الفواكه الصيفية.. صيدليّات طبيعيّة متنقّلة
الرياض: عبد الله أبا الخيل 29/5/1427
25/06/2006
يوماً بعد يوم وطوال أشهر ثلاثة قادمة ستتزايد حرارة الأجواء في المنطقة العربية والخليجية بخاصة، وهي أجواء تتطلب أنواعاً خاصة من الأطعمة والمشروبات التي تخفف حرارة الصيف اللاهبة التي تميز هذه الدول.
وتُعدّ الفواكه إحدى المرطبات المناسبة لمثل هذه الأجواء بالرغم أن الناس لم تعتد على أكلها إلا عقب الوجبات الدسمة باعتبارها عاملاً غذائياً مكملاً للغداء أو العشاء، مع أنها - أي الفواكه- يمكن أن تكون وجبة غذائية متكاملة الفيتامينات والسعرات.
وفواكه الصيف إحدى المرطبات الحقيقة التي يمكن أن تلطف حرارة الجو، وتسد حاجة الجسم من الفيتامينات والسوائل التي يفقدها الجسم صيفاً، وتستعرض (الإسلام اليوم) هنا بعض الفواكه الصيفية، وتلقي الضوء على فوائدها وخصائصها وكيفية استفادة الجسم منها...
العنب..الامتصاص السهل
يتميز العنب بأشكاله المختلفة عن بقية الثمار، إضافة إلى تعدد ألوانه وتباينها؛ فهناك العنب الأخضر، والأبيض، وهناك العنب الأسود، الذي يقول عنه الشاعر واصفا إياه:
عنبٌ أسودٌ كأنَّ عليهِ ... ...
حُللٌ من حَنادسِ الظَّلماءِ
يحتوي العنب على نسبة جيدة من المواد السكرية سريعة الامتصاص، وسهلة الهضم تُقدّر بحوالي 15% هي سكر العنب، حيث يتركز سكر الجلوكوز وسكر الفركتوز بشكل كبير، ويتميز كذلك العنب بغنائه بالفيتامينات مثل فيتامين ج وفيتامين ب وفيتامين أ، كما يحتوي على نسبة جيدة من العناصر المعدنية مثل البوتاسيوم والكالسيوم والصوديوم، ويحدّ أكل العنب من الإصابة بالإمساك، ويساعد على إدرار البول، ويساعد العنب على تنشيط الكبد وسلامة وظائفه و إدرار الصفراء بصورة منتظمة.
ويشير باحثون بريطانيون إلى أن العنب يحتوي على مادة (الريسفيراترول) التي تتحول في الجسم إلى عنصر مضادّ للسرطان قادر على استهداف وتدمير الخلايا السرطانية، كما أنها تحدّ من تصلّب الشرايين، وتقلّل من نسبة الكولسترول السيّئ في الجسم، كما يشير الباحثون إلى أن العنب يُعدّ عنصراً فعالاً للوقاية من مرض هشاشة العظام المنتشر بين النساء.
البطيخ ..رخص وفوائد بالجملة
ربما يكون البطيخ هو أشهر فواكه الصيف وأرخصها ثمناً لكثرة زراعته في السعودية، وبجانب رخص ثمنه فهو أنسب الفواكه لمعالجة أعراض الصيف المختلفة، وتناول شريحة متوسطة من البطيخ يوفر للجسم حوالي 20? من احتياجاته اليومية من فيتامين A وC، ويُعدّ البطيخ من الفواكه قليلة السعرات، ويحتوي على المياه بنسبة 92% من حجمه، وهو بذلك يؤدي إلى إحساس الفرد بالشبع ويعطيه حاجته من السوائل التي قد يفقدها صيفاً، ويحتوي البطيخ على الزنك والمنغنيز و الصوديوم و الكالسيوم بنسب معتدلة ومفيدة.
ويشير الأطباء إلى أن البطيخ يكفي حاجة الإنسان من الماء والفيتامينات والمعادن طوال اليوم، ووجد الباحثون أن المركبات الطبيعية الموجودة فيه تساعد في تخفيف شدة الأمراض الجلدية، كما تفيد بذوره في تخفيض ضغط الدم المرتفع، ويمكن استخدام جذوره في وقف النزيف الدموي، ، كما أنه يفيد في تخفيف حالات الإمساك والتهابات الجلد، و يساعد على إدرار البول، وتنقية الدم، وعلاج أمراض الكلى والنقرس ومرض البواسير، كما يحتوي على مضادات الأكسدة، ولذا فإنه من العوامل المساعدة على الوقاية من السرطان، وخاصة سرطان البروستاتا، لكن الأطباء يحذرون أيضاً من الإكثار من تناول البطيخ، فقد يؤدي الإكثار منه إلى ارتفاع في نسبة سكر الدم، كما لا ينصح بالإكثار من تناول البطيخ بعد الأكل مباشرة؛ كونه يسبب عسراً في الهضم إذا أُكل بعد الوجبات الدسمة مباشرة.
الرمان.. يكافح (11) مرضاً
تُعدّ زهرة الرمان من أجمل الزهور المنتشرة وتشتهر باسمها الفارسي (الجُلنار) و يحتوي الرمان على مواد سكرية بنسبة 10- 15 % ، وعلى 1% من حامض الليمون، ونسبة عالية من الماء، إضافة إلى مجموعة كبيرة من المعادن في الرمان بنسب قليلة مثل الفوسفور والحديد والمغنيسيوم.
