم كل شهرين، ثم يمكن الاستغناء عنه حين يتم فهم أن التنافس الحق هو في الأجر من الله تعالى، فمعنى المكافأة يعين الأبناء على تصور مفهوم الأجر، الموصول بطيب الحياة في الدنيا، وانشراح الصدر وصلاح النية والطوية.
المكافأة يمكن أن تتنوع بين نزهة، أو هدية مادية، أو معنوية، وغير ذلك، كما يمكن الرجوع إلى المكافأة كلّما لمست من صغارك كسلاً أو فتوراً..
وهي فكرة مجدية أيضاً لمعلمات الصفوف الابتدائية، كي يتم إعداد الجدول وتوزيعه على الطالبات الصغيرات، ليقوم أهلوهم بمتابعته معهم.
تجربة أم صالح
أم صالح أم فاضلة لعدد من الفتيان، يبلغ عمر أصغرهم أربعة عشر عاماً، لها تجربة فريدة في أمرهم بالصلاة ومحافظتهم عليها، حتى كبروا وشبّوا على الحرص على أدائها في وقتها بالمسجد.
تحكي لنا تجربتها فتقول: يذهب أبنائي منذ صغرهم إلى المسجد مع والدهم، حتى يألفوا صلاة الجماعة وصفوفها والقراءة والسجود والركوع، حتى إذا بلغوا السابعة صار الأمر عليهم سهلاً، فيلتزمون بالذهاب حتى في صلاة الفجر إلى المسجد ولله الحمد.
لا ينبغي أن يتساهل الوالدان أبداً في شأن الصلاة؛ فقضية أن يأمر الوالدان ابنهما ببعض الفروض دون بعض، يجعل أمر الصلاة في نفسه هيناً يمكن التساهل فيه وتركها بعض الأحيان، لكن أخذ الأمر بجدية وصرامة وحرص، يجعل الابن يستشعر حقاً المنزلة العظيمة للصلاة ووجوب المحافظة عليها في وقتها.
يؤسفني أن بعض الأمهات لا يأمرن أولادهن بالصلاة إلا قليلاً، فلا يكفي الأمر فقط في البداية، بل لابد من المتابعة والاستمرار حتى تتأكد من خروجه من البيت، وللأسف بعض الأمهات يتركن أبناءهن إذا كانوا نائمين فلا يأمرونهم بالصلاة شفقة بهم، أفتشفقون عليهم في الدنيا ولا ترحمونهم من عذاب الآخرة؟ إن من شبّ على شيء شاب عليه!
تحمد أم صالح ربها، أن أبناءها الآن يحرصون من تلقاء أنفسهم على الخروج إلى الصلاة والمحافظة عليها جماعة في المسجد، وقلّما تفوتهم الصلاة إلا لعذر، وإن حصل بدا عليهم الندم الشديد على تفريطهم.
وعلى الرغم من ذلك، تستمر أم صالح في متابعتها لهم والحرص على إيقاظهم والتأكد من خروجهم للصلاة، فقد يفتر المرء في بعض الأحيان، ولا بد أن يكون حوله من ينبّهه إذا غفل ويذكّره إذا نسي.
وفي الحقيقة، تنسب أم صالح الفضل لله وحده في هداية أبنائها، وبعد ذلك، تذكر دور والدهم الكبير في تنشئتهم على الحرص على الصلاة؛ إذ لا يخرج إلى صلاة الجماعة إلا وهم جميعهم معه، وإذا كان موجوداً تولّى جانباً كبيراً من المهمة، أما في حال غيابه فتتولى أم صالح هذا الواجب؛ لأنه مسؤولية الوالدين جميعاً.
وتختم حديثها لنا بذكر موقف جميل، حيث كانت مرة في زيارة لأقاربها، فحان وقت الصلاة، ولم يقم أحد بإخراج الفتيان إلى الصلاة، وقلبها يكاد يحترق مما ترى من إهمال الأمهات لأولادهن، إلاّ من أمر يتيم بصوت فاتر: الصلاة!، فلم تجد أم صالح بداً من أن تقوم بنفسها إلى غرفة أولاد أقاربها- وهم دون العاشرة - وتغلق عنهم ما كان يشغلهم، وتشرف على وضوئهم وخروجهم بنفسها!
نسأل الله تعالى، أن يهدي الأبناء ويصلح الذرية، ويعين كل والديْن مخلصيْن على تربية أبنائهم على الخير والصلاح، وعلى حب الصلاة والتزود من الطاعات
المشتاقون إلى المدارس ..!
خالد عبد اللطيف
قبل سنة - أو سنوات! - كتبت متعجباً من فئة من ناشئتنا تلفت الانتباه حقاً مع قرب العودة إلى المدارس، وانتهاء الإجازة الصيفية .. وقلت حينها إن مشاعر الطلاب والطالبات العائدين إلى المدارس بعد العطلات تتفاوت تفاوتاً يلفت الانتباه، ويستحق التوقف للتأمل في دلالات هذه المشاعر .. خصوصا عندما نجد فئة من ناشئتنا ينعتقون من أسر اللهو واللعب، والفرح والمرح، في الإجازة الصيفية، وإذا بهم يشتاقون حقاً لفصول الدراسة، والزملاء، والمعلمين، والدراسة والاستذكار!
إن عاقلاً لا يشك في أن "المشتاقين إلى الدراسة" (بالإضافة إلى دور الوالدين في ترغيبهم وتحبيبهم فيها) قد وجدوا بين جدران المدارس ما يشدهم ويجذبهم، ويجعلهم يشعرون بالحنين إليها.. ولا يتم ذلك للمدرسة إلا من خلال إدارة رشيدة، تحسن انتقاء الكوادر وتوظيف طاقاتها .. وتهتم بالعملية التعليمية في كل مراحلها .. داخل الفصل الدراسي وخارجه .. بل وخارج المبنى الدراسي؛ بتنظيم الرحلات والأنشطة الممتعة المحببة إلى نفوس الطلاب، التي تجمع بين الفائدة والمتعة؛ فتُقبل النفوس من بعدها على التحصيل بسرور وانشراح صدر..
كل هذا تظاهره رقابة واعية حكيمة تقوّم التجارب، وتتدارك الفائت، وتسد الثغرات، في دأب وحماس لا يفتران. وتكتمل الصورة الرائعة المنشودة بـ "ولاة أمر" يفقهون واجبهم نحو أولادهم، بتربيتهم على حب العلم والرغبة فيه، وتوقير معلميهم واحترامهم، وترغيبهم بكل وسيلة ممكنة في الاجتهاد والتنافس المحمود لنفع أنفسهم وأمتهم.. في تعاون جميل بين الوالدين؛ إن غاب أحدهما لم يغفل الآخر!
المسئولية والهمة العالية مطلوبة على المستويات كافة.. همة في الإدارة.. همة في أداء الرسالة التعليمية والتربوية من المكلفين بها.. همة متكاملة الأركان تعليماً وتربية.
وهمة في البيوت توجّه طاقات الصغار نحو حب المدرسة والاشتياق إليها؛ حتى إن الصغير ذا الأعوام السبعة ليبكي حزناً عندما يفوته يوم دراسي تخلف عنه لعذر من غير تفريط!!
http://www.asyeh.com المصدر:
أطفال المغرب .. أسئلة حرجة وأفواه مفتوحة!
إدريس الكنبوري 20/10/1427
11/11/2006
واقع الطفل في المغرب هو جزء من واقع الطفولة في العالم العربي بشكل عام؛ فهذا الكائن الصغير الذي يرمز إلى البراءة والطّهر ليس بمنأى عما يحدث في المجتمع على المستويات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، بل يمكن القول: إنه الأكثر تأثراً بها بحكم هشاشة بنيته النفسية، واستعداده للامتصاص، وقدرته على التفاعل السريع غيرالنقدي مع محيطه المجاور، ومن ثم فإن انعكاسات الفقر والظروف الاجتماعية الصعبة وعدم التماسك الاجتماعي وغيرها من العوامل الخارجية والأسرية على الطفل والطفلة تكون قوية وحاسمة.
أطفال الشوارع... أرقام مهولة
تُقدّر إحصاءات وزارة التخطيط والتوقعات الاقتصادية بالمغرب عدد الأطفال المشردين الذين تطلق عليهم "الأطفال المتخلَّى عنهم" بنحو (400) ألف. وتزداد مشكلتهم استفحالاً في غياب المؤسسات القادرة على انتشالهم من التشرد والانحراف والضياع وتأهليهم نفسياً واجتماعياً. ويُعزى ارتفاع أعدادهم إلى انتشار ما بات يُعرف في المغرب بـ"الأمهات العازبات"، أي محترفات البغاء أو ضحايا الاغتصاب من الفتيات، وكذلك إلى حالات التسرب أو الإخفاق المدرسي الذي يدفع بآلاف الأطفال سنوياً نحو الشارع أو مجالات العمل اليدويّ.
وبحسب دراسة ميدانية صادرة عام 2002 عن أطفال الشوارع، شملت عينة من (711) طفلاً من هؤلاء، فإن التسول يأتي في مقدمة "الأعمال" التي يزاولها هؤلاء الأطفال بنسبة 18%، يأتي بعدها مسح الأحذية، وبيع الأكياس البلاستيكية (15 %)، وغسل السيارات (13 %)، ثم السرقة (6 %). وفي هذا الإطار ذكرت وزارة التنمية الاجتماعية والتكافل الأسري المغربية في شهر سبتمبر من العام الماضي أن 15 % من الأطفال دون السابعة الذين يشاركون المتسولين أنشطتهم هم مستأجرون مقابل مبالغ تتراوح بين (50 -100) درهم (ستة - 12 دولاراً) في الأسبوع.
تشغيل الأطفال... غياب الأرقام
أما قضية عمالة الأطفال في المغرب فإنها بحسب المسؤولين والمهتمين تطرح الكثير من التساؤلات المتعلقة بحجم الظاهرة وفداحتها، وهذا راجع إلى غياب المعطيات الدقيقة نظراً لكون المُشغّلين لا يعلنون عن وجود أطفال عاملين لديهم، وكذلك يرجع إلى اختلاف التعاريف المعطاة إلى الطفل العامل أو الأجير أو المستخدم.
لكن الإحصاءات الرسمية تشير إلى تقدير عدد هؤلاء الأطفال العاملين في حدود (600) ألف، يشتغلون في ظروف تغيب عنها أدنى شروط السلامة والصحة والوقاية من المخاطر، أما إذا تم اعتماد تعريف مكتب منظمة العمل الدولية التي تفيد بأن كل طفل ضحية للهدر المدرسي معرض للاستغلال من طرف المشغِّلين، فإن عدد هؤلاء في المغرب -حسب رأي الخبراء- يتجاوز المليون ممن تتراوح أعمارهم ما بين (7 -13) سنة.
الأبواب الخلفية للسياحة الجنسيّة
يُعدّ المغرب والبرازيل من البلدان الأكثر عرضة لما صار يُدعى بالسياحة الجنسية، حيث أصبح منذ سنوات قليلة مقصداً لعدد من السياح الذين يبحثون عن إشباع نزواتهم المرضية، وتزايد حجم الظاهرة بعد موجة التسونامي التي ضربت بعض بلدان آسيا التي كانت معروفة بانتشار ظاهرة السياحة الجنسية فيها، مثل تايوان، والتي يكون الأطفال من الجنسين ضحاياها في الغالب.
ولم تظهر ظاهرة الاعتداء الجنسي في المغرب بشكل علني إلا في عام 1998 عندما أشارت إليها داخل مستشفى ابن رشد -أكبر مستشفيات الدار البيضاء- مصلحة خاصة بحالات الاعتداء الجسدي والجنسي للأطفال، وبعد تكاثر حالات الاغتصاب التي تُعرض على الأطباء أخذ هؤلاء يحرّرون وثائق طبية ويحيلونها على المحاكم. ومن ثم أصبحت ظاهرة الاستغلال الجنسي للأطفال، وتعرّضهم للاغتصاب إحدى الظواهر المؤرقة للسلطات في المغرب الذي وضع خطة وطنية لمحاربة الظاهرة بعد احتضانه للملتقى العربي الإفريقي لمكافحة ظاهرة الاستغلال الجنسي للأطفال عام 2001، ثم الملتقى الثاني عام 2003، لكن بالرغم من هذا لا تزال الظاهرة رائجة، وتستعصي على المحاربة بالنظر لتداخل مجموعة من العوامل الاجتماعية والقانونية والاقتصادية وحتى العائلية فيها؛ إذ كشفت الإحصاءات أن الأطفال لا يكونون دائماً ضحايا لأجانب، ولكن أيضاً لأقارب ينتمون إلى وسطهم العائلي نفسه.
وتفيد بعض الأرقام الرسمية الصادرة في العام الماضي بمناسبة الملتقى العربي الإفريقي حول الاستغلال الجنسي للأطفال بأن (23) طفلاً مغربياً يتعرضون للاستغلال الجنسي كل شهر، وذكر "المرصد الوطني لحقوق الطفل" -وهو هيئة رسمية- أن نسبة ضحايا الاغتصاب وصلت إلى 17 % بالنسبة للإناث و28% بالنسبة للذكور في العام الماضي، كما أشار إلى أن هناك حالات كثيرة أخرى لا يتم الإبلاغ عنها بسبب الأعراف الاجتماعية السائدة، وكشف المرصد المشار إليه أنه تم تسجيل (112) حالة اغتصاب للأطفال في الفترة ما بين شهر يناير وشهر سبتمبر من عام 2004، و الرقم نفسه بالنسبة للأطفال ضحايا سوء المعاملة، أما مديرية الشؤون الجنائية والعفو بوزارة العدل فسجلت بالنسبة لعام 2003 حوالي (76) حالة اغتصاب، وأكثر من (500) حالة معروضة على المحاكم و(29) حالة تخص تسهيل دعارة القاصرين سنة.
ظاهرة هجرة القاصرين
أما في الأعوام القليلة الماضية، فقد برزت ظاهرة جديدة هي ظاهرة الهجرة السرية التي لم تعد تقتصر على الكبار، وإنما شملت حتى الصغار. وقد أصبحت شبكات الهجرة السرية تنشط في مجال ترحيل الأطفال القاصرين إلى إسبانيا عبر مضيق جبل طارق في رحلات بحرية قد تنتهي بكارثة، وتجد هذه الشبكات في تجارة تهريب القاصرين مصدراً للدخل، مستغلة ظروف الأسر المغربية وجهلها؛ إذ يركز هؤلاء المهربون على أن القانون الإسباني لا يجيز طرد القاصرين من التراب الإسباني، ويعطيهم أوراق الإقامة بعد بلوغهم السن القانونية، وبذا يصبحون فيما بعد أداة لخلاص أفراد عائلاتهم الآخرين عبر ترحيلهم هم أيضاً.
وتقدر السلطات الإسبانية عدد الأطفال القاصرين -أو غير المصحوبين بذويهم بحسب تعريف القانون الإسباني- بنحو (2800) طفل، معظمهم يعيشون كأطفال شوارع في المدن الإسبانية المكتظة، لكن عدد من يعيش في مراكز إيواء القاصرين في سبتة ومليلية المحتلتين وغرناطة لا يتعدى العشرات، وفي بداية العام الجاري عبّر فرع منظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونسيف) عن قلقه من سوء أوضاع الأطفال المتواجدين في هذه المراكز بإقليم الأندلس. وفي الغالب يقع هؤلاء الأطفال ضحية شبكات الدعاة والمتاجرة بالأطفال التي تنشط بكثافة في القارة الأوروبية. وبغية التغلب على هذه الظاهرة التي تزايدت في الفترة الأخيرة، أبرم المغرب وإسبانيا هذا العام اتفاقاً يقضي بترحيل هؤلاء الأطفال نحو التراب المغربي.
وبين تعدد الظواهر والمشكلات التي تحيط بالطفل المغربي، فإن الأسئلة تبقى معلقة حول مصير هذه الشريحة من المجتمع، فيما تبقى أفواهها مفتوحة بشهيّة إلى المستقبل.
التطور الذهني عند المراهقين
الدكتورة ريتا مرهج
تجلب المراهقة معها قدرات فكرية ملموسة، فمن المنطق الملموس المرتبط بـ "الآن" والـ "هنا" الذي ميز السنوات الماضية، يتخذ التفكير تدريجياً صفات مجردة، فتختلط المفاهيم عند المراهق ضمن تركيبات معقدة، ويفكر بظروف غير مكشوفة في عالمه الواقعي أو حتى غير موجودة بتاتاً. إن هذا النوع من التفكير، الذي يشبه تفكير الإنسان الراشد، يجعله قادراً على حل العديد من المسائل التي لم يكن قادراً على حلها سابقاً، كما أنه يفتح أمامه آفاقاً جديدة للتعلم، فالمراهق يستطيع الآن فهم مبادئ علمية معقدة، وتحليل أمور اجتماعية وسياسية غامضة، وكشف المعاني الباطنية في النصوص التي يقرأها، والتلاعب بلغته بطريقة أكثر مرونة وأكثر إبداعاً من السابق. هذا وإذا قارنا المراهق بابن التسع سنوات، نرى أن القدرات الذهنية عنده أصبحت أكثر خيالاً، وتنويراً وعقلانية.
في هذا الفصل سوف نتناول في القسم الأول أهم خصائص التفكير عند المراهق، وفي القسم الثاني سوف نتكلم عن تأثير هذه الخصائص على تصرفات المراهق. أما القسم الثالث فيلقي ضوءاً على كل الأمور المتعلقة بالتحصيل المدرسي والأكاديمي في ظل كل هذه التغيرات الذهنية المهمة، وفي القسم الرابع والأخير سوف نتحدث عن التطور المهني الذي يميز المرحلة الأخيرة من المراهقة عندما يواجه الشباب قراراً حياتياً بالغ الأهمية وهو اختيار المهنة الملائمة.
أولاً:
خصائص التفكير عند المراهق:
إن اسم "جان بياجيه" أصبح مألوفاً لدى قراء هذا الكتاب، إذ أنه واكبنا في الفصول السابقة عندما تحدثنا عن التطور الفكري، وكما نعلم فإن نظريته تشمل القدرات الذهنية منذ الطفولة وحتى سن الرشد، ولقد أعطى تحليلاً دقيقاً لفترة المراهقة، وفيما يلي أهم ما ورد في هذا التحليل:
1- التفكير الافتراضي الاستنتاجي:
عندما يواجه المراهق مسألة ما، يبدأ بطرح نظرية عامة حول كل العوامل التي قد تؤثر على النتيجة، ومن ثم يستنتج فرضيات محددة (أو تنبؤات) حول ما يمكن أن يحصل. بعد ذلك، يختبر المراهق هذه الفرضيات بطريقة منتظمة ليرى أي واحدة منها (أو أكثر) قد تنطبق في العالم الواقعي.(101/27)
نلاحظ من خلال هذه العملية كيف يبدأ حل المسألة باحتمال وينتهي بالواقع، وهذا عكس ما يحصل عند ابن التسع سنوات مثلاً الذي يبدأ بالواقع الملموس مع تنبؤات ظرفية، وعندما تفشل هذه لا يجد الطفل بدائل أخرى فيفشل في حل المسألة.
وهكذا نرى أن المراهق يبدأ في حل العمليات الفكرية من خلال التفكير المنطقي، ويطبق النظام الفكري، ويخضع لقوانين ومبادئ المنطق، ويتخلص تدريجياً من التفكير الحدسي الذي كان يوجه تفكيره حتى الآن.
2- التفكير الاقتراحي:
يستطيع المراهق أن يقدر منطق الاقتراحات من دون أن يلجأ إلى مستندات ملموسة في العالم الواقعي، بعكس ابن التسع سنوات الذي يستوعب منطق الاقتراحات فقط بالاستناد إلى حقائق ملموسة. إن تطور النطق خلال المراهقة يساعد على التدرج نحو هذا النوع من القدرات الفكرية، فالتفكير المجرد يتطلب أنظمة لغوية تمثل أموراً تتعدى الحقيقة المادية، ففي عمر الأربعة عشر عاماً يبدأ المراهق باستخدام هذه الأنظمة في مادتي الجبر والهندسة، كما أنه يبدأ بالتحليل اللغوي للمفاهيم المجردة (معنى الحرية في مادة الفلسفة).
ثانياً: التطور الفكري وتصرفات المراهق:
إن هذا التطور الفكري عند المراهق (من المادي إلى المجرد، من الحدس إلى المنطق) ينعكس بشكل حاد على نظرة المراهق لنفسه وللمجتمع حوله. فالتكيف مع هذا النوع من التفكير المجرد يشمل نفس التحديات التي يواجهها المراهق بتكيفه مع التغيرات الجسدية خلال هذه الفترة من النمو. ومثلما يكون المراهق أحياناً أخرق في التعاطي مع جسده المتغير، كذلك فهو يبدو متلعثماً متردداً في التعاطي مع المفاهيم المجردة.
فيما يلي وصف لتصرفات المراهق نتيجة تفاعله مع هذه التحولات الجسدية والذهنية، ومن خلال هذا الوصف نأمل من الوالدين أن لا يسيئوا فهم هذه التصرفات التي قد تبدو في معظمها سلبية ومزعجة، بل أن يفهموها في إطار افتقار المراهق للخبرة الكافية في التعاطي مع هذه القدرات الفكرية الجديدة.
1- الجدل والمناقشة
إن جميع الأهل يلاحظون أن ابنهم الذي كان في صغره "يسمع الكلمة"، ويطيع كل أوامرهم دون عذاب، ويقتنع بكل سهولة بما يقولونه له، أصبح الآن مراهقاً مناقشاً ينظم المعطيات والأفكار وكأنه محام يقيم قضية! فلا يكتفي بجواب بسيط ومباشر لأسئلته بل يريد ألف حجة، وغالباً ما لا يقتنع بها بل يناقضها جميعاً. ومعظم الأهل يفيدون أيضاً أن ابنهم يناقش فقط للمناقشة، وبالفعل فإن اعتقادهم هذا بمحله.
على الأهل أن يدركوا أنه طالما هذه المناقشات تبقى مركزة على المبادئ، وأنها لا تنتهي بشجار أو عراك يؤذي كلا من الفريقين، فإنها قد تساهم في تسريع عملية التطور عند الشاب أو الصبية، فمن خلال هذه المناقشات للقوانين والقيم العائلية، يصبح المراهق أكثر إدراكاً لهذه القيم ولأسباب وجودها، وأكثر تقديراً "لشرعية" هذه المعتقدات، حتى أنه يصل إلى تبني الكثير منها لاحقاً في حياته.
كما نذكر بأن قدرة المراهقين على الجدل الفعال تفتح الباب أمام نشاطات فكرية مثيرة، فالمناقشات الجماعية في الصف أو مع الأصدقاء تعطيهم فرصة مهمة للتدرب على التفكير الناشط حول كل جوانب القضايا المثيرة للجدل، مثل القضايا الأخلاقية، والاجتماعية، والسياسية.
2- المحورية الذاتية
إن التطور الفكري الحاصل عند المراهق والمرفق بالتغيرات النفسية والجسدية يجعله أكثر تمحوراً على ذاته، حتى أن "بياجيه" نعت هذا النوع من التفكير بالآنية:
فالمراهق يصبح مهتماً بشكل مبالغ بأفكاره ومظهره وتصرفاته.
هذا ويتصرف المراهق وكأنه دوماً على خشبة المسرح، مقتنعاً بأنه محط أنظار واهتمام الجميع، ففي وجه هذا الجمهور يتضخم ويعه الذاتي ويمضي وقته في تجنب الظروف المحرجة، من هنا نفهم لماذا يمضي المراهق ساعات في الحمام مستكشفاً بدقة كل تفصيل من تفاصيل مظهره، رابطاً ذلك بتصوراته حول ردة فعل جمهوره هذا. في الإطار نفسه، نفهم أيضاً سرعة انفعالاتهم لانتقادات الآخرين، وظهور الخجل الشديد في بعض الظروف الاجتماعية. هذا ونذكر بأن عدداً كبيراً من المراهقين، ومعظمهم من الإناث، يطورون نوعاً جديداً من الخوف، هو الخوف من الإحمرار أمام الآخرين، مما يشل تصرفاتهم، وأحياناً يشوه طريقة تفكيرهم. فالمراهق يعتقد أن كل شخص في محيطه يراقبه بحذر، فأية ملاحظة سلبية من قبل والديه أو معلميه أو حتى الأصدقاء تؤلمه بشده. لذلك ننصح الأهل بأخذ ذلك بعين الاعتبار، وعدم توجيه اللوم أو الانتقاد اللاذع له أمام الآخرين، بل التحدث معه على انفراد بترو وصراحة.
إن المحورية الذاتية عند المراهق تتميز أيضاً بالشعور المضخم حول أهميته، إذ إنه يشعر بأنه مميز وفريد، ويستطيع أن يرى نفسه في أعلى قمم المجد كما في أدنى مستويات اليأس، وكلها بنظره خبرات لا يمكن لأحد فهمها! ويعيش حياته وكأنه بطل لحكاية خاصة به، يستطيع القيام بأعمال لا يستطيع الآخرون القيام بها، أو يتخيل أن حالات اليأس والتعاسة التي قد يمر بها خاصة به فقط، ولا يوجد أحد على وجه الأرض يعاني من نفس المرارة والألم.
إن هذا التحليل يفسر طموحات المراهقين التي تتناقض مع الحياة العائلية الاعتيادية الروتينية والمملة بنظرهم. كذلك، فعند الشعور بالحزن بعد خبرة عاطفية مؤلمة (مثل الفتاة التي تقع في غرام رفيق لها ولكنه لا يبادلها الحب)، لا يتجاوبون مع محاولات المحيط لتطمينهم أو التخفيف عن حزنهم، إذ إنهم يعتقدون أن لا أحد يستطيع فهم هذا الحزن العميق (إذا أتت أم الفتاة لتواسيها في حزنها، ترد عليها الفتاة بحزن أكبر: "أنت لا تعرفين معنى الحب! "). لسوء الحظ، فإن هذه "الحكاية الشخصية" التي يبتكرها المراهق في مخيلته حول حياته ومغامراته ومشاعره قد تؤدي أحياناً للمخاطرة في سلوكيات ونشاطات غير محبذة اجتماعياً، مثل سرقة سيارة والده للقيادة بسرعة هائلة برفقة الأصحاب على الطرقات المزدحمة، أو إقامة العلاقات الجنسية في عمر مبكر، أو الانحراف في عالم المخدرات..
ولحسن الحظ، فإن هذه الفترة المشحونة بالآنية والتناقضات العاطفية والتمرد على كل ما هو مألوف وممل لا تدوم إلى الأبد، بل نلاحظ أنه ابتداءً من منتصف مرحلة المراهقة، تنحسر هذه الموجة الحادة لتحل مكانها نظرة إيجابية تجاه المجتمع، مما يساعد المراهق على الانفصال بسلاسة عن أهله، وإقامة علاقات مهمة مع الآخرين، وتكوين هوية مستقلة.
3- المثالية والنقد
إن تطور التفكير المجرد الذي يميز مرحلة المراهقة يفتح الطريق أمام المراهقين لعالم من المثاليات والكمال، فالمراهق يتخيل عائلة بديلة، وأنظمة دينية وسياسية وأخلاقية مختلفة، ويريد أن يكتشف كل هذه الاحتمالات الجديدة.عبر هذه الطريق يصل المراهق إلى تحديد قيمه وهواياته وميوله الشخصية.
فمثالية المراهق تجعله يبني تطلعات سامية نحو عالم كامل من دون ظلم، ولا بؤس، ولا تمييز، ومن ثم يصر على أنه يتطابق الواقع مع هذا العالم المثالي، لذلك تراه لا يتحمل نواقص الحياة اليومية. هذا هو ما نسميه الفجوة بين الأجيال، جيل الوالدين وجيل المراهق، وهذه الفجوة تخلق الكثير من التوتر في العائلة. فيصبح دائم الانتقاد لأهله وإخوته الذين لا يطابقون العائلة المثالية التي يحلم بها.
إن كل الملاحظات المؤلمة التي يوجهها المراهق لأهله قد تبدو لنا، في انطباع أول، بغيضة وغير حساسة ومتطلبة، ولكن يجب أيضاً أن ندرك أن لها محاسن في المدى البعيد: عندما يتعلم المراهق أن للناس حوله نقاط ضعف ومواطن قوة، يصبح قادراً على العمل نحو التغيير الاجتماعي، وعلى بناء علاقات اجتماعية إيجابية قادرة على البقاء.
فعلى الأهل مساعدة أولادهم في صياغة توازن أكبر بين المثالي والواقعي، ويتم ذلك من خلال تحملهم الصبور لهذه الانتقادات مهما كانت لاذعة، وتذكيرهم أن كل الناس، بمن فيهم المراهقين، هم مزيج من الفضائل والنواقص.
4- التصميم وأخذ القرار
من الطبيعي أن يصبح المراهق قادراً على التعاطي بالنشاطات الفكرية بطريقة فعالة أكثر مما كان عليه في السنوات السابقة، فهو الآن يستطيع تنظيم وقته عند الدرس لإنهاء فروضه المنزلية بالتصميم السليم لما يجب تنفيذه أولاً، ماذا يتبع، ماذا يستطيع تأجيله، ما الذي يجب تعديله، ما الذي يأخذ أولوية، الخ..
لهذا السبب، نرى في معظم الأحيان أن تقنيات الدرس تتحسن في المراهقة مقارنة بالسنوات السابقة.
لكن هذه القدرة على التصميم التي نلمسها في المجال الفكري، لا نجدها في أمور الحياة اليومية، إذ إن المراهق يبدو ضائعاً حائراً متردداً أمام كل الخيارات المتوفرة أمامه، والنتيجة هي أن كل الجهود المبذولة لاختيار احتمال واحد تنهار، ويلجأ المراهق بالنهاية إلى ما هو مألوف، أو يتوتر، أو حتى لا يأخذ أي قرار! لنأخذ مثلاً فتاة في الثانية عشرة من عمرها، فهي في كل صباح قبل أن تذهب إلى المدرسة، تجرب خمسة أو ستة ملابس، وبالطبع لا ترع أي منها إلى الخزانة! وقد تستشير والدتها: "ماذا أرتدي اليوم؟ "، وعندما تقترح هذه الأخيرة شيئاً، بالطبع ترفضه الفتاة وبالنهاية تعود وتختار اللباس الذي ارتدته بالأمس وقبل الأمس!
ثالثاً: الكفاءات التعليمية (المدرسية):
إن نسبة نجاح المراهقين في المدرسة ولاحقاً في العالم المهني مرتبطة بمجموعة من العوامل الشخصية والاجتماعية. وهذه العوامل تبدأ إجمالاً في سنوات الطفولة: فالبيئة العائلية السليمة التي ينشأ فيها الولد، ونوعية المدرسة التي يرتادها، كلاهما تؤديان إلى حفز خصائص إيجابية في شخصية الإنسان، مثل الرغبة في النجاح والطموح التربوي والمثابرة الفعالة للوصول إلى الهدف، وفيما يلي تلخيص لهذه العوامل:
1- الممارسات التربوية في البيت
يبدو حسب الدراسات العديدة أن الإنجاز المدرسي الجيد مرتبط بنمط تربوي معين يسلكه الأهل في البيت، وهذا النمط يتميز بفرض السلطة في المنزل من دون تشنج أو تصلب بالمواقف، وتوفير العطف والحنان والتفهم للأولاد مع منحهم الفرص الملائمة للنضوج والتعبير.
بالمقابل تشير الدراسات إلى أن الأسلوب التربوي المتسلط جداً كما الأسلوب المتسامح جداً كلاهما يؤديان إلى إنجاز مدرسي رديء عند الأولاد، مع الإشارة إلى أن الأسلوب غير المنتظم (أي الذي يتقلب عشوائياً بين التسلط والتسامح) هو المسئول عن المستويات الدنيا للأداء المدرسي.
2- تأثير الرفاق
يلعب الرفاق دوراً مهماً في الإنجاز المدرسي خلال المراهقة، ونرى أن الأولاد إجمالاً يميلون ؟إلى اختيار أصدقائهم من نفس البيئة الاجتماعية حيث التقاليد والقيم المشتركة. لذلك، نلاحظ أن مجموعات صغيرة تتألف داخل الصف، ولكل مجموعة قيمها وتصرفاتها الخاصة بما يتعلق بالإنجاز المدرسي، فمنها ما يعطي أهمية بالغة للعلامات المتفوقة وترى الأولاد ضمنها يتنافسون بشكل غير مباشر على التفوق، ومنها من لا يهتم كثيراً الناحية بل هناك استثمار أكبر للناحية الاجتماعية اللامنهجية..
إن انتماء المراهق لأي من هذه المجموعات قد يؤثر على نظرته الشخصية لفكرة الإنجاز المدرسي والتحصيل العلمي، ويأتي اختياره لرفاقه نتيجة شعوره بالارتياح النفسي ضمن هذه المجموعة أو تلك (الشعور بأنه "وجد نفسه" بينهم)، وهذا الارتياح مبني على مدى إدراكه للتشابه بين القيم الخاصة بالمجموعة والقيم التي نشأ وترعرع عليها في أسرته، إذ نلاحظ أن المراهق الذي يأتي من أسرة تعير أهيمة كبرى للعلم والثقافة والطموح البناء يميل إلى اختيار رفاق أو مجموعة من الرفاق يأتون من نفس الجو..
3- خصائص المدرسة
إن المراهق يحتاج لمحيط مدرسي يتجاوب مع قدراته الفكرية المتطورة، فمن دون الخبرات التربوية الملائمة، قد تنشل عملية التطور نحو التفكير المجرد السليم.
إن القفزة من المرحلة الابتدائية إلى المرحلة التكميلية هي تجربة صعبة في معظم الأحيان، إذ إن المراهق يجد نفسه أمام ظروف جديدة بالنسبة له تفرض عليه التكيف السريع: ففي المرحلة الابتدائية يكون الانتباه مركزاً أكثر على الأولاد، بينما في المرحلة التكميلية يصبح الانتباه موجهاً على عملية التعليم والمنهج المطروح، كذلك فإن تعدد المردسين وتعدد المواد المنهجية يجعلان المراهق يشعر ببعض الضياع خاصة في الأسابيع الأولى من السنة الدراسية وعليه التكيف السريع مع هذه التغيرات. هذا ويدرك المراهقون سطحية العلاقات مع المدرسين بينما كان المدرس في الماضي عنصراً مهماً جداً في حياة الطفل، وكانت العلاقة معه أعمق بكثير. ويأتي هذا الإدراك في وقت يكون المراهق بحاجة ماسة إلى إقامة علاقة وطيدة مع مدرسيه تسمح له بتكوين هوية شخصية مستقلة عن أسرته، ويحتاج فيها إلى نماذج راشدة مختلفة عن والديه.
رابعاً: الرسوب المدرسي:
تشير الإحصاءات في الولايات المتحدة الأميركية إلى أن 15% من الشباب الأميريكي لم يكملوا تحصيلهم المدرسي، وأن نسبة كبيرة من هؤلاء ينتمون لطبقات اجتماعية متدنية. كما نعلم أن قرار ترك المدرسة في عمر مبكر له تأثير فادح على مستقبل الإنسان من ناحية التوظيف في العالم المهني كما من ناحية النمو الشخصي.
1- ما هي العوامل المتعلقة بالرسوب المدرسي؟
العوامل المتعلقة بالتلميذ: حضور غير منتظم، عدم انتباه في الصف، مشاكل سلوكية (خاصة العدوانية)، عدم القدرة على التواصل الإيجابي مع الأساتذة، تحصيل مدرسي ضعيف، كراهية للمدرسة، طموحات تربوية متدنية، عدم الثقة بالذات، اختيار رفاق راسبين مدرسياً، عدم الانخراط في نشاطات ترفيهية لامنهجية، تعاطي المخدرات..
العوامل العائلية: لامبالاة الوالدين في تربية الأبناء أو الكشف على تطورهم المدرسي، عدم تواجد قيم عائلية في البيت تحفز على التعلم وتحث الأبناء على الإنجاز والتفوق، كون الوالدين أنفسهم راسبين في المدرسة، تفكك أسري ناتج عن طلاق أو ظروف اقتصادية رديئة جداً، اللجوء إلى العقاب الصارم والغضب الشديد بوجه رسوب الأبناء في المدرسة مما يجعل الولد يتمرد أكثر فأكثر ضد العالم الأكاديمي، وأخيراً عدم توفير الفرص التربوية الملائمة داخل المنزل (تشجيع الولد على القراءة والإبداع) من جراء الفقر والبؤس.
العوامل المدرسية: عدم تواجد الحوافز والمثيرات الكافية داخل الصف، عدم تواجد الفرص لإقامة علاقات سليمة مع المردسين، عدم توافق المنهج المدرسي مع احتياجات واهتمامات التلامذة، سلة إدارية تركز على المعلم بدلاً من التلميذ، عدم تشجيع لإنجاز الطلبة، عدد هائل من التلامذة في المدرسة عموماً وداخل الصف بشكل خاص.
2- ما هي الوسائل الوقائية التي نستطيع استخدامها للحد من الرسوب المدرسي؟
توفير البديل المناسب لهؤلاء المراهقين وذلك من خلال ضمهم إلى برامج مدرسية خاصة تركز على تدريب مهني ذي مستوى عال. فالتربية المهنية، مع تشابهها الشديد للحياة الواقعية، تريح المراهقين الذين يعانون من مشاكل مدرسية وتبدو لهم أكثر فعالية من العمل الأكاديمي المحض. لكن من المهم أن تدمج هذه البرامج الخاصة الناحيتين الأكاديمية والمهنية بشكل يحث المراهق على إدراك الصلة الوثيقة بين ما يتعلمه في الصف وأهدافه المستقبلية.
توفير التعليم "العلاجي" المركّز لهؤلاء المراهقين ضمن مجموعات مصغرة تسمح بإقامة علاقة دافئة ومتفهمة بين التلميذ والمدرس. إن هذا النوع من التعليم يعوض عن خبرات الفشل التي تعرض لها المراهق الراسب ورواسبها السلبية على شخصيته من خلال إطار منتظم من المساندة الأكاديمية والدعم الاجتماعي والإرشاد التربوي من شأنه حث المراهق على تحقيق ذاته.
حث المراهق الراسب مدرسياً على الانخراط في الحياة الجماعية من خلال تشجيعه على ممارسة نشاطات لامنهجية برفقة أصدقاء من المدرسة حيث يشعر أنه عنصر فعال ضمن المجموعة، وأن مساهمته في العمل الجماعي ذات أهمية بالنسبة للآخرين، مما يعطيه ثقة بالنفس ويجعله يبقى في المدرسة حتى التخرج.
خامساً: التطور المهني:
في أواخر مرحلة المراهقة، يواجه الشاب قراراً حياتياً بالغ الأهمية، وهو اختيار مهنة المستقبل. كيف يقوم المراهق بأخذ القرارات حول مستقبله المهني، وما هي العوامل التي تؤثر على اختياره، إنها أسئلة يطرحها الأهل على أنفسهم بغية مساعدة أولادهم على العبور السلس من مرحلة الدراسة إلى عالم العمل.
إن التطور المهني يمر بثلاث مراحل مع نمو الولد من الطفولة حتى المراهقة، وهذه المراحل تتلخص كالتالي:
1- فترة الخيال (الطفولة المبكرة والمتوسطة)
لقد رأينا في الفصول السابقة كيف يمضي الأطفال وقتاً كبيراً باللعب التمثيلي ("أنا طبيب، أنت السكرتيرة، هو البقال") إنما نرى أن هذا النوع من اللعب في الطفولة لا علاقة له بتاتاً بالمهن التي سوف يختارونها بالمستقبل. وبالطبع، عندما يقرر ابن السبع سنوات أن يكون رائد فضاء، يأتي اختياره هذا نتيجة تحمسه لبطل في القصص أو الروايات أو المسلسلات التلفزيونية، وليس نتيجة تقدير واقعي لإمكانياته الجسدية والفكرية ومواهبه الخاصة!
2- فترة المحاولات (المراهقة الأولى والوسطى)
بين عمر الأحد عشر والسبعة عشر عاماً، يبدأ الولد بالتفكير بالمهن بطريقة أكثر تعقيداً وتطوراً، فتبرز هنا الاهتمامات الشخصية (مثلاً: بعد عمله الدؤوب على مشروع للصف حول الأهرام المصرية، يقرر الولد أن يصبح عالم آثار). وكلما كبر في العمر زاد إدراكه للكفاءات الشخصية والتربوية المطلوبة للمهن المختلفة، فيبدأ المراهق بدراسة الاحتمالات بالإضافة إلى اهتماماته الشخصية، كما يبدأ بتقييم قدراته وقيمه الشخصية بالتوافق مع المهنة التي تثير اهتمامه.
3- الفترة الواقعية (مرحلة المراهقة النهائية)
في نهاية فترة المراهقة، يبدأ الشاب بتقييم المعطيات الاقتصادية والعملية التي تحيط به، وهكذا تنحسر الخيارات أمامه وتتركز اهتماماته على فئة معينة من المهن. وتبدأ مرحلة الاختيارات الذاتية والاستكشاف الناشط ضمن هذه الفئة لتنتهي بالتركزي على مهنة واحدة.
العوامل التي تؤثر على الاختيار المهني عند المراهقين
- التأثير العائلي:
هناك علاقة قوية بين طموحات المراهقين المهنية ومهنة الوالدين، ومن المعلوم أن المراهقين الذي ينتمون إلى الطبقة الاجتماعية المتوسطة يميلون إلى اختيار الطب والمحاماة والبحث العلمي والهندسة والإدارة، بينما المراهقون الذين ينتمون إلى الطبقة الاجتماعية الوضيعة يميلون إلى اختيار مهن مثل السمكرة والبناء والسكرتاريا والتوظيف في خدمة المطاعم، الخ..
لكن يجب أن نتذكر أن أفضل مؤشر للرتبة المهنية هو عدد السنوات في التحصيل المدرسي والإنجاز الأكاديمي.
إن التشابه بين مهنة الآباء والأبناء يتأثر بعوامل عديدة، أهمها نوعية المعلومات والفرص التي يؤمنها الآباء لأولادهم المتعلقة بعالم العمل، واتصالاتهم الاجتماعية مع فعاليات ذات نفوذ قد تساعد الشاب على الحصول على مهنة راقية اجتماعياً.
كذلك فإن الجو التربوي السائد في العائلة له تأثير كبير على اختيار المهنة المستقبلية: ففي الطبقات الاجتماعية المتوسطة، تتمحور القيم حول الفضولية الفكرية والإبداع والاستقلالية، بينما تركز قيم العائلة في الطبقات الاجتماعية الوضيعة على الطاعة والانسجام وتلبية أوامر الآخرين في السلطة، لذلك يميلون في المستقبل لاختيار مهنة في جو يتلاءم مع هذه القيم الموروثة.
- تأثير المدرسين:
إن المدرس يلعب أيضاً دوراً مهماً في قرارات المراهقين بشأن مهنتهم المستقبلية، فالعديد من المراهقين يتطلعون إلى البعض من أساتذتهم باحترام فائق، ويتأثرون جداً بشخصيتهم، حتى أن عدداً لا بأس به من المراهقين يعترفون بأن بعض أساتذتهم لهم التأثير الأكبر في اخيتارهم لمهنة معينة.
لذلك فإن العلاقة الإيجابية بين المدرس والتلميذ هي أمر مهم جداً في الحياة المدرسية خلال المراهقة، وتعزيزها ضروري ضمن النظام المدرسي، لأن قدرة الأستاذ على أن يكون المثال الفعال في حياة التلميذ قد تساهم بحفز المراهقين إلى الأمام، إلى التحصيل العلمي وإلى اعتناق مهنة تمنحهم الاستقلالية وعزة النفس.
الفروقات الجنسية في التطور المهني:
خلال السنوات الأخيرة من القرن العشرين، أخذت ميول الإناث المهنية تتجه نحو مهن كانت في الماضي محصورة بالذكور، فالتغير بالنظرة العامة للأدوار الجنسية مع تزايد عدد الأمهات العاملات في العالم اللواتي يوفرن لبناتهن مثالاً مختلفاً لمعنى الأنوثة، كل ذلك يعتبر تفسيراً لاهتمام بناتنا اليوم بآفاق مهنية غير تقليدية.
لكن بالرغم من هذا التغير المهم في المجتمعات، لا تزال نسبة الإناث في المهن الراقية مثل الطب والهندسة والمحاماة ضئيلة بالنسبة للذكور، فالنساء لا يزلن يفضلن إجمالاً مهناً مرتبطة تقليدياً بدورهن الأنثوي، مثل الأدب والعمل الاجتماعي والتربية والتمريض. والعامل الأساسي وراء هذا التيار هو نظرة المجتمع إجمالاً، والأسرة خاصة، إلى الإنجاز الأنثوي: فالأهل لا يزالون حتى اليوم وفي معظم المجتمعات يحثون بناتهم على وضع الزواج والأمومة في المرتبة الأولى والمهنة في المرتبة الثانية.
عن كتاب ـ أولادنا
http://www.falasteen.com المصدر:
ـــــــــــــــــــ(101/28)
قواعد العلاقة بين الآباء بالأبناء
رحمة الغامدي 13/10/1427
04/11/2006
إن الشريعة الإسلامية ضد المذهب الفردي الذي يقدس الفرد وحريته على حساب الجماعة ومصلحتها، وهي أيضاً ضد مفهوم المذهب الاجتماعي الذي ينفي حقوق الفرد كاملة؛ لأن الإسلام يراعي مصالح الصالح العام، ويوفق بينها وبين حقوق الفرد.. فهو يهدف إلى تحقيق العدل والمساواة ورفع الظلم والضرر.
ولا يصح أن يقدس القانون حرية الفرد إلى حد أن يضحي من أجلها بمصلحة الجماعة، ولا أن يجعل للطفل الصغير الذي لم يكتمل نموه سلطة توازي سلطة أبيه الذي خرج من صلبه وكفله ويتولاه بكل رعاية، بل الصحيح أن يوفق القانون بين الأفراد الذين تتخالف مصالحهم ويسرع القوي فيهم إلى هضم حق الضعيف ونيله بالأذى والضرر..
ومن قيمنا الأصيلة التي أرستها الشريعة الإسلامية عناية الآباء بالأبناء ورعايتهم رعاية فائقة، حتى إن كثيراً من الآباء يضحي براحته ووقته وجهده وماله ليوفر لأبنائه المستقبل الزاهر السعيد؛ فالأب يكد ويسعى جاهداً ليوفر لأبنائه أسباب الثقافة والتعليم؛ مما لم يتوافر له هو نفسه، ويجد في ذلك تعبيراً عن معاني الأبوة الصادقة، وواجباً دينياً نحو أبنائه لقول النبي صلى الله عليه وسلم: "كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته..الرجل راعٍ ومسؤول عن رعيته والمرأة راعية في بيت زوجها ومسؤولة عن رعيتها".. متفق عليه.
ومن سمات الأسرة المسلمة احترام الصغير للكبير وتوقير الأبناء لآبائهم وأمهاتهم لقول الله تعالى: (وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْناً عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ) [سورة لقمان: 14]. وقال النبي صلى الله عليه وسلم: "ليس منا من لم يوقر كبيرنا ويرحم صغيرنا"، ويمكن لمس أثر ذلك فيما يبديه الأبناء نحو آبائهم وأجدادهم من احترام وتقدير بالغ، ويبرز هذا الاحترام والتوقير حين تقعد الشيخوخة الآباء عن العمل، وحين يتعاون الأبناء عن رضا وطيب خاطر لإعالة الآباء والأجداد وفاءً لجميلهم واعترافاً بفضلهم، وذلك علاقة فطريه وليست تعاقدية.
ليس كل شيء في المجتمع يُحكم بالقاعدة القانونية، وإنما هناك أيضاً القواعد الأخلاقية والدينية والعادات والمجاملات، ولكل منها مجالها، ومن يخرج على هذه القواعد يقابله المجتمع بالإنكار، وقد يتعرض للعذاب الأخروي، أما من يخالف القاعدة القانونية فإن السلطة العامة توقع عليه الجزاء المادي والحسي المنصوص عليه، والعرف أحياناً أقوى من القانون، لذلك فان الشريعة الإسلامية تعتمد في مصادر أحكامها على القرآن والسنة وتجعل المعروف عرفاً شائعاً.
علاقة الأبوة والأمومة:
هي علاقة فطريه طبيعية يؤكدها الشرع والعرف، وليست علاقة تعاقديه ينفذها سلطان القانون؛ فالله سبحانه وتعالى فرض على الأبناء الإحسان إلى الآباء كما في قوله تعالى: "وبالوالدين إحساناً"...النساء .. كما فرض على الآباء الإحسان إلى الأبناء لقول النبي صلى الله عليه وسلم : "من ابتلي من هذه البنات بشيء فأحسن إليهن كنّ له ستراً من النار". ومن الخير أن تظل العلاقة بين الآباء والأبناء قائمة على الخير والمحبة والقيم الإسلامية الرفيعة، وليست تعاقدية قانونية؛ لأن في هذا تأكيداً للفطرة التي فطر الله الناس عليها؛ فالعلاقة التعاقدية القانونية تفرض حقوقاً تقابلها واجبات، أما القاعدة الخلقية الشرعية فهي تفرض واجبات دون أن تقابلها حقوق - بالضرورة - فالأب يعطي ابنه حقوقاً متتالية كالنفقة والتأديب والرعاية دون أن ينتظر من الابن الواجبات، اللهم إلاّ واجب الطاعة والشرع هو الذي فرض على الابن طاعة أبيه، وأن يكون طوع يمينه، وأن يكون ماله أيضاً ملكاً لأبيه، وذلك لعظم حق الأب عليه.
حب الأمومة:
إن حب الأمومة قائم على التضحية وإنكار الذات، وهو بذلك أنقى أنواع الحب؛ لأنه عطاء لا ينتظر المقابل، فكذلك حب الأبوة يرتفع عن الأغراض في القيام بواجب يعتقد الأب أنه مسؤول عنه أمام ربه حين يتجشم المشاق لتوفير الغذاء والكساء والرعاية والتربية الصحيحة لأبنائه. ولمّا كان الطفل ينشأ عاجزاً عن رعاية نفسه فقد جعل الشرع للأبوين عليه ولاية تربية وتأديب، فيجب له عليهما النفقة والتعليم والتهذيب، ولا يحتاج الأمر إلى إكراه الأبوين لأداء هذا الحق؛ لأن الله سبحانه وتعالى جعل في قلب الأم ينبوع حنان ورحمة لا ينضب لأطفالها، ووضع في قلب الأب عاطفة قوية لأبنائه تدفعه لأن يوفر لهم الراحة والهناء، و العوامل التي تدفع للرحمة بالأبناء كثيرة: أولها الدين، وثانيها الغريزة، وثالثها العرف، ورابعها الرحمة والحب.
تأديب الأبناء واجب على الآباء:
هذا التأديب لا يعني إباحة الظلم والقسوة في حق الأبناء .. وبدلاً من الضرب والعقاب، نبين للطفل منافع الطاعة والصدق والأمانة وكل القيم الخلقية السامية التي جاء بها الإسلام، وما فيها من فائدة له وللآخرين في الدنيا والآخرة، مستعينين في ذلك بنصوص من الكتاب والسنة، ونعلمه أن اتباعهما سبب لرضا الرب وثقة الناس، مما يبعث في نفس الطفل الفضائل، ويدفعه إلى الحق والخير دون خوف من عقاب بدني..
ـــــــــــــــــــ(101/29)
أثر الأذكار في عقيدة الأطفال !
خالد عبد اللطيف
هل تتمنى لطفلك أن يكون صالحاً، سليم العقيدة، حسن الخلق، منضبطاً ومنظماً في شؤونه؟!
كلنا يتمنى ذلك .. ولكن من الناس من يقف على شواطئ الأماني .. يرددها ويعيدها، والناس من حوله يبحرون إلى برّ العمل! وفي الأثر: "هتف العلم بالعمل؛ فإن أجابه وإلا ارتحل"!
ومن الناس من يبحث عن الوسائل العملية لتحقيقها.. ثم يتفاوت الناس من بعد ذلك في مستويات العمل والسعي.. {وَأَن لَّيْسَ لِلإنسَانِ إِلاّ مَا سَعَى * وَأَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرَى}!
ومن أهم الأمور التي تعين (بإذن الله) على غرس الكثير من القيم في نفوس الصغار:
تعويدهم مع بداية النطق والإدراك للمعاني: المحافظة على الأذكار الواردة في السنة النبوية، على صاحبها أفضل الصلاة والسلام، وخصوصاً أذكار الصباح والمساء في وقتها (طرفي النهار).
وكمْ يعجب المرء ممن يجتهد في تحفيظ أولاده القرآن، ولا يضم إلى ذلك تحفيظهم الأذكار وما تيسّر من السنة؛ فتفوته ويفوتهم بذلك الكثير من الفوائد!
نعم.. أشار الفقهاء إلى الابتداء بالقرآن الكريم مع الصغار، ولكن لا يعني الابتداء الإلغاء لما سواه. وكم يسرّ النفس أن تلقى فتى يافعاً يحفظ من السنة كما يحفظ من القرآن، ويردد الأذكار من حفظه في أوقاتها دون حاجة إلى كتاب!
بل إن من أجلّ فوائد تعويد الأطفال ترديد الأذكار: ترسيخ العقيدة الصحيحة في نفوسهم؛ لكثرة ما تتضمنه هذه الأذكار من معاني التوحيد والتفويض والتوكل، وأن الله - عز وجل - هو مالك الضر والنفع وحده.. وغيرها من المعاني العظيمة الجليلة؛ التي يثبّتها ويقوي استشعارها كثرة الترديد للأذكار، مع بيان معانيها وفوائدها وآثارها!
أضف إلى ذلك: غرس محبة السنة النبوية في قلوب الناشئة، ومن ثم تخلّقهم بأخلاقه - صلى الله عليه وسلم -. مع ما في هذه الأذكار من حفظ إلهي لقائليها ورضاه عنهم، ويكفي مثالاً لذلك: ذكران خفيفان على اللسان كبيران في الآثار:
"بسم الله الذي لا يضر مع اسمه شيء في الأرض ولا في السماء وهو السميع العليم" حيث وُعد قائلها ثلاثاً في الصباح بأنه لا يضره شيء حتى يمسي، وقائلها ثلاثاً في المساء بأنه لا يضره شيء حتى يصبح!
وقول: "رضيت بالله رباً، و بالإسلام ديناً، و بمحمد - صلى الله عليه وسلم - نبياً ورسولاً" ثلاثاً في الصباح وثلاثاً في المساء؛ وفضلها - كما في الحديث -: "كان حقاً على الله أن يرضيه"!
أما تعلّم الطفل الانضباط من خلال المواظبة على الأذكار في أوقاتها، فهو فائدة ظاهرة، وغنيمة مؤكدة، والله - تعالى -يرزق من يشاء بغير حساب!
فهل تتمنى لطفلك أن يكون صالحاً، سليم العقيدة، حسن الخلق، منضبطاً ومنظماً في شؤونه؟!
http://www.asyeh.com المصدر:
ـــــــــــــــــــ(101/30)
التمييز بين الأبناء .. خطيئة يمارسها الآباء بسعادة أحياناً
القاهرة / ليلى بيومي 26/9/1427
19/10/2006
التمييز وعدم العدالة والمساواة بين الأبناء مشكلة يقع فيها الكثير من الآباء والأمهات والمربين، سواء بشكل متعمد أو غير متعمد. ويسبب هذا التصرف الكثير من الآثار السلبية على الصغار تمتد معهم حتى يكبرون.
ويقول الأطباء النفسيون: إن التفرقة بين الأبناء تضر بالابن الذي يُهتَمّ به مثل ما تضر الذي يُهمل, فالأول يبدأ يشعر الغرور والأنفة، ويستصحب ذلك معه طيلة عمره، ثم يكون هذا الغرور وبالاً على أبيه أو أمه الذي ميزته عن إخوته, أما الابن الذي يتعرض للإهمال فإنه يُصاب بعدد من الأمراض النفسية، وتستمر معه أيضاً لفترات طويلة، ويبدأ في كره أمه أو أبيه الذي ميز إخوته عنه.
تفتح (الإسلام اليوم) ملف هذه القضية الأسرية الشائكة، وتسرد آراء العلماء وخبراء النفس حول الدوافع التي تحدو بالآباء أو الأمهات لتفضيل ابن أو إهمال ابن معين, وكيف سيؤثر ذلك على بقية مستقبلهم, كما تستطلع أيضاً آراء أشخاص هم الآن في سن النضج لكن وجدوا مثل هذه المعاملات في أسرهم.
الطبيب الشاب (محمد سالم) يروي خبرته وتجربته في هذا الموضوع فيقول: أنجب أبي في البداية ثلاث بنات، ثم أتبعهن بثلاثة أولاد، لكن الولد الأول فينا ظل له مكانة خاصة ومميزة، ويحظى بحب أبي وتفضيله علينا، وقد انعكس ذلك على أمي هي الأخرى التي أصبحت تفضل أخي الأكبر. كانا يحاولان إخفاء هذا التفضيل، ولكنه كان واضحاً ومعروفاً. والغريب أن أخي الأكبر أُصيب بمرض فزاد الحب له، وأنفق أبي الكثير على زواجه وخصه بعطية كبيرة دوننا. صحيح أن الله أكرمنا وفتح لنا أبواب الخير والرزق، ولكننا نترحم على أبي، وكنا نريد أن يعدل بيننا، ولا يفضل أخي الأكبر علينا.
وتحكي (فاطمة عبد الواحد) الموظفة في إحدى الهيئات الحكومية قصتها فتقول: لقد نشأت في أسرة تفضل الذكور على الإناث، وتحرم الإناث من الميراث، وتهمل تعليم الإناث، ولولا توفيق الله ورعاية خالي لي ما أكملت تعليمي الجامعي، فقد كان يتكفل بنفقتي. كانت الأسرة تفرّق بيننا حتى في الطعام. فاللحم يوزع أولاً على الذكور، فإذا بقي منه شيء يُوزع علينا، وإن لم يتبق شيء لا نتذوق طعم اللحم بالشهور. وكان خطأ الذكر يُغتفر أما أصغر خطأ للأنثى فلا يُغتفر. وحرمني أبي من الميراث، كما هو سائد في عائلته وبلدته، ومع هذا فأنا التي وقفت بجانبه في مرضه، وأنفقت عليه من مالي بينما تخلى عنه أبناؤه الذكور الذين كان يفضلهم علينا.
المساواة الدقيقة
تقول الدكتورة (مديحة علي) أستاذة التربية بجامعة عين شمس: إن المساواة الدقيقة يجب أن تكون مساواة في الطعام، ومساواة في توزيع الكلام، ومساواة في توزيع الانتباه والاهتمام، ومساواة في توزيع النظرات والضحك والمداعبات، كل هذا بقدر الإمكان، لذا يجب أن يحرص الأب أن يسعى إلى تحقيق العدالة في هذا الجانب، كذلك المساواة في الهدايا والعطايا والمساواة باتخاذ القرارات من خلال استشارة الجميع بدون استثناء، وأخذ القرارات بالأغلبية فيما يخصهم. وهناك المساواة بالمشاركة باللعب والمساواة في كلمات المحبة.
وهناك جانب مهم جداً، وهو: المساواة في الاصغاء والاستماع؛ فالأبناء يتفاوتون في الجرأة والخجل، وليس كل واحد منهم يبادر بالحديث ويستأثر بأذن والديه واهتمامه، ومنهم من تزيد متعة الاستماع إليه ومنهم من تقل، ولضبط هذا الجانب الصعب ولتلبية حاجة الأبناء إلى الاستماع إليهم والاهتمام بهم والتعبير عن أفكارهم، لتلبية كل ذلك يجب تخصيص وقت للأحاديث الخاصة. فمن الضروري أن يشعر الأبناء بأن هناك وقتاً مخصصاً لكل منهم تُحترم فيه خصوصيّاتهم.
خطأ المقارنة
ويرى الدكتور وائل المحمدي أستاذ علم النفس بجامعة القاهرة أن الإخوة فيما بينهم في حالة مقارنة مستمرة بكل ما يملك أحدهم من صفات عقلية أو عضلية أو شكلية، وهنا يبدأ دور الوالدين، ومن أهم ما يمكن عمله هو الحرص التام على عدم وضع أيّ مقارنة بين الأبناء.
وهكذا يجب عدم المقارنة في الذكاء والقدرات العقلية، ومن صورها: انظروا إلى أخيكم فلان، إنه متفوق دائماً وذكي وألمعي. وهنا يشعر الإخوة الآخرون بالإحباط والغيرة من أخيهم.
كما يجب عدم المقارنة بالقوة العضلية والمهارة الحركية بين الأولاد، مثل: لا تتشاجروا مع فلان؛ هو أقوى منكم.
ويجب أيضاً عدم المقارنة في الجمال بين البنات، ومن صورها مجرد الثناء على جمال فتاة بحضور أخت لها، فهذا الأسلوب يسبب صدمة هائلة للأخت الأقل في الجمال، ويولّد لديها انكساراً كبيراً وعدم ثقة في النفس.
هل الأبناء مسؤولون؟
ويؤكد الدكتور (عبد العزيز عمران) أستاذ علم الاجتماع بجامعة القاهرة أن هناك من الآباء من يعتقد أن المسؤول الأكبر عن التمييز بين الأبناء هم الأبناء أنفسهم, وذلك راجع إلى اختلاف الطباع، وحسن التصرف واللباقة في التعامل مع الوالدين لتحقيق المطالب, بحيث يبتعد الوالدان عن المساواة دون قصد أحياناَ. سواء في الإنفاق أو العطف أو حق إبداء الرأي والاعتراض.
وقد يكون الذكر في مجتمعاتنا العربية مقبولاً في جميع تصرفاته عن الأنثى، وتُعطى له كل الصلاحيات وتُنفّذ له كل الرغبات ناسين أو متناسين ما حثتنا عليه تعاليم ديننا الإسلامي من العدل وعدم التمييز.
ويعني عدم المساواة بين الأبناء جميعاً والتفضيل بينهم بسبب الجنس أو ترتيب المولود أو السن أو غيرها نجد بعض الأسر تفضل الأصغر على الأكبر، أو تفضل ابناً من الأبناء؛ لأنه متفوق أو جميل أو ذكي وغيرها من الأساليب الخاطئة.
وهذا بلا شك يؤثر على نفسيات الأبناء الآخرين وعلى شخصياتهم؛ فيشعرون بالحقد والحسد تجاه هذا المفضل، وينتج عنه شخصية أنانية يتعود الطفل أن يأخذ دون أن يعطي، ويحب أن يستحوذ على كل شيء لنفسه حتى ولو على حساب الآخرين، ويصبح لا يرى إلا ذاته فقط والآخرون لا يهمونه، وينتج عن ذلك شخصية تعرف مالها، ولا تعرف ما عليها، تعرف حقوقها ولا تعرف واجباتها.
آثار التمييز على الأبناء
هذه الأخطاء قد تؤدِّي إلى الانكماش والعزلة والانطواء كنتيجة سلبيّة، إذا لم تكن تؤدِّي إلى النزاع والاصطدام والشِّجار.
كما يؤدي التمييز إلى علاقة سلبية بين الأبناء؛ إذ يميل الطفل المميز ضده إلى كره أخيه الآخر وغيرته منه، كونه مقرباً من والديه، وحسده على الحنان والرعاية التي يحظى بها، والتي جاءت على حسابه، وقد يصل الأمر إلى تمني أن يُصاب أخوه بأي مكروه حتى يحتل مكانه ويحظى باهتمام والديه.
وعلى النقيض من ذلك ينشأ الولد الذي يشعر بالمساواة مع إخوته، نشأة صحية نقية، بعيدة عن الحقد والحسد والغيرة.
وقد يؤدي الإحساس بالتمييز إلى الإصابة بأمراض نفسية عديدة. ويكون من نتيجة ذلك إخفاق الطفل في تحقيق أهدافه المستقبلية وإشباع حاجاته الجسمية والنفسية والاجتماعية بشكل سوي، وضعف معنوياته وشعوره بالإخفاق والإحباط، ووقوعه تحت وطأة التوتر والصراع النفسيين.
وفي كثير من الحالات عند الأطفال الذين تم التمييز ضدهم منذ الصغر، تبين بأن مشاعر الضيق والحقد قد ترافقهم عند بلوغهم، وقد تنعكس على معاملتهم مع أطفالهم في المستقبل.
وقد يعاني الطفل المفضل هو الآخر من نظرة إخوانه العدائية والكره الممارس ضده على مستوى السلوك اليومي، وقد يصل الأمر إلى مستوى إلحاق الضرر بالتجريح والمقاطعة والضرب في بعض الحالات.
علاج المشكلة
ومن أجل علاج المشكلة يرى الدكتور وائل المحمدي أنه لا بد للوالدين من قراءة نفسية الأبناء، كمحاولة لفهم دواخلهم، ومعرفة احتياجاتهم وردود أفعالهم، وهو ما يتطلب جهداً ودراية خاصة لترجمة المحبة والشعور الداخلي إلى سلوكيات وتصرفات، وفي حالة عدم القدرة على ذلك فلا بأس من التصنع لإبداء المحبة لجميع الأبناء، ومن المؤكد أن يرتاح الأبناء لهذه البادرة لتطفو إلى السطح إيجابياتها، ولو كانت بسيطة.
كما يجب إعطاء الأبناء حقهم في التعبير عن مشاعرهم وحاجاتهم، والاستماع لهم جميعاً.
ويجب عدم إيلاء اهتمام كبير للطفل الصغير بشكل لافت للنظر، خاصة أمام أخيه الذي يكبره مباشرة، كي لا يُفسّر ذلك بأنه نوع من التمييز بينه وبين إخوته.
ويُستحسن بث روح التعاون والمحبة بين الأطفال بعضهم البعض، وتكليفهم بمهام جماعية من شأنها إيجاد هذا التعاون، كما أن من المهم عدم ذكر السلبيات في الطفل وتجريحه أمام إخوته عند القيام بالخطأ، بل مناقشة ذلك معه على انفراد، بالإضافة إلى ضرورة تطبيق التعليمات على الجميع، دون اتباع طرق مختلفة في العقاب والثواب.
كما يجب إعطاء البنت حقها في الدفاع عن نفسها أمام أخيها، وإظهار قدراتها وتشجيعها، وعدم إهمالها.
الحكم الشرعي
وعن حكم الإسلام في هذه القضية يقول الشيخ جمال قطب رئيس لجنة الفتوى بالأزهر: إن كل الآيات التي تتحدث عن العدل في القرآن الكريم يدخل تحتها الجميع بمن فيهم الأب الذي لا يعدل بين أبنائه، وفي السنة النبوية المطهرة عن النعمان بن بشير رضي الله عنهما، أن أمه بنت رواحة سألت أباه بعض الموهوبة من ماله لابنها فالتوى بها سنة، ثم بدا له، فقالت: لا أرضى حتى تُشهِد رسول الله صلى الله عليه وسلم على ما وهبت لابني، فأخذ أبي بيدي، وأنا غلام فأتى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال: يا رسول الله، إن أم هذا، بنت رواحة أعجبها أن أشهدك على الذي وهبت لابنها، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: يا بشير ألك ولد سوى هذا؟ قال: نعم، فقال: " أكلهم وهبت له مثل هذا؟ قال: لا، قال : " فلا تشهدني إذاً؛ فإني لا أشهد على جور".
ويضيف الشيخ جمال قطب: إن التمييز بين الأولاد والتفريق بينهم في أمور الحياة سبب للعقوق، وسبب لكراهية بعضهم البعض، ودافع للعداوة بين الإخوة، وعامل مهم من عوامل الشعور بالنقص، وظاهرة التفريق بين الأولاد من أخطر الظواهر النفسية في تعقيد الولد وانحرافه، وتحوّله إلى حياة الرذيلة والشقاء والإجرام
ـــــــــــــــــــ(101/31)
التعلم باللعب
أكدت البحوث التربوية أن الأطفال كثيراً ما يخبروننا بما يفكرون فيه وما يشعرون به من خلال لعبهم التمثيلي الحر واستعمالهم للدمى, والمكعبات, والألوان, والصلصال وغيرها، ويعتبر اللعب وسيطاً تربويا يعمل بدرجة كبيرة على تشكيل شخصية الطفل بأبعادها المختلفة؛ وهكذا فإن الألعاب التعليمية متى أحسن تخطيطها وتنظيمها والإشراف عليها تؤدي دوراً فعالا في تنظيم التعلم، وقد أثبتت الدراسات التربوية القيمة الكبيرة للعب في اكتساب المعرفة ومهارات التوصل إليها إذا ما أحسن استغلاله وتنظيمه.
تعريف أسلوب التعلم باللعب:
يُعرّف اللعب بأنه نشاط موجه يقوم به الأطفال لتنمية سلوكهم وقدراتهم العقلية, والجسمية, والوجدانية، ويحقق في نفس الوقت المتعة, والتسلية؛ وأسلوب التعلم باللعب هو استغلال أنشطة اللعب في اكتساب المعرفة وتقريب مبادئ العلم للأطفال وتوسيع آفاقهم المعرفية.
أهمية اللعب في التعلم:
1- إن اللعب أداة تربوية تساعد في إحداث تفاعل الفرد مع عناصر البيئة لغرض التعلم وإنماء الشخصية والسلوك .
2- يمثل اللعب وسيلة تعليمية تقرب المفاهيم وتساعد في إدراك معاني الأشياء.
3- يعتبر أداة فعالة في تفريد التعلم وتنظيمه لمواجهة الفروق الفردية وتعليم الأطفال وفقاً لإمكاناتهم وقدراتهم.
4- يعتبر اللعب طريقة علاجية يلجأ إليها المربون لمساعدتهم في حل بعض المشكلات التي يعاني منها بعض الأطفال.
5- يشكل اللعب أداة تعبير وتواصل بين الأطفال.
6-تعمل الألعاب على تنشيط القدرات العقلية, وتحسن الموهبة الإبداعية لدى الأطفال.
فوائد أسلوب التعلم باللعب:
يجني الطفل عدة فوائد منها:
1- يؤكد ذاته من خلال التفوق على الآخرين فردياً وفي نطاق الجماعة.
2- يتعلم التعاون واحترام حقوق الآخرين.
3- يتعلم احترام القوانين والقواعد ويلتزم بها.
4- يعزز انتمائه للجماعة.
5- يساعد في نمو الذاكرة والتفكير والإدراك والتخيل.
6- يكتسب الثقة بالنفس والاعتماد عليها ويسهل اكتشاف قدراته واختبارها.
أنواع الألعاب التربوية:
1- الدمى: مثل أدوات الصيد، السيارات, والقطارات، العرايس، أشكال الحيوانات، الآلات، أدوات الزينة....الخ.
2-الألعاب الحركية: ألعاب الرمي, والقذف، التركيب، السباق، القفز، المصارعة، التوازن, والتأرجح، الجري، ألعاب الكرة.
3-ألعاب الذكاء: مثل الفوازير، حل المشكلات، الكلمات المتقاطعة.. الخ.
4-الألعاب التمثيلية: مثل التمثيل المسرحي، لعب الأدوار.
5-ألعاب الغناء والرقص: الغناء التمثيلي، تقليد الأغاني، الأناشيد، الرقص الشعبي.. الخ.
6-ألعاب الحظ: الدومينو، الثعابين والسلالم، ألعاب التخمين.
7- القصص والألعاب الثقافية: المسابقات الشعرية، بطاقات التعبير.
دور المعلم في أسلوب التعلم باللعب:
1- إجراء دراسة للألعاب والدمى المتوفرة في بيئة التلميذ.
2- التخطيط السليم لاستغلال هذه الألعاب والنشاطات لخدمة أهداف تربوية تتناسب وقدرات واحتياجات الطفل.
3- توضيح قواعد اللعبة للتلاميذ.
4- ترتيب المجموعات وتحديد الأدوار لكل تلميذ.
5- تقديم المساعدة والتدخل في الوقت المناسب.
6- تقويم مدى فعالية اللعب في تحقيق الأهداف التي رسمها.
شروط اللعبة:
1- اختيار ألعاب لها أهداف تربوية محددة وفي نفس الوقت مثيرة وممتعة.
2- أن تكون قواعد اللعبة سهلة وواضحة وغير معقدة.
3- أن تكون اللعبة مناسبة لخبرات وقدرات وميول التلاميذ.
4- أن يكون دور التلميذ واضحا ومحددا في اللعبة.
5- أن تكون اللعبة من بيئة التلميذ.
6- أن يشعر التلميذ بالحرية والاستقلالية في اللعب.
نماذج من الألعاب التربوية:
1) لعبة الأعداد بالمكعبات على هيئة أحجار النرد:
يلقيها التلميذ ويحاول التعرف على العدد الذي يظهر ويمكن استغلالها أيضاً في الجمع والطرح.
2) لعبة قطع الدومينو:
ويمكن استغلالها في مكونات الأعداد، بتقسيم التلاميذ إلى مجموعات ثم تعطى كل مجموعة قطعاً من الدومينو ويطلب من كل مجموعة اختيار مكونات العدد وتفوز المجموعة الأسرع.
3) لعبة (البحث عن الكلمة الضائعة) :
وتنفذ من خلال لوحة بها مجموعة من الحروف، يحدد المعلم الكلمات ويقوم التلاميذ بالبحث عن الكلمة بين الحروف كلمات رأسية وأفقية.
ر -- س-- و-- م
ك-- ل--- ع-- ب
ت-- و--- ج-- د
ب-- ك-- م-- ك
ي-- ص-- و--- م
4) لعبة صيد الأسماك:
عن طريق إعداد مجسم لحوض به أسماك تصنع من الورق المقوى ويوضع بها مشبك من حديد ويكتب عليها بعض الأرقام أو الحروف وتستخدم في التعرف على الأعداد أو الحروف الهجائية بأن يقوم التلاميذ بصيدها بواسطة سنارة مغناطيسية.
5) لعبة (من أنا):
وتستخدم لتمييز حرف من الحروف متصلاً ومنفصلاً نطقاً وكتابة حسب موقعه
- أنا في
- المدرسة
- ريم
- حمد
- ترسم
المراجع:
1- أ. د. توفيق أحمد مرعي، د. محمد محمود الحيلة، تفريد التعليم دار الفكر 1998م - الأردن.
2- ديفيد وجونسون، روجرت. جونسون، إديث جونسون هولبك التعلم التعاوني ترجمة مدارس الظهران الأهلية 1995م.
3- د. عدنان زيتون، تقديم أ. د. محمود السيد، التعلم الذاتي، دمشق 1999م.
4- أحمد بلقيس، د. توفيق مرعي، الميسر في سيكلوجية اللعب، دار الفرقان، 1987م.
5- عفاف اللبابيدي، عبد الكريم خلايله، سيكلوجية اللعب، دار الفكر، 1993م.
6- د. خليل يوسف الخليلي، د. عبد اللطيف حسين حيدر، د. محمد جمال الدين يونس، تدريس العلوم في مراحل التعليم العام، دار القلم 1996م، الإمارات الكلمة هنا الكلمة هنا .
http://www.sst5.com المصدر:
ـــــــــــــــــــ(101/32)
وِقفة مع قوله تعالى: "وكان أبوهما صالحاً
مروان بن صالح الصقعبي 25/9/1427
18/10/2006
يبذل كثير من الآباء والأمهات جهوداً كبيرة في تربية أبنائهم وإصلاحهم وجعلهم أفراداً نافعين لدينهم ومجتمعهم.. ويسيطر هذا الهاجس في إصلاح الأبناء على فكر وعقل أغلب الآباء والأمهات إن لم يكونوا كلهم، وهم يتفاوتون بما يبذلونه من أب لآخر، فمن الآباء من يبذل الأمنيات والأماني والأحلام؟! لتربية أبنائه دون أي تطبيق على أرض الواقع.. ومنهم من استرخص الغالي والنفيس وهيّأ جميع الوسائل المادية والتربوية في إصلاح الأبناء، وهم يتفاوتون كذلك في النتائج والمحصلات، وتبقى الثمرة والنتيجة والتوفيق بعلم الله سبحانه وتعالى.
لكن الملاحظ أن كثيراً من الآباء يركن إلى بعض الأسباب المادية الظاهرية، ويغفل عن كثير من الأسباب الخفية غير المباشرة التي قد يكون لها أثر عظيم في صلاح الأبناء مثل الدعاء والكسب الحلال والأمانة وبر الوالدين.. وغيرها.
ومن يتأمل قوله سبحانه وتعالى: (وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحاً) ويتأمل لطائف المفسرين في هذه الآية ليجد سبباً عظيماً من أسباب "صلاح الأبناء" قد نغفل عنه أو نتغافل عنه. يقول ابن كثير -رحمه الله- في تفسيره لهذه الآية: " فيه دليل على أن الرجل الصالح يُحفظ في ذريته، وتشمل بركة عبادته لهم في الدنيا والأخرى بشفاعته فيهم ورفع درجتهم إلى أعلى درجة في الجنة لتقرّ عينه بهم. كما جاء في القرآن الكريم ووردت السنة به".
قال سعيد بن جبير عن ابن عباس حفظاً بصلاح أبيهما، ولم يذكر لهما صلاح، وتقدم أنه كان الأب السابع فالله أعلم ( )، وقال محمد بن المنكدر: إن الله يحفظ بصلاح العبد ولده وولد ولده وعترته وعشيرته وأهل دويرات حوله، فلا يزالون في حفظ الله ما دام فيهم *. قال في عون المعبود .....(وعليه بقاء أثر صلاح الآباء في الأعقاب) * ، فأثر الصلاح امتد للأبناء حتى الجيل السابع بصلاح أبيهم.
إن إثارة مثل هذا المعنى في نفوس الآباء والأمهات، وبيان أن القرب من الله سبحانه وتعالى له أثر على صلاح الأبناء.. والذرية عموماً قد يكون منبهاً لسبب يغفل عنه كثير من الآباء .. هذا السبب أو الأسلوب التربوي اعتمد في تربيته للأبناء على ما يقدم من الأساليب والوسائل والتضحيات المادية المحسوسة، دون أن ينتبه هذا الأب الكريم إلى ممارسات أو سلوكيات أو ذنوب معينة أو أخلاق سيئة قد تُؤخر، وقد تمنع من تحصيل الثمرة المرجوة من "أساليب البذل التربوي" بل بعض السلف ذهب في هذه الآية إلى معنى أدق وأعمق، وخص هذا الصلاح بخلق كان معروفاً به الأب أو الجد وهو الأمانة. - قال سعيد بن جبير -رحمه الله- عن الأب إنه كان يؤدي الأمانات والودائع إلى أهلها، فحفظ الله تعالى كنزه حتى أدرك ولداه فاستخرجا كنزهما*
إن عزل سلوكياتنا الخاطئة وأخلاقنا السيئة وذنوبنا ومعاصينا حتى لو كانت خفية عن تربية أبنائنا، وعدم استشعار أثر هذه السلوكيات على صلاح أبنائنا فيه نوع من القصور في "مفهوم التكامل التربوي". قد نحرم صلاح الأبناء بسبب ذنب خفي دوامنا عليه أو كسب حرام أصررنا على كسبه أو عقوق للوالدين؛ فصلاح الأبناء وحسن تربيتهم ليس وليد تميز في التلقين والتعليم فقط أو تميز في اختيار المدارس والمحاضن التربوية المناسبة، أو بذل للجهد والمال فقط .. إنما هناك أسباب عبادية عظيمة يقوم بها الأب نفسه، من أهمها: الخوف من الله ومراقبته -سبحانه وتعالى- أو بذل وسع في عمل دعوي أو عمل صالح خفيّ أو بر والدين أو قيام الليل.
والشواهد على امتداد أثر صلاح الآباء للأبناء ومشاهده معروفة سابقاً ولاحقاً، ومما يُذكر في امتداد أثر صلاح الآباء على الأبناء ما يذكره الإمام الغزالي -رحمه الله- في كتابه إحياء علوم الدين فيقول: رُوي أن الشافعي -رحمه الله- لما مرض مَرَض موته، قال: مروا فلاناً يغسلني، فلما بلغه خبر وفاة الإمام الشافعي حضر هذا الرجل، وقال ائتوني بوصيته، فإذا فيها على الشافعي سبعون ألف درهم ديناً، فقضاها عنه، وقال: هذا غسلي إياه .. قال أبو سعيد الواعظ: لما قدمت مصر بسنين طلبت منزل ذلك الرجل، فدلوني عليه، فرأيت جماعة من أحفاده، وزرتهم، فرأيت عليهم سيما الخير وآثار الفضل. فقلت: بلغ أثر الخير إليهم.. وظهرت بركته عليهم * .
ومن أجمل من استشعر هذا المعنى سعيد بن المسيب -رحمه الله- فقال: "إني لأصلي فأذكر ولدي فأزيد في صلاتي .." *، يريد بذلك أن يصل إلى مرتبة الصالحين، فينال بصلاحه صلاح أبنائه من بعده.
hr size"2" align"right" color"red" width"70">
- تفسير بن كثير ص1169، ط دار ابن حزم
- معالم التنزيل 5 / 196
- عون المعبود: 4 / 458
- حلية الأولياء 2 / 211.
- معالم التنزيل / 196
ـــــــــــــــــــ(101/33)
إجراءات علاجية للتغلب على مشكلة النفور المدرسي
خالد السيد روشه
يعاني كثير من الآباء من نفور أبنائهم من دراستهم وعدم الانتظام في مدارسهم، بل وكراهيتهم الواضحة لما يتعلق بموضوع الدراسة والمدرسة، وقد يأخذ هذا النفور أشكالاً مختلفة كالمخاوف الموهومة من المدرسة والمدرسين أو سوء العلاقة مع الطلاب الآخرين والزملاء أو صعوبة القيام من النوم بصورة منتظمة .. إلى غير ذلك مما هو معلوم ومشهور ولا يكاد بيت يخلو منه، وعادة ما يأخذ هذا الخوف شكل التعبير عن الانزعاج الشديد والرعب والتمارض في صباح كل يوم دراسي وقد يصل إلى النحيب والبكاء والتوسل بالبقاء في المنزل.
وقد يقع كثير من الآباء والأمهات في خطأ كبير إذا حاولوا علاج تلك المشكلة عن طريق الضرب والتأنيب والتشهير بالولد بين أقرانه أو بين أفراد عائلته الكبيرة أو جيرانه أو غيره، فإن الضرب حينئذ لا يزيد المشكلة إلا تدهورا ولا يزيد الضرب نفسية الولد إلا كرها لكل ما يتعلق بمحور مشكلته وهي الدراسة وكل ما يذكره بها..
كما أن التهاون في حل تلك المشكلة والليونة الكبيرة مع الأولاد ومطاوعتهم في ترك دراستهم والغياب عن مدارسهم سبب مؤثر لتخلفهم العلمي والفكري وركونهم للجهل واعتيادهم على التخلف عن ركب الناجحين..
وقد يقع كثير من الآباء والأمهات في خطأ كبير إذا حاولوا علاج تلك المشكلة عن طريق الضرب والتأنيب والتشهير بالولد بين أقرانه أو بين أفراد عائلته الكبيرة أو جيرانه أو غيره، فإن الضرب حينئذ لا يزيد المشكلة إلا تدهورا .
وسنحاول معاً إن شاء الله وضع خطوط مهمة لعلاج تلك الظاهرة مستقرئين توجيهات خبراء التربية وعلمائها وما توصلوا إليه عبر خبراتهم وتجاربهم ونحاول أن نستخلص خطة علاجية يمكن اتبعاها للتقليل من أثار تلك المشكلة أو ربما القضاء عليها نهائيا إذا وفقنا إلى التنفيذ الدقيق للتوجيهات القادمة إن شاء الله..
(ويهمنا أن نذكر الآباء والأمهات أن العلاقة بالله - سبحانه - ودعاءه والتبتل له - عز وجل - لصلاح أبنائهم هو مفتاح الحل الأول لكل مشاكل الأبناء فلا يجب أن يتغافل عن ذلك أو ينسى بحال، كما أن الأعمال الصالحات يكون لها كبير الأثر العائد بالخير على أبنائنا وصلاحهم ونجاحهم).
الخطوات العلاجية:
أولاً: دراسة جوانب المشكلة خارجياً:
وتبدأ هذه الدراسة معتمدة على تكوين علاقات طيبة وناجحة بمجموعة هامة من العناصر المؤثرة في المشكلة وهم (مسئولي الاستقبال بالمدرسة، مدرسي الفصل، الأخصائي النفسي بالمدرسة، الطلاب القريبين من الولد صاحب المشكلة)، وهذه العلاقة الحسنة بين الوالدين وهؤلاء يسهل عليهم متابعة الموقف المدرسي للولد متابعة دقيقة والحكم الصائب على السلوكيات الخارجية والتي يقوم بها الابن بعيدا عن أسرته.
كذلك يتبع ذلك أن يعقد الآباء أو أولياء الأمور لقاءات مع المسئولين المدرسيين السابقين لمعرفة حقيقة الجو المدرسي ونسبة الشكوى المماثلة وطبيعة الأولاد كثيري الغياب واهتماماتهم، وعلاقة الولد بمدرسيه وبجميع المسئولين المحتكين معه ابتداء من حارس المدرسة وحتى مديرها.. غير غافلين بالسؤال عن علاقته بزملائه ومدى تقاربه معهم وتأثره بهم..
كما يجب تدوين كل تلك المعلومات في أجندة خاصة بشكل تبويبي جيد ليسهل الاستفادة بها.
ثانياً: التشخيص:
نقصد بتشخيص المشكلة هنا الوقوف على نوعيتها وسببها، فقد يكون سبب التغيب هو كره المدرس أو الخوف من أحد المدرسين أو سوء العلاقة بأحد الزملاء أو كثرة تأنيب البعض له أو غيره..
ويساعد في صحة التشخيص استشارة المتخصصين في ذلك ويكون ذلك باصطحاب أجندة التاريخ الخاص بالمشكلة وعقد لقاء نصح واستشارة مع بعض أهل الخبرة والعلم من المتخصصين النفسيين والتربويين والاجتماعيين، والخروج بنقاط اتفاق يصلح أن تكون منطلقاً تشخيصياً للمشكلة.
ثالثاً: العلاج:
1- يجب أن يحاول الأبوان إزالة آثار التوتر الظاهرة عليهما تجاه الابن من جراء تلك المشكلة؛ لأن إظهار ذلك التوتر يمثل مؤثراً سلبياً للحل.
2- يجب ألا يقدم الوالدان على العلاج انطلاقاً من يأس في حل المشكلة أو استعداد للتنازل عن العلاج (كما يفعل بعض الآباء من عرض حل الدراسة المنزلية كبديل للدراسة المدرسية أو تبديل المدرسة أو مثاله).
3- يتجنب الاهتمام بالشكاوى الجسدية والمرضية، فمثلاً لا تلمس جبهة الابن لتفحص حرارته، ولا تسأل عن حالته الصحية صباح كل يوم مدرسي، ويتم هذا طبعاً إذا كنا متأكدين من سلامة حالته الصحية، وإلا فعلينا التأكد من ذلك مبكراً أو بشكل خفي.
4- يلزم أن يتحلى الأبوان بالحزم في أخذ قرار ضرورة الانتظام في المدرسة، وألا تتغلب مشاعر العاطفة سلباً أو إيجاباً على سلوك الوالدين في ذلك، فالقرار إذن النهائي هو (ضرورة انتظام الابن في مدرسته).
5- يجب توضيح أنه كلما ازداد تخلف الابن عن الانتظام في مدرسته كلما تعقدت مشكلته والعكس صحيح.
6- قبل بداية الأسبوع وخلال عطلة نهاية الأسبوع السابق يجب تجنب مناقشة أي موضوع يتعلق بمخاوف الطفل من الذهاب إلى المدرسة. فلا شيء يثير مخاوف الطفل أكثر من الكلام عن موضوع الخوف، لأن الحديث عن الخوف أكثر إثارة للخوف من المواقف ذاتها. ويتطلب ذلك ألا نناقش مع الطفل الذهاب للمدرسة، ولا نناقش معه أعراض خوفه(لا تستخدم أسئلة، مثل: هل تشعر بالخوف؛ لأن الذهاب للمدرسة أصبح وشيكاً؟ هل أنت مضطرب أو خائف أو قلبك يخفق لأنك ذاهب للمدرسة غداً؟).
7- أخبر الابن بكل بساطة في نهاية عطلة الأسبوع، وبالذات في الليلة السابقة على المدرسة ومن دون انفعال وكأمر واقعي بأنه سيذهب للمدرسة غداً، واحرص على نومه مبكراً تلك الليلة (لا بأس بأن يُعد لذلك بأن يترك للابن فرصة جيدة للعب والترفيه وبذل الجهد الكبير في يوم العطلة السابقة على الدراسة).
8- أيقظ الابن بطريقة حسنة ولا تذكر له ضرورة القيام للمدرسة بالصراخ، ولكن أيقظه وأخبره بشيء يحبه وتحدث معه حول موضوع يرغبه أو أخبره بخبر سار.
9- لا بأس أن تساعده على ارتداء ملابسه، وتنظيم كتبه وزوده ببعض الأطعمة الجذابة وخلال مدة الإعداد هذه تجنب أي أسئلة عن مشاعره، ولا تثير أي موضوعات خاصة فيما يتعلق بحالته النفسية حتى لو كان هدفك زيادة طمأنينته (لا تسأل مثلا إن كان يشعر بالهدوء).
10- يستحب اصطحاب الابن إذا كان في سن صغيرة إلى المدرسة وأن تلتقي به مع المشرفين ثم تترك المكان.
11- حاول أن تعقد لقاءات حل عملي لما اتضح لك أنه السبب الأول للمشكلة (مثلاً: لقاء مصالحة مع التلاميذ المختلف معهم والخائف منهم أو لقاء مصالحة مع المدرس الكاره له أو لقاء مصالحة مع الحارس أو غيره).
12- في المساء وعند العودة من المدرسة امتدح سلوكه، واثن علي نجاحه في الذهاب للمدرسة، مهما كانت مقاومته أو سخطه أو مخاوفه السابقة، وبغض النظر عما ظهر عليه من أعراض الخوف قبل الذهاب للمدرسة أو خلال اليوم.
13- كرر في صباح اليوم التالي نفس ما حدث في اليوم السابق، وكرر بعد عودته السلوك نفسه بما في ذلك مع امتداح سلوكه ونجاحه في الذهاب للمدرسة.
14- بعد انتظام ثلاثة أيام يمكنك أن تعمل على مزيد من التدعيم لسلوكه بأن تهديه شيئا يحبه أو أن تسمح له بالخروج للتنزه أو غيره.
15- يمكن للأبوين أن يدعما نفسية الابن أيضاً عن طريق الإعلان عن تغلب ابنهما على مشكلته وأنها كانت كبوة فرس وأنه أصبح إنساناً آخر.
16- لابد من الاستمرار في تأكيد العلاقات الإيجابية بالعناصر الهامة والمؤثرة بالمدرسة.
17- في مثل تلك المشكلة قد ينصح التربويون بمساعدة الابن في دروسه كالمساعدة بدرس خاص له في بيته أو مثاله بحيث تنفتح شهيته للدراسة ولا يستشعر أثر التأخر والغياب.
18- بالاتفاق مع مدرس الفصل يمكن عمل تدعيم نفسي آخر عن طريق شكر سلوك الابن الإيجابي مثلا أو مديح خلقه أمام الفصل أو المزاح معه بطريقة يحبها أمام أصحابه.
19- يمكن بعد الانتظام لمدة امتدت لأسبوعين عقد جلسة مصارحة مع الابن عن أسباب غيابه ونفوره ويحبذ أن يكون ذلك إثر نجاح باهر قام به في شيء معين، بحيث يصبح الحديث عن غيابه من قبيل حديث ما كان..
20- المتابعة والتقويم لهما أكبر الأثر في عدم عودة المشكلة من جديد فيجب وضع جدول متقارب لمتابعة السؤال عنه في مدرسته وبين أصدقائه وكذلك عقد اللقاءات الشخصية معه.
23/11/1426هـ
http://www.almoslim.net المصدر:
ـــــــــــــــــــ(101/34)
الروايات العاطفية مصائب وأحزان
سعيد القحطاني
لست أعني بذلك الدش الهادم فالبيت يخلو من ذلك بحمد لله - تعالى -، ولست أعني بذلك الأغنية الماجنة والتي هي السبب الرئيسي في الفساد، وصدق شيخ الإسلام عليه رحمة الله - تعالى - حين قال: "اعلم أنه ما من امرأة استعصت على رجل إلا واستمال قلبها بالغناء ".
تأملت هذا فعرفت لما يضع بعض الشباب في هاتفهم جهازاً يصدح بأغنية ماجنة في حال غيابهم، ولست أعني بذلك المجلة الهابطة والتي أصبحت تتاجر بصور النساء وأشكالهن بشكل مهين ومذل، وكأني بكم تقولون: ماذا تعني إذاً؟!
فأقول: إنها الرواية الغرامية الهابطة والتي تحسن الجريمة، وترققها في نظر الفتاة، تعيش الفتاة مع فصولها لحظة لحظة، وتقف مع كلماتها كلمة كلمة فهذه الرواية تصور للفتاة كيف تتغلب على التقاليد والعادات كما يقولون ويزعمون، تصور لها كيف تلاقي صديقها؟ وكيف تخرج معه؟
بل كيف تعاشره عياذاً بالله؟ هذه الروايات لا رقابة عليها في البيت، فهي خارج إطار المراقبة، ربما قرأت البنت بحضرة والدتها، المشكلة تكمن أننا لم نعترف بعد بأثر القراءة على أفكار وأخلاق وتصرفات أبنائنا وبناتنا، اعترفنا بأثر المسموع والمرئي، وبعض من المقروء كالمجلات السيئة..
لقد انتشرت هذه الروايات بشكل مخيف، وأصبح التبادل بين طالبات المدارس والجامعات على أشده، يقوم بتوفير هذه الرواية فتيات سوء يهيئن هذه الفتاة لمستنقع الرذيلة، فما هي إلا تقرأ هذه الرواية لتبدأ بتطبيق فصولها على أرض الواقع وجليسات السوء يحسن ذلك ويزين والله - تعالى - المستعان لقد أصبحت بعض الفتيات لا تميز بين النافع والضار في القراءات..
فهي مرماً لكل رام، تتأثر بما تقرأ، تحسب أن كل كاتب في جريدة أو مجلة على قدر من العلم أو أنه موسم للحقيقة فلا يؤمن بأن منهم من يدس السم بالأرض، ولا تعرف أننا قد غزينا بالعلمنة.
شريط الشيخ خالد الصقعبي.
http://www.denana.com المصدر:
ابنتي مستفزة .. ولدي معاند !!
خالد عبد اللطيف
وأغرق عينيه البريئتين بالدموع!!
عالم جديد مليء بالمشاهد والمواقف غير المألوفة للطفل الساذج البريء، يبدأ من المرحلة التمهيدية ويستمر عبر سنوات الدراسة الابتدائية، ما بين ارتقاء ونمو للوعي من جهة، واكتساب لخصال جديدة من جهة أخرى؛ فالطفل مولع بالتقليد، وشديد التأثر بما يدور حوله، مع ضعف يتفاوت بين بيت وآخر في مستويات التربية والوعي بوسائلها الصحيحة..كل هذه العوامل وعوامل أخرى عديدة تسهم في اكتساب الأطفال عادات أو تصرفات ينزعج لها الوالدان في هذه المرحلة من عمر الأطفال!
إحدى الأمهات تكتشف أن ابنتها - التي تقسم أنها أحسنت تريبتها! - تعود في بعض الأحيان ولديها في حقيبتها أدوات ليست لها! وتحت تأثير الذهول والمفاجأة تحدث ردة فعل غاضبة قوية تشبه الثورة، فلا تجد من ابنتها ذات الأعوام الثمانية سوى الإصرار على أن هذه الأشياء خاصتها وليست لغيرها!
وهذا أحد الآباء في غاية الانزعاج من تغير ولده الوديع.. لقد أصبح يردد ألفاظاً نابية وعبارات لم يدر بخلد أبيه يوماً أن يسمعها منه؛ فما كان منه إلا أن زجره بعنف وأوجعه حتى أغرق عينيه البريئتين بالدموع، وبكى معه - خلسة - متحيراً ومتحسراً على حصاد تربيته!!
وأخرى تشتكي لزوجها بمرارة تغير سلوكيات الابنة الصغيرة التي أصبحت تقابل غضبها وصياحها بلامبالاة واستخفاف وضحك؛ حتى تضطرها إلى تفريغ غضبها في ضرب مبرّح إلى أن تبكيها.. ثم تبكي الأم وتشتكي؛ فالصدمة في ابنتها هي التي أدت إلى ذلك!!
والأمثلة كثيرة.. فهذا الصغير أصبح عنيدا صلباً، وفقد كثيرا من احترامه وتوقيره لوالديه، وتلك الهادئة البريئة أصبحت تصيح وتصرخ وتؤذي إخوتها الصغار.. إلى العديد من القصص.
وقد لا يزيد رد فعل الوالد عن مشاطرة الأم حزنها وصدمتها وترديد عبارات الاستنكار والدهشة معها، إلا من وفقه الله وألهمه الحكمة في معالجة الأمور وحسن التأمل فيها!
وهي قضية في غاية الأهمية، وتحتاج إلى العديد من الصبر والمنهجية في معالجتها، فلابد من التحلي بالحلم والأناة، واللجوء قبل ذلك ودائما إلى المولى - عز وجل - المعين والناصر - سبحانه - في تربية الأبناء، تلك المسؤولية العظيمة!
ثم التفكر بهدوء بعد ذلك، واستشارة المختصين؛ للتفريق بين ما هو عادي ومتوقع في هذه المرحلة الحساسة من عمر الطفل، وغير ذلك مما يحتاج إلى مزيد متابعة واعتناء.
ولعله يتيسر في مقالات قادمة الوقوف مع شيء من كلام المتخصصين، في هذا الشأن، بإذن الله - تعالى -. والله الموفق والهادي إلى سواء السبيل.
http://www.asyeh.com المصدر:
ـــــــــــــــــــ(101/36)
أختي في الثانوية
الأستاذ
عادل عبدالله العبد الجبار
بسم الله الرحمن الرحيم
مقدمة
أختي الطالبة... في المرحلة الثانوية
السلام عليكم ورحمة اله وبركاته وبعد:
قوة التواصل بين المؤلف والقارئ مؤشرٌ هام على نجاح توصيل الأفكار و إحداث التفاعل بينهما.. فلا أكتمكِ سراً سعادتي الغامرة بردود الفعل حول كتاب (أخي في الثانوية) وكان موجهاً للطالب بعرض مشاكله وحلولها ليتّوج العمل بإصداره في شريط مسموع لتأتي أقلام الطالبات والمعلمات في المرحلة الثانوية فتخط رسائل صادقة تطالب بالعدل في إصدار كتابٍ مماثل يوجه للطالبات في هذه المرحلة..
ولئن كانت الرسائل أسعدتني فإنّها حمّلتني مسؤولية كبرى تجاه الطالبة في الثانوية فمن أجلها تزدان الحروف ليكتب القلم فتنظم في سطور لنعرف سوياً ما الذي يدور في خلدها ويسبح في تفكيرها كي نخاطب وجدانها وفؤاداها بلهجة صادقة أهديها في مجموعة أوراق متواضعة تحمل اسم (أختي في الثانوية)..
عادل بن عبدالله العبد الجبار
الأستاذ في ثانوية الأمير بدر بن عبد العزيز
ص.ب 56 الرمز البريدي 11392 adel_aa100@hotmail.com
الورقة الأولى: فتاة الثانوية
شدّني منظر عشرات بل المئات والألوف التي تخرج كل صباح من الطالبات وهنَّ فئات مختلفة يقصدن المدارس بمراحلها.. فأرى فيهنَّ الأمل للمستقبل كيف لا.. وهنَّ أمهات الأبطال ومربيات الأجيال وهنَّ اللاتي يحملن مواهب متعددة وقدرات متباينة فكم هو الأثر الإيجابي المحمود لو صلحن وحملن المسؤولية بكل إقتدار..
- ... الثانوية.. فترة هامّة في حياة الفتاة وهي اللبنة التي تُبنى عليها الشخصية ففيها تقوى الروابط الوجدانية وتتعرّف الطالبة كيف تتعلّم؟.. وكيف تستفيد مما تعلمته؟ لتظهر موقعها من درجات التحصيل والذكاء....
- ... الثانوية.. الطريق لاتخاذ القرار وتخطيط الإستراتيجية السليمة للتعامل فتعرف الطالبة أنها ليست صغيرة بل بلغت سن التكليف وأصبحت متهيئة لئن تكون زوجه وأماً تدير مملكتها الصغيرة بدقةٍ متناهية كان التعليم في هذه المرحلة البوّابة الرئيسة....
- ... الفتاة في الثانوية.. لغةٌ شجيه.. وعبارة قصيرة.. مليئة بالعذوبة.. تستحق الوقوف عندها والتأمل أو فيما ورائها، فالفتاة في هذه المرحلة وهذا السن تسعى في إضلالها أياديٍ ماكرة وأنفسٌ شريرة تريد إنزالها من علياء كرامتها إلى الامتهان والانحطاط عبر العناوين المشوّقة والفضائيات الساحرة وآخر صيحات الموضة والتقليد وأصول الإتكيت
- ... الثانوية.. مرحلة حرجة من حياة الفتاة يجب الكتابة عنها بأسلوب مهذّب خالٍ من العنف والتجريح أساسه الصراحة في أفكارها والعفوية في عبارتها دعوةً للطالبة بأن تُحافظ على أعزْ ما تملك من الكرامة والعفاف....
- ... فنحن نريد الفتاة في الثانوية.. النشيطة المثابرة.. الواقعية في مناقشتها.. المنطقية في قولها.. اللبقة في حديثها.. الهادئة في طباعها.. الحسنة في سلوكها.. العاقلة في انفعالاتها و مشاعرها.. الذكيّة القادرة على نقد الأفكار الهابطة.. وهي من تعيش في عصر أصبحت فيه الرذيلة عالميّةٌ رائجة لها نجومها ومؤسساتها وإعلامُها.. تقف أمام الطوفان بشموخ الالتزام وقوّة الإيمان..
الورقة الثانية: الطفولة..
أختي الطالبة: عوداً حميداً إلى عالم (الطفلة الصغيرة) التي عشتِ دقائقها وساعاتها وأيّامها وشهورها وأعوامها.... انظري إلى تلك الطفلة الصغيرة من حولك.. كم تنعشكِ ضحكتها وتحاصركِ بسورٍ من الورد والرياحين أسئلتها.. تسبح في عالم صافٍ وبريءٍ كصفاء قلبها وبراءة ابتسامتها..
هذه هي {الطفلة الصغيرة}.. الجمانة في أصدق معانيها.. لا تكذب.. لا تنافق.. لا تحقد.. لا تزيّف مشاعرها.. ولا تتصنّع في انفعالاتها وعواطفها حتى (النوم) لها فيه النصيب الوافر..
أختي الفاضلة.. {البنت}.. اسمٌ مميز في عالم الوالدين أنتِ أعرف به مني.. فمحبة العائلة للطفل دون الطفلة عادات لها آلامها التي قتلت آمالها..{جاء عمرو بن العاص زائراً معاوية بن أبي سفيان (رضي الله عنهما) فوجد عنده بنتاً صغيرة وكان يلاعبها فقال من هذه؟ قال: بُنيّتي عائشة تفاحة القلب}..
(إنكِ محبوبة) عبارة أبعثها إلى روح كل فتاة فقد أحبك الشارع الحكيم و أنزلكِ منازل علياء فحماكِ بشريعته وحرسكِ بدينه وجمّلكِ بطاعته ولقد اهتمَّ الإسلام بكِ من حيث نفسكِ وحاجتكِ وليدةً و طفلة، شابةً و زوجة، أماً وجدة، حاضرةً و غائبة، حيةً و ميتة، ولم يجعلكِ في مقام هوانٍ أبداً كما لا يكتمل إيمان مؤمن حتى يقوم بحقوقكِ و واجباتكِ..
في {الجاهلية}.. ذلك العصر المظلم بكفرهِ و أهلهِ كانوا يقرّبون البنين ويبعدون البنات بل ويقتلونها ويدفنونها وهي حية فتتلطخ دمائها بدماء أمها ليأتي القرآن زاجراً عن هذا العمل القبيح....
قال تعالى.. {وإذا بشِّر أحدهم بالأنثى ظلَّ وجهه مسودّاً وهو كضيم * يتوارى من القوم من سوء ما بشر به أيمسكه على هونٍ أم يدسّه في التراب ألا سآء ما يحكمون} النحل 58: 59
وقال تعالى: {وإذا المؤودة سُئلت * بإيّ ذنبٍ قتلت *} التكوير 8: 9
وكفى بالبنت شرفاً أنَّ الأنبياء آباءٌ لبنات وكفى به عزاً أنَّ أكثر أولاد الرسول - صلى الله عليه وسلم - هنَّ البنات.
وكما قال الشاعر:
أحبُ البناتِ وحبُ البنات
فرضٌ على كل نفسٍ كريمة
فإنَّ شعيباً من أجل ابنتيه
اخدمه اللهُ موسى كليمه
أختي في الثانوية:
النفس الطفولية هي المحطة الأولى لكِ فهي.. غديرُ ماءٍ عذب لن يعود ولن تتلذذِ به مرّةً أخرى الألعاب.. الهدايا.. الأصدقاء.. الأقارب.. الجيران.. فرحة العيد.. المنتديات والملاهي.. ذكرياتٌ جميلة محببة للنفس أصبحت حلماً لن يعود للوجود مرةً أخرى.. إنَّما هي مرحلة قادمة بل حاضرة في لحظات تعايشينها في هذه المرحلة يجب الاستعداد والتخطيط لها.
فآمال البنت تختلف عن آمال الطفلة لترسمي لنفسكِ لوحةً رائعة من التفكير والخلق والمعاملة والمتابعة.
الورقة الثالثة: البلوغ
ما أن نقلب ورقة (الطفولة) حتّى تظهر لنا ورقةً جديدة هي من الأهمّية بمكان ألا وهو الحديث عن البلوغ لدى الفتاة.. السؤال الملحّ في ذهن الطالبة ولا مجيب الأمر الذي يجعلها في حيرةٍ مع نفسها لتأخذ الإجابة من مجلّة ماجنة أو قناة فاضحة أو صديقةٍ سيئةٍ مع أننا نملك في ديننا مالا يملكه غيرنا في إيضاح أحكام البلوغ لدى الفتاة وذلك برؤية أعمق وأبعد وأشمل.. أختي الطالبة:
البلوغ عند الفتاة يكون بواحد من أربعة:
1- بلوغ 15 سنة. ...
2- إنزال المني.
3- الإنبات حول الفرج وتحت الإبطين . ...
4- الحيض وهو الدم الأسود يخرج على شكل كتل له رائحة.
أختي في الثانوية:
لهذه العلامات آداب إيمانية وأحكام شرعية إيجازها في:
- ... أن الحيض يكون شهرياً لمدة 4 إلى 7 أيام في غالب النساء لا تطالب الفتاة أثناء الدورة بصلاة ولا صيام وتقضي الصوم فقط. قالت عائشة " كنا نؤمر بقضاء الصيام ولا نؤمر بقضاء الصلاة ". كذلك لا تمس المصحف الشريف مع جواز قراءته عن ظهر قلب أو بقفازين حين التلاوة. كما يجب الاغتسال من الحيض والإنزال. ويجب حلق العانة ونتف شعر الإبطين كل 40 يوماً.
" البلوغ "... يعني الالتزام بالحجاب الشرعي فتبعتد عن مخالطة الرجال دون المحارم فلا تصافحهم ولا تجلس معهم قال تعالى: {ولا يبدين زينتهن إلاَّ لبعولتهنَّ أو ءابائهنَّ أو ءاباء بعولتهنَّ أو ابنائهنَّ أو أبناء بعولتهنَّ أو إخوانهنَّ أو بني إخوانهنَّ أو بني أخواتهنَّ ... }.
... وحينئذ تستوعب الفتاة صدمات مرحلة البلوغ وتتجاوز آلامها بآية كريمة أو حديث شريف أو أثر مبارك.
الورقة الرابعة: المراهقة..
ما أن تبدأ مرحلة البلوغ وعلاماته حتى تأخذ المراهقة مسالك شتى في حياة الطالبة فالتغيرات الجسمانية والوجدانية تصيب الفتاة باضطرابٍ انفعالي شديد تميل فيه ربما إلى الثوران وعدم الهدوء أو تعيش العزلة القاتلة التي تلجأ حينها إلى أحلام اليقظة لإخراج وبث همومها وأحزانها وما يدور في خلدها من عواطف وأفكار.
الطالبة المراهقة..
تنتقل من المنزل لتتصل بالجميع وتكون الثانوية البوابة الأولى فالراحة الشديدة دليل مشاعرها وإحساسها والصراحة والقسوة والكلمة الجارحة تسبب الألم الشديد فرده فعل المراهقة سريعة وشديدة وخاصة عند الأخبار السارة والعكس.. لتتنوع درجات الضحك من مراهقة لأخرى.. فمشاعر هشه، وتجربة قليلة وتحمّل ضعيف لتقع في القابلية الشديدة للإيحاء الذي يرضي مشاعرها فجذب الانتباه أسلوب تحرص عليه بارتداء ملابس أو متابعة أدوات الزينة أو الإكسسوارات المختلفة.. ولا مانع من سوء العلاقة مع الآخرين مقابل إثبات نفسها لنفسها ومن حولها
الطالبة المراهقة..
تحب الاستقلال مع عجزها إلا أنَّها تتطلع إليه وبقوة ولو كان عن طريق العدوانية والنقد والنقاش والجدال العقيم فهي ترى نفسها شيئاً آخر فكم تفرح حينما تنادى باسمها وبصوت رسمي
أختي الطالبة الكريمة:
لا نريد الفتاة تعيش قمة المراهقة بسحرها القاتل فتخرج للسوق وحدها لتبهر بجمالها العيون الشاردة وتفتن بدلالها القلوب الحائرة لتسقط فريسة سهلة لشاب معاكس يخطط لؤد عفتها وقتل شرفها أو تعيش مع سماعة الهاتف الساعات الطويلة تفشي سرّها لغيرها أو تسقط ضحية الإعجاب والحب الزائف فتتأثر لأي حركة ولو كانت غير مقصودة أو تقضي جلَّ وقتها تنتقل بالريموت من قناة لقناة عبر الفضائيات أو تتابع المجلة الماجنة من عدد لآخر أو تقضي آخر أسبوعها في ارتياد المطاعم أو الملاهي ابتلاء الرفاهية المرير مشاهد.. يطول المقام بذكرها واستعراضها كي تسقط الفتاة حينها في أوهام قاسية في ظل فقد الموجة والمرشد والصحبة الصالحة.
أختي في الثانوية..
تقوية العلاقة بالله - عز وجل - في هذه المرحلة صمام الأمان لكِ في هذه الفترة الحرجة وذلك بالمحافظة على الصلوات في وقتها والإكثار من نوافل العبادة مع الاهتمام بالقدوة الحسنة وفهم الواقع والحاجة إلى الأمن والأمان..
فما أجمل الفتاة المراهقة حينما تكون..
عزيزة النفس، كريمة الخلق، مبتسمة، مثابرة، داعية للخير، معتدلة، حازمة، صبورة، وفية، مصلية، متهجدة، تاليه، ذاكره، داعية، لا تتعمد الأخطاء .. راجحة العقل.. رحيبة الصدر، بارّةً بوالديها و أهلها..
يحبها الصديقات ويدنون منها ويحفلون بها ويكبرونها لمزاياها وأخلاقها.. بيانها ومنطقتها يأخذ لباب معلماتها وتقديرهم فالصغيرة في عينها كبيرة فتأخذ بالخواطر وتشارك غيرها في السرّاء والضرّاء تعرف مجتمعها عن قرب لتتعامل بمالها وما عليها بشخصية قوية ومبادرة.
الورقة الخامسة: المصروف اليومي..
أختي الطالبة:
عوداً إلى مرحلة جميلة من حياتكِ يوم أن كنتِ طفلة صغيرة تجلسين في (حجر والدك) قد خلل أصابع يديه في شعر رأسك وهو يتحدث إليك بكل حب وحنان يمنحك الراحة والاطمئنان.
فكم ألبسك الثوب الجديد وأمَّن لكِ الحوائج والمتطلبات الشخصية والدراسية لتسعدي وتفرحي فالفرحة عمر والفرحة ميلاد جديد.. فالوالد يضحي ويبذل لأجلكِ ولو على نفسه.. فتمر الأعوام وما أسرعها لتكوني وبدون مقدمات في (المرحلة الثانوية) ليدور في ذهنك سؤلاً أخذ من مساحة تفكيرك النصيب الوافر.. (المصروف اليومي)..
لُبنى ...... تخرج مع أمها وأخيها للسوق لتدخل محلات عدة تبحث عن غرضٍ لها بأدبٍ جمٍ واحتشامٍ عالٍ فلما وجدت ما تريد التفتت على أمها وقالت: هذا ما أريد. فسألت عن سعره فأجابها العامل بـ ... ... ؟؟ ريال. فقالت الأم لها: والدكِ لم يعطيني لكِ إلا ... ... ريال وهذا لا يكفي لتخرج مع أمها وأخيها وعيناها ويديها تلامس ما تريد وتتمنى ولكن!!
مشهد درماتيكي.. يعجز أن يصف مشاعرها حول ما تريد بعد رد أمها عليها ففي صباح كل يومٍ دراسي تمتد يد الطالبة إلى أمها أو أبيها لتأخذ مبلغاً من المال مصروفاً لها وربما تعددت الطرق في الإعطاء لكن النتيجة واحدة.
أختي الطالبة:
معذرةً.. إن كنت صريحاً إلى هذا الحد فقد آلمني عشرات المشاهد من قلوب فتياتنا وهي تعيش التناقض في الطلب من الوالد الكريم.. لتلوم نفسها بنفسها وتجرح مشاعرها ولو أن صاحب الإعطاء تأفف لزاد الأمر سوءً..
الوالد.. كم تربط الفتاة به علاقةً بل رابطة حميمة إنّها الأبوّة والبنوّة وكفى.. فمهما بلغت مشاغل الوالد وأعماله فهو لن ينسى فلذة كبده وتفّاحة قلبه (البنت) ليبقى الحب هو الأصل..
فمنذ الطفولة وهي تطلب من أبيها بكل شموخٍ وتقدير لتتدرج في حياتها فتقوى العلاقة لتكون مثالاً جليّاً في المقولة المشهورة:
(كل فتاة بأبيها معجبة) كم هو جميل.. منظر الفتاة في المرحلة الثانوية وهي تجالس والدها عن قرب فيسمع لها وتسمع له وما أن تتفوق في تعليمها حتى يبذل الوالد الهدايا والمكافآت..
(المصروف) ... ليس عيباً بل كمال للفتاة أن تكون مخدومة ومكفولة فلها أن تطلب وعلى والدها التنفيذ فهذه نظارة تحتاجها ووسيلة إيضاح تريدها،وتكاليف حفلة تشارك فيها،وملابس وأدوات زينة وإكسسوارات ترغب في شرائها..
أختي في الثانوية....
كم أتمنى أن يكون المصروف دافعاً للبر بالوالد الكريم والطاعة له والإحسان إليه قال الله تعالى: (وقضى ربك ألاَّ تعبدوا إلاَّ إياه وبالوالدين إحسانا) فجمال الروح التواضع لأجله،وسمو الأدب والأخلاق الدعاء له على تحمّل المسؤولية بلا كللٍ ولا مللٍ بينما يبقى أنَّ الأخذ في حدود لا تثقل الوالد بل طلبٌ عند الحاجة وعبارة الشكر والثناء في أجمل أسلوب ودعاء فتمتد اليد للأخذ ولسانك مع ابتسامة صادقة تقول له .. (جزاك الله خيراً والدي)....
الورقة السادسة: أولى ثانوي..
حديثٌ تهفو له النفس، وتطرب له الأذان، وتتفاعل معه القلوب، فهي بوّابة المرحلة الثانوية، ومنها تنطلق إلى عالمها الفسيح..
- ... أولى ثانوي.. شعورٌ جميل.. وإحساسٌ أجمل تعيشه
الطالبة خلف جدران أربعة يحويه فصلٌ يحمل لوحة كُتب عليها 1/ث لتتعامل مع مجموعة صغيرة من بني جنسها أطلق عليها مسمى (طالبات) فتلك تضحك وهذه تشاكس والأخرى تمزح بينما رابعة تفضّل الاجتهاد والتفوّق ليجد الجميع سعادة غامرة لا تعادلها سعادة وذلك بعد الانتقال من المرحلة المتوسّطة....
- ... أولى ثانوي.... اللغة المشتركة بين الطالبات
فالجميع يتطلّع إلى صداقاتٍ تتقارب بها القلوب وتتصافى معها النفوس.. فروعة الحياة في هذه المرحلة التعرّف على الصديقة التي تتبادل معها أحاديثها الخاصة فيجب على الطالبة أن تكون حذرة جداً في اختيار الصديقة الجديدة في هذه المرحلة..
- ... أولى ثانوي.... منظومة تعليمية مترابطة بشكلٍ قوي يجب على الطالبة التكييف معها فالطالبة في هذه المرحلة الوردة الجميلة في حديقة الثانوية فهي من تحمل اللغة المحبوبة والتفكير البريء ليجمل بها فصلها وتتألّق ثانويتها بأخلاقها وهي الباحثة عمن يفهمها ليشاركها طموحاتها وأحلامها الكبيرة....
- ... فالفتاة في أولى ثانوي....
النجمة المتلألئة في كبد السماء..
والكوكب ينير بالضياء..
والزهرة المبتسمة بكبرياء..
الورقة السابعة: علمي + أدبي..
من المفاهيم المقررة لدى الطالبة.. بعد انتقالها من أولى ثانوي تقسيم المرحلة القادمة إلى القسم العلمي والقسم الأدبي لتتميز طالبة القسم العلمي بالفهم السريع وتنظيم الوقت ومتابعة المواد أول بأول فيما توصف طالبة القسم الأدبي بالحفظ ومتابعة قدراتها..
أختي الطالبة:
من أنتِ؟ وما قدراتكِ؟ بعد تجاوز مرحلة الإعداد والتهيئة أولى ثانوي فالحفظ والفهم وظيفتان متلازمتان لا يصح في العملية التعليمية الاقتصار على أحدهما كما هو شائع عند الطالبات فالحفظ يحتاجه الفهم فكم من طالبة تفهم في الفصل ولكن ما أسرع ما تنسى لعدم التطبيقات الداعية للحفظ.. وحينئذٍ تكون الطالبة غير متحمسة كثيراً للتعلم واكتساب الفائدة فينصب جهدها على تحصيل الشهادة والظفر بتقدير متقدمٍ في التوجيهي يؤمن لها القبول في الجامعة.
وكم هو جميل.. طلب الاستشارة من الوالدين المباركين أو معلمة فاضلة أو صديقة مخلصة فبالشورى تحصل الطالبة على أفكارٍ جديدة في تحمل المسؤولية في اختيار القسم.
أختي في الثانوية:
- ... علمي أدبي.... هاجسٌ يشكل إزعاجاً لك تحت ضغوطِ رغبة والديكِ ومرافقة الصديقات مع الخوف الشديد من المواد العلمية المزعجة كالرياضيات والفيزياء والكيمياء بالدرجة الأولى لتأتي اللغة العربية والإنجليزية في المرتبة الثانية بينما تحلق مواد العلوم الأدبية عالية في نفسك لتبعث الراحة والاطمئنان والنظر بتفاؤل إلى المستقبل.
(اختيار القسم).. مسؤولية وليس طموحاً وادعاءً وواجهة اجتماعية إنّما عمل وجد وبذل ومراجعة ومتابعة واندفاع نحو الأفضل دائماً باستمرار.. فهو نشاط لا يكاد ينتهي إلا ويبدأ من جديد وليس غريباً أن نرى من الطالبات من تختار القسم بكل ما تحمله كلمة الاختيار فالعجز والخوف والهروب من اتخاذ القرار آخر ما يراود تفكيرها.
(اختيار القسم) لا مجال فيه للعاطفة التي تفقد الطالبة فيها الكثير وتتخلى عن الكثير فاللغة المُثلى للتعامل لغة القلب المفكر الرصيد الأغلى والأعلى....
الورقة الثامنة: الزي المدرسي..
بوصول الطالبة للمرحلة الثانوية تتخلى عن لبس الزي الخاص بالمرحلة المتوسطة ذي اللون الكحلي لترتدي الزي الجديد ذي اللون الرصاصي وحول ذلك الأمر تساؤلات واستفسارات واستبانه ونتائج ودراسة وبحوث ومناقشة وتوصيات.
(الزي المدرسي) علامةٌ سامية تميِّز طالبة الثانوية عن غيرها فيه الحشمة والحياء ولا سيما في هذا السن الهام والعقد الحرج من العمر.. ويحلو لبعض الطالبات أن تسميه (المر يول) ولهذا الزي آداب يجب الالتزام بها فيمنع إحداث الفتحات في أسفله أو قصير الكم منه، كما يحظر جعل أزراره من الأمام بل تكون من الخلف تفادياً لأمور لا تحمد عقباها. ولا مانع من كونه خفيفاً أو غليظاً حسب الظروف المناخية شريطة أن يكون ساتراً ليكمل الزي ويزدان جمالاً ورونقاً بمنع الكعب العالي وإكسسوارات التجميل المختلفة مع التأكيد على الالتزام بالحجاب الإسلامي غطاءً وعباءة وشرَّاب ساتر لحظة الدخول للثانوية والخروج منها.
أختي في الثانوية:
هل تعلمين أنَّ كبرى المؤسسات التعليمية في العالم تطالب بالزي المدرسي وتوحيده ليساعد الطالبة على التركيز الداعي لفهم المادة دون إضاعة للوقت بالاهتمام بالمظهر كما يجعلهم أقل عدوانية حيث أنَّ معايير المقارنة والتفاضل بين الطالبات ما هو إلا مجرّد تفاهاتٍ تتعلق بنوعية الملابس وألوانها، ومن ناحية ثالثة تساعد رجال الأمن في معرفة الطالبات في هذه المرحلة من غيرها بل وإنَّ الزي المدرسي يقلل من عدد المشاحنات داخل أروقة الثانوية.
دعوه إليك أختي الطالبة بأن تحافظي عليه وتتمسكي بآدابه و ألا تدخلي مع إدارة الثانوية في مشاكل حول حقائق متفق عليها فالالتزام بالنظام المدرسي دليل العقلانية والنبوغ فأنتِ الفتاة المسلمة التي تعيش في أهم بلاد الله موقعاً وأطيبها بقعة وأخصبها أرضاً إيمانية قد زُرِعت في نفسك الثقة فعرفت الهدف و المقصد وترفعت عن النقائص بأساليب عالية في ظل الأمن والأمان.
الورقة التاسعة: جولة في أرجاء الثانوية..
أختي الطالبة.. مع نسمات فجر كل يومٍ تستيقظين فيه وبكل نشاط تؤدين الصلاة المفروضة فإن غلبك النوم أديتها مع الحزن والأسف سائلة الله - عز وجل - العفو والتسامح لتبدئي يومكِ بأذكار الصباح الجامعة المفتوحة لحفظ الحسنات فتودعي الوالدة الحنون بقبلة حارّة وسلام متوّج بالدعاء منها لكِ بالتوفيق والنجاح.
تخرجين من المنزل بدعاء الخروج محتشمة ملتزمة راكبة أم ماشية إلى الصرح التعليمي (الثانوية) فدعينا نستعرض معك وقفات عُجلى في جولة في أرجاء الثانوية..
- ... الحافلة.. تعني فنَّ إنهاء الانتقال إلى المدرسة بأدبٍ جم وحجابٍ محتشم فلا مجال لرفع الصوت بالضحك أو الحديث.
- ... الطابور الصباحي.. قاطراتٍ منتظمة في طريق المعرفة.
- ... الإذاعة المدرسية.. ثقافةٌ بالإكراه.
- ... دخول الفصل.. إلى حلقة من حلق العلم تحفها الملائكة.
- ... السلام عليكم.. عبارة الحب والتواصل. تحية الإسلام.. تحية أهل الجنة.
- ... الحصة الأولى.. أوسع مساحة للتفكير والتركيز.
- ... جهدك..جهدك.. ألا تذبل عيناك عند الشرح.
- ... النظر للمعلمة والتأمل في ملابسها.. من راقب الناس مات هماً تحضير الدرس.. بداية جادة للفهم والتلقي.
- ... عدم السؤال عما أشكل.. سجن دائم في الجهل.
- ... عنوان شخصيتكِ.. نظافة كتبك وأدواتك.
- ... المشاركة مع المعلمة.. خير طريقٍ للتعرّف.
- ... أين الواجب.. سؤال مخيف لفئةٍ من الطالبات.
- ... الحقيبة المدرسية.. أسرار الطالبة.
- ... سرقة جهد الغير.. نجاح زائف.
- ... المقلمة.. مع النسيان يكون العقاب.
- ... الأدوات الهندسية.. إكسسوارات لازمة.
- ... الصف الأول.. فن الإستراتيجية.
- ... الطالبة الطويلة.. نظرة شاملة للدرس.
- ... الطالبة الذكية.. تتلمس مواطن غضب المعلمة فتتجنبها.
- ... العبث أثناء الشرح.. صلاحية الفهم منتهية.
- ... أداء الواجبات في الفصل.. مرض مزمن.
- ... وقت الفسحة.. ليس متنفساً لغيبة المعلمة وتجاذب أحاديث لا حقيقة لها.
- ... وجبة الإفطار.. سيكولوجية النشاط والنجاح.
- ... فناء الثانوية.. شاطئ للذكريات لكن بدون بحر.
- ... الطالبة العدوانية.. تعني لا لصداقات جديدة.
- ... حاويات الفضلات.. لا مجال لرمي بقايا النعمة بعد الإفطار في أماكن لا تليق.
- ... أكل الشكولاته.. إلى مزيدٍ من فلل التسوس.
- ... جماعة النظام.. لكل فعل ردة فعل.. قاعدة فيزيائية.
- ... الصدق.. منجاة في كل شيء.
- ... الكذب.. صاروخ جو أرض على القيم الأخلاقية.
- ... صعوبة النطق.. دعوة للتفعيل وتجاوز المشكلة بنجاح.
- ... إطالة الأظافر.. تقهقر للوراء منهيٌ عنه.
- ... تسريحة الشعر.. رسوم كاريكايترية.
- ... لبس النظارة.. حاجة لحماية شباك العقل فلا تخجلي منها.
- ... الفوضوية.. حماقة أعيت من يداويها؟
- ... الجمعيات.. مزيداً من المشاركة والتفاعل.
- ... أعمال السنة.. جدالٌ مستمر مع ((المعلمة)).
- ... درجة المشاركة.. على الهواء مباشرة.
- ... إعادة سنة.. تجربة مريرة صعبة التجاوز.
- ... الرياضيات.. مدارس العباقرة فمن أين البداية؟؟؟.
- ... الفيزياء.. قنبلة موقوتة للمتفوق فكيف بغيره؟؟!!.
- ... الكيمياء.. خوفٌ دائمٌ.
- ... علم الأرض.. عصارة الأذكياء.. وموت الأغبياء.
- ... النحو.. مفتاح اللغة العربية في ظل صعب وصعوبات.
- ... الأدب.. احفظي النص مع وقف التنفيذ.(101/37)
- ... البلاغة والنقد.. التعرّف على الرأي الآخر.
- ... English.. الطالبة في غيبوبة دائمة.
- ... المطالعة.. أقمار اصطناعية.
- ... الأخطاء الإملائية.. عندها يبكي القلم.
- ... الخط العربي.. يحتضر في بعض أيادي الطالبات.
- ... الإنشاء.. لا مكان للضعفاء في الإبداع والإلقاء.
- ... الحاسب.. ضرورة الحاضر والمستقبل.
- ... القرآن الكريم.. شعورٌ بالرّاحة والاطمئنان.
- ... الحديث.. القيم الأخلاقية والحياة الطيبة.
- ... التفسير.. لوحة رائعة بتوجيهات إيمانية.
- ... علم النفس.. أنشودة القوى الوجدانية والانفعالات العاطفية.
- ... علم الاجتماع.. دورة مجانية في التعامل.
- ... التاريخ.. ماضٍ لن يعود ويجب حفظه.
- ... الجغرافيا.. ريموت كنترول من دولة في دولة.
- ... التربية الفنية.. عالم بلا حدود.. إحذري ذوات الأرواح.
- ... التدبير المنزلي.. ساعة للهروب من الفصل.
- ... التفصيل والخياطة.. خصوصية في أناقة.
- ... الدروس الخصوصية.. كالسراب يلمع ولا ينفع.
- ... مكتبة المدرسة.. أنهار التربية الجارية.
- ... حزم الإدارة.. لا يعني قطع المودة مع الطالبة.
- ... الوكيلة.. عتابٌ ساخن من قلبٍ صادق.
- ... المراقبة.. سياحة داخلية هامة جداً.
- ... المناوبة.. استطلاعٌ سريع من وقتٍ لآخر.
- ... المشرفة الاجتماعية.. شكراً جزيلاً لتلمسك هموم الطالبات .
- ... المساعدة.. وضع كآفة الاحتياطات.
- ... حصة النشاط.. أفكار متقاطعة.
- ... الخروج عن النظام.. هدف تسلل.
- ... الدعايات المجانية.. على الحائط وأبواب دورة المياه دليل السطحية وانعدام المسؤولية.
- ... التفوق.. تفكيرٌ للغد وليس للأمس.
- ... الفهم.. إعطاء الوقت الكافي للظفر به.
- ... التقدير.. همومٌ ساكنة.
- ... الكتابة باليد اليسرى.. دائماً نائب الفاعل.
- ... عريفة الفصل.. الجندي المجهول.
- ... جماعة النظام.. وزارة خارجية بدون سفارات.
- ... مجلس الأمهات.. غرفة عمليات نتمنى لها النجاح.
- ... فن الإلقاء.. ازدهار الفصحى في اللسان.
- ... الأولى على الثانوية.. التفوق أتعبني لكنه أمتعني.
- ... الطالبة المشاغبة.. موقع خطر.. يجب حجبه. كثيراً ما يقبع في المؤخرة.
- ... الطالبة المبدعة.. شمعة للثانوية لا تنطفئ.
- ... الطالبة المثالية.. زهرةٌ معطرةٌ بأريج الياسمين.
- ... التسكع في الأسياب.. عملٌ بلا هدف غير مرغوب فيه عند الإدارة
- ... الحفاظ على ممتلكات المدرسة.. الورقة الغائبة لدى الطالبة.
- ... النعاس.. قاتل صامت وسلطان جائر.
- ... جدول الحصص اليومي.. خطوة الألف ميل تبدأ بخطوة.
- ... روح الفكاهة.. زمام النجاح في العلاقات الاجتماعية.
- ... النجاح.. وصول الطالبة إلى نفسها.
- ... الحصة الأخيرة.. بها نختم الجولة في أرجاء الثانوية متمنياً قبولها من القارئة سائلاً الله لكل طالبة التوفيق و النجاح.
الورقة العاشرة: الأم ...
تحدثنا في الورقة الخامسة عن الأب وحقٌ علينا أن نفرد الأم الحنون بحديثٍ من القلب للقلب فهي النجمة المضيئة في سماء الحياة.
.. أم ..
كلمةٌ لا يختلف في نطقها كثيراً من لغات العالم عربها وعجمها فالأم بحرٌ من الحب ونهرٌ من العاطفة وشلالٌ من الحنان لا مجال في لحظة من اللحظات إلى أن يقل فضلاً أن يجف أو يتقطع.. فكم تتابعك حين استعدادك للذهاب صباحاً للثانوية وكم هي النظرات الحانية ترمقك عن قربٍ وبعد تتوّج حبها بدعاء الله لك بأن يحفظكِ ويرعاكِ..
وما أن تعودين كيف تبذل جهدها في كف صراخ الصغار وأصوات معاركهم عنكِ لتسعدي بالرّاحة في عالم حبها لك ودلالها.. بل تقوم بالأعمال المنزلية نيابةً عنكِ لتبذلي من وقتكِ في المراجعة والاستذكار وربما منحتكِ وقت راحتها أيام الامتحانات..
ذكرياتٌ حانية.. يطول المقام بذكرها لتبقى في القلب نبضة حق علينا ذكرها إنّها أيام مرضكِ التي أورثت ألماً أرّق مضجعها وأقلق راحتها تجلس بجانبك تدعو الله لكِ بالشفاء العاجل..
أختي في الثانوية..
(الأم) كلمة طالما رددتها الألسنة وهفت إليها القلوب ما حال من فقدتها - لا سمح الله - بطلاقٍ أو وفاةٍ حينها تعيش الطالبة بلا أم حياةً مليئةً بالمصاعب والهموم والأحزان.. كيف لا.. وقد ماتت زهرة المنزل ولم يبق من ذكراها سوى عبق ريحانها وذبلت معاني المحبة ولم يبق من ابتساماتها سوى الدموع وعجيبة هذه الحياة..اجتماعٌ ووداعٌ.. ولقاءٌ وفراقٌ.. فهنيئاً لمن مد الله في عمر أمها باباً من أبواب الجنة ما يزال مفتوحاً.
عفواً.. لن نستورد برَّ أمهاتنا من عاداتٍ غربية غريبة عنا بل في ديننا القدوة الحسنة لبرّها والقيام بحقها..
- ... في البخاري ومسلم قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ((إنَّ الله تعالى حرّم عليكم عقوق الأمهات))
- ... قال ابن عباس: (لا أعلم عملاً أقرب إلى الله من برِّ الوالدة)
وإليكِ نماذج مضيئة في حق الوالدة الحنون:
- ... كهمس العابد.. رأى عقرباً فلحقها ليقتلها فلدغته فسُئل: لماذا؟ قال: خفت منها على أمي.
- ... سعيد بن عامر: قال بات أخي يصلي وبتُ أغمز رجل أمي وما أحب أن ليلتي بليلته.
- ... رأى عبد الله بن عمر رجلاً ينظف أمه من بولها وبرازها قال له الرجل: أتراني أديت حقها؟؟ فقال: لا.
أنت تزيله وترجو موتها
وهي تزيله وترجو حياتك
أنت تزيله كرهاً
وهي تزيله فرحاً
ولكنك محسن والله يثيب الكثير على القليل.
أختي الكريمة..
عتابٌ ساخن.. أخرجه الألم.. و أفاضه القلب المجروح.. وسطرته دموع الخوف من تصرفات بعض الفتيات تجاه الأمهات ولست بصدد ذكرها واستعراضها فالمقام يطول لكن تذكري في الختام.. حينما تري والدتكِ أنَّ دقيقتكِ ثوانيها وساعتكِ يومها وشهركِ سنتها وشبابكِ هرمها وحياتكِ موتها فلئن كسرت قلبها فقد جبرتْ قلبكِ، وإن قتلتِ آمالها فقد أحيت أملك، وإن ذبلت زهورها فقد سقت زهرتكِ بدمع عينها وماء حياتها.
الورقة الحادية عشر: الصلاة.... الصلاة....
أختي الطالبة:
دعيني أجعل أمامكِ ورقة صغيرة أكتب فيها كلمةً أتمنى ألاَّ تنشغلي عنها مهما كان الأمر والشاغل فهي بوّابة الاطمئنان وطريق السعادة.. الصلاة.... كلمة جميلة وأثرٌ مبارك لمن حافظت عليها فهي الراحة من هموم الدنيا وتعبها ونصبها....
الصلاة.... الأمل والشمعة المضيئة في نفوس المؤمنات والماء الذي يسقي عطش الظامئات....
الطالبة والصلاة أقسام ...
- ... مهملة وتاركة لها بالكلية ... فهذه أخلت بركن من أركان الإسلام قال الرسول - صلى الله عليه وسلم - ... " العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر "
- ... تصلي أحياناً ... والواجب المواظبة عليها في أوقاتها قال تعالى. {إن الصلاة كانت على المؤمنين كتاباً موقوتاً ... }
- ... تؤخرها عن وقتها ... لنوم أو تهاون وهذا ممنوع لقوله تعالى: {فخلف من بعدهم خلف أضاعوا الصلاة}.
قال ابن مسعود:- ((لم يتركوها بالكلية بل يؤخرونها عن وقتها))
- ... تجمعها لغير حاجة.. وهذا ملاحظ عند بعض الفتيات وهذا أمر لا يجوز.
- ... محافظةٌ عليها ... مع أول دخول الوقت فهذه الملتزمة المستقيمة......
ففي أي قسم تضعين نفسك؟؟؟؟
الفتاة المؤمنة..
بالصلاة ينبض قلبها فلا يفتر لسانها عن ذكرها إلا حال عذرها سرى حب الصلاة في دمها إذا سمعت المؤذن طارت إليها أشواقها وإذا انشغلت عنها فلا تملك إلا دموعها ترسلها ساخنة من عقوبة تأخيرها.
فهي في هذه الحياة لله وبالله وإلى الله وعلى الله ولا حول لها ولا قوة إلا بالله كانت الصلاة الصلة بينها وبين ربها.. الصلاة.... منوّرة للقلب، مبيَّضةٌ للوجه، منشَّطةٌ للجوارح، جالبةُ للرزق، رافعةٌ للظلم، قامعةٌ للشهوة، حافظةٌ للنعمة، منزلةٌ للرحمة، كاشفةٌ للغمّة، تكفّر السيئة، تزيد الحسنة، ترفع الدرجة، تدفع الفتنة، تعين على البر والتقوى، تعالج النفس من الحسد والهلع.. وأعظم من ذلك استجابةً لأمر الله ووصيّة رسوله - صلى الله عليه وسلم - في مرض موته حين قال: (الصلاة.. الصلاة..)
الورقة الثانية عشرة: معلمتي..
معلمتي الكريمة.. معلمتي الفاضلة..
السلام عليكم و رحمة الله و بركاته و بعد..
يا من تحملين مهنة التعليم المباركة بأعبائها الجسيمة ومهامها العظيمة كم أراك تعتنين بتربية الأجيال و أمهات الأبطال فتبذلين الغالي والنفيس بلا كللٍ ولا ملل.
فما أن يدق جرس الساعة لإيقاظكِ إذ بجرس المدرسة يلامس شغاف قلبك لرنينه لتعملين في دروس من التوجيهات في غرفة الصف تدورين وتلتفتين يمنةً ويسره شارحةً ومبينة رافعةً صوتكِ وخافضة تناقشين وتسألين تجبين ولا تنهرين و في خضم الشرح والوجوه مطرقة إذْ بنكتةٍ تخفف ومداعبة ترقق وكم أنتِ صبورة وقورة، وما أجمل تعليقاتكِ خلال تصحيح الواجبات.
معلمتي.. عفواً حينما نلومك ونحمّلكِ المسؤولية برّمتها فنحن طاقة محدودة وقدرة ينقصها التطوير. لقد حباك الله حلة من الخلق القويم تتوددين إلينا بكلماتٍ يذوب لجمود العلاقة دفء المعاملة حتى إذا خرجت وجدت الطالبات في داخلهم أثركِ العجيب و أسلوبك اللطيف يتمنى الجميع أن تكون الحصص أكثر والوقت أطول..
معلمتي..
لحظات (الراحة) محدودة في حياتكِ فإنا نعترف لكِ بحبكِ لنا فتوجيهاتكِ مشاعرٌ صادقة عانقت أحاسيسنا وتوسدت قلوبنا ورقدت في أعماقنا هادئةً هانئة وديعةً صادقة فأنتِ صاحبة القلب الأبيض الذي تتوهج في جنباته الحب والتسامح والصدق والجمال. وإنَّ التعليم رحلة والرحلة مليئةٌ بالهموم والمتاعب غير أنكِ غيّرتها من رحلة إلى متعة..
معلمتي..
يالها من كلمة لها صداها في نفسي صدىً وأي صدى إنّها تداعب خاطري وتجول داخلي أدخل الثانوية والتقي بمعلماتٍ قد تكون لهنَّ مساحة حب في فؤادي الصغير لكن تأكدي أنَّ حبك في قلبي أكبر وأكثر....
كم أتخيل مثولكِ أمامي والفرحة تغمرني وأنتِ تؤدين الدرس بأيسر عبارة لتصلي بنا إلى برِّ الأمان لن أنسى حثكِ لي أن ألتحق بدور تحفيظ القرآن الكريم وبذل الدرجات من أجل ذلك.. لن أنسى خطواتكِ المباركة لئن أجعل بيتي جنة نستغني فيها عن (الخادمة) لن أنسى سلسلة القصص النبوية التي نسمعها بلغة صادقة وعبارة واضحة.. لن أن أنسى مفكرتكِ الأسبوعية التي تحملينها لنا بآخر الأشرطة والكتب والمطويات الإسلامية لن أنسى حصص الانتظار الثقيلة التي جعلتها حصصاً محبوبةً بأفكاركِ الرائعة، لن أنسى الدقائق الثمينة حينما تنفردي بطالبةٍ فتبوح لك سرّها فتعالجيه بكل سرية تامة وبصدر رحب لن أنسى فرحكِ بنجاحنا وتبريكاتكِ إلينا ودعواتكِ الصادقة لنا.
معلمتي..
لست بصدد ذكر أفضالك وقد عظمت وإن كنا قد وعينا بعضها فلن ندركها أي معلمتي.. حديثي أنكِ تحملين أشرف المهن وأعز المقام وقدوتكِ في ذلك سيد الأنام فتقديري لكِ مليء التحايا العبقة تبقي ما بقي الزمان أسأل الله أن يجعلكِ مفتاحاً لقلوبنا.. وموّجهة لمشاعرنا فلا تكلِ ولا تملِ فإنّا نحبك كثيراً
والسلام ختام ... ... ... .
تلميذتكِ.
الورقة الثالثة عشرة: أسراركِ..
أختي الكريمة:
الأسرار.. يجب كتمها ولا يحق لها الظهور مهما كانت الظروف والصعاب.. فهماستكِ العُجلى إلى من ترسليها؟.. همومكِ المُرّة إلى من تبثينها؟.. آلامكِ المحزنة إلى من تشكينها؟.. أفراحكِ الغامرة إلى من تزفينها؟
تفاصيل الحياة لا تنقل على الهواء مباشرةً للزميلة عبر الفسح وحصص الانتظار فأقرب القريبات لا يحق لها معرفة أسراركِ لتتمادى مع الأسف الفتاة في ذكر دقائق يومها فذهبتُ ونمتُ ولبستُ وجئتُ وقلتُ وعملتُ.. عباراتٌ لا يجوز بثها شرعاً ولا ذوقاً فضلاً عن أسرار المنزل والأهل تدخل في النهي تبعاً بل حتى رأيها في زميلاتها ومعلماتها حقه الكتمان.
عفواً.. بث السر إلى فلانة لا يقدم شيئاً ولا يؤخره بل يوقع الفتاة في حرج مع غيرها وإنَّ من الصديقات والقريبات من لا تترك صغيرةً ولا كبيرةً إلا سئلت عنها فماذا يعني هذا إلا التطفل في أوضح معانية؟.
أختي في الثانوية..
دقائق حين تخلدين إلى نفسك استرجعي أسرارك لوحدك واسأل من المستفيد بنشرها؟
لا أحد لنجد من الطالبات من تمتنع عن ذكر أسرارها وأشيائها الخاصة للمشرفة من باب الظهور بنفسيةٍ أقوى وأكمل.. فمهما عظمت المصائب فإن الكاشف هو الله جل وعلا.
أميرة.. طالبة في 1/ث دخلت فصلها ذات مرة وهي كسيرة الخاطر مهمومة النفس سألت صديقتها عن السبب أجابتها وبكل براءة لأنها مستودع ذكرياتها وأسرارها كما يُقال قالت: حصل لوالدي حادث سيارة ومات الآخر وسُجن والدي.. سألت الصديقة متى هذا؟ قالت: فجر اليوم .. وبعد الفسحة أحسّت أميرة بتغيِّر النظرات من حولها ولا تدري ما السبب فإذا بطالبة تقول لها: أنتِ بنت المسجون القاتل.
موقف لا تحسد عليه زاد همها هماً وقلقها قلقاً فما ضرَّها لو سكتت ولم تخبر أحداً علماً بأنَّ والدها خرج بكفالةٍ وجاء ليأخذها بنفسه من الثانوية وأنَّ الرجل حقاً مات لكن خطأ الحادث عليه 100% ولا علاقة لوالدها به.. فالصمتُ عبادةٌ من غير عناء.. وزينةٌ من غير حلي.. وهيبةٌ من غير سلطان.. وحصنٌ من غير حائط.. وغنىً عن تلمس الاعتذار....
الورقة الرابعة عشرة: العاطفة..
تعيش الفتاة في هذه المرحلة قمة العاطفة بأنواعها المختلفة حُباً وكراهية احتراماً و إعجاباً صداقةً واحتقاراً قد بدأت العاطفة لديها بحب والديها إذْ كانت طفلة لتكبر وتكبر معها مجالات عاطفتها فالفتاة بالفطرة تحب الدين والصدق والشرف وتكره الرذيلة والاستبداد قال - صلى الله عليه وسلم -: (كل مولودٍ يولد على الفطرة)
أختي في الثانوية:
العاطفة بوابة السعادة فكم تحتاج الفتاة إلى من حولها حباً وتقديراً فهي تضحك للفرح والتسلية وربما وصل التعبير العاطفي إلى التعبير الانفعالي برفع الصوت وتحريك اليدين وعكس ذلك الكآبة والكراهية ليظهر عليها الصراخ وتقطيب الوجه.
تحب الفتاة في هذه السن التعبير بكلمة (أنا) فأنا أحب،وأنا أكره، وأنا جئت، وأنا سافرت، وأنا وأنا وبعبارة موجزة(أنا) لوحة رائعة مليئة بالألوان والأشكال المختلفة إرضاءً لعواطفها الجميلة التي تزداد جمالاً ورونقاً وبهاءً بالطاعة والإيمان فلا مجال لعاطفةٍ سيئة تقود الطالبة المراهقة إلى المزلاق من الإعجاب والتصرفات الخاطئة فتتلّهث وراء محبوبتها حيناً وتبكي أحياناً وتحزن مرة وتقلق مرّاتٍ كثيرة فلماذا؟ ومن المستفيد من هذه العاطفة؟!!
الورقة الخامسة عشرة: الزواج..
حلمٌ جميل، كم يداعب الفتاة في خيالها، ويتنقل بين أفكارها وأحلام اليقظة تتقدمها (الزوج).. ملكٌ تنتظره الفتاة ليجعلها أميرةً في مملكة صغيرة وكأنَّ الدنيا بين يديها.. إنه معين من أنهار المحبة الصادقة وعبقٌ من رياحين ملؤها كفوف الرّاحة.. فهي الجمانة في قلب زوجها، صبرت لتناله وإن طال المسير، جاهدت لأجله وإن تراجع الكثيرات لتكون مربية الأجيال وأم الشهداء والأبطال.
الزواج .. يعني للفتاة التفكير الواسع والخيال الشارد في تصاميم الفساتين وألوان الأقمشة وأفخم موديلات الذهب وما الهدايا؟ وما نوعها؟ ومتى تكون لحظة دخول هذا العالم المحبوب، وأجمل من بحر خيالها ونهر تفكيرها؟، قوله تعالى: (ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجاً لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون) الروم 21
الزواج .. ليس حفلة راقصة، ولا رحلة عابرة تختار الفتاة من خلالها شاباً ساحر القسمات حلو البسمة.. خفيف الظل، جميل الطلعة، مؤهلاته الأناقة والرِّقة.. كلا، بل الزواج حياة مقدسة حياة طويلة محفوفة بالمخاطر أو الصعاب تحتاج فيه الفتاة إلى شابٍ ملتزمٍ ناجحٍ قوي صادق يحميها من المخاطر ويوفر لها الراحة والأمان فيكون نِعم الأب لأولادها فإليه تبث همومها ومعه تحكي أمانيها، وبه ترسم أحلامها...
الزوج .. ليس فستاناً تتباهى به عند زميلاتها، وليس قطعة أثاثٍ فاخرة تصف جمالها.. كلا.. بل الزوج الخرسانة الصلبة التي تقوم عليها حياة الفتاة بعد الله فإن كان صلباً قوياً يصمد أمام الأعاصير فستجد معه وفيه السعادة الحقيقية أما إن كانت مزاياه (الزينة والثوب والهندام) فهي أشقى الناس به ومعه وإن بهرها جماله وواسمتُه.
عفواً.. ليس الزوج هو فارس الأحلام الذي تتعرّف عليه الفتاة عبر مكالمة هاتفية أو رسالةٍ وردية أو صورة فوتوغرافية.
الحب قبل الزواج ..
أكذوبة لفظها الزمن و عفى عليها الدهر فدعوى الفتاة أن تتعرف على شريك حياتها قبل الزواج بأن تخرج معه وتعرفه عن قرب فواتير تسددها الفتاة من بند كرامتها وشرفها فالزنا لا يقع فجأة بل له مقدمات وأشد وسائله وأسهل حباله هذه الأكذوبة التي لا يصدقها إلا الأحمق والحمقاء وأنًّ الحماقة أعيت من يداويها.
هدى ..فتاة تزوجت عن طريق مكالمةٍ هاتفية دعونا نتابع تفاصيل زواجها على لسانها..
(تعرّفت عليه عبر مكالمة هاتفية استمرت العلاقة قرابة سنة كان خلالها يبادلني عبارات اللطف والود حتى ملكني بأسلوبه أحداثٌ متلاحقة.. ومشاهد عُجلى.. تخللتها صورة لي أعطيتها له ليراني قبل الزواج بل خرجت لمعه لمدة عشر دقائق وفقط.
ونسيت أنَّ الإسلام أجاز رؤية المخطوبة بأحكامٍ وآداب، تزوجت منه فكانت ((الليلة الأولى)) بمثابة حديثٍ مملٍ قاتل لا يطاق لأقف معه عاجزة عن فهمه وما سبب صدوده وإعراضه، عشت معه عشرة أيام في ظل فترة فتور من جانبه فسألته ودموعي تسبق لساني ما بك؟ وبم تفكر؟ وأين وعودك؟ ومن أنا في حياتك؟ فهزّ رأسه مطرقاً قائلاً بعد تنفسٍ عميق:
(زواجي منكِ أكبر غلطة.. فمن خرجت معي تخرج مع غيري.. آسف لا أريدكِ شريكة حياتي وأم أولادي)
فطلقني وللأبد لأحمل الهمَّ وحدي قد أرهقتني المصيبة أيما إرهاق فما أعظمهما من طآمة حينما يكون الحلم كابوساً والفرحة دمعة والسعادة والحب وهماً فهذه قصتي صورة باكية ولوحة ناطقةٌ سلبَ مني حلمي بل قتله بعد أن ذرفت دموعي الغالية الحارّة))
أختي في الثانوية:
الفتاة ... ليست لكل رجل بل هي لرجلٍ واحد هو زوجها الذي يبحث عنها وكأنَّها لؤلؤة مكنونة شق على الشاب الحصول عليها لأنَّ اللائى الثمينة تكمن في أعماق البحار ومن يطلبها يصارع الأمواج لأجلها وكما قيل ...
من يطلب الجواهر يدفع أغلى الأثمان....
منتصف الأوراق...... أبجديات......
1. ... أبجديات أهديها إلى حفيدة عائشة وحفصة وفاطمة
2. ... الجوهرة في جبين الأمة، النجمة في الغيهب المورد في الفلاة، القبس في الوهج فهي الملتزمة التي لا يضعف إيمانها ولا يزل دينها ولا يذبل يقينها بل تحب الله ودينها وتحافظ على شرفها وعفافها وعرضها..
3. ... باب الخير مفتوح لكل فتاة ففي كل دقيقة بل في جزءٍ
4. ... من الدقيقة تستطيع الطالبة أن تقدم لنفسها خيراً أن تضع لغيرها خيراً
5. ... لتملئ حياتها خيراً فأبواب الخير ونوافذه متعددة من السهل الحصول عليها.
6. ... التقليد.. انتقال السلوك بين اثنتين لضعفٍ كائن في
7. ... المقلدة وكثيراً ما يكون مصحوباً بمشاركةٍ وجدانية في أحيانٍ كثيرة.
8. ... الثروة.. الحقيقية هي المكتبة الإسلامية ميراث الأنبياء
9. ... كتباً أو أشرطةٍ مسموعة أو مشاهدة يعطي الفتاة سلسلة من التوجيهات الإسلامية والتربوية لتكون قادرة على تحمل المسؤولية وتحف المنزل الملائكة وتغشاه الرحمة وتحل فيه السكينة ويذكرها الله فيمن عنده.
10. ... الجوال.. علاقة الفتاة مع الجوال تزداد يوماً بعد يومٍ
11. ... وتقوى وكأنَّه ضرورة في حياتها ففي الأسواق مثلاً يتنافس الجوال والنداء الآلي أيهما أعلى صوتاً لتخرجه الفتاة بلا خجل وحياء لتطلب الهاتف من المحل لتتصل أو ترد الأخرى على جوالها أمام الرجال قد حملته بيدٍ مكشوفة أظهرت ساعدها تتدلى منه كُم عباءتها الواسع تلمع ساعتها أو أسورتها جرّاء ذلك.. كل ذلك وهي تسير ولو جلست في زاوية وكلمت بصوتٍ منخفض فما ضرّها ذلك شيئاً فضلاً عن مشاهد من المستشفيات والمناسبات والجامعات والمدارس والحدائق حتى في الطائرات وهي تعرف ((ممنوع استخدام النقال))..
12. ... حافظي على جمالكِ وأناقتكِ وشبابكِ المتجدد واستريه
13. ... عن أعين الرجال الأجانب كي يحمي الله لكِ جمالكِ ويجزيكِ به جمالاً باهراً وشباباً دائماً ونعيماً مقيماً في الجنة.
14. ... الخادمة.. قدمت من بلاد بعيدة تاركةً زوجها وأبناءها
15. ... فلذات أكبادها كي تخدمك أنت وأهلك تنظف وتغسل وتطبخ وتتعب فيلوح في ذاكرتها أولادها فتفرح وتحزن وقد تنحدر دموعها شوقاً لهم تمضي قرابة السنتين بعيدة عن أهلها لأجل دراهم معدودة تأخذها نهاية كل شهر فتدفعه لأولادها هناك ليفرحوا مقابل حزنها ويسعدوا مقابل تعبها وينعموا مقابل ألمها ويصحوا مقابل مرضها ويضحكوا مقابل دموعها
16. ... همسة في أذنك..
17. ... أحمد الله إذ لم تكوني مثلها وكوني بها رحيمة وعليها مشفقة.
18. ... دقائق مع نفسك حين تستلقين على الفراش لتأخذي
19. ... قسطاً من الراحة بعد عناء استرجعي صورة بل صور من حياتك هل قضيتها بأهنا عيش وأكثر استقرار أم كنت خائفة فالفتاة تعيش في دوّامة من الصراع تسمع للخير يدعوها وللشر يناديها والإيمان في قلبها ما بين قوة وضعف فتتصارع أمام نداء الشر وترتاح وتحب دعاء الخير.
20. ... الذنوب جرحات ورب جرحٍ أصاب مقتل.
21. ... الرياضة.. لم كانت غاية وطموحات بعض الطالبات
22. ... فتتابع أخبارها بكل حماسٍ وفاعلية لتحلل المباراة وكأنها رجل لتقتل مكانتها وجمالاً في أنوثتها فأكبر عيب يوجه للرجل أن يقال له (بنت) فما بال الفتاة متابعة الرياضة المسترجلة تدعو الآخرين إلى عيبها.
23. ... الزينة.. حاولي تقريب الخطوط الطبيعية لوجهكِ ليتلاءم
24. ... مع مظهر جمالكِ وأنوثتكِ في ظل إيمانكِ وسمو أدبكِ وأخلاقكِ فلا يعجبنا منظر الفتاة بعد إزالة المساحيق قد بدأ وجهها وجه مريض شاحب مشوب بالحمرة والإرهاق.
25. ... السائق.. ضرورة فرضت نفسها لضعف الوالد في تحمّل
26. ... المسؤولية فلا مجال لمعاملة خاصة معه من طول الحديث حيناً والضحك معه أحياناً أخرى أو أن يدخل المنزل وكأنه واحد منكم من دون استئذان.
27. ... الشهوة.. إذا غلبت أظلم القلب وإذا أظلم القلب ضاق
28. ... الصدر وإذا ضاق الصدر ساء الخلق وإذا ساء الخلق ابغضه الخلق وإذا ابغضه الخلق ابغضهم وإذا أبغضهم جفاهم وإذا جفاهم عاش كئيباً قال تعالى:} ومن أعرض عن ذكر الله فإن له معيشة ضنكاً {الضاد من الضيق والنون من النكد والكاف من الكآبة والكدر فالفتاة المسلمة تقهر شهوتها بالطاعة والعفاف والاستقامة.
29. ... صورة الفتاة توضع على أغلفة المجلات الماجنة للترويج
30. ... الإعلاني قتل لذاتها وسلب لكيانها.(101/38)
31. ... الضحك.. من أنواعه ((الابتسامة)) الكنز الثمين لها رونق
32. ... وجمال وتعابيير تضفي على صاحبته الطلاقة والبهاء إنها الطريق الأقصر بل والمباشر للقلب وكسب الآخرين.
33. ... الطب.. حلمٌ يراود ذهن الفتاة وتفكيرها منذ المرحلة
34. ... الثانوية وتتمنى أن يقال لها دكتورة أو طبيبة لكن مهنة الطب تحتاج إلى تضحيات وتبِعات هل وقفت عندها الفتاة؟؟ نريدك طبيبة ملتزمة بأخلاقها وحجابها تسير في ممرات المستشفى والكل يقدرها ويحترمها فلا مجال لمخاطبة الرجال والاحتكاك بهم بحجابٍ مهذب وضحكات تدوي وزينة واضحة ونقابٍ فاضح ويدين مكشوفتين.
35. ... ظلم النفس.. سببه الفراغ الذي يقرر علماء النفس
36. ... والتربية أنَّ الفتاة إذا اختلت إلى نفسها وقت فراغها ترد عليها الأفكار الحاملة والهواجس الساحرة والتخيلات المثيرة فلا تجد لنفسها حينئذٍ إلاّ وقد تحرّكت شهوتها وهاجت غريزتها أمام هذه التخيلات والتأملات والخواطر التي تهلك وتدمر.. وقد خيم عليها كآبة الوحشة وهجم عليها هواجس الوحدة قد انتصر الشيطان لكيده ومكره.
37. ... الفتاة الملتزمة..
38. ... تعاني من الفراغ كما يعاني غيرها وتشكو من تأجج الشهوة كما يشتكي الفتيات إلا أنّها لا تنهار أمامها بل تتجاوزها بالعلو إلى قمة العفة والتسامي فلا مجال للدوافع الغريزية و الحيل الشيطانية (والذين جاهدوا فينا لنهديهم سبلنا) فهي كالأنبياء في الأسوة وكالسلف الصالح في الأتباع.
39. ... عجوزٌ كبيرة السن سُئلت وكانت محتفظة بنضارتها وقوتها وبهاء منظرها كيف لك هذا؟ قالت: استخدم لشفتي (الصدق) ولصوتي (تلاوة القرآن) ولعيني (الغض عن الحرام) وليدي (الإحسان) ولقوامي (الاستقامة) ولقلبي (حب الله والمساكين).
40. ... غضب الصغار انفعالات لا يبقى لها أثر وغضب الكبار
41. ... انفعالات تهدم وتفرق الشمل
42. ... الفضائيات.. عبارتها كذب، حروفها غدر وفاءها
43. ... خيانة، حبرها الندم، شبح جارح قلب الموازين وعكس الأخلاق فالرذائل أصبحت بها فضائل والحق لا يرى إلا باطل والنور لا يرى إلا ظلاماً.
44. ... قال أحد كبار الماسونية(كأس وغانية تفعلان في الأمة
45. ... المحمدية أكثر مما يفعله ألف مدفع فأغرقوهم في حب المادة والشهوات) وقال آخر: (يجب علينا أن نكسب المرأة فأي يومٍ مدت يدها إلينا فقد فزنا) فأفيقي يا فتاة الإسلام.
46. ... كلمة وعبارة.. أين ذهبتِ؟ ومن أين جئتِ؟ تصدر من
47. ... والدك أو أخوك وكونك لا تخرجين إلا بإذنٍ لا بأس به ففي الحديث (أنَّ فاطمة بنت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سألها يوماً.. (من أين أقبلتِ؟) قالت: أتيت من أهل ذاك البيت أعزيهم) وهي من؟ ولم تغضب من سؤال أبيها صلى الله عليه وسلم فالفتاة يجب أن تحاط بسياجٍ من العناية والتوجيه.
48. ... لو تذكرت الفتاة التي تضع العباءة على كتفها وتبرز
49. ... محاسنها أنَّ هذه العباءة تلف بها محمولةً إلى المقبرة يحرص الجميع على ألا يُرى منها شيئاً.
50. ... مشغل الخياطة.. لمه تقف الفتاة أمامه وبداخله رجال
51. ... أجانب ولا تبالي لتدخل رأسها في المصيدة (النافذة الزجاجية) فترفع غطاء وجهها وتظهر مفاتنها بنحرٍ بادٍ وصدرٍ مفتوح تتحدث معه بكل طلاقه.. ونسيت الحجاب وأنه فخر وعنوان طهرها ونقاءها.
52. ... النسيان.. نعمة من الله تفقد فيها الفتاة همومها وأحزانها
كم هي رائعة إنها منحة إلهية تشفق على قلب الفتاة أن ينفطر حزناً وكمداً بعد كل مصيبة تنزل بها..النسيان..عزاء القلوب.. سلوى لكل مصاب.
هـ. هند بنت عتبة رضي الله عنها زوج أبي سفيان أسلمت
يوم الفتح فبايعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وكان مما قاله لمن بايعه من النساء ((ولا يزنين)) قالت هند أوتزني الحرّة يا رسول الله.. فتأملي..
و. ولد العم.. لا يجوز إبداء الشعر والنحر أمامه فضلاً عن كشف الوجه باللثام أو النقاب أو مصافحته أو جعلت وشاحاً خفيفاً حين السلام عليه لتتبادل معه الأحاديث والضحكات والأسئلة ليصل لتقديم الشاي والقهوة له في انتظار وصول الوالد..أو الأخ.. وفي محض التحذير منه قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ((الحمو الموت)) وهو قريب الزوج فما سواه أولى من غير المحارم.
ي . يكفينا أختي في الثانوية هذه الأبجديات راجياً أن تحوز على إعجابك ورضاك.
الورقة السادسة عشرة: عيد الحب..
يوافق الرابع عشر من شهر فبراير من كل سنة ميلادية يمجد فيه ذكرى القسيس (فالنتاين) المثل الأسفل للحب والعاطفة في عقيدة النصارى. تفاصيل حياته وروايات ذكراه تحملها باقات حمراء قد وقعت باسم ((المخلصة........)).
أختي الطالبة:
العيد هذا لفتياتنا على المستوى العام مشاهد وأحداث إذْ يشاركن بجهلٍ أم بعلم في طقوسه وما علمت الفتاة أنَّ فخرها حينما تكون راكعةً لله ساجدة له عابدةً إياه لأنها المؤمنة المسلمة الطاهرة العفيفة.
إنه ليحزننا منظرها وهي تلبس الأحمر تتبادل مع زميلاتها القبلات الحارّة مشوبةً بهدايا حمراء وورودٍ فاخرةٍ حمراء قد غلفت بعبارةٍ مكتوبة باللغة الإنجليزية:
لتذكر بعدها عبارات الحب والغرام تجاه من تحب سهّل ذلك وجعله قريب المنال ((القنوات الفضائية)) التي ترصد لهذا اليوم احتفالاً بالصوت والصورة وعلى الهواء مباشرة فتنقل التهاني والتبريكات بحلول هذا العيد لتتساقط وتتهاوى عدد من الفتيات المراهقات إلى المسارعة بالمشاركة عبر الهاتف أو الفاكس.
أختي في الثانوية:
((عيد الحب)).. كاميرات تلفزيونية على الهواء مباشرة تنقل مشهد الفتاة وهي تحمل في يدها الوردة الحمراء الفاخرة بيدٍ مرتعشة ملؤها الابتسامة المهزومة في نفسها وحول ذلك المنظر أسئلة متلاحقة تحتاج إلى إجابة متصلة وعاجلة يتبعها استفسارات هامة عن النتائج لنسمع بكل حزنٍ وأسف عن تلك الفتاة التي أهدت محبوبتها في هذا اليوم زوجاً من الأرانب الفرنسية البيضاء ذي العيون الحمراء قد وضعت عليها حول العنق تحمل هديةً مغلفة ببطاقةٍ ووردةٍ حمراء.. فأين الفتاة المسلمة ناضجة الفكر و التفكير من هذا؟..
((زار الحسن جاريةً في ريعان شبابها وهي في مرض موتها وقد وجدها باكيةً حزينة فسألها عن السبب؟ فقالت:
أبا سعيد: أنظر والدتي تقول لوالدي: احفر لابنتك قبراً واسعاً وكفنها بكفن حسن.
أبا سعيد: يحثى على شبابي التراب ولم اشبع من طاعة الله - عز وجل - أبا سعيد: كيف وأنا أجهز إلى ظلمة القبر ووحشته وهو بيت الظلمة والدود. قال الله تعالى: (ومن الناس من يتخذ من دون الله أنداداً يحبونهم كحب الله والذين آمنوا أشد حباً لله)
قصة جميلة.. تدعو الفتاة المسلمة إلى معرفة من تحب وكيف تحب ولمن تحب وعاقبة الحب؟؟!!
وذلك لحظة غروب شمس الفتاة من الدنيا لتبدأ إشراقها في الدار الآخرة..
وقد أفتى علماؤنا الأفاضل بتحريم الاحتفال بعيد الحب ليكون المسلم عزيزاً بدينه وألا يكون إمعه يتبع كل ناعق.
الورقة السابعة عشرة: غيداء وحسّان....
هذه القصة إهداء إلى كل فتاةٍ مرّت بتجارب قاسية ومؤلمة من تفضيل الأخ على الأخت والولد على البنت وحينئذٍ تنتهي العلاقة الأخوية ولا مستفيد بل الجميع خاسر.. غيداء لها مع أخيها حسّان قصة تفاصيلها دامت سبعة عشر عاماً دعونا نتأملها بتمعنٍ وتركيز.. غيداء.. فتاةٌ رقيقةٌ ومهذّبة.. كالنجمة تلمع في جنبات منزلها وسمائه،أحبت أخاها الأكبر.. حسّان.. مع تفضيل العائلة له كثيراً في الحديث والمعاملة وكان يقول لها: لا تراعي تفضيلهم بالاً وتجاهليه وكأنّه غير موجود لتتقرّب إليه غيداء.. بأخلاقها وتقديرها فلا يبادلها إلا مثل ذلك. ويزيد بجلب الأشرطة النافعة والكتب المفيدة أسبوعياً بل كم المرّات التي يُدخِل على أخته الفرح والسرور فيعطيها من مصروفه بدون طلب فإن اعتذرت أهداها هديةً فاخرة ليكمل الحب والتقدير في ذهابه بها إلى دار تحفيظ القرآن الكريم النسائية وبدون كلل ولا ملل.
قصص حب أخوية يطول المقام بذكرها..
تقول غيداء: صحبنا والدنا في رحلةٍ إلى مزرعةٍ لنا في مناظر خلاّبة ابتدأت بالوردة الحمراء الزكية و الزهرة البيضاء النقية في محيط شجرة عاليةٍ مثمرة لتتوسط بجلوسنا حول الوالدين لتنتهي بأحاديث أخوية شجية مع أخي (حسان)..
وبعد الظهيرة.. نزلت مع أخواتي وأخواني الصغار في مياه مسبحٍ جميل ألامس برودته بكفي وجسمي فأغدو منتعشةً وأشعة الشمس الساطعة تنعكس على شعر من يسبح معي، فتلمع كخيوط الذهب.. ووالدي يفترشان البساط الأخضر من حولنا يبادروننا بالابتسامة في أجمل معانيها والصغار يتراقصون على جنبات المسبح..
مضت الدقائق تجري وتجري وتركض بأقصى سرعة ودون توقف لينتهي يومنا ويقرر الوالد العودة فطلب أخي (حسان) من أبي قيادة السيارة فوافق.. فاستهل القيادة بذكر دعاء الركوب فلما انتصف الطريق طلبت منه شراء ما يخفف عنا طول الطريق أبدى الاستجابة السريعة فتوقف بمحطةٍ وقود لينزل على وجه السرعة بدون حذر لترتطم به سيارة بلا أنوار قادمة لتلقيه على جانب الطريق وحينها انهمرت دموعي ومن معي من بشاعة ما حصل فارتميت في أحضان والدتي الكريمة لأنظر إليها وقد لممت جراح قلبها المثخن بحادث أخي بدموعٍ حارة لآهات حبستها في قلبها إلى ما هو أشد وأعظم ليُنقل أخي للمستشفى فأقوم برفقة والدي وأهلي بزيارته وكان مشهداً مبكياً وهو يتطلع إلى يد أمي الحنون ممسكةً به وإلى وجهي الباكي الحزين ولا يجد تفسيراً لما يدور غير ابتسامةٍ نراها على محياه ويقول: الحمد لله، الحمد لله، فقد أصيب من جرّاء الحادث إصابة بالغة ألوم نفسي فيها يا ليتني لم أطلب منه شيئاً (لكن قدر الله وما شاء فعل) وفي لحظة (أمسك بيدي) وقال: غيداء.. عندما أخرج سأشتري لكِ ما تريدين!!! آه.. لم ينسى وهو مريض مصاب قبّلتُ رأسه ودعوت له بالصحة والعافية وخرجنا من عنده. لتمضي الأيام بعد الأيام ولساني يلهج بالدعاء لأخي حسّان وما تفتر يداي من سماعة الهاتف للسؤال عنه والحديث معه فضلاً عن زيارته اليومية ليخرج من المستشفى سليماً معافاً لتعود الفرحة والبسمة على أرجاء منزلنا وعائلتنا بعودته.. أخي حسان.. حفظه الله وحماه..
الورقة الثامنة عشرة: الصداقة..
صديقي من يقاسمني همومي
ويرمي بالعداوة من رماني
الصداقة.. ينبوعُ فوائد.. ومجموع محامد تجنيها الفتاة منها ومن أهمها الشخصية وهي تمر في أجمل أيام العمر وأحرجها.. فمن تجالس الفتاة في هذه المرحلة؟ وما آمالها؟ وما غايتها؟ وما أهدافها؟ وما أمانيها؟
عن المرء لا تسأل وسلْ عن قرينه
فكل قرين بالمقارن يقتدي
صديقك كنزك.... وحق الكنز أن يكون ثميناً وغالياً.
أختي الطالبة..
بلوغك المرحلة الثانوية يعني التهيئة لمعرفة الصداقة والصديقة وذلك بمخالطة مجموعة من الفتيات ممن هم في سنك فتتعرّفي عن قرب عن أخلاقهنَّ جميلها وسيئها وعن معاملتهنَّ طيبها ومرّها.. وكثيراً إذا ما كُتب عن الصداقة والصديقات تكون الأفكار الرئيسية في الأضرار والمنافع من المصاحبة والمجالسة أما في هذه الورقة فاللغة جديدة والأسلوب مختلف والعبارة واضحة نتجاذب أطراف الحديث عن صفات الصديقات التي من خلالها نتعرّف على الوجه الحقيقي فلا يختلف اثنان في الحكم
وبالإمكان جعل الصديقات ثلاثة أنواع..
- ... أولاً: الصديقة الصالحة.. وهي المتميزة في كل شيء.. منطلقة الوجه والأسارير.. لا تغضب غضباً يستنفر من حولها،ولا تتعمد الأخطاء إذا تحدثتْ إليكِ أصغيت إليها وإن أطالت،مترويَّة، كثيرة الصفح،تحب المجاملة بصورةٍ معتدلة.خلوقة،هادئة الطبع حسنة السلوك سالمة النية، طيبة القلب،عزيزة النفس،كريمة الخلق،راجحة العقل،جادة فيما تقول،تدقق في العبارات وتنتقي الحرف والكلمة والجملة المناسبة، مستقيمة،محبوبة،فهي عبير الندى وكفى......
- ... ثانياً: الصديقة السيئة..الضعيفة في نفسها ومع غيرها، مهذارة، مغرورة، قوّاله،مغتابة، مرائية، متملقة، حائرة القوى، متدنية الأخلاق، صخّابة، مزاجية، متسخطة، لا تضحك إلا تصنعاً كسلانة، خاملة، شاردة الفكر، تائة السلوك، مهزومة الشخصية، سليطة اللسان، كذوبة،تجارية أخلاقها، متوترة أعصابها، مسرفة في إطراء نفسها ومدح أعمالها..
- ... ثالثاً: الصديقة الاجتماعية: وهي الضحوكة التي تمزح أغلب أوقاتها، فيأنس بها من حولها، غزيرة ثقافتها، جميلٌ تعليقها تصوغ النكتة بأسلوب طريفٍ يضحك من حولها طويلاً بلا تكلفٍ ولا صعوبة لتبقى صورتها في الذاكرة غالباً تجتمع من حولها أكثر الصديقات فبها تبدأ الحفلات والمناسبات ودائماً يتردد الاستفسار والسؤال عن حضورها ومجيئها؟ فاكهة الفصل وتفاحة المجلس، الكل يحرص على الجلوس بقربها فهي العالمة بالأحداث السابقة الملمة بالحوادث الحاضرة.
أختي في الثانوية.. ثلاثة نماذج للأصدقاء:
- ... الأولى: عملة نادرة إن ظفرتِ بها فأنت السعيدة.
- ... الثانية: الشؤم على نفسها تجرُّ من حولها إلى هاوية.
- ... الثالثة: ((موقع خطر)) يجب التعامل معها بحرص وحذر شديدين فهي تملك روح الفكاهة زمام العلاقة الاجتماعية فهي تجمع بوصفها العام الخير والشر وأيهما غلب كان الأسبق..
فيا رعاك الله تأملي:
- ... قوله تعالى: {الأخلاء يومئذٍ بعضهم لبعضٍ عدوٌ إلا المتقين}
- ... وفي المثل بكى عليك من أبكاك وضحك عليك من أضحكك فأصدقاء السوء.. النهاية المؤلمة.. والضياع الأكيد..
- ... قال تعالى: {ثم يوم القيامة يكفر بعضهم ببعض ويلعن بعضكم بعضاً}
الورقة التاسعة عشرة: الإعجاب.....
إنَّ المحبةَ أمرها عجبُ
تُلقى عليك ومالها سببُ
.. الحب.. ذاك السرُ المجهول الذي ينفذ إلى قلب الفتاة وعاطفتها فيتغلب على اختيارها وانفعالاتها سهّل ذلك فترة المراهقة وسحرها فالطالبة في الابتدائي المتفوقة وفي المتوسط المثالية وفي الثانوي المجدة أو المشاغبة وما تلبث أن تكون المعجبة المحبة، فما معنى الشعور المفاجئ من زميلةٍ لزميلةٍ أخرى حتى تعلقت الطالبة بمثلها أو بمعلمتها تأنس لسماع صوتها والجلوس معها فلا تكاد تفارقها إلا نادراً ومن بعد الثانوية سماعة الهاتف ولساعات طويلة..
بين يدي رسالة صغيرة من محبة معجبة تصف حالها فتقول:
(أُحبكِ لأنكِ تمتلكين جمالاً رائعاً في نظري ولا أخفيكِ احتفظ بخصلة من شعركِ وقلمٍ من أقلامكِ فأنتِ الجميلة الناعمة الطيبة المرحة فكثيراً ما أفكر فيكِ...... الخ).
فهنا نقف مع جزءٍ رسالة في نموذجٍ من نماذج متعددة، فمن الفتيات من تُحب وتُعجب حتى بطريقة الأجزاء فتتأمل في وجه محبوبتها وتتصنّع ضحكتها ومشيتها فإن كانت لابسةً نظّارة لبست مثلها وإن كانت لا تريدها....
وكما قيل: (الحُب جنون.... والجنون فنون)..
لتصل الطالبة إلى الافتتان بها فتهديها الهدايا الغالية والأطقم الفاخرة بما لا يقبله عقلٌ ولا يفسّره منطق وإن كان في المحبوبة عيباً فإن نظارة الحب الساحرة تحليه الى بحر حسنات فهي تراها بعينٍ مختلفة عمّا يراها به الفتيات فتحس بخيط من السحر يشدها إليها.. لتتكلّف الكلفة الشديدة إذا خاطبتها أو عاملتها....
أختي في الثانوية....
الإعجاب.... هو تعبيرٌ عن حقيقة شخصية الفتاة و اهتمامها فهي تبحث عمن يُجانسها و يُشاكلها ربما كانت ملاحة الظاهر وخفّة الدم.. وحسن المعاملة وغزارة العاطفة والفراغ سببٌ مباشرٌ لذلك....
الفتاة المسلمة....
أميرةٌ على مشاعرها.. قويةٌ في سيطرتها على عواطفها.. تختار لنفسها ما أجازه الشارع في العلاقة والمحبة لا أن تنخدع وراء الإعجاب باسم الأناقة والشياكة وحب الظاهر فالجمال لا يدوم وحسن القوام لا يبقى. فالفتاة المحبوبة فتاة كغيرها من الفتيات يعتريها جوانب النقص والخلل وحينئذٍ تقف العاقلة لتسأل نفسها بكل صراحة وواقعية..عن سبب المحبة؟ وإلى أين تسير معها؟ وما العاقبة؟ وإلى متى؟
ففي النصوص الشرعية القدر الكافي والدواء الشافي لكل من وقعت في الإعجاب تبدأ بقوله - صلى الله عليه وسلم - (من أحب شيئاً غير الله عُذب به) فضعف الإيمان السبب المباشر للوقوع لتضعف أكثر إذا علمت أنها (فتنة) قال تعالى: (ولكنكم فتنتم أنفسكم) الحديد14..
قال الشاعر المحب يصف تعلّقه:
أحببته وتركتُ قلبي من عندهِ
فكرتُ في مستقبلي من أجلهِ
من نظرتهِ الأولى شعرتُ بحبهِ
أحسست كل سعادتي بقربه
وقول الآخر:
تطلبه عيني وهو في سوادها
ويشتاقه قلبي وهو بين أظلعي
ليعظم الأمر في تبادل الصور والرسائل وفشو الأسرار والتصرفات الخاطئة ليكون نوعاً من أنواع العشق المحرم.
قال ابن القيم:
((هذا داء أعي الأطباء دواؤه وعز عليهم شفاؤه وهو لعمر الله الداء العضال والسم القتّال)).
فكم من فتاة.. أحبت وما أسرع ما كرهت.. لكن بعد أن سقطت شخصيتها وكرامتها بأفعالٍ ناقصة وتصرفاتٍ خاطئة.. فدعوة لكل من ابتليت بهذا الأمر أن تلجأ الى الله بالدعاء وتلح عليه في أن يكفيها شرّه وفتنته لتعرف للحياة طعمها الحقيقي وللمحبة الصادقة أثرها النفسي.. قال تعالى.. (ومن الناس من يتخذ من دون الله أنداداً يحبونهم كحب الله والذين آمنوا أشد حُبَّاً لله....) البقرة 165
فمن أحبت الله أحبها وأحبها الناس جميعاً....
الورقة العشرون: المكالمة القاتلة..
... أحلام... ألقت بجسدها المتعب على فراشها المبعثر بعد وقت عناءٍ من واجبات المدرسة تريد الرّاحة والنوم فأغمضت عينيها وإذْ بجرس الهاتف الخاص في غرفتها يناديها تحسست بيدها المرتعشة وقعت على الهاتف.... من؟!! إنه صوت رجل غريب يحاورها بكلامٍ جميل تحت أماني ورديّة ووعودٍ نرجسية وإعجاب وأنَّ (لمى) زميلتها في الثانوية هو أخوها.. أغلق السماعة بعد أن تمَّ التعارف لتعيش غارقةٍ في أحلام اليقظة.. ليأتي الصباح لتلقى زميلتها (لمى) بعد أن جلسا في زاوية من زوايا الثانوية وقت الفسحة بعيداً عن النظرات.. قالت.. نعم هو أخي.. إنه يحبّكِ فقد رأى صورتكِ معي في الحفل وأعجب بكِ كثيراً وأخذ رقم هاتفكِ وحذّرته من الاتصال بكِ وتحت ضغط المناقشة والحوار قالت أحلام وبكل براءة: أهو جميل؟؟!!
وقفت (لمى) حائرة لا تصدّق هذه العبارة الجريئة من صديقتها ولو كان أخوها فالطريق محرّم والنتائج مهلكة أعادت السؤال: أهو جميل!؟ أريد صورة له.. ردت عليها: كفى أحلام فالمعاكسة الهاتفية منزلق خطير وهاوية لا قرار لها ولو كان أخي صادقاً لفاتح أهلي بالزواج منكِ.. أخي.. سيئ الخلق عاصٍ لا يصلي.حريص على ملبسه وهندامه وفقط لتعود من الثانوية إلى بيتها تنتظر اتصاله وقد تمَّ ذلك فما أن رنَّ الهاتف حتى رفعته بسرعة لتتحدث معه وتطلب صورة له فيكتفي بوضعها في كتاب أخته من حيث لا تدري لتأخذها غداً بدون علمها. ولكن تسقط الصورة في يد الأخت (لمى) فتمزقها وتحذر أخاها وزميلتها وأنَّ الأمر خطر جداً. وصدق من قال:
بعض الجراح إذا دويتها اندملت
وبعضها لا تداويه العقاقيرُ
مضت الأيام لتقوى العلاقة لتخرج أحلام معه في لحظة غفلة ليسيرا سوياً في بحر الحب ويركبا في قارب السعادة الوهمية فسعى كل منهما إلى مجداف الشهوة يحركه ليتجه القارب ولكن بعد خطأ الاستخدام والطريقة فلقد انقلب القارب بأمواج الرذيلة والمعصية فسقطت مجاديف الحب المزعوم وأصبحا أغراباً بعد أن كانا أحباباً.. عادت إلى منزلها تتجرّع الألم والشجن لوحدها.. أوقدت بفعلها في قلبها جمرة حزنٍ لا أظنها تنطفئ.. تتذكر نصيحة (لمى) ولكن بعد أن صبت على نفسها الأحزان صباً وسقت قلبها المرّ سقياً فتتجرّع المآسي بدموع متتابعة وأهات وزفرات فالزنا لا يقع فجأة بل له مقدمات وأشد وسائله وأسهل حبائله.. المكالمة الهاتفية والصورة الفوتوغرافية لقد قتلت هذه المكالمة الكرامة والعفة وعاطفة الأمومة التي تحلم بها كل أنثى فترجع أحلام بذاكرتها إلى الطفلة الصغيرة وهي تلاعب عروستها وتمشط شعرها. بكت بكاءً حارّاً بعد أن ندمت أشد الندم يوم أن كلمته وسمعت منه ليبقى العار تحمله لوحدها بعد أن اشتركا في لذة ثواني فخطوة الألف ميل تبدأ بخطوة.