وقد أكدت دراسة علمية حديثة أن ثمار الرمان تعالج (11) مرضاً، وتوفر احتياجات الجسم الأساسية من العناصر الغذائية، وقالت الدراسة: إن بذور الرمان الداخلية تقضي على البكتريا المسببة للإسهال، كما أنها تقوّي القلب والمعدة، وتدرّ البول، وتطهر الدم، وتذيب حصوات الكلى، وتلطّف الحرارة المرتفعة في الجسم، وتشفي عسر الهضم، وتقلل آلام النقرس، ويشير الأطباء إلى أن قلي قشور الرمان يفيد في طرد الديدان الشريطية.
ويكافح الرمان الوهن العصبي وأورام الأغشية المخاطية، كما أنه يُعدّ من الفواكه المطهرة للدم والمنظفة لمجاري التنفس، ويعدّ هاضماً جيداً للأكل.
وتشير بعض الدراسات إلى أن عصير الرمان يشفي بعض أنواع الصداع وأمراض العيون، وخاصة ضعف النظر، كما أنه مفيد لعلاج أمراض الضعف الجنسي من خلال مساعدته على تدفق الدم في الشرايين والأوردة.
الخوخ.. مستودع للفيتامينات
تحتوي الحبة الواحدة من ثمار الخوخ على 85% من وزنها ماء، و خمسة غرامات من السكر، وغرام واحد من النشويات، ونصف ملغم حديد، و نصف غرام من البروتين والدهون، إضافة إلى الفسفور, والكبريت, و نسبة عالية من الفيتامينات، ويفيد الخوخ في تخفيف حدة الإمساك، ويحمي أيضاً من أمراض القلب ويخفف كمية الكوليسترول، كما يساعد الخوخ على تنشيط المعدة والهضم، ويُعدّ الخوخ من العوامل المساعدة على إزالة حصى المثانة والبول الدموي، وقد كشفت إحدى الدراسات أن تناول (10 – 12) حبة من الخوخ كل يوم قد يمنع هشاشة العظام، إضافة إلى أنه يساعد الجسم على امتصاص الكالسيوم بشكل أفضل، ولا ينصح الأطباء المصابين بأمراض القرحة أو التهابات المعدة بتناول الخوخ.
التين الشوكي (البرشومي)
يشتهر البرشومي خارج الجزيرة العربية باسم (التين الشوكي) وهو من فصيلة الصبار، ولا يحتاج لمتابعة في زراعته؛ فهو من النباتات البرية التي يستخدمها بعض المزارعين لحماية بساتينهم، ويعتبر85% من وزن ثمرة البرشومي ماء فيما تمثل بقية المكونات 15% فقط من الوزن، و 8% عبارة عن جلوكوز، أما الباقي فيحتوي على سكر الفركتوز، ويحتوي البرشومي على فيتامين ج، وفيتامين ب، و كل مائة جرام من البرشومي تحتوي على حوالي (60) سعراً حرارياً فقط، ويمكن للبرشومي أن يمد الجسم بربع ما يحتاجه الإنسان من البوتاسيوم والمغنيسيوم.
ويساعد البرشومي مرضى السكر في تقليل نسبة السكر في الدم، إضافة إلى أن أكله يقضي على مشاعر التوتر وينظم درجة حرارة الجسم، ويساعد على بناء العظام، كما أنه مفيد للمصابين بقرحة المعدة، إضافة إلى أنه يزيل آلام النقرس عند تناوله بعد الوجبات الغذائية.
ـــــــــــــــــــ(100/32)
الانسحاب
هناء الحمراني 23/5/1427
19/06/2006
عندما كنا في الثانوية..كان درس الانسحاب بسيطاً نوعاً ما..
وعندما دخلنا الكلية..صار معقداً لدرجة تضطرني في بعض الأحيان إلى أخذ إغفاءة صغيرة ريثما ينهي الدكتور شرح هذه الفقرة!!
وفي الاختبار..قرّرت أن أكتب ما أعرفه منذ صغري عن مفهوم الانسحاب..
رسمت الشكل الذي يمثل الانسحاب..
وكتبت أسفله: هو ابتعاد الشيء عن مكانه بحيث لا يفقد أياً من خصائصه..إنه يفقد مكانه وحسب..
(إنه يفقد مكانه وحسب) ربما تبدو جملتي هذه بعيدة عن الأسلوب الرياضي.. ولكنني على أي حال نجحت!!
****
في الحياة العامة..أظن أن الانسحاب يأخذ ذات التعريف..ولكن الحياة ليست مستوى في ورقة وإحداثيات.. بل إن الأمر أكثر تعقيداً؛ فعندما يفقد هذا الشيء مكانه.. يأتي شيء آخر ليحلّ محله..سواء كان جيداً..أو سيئاً..يماثله في الجودة..أو يفوقه..أو يقلّ عنه..
يستحق هذا المكان..أو.. لا..
وربما لا يحلّ مكانه سوى الهواء..الهواء فقط..
****
عندما يتزوج الرجل بامرأة أخرى..تغضب زوجته الأولى..تثور..تقرر الانتقام
.. وربما تنتقم بذات الطريقة التي نتحدث عنها..بالانسحاب..
تنتقل بعيداً..إلى مكان آخر..وتفقد مكانها الأول.. لتحلّ محله المرأة الأخرى..
تعلمنا الحياة الواقعية أموراً أكثر.. فالمرأة المنسحبة تفقد الكثير بفقدانها مكانها..
تفقد الفرصة في أن تثبت لزوجها أنها لا تزال تحبه..أن تثبت لأبنائها أن لهم من الأهمية ما يجعلها تدوس على آلامها من أجلهم..
إنها تفقد أبناءها..وترغمهم على فقدها..وعلى فقد الاستقرار والسعادة بعيداً عنها..أو عن والدهم..