أختي في الثانوية..
سماعة الهاتف وراءها دعوة للخيانة والسقوط في المستنقعات الوبيئة فكم من فتاة غير المكالمة القاتلة بقيت حبيسة الدار حاملة العار لا تقبل خاطباً تحمل قائمة من الخسائر في ظل الندم والدموع والضياع لأجل شاب تتسلى معه كان الثمن شرفها فسماعة الهاتف بداية عابثة ونهاية مؤلمة.
الورقة الحادية والعشرون: الحجاب..
قالت وبكل براءة.. (أبي العزيز.. من الملابس أريد أرقاها ومن الألوان أجملها ومن التصاميم أحدثها ذوقٌ رفيع ومود يل جديد) سهّل ذلك الدعايات ومهرجانات التسوق فعام 2000م يعني التطوير والتجديد في الموضة والموديل لكن ليس على حساب الحجاب والستر والعفاف.
أختي الطالبة.. الحجاب.. إيمانٌ وطهارة، عفةٌ وستر، حياءٌ يبعث على الفضيلة، تميزٌ لكِ عما سواك والتميز من صميم أخلاق المؤمنات فبه حماية الأعراض والسلامةُ من الفتن فكم جميلٌ منظر الطالبة وهي ترتدي عباءتها بحشمة خالية من النقوش والزينة طاعةً لله - عز وجل - قال تعالى: (يا أيّها النبي قل لأزواجك وبناتك ونساء المؤمنين يدنين عليهنَّ من جلابيبهنَّ ذلك أدنى أن يعرفن فلا يؤذين). الأحزاب59
وبالتأمل..
فالكثير من الطالبات يقعن في تناقضاتٍ عجيبة غريبة فرضها التقليد الغربي فما لنا نرى الطالبة تتابع آخر الموديلات في ملابسها وأناقتها وجمالها بل وتظهر به أمام الصديقات والزميلات في الوقت الذي يفرض النظام المدرسي الالتزام بالزي العام ضمن أسوار الثانوية..
وفي صورة أخرى نرى الفتاة لها عباءتان وغطوتان عباءة وغطوه محتشمة للمدرسة وعباءة فرنسية ونقاب لما بعدها وهي الطالبة في المرحلة الثانوية الواعية المثقفة.. قال تعالى: ((ولا تبرجن تبرج الجاهلية الأولى)) 33 الأحزاب
قال أحد كبار الماسونية:
(امرأة متبرجة واحدة أشد على المسلمين من 1000 مدفع)
فهل ترضى الطالبة أن تكون سبباً لوقوع الشاب في الحرام فكانت وسيلة من وسائل الشيطان وجندية من جنوده!.
فالعاقلة.. لا تبيع الجنة والشرف بثمن بخس وفي الحديث:
(كل أمتي يدخلون الجنة إلا من أبى. قالوا: (من يأبى؟). قال: من أطاعني دخل الجنة ومن عصاني فقد أبى)
أختي الطالبة..(101/39)
من المستفيد.. من رفع الفتاة للعباءة عن ثيابها الضيقة لتبدوا تنورتها أو بنطالها محدداً جسمها؟!.من المستفيد.. من لبس قصير الكم ليظهر الذراع والعضد والكتف وربما النحر والصدر أثناء استعراض البضاعة في المحل؟!.. من المستفيد.. من لبس الحذاء بأنواعه بلا شرّاب ساتر ؟! من المستفيد.. من الذهاب للسوق متبرّجة متعطرة لوحدها مع السائق وقد وضعت اللثام البوابة القاتلة للفضيلة؟! من المستفيد.. من ارتداء آخر موديلات العباءة المطرّزة أو المخصّرة أو الكاب تكون زينة تحتاج إلى حجاب؟! من المستفيد.. من إظهار اليدين أمام الباعة لترى عطرها المميز و ساعتها الجديدة و جواهرها النفيسة و قماشها المناسب لتدخل معه في جدالٍ وعيناه على يديها وساعديها وهما في غاية الاستسلام.؟! من المستفيد؟.. يطول بنا ذكر مشاهد نتيجتها الحتمية للتبرّج المحرم والسفور الممقوت.
فالتبرج/ معصية لله ورسوله.. ومن الكبائر الموبقة الجالبة للعلن و الطرد من رحمة الله تعالى.. وهو سواد وظلمة وسوء عاقبة يوم القيامة ونفاقٌ وفاحشة وفضيحة وسوء خاتمة في الدنيا دعا إليه إبليس وأتباعه من اليهود والنصارى.. ليفتحوا باباً شره مستطير على المجتمع فتكثر نسب الجرائم وفساد الأخلاق وشيوع الفاحشة ويقل الزواج وتنقطع الروابط الأسرية. فهذه مجتمعات الغرب تعيش التخلف والانحطاط الأخلاقي وإهدار كرامة الفتاة في أسؤ معانيها لتنزل وتحل بهم العقوبة الإلهية من انتشار الأمراض الجنسية المهلكة....
أختي في الثانوية..
الفتاة المسلمة أنموذجٌ فريد من نوعه فهي لا تبحث عن الموضة والأزياء إذْ أنها في قلب أهلها تزداد حسناً وجمالاً في كل يومٍ فهي تحمل نفساً صافيةً قد قرّت عينها بطاعة ربها فالهمُّ عندها المنافسة على الطاعة لله في كل وقت وحين فهي جوهرةٌ يزينها الإيمان ويجمّلها العفاف لتذهب للسوق وقت الضرورة محتشمةً باللباس الساتر لا تتحدث مع الباعة باللين وما أن تنتهي حتى تخرج بسرعة.. فهي العاقلة العارفة بما يدور حولها..
قضية تحرير المرأة.. مسرحية قذرة لخلع الحجاب نهايتها السقوط في الهاوية.
الحجاب الإسلامي:
على نفوس الصالحات أبرد من الثلج وألذ من العسل فالحجاب كالصدفة لا تحجب اللؤلؤة فوراء الحجاب السمو و الاستقرار.
الورقة الثانية والعشرون: الشعور بالنقص..
من الطالبات من تشعر بالنقص وكأنّه يلاحقها حينما ذهبت وأينما اتجهت فتحس بأنها ناقصة عن مثلها ولا تدري ما السبب لتعيش القلق النفسي والذهن المشدود والتوتر المستمر لتبدو مشتت الفكر فاقدة التركيز تبكي لأي شيء؟ لا تدري ولماذا؟ لا تعلم!!! إنما هي مأساة بكاء تشعر بأنها الغريبة بين أهلها والمستوحشة بين أخواتها وزميلاتها تمتنع من الذهاب للمناسبات والحفلات وأي تجمع كان بلا سبب وربما اختلقت لنفسها أعذاراً واهية مع قدرتها على التفكير والأخذ والإعطاء مع الغير بشيء من الأساليب والعبارات فهي تملك عرض القصة والموقف لكنها لا تفرح بالجلوس إلى غيرها.. فيثني عليها ممن حولها فيذكرون أدبها وخلقها وجميل حديثها وتراه في عينها نوعاً من المجاملة.. فتحس بالدونية بلا حدود مع أن مقومات الحياة السعيدة بين يديها فدعوة لكل من تشعر بالنقص أن تقوي علاقتها بالله - عز وجل - لتكمل شخصيتها لا أن يتسلط عليها التفكير القاتل فتجعلها ضيقةً في نفسها تعيش الدقائق ساعات والساعات أيام لتكون كاملةً أمام الناس ناقصةً في نفسها وحينئذٍ يتسلط عليها الشيطان في عبادتها وأعمالها وخاصة (الإخلاص) قال- صلى الله عليه وسلم -: (المؤمن القوي أحب إلى الله وخير من المؤمن الضعيف وفي كلٍ خير).
الورقة الثالثة والعشرون: القلق..
ظاهرةٌ مشاهدة في هذه المرحلة تعاني الطالبة فيها من صعوبة التركيز واتخاذ القرار وجمع المعلومات فتصاب بالارتباك الشديد في مواقف كثيرة فتسمى بالقلق الذي يظهر كثيراً بشكلٍ ممزوج بالمشاعر و الأحاسيس الداخلية بأعراض ظاهرة كأن تنظر للمستقبل بتشاؤم أو التفريط في واجبات مطالبة بها.. ويظهر جلياً قبيل الامتحانات وأثنائها وحين انتظار النتائج نجاحاً أو رسوباً فتتوتر الطالبة وتقلق بنسبة متفاوتة حتى ينسحب على مسار حياتها في منزلها وعلاقتها مع غيرها ويسيطر عليها وحينئذٍ تعظم المشكلة..
أختي في الثانوية:
(المؤمنون أقل قلقاً) عبارة صادقة أصدق منها قوله تعالى: (ألا بذكر الله تطمئن القلوب) فعلاج القلق في ما بين أيدينا من وحي القرآن والسنة كيف لا.. وكان - صلى الله عليه وسلم - (يعجبه الفأل) فعلامَ تخاف الطالبة الرسوب وهي تعمل للنجاح وحينها تشعر الفتاة بالقوة الداخلية فلا تقتل أعمالها باسم الخوف من المستقبل.
شغل أوقات الفراغ.. العلاج الفاعل للقلق فالرّاحة البدنية لا تجلب إلا التفكير والهمَّ والحزن والقلق ومن لم تشغل نفسها أشغلتها فالمشغولة لا تقلق.. وخير ما يعين على دفع القلق المحافظة على الصلوات في أوقاتها والمحافظة على أذكار الصباح والمساء.. فهو حصن المسلمة والحارس لها والسلاح الفعّال في مواجهته مصاعب الحياة وأحداثها.
فما مضى فات.. والمستقبل غيب.. وللطالبة الساعة التي تعيشها وهي حقاً بين ثلاثة أيام:
اليوم الماضي الذي.. يحزنها..
واليوم القادم الذي.. يقلقها..
واليوم الحاضر الذي.. يطمئنها..
لمه لا تجعله بدايةً للانطلاق فمهما اتسع الخيال عند الفتاة فلن يصبح حقيقة ثم لا مانع من زيارة الطبيب النفسي للعلاج وأخذ المشورة.
الورقة الرابعة والعشرون: الصراحة أم المجاملة
تتباهى كثيرٌ من الطالبات بقدرتهنَّ الفائقة على الصراحة الجارحة دون حياءٍ فلا تهتم بجرح مشاعر وإحساس الغير لينصرف عنها الزميلات وتعلل فعلها بأنَّ الصراحة راحة وأنَّها تدفع ثمن صراحتها غالياً وكثيراً ما تردد عبارة:
(.. قول الحق لم يدع لي صاحباً..).
عفواً..
إنَّ الصراحة المطلقة قوامها الغلطة والشدة التي حذر الله منها رسوله - صلى الله عليه وسلم - في قوله تعالى: (ولو كنت فظاً غليظ القلب لأنفضوا من حولك) فليس من العقل أن تلجأ الطالبة إلى الصراحة مع زميلتها أو غيرها بلا ضوابط وحدود وحينئذٍ تكون ردود الفعل عكسية فتؤدي إلى باب مغلق وطريق مسدود وأشد ذلك إذا ما كانت المصارحة من طرفٍ واحد بينما الأخرى تعيش عالم المجاملة..
أختي الطالبة الصريحة..
الحقيقة مُرّة وقد تكون سهماً وسماً في آنٍ واحد ربما أرتد عليك في شغاف قلبك فيقتلكِ فأنتِ وإنْ كنتِ صريحة إلا أنكِ تملكين قلباً رقيقاً ومعاملةً ملؤها الرّقة واللطافة فليس من المعقول أن تقابلي غيركِ بالصراحة بلا ضوابط وتتناسى لو كنتِ مكانها.
... لمياء...
في وقت الفسحة تأكل إفطارها سلمت عليها صديقتها الصريحة وجلست بقربها ثم ما لبثت أنْ قامت سريعاً فنادتها لماذا؟ قالت بجفوة: (أبعدي رائحتك الكريهة أولاً) فما كان منها إلا أن أبعدتها من حياتها كلها وقد تناست أنَّها تكلم أولاً زميلتها وثانياً أختها في الله يجب أنْ تحترم مشاعر وحقوق الأخوة. وبعبارة موجزة..
(لا تقوم الصداقة على أساس المصارحة التامة بل على أساس المناصحة الهادئة ولنا في حديث الدين النصيحة المثل الأعلى فهذا رسول الله - صلى الله عليه وسلم -يحرص على مشاعر الصحابة فلا يلوم أحداً ولا يصرح له بعيب إلا في مصلحة وكان كثيراً ما يقول: ((ما بال أقوام)).
أختي الطالبة الصريحة..
إنَّ غيرك من الطالبات تملك ذاكرةً أقوى من ذاكرة الحاسوب في امتلاك حصّالة تجمع أخطاءك وهفواتكِ وأنك تحملين عوامل النقص والعيوب كما يحملها غيرك لكنهم سكتوا احتراماً للزمالة والصداقة عبر أرجاء الثانوية مع التأكيد على أنَّ الصراحة واجبة إذا كانت نصيحة في مخالفة أو معصية لكن باللين والإقناع والمناقشة والاستشهاد بالنصوص الشرعية بعد حفظها وفهمها لا بقذفٍ الكلمات والعبارات.
الورقة الخامسة والعشرون: الكذب..
جميلٌ أن يقال للفتاة (صادقة) وقبيحٌ أن يقال لها (كاذبة).. فالكذب جرحات مؤلمة شبه بالفخ يصعب التنبؤ بما بعده....
(المؤمن لا يكذب) عبارة نبوية صمام آمانٍ لكل من حافظت عليها فمن المؤسف أن تلجأ الفتاة للكذب مع علمها بتحريمه لتتفنن في إخفاء الحقائق وتزييفها فترّقع نقصها بكمالٍ زائف..
أختي الكريمة الصادقة..
الكذب.. الكذّابة.. الكاذبة.. عبارات قاسية لا تقبل الفتاة أن توصف بها أو بحديثها بينما نرى فشو الكذب بشكل واضح في محيط الفتيات حتى أبدعت ألسنة الطالبات فيه فكم من فتاةٍ تكذب وتعلم أنها تكذب ومن تسمعها تعلم أنها تكذب وباستقراءٍ عاجل إليك أنواع الكذب بين الطالبات..
- ... كذب الخيال: وهذا أصعبها ولا تقوم به إلا من لها خيالٌ واسع لتجعل من الخيال خيلاً ومن القصة قصةً بلا تكلف ولا صعوبة في نسج تفاصيلها وأحداثها..
- ... كذب الالتباس: وتقع فيه الفتاة حينما تسمع قصةً أو حادثةً فتحب روايتها لغيرها فتنسى تفاصيلها لتقع في حرجٍ لا يخرجه منها إلا الكذب.. وقد يحمّر وجهها ويعرق جبينها خجلاً ممن حولها..
- ... كذب الإدعاء: وهي المعجبة بنفسها لتبلغ الكمال الزائف فتدعي الصحة وهي المريضة وتدعي الغنى وهي فقيرة وتدعي الفرح وهي حزينة لتبدو أمام غيرها شيئاً غير حقيقتها..
- ... كذب الأنانية: وتحمله الفتاة الحساسة التي تفقد الثقة بنفسها فلا تحب الخير للغير وترى الأقل منها أحسن حالاً فلربما رأت الفرح على وجه زميلاتها فبادرت إلى قتله بالكذب..
- ... كذب الانتقام: الذي أشبهُ (بكرة الثلج) تبدو صغيرة ثم ما تلبث أن تكبر لتكون جليداً يهلك من أمامه وتتصف به كثيراً (الفتاة الغيورة) التي تحمل مشاعر هشة تتأثر سريعاً لأقل انفعال..
- ... كذب الدفاع: وهو أكثر أنواع الكذب شيوعاً وخاصة في فترة المراهقة فالحق مع الطالبة لكنها لا تستطيع الدخول في تفاصيل وأحداث هي في غنىً عنه وإن كان الحق معها بينما إذا جلست إلى مجلس فضلتْ السكوت عن الحديث..
- ... كذب الوفاء: وهو من المحبة لمحبوبتها ومن المعجبة لمن أُعجبت بها فهو مظهر من مظاهر الولاء للجماعة وهو بين الطالبات في الثانوية أكثر وهو سريع الزوال لأن نتائجه ربما لا تطيقها الفتاة..
- ... كذب التقليد: يفرض ذلك المجتمع الذي تعيشه الفتاة وكثيراً ما يكون موافقةً للجليسات فتنافس الفتيات في مجارة بعضهنَّ لقتل الفراغ أولاً ولتبدو الضحكات بأنواعها و أشكالها حين الطرفة فيقعن في الغيبة بعد الكذب بينما يظهر جلياً بمثالٍ آخر.في القدوة فلما كذبت ((فلانة)) سوغت لنفسها الوقوع فيه..
- ... كذب العناد: حينما يتسلط الغير على الفتاة فتشعر بالمعاندة مع علمها أنه خلاف صالحها فكم تتلذذ بالكذب مقابل غضب المتسلط عليها وتراه السلاح الوحيد لإشباع ما في نفسها ولو اتخذت أسلوب الحوار الهادئ مع مخالفتها لما لجئت إليه..
- ... الكذب المزمن: التي تحرق نفسها به قبل إحراق غيرها ليصبح الكذب صفة ملازمةً لها فإذا ذكر اسمها تبادر للذهن سجاياها القبيحة وهذا النوع أشدها وأخطرها والكذب بوجه عام آفة سيئة من آفات اللسان يؤدي بصاحبته إلى الهلاك..
فأول ما يسري الكذب من الفتاة إلى لسانها فيفسده ثم يسري إلى جوارحها فيفسد أعمالها ويكفي الطالبة المباركة رادعاً عن الكذب قوله- صلى الله عليه وسلم -: (إنَّ الكذب يهدي إلى الفجور وإنَّ الفجور يهدي إلى النار وإنَّ الرجل ليكذب حتى يكتب عند الله كذاباً) متفق عليه...
الورقة السادسة والعشرون: الطالبة الداعية..
تلك التي تتألف البعيدة.. و تحب القريبة تنظر إلى الطالبة وكأنَّها أختها وقد أحبت لها ما تحب لنفسها عرفت الهداية فأرادت أن تهديها غيرها لا تنتظر مدحاً من أحد في دعوتها بل تتقلب في فصلها وفصول الثانوية ومصلاها وساحتها توصل الخير للغير بالكلمة الساحرة والنصيحة المؤثرة والشريط المفيد والكتيب الهادف والهدية المغلفة.. لا تخالف أنظمة الثانوية بل إلى مزيدٍ من الاحترام والتقدير للإدارة والمعلمات تنطلق من فصلها في دعوتها فتشغل ((حصة الانتظار)) بعد إذن المعلمة فتحضَّر موضوعاً وتعدّه وتتدرّب على إلقائه وتستخدم الوسيلة الجديدة والمشوقة في تبليغ دعوتها. قد رصدت من مصروفها اليومي مبلغاً من المال لهدايا متواضعة بالغة الأثر تحتسب على الله أن يكون في رصيدها فهي تشارك بقلمها المبتدئ لترسم مطويةً لينتفع بها الجميع تحت إشراف معلمة فاضلة. فهي لا تهدأ في دعوتها فسنةٌ أفضل منها ما بعدها وعملٌ انجح منه الذي يليه فلا تستسلم للشيطان والمخذلاّت من بني جنسها بل تدعو أخواتها للمشاركة للعمل معاً بكل محبةٍ وإيثار وتراه امتداداً لعملها واستمراراً لدعوتها وبركة في عمرها بل إنَّ عملها مع أخواتها يخفف الحمل عليها ويتوزع على الجميع..كالبنيان المرصوص يشد بعضه بعضاً..
فهي تعرف مالها وما عليها فتحفظ سر من طلبت المشورة ولا تبديه مهما كانت الأمور فليس كل ما يذكر يقال وليس كل ما يسمع يشاع فهي أمانة تراعيها وتحفظها.
أختي في الثانوية: الداعية الفاضلة _ يا رعاك الله..
حقٌ لكل أب وأم أن يفخرا بك داعيةً لفلذات أكبادهم فكل الألسن تلهج بالدعاء لكِ أنت يا داعية الخير وصمام الأمان فأنت التي تغرسين الفضائل في نفوس الطالبات بأساليب وطرق محبوبة يعينك في ذلك المعلمات الكريمات. أنتِ داعيةٌ حنون، وأختٌ عطوف، حسن خلقكِ.. لين قولكِ. منار إشعاع.. ومشكاة هداية ومصدر توجيه وعامل بناء مسددة في الأقوال والأفعال.
فإليك أختي العزيزة دعاء الله أن يمنحكِ الأجرُ والثواب سداد خطاكِ وأقل عثرتكِ وغفر زلتكِ ونفع بك بنات المسلمين.
الورقة السابعة والعشرون:.. التوجيهي..
في التوجيهي تسعى الطالبة بكل ما لديها من قدرة واجتهاد لتحقيق أهدافها التي رسمتها وبذلت الوقت لأجلها كل ذلك لتحصل على النجاح بمعدل وتقدير تنطلق من خلاله إلى عالم الجامعة بنظرة متميزة وتقدير خاص من والديها ومن حولها ... .
طالبة التوجيهي.. عبارة كثيرا ما تشدنا إليها ولقب يشعرنا بالفخر والاعتزاز لمن وصلت إلى هذه المرحلة.وهي الفتاة المؤمنة ... تحمل حياءً عذب المعاني يفوح منه شذا البراءة والمحبة فيها تجتمع آمال الوالدين واليها تلتقي أماني المعلمات.. فمنها تنتقل إلى عالم آخر ومرحلة جديدة وحقل مختلف من التعليم فكم يُبذَل من التوجيهات والإرشاد لهذه المرحلة الهامة من حياة الفتاة لئن تتجاوزها بكل اقتدار فالطالبة تحرص كثيراً على جمع أعمال السنة بدرجاتها الكاملة وتعدها الطريق لتجاوز عقبات قادمة ممّا يسهل جو المذاكرة ويجعله محبوباً لها.فتضع نظاماً دقيقاً في تحصيلها ومذاكرتها وفق جدول حازم يفرض أسبقيات المواد بطريقة الأولى فالأولى والأهم فالأهم يُبارك بدعاء الوالدين بالتوفيق والنجاح.
أختي في الثانوية.. تزدان ورقتنا بكلماتٍ جميلة وعباراتٍ رائعة ملؤها الصدق والمحبة والتقدير على لسان طالبةٍ في التوجيهي لها من اسمها نصيب عبر رسالةٍ نقتطف منها تقول رازان (ابعث هذه التحايا العابرة من داخل أعماق قلبي وأنا على طريق التخرج في الثانوية فما هي إلا أيام معدودة لي فيها وانه لوداع ثقيل لا تتسع ذكرياتي بل تشرق دمعتي كلما أردت المحاولة فحبي للثانوية تربع على قلبي فصورتها لا تفارقني ونشاطاتها تناجني والانتقال منها يؤرقني كيف لا.. وثلاث سنوات جمعتنا في أرجائها شهورها وأيامها بل ساعاتها ودقائقها لتكمل في ثوانيها (الوداع ثقيل)..واللحظات الثمينة الغالية التي أمضيتها فيها لا يكفيها قلم يسطر عبارات ومشاعر.فالثانوية آمال وأحلام تتزاحم في الفكر والوجدان.
فشكراً.. لتلك القلوب الجميلة والوجوه المؤمنة من الطالبات التي جمعتني بهم ظلال الأخوة في الله عز وجل
وشكراً.. أكثر وأكبر..لكل معلمة بذلت من وقتها الغالي لتنصح وترشد بأسلوبٍ عذبٍ طيبٍ حفاظاً على قلوبنا لما بعد الثانوية فكم أشرقت أيامنا بها واستنار دربنا بتوجيهاتها....)
الورقة الثامنة والعشرون: الغش
ظاهرة سلبية تقتل الطالبة في صدق تحصليها للمعلومة لتتطور مع ظهورها أساليب الغش وتقنياته وصورة الأمر الذي يهدد الركيزة الأخلاقية العليا وهو(الصدق)إذ يوصف الغش بأنه شكل من أشكال الإخلال بالأمانة والثقة الممنوحة للطالبة..فالغش ليس محصورا في إجراء الامتحانات الشهرية أو الفصلية أو النهائية بل تمتد لتصل إلى الواجب المنزلي والمشاركة ومجالات أخرى.
وبالتأمل ... تتفاوت أسباب الغش من قلة الوازع الديني وعدم الاستعداد الكافي للاختبار وربما صعوبة الأسئلة التي تؤدي إلى الحصول على درجات أقل وهذا مالا تريده الطالبة ولو كانت مستوعبة للمادة لما لجأت إلى ذلك..
أختي في الثانوية..
الغش ... قاتلٌ لأسمى الأخلاق الجملية في حياة الفتاة تظهر جلياً في عدم الشعور بالمسئولية وقتل روح المنافسة بين الطالبات لتظهر صاحبته في صورة نجاحٍ مزيف فالتحصيل العلمي لدى الطالبة قليل إن لم يكن معدوما لتقف ضعيفة فيما بعد
أختي في الثانوية..
(الأمانة)من أنبل القيم التي نسعد بها ونفرح بهطولها على جوانح قلب الطالبة وعلى سهول الثانوية وجبالها قيمة العلم والصدق في تلقيه..
كم هو جميل أن تغادر الطالبة الثانوية بكل أمانة وإخلاص وسمعة وخلق كريم راضية عن نفسها ففي الحديث(من غشنا فليس منا).. فالغش آفة من آفات التعليم ينافي الدعوة إلىالصدق في قوله تعالى(يا أيها الذين أ منوا اتقوا الله وكونوا مع الصادقين)
... ... ..فالي مزيد من الطموح المكلل بالنجاح ... ...
الورقة التاسعة والعشرون: الامتحانات
مع نهاية كل عامٍ دراسي تدخل الطالبة موسماً أقل ما يطلق عليه أنه موسمٌ تتغير فيه الأحوال وتتقلب فيه الحياة فتنشد أعصابها وتتنفس الصعداء ...
الامتحانات ... هاجسٌ يشكل إزعاجاً للطالبة في المذاكرة والمتابعة لتجعل لنفسها حالةً استثنائية فتعيش جل الطالبات الخوف عدا المتفوقات في حالاتٍ خاصة كالمواد الصعبة التي تحتاج إلى اهتمامٍ ومتابعةٍ أكثر تفادياً لأي عقبة تؤثر في المعدل والتقدير والترتيب.وبالتأمل يلاحظ اهتمام كثيرٍ من الطالبات بالامتحانات أكثر منها من الدارسة الفعلية واكتساب المهارات والمعلومات لتتحول إلى غايةٍ وهدف بدلاً من كونها وسيلة إلى ما بعدها..
أختي في الثانوية ... ابدئي الامتحانات بدعاء الله تعالى بالتوفيق لتكون لديك شجاعة المواجهة وعدم القلق والارتباك مع فعل السبب بمراجعة درجات أعمال السنة والوقوف عند كل مادة وتحليلها تحليلاً رياضياً سلباً وإيجابا لمعرفة الخلل مع تجهيز غرفة مستقلة بالمنزل للمذاكرة وقطع كآفة الاتصالات وخاصة (سماعة الهاتف) لعدم إضاعة الوقت مع بذل المساعدة في خدمة الأهل بالمنزل واحتساب ذلك عند الله أن يجعله مفتاحاً لباب النجاح وتجدد الذهن وصفاء الفكر ليزداد البرنامج جمالا بعشر دقائق تقرئين فيها القرآن الكريم أو تستمعين إليه بين فترات المذاكرة تتناولين بعدها الشاي أو النعناع أوالعصيرات المتنوعة.فالمذاكرة المتواصلة متعبة ومرهقة وفي حقل التجربة أنَّ المشي أثناء الحفظ جيدٌ ومفيد ولكن لفترةٍ معينة..ولكثرة المعلومات وضيق الوقت ضعي خطوطاً تحت الأشياء الهامة التي تكون موطن سؤال وما يُنسى ليس مهماً وما يبقى في الذاكرة هو الأهم. وسلِ زميلتك المجتهدة عن الأشياء المُشكلة فعندها الخبرة الكافية بذلك أكثر منك،ولا مانع من السهر اذا كان بقدر وتذكري وأنت بالليل(إن الله ينزل في ثلث الليل الأخير يجيب من دعاه)فلئن كانت دقة المذاكرة تضمن صحة الإجابة فان الدعاء يضمن راحة النفس ... ..
أختي في الثانوية..
تأملي صباح أيام الامتحانات شحوب وجوه بعض الطالبات الذي يمنح أجواء المدرسة سكوناً تعلوه رهبة الأسئلة واللجان والتصحيح لتتمادى الطالبة في التباطؤ في دخول القاعة لكسب المزيد من وقت المذاكرة وإذا دخلت فما بين الكراسي والطاولات لتظفر بأي معلومة شاردة لتبدأ الرقابة الصارمة في دخول الإدارة والمعلمات ليعم الهدوء المخيف فتوزع الأسئلة في مشهد درماتيكي يتجدد كل يوم من أيام الامتحانات فتستلم الطالبة الأسئلة وفي ذهنها تساؤلات..
أختي الثانوية..
أقرئي كل التعليمات في ورقة الأسئلة قبل الشروع في الإجابة مع تحسين الخط فالمصححة تعاني من كثرة الإجابات وضيق الوقت وحين البداية ابدئي.. بسم الله الرحمن الرحيم.. وأقرئي جميع الأسئلة مرةً واحدة وابدئي بالأسهل لا الأول فهو عادةٌ قاتلة.
حددي وقتاً للإجابة عن السؤال حرصاً على الوقت مع حسن عرض الإجابة حسب الأسئلة من حيث المقالية والموضوعية وربما كان التخمين نافع حين العجز والإجابة بالمعنى ضرورة تقدر بقدرها في حين أنّ تسليم ورقة الإجابة لا يكون إلا بعد مراجعة لتخرجي من القاعة بنفسية هادئة يكمٌل اطمئنانها بعدم مراجعة الإجابة من الكتاب أو مع زميلة..لتبدئي المذاكرة وفق الجدول ليبارك بدعاء الوالدين بالنجاح ... ... .
أختي الطالبة.. في الختام نقتطف خمسة مواقف طريفة في قاعة الامتحانات مشاركةً خفيفة في نهاية الورقة..
- ... ... تقول المراقبة: أثناء تجوالي رأيت طالبة تٌخرج منديلاً مكتوباً عليه موضوع إنشاء إنجليزي فلما رأتني أكلت المنديل وبلعته ليدخل بطنها ويكون في أمنٍ وآمان.
- ... ... طالبة في ثاني علمي تقول: جئت للامتحان متأخرة لأدخل القاعة على وجه السرعة في حالة ارتباك شديدة فلما جلست إذْ ببعض المعلمات يضحكن والنظرات إلى أسفل الطاولة ولا أدري ما السبب؟ آه.. لون ونوع حذائي مختلف.
- ... طالبة في 3/ث علمي من شدة خوفي من امتحان الكيمياء جلست على نظارتي فكسرتُها قبل الاختبار لأجيب بدونها في وضعٍ سيئٍ جداً فلما سلمت الورقة قالت المشرفة: ما هذا؟ الإجابة في الدفتر مقلوبة وهذا ممنوع في الرئاسة. قلت مالحل؟ قالت: أجلسي وأعيده من جديد.. يا فرحة ما تمت..
- ... طالبة في 1/ث مضى ثلثا الوقت بعد إجابة ممتازة أحسست بعطش فطلبت (ماءً) من المراقبة فجاءت به لآخذه وفجأةً سقط الكأس على دفتر الإجابة ليغرقه بالماء فتضيع معالمه وحروفه وكلماته..
- ... طالبة في 3/ث أدبي في صباح يوم الامتحان فتحت الثلاجة بالمنزل فإذْ (بعصير كوكتيل) يداعب عيناي ونفسي فأخذت منه كأساً لأهب للثانوية ويبدأ الاختبار ويبدأ معه بطني في معارك وحروب طاحنة. فأقف منها عاجزةً ماذا أفعل وكيف أجيب عن الأسئلة؟؟!!
الورقة الثلاثون: ماذا بعد الثانوية؟..(101/40)
سؤالٌ أهمَّ الأب والأم.. وأرّق منام الطالبة.. أفكار وخواطر تدور في الذهن فيحتار لها العقل. فهناك الآلاف من الفتيات يتخرّجن كل عامٍ من الثانوية ومئات الآلاف على مقاعد الدراسة في مراحل التعليم المختلفة وتمتلئ المنازل بهذه البراعم الجميلة من البنات. السؤال: أين موقع الطالبة المتخرّجة في الثانوية منهنَّ؟؟؟ وإلى أي مدىً خططت لنفسها؟
هل تتابع مشوار التعليم وتدخل عالم الجامعة الهادئ؟! أم تتوقف لتنتظر الزوج القادم الحلم الجميل والحقيقة الأجمل؟ هل تدخل عالم الوظيفة المزعج الذي يعج بالإرهاق والتعب؟ أم تخلد للرّاحة والنوم المتواصل والفراغ القاتل؟ تساؤلات هامة.. الإجابة عنها إصابة الهدف الأسمى الذي تسعى إليه الطالبة من حياتها والاستفادة منها بطريقة صحيحة وانطلاقة واعية للمساهمة بأدوار إيجابية خاصةً في بيتها الجديد ومملكتها القادمة.
فالمتخرّجة تملك الرؤية الواضحة والخطط السليمة والطاقة المؤهلة والفاعلة لتحقيق الهدف الذي تتبوأ به مكانتها المناسبة. فمعرفة قضية الأولويات طريق الحوار والمناقشة لتقبل المجتمع.
أختي في الثانوية..
المشورة تساعد على بناء المستقبل وفهمه بعمق فبادري إليها فهناك المعلمات والزميلات اللاتي عندهنَّ النصيحة الصادقة والاستشارة النافعة وكفى باستشارة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في قوله تعالى: ((وشاورهم في الأمر)) أنموذجاً يحتذى ويتبع.
و إلى مزيدٍ من التألق والنجاح..
ـــــــــــــــــــ(101/41)
طفولة وأنوثة
بدرية الغنيم 18/9/1427
11/10/2006
تبقى الطفولة كنزاً من الدعة والصفاء والطهر والنقاء.
تسحرنا، وتغرينا بفك رموزها وأسرارها.
أصفى من ماء رقراق ينساب على مروة بيضاء، فيشعّ نوراً وبرداً في أرجاء المكان روح طفلة في الثالثة دائمة التسلل إلى غرفة أمها، تغلق الباب في براءة، معتقدة بأنها في مأمن من والدتها. ولم تعلم أنها تشير بفعلها ذلك لوجودها في الغرفة. تفعل ذلك لتستمتع بأمر يأسرها، وهو طلاء وجهها بمساحيق التجميل؛ فهي في شغل شاغل مع تلك العلب والألوان والمساحيق. حتى إذا رأت أنها في تمام زينتها لبست حذاء أمها وتأبّطت حقيبة اليد. ثم دخلت تتمايل مسرورة تسلم على والديها وإخوتها، وقد تعالت ضحكاتهم من مشهدها، ملونة الوجه، متمايلة المشية، لكنها تبادل تلك الضحكات الساخرة بابتسامة خَجَل تجعلها ترفع شعرها عن وجهها بأنوثة ونعومة طفولية، فتختار جلستها بينهم، واضعة رجلاً على أخرى. ولصغر رجليها لا تسعفانها في الالتفاف؛ فيسقط الحذاء، ويتبعه الآخر ثم الحقيبة. والأم ترقبها في ذهول؛ إذ كيف لم تجدِ نصيحتها لها بألاّ تستعمل أدوات أمها دون علمها، تعيد الأم النظر لابنتها التي نزلت عن الكرسي لتلبس الحذاء وتعلّق الحقيبة!!
تختلس الحلوة النظر في إصرار أو تحدٍ لأمها، دون رغبة في أن تلحظ أمها نظراتها، وكأنها باتت لا تعرفها، وتتحدث معها وكأنها للوهلة تعرّفت عليها .
في أعماقها شيء من إنكار أمها حتى لا تذكرها بوعودها القديمة في عدم المساس بأغراضها.
تدير الأم أكوب العصير وقطع الكعك على أفراد أسرتها، و الصغيرة تأخذ حصتها، وهي لا تزال تتقمص دور شابة في غاية زينتها، والأم تنظر إليها في أسف على كمية الماكياج الذي استهلكته ابنتها؛ إذ لم يعد (ماكياج) بل عجيناً ملوناً يملأ وجهها الصغير.
تأكل الصغيرة الكعك، فيتلون بأحمر الشفاه، وتلتصق قطع الكعك بشفتيها، تقوم بتناول العصير، فتصبغ حافة الكوب، تتأملها الصغيرة، وتدير الكأس، وتشرب حتى تصطبغ جميع حوافّ الكأس، تنهي عصيرها وتبتسم، وتناول أمها الكأس سعيدة بذلك تنزل عن مقعدها، وقد تركت الحذاء والحقيبة، وتغادر أخرى لغرفة أمها، والأم ترقبها فإذا هي تعود سريعاً على غير العادة، لم تتغير هيئتها، قد وضعت يديها خلفها، وطأطأت رأسها، وتسترق النظر من بين خصلات شعرها، و تخفي شيئاً.
وحينما مرت بجوار أمها بالغت في إخفاء يديها خلفها، وقالت لأمها بلثغة ليس معي (روج)، وتواصل سيرها، ويداها خلفها، وقد أعطت أمها ظهرها، وبدا أصبع (الروج) واضحاً لا تخفيه أصابعها الصغيرة، والأم تضحك من أعماقها، وتستمتع بذلك الطهر، وتلك البراءة، تجد أنها لا تحسن توجيهها في تلك الساعة؛ إذ تغيب الأم في تأمّل ذلك الطهر وتلك
البراءة .
دخلت الصغيرة في عجل في غرفة أخرى لم تكن مضاءة، واختبأت خلف الباب تعيد وضع أحمر الشفاه من جديد. أضاءت الأم النور، وتقدمت نحو الصغيرة، وقالت: أتحبين أن أساعدك في وضع أحمر الشفاه؟ تردّدت الصغيرة في بادئ الأمر، لكنها قالت في فرح: حقاً!! تناولته الأم، ووضعت لأبنتها أحمر الشفاه، وطلبت من ابنتها أن تضعه لها أيضاً، فرحت الصغيرة، وراحت ترسم لأمها، ثم أخذت تصفف شعر أمها بيدها، وتعيد تشكيل تسريحة جديدة لها، والأم تساعدها في ذلك، والصغيرة سعيدة، وتعلّق: أنت هكذا أجمل يا ماما!!
وتجيبها الأم: وأنت دائماً جميلة يا حلوتي...
شعرت الأم بتقصير غير متعمد منها مع ابنتها. وذلك في عدم معالجة الموقف، مما اضطر الصغيرة لاختلاس الماكياج وللاختباء في غرفة بعيداً عن رقابة الأم. فأدركت حينها أنها إن لم تشارك ابنتها اهتماماتها، حتى وإن كانت تراها بسيطة، فإن البنت ستعتاد على إخفاء بعض الأمور عن أمها، مما قد يعرّضها لتجارب قد لا تستطيع أو لا تحسن التصرف فيها. فأخذت الأم عهداً على نفسها بأن تسمح لابنتها بمزيد من الحرية،
وباقتناء (ماكياج) يخصها ويناسبها، وبمنح ابنتها من وقتها، ومشاركة ابنتها في لعبها، وعدم الاكتفاء بالمنع والحرمان دون توجيه وإقناع وتفهم لخصائص نمو الأنث
كيف نربي بناتنا على الحجاب ؟
إن الحجاب هو أحد أهم القضايا الإسلامية لذلك فإن واجبنا تجاه الأجيال الجديدة القادمة أن نربيهم عليه وأن نتدارك أمرها بتعليمها حب الحجاب منذ الصغر، فتنشأ الفتاة وهي تلم بيوم بلوغها سن التكليف تتشرف بارتداء حجابها، إرضاء لربها واعتزازًا بعفتها وحيائها.. فتصير لؤلؤة مكنونة وجوهرة مصونة كما أراد لها الله - سبحانه -! وفيما يلي أحاول أن أوضح للقراء الكرام لماذا من واجب كل أبوين أن يربيا بناتهما على الحجاب وكيف نربي بناتنا على حب الحجاب؟
لماذا نسعى لترغيب بناتنا ـ منذ الصغر ـ في الحجاب؟
هناك أسباب عدة تجعل كل أبوين يسعيان في تربية أبنائهما على الحجاب وهي كالتالي:
1ـ لأن الآباء والأمهات أو المربين سوف يقفون بين يدي الله - تعالى -ويسألهم عن بناتهم كيف ربينهم ولماذا لم يأمروهن بطاعة الله يقول - صلى الله عليه وسلم -: 'كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته'.
2ـ لأن الإسلام يأمر بتدريب الصغار على العبادة قبل التكليف بها أي قبل بلوغهم؛ فالصلاة مثلاً فرض عين على كل مسلم ومسلمة ولكن الرسول - صلى الله عليه وسلم - أمرنا بأن ندربهم عليها منذ السابعة ونضربهم عليها في العاشرة، وذلك قبل بلوغهم سن التكليف؛ وقد اختص الرسول - صلى الله عليه وسلم - الصلاة من بين العبادات لكونها عماد الدين والحجاب ـ كالصلاة ـ فريضة على المسلمة، بأمر صريح من الله ورسوله.
3ـ لأننا لو أطلقنا لهن الحرية منذ الصغر في ارتداء ما يشأن ـ تقليدًا لغيرهن من غير الملتزمات - دون حزم أو توجيه فسوف يعتدن هذا، ثم يفاجأن ـ حين يصلن لسن التكليف ـ بمن يأمرهن بالحجاب، فتكون كالصدمة بالنسبة لهن، مما يؤدي إلى صعوبة الأمر عليهن وعدم قدرتهن على تنفيذ هذا الأمر.
4ـ لأنهن لو لم يحببنه ويقتنعن به منذ الصغر؛ فقد يرتدينه بالإكراه خوفًا من أولي الأمر، مما يؤدي إلى تحايلهن ـ بعيدًا عن أعين ولي الأمر ـ بشتى الطرق لمسخه وإخراجه عن وظيفته.
كيف ندرب بناتنا على حب الحجاب؟
قبل الزواج: إن أولى وأهم الخطوات هي التي يقوم بها الرجل حين يختار لبناته أمًا ذات خلق ودين تكون قدوة متحركة؛ فإذا تربت البنت في أحضان هذه الأم كان الحجاب أمرًا بديهيًا بالنسبة لها، وقضية لا جدال فيها، وأمنية غالية ترنو لتحقيقها.
بعد الزواج: على الوالدين أن يبنيا بيتهما على أساس من الود، والاحترام، والتفاهم حتى ينشأ الأبناء في جو هادئ مستقر؛ مما يبعدهم عن المشكلات النفسية التي تؤدي بهم إلى التنفيس عما يحسون به، بالتمرد والعصيان ومخالفة الأهل.
بعد الوضع، وحتى سنتين: من البداية ينبغي أن تحرص الأم على تعليم ابنتها الحياء لأنه أساس الحجاب، ولأنه كما قال - صلى الله عليه وسلم -: 'خير كله' [فتح الباري بشرح البخاري ـ كتاب الإيمان باب 3] فلا تغير الأم حفاضات طفلتها أمام أحد وتعلمها بلطف ومزاح أن تغطي عوراتها؛ وأن لا تخلع ثيابها أمام أحد، ولا تظن الأم أنها صغيرة فالطفل يدرك ولكنه لا يستطيع التعبير، وكلما بدأت معها الأم مبكرة بهذا الأمر كان أفضل.
من ثلاث إلى خمس سنوات: في هذا العمر يكون تقليد الكبار من الأمور المفضلة لدى الطفل، لذا فإن عمله طرحه صغيرة مزركشة بلون تفضله الطفلة وتختاره بنفسها؛ لترتديها؛ حين تصحب والدتها إلى المسجد للصلاة أو حضور درس، أو حين تريد تقليد أمها فتصلي معها أو بمفردها، يكون بمثابة تمهيد لحب ارتدائها فيما بعد. وفي هذا العمر يمكن أن نحفظها ما تيسر من القرآن الكريم. هذا بالإضافة إلى تحفيظها ما تيسر من الحديث النبوي ليكونا ذخرًا لها في حياتها المقبلة.
ومن الأفضل أن تقوم الأم بتفصيل ملابس الحجاب للدمية المفضلة لدى ابنتها، تكون ذات ألوان زاهية مزركشة تنتقيها الطفلة، وتقوم بتغييرها للدمية بنفسها.
ومن المفيد أن تشاركها الأم في اللعب بها وانتقاء غطاء الرأس المناسب للون الجلباب الذي ترتديه الدمية، وفي تلك الأثناء تتحدث الأم إلى الدمية قائلة ـ مثلاً ـ 'كم هو الحجاب جميل عليك! أرجو أن تكوني معنا في الجنة إن شاء الله، لأنك تطيعي ربك وتحبي حجابك، فالجنة مليئة بالأشياء الجميلة ومنها اللعب'.. فمن خلال اللعب يمكن أن يتعلم الطفل أكثر وبشكل أيسر مما يتعلم بالتلقين أو الكلام المباشر.
من ست إلى ثماني سنوات: في هذه المرحلة ـ مع استمرار حفظ وفهم القرآن ـ نستكمل تعليمها الحياء؛ فنعلمها ' الاستئذان قبل الدخول على الوالدين ـ كما جاء في سورة النور ـ وقبل دخول أي مكان حتى ولو على إخوتها. وأن يكون صوتها خفيضًا ـ خاصة أمام غير المحارم ـ ولا ترفعه بالضحك أو حتى عند الغضب؛ وألا تمشي وسط الطريق؛ وإنما عن يمينه أو يساره'
وأن تتعلم حدود عورتها أمام غير المحارم، وأمام نساء المسلمين ولعل بعض الأمهات يخطئن بشراء الملابس الخليعة لبناتهن ـ ومنها لباس البحر المبالغ في تبرجه ـ بحجة أنهن لا يزلن صغيرات، ولكن المشكلة أن في ذلك تشبه بالكافرات، كما أن الحياء لا يتجزأ ولا يرتبط بمكان.
من تسع سنوات إلى أحد عشر عامًا: في هذه المرحلة 'يرقى فكر الطفلة وتتنوع خبراتها، وتتسع مداركها، وتنمو قدراتها على التأمل والتخيل، وتتحول إلى طاقة إيمانية مستعدة لتقبل أوامر ربها، وتنفيذها أكثر من أي مرحلة أخرى في حياتها الماضية والمستقبلية؛ فإذا وجهت الطفلة الوجهة السليمة نحو الإيمان والخير، اندفعت إليهما في تعلق وشوق.
لذا فإن دور الوالدين في هذه الفترة أن يستغلا هذا التطور الإيماني في نفسها، وأن يعملا على تقوية عقيدتها بالله التي سترى فيهما خير عون لها على تقبل ما تتعرض له من آلام الواقع، وصراعات الحياة.
ومن المهم في هذه الرحلة ـ التي تسبق سن التكليف بالحجاب ـ أن نحكي لهن عن نماذج للعفيفات من السلف الصالح، مثل:
ـ عائشة أم المؤمنين - رضي الله عنها - التي قالت بعد وفاة الرسول - صلى الله عليه وسلم - وأبو بكر: 'كنت أخلع ثيابي في حجرتي ولم أكن أتحرج، أقول: زوجي وأبي، فلما دفن عمر - رضي الله عنه -، كنت أشد علي ثيابي حياءً من عمر!!
ـ فاطمة بنت الرسول - صلى الله عليه وسلم - التي لم تعجبها طريقة وضع الثياب على المرأة وهي ميتة خوفًا من أن تصفها، فقالت لأسماء بنت أبي بكر: يا أسماء إني قد استقبحت ما يصنع بالنساء أن يطرح على المرأة الثوب فيصفها، فقالت أسماء: يا ابنة رسول الله ألا أريك شيئًا رأيته بالحبشة؟ فدعت بجرائد رطبة فحنتها ثم طرحت عليها ثوبًا، فقالت فاطمة: ما أحسن هذا وأجمله تعرف به المرأة من الرجل، فإذا أنا مت فغسليني أنت وعلي، ولا يدخل علي أحد، فلما توفيت - رضي الله عنها - غسلها علي وأسماء.
مرحلة الثانية عشرة حتى السادسة عشرة: في هذه المرحلة تكون ابنتك قد بلغت سن التكليف أو قد لا تكون، فإذا بلغته فعليك أن تخبريها ـ بلطف ـ أن موعد إقامة حفل حجابها قد حان، فإن استجابت عن طيب خاطر، فبها ونعم.
وإن لم تستجب. فإليك ما نصحت به الأستاذة نفين السويفي لمعالجة هذا الأمر، تقول: قد يبدو ما سأقوله محبطًا، ولكنها الحقيقة التي يجب أن نتفهمها حتى نستطيع التعامل معها، فما تمر به ابنتك وما تجدينه من صعوبة في إقناعها أمر طبيعي جدًا، خاصة في مرحلة المراهقة التي تتسم بالعناد والرفض، والرغبة في إثبات الذات ـ حتى لو كان ذلك بالمخالفة لمجرد المخالفة ـ وتضخم الكرامة العمياء التي قد تدفع المراهق رغم إيمانه بفداحة ما يصنعه إلى الاستمرار فيه، إذا شعر أن توقفه عن فعله سيشوبه شائبة أو شبهة من أن يشار من أن قراره بالتوقف عن الخطأ ليس نابعًا من ذاته وإنما بتأثير أحد من قريب أو بعيد.
دعيني أوضح لك شيئًا هامًا، وهو أن أسلوب الدفع في توجيه البنت وتعديل سلوكها، لن يؤدي إلا إلى الرفض والبعد، فكما يقولون: إن لكل فعل رد فعل مساوٍ له في القوة ومضاد له في الاتجاه. ويتوازى مع هذا الأمر أن تشاركيها في كل ما تصنعينه في أمور التزامك في أول الأمر من خلال طلب رأيها ومشورتها، وكأن هدفك ـ بل هو في الحقيقة ما يجب ـ تقريب العلاقة وتحقيق الاندماج بينكما..
بمنتهى الحب والتفاهم تقولين لها:
ـ حبيبتي تعالي سمعي لي القرآن الكريم الذي حفظته.
ـ حبيبتي ما رأيك في هذا الحجاب الجديد، ما رأيك في هذه الرابطة..
كل هذا وأنت تقفين أمام المرآة تستعدين للخروج مثلاً... وهكذا من دون قصد أوصليها بالطاعات التي تفعلينها أنت.
مرحلة السابعة عشرة وما بعدها: إن لم يمن الله عليها بالحجاب حتى هذه المرحلة، فلا تقنطي من رحمة الله، واعلمي أن لحظة التوبة في علم الله، قد تكون قريبة أو بعيدة، المهم ألا تتوقفي عن محاولاتك...
وفي هذه الحالة يمكنك أن تتبعي معها أسلوب الحوار الهادئ الهادف، وأن تتركي لها حرية الإجابة على الأسئلة التالية:
ـ هل تحبين يا ابنتي أن تأخذي سيئة بكل شعرة ظهرت منك لغير المحارم؟
ـ تذكري أنك كلما خرجت من بيتك سافرة حصلت على سيئات بعدد من رآك من غير المحارم فهل حسناتك تعادل هذا الكم من السيئات؟!
ـ هل تبيعين دنياك الفانية بالآخرة الباقية؟
ـ إن من آثر دنياه على آخرته خسرهما معًا، ومن آثر آخرته على دنياه ربحهما معًا هل يسرك أن يكون الله - عز وجل - مستاء لعدم حجابك؟
ـ هل تقبلين أن تكون النساء في الجاهلية قبل الإسلام أفضل وأتقى منك؟... لقد كن يسترن عوراتهن إلا قليلا من الشعر الموجود بناصية الرأس، وفتحة الجيب فقط!!
ـ هل أنت مصرة على أن تقولي: 'لا' لأوامر الله - تعالى -كلما ظهرت أمام غير المحارم بغير الحجاب... لا أظن أنك تتعمدين ذلك... ولكن عدم حجابك ليس له معنى إلا ذلك!!
ـ هل تستطيعين مقاومة الموت وتظلي على قيد الحياة لتهربي من حسابك ربك؟... إن الموت قدر كل الكائنات، وهو مغادرة كل مباهج الدنيا وزينتها، وملابسك وعطورك ومساحيق الزينة، وحُليِّك وغير ذلك مما تحبين، فهل تغادرينها إلى عزة وكرامة في القبر وفي الجنة، أما إلى ذل وهوان في القبر وفي النار!
ـ هل تقبلين أن تكوني من الفجار الذي قال الله - تعالى - عنهم: {وَإِنَّ الْفُجَّارَ لَفِي جَحِيمٍ} [الانفطار: 14]؟
ـ لعلك تعلمين أن 'الحياء ضد الفجور وهو يعني عدم الخشية من الله - تعالى -، والمجاهرة بالمعصية'، وهو ما تفعله المصرة على عدم ارتداء الحجاب!
وماذا بعد الحجاب؟
بعد أن ترتدي الفتاة الحجاب لابد أن تحافظ عليه وتكون على قدر مسئوليته ظاهرًا وباطنًا ولذلك ينبغي أن تسمع منك ابنتك مثل هذه الكلمات:
ـ ابنتي إنني والله لينشرح صدري كلما رأيتك وقد استسلمت لأمر الله وسعدت بحجابك، كما تطيب نفسي كلما رأيت مسلمة جديدة وقد حباها الله ـ مثلك ـ بالحجاب الشرعي، وأشعر بأن زيادة عدد المحجبات ما هي إلا بشارات لعودة الفطرة السوية للطفو فوق ما على قلوبنا من جهل وبعد عن ديننا!!.
فالحجاب يا بنيتي خطوة واسعة على طريق الفوز بمحبة الله - تعالى -ورضوانه. ولكنها ليست نهاية الطريق. فإن وقفت عنده، فالخوف عليك من الشيطان أن يعيدك إلى ما كنت عليه قبل الحجاب...
ـ وإن مشيت في طريقك قدمًا هيأ الله لك من أسباب الخير وفتح لك من أبواب الطاعة من تقر به عينك وتهنأ معه نفسك وتسكن به جوارحك فاستمري ولا تلتفتي إلى الوراء، بل اشكري المولى القدير وحاولي إنقاذ من حولك من صويحباتك وغيرهن من النار، تشجيعهن على اتخاذ هذه الخطوة المباركة، بالرفق ولين الجانب، والحكمة الموعظة الحسنة؛ وواظبي على ذكر الله وحضور مجالس العلم الشرعي، فهناك ستجدين الكثير من الأخوات الصالحات اللاتي يتفق طبعك مع طباعهن، وتعين كل منكن الأخرى على المزيد من الطاعة، وعلى الثبات إن شاء الله؛ فتفزن جميعًا بثواب الأخوة في الله، وتجتمعن على منابر من نور حول عرش الرحمن يوم القيامة إن شاء الله!
http://hijabsahih.tripod.com المصدر:
ـــــــــــــــــــ(101/42)
أول رمضان صُمناه..يا لها من ذكريات..!!
هناء الحمراني 11/9/1427
04/10/2006
"لن تأكلوا اليوم شيئاً حتى المساء".
ربما تكون هذه العبارة شديدة الوقع على نفوس الصغار الذين يعون جيداً أين يقبع المساء في الجدول الزمني.. وأن هذا الـ(أين) سيمتد لساعات طويلة حتى يصلوا إليه أو يصل إليهم!
وعندما نتحدث عن أول رمضان صُمناه.. فربما تتداعى لدى البعض منا ذكرياته الطريفة لذلك اليوم.. وأنه قد يكون عصيباً بعض الشيء.. ولكنه إذا انتهى بنجاح يشعرنا بالفخر.. والسعادة.. ويزداد الفرح أكثر عندما نتذكر أن غداً يوم آخر لنخوض في تجربة الصيام من جديد..
يا له من يوم..
تتوالى الذكريات بخصوص ذلك اليوم.. فتذكر أ.م قائلة: "ربما كان ذلك اليوم بعيداً.. ولكنني لا أزال أتذكر بعضاً من تفاصيله.. عندما وقفت بكبرياء بين إخوتي.. فلا أحد منهم صام سواي.. وقبيل المغرب جاؤوا بالحلوى وتحلّقوا حولها.. عندها لم أستطع الصمود.. وأفطرْت ذلك اليوم.. أما اليوم الذي يليه فقد تحدّيت فيه نفسي.. وفزت بالتحدي ولله الحمد..".
وتحكي س.م عن تجربتها..فتقول: "ومَن ينسى تلك الأيام؟ كنا نصوم بصعوبة .. حتى إذا ما علم أهلي بأننا صائمون.. منعونا من ذلك وأجبرونا على أن نتغدّى!! وفي الحقيقة.. إذا جذبتني رائحة الأكل كنت أفطر..".
وأما ع.ش فتقول: استيقظت يوماً في رمضان متأخرة.. وبالتحديد في العصر.. وكنت أشعر بجوع شديد.. ولكنني قرّرت الصيام.. وعندما أرسلتني والدتي لأحضر العصير من عند الجيران.. وفي طريقي عائدة إلى المنزل.. أكلت العصير وهو لا يزال مسحوقاً.. من شدة الجوع..
وتحكي م.غ..عن يومها.. "كنت أصعد إلى سطح منزلنا انتظر الشمس حتى تغيب..كان اليوم طويلاً جداً..".
"كيف علمتينا الصوم؟"
تحكي الأمهات أيضاً عن تجاربهن مع أبنائهن.. وكيف علّمن أبناءهن الصيام..فتحكي لنا..ش.ش..
"كنت أدرّبهم على الصيام بتذكيرهم الدائم بثواب الصائم وأجره.. والحكمة من الصيام.. وكذلك عن طريق تحفيزهم بإعداد ما يشتهون من الطعام.. وتنظيم أوقاتهم وشغلها بالمفيد وملاعبتهم حتى يقرب وقت الإفطار.. وأخيراً.. إثارة روح التنافس بين الإخوة في عدد الأيام التي صاموها..".
وتعقب ح.ص أيضاً عن طريقتها مع أبنائها: "كنت أشجّعهم وأصبّرهم بالكلام قائلة لهم: "عندما كنّا صغاراً مثلكم رأينا والدتنا تصوم فصمنا معها". وكذلك إخبارهم بأن لنا أجراً عظيماً إذا صمنا، وأن حبيبنا محمد صلى الله عليه وسلم كان يصوم أيضاً".
وتقول هـ. أ: "كنت أذكّرهم بالصيام في كل مرة يهمون فيها بالأكل.. ومن الطريف أنني وجدت ابنتي تأكل اللبان مرة، ولما ذكّرتها بالصيام لفظت العلكة، ونظرت إليها، ثم أخذتها مرة أخرى، وابتلعتها قائلة: "هكذا انتهت المشكلة"".
كيف علّم السلف أبناءهم الصيام؟
إنها التربية الجادة التي تصنع الأبطال.. هذا هو ما يمكن أن نطلقه على تربية السلف الصالح -رضوان الله عليهم- لأبنائهم.. فعن الربيع بنت معوذ قالت: "كنا نَصُومُ ونُصوِّم صبياننا الصغار منهم، ونذهب إلى المسجد، فنجعل لهم اللعبة من العهن (أي الصوف) فإذا بكى أحدهم من الطعام أعطيناه إياه، حتى يكون عند الإفطار". (أي أعطيناه هذا الصوف يتلهى به حتى يحين موعد الإفطار). (الحديث رواه البخاري ومسلم).. لم يكن الأمر حزماً وحسب.. وإنما كان مداراة لهم أيضاً بالبحث عما يسليهم ويمتّعهم لكي ينشغلوا عن الطعام باللعب..
هل يستطيع ابني الصيام؟
قد يكون الصيام صعباً على بعض الأطفال خاصة ضعيفي البنية أو الأكولين..أو الذين يبذلون جهداً عظيما أثناء اللعب.. وعلى الوالدين معرفة إمكانية الابن من عدمه من خلال خبرتهم السابقة بصحته.. ولكن هذا لا يعني الإفراط في تدريبه.. فما دام أنه صحيح الجسم معافى.. فعليه أن يتدرب من أجل الصيام بأي طريقة كانت..
ويذكر د.رشاد لاشين نقاطاً هامة لتسهيل الصيام على أبنائنا يمكننا الاستفادة منها فيقول:
*** إذا كان عمر ابنك من (7- 9) سنوات: فيمكنك أن تدربه على الصيام بالتدريج؛ فيبدأ أولاً بالصيام حتى الساعة العاشرة صباحاً، ثم يزيد الصيام إلى الظهر، ثم يزيد الصيام إلى العصر ثم بعد ذلك نقول له: هيّا حقق البطولة وأكمل الصيام إلى المغرب!!
*** إذا كان عمر ابنك عشر سنوات: فهو بفضل الله تعالى يستطيع الصيام، وطبياً جسمه يتحمّل ذلك بلا مشاكل؛ فنقول له: هيّا حقّق بطولتك، وقمْ بإنجاز عظيم، وهو صيام اليوم كاملاً.
ويذكر أيضاً ضوابط مهمة للتدريب على الصيام لكي يحقق الفائدة المرجوة منه، ولا يكون وسيلة لتعليم أبنائنا الصفات السلبية، كالكذب والخداع، مثل:
1- الحرص على زرع الرغبة الداخلية، وتجنّب الإرغام؛ لأنه لا يبني الضمير، بل قد يُولّد مجموعة من الأخلاق الفاسدة مثل: النفاق والكذب والخوف والخداع.
2- التحفيز والتشجيع والمدح والجوائز المادية والمعنوية تفعل فعل السحر وتختصر كثيراً من الجهد.
3- إيجاد روح التنافس مع الأقران الصالحين مِن أهم أدوات التشجيع: صديقك فلان يصوم يومياً، ويحرص على أداء كل الصلوات بالمسجد.
4- الحرص على التدرّج عبر مراحل تصاعدية.
أنا صائم..أمامكم فقط!!
ماذا تفعل الأم عندما تُفاجَأ بأن أحد أبنائها لا يصوم رمضان، و يخبرها بأنه صائم؟ !
تجيب عن هذا السؤال الدكتورة هبة عيسوي أستاذة الطب النفسي في كلية طب عين شمس موضحة أن صيام الصغار مسؤولية ملقاة على عاتق الأم، وهي مهمة صعبة؛ لأنه لا يدرك أهمية الصيام في هذه المرحلة، وحين تُفاجَأ الأم بأن ابنها يدّعي أنه صائم بينما يتناول الطعام من دون علمها فعليها اتّباع التالي :
1 ـ تحفيز ابنها على الصيام بطريقة عملية بإعطائه مكافأة عن كل يوم يصومه .
2 ـ عدم مواجهته بخطئه، وبأنه فاطر و يكذب عليها، و لكن عليها أن توضّح له بشكل غير مباشر عواقب هذه السلوكيات الخاطئة، مثل: الكذب وعدم الصيام، من خلال حكايات تحمل هذا المعنى .
3 ـ فرض الصيام على ابنها بشكل تدريجي يتناسب مع سنه .
4 ـ الإكثار من الثناء عليه حين يصوم أمام الأسرة .
5 ـ تشجيعه على الصيام بالسماح للصائمين فقط من الأسرة بالجلوس على مائدة الإفطار حتى يعي أن الشخص الفاطر يرتكب خطأ كبيراً .
6 ـ عدم وضع الحلويات والطعام المفضل للصغير أمامه قبل الإفطار حتى لا تضعف عزيمته .
7 ـ إشاعة جوٍّ دينيّ وبهجة في المنزل حتى يشعر الابن بأهمية هذا الشهر واختلافه عن باقي الأشهر
ملاعبة الأطفال والرأفة بهم
خولة درويش
هؤلاء الأطفال ذوو النفوس الصافية، أحوج الناس إلى الرحمة بهم، والعطف عليهم، فهم يحسون بحسن المعاملة حسب مداركهم، ويهتمون بمن يوادهم منذ نعومة أظفارهم.
فاللعب حق من حقوق الصغار، وهو رمز لحيويتهم ونشاطهم، ويرى (فروبل) أن الطفل الذي يلعب بنشاط، ولا ينفك يلعب حتى يصيبه الإجهاد فيكف؛ هذا الطفل سيكون في مستقبل حياته شخصاً ذا إرادة وعزيمة يكافح ويستميت في النضال لخيره وخير غيره [1]..
وكان الرسول - صلى الله عليه وسلم - يداعب الأطفال، ويرأف بهم ويحسن ملاعبتهم ومن ذلك مواقفه مع أحفاده ومع أبناء الصحابة -رضوان الله عليهم - عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: « قبّل رسول الله -صلى الله عليه وسلم - الحسن بن علي وعنده الأقرع بن حابس فقال الأقرع: إن لي عشرة من الولد ما قبلت منهم أحداً، فنظر رسول الله إليه ثم قال: من لا يرحم لا يُرحم » [2].
فالأطفال هم الأطفال، اللهو وحب اللعب من طبيعتهم، والإسلام يعطي الطفولة حقها ويراعي الفطرة الإنسانية فلا يكبتها.
عن عائشة - رضي الله عنها - قالت: « دخل علي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأنا ألعب بالبنات (أي اللعب) فقال: ما هذا يا عائشة؟ قلت: خيل سليمان ولها أجنحة فضحك ».
كان هذا والسيدة عائشة جارية صغيرة السن، يراعي رسول الله سنها ودواخلها الفطرية، فلا ينهرها كما يفعل بعض الجفاة، ولذا هي بقلبها الكبير النابض بحب الخير، تصبح من أمهات المؤمنين اللواتي يتسع عقولهن لمختلف فنون العلم والتي قد يعجز عن مثلها الرجال.
فما كان لهو الطفولة سبباً يباعد بينها وبين النبوغ.
وقد جاء في الإصابة أنه - صلى الله عليه وسلم - كان يداعب الحسن والحسين -رضي الله عنهما- ويمشي على يديه وركبتيه وهما يتعلقان به من الجانبين فيمشي بهما ويقول: « نعم الجمل جملكما ونعم العدلان أنتما ».
وهكذا فمن أهم واجبات المربي ولا سيما الأم أن تلعب مع أطفالها بمرح وحبور بعيداً عن الأنفة والكبر، يقول معاوية -رضي الله تعالى عنه -: (من كان له صبي فليتصاب له).
ولا يفوتنا أن الغرض من اللعب ليس التسلية فقط ولا تمضية الوقت وبعثرته وإنما نهدف إضافة إلى الترويح والتسلية أهدافاً نبيلة مفيدة تجعل اللعب في خدمة المثل، توجهها الأم الحكيمة الوجهة التي تريدها وترضي ربها.
ففي اللعب التمثيلي يتعلم الأطفال الآداب الإسلامية التي تحرص على تمثلها والعمل بها فيتعلم الأطفال آداب الحديث والزيارة والاستئذان والطعام والشراب، وفي تمثيل الطبيب تشيع البهجة بين الأم وأطفالها، ويتعلم الطفل مساعدة المحتاج، وكذا تمثيل رجل المرور حيث يتعلم آداب السير.
هذا وليست العبرة في كثرة الألعاب، أو غلاء ثمنها..
إن ميزاناً يعمل للطفل من أغطية العلب الفارغة ويبيع فيه في دكانه له أثر كبير في تنمية خياله وتوجيهه إلى أدب التعامل بما يتناسب مع طفولته.
ومن روائع ملاعبة الرسول - صلى الله عليه وسلم - للأطفال، أنه مر بعبد الله بن جعفر وهو يبيع مع الصبيان (أي يلعب لعبة البيع) فقال: « اللهم بارك له في بيعه ».
ومع إتاحة الفرصة للأطفال في اللعب، لا يصح أن نمكنهم من الألعاب المحرمة حتى لا يعتادوها: (مر ابن سيرين على غلمان يوم العيد بالمربد وهم يتقامرون بالجوز فقال: يا غلمان لا تقامروا فإن القمار من الميسر).
وفي اللعب الجماعي وانتظار الدور يتعلم الأطفال الصبر واحترام رغبات الغير، والبعد عن العزلة والحرية المنضبطة، والابتعاد عن الخطر، وتعلم وسائل الأمن والسلامة والبعد عن الأنانية.
كما يزداد محصول الطفل اللغوي ونموه العقلي إذ يتفتح ذهنه في كل لحظة على جديد، ويتعلم الطاعة وفن القيادة، ونصرة المظلوم.
توجيهات أثناء اللعب:
يحسن بالمربي أن يعامل الأطفال خلال ألعابهم حسب القوى التالية:
1- عدم التدخل في شأن الطفل أثناء انصرافه إلى اللعب إلا إذا استلزم نظام طعامه أو نومه ذلك، أو إذا تعرض الطفل للخطر.على أن نكون مستعدين لتشجيعه وتقدير أعماله وتقديم العون له إذا طلبه إلينا فقط.
2- أن نتقبل الفكرة أو الخطة التي يرسمها الصغار للعبهم، ولا نفرضها عليهم، من أجل استفادتهم وللوقوف على أسلوبهم في التفكير وهكذا نستطيع أن نوجه نشاطهم في لباقة تبعد بهم عن الفوضى والعبث.
3- مشاركة الطفل بين حين وآخر في لعبه تعليماً له وتفريحاً.
4- لا يعطى الأطفال لعباً كثيرة دفعة واحدة حتى لا يزهدوا فيها جميعاً أو يعبثوا بها.
5- الموازنة بين اللعب الجماعي والفردي لإبعاد الطفل عن الانطواء، وتعليمه أسلوب التعامل مع الغير واحتمال الأذى والتعرف على وجهة النظر المخالفة.
6- اللعبة الجيدة هي التي يستطيع الطفل أن يستخدمها بأوجه مختلفة وتندمج مع تصوراته الخيالية، أما اللعب الميكانيكية فهي قليلة الأهمية في مرحلة الرضاعة والطفولة المبكرة لأنها تثير الخوف في نفس الرضيع ولا تترك له شيئاً حتى يعمله بنفسه.
وليست العبرة في غلاء اللعبة وارتفاع ثمنها فقد يعزف الطفل عنها ليلعب بكرتونة فارغة أو نحوها، وقد تتصرف الأم بالألعاب القديمة فتجعل فيها حركة وحيوية تثير فرح الطفل وتسعده أكثر بكثير من الألعاب ذات الثمن المرتفع.
وهكذا بالإمكان أن يعيش الأطفال في أجواء مريحة منشطة ومفيدة دون تكاليف تذكر.
7- مراعاة الأمن في اللعب وعدم إرهاق حسه بكثرة التعب فيه، وكذا عدم اللعب في الليالي عند العشاء فعن جابر عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: « كفوا صبيانكم عند العشاء فإن للجن انتشاراً أو خطفة » [3].
ـــــــــــــــــــ
ـــــــــ
(1) تربية الطفل قبل المدرسة ص 259 سعد مرسي كجك /كوثر كوجك.
(2) متفق على صحته / شرح السنة 13/ص 34.
(3) رواه البخاري في (الأدب المفرد).
http://www.albayan-magazine.com المصدر:
ـــــــــــــــــــ(101/43)
مراهقة بلا إرهاق
رحمة الغامدي 6/9/1427
28/09/2006
أرهقني هذا المراهق....أرهقني في تصرفاته....أرهقني في طريقة تفكيره...أرهقني...أرهقني...أرهقني كثيراً ما نسمع مثل هذه الجمل تتردد على الأذهان وأعتقد بأن الأسلوب المستخدم مع المراهق هو الذي أرهق المراهق، وأرهق الوالدين.
لابد وأن يعرف الآباء أن مرحلة المراهقة هي مرحلة انفصال المراهق بإرادته وعواطفه، وللوالدين دور كبير في تنشئة أبنائهم مرحلة المراهقة تحت ظل تنشئة إسلاميه صحيحة وعندما أتحدث عن المراهق فأنا أتحدث عن كلا الجنسين، يحتاج المراهق إلى قوتين دافعتين يفجرهما الله في نفسه:
1:شدة الانفعال.
2:الحاجة إلى الاستقلال، وهناك أساليب عملية للتنشئة الصحيحة، ينبغي التحري عن أصدقاء المراهق فهو أمر في غاية الأهمية، ولا يكون ذلك بالتجسس عليه بل مصادقته، والسؤال عن أصدقائه بأسلوب الدردشة، وأحياناً مصادقة أصدقائه والجلوس والتنزه معهم، وبذلك تستطيع أن تحتوي المراهق وتكسب في صفك أكبر مؤثر لابنك وهم أصدقاؤه. اكتشف إيجابيات ابنك:
لا اعتقد أن أحداً يحب رئيسه أو مديره في العمل إذا كان ينتقده بشكل متواصل، وبعضهم يظن أن الموظف لا يستحق أن يُشكر على عمله الجيد؛ لأنه واجب عليه أصلاً، في ذات الوقت الذي يعتقد أنه يستحق اللوم على التقصير فيصبح 90% من حديث الرئيس الفاشل لوماً وتوجيهاً و أوامر أيضاً، نفس الشيء ينطبق على الآباء فالأولى أن تهتموا بإيجابيات أبنائكم مهما كانت صغيره في أنظاركم؛ فالعناية بـ 5% من الايجابيات للابن المراهق أو الفتاة المراهقة قد تتحول في المرات القادمة إلى 50%. إذاً يكفي ملاحظات ونقدا لسلبيات وعيوب الأبناء، وتفكر معي قول الشاعر:
لسانَك لا تذكرْ به عورةَ امرئ فكلُّك عوراتٌ وللناس ألسنُ
والأبناء أيضاً بشرٌ لهم ألسن وأعين فاحصة تنتقد وتدقّق بكل مثالية وقساوة أحياناً، وإذا استمررنا على متابعة زلاتهم وعيوبهم فسوف يبادلوننا النظرة السلبية لتتبع العيوب واكتشاف التناقض بين المثالية التي تطلبها وحقيقة شخصيتك وتشوه بذلك الصورة المشرقة في أذهانهم، وعلى العكس إذا لاحظت حسناتهم سيتعلمون هذه الإيجابيات الموجودة في الآباء حينها يزداد تعلقهم في الآباء وتزداد خبرتهم، واستفادتهم منك.
حب الأبناء محتاج دائماً للتعبير فلا تحرموا أنفسكم وتحرموا أبناءكم لذة هذا التعبير ....بالهدية مثلاً فالرسول -صلى الله عليه وسلم- يقول: (تهادوا تحابوا). عبّر عن حبك لابنك/ابنتك بالثناء عليهم في غيابهم، وسيصلهم الحديث حتماً ولو بعد حين ...عبّروا عن حبكم بطريقة مباشرة، فهم يحتاجون إلى سماع الكلام الجميل، فقد يبحثون عنه خارج البيت أو بطرق أخرى، خاصة بعدما وصلت إليه التقنية الحديثة من تطور؛ إذ يتبادل الأبناء رسائل الجوال على القنوات الفضائية وما فيها من خداع وكذب، فتصبح بذلك فضائح المراهقين والمراهقات على الهواء، وهذا ما لا يرضاه الإنسان الغيور على أبناء شعوبنا العربية المسلمة ستستخدم السحر العظيم عندما تغمر قلب ابنك أو ابنتك بالحنان حينما تأخذه بين ذراعيك شرط ألاّ يكون هناك سبب لذلك؛ فمبدأ الأرض مقابل السلام لا يجدي في تربية الأبناء الاعتراف برأي ابنك /ابنتك مهم جداً في الأمور الممكنة، فذلك يعزز ثقة واحترام المراهق في نفسه، ويجنبه كثيراً من المواقف التي يحاول فيها إثبات ذاته وقدراته، فالمراهق أو المراهقة عندما يضعان حلاً للمشكلة يكونان هم ألزم بها، وعندما يأتي ابنك أو ابنتك ليعترفا بأخطائهما لا تنصحوهما بطريقه مباشره مثلاً تقول له: أنت أخطأت، ويجب أن تفعل كذا وكذا!! انصحه بطريقة الحكايات، والأخذ والعطاء. أخيراً فربما أكون قد طرحت حلولاً بسيطة ولا أعتقد أنها صعبة أو مستحيلة، بل إنها مأخوذة من أرض الواقع. نسأل الله لكم الذرية الصالحة والتوفيق والعمل الصالح لتنشئة إسلامية صحيحة
ـــــــــــــــــــ(101/45)
رمضان.. كيف يعرفه الصغار..؟!
هناء الحمراني 28/8/1427
21/09/2006
لميس والمدرسة:
"عندما تأتي المدرسة.. سوف تصبحين كبيرة.. وسنشتري لك حقيبة.. وتعطيك المعلمة كتباً و....."
انظروا إلى تلك الصغيرة.. كيف أصبحت نظراتها مشدودة تجاه تلك الكلمات... وفي كل مرة يجلسن ليتحدثن..تتساءل:
"أمي..حدثيني عن المدرسة"!!
وتبدأ الأم بسرد أشياء كثيرة ستحصل عليها صغيرتها عندما تذهب إلى المدرسة..
الأخوان نورة وفهد..والطفل القادم:
- أمي..كيف شكل الطفل الذي في بطنك؟
- إنه يشبهكم ..بعض الشيء..هو صغير جداً..!!
- أولد هو أم بنت؟
- لا أعلم.. ولكن عندما يأتي سنعرف جميعاً..أبنت هي أم ولد!!
وطوال تسعة الأشهر والأطفال يترقبون الضيف الجديد، وقد رسموا له صورة حميمة ربما..وربما العكس!
***
لميس..نورة..فهد..ورمضان:
لميس تعرف الآن أشياء كثيرة عن المدرسة.. وهي لم تزل في الخامسة من عمرها.. ونورة وفهد كوّنا انطباعاً قوياً يصعب إزالته عن الطفل القادم إلى الحياة..
وماذا عن"رمضان"؟
ما الحصيلة"المعلوماتية"التي يمتلكها أطفالنا عنه؟
إلى أي مدًى يشعرون بأنه ضيف "مهم"، ويجب علينا أن نحسن استقباله وضيافته؟
ماذا يعني لهم"رمضان"عند مجيئه..وماذا يعني لهم"رمضان" عند رحيله؟
ربما نحن أنفسنا.. نمتلك بعض الانطباعات الخاطئة عن رمضاننا الحبيب.. تلك الانطباعات كثيراً ما تكون هي أيضاً انطباعات أبنائنا..
***
ما الذي نتركه من أثر في الحقيقة؟
لم يبقَ على رمضان سوى أيام قلائل.. أمّ لميس تمسك بالقلم.. وورقة طويلة تُقاس بعشرات السنتميترات بين يديها..
- ماذا تكتبين يا أمي؟
- طلبات رمضان..
- وما طلبات رمضان؟
- الدقيق..الشوربة..حلوى الجيلاتين..
- وماذا أيضاً؟
- أشياء كثيرة..ابتعدي الآن..لكي لا أنسى شيئاً من الطلبات فينقلب علينا والدك غاضباً..
والد لميس ينوّه:
- لا تنسيْ..!! في ثاني يوم من رمضان سأدعو زملائي للإفطار.. حاولي أن تكون المائدة "محترمة" ولائقة بهم..
وبالفعل.. يبدأ رمضان وينتهي.. ووالدة لميس رهينة المطبخ..
***
"تشاهدون في رمضان"
كم من الملايين رُصدت من أجل "تشاهدون"!!
كم من الإعلانات البراقة تغري الجماهير بـ"تشاهدون"!!
الصحف تعلن..التلفاز يعلن..الجيران يتذاكرون فيما بينهم بأهم ما سيأتي في القنوات من برامج ومسلسلات..
والأخوان نورة وفهد حول والدتهما:
- أمي.. أرجوك.. إن جاء رمضان سنشترك في الفوازير..وسننام في وقت متأخر كما تفعلين أنت..
ليال العشر قادمة..استعدادات حارّة لاستقبال العيد..
سألت معلمة طالباتها:
- لماذا يفرح الصائم بقدوم العيد؟
أجابت الطالبة وبكل براءة:
- لأنه استراح أخيراً من الصيام وانتهى رمضان!!
***
أهذا هو رمضان؟
وماذا بعد هذا كله؟ أهذا هو رمضان الذي نريد أن نعيشه؟ أهذا هو رمضان الذي نسأل الله أن يبلّغنا إياه؟ أهذا هو الشهر الذي نتحرّق شوقاً للُقياه؟
أين حق رمضان علينا..وحق أبنائنا كذلك؟
ما الذي يجب أن يعنيه رمضان بالنسبة لهم؟
***
هذا ما نريد بالضبط:
"بعد أيام..سيأتي رمضان..ربما نشتري الآن أكلاً كثيراً..ولكن علينا أن نتحمّل الجوع طوال النهار..وأنت يا لميس..هل ستصومين معنا؟"
- وماذا يعني الصيام؟
- لن نعطيك فطوراً كما نفعل دائماً..ولكن سأوقظك قبل الفجر لتأكلي معنا السحور..وتصلّي معنا الفجر..أتريدين ذلك؟
- متى نأكل إذًا؟
- حسناً..في المغرب..سنعدّ الكثير من أصناف الطعام التي تحبينها.. وسأصنع لك حلاك المفضل.. وسيحبّك الله، ويدخلك من باب الريان لأنك من الصائمين..
وفي حوارات أخرى.. هناك الكثير من المعلومات التي يمكن عرضها لأبنائنا لكي يدركوا قيمة رمضان..
شيء من الحماس على مائدة الطعام حيث الاجتماع الأسري في العادة..
- ياااه .. رمضان قادم.. اللهم اجعلنا من الفائزين فيه..
بداية طيبة لحوار أطيب..
- أبي..ما معنى الفائزين في رمضان؟
الصدقة كيف يكون أجرها في رمضان..
صلة الرحم.. زيارة الجد والجدة وبقية الأقارب في رمضان..
كثرة الذكر وقراءة القرآن في شهر رمضان..
***
لماذا نصوم؟
كيف يشعر الفقراء بالجوع؟ كيف نخفّف من آلامهم؟
كيف ندعو الله؟
"ارفعْ يديك يا بني... لن يردّك الله خائباً..فقط.. اطلبْ من ربك ما تريد..واسألْه العفو والعافية..
الصلاة..ما أروع الصلاة في كل حين.. وما أعظم أجرها في رمضان..
"هل تعرفون ليلة القدر؟ إنها ليلة تتحقق فيها كل الأمنيات.. وتُستجاب فيها الدعوات.. وتتنزّل الرحمات.. سلام هي حتى مطلع الفجر.. ولله فيها عتقاء من النار".
"يا أبنائي رمضان قادم.. فلنحسنْ استقباله كي نفوز بالرحمة والمغفرة
والعتق من النيران..
***
جعلنا الله وإيّاكم من الفائزين..
ـــــــــــــــــــ(101/46)
أبنائكم يتشاجرون؟ ... إليكم الحل
الشجار بين الأطفال لا يكاد يخلو منه بيت من البيوت، وكثيراً ما يستمتع الإخوة وهم يتشاجرون مع بعضهم البعض، فهم يتعرفون من خلال تلك المناوشات على إمكاناتهم ونقاط الضعف والقوة عندهم، وهم يجربون نشوة الإثارة والانتصار.
ومن أهم أسباب التشاحر بين الإخوة:
الغيرة، والشعور بالنقص، والشعور باضطهاد الكبار وانشغال الأبوين عن الأطفال.
كما أن الأطفال الذكور يحاولون السيطرة على البنات، وقد يعير الأطفال بعضهم بعضاً بشكل الجسم أو قِصره أو ضخامته.. فيتشاجرون، وكثيراً ما يتشاجر الأطفال لامتلاك بعض اللعب.
وبالطبع فإن تلك المشاجرات تثير أعصاب الأبوين اللذين يصابا بالصدمة حين يعجزان عن منع تلك المشاجرات، حتى إن بعض الآباء يشك في قدرته على التربية، ويُسائل نفسه كيف لا يستطيع تربية أبناءه من دون شجار ولا خصومات.
وينبغي البدء أولاً بدراسة حالة الطفل الصحية فقد يكون سرعة الغضب أو البكاء اختلالاً في إفرازات الغدة الدرقية أو الشعور بالإجهاد أو الإمساك المزمن نتيجة سوء التغذية أو غيرها من الأسباب.
ماذا أفعل عندما يتشاجر الأولاد؟:
1 ـ إذا كان أحد الأولاد عرضة للإصابة بأذىً جسدي فعليك أن تتدخل فوراً حتى تمنع الخطر المحدق، بأن تنادي عليهم أن يتوقفوا عن الشجار فوراً، وهذا ما يحدث في شجار الأولاد عادة، أم البنات فتميل إلى جولات الصراخ بدلاً من استخدام العضلات.
2 ـ بعد تحقق الهدوء، حاول أن تقضي وقتاً قصيراً في الاستماع إلى كيف بدأت المعركة، رغم أن من المستحيل غالباً أن تصل إلى القصة الصحيحة، ولكن المهم هو أن تشعرهم أنك محايد وعادل، وأنك تسمع لما يجول في صدورهم.
3 ـ إذا لم يكن هناك ضرب أو استعمال العضلات في النزاع، فلا حاجة إلى المسارعة للتدخل وحل النزاع، فالأولاد يحتاجون لمثل تلك النزاعات والخلافات، فهم يتعلمون منها أموراً كثيرة، ولو حاولت منع الشجار تماماً فإنهم سيبحثون عن بديل لتفريغ تلك الطاقة.
وإذا كنت دائم السيطرة على المواقف فهذا يعني أن العلاقة بينهم غير طبيعية، ومضبوطة بسلطتك أنت عليهم، وأنهم سيهجمون على بعضهم عندما تدير ظهرك عنهم، أو أن تدوم روح العداء بينهم، والتي لم يُنَفَّس عنها طوال طفولتهم، وستكون العلاقة بينهم ضعيفة حيث يفضلون الانفصال عن بعضهم في أول فرصة.
أما الأولاد الذين يُسمح لهم ببعض الجدال في صغرهم فيصبحون عادة أشد قربا من بعضهم في كبرهم.
4 ـ تذكر أن الخلاف بين الأولاد ليس كله ضاراً، وليس بالسوء الذي يبدو للكبار.
5 ـ أوضح لأبنائك أنك لست ضد محاولتهم فض الخلاف بأنفسهم، ولكن ضد الضوضاء التي يصلون إليها لفض خلافهم، وإذا كان الخلاف على لعبة فيمكنك أخذ اللعبة منهم جميعاً، وأخبرهم أنه يمكن استرجاعها بعد أن يتوصلوا إلى اتفاق، وقد يحتاج الأمر إلى إرسال كل منهم إلى مكان أو غرفة لفترة قصيرة.
6 ـ ربما تكون المشكلة أعسر عندما يكون فارق السن كبيراً بين الأولاد المتنازعين، ورغم أن الكبير أقوى من الصغير، إلا أن الصغير قادرٌ أيضاً على إزعاج الكبير، وخاصة أنه قد يحتمي بصغره، وقد يبالغ الولد في ألمه ودموعه.
7 ـ حاول ألا تنحاز مع أحد الأولاد ضد الآخر، أشعِرِ الكبير أن عليه أن يعطف على أخيه الصغير، واطلب منه أن يخبرك فوراً إذا كان قد حاول الصبر ولم يتمالك نفسه.
8 ـ ساعد الصغير على أن يحترم الكبير، وأن لا يحاول إزعاج الولد الأكبر فينتقم منه.
9 ـ لا تسرع بمعاقبة المذنب فإن ذلك ينمي بينهم روح الغيظ والانتقام، وقد يقع عقابك على البريء فيشك الطرفان في حكمك في المستقبل.
10 ـ لا تقارن الواحد منهم بالآخر فتقول لأحدهم: (إن أخاك كان أفضل منك عندما كان في سنك)، أو (إنك على عكس أخيك فهو يطيع من أول مرة أقول له شيئا)، فإن ذلك يجعل الولد يشعر بالذنب من نفسه والغيظ من أخيه، وإن تكرار هذه المقارنة يجعل الولد يكره التشبه والإقتداء بأخيه رغم صفاته الحسنة.
11 ـ ولعل من الطرق المناسبة لإمتصاص ثورة العراك بين الأطفال تحويل نقمتهم إلى نوع من العمل الإيجابي السليم، كمساعدة الغير أو دعوتهم إلى مساعدة أمهم أو ما شابه، ومن الخطأ أن يتوقع الآباء أن يتصرف الأبناء بعقلية الآباء.
12 ـ على الأم المحافظة على هدوءها قدر الإمكان أثناء غضب ابنها أو مشاجرته مع إخوته.
13 ـ على الأبوين أن يكونا قدوة حسنة فيقلعوا عن عصبيتهم وثورتهم لأتفه الأمور أمام الأبناء.
14 ـ لا تدع ابنك يذوق حلاوة الإنتصار بتحقيق الرغبة التي انفجر باكياً من أجلها وغضب.
15 ـ على الآباء إصلاح أنفسهم أولاً، فكثير من حالات التشاجر عند الأطفال مرجعها الآباء أنفسهم، بسبب سلوكهم المتَّسم بالحزم المبالغ فيه، والسيطرة الكاملة على الطفل، ورغبتهم في إطاعة أوامرهم طاعة عمياء، وثورتهم وشجارهم بين بعضهم البعض (أي الزوجين) لأتفه الأسباب.
http://www.sst5. com المصدر:
ـــــــــــــــــــ(101/47)
عندما يكره أبناؤنا ما نقول
هناء الحمراني 13/8/1427
06/09/2006
لم يكمل عامه الثالث بعد..اكتشف عالم الماء..عالم مثير جداً..دخل المطبخ..فتح باب الثلاجة..وسكب الماء ليبلّ ريقه مروراً بملابسه وانتهاء بأرضية المطبخ..!!
تتجه والدته نحو موقع الحدث:
"أنت طفل مزعج..مؤذٍ ..مخرب..كريه..بغيض..لا تُطاق..لا يمكن العيش معك بأمان..!!".
يبلغ عامه الثاني عشر، وهو لا يزال في عين والدته ذلك الطفل المزعج المخرب، ونضيف إليها فقرة جديدة من أهم عيوبه بأنه: "لا فائدة منه عند الحاجة إليه"، على الرغم من أنه للتوّ أحضر لك الزيت والبيض من السوق، ورتب فراشه، وتناول غداءه، ولم يضرب شقيقه الأصغر و.....
***
تقدم له صحن الحلوى:
- تفضل يا صغيري..
تجيبها والدته بلطف:
- شكراً لك..ثم تبعدين الصحن عن عينيه الجائعتين وتعقبين:
- إنه لا يأكل هذا الصنف من الحلوى..
وتهز جارتها رأسها:
- غريب!!
تضحكين:
- إنه بالفعل غريب..
***
- ما اسمك؟
يقفز بينهما:
- اسمه عزوز- تجيب والدته - ..عفواً..عبد العزيز..عمره ثلاث سنوات.. في الحقيقة هو طفل خجول..ولا يجرؤ على الكلام مع الآخرين وبصعوبة يستطيع الانسجام معهم..
***
وفي حوار نسائي عن الأبناء تتقافز المواقف على ألسنة النسوة:
- طفلي يحب الأحرف الأبجدية..إلا حرف الدال..إنه يزعجه ولا يمكن أن يحفظه..
- طفلتي أنا لديها عقدة ارتداء الملابس..إنها تصر على وجودي معها ومساعدتها في ذلك.. يبدو أنها ستظل هكذا حتى تكبر..
- وأما طفلي.. فلا يجيد القيام بأي نوع من المهام التافهة..إنه الأكسل في مجموعة الأطفال..
***
عندما يتقدم أحدنا للالتحاق بوظيفة ما فإنه يعبر عن نفسه بأفضل ما يمكن.. ويظهر مواهبه وقدراته لكي يكون الأفضل..
عندما نستمع إلى الأشخاص الآخرين وهم يتحدثون عنا.. فإننا نطرب لتلك الأحاديث التي تمدح إنجازاتنا وأعمالنا التي فعلناها..
ولكن..عندما نتحدث عن أطفالنا..فإننا قد ننسى هذا كله..ونسمح لأنفسنا بالتحدث نيابة عنهم..أو تقدير مهاراتهم السلبية.. تحديد ما يحبونه..وما يكرهونه..وما لا يفضلون مواجهته..
نستمتع بالحوارات.. نتسابق لحكاية قصص أبنائنا المخجلة أحياناً..ونضحك من ذلك كله..وهم هناك ينصتون بعمق شديد..يلتهمون كلماتنا حرفاً حرفاً.. تتكسر لديهم حواجز الخجل بسبب المواقف المزرية التي قاموا بها رغماً عنهم..وهاهي بين يدي الآخرين يتلقفونها..وأسماء هؤلاء الأطفال تتردّد بينهم ضاحكين ساخرين..
عندما نتحدث عن أبنائنا فلننتبه إلى أن ما نقوله لا يؤدي إلى:
كسر حاجز الخجل وهتك الستر:
ففي حديثنا عن التبول الليلي- مثلاً - لدى أبنائنا مع ذكر أسمائهم، فإن ذلك يجعل من السهل على الآخرين أن يتندروا بهم.. فما دام أن الأم قد قبلت على ابنها أن تُشاع عنه مثل هذه الأخبار.. فلن يكون المستمعون أكثر حرصاً منها على ستره وحماية مشاعره من الخجل.. فضلاً عن أن الطفل ذاته قد يعبرعن استيائه، لما يُقال بشكل صراخ، وتمرّد واضح في حركاته..
وإذا كانت لديه بعض العيوب السيئة كأخذ الحلوى من حقيبة والدته خلسة.. أو ما شابه ذلك، فمن الأفضل حل المشكلة بشكل سري..وعدم استخدامها كنموذج مسلٍّ لشقاوة الأطفال في المجالس..لكي لا يكون ذلك شاهدَ عيانٍ لدى الآخرين على أن هذا الطفل مشروع ناجح لسارق كبير في المستقبل.. ويتفق هذا مع جميع أخطاء الأبناء بلا استثناء..فالستر والتعديل، وإصلاح الحال هو الواجب في مثل هذه الحالة..وليس التشهير..والفضائح..
ترسيخ بعض العيوب والأخطاء كصفات ملازمة:
- ما هذا الحرف..؟
- لا أعرف..
- لماذا لا تعرف..هيا انطقه معي..دا..دال..
- أنا لا أحب هذا الحرف..ألم تقولي بأنني لا أعرف حرف الدال!!
وإن كان الطفل يعرف هذا الحرف.. ويعشق ذلك النوع من الحلوى.. فإن شهادات الآباء قد تجعل الأبناء يتبنون كثيراً من أفكار الكره والنفور..
إضعاف ثقة الأبناء بقدراتهم:
"أنت طفل لا فائدة منه" موقف يجعل الطفل فيما بعد يقوم بأعماله قدر الاستطاعة ليختمها قائلاً: "هذا ما استطعت عمله مع أنه ليس عملاً جيداً كما يجب أن يكون..أووووه..أنا شخص لا فائدة منه.. "وربما لا يقوم بأي عمل؛ لأنه يوقن في قرارة ذاته..بأن كل ما يقوم به في الحقيقة..(لا فائدة منه) مسبقاً!!
وختاماً:
إذا كنا نودّ التحدث عن أبنائنا لا محالة..فمن الأفضل أن نفتح الصفحات المشرقة في حياتهم لقراءتها أمام الآخرين..وإن كنا نخشى على أبنائنا من الحسد والعين إن ذكرنا هذه الإنجازات..فلا أفضل من أن نتحدث عن موضوع آخر لا يؤذي أحدا
ـــــــــــــــــــ(101/48)
"التدين" بعيون بنات حواء
الرياض/ عبد الفتاح الشهاري 10/8/1427
03/09/2006
يشكل تديُّن الفتيات قضية مهمة سواء في جوانبها الدينية أو الاجتماعية أو النفسية, وتعتري هذه القضية الكثير من الإشكاليات، كما هناك الكثير أيضاً من التساؤلات التي تكتنف هذا التديُّن, من ذلك مفهوم التديُّن لدى الفتاة، ومدى ارتباطه بتكوينها النفسي, واستخدامه كهروب عند البعض الآخر.
مفهوم التديُّن
تحكي (ن. المحمود) عن قصتها مع التديُّن مؤكدة في البداية أنها نشأت في جو ملتزم أي أنها وجدت نفسها متديّنة بطبيعة الأسرة والحال, لكن (المحمود) تريد شيئاً آخر أبعد من ذلك، وهو أن تمارس التديُّن (بكل أقطابه) وفق تعبيرها، نافية بذلك أي تناقض أو التباس قد يخالط مفهوم التديُّن عندها؛ فهي لاتنزع الحجاب في أي مكان، حتى وإن سافرت خارج السعودية، كما أنها أيضاً تلتزم بصيامها وصلاتها في كل مكان، وفي أي وقت، وهي أيضاً لاتؤذي أحداً، حتى وإن آذاها، وماتعوّدت على النميمة والغيبة، ويضيق صدرها من الأغاني ومراقبة الآخرين.. هذا هو التديُّن الحقيقي -كما تقول (ن. المحمود)- وهذا هو الشكل الذي ترغب أن تكون عليه, وهي ماتحاول أن تكون عليه فعلياً عبر ممارساتها اليومية الفعلية والقولية.
وفي صورة مشابهة تسرد (هناء الحمراني) رؤيتها لمفهوم التديُّن من حيث إنه: رغبة جبارة تعتري الفتاة تغيرها للأفضل، وتجعلها تنطلق إلى عالمها الخاص لتغير الكثير، قد تكون بداياته قيام تلك الفتاة المراهقة (لنقل إنها نورة) بتمزيق صور المغنين من على جدران غرفتها، وسحب الأشرطة الغنائية وإتلافها بكل حماس، والدموع تملأ عينيها فرحاً بقرارها الجديد: "ألا تبدو الحياة أفضل بدون الأغاني؟" كل شيء تغيره قدر إمكانها.. نغمة الجوال.. طريقة اللباس..اسمها في المنتديات.. بل حتى المنتديات ذاتها، كذلك الحجاب، تغير إلى نوع آخر أكثر احتشاماً.
تديُّن الفتاة.. تقليد أم قناعة؟!
عن ذلك تجيب (عائشة مصلح صالح - معلمة 44 عاماً) بقولها إن: تديُّن الفتيات إن لم يكن عن اقتناع بأن ما تقوم به من أمور دينية وشرعية هو الصراط المستقيم الذي أمرها الله تعالى بالسير عليه في حياتها فسوف يكون تديُّنها بالونات إعلامية، لا تلبث إلا زمناً قليلاً ثم تنفجر.. ولن نجد في داخلها إلا هواء لم يستطع أن يصمد داخلها, وأحب التمدد والخروج إلى ما لا حدود.. وتضيف: "الفتاة المتديّنة.. توازن بين تعاليم الدين، وما تتطلبه فطرتها السليمة الإنسانية من المخرجات الحياتية الجديدة.. ولكن عليها التنبه؛ فهي تنظر إلى المستحدثات بعين المسلمة الواعية, والمتديّنة المستقيمة. فلا تجعل من تديُّنها مظهراً فقط دون مضمون.. ولا تنساق خلف كل ما استحدث من المخرجات الحياتية الجديدة, فليس كل ما قيل عنه حجاب.. حجاب.. وخاصة ما ظهر منه على بعض الفنانات, أو رُوّج له عن طريق بعض مجلات الأزياء.
من جانبها تعرّج (بدرية العبدالرحمن) على قضية هامة، وهي: هل التديُّن بالنسبة للفتاة هو استسلام ورضوخ.. أم اختيار مرغوب؟ وتقول: إن وضع الفتاة الخليجية والعربية والمسلمة عموماً يجعل من تديُّنها حالة استسلام أم رضوخ للسائد أم اختياراً لـ(وجود) مرغوب..!! أي حين تختار الفتاة التديُّن فهل هي (تختاره)؟ وهل هي تختاره لـ(تكون)؟ أم تختاره لكي تبقى وتساير رغبة المجتمع وإعجابه بها كمتديّنة؟
وتستطرد في طرحها قائلة: "إننا لو أجبنا بـ(نعم)، وجعلنا من حالة الرضا العامة التي تكتنف ظاهرة تديُّن البنت، والتي ترتبط بالاستعفاف والعفة، والابتعاد عن كل سبل الاتصال المنفلت بالجنس الآخر... وربما كان هذا أكثر ماتتمناه وتطلبه العائلة المسلمة من البنت... لو جعلنا من ذلك الارتباط سبباً في رضوخ البنت له، وتديُّن الفتاة ربما يحميها من كثير من القهر الاجتماعي المصاحب لأنثويتها..
إننا لو أجبنا بنعم بناء على تلكم الرؤية.. فسوف نغض الطرف عن كثير من المجتمعات التي تتديّن فيها الفتاة وسط (رفض) أو (فوقية) أو (تحسّس) وتمييز يمارسه المجتمع ضدها باعتبارها متديّنة، وهذا يحدث كثيراً جداً، وفي طبقات كثيرة من المجتمعات الإسلامية... ولا مجال لتجاهله، ولا يمكن أن يُقال إن تديُّن الفتاة في تلكم الحالة هو حالة رضوخ واستسلام، ففي المقابل لو أجبنا بـ(لا) ونفينا أن تتكون ظاهرة تديُّن الفتاة كحالة رضوخ، فإننا لن نفهم أن يرتبط التديُّن في كثير من الحالات بالعائلات ذات السمت الذكوري، والتي قد ينتشر فيها القهر الاجتماعي للمرأة أكثر من غيرها، بالإمكان أن تجد متديّنات ينتهجن هذا السبيل عن غير قناعة، وبتذمر واضح ممايجعل الأمر استسلاماً لإرادة العائلة أكثر منه (تديُّناً) مختاراً...هذا أيضاً يحصل كثيراً.
تصنيف غير منصف!
تبدو (غادة أحمد 37 عاماً) مستاءة بشدة من التلميح المتواصل إلى سيكولوجية المرأة في التأثر بالتديُّن، وتردّ: "كأننا بعبارة (سيكولوجيتها و طبيعتها العاطفية) نشير إلى اختصاصها بالضعف، والذي يؤدي لهذا التخبط العقدي، ألا يحدث ذلك مع الشاب و الرجل والمرأة، ومن ذا الذي يضمن لنفسه الثبات من دون رحمة الله تعالى، و لذا كان القرآن أكثر مصداقية من مصطلحاتنا؛ إذ تم ربط الضعف بالإنسان عموماً (وخُلق الإنسان ضعيفاً). وتستطرد قائلة: "سيكولوجيتها وطبيعتها العاطفية هي من تمكنت من مقاومتها لأعلى مستوى ما كان يخطر للعقل البشري. حين تحتضن أسماء -رضي الله عنها- عبد الله بن الزبير، و تتحسس ملابسه، وتنكر عليه ارتداء الدرع الذي يقيه الضربات، و تنبئه بأن هذا ليس بلباس من يسعى للشهادة، وحين يحكي الخطيب البغدادي خبر ثلاث فتيات هن بنات لأب من العلماء، ليس لهن بعد الله تعالى سواه، فيرسلون إليه (لئن يأتينا خبرك أحب إلينا من أن تجيب)، و كانت وقتها محنة خلق القرآن التي امتُحن فيها الأمام أحمد. و حين تقف تلك الأم التي جاوزت الستين أيام إبعاد الأخوة في فلسطين إلى مرج الزهور لتعلن أمام العالم إما أن يعودوا جميعاً أو يبقوا جميعاً حينما خُيرت أن يعود أولادها الستة فقط وحولها زوجات أبنائها و حفيداتها ما خالفها أحد. و حين تقدم كل يوم أروع النماذج في الصبر و الثبات مما لا يتسع له المجال هنا. عندما تتربى الفتاة على القرآن و السنة، و تدرك قيمتها كأنثى خلقها الله تعالى لخلافته مع الرجل في هذه الأرض، فلن يكون عندها مجال للحديث عن تخبطها العقدي.
بينما تؤيد (العنود 19 عاماً) الحالة الخاصة لطبيعة الفتاة،: "نعم الفتاة بطبيعتها ضعيفة، ولست أقصد ضعيفة في بنيتها الجسدية أو العضلية فقط بل كذلك في قراراتها وأحكامها، لذا نلحظ تحريم الإسلام من زواج الكتابي بالمؤمنة خشية على دينها.. الفتاة تتأثر سريعاً وليس هذا نقصاً, وإنما لما جبلها الله عليه من العاطفة، فعليها أن تلزم طريق المؤمنين، ولاتصاحب إلا التقيات" وتضيف: "وعلى ذلك نجد أن الله ضرب مثلاً للذين آمنوا بامرأتين مريم بنت عمران وآسيا بنت مزاحم التي كانت تحت ذلك الجبار الطاغوت، فأبت إلا أن تتمسك بدين ربها, ولكن الحكم للغالب".
تناقض في السلوك
أحياناً ما تعيش الفتاة المتديُنة تناقضًا في السلوك بين تديُّنها وبين واقعها الحياتي. وبسؤالها: إلى ماذا يعود هذا التناقض؟ تقول (غادة أحمد): بداية لا يمكننا التعميم؛ إذ يزول هذا التناقض شيئاً فشيئاً بالوعي والإدراك، وعندما يتمدد الإسلام في تعاملاتها فلا يبقى محصوراً في عباداتها فقط، فتجد أنه لا يحول بينها و بين ممارسة الحياة بكافة أشكالها، طالما أن هذه الممارسة في حدود ما شرعه الله تعالى لنا، هذا التناقض قد يحدث عند البعض، ولفترة محدودة؛ إذ ارتبط مفهوم التديُّن بنبذ الحياة، و الزهد فيها، والذي أشار الخطاب الديني، و بكل أسف لعقود طويلة أنه علامة التقوى و محبة الله تعالى دون شرح أو تفصيل، فانعكس ذلك على هذه التناقضات التي ألمحت إليها، ولكن -وأؤكد دوماً على التربية- لن يصح إلا الصحيح، فلا تجد الفتاة نفسها مضطرة للتخفي لمشاهدة التلفاز مثلاً أو الدخول على الإنترنت أو تسويغ مكالمتها الهاتفية مع زميلاتها أو التسويغ لخطاها إن أسرفت في الحديث مع شاب معاكس أو نحو ذلك، بل ستجد من صميم الواقع أن تقف و تراجع نفسها و تصحح أفعالها، و كلما كانت البيئة المحيطة بها على درجة من النضج، والوعي كلما قلت هذه المتناقضات إلى حدٍ كبير.
التديُّن كهروب
تعتقد الكاتبة بدرية العبد الرحمن أن هناك أمراً آخر يمكنه أن يفسر حالة التديُّن ويساعد على فهمها لدى الفتاة، وهي أن التديُّن ليست في المجمل حالة هروب، ولا حالة إذعان... ولا بالمقابل حالة رفض وتمرّد وعصيان، ولو بدا كذلك في كثير من الأحوال، ولكن ظاهرة التديُّن أكثر من كل هذا وذاك، حالة ارتداد للجذور، تمارسها الفتاة ربما للتعبير عن أصالتها من جهة، وربما للتعبير عن عدم رضاها عن واقعها من جهة أخرى.
حالة الارتداد للجذور حالة نفسية لها أبعادها وظواهرها في اللغة والفكر والأدب، ولها ارتباطها بالوعي الثقافي للتراث الإسلامي لدى الجماهير المسلمة، وعلى صعيد الممارسة الاجتماعية فإن خير ما يمكن أن يمثل هذه الحالة، وهذه الرغبة العارمة في العودة للجذور، والمجتمع النبوي في تصورنا هو التديُّن.
اعترافات
تقول هناء الحمراني:
ما الدافع الذي يجعلنا نتقدم تلك الخطوات نحو الصعود؟
قد تستيقظ فتاة ما.. في يوم ما.. قبيل صلاة الفجر.. رغبة قوية جارفة تطالبها بالوضوء.. والصلاة.. والبكاء.. والتوبة.. ليتغير كل شيء..
قد تجد من يحتويها في المجتمع المدرسي.. تحتفي بها المعلمات في الإذاعات.. والحفلات.. لأن صوتها جميل عند قراءة القرآن وإنشاد الأناشيد.. والانضمام إلى أنشطة المصلى.. لتجد نفسها وقد أصبحت داعية منذ الصغر..
قد تتديّن شخصية ما في المجتمع.. شخصية تحبها.. ترتاح لمتابعة أخبارها.. ومن أجل ذلك تتديّن..
قد تمر بموقف مرعب..حادث لإحدى صديقاتها.. وفاة شخص قريب.. شائعات تنذر بأن العالم على وشك الانتهاء، وأن الدابة قد ظهرت وبدأت تكلم الناس..
الوضع الحالي لا يشجع أبداً للقاء ملك الموت..لابد من التغيير والاستعداد من أجل هذا اللقاء..
ولكن حالما تزول الأسباب..
فتبتعد التلميذة عن المجتمع الذي وجّه مواهبها نحو التديُّن..ليحتويها مجتمع آخر يوجّه مواهبها وجهة أخرى..أو تتعرض شخصيتها(القدوة) لضغوط وعواقب وخيمة نتيجة لالتزامها أو لانتكاس هذه الشخصية..
أو يزول ذلك الرعب.. وتنتهي أيام العزاء.. وتتبدد الشائعات بأن الوقت لا يزال مبكراً.. ولا يزال هناك الكثير من العلامات التي لم تظهر بعد..
عندها.. تعود.. وتنسى.. وتغوص في مجتمعها القديم.. فتلك التي كانت منذ فترة قصيرة تواظب على صلاة الضحى في مصلى الجامعة.. تجلس اليوم بين صديقاتها السابقات.. تضرب الطاولة بإيقاع موزون.. والثانية تغني..والثالثة ترقص.. والبقية يصفقون..
ولكن.. تلك ليست حالة عامة لجميع من يتعرض لذات المواقف.. فهناك نماذج مشرقة رائعة..تعترف وبصدق.. أن أول خطوة لهم في طريق التديُّن والهداية.. كان أحد هذه المواقف.. (نور على نور يهدي الله لنوره من يشاء).
أخيراً
أخيراً، إنّ علينا أن نعترف أولاً وأخيراً أن ظاهرة التديُّن والتي انتشرت بشكل ملحوظ وجميل في المجتمعات الإسلامية تحف المتديّن والمتديّنة على حد سواء بهالة من التميز والخصوصية، والأمر قد يشكل مشكلة حين يتجاوز الأمر حده في مسألة الخصوصية والتميز والتباين، لانريد من شيء ما أن يجعل من التديُّن مسألة تستدعي التفكير في طريقة التعامل معها، هذا لكي لاتتحول ظاهرة التديُّن إلى مشكلة في حد ذاتها تؤدي إلى قطيعة ومفاصلة مع المجتمع.
إن المتديّنة تشكل طبقة قوية وسميكة في مجتمع النساء الآن، وعلى المتديّنة أن تجعل من هذه القوة والأصالة والنشاط في مجتمعها وسيلة لتقريب المجتمع وصهره بعضه في بعض، في طريقها لتشكيل عالم متوائم وجميل.
يدين بالإسلام، ويؤمن بالله، وينشر الحب والسلام.
إن المتديّن والأنثى المتديّنة على وجه الخصوص تواجه أعباء، وتُناط بها مسؤوليات كبيرة جداً في نقل المجتمع وتطويره للأفضل.
إن التديّن لم يعد مجرد ظاهرة عابرة، وإنما هي ظاهرة شكلت شريحة واسعة من المجتمع، وعلى هذه الشريحة أن تشكل لوحة المجتمع بالقوة التي تملكها.
هذا كي تكون المتديّنة قد أخذت كتاب الله بحقه، وأدت رسالتها كما قام بها الأنبياء والمرسلون، مباركة حيثما كانت...
ـــــــــــــــــــ(101/49)
أحاسيس أبويّة بتكريم ابنه الحافظ *
د.خالد بن سعود الحليبي 5/8/1427
29/08/2006
شوقٌ وظمأ
أيها الآباء السعداء بمنة الله، من قرّت عيونهم بحفظ أنجالهم كتاب الله، فاستبشروا برحمة من الله وفضل.
يا حفَظَة الكتاب العزيز، ويا قبس النور الوضيء؛ الذي ظمئت الأمة إلى زمزمه الطهور، حتى تشققت شفتاها.
كما تعشق الأهلة أنوار الشمس الآتية من بعيد لتكتمل بدوراً.
كما تتهجّى الألسنة الغضة أبجدية الحياة: لتقول شيئاً .. لتفعل شيئاً .. لتكون شيئاً..
كما تتعلق النفس العاشقة بأمنية ترى في تحققها اكتمال سعادتها ..
كانت أمنيتي .. وأمنية كل أب هنا .. وأم هناك .. أن يأتي اليوم الذي أسمع فيه نبأ ختم ابني كتاب الله الكريم..
كنت أترجل طريق الثواني حافياً، تدمى أصابعي، يثرثر جلدي دماً، وقلبي شوقاً عارماً..
وجاءت البشرى
وجاء اليوم المنتظر يتهادى مع نسائم الإيمان .. نسائم هبّت من هنا .. من المكان الذي شرّفه الله بإنزال القرآن فيه .. جاء الهاتف .. جاءت البشرى .. لقد حفظ ابنك القرآن الكريم كاملاً ..
مطرٌ .. أنهرٌ .. بحارٌ تلاقت كلُّ ذا صار في داخلي طوفانا
نعم .. لا أخفيكم .. تلاطمت أمواج من المشاعر لا قِبل لي بها .. تمنّيت أن تكون ـ يا سعود ـ إلى جانبي؛ لأضمّك ضمّة تروي أبا كواه البعد والشوق والحب، وأشمّك شمّة ترضي مسام روحي، وتفرح حمامة الانتظار التي ما كانت لتكفّ عن هديلها المفجع، ولا تقوى أن تعود إليها ـ بعد كل هذا البعد ـ دون أن تظفر ـ يا حبيبي ـ بطلبتك، وتهنأ بفوزك، وتتضلع بالقرآن ضلوعك.
لقد كنت أحتضن هذه الأمنية لنفسي .. ولأولادي جميعاً .. وها ولدي البكر يحققها لي وله المولى عز وجل .. فو ربّ هذا البيت: إنها لأعز عندي من كل شهادات الدنيا، وكل وجاهاتها.
أبُنيّ .. أية مشاعر تلك التي انفجرت في نفسي فجأة حين بلغت بختمك .. كأني لم أكن أحسب لذلك حساباً لا أدري لماذا أحسست بالموقف ينقلني فجأة إلى يوم القيامة، حين يجيء القرآن الذي أسهرك وغرّبك فيقول: "يا رب حله، فيلبس تاج الكرامة. ثم يقول: يا رب زِده فيلبس حلة الكرامة، ثم يقول: يا رب ارضَ عنه، فيُقال: اقرأ وارقَ ويزاد بكل آية حسنة". [حديث حسن، صحيح الجامع8030].
نعم .. لقد تحسّست رأسي فوراً .. ها تاج الوقار يحطّ على مفرقي ومفرق أمك، كدت أهرع إلى المرآة لأتخيله.. ها حلة الكرامة تقدمها الملائكة لك ولي ولأمك .. هذا ظني في الله، والله أكرم من أن يردّ مَن ظن به خيراً.. تقبّل الله مني ومنك. "إن القرآن يلقى صاحبه يوم القيامة حين ينشق عنه قبره كالرجل الشاحب يقول: هل تعرفني؟ فيقول له: ما أعرفك، فيقول: أنا صاحبك القرآن، الذي أظمأتك في الهواجر، وأسهرت ليلك، وإن كل تاجر من وراء تجارته، وإنك اليوم من وراء كل [تجارة]، قال: فيُعطى الملك بيمينه، والخلد بشماله، ويُوضع على رأسه تاج الوقار، ويُكسى والداه حلتين، لا يقوم لهما أهل الدنيا، فيقولان: بم كسينا هذا؟ فيُقال: بأخذ ولدكما القرآن)). وفي حديث آخر: "من قرأ القرآن وعمل بما فيه ألبس الله والديه تاجاً يوم القيامة ضوؤه أحسن من ضوء الشمس في بيوت الدنيا فما ظنكم بالذي عمل بهذا". [رواه أو داود].
شهران من حرارة النوى
شهران من البعد كانا موجعين لقلوبنا جميعا أنت وأنا وأمك وجدّاك؛ اللذان جاءا من شرق الجزيرة إلى غربها ليشهدوا هذا العرس البهيج، الذي هو أعز عندي وأهنأ من كل أعراس الحياة.
كانت حرارة الشوق أشد وأعتى من أن يطفئها صوتك المخنوق .. الذي يطل علينا كل ظهيرة كما يطل النفس على الغريق، ولكننا كنا نحتسب كل ذلك عند الله.. ونبتهل إليه بالدعاء أن يتمم لك حلمك العظيم.
كنا نقيس ارتياحك .. وصحتك .. وإنجازك من خلال تلك النبرات المتأرجحة بين الفرحة والضيق .. من خلال هذا الأثير المحدود .. المنبعث من ثقوب الصبر والاصطبار .. فقد تخفي تعبك ومرضك من أجلنا .. ولكن هيهات .. فللأبوين حاسة لا تخونهما أبداً بإذن الله.. فكنا نخفي عنك أنيناً نتقاسمه فيما بعد على سرير الانتظار .. ودموعاً كان كل منا يخفيها عن الآخر .. ولكنها كانت تفيض دون استئذان.
وإذا تحدّثنا إلى المشرفين على دورتكم المكثفة .. وجدنا ما يسكب الطُّمأنينة في قلوبنا المنتظرة المصابرة .. إنهم يقيسون نجاحهم بما يتحقق لك ولزملائك من إنجاز وأدب وصبر في سبيل العلم .. فلا نلبث أن نتهامس .. سنرسل أخاك السنة القادمة إن شاء الله.. متجاهلين كل تلك العذابات النفسية المتتابعة على قلوبنا.
وشاء الله أن نلتقي مَن سمعنا عنهم من مشرفيك .. فإذا بنا نشعر بالتضاؤل الشديد أمام قاماتهم العملاقة .. تركوا الأهل والبلد، وانقطعوا لهذا العمل الجليل يرجون الله واليوم الآخر ..وجوه شاحبة .. وعيون ساهرة .. وهالات تحف بوجنات مجهدة .. تحكي صرير أقلام لا تعمل إلا إذا هجعت الأعين، وارتاحت الأبدان، ورحلت النفوس النقية إلى بارئها عز وجل .. تأنس به .. ثم تعود مع انبلاج كل فجر لتأتلف الروح بما نزل به الروح، وتتنافس الألباب في حفظ ما أنزل غذاء للألباب.
مع السفرة
هنيئاً لك كل هذا الخير الذي يستحق أن تُباع له الدنيا وما حوت لتُشرى منه لحظة واحدة .. وهنيئاً لمن أنفق على هذه الدورة، ومن قام عليها وضحّى هنيئاً.
والآن .. يا بني .. أحسبك -والله حسيبك- أنك أصبحت من أهل القرآن أهل الله وخاصته، فأذكرك عهداً قريباً .. لقد كنت في روضات من الجنات؛ تتلو كتاب الله ليل نهار .. مع قوم هم من خيار قومك .. أحسبهم كذلك والله حسيبهم، ولا أزكّي على الله أحداً، تتلون كتاب الله وتتدارسونه فيما بينكم، في أعظم بيت لله تعالى، فلا غرو أن يتيسر لكم الذكر، وتنزل عليكم السكينة، وتغشاكم الرحمة، وتحفكم الملائكة ويذكركم الله فيمن عنده.
لقد رفع الله قدرك، حتى جعل إكرامك وإكرام إخوانك من إجلاله عز وجل، ألم يقل الرسول صلى الله عليه وسلم "إن من إجلال الله إكرام ذي الشيبة المسلم وحامل القرآن غير الغالي فيه والجافي عنه وإكرام ذي السلطان المقسط".
لا بل أنت مع الملائكة ففي الصحيحين: "مثل الذي يقرأ القرآن وهو حافظ له مع السفرة الكرام، ومثل الذي يقرأ وهو يتعاهده، وهو عليه شديد فله أجران".
ولكن اعلم يا بني .. إن كل هذا الفضل العظيم لن تحصل عليه إلا إذا كانت نيتك صافية نقية، فإن الله أغنى الأغنياء عن الشرك، فلا تطلب بالقرآن دنيا، لأن الدنيا كلها لا تزن حرفاً من هذا الكتاب العزيز الذي حفظت. قال الرسول صلى الله عليه وسلم: "من تعلّم علماً مما يبتغى به وجه الله لا يتعلمه إلا ليصيب به عرضاً من الدنيا لم يجد عَرف الجنة يوم القيامة". يعنى ريحها [صحيح الجامع: 6159].
ولا تجعله مجالا للتفاخر والتباهي أو وسيلة إلى جدل عقيم، حتى يُبارك لك فيه؛ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تتعلموا العلم لتباهوا به العلماء، ولا لتماروا به السفهاء، ولا تخيروا به المجالس فمن فعل ذلك فالنار النار" [صحيح الجامع 7370 ]. وتذكر حديث أبى هريرة -رضي الله عنه- حين قال: حدثني رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن الله تبارك وتعالى إذا كان يوم القيامة ينزل إلى العباد ليقضي بينهم وكل أمة جاثية فأول من يُدعى به رجل جمع القرآن، ورجل يُقتل في سبيل الله، ورجل كثير المال فيقول الله للقارئ: ألم أعلمك ما أنزلت على رسولي؟ قال: بلى يا رب. قال: فماذا عملت فيما علمت؟ قال: كنت أقوم به آناء الليل و آناء النهار، فيقول الله له: كذبت، وتقول له الملائكة كذبت، ويقول الله: بل أردت أن يُقال أن فلاناً قارئ فقد قيل ذاك .." الحديث، وفى رواية مسلم: "ولكنك قرأت القرآن ليُقال قارئ فقد قيل ثم أمر به فسُحب على وجهه حتى أُلقي في النار". [صحيح مسلم واللفظ لغيره].
قد رشحوك لأمرٍ لو فطنْتَ له ... ...
فاربأْ بنفسك أن ترعى مع الهملِ
الدعاء .. يا بني
واعلم أنك منذ هذا اليوم قد بدأت رحلة جديدة مع كتاب الله، لا يكفيها قراءة من قلب لاهٍ، ولا مراجعة محدودة، وهو الكنز النفيس، الذي لا يصح أن يغفل عنه صاحبه. ولكن لا تتكل على جهدك، بل ألح على الله في الدعاء، فإني سمعت الله تعالى يقول: (ولقد يسرنا القرآن للذكر فهل من مدكر). [القمر:17]، قال ابن عباس: "لولا أن الله يسره على لسان الآدميين ما استطاع أحد من الخلق أن يتكلم بكلام الله عز وجل"، وقال مطر الوراق: في قول الله تعالى (فهل من مدكر) أي فهل من طالب علم فيُعان عليه، وقال الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم: (سنقرئك فلا تنسى) [الأعلى:6]، فهو وحده سبحانه القادر على أن يجعل العبد يقرأ فلا ينسى. فإذا أردت حفظه فالجأ إلى الله -عز وجل- داعياً متضرعاً في الأوقات التي يُرجى فيها قبول الدعاء؛ كجوف الليل، وأدبار الصلوات، كأن تقول: اللهم علّمنا من القرآن ما جهلنا وذكّرنا منه ما نسينا، أسألك يا الله يا رحمن بجلالك ونور وجهك أن تلزم قلبي حفظ كتابك، وترزقني تلاوته آناء الليل وأطراف النهار على الوجه الذي يرضيك عني.
واعلم أنك إذا أعطيته حقه من التلاوة والمراجعة فإنك ستكون أولى الناس بغبطة، فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "لا حسد إلاّ في اثنتين: رجل آتاه الله القرآن فهو يتلوه آناء الليل وآناء النهار، ورجل آتاه الله مالاً فهو ينفقه آناء الليل وآناء النهار". (البخاري ومسلم) .
احتفظ بكنزك
ولكن القرآن ـ وهو أعظم علم يُؤتاه العبد ـ يريد نقاء من المعاصي والذنوب؛ ليبقى؛ قال الإمام النووي رحمه الله: "وينبغي أن يطهر قلبه من الأدناس ليصلح لقبول القرآن وحفظه واستثماره، فقد صح عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: "ألا إن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله، وإذا فسدت فسد الجسد كله ألا وهي القلب".[رواه الشيخان]. وقد أخرج أبو عبيد من طريق الضحاك بن مزاحم موقوفاً قال: "ما من أحد تعلم القرآن ثم نسيه إلا بذنب أحدثه لأن الله يقول: (وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم) [الشورى30]، ثم قال الضحاك :وأي مصيبة أكبر من نسيان القرآن".
وعليك ـ يا بني ـ بالصبر والعزيمة القوية، فكلما داومت على الحفظ وصبرت على ما تجده من المشقة في أول الأمر وجدت تيسيراً وهذه سنة الله عز وجل: (فإن مع العسر يسرا. إن مع العسر يسرا). [الشرح 5-6]، (سيجعل الله بعد عسر يسرا). [الطلاق 7] (إنه من يتق ويصبر فإن الله لا يضيع أجر المحسنين) [يوسف90].
وقد علم المتقنون أن سر إتقانهم هو القيام بالكتاب ليلاً، قال تعالى: (من أهل الكتاب أمة قائمة يتلون آيات الله آناء الليل وهم يسجدون) [آل عمران 113]، وقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "إذا قام صاحب القرآن فقرأه بالليل والنهار ذكره، وإذا لم يقم به نسيه" رواه مسلم.
القرآن خلق وسلوك
أبنيّ الحبيب .. لقد كنت أحبك .. ولكني اليوم أحبك وأجلك لما تحمله من كلام الله تعالى، واعلم أنك قد قطعت نصف الطريق إلى الخيرية الواردة في حديث النبي صلى الله عليه وسلم: "خيركم من تعلم القرآن وعلمه"، فكما تعلمت فعلم. لتتواصل قافلة الخير حتى قيام الساعة، وتكون أنت واحداً من سند القرآن الذهبي الذي فاز به الأخيار عبر الأزمان.
ولكن العلم دون العمل وبال على صاحبه، فتذكّر دائما ًحديث عائشة -رضي الله عنها- حين سئلت عن خلق النبي -صلى الله عليه وسلم- فقالت: "كان خلقه القرآن" [صحيح مسلم]، وقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: "القرآن حجة لك أو عليك".[صحيح مسلم].
ولذلك حثك السلف الصالح ومن صلح من الخلف على أن تكون متميزاً في خلقك وسمتك وعبادتك ووقارك؛ حتى قال ابن مسعود رضي الله عنه: "ينبغي لحامل القرآن أن يُعرف بليله إذا الناس نائمون، وبنهاره إذا الناس مفطرون، وبحزنه إذا الناس يفرحون، وببكائه إذا الناس يضحكون، وبصمته إذا الناس يخوضون، وبخشوعه إذا الناس يختالون".
مسك الشكر
أسأل الله تعالى أن ينضّر وجوهاً نذرت حياتها لمثل هذا المشروع العظيم، وأن يبلّغهم في أولادهم ما بلّغنا اليوم في أولادنا وأكثر، وأن يبارك لمن بذل وقته وماله وجاهه من أجل أهل القرآن في كل نعمة أنعم الله بها عليه. وأسأله -عز وجل- أن يجعل لهم من كل هم فرجاً، ومن كل ضيق مخرجاً، ومن كل عسر يسراً، وأن يجعل لهم من أزواجهم وذرّياتهم قرة أعين إنه سميع الدعاء.
رب اغفر لي ولوالدي، وارحمهما كما ربياني صغيراً، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
* (أصل الموضوع كلمة في حفل تكريم حفَظَة كتاب الله الكريم (14/7/1427هـ)، في الدورة المكثفة لحفظ القرآن الكريم بالمنطقة الشرقية؛ المقامة في الحرم المكي الشريف في صيف عام 1427هـ، التي يشرف عليها فضيلة الشيخ فريد المنتاخ).
ـــــــــــــــــــ(101/50)
التقصير في تربية الأولاد مظاهره ، علاجه
الشيخ محمد العريفي
الحمد لله العلي العظيم الحليم الكريم، الغفور الرحيم، الحمد لله رب العالمين، الرحمن الرحيم، مالك يوم الدين، أظهر خلق الإنسان من سلالة من طين ثم جعله نطفة في قرار مكين ثم أنشأه خلقاً آخر فتبارك الله أحسن الخالقين. فسبحان من تفرد بملك السماوات والأرض يخلق ما يشاء(يهب لمن يشاء إناثاً ويهب لمن يشاء الذكور) وتبارك العلي العظيم الحليم الكريم (هو الذي يصوركم في الأرحام كيف يشاء لا إله إلا هو العزيز الحكيم) وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له واشهد أن محمدا عبده ورسوله. أما بعد أيها الأخوة الكرام: فالأولاد أمانة في أعناق الوالدين، وهما مسئولان عنهم يوم القيامة " كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته" وينشأ الأولاد على ما يعودهم آباؤهم من أخلاق حسنة أو قبيحة. قال ابن القيم - رحمه الله - " وكم ممن أشقى ولده وفلذة كبده في الدنيا والآخرة بإهماله، وترك تأديبه، وإعانته على شهواته، ويزعم أنه يكرمه وقد أهانه، وأنه يرحمه وقد ظلمه، ففاته انتفاعه بولده، وفوت عليه حظه في الدنيا والآخرة، وإذا اعتبرت الفساد في الأولاد، رأيت لما فيه من قبل الآباء " (التحفة 146).
ولقد تظاهرت النصوص الشرعية من الكتاب والسنة آمرة بالإحسان إلى الأولاد وحفظ الأمانة منهم. قال - تعالى -: (يا أيها الذين آمنوا قوا أنفسكم وأهليكم ناراً) وقال: (يا أيها الذين آمنوا لا تخونوا الله والرسول وتخونوا أماناتكم).. وقال - صلى الله عليه وسلم -: (كفى بالمرء إثماً أن يضيع من يعول).
أيها المسلمون: والتقصير في تربية الأولاد له مظاهر عديدة، فمن أول المظاهر:
- تنشئة الأولاد على الجبن والخوف، فمن الملاحظ أن الطفل إذا بكى أو أراد شيئاً خوفته أمه أو أبوه من الحرامي، أوالعفريت أو الجن.. أو تهديده بالأستاذ، أو الطبيب، ليسكت عن بكائه فينشأ الطفل جبانا يفرق من ظله. ومن أشد ما يغرس الخوف في نفس الطفل أن نجزع إذا وقع على الأرض، أو سال الدم من وجهه أو يده أو ركبته. فبدلاً من أن تبتسم الأم وتهدئ من روعه وتشعره أن الأمر هين فإن بعض النساء تظهر الجزع والهلع أمامه، وهذا خطأ.
- ومن الأخطاء في تربية الأولاد: تربيتهم على سلاطة اللسان وسرعة الرد على الآخرين وتسمية ذلك شجاعة، وهذا خلل. إذ الأصل أن يربى الطفل على مقابلة السيئة بالحسنة والترفع عن الرد على الكلام البذيء.
- بسط الترف والنعيم والبذخ، وهذا يؤدي بالولد إلى الميوعة والفوضى. فتجد الابن يطلب من أبيه ريالاً لغرض معين يحتاجه فيعطيه أبوه الخمسين دفعة واحدة. ومن ذلك إعطاء الأطفال الصغار ما يريدون إذا بكوا بحضرة الوالد وهذا خطأ. ومن إترافهم شراء السيارات لهم وهم صغار، إما لأن الابن ألح على والده، أو لأن الوالد يريد التخلص من كثرة طلبات المنزل. وقد جعلنا الله - تعالى - أمة وسطاً. ولا تك فيها مفرطاً أو مفرطا كلا طرفي قصد الأمور ذميم نعم من الأخطاء أن يفرط في إغداق المال على الأولاد.
- كذلك من الخطأ التقتير عليهم فيلجأ الولد للبحث عن المال بما يرجع عليه بالضرر. ولا شك أيها المسلمون - أن العبد مأجور على ما ينفقه على أولاده. وقد قال - صلى الله عليه وسلم -: "درهم تنفقه على عيالك، ودينار تنفقه على مسكين، ودرهم تنفقه في سبيل الله.. " قال بشر الحافي وكان زاهداً عزباً منشغلاً بالعبادة، قال للإمام أحمد: نِعْم أنتَ يا إمام لولا أنك ذو أولاد يعني فتنشغل بطلب المعيشة لهم عن العبادة فقال الإمام أحمد: والله لبكاء ولدي بين يدي يريد كسرة خبز أحب إلى الله - تعالى - من عبادتك سنة كاملة. ونُشر قبل أيام تقريرٌ عن ارتفاع نسبة قتل الأطفال وتعذيبهم في أمريكا وذُكر أن من الأسباب استثقال الآباء صرف المال على هؤلاء الأطفال الذين يذهبون ويتركونهم بعد البلوغ مباشرة. فتجد الأب يربي ولداً وولدين وثالثهم كلبهم. ويكون الكلب أغلى عنده منهم.
- ومن الأخطاء في تربية الأولاد: حرمانهم من العطف والشفقة والحنان، أو الشدة والقسوة عليهم أكثر من اللازم. فتجد بعض الآباء يضرب أولاده ضرباً مبرحاً عند أول خطأ، أو تجده لا يلاطفهم ويمازحهم، أو يتعصب لرأيه دائماً ولا يتنازل عنه لأجلهم خاصة إن كانوا مراهقين، أو كباراً. دخل الأقرع بن حابس - رضي الله عنه - على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فوجده يقبل الحسن أو الحسين فصاح قائلاً: تقبلون صبيانكم!! والله إن لي عشرة من الولد ما قبلت واحداً منهم. فقال - صلى الله عليه وسلم -: (أَوَ أملك لك أن نزع الله الرحمة من قلبك؟!) ومع أن القسوة والشدة أكثر من اللازم هي من الأخطاء كذلك اللين الدائم والحلم والتجاوز مكروه وخطأ، لأنه يُسقِط هيبة الوالد وشخصيته. إذا قيل حلم قل فللحلم موضع وحلم الفتى في غير موضعه جهل فكن حليما لكن لك غضبةٌ يتّقونها.
ولا خير في حلم إذا لم يكن له غَضُوب يراعي صفوه أن يكدرا
- ومن الأخطاء أيضاً، المبالغة في إحسان الظن بالأولاد. فتجد بعض الآباء لشدة إحسانه الظن بأولاده لا يسأل عنهم ولا يتفقد أحوالهم. ولا يعرف شيئاً عن أصحابهم. بل لو قال له قائل: إن ولدك فعل كذا وكذا من المنكرات كالتدخين أو غيره لما صدّق بل وقد يتهم هذا الناصح بالتهويل والمبالغة أو التدخل فيما لا يعنيه. وضد ذلك أيضاً المبالغة في إساءة الظن بهم. فتجد بعض الآباء يتهم بناته وأولاده. ويشعرهم أن يراقبهم في كل صغيرة وكبيرة، ولو تأخر الولد قليلاً اتهمه بالذهاب لمكان مشبوه أو أنه تخاصم مع أصحابه. فعلى الأب أن ينزل الأمور منازلها. فإذا وجدت قرينة تدعوك إلى إساءة الظن كأن تشم منه رائحة الدخان، أو تأتيه في الهاتف اتصالات مريبة، أو له اهتمامات دنيئة، فعندها تؤدبه بحسب ذلك.
- ومن الأخطاء في تربية الأولاد: احتقار الأولاد وقلة تشجيعهم ومن ذلك: إسكاتهم إذا تكلموا أو السخرية بما يقولون. مما يجعل الولد عديم الثقة بنفسه، بل عود ولدك على أن يتكلم معك، اسأله عن مدرسته، أسأله عن زملائه. في السيارة أطلب منه أن يسمعك سورة من القرآن، أو يسمعك أنشودة حفظها في المدرسة. ومن احتقار الأولاد: التشنيع على الأولاد إذا أخطؤوا ومن ذلك: أن بعض الآباء إذا وقع ولده في خطأ حفظه عليه ولم ينسه أبداً ويذكره به دائماً، فلو سرق الولد مرة ناداه باسم السارق، ولو كذب عليه مرة لم يزل يكرر عليه أنه كذاب. فالأب العاقل بل الرجل الشهم الكريم هو الذي لا يتتبع زلات الناس وأخطاءهم، فيكون كالذباب الذي لا يقع إلا على القبائح، بل عليه أن يتغافل، وكذلك المدرس وكذلك الرئيس في العمل.
ليس الغبي بسيد في قومه *** لكن سيد قومه المتغابي
بل إذا علمت أن ولدك يعمل شيئاً معيناً كالتدخين مثلاً لكنه يتخفي عنك، فلا تواجهه به مباشرة وإنما أرسل له من ينصحه أو انصحه بأسلوب غير مباشر، بحيث يظن أنك لم تعلم بما يقع فيه، وذلك حتى لا تهتك حجاب الحياء بينك وبينه.
أسأل الله - تعالى - أن يصلح نياتنا وذرياتنا. أقول ما تسمعون وأستغفر الله - تعالى - لي ولكم ولسائر المسلمين فاستغفروه وتوبوا إليه إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله الكبير المتعال، أحمده وأشكره فهو مستحق الحمد، والشكر واجب له على كل حال، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله وسلم عليه وعلى آله وصحبه ومن سلك سبيله إلى يوم الدين. أما بعد أيها الأخوة الكرام:
- ومن الأخطاء في تربية الأولاد والتعامل معهم: تربية الأولاد على عدم تحمل المسئولية. فالأب هو الذي يسدد الفواتير، وهو الذي يشتري المواد الغذائية للمنزل، وهو الذي يصلح أعطال السيارة، ويذهب بالمريض إلى المستشفى و ... إلى غير ذلك. مع أن بالإمكان الاعتماد على الولد في كثير من ذلك:
أولاً: ليشعر بقيمته ورجولته.
وثانياً: أنك إن لم تشغله بهذه الأمور انشغل بغيرها من المنكرات أو نحوها. وعلى الأب أيها الأخوة الكرام: أن يراعي المراحل التي مر بها ولده.
فلا يعامل ولده معاملة واحدة منذ أن كان في مهد الطفولة حتى يتخرج من الجامعة، بل يعامله في كل مرحلة بما يصلح له. ويترتب على هذه المراحل: تقدير العقاب الذي يصلح للولد إذا أخطأ. فالضرب مثلاً يصلح مع الصغير ويؤدبه، وقد يؤدب أحياناً بمجرد رفع الصوت عليه ونهره وتهديده. أما المراهق فمن أكثر ما يؤدبه الكلام العاطفي. كان تقول له الأم أو الأب: يا ولدي أنت قد كبرت، أو أنا قد كبرت سني وأريدك أن تكون رجلاً لأزوجك وأرى أولادك قبل أن أموت. ونحو ذلك. أما الكبير فقد يفيد معه الهجر أحياناً والزعل عليه. وقد بقي للموضوع زيادة بيان وتوضيح نكملها في الخطبة القادمة إن شاء الله - تعالى -.
أسأل الله - تعالى - أن يصلح نياتنا وذرياتنا. ربنا هب لنا من أزواجنا وذرياتنا قرة أعين واجعلنا للمتقين إماماً. اللهم أصلح أنفسنا ونساءنا وأولادنا وبناتنا. اللهم أصلح شباب المسلمين، وانفع بهم البلاد والعباد والدين، اللهم صل وسلم على عبدك ورسولك محمد، وارض اللهم عن جميع صحابته ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.عباد الله إن الله يأمر بالعدل والإحسان.
http://www.bab.com المصدر:
ـــــــــــــــــــ(101/51)
التقصير في تربية الأولاد مظاهره، علاجه ( الجزء الثاني )
الشيخ محمد العريفي
الحمد لله الذي أعاد وأبدى، ومنع وأعطى، وأفقر وأغنى، أحمده - سبحانه - وأشكره على ما أنعم به وأسدى. وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له، من اتبع هداه فلا يضل ولا يشقى، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمداً عبده ورسوله، كرم رسولاً وشرف عباداً، صلى الله و سلم وبارك عليه، وعلى آله و صحبه، صدقوا ربهم فأنجز لهم ما وعدهم، والتابعين ومن تبعهم بإحسان وسار على نهجهم واهتدى.
أما بعد: فاتقوا الله أيها المؤمنون، و استمسكوا بهدي نبيكم محمد - صلى الله عليه وسلم - وتأملوا في أحوالكم. واعتبروا بالماضي وتأملوا في الواقع.
أيها المسلمون: لقد تكلمنا في الخطبة الماضية عن مسئولية الوالد عن أولاده، وذكرنا بعض الأخطاء الواقعة في تربية الأولاد. وقد ذكرنا في الخطبة الماضية أكثر من عشرين خطأً من أخطائنا في تربية أولادنا، ولعلنا نكمل الآن الكلام في ذلك، فنقول وبالله التوفيق:
من صور التقصير في تربية الأولاد: مكث الأب طويلاً خارج المنزل فنجد أن الأب لا يكاد يجالس أولاده إلا قليلاً، فهو مشتغل بالبيع والشراء، أو بكثرة الأسفار للعمل أو النزهة، أو يمضي الأب وقته بمجالسة الأصدقاء في الاستراحات والمتنزهات. أو يكون الأب له زوجتان فيهمل الأولى مع أولادها، ويصرف الأوقات مع الثانية. وكذلك كثرة خروج الأم إلى الأسواق والزيارات وتركها أولادها عند الخادمة. فهذا كله يقتل الأولاد وهم أحياء. ليس اليتيم من انتهى أبواه من هم الحياة وخلفاه ذليلاً إن اليتيم هو الذي تلقى له أما تحلت أو أبا مشغولاً وكذلك من الأخطاء في تربية الأولاد تربيتهم على الأمور الدنيئة والعبارات السيئة: كاشتغال الأب مع أولاده وتشجيع الأندية والتعلق باللاعبين " حتى يصبح هؤلاء المثل الأعلى لهذا الولد، بل وللأب أحياناً.
ومن صور التربية الخاطئة: تعويد البنات على لبس القصير من الثياب وعدم الاحتشام بحجة أنها صغيرة. مع أن البنت قد تكون وصل عمرها إلى الثامنة أو العاشرة. بل تجد بعض البنات في سن التاسعة والعاشرة تقود الدراجة في الشارع وتختلط بالأولاد.
وقد قالت عائشة - رضي الله عنها -: " إذا بلغت البنت تسع سنين فهي امرأة " وكذلك استعمال العبارات البذيئة مع الأولاد، كأن يكون كل واحد في المنزل له لقب ينبز به أو يعير بلفظ يلازمه، أو يكون اللعن والكلمات البذيئة دارجة في المنزل دون نكير. فيشأ الولد أو البنت وهو بذيء اللسان، سيئ العبارات، لا يراعي آداب الكلام.
وكذلك أيها المسلمون من الأخطاء في تربية الأولاد: كثرة المشكلات بين الوالدين. كأن يتخاصم الوالدان وترتفع أصواتهما ويتسابان أمام الأولاد، أو يرى الأولاد أباهم يضرب أمهم، أو يهينها، وهي التي تربيهم ويقتدون بها. والرجل الحازم ليس كلباً هراراً ينبح في منزله بكل أحد، لكنه الذي يضبط أعصابه ويستطيع حل المشكلات بلين وتلطف.
ومن الأخطاء أيضاً: عدم العناية بأسماء الأولاد، بل يسميهم الأب بأسماء ممنوعة محرمة، أو مرذولة مستحقرة، ومن ذلك تسميتهم بالأسماء المتعبدة لغير الله مثل: عبد النبي أو عبد الحسين أو عبد علي، أو الأسماء الأجنبية مثل: ديانا أو يارا أو غيرهما، أو الأسماء المكروهة أدباً، أو التي تثير السخرية والضحك، أو التي توحي بالتميع والغرام وخدش الحياء كمن يسمى ابنته: هيام، وهو العشق الذي وصل إلى حد الجنون، أو: ناهد وهي المرأة التي قد برز ثدياها حتى عرفت بذلك، أو شادية: وهي المغنية. أو التسمية بأسماء الملائكة: كمن يسمى ابنته: مَلاك أو مَلَك، وهذا من التشبه بكفار قريش لأهم يعتبرون الملائكة إناثاً كما قال - سبحانه -: "وجعلوا الملائكة الذين هم عباد الرحمن إناثاً أشهدوا خلقهم".
أيها الأحبة في الله: وكما أن الأبناء يعقون آبائهم كذلك من الآباء من يعق أولاده. ذكر أن رجلاً جاء إلى عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - يشكو عقوق ولده. فدعا عمر بالولد وزجره. فقال الولد: لا تعجل عليّ يا أمير المؤمنين، أليس لي حق على أبي كما له حق علي؟ قال: بلى، قال: فما حقي عليه؟ قال: أن يحسن اختيار أمك، ويسميك اسماً حسناً، ويحفظك القرآن، قال الولد: فإن أبي لم يفعل شيئاً من ذلك: أما أمي هي أمة زنجية خرقاء اشتراها بدرهمين فولدتني، وسماني جعلاً، ولم يحفظني من القرآن آية. فقال عمر للأب: اخرج فقد سبقت ولدك إلى العقوق. تعاطيتما ثوب العقوق كلاكما أب غير بر وابنه غير واصل بارك الله لي ولكم.
أقول ما تسمعون وأستغفر الله لي ولكم..
الخطبة الثانية:
الحمد لله الكبير المتعال، أحمده وأشكره فهو مستحق الحمد، والشكر واجب له على كل حال، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله وسلم عليه وعلى آله وصحبه ومن سلك سبيله إلى يوم الدين. أما بعد أيها المسلمون -: إن من نافلة القول أن نقول: إن التفريط في العناية بالأولاد والغفلة عن تربيتهم التربية الصالحة، ينشئ لنا أجيالاً منحرفة لا ينتظر منها صلاح أو فلاح.
ومن نظر في تربية السلف الصالح لأولادهم الذين فتحوا البلاد، ونفعوا العباد، علم أن وراء هؤلاء الأبطال أبطالاً، وراء الشجعان شجعاناً. فهذا الزبير بن العوام تربيىفي حجر صفية بنت عبد المطلب، تلك المرأة الشجاعة ا لكريمة التي ضربت في الصبر والتضحية أروع الأمثلة. ومن ذلك: ما كان منها في معركة أحد، عندما أغرت هند بنت عتبة - رضي الله عنها - بحمزة بنت عبد المطلب - رضي الله عنه - فجاءه مملوك لها فقتله لأن حمزة كان قد قتل أباها عتبة يوم بدر. فلما قتل حمزة جاءت هند إليه، فبقرت بطنه ونزعت كبده، وجدعت أنفه، وقطعت أذنيه، فلما انتهت المعركة، كان حمزة أجزاءً ممزقة وأشلاء مفرقة. فلما رآه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - اشتد حزنه عليه فهو عمه الذي طالما نصره وحامى عنه.
وفجأة أبصر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عمته صفية وهي أخت حمزة - أبصرها مقبلة تنظر إلى أخيها. فصاح رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بابنها الزبير: (دونك أمك فامنعها) فلما وقف لها ابنها صاحت بها به وقالت: (دونك لا أرض لك، لا أمَّ لك. قد بلغني ما أصاب أخي.) فلما قالت ذلك قال له - صلى الله عليه وسلم -: (خلِّ سبيلها) ثم مشت حتى وقفت على أشلاء أخيها. فلما نظرت إليه صلّت على رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، واستغفرت لأخيها ثم قالت لابنها: " قل لرسول الله ما أرضانا بما كان في سبيل الله. لأحتسبن ولأصبرن إن شاء الله " فلله درّها ودرّ ابنها الزبير بن العوام الشجاع البطل. ولا عجب فاللتي ربته أم كريمة.
أمّا عبد الله بن الزبير: فقد رباه أب شهم وأم كريمة، فأبوه الزبير بن العوام البطل الهُمام. كان يصحبه ابنه معه في المعارك وهو صغير ويجعله يشاهد القتال والدماء لينزع من قلبه الخوف والهلع. وأما أمه فهي أسماء بنت أبي بكر الصديق - رضي الله عنها - التي كبرت حتى أسنت.
وهي التي لما وقع القتال بين ابنها عبد الله بن الزبير والحجاج، قالت لابنها: لما عرض عليها أن يصالح الحجاج: " اذهب يا بنيّ فقاتل. فوالله لضربة بالسيف على عزٍ أفضل من ضربة بالسوط على ذلّ ". فلما قُتل وصلب قالت: "ما يمنعني أن أصبر على ما أصابه وقد أُهدِي رأس يحي بن زكريا - عليه السلام - إلى بغيٍ من بغايا بني إسرائيل!! ". وذاك سفيان بن سعيد الثوري. فقيه العرب ومحدثهم، أمير المؤمنين في الحديث. ما كان إلا ثمرة من ثمرات أم صالحة. مات أبوه وهو صغير، فوجهته لطلب العلم وقالت: " يا بني اطلب العلم وأنا أكفيك بمغزلي هذا، أغزل الصوف وأبيع وأتولى أمر الإنفاق. فاشتغل أنت بطلب العلم " وهذا أمير المؤمنين أريبُ العربِ وألمعيُّها معاوية بن أبي سفيان. من كان وراءه؟ كان وراءه أم جلدة عظيمة، هي هند بنت عتبة - رضي الله عنها -. ومما يدلك على حسن تربيتها له أنه لما كان معاوية صغيراً بين يديها قال لها قائل: إن عاش هذا الغلام ساد قومه، فقالت: ثكِلْتُه إن لم يسد إلا قومَه بل يسود الناس جميعاً.
وفعلاً عاش الغلام وتولى الإمارة عشرين سنة، والخلافة عشرين سنة.
فهذه النماذج أيها الأخوة الكرام: تدلنا على أن المرء لا بد أن يعتني بتربية أولاده فبعضنا عنده خمسة أو ستة أو عشرة من الأولاد ما فيهم حافظ للقرآن بل ولا فيهم من يحفظ نصف القرآن أو ثلثه. انظر في حال أكثر الأولاد تجد نفسه معلقة بالكرة واللاعبين، أو بالأغاني والممثلين. فأي نفع ينتظر من هذا لأهله؟ أو نفسه؟ أو أمته؟
نسأل الله أن يوفق الجميع لكل خير، وأن يصلح نياتنا وذرياتنا. ربنا هب لنا من أزواجنا وذرياتنا قرة أعين واجعلنا للمتقين إماماً. اللهم أصلح أنفسنا ونساءنا وأولادنا وبناتنا.اللهم أصلح شباب المسلمين، وانفع بهم البلاد والعباد والدين، اللهم صل وسلم على عبدك ورسولك محمد، وارض اللهم عن جميع صحابته ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.عباد الله إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى.
http://www.bab.com المصدر:
ـــــــــــــــــــ(101/52)
الفضائيات وبراءة الأطفال.. تشويه لا تعزيز
غزة / بشار دراغمة - خلف خلف 3/6/1427
29/06/2006
- طفل السابعة: أسرتي هي أبي وأمي.. والتلفاز!
- أفلام الكرتون تقود إلى تبلّد الإحساس بالخطر وإلى قبول العنف.
- الرقابة المنزلية على التلفاز وجودها ضروريّ في بيوتنا.
الفضائيات تغزو كل بيت في عالمنا، والكل بات يعيش في عصر تتزاحم فيه الأفكار وتتصارع الشعوب في ظل فضاءات مفتوحة، وبات إدمان برامج الفضائيات مسيطراً على الجميع، ولا جدل في كثرة برامج الفضائيات المستهدفة للأطفال التي تختلف مضامينها، وتتنوع تبعاً لتمويل وأهداف كل منها، وتأخذ الفضائيات حيزاً كبيراً في حياة الأطفال كما تؤكد الدراسات التربوية والنفسية جميعها، حتى وصل الأمر في طفلة في السابعة من العمر أن تجيب عن سؤال: ممن تتألف أسرتك؟ بالقول: تتألف أسرتنا من بابا وماما وجدتي والتلفاز، ولكون الأطفال هم الثروة العظيمة لكل مجتمع، وهم الجيل الأكثر تأثراً وتشكلاً ثقافياً وعرفياً ووجدانياً وسلوكياً، لابد من تأسيسهم وبناء ثقافتهم ومعارفهم بشكل جيد، ومن هنا تنبع خطورة برامج الفضائيات التي تغزو عالمنا وتشوه براءة أطفالنا.
القيم والسلوك.. منبع الخطورة
حتّمت علينا الأمور السابقة أن نبحر في مخاطر الفضائيات على الأطفال وانعكاساتها السلبية عليهم لكونهم الأكثر والأسرع تأثراً من الكبار، فمَن مِنا لا يلحظ عيون الأطفال وهي متشبّثة بالشاشة السحرية متجاوبة ومتفحصة الشخصيات والمناظر والحركات، مقلدين في اليوم الآتي معظمها في أغلب الأحيان، وسنحاول من خلال طرحنا للموضوع وضع حلول تساعد على ردّ هذا الخطر الداهم على مستقبل أطفالنا.
وعن المخاطر التي تسببها الفضائيات على عقول أطفالنا، يقول أستاذ علم الاجتماع في جامعة النجاح الوطنية فايز التلاوي: الفضائيات معلوماتها جاهزة ومفبركة ومحددة في إطار معين، وبذلك لا تساعد على تنمية روح الخيال والابتكار لدى الأطفال.
ويضيف: تمتلك الفضائيات القدرة على تغيير نظرة الأطفال إلى الحياة وإلى العالم من حولهم، من خلال تكرارها لمشاهد معينة، تترسخ في عقولهم وتؤدي فيما بعد إلى تغيير مواقفهم تجاه الأشخاص والقضايا، فيتغير بالتالي حكمهم عليها، وموقفهم منهم، وشدد الدكتور التلاوي على أن تغيير المواقف والاتجاهات، لا يقتصر على الموقف من الأفراد والقضايا، بل يشمل القيم وبعض أنماط السلوك، قائلاً: هنا منبع الخطورة.
وعن الكيفية التي تؤثر فيها الفضائيات على سلوك وقيم الأطفال يقول د.التلاوي: الطفل يحكم على الأمور بالصواب أو الخطأ من خلال المعلومات التي تتوفر له من البيئة المحيطة به، وبما أن الطفل بات يقضي جل وقته مع الفضائيات فإنه يستمد منها بشكل غير مقصود الأحكام التي يطلقها على الأشياء والسلوكيات التي يمارسها في حياته.
وتطرق أستاذ علم الاجتماع إلى مضامين البرامج التي تبثها الفضائيات قائلاً:
تسيطر محطات الأغاني و"الفيديو كليب" على جزء كبير من الفضائيات، ولكن لو تجاوزنا ذلك، وناقشنا محتوى المسلسلات نجدها تعجّ بمشاهد العنف والخلافات العائلية والشد العصبي والانفعالات في محاولة منها لعكس واقع قصة معينة، وفبركة مقصودة بغرض الإثارة لا أكثر.
ويؤكد التلاوي أن هذا يؤثر بشكل باطني في سلوك الطفل المستقبلي، كما بيّن الدكتور أيضاً أن أغلب برامج الرسوم المتحركة التي تبثها الفضائيات مستقاة من عالم الجريمة والسرقة، لكونها غربية وأمريكية الصنع.
علم النفس ماذا يقول؟
يؤكد علماء النفس أنه كلما ازداد عدد الحواس التي يمكن استخدامها في تلقي فكرة معينة أدّى ذلك إلى دعمها وتقويتها وتثبيتها في ذهن المتلقي، وهنا نشير إلى أن الفضائيات تتمتع بعرض الصورة والصوت معاً، وهذا ما تفتقر إليه وسائل الإعلام الأخرى، وقد أكدت الدراسات أن التلفاز يأتي في علم التربية الحديثة بعد الأم والأب مباشرة.
الخبير النفسي عبد الله حسام يؤكد أن الفضائيات تؤدي إلى خلخلة مشاعر الأطفال وتشتيتهم، كما تزيد الاضطرابات السلوكية والعاطفية والقلق والاكتئاب، منوهاً أن الطفل حتى وهو يجلس بين أسرته أثناء متابعتها للبرامج الفضائية يكون منغمساً في عالم منفصل، ويتابع: تنقل معظم الفضائيات تقاليد غريبة تحمل قيماً مغايرة للبيئة العربية، مما يؤدي إلى إيجاد فجوة بين الأسرة والأبناء، وتأسيس ثقافة متناقضة، ولا يدري الطفل أيهما أصح.
ونوه الخبير إلى السلبيات التي تعكسها أفلام الكرتون الشائعة على الفضائيات، وتكرار المشاهد التي تقود إلى تبلّد الإحساس بالخطر، وإلى قبول العنف كوسيلة استجابة لمواجهة بعض مواقف الصراعات، وممارسة السلوك العنيف، ويؤدي ذلك إلى اكتساب الأطفال سلوكيات عدوانية مخيفة؛ إذ إن تكرار أعمال العنف الجسمانية والأدوار التي تتصل بالجريمة، والأفعال ضد القانون يؤدي إلى انحراف الأطفال.
مضيفاً: ومن سلبيات الفضائيات أيضاً السهر وعدم النوم مبكرًا، والجلوس طويلاً أمامها دون الشعور بالوقت وأهميته، مما يؤثر سلباً على التحصيل الدراسي وأداء الواجبات المدرسية، بالإضافة إلى الأضرار الجسميّة والعقلية كالخمول والكسل، والتأثير على النظر والأعصاب، وعلاقة ذلك والسلبية، والسمنة أو البدانة التي تصيب بعض الأطفال لكثرة الأكل أمام هذه الوسائل مع قلة الحركة واللعب والرياضة، ناهيك عن إثارة الفزع والشعور بالخوف عند الأطفال عبر شخصية البطل والمواقف التي تتهدده بالخطر، والغرق في الظلمة والعواصف والأشباح خاصة إذا كان الطفل صغيرًا، ويتخيل كل الأمور على أنها حقائق.
الرقيب..الغائب!!
تزخر الفضائيات ببرامج متنوعة، وتتنافس فيما بينها، وكل ذلك على حساب المتلقي، ولأن الطفل يكون في مرحلة البناء والتطور فيكون الأكثر تأثراً.
يقول حسني علي (43 عاماً ووالد لعدد من الأطفال): أصغر أطفالي يبلغ من العمر سبع سنوات، ولا ينفك عن مشاهدة التلفاز ولو لساعة واحدة ينجز فيها دروسه، ونحاول دائماً توجيهه وإرشاده بأن عليه الانتباه لدراسته والابتعاد عن برامج الفضائيات، وبخاصة الرسوم المتحركة التي تسيطر على عقله، إلا أن محاولاتنا باءت بالفشل.
وانتقد الأب البرامج التي تبثها الفضائيات كونها لا تخضع لرقابة، وتعرض مشاهد لا أخلاقية أحياناً، ويوضح الأب أنّ هناك محطات فضائية تبث برامج مخصصة للأطفال تحمل في طياتها مضامين غير مناسبة لعقل الطفل، مثل: قصص الحب والغرام وبعض اللقطات الخلاعية التي تساهم في تدمير سلوكيات وأخلاقيات الطفل، ولا يمكن منع بث مثل هذه الأفلام الكرتونية، ولكن كآباء نستطيع منع أبنائنا من مشاهدة هذه البرامج غير اللائقة.
ومن جانبها، أوضحت الأم علياء ناصر أنها تمضي ساعات من يومها مع أطفالها خلال مشاهدتهم التلفاز، وتقوم بتوضيح الأمور لهم، وتقول الأم: لا أنتظر الفضائيات لتقوم بتربية أولادي، مؤكدة أنه يجب تفعيل دور الوالدين في هذا الموضوع، ويتوجب عليهم منع أطفالهم من قضاء ساعات طويلة أمام التلفاز.
وتضيف: تعود المشاكل النفسية والاجتماعية الناجمة عن الفضائيات لأسباب عدة لعل أهمها إهمال الوالدين لأبنائهم أثناء متابعتهم للتلفاز وعدم مراقبتهم، وهذا خطأ كبير من الناس، وعلى الآباء والأمهات الانتباه إليها؛ لأن المشاكل التي قد يأتي بها التلفاز على أبنائهم كبيرة وكثيرة، ولهذا أنصح أنا بتشديد الرقابة، وخاصة على تلك القنوات التي تعرض مثل أفلام (الأكشن) والعنف، أو تلك الأفلام والبرامج التي تخرج عن عاداتنا وتقاليدنا الإسلامية.
أما الشاب سالم محمود (25عاماً) فكان له رأي مختلف، مشيراً أنه من الخطأ حرمان الأطفال من التمتع بمنجزات العصر ومنها الفضائيات، على أن يكون ذلك وفق شروط، ومنها ألاّ يزيد ذلك عن حده، ولا يخفى ما يعانيه الطفل المسلم من سلبية تضر بصحته النفسية والبدنية من جراء استخدام التقنية الحديثة ممثلة في الثالوث الحديث (الإنترنت، وألعاب الفيديو، والفضائيات).
وأشار الشاب محمود أنه يجب توجيه الأطفال نحو الإعلام المقروء والكتب والمجلات لما لها من قدرة على تنمية ثقافة الأطفال، وتشجيع قدراتهم الابتكارية والإبداعية.
ما العمل؟
لكل أداة تكنولوجية حدان أحدهما سيئ والآخر إيجابي، ولكوننا في عصر باتت تتلاشى فيه الحدود الثقافية لذلك لا بد من تحديد ما يُقدم للطفل من ثقافات عبر الوسائط الإعلامية المتنوعة وأهمها الفضائيات، أما عن الكيفية التي يجب أن نعالج فيها هذه المشكلة، فعلى الرغم من أنها ليست مسألة سهلة إلا أنها في الوقت ذاته ليست مسألة مستحيلة؛ إذ يمكن الفكاك منها متى أدركنا مدى خطورتها، ومتى تعاونت المؤسسات الاجتماعية المختلفة مثل: المنزل، والمدرسة، والمؤسسات المعنية في ضبط أوقات الأطفال وتوعيتهم، وإيجاد البدائل مثل: توجيهم نحو القراءة ولعب الرياضة، كما يتوجب على الأسرة أن تحرص على تنظيم أوقات الأطفال بصورة إيجابية خصوصاً في أيام العطلات والإجازات، إضافة إلى أهمية التركيز على نشر الوعي اللازم الذي يبين مخاطر ومضار ومساوئ المكوث الطويل أمام شاشات الفضائيات صحياً وفكرياً واجتماعياً.
كما نذكر هنا بعض الحلول التي قدمها خبراء علم النفس والتربية الذين أجرينا معهم حوارات، ومنها التحكم بنوع القنوات الفضائية وما يُبث فيها، وانتقاء النافع من برامجها، وتحديد وقت معين ومحدد للمشاهدة حتى لا تطغى تأثيرات البرامج على ثقافة وشخصية الطفل، بالإضافة إلى غرس القيم الأصيلة والمبادئ الحميدة في نفوس الأبناء وتكوين محصلة من المبادئ الراسخة في نفوسهم، وتحذير الأطفال بأسلوب تربوي تعليمي من تلك الأخطاء والأخطار، ولا نستطيع تجاهل دور الأبوين من حيث كونهما قدوة ومثالاً لأبنائهم في كل الفضائل والمحامد بشكل عام، بما فيها بالطبع أسلوب مشاهدة الفضائيات، والذي يأتي من خلال تحدّثهما لأطفالهم عن مضمون ما يُعرض وانتقادهما ما لا يرونه مناسباً، وإرشاد الأطفال إلى متابعة ما هو جيد
ـــــــــــــــــــ(101/53)
نقش طفولي
بدرية الغنيم 25/5/1427
21/06/2006
رأيتها طفلة حلوة في الثالثة تلمع عيناها بالذكاء والحيوية، تختبئ خلف أمها
حياء أو رغبة في لفت الانتباه لها حتى تُقابل بمزيد حفاوة، وتُستجدى للسلام
عليها. لا أدري أهكذا تستقبل الضيوف؟ أم أنها تشعر بمحبتي لها، وتعرف مكانتها المتميزة في نفسي فتزيد دلالاً...
تبعتها خلف أمها، وأمسكت بها، وقد تعالت ضحكاتها، فسلّمت عليها. وهي تخبي وجهها بشعرها المنسدل عليه، بالكاد ترى بصيص عينيها. وأنفاسها اللاهثة تبعد خصلات شعرها عن وجهها. وتفضح سراً خلفها ..... فقد دعجت عينيها بالكحل، ورسمت شفتيها بالروج، وورّدت خديها بأحمر الخدود، سألتها: أحقاً ما تقوله أمك أنك مثل بيكاسو؟ ضحكت، وقالت: أنتِ تعرفين أبطال الديجتال؟! قلت: لا. قالت: وبيكاسو؟ قلت :رسام كبير. أخذت بيدي سريعاً لتريني رسومها اللطيفة، ففي غرفتها رسم لوجه بنت صغيرة مبتسمة. طبعت عليها قبلة، وقالت: هذه صديقتي. ثم أخذت بيدي للصالة، وأرتني رسماً لرجل مبتسم كأنه أصلع له شعر بسيط فوق أذنيه. قلت: من هذا؟ ضحكت ونظرت لأمها. جرت و قالت: سأخبرك لاحقاً. جرت لغرفة الألعاب. وفي خفة اندست تحت طاولة صغيرة ملصقة بالجدار، وأخذت تزحف بمعونة كوعيها تحت الطاولة. نادتني وأرتني ثلاثة رسوم لأولاد. وسمّت كل واحد باسمه. وقالت: هؤلاء في الصف الثاني. إنهم أصدقاء أخي. وكانت مفاجأة للأم؛ إذ لم تعلم بوجود هذه النقوش في هذا المكان القصيّ المظلم.
كانت الأم تبدي تذمرها لتلوين ابنتها لجدران المنزل؛ فهو جديد، ولم تُتمّ العائلة فيه سنة بعد، وكانت قد بذلت شتى السبل في إبعادها عن الرسم على الجدران أحضرت لها سبورة، وعلّقت لها أوراقاً على الجدار لترسم عليها. لكن كل ذلك لم يجد على الرغم من أن البنت لطيفة جداً، وليست من الصنف العنيد. تابعت الأم: وحينما كانت أصغر من ذلك كانت ترسم على ساقيها ويديها. ترسم دوائر صغيرة متتابعة، ثم تقوم بقراءتها. وقد أُحرجت مرة حينما ذهبت بها للطبيب فكشف عن بطنها ليفحصه .فإذا به يردّد بسم الله.... بسم الله ..... ثم يغرق في الضحك. ولم أعلم السبب، فنظرت فإذا بطنها مليء بالكتابات والدوائر. أُحرجت من الطبيب .ولم يدُرْ في بالي أنها ستغير هذه المرة من الكتابة على ساقيها إلى الكتابة على بطنها،
وفي أثناء حديثي مع أمها عن الحل. وضعت يديها خلفها وفردت صدرها. وقاطعتني، وقالت: لم تري أجمل رسمة!! قلت: وهل يوجد أجمل من تلك الرسوم؟ فأخذت بيدي، وأرتني رسمة على جدار قريب من غرفة النوم، رأيت رسمة فتاة تلبس ملابس مقلمة، قد انسدل الشعر على وجهها بطريقة جميلة قد مدت ذراعيها وكأنها تستقبل أحداً.
ثم قالت الصغيرة: هل عرفتِ مَن هذه؟ فتحيّرت، ولا أريد أن أظهر جهلي قلت: لا شك أن هذه الحلوة هي أنتِ. قالت: لا إنها ماما حبيبتي، إنها ماما الحلوة. إذا
ذهبت ماما للمدرسة أحضن صورتها. وألصقت الصغيرة صدرها على الجدار، وفردت ذراعيها، وأخذت تطبع قبلاتها على الجدار. وأمها تنظر إليها. ولم أميز أكانت تبكي أم تضحك. وقد أُسقط في يدها. فعرفت حينها نقطة ضعف الأم. والتي استغلتها الصغيرة، إنها أم حنون تقدر للطفولة والمشاعر قدرها .
جميلة هي البراءة، جميلة هي الطفولة، فهي تغسل الكثير من همومكم. إذا أردتم
السعادة، عودوا صغاراً أو اتركوا الصغار ليعبروا عن حبهم بعفوية. دون تدخل
إنهم كرماء بنشر السعادة. لا يدّخرونها لأنفسهم. فللذين يبحثون عن جلسات الهدوء والاسترخاء، عودوا صغاراً، والعبوا مع صغاركم. ولتكن لهم السيطرة على قانون وأجواء اللعبة؛ حتى يطبعوها بطابعهم البريء، دون تدخل منكم في تفاصيل طفولية. وفي نهاية اللعبة. ستجدون أنكم نسيتم كثيراً من همومكم. بل اجتزتموها، وستجدون أنهم تعلّموا منكم برضاهم دون أمر أو نهي. ومتى أُشعروا
بالأمن، وبالحب أبدعوا في التعلم وفي التعبير عن حبهم. وأبدعوا في إيصال
مشاعرهم وآرائهم نحو كثير من أمور الحياة، فتحصلون على مفاتيح للتعامل معهم.
وسيكبرون ويتجاوزون تلك الخربشة على الجدران، وسوف تتمنون لو عادت أيام الخربشة على الجدران، وعادت تلك المشاكسات، وستظل تلك الذكريات رسوماً في مخيلة أطفالكم، وتكون دليلاً لهم في حياتهم، وفي تحديد علاقتهم بكم وبالآخرين.
انتهت الخربشات، وبقيت الآثار، وردود الفعل
ـــــــــــــــــــ(101/54)
كيف يستفيد أبناؤنا من العطلة الصيفية؟
مع بداية الإجازة الصيفية لأبنائنا الدارسين في مراحلهم المختلفة وعلى مستوى الجنسين، يفكر كل منهم في كيفية قضاء إجازته التي ينتظرها من عام لآخر، ويتفاوت التفكير لدى كل منهم تجاه هذا الشأن، فهذا يفكر في الالتحاق بمكتبة كذا، وذاك يرغب في الاشتراك في نادي كذا، وثالث يخطط لعمل نافع له ولمجتمعه، من أجل هذا كان لابد أن يكون للوالدين دور أساسي في توجيه الأبناء نحو الاستفادة من هذه الأوقات، حتى لا تمر من دون فائدة، أو تذهب سدى في توجيه الأبناء نحو الاستفادة من هذه الأوقات، أو تذهب سدى في مالا طائل من ورائه• بدءاً لابد أن يغرس الوالدان في أبنائهما أهمية المحافظة على الوقت، لأنه عمر الإنسان وحياته، والشاعر يقول:
دقات قلب المرء قائلة له *** إن الحياة دقائق وثوان•
وإذا ما فطن الأبناء لأهمية الوقت، فإنهم لن يضيعوه هباءً أو يقضونه في غير منفعة، والفراغ نعمة من نعم اللّه أسبغها على كثير من خلقه، ففي الحديث الصحيح، نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس، الصحة والفراغ< وقال رسول اللّه - صلى الله عليه وسلم -:اغتنم خمساً قبل خمس ••• وذكر منها فراغك قبل شغلك•
وبعد انتهاء العام الدراسي بما فيه من مذاكرة وتحصيل وسهر وتعب امتحان، يجلس الوالدان مع أبنائهما للتشاور في كيفية استثمار الوقت الطويل لتلك العطلة، لأنه إذا لم يحدث ذلك فإن الأبناء قد ينحرفون عن جادة الصواب بسبب رفاق السوء، أو بسبب اتباع الهوى•
والأنشطة النافعة كثيرة، فقد يرشد الوالدان أبناءهما إلى ممارسة نوع ما من الرياضة شرط أن تعود بالنفع على أبدانهم وعقولهم، بعيداً عن الرياضات التي تضر من يمارسها أكثر ما تنفعه، كذلك لابد من التنبيه إلى البعد عن المقامرة والميسر، وكل أشكال المحرمات التي قد ترتبط بممارسة الرياضة في كثير من الأحيان، وبعض الأبناء تكون لديهم الرغبة في التنزه والاستجمام، وهذا ليس ممنوعاً، ولكن شرط الالتزام بآداب التنزه بعيداً عن الاختلاط المحرم، وإضاعة الفرائض وكشف العورات، والتكلم بالفحشاء•
ولا بأس بالترويح المشروع، فقد ثبت في كتب الصحاح أن الرسول - صلى الله عليه وسلم -مارس أنواعاً عدة من الرياضات منها العدو (الجري)، والمصارعة التي لا تضر بالخصم، والرماية بالقوس والنبل، وفي وصية لعمر بن الخطاب - رضي الله عنه- علموا أبناءكم السباحة والرماية، ومروهم أن يثبوا على ظهور الخيل وثباً<•
أما أفضل استثمار لأوقات الفراغ، فهو حفظ القرآن الكريم، وإن كان هذا لابد منه طوال العام، بل طوال حياة المرء المسلم، إلا أنه آكد في أوقات الفراغ، ولابد أن ينبه الوالدان أبناءهما الى أن حفظ القرآن الكريم ينقي الذهن، ويقوى الذاكرة، ويزيد الإيمان، ويبعد الإنسان عن أزِّ الشيطان ومكره، وقبل كل ذلك يكون دليلاً على رضا الله - تعالى -، وبجانب القرآن الكريم يدرس سيرة الرسول - صلى الله عليه وسلم -، وصحبة الأبرار، وكذا سيرة السلف الصالح - رضوان الله عليهم- كي يتعلم منها ما يصلح حياته، وينفعه بعد مماته، ولدراسة تلك السير فضائل جمة، يتدرب على فعلها الأبناء، ليشبوا صالحين متبعين وليسوا مبتدعين، ونذكِّر هنا بحديث رسول اللّه - صلى الله عليه وسلم -الذي رواه الطبراني في الأوسط والكبير أدبوا أبناءكم على ثلاث خصال، حب نبيكم وآل بيته وتلاوة القرآن، فإن حملة القرآن في ظل عرش الرحمن يوم لا ظل إلا ظله، مع أنبيائه وأصفيائه إن أوجه المنفعة كثيرة من أجل قضاء إجازة نافعة وعطلة مثمرة، بعيداً عن القيل والقال، وإضاعة المال، وبعيداً عن كل ما يغضب اللّه - تعالى -، ويعود بالضرر على صاحبه•
فلينتبه الوالدان إلى ذلك جيداً، ولا يتركوا لأبنائهما الحبل على الغارب بحجة أنها عطلة، أو إجازة، حتى لا ينحرف الأبناء، ويفاجأ الآباء بما لا تحمد عقباه•
http://alwaei.com المصدر:
ـــــــــــــــــــ(101/55)
الإجازة الصيفيّة فرصة ذهبيّة
د. صفاء الضوي العدوي 12/5/1427
08/06/2006
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه .. وبعد
فما أن تنتهي الامتحانات في المدارس والجامعات، وتبدأ الإجازة الصيفية، حتى تبدأ الشكوى من الطلاب والآباء من أوقات الفراغ التي تمثل عند الشباب مشكلة حقيقية.
ومن أعراض هذه المشكلة : الملل، والحيرة، كما تعني الإجازة عند الآباء هاجساً آخر يجسده الخوف على الأبناء من أصحاب السوء.
أيها الشباب ..
إن حقكم في الترويح عن نفوسكم بعد إرهاق العام الدراسي أمر لا نزاع فيه، وإنما الكلام في أوجه النشاط الترفيهي غير الضارة التي يمكن أن تعين على تحقيق التوازن أو الاسترخاء للإنسان في ضوء القيم والمبادئ الإسلامية.
ففي ديننا العظيم، وفي سنة النبي -صلى الله عليه وسلم- فسحة من الترويح، تمثلها حياة النبي مع أهله وأصحابه وأطفالهم، فقد حفظت لنا السنة في هذا الجانب سجلاً مشرقاً من التربية المتزنة، وإنك تجد فيها مزاحه صلى الله عليه وسلم مع بعض أصحابه، فقد كان يمزح ولا يقول إلا صدقاً، كما ترى مداعبته لبعض الأطفال، ومسابقته لعائشة -رضي الله عنها- ومشاهدته الحبشة يلعبون بحرابهم في مسجده، وإذنه للجواري أن يغنين بكلام حسن معبرين عن ابتهاجهن بالعيد.
وإذا أقبل الشاب المسلم على الترفيه بنية صالحة، ليحقق الاستجمام الذي يعيد إليه نشاطه، ويهيئه لاستقبال عمله بهمة ونشاط، فإنه بهذا يحقق عبوديته لله حتى وهو يلهو لهواً مباحاً بضوابطه الشرعية، ومن هذه الضوابط أن يدرك أن الترويح عن النفس إنما هو وسيلة لا غاية، وأن الأصل هو الجد، والفرع هو الترويح، فلا يطغى اهتمامه بالترفيه على همه، ويستولي على معظم وقته، أو يعطله عن أعماله الجادة أو يشغله عن الصلاة أو غيرها من واجبات الدين، أو يخالطه محرم كسماع المعازف والغناء، أو تصوير ما له روح، أو كثرة الضحك التي تميت القلب، أو السخرية على سبيل المزاح، والتي قد تجلب العداوة والخصام، أو اختلاط الرجال مع النساء الأجانب، والذي يفضي في الغالب إلى النظر المحرم، وتعلق القلب بما لا يحل، وما يسببه من القلق والتوتر، أو غير ذلك مما ألفه كثير من الناس في مرحهم ورحلاتهم، حيث تمتلئ الأجواء بالميوعة والترف والغفلة، وهي الأجواء التي يجد فيها الشيطان فرصته الكبيرة في الإغواء والإفساد.
إن الشباب الصالح يشتهون غداً أفضل ومستقبلاً أجمل لأنفسهم وأمتهم وأوطانهم، والأمة التي يدرك شبابها قيمة العمل، فيقبلون عليه بجد وإخلاص وإتقان لن تجني بفضل الله تعالى إلا مجداً باهراً، ونجاحاً يرفع رأسها بين الأمم.
إن الترويح عند الشاب المسلم الواعي يعني استرخاء عارضاً مباحاً، ومثاقفة ماتعة مع صحبة خيرة عاقلة تتبسط بغير إسفاف، وتمرح بغير كذب أو استخفاف، بل تلهو في أدب وحياء ومودة صادقة، وتتبادل من الأفكار والمعارف ما يفتح لها أبواباً من النجاح والإبداع والأمل ..
والمنهج التربوي في الإسلام يتميز بأنه يرعى سائر الجوانب في النمو الإنساني: الروحية منها، والأخلاقية، والطبيعية، والعلمية.
إن هناك ألواناً من النشاط، وأنواعاً من التعاون على البر والتقوى تشيع في جوها المحبة والأنس والبركة، فليس الترفيه عند الأخيار انفلاتاً من الفضيلة، وابتعاداً عن ضوابط الأخلاق، والإسراف في الضحك، والتوسع في حكايات سخيفة، أو عبث طائش.
إن الشبان الجادين يفهمون أن جو الترفيه إنما هو استمرار لأوقات الجد والنفع، واستكمال لساعات البذل والعطاء، فينبغي أن يكون جو نصح، وفرصة لتداول الرأي فيما يمكن أن يعين على بناء الشخصية المسلمة، أو يفتح الذهن على خطة رشد تعين فيها أخاً لك على الخلاص من أزمة طاحنة، أو تقدم فيها دوراً نافعاً في قضية من قضايا أمتك، فإن مجرد المباحثة في مثل تلك المعاني حريّ أن يباركه الله، ويسلك صاحبه في الصالحين.
الصحبة الصالحة:
وهذه أيها الشاب المسلم وصايا تعينك على الانتفاع من وقت الفراغ ، أولها: لا تصحبْ إلا صالحاً؛ يحافظ على الصلاة، ويتخلق بأخلاق الإسلام، ويتحلى بصفات الرجولة من الصدق والعفاف والأمانة، واعلم أن صديقاً من هذا الطراز كنز نفيس، فإن يسّره الله لصحبتك فاحمد الله وحافظ عليه، واجتهد في تنمية أُخوتك معه بالصدق والوضوح والمروءة والنصح، فإنه لا خير في صحبة الغافلين المفرطين المضيعين للصلاة، الغارقين في اللهو، الشاردين عن الجد، وإن كان لك رفقة من هذا النوع الأخير، فابذل لهم النصح وانسحب من عالمهم بحزم وعزم، واصنع لنفسك جو النجاح، فإن الأجواء الموبوءة تصيب بالأمراض، وتنهك القوى وتعرض من يعيش فيها للخطر.
جدد حياتك:
إن حياة الشاب الغافل، راكدة آسنة، وتحتاج أن تتجدد، فجددْ حياتك بإيمان واعٍ ، وثقافة أصيلة، واهتمام صادق بقضايا أمتك، فاقرأ وتعلم وتابع، وتلمَّس قلبك عند الفرح بانتصارات الأمة، والهم والحزن لمصابها وجراحها، فإن وجدت قلبك على هذا فأبشر بالخير، واعلم أنك على الجادة، واسأل ربك المزيد، وشد العزم على المضي، فإن الطريق طويل، ولابد له من همم الرجال.
أخي الشاب المسلم ..
لتكن الإجازة الصيفية لك فرصة ذهبية في تحقيق نقلة كبيرة في عالم الإيمان والعمل، لا تدع الشيطان أو وساوس النفس تقنعك أن الأمر مستحيل، بل عليك أن تفعم نفسك بالأمل في الله، وبالثقة في نفسك، فكم من العلماء والنابهين كانت بداية الصعود والتفوق عندهم عزيمة ناهضة واستعانة بالله صادقة.
الإخلاص:
للنية الصالحة، والصحبة الطيبة أحسن الأثر في الاستفادة من الوقت، وإليك بعض الأفكار التي تساعدك على تفعيل نشاطك بالنافع المفيد.
حفظ القرآن:
إن الحياة مع القرآن الكريم تلاوة وتدبراً وحفظاً نعمة عظيمة، فلا يفوتنك هذا الخير في إجازتك الصيفية، وإن المراكز التي تقوم على هذا العمل الرائع كثيرة، ومتواجدة في كل حي، وستجد من المشرفين والمعلمين والزملاء من الطلاب خير عون لك على النجاح والتقدم.