تفقد خصائص كثيرة بالانسحاب مقارنة بما ستفقده بالبقاء..إن كانت ستفقد شيئاً..
ربما يدّعي البعض أنها تفقد كرامتها بالبقاء..ولكن الكرامة تُفقد إذا سمحنا للآخرين بالتعدي على حقوقنا.. وحرّضناهم لإهانتنا بالاستفزاز أو الصراخ أو غير ذلك من المواجهات العصبية..
****
تنسحب أم الزوج من حياة ابنها.. ترى نفسها ورقة قد انتهى استخدامها.. وانتهت مدتها..
تنسحب بضعف.. فهناك من يجب أن يحتلّ مكانها.. ونعني هنا زوجة الابن..
ولكن..بأي حال من الأحوال.. تظل الزوجة زوجة..وتظل الأم أماً..
إنها تفقد الكثير..تفقد من يهتم بها..تفقد من أحبته..ووهبت عمرها في سبيل سعادته..
إن بقاءها في مكانها..ومحاولة المحافظة على حقوقها..واجبها تجاه نفسها..وابنها..
****
أكثر الناس من إيذائه.. اتهموه بالتدخل في شؤونهم..ولذلك..فقد انسحب..لأن الناس لا يحبون من يأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر..ربما يستشري الفساد ليحل محله..وربما يحلّ محله رجل آخر يضحّي بنفسه من أجل الدعوة إلى الله..
****
في حفل الزواج..أو في مؤتمر نسائي..كانت طريقة لباس النسوة مخالفة للشريعة الإسلامية..وقاتلة للفضيلة..قرّرت هي أن تنسحب..فهذا ليس مكانها..لتجعل الحفل يستمر دون أن يشرق في جنباته نموذج للمرأة المحتشمة..أو تحل محلها امرأة أخرى تمثل هذا النموذج..
****
أن أكون صاحب حق.. لي رسالة أقدمها في حياتي..لأبنائي..وأهلي.. والمجتمع والعالم بأسره..يحتاج لأن أقف في مكاني بصمود الأبطال.. فالأبطال لا ينسحبون.. وإذا ما شعروا بالتعب واليأس..أعطوا أنفسهم فترة من الراحة..لأنهم بحاجة لها..
محمد -صلى الله عليه وسلم- لم ينسحب يوماً..إنه يتضرع إلى الله..يسأله..يرجوه..فيصبح أقوى مما كان عليه..
****
لا تنسحبْ..ولكن استرحْ قليلاً لتجدّد نشاطك..
وإذا أصابك ما لا تملك دفعه..فأقْلِلْ من الشكوى وأكثرْ من الدعاء.
ـــــــــــــــــــ(100/33)
"رفقاً بالقوارير" يا إعلامنا الإسلامي...!!
عزيزة بنت محمد الشهري * 21/5/1427
17/06/2006
أعتقد من وجهة نظري –كأنثى- أن مناقشة أسباب تغييب المرأة من الظهور الإعلامي في وسائل الإعلام المحافظة أو الملتزمة يجب ألاّ يُناقش إلا في أجواء سليمة وراقية وواقعية حتى لا ننجرف في ظل الأوضاع غير السليمة التي تُمارس في الإعلام المعاصر حتى في الفضائيات والمطبوعات المحافظة.
نحن أمام مشهد تتكون أبرز تفاصيله من صور ثلاث لوضع الصورة المرأة في الإعلام:
الصورة الأولى: لوسائل أسرفت في ثقافة الجسد للجنسين، فكان جسد المرأة وسيلة جذب للرجل، وكان جسد الرجل وسيلة جذب للمرأة، وهنا تكون المرأة الخاسر الكبير في المعادلة، وبالتأكيد سيكون المجتمع ضحية لهذه الثقافة وخاسراً بانحطاط فكر المرأة.
الصورة الثانية: لوسائل تعمل على شرعنة مشاركة المرأة وإقحامها في الإعلام، وتظهر هذه المشاركة متأثرة –بقوة- بفكر الصورة الأولى، وهي تعمل بذات المفاهيم "النجومية"، مع أسلمة الصورة من خلال تصيّد الرخص وتطويرها وتحديثها.
الصورة الثالثة: وهي الصورة التي ترسخها القنوات المحافظة –قنوات المجد تحديداً- وهي الاكتفاء بالصوت النسائي، وتجنّب ظهور صورة المرأة، وهذا ما أدين الله لله سبحانه وتعالى بحبه والرضا به، وتطمئن إليه نفوس النساء المتدينات والمحافظات –بناء على نقاشات جادة ومكتوبة مع بعض المهتمات بالموضوع- ولكن تبقى صورة الرجل في هذه القنوات هي الإشكال، وهي النقطة التي تكفل لنا إعادة هذا الموضوع برمته للوضع الصحيح.
الوضع الذي يسمح في النهاية بإدراك أن الصورة التي تظهر للجمهور هي صورة تدعم وتعبر عن مضمون يحتاجه الناس، ولا تكون بحال من الأحوال هي الهدف أو المضمون الذي يحمله الإعلام، ولا تكون جاذبة لجنس من الجمهور على حساب الجنس الآخر.
وحتى أكون أكثر وضوحاً فإن ما تعرضه قنوات المجد من صور الرجال بأسلوب إخراجي يعرض حتى أدق تفاصيل وجه الرجال وقامته وجلسته وضحكته تدعو إلى السؤال وبقوة: ألا تُحترم المرأة حتى من الإعلام النظيف وحتى وهي مجرد جمهور؟
أرجو ألاّ يُفهم من كلامي هذا بأنه دعوة إلى إظهار المرأة بنفس الطريقة التي يظهر فيها الرجل أو حتى بأقل منها أو عدم إظهار صورة الرجل كلياً، لا فهذا ليس المطلب، إنما المطلب أن تُحترم المرأة "المشاهدة" (الجمهور) فيكون التركيز منصباً على المضامين، وتُستخدم أساليب الإخراج المناسبة كإبعاد الصورة عن التفاصيل الدقيقة والاكتفاء باللقطات العامة، وأجزم أن المهتمين بالإعلام الإسلامي لديهم القدرة على التنظير الواقعي لمجال الإخراج في الإعلام الإسلامي.
إن قضية النجومية في الإعلام الإسلامي هي نجومية المضامين والدعم الفني التوضيحي لهذه المضامين، أما أن نتحول إلى المدرسة الإعلامية المادية فنستقي منها كيفية تقديم موادنا الإعلامية وطريقة العرض، دون اعتبار لنوع الجمهور والواجبات الدينية التي أُمروا بها، كغضّ البصر، فإن المرأة ستجد أنها لا تستطيع مشاهدة حتى أفضل القنوات في فضائنا!!
في ضوء الوضع القائم تدور الأسئلة والاستفسارات الملحة لدى أعداء الفضيلة.. أين المرأة في هذا الإعلام الذكوري الذي يصنع النجوم وينتجهم؟! أما عندما تقدم مصلحة الرسالة على مصالح الأفراد فلن يكون هناك مسوّغ لهذا التساؤل.
ثم إن هناك أسئلة يجب الإجابة عنها من قبل القائمين على هذه المحطات تحديداً، أهمها:
هل هذا الإعلام موجّه للرجال أم للرجل والمرأة؟
ألستم تعملون في الإعلام الإسلامي بقاعدة الحلال والحرام.. فهل للمرأة "الجمهور" أن تنظر إلى هذا الكم الهائل من الذكور الذين يقدمهم الإعلام بطرق وأوضاع إخراجية تكاد تشبه "الفيديو كليب" أحياناً!!
أنا على يقين أننا لو ضمنا أن قناة فضائية للمرأة لن يشاهدها إلا النساء فقط لتغير حكم مشاركة المرأة وظهورها على شاشات الإعلام... لكن ذلك مستحيل.
كما أن إعلام الرجال للرجال فقط لن يكون بدون قيود وحدود تضبط محتويات الصورة المقدمة..
فكيف عندما يكون الإعلام للجنسين؟
سنظل في ظل الإسراف الفاحش في تقديم آلاف الصور الرجالية دائماً حذرين عن الإجابة عن تساؤل: أين المرأة؟! لكننا عندما نعلم ونعمل بمبدأ أن الإعلام ليس لتسويق الصور وصناعة النجوم، وإنما هو لتقديم الخير والحق، وكل من يمثل هذا الحق والخير بأساليب إخراجية واقعية ومحترمه للمرأة لن نجد حرجاً في الإجابة.
خلاصة القول: إن على القائمين على قنواتنا الحبيبة –المجد- ومجلاتنا الإسلامية القيمة احترامنا كإناث من خلال استخدام أساليب إخراجية غير تلك التي تعلّمها المخرجون ومارسوها في قنوات أو مطبوعات غير ملتزمة، وعليهم الاستمرار في حجب المرأة وتطوير أساليب مشاركاتها المحجوبة والموضوعات التي تناسبها وتحظى باهتمامها، وفي ظني أن هذا ليس عدلاً فقط مع المرأة بل هو إخراج للقائمين على هذا الإعلام من تحمّل آثار قد يتحملونها دون علم منهم ضحيتها امرأة جهلت.
أرجو ألاّ يُنظر للأمر على أنه تكبيل وتقييد وتصيّد للأخطاء، بل هو دعم لمسيرة هذه القنوات والمجلات وترسيخ لمنهجها المتميز ورفق بالقوارير، ورفق بالقوارير، والله من وراء القصد.
* مختصة وباحثة نفسية
ـــــــــــــــــــ(100/34)
بين التطلّع للخارج وكفاية الداخل
الشباب السعودي.. أين يتجه صيفاً؟
الرياض - عبد الفتاح الشهاري 17/5/1427
13/06/2006
يستقبل الشباب والطلاب في السعودية هذه الأيام أشهر الإجازة الصيفية بعد مضي عام كامل قضوه في سباق طويل على مدى العام يتصيّدون فيه الدرجات والتقديرات، ويترقّبون في نهايته المحصلة بكل ما فيها من رهبة ووجل.
والإجازة الصيفية لا تفتأ تشكل هاجساً مهماً لدى المعنيين في التربية والتعليم، لما تحتضنه هذه الإجازة من وقت فراغٍ يمتد إلى ثلاثة أشهر، وهي فترة كفيلة بأن تساهم في بناء الطفل بإضافة صفة أو خصيصة على شخصية الطفل، أو المراهق سلباً كان أو إيجاباً، ولذا فقد رصدت وزارة التربية والتعليم السعودية ممثلة بالإدارة العامة للنشاط الطلابي مبلغ عشرة ملايين ريال ميزانية لأنشطة المراكز الصيفية التي تؤمن الوزارة بأن لها دوراً في بناء الشخصية المتوازنة للطالب في ضوء العقيدة الإسلامية الصحيحة، وتأكيد اللحمة بين أبناء المجتمع، مع التركيز على جانب الإثراء التربوي الحواري، وفتح المجال لمشاركة المفكرين.