دروس العلم:
حلقات العلم هي رياض الجنة، والعاقل الموفق يحرص على حظه الوفير منها، فليس أضر على الإنسان من الجهل، لا سيما الجهل بما لا يسع المسلم جهله، من مسائل التوحيد ومعرفة صور الشرك، وتعلم العبادات على السنة الصحيحة، ومنهج السلف الصالح، وتعلم أحكام الشرع، عسى أن يشرح الله صدرك، ويحبب إليك العلم وييسر لك طلبه، فتكون من الدعاة إلى الله على بصيرة، وتنتفع بك أمتك.
الدورات العلمية والمهارات الفنية:
من الأمور التي يمكن أن تنفق فيها جزءاً من وقتك في الإجازة الصيفية اكتساب مهارات فنية علمية كدورات الحاسوب التخصصية التي يحتاج إليها المسلمون في وسائل التعليم والإعلام، وتوسيع طرائق الدعوة إلى الله، وكذلك كل علم تحتاجه في الدراسة التي ترغب أن تتخصص فيها، على أن تكون أوقاتك مشغولة ببرامج متّزنة تراعي الأولويات، فالأهم قبل المهم.
الأعمال الخيرية:
يكتشف الإنسان في نفسه استعدادات عقلية ونفسية لم تكن في حسبانه، وذلك حين ينهمك في عمل جماعي خيري، فيختار من الأدوار ما يميل إليه، فربما آنس في نفسه مقدرة على الإبداع في هذا المجال الخيري، فينجح وينفع الله به، ويكون قد حقق قول الله تعالى: (وتعاونوا على البر والتقوى).
فاقترب من إخوانك الذين وقفوا أوقات فراغهم على العمل الخيري، في خدمة دورات القرآن أو الدروس والمحاضرات، أو العمل الدعوي والإعلامي، أو العمل الإغاثي في جمع التبرعات لمشروع تتبناه جمعية خيرية، أو هيئة من الهيئات الإسلامية.
الأنشطة الرياضية:
من المفيد كذلك أن تحرص على بناء جسمك بالرياضة المباحة في جو مناسب مع إخوانك، وأن يكون ذلك النشاط الرياضي بمثابة الترفيه من جانب، والمحافظة على النشاط والحيوية واللياقة البدنية من جانب آخر، ودع عنك ألوان الرياضة الفارغة التي لا فائدة منها ككرة القدم والسلة وما شابهها، واختر من الرياضة ما يليق بالشاب العاقل الطموح، كالفروسية، وألعاب القوى البدنية.
واحذر أن تُستخف إلى التعصب الرياضي، فإن الفارغين هم الذين يغلب عليهم اللهو، فيفرحون ويحزنون ويملؤون الدنيا ضجيجاً وصخباً لفوز فريق وهزيمة آخر، فكن مع العقلاء الذين ترجو أمتهم فيهم الخير والصلاح.
المخيمات الشبابية والطلابية:
تحرص الجمعيات الخيرية الدعوية على إقامة المخيمات الشبابية والطلابية في الصيف؛ وتتبنى هذه المخيمات برامج جيدة وأنشطة نافعة، وقد تأكد دورها الكبير في إيجاد المحاضن التربوية التي تربي الشباب على الصالح النافع من الأخلاق، وتنشر الوعي الإسلامي في صفوفهم، من خلال الدروس الشرعية والمحاضرات التي يُدعى إليها أهل العلم والدعاة، وتُوزّع فيها الأشرطة النافعة، والكتيبات والرسائل المفيدة، كما تجد في برامجها من وسائل الترفيه المباح من قضاء أوقات في برك السباحة، وركوب الخيل، وساعات من السمر الهادف التي تُلقى فيها بعض النماذج من الإنتاج الأدبي الشعري والنثري، لبعض الناشئة من شباب المخيم، وكذا التدرب على الخطابة والوعظ، فتكون فرصة لاكتشاف مواهب كانت مخبأة، فتظهر في تلك الأجواء الطيبة.
كما سيجد في تلك المخيمات التربوية وسائل ممتعة لعرض بعض المواد المعرفية الهادفة من أفلام وثائقية علمية تعرفه بقضايا المسلمين، فينمو لديه الشعور الطبيعي بحب أمته والاهتمام بشؤونها، وسيجد فيها أيضاً فرصة للمنافسة على الخير في صورة مسابقات علمية مناسبة، ومساجلات ثقافية نافعة، ومباريات رياضية ممتعة، وبإمكان الشاب الصالح أن يشترك في تلك المخيمات، التي تملأ وقته بالبهجة والمرح، وتزود عقله بالمعرفة والخبرة، وتمكنه من تكوين علاقات أخوية طيبة.
احذر الفراغ .. فإنه خطر:
يتفق الحكماء على أن الفراغ يدمر الكفايات والمواهب، ويهدر أغلى ما يملك الإنسان وهو الوقت، ولقد نبه النبي -صلى الله عليه وسلم- أمته لأهمية الوقت فقال: " نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس ؛ الصحة والفراغ " رواه البخاري، وقال صلى الله عليه وسلم: "اغتنم خمساً قبل خمس: حياتك قبل موتك، وصحتك قبل سقمك، وفراغك قبل شغلك، وشبابك قبل هرمك، وغناك قبل فقرك".
ومن أقوال الحكماء: من أمضى يوماً من عمره في غير حقٍ قضاه، أو فرضٍ أدّاه، أو مجد أثّله، أو حمد حصّله، أو خير أسّسه، أو علم اقتبسه، فقد عقّ يومَه، وظلَم نفسَه!
ونذكّرك بأمور هامة .. قد تنساها:
وذلك أن الشاب قد ينشغل ببرامج علمية وعملية وترفيهية في الإجازة فيغفل عن بعض الواجبات، فاحرص أخي على أن تكون باراً بوالديك قائماً بما يجب عليك تجاههما في البيت وخارج البيت، وحسِّن خلقك للناس، وعسى أن تكون هذه الإجازة نقطة تحوّل في حياتك نحو الأصلح والأرشد، وبالله توفيقنا وتوفيقك، وصل اللهم وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه.
ـــــــــــــــــــ(101/56)
حينما كنت رجلاً كبيراً
هناء الحمراني
(حينما كنت رجلاً كبيراً..سرت بسيارتي الحمراء فوق البحر، وطرت بها وقد صار لونها أزرق، ورأيت أمجد تحت الأرض يلعب وشتمته قائلا: يا قذر، لماذا لا تأتي وتلعب معي؟).
كم ميلاً من الأعصاب تحتاج لتحمّل هذا الهراء أن يطرق سمعك؟ وكم طناً من الساعات تطلب لكي تجلس منصتاً دون النظر إلى معصمك بقلق؛ لأن لديك عملاً أكثر أهمية من هذه السخافات؟
ولكن.. قف لحظة أخي.. وتأمل ذلك المتحدث (اللبق) الذي يجلس قبالتك وقدماه متدليتان لا تكادان تصلان إلى منتصف المسافة بين الأرض والمقعد..
انظر إلى عينيه اللتين تتحركان مع يديه، وهو يشرح لك بـ(صدق) ما حدث له حينما كان (رجلاً كبيراً)..
إن أبناءنا حينما يتحدثون.. يعني ذلك لهم شيئاً مهماً.. ويعني لنا أيضاً أشياء مهمة.. فـ:
تحدث معه.. استمع وتفاعل.. اسأله يجبك.. وأجب عن أسئلته..
تحدث معه:
اعتادت نسرين الحديث مع أبنائها قبل النوم.. يستلقي كل واحد منهم على فراشه متوسداً يده.. تطفئ الأنوار.. وتبصر بضوء المدينة الداخل من النوافذ..
بدأ أبناؤها حفظ العديد من سور القرآن من خلال تلك الأحاديث الليلية.. تعرّفوا على قصص الأنبياء.. وقصص الأمم السابقة من أقاصيصها التي ترويها لهم في كل مرة.. تعلّموا أن هناك رباً نعبده.. وملائكة تفعل ما يأمرهم به.. وشيطاناً يتربص ببني آدم.. وأشياء كثيرة في عقيدتهم.. وأيضاً.. استطاعت نسرين.. أن تعبّر لهم كل ليلة عن مدى حبها الشديد لهم.. وأنها إن أخطؤوا قد تغضب منهم، ولكنها لن تكرههم أبداً..
تعرضت نسرين لوعكة صحية جعلتها غير قادرة على التحدث مع أبنائها كما كانت تفعل.. وعندها لاحظت مدى العناد الذي أصبح أبناؤها يمارسونه عند توجيه أي أمر لهم.. وبعد فترة ليست بالقصيرة قال لها أحد أبنائها: (أمي.. كم اشتقت لك.. لماذا لا تتحدثين معنا كما كنا في السابق؟).
استمع وتفاعل:
إنه يرفع يديه.. (وطرت بالسيارة فوق البحر)
ياااه شيء مثير..
ابدأْ تفاعلاً معه.. تخيل أنك تشاهده.. وأشعره بأنك تصدقه.. لا تحاول تحطيم أحلامه الطفولية (السيارات لا تطير) فغدا يكبر ويكتشف أنه لن يستطيع الطيران بالسيارة، وتحديداً فوق البحر.. وربما يقنعك بالعكس!! من يدري!!
استرسل معه.... استدرك سؤالاً يثبت - وبقوة كم أنت متحمس لرحلته ( بني.. وهل ذكرت دعاء ركوب السيارة عندما ركبتها ؟ ) وعندما يخبرك عن تصرف خاطئ مارسه أثناء طيرانه أبدِ أسفك لذلك .. وأنك تتمنى لو أنه لم يشتم صاحبه .. قد تجده في نهاية القصة يخبرك أنه عندما قفل عائداً بسيارته حمل أمجد وقبّله قائلا : (يا صديقي الحبيب)..
عندما تستمع.. وتتفاعل.. وتعلق.. قد تغير الكثير من السلوكيات الخاطئة لدى أبنائك.. ولكن احرص على ألاّ تحطّمهم..
اسأله يجبك:
حينما يلعب الطفل فإنه يطبق كل خبراته التربوية مع ألعابه..
هل حاولت أن تشارك ابنك اللعب.. وتفتح معه تحقيقاً حول شخصيات ألعابه؟
وائل.. طفل في الثالثة من عمره.. أخذ سيارته ليضعها على الطريق الرملي في فناء المنزل.. في لحظة من الهدوء سألته والدته:
إلى أين تذهب سيارتك؟
إلى المدرسة..
ومن الذي يقود السيارة؟
أنا بالطبع!!
رائع.. ومن يجلس بجوارك؟
أختي..
وأنا؟
أنت تجلسين في الخلف.
لماذا؟
لأنك دائماً تجلسين في الأمام عندما نركب سيارة بابا.. وتدعيننا خلفك..
انطلق مع أطفالك في لعبهم.. اسألهم.. سيجيبون عن أسئلتك.. وستجد في إجاباتهم شيئاً يعبر عما يضايقهم.. أو يفرحهم..
تحدث معه:
استمع وتفاعل:
اسأله يجبك:
أنت متهم.. محبوس في قفص.. النور مسلط عليك.. فأنت وحدك المسؤول عما يحدث حولك من ظواهر.. وآلاف الأسئلة تنهال عليك بسرعة عشرين سؤالاً في الدقيقة.. والوقت الوحيد الذي تستريح فيه عندما ينام المحقق الصغير والذي غالباً ما يستيقظ قبلك وينام بعدك..
من الذي قطع أقدام الثعابين وجعلها تزحف؟ لماذا نمتلك خمسة أصابع في كل يد؟ كيف جئنا؟
تمالك أعصابك.. خذ نفساً عميقاًَ.. (لا أدري) جملة قديمة لا فائدة منها.. ألقِ بالأكاذيب خلفك.. فالبعبع لا حقيقة له.. والأطفال لا يولدون من الجدار.. والموت ليس مصير الأطفال المشاغبين.. وإنما هو مصير كل مخلوق.. كن صادقاً في إجاباتك.. فأنت تبني إنساناً فليكن بناؤك متناسقاً.. لكي لا يفقد ثقته فيك.. ويبحث عن شخص آخر يجيب عن أسئلته..
قبل الرحيل:
هل تبحث عن صديق تشكوه همك؟ تحكي له أملك؟ تشاركه فرحتك؟ تذكر له ماضيك؟ كن أنت هذا الصديق لأبنائك.. واسمح لهم أن يكونوا لك هذا الصديق..
4/8/1426
08/09/2005
http://www.islamtoday.net المصدر:
ـــــــــــــــــــ(101/57)
الذبابة المزعجة
هناء الحمراني 1/5/1427
28/05/2006
تصرُّف ابني يزعجني..يضايقني..يصيبني بالقرف...هكذا ردّدت في نفسي..
تحوم حول رأسي ذبابة..ثم تحطّ على أنفي..
- أفففف..
وأهشها بيدي لتبتعد وسرعان ما تعود..
ما الذي يزعجني فيه؟ إنه بذيء اللسان..يشتمني..يشتم إخوته..حتى العامل الذي يكنس الشارع.. يرفع رأسه ليجده في النافذة يلقي عليه بأنواع الكلمات الجارحة..
أفففف..
وتعود الذبابة على أنفي ..وأهشها بيدي..
سكبت كأساً من الماء..الذبابة ما زالت تحوم..وللمرة العاشرة تقف على أنفي، ولا أدري لماذا أنفي بالذات!!
عندها..قررت أن أنهي كل شيء..
حملت المبيد..صوبته نحو الذبابة..وأخيراً..انتهى الإزعاج..
****
أن تزعجك مشكلة ما في حياتك..أسرية كانت أم عامة..أن تضايقك وتسبب لك(قلقاً)تماماً كما تفعل الذبابة..
أن تهدر طاقتك، وأنت تفكر في ذات الموضوع...يعكر مزاجك..يشعرك بأن هناك شيئاً مهما لم تنههِ بعد..تهشّه..يهرب لثوان..ثم يعود ليقلقك..
أن يضيع عمرك..وأنت على هذه الحال..
هل هذا بالفعل ما يجب أن يحدث ونحن نمتلك الحلول؟
****
بالضبط..نمتلك الحلول..مقالي هنا يتحدث عن مشاكلنا البسيطة التي ربما تكون تافهة، ولكنها تترك أثراً قوياً لتكررها وتراكمها موقفاً بعد آخر.. تماماً كالمنهج الدراسي الذي لا نذاكره درساً بدرس ليصبح في النهاية مصيبة حقيقية إذا ما قسنا حجم المنهج بالساعات القليلة المتبقية قبل الامتحان..
****
- أنت دائماً هكذا..لن تتغير..ستبقى إلى الأبد صاحب أطول لسان في العالم..لقد يئست من تعديل وضعك..تعبت.. مللت..أعوووووووذ بالله منك!!
عفوا سيدتي..هل تعنين حقاً أنك بذلت مجهوداً في تعديل سلوك ابنك صاحب اللسان (الطويل) أم أن مجهودك لم يتعدَّ مثل هذه الكلمات التي لا تلد إلا خذلاناً وتثبيطاً..وكأنك تستلذين (هش) الذبابة؟
إننا إذا فكرنا بجدية..ونظرنا إلى المشكلة بذاتها جيداً..
ما هي المشكلة؟
ابني يقول أشياء غير لائقة..
ما هو الحل؟
اعرفي السبب أولاً..هل تلقى الكلمات منك..أم من المحيط الأسري الذي يشمل الأقارب..أم من المدرسة؟
وخطوة خطوة..وبتعامل جادّ مع الأسباب التي يمكن الحد منها، وتقليل الكلمات المحبطة التي نردّدها على مسامع أبنائنا نصل بإذن الله إلى حل هذه المشكلة..
****
الطالب المشاغب في الفصل..التنبيه لا يردعه..النظر إليه شزراً لا يخيفه.. إهانته أمام زملائه..تنقيص درجاته..طرده من الفصل..كل ذلك لا يجدي..المعلم يهشّ المشكلة بردود أفعاله هذه دون أن يحلها..
****
وأخيراً:
علينا أن نفكر.. من حقنا على أنفسنا أن نفكر..ولكن من ظلمها أن نعطي الأمور أكبر من حجمها..أو أن نشتت تفكيرنا، وكأننا نبحث عن حل، وفي الحقيقة نحن لا نبحث إلا عن القلق..ومن الظلم أيضاً..
أن نفكر في الغد ونحن لم نعش لذة الحاضر..
ـــــــــــــــــــ(101/58)
الامتحانات .. المعاناة والأمل
محمد مرسي 26/4/1427
24/05/2006
يقبل الصيف بحرارته ويقترب موعد امتحانات نهاية العام الدراسي، فتنتاب البيوت حالة اضطراب وقلق وترقّب ربما صاحبها شيء من توتر الأعصاب، وكأن موعد الامتحانات كان مفاجأة للجميع.
ومن هنا تتكرر نفس الأسئلة: كيف نذاكر؟ وكيف نخفف من الضغط العصبي في هذه الأيام؟ وما هو السبيل للوصول لأفضل طرق المذاكرة والتحصيل؟ إلى غير ذلك من علامات الاستفهام التي ترسم ملاح الحيرة على وجوه أبنائنا الطلاب، وكذا أولياء أمورهم، مما حدانا للتوجه إلى الخبراء والمختصين لتبديد هذه المخاوف والاسترشاد بما يؤدي ـ بإذن الله ـ إلى أفضل النتائج في تلك الامتحانات ..
في البداية يحدثنا الداعية والباحث الشيخ مصطفى الأزهري عن بعض النصائح المطلوبة لتحقيق النتائج المرجوة فيقول:
أولاً: يجب أن نعدّل ـ من الأساس ـ نظرة أبنائنا الطلاب إلى التحصيل العلمي، وأن نرسخ فيهم أن "طلب العلم فريضة على كل مسلم"؛ فيتساوى في بنائهم النفسي والفكري أداء الصلاة مع العكوف على الكتاب للتحصيل، وذلك بالضرورة يُنشئ في نفوس الأبناء الشعور بالمعنى العميق لمفهوم العبودية لله في تحصيل المذاكرة، وذلك في ظني هو من أكبر الدوافع النفسية للأداء والتحصيل، كما أنصح الطلاب بالارتباط بالقرآن الكريم؛ خصوصاً في هذه الأيام قبل بدء المذاكرة، وكذلك الاستمتاع بصلاة الفجر، ثم بداية استذكار الدروس مع أنفاس الصباح الطيب المبارك، كما أنصح الوالدين بعدم توتير أجواء البيت بشد أعصاب الأبناء والإلحاح على المذاكرة، مع التقليل ما أمكن من لهجات العصبية، مع استخدام الألفاظ السهلة في التعامل، وتخفيف العبء النفسي على الأبناء بأن يسمعوهم الدعاء لهم بين الحين والآخر.
خطة المذاكرة في الامتحانات
تقول الدكتورة فؤادة هدية أستاذ علم النفس بجامعة عين شمس: إنه مهم للغاية من الناحية النفسية للطالب أو التلميذ المقبل على امتحانات نهاية العام أن يضع الطالب خطة عمل يجب أن يتمسك بها- وبمرونة- حتى لا يُصاب بالإحباط والضيق، وذلك لأنه في الغالب لن يستطيع تنفيذ خطة عمله نظراً للمذاكرة، وأحياناً ينشغل التلاميذ باللعب ومشاهدة التلفاز.
وهناك بعض الطلاب يضعون جدول المذاكرة حسب درجة استيعابهم للمواد الدراسية، فهناك طالب قادر على الحفظ، وهناك آخر قادر على الفهم ولا يستطيع الحفظ، فكل منهما يضع جدوله بناء على درجة معرفته لظروفه ووقته ودرجة استيعابه أيضاً، وعموماً فإن المذاكرة الجادّة تكشف للطالب مدى مناسبة خطة العمل التي وضعها، وكلّما كان الطالب نشيطاً كان أكثر إنجازاً مما يعطيه دفعة إلى الأمام، أما من يؤجل تنفيذ خطة عمله من يوم إلى آخر فستجده يقع في فخ كسله وإهماله، وتسرقه الأيام القليلة المتبقية على الامتحان؛ مما يصيبه بالارتباك، ولذلك أنصح الطالب بأنه إذا وضع خطة للمذاكرة فعليه أن يطبقها دون أن يقسو على نفسه، وأن يجعل وقتاً للفسحة والراحة يتخلل الأوقات التي تفصل بين كل مادة وأخرى.
وتشير الدكتورة فؤادة إلى أن هناك من الطلبة أو التلاميذ من يضع جدولاً للمذاكرة لتسكين ضميره؛ فهو لا يقوم بتنفيذ خطته على الإطلاق معتبراً مجرد وضع هذا الجدول يخلصه من مسؤولية المذاكرة، وفي الغالب سنجد أن هذا الطالب يعاني من صعوبات نفسية أهمها: قلق المذاكرة ورهبة الامتحان، ويعاني أيضاً من انخفاض في تقدير الذات؛ فإنجاز العمل يعتمد على ثقته بنفسه، وعدم مقارنة مجهوده بمجهود الآخرين من رفاقه؛ لذا أنصح الطالب بألاّ ينظر إلى غيره أو يستمع إلى أحد -ربما يكون يكذب عليه - في مدى إنجاز مذاكرته، وأنصحه بألاّ يدع الوقت يمر وهو يفكر كيف سيذاكر، فكلما مر الوقت وهو يجتر أفكاراً سلبية بأنه لن يستطيع إنجاز شيء في المذاكرة ازدادت المشكلة وتعقّدت أكثر، ويجب ألاّ يخشى التلميذ المذاكرة، وإذا كان خائفاً من مادة ما فعليه أن يسرع إلى فتح كتابها والتغلب على خوفه ورهبته من هذه المادة، وعلى الأهل أيضاً مساعدة أبنائهم على إنجاز خطة العمل التي وضعوها.
دور الأسرة
أما عن دور الأسرة في تدعيم الجو النفسي لأبنائهم أثناء الاستعداد للامتحانات فتقول الدكتورة كاميليا عبد الفتاح ـ أستاذ علم النفس بجامعة عين شمس: إن العلاقة بين الآباء والأمهات وأولادهم يجب ألاّ يشوبها التوتر والضغوط التي تنتج عن المذاكرة معهم، فليس دور الأم أن تكون المعلمة؛ فهذا أخطر شيء، ويمكنها أن توجه ابنها من بعيد، وتتصل بالمدرسين، وهناك دراسة قامت بها باحثة على أمهات مصريات يذاكرن لأولادهن سجلت بعض الحالات أنها تذاكر لابنها وبينهما "الشبشب" الذي يتحدث وقت اللزوم، وذلك بالطبع يتسبب في خلل في العلاقة، ويجب أن تنسحب الآن تدريجياً من أمام الطفل، وتضع بديلاً لها كأن تقول له: عد للمدرسة لتشرح لك مرة أخرى الدرس مع متابعته، وتؤكد له ضرورة اعتماده على نفسه، وتدربه على طريقة المذاكرة السليمة.
وتضيف الدكتورة عزة خليل ـ المدرس بكلية البنات جامعة عين شمس قسم تربية الطفل: إن أكبر ورطة هي مساعدة الأولاد في المذاكر والتدخل فيها، وذلك يجعلهم يعدون الأمر "مشكلة ماما وبابا" لا يذاكر دونهما، وذلك أمر خطير. فهل سيستمر الأهل في المذاكرة لهم في الجامعة؟ فمن البداية لا بد أن أعوّده على المذاكرة معتمداً على نفسه، وأتابعه، وأضع له مواعيد ومعايير فمثلاً: لو لم يُنه واجباته واستذكاره قبل التاسعة ألومه بأن ينام في الموعد المحدد وعدم أداء واجباته هي مسؤوليته، ويتوجب عليه مواجهة معلمته عندما تسأله عنها، ولا أساعده إلا إذا واجه صعوبة أو عدم فهم، وأباشره من حيث نظافة الكراسة والخط واستكمال اللازم، وبالطبع المذاكرة للأولاد أمر يحوّل البيت إلى جحيم من حيث الضغوط التي تتعرض لها الأم والأب، فيفقدان أعصابهما، ويؤثر ذلك سلباً على الأبناء، فيفقدون التركيز، ويختنقون من المحاصرة التي يتعرضون لها، وقد يؤدي ذلك إلى الإخفاق الدراسي، وعدم الرغبة في المذاكرة، أو يستفزوهم من ناحية أخرى ليردوا لهم ما قاموا به من سلوك انفعالي، وضغوط عليهم للاستذكار، وذلك يعكس سوء العلاقة، والطريقة السليمة هي المتابعة مع المدرسة، وإذا اكتشفت الأم عدم أداء ابنها الواجب تلزمه بعمله، وتؤكد له أنها سترى ما فعل، ويجب ألاّ تتحول البيوت إلى مدارس؛ فلكل دوره ومسؤولية الأم والأب هي المتابعة وليس التدريس.
الاعتماد على النفس
وفي إطار توجيه الأسر أبناءها إلى الاعتماد على النفس، والخروج من شرنقة الاتكاء على الوالدين، يرى الدكتور محمود حمودة أستاذ الطب النفسي بجامعة الأزهر أن من الأفضل أن تنمي الأسرة في طفلها الاعتماد على النفس في كل أمور حياته، وتقليل اعتماده عليهم حتى لا تضعف ثقته بنفسه، ويصبح متشككاً في قدراته الذهنية، وأنه لا يستطيع إنجاز الدرس بعيداً عن أهله، وعلى الأم والأب البدء بوضع ابنهما من الحضانة على الطريق الصحيح، واتخاذ دور الموجه والمرشد، وليس دور المشارك الفاعل حتى لا يتحول الطفل إلى مفعول به مسلوب الإرادة مستسلماً للوضع بواسطة الآخرين، ويترتب على ذلك عدم الشعور بالمسؤولية تجاه مستقبله، ويصطدم فيما بعد بالعقبات الدراسية، ولذلك فيجب أن نعدّ أبناءنا لمواجهة مستقبلهم، ونحترم عقولهم، وننمي لديهم الاستقلالية، وإلاّ ستكون العواقب وخيمة؛ فهناك عدة نماذج لضحايا هذا النظام الخاطئ، مثل طالب الثانوية العامة الذي لا يستطيع المذاكرة إلا بوجود أمه إلى جانبه، على الرغم من أنها قد تكون أمية لا تعرف القراءة ولا الكتابة، وتضطر إلى النوم على المقعد حتى يذاكر، وإذا تركت الحجرة لا يستطيع المذاكرة، وذلك لأنه اعتاد عليها، ولم يكن في داخله الدافع الذي يكفي لكي يثابر، ويذاكر من أجل مستقبله.
ـــــــــــــــــــ(101/59)
تعلَّم طرد قلق الاختبارات مع المرشد النفسي
حوار: إبراهيم الزعيم 23/4/1427
21/05/2006
بعد أيام قلائل تبدأ فترة الاختبارات في كافة المراحل الدراسية، ويظهر إلى السطح القديم الجديد، وهو القلق والتوتر عند الطلاب والطالبات. شبكة (الإسلام اليوم) قررت مشاركة هؤلاء الطلاب هذه المرحلة، من خلال الاطلاع على هذه القضية واكتشاف سبب هذا القلق، وكيفية علاجه، بالإضافة إلى تقديم النصائح لهؤلاء الطلاب ليكون هذا العام خيراً وبركة عليهم جميعاً، هذا الحوار مع أنور علي البرعاوي الحاصل على ماجستير في الصحة النفسية، ومحاضر في قسم علم النفس بالجامعة الإسلامية ومدير مركز الإرشاد النفسي بالجامعة.
لماذا يشعر كثير من الطلاب بالتوتر بمجرد قرب الاختبارات؟
من الجميل أن يشعر الطلاب بالقلق والتوتر من الاختبار، فهو دليل على الاهتمام وصدق من قال "همك مما أهمك"، لكن حقيقة ينبغي ألاّ يزيد هذا التوتر عن حده؛ لأن قليلا منه يؤدي إلى استنهاض الهمم واستفزاز الطاقات، والى الاستعداد النفسي لبذل الجهد والتحصيل، لكن إذا زاد عن حده يؤدي إلى بعثرة الأوراق، وقعود الهمة والى تحطيم الإرادة، والأسباب التي قد تحمل الطلبة على هذا التوتر نتيجة أمرين:
الأول: هو حب الطلاب المهملين للنجاح، والذين استيقظوا عندما اقترب الاختبار مما يشعرهم بالتوتر.
الثاني: المتفوقون وهم قلقون على التفوق وليس مجرد النجاح.
وننصح الفريق الأول أن يرتب أموره من بداية العام، والفريق الثاني عليه أن يثق بنفسه أنه قادر على تحقيق التفوق طالما أنه استعد الاستعداد اللازم.
وكذلك نقول للطلاب من بداية العام: يجب أن يكون لديكم خطة، وصدق من قال: "إذا لم يكن لديك خطة فأنت جزء من مخططات الآخرين".
من المعلوم أن التوتر يكون سلبياً إذا زاد عن حده، كيف يمكن تخفيف حدة هذا التوتر؟
للقلق مظاهر، هذه المظاهر تشتعل نيرانها معبرة عن ذاتها بأبعاد فسيولوجية، من حيث اضطراب في الغدد واضطراب في التفكير واضطراب في الجهاز العصبي، كذلك قد يظهر على صحته، والشعور بالإرهاق والأرق، فلابد هنا من وضع خطة للمواجهة في حال حدوث ذلك.
التربويون وعلماء النفس ينصحون بالعديد من الوسائل للخروج من هذه الأزمة، وكلها تركز على استبعاد الموضوع المسبب للقلق والتوتر من دائرة التفكير، أي من دائرة الشعور، لذلك هناك خطان رئيسان في إدارة هذه الأزمة:
الأول: تتمثل في البعد المعرفي، أولاً عليه أن يحدد السبب الحقيقي للتوتر، إذا كان يخشى من عدم تحقيق أهدافه أو يتوهم أنه نسي ما تم حِفْظه واستيعابه فيلجأ إلى مسك ورقة وقلم، ثم يسرد الأفكار والعناوين الرئيسة للمحتوى الدراسي في كل مادة، وحينها يسترجع الخطوط العريضة، وليكن من خلال فهرسة الكتاب، هذا يعطيه ثقة أنه ليس ناسياً، وأن قدراته بخير، وهذا يمنحه الاطمئنان.
الثاني: هو بعد سلوكي، أي عملي أي عندما يتعرض للقلق والتوتر يلجأ إلى أخذ نفس عميق، وهو عبارة عن شهيق يأخذه بالتدريج وبعمق، وليكن مثلاً على عشر مراحل، ثم عندما يضيق الحجاب الحاجز، وتنتفخ الرئتان عليه كتم النفس، ثم يخرجه عن طريق الزفير بنفس الدرجة، ويؤكد الفسيولوجيون أن هناك خلايا مهددة بالموت بين الحجاب الحاجز البطني والصدري، وبمجرد دخول الأوكسجين لها ينعشها ويعيد لها الحياة -بإذن الله- مما يكسب البدن القوة، وطبعاً الاختبار بحاجة إلى بدن مرتاح وقوي.
وهناك طريقة أخرى ممكن أن يفعلها الطالب، وهو على مقعد الاختبار، وهو ما يسمونه بالاسترخاء، أي يقبض يده اليمنى ثم اليسرى ثم القدمين ثم العنق ثم الكتفين وبقية أعضاء الجسم لمدة خمس دقائق ثم يسترخي، ويبقى على هذا الحال إلى أن يذهب القلق، وهذا يصرف التفكير عن الموضوع الباعث للقلق.
أين دور الأهل في هذه المرحلة؟
دور الأهل أساسي وخطير، وهو لا يبدأ فقط من أيام الاختبارات، تفوّق الأبناء ليس نتيجة جهد طرف واحد، وإنما مجموعة من الأطراف: الأبناء والآباء والمعلمون والمجتمع، ننصح الآباء أن يكون لديهم البرمجة اللغوية العصبية، فبدلاً من أن تدعو الأم على ولدها أن تدعو له، بدلاً من أن تقول له: يا فاشل قل له: يا متفوق، وقد أمرنا النبي الكريم-صلى الله عليه وسلم- أن ننادي الآخرين بأحب أسمائهم، وهذا يؤدي إلى برمجة لغوية عصبية، وقد كان النبي يغير أسماء بعض الصحابة لتأكيد الإيحاء الإيجابي لدى الفرد.
على الأهل:
أولاً: أن يكرسوا مفهوم ذاتٍ إيجابياً قوياً متقدماً في أبنائهم.
ثانياً: أن يوفروا الجو المناسب للاختبارات، وهذا من خلال أمرين:
- توفير الهدوء.
- توفير الغذاء.
والابتعاد عن الأغذية التي تؤدي إلى النسيان، مثل الأطعمة الحارة.
هل من أطعمة معينة يفضل الإكثار منها في فترة الاختبارات؟
يكثر من شرب عصير الليمون، لأنه ينشط الدورة الدموية، وعندما يشعر الطالب بالإرهاق عليه أن يكثر من شرب الحليب، وان يتناول السكريات الطبيعية، مثل التفاح، وأن يبتعد عن الصناعية، مثل البقلاوة والكيك، والإمام برهان الدين الزرنوجي -رحمه الله- كان ينصح بتناول (21) زبيبة حمراء على الريق ، وهذا المقدار فيه من السكر ما يعطي الإنسان الطاقة المطلوبة. كذلك هناك نقطة خطيرة، القلق قد يكون متعلّماً،؛ فالأم التي تشعر بالقلق والانهيار أمام ابنها، وكذلك الأب ينقلان العدوى لأبنائهم حتى إن كانوا واثقين من أنفسهم؛ لأن قلق الآباء ينعكس سلباً على الأبناء، فليكن الآباء على درجة من الصلابة، وبعث القوة في أبنائهم.
ما هي الأوقات والأماكن المفضلة للدراسة، وهل يفضل الدراسة في الأماكن المفتوحة؟
الوقت الأنسب للدراسة هو ذلك الوقت الذي يكون فيه الطالب مرتاح بدنياًَ ومهيّأً نفسياً وعقلياً مهما كان ذلك الوقت، أما بالنسبة للأماكن فهناك طلاب يحبون الدراسة في الليل فليكن، وهناك من يحب الدراسة في الفجر فليكن، فكل إنسان له طبيعة، وقد يكون للتعود والظروف علاقة بهذا الأمر، بعض الطلاب يدرسون وهم يفتحون المسجل على القرآن الكريم، وهناك من يميل إلى القراءة في الحديقة، وهناك من يقفل الغرفة، لابد من مراعاة أمرين هنا:
- أن يكون المكان صحياً.
- وأن يوحي بالمذاكرة، فمثلاً لا يصح أن يكون مكان الدراسة هو فراش النوم.
ولا بأس من تحديد وقت للدراسة، كأن يقول سأبدأ من الساعة كذا وسأنتهي عند الساعة كذا. ويرتبط بهذا الأمر معيار مهم يتعلق بالنتيجة، من حيث كم وكيف التحصيل الذي حققه الطالب، سواء في مكان مغلق أو مفتوح، لا ضير في ذلك مادام يراعي الشروط الصحية من تهوية وإضاءة.
هل يُفضّل أن يبدأ الطالب بمادة إلى أن ينهيها أم يتنقل بين المواد حتى لا يشعر بالملل؟
هذا الأمر يتوقف على عدة أمور:
الأول: كل مادة لها طبيعتها المختلفة، فمثلاً في المواد الرياضية لا يستطيع أن يقرأ جزءاً ويترك الآخر، لأنها مرتبة منطقياً وبشكل متسلسل تعتمد على بعضها البعض، ولا يمكن أن تكتمل حلقات التفكير إلا باكتمال دراسة الموضوع، وهنا تتم دراسة الموضوع بالكامل. بينما في الموضوعات الأخرى يُفضّل التنويع مع الدراسة الموزعة، بمعنى: يدرس الطالب ساعة في مادة الجغرافيا، وساعة في مادة المنطق، ثم اللغة العربية؛ لأن تضخم المعلومات يؤدي إلى تداخلها، مما يعني أهمية وجود فواصل بين هذه الموضوعات، وهو ما يحول بين وجود الكف اللاحق أو الكف الراجع، وهو تداخل المعلومات مع بعضها البعض، كذلك يكافئ الطالب نفسه بعد كل جولة، فإذا قررت مثلاً دراسة اللغة العربية لمدة ساعتين، فيفضل بعد أن أدرس بعمق واستيعاب أعطي لنفسي مكافأة، مثلاً أتناول فاكهة أو أتحدث مع أحد الأصدقاء، أو أتنزه لمدة (10) دقائق مثلاً، وهذا يعطي حيوية للطالب.
هل يستحسن أن يمارس الطالب نوعاً من الرياضة؟
كلما شعر الطالب بالملل يواجهه بنشاط، ولكن يجب ألاّ يكون عنيفاً، وألاّ يكون مرهقاً، وألاّ يكون معطلاً للطاقة، هي عبارة عن تمرينات بسيطة: التنفس، المشي، تحريك اليدين والقدمين، الهدف من ذلك تجديد الحيوية.
نلاحظ كثيراً من الطلاب بعد الاختبارات يلتقون ويتناقشون في الأسئلة، فيكتشف بعض الطلاب أن لديهم أخطاء، مما يؤثر على نفسيته وقد ينعكس ذلك على المادة اللاحقة. كيف تنظر إلى هذه العادة؟9
هذه عادة مستشرية، وقد تؤدي إلى نتائج عكسية، على الطالب أن يناقش زميله قبل الاختبار، وليس بعده مادام أخذ بالأسباب وقدم الاختبار، لذلك فليترك النتائج على الله، نحن بحاجة إلى فن إدارة الذات، أعرف ما هي مكوناتي، فأنا إنسان أتأثر، ولي مشاعر وأحاسيس، في الاختبار عليك أن تبتسم مهما كانت الظروف، وألاّ يكون عدم التوفيق في مادة معينة مؤثراً على بقية المواد، فكما قال الشاعر:
قلت ابتسم قال جرعت العلقم ... ...
قلت ابتسم وإن جرعت العلقم
قال: الليالي جرّعتني علقما ... ...
قلت ابتسم ولئن جرعت العلقما
ـــــــــــــــــــ(101/60)
أحبته ، فركعت له ..!!
الدكتور محمد بن عبد العزيز المسند
حدّثنا أحد الدعاة، أنّه زار سجناً نسائياً، فألقى فيه كلمة، حث فيها على التوبة، والرجوع إلى الله - تعالى -، فلمّا فرغ من كلمته، أرسلت إليه إحدى الفتيات الجانحات رسالة غاضبة تقول فيها: لماذا يتبرأ أهلي مني لمّا أخطأت!.نعم، لو كانوا محافظين، يراقبونني، ويعتنون بي، لكان لهم الحقُّ في ذلك، أما وقد فرّطوا في الأمانة، وتركوا لي الحبل على الغارب، وتركوني أمام الفضائيات الماجنة، والمجلات الهابطة، أقبلها كيف أشاء، ووفروا لي الخدم والسائقين، فلماذا يتبرأون مني، وهم كانوا سبباً في وصولي إلى هذا المكان، فما مثلي إلى كمثل قول الشاعر:
ألقاه في اليمّ مكتوفاً وقال له *** إياك إياك أن تبتل بالماء!
وفي اليوم نفسه تلقيت اتصالاً هاتفياً من فتاة جامعية، وهي تذرف دموع الندم، وتقول: أهلي هم السبب.. والدي رجل أعمال، لا أراه ولا يراني إلا قليلاً!! ووالدتي موظفة لا تخرج من العمل إلا في منتصف النهار، وأنا ضائعة بين الاثنين، زينت لي إحدى رفيقات السوء وأنا في الثالثة عشرة من عمري (!) علاقة محرمة مع رجل متزوج وله ستة أولاد!! واستمرت العلاقة ست سنوات!! ست سنوات!! استطاع خلالها أن يخدعني بكلامه المعسول.. حتّى.. (وبكت).. قلت: حتى ماذا؟ قالت: حتى ركعت له!! فهل يغفر الله لي؟ قلت لها: وهل أنت خير من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؟ ألم يكن أكثرهم مشركين، فهداهم الله لهذا الدين، فصاروا سادة الدنيا والدين، فمن يحول بينك وبين التوبة؟
إنّ الرابط بين الحادثين السابقتين هو: تفريط الأهل في تربية أولادهم والبنات على وجه الخصوص والانشغال عنهم بجميع حطام الدنيا الفاني، وصدق الشاعر يوم قال:
ليس اليتيم من انتهى أبواه *** من همّ الحياة، وخلّفاه ذليلاً
إن اليتيم الذي تلقى له *** أماً تخلّت، أو أباً مشغولاً
فهل يعي الآباء والأمهات دورهم تجاه أبنائهم وبناتهم قبل فوات الأوان.
30/7/1426 هـ
2005-09-04
http://www.islamlight.net المصدر:
ـــــــــــــــــــ(101/61)
اذهبْ إلى الخادمة
هناء الحمراني 22/4/1427
20/05/2006
تقضي في المدرسة خمس ساعات يومياً في أفضل الحالات..وعندما تعود إلى منزلها..تستقبل أطفالها المتعطشين للقائها..يتعلقون بها. كالمجانين..يصرخون ويبكون ويشكون..
إنها مرهقة..مرهقة لدرجة أنها لا تستطيع تحمّل ضوضائهم..لا تمتلك طاقة لملء دلوها الفارغ من معين العاطفة..
وتصرخ غضبى منادية الخادمة:
- خذي هؤلاء ليناموا..
****
سهْرة الليلة عند زميلتها..نادت الخادمة:
- أعطيه عشاءه ثم أدخليه لينام..لا تفتحي الباب لأي أحد غريب..مفهوم؟
****
- أمي..أنا جائع..
- اذهبْ إلى الخادمة..
- أمي..أريد تبديل ثيابي..
- أوووه.. اذهبْ إلى الخادمة..
- أمممي..أريد أن أجلس معك..
وتدفعه بقوة:
- اذهبْ إلى الخادمة..
****
كنت قد هدأت قليلاً بعد موجة غضب ورعب وبكاء قد أصابتني..ثم عدت لثورتي هذه وأنا أكتب هذا المقال..
فيلم التقطته (كاميرا) المراقبة لمنزل أم عاملة تركت أطفالها الصغار مع الخادمة..
كلا..لن أتحدث عن هذا (الفيلم)..سأخبركم عن قصة تلك الطفلة التي بُترت قدماها نيجة انتقام الخادمة..
لا..لا..هناك قصص أكثر رعباً..سأحكيها لكم..
هل أنتم بالفعل متعطشون لمعرفة هذه القصص..ربما تعرفون قصصاً أكثر إرهاباً وإيلاماً من القصص التي أود روايتها لكم..
****
في مجلس نسويّ..صرخت ربة المنزل:
- نيني..تعالي وخذي السفرة..
تأتي(نيني) وتلملم السفرة بتذلّل..تقلّب أم علي عينيها..تزمزم أم ناصر شفتيها..ترفع أم محمد رأسها..وتخرج نيني بالسفرة..ويبدأ تقطيع لحمها وتوزيعه بين الحاضرات!!
- أكلن أموالنا..
- عقّدْن أبناءنا..
- أذهبْن البركة من منازلنا..
وتقوم إحداهن بتقليد خادمتها ساخرة منها..ويعج المجلس بالضحك..وصغارهن بين أيديهن في غرفة مجاورة..هذا إذا لم تكن هؤلاء الأمهات قد تركن أبناءهن مع الخادمات في المنازل..
****
اسمحوا لي أن أعود لموجة غضبي..حاولوا أن تتقبلوا ذلك..لماذا ننجب الأبناء؟
ليكن السؤال موجهاً لنا معشر النساء..من أين جاء هؤلاء الصغار؟ أهم من حجر أم قطعة من أكبادنا؟
سعادتنا أين نجدها؟ في تحقيق ذاتنا من خلال خروجنا للعمل.. وليُصفع أبناؤنا..وليُركلوا.. وليُضربوا..وليُقاسوا الألم والرعب مع من قد لا تخاف الله فيهم؟
-أصابعك ليست متساوية..كذلك الخادمات..منهن بنات الحلال..
- صحيح..وهل كلهن كذلك..
- مرة تصيب..ومرة..تخيب..
- رحماك ربي..وهل أبناؤنا قطعة من النقود نلقي بها بين أيديهن..فإما أن تعود..أو لا تعود؟
هل هم رخيصون لدرجة المساومة بهم من أجل أننا(مللنا من جلسة المنزل-نريد أن نكتفي من الناحية المادية لكي لا يذلنا الرجال بأموالهم-نريد أن نحقق طموحاتنا وأحلامنا في ميادين العمل لبناء جيل رائع من أحلامنا).
****
إن كنا -ولا بد- فاعلين..فلنفكر قبل الخروج إلى العمل بأننا:
مسؤولون أمام الله عن هؤلاء الصغار..عن كل أذية تُمارس ضدهم في غيابنا..عن كل ألم نفسيّ يحدثه بعدُهم عنا..
فلنتق الله في هؤلاء الصغار..
(ومن يتق الله يجعل له مخرجاً)
أرجو منكم الصفح للهجتي الغاضبة..ولكن من أجل تلك البراعم العذبة..تلك القلوب البريئة..من أجلها كان هذا الغضب..
ـــــــــــــــــــ(101/62)
الرسوم المتّحركة وأثرها على ثقافة الطفل
الرياض: محمد شلال الحناحنة 16/4/1427
14/05/2006
أقام المكتب الإقليمي لرابطة الأدب الإسلامي العالمية بالرياض ملتقاه لشهر ربيع الأول 1427هـ بعنوان (الرسوم المتحركة وأثرها على ثقافة الطفل) للأديب الدكتور/ خالد بن سعود الحليبي الأستاذ بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية فرع الأحساء، وقد أدار هذا اللقاء الأستاذ/ يوسف الدوس المحرر الأدبي بمجلة (منارات)، وحضره حشد من الأدباء والمثقفين.
متى بدأت رحلة الرسوم المتحركة؟
بعد شكر الرابطة لإتاحتها فرصة هذا اللقاء، بدأ المحاضر د. خالد بن سعود الحليبي الحديث عن تأثير الرسوم المتحركة فقال: إن تأثيرها خطير على أطفالنا، بل يتعداهم إلى الكبار أحيانًا، وأسلوب عرضها، يجعل الطفل يتابعها بقوة، وقد كشفت الإحصاءات أن96% من ثقافة أطفالنا تُؤخذ من التلفاز قبل المدرسة. ويمكن القول: إن رحلة الرسوم المتحركة بدأت في أواخر القرن التاسع عشر؛ إذ قامت شركة (ديزني) الأمريكية بذلك، ثم تبعتها روسيا وأوربا لكنها ظلت مهملة في دولنا العربية حتى عهد قريب، ثم دخلت بعض البلدان مثل مصر والأردن! وينبغي أن ندرك خطورة هذه الرسوم فهي قنابل موقوتة بل تُعدّ من أشد الأمراض فتكًا، ولكن للأسف فمن عادتنا ألاّ ننتبه للأمراض حتى تبلغ ذروتها. ويكفي أن نعلم في هذا المجال أن 70% من الرسوم المتحركة يُنتج في أمريكا، وهي بالتأكيد تمثل عقائد هؤلاء القوم وأخلاقهم! ومتى نستيقظ من سباتنا؟!
الآثار السلبية للرسوم المتحركة
تناول الأديب د. خالد بن سعود الحليبي الآثار السلبية للرسوم المتحركة، ومن هذه الآثار:
1- زعزعة العقيدة الإسلامية لدى أطفالنا، فنجد في أحد المسلسلات يكون اللجوء عند الجفاف والقحط للغناء بدلاً من اللجوء إلى الله. أما في برنامج (ميكي ماوس) فهو يستطيع أن يوقف الرياح وينزل المطر، وهذا مخالف للعقيدة الصحيحة، وفي مسلسل (الكابتن ماجد) الذي يتابعه جميع أطفالنا بكل متعة وشوق ينحني اللاعبون لبعضهم بعضًا، وكأنهم يركعون. وقد رصدت الأستاذة الباحثة مها النويصر مجموعة من المخالفات في هذه الرسوم؛ إذ تظهر الإنسان وكأنه يحيي الموتى، إلى غير ذلك من المبالغات والمغالطات، كذلك نرى إظهار الصليب، والطقوس النصرانية، والاستهانة بالمحرمات كما في مسلسل (سنان).
2- تشويه صورة المتدينين. فالملتحي دائمًا هو الشرير السارق الذي يلاحق النساء في هذه الرسوم.
3- نشر التبرّج، والمغازلات والقبلات في الرسوم المتحركة، مما يوقظ الأحاسيس الجنسيّة لدى الأطفال.
4- فتح آفاق الجريمة للأطفال، ودلّت الدراسات أن الأطفال يقلّدون هذه الجرائم.
5- زرع الخوف والرعب في الأطفال؛ لأن الطفل أحيانًا لا يفرق بين الواقع والخيال.
6- كسر الحاجز النفسي بين أطفالنا و بين بعض الحيوانات؛ فالخنازير والدّببة والكلاب صارت محبوبة لدى الأطفال.
7- تلقين الأطفال الألفاظ النابية التي تعبر عن الخسّة والحقارة والدونيّة.
8- الآثار الصحية السيئة، تقول د. عزيزة المانع: إن جلوس الطفل أمام التلفاز مدة طويلة يؤدي إلى بلادته.
الحلول والمقترحات
يبين د. خالد بن سعود الحليبي أهم الحلول التي يراها في تعامل أطفالنا مع الرسوم المتحركة فذكر ما يأتي:
1- مراقبة أولياء الأمور للرسوم المتحركة المقدمة لأطفالهم.
2- توجيه الأطفال لمشاهدة البرامج الهادفة، وينبغي على الأب أن يبحث عنها ويقدمها لأبنائه.
3- إتاحة الفرصة لاستثمار ألعاب الذكاء والقصص الشائقة المعبرة عن قيمنا.
4- تحديد الأوقات المناسبة للأطفال لمشاهدة التلفاز مع الإشراف المباشر على ذلك.
5- إشغال الطفل بحفظ القرآن الكريم والسنة الشريفة ورصد الجوائز القيّمة لذلك.
6- تشجيع الأطفال على ممارسة الهوايات النافعة مثل الرياضة والرحلات والكتابة والقراءة.
أما الحلول على مستوى الأمة فمن أهمها:
1- تشجيع الإنتاج المحلي الذي يراعي ديننا وأخلاقنا.
2- البحث عن شخصيات كرتونية من التراث العربي القديم والتي تعبر عن ثوابتنا.
3- إقامة مسابقات الكتابة للأطفال لاختيار المناسب منها.
4- الاستفادة من البرامج والمسلسلات الغربية بما يتفق مع أخلاقنا وعقيدتنا. وعدم السماح ببث الرسوم التي تتعارض مع قيمنا.
5- إيجاد البدائل الإسلامية المنافسة، والتعاون على ذلك والتنسيق بين الجهود الفردية والجماعية والحكومية.
ملاحظات
أثارت المحاضرة الكثير من المداخلات، فقال الأديب خليل الصمادي: كنت أتمنى على المحاضر أن يركز على البديل الإسلامي الذي نرجوه وننتظره لأطفالنا، وقال الأستاذ محمد سليمان الشهري: الحق أقوى من الباطل، لكن الأعداء يشنون حربًا متعددة الأساليب، منها ما يوجّه لأطفالنا، ولكن أرى أن بصيصًا من النور أتى في قناة (المجد) و(الفجر)، وأشار الأديب د. وليد قصاب في مداخلته إلى أن ما ذكره الدكتور/ خالد الحليبي هو جزء من مأساة أكبر أُصيبت بها الأمة في المسلسلات الموجهة لأطفالنا والموجهة للكبار، والتي تخرج على قيمنا وديننا.
وتمنى الأستاذ/ محمد منذر قبش من الرابطة نشر هذه المحاضرة لتعم الفائدة. وقال القاص/ أحمد صوان: إن السينما الأمريكية أخرجت ما يناسب أطفالها، ثم أخذت تنتج برامج موجهة لأطفالنا لغرس قيمهم في نفوس أطفالنا.
وختم المداخلات الأستاذ/ د. عبد القدوس أبو صالح رئيس الرابطة فقال: إن المشكلة أكبر مما نتخيّل، وأنا أقترح أن نرسل خطاب شكر لقناة (المجد) نناشدهم أن يقوموا بفتح القناة للجميع دون تشفير، ولعل بعض المحسنين وأهل الخير يساعدون في ذلك، كما أشار إلى أن الرابطة ستعلن عن مسابقة لنص إسلامي في الرسوم المتحركة قريبًا -بإذن الله-
ـــــــــــــــــــ(101/63)
أنتم لا تحبونني
هناء الحمراني 15/4/1427
13/05/2006
يطلب صغيرك شيئاً ما..تقابلينه بالرفض..
يستدرّ عطفك بعبارات: "أنتم لا تحبونني"
"سأذهب بعيداً"
ليتني أموت كي لا يصبح لديكم عبودي آخر"!!
ما هو ردّك على مثل هذا الطفل؟
***
في استطلاع صغير مررنا به على مجموعة من الأمهات كانت لدينا هذه الإجابات:
أم خالد-ينبع-:
الحوار المقنع مع طفلي هنا هو الحل..وقد انتهى زمن الرفض.
أم عبد الله-الباحة:
لا أستجيب لطلبه حتى لا يجعل هذه الطريقة وسيلة يستخدمها لتلبية طلباته..
أم مبارك-بيشة-:
أعطيه ما يطلبه، والله المستعان.
أم عبد العزيز-الرياض-:
الحل معه هو الحوار: منعتك بسبب كذا..وليس لأننا لا نحبّك ولا نريدك.
أم صهيب-الأردن-:
حسب طلبه..أحياناً نستجيب له حتى لا نعلمه العناد..وأحياناً أخرى نصر على مواقفنا حتى يتعلم الطاعة والصحّ من الخطأ.
وهناك من يجيب بغضب:
-سأضربه..
وأخرى:
سأردّ عليه بالمثل:نعم، نحن لا نحبك-اذهبْ بعيداً..ابحثْ عن أم أخرى..وإن متّ.. فذلك أفضل لكي نستريح منك.
***
أمام تلك العبارات التي يطلقها أبناؤنا..لنقف لحظة..وربما لحظات إن لم نجد جواباً لائقاً..لأنها تعني بالنسبة لتلك القلوب الطاهرة أشياء عظيمة..وربما تتحول تلك القلوب بسببنا إلى قلوب سوداء لا تعرف الحب..أو استغلالية تستنزف ما نملك عن طريق عواطفنا..
هل يعني صغيرنا ما قاله؟ هل يؤمن به؟ أم أنه يرى في ذلك ورقة من أوراق اللعب التي يمكن بها الحصول على ما يريد..وماذا عن ردود أفعالنا؟ كلماتنا التي نطلقها رداً على كلماتهم؟
لماذا يرفض الطلب أولاً؟ قبل أن نقول: (لا) فعلينا أن نفكر في ما بعد الـ(لا)..هل طلبه معقول ويمكن تلبيته؟ إذاً..لماذا نرفضه؟حتى يبدأ بالبكاء واستدرار العطف..ثم ننفذ هذا الطلب؟
(كفى..اسكتْ..خذْ ما تريد) هذا يعني أنك يا عزيزي عبود قد فزت بورقة اللعب هذه.. وهي صالحة للاستخدام(الآدمي)! ويمكنك الاحتفاظ بها لمناسبات أخرى في المنستقبل..كالحصول على النقود..وشراء سيارة فارهة..والسفر إلى أماكن لم يصلها والداك قبلك!
(لن أعطيك طلبك..لقد رفضته سلفاً للأسباب التالية.. وليس لأننا لا نحبك ولا نريدك) يعني يا عبودي، إنه من الأفضل الإلقاء بورقتك المنتنة في حاوية النفايات ثم تقف أمام خيارين: إما الاقتناع..أو البحث عن وسيلة أخرى للحصول على ما تريد..
(نعم..نحن نكرهك..ولا نريدك..ولتمتْ كي نستريح منك) يعني يا سيد عبود، إنك شخص مملّ.. غير مرغوب..وإنك وقعت على الحقيقة..ولذلك:
فلتذهب أنت وطلباتك إلى الجحيم!!
فماذا نتمنى لأبنائنا؟ اخترْ أحد الإجابات..ونفّذْه جيداً
ـــــــــــــــــــ(101/64)
أفلام الكارتون .. نظرة فاحصة (1)
د. خالد بن سعود الحليبي 9/3/1426
18/04/2005
وُجّهت ضربات عديدة إلى مقاتل المجتمع المسلم بقصد تغريبه عن دينه، وتجهيله بحقيقته، ومسخه إلى مجتمع مفتوح على كل الثقافات دون احتفاظ بشخصيته المتميزة، بحيث يكون بدون هُوِيّة يعتنقها، أو يدافع عنها، ولم تكن كل تلك الضربات عسكرية، بل إن بعضها نوع غريب وخبيث، بطيء التغيير، ولكنه يصل إلى العظم، استهدف به أعداؤنا فئات عدة من مجتمعات المسلمين، مثل الشباب والنساء،ولكنهم لم يتركوا ـ أيضا ـ فئة عزيزة على نفوسنا جميعاً، تمثل مستقبلنا الواعد، وأمانينا الجميلة، فئة هي أكثر استعداداً لقبول كل جديد، والتغير السريع، إنها فئة (الأطفال)، تلك الفئة العمرية التي تتعامل مع ما حولها ببراءة، مقتصرة على التلقي واكتناز المعلومات، لتحويلها إلى سلوك عملي، يحدّد كثيراً من منحنيات حياتهم بعد البلوغ.
إننا إذا كنا نظن أن الخطر الغربي عسكري محض، فذلك خطأ تاريخي جسيم، وغفلة حضارية خطيرة، فإن التأثير على القيم، وتغيير الشعوب من الداخل أكثر خطورة من التغيير بالتهديد العسكري؛ لأن التهديد العسكري سرعان ما ينهار، وتنتفض عليه الشعوب الحرة، ولكن الخطورة في التأثير الذي يبرز في أثواب التسلية والترفيه، حيث يسري السمّ مع العسل، يقول الفيلسوف الوجودي (البيركامي): (على اتساع خمس قارات خلال السنوات المقبلة سوف ينشب صراع لا نهاية له بين العنف وبين الإقناع الودي ... ومن هنا سيكون السبيل المشرف الوحيد هو رهن كل شيء في مغامرة حاسمة مؤداها أن الكلمات أقوى من الطلقات).
لقد علم أعداؤنا أن غالب الأطفال في عالمنا اليوم يتلقون ثقافتهم ـ وبخاصة قبل المدرسة ـ من التلفاز، بحيث تشكل تلك الثقافة الخارجية 96% من مؤثرات الثقافة في حياتهم، وغالبها من أفلام الرسوم المتحركة،أو ما يُسمّى أفلام الكارتون، يليها برامج الأطفال الأخرى، والمسلسلات والأفلام وأمثالها. حتى أصبح لتلك الأفلام الكارتونية قنوات خاصة تبث طوال اليوم، في قالب فني جذاب متطور، وأنطقوها بلغتنا، فالتصق بها أطفال المسلمين التصاقاً مخيفاً، أثّر على تشكيل عقيدتهم وعقولهم وبناء شخصياتهم، إلى جانب التأثير السلبي على صحتهم العضوية والنفسية.
الرسوم المتحركة خطر غير مدرك.
إن أفلام الكارتون قنابل تتفجر كل يوم في شاشاتنا الصغيرة دون وعي منا أو متابعة ، فهي لا تزال بريئة في أعيننا، مجرد تسلية، وأشد الأمراض فتكاً ما يغفل عنه صاحبه، وأشد الأعداء توغّلاً وإضراراً، ذاك الذي يبدو لك بعيني صديق حبيب، وهو يحفر الخندق، ويطعن الظهر. ومن عادتنا ألا نتنبه لأمر حتى يبلغ ذروته، بل بلغت الغفلة بإحدى الأمهات حين سُئلت عن علاقة أولادها بأفلام الكارتون أن تصرح بأنها لا تعلم عن أولادها شيئاً(1)، وأخرى تتمنى أن ترتاح من أولادها وضجيجهم، ولو أن تلقيهم في الشارع!! فأينها من قول الرسول صلى الله عليه وسلم: "وَالْمَرْأَةُ فِي بَيْتِ زَوْجِهَا رَاعِيَةٌ وَهِيَ مَسْؤُولَةٌ عَنْ رَعِيَّتِهَا" رواه البخاري.
لقد أشغلت هذه الرسوم المتحركة أطفال المسلمين أيما إشغال .. فما عادوا يطيقون أن يستغنوا عنها، ولو يوماً واحداً دون أن يشاهدوها، بل فضلوها حتى على مرافقة الآباء والأمهات في النزهات والحفلات، حتى أكلت أوقاتهم، وبدّدت طاقاتهم، وشلّت تفكيرهم، وزاحمت أوقاتهم في مراجعة الدروس، وحفظ كتاب الله، فضلاً عن أن يجلسوا مع أهليهم جلسة صافية، ليتلقوا منهم الأدب والدين والخلق، وقد اشتكت من ذلك عدد من الأمهات الواعيات حتى قالت إحداهن: "إن جهاز التلفاز يرتفع صوته بشكل غير مقبول أثناء عرض مسلسل أبطال الديجتال، ويمتنع أبنائي ( 6 - 9) سنوات أثناء مشاهدته عن الأكل أو مجرد الرد ّعلى أي سؤال، أنا مستاءة جداً ولا حول لي ولا قوة، وأرجو أن أجد الحل للتخلص منه"، وتقول أم أخرى: "إن أبنائي يتابعون المسلسل أكثر من مرة في اليوم، وبمجرد انتهائه يبدأ الشجار والعنف بينهم تقليداً لحركات أبطال الديجتال" (2).
ويؤكد أحد الباحثين أن الأطفال يشاهدون تلك الأفلام "لمدة قد تصل إلى عشرة آلاف ساعة بنهاية المرحلة الدراسية (المتوسطة) فقط .. وهذا ما أثبتته البحوث والدراسات من خلال الواقع المعيش".
أخي المسلم .. يكفي أن تعلم أن الرسوم المتحركة ما هي إلا حكاية عن واقع رسمها من عقائد وأخلاق يعترف بها، ويتعامل بها؛ كما يثبته علماء الاجتماع، فإذا علمت بأن70% من هذه الأفلام تنتج في الولايات المتحدة الأمريكية ، علمت مدى خطورة نقل خزايا المجتمعات الغربية وعريها وسقوطها الأخلاقي والديني إلى أذهان أطفالنا؛ مما يدخلهم في دوامة الصراع بين ما يرون وما يعيشون من مُثُل وقيم، وأفكار وحضارات؛ مما يجعلهم في حيرة وتذبذب، كل ذلك ونحن نظن أنهم يستمتعون بما يشاهدون وحسب.
إن هذه الرسوم ـ كما يقول المختصون ـ تشغل قلوب فلذات أكبادنا، وتصوغ خيالهم وعقولهم وتفكيرهم، وتشوّه عقائدهم وثقافاتهم بعيداً عن تقييمنا الدقيق، بل ربما يكون إدمانهم على مشاهدتها تحت رعاية منا، ومشاركة في معظم الأحيان. وننسى أنها من أبرز العوامل التي تؤدي إلى انحراف الطفل، وتبلّد ذكائه، وتمييع خلقه؛فأفلام الكارتون سريعة التأثير؛ لما لها من متعة ولذة. والطفل سريع التأثر؛ لأنه يعيش مرحلة التشكل واكتساب المعرفة مما حوله، وما تعرضه الفضائيات منها لا يعتمد على حقائق ثابتة، وإنما على خرافات وأساطير ومشاهد غرائزية، وتشكيك في المعتقدات لا يجوز الاعتماد عليها ـ بحال من الأحوال ـ في تنشئة أطفالنا، وتربيتهم.والعجيب أن يتغافل الآباء والأمهات عن هذه الحقيقة، ويديرون لها ظهورهم كأنهم لا يعلمون ذلك كله؛ بحجّة تحقيق الهدوء في المنزل، بتخدير الطفل أمام الشاشة، حتى قال أحدهم: "فور صدور أية حركة تنبئ عن استمرار طفلي في اللعب والصراخ، أدير التلفاز على إحدى القنوات، لا إرادياً أجد طفلي ممدداً على الأرض وبصره إلى التلفاز، في حالة أشبه ما تكون بالتنويم المغناطيسي".
ربما كان هناك من سيقول لمن يدق أجراس الحذر من هذه الأفلام: تلك مبالغات منفوخة، وخوف متوتر لا داعي لهما؛ فالمسألة مسألة تسلية وحسب، ولكنها الحقيقة التي نضعها بين أيديكم لعدد من المختصين الذين أبدوا رأيهم بحياد شديد وموضوعية، وعدد من الآباء والكتاب الذين رأوا بأعينهم، وقالوا بألسنتهم.
إنني اليوم أبلغ ما رأيت وجوب تبليغه، وأبرئ ذمتي بأن أشارك في كشف الآثار الصارخة، التي يمكن رصدها بكل سهولة في أي مسلسلات كارتونية غير موجهة تربوياً ولا شرعياً.
وفي الحلقة القادمة -بإذن الله- سأتابع الآثار السلبية على أطفالنا من جراء تعلّقهم بأفلام الرسوم المتحركة غير الموجهة، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
|1|2|
(1) كيف غزا أبطال الديجتال عقول أبنائنا ؟ ولدي ، العدد 45 ، أغسطس 2002م ، ص : 23 .
(2) المصدر السابق .
أفلام الكارتون .. نظرة فاحصة ( 2 )
الآثار السلبيّة للرسوم المتحركة على أطفالنا
د. خالد بن سعود الحليبي 23/3/1426
02/05/2005
تعالوا أيها الآباء ويا أيتها الأمهات نتعرف على بعض الآثار السلبية للرسوم المتحركة على أطفالنا:
وأولها: زعزعة عقيدة الطفل في الله:وإليك هذا المشهد الذي بثته قناة فضائية واسعة الانتشار، وهو مشهد (( يوجه الأطفال توجيهاً معاكساً في أساس من أسس ديننا وحياتنا؛ فعدم نزول المطر، والجدب والقحط، قضية تربط المسلم بالخالق، والسنة النبوية المطهرة، تبني في كيان الطفل المسلم من خلال صلاة الاستسقاء التوجه إلى الله تعالى. وفي هذا المسلسل تظهر الشخصيات الكارتونية وهي تقف في الغابة تنتظر سقوط المطر، فيتقدم كبيرهم قائلاً: لا ينزل المطر إلا بالغناء، فهيّا نغني، وتبدأ شخصيات المسلسل تغني أغنية سقوط المطر، يصاحبها الرقص والأدوات الموسيقيّة:
هيا اضربي يا عاصفة كي يسقط المطر هيا اضربي لتغمري الجميع بالمطر مطر مطر مطر يا منزل المطر مطر مطر مطر نريد شيئاً واحداً مطر مطر مطر
وعندما لم ينزل المطر يتساءل أحدهم: لماذا لم تمطر السماء؟ فيجيب آخر: لعلها مشغولة بالبحث عن أمنا الطبيعة.
نعوذ بالله من هذا الشرك الذي يُلقّن لأبنائنا ونحن غافلون عنهم، فرحون بأنهم هدؤوا بين يدي التلفاز؛ لنفرغ نحن عنهم لأمور لن تكون أهم من سلامة أولادنا من الانحراف في عقائدهم وأخلاقهم.
وكذلك ما يحصل في برنامج (ميكي ماوس) هذا الفأر الأمريكي الذي يوهم أطفالنا ـ في بعض حلقاته ـ بأنه يعيش في الفضاء .. ويكون له تأثير واضح على البراكين والأمطار فيستطيع أن يوقف البركان!! وينزل المطر ويوقف الرياح!! ويساعد الآخرين، والسؤال الذي قد يتبادر إلى الذهن: لماذا يجعل هذا الفأر في السماء؟!! ولماذا يُصوّر على أن له قوة في أن يتحكم بالظواهر الأرضية؟!
وتشير باحثة إلى أن هذا البرنامج يحمل ظاهره مغالطة علمية وواقعية واضحة، وهو وجود فأر يطير وخلاصة هذا المسلسل عبارة عن تأكيد للقوى الخيالية الخارقة الجبارة (الخرافية) التي تقف مع المضطر وتنقذه في أحلك الظروف وأشدّها حرجاً، فهذه القوة الخرافية هي الرجاء والأمل في الخلاص، ومثل هذه الأفكار من شأنها أن تهزّ عقيدة الطفل هزاً عنيفاً فتنحي عن ذهنه الصغير قرب الله من عبده، وإجابته له حين يدعو، وعون الله عز وجل له (1).
وأما مسلسل السندباد وهو عربي المضمون والشخصيات، ولكنه مليء بالعقائد الفاسدة والخرافات، فمرة نرى السندباد يخر ساجداً أمام والي بغداد والسجود لغير الله لا يجوز في ديننا الإسلامي، ومرة يستعين بصاحب المصباح وهو الجني الأزرق لكي يحقق له مطالبه، فأين التوكل على الله والاستعانة به، ومرة يسجد تحت قدمي الجنيّ الكبير الذي يخرج من الماء والصحراء ويتوسل إليه ألاّ يقتله، أين الاستعانة بالله وطلب العون منه، وانظر إلى الجواري والفتيات وهن يتراقصن في القصور وسندباد ورفاقه يأكلون ويغنون، فماذا يتعلم الأطفال من هذا العرض؟ ليس إلا الفحش وسوء الأدب والاستعانة بالشعوذة والكهنة، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: « مَنْ أَتَى كَاهِنًا أَوْ عَرَّافًا فَصَدَّقَهُ بِمَا يَقُولُ فَقَدْ كَفَرَ بِمَا أُنْزِلَ عَلَى مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ )) رواه الإمام أحمد رحمه الله.
ونرى في فلم آخر رجلاً ضخماً فوق السحاب يمتلك دجاجة تبيض ذهباً، ورجلاً ضخماً آخر في فيلم آخر يصب الماء على السحاب فينزل المطر.
والله إنها لتلميحات خبيثة.. أهدافها واضحة للجميع.. لا تتطلب إجهاداً ذهنياً لمعرفتها.
وهذا كثير جداً في تلك الرسوم..ومن الأخطاء العقدية المنتشرة في تلك البرامج: الانحناء للغير .. حتى تكون الهيئة أقرب ما تكون للسجود والركوع، والانحناء في الشرع محرم كما نص على ذلك حديث أَنَس بْن مَالِكٍ قَالَ: قَالَ رَجُلٌ يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَحَدُنَا يَلْقَى صَدِيقَهُ أَيَنْحَنِي لَهُ؟ قَالَ: فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لَا )) الحديث رواه الإمام أحمد. وهذا نجده كثيراً جداً في هذه الأفلام، ومنه ما يكون في البرنامج الشهير (الكابتن ماجد) فعند نهاية المباراة يقوم أعضاء الفريقين بالانحناء لبعض بشكل أشبه ما يكون بالركوع للصلاة.. كتعبير للمحبة والصفاء.. وهو ما يحصل ـ على سبيل المثال في برنامج (النمر المقنع) من وضع مماثل للسجود. ومثل هذا المنظر قد يقوم الطفل بتقليده دون وعي بعد نهاية مباراة يلعبها مع أصدقائه.
وفي مسلسل (كاسبر) الكارتوني الشهير الذي أذكره جيداً في طفولتي، لاحظت الأستاذة مها النويصر مجموعة من المخالفات العقدية، وهي تراقب أولادها وهم يشاهدونه ويتعلقون به، مثل: الاعتقاد بوجود أشباح الموتى بيننا تأكل وتشرب وتتعامل مع الأحياء في تمثيل سيئ لعالم البرزخ، وأنهم في مرح ولعب دون جزاء ولا حساب. وأن الإنسان قادر على الإحياء والإماتة، وأن روح الإنسان الطيب تصبح ملكاً. نجد ذلك في مشهد فتاة ورثت قصراً عن أبيها مليئاً بالأشباح فتحضر المختصين لطردهم، وكان مع أحدهم ابنته الصغيرة التي يظهر لها الشبح الصغير المحبوب (كاسبر)، ويصبح صديقها، ثم يريها آلة صنعها صاحب القصر تعيد الروح للشبح فيعود للحياة، ويموت والد الطفلة خلال بحثه، فيعطيها كاسبر سائل الحياة فيعود حياً، وفي حفلة تقيمها الطفلة تأتي أمها من عالم الأرواح لتقدم نفخة من روحها ليكون (كاسبر) حبيباً جميلاً لمدة ساعات؛ لأنه ساعد الطفلة، ثم يتراقصان على أنغام الموسيقى، ثم يعود شبحا (2).
كل ذلك وأطفالنا ساهمون في قبضة هؤلاء الأشباح.
ومنه أيضا ما تتبادله الشخصيات الكارتونية من عبارات مخلة بالعقيدة، مثل: (أعتمد عليك)، و(هذا بفضلك يا صديقي العزيز)، أو حتى أحياناً حين ينزل المطر: (ألم تجد وقتاً أفضل من هذا لتنزل فيه؟) وفي برنامج صفر صفر واحد يقول أبطال الفيلم: إن نظامهم يسيطر على كل المجرات في الكون ما خلا المجموعة الشمسية.
وقد يُشار إلى بعض تعاليم الديانات الأخرى:فتجد فتاة تطلب الانضمام للكنيسة، كما تجد مشاهد لتعلم العادات الدينية النصرانية، أو إظهار الراهب ومعه الصليب وإلباس المنضم ذلك الصليب، أو حتى إظهار الصليب في غير تلك المواطن كأن يظهر رجل قوي وشجاع ، ثم يخرج من داخل ثيابه الصليب ويقبله، ويبدأ المعركة.
وانظر إلى لينا وهي تصلي في حال الشدة وصلاتها عبارة عن أن تضم يديها إلى بعضهما ثم تغمض عينيها وتنظر إلى أعلى، وهي صلاة النصارى فتتعلم المسلمة الصغيرة هذا في حين أنها تجهل صلاتها.
وظهور شجرة أعياد الميلاد المسيحية(الكريسماس)، والاحتفال بأعيادهم، وكذلك الدعاء قبل الأكل بضم اليدين وأصوات أجراس الكنيسة.
واشتمالها على السحر :وهذا كثير جداً ..فهم يصورون السحر على أن حكمه يختلف حسب المقصد من استعماله.. كيف ذلك؟فمرة يصورون الساحر أو الساحرة رجلاً كان أم امرأة قد ملأهما الشر والبغضاء والحسد، يحققون بالسحر ما يصبون إليه من طموحات شخصية على حساب الآخرين..كما في برنامج (السنافر)، الذي يتمثل في الرجل الشرير شرشبيل. وأحياناً يصورون الساحر بأنه رجل طيب محبّ للخير لجميع الناس، يساعد المظلومين كما في السنافر أيضاً، ويمثل بزعيم القرية أو كما في برنامج (سندريلا) والتي تصور فيها امرأة ساحرة طيبة، تساعد سندريلا على حضور حفلة الملك و الاستمتاع بالرقص!! وغير ذلك ..
وبلغ تأثير مثل هذه المشاهد أن الأطفال يردّدون كثيراً من عباراتهم، بشكل نخاف فيه أن يطلب أبناؤنا تعلم السحر، أو على الأقل أن يحبّوا الساحر الذي بالغوا في تصوير طيبته لهم. حتى سألت طفلة أمها: "هل الساحرات طيبات؟" فتساءلت الأم: ما سر هذا السؤال؟ وكيف تكون الساحرة طيبة؟ أجابت الطفلة: "لأنها أحضرت الحذاء لسندريلا" ولا نقول إلا اللهم سلم، اللهم سلم ..
ويضاف إلى ذلك الاستهانة بالمحرّمات ، وخلطها بالمباحات،ففي حلقة واحدة من حلقات (سنان) وهي (33)، رصدت الباحثة طيبة اليحيى سبعاً وثلاثين مخالفة شرعية، وفي حلقة واحدة من مسلسلة (السنافر) وهي الحلقة التاسعة، رصدت أكثر من أربعين مخالفة شرعية (3).
وفي حلقة جديدة أتابع معكم أيها الغيورون هذه المصائب المطلية بالترفيه، المنصب كالرصاص المذاب على رؤوس وعواطف وعقائد أولادنا حماهم الله.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
|1|2|
(1) بصمات على ولدي ، طيبة اليحيى ، مكتبة المنار الإسلامية ، ط /3 ، 1409هـ ( 1989م ) ، ص: 49 .
(2) أطفالنا في قبضة الأشباح ، مها النويصر ، الأسرة ، العدد : 118 ، محرم 1424هـ ، ص : 50 .
(3) بصمات على ولدي لطيبة اليحيى : 52-54 .
أفلام الكارتون .. نظرة فاحصة ( 3 )
د.خالد بن سعود الحليبي 15/8/1426
19/09/2005
في حلقتين سابقتين تحدثت عن عدد من السلبيات التربوية التي تتركها معظم الرسوم المتحركة، التي تُبثّ في الفضائيات العربية و العالمية، وفي الحلقات القادمة -بإذن الله- يتواصل الحديث عنها للكشف عن أضرارها البالغة؛ نظراً لكونها من المغفول عنها، بحجة أنها مجرد تسلية للأطفال لدى كثير من الناس اليوم.
تشويه صورة المتديّنين :
فإن المتديّن في المجتمع الإسلامي هو القدوة الذي ينبغي أن يدوم أنموذجه؛ للحفاظ على أصول الإسلام وأركانه وواجباته ومستحباته مطبقة في واقع عملي، يمثله إنسان يعيش في الواقع بكل تناقضاته وعنفوان التغيير فيه، ومع ذلك فهو مصابر في خندق الإيمان بالله وعبادته كما أمر؛ بحسب طاقته واستطاعته.
والتعرض له بالتشويه يؤدي إلى سقوط القدوة، ومن ثم يتتابع الفساد بدعوى عدم وجود من يستطيع تطبيق مثل الإسلام في هذا الزمن.
ولكن بعض منتجي أفلام الرسوم المتحركة يحاولون تشويهه (سواء قصدوا أم لم يقصدوا)؛ فالرجل الملتحي هو المجرم السارق الغشّاش الذي يقتل زوجته ليغطي على إبداعاتها الفنية ورسوماتها التي كان يوقعها باسمه في مسلسل المحقق كونان، وهو مسلسل مليء بالمخالفات الشرعية.
والرجل الملتحي هو الشرير المختطف والسارق، الذي يلاحق النساء، ويسعى إلى التخريب وإزعاج الآخرين في مسلسل (بباي) الشهيرة.
وهو الساحر المفسد في عدد كبير من الأفلام، ويظهر دائماً بشكل مقزز بسبب لحيته غير الممشوطة أو المرتبة.
بينما تتجرّأ إحدى الفضائيات أكثر فتظهر صورة أحد الملتحين وهو لابس ثوبي الإحرام، على مسرح داخل الفلم الكارتوني، وشابّة تضربه ضرباً مبرحاً على وجهه ورأسه. فأي استهانة بعد ذلك برموز ديننا، وما يمس معتقداتنا؟
نشر التبرج والتفسخ وإيقاظ مبكر لأحاسيس الطفل الجنسية:
وهذا كثيرٌ وكثيرٌ جداً في تلك الرسوم، ويكاد لا يخلو برنامج كرتوني يعرض الآن دون إبراز النساء في صور السفور والعري أو الغزل، مع احتضان شديد، وقبلات حارة، بين الذكر والأنثى، أو ملاحقة فتيات و تقديم الهدايا لهن؛ لكسب مودتهن .. مغازلات سمجة تعلّم الصغار أبجديات الفتنة، وتوقظ في أعصابهم الطرية شرر الشهوة، والإحساس المضطرم بالجنس الآخر، ولا عجب فهذا ما تحتويه مجتمعاتهم المريضة الموبوءة، التي تهدّدها فوضى الجنس بالانهيار الاجتماعي التام، وينتشر فيها التفكك الأسري، والإيدز وبقية الأمراض الجنسية .. وهذا ما يريدونه من العالم .. إنها مشاهد تحتوي على: تغنّج الفتيات في ملابس مغرية، ومكياج لافت للأنظار، بصدور مكشوفة، وأفخاذ عارية للذكور والإناث كما في مسلسل الكابتن رابح، وتغزّل بين الجنسين، وتعبير عن العشق بقلوب وردية تتطاير كلما التقى الفتى الفتاة في جو رومانسي عجيب!! تجد ذلك ـ على سبيل المثال لا الحصر في مسلسل عدنان ولينا حيث لا تخلو حلقة منها من حركات مثيرة بين الشخصيتين، و)الكابتن ماجد) حيث حضور الفتيات للمباريات وتشجيع اللاعبين والرقص والصراخ والمعانقة بين الجنسين حال تسجيل الهدف، وتجد الفتاة تلاحق لاعبها المفضل وتقدم له الهدية تعبيراً عن المحبة، ويقبّلها اللاعب (الخلوق جداً!!) . لقد بلغ أثر هذا البرنامج على أطفالنا أن أحدهم سأل ببراءة بعد مشاهدة ذلك البرنامج!! (ليش الحرمه ما تدخل للملعب؟). وهو مثيل للتأثر البالغ بالألعاب الرياضية، ولا سيما كرة القدم، التي بلغ أثرها على بعض فتياتنا البالغات أن تعلّق إحداهن صورة لاعبها المفضل في غرفتها الخاصة عشقاً وهياماً به، وتتابع أخباره ومبارياته، وربما وجدت فرصة للحديث معه على الهواء مباشرة في برنامج فضائي أو إذاعي، وهناك ترتفع الأنفاس، وتجد الفتاة المغرّر بها فرصة العمر لتذبح مروءتها عبر الأثير ..
ونرى في مسلسل (طرزان) شاباً نشأ في مجموعة من الغوريلات .. يجد فتاة من جنسه، تتكون علاقة محبة بينهما، تنتهي بأن تعيش معه، وتلبس الملابس الغريبة العارية، وتجد العناق على أشده بينهما، أفلا يكون لتلك المشاهد أثر على أطفالنا؛ فيحاولوا ـ وهم في سن التقليد ـ أن يجربوا بعض ما يُعرض عليهم فيما بينهم لا قدّر الله؟
بل وصل الأمر في مسلسل (كاسبر) أن تنصح الأم الشبح الأب بقولها الصريح: (لا تتنصت على مكالمات ابنتك، ولا تطلب منها ملابس ساترة).
فتح آفاق كبيرة للطفل في عالم الجريمة :
يقول أحد علماء النفس : «إذا كان السجن هو جامعة الجريمة، فإن التلفاز هو المدرسة الإعدادية لانحراف الأحداث».. إن هذه المقولة على قلة ما تحوي من كلمات إلا أن فيها كثيراً من المعاني التي يجب ألاّ نغضّ الطّرف عنها، وإلا بذلنا الثمن من أمننا وقوتنا وتماسك مجتمعنا.
وإليك هذه القصة .. يُذكر أن والدي طفل أرادا الذهاب لأمر ما وترك ابنهما في البيت وحده، فغضب الطفل، وحين ركبا السيارة وجدا ضوء الإنذار مضيئاً؛ دلالة على خلل معين. فلما انكشف الوضع، وجدا أن سلكاً قد قُطع بسكين فلما بحثا في الأمر .. اعترف الابن بأنه هو من فعل هذا، وكان يريد أن يقطع سلك (فرامل) السيارة انتقاماً منهما؛ لأنهما سيتركانه وحده!! ولما سُئل: كيف عرفت هذه الطريقة؟ أخبرهما أنها من أحد أفلام الرسوم المتحركة!!
هذا عدا تلقين الطفل كيفية فتح أبواب السيارة وأبواب البيوت بدون مفتاح، وكيفية إضرام التيار الكهربائي بيد رجل بريء آخر بطريقة سهلة للغاية، كما في مسلسل المحقق كونان، كل ذلك نظراً لما يراه أمام عينيه من حروب وقتال، وجرائم متقنة التصوير والإخراج، مبسطة مسهلة ليدركها بفهمه المحدود، فإن تكرار هذه المشاهد في تلك الأفلام، وفي أفلام الرسوم المتحركة يترك أثراً بالغ الخطورة على أطفالنا، الذين يعيشون في مجتمع آمن بفضل الله تعالى، يقول أحد الكتاب المختصين: " إن الأطفال الذين يشاهدون سلوكيات عدوانية بحجم كبير في التلفاز، بمقدورهم خزن هذه السلوكيات، ومن ثم استعادتها وتنفيذها، وذلك حالما تظهر المؤثرات الملائمة لإظهار هذه الاستجابة السلوكية العدوانية، وإن تذكر السلوك العدواني الذي يقدم حلاً لمشكلة يواجهها الطفل قد يؤدي إلى إطلاق هذا (المكبوت) من السلوك العدواني، ويصبح المفهوم العدواني مقترناً مع النجاح في حل مشكلة اجتماعية، ويظل التلفاز الوسيلة الفعّالة في قوة التأثير إعلامياً".(101/65)
ولعل كل أب وأم لاحظا كيف ينشدُّ الطفل أكثر عند المشاهد الأكثر عدوانية؛ مثل: الإكثار من الأصوات العالية والضجيج والصياح الغاضب، والشتائم المتكررة، والتهديد بالكلام والإشارات، والعدوان المباشر ضد الأشياء: مثل ضرب الأبواب بعنف، وبعثرة الأشياء، وإلقاء الأشياء ورميها بعنف، والكتابة العشوائية على الجدران، وتكسير الأشياء، وتهشيم النوافذ، وإشعال الحرائق، والعدوان ضد الآخرين مثل : الاندفاع نحو الآخرين بعنف، وضربهم ونتف شعورهم، ومهاجمتهم ومحاولة جرحهم بل وقتلهم والفتك بهم حرقاً وتمزيقاً. وقد أظهرت بعض الدراسات العلمية في أسبانيا أن 39 % من الشباب المنحرفين تلقوا معلوماتهم التي استمدوها في تنفيذ جرائمهم من التلفاز.
وتؤكد الكاتبة طيبة اليحيى: أن المجتمع الغربي ذاته نبذ أنواعاً كثيرة من هذه الرسوم، منها أفلام الخيال العلمي المثيرة وأفلام الفضاء والقتال الدائر فيه، بعد ما تبين للعلماء ضررها في تخريب نفسية الأطفال؛ إذ توسّع أعمال العنف في نفوسهم وتجعلهم يعتادونها، والواقع أن الرسوم المتحركة ليست وحدها المسؤولة عن مثل هذه الجرائم، بل تشترك معها كل أفلام الرعب و الأفلام البوليسية والتحقيق الأمني، للكبار والصغار، وكثير من المجرمين يعترفون حين يُقبض عليهم أنهم يقلدون جرائم الأفلام التي يشاهدونها، والحوادث الواقعية أكثر من أن تحصر في هذا الاتجاه .
إنني أؤكد وبكل قوة أن هذا المجتمع لم يكن يعرف كلمة العنف من الأصل؛ لأنه مصطلح مستورد، ومصنوع في بلاد الغرب ولا فخر، فالغرب الذي عاش على أشلاء الشعوب ولا يزال، وامتص دماءهم عقوداً من الزمن تحت أسماء عديدة، هو اليوم يمارس الفكر نفسه، ولكن بأسماء ورايات أخرى مصبوغة بكل ألوان الطيف، بينما يتباكى على السلام العالمي، وعلى الأمن، والأمان النفسي، ويرفع شعارات القضاء على الإرهاب، وهو لا يزال يشحن برامجه الإعلامية، ومنتجاته السينمائية، وعلى وجه الخصوص أفلام الكارتون الموجهة للأطفال، والألعاب الإلكترونية التي نشأت في الغرب، بما يغرس جذور العنف والبغضاء والحقد في قلوب الصغار الأبرياء، ويغرقهم في أوحال الشر باستخدام التقنيات المتطورة، واستغلال توجّهاتهم وميولهم لإقحامهم في عالم الجريمة بأساليب برّاقة ومؤثرات قوية..!
وإلى اللقاء في حلقة أخرى من هذه النظرات الفاحصة للرسوم المتحركة.
وصلى الله على نبينا محمد وآله وسلم.
ـــــــــــــــــــ(101/66)
أطفال سوريا .. فقر واستغلال ومعاناة نفسية!
سوريا: شذى شريف 21/3/1427
19/04/2006
يعاني الطفل أشد المعاناة في ظروف دولة كسوريا حيث نسب البطالة مرتفعة، وبالتالي انخفاض الدخول وشيوع الفقر؛ مما يدفع الكثيرين إلى استغلال الأطفال فيما يتنافى مع طبيعتهم الرقيقة التي لا تقوى على الجهد والمعاناة، حيث العمل وانعدام التعليم وعدم العناية الصحية .. إلى جانب أن المجتمع السوري يشمل شريحة واسعة من الأطفال تبلغ نحو (7.5) مليون طفل حسب إحصائية صدرت عام 2002 م بنسبة تصل إلى 40% من عدد السكان، وهذه نسبة ضخمة.
وتزداد المعاناة التي يلاقيها الأطفال في ظل معاناة الأسرة في سوريا بنوع من التفكك في ظل ظروف المعيشة القاسية، حيث يهجر الزوج الأسرة، وفي هذه الحالة يضطر الأطفال إلى إعالة الأسرة، وتحمّل مسؤولية ينوء بحملها الرجال .. مما يحوّل تفكير الطفل، ويجعله متشائماً من الحياة، ولا يرغب في استكمال حياته على هذا الوضع الشقي الذي فُرض عليه.
هروب من المسئولية
وتحكي لنا أسرة سورية معاناتها، حيث واجهت الأسرة في بداية حياتها من المشاكل الزوجية المعتادة الناتجة عن سوء الأحوال المعيشية، وتخاذل الزوج في القيام بدوره العادي والفطري، وفضل الهروب من كنف الأسرة، بعد أن أنجب أربعة من البنات اللاتي لايقدرن على إعالة انفسهن، إلا أنهن مجبرات على أن يخضن غمار الحياة، فقررت إحدى البنات وهي في الرابعة عشرة من عمرها أن تخرج من سلك التعليم إلى العمل، وتركت التعليم كي تساعد في إعالة الأسرة، كما عملت أختها الكبرى إلى جانب دراستها الجامعية.
وعلى الرغم من أن مثل هذه الأحداث تكسب الأطفال نوعاً من التفكير العقلي الذي يكبرهن سناً، إلا أنها في الوقت ذاته تترك آثاراً نفسية لدى الطفل، فتجعله يرفض الحياة، ويتصورها كلها بمثل هذا الشقاء الذي وجده؛ إذ تتحدث إلينا هؤلاء البنات (الأطفال) بنوع من اليأس الذي ينم عن عدم رغبتهن في مواصلة حياتهن!
ازدياد مضطرد
ومايزيد من خطورة المشكلة أن تلك الشريحة تزداد يوماً بعد يوم؛ إذ تتوقع منظمة الطفل العالمية التابعة للأمم المتحدة (اليونسيف) أن تصبح عام 2050، نسبة الأطفال في المجتمع السوري نحو نصف السكان (50%)، وأن المعدلات المرتفعة للنمو السكاني في سوريا تضيف سنوياً حوالي نصف مليون نسمة كل عام للعدد القائم، وبالطبع في ظل هذه الظروف يُقتل جيل المستقبل ليتحول إلى مجرّد آلة لا ترغب في استكمال حياتها، مما يهدّد مستقبل سوريا.
ويقول بعض الكتاب السوريين: "أطفال يبيعون الصحف والآيس كريم واللبان "العلكة" وبعض الأواني المنزلية وغيرها، وتزدهر ظاهرة التسوّل والنوم على الأرصفة، صور ترافق ذاكرتي مع صور بعض الأطفال السوريين المتجمعين حول أكوام القذارة، باحثين عن لعبة تسليهم أو تجارة تطعمهم أو قطعة من خيال تداعب أحلامهم".
وعلى الرغم من أن سوريا صادقت على اتفاقية حقوق الطفل في يونيو 1993 بموجب القانون رقم (8)، ولقد دخلت الاتفاقية في حيز التنفيذ في أغسطس 1993، إلا أنَّ سوريا تحفظّت على المادتين (20ـ21) المتعلقتين بالتبني، وكذلك على المادة رقم (14) المتعلقة بحق الطفل في حرية الفكر والوجدان والدين.
كما صادقت على (البروتوكولين) الاختياريين الملحقين باتفاقية حقوق الطفل والمتعلقين ببيع الأطفال، وتوريطهم بأعمال الدعارة والإباحة، وإشراكهم في النزاعات المسلحة، وذلك بموجب المرسوم رقم (379) في تاريخ أكتوبر 2002.
إلا أن وضع الأطفال في سوريا بشكل عام سيئ، ولايحترم بنود اتفاقية حقوق الطفل إلا بشكل إعلامي، وحتى محاولة تطبيق بعض النقاط يكون بشكل متحيزبين المدينة والريف، وبين التجمعات السكانية دون عدل ومساواة؛ فالعمالة منتشرة بين الأطفال، والتسيب المدرسي، والعنف الأسري والمدرسي، والعنف الجنسي، والوضع الصحي السيئ، إلى جانب انتشار الفقر بشكل واسع، وضعف التشريع السوري الذي يحمي وينصف الأطفال، والحرمان القسري من الأهل أو أحد الأبوين.
ويؤكد تقرير البرنامج الإنمائي للأمم المتحدة عن الفقر في سوريا وأيضاً التقرير الوطني للتنمية البشرية ذلك؛ إذ إن ثلث سكان سورية فقراء أي (5.3) مليون يرزحون تحت وطأة الفقر، وأكثر من مليون تحت خط الفقر أي لا يأكلون، ولا يؤمنون الحاجات الحيوية، كما تعاني سوريا من قلة المشافي المتخصصة، والموجودة منها تعاني من ضغط كبير، حتى إن أهالي المحافظات الأخرى ينامون على بوابات هذه المشافي ينتظرون الدور، إلى جانب ارتفاع معدل وفيات الأطفال دون السنة الخامسة؛ إذ تصل إلى (28) طفلاً من كل (1000) طفل؛ ومعدل وفيات الأطفال الرضع لكل ألف مولود حي (18.1) طفلاً.
وقطاع كبير من الأطفال في كافة المناطق يقومون بنبش القمامة الخطرة الطبية وغيرها لسوء الأوضاع المعاشية، وهذا يسبب للاطفال أمراضاً خطيرة. هذا إلى جانب أنه على الرغم من أن القانون السوري يمنع تشغيل الأطفال دون الخامسة عشرة في جميع أنواع الأعمال، ويحظر تشغيل الأحداث في بعض الصناعات الخطرة قبل سن السادسةعشرة وفي صناعات أخرى قبل الثامنة عشرة.
العنف ضد الأطفال
إلا أن الدراسات تشير إلى أن عدد الأطفال العاملين في سورية في الفئة العمرية بين (10-17) عاماً يقدر بنحو (621) ألف طفل، وهذا الرقم يشكل نسبة17.8%من إجمالي عدد الأطفا ل في هذه الفئة العمرية، وهذا العدد مرشح إلى التضاعف في ظل تردي الأوضاع المعيشية للأسر السورية، وعلى ضوء نتائج تقرير الفقر السوري الرسمي، مما يؤدي الى زيادة التسرب من المدرسة للمساعدة في تخفيف الأعباء عن الأهل، وهو ما تؤكده قصتنا السالف ذكرها.
ومن الأعمال ذات التأثير على شخصية الطفل الإنسانية والأخلاقية، والتي تحطّ من كرامته كالتسول وتلميع الأحذية في دمشق وحلب وكافة المدن السورية، ويمكن استغلال الأطفال من خلال شبكات دعارة وتهريب المخدرات.
ومن المثير للاهتمام أن العنف ضد الأطفال مستخدم في سوريا وبكافة أشكاله حيث ( الإهانات - الضرب- السباب والشتائم- وتجاهل الأطفال- والعنف الجنسي) سواء في المدارس أو السجون أو الإصلاحيات والأسر والشارع.
ولقد أكدت دراسة لليونسيف في سوريا عام 2003 أن الأطفال يتعرضون لعدة أشكال من العنف في أسرهم أكثر مما يتعرضون له في المدارس أو الشارع، كما أن الأطفال يعانون من الاعتداءات الجنسية إلا أن القليل منها ما يوثق نتيجة لعدة أسباب منها تستر الأهل أودفع المال أو التهديد من قبل المعتدي، ويمكن إدراج حالات الزواج القسري الذي يفرضه الأهل على الأطفال في بعض المناطق السورية، أو تزويج الفتيات الصغيرات اللواتي عمرهن أقل من عمر (18) سنة، واللوتي لم يكتمل نموهن الجسدي والعقلي أيضاً سواء بالترغيب أو الترهيب.
كما يوجد في سورية الكثير من المتشردين والمتسولين والأطفا ل اللقطاء، والذين يوضعون إما في جمعيات خيرية ينقصها الكثير؛ أو في دور للتشغيل والرعاية وإصلاحيات لا تختلف عن السجون السورية حيث يوضع الجميع أحياناً من عمر ثلاثة أشهرحتى (70) سنة مع بعضهم، وبشروط بائسة وسيئة للغاية دون أغطية وغذاء ودفء وتعليم وغيره الكثير، تقوم الدوريات المختصة بمكافحة التسول والتشرد بالقبض على الأطفال الذين يبيعون الدخان والمحارم واليانصيب، وعلى الكبار الذين يبعون على العربات أحياناً وتضعهم في السجون، أو هذه الدور التي ذكرت ليعانوا الأمرّين.
ويبقى أن نقول: إن الأطفال بحاجةٍ إلى المزيد من الرعاية والاهتمام على كافة الصعد؛ فهم يشكلون نسبةً كبيرةً من عدد سكان سوريا، إلى جانب أنهم عماد المستقبل في أي مجتمع وأمة على مر العصور.
ويقول الشاعر الكبير جبران خليل جبران: "إن أبناءكم ماهم بأبنائكم؛ فقد ولدهم حنين الحياة إلى ذاتها؛ فيكم خرجوا إلى الحياة، وليس منكم، وإن عاشوا في كنفكم فما هم منكم، قد تمنحونهم حبكم، وفي وسعكم أن تجتهدوا لتكونوا مثلهم، ولكن لاتحاولوا أن تجعلوهم مثلكم".
الأجيال القادمة..إلى ماذا تفتقر؟
رحمة الغامدي 29/12/1426
29/01/2006
مشاكلنا كثيرة عديدة..متفاوتة..بعضها قد يولّد البعض الآخر..وهذا كله في الحقيقة..مسألة مؤرقة..
إن واقع الحياة الملموس يقول ويرى بأن الأجيال الجديدة تفتقر إلى التوازن النفسي من الناحية الأسرية..
حالات من مواقف الحياة مع هذه الفئة من المجتمع التي تمثل الزهر في حديقة الحياة..تتفجر في صدورهم الغضة بواعث الحزن، ولا يجدون من يصغي إليهم..
بل أحياناً كثيرة لا يجدون من يوجه لهم الثواب أو العقاب على ما يفعلونه، وهم في أمس الحاجة إلى من يصغي إليهم ويبسّط لهم الحلول، ويقرّبهم من ينابيع الأمل، ويعينهم على رسم أحلامهم الجميلة ويدلّهم على سبل الوصول إليها..
وهناك عوامل مشتركة في أسباب الحزن الذي يملأ قلوب هذه الشرائح الغضة؛ فمتغيرات الحياة من حولهم وإيقاعها السريع يجعلهم يكبرون بسرعة، فتمتلئ أجسامهم قبل أن تمتلئ عقولهم..ولا تتكون لهم شخصية مع الخبرات..
فالزمن سريع..والمطلوب كثير..والدروب أمامهم طويلة وتزداد خطوات الزمن سيراً تحت أقدامهم..فهناك الكثير من المتناقضات حولهم..فما يسمعونه بعيد تماماً عما يعايشونه..ولذا..فإنهم لا يجدون لما يسمعونه أي صدى..
وهم حائرون.. تائهون.. يجدّفون مراكبَ الحياة وحدهم..
آباؤهم غائبون عنهم..إما أعمالاً..أو إهمالاً..وأمهاتهم بعيدات عنهم إما لتعود..وإما لجهل..وإما للا مبالاة..
الحياة تشغل الكبار فيضيع الصغار ويتخبطون، وعندما يحتاجون إلى من يعينهم ويصغي إليهم ويشعر بهم ويشاركهم همومهم لا يجدون ذلك، فينطوون على أنفسهم ويحزنون حين يجدون أنفسهم في مهب الريح..كل ما حولهم لا يعينهم على أن يكونوا في مستوى طموحاتهم.
إن هذه الشريحة من المجتمعات..حقيقة مؤكدة..ولكنها تحظى بالتجاهل..ربما لأنها أصبحت عادة لدى الكثير من الآباء..
ولكن..يظل هناك طريق للنور..فاعرف الحق تعرف أهله..واعرف الباطل تعرف من أتاه..
إن هدفنا هو وضع اليد على الداء..فما أنزل الله من داء إلا أنزل له دواء..وقد جعل سبحانه كتابه:(...مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ...) [الإسراء: من الآية82].
إن السلف الصالح كانوا يهتمون بأبنائهم ويحرصون على تربيتهم تربية إسلامية متكاملة: خلقياً واجتماعياً وفكرياً وجسمانياً.. ويغرسون فيهم معاني الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر، والقدر خيره وشره.. ومراقبة الله في السر والعلن..
وهذا أهم دور يقع على عاتق الأسرة..
إن إهدار الأبناء وإهمالهم إضاعة للأمانة وقتل لمعاني التربية الإيمانية الصحيحة التي تُقدّم لهم كل ما يفتقرون إليه..وعقوق سافر لأبنائنا.
قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ...)[التحريم: من الآية6].
ومن الحديث:"كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته".
إنهم أمانة بين أيديكم..قلوبهم وقلوبكم بيد الله سبحانه، وما علينا إلا التوكل على الله في جلب النفع ودفع الضر..
وأخيراً:
إن صلاح الأبناء بصلاح الآباء..واحفظ الله يحفظهم
ـــــــــــــــــــ(101/67)
حبل الغسيل
بدرية الغنيم 17/12/1426
17/01/2006
طفلة في الرابعة من عمرها تدندن و تطوف بأمها وهي تحمل سلة الغسيل لتنشره على
الحبل و تقول: أعطيني يا ماما. أعطيني، أنا أحمل عنك. والأم في استغراب: ما سر
هذا الابتهاج عند نشر الغسيل؟ ما سر هذه الفرحة؟ ما زالت البنت كالفراشة تطوف
بأمها في عجل، وتأخذ القطع واحدة تلو الأخرى لنشرها، لكنها لا تصل إلى الحبل، بل تحملها أمها حتى تتمكن من نشر قطع الغسيل. وتجري أخرى لتعطي أمها بعضها لأنها أطول من قامتها، وتخشى أن تتسخ .تثير اهتمامها تلك القطرات المتساقطة من الغسيل. تقوم بجمعها بيديها الصغيرتين، أو تضع رأسها تحت الغسيل، وتصرخ لكل نقطة باردة تقع على رأسها. تضحك الأم من صرخاتها. فتزيد من تلك الصرخات. أخذت تعد النقط المتتابعة من الغسيل. تعد من واحد إلى عشرة، ثم تسير بعدها الأعداد في ترتيب غير منطقي مع صرخة ترافق العدد عشرة. توقفت عن العد بعد أن سمعت شكر أمها لمعاونتها لها. طلبت منها الأم أن تعود معها إلى داخل البيت حتى لا تؤذيها الشمس بحرها. لكنها تجاهلت نداء أمها. كأنها ترقب مغادرتها.
أخذت تقفز كالأرنب، وتعد قطرات الماء تارة، وتارة تمسح بها وجهها .وحينما رأت أن أمها قد دخلت المنزل، مسحت يديها بفستانها. واستعدت لممارسة هوايتها المفضلة.
وهي الأرجحة بالحبل. قفزت مرة تلو أخرى لكنها لم تستطع الوصول إلى الحبل، جذبت إحدى قطع الغسيل. حتى تمكنت من إحكام قبضتها عليها فهبط معها الحبل إلى مستوى يديها. أمسكت الحبل بيد و وضعت اليد الثانية على الحبل أيضاً وتعلقت به، فارتفع بها، وتكاد تنقطع أنفاسها فرحة، ثم أخذت تتأرجح وترتفع قدماها عن الأرض، وتنظر إلى السماء، فتؤذيها الشمس، وتنظر إلى الطيور، وتظن أنها قريبة منها وسعيدة بها.
لم يعد لقدميها أي ارتباط بالأرض. هاهي تتحرك إلى الأمام والخلف، معتمدة على
قوة ذراعيها، وقد نسيت كل ما حولها، وذهلت بأرجوحتها. التي أنعشتها بقطرات الماء، والهواء البارد. أخذت تعبر عن فرحها بضحكات هستيرية .
وفي قمة سعادتها وتحليقها في الهواء إذا هي تشعر بأن وزنها قد ازداد. حتى شعرت
أنها أثقل من الحديد. وكأنها تحمل الغسيل كله بيديها. حاولت التخلص من الحبل
.فإذا هو قد سبقها وتخلص من أوتاده. وهوى بها أرضاً مع أكوام الغسيل. صرخت
وتألمت لوقوعها أرضاً. لكنها في حالة ذهول. لا تدري أتبكي من الألم، أم تبكي
للكارثة التي أحدثتها؟ تمالكت نفسها حتى تستطيع أن تتحمل تبعات الموقف. لم تتح
الفرصة لدموعها أن تجري على خدها. أخذت تنشف عينيها بتحريك رأسها في الهواء. ثم وضعت يديها على وسطها وأخذت تنظر إلى الغسيل وهو ممدّد على الأرض. وحاولت تخليص إحدى القطع من الحبل ورفعها من الأرض. جبذتها فلم تستطع تخليصها من الحبل .حاولت في قطعة أخرى. لم تستطع أيضاً. ثم اهتدت لفكرة رفع الحبل. أمسكته حاولت أن ترفعه فأخفقت.
في أثناء محاولتها، فوجئت بعودة أمها. ألقت الحبل من يدها وشهقت ....ماما
...ماما. ثم نفضت يديها وأخذت تحك ظهرها بيد وتبعد شعرها المنكوث عن عينيها
باليد الأخرى. إشارة إلى أنها تتألم. لتستدرّ عطف أمها. نظرت الأم في حكمة إليها
وقرأت الخوف، والأسف، في عينيها. واطمأنت إلى أنها بخير. ثم كررت النظر في
هدوء وتمالك إليها وإلى الغسيل والحبل. دون أي حوار أو صراخ أو نظرات جارحة
في محاولة لأن تتمالك نفسها من ردة فعل قد تفسد أكثر مما تصلح .
كم كانت الصغيرة تتمنى أن تعاقبها أمها على خطئها. لكن الأم لم تفعل بل اكتفت
بتلك النظرة، وهي تكظم غيظها، وتدرك مدى انزعاج ابنتها، وأنها لا يمكن أن تقصد
أن تسقط الغسيل.
وفي لحظة ترقب الصغيرة للعتاب أو العقاب، إذا الأم تحضر سلة الغسيل وتضعها
أمام ابنتها، و تقترب منها، وتجلس في مستوى ابنتها، وتمسك بعضدها، وتضع يدها
الأخرى على صدرها لتتحسس قلبها، وهو يكاد ينفطر فزعاً، وترمقها بنظرات
حانية لتهدئ من روعها، وتقول: الحمد لله على سلامتك. تعالي لنصلح الذي فسد.
ارتمت الصغيرة في حضن أمها تبكي، وتقول: سامحيني يا ماما، سامحيني ،لن أعود مرة أخرى لفعلها. وسوف أشتري لك حبلاً غيره، قوياً متيناً. وسوف أقوم بغسل الملابس. والأم تربت عليها في حنان وتمسح ما علق بها من أتربة. وتلقي نظرة على ابنتها عن قرب لتتأكد من سلامتها، و تقول: سوف أساعدك في إصلاح ما فسد. فانطلقت الصغيرة تجري لجمع الغسيل بمعاونة أمها .
الأم تبتسم لأنها اهتدت لعلاج الموقف بطريقة تتعلم منه ابنتها التسامح والتعاون، وإعذار الآخرين، وعدم اتهام الناس، والدخول في نواياهم، وتركهم ليقولوا كلمة الصدق، دون تكذيب، وعدم تأزيم الموقف، ورحمة المخطئ من العتاب إن كان قد شعر بخطئه وتهيّأ لإصلاحه. وتركه لأن يتحمل نتائج خطئه.ومساعدته إن لم يكن في إمكانه فعل ذلك وحده. وعدم الاكتفاء بأسلوب واحد لعلاج المشكلات فلكل خطأ، ولكل شخص ما يناسبه من أسلوب لعلاج المشكلة.
وترك العقاب يُعدّ أيضاً نوعاً من أنواع العقاب .
ضرورة العناية بالنشء
عبد العزيز آل الشيخ
الخطبة الأولى:
أمّا بعد: فيا أيّها الناس، اتقوا الله - تعالى -حقَّ التقوى.
عبادَ الله، الأبناءُ والبنات أمانةٌ في أعناقِ الآباء والأمَّهات، استرعَى الله الأبَوَين على هذا النّشءِ، والله سائلٌ كلَّ راعٍ عمّا استرعاه، "أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ" [التحريم: 6].
أيّها المسلم، فعلى الأبِ وعلى الأمِّ واجبٌ كبير نحوَ تربيةِ هذا النشءِ في أوَّل أمرِه؛ لينشَأَ محِبًّا للخَير آلفًا له، ماقتًا للشرِّ كارهًا له.
أيّها المسلم، في السّنَن عنه - صلى الله عليه وسلم - قال: ((مُروا أولادَكم بالصَّلاة وهم أبناءُ سبع سنين، واضرِبوهم عليها وهم أبناءُ عَشر، وفرِّقوا بينهم في المضاجع))[1].
أدبٌ نبويّ وتربيّة صالحة ودعوةٌ صادِقة للفضائلِ والأخلاق القيِّمة. هذا الحديثُ تضمَّن أمرَين:
أوَّلهما: قولُه موجِّهًا الخطابَ إلى الأبوين: ((مُروا أبناءَكم بالصّلاة وهم أبناءُ سبع سنين))، مروهم بالصَّلاة في هذا السّنِّ المبكِّر، يأمر الأب ابنَه أو بنتَه بالصلاة في هذا السن المبكِّر، لماذا هذه المبادَرة؟ أجل، لعِظَم الصلاة، لعَظيم شأنها في الإسلام، لأهمّيَّتها، لكبير قدرِها، إذ هي عمودُ الإسلام والرّكن الثاني من أركانه، بها تقوَى صِلة العبد بربِّه، وبها تزكو أخلاقه وتصلُح أعماله وتستقيمُ أحواله، "وَأَقِمْ الصَّلاةَ إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنْ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ" [العنكبوت: 45]. إنَّها الفريضةُ التي يطالَب العبد بها في يومِه وليلتِه خمسَ مرّات، إنها البرهانُ الصادق على الإيمان، إنها البرهان الصادق على أنَّ في القلب إيمانًا بالله ورسولِه.
أيّها الأب، أيّتها الأم، فأمرُ الأطفال بالصلاةِ لسبع سنين من الأمور المهمَّة حتى ينشأَ النشءُ محِبًّا لهذه الصلاة مرتاحًا لها عارفًا كبيرَ شأنها وعظيمَ قدرها في الإسلام.
ثانيًا: ((واضرِبوهم عليها وهم أبناءُ عشر))، يُنتقَل من الأمر إلى الضّرب، لماذا وهم لم يبلغوا سنَّ البلوغ والتكليف؟! لكن توطِئَة لأنَّ هذه الصلاةَ يجب أن يحافِظَ عليها العبد إلى أن يلقَى الله، ما دام عقلُه حاضرًا فهو مطالَب بها على أيِّ حالٍ كان لأنَّها التي توقِظ في قلبه ذكرَ الله والتعلُّقَ بالله - جل وعلا -.
ثانيهما: ((وفرِّقوا بينهم في المضاجع)):
أيّها المسلم، كُن معِي قليلاً في هذا الأمرِ الخاصّ، فرِّقوا بينهم في المضاجعِ بعد عشرِ سِنين، فرِّقوا بين الأبناء فلا يكن الابنان في مضجعٍ واحد، ولا الابن ولا البنتُ في مضجعٍ واحد، لماذا؟ السنُّ مبكِّر والغرائِزُ قد لا تكونُ ظاهِرة، والأبناء قد لا يتفكَّرونَ الأشياء، لكن حماية الأعراض حمايةُ الأخلاق حمايةُ المجتمع من الرّذيلة الأخذُ على أيديهم من الصِّغَر تنشئتُهم النشأةَ الصالحة وتربيتُهم على القِيَم والفضائل ممَّا يطالَب به الآباء؛ لأنَّ هذه وظيفتُهم حتى الآن، فليس الأمر متعدِّيًا لهم، بل الأمر هم مختصّون به، يختصّ بذلك الأمّ والأب، فيفرّقونَ بينهم في المضاجع؛ خوفًا من تسرُّب وساوِسِ الشيطان الذي يجرِي من ابنِ آدمَ مجرَى الدم، ولأنَّ الهدف أن تكونَ النشأة نشأةً صالحة صادِقة، ينشأ المسلم في مجتمَعٍ محافِظ، يؤمِن بالفضيلة، ويرفُض الرذيلة، ولا يقرُّها بنفسِه ولا بيتِه ولا مجتمعِه.
أيّها المسلم، هذه التربيةُ للنشء لينشؤوا معظِّمين لحرماتِ الله، معظِّمين لأوامرِ الله، معظِّمين لحرمات الله بالبعدِ عنها، معظِّمين لأوامر الله بفِعلها والتمسّك بها.
أيّها المسلم، إنَّ [النشءَ] إذا رُبِّي على الفضائل والأخلاق نشأَ نشأةً طيّبة، وصار بعد كِبَره ذا خلُق فاضل وعطاءٍ جزيل، يُعوَّل عليه في المهمّات، وتطمئنّ إليه أمّتُه، ويسعد به مجتمعُه، فيصبح ذا خلق ودينٍ وفضائلَ وأخلاق كريمة، همّتُه عليا، نفسُه زكيّة، طَلبُه للفضائل، هكذا ربَّى النبيّ - صلى الله عليه وسلم - مجتمعَ المسلمين تربيةً طيّبة، فلماذا خرَج الرعيل الأول؟ ليفتَحوا القلوبَ والبلاد، وليكونوا قادةَ البشرية، ذاك بدينهم وأخلاقِهم وقِيَمهم، وإنما تذلُّ الأمم وإنما تسقط كرامتُها وإنما يستخِفّ بها عدوُّها إن هي أهملَت فضائلَها وأهملت أخلاقَها وسمحَت للرّذيلة أن تروجَ في مجتمعِها.
أيّها المسلم، ((فرِّقوا بينهم في المضاجع))، فسبحان الحكيم العليم، هذا التوجيه العظيمُ يدلّ على عنايةِ الإسلام بالأخلاقِ وعنايتِه بالفضائِل ونأيه بمجتَمَعه عن الوقوعِ في الرذائل، ألا ترَى أنّه - جل وعلا - خاطبَ المؤمنين بقوله: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِيَسْتَأْذِنْكُمْ الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ وَالَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُوا الْحُلُمَ مِنْكُمْ ثَلاثَ مَرَّاتٍ مِنْ قَبْلِ صَلاةِ الْفَجْرِ وَحِينَ تَضَعُونَ ثِيَابَكُمْ مِنْ الظَّهِيرَةِ وَمِنْ بَعْدِ صَلاةِ الْعِشَاءِ ثَلاثُ عَوْرَاتٍ لَكُمْ لَيْسَ عَلَيْكُمْ وَلا عَلَيْهِمْ جُنَاحٌ بَعْدَهُنَّ طَوَّافُونَ عَلَيْكُمْ بَعْضُكُمْ عَلَى بَعْضٍ" [النور: 58]. فأمَر من لم يبلغِ الحلم بالاستئذان في تلك الأوقاتِ التي يمكن أن يكونَ بين الرجل وامرأته شيء، كلُّ هذا لتربية أخلاقِهم، لإعدادهم الإعدادَ الصحيح، ثم قال: "وَإِذَا بَلَغَ الأَطْفَالُ مِنْكُمْ الْحُلُمَ فَلْيَسْتَأْذِنُوا كَمَا اسْتَأْذَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ" [النور: 59]، وهذا رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: ((فرِّقوا بينهم في المضاجع))، دعوةٌ للفضائل، وتربيةُ النشء إلى أن يعظِّموا حرماتِ الله، فيبتعِدوا عنها.
أيّها الشابّ المسلم، أيّتها الفتاةُ المسلمة، أوصِي الجميعَ بتقوى الله والتحلّي بالفضائل والبعدِ عن دعاة الرذيلةِ والفَساد الذين يسعَونَ في الأرض فسادًا؛ لتدمير أخلاقِ الأمّة، لتدمير كيانها، لإفساد أخلاقِها، بإضعاف تمسّكِها بدينها.
أخي المسلم، إنَّ الإسلامَ عندما أمرَ المرأة بالحجاب وحرَّم عليها التبرّجَ ونهاها عن السفرِ وحدها بلا محرم وحرَّم خلوتَها بالأجنبيّ الذي ليس من محارمها ونهاها من الخضوع بالقول خوفًا عليها من طمَعِ مرضى القلب بالشّهوة فيها، كلّ هذا حماية للأخلاقِ والفضيلة، حراسَة للفضيلة مِن أن تتطرّقَ إليها أيدِي العابثين والمفسِدين والمجرمين.
أيّها المسلم، إنّ انغماسَ المجتمع في الرذيلة أمرٌ خطير وأمرٌ مشين، أمرٌ يحمل في طيّاتِه الدمارَ والبلاء.
أخي المسلم، عندما تسمع التوجيهاتِ الإسلامية العاليَة وتسمع أحيانًا من بيئةٍ فاسدة تدعو إلى التقاء الذّكورِ والإناث في أماكنَ محدودة وزمان طويل ما الفائدة منه؟ الفائدةُ يقولون فيما يعلّل به دعاةُ الرذيلة والانحلال من الأخلاق: إنَّ هذا للتّعارُف بين الجنسَين وتحطيمِ الحواجز بين الجنسَين، وحدِّث ما شئتَ عن هذه اللِّقاءات المشبوهة وعن هذه القنوات الرّذيلة وماذا يُعمَل فيها، حقًّا إنها دعوةٌ للفُجور مهما تبرّرَ أهلُه ومهما قالوا، دعوةٌ للفجورِ والفسادِ والانحلال وفُقدان الغَيرة من القُلوب، فإذا فُقِدت غيرةُ العَبدِ على محارِمِ الله فإنَّ تلك مصيبةٌ، ولهذا قال رسول الله في خطبةِ يوم كسوفِ الشمس: ((يا أمّةَ محمد، ما أحد أغيَر من اللهِ أن يزنيَ عبده أو تزنيَ أمَتَه))[2].
أمّةَ الإسلام، إنَّ الدعاةَ إلى هذه الرذيلة والمعينون عليها والمحبِّذون لها والمساعدون لها والمنفِقون عليها والمدافِعون عنها لا شكَّ أنهم أعداءٌ للأمّة، أعداء لدينِها، وأعداء لأخلاقها، وأعداء لفضائلِها، وأعداء لكلِّ خلُقٍ قيِّم فيها، وإنَّ من يحول بين أولئك وبين مرادِهم ويردَعهم عن باطلهم ويحفِزُهم عن إجرامهم ويوقفُهم عند حدِّهم لدليلٌ على ما في قلبِه مِن خيرٍ وغَيرة على الإسلام وأهلِه.
أيّها المسلم، إنَّ المجتمعات المسلمةَ ما ذلَّت إلا لمّا انحرَفت أخلاقها، وما هانت إلاّ لما فسَدَت فضائلها، وما ضعُفت إلاّ لما بعُدت عن دينها، فالدّين والأخلاق هما قوّةُ الأمة وعزُّها وسِلاحها القويّ الذي لا يستطيع قوّةٌ أن تهزِمَه. التمسُّكُ بهذا الدين قولاً وعملاً المحافظةُ على أخلاقه وفضائله أن لا يُسمَح لأيِّ رذيلٍ أن ينشُرَ رذيلتَه بين المجتمع أو يشيعها بين المجتمع المسلم، فعلى الفتَيَات المسلمات تقوَى الله في أنفسِهنّ، وأن لا ينخَدِعن بهذه الأفكارِ السيّئة وهذه الدعاياتِ المضلِّلَة، وأن يكونَ للفتاةِ المسلمة موقف مشرف؛ تمسُّكًا بالدّين والأخلاق وبُعدًا عن هذه الرذائل، وعلَى الشابِّ المسلم أن يتذكَّر ويتدبَّرَ في أمره ويعلَمَ أنَّ أولئك دعاةُ الرذيلة لا يريدون له خيرًا، لا يريدون به خَيرًا، هم دعاةٌ على أبوابِ جهنَّم، من أطاعهم ألقَوه فيها، هم أعداءٌ لك، أعداء لدينك، أعداء لأخلاقك، أعداء لفضائلِك، أعداءٌ لكلِّ خلُق قيِّم تتمسَّك به.
إنها بيئةٌ فاسِدة ومجتمَعات سيِّئة تريدُ أن تنقلَ رَذيلَتَها إلى بلادِ الإسلام، ويأبى الله والمؤمِنون ذلك، فلنتمسَّك بأخلاقنا، ولنُرَبِّ نشأنا تربيةً صالحة، لنجدَهم إن شاءَ الله بعد غدٍ رجالاً في الميدان، ذوي دينٍ وأخلاقٍ وقيادةٍ للمجتمع على أسُسٍ من الفضائل والأعمال.
أسأل الله أن يحفَظَ الجميع بالإسلامِ، وأن يثبِّتَنا وإيّاكم على صراطه المستقيم، وأن لا يزيغَ قلوبَنا بعد إذ هدانا، إنّه ولي ذلك والقادر عليه.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، "إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ" [النور: 19].
بارَك الله لي ولَكم في القرآنِ العظيمِ، ونفَعني وإيّاكم بما فيه من الآياتِ والذّكر الحكيم، أقولُ قولي هذَا، وأستغفِر اللهَ العظيمَ الجليلَ لي ولكم ولِسائر المسلمين مِن كلّ ذنب، فاستَغفروه وتوبوا إِليه، إنّه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله حمدًا كثيرًا طيّبًا مباركًا فيه كما يحبّ ربنا ويرضَى، وأشهد أن لا إله إلا الله وحدَه لا شريكَ له، وأشهد أنّ محمّدًا عبده ورسوله، صلّى الله عليه وعلى آله وصحبِه، وسلّم تَسليمًا كثيرًا إلى يومِ الدّين.
أمّا بعد: فيَا أيّها النّاس، اتَّقوا الله - تعالى -حقَّ التّقوَى، وتمسَّكوا بآدابِ الإسلام؛ لتكونوا على المستوى اللائِق بكم، ربُّوا الأبناءَ والبنات التربيَة الصالحة، حذِّروهم من دعاةِ السوء، أبعدوهم عن دعاةِ السوء، بيِّنوا لهم ما في هذه من مفاسدَ وأضرارٍ في الدّين والدنيا، حذِّروهم من الانغماس في الرَّذائل، وأن تتعلَّق القلوب بأولئك الذين لا خلاقَ لهم ولا خيرَ فيهم، تعلُّقُ القلوب بمن لا خلاقَ له ولا خيرَ فيه مصيبةٌ عظيمة، فلتتَعلَّق القلوب بربِّها وبنبيِّها ثم بأخلاقِ دينها وكرامَتِها، لتجدَ العزَّ والتّمكين.
أيّها الشابّ المسلم، فاتَّق الله، وحافظ على دينِك، ولا تكن إمّعةً يقودك أولئك إلى رذائِلِهم وفسادِهم، تمسَّك بدينك، فأنت في عزٍّ وكرامة، "وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لا يَعْلَمُونَ" [المنافقون: 8].
واعلموا ـ رحمكم الله ـ أنّ أَحسنَ الحديثِ كِتاب الله، وخيرَ الهَدي هدي محمَّد، وشرّ الأمورِ محدثاتها، وكلّ بِدعةٍ ضَلالة، وعَليكم بجماعةِ المسلِمين، فإنّ يدَ الله علَى الجمَاعة، ومَن شذَّ شذَّ في النّار.
وصلّوا ـ رحمكم الله ـ علَى عبد الله ورسوله محمّد كما أمركم بذلك ربّكم، قال - تعالى -: إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا [الأحزاب: 56].
اللَّهمّ صلِّ وسلِّم وبارِك على عبدِك ورسولِك محمّد، وارضَ اللَّهمّ عن خلَفائه الرّاشدين...
__________________
[1] أخرجه أحمد (2/187)، وأبو داود في الصلاة (495)، والدارقطني (1/230)، والحاكم (1/311)، والبيهقي (2/228، 229) من طريق عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده - رضي الله عنه -، وصححه الألباني في الإرواء (247).
[2] رواه البخاري في الكسوف (1044)، ومسلم في الكسوف (901) عن عائشة - رضي الله عنها -.
http://www.alminbar.net المصدر:
-
خصوصيّات طفل
بدريّة الغنيم 4/12/1426
04/01/2006
طفل في الثالثة من عمره، فقدته أمه. أخذت تناديه، وتبحث عنه في أنحاء المنزل ولم تجده. عادت لغرفته مرة أخرى، ولمحت قدميه الصغيرتين تحت السرير تتحركان.
نادته ولم يجب. ربما يسمعها ولا يريد أن يجيب، وربما لم يسمعها. فألقت نظرة تحت السرير. فوجدته منسجماً مع ألعابه، ولم يشعر بها. عادت لمطبخها، وأخذت تناديه.
لمحته يجري مسرعاً نحو المطبخ ليأخذ فناجين القهوة الصغيرة، ويملؤها بالماء. التفتت إليه وقالت: ماذا لديك؟ ويجيب: عندي شغل....شغل، ضحكت وقالت: وما هو؟ لم يجبها، بل أسرع بالماء، و وأدخله تحت السرير.
تركته أمه، وبعد أن أنهت أعمالها عادت إليه. فإذا قدماه مترنحتان.هالها أمره . جبذته من تحت السرير. فإذا هو مستغرق في نومه. قد لطخت شفتية ويديه الشكولاته. حاولت إيقاظه، ليشرب كأس الماء، لكنه كان مستغرقاً في نومه .مسحت فمه و يديه الدافئتين بالماء وأصابعه الصغيرة وقبّلتها، ثم وضعته على سريره، وله غطيط .وقالت: كم أنت متعب اليوم يابني! ليتني أعرف ما الذي يشغلك. وأدخلت رأسها تحت السرير لترى ما كان يشغله. فإذا هي وليمة دسمة من البسكويت وقطع الحلوى والبطاطس. و المدعوين شلة أسود وفيلة وتماسيح بلاستيكية بالإضافة إلى سيارته التي يحبها، كانت وجوههم ملطخة بالشكولاته، وكذلك مقدمة سيارته .احتارت ماذا تفعل ببقايا البسكويت والأكل. هل تحملها أو تتركها إلى الصباح، حتى يرى الصغير أن لعبه لم تتناول الأكل. فاهتدت إلى رفعها، وفي الصباح تعيدها إلى مكانها؛ لأنها لا تعلم ماذا يريد أن يعرف حينما تركها مع الأكل .
وفي الصباح قبل استيقاظ ابنها أعادتها إلى مكانها. وكأن شيئاً لم يحدث لها. وتشاغلت عن ابنها. فإذا هو بعد تناول إفطاره يعود ليرى المدعوين تحت سريره، وقد انضمت إليهم نملة تتحرك يمنة ويسره فرحة بهذه الوليمة. أثارت انتباهه تابعها فترة لكنها لم تشغله عن هدفه. أخذت أمه ترقبه خلسة والفضول يقتلها. فإذا هو قد علا صوته. في نقاش حاد وهو يعاتب ألعابه ويلومها على ترك الأكل، ويقارنها بالنملة التي تناولت فتات الحلوى، وزاد حنقه أن لم يجد إجابة منها. فهي مكانها لم تتحرك ولم تجب. تدخلت الأم حينما سمعت صوته. ماذا بك؟ ردّ عليها في أسف: إنها لا تتناول الحلوى التي أعطيتها. فقالت الأم: وهل كانت تتناول الحلوى في محل بيع اللعب؟ أجاب: إن البائع لا يطعمها، لذلك بقيت صغيرة. وأنا أطعمها لتكبر. ثم بكى. لكنها لن تكبر يا ماما لن تكبر. والأم تخفي ضحكة في داخلها، لكنها تشاطر ابنها مشاعره، وتقول: نعم لن تكبر. لكنك تكبر، وأصحابك يكبرون، وكذلك قطة جارنا، والعصافير التي على الأشجار، ثم أكمل والفيل الذي رأيناه في حديقة الحيوان، والشجرة التي أمام منزلنا تكبر، والنملة التي تحت السرير تكبر.
صمت ثم تنهد وبردت دموعه لابتسامة علت محياه، وأخذ يتأمل وجه أمه وكفيه الصغيرتين على خديها، تأملها، ضحك وقال: وماما تكبر أيضاً. ثم علت ضحكاتهما وانتهى الدرس .
تلك أم واعية تترك الحرية لابنها ليتعلم، دون تدخل في تفاصيل طفولية، ودون استهتار، أو استخفاف بأفكاره، بل تشاركه همومه، و اهتماماته، وأفراحه ،وأحزانه حتى وإن كنا نرى أنها اهتمامات بسيطة، ولكن يُقدر لكل سن قدره مع حفظ لحدود مملكته الخاصة، وعدم تدخل في خصوصياته وتعليمه احترام خصوصيات إخوته وأفراد أسرته حتى لا ينشأ مستبيحاً لممتلكات غيره أو متخاذلاً أمام من يتجاوز إلى ممتلكاته، فيتربي على معرفة الحدود وعدم تجاوز الخطوط إلا بإذن و رضا سبق، أو لأشخاص مخصوصين كالأم والأب مثلاً. فهذه الأم تتيح له أيضاً فرصة التعلم الذاتي، وتدلي بمشورتها ونصحها، عندما يحتاج ابنها ذلك، دون أمر منها، أو تدخل في تغافل، دون غفلة، أو سذاجة، وترقب لنموه ونمو شخصيته ومعلوماته .
ـــــــــــــــــــ(101/68)
اليوم الأول في المدرسة
سهير الجبرتي
اليوم الأول في المدرسة .. يسبب مشكلة كبيرة لكثير من الأسر نتيجة خوف أبنائهم الصغار من المدرسة، خاصة سنة أولى مدرسة الذي يكون مليئا بالبكاء والصراخ، والذي يستمر عدة أيام بل أسابيع.
وقد ثبت علمياً أن الخوف من المدرسة سلوك مرضي مكتسب تقع مسؤوليته على عاتق الآباء والأمهات الذين غرسوه في الطفل مما ألجأه إلى الصراخ والبكاء، واصطناع الحيل والأكاذيب، واختلاق الادعاءات حتى الصحية منها هرباً من الذهاب إلى المدرسة.. هكذا يقول علماء النفس، وإن كانوا يؤكدون أيضاً أن أبناءنا أمانة في أيدينا؛ إن لم نرعهم جيداً فقدنا الكثير من طاقات المجتمع الخلاّقة، إلا أن لهذه الرعاية حدوداً فإن تخطيناها دخلنا في منطقة التدليل المفرط الذي له نتائج سيئة على سلوك الطفل تجعله غير قادر على مواجهة المجتمع، وتحد من انطلاق قدراته وإمكاناته الطبيعية..
الخوف المكتسب من الكبار:
يقول الدكتور محمد محسن العرقان أستاذ علم النفس بالمركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية: إن أي مخاوف مرضية هي مخاوف مكتسبة عن طريق المحيطين بالطفل، وهم شخصيات غير سوية بالقدر الكافي؛ إذ إن الطفل لا يخاف بطبيعته من أي شيء، لكنه يتعلم الخوف ممن حوله، وهذا دليل على أنه يمكن أن يمسك النار أو يلقي نفسه في أي شيء خطر دون إدراك العواقب والمخاطر التي يمكن أن تصيبه من جراء ذلك؛ فالكبار هم الذين يكسبون الأطفال الخوف بزعم الحفاظ على حياتهم، ولكن -للأسف الشديد- الآباء والأمهات غير أسوياء نفسياً عندما ينفعلون؛ إذ يبالغون في الانفعال مثلاً- عندما يقع الطفل على الأرض تنزعج الأم انزعاجاً مبالغاً فيه، وكأن الدنيا قد انتهت، وتصل المبالغة إلى أن الطفل وكأنه قد أنهى حياته.
ونتيجة لهذا الحرص الشديد والخوف المرضي لا يحس الطفل بالاطمئنان إلى أي شيء جديد لم يتعود عليه خصوصاً الأفراد المحيطين حوله أو البيئة الطبيعية التي لا تماثل البيئة المنزلية، وينشأ ولديه إحساس عميق بالنرجسية، أي حب الذات، وأنه هو الوحيد في الدنيا، وكأنها خُلقت من أجله فقط، مما يجعله أنانياً لا يقبل الوجوه الجديدة، أو الأماكن التي لم يشاهدها من قبل، أو الوجوه التي لم يتعود عليها؛ فالكبار هم الذين يصنعون طفلاً يهاب الشيء الجديد سواء كان الشيء طبيعياً أو بشرياً.
يوم أول مدرسة:
لذلك إذا خرج الطفل إلى المدرسة في أول يوم يفزع وينزعج لرؤيته وجوها جديدة لم يتعود عليها، ومكاناً جديداً لم يره من قبل، ونظراً لوجود أطفال كثيرين آخرين لم تعد العناية مركزة عليه، وأصبح كأي واحد منهم، ومن ثم يشعر أنه مهدد بلا حماية من والديه، تلك الحماية التي كان يتمتع بها من قبل، وهذه اللحظة تشكل له أبعاداً جديدة تتمثل في فقدان الوالدين البيئة التي يطمئن إليها، وكان متعوداً عليها ويغزو كيانه الإحساس بالضياع، بل وربما الإحساس بأنه مهدد بفقدان الأمان للأبد فيندفع في البكاء والصراخ، وذلك لأن الآباء لم يعودوه على الاستقلال والاعتماد على الذات، وأنه ليس الطفل الوحيد في العالم، وأنه لا يعيش فيه وحده بل هناك كثيرون غيره؛ فهو جزء من العالم.
فاليوم الأول من المدرسة تهديد لكيان الطفل الذي لم يتعود على الاستقلالية ومواجهة المواقف الجديدة فتلك الخبرات كان يجب أن ينقلها الآباء إليه قبل الذهاب إلى المدرسة.
فيجب عند تنشئة أطفالنا ألاّ نفرط في حمايتهم، ويجب أن نرفع أيدينا عنهم حتى تنطلق قدراتهم الطبيعية؛ لأن الأطفال مهما كانوا صغاراً وضعفاء في نظر آبائهم فإن لديهم القدرة على مواجهة الحياة بما يملكون من قدرات حتى ولو كانت بسيطة، وتُعدّ الفترة من الميلاد حتى الخمس سنوات الأولى فترة تشكيل شخصية الطفل ونمط مواجهته للحياة، فإذا ما عودناه مواجهة الآخرين، ولم نعمّق لديه الشعور أنه الطفل الوحيد في العالم استطاع هو بذاته أن يواجه الغرباء والأماكن الجديدة معتمداً على نفسه؛ فما نفعله في خمس السنوات الأولى للطفل يظهر تماماً في أول لحظة عند ذهابه لأول مرة إلى المدرسة.
ومن الخطأ أن نلجأ إلى عقاب الطفل لإجباره على الذهاب إلى المدرسة وأن ينفصل عن والديه؛ لأن ذلك يولّد لديه إحساساً مفزعاً وشعوراً بالتهديد في الوقت الذي لم يعالج المشكلة بل يكون من العقاب.
يكون علاج المشكلة بذهاب الوالدين أو أحدهما معه إلى المدرسة من أول يوم حتى شهر، ويجلسان معه ثم يتواريان بعض الوقت، ويظهران البعض الآخر حتى لا يشعر الطفل فجأة بالتهديد، حسبما يظل في مخيلته أن ذهاب الأم قد يكون بلا عودة.
تنشئة اجتماعية سليمة:
بينما تقول الدكتورة فاطمة موسى -أستاذ الطب النفسي بكلية الطب بقصر العيني جامعة القاهرة-: إن مخاوف الطفل من المدرسة لها أسباب كثيرة، منها: تعوّده على وجود الأبوين والتصاقه بالأم، وحين يدخل المدرسة لأول مرة يحدث له نوع من القلق نتيجة لانفصاله عن الأم، ونلاحظ هذا خلال ثلاثة الشهور الأولى من دخوله المدرسة خاصة في الأطفال الذين لا إخوة لهم.
وتزيد المخاوف لدى الطفل الذي ينشأ بين أسرة انطوائية ولم يختلط بأطفال في مثل سنه، فيكون خائفاً من الأطفال الآخرين، ومن الجو في المدرسة.
ويشعر الطفل بالخوف لشعوره بفقدان الحماية أو نقص بعض احتياجاته مثل احتياجه للطعام أو الشراب، أو لقيام أحد أقرانه بالاعتداء عليه.
وفي مرحلة دراسية أعلى قد يخاف من ضعفه في بعض المواد الدراسية فإذا حصل على درجات ضعيفة في بعض المواد الدراسية وتعرض للتوبيخ والعقاب الصارم أمام زملائه سواء من مدرسه أو أهله، وإذا كانت قدرات الطفل العقلية لا يتفق مستواها ومستوى الدراسة فإنه يُصاب بحالة من الإحباط والخوف.
وأحياناً يكون الخوف من المدرسة بسبب مرض نفسي نشأ عن مخاوف اجتماعية؛ فعندما يرى الطفل مجتمعاً كمجتمع المدرسة المليء بالتلاميذ وهيئة التدريس والمدرسين والمدرسات فإنه قد يخاف بصورة مفزعة ويشعر أنه سيموت بسب الازدحام، ومن ثم لا يستطيع أن يمارس نشاطه أمامهم، فلا يلعب، ولا يأكل، ولا يمشي أمامهم، ويخاف من الوقوف في الطابور المدرسي، ويحاول أن يختفي بعيداً عن الزحام.
وقد يكون الخوف من المدرسة مرتبطاً بمرض نفسي كبير مثل الفصام؛ فلا يستطيع التكيف والتعامل مع الآخرين، مما يسبب لديه حالة من الرعب والخوف، وهذا ناتج عن اضطرابات عقلية.
ومن ضمن المخاوف في المدرسة وجود بعض التلاميذ في شكل مجموعات أو ما يُعرف بالشلة وبينهم أطفال أشقياء، وقد تحدث بينهم مشاجرات ومن ثم يخاف الطفل الضعيف جسمانياً، ويهرب من المدرسة حتى لا يتعرض للضرب والإهانة.
لذلك من الضروري أن ينشأ الطفل تنشئة اجتماعية حيث يجب ألاّ تكون الأسرة مغلقة أي يجب التزاور، وأن يلعب مع أصحابه، ويتصل بالآخرين، وكما يجب استخدام أسلوب التشجيع إذا حصل الطفل على الدرجات المرتفعة أو المتوسطة حتى نرغبه في الذهاب إلى المدرسة.
4/8/1426
08/09/2005
http://www.islamtoday.net المصدر:
ـــــــــــــــــــ(101/69)
صمْت المراهقين. . . حينما يقتل الوالدين!!
بشار دراغمة 26/11/1426
28/12/2005
- المراهقة مرحلة حاسمة في علاقة الأبناء بأسرهم.
- علاء جميل: حاجاتنا النفسية بعيدة عن تفكير آبائنا!
- محمد يوسف: تربّيت على الخوف!
- نجلاء شاهين: دفتر مذكراتي.. ملجئي
الصغير يكبر، والذي كنا بالأمس نحاول إسكاته، نصبح اليوم نفكر في سحب الكلمات من فيه، ونطرح على أنفسنا أسئلة عدة: لماذا لا يطلعنا على عالمه؟ وما هي الشعرة التي تفصلنا عنه؟
يقول البعض: إن علينا أن نظهر لهم الحب والحنان، لنحاول كسب ثقتهم، ويرى البعض بأن علينا أن نراقبهم عن قرب، وهناك أطروحات كثيرة، لكن أيها الحل الأمثل؟ وبينما نحاول التنقيب عن الجواب، الفجوة تتسع بشكل كبير.
تبدأ هذه الرحلة من كتمان الأسرار تحديداً في سن المراهقة، وهو المقطع الذي يشكل أخطر مفترق طرق يمر منه الشاب والفتاة.
نحاول هنا وضع يدنا على قضية شائكة وهي: لمن يبوح الأبناء بأسرارهم؟ ولماذا لا يبوحون بأسرارهم لأهليهم؟
الجميع متهمون
الدكتور ماهر أبو زنط -أستاذ علم الاجتماع في جامعة النجاح بفلسطين- يقول: إن الفجوة الموجودة بين الآباء والأبناء تبدأ بالاتساع بشكل كبير في سن المراهقة، ومن خصائص هذا العمر من الناحية النفسية: أنه عمر غير مرتاح, قلق, منقسم.
فالشاب الصغير لم يعد طفلاً، كما لم يصل بعد إلى مرحلة النضوج، أول ما يرفضه المراهق هو أن يقرر الآخرون بدلاً عنه، وهذا الشعور بِـ(الأنا المجروحة) يسبب عنده الرفض والثورة والبعد، وعلى القائد في هذه المرحلة أن يتحلى باللين, كي لا يكسر شوكة المراهق, والقوة كي لا يخسره.
هذا العمر هو عمر العقل المفكر، عمر البحث عن البراهين، وبالتالي -يتابع الدكتور ماهر- العمل والبحث الشخصي هو ما يعتقدون أنه يوصلهم، فالحقيقة ليست ما يقوله القائد، وإنما ما يكتشفه المراهق بنفسه، ومع ذلك يجب الأخذ بعين الاعتبار أن تفكير المراهق ليس متيناً, لذا يجب السماح له بالتفكير على قدر ما يستطيع، ومرافقته في اكتشاف عالم الفكر اللامتناهي.
فهي تربية التفكير الذاتي ومناسبة الإنماء؛ فالخط التربوي في هذا العمر يتم من خلال: تحليل الواقع, وصقله في تعابير واضحة وعملية.
وحول إخفاء المراهقين أسرارهم وعدم البوح بها إلى الأهل، يعلّق الدكتور "أبو زنط" بالقول: المسؤولية الكبرى تقع على الأبوين، ويجب على الوالدين السعي إلى التقرب من المراهق دون أن يمس هذا باحترامهما له، كما أن عليهما أن يظفرا بصداقته واكتساب ثقته حتى يتعود الابن على البوح والصراحة مع أبويه، وبهذا يظل الوالدان على دراية بما يواجهه المراهق فيواجهانه بالنصح والإرشاد ليكتمل واجب الآباء تجاه الأبناء.
المراهقون: ماذا يقولون؟
وحول سبب عدم بوح المراهقين بأسرارهم لأهلهم، تحدّث محمد يوسف(16عاماً) قائلاً: ربما الخوف من العقاب هو السبب، فمنذ صغري، و أنا أسمع كلمات الزجر والنهي، فهذا عيب، وهذا حرام، وهذا ممنوع، وذاك لا يجوز...، فتأصل الخوف لديّ منذ الطفولة، بأن ما أتحدث به قد يحرجني أمام الأهل، فأضطر إلى أن أفتح باب قلبي إلى صديقي، و أخفي عن أبي وأمي ما أشعر به.
ويبدو أن الشاب علاء جميل (17عاماً) كان منذ زمن ينتظر من يسأله: لماذا لا يبوح الأبناء بأسرارهم؟ فبكل مشاعر الغضب والحنق أجاب: أين هم الآباء أصلاً؟ همّهم توفير الشراب والطعام والملابس، والاحتياجات الأساسية لحياتنا، أما حاجاتنا النفسية فهي آخر ما يفكرون به.
وتوافقه الرأي الشابة نجلاء شاهين (16عاماً) باتهام الأهل؛ إذ تقول: إن أهلي لم يقوموا -ولو لمرة واحدة- بفتح باب الحوار معي، وأشعر أحياناً بأنهم يحاولون التهرب من الاستماع إليّ، و حاولت مرات كثيرة أن أفاتح أمي، لكنها كانت تتهرب مني.
أما الشخص الذي تبوح نجلاء بأسرارها له فهو دفتر مذكراتها، فقالت: أسجل كل ما يخص حياتي في مذكرات يومية، وهو بالنسبة إليها البئر الذي تلقي فيه بكل أسرارها.
المراهقون في قفص الاتهام
أبناء اليوم جيل متفتح، متمرّد على الواقع بكل أشكاله، يهرب عندما يجد نفسه مضطراً إلى الاعتراف بخطيئته؛ لذا ينأى بأسراره بعيداً عن أهله، هذا ما قاله الأب خالد جمال (43عاماً)، أما زوجته شادية مصطفى (35 عاماً)، فعلّقت على الموضوع قائلة: أنا أم لولدين أحاورهما، وأحاول أن أزيد مساحة التفاهم بيننا، إلا أنني كلما اقتربت منهما، ابتعدا عني، وأشعر أحياناً بأنهما يعيشان في عالم آخر غير العالم الذي أعيش فيه، و أراقبهما عن قرب لأعرف تفاصيل عالمهما الذي أشعر بأنه مليء بالأسرار التي لا يستطيعان البوح بها لي، ولا أعرف السبب، وأنا حائرة معهما.
أما أمير جابر(54عاماً) فيشكو من تصرفات أبنائه الذين لا يسمحون له بالاقتراب من خصوصياتهم، ويقول: عندما أسمع أبنائي يتحدثون في موضوع ما، وأحاول مشاركتهم فيه، فإنهم إما أن يغيروه، أو يتوقفوا عن الحديث، وكأنني غريب عنهم، ولست والدهم، وعن السبب تحدث جابر- وقد بدت عليه علامات الغضب-: مشكلة أبناء اليوم بأنهم يظنون أنفسهم أنهم أكثر وعياً من أن يناقشهم الكبار.
علم النفس...والتنشئة
ولمعرفة رأي علم النفس بهذه القضية الشائكة حاورنا الدكتور عبد الله عساف -رئيس قسم علم النفس في جامعة النجاح- والذي أكد أن سبب الفجوة هو الجو الذي أصبح يعيشه الأبناء والآباء، وهو عصر السرعة، والانفتاح.
وأضاف عساف: إن الأبناء لا يثقون برأي الآباء ويعدون الآباء ليسوا على قدر من الوعي والمسؤولية في تحمّل الأسرار، وكذلك هناك من الأبناء من يخشى فضح أسراره خوفاً من العقاب، وأيضاً عدم عيش المراهق منذ الصغر في جو من المحبة والحنان يجعله يبحث عن بديل في الخارج، وهذا يشكل خطراً كبيراً على مستقبله، خاصة إذا سلك طريقاً غير صحيح، وكان بعيداً عن الرقابة.
وأضاف عساف: إن الطفل عندما يبلغ سن المراهقة تطرأ عليه تغيّرات فجائية في بداية النضوج، لقد جرت العادة في مجتمعاتنا العربية على تجنب الآباء الحديث إلى الأبناء عما يصيبهم في هذه السن من تغيّرات؛ لذلك يجد المراهق نفسه حائرًا وقلقًا؛ إذ يلاحظ التغيرات النفسية والجسدية التي تصيبه، وهو لا يدري ما سر هذه التغيرات، فيحاول أن يستمد المعلومات من الخارج وخاصة من أصدقائه، وهذا يجعل المراهقين يتبادلون الأسرار والمعلومات فيما بينهم.
وتابع عساف: إن التغيرات الجسدية والنفسية التي تظهر على الطفل، وهو في سن المراهقة تجعله يشعر بالفرح أو الحزن، فالفرح ناتج عن شعوره بأنه مقبل على مرحلة الرجولة، أما الخوف فهو ناتج عن شعوره بالأعراض الطبيعية التي تصيبه، فهو يجهل أنها طبيعية أم لا، وهذا الجهل يجعله يخشى الكشف لوالديه عما يصيبه؛ ظنًا منه أن سؤاله خارج عن نطاق الاحترام والأدب، ولكي يتدارك الأهل مثل هذه الأمور يجب أن يبدؤوا بشرح الأمور إلى المراهق بطريقة مبسطة، لكي لا يحصل على معلومات من الخارج ربما تكون خاطئة.
رأي التربية
وللاقتراب من المشكلة أكثر كان لا بد من أخذ رأي الدكتور فواز عقل، والذي قال: إن مشكلة تربية المراهقين من المشاكل التي تؤرق الكثيرين من المهتمين بأمور التربية؛ إذ إن الأولاد يبقون حتى سن معينة، تحت قبضة الوالدين، لكنهما كثيراً ما يسيئان استثمار هذه السيطرة، ليندما بعد خروج الولد عن دائرة قبضتهما.
وقال فواز: إن الأسباب وراء اتساع الفجوة بين الأبناء والأهل أسبابها كثيرة، فمنها مثلاً المشاكل النفسية التي يدخل بها الطفل، عندما يشاهد مثلاً خلافاً أو نزاعاً بين والديه، أو انشغالهما عنه بشؤونهما الخاصة، مثل هذه الأمور قادرة على صنع جدار سميك بين الأبناء المراهقين وأهلهم، وأيضاً هناك عناصر مؤثرة في تربية المراهق وسلوكه.. فمنها ما هو ذاتي، كالصفات الوراثية، والبنية النفسية والعقلية، ومنها ما هو محيطي، كسلوك الآباء، والأقارب المنحرفين، والأصدقاء، والجو المدرسي، وأخيراً وسائل الإعلام المختلفة.
ما العمل؟
التعامل مع فئة المراهقين في غاية الخطورة سواء كانوا بنين أو بنات، ولابد أن يكون هناك حذر في التعامل معهم، حتى لا تكون هناك ثغرات يستغلها المراهقون في سلوكياتهم الحياتية، ويرى دكتور علم النفس عبد الله عساف أن تقليص الفجوة بين الأبناء والأهل يتم من خلال الاهتمام بالبعد النفسي للمراهق أو الشاب، الاهتمام بالبعد العاطفي كالحساسية والاضطرابات والقلق والصداقة والخصومة، وما شاكل من الحالات التي تعتري حياة المراهق والشاب.
بينما يرى دكتور التربية فواز عقل أن تقليص الفجوة يتم من خلال التوصيات العملية لتربية المراهقين تربية حوارية هادفة، وتابع: من التوصيات العملية للآباء: إنشاء حالة من الصداقة مع الولد، والابتعاد عما هو سائد في مجتمعات الشرق من أسلوب ( العصا والخيزران )!.. إن من شأن هذه الصداقة أن تجعل الولد يشكو همومه إلى والديه - وهما الأعرف بما يصلحه - بدلاً من الالتجاء إلى الغرباء، كذلك من التوصيات، إظهار حبهم و مشاعرهم ورضاهم للأبناء، و الابتعاد عن الاتهام و سوء الظن! إذ يُلاحظ أن الولد عندما يرى نفسه متهماً في المنزل، فإنه سيفقد الثقة بنفسه، و من هنا ينبغي على الأب الذي يرى من ولده بادرة حسنة، أن يستثمر الفرصة، و يشجعه و يمتدحه معبراً عن ذلك بفرحه، وإلى أن يقوم كل بدوره تبقى الفجوة والجدار آخذين بالاتساع.. فهل نستطيع إيقافهما وتلاشي خطرهما المحدق بنا؟
ـــــــــــــــــــ(101/70)
اقرأ لطفلك .. يصبح قارئاً
كريمة المزروعي * 15/11/1426
17/12/2005
تبدأ حياة الإنسان في عالم المعرفة بسماع من يقرأ عليه ويعلمه، وقد تنتهي بأن يتلو أحدهم عليه ويقرأ عليه الأدعية. حياة الإنسان تبدأ وتنتهي بسماع تلك الكلمات ذات المغزى الديني والأثر الاجتماعي النفسي؛ فالسمع المرتبط بالقراءة لا يُعدّ فقط بداية الطريق لدروب العلم، ولكنه كذلك بداية اكتشاف الحياة وسبر أغوارها. والقراءة للطفل ليست للتعليم وحل الواجبات المدرسية فقط؛ بل لها أصول وقواعد لو اتّبعت لغيّرت اهتمام الأطفال ونظرتهم إلى الحياة، هذا بالإضافة إلى التقدم العلمي في المدرسة.
فوائد القراءة للطفل
- تزيد من الحصيلة اللغوية: عندما يقرأ القارئ للطفل موجّهاً إصبعه إلى الكلمات المقروءة فإن الطفل يتعلم كلمات كثيرة، وكيفية استخدامها في الحياة اليومية. وهذا الكلام ينطبق على الكتب البسيطة مثل الكتب المصورة، وعلى الكتب الأجنبية.
ففي كل نوع من الكتب (الحيوان، الحديقة، شرطي المرور، وغيرها) عالم جديد من الاكتشاف ومفردات كثيرة جديدة يتعلمها الطفل.
- تنمّي مدارك الطفل وخياله: من خلال الاستماع ومتابعة القارئ يتعرف الطفل إلى عالم لم تكن له دراية كافية به. فبوسع الأم أو القارئ أن تحدّث الصغير عن الأشكال الهندسية ووجودها في الطبيعة، في الحديقة والمنزل (مثلا الدائرة تشبه الصحن وتشبه مقود السيارة وهكذا). ومن خلال القراءة يتعرف الطفل على تجارب الآخرين (أبطال القصص) في حلّ المشكلات مما يعطي الطفل مجالاً للتفكير بصورة أوسع. كما أن القراءة للطفل تدربه على مهارة الانتباه؛ فالأطفال الذين يقرؤون أو يُقرأ لهم تكون فترة الانتباه والتركيز لديهم أطول من أقرانهم.
- تعلّم الطفل السلوك المحبب: من خلال اختيار كتب معينة يستطيع القارئ غرس القيم الأخلاقية، التعريف بقدوات وأبطال، تعليم آداب السير واحترام الكبير؛ فالكتب العربية الجيدة مهما بدت بسيطة فإنها تحتوي كماً من القيم الأخلاقية والتوجيهات في طيّ الكلمات.
- تزيد من تحصيله الدراسي: أثبتت الدراسات أن الطفل الذي يقرأ قبل دخوله المدرسة يكون معدل ذكائه (IQ) أعلى من أقرانه الذين لم يُقرأ لهم. كما أثبتت الدراسات أن أطفال الحضانة الذين يُقرأ لهم أكثر إبداعاً وهدوءاً وأكثر قدرة على المشاركة والتعلم من أقرانهم الذين لم يُقرأ لهم. كما تقرّ الدراسات أن الحصيلة اللغوية والمفردات لهؤلاء الأطفال عالية، ومستواهم في القراءة والكتابة والتعبير أفضل، وقدرتهم على حل المشكلات أعلى من أقرانهم ممن لم يحظوا بنفس الفرصة.
- تساعده على اكتشاف متعة العلم والقراءة: عندما يجد الطفل كتباً تناسب ميوله وتشبع هواياته يبدأ تدريجياً التحوّل إلى القراءة لملء وقته. فالقراءة متعة للطفل إذا وجد الكتاب المناسب. كأن يتعلم عن شرطي المرور، وآداب السير، وطريقة حل المشكلات. يتعلم الطفل من خلال الاستماع أن مشكلاته جميعها لها حل، وأن أبطال القصص التي يسمعها أو يقرؤها مثله يمرون بنفس مشاكله، ولكنهم يستطيعون التغلب عليها. كما أن القراءة الممتعة تدفع إلى المزيد من القراءة والاستكشاف وهذا ليس فقط في المواد المطبوعة بل وفي المواد المنشورة على صفحات الإنترنت.
- تساعد على نمو المهارات القرائية الكتابية: فالنمو في القراءة والكتابة مرتبطان ارتباطاً وثيقاً ببعضهما. فتعلّم المفردات الجديدة وكيفية استخدامها ينعكس على موضوعات الكتابة والتعبير. كما أن الطفل القارئ أو الذي يُقرأ له تكون له خبرات واسعة وطرائق متعددة في حل المشكلات، وكل تلك المهارات تنعكس على تناول موضوع الكتابة.
- تعزز من ثقة الطفل بنفسه وقدراته وحب الآخرين له: فبكثرة الاستماع تزداد الحصيلة العلمية واللغوية للطفل، ويعزز شعوره بالحب والأمان من قبل الأم القارئة، ويتعلم بعض المهارات السلوكية والأدائية، وكل ذلك يعمل متضافراً على تعزيز ثقة الطفل بنفسه وقدراته. فقد اكتشفت دراسة مطولة أن الطلاب ذوي المهارات القرائية غير المقبولة يفتقدون الثقة بالنفس والهمة لتعديل المستوى الدراسي، ولكن بعد القراءة الجهرية لهم لفترة امتدت إلى ثلاثة الأشهر بدأ التحسن في مستوى القراءة واضحاً منعكساً على مهارات التعبير الكتابي.
- تعلم الطفل مهارات الإلقاء والتمثيل: عندما يقرأ القارئ للطفل أو حتى القارئ بصوت مسموع فإنه يتعلم أن صوت البطل الشرير يختلف عن صوت العصفور المسكين في القصة، ويتعلم بالاستماع أن اختلاف نبرات الصوت معبرة عن الحالات النفسية المختلفة، ويكتسب الطفل من خلال ذلك الكم من التنويعات مهارات تمثيلية تساعده في الإلقاء.
- تنمي العلاقة بين القارئ والطفل: قد يكون هذا العامل من أهم العوامل الأسرية؛ فالقراءة ليست سرداً لبعض المعلومات المكتوبة في النص بل إنها نقل الكلمات إلى الحياة بطريقة شائقة. فعندما تضع الأم الطفل في حضنها وتبدأ القراءة يحس الطفل بمتعة القراءة ومتعة الحنان والاقتراب من الأم. وكل ذلك يساهم في تقوية العلاقة بين القارئ (الأم) والطفل، وتأكيد شعور الأخير بالحب والأمان، مرتبطاً بحب العلم والقراءة. وهذا ينطبق في الصفوف الدراسية أيضاً. فقد أثبتت الدراسات أن تخصيص خمس دقائق فقط من وقت الحصة لقراءة شيء ممتع للطلاب قادرة على دفع المهارات التحصيلية للطلاب في القراءة والكتابة والتعبير، كما أنها تقوي علاقة الطالب بالمدرس وتجعله أكثر قبولاً من ذي قبل.
- توجه الطفل نحو القراءة بدلاً من التلفاز: العادات الحسنة يتعلمها الطفل منذ الصغر، فإذا تعلم الطفل منذ صغره أن يتوجه إلى التلفاز لشغل وقته أو لانشغال الوالدين عنه سيستمر في قتل وقته بالتلفاز طوال حياته. ولا مجال هنا لذكر أخطار التلفاز وآثاره السلبية على التنشئة. كذلك توجيه الطفل نحو عالم القراءة والاكتشاف منذ الصغر، وتعليمه شغل وقته بكل ما هو مفيد ونافع عادة تبقى معه، ويستفيد منها طوال حياته.
- تعلّم الطفل احترام الكتاب والعلم: إذا شعر الطفل أن الكتاب له قيمة علمية، وفائدة، ومتعة، ورأى طريقة معاملة القارئ (الأم أو المعلم) واحترامهم للكتاب فإنه سيتعلم تلقائياً أن الكتاب ليس مجرد أوراق مرصوصة لتوضع على الرف؛ بل يحتوى كنوزاً تريد مَنْ يتعامل معها باحترام وتقدير.
أثناء القراءة للطفل هناك الكثير من الأساسيات التي يجب أن يعيها القارئ في البيت أوالمدرسة، ومن ذلك أن يتذكر القارئ أن الهدف من القراءة تحقيق أهداف كثيرة علمية ولغوية واجتماعية ونفسية ودينية. وتتحقق الأهداف عن طريق:
- اختيار الكتب المناسبة لسن الطفل وميوله.
-الإجابة عن جميع أسئلة الطفل بصدق وببساطة مع ترك المجال أحياناً للطفل لاكتشاف الجواب بمفرده من خلال القصة، وأن يشعر الطفل بأن المجال مفتوح له دوماً للسؤال من دون خوف.
-الإشارة إلى المفردات الجديدة في القصة وكيفية استخدامها بطريقة شائقة.
- إعطاء الطفل الفرصة الكافية للتعبير عن نفسه وشعوره وأفكاره أثناء القصة وبعد الانتهاء من القراءة.
-جعل وقت القصة وقتاً لتقوية العلاقة مع الطفل من دون تأنيب أو صُراخ أو تذكير بأخطاء الصغير.
-القراءة بتعبير وتمثيل قدر المستطاع فيغيّر القارئ من نبرة صوته باختلاف المواقف والشخصيات.
- إهداء الطفل هديّة كتاباً بين حين وآخر.
-لفت نظر الطفل إلى أن كل ما حوله يُقرَأ من علب الإفطار، والمعجون، وإشارات المرور، وأسماء الشوارع، والجرائد، والمجلات، وأسماء المحلات وغيرها.
-تشجيع الطفل على أن يقرأ للوالدين أو الطفل الأصغر، أو أن يخبره بمحتوى قصة سمعها.
كيف تختار لطفلك الكتب المناسبة؟
نمو الأطفال يختلف من طفل لآخر، ولكن هناك بعض الخطوط العريضة المرتبطة بنمو الطفل العقلي واكتشافه للبيئة من حوله تساعد الأم أو القارئ اختيار الكتب المناسبة لتلك المرحلة:
من عمر (3- 5) سنوات: الطفل في هذه المرحلة العمرية المبكرة لديه فضول لمعرفة البيئة المحيطة به.. فنلاحظ أن الطفل أقل من ثلاث سنوات مثلاً يحب معرفة الكثير عن قصص (بانيو) الاستحمام أو غطاء السرير المفضل لديه أو أنواع الطعام التي يأكلها، وكأن كل ما في الكون يتمركز في عالمه الخاص فقط. وتتوسع تلك الدائرة بتقدّم السن فيريد أن يعرف في البداية المزيد عن أسرته، ثم عن منزله، ثم عن حديقة المنزل، ثم عن حديقة الحي، ثم عن الشرطي الذي يحرس الحي وهكذا. وكلما صغر سن الطفل تصغر دائرة اهتماماته. ويستمع الطفل في هذه المرحلة بشغف عن الحيوانات الأليفة المفضلة لديه.
وهذه الفترة من أخصب الفترات لتعليم الطفل السلوكيات المحببة، ولتوسيع مداركه وخياله.
من عمر (5- 9): الطفل في هذه المرحلة يغادر الواقع لبعض الوقت فهو يريد أن يعرف الكثير عن الديناصورات والوحوش والشخصيات الخيالية.
من عمر 9 إلى المراهقة: يعود الأبناء والطلاب في هذه المرحلة إلى أرض الواقع بحماس بالغ.
فيحبون في هذه المرحلة القراءة عن المغامرات والأبطال والتضحيات. وحل رموز المغامرات والألغاز البوليسية وكشف الغامض.
وعند اختيار كتب للأبناء يجب أن يُعطى الأبناء فرصة للتعبير عن آرائهم في اختيار القصة وإتاحة الفرص لهم تباعاً لاختيار القصص التي تروق لهم.
تطبيقات للقراءة الجهرية للأطفال
- القراءة لا تعني الاعتماد على الكتاب فقط أثناء القراءة، فهناك المجلات والصحف والإنترنت.
- عن طريق الاستماع للقراءة يتعلم الطفل الكثير من المهارات، مثل: ربط الحذاء، وركوب الدراجة، وحل المشكلات اليومية، ومع تقدم المرحلة العمريّة يتعلم القارئ عن طريق القراءة أصول وقواعد الطريق، تشغيل برامج الحاسوب، وغيرها من الأمور العلمية العملية.
- القراءة للأطفال منذ صغرهم تقيهم الكثير من المشكلات السلوكية عند الكبر.
وأخيراً فإن القراءة للطفل وتعويده عليها ليست ترفاً أو نشاطاً يُستخدم لقتل الوقت بل هو أساس لتقدم علمي وذهني للطفل يتفوق به الطفل على أقرانه، وفرصة ثرية لزيادة حصيلته اللغوية وإخصاب خياله، وفرصة ثرية لتقوية علاقة القارئ (الأم أو المعلم) بالمستمع (الطفل) والإجابة بصدر رحب عن جميع تساؤلاته التي ستقيه في المستقبل، وتعدّه لمواجهة مشكلات الحياة.
* متخصصة في طرائق تدريس اللغة العربية -أبوظبي
ـــــــــــــــــــ(101/71)
هياإلى العمل
هناء الحمراني 4/11/1426
06/12/2005
بعد صلاة العصر..كان عبد الله..يتحدث بحماس مع بدر..عن الإجازة القادمة:
--كم أحب الإجازات..وَعَدَنا بابا أن نذهب فيها إلى أبها.. ونلعب في الملاهي..ونشتري الألعاب الجديدة..والحلويات الكثيرة..
-ونحن أيضاً..سنسافر..ولكننا في الحقيقة لم نقرّر بعد..إلى أين سنذهب..على كل.. فإننا أيضاً سنذهب إلى مكان توجد فيه حدائق ومتنزّهات..وربما نذهب إلى جدة..ونلعب.. ونشتري...ونشتري...ونشتري..
***
ضع قائمة بالمهام التي ستقضي بها إجازتك..أو من باب الواقعية..المهام التي قضيتم بها الإجازة الماضية..
نشتري...نستأجر...نلعب...نستهلك....نستهلك.....وماذا أيضاً؟.... وكذلك....نستهلك....
ويظل الطفل مستهلكاً لمدة عشرين سنة على الأقل في مجتمعنا...هذا إذا لم يكن يعاني من الفقر الذي ربما يضطره للانخراط في أي عمل كان..ليشبع احتياجاته الأساسية..!!
لا أظنكم بحاجة إلى ملاحظتي هذه بقدر ما أحتاجها أنا كي نكمل القصة مع أبي عبد الله..الذي قرّر أن يكون للإجازة القادمة فكرة جديدة..ومختلفة عن بقية الإجازات في عين أبنائه..
***
- ما أكثر الألعاب التي تحب اللعب بها؟
- السيارات!!
- وما رأيك أن تكسب من هذه السيارات؟
- كيف؟
- عندك فرصة شهر لتجمع مصروفك كي يكون هو رأس مالك الذي ستبدأ به مشروعك..
وبعد توضيح الفكرة..تحمّس عبد الله..غير أنه وجد صعوبة بالغة في تجميع مصروفه لتحقيق هذا الهدف..
(أظن أنك أيها الأب ترى زيادة المصروف بمعدل ريال يومياً كي يتمكن ابنك من تجميع رأس المال)
***
دخلا سوق(أبو ريالين)..مد عبد الله يده على السيارات بطريقة نهمة..أريد هذه..وهذه..وتلك...وأريد السيارة التي هنااااك...بابا..ادعُ العامل كي ينزلها لي..
وبعد أن عادا إلى البيت..طلب أبو عبد الله من ابنه أن يرتب السيارات على طاولته:
- هيا ضع تسعيرتك على سياراتك..
- سأبيع كل سيارة بعشرين ريالاً..
- هذا كثير..
- ولكنني أريد مكسباً جيداً..كي اشتري سيارة أخرى..
- اقتنع بالمكسب القليل..افهم ماذا يريد الناس بالضبط..ثم اختر أنسب سعر كي لا تخسر..
- وأين سأبيع سياراتي؟
- عندما نذهب إلى أبها-بإذن الله-سنختار مكاناً مناسباً للجلوس فيه.. واذهب أنت بعيداً عنا بعض الشيء، ثم ابسط بضاعتك..
عندما علمت أم عبد الله بالفكرة..ضربت صدرها بيدها:
- ابني يبيع في المتنزهات؟! ماذا يقول الناس عنا؟ فقراء..لا يملكون شيئا؟!
وأظنها ليست الوحيدة التي ضربت بيدها على صدرها!
***
هل يعني عمل الأبناء الحاجة والفقر؟ أم أنها تعني شيئا آخر..مختلفاً تماماً عن تلك النظرة؟
إثبات الذات مثلاً..!! تنمية المواهب والقدرات.. تقوية الشخصية..فضلاً عن تعليم الطفل الطريق الذي يمكنه أن يسلكه إن احتاج يوماً ما إلى المال..لشراء لعبة ثمينة..أو كمية كبيرة من الحلوى..وربما..أشياء أكثر أهمية..
***
فهد يملك دراجة عادية..ومن أجل الاستفادة منها ..سمح لزملائه بأخذ دورة حول البيوت المجاورة بمبلغ ريالين لكل دورة..ويعود إلى المنزل يومياً بـ(10) ريالات على أقل تقدير..هذا في غير (الموسم)..
داليا تشتري الإكسسوارات الرخيصة، وتحصل على مكسب ريال واحد في كل طقم تبيعه..
منصور وعلي يبيعان العصيرات المبرّدة للأولاد عقب الانتهاء من اللعب في ساحة الحي..
لمياء..تؤلّف مجلة صغيرة للأطفال..ترسم فيها الصور..وتكتب القصص..وتبيع النسخة الواحدة بثلاثة ريالات..
***
ماذا يريد الأطفال بعد ذلك؟ هل سيظل الطفل يبكي طوال اليوم من أجل الحصول على ريال واحد؟
هل سيتذمر إذا لم تسمح له ظروف والده بالسفر للتنزّه في إحدى المدن؟
هل سيخرج إلى الشارع ليتشاجر مع الأولاد.. وينظم المؤامرات الصغيرة للحصول على المال..أو لإيذاء رجل مسن يسير في الطريق قتلاً للملل..؟!
إننا عندما نفتح المجال لأبنائنا لتحقيق ذاتهم من خلال العمل..نقدم لهم هدية قيمة.. فلا تتردّدوا في تقديم هذه الهدية لأبنائكم..
قبل الرحيل:
راقب أبناءك عن بعد.. قدم لهم الاقتراحات والآراء التي يمكن أن تفيدهم في أعمالهم..لا ترغمهم على تقبّلها..فالتجربة كفيلة بجعلهم يقتنعون..
ـــــــــــــــــــ(101/72)
رسالة من أم إلى ابنها
جمال صالح عبيد الغامدي
السلام عليكم و رحمة الله و بركاته:
هذه إحدى الأمهات قالت بالحرف الواحد:
لي أربعة أبناء، ثلاثة لا أراهم إلا قليلا..أما رابعهم يأتيني كل جمعة..بعد صلاة الجمعة مباشرة.. ومعه جريدة.. يتصفحها عندي قليلا ثم ينصرف " فكتبت إليهم هذه الرسالة:
بسم الله الرحمن الرحيم
يا بني.. هذه رسالة مكلومة من أمك المسكينة.. كتبتها على استحياء.. بعد تردد وطول انتظار.. أمسكت بالقلم مرات فحجزته الدمعة.. وأوقفت الدمعة مرات فجرى أنين القلب.. يا بني .. بعد هذا العمر الطويل.. أراك رجل سويا مكتمل العقل.. ومتزن العاطفة.. من حقي عليك أن تقرأ هذه الورقة.. وإن شئت بعد فمزقها كما مزقت أطراف قلبي من قبل.. يا بني.. منذ خمسة وعشرين عاما كان يوما مشرقا في حياتي.. عندما أخبرتني الطبيبة أنني حامل.. والأمهات يا بني يعرفن معنى هذه الكلمة جيدا.. فهي مزيج من الفرح والسرور.. وبداية معاناة مع التغيرات النفسية والجسمية.. وبعد هذه البشرى.. حملتك تسعة أشهر في بطني.. فرحةً جذلا.. أقوم بصعوبة.. وأنام بصعوبة.. وآكل بصعوبة.. وأتنفس بصعوبة.. ولكن.. كل ذلك لم ينقص محبتي لك.. وفرحي بك.. بل نمت محبتك مع الأيام.. وترعرع الشوق إليك.. حملتك يا بني وهن على وهن.. وألما على ألم.. أفرح بحركتك.. وأسر بزيادة وزنك وهي حمل على ثقيل.. إنها معاناة طويلة.. أتى بعدها فجر تلك الليلة التي لم أنم فيها... ولم يغمض لي فيها جفن.. ونالني من الألم والشدة، والرهبة والخوف مالا يصفه القلم ولا يتحدث عنه اللسان.. ورأيت بأم عيني الموت مرات عدة... حتى خرجت إلى الدنيا.. فامتزجت دموع صراخك بدموع فرحي.. وأزالت كل ألامي وجراحي.. يابني.. مرت سنوات من عمرك وأنا أحملك في قلبي.. وأغسلك بيدي.. جعلت حجري لك فراشا.. وصدري لك غذاء.. أسهرت ليلي لتنام.. وأتعبت نهاري لتسعد.. أمنيتي كل يوما أن أرى ابتسامتك.. وسروري في كل لحظة أن تطلب مني شيء أصنعه لك.. فتلك هي منتهى سعادتي.. ومرت الليالي والأيام.. وأنا على تلك الحالة.. خادمة لم تقصر.. ومرضعة لم تتوقف.. وعاملة لم تفتر.. حتى اشتد عودك.. واستقام شبابك.. وبدت عليك معالم الرجولة.. فإذا بي أجري يمينا وشمالا.. لأبحث لك عن المرأة التي طلبت.. وأتى موعد زفافك.. فتقطع قلبي.. وجرت مدامعي.. فرحة بحياتك الجديدة.. وحزنا على فراقك.. ومرت الساعات ثقيلة.. فإذا بك لست ابني الذي أعرفه.. لقد أنكرتني وتناسيت حقي.. تمر الأيام لا أراك.. ولا أسمع صوتك.. وتجاهلت من قامت بك خير قيام.. يا بني.. لا أطلب إلا القليل.. اجعلني في منزلة أطرف أصدقائك عندك.. وأبعدهم حضوة لديك.. اجعلني يا بني.. إحدى محطات حياتك الشهرية.. لأراك فيها ولو لدقائق.. يابني.. احدودب ظهري.. وارتعشت أطرافي.. وأنهكتني الأمراض.. وزارتني الأسقام.. لا أقوم إلا بصعوبة.. ولا أجلس إلا بمشقة.. ولا يزال قلبي ينبض بمحبتك.. لو أكرمك شخصا يوما لأثنيت على حسن صنيعه.. وجميل إحسانه.. وأمك أحسنت إليك إحسانا لا تراه.. ومعروفا لا تجازيه.. لقد خدمتك وقامت بأمرك سنوات وسنوات.. فأين الجزاء والوفاء؟... ألهذا الحد بلغت بك القسوة وأخذتك الأيام؟ يا بني.. كلما علمت أنك سعيد في حياتك زاد فرحي وسروري.. ولكني أتعجب وأنت صنيع يدي! أي ذنب جنيته حتى أصبحت عدو لك؟ لا تطيق رؤيتي!.. وتتثاقل زيارتي.. هل أخطأت يوما في معاملتك أو قصرت لحظة في خدمتك؟.. امنحني جزءا من رحمتك.. ومن علي ببعض أجري.. وأحسن.. فإن الله يحب المحسنين.. يا بني.. أتمنى رؤيتك.. لا أريد سوا ذلك.. دعني أرى عبوس وجهك.. يا بني.. تفطر قلبي.. وسالت مدامعي.. وأنت حي ترزق.. ولا يزال الناس يتحدثون عن حسن خلقك وجودك وكرمك.. يا بني.. أما آن لقلبك أن يرق لامرأة ضعيفة أضناه الشوق.. وألجمه الحزن.. جعلت الكمد شعارها.. والغم دثارها.. وأجريت لها دمعا، وأحزنت قلبا، وقطعت رحما.. لن أرفع الشكوى.. ولن أبث الحزن.. لأنها إن ارتفعت فوق الغمام.. واعتلت إلى باب السماء.. أصابك شؤم العقوق.. ونزلت بك العقوبة.. وحلت بدارك المصيبة.. لا لا لا لا لا لا .. لن أفعل.. لا تزال يا بني فلذة كبدي.. وريحانه حياتي.. وبهجة دنياي.. أفق يا بني.. بدأ الشيب يعلو مفرقك.. وتمر السنوات ثم تصبح أبا شيخا.. والجزاء من جنس العمل.. وستكتب رسائل لابنك بالدموع.. مثل ما كتبتها إليك.. وعند الله تجتمع الخصوم.. يا بني.. اتق الله في أمك.. كفكف دمعها.. وواسي حزنها.. وإن شئت بعد ذلك فمزق رسالتها.. واعلم أن من عمل صالحا فلنفسه.. ومن أساء فعليها..
إخوتي /أخواتي.. لنقف و نراجع و نفكر في تعاملنا و مخاطبتنا لأمهاتنا.. فقد كثرت آهاتهن.
http://www.almualem.net المصدر:
ـــــــــــــــــــ(101/73)
مراكز العنف الأسري
وفاء المبيريك
تعرضت دول الخليج لتطورات غير مسبوقة مما أفضى إلى إحداث تغيرات بنائية ومجتمعية عميقة نجمت عنها انعكاسات سلبية على واقع الأسرة. وقد برز العنف بأشكاله المختلفة كمظهر من مظاهر هذا التفكك. وبالرغم من أن العنف ضد الأطفال قد يمارس خارج أطر الأسرة إلا أنه يزداد قسوة وألمًا عندما يمارس داخل هذه الأطر. وتتسع أنواع هذا العنف وصوره، كما تختلف أسبابه ودوافعه. فمن بين الأسباب الدافعة لمثل هذه الممارسات داخل الأسرة اضطراب العلاقة الزوجية، والصعوبات الاقتصادية، واستخدام المسكرات والمخدرات، وتعرض أحد الوالدين للعنف في طفولته، والاضطرابات النفسية وغيرها من الأسباب الأخرى التي رصدتها الدراسات العلمية.
ورغم أن هذه الظاهرة تشكل مشكلة صحية واجتماعية وقانونية وأن ديننا الحنيف ينكرها ولا يقرها، إلا أنها محاطة في مجتمعنا بالكتمان الشديد والسرية ولا ينبئ عنها إلا الآثار التي لا يمكن إخفاؤها كتلك التي تدفع مرتكبيها لطلب العناية الطبية.
ولأهمية هذه الظاهرة وخطورتها ينبغي التنبه لها واتخاذ كل ما يساهم في علاجها والوقاية منها كالمبادرة بإنشاء مراكز متخصصة في التوجيه والإرشاد الأسري يشرف عليها متخصصون شرعيون واجتماعيون وتربويون لحل المشكلات الأسرية باستخدام آليات وأساليب علمية حديثة وفاعلة.
كما يمكن أن يمتد الاهتمام بهذه الظاهرة إلى ما قبل حدوثها بدعم وتعزيز البرامج التوعوية والوقائية الهادفة إلى رفض كل صور العنف الأسري وذلك من خلال الأجهزة الفاعلة مثل: مؤسسات التعليم، والمساجد، والجمعيات الخيرية وغيرها.
إن شريعتنا السمحة غنية بالنصوص الشرعية التي تتعامل مع مثل هذه القضايا، لذا يمكن تطوير وإقرار قوانين مستمدة من الشريعة الإسلامية تحظر العنف بجميع أشكاله.
ومما تجدر الإشارة إليه في هذا السياق هو أهمية الاستفادة من تجارب الدول وخاصة ذات الثقافات الإسلامية.
http://www.almarefah.com المصدر:
ـــــــــــــــــــ(101/74)
الخوف من المدرسة
روحي عبدات
خوف الطفل الجديد من المدرسة
ودور الأسرة والمعلم
عندما تفتح المدارس أبوابها مستقبلة آلاف التلاميذ من مختلف المراحل الدراسية والذين بينهم من يذهب إليها للمرة الأولى، ليبدأ مرحلة جديدة من حياته، مستيقظاً في الصباح الباكر ليرتدي زياً خاصاً لم يعتد عليه ويحمل حقيبة قد تثقل كاهله، متوجهاً بعيداً عن بيته وأمه وألعابه ورفاقه، حيث الوجوه الجديدة غير المألوفة من معلمين وطلاب، والمكان الجديد بأنظمته وتعليماته المقيدة للحرية أحياناً.
إنها تجربة جديدة يخوضها الطفل لوحده بعد أن اعتاد أن تكون أمه إلى جانبه في كل أماكن تواجده، فهو بحاجة لفترة زمنية للتكيف معها، فدفئ الأسرة يعني لهذا الطفل الأمن، والخروج عن هذا البيت يعني الخوف والقلق من المجهول الجديد، وليس ذلك بالأمر السهل على أطفالَ صغار كانوا منذ سنوات قليلة في أرحام أمهاتهم، وكذلك على الأمهات والآباء الذين يعتريهم القلق خوفاً عليهم، فيزداد خوفهم إذا شعروا أن طفلهم يرفض الذهاب إلى المدرسة.
تشير دراسة مصرية حول هذا الموضوع بأن الطفل يرفض الذهاب إلى المدرسة لأنه يواجه للمرة الأولى في حياته مناخاً مختلفاً، فيه نظام مختلف، ومعاملة مختلفة ووجوه لم يألفها من قبل، فلا أحد يعرف اسمه ليناديه به، عندئذ قد يصاب بمشاعر وأعراض كثيرة مثل الخوف والقلق وشحوب اللون والقيء والإسهال والصداع وآلام البطن والغثيان والتبول اللاإرادي وفقدان الشهية للطعام واضطرابات النوم لذلك فإن ذهاب الطفل الصغير إلى المدرسة يشكل صدمة الانفصال عن الأسرة، وصدمة بالمكان الجديد بكل عناصره من أدوات وأشخاص يواجههم للمرة الأولى.
ومن العوامل التي تساهم في نشأة مشاعر الصدمة والخوف عنده هو الحماية الزائدة والتدليل التي تلقاها الطفل طيلة السنوات السابقة، وقلق الأم عليه وشدة تعلقها به.
إن التعلق الشديد بالوالدين بصفة عامة وبالأم بصفة خاصة وشدة الارتباط بها وقلق الانفصال عنها يمثل أحد العوامل المساهمة في إحداث المخاوف من المدرسة، فالطفل قد يتصور أن هناك أحداث خطيرة قد تحدث لأحد والديه مثل الموت أو الانفصال بينهما خلال فترة وجودة خارج المنزل، فينتابه القلق والخوف من أن يعود إلى المنزل فلا يجد أحدهما.
ونشير هنا بأن للأم دوراً خاصاً في خلق هذا القلق في نفس الطفل وإطالة فترة تأقلمه مع جو المدرسة أو رفضه لها، وذلك حين تظهر مشاعر التخوف المبالغ فيها تجاه ابنها، وتحذيره المستمر من رفاق السوء ونهيه عن الكثير من التصرفات. إضافة إلى ما سمعه الطفل واختزنه عن المدرسة من أخوته، كالعقاب الذي سوف يتعرض له من المعلم، والأنظمة والتعليمات الصارمة التي ينبغي عليه الالتزام بها، وقلة فترة اللعب وصعوبة الواجبات المدرسية وما تحتاجه من جهد، وما قد يعزز تلك التصورات في ذهن الطفل أو ينفيها هو الممارسة العملية الفعلية من قبل المعلم تجاه هذا الطالب الجديد.
أما الخوف من الغرباء فقد يرجع إلى أن الطفل عند بداية التحاقه بالمدرسة يواجه للمرة الأولى في حياته عالماً متغيراً مليئاً بالأشخاص والغرباء الذين لم يألفهم من قبل، حيث كانت علاقته الاجتماعية محدودة ومحصورة في نطاق الأسرة والأقارب والجيران أحيانا، هذا العالم الجديد مليء بالأوامر والنواهي والواجبات المدرسية المرهقة بالإضافة إلى تقييد حريته للمرة الأولى في حياته في الكلام والتعبير عما يشعر به.
وقد أشارت بعض الدراسات إلى أن الذكور أكثر خوفا من الإناث، وأن الحنان الزائد وتأخر سن الفطام يؤخر النضج الانفعالي للطفل ويجعله أكثر اعتمادا على الأم، فلا يستطيع أن يواجه المتغيرات الجديدة التي حدثت في حياته مثل الابتعاد عن الأسرة، ومواجهة الغرباء والاعتماد على نفسه في كثير من الأمور.
ويذكر أن الطفل الذي ليس له أي خبرة بالمدرسة أكثر خوفا من أقرانه الذين كانوا يترددون على الحضانة والروضة، لأنهم يكونوا قد ألفوا وتعودواعلى مثل هذا المناخ المدرسي من حيث النظام وإتباع الأوامر والتعليمات التي يفرضها النظام المدرسي بالروضة فضلاً عن اندماجهم مع الغرباء وتفاعلهم معهم، لأن الحضانة والروضة مكان اجتماعي تعليمي يتعلم فيه الطفل أن يتوافق مع الآخرين.
وفيما يلي بعض الإرشادات للوالدين والمعلمين من أجل التغلب على خوف الأطفال الجدد من المدرسة:
- ينبغي على الآباء والمربين تحسين المناخ الأسري والمدرسي وذلك بجعلة مناخاً يتسم بالأمن والطمأنينة، ما يشجع الطفل على الذهاب إلى المدرسة، فالطفل الذي يعيش وسط الخلافات الوالدية والشجار المستمر في مرحلة الطفولة المبكرة يعاني من انخفاض في مستوى ودرجة الأمن والتحمل للمتغيرات البيئية وتقبلها وكذلك انخفاض مستوى الثقة بالنفس وبالآخرين وبالتالي الخوف.
- إتباع الأساليب السوية في الرعاية والمعاملة وتجنب الأساليب غير التربوية التي تنمي لدى الطفل المخاوف بصفة عامة والخوف من المدرسة بصفة خاصة.
- إلحاق الأطفال بدور الحضانة قبل التحاقهم بالمدرسة الابتدائية لكي تنكسر حدة الخوف والرهبة من المدرسة ويعتادوا على الجو المدرسي.
- التركيز على تأقلم الطفل مع جو المدرسة كهدف رئيس في البداية بدلاً من التركيز على الواجبات المدرسية التي ترهق الطفل وتزيد من توتره وقلقه.
- تعزيز الطفل على السلوك المرغوب فيه مهما كان صغيراً، وتنمية نسيج من العلاقات الاجتماعية والصداقات مع زملائه الجدد.
- استخدام أسلوب التعلم عن طريق اللعب والتعليم الوجداني الملطف كوسيلة تربوية لإيصال المعلومة، وإشعار الطفل بأنه في بيئة حرة إلى حد ما ولا تختلف عن جو البيت، وعدم الجفاف في التعامل واستخدام العقاب.
- دحض الأسرة للاعتقادات والتصورات الخاطئة التي يمتلكها الطفل عن المدرسة وتصويبها، وإظهار الايجابيات والمحاسن الموجودة في المدرسة من ألعاب ورحلات وممارسة للأنشطة والهوايات.
- إتاحة المجال للطفل للاحتكاك مع نماذج من الأطفال الناجحين الذين يكبرونه للاستفادة من تجاربهم وأخذ الانطباعات السليمة عن المدرسة.
http://www.almualem.net المصدر:
ـــــــــــــــــــ(101/75)
أطفال تمزّقت أحلامهم في الطرقات
بشار دراغمة 15/10/1426
17/11/2005
أطفال تمزقت أحلامهم في طرقات المدن والمخيمات بحثاً عن لقمة عيش، وتزداد صعوبة الحصول عليها مع مضي الأيام، إن لم يكن في أي مكان في العالم، فهو هنا في فلسطين، في الضفة الغربية، في قطاع غزة، في كل المدن والمخيمات، أطفال اتخذوا من التسول مهنة لهم بعدما أجبرهم زمان الاحتلال على ذلك، فمنهم من قُتل آباؤهم، وآخرون زُج المعيل الاول لأسرهم خلف قضبان السجون، ليجد الطفل الفلسطيني نفسه أمام واقع مرّ "لا بديل عن التسوّل لكسب الرزق ومساعدة عائلاتهم"، هكذا قال لي أحد الأطفال المتسولين، بينما وجدت طفلاً آخر لا يقتنع بهذا الكلام، وبحث عن طريقة أخرى لكسب قوت عائلته، سألته كيف؟ فأجاب: "التجارة شطارة، وأنا استطيع أن أبيع العلكة والشيكولاتة، وأشياء أخرى كهذه، وفي النهاية أجمع شيئاً من المال أساعد به عائلتي، فوالدي في الحبس، وهو الوحيد الذي كان يعيلنا".
استجداء من أجل شيكل
ربما لا يفاجأ المرء إن أغرقه المتسولون والباعة المتجولون من الأطفال في أحد شوارع مدينة نابلس، أسئلة كثيرة تتبادر إلى ذهنك قبل أن تدخل في حوار مع هذا الطفل المتسول أو ذاك البائع المتجول، تقول: نحن في الصباح ومن المفترض أن يكون هذا الطفل في مدرسته، لماذا هو غائب عنها الآن؟ لكن إلحاحه يقطع عليك كل تساؤلاتك، فهو يريد أن ينتهي منك للبحث عن رزق جديد.
مررت بأحد الأطفال، أسرع إلي قائلاً: " عمو أعطيني شيكل، الله يخليلك أولادك، الله يسعدك، الله..."، قبل أن ألبي له رغبته قررت أن أساله: ماذا سيصنع لك الشيكل، إنه بسيط جداً، ولماذا لم يعطك أهلك هذا الشيكل؟ فأجاب: " أنا جوعان كثير وبدي أشتري ساندويتش من المطعم؛ لأنها أمي ما عملت فطور، ما معها فلوس، وأبوي مات زمان، قتلته إسرائيل".
مجرد أن تنتهي من هذا الطفل، حتماً هناك أطفال آخرون سيلاحقونك في الطرقات كافة، فطفل جديد اعترض طريقي، وجدته واقفاً أمامي، يقول: " عمو تشتري؟، معي علكة زاكية كثير، وكمان معي كاسات شاي كل (12) كاس بعشرة شواكل، خذهم للبيت الله يجبر خاطرك".
الأطفال المتجولون في الشوارع بحثاً عن قوتهم كثيرون جداً، ولكل منهم طريقته الخاصة في تسويق سلعته أو الاستجداء من الناس.
دراسات: الحاجة تدفعهم للعمل
الدراسات الفلسطينية الرسمية تؤكد على أن عمالة الأطفال سواء في بيع الحاجيات الصغيرة أو التسول في الشوارع، تأتي بسبب ممارسات إسرائيل على الأرض، ومنع العمال الفلسطينيين من الوصول إلى أماكن عملهم، حيث يظهر تقرير أصدره جهاز الإحصاء المركزي الفلسطيني أن 71% من الأطفال دون سن الخامسة عشرة يعملون بسبب الفقر، وانعدام فرص العمل لآبائهم، وحسب هذه الإحصائية فقد بلغ عدد الأطفال العاملين سواء بأجر أو بدون أجر( 40,139) طفلاً، أي ما نسبته 3.1% من إجمالي الأطفال، منهم 3.8% في الضفة الغربية و1.9% في قطاع غزة.
وبحسب نتائج هذه الإحصائية فإن عمالة الأطفال الأعلى موجودة في المناطق الريفية مقارنة مع الحضر والمخيمات حيث بلغت 4.6% مقابل 2.6% في الحضر، و1.8% في المخيمات، أمام بالنسبة لتوزيع المحافظات فكانت المحافظة الأولى في هذا الشأن هي أريحا بنسبة (13.2%)، ومن ثم سلفيت (10.4%)، وبعدها محافظة قلقيلية (9.2%)، في حين سجلت محافظتا القدس وبيت لحم أدنى نسبة للأطفال العاملين.
أما في قطاع غزة فقد سجلت محافظة غزة أعلى نسبة حيث وصلت إلى 2.8%، يليها محافظة رفح (2.2%)، في حين بلغت أدنى نسبة في محافظتي دير البلح وخان يونس فقد بلغت 1.0% لكل منهما.
ساعات عمل طويلة وأمراض مزمنة
يلاحظ من خلال الإحصائيات أن الساعات الأسبوعية التي يقضيها الأطفال في العمل طويلة جداً قياساً بأعمارهم حيث بلغ متوسط ساعات العمل الأسبوعية (25.6) ساعة، بواقع (14.4) ساعة للفئة العمرية (5-9) سنوات، و(20.3) ساعة للفئة (10-14) سنة، و(33.8) ساعة أسبوعياً للفئة (15-17) سنة، هذا في وقت تبين فيه أن العديد من الأطفال أصيبوا بأمراض مزمنة نتيجة ظروف عملهم الصعبة، وتبين أن 7.6% من الأطفال العاملين تعرضوا لإصابات عمل أو أصيبوا بأمراض مزمنة خلال أدائهم لعملهم بواقع 7.5% في الضفة الغربية و8.3% في قطاع غزة.
ضياع المدرسة لضمان العمل
في الوقت الذي يبحث فيه الطفل عن قوت يومه ليعيل عائلته فإنه حتماً سيضطر في أحيان كثيرة إلى التخلي عن "حبيبته المدرسة"، فالكثير من هؤلاء الأطفال نجدهم راغبين في إكمال مشوارهم التعليمي، لكن على حد قول أحدهم: "ما في اليد حيلة" بينما يقول آخر:"ما إنت شايف: العين بصيرة واليد قصيرة، وعينك في الناظر". وتبين النتائج أن 95.4% من الأطفال في الفئة العمرية (6-17) سنة ملتحقون بالمدرسة، كما أظهرت النتائج أن2.3% من الأطفال الملتحقين بالمدرسة يعملون بأنشطة اقتصادية بواقع 4.0% للذكور و0.6% للإناث، من جهة أخرى أظهرت النتائج أن 8.1% من بين الأطفال غير الملتحقين بالمدرسة يعملون، بواقع 9.5% في الضفة الغربية و6.1% في قطاع غزة، مع ملاحظة أن الأطفال في عمر (5) سنوات مشمولون في هذه المقارنة.
دحلان: التسول ليس ظاهرة في فلسطين
من جهته يرفض محمد دحلان، وزير الشؤون المدنيّة الفلسطينية أن يطلق على التسول في فلسطين اسم الظاهرة، معتبراً أن مثل هذا المصطلح بحاجة إلى دراسات علمية، وفي فلسطين لم نحصل على دراسات دقيقة حول أعداد وانتشار المتسولين في المجتمع الفلسطيني، ويعتبر العقيد دحلان أن حالة التسول تنتشر دون أسباب مباشرة قائلاً: "الوضع الاقتصادي وبالتحديد الفقر يُعدّ أحد أهم العوامل التي تدفع بالأطفال لممارسة هذه العادات السلبية، وتدني القدرة الشرائية لدى الأسرة وعدد الأفراد في الأسرة الواحدة داخل المجتمع الفلسطيني بشكل عام، والالتزامات المتعددة لدى رب الأسرة، وعدم مقدرته على تلبية بعض الاحتياجات لأبنائه ساهم في توجه هؤلاء الأطفال للانحراف السلوكي من سرقة أو تسول، أو مسح زجاج السيارات، أو جمع الزجاجات الفارغة كعلب الكرتون أو بعض قطع الحديد والنحاس، والبقايا الملقاة هنا".
ويحمّل دحلان الأسرة جزءاً من المسؤولية حول انتشار هذه الظاهرة قائلاً: "التنشئة الاجتماعية وأسلوبها داخل الأسرة تلعب دوراً كبيراً في الحد من هذه العادات، فإذا كانت النشأة سليمة فلن تحدث، أما إذا كانت تنشئة غير واعية وسليمة فإنها حتما ستؤدي إلى انتشار مثل هذه الحالات.
السياحة لمواجهة التسول
وزارة السياحة الفلسطينية حاولت أن تلعب دوراً في هذا الجانب؛ إذ أعلنت الوزارة عن البدء في تنفيذ خطة من شأنها أن تحد من انتشار ظاهرتي التسول والباعة المتجولين في الشوارع، وأوضح زياد البندك، وزير السياحة والآثار الفلسطيني، أن وزارته تسعى للحد من هذه الظاهرة في الأماكن السياحية، و التقى البندك مع العميد محمود المشني قائد الشرطة السياحية، وقيادات شرطية أخرى لوضع خطة لمكافحة التسول في الأماكن السياحية، واعتبر البندك ان ظاهرة التسول غريبة على المجتمع الفلسطيني وتسيء إلى "السمعة الطيبة التي يتمتع بها هذا الشعب باعتباره شعباً كريماً محباً لضيوفه ويحترم زوّاره".
إن الأماكن السياحية الفلسطينية التي بدأت تشهد عودة متدرجة للسياح إليها، بعد سنوات الانتفاضة، تشهد وجود مجموعات من الأطفال تتسول من السائحين، في حين عجزت الشرطة السياحية التي تضم خريجي الجامعات في صفوفها من وضع حد للتسول.
وقال العميد محمود المشني قائد الشرطة السياحية: إن أفراد هذه الشرطة سيكثفون من وجودهم في المواقع السياحية، وذلك من أجل عدم إفساح المجال أمام من أسماهم العابثين والمسيئين لسمعة وصورة الشعب الفلسطيني.
قانون للطفل الفلسطيني
حاولت السلطة الفلسطينية أن تتبع نهجاً حضارياً في التعامل مع الطفل، فأصدرت قانوناً خاصاً سمي بـ"قانون الطفل الفلسطيني" لكن يبقى غياب التطبيق هو سيد الموقف، وهذا القانون الذي ضم في صفحاته (75) مادة تضمن حقوق الطفل يهدف في مادته الأولى إلى الارتقاء بالطفولة في فلسطين بما لديها من خصوصيات. وتنشئة الطفل على الاعتزاز بهويته الوطنية والقومية والدينية وعلى الولاء لفلسطين، أرضاً وتاريخاً وشعباً. وكذلك إعداد الطفل لحياة حرة مسؤولة في مجتمع مدني متضامن قائم على التلازم بين الوعي بالحقوق والالتزام بالواجبات، وتسوده قيم العدالة والمساواة والتسامح والديمقراطية. وأيضاً حماية حقوق الطفل في البقاء والنماء والتمتع بحياة حرة وآمنة ومتطورة.إضافة إلى توعية المجتمع بحقوق الطفل على أوسع نطاق ممكن باستخدام الوسائل المناسبة.وكذلك إشراك الطفل في مجالات الحياة المجتمعية وفقاً لسنه ودرجة نضجه وقدراته المتطورة حتى ينشأ على خصال حب العمل والمبادرة والكسب المشروع وروح الاعتماد على الذات. ومن الأهداف الأخرى تنشئة الطفل على الأخلاق الفاضلة وبخاصة احترام أبويه ومحيطه العائلي والاجتماعي.
وبالرغم من هذا القانون الجميل في صفحاته وعباراته إلا أن الأطفال لا يزالون على حالهم متسولين وباعة متجولين في الطرقات التي قتلت أحلامهم
ـــــــــــــــــــ(101/76)
أبناؤنا بين اللعب و المذاكرة
قال لي صاحبي يوماً وقد ظهرت نتيجة امتحان آخر العام، وحصل أبناؤه على درجات منخفضة:
ماذا أفعل لهم أكثر مما فعلت؟ لقد كنت حريصاً على مصلحتهم أشد الحرص، فجلست معهم الساعات الطوال آمرهم بالمذاكرة وأنهاهم عن اللعب، لقد تابعتهم بكل دقة حتى إنهم قضوا معظم وقتهم بين الكتب، يذاكرون ويجتهدون ويجدّون، و والله لم يعرف اللعب طريقه إلى حياتهم، فماذا حدث؟ لقد احترت وتعبت..فماذا أصنع؟
فقلت له والحزن يملأ قلبي:
جزاك الله خيراً على هذا الجهد الكريم، ولكن اسمح لي أن أقول لك إنك أنت السبب الرئيسى في تأخرهم الدراسي، وحصولهم على درجات منخفضة..فقال مندهشاً: ماذا تقول؟ هل هناك أب يضر أبناؤه وهم أغلى شيء عنده في الحياة؟ لابد وأنك لا تعي ما تقول..
فقلت له: لا تنفعل يا صاحبي، ودعنا نناقش الأمر بهدوء:
الطفل بفطرته يحب اللعب حتى إنه يمكننا أن نعد اللعب لازمة من لوازم الطفولة، فكيف تحرمه من حاجة ضرورية ثم تطلب منه بعد ذلك أن يتفوق؟! إنك بهذا التصرف تجعله يكره المذاكرة دون أن تدرى، وذلك لأنك تحرمه من شيء يحبه بل ويحتاجه، وتقول له عليك أن تذاكر بدل أن تلعب.
يا صاحبي:
اللعب والمذاكرة وجهان لعملة واحدة، لا يصلح أحدهما بدون الآخر، وذلك لأن الصلة وثيقة بين لعب الطفل وتفوقه الدراسي بل والأخلاقي، حيث أن اللعب لا يراد به قتل الوقت بقدر ما هو نشاط يتخلص به الطفل من إرهاق التحصيل أو الكسل الحاصل بالنوم، ثم إنه يعده لمرحلة أخرى يكون فيها أقدر على المذاكرة والتحصيل من جديد، نفس راضية وقلب مستريح، بعد أخذ حظه من اللهو البريء الذي تتفتح به النفس للحياة، لتقبل على المذاكرة والعمل بجد ونشاط.
ولذلك قال الإمام الغزالي- رحمه الله -: ' ينبغي أن يؤذن له [أي للطفل] بعد الانصراف من الكتّاب أن يلعب لعباً جميلاً، يستريح إليه من تعب المكتب، بحيث لا يتعب في اللعب، فإن منع الصبي من اللعب وإرهاقه بالتعليم دائماً يميت قلبه، ويبطل ذكاءه، وينغص عليه العيش حتى يطلب الحيلة في الخلاص منه رأساً '
فقال لي صاحبي:
معنى كلامك أن اللعب يؤدى دوراً مهماً في حياة الطفل، لأنه المتنفس المشروع للطاقة الهائلة والزائدة عند الطفل، ولأنه وسيلة للتعبير عن الانفعالات العميقة عند الطفل، ولأنه في نفس الوقت الوسيلة المقبولة للاستمتاع والسرور والسعادة، ومن خلاله تنمو مهارات الطفل والتي منها مهارات التفكير والحفظ والفهم، ومعنى كلامك أيضاً أننا حينما نحرم الطفل من اللعب بسبب حضه على المذاكرة و التحصيل، فإن ذلك يكون من أسباب تأخره الدراسي، ووقوعه في حالة من القلق والاضطراب وعدم الرضا.
فقلت له:
هذا فعلاً ما أقصده، بل إن هذه الحقيقة ذاتها هي التي دفعت علماء النفس المعاصرين إلى القول بأن: ' التعليم في الطفولة لا يؤتى أكله، ولا يمكن أن يتحمله الأطفال ولا يستسيغوه إلا إذا كان مصبوغاً بصبغة الألعاب، إننا نريد طريقة تعليمية ظاهرها اللعب واللهو وباطنها العمل والجد والتعليم والتربية، ولعل السبب في كراهية أطفالنا للمذاكرة هو: أن معظم نظمنا التعليمية الحاضرة قد غفل واضعوها عن هذا المبدأ، فأسسوا بنيانهم على شفا جرف هار، فجاءت فاسدة عقيمة، نائية عن طبيعة الطفل، مرهقة لجسمه وعقله، تكرهه على تجرع ما لا يكاد يسيغه، وتقضى عليه بمزاولة أعمال لا يقل نظره إليها عن نظر السجين إلى أشغاله الشاقة '
فقال صاحبي:
كان الله في عون أبنائنا، إنني لم أكن أشعر بكل هذه المعاناة التي يعانيها أبناؤنا، ولكنى- والله- حريص على مصلحتهم، فماذا أصنع؟ هل أترك لهم الحبل على الغارب فيمرحون ويلعبون كما يشاءون؟ أم ماذا أفعل؟!!.
فقلت له:
' لا يصح أن يكون لعب الطفل على حساب واجبات أخرى يكلف بها، ويدعى إليها، ويطلب في حقه تنفيذها.. كأن يشغل معظم وقته في اللعب بكرة القدم أو مزاولة أعمال السباحة أو اللعب بالمكعبات.. على حساب حق الله في العبادة، أو حق نفسه في المذاكرة وتحصيل العلم أو حق أبويه في الطاعة والبر.
لعب الطفل يجب أن يكون في حدود الوسط والاعتدال، وذلك لإيجاد التوازن مع سائر الواجبات الأخرى دون ان يطغى حق على حق أو يتغلب واجب على واجب.. تحقيقاً لمبدأ التوازن الذي وضع أصوله نبي الإسلام [- صلى الله عليه وسلم -] حين قال لعبد الله بن عمرو بن العاص: ' يا عبد الله بن عمرو: إن لله عليك حقاً وإن لبدنك عليك حقاً وإن لأهلك عليك حقاً.. فأعط كل ذي حق حقه '
وهنا قال لي صاحبي:
جزاك الله خيرا، وأعتقد الآن أن هذه القضية لا تحتاج بعد ما ذكرته- إلى كثير كلام، فهيا بنا ولا تضيع الوقت، فأولادي ينتظرون العمل والتطبيق، والله ولى التوفيق.
21 ربيع الثاني 1426هـ - 29 مايو 2005م
http://www.islammemo.cc المصدر:
ـــــــــــــــــــ(101/77)
تربية الأبناء
يحيى بن موسى الزهراني
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلن تجد له ولياً مرشداً، الحمد لله العلي الوهاب، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له الرحيم التواب، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله النبي الأواب، وعلى آله وأصحابه خير الأصحاب والأحباب، والتابعين وتابعيهم بإحسان إلى يوم الحساب، يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون "، " يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحده وخلق منها زوجها وبث منهما رجالاً كثيراً ونساءً واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيباً "..أما بعد:
فأوصيكم ونفسي أيها الناس بتقوى الله، فهي المنجية من عذاب أليم، والموصلة لرضوان الرحمن الرحيم، فالتقوى سيبل الرشاد، للحاضر والباد، فاتقوا الله أيها العباد.
أيها المسلمون: لقد تفضل الله على عباده بنعم لا تحصى، ومنن لا تستقصى، فكل نعمة يراها العبد على نفسه هبة من الله، قال - تعالى -: " وما بكم من نعمة فمن الله "، واعلموا أن هناك نعماً خص الله بها فئة من الناس وحرمها فئة أخرى، ابتلاء منه - سبحانه -، وتمحيصاً لعباده، ليميز الخبيث من الطيب، قال - تعالى -: " ولله ملك السموات والأرض يخلق ما يشاء يهب لمن يشاء إناثاً ويهب لمن يشاء الذكور * أو يزوجهم ذكراناً وإناثاً ويجعل من يشاء عقيماً إنه عليم قدير "، فمن أعظم النعم على الإنسان بعد نعمة الإسلام، نعمة الولد، ولا سيما الولد الصالح، نعمة الولد لا يعرف قدرها إلا من حُرمها، فكم من الناس من مُنع نعمة الأبوة والأمومة، فتراه يسعى جاهداً ليلاً ونهاراً، بكل ما أوتي من جهد ومال للحصول على الولد الذي فقده، ولكن قدرة الله - تعالى -فوق الطاقات والأموال المهدرات، لأنه - سبحانه - عليم قدير، يختبر العباد، ويمتن على الإنسان، فاصبروا وصابروا ورابطوا واتقوا الله لعلكم تفلحون.
أيها الناس: أولادنا ثمار قلوبنا، وعماد ظهورنا، وفلذات أكبادنا، وأحشاء أفئدتنا، وزينة حياتنا، قال - تعالى -: " المال والبنون زينة الحياة الدنيا "، الأولاد قرة الأعين، وبهجة الحياة، وأنس العيش، بهم يحلو العمر، وعليهم تعلق الآمال، وببركة تربيتهم يستجلب الرزق، وتنزل الرحمة، ويضاعف الأجر، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه -، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: " إِذَا مَاتَ الْإِنْسَانُ انْقَطَعَ عَنْهُ عَمَلُهُ إِلَّا مِنْ ثَلَاثَةٍ إِلَّا مِنْ صَدَقَةٍ جَارِيَةٍ أَوْ عِلْمٍ يُنْتَفَعُ بِهِ أَوْ وَلَدٍ صَالِحٍ يَدْعُو لَهُ " [أخرجه مسلم]، وقد أحسن من قال:
إنما أولادنا بيننا *** أكبادنا تمشي على الأرض
لو هبت الريح على بعضهم *** لامتنعت عيني عن الغمض
وقَالَ - صلى الله عليه وسلم -: " وَإِنَّ لِوَلَدِكَ عَلَيْكَ حَقًّا " [أخرجه مسلم]، فاحذروا أيها الناس من التفريط في تربية الأبناء، أو التخلي عن المسؤولية تجاههم، فهذا هو الغدر، وتلكم هي الخيانة، وذلكم هو الغش الموصل إلى النار، أخرج البخاري ومسلم واللفظ للبخاري من حديث مَعْقِل بْن يَسَارٍ - رضي الله عنه - قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: " مَا مِنْ عَبْدٍ اسْتَرْعَاهُ اللَّهُ رَعِيَّةً فَلَمْ يَحُطْهَا بِنَصِيحَةٍ إِلَّا لَمْ يَجِدْ رَائِحَةَ الْجَنَّةِ "، فارعوا أبناءكم، وأدوا أماناتكم، وانصحوا لأولادكم، فكلٌ مسؤول عن رعيته.
أمة الإسلام: الشباب عماد الأمة، وعزها المجيد، ومجدها التليد، الشباب قوة الشعوب، وحصنها الحصين، ودرعها المتين، هم سبب الفتوحات، وأساس الانتصارات، ومن قرأ التأريخ، وتصفح كتب السير والمغازي، لرأى رأي المنصف العاقل الرشيد، كيف أن الشباب في صدر الإسلام وبعده كانوا لبلاد الكفار فاتحين، وعن بلاد الإسلام مناضلين ومنافحين، تجدهم محاربين، وتراهم مقاتلين، تهابهم الأعداء، ويحبهم من في السماء، " يا أيها الذين آمنوا قاتلوا الذين يلونكم من الكفار وليجدوا فيكم غلظة واعلموا أن الله مع المتقين "، وأخرج الشيخان في صحيحيهما من حديث عَبْدِالرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ - رضي الله عنه - قَالَ: بَيْنَا أَنَا وَاقِفٌ فِي الصَّفِّ يَوْمَ بَدْرٍ، فَنَظَرْتُ عَنْ يَمِينِي وَعَنْ شِمَالِي، فَإِذَا أَنَا بِغُلَامَيْنِ مِنَ الْأَنْصَارِ حَدِيثَةٍ أَسْنَانُهُمَا، تَمَنَّيْتُ أَنْ أَكُونَ بَيْنَ أَضْلَعَ مِنْهُمَا، فَغَمَزَنِي أَحَدُهُمَا فَقَالَ يَا عَمِّ: هَلْ تَعْرِفُ أَبَا جَهْلٍ؟ قُلْتُ: نَعَمْ، مَا حَاجَتُكَ إِلَيْهِ يَا ابْنَ أَخِي، قَالَ: أُخْبِرْتُ أَنَّهُ يَسُبُّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -، وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَئِنْ رَأَيْتُهُ لَا يُفَارِقُ سَوَادِي سَوَادَهُ، حَتَّى يَمُوتَ الْأَعْجَلُ مِنَّا، فَتَعَجَّبْتُ لِذَلِكَ، فَغَمَزَنِي الْآخَرُ فَقَالَ لِي مِثْلَهَا، فَلَمْ أَنْشَبْ أَنْ نَظَرْتُ إِلَى أَبِي جَهْلٍ يَجُولُ فِي النَّاسِ، قُلْتُ: أَلَا إِنَّ هَذَا صَاحِبُكُمَا الَّذِي سَأَلْتُمَانِي، فَابْتَدَرَاهُ بِسَيْفَيْهِمَا فَضَرَبَاهُ حَتَّى قَتَلَاهُ، ثُمَّ انْصَرَفَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فَأَخْبَرَاهُ، فَقَالَ: " أَيُّكُمَا قَتَلَهُ؟ " قَالَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا: أَنَا قَتَلْتُهُ، فَقَالَ: " هَلْ مَسَحْتُمَا سَيْفَيْكُمَا؟ " قَالَا: لَا، فَنَظَرَ فِي السَّيْفَيْنِ، فَقَالَ: " كِلَاكُمَا قَتَلَهُ سَلَبُهُ لِمُعَاذِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْجَمُوحِ "، وَكَانَا مُعَاذَ بْنَ عَفْرَاءَ، وَمُعَاذَ بْنَ عَمْرِو بْنِ الجَمُوحِ "، وعَنِ ابْنِ عُمَرَ - رضي الله عنهما - أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - عَرَضَهُ يَوْمَ أُحُدٍ وَهُوَ ابْنُ أَرْبَعَ عَشْرَةَ سَنَةً فَلَمْ يُجِزْهُ، وَعَرَضَهُ يَوْمَ الْخَنْدَقِ وَهُوَ ابْنُ خَمْسَ عَشْرَةَ سَنَةً فَأَجَازَهُ " [أخرجه البخاري]، وفي قصة إمامة عَمْرِو بْنِ سَلَمَةَ - رضي الله عنه - لقومه حيث قَالَ: قال النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -: " فَإِذَا حَضَرَتِ الصَّلَاةُ، فَلْيُؤَذِّنْ أَحَدُكُمْ، وَلْيَؤُمَّكُمْ أَكْثَرُكُمْ قُرْآنًا "، فَنَظَرُوا فَلَمْ يَكُنْ أَحَدٌ أَكْثَرَ قُرْآنًا مِنِّي، فَقَدَّمُونِي بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَأَنَا ابْنُ سِتٍّ أَوْ سَبْعِ سِنِينَ " [أخرجه البخاري]، هكذا كان شباب الإسلام، حماة لأوطانهم، مدافعين عن أعراضهم، مقاتلين لأعدائهم، متبعين لسنة نبيهم، متمسكين بدينهم، شباب تعتمد عليهم أمتهم، يرهبهم عدوهم، ذلكم هو الشباب المسلم الأبي، وعندما يقلب الحصيف بصره، وينقل اللبيب عينه، لا يجد اليوم إلا شبابأً قد وهنتهم حمى الغرب، وضربتهم شمس التقدم الزائف، وطغت عليهم حضارة الكفر، فقُذف في قلوبهم الوهن، فبدأوا يهرفون بما لا يعرفون، تراهم سكارى وما هم بسكارى، " رضوا بأن يكونوا مع الخوالف وطبع الله على قلوبهم فهم لا يعلمون "، أشباب اليوم هم شباب الأمس، إذا أردتم الجواب، ومعرفة الصواب، فسلوا المدارس عن طلابها، والأعمال عن موظفيها، سلوا المساجد عن روادها، سلوا الخرابات عن ساكنيها، والاستراحات عن مرتاديها، فعند جهينة الخبر اليقين.
أيها المسلمون: لقد عجز الغرب الكافر اليوم عن إبعاد المسلمين عن دينهم بقوة السلاح، لكنه استولى على العقول، ولا سيما عقول الشباب، فبُثت القنوات، وعُملت المخططات، وأُنشئت الدراسات، كل ذلك للإطاحة بشباب الإسلام، ويا للأسف فقد تحقق للكفار ما أرادوا، ونالوا من شبابنا ما ناولوا، ولكن لم يكن ليتم ذلك إلا بمعاونة وسائل الإعلام المسلمة، ومشاركة أولياء جهلة ظلمة، تنصلوا عن التربية، واهتموا بسفاسف الحياة، فأصبح لدينا جيل تنكر لدينه، وخرج من عقيدته، وتبرأ من أهله وعشيرته، وتخلى عن عاداته، وانخلع من تقاليده، فهانحن نرى قطعاناً من الناشئة، رائحة إلى مدارسها وغادية، لا يعرفون معروفاً ولا ينكرون منكراً، بل تغيرت أفهامهم، وانتكست أوضاعهم، فسدت طبائعهم، وقلدوا أعداءهم، وقد قال رَسُول اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: " لَيْسَ مِنَّا مَنْ تَشَبَّهَ بِغَيْرِنَا، لَا تَشَبَّهُوا بِالْيَهُودِ وَلَا بِالنَّصَارَى " [أخرجه الترمذي]، وانظروا إلى الشباب والشابات عبر الشوارع والطرقات، تأملوا تلكم الموضات والقصات، سلاسل وقبعات، دخان ومخدرات، أشكال غريبة، وهيئات مريبة، شباب تائهون حائرون، تنكب للأرصفة، وتدمير للمنشآت والأبنية، سرعة فائقة، أغان صاخبة، تصرفات طائشة، إزهاق لأرواح الأبرياء، وإذا حل الليل، واحلولك الظلام، أتوا البيوت من ظهورها، والسيارات من زجاجها، والمحلات بعد تكسيرها، يا سبحان الله، كأننا لا أمن ولا أمان، تصرفات غوغاء، وأعمال هوجاء، ونتائج شنعاء، فأين المسؤولية والمسؤولين؟ وأين الأمانة والمؤتمنين؟ " يا أيها الذين آمنوا لا تخونوا الله والرسول وتخونوا أماناتكم وأنتم تعلمون * واعلموا أنما أموالكم وأولادكم فتنة وأن الله عنده أجر عظيم "، وعَنْ عَبْدِاللَّهِ بْنِ عُمَرَ - رضي الله عنهما -، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: " أَلَا كُلُّكُمْ رَاعٍ وَكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، فَالْإِمَامُ الَّذِي عَلَى النَّاسِ رَاعٍ وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَالرَّجُلُ رَاعٍ عَلَى أَهْلِ بَيْتِهِ وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَالْمَرْأَةُ رَاعِيَةٌ عَلَى أَهْلِ بَيْتِ زَوْجِهَا وَوَلَدِهِ وَهِيَ مَسْئُولَةٌ عَنْهُمْ، وَعَبْدُ الرَّجُلِ رَاعٍ عَلَى مَالِ سَيِّدِهِ وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْهُ، أَلَا فَكُلُّكُمْ رَاعٍ وَكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ " [متفق عليه]، وكم من المسؤولين من فرطوا في مسؤوليتهم، وأضاعوا أماناتهم، وأهملوا أولادهم ومن تحت ولايتهم، " إنا عرضنا الأمانة على السموات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها وأشفقن منها وحملها الإنسان إنه كان ظلوماً جهولاً "، فالتفريط في أمانة رعاية الشباب والناشئة، خيانة عظمى، ومصيبة كبرى، وحتماً ستحط رحالها بالأمة، وربما كانت أحداث التفجيرات، وما سبقها وتبعها من كوارث وانحرافات، ومواجع وفاجعات، ربما كان سببها الإهمال في تربية الشباب، وعدم العناية بالناشئة من الفتيان والفتيات، لقد انزلق الشباب المسلم في براثن الفضائيات والرذيلة، وسقطوا في مستنقعات العار والفضيحة، ووقعوا في بؤر الإسفاف، ومراتع الاستخفاف، وما تلكم التجمعات الفاشلة حول المحلات التجارية، وعند أركان البيوت، والهروب من المدارس، والتواجد في الأزقة وأماكن قضاء الحاجة، والتعرض للمسلمين وأذيتهم، إلا دليل على أن هناك خللاً يجب سده، وخرقاً يجب رقعه، فلابد من رأب الصدع، وترميم جدار التربية، ألا فاتقوا الله أيها الآباء، فأنتم عند ربكم موقفون، وعن ذريتكم مسؤولون، قال - تعالى -: " وقفوهم إنهم مسؤولون "، وقال - تعالى -: " ثم لتسألن يومئذ عن النعيم ".
أيها الناس: لقد تفاقم الوضع، وتعاظم الأمر، وتطاير الشرر، عندما تخلى الآباء عن مسؤولية التربية الصحيحة، وأهملوا الإلمام بأسس العناية السليمة، فليست التربية عنف كلها، ولا رخو جلها، بل: شدة في غير عنف، ولين في غير ضعف، هكذا هي التربية، أما أن يعتقد أب، أو تظن أم، أن التربية تكبيل بالسلاسل، وضرب بالحديد والمناشير، وسجن في غرفة مظلمة مدلهمة، فيخرج لنا جيل تسيل دماؤه، وتنتفخ أوداجه، يخاف من خياله، ويهرب من ظله، ويغضب ويثور لأتفه الأسباب، فيكن العداء لأمته، والبغضاء لوطنه، فليس ذلك بمطلوب ولا مرغوب، ألا فاعلموا أيها الناس أن شريعة الإسلام لم تأت بمثل هذا العنف والجبروت، والهجية والعنجهية، بل الإسلام دين الرحمة والرأفة، لاسيما الرحمة ببني الإنسان، أخرج أبو داود من حديث عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ، أَنَّ هِشَامَ بْنَ حَكِيمِ بْنِ حِزَامٍ، وَجَدَ رَجُلًا وَهُوَ عَلَى حِمْصَ، يُشَمِّسُ نَاسًا مِنَ الْقِبْطِ فِي أَدَاءِ الْجِزْيَةِ ـ يحبسهم في الشمس ـ فَقَالَ مَا هَذَا؟ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: " إِنَّ اللَّهَ يُعَذِّبُ الَّذِينَ يُعَذِّبُونَ النَّاسَ فِي الدُّنْيَا "، وقال رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: " إِنَّمَا يَرْحَمُ اللَّهُ مِنْ عِبَادِهِ الرُّحَمَاءَ " [متفق عليه]، فاتقوا الله أيها الآباء في فلذات الأكباد، ولا يقودنكم الغضب لظلم أبنائكم والإساءة إليهم، ثم تطلبون صلاحهم وطاعتهم، فذلكم النقيض وضده، ولا يلتقي النقيضان، وربما كان هناك آباء فقدوا زمام التربية، فانحل أبناؤهم، وضاع أولادهم، فلم ينصاعوا لأوامرهم، وهذا أمر مشاهد وملموس، فهؤلاء الشباب الذين تجاوزوا العشرين من أعمارهم أو أقل، تراهم في الطرقات، وفي السيارات، ضياع وتيه، تعرفهم بسيماهم، قبلتهم الملاعب، وتجارتهم المثالب، شرهم أكثر من خيرهم، آذوا الجار، وامتحنوا القريب وبعيد الدار، إذا سألت عن أخبارهم، تنبؤك عنها طواقيهم وقبعاتهم، غطرسة وعربدة، أينعت رؤوسهم وحان قطافها، فأين عنا عمر بن الخطاب - رضي الله عنه -، لقد فقدت الأمة درته، وسُلبت هيبته، فمن ضعف أمام أبنائه، فلا يتركهم هملاً وسبهللاً، بل يخبر عنهم الجهات المختصة حتى يكفون شرهم عن الناس، والدولة الرشيدة رعاها الله، اهتمت بالآباء منذ نعومة أظفارهم، فلن تعجز في هذا المضمار من ردع سفلة الشباب الضائع، وسفهاء الطبائع، قال ابن القيم - رحمه الله -: " من أهمل تعليم ولده ما ينفعه وتركه سدى، فقد أساء إليه غاية الإساءة، وأكثر الأولاد إنما جاء فسادهم من قبل الآباء وإهمالهم لهم، وترك تعليمهم فرائض الدين وسننه، فأضاعوهم صغاراً فلم ينتفعوا بأنفسهم، ولم ينفعوا آباءهم "، قال القائل:
عَوِّد بنيك على الآداب في الصِّغَر *** كيما تَقَرَّ بهم عيناك في الكِبَرِ
فإنما مَثَل الآداب تجمعها *** في عنفوان الصبا كالنقش في الحَجَر
معاشر المسلمين: إن الغيور ليتساءل: كيف لأب أنيطت به أمانة عظيمة ينام قرير العين، يكتحل بالنوم ملء جفنيه، وأبناؤه خارج منزله، بل ربما بناته وزوجاته؟ فقولوا لي بربكم أي أب هذا؟ وأي تربية تلك؟ ألا ترون أن ذلك الأب يحتاج إلى أدب وتربية، بلى، ولذا قال الله - تعالى -: " ومن أظلم ممن ذكر بآيات ربه فأعرض عنها ونسي ما قدمت يداه إنا جعلنا على قلوبهم أكنة أن يفقهوه وفي آذانهم وقراً وإن تدعهم إلى الهدى فلن يهتدوا إذاً أبداً "، نعوذ بالله من الضلال بعد الهدى، ومن الظلام بعد النور، فلا بد من رعاية الشباب والناشئة حتى يكونوا نواة صالحة لدينهم ومجتمعهم، ولبنة بناء لعقيدتهم وأمتهم، فاتقوا الله معشر العباد، واحفظوا وصية الله لكم في الأولاد، وتذكروا موقفكم يوم المعاد: " يَوْمَ لاَ يُغْنِى مَوْلًى عَن مَّوْلًى شَيْئاً وَلاَ هُمْ يُنصَرُونَ "، فأنتم مسؤولون عن انحراف الشباب، ومحاسبون عن تربيتهم أمام رب الأرباب، اللهم انفعنا بالقرآن العظيم، وبهدي النبي الكريم، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم من كل ذنب ومعصية، ومن كل إثم وخطيئة، فاستغفروه وتوبوا إليه إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله الذي خلق البشر، وأمر بطاعته كما أخبر، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له يعلم العلن والمخبر، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله أرسله ربه إلى الأسود والأحمر، صلى الله وسلم عليه ما بزغ نجم وظهر، وعلى آله وأصحابه الميامين الغرر، والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم المستقر... أما بعد:
فيا أيها الشباب: اتقوا الله وراقبوه، واخشوه وتوبوا إليه، فأنتم محاسبون على أعمالكم، مؤاخذون بأقوالكم، أفحسبتم أنما خلقناكم عبثاً وأنكم إلينا لا ترجعون، واحفظوا وصية نبيكم - صلى الله عليه وسلم - لكم، فعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ - رضي الله عنه -، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: " إِيَّاكُمْ وَالْجُلُوسَ فِي الطُّرُقَاتِ " قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ: مَا لَنَا بُدٌّ مِنْ مَجَالِسِنَا نَتَحَدَّثُ فِيهَا، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: " فَإِذَا أَبَيْتُمْ إِلَّا الْمَجْلِسَ، فَأَعْطُوا الطَّرِيقَ حَقَّهُ " قَالُوا: وَمَا حَقُّهُ؟ قَالَ: " غَضُّ الْبَصَرِ، وَكَفُّ الْأَذَى، وَرَدُّ السَّلَامِ، وَالْأَمْرُ بِالْمَعْرُوفِ، وَالنَّهْيُ عَنِ الْمُنْكَرِ " [متفق عليه واللفظ لمسلم]، وعَنْ عَبْدُ اللَّهِ بن مسعود - رضي الله عنه - قال: كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، شَبَابًا لَا نَجِدُ شَيْئًا، فَقَالَ لَنَا رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: " يَا مَعْشَرَ الشَّبَابِ! مَنِ اسْتَطَاعَ الْبَاءَةَ فَلْيَتَزَوَّجْ، فَإِنَّهُ أَغَضُّ لِلْبَصَرِ، وَأَحْصَنُ لِلْفَرْجِ، وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَعَلَيْهِ بِالصَّوْمِ فَإِنَّهُ لَهُ وِجَاءٌ " [متفق عليه]، ألا فاعلموا أيها الشباب أن التفحيط والتنطيط، وإيذاء الناس والمارة، والتجمعات الشبابية، والتحزبات الهمجية، والحركات اللا منهجية، لو كانت كل تلك المهازل والمفاسد رفعة في الدرجات، وزيادة في الحسنات، والله لما سبقتم إليها العلماء والعقلاء والفضلاء والنبلاء، ولكنها انحطاط في الخلاق، ونقيصة في الأدب، وعيب في التربية، ومثلبة في الرجولة، فمن هو العاقل الذي يرضى لنفسه بالسفول وضياع الأخلاق، وأن ينظر الناس إليه بعين الازدراء والاستهزاء، بل ربما أدت تلك الأخلاق السيئة، والانحرافات المشينة، أقول ربما أدت إلى قطع الصلات مع الله، ومع عباد الله، فالله الله أيها الشباب بطاعة ربكم ووالديكم، والاهتمام بعلمائكم وقادتكم، والعناية بمقدرات وطنكم، وتوفير السلامة للمسلمين، فالمسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده، والتزموا هدي الكتاب العزيز، والسنة المطهرة، وعضوا عليهما بالنواجذ، ففيهما الخير والهدى، والعفاف والغنى، والنور والهدى، وإياكم ومحدثات الأمور وبدعها، فكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار، وصلوا وسلموا على النبي المختار، سيد الأبرار، صادق الأخبار، فقد أمركم الله بذلك ليل نهار، فقال الواحد القهار: " إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليماً "، اللهم صل على عبدك ورسوله نبينا محمد وعلى آله وأصحابه وسلم تسليماً كثيراً، اللهم أعز الإسلام والمسلمين، ودمر أعداء الدين، اللهم من أرادنا وأراد المسلمين بشر وسوء فاجعل كيده في نحره، واجعل تدبيره تدميراً عليه، اللهم آمنا في أوطاننا، وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا، واجعل ولايتنا فيمن خافك واتقاك واتبع رضاك برحمتك يا أرحم الراحمين، اللهم نسألك الهدى والتقى والعفاف والغنى ومن العمل ما تحب وترضى، اللهم إنا نسألك من الخير كله، عاجله وآجله، ونعوذ بك من الشر كله عاجله وآجله، اللهم تول أمرنا ولا تكلنا إلى أنفسنا طرفة عين، اللهم اهد شباب المسلمين من بنات وبنين، اللهم رد ضالهم إليك رداً جميلاً، اللهم جنبهم رفقاء السوء، وأصحاب الفساد، اللهم جنبهم الفواحش ما ظهر منها وما بطن، اللهم أجلعنا هداة مهتدين غير ضالين ولا مضلين يا رب العالمين، اللهم إنا نسألك الجنة وما قرب إليها من قول وعمل، ونعوذ بك من النار وما قرب إليها من قول وعمل، اللهم انصر المجاهدين في سبيلك في كل مكان، اللهم انصرهم في العراق وأفغانستان، وانصرهم في فلسطين وكشمير والشيشان، وانصرهم في نيجيريا والسودان، اللهم عليك بأعداء الملة والدين، اللهم ارفع عنهم يدك وعافيتك، اللهم أهلكهم بالقحط والسنين، يا رب العالمين، اللهم لا تقم لهم راية، واجعلهم لمن خلفهم عبرة وآية، يا قوي يا عزيز، اللهم وفق ولي أمرنا بتوفيقك، وأيده بتأيدك، واجعل عمله في رضاك، ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار، سبحان ربك رب العزة عما يصفون، وسلام على المرسلين، والحمد لله رب العالمين، وأقم الصلاة إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر، ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون.
http://saaid.net المصدر:
ـــــــــــــــــــ(101/78)
عصابة الكائنات النقية (1/2)
هناء الحمراني 12/10/1426
14/11/2005
أمسكت رأسي..يا ربي..الوضع لا يُطاق..سواد شديد تحت العينين..وعصابة كبيرة تربط جمجمتي التي تكاد تنفجر..استندت إلى الجدار..ألقيت بالعصا التي كنت أحملها في يدي..
صوت الباب يُفتح..وأزداد أنا تهالكاً على الجدار مع دخول(أبي العيال)..لا بد أن يشعر بمعاناتي..ويعلم ما الذي يجري(هنا)..
نظر إليّ مفجوعاً:
- ما بك؟ماذا أصابك؟
قفزت كالمجنونة:
أبناؤك..إنهم شياطين..لا يمكن أن يستقر أي شيء بسببهم..انظر بعينيك إلى الهاتف الذي فقد عينه..المناديل..هل كانت على هذه الحال بالأمس؟ حتى المكتب..انظرْ..انظرْ..لقد غيروا مكانه..كل شيء هنا يمشي ويتحرك دون أقدام..بسببهم..
قطّب حاجبيه..وأنا أحاول ابتلاع ريقي الذي جفّ من كثرة الصراخ..والتفت إليهم..
- هل أضربكم؟
وتقافز الصغار هاربين إلى غرفتهم..
****
ما الوسيلة التربوية التي نتوقع نجاحها لمنع الأطفال من التخريب؟
قبل أن نرى هؤلاء الكائنات النقية كأشخاص أشرار يريدون شراً..وإنما يمارسون ما (يرونه مناسباً).
نقطة أخرى..يمكننا التحدث عنها بخصوص هذا الموضوع وهي أن هؤلاء الكائنات النقية المثيرة للإزعاج تمتلك طاقة هائلة، لا تردعها الأوامر ولا النواهي..ولا تحدّها الحوافز والزواجر..
لا بد لهذه الطاقات من أن تظهر بأي صورة، ومهما كانت النتائج العائدة على الطفل لنفسه سواء من الأضرار التي يلحقها بالأشياء..أو تلحق هي الضرر به..أو من عقاب والديه الذي قد يكون أليماً..
نقطة ثالثة وهي أن أطفالنا لديهم ضمير يشعرون تجاهه بالذنب لما يفعلونه إذا علموا أن ذلك يضايق والديهم..ولكن-كما قيل-: إن الضمير لا يمنعك من ارتكاب الأخطاء.. ولكنه يمنعك من الاستمتاع بها وحسب!!
والنقطة الرابعة والأخيرة-قبل البدء في الموضوع الذي لم يبدأ بعد- هي أننا نستطيع الحد من بعض الأضرار الطفولية في منازلنا..ولكن..لنكن واقعيين..لا بد من التخريب..ولن يختفي تماماً طالما كان الطفل مشاغباً..حركياً..
كيف نحدّ من ضحايا أبنائنا المنزلية؟ بالعمل من أجل ذلك..فبالعمل يمكننا الوصول إلى حلول جادّة لمشكلاتنا-بإذن الله-ولنبدأ الآن خطوات العمل:
الخطوة الأولى: بعيداً عن الأيدي:
في المنزل أماكن(لا ينبغي)لأبنائنا دخولها إلا بضوابط..مجالس الضيافة..غرفة نوم الوالدين..والمكتب..وأخيراً المكتب..
مجالس الضيافة: لا داعي لدخولها مطلقاً..إلا إذا أصبح الطفل يقدّر معنى الجلوس فيها..وسيكون تقديره لذلك بعد أن يُحرم من دخولها فترة طويلة ويتعلم آداب المجالس من والديه..
المكتب: ليكن لكلٍّ من الوالدين مفتاح خاص به..وأي فرد آخر من الأبناء الكبار عليه أن يتحمل جميع النتائج المترتبة على دخوله إلى المكتبة إذا سمح للعابثين بتخريبها..بدءاً من ترتيبها وانتهاء بالتعويض المادي من مصروفه للأشياء التالفة..والاتفاق اتفاق..
لا بأس أن يقوم الأخ المسؤول بأمر الأخ المخرّب بأن يصلح ما أفسد..فلا تتدخلا..إلا إذا استخدم العنف..وللتدخل طريقته وأسلوبه..
غرفة نوم الوالدين: هل من المعقول أن نقصي أبناءنا تماماً عنها؟ بل عليهم أن يدخلوها لفترات قصيرة ومحدودة عندما يكون أحد الوالدين مستعداً للتحدث معهم وحكاية القصص والإجابة عن أسئلتهم اللانهائية..
نحن الآن في المطبخ: لنضع السكاكين بعيداً عن أيديهم..ولنكن صارمين!!
لا..لاستخدام أكثر من ملعقة واحدة للفرد.
لا..لرمي الطعام على الأرض..
لا..للّعب بمياه الشرب..
وحينما نتحدث عن الـ(لا) فإننا لا نعني بها تلك التي نتشنّج عند نطقها..ونصرخ كالمجانين، ليهرب الطفل مذعوراً من المطبخ ومن فيه..
وليست الـ(لا)الباردة التي تتفوّه بها الأم بينما يقوم الابن بذات البرود فيملأ يديه بالملاعق ويخرج دون اهتمام بمن يتحدث..
وإنما نعني(لا) هادئة وصارمة:
- لا تأخذ ملعقة أخرى..
وإذا شرع يعصي الأمر..نغلق الدرج بهدوء..ونخرجه من المطبخ دون التفات إلى صراخه وعويله(فالموضوع لا يستحق كل هذا البكاء)..
قد يكون حديثنا السابق عن أطفال مخربين ولكن جبناء..ولكن إذا التفتنا إلى الكائنات النقية الذكية..التي يمكنها الوقوف على الكؤوس لكي تصل إلى أعلى خزانة الملابس فتأخذ المفاتيح وتدخل المجالس..وتمزق كتب المكتبة..فعندها..ننتقل إلى:
الخطوة الثانية: قريباً من الأيدي:
بعض المساحات في المنزل يجب أن تكون مفتوحة لأبنائنا..
(- أمي..أليس هذا بيتنا؟
- نعم هو بيتكم..
- إذا لماذا لا تسمحون لنا بلمس أي شيء فيه؟)
اللعب بالألعاب الصغيرة لا يكفي..وقد لا يكون مهماً مثل الألعاب الضخمة التي يتحرك الطفل فيها ويفرغ طاقاته..ونقصد بذلك الأرجوحة..والزحاليق..وحبال التسلق..
التلفاز..ليس وسيلة جيدة لتهدئة الأوضاع مهما كان المعروض فيها مناسباً..ولكن بعض الوقت للمشاهدة..سيأخذ قسطاً من طاقتهم..ويفيدهم بمعلومة ما..
ما الشيء الذي يثير أعصابك، وتراه سبباً قوياً في الفوضى داخل المنزل؟ وفي الوقت ذاته يحب أبناؤك ممارسته؟
هذه هي الخطوة الثالثة:أمام العينين:
يحب أبناؤك اللعب بالماء..بينما أنت لا تريد منهم ذلك..
ويحبون استخدام المقص لتحويل الأوراق إلى ذرات متطايرة في غرف المنزل..بينما أنت تمقت ذلك..
الطفل يعشق الماء فلا تحاول إقصاءه عنه؛ لأنك ستخفق..ولكن..اجعلهم يلعبون بالماء أمام عينيك..مثلاً في حوض سباحة صغير..عندما تقوم الأم بغسيل الملابس..انتبه..ليكونوا أمام ناظريك..
الطفل يجد متعة في قص الأوراق..والمقص ينمي مهارة الطفل اليدوية ويساعدها على النضج استعداداً لإمساك القلم..ولذلك..اسمح لهم بمزاولة هذه الهواية فوق سفرة كبيرة..وكما سمحت لهم بذلك فمرهم أن يحملوا الأوراق إلى سلة المهملات بعد الانتهاء..ولا تسمح لهم أبداً..بالقص على الأرض مباشرة..في الحقيقة..قد يمرّر الطفل المقص على السفرة..فيجدر بك ألاّ تضع سفرة من النوع الجيد..لكي لا تذهب نفسك غضباً!!
الخطوة الرابعة:اضرب أو لا تضرب..
لماذا نضرب أبناءنا عندما يتلفون شيئاً هاماً في المنزل؟ لنكن صادقين مع أنفسنا..نحن لا نضربهم إيماناً منا بأنها وسيلة تربوية ناجحة..ولكن الحقيقة هي أننا نفرغ الغضب الذي أصابنا منهم في أجسادهم الغضة وللأسف..
إن ذلك يزيد الأمر سوءاً..ويصبح الطفل عنيداً مثل الحجر..مهلاً..ربما يجدي الضرب نفعاً..فيقلع طفلنا عن التخريب..ولكن ليس بالصورة المرجوة:
"أنس..طفل في الرابعة..رئيس عصابة المخربين..ويمكننا القول دون مبالغة..إذا وجدت تلفاً في أدوات المنزل..أو طفلا صغيراً يبكي من الألم..(ففتش عن أنس).
طفل قيادي..قوي..مغامر..ولكن فاض الكيل بوالديه فقررا أن يضعا حداً سريعاً لكل أضراره..وكان ذلك بالضرب".
وبعد فترة قصيرة ملأى بالضرب والصراخ والتهديد:
"أنس..طفل في الرابعة والنصف..يرجو من شقيقه الأصغر إقناع والدته كي تعطيهم قطعة من الحلوى..يضربه الصغار الآخرون..تستطيع إيجاده تحت السرير يبكي عندما يقع كأس الماء من بين يديه رغماً عنه".
أنا لا أختلق قصصاً..وإنما أتحدث من الواقع..فمن ندين؟ وكيف يعود أنس إلى قياديته وقوته؟
لذلك..فضلاً..ممنوع الضرب..وكما أنه من المستحيل أن يقلع أبناؤنا عن المشاغبة..فلن تتمكن أنت من الإقلاع عن ضربهم..ولكن حاول جهدك..
أسأل الله التوفيق لنا جميعا معشر آباء عصابة الكائنات النقية..
ـــــــــــــــــــ(101/79)
ظاهرة التمييز بين الأبناء
فاطمة دعلوش
لعل الأبناء قرة عين الآباء ومكمن راحتهم وبهجتهم، ومصدر رزق غير منتظر، تسعد بسعادتهم النفوس، إلا أن الجدير بالطرح، هو أن جل الآباء لا يحسنون التصرف ولا المساواة بين أبناءهم فيصبحون مصدر نقمة من حيث هم مصدر نعمة، وبتصرفهم هذا يجعلونهم أعداءً لهم دون قصد أو تعمد، كيف ذلك وما السبيل إلى الاحتراز من هذه الظاهرة؟
التمييز والتشريع الإسلامي:
مما لا اختلاف فيه أن الإسلام يكره الظلم ويعاقب عليه، والتمييز بين الأبناء جور غير معلن، وقد حث الرسول - صلى الله عليه وسلم - على العدل بينهم دونما تفرقة بين الجنسين ذكورا كانوا أم إناثا.
وقد روى الشيخان عن النعمان بن بشير - رضي الله عنه - أن أباه أتى به رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال إني نحلت ابني هذا غلاما كان لي، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (يا بشير ألك ولد سوى هذا؟) قال: نعم، قال (أكلهم وهبت لهم مثل هذا) قال: لا، قال: (فلا تشهدني إذن فإنني لا أشهد على جور، ثم قال أيسرك أن يكونوا لك في البر سواء؟ ) قال: بلى، قال: (فلا إذن) متفق عليه.
التمييز ألوان مختلفة:
التمييز أنواع متعددة ومتنوعة، إلا أننا قد نجد الولد يعاني من نوع واحد أو أكثر بحسب نوعية الآباء وطبيعتهم.
- من الناحية المادية: لعل الحديث السالف الذكر خير دليل على هذا النوع أي التمييز في النفقة والمأكل والملبس وواجبات التمدرس- ودليل على وجوب وضرورة تجاوزه، لما له من انعكاسات سلبية قد تؤثر على العلاقة بين الوالدين والأولاد مستقبلاً.
- من الناحية المعنوية أو العاطفية: فالآباء من الواجب عليهم المساواة بين أبناءهم في الاهتمام والمداعبة والعطف والحنان بل حتى في القبل، فإعلان المحبة للأبناء دون تميز هي ترجمة لحب وحنان الوالدين ومحاولة منهم للوصول إلى أعلى درجة المساواة، إن لم ينجحوا في ترجمتها وتجسيدها على أرض الواقع عبر التصرفات الفعلية التي تفضح ما قد يخفيه الأب والأم على حد سواء.
- التمييز في التأديب: يقول الدكتور عبد المجيد بن مسعود بأنه إذا عجزت جميع الوسائل الإصلاحية ملاطفة ووعظا وزجرا وهجرا، فلا بأس بعد هذا أن يلجأ إلى الضرب غير المبرح، عسى أن يجد المربي في هذه الوسيلة إصلاحا لنفسه وتقويما لسلوكه واعوجاجه.
ومن الملاحظ أنه قد يلجأ الآباء إلى التمييز حتى في التأديب، حيث تسلك وتتبع هاته المراحل مع الابن المفضل فيتوقف التأديب عند الهجر في أصعب الحالات، في حين يتم خرق المراحل والبدء بالهجر مع الابن غير المفضل في أفضل الحالات.
وللإشارة فإن المساواة من الناحية المادية دون المساواة المعنوية بين الأبناء تفضي إلى نفس نتيجة عدم المساواة في كلتا الناحيتين، لذا وجب المساواة في جميع الحالات.
وفي هذا السياق تحكي الطالبة " ف. أ " معاناتها لتقول: (أبي غفر الله له يفرق بيننا وأمي كذلك، ويعلنون ذلك أمامنا دون تحفظ، وحصة الأسد مادياً ومعنوياً لأختي، بالرغم من سوء تصرفاتها مع الجميع فكلما اجتمعنا يحدثنا عن الرزق الذي جناه بعد ولادتها لدرجة أنني بعدما نفذ صبري قلت له: هل أصابك "السيزي" بعد ولادتي؟ فتفطن للأمر وقال: لا بل أصابني رزق مضاعف).
اختلاف الطباع والجنس من مسببات التمييز.
كثيرا من الآباء يعتقدون أن المسؤول الأكبر عن التمييز بين الأبناء هم الأبناء أنفسهم، فاختلاف الطباع وحسن التصرف واللباقة في استغلال نقط ضعف الآباء لتحقيق متطلباتهم، يحيد بالأب والأم عن المساواة دون قصد مسبق في أغلب الأحيان. سواء في الإنفاق أو العطف أو حق إبداء الرأي والاعتراض. فلا يحسب حساب للرأي الصائب بل للرأي الصادر من الابن المميز بحسب الطباع السالفة الذكر.
وقد يكون الذكر في الأوساط الشعبية خاصة- مقبولاً في جميع تصرفاته عن الأنثى وتعطى له كل الصلاحيات وتنفذ له كل الرغبات ناسين أو متناسين قوله - تعالى -: (يهب لمن يشاء إناثاً ويهب لمن يشاء الذكور، أو يزوجهم ذكراناً وإناثاً، ويجعل من يشاء عقيماً إنه عليم قدير) [الشورى 50-94].
وقوله - عليه الصلاة والسلام -: (من كان له ثلاث بنات أو ثلاث أخوات اتقى الله فيهن، وأقام عليهن كان معي في الجنة هكذا، وأشار بأصبعه الأربع ) [رواه داود].
و هنا شهادة يعتد بها لأب يحكي ما عاناه من أبيه فيقول: ( لو رأيته في النار فلن أعتقه هو سبب محنتي، كان دائما يسمع رأي أخي الأصغر الذي ينفق عليه فأبي" فلايسي ").
وأخرى حاصلة على الإجازة تعاتب نظرة بيئتها للأنثى: (رأي أخي الأصغر مقبول لا لكونه صائبا بل لمجرد أنه ذكر وأنا أنثى).
التمييز سبب الحقد والضغينة:
يقول الدكتور محمد علي الهاشمي (يترك التفضيل أثرا سيئا في نفس الولد الذي فضل عليه أخوه ذلك أن الولد الذي لا يشعر بالتسوية بينه و بين إخوته ينشأ معقدا حاقدا قلقا تأكل الغيرة والحقد والحسد قلبه.
وعلى النقيض من ذلك ينشأ الولد الذي يشعر بالتسوية- بينه وبينهم- نشأة صحية نقية خالية من عقد النقص، بعيدة عن الحقد والحسد والضغينة والغيرة).
وفي هذا المضمار يقول محمد 20 سنة: (لا أهتم بأخوتي ولا أحبهم لأن أبي أخذ حصتي من الحب والحنان والنفقة ومنحها لهم، أكره الجميع).
وقد يؤدي هذا الإحساس بالأبناء إلى الإصابة بأمراض نفسية في حالات عديدة. هذه المسألة يوضحها الدكتور عمر محمد التومي الشيباني في كتابه الأسس النفسية والتربوية لرعاية الشباب بفكرة مفادها أن النتيجة الحتمية لفشل الشاب في تحقيق أهدافه وإشباع حاجاته الجسمية والنفسية والاجتماعية هو انحراف صحته النفسية والجسمية وضعف معنوياته وشعوره بالفشل والإحباط ووقوعه تحت وطأة التوتر والصراع النفسيين.
وما حدث للطفلة (س-ب 14 سنة) التي عبرت بلسان الحال بدل لسان المقال عن حالتها ونفسيتها الرافضة للتمييز الممارس ضدها، حينما خدشت وجه أختها بالكامل - في الوقت الذي تحاول فيه الأخرى مداعبتها- لأنها كانت تحس بأنها السبب في تعاستها.
فكثيرة هي الحالات المماثلة، إذ يستمر هذا الحسد وهذه الضغينة إلى ما بعد مرحلة الطفولة، وقد يتسبب في حقد ليس تجاه الإخوة و الآباء فقط بل تجاه الأبناء إذا ما تطورت بعض الحالات إلى عقد نفسية لم ينتبه إليها في مرحلة الطفولة.
فغالباً ما نسمع عن أم أو أب يضرب أبناءه دون سبب أو يميز بينهم بجميع ألوان التمييز والسبب راجع إلى أبويه ليتسيب هو الآخر في إلحاق نفس المصير بأبنائه الذين يلحقون الضرر بأبنائهم وهكذا.
لا أحب أن أفضل:
لا شك في أن المفضل يعاني هو الآخر من نظرة إخوانه العدائية والكره الممارس ضده على مستوى السلوك اليومي، إن لم تتطور إلى مستوى إلحاق الضرر بالتجريح والهجر والضرب في بعض الحالات، فتصل بذلك الأسرة إلى حالة لا تحسد عليها، ليكون الولد المفضل والمفضل عليه والوالدين أيضاً في صراع دائم يتعكر معه صفو الحياة.
لذلك يرى الشاب ((ب) الآباء من واجبهم العدل ولا أحب أن أفضل على إخوتي ولا أن أكون سبب خلاف داخل الأسرة).
سبل التجاوز:
بعد الوقوف عن أسباب التمييز ونتائجه الدنيوية والأخروية، لا بد من الحث على ضرورة البحث الواعي والعمل بأسس التربية وقراءة النفسية للأبناء، محاولة من الآباء لفهم دواخل فلذات أكبادهم، ومعرفة احتياجاتهم وردود أفعالهم، وهو ما يتطلب جهداً ودراية خاصة لمحاولة ترجمة المحبة والشعور الداخلي إلى سلوكات وتصرفات، وفي حالة عدم القدرة على ذلك فلا بأس من التصنع لإبداء المحبة لجميع الأبناء. ومن المؤكد أن يثمن الأبناء هذه البادرة لتطفوا إلى السطح إيجابياتها ولو نسبياً.
http://www.naseh.net المصدر:
ـــــــــــــــــــ(101/80)
الأساليب الخاطئة في تربية الأبناء وآثرها على شخصياتهم
الأسرة هي المؤسسة التربوية الأولى التي يترعرع فيها الطفل ويفتح عينيه في أحضانها حتى يشب ويستطيع الاعتماد على نفسه بعدها يلتحق بالمؤسسة الثانية وهي المدرسة المكملة للمنزل ولكن يبقى وتتشكل شخصية الطفل خلال الخمس السنوات الأولى أي في الأسرة لذا كان من الضروري أن تلم الأسرة بالأساليب التربوية الصحية التي تنمي شخصية الطفل وتجعل منه شاباً واثقاً من نفسه صاحب شخصية قوية ومتكيفة وفاعلة في المجتمع.....
وتتكون الأساليب غير السوية والخاطئة في تربية الطفل إما لجهل الوالدين في تلك الطرق أو لأتباع أسلوب الآباء والأمهات والجدات أو لحرمان الأب أو الأم من اتجاه معين فالأب عندما يحرم من الحنان في صغره تراه يغدق على طفله بهذه العاطفة أو العكس بعض الآباء يريد أن يطبق نفس الأسلوب المتبع في تربية والده له على ابنه وكذلك الحال بالنسبة للأم..
وسأتطرق هنا لتلك الاتجاهات الغير سوية والخاطئة التي ينتهجها الوالدين أو احدهما في تربية الطفل والتي تترك بآثارها سلباً على شخصية الأبناء..
سنتحدث في حلقات متواصلة إن شاء الله عن تلك الأساليب والاتجاهات الخاطئة وآثرها على شخصية الطفل وهي:
1- التسلط.
2- الحماية الزائدة.
3- الإهمال.
4- التدليل.
5- القسوة.
6-التذبذب في معاملة الطفل.
7-إثارة الألم النفسي في الطفل.
8-التفرقة بين الأبناء وغيرها...
التسلط أو السيطرة:
ويعني تحكم الأب أو الأم في نشاط الطفل والوقوف أمام رغباته التلقائية ومنعه من القيام بسلوك معين لتحقيق رغباته التي يريدها حتى ولو كانت مشروعة أو إلزام الطفل بالقيام بمهام وواجبات تفوق قدراته وإمكانياته ويرافق ذلك استخدام العنف أو الضرب أو الحرمان أحياناً وتكون قائمة الممنوعات أكثر من قائمة المسموحات..كأن تفرض الأم على الطفل ارتداء ملابس معينة أو طعام معين أو أصدقاء معينين.
أيضا عندما يفرض الوالدين على الابن تخصص معين في الجامعة أو دخول قسم معين في الثانوية قسم العلمي أو الأدبي... أو.... أو...... الخ
ظناً من الوالدين أن ذلك في مصلحة الطفل دون أن يعلموا أن لذلك الأسلوب خطر على صحة الطفل النفسية وعلى شخصيته مستقبلاً..
ونتيجة لذلك الأسلوب المتبع في التربية...
ينشأ الطفل ولديه ميل شديد للخضوع واتباع الآخرين لا يستطيع أن يبدع أو أن يفكر...
وعدم القدرة على إبداء الرأي والمناقشة...
كما يساعد اتباع هذا الأسلوب في تكوين شخصية قلقة خائفة دائما من السلطة تتسم بالخجل والحساسية الزائدة..
وتفقد الطفل الثقة بالنفس وعدم القدرة على اتخاذ القرارات وشعور دائم بالتقصير وعدم الانجاز..
وقد ينتج عن اتباع هذا الأسلوب طفل عدواني يخرب ويكسر اشياء الآخرين لأن الطفل في صغره لم يشبع حاجته للحرية والاستمتاع بها.
الحماية الزائدة:
يعني قيام أحد الوالدين أو كلاهما نيابة عن الطفل بالمسؤوليات التي يفترض أن يقوم بها الطفل وحده والتي يجب أن يقوم بها الطفل وحده حيث يحرص الوالدان او احدهما على حماية الطفل والتدخل في شؤونه فلا يتاح للطفل فرصة اتخاذ قرارة بنفسه وعدم إعطاءه حرية التصرف في كثير من أموره:
كحل الواجبات المدرسية عن الطفل أو الدفاع عنه عندما يعتدي عليه أحد الأطفال، وقد يرجع ذلك بسبب خوف الوالدين على الطفل لاسيما إذا كان الطفل الأول أو الوحيد أو إذا كان ولد وسط عديد من البنات أو العكس فيبالغان في تربيته..... الخ..
وهذا الأسلوب بلا شك يؤثر سلباً على نفسية الطفل وشخصيته فينمو الطفل بشخصية ضعيفة غير مستقلة يعتمد على الغير في أداء واجباته الشخصية وعدم القدرة على تحمل المسؤولية ورفضها إضافة إلى انخفاض مستوى الثقة بالنفس وتقبل الإحباط...
كذلك نجد هذا النوع من الأطفال الذي تربى على هذا الأسلوب لا يثق في قراراته التي يصدرها ويثق في قرارات الآخرين ويعتمد عليهم في كل شيء ويكون نسبة حساسيته للنقد مرتفعة عندما يكبر يطالب بأن تذهب معه أمه للمدرسة حتى مرحلة متقدمة من العمر يفترض أن يعتمد فيها الشخص على نفسه، وتحصل له مشاكل في عدم التكيف مستقبلاً بسبب أن هذا الفرد حرم من إشباع حاجته للاستقلال في طفولته ولذلك يظل معتمداً على الآخرين دائماً.
الإهمال:
يعني أن يترك الوالدين الطفل دون تشجيع على سلوك مرغوب فيه أو الاستجابة له وتركه دون محاسبته على قيامه بسلوك غير مرغوب وقد ينتهج الوالدين أو احدهما هذا الأسلوب بسبب الانشغال الدائم عن الأبناء وإهمالهم المستمر لهم.
فالأب يكون معظم وقته في العمل ويعود لينام ثم يخرج ولا يأتي إلا بعد أن ينام الأولاد والأم تنشغل بكثرة الزيارات والحفلات أو في الهاتف أو على الانترنت أو التلفزيون وتهمل أبناءها..
أو عندما تهمل الأم تلبية حاجات الطفل من طعام وشراب وملبس وغيرها من الصور..
والأبناء يفسرون ذلك على انه نوع من النبذ والكراهية والإهمال فتنعكس بآثارها سلباً على نموهم النفسي، ويصاحب ذلك أحيانا السخرية والتحقير للطفل فمثلاً عندما يقدم الطفل للأم عملا قد أنجزه وسعد به تجدها تحطمه وتنهره وتسخر من عمله ذلك وتطلب منه عدم إزعاجها بمثل تلك الأمور التافهة كذلك الحال عندما يحضر الطفل درجة مرتفعة ما في احد المواد الدراسية لا يكافأ ماديا ولا معنويا بينما إن حصل على درجة منخفضة تجده يوبخ ويسخر منه، وهذا بلا شك يحرم الطفل من حاجته إلى الإحساس بالنجاح ومع تكرار ذلك يفقد الطفل مكانته في الأسرة ويشعر تجاهها بالعدوانية وفقدان حبه لهم.
وعندما يكبر هذا الطفل يجد في الجماعة التي ينتمي إليها ما ينمي هذه الحاجة ويجد مكانته فيها ويجد العطاء والحب الذي حرم منه..
وهذا يفسر بلا شك هروب بعض الأبناء من المنزل إلى شلة الأصدقاء ليجدوا ما يشبع حاجاتهم المفقودة هناك في المنزل..
وتكون خطورة ذلك الأسلوب المتبع وهو الإهمال أكثر ضررا على الطفل في سني حياته الأولى بإهماله، وعدم إشباع حاجاته الفسيولوجية والنفسية لحاجة الطفل للآخرين وعجزه عن القيام باشباع تلك الحاجات
ومن نتائج إتباع هذا الأسلوب في التربية ظهور بعض الاضطرابات السلوكية لدى الطفل كالعدوان والعنف أو الاعتداء على الآخرين أو العناد أو السرقة أو إصابة الطفل بالتبلد الانفعالي وعدم الاكتراث بالأوامر والنواهي التي يصدرها الوالدين.
التدليل:
ويعني أن نشجع الطفل على تحقيق معظم رغباته كما يريد هو وعدم توجيهه وعدم كفه عن ممارسة بعض السلوكيات الغير مقبولة سواء دينيا أو خلقياً أو اجتماعياً والتساهل معه في ذلك..
عندما تصطحب الأم الطفل معها مثلا إلى منزل الجيران أو الأقارب ويخرب الطفل أشياء الآخرين ويكسرها لا توبخه أو تزجره بل تضحك له وتحميه من ضرر الآخرين، كذلك الحال عندما يشتم أو يتعارك مع احد الأطفال تحميه ولا توبخه على ذلك السلوك بل توافقه عليه وهكذا.......
وقد يتجه الوالدين أو احدهما إلى اتباع هذا الأسلوب مع الطفل إما لأنه طفلهما الوحيد أو لأنه ولد بين أكثر من بنت أو العكس أو لأن الأب قاسي فتشعر الأم تجاه الطفل بالعطف الزائد فتدلله وتحاول أن تعوضه عما فقده أو لأن الأم أو الأب تربيا بنفس الطريقة فيطبقان ذلك على ابنهما..
ولاشك أن لتلك المعاملة مع الطفل آثار على شخصيته..
ودائما خير الأمور الوسط لا إفراط ولا تفريط وكما يقولون الشيء إذا زاد عن حده انقلب إلى ضده فمن نتائج تلك المعاملة أن الطفل ينشأ لا يعتمد على نفسه غير قادر على تحمل المسؤولية بحاجة لمساندة الآخرين ومعونتهم
كما يتعود الطفل على أن يأخذ دائماً ولا يعطي وان على الآخرين أن يلبوا طلباته وإن لم يفعلوا ذلك يغضب ويعتقد أنهم أعداء له ويكون شديد الحساسية وكثير البكاء..
وعندما يكبر تحدث له مشاكل عدم التكيف مع البيئة الخارجية (المجتمع) فينشأ وهو يريد أن يلبي له الجميع مطالبه يثور ويغضب عندما ينتقد على سلوك ما ويعتقد الكمال في كل تصرفاته وانه منزه عن الخطأ وعندما يتزوج يحمل زوجته كافة المسؤوليات دون أدنى مشاركة منه ويكون مستهتراً نتيجة غمره بالحب دون توجيه.
إثارة الألم النفسي:
ويكون ذلك بإشعار الطفل بالذنب كلما أتى سلوكاً غير مرغوب فيه أو كلما عبر عن رغبة سيئة..
أيضا تحقير الطفل والتقليل من شأنه والبحث عن أخطاءه ونقد سلوكه، مما يفقد الطفل ثقته بنفسه فيكون متردداً عند القيام بأي عمل خوفاً من حرمانه من رضا الكبار وحبهم..
وعندما يكبر هذا الطفل فيكون شخصية انسحابية منطوية غير واثق من نفسه يوجه عدوانه لذاته وعدم الشعور بالأمان يتوقع الأنظار دائمة موجهة إليه فيخاف كثيراً لا يحب ذاته ويمتدح الآخرين ويفتخر بهم وبإنجازاتهم وقدراتهم أما هو فيحطم نفسه ويزدريها.
التذبذب في المعاملة:
ويعني عدم استقرار الأب أو الأم من حيث استخدام أساليب الثواب والعقاب فيعاقب الطفل على سلوك معين مره ويثاب على نفس السلوك مرة أخرى..
وذلك نلاحظه في حياتنا اليومية من تعامل بعض الآباء والأمهات مع أبناءهم مثلاً: عندما يسب الطفل أمه أو أباه نجد الوالدين يضحكان له ويبديان سرورهما، بينما لو كان الطفل يعمل ذلك العمل أمام الضيوف فيجد أنواع العقاب النفسي والبدني..
فيكون الطفل في حيرة من أمره لا يعرف هل هو على صح أم على خطأ فمرة يثيبانه على السلوك ومرة يعاقبانه على نفس السلوك..
وغالبا ما يترتب على اتباع ذلك الأسلوب شخصية متقلبة مزدوجة في التعامل مع الآخرين، وعندما يكبر هذا الطفل ويتزوج تكون معاملة زوجته متقلبة متذبذبة فنجده يعاملها برفق وحنان تارة وتارة يكون قاسي بدون أي مبرر لتلك التصرفات وقد يكون في أسرته في غاية البخل والتدقيق في حساباته ن ودائم التكشير أما مع أصدقائه فيكون شخص آخر كريم متسامح ضاحك مبتسم وهذا دائما نلحظه في بعض الناس (من برا الله الله ومن جوا يعلم الله)..
ويظهر أيضا اثر هذا التذبذب في سلوك أبناءه حيث يسمح لهم بأتيان سلوك معين في حين يعاقبهم مرة أخرى بما سمح لهم من تلك التصرفات والسلوكيات أيضا يفضل احد أبناءه على الآخر فيميل مع جنس البنات أو الأولاد وذلك حسب الجنس الذي أعطاه الحنان والحب في الطفولة وفي عمله ومع رئيسة ذو خلق حسن بينما يكون على من يرأسهم شديد وقاسي وكل ذلك بسبب ذلك التذبذب فادى به إلى شخصية مزدوجة في التعامل مع الآخرين.
التفرقة:
ويعني عدم المساواة بين الأبناء جميعاً والتفضيل بينهم بسبب الجنس أو ترتيب المولود أو السن أو غيرها نجد بعض الأسر تفضل الأبناء الذكور على الإناث أو تفضيل الأصغر على الأكبر أو تفضيل ابن من الأبناء بسبب أنه متفوق أو جميل أو ذكي وغيرها من الأساليب الخاطئة..
وهذا بلا شك يؤثر على نفسيات الأبناء الآخرين وعلى شخصياتهم فيشعرون الحقد والحسد تجاه هذا المفضل وينتج عنه شخصية أنانية يتعود الطفل أن يأخذ دون أن يعطي ويحب أن يستحوذ على كل شيء لنفسه حتى ولو على حساب الآخرين ويصبح لا يرى إلا ذاته فقط والآخرين لا يهمونه ينتج عنه شخصية تعرف مالها ولا تعرف ما عليها تعرف حقوقها ولا تعرف واجباتها.
http://saaid.net المصدر:
ـــــــــــــــــــ(101/81)
يابني: أريدك أن تدرس في الجامعة
طه بافضل 28/9/1426
31/10/2005
الأبناء ذخر للآباء في الدنيا والآخرة؛ فبهم تسعد الأسرة وتفتخر في المحافل والمجالس كلما علا اسم واحد منهم؛ لدرجة تحصّل عليها، أو مركز تبوّأه، أو شهادة تزيّنت بها جدران المنزل.
إنهم زينة حياة الوالدين ورونقها، وتزداد هذه الحياة بهاءً وسناءً عندما يشكر الناس صنيعهم، ويكيلون لهم آيات المديح والثناء.
والدراسة الجامعية مجال رحب لإسعاد الكثيرين من الآباء بأبنائهم، فما إن ينتهي الولد من المرحلة الثانوية حتى يبادر الأب ابنه بطلبه المهم: "يابني أريدك أن تدرس في الجامعة"، وربما حدد له التخصص الذي سيدرسه كالطب مثلاً، أو الدراسة الشرعية، أو الهندسة، أو البترول، أو الحاسوب، ونحوها من التخصصات، وصرف له الأموال الكثيرة للمواصلات والرسوم ومتطلبات الدراسة في هذا التخصص أو ذاك، كل ذلك حتى يظفر ابنه بشهادة جامعية يتزيّن بها هذا الأب في المجالس. فهذا يقول: إن ابنه يدرس في كلية الطب، وآخر يؤكد أن ابنه قاب قوسين أو أدنى من التخرج، وآخر يزهو بتخرّج ابنه، وتجد أنه عند الكثير في المرتبة الأولى ليس بالضرورة أن يحصل ابنه على الوظيفة، المهم أنه حصل على الشهادة الجامعية؛ فهي مصدر الإعزاز والظهور، وهي سلّم للحصول على الوظيفة في المرتبة الثانية، وهو المطلوب والمأمول في آخر المطاف.
تطلعات نفسية
لقد طغت الجوانب النفسية والأوضاع المعيشية على تفكير الآباء عند دفعهم أبناءهم للحصول على الشهادة الجامعية.
أما الجانب النفسي: فحب الآباء للمديح والثناء أمر قد لا يُلام عليه؛ ففي الصحيحين عن عبدِ اللّهِ بنِ عُمَرَ رضي الله عنهُ أَنَّ رسولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم قالَ: «إنَّ منَ الشَّجَرِ شَجَرَةً لا يَسْقُطُ وَرَقُها وهيَ مَثَلُ المُسْلِم، حَدِّثوني ما هيَ؟ فوقَعَ الناسُ في شَجَرِ البادِيةِ، ووقعَ في نَفْسي أنها النَّخْلةُ، قال عبدُ اللّهِ: فاسْتَحْيَيْتُ. فقالوا: يا رسولَ اللّهِ، أخبِرْنا بها. فقال رسولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم هيَ النَّخلةُ». قال عبدُ اللّهِ: فحدَّثتُ أبي بما وقعَ في نَفْسي، فقالَ: لأنْ تَكونَ قُلتَها أحبُّ إليَّ مِنْ أنْ يكونَ لي كذا وكذا. قال ابن حجر رحمة الله عليه: "ووجه تمني عمر -رضي الله عنه- ما طُبع الإنسان عليه من محبة الخير لنفسه ولولده، ولتظهر فضيلة الولد في الفهم من صغره، وليزداد من النبي -صلى الله عليه وسلم- حظوة، ولعله كان يرجو أن يدعو له إذ ذاك بالزيادة في الفهم" إلا أن الذي يُلام عليه في هذا المقام أن يكون حب الثناء والسمو ليس لذات الله، وإنما لأجل البروز والظهور بين الناس والتقدم عليهم أو منافستهم؛ فهو أمر دنيويّ محض ليس لله فيه شيء، وهذا خلاف تمني عمر -رضي الله عنه- المذكور فقد قال ابن حجر -رحمه الله- :"واستدل به مالك على أن الخواطر التي تقع في القلب من محبة الثناء على أعمال الخير لا يقدح فيها إذا كان أصلها لله.. وفيه الإشارة إلى حقارة الدنيا في عين عمر؛ لأنه قابل فهم ابنه لمسألة واحدة بحمر النعم مع عظم مقدارها وغلاء ثمنها". فكان ينبغي أن يكون فرح الآباء بأبنائهم في حصولهم على الشهادات العليا هو: مدى الفهم الذي نالوه، والمعرفة التي اكتسبوها، والعلم الذي حصّلوه، إذ (...هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ...)[الزمر: من الآية9]. ومتى ما عرف الناس قدر العلم وأهله بعيداً عن الحظوظ الدنيوية المحضة فهذه بشارة خير في الأمة وعلامة إصلاح وتغيير قادم.
للجانب الاقتصادي دور
أما الجانب المعيشي: فكلما دققنا النظر في تلك الجموع الغفيرة من الطلاب في سيرهم على الطرقات أو ركوبهم الحافلات والسيارات مولّين وجوههم شطر الجامعات؛ نتساءل حينها: ما الذي دفع هؤلاء إلى هذا المسعى؟
يتبادر لذهن الكثير من العارفين بواقع الشعوب الإسلامية الفقيرة، أن سعي هؤلاء كان لأجل شهادة تكون تذكرة دخول إلى ميدان العمل، وأحلام استلام الراتب الشهري، وما يتبعه من آمال وطموحات كلها تنصب في السبيل الجازم للتغلب على كابوس الفقر الجاثم؛ فالأعباء قد كثرت، والأسعار غلت وارتفعت، والحياة تعقّدت وتشابكت، والإيمان ضعف وهزل، وقواعده في القلب قد اهتزت.
ماذا عسى أن يفعل ذلك الأب المثقل بالديون والهموم والغموم؟ سوى أن يضحي بما لديه حتى يتعلم ابنه في الجامعة ليتخرج ويتوظف معلماً أو مهندساً أو طبيباً؛ هذا إذا جاءت الوظيفة على وجه السرعة!! وإلا فإن الغالب أن يمكث هذا المتخرج زمناً يصل فيه إلى درجة من الإحباط واليأس -حتى ولو كان من أوائل الطلاب- إذا لم يكن لديه ركن يستند إليه، أو شفاعة تنجيه من مرارة الانتظار.
ماذا عسى هذا الطالب المتخرج من الثانوية أن يفعل؟ هل يذهب للعمل الشاق الذي يحتاج إلى إرادة وهمة وصبر وشيء من التحمل وقناعة بالمكسب اليسير؟ أم يقعد في البطالة وضياع الأوقات في غير فائدة؟ وهو في الوقت ذاته يحمل في رأسه الأحلام الوردية الجميلة؛ إذ يعد العدة لزواج سعيد، ومسكن حميد، و ذرية له فيها ـ بإذن الله ـ تاريخ مجيد. وأقل ما في الأمر أن يكون كغيره من الشباب الذين تحصّلوا على شهادة جامعية، ودخلوا ميدان العمل فحسب.
تساؤلات .. ومقارنات
ويبقى السؤال وهو بيت القصيد: أين همُّ نهضة الأمة وشريعتها السمحة في قلوب الآباء والأبناء وهم يدفعون بأبنائهم إلى الجامعات أو يسمحون لهم بذلك؟
هل كان الآباء والأبناء على حد سواء يعتصر في قلوبهم ألم تأخر أمتهم وركونها في ذيل قائمة الدول؛ فيتنادوا جميعاً لهذا المصاب الجلل حتى يأخذوا بيدها نحو الرقي والسمو؟
هل فعلوا مثل سلف الأمة الذين كانوا يأخذون بيد أبنائهم ليتعلموا العلم الشرعي والدنيوي؟ ليس للمنصب والجاه والسمعة أو الدينار والدرهم، وإنما حباً في العلم ورغبة في خدمة الإسلام والمسلمين. والقصص في هذا كثيرة فلتراجع في مظانها.
أو فعلوا مثل فعل الأوربيين، فسارت ركبانهم إلى دولة الإسلام؛ ليأخذوا من علومها وحضارتها، وهذا أمر لا يخفى على الكثيرين.
هل فعلوا مثل فعل اليابانيين عندما كان هدفهم نهضة أمتهم؛ فبعثوا البعوث إلى أوروبا لينهلوا من نهضتها الاقتصادية فيرفعوا راية وطنهم عالية خفّاقة، حتى نالوا ما نووه وأمَّلُوه؟
تخبّط في سياسات المنح الدراسية
إنك تجد -للأسف الشديد- في بلدان تعيش الفقر والتخلف أن البعثات والمنح الدراسية التي تُعطى للطلاب المتفوقين تكون كالمغنم الذي نزل من السماء، فلا يهم كم يمكث هذا الطالب في دراسته؟ المهم أنه يستلم في آخر الشهر مبلغاً يفوق أحياناً متطلباته؛ فيدَّخِر منه أو يرسل لأسرته المحتاجة، ويستلذ بهذا الحال فإذا به يخلف عليه مواد دراسية من مقرره حتى يمكث سنة أخرى. وأعرف طلاباً حصلوا على منح دراسية لتخصصٍ مقررُه أربع سنوات فإذا هم يبقون سبع سنوات ولم يتخرجوا بعد!!
أو تجد طلاباً أذكياء أرسلتهم بلدانهم للدراسة في تخصصات علمية هامة، وعند التخرج تفتح لهم البلدان الغربية التي درسوا فيها الباب على مصراعيه؛ حيث الراتب المغري، والمسكن الهانئ، والعيش الرغيد!! أحلام يراها واقعاً ملموساً بين ناظريه، هيهات ثم هيهات أن يرى نصفها في بلاده!!
مراجعات .. وتصحيح
إنه حريّ بولاة أمور المسلمين حكاماً وعلماء أن يقوموا بمراجعات حقيقية لهذه المسألة المهمة، وهي تصحيح النوايا، وتوجيهها نحو أهداف عظمى ومبادئ سامية أوجزها على النحو الآتي:
أولها: تحقيق العبودية لله -عز وجل- فالله أمرنا بالزيادة من العلم النافع والعمل الصالح وفي هذا تحقيق لهذا الهدف.
وثانياً: النهوض بواقع الأمة المزري، والأخذ بيدها من مستنقعات الجهالة والتخلف حتى تكون عزيزة ممكنة. ولن يتأتى ذلك إلا من خلال:
1. وضع الإستراتيجيات العلمية والاقتصادية المستندة إلى الأسس الصحيحة والقواعد الثابتة، باعثها الإخلاص والتجرد وصدق التوجه.
2. فتح المجالات أمام أصحاب العقول النيرة من الأذكياء والنابغين، وتيسير السبل لهم، وتوفير كافة الإمكانات، وإتاحة الوسائل لإبراز طاقاتهم ومواهبهم.
3. تسخير ثروات الأمة وكنوزها لنهضة الأمة، وليس لنهضة طائفة أو جماعة أو حزب أو قبيلة، وتبقى الغالبية تئن تحت مضارب الفقر والجوع والبطالة.
4. توقير العلم والعلماء، والإشادة بهم وإعانتهم فيما يقومون به من مهام عظيمة، أهمها إصلاح العقول وتهذيب الأفكار، وتوجيهها نحو مصلحة الوطن الإسلامي المستمد قوته من وحدانية الله عز وجل.
وثالثاً: غرس القناعة في النفوس والتحذير من الركون إلى متع الدنيا الزائلة والانغماس فيها، و التذكير الدائم بما عند الله ـ تبارك وتعالى ـ من النعيم الخالد، وهذا لن يحصل إلا إذا قام العلماء بدورهم من خلال:
1. تعميق صلة الأمة بخالقها والتذكير المتواصل بنعمه الظاهرة والباطنة، وأن له الأسماء الحسنى والصفات العلا، والتي من تدبرها عرف ربه حق المعرفة، فنال منه عظيم المنزلة.
2. التأكيد على قيام بنيان القيم في النفوس وتمكين الأخلاق في السلوك، والتبصير بأن حياة الإنسان في تخلقه وتأدبه، وليس بما يملكه من متاع وأموال.
3. الترغيب فيما عند الله من النعيم المقيم، وأن الدنيا زائلة فانية لا تستأهل من الإنسان أن يعظم قدرها فوق ما تستحق، وإنما هي جسر عبور إلى الدار الآخرة. هنالك يعمرها بالخير والنفع للناس، ويسعى لتحقيق مفهوم الاستخلاف الذي أمر به الله سبحانه وتعالى.
إن مثل هذه الأهداف العظيمة والمبادئ السامية متى ما تُرجمت واقعاً ملموساً في الحياة فإن حال أمتنا سيكون على خير ما يرام، وتصل الأمة الإسلامية إلى ما تصبو إليه من النهوض والعزة والمكانة الرفيعة.
أمتنا اليوم بكل شرائحها تحتاج إلى إعادة ترتيب لأفكارها ومقاصدها؛ إذ إن التفكير الأحادي للأمور يفضي بالمرء إلى الأنانية المفرطة، والسعي نحو المصالح الذاتية على حساب المصالح العامة للأمة، مما يحدث انفصاماً كبيراً بين واقع حياة الناس وواقع تطور ونهضة الأمة، بل تأخر وتعثر سيرها، وهذا أمر لازم لا مفر منه، والله وحده المستعان
الشباب والثقافة والانتماء الفكري
مما يميز إنسانية الإنسان أنه كائن عاقل مفكر يُنمّي فكره ومعارفه عن طريق التفكير والتجارب والتعلم من الآخرين، وإن من الغرائز الأساسية التي يشترك فيها الإنسان والحيوان هي غيرة التجمع، أو غريزة القطيع.
فالحيوان والطير والأسماك تتجمع في شكل جماعات ومجموعات في المراعي والسير والاستراحة والهجرة والبحث عن الطعام والشراب وقد عبر المثل العربي عن ذلك بقوله: (الطيور على أشكالها تقع) فنجد قطيع الغزلان، وتجمعات العصافير والحمام والغربان والأسماك المتماثلة، كما يتجمع الناس في المجالس والنوادي ومواقع الاجتماعات المتعددة.
ومن الواضح أن الطفل ينشأ في بيئة محددة الثقافة، والحضارة، والانتماء الفكري والثقافي، فتساهم تلك البيئة النفسية والثقافية في تكوين شخصيته، ونمط حياته، فمنها يكتسب، وبها يتأثر.
والقرآن الكريم يرفض طريقة التبعية غير الواعية، ويهاجمها بشدة ويطالب بالوعي والتأمل، وتوظف العقل في محاكمات القضايا وتمحيصها، واختيار الطريق الأسلم، وتحديد الانتماء الفكري والسياسي الانتخابي على وعي وبصيرة. قال - تعالى -: (قل هذه سبيلي أدعو إلى الله على بصير أنا ومَن ابتعني وسبحان الله وما أنا من المشركين) يوسف/ 108.
ولقد استنكر القرآن طريقة الإنتماء البيئي غير الواعي أو تقليد الآباء والأجداد من غير فهم ولا تمحيص ولا تمييز بين الخطأ والصواب في العديد من آياته، منها قوله - تعالى -: (وإذا قيل لهم تعالوا إلى ما أنزل الله وإلى الرسول قالوا حسبنا ما وجدنا عليه آباءنا أوَلو كان آباؤهم لا يعلمون شيئاً ولا يهتدون) المائدة/ 104.
ويحدثنا القرآن الكريم عن معاناة الأنبياء والرسل من تبعية الإنتماء البيئي والتحجر الفكري، والوقوف على الموروث الثقافي المتردي لدى شعوبهم وأممهم، لذلك وجدناهُ يشخص تلك الظاهرة المعيقة في طريقة التفكير والإنتماء الفكري والسياسي، ويحذر منها، كما في قوله - تعالى -:
(وكذلك ما أرسلنا من قبلك في قرية من نذير إلا قال مترفوها إنا وجدنا آباءنا على أمة وإنا على أثارهم مقتدون) الزخرف/ 23.
وحذر الرسول - صلى الله عليه وسلم - من تبعية الإمّعة الذي لا يحدد موقفه وانتماءه عن فهم ووعي وقناعة علمية سليمة، بل يعيش مقلداً تابعاً للآخرين، أو لظروف البيئة التي ولد فيها. فلا يكلف نفسه بمناقشة أو تمحيص ما وجد نفسه جزءاً منه، من فكر وعقيدة وسلوك وأعراف، ليتمسك بالصواب، ويرفض ما أخطأ السابقون بحمله، لتتم الغربلة والتنقيح عبر مسيرة الأجيال، وليتم التخلص من تراكمات الرواسب والأخطاء والممارسات غير السوية.
إنا نجد تحذير الرسول - صلى الله عليه وسلم - دقيقاً من خلال قوله - صلى الله عليه وسلم -: ((لا تكونوا إمعة تقولون إن أحسن الناس أحسنا، وإن ظلموا ظلمنا، ولكن وطنوا أنفسكم إن أحسن الناس أن تحسنوا، وإن أساؤوا فلا تظلموا)).
إن من القضايا المتأصلة في أعماق الإنسان هي طبيعته الاجتماعية ـ كما أوضحنا ـ وانتماؤه الشعوري واللاشعوري إلى الجماعة، كالإنتماء إلى عنوان الأسرة والعشيرة، وإلى المدينة والإقليم والقومية والوطنية، وإلى الأمة والجماعة على أساس الدين والمذهب، وإلى الجمعية والمنظمة والحزب والطبقة المهنية والاجتماعية والنادي، بل والفريق الرياضي وغيرها من أُطر الانتماء أو التجمع والانحياز، وربما التعصب إليها.
وحالات الانتماء الجماعي، والتكتل ضمن إطار تجمع معين، كلها تنطلق من غريزة حب الاجتماع، أو ما يسميها علماء النفس بغريزة (القطيع) وشعور الفرد بجزئيته من تلك الجماعة والحاجة إليها، فيرى في الجماعة تعبيراً عن (الأنا) الجماعية عن الآخرين.
وتقوم اللغة بدور المعبر عن الحالة تلك. كما يشعر بالقوة والتخلص من الشعور بالضعف والوحدة من خلال الانتماء إلى الجماعة.
ومن الطبيعي أن الجيل الجديد يشهد تحولات اجتماعية، وأوضاعاً فكرية وسياسية جديدة، فالحياة حركة وتحول متواصل، ويختلف حجم وعمق تلك التحولات حسب ظروف المجتمع وأوضاعه، فجيل الشباب الذي عاصر الدعوة الإسلامية ومرحلة النبوة، مثلاً، كان قد واجه تحولاً فكرياً وحضارياً عظيماً في السعة والعمق والشمول.
فكان هو جيل الرسالة، وكان أنصار الإسلام هم من جيل الشباب والناشئين، في حين وقف الجيل القديم متعجرفاً عصياً على التفاعلات والتحولات الفكرية والاجتماعية الجديدة التي حملتها الرسالة الإسلامية.
وهكذا تشهد الإحصاءات أن جيل الشباب في عصرنا الحاضر هم حملة الإسلام، لا سيما في الجامعات والمعاهد والمدارس، ذكوراً وإناثاً.
فالشباب في البلدان الإسلامية مثلاً يمثلون طليعة التغيير والطموح، ويشغل اهتمامهم أوضاع المستقبل، ويتركز لديهم النزوع للتغيير، والثورة على الواقع غير المرضي، فهم في هذه المرحلة أكثر شعوراً بالتحديات، وإحساساً بالقوة التي تدفعهم لرد التحدي الدكتاتوري والظلم الاجتماعي.
للجمعيات والمنظمات والنوادي أثر بالغ في تربية الشباب، وتوجيه التفكير وتكوين نمط الشخصية في هذه المرحلة، لا سيما تلك التي تملك برامج ونظريات وثقافة مخصوصة تتبناها لتثقيف عناصرها.
وجيل الشباب المسلم، كما هو مهيأ لتقبل الفكر الإسلامي، والانتماء إليه بقوة وحيوية وإخلاص متناه، فإنه عرضة للانتماء إلى التيارات الفكرية والسياسية المنحرفة، وقد استحوذ الفكر الماركسي والغربي الرأسمالي على مساحة واسعة من جيل الشباب.
وتشهد المرحلة الحاضرة تحولات هائلة في عالمنا الإسلامي، تحولات الصراع الفكري والسياسي والاجتماعي في وقت يشهد فيه العالم تحولاً تقنياً وعلمياً هائلاً.
فالحضارة الماركسية انهار ودرست معالمها بعد أن استطاع في مرحلة بريقها بعد الحرب العالمية الثانية أن تجتذب تياراً واسعاً من جيل الشباب استهلك في الصراع، كما استهلك الذي تلاه حتى توارت الماركسية في متاحف التأريخ.
وكانت الحضارة الغربية قد غزت العالم الإسلامي بشكل تيار كاسح بعد الحرب العالمية الأولى، فوجدت فراغاً فكرياً هائلاً لدى جيل الشباب، فانبهر بها ذلك الجيل للفراغ، ولما صاحبها من تقدم علمي وتقني، وإعداد عسكري هائل، ولما يعيش فيه المسلمون من قلق ثقافي واقتصادي وعلمي على كل المستويات.
وكانت المشكلة الكبرى في هذا الإنتماء غير الواعي أنه كان منطلقاً من فهم خاطئ، منطلقاً من أن الإسلام هو سبب تأخر المسلمين، وأن التقدم العلمي والتقني والتطور يتطلب استبدال الإسلام كمنهج ونظام حياة بالحضارة الغربية.
وهكذا نجحت موجة الغزو الفكري لجيل الشباب المسلم، وكسبت مساحات واسعة من أبناء المسلمين، فانضموا إلى تلك التيارات، وآمنوا بها، ظناً منهم أنها الطريق إلى حل مشاكل التخلف العلمي والاقتصادي والاجتماعي، وتحقيق الحرية، والقضاء على الأنظمة الإرهابية التي كانت تحكم العالم الإسلامي، بتوظيف من قادة الحضارة الأوربية التي أوهم دعاتها المسلمين بأنها طريق الخلاص.
وكانت المدارس والجامعات والأحزاب السياسية العلمانية والأجهزة الإعلامية من سينما وتلفزيون وصحافة وكتب القصص والمسرحيات والشعر والأدب، وغيرها من وسائل النشر، هي الوسائل والأدوات لاحتواء جيل الشباب، واجتذابه إلى الحضارة الغربية المادية التي استخدمت الجنس والإثارة الجنسية، والتستر بالدعوة إلى الحرية، وحقوق المرأة تارة، والتقدم العلمي والتطور الثقافي تارة أخرى، مستغلين الظروف السيئة التي يعاني منها المسلمون، وفي طليعتهم جيل الشباب.
لم يع جيل الشباب ما انطوى عليه الموقف من خطط سرية، وأهداف عدوانية للقضاء على الإسلام، والإبقاء على تخلفا لمسلمين وغزوهم فكرياً وحضارياً، غير أن عوامل الوعي، ونشاط العاملين للإسلام، وانكشاف زيف الحضارة الغربية لأجيال المسلمين، أوجد حالة واسعة وعميقة من مراجعة الذات، والتأمل في الاندفاع نحو الفكر الغربي.
فقد اكتشفت جيل الشباب أن سبب مأساة الإنسانية، هو الحضارة المادية، والنظام الرأسمالي الإمبريالي، وأن الإنسان ضحية هذه الحضارة. فهي التي تمارس الإرهاب وقتل الشعوب ونهب خيراتها، واسناد الدكتاتورية.
إن كل ذلك أوجد تياراً واسعاً وعميقاً في جيل الشباب، عمق وصحح مفهوم الإنتماء إلى الإسلام، وخلق روح التحدي والمواجهة والثورة على الفكر الغربي.
وتمثل الوعي في تشخيص أسباب التخلف والإنتماء الفكري والسياسي الكامل للإسلام.
وتشكل الثقافة ركناً أساسياً من أركان شخصية الإنسان، وهي إحدى معالم هويته الشخصية، والعناصر المميزة له عن غيره. فنوع الثقافة وحجمها يطبع الشخصية بطابع معين. والثقافة هي غير العلوم المادية التجريبية والمهارات التي يكتسبها الفرد، وإن كانت تنمي ثقافته، وبشكل تقريبي، نستطيع القول أن العلوم الإنسانية والأفكار والنظريات والآراء التي تتعلق ببناء شخصيته، من حيث نظرة الإنسان إلى الوجود والحياة وخطر تفكيره وسلوكه، هي التي نطلق عليها الثقافة، كالثقافة السياسية والأدبية والتأريخية والعيدية والفلسفية والاجتماعية وأمثالها. ويتأثر بناء المجتمع والدولة والحضارة بلون الثقافة والفكر السائد في المجتمع. فرؤية الفرد وفهمه للحرية ولحقوق الإنسان، وللإيمان بالله، ولمسؤوليته تجاه نفسه ومجتمعه ولفهمه للحياة السياسية وأمثالها، هي إحدى المفردات الفكرية والثقافية التي ينبغي أن تكوّن حولها أفكار وآراء ثقافية وحضارية.
والمصادر الأساسية للثقافة الإنسانية هي الرسالة الإلهية، والفلاسفة والكتاب والمفكرون والأدباء والفنانون والمؤسسات الثقافية والإعلامية.
وفي المجتمع الواحد تتصارع عدة أفكار ونظريات وثقافات، يصل التناقض بينها أحياناً إلى حد الإلغاء. وكثيراً ما تجري التحولات الفكرية والثقافية في المجتمع بشكل حادّ ومتسارع، في حياة جيل أو جيلين، وفي كل الأحوال يكون جيل الشباب، هو الجيل الذي يعيش في دائرة الصراع، ويواجه الأزمات الفكرية، ويشهد التحولات الثقافية والحضارية.
ولابد للشاب من أن تكون لديه شخصية ثقافية وهوية حضارية واضحة المعالم. وهوية الشاب المسلم الثقافية هي الهوية الإسلامية، ولا يعني ذلك أن كل حصيلته الثقافية هي مجموعة من المعلومات الدينية التي تتعلق بالعقيدة أو السيرة أو الأحكام الفقهية، وإن كان الاهتمام بتلك المعارف مسألة أساسية في ثقافة الشاب المسلم. إنما نعني بالثقافة الإسلامية، هي وعي الحياة والمعرفة والسلوك والكون والطبيعة من خلال المنهج الإسلامي.
فالمثقف المسلم يتعامل مع مفهوم الحرية ومع السياسة والدولة، والجنس، والعلاقة مع الله والرسالة والمال والثروة والذات والفكر..الخ من خلال الفهم والمنهج الإسلامي.وذلك يقتضي تكوين قاعدة فكرية، ورؤية إسلامية ينطلق منها، ويؤسس عليها.
فالشاب المسلم إذن بحاجة إلى فهم العقيدة الإسلامية وأصول الأحكام الشرعية، والسيرة النبوية، والتفقه في الدين، ومعرفة القرآن والسنة المطهرة، وأن يبدأ بتكوين ثقافته من خلال الكتّاب والمفكرين الإسلاميين، الذين يتمتعون بالأصالة والعمق في الفكر، والمنهج العصري في البحث والأسلوب، ليمتلك الأسس والقواعد الإسلامية في فهم القضايا، ويكون قادراً على التمييز بين ما هو إسلامي، وما هو غير إسلامي.
وكم كان الشاب ضحية الأزمات والصراعات الفكرية التي يعج بها المجتمع البشري، لا سيما في عصرنا الحاضر، عصر نقل المعلومات بواسطة الانترنيت، والتلفزيون العالمي، والإذاعة، والصحافة، والسينما، والكتاب، فلم يعد هناك حاجز يحجز بين الثقافات، لذا فإن التفاعل بين الثقافات مسألة يفرضها الأمر الواقع، وينبغي أن نميز بين الاستفادة من ثقافات الأمم، وفق المنهج الإسلامي الملتزم، وبين الذوبان وفقدان الهوية الثقافية، فيلجأ الفرد المسلم إلى التقليد الأعمى، والانبهار بما يطرح عليه من الثقافات الأجنبية، لا سيما الثقافة الغربية.
وثمة مسألة حيوية، وهي مسؤولية الكُتّاب والمفكرين الإسلاميين في عرض الثقافة الإسلامية عرضاً حياً متطوراً ضمن منهج الالتزام الفكري. فإن التحجر، وفرض صيغ متخلفة على الفكر الإسلامي تسيء إلى الإسلام، وتبعد جيل الشباب عن الفكر الإسلامي.(101/82)
إن ما ينبغي العمل عليه، هو تناول مشكلات الإنسان الفكرية المعاصرة، كمشكلة الحرية والسلطة وحقوق الإنسان والجنس والسلوك والإيمان وعلاقة العلم بالحياة، وغيرها من المفردات وبحثها بحثاً علمياً، كما أراد المنهج القرآني ذلك، وبروح العصر ولغته.
كما ينبغي تقديم رؤية نقدية للأفكار والنظريات المعادية للإسلام، وحل الإشكالات التي يثيرها خصوم الفكر الإسلامي بروح علمية، ليتسلح الشباب المسلم بالوعي الثقافي، فيمتلكوا الأسس والقواعد الثقافية الإسلامية، ويكونوا على درجة كافية من فهم نقاط الضعف في الفكر الآخر، كما يكونون قادرين على رد الإشكالات والطعون الموجهة للفكر الإسلامي.
وفي كل الأحوال فإن تكوين الثقافة الذاتية، هي من مسؤولية الشاب المسلم، وعليه أن يخصص وقتاً من يومه، لتحصيل الثقافة والفكر الإسلاميين، ويتابع البرامج الثقافية الإسلامية التي تنشر في الصحف والمجلات والكتب والإذاعات وتتحمل المؤسسات الإسلامية المسؤولية الكبرى في تثقيف الشباب، فهي المعنية بإعداد الدورات والمحاضرات والمؤتمرات الثقافية الإسلامية وإصدار النشرات والدوريات وسلاسل الكتب المتخصصة بالفكر الإسلامي، ومتابعة التطورات الفكرية والأزمات الثقافية.
http://www.balagh.com المصدر:
أطفال فلسطين...أزهار تذبل خلف القضبان
بشار دراغمة وخلف خلف 23/9/1426
26/10/2005
في الوقت الذي ينام فيه أطفال العالم صُنّاع الحياة..أمل المستقبل في أحضان أمهاتهم يحلمون بغد جميل ومزهر، يُحرم الأطفال الفلسطينيون من أدنى مقومات الحياة، ويختطف الاحتلال منهم أبسط حقوقهم، زاجاً بهم خلف قضبان السجون في غرف مظلمة لا تدخلها أشعة الشمس.
إسرائيل -ومنذ أولى سنوات انتفاضة الأقصى المباركة- استهدفت أزهار فلسطين، وما زال منظر قتل الطفل "محمد الدرة" بدم بارد عالقاً في أذهان العالم بأكمله.
اعتقلت السلطات الصهيونية منذ بداية الانتفاضة ما يزيد عن (3000) طفل فلسطيني كوسيلة ضغط على المقاتلين الفلسطينيين، وبعد أن أخفقت في ثني المقاومة، تعمل حالياً على إبقاء المئات منهم داخل أسوار السجون كورقة ضغط سياسية في المفاوضات النهائية، تاركة عائلاتهم وأمهاتهم يذوقون الألم والمرارة.
صهيل الذكرى
خارج السجن حيث مسقط الرأس لهؤلاء الأزهار، وحيث الحنان والأشواق القادمة على نسيم طال وصوله، ذهبنا إلى بيوت بعض أهلهم لنسمع صهيل ذكرى، تخبرنا عن حياتهم، عن اعتقالهم، والتقينا مع الطفلة نور كايد (15) عاماً، شقيقة الأسير الطفل معتز كايد (16) عاماً، والذي اعتقلته القوات الإسرائيلية في حملة مداهمات لبلدة ديرستيا في الضفة الغربية دون إيضاح الأسباب.
سألناها عن شقيقها معتز، فوصفت لنا هجوم الجنود الإسرائيليين على منزلهم ليلاً، مشيرة إلى أن شقيقها كان نائماً في تلك الليلة في بيت جدها، وقالت: وحين لم يعثروا على شقيقي أنزلونا من البيت، وأخرجونا للشارع، ثم سألوني عن أخي معتز.
وتابعت: كانوا كالوحوش التي خرجت لأول مرة من مغاورها، وأضافت: قاموا بمداهمة بيت جدي القريب من بيتنا وسط إطلاق النار، وشعرت بالخوف الشديد على أخي عندما أطلقوا الرصاص، وبقيت أسأل أمي: لماذا اعتقلوه، فلم تجبني، فأحسست بالحزن الشديد لغياب أخي عنا.
وتستشعر نور بحزن قائلة: الفراق والحزن الشديد والغضب على هؤلاء الهولاكيين ترك عندي فراغاً لا يقاوم، أمي لا تستطيع تناول طعام "الإفطار" في رمضان بسبب اعتقال أخي، وأنا تراجعت علاماتي المدرسية ودائم التفكير فيه!!
منع..الزيارة
في مخيم العين، غرب مدينة نابلس، مشينا، وفي هذا المكان الذي بدت على جدرانه تفاصيل حياة طالت السماء شموخاً بصمودها، بين تلك الأزقة الضيقة على المارة، على الحياة، على اللقاء كانت زيارتنا إلى بيت الطفل الأسير يوسف فؤاد أبو خليفة، (17) عاماً، كُتب على باب منزله "سنظل صامدين" دخلنا البيت إلى غرفه القليلة الضيقة، تحدثت إلينا والدته التي أخذ الزمن من تضاريس وجهها، واحتله الألم ومرارة الفقدان، تكلمت بقدر لوعة البعد عن ابنها، قائلة: اعتقلوه من البيت لمجرد اعتراف من غيره بتهمة لا أساس لها من الصحة، منذ أكثر من عامين لم أره، لا أدري ماذا حل به؛ فسجون "تلموند وهدريم" لا يُسمح لنا بالتكلم معه فيها حتى عبر الهاتف، كما أن الزيارة من مدينة نابلس ممنوعة، وقد غيّرت عنوان هويتي إلى طولكرم حتى أستطيع زيارته.
ومن الجدير ذكره إلى أن أهالي مدينة نابلس سواء كانوا رجالاً أم نساء لا يُسمح لهم بزيارة أحد من أقاربهم في السجون الإسرائيلية، مهما كانت ظروف حياتهم، وكأن مدينة نابلس وأهلها أو حتى أهالي الأسرى يشكلون زلزالاً جديداً لا يمكن الاقتراب منه.
وتتابع أم يوسف: حكموه ثلاث سنوات، ولا توجد أي مساعدات إلا الصليب الأحمر، فاضطررت إلى الاستعانة بمحامي إسرائيلي، وتسلم ملف ابني يوسف، وهذا يكلفني مبلغاً كبيراً، بالإضافة إلى غرامة كبيرة.
دموع ممزوجة بالألم
وفي جولتنا الطويلة، وما زلنا نسبح في بحر آلام الأمهات اللواتي يندبن حظوظهن لفقدان فلذات الأكباد. التقينا والدة الأسير الطفل، فريد عبد المجيد، (14عاماً) من محافظة سلفيت، تم اعتقاله بتاريخ 30/7/2005 دون تحديد تهمة واضحة، تحدّثت إلينا الوالدة وهي تجلس على فراش الحلم الذي ضاع بين وجنات الزمن، دخلوا إلى البيت، كأنهم مجموعة ذئاب جائعة تبحث عن فريستها، لم يسيئوا معاملته فقط، بل وأساؤوا معاملة باقي أفراد الأسرة، ولم يسمحوا لنا حتى بوداعه.
وعبّرت والدة فريد عن خوفها الشديد عليه، قائلة: لا أنام الليل أفكّر به ليلاً نهاراً، مشيرة أن إخوته حين جلسوا على طعام "الفطور" في أول أيام رمضان، نزلت الدمعة من عيونهم، ولم يستطيعوا تناول الطعام، إلا بعد ساعات من رفع الأذان.
تهديد ..استفزاز
أما الأسيرة الزهرة يسرى محمود عبده (17) عاماً، والتي اعتقلت بتاريخ 13/9/2004 فتروي ظروف اعتقالها لمحامية إحدى مؤسسات حقوق الإنسان، والتي زارتها في المعتقل "أثناء توجهنا لمعسكر حوارة، تعرضت لاستفزاز أحد جنود الناقلة بوضع رأسه عليّ لينام فدفعته، وبعد إجراء الفحص الطبي لي وضعوني في غرفة غير صحية دون حمام ومليئة بالحشرات، ولا يتوفر فيها غير كرسي واحد، وتتابع "عبده" لقد منعوني من الذهاب للحمام وحرموني من الطعام لمدة يومين، واضطررت للنوم على الكرسي، وكانت معاملة المجندات المناوبات سيئة للغاية، فقد كن يشتمنني باستمرار ويقمن بتهديدي بالقتل، وفي اليوم الثالث نقلوني على متن دورية "البوسطة" وجابوا بي الشوارع من ساعات الصباح إلى ساعات المغرب، ثم نقلوني لسجن الرملة، وعند وصولنا لسجن الرملة قام عدد من المجندات بتفتيشي مع مجموعة من المعتقلات تفتيشا عارياً.
وعن ظروف الزنازين تصف يسرى عبده الوضع "بالسيئ للغاية" وتقول: "إن لون الجدران رمادي، وخشنة الملمس بحيث لا تسمح لأحد الاتكاء عليها، وتفيض بها المجاري، و القبر أهون منها، فلا يمكن للأسير أن يستند إليها، ولا يمكنه أن يأكل من شدة القذارة والرائحة الكريهة التي تسود المكان".
جاري التحقيق..!!
أما مخيم بلاطة شرق مدينة "نابلس" في الضفة الغربية فلم يختلف الوضع فيه كثيراً، فأجواء رمضان خطفها الاحتلال بجرائمه المستمرة منذ أكثر من خمس سنوات، الناس في المخيمات الفلسطينية يجمعهم الفقر ويوحّدهم حبّ الوطن، سرنا في هذا المخيم، وقد رأينا طفلاً يقارب عمره عشرة الأعوام، وفي كفه يحمل بندقية أطفال. كان هذا الطفل شقيق الأسير "محمد تيسير حشاش" ذي الأربعة عشر عاماً.
تم اعتقاله أثناء محاولته إلقاء عبوة ناسفة انفجرت به قبل إلقائها، فأُصيبت يداه الاثنتان، وأدت إلى شللهما جزئياً، وأُصيب بشظية برقبته، وشظية أخرى في صدره، ثم اعتقل بعد ملاحقة سيارة الإسعاف التي كانت في طريقها إلى المستشفى هكذا روت والدته.
وتتابع الوالدة -التي ظهرت علامات المرارة عليها بعد اعتقاله-: تم نقله إلى سجن "تلموند" وهو في حالة خطرة، ثم نُقل إلى مستشفى "تل هشمير" ثم إلى حوارة وعلى الرغم من أن الألم ما زال يعتصره لم تتوقف صواعق التحقيق.
وتضيف والدته قائلة: لم يبق لديّ عقل، كنت أبكي، أصوّت، وما زلت أتألم، الفراق ليس المصيبة الوحيدة، بل كيف سيبني هذا الطفل مستقبله ويداه شبه مشلولتين، وعمره أربعة عشر عاماً.
وزارة شؤون الأسرى
وأظهر تقرير حول الأسرى الأطفال مؤخراً، أعلنته وزارة شؤون الأسرى والمحررين بتاريخ 19/2/2005 - أن قوات الاحتلال الإسرائيلي لا تزال تعتقل (321) طفلاً فلسطينياً من كافة المحافظات في السجون ومراكز التحقيق والتوقيف الإسرائيلية من بينهم (11) طفلة، أكدت دائرة الطفولة والشباب في الوزارة في تقرير موسع أصدرته اليوم أن أكثر من (450) أسيراً كانوا أطفالاً لحظة اعتقالهم، وتجاوزوا سن الثامنة عشرة، ولا يزالون في الأسر حتى الآن.
وبلغ عدد الأطفال الأسرى من مدينة نابلس (120) معتقلاً، وأوضح التقرير أن الأطفال الفلسطينيين الأسرى في السجون والمعتقلات الصهيونية، يعانون من ظروف احتجاز قاسية، وغير إنسانية تفتقر إلى الحد الأدنى من المعايير الدولية لحقوق الأطفال، وحقوق الأسرى مشيراً إلى أنهم يعانون من نقص الطعام، ورداءته، وانعدام النظافة، وانتشار الحشرات، والاكتظاظ، والاحتجاز في غرف لا يتوفر فيها تهوية وإنارة مناسبتين، بالإضافة للإهمال الطبي، وانعدام الرعاية الصحية، ونقص الملابس، وعدم توفر وسائل اللعب والترفيه، والتسلية والانقطاع عن العالم الخارجي، والحرمان من زيارة الأهالي، وعدم توفر مرشدين وأخصائيين نفسيين، والاحتجاز مع البالغين إضافة إلى الاحتجاز مع أطفال جنائيين وإسرائيليين والإساءة اللفظية، والضرب، والعزل، والتحرش الجنسي، والعقوبات الجماعية، وتفشي الأمراض، كما أن الأطفال محرومون من حقهم في التعليم.
وروى الطفل الأسير ياسين ياسين الذي اعتقل في بداية أيلول من منزله في قرية عصيرة القبلية بمحافظة نابلس لمحامية وزارة الأسرى (موران خوري) كيف يحتجز هو وزملاؤه الخمسة في زنزانة صغيرة وقذرة ويوضح الطفل ياسين تفاصيل احتجازه لمدة (72) يوماً متواصلة، هو وخمسة أطفال آخرين في غرفة صغيرة، تفتقر إلى الإنارة، والتهوية، ولا يوجد بها نافذة، ويضيف الطفل الأسير، يمنعوننا من الصلاة داخل الزنزانة على الرغم من أنهم أدخلوا إلينا بعض المصاحف، يمنعون أهلنا من زيارتنا منذ بداية اعتقالنا، الصليب الأحمر الدولي هو الذي يسمح له بزيارتنا فقط.
وتقول المحامية خوري: إنه يتواجد في سجن الجلمة ستة أطفال دون سن الثامنة عشرة يعيشون في ظروف مأساوية للغاية؛ فالحشرات والرطوبة هي أهم ما يميز حياتهم هناك، والملابس الوسخة ذات الرائحة الكريهة هي أهم ما يميز هؤلاء الأطفال؛ فإدارة السجن ترفض السماح لهم بإدخال ملابس نظيفة، وأكّدت محامية وزارة شؤون الأسرى أن الغرفة المخصصة للمحامين لمقابلة الأسرى صغيرة جداً، ولها نافذة واحدة صغيرة وموجودة في أعلى جدران الغرفة، وهي باردة جداً، ولا يوجد بها أي تدفئة ولفتت المحامية إلى أن ممرات السجن قذرة للغاية ومهملة، وفي نهاية إحدى المباني يوجد مطبخ السجن الذي يقوم الطباخون الإسرائيليون بإعداد الطعام بطريقة غير صحية؛ فالطعام هناك عبارة عن معكرونة مسلوقة بدون لحمة وكميتها قليلة جداً، بالإضافة إلى قطعة صغيرة جداً من الخبز وتفاحة واحدة.
قانون مغيب..وأمل حاضر
أولى المجتمع الدولي منذ النصف الثاني للقرن الماضي اهتماماً خاصا بوضع أطر قانونية محددة تكفل للطفل الرعاية والحماية، وذلك من خلال الإعلانات والاتفاقيات الدولية، مثل الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الصادر عام 1948، ومن ثم صدر العهدان الدوليان الخاصان بالحقوق المدنية والسياسية والحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية عام 1966، بالإضافة إلى جملة من الإعلانات والاتفاقيات الخاصة بحماية فئة من الفئات التي تعاني تهميشاً في مجتمعاتها كالنساء والأطفال.
إلا أن إسرائيل ما زالت تضرب بعرض الحائط بكل الاتفاقات الدولية، وتصر على كسر إرادة الشعب الفلسطيني، متناسية أن السلاح لا يمكن أن يتجاوز حقائق التاريخ، والذي يؤكد أن ارداة الشعوب لا تُقهر، وتوازياً مع كتابة هذه الكلمات يستمر الأسرى الأطفال في السجون الإسرائيلية يبحثون عن بصيص أمل يهديهم إلى وهج الحرية ونورها
إياك أن تؤذي ولدك !!
ثمة شبه بين الإنسان الفرد، وبين الأمة التي تتألف من أفراد كثيرين، نلمسه في ناحيتين:
ناحية تاريخية طويلة المدى..
وناحية جسدية متآلفة الأعضاء..
فكما أن للإنسان عمرا يبدأ من حين ولادته وينتهي عند مماته، فكذلك للأمة تأريخ يبدأ من حين مولدها وينتهى حين هلاكها أو تغلب أمة أخرى عليها..
وكما أن للإنسان أعضاء وأجزاء هي اليد والقدم والرأس وغير ذلك، فكذلك للأمة أعضاء وأجزاء يمثلها هؤلاء الأفراد من البشر الذين ينتمون إليها..
ولأجل هذا التشابه في هذين الجانبين فإن كليهما يخضعان لسنة واحدة تجري عليهما إلى قيام الساعة، وقد أشار رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى مثل هذا الشبه بقوله:
(مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضوا تداعى له سائر الجسد بالحمى والسهر)..
الإنسان مدة بقائه في هذه الدنيا يحصد ما زرعته يداه، إن أحسن أحسن الله إليه، وإن أساء فعلى نفسه، فالإثم لا ينسى، والبر لا يبلى، والديان لا ينام، كما تدين تدان، والجزاء من جنس العمل..
قد يجني الجاني جنايته اليوم، ثم تمضي الأيام والشهور والسنون ولما ير الأثر، فيظن أن الله قد نسي أو تجاوز، وبينما هو في غفلته، وفرحه بالسلامة، ونسيانه لما جنى، إذا بالعقوبة تحل به في شكل مصيبة أو كارثة في نفسه أو ماله أو أهله، فيصيح: " أنى هذا؟ "..
{قل هو من عند أنفسكم}..
لما طالت مدة العقوبة نسي جنايته، وحينما حلت العقوبة لم يدرك أنها بسبب ذلك الذنب القديم، فالعقوبة وإن تأخرت لا يعني العفو والتجاوز، بل الخوف من تأخرها، لأنها تأتي حينذاك بغتة، أي تأتي بعد الشعور بالأمن والسلامة، وليست العقوبة المتوقعة مثل العقوبة المفاجئة، والله - تعالى -قال:
{لا يغرنك تقلب الذين كفروا في البلاد متاع قليل ثم مأواهم جهنم وبئس المهاد}..
فالله يؤخر عقوبة الكافرين إلى الآخرة ليزيد عليهم العذاب، قال:
{ولا يحسبن الذين كفروا أنما نملي لهم خير لأنفسهم إنما نملي لهم ليزدادوا إثما ولهم عذاب أليم}..
فتأخير العقوبة شر وبلاء، قال عليه الصلاة السلام:
(إن الله ليملي للظالم حتى إذا أخذ لم يفلته).
{وكذلك أخذ ربك إذا أخذ القرى وهي ظالمة إن أخذه أليم شديد}..
نظر رجل إلى غلام جميل نظرة ريبة، فقال له أحد الصالحين:
" لتجدن غبها ولو بعد حين"..
قال: " فأنسيت حفظ القرآن بعد أربعين سنة"..
فلا يشترط في العقوبة أن تكون تالية للذنب (انظر الجواب الكافي لابن القيم ص61، تحقيق الفواعير).
وهذا ما سميناه بالجانب التاريخي، فكما أن الإنسان ربما قد يعاقب على الذنب بعد أمد طويل، فكذلك الأمة قد تعاقب على عصيانها بعد أمد طويل، فما يجنيه الآباء يتجرعه الأبناء، فإن الآباء إذا خالطوا المنكرات بكافة أشكالها عقدية أو أخلاقية وشابوا أو ماتوا على ذلك تجرع الأبناء العذاب، وبيان ذلك:
أن الكبار إذا فعلوا المنكرات ولم يجدوا من يزجرهم ضعفت الأمة، لأن قوة الأمة في صلاح أفرادها، وضعفها في فسادهم، ومن ثم تكون عرضة للغزو والأسر والتشريد والتقتيل والسلب من قبل الأعداء، ولا يتجرع تلك العقوبات في الغالب إلا الأبناء، ولذا كثيرا ما نرى أطفالا يقتلون ويعذبون ويؤسرون..
ونحن نجزم أن هؤلاء الأطفال ما جنوا ذنبا، فهم غير مكلفين، وهم على الفطرة، ولو ماتوا لماتوا على الإسلام ودخلوا الجنة، فما ذنبهم أن يتحملوا أخطاء آبائهم؟..
ليس الذنب ذنبهم، إنما ذنب آبائهم، ومصابهم في صحائف سيئات آبائهم، وليس هذا من باب:
{ولاتزر وازرة وزر أخرى}، ولكن من باب: " مثل الجسد الواحد".
وإذا تذكرنا أن عمر الأمة كعمر الإنسان، وتاريخها كتاريخه، والسنة الواقعة عليهما واحدة، عرفنا الحقيقة:
أن هؤلاء الأباء أذنبوا فأخر الله عقوبتهم إلى حين، لينظروا إلى أنفسهم وأهليهم وأطفالهم وهم يؤخذون بجريرتهم..
وأما هؤلاء الأبرياء فلسنا بأرحم لهم من الله - تعالى -، لكن هذه عبرة لكل الآباء والكبار أن يتقوا الله في أهليهم وعيالهم، فإن كل معصية يرتكبونها لربما عوقب بها أطفالهم، وهو في الحقيقة عقوبة عليهم، فإن ما يصيب أبناءهم يصيبهم ويؤذيهم.
وهذه الحقيقة دليلها قوله - تعالى -:
{وأما الجدار فكان لغلامين يتيمين في المدينة وكان تحته كنز لهما وكان أبوهما صالحا فأراد ربك أن يبلغا أشدهما ويستخرجا كنزهما رحمة من ربك}..
قيل: إن الأب الصالح كان الجد السابع لهما، فصلاح ذلك الجد كان سببا في أن يحفظ حق أحفاده، فإذا كان ذلك لصلاح الجد البعيد فكيف إذا صلح الأب القريب، إن الرجل الصالح ليجازى بصلاحه أن يجمع الله بينه وبين أبنائه في الجنة ولو لم يكونوا بمنزلته، قال - تعالى -:
{والذين آمنوا واتبعتهم ذريتهم بإيمان ألحقنا بهم ذريتهم وما ألتناهم من عملهم من شيء كل امري بما كسب رهين}.
وعكس ذلك أن يقال:
إن فساد الأب يكون سببا في ترك الله له ولأبنائه، ولا شك أن ما يصيب بنيه يصيبه، فيألم لألمهم، ويحزن لحزنهم ...
-----
وأما الجانب الآخر في الشبه بين الإنسان والأمة فهو الجانب الجسدي المتآلف الأعضاء، كلنا يعلم أن الجسد الحي هو الذي يشعر بما يقع عليه، والأعضاء إذا كانت سليمة صحيحة فإنها تشعر بما يصيب بعضها، لذا فإن الجسد والأعضاء كلها تتألم وتسهر إذا أصيب عضو من أعضائها..
وعلى ذلك فما يقع على عضو يؤثر على العضو الآخر، ولأجل هذه الحقيقة أجاز الشرع أن يوقع عقوبة الحدود على جميع الأعضاء أو على غير العضو الجاني..
فمثلا إذا زنى الإنسان جلد ظهر إذا كان بكرا، وإذا شرب الخمر كذلك، وإذا فقأ بيده عينا فقأت عينه، ونحن نلحظ أن العضو الجاني هنا لم يعاقب بل الذي عوقب أعضاء أخرى، لماذا؟.
لأن الجسد واحد، والجناية وإن صدرت من أحد الأعضاء إلا أن العقوبة إن وقعت على بقيتها حصل المقصود من الزجر لكون الأعضاء تتألم، لأن نفسها واحدة، على أنه لا يمنع أن يعاقب نفس العضو الجاني كما في حالة السرقة، ذلك يقودنا إلى أن نقول:
إن الأمة كذلك يجري عليها نفس هذه الأحكام التي جرت على الإنسان، فكما أنه لا يشترط في العقوبة أن تكون تالية للذنب، كذلك لا يشترط فيها أن تكون على ذات العضو الجاني، بل قد تقع على غيره، والسبب:
أن الأمة كالجسد الواحد، فإذا وقع الاعتداء من بعضها ولم يكن ثمة زاجر عوقبت كلها، كما تعاقب جميع أعضاء الإنسان، أو عوقب بعضها وسلم الجاني، كما تسلم اليد من القصاص إذا فقأت عينا أو كسرت سنا وتعاقب العين والسن..
وكذا قد يرتكب أحد أفراد البيت جناية مثل الزنى، فلا تمر الأيام إلا وقد طرق الزنا باب هذا البيت، الجاني فعل فعلته، والعقوبة وقعت على عرضه، لأن الألم يلحقه لا محالة، فالبيت الواحد كالجسد الواحد..
هذا في الأسرة..
وأما في المجتمع، فمثلا إذا تركنا المستهين بأعراض المسلمين يفسد أعراض الآخرين مطمئنين إلى أنه لن يصل إلى أعراضنا نحن لبعدنا عن مواطن الريبة والفساد، فإن غيره سيتعلم منه، والآخر يتعلم منه ثالث، والثالث يتعلم منه رابع، حتى يصل الداء إلى من يمر بطريقنا أو يسكن في بيتنا أو جوارنا، فيطمع في أعراضنا كما طمع الأول في أعراض غيرنا، فربما تمكن من إيذائنا.. ولو أننا منعنا الأول لما وصل الداء إلى هذا الأخير..
وعلى هذا قس كل المنكرات الأخلاقية والعقدية.. قد يدعو إنسان إلى بدعة فنتركه، فما يزال يدعو حتى يدخل ببدعته بيوتنا..
وهذا يعلمنا أنه من الخطأ أن نرى بعض أفراد الأمة يرتكبون الجنايات والأعمال المشينة والاعتقادات المخالفة ثم لا نسعى في نصحهم ومنعهم، لأن تركهم من غير منع يفضي إلى انتشار تلك الأعمال المنكرة في الأمة، كما ينتشر المرض في الجسد، فيلحق كل فرد فيها من الألم والعذاب بقدره ما يلحق كل عضو في الجسد إذا وقعت الجناية من بعضه..
ولأن ذلك السكوت على الخطأ الذي وقع من ذلك الإنسان يوجب أن تقع العقوبة على أفراد آخرين إذا لم ينكروا..
إن هذا المنكرات المخالفة للشرع كالمرض الذي يلم بالجسد، إذا لم يكافح جرى في كافته، وإذا منع وسعى الناس في علاجه انكمش وتراجع، والوقاية خير من العلاج..
إن الإنسان إذا عمل صالحا وسع الله له في رزقه ونسأ له في أجله، وإذا عمل سيئا ضيق الله عليه في رزقه وعجل بهلاكه، وكذا الأمة إذا صلحت وسع عليها وأطال عمرها، وإذا فسدت ضيق عليها في الرزق وعجل بهلاكها، فإن الأرض لا تطيق أن تعيش أمة على ثراها، تستظل سماءها، إذا كانت ظالمة، لذا فهي تدعو بهلاكها، فإذا هلكت {فما بكت عليهم السماء والأرض وما كانوا منظرين}..
إن الأرض إذا خلت من الصالحين البتة جاءت الساعة، قال رسول الله:
(لا تقوم الساعة حتى لا يبقى في الأرض من يقول: الله الله).
http://saaid.net المصدر:
ـــــــــــــــــــ(101/83)
التمييز بين الأبناء ..خطيئة كبرى
ليلى بيومي 13/9/1426
16/10/2005
التمييز وعدم العدالة والمساواة بين الأبناء مشكلة يقع فيها الكثير من الآباء والأمهات والمربين سواء بشكل متعمد أو غير متعمد.
يروي الطبيب الشاب محمد سالم خبرته وتجربته في هذا الموضوع فيقول: أنجب أبي في البداية ثلاث بنات، ثم أتبعهن بثلاثة أولاد، لكن الولد الأول فينا ظل له مكانة خاصة ومميزة، ويحظى بحب أبي وتفضيله علينا، وقد انعكس ذلك على أمي هي الأخرى التي أصبحت تفضل أخي الأكبر. كانا يحاولان إخفاء هذا التفضيل، ولكنه كان واضحاً ومعروفاً. والغريب أن أخي الأكبر أُصيب بمرض فزاد الحب له، وأنفق أبي الكثير على زواجه وخصه بعطية كبيرة دوننا. صحيح أن الله أكرمنا وفتح لنا أبواب الخير والرزق، ولكننا نترحم على أبي، وكنا نريد أن يعدل بيننا ولا يفضل أخي الأكبر علينا.
أما إبراهيم مراد الموجه بوزارة التعليم فيقول: رحم الله أبي كان يفضل أخي الأكبر علينا ويخصه بأدق أسرار عمله، ويقول: إنه يشقى في تحمل المسؤولية معه، وكان يتخذه صديقاً له، أما نحن الصغار فلم يكن يقربنا منه. وبعد وفاة أبي استولى أخي على كل شيء، ولم نأخذ من ميراث أبي أي شيء، وكان هذا مصدر ألم متجدد لنا جميعاً، خاصة وأن فينا من لم يوسع الله عليه في الرزق، بينما أخي الأكبر يتمتع بكل الثروة هو وأولاده. ومنا من لا يترحم على أبينا، ومن أبنائنا الذين يعانون من لا يذكره بخير.
وتحكي فاطمة عبد الواحد الموظفة في إحدى الهيئات الحكومية قصتها فتقول: لقد نشأت في أسرة تفضل الذكور على الإناث، وتحرم الإناث من الميراث، وتهمل تعليم الإناث، ولولا توفيق الله ورعاية خالي لي ما أكملت تعليمي الجامعي، فقد كان يتكفل بنفقتي. كانت الأسرة تفرّق بيننا حتى في الطعام. فاللحم يوزع أولاً على الذكور، فإذا بقي منه شيء يُوزع علينا، وإن لم يتبق شيء لا نتذوق طعم اللحم بالشهور. وكان خطأ الذكر يُغتفر أما أصغر خطأ للأنثى فلا يُغتفر. وحرمني أبي من الميراث كما هو سائد في عائلته وبلدته، ومع هذا فأنا التي وقفت بجانبه في مرضه، وأنفقت عليه من مالي بينما تخلى عنه أبناؤه الذكور الذين كان يفضلهم علينا.
المساواة الدقيقة
تقول الدكتورة مديحة علي أستاذة التربيةبجامعة عين شمس: إن المساواة الدقيقة يجب أن تكون مساواة في الطعام، ومساواة في توزيع الكلام، ومساواة في توزيع الانتباه والاهتمام، ومساواة في توزيع النظرات والضحك والمداعبات، كل هذا بقدر الإمكان، لذا يجب أن يحرص الأب أن يسعى إلى تحقيق العدالة في هذا الجانب، كذلك المساواة في الهدايا والعطايا والمساواة باتخاذ القرارات من خلال استشارة الجميع بدون استثناء، وأخذ القرارات بالأغلبية فيما يخصهم. وهناك المساواة بالمشاركة باللعب والمساواة في كلمات المحبة.
وهناك جانب مهم جداً، وهو: المساواة في الإصغاء والاستماع؛ فالأبناء يتفاوتون في الجرأة والخجل، وليس كل واحد منهم يبادر بالحديث ويستأثر بأذن والديه واهتمامه، ومنهم من تزيد متعة الاستماع إليه ومنهم من تقل، ولضبط هذا الجانب الصعب ولتلبية حاجة الأبناء إلى الاستماع إليهم والاهتمام بهم والتعبير عن أفكارهم، لتلبية كل ذلك يجب تخصيص وقت للأحاديث الخاصة. فمن الضروري أن يشعر الأبناء بأن هناك وقتاً مخصصاً لكل منهم تُحترم فيه خصوصيّاتهم.
خطأ المقارنة
يرى الدكتور وائل المحمدي أستاذ علم النفس بجامعة القاهرة أن الإخوة فيما بينهم في حالة مقارنة مستمرة بكل ما يملك أحدهم من صفات عقلية أو عضلية أو شكلية، وهنا يبدأ دور الوالدين، ومن أهم ما يمكن عمله هو الحرص التام على عدم وضع أيّ مقارنة بين الأبناء.
وهكذا يجب عدم المقارنة في الذكاء والقدرات العقلية، ومن صورها: انظروا إلى أخيكم فلان، إنه متفوق دائماً وذكي وألمعي. وهنا يشعر الإخوة الآخرون بالإحباط والغيرة من أخيهم.
كما يجب عدم المقارنة بالقوة العضلية والمهارة الحركية بين الأولاد، مثل: لا تتشاجروا مع فلان؛ هو أقوى منكم.
ويجب أيضاً عدم المقارنة في الجمال بين البنات، ومن صورها مجرد الثناء على جمال فتاة بحضور أخت لها، فهذا الأسلوب يسبب صدمة هائلة للأخت الأقل في الجمال، ويولّد لديها انكساراً كبيراً وعدم ثقة في النفس.
هل الأبناء مسؤولون؟
ويؤكد الدكتور عبد العزيز عمران أستاذ علم الاجتماع بجامعة القاهرة أن هناك من الآباء من يعتقد أن المسؤول الأكبر عن التمييز بين الأبناء هم الأبناء أنفسهم, وذلك راجع إلى اختلاف الطباع، وحسن التصرف واللباقة في التعامل مع الوالدين لتحقيق المطالب, بحيث يبتعد الوالدان عن المساواة دون قصد أحياناَ. سواء في الإنفاق أو العطف أو حق إبداء الرأي والاعتراض.
وقد يكون الذكر في مجتمعاتنا العربية مقبولاً في جميع تصرفاته عن الأنثى، وتُعطى له كل الصلاحيات وتُنفذ له كل الرغبات ناسين أو متناسين ما حثتنا عليه تعاليم ديننا الإسلامي من العدل وعدم التمييز.
ويعني عدم المساواة بين الأبناء جميعاً والتفضيل بينهم بسبب الجنس أو ترتيب المولود أو السن أو غيرها نجد بعض الأسر تفضل الأصغر على الأكبر، أو تفضل ابناً من الأبناء لأنه متفوق أو جميل أو ذكي وغيرها من الأساليب الخاطئة.
وهذا بلا شك يؤثر على نفسيات الأبناء الآخرين وعلى شخصياتهم؛ فيشعرون بالحقد والحسد تجاه هذا المفضل، وينتج عنه شخصية أنانية يتعود الطفل أن يأخذ دون أن يعطي، ويحب أن يستحوذ على كل شيء لنفسه حتى ولو على حساب الآخرين، ويصبح لا يرى إلا ذاته فقط والآخرون لا يهمونه، وينتج عن ذلك شخصية تعرف مالها، ولا تعرف ما عليها، تعرف حقوقها ولا تعرف واجباتها.
آثار التمييز على الأبناء
ويضيف الدكتور عبد العزيز عمران أن النبيّ -صلى الله عليه وآله وسلم- نظر إلى رجل له ابنان، فرآه يُقبِّل أحدهما ويترك الآخر، فقال النبيّ -صلى الله عليه وآله وسلم-: «فهلاّ ساويتَ بينهما»؟!
فإذا كانت القُبلة لأحد الأبناء تُشعِر الآخر بالتمييز، فما بالكَ بالامتيازات التي تُمنح لأحدهما ويُحرَم الثاني منها؟ والمسألة في خصوص الفتيات أعقد، لأنّهنّ أرقّ مشاعر وأرهف إحساساً. يقول النبيّ -صلى الله عليه وآله وسلم- : «ساووا بين أولادكم في العطيّة، فلو كنت مُفضِّلاً أحداً لفضّلت النِّساء» . وهذا ليس من باب التمييز، بل من باب التقديم المعنوي وإشعار الإناث بلطف الإسلام وتقديره للمرأة.
هذه الأخطاء قد تؤدِّي إلى الانكماش والعزلة والانطواء كنتيجة سلبيّة، إذا لم تكن تؤدِّي إلى النزاع والاصطدام والشِّجار.
كما يؤدي التمييز إلى علاقة سلبية بين الأبناء؛ إذ يميل الطفل المميز ضده إلى كره أخيه الآخر وغيرته منه كونه مقرباً من والديه، وحسده على الحنان والرعاية التي يحظى بها، والتي جاءت على حسابه، وقد يصل الأمر إلى تمني أن يُصاب أخوه بأي مكروه حتى يحتل مكانه ويحظى باهتمام والديه.
وعلى النقيض من ذلك ينشأ الولد الذي يشعر بالمساواة مع إخوته، نشأة صحية نقية، بعيدة عن الحقد والحسد والغيرة.
وقد يؤدي الإحساس بالتمييز إلى الإصابة بأمراض نفسية عديدة. ويكون من نتيجة ذلك إخفاق الطفل في تحقيق أهدافه المستقبلية وإشباع حاجاته الجسمية والنفسية والاجتماعية بشكل سوي، وضعف معنوياته وشعوره بالإخفاق والإحباط، ووقوعه تحت وطأة التوتر والصراع النفسيين.
وفي كثير من الحالات عند الأطفال الذين تم التمييز ضدهم منذ الصغر، تبين بأن مشاعر الضيق والحقد قد ترافقهم عند بلوغهم، وقد تنعكس على معاملتهم مع أطفالهم في المستقبل.
وقد يعاني الطفل المفضل هو الآخر من نظرة إخوانه العدائية والكره الممارس ضده على مستوى السلوك اليومي، وقد يصل الأمر إلى مستوى إلحاق الضرر بالتجريح والمقاطعة والضرب في بعض الحالات.
علاج المشكلة
ومن أجل علاج المشكلة يرى الدكتور وائل المحمدي أنه لا بد للوالدين من قراءة نفسية الأبناء، كمحاولة لفهم دواخلهم، ومعرفة احتياجاتهم وردود أفعالهم، وهو ما يتطلب جهداً ودراية خاصة لترجمة المحبة والشعور الداخلي إلى سلوكيات وتصرفات، وفي حالة عدم القدرة على ذلك فلا بأس من التصنع لإبداء المحبة لجميع الأبناء، ومن المؤكد أن يرتاح الأبناء لهذه البادرة لتطفو إلى السطح إيجابياتها، ولو كانت بسيطة.
كما يجب إعطاء الأبناء حقهم في التعبير عن مشاعرهم وحاجاتهم، والاستماع لهم جميعاً.
ويجب عدم إيلاء اهتمام كبير للطفل الصغير بشكل لافت للنظر، خاصة أمام أخيه الذي يكبره مباشرة، كي لا يُفسّر ذلك بأنه نوع من التمييز بينه وبين إخوته.
ويُستحسن بث روح التعاون والمحبة بين الأطفال بعضهم البعض، وتكليفهم بمهام جماعية من شأنها إيجاد هذا التعاون.
ويجب عدم ذكر السلبيات في الطفل وتجريحه أمام إخوته عند القيام بالخطأ، بل مناقشة ذلك معه على انفراد.
ومن الأمور الهامة في هذا المجال تطبيق التعليمات على الجميع، دون اتباع طرق مختلفة في العقاب والثواب.
كما يجب إعطاء البنت حقها في الدفاع عن نفسها أمام أخيها، وإظهار قدراتها وتشجيعها، وعدم إهمالها.
الحكم الشرعي
وعن حكم الإسلام في هذه القضية يقول الشيخ جمال قطب رئيس لجنة الفتوى بالأزهر: إن كل الآيات التي تتحدث عن العدل في القرآن الكريم يدخل تحتها الجميع بمن فيهم الأب الذي لا يعدل بين أبنائه، وفي السنة النبوية المطهرة عن النعمان بن بشير رضي الله عنهما، أن أمه بنت رواحة سألت أباه بعض الموهوبة من ماله لابنها فالتوى بها سنة، ثم بدا له، فقالت: لا أرضى حتى تُشهد رسول الله صلى الله عليه وسلم على ما وهبت لابني ، فأخذ أبي بيدي، وأنا غلام فأتى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال: يا رسول الله، إن أم هذا، بنت رواحة أعجبها أن أشهدك على الذي وهبت لابنها، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: يا بشير ألك ولد سوى هذا؟ قال: نعم، فقال: " أكلهم وهبت له مثل هذا؟ قال: لا، قال : " فلا تشهدني إذاً؛ فإني لا أشهد على جور".
وفي السنة النبوية أيضاً أنه بينما رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يحدث أصحابه؛ إذ جاء صبي حتى انتهى إلى أبيه، في ناحية القوم، فمسح رأسه وأقعده على فخذه اليمنى، قال: فلبث قليلاً ، فجاءت ابنة له حتى انتهت إليه، فمسح رأسها وأقعدها في الأرض، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- : " فهلا على فخذك الأخرى"، فحملها على فخذه الأخرى، فقال صلى الله عليه وسلم: "الآن عدلت".
ومن لم يعدل بين أولاده أو يساوي بينهم بالمعروف وبالحق والقسطاس المستقيم، فقد نكب عن جادة الصواب، وغالط نفسه، ولم يأبه بالأدلة، فهو غاشٌ لأولاده، وظالم في عدم التسوية بينهم . فهو مستحق للعقوبة والعياذ بالله.
ويضيف الشيخ جمال قطب أن التمييز بين الأولاد والتفريق بينهم في أمور الحياة سبب للعقوق، وسبب لكراهية بعضهم لبعض، ودافع للعداوة بين الإخوة، وعامل مهم من عوامل الشعور بالنقص، وظاهرة التفريق بين الأولاد من أخطر الظواهر النفسية في تعقيد الولد وانحرافه، وتحوّله إلى حياة الرذيلة والشقاء والإجرام.
إن المفاضلة بين الأولاد خطيرة، ومن أعظم العوامل التي تسبب الانحراف عن منهج الشريعة الصحيحة، والصراط المستقيم، بل سبب مباشر للعقوق.
فظاهرة عدم العدل بين الأولاد لها أسوأ النتائج في الانحرافات السلوكية والنفسية، لأنها تولد الحسد والكراهية، وتسبب الخوف والانطواء والبكاء، وتورّث حب الاعتداء على الآخرين لتعويض النقص الحاصل بسبب التفريق بين الأولاد، وقد يؤدي التفريق بين الأولاد إلى المخاوف الليلية، والإصابات العصبية، وغير ذلك من الأمراض غير العضوية، مما يضطر الكثير من الأولاد إلى مراجعة مستشفيات الصحة النفسية، وهناك تشتد الآلام أكثر مما كانت عليه من ذي قبل، فمثل هذه المصحات لا فائدة تُرجى منها، بقدر ما هي زيادة في المرض، كما هو معلوم لدى الكثير ممن يراجعها.
ـــــــــــــــــــ(101/84)
الأبناء... عالم من الصمت مع الأهل
بشار دراغمه 5/9/1426
08/10/2005
بشار دراغمه
الصغير يكبر، والذي كنا بالأمس نحاول إسكاته، نصبح اليوم نفكر في سحب الكلمات من فمه، ونطرح على أنفسنا أسئلة عدة: لماذا لا يطلعنا على عالمه؟ وما هي الشعرة التي تفصلنا عنه؟
يقول البعض: إن علينا أن نظهر لهم الحب والحنان، لنحاول كسب ثقتهم، ويرى البعض بأن علينا أن نراقبهم عن قرب، وهناك أطروحات عدة، لكن من منها الحل الأمثل؟ وبينما نحاول التنقيب عن الجواب، الفجوة تتسع بشكل كبير.
تبدأ هذه الرحلة من كتمان الأسرار تحديداً في سن المراهقة، وهو المقطع الذي يشكل أخطر مفترق طرق يمر منه الشاب والفتاة.
نحاول هنا وضع يدنا على قضية شائكة وهي لمن يبوح الأبناء بأسرارهم؟ ولماذا لا يبوحون بأسرارهم لأهلهم؟
فالعلاقة الفاترة بين الأبناء وأهلهم أصبحت اليوم -للأسف- حقيقة موجودة، وهي فجوة تكبر يوماً فيوم، لتخلف وراءها معضلة يصعب الفكاك منها، ورغم أهمية العلاقة بينهما، إلا أن السدود تقوم مع الأيام، إلى أن تحولت إلى جدار، يفصل عالمين متقاربين عن بعضهما؛ فالأب يشكو من ابنه، والابن يشكو من والده، والفرد يشكو من الكل، والكل يشكو من الفرد، فكل طرف غير راض عن الطرف الآخر، فمن المسؤول؟
الجميع متهمون
الدكتور ماهر أبو رنط أستاذ علم الاجتماع في جامعة النجاح الوطنية يقول: إن الفجوة الموجودة بين الآباء والأبناء تبدأ بالاتساع بشكل كبير في سن المراهقة، أول خصائص هذا العمر من ناحية نفسية, أنه عمر غير مرتاح, قلق, منقسم.
فالشاب الصغير لم يعد طفلاً، ولم يصل بعد إلى مرحلة النضوج، أول ما يرفضه المراهق هو أن يقرر الآخرون بدلاً عنه. وهذا الشعور بِـ(الأنا المجروحة) يسبب عنده الرفض والثورة والبعد، وعلى القائد في هذه المرحلة أن يتحلى باللين والقوة, كي لا يكسر شوكة المراهق, والقوة كي لا يخسره.
وتابع الدكتور ماهر قائلاً: هذا العمر هو عمر العقل المفكر، عمر البحث عن البراهين، وبالتالي العمل والبحث الشخصي، فالحقيقة ليست ما يقوله القائد، وإنما ما يكتشفه المراهق بنفسه، ومع ذلك يجب الأخذ بعين الاعتبار أن تفكير المراهق ليس متيناً, لذا يجب السماح له بالتفكير على قدر ما يستطيع ومرافقته في اكتشاف عالم الفكر اللامتناهي. فهي تربية التفكير الذاتي ومناسبة الإنماء؛ فالخط التربوي في هذا العمر يتم من خلال: تحليل الواقع, صقله في تعابير واضحة وعملية.
وحول إخفاء المراهقين أسرارهم وعدم البوح بها إلى الأهل، علّق الدكتور "أبو رنط" بالقول: المسؤولية الكبرى تقع على الأبوين، والذين يجب عليهم أن يسعوا إلى التقرب من المراهق دون أن يمس هذا باحترامهم له، كما عليهم أن يظفروا بصداقته واكتساب ثقته حتى يتعود الابن على البوح والصراحة مع أبويه، وبهذا يظل الوالدان على دراية بما يواجهه المراهق فيواجهانه بالنصح والإرشاد ليكتمل واجب الآباء تجاه الأبناء.
المراهقون: ماذا يقولون؟
وحول سبب عدم بوح المراهقين بأسرارهم لأهلهم، كان لنا اللقاء التالي مع عدد من المراهقين، محمد يوسف(16عاماً) تحدّث إلينا قائلاً: ربما الخوف من العقاب هو السبب، فمنذ صغري، و أنا أسمع كلمات الزجر والنهي، فهذا عيب، وهذا حرام، وهذا ممنوع، وذاك لا يجوز، فتأصل الخوف لديّ منذ الطفولة، بأن ما أتحدث به قد يحرجني أمام الأهل، فأضطر أن أفتح باب قلبي إلى صديقي، و أخفي عن أبي وأمي ما أشعر به.
ويبدو أن الفتى علاء جميل (17عاماً) كان منذ زمن ينتظر من يسأله: لماذا لا يبوح الأبناء بأسرارهم؟ فبكل مشاعر الغضب والحنق أجاب: أين هم الآباء أصلاً؟ همهم توفير الشراب والطعام والملابس، والاحتياجات الأساسية لحياتنا، أما حاجتنا النفسية فهي آخر ما يفكرون به.
فأنا لم أسمع من أبي أو أمي مرة واحدة كلمة تشعرني بالثقة بنفسي، وكذلك في أغلب الحالات التي أكون بأمس الحاجة إليهم لا أجدهم بجانبي يستمعون لمشاكلي وهمومي.
وتوافقه الرأي الفتاة نجلاء شاهين (16عاماً) باتهام الأهل؛ إذ تقول: إن أهلي لم يقوموا -ولو لمرة واحدة- بفتح باب الحوار معي، وأشعر أحياناً بأنهم يحاولون التهرب من الاستماع إلي، و حاولت مراراً عدة أن أفاتح أمي، لكنها كانت تتهرب مني.
أما الشخص الذي تبوح نجلاء بأسرارها له فهو دفتر مذكراتها، فقالت: أسجل كل ما يخص حياتي في مذكرات يومية، وهو بالنسبة إليها البئر الذي تلقي به كل أسرارها.
المراهقون في قفص الاتهام
أبناء اليوم جيل متفتح، متمرّد على الواقع بكل أشكاله، يهرب عندما يجد نفسه مضطراً إلى الاعتراف بخطيئته؛ لذا ينأى بأسراره بعيداً عن أهله، هذا ما قاله الأب خالد جمال (43عاماً)، أما زوجته شادية مصطفى (35 عاماً)، فعلقت على الموضوع قائلة: أنا أم لولدين أحاورهم، وأحاول أن أزيد مساحة التفاهم بيننا، إلا أنني كلما اقتربت منهم، ابتعدوا عني، وأشعر أحياناً بأنهم يعيشون في عالم آخر غير العالم الذي أعيش فيه، و أراقبهم عن قرب لأعرف تفاصيل عالمهم الذي أشعر بأنه مليء بالأسرار التي لا يستطيعون البوح بها لي، ولا أعرف السبب، وأنا حائرة معهم.
أما أمير جابر(54عاماً) فيشكو من تصرفات أبنائه الذين لا يسمحون له بالاقتراب من خصوصياتهم، ويقول: عندما أسمع أبنائي يتحدثون في موضوع ما وأحاول مشاركتهم فيه، فإنهم إما أن يغيروه، أو يتوقفوا عن الحديث، وكأنني غريب عنهم ولست والدهم، وعن السبب تحدث جابر- وقد بدت عليه علامات الغضب-: مشكلة أبناء اليوم بأنهم يظنون أنفسهم أنهم أكثر وعياً من أن يناقشهم الكبار.
علم النفس...والتنشئة
ولمعرفة رأي علم النفس بهذه القضية الشائكة حاورنا الدكتور عبد الله عساف، رئيس قسم علم النفس في جامعة النجاح، والذي أكد أن سبب الفجوة هو الجو الذي أصبح يعيش به الأبناء والآباء، وهو عصر السرعة، والانفتاح.
وأضاف عساف: أن الأبناء لا يثقون برأي الآباء ويعدون الآباء ليسوا على قدر من الوعي والمسؤولية في تحمل الأسرار، وكذلك هناك من الأبناء الذي يخشى فضح أسراره خوفاً من العقاب، وأيضاً عدم عيش المراهق منذ الصغر في جو من المحبة والحنان، يجعله يبحث عن بديل في الخارج، وهذا يشكل خطراً كبيراً على مستقبله، بخاصة إذا سلك طريقاً غير صحيح، وكان بعيداً عن الرقابة.
وأضاف عساف: إن الطفل عندما يبلغ سن المراهقة تطرأ عليه تغيّرات فجائية في بداية النضوج، لقد جرت العادة في مجتمعاتنا العربية على تجنب الآباء الحديث إلى الأبناء عما يصيبهم في هذه السن من تغيّرات؛ لذلك يجد المراهق نفسه حائرًا وقلقًا إذ يلاحظ التغيرات النفسية والجسدية التي تصيبه، وهو لا يدري ما سر هذه التغيرات، فيحاول أن يستمد المعلومات من الخارج وخاصة من أصدقائه، وهذا يجعل المراهقين يتبادلون الأسرار والمعلومات فيما بينهم.
وتابع عساف: إن التغيرات الجسدية والنفسية التي تظهر على الطفل، وهو في سن المراهقة تجعله يشعر بالفرح أو الحزن، فالفرح ناتج عن شعوره بأنه مقبل على مرحلة الرجولة، أما الخوف فهو ناتج عن شعوره بالأعراض الطبيعية التي تصيبه، فهو يجهل أنها طبيعية أم لا، وهذا الجهل يجعله يخشى الكشف لوالديه عما يصيبه؛ ظنًا منه أن سؤاله خارج عن نطاق الاحترام والأدب، ولكي يتدارك الأهل مثل هذه الأمور يجب أن يبدؤوا بشرح الأمور إلى المراهق بطريقة مبسطة، لكي لا يحصل على معلومات من الخارج ربما تكون خاطئة.
رأي التربية
وللاقتراب من المشكلة أكثر كان لا بد من أخذ رأي الدكتور فواز عقل، والذي قال: إن مشكلة تربية المراهقين من المشاكل التي تؤرق الكثيرين من المهتمين بأمور التربية.. إذ إن الأولاد يبقون حتى سن معينة، تحت قبضة الوالدين، لكنهما كثيراً ما يسيئان استثمار هذه السيطرة، ليندما بعد خروج الولد عن دائرة قبضتهما.
وتابع الدكتور فواز قائلاً: إن للإنسان تكويناً بدنياً وتكويناً نفسياً.. فكما أن هناك جسماً يتحرك فهناك روح تنمو.. ولهذا فإنه في الوقت الذي نهتم فيه بالنمو الجسمي لأولادنا، فإنه يتحتم علينا أن نهتم بأرواحهم ونموها، هذا النمو الذي يبلغ أوج فورانه - تكاملا ً أو تسافلا ً- في مرحلة المراهقة.
وقال فواز: إن الأسباب وراء اتساع الفجوة بين الأبناء والأهل أسبابها عدة، فمنها مثلاً المشاكل النفسية التي يدخل بها الطفل، عندما يشاهد مثلاً خلافاً أو نزاعاً بين والديه، أو انشغالهم عنه بشؤونهم الخاصة، مثل هذه الأمور قادرة على صنع جدار سميك بين الأبناء المراهقين وأهلهم، وأيضاً هناك عناصر مؤثرة في تربية المراهق وسلوكه.. فمنها ما هو ذاتي، كالصفات الوراثية، والبنية النفسية والعقلية، ومنها ما هو محيطي، كسلوك الآباء، والأقارب المنحرفين، والأصدقاء، والجو المدرسي، وأخيراً وسائل الإعلام المختلفة.
ما العمل؟
التعامل مع فئة المراهقين في غاية الخطورة سواء كانوا بنين أو بنات، ولابد أن يكون هناك حذر في التعامل معهم، حتى لا تكون هناك ثغرات يستغلها المراهقون في سلوكياتهم الحياتية، ويرى دكتور علم النفس عبد الله عساف أن تقليص الفجوة بين الأبناء والأهل تتم من خلال الاهتمام بالبعد النفسي للمراهق أو الشاب، الاهتمام بالبعد العاطفي كالحساسية والاضطرابات والقلق والصداقة والخصومة وما شاكل من الحالات التي تعتري حياة المراهق والشاب.
بينما يرى دكتور التربية فواز عقل أن تقليص الفجوة يتم من خلال التوصيات العملية لتربية المراهقين تربية حوارية هادفة؛ إذ نلاحظ أن الشباب في هذا العصر يملكون اطلاعاً واسعاً، وقدرة تحليلية في عالم السياسة والاقتصاد والثقافة، وبما أن الساحة مليئة بالأفكار المستوردة، والانحرافات الثقافية، والمفاهيم الزئبقية التي يُساء الاستفادة منها، فإن من اللازم علينا أن نأخذ بيد الشباب الذين يعيشون شيئاً من الحيرة الفكرية التي هي من إفرازات الحرية الفكرية!! ولا يتم ذلك إلا بالنقاش مع صدر واسع، بدلاً من المواجهة والاتهام بالانحراف، فإن ذلك من موجبات العناد والتمسك بتلك المفاهيم، ولو من باب التحدي والإغاظة!! وقد جاء بما يقرب من هذا المضمون الشريف: "أدّبوا أولادكم بغير أدبكم.. فإنهم خُلقوا لزمان غير زمانكم"
وتابع: من التوصيات العملية للآباء: إنشاء حالة من الصداقة مع الولد، والابتعاد عما هو سائد في مجتمعات الشرق من أسلوب ( العصا والخيزران )!.. إن من شأن هذه الصداقة أن تجعل الولد يشكو همومه إلى والديه - وهما الأعرف بما يصلحه - بدلاً من الالتجاء إلى الغرباء!
ومن التوصيات المهمة للآباء، إظهار حبهم و مشاعرهم ورضاهم للأبناء، و الابتعاد عن الاتهام و سوء الظن! إذ يُلاحظ أن الولد عندما يرى نفسه متهماً في المنزل، فإنه سيفقد الثقة بنفسه، و من هنا ينبغي على الأب الذي يرى من ولده بادرة حسنة، أن يستثمر الفرصة، و يشجعه و يمتدحه معبراً عن ذلك بفرحه، وإلى أن يقوم كل بدوره تبقى الفجوة والجدار آخذين بالاتساع. فهل نستطيع إيقافهما وتلاشي خطرهما المحدق بنا
اكتشفي إيجابيات ابنك وعبري له عن حبك ( 1 - 2 )
هاني العبد القادر
سؤال كثيرا ما يطرح علينا أو نطرحه على أنفسنا، كيف نتعامل مع ابننا المراهق، وكيف نبني معه علاقة سليمة وصحيحة؟
إن من أهم الأساليب العملية للتعامل مع المراهقين، بناء الصداقة، ويتضمن هذا المحور عدة عناصر نتحدث في هذه المقالة عن عنصرين منها:
العنصر الأول: اكتشاف الإيجابيات الصغيرة:
في الغالب ينتبه الوالدان لأخطاء الابن وعيوبه أكثر من انتباههما لمحاسنه وميزاته وإنجازاته، أو ينتبهان لبعض الإيجابيات الجيدة نسبياً، مثل: اجتهاده في الدراسة ولا ينتبهان لما هو أهم منه ألف مرة وهو محافظته على الصلاة مثلاً، أو يلاحظان لكن لا يقدمان رد فعل إيجابياً يوازي على الأقل رد الفعل السلبي على أخطائه.
وكما يحدث من بعض الجهلة من المديرين حينما يكثرون من الانتقاد للموظفين ويظن أن الموظف لا يستحق أن يشكر على تصرفاته الجيدة؛ لأن ما يقوم به هو واجب عليه في الوقت الذي يستحق اللوم أو العتاب على تقصيره وأخطائه، فيصبح 90% من حديث هذا الرئيس الفاشل لوما وعتابا وتوجيها وأوامر.
أنت أيضاً أيها الأب لا تكن رئيس أسرة فاشل في بيتك، نجاحك الحقيقي بعنايتك بالإيجابيات مهما كانت صغيرة في نظرك عنايتك بـ5% من إيجابيات ابنك المراهق أو بنتك المراهقة تحولها المرة القادمة إلى 50% وكفانا ملاحظة وانتباه إلى سلبيات أولادنا وعيوبهم، واستمع معي لقول الشاعر:
لسانك لا تذكر به عورة امرئٍ *** فكلك عورات وللناس ألسنُ
وأبناؤنا أيضاً لهم ألسن ولهم أعين فاحصة، تنتقد آباءهم بكل دقة ومثالية وقسوة أحياناً، وإذا أصررنا على تتبع عثراتهم وملاحظة زلاتهم سيبادلوننا النظرة السلبية بتتبع عيوبنا، واكتشاف التناقض بين المثالية التي نتطلبها وحقيقة شخصيتنا، وتشوه صورتنا المشرقة في أذهانهم، وعلى العكس إذا لاحظنا ميزاتهم سيتعلمون هذه الإيجابيات، وتبدأ أعينهم تبحث عن الإيجابيات التي بنا فيزداد إعجابهم وتعلقهم واستفادتهم منا، إضافة إلى ذلك فإن بحثنا عن إيجابيات أبنائنا وميزاته يزيد اعتزازنا بهم وحبنا لهم، هذا الحب الذي يحتاج دائماً إلى تعبير، فعلينا ألا نحرم أنفسنا وأبناءنا لذة التعبير عن هذا الحب.
العنصر الثاني: عبر له عن حبك:
عبّر له عن حبك بالهدية فهي تعبير عن المحبة وسبب في زيادتها، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "تهادوا تحابوا" حسنه الألباني.
هناك شيء آخر يعبر له عن المحبة ويزيدها، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "ألا أدلكم على شيء إذا فعلتموه تحاببتم؟ أفشوا السلام بينكم" رواه مسلم، وحتى تكون هذه الوسيلة في المحبة لابد من إفشائها في البيت، فلا تقول: ألقيت السلام عند دخولي البيت، بل أفشِ السلام إذا دخلت غرفة سلّم، أردت الخروج سلّم، عدت سلّم، عن أبي هريرة - رضي الله عنه - عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "إذا لقي أحدكم أخاه فليسلم عليه، فإن حالت بينهما شجرة أو جدار أو حجر ثم لقيه فليسلم عليه" رواه أبو داود وصححه الألباني.
هذا سيجعل الأسرة كلها تكتسب منك هذه الصفة طول اليوم، أفراد أسرتك يدعون لبعضهم بالأمن والرحمة والبركة من خلال هذه التحية العظيمة.
ومن أكثر ما يثبت المودة: احترامك وإكرامك لأصدقاء ابنك أو ابنتك؛ ادعهم للبيت، وقدم لهم الهدايا، واسأل عنهم، لا ولدك ولا أصدقاؤه ينسونها لك وبالتالي ستكسب إلى صفك أكبر مؤثر على ابنك وهم أصدقاؤه.
أيضاً من الأشياء المهمة جداّ أن تدعو لابنك في ظهر الغيب، ومهم أيضاً أن تدعو له في وجهه وعلى مسامعه دعوات تسعده وتشعره بحبك له، فلا تبخل عليه بدعائك.
عبّر عن حبك له بثنائك عليه في غيابه، وسيصل حديثك ولو بعد حين وسيكون أثرها بالغاً جداً على نفسه، كذلك لا تنسى أن تعطي ولدك أو بنتك كنية يحبها، وهذه سنة: أبو فلان، أم فلان نادهم بها.
لماذا لا نعبر عن مشاعرنا لهم بطريقة مباشرة؟
أخي الفاضل، أختي الفاضلة ألا تحبان أبناءكما؟ قولا لهم هذا الشيء.
قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إذا أحب أحدكم أخاه فليخبره" أخبر ابنك وأخبر ابنتك، قل: أحبك يا فلان أحبك يا فلانة، لماذا قاموس الكلام الحلو محصور بين الأزواج يجددون فيه ويتفننون، أما المراهقون! مساكين حتى هم يريدون أن يسمعوا كلاماً حلواً يكفيهم عن البحث خارج البيت عنه، لا شك إن فعلت ذلك ستغمرين قلب ابنك أو ابنتك المراهقة بالحنان، إذا أخذته بين ذراعيك، وقلت له أو لها: أحبك، الحمد لله الذي رزقني ولداً مثلك.
اليوم جربيها، ستجدين الفرحة قد غمرت قلبه وقد يتعجب قولك فيجيبك: ما الأمر يا أمي، ما القصة يا أبي؟!..
أجيبيه ليس هناك شيء فقط أحببت أن أحضنك، وانظري أثر السحر على قلبه وتصرفاته لكن لا تربطيها بشيء، أي لا تفعليها وهو يذاكر مثلاً حتى لا يخطر في باله أن المحبة من أجل المذاكرة، ولا تؤخري كل هذا عن ابنك أو بنتك إلى أن يتوقف عن شيء ما تريدينه أو ينفذ شيئاً تريدينه، وكأنك تبتزين أبناءك واحدة بواحدة، إذا ذاكرت أحبك، إذا رتبت غرفتك أقول لك كلمة حلوة، تكون الأول أحضنك مبدأ الأرض مقابل السلام، هذا لا نريده.
إن اكتشافك لإيجابيات ابنك وتعبيرك عن حبك له سيجعل لأحاديثك مكاناً في سمعه ووجدانه بشرط أن تتحدث كصديق..
المصدر: http://www.lahaonline.com
ـــــــــــــــــــ(101/85)
أطفال المناديل...!!
فوزية الخليوي * 5/9/1426
08/10/2005
محمد طفل في العاشرة يقف عند الإشارة لبيع المناديل, بينما ترقب عيناه بخوف وحذر أخاه الأصغر سناً في الجانب الآخر، وهو يبيع عبوات المياه الصحية!!
لاشيء أقسى على الإنسان من أن يرى فلذة كبده تلفحه رياح الظهيرة!! وتسود وجهه شمس الصيف الحارقة!! يقف وحيداَ أمام سيل متدفق من السيارات المسرعة!!
أي رقيّ للمجتمع في ضياع من يعّول عليهم أن يكونوا صُنّاع الحياة, ومن يديرون دفة هذا المجتمع إلى برّ الأمان..عالة في الطرقات, يفترشون الأزقة, ويقتاتون الجوع ,ويتوسّدون الوحدة!!
انتشرت عمالة الأطفال في مدن المملكة بشكل واضح, فتجدهم أمام ساحات الحرمين, وعلى الكورنيشات والمتنزهات العامة, وعند مفترق الطرق والإشارات!!
وفي تقرير لمنظمة العمل الدولية( حول مكافحة عمل الأطفال) نقلاَ عن (أمان): أن عدد الأطفال العاملين (246) مليوناً,(127) مليون طفل أقل من (14) عاماَ يعملون في المنطقة الآسيوية!!
منهم (73) مليون طفل عامل تقلّ أعمارهم عن عشر سنوات! وأشار التقرير إلى عدم وجود بلد خالٍ من الأطفال العاملين!!
ومن أهم العوامل التى ساعدت في نشوء هذه الظاهرة في المملكة:
1- الفقروالحاجة: والتي شكلها تواجد الجنسيات الوافدة بشكل غير رسمي في أحياء مشهورة في مدن المملكة.
2- تدني ثقافة الأسرة وتفكّكها: ورضا الوالدين أن يزجّوا بأبنائهم الصغار الذين لم تكتمل قدراتهم العضلية والعقلية من أجل حفنة من الريالات.
3- تهريب الأطفال: (يشكل تهريب الأطفال إلى السعودية قلقاًَ بالغاًَ للحكومة اليمنية التي نفّذت دراسة ميدانية حول هذا الموضوع كشفت فيها أن الفقر يقف عاملاً رئيساَ وراءها, وصدر تقرير عن منظمة اليونسيف يؤكد أن خمسين ألف طفل وطفلة يمنيين تتراوح أعمارهم ما بين(7-18) سنة هُرِّبوا خلال العام الماضي). صحيفة بترا عدد 8 أيار 2005.
4- عدم وجود التعليم الإلزامي
5- عدم وجود أوراق ثبوتية للطفل كالجنسية.
6-الجهل بقوانين عمالة الأطفال.
مخاطر عمالة الأطفال:
1-انقطاعهم عن التعليم
في تقريرأصدرته منظمة الأمم المتحدة للطفولة(اليونسيف) يقدر عدد الأطفال في العالم (12) مليون طفل, (5,7) ملايين طفل في الوطن العربي لم يسبق لهم الالتحاق بالمدرسة الابتدائية!
وتقف المدارس موقفاً سلبياً من هذه الظاهرة، ولا أدلّ من ذلك من وقوف الكثير من الأطفال الباعة أمام المدارس بكل هدوء مما يؤثر سلباً على الأطفال ويشجعهم على السير على شاكلتهم!!
2-الجنوح للجريمة:
في دراسة للدكتور عدنان الدوري 1985م , أشار إلى أن غالبية الدراسات العلمية أشارت إلى أن معظم المجرمين دخلوا عالم الجريمة السفلي من باب الجناح المبكر, وأن معظم الجنايات الخطيرة يرتكبها اليوم أشخاص تقل أعمارهم عن الثامنة عشرة في المجتمعات الكبيرة.
3-المخاطر الصحية:
يتعرض هؤلاء الأطفال لمخاطر الطرق والمواصلات كالإرهاق الجسماني المستمر, كما أن فئة منهم تعمل بجمع القمامة مما يعرّضهم للأمراض من جرّاء أكل الأطعمة الملوثة الفاسدة, وقدّرت اليونسيف70% يعملون في الزراعة؛ مما يعرضهم للمواد والمعدات الخطرة.
4-الاستغلال الجنسي:
وفقا لتقرير اليونسيف (أمان) هناك (4,8) مليون طفل يُستغلون في أعمال مخلة, (2,1) مليون يُستغلون في أعمال التهريب.
ونتيجة لاحتكاكهم الدائم برفقاء السوء, وأرباب العصابات مع غياب الرقيب العائلي, أصبحوا فريسة سهلة للانحراف الأخلاقي ففي المملكة عدد الأطفال اللقطاء المكتشفين عام2002 هو (278) طفل (الشرق الأوسط عدد 17 كانون الثاني 2004).
5- التسوّل
بسبب انقطاع فرص العمل عنهم فيضطرون للتسول لتأمين لقمة العيش, وجاء في تقرير لجريدة الرياض(عدد شباط6- 2005): إنها قامت بجولة في موسم الحج على الأطفال المتسولين, فوجدت أن دخلهم يتراوح بين(1000-2000) يومياُ؟!هذا في مكة,أما في جدة كما نقلت الشرق الأوسط( عدد19أيلول 2005) فإن مركز إيواء الأطفال المتسولين التابع لجمعية البر رحّل (1933) طفل متسول وأعاد(1188) إلى أسرهم منذ إنشائه!!
6- حرمانهم من الضمان الاجتماعي, والتأمين الصحي.
7- ارتفاع نسبة الوفيات:
أشار تقرير منظمة اليونسيف إلى ارتفاع نسبة الوفيات بين الأطفال في العالم العربي حيث يسجل(225) حالة وفاة لكل ألف ولادة, وهي خامس أعلى نسبة وفيات في العالم( نقلاًَ عن المركز التقدمي لدراسات المرأة)
العلاج:
1-التعليم الإلزامي:
ففي تقرير صادر عن صندوق الأمم المتحدة ( اليونسيف) أن نسبة الانتظام الصافي في المدارس الابتدائية للذكور والإناث في السعودية 56% خلال الفترة من 1992م-2002(نقلاً عن أمان)
2-عمل بحوث اجتماعية في الأماكن الحرفية ,والمصانع والورش.
3- تأهيل أطفال من سن (10-15) ورعايتهم صحياً ونفسياً, وتدريبهم على بعض الحرف التي تتناسب مع أعمارهم, وتكوينهم الجسمي والنفسي.
4- توعية الأسر التي تدفع أبناءها إلى العمالة بخطورة المشكلة.
5- افتتاح مركز لإيواء الأطفال المشردين, أسوة باليمن التي قامت بافتتاح مركز مماثل في منطقة حرض الحدودية مع السعودية.
6- وضع المشاريع الجادّة للقضاء على هذه الظاهرة, مع الوضع بعين الاعتبار العائد المادي للقضاء عليها!! كما جاء في دراسة قامت بها منظمة العمل الدولية التابعة للأمم المتحدة "إن المنافع الاقتصادية التي تعود بها عملية مكافحة تشغيل الأطفال على مستوى العالم تتجاوز تكاليفها بمعدل(6,6- 1) فمثلاً في شمال إفريقية والشرق الأوسط ستكون الفوائد هي الأكبر مقابل التكاليف (8.4-1).
* عضو الجمعية العلمية السعودية للسنة النبوية.
ـــــــــــــــــــ(101/86)
أعِنْ ولدَك على برّك
هناء الحمراني 3/9/1426
06/10/2005
حدثتني قائلة: (تورّم وجه أمي الحبيب..وارتفعت درجة حرارتها..كنت في المرحلة الثانوية آنذاك..وللتوّ عدت من المدرسة..فوجئت بمنظرها..وسألتها وأنا أقف عند باب غرفتها:
- ما بك؟
- ضرسي يؤلمني قليلاً..
-آه..إذاً..سلامتك..
وعدت إلى غرفتي لأبدل ثيابي ثم أقصد غرفة الطعام، وأتناول الغداء بينما شقيقتي قد وضعت يدها في يد أمي وفي عينيها علامات الألم والقلق لحالتها..
لا أذكر كم من الأيام ظلت مريضة..وكم هو حجم معاناتها..أو على الأقل..ماذا قال لها الطبيب..؟ كلما أذكره هو أنني نسيت موضوعها تماماً حينما صعدت إلى غرفتي..
كلما تذكرت هذه الحادثة..أشعر بالخجل..والألم..بل يطغى شعور قوي بأنني غبية..غبية جداً..
هل تذكر والدتي هذه الحادثة؟هل عدّت لا مبالاتي يومها بأنني لا أحبها؟ أو أنني بعيدة كل البعد عن البر بها؟
لقد مرت السنوات..وأصبحت أماً..وعرفت ما معنى أن يهتم بي أبنائي.. ولذلك قرّرت أن أجعلهم يهتمون بي.. إن لم يفهموا ذلك من تلقاء أنفسهم..
***
لماذا لم تعاتب الأم ابنتها؟ لماذا لم تحاول إفهامها كم هي بحاجة إلى كلمة طيبة..أو لمسة حانية..أو سؤال عن الحال في كل مرة تقابلها؟
فكرت كثيراً في تلك القصة..وسمحت لعيني بالتجوال في حياتنا..وتأمل علاقاتنا الأسرية..آباء وأبناء..