المخيمات الصيفية
المخيمات الصيفية جزء من الحياة الاجتماعية التي يعيشها المجتمع السعودي أثناء الإجازة الصيفية، وتهدف هذه المخيمات إلى إقامة التواصل بين الشباب المسلم وتربيتهم، وغرس روح الانتماء إلى الأمة في نفوسهم، وترسيخ مبدأ التضامن الإسلامي، للمحافظة عليهم من الانحراف الفكري والأخلاقي. وتتنوع فعاليات هذه المخيمات، وبرامجها، وأنشطتها، والتي تحوي في عمومها على الجمع بين الجد، والمرح، والترويح، مما يساعد على اندماج الشباب وتفاعلهم مع فقرات البرامج التي تهدف إلى تنمية معارفهم وصقل مواهبهم، وإكسابهم مهارات جديدة.
صيف الخارج ..
ومع الاهتمام الذي تحظى به المراكز الصيفية والمخيمات، إلا أن ذلك لا يمنع من توجه العديد من العائلات السعودية إلى خارج البلاد لقضاء إجازاتهم الصيفية؛ ففي حين يفضل الكثيرون استثمار المال في البقاء داخل البلاد، إلا أن التنافس المحموم للوصول إلى أقصى البلاد السياحية الخارجية يجعل من جيوب الآباء مرتعاً خصباً لشركات السياحة والطيران، وتُعدّ (أستراليا) من أولى الدول الأجنبية الأكثر تفضيلاً لدى السائح السعودي، تأتي بعدها (تركيا) ثم الدول الأوروبية، وتأتي (لبنان) في مقدمة الدول العربية، وبعدها (مصر)، غير أن الأحداث السياسية الأخيرة في (لبنان) أثرت قليلاً في معدل الإقبال، يوازيه تراجعٌ آخر عن السياحة في (شرق آسيا) بعد أحداث إعصار (تسونامي)..
عمر عبد الله الهادي -مدير إحدى الشركات التجارية- يقول: إنه على الرغم من اعترافه بما تملكه السعودية من مقومات سياحية لا يُستهان بها، إلا أن فكرة التوجه إلى الخارج لا تلغي بالضرورة مكانة المملكة السياحية، وإن السياحة الخارجية –من وجهة نظره– تُعدّ رافداً ثقافياً لدى الفرد أولاً، ثم إنها تغرس مفهوم المواطنة في نفوس الأبناء بشكل أكبر حينما يلمس هو وأبناؤه مقدار الفرق بين ما تعانيه تلك البلاد، وبين ما تتمتع به بلاده من نعمة الأمن والأمان والخيرات الوفيرة..
أما المهندس عبد العزيز السلامي؛ فيرى أنه لا بد أن يقضي إجازته السنوية متنقلاً بين مناطق المملكة من الشرقية إلى الغربية إلى الجنوب، ويجد استمتاعاً كبيرًا في ذلك، ويقول: إن الرحلة المكوكية الداخلية – كما يسميها– أصبحت جزءاً لا يتجزأ من روتينه السنوي، فهي قد حقّقت له علاقات وصداقات قويّة وناجحة خلال إجازته، وبعض تلك العلاقات وطّدت ارتباطه بعمله بل حققت له نجاحات إضافية على الصعيد العملي، فهو بذلك –كما يقول– ضرب عصفورين بحجر واحد، سياحة قريبة من أهله وذويه، ونجاحات على الصعيد العملي..
السعوديات والصيف.. لا مكان للصخب
الصيف للمرأة السعودية ربما يرتبط بشكل مباشر بالسياسة العامة للأسرة؛ إذ تتميز الأسرة السعودية بترابط النسيج الاجتماعي بين أفراد أسرتها، ولهذا فإن المرأة السعودية -وبحكم ارتباطها طوال العام- سواء بواجباتها المنزلية كأم، أو بواجباتها الدراسية كطالبة، أو بعلاقاتها الأسرية كأخت، تبحث أيضاً عن متنفس تلقي من خلاله ما على كاهلها من أرق وتعب طوال العام.
أم عبد الرحيم -ربة منزل وأم لأربعة أبناء، اثنان منهم في المدرسة في المرحلة الابتدائية- تقول: إن ارتباطي وفرحي بالإجازة الصيفية لا يقل عن سعادة أبنائي، وسعادتنا بالإجازة الصيفية ليس من باب السفر والتنقلات والرحلات فليس هذا في جدولنا هو المطمع الأول، بل إننا كبشر نحتاج جميعاً لمرحلة هدوء، واسترخاء أعصاب، بعد عامٍ مضنٍ من المهام والواجبات المختلفة..
بينما ترى (ابتهاج . م) بأنها تنوي استغلال إجازتها الصيفية بأخذ موافقة والدها للالتحاق بإحدى الدورات التأهيلية، فهي مؤمنة إيماناً قاطعاً بأن التأهيل التعليمي للفتاة، وللذكور خاصة في مجال الحاسب أصبح هو البوابة الأولى لدخول سوق العمل الذي يشكو من ازدحام العاطلين على أبوابه لعدم حصولهم على مؤهلات تناسب هذا السوق، فهي – كما تقول – لا تريد أن تتخيل نفسها في يومٍ من الأيام تحتضن شهادتها الجامعية بعد أن تلفها ببرواز لتغلق عليها أبواب غرفتها.
المراكز التدريبية
وفي هذا الإطار يشدّد عبد الله الردادي صاحب مركز "التقنية" لعلوم الحاسوب بجدة على أن فترة الإجازة الصيفية تُعدّ فترة تجارية للمراكز التدريبية في مجال اللغات وخصوصاً الحاسب، وحين سألناه: من أي الجنسين يطغى الإقبال؟ قال: إنه لا يستطيع أن يبت في الأمر؛ لأن هناك إقبالاً من كلا الجنسين بعكس باقي أيام العام، والذي يطغى فيه الذكور على الإناث.