من الأبناء من هو بار بالفطرة..حنون..وطيب..ومنهم صنف آخر..قد يكون غافلاً عن مواطن البر وأساليب التقرّب من الوالدين والاهتمام بهما..
هل نحكم عليهم بأنهم قساة؟ أم نعذرهم ونعلل قسوتهم بشتى العلل.. فما يفعلونه بنا قد فعلناه بآبائنا!! ثم نصفق يداً بيد، ولا نحاول تغيير شيء في الموضوع..
عذراً أيها الآباء..وأنا منكم..ولكن..لماذا نلملم آلامنا المبعثرة في كيس أسود ونختفي بها بعيداً عن أبنائنا؟
ولماذا نئن بصمت ولهم الحق في أن يشعروا بمعاناتنا؟
لا نعني هنا أن نقوم بنشر خلافاتنا الزوجية أمامهم..أو زلزلة الأمن من تحت أقدامهم..ولكن عليهم أن يساعدونا عندما نحتاجهم..ولنا الحق في أن يبروا بنا..فهلا رفعنا شعار المطالبة بهذه الحقوق؟
_ _ _
طفلك ذو السنة والنصف..أحسبه يستطيع الكلام..وإن لم يكن فصيحاً..
فلماذا إذاً يسير بخطواته المترنحة ليدخل عليك في المجلس دون أن يعبأ بك، وكأنك قطعة من الأثاث..بلطف حدّثه..أخبره كم يسرك أن تسمع منه تحية الإسلام..وكم يفرحك قبلة منه على رأسك..
_ _ _
هل أنت خارج إلى العمل؟ أين طفل السنتين..(حذائي..وحقيبتي..من يحضرهما لي؟).
دعه يودعك..(قل: مع السلامة يا بابا).
_ _ _
كان طعام الغداء لذيذاً..(شكراً ماما)هي أقل ما يمكنك يا عزيزتي تعليمه لأبنائك..فهذه الكلمة(تفرحني..وتجعلني أنسى التعب الذي مرّ بي وأنا أصنع لكم الغداء يا أبنائي..)
و(هذا الطعام لا يعجبني)جملة(تجرح مشاعري).
عفوا..إنهم يريدون القيام لغسل أياديهم والاستلقاء أمام الرسوم المتحركة..استوقفيهم..(من سيحمل الأطباق إلى المطبخ؟) قد لا تجدين من يردّ عليك..ولكن مئات الأساليب الطيبة ستجعلهم يقومون بذلك من أجلك..
_ _ _
ابنتك الآن تدرس في المدرسة..تعرف متى تأتي الساعة الثالثة ظهراً..والساعة العاشرة مساء.. أليست هذه مواعيد شربك الدواء؟ أوكلي إليها مهمة تذكر مواعيدك..وإحضار كأس الماء لك..(كم أنا راضية عنك يا ابنتي..ولذلك فإن الله راضٍ عنك).
_ _ _
(كنت أتمنى أن أكون أول من يرى هديتك)عبارة أراها مناسبة لابنتك المتفوقة التي جاءت لتريك هديتها، وقد مزقت الغلاف في المدرسة..فمن حقكما أيها الأبوان أن تكونا أول من يسعد بإنجازات أبنائكما..
_ _ _
إن كنتما ستدخلان في شجار مع أبنائكما فلا تحاولا اتباع النصائح السابقة..وإن كانت لديكما الرغبة الصادقة في أن تساعداهما على البر..فلا بد من الصبر..والهدوووووووء..والحكمة التي ستأتي من خلال التجربة..وكثير من الدعاء..بالإخلاص..والتوفيق..والقبول..
( ... رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَاماً)[الفرقان: من الآية74]
ـــــــــــــــــــ(101/87)
يا بني لقد أصبحت رجلاً
د. علي بن مقبول الأهدل
الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً رسول الله، أما بعد:
أيها المسلمون:
إننا بمناسبة قرب الدراسة والعودة إلى التحصيل العلمي والدراسي نريد أن نتوجه إلى الشاب والطالب، فهو المسؤول الأول والأخير، وأبادره وأقول له: يا بني لقد أصبحت رجلاً، إنني أتوجه إليك وأقول لك:
أعد النظر في حياتك، فأنت الآن في المرحلة الثانوية والجامعية، وإن الانتقال إلى هذه المرحلة يستوجب منك أن تفكر كثيراً في نفسك، وأن تراجع حياتك كلَّها، فلم يعد يقبل منك اليوم ما كان يقبل فيما سبق.
ابدأ عامك الجديد بعبادة الله - تعالى- وأهم شيء في ذلك الصلاة، فهي - كما أخبر - صلى الله عليه وسلم -: ( إن أول ما يحاسب عليه العبدُ يوم القيامة من عمله صلاتُهُ، فإن صلحت فقد أفلح وأنجح، وإن فسدت فقد خاب وخسر، فإن انتقص من فريضته شيءٌ قال الرب - عز وجل -: انظروا هل لعبدي مِن تَطَوُع فيُكَمَّلُ بها ما انتقص من الفريضة، ثم يكون سائرُ عمله على ذلك) رواه أصحاب السنن.
وحين أوصيك بالصلاة فهذا لا يعني أنني أتهمك بأنك تترك الصلاة بالكلية، لكن ما شأنك مع صلاة الجماعة؟ وهل أنت تعتني بالخشوع في الصلاة؟ وهل تؤديها بطمأنينة، وهل ترعى سائر آدابها؟ هذا أولاً.
ثانياً: انظر في حالك مع والديك:
عنايتك ببرهما، فقد قرن الله حقهما بحقه - تبارك وتعالى -، وَعَدَّ النبيُ - صلى الله عليه وسلم - عقوق الوالدين من أكبر الكبائر، فعن أنس - رضي الله عنه - قال: سُئلَ النبي - صلى الله عليه وسلم - عن الكبائر فقال: (الإشراكُ بالله، وعقوقُ الوالدين، وقتلُ النفس، وشهادة الزور).
وليست خطبتي عن حقوق الوالدين فهذا له مجال خاص، ولكني أذكرك - وقد أصبحت رجلاً - بالعطف على والديك كما كانا يعطفان عليك وأنت صغير، وإلا ينطبق عليك قول الشاعر:
غذوتك مولوداً وعلْتكَ يافعاً تُعَلُّ بما أُدني إليك وتُسْهَل
إذا ليلةٌ نابتك بالسُقم لم أبتِ لذِكْرِك إلا ساهراً أتَململُ
كأني أنا المطروقُ دونك بالذي طُرِقْتَ به دوني وعينيّ تَهْمِلُ
تخاف الردى نفسي عليك وإنها لتعلمُ أن الموت حتْمٌ مؤجلُ
فلما بلغت السن والغايةَ التي إليها مدى ما كُنتُ منك أؤمِلُّ
جعلت جزائي منك جبهاً وغِلظة كأنك أنت المنعم المتفضل
فليتك إذ لم ترع حق أبوتي فعلت كما الجار المجاور يفعل
فأوليتني حقَّ الجوار ولم تكن عليَّ بمالي دون مالك تبخل
وأذكرك يا بني بهذه القصة الشعرية الرمزية وهي قصة تحكى:
أن رجلاً أغرى غلاماً أن يقتل أمَهُ وله دنانير ودراهم كثيرة، وأعطاه خنجراً.
فصور لنا الشاعر هذه القصة، وبين ما يكنه قلبَ الأم والأبِ من مشاعر وعواطف وحنان ورأفه، فقال:
أغرى امرؤٌ يوماً غلاماً جاهلاً بنقوده كيما ينالَ به الوَطَرْ
قال ءاتني بفؤاد أمِّكَ يا فتى ولك الجواهرُ والدراهمُ والدُّرر
فمضى وأغرز خنجراً في صدرها والقلب أخرجه وعاد على الأثَرْ
لكنه من فرطِ سرعته هوى فتدحرج القلبُ المقطع إذ عثر
ناداه قلبُ الأم وهو مُعفرٌ ولدي حبيب هل أصابك من ضرر
فكأن هذا الصوت رغم حنوه غضب السماء على الغلام قد انهمرد
فدرى فظيعُ جناية لم يجنها ولد سواه منذُ تأريخ البشر
فارتدّ نحو القلب يُغسلُهُ بما فاضت عيناهُ من سَيْل العبر
ويقول يا قلبُ انتقم مني ولا تغفر فإن جريمتي لا تُغتفر
واستل خنجره ليطعن قلبه طعناً فيبقى عبرةً لمن اعتبر
ناداه قلب الأمِّ كُفَّ يداً ولا تطعن فؤادي مرتين على الأثر
ثالثاً: يا بني أيها الطالب:
تفقد لسانك ونظرك وسائر جوارحك، ثم انظر في أصدقائك، واعلم أن المرء يوم القيامة يحشره الله - تبارك وتعالى - مع من يحب، وأنه على دين خليله، ثم ما شأن اهتمامك؟! هل أنت لا تزال تعيش آمال الأطفال؟! وتفكر تفكيرهم؟ فقد ودعت مرحلة الطفولة، ودخلت عالم الرجال، بكل ما تحمله هذه الكلمة من معنى!
ما أمنياتك وطموحاتُك؟ فالمؤمَّلُ فيك! ألا تقف طموحاتُك وأمنياتك عند الحياة الدنيا، بل تتجاوز ذلك.
إنك بحاجة إلى أن تقف مع نفسك، وتفكر كثيراً في حالك، ثم تصلح ما لا يرضي ربَك ومولاك.
واحذر قولَ بعض الشباب: متِّعْ نَفْسَك في شبابك، وتستطيع تدارك ما فات حين يتقدم بك السنُ؟
هذا المنطلق يا بني بعيد عن الحقيقة لأمور:
أولاً: أن المتعة الحقيقية هي في طاعة الله، والاستقامة على شرعه، لكن المعرضين لا يدركون ذلك.
ثانياً: الشباب فرصة لا تعوض، فقد أخبر - صلى الله عليه وسلم - أنه يوم القيامة حين تشتد الأهوال بالناس، وتدنو منهم الشمس حتى تكون كقدر ميل، في ذلك اليوم يكرم الله طائفةً من عباده، فيظلهم في ظله، ومنهم شابٌ نشأ في عبادة الله، فهل يمكن أن يقارن متاعُ الدنيا وشهواتُها العاجلة بهذا النعيم والتكريم الرباني؟
ثالثاً: أن المرء يُسْأَلُ يوم القيامة عن أمور منها: عمره، ثم يسأل عن شبابه، فيسأل عن مرحلة الشباب مرتين، فبالله عليك ماذا يقول اللاهون العابثون؟
رابعاً: أن مرحلة الشباب - أيها الطالب- مرحلة طاقةٍ وحيوية ونشاط، ما إن تنتهي حتى يبدأ العد التنازلي بعد ذلك، ويعود الإنسان إلى ضعف كما أخبر الله - عز وجل -: ((الله الذي خلقكم من ضعفٍ ثم جعل من بعد ضعفٍ قوة ثم جعل من بعد قوة ضعفاً وشيبة يخلق ما يشاء وهو العليم القدير)).
فهل يسوغ لعاقل أن يقول سوف أؤخر الاجتهاد في الطاعة والعبادة إلى أن تنقضي مرحلةُ الشباب! مرحلةُ الحيوية والنشاط والفتوة؟ وتأتي مرحلةُ الشيخوخة والعجز والضعف؟!
خامساً: وهو أهم الأمور من يضمن للشاب أن يمتدَ به العمرُ حتى يبلغَ مبلغ الكهول والشيوخ، فقد يدركه الموت وهو لا يزال شاباً، بل ولو ضُمِّنَ له البقاءُ فهل يَضْمن أن يوفق للاستقامة والتوبة؟!
لعمرك ما يغني الثراءُ عن الفتى إذا حشرجت يوماً وضاق لها الصدرُ
ثم اعلم أن هناك من قد ماتوا وهم في ريعان الشباب؟!
وكما ذكر أحدهم: سأله شاب لو تأخر من مات وتأخر دفنه فهل يسأل عن ربه ودينه ونبيه؟! والجواب: نعم يسأل.
وآخر أدى امتحان الشهادة الثانوية، وسافر قبل أن يعلم نتيجته؛ لكن الأجل كان أسبقَ منها، وآخر أتم الدراسة الجامعية وجاء من سفره وهو ينتظر الزواج والوظيفة!! ولم يكن يعلم - رحمه الله - أن الأجل أسبقَ له من مدينته التي رأى معالمها لكنه لم يدخلها إلا محمولاً!!
وشابان صالحان - نحسبهما كذلك والله حسيبهما ولا نزكي على الله أحداً - أحدهما درس أسبوعاً واحداً في الجامعة، والآخر أوشك على إنهاء رسالة الماجستير، وافاهُما الأجل قادمين من البلد الحرام.
وربما كانا يفكران في المستقبل، وكان أهلهما يعقدون عليهما آمالاً في هذه الدار، فمضوا وودعوا الدنيا بما فيها؟!!
فهل يظن أحدٌ من الشباب أن الأجل سيخطئه، أو يضمن أنه سيبلغ المشيب؟!!
وكم تحصد الحوادث والكوارث اليوم من العشرات وهم في ريعان الشباب!!
ولَعَلِّي قد أطلت عليك يا بني لكنها نصيحةَ مُجَّربٍ صادق أمين، لا يريد لك إلا ما يريدُه لأولاده، وأبناء أمته، وفقك الله ورعاك، وحفظك أنت وإخوانك وأسرتك ووالديك.
هذا وأستغفر الله العظيم لي ولكم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد:
يا بني لقد نصحتك في الخطبة الأولى، وأريد أن أوضح لك قضية مهمةً خطيرةً في غاية الأهمية وهي قضيةُ الصحبة، وأنت في المرحلة الثانوية، في مرحلة بدأت تطلع إلى الأصدقاء والصداقة، ومن حقك ذلك، ولا أطالبُك بالعزلة والانفراد، لكنني يا بني لستُ أنهاك عن صحبة الناس، ولا آمرك باعتزالهم، إنما آمرك وأؤكد عليك أن تصاحب الأخيار الصالحين، فستجد لديهم - بإذن الله - كل ما تبحث عنه لدى سائر الناس، من الراحة، والأنس، وزوال الهموم، علاوةً على ذلك: هناك فضائل لصحبة الصالحين، وأجر عظيم رتبه الله على ذلك، وإليك بعضُ هذه الفضائل:
أولاً: أن العبد كما أخبر النبي - صلى الله عليه وسلم - يحشر يوم القيامة مع من أحب، فإذا أحب المرءُ الصالحين فإنه يحشر معهم يوم القيامة ولو كان عملُهُ أقلَّ من عملهم.
2. أن الجليس الصالح كما أخبر النبي كحامل المسك، فهو إما أن يحذيك، وإما أن تبتاع منه، وإما أن تجد منه ريحاً طيبة.
3. أن الله يمن يوم القيامة على المتحابين في الله فيظلهم في ظله يوم لا ظل إلا ظله، يوم تدنو الشمس من الخلائق فيبلغ منهم الجهد والعرق كلَّ مبلغ، كما قال - صلى الله عليه وسلم - رواه البخاري
4. أن الله يمن عليهم يوم القيامة بمنزلة عالية أخبر عنها النبي - صلى الله عليه وسلم - في قوله: (قال الله تعالى: المتحابون في جلالي لهم منابرُ من نور يغبطهم النبيون والشهداء) رواه الترمذي وأحمد.
5. أن المتحابين في الله تبقى محبتُهم وصلتهم يوم القيامة، يوم يتبرأ الخليلُ من خليله، ويوم يفر المرء من أبيه وأمه وبنيه. ((الأخلاء يومئذٍ بعضهم لبعضٍ عدو إلا المتقين)).
6. المتحابون في الله - يا بني أيها الطالب- يحبهم الله - تبارك وتعالى - كما ورد في الحديث، فقد جاء أبو إدريس الخولاني لمعاذ - رضي الله عنه - فقال له: (إني أحبك) فقال معاذ: أبشر فإني سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم- يقول: (قال الله - عز وجل -: وجبت محبتي للمتحابين فيّ، والمتجالسين فيّ، والمتزاورين فيّ، والمتباذلين فيّ ) رواه أحمد ومالك.
ولعلك قد تَسْألُني يا بني وتقول: هذه فضائل جمة، لكن قد يكون بين الأصدقاء في الدنيا خلافات في بعض الأمور أو حزازات ألا يحرمهم ذلك من النعيم يوم القيامة؟
وأقول لك: إن الناس يا بني ليسوا معصومين، فقد يوجد بين الإخوان والأصدقاء شيءٌ من الخلاف، لكن ينبغي ألا يدوم، ويجب أن يسعى المرء إلى صفاء قلبه لإخوانه، ويوم القيامة يمن الله عليهم كما أخبر - عز وجل - ((ونزعنا ما في صدورهم من غلٍ إخواناً على سررٍ متقابلين)).
وأريدُ أن أبين لك يا بني أننا أحياناً ننصح بعض الشباب بالابتعاد عن صديق سيء، أو زميل منحرف، فيقول لنا: إن هذا الذي أجالسه هو ابن عمي أو قريب لي أو جاري.
وأقول لهؤلاء: يخطئ كثير من الناس في تحديد مفهوم الجليس السيء إنه كل من يدعو الإنسان للمعصية، أو يسهلها له بقوله أو عمله، أو ينفره من الطاعة بطريقة مباشرة أو غير مباشرة، وقد يكون قريباً أو بعيداً، أو جاراً أو أخاً أو غير ذلك، كلَ هذا لا يشفع له ولا يخرجه من دائرة جلساء السوء، الذين يجب على المرء اجتنابهم، والبعدُ عنهم.
وفي المقابل فالجليس الصالح هو كل من يعين على الطاعة، ويدفع إلى الخير بفعله أو قوله.
لكنكَ قد تقولُ لي: إنني أعرفُ الخيرَ والشر، وهؤلاء الذين أجالسهم في المدرسة هم زملاء الدراسة، وأجالسهم فقط للأنس والانبساط دون أن أتأثر بهم؟
وأقول لك: أبداً يا بني، إن النبي - صلى الله عليه وسلم - ناصح أمين، وقد حذرنا منهم، وأخبرنا أنهم مثلْ نافخ الكير، فلا بد أن يتأثر بهم من يجالسهم، إما أن يقتدى بهم، أو يلقى سَمِعَة سيئة، أو يؤدوا به لمصيبة في دينه ودنياه، وهذا الاعتذار - يا بني - من أساليب الشيطان التي يخدع بها الإنسان حتى يوقعه في الفساد والسوء.
ولو فرضنا أنه لم يتأثر بهم أبداً - وذلك بعيد - فيكفي في ذلك أن هذا يكون سبباً لحبه لهم، وحين يحبهم يحشره الله معهم يوم القيامة؛ كما أخبر النبي - صلى الله عليه وسلم - أن من أحب قوماً حشر معهم، ولو لم يحبهم لم يجالسهم.
هذه نفثة قلب صادق إليك أيها الطالب، يا بني أيها الغالي على قلوبنا، وهي تذكرةٌ للآباء ليستفيدوا مما ذكرت، ويطبقوا ذلك على أولادهم.
نسأل الله أن يهب لنا من أزواجنا وأولادنا قرة أعين، اللهم أصلح لنا ذرياتنا وأزواجنا يا رب العالمين، اللهم أصلح شباب المسلمين، وأعنهم على طاعتك، واصرف عنهم شر الأشرار، وكيد الفجار، اللهم صلِ وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
المصدر : http://www.islamselect.com
ـــــــــــــــــــ(101/88)
اسمحوا لهم بالمشاركة
هناء الحمراني 16/8/1426
20/09/2005
أعرفها جيداً..تهتم بالدروس الخصوصية، تعطيها أغلب وقتها..طالبات يأتينها في العصر..وأُخريات في المغرب..وفي حالات الطوارئ تمتد الحصص إلى ما بعد صلاة العشاء..
تأمّلت طفلها يوماً فقد لفتت انتباهي حركاته..لم يكمل الثالثة من عمره بعد..إنه يمسك بكتاب بين يديه..يقلّب صفحاته بطريقة منظمة..يشير بخطوط صغيرة على المربعات البارزة..وبلغة غير مفهومة يتحدّث ناظراً إلى الكتاب، ويحرك القلم على كل سطر في الصفحة..
إنه -وببساطة- يحاكي أمه فيما تصنعه كل يوم..
ذلك المدرس الخصوصي الصغير..!!
وهذه أيضاً أعرفها..مدربة للحاسب الآلي في إحدى المراكز المتخصصة..ابنتها ذات الأربع سنوات ترافقها بشكل مستمر وقت الدوام..ثماني ساعات يومياً..جلست الطفلة على الكرسي..وبخطوات واثقة فتحت الحاسب الآلي، وبدأت الرسم في برنامج (الفوتوشوب)..ثم أغلقته وانتقلت إلى (الرسام)، ورسمت مجموعة من الدوائر الملونة.. ملّت من الرسام، وانتقلت إلى معالج النصوص(الوورد)، وشرعت في الكتابة والمسح.. جمل غير مفهومة..ولكنها تفهم ما معنى الحاسب الآلي نوعاً ما..
كان يدخّن عند محطة الوقود..في انتظار أن تمتلئ سيارته ويذهب..
طفل صغير..عمره أربع سنوات أيضاً..أخرج رأسه من نافذة سيارة أخرى..(يا أخي، جزاك الله خيراً..ارم السيجارة.. الدخان حرام)..
إن والده من أهل الحسبة..وهو يأخذه معه في كثير من الأحيان أثناء عمله..
أُهدي إليها مسّاكة شعر سماويّة اللون..أخذتها الطفلة ذات الأعوام الأربعة فرحة جذلى..سألتها:أعجبتك؟ قالت: نعم..فلديّ ثوب سماوي اللّون..لن أحتاج لشراء ثوب سماويّ آخر حتى ألبسها..
هذه الطفلة تعيش في أسرة ديدنها شراء الملابس والزينات بشكل مبالغ فيه ..
وهذه المرأة أعرفها منذ ثلاثة أعوام..لم تتخلف يوماً عن دار التحفيظ..كانت تأتي وبنياتها الصغار معها يحفظن القرآن..وتحمل بين يديها رضيعتها الصغيرة..
كبرت الطفلة..وتلك المرأة لم تزل كما عهدتها..مردّدة بشفتيها القرآن في كل وقت..لا تفتر ولا تملّ..قد تكون هناك كثير من النساء يفعلن ذلك..ولكن انظروا إلى تلك الطفلة ذات السنتين حينما كانت تنظر إلى وجه أمها وهي تردّد القرآن..ثم ابتعدت عنها قليلاً، وبدأت تحاكي نفس الحركات في الترديد..
إنها ليست هذه القصص وحسب..بل مئات القصص التي مرت في التاريخ، ومررت بها في حياتي اليومية..تسرد نفس الموضوع..ونفس النتيجة..بتفاصيل مختلفة..
فتّشوا في ذاكرتكم وستجدونها ملأى زاخرة بمثل هذه المواقف..وإن لم يخطر ذلك ببالكم فيما مضى..فلتتأموا من حولكم..وستجدون مواقف أجمل بكثير من التي قد ذكرتها لكم..أتوقع منكم إخبارنا بمثل هذه المواقف..التي قد تكون مشرفة..وقد تكون مؤلمة محزنة..
إننا نعلم أن التربية صعبة..نعلم أنها تحتاج إلى خطوات كثيرة كي نقطف الثمرة..الإخلاص..الدعاء..القدوة..الرحمة..إشباع الحاجات الأساسية ..
كلنا يعلم أن الطفل من عادته محاكاة من هم أكبر منه، ومن هم في سنه..بل ومن هم دونه أيضاً.
نعم..قد تكون أيها القارئ أو القارئة قدوة في الأخلاق..أو قراءة القرآن..أو في أساليب إنكار المنكر..أو حتى في علومك الحياتية..رسم..حاسب آلي..أو أي شيء جميل مفيد في هذه الدنيا..
ولكن المأساة حينما يستمتع الناس بصوتك..إبداعك..علومك ومهاراتك..وأخلاقياتك.. ويُحرم منها أقرب الناس إليك..
إن حديثي هذا ليس خاصاً بأحد الجنسين دون الآخر..أو للوالدين دون المعلمين والأئمة في المساجد..والإخوة والأخوات..إنه عام لكل من يملك موهبة أو منفعة..وخيراً لأمته الإسلامية..
كم هم الذين يقرؤون القرآن، ويغلقون دون أبنائهم الأبواب لكي لا ينزعجوا من ضوضائهم..!!
كم هم الذين يذهبون لإلقاء الدروس والمحاضرات دون اصطحاب أبنائهم وتركهم مع الخادمة..أو في الأماكن الترفيهية..بحجة أنهم مزعجون لا يفهمون شيئاً..!!
يجلس الكثيرون إلى جهاز الحاسب الآلي دون التفكير في إدخال هؤلاء الأطفال إلى هذا العالم الجميل..السهل الممتع..أهم مزعجون إلى هذا الحد؟
أليس لك أيها المربي هيبة تمنعهم من إصدار الضجيج..وممارسة ما لا يليق فعله وقت عملك؟
أليس ذلك أصلاً من واجبك أن تعلمهم آداب الجلوس في المجالس والمحاضرات أيها المربي؟
علّمهم الآداب..واسمح لهم بتعلم الفوائد منك بالمحاكاة..
قلوب أبنائنا فارغة، ولا بد لها أن تمتلئ، فلا تجعلوا لأحد سبيلاً كي يملأها بالفساد أو الشر..أو التفاهات..
ألكم هدف..موهبة..همٌّ سامٍ تحملونه بين جوانحكم؟
لتدعوا أبناءكم إذاً أن يشاركوكم تلك الإيجابيات لكي يمتلكوها..ويكونوا مثلكم..بل وأفضل منكم أيضاً.
ـــــــــــــــــــ(101/89)
عزوف الأبناء عن الحديث مع الآباء ... كيف نعالجه ؟
مع عودة الأبناء للدراسة تبدأ كثير من الأمهات في الشكوى والانزعاج من عزوف الأبناء عن الحديث معهن عن أمور الدراسة والمدرسين وما يمرون به من أحداث في اليوم الدراسي، ورغم الانزعاج والاستياء الواضحين على الأمهات من جراء هذا العزوف، إلا أنه حقيقة منتشرة ببين معظم التلاميذ.. وأرجع بعض الباحثين هذا العزوف إلى أن الأبناء يفسرون أن كثرة الأسئلة من آبائهم هي عدم ثقة فيهم أو في قدراتهم... ويؤكد الباحثون أيضًا أنه إذا فسرنا رغبة الطفل في الخصوصية بأنه علامة على صمته وإخفاء أشياء معينة نكون في الوقت ذاته نعطيهم رسالة مؤلمة معناها [أنت وحدك]، وبالتالي كلما كبر الطفل صعب على الوالدين معرفة إذا كان متضايقًا أو قلقًا من شيء في المدرسة.
خطوات التشجيع على الحوار:
ومن أجل تشجيع الأبناء على الحوار دون إشعارهم بأننا نتدخل في حياتهم إليك هذه النقاط:
1ـ اختيار الوقت المناسب:
أهم شيء أن يخبرك الطفل عندما يكون مستعدًا للحديث إليك، وأحيانًا يقرر الطفل أن يتحدث في الوقت الذي لا نستطيع ذلك، وفي هذا الموقف يمكنك أن تقول له: ليس لدي وقت الليلة، لنحدد موعدًا للحديث في وقت لاحق، وعندها تأكد من متابعة الأمر والتنفيذ! وستجد أن تأجيل بعض حاجاتك للحديث مع طفلك أمر مهم ويستحق التضحية؟ الكثير من الأطفال أكثر انفتاحًا بعد المدرسة، حيث يكون كل شيء حاضرًا وواضحًا في أذهانهم، فإذا كنت أبًا أو أمًا عاملة، حاول عمل محادثة تليفونية مع أولادك في هذا الوقت بشكل منتظم. أما بعض الأطفال فيفضل أن يحصل على فترة من الراحة والهدوء بعد المدرسة فإذا كان ابنك من هؤلاء الأطفال فامنحه فرصة للحديث، إما على مائدة الطعام أو قبل النوم.
2ـ أسئلة محددة:
لتكن أسئلتك محددة ومباشرة مثل: كيف حال يومك؟ سؤال عمومي قد لا يجد ما يرد به، لذا عليك طرح أسئلة محددة مثل: كيف كانت القراءة اليوم؟ ما الكتاب الذي قرأته اليوم؟ كيف استطعت حل مشكلة الحساب الصعبة؟ أي لا تسأل أسئلة عامة، حدد أسئلتك، ولكن هناك بعض الأسئلة لا يجب طرحها أبدًا: من حصل على أعلى درجة؟ ماذا حصل صديقك من علامات؟ هذه الأسئلة وغيرها قد تشعر الطفل بالنقص والضعف.
3ـ استرخاء وراحة:
إذا لم يشعر الطفل بالحرج من موضوع ما أو الخوف من توبيخك أو صراخك عليه يكون أكثر استرخاءً وراحة، والسبب في ذلك أن الكثير من الآباء يكون لديهم أحاديث ودية مع أطفالهم عندما يكون وحده في السيارة أو في البيت ليلاً، وتقول إحدى الأمهات: أفضل كلامي مع طفلي في أثناء إعداد الطعام. وإذا كان ابنك كثير التحدث فأنت من الآباء القلائل المحظوظين: فحاول كثيرًا أن تمتدحه بعبارات تشجيع فأنت في أحيان كثيرة ستحتاج إلى هذه التفاصيل.
4ـ نغمة صوتك:
نغمة الصوت التي تطرح السؤال لها تأثير كبير في دفع ابنك للإجابة عن أسئلتك أو تجنبها، فمثلاً قد يأتي سؤالك، هل صرخ المدرس في وجهك اليوم؟ بنغمة عالية دالة على الاتهام في الوقت الذي ترى أنه مجرد سؤال عادي من الآباء يبدأ حديثًا ودودًا ثم يتحول إلى نغمة مختلفة يشعر الابن معها بمشاعر مختلفة أغلبها مختفية لا تظهر إلا فجأة وهذا ما سيجعله يتحاشى الحديث معك في المستقبل.
5ـ التدريب المستمر:
[أ... م م م م]: تدرب على الاستماع الجيد، وذلك بتكرار ما يقول أو بتكرار أ... م م م م وتحدث بأسلوب متفهم حتى سؤالك له [وماذا حدث؟]، قد يحمل بعض القلق وبدلاً منه اساله [احكِ لي عن ذلك] وإذا قابلك أيضًا بصمت يمكن طرح سؤال بريء ومحايد مثل: يا ترى ما شعور الأطفال عندما يكون مدرسهم كثير الصراخ؟
6ـ لمس المشاعر!!:
ما يحتاجه الابن بالرغم من عدم إدراكه لهذا هو لمس المشاعر، فإما أن ينسحب ويرفض الحديث أو ينفتح ويكمل الحديث، فمثلاً أسئلة متفهمة مثل السؤال السابق يمكن أن تكون إجابته: لقد كان يومًا مؤلمًا.. لقد صرخت المدرسة في دون سبب. لقد كان موقفًا سيئًا جدًا، وحتى إذا لم يتكلم فقد سجلت عندها حيادك وتعاطفك وعدم إلحاحك في السؤال وتوجيه الاتهام... في أي موقف حاول أن تتخيل نفسك مكان ابنك وتخيل ما يشعر به ولا تتعجل في طرح الحلول التي قد تؤدي إلى مزيد من الانسحاب.
http://saaid.net المصدر :
ـــــــــــــــــــ(101/90)
عام دراسي جديد.. خطواتك للاستذكار الجّيد
الرياض: عبدالفتاح الشهاري 7/8/1426
11/09/2005
مع استهلال العام الدراسي، واستجماع الهمم بعد فترة ممتدة ليست بالقصيرة من الإجازة الصيفية، هاهم طلابنا اليوم يبدؤون عامهم الدراسي الجديد، بكل أمل وجد واجتهاد، وبكل طموح وحيوية ونشاط، وتبدأ معه عملية شحن العقول بالمعلومات المختلفة والمتنوعة بحسب مقرّراتهم ليتم استدعاؤها في لحظات الامتحانات؛ إذ "يُكرم هناك المرء أو يُهان", وللأخذ بإيديهم في رحلة طلب العلم خلال عامهم الدراسي، فقد كرّس العديد من العلماء جهودهم لاستخلاص أنجع الوسائل المساعدة في النجاح والتفوّق، والوسائل المثلى في المذاكرة والاستذكار, ومن بين الطرائق التي استُخلصت مؤخراً طريقة رائدة سُمّيت بالطريقة الخماسية وتختصر إلى كلمة (PQRST)، وقد أجمع عليها العلماء في جميع أنحاء العالم، وأثبتت الدراسات على أنها أسهل وأضمن طريقة أثناء الامتحان.. وخطوات هذه الطريقة هي: (حسب ترتيب الحروف بالإنجليزية) (PQRST): الإلمام بالموضوع ككل Preview - طرح الأسئلة Question - القراءة Read - التسميع الذاتي Self-Recitation - اختبار الذاكرة Test. وقد رأينا أن نقدم هذه الطريقة هدية متواضعة لأبنائنا وإخواننا الطلبة، وسنحاول تفصيل كل خطوة من هذه الخطوات:
1- الإلمام بالموضوع ككل Preview:
يميل العقل البشري إلى إدراك الموضوع ككل، وهذه الطريقة تسهّل إدراك الأجزاء؛ فكل جزء مرتبط بالأجزاء الأخرى.. وبالموضوع ككل عضوي متكامل، وبذلك تتشابك التفاصيل معاً، وتترابط الأجزاء، وتصبح كلاً متكاملاً، وهذا الكل ليس مجموع الأجزاء فحسب، ولكنه يضيف إليها علاقتها، وأهمية كل منها، وما هو المهم والأهم، والأكثر أهمية، وبذلك يثبت الموضوع كاملاً في الذاكرة، ويصبح من السهل تذكره؛ لأنه بمجرد ظهور جزء -ولو بسيط في ذهن الشخص- تداعت بقية الأجزاء واضحة جليّة، فيختار منها الطالب ما يشاء ليجيب به أثناء الامتحان، ولنضرب لذلك مثلاً: إذا أردت استذكار موضوع في الجغرافيا عن نيجيريا، فيجب عليك أن تتصفح الموضوع ككل دون أن تتوقف عند التفاصيل، وفي هذه المرحلة الأولية أو مرحلة القراءة السريعة يكفيك أن تعرف أن نيجيريا تقع في قارة أفريقيا، وأنها على المحيط الأطلسي، وأن عاصمتها لاجوس، وأن حدودها كذا وكذا، ومناخها وتضاريسها، ... الخ.
هذه النظرة الشاملة إلى الموضوع ككل، والانتقال السريع من عنوان جانبي إلى الذي يليه، يؤهل العقل لكي يصبح جاهزاً لاستقبال المعلومات الخاصة بهذا الموضوع؛ بل ويثير فيه الكثير من الأسئلة والاستفسارات.
2- طرح الأسئلة Question:
العقل البشري مجبول على الاستكشاف، ومعرفة ما يجهله، فتواصلاً مع المثال السابق، سيبدأ العقل في طرح عدد من التساؤلات، فمادامت هذه الدولة (نيجيريا) بها الكثير من الثروات الطبيعية، فلماذا تُعدّ من الدول المتخلّفة؟ وما أسباب هذا التخلف؟ ثم تبدأ تتوارد الأفكار حول الأسباب التي قد يفكّر فيها العقل، ويبدأ فضوله بتلهّف لإدراك ومعرفة المزيد من التفاصيل.
3- القراءة Read:
أثناء استثارة العقل حول ما طرحه من أسئلة عن هذا الموضوع هنا ستكون القراءة مفيدة وذات قيمة، وشائقة بالنسبة للقارئ، مما يجعله يقبل على دراسة الأجزاء الصغيرة، والتفاصيل بنهم لإشباع جوعه للمعرفة، والقراءة هنا يجب ألاّ تكون قراءة سريعة كالتي حدثت في الخطوة الأولى؛ بل إن القراءة هنا يجب أن تكون متأنّية تجعل الطالب يقف عند كل نقطة ويرى علاقتها بالنقاط السابقة واللاحقة، وما مدى أهميتها بالنسبة لغيرها من النقاط حتى ترتبط جميع نقاط وأجزاء الموضوع بعضها ببعض وتتشابك.
4- التسميع الذاتي Self-Recitation:
عملية القراءة تنقل الموضوع من المخازن الحسية (والتي لا تبقى فيها المعلومات إلا لثوانٍ معدودة) إلى الذاكرة القصيرة الأمد (والتي تظل فيها المعلومات لبضع دقائق) ومع التأني في القراءة والفهم وتفهم المعلومات ومعرفة أهمية التفصيلات، فإن ذلك يساعد على انتقال هذه المعلومات إلى الذاكرة الحديثة Recent memory والتي يمكن أن تظل فيها المعلومات لمدة ساعات، أو أسابيع وربما شهراً أو شهرين.
ولكي تتثبت المعلومات في هذه الذاكرة الحديثة، وتظل فيها لأقصى مدة ممكنة يجب على الطالب بعد قراءة الموضوع أن يستعيد ما قرأه بينه وبين نفسه ليرى ماذا فهم، وماذا ظل في ذهنه من معلومات بعد قراءة الموضوع، ويُستحسن أن يكتب النقاط التي قد رسخت في عقله بعد هذه القراءة، ثم محاولة مراجعتها على ما هو موجود في الكتاب، فإذا كان قد فاته شيء، فليعاود قراءته، وإن وجد نقاطاً غير مفهومة فليعد ويحاول فهمها، وقد يستعين في ذلك بكتاب آخر في نفس الموضوع، أو بسؤال أحد زملائه ممن يتوسم فيهم النباهة، أو قد يحمل هذه النقاط التي لم يستوعبها إلى المدرسة في اليوم التالي ليستفسر عنها من أحد أساتذته.
5- اختبار الذاكرة Test:
عندما يتم الانتهاء من العمليات الأربع السابقة، تكون قد استذكرت الموضوع تماماً، لذلك يجب أن تستريح بعض الوقت ربع ساعة مثلاً، ويستحسن أن تسترخي على كرسي مريح، ولا تستذكر أي شيء آخر حتى لا تتداخل المعلومات، وتعطي الفرصة لذهنك للراحة بعد عناء الاستذكار، ويُستحسن ألاّ تشوّش ذاكرتك سواء بالاستماع إلى الإذاعة أو مشاهدة التلفزيون أو الدخول في مشكلة عائلية، وبعد فترة الراحة هذه تبدأ المرحلة الخامسة وهي مرحلة حلّ الاختبارات.
وفي معظم الكتب هناك أسئلة عند نهاية كل موضوع ليختبر الطالب بها نفسه، وحلّ هذه الأسئلة من الأهمية بمكان؛ لأنه بوساطتها يمكن معرفة ما قد رسخ في ذاكرتك من معلومات، لذلك يجب عليك أن تحلّ الأسئلة كتابة، ثم مراجعة هذه الحلول على ما هو مكتوب في الكتاب، وإعادة استذكار النقاط التي لم تثبت في ذاكرتك، وتحتفظ بالنقاط التي فاتتك ولم تستوعبها جيداً؛ لأنك بالتركيز هذه المرة على النقاط التي وجدت نفسك ضعيفاً فيها سوف يتم تثبيتها هذه المرة في ذاكرتك فلا تمّحى أبداً إن شاء الله.
تنظيم جداول للمذاكرة
قد تكون جداول المذاكرة أمراً غير مجدٍ نفعه؛ لأن الوقت الذي يضيعه الطالب في وضع هذا الجدول يمكن الاستفادة منه في المذاكرة نفسها، ثم إن تطبيق هذا الجدول غالباً ما يكون شبه مستحيل؛ فربما يأخذ موضوع ما وقتاً أطول من الوقت الذي هو مخصص له، أو وقتاً أقصر، وعندما يحدث ذلك يترك الطالب المذاكرة ويبدأ ثانية في عمل جدول جديد، وهكذا يضيع الوقت في تكرار عمل الجداول، ويستغرق ذلك وقتاً أطول من الوقت الذي يقضيه الطالب في المذاكرة نفسها.
ومع ذلك فلا بد من أن يكون هناك نوع من التنظيم، بمعنى أن يوزع الطالب ساعات وأيام المذاكرة بين المواد المختلفة توزيعاً شبه عادل، حتى لا يترك مادة أو موضوعاً دون وقت مخصص لمذاكرته.
التشابه والاختلاف بين المواد
لقد وُجد أن مذاكرة موادّ متشابهة أمر قد يصيب الطالب بالملل، وإذا أُصيب الطالب بالملل فإنه لن يتقبل أي معلومة، أو يستوعبها، بل قد يصيبه النعاس، وعكس ذلك الموضوعات المختلفة التي تساعد على تنشيط الذاكرة والذهن، لذلك وعند عمل جدول أو تنظيم للمذاكرة يجب مراعاة أن يشتمل اليوم على مادتين أو ثلاثة على أكثر تقدير، وتكون كل مادة منها مختلفة تماماً عن الأخرى، فبعد دراسة الرياضيات مثلاً ابتعد تماماً عنها، وعن أي موادّ علمية، وأفصل بينها بمذاكرة مادة نظرية كالتاريخ أو اللغة، وهكذا..
المذاكرة الفرديّة والمذاكرة الجماعيّة
لا يمكن تفضيل طريقة على أخرى؛ فلكل طريقة مزاياها، ولكل طريقة عيوبها، والاختيار متروك للطالب، ومتوقّف على شخصيته، وتكوينه الداخلي، والمدى الذي يصل إليه في علاقاته الشخصية.
وبشكل عام فإن الاستذكار المفرد يساعد على التركيز، ويعطي حرية أكبر للطالب لكي يختار ما يريد استذكاره، وينتقل بين الموضوعات التي عليه استذكارها في اليوم الواحد كما يشاء، ولكن عيب الاستذكار المفرد هو سرعة الملل، مما يجعل النعاس يغلب عليه، وقد يسرح الذهن وينشغل في أمور ومواضيع لا علاقة لها بالمذاكرة.
أما المذاكرة الجماعية فقد تشحذ الذهن، وتوجد حالة من التنافس بين الزملاء؛ مما يزيد من حالة التيقّظ عند كل واحد منهم، ومع ذلك فهناك وقت ضائع في عملية المذاكرة الجماعية في حضور الزملاء للمكان الذي اتفقوا للقاء فيه للاستذكار، كما أنه مهما بلغ حرص الجميع على توخي الحذر والالتزام فلا بد أن يكون هناك وقت مستقطع في أحاديث جانبيّة، لا علاقة لها بالدروس التي جاؤوا لاستذكارها. فإن كان ولا بد للطالب من الاستذكار مع أترابه فلا مانع من ذلك على أن يكون العدد يتراوح ما بين ثلاثة إلى خمسة على أكثر تقدير، حتى يمكن السيطرة على الأوقات الضائعة، كما يجب الاتفاق من أول يوم على طريقة المذاكرة، وعلى الموضوعات التي يريدون استذكارها معاً.
ـــــــــــــــــــ(101/91)
ألعاب " البلاي ستيشن " لا تصلح لأولادي
وصلتنا هذه الرسالة من الأخ بندر أبو عويش، يقول فيها: بعد انتهائي من قراءة تحقيق العدد العاشر الذي كان يدور حول " البلاي ستيشن"، ودعوة المربين لإرسال الألعاب التي تحتوي على مشاهد عنف، خطرت في ذهني مباشرة بعض هذه الألعاب، ولعل هذه الألعاب هي أفضل ألعاب البلاي ستيشن، والتي لا يكون البلاي ستيشن قوياً بدونها، ولولاها ما حصل على شهرته، ولا أظن أحداً سيلتفت إليه إن لم تكن موجودة.
وبدأت أحصي هذه الألعاب التي تحتوي على مشاهد العنف والدماء، وأضعها في معزل عن بقية الألعاب.
وتبادر إلى ذهني سؤال: هل بقية الألعاب يمكن أن تصلح لنا ولأطفالنا؟
وكانت الإجابة "لا"، فلقد وجدت أن هناك ألعاب أخطر من السابقة بكثير، فهناك ألعاب تثير غرايز الشباب، وذلك ببعض المشاهد التي تحتوي على لقطات فاضحة- سواء كانت رسوماً أو صوراً- ومن ثم أضفت هذه الألعاب إلى القائمة السابقة، ولم ينتهي كل شيء بعد.
فيبدو كأني ألعب أحد هذه الألعاب، فما أن انتهيت من إحصاء بعض الألعاب الخطيرة حتى وجدت نفسي قد انتقلت إلى مرحلة متقدمة من اللعبة هي أكثر خطورة من سابقتها.
وفي هذه المرة كانت الألعاب من النوع المدمر للعقيدة، المنافي لكمال التوحيد، المشكك في الإسلام، والتي يجاهد كل إنسان مسلم على الحفاظ عليه وتثبيته في قلوب أبنائه، بل لا أظن أن هناك مسلم يشاهد هذه المقاطع البسيطة إلا ويخشى أن ينزل عليه الله صاعقة من السماء، وإليك- عزيزي المربي- مثلاً هذه اللعبة:
جميع أبطالها من الفتيات اليابانيات المقاتلات- لا داعي لوصفهن.
وتبدأ القصة بنزول ملك من السماء- والملك عبارة عن فتاة جميلة، وتأتي بأفعال فاضحة مع بطلة اللعبة، ومساعدتها في قتال أعدائها؟ أظنه يكفي لمن يُقدر الخطر.
الآن أستطيع أن أقول- وبكل ثقة- أني لم أجد لعبة واحدة يمكن أن تصلح لأطفالنا.
كيف لا وجميع هذه الألعاب لا تحمل قيمنا وعاداتنا؟
كيف لا وجميع هذه الألعاب لم تخضع لديننا الحنيف؟
ولن أذكر هنا أسماء الألعاب، خشية أن تقع في أيدي هواة الألعاب، فأكون بدلاً من محاربتها قد أسديت لمنتجيها خدمة الإعلان عن هذه الأفلام مجاناً، لكني أوصي كل حريص على نشأة أبنائه النشأة الصحيحة، أن يشاهد معهم هذه الألعاب ويبين لهم سيئاتها، قبل أن يمنعهم منها، ليقتنعوا بذلك ويتركوها عن رضاً منهم، وإيجاد البديل النافع، ولا حرج أن يشاهدها أولاً ليكتشف ما قد يخفى عنه من مشاهد نتيجة لقلة علمه بها.
العدد (12) نوفمبر 1999 ـ ص: 6
http://www.waldee.com المصدر:
ـــــــــــــــــــ(101/92)
اليوم الأول في المدرسة
سهير الجبرتي 4/8/1426
08/09/2005
اليوم الأول في المدرسة..يسبب مشكلة كبيرة لكثير من الأسر نتيجة خوف أبنائهم الصغار من المدرسة، خاصة سنة أولى مدرسة الذي يكون مليئا بالبكاء والصراخ، والذي يستمر عدة أيام بل أسابيع.
وقد ثبت علمياً أن الخوف من المدرسة سلوك مرضي مكتسب تقع مسؤوليته على عاتق الآباء والأمهات الذين غرسوه في الطفل مما ألجأه إلى الصراخ والبكاء، واصطناع الحيل والأكاذيب، واختلاق الادعاءات حتى الصحية منها هرباً من الذهاب إلى المدرسة ..هكذا يقول علماء النفس، وإن كانوا يؤكدون أيضاً أن أبناءنا أمانة في أيدينا؛ إن لم نرعهم جيداً فقدنا الكثير من طاقات المجتمع الخلاّقة، إلا أن لهذه الرعاية حدوداً فإن تخطيناها دخلنا في منطقة التدليل المفرط الذي له نتائج سيئة على سلوك الطفل تجعله غير قادر على مواجهة المجتمع، وتحد من انطلاق قدراته وإمكاناته الطبيعية..
الخوف المكتسب من الكبار
يقول الدكتور محمد محسن العرقان أستاذ علم النفس بالمركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية: إن أي مخاوف مرضية هي مخاوف مكتسبة عن طريق المحيطين بالطفل، وهم شخصيات غير سوية بالقدر الكافي؛ إذ إن الطفل لا يخاف بطبيعته من أي شيء، لكنه يتعلم الخوف ممن حوله، وهذا دليل على أنه يمكن أن يمسك النار أو يلقي نفسه في أي شيء خطر دون إدراك العواقب والمخاطر التي يمكن أن تصيبه من جراء ذلك؛ فالكبار هم الذين يكسبون الأطفال الخوف بزعم الحفاظ على حياتهم، ولكن -للأسف الشديد- الآباء والأمهات غير أسوياء نفسياً عندما ينفعلون؛ إذ يبالغون في الانفعال -مثلاً- عندما يقع الطفل على الأرض تنزعج الأم انزعاجاً مبالغاً فيه، وكأن الدنيا قد انتهت، وتصل المبالغة إلى أن الطفل وكأنه قد أنهى حياته.
ونتيجة لهذا الحرص الشديد والخوف المرضي لا يحس الطفل بالاطمئنان إلى أي شيء جديد لم يتعود عليه خصوصاً الأفراد المحيطين حوله أو البيئة الطبيعية التي لا تماثل البيئة المنزلية، وينشأ ولديه إحساس عميق بالنرجسية، أي حب الذات، وأنه هو الوحيد في الدنيا، وكأنها خُلقت من أجله فقط، مما يجعله أنانياً لا يقبل الوجوه الجديدة، أو الأماكن التي لم يشاهدها من قبل، أو الوجوه التي لم يتعود عليها؛ فالكبار هم الذين يصنعون طفلاً يهاب الشيء الجديد سواء كان الشيء طبيعياً أو بشرياً.
يوم أول مدرسة
لذلك إذا خرج الطفل إلى المدرسة في أول يوم يفزع وينزعج لرؤيته وجوها جديدة لم يتعود عليها، ومكاناً جديداً لم يره من قبل، ونظراً لوجود أطفال كثيرين آخرين لم تعد العناية مركزة عليه، وأصبح كأي واحد منهم، ومن ثم يشعر أنه مهدد بلا حماية من والديه، تلك الحماية التي كان يتمتع بها من قبل، وهذه اللحظة تشكل له أبعاداً جديدة تتمثل في فقدان الوالدين البيئة التي يطمئن إليها، وكان متعوداً عليها ويغزو كيانه الإحساس بالضياع، بل وربما الإحساس بأنه مهدد بفقدان الأمان للأبد فيندفع في البكاء والصراخ، وذلك لأن الآباء لم يعودوه على الاستقلال والاعتماد على الذات، وأنه ليس الطفل الوحيد في العالم، وأنه لا يعيش فيه وحده بل هناك كثيرون غيره؛ فهو جزء من العالم.
فاليوم الأول من المدرسة تهديد لكيان الطفل الذي لم يتعود على الاستقلالية ومواجهة المواقف الجديدة فتلك الخبرات كان يجب أن ينقلها الآباء إليه قبل الذهاب إلى المدرسة.
فيجب عند تنشئة أطفالنا ألاّ نفرط في حمايتهم، ويجب أن نرفع أيدينا عنهم حتى تنطلق قدراتهم الطبيعية؛ لأن الأطفال مهما كانوا صغاراً وضعفاء في نظر آبائهم فإن لديهم القدرة على مواجهة الحياة بما يملكون من قدرات حتى ولو كانت بسيطة، وتُعدّ الفترة من الميلاد حتى الخمس سنوات الأولى فترة تشكيل شخصية الطفل ونمط مواجهته للحياة، فإذا ما عودناه مواجهة الآخرين، ولم نعمّق لديه الشعور أنه الطفل الوحيد في العالم استطاع هو بذاته أن يواجه الغرباء والأماكن الجديدة معتمداً على نفسه؛ فما نفعله في خمس السنوات الأولى للطفل يظهر تماماً في أول لحظة عند ذهابه لأول مرة إلى المدرسة.
ومن الخطأ أن نلجأ إلى عقاب الطفل لإجباره على الذهاب إلى المدرسة وأن ينفصل عن والديه؛ لأن ذلك يولّد لديه إحساساً مفزعاً وشعوراً بالتهديد في الوقت الذي لم يعالج المشكلة بل يكون من العقاب.
يكون علاج المشكلة بذهاب الوالدين أو أحدهما معه إلى المدرسة من أول يوم حتى شهر، ويجلسان معه ثم يتواريان بعض الوقت، ويظهران البعض الآخر حتى لا يشعر الطفل فجأة بالتهديد، حسبما يظل في مخيلته أن ذهاب الأم قد يكون بلا عودة.
تنشئة اجتماعية سليمة
بينما تقول الدكتورة فاطمة موسى -أستاذ الطب النفسي بكلية الطب بقصر العيني جامعة القاهرة-: إن مخاوف الطفل من المدرسة لها أسباب كثيرة، منها: تعوّده على وجود الأبوين والتصاقه بالأم، وحين يدخل المدرسة لأول مرة يحدث له نوع من القلق نتيجة لانفصاله عن الأم، ونلاحظ هذا خلال ثلاثة الشهور الأولى من دخوله المدرسة خاصة في الأطفال الذين لا إخوة لهم .
وتزيد المخاوف لدى الطفل الذي ينشأ بين أسرة انطوائية ولم يختلط بأطفال في مثل سنه، فيكون خائفاً من الأطفال الآخرين، ومن الجو في المدرسة.
ويشعر الطفل بالخوف لشعوره بفقدان الحماية أو نقص بعض احتياجاته مثل احتياجه للطعام أو الشراب، أو لقيام أحد أقرانه بالاعتداء عليه.
وفي مرحلة دراسية أعلى قد يخاف من ضعفه في بعض المواد الدراسية فإذا حصل على درجات ضعيفة في بعض المواد الدراسية وتعرض للتوبيخ والعقاب الصارم أمام زملائه سواء من مدرسه أو أهله، وإذا كانت قدرات الطفل العقلية لا يتفق مستواها ومستوى الدراسة فإنه يُصاب بحالة من الإحباط والخوف.
وأحياناً يكون الخوف من المدرسة بسبب مرض نفسي نشأ عن مخاوف اجتماعية؛ فعندما يرى الطفل مجتمعاً كمجتمع المدرسة المليء بالتلاميذ وهيئة التدريس والمدرسين والمدرسات فإنه قد يخاف بصورة مفزعة ويشعر أنه سيموت بسب الازدحام، ومن ثم لا يستطيع أن يمارس نشاطه أمامهم، فلا يلعب، ولا يأكل، ولا يمشي أمامهم، ويخاف من الوقوف في الطابور المدرسي، ويحاول أن يختفي بعيداً عن الزحام.
وقد يكون الخوف من المدرسة مرتبطاً بمرض نفسي كبير مثل الفصام؛ فلا يستطيع التكيف والتعامل مع الآخرين، مما يسبب لديه حالة من الرعب والخوف، وهذا ناتج عن اضطرابات عقلية.
ومن ضمن المخاوف في المدرسة وجود بعض التلاميذ في شكل مجموعات أو ما يُعرف بالشلة وبينهم أطفال أشقياء، وقد تحدث بينهم مشاجرات ومن ثم يخاف الطفل الضعيف جسمانياً، ويهرب من المدرسة حتى لا يتعرض للضرب والإهانة.
لذلك من الضروري أن ينشأ الطفل تنشئة اجتماعية حيث يجب ألاّ تكون الأسرة مغلقة أي يجب التزاور، وأن يلعب مع أصحابه، ويتصل بالآخرين، وكما يجب استخدام أسلوب التشجيع إذا حصل الطفل على الدرجات المرتفعة أو المتوسطة حتى نرغبه في الذهاب إلى المدرسة.
ـــــــــــــــــــ(101/93)
52 معلما في تربية الأبناء للآباء والأمهات
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على خاتم الأنبياء والمرسلين نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
* فهذه نقاط سريعة وومضات خاطفة تتناول أسس وعالم تربية الأبناء في الإسلام...نسأل الله أن تكون نافعة بمنِّه وكرمه.
(1) لقّن (لقني) طفلك كلمة التوحيد ((لا إله إلا الله، محمد رسول الله))، وليكن أول تعليمك إياه أن الله - تعالى -يراه ويسمع كلامه، ويعلم كل تصرفاته، ولا يمكن أن يغيب عنه طرفة عين.
(2) رسّخ (رسِّخي) في ذهن ابنك أن الله - تعالى -هو الخالق الرازق الشافي المحيي المميت، وعَلِّمه (علميه) أن يلجأ إليه في كلّ حال، ويطلب منه قضاء الحوائج وتيسير الأمور.
(3) حذِّر (حذِّري) ابنك من الكفر والشرك بالله، وبيِّن (بيِّني) له أن الله خلقَنَا لعبادته وحده لا شريك له، وأن الكفر والشرك يؤديان إلى العذاب في النار يوم القيامة {وَإِذْ قَالَ لُقْمَانُ لابْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ يَا بُنَيَّ لا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ} [لقمان: 13].
(4) عرّفه (عرفيه) أركان الإيمان الستة: (الإيمان بالله، وملائكته، وكتبه، ورسله، واليوم الآخر، والقدر خيره وشره) وأركان الإسلام الخمسة: (الشهادتين، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصوم رمضان، وحج البيت لمن استطاع إليه سبيلا).
(5) حبّبه (حَببيه) في شخصية الرسول - صلى الله عليه وسلم -، ونشِّئه (نَشِّئيه) على سيرته العطرة وأخلاقه الحسنة، ورغّبه (رغبيه) في الصلاة عليه كلما ذكر اسمه - صلى الله عليه وسلم -.
(6) اغرس (اغرسي) في نفس ابنك القيم الدينية السامية، والأخلاق الإسلامية الفاضلة، وأدّبه (أدبيه) بآداب الإسلام.
(7) عرّفه (عرّفيه) بالحلال والحرام شيئاً فشيئاً.
(8) عوّده (عوّديه) ارتياد المساجد واحترامها، وأداء الصلاة فيها، ورغّبه (رغبيه) في المحافظة على الصلوات في مواقيتها.
(9) ساعده (ساعديه) في اختيار الصديق الصدوق الصالح، وجنِّبه (جَنّبيه) أصدقاء السوء.
(10) رغّبه (رغبيه) في كتاب الله - عز وجل - تلاوةً وحفظاً وتعلماً وتدبراً.
(11) علِّمه (علِّميه) شيئاً من السنة المطهرة والأذكار النبوية، كأن يقول: بسم الله عند الطعام، والحمد لله عند الفراغ منه، وكأن يردد الأذان عند سماع المؤذن، وكذلك أذكار النوم والاستيقاظ، ودخول المنزل والخروج منه وغيرها.
(12) اعدل (اعدلي) بين أبنائك، ولا تفضل (تفضلي) أحداً على أحد، وليكن الجميع عندك سواسية.
(13) تفهم (تفهمي) أن ابنك يقلدك، فكن (كوني) قدوة حسنة يكن كذلك.
(14) ادفعه (ادفعيه) إلى ممارسة الرياضة النافعة.
(15) حبّب (حبّبي) إليه الصدق، والأمانة، والعفاف، والشجاعة، والكرم، والعفو، والرحمة، والبر، وبذل المعروف، وقضاء الحوائج، والعدل، والإيثار، والسخاء، وجميع المعاني الحسنة.
(16) حذّره (حذريه) من الكذب، والسرقة، والخيانة، والظلم، والغدر، وسوء الخلق، والأنانية، والأثرة، والحسد، والغيبة، والنميمة، والغش، والخداع، والفساد، وجميع المعاني الفاسدة.
(17) عوّده (عوديه) النظافة منذ صغره، وعلِّمه (علِّميه) كيفية الوضوء للصلاة، وشجّعه (شجعيه) على نظافة بدنه وثيابه، وتقليم أظافره، وغسل يديه قبل الطعام وبعده.
(18) رغّب (رغبي) ابنتك في السّتر والحجاب والحياء منذ صغرها، حتى تتعود ذلك عند بلوغها، ولا تسمح (تسمحي) لها بلبس الملابس القصيرة أو الضيقة أو الشفافة أو لبس ملابس الصبيان، وأخبرها (أخبريها) أن لكل جنس ملابسه الخاصة به.
(19) حذّر (حذّري) ابنك من التشبه بأعداء الله الكافرين في ملابسهم وقصات شعورهم وتخنثهم وفسادهم وأعيادهم وجميع طرائقهم في الحياة.
(20) حذّر (حذري) ابنك من الميسر بجميع أنواعه، وامنعه (امنعيه) من الألعاب المحرمة وبيِّن (بيِّني) له سبب التحريم، ومن ذلك ألعاب الكمبيوتر التي تحتوى على مخالفات شرعية كالموسيقى والعري والشركيات، وأخيراً لعبة البوكيمون التي أفتى العلماء بتحريمها.
(21) اهتم (اهتمي) بتنمية ثقافة ابنك وذلك بجلب الكتب المفيدة وبرامج الكمبيوتر النافعة، والقصص الهادفة التي تعمل على تشكيل فكره وصبغه بالصبغة الشرعية.
(22) عوّد (عوّدي) ابنك على إكرام الضيف واحترامه، والإحسان إلى الجيران وعدم إيذائهم، وعرِّفه (عرفيه) بحقوق الوالدين، وحقوق المسلم على أخيه، وحقوق الأقارب والجيران والأصدقاء والمعلمين وغيرهم.
(23) عوّده (عوديه) احترام الطريق، والمشي بسكينة ووقار، والمحافظة على نظافته، وعدم رمي الأوساخ فيه، ورفع ما يؤذي المسلمين من شوك ونحوه وإبعاده عن الطريق، وغضّ البصر، وكف الأذى عن المارة، وعدم رفع الصوت وإحداث الجلبة والضوضاء.
(24) اغرس (اغرسي) في قلبه محبة المؤمنين وموالاتهم، وإن تباعدت ديارهم واختلفت لغاتهم وأجناسهم. وكراهية الكافرين ومعاداتهم في كل مكان.
(25) رغّبه (رغبيه) في إلقاء السلام، والالتزام بتحية الإسلام، واذكر (اذكري) له فضل من يبدأ بالسلام.
(26) شاركه (شاركيه) أوقات لعبه وفراغه، وفرحه وسروره، وقبِِّ (قبليه)، وأشعره (أشعريه) بالراحة والطمأنينة، وأدخل (أدخلي) على قلبه الفرح والسرور.
(27) ازرع (ازرعي) في قلبه الثقة بنفسه، ولا تجعل (تجعلي) الخوف يمنعه من مصارحتك بخطئه.
(28) استخدم (استخدمي) الرفق دائماً في التوجيه والإرشاد، ولا تلجأ (تلجئي) إلى العنف والشدة ما دام هناك مجال للرفق.
(29) انصح (انصحي) ابنك سرّاً، ولا تعاقبه (تعاقبيه) أمام الآخرين.
(30) لا تعوده (تعوديه) على الضرب، فإنه إذا تعودّ الضرب استلان العقاب، ولم يخش بعد ذلك تهديداً.
(31) لا تفرط (تفرطي) في العقاب، ولا تكن متساهلاً (ولا تكوني متساهلة)، بل زاوج (زاوجي) بين الشدة واللين.
(32) ليكن لك بصيرة في اختيار العقاب المناسب، فهناك الزجر بالقول، وترك الكلام مع المخطئ، والحرمان من جزء من المصروف اليومي، أو من الفسحة الأسبوعية، وهناك التأديب بالضرب. والعقاب المناسب هو الذي يمنع من تكرار الخطأ، ويردّ ابنك إلى الصواب.
(33) احترم (احترمي) عقلية طفلك، وسِنَّه، ووجهات نظره، وتحليلاته للأمور، وإن كانت خاطئة بالنسبة إليك.
(34) درّب (درّبي) ابنك علىاكتساب المهارات الجديدة، كاستخدام الحاسب الآلي (الكمبيوتر) والانترنت وتعلم اللغات الأجنبية.
(35) استمع (استمعي) إلى ابنك، ولا تقاطعه (تقاطعيه)، فإن ذلك يعوده على حسن الاستماع للآخرين وعدم مقاطعتهم.
(36) لا تظهر (تظهري) الضجر من ابنك عندما يحاصرك بأسئلة بما يتناسب مع سنّه، مع تحري قول الحق، و إلا فعليك الانسحاب بلباقة من الأسئلة الحرجة لحين استشارة أهل الاختصاص في كيفية الإجابة عنها.
(37) درب (دربي) ابنك على البيع والراء والأخذ والعطاء والمعاملات الحسابية، واستعن (استعيني) به في قضاء حوائجك، ولا تكثر (تكثري) عليه اللوم إذا قصَّر، ولا تيأس (تيأسي) منه إذا أخفق.
(38) أشرك (أشركي) ابنك في الأنشطة الجماعية، في المدرسة والمسجد والحيّ، كجماعة تحفيظ القرآن، وجماعة البر، وجماعة الخط العربي، وجماعة الكشافة، والمراكز الصيفية وغيرها من الأنشطة المفيدة.
(39) عوّد (عوّدي) ابنك الاستئذان قبل الدخول، واجعل (اجعلي) لكلّ ولدٍ فراشاً خاصًّا به عند النوم، وحبذا لو كان هناك غرفة للبنين وأخرى للبنات.
(40) استخدم (استخدمي) أسلوب التكرار، ولا تستبطئ نتائجه، ولكن دع الوقت يمرّ ولا تيأس من الإصلاح.
(41) تدرج (تدرجي) مع ابنك في التعليم، ولا تثقل (تثقلي) كاهله بالعديد من الأوامر، فإن لكل مرحلة تكليفها، قال - صلى الله عليه وسلم -: ((مروا أبنائكم بالصلاة وهم أبناء سبع سنين، واضربوهم عليها لعشر، وفرِّقوا بينهم في المضاجع)).
(42) استخدم (استخدمي) أسلوب الترغيب والترهيب، مَن فعل كذا فله كذا وكذا، ومَن فعل كذا عاقبته بكذا وكذا، ولا يكن هذا هو الأسلوب الوحيد لديك.
(43) لا تخلف (تخلفي) وعدك لابنك بالجوائز والهدايا، أما الوعيد فتجاوز (تجاوزي) عنه أحياناً.
(44) عالج (عالجي) مشكلات ابنك بهدوء والجأ (الجئي) إلى أسلوب الحوار والإقناع فإنه من أحسن الأساليب فائدة مع الأبناء.
(45) نمِّ (نمّي) في ابنك حب العمل والطموح والهمة العالية والسعي للوصول إلى الغايات العظمى، وحذره (حذريه) من الكسل والخمول والسلبية ودناءة الهمة، والاستسلام لليأس والقعود عن إدراك الغايات العظمى.
(46) عرفه (عرفيه) تاريخه المجيد، ومجده التليد، وانتصاراته الخالدة في ظل الإسلام، ورسخ (رسخي) في ذهنه أن هذا التاريخ والمجد والنصر مرتبط بمدى التمسك بأهداب العقيدة الإسلامية قوة وضعفاً،
(47) عرّفه (عرفيه) أعداءه وأعداء أمته الذين استباحوا حرمات المسلمين، وسلبوا ديارهم، وأراقوا دماءهم عبر العصور.
(48) عوّده (عوّديه) القناعة بمعيشتكم من مأكل ومشرب وملبس ومسكن ومركب، وحذِّره (حذريه) من مغبة النظر إلى ما عند الآخرين.
(49) استشره (استشيريه) في بعض الأمور، واعمل (اعملي) برأيه إذا لاح لك صوابه.
(50) خفف (خففي) من لهجة الأمر التي لا يعرف كثير من الآباء غيرها. واستخدم (استخدمي) أسلوباً آخر مثل: ما رأيك أن تفعل كذا وكذا. ومثل: الأولاد الطيبون يفعلون كذا ولا يفعلون كذا، وأنت بلا شك طيب مثلهم، فإذا فهم ذلك فاذكر (اذكري) له ما تريد (تريدين) منه.
(51) تعرف (تعرفي) على ميول ابنك ومواهبه، وشجعه (شجعيه) على ما هو مستعد له من التخصصات، ولا تحمله (تحميله) على غيره ما دام مأذوناً فيه شرعاً.
(52) استعن (استعيني) بالله في تطبيق ما سبق، وأكثر (أكثري) من الدعاء لابنك بالهدى والصلاح، فالله - تعالى -هو الهادي إلى سواء السبيل.
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم
http://www.saaid.net المصدر:
ـــــــــــــــــــ(101/94)
حينما كنت رجلاً كبيراً
هناء الحمراني 4/8/1426
08/09/2005
(حينما كنت رجلاً كبيراً..سرت بسيارتي الحمراء فوق البحر، وطرت بها وقد صار لونها أزرق، ورأيت أمجد تحت الأرض يلعب وشتمته قائلا: يا قذر، لماذا لا تأتي وتلعب معي؟).
كم ميلاً من الأعصاب تحتاج لتحمّل هذا الهراء أن يطرق سمعك؟ وكم طناً من الساعات تطلب لكي تجلس منصتاً دون النظر إلى معصمك بقلق؛ لأن لديك عملاً أكثر أهمية من هذه السخافات؟
ولكن..قف لحظة أخي..وتأمل ذلك المتحدث (اللبق) الذي يجلس قبالتك وقدماه متدليتان لا تكادان تصلان إلى منتصف المسافة بين الأرض والمقعد..
انظر إلى عينيه اللتين تتحركان مع يديه، وهو يشرح لك بـ(صدق) ما حدث له حينما كان (رجلاً كبيراً)..
إن أبناءنا حينما يتحدثون..يعني ذلك لهم شيئاً مهماً..ويعني لنا أيضاً أشياء مهمة ..فـ:
تحدث معه..استمع وتفاعل..اسأله يجبك..وأجب عن أسئلته..
تحدث معه:
اعتادت نسرين الحديث مع أبنائها قبل النوم..يستلقي كل واحد منهم على فراشه متوسداً يده..تطفئ الأنوار..وتبصر بضوء المدينة الداخل من النوافذ..
بدأ أبناؤها حفظ العديد من سور القرآن من خلال تلك الأحاديث الليلية..تعرّفوا على قصص الأنبياء..وقصص الأمم السابقة من أقاصيصها التي ترويها لهم في كل مرة..تعلّموا أن هناك رباً نعبده..وملائكة تفعل ما يأمرهم به..وشيطاناً يتربص ببني آدم..وأشياء كثيرة في عقيدتهم..وأيضاً.. استطاعت نسرين..أن تعبّر لهم كل ليلة عن مدى حبها الشديد لهم..وأنها إن أخطؤوا قد تغضب منهم، ولكنها لن تكرههم أبداً..
تعرضت نسرين لوعكة صحية جعلتها غير قادرة على التحدث مع أبنائها كما كانت تفعل.. وعندها لاحظت مدى العناد الذي أصبح أبناؤها يمارسونه عند توجيه أي أمر لهم..وبعد فترة -ليست بالقصيرة- قال لها أحد أبنائها:(أمي..كم اشتقت لك..لماذا لا تتحدثين معنا كما كنا في السابق؟).
استمع وتفاعل:
إنه يرفع يديه..(وطرت بالسيارة فوق البحر)
- ياااه شيء مثير..
ابدأْ تفاعلاً معه..تخيل أنك تشاهده..وأشعره بأنك تصدقه..لا تحاول تحطيم أحلامه الطفولية (السيارات لا تطير) فغدا يكبر ويكتشف أنه لن يستطيع الطيران بالسيارة، وتحديداً فوق البحر..وربما يقنعك بالعكس!! من يدري!!
استرسل معه.. ..استدرك سؤالاً يثبت -وبقوة- كم أنت متحمس لرحلته (بني..وهل ذكرت دعاء ركوب السيارة عندما ركبتها؟) وعندما يخبرك عن تصرف خاطئ مارسه أثناء طيرانه أبدِ أسفك لذلك.. وأنك تتمنى لو أنه لم يشتم صاحبه..قد تجده في نهاية القصة يخبرك أنه عندما قفل عائداً بسيارته حمل أمجد وقبّله قائلا: (ياصديقي الحبيب)..
عندما تستمع..وتتفاعل..وتعلق..قد تغير الكثير من السلوكيات الخاطئة لدى أبنائك..ولكن احرص على ألاّ تحطّمهم..
اسأله يجبك:
حينما يلعب الطفل فإنه يطبق كل خبراته التربوية مع ألعابه..
هل حاولت أن تشارك ابنك اللعب..وتفتح معه تحقيقاً حول شخصيات ألعابه؟
وائل..طفل في الثالثة من عمره..أخذ سيارته ليضعها على الطريق الرملي في فناء المنزل..في لحظة من الهدوء سألته والدته:
- إلى أين تذهب سيارتك؟
- إلى المدرسة..
- ومن الذي يقود السيارة؟
- أنا بالطبع!!
- رائع..ومن يجلس بجوارك؟
- أختي..
- وأنا؟
- أنت تجلسين في الخلف.
- لماذا؟
- لأنك دائماً تجلسين في الأمام عندما نركب سيارة بابا..وتدعيننا خلفك..
انطلق مع أطفالك في لعبهم..اسألهم..سيجيبون عن أسئلتك.. وستجد في إجاباتهم شيئاً يعبر عما يضايقهم..أو يفرحهم..
أجب عن أسئلته:
أنت متهم..محبوس في قفص..النور مسلط عليك..فأنت وحدك المسؤول عما يحدث حولك من ظواهر..وآلاف الأسئلة تنهال عليك بسرعة عشرين سؤالاً في الدقيقة..والوقت الوحيد الذي تستريح فيه عندما ينام المحقق الصغير والذي- غالباً- ما يستيقظ قبلك وينام بعدك..
من الذي قطع أقدام الثعابين وجعلها تزحف؟ لماذا نمتلك خمسة أصابع في كل يد؟ كيف جئنا؟
تمالك أعصابك..خذ نفساً عميقاًَ..(لا أدري) جملة قديمة لا فائدة منها..ألقِ بالأكاذيب خلفك..فالبعبع لا حقيقة له..والأطفال لا يولدون من الجدار..والموت ليس مصير الأطفال المشاغبين..وإنما هو مصير كل مخلوق..كن صادقاً في إجاباتك..فأنت تبني إنساناً فليكن بناؤك متناسقاً..لكي لا يفقد ثقته فيك..ويبحث عن شخص آخر يجيب عن أسئلته..
قبل الرحيل:
هل تبحث عن صديق تشكوه همك؟ تحكي له أملك؟ تشاركه فرحتك؟ تذكر له ماضيك؟ كن أنت هذا الصديق لأبنائك..واسمح لهم أن يكونوا لك هذا الصديق.
ـــــــــــــــــــ(101/95)
د. عبد الله السلوم: التبول اللاإرادي ليس مرضاً
حوار: عبد الله أبا الخيل 4/8/1426
08/09/2005
التبول اللاإرادي واحدة من المشكلات الشائعة التي يعاني منها الأطفال، وتسبب الكثير من التعب والإحراج لعائلاتهم خصوصاً عند السفر أو النوم عند الأقارب، بل حتى في الأيام العادية، ويحار الوالدان في طريقة العلاج، هل يكون العلاج نفسياً أم عضوياً أم بكلا الطريقتين؟ ومتى ينقطع؟ وهل التبول اللاإرادي مرض دائم أم عرض طارئ؟
حول هذا الموضوع تحدثنا إلى الدكتور عبد الله بن عبد المحسن السلوم، رئيس قسم كلى الأطفال في مستشفى الملك خالد الجامعي بالرياض.
هل يكون التبول اللاإرادي في النوم فقط؟
التبول اللاإرادي أنواع، هناك التبول اللاإرادي الليلي، وهناك التبول اللاإرادي في الليل والنهار، كما أن التبول اللاإرادي الليلي ينقسم إلى قسمين: تبول ليلي ابتدائي، أي أن الطفل لم يتمكن من التحكم في البول في الليل منذ ولد وإلى الآن، أما القسم الثاني فهو التبول الليلي اللاإردي الثانوي، وهو عدم التحكم في التبول فجأة بعد أن كان الطفل قادراً على التحكم في البول لمدة لا تقل عن ثلاثة أشهر.
إذًا هل يعتبر التبول اللاإرادي مرضاً؟
هذا سؤال هام جداً ويجب توضيحه لكل من له علاقة بمثل هذه الحالة.
التبول اللاإرادي قد يكون مرضاً ويخفي حالة مرضية هامة يجب اكتشافها وعلاجها مبكراً مثل التبول اللاإرادي في الليل والنهار معاً، وينشأ عن حالات مثل أمراض عدم تركيز التبول في الكلى، وهي أمراض كثيرة ومتعددة وأمراض التشوهات الخلقية، كأن تكون نهاية الحالب في الأحليل في المثانة، أو حالات التخلف العقلي.
أما التبول اللاإرادي في الليل فقط فغالبه حميد وهو عبارة عن تأخر نضوج، وهذا في غالبه عائلي، وغالباً ما يكون أحد الأبوين قد عانى من هذه المشكلة، وهذا يسمّى بمرض.
والتبول اللاإرادي الليلي الثانوي الذي يحدث بعد فترة من القدرة على التحكم في البول فمنشؤه في الغالب توتر نفسي لدى الطفل لأسباب مثل: طلاق الوالدين أو وفاة عضو في الأسرة أو ولادة طفل حديث وغيره، وقد يكون أيضاً بسبب عضوي مثل الالتهابات البولية البكتيرية أو مرض السكر.
ما العوامل التي تزيد في التبول اللاإرادي؟
هناك عوامل قد تزيد في حدة المشكلة الموجودة أو تؤدي إلى انتكاستها مثل: الإمساك، شرب السوائل بكثرة في الحفلات الأسرية المسائية، وكذلك فصل الشتاء تزيد فيه حالات عودة التبول اللاإرادي، وهناك بعض الأدوية التي تُعطى للأطفال قد تزيد من كمية البول، وبالتالي عدم التحكم فيه، ومثال ذلك علاج السلبيتمول الذي يستخدم لحالات الربو إلا أن تأثيره مؤقت.
ما سن التبول اللاإرادي؟
يجب أن يكون الطفل قادراً على التحكم في التبول نهاراً في سن الرابعة من عمره، أما ليلاً فمعظم الأطفال يستطيعون التحكم في التبول في سن السادسة، ومن لا يستطيع التحكم في البول في هذه السن هم تقريباً 15% من الأطفال، وعادة لا يوصى بالعلاج إلا بعد هذه السن.
وهذه الحالة تتحسن تلقائياً مع اكتمال النضوج، إلا أن هناك ظروفاً يُفضل معها العلاج المبكر مثل: وجود التوتر الأسري وعصبية أحد الوالدين إذا كان هناك تبول في الفراش؛ مما يفاقم المشكلة لدى الطفل، وقد يصبح معها العلاج -مستقبلاً- صعباً، وهناك ظروف السفر والتخييم مثلاً كأن يحب الطفل زيارة أقربائه والمبيت عندهم إلا أن هذه المشكلة تمنعه من القيام بهذه الزيارة؛ فيفضل الانزواء والانطواء مما يتسبب في مشاكل نفسية أخرى.
ما حالات التبول اللاإرادي التي يصعب علاجها؟
لا يوجد حالة يصعب علاجها بعون الله، إلا أن هناك حالات تتطلب تدخلَ أكثر من تخصّص طبيّ واحد مثل: حالات التبول والتبرز اللاإرادي معاً، وهذه المشكلة تنطوي على حالة نفسية معقدة تتطلب تدخل طبيب الأمراض النفسية إلى جانب طبيب الأطفال.
وأهم الفحوصات في هذه الحالة هو التاريخ المرضي المفصل للحالة والفحص الكامل للطفل والمتضمن الأعضاء التناسلية والعمود الفقري وحجم المثانة.
أما الفحوصات الأخرى فتعتمد على نوع التبول اللاإرادي، وفي الغالب فإن الطبيب لا يحتاج إلى عمل فحص مبكّر سوى للبول، ومزرعة للبول وفي حالات معينة يمكن عمل أشعة صوتية للجهاز البولي.
إذاً ما العلاج؟
العلاج يبدأ بعد التأكد أن لا أسباب عضوية موجودة، والعلاج يتضمن شرحاً للطفل وللوالدين بأن هذه حالة ليست مرضية، وأن هناك عدداً لا بأس به من الأطفال الطبيعيين لديهم أيضاً هذه الحالة، ثم بعد ذلك يمكن إعطاء خيارات العلاج حسب الظروف ومن هذه العلاجات علاج بهرمون الدسمو برسين، وهذا الهرمون يزداد تركيزه في الليل وعمل إعادة امتصاص الماء من خلال أنابيب للترشيح في الكلية فيقل التبوّل في الليل وهذه من الإعجاز الإلهي في خلق الإنسان، وهذا الهرمون يفرزه المخ، وهناك بعض الأفراد لا يزداد عندهم إفراز هذا الهرمون ليلاً إلا بعد سن العاشرة، ويتم علاجهم بسهولة بهذا الهرمون عن طريق الفم أو الأنف. كما أن هناك العلاج عن طريق الجرس الكهربائي المنبّه، وقد تأتي بنتائج أفضل من العلاج الهرموني.
ما دور الوالدين والعائلة في مساعدة الطفل؟
لهم دور مهم في نجاح علاج الحالة وذلك بتطمين الطفل وعدم تضخيم المشكلة أمامه، وعدم إبداء أي عصبية إذا ما بلّل الطفل سريره، والتأكد من أن الطفل أخذ علاجه بالفعل إذا ما تم صرف العلاج له؛ لأن العلاج قد يمتد إلى ستة أشهر مما يؤدي إلى ملل الطفل، وعدم أخذه للدواء وبالتالي فشل العلاج
ـــــــــــــــــــ(101/96)
فتيات تحت التهديد..!!
تقدّمت إليّ بعد انتهائي من الدرس بخطا متثاقلة ثم انخرطت فى بكاء حاد! حتى إن دموعها كانت تتساقط عليّ!
قالت: كنت منذ صغري ضحيةً لقسوة أهلي وما لبثوا أن زوجوني برجل أكبر مني سناً! ومنذ فترة تعرفت على أحدهم إلى أن كان اليوم المشؤوم الذي التقيت به في إحدى الشقق!! وقد قام بتصويري ومعه اثنان من رفاقه، وطلبوا مني مبلغاً كبيراً من المال!! مقابل شريط (الفيديو)!! وأعطيتهم جزءاً من المبلغ بعد أن استدنته!!
وأنا الآن تأكلني الحسرة وتعضني أصابع الندم على فعلتي، وأتمنى الموت فى هذه الساعة لأستريح من هذا العذاب!!
فما كان مني بعد أن رأيت صدق توبتها إلا أن أعطيتها رقم أحد مراكز هيئات الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وطلبت منها أن تقصّ عليهم بكل صدق وأمانة!! فلله درّهم من رجال أخذوا على عاتقهم الذود عن أعراض المسلمات بكل نخوة وشهامة!
ومع أن هذه الفتاة من دولة عربية وكذلك من قاموا بتهديدها إلا إن رجال الهيئة بقوا إلى ساعة متأخرة في سبيل تأمين الحماية للمرأة، والبحث عن شريط الفيديو والقبض على هؤلاء الطغام!!
وهذه ليست حادثة عابرة! بل هناك العشرات ممن شابهت ظروفهنّ هذه المرأة، ووقعن تحت التهديد ولا يزلن!
ويدفعن الثمن غالياً من أعراضهنّ وأموالهنّ!!
يكبّلهنّ الخوف!
وُتكممّهنّ الفضيحة!
وحتى أصل إلى مدى استشراء هذا الوحش الكاسر الذى يودي بعفة بناتنا ويمزّق سترهنّ!!
طلبت من الفتيات في بعض اللقاءات أن يكتبن لى في أوراق!! عما يعانينه من مشاكل!!
فقالت إحداهن:
إن لها علاقة مع أحد الشباب ثم حملت منه.. وأجهضت الجنين.. وهو الآن يهددها.. حتى تخرج معه فأخذت تستعمل الحبوب المنبهة وأدمنت عليها وهي تحصل عليها من صديقاتها اللاتي أوقعن بها بعد استعانتها بهنّ، وهي تعيش الآن فى خوف دائم!!
ونحن هنا يجب أن نأخذ بيد هذه وأمثالها!! لأن الخطر الآن من هذه العينات من الفتيات المحطمات في محاولتهنّ إفساد غيرهنّ بما يحملنه من حقد على المجتمع بأسره!!
فما ظنك بمن خسرت عفّتها..
وخسرت جنينها...
وخسرت عائلتها....
وخسرت حبها ...
وأصبحت مجرد حطام بشري لامصداقية له في الحياة ؟!
والخطر أيضاً يكمن في التهديد الذى تتلقاه الفتاة من الشاب عند أول زلة!! نتيجة عدم نضجها الديني والعقلي!!
وهناك القليل من الفتيات من تتجرأ وتطلب النجدة خوفاً من الفضيحة وقد ترزح تحت رحمة هذا الوحش زمناً طويلاً! هذا الذي يلذّ له هذا الأمر، ويجد منه دخلاً ليس بالهيّن مما يدفعه لطلب العديد من الضحايا وهذا هو دأب الجبناء!! يُطبّل لهم الشيطان وترقص لهم الرذيلة!
" شاب يقتل فتاة تحت تأثير المخدرات في شقة مفروشة في جدة(جريدة الوطن عدد1170)
وفي قصة فتاة عسير التي هزّت المجتمع السعودي و تقبع الآن في السجن بانتظار حكم الإعدام! بعد أن ابتغت العيش بكل كرامة حتى طالتها أيدي التهديد لأكبر دليل على عدم وجود الملجأ الآمن لفتياتنا، الذي يوفر لهن السرية التامة!!
ومع تطور التكنولوجيا في أجهزة التصوير ودقتها ازدادت الشكوى من هذا الأمر من النساء! ولكن بصمت! فأصبحت مجرد أصوات مخنوقة سرعان ما تتلاشى في غيابة جبّ الخوف!!
ويكمن الحلّ في إنشاء مراكز تابعة للشرطة ذات أقسام خاصة ومبانٍ مستقلة مهمتها النظر في هذه القضايا والبتّ فيها بكل سرية، تتعامل مع الضحية بكل مصداقية!! والأفضل حصر الأمربالنساء والاستفادة من تجربة مصر حيث أُنشئ نظام باحثات الشرطة اللاتي يخضعن لإدارة خاصة توجد بقسم شرطة الأزبكية؛ لأن رجال الشرطة غير مؤهلين للتعامل مع هذه الحالات!!
وهذا ليس بالأمر الهين، ولكن في تحقيقه الحدّ من جرائم الشرف التي يقوم بها ولي الفتاة للدفاع عن عرضه! ولا تعجب أن جرائم الشرف أكبر ما تعانيه المجتمعات فهو علاج للمشكلة بمشكلة!!
ففى باكستان وفقاً لهيئة حقوق الإنسان والدعم القانوني شهدت خمس السنوات الماضية مقتل (4770) فتاة باسم جرائم الشرف!
وإحراق (1570) امرأة!
وفي فلسطين: في تقرير لوزارة المرأة أن (71) جريمة قتل للنساء على خلفية جريمة الشرف!
وفي سوريا: في تقرير لمنظمة الأمم المتحدة تُصنّف فيه سورية بين أكثر خمس دول في العالم تُرتكب فيها جرائم الشرف!
الحلول:
(1) سن القوانين التي تكفل الحماية العادلة للنساء مع تطبيق حدود الحرابة والصلب للحد من اختطاف الفتيات ومن ثم اغتصابهن وكما قيل:
لايسلم الشرف الرفيع من الأذى *** حتى يراق على جوانبه الدم
وإليك ما حدث في الآونة الأخيرة من عناوين ( اختطاف فتاة سودانية في الرياض واغتصابها, اختطاف فتاة جامعية في جيزان, قتل فتاة المدينة المنورة بعد محاولة اختطافها في سيارة وهربها وإلقائها نفسها من السيارة. جريدة الوطن1175)
(2) رفع الوعي لدى الفتيات في المدارس, لمنع وقوعهنّ في خديعة الشباب التائه.
(3) منع العنف العائلي: ففي دراسة لوزارة الداخلية أن 21% يتعرضون للعنف بشكل يومي, 24% من حين لآخر(جريدة الوطن عدد1175) فما ظنك بمن يشبّ على العنف أنه سيتعامل مع الآخرين بنفس الدرجة من العنف.
(4) تثقيف المجتمع عبر البرامج التوعوية والاستشارات الاجتماعية بفضل الستر على المرأة, وأن الدين يحث على ذلك, وقد روى الحافظ أبو نعيم عن أحد العباد أنه جاءته امرأة فقالت له: إني قد امتُحنت بمحنة، وأُكرهت على الزنا، وأنا حبلى منه, وقد تستّرت بك وزعمت أنك زوجي, وأن هذا الحمل منك, فاسترني سترك الله، ولا تفضحني, فسكت عنها, فلما وضعت جاءني أهل المحلة وإمام مسجدهم يهنئونني بالولد, فأظهرت البشروالسرور, وكنت أبعث لها كل شهر دينارين نفقة للولد أبعثها للولد مع الإمام، وأخبرته أني طلقتها، ووبعد سنتين مات الولد فجاؤوني يعزونني, فأظهرت الحزن( البداية والنهاية لابن كثير (11/174)
(5) توعية الأسرة بخطر التساهل في دخول الأقارب واختلاطهم بالبنات، والتشديد بالحجاب الشرعي: أظهرت دراسة أعدتها الدكتورة منيرة بنت عبد الرحمن بن عبد الله آل سعود بعنوان «إيذاء الأطفال.. أسبابه وخصائص المتعرضين له» ومن الحالات التي أوردتها الدراسة حالة طفلة في الثالثة عشرة من عمرها حضرت إلى المستشفى في حالة نزيف ليتبين بعد الكشف عليها أنها تعرضت للإجهاض على الرغم من أنها غير متزوجة، وبالعودة لإفادة المدرسة لوحظ أن الطفلة كانت منتظمة ومؤدبة وغير مشاغبة، ولم تظهر عليها أي بوادر حمل إلا أنه في أحد الأيام أُصيبت بمغص في إحدى الحصص، وبالعودة للمدرسات تبين أن الطفلة قضت وقتاً طويلاً في الحمام، وخرجت بملابس ملوثة بالدم فظنوا أنه ناتج عن الدورة الشهرية، ولكن عمالاً في الشركة التي تتولى أعمال النظافة في المدرسة وجدوا طفلاً مولوداً بعد سبعة أشهر من الحمل متوفى وملقى بالحمام في نفس اليوم، وبعد التحقيقات تبين أن المعتدي هو ابن عم الأم (45 سنة)، وكان قد بدأ بممارسة الاعتداء على الطفلة منذ كان عمرها تسع سنوات، وكان يهدد الطفلة ويخوفها ويحضر أثناء غياب الوالدين عن المنزل فيقفل على إخوتها الصغار في إحدى الغرف ثم يعتدي عليها.
وسجن المعتدي وجلد (30) جلدة، وسُلّمت الطفلة لدار الرعاية إثر الحكم عليها بالبقاء في دار رعاية الفتيات لمدة سنة، ثم التغريب لمدة سنة، ثم الجلد، إضافة إلى حرمانها من التعليم عقاباً لها، وعادت الطفلة لأسرتها وعمرها (15) سنة.
فوزية الخليوي
عضو الجمعية العلمية السعودية للسنة
ـــــــــــــــــــ(101/97)
الكذّابون الصغار!
ولاء محمد 7/6/1426
13/07/2005
ُولد الأطفال على الفطرة النقية، ويتعلمون الصدق والأمانة شيئاً فشيئاً من البيئة إذا كان المحيطون بهم يراعون الصدق في أقوالهم ووعودهم ...ولكن إذا نشأ الطفل في بيئة تتصف بالخداع وعدم المصارحة والتشكك في صدق الآخرين، فأغلب الظن أنه سيتعلم نفس الاتجاهات السلوكية في مواجهة الحياة وتحقيق أهدافه، والطفل الذي يعيش في وسط لا يساعد في توجيه اتجاهات الصدق والتدرب عليه، فإنه يسهل عليه الكذب خصوصاً إذا كان يتمتع بالقدرة الكلامية ولباقة اللسان، وإذا كان أيضاً خصب الخيال... بالإضافة إلى تقليده لمن حوله ممن لا يقولون الصدق ويلجؤون إلى الكذب وانتحال المعاذير الواهية، ويدربانه على الكذب من طفولته فإن الكذب يصبح مألوفاً عنده. وعلى هذا الأساس فإن الكذب صفة أو سلوك مكتسب نتعلمه، وليس صفة فطرية أو سلوكاً موروثاً... والكذب عادة عرض ظاهري لدوافع وقوى نفسية تحدث للفرد سواء أكان طفلاً أو بالغاً .. ؛ بل قد تتوافر ـ أحياناً ـ عناصر الصدق في الوسط المحيط بالطفل وبرغم ذلك يلجأ إلى الكذب مما يسبب إزعاجاً بالغاً للأسرة وبالأخص الأم .. فما هي أسباب كذب الطفل؟ وما هي الأعراض؟ وهل توجد وسائل فعّالة لعلاج تلك الظاهرة؟
وكيف تتصرف الأم ـ وهي الأكثر التصاقاً بالطفل؟ وكيف تواجه هذه المشكلة قبل أن تتحول إلى أزمة أو حالة مرضية؟
مسؤولية الأسرة
تؤكد د.صباح محمود أستاذ علم الاجتماع بجامعة عين شمس أن الأسرة هي المسؤول الأول عن أي سلوك يصدر عن الطفل سواء كان سلوكاً إيجابياً أو سلبياً؛ وذلك بصفتها البيئة الأولى التي تحتضن الطفل وتغرس فيه القيم والعادات وأنماط السلوك المختلفة، من خلال ما يتعرض له من خبرات مختلفة، ويكون لها الأثر البالغ في تكوين اتجاهاته وتشكيل شخصيته وسلوكه.
ومن خلال هذه الحقيقة لابد أن يدرك الآباء أن الابن الذي يميل للكذب قد وجد في محيط الأسرة ما ينمّي بداخله هذا السلوك. فقد يكذب أحد الوالدين أمام الابن ويكذب أحدهما على الآخر، ويكون الابن مدركاً للحقيقة.
ويزداد الأمر سوءاً إذا حاول أحد الآباء إشراك الطفل في الكذب .. ومن أمثلة ذلك أن يطلب أحدهما منه أن يخبر من يتصل به تليفونياً بأنه ليس موجوداً، أو ما يشبه ذلك، كما أن للمدرسة دوراً كبيراً في تنمية هذا السلوك نظراً لبعض الممارسات الخاطئة التي تتمثل في أن يجد الطفل بعض زملائه يلجؤون للكذب كوسيلة للإفلات من العقاب. وبالفعل يتمكنون من ذلك.
أو أن يقوم المدرسون بإعطاء الأطفال واجبات منزلية تفوق قدرتهم الأمر الذي يجعلهم يعتمدون على غيرهم في الإجابة عنها ويدّعون فيما بعد أنها من اجتهادهم.
القدوة .. القدوة
ومن كل ما سبق يتشبع الطفل خبرات سلوكية خاطئة، وهي أن الكذب سلوك اجتماعي مقبول بل ضروري في كثيراً من الأحيان.
لذلك تطالب د.صباح بضرورة تهيئة مناخ صحي سليم يستطيع الطفل من خلاله اكتساب السلوكيات الأخلاقية الطيبة، وهذا يتأتى عن طريق احترام الكبار للقيم الإسلامية والالتزام بها.
ومن ثم فعلى الأسرة التي يميل أحد أبناؤها للكذب أن يتخلص أفرادها أولاً من هذا السلوك، وإذا وقع أحدهم أمامه فيه، فلابد أن يتراجع على الفور، ويحاول أن يشعر الطفل بمدى ندمه وإحساسه بالذنب، ويكثر من الاستغفار حتى يشعر الطفل بمدى خطورة هذا السلوك.
كما لابد أن تتبع معه أسلوب النصيحة، ويكون من الأفضل عن طريق سرد القصص التي تبين عواقب الكذب وأهمية الصدق؛ لأن هذا الأسلوب أكثر قرباً إلى الأطفال، وهذا ما يجب أيضاً اتباعه في المدرسة حتى يتم التمكن تدريجياً من علاج هذه الآفة لدى الطفل.
أنواع الكذب
كما يرى د. عبد المطلب القريطي أستاذ الصحة النفسية بكلية التربية جامعة حلوان أن الكذب صفة سلوكية مكتسبة يتعلمها الطفل في إطار الأسرة أولاً ثم من خلال من يتعامل معهم في محيط البيئة والمدرسة، مشيراً إلى أن الكذب يأخذ أنواعاً، متعددة تبعاً للأسباب والدوافع المؤدية إليه.
فيوجد الكذب الخيالي، وهو يشيع في السنوات الأولى من الطفولة؛ إذ يتمتع الطفل بالقدرة على التخيل، وبالرغم من أنه كذاب في الظاهر إلا أنه يعيش ما يتخيله كما لو كان حقيقة.
كما يوجد الكذب الانتقامي، وهو أن يحاول الطفل إلصاق التهم بالآخرين انتقاماً منهم، كأن يدعي على أخيه أو صديقه ويتهمه زوراً بما لم يرتكبه، نظراً لأنه يحظى أكثر منه بإعجاب الآخرين.
وكذلك كذب التقليد هو تقليد الطفل للوسط الذي يعيش فيه، والذي يفتقد قيمة الصدق، ويجد الكذب التفاخري وهو يرجع إلى شعور الطفل بالحرمان والنقص فيلجأ إلى التعويض عن طريق إضفاء مظاهر التعظيم والتفخيم على قدراته. حتى ترتفع مكانته عند الآخرين ومن ثم يشعر باللذة.
إدمان الكذب
أما الكذب المرضي فينتج عن الشعور الدائم بالاضطهاد من الآخرين الأمر الذي يدفعه للكذب بصورة متكرّرة وغير إرادية فيدمنه كلما واجهته أي صعوبة.
وحول سبل علاج الكذب أشار الدكتور القريطي إلى ضرورة وجود مناخ أسري ومدرسي يسوده الصدق ويجب أن تتسم معاملة الوالدين بين الأبناء حتى لا يدفعه ذلك إلى الافتراءات والكذب على إخوته المفضلين عنه.
كما يجب إشباع حاجات الطفل إلى التقدير كلما فعل ما يستوجب ذلك حتى لا يلجأ إلى الخيال لإشباعهما.
ولا يجب الانزعاج من تطلعاته الخيالية، وإنما يجب إرشاده أولاً إلى الفروق ما بين الواقع والخيال حتى لا يستغرق في الخيال أكثر من الواقع، كما أنه من الضروري تبصيره بأهمية قول الحق بأن الصدق فضيلة ترفع من شأن الإنسان والكذب رذيلة تقلل من شأنه وتجلب عليه الغضب من الله.
السبيل الأمثل
هذا وقد أشار د.جمال عبد الهادي الأستاذ بجامعة الأزهر، إلى أن أهم أسباب تفشي هذه الآفة هو غياب القدوة في حياة الأبناء، حيث وجدوا أغلب من حولهم يكذبون، ومن ثم استهانوا بقيمة الصدق، وهذا يعد مؤشراً عظيم الخطورة؛ لأن الأسرة قد فقدت أهم أدوارها، وهي أن تكون البيئة التربوية الصالحة التي تخرّج للمجتمع أفراداً صالحين.
ويضيف د.عبد الهادي أن خطورة الكذب لم تكن قاصرة على أنها مجرد صفة سيئة سوف تلتصق بالطفل بل إنه أول الخطا في طريق الفجور كما حذر الرسول الكريم -صلى الله عليه وسلم- حين قال: "إن الكذب يهدي إلى الفجور" ومن ثم فإن ردع الطفل عن هذا السلوك واجب حتمي على كل أسرة، ولا يجب التقصير فيه.
ويرى د.عبد الهادي أن السبيل الأمثل لعلاج هذا المرض لدى الطفل يتمثل في عدة أمور أهمها:
أن يلتزم الآباء بالصدق أمامه، ويكثروا الحديث عن أهمية الصدق وخطورة الكذب، ويجب أن يربطوا أفعالهم وأفعاله بالله -عز وجل- حتى يتعود على مراقبة الله وخشيته، ومن ثم لا يقدم على هذا الإثم، ولا يحاولوا أن يغلطوا عليه في أوامرهم حتى لا يضطر للكذب.
أما إذا اتبعوا ذلك، ولم يستجب الابن فيجب أن يستعملوا معه سلاح المقاطعة والخصام حتى يقلع عن الكذب، ومن ثم يستطيعون أن يصلوا بالابن إلى بر الأمن والإيمان
ـــــــــــــــــــ(101/98)
جحودُ الأبناءِ
فوزية الخليوي * 1/6/1426
07/07/2005
غَذَوْتُكَ مَوْلُودًا وَعُلْتُكَ يَافِعًا ... ...تُعَلُّ بما أجْنَي عَلَيْكَ وَتَنْهَلُ
إذَا لَيْلَةٌ نَابَتْكَ بِالشَّجْوِ لَمْ أَبِتْ ... ...لِشَكْوَاكَ إِلاَّ سَاهِرًا أَتَمَلْمَلُ
فَلَمَّا بلَغْتَ السِّنَّ والغَايَةَ التِي ... ...إِليْها مَدَى ما كُنتُ فِيكَ أُؤَمِّلُ
جَعَلْتَ جَزَائِي غِلْظَةً وَفَظَاظَةً ... ...كَأَنَّك أَنْتَ الْمُنْعِمُ الْمُتَفَضِّلُ
فَلَيْتَكَ إِذْ لَمْ تَرْعَ حَقَّ أُبُوَّتِي ... ... فَعَلْتَ كَمَا الْجَارُ الْمُجَاوِرُ يَفْعَلُ
أقدم مواطن كويتي يدعى (سالم. د) على قتل والدته البالغة من العمر خمسة وخمسين عاماً بعد أن ضربها بمطرقة على رأسها، وأحرق جثتها في منزل العائلة الواقع بمنطقة صباح السالم جنوب العاصمة. جريدة الرياض الاثنين 16 ربيع الأول 1426هـ - 25 إبريل 2005م - العدد 13454
وقد أفادت يومية «الأحداث المغربية» في عددها ليوم أمس أن متطرفاً بمدينة أحفير الواقعة عل الحدود الشرقية مع الجارة الجزائر يبلغ من العمر (29) سنة قتل والدته (49 سنة) بعد أن أصدر «فتواه» بتكفيرها (!!).جريدة الرياض اليومية الأربعاء 10 ربيع الآخر 1426هـ - 18 مايو 2005م - العدد 13477
الجاني ماجد الغامدي البالغ من العمر (34 عاماً) بعد أن أقدم على ارتكاب جريمة قتل والدته العجوز البالغة من العمر (80 عاماً) داخل منزل الأسرة بإحدى القرى التابعة لمدينة الباحة، وذلك بقطع رقبتها بآلة حادة وضربها على رأسها بالحجارة حتى فارقت الحياة، ومن ثم حملها في سيارته (الكابرس) ورماها في أحد الحصون على طريق الباحة - الطائف وأشعل النيران في جثتها، وذلك بهدف إخفاء معالم جريمته. كانون ثاني 02 2005. وتم تنفيذ القصاص به فى مدينة الباحة.
الذى يحدث فى مجتمعاتنا لم نكن نعهده من قبل بهذا القدر!! من عنف اجتماعي وتفكك أسري وانهيار للروابط الأسرية ومقاطعات بين أفراد الأسرة تدوم لسنوات طوال!! ووسائل الأعلام تنقل لنا كل يوم إفرازات مستهجنة.
العقوق -كما تشير النصوص التاريخية- وُجد فى العصر الأسلامي الأول، ولم يكن معدوماً:
محمد بن عبد الله بن مسلم بن زهرة قتله غلمانه بأمر من أبنه فى أمواله وكان ابنه سفيهاً شاطراً قتله للميراث ثم وثب عليه غلمانه بعد سنين فقتلوه أيضاً!! (طبقات ابن سعد 45/3).
أوس بن حارثة عاش مائتين وعشرين سنة حتى هرم وذهب سمعه وعقله وكان سيد قومه ورئيسهم ثم إن بنيه ارتحلوا وتركوه فى عرصتهم حتى هلك؛ فهم يُسبّون بذلك الى اليوم!! ( الإصابه فى تمييز الصحابة ج1 138)
علي بن الجوزي قال أبوه الواعظ المعروف: إنى لأدعو كل ليلة عليه وقت السحر؟! وعظ فى صباه ولكنه صاحب المفسدين! فترك الوعظ، وكان ينال من أبيه وربما غلّ من كتبه!!( سير أعلام النبلاء للذهبي ج22 353)
وكانت قصص العاقين مادة دسمة للأدباء فى كتبهمقال الأصمعي: حدثني رجل من الأعراب قال: خرجت من الحيّ أطلب أعقَّ الناس، وأبرَّ الناس، فكنت أطوف بالأحياء حتى انتهيت إلى شيخ في عنقه حبل يستقي بدلو لا تطيقه الإبل في الهاجرة والحرِّ الشديد، وخلفه شاب في يده رشاء (أي حبل) ملويّ يضربه به، قد شق ظهره بذلك الحبل، فقلت: أما تتقي الله في هذا الشيخ الضعيف؟ أما يكفيه ما هو فيه من هذا الحبل حتى تضربه؟ قال: إنه مع هذا أبي. فقلت: فلا جزاك الله خيرًا. قال: اسكت فهكذا كان هو يصنع بأبيه، وهكذا كان يصنع. فالعقوق محرّم قطعًا مذموم شرعًا وعقلاً..
فما معنى العقوق؟
يقول العلامة ابن حجر -رحمه الله-: العقوق أن يحصل لهما أو لأحدهما أذىً ليس بالهيِّن عُرفًا.اهـ. ويكون هذا الإيذاء بفعل أو بقول أو إشارة، ومن مظاهره مخالفة أمر الوالدين أو أحدهما في غير معصية، أو ارتكاب ما نهيا عنه ما لم يكن طاعة، أو سبّهما وضربهما، ومنعهما ما يحتاجانه مع القدرة ... وغير ذلك. وقد اجتهد بعض السلف حتى إن ذر بن عمر لما سُئل أبوه عنه قال: ما مشيت قط بنهار وهو معي إلا مشى خلفي ولا بليل إلا مشى أمامي ولا رقى سطحاً وأنا تحته؟! (وفيات الأعيان3/443)
نعم اختلت العلاقة بين الوالدين وأبنائهما، فعندما نقارن بين الماضي والحاضر نجد أن هناك تفاوتاً بين الأجيال؛ إذ إنهم في الماضي يعيشون في مسكن واحد على عكس ما هو حاصل في وقتنا الحاضر؛ إذ العيش يشبه الانفصال، لكن السؤال المهم: كيف يجرؤ بعض الأبناء على الهجر التام لآبائهم وأمهاتهم، وكيف يجرؤون على رميهم في أماكن لا تليق بهم إما في دور الرعاية للمسنين دون علمهم، أو في أماكن أخرى للتخلص منهم؟ تحكى مديرة دار المسنين فى الأردن مريم سركسيان: ولـ (ع) حكاية محزنة حقاً فقد أحضرتها بناتها على أساس أنها سيدة وُجدت تحت شجرة وكانت موضوعة في (البيك أب) في ملابس قذرة جداً كأنها لم تستحم منذ عشر سنوات، وقد بقيت في المركز فترة إلى أن تُوفّيت!!
تركت أباك مرعشة يداه ... ...
وأمك ما تسيغ لها شرابا
وإنك والتماس الأجر بعدي ... ...
كباغي الماء يتّبع السرابا
خطورة العقوق:
ما الأمر الذي سيحدث للجيل الحاضر؟.. فكل الخوف أن يصبح الأبناء الذين يمارسون العقوق أو الجفوة أو أي شيء من هذا القبيل, يمثلون نماذج لأبنائهم!! وبالتالي تصبح الظاهرة ليست فقط ظاهرة تغيّرات اجتماعية، وإنما تصبح نموذجاً يشاهدونه، نموذجاً عاقاً, وبالتالي يصبح العقوق سمة بارزة في هذا المجتمع، فهل نصل إلى هذه الدرجة؟ ولا تعجب إن قلت: إنه يلوح فى قلب كل أم وأب, إن لم يكن هاجساً مقلقاً بضعة تساؤلات:
هل يجحد أبنائي يوماً عطائي؟ وتضحيتي؟ وبذلي لهم؟!
ويلقون بنا على هامش الحياة؟ وكأننا عبء من أعباء الحياة!!
كالزيارة التي يتنفّسون منها الصعداء, وذلك لثقلها على كواهلهم بينما يقضون القسم الأكبر من أوقاتهم بكل نشوة وسعادة!!
الأسباب:
(1) تغير طريقة التربية : إن التربية التى انتهجها الوالدان فى السابق باتت حبيسة الأدراج!! بسبب النظريات الحديثة التى بتنا نلحظ آثارها السلبية وأبرزها جحود الأبناء!! لقد طرحت إحدى الكاتبات فى الولايات المتحدة كتاباً وجد انتشاراً واسعاً مَنْ يربى مَنْ؟" تقرّر فيه الكاتبة هذه الحقيقة, وتردّ على النظريات الحديثة فتقول: نحن نُعذّب أنفسنا نحن الآباء والأمهات أكثر بكثير مما نستحق من أجل تحقيق أشياء شبه مستحيلة, فيما يتعلق بأطفالنا!! وكثيراً ما نشعر بالذنب لشيء فعلناه معهم أو امتنعنا من فعله دون مبرر للشعور بالذنب!! ونضحّى بجزء كبير من راحتنا وسعادتنا, وراحة بالنا من أجل أشياء وهمية تتعلق بأطفالنا" إلى هنا, ولعل هذا التذبذب وعدم وضوح الرؤية كان سبباً فى الخلط بين القسوة والدلال!! بين الحب والانقباض فى نفسيات أبنائنا!!!
(2) ضعف الوازع الديني سواء فى المنزل أو المدرسة.
(3) تهميش وسائل الإعلام لهذا الموضوع، وبيان خطورته والفضائيات والسفر وما يُعرض على الفرد في حياته اليومية بشكل دائم وغير منقطع.
(4) اختلاف مصادر التوجيه؛ إذ إنه في فترة زمنية سابقة كانت مصادر التوجيه هي الوالد فقط وبعد ذلك الدائرة الضيقة مثل: الجد والجدة والعم والعمة والخال والخالة وهكذا، فمصدر التوجيه واحد، مع اتفاق هذه العناصر سواء أكان الوالد أم إمام المسجد أم الجار...
(5) انشغال الأب: وهو تأكيد على أهمية العلاقة النفسية التي تربط بين الآباء وأبنائهم وأهميتها منذ الصغر، وذلك بوسائل مختلفة، ومن ضمنها عدم إيكال رعاية الأطفال لغير الوالدين، فتوطيد العلاقة ما بين الآباء وأبنائهم شيء مهم لتنمية الرابط النفسي للابن.
(6) عدم الإنفاق على الأبناء
(7) ضعف الإشباع العاطفي من الوالدين لأبنائهما, إما بسبب الانفصال أو وجود الخلافات بينهما!!
(8) عدم مشاهدة الأبناء للتطبيق العملي: ففي الحديث الذى رواه البخاري ومسلم عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- : انطلق ثلاثة نفر ممن كان قبلكم حتى آواهم المبيت إلى غار فدخلوه, فانحدرت صخرة من فوق الجبل فسدّت عليهم الغار فقالوا: إنه لا ينجيكم من هذه الصخرة إلا أن تدعوا الله بصالح أعمالكم فقال رجلٌ منهم: اللهم كان لي أبوان شيخان كبيران, وكنت لا أغبق قبلهما أهلاً ولا مالاً, فنأى بي طلب الشجر يوماً, فوجدتهما نائمين, فكرهت أن أوقظهما، وأن أغبق قبلهما أهلاً أو مالاً, فلبثت والقدح فى يدى أنتظر استيقاظهما حتى برق الفجر، والصبية يتضاغون عند قدمي!! فاستيقظا فشربا غبوقهما!!
فهذا الرجل ربىّ أولاده- عملياً - على بر الوالدين؛ فها هم يبكون من شدة الجوع وهو ماضٍ فى منعهم من أجل والديه الكبيرين اللذين قدّمهما عليهم!! ويقدم عبد الله عبد المعطي (كيف تكون أباً ناجحاً), عدّة أسئلة لتربية الأبناء عملياً على البر:
•هل تعوّد ابنك أن يخاطبك أنت ووالدته بألفاظ الاحترام مثل: لو سمحت!
•* هل تعلّم ابنك ألا يحدّ النظر فى وجه والديه وخاصة عند الغضب؟
• هل تعلّم ابنك خفض الصوت عند الحديث مع والديه, وألاّ يقاطعهما؟
•*هل تعود ابنك أن يعتدل فى جلسته عند دخول أحد الوالدين عليه أو جلوسه معهما؟
•*هل تربّي ابنك على تلبية نداء والديه مهما تكن الظروف؟
•*هل تُعوّد ابنك ألا يمشي أمام والديه؟
•هل تعوّد ابنك على أنه إذا رأى أحد والديه يحمل شيئاً أن يسارع فى حمله؟
•هل تعوّد ابنك على عدم الدخول على والديه فى حال النوم إلا بعد الاستئذان وعلى عدم إيقاظهما؟
• *هل تعوّد ابنك على تقبيل يدي والديه؟
•هل تربّي ابنك على عدم الأكل قبل والديه؟
العلاج:
(1) الدعاء للأبناء بالصلاح والتوفيق،: "إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث: ولد صالح يدعو له.." فإذا لم يكن الولد صالحاً فإنه لا يدعو لنفسه ولا لوالده.
(2) تقوية الوازع الديني في مؤسسات المجتمع كلها، وليس للفرد فقط، فعند دخول الطفل إلى المدرسة أو البيت أو إلى أي مكان آخر يجب أن يجد الجو المناسب الذي ينمّي لديه الوازع الديني، ولا يكون ذلك بمعزل عن بقية أقرانه.
(3) وتقديم النموذج الجيد للأبناء من خلال ذكر رعاية الآباء لأجدادهم، فقد حكى أحد المربين: قمت بزيارة بعض دور الملاحظة ودور التوجيه فوجدت أن بعض الآباء هو السبب في انحراف ابنه؛ إذ إن واحداً من الآباء كان يُجلس ابنه معه، والأب يتناول الخمر مع أصدقائه، وأب آخر يرسل ابنه لإحضار الدخان، وخلاف ذلك.
(4) تكاتف وسائل الإعلام فى التربية العامة للمجتمع؛ إذ لا بد أن يكون هناك نوع من التوجيه، والتأكيد على ذلك لوضع ثوابت معينة تحكم الجميع.
(5) اتفاق الوالدين على طريقة التربية, فمتى ما شعر الابن بتذبذب وتناقض الوالدين عدّه نوعاً من الضعف.
(6) الإشباع العاطفي والمادي للأبناء.
* عضو الجمعية العلمية السعودية للسنة النبوية.
ـــــــــــــــــــ(101/99)
عالم لا يرحم الصغار أطفالنا .. لماذا أصبحوا أكثر عنفاً؟!
حوار: سحر فؤاد 21/5/1426
28/06/2005
- غياب القدوة الحسنة في الأسرة والمدرسة عامل أساس في ميل الأطفال إلى العنف.
- ملايين الأطفال تُنتهك حقوقهم ويتعرضون للعنف من مجتمع الكبار.
- بعض قوى المجتمعات تضع لنفسها ثقافة خاصة تزين الانحراف وتخلق في نفس الأفراد مشاعر الولاء له.
- المعتقدات الدينية والقيم الاجتماعية والأخلاقية تشكل لدى الإنسان السويّ درعاً واقياً ضد النزعات العدوانية المحرمة.
قد تندهشين إذا رأيت صغيرك يقوم بتخريب أشياء في المنزل، وقد تنزعجين إذا ضرب أخاه أو جاءتك شكوى من المدرسة باعتدائه على أحد زملائه، وربما يعييك البحث عن تفسير لهذا السلوك العدواني لابنك الذي قد تبدو عليه علامات الأدب والوقار!
لا تنزعجي، فعنف الأطفال ظاهرة عالمية في تزايد مستمر، وحيّرت المحللين والمراقبين الذين راحوا يسبرون أغوارها ويفتشون عن أسبابها ومظاهرها، ومن الحقائق التي خرجوا بها أن عنف الأطفال انعكاس لعنف أعم وأشمل.
فكيف يتسرب العنف إلى عالم الأطفال؟ وما هي أسبابه؟ وما دور الأسرة والمجتمع في الحد من هذه الظاهرة؟
الدكتورة عائشة الشهراني استشارية الطب النفسي تولي اهتماماً كبيراً بهذه القضية، وقد أجرينا معها هذا الحوار حول ظاهرة العُنف لدى الأطفال.
بداية .. ما تعريفكم للعنف؟ وما هي أنواعه؟
يمكننا تحديد العنف بأنه استجابة سلوكية تتميز بطبيعة انفعالية شديدة قد تنطوي على انخفاض في مستوى البصيرة والتفكير، فالعنف ممارسة القوة والإكراه ضد الغيرعن قصد، وعادة ما يؤدي العنف إلى التدمير أو إلحاق الأذى أو الضرر المادي وغير المادي بالنفس أو الغير.
وقد يكون العنف مادياً أو معنوياً، والشكل الأبرز للعنف هو العنف السلوكي ذلك أن حياة الإنسان تقوم على إشباعات دائمة ودوافع أولية وثانوية، وعند عدم توفر الإشباعات الكافية لتلك الدوافع يحدث سوء التكيف للفرد، ويختلف الأفراد في سوية سلوكهم أو انحرافهم، وقد يتسم السلوك المنحرف عند بعض الأفراد بعدم الانضباط والعنف والقسوة أو اللامبالاة الاجتماعية، والإفراط والتراخي في التنشئة الاجتماعية. كلاهما يؤدي إلى سلبية في عملية التطبيع الاجتماعي؛ فالإفراط في التنشئة يؤدي إلى التبعية، والتراخي يؤدي إلى العدوانية وعنف السلوك.
ما هي أبرز مظاهر العنف التي يتعرض لها الأطفال؟
يمكن إجمال هذه المظاهر فيما يلي:
الاعتداء اللفظي على الغير عن قصد.
الإيذاء البدني وغير البدني للنفس أو الغير.
إلحاق الأذى بممتلكات الغير.
إلحاق الأذى أو تدمير ما يتصل بالمرافق العامة والمنشآت.
ينقسم علماء النفس في تفسير العنف بين من يرده - في معظمه- إلى أسباب شخصية، ومن يرده لأسباب اجتماعية؛ فكيف ترين المسألة؟
أرى العاملَيْن معاً، أي أن العنف وليد لأسباب شخصية واجتماعية، فهناك من الأفراد من لديهم استعداد للعنف بسبب ميلهم للانتقام، فمن الأفراد من لا يتورّع عن ارتكاب أبشع الجرائم في سبيل إشباع الميل للانتقام، وقد يتولّد العنف فجأة كما يحدث بين الطلاب أثناء اليوم الدراسي، والميل للانتقام دليل ضآلة الشخصية، ومما يفسر العنف أيضاً التشبع بتقاليد سائدة في الوسط المحيط تجعل العنف أسلوب شجاعة يجعل الشباب يسيرون وهم يحملون الخنجر أو المطواة؛ الأمر الذي يُعتبر نوعاً من الثقافة العنيفة، ويتعارض مع ثقافة معظم الناس في المجتمع.
ومن بين الأسباب الشخصية للعنف فعل الأذى حباً في الأذى كما يحدث لدى المراهقين؛ لأنه يشعرهم بالارتياح والمتعة في إيذاء الآخرين، كما أن الغيرة من أهم الأسباب؛ فهي أشد خطراً عندما تنتاب فرداً لديه تكوين إجرامي فتهيّئ لديه فرصة العنف.
وقد يتولد العنف من مركّب نقص لدى فرد يشعر أنه أقل مستوى من الآخرين بعيب جسدي أو نفسي، فيقابل بالعنف كل من يعتقد أنهم يوجهون له إهانة بسبب هذا العيب.
وقد يشجع المجتمع العنف أو يلجمه. فمن الأسباب الاجتماعية للعنف:
التدريب الاجتماعي الخاطئ أو الناقص، ويظهر في المجتمعات التي تتناقص فيها القيم والأهداف التربوية العامة وتتفكك فيها الأسر بصورة ملحوظة.
الجزاءات الضعيفة سواء بالنسبة للامتثال أو الانحراف تؤدي إلى إيجاد حالة متميعة عند الأفراد، وكذلك ضعف الرقابة؛ فقد يكون الجزاء شديداً، ولكن القائم على تنفيذه لا ينفذه بدقة.
الطفل نفسه قد يكون مصدراً للعنف ضد أقرانه أحياناً فما أسباب ذلك؟
يحدث ذلك لأسباب كثسرة: منها ما يرجع إلى شخصية الطفل، كالشعور المتزايد بالإحباط، وضعف الثقة بالذات، والاضطراب الانفعالي والنفسي، وضعف الاستجابة للقيم والمعايير المجتمعية، وعدم القدرة على مواجهة المشكلات بصراحة، وعدم إشباع الحاجات الفعلية.
وقد يرجع عنف الطفل لأسباب تعود للأسرة كالتفكك الأسري والتدليل الزائد من الوالدين، أو القسوة الزائدة منهما، وعدم متابعة الأسرة للأبناء، والضغوط الاقتصادية.
وقد يرجع عنف الطفل إلى رفاقه عندما يرافق أصحاب السوء، وشعوره بالفشل في مسايرة الرفاق، وهروبه المتكرر من المدرسة، والشعور بالرفض من قبل الرفاق.
وربما تكون المدرسة أحد أسباب عنف الأطفال نتيجة لغياب القدوة الحسنة، وعدم الاهتمام بمشكلات التلاميذ، وغياب التوجيه والإرشاد من قبل المدرسين، وضعف اللوائح المدرسية، وعدم كفاية الأنشطة المدرسية، وزيادة كثافة الفصول الدراسية.
ولا ننسى أن المجتمع نفسه الذي يشكو من عنف الأطفال قد يكون هو السبب في ذلك نظراً لضعف الضبط الاجتماعي، وضعف التشريعات والقوانين المجتمعية وانتشار أفلام العنف وغيرها.
ما يسمى بإيذاء الأطفال (ABUSING) أصبح بنداً ثابتاً في معظم المؤتمرات الدولية. فهل أصبح الأمر ظاهرة عالمية؟
نعم هو كذلك؛ فأعداد الأطفال الذين يتعرضون للعنف وتُنتهك حقوقهم تصل إلى الملايين، فهناك أكثر من مليون طفل يعملون في ظروف محفوفة بالمخاطر، أو يتعرضون للاتجار بهم أو يُجبرون على ممارسة البغاء، أو المشاركة في المواد الإباحية، والعنف البدني وإساءة المعاملة الذهنية الموجهان ضد الأطفال متفشيان في المنازل والمدارس والمؤسسات والمجتمع المحلي، وفي حالات كثيرة جداً تصدر المعاملة السيئة عمّن هم مسؤولون مباشرة عن رعاية الأطفال وحمايتهم.
ولا يزال أثر الصراعات على الأطفال فتاكاً وواسع الانتشار، ففي التسعينيات من القرن العشرين أودت الصراعات المسلحة بحياة أكثر من مليوني طفل، وأُصيب أكثر من ثلاثة أضعاف هذا العدد بعاهات مستديمة أو بإصابات خطيرة.
وكثيراً ما يعكس التمييز سواء كان قائماً على العنصر أو اللون أو الجنس أو الدين أو الوضع الاقتصادي أو الموقف السياسي أو غيره من المواقف إلى فوارق في مجالات رئيسة من حياة الأطفال.
كما تؤدي الضغوط الاجتماعية والاقتصادية إلى تقويض الدور البالغ الأهمية الذي يقوم به الوالدان والأسرة في ضمان حق الطفل في النمو في بيئة مأمونة ومستقرة وحانية.
ولا يغيب عن بالنا أن انتهاك حقوق الأطفال وثيق الصلة بظروف التربية والتعليم وممّا يلفت الانتباه في هذا الصدد أن ثلث الأطفال في العالم لا يكملون خمس سنوات من الدراسة، وهي السنوات التي تمثل الحد الأدنى اللازم للإلمام الأساسي بالقراءة والكتابة، ويزيد عدد الأطفال غير المقيمين في المدارس ممن هم في سن المدرسة الابتدائية عن (110) مليون طفل معظمهم من الإناث، وهناك ملايين أخرى تتلقى التعليم على أيدي معلمين غير مدربين في قاعات دراسيّة مكتظّة بالتلاميذ وغير صحيّة وغير مجهزة بالمعدات الكافية.
كيف ترين أثر وسائل الإعلام في تفشي هذه الظاهرة ؟ وكيف يمكن الحد من هذا الأثر؟
بعد أن أصبح للتليفزيون تأثيره الواسع، وبعد الانتشار الهائل للقنوات الفضائية، وفي عصر السموات المفتوحة استطاعت وسائل الإعلام أن تشكل لدى غالبية المجتمعات ثقافة (تليفزيونية) خاصة وتنشئ جيلاً (تليفزيونياً) خاصاً؛ فالناس على اختلاف طبقاتهم بدؤوا ينظرون إلى هذه الوسائل كمشكلة حضارية جديدة ذات آثار سلبية معينة، ويكاد يجتمع الرأي على أننا نواجه اليوم حملة إعلامية شرسة لما تقدمه وسائل الإعلام من مواد تحتوي على مشاهد الرعب والعنف والجريمة والساديّة والعدوان، ولا شك أن المشاهدة المستمرة لهذه المشاهد تؤدي -على المدى الطويل- إلى تبلّد الإحساس بالخطر، وإلى قبول العنف كوسيلة استجابية لمواجهة بعض مواقف الصراعات أو ممارسة السلوك العنيف ذاته.
ـــــــــــــــــــ(101/100)
حوار مغترب مع أول مولودة
ممدوح الشرهان * 6/5/1426
13/06/2005
بُنيّتي.. الكلمات تتدافع، والمشاعر تتدفّق، ولا أدري كيف أبدأ رسالتي هذه؛ لأنني لم أستطع وصف إحساسي عندما تلقيت بشرى قدومك إلى هذه الدنيا.. أهو إحساس بمسؤولية الأبوة والاستعداد لتحملها، أم كان فرحاً غامراً لأنك هبة من الله، أم هو إحساس بالذنب والتقصير لأني لم أكن من بين المستقبلين لأول قدوم لك إلى هذه الدنيا مع إشراقة أول نور في عينيك؟!
ابتسمت لي الدنيا حين بكيتِ رافضة الظلام مصرة على إضاءة ما حولك، وغمْر مَن حولك بكل معاني الفرح والسرور، طاردة بذلك كل أسباب الكآبة والثبور.
إنني أعرفك منذ زمن بعيد فأنت مني، وأنت مَن وعدني بالسعادة و صبّرني في أيام صعبة جداً، قلت لي: اصبر حتى أصل؛ فأزيح همك، فإن الله كفل لك الجنة بشرط رعايتي و إحسان تربيتي..أنا "لؤلؤة" من قاع بحر لجّيّ كنت أسبح بأمر ربي في ظلمات ثلاث، بعضها فوق بعض، وإذا كان الغوّاص يستخرج أشباهي من قيعان المحيطات مجازفاً بحياته، فأنا أتيتك لأضفي أجمل معاني السعادة في حياتك.
أبتِ..أنا أحرص منك عليك؛ لأن قيمتي تزداد بحضورك أنت دون غيرك، فلو حضر الناس جميعاً لم يزد ذلك في ثمني شيء، ولكن بك أزداد ثقة واعتزازاً...فأنت أبي لكنك أب غائب، لم أرك في حياتي قط...هل تعمّدت الغياب أم أنه قدر كتب علينا ألاّ نجتمع عند مقدمي..؟ وهل سيطول الغياب؟ أهو أيام أم أشهر أم سنوات؟ أأنت في الرياض حيث أنا ولم تحضر أم أنك بعيد عنا؟
يا بنيّتي أقسم لك أني لم أتعمد هذا الغياب..وأعدك بأنه لن يطول..أما مكاني ففي بلد حَكم العالمَ في ماضيه بالظلم والاستبداد..بلد حارب الإسلام واعتبَره عدوّه الأول.. لم آت -يا بنيتي حباً- فيهم، ولا ولاءً لمعتقدهم، ولكن أتيت لأتعلم منهم علوماً أصبحنا نفتقدها اليوم بعدما كنا منارة للعلم، نضيء به العالم كله!!
أنا هنا يا حبيبتي لكي أبدأ من حيث انتهوا، وأساهم في بناء مجد لأمتي وحضارة تفوق ما يتغنّون به.
فإن أول حضارتنا هي الدين، والمحافظة على تعاليمه، والاعتزاز بقيمنا، والتمسك بهويتنا. وسِتْرك -يا بنيتي- أول أولوياتنا؛ فإنك من الضرورات الخمس التي أمر الله بحفظها..فأنت النسل وأنت من تحافظين عليه، وتكفلين استمراره يا عزيزتي.. أنت العِرض، وأنت الشرف الذي يميّزنا عن غيرنا من شعوب العالم؛ فأنت ما نفاخر به.
كلي أسف لابتعادي عنك..ولكني بعون الله قادم، ولن أغيب عنك طويلاً، فإني أعرفك أكثر مما تعرفينني، وأحبك أكثر مما تحبينني فاعذريني لغيابي؛ فإنه بر منك بوالدك.
* مستشار مالي وإداري في صندوق التنمية الصناعية
مبتعث إلى مدينة كمبريدج في بريطانيا حاليا
ـــــــــــــــــــ(101/101)
وصايا لتربية الأبناء
عبدالملك القاسم
دار القاسم ... أرسلها لصديق أرسلها لصديق
طباعة المقال عرض للطباعة
إضافة مرجع إضافة مرجع
تصحيح خطأ إملائي تصحيح خطأ
عدد القرّاء عدد القرّاء: 5189
(1574 كلمة)
صورة المطوية
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، أما بعد:
فإن نعم الله عز وجل لا تحصى، وعطاياه لا تعد، ومن تلك النعم العظيمة وأجلها نعمة الأبناء، قال الله تعالى: المَالُ وَالبَنُونَ زِينَةُ الحَيَوةِ الدُّنيَا [الكهف:46] ولا يَعرفُ عِظَم هذه النعمة إلا من حُرم منها، فتراه ينفق ماله ووقته في سبيل البحث عن علاج لما أصابه.
وهذه النعمة العظيمة هي أمانة ومسئولية يُسأل عنها الوالدان يوم القيامة، أحَفِظا أم ضيعا؟ وزينة الذرية لا يكتمل بهاؤها وجمالها إلا بالدين وحسن الخلق، وإلا كانت وبالاً على الوالدين في الدنيا والآخرة.
يقول الرسول : { كلكم راعٍ وكلكم مسؤل عن رعيته: فالإمام راعٍ وهو مسؤل عن رعيته، والرجل راعٍ في أهله وهو مسؤل عن رعيته } [متفق عليه].
وهذه الرعية أمانة حذر الله عز وجل من إضاعتها والتفريط في القيام بحقها، قال تعالى: إِنَّا عَرَضنَا الأَمَانَةَ عَلَى السَّمَوَاتِ وَالأَرضِ وَالجِبَالِ فَأبَينَ أَن يَحمِلنَهَا وَأشفَقنَ مِنهَا وَحَمَلَهَا الإنسَنُ إِنَّه كَانَ ظَلُوماً جَهُولاً [الأحزاب:72]. وقال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً [التحريم:6].
يقول ابن القيم رحمه الله: ( فمن أهمل تعليم ولده ما ينفعه، وتركه سُدَى، فقد أساء غاية الإساءة؛ وأكثر الأولاد إنما جاء فسادهم من قِبَل الآباء وإهمالهم لهم، وترك تعليمهم فرائض الدين وسُننه، فأضاعوهم صغاراً، فلم ينتفعوا بأنفسهم، ولم ينفعوا آباءهم كباراً ).
وإلى كل أب وأم ومرب. وقفات سريعة لعل الله أن ينفع بها:
أولاً: الأصل في تربية النشء إقامة عبودية الله عز وجل في قلوبهم وغرسها في نفوسهم وتعاهدها، ومن نعم الله علينا أن المولود يولد على دين الإسلام، دين الفطرة، فلا يحتاج إلا إلى رعايتة، ومداومة العناية به، حتى لا ينحرف أو يضل.
ثانياً: الأب والأم في عبادة لله عز وجل حين التربية والإنفاق والسهر والمتابعة والتعليم، بل وحتى إدخال السرور عليهم وممازحتهم إذا احتسبوا ذلك، فالأصل تعبد الله عز وجل: وَمَا خَلَقتُ الجِنَّ وَالإِنسََ إلا لِيَعبُدُونِ [الذاريات:56].
والنفقة عليهم عبادة كما قال عليه الصلاة والسلام: { دينار أنفقته في سبيل الله، ودينار أنفقته في رقبة، ودينار تصدقت به على مسكين، ودينار أنفقته على أهلك، أعظمها أجراً الذي أنفقته على أهلك } [رواه مسلم]. وقال عليه الصلاة والسلام: { إذا أنفق الرجل على أهله نفقة يحتسبها فهي له صدقة } [متفق عليه].
ثالثاً: لابد من الإخلاص لله عز وجل في أمر التربية، فإن أراد المربي الدنيا فقد إنثلم إخلاصه، وترى البعض يحرص على تعليم أبنائه لكي يحوزوا المناصب والشهادات، ولاشك أن الخير في تعليمهم ابتغاء ثواب الله عز وجل وما عداه فهو تابع له، ولهذا يركز من يريد الدنيا على التعليم الدنيوي المجرد من خدمة الإسلام والمسلمين، والآخر الموفق يسعى لكسب شهادة في الطب مثلاً لمداوة المسلمين ولكي نستغني عن الأطباء الكفار، فهذا له أجر وذاك ليس له أجر، والنية في هذا الأمر عظيمة وهي من أسباب صلاح الأبناء وحسن تربيتهم، فما كان لله فهو ينمو ويكبر، وما كان للدنيا فهو يقل ويضمحل. وبعض من الآباء يبر والديه لكي يراه صغاره فيعاملونه إذا كبر وشاخ بمثل ذلك. وهذا فيه حب الدنيا وحظوظ النفس، ولكن المؤمن يخلص لله في بر والديه رغبة في ما عند الله عز وجل وطاعة لأمره في بر الوالدين، لا للدنيا والمعاملة بالمثل.
رابعاً: عليك باستصحاب النية في جميع أمورك التربوية حتى تُؤجَر. الزم النية في تعليمهم وفي النفقة عليهم، وفي ممازحتهم وملاعبتهم وإدخال السرور عليهم وعوَّد نفسك على ذلك.
خامساً: الدعاء هو العبادة، وقد دعا الأنبياء والمرسلون لأبنائهم وزوجاتهم رَبَّنَا هَبّ لَنَا مِنّ أزوَاجِنَا وَذُرِيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ [الفرقان:74]، وَإذّ قَالَ إبْرَاهِيمُ رَبِ اجْعَلّ هَذَا البَلَدَ ءَامِنًا وَاجنُبنِي وَبَنَيَّ أَن نَّعْبُدَ الأَصنَامَ [إبراهيم:35] وغيرها في القرآن كثير. وكم من دعوة اهتدى بسببها ضال، وكم من دعوة اختصرت مسافات التربية. وتحرَّ أوقات الإجابة وابتعد عن موانعها، وتضرع إلى الله عز وجل وانكسر بين يديه أن يهدي ذريتك وأن يجنبها الشيطان، فأنت ضعيف بجهدك قليل بعملك.
سادساً: عليك بالمال الحلال وتجنب الشبه، ولا تقع في الحرام، فإنه صح عن النبي أنه قال: { كل جسم نبت من سحت فالنار أولى به } ولا يظن الأب أو الأم أن الحرام في الربا والسرقة والرشوة فحسب، بل حتى في إضاعة وقت العمل وإدخال مال حرام دون مقابل.. فكثير من الموظفين والمدرسين يتهاونون في أعمالهم ويتأخرون عن مواعيد عملهم بضع دقائق.. لوجمعت إذا بها ساعات تضيع في الحديث مع الزملاء وقراءة المجلات والجرائد والمكالمات الهاتفية. وهذه الأموال التي يأخذها مقابل هذه الأوقات سحت، لأنها أخذ مال بدون وجه حق.
وكذلك أكل أموال الناس بالباطل وهضم حقوقهم، فاحذر أخي المسلم أن يدخل جوفك وجوف ذريتك مالٌ حرام. وتحرَّ الحلال على قلتة فإن فيه بركه عظيمة.
سابعاً: القدوة الحسنة من ضروريات التربية، فكيف يحرص ابنك على الصلاة وهو يراك تضيَّعها، وكيف يبتعد عن الأغاني والمجون وهو يرى والدته ملازمة لسماعها ! ثم في صلاحك حفظ لهم في حياتك وبعد مماتك. وتأمل في قول الله تعالى: أَبُوهُمَا صَالِحاً فَأَرَادَ رَبُّكَ أَنْ يَبْلُغَا أَشُدَّهُمَا وَيَسْتَخْرِجَا كَنزَهُمَا رَحْمَةً مِّن رَّبِّكَ [الكهف:82] فصلاح الأب هذا عمَّ أبناءه بعد موته بسنوات. وليكن لك أجر غرس الإسلام في نفس طفلك وحرصه على أداء شعائره فإن { من سن في الإسلام سنة حسنة فلة أجرها وأجر من عمل بها من بعده.. } الحديث.
ثامناً: وجَّه بعضاً من حرصك على أمور الدنيا ومعرفتها وكشف دقائقها إلى معرفة أفضل السبل في أمر التربية، واستشر من ترى فيه الصلاح، وابحث عن الأشرطة والكتب التي تتحدث عن التربية الإسلامية للطفل المسلم. ولا يكن شراء سيارة أو جهاز كهربائي أهم من تربية ابنك. فأنت تسأل عن السيارة والجهاز كل من تراه ! ثم تُهمل ابنك ولا تتلمَّس الطريق السوي لتربيته ! !
تاسعاً: الصبر.. غفل عنه البعض وهو من أهم عوامل نجاح التربية. فعليك به واصبر على صراخ الصغير ولا تغضب، واصبر على مرضه واحتسب، واصبر على توجيهه ولا تملَّ. واصبر على مسافات بعيدة لتذهب بابنك لمدرسة ناجحة وفيها المدرسون الأكفاء. واصبر على أن تنتظر ابنك ليخرج معك للصلاة، واصبر على أن تجلس بعد العصر في المسجد ليحفظ معك ابنك. وأبشر فإنك في طريق جهاد: وَالّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهّدِيَنّهُمّ سُبُلَنَا [العنكبوت:69] وأنت مأمور بالتربية أما الهداية فهي من الله عز وجل، فابذل السبب واصبر، وسترى من الخير ما يُسرك ويؤانس طريقك.
عاشراً: الصلاة، الصلاة، فهي الفريضة العظيمة والركيزة الثانية من فرائض الإسلام بعد الشهادتين، فاحرص عليها وليشعر ابنك بأهميتها وعظم قدرها. وهي يسيرة على من يسرها الله عليه. والتزم الأدب النبوي في تربية الأطفال فقد قال عليه الصلاة والسلام كما روى ذلك الإمام أحمد: { مروا أبنائكم بالصلاة لسبع واضربوهم عليها لعشر }. ومن طبق هذا الحديث فإنه لا يرى مشقة ولا تعباً في أمر الصلاة، فإن الصغير في ما بين السابعة والعاشرة من عمره يفرح بالخروج للمسجد، وتأمل في هذه الفترة التي يتخللها أكثر من 5000 مرة تناديه للصلاة ويخرج فرحاً بذلك كعادة الصغار.. هل يا ترى إذا بلغ العاشرة وقد صلى 5000 صلاة يتركها؟!
ولاتكن أيها الأب المبارك مثل جهلة بعض الآباء، الذي يرحم ابنه من برد الشتاء ولا يوقظه للصلاة، بل كن من العقلاء وارحمه من نار جهنم والعياذ بالله، وأطع أمر الله ورسوله واصبر على إيقاظه وتشجيعه وتحبيب الصلاة إليه حتى تبرأ ذمتك يوم القيامة. وليهنك حفظ الله عز وجل لصغارك طوال يومهم فقد قال : { من صلى الفجر في جماعة فهو في ذمة الله } [رواه ابن ماجه]. واستشعر أن صغيرك في ذمة الله طوال ذلك اليوم.
قال ابن تيمية: ( ومن كان عنده صغير مملوك أو يتيم أو ولد فلم يأمره بالصلاة، فإنه يُعاقب الكبير إذا لم يأمر الصغير، ويعزّر الكبير على ذلك تعزيراً بليغاً لأنه عصى الله ورسوله ).
الحادي عشر: لابد من مراعاة المَلَكات الخاصة والفوارق الفردية بين الأطفال، والعدل معهم في المعاملة، وبعض الآباء يهمل مَلَكات عظيمة لدى صغيرة تضيع سدى. فتجد بعض الصغار يحفظ الأناشيد والدعايات وغيرها مما لا فائدة ولا يحفظ كتاب الله عز وجل ولا يُوجّه لذلك. ولو تأملت في حياة علماء الأمة لوجدت الكثير يملكون مثل إمكاناتهم وقوة حفظهم ولكنهم وجهوا هذه الثروة إلى غير فائدة، فهذا عالم الأمة ومفتي الديار وذاك يحفظ الشعر والقصص.
الثاني عشر: اغرس في نفوس صغارك تعظيم الله عز وجل ومحبته وتوحيده، ونبههم على الأخطاء العقدية التي تراها، وحذرهم من الوقوع فيها؛ فإن ذلك تحصين لهم، واحرص على أن تعودهم على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وتشجعهم عليه فإن ذلك من دواعي ثباتهم على هذا الدين ولما في ذلك من الوجوب والأجر العظيم.
الثالث عشر: احرص على كتم الغضب والانفعال وتعوذ من الشيطان إذا داهمك، ولقد جعل الإسلام للعقوبة حداً. فجعل ضرب الطفل لا يتجاوز العشر ضربات، وأن يضرب بمسواك أو عصا صغيرة، ويتجنب الوجه والعورة، واحرص على التسميه عليه حال الضرب، ولا تضرب وأنت غضبان هائج، وإن استبدلت الضرب بالتشجيع أوالحرمان فهو خير لك ولابنك.
الرابع عشر: نحن في زمن انتشرت فيه الفتن من كل جانب، فكن كمن هو قائم يذبُّ عن صغاره السهام ويحوطهم من الأذى واحرص على ذلك أشد الحرص، وليكن لك حسن توجيه في اختيار رفيقهم وجليسهم فإن الصاحب ساحب والرسول يقول: { الرجل على دين خليله فلينظر أحدكم من يخالل } [رواه أحمد]. واحذر أن تصحبهم إلى محلات ضياع الأوقات وإلى ما فيه منكرات. وكن لهم الأب والصاحب والصديق. واغرس في نفوس أبنائك الرجولة وفي بناتك الحياء والعفة وذلك عبر اللباس والتوجيه والمحاكاة ولا تتساهل في خروجهن من المنزل إلا برفقتك أو برفقة والدتهن.. ولا تظن أن من دواعي التحضر أن تلقي تعاليم الإسلام جانباً.. واحذر أن يخرج من صلبك من يحارب الله عز وجل قولاً وفعلاً !!
الخامس عشر: وقتك طويل ولديك ساعات كثيرة بعد نهاية عملك فما نصيب أبنائك منها؟ فإن كنت مفرطاً في حقهم فتدارك ما فات واجعل لهم النصيب الأكبر، وإن كنت ممن حفظ هذا الوقت وجعله لهم فهنيئاً لك، ولا تغفل أن يكون بيتك ومملكتك الصغيرة واحة إيمانية تقرأ عليهم فيها من سيرة الرسول وتجعل فيها المسابقات الثقافية والإسلامية والعلمية. واجعل لمن حفظ القران جوائز قيمة. واحرص على تلمُّس سيرة الرسول وحسن تعامله وتواضعه وممازحته للصغار.
رزقنا الله وإياكم الذرية الصالحة، وأقرَّ أعيننا بصلاحهم وفلاحهم، وجمعنا وإياهم ووالدينا في جنات عدن، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
ـــــــــــــــــــ(101/102)
ناقوس الخطر متى يدق ؟
ومضات نطلقها علي طريق التربية الإيمانية..نقتبسها من تجارب الآخرين، ونضع بعض الاقتراحات لوسائل تسهل غرس أصول الإيمان وأركان الإسلام في نفوس الأبناء.
ترسيخ معني الصلاة في نفوس الأبناء.. هدف كل أب.. ورؤيتهم يحافظون عليها في أوقاتها.. أمنية وغاية لنا جميعاً.. فالصلاة عماد الدين.. وهي أصل التكليف.. وبها يبدأ الإنسان طريقة نحو الصلاح والفلاح..
وإذا كان من المهم جداً تعليم الأبناء الصلاة في سن مبكر.. فإن تعويدهم عليها من بلوغ سن التكليف أمر عقائدي لا يقبل الجدل ولا الهزل..
ويبقي السؤال: ماذا يفعل الآباء لتعويد أبنائهم علي الصلاة في سن التكليف، وما هي أفضل السبل لذلك؟
صفحة " الشاب الصالح " تطرح عدداً من الأفكار العملية، مصحوبة بتجارب بعض الآباء والأمهات الذين نجحوا في تحقيق تلك الأمنية لأبنائهم.
تجارب وآباء
تقول إحدي الأمهات: كانت لدي مشكلة في تعليم ابني الصلاة.. وتضيف.
كنت في البداية أقتصر علي أن أوجه له طلب القيام بالصلاة، ومن ثم بدأ التوجيه يأخذ صورة أكثر حدة، إلي أن خطرت لي فكرة، وهي أن أضع له جدولاً كبيرا في غرفة المعيشة، به مواقيت كل صلاة، وما أن ينتهي من صلاة، حتي يضع إشارة أو يلصق ملون أمام الصلاة التي أداها، وإن لم يؤديها نضع مربع أسود وأظن أن هذه الطريقة قد آتت ثمارها.
جعلته مسؤولاً
يقول أحد الآباء: دائماً ما أتذكر تلك اليد الدافئة التي كانت تأخذ بيدي ونحن نخرج من المسجد، ما زال دفؤها يسري في جسمي حتى الآن، أنها يد والدي الذي كنت أداوم علي الذهاب معه إلي المسجد.. وكلما تذكرتها أشعر بمدي أهمية أن يعتاد ابني علي الصلاة منذ الصغر.. حاولت معه كثيراً ولكن مشكلتي معه أنه كثير اللعب والنسيان، حتى أنه وصل إلي سن التاسعة ولم يلتزم بكل الفروض إن لم يذكره أحد بها، وخاصة عندما يقضي يومه خارج المنزل عند أبناء عمومته، وخطرت لي فكرة.. وهي أن أجعله مسؤولاً عن تعليم أخته الصغيرة الصلاة، ومراقبتها في جميع صلواتها، وكم كانت النتيجة رائعة كليهما، فكانت عندما تستعد وتلبس ملابس الصلاة، تناديه ليصليا معاً، أنها نتيجة لم أكن أتوقعها.
نحو الهدف
تأتي بعد مرحلة التدريب المبكر علي الصلاة دون السابعة، مرحلة التدريب المباشر، وهي المرحلة ما بين السابعة والعاشرة، فلقد منح الله الآباء 3 سنوات ليتخذوا كل السبل والمحاولات لتعليم الأبناء الصلاة وأحكامها، ليعتاد الابن عليها وينتظم في أدائها وذلك بدافع داخلي دون أمر أو طلب، وسوف نتطرق إلي عدد من النقاط تساعد الأهل في محاولاتهم تلك.
المنافسة:
• بث روح المنافسة بين الأبناء علي الصلاة، وعمل وسائل تحضيرية، كوضع جدول لكل طفل مليء بالنجوم بعدد الفروض التي يصليها، مع عدم التركيز علي الطفل الذي لا يصلي حتي لا يمل كثرة التأنيب ويصل إلي حالة من اللامبالاة.
استغلال الفرص
• لنستغل فترات الضيق التي يمر بها الابن، لنثبت له مدي تأثير الصلاة روحيا علي الفرد وكيف أنها تنظم له وقته ويومه.
• هيا نحتفل
إن إعداد حفلة بسيطة للابن عندما يبلغ العام السابع يمكن اعتباره كالجرس الذي يدق ليعلن للطفل أنه الآن في سن التدريب، وأن عليه أن يحرص علي أداء فروضه.
وهذا ما قامت به جدة محمد حاتم المرزوقي في السعودية عندما بلغ سن السبع سنوات، فقد فاجأته بحفلة " سن التدريب " بل كانت الحفلة مفاجأة جميلة لكل أفراد العائلة التي تجتمع كل يوم جمعة.
وقد بدأ الحفل بكلمة ألقتها الجدة وضحت فيها منزلة الصلاة في الإسلام وأنها عمود الدين وتبعتها كلمة الخال / عبد الله [كبير العائلة] حول أهمية تدريب الأطفال علي الصلاة، ومن ثم جاءت كلمة والد محمد ووالدة محمد، وبدأت الفقرات التمثيلية التي أعدها أصدقاء محمد، وأخيراً كان موعد طاولة الطعام التي شملت العديد من أصناف الطعام.
ما الجديد من أصناف الطعام.
ما الجديد في هذا الحفل؟
هو ليس حفل عائلي كغيره من الحفلات!!.
إن الجديد هو فكرة الحفلة، فلقد جاءت الحفلة لتشجع محمد علي المحافظة علي صلاته.
تروي لنا والدته آلاء، عن سلوك ولدها بعد الحفل، فتقول: لقد ساهمت الحفلة كثيراً في إثارة الحماس وزيادة الرغبة لديه في المحافظة علي الصلاة، بل إنني أعتقد أنها ساهمت في تشجيعي أنا ووالده علي حثه علي المحافظة علي الصلاة، وقد كان شعوراً رائعاً ذلك الذي كنا نشعر به ونحن نعد ابننا للدخول في مرحلة جديدة من حياته للمحافظة علي الصلاة.
حان الآن موعد الأذان
ساعات ورقية تعلق في موضع متوسط من المنزل، وتكون لها عقارب متحركة، ويمكن إعدادها مع الأبناء لتذكر جميع أفراد الأسرة بمواعيد الصلاة إلي جانب إمكانية استعمال الساعات ذات الآذان لتذكير أفراد الأسرة بالصلاة.
ناقوس الخطر
ونبدأ في سماعه بعد سن العاشرة من عمر الطفل وهنا وضع لنا الرسول صلي الله عليه وسلم وسيلة يمكن استخدامها عند بلوغ الطفل هذا السن فيجوز هنا استخدام الضرب تأديباً له.
شباب دون صلاة
كل هذه الأفكار هي للطفل من السابعة حتي الثانية عشر، ولكن ماذا يمكن أن يفعل الوالدين، إذا مر هذا العمر علي الفتي دون أن يلتزم بالصلاة؟!
إليكم بعض الأفكار المفيدة:
1- لتجتمع الأسرة وقت الأذان وإقامة الصلاة جماعة دون استثناء أي فرد من الأسرة.
2- شراء كتب أو أشرطة تتحدث عن أهمية الصلاة وقراءتها مع الأسرة ثم مناقشتها ويترك للابن الفرصة الأكبر لشرح أهمية الصلاة.
3- الحرص علي جمعه بالصحبة الصالحة، فيعتاد معهم علي الصلاة والالتزام بها.
4- السفر كلما سمحت الفرصة للأراضي المقدسة لقضاء العمرة أو الحج لإسكان الورع والخشوع في قلب الابن.
5- جعل صلاة الجمعة مناسبة خاصة يختص بها ابنه في ملبسه النظيف وتطيبه والذهاب والإياب مع والده من وإلي المسجد.
6- الهدوء الأسرى والقدوة الصالحة هما أساس التزام الابن بالصلاة وفي مواعيدها.
7- التحفيز بالعطاء أو بالحرمان من كل شيء يحتاجه ابنه من ملبس نقود خروج.. الخ لأنها كلها هبات من عند الله ومن لا يطع الله لا يستحقها.
8- من أهم الأعمال التي تقرب ابنك لك هو تواجدك معه فاجعل لك مع ابنك أو ابنتك يوم خاص جداً لتتحدثوا في عدد من المواضيع ولا تذكر الصلاة فيها حتي يتعود علي الاستماع لك في كل الأمور وليكن هذا اليوم خارج المنزل في مكان عام سهل أن تتبادلوا فيه الحديث.
9- الحب هو الطريق الممهد لتنفيذ أوامرك لدي ابنك ومتي تفهمت ابنك وأصبح جسر الحب بينكم ممهد فاعلم أن جميع طلباتك منفذة وهذا الحب لا يأتي إلا بالتفهم والسؤال الدائم علي دراسته بطريقة لا تشعره بالمتابعة الدائمة والتحدث معه عن أعز أصدقائه ومدرسيه وأفكاره للمستقبل أي تهيئ الأرض التي سوف تبذر فيها بذور الأوامر للصلاة وما يتلوها.
10- بالربط بالجنة وتعميمها وتجنب الإكثار من الحديث عن النار.
هذه كلها اقتراحات ووسائل يمكنكم تجربتها كلها أو بعضها في سبيل تنشئة أبناء صالحين يلتزمون بالصلاة.
يناير 1999
http://www.waldee.com المصدر:
ـــــــــــــــــــ(101/103)
الخطر في بيوتنا ... فكيف نحمي أطفالنا؟!
تحقيق: إبراهيم الزعيم 27/4/1426
04/06/2005
ما إيجابيات وسلبيات التلفاز؟ وهل يؤثر سلبياً على الأطفال من الناحية النفسية والجسدية؟ وكيف يمكن تفادي هذه الآثار؟ حول هذه القضية كان لنا في شبكة (الإسلام اليوم) هذا التحقيق.
تحديد وقت للمشاهدة
رأفت الهباش (35 عاماً) يقول: إن البرامج التي تجذب الأطفال في سن الطفولة هي الرسوم المتحركة، حتى إذا ما كنت تشاهد فيلماً أو ما شابه فقد يطلب ولدك منك الانتقال إلى أفلام الكارتون، مشيراً إلى أن الخوف في هذه المرحلة هو من المساحات الزمنية الكبيرة التي يقضيها الأطفال في متابعة برامج الأطفال.
ويضيف الهباش أنه بعد سن الرابعة عشرة تزداد المخاوف من تأثير التلفاز على قيم وثقافة الفرد، لذلك لابد من تحديد أوقات للأطفال لمشاهدة التلفاز بحضور كافة أفراد العائلة، مضيفاً " الخوف يبدأ عندما تبدأ رغبة الطفل بالمتابعة، لذلك كلما شغلت وقت الطفل بشيء غير التلفاز كان أفضل، لأنه بلا شك سيترك آثاراً سلبية على المجتمع".
أما أم محمود (21 عاماً) فقالت: "إن للتلفاز ايجابيات وسلبيات، لذلك على المرء أن يستفيد من ايجابياته، وذلك بأن يشاهد البرامج الدينية والثقافية ونشرات الأخبار".
وحول تأثيراته السلبية تقول: " مشاهدة الأطفال للرسوم المتحركة وبرامج الأطفال أمر جيد، لكن يجب ألا يكون ذلك منذ استيقاظهم وحتى خلودهم للنوم؛ لأن الطفل في هذه الحالة سيصبح عبداً للتلفاز، حتى إنه إذا طلب أحد منهم أمراً وهم على هذه الحالة فإنهم لا يستجيبون له في كثير من الأحيان، ولعل الانطوائية هي إحدى الآثار السلبية التي سيُبتلى بها الأطفال جراء مشاهدة التلفاز دون ضوابط ".
ننتقي ما يشاهدونه
أما أم إسماعيل (40 عاماً) فكان رأيها أن التلفاز لا يؤثر على الأطفال، معللة ذلك بقولها: " أطفالي لا يشاهدونه كثيرا، كما أننا - أنا وزوجي - ننتقي ما يشاهدونه؛ إذ نشاهد معاً البرامج الهادفة، والتي تتناسب مع ثقافتنا، مثل البرامج الدينية والثقافية، وكذلك أحاول أن أشاركهم في مشاهدة أفلام الكارتون وبرامج الأطفال".
90 % يخشون خطره على أطفالهم
وفي استطلاع للرأي نفذته مجلة السعادة الفلسطينية بالتعاون مع مركز أبحاث المستقبل في الفترة ما بين 16-20 إبريل (نيسان) 2005، وشارك فيه (500) شخص داخل قطاع غزة نصفهم من الذكور والنصف الآخر من الإناث، بنسبة خطأ لا تتجاوز 2% ، تبين أن 90.8% ممن شملهم الاستطلاع يشعرون بالخطر على أطفالهم من التلفاز، بينما يرى 51.4% أن مضمون الأفلام العربية سلبي وضار، ويعتقد 42.2% أن الأفلام تدعو للخيانة الزوجية، فيما أوضح 60.6% أن الأفلام تعرض الراقصات والفنانات بطريقة جذابة تجعل منهن قدوة، واعتبر 52.4% من أفراد العينة المستطلعة آراؤهم أن قنوات الموسيقا تفسد الذوق العام وتنشر الرذيلة وفساد الأخلاق، وتضعف الوازع الديني، وأكد 44% أن المسلسلات تضعف التحصيل العلمي للأطفال.
برامج صفراء
وعن دور الإعلام يقول د. حسن أبو حشيش - مدرس الإعلام بالجامعة الإسلامية بغزة -: إن وسائل الإعلام وخاصة التلفاز غدت من أهم الأساليب والمصادر التي يُعتمد عليها في تطوير الذات والبناء الأسري، وتدعيم أركان المجتمع، ومما زاد من هذا الاعتماد هو تطور العملية الاتصالية برمتها، مضيفاً أن أهمية الإعلام تنبع من وظائفه في التنشئة والتربية والتنمية والتطوير في كافة المجالات؛ فهي التي تعمل على تزويد الفرد والأسرة والمجتمع بالأخبار والمعلومات، وتحللها بل وتقوم وسائل الإعلام بدور الموجّه والمرشد للجماهير لكي يتبنوا مواقف وسلوكيات معينة.
وبين "أبو حشيش" أن تلك الوظائف ينتج عنها مخاطر جمة؛ إذ اعتمد عليها الفرد في تحقيق أمور حياته وقضاء حاجاته، حتى وصل الأمر إلى التسوق من داخل المنزل، وهذا الاعتماد جعل المواطن يتعرض للرسائل الإعلامية التي يبثها التلفاز بكل ما تحمله من ايجابيات وسلبيات، موضحاً أن خصائص التلفاز تتمثل في قدرته على الاستحواذ والتميز الفني بالصورة والحركة واللون، وقدرته على الإعادة والتكرار، وتنوع برامجه ما بين الخيالية والواقعية.
آثار نفسيّة وجسديّة
أما عن آثار التلفزيون النفسية على الأطفال فقال د. درداح الشاعر - المحاضر في قسم علم النفس التربوي بجامعة الأقصى - : إن التلفاز يستهدف كل جوانب الإنسان ومكوناته حتى يؤتي ثماره التخريبية؛ فمن الناحية النفسية يؤدى إلى الاضطراب النفسي والقلق الروحي من خلال جاذبية البرامج وحساسية خيال الأطفال، ويعمل على انهيار وقلب القيم لديهم من خلال تمجيد الجنس، وتسببت المشاهد الإجرامية في زيادة العنف في سلوك الأطفال.
أما عن آثاره الجسمية فيضيف د . الشاعر أن الإشعاع الصادر عن الجهاز يؤذى الدماغ بصورة غير قابلة للعلاج؛ إذ إن النشاط الإشعاعي يزيد فاعلية النصف الأيمن على حساب النصف الأيسر فتتأثر أهم العمليات العقلية للإنسان، وهما الانتباه والتركيز، وبالتالي تراجع الذاكرة وضعف القدرة على التحليل، ويتابع قائلاً: "الجلوس الطويل أمام شاشة التلفاز يؤدي إلى السمنة المفرطة من خلال العادات السيئة في تناول الطعام، فظهرت بعض الأمراض كالسكر و ضغط الدم وغيرها".
مقيدة بضوابط
ولتفادي الآثار السلبية للتلفاز يقول د . داود حلس - دكتوراه مناهج وطرق تدريس اللغة العربية -: شئنا أم أبينا، التلفاز أصبح جزءاً من حياة الأطفال، ومهمة الأسرة اليوم بعد انفتاح الفضاء الخارجي أصبحت أكثر مسؤولية في أن تجعل من الساعات التي يقضيها الطفل أمام الشاشة الصغيرة مقيدة بوضع ضوابط منها:
- عدم استخدام التلفاز كأسلوب عقاب أو مكافأة.
- عدم السماح للأطفال مطلقاً بمشاهدة التلفاز وحدهم، وكارثة كبرى أن تضع الأسرة لأطفالها جهازاً خاصاً بهم في حجراتهم بحيث يشاهدونه وقتما يريدون دون رقابة.
- مناقشتهم فيما يشاهدونه لمعرفة ما يعجبهم فيه، وسبب حرصهم على رؤيته، وما يضايقهم منه.
ـــــــــــــــــــ(101/104)
سأعصي ربي ادعوا لي بالتوفيق
"اعتدنا دائما أن نطلب التوفيق من ربنا في دراستنا.. في عملنا.. في حياتنا الأسرية... لكن ندعوه بأن يوفقنا في معصيته.. !! فهذه هي الطامة مستغربون أليس كذلك ولما هذا الاستغراب.. فأنتم دائما تستمعون.. إلى هذه الفئة من البشر التي تدعوا الله بأن يوفقها في معصيتها له.. بل اعتدنا عليها و اعتاد عليها أبناؤنا وأطفالنا ويالها من كارثة...
والآن دعوني أروي لكم سر غضبي... لعلكم تشعرون بما أشعر به الآن.. وقصتي هذه حدثت مع طفله صغيرة.. لم تتعدى بالعمر عشر سنوات
هي ابنة أخي فاطمة.. وهي كجميع الأطفال في سنها تحاول أن تتعلم بقدر الإمكان ممن حولها.. وتقلد كل ما يحدث أمامها.... وتسأل عن كل شيئ
وإليكم ما حدث معي...: -
كنت منكبة على كتابي أقرأه... عندما دخلت فاطمة غرفتي ووقفت أمامي.. نظرت إليها مبتسمة.. وطلبت منها أن تجلس بقربي كعادتها معي لأريها ما أقرأ.. فأنا أعلم جيدا بأنها فضولية جدا.. وتسأل وتطلب الشرح لكل ما يجري حولها..
لكنها لم تأتى.. !!
فعدت طلبي لعلها لم تنتبه لي... لكن أيضا لم تأتى..!!!
كان وجهها البريء متضايق.. بل أراها وكأنها غاضبة مني أنا.. سألتها "ما بالك يا صغيرتي.. ؟؟؟ "
""أنت كذبتي علي؟؟ ""
قالتها وهي تقطع حديثي معها بعصبية.. ووسط بحر الدهشة الذي اعتراني.. وأنا أحاول أن أستفهم سر غضبها وسر اتهامها لي بالكذب.. فهي لم تجرأ في السابق أن تتهمني هكذا...
تركت كتابي.. واقتربت منها وحملتها بين أذرعي.. وجلست على إحدى الكراسي.. ووضعتها بحضني.. محاولةً أن أهديء من ثورتها وغصبها...
في البداية لم أعاتبها على اتهامها لي بالكذب.. وأنه لا يجوز على طفله أن تتهم من هم أكبر منها بالكذب.. تغاضيت عن ذلك مؤقتا إلى أن أعرف سر غضبها.. فأعالجه.... و بعد ذلك أشعرها بمدى الخطأ الذي ارتكبته عندما اتهمتني بالكذب.... لأنها في وقتها ستكون بحاله تتقبل أن انتقدها على هذا خطأها
سألتها " اتهمتيني بالكذب.. أي أني قلت لك شيئا غير صحيح... فهل لي أن اعرف بماذا كذبت عليك..؟؟ "
وببراءة وبصوت يحتوي على الاستنكار.. "كيف تقولين أن كل من يزاول الفن والرقص حرام.. وأن الله لن يوفقهم الله في الدنيا وسيعذبهم وسيدخلهم النار إن استمروا على ذلك ولم يتوبوا.. وأنا سمعت بالتلفاز بأن الفنانة والراقصة الكبيرة (... ) عندما سألوها عن سبب نجاحها في الفن عامه والرقص خاصة.. أجابت إنه توفيق من رب العالمين.. وأن الله كان دائما معها بكل خطوه يخطوها... كيف الله يوفق العاصي؟؟ "
بصراحة تفاجأت.. كيف لي أن اقنع فتاه صغيره.. ربما لو كان فردا كبيره لكان الأمر هين في مناقشته وإقناعه.. لكنها طفله..
لكني تذكرت بأن فاطمة تسبق من حولها بأعوام.. ويعود الفضل إلى حبها للقراءة الدائم فقد كانت دائم تلازمني في ذهابي إلي المكتبة.. لتشتري ما يعجبها من الكتب.. وأيضا وبحكم عمل والدتها كمدرسه فكانت أمها لا تتهاون أن تعلم ابنتها شتى العلوم المختلفة.. إلى أن أصبح عقلها أكبر من سنها بكثير.. ومكتبتها تحوي من الكتب التي تفوق سنها.. لذا اعتدت أن أعاملها بحكم عقلها الكبير لا سنها الصغير
نعم هي تعصي الله... وتقولها أمام الملأ بأنها سبب نجاح معصيتها هو توفيق من رب العالمين... كثيرا ما نسمع الفنانين والمغنيين... يقولون هذا.. وربما لم نعلق ولم نهتم.. كيف لله أن يوفق في معصية...؟؟ أحاديث أخذ تدور في رأسي لأجد مدخل أستطيع من خلاله أن أدخل به إلي عقل هذه المسلمة الصغيرة
فكان هذا هو حديثي معها.. : -
غاليتي... إن الله لا يوفقنا عندما نعصيه.. لكنه يسهل الأمر علينا.. فنفعل المعصية دون مشقه.. ويضع لنا كل سبل النجاح.. ونحن من نسعى إليها... فالله وضع لنا طريقين... الطريق الأول يؤدي إلى النار... والطريق الثاني يؤدي إلى الجنة
وكلا الطريقين مختلف جدا...
الطريق الأول
فهو طريق سهل جدا وممتع.. به من السعاده الزائفة الشيء الكثير.. وهذه السعادة لا تأتى إلا بمصادقة أصدقاء السوء.. وترك العبادات وعمل المعاصي كاحتراف الفن والرقص.. أو السرقة.. والكذب.. أو كسب المال بطريقة غير شرعيه ومحرمه.... الخ هذه الأمور المحرمه التي نبهنا الله بتركها فطيلة الوقت أنت مستمتعة.. ناجحة... متألقة.. الكل يحسدك على ما وصلتي إليه.. سواء من مال.. أو شهره... أو سمعه.. أو مركز... أو هيبة... أو أو.. لاهية عن ربك.. عن صلاتك وعبادتك.. لتفاجئين في نهاية هذا الطريق وهو يوم القيامة.. النار تنتظرك.. فتعيشين بها الدهر كله تتعذبين وتشقين لأنكي عصيت الله - سبحانه - على حساب ترضية نفسك.. فإِنّ الغفلة عن العبادات و الآيات الإِلهية والانغماس في الملذات هي أساس البعد عن الله - سبحانه -.. والابتعاد عن الله هو العلّة لعدم الإِحساس بالمسؤولية و تلوّث الأعمال وفسد السلوك في أنماط الحياة المختلفة.. ولا تكون عاقبة ذلك إِلاّ النّار... وقد قال الله - تعالى - ((ومن الناس من يعجبك قوله في الحياة الدنيا ويشهد الله على مافي قلبه وهو الد الخصام وإذا تولى سعى فى الأرض ليفسد فيها ويهلك الحرث والنسل والله لايحب الفساد وإذا قيل له اتق الله أخذته العزة بالإثم فحسبه جهنم ولبئس المها))
أما الطريق الثاني: -
طريق صعب بعض الشيء.. تقضين وقتك بين الصلاة والعبادة.. والزكاة.. والبر وطاعة الوالدين.. ومراعية الجار... والعطف على اليتيم... وقراءة القرآن... والتمسك بتعاليم دينك... الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر... ربما ليس لديكي تلك الشهر أو المال أو المركز أو كل زيف الدنيا.. ولكن لديكي من القناعة ما تغنيك عن كل هذا.. لعلمك بأنه الجنة تنتظرك بما فيها من نعيم لا يوازي نعيم الدنيا بشيء.. وأيضا ذلك الطريق حفظك أنت يا مسلمه من العيون المتوحشة.. فألزمنا بالحجاب والتستر.. وكأننا كنز غالي لا يجب على الكل النظر إليه
لذا يا حبيبتي :
فطريقك الأول طيلة الوقت تكونين خائفة من الموت.. فأنت تعلمين ما ينتظرك.. ((فالخوف هو صديقك.. والموت هو عدوك))..
أما الطريق الثاني طيلة الوقت تكونين مطمئنة راضيه تنظرين الموت بفارغ الصبر بل تسعين إليه بالشهادة كي تنعمي بجوار الله ورسوله - صلى الله عليه وسلم - وبالجنة ونعيمها... ((فالطمأنينة صديقك والموت أيضا مطلبك)).. وحبذا لو كانت في الجهاد فهو منية النفس وغايتها
وقد قال الله - تعالى -: ((إِنَّ الَّذِينَ لاَ يَرْجُونَ لِقَآءَنَا وَرَضُواْ بِالْحَيَوةِ الدُّنْيَا وَاطْمَأَنُّواْ بِهَا وَالَّذِينَ هُمْ عَنْ أَيَاتِنَا غَفِلُونَ - أُوْلئِكَ مَأْوَاهُمُ النَّارُ بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُون َ- إِنَّ الَّذِينَ أَمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّلِحَتِ يَهْدِيهِمْ رَبُّهُم بِإِيمَانِهِمْ تَجْرِى مِن تَحْتِهِمُ الأَنْهَرُ فىِ جَنَّاتِ النَّعِيمِ - دَعْوَاهُمْ فِيَْهَا سُبْحَنَك اللَّهُمَّ وَتَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلَمٌ وَآخِرُ دَعْوَاهُم أَنِ الْحَمْدُ للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ))
والآن يا طفلتي.. أي الطريقين ستسلكين... ؟؟
وباندفاع كبير احتضنتني وقالت "الطريق الثاني بلا شك يا عمتي.. لأني أحب أن أكون بجانب الله ورسوله - صلى الله عليه وسلم -... وأيضا لأنه نفس الطريق التي تسلكه أمي وأبي وجدتي.. وأنت.. وكل من أحبهم.. ""
وقبل أن أحدثها عن خطأها بنعتي بصفة الكاذبة.. أجدها قد وقفت أمامي وهي تحني رأسها بالأرض وبعد لحظات من الصمت... قبلت رأسي واعتذرت مني لأنها اتهمتني بالكذب...
وأظن أنها تعلم بأني سأحاسبها على ذلك.. لذا حرصت هي أن تقفل موضوع تأنيبي لها قبل أن أبدأه أنا.. نعم فهذا هو أسلوب أبيها وقد تعلمته منه.. فابتسمت لسرعة فطنتها... وتركتني وذهبت دون أن تنتظر تعليقي.. وكأن ابتسامتي لها.. موافقة على اعتذارها.. فهي تعلم جيدا إن بقيت للحظات أخرى.. لن تستلم أبدا من محاسبتي .
الطفولة... أرض خصبة.. يجب علينا الاهتمام بها.. هذا الموقف جعلني أقف مع نفسي كثيرا.. يجب علينا التركيز بأطفالنا.. فهم يتعرضون لأمور يجب علينا شرحها.. قبل أن تتركز في أذهانهم.. وتكون شيئا عاديا... علينا الاهتمام بمسلمين ومسلمات الغد... علينا نجد في عالمهم ما نفتقده في عالمنا... فانتبهوا لأبنائكم... فنحن وديننا في أمس الحاجة لهم انظروا حولكم تمعنوا النظر جيدا.. كيف وصل بنا الحال من الاستهانة في فعل المعاصي... كفانا ما نحمل من ذنوب.. فرحمة الله لا تعني أن نتمادى في هذه الغفلة.. مسلماتنا كاسيات عاريات..مسلمينا..لاغيرة ولا حرص أسال الله أن يحفظ أطفال المسلمين "
http://www. saaid. net المصدر:
ـــــــــــــــــــ(101/105)
راحة الطفل النفسية
فاطمة دعلوش
قواعد ذهبية للحفاظ على راحة الطفل النفسية:
غالبا ما يعتقد الآباء بأن الرعاية المادية والقيام بشؤون الأطفال وخدمة مصالحهم، كافية أو هي المطلوبة لإنتاج الإنسان السوي مستقبلا، إلا أن الحقيقة هي ضرورة العلم والعمل إلى جانب ذلك بمجموعة قواعد تساعد على تنشئة نفسية سليمة للأبناء نوجزها في النقط التالية:
- بالرغم من كون الأم لها دور أساسي في تنشئة نفسية الطفل، إذ أنها المقعد التي تجلس عليه نفسيته، إلا أن للطفل قوة داخلية هي التي تحدد شخصيته لدى. لا بد من أخذها بعين الاعتبار.
- ليس بوسعك أن تدفع لأي إنسان من المال ما يستطيع بواسطته أن يفعل للطفل ما تفعله الأم مجانا.
- إذا كانت الخلافات مستمرة ما بين الوالدين والطفل فإن ذلك راجع إلى عدم إصغاء الوالدين له.
- التساهل في تأديب الطفل مرة والصرامة مرة أخرى تخلق نوعا من التساؤل وعدم الفهم لدى الطفل، مما ينتج عنه اضطراب نفسيته.
- للأبوين ممارسة الحديث المباشر مع الطفل بطريقة يفهمونها ليشعروا بوجود القدرة على فهم الآخر فيقدرون أنفسهم فيحترمونها ويحترمون الآخر أيضا.
- المحافظة على سلوك الطفل بالكلمة أو بالزجر خير من معاقبته بالضرب، تقول الدكتورة نيلي هارتورغ "يجب أن لا يدفع الطفل دفعا إجباريا نحو مرحلة البلوغ، كما يجب أن لا يشد الطفل السريع التطور إلى مرحلة الطفولة".
- العالمة النفسية دوريس ووليز تقول "أنفق وقتك لا مالك على أطفالك".
- الطفل يجب أن يخطأ لأن الخطأ دليل التجربة و الطفل الذي لا يعمل لا يخطئ، ومن أكبر الأخطاء التي يرتكبها الوالدان رغبتهما في منع أطفالهما قسرا من ارتكاب الأخطاء.
- لا بد من عدم معاندة الطفل في الاستجابة لمتطلباته الضرورية، في حين لا بأس من عدم الاستجابة لمتطلباته التي تصنف في إطار الكماليات.
- على الوالدين الإكثار من التطلع على ذخائر نفسيهما يفهما طريقة تطور طفليهما، عن طريقة استرجاع ذكريات الماضي واستحضار الأشياء التي كان فعلها يسلبهما راحة النفس فيستطيعان بذلك اكتساب فهم حول دورهما كأبوين
- لا بد للوالدين من الاهتمام بأسرار طفلهما مع تجنب إغراقه بالأسئلة حول كل ما يفعله.
http://www.naseh.net المصدر :
ـــــــــــــــــــ(101/106)
كيف تنمين حب المشاركة عند طفلك
وفاء الحايك
طفلي أناني لا يريد أن يشاركه أحد في أشيائه..عبارة وشكوى كثيراً ما تكررها الأمهات، وتثير عن البعض مصدر قلق تجاه سلوك أطفالهن..
والأنانية عموماً صفة طبيعية عند الأطفال، وتستمر عادة حتى الخامسة من العمر، وهي نابعة من شعور الطفل بأنه والعالم جزء واحد، وأنه مركز هذا العالم، وأن كل شيء يريده يمكن أن يملكه، ويبدأ إدراك الطفل لخطأ هذه الحقيقة منذ سن سنتين، ويزداد إدراكه لها، وتختفي بالتدريج عندما يشعر الطفل أنه في حاجة للتعاون مع الآخرين من زملائه الأطفال في اللعب، وللاستفادة أيضًا بما يمتلكونه من ميزات.
ولكن قد تكبر الأنانية في نفس الطفل وتصبح إحدى خصاله نتيجة التربية الخطأ، فربما تعوّد الطفل منذ صغره الحصول على ما يريد حتى ولم يكن ملكه، فعندما يقف أحد أمام تحقيق هدفه فإنه يثور ويتعدى بالضرب على من يحول بينه وبين غرضه..
وهنا يبرز دور الأم في غرس قيمة المشاركة والتعاون في طفلها وإبعاده قدر الإمكان عن الأنانية، إذ تؤكد الدراسات أهمية السنوات الخمس الأولى في حياة الطفل في منحى تشكل الصفات الروحية لدى الإنسان فيما بعد.
ولكن كيف يمكن للأم تعليم ذلك لطفلها، خاصة أنه في السن الصغيرة يتمسك بلعبته وأدواته مردداً كلمة لعبتي كلما حاول أحد أخذها منه.
يرى أطباء الصحة النفسية للأطفال أن تعليم الطفل المشاركة يجب ألا يأتي مرة واحدة لكن تدريجياً، إذ يجب أن تسبقه مرحلة يتعلم فيها معنى الملكية الخاصة وكيفية احترامها، لكن الذي يحدث غير ذلك، فالأم تكون عادة متعجلة في غرس قيم التعاون والمشاركة والعطاء في نفوس أبنائها، فتبدأ في ترديد عبارات تحمل معنى أن كل شيء متاح للجميع في حين أن الطفل قبل بلوغه سن الرابعة تقريباً لا يمكنه تفهم معنى المشاركة بمفهومها الواسع، فيشعر بنوع من التهديد لأشيائه التي يعتز بها، لذلك يلجأ إلى العنف ويعاني من صراع على الاستحواذ ويردد كلمة "لي" وهي ليست كلمة سيئة في حد ذاتها، لكنها تعكس محاولته تأكيد ذاته. لذلك فإن واجب الأم أن تعلمه أن هناك أشياء خاصة به وحده، عليه المحافظة عليها وتحاسبه إذا أهمل في صيانتها أو ضاعت منه..
كما أن هناك أشياء خاصة بشقيقه عليه الحفاظ عليها أيضاً واحترامها، ثم تعلمه بعد ذلك مبدأ المشاركة بالتبادل بمعنى أن يفهم أن بإمكانه اللعب بلعب شقيقه لفترة إذا سمح له بذلك، وإعادتها إليه بعد ذلك، لأن الطفل إذا شعر بأن كل شيء مباح للجميع فسوف يعود يوماً من الحضانة ومعه أدوات لا تخصه وهو لا يدرك أن هذا خطأ، لاعتقاده أن هذا متاح للجميع.
ومن المعروف جيداً أنه مع ازدياد معاشرة الطفل لأقرانه واتساع اطلاعه وتعرفه على جوانب الحياة والعلاقات المتبادلة بين الناس تغير الكثير من الصفات الروحية المميزة له.
ويمكن لمفاهيمه أن تتبدل، فتأخذ تصوراته الأخلاقية شكلاً مغايراً، كما يمكن للصفات السلبية في الطبع أن تعالج وتستأصل إذا اعتبر الإنسان أن ذلك شيء لا بد منه.
ومع نمو الطفل تظهر عوامل جديدة متنوعة، يمكن أن تؤثر على تشكل نفسيته سلباً أو إيجابياً: فيشتد تأثره بمن يحيط به من الناس ومجموعة أترابه، والمدرسة بمجال تأثيرها الواسع، والوسط الاجتماعي الذي يعيش ضمنه.
إلا أن الفترة التي تسبق دخول المدرسة في حياة الطفل ـ هي القاعدة الأساسية لكل ما يمكن أن ينمو ويتطور في المستقبل.
والطفل الذي لم يتجاور الثانية من عمره لا يملك المقدرة على التخلي عن أشيائه بتاتاً، لأنه يعتبر الشيء الذي في حوزته عضواً كأي عضو من أعضاء جسده.
ولهذا فإن إصرارنا على إجباره مشاركة أقرانه في أشيائه في هذه السن لن يخلف إلا الدموع والحزن في نفسه ولن يجدي إصرارنا نفعاً، لأن تلك (الآليات) التي تمكن الطفل أن يقتسم ما لديه من ألعاب وحلوى وفاكهة مع من بجواره، وأن يسمح لهم بمشاركته في ألعابه المختلفة ـ تكون ما زالت غير ناضجة ـ ثم يبدأ الطفل تدريجياً بتمييز الشيء الذي يخص ذاته، وهنا يصبح من الواجب علينا أن نضع أمامه مطالب أخلاقية.
ولكن عندما نلاحظ أن الطفل بدأت تترسخ عنده عملية انفصال الذات عن الأشياء التي تخصه يمكن عندئذٍ تنمية حب المشاركة لديه مع الآخرين واستخدام الألفاظ (لا تكن أنانياً أو بخيلاً).
قد يتسبب الأهل في ذلك:
قد يساهم الأهل بشكل غير مقصود في تغذية الأنانية في طفلهم، إذ يذكر المربي الروسي الشهير ب. ف كابترييف: أن الأنانية عند الطفل قد تنجم عن سعي الأهل الدائب لوهبه كل شيء من أجل أن تكون الأمور جميعها لديه على ما يرام، ومحاولتهم لإشباع كل رغبة يبديها طبيعية كانت أم نزوة عابرة دون تمييز، معرضين بذلك أدنى رغبة يبديها لإظهار المبادرة الذاتية أو الاعتماد على النفس إلى الفناء.
خاصة لدى أولى الخطوات الصعبة التي يقوم بها، وأخيراً المبالغة في الإطراء على الطفل والثناء الزائد على مناقبه.
إن هذا السعي لتحقيق جميع ما يطلبه الطفل يقود إلى تبدلات جوهرية في نفسه يصعب فيما بعد محاربتها والتغلب عليها، حيث تنقلب إلى إظهار لنكران الجميل وعدم الاعتراف بالفضل وشعور باللامبالاة تجاه الأهل، أو ملاحقتهم بالمطالب التي لا تنتهي.
كما أن نقص الحب والحنان ينمي عند الطفل الأنانية والعكس صحيح لأن الحب والحنان يشعرانه بأنه ليس هناك حاجة لأن ينتزع شيئاً من أحد، أو أن يلفت الأنظار إليه فهو واثق أن بإمكانه الحصول عل كل ما يحتاجه
أما عندما يفتقد الطفل إلى مثل هذا العطف والحنان، يصبح مضطراً للبحث عن السبل التي تؤدي به لبلوغ ما يرغب.. فمثل هذا الطفل الذي لم يتذوق طعم الحنان أو حتى الشفقة لا يستطيع أن يكون مثل هذه المشاعر في نفسه تجاه الآخرين.
إن الأسباب التي تؤدي إلى تكوين النزعات الأنانية في تعامل الإنسان مع الآخرين كثيرة، وهي تنشأ على أساس التربية الخاطئة للطفل في الأسرة ونمط تعامل الأهل مع طفلهم.
تكوين الصداقات من الحلول الناجحة :
إن اختلاط الطفل بأطفال الجيران، وزملاء المدارس، وأطفال الأقارب يساهم في تطور الطفل إيجابياً.. حيث يقتبس العادات والمعارف من الأطفال الآخرين فتزدادُ معارفه، وتنمو قدراته فيتعلم كيفية التعاون مع الآخرين والوصول إلى أهداف مشتركة.
فصداقة الطفل مع الأطفال الآخرين تولّد قوة نفسية واجتماعية وحب التعاون فيما بينهم، كما تبعث الصداقة عند الأطفال فيهم روح الاحترام المتبادل أثناء اللعب والمشاركة الجماعية، وتجنبهم من روح الأنانية والانعزالية..
فالصداقة تشجع المبادلات الاجتماعية بين الأطفال فيما بينهم وبين الأطفال والأهالي، فنرى بعض الأطفال يسرعون لمعاونة أهاليهم في المنازل أو الحقول، أو في أشغال آبائهم، ونشاهد الكثير من الأطفال يساعدون إخوتهم الصغار في التربية والخدمات الأخرى، ونشاهد التلاميذ المتفوقين يساعدون الطلاب الضعفاء.
احترام حق الآخر:
على الأهل غرس قيم العطاء والمشاركة عند الطفل وتهذيب نزعة الأنانية لديه، ومن جهة أخرى عليهم غرس قيمة أخلاقية مهمة وهي احترام حق الآخر، إذ إن ذلك من شأنه أن يعوِّد الطفل على إمكانية تهذيب غرائزه ونزعته ويعوده على إمكانية تأجيل تلبية حاجاته، وبذلك نقوي لدى الطفل صفتان مهمتان وهما سيطرته على ذاته.. ورغباتها واحترامه للقوانين والقيم.. التي تضمن له احترام الآخر ورغباته..
لذا على الأهل عدم الاستجابة للطفل عندما يبدأ بالبكاء والصراخ طالباً الحصول على اللعبة التي بحوزة الآخر.. بل المتابعة بالحوار والشرح حتى تصل إليه الفكرة وعليه هو أن يستجيب للمنطق السليم.. إذا ضعفت الأم أمام هذا الصراخ فهي تشجع الطفل على هذا السلوك فيبدأ بالصراخ والبكاء والغضب كلما أراد الحصول على شيء، ولكن إذا قامت الأم بهدوء بإقناعه وبأنها لن تستجيب له إلا إذا سلك السلوك التربوي السليم الهادئ والمؤدب.. فيقوم بطلب اللعبة من صاحبها بهدوء فإذا سمح له بها يمكنه اللعب بها أما إذا رفض فعليه انتظار دوره وهكذا نسهم في بناء شخصية سليمة.. قادرة على احترام حق الآخر، قادرة على المشاركة والحوار.. قادرة على السيطرة على غرائزها ونوازعها الداخلية.. فتتمكن بذلك من التوازن والتكيف الذاتي والاجتماعي.
أما إذا لم يتمكن الأهل من تعليم أبنائهم هذه الصفات فهم يسهمون في تشكيل شخصية فوضوية غير متكيفة مع الذات أو مع الآخرين لأنها لا تأبه بحق الآخر.. ولا تتقيد بقانون أو قيمة تربوية أو اجتماعية.. لهذا علينا كأهل أن نكون على درجة من الوعي.. لكي نتمكن من فهم وتبني الأسس السليمة للتربية الصحيحة لكي نسهم في بناء شخصية ناجحة ومتكيفة.
http://www.lahaonline.com المصدر :
ـــــــــــــــــــ(101/107)
عنف الاختبارات
أسامة أبو المكارم 20/4/1426
28/05/2005
"يوم الامتحان يُكرم المرء أو يُهان"، مقولة تقليدية يسمعها الطلاب منذ بداية حياتهم الدراسية المليئة بالحشو العقلي، والتخمة الفكرية، والتوتر النفسي، والضغط العصبي، والخوف المَرَضي، وإرهاب الاختبارات، أو ما كان يُسمّى في الماضي ـ وحتى الآن في بعض الأماكن ـ (الامتحانات).
والامتحان ـ بالطبع ـ يعني في اللغة: "الابتلاء" الذي هو من المصائب التي يبتلي بها الله عباده!! والإهانة التي وردت في المثل المشار إليه هي الكلمة الوحيدة التي تعلق في أذهان كثير من الطلاب، خاصة أن المتميزين الذين يتوقعون أن (يُكرم المرء) يوم الامتحان، عددهم قليل مقارنة بمن يتوقع له ـ يوم الامتحان ـ أن يُهان!
وبناءً على ذلك يصبح الخوف والتوتر هما السائدان لدى الأغلبية من طلابنا، خوف وتوتر يصلان ـ أحياناً ـ إلى مرحلة المرض النفسي، والاكتئاب الذي يصبغ حياة الطالب في بيته ومدرسته، مع أهله وإخوانه في البيت، مع زملاء الدراسة في قاعات الدرس، ومع الأصحاب والأصدقاء والجيران... حتى يتحول هذا الخوف وذلك التوتر إلى كراهية ـ أحياناً ـ للناس والأشياء، وإلى مظاهر أخرى كالانسحاب، والانزواء، بل قد يتطور الأمر فيتحول هذا الطالب الخائف المتوتر المسكين إلى شخص عدواني يفتعل المشكلات مع الآخرين!
تجده في البيت عنيفاً مع إخوانه وإخوانه الصغار، يغضب حينما لا تُلبّى طلباته التي يطلبها من أمه أو أبيه، متحفزاً دائماً لكل حركة أو صوت عالٍ يسمعه ليتخذه حجة لعدم مذاكرته. أما في المدرسة أو الجامعة، مع الزملاء، بل ومع المعلمين أنفسهم فإنهم ينالهم نصيبهم من العنف والعصبية والتوتر.
ومن المهم ونحن نتحدث عن هذه الظاهرة التي تجد لها مكاناً بين الظواهر الجديرة بالدراسة- أن نتطرق إلى بعض مظاهرها التي نراها في مدارسنا وجامعاتنا على حد سواء، ومنها:
1 ـ إتلاف بعض الممتلكات في المؤسسة التعليمية كالمقاعد أو طاولات الدراسة، أو صنابير المياه، خصوصاً إذا لم يوفق الطالب في حل أسئلة الاختبار.
2 ـ تمزيق الكتب الدراسية كنوع من تفريغ شحنة الغضب أو الكراهية للمادة العلمية ومعلمها.
3 ـ تحطيم زجاج سيارة أحد المعلمين المشهورين ـ حسب زعم الطالب ـ بالشدة والتعقيد في وضع الاختبارات، مما يثير نفوس الطلاب، ويجعلهم يستخدمون ما يسمى في علم النفس (بالإزاحة)، أي تفريغ شحنة الغضب والاستياء من شخص معين بتصرّف عنيف، أو عدوان تجاه شخص آخر أو ممتلكات عامة أو خاصة، أو غيرها! بل قد يلجأ الطالب إلى الاعتداء على المعلم بالضرب أحياناً.
فإذا سلمنا بأن العنف أو العدوان ظاهرة حقيقية لدى بعض الطلاب تظهر في أعلى درجاتها في أيام الاختبارات؛ فلابد من أن ندرك أسبابها ودوافعها التي تتمثل في بعض الأمور منها:
1 ـ العنف الذي تمارسه بعض المدارس والجامعات ممثلة في الإدارة أو بعض المعلمين والأساتذة في معاملة الطلاب ذوي القدرات المحدودة. وليس المقصود بالعنف هنا العقاب البدني، بل إنه قد يأخذ صوراً أخرى مثل: التوبيخ، والتحقير، والإهانة، والسخرية.....الخ. وقد يأخذ صوراً أخرى مثل: الإهمال، أو النبذ، أو التفرقة في المعاملة، أو الظلم، وغيرها.
2 ـ ممارسة بعض المعلمين ـ وهم قلة ـ بعض التصرفات غير المنضبطة بضوابط الشرع والعقل لتفريغ بعض العقد النفسية أو الاجتماعية أو الأسرية في معاملته للطلاب، فتجد أحدهم يتصف بالتذبذب في تعامله مع طلابه؛ تراه في يوم مبتهجاً سعيداً منشرحاً، يتعامل مع أبنائه الطلاب بأريحية، ويستخدم الطرق التربوية المثلى في توصيل المعلومة، وتراه يوماً آخر ـ وفي نفس الفصل أو قاعة الدرس، ومع الطلاب أنفسهم ـ عبوساً متوتراً، يثور لأتفه الأسباب، متحفزاً لأي همسة أو حركة من أحد طلابه حتى يصب جامَّ غضبه وانفعاله على الطلاب ـ أنفسهم ـ الذين كانوا بالأمس أبناءه وأحباءه وسُمَّاره!! بل إنه في الموقف الواحد قد يثيب أحد الطلاب في يوم، ويعاقب طالباً آخر ـ على نفس الموقف ـ في يوم آخر!، مثله في ذلك مثل النجار الذي كان يدق مسماراً في خشبة كان يصنعها، فبدلاً من أن يدق المسمار دق على إصبعه، فأخذ يسبّ ويلعن حماته! وكان جديراً به أن يلعن المسمار إن جاز اللعن أصلاً. وقديماً قيل في المثل المصري: " لم يقدر على حماته، قام على مراته"!
3 ـ تنصيب بعض المعلمين أو أساتذة الجامعة أنفسهم قضاة، بل عرَّافين يرجمون بالغيب، ويحكمون على الطالب منذ اليوم الأول من أيام الدراسة بأنه مخفق، وغبي، ولا فائدة منه؛ وبالتالي يتعامل المعلم مع الطالب من خلال تلك النظرة، فيحقره، ويظلمه، ويهينه حتى يسبب له عقدة من مادته الدراسية، بل ربما من جميع المواد، ومن الدراسة نفسها؛ فيضطر الطالب ـ عن إرادة منه أو غير إرادة ـ إلى الانتقام من معلمه هذا سواء بالكيد له، أو تكسير سيارته، أو سبّه، أو افتعال المشكلات معه... وغيرها، وآكد ما تظهر هذه الأفعال في أثناء الاختبارات حين تبلغ ذروة الكراهية للمادة الدراسية ومعلمها خلال تلك الفترة.
4 ـ والتأخر الدراسي هو أحد الأسباب التي يكون من نتائجها الإحباط النفسي، الذي يتحول بدوره إلى عنف وعدوان وإتلاف للممتلكات، إذا لم يتم التعامل معه بالطرق التربوية المعروفة، وتتجلى أبرز مظاهر هذا العنف فيما نشاهده من ظاهرة جديرة بالدراسة وهي تمزيق الكتب الدراسية بعد الاختبار، ربما تعبيراً عن الفرحة بانتهاء (كابوس الاختبارات)، ولكنه على الأرجح يكون أشبه باحتفال (هستيري) بالتحرّر من سجن الدراسة وسجانيها من الأساتذة والمعلمين!!
5 ـ والضغط النفسي الرهيب الذي يتعرض له أبناؤنا الطلاب من قِبَل الوالدين داخل البيت في أثناء الاختبارات؛ سبب هام جداً، لا يقل في أهميته عما ذكرناه من قبل، حيث يتحول البيت إلى معسكر أشبه بمعسكرات الجيش التي تتصف بالشدة والصرامة، وعدم التغاضي عن أي تقصير أو خطأ، والجدية التي ليس معها تهاون، فيظل ذلك الضغط النفسي ـ إضافة إلى معاناة المذاكرة والتحصيل، مروراً بالخوف والرهبة من الإخفاق في أداء الاختبارات ـ يظل ذلك كله يفعل فعله في نفس الطالب حتى يتجلى في تصرفات عدوانية تتسم بعدم الاتزان النفسي، والتوتر العصبي، بل قد يظهر في صورة مرض من الأمراض العضوية نفسية المنشأ، أو ما يسمى بالأمراض (النفسجسمية).
6 ـ الضغوط الاقتصادية أحياناً تكون سبباً من أسباب إثارة الرغبة في العنف نتيجة عدم استطاعة الطالب أن يلبي متطلبات الحياة الاقتصادية والاجتماعية، ومن ثم تنفجر بعض تلك الضغوط في صورة الاعتداء على المعلم الذي لا يستطيع امتصاص هذه الضغوط، أو العمل على إذابتها في نفس الطالب.
7 ـ ضعف الوازع الديني، وافتقاد القدوة في التعامل برفق مع الناس، فالطالب الذي يفتقر إلى القدوة في الرفق ولين الجانب؛ لا يمكن أن نطالبه بذلك وهو لم يتعلمه ويمارسه من خلال مربيه ومعلميه.
8 ـ الانفتاح الإعلامي والثقافي الهائل الذي نعيشه، ومظاهر العنف التي تملأ الفضائيات من خلال الأفلام، والمسلسلات، والبرامج، وحتى الألعاب لها دور خطير في تفاقم هذه الظاهرة، وليس ما نسمع عنه من حوادث القتل والاعتداء في مدارس الغرب وأمريكا إلا نتاجاً لتلك الوسائل التي اقتحمت بيوتنا، وملأت عقول شبابنا.
* تلك هي بعض أسباب الظاهرة مثالاً لا حصراً، وقد أشرنا ضمناً إلى بعض مظاهرها وأعراضها، فهل من علاج لتلك المشكلة التي تؤرّق التربويين والعاملين في مجال التعليم؟ وهل هناك حل لتلك الظاهرة التي تهدر الطاقات، وتقضي على مقوّمات الإبداع، وتعطّل مواهب فئة لا يُستهان بها من شبابنا الطلاب، بل والطالبات؟!
سؤال محير يحتاج إلى دراسات، وبحوث، ولجان، واستطلاعات للرأي، لكننا نستطيع أن نجمل بعض الحلول ـ والتي تبدو نظرية في ظاهرها ـ إلا أننا ليست لدينا حيلة غير محاولة تحقيقها واقعاً عملياً في مؤسساتنا التعليمية والتربوية، وتجربتها ميدانياً في بيوتنا ومن خلال وسائل إعلامنا، حتى نستطيع أن نستثمر طاقات أبنائنا، ونحافظ على صحتهم النفسية، ونعيد إلى مؤسساتنا التربوية احترامها وهيبتها، وإلى المعلم في مدرسته، والأستاذ في جامعته وقاره وقدوته، وإلى علاقة التلميذ بالأستاذ قدسيتها وبهاءها.
ومن هذه الحلول ما يلي:
1 ـ أهمية دور الإدارة المدرسية والجامعية في توفير الجو التربوي المناسب الذي يخلو من العصبية والعنف، ويتسم بالعلاقة الأبوية بين المعلم وطلابه، تلك العلاقة التي يسودها الاحترام المتبادل، والود، والألفة.
2 ـ تكثيف الدورات التربوية التي تُعنى بخصائص المرحلة العمرية للطلاب، وخصائصها النفسية، وكيفية التعامل معها، وأفضل الطرق للتعامل مع المشكلات التحصيلية، خصوصاً مشكلة التأخر الدراسي، وضعف وبطء التعلم، وغيرها.
3 ـ ضرورة اهتمام المعلمين والأساتذة بقراءة ما يُكتب عن المشكلات السلوكية لدى الشباب، وكيفية التعامل معها، وحثهم على ذلك، بالإضافة إلى إقامة الدورات التدريبية التي تُعنى بتلك الأمور.
4 ـ تحسين وضع المعلمين المادي والأدبي حتى يشعروا بقيمتهم الحقيقية، ومن ثم يعود للمهنة قدرها واحترامها، مما ينعكس إيجاباً على طريقة تعاملهم مع الطلاب.
5 ـ تدريب الطلاب بصورة دورية على جو الاختبارات في أيام الدراسة العادية ـ الأمر الذي تفتقده كثير من المدارس والكليات ـ حتى يألفوا هذا الجو، وحتى لا يصبح الاختبار لهم مسألة حياة أو موت! وقد قال لي أحدهم يوماً: "غداً ـ في الاختبار ـ يتحدد مصيري، إما إلى الجنة وإما إلى النار! فغداً يوم القيامة"!!
6 ـ عمل الدراسات الميدانية والاستبانات التي تستقري أحوال الطلاب في الفترة التي تسبق الاختبارات، وقبل دخول لجنة الاختبار، وفي أثنائها، وبعد الخروج منها؛ من أجل معرفة توجّهات الطلاب تجاه المواد الدراسية والمعلمين والاختبارات، ومن ثم وضع الحلول العملية لمشكلات العنف، والعصبية، والعدوانية، والإحباط التي تصيب بعض الطلاب في تلك الفترة.
7 ـ دور المرشد الطلابي والاختصاصي النفسي هام جداً من خلال تخصصه، وخبرته الميدانية، والبرامج الإرشادية المتوفرة لديه، والأساليب العلمية التي يتقنها في التعامل مع هذه الظاهرة من خلال برامج الإرشاد الجمعي، والمقابلات الفردية، وحصر وتحليل تلك الظواهر، ودراسة الحالة، وغيرها. ولا يقتصر هذا الدور على الطلاب فقط؛ بل يتعداه إلى تبصير المعلمين وإدارة المدرسة أو الكلية بدورهم التربوي الخطير إزاء ما يتعرض له الطلاب من مشكلات وأزمات سواء في المجال التربوي أو المجال السلوكي.
- وأخيراً: فإن ظاهرة العنف والعدوانية في فترة الاختبارات جديرة بالدراسة والبحث والتحليل، وتبقى مرتبطة بفئة من الطلاب، قد تكثر هنا، أو تقل هناك، لكنها تظل في النهاية تندرج تحت مسمى (الظاهرة).
ـــــــــــــــــــ(101/108)
اختر نوع مولودك .. قبل أن ترزق به !
مدحت الأزهري
التحكم في نوع الجنين لا يعد منافاة أو تحديا لإرادة الله:
"يا رب ولد..يا رب بنت" رغبات وأمنيات لا تنتهي إلا بانتهاء البشرية. وإذا كان العلم قد أثبت إمكانية اختيار نوع المولود فإن هبة الله تبقى دائما وأبدا لمن يشاء. فالتدخل في العوامل الطبيعية للوراثة والتكاثر وتوجيهها بالإرادة البشرية لتحقيق رغبات معينة كمنع الحمل المتاح وتحقيق الإنجاب الممتنع والتحكم في صفات الجنين ونوعه وغير ذلك من التقنيات - لا يمثل منافاة أو تحديا لإرادة الله - عز وجل - ومشيئته كما يعتقد البعض، وإنما يدخل الإتيان بمثل هذه الأفعال في دائرة الإرادة الشرعية (افعل ولا تفعل) فما كان من هذه الأفعال ضمن الفضائل المتضمنة مصالح العباد فهو موافق للإرادة الشرعية، وما كان منها من القبائح المتضمنة فساد البلاد والعباد فهو مخالف للإرادة الشرعية.
وكل الأفعال الموافقة للإرادة الشرعية أو المخالفة لها جائزة الوقوع عقلا وممكنة الحدوث في الطبع والعادة، وتخضع للأحكام التكليفية من حيث الإباحة والمنع في الدنيا، ولقاعدة الثواب والعقاب عند الله - عز وجل - في الآخرة. كما أن إدراك النتيجة وتحقق الهدف الذي يتم السعي إليه بهذه الأفعال، سواء كان موافقا للإرادة الشرعية أو مخالفا لها مرهون بإرادة الله - عز وجل -، ولا يتأتى مجرد تصور منافاتها. فإما أن يقع ما تم السعي إليه كنتيجة للأسباب فيكون ما حدث هو الموافق للإرادة الكونية، بل هو عين مرادها، وإما أن تتخلف النتائج عن الأسباب فيكون أيضا عدم الحدوث هو الموافق لإرادة الله ومشيئته.
كان هذا هو ما ذكره الدكتور "السيد محمود مهران" في الدراسة العلمية التي نال بها درجة الدكتوراه في الفقه من كلية الشريعة والقانون بجامعة الأزهر بعنوان: "الأحكام الشرعية والقانونية للتدخل في عوامل الوراثة والتكاثر" والتي تضمنت دراسة مسهبة لوسائل وتقنيات الاختيار المسبق لنوع الجنين وفقاً لأحدث النظريات العلمية في هذا المجال من النواحي الطبية والشرعية والقانونية.
برمجة الجماع.. استغلال للخصائص الطبيعية:
بييضة حولها مجموعة من الحيوانات المنوية تحاول إخصابها:
من المعروف علميا أن الأب هو المسئول عن تحديد نوع الجنين وليس الأم، فحيواناته المنوية تحمل نوعين من الكروموسومات الجنسية - بعضها يحمل الكروموسوم الجنسي "X"، بينما يحمل البعض الآخر الكروموسوم الجنسي "Y". في حين تحمل بييضات المرأة نوعا واحدا من الكروموسومات الجنسية؛ وهو "X" فقط.
وعند حدوث الإخصاب في أعلى قناة فالوب بين حيوان منوي يحمل الكروموسوم "Y" والبييضة التي بطبيعتها تحمل الكروموسوم "X" يتكون جنين ذكر.
أما إذا التقى حيوان منوي يحمل الكروموسوم "X" مع البييضة فيتكون جنين أنثى.
ومن الأساليب المتعددة التي يمكن للزوجين عن طريقها الاختيار المسبق لنوع الجنين برمجة الجماع؛ بحيث يتم في توقيتات محددة. وتعتمد هذه الطريقة على الخصائص الطبيعية التي أودعها الله في خلقه، بحيث تؤدي كل منها وظيفة بعينها، يؤهلها لها ما تتميز به من خصائص كسرعة الحركة والقدرة على مقاومة حموضة إفرازات الجهاز التناسلي للمرأة؛ حيث إن الحيوان المنوي المذكر (الذي يحمل الكروموسوم "Y") أسرع حركة من المؤنث (الذي يحمل الكروموسوم "X") ولكنه أقل قدرة على تحمل حموضة الإفرازات؛ ولذلك فهو يموت بعد يوم واحد تقريبا إن لم يتمكن من تلقيح البييضة، بينما يستطيع الحيوان المنوي المؤنث أن يمكث في انتظار البييضة أو في الطريق إليها أكثر من خمسة أيام.
لذا يُنصح الراغبون في إنجاب الذكور بأن يجامعوا زوجاتهم يوم الإباضة (في دورات الطمث المنتظمة اليوم الرابع عشر من الدورة التالية) فهو أنسب الأوقات لإنجاب الذكور؛ حيث تكون فرصة الحيوان المنوي المذكر مواتية في الوصول إلي البييضة قبل الحيوان المؤنث. كما ينصحون بعدم تأخير الجماع إلى ما بعد اليوم الذي يلي يوم الإباضة؛ لأن البييضة لا تستمر صالحة للتخصيب أكثر من يومين من وقت الإباضة.
أما راغبو إنجاب الإناث فالأنسب أن يأتوا زوجاتهم قبل الإباضة بيومين أو ثلاثة؛ ليتوافق نزول البييضة مع وصول الحيوان المنوي إليها.
معالجة الإفرازات.. لترجيح نوع عن آخر:
كذلك يمكن الاختيار المسبق لنوع الجنين بمعالجة إفرازات الجهاز التناسلي للمرأة -وهي إفرازات يغلب عليها أن تكون حمضية- لمنع الميكروبات والجراثيم من الولوج في الجهاز التناسلي للمرأة أو التعشيش فيه، إلا أن هذه الحموضة تؤدي إلى إعاقة الإنجاب بصفة عامة إذا زادت، وإعاقة إنجاب الذكور بصفة خاصة؛ لأن هذه الحموضة تقتل الحيوانات المنوية وخصوصا المذكر منها لأنها ضعيفة جدا في مقاومة الوسط الحمضي، أما المؤنثة فلديها قدرة أكبر على المقاومة؛ ولذا تنصح الراغبات في إنجاب الذكور بإجراء غسيل لجهازهن التناسلي قبل الجماع بمحلول قلوي مثل محلول بيكربونات الصوديوم لإتاحة فرصة أكبر للحيوان المنوي المذكر في الإسراع إلى البييضة وتلقيحها.
أما الراغبات في إنجاب الإناث فينصحن بالغسيل بمحلول الخل الأبيض أو نحو ذلك من المحاليل الحمضية للتأكد من هلاك الحيوانات المنوية المذكرة وإتاحة الفرصة للحيوانات المؤنثة لتخصيب البييضة.
غذاؤك يحدد نوع وليدك:
نوع الغذاء يؤثر على مواقع الاستقبال في غشاء البييضة:
وأضاف الدكتور "محمد بهائي السكري" - أستاذ علم وظائف الأعضاء بجامعة الأزهر موضحًا التأثير الملموس للغذاء في تحديد نوع الجنين - أن جسم الإنسان يحتوي على أربعة معادن ملحية أساسية هي الصوديوم والبوتاسيوم والمغنيسيوم والكالسيوم، وأن هذه المعادن الأربعة تؤثر بطريقة ما على تركيب نطفة الذكورة، كما تؤثر في تكوين صبغات نواة البييضة؛ حيث إنه تبعا للنظام الغذائي المتبع تستطيع الأيونات المعدنية أن تحدث تغيرات أيضية من شأنها التأثير في غشاء البييضة على مستوى مواقع استقبال الحيوانات المنوية فتصبح قابلة للتأثر بالحيوانات المنوية وفقا لطبيعتها الذكرية أو الأنثوية.
ومن ثم فإن غذاء غنيا بالصوديوم والبوتاسيوم -مثل اللحوم والأسماك والسبانخ والخرشوف والمياه المعدنية الغنية بالصودا- يكون ملائما لميلاد الذكور، في حين أن غذاء غنيا بالكالسيوم والمغنيسيوم - مثل الألبان والبيض والمياه المعدنية الغنية بالكالسيوم- يسهل مجيء الإناث.
ويؤكد الدكتور محمد السكري أن العديد من مراكز الولادة المتقدمة في أنحاء العالم طبّقت هذه النظرية بعدما تقرر صلاحيتها رسميا في الملتقى الدولي لطب النساء والتوليد الذي انعقد في "بيتو" بفرنسا عام 1984. وكانت فرنسا قد طبقتها بنجاح لأول مرة عام 1973، حيث يخضع من يرغب في اختيار نوع الجنين لأنظمة غذائية معينة قبل الحمل بثلاثة أشهر على الأقل. ويذكر أن نسبة نجاحها في عينات مراقبة طبيا بلغت 80. 7%.
ويؤكد الدكتور السيد محمود مدرس الفقه الإسلامي بجامعة الأزهر أن اتّباع كل من وسيلة الجماع المبرمج أو معالجة الإفرازات، وكذلك اتباع نظام غذائي معين بغرض الاختيار المسبق لنوع الجنين لا شيء فيه، وأن هذا الأمر يخلو من المشاكل الشرعية؛ ومن ثم فإن حكمه الإباحة ما لم تتضمن تعليمات النظام الغذائي تعاطي أغذية محرمة، وما لم يمثل النظام الغذائي المتبع إخلالا بالصحة العامة للجسم، ويباح ذلك للأفراد، بينما تُحظر ممارسته في الجموع؛ ليتحقق التوازن الطبيعي بين النوعين والذي لا تستقيم الحياة إلا به.
تغيير نوع الجنين.. بالتحكم في جيناته:
ويضيف الدكتور السيد محمود أنه قد ظهرت في الآونة الأخيرة بعض النظريات التي تزعم إمكانية تغيير نوع الجنين في أطواره الأولى عن طريق التحكم في الجين الوراثي الذي يعمل على إحداث تفاعلات حيوية تؤدي إلى تحويل المبيضين في الأجنة الإناث خلال الأسابيع الثمانية الأولى من الحمل إلي خصيتين ذكريتين. وقد نجحت تجربة ذلك على الفئران من حيث تحقق المظهر الخارجي إلا أنه تبين أن هذه التقنية لها مخاطر كثيرة، أقلها عدم تطابق التركيب الصبغي للكائنات المنسلّة بهذه الطريقة مع مظهرها الخارجي، وأن الذكر المنسلّ بهذه الطريقة عقيم لا يمكنه الإنجاب، كما يظهر ميلا طبيعيا تجاه الإناث - جنسه الأصلي- وهو ما يؤكد عدم اتساق تكوينه الداخلي مع المظهر الخارجي، فضلا عما يشوب هذه الوسيلة من مخاطر تشويه الأجنة وغير ذلك من المخاطر.. وتأسيسا على ذلك فهي من الوسائل المحرم الأخذ بها لاختيار نوع الجنين.
18/05/2002
http://www.islamonline.net المصدر :
-
لا تلم .. لا تنتقد .. لا تتجاهل مفاتيح الاتصال مع الأبناء
غالباً ما تكون ردود أفعال أبنائنا بناءً على منهجنا في تربيتهم، السطور القادمة تحوي كثيراً من القواعد التربوية التي تعبد الطريق أمام فهم الأبناء، وفتح قنوات الاتصال معهم.
قبل أي محاولة من جانب الآباء لتغيير سلوك معين في الأبناء المراهقين أو زرع سلوك آخر، لابد وأن تكون قنوات الاتصال بينهم وبين الأبناء مفتوحة، ولفتح هذه القنوات إليك هذه المفاتيح.
تذكر دائماً:
عندما يصبح ابنك قليل الصبر حاد الطباع، غير قادر على التحدث معك، تذكر ذلك الطفل الصغير الذي كان يبحث عن نظرات الإعجاب في عينيك عندما خطا بقدميه أول مرة! أو ذلك الابن الذي كان يبحث عنك بين الجالسين، حينما كان يستلم شهادته الدراسية، إنه نفس الابن، وإنه يحاول الآن أن يثيرك ويتصل معك، ولكن بأسلوبه الخاص هذه المرة.
أسئلة بشكل خاص:
هناك ثلاثة أسئلة يتفق جميع المراهقين على إجابتها:
•كيف كانت المدرسة؟... (عادي).
•هل انتهيت من واجباتك؟.. (تقريباً).
•إلى أين أنت ذاهب؟.. (للخارج).
ولإدخال بعض التحسينات على أساليب الحوار بينك وبين ابنك تذكر هذه القواعد:
1- أن ابنك مدير نفسه، فربما يعطيك الكثير من المعلومات عن نفسه أو القليل منها، ولذلك عليك أن تتقبل وتتجاهل مزاجه المتقلب.
2- دعهم يشاركونك في يومك، فعندما تصطحب ابنك من المدرسة وتسأله عن يومه الدراسي ويخبرك أنه يوم عادي، أخبره أنت عن يومك وكيف كان العمل لديك، وبنفس الطريقة والحماس الذي تحب أن يكون لديه، وهنا سيبدأ ابنك في التحدث معك عن ما يحدث له في المدرسة، ويكون بداية لفتح حوار معه.
3- دعهم يشاركونك ذكرياتك، فإذا كان لابنك مدرس صعب المزاج، تحدث معه عن ذلك الأستاذ الذي درسك في الماضي، وكان لك معه بعض الذكريات.
4- باعد بين الفترات التي تكون فيها المناقشات حادة بينك وبين ابنك.
5- أدخل بعض الترفيه في حياتك، فضحكاتكم معاً على موقف قمت به أنت أو ابنك يسهم في تقوية علاقاتكم.
6- عبّر عن رأيك بوضوح، واستخدم كلمة " أنا أشعر"، " أنا لا يعجبني"، وامزج آراءك بالكثير من كلمات الحب مثل " أنا أحب"، " ولكن أعتقد أنا ما".
رجاءاً لا تفعل:
1- لا تلقِ محاضرات في الأخلاق والتصرفات السليمة في غير مناسبة.
2- لا تتكلم بصيغة المتحكم في كل شيء " يجب أن تقوم به لأنني أريد هذا".
3- لا تبدأ حديثك معه باتهام: " لقد قال لي مدرسك إنك..... ".
4- لا تتجاهل مشاعر ابنك وآراءه.
5- لا تنس أن تعتذر عندما تخطئ حتى ولو بعد فترة.
6- لا تنتقد.. وتذكر أنه كلما زاد تذمرك من أشياء لا تعجبك في ابنك كلما أصر ابنك على المضي قدماً فيها، ولكن عبّر عن رأيك بهدوء دون تجريح.
لنا وقفة:
لنتعرف سر نجاحهم:
محمد حمد الرشيد، نائب رئيس الاتحاد الوطني لطلبة الكويت- كلية الإعلام- جامعة الكويت. يقول في إجابته عن أسباب نجاحه في الانتخابات الأخيرة:
من نعم الله عليّ أن نشأت بين أب متخصص في التربية وأم مدرسة ومربية، فهموا من خلال دراستهم أهم الأسس لنجاح شخصيتي فزرعوا بداخلي الكثير من المبادئ والقيم، وأول تلك المبادئ أن الإنسان خلق من أجل العبادة، فأيقنت أن الإنسان يجب أن يعتمد على نفسه، بعد التوكل على الله في كل أمر وعمل، وأن يتحرى الصدق والحقيقة في كل عمل اجتماعي أو علمي أو رياضي يقوم به.
ويضيف: إن كل شاب يريد أن يكون ناجحاً يجب أن تتوفر فيه أربع أركان (الإيمان- الإخلاص- الحماسة- العمل)، ولا تكون هذه الأركان فاعلة إلا إذا رافقها إرادة قوية وأعتقد أن هذه الأركان هي سر النجاح الاجتماعي.
ويلخص الفوائد التي استفاد منها بصفته شاب اجتماعي بخمس نقاط هي:
1- عرفت طبائع الناس وتشكيلة المجتمع الكويتي من حضر وبدو وكويتي وغير كويتي.
2- ازدادت ثقتي بنفسي وبأسباب وجودي.
3- نميت مهاراتي وأثريت معلوماتي.
4- الأجر والمثوبة من الله - تعالى -، فمن خلال تواصلي بإخواني أجد نفسي قريباً من الله، فبمصافحتي لهم تتساقط الذنوب وبابتسامتي بوجوههم أكسب صدقة.
5- كثيراً ما يعتمد عليّ أصدقائي وأهلي في حل مشاكلهم وتحملي لمسؤولية العمل النقابي دليل على اعتمادهم عليّ.
وكلمة أخيرة أوجهها لكل الآباء: أن لا يجبروا أبناءهم على عمل لا يريدونه، إلا إذا كان من مصلحتهم وليسعوا إلى تثقيفهم وتنمية مهاراتهم وانتقاء المعلومة العلمية المتطورة لهم.
همسة في أذنيك:
همسات نهمسها في أذنك عزيزي المربي واهمس بها بدورك أنت لأبنائك:
1- أي بني تحدث معنا كل يوم وأخبرنا عن ما مر بك من مشاعر فرح أو حزن واسألنا عن يومنا وما حدث لنا، استمر في حديثك هذا لمدة أيام وستلمس الفرق.
2- تكلم معنا عن فترة شبابنا وعن علاقاتنا بآبائنا، فنحن نجد متعة في التحدث عن ذكرياتنا ونحن صغار.
3- اكتب رسالة لوالدتك، فربما تجد الفكرة غريبة ولكن افعلها، اكتب لها كل ما تريد أن تخبرها به، ثم قرر إن أردت أن ترسلها أو.. لا.
4- اختر الوقت المناسب للتحدث بحكمة، فلا تبدأ الحديث معنا أثناء انشغالنا بعمل مهم، أو أثناء نومنا أو في حالة توترنا.
5- حاول أن تعرف وجهة نظرنا، وابذل جهدك في سبيل ذلك، فأنت لست الشخص الوحيد الذي يملك أفكاراً ومشاعر وقدرة على التفكير.
6- راقب حركات جسمك وأنت تتحدث معنا، فإدارة ظهرك لنا والتلويح بأصبعك، واتساع عينيك أمور غير محمودة، ثم راقب ألفاظك التي تتفوه بها، ولا تنس إبداء كثير من الاحترام.
http://www.waldee.com المصدر :
ـــــــــــــــــــ(101/109)
فنون النجاح والتفوّق
تحقيق: عز الدين فرحات 11/4/1426
19/05/2005
النجاح مطلب الجميع وتحقيق النجاح الدراسي يُعدّ من أوائل الأهداف الرئيسة لدى الطالب..ولكل نجاح مفتاح وفلسفة وخطوات ينبغي الاهتمام بها ... ولذلك أصبح النجاح علماً وهندسة..
وعادة يقضي الإنسان منا (12) سنة في المدرسة. يُضاف إليها (4-6) سنوات في الجامعة. ومن الممكن بعدها أن يستمر في دراسته ليحصل على الماجستير أو الدكتوراه.
خلال مدة هذه الدراسة الطويلة، يبذل الواحد منا جهوداً كبيرة لتحصيل النجاح والحصول على الشهادات المطلوبة.
وتمر أيام الدراسة ولياليها- وخاصة ما قبل الامتحانات- في سهد وسهر وتفكير عميق في جزئيات الدراسة وملابساتها: في البيت، وفي الطريق إلى قاعة الدراسة، ثم مع الأستاذ، ومع الزملاء كذلك.
وها قد أوشك العام الدراسي أن ينتهي، ومع استعداد أبنائنا الطلاب لقطف الثمرة، وجني حصاد عام كامل، يشرع كل طالب في وضع خطة يراها- من وجهة نظره- مناسبة تمامًا لظروفه الحياتية، وأنها سبيله الوحيدة لتحقيق النجاح والتفوق.
وفي السطور التالية نتعرف رأي الخبراء في الطريقة الأمثل للمذاكرة والتحصيل الجيد للعلوم.
كيف أذاكر؟
يقدم الدكتور مصطفى أبو سعد في كتابه إستراتيجية المذاكرة خطوات المذاكرة كالتالي:
1. أخلص النية لله واجعل طلب العلم عبادة.
2. تذكر دائماً أن التوفيق من الله والأسباب من الإنسان.
3. احذف كلمة " سوف " من حياتك ولا تؤجل.
4. احذر الإيحاءات السلبية: أنا فاشل - المادة صعبة..
5. ثق بتوفيق الله وابذل الأسباب.
6. ثق في أهمية العلم وتعلمه.
7. احذر رفقاء السوء وقتلة الوقت..
8. نظم كراستك ترتاح مذاكرتك..
9. أدّ واجباتك وراجع يوماً بيوم..
10. تزوّد بأحسن الوقود..(أفضل التغذية، أكثر من الفواكه والخضراوات، وامتنع عن الأكلات السريعة)
11. لا تذاكر أبداً وأنت مرهق..
نظم وقتك:
تذكر أن أحسن طريقة لاستغلال الوقت أن تبدأ الآن!!
حدد أولوياتك الدراسية وفق الوقت المتاح.
ضع جدولاً يومياً - أسبوعياً لتنظيم الوقت والأولويات.
أين أذاكر؟
يقدم الأستاذ/ عبدالله المغيني عدداً من النصائح للطلاب أثناء المذاكرة منها:
ضرورة أن يهتم الطالب بالبيئة التي يدرس فيها باعتبارها عاملاً مهمًا للغاية، فبعض الناس يجيد التركيز في جو يتميز بالعزلة والهدوء التام، وبعضهم بمقدوره المذاكرة في جو يشوبه صوت خفيف؛ ولذلك عليك أن تتعرف على ما يناسبك، وحاول أن تهيئ لنفسك مكانًا منتظمًا للعمل فيه حينما يكون ذلك ممكنًا، فإذا رتبت الغرفة بحيث تستوعب كتبك وأدواتك ومعداتك واستخدمتها بشكل منتظم، فستجد بالتالي أن دخولك إلى هذه الغرفة سيعني الخصوصية والتحرّر من كل ما يلهي عن الدراسة والتركيز، ويجب أن تتميز تلك الغرفة بالتهوية الجيدة والإنارة الممتازة التي تجنب العين الإجهاد، والاحتواء على كل مستلزماتك وأجهزتك بحيث تكون جميعها في متناول يدك بمنتهى السهولة.
انتهت المذاكرة:
يرى الدكتور أكرم رضا - استشاري في التنمية البشرية- أن وقت المذاكرة قد انتهى، بمعنى أن بعض الطلاب أو كثير منهم يستمر في المذاكرة إلى آخر يوم كأنه يتعامل مع الكتاب لأول مرة، وأحيانًا يقف أمام فصل أو وحدة في موقف تحدٍّ، مستشعرًا أنه لا يستوعبها جيدًا، ولا ينتقل عنها فلا هو استوعبها ولا ذاكر غيرها.
ويوجه الدكتور أكرم عدداً من النصائح للطلاب في فترة ما قبل الاختبارات منها:
1- مراجعة الفهرس
وأقصد بهذه المهمة أن تحضر ورقةً كبيرة(A4)، وتضعها أفقيًّا أمامك وذلك لكل مادة، وتكتب عنوان المادة أعلى الورقة وتفرّع منها فروعاً بعدد الوحدات، وكل وحدة تفرّع منها فروعًا بعدد الأبواب، وكذلك كل باب بعدد الفصول، وهكذا لتصل إلى أصغر جزئية في الكتاب، لتتكون لديك خريطةٌ جيدةٌ للمادة وقد كتبتها كلها في ورقة واحدة، وهذه الخريطة ستفيدك جيداً في الاستيعاب الكلي للمادة، ومعرفة جزئياتها الصغيرة أين تقع على الخريطة.
2- استخدم النجوم
أنت تعلم معي فندق خمس نجوم وأربع نجوم، وهناك فنادق سبع النجوم، بل وهناك فنادق مظلمة بلا نجوم.. استخدم النجوم في تقييم استيعابك للمادة من خلال الخريطة السابقة.. أعطِ كل مادة عددًا من النجوم، وبالتالي تستطيع أن تقيّم مستوى مذاكرتك، ليس على مستوى المادة بالكامل، ولكن على مستوى جزئيات المادة حتى الصغيرة، لا تقل مادة (س) جيدة، ولكن قل في مادة (س) الجزء (ص) ممتاز والجزء (ع) يحتاج مذاكرة.
3- ابدأ من أسفل القمع
بعدها رتب أجزاء المادة على هيئة قمع قاعدته لأعلى، ورأسه لأسفل بحيث تضع النجوم الأكثر في أعلى القاعدة والنجوم الأقل أسفل منها.
4- عاصفة الأسئلة
عليك أن تحصل على بنك أسئلة، وابدأ بكتاب المدرسة لتنتهيَ من حل جميع الأسئلة المحلولة، والنماذج المُجاب عنها، ثم التمرينات على كل باب، ثم التمرينات المجمعة، وانتقل إلى كتاب النماذج، فإذا انتهيت من ذلك كله استمر في أي كتاب خارجي يحتوي على امتحانات السنين الماضية.. حلّ كأنك في امتحان.. قيِّم إجابتك، وابحث عن مواطن الخلل، وأعد ترتيب القُمع وعدِّل في عدد النجوم، فقد يكون هناك جزءٌ أعطيتَه نجمتين ويستحق خمس نجوم أو العكس.
5- لا تطفئ الأنوار
هل تتصور أن هناك من يذاكر في الظلام؟! أقول لك ذلك -على الرغم من غرابة السؤال- فإن بعضنا يفعل ذلك.. تدبر معي قول الله تعالى: (وَمَن لَّمْ يَجْعَلِ اللهُ لَهُ نُورًا فَمَا لَهُ مِن نُورٍ)(النور: 40)، ومن أين يأتي النور ونحن نطفئه بأيدينا؟! أتريد أن أحل لك هذا اللغز؟!
سيحله لك الإمام الشافعي، الذي كان يصيب في الرمي 10 من 10، فأصاب يومًا 9 من 10، فتاب إلى الله واعتبرها معصيةً، وكان يحفظ من النظرة الأولى، ويخفي الصفحة حتى لا تتداخل مع الأخرى عندما يحفظ.. أراد يومًا أن يحفظ درسًا فاستشعر ثقلاً في حفظه، فذهب إلى صديق له اسمه (وكيع) يشكو له سوء حفظه، فابتسم (وكيع) وقال له: اترك المعصية يا شافعي، ثم تلا عليه قول الله تعالى: (يَهْدِي اللهُ لِنُورِهِ مَن يَشَاءُ) (النور: 35)(وَمَن لَّمْ يَجْعَلِ اللهُ لَهُ نُورًا فَمَا لَهُ مِن نُورٍ) (النور: 40).
فذهب الشافعي يفكر: أي معصية ارتكبتها؟ فتذكر أنه نظر إلى امرأة فأطال النظر إليها، فندم وتاب عن معصيته، وقال:
شكوت إلى وكيع سوء حفظي ... ...
فأرشدني إلى ترك المعاصي
وأخبرني بأن العلم نور ... ...
ونور الله لا يُهدى لعاصي
6- مفاتيح السماء
يقول تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَاسْتَكْبَرُوا عَنْهَا لاَ تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوَابُ السَّمَاءِ) (الأعراف: 40)، نعم إن أبواب السماء مفتوحة لمن يطرق عليها والله تعالى قال لنبيه: (وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إذا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ) (البقرة: 186)، والله تعالى يقول: (وَقَالَ رَبُّكُمْ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ)(غافر: 60 (إن مفاتيح السماء هي الدعاء..
الأسرة والامتحانات:
يقدم الدكتور/ هشام صقر (أستاذ علم النفس بجامعة الأزهر) "روشتة" يستعرض فيها وسائل المساعدة التي يمكن أن يقدمها الآباء للأبناء منها:
1- يجب أن تتعامل الأسرة ككل مع موضوع الامتحانات على أنه موقف طبيعي وعادي، مثل أي موقف أو ظرف تعيشه الأسرة في حياتها.
2- التعليم جزء هامٌّ من تكوين شخصية الأبناء، ولكنه يظل جزءًا، والمبالغة الشديدة فيه وتحويله إلى معركة حياة أو موت خطأٌ كبيرٌ تقع فيه الكثير من الأُسَر.
3- التوتر والقلق يؤثران وينتقلان- كالأمراض المعدية- بين الأفراد، ويتسبّبان في حالة من الارتباك الانفعالي والعقلي؛ مما يؤثر على التركيز والاستيعاب.
4- أهم ما يحتاجه الأبناء في الفترات الهامة أو الحرجة- ومنها الامتحانات وظهور النتيجة- هو الحب غير المشروط (فأنا أحب ابني أو ابنتي بصرف النظر عن الأداء أو النتيجة)، والمساندة الإيجابية التي تزيد ثقته في نفسه وتطمئنه أنه لن يفقد حبَّنا وتقديرَنا له مهما حدث.
5- من الجيِّد اعتبار فترة الامتحانات فرصةً تربويةً للاستدراك على النقص والسلب في العلاقات بين الآباء والأبناء، والاستفادة منها في ذلك بدلاً من العكس، والذي يحدث كثيرًا مع الأسف.
6- يجب مراعاة الفروق الفردية بين الأبناء، فالابن الذي يهتم أو يقلق أو يتوتر بشكل زائد نعمل على تهدئته وطمأنته ومساندته وحثِّه على عدم المبالغة في تقدير الأمر، والابن غير المبالي والمهمل نعمل على تحميسه وتشجيعه ومعاونته على تنظيم وقته والتركيز في مذاكرته وتقليل المشتتات من حوله، وهكذا.
7- يجب الاستفادة من هذه الفترة في بثِّ معاني العقيدة العملية، بدءًا من إحسان الصلة بالله، ثم الاستعانة به في كل شيء، ثم التوكل عليه في قضاء الحاجات، ثم الرضا بقضائه، ومن ذلك: الصلاة في المسجد، قراءة القرآن، الأذكار، الدعاء.. الخ.
8- عند ظهور النتيجة (أيًّا كانت) يجب أن يعتبر الآباء أن هذه فرصةٌ تربويةٌ لإظهار حبهم غير المشروط ومساندتهم الإيجابية لأبنائهم، وزيادة رصيد العلاقة الإيجابية بينهم وبين أبنائهم.
9- يُضاف إلى ما سبق في التهيئة للامتحانات: تقليل المشتِّتات.. من زيارات وضوضاء واتصالات وتلفاز.. الخ، لكن دون تحويل المنزل إلى ثكنة عسكرية، إضافةً إلى الاهتمام بالتغذية المناسبة، وعدد ساعات النوم المناسب.. الخ.
10- أما في يوم الامتحان فنتعامل معه بشكل عادي، وعلينا ألاّ نظهر له أي توتر أو قلق، وعلينا الدعاء لأبنائنا، وعدم مراجعة الإجابات التي تمَّت لحصر الأخطاء عند العودة من الامتحان، بل الحرص على وجبات الطعام والراحة، ثم الاستعداد لليوم التالي، ويجب تخصيص أوقات ترفيهية في أيام الامتحانات لنؤكد على طبيعية هذه الأيام وعدم توترنا الزائد حيالها.
المفاتيح العشرة للنجاح.
يقول الدكتور مصطفى أبو سعد في كتابه إستراتيجية المذاكرة:
1. الطموح كنز لا يفنى: لا يسعى للنجاح من لا يملك طموحاً؛ ولذلك كان الطموح هو الكنز الذي لا يفنى ..فكن طموحاً وانظر إلى المعالي ..
2. العطاء يساوي الأخذ: النجاح عمل وجد وتضحية وصبر، ومن منح طموحه صبراً وعملاً وجداً حصد نجاحاً وثماراً..فاعمل واجتهد وابذل الجهد لتحقق النجاح.
1. غير رأيك في نفسك: الإنسان يملك طاقات كبيرة وقوى خفية يحتاج أن يزيل عنها غبار التقصير والكسل..فأنت أقدر مما تتصور، وأقوى مما تتخيل، وأذكى بكثير مما تعتقد..اشطب كل الكلمات السلبية عن نفسك من مثل " لا أستطيع - لست متفوقاً.." وردّد باستمرار " أنا أستحق الأفضل - أنا مبدع - أنا ممتاز - أنا قادر."
2. النجاح هو ما تصنعه أنت.(فكر بالنجاح - أحب النجاح..) والناجح يبدأ رحلته بحب النجاح والتفكير بالنجاح..فكّرْ وأحب وابدأ رحلتك نحو هدفك..
3. تذكر: " يبدأ النجاح من الحالة النفسية للفرد، فعليك أن تؤمن بأنك ستنجح - بإذن الله - من أجل أن يُكتب لك فعلاً النجاح ."
4. الناجحون لا ينجحون وهم جالسون لاهون ينتظرون النجاح، ولا يعتقدون أنه فرصة حظ وإنما يصنعونه بالعمل والجد والتفكير والحب واستغلال الفرص، والاعتماد على ما ينجزونه بأيديهم.
5. الإخفاق مجرد حدث وتجارب: لا تخش الإخفاق بل استغله ليكون جسراً لك نحو النجاح لم ينجح أحد دون أن يتعلم من مدرسة النجاح..وأديسون مخترع الكهرباء قام بـ (1800) محاولة فاشلة قبل أن يحقق إنجازه الرائع .ولم ييأس بعد المحاولات الفاشلة التي كان يعتبرها دروساً تعلم من خلالها قواعد علمية كثيرة.
6. املأ نفسك بالإيمان والأمل: الإيمان بالله أساس كل نجاح وهو النور الذي يضيء لصاحبه الطريق، وهو المعيار الحقيقي لاختيار النجاح الحقيقي..الإيمان يمنحك القوة وهو بداية ونقطة الانطلاق نحو النجاح، وهو الوقود الذي يدفعك إلى النجاح..
7. اكتشف مواهبك واستفد منها: لكل إنسان مواهب وقوى داخلية ينبغي العمل على اكتشافها وتنميتها، ومن مواهبنا الإبداع والذكاء والتفكير والاستذكار والذاكرة القوية..ويمكن العمل على رعاية هذه المواهب والاستفادة منها بدل أن تبقى معطلة في حياتنا..
8. الدراسة متعة.. طريق للنجاح: المرحلة الدراسية من أمتع لحظات الحياة، ولا يعرف متعتها إلا من مرّ بها والتحق بغيرها.متعة التعلم لا تضاهيها متعة في الحياة وخصوصاً لو ارتبطت عند صاحبها بالعبادة.فطالب العلم عابد لله، وما أجمل متعة العلم مقروناً بمتعة العبادة! الدراسة وطلب العلم متعة تنتهي بالنجاح..وتتحول لمتعة دائمة حين تكلل بالنجاح.
همسة:
لابد من همسة في أذن كل طالب: من الواجب على كل دارسٍ وطالبِ علمٍ أن يتعرف على فائدة ما يدرس وما يتلقاه من علم؛ وعليه أن يتمتع بطاقة حماسية لتحقيق هدفه، وأن يهيّئ ذهنه لما له من تأثير فعّال في قدرته على التركيز، ويجب على الإنسان أن يتمتع برغبة حقيقية في اكتساب معارف ومهارات جديدة، وإذا تبين المرء البواعث والأهداف فيجب عليه أن يضع في حسبانه الجوانب العملية للدراسات، ويجب أن يلم بمتطلبات المنهج الدراسي.
ـــــــــــــــــــ(101/110)
36 طريقة تجعل أطفالنا يقرؤون كل الكتب في العالم
نصار رمضان عمر
القراءة أعظم ثروة يمكن أن يمتلكها الإنسان، وفي هذا المعنى قال أحد الشعراء الإنجليز: «قد تكون عندك ثروة ضخمة لا تساويها ثروة أخرى، تملأ بها الكثير من الخزائن، ولكنك لن تكون أبدًا أغنى مني فقد كانت لي أم اعتادت أن تقرأ لي».
أشارت منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة (اليونسكو) إلى أن متوسط القراءة في العالم العربي 6 دقائق في السنة للفرد!! ولن نبحث في هذه الدراسة الأسباب التي أدت إلى ذلك، فسوف نفندها في دراسة أخرى، وما يعنينا هنا هو أن السبب الرئيس في تدني قيمة القراءة عندنا هو عدم تحبيب وتدريب الإنسان العربي منذ صغره على القراءة.
لماذا تقرأ لطفلك؟
اقرأ لطفلك لتعوده القراءة منذ الصغر، فمن لم يقرأ له في الصغر، فلن يقرأ لنفسه في الكبر. ولنا في التاريخ نماذج عديدة من اهتمام الكبار بالقراءة لأبنائهم، ففي حضارتنا الإسلامية النصيب الوافر من هذا الاهتمام، فهؤلاء الصحابة رضوان الله عليهم كانوا يروون لأطفالهم سيرة الرسول - صلى الله عليه وسلم - [والمعارك والغزوات، كما كانوا يعلمونهم السورة من القرآن، وفي عصرنا الحديث سل العلماء والمفكرين عن تأثير قراءات آبائهم عليهم، فستجد إجاباتهم أن ما توصلنا إليه إنما الفضل فيه يعود بعد الله - عز وجل - إلى قراءات وتشجيع الوالدين لهم، فهذا هو الدكتور زغلول النجار والدكتور أحمد زويل ويوسف السباعي، وغيرهم الكثير والكثير كلهم أكدوا تمتعهم بحكايات الوالدين، وسردهم الحكايات والسيرة النبوية لهم، ومن ثم شبوا على حب العلم والثقافة والتفوق.
اقرأ لطفلك لتحقق له المتعة، وتكسبه بعض المعارف والخبرات المختلفة، ولتفتح معه الحوار فهناك الكثير من الأمور تريد أن تحدّث طفلك فيها، ولكنك لا تجد مفتاحًا لبدء الحديث، لذلك فقراءة قصة أو موقف من السيرة يمكن أن يكون وسيلة لفتح الحوار في الموضوع الذي تريد التحدث مع طفلك فيه، ولنقل القيمة التي تريد أن تعوده إياها.
اقرأ لطفلك لتعرف وتكتشف إمكانياته وطموحاته، ومن ثم توجهه نحو الأسلوب الأمثل لتنمية هذه المواهب والإمكانيات، وفي الوقت نفسه تتجنب الوقوع في مشكلة التوجيه الخاطئ، حتى لا تكون العاقبة على غير ما تريد.
اقرأ لطفلك لأن القراءة وسيلة هامة للحصول على المعرفة والاستزادة من الثقافة، ومن ثم زيادة الوعي والفهم عند طفلك. تساعد طفلك على التفوق الدراسي، فهي تساعده على سرعة الفهم، ومن ثم تحصيل دروسه بسرعة كبيرة، وجهد أقل، ووقت أقصر، كما أكدت العديد من الدراسات.
اقرأ لطفلك لأن القراءة تساعده على مواجهة المشكلات التي قد يتعرض لها، حيث يستطيع التعبير عنها بطريقة سليمة، وفي الوقت نفسه يستطيع الاستفادة من خبراته المختلفة التي كونها من خلال القراءة، ومن ثم ينجح في التوصل إلى الحل الأمثل لها. كما يجعله يصدر أحكامًا موضوعية في الأمور المختلفة، وتكون هذه الأحكام بناء على فهم واقتناع جذل للموضوعات.
أي القصص تقرأ لطفلك؟
بداية يجب أن تعلم حقيقة أساسية، ألا وهي أن كل ما تقرؤه لطفلك سوف يتأثر به، وسوف يكون عاملاً هامًا في تحبيبه بالقراءة، أو النفور منها، ولذلك يجب أن تحرص كل الحرص وأنت تقرأ لطفلك، فالاختيار السليم لمادة القراءة المعول الأساس لنجاح الهدف والمقصد من القراءة، وطفلك في هذه المرحلة ـ من 3 سنوات إلى 7 سنوات ـ يحب القصص، وهي أكثر المواد مناسبة له، وليست أي قصة تتناسب معه، ولذلك يجب مراعاة ما يلي عند اختيار قصة لطفلك:
* اختر لطفلك القصة التي تدور حول ما يعرفه من حيوانات وطيور ونباتات، وكذلك الشخصيات المألوفة لديه كالأب والأم والإخوة والأصدقاء، أي لا تأت له بالغريب من الأشياء لتحدثه عنها.
* اختر لطفلك القصة التي يمتزج فيها الخيال بالواقع الذي يحياه، فالعصفورة ـ على سبيل المثال ـ عنصر من عناصر الواقع الذي يحسه طفلك، ولكن كلامها وحديثها معه غير واقعية، ومع ذلك فهي من الأمور المقبولة لديه، لأنها تشبع رغبته في التخيل، حيث لا يبتعد هذا التخيل عن الحقائق البيئية التي تحيط به.
* اختر لطفلك القصة القصيرة، قليلة الأحداث والأشخاص، حتى يمكنه أن يتابعها، ويتأثر بها دون ملل أو إجهاد وتشتت ذهني وفكري.
* اختر لطفلك القصة ذات الصور الجذابة التي تجذبه إليها، ولذلك يجب أن تكون كبيرة الحجم، واضحة الألوان، معبرة عن أحداث وشخصيات القصة.
* اختر لطفلك القصة وثيقة الصلة بالحاضر الذي يعيش فيه، فلا تجره إلى الماضي الذي لا يهتم به، أو المستقبل الذي يجهله. فعلى سبيل المثال، في إحدى القصص ذكرت آلة الري الطنبور، فإذا نظر الطفل إلى صورتها فلن يعرفها، وإذا ذكرنا له اسمها استعجمها واستصعبها، لذلك كن واعيًا وأنت تختار كتبًا وقصصًا لطفلك.
* اختر لطفلك القصة ذات الأسلوب السهل السائغ الذي يفهمه طفلك بغير مشقة أو عناء، وفي الوقت نفسه تتوافر بها عوامل الإثارة والتشويق، كالجدة والطرفة والخيال والحركة.
* اختر لطفلك القصة التي تبتعد عن إثارة فزع وقلق طفلك، فلا تختر له قصص العفاريت كأم الغولة، وأبو رجل مسلوخة، وأشباح نصف الليل حتى لا تقع في مشكلات القلق وتطبع طفلك على الخوف والجبن منذ الصغر.
* اختر لطفلك القصة التي تبتعد عن تناول القيم الأخلاقية السيئة، كالتي يظهر فيها أحد الأشخاص يدخن أو يكذب، أو يذكر ألفاظًا بذيئة، فكما قلت ـ آنفًا ـ فطفلك يتأثر بكل شيء. فعلى سبيل المثال في إحدى القصص يظهر جحا (الشخصية الفكاهية المحببة للأطفال) وهو يستحم ويغني في الحمام، ويعتقد أن صوته حسنًا، ويسعى للعمل مطربًا، فهذه القصة تتنافى مع الآداب الإسلامية التي تدعو إلى عدم التحدث في الحمام، والتزام الصمت والتفكر في فضل الله ورحمته بالإنسان، بل وعدم المكوث فيه كثيرًا.
* لا تركز على نوعية واحدة من القصص لطفلك، بل اهتم بتنويع موضوعات القصص، فهناك القصص الدينية والخيالية والاجتماعية والتاريخية والفنية والعلمية المبسطة إلى غير ذلك من أنواع القصص التي يمكن اختيار المناسب منها.
* لا تنخدع بما يعلنه بعض الناشرين عن أن كتب وقصص سلسلة كذا مناسبة لأطفال ما قبل المدرسة أو الفترة السنية كذا، بل كن ناقدًا لها قبل أن تقدمها لطفلك، فإن لم تستطع الحكم عليها فقم بمناقشتها مع أحد أصدقائك أو من تتوسم فيه الصلاح والمعرفة.
* حاول أن تجعل طفلك يشاركك في اختيار قصته، فمثلاً ضع أمامه مجموعة من القصص، واجعله يختار إحداها واقرأها له، وبذلك تستطيع معرفة ميول طفلك واتجاهاته لتعمل على تنميتها.
متى وأين تقرأ لطفلك؟
اقرأ لطفلك بعيدًا عن المشتتات المغرية له، فمثلاً لا تجلس أمام شاشة التلفاز وتروي لطفلك إحدى القصص، فهو لن يلتفت إليك، بل ستجذبه الصور المختلفة بالتلفاز، وتجعله ينتظر فراغك من القصة، حتى يتفرغ لمشاهدة ما يحب.
اقرأ لطفلك وهو شبعان لا يشعر بالجوع، فإذا كان طفلك منتظرًا للطعام، فإنه لن يلتفت إلى ما تقول، حتى ولو كان أسلوبك جذابًا وممتعًا، بل سيفكر في الطعام أكثر من الاستمتاع بالقصة.
اقرأ لطفلك في الوقت الذي لا يشعر فيه طفلك بالإرهاق، فهو إن كان متعبًا فلن تكون للقراءة ثمرة.
كن مراعيًا بأن وقت القراءة لا يحرمه من ممتع آخر يريد أن يشارك فيه، فهو يعلم أن قصتك يمكن تأجيلها، أما هذا الممتع فقد ينتهي وقته، ولا يستطيع الاستمتاع به مرة أخرى. فعلى سبيل المثال إذا كنت في إحدى المتنزهات ووجدته منسجمًا مع أقرانه فلا تأخذه منهم كي تقص عليه قصة أيًا كان مستواها، وبالمثل إذا كان طفلك يشاهد برامج الأطفال بالتلفاز أو يمارس نشاطًا معينًا كالرياضة أو ألعاب الحاسوب.
اقرأ لطفلك وأنت تشعر بالارتياح وعدم الإرهاق حتى تستطيع تقديم ما يمتعه بصورة مناسبة وممتعة، وإياك إياك أن تغضب طفلك، وتقول له إنك مرهق ولن تقرأ له، بل حقق له ذلك بوساطة أحد أفراد الأسرة، فإن لم تجد فاعتذر له بطريقة شيقة، وشوقه إلى قصة ستقدمها له في وقت آخر حدده، ترى أنها ستجذبه وتحقق له الابتهاج والسعادة، وإياك أن تنسى هذا الموعد، أو تقدم له قصة سيئة.
اقرأ لطفلك في أية صورة، جالسًا أو قائمًا أو نائمًا، فالمهم أن تقرأ له بطريقة ممتعة وسليمة، فإذا نجحت في ذلك فستجد طفلك حريصًا كل الحرص على وقت سماع القصة. وحتى تقدم لطفلك القصة بطريقة سليمة تابع معي النقطة التالية.
كيف تقرأ لطفلك؟
تروي الكاتبة كاترين باترسون أنها قابلت طفلاً فسألها: كيف أقرأ كل كتب العالم؟ وعندما بحثت عن السبب الذي جعل هذا الطفل يسألها هذا السؤال، وجدت أن معلمة هذا الطفل تقدم له القصص بطريقة مشوقة جدًا، ما جعله يحب القراءة، وهو في سنواته الأولى من عمره، ويريد أن يقرأ كل كتب العالم.
ولذلك أدعو من أراد أن يقرأ على أطفاله من الآباء والمربين أن يتعرف على الطرق السليمة للقراءة الموجهة للأطفال وهي:
* قبل أن تقرأ لطفلك اقرأ أنت القصة حتى تتعرف على ماهيتها، وحتى لا تقابلك ـ في أثناء تقديمها لطفلك ـ كلمات صعبة لا تستطيع أن تعبر عن معناها له. ولذلك يفضل تعاون الوالدين في تحضير ومناقشة القصة قبل تقديمها للطفل، على أن يقدمها للطفل أفضلهما أسلوبًا.
* حاول إحضار أية أدوات أو أشياء من المنزل ذكرت في القصة، من أجل ربط القصة بالواقع.
* ابدأ القصة بحوار مع طفلك، واجعله يستنبط المعلومات المختلفة بنفسه، فعلى سبيل المثال اسأله عن صورة الغلاف، فيقول ـ مثلاً ـ عصفورة، ثم اسأله عن المكان الذي تقف عليه ولونه وعدد العصافير وكيف تطير؟... إلى غير ذلك من أسئلة تستوحيها من غلاف القصة، ثم أتبع ذلك بقولك: هيا نتعرف على قصة (العصفورة)، كما يمكنك أن تذكر الحدث الذي في القصة وتتركه يستكمل آخره، كأن تقول: (وطار العصفور حتى وصل إلى...) فيرد طفلك: إلى العش، وبذلك تجعله منسجمًا مع القصة، ولا يمل منها، أو يشرد بعيدًا عنك.
* انفعل بحوادث القصة، وتقمص شخصياتها عند الإلقاء، فعلى سبيل المثال تغيرات الوجه ونبرات الصوت اجعلها تعبر عن مواقف الفرح أو الحزن، وكذلك أحداث القوة والشجاعة والتعاون تظهرها إشارات اليد. وقد تقوم واقفًا، أو تجلس لتعبر عن أحداث القصة، كما يمكنك تقليد أصوات الحيوانات والطيور والآلات لتعريف طفلك بها. ومن الأفضل أن تجعله يقلدها بعدك، أي لا تكن مجرد سارد لأحداث القصة.
* استخدم عند تقديم القصة لطفلك لغة مناسبة، لا هي بالعربية الفصحى التي لا يستطيع فهمها، ولا هي بالمبتذلة الدارجة، فلغتنا العربية يسر لا عسر، وبها الكثير من الألفاظ البسيطة التي يمكن أن نعبر بها عن أي شيء بسهولة، أما إذا صادفك موقف ولا تستطيع أن تعبر عنه بالعربية الفصحى، فيمكنك عندئذ أن تذكره باللغة العامية حتى لا يستعجم طفلك ما تقوله، واعلم أنك لا تقدم له درسًا في القراءة، بل تقدم له قصة ليستمتع بالقراءة.
* لا تكثر من تكرار بعض الكلمات أمام طفلك حتى لا تؤخذ لازمة (لزمة) عليك.
* لا تقدم الهدف أو الموعظة من القصة بصورة مباشرة، بل اسرد القصة كاملة، ثم ناقشه فيها، واستخرج معه ما ينفعه من مواعظ وقيم.
* اطلب من طفلك إعادة رواية القصة، وشجعه على ذلك بتقديم الهدايا التي يحبها، واعلم أن الشيء القليل يسعد الطفل.
كيف تحبب القراءة لطفلك؟
حتى تجعل طفلك محبًا للقراءة، كن أنت محبًا لها، أو بصورة أخرى كن أنت قارئًا أمام طفلك، فأنت بالنسبة له القدوة والمثل، فأمسك بالكتاب أمامه واجعله يراك تقرأ، ويا حبذا لو رأى طفلك الأسرة كلها تخصص وقتًا للقراءة معًا، فهذا الأمر سيجعله أكثر حبًا لها، وسوف يزداد حبًا لها إذا وجدك تمدح القراءة، وتبين أنك استفدت منها الكثير والكثير، أما إذا كنت كارهًا للقراءة، وغير مقبل عليها، فكيف يمكنك أن تطلب منه شيئًا لا تفعله أنت، ففاقد الشيء لا يعطيه أبدًا.
* أحسن اختيار قصة طفلك، وأحسن تحضيرها له، وقدمها له بأسلوب مشوق جذاب، واجعل من وقت رواية القصة وقتًا مقدسًا عندك، فلا تنشغل بشيء آخر عنه، حتى يشب طفلك على حب القراءة، وعدم الانشغال عنها بشيء آخر مهما كانت درجته.
* قدم لطفلك القصة والمعلومة في المناسبات المختلفة، فيذكر الأستاذ الدكتور زغلول النجار أن والده كان يقدم له ولإخوته في صغرهم ـ في أثناء الطعام ـ السيرة النبوية والكثير من القصص والمواقف الأخلاقية، ما جعلهم ينتظرون وقت الطعام ليستمتعوا بأسلوب والدهم الجذاب، والمعلومات القيمة.
* اقرأ لطفلك منذ صغره، ولا تنتظر عندما يدخل الحضانة أو يتعلم القراءة، فهناك الحكايات التي يمكنك قصها عليه منذ الثالثة من عمره، ويقوم هو بروايتها بعدك عن طريق الصور. ومن المعروف أن التقدم في مهارات القراءة مرتبط بالمواظبة عليها، وبما أن صغار الأطفال لا يستطيعون القيام بذلك بمفردهم فإنهم يعتمدون على الاستماع إلى ما يقرؤه لهم الكبار، بل إن كثيرًا من الدراسات التربوية الأخيرة تؤكد أنه من الضروري أن يستمر الوالدان في القراءة لأبنائهما حتى سن الرابعة عشرة، لأن متعة الاستماع إلى الكتاب المقروء تلازم الإنسان معظم سنوات حياته، لذلك نرى الآن كتبًا مسجلة على أقراص الحاسوب يستمع إليها الكثيرون في أثناء قيادتهم لسياراتهم، ولقد ذكرت ـ أنفًا ـ كيف كانت فرحة الشاعر الإنجليزي بحكايات أمه وقراءتها له، وكيف أنه جعلها أغلى من ثروات الذهب والجواهر.
* اربط القصة التي تقرؤها لطفلك بالواقع الذي يعيشه، فمثلاً إذا فعل شيئًا مشابهًا لإحدى القصص أو مواقف السيرة والصحابة فاربطه به وذكره فإنه يفعل مثل فلان، فإذا كان الموقف جيدًا زدته حسنًا، وإذا كان سيئًا فستذكره بنهاية أو عقوبة الشخصية التي فعل مثلها.
* اصطحب طفلك إلى مكتبات الأطفال التي تقدم خدمات جذابة للطفل، خصوصًا في أثناء مهرجانات القراءة، ويا حبذا لو كانت هذه المكتبات بها ركن للأطفال، فتقرأ أنت ويقرأ طفلك، ومن ثم تحقق له متعة الذهاب للمكتبة، ورؤيته لقدوته وهو يقرأ.
* احرص على تنويع طرق تقديم القصة، فبدلاً من الاقتصار على سرد القصة، يمكن مشاهدتها على صورة فيلم أو تمثيلها مع إخوته أو أقاربه، كما يمكن قيام طفلك بإعادة قص القصة، وكذلك قيامه برسم وتلوين صور القصة.
http://www.almarefah.com المصدر :
ـــــــــــــــــــ(101/111)
د. عائشة: أطفالنا..لماذا أصبحوا أكثر عنفاً؟!
حوار: سحر فؤاد 24/3/1426
03/05/2005
قد تندهشين إذا رأيت صغيرك يقوم بتخريب أشياء في المنزل، وقد تنزعجين إذا ضرب أخاه أو جاءتك شكوى من المدرسة باعتدائه على أحد زملائه، وربما يعييك البحث عن تفسير لهذا السلوك العدواني لابنك الذي قد تبدو عليه علامات الأدب والوقار!
لا تنزعجي، فعنف الأطفال ظاهرة عالمية في تزايد مستمر، وحيّرت المحللين والمراقبين الذين راحوا يسبرون أغوارها ويفتشون عن أسبابها ومظاهرها، ومن الحقائق التي خرجوا بها أن عنف الأطفال انعكاس لعنف أعم وأشمل.
فكيف يتسرب العنف إلى عالم الأطفال؟ وما هي أسبابه؟ وما دور الأسرة والمجتمع في الحد من هذه الظاهرة؟
الدكتورة عائشة الشهراني استشارية الطب النفسي تولي اهتماماً كبيراً بهذه القضية، وقد أجرينا معها هذا الحوار حول ظاهرة العُنف لدى الأطفال.
بداية .. ما تعريفكم للعنف؟ وما هي أنواعه؟
يمكننا تحديد العنف بأنه استجابة سلوكية تتميز بطبيعة انفعالية شديدة قد تنطوي على انخفاض في مستوى البصيرة والتفكير، فالعنف ممارسة القوة والإكراه ضد الغيرعن قصد، وعادة ما يؤدي العنف إلى التدمير أو إلحاق الأذى أو الضرر المادي وغير المادي بالنفس أو الغير.
وقد يكون العنف مادياً أو معنوياً، والشكل الأبرز للعنف هو العنف السلوكي ذلك أن حياة الإنسان تقوم على إشباعات دائمة ودوافع أولية وثانوية، وعند عدم توفر الإشباعات الكافية لتلك الدوافع يحدث سوء التكيف للفرد، ويختلف الأفراد في سوية سلوكهم أو انحرافهم، وقد يتسم السلوك المنحرف عند بعض الأفراد بعدم الانضباط والعنف والقسوة أو اللامبالاة الاجتماعية، والإفراط والتراخي في التنشئة الاجتماعية. كلاهما يؤدي إلى سلبية في عملية التطبيع الاجتماعي؛ فالإفراط في التنشئة يؤدي إلى التبعية، والتراخي يؤدي إلى العدوانية وعنف السلوك.
ما هي أبرز مظاهر العنف التي يتعرض لها الأطفال؟
يمكن إجمال هذه المظاهر فيما يلي:
الاعتداء اللفظي على الغير عن قصد.
الإيذاء البدني وغير البدني للنفس أو الغير.
إلحاق الأذى بممتلكات الغير.
إلحاق الأذى أو تدمير ما يتصل بالمرافق العامة والمنشآت.
ينقسم علماء النفس في تفسير العنف بين من يرده - في معظمه- إلى أسباب شخصية، ومن يرده لأسباب اجتماعية؛ فكيف ترين المسألة؟
أرى العاملَيْن معاً، أي أن العنف وليد لأسباب شخصية واجتماعية، فهناك من الأفراد من لديهم استعداد للعنف بسبب ميلهم للانتقام، فمن الأفراد من لا يتورّع عن ارتكاب أبشع الجرائم في سبيل إشباع الميل للانتقام، وقد يتولّد العنف فجأة كما يحدث بين الطلاب أثناء اليوم الدراسي، والميل للانتقام دليل ضآلة الشخصية، ومما يفسر العنف أيضاً التشبع بتقاليد سائدة في الوسط المحيط تجعل العنف أسلوب شجاعة يجعل الشباب يسيرون وهم يحملون الخنجر أو المطواة؛ الأمر الذي يُعتبر نوعاً من الثقافة العنيفة، ويتعارض مع ثقافة معظم الناس في المجتمع.
ومن بين الأسباب الشخصية للعنف فعل الأذى حباً في الأذى كما يحدث لدى المراهقين؛ لأنه يشعرهم بالارتياح والمتعة في إيذاء الآخرين، كما أن الغيرة من أهم الأسباب؛ فهي أشد خطراً عندما تنتاب فرداً لديه تكوين إجرامي فتهيّئ لديه فرصة العنف.
وقد يتولد العنف من مركّب نقص لدى فرد يشعر أنه أقل مستوى من الآخرين بعيب جسدي أو نفسي، فيقابل بالعنف كل من يعتقد أنهم يوجهون له إهانة بسبب هذا العيب.
وقد يشجع المجتمع العنف أو يلجمه. فمن الأسباب الاجتماعية للعنف:
التدريب الاجتماعي الخاطئ أو الناقص، ويظهر في المجتمعات التي تتناقص فيها القيم والأهداف التربوية العامة وتتفكك فيها الأسر بصورة ملحوظة.
الجزاءات الضعيفة سواء بالنسبة للامتثال أو الانحراف تؤدي إلى إيجاد حالة متميعة عند الأفراد، وكذلك ضعف الرقابة؛ فقد يكون الجزاء شديداً، ولكن القائم على تنفيذه لا ينفذه بدقة.
الطفل نفسه قد يكون مصدراً للعنف ضد أقرانه أحياناً فما أسباب ذلك؟
يحدث ذلك لأسباب كثسرة: منها ما يرجع إلى شخصية الطفل، كالشعور المتزايد بالإحباط، وضعف الثقة بالذات، والاضطراب الانفعالي والنفسي، وضعف الاستجابة للقيم والمعايير المجتمعية، وعدم القدرة على مواجهة المشكلات بصراحة، وعدم إشباع الحاجات الفعلية.
وقد يرجع عنف الطفل لأسباب تعود للأسرة كالتفكك الأسري والتدليل الزائد من الوالدين، أو القسوة الزائدة منهما، وعدم متابعة الأسرة للأبناء، والضغوط الاقتصادية.
وقد يرجع عنف الطفل إلى رفاقه عندما يرافق أصحاب السوء، وشعوره بالفشل في مسايرة الرفاق، وهروبه المتكرر من المدرسة، والشعور بالرفض من قبل الرفاق.
وربما تكون المدرسة أحد أسباب عنف الأطفال نتيجة لغياب القدوة الحسنة، وعدم الاهتمام بمشكلات التلاميذ، وغياب التوجيه والإرشاد من قبل المدرسين، وضعف اللوائح المدرسية، وعدم كفاية الأنشطة المدرسية، وزيادة كثافة الفصول الدراسية.
ولا ننسى أن المجتمع نفسه الذي يشكو من عنف الأطفال قد يكون هو السبب في ذلك نظراً لضعف الضبط الاجتماعي، وضعف التشريعات والقوانين المجتمعية وانتشار أفلام العنف وغيرها.
ما يسمى بإيذاء الأطفال (ABUSING) أصبح بنداً ثابتاً في معظم المؤتمرات الدولية. فهل أصبح الأمر ظاهرة عالمية؟
نعم هو كذلك؛ فأعداد الأطفال الذين يتعرضون للعنف وتُنتهك حقوقهم تصل إلى الملايين، فهناك أكثر من مليون طفل يعملون في ظروف محفوفة بالمخاطر، أو يتعرضون للاتجار بهم أو يُجبرون على ممارسة البغاء، أو المشاركة في المواد الإباحية، والعنف البدني وإساءة المعاملة الذهنية الموجهان ضد الأطفال متفشيان في المنازل والمدارس والمؤسسات والمجتمع المحلي، وفي حالات كثيرة جداً تصدر المعاملة السيئة عمّن هم مسؤولون مباشرة عن رعاية الأطفال وحمايتهم.
ولا يزال أثر الصراعات على الأطفال فتاكاً وواسع الانتشار، ففي التسعينيات من القرن العشرين أودت الصراعات المسلحة بحياة أكثر من مليوني طفل، وأُصيب أكثر من ثلاثة أضعاف هذا العدد بعاهات مستديمة أو بإصابات خطيرة.
وكثيراً ما يعكس التمييز سواء كان قائماً على العنصر أو اللون أو الجنس أو الدين أو الوضع الاقتصادي أو الموقف السياسي أو غيره من المواقف إلى فوارق في مجالات رئيسة من حياة الأطفال.
كما تؤدي الضغوط الاجتماعية والاقتصادية إلى تقويض الدور البالغ الأهمية الذي يقوم به الوالدان والأسرة في ضمان حق الطفل في النمو في بيئة مأمونة ومستقرة وحانية.
ولا يغيب عن بالنا أن انتهاك حقوق الأطفال وثيق الصلة بظروف التربية والتعليم وممّا يلفت الانتباه في هذا الصدد أن ثلث الأطفال في العالم لا يكملون خمس سنوات من الدراسة، وهي السنوات التي تمثل الحد الأدنى اللازم للإلمام الأساسي بالقراءة والكتابة، ويزيد عدد الأطفال غير المقيمين في المدارس ممن هم في سن المدرسة الابتدائية عن (110) مليون طفل معظمهم من الإناث، وهناك ملايين أخرى تتلقى التعليم على أيدي معلمين غير مدربين في قاعات دراسيّة مكتظّة بالتلاميذ وغير صحيّة وغير مجهزة بالمعدات الكافية.
كيف ترين أثر وسائل الإعلام في تفشي هذه الظاهرة ؟ وكيف يمكن الحد من هذا الأثر؟
بعد أن أصبح للتليفزيون تأثيره الواسع، وبعد الانتشار الهائل للقنوات الفضائية، وفي عصر السموات المفتوحة استطاعت وسائل الإعلام أن تشكل لدى غالبية المجتمعات ثقافة (تليفزيونية) خاصة وتنشئ جيلاً (تليفزيونياً) خاصاً؛ فالناس على اختلاف طبقاتهم بدؤوا ينظرون إلى هذه الوسائل كمشكلة حضارية جديدة ذات آثار سلبية معينة، ويكاد يجتمع الرأي على أننا نواجه اليوم حملة إعلامية شرسة لما تقدمه وسائل الإعلام من مواد تحتوي على مشاهد الرعب والعنف والجريمة والساديّة والعدوان، ولا شك أن المشاهدة المستمرة لهذه المشاهد تؤدي -على المدى الطويل- إلى تبلّد الإحساس بالخطر، وإلى قبول العنف كوسيلة استجابية لمواجهة بعض مواقف الصراعات أو ممارسة السلوك العنيف ذاته.
ـــــــــــــــــــ(101/112)
أيهما يتقن أبناؤنا ؟ سيرة الرسول .. أم أغاني الفيديو كليب ؟! ( 1 - 3 )
تجارب حية لأمهات نجحن في غرس حب الرسول في قلوب الأبناء
•المكان..قاعة الدرس في أحد معاهد البنات.
•الزمان.. صباح يوم دراسي.
•الأشخاص.. المعلمة وطالبات أحد الفصول.
•الموقف: بود ومرح ألقت المعلمة بعض أسئلة السيرة على الطالبات في بداية حوار أرادت أن تجعله تمهيداً لأحد الدروس، ولم تشك لحظة في قدرة الطالبات على الإجابة، فهي أسئلة بديهية وأساسية عن رسول الإسلام - صلى الله عليه وسلم - وصحابته وآل بيته.
النتيجة:
الإجابات غير الصحيحة ومنها:
-اسم الرسول محمد بن عبد المطلب.
-أمهات المؤمنين عددهم (6).
-أمهات المؤمنين هن " بنات النبي".
-أنجب الرسول (3) أبناء.
-أنجب النبي (4) بنات فقط.
-توفى الرسول وعمره (50) عاماً.
-أدى الرسول الحج (3) مرات.
-اسم أم النبي آمنة بنت خويلد.
-بعث رسولاً في سن الـ 25.
-كان صاحبه في الغار " علي بن أبي طالب" وعندما سألنا هؤلاء الأبناء عن أغاني ومطربي الفيديو كليب، كانت الإجابات متوفرة وسريعة لا تردد فيها وذلك على مستوى عينة مؤلفة من "19" من الأبناء ما بين سن العاشرة إلى الستة عشرة عاماً، ولم يجهل الإجابة سوى اثنين فقط!!!
بين الدين والغرب
والسؤال الذي يفرض نفسه بعد ظهور ذلك الجهل البين بسيرة النبي وفي المقابل إتقان سيرة مطربي الفيديو كليب وأغانيهم هو كيف لنا أن نقتدي بمن لم نعرفه؟!! ومن المسؤول عما صار إليه أبناؤنا؟ ذلك ما سعت ولدي لبحثه من خلال التحقيق التالي، لنضع بين يديك- عزيزي المربي- الصورة الكاملة لطبيعة المشكلة، والحلول المقترحة لعلاجها.
اعتدال
بداية علينا أن ننوه على نقطة هامة وأساسية وهي أن الاعتدال هو منهج الإسلام، فلا إفراط ولا تفريط، ومن حكمة الله - تعالى -أن تمثل ذلك الاعتدال والوسطية في كل جوانب حياة الرسول الكريم حتى في الصفات الشكلية والجسدية، فلا هو - صلى الله عليه وسلم - بالقصير ولا بالطويل، ولا بالأبيض ولا الأسمر وإنما هو وسط في كل شيء، وقد دارت في أذهاننا عدة تساؤلات- فالأمر يستحق الاهتمام- ومن تلك الأسئلة ما الوسائل التي تعيننا على الإقتداء بالرسول - صلى الله عليه وسلم - بصدق واعتدال؟ وما الأسلوب الأمثل لنحب ونحبب أبناءنا في الرسول الكريم؟ وما تلك التجارب التي عاشتها بعض الأسر؟ وما نتائجها؟ وهل في مكتبتنا العربية الإسلامية من الإصدارات والكتب ما نستعين به في تلك المهمة؟
كل تلك التساؤلات تجد إجاباتها- عزيزي المربي- من الحوار التالي عن السنة النبوية، والذي خرجنا منه بنتيجة هامة وهي أن حب السنة والتفاعل معها بشكل عملي هو المدخل الرئيسي لحب الرسول - صلى الله عليه وسلم -.
فلسطين أو المدينة
ومن التجارب النافعة التي ذكرتها إحدى القارئات في رسالة وردت إلينا والتي تعد مدخلاً هاماً يوضح لنا الأثر الكبير لدراسة شخصية الرسول - صلى الله عليه وسلم - عن قرب في هداية الإنسان، قصة أحد الأمريكيين الذي يروي أنه كان من رجال العصابات ووقع بين يديه كتاب يتحدث عن رجل اسمه محمد، وقد أعجبه هذا الكتاب كثيراً، فراح يقرأ على أبنائه الصغار قصة حياة محمد.. الذي أحب الإسلام عن طريقه، وأدى هذا الحب إلى أن أسلم مع ولديه وجاء إلى فلسطين وقال إنه إن لم يستطع العيش في فلسطين فسوف يعيش في المدينة المنورة.
سنة عملية
وكان رأي الأستاذ منتصر "ماجستير في الحديث النبوي" من المهم أن ننتقل بالحديث لحيز التطبيق فلن يحقق حفظ أبنائنا لبعض الأحاديث هدفه إلا إذا انتقلنا بها من مجرد الألفاظ إلى حيز التطبيق، فمثلاً يمكننا أن نوضح لطفل عمره "5 سنوات" أثر السلوك على الفم بالممارسة العملية، ثم نبين كيف اهتم الإسلام على لسان الرسول الكريم بأدق ما ينفع المسلم في دينه ودنياه حين قال: " لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك مع كل صلاة" وكذلك الوضوء وأثره، وقد أوردت إحدى الصحف خبراً عن أن دولة جنوب إفريقيا توجد بها أقل نسبة في الأشخاص الذين يتعرضون للعمى وذلك لأنهم دائمو الوضوء والغسل.
دور القدوة
وفي مجال تحويل السنة لسلوك عملي تفيد القدوة كثيراً، وتؤكد التجربة ذلك. فقد روت "سميرة عمر" وهي معلمة وحاصلة على ماجستير في الحديث الشريف أنها تمارس القدوة العملية مع تلاميذها فحين أذن لصلاة الظهر جعلت الطالبات يتوقفن لحين الانتهاء من الأذان مع الترديد خلف المؤذن ثم الدعاء بعد الأذان، ومع تكرار ذلك أصبح هذا الأمر عادة يفعلونها دون توجيه، ولا يقتصر ذلك على الطفل المدرك فقط بل يبدأ دور القدوة من سن الرضاعة، وذلك بترديد الأدعية والأذكار المرتبطة بالصباح والمساء والمواقف المختلفة وثبت أن ذلك ييسر قبول الطفل لأداء السنة بحب وارتياح لأنه تشربها منذ البداية.
وقد روى أحد القراء مشاهدة وتجربة مفيدة فيذكر أنه رأى في إحدى زياراته للهند وفي أحد المساجد أباً يرفع يد طفله ذي الثلاث سنوات للدعاء، وعندما سأله وهل يعي في هذه السن؟.. قال له: حتى يعتاد، كذلك هناك أب اجتمع على مائدة الطعام مع أبنائه الثلاثة، ثم وضع أمام كل طفل على الطاولة بطاقة، كتب على إحداها حديثاً يخص آداب المائدة " كل مما يليك" والبطاقة الثانية عن التسمية " سمِّ الله" والثالثة فيها حديث يوضح أن من السنة لعق الأصابع، وقد جعل كل ابن يحفظ الحديث الوارد في بطاقته، ولا يخبر الآخرين به، ثم يقوم كل منهم بتمثيلية بسيطة يعبر بها عن الحديث في بطاقته، والفائز من يتعرف على هذا الحديث دون ذكره.
تشويق
وقد وردت إلينا رسالة توضح أن لعنصر المفاجأة والتشويق أثره البالغ في نفس الطفل فقد روت إحدى الأمهات تجربة نافعة حين ظلت تقص على طفلها قصة مشوقة عن رجل خلوق ولين يتعامل مع الأطفال والحيوانات وجميع المخلوقات برفق ولين وسعة صدر ولم تذكر اسم ذلك الرجل الرحيم وعندما يسألها الطفل في نهاية القصة كل يوم تقول له، غداً أخبرك، وبعد أسبوع كامل من التشويق والإثارة أخبرته أن هذا الرجل هو النبي - صلى الله عليه وسلم - وكان قد تعلق به وأحبه.. فكان من السهل عليه بعد ذلك قبول بقية السنة.
http://www.waldee.com المصدر:
أيهما يتقن أبناؤنا ؟ سيرة الرسول .. أم أغاني الفيديو كليب ؟! ( 2- 3 )
يرى الدكتور " سلطان " وهو أستاذ مختص بالحديث الشريف أهمية فرز الأحاديث الخاصة بالأطفال وجمعها ومن الواجب والمفيد أيضاً أن يراعي الوالدان أن يناسب أسلوب عرض السنة سن وطبيعة الأبناء، فالطفل الصغير مثلا تجذبه قصص الرحمة والحيوانات وقصص البطولة ومثل ذلك..
أما الأبناء في سن المراهقة، فهم يحبون من القصص ما يحترم عقولهم ولذلك يناسبهم رواية قصص تحكي عن الخطط العسكرية والغزوات والبطولة، ويرى "صلاح" 17 سنة " حافظ لكتاب الله" أن التنافس بين أفراد الأسرة يفيد، فعند الجلوس على مائدة الطعام أو ركوب الدابة أو أي موقف يكون السابق الفائز فينا هو من يذكر الحديث المناسب.
أفكار للتنفيذ:
وفيما يلي نعرض في نقاط مركزة ما يمكن أن نخطوه من خطوات تصل بنا بإذن الله لأن يحب أبناؤنا الرسول - صلى الله عليه وسلم - فيسعدوا في الدارين ونسعد وإياهم بمجاورة النبي الأعظم في جنات النعيم وذلك على حسب رسالة وصلت إلينا من الأخت حنان:
1-أن نكون قدوة لأبنائنا، فإن أحببنا نحن الرسول وحولنا السنة لسلوك عملي، فسيقلدنا الأبناء.
2-ذكر القصص والمواقف البطولية للرسول وبأسلوب مشوق، خاصة قبل النوم وفي المناسبات الملائمة لها.
3-كثرة ذكر الرسول - صلى الله عليه وسلم -، والصلاة عليه أمام الأبناء.
4-تنظيم رحلات نتبع من أولها لآخرها سنة المصطفى.
5-نخبر الأطفال بحب الرسول لهم وأنه يوصي بهم خيراً.
6- نوضح لأبنائنا أن هذا الدين لم يصل إلينا بسهولة ويسر وإنما جاهد الرسول وأصحابه وتعبوا ليصل إلينا ونعيشه واقعاً فعلينا ألا نضيعه.
7-ومن أهم الأشياء المؤثرة في هذا الصدد أن يخصص رب الأسرة جلسة يومية أو على الأقل أسبوعية يجمع فيها أفراد الأسرة ويحدثهم عن الرسول بحب، وأن تتسم تلك الجلسة بالمرح فهذا مما يقرب بينهم وبين رسولنا الكريم ويسهل عليهم إتباع السنة.
8-ومن المفيد أيضاً تحبيب الأبناء في القراءة المفيدة في الكتب التي تتحدث عن سيرة المصطفى وسنته - صلى الله عليه وسلم -، وفيما يلي نورد بعض الكتب التي يمكننا الاستفادة منها:
1-كيف نربي أبناءنا التربية الإسلامية الصحيحة. لمؤلفه محمد بن جميل
2-علموا أولادكم محبة الرسول لمؤلفه محمد عبده اليماني
3-التربية النبوية للطفل وهو يعرض تجارب مع الأطفال ومشاكل وحلولاً لمؤلفه محمد نور السويد.
بين السيرة والسنة:
توجهنا إلى الدكتور عيسى زكي (المستشار الشرعي بوزارة الأوقاف) الذي يؤكد على الصلة الوثيقة بين السنة النبوية وهي أقوال وأفعال وإقرار وصفات الرسول - صلى الله عليه وسلم - الخُلقية والخَلقية، والتي هي تشريع وقدوة عملية وبيان عملي للقرآن الكريم، وبين السيرة التي هي ترجمة عملية للسنة موضحاً أن الجهل بسيرته - صلى الله عليه وسلم - هو فقدان للقدوة الحقيقية التي اختارها الله لنا، وعلى هذا فالمسؤولية مشتركة بين الأسرة والمدرسة ونظام التعلم والإعلام ومراكز التوجيه في المجتمع، ولا يكفي أن نقدم فقرات أو برامج معزولة عن بعضها البعض، بل يجب أن تنسجم مع السيرة بوصفها ترجمة عملية للسنة ونقدم فيها القدوة النبوية بأرقى وأفضل الوسائل.
عدو ما يجهل:
ويضيف د. عيسى زكي أن الإنسان عدو ما يجهل، بمعنى أنه يقف موقف الريبة والشك ممن لا يعرفه، فكيف إذا طلبنا منه أن يقتدي به، ولذلك كانت حكمة الله في جعل حياة النبي - صلى الله عليه وسلم - مكشوفة للناس حتى في أموره الخاصة والمقياس في ذلك أن القدوة الصالحة هي التي يصح الإقتداء بها في كل زمان ومكان.
خطوات للعلاج:
وينصح د. عيسى زكي ببعض خطوات لزرع حب السيرة في نفوس أبنائنا ومن ذلك:
1-أن تكون السيرة جزءاً أساسياً من المناهج التربوية في مدارسنا.
2-أن يهتم الأبوان بغرس السيرة في عقول وقلوب الأبناء منذ طفولتهم.
3-ضرورة ربط السيرة بالحياة المعاصرة حتى لا يشعر الأبناء أنهم يتعاملون مع تاريخ فقط.
4 خسائر.
ويؤكد الأستاذ خالد القطان موجه أول التربية الإسلامية في وزارة التربية بدولة الكويت أن الخسارة فادحة عندما يستمر ضعف الصلة بين المسلم وسيرة النبي - صلى الله عليه وسلم - ومن ذلك على سبيل المثال:
1-ضعف ثم انقطاع الصلة بالسنة التي هي المصدر الثاني من مصادر التشريع الإسلامي.
2-انقطاع الإلمام بقيم الإسلام وحضارته وبالتالي فقد الهوية.
3-حرمان أبنائنا من أعظم مصادر القدوة.
4-الوقوع فريسة سهلة أمام سهام التشوية المسمومة الموجهة للدين الإسلامي نتيجة عدم القدرة على الرد على ادعاءات أعداء الإسلام.
ولتجنب تلك الخسائر يجب على كل وسيط من الوسائط التربوية القيام بدوره ومن ذلك:
دور المدرسة:
أما المدرسة فمسؤوليتها عظيمة وخاصة أقسام التربية الإسلامية ومن ذلك:
1-عرض مواقف السيرة النبوية في إطار الخطط الدراسية بأسلوب علمي شيق وجميل.
2-تنمية قدرات المعلمين وتطوير إمكاناتهم في التمهيد الجيد للمعلومة ثم العرض الشيق أيضاً.
3-توظيف الوسائل التعليمية في العرض واستخدام الحاسب الآلي استخداماً واعياً لعرض مفاهيم الدروس.
4-تغطية مسابقات المادة وأنشطتها الرائدة والمتجددة كل عام، ونبه أن ممارسة السنة من أهم أسباب التوصل لحب النبي - صلى الله عليه وسلم -.
http://www.waldee.com المصدر:
ـــــــــــــــــــ(101/113)
نجوم بلا سماء!؟
أمريكا/ منيرة آل سليمان 23/3/1426
02/05/2005
هل يعني هذا أن من البداهة الآن أن تستنسخ البرامج الغربية في صورة عربية؟
مفجع إن حدث ذلك!!
هناك الكثير مما نسمع عنه من البرامج هي أقرب إلى البهيميّة منها إلى تكريم الله تعالى للإنسان.
هي تحديداً مرآة للفساد الخلقي الذي يعيشونه فعلاً!!
فكيف يرضى المسلمون بتطبيق فسادهم الحياتي بكل أشكاله؟
لكن حين يوجد من يسعد بتغييب عقول الشباب، ويعنيه كثيراً أن يتناسوا دينهم وأخلاقهم ساعتئذ من الممكن أن تحدث تلك الفجائع!
إذا كم من البرامج؟ كم من الوقت؟ بل كم من المال يحتاجونه ليحققوا مرادهم؟
فإذا كانت البرامج البهيميّة جاهزة بنسختها الغربية! والمال متوفر وبكثرة..تبقى عقبة الوقت أمامهم ليصعدوا السلم إلى الأسفل بالطبع!!
منذ متى تعنينا تلك البرامج التي تبرز نجوماً (على حد تعبيرهم) في الغناء والرقص والاختلاط بين الجنسين بميوعة تثير الاشمئزاز؟
منذ متى يُسمح للمراهقين بالتفاعل مع أولئك والتصويت لهم؟ لكن حين يغيب الرقيب أو حين تتعالى صيحات ربّ الدار ضارباً بدفّه لا يمكن أن نلوم الراقصين حوله؟
أدهشني فعلاً ما حدث من مشاركة شبابنا وشاباتنا وتفاعلهم مع تلك البرامج الوضيعة خلقاً وأدباً!
أنفقوا الكثير من المال والجهد والوقت وحرق الأعصاب على شيء فارغ بلا قيمة حقيقة أو إنجاز نفخر به فعلاً ونسعد به! هكذا نقدّم طبقاً ألماسياً لكل من يريد تحطيمنا!!
وتحطيم زهرات الوطن وقبله أبناء المسلمين!
كم من الجهد يُبذل لتخدير عقول الشباب وصرفهم عما هو أهم؟ ليست هذه الحرية ..وليست هذه الحضارة بشقها الإيجابي! بل بضجيجها السلبي المؤلم والمحطم!
أتدرون أن القنوات الغربية ملزمة بوضع علامة تحذيرية على البرامج التي يجب ألا يشاهدها الأطفال والمراهقون؟! وربما عُوقب الأهل إذا اتضح إهمالهم في هذا الجانب! حتى أفلام الكارتون المخصصة للكبار يُمنع الصغار من مشاهدتها!
هذا مثال بسيط لحرصهم، لكن ماذا عن حرصكم أيها الآباء والأمهات؟
هل تعلمون ما يجري خلف الأبواب الموصدة لغرف أبنائكم وبناتكم؟ ويا للحسرة!! أنتم تشاركونهم هذا التفاعل!
أدركوا الشباب يا ولاة الأمر، لا تسلموا عقولهم وأخلاقهم وأوقاتهم وجهدهم للخبثاء!
فحين تكون اهتمامات ركائز الوطن على هذه الشاكلة يصبح الأمر جدّ خطير!
الميول والرغبات لها دور أساسي في تحديد مستقبل الشاب بعد تقدير الخالق تبارك وتعالى..
فماذا سنجني من هذا الاهتمام المخزي؟
الفارق في ذلك كله أن هناك برامج ومسابقات ثقافية عالية المستوى تُعرض في القنوات الفضائية لكنها لا تلقى كل هذا الترحيب الحاصل لبرامج الرقص والغناء واللهو.
مرة أخرى أدركوا الشباب والشابات فهناك الكثير في جعبة الفساد الخلقي تنتظر الوقت الكافي للبروز!
حمى الله -تعالى- شبابنا من المزالق، وهيّأ لهم من يعينهم على التحلي بالأخلاق الإسلامية الرائع
لمواجهة تمرّد المراهقين: نعم للحِوار.. لا للصّدام
إعداد: سحر فؤاد أحمد 16/3/1426
25/04/2005
هل فشلتِ يوماً في فهم ابنتك المراهقة؟ هل تعانين في التعامل معها وإقناعها بما تريدين؟ هل تتمرد عليك وتعصي أوامرك أو تنزوي إلى ركن قصي في المنزل وتعيش في عالمها الخاص؟!
إذا حدث معك هذا أو أكثر فلا تقلقي! فلست أول من يواجه ذلك، ولن تكوني الأخيرة، أما ابنتك فإنها ليست سيئة الأدب ولا عاقّة لك، كل ما في الأمر أنها تجتاز مرحلة عمرية في حياتها تفرض عليها ما ترينه منها.
لكي تفهمي ابنتك المراهقة وتنجحي في التعامل معها اقرئي السطور التالية:
"بنت أمبارح لم يعد يعجبها ذوقي ولا رأيي ولا أسلوبي".. هكذا ختمت أم نورا حديثها الهاتفي معي حيث كانت تبث لي شكواها من ابنتها ذات الثلاثة عشر عاماً!
ورغم أنها ليست الوحيدة التي تعاني من تمرد وعصيان الأبناء في هذه السن إلا أنها لم تفكر -كغيرها من الأمهات- في الأسباب التي تجعل الأبناء في هذه المرحلة يتعاملون بطريقة قد تبدو عدائية، كما أنها لم تحاول أن تجرب أسلوباً جديداً يقلل الفجوة بينها وبين ابنتها!
فمرحلة المراهقة هي فترة تغيير للأطفال والوالدين معاً، فنحن لم نعد نتعامل مع طفل أو طفلة، ولكن مع شاب وفتاة بالغين، لهذا فإن طرق إصدار القرارات لهم والتفاعل والاتصال معهم والسيطرة عليهم يجب أن تتغير؛ فعلى الآباء والأمهات أن يدركوا التصرفات الطبيعية للمراهقين حتى يتعاملوا بفاعليّة معهم، فكثيراً ما نرى الآباء والأمهات يواجهون مشاكل مع أبنائهم المراهقين نتيجة استخدام أساليب تربوية اعتادوا على استعمالها معهم عندما كانوا أصغر من ذلك.
يقول الدكتور "دون فونتيل" عالم النفس المتخصص في سلوك المراهقين: من المهم أن يدرك الآباء والمربون أن العديد من الأساليب التي تنجح مع الطفل الصغير لن تنجح مع المراهق، وقد تُحدث مشاكل أكثر مما تحلّ.
وقد يحدث الكثير من الارتباك أثناء هذه الفترة من قبل كل من الوالد والمراهق، فالمراهق الذي يطالب بأن تتم معاملته كالشخص البالغ ما زال من الممكن أن يتصرف كطفل؛ فإن الوالد الذي يخبر المراهق أن يتصرف كشخص ناضج ما زال يعامل الشاب الصغير كطفل!
وفي دراسة ميدانية تضمنت مقابلات مع مراهقين وآبائهم تبيّن أن أهم ما يعاني منه الآباء خلال هذه المرحلة مع أبنائهم:
- الخوف الزائد على الأبناء من أصدقاء السوء.
- كثير من الآباء يعتبرون المراهقين قليلي خبرة في الحياة ومتهورين، ولا يستطيعون التمييز بين الخطأ والصواب.
- يشكو الآباء من أن أبناءهم متمردون ويرفضون أي نوع من أنواع الوصايا أو حتى النصح.
- يعيش المراهقون في عالمهم الخاص الذي يحاولون فيه الانفصال عن الآباء بكل الطرق.
أما شكوى المراهقين فكانت الوجه الآخر لكل ما سبق:
- فالآباء لا يقدرون مشاعرهم، ويتذبذبون في طريقة التعامل معهم؛ فهم صغار وقتما يحلو لهم، وأحياناً أخرى هم كبار مسؤولون.
- لا يثقون - أي الآباء- في حكم أبنائهم المراهقين على الأشياء، ولا في تقديرهم للأمور.
- يتدخل الآباء في كل صغيرة وكبيرة.
- متأخرون -أي الآباء- في أفكارهم ومعلوماتهم، ولا يكتفون بذلك؛ بل يريدون من أبنائهم المراهقين أن يكونوا مثلهم.
- يرغبون في تحقيق أحلامهم في أبنائهم أو يريدون نسخاً منهم.
- لا يؤمنون بمبدأ الحوار والنقاش.
ويفسر "كوستي بندلي" صاحب كتاب "هواجس شبابية حول الأسرة والحب" حالة الاغتراب بين المراهق ووالديه بأنها تكمن في "محوريّة الأنا" التي يتميز بها المراهق، فالمراهق مدفوع رغماً عنه -بحكم عوامل نفسية- إلى التركيز الشديد على ذاتيّته الشخصيّة الناشئة التي تتحول إلى محور اهتمامه وهواجسه؛ حيث إنه يكتشف تميزه وتفرده -وهو الذي كان بالأمس القريب جزءاً لا يتجزأ من بيئة عائلية في حالة اندماج معها- هذا من ناحية؛ ومن ناحية أخرى تطرأ عليه -دون وعي منه- حالات من القلق والمزاجية وعدم الاستقرار و "أزمة هُوِيّة".
فانسلاخ المراهق من مواقف وثوابت ورغبات الأسرة ما هو إلا وسيلة لتأكيد وإثبات تفرّده وتميّزه، وهذا يستلزم بالطبع معارضة سلطة الأهل؛ لأنه يعتبر أي سلطة فوقيّة أو أي توجيه إنما هو استخفاف لا يُطاق بقدراته العقليّة التي أصبحت موازية جوهرياً لقدرات الراشد واستهانة بالروح -النقدية المتيقظة لديه، والتي تدفعه إلى تمحيص الأمور كافة وفقاً لمقاييس المنطق.
حوار.. لا صدام
يقول التربويون: إنه من المهم أن ننتقل إلى طريقة بالغة في التعامل مع سلوك المراهقين وذلك بـ (إحلال الحوار الحقيقي) بدلاً من التنافر والصراع والاغتراب المتبادل، ولكن ليس المقصود بالحوار إزالة كافة أنواع الخلافات أو انسحاب الأهل أمام رغبات الشباب ونزواتهم؛ بل المطلوب من الأهل أن يكونوا موجودين بكل ما تحمله الكلمة من معنى. فلا بد من تفهّم وجهة نظر الأولاد بحيث يشعر الشاب أنه مأخوذ على محمل الجدّ ومعترف به وبتفرّده، وأن له حقاً مشروعاً بأن يصرح بآرائه، والأهم من ذلك أن يجد المراهق لدى الأهل أذناً صاغية وقلوباً متفتحة من الأعماق، لا مجرد مجاملة. كما أنه ينبغي أن نفسح المجال لأن يشقّ المراهق طريقه بنفسه حتى لو أخطأ؛ فالأخطاء طريق التعلم.
أبو الفنون التربويّة
يقول علماء النفس: إن فن الحوار مع الأبناء هو "أبو الفنون التربويّة" ولكي تتقني هذا الفن إليك بعض جوانبه:
- لفن الحوار طرق وأساليب؛ فمثلاً عليك اجتياز الوقت المناسب لبدء الحوار مع المراهق بحيث تكونا -أنت وابنك أو ابنتك- غير مشغولين؛ بل مكرّسين وقتكما للحوار عن موضوع معين.
- إذا تحدثتما جالسين فلتكن جلستك معتدلة لا فوقيّة (أنت واقفة وهو جالس) ولا تحتيّة؛ بل جلسة صديقين متآلفين، وابتعدي عن التكلف والتجمل واحذري نبرة التوبيخ والنهر والتسفيه.
- من ممنوعات "فن الحوار مع المراهق" التلويح باليد أو المقاطعة بتعليق بل يُترك ذلك إلى نهاية تعبيره عن نفسه.
- شجعّي ابنك على توصيل مشاعر الرفض والسخط لديه، والتعبير عن مشاعره السلبيّة ما دام يعبر عنها بشكل مناسب، ودون تهكم أو وقاحة.
- تجنّبي استفحال الغضب، وذلك بتقليل مقدار النقد والاهتمام السلبي والمعاقبة الدائمة فمن الخطأ التركيز على الأخطاء والسلبيات التي يقترفها المراهق أكثر من الإيجابيات.
- حاولي الابتعاد عن الأسئلة المغلقة -التي تكون إجاباتها "نعم" أو "لا"، أو الأسئلة غير الواضحة أو غير المباشرة، وأفسحي له المجال للتعبير عن نفسه؛ فمثلاً: لا تقولي له: هل أعجبتك الرحلة؟ بل يكون السؤال: ما أكثر شيء استثارك أو لفت انتباهك خلال الرحلة؟
- لا تستخدمي ألفاظاً قد تكون جارحة سواء عن قصد أو بدون قصد.
- أنصتي جيداً؛ فإذا كان ابنك أو ابنتك تشكو من زيادة القيود أو العقاب أو أي شيء آخر لا يعجبها؛ فاستمعي وحاولي أن تتفهمي مشاعرها؛ فإذا كانت شكواها حقيقيّة، ففكّري لتعرفي ما إذا كان بإمكانك إصلاح الأفراد أو إيجاد حل.
ويؤكد الدكتور عمرو علي أبو خليل -أخصائي الطب النفسي- أن مفتاح التعامل مع سن المراهق هو الحوار والتفاهم فيقول: يجب أن تعلمي أن ابنك البالغ من العمر (14) عاماً لم يصبح هذا الطفل الذي كنت تتعاملين معه بالأمس وأنه في مرحلة جديدة يريد فيها أن يثبت أنه بات رجلاً وأن يعبر عن نفسه، وهو عندما يرفع صوته فإنما يريد أن يقول: ها أنذا. لذا فإنه من الأفضل أن تقدمي له الطريق الطبيعي لإثبات ذاته من غير أن نضطره لرفع صوته؛ فنشعره أننا نحترم رأيه، ونقدر ذاته بأن نأخذ رأيه في كل ما يخصه، ونجعله يشعر من خلال الحوار أنه هو صاحب القرار، وأنه إذا كان هناك رأي يخصه فنقدمه على رأينا حتى ولو كان رأينا هو الأفضل حيث يشعره ذلك بالثقة في نفسه، وبأننا نحترمه ونقدره، ولا نفرض رأينا عليه.
كما يجب علينا أن نوكل إليه بعض المهام التي تشعره أيضاً بأننا نعتبره فرداً كبيراً في العائلة ثم نثني على أدائه لهذه المهام، وبذلك يشعر بالانتماء، خاصة وأنه في هذه السن يتميز بالنقد العالي واللاذع، ولكنه في نفس الوقت يتميز بالرغبة في الإصلاح فلا يجب أن نواجه نقده بغضب، ولكن نواجهه بالسؤال عما يجب أن نعمله سوياً من أجل الإصلاح، وأن نوكل له جزءاً من هذه المهمة ليس من باب إشعاره بالعجز، ولكن من باب إشعاره بأن له دوراً كبيراً في تغيير ما يغضبه وما يرفضه.
إذا فعلنا ذلك، وإذا اعتمدنا مبدأ الحوار والتفاهم؛ فسيصبح المراهق صديقاً لنا، وعندها سيفعل ما يرضينا؛ لأنه لا يريد أن يُغضب أصدقاءه.
وفي النهاية فإن الأذن الواعية، والقلب المتفهم، والدعاء المستمر بصلاح الأبناء هي "العصا السحرية" التي ترشد المراهق إلى طريق الصواب.
أبناؤنا والتلفاز .. ما بين السلب والإيجاب
يوماً وراء يوم، تترسخ في منازلنا ومدننا، ثقافات جديدة علينا وعلى أبنائنا، بغض النظر عن الجهة التي أنتجتها أو سوقتها.
وتحتل هذه الثقافات الجديدة، حيزاً واسعاً من حياتنا اليومية، ومن حياة أولادنا، تدعونا أن نتساءل كثيراً حول آثارها القريبة والبعيدة، حول محتواها ومنهجها، وملائمتها لثقافتنا الإسلامية.
وتكثر الأسئلة يوماً بعد يوم، ونفقد الإجابة عليها، طالما أننا لا نملك مقومات الدراسات المنهجية الهادفة، المتبوعة بالتطبيق الصارم والموحد.
ومن المفترض (كبلد إسلامي له خصوصيته الثقافية والاجتماعية والدينية المحافظة) أنه عندما يتم استيراد ثقافة جديدة. فإنها تخضع لأعين الرقيب، وتنظم حولها الدراسات والبحوث، وصولاً إلى فهم صحيح لها، يتم من خلالها التعامل معها سلباً أم إيجاباً أو على الأقل تنظم وفق أطر معينة.
وعندما جاءت وسائل الإعلام بمختلف أنواعها السابقة، انتشرت في مجتمعاتنا بكل يسر وسهولة، وباتت منازلنا موطناً لها، بكل ما فيها من سلبيات وإيجابيات.
ورويداً رويداً، فقدنا القدرة على السيطرة على رقابتنا وموقفنا من تلك الوسائل.
ولكن يبقى في الأفق أمل في إعادة توجيه الدفة، وإعادة التفكير في أنظمة الرقابة، انطلاقاً من قول رسول الله - صلى الله عليه وسلم -): "كلكم راع، وكلكم مسؤول عن رعيته".
بين السلبيات والإيجابيات:
تتفاوت البحوث والتقارير حول وجود وسائل الإعلام في المنازل (وخاصة التلفاز)، وأثرها على الأطفال والنشء بين السلب والإيجاب.
ويستند كل طرف إلى جملة من الحقائق والأمثلة، صحيحة، ما يؤكد وجود حدين لتأثير وسائل الإعلام على أطفالنا.
يقول الدكتور نبيل الشريف: " لعل أهم دور سلبي تقوم به وسائل الإعلام في هذا الصدد هو جعل الناس يتعاملون مع العنف على أنه حدث عادي ونزع الرهبة من استعمال العنف ضد الآخرين".
ويضيف "فمشاهد التلفاز مثلاً الذي يرى في البرامج أو فقرات الأفلام المختلفة جرعات زائدة ومتكررة من العنف يصبح عديم الإحساس بخطر هذه الظاهرة، فالرجل يضرب المرأة، والمرأة تضرب الرجل، والرجل يضرب الطفل هذا داخل البيت، أما خارج البيت فإن الدماء تتطاير، وقطع اللحم تتناثر في الشوارع، وأصوات المسدسات والرشاشات تكاد لا تنقطع طوال مدة عرض المادة الإعلامية، كما أن جثث الضحايا تتكوم بالعشرات في كل مشهد من مشاهد الفيلم، بل قد لا ينطوي الفيلم كله إلا على مشاهد التعذيب البشع المقزز أو حتى فقرات حية من طرق الموت ".
رغم ذلك، إلا أن معظم الناس تثق بما يمكن أن تقدمه وسائل الإعلام من تثقيف وتعليم وتوجيه، يمكن أن يساهم في حلقة العلوم الواجب توفيرها للنشء الجديد، كي يواكبوا ثقافة عصرهم، ويحافظوا بنفس الوقت على تعاليمهم وشريعتهم الإسلامية.
يقول الأستاذ نضال حمادي (سكرتير تحرير مجلة إسلامية): " الوسائل الإعلامية باتت اليوم في أيدي العديد من المؤسسات والشركات الإسلامية، التي استطاعت أن توجد نمطاً مقولباً من الإعلام التثقيفي الإسلامي الهادف".
ويشير الأستاذ نضال إلى مثال واقعي فيقول: " اليوم تعد قناة المجد من أفضل القنوات الفضائية الإعلامية الهادفة، وكتجربة رائدة لها، نشاهد قناة المجد الخاصة بالأطفال، وهي قناة لا مثيل لها في العالم من حيث الهدف والأسلوب والثقافة التي تقدمها للنشء الجديد".
ويشير إلى حجم إقبال الناس على هذه القناة؛ لأنها باتت وسيلة إعلامية ترضي ميول الأطفال لمشاهدة برامج متنوعة ممزوجة بين أفلام الركرتون والمقدمين الصغار، وبين تجنب أي مشهد أو فكر قد يؤذي الأطفال، وبنفس الوقت يقدم لهم الثقافة والتعاليم الإسلامية، والعلوم الأخرى بقالب سهل ويسر، يتلائم مع مدارك الأطفال ووعيهم.
ويبدو أنه من الضروري اللجوء إلى إشباع رغبات الأطفال في الاطلاع على بعض الوسائل الإعلامية، عبر فلترة ما يقدم لهم.
يقول أحد الآباء الذين فضلوا اقتناء جهاز (ستلايت) في المنزل: " كان أطفالي وزوجتي يسمعون الكثير من أقاربهم وأصدقائهم عن التلفزيون، وعن بعض البرامج والمنوعات، وكانوا يتوقون إلى مشاهدة التلفزيون، ومرة عرفت أن ابني يزور أحد أصدقائه بشكل دائم، كي يجلس معه عند التلفاز، بعيداً عن عيني وأعين أهل صديقه".
ويضيف أبو عبدالرحمن "عقدت العزم أخيراً أن أجلب لهم ستلايت خاص، يضم قنوات معينة إسلامية، والآن هم يتابعون كل ما يبث، وقد قل شغفهم بالتلفاز بعد أن أصبح متوافراً بين يديهم".
أما أم مريم فتقول: " بناتي يدخلون إلى منزل جيراننا لمتابعة التلفزيون عندهم، وأصبحوا يفضلون الجلوس عندهم على اللعب بألعابهم الثمينة، لذلك أشرت على زوجي أن يشتري جهاز تلفاز وفيديو، وأصبحت أشتري الأشرطة الخاصة بالأطفال ذات التوجه الإسلامي، وأفلام الكرتون التي لا تحتوي أي مشاهد عنف أو إثارة أو غيرها، أملاً بأن أشبع هذه الرغبة عند بناتي".
تشير هذه القصص إلى أن الأطفال باتوا على قدر كبير من الوعي والثقافة بمعطيات العصر منذ صغرهم، وأصبحوا يطالبون بالكثير مما لم يكن السلف يفكر فيه أو يخطر له على بال.
ويبدو أنه من الضروري اللجوء إلى إشباع رغبات الأطفال في الاطلاع على بعض الوسائل الإعلامية، عبر فلترة ما يقدم لهم.
مصدر برامج الأطفال وما يبث فيها:
" لقد أصبح الأطفال في كل مكان أسرى لنفس البرامج التلفزيونية، وغداً أبطال هذه البرامج (الذين يعبر معظمهم عن منظومة القيم الغربية) أبطالاً محليين لأطفال العالم الثالث، وهذا ليس بغريب لأن ست شركات عالمية تسيطر على سوق البرامج الموجهة للأطفال في العالم، وهي: تايم وارنر (أمريكية)، ووالت ديزني (أمريكية)، وفياكوم (أمريكية)، ونيوز كوروب (أمريكية)، وبيرتلزمان (ألمانية)، وسوني (يابانية) فأين نصيب العالم الثالث من هذا؟ وهل من المبالغة القول: إن تشكيل عقول أطفالنا قد سلب منا وأصبح من مسؤولية الآخرين؟ "
حيث يصبح أبطال الكرتون الخياليون والبعيدون كل البعد عن نماذج التراث الإسلامي، هم القدوة الأولى للأطفال والنشء، ما يبعدهم عن أي نموذج حسن من نماذج سير الأمة
بهذه الجمل المختصرة، يعرض الدكتور الشريف أفكاره حول المصدر الذي يتم توريد برامج الأطفال منها إلى عالمنا العربي والإسلامي.
ويقول الدكتور وهبة الزحيلي: "أما برامج الصغار وبعض برامج الكبار فإنها تبث روح التربية الغربية، وتروج التقاليد الغربية، وترغب بالحفلات والأندية الغربية".
إن بعض البرامج، مثل: (البوكيمون) و(أبطال الديجيتال) وغيرها، تعد من أكثر البرامج رواجاً بين الأطفال، بسبب ما تحيطه الشركات المصنعة له من ألوان وحركات ورسومات وشخصيات تثير الأطفال وتسلب لبهم.
ولكن.. ما هي الأفكار التي يتم طرحها في هذه البرامج.
يشير كتاب نشر عن (دار القاسم) في السعودية، حول (البوكيمون ومحاذيره الشرعية) إلى العديد من المحاذير الشرعية التي تنطلق من هذا البرنامج الكرتوني الذي ملأ الآفاق العربية الإسلامية خلال المدة الماضية، وشهد إقبالاً كبيراً، بعد أن قامت الشركة المنتجة بتطوير فكرة لدى أحد اليابانيين من تخيّل وجود حشرات قادمة من الفضاء، تستطيع الارتقاء بنفسها والتطور، وتصنف إلى عدة أقسام.
كما قامت بتوزيع أشرطة وألعاب ومواد ترفيهية وألبسة وغيرها، كلها تحمل هذا الاسم، ما جعلها تنتشر بكثرة.
وأشار الكتاب إلى جملة من الأخطاء الشرعية التي تبثها هذه الشركة بين المسلمين، منها التروجي لفكرة (القمار والميسر) عبر لعبة (البوكيمون) ذات البطاقات الكرتونية.
وكذلك اشتمالها على رموز وشعارات لديانات ومنظمات منحرفة،
إلا أن الأسوأ ما يشير إليه الكتاب بالقول: "تبنيها لنظرية التطور والارتقاء: لعل أهم ما يجعل المرء يستنكر هذه اللعبة هو أنها تتبنى نظرية النشوء والارتقاء التي نادى بها العالم اليهودي (داروين)، والتي تقوم على تطور المخلوقات والتي تُرجع أصل الإنسان إلى سلسلة من الكائنات الحية المتطورة التي كان من آخرها القرد. والعجب أن كلمة تطور أصبحت كثيرة التردد على ألسنة الأطفال، حيث إنك تسمع من الطلاب أن هذا الحيوان الموجود في الكرت قد تطور وأصبح بشكل مختلف، ويتابعون تطوره بشغف شديد".
ويقول الشيخ نزار عثمان: " نذكر مثال الرسوم المتحركة الشهيرة التي تحمل اسم "آل سيمسونز The Simpsons لصاحبها مات قرونينق Matt Groening، الذي صرّح أنه يريد أن ينقل أفكاره عبر أعماله بطريقة تجعل الناس يتقبلونها، وشرع في بث مفاهيم خطيرة كثيرة في هذه الرسوم المتحركة، منها: رفض الخضوع لسلطة (الوالدين أو الحكومة)، الأخلاق السيئة والعصيان هما الطريق للحصول على مركز مرموق، أما الجهل فجميل والمعرفة ليست كذلك، بيد أن أخطر ما قدمه هو تلك الحلقة التي ظهر فيها الأب في العائلة Homer Simpson وقد أخذته مجموعة تسمي نفسها (قاطعي الأحجار)!! عندما انضم لهم الأب، وجد أحد الأعضاء علامة في الأب رافقته منذ ميلاده، هذه العلامة جعلت المجموعة تقدسه و تعلن أنه الفرد المختار، ولأجل ما امتلكه من قوة ومجد، بدأ Homer Simpson يظن نفسه أنه الرب حتى قال: "من يتساءل أن هناك رباً، الآن أنا أدرك أن هناك رباً، وأنه أنا"، ربما يقول البعض: إن هذه مجرد رسوم متحركة للأطفال.. تسلية غير مؤذية، لكن تأثيرها على المستمعين كبير مما يجعلها حملة إعلامية ناجحة تلقن السامعين أموراً دون شعورهم، وهذا ما أقره صانع هذه الرسوم المتحركة".
ويضيف " كذلك تعمد بعض الرسوم المتحركة إلى السخرية من العرب والمسلمين، ومثال ذلك بعض حلقات برنامج الرسوم المتحركة المعروف باسم سكوبي دو "Scobby Doo " والمملوك لـ William Hanna و Joseph Barbera الذَين طبّقت شهرتهما الآفاق بعد نجاح رسومهما المتحركة "توم أند جيري""
سلبيات متابعة الأطفال للتلفاز:
من بين الأمور السلبية العديدة التي ينطوي عليها متابعة الأطفال لبرامج التلفزيون، وخاصة الرسوم المتحركة:
التلقي لا المشاركة:
ذلك أن التلفاز يجعل الطفل "يفضل مشاهدة الأحداث والأعمال على المشاركة فيها.
إعاقة النمو المعرفي الطبيعي:
ذلك أن المعرفة الطبيعية هي أن يتحرك طالب المعرفة مستخدماً حواسه كلها أو جلها، ويختار ويبحث ويجرب ويتعلم "قل سيروا في الأرض فانظروا... "، لكن التلفاز ـ في غالبه ـ يقدم المعرفة دون اختيار ولا حركة.
الإضرار بالصحة:
فمن المعلوم أن الجلوس لأوقات طويلة واستدامة النظر لشاشة التلفاز لها أضرارها على جهاز الدوران والعينين.
تقليص درجة التفاعل بين أفراد الأسرة: حيث إن أفراد الأسرة كثيراً ما ينغمسون في برامج التلفزيون المخصصة للتسلية لدرجة أنهم يتوقفون حتى عن التخاطب معاً.
تقديم مفاهيم عقدية وفكرية مخالفة للإسلام:(101/114)
إن كون الرسوم المتحركة موجهة للأطفال لم يمنع دعاة الباطل أن يستخدموها في بث أفكارهم.
العنف والجريمة:
إن من أكثر الموضوعات تناولاً في الرسوم المتحركة الموضوعات المتعلقة بالعنف والجريمة، ذلك أنها توفر عنصري الإثارة والتشويق الذَيْن يضمنا نجاح الرسوم المتحركة في سوق التوزيع.
إشباع الشعور الباطن للطفل بمفاهيم الثقافة الغربية: إن الطفل عندما يشاهد الرسوم المتحركة التي هي ـ في غالبها ـ من إنتاج الحضارة الغربية، لا يشاهد عرضاً مسلياً يضحكه ويفرحه فحسب، بل يشاهد عرضاً ينقل له نسقاً ثقافياً متكاملاً، حيث إن الرسوم المتحركة المنتجة في الغرب مهما بدت بريئة ولا تخالف الإسلام، إلا أنها لا تخلو من تحيز للثقافة الغربية.
الانطواء على الذات:
حيث تصبح متابعة البرامج التلفزيونية وأفلام الكرتون، شكلاً اجتماعياً مقدماً على التعامل مع المحيط الخارجي من أصدقاء وإخوة، ما ينمي الانطواء، خاصة مع ما يرافق غضب الأطفال من أهلهم أو إخوانهم بحال حاولوا تغييّر المحطة التي يتابعونها؟
الوقت الطويل الذي يستهلكه البعض في مشاهدة التلفاز، ما يعني تآكل الوقت المخصص للدراسة أو النوم، وما قد يرافق الشغف من تأخير للصلاة ونحوها.
التمثل والقدوة:
حيث يصبح أبطال الكرتون الخياليون والبعيدون كل البعد عن نماذج التراث الإسلامي، هم القدوة الأولى للأطفال والنشء، ما يبعدهم عن أي نموذج حسن من نماذج سير الأمة.
كيف نقدم وسائل إعلام آمنة لأطفالنا:
حول أفضل السبل لتلافي سلبيات مشاهدة الرسوم المتحركة (أفلام الكرتون) من قبل الأطفال، يقول الشيخ نزار محمد عثمان: " إنه يجب الاهتمام بالآتي:
تعميق التربية الإسلامية في نفوس الأطفال: فالحق أبلج والباطل لجلج، ومتى وجد الطفل الفكرة الصحيحة وقعت في نفسه موقعاً طيباً، ذلك أنه وُلد على الفطرة، والإسلام هو دين الفطرة والأفكار المنحرفة لا تسود إلا في غياب الفكرة الصحيحة، فإذا جرى تقديم منظور إسلامي عن طريق تثقيف الأطفال وتعليمهم عن القيم الإسلامية ودستور الحياة الإسلامي، فإنهم سيكتسبون موقفاً مبنياً على تقييمٍ ناقد لوسائل الإعلام من وجهة نظر إسلامية، ويمكن تقديم هذا النوع من التربية ذات التوجه الإسلامي في الأسرة والمدرسة وكذلك في المرافق الموجودة في المجتمع"
تقليل مدة مشاهدة الأطفال للرسوم المتحركة: إن مشاهدة الأطفال للرسوم المتحركة ـ وللتلفاز عموماً ـ ينبغي ألا يتجاوز متوسطها ساعات أسبوعياً، هذه المدة المتوسطة تعلم الطفل كيف يختار بين البدائل الموجودة، وتعلمه الاتزان والتخطيط وكيفية الاستفادة من الأوقات. كما أنها ـ إذا أُحسن الاختيار ـ تدفع عنه سلبيات التلفاز والرسوم المتحركة المذكورة آنفاً.
إيجاد البدائل التي تعمق الثقافة الإسلامية:
وذلك بدعم شركات إنتاج الرسوم المتحركة التي تخدم الثقافة الإسلامية وتراعي مقومات تربيتها، ولا تصادم غزائز الطفل بل توجهها وجهتها الصحيحة.
وتقول الأستاذة منى يونس، حول أفضل الطرق لمعالجة إدمان الأطفال للتلفاز:
"هناك عدة أمور لابد من مراعاتها مع طفلك، وقد استفدتها من خبرتي في التعامل مع هذا الوضع.
فأولاً- لابد من الهدوء في التعامل مع هذه المشكلة.
ثانيًا- إدراك القاعدة القديمة القائلة: "كل ممنوع مرغوب".. فما قمت به أنا كان كالتالي:
- تحديد وتقليل ساعات الفرجة على المسلسل.
-محاولة إيجاد بدائل كشرائط فيديو أو الوعد بالتنزه في الأوقات التي يعرض فيها المسلسل، في نفس الوقت أخذت أكلمهم عن أضرار الإدمان (الإدمان كفكرة)".
ويضيف الأستاذ أحمد حسن محمد أفكاراً أخرى، منها:
"توفير الحصانة للمجتمع ضد الإعلام الوافد والموجّه لإفساد عقائد الأمة وسلوكها وذلك عن طريق ما يلي:
أ- تقوية المرجعية الإيمانية وربط الناس بعقائدهم وقياداتهم العلمية والفكرية وتجميع الناس على الأعمال الصالحة.
ب- تنمية الوعي الإعلامي خاصة والثقافي عامة، وتبصير المجتمع بأهداف الرسائل الإعلامية المغرضة، مع استحداث بدائل أفضل منها إعداداً وإنتاجاً وأداءً.
ج- السعي لتنمية وتقوية أجهزة الإعلام البشرية والتقنية الفنية، بما يساعد على مواجهة الخطر الذي يهدد الأمة من خلال الوسائل والأجهزة المعادية لها.
وتشير مصادر إلى أفكار أخرى يمكن الاستفادة منها، كتوجيه الأطفال إلى أنشطة أخرى مفيدة، أو تقديم البدائل العربية، تشجيع محاولات الرسوم المتحركة العربية بالفكر والمال، تشجيع الأبناء على الإبداع وغيرها.
14/1/1426هـ
http://www.almoslim.net المصدر :
ـــــــــــــــــــ(101/115)
الأطفال يدفعون ثمن الفوضى في العراق
الرياض/ طارق راشد 14/3/1426
23/04/2005
جاء في إحصاءات قامت بها الأمم المتحدة ووكالات الإغاثة والحكومة العراقية المؤقتة، أن حالات سوء التغذية لدى الأطفال في العراق قد تضاعفت تقريباً منذ أن تعرضت البلاد للغزو الأجنبي بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية منذ (20) شهراً مضت.
فقد قالت دراسة قامت بها وزارة الصحة العراقية بالتعاون مع المعهد النرويجي الدولي للعلوم التطبيقية وبرنامج الأمم المتحدة للإنماء، بأنه بعد أن انخفضت منذ عامين مضت معدلات الإصابة بنقص التغذية الحادة بين الأطفال ممن هم دون الخامسة إلى 5 بالمائة، عادت وارتفعت بشكل حاد لتصل إلى 7.7 بالمائة في العام الحالي. ويعنى ذلك أن حوالي (400000) طفل عراقي يعانون من الجفاف، وهناك حالات مرضية تتميز بالإسهال الحاد ونقص خطير في البروتين.
ويقول ألكسندر ماليافين وهو أخصائي في صحة الأطفال لدى بعثة اليونيسيف في العراق: "أن هذه الأرقام تشير بشكل كبير إلى اتجاه تدني صحة الأطفال".
وتشير الأبحاث إلى التكلفة البشرية الصامتة التي يتم دفعها في جميع أنحاء بلد يَشيع فيه عدم الاستقرار وسوء الإدارة.
ومع ارتفاع هجمات المقاومة وازدياد شدة ضراوتها، فإن تدهور الخدمات الأساسية يؤدى إلي وفاة الكثيرين، في حين قال العديد من العراقيين بأنهم كانوا يتوقعون تحسن ظروف المعيشة نتيجة تولي الأمريكيين مقاليد إدارة البلاد.
أما الآن فإن معدل إصابة الأطفال بسوء التغذية يعادل تقريباً مثيله في بوروندي، وهي دولة تقع في وسط أفريقيا، وتمزقها الحروب منذ عقد من الزمان. كما أنه أعلى بكثير من المعدلات الموجودة في أوغندا و(هاييتي).
ويقول خالد مهدي، وهو مدير مركز أبحاث التغذية بوزارة الصحة: "إن الناس يشعرون بالدهشة من هذا الأمر". ويقوم المعهد منذ أكثر من عقد بإجراء مسوح عن التغذية، وكان آخرها في شهر نيسان (أبريل) وأيار (مايو) غير أنه لم تُنشر نتائجها بعد.
ويعزو مهدي وغيره الزيادة في معدلات سوء التغذية إلى الماء غير النقي وإلى إمدادات الكهرباء التي لا تكفي احتياجات تنقيطه من خلال الغلي. وفي المناطق الفقيرة، حيث يعتمد الناس على الكيروسين كوقود لمواقد الطهي، فقد تدهورت صحة المواطنين لارتفاع الأسعار و بسبب الاقتصاد الذي أُصيب بالشلل من جراء البطالة.
ويقول كاظم وهو عامل يدوي في أثناء زيارته لابنه المريض عبد الله الذي يرقد في مستشفى بغداد الرئيسي: " لقد ساءت الأمور بالنسبة لي منذ بدأت الحرب" .وقد بلغ وزن عبد الله (11) رطلاً فقط.
ويقول كاظم: " في عهد النظام السابق كنت أعمل في المشاريع الحكومية، أما الآن فليس هناك أية مشاريع".
ويضيف كاظم قائلاً: " وعندما أجد عملاً أحصل على (10 إلى 14) دولاراً في اليوم. وأن حالف زوجتي الحظ في العثور على علبة اسوميل، والتي أوصى بها الأطباء كعلاج لسوء التغذية، فإنها تدفع في مقابلها 7 دولارات".
أما سعاد أحمد والتي جلست القرفصاء فوق أحد الأسرة في نفس العنبر، وهي تحاول أن تخفف عن حفيدتها هبة البالغة من العمر أربع سنوات فقد أصبحت شبيهة بالهيكل العظمي نتيجة إصابتها بالإسهال الحاد، "ولكن السيدة في الفراش المجاور دفعت (10) دولارات كثمن للدواء نفسه".
ويحب أن يفاجئ مسؤولو الصحة العراقيين الزائرين بقولهم بأن مشكلة التغذية التي كان أطفال العراق يعانون منها منذ عقد من الزمان كانت السمنة.
في حين يقولون بأن سوء التغذية لم يظهر سوى في أوائل التسعينيات مع فرض الأمم المتحدة للعقوبات التجارية التي وقفت الولايات المتحدة وراءها كعقاب لنظام صدام حسين على غزوه للكويت في عام 1990.
وقد ساعدت جهود الإغاثة الدولية وبرنامج الأمم المتحدة للنفط مقابل الغذاء في التقليل من الأثر المدمر للعقوبات، كما انخفض معدل الإصابة بسوء التغذية الحادّة بين الأطفال العراقيين من ذروته التي بلغت 11 بالمائة في 1996 إلي 4 بالمائة في عام 2002. غير أن الغزو الأجنبي في آذار (مارس)، 2003 وما تبعه من أعمال السلب والنهب الواسعة قد دمر البنية الأساسية للحكم في العراق، كما أن أعمال العنف المتواصلة في جميع أنحاء البلاد قد أبطأت من خُطا إعادة الإعمار إلى درجة توقفها التام.
وقد قال مركز الدراسات الإستراتيجية والدولية وهو مجموعة بحث مقرها واشنطن في آخر تقرير أعده مؤخراً لخمسة قطاعات من قطاعات إعادة الإعمار في العراق، بأن قطاع الرعاية الصحية هو صاحب أسرع إيقاع في تدني مستواه.
ويقول أحد الإداريين في المستشفى التعليمي المركزي لطب الأطفال ببغداد: " صدقني، لقد اعتقدنا بأن أمراً سحرياً سوف يحدث مع سقوط صدام حسين وبداية الاحتلال الأجنبي بقيادة الولايات المتحدة. ومن ثم فنحن نشعر بالدهشة لعدم حدوث أي شيء ". ويضيف المسؤول قائلاً: "إن الناس تتحدث الآن عن كيف كانت أيام صدام حسين أفضل بكثير".
وأشار المسؤول الإداري الذي رفض الإفصاح عن اسمه الكامل، إلى قلق الأطباء العراقيين على سلامتهم؛ إذ يُنظر إلينا على أننا أغنياء وعلى صلة بكبار المسؤولين، ومن ثم فنحن هدف للصوص والمبتزين، بل ولأولئك الذين يشعرون تجاهنا بمجرد الحسد أو الرغبة في الانتقام. ثم قال بأنه تم اغتيال عدد كبير من الأطباء، ولذا قامت وزارة الصحة بإرسال طلب للإسراع بمنح تراخيص حمل أسلحة للأطباء.
كما أدى العنف إلى هروب وكالات الإغاثة الدولية التي قدمت الخبرات إلى العراق بعد الغزو الأمريكي.
وبعد حادث انفجار سيارة مفخخة في مقر الأمم المتحدة في بغداد، والذي أودى بحياة (20) شخصاً في العام المنصرم، تم إخلاء إدارة برامج الأمم المتحدة الخاصة بالعراق من الأردن المجاورة. كما قامت منظمة أطباء بلا حدود بإخلاء موظفيها من العراق في هذا الخريف وهي المعروفة بتحملها للمخاطر وكونها واحدة من المنظمات التي ساعدت في إحياء وزارة الصحة العراقية في الأسابيع التي تلت الغزو.
وقامت منظمة كير انترناشيونال بإنهاء نشاطها في تشرين الأول (أكتوبر) بعد اختطاف مديرة عملياتها الضخمة في العراق مارجريت حسن، والتي يُعتقد الآن أنها قد لقيت حتفها. لقد ظلت المنظمة الضخمة التي تتخذ من مدينة أتلانتا مقراً لها تزاول نشاطها في العراق خلال ثلاثة حروب، حيث وفرت الإمدادات للمستشفيات، وقامت برعاية عشرات المشاريع التي وفرت مياه الشرب النظيفة للعراقيين.
وطبقاً لأحد الإحصاءات، فإن 60 بالمائة من سكان الريف و 20 بالمائة من سكان الحضر لا يحصلون إلا على المياه الملوثة للشرب. كما أن خطوط الصرف الصحي في البلاد في حالة سيئة للغابة. وتقول زينا يحيى وهي ممرضة بمستشفى للأمومة ببغداد: " حتى إننا نعاني من جودة مياه الشرب. فلو وضعت الماء في كوب زجاجي لرأيت أنه غير نظيف بصورة واضحة. ولقد سمعت بوجود حالات مصابة بحمى التيفوئيد".
وتشير الإحصائيات الخاصة بالتغذية إلى أن الحال أسوأ بكثير في جنوب العراق الذي يسكنه أغلبية من الشيعة المسلمين، وهي المنطقة التي تعرضت للإهمال والاضطهاد إبان حكم صدام حسين. غير أن الأطباء يقولون بأن سوء التغذية يحدث أينما كان الماء غير نظيف، وكان الآباء فقراء لم يتعلموا كيفية وقاية أنفسهم من الأمراض.
تقول يسرا جبار البالغة من العمر (20) ربيعاً، وهي تقبع في عنبر مليء بالذباب بمستشفى بغداد للأمومة: " لا أكل بشكل مناسب". في حين تقول أمها: إن الماء في الحي الذي نسكن فيه بمدينة الصدر-وهي منطقة عشوائية في الجانب الشرقي من العاصمة بغداد يسكنها الشيعة- عادة ما يكون ملوثاً. أما أخوها فقد أصيب بعدوى الصفراء.
وتقول يسرا جبار: " يخبرني الأطباء بأنني مصابة بالأنيميا ".ويقول الأطباء بأن معظم النساء الحوامل بالمستشفي يعانون من نفس المرض.
وتضيف يسرا جبار " هذا أمر متوقع، فمنذ بداية الحرب وهناك الكثير من البطالة، وبدون عمل لا يملك المرء المال للحصول على غذاء مناسب".
ويقول العراقيون بأن مثل هذه الظروف لها عواقب من الناحية السياسية.
وعادة ما يبين سكان بغداد للمراسلين الأجانب إلى أنه بعد حرب الخليج في عام 1991 كانت العاصمة في حالة يرثى لها، غير أن حكومة صدام قامت باستعادة إمدادات الكهرباء والكيروسين في غضون شهرين فقط.
ويقول المسؤول في المستشفى التعليمي: " نعم هناك ثمن يُدفع لكل حرب، ونعم هناك ضحايا. ولكن ماذا بعد ذلك"؟
وفي النهاية بالله عليكم، ألا يستحق العراق البناء من جديد، ليس من أجل الكبار بل من أجل الصغار؟!
ـــــــــــــــــــ(101/116)
لا تحطم شخصية ولدك
لا يبني الأمم إلا الأشخاص الأقوياء الجادون الذين يتمتعون بشخصية قادرة على اتخاذ القرار.
فكيف يستطيع الأبوان تربية أبناء يتمتعون بشخصيات قوية وقادرة على اتخاذ القرار؟
إن هذا السؤال يقودنا إلى معرفة الأمور الثلاثة التي تضعف الشخصية.
•الإفراط في التدليل:
ينسى المربي نفسه- أحياناً من فرط حبه لابنه، فيدلله دلالاً يفقده شخصيته ويحوله إلى شخص لا يمكننا الاعتماد عليه.
والتدليل يعني:
تلبية كافة طلبات الابن مهما كانت صعوبتها، في أي وقت كان، الأمر الذي يجعل الطفل يشعر بأنه شخص مجاب الطلبات والأوامر.
لذلك فإن الإفراط في التدليل يعني:
1-إضعاف جانب تحمل المسؤولية في الابن لأن جميع طلباته مجابة.
2-تحكم الابن في أبويه وخضوعهما له.
3-تمكن مشاعر " الغرور" و " التكبر" لدى الابن، وتكراره لعبارة: (أبي لا يرفض لي طلباً)، (أمي لا تقول لي" لا" أبداً).
4-تمرد الابن على سلطة والديه وعدم احترامه لوالديه أو تطبيقه لقوانينهما.
5-تحول الابن المدلل إلى شخص غير قادر على التكيف الاجتماعي، لأنه دائماً يتوقع من أصحابه وأقرانه أن يستجيبوا لغروره وطلباته، لذلك نراه دائماً وحيداً بدون أصدقاء.
•الإفراط في القسوة:
يخطئ المربي عندما يعتقد أنه بالقسوة والشدّة والضرب يربي رجالاً أشداء أو نساءً أقوياء.
لأنه في هذه الحالة يقتل فيهم أهم نقاط قوة الشخصية، وينشيء أشخاصاً تكون صفاتهم:
1-الخوف: فالابن يكون دائم الخوف من والديه، فتنعدم العلاقة بينه وبينهم، ويتأثر سلوكه معهم فيبتعد عنهم، وإذا رآهم ارتعد وهرب إلى غرفته وإذا مرّ بالقرب منهم ارتجف وتنحى.
2-التردد: إن هذا الابن يفقد الثقة في نفسه، ويكون دائم التردد ولا تكون لديه قدرة على اتخاذ القرار، ويظهر ذلك جلياً عند الكبر.
3-الانطواء وعدم القدرة على تكوين علاقات مع الآخرين، فيصبح شخصاً وحيداً، منكمشاً فاقداً لأهم صفات قوة الشخصية.
•الإفراط في الحماية الزائدة
عندما يرزق الله الأبوين ابناً واحداً بين مجموعة من الإناث، أو بنتاً وحيدة بين مجموعة من الذكور، أو عندما يولد طفل بعد فترة طويلة من العقم، تحاول الأم أو الأب حماية هذا الابن الصغير بطرق مختلفة مثل:
•منعه من اللعب مع الأطفال الآخرين، وإن لعب لا يجعلونه يسقط أو يتأذى ويظهرون خوفهم الشديد عليه.
•المحافظة عليه من الدخول في مشاكل، ومحاولة حل كافة المشاكل التي تعترضه.
•الحماية من الأمراض والبكتريا والجراثيم، وذلك بالتعقيم الزائد والإفراط في الاهتمام بالصحة.
-النتيجة:
حتماً..ابن ضعيف الشخصية
إن أهم صفات هذا "الصغير" تكون:
1-الاعتماد على الآخرين.
2-عدم القدرة على تحمل المسؤولية.
3-الخوف والتردد.
4-عدم القدرة على التكيف الاجتماعي وتكوين علاقات جيدة.
5-عدم القدرة على حل المشاكل.
ديسمبر 1999
http://waldee.osrty.com المصدر :
ـــــــــــــــــــ(101/117)
هموم صغيرة
منال الدغيم 11/3/1426
20/04/2005
"هناء.. كفى!"
صرخت الأم بابنتها ذات الأعوام العشرة لمّا ضاقت بها ذرعاً، فهم الآن في زيارة لبعض الأقارب، و"هناء" ترفض بإباء أن تذهب للعب مع البنيّات، لأنها "تستحي" من قصر ثوبها الذي أرغمتها والدتها على لبسه، وقد تحجّرت الدموع في عينيها البريئتين..!
إنه نقاء الفطرة الصافية، لَمَا (هناء) تهنأ بالستر والحشمة، وتقشعر من العري والتبرج، وترى في العفاف سمواً وطمأنينة، وفي غيره قلقاً وإهراقاً لماء الحياء - أو ماء الحياة! - العزيز..
أمّا في هذا الزمن، فلا نبالغ إذا وصفنا تربية الصبايا على الستر والاحتشام بأنها "حرب"، فالعُري يتكالب على الصغيرات من كل جهة، بَدْءاً من فتاة الإعلام "المتغنجة الشقيّة المرحة"، إذ لا تكتمل الشخصية الجذّابة إلا بلباس مغرٍ خليع، ثم تجد الفتاة قبولاً واسعاً لهذا النموذج الإعلامي الساقط من حولها، حتى تطمئن لنظرة المجتمع المتسامحة - إلى حد كبير- بالنسبة لتبرّج الفتيات في سن التربية، أي من (7 - 14) عاماً، بحجة "الصغر"، و "عدم التعقيد"..و "هذا الموجود"!
تقول الأخت (جواهر السالم، وهي معلمة): "أنا أم لفتاة في الثانية عشرة من عمرها، وبصراحة أجد في اختيار ملابسها مشقة بالغة، فالمعروض في السوق هو غير الساتر، وكثير من قريباتها وزميلاتها يلبسن ذلك، ولذا فإنها تريد هذا النوع من الملابس كي لا تكون "قرويّة" في نظرهن، وربما لذلك أرحمها وأرضخ لرغبتها في الشراء، رغم أنها كما تشاهدين قد ناهزتني في الطول، وبدأت مظاهر الأنوثة على جسدها..".
ولماذا؟
ولماذا نجد مشقة في تربية صغيراتنا على العفاف، وبناء قناعات بقيمة الاحتشام؟
تجيبنا عن ذلك أ.خلود المهيزع، المعيدة في قسم الفقه بجامعة الإمام محمد بن سعود: "أسباب انتشار الملابس غير الساترة بين الصغيرات عديدة، ولا بد لعلاجها من تضافر الجهود من الأم والأب والتاجر والمجتمع، ومن أبرز الأسباب لانتشارها:
1) التهاون من الأولياء في إلباسها هذه الملابس بحجة أنها ما زالت صغيرة.
2) كثرة عرض الملابس الخليعة في الأسواق، حتى إن من يريد أن يلبس بناته لباساً ساتراً لا يكاد يجد، أو يجده باهتاً لا يصلح للشراء.
3) التقليد للصديقات والقريبات.
4) فساد القدوة، فربما كانت الأم لا تحرص على اللباس الساتر، فلا يكون ثمة للبنت موجه وناصح.
ثم تعقّب: ليس الأمر صعباً، إنما هو بالتعود والتربية، ومما يدل على ذلك تعويد البنت في المدرسة على اللباس الطويل ذي الأكمام الطويلة وهو ما يُعرف بالمريول حتى أصبح مألوفاً جداً ومتميزاً، وكذا إلزام الفتاة بلبس العباءة منذ الصف الرابع، وهذا مما يثلج الصدر كلما وقفنا أمام مدرسة ابنتي الصغيرة في الصباح، فأرى جموع الفتيات الصغيرات تتدفق بهذا الستر، فأحمد الله على ذلك، وأتمنى أن أجده في كل مكان، وأؤكد أخيراً على أهمية الحزم مع البنت منذ الصغر، لأن من شب على شيء شاب عليه".
كما تشارك الأخت هيا الرشيد - كاتبة صحفية-، في عَزْو سبب انتشار هذا اللباس إلى موجة التيار التغريبي، فتقول: " مع شديد الأسف نلاحظ مؤخراً تردّي نوعية الملبوسات المنتشرة في أسواقنا كمسلمين، حيث إن أغلب الموجود مخالف تماماً لأبسط مقومات الحشمة والعفاف، ولا يليق أغلبه بأن يكون ملبوساً مميّزاً لابنة الإسلام، وعندما يكون الراغب في الشراء مشغولاً وليس في وسعه بذل مزيد من الوقت في البحث، لا يختار مع الأسف إلا السيئ الذي أقل ما نقول عنه بأنه عدة تبرج وليس لباساً للحشمة".
تجربة مضيئة
(وفاء الأحمد) أم فاضلة لطفلتين (12 و 8 سنوات)، زاهيتين دائما بملابس أنيقة وساترة، ويلفتان نظر من حولهما بجمال ملابسهما، وقبل ذلك بطولها واحتشامها.
تقول: الحقيقة أني أجد الساتر بسهولة في الأسواق، فهناك - وعدّدت لي أكثر من عشرة من متاجر الماركات - تبيع الملابس الطويلة للفتيات، بألوان مرحة وأنيقة، ومن حمل الهمّ حقاً عرف كيف يبحث ويصر على مبدئه، حتى إنني حين لا أجد مقاسهما أطلب من البائع أن يهاتف الفروع الأخرى للمتجر ليحجزه وأذهب لشرائه.
للأسف أخواتي وبناتهن لا يحرصن على الاحتشام، وحتى لا أجد صعوبة مع صغيراتي في مجتمع أهلي، أحرص على التعزيز الدائم لتميّزهن، وأطلب من أخواتي أن يمتدحن أناقة بناتي ليشعرن بالثقة.
كما أقوم بين فترة وأخرى باصطحاب صغيراتي إلى دور التحفيظ والمؤسسات الدعوية ليشاهدن جموع الفتيات بملابس ساترة جميلة، فيشعرن بالطمأنينة والسعادة، ويرتبطن بأخوة في الله وتعاون على الطاعة.
وماذا؟
وماذا أستفيد من تربية الصغيرة على الاحتشام منذ طفولتها، ألا يكفي أنها إذا شبّت ستترك هذه الملابس بالتأكيد؟
من المعروف تربوياً وطبيعياً أن من اعتادت شيئاً في صغرها، ألفته وأحبته في كبرها، وربما لا تتركه إلا مرغمة كارهة، ولو رأته على غيرها لما أنكرته.
ثم إن اللباس هو مبدأ وتربية، ومعناه الظاهر ضوء لمعتقد راسخ في الباطن يؤمن بالنبل والفضيلة، وتربية ابنتك على الاعتزاز باللباس الساتر منذ صغرها، يجعلها سامية الهمة والاهتمام، متميزة عن أقرانها اللاتي يجرفهن التقليد والتأثر بكل شيء.
ومتى؟
ومتى أربي صغيرتي على الستر؟
هيّئي نفسية صغيرتك، بأنها عند سن التاسعة ستكون امرأة كبيرة عاقلة، تلبس لباس المؤمنات الطاهرات، بناء على قول عائشة رضي الله عنها: "إذا بلغت الجارية تسع سنين فهي امرأة"، وستشعر حينذاك بالثقة في نفسها، وسمو التفكير، ورقي القناعات، أما التكرار عليها بأنها ما زالت صغيرة وصغيرة، يجعلها تتصرف حقا كأنها صغيرة ولو بلغت العشرين!
والقضية ليست قضية "صغر" بقدر ما هي اقتناع واعتزاز، كما عليك ألا تتهاوني في التسامح بالقصير والخليع للأفراح أو المتنزهات، ولا تنسي أن القضية مبدأ وقناعة وسمو!
وكيف؟
وكيف إذن أكون قناعات سامية في نفسي وفي نفس صغيرتي، اعتزازاً بالاحتشام وحرصاً عليه وتمسكاً به؟!
1) رسّخي في نفس طفلتك المفاهيم الإسلامية الداعية إلى الحشمة والستر، فالتي تلبس اللباس الساتر يحبها الله تعالى وهي مطيعة له، وهو لباس الصحابيات والمؤمنات التقيات، وعقيدة الولاء والبراء أساس الاعتزاز بلباس المسلمات، وبغض تقليد العاصيات والمتبرّجات.
2) الإقناع بالمنطق مفيد في تذكير الصغيرة وتعليمها، قارني معها بين قطعة حلوى مكشوفة وأخرى مغطاة، أيهما تختار؟ وطبقي ذلك على الجسد الساتر والعاري.
3) للقصة شأن عجيب في تربية الصغيرات، فاحكِ لها قصصاً فيها تعزيز لهذه التربية.
4) حدّثي من تتوقعين تعاونها من معلمات صغيرتك، حول تعليم الصغيرات شأن اللباس الساتر وجماله وتميّز الطاعة به؛ فالصغيرة أحياناً تقبل من المعلمة ما لا تقبله من أمها.
5) أشعري ابنتك بالثقة في أناقتها، بأن تكون الملابس الساترة بألوان زاهية وجميلة، مع تلبية رغبتها الفطرية في التحلّي والتجمل بزينة وربطات للشعر ونحوها.
6) لا تكتفي بالحديث لصغيرتك عن أهمية الستر في المرة الأولى فحسب، فالمغريات كثيرة ومستمرة، بل داومي على التعزيز لها وامتداحها، والتنويع بين أساليب إقناعها، فمرة عن جمال الستر، ثم عن العزة في طاعة الله، ثم عن سمو الشخصية..، وهكذا..
7) ماذا لو كتبت رسالة إلى المتجر الذي تحبين التعامل معه، حول توفير اللباس الساتر للصغيرات؟ جرّبي ذلك فالأمر يسير، أخبريه عن رغبتك في شراء ملابس ساترة لصغيرتك من متجره لجودة ما يعرضه، وذكّريه بتقوى الله، وألا يكون نافذاً للأعداء يُؤتى منه، وانصحيه بأن يكون مفتاحاً للخير ببيع اللباس الساتر والأنيق للصبايا.
8) وعلى نطاق العائلة، نهدي هذه التجربة:
أقامت إحدى المربيات الفاضلات وعلى مدار عام كامل، مسابقة لعائلتها التي انتشر اللباس غير الساتر فيها، وقالت بأن هناك جائزة أسبوعية لكل لباس محتشم، وفي ختام العام، عملت حفلة جميلة، فيها تذكير ونصيحة وفتاوى، وتلوين لملابس محتشمة، ففرحت الصغيرات وتغيّر حالهن، وأصبحن يقبلن عن رغبة على اللباس المحتشم الساتر.
9) وهذه فكرة للمدارس - أُقيمت فعلاً - في مدرسة ابتدائية بالرياض:
شارك ما يزيد على مائة طالبة في مسابقة لأجمل عمل فني، يحوي رسالة موجهة إلى صديقة بشأن اللباس الساتر، وقد كانت أعمال الفتيات مبتكرة ومدهشة، وعُرِض بعضها على قناة المجد، كما عبّر عدد من الأهالي عن شكرهم لفخر صغيراتهن بالاحتشام وتمسكهن به.
ـــــــــــــــــــ(101/118)
علموا أولادكم حفظ القرآن
واحذروا من المكافآت المستمرة:
أصبح من سمات الأطفال الصغار هذه الأيام عدم مقدرتهم علي الجلوس لمدة طويلة أمام من يحادثهم، وهو أمر يعكس سير الحياة السريعة ولذلك تبدلت أمور وتغيرت أخري، وأصبحت مسألة الحفظ تحتاج إلي أساليب جديدة لتجذب الطفل حتى يجلس ويستمع إلي محدثه وبالتالي يسهل حفظه للقرآن.
يقول الحافظ السيوطي:
تعليم القرآن أصل من أصول الإسلام فينشأ الأولاد علي الفطرة ويسير إلي قلوبهم أنوار الحكمة قبل تمكن الأهواء منها وسوادها بأكدار المعصية والضلال.
ولقد عرف الصحابة أهمية حفظ القرآن وأثره في نفوس الأبناء فانطلقوا رضوان الله عليهم يعلمون أبناءهم القرآن استجابة لتوجيهات النبي صلي الله عليه وسلم فعن مصعب بن سعد بن أبي وقاص - رضي الله عنهما - عن أبيه قال:
قال رسول الله صلي الله عليه وسلم " خيركم من تعلم القرآن وعلمه " " رواه أحمد والترمذي ".
وكذلك السلف الصالح رضوان الله عليهم فقد ساروا المسار نفسه، وفي الطريق نفسه فقد جاء في مقدمة كتاب المعلمين لابن سحنون أن القاضي الورع عيسي ابن مسكين كان يقرئ بناته وحفيداته، قال عياض..فإذا كان بعد العصر دعا ابنتيه وبنات أخته ليعلمهن القرآن والعلم وكذلك كان يفعل قبله فاتح صقليه..أسد بن الفرات.. بابنته أسماء التي نالت من العلم درجة كبيرة.
متي نبدأ:
إن مقدرة الطفل علي الحفظ تبدأ منذ بداية تعلم الطفل الكلام وإتقانه أي بعد ثلاث سنوات، وقال ابن عاصم: ذهبت بابني إلي ابن جريح، وهو ابن أقل من ثلاث سنين يحدثه بهذا الحديث والقرآن وقال أبو عاصم: لا بأس أن يتعلم الصبي الحديث والقرآن وهو في هذه السن ونحوه، وتختلف المقدرة علي الحفظ من طفل إلي آخر المهم أن نبدأ أو نستمر ونتحلى بالصبر وننشد الأجر.
خطوات علي الطريق الصحيح:
هناك عدة طرق يمكن أن نسلكها لمساعدة الطفل علي الحفظ والعمل بما حفظ.
1- أولاً حتى يقبل أي شخص علي عمله بإخلاص لابد وأن يحب هذا العمل ويقتنع به علي أن يكون الإقناع، والحب من جانب الأب والأم والأبناء مهما كان صغر سنهم فنحدثهم عن أهمية حفظ القرآن، ومقدار الثواب الذي يناله حافظ القرآن، وعن أهمية القرآن في حياتنا، وأن نكون نحن لهم القدوة فيروننا ونحن نمسك المصحف لنقرأ ونحفظ ولنطلب أيضاً منهم أن يجلسوا بجانبنا ونحن نقرأ فالعاطفة التي تربطنا معهم أثناء القراءة تحببهم دائماً في الحفظ والقراءة من المصحف.
2- لابد لنا دائماً أن نهتم بشرح بسيط أثناء التلاوة حتى تتفتح معاني القرآن في قلوبهم، فكثير من الآباء يرون أن أبناءهم غير قادرين علي الفهم أو الحفظ وهذا اعتقاد خاطئ فهذا الطفل الصغير له مقدرة عجيبة في تخزين المعلومات بصورة كبيرة.
3- ولنهدي الطفل مصحفاً خاصاً به ونعلمه كيفية المحافظة علي مصحفه ووضعه دائماً في مكان مخصص له وبذلك نكون قد علمنا أبننا حفظ مصحفه.
4- لنلجأ للطريقة الحديثة في الحفظ من الأشرطة المسموعة ونضعها دائماً في السيارة وتوجد أشرطة خاصة لتعليم الأطفال الحفظ وأيضاً هناك أقراص ليزر للكمبيوتر.
5- لنشرك الطفل في حلقات لتحفيظ القرآن لتكون هناك روح للتنافس في الحفظ.
6- أن للقرآن تأثير كبير علي النفس فينيرها ويهذبها ويضرب علي أوتارها وكلما اشتدت النفس صفاءً كلما ازدادت تأثيراً والطفل أقوي الناس صفاء وفطرته ما زالت نقية، هذا بالإضافة إلي أن هذه السور تقدم للطفل موضوعاً متكاملاً بأسطر قليلة، ومن صفات هذه السور:
1- لا يضيق معها صبر الطفل الصغير.
2- تتماثل في ذاكرته بهذه الفواصل التي تأتي علي حرف واحد أو حرفين أو حروف متقاربة.
3- كلما تقدم الطفل في القراءة والحفظ وجد عملية الحفظ أصبحت أسهل.
7- للمكافأة أثر كبير في التشجيع ولكن لا نجعلها غاية، كي لا يحفظ الطفل القرآن الكريم ليحصل علي المكافآت، ولكن لتحببه في الحفظ، ومن ثم إذا كان هناك فرصة لنكافئه علي حفظه.
التاج:
إن للوالدين أجر كبير في تعليم أولادهم القرآن الكريم فقد أخرج أبو داود عن سهل بن معاذ - رضي الله عنه - أن رسول الله صلي الله عليه وسلم قال: " من قرأ القرآن وعمل به ألبس الله والديه تاجاً يوم القيامة ضوءه أحسن من ضوء الشمس ".
كيف أعود ابني المراهق علي القراءة اليومية للقرآن؟
يخطئ الآباء والأمهات الذين يعتقدون أنهم بالأمر أو بالترغيب فقد يتحول أبنائهم إلي أشخاص صالحون، فالتربية عملية معقدة، ومتراكمة، ولن أستطيع أن أكون سلوك أو أزرع قيمه في نفس ابني إن لم أكن أنا في البداية، وقبل أن نقول كيف نعود أبنائنا علي القراءة اليومية للقرآن، لنسأل أنفسنا: هل نحن قدوة في هذه الموضوع؟
والآن لنتحدث عن بقية الخطوات:
بعدما أكون قدوة في قراءتي للقرآن اليومية، لنطبق بعدها الخطوات التالية:
1- أضع جدول " تنافس " بيني وبينه، فيمن يستطيع أن يختم القرآن في أقل من شهرين.
2- أحدد آيات معينة في وردنا اليومي ونحاول كلانا أن نبعث لها عن التفسير.
3- ندخل أحد أقرانه معنا في التنافس وبرنامج القراءة، أحد أبناء أخواله أو أعمامه، ونتصل به كل يومين لنعلم أين وصل في القراءة.
4- اتفق مع أحد الشيوخ ليعلمه التجويد والتلاوة، وأحدد ساعات أسبوعية يمر علينا ليسمع قراءته، وأحاول أن أضيف إلي أسلوب هذا الشيخ التشويق والإثارة، وأبعده عن الروتين والأسلوب التقليدي القديم، فشباب هذا العصر يحبون الإثارة ويحبون كل جديد.
5- أتعاون مع أستاذه في المدرسة، بأن يعطي له اهتمام خاص في درس قراءة القرآن والتلاوة، ويجعله يقود الفصل معه إن رأي منه التميز، ويجعله كذلك يتلو القرآن في إذاعة المدرسة الصباحية.
لنقرأ معاً:
يحدثنا التاريخ عن الشيخ محمد بن الجزري منذ كان أباه تاجراً وقد حرص بعد أن استجاب الله لدعاءه علي تربية ابنه تربية دينية وعلي تنشئته نشأة صالحة ولذا نشأ ابن الجذري في بيت يقدر العلم وأهله مما ساعده علي أن يتم حفظ القرآن الكريم وله من العمر 13 عاماً وأن يسمع الحديث ويقرء القراءات ويجمع قراءات الأئمة السبعة وأيضاً يجمع القراءات علي بلاد الشام.
ويحدثنا أيضاً التاريخ أنه حين أتقن حماد بن أبي حنيفة - رضي الله عنه - سورة الفاتحة وهب أبو حنيفة المعلم خمسمائة درهم (وكان الكيس يشتري بدرهم) واستكثر المعلم هذا السخاء إذ لم يعلمه إلا الفاتحة فقال أبو حنيفة لا تستحقر ما علمت ولدي ولو كان معنا أكثر من ذلك لدفعناه إليك تعظيماً للقرآن.
أما مكافأة الطفل فهذا صلاح الدين الأيوبي وهو في خضم المعركة يتجول بين جنوده فيجد صغيراً بين يدي أبيه وهو يقرأ القرآن فاستحسن قراءته فقربه منه وجعل له جزءاً من طعامه ووقف عليه وعلي أبيه جزءاً من مزرعته.
لقد ضاقت المساجد بالصبيان في وقت من الأوقات حتى اضطر الضحاك بن مزاحم معلم الصبيان ومؤدبهم أن يطوف علي حمار ليشرف علي طلاب مكتبه الذين بلغ عددهم ثلاثة آلاف صبي وكان لا يأخذ قابلاً عن عمله.
http://www.waldee.com المصدر :
ـــــــــــــــــــ(101/119)
فتيات التربية الإلكترونيّة..
الرياض: عبد الفتاح الشهاري 9/3/1426
18/04/2005
لم تعد مصادر التربية وزرع الأخلاق محصورة على فئة معينة تنحصر في الأب والأم والمعلم، بل -وفي هذا العصر تحديداً- لعبت التكنولوجيا دوراً كبيراً وهاماً في هذا المجال، وأُضيف إلى تلك الفئات مصادر تربوية أخرى تتمثل في الفضائيات والأفلام والمسلسلات، فكان لها الأثر الأكبر في التوجيه التربوي للناشئة، ثم تتابعت العوامل الخارجية التي زاحمت ليكون لها دور في هذا التوجيه، فكان أن وجدت ثورة الاتصالات وما تبعه من إفرازات جبارة وهائلة تمثّلت في الإنترنت وسهولة الاتصال المباشر الحر والمفتوح مع أي شريحة من المجتمع كانت، ومهما كان التباين في الأعمار أو الأجناس حتى اختلط الحابل بالنابل، وتداخلت الثقافات، وامتزجت المبادئ حسنها مع سيئها، وجميلها مع قبيحها، فأصبح الباب مشرعاً على مصراعيه أمام الجميع ليأخذوا من بعضهم ما شاؤوا، فيُستدرج الصغير إلى ثقافات الكبير، وتتلقى المراهقة حكايات المطلقة، ثم ما لبثت أن توغّلت التكنولوجيا بقوة لتداهم البيوت وعبر الإنترنت ببرامج وتقنيات جديدة تتابعت وتسارعت تسارعَ النار في الهشيم؛ إذ تجاوزت غرف الحوار عبر الإنترنت مسألة الحوارات المكتوبة بين الأطراف إلى إمكانية ظهور صورة أحدهم للآخر، عبر تقنية (البالتوك) لتمثل وتجسّد ما كانت عليه بغايا الجاهلية ممن يُعرفن بصاحبات الرايات الحمر، فأصبحت غرف (البالتوك) مواخير لفعل الفاحشة، وحظيرة لتعليم الزنا والعياذ بالله.
وفي الخط الموازي لهذه التطورات الإلكترونية عبر الإنترنت هناك تسارع مرعب لتكنولوجيا الاتصالات الحديثة عبر أجهزة الهواتف المحمولة؛ حتى أنتجت لنا هواتفَ تحمل تقنية التصوير الفوتوغرافي والفيديو إلى مدة تصل إلى الثلاث ساعات أي بمعدل شريط فيديو كامل..
هذا الحال المزري الذي يتعامل به شبابنا مع الإصدارات الإلكترونية كان إحدى البوابات الرئيسة والعملاقة التي ساهمت في تدهور القيم، وانفلات الأخلاق، كما أنها -أيضاً- أصبحت تمثل سبباً قوياً من أسباب انهدام الأسر وانهيار وتفكّك بيوت المسلمين.
وهذا الاستعمال السيئ لتلك التقنيات جعلها مدخلاً جديداً من مداخل الشيطان، الذي سوَّل بها لكثيرٍ من ضحايا التربية الإلكترونية الخاطئة أن يسيئوا استخدامها بشكل تكون عاقبته وخيمة على الضحية عاجلاً وعلى المستخدم آجلاً.. وراح شرها يستشري في المجتمع، فلم تعد تخلو مدارس أو جامعات أو أسواق أو حفلات زفاف من وجود متربصين عابثين وعابثات ممن يمتلكون هذه الأجهزة لكي يقوموا بتصوير المحارم والفتيات والنساء في أوضاع مختلفة تنبئ عن عدم تنبه الضحيّة إلى أن هناك من يتربص بها؛ ثم تكون الفاجعة عندما تلتقي فنون هذه التقنيات سويًّا ويتم تفريغ هذا المشهد من جهاز الاتصال الهاتفي إلى جهاز الاتصال الإلكتروني ثم القيام بنشره عبر الطريقين: رسائل الهاتف المحمول، وشبكة الإنترنت حتى تجد الضحية نفسها أمام آلاف بل ملايين المتصفحين...
هذه الصورة المأساوية سيجد المتصفح للإنترنت مثيلاً لها عشرات بل مئات القصص التي يندى لها الجبين، ولم يتعدّ الأمر مسألة التصوير عن بعد، أو التصوير المتعمد، بل لقد أصبح هتك الحرمات، وإذلال الأسر المسلمة عبر تصوير اغتصاب فتياتهن من المصائب الكبرى الجديدة والدخيلة على مجتمعاتنا الإسلامية، وإننا أمام جرائم كهذه من الخطأ أن يُقال بأنه مرض موجود في مجتمعاتنا العربية بالأصل، وأن التقنية هي التي ساعدت على ظهوره بهذا الحجم، فما يحدث من جرائم اغتصاب لفتيات أو حتى لأطفالٍ صغار - كما حصل - هو أمر خارج عن المألوف، وهو سابقة خطيرة ستمثّل تهديداً جاداً، ومنعطفًا حاداً لمجتمعاتنا الإسلامية؛ إذ إنه وسيلة هدّامة لا تهدم الأسرة فحسب؛ بل تهدم المجتمع بأكمله إذا ما أصبحت ديدن المنحرفين ومريضي النفوس والشواذ في المجتمع ممن انسلخوا عن المبادئ والأخلاق، حتى وإن تعاطف الكثير مع بعض تلك القضايا الإنسانية ممن وقعن في شراك الاغتصاب والابتزاز كما حصل في إحدى الحوادث، وشُكِّلت من أجلها جماعة تبنت لها موقعاً على الإنترنت أطلقت على نفسها (جماعة سيوف الأعراض) تنادي بجملة واحدة تقول: "لن نرضى بأقل من رأس الفاعل وأعوانه" فإن كانت هذه الجماعة قد نشأت مطالبة برأس مجرم واحد من هؤلاء ممن ذاع صيته وتناقلته الصحف والمجلات، فكم مجرمٍ وكم جماعة سوف تفرزها لنا التربية الإلكترونية الخاطئة!! وهل ستكون (جماعة سيوف الأعراض) نواة لمنظمة كبرى توازي في مهامها مهام جماعة التوحيد والجهاد في العراق، أو جماعة أنصار الإسلام في جزيرة العرب، أو جماعة الشباب المؤمن في اليمن، أو جماعة التكفير والهجرة في مصر، لتصبح جميع قضايانا الإسلامية والتربوية تُحلّ بوساطة جماعات متخصصة في معالجة كل علَّة تنبت في بلادنا؟! مع الفارق طبعاً في توجه كل جماعة ومدى صدقها..
إن قضايا الفساد الجنسي التي باتت اليوم تشكل هاجسًا قوياً لدى متصفحي الإنترنت مع كونها شكّلت منعطفاً سيّئاً لولادة خُلقٍ سيّئ، إلا أنها ليست وحدها ما نُشر في المواقع الإلكترونية، وفي رسائل الهواتف المحمولة، فإن ما تزخر به تلك التقنيات من تصويرٍ لبنات وأعراض المسلمين بغرض اللهو والعبث أمر يفوق التصور الطبيعي للعقل، فلم تعد الرذيلة أمراً صعب المنال، ويحتاج الوصول إليه قطع المسافات أيامًا وليالي، بل هي ساعات ودقائق ولحظات حتى يتكفل أحدهم بأن يهدي أخاه أو صديقه رسالة عبر الهاتف لا يستغرق انتقالها سوى لحظات من الثانية، وثمنٍ بخسٍ من النقود..
وهذا النوع من القضايا يضعنا أمام هالة من التساؤلات حول خطر هذه الأخلاق الوليدة في مجتمعاتنا نتيجة ولادة هذه المبتكرات وتضعنا أمام تفكير جادّ حول انعكاسات ونتائج التربية الإلكترونية الحديثة، والتي كان أثرها المباشر نابع من ذلك العالم المجهول الذي اقتحمت مجتمعاتنا أسواره بغتة دون سابق إنذار أو تهيئة.. ولن يكون علاجها مختصًا بجانبٍ دون آخر، ولن يردعها فتوى شرعية، بل إن فتوى عاجلة تحرِّم اقتناء هاتفٍ يمتلك خاصية التصوير ليس هو العلاج الصائب، وليست كهذه الفتاوى العاجلة هي ما ينتظرها مراهق عابث، أو شابٌ طائش، كما أن لغة التحريم المطلق دائماً ما توقع مصداقية العالم أو المفتي في حرج، عندما يكتشف جوانب الصلاح والفائدة في تلك التقنية فيصدر فتوى استدراكية عن جواز اقتناء ذلك الجهاز بضوابط معينة، كما أنه وفي ظل عصرٍ بات العالم فيه قرية صغيرة، نكون قد أعلنّا على أنفسنا الحكم بالتوقف عن مجاراة الحياة إن أعلنّا عصياننا على كل مخترعات أو تقنيات تصل إلينا، ونكون قد رفعنا بأنفسنا راية الاستسلام على مواكبة هذا العصر؛ لأن القادم حتمًا سيكون أصعب وأشد نكالاً، وإن كل تقنية أو مخترع تم اكتشافه لا يمكن إلا وأن يجمع جوانب الخير والشر، وهذه حكمة الله حتى فيمن خلقه سبحانه وتعالى وهو الإنسان ذاته، فهو أيضاً وعاء يحمل نفسًا خيِّرة، ونفسًا شريرة، كما أنه ليس من العقل أيضاً أن نتوقع بأن العلاج يكمن في عقارٍ كيميائي ووصفة سحرية بها سيتوقف مسلسل العبث بأعراض الناس، وتصيّد عوراتهم؛ لأن سنة الله في الكون تأبى إلا أن يبقى الصراع بين الحق والباطل مادامت الحياة، وأن تستمر المعركة بين الإنسان والشيطان ما بقيت السماوات والأرض، فنكون قد تعدّينا حدود العقل والنقل والمنطق إن أردنا أن نبحث عن علاج جذري لهذه الظاهرة لكي نجتثها ونستأصلها؛ فمجتمعات الطهر والنقاء لن تكون إلا في الجنة، أما في الدنيا فهي ساحة صراع لا ينتهي إلا بانتهائها..
ولهذا .. فإننا أمام ما يحصل الآن من فوضى أخلاقية أنتجتها التربية الإلكترونية، يجب علينا أن ننظر إلى الجزء الممتلئ من الكأس لنرى بأن ما حدث سيكون محرَّكاً ودافعاً لتمسك الأسرة المسلمة بعفتها، والاحتراز على حياتها من مداخل الشيطان، فإن الله إن أراد بعبده خيراً أدخله الجنة رغم أنفه، وهيأ له أسباب دخولها، وهكذا بنات المسلمين إن -شاء الله- فربَّ حدثٍ عابرٍ يتطاير خبره ومأساته ليدخل كل بيت حتى يحرِّك في فتياتنا غيرةً وعودة للالتزام بحجابهن، والحفاظ على أخلاقهن، ما لم تستطع تحريكه مئات الندوات الاجتماعية، و المؤتمرات التربوية.
ـــــــــــــــــــ(101/120)
إعلام الطفل العربيّ خيال علميّ واستثمارات اقتصاديّة
الأردن: هديل الصفدي 30/2/1426
09/04/2005
أصبحت المادة الإعلاميّة الموجهة للأطفال من أخطر الصناعات الإعلاميّة في عصرنا الحالي، ومن أكثر الصناعات التي تشهد إقبالاً من طرف المستثمرين وشركات الإنتاج العالميّة، نظرًا لما تدره من أرباح سنويّة تُقدّر بملايين الدولارات بسبب استهدافها لشريحة واسعة تتسع دائرتها باستمرار، وهي شريحة الأطفال.
وبفضل تعدّد القنوات الفضائيّة، وظهور شبكة الإنترنت وعولمة الصوت والصورة، أصبح إعلام الطفل يشهد تناميًا ملحوظاً، وصار أكثر قرباً إلى الطفل، وقد حمل هذا الانتشار السريع معه أساليب جديدة أكثر تطورًا لاستمالة الطفل، والسيطرة على عقله، ودفعه إلى الإدمان على مثل هذه البرامج.
ولاشك أن هذا التوسع المذهل في تجارة التسلية الموجهة للأطفال يخفي الكثير من المخاطر والسلبيات، فأكثر الشركات المنتجة والعاملة في هذا القطاع هي شركات غربيّة توجّه لثقافة غربية، وفهم غربي لمعاني التسلية واللعب والترفيه والتربية، والتي تتعامل مع إعلام الطفل بمنطق اقتصادي دون اهتمام بالقيم.
ويكمن خطر الإنتاج الإعلامي الغربي في سعيه إلى أن يصبح نموذجاً يُحتذى به، وإنتاجاً مثالياً في ذهن الطفل الراغب في مشاهدة الأفلام والمسلسلات والبرامج التي تخاطب فيه غرائزه الطفوليّة، وأنماطًا للتقليد والمتابعة، مما يوجد حالة من التشوه النفسي والقيمي لدى الأطفال، ويصبح معها أمر التقويم صعب المنال مع التقدم في السن، وانغراس تلك النماذج والأنماط في منطقة اللاوعي، ولا يعود الطفل ينظر إلى العالم بسوى منظار ما يُقدّم له.
ويتشكل إعلام الطفل بوجه عام من الرسوم المتحركة وأفلام الكرتون التي تأخذ أشكالاً فنية عديدة تجذب فئة الأطفال والشباب.
وتُعتبر هذه الفنون رافدًا أساسيّا من روافد تربية الطفل المسلم وتنشأته اجتماعياً ونفسياً وعقلياً، وتطوير ملكاته وتهذيبها، وغرس القيم المستهدفة من وراء عملية التنشئة، وتنمية مهاراته الذهنية، كما أنها تعطي للطفل فرصة الاستمتاع بطفولته وتفتح مواهبه ونسج علاقاته بالعالم من حوله.
وتؤثر مسلسلات وأفلام الكرتون والرسوم المتحركة وغيرها تأثيرًا بالغاً في الطفل إلى الحدّ الذي يحقّق معها حالة تماثل قصوى؛ لأن الصورة المتحركة المصحوبة بالصوت في المراحل المبكرة للطفل تتجاوب مع الوعي الحسي والحركي لديه، وتحدث استجابات معينة في إدراكه، تساهم فيما بعد في تشكيل وعيه وتصوره للأشياء من حوله؛ لأنه يختزنها وتصبح رصيده الثقافيّ والوجدانيّ والشعوريّ.
إن كل رسالة ثقافيّة تفترض وجود ثلاثة عناصر تدخل في تركيبها هي: المرسِل، والمرسَل إليه، والرسالة، وفي حالة إعلام الطفل فإن المرسِل أو صاحب الرسالة يكون هو المنتِج أو الكاتب، والمرسَل إليه هو الطفل، والرسالة هي الموضوع أو المحتوى، وتؤثر هوية المرسِل في طبيعة الرسالة فتأتي انعكاساً طبيعيًّا لثقافته ووعيه وهويته الحضاريّة والدينيّة، وبالتالي يتأثر الطفل بثقافة المرسِل التي تتركز جميعها في الثقافة الغربيّة.
وما يثير الاستهجان والاستغراب أن القنوات العربية لا تعطي أي اهتمام لكل هذه السلبيات بل على العكس تتعامل وبصورة كبيرة مع هذا النتاج الإعلامي الذي يشكل خطراً كبيراً على المجتمع العربي، حيث نجد أن أغلب الأفلام الموجهة للطفل في قنواتنا العربية هي أفلام أجنبية معربة لا تراعي الدين والثقافة والأخلاق. فالإعلام الموجّه للطفل العربي لا يخضع لأي رقابة، ولا يبدي أي أهمية لما خرجت به العديد من المؤتمرات والندوات من خطط وبرامج تتحدث عن أهميّة هذا الإعلام، وأهمية وجود رؤية علميّة ومنطقيّة لمسيرته.