ثلاث شرائح.. وصيف واحد
أحمد السبيعي – مدير أحد النوادي الرياضية بالمدينة المنورة عندما تحدثنا إليه حول تقييمه لاستغلال الإجازة الصيفية بالمدينة المنورة، قال: "إنه يمكن تصنيف الناس في استغلال الإجازة إلى عدة شرائح وفئات: فهناك فئة المراهقين، وهؤلاء عادة ما يلتحقون بالدورات الرياضية، أو بالأندية الصحية المتخصصة باللياقة وبناء الأجسام وما إلى ذلك، وشريحة الشباب أو ممن هم في الثانوية العامة أو ما في مستواها، وهؤلاء يغلب عليهم الاتجاه إلى استغلال العطلة في الالتحاق بإحدى المهن، أو الوظائف الموسمية والتي يكتسب بها خبرة عملية، ومردوداً مالياً يعينه على مصاريفه الخاصة، أو بما يلبي احتياجات أسرته، وشريحة ثالثة، وهي الشريحة المتخرجة من الثانوية العامة، وهذه تتجه عادة إلى المراكز التدريبية، والمعاهد التأهيلية وخاصة في مجال الحاسب الآلي، أما باقي الأسر بشكل عام فإنها غالباً ما تتجه إلى قضاء الإجازة الصيفية في الحدائق والمتنزهات الداخلية، وقد يمتد السفر في كثيرٍ من الأحوال إلى السفر إلى مكة المكرمة لأداء العمرة، والتوجه إلى جدة أو إلى العاصمة الرياض، أو إلى المنطقة الشرقية".
لكن السبيعي يعتقد أن التصنيف الذي ذكره يخص المنطقة الغربية من السعودية بشكل عام دون سواها من المدن, فهي في نظره ذات طبيعة خاصة تتوافق الظروف الاجتماعية فيها بين سكانها.
بمثل هذا التنوع ينقضي الصيف في السعودية .. بكثير من الفعاليات، والأنشطة، والسياحة، والثقافة، والتعليم، وعلى قدر دبيب الحياة في طول العام من خلال الارتباط بالمدارس، فإن نفس القدر من الحركة، بل قد يفوق تعيشه أجواء المملكة مع الإجازة الصيفية، ومن خلال ما تنظمه بعض محافظات المملكة كالرياض، وجدة، والمدينة المنورة من فعاليات ومهرجانات تسويقية يزداد إقبال قطاع كبير من المواطنين والمقيمين على المشاركة في هذه الفعاليات لتضفي لمسة جمالية أخرى يزدان بها موسم الإجازات في السعودية.
ـــــــــــــــــــ(100/35)
ميزانية الأسرة بين الترشيد والاستهلاك
رحمة الغامدي 20/4/1427
18/05/2006
تظل ميزانية الأسرة أحد أهم أسباب عدم الاستقرار ..متى ما كانت الأسرة -مع المسؤولية الملقاة على عاتق أفرادها- عرضة للارتباك في التصرف وفق ظروفها الخاصة..
الترشيد..مطلب ضروريّ لكل الأسر، ويجب أن يُربّى الأبناء على ذلك؛ لأن متطلبات الحياة كثيرة ولا تنتهي..
فبعض الأسر يغلب عليها البذخ والتبذير، ويغيب الترشيد عنها، وكأن المال لم يأت إلا لتصرفه كاملاً دون النظر لما قد يحمله المستقبل.
والحقيقة أن كثيراً من الأسر يغيب الترشيد عن حياتهم، وتنقصهم الإدارة في الصرف، ولا يضعون سقفاً لمصروفاتهم، وبناء على ذلك فإن عشوائية الصرف تخلي ما في أيديهم من مال، ليلجؤوا بعد ذلك إلى الديون والأقساط التي غرق فيها الناس..حتى أصبح كل شيء في حياتهم بالتقسيط!!
إدارة ميزانية المنزل لا يُشترط أن تكون بيد الرجل أو المرأة؛ لأنهما مكملان لبعضهما بقدر ما يحتاج كلاهما لتفهم هذه الميزانية، ولا بد أن يكون هناك إدارة للصرف والترشيد؛ لأن الترشيد أمر ضروري وخصوصاً في وقتنا هذا، وذلك للارتفاع الملحوظ في بعض الأشياء المهمة من ناحية القيمة..
ويحاول رب الأسرة تنويع الدخل، وعدم الاقتصار على المرتب الشهري، ومحاولة العيش بالدخل الإضافي، ويحاول أن يضع دخلاً ثابتاً..بحيث يكون هذا الدخل خاصاً بالأزمات..
وأمّا دور الأم فهو بالتأكيد ضروريّ في توعية وترشيد الأبناء داخل المنزل، وعليها تحديد الأولويّات، فهناك ما يجب شراؤه..وهناك ما يمكن الاستغناء عنه..وهناك أيضاً..ما لا حاجة إليه البتة..
وكذلك فإن السلوك الاستهلاكي للأسرة له دور بارز في تحديد هذه الميزانية؛ إذ إن بعض الأسر يكون سلوكها قائماً على التبذير وإلزامية الحصول على أيّ مطلب من أي فرد من أفرادها..وإذا تناسب هذا السلوك عكسياً مع مستوى الدخل فإن الأسرة في هذه الحالة سوف تواجه عدداً من الأزمات المادية والمعنوية..
ومشاركة الطفل للعائلة في كيفية الصرف على بعض الأشياء، ولو كانت بسيطة تدربّه على تحقيق واكتساب حسن إدارة صرف ميزانيته..
ومن هنا يتضح أن للأسرة وتعاونها دوراً قوياً في الترشيد والادّخار
ـــــــــــــــــــ(100/36)
مُبارك النجاح مقدّماً.. مع الطلبة
عبدالفتاح الشهاري 12/4/1427
10/05/2006
مع اقتراب الامتحانات يبدأ الطلاب في حشد أكبر وقت ممكن لعمليّة المذاكرة تمهيداً لاجتياز معركة الامتحانات بنجاح وتفوّق, وتبدأ معه عملية شحن العقول بالمعلومات المختلفة والمتنوعة بحسب مقرّراتهم ليتم استدعاؤها في لحظات الإجابة عن أسئلة الامتحانات؛ حيث "يكرم هناك المرء أو يهان", ولمساعدة الطلاب على اجتياز هذه المرحلة الحرجة المتكررة في كل عام, كرّس العديد من العلماء جهودهم لاستخلاص أنجع الوسائل المساعدة في النجاح والتفوق، والوسائل المثلى في المذاكرة والاستذكار, ومن بين الطرائق التي استخلصت مؤخراً طريقة رائدة سُمّيت بالطريقة الخماسية وتختصر إلى كلمة (PQRST)، وقد أجمع عليها العلماء في جميع أنحاء العالم، وأثبتت الدراسات على أنها أسهل وأضمن طريقة أثناء الامتحان.. وخطوات هذه الطريقة هي: (حسب ترتيب الحروف بالإنجليزية) (PQRST): الإلمام بالموضوع ككل Preview – طرح الأسئلة Question – القراءة Read – التسميع الذاتي Self-Recitation - اختبار الذاكرة Test. وسنحاول تفصيل كل خطوة من هذه الخطوات:
1- الإلمام بالموضوع ككل Preview:
يميل العقل البشري إلى إدراك الموضوع ككل، وهذه الطريقة تسهّل إدراك الأجزاء؛ فكل جزء مرتبط بالأجزاء الأخرى.. وبالموضوع ككل عضوي متكامل، وبذلك تتشابك التفاصيل معاً، وتترابط الأجزاء، وتصبح كلاً متكاملاً، وهذا الكل ليس مجموع الأجزاء فحسب، ولكنه يضيف إليها علاقتها، وأهمية كل منها، وما هو المهم والأهم، والأكثر أهمية، وبذلك يثبت الموضوع كاملاً في الذاكرة، ويصبح من السهل تذكره؛ لأنه بمجرد ظهور جزء -ولو بسيط في ذهن الشخص- تداعت بقية الأجزاء واضحة جليّة، فيختار منها الطالب ما يشاء ليجيب به أثناء الامتحان، ولنضرب لذلك مثلاً: إذا أردت استذكار موضوع في الجغرافيا عن نيجيريا، فيجب عليك أن تتصفح الموضوع ككل دون أن تتوقف عند التفاصيل، وفي هذه المرحلة الأولية أو مرحلة القراءة السريعة يكفيك أن تعرف أن نيجيريا تقع في قارة أفريقيا، وأنها على المحيط الأطلسي، وأن عاصمتها لاجوس، وأن حدودها كذا وكذا، ومناخها وتضاريسها، ... إلخ هذه النظرة الشاملة إلى الموضوع ككل، والانتقال السريع من عنوان جانبي إلى الذي يليه، يؤهل العقل لكي يصبح جاهزاً لاستقبال المعلومات الخاصة بهذا الموضوع؛ بل ويثير فيه الكثير من الأسئلة والاستفسارات.
2- طرح الأسئلة Question:
العقل البشري مجبول على الاستكشاف، ومعرفة ما يجهله، فتواصلاً مع المثال السابق، سيبدأ العقل في طرح عدد من التساؤلات، فمادامت هذه الدولة (نيجيريا) بها الكثير من الثروات الطبيعية، فلماذا تُعتبر من الدول المتخلّفة؟ وما أسباب هذا التخلف؟ ثم تبدأ تتوارد الأفكار حول الأسباب التي قد يفكّر فيها العقل، ويبدأ فضوله بتلهّف لإدراك ومعرفة المزيد من التفاصيل.
3- القراءة Read:
أثناء استثارة العقل حول ما طرحه من أسئلة عن هذا الموضوع هنا ستكون القراءة مفيدة وذات قيمة، وشائقة بالنسبة للقارئ، مما يجعله يقبل على دراسة الأجزاء الصغيرة، والتفاصيل بنهم لإشباع جوعه للمعرفة، والقراءة هنا يجب ألاّ تكون قراءة سريعة كالتي حدثت في الخطوة الأولى؛ بل إن القراءة هنا يجب أن تكون متأنّية تجعل الطالب يقف عند كل نقطة ويرى علاقتها بالنقاط السابقة واللاحقة، وما مدى أهميتها بالنسبة لغيرها من النقاط حتى ترتبط جميع نقاط وأجزاء الموضوع بعضها ببعض وتتشابك.
4- التسميع الذاتي Self-Recitation:
عملية القراءة تنقل الموضوع من المخازن الحسية (والتي لا تبقى فيها المعلومات إلا لثوانٍ معدودة) إلى الذاكرة القصيرة الأمد (والتي تظل فيها المعلومات لبضع دقائق) ومع التأني في القراءة والفهم وتفهم المعلومات ومعرفة أهمية التفصيلات، فإن ذلك يساعد على انتقال هذه المعلومات إلى الذاكرة الحديثة Recent memory والتي يمكن أن تظل فيها المعلومات لمدة ساعات، أو أسابيع وربما شهراً أو شهرين.