إن هناك بصيص أمل من خلال ما نراه بالإعلام المكتوب الموجّه للطفل الذي بدأ بصورة متأخرة بتوجيه رسالة إعلامية مدروسة تركّز على الواقع لا الخيال من خلال مجموعة من المجلات والقصص التي ترسّخ في ذهن الطفل المسلم القيم التي تساعده ليكون عنصراً فاعلاً في هذا المجتمع، فنرى من المجلات العربيّة مجلة ماجد، والعربي الصغير ومجلة باسم، وغيرها من المجلات الاخرى.
و يبقى دور الأسرة على رأس الأدوار التي يمكنها توجيه الطفل المسلم توجيهاً سليماً، والتوفيق بين القيم العربية والقيم التي يمتصها الطفل من الإعلام المصوّر، على اعتبار أن الأسرة هي المحيط الأول الذي يفتح عليه الطفل عينيه، فيتلقّى منه نماذج التصرف والسلوك والتوجيهات التي تقود خطواته الأولى. إلا أنه من الضرورة وجود إستراتيجيّة مجتمعيّة شاملة لإعلام عربي قويم يتكامل مع وظيفة الأسرة بشكل صحيح
ـــــــــــــــــــ(101/121)
الآباء والمراهقون... تجارب عمليّة
عبد الرحمن العبود 19/2/1426
29/03/2005
الانتقال من مرحلة الطفولة إلى الرجولة تمر بفترة حرجة على الإنسان وعلى والديه، وهذه المرحلة اصطلح على تسميتها " مرحلة المراهقة ". وقد دأب علماء النفس والتربية على تقسيم حياة الإنسان وتصنيفها إلى عدة مراحل تبعاً لصفاتها ومشكلاتها.
وهنا سؤال يطرح نفسه لماذا يعاني الآباء والأمهات من أبنائهم المراهقين؟ ولماذا اعتنت الدراسات المتأخرة بهذه المرحلة بالذات؟ وهل هناك حلول عملية للتعامل مع المراهقين؟
إننا نشعر بأهمية كبيرة لمرحلة المراهقة في حياة الشباب، ذلك أن مرحلة الشباب في أي أمة من الأمم تُعتبر المرآة الصادقة التي تعكس واقع المجتمع ومدى تقدمه ونهضته. يقول الدكتور محمد عرجون في كتابه "الدين منبع الإصلاح الاجتماعي" : إن الشباب هم عصب الأمة وموضع آمالها، وهم الذين يقودون الأمة في مستقبلها فإن لم يلق الشباب توجيهاً تربوياً يقوم على دعائم الوعي والفضيلة، والتمسك بآداب الدين والعلم والمعرفة، فإنه يذهب بكل عمل تعمله ويهدم كل بناء تبنيه".أ.هـ
إن معاناة الآباء والأمهات مع أبنائهم المراهقين ناتج عن عدم معرفتهم وإلمامهم بصفات تلك المرحلة، والتغييرات التي تطرأ على حياتهم من الناحية الجسمية والنفسية، وكثير من الآباء يعامل أبناءه في تلك المرحلة على أنهم ما زالوا أطفالاً لا بد أن يستجيبوا له في أوامره و نواهيه، ونسي هذا الأب التغيرات الكبيرة التي طرأت على ابنه ودخوله في مرحلة أخرى، وهنا تنشأ المشكلة بين الوالدين وأبنائهم المراهقين.
وتزداد صعوبة كلما ازداد ضغط الوالدين تجاه أبنائهم؛ فيحدث العناد والتمرد وينتج عنه مشكلات كثيرة. يقول د. مصطفى فهمي: "إن المراهقة مرحلة تغيير كلي شامل في حياة الفرد، وليست أزمة في النمو. على أنه إذا لم يجد المراهق التوجيه المناسب في هذه الفترة فلا شك أن حياته تتصف بالفوضى النفسية والانهماك في المشكلات الجنسية والعدوان المدمر، والتمرّد الهدام، وبذلك تصبح بحق أزمة من الأزمات".
رسالة من مراهق إلى أبيه
أخي القارئ أنقل لك رسالة كتبها طالب في الصف الأول ثانوي عندما طلب منهم معلم اللغة العربية كتابة "رسالة إلى الأب" تتضمن مشاعرك تجاه أبيك.
فكتب الطالب الرسالة التالية :
بسم الله الرحمن الرحيم
إلى:- أبي الغالي...
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته .. وبعد
أكتب هذه الرسالة وأنا في المدرسة . وقد وضعت كتابي حائلاً بيني وبين زميلي المجاور حتى لا يقرأ ما أكتبه... أتعرف لماذا يا أبي؟
لأني لا أريد أن أفشي أسرار منزلي. أبي العزيز ... لم تُقصر علينا بالطعام والشراب والملبس وجميع هذه الأمور متوفرة ولله الحمد. ولكن هل تتوقع أن هذه الأمور تكفي؟! لا ... لا يا أبي!!
لماذا تعاملني بقسوة كبيرة ... لا يمضي يوم بدون ضرب أو تهديد أو وعيد!! لا تريدني أن أخرج من المنزل، ولا تريدني أن أصاحب أصدقائي!! هل تذكر عندما تأخرت عن المنزل في أحد الأيام، وكان استقبالك لي بالضرب بالعصا حتى أثر في يدي تأثيراً بالغاً!! .. وعندما تغيّبت عن المدرسة وذهبت في اليوم التالي ويدي مصابة وسُئلت عن ذلك قلت لأصدقائي... كنت ألعب الكرة وسقطت على الأرض ... .
لا أريد أن يعرفوا أنها منك.... لماذا .... كل ذلك لأني أقدرك، وأحبك، ولا أستطيع أن أقولها أمامك ؟! ألا تعلم يا أبي أني كبرت ... ومللت من الجلوس في المنزل مع إخواني الصغار ... ومللت أيضاً من كلمة ذاكر... ذاكر ... اجتهد في دروسك .... وإذا لم اسمعها منك يوماً سمعتها من أمي... .
ابنك المحب
نعم هذه رسالة تحكي واقعاً ملحوظاً لكثير من الأسر في تعاملهم مع المراهقين بأسلوب الشدة والعنف، وتكرار التوجيه دون مراعاة لفترة التحول الجسمي والنفسي في عمر المراهق، ولا بد أن نعي أن تلك الفترة من عمر الشاب تمثل مرحلة خطرة فعن طريقها تتكون اتجاهات المراهق وميوله ومستقبله، فالحرص الزائد من الآباء يولد نتيجة عكسية.
إن الأسرة في ا لحقيقة تُعتبر المؤسسة الاجتماعية التي يتعامل معها الفرد منذ اللحظات الأولى في حياته، لذا كان لزاماً على الآباء والأمهات العناية بأبنائهم والتوسط في التعامل معهم، فالتوازن مطلب، ومعنى تحقق ذلك فإننا -على الأرجح- سوف نصل إلى تربية متميزة لأبنائنا.
* صفات وسمات المراهقين:
للمراهقين صفات تميزهم عن غيرهم. وفيما يلي نستعرض أهم تلك الصفات حتى نستطيع إدراكها والتعامل معها.
أولاً: الميل إلى إثبات الذات والقدرات
وهذا الأمر يدفع المراهق إلى التحرر من قيود الأسرة، ويُفرط في الاستقلالية، ويرفض غالباً أي وصاية، ويميل إلى اختيار أصدقائه والارتباط بهم أكثر من أسرته.
ثانياً: التهور والعناد
وهذه صفة واضحة في المراهق لإثبات رجولته، وعدم الانسياق لأسرته، ذلك أن فترة المراهقة تُعدّ جسراً ينتقل فيها من الطفولة إلى الرجولة، فهو يُريد أن يُظهر أمام الآخرين رجولته، وهذا الشعور يولّد لديه الرغبة في التهور والعناد دون التفكير في عواقب الأمور.
لذا نجد أن هناك فئة من المراهقين بسبب التهور والاندفاع يقع في الجنوح الشديد من تعاطي المخدرات أو السرقة ـ أو التفحيط بالسيارة ... وغيرها.
ثالثاً: الميل إلى الغريزة الجنسية
تبلغ الشهوة منتهاها في فترة المراهقة، وغالباً ما يلجأ المراهق إلى أساليب عديدة في إشباع رغباته، وتختلف المجتمعات في التعامل مع تلك الظاهرة تبعاً للثقافات والموروثات الاجتماعية. فهناك فئة لا تراعي هذا الأمر مطلقاً وتحاول عدم إثارته أو التحدث مع المراهق بأي شيء يتعلق به. وفئة أخرى تركز على هذا الجانب، وتوضح للشاب المراهق بأسلوب واقعي خطورة الانسياق وراء المغريات أو الوقوع في شِراك الرذيلة.
وهنا نقف وِقفة تستحق التأمل وإعادة النظر، حيث إن هناك فئة من أولياء الأمور يقعون في التناقض دون قصد منهم، حيث تجدهم يحذّرون أبناءهم من الانسياق وراء الشهوات والمغريات وفي الواقع العملي تجد أن في المنزل وفي معظم الغرف قد احتوت على مجموعة كبيرة من القنوات الفضائية ووسائل الاتصال الأخرى " إنترنت "، وهذه القنوات تعرض في مجملها مشاهد العري والتفسخ التي تؤجج الغريزة، وتدفع الشاب إلى إشباعها والوقوع في الرذيلة؟! لذا كان لزاماً علينا الاختيار المناسب من القنوات الفضائية، والحذر من تلك القنوات التي تبث السموم لهدم القيم الأخلاقية والاجتماعية.
رابعاً: الاضطراب والتقلّب في المزاج
غالباً ما يخضع المراهق لتقلّبات مزاجية ظاهرة وباطنة، ويتصف بالعصبيّة الزائدة، وهذا يدفعه إلى مشكلات سلوكية فيها نوع من العدوانية.
كيف نتعامل مع المراهقين؟
لا يمكن لنا معشر الآباء والمربين أن نجيد التعامل مع المراهقين إلاّ بعد إدراك صفاتهم السالفة ورغباتهم وميولهم فعن طريقها تُضاء لنا الطريق.
ثمة أمر مهم، يرد على ذهن الآباء أسئلة كثيرة، وتتوارد في خواطرهم مشاعر كبيرة وربما البعض منهم يرفع الراية البيضاء، إشارة منه بالاعتراف بالهزيمة وعدم القدرة والسيطرة على أبنائه المراهقين. ونقول: إن الحديث عن المراهقين لا يمكن أن يُكتب له النجاح إلا إذا تحققت فيه الواقعية وعدم المثالية، وما يعانيه أكثر الآباء واقع ملموس. ومَنْ مِنّا لم يعانِ في تعامله مع المراهقين؟! سواء كان أباً أو أماً أو معلماً.
وسوف أستعرض أبرز النقاط التي تسهم بشكل كبير في التعامل معهم:
أولاً: إن التغيرات النفسية لدى المراهق تحتّم علينا أن نتعامل معه بأساليب كثيرة للوصول إلى الأسلوب الناجح، ودون الاكتفاء بأسلوب واحد فقط، وهذا الأمر يتطلب منا الاستعانة بالله -عز وجل- والدعاء بصلاح الأبناء ثم الصبر... الصبر. وإذا لم يصبر الأب على أبنائه متى يصبر؟.. وإذا لم تصبر الأم على بناتها فمتى الصبر إذاً ؟
دعونا نفكر ملياً: هل غضب الأب على ابنه المراهق وباستمرار يُغيّر من حقائق الأمور؟! ... ألم نسمع دوماً من بعض الآباء قولهم: إن ارتفاع السكر والضغط بسبب أبنائهم المراهقين!!
إننا بحاجة ماسة إلى إعادة صياغة تعاملنا مع المراهقين. فليس عن طريق الغضب أو العنف أو الشدة ننجح في التعامل معهم، قال - صلى الله عليه وسلم - " الرفق ما كان في شيء إلاّ زانه وما نُزع من شيء إلاّ شانه".
ثانياً: إن مساعدة المراهقين في اكتشاف قدراتهم ومواهبهم تسهم بشكل كبير في توجيهها إلى الهدف المنشود، وتصرف طاقاتهم فيما يفيد. وإذا أغفلنا هذا الجانب فإنه -وبلا شك- سوف يصرف طاقاته ومواهبه فيما يضر أو يكون رهيناً لتوجيه رفاق السوء.
إن الطاقة المتوهجة لدى المراهق تدعونا إلى إيجاد المكان المناسب لممارستها. ومن أعظم الأمور أن نساعده على اختيار الرفقة الصالحة ليشاركهم في إبراز طاقاته وإبداعاته، والمجالات في هذا متعددة منها: حلق تحفيظ القرآن ـ أندية الحاسب الآلي ـ المنتديات المسائية في المدارس التي تحتوي على برامج متنوعة ـ ثقافية ـ رياضية ـ اجتماعية.
إن الرفقة الصالحة تساعد المراهق على الاندماج في المجتمع والاستفادة من أوقاته وتريح الآباء في الاطمئنان على سلوك أبنائهم.
ثالثاً: التغاضي عن الهفوات والزلاّت مطلب مُلح. يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: " يعجب ربك من شاب ليس له صبوة" حسنه الهيثمي في مجمع الزوائد 10/270
ومرحلة المراهقة والشباب مظنة الوقوع في الخطأ والتقصير المتكرر الذي يتطلب منا التغاضي عنها. كما قال الأول :
ليس الغبي بسيدٍ في قومه ... ...
لكن سيّد قومه المتغابي
رابعاً: الغريزة الجنسية تشكل هاجساً لدى المراهقين، مما يدعونا إلى توخي الحكمة والحذر من إشباعها في المحرمات، والبحث عن السبل الكفيلة لتخفيف وطأتها لا سيما أن مرحلة البلوغ تبلغ ذروتها في عمر المراهقة.
تحدثنا كتب السنة " أن فتى شاباً أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله: ائذن لي بالزنا، فأقبل القوم عليه فزجروه وقالوا: مه .. مه!! فقال عليه الصلاة والسلام ادنُ مني، فدنا الشاب، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أتحبّه لأمك؟ قال: لا والله، جعلني الله فداك. قال رسول الله: ولا الناس يحبونه لأمهاتهم. قال: أفتحبه لابنتك؟ قال: لا والله يا رسول الله، جعلني الله فداك. قال: ولا الناس يحبونه لبناتهم. قال: أفتحبه لأختك؟ قال: لا والله، جعلني الله فداك. قال: ولا الناس يحبونه لأخواتهم. قال: أفتحبه لعمتك؟ قال: لا والله، جعلني فداك. قال: ولا الناس يحبونه لعماتهم. قال: أفتحبه لخالتك قال: لا والله جعلني فداك. قال: ولا الناس يحبونه لخالاتهم. فوضع النبي صلى الله عليه وسلم يده على صدره وقال: اللهم اغفر ذنبه وطهّر قلبه، وحصّن فرجه. فلم يكن بعد ذلك الفتى يلتفت إلى شيء" رواه الإمام أحمد 5/256.
تأمل أخي القارئ هذا الأسلوب النبوي الكريم في معالجة هذا الشاب الذي ثارت غريزته وتأججت، حتى وصلت إلى الرغبة في إشباعها عن طريق الزنا. ولكن داعي الإيمان في قلبه أرشده إلى استشارة النبي الرحيم، فماذا قال عليه الصلاة والسلام؟. هل وبّخه ؟!.هل أنّبه؟! لم يحدث ذلك مطلقاً بل أرشده بأسلوب حواري هادئ حرّك فيه غيرته على محارمه، ثم قال عليه الصلاة والسلام بعد تهيئة نفسه: وكذلك الناس لا يرضونه على محارمهم. ثم دعا له عليه الصلاة والسلام. فما أعظمه من نبي ومن مربّ رحيم بأمته!
أيها الأب المبارك إن الغلظة والجفاف من قبل بعض الآباء يولد النفور وهروب الأبناء، وارتكابهم الموبقات العظيمة، إن التعامل بالشفقة والحوار المبني على الاحترام يعيد ثقة الشاب بنفسه، ويحافظ عليه من الانحراف السلوكي.
خامساً: إن التنوع في أساليب التربية والتعامل مع الأخطاء بالتوجيه تارة، وبالنظرة تارة، والإشارة تارة أخرى تشكّل لدينا منهجاً متكاملاً في التربية بعيداً عن التقليدية المفرطة في زمن التطورات المتسارعة.
سادساً: هل المراقبة والمتابعة المستمرة تجدي مع المراهق؟
لا بد من الإشارة إلى أن مرحلة المراهقة تُعدّ من أخطر المراحل في حياة الإنسان. والدخول مع الشاب المراهق في دائرة المراقبة المستمرة، يورث لديه الشك في تصرفاته، وانتزاع الثقة منه مما يترتب عليه الوقوع في الكذب والاضطراب المستمر مع أسرته.
إن المتابعة والاهتمام بأحوال المراهق عن بعد دون إشعاره بالمراقبة تضفي على شخصيته الهدوء والثقة في النفس، والتعامل الواقعي الصريح مع أسرته، وتجنّبه مخاطر الانزلاق، والدخول في دائرة الشك والريبة.
سابعاً: إن تعزيز الصفات الإيجابية لدى المراهق، يدفعه إلى العمل ويحقق الثقة بالنفس والتفاعل مع مجتمعه. إننا نفرط في أغلب الأحيان بذكر السلبيات والتحذير منها أو التوبيخ عليها. علماً أن المدح والثناء على بعض الأعمال يشجع المراهق ويهيئه في نفس الوقت للابتعاد عن ممارسة وارتكاب الأخطاء.
ثمة أمر مهم لا بد من العناية به، وهو عدم إدخال المراهق في مقارنات مستمرة مع أقرانه كقول البعض مثلاً: " إن ابن فلان أفضل منك حصل على الترتيب الأول في المدرسة ".
هذا الأسلوب لا يحقق التحفيز لدى المراهق، بل يُثير في نفسه الحسد والحقد على قرينه، إضافة إلى تحطيمه. إن علينا أن ندرك أن القدرات والمواهب تختلف بين المراهقين، فعقد المقارنات مع اختلاف القدرات ينتج عنه التحطيم النفسي للمراهق، وربما يصل الحد إلى ترك الدراسة إذا كانت هي محور المقارنة.
إن الله -عز وجل- لحكمته البالغة خلق لكل إنسان قدرة وموهبة تختلف عن الآخر، وعلينا اكتشاف تلك المواهب والقدرات، ونحققها على أرض الواقع ونستثمرها في صالح الإنسان ومجتمعه وأمته. إن تلك القدرات والمواهب في حال استثمارها تكوّن لدينا منظومة متكاملة في الأخلاق والقيم، وتهيّئ لنا بيئة خصبة للإبداع والتميّز في جميع المجالات. وبالتالي ينشأ المراهق في بيئة صالحة للعطاء وينظر لأسرته ومجتمعه بنظرة تفاؤل واستشراف للعمل والبناء.
ـــــــــــــــــــ(101/122)
طريقنا نحو طفل قلبه معلق بالمسجد
لا يزال المسجد أهم جامعة عرفتها البشرية، منذ " قباء "، الذي بناه الرسول - صلى الله عليه وسلم - ومروراً بالمساجد التاريخية، أثبت المسجد أنه المكان الطبيعي القادر على صناعة مخرجات إسلامية ساهمت في حمل لواء الدعوة عبر كل هذه القرون.
ارتياد المساجد:
وحتى نعيد للمسجد رسالته ودوره ليعود لنا بأمثال أطفال الصحابة لا بد وأن نمهد الطريق للأبناء للوصول إليه والتعلق به وأن نغرس في نفوسهم معنى الشاب ذي القلب المعلق بالمسجد ليكون أبناؤنا ممن يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله.
وهذا جابر بن سمرة - رضي الله عنه - قال: صليت مع رسول الله صلي الله عليه وسلم الصلاة الأولى يعني صلاة الظهر ثم خرج إلى أهله فخرجت معه فأستقبله ولدان فجعل صلي الله عليه وسلم يمسح خدي أحدهم واحداً واحداً قال جابر: وأما أنا فمسح خدي فوجدت يده برداً وريحاً كأنما أخرجها من جونة عطار.
ولما كان للمسجد من آثار كبيرة في تربية النفس لندخل مع الأبناء دورة تدريبية من أجل شاب قلبه معلق بالمساجد.
رحلة خيالية:
كثيرة هي تلك الوسائل التي يمكننا أن نسلكها من أجل أبناء قلبهم معلق بالمساجد ضمن هذه الوسائل رحلة لكنها رحلة من نوع خاص فهي رحلة خيالية ومن هذه الرحلة سنوضح للأبناء أهم المساجد عبر التاريخ الإسلامي منذ بناء المسجد الأول في الإسلام وهو " قباء " ونحاول أن نسرد لهم أهم الأحداث التي شهدتها هذه المساجد في فترات مختلفة إلي جانب أن نجمع بعض الصور لمساجد قديمة ولنفرض أننا سافرنا إلى بلاد إسلامية أن نقوم بزيارة إلي المساجد التاريخية.
رحلة حقيقية:
إلي جانب الرحلة الخيالية التي قمنا بها سابقاً يمكننا القيام برحلة حقيقية مع الأبناء فنأخذهم في جولة بالسيارة إلى المساجد القديمة والحديثة في المدينة للتعرف عليها وحبذا لو اصطحبناهم إلى المسجد الذي كان يصلي فيه الأب في صغره مع والده فهذا الشيء سيقدرونه ويحرصون على تقليده.
صلاة الجمعة نكهة خاصة:
إن اصطحاب الأبناء لصلاة الجمعة وخاصة الفتي الذي بلغ موضع الأب فلا يعبث أو يركض أو يزاحم الكبار لهو من الأمور التي يجب الحرص عليها لأنها تعد الدرس الأول للتعلق في حب المسجد، وحتى نجعل لصلاة الجمعة لزيارة جدهم أو عمهم أو بعض الأصدقاء أو أخذهم إلي الأسواق القديمة وهذا من شأنه أن يغرس حباً وترابطاً بين الابن والوالد.
حسن الاستماع والإنصات:
تدريب الابن على حسن الاستماع والإنصات وفهم الخطبة في صلاة الجمعة أو العيدين وسؤاله عن مفهومها وماذا استفاد منها ثم نطلب منه أنه نقل أهم مفاهيم الخطبة لإقرانه وأقربائه.
صداقة في المسجد:
نشجعه على التعرف على أصدقاء في المسجد وذلك من شأنه أن يؤلف بين قلوب المسلمين ويشعر الابن بالود والمحبة مع من حوله فتنشأ صداقة بينه وبين المسجد ورواده.
من رمضان إلي رمضان:
إن لصلاة التراويح في رمضان أثر كبير في النفوس المؤمنة فإذا اصطحبنا الأبناء لصلاة التراويح وأعتادوا على سماع القرآن وأداء الصلاة فذلك تغذية نفسية لهم ينتظرونها من رمضان إلي رمضان.
آداب المسجد:
نعلم أبنائنا آداب المسجد بدءاً من الدخول بهدوء ووضع الحذاء في المكان المخصص له وعدم الركض والابتعاد عن مزاحمة الكبار والانتباه واليقضة للخطبة وعدم العبث بالأشياء داخل المسجد.
الصحبة الصالحة:
إذا كان الفتى أكبر سناً فلا بد من مصاحبته وتكوين صحبة صالحة تشجعه على ارتياد المساجد.
الدرس الأسبوعي:
سيتعود الفتى على ارتياد المساجد لتابع الدرس الأسبوعي لحفظ القرآن أو مراجعة الأحاديث أو شرح صفحات من أحد كتب الفقه وفي هذه الحالة ستعلق قلبه بالمسجد.
العدد (3) فبراير 1999 ـ ص:20
http://www.waldee.com المصدر:
ـــــــــــــــــــ(101/123)
إلى القلوب المحترقة؟!
فوزية الخليوي * 7/2/1426
17/03/2005
إن هذه الدنيا لا تكاد تصفو لأحد فما أن تكتمل للمؤمن بالذرية إلا ويفاجأ الوالدان بابنهم تخترمه المنيّة! فترى الأم زائغة النظرات.. تغصُّ بالعبرات فها هي لعبته مرمية.. وها هي ضحكتُه مدوية! فتزداد غُصّة إلى غصّة وتسير لهفى لا ترى إلا طفلها بين عينيها يعود على مسامعها صوته تارة بالبكاء وتارة بالضحك، فتبكي، وهى تتجرع مرارة الألم.. والسّقم، فتعبس الدنيا في عينيها.. ويكفهرُ وجهها، إلا لمن تحلّى بالصبر.. وطمِع بالأجر، (إنه من يتق ويصبر فإنّ الله لا يضيع أجر المحسنين). وعن سعيد بن جبير قال: ما أُعطيت أُمّة عند المصيبة ما أُعطيت هذه الأمة من قولها: (إنا لله وإنا إليه راجعون)، ولو أُعطيها أحدٌ لأعطيها يعقوب حيث يقول: (يا أسفا على يوسف وأبيّضت عيناه من الحزن فهُو كظيم)، وقد نظر عمر إلى رجل يحمل ابناً له على عاتقه فقال: من هذا منك؟ قال: ابني! فقال عمر: أما إنه إن عاش فتنك، وإن مات أحزنك! وقد سُئِل سفيان الثوري: ما بلغ من وجدك على ابنك؟
قال: بُلْتُ يوم مات دماً. وقال الحجاج لرجل من الأنصار مات ابن له فوجد عليه: أخبرني كيف كان حبك لابنك؟ قال: ما مللت قط من النظر إليه ولا غاب عني إلا اشتقت إليه ولَهاً، فقال الحجاج: هكذا كان وجدي بابني محمد!
و قيل: الولد إذا عاش كدّك.. وإن مات هدّك.
فضل من مات له ولد
1 - عدم المسّ في النار
قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "لا يموت لأحد من المسلمين ثلاثة من الولد فتمسّه النار إلا تحلّة القسم" رواه البخاري.
2- كون الأطفال في الجنة
عن خالد العبسي قال: مات ابن لي فوجدت عليه وجداً شديداً فقلت: يا أبا هريرة، ما سمعت من النبي شيئاً تسْخَى به أنفسنا عن موتانا؟
قال: نعم سمعت من النبي -صلى الله عليه وسلم- يقول: "صغارهم دعاميص الجنة يتلقى أحدهم أباه أو قال أبويه- فيأخذ بثوبه- أو قال بيده كما آخذ أنا بصنفة ثوبك هذا قال: فلا ينتهي حتى يُدخله الله وأباه الجنة" رواه مسلم.
3 - دخول الوالدين للجنة
عن أبى هريرة -رضي الله عنه- قال: جاءت امرأة إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- فقالت: يارسول الله! إنا لا نقدر عليك في مجلسك فواعدنا يوماً نأتك فيه. فقال: موعدكن بيت فلانة فجاءهنّ لذلك الوعد، وكان فيما حدثهنّ فيه: ما منكن امرأة يموت لها ثلاثة من الولد فتحتسبهم إلا دخلت الجنة فقالت امرأة: واثنان؟ قال: واثنان".
4 - بناء بيت في الجنة
عن أبى سنان قال: دفنت ابني سناناً وأبو طلحة الخولاني جالس على شفير القبر، فلما أردت الخروج أخذ بيدي، فقال: ألا أبشرك يا أبا سنان؟
قلت: بلى، قال: حدثني الضحاك بن عبد الرحمن عن أبى موسى الأشعري عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: إذا مات ولد الرجل يقول الله تعالى لملائكته: أقبضتم ولد عبدي؟
فيقولون: نعم فيقول: أقبضتم ثمرة فؤاده؟
فيقولون نعم فيقول: ماذا قال عبدي؟
قال: حمدك واسترجع.
فيقول : ابنوا لعبدي بيتاً في الجنة، وسموه بيت الحمد" رواه الترمذي وهو حسن.
6- إن أطفال المسلمين تحت كفاله النبي إبراهيم
في حديث الإسراء قال الرسول -صلى الله عليه وسلم- من جملة ما رأى: رجلاً طويلاً في روضة وحوله ولدان قالوا له: الرجل الطويل في الروضة إبراهيم، والولدان حوله كل مولود مات على الفطرة" رواه البخاري.
حُسن العزاء
عزّى ابن المهدي ابن أبى جعفر عن ابنٍ له فقال: أيسرّك وهو بلّية وفتنة، ويحزنك وهو صلاة ورحمة، ولقد أفرد العرب أبواباً عِدّة في المراثي دلالةٌ على المشاعر الجياشة التي تعتمر في قلوبهم. قال الأصمعي قلت لأعرابي: ما بال المراثي أشرف أشعاركم؟ قال: لأنا نقولها وقلوبنا محترقة؟!!
ومن أبلغ القصائد في رثاء الولد قصيدة أبى الحسن التهامي في رثاء ابنه الصغير:
حكم المنية في البرية جاريِ ... ...
ما هذه الدنيا بدارِ قرارِي
إني وُترت بصارم ذي رونقٍ ... ...
أعددته لطلابة الأوتارِ
يا كوكباً ما كان أقصر عُمرَهُ ... ...
وكذاك عُمر كواكب الأسحار ِ
وهلال أيامٍ مضى لم يستدر ... ...
بدراً ولم يمهل لوقت سرارِ
عجل الخسوف عليه قبل أوانه ... ...
فمحاه قبل مظنة الإبدارِ
واسُتل من أترابه ولِداتهِ ... ...
كالمقلة استلت من الأسفارِ
فكأنّ قلبي قبرُهُ وكأنهّ ... ...
في طيّه سرٌ من الأسرارِ
أشكو بعادك لي وأنت بموضعٍ ... ...
لولا الرّدى لسمعت فيه سراري
والشرق نحو الغرب أقرب شقة ... ...
كمن بعد تلك الخمسة الأشبارِ
جاورت أعدائي وجاور ربّه ... ...
شتّان بين جواره وجواري
* عضو الجمعية العلمية السعودية للسنة
ـــــــــــــــــــ(101/124)
روعة من روعة عيالك
عبد الرحمن بن عبد الله السحيم
جَلَسَ بَقِيّة بن الوليد إلى إبراهيم بن أدهم، فقال له: ما شأنك لا تتزوج؟
قال: ما تقول في رجل غَرّ امرأته وخدعها؟
قلت: ما ينبغي هذا.
قال: فأتزوج امرأة تطلب ما يطلب النساء؟ لا حاجة لي في النساء.
قال بقيّة: فجعلت أثني عليه، قال: فَفَطِن، فقال: لك عيال؟
فقلت: نعم.
قال: روعة من روعة عيالك أفضل مما أنا فيه.
وقال بقيّة بن الوليد مَرّة: صحبت إبراهيم بن أدهم في بعض كور الشام وهو يمشي ومعه رفيقه فانتهى إلى موضع فيه ماء وحشيش، فقال لرفيقه: أترى معك في المخلاة شيء؟
قال: معي فيها كِسَر، فنثرها، فجعل إبراهيم يأكل، فقال لي: يا بقية ادن فَكُل.
قال: فرغبت في طعام إبراهيم فجعلت آكل معه.
قال: ثم إن إبراهيم تمدد في كسائه، فقال: يا بقية ما أغفل أهل الدنيا عَنّا! ما في الدنيا أنعم عيشا مِنّا، ما أهتمُّ بشيء إلا لأمر المسلمين، ثم التفت إليّ، فقال: يا بَقِيّة لك عيال؟ قلت: إي والله يا أبا إسحاق، إن لنا لعيالاً.
قال: فكأنه لم يعبأ بي، فلما رأى ما بوجهي، قال: ولعل روعة صاحب عيال أفضل مما نحن فيه.
فصاحب العيال إذا صَرَخ أحدهم وَقَف شعر رأسه! ظانّا أن أحدهم أُصِيب بسوء. وإن سمِع صوت سقوط وجَلَبَة فزع من مكانه..وربما هبّ من نومه..ولعله ابْيَضّ بعض شعر رأسه لتصرفات بعض أولاده! وهو يسعى لراحتهم.. ويجتهد في المحافظة عليهم.. ويحرص غاية الحرص على سلامتهم. فالولد مَبْخَلَة مَجْبَنة مَحْزَنَة
جاء الحسن والحسين يستبقان إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فضمّهما إليه، ثم قال: إن الولد مَبْخَلَة مَجْبَنة مَحْزَنَة. رواه الإمام أحمد وابن ماجه، والحاكم واللفظ له وقال: هذا حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه.
فلأجل الولد يبخل الأب بمالِه
ولذا كان من أوصاف أهل الْجَنّة: وعفيف مُتَعَفِّف ذو عيال. رواه مسلم.
لأن صاحب العيال في الغالب يدفعه الحرص على عياله أن لا يتعفف، سواء عن الحرام، أو عما في أيدي الناس..
ذلك أن لديه دوافع الحرص والطَمَع..
قد لا يحرص من يعيش لنفسه.. أما من كان صاحب عيال فإنه غالباً يحرص عليهم.. يخشى عليهم الفقر والفاقة..
ولما كان الأمر كذلك فقد قال الله مُخاطِباً الآباء إذا كانوا فقراء: (وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ مِنْ إِمْلاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ).
وخاطَبَهم إذا كانوا أغنياء، فقال: (وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُمْ).
لذا كان من تعفف مع وُجود الولد من أهل الجنة..
ولأجل الولد يَجبن الوالد عن القتال إذا تذكّر أولاده..
فيتأخر خوفا عليهم أن يكونوا عالة يتكفَّفُون الناس..
ولذا قال - سبحانه وتعالى -: (وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُوا مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعَافًا خَافُوا عَلَيْهِمْ فَلْيَتَّقُوا اللَّهَ وَلْيَقُولُوا قَوْلا سَدِيدًا).
وعلى الولد يحزن الوالد
يحزن إن مسّهم الضرّ.
يَحزن إذا مرِض أحدهم.
يحزن إن أصابتهم سهام المنايا
ولذا قال - عليه الصلاة والسلام -: وإنا بفراقك يا إبراهيم لمحزونون. رواه البخاري ومسلم.
وقديما قال الشاعر:
لولا بنيات كزغب القطا *** رُدِدن من بعض إلى بعضِ
لكان لي مضطرب واسع *** في الأرض ذات الطول والعرض
وإنما أولادنا بيننا *** أكبادنا تمشي على الأرض
لو هَبّت الريح على بعضهم *** لامتنعت عيني من الغمض
فليهنك الولد يا صاحب الولد
فَـ " روعة من روعة عيالك أفضل مما فيه " أهل الزّهد والانقطاع للعبادة.
http://www.saaid.net المصدر :
ـــــــــــــــــــ(101/125)
شذرات تربوية
ناصر بن سليمان العمر
1. الرقابة الذاتية:
من المهم ألا يعمل ابنك شيئاً تكرهه وأنت تراه، ولكن الأهم منه ألا يعمل ذلك الشيء حين لا تراه.
2. واصبر:
أمرنا عجيب فإن لدينا قدرة على تقبل أخطاء الآخرين بما لا نقدر عليه مع أبنائنا، فلو أن زميلك أو جارك أو ضيفك أسقط الكأس على رأسك لبادرته بعبارات المجاملة والتهدئة، وهذا خلق حسن، والويل كل الويل لو فعل ذلك أحد أبنائك، حتى لو كان أول مرة: [يا أرفل ما تشوف...إلخ] ودون قصد أو تفريط.
3. إنه فوق ما تظن:
• من السهل جداً إلقاء اللوم على الآخرين، وتحميلهم كثير من المشكلات وما تواجهه من عقبات، وكم رددت علانية أو في نفسك عبارات الإحباط والألم، فمرة تقول: أولادي لا يسمعون لي، وأخرى لا يتجاوبون فيما أريد منهم، وهلمّ جرّا، ولكن لو أنصفت لرأيت أنهم يستجيبون لك كثيراً، وقد يقصرون أحياناً، والعبرة بالأكثر، ثم لنكن صرحاء مع أنفسنا، فكم مرة أردت من نفسك أشياء ولم تتجاوب معك، وكم عزمت على أمر ولم تنفذه، وكم بدأت في عمل ولم تكمله، إذا كان هذا مع نفسك التي تملك زمامها، فلماذا تلقي باللوم على الآخرين؟ ولو كانت زوجتك وأبناءك، فكن منصفاً وعادلاً وواقعياً، وركز على الإيجابيات فسترى ما يسعدك.
• لماذا تكون سعادة الآخرين سبباً لشقائنا؟ فإذا رأينا أبناء أقاربنا يبرون بآبائهم، حينها جام غضبنا على أبنائنا، واتهمناهم بالتقصير والجحود، وإذا رأينا أبناء الجيران يتسمون بالأدب وحسن الخلق تفننّا في تحطيم أبنائنا والسخرية بهم، ولو سيطرنا على مشاعرنا لجعلنا من هؤلاء وهؤلاء قدوة وأسوة ورفقة وزملاء لأبنائنا، ولطلبنا من أبنائنا استضافتهم وصحبتهم وتبادل الهدايا معهم، ثم ما يدريك فلعل لهؤلاء وجهاً آخر لم تره، وإنما بان لك جانب فحفظت شيئاً وغابت عنك أشياء، فلا تعلم ما يجري خلف الجدران، وقد يكون لدى أبنائك من الجوانب الإيجابية ما يفوق ما لدى هؤلاء، ولعل آباءهم يقرعونهم ويقولون لهم: لماذا لا تكونون مثل أبناء فلان؟ والكمال عزيز، والسعي إليه صفة الرجال الأسوياء، ولكن لا يكن حرصك الشديد على حفظ الجرّة سبباً لتحطيمها، وقد تصاب بشظية منها تريق منك الدم، فتندم ولات ساعة مندم.
4. كما أنهم يختلفون:
• تأمل في وجوه أبنائك، وفي شكل أجسامهم ألا ترى أنهم يختلفون عنك في بعض الصفات الخَلْقية، هذا أمر مسلم به، إذن لماذا لا يتسع صدرك لبعض الاختلافات في المواهب والرغبات، وتصر على أن يكونوا نسخة منك؟ فكن عملياً وواقعياً، وهذا لا يعارض علوّ الهمة وطلب الكمال، والسعي الجاد للتخلص من الصفات السلبية، ثم ألا ترى معي أن بعض صفاتك التي أنت معجب بها تحتاج إلى إعادة نظر، أو قد يكون ما لدى ابنك أكمل منها، أو قد لا تناسب أحداً سواك.
• العقل ينمو كما ينمو الجسم، فلا تطلب من ابنك فوق ما يعقل، ولا تلمه على عدم إدراكه لأمور تحدثه بها فوق مستواه، فأنت الملوم، فأنت لم تصل إلى ما وصلت إليه إلا بعد حين، والعقل لا يكمل إلا بعد بلوغ الأربعين غالباً ولذلك قال الله عن موسى: "وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَاسْتَوَى" (القصص: من الآية14). وقال: "حَتَّى إِذَا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً" (الأحقاف: من الآية15) وبعث محمد - صلى الله عليه وسلم - بعد الأربعين، ولا يعني هذا نقص العقل قبل ذلك، ولكنني أتحدث عن التمام، وفرق بينهما، وهذا في الأعم الأغلب لا على الاطراد، وعقول الأنبياء أكمل العقول وأزكاها، والمهم أن تتعامل مع ابنك مراعياً مستواه العقلي، دون إفراط أو تفريط، فكلا طرفي قصد الأمور ذميم.
5. زمان غير زمانك:
كثير منا يريد أن يربي أبناءه على ما رباه عليه أبواه، وهذا هدف نبيل وغاية سامية، لكن ألا ترى معي أن جيل أبويك غير جيلك، وجيلك غير جيل أبنائك، واختلاف الزمان والمكان عامل مؤثر في التربية، وما كان أسلوباً ناجحاً بالأمس قد يؤدي إلى الفشل اليوم، فشباب الأمس غير شباب اليوم، ورفقة اليوم غير رفقة الأمس، وهلم جرّا.
6. هل لك أعوان في التربية؟
• اختر المدرسة المناسبة لابنك، وكن على صلة بالإدارة والمدرسين، وتعرف على زملاء ابنك في الفصل، وتابعه في دراسته، فإن وجدت المدرسة إدارة ومنهجاً وأساتذة وطلاباً على خير ما يرام فاحمد الله، وإلا فبادر في البحث عن الجو المدرسي التربوي الذي ترضاه لابنك، نظراً لما للمدرسة من أثر عميق في صياغة شخصية ابنك وتحديد مستقبله.
• لا يمكن أن يعيش أبناؤك بدون زملاء وأصدقاء، ولكل سن ما يناسبها، ومن هنا فعليك أن تبادر باختيار رفقة لأبنائك قبل أن يختاروا هم من ليس أهلاً لذلك، أو يختارهم من لا ترضى سلوكهم وأخلاقهم، وقد يكون من المناسب أن تتفق مع ابنك على رفقة تناسبه، بحيث يختارهم تحت إشرافك.
7. قرار صارم!!
قد يجد الأب أنه في وضع يحتاج إلى حلول جذرية وقرارات قوية، كأن يكون في بلد أو حارة يكثر فيها السفهاء، ويصعب عليه أن يمنع اختلاط أبنائه بهم، وبخاصة من يكثر غيابه عن البيت، فقد يجد أنه لا مناص له من الانتقال من الحارة أو البلدة إلى مكان يناسبه ويناسب أبناءه، وهو حلّ عملي، بل وشرعي والصعوبة في اتخاذ القرار، ولو فعل لوجد أن الأمر أسهل مما كان يتصور.
فكن قليل الكلام، كثير الفعل، حازماً دون قسوة، حليماً دون ضعف، جاداً دون جفاء.
8. فارغ؟!
الفراغ داء قاتل، وهو مفرخة لكثير من الأدواء، وسبب معظم المشكلات، فاشغل أولادك يكفونك شرّهم، أشغلهم بالمفيد، أو بالمباح، وقد تضطر إلى المكروه، ولكن لا يكن ذلك أصلاً، بل استثناء، فالإكثار من المباح يوقع في الحرام، فكيف بالمكروه، وإياك والغفلة والتشاغل.
http://www.almoslim.net المصدر :
ـــــــــــــــــــ(101/126)
هروب الفتيات... خطأ مشترك!!
فوزية الخليوي * 19/1/1426
28/02/2005
هزّت الصحف السعودية بداية العام الحالي عدّة حوادث تداولتها عن هروب بعض الفتيات, كان لها وقع الصاعقة في قلوب الكثيرين, خاصةً في مجتمع محافظ, متمسك بثوابته الدينية!!
منها على سبيل المثال:
فتاة في السابعة عشرة تهرب من عائلتها في عسير, يذكر أن عسير شهدت قبل عدة أسابيع هروب فتاة من منزلها، ولم تتمكن الجهات الأمنية من العثور عليها جريدة (المدينة) عدد 1424.
هروب فتاة في العشر الأواخر من منزلها أثناء إعداد والدتها المسنة لوجبة السحور, ويذكر أن الفتاة تعاني من حالة نفسية, ولم تبلغ السلطات إلا في تاريخه (جريده الرياض عدد 23ذي الحجة 1425).
وهروب الفتيات ليست ظاهرة وليدة اليوم كما يدّعي البعض بل ورد في التاريخ الإسلامي بعض الحالات، فعندما كانت الروم تحاصر الأندلس المسلمة كان لأحد الأندلسيين بنت ففقدها فأُخبر أن كبيراً من رؤوس الروم خرج بها فتبعه أهلها وشكوه إلى صاحب مملكتهم فأحضره فقال الرومي: لا تعجل عليّ فإنها فرّت إلى ديننا، وجيء بها فأنكرت أبويها وارتدت!!
مما يدلل أن النفسية التي تتعامل بها الفتاة مع محيطها هي واحدة على مرّ الأزمان.
وقبل أن نُنْحى باللائمة تماماً على الفتاة, لك أن تنظر في هذه الإحصائيات من واقع مجتمعاتنا:
ذكرت جريدة الإتحاد, أن مراكز الشرطة فيدبيخلال عام 2001 سجلت هروب (79) مراهقة (المجلة الإلكترونية).
أما فياليمن, ففي صنعاء خلال أسبوع واحد اختفت عشر فتيات, وفي صنعاء أيضاً خلال ثلاثة أشهر(45) حالة, أما الحالات المبلغ عنها من قبل أهاليهن على أنها هروب فكانت (20) حالة(جريدة الرياض 5 ربيع الثاني 1423عدد 12413)
وفيجمهورية مصرفقد قال الدكتور أحمد المجدوب الخبير الاجتماعي بالمركز القومي للبحوث الاجتماعية الجنائية: لقد أثبتت الدراسات الميدانية ارتفاع معدل هروب الفتيات ففي القاهرة كان المعدل من سن (12-17) سنة (28) حالة عام 1991، و(95) حالة عام 1994, أما في جميع المدن ففي الأعوام , 98,97,96 قد بلغت الحالات (7340) حالة.
أما فيالسعوديةفتشير إحصائيات وزارة الداخلية إلى أن حالات هروب الفتيات قد سجلت منحنى خطيراً,حيث بلغ إجمالي حالات الهروب والتغيب المبلغ عنها(3285) من الجنسين, عدد الإناث(850) (جريدة الوطن عدد1537).
وإذا كانت بيانات التركيب العمري للسكان السعوديين قد أشارت إلى أن نسبة الأطفال في السعودية ممن يبلغ عمرهم (14) عاماً أو أقل حسب آخر تعداد 49.23 % فلك أن تقدّر أعداد المراهقين والمراهقات في مجتمعنا خلال جيل قادم!!
أنواع الهروب:
هروب معنوي:وهو الأكثر شيوعاً وذلك لطبيعة المجتمع المحافظ, ولخوف الفتاة من الأسرة, فتنعزل الفتاة نفسياً وتبقى في غرفتها مدةً طويلة, حيث تجعل لنفسها عالماً آخر من خلال الأحاديث الهاتفية, أو المحادثة عبر الإنترنت, فتملأ هذه المحادثات عقلها ووجدانها, يطمئن فيها الوالدان بأن أبناءهم وبناتهم يواكبون العصر أمام شاشة الكمبيوتر، وهذا بنظرهم آمن من الخروج للنزهات؟!! وقد تستيقظ الأسرة ذات صباح على فاجعة هروب الفتاة!!
وشكل آخر من أشكال الهروب: وهو المشاكسة, حيث ترفض بعض الفتيات أي موضوع يطرح لها سواءً كان سلبياً أم إيجابياً, ليس بهدف الوصول إلى نتيجة ولكن بغرض الحب في المعارضة التي تأتى في هذا الإطار رغبة منها في إثبات الذات!!
هروب مادي:حيث تقذف الفتاة بكل المبادئ والفضائل, التي نشأت عليها وتنساق وراء رغباتها التي في الغالب تقودها إلى الوقوع في الرذيلة!!
وفي دراسة قامت بها عايدة سيف الدين الباحثة في مركز دراسات المرأة والطفل في (مصر) أن 15% من الفتيات هربت بدافع الحب لشاب رفضته الأسرة, وفي بعض الأحيان تكون البنت قد أخطأت معه!
ومن الأمثلة أيضاً ما حكته عائشة الشهري أخصائية الطب النفسي بوزارة الشؤون الاجتماعية من أن إحدى الفتيات التي عايشت قصّتها، والتي تبلغ من العمر (25) كانت على علاقة بأحد الشباب, وصلت لأمور غير شرعية وبعد رفض أهلها للزواج به,هربت الفتاة معه إلى خارج السعودية لإجبار أهلها على الموافقة، وبعد عودتها قام والدها بتطليقها منه؟!(جريدة الوطن)عدد1537
هروب مادي:(تُساق إليه الفتاة قسراً) بسبب كثرة الرفض من الأهل لمتطلبات الفتاة, وكثرة الجدال ,يؤدي إلى الإحساس بعدم إشباع حاجتها النفسية من الحب والتقدير, فتزداد الفجوة بينها وبين عائلتها, وقد تُصاب الفتاة بالاكتئاب، وتصل في نهاية المطاف إلى فكرة الهروب حيث تتلقاها الأيدي غير النظيفة!! واللوم هنا لا يقع على هؤلاء الفتيات الهاربات! بل تتحمل الأسرة غياب (الحوار الأسري)؛ لأن الفتاة لم تنشأ منذ الأساس على الرضا بالواقع بأنّ كُلّ شيء مقسوم في الحياة، وأن الناس خُلقوا طبقات شتى, فتجنح بخيالها، وتبتغي تغيير الواقع بالطرق الملتوية غير المشروعة؟!
أسباب الهروب
ضعف الوازع الديني
التفكك الأسري:ومثاله ما ذكرته مجلة الأمل التابعة لمستشفي الأمل للصحة النفسية(عدد 36) عن إحدى نزيلاتها التائبات من الإدمان, وكان بدايته انفصال والديها ومكوثها عند جدتها المُسّنة، فأجبرها والدها على الزواج من صديقه, وعمرها (14) عاماً!! فهربت منه إلى إحدى صديقاتها التي استغلتها لتهريب المخدرات, ثم زواجها مرّة أخرى بأحد الذين يتعاطون معها، وموت ابنتها أثناء تعاطيهم جميعاً للمخدرات؟!
صديقات السوء:يستطيع الأهل النظر في رفيقات الفتاة من خلال مقابلتها شخصياً أو بسؤال المدرسة, ومن متابعة أحاديث الفتاة الهاتفية معهنّ بشكل غير مباشر!!
التقليد الأعمى لو سائل الإعلام:لعبت وسائل الأعلام دوراً كبيراً في تغيير أفكار فتياتنا من خلال أحاديث الفنانات التي دائماً تشير إلى أن سبب نجاحها, هو هروبها من منزل أسرتها لتحقق رغباتها الشخصية, وأيضاً من عرض المسلسلات الأجنبية التي لا تتفق مع تعاليم ديننا حيث تزين لهنّ الحرية والانطلاق للعالم الخارجي دون قيود؟!
هامشية دور المشرفة الاجتماعية:لكون الفتاة تقضي وقتاً طويلاً في المدرسة, وتتشكل شخصيتها من خلال عالمها المدرسي, كان الأجدر بمن تتولى مهمة الإشراف المدرسي, تفعيل دورها وتطويره من خلال عقد الدروس والإجابة عن استفسارات الفتيات النفسية، وحصر الفتيات المشاكسات لتلقّي برنامج حواري فعّال؟!
التدليل الزائد:هو سلا ح ذو حدين ,وسريعاً ما تُصاب الفتاة بالملل من حياتها الرتيبة بنظرها!! وتنشد الإثارة من خلال اقتحام المجهول أياً كان؟!
الضغط على الفتاة بالزواج من رجل مُسنّ
غياب الرقابة المنزلية: بداعي الثقة تغيب الرقابة عن الفتاة, فتصبح أداة لأهل السوء على كافة مراتبهم! سواء في المنزل أو خارجه!!
الحلول:
- كفّ الممارسات الذكرية المتسلطة على الفتاة من قبل إخوانها وأحياناً والدها!
- اقتراب الأم من ابنتها برفق, وجمعها بين اللين والحزم مع المراقبة بطريق غير مباشر! وغالباً ما تقع في هذا التقصير الأمهات العاملات لابتعادهن عن بناتهنّ فترات طويلة!!
- مراعاة التركيبة النفسية والهرمونية للفتاة, وخاصة فترة الامتحانات والدورة الشهرية!
- توعية الأسرة بأساليب التربية السليمة!
- تفعيل دور الأخصائية الاجتماعية في المدارس!
- دور الإعلام الهادف في محاربة المخدرات, والمعاكسات الهاتفية!! * عضو الجمعية العلمية السعودية للسّنة.
ـــــــــــــــــــ(101/127)
الخوف من المدرسة
روحي عبدات
خوف الطفل الجديد من المدرسة ودور الأسرة والمعلم:
عندما تفتح المدارس أبوابها مستقبلة آلاف التلاميذ من مختلف المراحل الدراسية والذين بينهم من يذهب إليها للمرة الأولى، ليبدأ مرحلة جديدة من حياته، مستيقظاً في الصباح الباكر ليرتدي زياً خاصاً لم يعتد عليه ويحمل حقيبة قد تثقل كاهله، متوجهاً بعيداً عن بيته وأمه وألعابه ورفاقه، حيث الوجوه الجديدة غير المألوفة من معلمين وطلاب، والمكان الجديد بأنظمته وتعليماته المقيدة للحرية أحياناً.
إنها تجربة جديدة يخوضها الطفل لوحده بعد أن اعتاد أن تكون أمه إلى جانبه في كل أماكن تواجده، فهو بحاجة لفترة زمنية للتكيف معها، فدفئ الأسرة يعني لهذا الطفل الأمن، والخروج عن هذا البيت يعني الخوف والقلق من المجهول الجديد، وليس ذلك بالأمر السهل على أطفالَ صغار كانوا منذ سنوات قليلة في أرحام أمهاتهم، وكذلك على الأمهات والآباء الذين يعتريهم القلق خوفاً عليهم، فيزداد خوفهم إذا شعروا أن طفلهم يرفض الذهاب إلى المدرسة.
تشير دراسة مصرية حول هذا الموضوع بأن الطفل يرفض الذهاب إلى المدرسة لأنه يواجه للمرة الأولى في حياته مناخاً مختلفاً، فيه نظام مختلف، ومعاملة مختلفة ووجوه لم يألفها من قبل، فلا أحد يعرف اسمه ليناديه به، عندئذ قد يصاب بمشاعر وأعراض كثيرة مثل الخوف والقلق وشحوب اللون والقيء والإسهال والصداع وآلام البطن والغثيان والتبول اللاإرادي وفقدان الشهية للطعام واضطرابات النوم لذلك فإن ذهاب الطفل الصغير إلى المدرسة يشكل صدمة الانفصال عن الأسرة، وصدمة بالمكان الجديد بكل عناصره من أدوات وأشخاص يواجههم للمرة الأولى.
ومن العوامل التي تساهم في نشأة مشاعر الصدمة والخوف عنده هو الحماية الزائدة والتدليل التي تلقاها الطفل طيلة السنوات السابقة، وقلق الأم عليه وشدة تعلقها به.
إن التعلق الشديد بالوالدين بصفة عامة وبالأم بصفة خاصة وشدة الارتباط بها وقلق الانفصال عنها يمثل أحد العوامل المساهمة في إحداث المخاوف من المدرسة، فالطفل قد يتصور أن هناك أحداث خطيرة قد تحدث لأحد والديه مثل الموت أو الانفصال بينهما خلال فترة وجودة خارج المنزل، فينتابه القلق والخوف من أن يعود إلى المنزل فلا يجد أحدهما.
ونشير هنا بأن للأم دوراً خاصاً في خلق هذا القلق في نفس الطفل وإطالة فترة تأقلمه مع جو المدرسة أو رفضه لها، وذلك حين تظهر مشاعر التخوف المبالغ فيها تجاه ابنها، وتحذيره المستمر من رفاق السوء ونهيه عن الكثير من التصرفات. إضافة إلى ما سمعه الطفل واختزنه عن المدرسة من أخوته، كالعقاب الذي سوف يتعرض له من المعلم، والأنظمة والتعليمات الصارمة التي ينبغي عليه الالتزام بها، وقلة فترة اللعب وصعوبة الواجبات المدرسية وما تحتاجه من جهد، وما قد يعزز تلك التصورات في ذهن الطفل أو ينفيها هو الممارسة العملية الفعلية من قبل المعلم تجاه هذا الطالب الجديد.
أما الخوف من الغرباء فقد يرجع إلى أن الطفل عند بداية التحاقه بالمدرسة يواجه للمرة الأولى في حياته عالماً متغيراً مليئاً بالأشخاص والغرباء الذين لم يألفهم من قبل، حيث كانت علاقته الاجتماعية محدودة ومحصورة في نطاق الأسرة والأقارب والجيران أحيانا، هذا العالم الجديد مليء بالأوامر والنواهي والواجبات المدرسية المرهقة بالإضافة إلى تقييد حريته للمرة الأولى في حياته في الكلام والتعبير عما يشعر به.
وقد أشارت بعض الدراسات إلى أن الذكور أكثر خوفا من الإناث، وأن الحنان الزائد وتأخر سن الفطام يؤخر النضج الانفعالي للطفل ويجعله أكثر اعتمادا على الأم، فلا يستطيع أن يواجه المتغيرات الجديدة التي حدثت في حياته مثل الابتعاد عن الأسرة، ومواجهة الغرباء والاعتماد على نفسه في كثير من الأمور.
ويذكر أن الطفل الذي ليس له أي خبرة بالمدرسة أكثر خوفا من أقرانه الذين كانوا يترددون على الحضانة والروضة، لأنهم يكونوا قد ألفوا وتعودواعلى مثل هذا المناخ المدرسي من حيث النظام وإتباع الأوامر والتعليمات التي يفرضها النظام المدرسي بالروضة فضلاً عن اندماجهم مع الغرباء وتفاعلهم معهم، لأن الحضانة والروضة مكان اجتماعي تعليمي يتعلم فيه الطفل أن يتوافق مع الآخرين.
وفيما يلي بعض الإرشادات للوالدين والمعلمين من أجل التغلب على خوف الأطفال الجدد من المدرسة:
- ينبغي على الآباء والمربين تحسين المناخ الأسري والمدرسي وذلك بجعلة مناخاً يتسم بالأمن والطمأنينة، ما يشجع الطفل على الذهاب إلى المدرسة، فالطفل الذي يعيش وسط الخلافات الوالدية والشجار المستمر في مرحلة الطفولة المبكرة يعاني من انخفاض في مستوى ودرجة الأمن والتحمل للمتغيرات البيئية وتقبلها وكذلك انخفاض مستوى الثقة بالنفس وبالآخرين وبالتالي الخوف.
- إتباع الأساليب السوية في الرعاية والمعاملة وتجنب الأساليب غير التربوية التي تنمي لدى الطفل المخاوف بصفة عامة والخوف من المدرسة بصفة خاصة.
- إلحاق الأطفال بدور الحضانة قبل التحاقهم بالمدرسة الابتدائية لكي تنكسر حدة الخوف والرهبة من المدرسة ويعتادوا على الجو المدرسي.
- التركيز على تأقلم الطفل مع جو المدرسة كهدف رئيس في البداية بدلاً من التركيز على الواجبات المدرسية التي ترهق الطفل وتزيد من توتره وقلقه.
- تعزيز الطفل على السلوك المرغوب فيه مهما كان صغيراً، وتنمية نسيج من العلاقات الاجتماعية والصداقات مع زملائه الجدد.
- استخدام أسلوب التعلم عن طريق اللعب والتعليم الوجداني الملطف كوسيلة تربوية لإيصال المعلومة، وإشعار الطفل بأنه في بيئة حرة إلى حد ما ولا تختلف عن جو البيت، وعدم الجفاف في التعامل واستخدام العقاب.
- دحض الأسرة للاعتقادات والتصورات الخاطئة التي يمتلكها الطفل عن المدرسة وتصويبها، وإظهار الايجابيات والمحاسن الموجودة في المدرسة من ألعاب ورحلات وممارسة للأنشطة والهوايات.
- إتاحة المجال للطفل للاحتكاك مع نماذج من الأطفال الناجحين الذين يكبرونه للاستفادة من تجاربهم وأخذ الانطباعات السليمة عن المدرسة.
http://www.almualem.net المصدر :
ـــــــــــــــــــ(101/128)
المتمرّدون
منال الدغيم 8/1/1426
17/02/2005
من هم المتمردون؟
إنهم.. ابن مشاكس في المنزل، وتلميذ مشاغب في المدرسة، وأخ عدواني مع إخوته، ومراهقة عنيدة مع أسرتها، فهؤلاء الذين تمرّدوا على الأسس وصمّوا آذانهم عن النصائح، وأمعنوا في إيذاء أنفسهم وإيذاء الآخرين.. كيف يتصرّف الأب والأم، والمعلم معهم؟!
1) لا بد أن يكون لديك أيها المربي حصيلة تربوية، مبنية على أسس علمية، فطرق التعامل مع المتمردين والمعاندين معروفة في كتب التربية السليمة، احذر أن تكون ميداناً لتجارب الآخرين غير الموثوقة مع المشاكسين، فهي محض تجارب شخصية وقد تضرّ أكثر مما تنفع، بل اقرأ وتثقّف ومارس عن علم وبصيرة.
2) كن ذكياً ونوّع أساليب تعاملك مع المتمرّدين، فالشدة دائماً تصنع هوّة أوسع بينك وبينه، والطيبة دائماً تجرّئه عليك وتقلّل من هيبته لك، بل لتكن ردود أفعالك متنوعة بين الحزم والرفق، والاحتواء والعتاب، والترهيب والترغيب.
3) ابتلاء الخالق لك بتمرّد في بيتك أو مدرستك، هو نقطة تأمل في صالحك، للتدرب على الحلم والصبر، فإياك والغضب والثورة في كل حال، بدعوى أن تصرفاته تفقدك أعصابك، حاول التحكم في نفسك والاحتفاظ بهدوئك، من أجل تصرف سليم واحتواء مناسب، وإنما الحلم بالتحلّم.
4) قد يفيد المتمرّد تسليط ضوء من الأهمية عليه، فربما كان سبب مشاكسته الرغبة في لفت الانتباه، اكتشفْ المواهب في يد المشاكس ونمّها لديه وشجعه عليها، حمّله شيئاً من المسؤولية تثني بعدها على جميل فعله فيها، في حدود المعقول تربوياً.
5) لا تبدِ القلق والحماس دائماً على أفعال المتمرّد غير المسؤولة، بل إن التجاهل في بعض الأحيان مفيد وناجع، التغافل يشعر المتمرّد بالإحباط والفشل، فيقلّل من ثورته وعناده، ولربما راجع -إن كان متقدم التفكير- نفسه وتصرفاته وعلاقاته المنهارة.
6) احذر من عقاب المتمرّد أمام غيره، أو إهانة نفسه وتجريح شرفه بالعقاب، فأنت كمن تريد استئصال الوباء بالمشرط، فإذا بك تزيد الجرح غوراً وألماً، إن الإهانة تصنع نفساً ممزّقة فاشلة، لا قيمة لأي مبدأ فيها؛ إذ لم يعد يبالي بشيء بعد تحطيم كرامته!
7) وأول خطوة قبل كل هذا، هي الدعاء الدعاء، تذكّر أن أصلح الخلق وهم الأنبياء، على سعة علمهم وتوفيق الله لهم، حفل القرآن الكريم بآيات ابتهالاتهم إلى الله بأن يهبهم الابن الصالح والذرية الطيبة، فكل سبب للصلاح منقطع إلا بحبل من توفيق الله واستجابته للدعاء الصادق.
ـــــــــــــــــــ(101/129)
مواهب أطفالنا .. كيف نرعاها؟
فوزية الخليوي * 27/12/1425
07/02/2005
إن كثيراً من حضارات العالم القديم لم تهتم بالأطفال الاهتمام المنشود, كفئة اجتماعية مستقلة!!
ويعود ذلك إلى الاختلافات الاجتماعية والثقافية بينها, وسيادة المفاهيم الشعبية المتخلفة لتحصينهم من الأرواح الشريرة!!
وبعد بزوغ فجر الإسلام كان له أكبر الأثر في اكتشاف المواهب الطفولية, ورعايتها مما أنتج عظماء في التاريخ, تركوا بصماتهم الجلية في ميادين العلم والسياسة!!
وأحسن مثال على تعاهد الرسول -صلى الله عليه وسلم- للموهوبين, تعاهده لعبد الله بن عباس -رضي الله عنه- حتى كان يبيت معه في داره، ولحديث "احفظ الله يحفظك" خير شاهد على ذلك!!
وقد استشفّ الصحابة هذا الأمر منه حتى أكمل مسيرته عمر بن الخطاب حين ضمّه لمجلس الأكابر من الصحابة، وقال له: لا تتكلم حتى يتكلموا! ثم يُقبل عليهم فيقول: ما يمنعكم أن تأتوني بمثل ما يأتيني به هذا الغلام الذي لم تستوِ شؤون رأسه!!
ولهذا لما رآه الشاعر الحطيئة أُعجب بمنطقه، وقال: من هذا الذي نزل عن الناس في سنّه، وعلاهم في قوله!!
وانظر إلى تعاهد والده العباس لهذه الموهبة الفذّة؛ إذ قال: يا بني! إني أرى هذا الرجل أكرمك, وأدناك فاحفظ عني ثلاث خصال: لا تفشينّ له سراً, ولا تكذبنّه, ولا تغتابنّ عنده أحداً!!
ولم يكن صلى الله عليه وسلم يختص فقط عبد الله بن عباس, بل أفسح المجال للصغار لحضور مجالسه؛ مما حدا البخاري أن يبوّب: باب إذا لم يتكلم الكبير فهل للصغير أن يتكلم!!
دور الأم في توجيه الموهوب
يقع العبء الأكبر في توجيه الابن على عاتق الأم, وذلك لكثرة مخالطتها لابنها, ولانشغال الأب بطلب الرزق, فإن هي وضعت هذا الأمر ديدنها وشغلها الشاغل, بلّغها الله ما أرادت!!
فهاهي أم الشافعي, عندما ولدته في اليمن, لأنها أزْديّة وهو قرشي خافت عليه الضيعة, فقالت له: الحقْ بأهلك فتكون مثلهم, فإني أخاف عليك أن تغلب على نسبك, فجهّزته إلى مكة, فقدمها وهو يومئذ ابن عشر سنين, وجعل يطلب العلم!!
دور الأب في توجيه الموهوب
كم من القدرات العلمية خبت في سِن مبكرة, بسبب الحاجة وسوء الحال, وإصرار الوالدين على ترك مقاعد الدراسة مبكراً لطلب الرزق, وهنا تكمن مسؤولية الوالد في تفريغ ابنه لهذا الشأن.
فعلى سبيل المثال كان والد هشيم بن بشير يصنع الكوامخ والمخلّلات, ويمنع ابنه من الطلب حتى ناظر أبا شيبة القاضي وجالسه! فمرض هشيم! فجاء القاضي يعوده, فمضى رجل إلى بشير فقال: الحق ابنك فقد جاء القاضي يعوده! فجاء, فقال: متى أملّت أنا هذا فقد كنت أمنعك يا بني، أما اليوم فلا أمنعك!
وهذا النووي شارح صحيح مسلم, وعمره عشر سنين يهرب من الصبيان, ويبكي لأنهم يُكرهونه على اللعب، ويقرأ القرآن في تلك الحال, وجعله أبوه في دكان فجعل يشتغل بالقرآن.
فرآه أحدهم, فقال لأبيه: هذا الصبي يُرجى أن يكون أعلم أهل زمانه, وينتفع الناس به, فحرص عليه أبوه إلى أن ختم القرآن!
ملاحظة أحوال الموهوب الشخصيّة
الطفل الذي تبدو عليه سمات الإبداع, يمكن تميّزه, شريطة عدم تجاهله أو إحباطه, إذا ما أراد إظهار شخصيته غير العاديّة.
فهذا ابن الجوزي يحكي عن نفسه قائلاً: إني أذكر نفسي ولى همّة عالية وأنا ابن ست سنين, فما أذكر أني لعبت في طريق مع الصبيان قط! ولا ضحكت ضحكاً خارجاً قط، وكنت -ولي سبع سنين- أحضر حلقة المسجد, فأحفظ جميع ما أسمعه, وأذهب إلى البيت فأكتبه، ولقد كان الصبيان ينزلون إلى دجلة، ويتفرجون وأنا آخذ جزءاً, وأقعد بعيداً عن الناس وأتشاغل بالعلم!
فهذا الوعي بالتوجيه من هذه السنّ هو ما استدلّ عليه مؤخراً العالم الإنجليزي (بيرت)؛ إذ يقول: إن الطفل يستطيع ابتداءً من سنّ السابعة أن يفكر تفكيراً منطقياً, لذا يجب تدريبه منذ هذه السنّ على الاستدلال العلمي والمناقشة المنطقية!
أمثلة على نبوغ القادة السياسيين منذ سنّ مبكرة
هم قادة عظماء تميّزوا بالهمة العالية, وقوة الشخصية, ونفاذ البصيرة, وهذا لم يكن وليد الساعة!! بل أثبت التاريخ موهبتهم الفذة منذ الصغر, فهذا يعقوب الصفار الذي ملك البلاد، وكان وهو غلام يتعلم عمل الصُّفْر "النحاس" قال معلمه: لم أزل أتأمّل بين عينيه، وهو صغير ما آل أمره إليه؟ قيل له: كيف ذلك؟ قال: ما تأمّلته قط من حيث لا يعلم بتأملي إيّاه إلا وجدته مطرقاً إطراق ذي همة وفكر ورويّة!! فكان من أمره ما كان.
وكذلك التفت معن بن زائدة إلى ابن أخيه يزيد الشيباني وما فيه من علامات الفطنة والذكاء, فقدّمه على أبنائه, مما حدا بزوجته أن تعاتبه على ذلك، فقال لها: سأريك في هذه الليلة؟ وفى ساعة متأخرة قال: يا غلام, ادعُ لي أبنائي. فأقبلوا عليه جميعهم عليهم الثياب المطيّبة، ثم قال: يا غلام ادعُ لي يزيد! فلم يلبث إلا قليلاً أن دخل عجلاً, وعليه سلاحه, فوضع رمحه بباب المجلس, ودخل عليه! فقال: ما هذه الهيئة؟ قال: إني قلت إنك لا تطلبني في هذه الساعة إلا لأمر مهم. فقالت زوجته: قد تبيّن لي عذرك.
كيف أكتشف موهبة طفلي
يجب أن تُكتشف الموهبة عند الطفل، ومن ثم يتم توجيهها التوجيه الصحيح, والذي يكون كالتالي:
(1) توجيهه إلى مجالس العلم
لم يكن إحضار الصبيان إلى مجالس العلم, أمراً مستنكراً, بل كان هذا الأمر متواتراً عند السلف!!
فلم تُثبط الأم أو الأب من همّة ابنهما بدعوى تعقيده! أو حرمانه من اللعب! بل جنَوْا مكاسب عظيمة, ونجنيها نحن بدورنا, وهي علماء ربانيّون بلغت مؤلفاتهم الآفاق!
قال الإمام الرازي: أحضرني أبي إلى مجلس أبي حاتم, وأنا إذ ذاك ابن خمس سنين, وكنت أنعس فقال لي والدي: انظر إلى الشيخ؛ فإنك تحكيه غداً!! فرأيته!
(2) توجيهه إلى المجالات الأخرى:
قد لا يقتصر نبوغ الموهوب على الناحية الدينية, بل يمتد إلى مجالات أخرى، كالأدبية مثلاً، ومنها على سبيل المثال: الشعر, فقد كان بشار بن برد يقول الشعر وهو صغير, أعمى , وكان لا يزال قوم يهجوهم, فيشكونه إلى أبيه, فيضربه! حتى رقّ له من كثرة الضرب, فلما طال عليه ذلك, قال له : يا أبت لِمَ تضربني, كلما شكوني إليك؟ قال: فما أعمل؟ قال : احتج عليهم بقول الله تعالى: (ليس على الأعمى حرج ولا على الأعرج حرج ولا على المريض حرج) فجاؤوه يوماً يشكونه، فقال لهم هذا القول؟ فقالوا: فقه بُرد أضرّ علينا من شعر بشار!!
ومما يستظرف في هذا أن الكميت وقف على الفرزدق, وهو ينشد فقال: يا غلام، أيسرّك أني أبوك؟ فقال: أما أبي فلا أبغي به بديلاً، ولكن يسرني أن تكون أمي!! فحصر الفرزدق وقال: ما مرّ بي مثلها!!
(3) حاجته إلى الدعم المالي :
خوفاً على هذه المواهب أن تتوارى خلف ستار الفقر والحاجة, وتشجيعاً للموهوب بتعزيز ثقته بنفسه, وكسراً لحاجز الخجل من الإفصاح عما يعتمل في خاطره من إبداعات, كانت الحاجة إلى الدعم المالي:
وهذا القاضي أبو يوسف في صغره, وكان أهله فقراء, فقال له أبوه: يا بني لا تمدنّ رجلك مع أبي حنيفة, فأنت محتاج!!
فآثرت طاعة أبي, فأعطاني أبو حنيفة مئة درهم, وقال: الزم الحلقة! فإذا نفِدت هذه فأعلمني ثم بعد أيام أعطاني مئة!!
ثم تسير أم سفيان الثوري بالركب لتقول كلمتها الحاسمة في توجه ابنها إلى العلم: اذهب فاطلب العلم، وأنا أعولك بمغزلي!!
أين مواهبنا اليوم؟
فمن لأبناء المسلمين الذين خبت مواهبهم, واندثرت, ما بين وطأة العمل وتطلّب الرزق, أو تحت وطأة معلمين جهله همّهم أن يحفظ الطالب ما بين دفتي الكتاب دون أن ينظر إلى ما تحويه عقلية الطالب من إبداعات, واجتهادات, حيث يتحمل المعلم كل شيء ولا يقوم فيها المتعلم بشيء!!
فهي تقدم للصغار من الطلاب مشكلات الكبار بدعوى أن هذه هي الطريقة المُثلى لإعدادهم للمستقبل والتمرس بحياة الكبار, فعطّلت نموهم وألحقت بهم الضرر, فكان مثلها كمثل الأُ م التي تتعجل في إطعام رضيعها مأكولات الكبار من لحم وخضار بدلا من الحليب!!
وقد قال ( نيوتن) بأنه غير صحيح أنه اكتشف الجاذبية بمجرد رؤيته تفاحه تسقط-كما يظن الكثيرون- بل لأنه كان يفكر فيها دائماً, وأن نتائج بحوثه ترجع إلى العمل والكدّ الدائب الصبور!!
ثم نحن نكُب ّ على التراث الغربي ونتلقفه بكل مساوئه, ونندب أحوال المسلمين ونراها بلا إبداعات!!
* عضو الجمعية العلمية السعودية للسنة.
ـــــــــــــــــــ(101/130)
مسح رؤوس الأطفال .. سنة اندثرت
فوزية الخليوي * 1/12/1425
12/01/2005
لقد كان النبي -صلى الله عليه وسلم- بحق نبي الرحمة! فمع كثرة المشاغل التي أثقلت كاهله, من تعليم وغزو ودعوة. لم تمرّ به حادثة-فيما قرأت- وفيها صبي صغير إلا و تبدر منه بادرة تدل على رحمته من مسح للرأس ,والدعاء له, والتقبيل!! حتى عرف الصحابة محبته لهذا الأمر؛ فكانوا كما قالت عائشة: "كان الرسول صلى الله عليه وسلم يُؤتى بالصبيان فيدعو لهم ويحنّكهم" رواه البخاري.
*****
فمن الآثار المشهورة:
* أن أم محمد بن حاطب أتت به النبي -صلى الله عليه وسلم- فقالت : "هذا محمد بن حاطب أول من سُمّي بك! فمسح على رأسه، ودعا له بالبركة" رواة مسلم *وقال جابر بن سمرة كان النبي-صلى الله عليه وسلم- يمر بنا فيمسح خدودنا، فمسح خدي فكان الخد الذي مسحه أحسن!
*قال عمرو بن حريث: انطلق بي رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وأنا غلام فدعا لي بالبركة ومسح رأسي وخطّ لي داراً بالمدينة بقوس.
*وقال غضيف بن الحارث: كنت صبياً أرمى نخل الأنصار, فأتوا بي إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فمسح رأسي وقال: كُل ما سقط, ولا ترمِ نخلهم.
*وهذا عبد الله بن بسر قال: أكل رسول الله عندنا حيساً, ثم التفت إليّ وأنا غلام فمسح على رأسي، وقال: يعيش هذا الغلام قرناً
*عمرو بن أخطب مسح رأسه وقال: اللهم جمّله فبلغ مئة سنة
*قال يوسف بن عبد الله بن سلام: سمّاني رسول الله يوسف وأقعدني على حجره ومسح على رأسي.
*ابن عباس قال: مسح النبي -صلى الله عليه و سلم- رأسي ودعا لي بالحكمة.
* عن زهرة بن معبد عن جّده عبد الله بن هشام وكان قد أدرك النبي -صلى الله عليه وسلم- وذهبت به أمه إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- فقالت: يا رسول الله، بايعه! فقال:هو صغير! فمسح رأسه ودعا له, وكان إذا خرج إلى السوق يلقاه ابن عمر وابن الزبير فيقولان: أشركنا؛ فإن النبي -صلى الله عليه وسلم- قد دعا لك بالبركة, فيشركهم! رواه البخاري (1144)
* جحدم بن فضالة: مسح رأسه وقال: اللهم بارك في جحدم
*بشير بن عقربة الجهني قال :أتى أبي إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال: من هذا معك يا عقربة ؟ فقال: ابني بحير! قال: ادنُ فدنوت حتى قعدت عن يمينه فمسح على رأسي بيده قال: ما اسمك؟ قلت: بحير! قال: لا, ولكنّ اسمك بشير..
* بشير بن قيس بن كلدة قدم على النبي -صلى الله عليه وسلم- ومعه ابنه رحيم وهما مقرونان في سلسلة في يمين كانت عليه فقال: يا بشر اقطعها فليست عليك يمين؛ فقطعها وأسلم, ومسح وجهه, ودعا له بخير
* بشر بن معاوية البكاء قدم مع أبيه، وهو ابن مائة سنة على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فمسح رأس بشر ودعا له, وأعطاه أعنزاً، ودعا له بالبركة فتصيب السنة بني البكاء, ولا تصيب آل معاوية.
اقتداء الصحابة
فهذه أم سلمة أوتيت بصبي صغير فمسحت رأسه وبرّكت عليه.
*وعن فاطمة بنت سعد قالت: ربما أجلسني أبو هريرة في حجره,فيمسح على رأسي ويدعو لي بالبركة.
* قال عبادة بن الوليد خرجت مع أبي, وأنا غلام شاب فلقينا شيخاً، فأقبل على أبي وقال: ابنك هذا؟ قال: نعم فمسح على رأسي، وقال: بارك الله فيك.
*****
أما ما ورد من دعائه لهم: فعن عمرو بن حريث قال: مرّ النبي -صلى الله عليه وسلم- بعبد الله بن جعفر وهو يلعب بالتراب, فقال: اللهم بارك له في تجارته.
*وعن أنس قال: دعا لي رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال : ا للهم أكثر ماله وولده وأطل حياته, فو الله أكثر مالي حتى إن كرماً لي لتحمل في السنة مرتين, وولد لصلبي مئة وستة.
*وهذا ابن عباس قال: دخل رسول الله المخرج وخرج فإذا تور مغطى, قال: من صنع هذا ؟ فقلت: أنا! فقال: اللهم علّمه تأويل القرآن. فانظر إلى نباهته على صغر سنه في خدمته للكبار, حيث إن النبي -صلى الله عليه وسلم- قبض وهو ابن عشر سنين.
فهذا هو التراث الإسلامي الحقّ, الذي يدعو إلى الرحمة واللين في تربية النشء, ويدعو إلى التواصل مع الصغار عن طريق مسح الرأس والتودّد لهم بالدعاء, ولا مجال ألبتّة بعد هذا لِلمز الدين ووصمه بالقسوة وعدم الرحمة ...فيا ليت قومي يعلمون!!
* عضو الجمعية العلمية السعودية للسنة
ـــــــــــــــــــ(101/131)
فقر المشاعر بين الوالدين والأولاد
تجد من الأولاد من لا يراعى حق والديه, ولا يراعى مشاعرهما؛ فتراه لا يأنف من إبكائهما, وتحزينهما, ونهرهما, والتأفّف والتضجّر من أوامرهما, والعبوس وتقطيب الجبين أمامهما؛ فمن الناس من تجده في المجالس هاشًّا باشًّا حسَن المعشر؛ فإذا دخل المنزل, وجلس إلى والديه انقلب ليثاً هصوراً لا يلوي على شيء؛ حيث تتبدّل حاله, فتذهب وداعته, وتحلّ غلظته وفظاظته.
ومن الأولاد من ينظر إلى والديه شزَراً, قال معاوية بن إسحاق عن عروة بن الزبير - رحمهم الله ورضي عنهم: "ما بَرَّ والدَه مَنْ شَدَّ الطّرفَ إليه".
ومن قلّة المراعاة لمشاعر الوالدين قلّة الاعتداد برأيهما, والإشاحة بالوجه عنهما إذا تحدّثا, وإثارة المشكلات أمامهما, وذمّهما عند الناس، والقدح فيهما، والتبرّؤ منهما، والحياء من الانتساب إليهما.
كل ذلك داخل في العقوق وقلة الرعاية لمشاعر الوالدين, وكأن هؤلاء لم يقرؤوا قوله -تعالى-: (وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُوا إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاهُمَا فَلا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلاً كَرِيماً وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنْ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيراً) [الإسراء:23-24]
ولم يسمعوا قول النبي-صلى الله عليه وسلم-: -"الكبائر الإشراك بالله وعقوق الوالدين, وقتل النفس, واليمين الغموس"(1).
فحرِيّ بالولد أن يسعى سعيه في برّ والديه؛ فيحسن إليهما, ويخفض الجناح لهما, ويصغي إلى حديثهما, ويتودّد لهما بكل ما يستطيع من برّ وصلة, ويتجنّب كل ما يفضي إلى العقوق والتكدير.
وليكن له في سلفنا الصالح قدوةٌ؛ فلقد ضربوا أروع الأمثلة في البر، ومراعاة مشاعر الوالدين، وإليك طرفاً من ذلك:
عن أبي مُرَّة مولى أم هانئ بنت أبي طالب: "أنه ركب مع أبي هريرة إلى أرضه بالعقيق، فإذا دخل أرضه صاح بأعلى صوته:
عليك السلام ورحمة الله وبركاته يا أماه!
تقول: وعليك السلام ورحمة الله وبركاته.
يقول: رحمك الله كما ربيتني صغيرًا.
فتقول: "يا بني! وأنت فجزاك الله خيرًا ورضي عنك، كما بررتني كبيرًا"(2).
وهذا ابن عمر -رضي الله عنهما- لقيه رجل من الأعراب بطريق مكة، فسلم عليه عبد الله بن عمر، وحمله على حمار كان يركبه، وأعطاه عمامة كانت على رأسه.
قال ابن دينار: فقلنا له: أصلحك الله إنهم الأعراب، وهم يرضون باليسير.
فقال عبد الله بن عمر: إن أبا هذا كان وُدًّا لعمر بن الخطاب -رضي الله عنه- وإني سمعت رسول الله -رحمه الله- يقول: "إن أبرَّ البر صلةُ الولدِ أهلَ ودِّ أبيه"(3).
وعن أم المؤمنين عائشة -رضي الله عنها- قالت: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "دخلت الجنة فسمعت فيها قراءة، فقلت: من هذا؟ قالوا:حارثة بن النعمان، كذلكم البرّ، كذلكم البرّ، وكان أبرّ الناس بأمه" (4).
وعن أبي عبد الرحمن الحنفي قال: رأى كهمس بنُ الحسن عقرباً في البيت فأراد أن يقتلها، أو يأخذها، فسبقته، فدخلت في جحر، فأدخل يده في الجحر؛ ليأخذها، فجعلت تضرّ به، فقيل له ما أردت إلى هذا؟
قال: خفت أن تخرج من الجحر، فتجيء إلى أمي، فتلدغَها.
وهذا أبو الحسن بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- وهو المسمى بزين العابدين، وكان من سادات التابعين -كان كثير البرّ بأمّه، حتى قيل له: "إنك من أبر الناس بأمك، ولا نراك تؤاكل أمك، فقال: أخاف أن تسير يدي إلى ما قد سبقت عينها إليه؛ فأكون قد عققتها".
وقال هشام بن حسان: "حدثتني حفصة بنت سيرين، قالت: كانت والدة محمد بن سيرين حجازية، وكان يعجبها الصِّبغ، وكان محمد إذا اشترى لها ثوباً اشترى ألين ما يجد، فإذا كان عيد صبغ لها ثياباً، وما رأيته رافعاً صوته عليها، كان إذا كلمها كالمصغي".
وعن بعض آل سيرين قال: "ما رأيت محمد بن سيرين يكلِّم أمَّه قط إلا وهو يتضرع".
وعن ابن عون أن محمداً كان إذا كان عند أمه لو رآه رجل ظن أن به مرضاً من خفض كلامه عندها"(5).
وعن ابن عون قال: "دخل رجل على محمد بن سيرين وهو عند أمه فقال: ما شأن محمد؟ أيشتكي شيئاً ؟ قالوا:لا؛ ولكن هكذا يكون عند أمه".
"روى جعفر بن سليمان عن محمد بن المنكدر: "أنه كان يضع خدَّه على الأرض، ثم يقول لأمَّه: قومي ضعي قدمك على خدّي".
وعن ابن عون المزني: "أن أمه نادته، فأجابها، فعلا صوتُه صوتَها؛ فأعتق رقبتين".
وقيل لعمر بن ذر: "كيف كان برُّ ابنك بك؟ قال: ما مشيت نهاراً قط إلا مشى خلفي، ولا ليلاً إلا مشى أمامي، ولا رقِيَ سطحاً وأنا تحته".
وحضر صالح العباسي مجلس المنصور، وكان يحدّثه، ويكثر من قوله: "أبي-رحمه الله- " فقال له الربيع: لا تكثر الترحّم على أبيك بحضرة أمير المؤمنين، فقال له: لا ألومك؛ فإنك لم تذق حلاوة الآباء".
فتبسم المنصور، وقال: هذا جزاء من تعرّض لبني هاشم.
ومن البارين بوالديهم بُندار المحدث، قال عنه الذهبي: "جمع حديث البصرة، ولم يرحل؛ براً بأمه".
قال عبد الله بن جعفر بن خاقان المروزي: "سمعت بنداراً يقول: أردت الخروج-يعني الرحلة لطلب العلم - فمنعتني أمي، فأطعتها، فبورك لي فيه".
وقال الأصمعي: حدثني رجل من الأعراب قال: خرجت أطلب أعقّ الناس وأبر الناس، فكنت أطوف بالأحياء، حتى انتهيت إلى شيخ في عنقه حبلٌ يستقي بدلو لا تطيقه الإبل في الهاجرة والحر الشديد، وخلفه شابٌ في يده رشاءٌ -حبل- من قدٍّ(6)ملويٍّ يَضْرِبُه بِهِ، وقد شقَّ ظهره بذلك الحبل، فقلت: أما تتقي الله في هذا الشيخ الضعيف؟ أما يكفيه ما هو فيه من مد هذا الحبل حتى تضربه؟
قال: إنه مع هذا أبي، قلت: فلا جزاك الله خيراً.
قال: اسكت فهكذا كان هو يصنع بأبيه، وكذا كان أبوه يصنع بجده، فقلت: هذا أعق الناس.
ثم جُلْتُ حتى انتهيت إلى شاب وفي عنقه زبيل فيه شيخ كأنه فرخ، فكان يضعه بين يديه في كل ساعة، فيزقه كما يُزَقُّ الفرخ، فقلت: ما هذا؟ قال: أبي وقد خرف، وأنا أكفله، قلت: هذا أبرّ العرب.
وكان طلق بن حبيب من العبّاد والعلماء، وكان يقبّل رأس أمه، وكان لا يمشي فوق ظهر بيت وهي تحته؛ إجلالاً لها.
وقال عامر بن عبد الله بن الزبير: "مات أبي" فما سألت الله حولاً كاملاً إلا العفو عنه".
وكما أن هناك من الأولاد من لا يحسن التعامل مع والديه ولا يراعي مشاعرهما فهناك من الوالدين من هو كذلك، فبعضهم يقسو على أولاده قسوة تخرجه عن طوره, فتراه يضربهم ضرباً مبرحاً عند أدنى هفوة, وتراه يبالغ في عتابهم وتوبيخهم عند كل صغيره وكبيره, وتراه يقتّر عليهم مع قدرته ويساره, مما يجعلهم يشعرون بالنقص والحاجة, وربما قادهم ذلك إلى البحث عن المال إما بسرقة, أو بسؤال الناس, أو بالارتماء في أحضان رفقة السوء؛ فيفقدون إنسانيّتهم، وكرامتهم.
ومن الوالدين مَنْ يحرم أولاده من الشفقة والحنان, وإشباع العواطف؛ مما يحدوهم إلى البحث عن ذلك خارج المنزل.
ويشتد الأمر إذا كان ذلك في حق البنات؛ فهن أرقّ شعوراً, وأندى عاطفة؛ فإذا شعرت بفقر من هذا الجانب أظلمت الدنيا في وجهها, وربما قادها ذلك إلى البحث عما يشبع عواطفها؛ ولعل هذا من أعظم أسباب المعاكسات, وضيعة الآداب.
ومما يجرح مشاعر الأولاد: التفريق بينهم, وترك العدل في معاملتهم سواء كان ذلك في العطايا والهبات والهدايا أو بالمزاح, والملاطفة والحنان.
ومما يدخل في هذا القبيل احتقار الأولاد, وذلك بإسكاتهم إذا تكلموا, والسخرية بهم وبحديثهم مما يجعل الواحد منهم, عديم الثقة بنفسه, قليل الجرأة في الكلام والتعبير عن رأيه.
ومما يدخل في ذلك قلة العناية بتربيتهم على تحمل المسؤولية, وعدم إعطائهم فرصة للتصحيح إذا أخطؤوا.
ومن ذلك قلة المراعاة لتقدير مراحل العمر التي يمر بها الولد؛ فتجد من الوالدين من يعامل ولده على أنه طفل صغير؛ مع أنه قد كبر, فهذه المعاملة تؤثر في شعور الولد، وتشعره بالنقص.
ومما يجرحُ مشاعرَ الولدِ دخولُ والدِه في كل صغيرة وكبيرة من أمره إذا تزوّج؛ فتجد من الوالدين من يفرض وصاية عامّة, ويضع سياجاً محكماً على أولاده حتى بعد أن يتزوجوا؛ فتراه يدخل حتى في شؤونهم الخاصة, وربما أتى بيوتهم على غِرّة, وربما فرض عليهم آراءه التي قد تكون مجانبة للصواب.
كل ذلك من الخلل في التربية, ومما يورث الخوف والتردّد, والهزيمة لدى الأولاد.
لذلك كان لزاماً على الوالد أن يراعي تلك الجوانب في التربية, ومما يعينه عليه أمور منها:
1- تنمية الجرأة الأدبية في نفس الولد: وذلك بإشعاره بقيمته، وزرع الثقة في نفسه; حتى يعيش كريماً شجاعاً صريحاً جريئاً في آرائه، في حدود الأدب واللياقة، بعيدًا عن الإسفاف والصفاقة; فهذا مما يشعره بالطمأنينة، ويكسبه القوة والاعتبار، بدلاً من التردّد، والخوف، والهوان، والذلّة، والصَّغار.
2- استشارة الأولاد: كاستشارتهم ببعض الأمور المتعلقة بالمنزل أو غير ذلك، واستخراج ما لديهم من أفكار، كأخذ رأيهم في أثاث المنزل، أو لون السيارة التي سيشتريها الأب، أو أخذ رأيهم في مكان الرحلة أو موعدها، ثم يوازن الوالد بين آرائهم، ويطلب من كل واحد منهم أن يبدي مسوّغاته، وأسباب اختياره لهذا الرأي، وهكذا.
ومن ذلك إعطاؤهم الحرية في اختيار حقائبهم، أو دفاترهم، أو ما شاكل ذلك; فإن كان ثَمّ محذور شرعي فيما يختارونه بيَّنهُ لهم.
فكم في هذا العمل من زرع للثقة في نفوس الأولاد، وكم فيه من إشعار لهم بقيمتهم، وكم فيه من تدريب لهم على تحريك أذهانهم، وشحذ قرائحهم، وكم فيه من تعويد لهم على التعبير عن آرائهم.
3- تعويد الولد على القيام ببعض المسؤوليات: كالإشراف على الأسرة في حالة غياب ولي الأمر، وكتعويده على الصرف، والاستقلالية المالية، وذلك بمنحه مصروفاً مالياً كل شهر أو أسبوع; ليقوم بالصرف منه على نفسه وبيته.
4- تعويد الأولاد على المشاركة الاجتماعية: وذلك بحثهم على المساهمة في خدمة دينهم، وإخوانهم المسلمين إما بالدعوة إلى الله، أو إغاثة الملهوفين، أو مساعدة الفقراء والمحتاجين، أو التعاون مع جمعيات البر، وغيرها.
5- التدريب على اتخاذ القرار: كأن يعمد الأب إلى وضع الابن في مواضع التنفيذ، وفي المواقف المحرجة، التي تحتاج إلى حَسْمِ الأمر، والمبادرة في اتخاذ القرار، وتحمُّل ما يترتب عليه، فإن أصاب شجّعه وشدّ على يده، وإن أخطأ قوَّمه وسدّده بلطف; فهذا مما يعوِّده على مواجهة الحياة، وحسن التعامل مع المواقف المحرجة.
6- فهْم طبائع الأولاد ونفسياتهم: وهذه المسألة تحتاج إلى شيء من الذوق، وسبْر الحال، ودقّة النظر.
وإذا وُفِّق المربي لتلك الأمور، وعامل أولاده بذلك المقتضى-كان حريّاً بأن يحسن تربيتهم، وأن يسير بهم على الطريقة المثلى.
7- تقدير مراحل العمر للأولاد: فالولد يكبر، وينمو تفكيره، فلا بدّ أن تكون معاملته ملائمة لسنه وتفكيره واستعداده، وألا يُعامل على أنه صغير دائماً، ولا يُعامل -أيضاً- وهو صغير على أنه كبير; فيُطالب بما يُطالب به الكبار، ويُعاتب كما يُعاتبون، ويُعاقب كما يُعاقبون.
8- تلافي مواجهة الأولاد مباشرة: وذلك قدر المستطاع خصوصاً في مرحلة المراهقة، بل ينبغي أن يقادوا عبر الإقناع، والمناقشة الحرة، والحوار الهادئ البناء، الذي يجمع بين العقل والعاطفة.
9- الجلوس مع الأولاد: فمما ينبغي للأب-مهما كان له من شغل-أن يخصص وقتاً يجلس فيه مع الأولاد، يؤنسهم فيه، ويسليهم،ويعلمهم ما يحتاجون إليه، ويقص عليهم القصص الهادفة; لأن اقتراب الولد من أبويه ضروري جدًا; وله آثاره الواضحة، فهذا أمر مجرّب; فالآباء الذين يقتربون من أولادهم; ويجلسون معهم، ويمازحونهم -يجدون ثمار ذلك على أولادهم، حيث تستقرّ أحوال الأولاد، وتهدأ نفوسهم، وتستقيم طباعهم.
أما الآباء الذين تشغلهم الدنيا عن أولادهم -فإنهم يجدون غبَّ ذلك على الأولاد، فينشأ الأولاد وقد اسودّت الدنيا أمامهم، لا يعرفون مواجهة الحياة، فيتنكبون الصراط، ويحيدون عن جادّة الصواب، وربما تسبب ذلك في كراهية الأولاد للوالدين، وربما قادهم ذلك إلى الهروب من المنزل، والانحدار في هاوية الفساد.
10- العدل بين الأولاد: فما قامت السماوات والأرض إلا بالعدل، ولا يمكن أن تستقيم أحوال الناس إلا بالعدل; فمما يجب على الوالدين تجاه أولادهم أن يعدلوا بينهم، وأن يتجنبوا تفضيل بعضهم على بعض، سواء في الأمور المادية كالعطايا والهدايا والهبات، أو الأمور المعنوية، كالعطف، والحنان، وغير ذلك.
11- إشباع عواطفهم: فمما ينبغي مراعاته مع الأولاد إشباع عواطفهم، وإشعارهم بالعطف، والرحمة، والحنان; حتى لا يعيشوا محرومين من ذلك، فيبحثوا عنه خارج المنزل; فالكلمة الطيبة، واللمسة الحانية، والبسمة الصادقة، وما جرى مجرى ذلك - له أثره البالغ في نفوس الأولاد.
12- النفقة عليهم بالمعروف: وذلك بكفايتهم، والقيام على حوائجهم; حتى لا يضطروا إلى البحث عن المال خارج المنزل.
13- إشاعة الإيثار بينهم: وذلك بتقوية روح التعاون بينهم، وتثبيت أواصر المحبة فيهم، وتعويدهم على السخاء، والشعور بالآخرين، حتى لا ينشأ الواحد منهم فرديًا لا همّ له إلا نفسه.
ثم إن تربيتهم على تلك الخلال تقضي على كثير من المشكلات التي تحدث داخل البيوت.
14- الإصغاء إليهم إذا تحدثوا، وإشعارهم بأهمية كلامهم: بدلاً من الانشغال عنهم، والإشاحة بالوجه وترك الإنصات لهم.
فالذي يجدر بالوالد إذا تحدث ولده-خصوصًا الصغير-أن يصغي له تمامًا، وأن يبدي اهتمامه بحديثه، كأن تظهر علامات التعجب على وجهه، أو يبدي بعض الأصوات أو الحركات التي تدل على الإصغاء والاهتمام والإعجاب، كأن يقول: رائع، حسن، صحيح، أو أن يقوم بالهمهمة، وتحريك الرأس وتصويبه، وتصعيده، أو أن يجيب عن أسئلته أو غير ذلك، فمثل هذا العمل له آثار إيجابية كثيرة منها:
أ- أن هذا العمل يعلّم الولد الطلاقة في الكلام.
ب- يساعده على ترتيب أفكاره وتسلسلها.
ج- يدرّبه على الإصغاء، وفهم ما يسمعه من الآخرين.
د- أنه ينمّي شخصية الولد، ويصقلها.
هـ - يقوّي ذاكرته، ويعينه على استرجاع ما مضى.
و- يزيده قرباً من والده .
هذه بعض الأساليب التي تنهض بالمشاعر، وترهف الأذواق لدى الأولاد.
------------------------------------
(1) رواه البخاري(6675).
(2) رواه البخاري في الأدب المفرد (14)، وقال الألباني في صحيح الأدب المفرد: "حسن الإسناد".
(3) رواه مسلم (2552)، وأبو داوود (5143).
(4) رواه الإمام أحمد 6/151، وعبد الرزاق في المصنف (20119)، والبغوي في شرح السنة 13/7، وصححه الحاكم 3/208، ووافقه الذهبي.
(5) المحاسن والمساوئ، لإبراهيم البيهقي ص 614 وحلية الأولياء 2/273.
(6) القد: السوط، وهو في الأصل سير يُقَدُّ من جلد مدبوغ.
محمد بن إبراهيم الحمد
ـــــــــــــــــــ(101/132)
فتيات خلف أسوار الإنترنت (1/2)
إعداد: عبدالفتاح الشهاري 24/11/1425
05/01/2005
شارك في التحقيق:
من السعودية ... مها الزهير
من الأردن ... سماح بيبرس
من الجزائر ... سامية المرزوقي
من العراق ... ضحى الحداد
من مصر ... د. ليلى بيومي
الشكوى من تأثير الإنترنت على الأخلاق في البلاد الشرقية عموماً والبلاد العربية والإسلامية خصوصاً باتت اليوم موضوع الساعة لدى مجتمعاتنا النامية؛ فقد أثبت الإنترنت نجاحا في استقطاب جمهور واسع وعريض، بل أضحى الجميع متعايشا مع الأمر الواقع الذي فرضه الإنترنت.
وفي هذا السياق أكد استطلاع قامت به إحدى المطبوعات العربية أن 60% من روّاد المقاهي في الوطن العربي يقضون الوقت في المحادثة، و20% منهم في تصفّح المواقع الثقافية، و12% في المواقع الطبية، و الإلكترونية، أما المترددون على المواقع السياسية فهم 8%، كما أشارت دراسة أخرى إلى أن 80% من رواد المقاهي في الوطن العربي تقل أعمارهم عن 30 عاماً.
ويشهد استخدام الإنترنت في العالم نمواً سريعاً، إذ زاد عدد المستخدمين من (16) مليون مستخدم في كانون الأول 1995م إلى (785) مليوناً في حزيران 2004 فزادت نسبة المستخدمين إلى سكان العالم من 0.4 % إلى 12.2%.
وعند الحديث عن موضوع (أسيرات الإنترنت) فإن الموضوع بالتأكيد لن يخلو من التطرق لتأثيرات هذه الوسيلة الجديدة على حياتنا، بمساوئها وإيجابياتها، وسنحاول أن نكون منصفين قدر الإمكان من خلال عرض النماذج الواقعية التي ستطرح من خلال هذا التحقيق..
أوهام عاطفية .. وإدمان
نجد أنفسنا مرغمين على الحديث عند بداية التطرق إلى أسيرات الإنترنت، إلى الجانب المظلم في استخدام هذه الوسيلة، وهذا ناتج عن أن السواد الأعظم من الفتيات المستخدمات للإنترنت غالباً ما يقعن أسيراتٍ للعبث العاطفي الذي يُمارَس من خلاله، تقول (هلا) البالغة من العمر (22) عاماً: "جربت (الشات) لمدة طويلة جداً فكنت أستخدمه في اليوم أكثر من عشر ساعات، حتى كنت سأقع في علاقة مع شاب لولا لطف الله؛ إذ تصادف أن تعارفنا على موقع للدردشة وكنا نتحدث لساعات عن مواضيع مختلفة تطورت وتعدّت الحدود فيما بعد، وبعد ذلك بدأ يطلب مني أن نلتقي في أي مكان لأنه على حد تعبيره لم يعد يستغني عني، وبدأ يقنعني بأنه يحبني ومتعلق بي، وأنه ينوي خطبتي؛ لأنه وجد الفتاة التي كان يحلم بها" ثم تضيف (هلا):
(هلا): كنت سأقع في علاقة مع شاب لولا لطف الله.
"خرجت معه لأكثر من مرة، وكنت أصر دائمًا على لقائه في أماكن عامة رغم إصراره بأن نلتقي في شقة مغلقة، أو أماكن نرتاح فيها أكثر -على حد تعبيره- واكتشفت فيما بعد -وعن طريق الصدفة- أنه على علاقة بكثيرات، وأنه كان قد هدّد إحدى الفتيات التي تورطت معه بعلاقة غير شرعية". تختم (هلا) تجربتها قائلة: "لقد تعلمت من تجربتي السابقة، ولم أعد استخدم الإنترنت كما كنت في السابق".
الحجرة المغلقة هي السبب
ولهذا ترى د. زينب السعدني أستاذ علم الاجتماع أن المشكلة في جانب منها تكمن في إدمان الإنترنت.. والإدمان له توصيفات علمية وقياسات دقيقة... والشخص المدمن يعطل مصالحه وواجباته، ويجلس بالساعات أمام الإنترنت.
وفي جانب آخر فإننا مجتمعات لم تعتد الحرية المطلقة... فالشاب أو الفتاة يجد نفسه في حجرة مغلقة.. وفي نفس الوقت يجد العالم أمامه بلا ضوابط فيستهويه أو يستهويها الموضوع.
والجانب الثالث أن في الأمر ضعفاً في البناء الخلقي والديني سرعان ما ينهار أمام المواقع الإباحية، وأمام غرف "الشات" المفتوحة.
د. زينب: العلاج يكمن في التنشئة والتبصرة بالعواقب الوخيمة لهذا الأمر.
وترى د. زينب أن العلاج يكمن في التنشئة والتبصرة بالعواقب الوخيمة لهذا الأمر، والتبصرة بالجوانب المفيدة للإنترنت.
كما يجب على الأسرة أن تراقب أبناءها بدقة أمام الكمبيوتر، وأن تجعله في مكان واسع في الشقة ومفتوحاً، وليس في الحجرات المغلقة... وعلى الوالدين مفاجأة الأبناء بين الحين والآخر.
معالجات لحالات الإدمان
وفي حين أنه من الصعب تحديد عدد مدمني الإنترنت، إلا أن هناك إحصاءات تفيد أن المدمنين تتراوح نسبهم ما بين 5% إلى 10% من مستخدمي الشبكة العالمية، وعند النظر للفئة والتركيب العمري لهؤلاء نجد أن أغلبهم من الذكور وفي سن الـ (29) عامًا.
بعض الجهات الأمريكية أدركت خطورة الأمر، وأصدرت كتباً، ووضعت مواقع على الشبكة لمعالجة مدمني الإنترنت وتوعيتهم في طريقة استخدامها؛إذ يكفي أن يتم إرسال البريد الإلكتروني الخاص بالشخص المدمن، إلى أحد هذه المواقع، وهم سيتكفلون بمتابعة هذا الشخص ومعالجته من حالات الإدمان، كما وضعوا معايير وامتحانات شخصية يتمّ على أساسها تصنيف المستخدم لنفسه إن كان من المدمنين أو لا.
علاقات للتسلية
تقول (داليا) البالغة من العمر (18) عاماً من الأردن: " أجلس على (الشات) من (4 - 6) ساعات يومياً، أنتظر لحظة خروج والدي، وانشغال والدتي، وأسرع لأجلس على الإنترنت، وأبدأ بالدردشة مع أصدقائي الذين هم من سني أو أكبر قليلاً".
وتضيف: "إنني أستمتع كثيرًا في الحديث إلى الجنس الآخر؛ لأنني لا أستطيع أن أعمل علاقات، وأخرج معهم وخصوصاً أنني أتحدث على الإنترنت براحة وبمواضيع جريئة جدًا أخجل من أن أتطرق لها مع أي شخص" وتضيف: "إنني أتحدث مع هؤلاء الشباب براحة دون أن يعرفوا هويتي، أو حتى اسمي و صورتي" "إنني أتسلى".
وحول سؤالها ما إذا كانت تشعر بأن دخولها واستخدامها للإنترنت خاطئ أم لا خصوصاً بعد رسوبها في الثانوية العامة، قالت داليا: "إنني مجبرة على قضاء وقتي بالدردشة على الإنترنت؛ فلا صديقات لي كما إنني وحيدة؛ لذا فإن هذه هي الوسيلة الوحيدة لتسليتي خصوصاً أنني لا أستطيع الخروج كثيراً؛ لأن أهلي محافظون" مضيفة "إن أهلي دائمو الانشغال عني، ولا أحد يسأل عني، فلم أعد أستطيع الاستغناء عن الجلوس يومياً على مواقع الدردشة؛ لأنني تعوّدت على ذلك".
القدوة السيئة
أما "بدرية " من مصر فهي طالبة بالثانوية العامة تقول: " لقد أصبحت أكره الإنترنت، وجهاز الكمبيوتر، فقد كان أخي يدخل على المواقع الإباحية، ويحدث الفتيات، فتعلمت منه ذلك، وأصبحت أجلس بالساعات أمام "الشات"، وأتحدث مع الشباب حتى رسبت في الثانوية العامة، ورغم ذلك لم أعد أستطيع الإقلاع عن هذا المرض بعد أن أصبح في دمي مثل المخدرات".
بدرية): كان أخي يدخل على المواقع الإباحية، ويحدث الفتيات، فتعلمت منه ذلك.
جهل الآباء وانشغالهم له دور
رضا عبد الله الأستاذ بكلية الحاسب الآلي في جامعة القاهرة يقول: إن الأبناء يستغلون جهل الآباء بالكمبيوتر ويفعلون ما يشاؤون.. لذلك يجب على الأب والأم أن يجيدا استخدام الكمبيوتر والدخول على الإنترنت.. بل الأكثر من ذلك أن يعرفا سبل التفتيش على جهاز الكمبيوتر لمعرفة ما هي البرامج التي تم استخدامها في الشات، ومعرفة نوعية المواقع التي يدخل الأبناء عليها... وهذه السبل معروفة ويمكن تلقينها للآباء... عندها سيجد الأبناء أنهم مراقبون وأن خطواتهم محسوبة فيستقيمون.
شغف الحقيقة .. عندما يكون للإنترنت قيمة
في الجانب الآخر من عالم الإنترنت .. هناك خلفه يربضن فتيات، يملكن من الإرادة والتحدي ما يستطعن به أن يتحدين الجبال، ويكسرن أنوف الرجال، لديهن ثقة بالنفس، وجرأة على المواجهة، وقدر كبير من احترام الذات..
من تلك النماذج؛ (نسرين)، فتاة سعودية في العشرين من عمرها، تدرس في كلية الحاسب الآلي، متفوقة وذكية وواسعة الثقافة، وشغوفة بالقراءة والاطلاع.. بعد زواج أختها الكبرى، رفيقة صباها وصديقة شبابها، وجدت نسرين أمامها ساعات كثيرة من الفراغ، استغلتها في ممارسة هوايات واهتمامات جديدة، مختلفة عما يولع به من في سنها عادة..
مهتمة بعلم الأديان .. وتقتحم أسوار النصارى
كان لـ(نسرين) اهتمام - إلى جانب دراستها - بعلم الأديان المقارن، ولديها مكتبة عامرة حول حقيقة النصرانية خاصة، مما أكسبها علماً حول تفنيد حجج النصارى وحقيقة ديانتهم وتاريخ تحريفها، كما أنها وجدت في شبكة الإنترنت مجالاً خصباً للبحث عما تهتم به، ولجمع المصادر والمعلومات، شغفاً إلى إظهار الحقيقة الخالدة.
جرّتها قدماها يوماً إلى موقع نصراني عملاق، تصفّحته بحذر مشوب باستخفاف، استخفاف وسخرية بهذه العقول التي تذعن لخرافات وثنية باطلة، فقامت كعادتها عند تصفح كل موقع نصراني، بإرسال بريد إلكتروني إلى أصحابه يحوي روابط المواقع المفندة للنصرانية والمظهرة لحقيقة الإسلام..، ثم بعد تردّد.. أضافت صاحب الموقع النصراني المتدين إلى قائمة الماسنجر..
تقضي نسرين من ثلاث ساعات إلى خمس يومياً على الماسنجر، خاصة إذا لم يكن لديها اختبار في الجامعة أو مذاكرة، في محاجة هذا النصراني الذي كان على علم لا بأس به بالإسلام، إضافة إلى نصارى آخرين ازداد عددهم، من ضمنهم قسيس عربي، وشابات عديدات سرعان ما ينهزمن أمام حججها القوية الداحضة لباطلهن فيهربن!
كانت تسأل بجرأة وتناقش بثقة، وتكشف الحقائق بتحد وقوة، ونقاشها مع أولئك النصارى نقاش علمي محض، ليس فيه أي تطرق لتفاصيل شخصية ونحوها، وقد زادها ذلك نهما إلى المزيد من القراءة والمطالعة، والتأمل في نصوص القرآن الكريم والإنجيل، وعلمها يزداد يوماً بعد يوم حول حقيقة الإسلام الباهرة، وبطلان النصرانية المحرّفة..
(نسرين) متخصصة علم الأديان كانت تسأل النصارى بجرأة وتناقش بثقة، وتكشف
الحقائق بتحد وقوة.
تشك (نسرين) في أن النصراني الأول الذي تعرفت عليه من موقعه قد ثبتت قناعاته، خاصة بعد أن داهمها يوما منتصراً بشكوك حول القرآن الكريم، لغوية وتاريخية، سرعان ما أرسلت له رداً داحضاً لها، فاختفى لأسابيع عديدة، وهي تشعر في الآونة الأخيرة من قراءة ما بين أسطره، أنه قد تغيّر كثيراً، وربما يمرّ في مرحلة تشكك وحيرة متذبذبة..
تحلم "نسرين" بدراسة نظامية متعمقة للكتاب المقدس، وفي عقد مناظرات كبرى بين النصارى والمسلمين، فنور الحقيقة لا يحجبه شيء أبداً عن القلب الباحث عنه بلهفة..
تجربة "نسرين" تستحق الثناء، إلا أنها في الوقت ذاته تجعلنا ننبه إلى خطورة المغامرة والدخول في هذا المجال لمن ليس لهم علم مختص
البحث قوة..
("جوهرة) شابة جامعية، حديثة عهد بالتخرج من قسم العلوم الشرعية، وهي مخطوبة وتنتظر زواجها في الصيف القادم..
لجوهرة اهتمام خاص، وهو قضية المرأة المسلمة عموماً والسعودية خصوصاً، وتولي هذا الشأن عناية كبيرة، في القراءة والاطلاع ومتابعة الصحف والمقالات، وتحليل القرارات والتصريحات.
تجد (جوهرة) في الإنترنت باعثاً قوياً عما تهتم به، وإلمامها بشيء من علم الحاسب الآلي واللغة الإنجليزية، يسهل لها البحث والتقصي، إذ تأتي لها ضربة واحدة في محرّك بحث عملاق بمقالات هذا الكاتب أو تلك الصحفية، مما يساعدها في تكوين نظرة متوازنة علمية ثاقبة حول حقيقة أفكاره وتوجهاته، بعيدة عن بناء الرأي على آراء الآخرين أو عواطفهم، فحكمها على توجه هذا الكاتب يقوم على مقالات وعبارات موثقة باليوم والتاريخ!
جوهرة) تقوم بطباعة مواثيق ومؤتمرات كل مايتعلق بالمرأة وترسلها إلى الدعاة
تجد (جوهرة) في المقالات المنشورة في الصحف العالمية والأمريكية خصوصاً أمراً مختلفاً، فنظرتهم مؤسفة حاقدة حول وضع المرأة السعودية، مما ينذر بخطر محدق، على الغيورين الالفتات إليه، وهي تقضي ساعتين يومياً على الإنترنت، وقد قامت عدة مرات بطباعة مواثيق الأمم المتحدة حول المرأة، ونتائج المؤتمرات، وتقارير حقوق الإنسان حول المرأة السعودية، وإرسالها إلى بعض الدعاة والداعيات أولي الشأن..
تتمنى (جوهرة) بكل حرارة، أن لو كانت المرأة السعودية أكثر اهتماماً بشأنها وحقوقها، وأعلى صوتاً في الدفاع عن فضيلتها، ورفضها لكل ما يجُرّونها إليه من مستنقعات الاختلاط وتحدي الرجل، وهجران الأسرة..
(علياء): أستعمل الجهاز فيما يخدم دراستي في طب الأسنان.
استفادة علمية
(علياء الجزار)... طالبة بكلية طب الفم والأسنان تقول: "كافأني والدي بجهاز كمبيوتر حينما تفوقت في الثانوية العامة، ودخلت كلية طب الأسنان.. ولأن المذاكرة كثيرة والدراسة صعبة وجادة.. وأنا بطبيعتي جادة.. فلم استعمل الجهاز إلا فيما يخدم دراستي.. وكنت أحضر اسطوانات عليها شروح للمحاضرات وصور طبية.. وقد استفدت منها كثيرًا.. واشتريت طابعة كنت أطبع عليها هذه المعلومات القيمة وأعطيها لزملائي.
القيمة الحقيقية
قيمة الإنسان الحقيقية تكمن في إدراكه لما حوله من نعمٍ حباه إياها الله سبحانه وتعالى، وتكمن أيضاً في مستوى تعامله مع هذه النعم، وأنت أختي الكريمة.. قيمتك، وآدميتك، وفضيلتك في يدك، فإن أدركتها انحنت لك الدنيا إكباراً وإجلالاً، وإن فقدتها فقدت كرامتك وإنسانيتك ..
الإنترنت .. وسيلة هدمٍ أم بناء؟ شاركنا برأيك
ـــــــــــــــــــ(101/133)
كيف أجعل ابني يحب القراءة ؟
سلام الشرابي
كانت فرحة بالغرفة التي أعدتها لصغيرها حتى ينام ويلهو بها.. دعتني لألقي نظرة عليها وأعطي رأياً في ترتيبها ومحتوياتها..
اتسمت الغرفة بالجمال والهدوء، وكانت الطفولة تعبر عن براءتها فيها.. كل ما فيها يحوي بالمرح، بالحياة وبالإقبال على الحياة.. إلا أني افتقدت فيها ما يغذي الطفل فكرياً ويمده بالمعلومات ويغذي خياله الخصب.. المجلات والقصص الصغيرة التي يمكن أن تحاكي عقله وتدخل إلى عالمه.. عللت صديقتي ذلك بأنه ما زال صغيراً.. لكني لم أوافقها الرأي فالمطالعة يجب أن تبدأ مبكراً.. وحتى قبل أن يتقن الطفل القراءة.. كيف؟
يكون ذلك من خلال القصص التي ترويها والدته له أو معلمته في الصفوف الأولى من المدرسة، ومن ثم إذا أتقن القراءة تركنا له المجال أن يغوص في عالمها شريطة أن نختار له ما يفيده.
وهناك أساليب كثيرة لتنمية مهارات القراءة من أهمها:
- تدريب الأطفال على القراءة المعبرة والممثلة للمعنى، من خلال حركات اليد وتعبيرات الوجه والعينين، وهذا الأسلوب في القراءة يناسب المراحل العمرية التي لا تتقن القراءة بعد.
- أما عندما يستطيع الطفل القراءة فيجب متابعته وتدريبه على القراءة السليمة، من حيث مراعاة الشكل الصحيح للكلمات.
- الاهتمام بالقراءة الصامتة التي تساعد الطفل على فهم النص، ومن ثم الانتقال إلى القراءة الجهرية التي تمكننا من متابعة قراءته وتصحيح أخطائه.
- الوقوف عند الكلمات الجديدة، التعرف عليها وشرحها له، وذلك عن طريق إما استخدامها في جملة مفيدة، أو ذكر المرادف، ذكر المضاد، طريقة التمثيل، وطريقة الرسم.
- تدريب الطفل على القراءة أمام الآخرين بصوت واضح ومناسب، وأداء مؤثر دون تلجلج أو تلعثم أو تهيب وخجل.
- مراجعة الطفل فيما قرأ لنتبين منه ما قد فهمه واستخلصه مما قرأه.
- وضع حوافز لتنمية الميل إلى القراءة.
- تدريب الطفل على ترجمة علامات الترقيم وما ترمز إليه من مشاعر وأحاسيس، ليس في الصوت فقط، بل حتى في تعبيرات الوجه.
- قد يتكرر خطأ الطفل في لفظ كلمة معينة بسبب جهله في معناها، وفي هذه الحال يجب على الأم أن تستفيض في شرح معنى الكلمة وإعادة قراءتها حتى لا يخطئ مرة أخرى بها.
أهمية القراءة:
إن القراءة مهمة جداً لتنمية ذكاء أطفالنا، وخير ما نستدل به على أهميتها أنها أول كلمة نزلت في القرآن الكريم (اقرأ)، قال الله - تعالى -: (اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ {96/1} خَلَقَ الْإِنسَانَ مِنْ عَلَقٍ {96/2} اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ {96/3} الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ {96/4} عَلَّمَ الْإِنسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ).
وتعتبر القراءة الوسيلة الرئيسية لأن يستكشف الطفل البيئة من حوله، وهي الأسلوب الأمثل لتعزيز قدراته الإبداعية الذاتية، وتطوير ملكاته استكمالاً للدور التعليمي للمدرسة، وهي مسألة حيوية بالغة الأهمية لتنمية ثقافة الطفل، فعندما نحبب الأطفال في القراءة نشجع في الوقت نفسه الإيجابية في الطفل، في البحث والتثقيف، ونفتح الأبواب أمامه نحو الفضول والاستطلاع، ونقلل مشاعر الوحدة والملل، ونخلق أمامه نماذج يتمثل أدوارها، وقد تغير القراءة في النهاية أسلوب حياة الطفل.
القراءة مهمة لحياة أطفالنا فهي تدعم قدراته الإبداعية والابتكارية باستمرار، وهي تكسب الأطفال كذلك حب اللغة، واللغة ليست وسيلة تخاطب فحسب، بل هي أسلوب للتفكير.
حسب نوع الكتاب:
تختلف الفائدة التي يجنيها الطفل من الكتاب الذي يقرأه حسب نوعه، فالكتاب العلمي على سبيل المثال لطفل المدرسة يمكن أن يعالج مفاهيم علمية عديدة تتطلبها مرحلة الطفولة، ويمكنه أن يحفز الطفل على التفكير العلمي وأن يجري بنفسه تجارب علمية بسيطة، كما أن الكتاب العلمي هو وسيلة لأن يتذوق الطفل بعض المفاهيم العلمية وأساليب التفكير الصحيحة والسليمة، وكذلك يؤكد الكتاب العلمي لطفل هذه المرحلة تنمية الاتجاهات الإيجابية للطفل نحو العلم والعلماء، كما أنه يقوم بدور مهم في تنمية ذكاء الطفل، إذا قدم بشكل جيد، بحيث يكون جيد الإخراج مع ذوق أدبي ورسم وإخراج جميلين، وهذا يضيف نوعاً من الحساسية لدى الطفل في تذوق الجمل للأشياء، فهو ينمي الذاكرة، وهي قدرة من القدرات العقلية.
أما القصص والكتب الأدبية فإنها تنمي خيال الطفل، وهو أمر لازم له، إذ إن لتربية الخيال عند الطفل أهمية تربوية بالغة، ويتم ذلك من خلال سرد القصص الخرافية المنطوية على مضامين أخلاقية إيجابية.
وهناك أيضاً قصص أخرى تسهم في نمو ذكاء الطفل كالقصص الدينية وما فيها من عبر وقيم وتشويق يثير شغف الأطفال، ويجذبهم، هذه القصص تجعل عقولهم تعمل وتفكر، وتعلمهم الأخلاقيات والقيم، لأن الإسلام يدعونا إلى التفكير والمنطق، وهذا من شأنه أن يسهم في تنمية الذكاء لدى أطفالنا.
19/01/1426
27/02/2005
http://www.lahaonline.com المصدر:
ـــــــــــــــــــ(101/134)
إبراهيم الصقير: تقدُّمنا مرتبط بنقل تجارب الآخرين وتطبيقها
حوار: عبدالفتاح الشهاري 17/11/1425
29/12/2004
مازالت العملية التربوية في عالمنا العربي إلى اليوم تخطو خطواتها المتواضعة لتواكب التقدم العلمي والتكنولوجي، وتصاحب متغيرات الحياة، ومتطلبات المجتمع، ومازالت الكلاسيكية القديمة -التي أكل عليها الدهر وشرب- تتسلّل إلى حداثتنا المصطنعة؛ لتؤكد لنا أنها رابضة وقابعة في جحورنا لم يزحزحها تزاحمنا في ركب العولمة، ولم يثنها صبغ زجاجنا من الخارج بألوانٍ زاهية ليخبئ خلفه رجعية علمية وفكرية تقف عاجزة تبحث عن التجديد، وطرْق أبواب التغيير الإيجابي..
حول أساليب التربية الحديثة، ومدى مقدرة المجتمعات العربية على تخطي عائق الرتابة التربوية في عالمنا العربي كان لنا هذا اللقاء مع سعادة الأستاذ/ إبراهيم بن ناصر الصقير، مدير مدرسة سعد بن أبي وقاص بالرياض، والحائز على درع التميُّز الإداري لأربع سنوات متتالية من وزارة التربية والتعليم كأفضل إدارة مدرسية..
كيف تقيّمون الواقع التربوي في مجتمعاتنا العربية اليوم؟ وهل ترون بأننا حققنا تقدُّماً في هذا المجال؟ وما هي معوّقات تطوير الأداء التربوي؟
بداية يسعدني الترحيب بكم، ويسرني لقاؤكم مع قراء ومتصفحي شبكة (الإسلام اليوم)
إن الواقع التربوي في مجتمعاتنا العربية اليوم يحتاج لبحوث ودراسات متعمقة لتقويم هذا الواقع الذي يختلف من منطقة لأخرى، وإن كنت أعتقد بأننا نسير في دائرة واحدة مغلقة.
والواقع يقول بأننا لم نحقّق أي تقدم في هذا المجال، بل قابعون في أماكننا، والركب قد ابتعد كثيراً عنا.
والمعوقات كثيرة جداً، لا يمكن حصرها في هذا اللقاء؛ فالشخص العادي يدرك ذلك ويعايشه، ويتمنى إزالته. فما بالك بالتربويين ومعاناتهم وهم أصحاب الشأن؟!
بين (التربية والتعليم) نقف دائماً أمام طرفي معادلة يفترض أن كلا منهما يكمّل الآخر، ولكن ألا ترون بأن العملية التربوية تشكو قدراً كبيراً من التهميش من قبل الإدارات المدرسية؟ على عاتق من يقع خطأ هذا الخلل؟ على الإدارة المدرسية أم الثقافة الاجتماعية؟
سؤال هامّ جداً... وإن كنت أختلف معك بأن العملية التربوية تشكو قدراً كبيراً من التهميش، بل قل: إنّ العملية التربوية والتعليمية كلتيهما تشكوان من التهميش.
والأطراف كلها مسؤولة عن ذلك، وليست الإدارة المدرسية وحدها.
بل إني أدعو للتميّز والتطور والتجديد والتحديث بتبني منهج الإبداع في المدارس، والمبنية على إنتاج يتصف بالحداثة والأصالة مع الالتزام بمنهج تربوي قوي أساسه الدين الإسلامي، مشفوعاً بدعوة للانفتاح على معارف العالم مع الحفاظ على التراث والقيم المجتمعية النبيلة0
ولكن يبقى الدعاء، والتمني شيء والواقع شيء آخر.
وبحكم عملي كمدير لمدرسة ابتدائية منذ (22) عاماً، فإنني أسأل نفسي وزملائي بنفس المهنة: ما الذي قدمه لنا قسم الإدارة المدرسية لتطوير وتقويم أداء المديرين القائمين على رأس الهرم المدرسي؟
لا شيء، لقاءات تفتقد للجديّة، ورش عمل عقيمة، ورقيّات ونماذج كثيرة جداً تحوّلك لآلة كاتبة، وهذا هو حالنا.
إن القيام بمهام ومسؤوليات وواجبات إدارات المدارس تكليف ومشقة وعناء وتعب ومواجهة وقلق يتوجب على القائمين والمشرفين عليها تشجيع كل الكفاءات المتميزة وشكرهم؛ فهم لا يريدون مجداً يتحدثون عنه إنما يريدون دفعة معنوية، ولمسة حانية وإشعارهم بأنّهم إخوة لهم وشركاء معهم، يعملون بروح الفريق الواحد المتجانس المتحاب.
والسؤال الأهم: كيف يتم إعداد مدير المدرسة واختياره ؟
أقول لك -وللأسف الشديد-: لا يوجد هذا الإجراء في أجندة قسم الإدارة المدرسية بل إن اختيار مدير المدرسة يعتمد على مقابلة شخصية، وورقة تحتوي على تزكيات من فلان وعلان. ومن خلال ذلك يمكنك تقويم حال مدارسنا.
كيف يمكن لنا كمجتمعات عربية أن نستفيد من تجارب الآخرين في المضمار التربوي؟ وإلى أي مدى يمكن الاستفادة من وسائل الاتصالات والتكنولوجيا الحديثة في تحقيق تقدم تربوي ملموس؟
إن العالم أصبح قرية صغيرة في ظل هذا التفجر المعرفي والتقني، والاستفادة من تجارب الآخرين أصبح أمراً مهماً للغاية، بل إن تقدمنا مرتبط بنقل تجارب الآخرين وتطبيقها وتوفير كل السبل لنجاحها؛ وذلك بمسايرة الأوضاع العصرية والتطورات التقنية، محاولين فهم العالم الذي نعيش فيه، مستفيدين من كل ما يمكن أن يضعه العصر بين أيدينا من معارف ووسائل لتطوير العمل، وتحسين الإمكانات وتنمية كفايات العاملين فيها؛ لأداء رسالتها وتحقيق أهدافها على أفضل وجه ممكن. وتبقى النواحي المالية عاملاً هاماً لنجاح ذلك.
أما الاستفادة من وسائل الاتصالات والتكنولوجيا الحديثة فهو مطلب ملح لكل مدارسنا، والجميع ينادي به، ويتمنى أن يشاهد ذلك في القريب العاجل.
من خلال تجربتكم في المجال التربوي ما عناصر النجاح لأي إدارة مدرسيّة في تقديم خدمات نموذجيّة لطلابها؟
بداية نقول: أن هناك عزوفاً من إدارات المدارس، وأصبحت ظاهرة نعايشها.
ونجاح أي إدارة مدرسية يعتمد على عدة عوامل، ومنها:
1- تجديد الدماء في قسم الإدارة المدرسية، وتدوير المناصب والمسؤوليات، وتعدّد الخبرات، لا أن يكون الموقع الإشرافي ملكاً خاصاً، وحقاً مكتسباً لا يمكن انتزاعه.
2- بناء قسم الإدارة المدرسية وفق مفهوم حديث و أفكار تطويرية متقدمة تدعم الجيل الجديد من مديري المدارس؛ ليمارسوا مسؤولية الإشراف وفق أسس علمية.
3- ترغيب العاملين في المجال التربوي والتعليمي بإدارات المدارس وذلك من خلال منح الثقة كاملة، وعدم تجزئتها ومنحهم صلاحيات كاملة، والأهم منحهم ميزة دون غيرهم بزيادة رواتبهم وفق نسبة مئوية معينة، أو إعطائهم مكافأة مالية فصلية.
4- اختيار مديري المدارس وفق أسس علمية وعملية تعتمد بالأساس على إعدادهم من خلال دورات تدريبية مكثفة، وملازمتهم لمديرين متميّزين لا تقل عن فصل دراسي كامل.
5- اعتماد ميزانيات مالية تسلم لمديري المدارس في بداية كل عام دراسي كي يستطيعوا قيادة مدارسهم بشكل ناجح ومثمر.
6- تأمين الاحتياجات المدرسية لكل مديري المدارس قبل بدء أي عام دراسي ( مدرسين - مناهج - وسائل تعليمية - آلات تصوير - مقاعد الطلاب - تجهيزات مكتبية... الخ ).
7- أهمية المبنى المدرسي المناسب وإعداد المعلم الكفء الجاد، والنظر في كثافة الطلاب في الفصول الدراسيّة أمور مهمة في نجاح إدارات المدارس.
مع بداية موسم الاختبارات الفصلية للطلاب والطالبات، ما هي أبرز ملحوظاتكم على هذه الفترة؟
حقيقة يغلب على هذه المرحلة تحديداً مفاهيم خاطئة لدى الطلاب وأسرهم للأسف، فإن حالة شدّ الأعصاب، والاستنفار السلبي، يؤدي إلى نوع من الإرباك، والتشويش على عقل الطالب، وبالتالي فإن اندفاع العقل في اتجاه الاستعداد لأداء الامتحانات سينعكس أثره سلباً على العملية الأهم في هذه المرحلة، وهي عملية المراجعة والاستذكار..
ومن المفاهيم الخاطئة لدى بعض الطلاب وأولياء أمورهم أن فترة الامتحانات هي فترة المذاكرة والحفظ، وهذا خطأ فإن فترة الاختبارات يفترض أنها فترة استرجاع هادئ لِما تمّ حفظه من قبل الطالب طيلة الفترة الدراسية، وتعميقه من خلال المراجعة.
ـــــــــــــــــــ(101/135)
لماذا العقاب ؟ ..
نوال القحطاني
تستحق على فعلتك هذه العقاب..ابنك أذنب عاقبيه، العقاب جزاء من لا يتصرف بشكل لائق.. عبارات وجمل تتكرر سواء في البيت أو المدرسة وللوقوف على العقاب كمفهوم والأسباب الحقيقية المؤدية لاستخدامه نعرض ما يلي في موضوعنا هذا...
مفهوم العقاب:
يعرف الدكتور عبد المجيد نشواتي العقاب إجرائياً بأنه: - (الحادث أو المثير الذي يؤدي إلى إضعاف أو كف بعض الأنماط السلوكية، وذلك إما بتطبيق مثيرات منفرة غير مرغوب فيها على هذه الأنماط، أو بحذف مثيرات مرغوب فيها من السياق السلوكي، بحيث ينزع السلوك موضع الاهتمام إلى الزوال).
وللعقاب أنواع:
ويرى الدكتور زكريا الشربيني أن العقاب أنواع:
1- عقاب بدني: - وهذا أسلوب له مضاعفات نفسية وتشويه في البناء النفسي له.
2- عقاب غير بدني: - مثل نظرة عدم الرضا وحركة الرفض بالأصابع واليدين أو تقطيب الوجه أو النهي والزجر بالكلام وأقوى الأساليب هو الإهمال وحجب الاهتمام عن غير المرغوب في السلوك وقد يصبح العقاب حرماناً من النقود أو عدم إعطاء الحلوى أو حجب اللعب لفترة.
الأسباب المؤدية لاستخدام العنف في العقاب
1- سوء العلاقة بين الوالدين والأطفال..
تتأثر العلاقة بين الآباء و الأطفال باتجاهات الآباء نحو الزواج والإنجاب وبنوع خبرات الطفولة التي مر بها كل منهما في أسرته، فقد يقبل أحدهما أو كلاهما على الزواج بسبب الضغوط الثقافية والاجتماعية وليس نتيجة لرغبة أكيدة وقرار سليم.
وقد يستخدم بعض الآباء أساليب آبائهم في التنشئة الاجتماعية وقد يتجنبونها إن لم ترق لهم.. وتتحدد معاملة الآباء للطفل بعامل آخر هو مدى رغبتهم في طفل من جنس معين فقد يرغبان ابنا فينجبان بنتاً أو العكس..
وقد يؤدي مجيء الطفل إلى إحجام العلاقة الزوجية بين زوجين يرغبان في الانفصال، فيصبح هذا الطفل بالتالي نقمة على والديه وتنعكس تعاستهما على سلوكهما نحوه مما يؤدي إلى استخدام العنف معه. والتحقير من شأنه وإهماله وكثرة التوبيخ واللوم له وتقريعه.. وهذا كله يتنافى مع الهدى الإسلامي فالمؤمن راض بقضاء الله وقدره يعلم بأن الأطفال نعمة من الله يجب عليه رعايتها وأداء حقها وشكر الله عليها..
2- العلاقة بين الأطفال (الأخوة): -
إن الطفل يتعلم من خلال علاقاته بإخوته معايير الجماعة والصح والخطأ وذلك عن طريق الإيحاء والقدوة والتقليد وإذا كان الأخ إنسانا سويا فإنه سوف يؤثر على الطفل تأثيراً إيجابياً فيتعلم منه معاييره وأخلاقه السوية وقد يتخذ من ذلك منحى سلبياً فيستغل كبر سنه عن أخيه فيفرض عليه سيطرة بالضرب المبرح كي يثبت لنفسه أنه أكبر وأقوى..
هذا بالإضافة إلى أثر التفرقة بين الإخوان مما يشعل بينهم الحقد والكراهية مما يؤدي إلى تفشي العنف بينهم.
3- المستوى الاقتصادي للأسرة: -
إن الظروف الاقتصادية الصعبة للأسرة قد تؤثر على نفسية الوالدين وبالتالي على نفسية الأطفال فلا ينال الطفل الواحد منها القسط الكافي في الرعاية..
وتعد متطلباته الكثيرة عبئاً على الأسرة فيعمل الوالدان على كبت رغبات الأبناء وذلك إما بالقهر والرفض وقد يصل أحياناً إلى حد الضرب..
4- حجم الأسرة: -
إن الزيادة في أعضاء الأسرة زيادة لم تتهيأ لها تؤدي إلى التوتر وإخلال التوازن وحين يكون حجم الأسرة كبيراً قد يكره الزوجين مجيء الطفل الجديد ويعدونه (غلطة) فتسوء معاملتهم تجاهه مما يؤدي إلى وجود العنف الأسري..
5- سوء فهم الوالدين لمفهوم الطاعة: -
الطاعة تتضمن الخضوع لسلطة الكبار والوالدين والامتثال لآرائهم وتوجيهاتهم والطاعة ليست فطرية بل يكتسبها الطفل بالخبرة والمران والتدريب عن طريق
أساليب التربية والتهذيب التي يستخدمها الآباء والمعلمون في تربية النشء وقد تغرس كثير من العادات التي تؤدي بدورها إلى الطاعة عن طريق تقمص الطفل وتقليده للكبار..
ويخطئ كثير من الآباء عندما يطالبون أبناءهم بطاعة مطلقة وقد يستخدم الآباء في ذلك أساليب متنوعة من القسوة والسيطرة وقد يستخدم العنف لكي يحقق هذه الطاعة وواضح أن مثل هذه الطاعة هي طاعة موقوتة لحين وسرعان ما تنقلب إلى نوع من التمرد والعصيان لا سيما إذا رفعت اليد القوية والسلطة التي تفرض هذه الطاعة.
28/11/1425 هـ
09/01/2005 م
http://www.lahaonline.com المصدر:
ـــــــــــــــــــ(101/136)
أبناء الدعاة .. من يدعوهم إلى الله ؟
إن المرضى الذين يعودون الجراحين ليعرفوا أسباب مرضهم يعلمون أن للجراح مبضعاً لابد أن يعمله في أجسادهم شقاً وتشريحاً". وقد يحجم الكثيرون عن زيارة الأطباء جفولاً من ألم المشارط.. وخوفاً من وخز الحقن.. لكن أولئك سرعان ما تتكاثر تحت جلودهم الدمامل والقروح.. وإن بدوا في الظاهر أصحاء ذوي قوة، فسيسقطون يوماً من علٍ بعد أن تنتهك جراحهم..
يقول البوطي في كتابه فقه السيرة: "مسؤولية المسلم إصلاح نفسه ودعوة من يلوذون به من ذوي قرباه.. وتوجيهاً إلى القيام بحق هذه المسؤولية خص الله الأهل والأقارب بضرورة الإنذار والتبليغ بعد أن أمر بعموم التبليغ والجهر به، وهذه الدرجة من المسؤولية يشترك في ضرورة تحمل أعبائها كل مسلم صاحب أسرة أو قربى.. وكما لا يجوز للنبي أو الرسول في قومه أن يقعد عن تبليغهم ما أوحي إليه. فكذلك لا يجوز لرب الأسرة أن يقعد عن تبليغ أهله وأسرته ذلك، بل يجب أن يحملهم على اتباع ذلك حملاً، ويلزمهم به إلزاماً".
وإطراق طرف العين ليس بنافع
إذا كان طرف القلب ليس بمطرق
دع عينك.. أريد قلبك القارئ
بعد أن نصح الداعية ذلك المدعو بأن يرفق بنفسه ولا يرهقها، وأن ينتهز فرصة إقبالها لينصب أشرعة إيمانه.. وأن يجدف إن عاكسه التيار بالمجاديف.. وبعد أن همس متسائلاً في أذن الآخر من إخوانه بعد أن أحس منه فترة وسكون: ما آخر عهدك بصلاة الليل وقرآن الفجر؟،، ثم عاد وشارك نبلاء في جمع تبرعات لصالح متضرري المسلمين.. ثم جلس ولفيف من خلصائه يشحذون أذهانهم، ويستبقون الزمن في التخطيط لتطوير دعوتهم.. ثم رجع ووعظ أبناء حيه بعد صلاة العشاء موعظة رقت لها القلوب، واطمأنت لها النفوس، ثم خشع يذكر الله وأشبال معه هم أسود الغد حتى تغشاه النعاس أنساً بطاعة الله. بعد هذا كله آب إلى منزله وقد أنهكه التعب وأمتعه.. عاد إلى أهله مسروراً. فإذا بزوجه تشكو على استحياء حال ابنه الذي هو من صلبه.. من تضييع الفرائض، وتلفظ بكلمات يُتَعفف عن ذكرها، وعصيان طاغٍ، وكأن هذا الابن شوكة في جنب زهرة ينفي وجودها جمال الزهرة المطلق.. لينقلب ذاك السرور هماً.. وذاك النعاس سهاداً.. فيطرق الأب إطراقة حزينة:
الحزن يقلق والتجمل يردع
والدمع بينهما عصي طيع
مؤلم لعين الداعية أن يرى ابنه أو أخاه أو قريبه يشق في حياته طريقاً مغايراً له.. والله إن القلب ليحزن من رؤية بعض ذوي أرحام الدعاة وقد افترشوا الطرقات وأصبحوا من أهلها يقتلون بها أوقاتهم بل أنفسهم.. وإن الرجل منا ليرى البعيد، وهو يلاحظ اختلاف نهج الداعية عن نهج رحمه فيهمه ذلك، وتشغل تفكيره تلك الملاحظات.
خطورة المشكلة
تنطلق جسامة هذه المشكلة من تشابكها وارتباطها بعدد من المشكلات، وعمق تأثيرها في محيط الدعاة على المدى المتوسط والبعيد، فالداعية جندي أوقف حياته لله، وجاد بنفسه وأرخصها وهي النفيسة وراح يتلمس مهاوي الردى يلقيها بها فدى لدينه، وأخذ على نفسه عهود الله والمواثيق ألا يولي الدبر، وألا يتولى يوم الزحف إلا متحرفاً لقتال أو متحيزاً إلى فئة، وإن اقتحم الأعداء فأول مواطئهم جثته.
إن جندياً هذه حاله لن تُلين قوة له قناة، ولن يفلق فأس له حصاة، فهو ورفاقه كما وصفهم الواصف:
ولا عيب فيهم غير أن سيوفهم
بهن فلول من قراع الكتائب
وكما أبدع الآخر فقال:
يهون علينا أن تصاب جسومنا
وتسلم أعراض لنا وعقول
استدراك الزلل
كثيرون منا، ما شدهم في بادئ الأمر إلى طريق الالتزام بدين الله إلا محبوبات شخصية كهواية مفضلة، أو دماثة خلق أحدهم، فكانت تلك غرة الحلقات، وسرعان ما تتابعت الحلقات خلفها تشدنا برفق، وتضمنا بحنان.. فأصبحنا نتعلم العلوم إما عن طريق التعليم المباشر، أو عن طريق الإيحاء والإيماء، أو تيار العرف يوجهنا أن أقدموا أو أحجموا، شأنه شأن الريح مع ورقة الشجر تسمق بها حيناً، ثم تهوي بها بطناً لظهر في حفرة..
قد يتذكر البعض أن أساتذته قد علموه أن يخص أهله بشيء من البر والدعوة، لكن الكثيرين لا يتذكرون ذلك.
من هنا نسل قلماً أحمر نرسم به إشارة تعجب نعني بها التحذير المندهش، وندعو من خلالها إلى وجوب استدراك الزلل عبر التواصي بتوريث المدعوين مفهوم البر بآبائهم وأمهاتهم وأهليهم، وإسداء الأرحام أوقاتاً لا شيئاً من وقت.. دع عنك الدروس والمواعظ، فما أردنا ذلك، ولكن أردنا المتابعة العملية، والسؤال الدوري عن أحوال المدعو مع عائلته.
أكثير على أهلينا سُبع أسبوعنا نمنحهم إياه، ونوجه خيرنا الوافر لهم؟! أمنطق أن نسقي حدائق الأبعدين، وأشجار أرحامنا ظمأى، والبئر في أرضها ؟! أكاد أجزم أنه لو بقي أحدنا في بيته يوماً كاملاً لاندهش أهله لعدم خروجه، لم لا نقتطع من أيامنا يوماً نلتزم فيه بعدم الخروج مع الغير، نتنزه مع أهلنا فيه، ونقطع رتابة الأيام بنكتة صادقة حاضرة، وثغر مبتسم، وروح خفيفة مرحة، ويد كريمة سخية؟.. إن كان بعض المدعوين يجحد الخير ويتمرد حيناً على من وهبه إياه، فإن أهل بيتك أبداً لن ينسوا لك تلك النزهة، بل ستراهم يتذكرونها ويشتاقون إليها، ويربطون كل سعادة لهم بها.. ويا ليت شعري ما علموا أنك لم تأبه لتلك النزهة.
الدعوة.. دم وروح
مازالت نفسيات بعض الدعاة تمارس أعمالاً ناشزة يصعب على المراقب لها ربطها بالدعوة من بعيد أو قريب.
فالدعوة دم في العروق من القلب ينبض، وروح في الأعماق من الصدر تتنفس.. هل كائن يحيا بلا دم وروح؟
إن بعض الدعاة عندما يدخل منزله ومأواه، يتصل حاجباه تقطيباً، ويزفر أنفه تجهماً، وهو الذي اتسع صدره لذلك العاصي الأول، وتراه قد اختزل وتضاءل حتى عاد لا يتسع لحديث ابنه الطفل، ولا لفكاهة أخيه، وله مع سائر أهله معاملة القائد البغيض للجنود، ليس لهم حق الاعتراض أو المناقشة في القرارات، فضلاً عن إبداء الاقتراحات، في حين له عليهم الطاعة المطلقة، وأهله يستغربون مديح الناس له من حيث طلاقة وجهه، ورحابة صدره، ويتعجبون فيما بينهم عن غياب تلك الطلاقة في بيتهم، ولولا عدد المادحين لكذبوهم، ولكن البيوت أسرار وخفايا.. ويحه.. أداعية خارج البيت جبار داخله!
وهذا صنف آخر من الدعاة، له على أهله توفير المطعم والمأوى.. ولهم عليه التفضل بالأكل والرقاد وإبداء الملاحظات حول جودتيهما، قد اتخذ بيته فندقاً بالمجان، فهو في بيته سمير الكتب والإنترنت، وان رام الحديث فالهاتف أنيس وحدته، وأيادي أهله على خدودهم، تترك التعليق على حال ابنهم مخافة إغضاب العميل الدائم!.
الرسول قدوة
( لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر وذكر الله كثيرا ) (21) (الأحزاب) سمعاً وطاعة يقولها الدعاة عند تلاوتهم هذه الآية، وعلى جوارحهم أن تردد مع الألسنة تلك الآية باتباع نهجه - صلى الله عليه وسلم - روى الإمام أحمد في مسنده من حديث ابن سعيد بن العاص عن أبيه عن جده قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - "ما نحل والد ولده أفضل من أدب حسن" وهذا رسول الله الذي جعل النوم خلفه ظهرياً، وحمل هم الأمة، من أين استل وقتاً يلاعب به الأطفال؟!
روى البخاري في صحيحه عن أنس بن مالك - رضي الله عنه - قال: "إن كان النبي - صلى الله عليه وسلم - ليخالطنا حتى يقول لأخٍ لي صغير: يا أبا عمير.. ما فعل النغير"؟
ومن أراد استكمال إيمانه فعليه بما أوصاه به الحبيب - صلى الله عليه وسلم - في الحديث الصحيح الذي روته أم المؤمنين عائشة رضي الله قالت: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "إن من أكمل المؤمنين إيماناً أحسنهم خلقاً وألطفهم بأهله". من منا أخطأ طفله مرة أثابه دعوة بدل أن يعاقبه.
يحدث أبو رافع بن عمرو الغفاري يقول: "كنت غلاماً أرمي نخل الأنصار، فأتي بي إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال يا غلام: لم ترمي النخل؟ قلت: آكل، قال: "فلا ترم النخل، وكل مما يسقط في أسفلها"، ثم مسح رأسي فقال: "اللهم أشبع بطنه" (رواه أبو دواد).
وصايا للإصلاح
وهذا بعض من الإسهام في العلاج عل الله ينفع به:
أولاً: وجود التكاليف الدعوية الكثيرة والتي تقلل من فرص بقاء الداعية في بيته كسائر الآباء والأبناء والإخوة لا ينتصب عذراً عن أداء حقوقهم عليه من تربية، ومصاحبة، ونفقة.
روى مسلم في صحيحه عن عبدالله بن عمر - رضي الله عنهما - أنه سمع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "كلكم راع ومسئول عن رعيته فالإمام راع وهو مسئول عن رعيته والرجل في أهله راع وهو مسئول عن رعيته والمرأة في بيت زوجها راعية وهي مسئولة عن رعيتها والخادم في مال سيده راع وهو مسئول عن رعيته".
ومن منا يجرؤ على الادعاء بالاعتذار بالدعوة عن الأبناء والأهل ؟ انشغاله أكثر من انشغال الأنبياء عليهم الصلاة والسلام؟
ثانياً: الفوضى تضيع حقوق الناس، وتجعل الأعمال كسلاسل الجبال أمام الإنسان، فتأخذ الكثير من مشاعره وجهده، وقد يلقي بحظ أهله في ذيل قائمة أولوياته، والأولى أن يعالج طريقة ترتيب وقته، وإدارة ذاته، حتى يعطي كل ذي حق حقه.
ثالثاً: اعتبار مرحلة منافرة الأهل محطة لازمة العبور في حياة الداعية هو اعتبار سقيم، يفرخ تصرفات سقيمة، والتي منها البحث المجهري عن أخطاء يقترفها الأهل لتكون نواة للمنافرة والصدام إبان النهي عن المنكر، والكتاب الذين تصدوا لعلاقة الداعية مع أهله وبسطوا الأمر على أساس المجابهة والمحاربة مستشفعين بأدلة مصعب بن عمير وسعد بن أبي وقاص - رضي الله عنهما - مع أميهما، إنما ذكروا مرحلة من وجوه التعامل تسبقها مراحل عديدة شبيهة بمراحل الدعوة الفردية، كتوثيق العلاقة وبناء الثقة، ومن ثم إيقاظ الحس الإيماني وغيرها من المراحل، فإن استقبل الأهل هذه الخطوات بعداء وحرب، حينها تصح تلك الأمثلة، مع مراعاة الطاعة فيما لا معصية فيه.
روى الإمام أحمد في مسنده عن أسماء بنت أبي بكر - رضي الله عنهما - قالت: قدمت أمي وهي مشركة في عهد قريش إذ عاهدوا، فأتيت النبي - صلى الله عليه وسلم - فقلت: يا رسول الله إن أمي قدمت وهي راغبة أفأصلها؟ قال: نعم صلي أمك.
وأولئك الكتاب إنما بينوا أمور المواجهة وأغفلوا دعوة الأهل بالحسنى نظراً لظروف بلدانهم، وأعرافها، وعلى القارئ الفطن ألا يقرأ بعين التقليد بل بعين الاجتهاد ما استطاع.
إن صدور الدعاة عليها أن تتسع لأرحامهم لأن:
هدايتهم تضمن بإذن الله ولاء هذا البيت، وهذا يعني إرسال أبنائهم وأبناء أبنائهم للدعاة يربونهم.
ثبت عبر التجربة إبداع النساء في نشر محاسن الملتزمين بين الأمهات، فأصبح الناس يقبلون على الالتزام عبر تزكيات الأمهات.
لن ينتهي عجبك من الدعم والتضحيات التي تبذلها البيوت التي عملت يد الإصلاح فيها براً ووفاءً.
أغلب من جرب الدعوة مع أهله يخبر أنهم لا يحتاجون مزيد جهد وتعب كما هو الحال مع غيرهم من المدعوين.
هل النداء الذي أعلنت مستمع
أم في المئات التي قدمت منتفع؟
وبعد فكن كالأنبياء لذويهم، كن كإبراهيم لأبيه.. وكلقمان لابنه.. وكيوسف لإخوته.. بل كن كمحمد لأهل بيته، عن عائشة قالت قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "خيركم خيركم لأهله وأنا خيركم لأهلي" (رواه الترمذي).
http://www.almujtamaa-mag.com المصدر :
ـــــــــــــــــــ(101/137)
(عمالة الأطفال) .. والحقوق المهدورة (1/2)
إعداد: عبدالفتاح الشهاري 3/11/1425
15/12/2004
شارك في التحقيق:
من العراق ... ضحى الحداد
من فلسطين ... إبراهيم الزعيم
من اليمن ... صباح العواضي
من مصر ... عاصم السيد
مازالت عمالة الأطفال واستغلالهم في المهن والحرف الشاقة مسألة تحظى باهتمام المؤسسات الحكومية، ومؤسسات المجتمع المدني بمختلف اتجاهاتها وتوجّهاتها، وتعدّ عمالة الأطفال من السلبيات والمشاكل التي مازالت تعاني المجتمعات العربية والنامية -عموماً- مأساتها، وعلاوة على ما تسببه هذه الظاهرة من مساوئ اجتماعية تتمثل في الحرمان من التعليم، وتعميق التمزق الأسري، وانتشار المخدرات، إلا أن الخطر الأعمق لنتائجها يتعدى سطحية الحاجة والفقر إلى قضايا تتعلق بالبعد القومي، ومستقبل التخطيط الاستراتيجي، ومستقبل التنمية ومشاريعها المختلفة..
لمفهوم (عمالة الأطفال) جانب إيجابي إذا ما قصدنا منه الأعمال التي يتبنّى الطفل القيام بها طوعاً بدوافع نفسية بحتة نتيجة لما تحتمه سيكولوجية المرحلة العمريّة التي يمرّ بها، والتي سينعكس أثرها الإيجابي على تنمية قدراته الذهنية والعقلية، مع ما يكتسبه من خلال هذه الممارسات العملية من صفات اجتماعية لها دورها الإيجابي في صقل مواهبه وشخصيته وقدراته الخاصة وأبرز هذه الصفات الاعتماد على النفس والتعوّد على حمل المسؤولية والإحساس بالثقة والتمرّن على القيادة؛ إلا أن التركيز على الجانب السلبي بمشاكل ظاهرة (عمالة الأطفال)، والذي يُقصد به العمل الذي يُفرض على الطفل عنوة بما فيه من مشاق وأعباء لا تتناسب والمرحلة العمرية للطفل، ولا تتوافق مع إمكانياته الجسمانية، وفيها ضغط على قدراته العقلية، بل وتُسهم أيضاً في إعاقة الأطفال عن التعليم، والتدريب، واكتساب المهارات الذهنية، وهذا الجانب السلبي من مفهوم (عمالة الأطفال) هو ما يهدّد بتفاقم الوضع السيّئ والانحدار الخطير لمؤشرات التنمية.
وفي دراسة أخيرة أصدرتها منظمة العمل الدولية أفادت بأن القضاء على هذه الظاهرة على مدى خمسة عشر عاماً من الآن أي إلى عام 2020م أمر ممكن بتكلفة مقدارها سبعمائة وستين ألف مليون دولار، كما أفاد التقرير إن توسيع التعليم إلى سن الرابعة عشرة من شأنه أن يؤدي إلى ارتفاع إضافي في الدخول المستقبلية السنوية بنسبة 11% وإن الفوائد الكلية من القضاء على عمالة الأطفال تُقدر بمبلغ 5.1 تريليون دولار، كما قدرت المنظمة بأن هناك حوالي مائتين وخمسة وأربعين مليون طفل يعملون حول العالم.
وفي هذا الإطار أطلقت منظمة الأمم المتحدة للطفولة «اليونيسيف» من خلال المنتدى الأول للإعلام العربي وحقوق الطفل الذي انعقد مؤخراً في دبي تقريرها السنوي حول "وضع الأطفال في العالم 2005"، حيث أكد التقرير أن هناك (5.7) ملايين طفل بالوطن العربي لم يسبق لهم الالتحاق بالمدرسة الابتدائية إضافة إلى (13) مليون طفل عامل فيما بلغ عدد الفتيات غير الملتحقات بالمدارس في المنطقة العربية ستة ملايين فتاة من إجمالي غير الملتحقات بالمدارس في العالم البالغ (70) مليون فتاة.
تقرير«اليونيسيف»: الدول العربية تواجه معدلات بطالة تعتبر الأعلى عالمياً
وأفاد تقرير«اليونيسيف» بأن الدول العربية تواجه معدلات بطالة تعتبر الأعلى عالمياً، مع توقعات بزيادة معدل نمو القوى العاملة حتى 2010م ما بين 3 إلى 4 بالمائة، وهي ضعف متوسط معدل نموه في المناطق النامية الأخرى.
أطفال العراق
ربما أن لأطفال العراق وضعاً خاصاً من المعاناة خصوصاً ما تعرضوا له طيلة سنوات الحصار، وأثار استغلال الأطفال في العمل جدلاً كبيراً, وتحركت بعض المنظمات والهيئات المدافعة عن حقوق الطفل بشكل خاص إلى الرفض القاطع لهذه المهمات التي تثقل كاهل الفتى, منها جمعيات عنيت بتوفير أعمال تتناسب وطبيعة هؤلاء الأطفال, هذا إذا كان لابد لهم من العمل, وكان رأي الطب النفسي واضحاً في هذا المجال، فيوضح الدكتور النفساني حميد الزوبعي لـ (الإسلام اليوم): بأن الطفل العراقي وقعت على عاتقه الكثير من المسؤوليات مما أدى إلى أن تكون عقليته ربما أكثر فهما وإدراكاً للأمور من أقرانه في الدول الأخرى.
وفي آخر إحصائية أصدرتها وزارة التخطيط والتعاون الإنمائي العراقية تبين أن نسبة 22% من العراقيين لم يلتحقوا بالتعليم, وأن 11% من السكان أكملوا دراسة جامعية و13% أكملوا الدراسة المتوسطة, وهذا يعكس ترك الأطفال لمدارسهم في سن مبكرة، وانخراطهم في الأعمال التي منعتهم من استكمال تحصيلهم الدراسي, وفي نفس الجانب فإن عمل الأطفال يؤثر بحالتهم الصحية، فقد بينت نسبة بأن 7.5 من أطفال العراق أصيبوا بسوء التغذية.
إحصائية وزارة التخطيط العراقية: 22% لم يلتحقوا بالتعليم و 7.5 أصيبوا بسوء التغذية
أطفال فلسطين بين سندان الشوارع ومطرقة الاحتلال
حياة قاسية يعيشها أطفال فلسطين، فجزء منهم يُصفّى جسديًا على يد الاحتلال الصهيوني، والجزء الآخر سيصفّى فكرياً في سوق العمل إن لم يُفِق كل ذي لُب ويسعى لتحمل مسؤولياته، معه وفي أحد الأسواق بمدينة غزة كان لنا لقاء مع الفتى فهد (16 عاماً) وشقيقه زكريا (12 عاماً) الذي كان يقف إلى جواره ليساعده في بيع (الجوارب) الشتوية، فهد قال لنا: "أنا أدرس مسائي، فأستغل الفترة الصباحية في العمل، حيث أعمل إلى العشاء، ثم بعد العشاء أذاكر دروسي، واضطررت للعمل كي أساعد أبي وأهلي، كما أنني أصرف على نفسي".
إحصائيات مخيفة
وللوقوف على هذه الظاهرة بالأرقام أجرينا اتصالاتنا بمكتب اليونسيف في غزة والقدس فكان لنا أن حصلنا على دراسة أعدها برنامج دراسات التنمية بجامعة بير زيت حول " أطفال فلسطين في سوق العمل " ، وذلك بالتعاون مع اليونسيف و(سكرتاريا) الخطة الوطنية للطفل الفلسطيني، هذه الدراسة تقول في عام وللوقوف على هذه الظاهرة بالأرقام أجرينا اتصالاتنا بمكتب اليونسيف في غزة والقدس فكان لنا أن حصلنا على دراسة أعدها برنامج دراسات التنمية بجامعة بير زيت حول "أطفال فلسطين في سوق العمل" ، وذلك بالتعاون مع اليونسيف وسكرتاريا الخطة الوطنية للطفل الفلسطيني، هذه الدراسة تقول في عام 1995 أجرت اليونسيف دراسة مسحية حول ظاهرة عمل الأطفال، حيث شمل المسح (300) طفل من قطاع غزة، ضمن الفئة العمرية ( 8 - 15 عاماً)، وتبين من الدراسة أن 95 % من الأطفال العاملين هم فوق (10) أعوام، وبيّن المسح كذلك أن معظم الأطفال يقضون من (5 - 10) ساعات يومياً في العمل.
دراسة فلسطينية: 95% من الأطفال العاملين هم فوق الـ (10) أعوام، وساعات العمل من 5 - 10 ساعات يومياً
آثار سلبية
د فضل أبو هين - أستاذ الصحة النفسية وعميد كلية التربية بجامعة الأقصى ومدير مركز التدريب المجتمعي وإدارة الأزمات - قال: إن عمالة الأطفال مشكلة عالمية حتى في الولايات المتحدة موجودة وفي كل الدول، لكن الذي يزيد تفاقم هذه الظاهرة الأوضاع الاقتصادية العسرة التي تمرّ بها المجتمعات الأمر الذي يجعل عمل الأطفال حلاً لذلك.
المسؤولية مشتركة
وحول الخطوات المتخذة للحد من هذه الظاهرة التقينا آمال حمد -مدير عام وحدة المرأة والطفل بالمجلس التشريعي - والتي قالت: لقد حاولت الوحدة إقرار بعض القوانين للقضاء على هذه الظاهرة، أو على الأقل الحد منها، مشيرة إلى أن قانون العمل الفلسطيني يمنع مَن هم دون الخامسة عشرة من العمل، وإذا عمل الطفل الذي تجاوز هذه السن فإن لذلك ضوابط محددة على رب العمل أن يلتزم فيها تجاه هؤلاء الأطفال، والمتمثلة في تخصيص ساعات راحة محددة لهم، وساعات عمل محددة، وتوفير الإجازات لهم، وعدم العمل في أماكن خطرة، وعدم العمل في الليل، وعدم العمل في الشوارع؛ لأنه غير منتظم، فقد يهدم كينونة الإنسان وكرامته، ويصبح بالتالي غير سوي.
صنعاء: 18000 طفل دون هوية
وقد أكدت دراسة اجتماعية أن عدد الأطفال اليمنيين الذين يعيشون في ظروف صعبة يزداد بصورة مخيفة، وفي ظل أوضاع اجتماعية مستغلة خاصة فئة الأطفال العاملين الذين يزيد عددهم عن (2) مليون طفل وتشير الأمم المتحدة إلى وجود نحو مليون طفل يمني معاق وتسعة وثلاثين ألف طفل في الشارع (70) ألف طفل ليس لهم عائد أو عائل، وفي صنعاء وحدها هناك ما يزيد عن (18000) طفل وطفلة في الشارع دون هوية أو مكان آمن للنوم، ولكنهم يستخدمون كل الوسائل للحصول على لقمة العيش .
إحصائية الأمم المتحدة: 2 مليون طفل في اليمن، منهم (70 ألف) طفل ليس لهم عائد أو عائل
ومن الظروف المؤلمة التي تعانيها فئات الأطفال في اليمن افتقارها إلى التعليم والرعاية الصحية والمأوى المريح، أسوة بأقرانهم، مما يمثل انتهاكاً للطفولة وتعارضاً مع حقوق الطفل التي نادى بها ديننا الإسلامي والقوانين الوطنية والعربية والاتفاقيات الدولية، وتعرضهم لظروف سيئة بسبب نقص خبرتهم وضعف قدرتهم على استخدام الآلات والأدوات التي صممت أساساً لكي تناسب كبار السن وليس صغارهم، مما يعرضهم للإصابة أثناء العمل نتيجة للاستخدام الخاطئ لهذه الآلات والأدوات. كما يزيد من خطورة تلك الإصابات، عدم اهتمام أصحاب الأعمال بتوفير وسائل الأمان أو الاحتياطات اللازمة للإنقاذ السريع في حالة تعرض أحدهم للخطر أو للإصابة أثناء العمل من الظواهر التي تعاني منها الجمهورية اليمنية.
تحديات وصعوبات
وتواجه اليمن كثيراً من التحديات الناجمة عن الاختلالات الاجتماعية والاقتصادية وظروف التحول الاقتصادي، وما نتج عنه من اتساع دائرة الفقر حيث بدأت ظاهرة عمالة الأطفال في الانتشار منذ بداية التسعينات التي رافقها كثير من المتغيرات السياسية والاقتصادية في المنطقة، ويعتقد الخبراء أن ارتفاع معدلات الفقر خلال العشرية الأخيرة ساهم في إفراز ظاهر عمالة الأطفال وسكان الصفيح، وكذا تراجع النشاط الاقتصادي في إطار الإصلاح الاقتصادي للبلاد، والذي أدّى إلى ارتفاع تكاليف المعيشة وتفشي البطالة وبالتالي زيادة أعداد الأسر الفقيرة، ومن المعوقات التي تواجه اليمن في التصدي للظاهرة هي نظرة المجتمع لهذه الفئة على أنها فئة منحرفة تعوق حصول هذه الفئات على الخدمات الصحية والتعليمية، وعدم وجود تعريف قانوني للطفل العامل، وبالتالي وقوعه في إطار المساءلة القانونية مما يزيد من تهميشه. ولأن عمل الأطفال يتم في غفلة من القانون لذا ينتشر عملهم في الأعمال العرضية والهامشية، التي لا تُسجل بصورة رسمية، ونادراً ما تُبرم لهم عقود، لذا فهم لا ينتمون إلى نقابة أو هيئة تعمل على حماية حقوقهم من سطوة أصحاب الأعمال كما يحرمون من الضمان الاجتماعي أو التأمين الصحي ، ولا يحصلون ( غالباً ) على إجازات مدفوعة الأجر، ولا ينال بعضهم على أجر نظير عمله، إذا كانوا يعملون لدى ذويهم أو لحساب أسرهم وبالتالي يفقدون حقوقهم المالية وحقهم في الرعاية الصحية والاجتماعية؛ لأنهم لا يملكون الحماية النقابية كما لا يملكون اللجوء إلى سلطات حكومية ترعى مصالحهم.
وتتبنى الحكومة بالتعاون مع اليونسيف إستراتيجية خاصة بحماية الأطفال في ظروف صعبة؛ حيث تسعى لتطوير الهياكل وتحسين أداء الإدارات المعنية بالأطفال، وبناء قاعدة معلوماتية عن فئات الأطفال، وتوفير تعبئة الموارد الوطنية لتمويل برامج ومشروعات حماية الأطفال وإدماجهم في المجرى الرئيسي للمجتمع لكن نتائج برامج وسياسات هذه الإستراتيجية لم تدل على أي تقدم لصالح محاصرة الظاهرة
الاهتمام الرسمي والإعلامي بالأطفال شيء ..والواقع المرير شيء آخر؛ فالدساتير العربية اهتمت بالطفل وكفلت حماية الأمومة والطفولة ورعاية النشء والشباب وتوفير الظروف المناسبة لهم لتنمية ملكاتهم الفكرية.
هذا يعمل في ورشة لتصليح السيارات، وآخر يعمل في مصنع لصناعة مواد البناء، وآخر يسير مسافات طويلة على قدميه ليبيع الصحف أو الجوارب وأسنانه تصطك ببعضها من شدة البرد، يالها من حال قادت هؤلاء الأطفال إلى سوق العمل وهم في عمر الزهور!!
ونواصل اليوم استكمال الجزء الأخير من ملف (عمالة الأطفال) .. والحقوق المهدورة..
استحقاقات مهنية غائبة
في مصر صدر قانون الطفل رقم 12 لسنة 1996م وينص على رعاية الطفل العامل الذي لم يبلغ من العمر (18) عامًا ويحظر فيه تشغيل الأطفال قبل بلوغهم سن الرابعة عشرة ميلادية كاملة، كما يحظر تدريبهم قبل بلوغهم الثانية عشرة، أما الطفل العامل فهو من سن (14 - 18) سنة وله عدة اشتراطات حيث يحظر على صاحب العمل الذي يستخدم طفلاً أو أكثر تشغيله لأكثر من (6) ساعات في اليوم، يتخللها فترة أو أكثر لتناول الطعام والراحة، لا تقل في مجموعها عن ساعة واحدة، بحيث لا يعمل الطفل أكثر من أربع ساعات متصلة، ولا يجوز تشغيل الأطفال ساعات عمل إضافية أو في أيام الراحات الأسبوعية والعطلات الرسمية، كما أنه لا يجوز تشغيلهم فيما بين الساعة الثامنة مساء والسابعة صباحًا، ويلتزم صاحب العمل بتوفير وسائل الوقاية المقررة لمهنته وتدريب الأطفال على استخدامها، والأهم أن يلتزم صاحب العمل الذي يستخدم طفلاً أو أكثر بتقديم كوب من اللبن لكل طفل يوميًا لا يقل وزنه عن (200)غرام.
ولا يلتزم صاحب العمل في كل الأحوال بهذه الاشتراطات بل قد يمارس أفظع أنواع الوحشية مع هؤلاء الأطفال؛ لذا تقوم الإدارة العامة لرعاية الأحداث بحملات بين الحين والآخر للتفتيش عن مخالفات أصحاب العمل من الأطفال.
أطفال المغرب يعملون في الزراعة
وفي بداية عام 2004، نشرت منظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسيف) دراسة لها قامت بها في المغرب أشارت فيها إلى أن 51% من الأطفال الذين تقل أعمارهم عن (15) سنة في الجنوب المغربي يعملون في الزراعة، كما أنهم يعملون ما بين (4 - 8) ساعات يوميًا.
وليست بدعة العمل في الصيف من أجل شراء الكتب المدرسية في بداية الموسم الدراسي جديدة، أو مرتبطة بالأطفال الذين لا يجدون معيلاً، بل هي عادة قديمة، إلا أن طقوسها تغيرت.
دراسة لليونيسيف بالمغرب: 51% من الأطفال يعملون في الزراعة.
وفي هذا الصدد يحكي أستاذ اللغة الفرنسية "العفير محمد" قائلاً: إنه كان في الستينيات من القرن الماضي برفقة مجموعة من أصدقائه يسافرون إلى أوربا في الصيف، حيث لم تكن التأشيرة مطلوبة لاجتياز الحدود، كان يكفي توفير ثمن الرحلة، لتتكفل السفن بنقلهم إلى القارة الأوربية.
وكانوا يقضون الصيف في العمل في الحقول، وبعضهم ممن كانت له خبرة أكثر، كان يعمل في المطاعم والمقاهي، ليعودوا قبل انطلاق الموسم الدراسي بأيام، ويبدؤوا استعدادات العام الجديد، بشراء كل المستلزمات وتوفير ما تبقى من أجل المصاريف اليومية.
وتعلق "بشرى المفلح" ـ وهي باحثة مغربية ـ على ظاهرة عمل أبناء المدارس في الصيف بأنها عادة بدأت تتحول إلى اضطرار سنة بعد أخرى في أوساط بعض التلاميذ الذين يعيشون ظروفًا صعبة، لا سيما أن نسبة الفقر في المغرب تصل إلى 19% من إجمالي السكان الذين يتجاوزون الثلاثين مليون نسمة وفقًا لتقارير رسمية.
وتضيف بشرى المفلح "أنه حينما يُحرم طفل أو مراهق من الاستمتاع بالعطلة، سواء مع أقرانه أو مع عائلته، ليقضي أيام العطلة في العمل، مهما كان دافعه لذلك، فهذا أمر يسيء إلى صحته النفسية، ويحرمه من أحد حقوقه، وقد يؤثر على مردوده في الدراسة؛ لأن العطلة هي موسم الراحة والسفر والاستمتاع بالوقت قبل استئناف دورة جديدة من دورات الدراسة."
لكن عندما لا يأخذ الطفل حصته من الراحة ويتوجه بدل ذلك إلى العمل، فلن يكون الموسم الدراسي الجديد دورة جديدة بل قد يتحول إلى فرصة للراحة من العمل الشاق، وفقًا للباحثة المغربية.
وتؤكد "بشرى المفلح" أن عمل الأطفال طيلة السنة بدأ يتحول إلى قضية في المغرب لما يطرحه من انعكاسات سلبية على النمو السليم للطفل، ولكن لا بد من القيام بدراسات على العمل الموسمي خاصة بالنسبة لأطفال المدارس؛ لأنه إذا تجاوز حدودًا معينة يصبح له ضرر بالغ على مستقبل الأطفال.
إيذاء نفسي وعضوي
د.عزة كريم خبيرة الاجتماع بالمركز القومي للبحوث الجنائية والاجتماعية بمصر درست ظاهرة عمالة الأطفال وفي مقدمتها خدم المنازل الذين يتعرضون للإهمال والفقر والحرمان من الرعاية الأسرية حيث يعملون ساعات عمل كثيرة وغير محددة، ورغم أن العمل في المنازل قد لا يكون خطرًا مثل أعمال أخرى، إلا أنه غالبًا ما يتعرض فيه الأطفال للإيذاء النفسي والعضوي لتعرضه لكثير من الضرب والإهانة وأحيانًا العدوان الجنسي. أما الفئة الثانية فهي الباعة الجوالون وهم فئة هامشية ضمن الفئات الدنيا في القوى العاملة. وقد أثبتت الدراسات أن عددًا أكبر من الأطفال الذين يعملون كباعة جائلين يبلغون(10) سنوات كما أن 97% منهم بدؤوا العمل في سن مبكرة للغاية، وهم يتعرضون لمخاطر الطرق والمواصلات والإرهاق الجسماني المستمر، ويفرض على أغلبهم معرفة العصابات وأصدقاء السوء.
أما العمالة في الزراعة فتبلغ نسبة الأطفال فيها 8. 77% ورغم ما يتركه من مخاطر صحية على الأطفال إلا أنهم يستقبلونها مع عائلاتهم كعادة مترسبة في المجتمع الريفي.
ويمثل الأطفال في المنشآت الصناعية والخدمية الصغيرة عمالة رخيصة بالإضافة إلى أنهم أكفأ في القيام بالأعمال اليدوية والنظام وخدمة العاملين، كما أن صاحب العمل يفضل الطفل العامل كي يتهرب من الشروط والالتزامات المتمثلة في التأمين الاجتماعي والضرائب، وهذه الأعمال تمثل خطورة كبيرة على الأطفال خاصة الصناعات التي تتطلب درجات عالية من الحرارة كصناعة الزجاج والمواسير والصناعات الكيماوية.
وهناك فئة من الأطفال تعمل في جمع القمامة؛ ولذا يشعر الطفل بالدونية الاجتماعية والنفسية، ويتعرض لأمراض الحساسية، ولا يوجد نص صريح في القانون يمنع عمالة الأطفال في هذا المجال، وأخيرًا عمال التراحيل، وهم أطفال يعيشون على الترحل وراء فرص العمل الموجودة خارج حدود المجتمع المحلي الذي يعيشون فيه، ويقيمون في معسكرات بالقرب من المشروعات التي يعملون بها وينتقلون بحثًا عن فرص العمل المنقطعة، ويعانون أوضاعًا اجتماعية واقتصادية قلقة.
الاستغلال التجاري
في العالم اليوم يقوم أكثر من (179) مليون طفل بمزاولة أعمال ضارة ولا تتناسب مع أعمارهم، متجاوزة مسألة المهن الشاقة جسمانياً إلى مسائل أخطر وأكبر كالعبودية، والاستغلال الجنسي، والسرقات، والتسول، وما يترتب على ذلك من مسائل الاتجار بهم عن طريق قراصنة في هذا المجال، علاوة على ذلك فإنه يمتد المساس بالطفولة إلى ما هو أبعد من ذلك حيث يصل الأمر إلى تجنيدهم كمقاتلين..
ظاهرة (عمالة الأطفال) رغم الاهتمام الواضح بها، وإعطاء هذه المسألة خصوصية وعناية، إلا أن الجهد المطلوب يجب أن يكون أكبر من كل ما سبق، فإن هذه التقارير والإحصائيات والأرقام بحاجة إلى خطوات عملية وملموسة تترجم التعامل معها بمستوى أهميتها الإحصائية.
الانفلات الحاصل للطفل نتيجة حتمية لتفكك أسري من الأساس.
وتتحمل الأسرة في هذا المضمار الدور الأكبر؛ حيث إن أساس هذا الانفلات الذي يحصل للطفل ما هو إلا نتيجة حتمية للتفكك الأسري من الأساس، أو خطايا جنسية بين مراهقين، وهو نتيجة أيضاً تعتبر حتمية ومركبة لهذا التفكك، كما يلعب الفقر الدور الأكبر والسبب الرئيس لسير الأطفال في هذا الاتجاه للضغط من أجل كسب المال، كما أن هناك أسبابًا أخرى يمكن إيجازها في:
ـ الفقر، حيث يتم اعتماد الأسر الفقيرة على دخل أبنائها من الأعمال المتدنية، أو التسول.
ـ غياب بدائل الحياة الاجتماعية للأسرة الفقيرة، وجعل التعليم هو الخيار الوحيد للطفل، وعدم التوجه إلى إشراكه في الحياة بما يناسب قدراته العقلية، والذهنية، ومرحلته العمرية.
ـــــــــــــــــــ(101/138)
كيف تزرع في ابنك مراقبة الله
أحبتي في الله هذه أول مشاركاتي أتمنى أن تكون مفيدة ونافعة بإذن الله - تعالى -...
سأتكلم بإذن الله عن كيفية زرع مراقبة الله في ابنك.. في البداية سأذكر قصة أوردها الشيخ ناصر العمر - حفظه الله - في أحد أشرطتة وهي باختصار أن أحد المشائخ كان يحب طالب لديه أكثر من بقية الطلاب فغار الطلاب منه فأراد الشيخ أن يبين لهم قدر هذا الطالب فأمرهم يوما من الأيام أن يأتوا ويحضروا معهم دجاجة حيه فجاؤا جميعا ومعهم الدجاجة فقال لهم: أريد من كل واحد أن يذبح دجاجته في مكان لا يراه فيه أحد فذهب الطلاب جميعا يبحثون عن المكان ثم بعد مدة جاؤا جميعا ودجاجاتهم مذبحوه إلا هذا الطالب فقد تأخر فغضب الشيخ منه فلما أتى و إذ بدجاجته مازالت حيه فأنبه الشيخ وقال له: تأخرت ولم تذبح دجاجتك أيضا. فقال له الطالب: بحثت عن كل مكان لا يراني فيه أحد فلم أستطع لأن كل مكان أذهب إليه يراني فيه الله فعرف الطلاب قدره وعذروا الشيخ على حرصه عليه من بينهم..
إذا أيها الأب المبارك كيف تزرع مراقبه الله في قلب ابنك ؟
أولا: عن طريق القصص فتذكر له قصص السلف وكيف كانوا يراقبون الله في جميع أحوالهم.
ثانيا: الاعتذار عن ما قد يطلبه المتربي مما فيه مخالفة لأمر الله.
ثالثا: كثيرا ما يحدث الإبن أباه عن بعض ما يراه من مواقف فيها مخالفة شرعية كالغش والكذب فيجدر على المربي أن لا يدع الأمر يمر مرور الكرام بل يعلق على ذلك.
رابعا: أن لا يجعل خوفه معلقا بأشياء مثلا أن يعلق فعل السرقة بقطع اليد بل يعلق ذالك الفعل بالخوف من الله
هذا هو الفصل الأول من دروس تربية الأبناء أسأل الله أن يبارك فيه ولست طالب علم ومربي لكن هي حصيلة ما أقرأ وأطبق فالتجربة خير برهان وأرجوا الزيادة من الإخوان أصحاب التجارب العامرة حتى استفيد ويستفيد القراء معي....
http://www.epda3.net المصدر:
ـــــــــــــــــــ(101/139)
الفتاة المعاقة .. نماذج كسرن العوائق
إعداد: عبدالفتاح الشهاري 15/10/1425
28/11/2004
إعداد
...
عبد الفتاح الشهاري
...
شارك في التحقيق:
من السعودية :
...
منال الدغيم
من فلسطين :
...
إبراهيم الزعيم
من العراق:
...
ضحى الحداد
من مصر:
...
د. ليلى بيومي
...
...
...
نماذج سطّرن بأناملهن أسمى معاني القوة والثبات في الحياة، ما بين كفيفة البصر فاستضاء قلبها بنور الإيمان، وبين قعيدة فقعدت الدنيا أمامها إجلالاً واحتراماً، لم تثنهن ظروفهن عن المضي بكل ثقة ليشققن في هذه الحياة طريقاً مملوءاً بكل عزم..
هذه الشريحة المتشحة بماردٍ عملاقٍ من العزم والإصرار أردنا أن نسبر أغوارها، وأن ندخل بين جنباتها، لنستخلص منهن ومضة أمل نهديها لمثيلاتهن من أخواتنا ذوات الاحتياجات الخاصة، لكي نقول لهن: إن الإنسان كيانٌ حباه الله من النعم ما لا يُعدُّ ولا يُحصى، وإن رسالة الإنسان ليست في نظره فحسب، أو قدمه فحسب، أو يده فحسب، بل إن كل خلية تنبض في جسمه بالحياة لها دورها في المسيرة الطويلة..
شيخة القحيز: "لابد من الاعتراف بالإعاقة وعدم الحزن على الوضع الجسماني مادام العقل واعيا سليما"
كانت (شيخة) - كما تقول عن نفسها - سلبية في بداية حياتها، تتوقع أن يبادرها الآخرون بالخير نحوها، وتلبية ما يجول في خاطرها دون طلب منها أو إيحاء ... تقول:
"إن الناس في الحياة سائرون إلى الأمام لا يعيرون اهتماماً بمن خلفهم، فمن لم ينهض بنفسه فلن يمد إليه أحد يده لينهضه، لقد جربت ذلك فمن لم يستطع النهوض وهو يحاول، فليصرخ طالباً المساعدة عند ذلك سيقدم له المحبون الخير والعون والمساعدة . أما من ينتظر منهم المبادرة فمسكين ذلك الإنسان وسيبوء بالخيبة..!
تفاجأ أهلي عندما أصبت بالشلل فلم يكونوا يعرفونه من قبل، ولم يدركوا خطورته على المصاب به، فاستعانوا بطب المعارف والجيران ولكن ذلك لم يفد، فذهبوا إلى المستشفيات، بيد أن الطب يعجز عن بعض الأمراض فبقيت مقعدة مدى الحياة.."
ثم تضيف: "لقد كنت سلبية في بداية حياتي ساذجة النظرة أتوقع أن يبادرني الكل بالخير والمساعدة التي في خاطري دون طلب مني أو إيحاء، وظللت فترة طويلة بتلك الروح الاتكالية .. ولكن مضى العمر ولم أتقدم، وإخواني الذين هم أصغر مني سبقوني في كثير من الأمور الدراسية والاجتماعية والمالية، أما أنا فلا.
وذات يوم حزنت على حالي وقررت أن أسأل أهلي عن سر إهمالهم وعدم اهتمامهم بمستقبلي، فلم أجرؤ إلا على أخي الصغير وهو في المرحلة الثانوية، فقلت له: أنتم لا تهتمون بي أو بمشاعري؛ فأنتم تخرجون للرحلات البرية والزيارات العائلية وغيرها.. ولم يقل أحد منكم يا أختي تعالي معنا؟ لماذا لم تفكروا بي؟ ألست مثلكم أحب المرح والتعرف على الآخرين؟ فقال: أنت لم تبد لنا رغبتك ولم تحتجي!! ولذا فقد توقعنا أنك راضية بهذا الوضع ولا تحبين تغييره فتركناك وما ترغبين !!
بعد ذلك أصبحت أطالب بحقي وأسعى بكل ما أقدر في تحقيق أمانيّ وطموحاتي سواء عبر أهلي أو الآخرين، لا أبالي مادمت أسلك طريقاً ليس فيه ما يغضب الله تعالى، لكن الله لم يحرمني صحة العقل بل زادني عافية في الروح ونشاطاً في الهمة، واستصغار الصعب والحمد لله".
وتواصل (شيخة) في سرد حكايتها وتقول: "استمرت الطموحات تنمو وتنضجها الأعوام فمن رغبة في معرفة الحروف ومدلولاتها والتلذذ بكتابة جمل وكلمات إلى خط الرسائل والمكاتبات وتطلعات دراسية، ثم وظيفة وزواج وبعدها غشاني بريق الإعلام والعلاقات العامة. أسأل وأبحث وأغامر وأدفع مالاً لمن يخدمني بسخاء على قدري، فحصلت على أشياء لم أكن استشرفها ولا أحلم بها، جاءتني بفضل من الله ونعمة، وكان دعائي دائما كلما أحسست بظلم أو تجاهل أو ضعف "ياحي يا قيوم برحمتك استغيث. أصلح لي شأني كله، ولا تكلني إلى نفسي أو إلى أحد من خلقك طرفة عين، اللهم آثرني ولا تؤثر عليّ، وانصرني ولا تنصر عليّ، وأكرمني ولا تهني، واجعل لي من كل هم فرجاً ومن كل ضيق مخرجا".
هذه حكاية (الكاتبة شيخة القحيز) الإعلامية والمحرّرة في جريدة الجزيرة السعودية اليومية، والمجلة العربية، والطالبة في الثانوية العامة، وربة بيت وأسرة! تقص حكايتها المثيرة من على كرسيها المتحرك!
وتلخص شيخة لأخواتها المعاقات تجربتها في نقاط هي:
- لابد من الرضا بقضاء الله والصبر عليه.
- الاعتراف بالإعاقة وعدم الحزن على الوضع الجسماني مادام العقل واعياً سليماً ولا تغضب ممن يقول لك معاق، فهذا شيء حقيقي واقع فلم الحزن ؟!
- العمل الدؤوب من أجل عفاف النفس وعدم انتظار مبادرتهم أو شفقتهم بل السعي في خدمتهم وتقديم الخير لهم، وترك احتقار النفس؛ فكل إنسان له قدرات.
- العمل على تثقيف النفس بالعلم والقراءة المستمرة، وكسب العلاقات الطيبة مع الناس مهما كانوا.
وتطرح (شيخة) حين سألناها عن طبيعة تجربتها تساؤلاً يتبادر لبعض الأذهان قد يكون له واقع يُلمس في بعض الحالات من ذوي الاحتياجات الخاصة، تقول شيخة: "لماذا المعاقة في الغالب بائسة محطّمة؟!" وأجابت عن سؤالها قائلة: "إن هذا من سوء ظنها بنفسها، فالناس في الحياة سائرون إلى الأمام لا يعيرون اهتماماً بمن خلفهم، فمن لم ينهض بنفسه فلن يمدّ إليه أحد يده ليعينه، فليصرخ طالباً المساعدة وعند ذلك سيقدم له المحبون الخير والعون والمساعدة"..
(هويدا الغول): "لو جلست الفتاة ذات الاحتياج الخاص مع متخصصة وقدمت لها إرشادات فإنها تستطيع أن تعود إلى مسارها الطبيعي، ولكن الأساس أن تقتنع بحاجتها الى المساعدة".
وتوافق إلى -حد ما- الرؤية التي طرحتها (شيخة) الأستاذة (هويدا الغول) - المرشدة النفسية - بفلسطين؛ حيث تقول: "إن الإنسان المعافى الذي لو كان يعاني من مشكلة صحية لا يستطيع مواصلة الحياة، أما بخصوص الفتاة ذات الاحتياج الخاص فإنها لو جلست مع متخصصة وقدمت لها إرشادات فإنها ستستطيع أن تعود إلى مسارها الطبيعي ، ولكن الأساس أن تقتنع بحاجتها إلى المساعدة .
أضافت أن هؤلاء الفتيات إذا حبسن أنفسهن في البيوت ولم يغادرنها فان نفسيتهن ستسوء ، أما إذا وضعن لأنفسهن هدفاً، واقتنعن أنهن بحاجة لمخالطة المجتمع وإبراز مواهبهن فان نفسيتهن ستتحسن، إذ إن ذلك بحد ذاته يعد إنجازاً، والأمر ليس مستحيلاً، ولكنه يحتاج إلى إرادة من الفتاة نفسها وتشجيع من المجتمع المحيط بها.
وأوضحت أن: "الخطوة الأولى تبدأ من البيت"، مشيرة إلى: "أننا بحاجة إلى تعزيز الوعي عند أهل الفتاة ذات الاحتياج الخاص، فإذا اقتنع الأهل بخروج الفتاة ذات الاحتياج الخاص إلى المجتمع ومخالطته، وكان لديها الرغبة في أن تطور نفسها وتغيّر واقعها الذي تعيشه إلى الأفضل ، فإن هذا يحل 50 % من المشكلة ، ثم يأتي بعد ذلك دورنا الذي يعتبر دوراً تكميلياً ، إذ إنه يتمثل في الإشراف والمتابعة والتوجيه للحالة ، وحل أي مشكلة قد تواجهها"، مضيفة: "أنه في الجمعية الفلسطينية لتأهيل المعاقين تستقبل الفتيات في مرحلة مبكرة من العمر، وبعد سن 14 عاماً يتم توجيههن للعمل الذي يملن إليه، سواء كان تطريزاً أو رسماً أو غير ذلك".
بين ظلمة العين ونور القلب
في إحدى دور القرآن الكريم، شابة طيبة القلب في العشرين من عمرها، سامية الأخلاق مهذبة التعامل، تأسر برقتها قلوب من حولها تمامًا.. لا تكاد ابتسامتها السعيدة تغيب عن شفتيها، ما أن تسمع صوت إحدى الطالبات قادمة حتى ترحب بها بحرارة، وهي إلى جانب ذلك، عالية الهمة في الطلب والحفظ، تراها في الفصل قلبًا خاشعًا ولسانًا ذاكرًا وبصيرة متأملة، تمر بها آيات النعيم فتسأل الله من فضله بشوق ولهفة، وتمر بها آيات الجحيم فتستعيذ بالله بوجل وخشية..
ربما يرق القلب رحمة لها وشفقة، وقد حرمت من رؤية النور وهي وردة غضة رقيقة، فإذا وقف المرء أمامها رثى لنفسه حالها، لما يرى من قامة عملاقة من الحب والثقة والاطمئنان، تتقزم أمامها جل الهمم المبصرة..
سعيدة دائماً لا تبدو عليها علامات الحزن أو الكدر أو الإحباط، وكأن كل سعادة الدنيا في يديها.
هذه هي (إيمان) ، وهي حقًا (إيمان) بربها ثقة به، وتسليماً بقضائه، و(إيمان) بحب الحياة وحب الآخرين والسعي لسعادتهم، و(إيمان) بقوة العمل والإنتاج والعطاء..
وهي ليست وحدها، فلها أختان يقاربنها في العمر، كلهن كفيفات.. وكلهن في الهمة شامخات..
لقد كان من المثير حقاً التعرف على هذه الأسرة العجيبة، تقص والدتها في البدء حكاية مرض بنيّاتها فتقول: "تاريخ المرض يرجع لأسباب وراثية، تولد ابنتي وهي مبصرة، لكن بصرها يضعف شيئًا فشيئًا لخلل في الشبكية، حتى تفقد البصر في سن الثامنة عشرة غالبًا..
أخبرنا الأطباء منذ صغرهن بحقيقة المرض، لكن ثقتنا بالله وتسليمنا بقضائه وقدره لم يتزعزعا، والحمد لله الذي أصلح لي بنياتي وهداهن بفضله وحده، صدقيني أنا لم أفعل شيئًا، الله -عز وجل- وحده هو من ربّى بنياتي..، وأعانهن وأعاننا".
وتتابع بإيمان باهر: "وكان-بحمد الله- مجتمعنا صالحًا، الأهل والأقرباء، مما غرس فيهن الإيمان بالله وصلاح النفس وحب الخير والدعوة، وأنا بقلب الأم المشفق دائمًا بقربهن، أؤنسهن وأراجع الدروس معهن، وأحدثهن عن حالات شديدة من الابتلاء، وفضل الصبر والتسليم، وأذكرهن بالنعم الجليلة التي أنعم الله بها عليهن، فله الحمد أخذ منهن البصر وأعطاهن العقل الراجح والهداية والسمع الذي به يسمعن كلام الله وهدي نبيه صلى الله عليه وسلم، ويسمعون الخطب والمحاضرات الدراسية حتى حصلن على الشهادة الجامعية من قسم الشريعة بتفوق، وذلك بفضل الله وحده".
الكرسي السعيد
أم ريم: "رغم أن المدارس العادية لم يقبلوها معهم، وكأن العقل في القدم وليس في الرأس (!!)، إلا أن دور تأهيل المعاقين لم تقصِّر معنا، وجهودهم طيبة في توجيه أمهات المعاقات وبيان سبل التعامل مع المعاق". "
في إحدى الحدائق الخاصة، تجلس (ريم) ذات الاثنتي عشرة سنة على كرسيها المتحرك، تراقب الأطفال الصغار من حولها يلهون بالأراجيح والملاعب، تستمتع بالنظر إليهم، وهي تبتسم باطمئنان وثقة تكبران عمرها الغض بكثير..
حين تتحدث والدتها عنها، ستعرف أشياء أخرى ما كنت لتتوقعها بعدما ترى تلك الابتسامة الفريدة على ذلك الكرسي المتحرك الذي يحمل فتاة الاثنتي عشرة ربيعاً!
تقول الأم: "أثناء ولادتي ريم حدث خطأ طبي، خرجت بعده إلى الوجود كسيحة وهي في شهرها الجنيني السابع، أي لما يكتمل نموها بعد..
ولله الفضل والمنّة، فقد حباها الله تفكيرًا ساميًا وذكاء متوقدًا، وقلبًا (حيًا) كما يقولون، فأنا أعتمد عليها في أمور كثيرة أكثر من اعتمادي على أخواتها السويّات، وهي رائعة تستطيع أن تنجز بيديها الكثير، كما أنها متفوقة في دراستها والأولى على مدرستها، ونشيطة ومشاركة في فصلها"..
وتتابع بأسف: "رغم أن المدارس العادية لم تقبلها- وكأن العقل في القدم وليس في الرأس !!- إلا أن دور تأهيل المعاقين لم تقصر معنا، وجهودهم طيبة في توجيه أمهات المعاقات وبيان سبل التعامل مع المعاق. بالنسبة لي فتعليمي متواضع، لكنني استفدت من دروسهم كثيرًا"..
ثم تبتسم الأم قائلة: "ما زالت ابنتي طفلة، لكن اعتزازي بها عظيم عظيم، هل تصدقين أني أذهب إلى حفلات الأنشطة المدرسية في دار التأهيل من أجلها، رغم عدم حرصي على حضور الأنشطة في مدراس أخواتها الأخريات لكثرة أشغالي..".
تتأمل الأم ابنتها بإعجاب، وتتابع: "أملي بالله تعالى قوي، أن يوفق ابنتي لتكون قيادية عاملة لدينها ومجتمعها، فلديها من القدرات العالية ما يؤهلها لذلك بإذن الله..".
وبعيدًا سترمق الصغيرة (ريم) بإعجاب، وهي تمسك بعباءتها، ثم تقف بتحدٍ مستندة إلى العجلة، لتلبسها باعتزاز وستر، ثم تمشي على العكازين إلى السيارة رافضة -بإباء- المساعدة من أي أحد..!
نورة التميمي.. نخلة بسقت فأعطت..
في مزرعة ظليلة ببلدة (حوطة بني تميم) بالقرب من العاصمة الرياض، لفتت الطفلة (نورة) انتباه مديرة المدرسة التي كانت في زيارة للعائلة، فقد كانت "نورة" متوقدة الذكاء نهمة إلى المعرفة، رغم الكرسي المتحرك الذي يأسر حركتها، نتيجة لشلل أطفال أصيبت به وهي دون السنة.
طلبت المديرة من والدي الطفلة الأميين أن يسمحا بدخول نورة إلى المدرسة، وكانت هذه هي الشرارة الأولى التي قدحت في نفس نورة حب الكفاح والتحدي.
أتمت (نورة) تعليمها الابتدائي بتفوق، لتجابه مشكلة التسجيل في المرحلة المتوسطة، فالمدرسة ـ غير المجهزة بما يناسب ذوي الاحتياجات الخاصة بالطبع ـ لا تسمح باستقبال الفتيات المعاقات، مهما أوتين من الذكاء والتفوق!
وبإصرار كبير، دخلت نورة المدرسة الإعدادية، وبعدها الثانوية، لتجد أبواب الجامعة موصدة جميعها في وجهها..
لكنها لم تيأس، بل أصرت على البحث وألحت في إكمال التعليم، ليُسمح لها بالانتظام أخيرًا في كلية الخدمة الاجتماعية، وتتخرج الشابة الكسيحة بتفوق، وليتكرر العناء ثانية في البحث عن وظيفة..
وللأسف.. فلم يُتح لنورة رغم ما لها من قدرات عالية، وعقل إداري وتخطيط وهمة، سوى أن تشغل وظائف متواضعة، فمن كاتبة إلى مأمورة سنترال وهكذا..
لم يرق هذا كله لها بالطبع، إنها ليست فتاة عادية، ففي يديها من القدرات الكثير، وأمام عينيها يتلألأ من الآمال الكثير، وفي قلبها من الحماس ما تفيض به على مجتمعها الكثير الكثير.
وكان التحدي..
لقد قامت بمشروع دراسة لمركز لشؤون المعاقات، يهتم بالفتيات المعاقات وتوعيتهن وتثقيفهن والسعي إلى دمجهن بالمجتمع، وخاصة أنهن لا يحظين بما يحظى به المعاقون من الذكور في جميع المجالات سواء العلمية أو العملية، ويكفي ما ذاقته (نورة) في حياتها المكافحة من صعوبات في التعليم والعمل، لا لسبب سوى أنها معاقة!
تقدمت بدراسة المشروع إلى وزارة العمل، وكانت الموافقة عليه- بفضل الله- بعد قيامه تحت مظلة مؤسسة الأميرة العنود الخيرية، وبجهد مشكور من الأميرة حرم صاحب السمو الملكي الأمير سلطان بن فهد بن عبد العزيز..، فتحقق الحلم بالكفاح والهمّة، وأنشئ المركز الأهلي غير الربحي في الرياض، وذلك بمرسوم ملكي، تحت اسم: (مركز الأميرة العنود بنت عبد العزيز بن مساعد بن جلوي آل سعود لشؤون المعاقات)، وشعاره: بأناملنا نقهر الإعاقة.. نصنع.. نتقن..!
وقد أقام المركز معارض وأنشطة كان منها معرض فني للمعاقات في مركز الأمير سلمان الاجتماعي، شد إعجاب الحضور وأمتعهم بالفن المتحدي الجميل.
والمركز يستقبل حالات الإعاقة الحركية الجسدية، والعقلية البسيطة، واضطرابات النطق والكلام، والإعاقة السمعية والبصرية.. ويمكن معرفة أنشطته المتنوعة عبر هذا الرقم الهاتفي: 4887868 - 01
وإلى جانب مديرة المركز، هناك أخصائيتين اجتماعيتين على الكرسي المتحرك أيضًا، ولكنها قوة الإرادة التي ارتقت بهذه الهمم لتقدم هذه الأعمال الجليلة!
انتفاضة على اليهود وانتفاضة على الجسد
على الرغم من الألم والمعاناة ، فان الأمل لا يزال موجودًا ، لن نستسلم للواقع المر، لن ننكسر أمام قسوة الظروف، سنثبت لأنفسنا وللعالم أجمع أننا غير عاجزين، وأننا لسنا عبئاً على الحياة، بل إننا قادرون على أن نضيف شيئًا جديدًا لها، هذا ما تقوله الفتاة والمرأة الفلسطينية ذات الاحتياج الخاص.
(باسمة): " عندما تريد أن تتوظف في أي مؤسسة حكومية أو غيرها ينظر الكثير من الناس إلى كرسيك، وكأنهم يشككون في قدرتك على أن تكون إنسانا فاعلا تستطيع إفادة المجتمع".
باسمة البنية ( 37 عاما ) والتي تعرضت لشلل أطفال وهي في عامها الثاني مما أدى إلى إصابتها بشلل، وتتحرك الآن على كرسي متحرك، لم تكمل دراستها، إلا أنها تقرأ وتكتب جيدًا ، وتجيد خياطة أي شيء وتطريز المناديل والبراويز، قالت لنا: "لم أستسلم للمرض ولم أيأس ، فقد قررت أن أتجاوز كافة العقبات التي أواجهها في طريقي ، فأخذت دورة تطريز في جمعية المعاقين حركيًا ، وأخذت دورة خياطة في مركز تدريب غزة".
وأضافت باسمة: "لقد كنا نعمل (عملاً مؤقتاً) في إحدى الجمعيات، وبعد انتهاء المدة فإن كثيرًا من زميلاتي اللواتي يعانين معاناتي جلسن في بيوتهن، أما أنا فقد تطوعت في الاتحاد العام للمعاقين حركيًا، ولكني مع ذلك أحتاج إلى مقابل ولو بسيط حتى أتدبر أموري".
(باسمة) تقول بكل حرقة: " عندما تريد أن توظف في أي مؤسسة حكومية أو غيرها ينظر الكثير من الناس إلى كرسيك ، وكأنهم يشككون في قدرتك على أن تكون إنسانًا فاعلًا تستطيع إفادة المجتمع ، أنا غير مستسلمة ولكني أحتاج إلى دافع يدفعني إلى العمل، المؤسسات الحكومية لا تفتح أبوابها لنا مثل ما تفتحها للناس العاديين، فهناك الكثير من الأعمال التي يمكن أن نفعلها ، إنني أعاني كثيرًا منذ خروجي من المنزل واستقلالي لسيارة لأصل بها إلى العمل ومع ذلك أنا أضغط على نفسي".
وتساءلت (باسمة): " إن لم نجد أنفسنا في المكان الذي يخصنا فأين نذهب، نحن بحاجة إلى من يشجعنا، إننا نريد عملاً حتى نشعر بأننا موجودون، ونقدّم شيئًا لمجتمعنا".
افرضي نفسك
أما ن . م (24 عامًا) والتي تركت الدراسة بعد الصف الثامن بسبب وضع ساقها، كانت تسير على قدميها بصعوبة، إلا أنها لم تتوقف عن العطاء، فقد كانت متدربة في السابق، أما الآن فهي تعمل منذ أربعة أعوام في غرفة الألعاب في الجمعية الفلسطينية لتأهيل المعاقين، حيث ترعى عددًا من الأطفال ذوي الاحتياجات الخاصة، تقول: "إنني سعيدة جدًا بما أقدمه للأطفال إنني أشعر بالراحة النفسية والطمأنينة والسعادة ، إنني أحظى باحترام وتقدير كبيرين هنا في هذه الجمعية التي تقدم لنا المساعدة في أمورنا الحياتية".
وتضيف (ن . م) التي تحسنت حالتها كثيرًا عن السابق وأصبحت قادرة على الحركة، إلا أنها لا تزال بحاجة إلى إجراء عملية جراحية: "أشعر بضيق ألم إن لم أقدم شيئًا لخدمة وطني، وخاصة خدمة هذه الشريحة التي أنتمي إليها من هذا المجتمع".
وتؤكد أن: "هذه الشريحة من المجتمع قادرة على أن تقدم جهدًا مضاعفًا قد يفوق في كثير من الأحيان الإنسان المعافى، وهذه دعوة مني إلى كل فتاة ألا تغلق على نفسها باب بيتها، بل أن تخرج إلى المجتمع وتختلط به، تفرض نفسها على من يشك في قدرتها، حتى تثبت للجميع أنها قادرة على أن تضيف جديدًا".
لكل إنسان مواهب خاصة
صابرين: "الانطواء غير صحيح ، يجب على الفتاة المعاقة أن تتغلب على إعاقتها ، فلو أنها جلست في بيتها فإنها لن تستفيد من نفسها ولن يستفيد منها المجتمع".
الفتاة صابرين عوض النجار (26 عاما) التي ذهبنا إليها في مكان عملها فوجدناها منهمكة في القراءة، رافضة أن تضيع أي لحظة من عمرها دون أن تستغلها فيما يعود عليها بالنفع، تقول: "إن المشكلة عندي في قدمي اليمنى، وبعد أن زادت المشكلة في قدمي اتضح أنه يوجد في الفخذ عظمة ضعيفة فأجريت فحوصات حتى أعرف السبب، ولكن قبل إكمال الفحوصات تبين أن فيها كسرًا فتم تجبيسها وبعد رفعه انكسرت مرة أخرى فكنت أسير على عكاز، إلا أن المشاكل تضاعفت بعد الكسر الثاني ، مما دفعني لترك الدراسة من الصف التاسع، ثم تبين بعد إجراء فحوصات متعددة أن فيها ورماً سرطانياً، وقد كانت في تلك الفترة أحداث الحرم الإبراهيمي، فلم أتمكن من الذهاب إلى ( إسرائيل ) للعلاج، فذهبت إلى مصر وبدأت في مرحلة العلاج الكيماوي ثم جلسات الكهرباء والتي امتدت من 94 _ 96 إلى آن خف الورم، ثم أجريت فحوصات أظهرت زوال الورم، ثم اتضح أن هناك قصراً في الرجل اليمنى 5 سم.
(صابرين) تقبلت ذلك كله، كما تقبلت المرض، وقدر لنا أن نرى بعضًا من عملها ، والذي شمل التطريز مثل(آيات قرآنية ،خريطة فلسطين)، والرسم على السيراميك والفخار، بالإضافة إلى عمل التريكو على ماكينة الصوف، تعمل الآن في كشك يعرض الأعمال التي تنتجها الفتيات في الجمعية الفلسطينية لتأهيل المعاقين.
وتقول (صابرين _ شقيقة الاستشهادي بهاء الدين) الذي كان يشد من أزرها دومًا: "الحمد لله لقد تغلبت على هذا الواقع، فالراحة النفسية مهمة جدًا في استقبال العلاج، فأنا لا أشعر أن عندي إعاقة أبدًا، لقد وجدت نفسي في التطريز"، مضيفة "الانطواء غير صحيح، يجب على الفتاة المعاقة أن تتغلب على إعاقتها، فلو أنها جلست في بيتها فإنها لن تستفيد من نفسها، ولن يستفيد منها المجتمع، فهناك العديد من الجمعيات والمؤسسات التي من الممكن أن تنمي مواهبها فيها، فكل إنسان مهما كان وضعه الصحي لديه مواهب خاصة تميزه عن غيره، وعليه أن يكتشفها وينميها".
تمرّدت على الواقع
لقد عشت في مجتمع ذو الاحتياج الخاص فيه غير متقبل ولولا الدافع الذاتي الذي حباني الله به للتميز والإبداع، ولولا دفع والدي لي لم أكن لأنجح وأتغلب على هذا الواقع ، هذا هو ما قالته لنا نعمة أبو عيدة (51 عاما) _ والتي تعمل الآن مدرسة في مركز النور بغزة لتأهيل المعاقين بصريًا .
(نعمة) التي فقدت بصرها وعمرها أربعة أشهر، والتي تمثل قدوة يجب أن يقتدي بها كل من واجه شظف الحياة وقسوتها، درست المرحلة الابتدائية في المركز الذي تعمل فيه الآن، أما المرحلة الإعدادية فقد أنهتها في مدرسة الرمال، أما الثانوية فتوزعت بين مدرستي الزهراء والفالوجا، وبعد نجاحها في الثانوية العامة قبلت للدراسة في كلية الآداب في القاهرة.
نعمة التي تدرس الآن في إحدى المساقات بالجامعة الإسلامية بغزة تروي لنا قصتها فتقول: لقد كنت أنا وأمثالي في المرحلة الإعدادية من المتفوقين، وقد كنا نعامل معاملة سلبية من بعض الطالبات، حيث كن ينظرن إلينا أننا سنأخذ مكانهن، لقد كنا في كثير من الأحيان نعرف الإجابة على أسئلة تطرحها المدرسات، ومع ذلك نرفض ان نجيب خشية أن نتعرض للمضايقات من الطالبات الأخريات، وخاصة أننا كنا بحاجة إلى من يساعدنا، لذلك كنا نؤثر ألا نجيب حتى نبقي على علاقتنا بهن، إذ إننا بحاجة لهن، لقد أثبتنا جدارتنا رغم عدم وجود وسائل الدراسة الخاصة بالكفيف.
وتضيف: "نجحت في الثانوية العامة، وقبلت في كلية آداب القاهرة وذهبت إلى هناك، وفي الجامعة قررت أيضا أن أتمرد على الواقع الذي أعيشه".(101/140)
"كلما كبرنا كبر الهم معنا"، هذا ما قالته نعمة ، فبعد أن أنهت الدراسة الجامعية وعادت إلى أرض الوطن جاء دور البحث عن عمل، ليس العمل من أجل العمل، إنما العمل لإثبات الذات، بعد بحث طويل لم تنجح في الحصول على وظيفة، حتى عندما أتيحت لها فرصة الحصول على وظيفة في المركز الذي درست فيه أولى المراحل الدراسية رفضت، رفضت لأنها تعلم أن هناك غيرها ممن يعانون معاناتها ( مكفوفين ) من الرجال بحاجة إلى هذه الفرصة أكثر منها بحكم أن لديهم أسرًا واجبهم الإنفاق عليها، تقول نعمة: استمر هذا الحال وأنا بدون عمل إلى أن قابلني أحد زملاء الدراسة، فعرض عليّ أن ألتحق بدبلوم تربية، وبعد تفكير وافقت على ذلك والتحقت بدبلوم التربية في الجامعة الإسلامية، وبعد ذلك عملت متطوعة في مركز النور لتأهيل المعاقين بصريًا ثم أكرمني الله بوظيفة فيه، حيث أعمل فيه مدرسة لغة عربية.
ليس مهمًا الكم، بل الكيف، المهم أن تشعر أنك ترسم ابتسامة على أفواه ذوي الاحتياجات الخاصة، تمسح دمعة عن عيون محزونين، بهذه الكلمات أنهت نعمة حديثها معنا، لقد انتهى لقاؤنا معها، إلا أن تقديرنا لها وتعلمنا منها لن ينتهي.
من تدمير الأرض إلى تدمير الجسد
لم يحتل الأمريكان العراق فحسب بل شوهوا كل ما فيه، شوهوا الأرض، والإنسان، وأزالوا كل معالم الحياة هناك..
فبعد مرور عام ونصف على الأحداث الأخيرة في العراق والانفتاحات الكثيرة والتي أرادت الأخت (آمال) أن تلتحق بها إلا أن إصابتها بطلق ناري فجأة منعها من ذلك، وأدى إلى إصابتها بالإعاقة فاحتاجت (آمال) إلى الكثير من الآمال لكي تتغلب على ذلك خاصة وهي أم لطفلين وفي نفس الوقت حامل, حال (آمال) كحال الكثير من النساء العراقيّات اللواتي أصبن جراء الاحتلال أو لسبب آخر, لكن هل هي نهاية الحياة في العراق؟ ثمة نماذج من نساء أصبن بالإعاقة لكنهن رغم ذلك تخطّين الحاجز النفسي، واستطعن مواصلة الحياة, فدخل (الإسلام اليوم) عالم المعوقين بدخوله إلى (المركز الطبي التأهيلي وأمراض المفاصل ) في بغداد وهو المركز الوحيد في العراق وتعرف على خبايا هذا العالم من خلال عينة من النساء.
علياء (طالبة جامعية 25 عاماً) تقول:أنا مصابة بشلل الأطفال منذ ولادتي وكان هذا سابقًا يشكل لي عاملاً نفسيًا مزعجًا جدًا فكنت أود البقاء في المنزل، ولا أحب الخروج، ولكن في المستقبل وبعد المساعدة الكبيرة والرعاية التي قدمها لي أهلي أصبحت أتكيف مع الوضع الذي أنا عليه لأني قد لا أستطيع تغيير شيء كتبه الله لي لكني أستطيع تغيير ما أنا عليه الآن بكسر القيود والسلاسل المحيطة بي, لذلك قصدت هذا المركز وأنا منذ فترة كبيرة أتلقى جلسات في العلاج الطبيعي، وأكمل دراستي الجامعية، وأنظر إلى مستقبلي بتفاؤل كبير بفضل وتوفيق من الله.
أما انتصار (طالبة في مرحلة الإعدادية/18 عاماً) فتسرد تجربتها وتقول: "أصبت بشظية في ساقي إثر انفجار كبير قرب منزلنا في محافظة النجف, لم أستطع المشي إثر ذلك؛ فأصبت بصدمة نفسية ورفضت حتى العلاج, لكن ذلك لم يجد نفعًا فحالتي بقيت متأزمة؛ لذلك جربت أن أتعالج، ونجحت الفكرة وحققت تقدمًا ملحوظًا رغم مروري بلحظات يأس في بعض الأوقات لكني قررت أن أصمد من أجل دراستي فكنت أدرس، وفي نفس الوقت أحضر جلسات العلاج الطبيعي، والذي ساعدني على ذلك هو الإيمان والثقة الكبيرة في الله ومساعدة الأهل لي والشيء الذي أمدني بالقوة هو أنني خطبت خلال فترة معالجتي فشجعني خطيبي على إكمال العلاج والدراسة فشكل هذا حافزًا كبيرًا لي, على العموم أنا الآن فتاة جديدة وصحتي بخير -والحمد لله- وتعلمت من خلال تجربتي هذه أن الصبر مفتاح الفرج".
بينما يحكي لنا اثنان رجل وامرأة يعملان في المستشفى (وهما معوقان) أنهما يحبان هذه المهنة التي ساعدتهما على الشعور أنهم في وسط أناس يشبهون حالتهم وهما فرحان جدًا بمساعدة هؤلاء الناس؛ لأن شفاء أي منهم يعتبر أملاً لهما في الشفاء حسب قولهما.
وللتعرف أكثر على هذه الحالات التقى الإسلام اليوم بـ(الدكتور.عمار خضير هادي -مدير مركز التأهيل الطبي وأمراض المفاصل بالعراق)، وطرحنا عليه بعض الأسئلة:
* بداية كيف تصف حالة المرضى والمستشفى بشكل عام الآن وخصوصًا النساء؟ تأتينا الكثير من الحالات مثل الشلل النصفي وشلل الأطفال، وتصلب الأعصاب المحيطية وغيرها، ولدينا العديد من الأقسام الخاصة بالرجال والنساء والأطفال, بالنسبة للنساء تأتى لدينا الكثير من الحالات منها المعقدة ومنها البسيطة، لكن هناك عوائق بالنسبة لوضع المستشفى فبعد الأحداث تعرض هذا المركز إلى النهب والسلب مما أدى إلى فقداننا العديد من الأجهزة؛ لذلك أستطيع القول: إننا بدأنا من الصفر في إعادة تأهيل هذا المركز لكي يستقبل المرضى من جميع أنحاء العراق باعتباره المركز الوحيد في المنطقة -وبفضل من الله- استطعنا أن نجلب البعض من الأجهزة التي ربما تسد الحاجة لكننا ما زلنا نحتاج إلى الكثير.وأحب أن أضيف أن العلاج هنا مجاني.
ما هو الفرق في الحالات المرضية قبل الأحداث وبعدها؟
الفرق كبير وواضح فحالات الإصابة بالطلق الناري والانفجارات كثيرة،فنجد الكثير من الحالات المأساوية لنساء وشابات تحزن عند رؤيتهن على هذه الحالة، وهناك مشكلة أخرى وهي أن هذا المركز يقع في منطقة بعيدة نسبيًا عن مركز المدينة، وقوات الاحتلال الأمريكي أغلقت الطريق القريب المؤدي إلى هذا المركز وأقامت معسكرًا قربه فيضطر الناس إلى عبور طريق ترابي وعر للوصول إلى هنا رغم أن القوات الأمريكية تستطيع أن تعمل حاجزاً لمعسكرها وتفتح الطريق لكنها تتعمد ذلك؛ لذا تجد ان البعض ممن لا يملكون السيارات من المرضى وحتى العاملين هنا يعبرون هذا الطريق مشيًا على الأقدام.
هل ترى تحسنًا أو تقدمًا ملحوظًا عند المرضى بعد فترة العلاج؟
نعم فهذا وارد جدًا فأنا أعرف مجموعة من النساء المعاقات أقمن مشروعاً صغيراً وهو (مشغل للخياطة) واستطعن التغلب على الحالة النفسية، وأخريات استطعن أن يعملن في عدة أشغال ربما تكون بسيطة إلا أنها مثمرة.
كما زار الإسلام اليوم (وحدة علاج النساء والتقى بـ(أحلام حسن علوان-مسؤولة وحدة علاج النساء في نفس المركز)، والتي قالت:
تردنا الكثير من الحالات وعند فئات كثيرة مثل كبار السن والشابات والفتيات الصغيرات فنجد هنا تقدمًا متفاوت نسبيًا وطبيعة كل حالة؛ فالتفاؤل يكون قليلاً عند كبار السن لكن عند الشابات يكون كبيرًا لكن المشكلة تكمن في الأجهزة الموجودة هنا فبعد تعرض المركز للسرقة تأثر المركز بذلك؛ فالأجهزة هنا قديمة، وتتعرض للعطل والتصليح كثيرًا فمثلاً بعد أن كنّا نعمل على خمسة أجهزة في ردهة معينة من هذه الوحدة أصبحنا نعمل بجهاز واحد، وهكذا حال جميع الأقسام, والمريضات هنا متعاونات جدًا وتربطنا معهن علاقات إنسانية وطيدة.
وتوجهنا إلى السيدة (منتهى جبار/ معالجة طبيعية ) التي قالت عن طبيعة العلاج المقدم للمرضى ومدة العلاج:
يختلف علاج المريضة تبعًا للعمر ونوع الحالة فإذا كانت متقدمة في السن فإن شفاءها يتأخر وإذا كانت أصغر فتحتاج إلى إرادة وصبر لكي تتغلب على حالتها، وهناك بعض الحالات ربما لا يوجد لها علاج حتى الآن مثل شلل الأطفال، لكن نستطيع من خلال العلاج الطبيعي أن نخفف من ذلك أما بالنسبة لأكثر الأعمار هنا فهي من سن (45) سنة فما فوق .
أما (حميد والي مسؤول قسم العلاج النفسي في نفس المركز) فيقول:
إن الحالات التي تردنا هنا قد لا تتعلق جميعها بأسباب جسدية؛ فالحالة النفسية تؤثر تأثيرًا كبيرًا فلدي نساء هنا أصبن بصدمة من جراء سماع صوت صاروخ أو حصل أمامها منظر مروع كانفجار ودماء وغيرها، مما أدى إلى ارتفاع نسبة السكر والضغط في الدم بنسبة كبيرة وبالتالي تحصل الإعاقة ناهيك عن النساء المصابات أصلا بالإعاقة الولادي وغيرها، والحالة النفسية الشديدة التي يتعرضن لها , فكما تعرفون أن نظرة المجتمع للمعوق هي نظرة سلبية وله معاملة خاصة تشعره بأنه يختلف عن أقرانه مما يولّد الشعور بالنقص والانعزال لذلك فالطريق طويل لأبعاد هذه الفكرة عن أذهان الناس، ولكنه ليس مستحيلاً فيحتاج هنا إلى المساعدة الكبيرة من الأهل والمجتمع لتخطي ذلك, ولكن بالنسبة للمرآة العراقية المعاقة أستطيع أن أصفها بأنها صابرة وقوية تستطيع تخطي الأزمات فأنا من خلال عملي ومن خلال جلسات نفسية بسيطة ألمس تقدمًا واضحًا في الحالة النفسية للمعوقة، ومجهوداً كبيراً تبذله من أجل الوصول إلى النتيجة والتي غالبًا ما تكون جيدة.
همة صلبة كصلابة الأهرام
كم تواجهنا مشكلاتٍ في الحياة ونحن أصحاء.. نملك أجسادًا سليمة.. ونستطيع التغلب على المشكلة، والاستمرار في الحياة، وهناك كثيرات حولنا سلبن إحدى النعم؛ كالبصر أو السمع أو الحركة أو حتى التفكير والعقل.. لكن الله -عز وجل- منحهن الإرادة القوية، وعوّضهن عن هذا النقص بالرغبة في الحياة، وتحقيق النجاح فمضين في الطريق رغم صعوبته، ورغم كل المشكلات أبين إلا أن ينتقلن لركب الناجحات.. اللاتي لهن بصمات لا تنسى في الحياة.. بالإرادة غلبن الإعاقة، وجعلنها حافزًا لهن نحو النجاح، والتفوق، والعطاء..
(هند مصطفى) ـ مدرسة وزوجة ـ بعد الزواج رزقها الله بطفلة جميلة لكنها لا تبصر ..علمت أنه الاختبار من الله فصبرت هي وزوجها فعوضها الله بأطفال آخرين معافين، فاطمأنت وأنجبت مرة أخري فرزقها الله بطفلة ثانية ولكنها لا تبصر مثل الأولى؛ فضاقت الدنيا في عينيها، ولكنها ما لبثت أن تماسكت وأصبحت تفكر كيف تعين حبّتي قلبها على ما قدره الله لهما؟ كيف تسير معهما الطريق الطويل، وتستشرف المستقبل، وتتحمل رحلة الكفاح الشاقة؟
تقول السيدة (هند) : "تعلمت من هذا الابتلاء الكثير من الصبر حتى أصبحت راضية عن كل شيء في الحياة، حتى الماديات لا تشغلني كثيرًا، وتعلمت النظام والترتيب حتى يسهل علي الحركة داخل البيت، بدأت أفكر في تثقيف نفسي من أجل البنتين " دعاء وسلمى " فتعلمت طريقة بريل حتى أذاكر لهما، وبدأت أقرأ في الصحة النفسية حتى أتعامل معهما بشكل صحيح، وأقرأ في الدين حتى أكون أكثر رضًا وصبراً، فالإيمان إن لم يكن موجودًا لا أستطيع أن أواصل معهما، وأن أجعل رسالتي في الحياة تقوية بصيرتهما بعد أن فقدتا بصرهما والآن هما متفوقتان دراسيًا وهذا الأمر يسعدني كثيرا".
(هبه السيد) ..نموذج آخر من الإرادة والتحدي أصيبت بعد ولادتها بشلل الأطفال مما سبب لها إعاقة في قدميها وأصبحت تسير على دراجة معاقين مما سبب لها الكثير من المتاعب في الانتقال إلى المدرسة ومع ذلك واصلت تعليمها بتفوق وفرغت كل وقتها وجهدها للدراسة حتى تحقق حلمها وأصبحت معيدة في إحدى الكليات الأدبية، وواصلت تفوقها وحصلت على الماجستير ثم الدكتوراة وتقول لولا الإيمان بالله ومساعدة أمي ما تفوقت ولأصابني الإحباط كالأخريات.
وللاطلاع على الجوانب النفسية المهمة لذوي الاحتياجات الخاصة التقينا بأخصائيين واجتماعيين لأخذ رأيهم وللاستنارة به في هذه القضية المهمة، ولمعرفة أيضاً دور المجتمع في التعامل معهن، أو كيفية إشراكهن مع نسيج المجتمع حتى يكتمل البناء..
ميسرة اللوح _ نائب رئيس الاتحاد العام للمعاقين حركيًا (فلسطين - فرع غزة) قال: إن ذوي الاحتياجات الخاصة ينقسمون إلى قسمين: متعلمين وغير متعلمين ، فغير المتعلم مع أنه مؤهل من خلال الدورات التي يلتحق بها، إلا أنه لا يجد فرصة للعمل في وظيفة تناسب وضعه، مما يدفعه للاعتماد على عمل بسيط يعتاش منه، حيث يسعى إلى توفير " بسطة " يبيع فيها بعض الحاجيات البسيطة، بالإضافة إلى الاعتماد على المستحقات البسيطة التي قد يتلقاها من وزارة الشؤون الاجتماعية.
وأضاف ان المتعلم يحلم بأن يخدم مجتمعه مثله في ذلك مثل أي إنسان سليم معافى، من خلال الحصول على وظيفة كريمة في أي مؤسسة حكومية أو خاصة، حتى يحصل على حقه كاملاً، مضيفًا: إن الرئيس الفلسطيني سن قانون يتيح لذوي الاحتياجات الخاصة الحصول على الوظائف في المؤسسات الحكومية بنسبة 5 %، إلا أنه -وللأسف الشديد- غير مطبق حتى اللحظة .
400 مكفوف مستفيد
عبد المنعم أبو جربوع - مدير مركز النور بفلسطين لتأهيل المعاقين بصريًا - قال: إنه في الوقت الحالي هناك أكثر من (400) من المكفوفين من شتى محافظات غزة ينتفعون بشكل مباشر من برامج المركز المتنوعة، قرابة ثلثهم مسجلون في قسم المدرسة الابتدائية الذي يضم أحد عشر فصلاً، أما الباقي فيستفيدون من الأنشطة والبرامج الأخرى، ويقوم على برامج التعليم والتأهيل نخبة من العاملين الأكفاء، كما أن هناك المئات من أفراد المجتمع الذين يستفيدون من خدمات البرامج المتنوعة مثل وحدة تقييم بقايا الإبصار والمكتبة ونشرات التوعية وغيرها.
وأضاف أن المعايير التي يتم بموجبها الاستفادة من خدمات المركز تتلخص في وجود احتياج خاص بصري لدى الشخص صاحب الطلب ويتقرر وجود الاحتياج الخاص بواسطة طبيب العيون، وكذلك لجنة من أصحاب الخبرة الفنية بالمركز الذين يقع على عاتقهم صنع القرار وتقديم التوصية التي تتضمن الإطار العام لخطة التأهيل المقترحة .
مستويات للإعاقة
في البداية يشير د. رشاد موسى -أستاذ الصحة النفسية بكلية التربية بجامعة الأزهر - إلى أن الإعاقة تنقسم إلى أنواعٍ: فهناك الإعاقة البصرية والحركية والسمعية، وأخيرًا الإعاقة العقلية (الذهنية)، وهي تعدّ أكثر الأنواع صعوبة.
وقد انتشرت الآن مراكز تأهيل المعاقين على كافة مستويات الإعاقة؛ فمثلاً هناك مراكز مخصصة لتأهيل الفتيات المعاقات بصريًّا، وهي جمعيات ومراكز معروفة ومنتشرة، وتقدم خدماتٍ نفسية وإرشادية تساعد هؤلاء الكفيفات على تحقيق التوافق النفسي والاجتماعي.
فالفتاة المعاقة بصريًّا لا تستطيع التواصل مع المجتمع عبر قنوات الاتصال العادية؛ لكنها تتواصل مع العالم الخارجي عن طريق بقية الحواس، وتعد مشاكلها النفسية أقل بمقارنتها بمستوى الإعاقات الأخرى كالذهنية مثلاً.
ويضيف (د. رشاد) أن الفتاة المعاقة سمعيًّا لا تستطيع التواصل اللفظي مع المحيطين فتكون في عزلةٍ سمعية، ومن ثم لابد من تعليمها لغة الإشارة ولغة الشفاه؛ فهذا يخفف من وطأة معاناتها النفسية حيث تستطيع التواصل مع الآخرين عن طريق لغة الإشارة.
أما الإعاقة الحركية فإما أن تكون في الأطراف العلوية (كإحدى الذراعين) أو كلتيهما، أو تكون إعاقة في الأطراف السفلية (كالقدمين)، ومما لا شك فيه أن الإعاقة في الأطراف العلوية أخف شدة من الإعاقة في الأطراف السفلية.
أما الفتاة المعاقة ذهنيًّا أو عقليًّا؛ فإنها تعاني من حدة المشكلات النفسية، وتحتاج إلى تأهيل طويل المدى حتى تستطيع أن تتكيف وتتواصل مع المجتمع الخارجي وصولاً إلى تحقيق الصحة النفسية.
برامج فلسفية للتأهيل
ويوضح (د. رشاد) أن هناك برامج كثيرة لتأهيل الفتاة المعاقة على كافة مستويات الإعاقة السابق ذكرها؛ حيث تستطيع تأهيل الفتيات المعاقات عن طريق عدة برامج تعتمد على فلسفات معينة منها:
- فلسفة اللعب عن طريق دمج المعاقة في الألعاب الرياضية والحركية.. التي تقلل من إحساسها بالإعاقة، ومن ثم تساعد في عملية التكيف، وهذه الفلسفة تصلح للمعاقة سمعيًّا.
- فلسفة الرسم والتلوين، وتصلح لفئة المعاقين عقليًّا وحركيًّا "الجزء السفلي".
- وهناك فلسفة أخرى، وهي الأعمال والأشغال اليدوية.. التي قد تصلح لأكثر من حالة من حالات الإعاقة.
وبالتالي فإن اندماج الفتاة في هذه الأعمال وإحساسها بوجودها في مجتمع لا يسخر من إعاقتها؛ بل يساعدها على التكيف معها، تتهيأ لأن تصبح فتاة طبيعية متوافقة مع الآخرين ومع الحياة.
دور الأسرة والمجتمع
وتقول (د. إجلال حلمي) -أستاذة علم الاجتماع بكلية الآداب بجامعة عين شمس- إن الاتجاه الحديث السائد الآن في معاملة المعاقين على كافة درجات إعاقتهم هي المعاملة الحسنة، وإدماجهم في المجتمع.. عكس ما كان سائدًا في الماضي وحتى وقت قريب؛ حيث كان المعاق منبوذًا سواءً داخل الأسرة أو في المجتمع من حوله.
أما الآن، ومع تزايد الاهتمام من الدول بمؤسساتها المختلفة بالمعاقين وذوي الاحتياجات الخاصة، ومحاولة دمجهم في المجتمع، وتقديم كافة الخدمات والتسهيلات الاجتماعية والتعليمية والنفسية والصحية لهم؛ حيث تتواجد مراكز التأهيل في كل مكان، وتقدم المساعدات من خلال متخصصين في المجال النفسي والاجتماعي والتربوي، وأسس التعامل مع المعاق.
وتؤكد (د. إجلال) على أهمية دور الأسرة للطفل أو الفتاة المعاقة في التأهيل والتكييف في المجتمع؛ فهي المسؤولة أولاً عن إخراج المعاق من عزلته، والعمل على تهيئته كي يعيش بشكل طبيعي.
ومن بعدها تأتي وسائل الإعلام التي ينبغي أن تركز على توعية أسرة المعاقين بهذه الجزئية الهامة؛ بحيث لا تترك ابنها المعاق كمًّا مهملاً في المنزل؛ إذ من الممكن مع التأهيل والتربية والتعليم المناسب أن تحوله من إنسان معاق إلى فرد منتج نافع لنفسه وللمجتمع.
وتشير (د. إجلال) إلى ضرورة اهتمام الدول بالمعاقين الفقراء الذين لا تملك أسرهم القدرة على علاجهم والإنفاق عليهم.
وحسب نوع الإعاقة ودرجتها يتحدد مستوى العلاج والتأهيل وزمنه ونوع الدراسة التي يتم إدماج المعاق فيها؛ فحتى المعاق ذهنيًّا، وهي أكبر أنواع الإعاقة، يمكن إلحاقه بمدرسة عادية مع مراعاة الفرق بين عمره الزمني وعمره العقلي؛ فيتم إدخاله فصولاً خاصة تتم الدراسة فيها من خلال عمره العقلي وليس الزمني.
ونرى كثيرًا في الجامعة نماذج متفوقة وناجحة من الطلبة والطالبات المعاقين.. الذين لم تقف الإعاقة حائلاً بينهم وبين تحقيق النجاح والتفوق، وذلك على الأقل حتى يسعدوا أهلهم الذين بذلوا مجهودًا جبارًا في تأهيلهم، وبث الثقة في نفوسهم كي يتغلبوا على الإعاقة، ولا تكون سببًا في عزلتهم وانطوائهم.
فرصٌ للإبداع
وتوضح (د. إجلال) أن الفتاة المعاقة يجب ألا تنشغل بإعاقتها، ولا تشعر بالنقص، وعليها أن تهتم بنفسها والتزود بالعلم والثقافة والعمل.. الذي جعلها تعطي للمجتمع ولا تأخذ فقط.
والفتاة المعاقة لديها الفرص المتعددة كي تبدع وتنجح في مجالاتٍ كثيرة سواءً في التعليم أو في تعلم مهنة وهواية مفيدة.
ونجد كذلك في المجال الرياضي معاقين عادوا بميدالياتٍ ذهبية لم يستطع الأصحاء الحصول عليها؛ فهذا كله من خلال تكاتف الأسرة والإعلام والمجتمع والدولة بكافة مؤسساتها، والاهتمام بتأهيل المعاقين من الجنسين وتوظيفهم في عمل أو مهنة تناسب قدراتهم من شأنه أن يبعد عنهم جميعًا شبح الإعاقة؛ حيث تستمر بهم الحياة إلى الأفضل، وإلى النجاح والعطاء.
الإيمان بالله والثقة بالنفس
وتشرح (د. سامية خضر) -أستاذة بكلية التربية بجامعة عين شمس- معنى الإعاقة؛ حيث تقول: إن الإعاقة معناها قصور أو نقص في جوانب معينة لدى المعاق، وبالتالي يجب تعويض هذا النقص من جانب، وتزويده من جانب آخر بالتشجيع، والقدوة الناجحة، ويبدأ هذا التشجيع من الأسرة، وكذلك لا بد من إلحاق المعاقين بمؤسسة تأهيلية قائمة على أسس علمية وتربوية سليمة.
ومن خلال التشجيع والقدوة ينجذب الإنسان بشكل كبير إلى الحياة، ويصبح لديه هدفٌ يسعى إلى تحقيقه، وهناك نقطة مهمة أخرى هي: لا بد من تواجد هواية للمعاق في أي مجال نافع كبعض الأعمال اليدوية أو كتابة الشعر أو التعامل مع الكمبيوتر؛ فكلما كانت هناك هواية محببة كلما أسرعت الخطا إلى الأمام ولم تشعر بإعاقتها، وخاصة إذا وجدت الدعم والتأييد، وهام جدًا ألا تتعرض للسخرية من أحد بسبب إعاقتها.
وتؤكد د. سامية أن أهم علاج للمعاق هو أن نرسخ في نفسه الإيمان بالله عز وجل، والثقة بالنفس، وبقدرته على النجاح والعطاء؛ فالإيمان بالله يجعل هناك نوعًا من التسليم والرضا بقضاء الله، وكذلك يشكر الله -عز وجل- على أن إعاقته قد تكون أقل من غيره؛ أما الثقة بالنفس فتجعلها دائمًا متقبلة لوضعها غير ساخطة عليه، وتشعر بالأمان بين المحيطين بها؛ هذا بالنسبة للفتاة، وكلما كانت إرادتها قوية واثقة بنفسها راضية قضاء ربها كلما كانت أكثر قدرة على الاندماج في الحياة، ومواصلة النجاح
فهذا طفل عملاق وذاك قزم الأطفال
حديث الفُسْحَة:
خرج مدرس الرياضيات من الفصل الأول الإعدادي بعد أن ألقى أول درس في بداية العام الدراسي وفي فترة الراحة جلس الأطفال يتعرف بعضهم على بعض.
وفي أحد المقاعد في الفصل كان هناك طفلان يتحدثان..كانت البداية بسؤال من الطفل الأول زياد: لم أتعرف باسمك!
فأجاب الطفل الثاني: اسمي سامي.
زياد: إني سعيد بالتعرف عليك.
سامي: شكرًا.
زياد: كم أنا سعيد ببداية العام الدراسي الجديد.
سامي: وأنا لست سعيدًا على عكسك تمامًا.
زياد: ما رأيك فيما قاله أستاذ الرياضيات.
سامي: إنه كلام صعب يبدو أننا سنبدأ مرحلة جديدة وصعبة.
زياد في تعجب ودهشة: ماذا تقول إني لم أر أسهل من هذا الكلام... إن الأستاذ لا يعرف قدراتنا الحقيقية.
سامي: ولكني عجزت عن فهم أكثر ما يقول.
زياد: يبدو أنك لم تذاكر جيدًا الدرس الخامس من الصف الخامس الابتدائي.
سامي: وهل أذكر ما أكلت بالأمس؟
إني لا أذكر شيئًا مما مضى.. كل ما حفظته وضعته في ورقة الامتحان وانتهى الأمر، ومخي الآن فارغ من المعلومات.
زياد: ولكن حتى نتعلم حقًا لا بد أن نستفيد مما درسناه من قبل ونتعلم من أخطائنا السابقة، هذا ما علمني إياه مدربي في النادي الرياضي.
سامي في حسرة: وهل تذهب إلى النادي الرياضي؟
زياد: نعم ليس عندي وقت فراغ، فعندما أخرج من المدرسة أذهب إلى البيت لأتناول طعام الغداء سريعًا ثم استعد للذهاب إلى التمرين.
سامي: كم أنت محظوظ.
أنا أعود لأتناول الغداء ثم أغط في نوم عميق.. ثم تلاحقني أمي بعد ذلك حتى أعمل الواجب المدرسي ولا تذهب للترفيه إلا مرة واحدة في الأسبوع بل ربما ينشغل أبي في عمله فلا نذهب.
زياد: أنت مسكين.. تعال بنا نتمشى في المدرسة حتى نتعرف عليها.
لا بد أن تشاركني طعامي فلقد أعدت أمي الحبيبة لي أشهى الطعام.
سامي: وهل تعد أمك لك الطعام.
زياد: بالتأكيد.
سامي: أما أمي فلا أسمع سوى صراخها لتوقظني ثم تغط بعد ذلك في نومها بعد أن تترك لي مصروفي الضئيل على مكتبي.
زياد: لا عيك.. ستأكل معي اليوم.
ولكن أخبرني لماذا تلاحقك أمك كي تعمل الواجب المدرسي؟
لماذا لا تقوم به بنفسك؟
سامي وهو يلتهم الطعام: أنا أكره المذاكرة، وأتمنى أن تكون حياتي كلها لعب.(101/141)
زياد: ولكني أرى أن المذاكرة شيء جميل وهي السبيل إلى النجاح والتقدم، لا بد أن يكون المسلم دائمًا قدوة حسنة للناس، هذا ما علمني إياه الشيخ حامد في المسجد.
سامي في تعجب: وهل تذهب إلى المسجد؟
زياد: نعم... أذهب إليه مرة في الأسبوع لحفظ القرآن ودراسة أمور الدين.. كما أذهب للصلاة فيه ما دمت موجودًا في البيت أما عدا ذلك فأصلي في مسجد المدرسة أو مسجد النادي الرياضي.
سامي: أنا أبي لا يصلي إلا الجمعة فأذهب معه يوم الجمعة إلى المسجد ولكني لا أسمع شيئًا من الخطبة لأن أبي يذهب عندما تُقام الصلاة.
زياد: ولكن الثواب الأعظم في أن تذهب في الوقت المبكر.
هذا ما علمني إياه أبي في مجلس الأسرة.
سامي: وما مجلس الأسرة هذا؟
زياد: في براءة.. ألا تعرف مجلس الأسرة؟
سامي في بلاهة:.. لا لا أعرفه!
زياد: إن أسرتنا الكريمة تجتمع كل أسبوع في هذا المجلس يوم الثلاثاء بعد صلاة العشاء نتدارس فيه أمور ديننا ونتعلم فيه أحاديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كما نستمتع فيه بالمسابقات المثيرة التي يعدها أبي ونتعلم فيه الأناشيد الجميلة.
سامي في يأس: أنا أبي يعود من عمله يتناول العشاء ثم يغط في نوم عميق.
زياد: بإمكانك أن تقترح على والدك هذه الفكرة.
سامي: أي فكرة إن أبي لا يقبل الأفكار ولا يقبل الاقتراحات والآراء، إن ما يقوله فقط هو الصحيح، والذي فيه المصلحة.
زياد: ولكن والدي على عكس ذلك يأخذ رأيي في أمور كثيرة.. إن أبي يرى أن عندي حكمة وافرة على حداثة سني.
سامي: أنا أبي يرى أنني أغبى إنسان على وجه الأرض.
انتهت الفسحة وبدأت حصة التربية الرياضية:
وانتشر الأطفال في ساحة الملعب.. وبدأت المباراة.. زياد يتحرك برشاقة ولياقة ويحرز الأهداف، أما سامي فجالس بجوار حارس المرمي يستند إلى المرمى ينتظر الكرة أن تأتي إليه.
وأثناء اللعب لمس أحد الأطفال الكرة بيده فكانت ضربة الجزاء، ويأتي زياد ويسدد، ولكنه يتذكر ما تعلمه في المسجد من خلق الإيثار، وينادي سامي يقول له: لقد آثرتك بهذه الركلة هيا أنت لها يا سامي.
ولكن سامي تراجع إلى الوراء وقال: لا، لا.. لن أستطيع، ليس عندي مهارة التسديد، ولكن زياد أخذ بيده وشجعه، ومع ذلك رفض سامي أن يسدد وجرى بعيدًا.. وترك الملعب.
ترك زياد الكرة لأحد زملائه وذهب إلى سامي وقال له: مالك لماذا تخاف من تسديد الكرة ؟
قال سامي: أنت موهوب وعندك القدرة على التسديد، أما أنا فإن ركلت الكرة سأكون موضع سخرية الناس واستهزائهم.
قال زياد: ولكني أرى أنك على لياقة عالية ولكن بحاجة إلى التدريب.. ما رأيك أن تطلب من والدك أن يشترك لك في النادي.
سامي: سأحاول ذلك.. ولكن بلا جدوى.
زياد: حاول بإذن الله سيوافق... عليك بالدعاء.
وفي ختام اليوم الدراسي:
زياد: كم أنا مشتاق إلى أبي سيأتي الآن ليأخذني إلى البيت.
سامي: وهل يأتي والدك ليأخذك؟
زياد: نعم إني أحبه كثيرًا وهو كذلك يحبني، ويترك عمله كي يوصلني ثم يعود إلى عمله مرة أخرى.
سامي: أما أنا فسأذهب إلى البيت على الأقدام كالعادة.
زياد: لا بأس عليك سأطلب من والدي أن يوصلك معي.
سامي في سرور: كم أنا شاكر لك!
ولما أتى والد زياد ركب معه سامي ووصله والد زياد إلى البيت.
وفي الوقت الذي كان زياد يتناول فيه طعام الغداء مع أسرته الكريمة كي يستعد للذهاب إلى النادي.. كان سامي يتناول الويلات في بيته، وتنهال عليه هجمات الإهانة والتحطيم من والده.. كيف يركب مع أحد غريب دون أن يأخذ إذن!!
فهذا في واد.... والآخر في وادٍ بعيد
هذا طفل متميز... والآخر عادي بل متأخر
فهذا طفل عملاق... وذاك قزم الأطفال
زياد كان ثمرة ونتاج حسن التربية والاهتمام.
وسامي كان ضحية سوء التربية و الجهل من جانب الآباء.
ولكن كيف تجعل ابنك متميزًا؟
1ـ المُرَبِّي الخاص:
إن عجزت أنت عن الاهتمام به لانشغالك في السعي وراء الرزق اجعل له مربيًا خاصًا يلزم طفلك ويحبه ويتعلق به ويستفيد منه.
ولعل في قصة محمد الفاتح خير مثال حيث كان له شيخ مربٍ هو آق شمس الدين وهو الذي أخبر بحديث: 'ستفتحون القسطنطينية، فلنعم الأمير أميرها ولنعم الجيش ذلك الجيش'.. وكان محمد الفاتح يتعلم على يديه القرآن وعلوم الدين.
2ـ اختيار المدرسة المتميزة في إدارتها وتربيتها.
3ـ تسجيله في أبرز نشاطات المدرسة.
4ـ المجلة الهادفة:
اشتر له مجلة وواظب على شرائها له ولتكن هذه المجلة هادفة وموصلة لمعاني الإسلام، ولتكن بمثابة مصدات الرياح لبث الإعلام المضلل في كل مكان في التلفاز وغيره.
5ـ الشريط الهادف.
6ـ المكتبة المنزلية.
7ـ المسابقات المنزلية ومجلة الأسرة.
8ـ الأبحاث والتلخيصات تنمي فكر الطفل وقدراته الذهنية.
9ـ 'ما رأيك في... ؟ ' استخدم معه هذا الأسلوب، اسأله عن رأيه.
10ـ حسن المنطق: ليكن خطابك له 'جزاك الله خيرًا' ولو سمحت 'الله يحفظك'.
11ـ حسن الإنفاق: [الإدارة المالية] علمه كيف يحافظ على مصروفه ويدير ما معه من مال بأن تعطيه مصروف الأسبوع وتطلب منه أن يحافظ عليه إلى نهايته ويتعلم كيف يقتصد ولا يسرف ويتصدق أيضًا.
12ـ إسناد بعض المسؤوليات إليه.
13ـ التفخيم والتعظيم بالتكنية: كما فعل النبي صلي الله عليه وسلم: 'يا أبا عمير ما فعل النغير'.
14ـ المراكز الصيفية [الكشافة]: اصحبه إليها كي يتعلم الاعتماد على نفسه.
14ـ المراكز الصيفية: إذا كانت عنده موهبة فاحرص على تنفيثها وتنميتها في المراكز الصيفية أو الأندية الرياضية.
16ـ علمه كيف ينظم أدواته: علمه كيف ينظم مكتبه وفراشه، وكيف ينظم شنطة المدرسة ؟ ولتعلم أنك إن عودته على ذلك من الصغر فلن تتحمل بعد ذلك مشاق إهماله.
17ـ الفيديو الإسلامي، الحاسب الآلي، اصحبه إلى المساجد.
18ـ اصحبه معك إلى خطبة الجمعة: واطلب منه أن يلخص لك الخطبة بعد الصلاة.
[هذه العناصر مستفادة من مقال للشيخ مازن الفريج، موقع ناصح باختصار و زيادات].
30 ذو الحجة 1425هـ
9 فبراير 2005 م
http://www.islammemo.cc المصدر :
ـــــــــــــــــــ(101/142)
ماذا يريد أبناؤنا منا؟
فاتن عمارة 13/9/1425
27/10/2004
أولاً: يريدون أنْ نكون لهم قدوة حسنة
عين الطفل على أمّه وأبيه كالميكروسكوب يرى فيهم أدقّ الأشياء؛ فطفلك يراقبك باستمرار، ويحاكي فعلك، وكذلك رد فعلك عند المفاجأة، وعند الإحباط، أو الحزن، أو الغضب، وطريقتك في استقبال الضيوف، ومدى صدقك وأمانتك، والطريقة التي تعبّر بها عن سرورك وحزنك وغضبك.
نحن نحتاج إلى وِقفة صادقة مع أنفسنا نقيّم فيها سلوكنا، ونقوم بتعديل ما فينا من عيوب، لا نريد أنْ نراها في أبنائنا؛ فالطّفل يمسك بالقلم ويضعه في فمه محاكاةً لأبيه المدخّن، وكذلك يسجد عندما يرى أباه أو أمه ساجدين، ولكنّ هذه الصّفة جيّدة إذا استغلّت بشكل صحيح من خلال الآتي :
1- أنْ نربط الطفل بالقدوة الأولى لنا، والتي ارتضاها لنا رب العالمين حين قال جل وعلا: (لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ ) [الأحزاب: من الآية21] وأنْ نعلّم الطّفل أنّ النبي صلى الله عليه وسلم هو القدوة وهو الشخصية التي يجب علينا جميعًا أنْ نحاكيها، ونقلّدها؛ لأنّه صلّى الله عليه وسلم هو المعصوم من الخطأ، وكل إنسان غيره قد يصيب ويخطئ حتى نحن0
2- نحكي لهم قصص الصحابة كعدل عمر وشجاعة خالد وعلم علي.
3- أنْ نُريهم منّا كلّ ما هو حسن ( الصلاة الصيام الصدقة 000 الخ)
4- أنْ نصحبهم معنا إلى كلّ ما هو حسن ( كالمساجد - ودور التّحفيظ -زيارة الصّالحين).
5- أن نفسر لهم الأعمال الحسنة التي نقوم بها ( أنا أقبّل رأس ويد جدتك؛ لأنّ الله أمرنا ببرّ الوالدين- أو أُعطي الحلوى هذه لجيراننا؛ لأنّ الله أمرنا بالإحسان إلى الجار- وهكذا
6- الابتعاد عن الألفاظ البذيئة أو الدارجة واختيار الألفاظ الحسنة0
ثانياً: أنْ نعزّز سلوكهم الإيجابيّ
إنّ الطفل لا يملّ من سماع كلمات الإطراء والاستحسان والتشجيع من والديه حين يقوم بعمل جيّد؛ فالطفل مثلاً حين يقوم بعمل ما ( إعادة اللّعب إلى صُندوق اللّعب- صلى مع والده في المسجد - وضع ورقة الحلوى في صندوق القمامة لا على الأرض) يحتاج أنْ يجد أثر العمل الكبير الذي قام به على وجوهنا، و ألسنتنا؛ كأن نبتسم، و نقول له: جزاك الله خيرًا، ما أجمل ما قمت به ، ما فعلته يُرضي الله) وإلا من أين يعرف الطفل السلوك الجيّد من السّيئ، أو يدرك الحسن من القبيح؟
وهذا ما يوصي به علماء النفس قائلين :" على الآباء أن يمنحوا أبناءهم الكثير من المدح، وهم يحسنون السلوك؛ فهذا من شأنه تدعيم السلوك، وزيادة ثقتهم بأنفسهم"
نعم إنّ من شأن تعزيز السلوك الإيجابيّ لدى الطفل زرْع الثّقة في نفسه وزيادة إحساسه بأنّه شخص متميّز وفعّال، وأّنه قادر على مواجهة الصّعاب والتحدّيات التي تواجهه، وهذه الثّقة المتنامية تفضي إلى مثابرة، ثم إلى شجاعة، ثم إلى قيادة000 الخ
فالطفل الذي يحصل على مزيد من الإطراء يقوم بعمل العديد من الأعمال التي يتوقع شكره عليها .
والطفل الذي لا يحصل على هذا التشجيع غالبًا ما يحبط وتقلّ دافعيّته في الإقبال على أيّ عمل0
وهناك أمور لابدّ أنْ نراعيها حين نعزّز سلوكهم الإيجابيّ وهي:
1- التوازن بين التشجيع الماديّ والمعنويّ؛ فالاقتصار على الدّعم الماديّ يجعل الطفل نفعيًّا لا يقوم بأيّ عمل دون مقابل متفق عليه مسبقًا، والدّعم المعنويّ فقط سرعان ما يملّه الطفل حين يحب أنّ يرى ناتج عمله الجيّد ملموسًا كمذاق قطعة الحلوى أو نقود أو لعبة 00 الخ0
2- أنْ نربط الطفل بالثواب الأُخرويّ دائمًا كأنْ نقول له: إنّ هذا العمل يرضي الله عزّ وجلّ، هذا الحرف الذي تقرأه في القرآن بعشر حسنات، أو نقول حين يصلي في المسجد: هذه الصلاة التي صليتها بـ27 صلاة في البيت) فهذا من شأنه يعلم الطفل إخلاص العمل لله عز وجل ويدعم سلوكه الجيد 0
ثالثاُ: إظهار حبّنا لهم
لا شك أننا نحب أبناءنا ولكن مع انشغال كل منا بأداء دوره ومهامه قد ننسى إظهار هذه المشاعر لهم فهم يحتاجون إلى ترجمة عمليّة وملموسة لهذا الحب لما له من أكبر الأثر في نفوسهم وإحساسهم بالسّعادة. فعلى سبيل المثال أكّدت دراسة حديثة أنه كلما زادت مداعبة الطفل الرضيع زاد إفراز هرمون النموّ ونشط الجهاز المناعي لديه لمقاومة الأمراض، وارتفعت نسبة الهيموجلوبين في الدّم، وكأن لسان حاله يقول: أستحقّ أن أصح وأحيا مع أبوين يحبانني ويتقبلانني (دراسة: ستيف بيد ولف/أمريكا)
ومن الطرق العمليّة لإظهار هذا الحبّ كالآتي:
1- مداعبتهم والتصابي لهم
اللّعب بالنسبة للطفل هو الحياة، وهو المتعة الحقيقيّة التي يشعر بها، وما أجمل أن يشاركه هذه المتعة من يحبهم! لأنّ ذلك يزيد اللعب بهجة على بهجته.
كان صلّى الله عليه وسلم المعلّم القدوة يداعب حفيديه الحسن والحسين - رضي الله عنهما- ويتصابى لهما، عن جابر- رضي الله عنه- قال: دخلت على النبي صلى الله عليه وسلم وهو يمشي على أربع- أي على يديه ورجليه- وعلى ظهره الحسن والحسين وهو يقول: نعم الجمل جملكما، ونعم العدلان أنتما" رواه الطبراني وكان صلى الله عليه وسلم يمرّ بالغلمان يرمون بالنبل والسهام فيشجّعهم قائلاً: "ارموا يا بني إسماعيل، فإنّ أباكم كان راميًا" رواه البخاري. وأخرج الإمام أحمد بإسناد حسن عن عبد الله بن الحارث - رضي الله عنه- قال: كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يصف عبد الله وعبيد الله وكثير بن العباس - رضي الله عنهم- ثم يقول:"من سبق إليَّ فله كذا وكذا"قال: فيسبقون إليه، فيقعون على ظهره وصدره، فيقبّلهم ويلتزمهم". هكذا كان المعلّم الأول في هذه الدنيا مع الصغار يداعبهم ويلاعبهم، ولا يتعالى عليهم، أو يستصغرهم، بل يتصابى لهم؛ ليعلمنا كيف تكون الرحمة بهم؛ فقد يخشى البعض ذهاب الهيبة أمام الأبناء، وأقول: إنّ هذا لا يتنافى أبدًا مع الوقار والهيبة؛ فقد كان يفعل ذلك أعظم رجل في العالم، وقد يدّعي البعض الآخر الانشغال، وعدم وجود وقت لهذا ، كان النبيّ صلى الله عليه وسلم أكثر انشغالا منّا؛ كان مسؤولاً عن تبليغ دعوة للعالمين، وتربية خير أمّة أخرجت للناس ليعلّمنا كيف نربّي أبناءنا فلنفعل اتّباعًا لسنته صلى الله عليه وسلم لننال بركة وأجر اتباع السنة أولاً ولكي نظهر حبّنا لأبنائنا0
2- تقبيلهم من حين لآخر
كثيرًا ما يقبّل الأبوين أبناءهما في الشهور الأولى من العمر، ولكن ما أنْ يتمّ الطفل عامه الثاني ويعامل على أنّه رجل، ولا وقت للتدليل؛ فالطفل والمراهق أيضاً في حاجة دائمة أنْ نظهر حبّنا له، وأنّه شخص هامّ، ومقبول لدينا من خلال تقبيله أو المسح على شعره، أو التّربيت على كتفه وظهره، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قبّل الرسول صلى الله عليه وسلم الحسن بن عليّ وعنده الأقرع بن حابس التميمي جالس، فقال الأقرع: إنّ لي عشرة من الولد ما قبلت منهم أحدًا، فنظر رسول الله صلى الله عليه وسلم إليه ثم قال:"من لا يرحم لا يُرحم" فلنحرص على تقبيل أبنائنا ولا نستخفّ أو نتحرج من ذلك؛ فقبلة على جبين ابنك حين يذهب إلى المدرسة، أو حين تعود إلى المنزل لها أكبر الأثر في نفسه، وهذا بدوره ما يزيد من حب أبنائنا لنا0
3- التواصل والتواجد معهم بالقدر الكافي0
أودّ أن أؤكد على أمر غاية في الأهميّة، وهو أنّ الأبناء يستمتعون بالجلوس مع الآباء في مجالس عائليةّ دافئة ولطيفة؛ مما يضيف فائدة جديدة فوق استفادتهم فيشعرون بالترابط الأسري، وهو ما يشعرهم بأرض صلبة يقفون عليها مما يزيد من قوتهم وثقتهم بأنفسهم. فلا بدّ من إيجاد نشاط ما يجمع بينكما كوالدين وبين أبنائكما تمارسونه سويًَََََََّا كالخروج معاً للتنزّه أو عمل مسابقات ثقافيّة، أو حركيّة مما يعمل علي تجديد الحياة للجميع؛فلا يمكن للعمليّة التربويّة أنْ تتمّ بدون تواصل؛ فالأطفال الذين يجدون من آبائهم عاطفة واهتمامًا ينجذبون نحوهم، ويصغون إليهم بأسماعهم وقلوبهم ويشعرون بأهمّيتهم، والأبناء الذين لا يكلمهم آباؤهم إلا نادراً ينشؤون أقل ثقة بالنفس من الذين تعوّدوا على الكلام، والحوار الهادئ مع آبائهم، فعلينا أنْ نبدي اهتمامنا بهم، وأنْ نتواجد ونتواصل معهم حتى لا يبحثوا خارج البيت عمّن يسمعهم ويهتمّ بهم0
رابعاً: العدل والمساواة بين الأبناء
قد يكون أحد الأبناء عصبيًّا أكثر من إخوته أو متأخرًا دراسيًّا أو سيِّئ الخلق، فلن يجدي معه إلا الإحسان إليه والعدل بينه وبين إخوته؛ فلا يحضر الأب لعبة لابن دون الآخر، ولا تقبّل الأم أخًا دون أخيه، فلا بد أنْ تصافح وتقبل بنفس الحماس والكيفيّة دون تفرقة، فالتفرقة في المعاملة من أكبر الأخطاء التي قد يقع فيها المربي والتي تؤثّر سلبًا على المفضّل و المفضّل عليه على حد سواء؛ فالمفضّل يصبح إنسانًا أنانيًّا مغرورًا مدللاً غير قادر على تحمل المسؤوليّة، والمفضّل عليه يصبح عدوانيًّا يكره إخوته ويحسدهم، وقد يكون التفضيل ليس على أساس السّلوك والأخلاق؛ فالبعض يفضل على أساس الجنس كأنْ يفضّل الولد على البنت، أو العكس، أو على أساس الشكل أو السنّ000 الخ فلنحرص على العدل والمساواة بين أبنائنا لكسب ودّهم وحبّهم
فعن ابن عباس رضي الله عنهما عن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال: "سوّوا بين أولادكم في العطيّة" أخرجه الطبراني والبيهقي
خامساً:الأخذ بأيديهم لمعرفة خالقهم جلّ وعلا
يمكن تلقين الطّفل منذ الرابعة أركان الإيمان، فنشرح منها كلّ ما يتناسب مع قدرته على الفهم، ونشرح له كذلك أركان الإسلام ونعوّده على الوضوء والصّلاة، ونحبّبه فيها (وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا...) [طه:132].
ونفسر له بأنّنا نصلي ليرضى عنّا الله، وأنّ المصلين لهم الجنة،ونعلّمهم آداب الإسلام في الطعام والشراب والنوم و0000الخ كذلك نعلّمهم قراءة القرآن وحفظه فتعليم الصغر أشد رسوخا، فقد حفظ كثير من سلف هذه الأمّة القرآن منذ الصغر بفهم جيّد، فالإمام الشافعي رحمه الله يقول: حفظت القرآن وأنا ابن سبع سنين، وحفظت موطّأ مالك وأنا ابن عشر.
وينبغي أنّ نعلّم الطفل أنّ الماهر في تعلّم القرآن وحفظه سيكون مع الكرام البرَرَة في الجنّة، وأنّ من يقرأ القرآن ويتلعثم فيه وهو عليه شاقّ فله أجران، وأنّه سينال حسنة عن كل حرف يتلوه من القرآن، والحسنة بعشر أمثالها حتى ينشأ على حبّ وتعظيم كتاب الله وتوقيره.
كذلك تشجيع الابن على حفظ ما تيسر من الأحاديث النبويّة والأدعية والأذكار ولا ننسى مكافأته على ما يحفظ؛ لتشجيعه على الاستزادة من العلم النافع، فهذا إبراهيم ابن أدهم يقول له أبوه: "يا بني، اطلب الحديث فكلما سمعت حديثًا وحفظته فلك درهم" فيقول إبراهيم: "فطلبت الحديث على هذا".
ـــــــــــــــــــ(101/143)
[ 74 ] وسيلة لتربية الأولاد
هناك سبل معينة على تربية الأولاد، وأمور يجدر بنا مراعاتها، وينبغي لنا سلوكها مع فلذات الأكباد، ومن ذلك ما يلي:
1- العناية باختيار الزوجة الصالحة: فلا يقدم على الزواج إلا بعد استخارة الله، واستشارة أهل المعرفة; فالزوجة هي أم الأولاد، وسينشئون على أخلاقها وطباعها، ثم إن لها تأثيرًا على الزوج نفسه; لذلك قيل: 'المرء على دين زوجته'. وقال أبو الأسود الدؤلي لبنيه: ' قد أحسنت إليكم صغارًا وكبارًا، وقبل أن تولدوا، قالوا: وكيف أحسنت إلينا قبل أن نولد? قال: اخترت لكم من الأمهات مَنْ لا تُسَبُّون بها'.
2- سؤال الله الذريةَ الصالحة: فهذا العمل دأب الأنبياء، وعباد الله الصالحين كما قال - تعالى -عن زكريا- عليه السلام -: {...قَالَ رَبِّ هَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعَاءِ[38]}[سورة آل عمران].وكما حكى عن الصالحين أن من صفاتهم أنهم يقولون: {... رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا[74]}[سورة آل عمران].
3 - الفرح بمقدم الأولاد، والحذر من تسخطهم: سواء كان ذلك ذكرًا أم أنثى، ولا ينبغي للمسلم أن يتسخط بمقدمهم، أو أن يضيق بهم ذرعاً، أو أن يخاف أن يثقلوا كاهله بالنفقات; فالله هو الذي تكفل برزقهم كما قال: {...نَحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُمْ... [31]} [سورة الإسراء].
كما يحرم على المسلم أن يتسخط بالبنات، ويحزن لمقدمهن، فما أجدره بالبعد عن ذلك; حتى يسلم من التشبه بأخلاق الجاهلية، وينجو من الاعتراض على قدر الله، ومن ردِّ هبته - عز وجل -.
ففضل البنات لا يخفى، فهن البنات، وهن الأخوات، وهن الزوجات، وهن الأمهات، وهن كما قيل: 'نصف المجتمع، ويلدن النصف الآخر، فهن المجتمع بأكمله'.
ومما يدل على فضلهن أن الله - عز وجل - سمى إتيانهن هبةً، وقدمهن على الذكور، فقال - عز وجل -: {لِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ يَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ إِنَاثًا وَيَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ الذُّكُورَ[49]}[سورة الشورى]. وقال - صلى الله عليه وسلم -: [مَنْ ابْتُلِيَ مِنْ هَذِهِ الْبَنَاتِ بِشَيْءٍ كُنَّ لَهُ سِتْرًا مِنْ النَّارِ]رواه البخاري ومسلم. وقَالَ: [لَا يَكُونُ لِأَحَدٍ ثَلَاثُ بَنَاتٍ أَوْ ثَلَاثُ أَخَوَاتٍ أَوْ ابْنَتَانِ أَوْ أُخْتَانِ فَيَتَّقِي اللَّهَ فِيهِنَّ وَيُحْسِنُ إِلَيْهِنَّ إِلَّا دَخَلَ الْجَنَّةَ] [رواه الترمذي وأحمد].
4- الاستعانة بالله على تربيتهم: فإذا أعان الله العبد على أولاده، وسدده ووفقه؛ أفلح، وإن خُذل ووكل إلى نفسه؛ فإنه سيخسر، ويكون عمله وبالاً عليه، كما قيل:
إذا صح عونُ الخالق المرءَ لم *** يجد عسيرًا من الآمال إلا ميسرا
5- الدعاء للأولاد، وتجنب الدعاء عليهم: فإن كانوا صالحين دعي لهم بالثبات والمزيد، وإن كانوا طالحين دعي لهم بالهداية والتسديد. والحذر كلَّ الحذرِ من الدعاء عليهم; فإنهم إذا فسدوا وانحرفوا فإن الوالدين أولُ من يكتوي بذلك.
6- تسميتهم بأسماء حسنة: فيجدر بالوالدين أن يسموا أولادهم أسماءً إسلاميةً عربيةً حسنةً، وأن يحذروا من تسميتهم بالأسماء الممنوعة، أو الأسماء المكروهة، أو المشعرة بالقبح، فالأسماء تستمر مع الأبناء طيلة العمر، وتؤثر بهم، وبأخلاقهم. قال ابن القيم: 'فقلَّ أن ترى اسماً قبيحاً إلا وهو على مسمى قبيح كما قيل:
وقلَّ أن أبصرت عيناك ذا لقبٍ *** إلا ومعناه لو فكَّرت في لقبه
والله - سبحانه - بحكمته في قضائه وقدره يلهم النفوس أن تضع الأسماء على حسب مسمياتها; لتناسب حكمته - تعالى -بين اللفظ ومعناه كما تناسبت بين الأسباب ومسبباتها'.
7- تكنيتهم بكنى طيبة في الصغر: كأن يكنى الولد بأبي عبد الله، أو أبي أحمد أو غير ذلك; حتى لا تسبق إليهم الألقاب السيئة، فتستمر معهم طيلة العمر; فقد كان السلف الصالح يُكَنُّون أولادهم وهم صغار.
8- غرس الإيمان والعقيدة الصحيحة في نفوس الأولاد: وهو أوجب شيء على الوالدين فيعلم الوالد أولاده منذ الصغر أن ينطقوا بالشهادتين، وأن يستظهروها، وينمي في قلوبهم محبة الله، وأن ما بِنَا من نعمة فمنه وحده، ويعلمهم أيضًا أن الله في السماء، وأنه سميع بصير، ليس كمثله شيء، إلى غير ذلك من أمور العقيدة، وهكذا يوجههم إذا كبروا إلى قراءة كتب العقيدة المناسبة لهم.
9-غرس القيم الحميدة والخلال الكريمة في نفوسهم: فيحرص الوالد على تربيتهم على التقوى، والحلم، والصدق، والأمانة، والعفة، والصبر، والبر، والصلة، والجهاد، والعلم; حتى يَشِبُّوا متعشقين للبطولة، محبين لمعالي الأمور، ومكارم الأخلاق.
10- تجنيبهم الأخلاق الرذيلة، وتقبيحها في نفوسهم: فيُكَرِّه الوالد لهم الكذب، والخيانة، والحسد، والحقد، والغيبة، والنميمة، والأخذ من الآخرين، وعقوق الوالدين، وقطيعة الأرحام، والجبن، والأثرة، وغيرها من سفاسف الأخلاق ومرذولها; حتى ينشأوا مبغضين لها، نافرين منها.
11- تعليمهم الأمور المستحسنة، وتدريبهم عليها: كتشميت العاطس، وكتمان التثاؤب، والأكل باليمين، وآداب قضاء الحاجة، وآداب السلام ورده، وآداب الرد على الهاتف، واستقبال الضيوف، والتكلم بالعربية وغير ذلك. فإذا تدرب الولد على هذه الآداب؛ ألفها وأصحبت سجية له; فما دام أنه في الصبا فإنه يقبل التعليم والتوجيه، ويشب على ما عُوِّد عليه كما قيل:
وينشأ ناشئُ الفتيان منّا *** على ما كان عوَّده أبوه
12- الحرص على استعمال العبارات المقبولة الطيبة مع الأولاد، والبعد عن العبارات المرذولة السيئة: فمما ينبغي للوالدين أن يربأوا بأنفسهم عن الشتم وغير ذلك من العبارات البذيئة المقذعة.
وإذا أعجب الوالدين شيءٌ من عمل الأولاد قالا: ما شاء الله، وإذا رأيا ما يثير الاهتمام قالا: سبحان الله، الله أكبر، وإذا أحسن الأولاد قالا لهم: بارك الله فيكم، أحسنتم، وإذا أخطأوا قالا: لا يا بني، ما هكذا، إلى غير ذلك من العبارات المقبولة الحسنة; حتى يألف الأولاد ذلك، فتعفَّ ألسنتهم عن السباب والتفحش.
13- الحرص على تحفيظ الأولاد كتاب الله: حفظاً لأوقاتهم، وحماية لهم من الضياع والانحراف، فإذا حفظوا القرآن أثَّر ذلك في سلوكهم وأخلاقهم، وفَجَّر ينابيع الحكمة في قلوبهم.
14- تحصينهم بالأذكار الشرعية: وذلك بإلقائها إليهم إن كانوا صغارًا، وتحفيظهم إيّاها إن كانوا مميزين، وتبيين فضلها، وتعويدهم على الاستمرار عليها.
15- الحرص على مسألة التربية بالقدوة: فينبغي للوالدين أن يكونا قدوةً للأولاد في الصدق، والاستقامة، وغير ذلك، وأن يتمثلا ما يقولانه. وأن يقوم الوالدان بالصلاة أمام الأولاد; حتى يتعلم الأولاد الصلاة عملياً من الوالدين. ومن ذلك كظم الغيظ، وحسن استقبال الضيوف، وبر الوالدين، وصلة الأرحام، وغير ذلك.
16-الحذر من التناقض: فلا يليق بالوالدين أن يأمرا الأولاد بأمر ثم يعملا بخلافه، فالتناقض يفقد النصائح أثرها.
17-الوفاء بالوعد: وبعضهم إذا أراد التخلص من إحراج أحد الأولاد وعده بوعود كثيرة، وربما لا يقوم الوالد بذلك، مما يجعل الولد ينشأ على إلف ذلك الخلق الرذيل. والذي يليق بالوالد إذا وعد أحدًا من أبنائه أن يفي به، وإن حال بينه وبين إتمامه حائل؛ اعتذر من الولد، وبيَّن له مسوغاتِ ذلك.
18-إبعاد المنكرات وأجهزة الفساد عن الأولاد: حتى يحميهم من المنكرات، و يطهر بيته منها، فيحافظ على سلامة فِطَر الأولاد، وعقائدهم، وأخلاقهم.
19-إيجاد البدائل المناسبة للأولاد: فكما أنه يجب على الوالدين إبعاد المنكرات فكذلك يجدر بهم أن يوجدوا البدائل المناسبة المباحة، سواء من الألعاب، أو الأجهزة التي تجمع بين المتعة والفائدة، حتى يجد الأولاد ما يشغلون به وقت فراغهم.
20- تجنيبهم أسباب الانحراف الجنسي: بإبعاد أجهزة الفساد عنهم، وتجنيبهم مطالعة القصص الغرامية، والمجلات الخليعة، وعدم السماح لهم بسماع الأغاني، أو الإطلاع على الكتب الجنسية التي تبحث في التناسليات صراحة، وتشعل مخازن البارود الكامنة فيهم.
21- تجنيبهم الزينة الفارهة والميوعة القاتلة: فينبغي للوالد أن يمنع أولاده من الإفراط في التجمل، والمبالغة في التأنق والتطيب، وأن ينهاهم عن التعري والتكشف، والتشبه بأعداء الله الكافرين; لأن هذه الأعمال تتسبب في قتل مروءتهم، وإفساد طباعهم، وتقود إلى إغواء الآخرين وفتنتهم، وتدعو إلى جر الأولاد إلى الفاحشة والرذيلة.
22- تعويدهم على الخشونة والرجولة، والجد والاجتهاد، وتجنيبهم الكسل والبطالة والراحة والدعة: فإن للكسل والبطالة عواقبَ سوءٍ، وللجد والتعب عواقب حميدة إما في الدنيا، وإما في العقبى، وإما فيهما; فالسيادة في الدنيا والسعادة في العقبى؛ لا يوصل إليها إلا على جسر من التعب.
23-ومما ينبغي في ذلك تعويدهم الانتباه آخر الليل: فإنه وقت الغنائم، ومن اعتاده صغيرًا سهل عليه كبيرًا.
24- تجنيبهم فضول الطعام، والكلام، والمنام، ومخالطة الأنام: ففيها الخسارة، وهي تُفوِّت على العبد خير دنياه وآخرته، ولهذا قيل: من أكل كثيرًا شرب كثيرًا; فنام كثيرًا، فخسر كثيرًا.
25- تشويقهم للذهاب إلى المسجد صغارًا، وحملهم على الصلاة فيه كبارًا.
26-مراقبة ميول الولد، وتنمية مواهبه، وتوجيهه لما يناسبه: بحيث يجد في المنزل ما ينمي مواهبه ويصقلها، ويعدها للبناء والإفادة، ويجد من يوجهه إلى ما يناسبه ويلائمه.
قال ابن القيم: 'ومما ينبغي أن يعتمد حال الصبي، وما هو مُسْتَعِدٌّ له من الأعمال، ومهيأ له منها، فيعلم أنه مخلوق له، فلا يحمله على غيره ما كان مأذونًا فيه شرعًا; فإنه إن حمله على غير ما هو مستعد له لم يفلح فيه، وفاته ما هو مهيأ له، فإذا رآه حسن الفهم، صحيح الإدراك، جيد الحفظ، واعياً - فهذه علامات قبوله، وتهَيُّئِه للعلم; لينقشه في لوح قلبه ما دام خالياً، وإن رآه ميالاً للتجارة والبيع والشراء أو لأي صنعةٍ مباحة فليمكنه منها; فكل ميسر لما خلق له'.
27-تنمية الجرأة الأدبية في نفس الولد: بإشعاره بقيمته، وزرع الثقة في نفسه; حتى يعيش كريماً شجاعاً جريئاً في آرائه، في حدود الأدب; فهذا مما يشعره بالطمأنينة، ويكسبه القوة والاعتبار، بدلاً من التردد، والخوف، والهوان، والذلة، والصغار.
28-استشارة الأولاد: كاستشارتهم ببعض الأمور المتعلقة بالمنزل أو غير ذلك، واستخراج ما لديهم من أفكار، ثم يوازن الوالد بين آرائهم، ويطلب من كل واحد منهم أن يبدي مسوغاته، وأسباب اختياره لهذا الرأي، وهكذا.
ومن ذلك إعطاؤهم الحرية في اختيار حقائبهم، أو دفاترهم، أو ما شاكل ذلك; فإن كان ثم محذور شرعي فيما يختارونه بيَّنهُ لهم. فكم في هذا العمل من زرع للثقة في نفوس الأولاد، وإشعار لهم بقيمتهم، وتدريب لهم على تحريك أذهانهم، وشحذ قرائحهم، وتعويد لهم على التعبير عن آرائهم.
29- تعويد الولد على القيام ببعض المسئوليات: كالإشراف على الأسرة في حالة غياب ولي الأمر، وكتعويده على الصرف، والاستقلالية المالية، وذلك بمنحه مصروفاً مالياً كل شهر أو أسبوع; ليقوم بالصرف منه على نفسه وبيته.
30- تعويد الأولاد على المشاركة الاجتماعية: وذلك بحثهم على المساهمة في خدمة دينهم، وإخوانهم المسلمين، إما بالجهاد في سبيل الله، أو بالدعوة إلى الله، أو إغاثة الملهوفين، أو مساعدة الفقراء والمحتاجين، أو التعاون مع جمعيات البر، وغيرها.
31- التدريب على اتخاذ القرار: كأن يعمد الأب إلى وضع الابن في مواضع التنفيذ، وفي المواقف المحرجة، التي تحتاج إلى حسم الأمر، والمبادرة في اتخاذ القرار، وتحمُّل ما يترتب عليه، فإن أصاب شجعه، وإن أخطأ قوَّمه بلطف; فهذا مما يعوده على مواجهة الحياة.
32- فهم طبائع الأولاد ونفسياتهم: وهذا يحتاج إلى شيء من الذوق، ودقة النظر. وإذا وفِّق المربي لتلك الأمور، وعامل أولاده بذلك المقتضى؛ كان حريّاً بأن يحسن تربيتهم، وأن يسير بهم على الطريقة المثلى.
33- تقدير مراحل العمر للأولاد: فالولد يكبر، وينمو تفكيره، فلا بدّ أن تكون معاملته ملائمة لسنه وتفكيره واستعداده، وألا يعامل على أنه صغير دائماً، ولا يعامل أيضاً وهو صغير على أنه كبير; فيطالب بما يطالب به الكبار، ويعاتب كما يعاتبون، ويعاقب كما يعاقبون.
34- تلافي مواجهة الأولاد مباشرة: خصوصاً في مرحلة المراهقة، بل ينبغي أن يقادوا عبر الإقناع، والمناقشة الحرة، والحوار الهادئ البناء، الذي يجمع بين العقل والعاطفة.
35-الجلوس مع الأولاد: فمما ينبغي للأب مهما كان له من شغل أن يخصص وقتاً يجلس فيه مع الأولاد، يؤنسهم فيه، ويسليهم، ويعلمهم ما يحتاجون إليه، ويقص عليهم القصص الهادفة; لأن اقتراب الولد من أبويه ضروري جدًا; وله آثاره الواضحة، حيث تستقر أحوال الأولاد، وتهدأ نفوسهم، وتستقيم طباعهم.
أما الآباء الذين تشغلهم الدنيا عن أولادهم فإنهم يجدون غبَّ ذلك على الأولاد، فينشأ الأولاد وقد اسودت الدنيا أمامهم، لا يعرفون مواجهة الحياة، فيتنكبون الصراط، ويحيدون عن جادة الصواب، وربما تسبب ذلك في كراهية الأولاد للوالدين، وربما قادهم ذلك إلى الهروب من المنزل، والانحدار في هاوية الفساد.
36- العدل بين الأولاد: وأن يتجنبوا تفضيل بعضهم على بعض، سواء في الأمور المادية كالعطايا والهدايا والهبات، أو الأمور المعنوية، كالعطف، والحنان، وغير ذلك.
37- إشباع عواطفهم: وإشعارهم بالعطف، والرحمة; حتى لا يبحثوا عنه خارج المنزل; فالكلمة الطيبة، واللمسة الحانية، والبسمة الصادقة، وما جرى مجرى ذلك له أثره البالغ في نفوس الأولاد.
38-النفقة عليهم بالمعروف: وذلك بكفايتهم، والقيام على حوائجهم; حتى لا يضطروا إلى البحث عن المال خارج المنزل.
39- إشاعة الإيثار بينهم: وذلك بتقوية روح التعاون بينهم، وتثبيت أواصر المحبة فيهم، وتعويدهم على السخاء، والشعور بالآخرين، حتى لا ينشأ الواحد منهم فرديًا لا هم له إلا نفسه.
40-الإصغاء إليهم إذا تحدثوا وإشعارهم بأهمية كلامهم: فالذي يجدر بالوالد إذا تحدث ولده خصوصاً الصغير أن يصغي له تمامًا، وأن يبدي اهتمامه بحديثه، كأن تظهر علامات التعجب على وجهه، أو يبدي بعض الأصوات أو الحركات التي تدل على الإصغاء والاهتمام والإعجاب، كأن يقول: رائع، صحيح، أو أن يقوم بالهمهمة، وتحريك الرأس وتصويبه، وتصعيده، أو أن يجيب على أسئلته أو غير ذلك، فمثل هذا العمل له آثار إيجابية كثيرة منها: أن هذا العمل يعلم الولد الطلاقة في الكلام، ويساعده على ترتيب أفكاره وتسلسلها، ويدربه على الإصغاء، وفهم ما يسمعه من الآخرين، و ينمي شخصية الولد، ويصقلها، ويقوي ذاكرته، ويعينه على استرجاع ما مضى، ويزيده قرباً من والده.
41- تفقد أحوال الأولاد، ومراقبتهم من بعد: ومن ذلك: ملاحظتهم في أداء الشعائر التعبدية من صلاة، ووضوء، ونحوها، والسؤال عن أصحابهم، ومراقبة ما يقرؤونه، وتحذيرهم من الكتب التي تفسد أديانهم، وأخلاقهم، وإرشادهم إلى الكتب النافعة.
42- إكرام الصحبة الصالحة للولد: وذلك بتشجيع الولد على صحبتهم، وحثه على الاستمرار معهم، وبحسن استقبالهم إذا زاروا الولد، بل والمبادرة إلى استزارتهم، وتهيئة ما يلزم لهم من تيسيرات مادية ومعنوية. أما النفور من الصحبة الصالحة للولد والجفاء في معاملتهم فلا يليق، ولا ينبغي; لأنه يشعر الولد بعدم قبولهم والرضا عنهم، فيسعى لمقاطعتهم، أو يتخفى في علاقته بهم، أو يتركهم، فيقع فريسة لأصحاب السوء.
43- مراعاة الحكمة في إنقاذ الولد من رفقة السوء: فلا ينبغي للوالد أن يبادر إلى العنف واستعمال الشدة منذ البداية، فلا يسارع إلى إهانتهم أمام ولده، أو طردهم إذا زاروه لأول مرة، لأن الولد متعلق بهم، ومقتنع بصحبته لهم.
بل ينبغي للأب أن يتدرج في ذلك، فيبدأ بإقناع ولده بسوء صحبته، وضررهم عليه، ثم يقوم بعد ذلك بتهديده وتخويفه وإشعاره بأنه ساعٍ لتخليصه منهم، وأنه سيذهب إلى أولياء أمورهم كي يبعدوا أبناءهم عنه، فإذا حذر ابنه وسلك معه ما يستطيع، وأعيته الحيلة في ذلك، ورأى أن بقاءه معهم ضرر محقق- فهناك يسعى لتخليصه منهم بما يراه مناسباً.
44-التغافل لا الغفلة عن بعض ما يصدر من الأولاد من عبث، أو طيش: فذلك نمط من أنماط التربية، وهو مبدأ يأخذ به العقلاء في تعاملهم مع أولادهم ومع الناس عموماً; فالعاقل لا يستقصي، ولا يُشْعِر من تحت يده أو من يتعامل معهم بأنه يعلم عنهم كل صغيرة وكبيرة; لأنه إذا استقصى، وأشعرهم بأنه يعلم عنهم كل شيء ذهبت هيبته من قلوبهم.
ليس الغبي بسيد في قومه *** لكن سيد قومه المتغابي
ثم إن تغافله يعينه على تقديم النصح بقالب غير مباشر، من باب: إياك أعني واسمعي يا جاره، ومن باب: ما بال أقوام. وربما كان ذلك أبلغ وأوقع.
45-البعد عن تضخيم الأخطاء: فجميع البيوت تقع فيها الأخطاء فمقل ومستكثر; فكسر الزجاج، أو بعض الأواني، أو العبث ببعض مرافق المنزل، ونحو ذلك لا يترتب عليه كبير فساد; فكل الناس يعانون من ذلك.
46-اصطناع المرونة في التربية: فإذا اشتدت الأم على الولد لان الأب، وإذا عنّف الأب لانت الأم; فقد يقع الوالد على سبيل المثال في خطأ فيؤنبه والده تأنيباً يجعله يتوارى; خوفاً من العقاب الصارم، فتأتي الأم، وتطيب خاطره، وتوضح له خطأه برفق، عندئذ يشعر الولد بأنهما على صواب، فيقبل من الأب تأنبيه، ويحفظ للأم معروفها، والنتيجة أنه سيتجنب الخطأ مرة أخرى.
47-التربية بالعقوبة: فالأصل في تربية الأولاد لزوم الرفق إلا أن العقوبة قد يحتاج إليها المربي، بشرط ألا تكون ناشئة عن سورة جهل، أو ثورة غضب، وألا يُلجأ إليها إلا في أضيق الحدود، وألا يؤدب الولد على خطأ ارتكبه للمرة الأولى، وألا يؤدبه على خطأ أحدث له ألماً، وألا يكون أمام الآخرين. ومن أنواع العقوبة العقاب النفسي، كقطع المديح، أو إشعار الولد بعدم الرضا، أو توبيخه أو غير ذلك. ومنها العقاب البدني الذي يؤلمه ولا يضره.
48- إعطاء الأولاد فرصة للتصحيح: حتى يرتقوا للأفضل، ويتخذوا من الخطأ سبيلاً للصواب; فالصغير يسهل قياده، ويهون انقياده، فلا ينبغي للوالد أن يأخذ موقفاً واحداً من أحد أولاده، فيجعله ذريعة لوصمه وعيبه، كأن يسرق مرة فيناديه باسم السارق دائمًا، دون أن يعطيه فرصة للتصحيح وهكذا.
49- الحرص على أن يكون التفاهم قائمًا بين الوالدين: ويبتعدا عن عتاب بعضهما لبعض أمام الأولاد; حتى يتوفر الهدوء في البيت، فيجد الأولاد فيه الراحة والسكن، فيتعلقوا بالبيت أكثر من الشارع.
50- تقوى الله في حالة الطلاق: فإذا قدر بينهما الطلاق فعليهما بتقوى الله، وألا يجعلا الأولاد ضحية لعنادهما وشقاقهما، وألا يغري كلُّ واحد منهما بالآخر، بل عليهما أن يعينا الأبناء على كل خير، ويوصي كل واحد منهما الأولاد ببر الآخر، بدلاً من التحريش، وإيغار الصدور، وتبادل التهم، وتأليب الأولاد، وإلا فإن النتيجة الحتمية في الغالب أن الأولاد يتمردون على الجميع، والوالدان هما السبب في ذلك; فلا يلوما إلا أنفسهما.
51- العناية باختيار المدارس المناسبة للأولاد، والحرص على متابعتهم في المدارس: حتى يتأكد بنفسه من صلاح الولد واستقامته، ولئلا يفاجأ في يوم من الأيام بأن ولده على خلاف ما كان يؤمله، ولأجل أن يدرك الولد بأن والده وراءه يسأل عنه ويتابعه.
52- إقامة الحلقات العلمية داخل البيوت: بحيث تعقد تلك الحلقات في مواعيد محددة، ويقرأ فيها بعض الكتب الملائمة للأولاد، فيتعلمون بذلك القراءة، وحسن الاستماع، وأدب الحوار.
53- إقامة المسابقات الثقافية بين الأولاد، ووضع الجوائز والحوافز لها.
54- تكوين مكتبة منزلية ميسرة: تحتوي على كتب وأشرطة ملائمة لسنيِّهم ومداركهم، فالمكتبة من أعظم روافد الثقافة.
55- اصطحاب الأولاد لمجالس الذكر: كالمحاضرات التي تعقد في المساجد وغيرها; فهي مما يثري الولد بالمعلومات، ويمده بالخير، ويعده لمواجهة الحياة، كما أنها تغذيه بالإيمان، وتربط على قلبه، وتربيه على أدب الاستماع.
56- الرحلة مع الأولاد: إما إلى مكة المكرمة، أو المدينة النبوية، أو غيرها من الأماكن المباحة، حتى يتعرف الوالد على الأولاد أكثر وأكثر، ولأجل أن يُجمَّهم، ويشرح صدورهم، ويكسبهم خبرات جديدة، إلى غير ذلك من فوائد السفر التي لا تخفى.
57-ربطهم بالسلف الصالح في الاقتداء والاهتداء: حتى يسيروا على خطاهم، فإن كان لدى الولد ميول إلى العلم وجد من يقتدي به، وإن كان شجاعًا مقدامًا وجد من يترسم خطاه، وإن كان كسولاً وجد في سيرة السلف ما يبعث فيه الروح، وعلو الهمة، وهكذا.
58-العناية بتعليم البنات ما يحتجن إليه من أمور دينهن ودنياهن: فكم من النساء من يجهلن مثلًا: أحكام الحيض والنفاس ومسائل الدماء عمومًا، بالرغم من أنه يتعلق بها ركنان من أركان الإسلام وهما الصلاة، والصيام، بل والحج، وكم من النساء من تجهل إقامة الصلاة على الوجه المطلوب.
فينبغي أن يُعنى كل والد بتعليم بناته أمور دينهن، كما ينبغي أن يُعَلَّمْنَ أمور حياتهن الخاصة من كيٍّ، وغسيل، وطبخ، وخياطة، وتدبير للمنزل، وغير ذلك. وبذلك يَكُنَّ على أتم استعداد لاستقبال الحياة الزوجية.
59- منع البنات من الخروج وحدهن: سواء للسوق، أو للطبيب، أو غير ذلك، بل لا بد من وجود المحرم معهن، وألا يخرجن إلا للحاجة الملحة.
60 - منع البنات من التشبه بالرجال، ومنع البنين من التشبه بالنساء.
61- منع الأولاد بنين وبنات من التشبه بالكفار.
62- منع البنين من الاختلاط بالنساء، ومنع البنات من الاختلاط بالرجال: بل ينبغي أن يعيش الابن في محيط الذكور، والبنت في محيط الإناث، خصوصًا إذا بدأ الابن أو البنت بالتمييز.
63- العناية بصحة الأولاد: فمن الأمانة أن يعتني الوالد بصحتهم، خصوصاً وهم صغار; لأن كثيراً من العاهات والأمراض تبدأ مع الأولاد وهم صغار، فإذا أُهمل علاجها لازمت الأولاد طيلة أعمارهم، وربما قضت عليهم.
64- عدم استعجال النتائج في التربية: فعلى الوالد أن يصبر، ويصابر، ويستمر في دعائه لولده وحرصه عليه; فلربما استجاب الولد بعد حين.
65- الحذر من اليأس: فإذا ما رأى الوالد من أولاده إعراضاً أو نفورًا أو تماديًا فعليه ألا ييأس من صلاحهم واستقامتهم; فلعل نفحةً من نفحات الرحيم ترد الولد إلى رشده، وتُقْصِرُه عن غيّه.(101/144)
66- اليقين بأن التربية الصالحة لا تذهب سدى: فالنصح ثمرته مضمونة بكل حال; فإما أن يستقيم الأولاد في الحال، وإما أن يفكروا في ذلك، وإما أن يُقْصِروا بسببه عن التمادي في الباطل، أو أن يُعْذِرَ الإنسان إلى الله.
67- إعانة الأولاد على البر: فبر الوالدين وإن كان واجبًا على الأبناء إلا أنه يجدر بالآباء أن يعينوا أبناءهم على البر، وأن يشجعوهم، وألا يقفوا حجر عثرة أمامهم.
68- حفظ الجميل للأبناء: وأن يشكروهم عليه، ويذكروهم به; حتى ينبعث الأولاد للبر والإحسان، ويستمروا عليه.
69- التغاضي عن بعض الحقوق: فيحسن بالوالدين أن يتغاضوا عن بعض حقوقهم، فإذا كان الوالد في نشاطه، والأولاد في حال إقبال على العلم، والقرآن، وسائر الفضائل، وهم في مقتبل أعمارهم. فإذا أخذ الوالدان بهذه السيرة كان الأولاد على مقربة من الكمال، والصلاح. ولا ريب أن الوالد في هذه الحالة سيجني تلك الثمار في حياته وبعد مماته.
70- استشارة من لديه خبرة بالتربية: من العلماء، والدعاة، والمعلمين، والمربين، ممن لديهم خبرةٌ في التربية، والاستنارة برأيهم في هذا الصدد، فهذا الأمر يعين على تربية الأولاد.
71- قراءة الكتب المفيدة في التربية: فهي مما يعين على تربية الأولاد; لأنها ناتجةٌ عن تجربة، وممارسة، وخبرة، وعصارة فكر، ونتاج تمحيص وبحث.
ومن تلك التي يجدر بالمسلم اقتناؤها والإفادة منها ما يلي:
- العيال لابن أبي الدنيا.
- تحفة المودود في أحكام المولود لابن القيم.
- المسؤولية في الإسلام، وأثر التربية الإسلامية في أمن المجتمع د. عبد الله قادري.
- تذكير العباد بحقوق الأولاد للشيخ عبد الله الجار الله.
-الأولاد وتربيتهم في الإسلام لمحمد المقبل.
-نظرات في الأسرة المسلمة للدكتور محمد بن لطفي الصباغ.
72- استحضار فضائل التربية في الدنيا والآخرة: فهذا مما يعين الوالد على الصبر والتحمل، فإذا صلح الأولاد كانوا قرةَ عينٍ له في الدنيا، وسببًا لإيصال الأجر له بعد موته، ولو لم يأته من ذلك إلا أن يكفى شرهم، ويسلم من تبعتهم.
73- استحضار عواقب الإهمال والتفريط في تربية الأولاد: فالأولاد أولاده، ولن ينفك عنهم بحال من الأحوال، فإذا أهملهم وقصر في تربيتهم كانوا شجىً في حلقه في الدنيا، وكانوا سببًا لتعرضه للعقاب في العقبى.
74- وخلاصة القول في تربية الأولاد: أن يسعى الوالد في جلب ما ينفعهم، ودفع ما يضرهم عاجلاً وآجلاً.
من كتاب: ' التقصير في تربية الأولاد 'للشيخ/محمد بن إبراهيم الحمد
الأربعاء 23 ذو الحجة 1425هـ - 2 فبراير 2005 م
http://www.islammemo.cc المصدر:
ـــــــــــــــــــ(101/145)
يا حبذا ريح الولد
د.سليمان بن محمد الصغير
بُنَيَّ .. وقد بلغتَ سن الرجولة، وأصبحتَ محلَّ الرجاء وموضع الأمل.. أكتبُ إليك هذه الرسالة.. بدأتها مع السَّحَر في ليلة غرة شهر رمضان المبارك، ولن أخفي عليك أنني عندما بدأتُ بها تحرَّكَتْ عاطفتي، وخفق قلبي، وذرفت عيناي.. وكدتُ أجهش بالبكاء وأضع قلمي لولا شعورٌ انتابني بأن أستمر.. لم أعهدْ مثل هذه المشاعرِ حينما أبدأُ بكتابة موضوعٍ ما.. ولكني تذكرتُ والدي الذي جاوز السبعين عاماً ـ شفاه الله ـ؛ تذكرتُه أيّامَ شبابه وكهولته وقوته وجَلَده وصبره، تذكرت معاناتَه.. يا ربّ!.. كم أعطى من جهده ووقته ونفسه، وكم بذل في هذه السنين من أجل ولده، بل كم يبذل الآن من أجل أولاده وهو الشيخ المقعد!.. اللهم عافه واعفُ عنه، وأقرَّ عينَه في دنياه وأُخراه.
بُنَيَّ.. لقد سرحتُ في تذكر أيَّامٍ كنتُ فيها في مثل سنّك الآن.. إنني أشعر بعاطفتين تتجاذباني وأعيش الآن شعورين: شعورَ الوالد نحو ولده، وشعور الولد نحو أبيه.. إنها لحظاتٌ لا أستطيع وصفها.. ستدركها إن كان مكتوب في اللوح فسحةً في العمر.. إن مشاعر الوالدين لا يمكن وصفها أو تصويرها؛ مهما كان الإنسان بليغاً قولُه وفصيحاً لسانُه.. لكنها مشاعر ذات مشاهد تتفطر لها القلوب، وتذوب وتَلين لها القساة فتذرفُ الدموع.. إليك واحداً منها متعلقاً بذهني منذ عزمت على الكتابة لك:
إن أعظم الناس بلاءً وأشدَّهم هُم الأنبياء، ثم الأمثل فالأمثل، كما ثبتَ عن نبينا - صلى الله عليه وسلم - ذلك.. وكما هو الواقعُ لهم فيما ابتلاهم به الله - تعالى -.. وإن من أشدّ أنواع البلاء ـ إن لم يكن أشدَّها ـ ما كان متعلقاً بالولد.. ابتُلِيَ يعقوب - عليه السلام - بفقدان ولده يوسف ثم ببنيامين.. بلغ حزنه مبلغاً لا يطيقه الرجال إلا الصفوة المختارة، وتناهت الشدة، وقال عندما أصيب ببنيامين: {يَا أَسَفَى عَلَى يُوسُفَ وَابْيَضَّتْ عَيْنَاهُ مِنَ الْحُزْنِ} [يوسف: 84]، والأسف أشد الحزن، والمصيبة الآن بأخيه وليست بيوسف.. ذلك أن مصيبته بيوسف قاعدة المصائب وإن تقادم عهدها؛ فقد أخذت بمجامع قلبه.. لن ينساه ولن يزول عن فكره أبداً حتى يلقاه..
ولم تُنْسِني أوفى المصائب بعده *** ولكن نكاء القرح بالقرح أوجع
ابيضت عيناه من الحزن.. كُفّ بصره.. وما على الأرض يومئذ أكرم على الله - تعالى - منه.. وإن كان منصب النبوة يقتضي معرفة الله - تعالى - التي تقتضي حبّه، ومن أحبّه لم يتفرغ قلبه لحب من سواه - سبحانه - .. إلا أنه لا تتنافى حالة يعقوب مع منصب النبوة.. إنه حب الوالد لولده تلك المحبة الطبيعية لا تأبى الاجتماع مع حب الله - تعالى -! رُوي أن فراقه إلى يوم رجع ثمانون سنة لم يفارق الحزن قلبه يوماً.. ولما كانت أشد المصائب فيما ينال الولد؛ كان ذلك مع إبراهيم وولده إسماعيل - عليهما السلام -، وكان مع نبينا محمد - صلى الله عليه وسلم -؛ فقد بكى على موت ابنه إبراهيم، ودمعت عيناه، وخشع قلبه، وحزن على إبراهيم ولم يقل إلا ما يرضي ربه.. {إنَّا لِلَّهِ وَإنَّا إلَيْهِ رَاجِعُونَ} [البقرة: 156].
ويبلغ بك يا بُنَيَّ العَجَبُ من شدة تعلق الوالد بولده عندما تتأمل ما حصل ليعقوبَ لما قَرُبت أيَّام الفرج.. لقد وجد ريحَ يوسف عندما دخل قميصُه بلدةَ يعقوب مع العير القادمة.. قميصُه ليس شخصَه! {وَلَمَّا فَصَلَتِ الْعِيرُ قَالَ أَبُوهُمْ إنِّي لأَجِدُ رِيحَ يُوسُفَ} [يوسف: 94].. ترى! كم كانت المسافة بين يعقوب وقميص يوسف؟! أمّا حين ألقى البشيرُ القميصَ على وجهِ هذا الوالد الذي فقد بصرَه ارتدَّ بصيراً في الحال.. بمجرد ملامسته للقميص! ثم هل من الممكن أن تستطيع وصف مشاعر يعقوبَ عندما التقى يوسفَ وبنيامينَ حقيقة؟!
ووجود رائحة الولد بعد طول فراق وقعت في عهد عمر ـ رضي الله عنه ـ لأمية بن الأسكر - رحمه الله - الذي قدم إلى المدينة آنذاك، وكان له ولد اسمه كلاب، وكلاب كان باراً بوالديه، ذهب إلى الجهاد وترك والديه بعد أن أرضاهما؛ ولكنه أبطأ، فاشتدَّ حزنُ أمية على ولده، ولمّا رأى حمامة تدعو فرخها بكى، فرأته أم كلاب فبكت، فأنشأ قصيدة تغنّت بها الركبان إلى اليوم، ومنها قوله:
إذا هتفت حمامةُ بطنَ وجّ *** على بيضاتها ذكرا كلابا(ü)
ثم أصابه العمى فجاء إلى عمر يرجوه ردّ كلاب، فكتب عمرُ برده، ولمّا وصل كلابُ سأله عمر عن برّه بأبيه. فقال كلاب: أُوثره وأَكفيه أمرَه، وكنت إن أردتُّ أن أحلبَ له لبناً أجيء إلى أغزر ناقةٍ في إبلهِ، فأريحها وأتركها حتى تستقر، ثم أغسل ضرعها حتى تبردَ، ثم أحلبُ له فأسقيه. فأمره عمر بأن يحلب ناقة كما كان يفعل، وأخذ عمر الإناء، وقال لأبي كلاب: اشرب. فلما أخذه، قال: والله يا أمير المؤمنين! إني لأشُم رائحة يدي كلاب. فبكى عمر، وقال: هذا كلاب. فوثب الأب وضمه، وبكى عمر وبكى الحاضرون، وقالوا لكلاب: الزم أبويك فجاهد فيهما ما بقيا.
بُنَيَّ: ألم تهتز مشاعرك لهذه المشاهد؟!
بُنَيَّ.. إن لك رائحة لا يشمها إلا والداك.. رائحة تزكي نفوسهما مهما كان مبعثها، وهذا أحد كبار التابعين المشهورين الإمام الحسن البصري - رحمه الله - يلاعب ابنه ويرقِّصه ويقول:
يا حبذا أرواحُه ونَفَسُه *** وحبذا نَفْسُه وملمسُه
واللهُ يبقيه لنا ويحرسُه *** حتى يجرَّ ثوبَه ويلبسُه
وكانت أعرابية ترقِّص ولدها بكلمات صوّرت فيها قمة التعلق بالولد، حتى شعرت بأن سعادتها بتعلقها بابنها مقصورة عليها من بين كل أمٍّ لها ولد:
يا حبذا ريحُ الولدْ *** ريح الخرافي في البلدْ
أهكذا كلُّ ولدْ *** أم لم يلدْ قبلي أحدْ
وملاعبة الولد الصغير سلوك فطري يدل على التعلق من الوالدين ومَنْ في منزلتهما، فقد لاعبت الشيماء أختُ رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؛ لاعبته - عليه الصلاة والسلام - يوم طفولته وغنَّت له، كما لاعبه الزبير بن عبد المطلب، وكانت فاطمة الزهراء ترقِّص الحسين وتقول:
بأبي شبه النبي *** ليس شبيهاً بعلي
وعلي ـ رضي الله عنه ـ لما له من الفضل والمنزلة، إلا أنها تريد أن يكون أفضل من علي.
هكذا والدك يندفع بالفطرة إلى رعايتك، يضحي بكل شيء حتى بذاته، كالنبتةِ الخضراء حينما تَمْتَصُّ كلَّ غِذاء في الحبة فإذا هي فتات! هكذا أنت قد مَصَصْت كل رحيق، وكل عافية، وكل جهد، وكل اهتمام من والديك؛ فإذا هما شيخوخة فانية.. وهما مع ذلك سعيدان بك منذ وُلدتَ حتى تستقل، وكل ما يأتي به الأب ويحمله إلى البيت فنصيبك نصيب الأسد منه إن لم يكن كله لك.
إنه حريص على ما يلائمك ولو كان غير محبوب لديه، انتصبَ لتربيتك وجَلْبِ ما ينفعك، ودفع ما يضرُّك، همُّه رضاك، إن رآك حزيناً أو باكياً لم يترك سبيلاً لصرف ما يحزنك ويبكيك لتطيبَ نفسك وتقَرَّ عينك، لا يستكره بولك، ولا تتقزز نفسه أو تنفر من إماطة الأذى والمكروه عنك.. إن أنت غبتَ عن عينيه لم يَغِبْ خيالُك عن قلبه.. وإن لم يسمع صوتَك جهرَ بذكرك.. لو تأخرت على غير عادتك قَلِقَ وحَزَن.. لقد جبَّنته وبخَّلته.. إنه رجل شجاع قبل أن تُخْلق، وكريماً لمَّا كان بدون كنية.. فلما جئتَ جَبُنَ خوفاً عليك، وبَخِل توفيراً لك، ولئن كان شعورك يتطلع دائماً إلى المستقبل، ويتدفق حيوية وطموحاً نحو الجديد من سيارة وزوجة وذريّة و ... ، وتجد دافعاً قوياً إلى ذلك بعامل الفطرة، فإن الإسلام لم يوص الوالدين بالأولاد بمثل ما أوصى الأولاد بآبائهم؛ لأن ذلك أمر مركوز في فطرة الإنسان، وشعور الإنسان الآنف الذكر ينسيه النظرَ إلى الوراء فلا يلتفت إليه، ولا يعيرُه اهتماماً؛ ولذا كان التأكيدُ على تذكير الإنسان بنشأته وفضلِ والديه عليه أمراً لا بدّ منه؛ حتى يكونَ على صلة وذكْرٍ لمن أفنيَا حياتهما سهراً عليه ورعاية له، وأسدَيَا إليه من المعروف رحيق حياتهما، آثَرَاه على نفسيهما.
لقد جعل الله - تعالى - رضاه عنك من رضاهما، وسخطَه من سخطهما، وقَرَن حقَّهما بالإحسان إليهما بعد حقه - سبحانه وتعالى- ، وسما ببر الوالدين؛ حيث لم يفرق في ذلك بين بَرٍّ وفاجر، فهو حق عام يجب أداؤه، ومعروف ينبغي الوفاء به ما لم يترتب على ذلك معصيةٌ أو ضررٌ شرعي.. {وَإن جَاهَدَاكَ عَلَى أَن تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا} [لقمان: 15]؛ حتى الأخ المشرك تنبغي صلتُه لما ثبت من فعل عمر رضي الله عنه، وأمرِ الرسول - صلى الله عليه وسلم - أسماء بنت أبي بَكر بأن تصلَ أمها المشركة.
إنه لمن المؤسف حقاً أن نرى بعض الشباب، ممن تظهر عليهم سيما الصلاح والاستقامة، لا يبرون آباءهم الذين يرتكبون بعض المنهيات أو ممن قد يوصفون بالفسق، يتوهم هؤلاء الشباب أن البرَّ مقصور على الأب الصالح، وأما الفاجر العاصي فلا يجب عليه بَرُّه، وبعضهم يصوّر لهم الشيطان أن البر بهذا الأب يعني مشاركته بمعصية الله والرضى بها، وأن في عقوقه له سبيلاً لاستقامة الأب وتركَه لما عليه من فجور وفسق ومعاصٍ؛ ليوقعه في أشد مما يرتكبه أبوه وأعظم وأخطر.. والحق أن ذلك تصوُّرٌ باطل وتعليل فاسد.. وأن العكس هو الصحيح؛ فبر الولد بوالده أقرب في دفع الأب إلى تصحيح مساره وسلوكِه.. وسواء كان ذا أو ذاك فبِره واجب شرعاً، وعقوقه من كبائر الذنوب، بل يقود إلى الكفر «لا ترغبوا عن آبائكم فمن رغب عن أبيه فهو كفر(1)»، لا تعجب يا بُنَيَّ! فإن هذا الحديث متفق عليه، يعني رواه البخاري ومسلم.
ومظاهر العقوق كثيرة ومتنوعة، وشؤمه على الولد متحقق في حياة كل عاق وفي آخرته.. وإن صلى وصام وقرأ القرآن.
يقول مجاهد: «لا ينبغي للولد أن يدفع يد والده إذا ضربه، ومن شدّ النظر إلى والديه فلم يبرَّهما، ومن أدخل عليهما حزناً فقد عقَّهما».. قف لحظة متأملاً ما قاله هذا التابعي الجليل!
ومن مظاهر العقوق: فعلُ ما يؤذيهما من منكرات أو ترك مأمورات، بل كل ما يؤذيهما حتى من الأمور المباحة والمعتادة.
ثم أقف معك ـ يا بني ـ هنا وقفة جادة مع ظاهرة انتشرت في زماننا هذا بين الشباب الذين هم في سنك خاصة.. وقد اعتادها كثيرٌ منهم وأصبحت سلوكاً له.. ويعظُمُ خطرُها ويشتد شؤمُها عندما يرونها أمراً معتاداً.. إنها طريقة المعاملة للأصحاب التي بُنيت على أسس ومفهومات تختلف جذرياً عن أسس طريقة معاملة الأب ومفهوماتها.. وذلك أنك ترى الشاب بأخلاق وصفات وطبائعَ مختلفة قد لا تصدق عندما تراه في الحالتين بأنه شخص واحد..! بشوشاً مرحاً صبوراً كريماً حريصاً على بذل ما يستطيعه عندما يخرج من البيت ويلتقي أصحابه.. إنه بكامل استعداده لأن يقوم بخدمتهم، ويبذل جهده في محاولة تحقيق رغباتهم، ويراعي خواطرهم ومشاعرهم..
وبمجرد دخوله البيت انقلب عبوساً ضيِّقَ الخُلق، جزوعاً بخيلاً بوقته وجهده.. ويعامل أبويه بأقبح ما يُعامِلُ به الظالمُ الغشومُ الخدم... ويل للأم المسكينة إن تأخرت في إعداد عشاء أصدقائه، أو نقصَ من كمالياته شيء ولو كان يسيراً.. يعلو صوته، لا يطيق الانتظار لخمس دقائق حتى تستكملَ المسكينة مطالبه، وهو يتبرم ويصرُخ هنا وهناك، وهكذا ديدنه.. وهي مع ذلك تدعو همساً بهدايته.. سعيدة بخدمته! يا له من حظ عاثر لهذا الأخ الصغير الذي أقبل عليه ليخبره بزميلٍ قد اتصل، مقبلاً إليه بكامل العفوية والبراءة؛ فقد تلقى صفعة قبل أن يكمل الخبر! ويا له من أبٍ مسكين يأتي بعد كد ونصب ومشقة من عمله يتلهف لرؤيته فيسأل عنه؛ فإذا هو مع أصحابه وينتظرُه حتى يعود، فإذا عاد وابتهجت أسارير الوالد عاد بالوجه الذي خرج به.. يستثقل إلقاء السلام ولا يطيق الجلوس مع هذا الأب، ولا يطيق نقاشاً، ولن يتقبل نصحاً أو توجيهاً، وإن عزم الأبُ على شيء من ذلك أو أظهر عتاباً بدافع إحساسه بالمسؤولية وحنو الأبوة.. كانت النتيجة القاسية.. ارتفع الشجار مرتفعاً ضغط الأب معه وعلا.. وتتأثر عاطفة هذه المخلوقة المسكينة تخاطب عاطفة الأب الحاني بالإذن بالتدخل وسرعان ما تأتي الموافقة.. ويجري الابن مزمجراً وناهراً ومهدداً وثائراً.. رامياً كل لوم على أبيه وأمه وإخوته، أمَّا هو فيحرم لومه وكأنه ملك مقرّب أو نبي مرسل.. وما أن يبدأ هدوء الأب وإذا بالمشهد يتكرر..
قل لي يا بُنَيَّ.. هل ترى عقوقاً أعظم من ذلك؟! إنه بهذه يقتل أبويه ولكن لم يحسن القِتْلة! لن يهنأ له القتل إلا بعد استكمال أقسى وسائل التعذيب فيهما..
بنيّ.. لست أعني أن تسيء معاملتك لأصدقائك.. كلا فإن «ابتسامتك في وجه أخيك صدقة»، ولكن ابتسامتك في وجه أبيك أفضل صدقة، وأوثق صلة، وأعظم بر، وأخلص امتثال، وهي إشارة وفاء، ودليل شكر، ورجاحة عقل، وقبس نور، وتحقيق سرور، وأداء معروف، ورد جميل، وكسب ودٍّ.... ووصول إلى كل خير.
ومن مظاهر العقوق: ازدراؤك لأبيك، ومن صوره: خجلُك من أن يراه أصحابُك لأدنى توهم يعتريك في هيئة لباسه، أو طريقة كلامه.. أو نحو من ذلك.
ومن العقوق أيضاً: كثرة شجارك مع إخوتك وعلو صوتك.. تباطؤك في تنفيذ ما يأمرك.. عدم استيقاظك عندما يوقظانك لشأنك أو شأن من شؤونهما.. تأخرك في أداء فروضك وواجباتك.. كل ما يثير غضبَ الوالد وسخطه؛ من تبرم وعبوس وإظهار للضيق والملل.. حتى كلمة (أف) بنص القرآن.. كل ذلك من العقوق الذي من شؤمه تعجيل العقوبة لصاحبه، ذكر الذهبي في الكبائر عن سعد قوله: «إن الله ليُعَجِّل هلاك العبد إذا كان عاقاً لوالديه لِيُعَجَّل له العذاب». واعلم أن من أعظم العقوبة التي تصيب الإنسان إذا استمر وتمادى على معصية؛ هي وصوله إلى مرحلة لا يستطيع الانفكاك منها حتى يموت، فالحذر الحذر أن تصل إلى هذه المرحلة!
بنيّ: إنني أنشُدُ لك سعادة وطمأنينة وتوفيقاً وتيسيراً لأمورك في هذه الدنيا، ورضواناً ونعيماً دائماً لا يمكن وصفه، ولذَّات لا تنقطع في الآخرة؛ وذلك بإحسانك إلى والدك، والإحسان أعلى درجات العمل الصالح؛ لأنه يعني أداءَ الواجب مع مراقبة الله - تعالى - فيه، وهو كلمة جامعة تقتضي بالنسبة إلى الوالدين برَّهما والإنفاقَ عليهما إن كانا محتاجين، ورفع مستواهما إن كانت حالتهما دونك في المعيشة.. والكلمة الطيبة تبلغ في النفس ما لا يبلغه الإنفاق.. ويتميز الوالدان بالشعور المرهف نحو الولد.. ويشتد هذا الشعور بعد الكبر.. حيث يشعر أنه بحاجة إلى العون والرعاية.. وقد يزدري الإنسان حالتهما الضعيفة ويُحَقِّر من شأنها.. فالكلمة الطيبة في مثل هذا تضمد الجراح، وتنزل بلسماً على الشيخوخة..
وحسن المعاملة يبعث على الثقة، ويشيع في النفس روح البهجة.. ومهما فُقْتَ أباك بكثرة مالك وعُلوِّ جاهك؛ فإن الله يفرضُ عليك أن تُلين جانبَك وتخفضه لوالديك في صغار وذلة ورحمة بهما؛ إشفاقاً عليهما وعلى أحاسيسهما: {وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ} [الإسراء: 24].
بُنيَّ: وقاك الله من كل مكروه.. لازم الدعاء لهما، والوفاء وصِلَة أهل ودّهما فهو من أبر البر.. ناد أباك بما يحب.. لا تجلس قبله.. قابله ببشاشة.. انصحْه بلطف، وإن لم يقبل فلا تؤذه.. أجب دعوته دون تضجر أو ملل أو كراهية، وبخاصة فيما لا يوافق رغبتك.. إياك والتبرم من حاجته وخدمته.. لا تسبقه بالأكل، ادع له.. ألِحَّ له في الدعاء.. غضَّ عن أخطائه وزلاته.. وقّرْه.. قبّل رأسه دوماً.. بل يده.
كُنْ عضواً فعالاً في المنزل.. قدِّر منزلك الذي أمَّنه لك والدك بفضل الله، وتصوَّر أنك تعيش الآن بدون منزل.. ابدأ ذلك بأمرٍ لن يكلفك شيئاً! ابدأ وسترى تأثيره العظيم على أبويك وأسرتك وعلى نفسك أيضاً.. ابدأ بالتعبير عن حبك لأبيك وأمك ومن معك في المنزل، أخبره بأنك تحبه، قلها صراحة بأي لفظ من الألفاظ وإن صَعُبَتْ عليك هذه المرة.. ولا تعتقد أن أيّ شخص تحبه وبخاصة أبوك؛ لا يحتاج إلى سماع هذه الكلمة أو يريدها، أو أنه لن يصدقها.. ولا يمنعك العناد أو الخجل عن تكرار ذلك.. إنها كلمة تشعر أباك بالراحة، فهي تذكره بأنه ليس وحده، وبأنك تهتم به وتجعله يهتم بتقدير نفسه، وتعطيك أنت شعوراً بالارتياح، فإذا أردت الخروج من المنزل قبّل رأسه.. قل لأبيك، في أمان الله والله يحفظك..
لا شك أن جميع أفراد عائلتك يرتكبون الأخطاء.. ومنهم أبوك وأمك وإخوتك وأنت.. فالتعبير عن الحب بين أفراد العائلة يمنح الشعور بالأنس، ويقضي على الوحشة، ويبث الطمأنينة والراحة والحرية والتعاون.. ويصحح الأخطاء.. والأوقات المناسبة للتعبير عن هذا الحب كثيرة.. ابدأ يومك هذا مع أبيك بدعاء يُشعره بحبك، واختمه بمثل ذلك.. كرّر ذلك بشعور صادق.. إياك أن تخجل أو يمنعك مانع.. فهو بحاجة أيما حاجة له.
لا تفكر فيما لا تملك.. ولا يستطيع أبوك أن يملكه أو يوفره لك، أو تفكر بأمور لا يستطيعُها.. وإياك أن تتذمر من قلة المال، ولا تُرَدِّد لأبيك كلمات تؤلمه، مثل حصول صديقك على كذا وكذا فتوجع قلبه وقلبك دون جدوى.. إنك بذلك توجد فجوة بين ما لديك وما تريد، وهذه الفجوة من أعظم مصادر الغم.. يمكنك القضاء عليها بالقناعة.. ولا يعني ذلك أنك لا تستحق مزيداً من المال، كما لا يعني ترك المحاولة للحصول على المزيد من المال..
والخلاصة (ليكن تفكيرك فيما تملك وبإمكانك فعله، واترك التفكير فيما لا تملك أو فيما لا يستطيع أبوك تحقيقه أو فعله أو امتلاكه..). إن طريقة التفكير هذه ستحقق لك أولاً سعادة ستصيبك بالدهشة فعلاً، وتنأى بك بعداً عن العقوق، وتسهل طريقاً يحقق لك كمالاً في برك بوالدك..
احذر أن تردد ألفاظاً أو تقوم بتصرفات توحي بأنك تقلل من شأن أبيك أو أي فرد في أسرتك.. فهو من أقوى عوامل الهدم الأسري. وسرعان ما تتأثر العلاقات بشكل عكسي.. ضع حداً لرغباتك.. لا تشعر دائماً بأنك على حق في تصرفاتك تجاه أبيك فتكثر الجدل، بل رجّح العكس، وتيقن أن أباك أكثر خبرة وأحق منك، واحرص على مصلحتك، وأن الرأي له فهو وليُّك وعليك قبول رأيه وتنفيذ أوامره بنفس طيبة..
ولا تذهب إلى نومك وأبوك غاضب.. ولا تنم وأنت أيضاً غاضب.. لا تفكر فيما يضايقك من تصرفات أحد في الأسرة؛ وخصوصاً إن كان أباك أو أمك أو أحد إخوتك، فالتفكير السيئ يولد الشعور به.. فإن كان تفكيرك فيما يغضبك فستشعر بالغضب، وإن أسرعت في التفكير وتَعَجَّلْتَ ستشعر بأن لا وقت لديك.. وهكذا.
إياك أن تصدر أحكاماً مسبقة.. غيّر هذه الطريقة مع والدك، ستعجب كيف أصبحت مصدراً لإشاعة جو من الاحترام المتبادل.. ويا له من فرح كبير!
تكلم برقة وهدوء.. فإنه خير ما يبعث على الراحة... كن مرحاً مداعباً فعّالاً..
انظر إلى خدمتك لصغار إخوتك على أنها من أفضل أنواع البر بوالدك.. لا تنظر إلى مدى استحقاقهم ذلك منك أو عدم استحقاقهم، ولا تنتظر شكراً أو جزاءً منهم وإن كان سيتحقق بإذن الله. أما إخوتك الكبار فخدمتهم برٌّ لأبويك عظيم، وصلة للرحم يصلك الله - تعالى - بوصلك لهم.
إنك بذلك ستحقق تحولاً تاريخياً في تاريخ أسرتك، سيعلو شأنك ولن تحدّه السماء، وستُقَاد إلى كل خير.. وتذكر دائماً بأنك «أنت ومالك لأبيك»(1)، وتأكد يقيناً أنك لو فعلت ذلك كله لم تجزه حقه كاملاً.. أما أمك في تلك الحقوق التي عصرها لك قلب أب مشفق؛ فهي أولى بالبر من أبيك.
وأخيراً ستقول: «الله يبقيه لنا ويحرسُه» تريد أباك هذه المرة.
اللهم إنّا نسألك صلاحنا، وصلاح شبابنا وأبنائنا، وتيسير سبل برِّنا وبرِّهم بالوالدين كما ينبغي أن يكون البر.. اللهم أرضنا وأرضهم، وأرض آباءنا عنا وآباءهم عنهم؛ فإن رضاك الغاية الكبرى لا تتحقق إلا برضاهم، كما أوحيته إلى نبيك - صلى الله عليه وسلم - الذي نشهدك بتبليغه الرسالة، وأدائه الأمانة، ونصحه للأمة، وجهاده فيك حق الجهاد، فصلّ اللهم عليه وعلى آله وصحبه، وسلم تسليماً كثيراً.
-----------
(1) أي جحود، وقد جاء في المسند من حديث عمر ـ رضي الله عنه ـ بإسناد صحيح قال: (قد كنا نقرأ: ولا ترغبوا عن آبائكم فإنه كفر بكم، أو إن كفراً بكم أن ترغبوا عن آبائكم).
(1) أخرجه ابن ماجه، كتاب التجارات، باب: ما للرجل من مال ولده، رقم 2291، وصححه الألباني في صحيح الجامع الصغير، رقم 1486.
ذو القعدة 1423هـ * يناير 2003م
http://albayan-magazine.com المصدر:
ـــــــــــــــــــ(101/146)
فتاوى خاصة
مشرف النافذة 12/9/1425
26/10/2004
(السؤال 1) ما واجب الدولة تجاه المعاق الذي لا يستطيع العمل؟
الجواب: على من عرف حاله من المسؤولين أو من افراد الأمة أن يساعده ويعطيه ما يحتاجه، ويقوم بخدمته إذا علم أنه لا يقوم بها غيره، ولا شك أن الإعاقة تختلف، فالعادة أن الحكومة تهتم بالمعاقين، وتجري لهم مرتباً، أو تجعل لهم من يحضنهم ويربيهم، لكن إذا علم أن هناك من هو مهمل لم يكن له من يقوم بشأنه، فإنه يتعين ذلك على من عرف حاله من المسلمين. أجاب عنه فضيلة الشيخ عبدالله بن جبرين_ حفظه الله_
(السؤال 2) ينهج بعض آباء الأطفال المعاقين نهجاً معيناً، وذلك بإيواء أطفالهم بمراكز المعوقين الداخلية، ما موقف الدين الإسلامي من هذا التصرف؟
الجواب: لا بأس بذلك، وحيث أن الحكومة أيدها الله تعالى قد أولت المعاقين عناية كبيرة، وهيأت لهم مراكز لتربيتهم وتغذيتهم وحضانتهم، والقيام بشؤونهم وحاجاتهم، فإن على الآباء أن يسجلوا أولادهم المعاقين في المراكز الحكومية، وذلك لراحتهم وإيوائهم ورعايتهم، وحتى لا يتكلفوا بنفقة الحضانة والعلاج ونحو ذلك، ومن اختار منهم أن يؤوي ولده في مراكز أخرى، أو يتولى علاجهم بنفسه فلا حرج عليه في ذلك، والدين الإسلامي لا يمنع من إيواء الطفل في مراكز داخلية أو خارجية. أجاب عنه فضيلة الشيخ ابن جبرين _ حفظه الله _
(السؤال 3) إذا كان لدي أخ أصم وأبكم فهو لا يسمع ولا يتكلم كما هو معلوم ، وطبعا لا يعرف شيئا عن الصلاة ولا الصوم ولا الزكاة ولا يعرف شيئا عن أحكام الإسلام ولا يعرف شيئا من القرآن . كيف يكون التوجيه والحالة هذه؟
الجواب: هذا لا بد أن يفعل معه ما يعلم به عقله بالإشارة إذا كان بصيرا . وينبغي أن يعلم الصلاة بالفعل؛ فيصلي عنده وليه أو غيره ويشار له أن يفعل هذا الفعل ، مع بيان الأوقات بالطريقة التي يفهمها أو بتعليمه الصلاة كل وقت بالفعل بعد أن يعلم أنه عاقل ، ويكتب له إن كان يعرف الكتابة حقيقة العقيدة الإسلامية وأركان الإسلام مع بيان معنى الشهادتين . وهكذا بقية أحكام الشرع توضح له كتابة . ومن ذلك أحكام الصلاة من الوضوء والغسل ومن الجنابة وبيان الأوقات وأركان الصلاة وواجباتها وما يشرع فيها وبيان السنن الراتبة وسنة الضحى والوتر إلى غير ذلك مما يحتاجه المكلف لعله يستفيد من الكتابة . ومتى علم عقله بأي وسيلة ، ثبت أنه من المكلفين إذا بلغ الحلم بإحدى علاماته المعلومة ولزمته أحكام المكلفين حسب علمه وقدرته . أما إن ظهر من حاله أنه لا يعقل فلا حرج عليه ، لأنه غير مكلف ، كما جاء في الحديث الصحيح : رفع القلم عن ثلاثة الصغير حتى يبلغ والمعتوه حتى يفيق والنائم حتى يستيقظ أجاب عنه سماحة الإمام ابن باز _ رحمه الله _(( مجموع فتاوى ومقالات /الجزء الخامس ))
(السؤال 4) ما حكم إستخدام الصور لتعليم الطلاب الصم أمورهم الدينية، مثل تعليمهم الصلاة؟
الجواب: يجوز ذلك للحاجة الماسة، فإن الصم البكم لا يسمعون ولا ينطقون، فيلاقي المعلم صعوبة في إفهامهم وإيصال المعلومات إلى أذهانهم، ففي الصور المرسومة تقريب للمعنى، ووسيلة إلى تصور المراد، وإدراك المتصور منه كرسم القيام في الصلاة، وقبض اليدين على الصدر، وكتابة اسم ( قيام ) ورسم الركوع وكتابة كلمة ( ركوع ) وهكذا بقية الأعمال إذا توقف الفهم على الرسم، واستخدام الصور المرسومة، سواء على السبورة أو على ورقة ونحو ذلك. أجاب عنه فضيلة الشيخ ابن جبرين _ حفظه الله _
(السؤال 5) هل الصم والبكم مكلفون وعليهم أداء الواجبات الشرعية ؟
الجواب: الحمد لله أوضح سماحة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز أن الولد الأبكم والأصم إذا كان قد بلغ الحلم يعتبر مكلفاً بأنواع التكاليف من الصلاة وغيرها ، وأضاف أنه يعلم ما يلزمه بالكتابة والإشارة لعموم الأدلة الشرعية الدالة على وجوب التكاليف على من يبلغ الحلم وهو عاقل ، ويحصل البلوغ بإكمال خمسة عشر عاماً أو بإنزال مني عن شهوة في الاحتلام أو غيره وبإنبات الشعر الخشن من حول الفرج وتزيد المرأة أمراً رابعاً وهو الحيض . ودعا سماحته ولي أمر الأصم الأبكم إلى أن يؤدي عنه ما يلزمه من زكاة وغيرها من الحقوق المالية وعليه أن يعلمه ما يخفى عليه بالطرق الممكنة حتى يفهم ما أوجب الله عليه وما حرم عليه . واستشهد سماحته بقول الله سبحانه : ( فاتقوا الله ما استطعتم ) التغابن/16 ، ويقول النبي صلى الله عليه وسلم : ( إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم ) وبين سماحته أن المكلف الذي لا يسمع أو لا ينطق أو قد أصيب بالصمم والبكم عليه أن يتقي الله ما استطاع بفعل الواجبات وترك المحرمات . إن عليه أن يتفقه في الدين حسب قدرته بالمشاهدة والكتابة والإشارة حتى يفهم المطلوب كتاب مجموع فتاوى ومقالات متنوعة لسماحة الشيخ العلامة عبد العزيز بن عبد الله بن باز رحمه الله . م/9 ص/336.
(السؤال 6) الشخص المتخلف عقلياً البالغ هل يجب على النساء أن يتحجبن عنه؟
الجواب: إذا كان التخلف شديداً، بحيث لا يعقل ولا يفهم، ولا يدرك المعاني وليس له الشهوة التي تبعثه إلى النظر واللمس ونحو ذلك، ولا همة له نحو النساء، بل هو كالطفل او أقل حالة، فلا حاجة إلى التحجب عنه، ويدخل في قوله تعالى ( أو التابعين غير أولي الإربة من الرجال) (النور:31) أما إذا كان يعقل بعض هذه الأشياء، وله ميل إلى النساء، ويظهر من كلامه أنه يحس بشهوة، فلا يمكن من دخوله على النساء، ويلزمهن التحجب عنه، لقصة ذلك المخنث الذي قال لأخي أم سلمة: إذا فتحتم الطائف فإني سأدلك على ابنة غيلان فإنها تقبل بأربع وتدبر بثمان فقال النبي صلى الله عليه وسلم " أرى هذا يعرف ما ها هنا لا يدخل عليكن " رواه البخاري وغيره والله أعلم. أجاب عنه فضيلة الشيخ ابن جبرين _ حفظه الله
(السؤال 7) ما حكم إجراء عملية لتعقيم الأشخاص المصابين بأمراض وراثية خطرة، ثبت انتقالها من السلف إلى الخلف، مع العلم بأن إجراء مثل هذه العملية لا تعطلهم عن القيام بأعمالهم اليومية كما أنها أيضاً لا تؤثر على أجسامهم أو عقولهم؟
الجواب: ينظر في تلك الأمراض الوراثية، فإن كانت خطرة بحيث تعوقهم عن العمل للدنيا، أو العمل للآخرة، أو كانت مؤثرة على الأبدان بمرض شديد، يؤثر على البدن ضعفاً في الجسم، وألماً في الأعصاب أو العظام، أو تعطيل شيء من الحواس، كحاسة الشم أو الذوق، أو البصر، ويصعب مع ذلك علاجها، أو لا تزول بالعلاج، وكان من خطرها أيضاً انتقالها إلى الجليس والمخالط، وثبت أيضاً انتقالها إلى الفروع كالذرية انتقالاً محققاً، ففي هذه الأحوال يجوز أن يعمل لأولئك الأشخاص عملية التعقيم الذي هو قطع النسل، حتى لا يتأثر المجتمع بذرية يحملون تلك الأمراض الخطرة التي تعوقهم عن العمل، أو تؤثر في أبدانهم، أو عقولهم، فيكونون عالة وكلاً على المجتمع، مع الإيمان بأن قدر الله غالب، وأن التعقيم قد ينجح وقد لا ينجح، فكم من عقيم قد ولد، وقد أذن النبي صلى الله عليه وسلم في العزل، وقال: " ما عليكم أن لا تفعلوا فإنه ما من نفس منفوسة إلا الله خالقها " وأن الله تعالى قد علم عدد من سوف يولد، ومن سوف يخلق إلى يوم الدين، ثم لابد أن تكون تلك العملية لا تعوقهم عن أعمالهم اليومية، ولا تؤثر على أجسامهم، ولا على عقولهم. أجاب عنه فضيلة الشيخ ابن جبرين _ حفظه الله_
(السؤال 8) ما حكم أن يوصي الأب بجزء معين من تركته لولده المعاق ؟
جواب فضيلة الشيخ ابن جبرين: لا يجوز أن يخص أحداً من أولاده بشيء زائد على إخوته إلا لمبرر، ولا شك أن كونه معوقاً مما يسوغ أن يخص بشيء يناسبه كمنزل وقف ونحوه، فأما التمليك فأرى أنه لا يجوز، لحديث : اتقوا الله واعدلوا في أولادكم .
(السؤال 9) هل يدخل المعاقون ضمن الفئات المخصصة للزكاة ؟
جواب فضيلة الشيخ ابن جبرين: إذا كان المعوق لا يقدر على الكسب ولا العمل وليس له من ينفق عليه من أب أو أخ أو أحد عصبته الذي يرثونه، فإنه أهل للزكاة، ويدخل في الفقراء والمساكين، فأما إن كان أحد ورثته ثرياً فإنه يلزم بالنفقة عليه، ولا يستحق الزكاة، أو كان يحسن صنعه كناسخ أو كاتب أو محترف بخياطة أو خرازة أو تجارة ونحو ذلك، فإنه لا تحل له الزكاة ، وذلك إن كثيراً من المعاقين معهم ذكاء وفطنة ، فتعلموا وعملوا في أعمال يدوية يستطيعون مزاولتها وهم قعود، ويكتسبون منها مالاً كافياً لهم، فهو أولى من اعتمادهم على ما في أيدي الناس، فإذن أحل وأطيب ما أكل الرجل من كسب يده والله أعلم .
(السؤال 10) ما حكم استخدام بعض العبارات التي قد يقولها أحد والدي الطفل المعاق للاحتجاج على هذا القدر؟
الجواب: لا مانع من الكلام مع الطفل المعاق بما يخفف عنه الحزن، وكذلك لا بأس بأن يتكلم أحدهما مع الناس بمثل قوله: هذا قدر الله وخلقه، ولا راد لما قضى، وقد رضينا بتدبيره، وما شاء الله كان، وما لم يشأ لم يكن، وقدر الله وما شاء فعل فلا راد لقضائه ولا معقب لحكمه يخلق ما يشاء فاوت بين خلقه لتعرف نعمته، ويشكره المعافون، ويعترفون بفضله عليهم، فأبواه قد يصيبهما الحزن عند ما يولد هذا المعوق الناقص في الخلقة، ولكن يجب الرضاء بقضاء الله تعالى وقدره، ويحرم الاعتراض على الله في خلقه، والتسخط لعطائه، ويصبر ويحتسب، ليحصل له الأجر الكبير على تحمله ما تحمله من الأذى والتعب والمشقة، وفي ذلك خير كثير. أجاب عنه فضيلة الشيخ / ابن جبرين _ حفظه الله _ .
(السؤال 11): امرأة ولدت في شهرها السادس بطفل مكتمل النمو ما عدا البصر، ويوجد مشاكل في الجهاز التنفسي للطفل (الرئة)، وأدخل هذا الطفل العناية المركزة، وقد قال الأطباء: إنه لو عاش سيصبح شبه معاق وأنه سيعيش كفيفاً ولن تكون لديه المقدرة على الإدراك، وسيكون حجمه أقل من الطبيعي، وخيّروا أهل الطفل بأمرين إما بقاؤه في العناية وتحت الأجهزة، واحتمال عيشه بنسبة 50%، وإما سحب الأجهزة عنه، وبالتالي وفاته فاختار الأهل سحب الأجهزة، وذلك لكي لا يعيش معاقاً وما إلى ذلك، فبقي الطفل بعد سحب الأجهزة منه حوالي سبع ساعات ثم توفي. السؤال: هل العمل الذي فعله الوالدان صحيح، ولا يترتب عليه أمر محرم، وإذا ترتب عليه أمر محرم، فما الواجب فعله؟ أفتونا مأجورين، وجزاكم الله خيراً.
جواب فضيلة الشيخ سلمان بن فهد العودة: ما فعله الوالدان خطأ يجب عليهم التوبة والاستغفار منه، إلا أن يكون المستشفى مضطراً إلى سحب الأجهزة لوجود مريض أحوج من هذا الطفل وأرجى. فإن كان الوالدان وافقا على سحب الأجهزة بغير ضرورة - كما ذكرت - فأرى أن عليهما الكفارة، وهي عتق رقبة، فإن لم يجدا فصيام شهرين متتابعين. والله أعلم.
(السؤال 12) سؤالي عن الأطفال الذين ولدوا وتعذّبوا وماتوا وهم صغار... فهم غير مكلّفين ؛ فإن كان البلاء لتكفيّر الذنوب ؛ فإنّه ليس لديهم ذنوب فتكفّر عنهم في الإبتلاء لأنهم غير مكلّفين . وإن كان عقاباً فهم لا يعاقبون لأنّهم غير مكلّفين ، ولكم جزيل الشكر والدعاء
جواب فضيلة الشيخ محمد صالح المنجد: بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد :
المؤمن يؤمن بأن الله هو الخالق لهذا الكون المتصرف فيه بما شاء سبحانه وتعالى ، وأنه سبحانه وتعالى لا يسئل عما يفعل ، ومن أسماء الله الحسنى اسم الحكيم فلا يصنع شيئا سبحانه إلا لحكمة وبحكمة ، والانسان بعقله القاصر قد يدرك هذه الحكمة أو لا يدركها .
وهذه المصائب التي تلحق الأطفال الصغار ليس بالضرورة أن تكون عقابا لهم بل تكون هذه الابتلاءات رحمة من الله بهم ، أو امتحانا لآبائهم ، فمن صبر ورضي فله الجنة ومن سخط فهو من أهل النار .
ويوضح فضيلة الشيخ محمد صالح المنجد ـ من علماء المملكة العربية السعودية ـ بعضا من الحكمة في إيلام الله للأطفال فيقول فضيلته :
ـ يجب أن نعلم يا أخي أن أي مؤمن بوجود الله ، وكونه ربا خالقا، ولو كان هذا المؤمن بوجود الرب من غير المسلمين ، يعلم أن هذا الرب يتميز عن خلقه من جميع الوجوه فليس هناك مجال للمشابهة والمقارنة بينه وبين خلقه ولذا يقول الله تعالى : ( ليس كمثله شيء وهو السميع البصير ) الشورى/11 .
ـ وإذا كان المالك للشيء في الدنيا يتصرف فيه كيف شاء دون أن يحاسبه الخلق على ذلك لأن هذا الشيء هو ملكه ؛ فإن الله الخالق الذي ليس كمثله شيء له أن يتصرف في ملكه كيف يشاء ، ونوقن ـ نحن المسلمين ـ أن ربنا الذي خلقنا له الحكمة البالغة التي لايمكن أن يتطرق إليها أدنى نقص بأي وجه من الوجوه ،بل وكل مؤمن بوجود الرب ، وقد رضي به ربا يلزمه أن يؤمن بذلك ، وإلا فهو يؤمن برب ناقص.
ومعلوم عند من له أدنى عقل وإيمان أن الرب لا يمكن أن يكون ربا حتى يكون كاملا من كل وجه بعيدا عن أي نقص ، وإلا فهو ليس برب على الحقيقة . ونحن بدورنا ولأننا خلق من خلق الله ، لا يمكن أن نصل إلى إدراك شيء يسير من حكمته إلا بعد تعليمه لنا فما علّمناه من حِكم أفعاله فهمناه ، و صدقناه . وما كتمه عنا مما اختص بعلمه آمنا به وعلمنا أنه لا يفعل شيئا إلا لحكمة عظيمة ،لأنه هو الحكيم العليم ، ولايمكن بحال أن يتطرق إلى قلوبنا احتمال أن نحاسبه على ما يفعل في ملكه وخلقه ، وإلا فقد تعدينا على مقام الربوبية وتعدينا طورنا ، وزعمنا أن بإمكاننا أن نعلم ما يعلمه سبحانه ، وهذا لايمكن أن يقوله إلا ملحد لايؤمن بوجود رب أصلا ـ نعوذ بالله من ذلك ـ .
ـ وإذا كنا نقر لأهل التخصص في تخصصهم ـ وهم من البشر ـ دون أن نناقشهم في ذلك كالأطباء والمهندسين وغيرهم ، وذلك لأن مستوانا التعليمي لا يسمح لنا بفهم كل ما يذكرونه ، فلأن نقر للعليم الذي لا يغيب عن علمه شيء بأن ما يتصرف به في شؤون خلقه ونحن لا نفهمه أنه هو الحكمة والصواب ولاشك ؛ من باب أولى وأحرى .
ـ إننا نحن البشر نعد من الحكمة أحيانا أن نفعل بعض الأمور المكروهة لنا لما فيها من الفائدة ، ولو لم نفعلها لأصبحنا متهمين بنقص الحكمة والعقل ، فمثلا المريض الذي يخاف على نفسه الهلاك ويعلم أن شفاءه بإذن الله إذا شرب هذا الدواء ، فإن الحكمة هي أن يشرب ذلك الدواء ولو كان مُراً ، ولو لم يشربه لعد تقصيرا منه ونقصا في عقله ، وهكذا في أمور كثيرة في حياتنا نفعلها ونحن لها كارهون لما يترتب عليها من المصالح .
ولله عز وجل المثل الأعلى ، وليس هناك مجال لقياسه على خلقه ، فهو يفعل سبحانه في ملكه بعض ما يبغضه لما يترتب على ذلك من الحكم العظيمة ؛ التي نعجز عن إدراكها أو كثير منها .
وقد تتضح لنا بعض الحكم اليسيرة ، وذلك من رحمة الله بعباده المؤمنين أن يريهم بعض حكمه في الدنيا لتطمئن قلوبهم ، فمثلا لو أردنا أن نلتمس بعض ما يمكن أن نفهمه من بعض الحكم من خلق الله للصبي ثم وفاته بعد ذلك ، فربما لو عاش هذا الصبي لارتكب الموبقات والمعاصي العظيمة ، فأوجب له ذلك الخلود في النار أو دخولها مدة طويلة ، أو إغواء غيره كأبويه كحال الغلام الذي قتله الخضر في قصته مع موسى عليه السلام ( وهي في سورة الكهف ) .
كما أنه ربما لو عاش هذا الصبي لتعرض لمتاعب كثيرة يكون الموت بالنسبة لها رحمة من الله .
وأيضا فلو خلقه معاقا مثلا فربما منعته هذه الإعاقة عن كثير من المعاصي التي لولاها لفعل هذه المعاصي فعوقب عليها يوم القيامة .
ـ كما أنه ليس بالضرورة أن يكون كل مرض أو إعاقة عقوبة ، بل قد تكون امتحانا لوالديه ، فيكفر الله عنهم من سيئاتهما ، أو يرفع في درجاتهما في الجنة إذا صبرا على هذا البلاء ، ثم إذا كبر هذا الصبي يمتد الامتحان له ، فإن صبر مع الإيمان فقد أعدّ الله للصابرين أجرا عظيما لايمكن أن يقدر ولا يحسب ، فقال سبحانه ( إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَاب) الزمر/10 ، ونحن المسلمين لا تنتهي حياتنا بوفاتنا بل نحن نؤمن أن وراء الموت جنة ونارا ، هي التي فيها الحياة الحقيقية ، فأهل الخير يجدون جزاء ما عملوه من الخير في الدنيا بانتظارهم عند الله ، وأهل الشر كذلك ، فلا يمكن أن يستوي الطيب والخبيث ، وهكذا فمن ابتلي وصبر لا يمكن أن يضيع هذا الصبر عند الله ، بل ربما يتمنى الذي لم يصب في الدنيا بمثل مصيبته أن يكون قد أصيب بمثل مصابه لما يرى له من المكانة العظيمة .
والأدلة على هذا كثيرة في الكتاب والسنة فمنها :
قوله سبحانه ( وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ ) البقرة/155 .
وقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " عَجَبًا لأَمْرِ الْمُؤْمِنِ إِنَّ أَمْرَهُ كُلَّهُ خَيْرٌ وَلَيْسَ ذَاكَ لِأَحَدٍ إِلَّا لِلْمُؤْمِنِ إِنْ أَصَابَتْهُ سَرَّاءُ شَكَرَ فَكَانَ خَيْرًا لَهُ وَإِنْ أَصَابَتْهُ ضَرَّاءُ صَبَرَ فَكَانَ خَيْرًا لَهُ " رواه مسلم .
وبهذا يتبين لك أن المصائب التي تجري على الأبرياء في نظرنا ، بل وعلى جميع الناس ليس بالضرورة أن تكون عقوبة ؛ بل قد تكون رحمة من الله لكن لأن عقولنا قاصرة فإننا في كثير من الأحيان نعجز عن فهم حكمة الله في ذلك ، فإما أن نكون مؤمنين بأن الله أعدل منا وأحكم وأعلم وأرحم بخلقه ، فنسلّم له ، ونرضى ونحن مقرين بعجزنا لمعرفتنا بحقيقة أنفسنا ، وإما أن نتبجح بعقولنا القاصرة ، ونغتر بأنفسنا الضعيفة ونأبى إلا محاسبة الله والاعتراض عليه ، وهذا لا يمكن أن يخطر بقلب أي مؤمن بوجود ربٍ خالقٍ مالك حكيم كامل من كل وجه . ولو فعلنا فقد عرضنا أنفسنا لغضب الله ومقته، ولن يضر الله شيئا .
ولذا فقد نبه الله على ذلك بقوله سبحانه: ( لا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ ) الأنبياء.
ـ كما أن من ضعف الإنسان وقصر نظره ؛أن يقتصر على رؤية المصائب ، ولا يتفطن لما فيها من الفوائد ، ولا ينظر في بقية النعم الأخرى له وفيما حوله ، فنِعم الله على بني البشر لا تقارن بمقدار ما يصيبهم به من المصائب .ولو كان هناك إنسانٌ كثير الإحسان ولكنه لا يحسن أحياناً فإن نسيان إحسانه يعد من الجحود والنكران ، فكيف بالله سبحانه وله المثل الأعلى ، فكل تصرفاته في الكون هي خير ولا يمكن أن تكون شراً من جميع الوجوه.
وأيضاً فإن الأنبياء والرسل هم أحب الخلق إلى الله ومع ذلك فهم أشد الناس بلاء وأكثرهم مصائب ، فلماذا ؟ ليس عقوبة لهم ولا لهوانهم على ربهم ، ولكن لأن الله يحبهم فقد ادخر لهم كامل الأجر ليستوفوه في الجنة و كتب عليهم هذه المصائب ليزيدهم رفعة ودرجة. فهو سبحانه يفعل ما شاء كيف شاء متى شاء لا معقب لحكمه ولا راد لأمره وهو الحكيم العليم . والله أعلم .
(السؤال 13) أختي حامل في الشهر الخامس وقد قرر الطبيب أن الجنين سيولد معاقاً، فعل يجوز لها إسقاط الحمل ؟
فتوى فضيلة الدكتور حسام الدين بن موسى عفانة -أستاذ الفقه وأصوله بجامعة القدس بفلسطين:
لقد اتفق العلماء على عدم حواز الإجهاض بعد الشهر الرابع من الحمل أي بعد مضي مائة وعشرين ليلة حيث تنفخ الروح في الجنين ، لحديث عبد الله بن مسعود: حدثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو الصادق المصدوق ( إن أحدكم يجمع خلقه في بطن أمه أربعين يوماً نطفة ثم يكون علقة مثل ذلك ثم يكون مضغة مثل ذلك ثم يرسل إليه الملك فينفخ فيه الروح ويأمر بأربع كلمات ، يكتب رزقه وأجله وعمله وشقي أم سعيد ) رواه البخاري ومسلم .
ومن العلماء من حرم الإجهاض قبل الأشهر الأربعة أيضاً ، وهذا هو الحق إن شاء الله ، فلا ينبغي لامرأة مسلمة أن تجهض مولودها إلا إذا ثبت أن هناك خطراً محققاً على حياة الأم ، ويعتبر في تحديد هذا الخطر قول الطبيب الحاذق الثقة.
وأما إخبار الطبيب بأن المولود سيكون معاقاً فإن هذا الأمر لا يجيز الإجهاض ، وعلى هذه المرأة أن تصبر وتحتسب ، وإذا وقع الإجهاض منها فإن ذلك يعتبر جريمة موجبة للغرة - وهي دية الجنين وقدرها 212 جراما من الذهب- لأنه قتل لنفس محرمة وتلزمها كفارة القتل الخطأ عند بعض أهل العلم .
وينبغي على الأطباء أن يتقوا الله في النساء المسلمات فلا يجوز لهم أن يسهلوا لهن عملية الإجهاض إلا في الحالات التي يتهدد الخطر فيها حياة الأم لأن من شأن عملية الإجهاض فتح باب الفساد على مصراعيه ويلحق أضراراً بالغة في المجتمع المسلم .
والله أعلم
(السؤال 14) كيف يتغلب المعوق على إعاقته ويندمج في المجتمع ويصبح أكثر فاعلية حتى من الأصحاء؟
جواب فضيلة الشيخ يوسف القرضاوي: لكي يتغلب المعوق على إعاقته يجب أن يعي أن الطريق مفتوح أمامه ، وأن من المعوقين ممن سبقوه قد تفوقوا في كثير من العلوم والفنون ، وعلى المجتمع أن يعطي للمعوق الفرصة للنهوض ، ولا يقاطعه ، أو يتجاهل دوره
التغلب على الإعاقة أمر يحتاج إلى وعي وثقافة، فعلى المعوق أن يعلم من بداية الأمر أن الطريق مفتوح أمامه، ونوعّي المجتمع أن يعامل هؤلاء بما يشجعهم ويقوي إرادتهم، لا يكونوا مع الزمن عليهم كما يقولون، بل عوناً لهم ...
وأذكر هنا قول الله تعالى ( فإنها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور) العمى في الحقيقة ليس عمى البصر بل هو عمى البصيرة، فالإنسان قد يكف بصره ولكن إذا كان عنده بصيرة فإنه يستطيع أن يؤدي مهمته في الحياة ولا يعوقه ذلك أبداً، وقد رأينا كثيراً من المسلمين في عصر الرسول صلى الله عليه وسلم وعصر الصحابة ومن بعدهم أصيبوا بالعمى في أواخر حياتهم، سيدنا عبد الله بن عباس أصيب بالعمى في آخر حياته، وبعض الناس عيره بهذا فوقف بن عباس وقال: "أن يسلب الله من عيني نورهما ففي لساني وقلبي منهما نور، عقلي ذكي وقلبي غير ذي دخل وفي فمي صارم كالسيف مشهور"
سلبت نور العينين ولكن لم أسلب نور القلب، عندي قلب وعندي عقل وعندي لسان كالسيف، ورأينا في التاريخ الإسلامي أشياء كثيرة منها، تيمور لانك الحاكم المغولي الكبير الفاتح، فلانك يعني : الأعرج، ومع ذلك فتح الفتوح في العالم ووصل لما وصل إليه،
إننا لسنا في حاجة للوعي والثقافة فقط ، إنما نحن في حاجة أيضاً إلى الإيمان والإرادة، إذا الإنسان رزق الإرادة لا ينهزم أبداً ولا يقنط ولا ييأس "فإنه لا ييأس من روح الله إلا القوم الكافرون " (ومن يقنط من رحمة ربه إلا الضالون)
ـــــــــــــــــــ(101/147)
هل يشعر أبناؤنا بالعدل ؟
هاني العبد القادر
سيكون الحديث حول ثلاثة أركان رئيسة، هي:
1- المساواة.
2- عدم المقارنة.
3- سن القوانين والأعراف الأسرية.
أولاً: المساواة:
وأقصد بها المساواة الدقيقة، وبالذات على وجبة الطعام؛ لأنها مكان الاجتماع، مساواة فيما يخص الطعام، ومساواة في توزيع الكلام، مساواة في توزيع الانتباه والاهتمام، مساواة في توزيع النظرات والضحك والمداعبات كل هذا بقدر الإمكان، يحرص الأب أن ينمي عدالة في هذا الجانب، كذلك المساواة في الهدايا والأعطيات والمساواة باتخاذ القرارات، لذا يجب استشارة الجميع بدون استثناء وأخذ القرارات بالأغلبية فيما يخصهم، وهناك جانب مهم جداً، وهو: المساواة في الإصغاء والاستماع: تعرفون الأبناء يتفاوتون في الجرأة والخجل وليس كل واحد منهم يبادر بالحديث ويستأثر بأذن والديه واهتمامه ومنهم من تزيد متعة الاستماع إليه ومنهم من تقل، لضبط هذا الجانب الصعب ولتلبية حاجة الأبناء إلى الاستماع إليهم والاهتمام بهم والتعبير عن أفكارهم، لتلبية كل ذلك بمساواة بين الأبناء يحسن تخصيص وقت للأحاديث الخاصة لكل ابن ربع ساعة أقل أو أكثر ما بين مدة وأخرى كل ثلاثة أيام أو كل نهاية أسبوع مثلاً.
كلما زادت المدة، مدة هذا اللقاء، لقاء الأحاديث الخاصة وتقاربت أيامها كلما كان ذلك أفضل ويمكن أن تحتوي هذه الربع ساعة على أية أحاديث عادية أو أسرار من الطرفين أو لعبة أو مشكلة عند أحدهما ولا يستثنى من هذه الطريقة الصغار.
هذه الطريقة في الاستماع على جانب كبير من الأهمية، من الضروري أن يشعر الأبناء بأن هناك وقتاً مخصصاً لكل منهم تحترم خصوصيته ترفض فيها أي تدخلات ويعتذر عن أي مقاطعات، بعض الناس حتى الهاتف ما يرد عليه عندما تبدأ أيها الأب وتبدئين أيتها الأم بتنفيذ هذه الفكرة وتحرصين عليها ستجدون الثمار واضحة على نفسية أبنائكم بإذن الله وعلى علاقتكم بهم وفهمكم لهم، وستقل الخلافات والمشاجرات التي تستجدي اهتمامكم حتى ثرثرة الأبناء وكثرة كلامهم للفت النظر وجلب الاهتمام ستقل أيضاً.
وإضافة إلى كل هذا ستستمتعون بالنظر إلى ثقة أبنائكم بأنفسكم تنمو وتقوى، وهناك المساواة بالمشاركة باللعب والمساواة في كلمات المحبة (يا حبيبي يا عمري) المساواة في حركات المحبة كالضم والتقبيل والتربيت على الكتف ملاعبة الشعر.
ثانياً: عدم المقارنة:
يقول الدكتور قتيبة الجلبي: "المقارنة هي بؤرة وخلاصة المشكلة التي يدور حولها التنافس الأخوي فالإخوة فيما بينهم في حالة مقارنة مستمرة كلما يملك أحدهم من صفات عقلية أو عضلية أو شكلية كلها تقارن بنفس المقادير منها عند أخيه أو أخته وهنا يبدأ دور الوالدين، أهم ما يمكن عمله هو الحرص التام على عدم وضع أيّة مقارنة بين الأبناء" انتهى كلامه.
إذن أهم ثلاث مناطق يجب عدم الاقتراب منها، وهي:
1- المقارنة في الذكاء والقدرات العقلية، ومن صورها: انظروا إلى أخيكم فلان دائماً يحصل على (ممتاز) تتبرمج فوراً على النحو التالي أمي تظن أن أخانا فلاناً ذكي ونحن أي كلام!
2- المقارنة بالقوة العضلية والمهارة الحركية بين الأولاد، مثل: لا تتشاجرون مع فلان هو أقوى منكم، أو محادثة السمين والبدين بالنصيحة التالية: لماذا لا تلعب رياضة وتخف وزنك حتى تصبح مثل أخيك فلان.
3- المقارنة في الجمال بين البنات، ومن صورها مجرد الثناء على جمال فتاة بحضور أخت لها وما يدور في ذهن أختها كالتالي: بما أنهم مدحوا شكل أختي إذن شكلي.........
الجوانب الثلاثة كلها تمس شعوره بقبول الآخرين له ولعيوبه وبالتالي قبوله لنفسه مع التنبيه إلى أن مشكلة المقارنة لن تنتهي حتى بعد ما تعملوا هذا كله؛ لأن الأبناء أنفسهم يقارنون حالهم بإخوانهم كما أن مقارنات الأقارب والمعارف وملاحظاتهم العبقرية حول الأبناء مستمرة! لكن المشكلة ستخف كثيراً إذ إن الابن يمكن أن يتقبل نفسه بنقائصه إذا تقبله الآخرون وأهمهم والداه، وهذا ما نشعره به بهذه الإجراءات، إذاً لإشاعة جو العدالة نشعر أبناءنا بالمساواة العملية وعدم المقارنة.
وأيضاً وهو الركن الثالث: سن القوانين والأعراف المنزلية:
يسن الوالدان في البيت مجموعة من القوانين والأعراف ثم يتم عرضها على الأولاد لأخذ آرائهم ومناقشتها في جو عائلي مرح والاتفاق معهم على العقوبات المقررة على المخالفات الكبيرة ولا مانع من تعليقها في لوحة أخبار البيت كما سيأتي بيان هذه اللوحة تعليقها للتذكير فلا يخالف الأبناء الاتفاق ولا يتجاوز الآباء حد العقاب عند المخالفة.
من الأعراف التي يجب إعلانها بوضوح:
1- لكل ابن حدودٌ تعد ملكه الطبيعي ولا يحمد لإخوته أن يتعدوا على هذه المنطقة بدون رضاه فغرفة الطفل مثلاً تعد حدوده الشخصية، ويُعَلَّم الجميع الآداب الشرعية للاستئذان للتقيد بها عند دخول غرف الآخرين وإن كانوا أكثر من طفل في غرفة واحدة توضع خطوط وهمية فيما بينهم لتكون لكل واحد منهم منطقته الخاصة.
2- يتولى الأبناء حل خلافاتهم بأنفسهم ويمنع إزعاج الوالدين بها مهما كانت الأسباب.
3- يلتزم الجميع بحديث الرسول - صلى الله عليه وسلم - "لا يحل لرجل أن يهجر أخاه فوق ثلاث".
4- لا يجوز قطع السلام بين الإخوة المتخاصمين مهما كان خلافهما.
5- يحق للوالدين مكافأة أسبق الأبناء إلى حل خصوماته مع إخوانه.
6- لا يحق لأي فرد من أفراد الأسرة سواء من الآباء أو الأبناء التخلف عن وجبة الغداء بدون عذر تقبله الأغلبية.
هذه أمثلة لما يمكن أن يسن من الأعراف والقوانين المنزلية، كل هذا كان لإشاعة جو العدالة من خلال المساواة وعدم المقارنة وسن القوانين.
22/8/1425هـ
http://www.almoslim.net المصدر:
ـــــــــــــــــــ(101/148)
هل نحدث الطفل عن حقيقة مرضه ؟!
نور الدين كتانة
ليس من السهل على أي أب أو أم أن يجد نفسه مهيأً للتعايش مع مرحلة المعاناة الطويلة التي تنجم عن إصابة أحد الأبناء بمرض قد يهدد حياته. ومن المؤكد أن الصلة الصادقة والأمينة التي تجمع بين الأبوين والابن المريض فيما يتعلق بمرضه، سوف تجعل الطريق ممهداً أمام أفراد الأسرة جميعهم. لكن الوصول إلي هذه الدرجة يحتاج إلى كثير من الصبر في تفهم طبيعة مرض الابن وطريقة علاجه. إن غالب الأطفال يصابون بوعكات الطفولة الصحية مثل الزكام وآلام الأذن وجدري الماء ونزلات البرد، وفي بعض الأحيان يصابون بأمراض مزمنة أخرى مثل الربو والحساسية والسكري أو بعض الأمراض الأخرى. كما أن هناك القليلين الذين يصابون بأمراض تهدد حياتهم مثل السرطان أو مرض نقص المناعة (الأيدز). فكيف إذاً يمكننا تقديم المساعدة لهؤلاء الأطفال أو لذويهم وأصدقائهم في أثناء الأوقات الصعبة التي يمرون بها؟ إن أهم ما يجب أخذه بعين الاعتبار هو أن نتعامل مع كل حالة على حدة، حيث إن لكل حالة ظروفها المحيطة بها التي تستدعي نوعاً مختلفاً من التعامل لتوفير الراحة للطفل، وأهم مفتاح للتعامل هذا هو كيفية الاتصال وإيصال الحقيقة لهم. تعتقد «آي شابيرو» -وهي متخصصة في علم مبحث الدم والأورام في مستشفى ريلي للأطفال وأستاذة علم أمراض الأطفال وتعمل مديرة لمركز النزف الشامل في أنديانا (هيموفيليا)- أن إخبار الطفل وإطلاعه على حالته المرضية أمر مهم لكن دون أن نغمر الطفل بالعطف. فتقول: أريدهم أن يسألوا وأنا أجاوبهم. فأحياناً يشعرون بالرهبة والخوف من طرح الأسئلة لاعتقادهم أن ذلك يفزع آباءهم ويحزنهم. أما الآباء فإنهم كذلك يعيشون ساعات عصيبة عند إصابة أبنائهم بالمرض. فالأطفال بعد أن يتلقوا العلاج يكونون بحاجة إلي مساعدة آبائهم ودعمهم في تلك الأوقات الصعبة، حيث تكون هذه المساعدة بإطلاع الأطفال بطريقة علمية ومناسبة على حالتهم وما يحدث لهم. فالمرض يعتبر فرصة لإطلاع الأطفال على ما هية أجسادهم وأسس عمل أجزاء الجسم وآلية عملها، وعلى الأب أن يكون صادقاً وأميناً في تعريف الطفل بمرضه. على سبيل المثال تجنب القصص غير الحقيقية مثل أن أقول للطفل بأن «شبح الزكام قد خيّم عليه» إذا كان مصاباً بالزكام «وأن الشبح سيغادر خلال أيام قليلة». فالأطفال لديهم خيال واسع ومن المحتمل أن تسبب مثل هذه القصص تشويشاً أكبر لدى الطفل وتجعله يشعر بالخوف والقلق أكثر لما يحدث. وعندما يصاب الأطفال بالمرض يكونون معرضين للإحباط أكثر من العادة، لذلك فإن رؤيتهم لك وأعصابك هادئة أمر مهم، كما أن عليك الاستمرار بالتحدث إليهم بصوت جميل ينم عن عاطفة وحنان. صحيح أنه من الصعب أن يعرف الآباء أن طفلهم مصاب بمرض سيكون له تأثير عليه طوال حياته، كما أنه من الصعب، إطلاع الابن على مثل هذه الحقيقة، وأنه لأمر طبيعي أن يعتقد الآباء أنهم لا يريدون الإضرار بابنهم بإبلاغه عن حالته المرضية، إلا أن إخفاء هذه الحقيقة عن الابن سيكون له عواقب أكثر ضرراً مستقبلاً. بينما كان أفراد إحدى العائلات يقضون إجازتهم في منتجع ساحلي، تبين لهم في مختبر فحوصات الدم أن هناك أمراً غير طبيعي في نتائج فحوصات الدم، مما اضطرهم إلى قطع الإجازة والعودة فوراً لبلدتهم. ففي سن الثانية أصيب الابن بمرض يهدد حياته وهو مرض الأنيميا البلاتكونية مما قلب حياتهم رأساً على عقب. وعندما ذهبت الوالدة بابنها للعلاج خارج الولاية لم يدخر الأب أي لحظة ممكنة إلا واستغلها للبحث والتقصي حول ذلك المرض. وفي أثناء ذلك قام بعض الأصدقاء المقربين بالاعتناء بأخويه الاثنين اللذين يبلغان من العمر 4 و7 سنوات: «لقد أوضحنا لهما أن أخاهما يعاني مرضاً خطيراً جداً جداً. وصارت التعابير المتعلقة بمرضه مثل «نقل الدم» و«صفائح الدم» و«نخاع العظم» من المصطلحات التي يرددونها يومياً». ونظراً لصغر سن الطفل المريض فقد كان التوضيح المبسط للعلاج قبل أن يبدأ بدقائق قليلة كافياً له. لكن توضيح تفاصيل وحيثيات المرض لأخويه تطلّب حرصاً وحذراً أكثر، لقد تغير أسلوب حياتهما اليومي الاعتيادي وسيطر عليهما بعد ذلك نوع من الشك وعدم الاطمئنان. أمور هامة - اجمع أكبر قدر ممكن من المعلومات عن المرض وطريقة علاجه، إن كان ذلك صعب الفهم، لا تتردد في سؤال الطبيب ليوضح لك الأمر. وتمكنك من المعلومات اللازمة جيداً يجعل من السهل عليك التوضيح للمريض بدقة. وعليك استخدام المصطلحات والكلمات الصحيحة والمناسبة المتعلقة بالمرض والعلاج. فهذه المصطلحات الجديدة ستكون جزءاً من حياة الطفل اليومية. - تحدث مباشرة مع الطفل عن مرضه: إذا كان طفلك مصاباً بمرض مزمن أو قاتل فمن الضروري البوح له بذلك وبصراحة، لأن الطفل لا محالة سيتعرض لأعراض المرض وسيقوم بزيارات متكررة للطبيب وللمستشفى وسيستمع مراراً وتكراراً لأحاديث أبويه عن مرضه، وكذلك لحديث الأطباء والأقارب والأصدقاء وسيبدأ ملاحظة كيفية التغير في
علاقة الآخرين به. إن الشعور بالخوف وعدم الأمان يدب في الأطفال إذا ما لاحظوا أنهم حوار حديث سري، لأن خيالهم سيعمل على خلق صورة مرعبة ومضرة أكثر مما يكون عليه الواقع. - كن أميناً: يجب أن تكون صادقاً وأميناً في إطلاعهم على المعلومات لأن الأطفال يجب أن يتعلموا أن ما يقوله الأب والطبيب لهم موضع ثقة وتصديق، لأن اكتشافهم عدم أمانة من يثقون بهم سيزيد من الشعور بعدم الأمان في وقت عصيب مليء بالخوف. فلا داعي لأن تقول عن أي إجراء طبي إنه غير مؤذ أو مؤلم وهو غير ذلك. كما يجب ألا تكذب على إخوته بإبلاغهم أنك ستأخذ الطفل لزيارة جدته أو جده في حين أنك ذاهب به إلى المستشفى. - اعمل على تشجيع الطفل على طرح الأسئلة: عندما يكون الأبوان مستعدين لسماع ابنهما فإنه سيشعر بحرية أكثر لمناقشة مرضه معهم والبحث فيه. واحرص على ألا تتردد في أن تعترف بعدم معرفة الإجابة إذا كنت لا تعرف فعلاً. وإذا كان السؤال بحاجة إلى البحث فدع الطفل يساعدك بالبحث إن أمكن، لأن ذلك يمنحه شعوراً بالثقة والاستقلال. - وضح دائماً العمليات العلاجية للطفل قبل البدء فيها: إن المفاجآت المؤلمة تسبب في الغالب شعوراً أكثر بعدم الأمان. حاول أن تكون مع الطفل في أثناء إجراء العملية إن أمكن. وإن تعذر ذلك فيفضل إعطاؤهم حاجة تخصهم مثل البطانية أو اللعبة المحشوة لأخذها معهم. - حاول الاستفادة من مصادر المعلومات ذات العلاقة مثل الكتب الخاصة بالتشريح وموسوعة الأطفال وبرامج الكمبيوتر.. إلخ، وذلك كي تتمكن من إيضاح ما يحدث للطفل بسبب تطور المرض وتشكل مراحله الجديدة (مثل حدوث الأزمات الربوية والنوبات المختلفة أو مضاعفات الحساسية). إن مثل هذه المعلومات يساعد الطفل على فهم ما يقوله الطبيب. إن عمل المقارنات الصحيحة في أثناء الشرح للطفل مفيد جداً لجعله يفهم المرض والعلاج. - شجع الدعم الذي يلقاه الطفل المريض من ذويه وأصدقائه. ويفضل أن يتحدث الطفل المريض عن مرضه لأصدقائه وعلى الآباء إكمال النواقص في حديثه حين يلاحظون ردة الفعل لدى الآخرين. فالأصدقاء وذوو الطفل المريض يشكلون مصدر دعم وتخفيف للطفل المريض لا مثيل لهما. - يجب إخبار الأقارب والذين يقدمون الرعاية للطفل والمدرسين عن مرض الطفل: إن معرفة هؤلاء مرض الطفل ستقلل احتمالات سماع الطفل المريض للإشاعات الكاذبة واللغط، كذلك المعلومات المتضاربة. دائماً حاول أن تتحدث بطريقة إيجابية ولا تتسرع في مناقشة المشكلات التي قد تضيف إلى العبء الذي يقع على كاهل الطفل من خلال لومه، أو جعله يشعر بالذنب عند سماع مشكلات العائلة المالية والاجتماعية.. إلخ. - اعمل على ترسيخ روح التفاهم مع أطباء ابنك ودائماً اعمل على تشجيع النقاش الصريح: دع الطبيب يشعر بأنك تريده أن يكون صريحاً وواضحاً معك ومع ابنك المريض. وإذا كان الطبيب مشغولاً جداً وغير مستعد لإيجاد الوقت الكافي للإجابة عن اسئلتك فابحث عن طبيب آخر. إن مجموعات الدعم والتعاطف مصدر جيد للمعلومات عن أفضل الأماكن لتحويلك إليها. إن توفير معلومات دقيقة وصادقة وحديثة عن مرض طفلك يساعده على بناء كيان آمن وثابت خلال مرحلة الإصابة بالأمراض الشائعة البسيطة والأمراض المستعصية والخطيرة.
نشر في مجلة (الثقافة الصحية) العدد (41) تاريخ (ذو القعدة 1419هـ / إبريل 1999م)
http://www.bab.com المصدر :
ـــــــــــــــــــ(101/149)