ولكي تتثبت المعلومات في هذه الذاكرة الحديثة، وتظل فيها لأقصى مدة ممكنة يجب على الطالب بعد قراءة الموضوع أن يستعيد ما قرأه بينه وبين نفسه ليرى ماذا فهم، وماذا ظل في ذهنه من معلومات بعد قراءة الموضوع، ويُستحسن أن يكتب النقاط التي قد رسخت في عقله بعد هذه القراءة، ثم محاولة مراجعتها على ما هو موجود في الكتاب، فإذا كان قد فاته شيء، فليعاود قراءته، وإن وجد نقاطاً غير مفهومة فليعد ويحاول فهمها، وقد يستعين في ذلك بكتاب آخر في نفس الموضوع، أو بسؤال أحد زملائه ممن يتوسم فيهم النباهة، أو قد يحمل هذه النقاط التي لم يستوعبها إلى المدرسة في اليوم التالي ليستفسر عنها من أحد أساتذته.
5- اختبار الذاكرة Test:
عندما يتم الانتهاء من العمليات الأربع السابقة، تكون قد استذكرت الموضوع تماماً، لذلك يجب أن تستريح بعض الوقت ربع ساعة مثلاً، ويستحسن أن تسترخي على كرسي مريح، ولا تستذكر أي شيء آخر حتى لا تتداخل المعلومات، وتعطي الفرصة لذهنك للراحة بعد عناء الاستذكار، ويُستحسن ألاّ تشوّش ذاكرتك سواء بالاستماع إلى الإذاعة أو مشاهدة التلفزيون أو الدخول في مشكلة عائلية، وبعد فترة الراحة هذه تبدأ المرحلة الخامسة وهي مرحلة حلّ الاختبارات.
وفي معظم الكتب هناك أسئلة عند نهاية كل موضوع ليختبر الطالب بها نفسه، وحلّ هذه الأسئلة من الأهمية بمكان؛ لأنه بوساطتها يمكن معرفة ما قد رسخ في ذاكرتك من معلومات، لذلك يجب عليك أن تحلّ الأسئلة كتابة، ثم مراجعة هذه الحلول على ما هو مكتوب في الكتاب، وإعادة استذكار النقاط التي لم تثبت في ذاكرتك، وتحتفظ بالنقاط التي فاتتك ولم تستوعبها جيداً؛ لأنك بالتركيز هذه المرة على النقاط التي وجدت نفسك ضعيفاً فيها سوف يتم تثبيتها هذه المرة في ذاكرتك فلا تمحى أبداً إن شاء الله.
تنظيم جداول للمذاكرة
قد تكون جداول المذاكرة أمراً غير مجدٍ نفعه؛ لأن الوقت الذي يضيعه الطالب في وضع هذا الجدول يمكن الاستفادة منه في المذاكرة نفسها، ثم إن تطبيق هذا الجدول غالباً ما يكون شبه مستحيل؛ فربما يأخذ موضوع ما وقتاً أطول من الوقت الذي هو مخصص له، أو وقتاً أقصر، وعندما يحدث ذلك يترك الطالب المذاكرة ويبدأ ثانية في عمل جدول جديد، وهكذا يضيع الوقت في تكرار عمل الجداول، ويستغرق ذلك وقتاً أطول من الوقت الذي يقضيه الطالب في المذاكرة نفسها.
ومع ذلك فلا بد من أن يكون هناك نوع من التنظيم، بمعنى أن يوزع الطالب ساعات وأيام المذاكرة بين المواد المختلفة توزيعاً شبه عادل، حتى لا يترك مادة أو موضوعاً دون وقت مخصص لمذاكرته.
التشابه والاختلاف بين المواد
لقد وُجد أن مذاكرة موادّ متشابهة أمر قد يصيب الطالب بالملل، وإذا أُصيب الطالب بالملل فإنه لن يتقبل أي معلومة، أو يستوعبها، بل قد يصيبه النعاس، وعكس ذلك الموضوعات المختلفة التي تساعد على تنشيط الذاكرة والذهن، لذلك وعند عمل جدول أو تنظيم للمذاكرة يجب مراعاة أن يشتمل اليوم على مادتين أو ثلاثة على أكثر تقدير، وتكون كل مادة منها مختلفة تماماً عن الأخرى، فبعد دراسة الرياضيات مثلاً ابتعد تماماً عنها، وعن أي موادّ علمية، وأفصل بينها بمذاكرة مادة نظرية كالتاريخ أو اللغة، وهكذا..
المذاكرة الفرديّة والمذاكرة الجماعيّة
لا يمكن تفضيل طريقة على أخرى فلكل طريقة مزاياها ولكل طريقة عيوبها، والاختيار متروك للطالب، ومتوقّف على شخصيته، وتكوينه الداخلي، والمدى الذي يصل إليه في علاقاته الشخصية.
وبشكل عام فإن الاستذكار المفرد يساعد على التركيز، ويعطي حرية أكبر للطالب لكي يختار ما يريد استذكاره، وينتقل بين الموضوعات التي عليه استذكارها في اليوم الواحد كما يشاء، ولكن عيب الاستذكار المفرد هو سرعة الملل، مما يجعل النعاس يغلب عليه، وقد يسرح الذهن وينشغل في أمور ومواضيع لا علاقة لها بالمذاكرة.
أما المذاكرة الجماعية فقد تشحذ الذهن، وتوجد حالة من التنافس بين الزملاء؛ مما يزيد من حالة التيقّظ عند كل واحد منهم، ومع ذلك فهناك وقت ضائع في عملية المذاكرة الجماعية في حضور الزملاء للمكان الذي اتفقوا للقاء فيه للاستذكار، كما أنه مهما بلغ حرص الجميع على توخي الحذر والالتزام فلا بد أن يكون هناك وقت مستقطع في أحاديث جانبيّة، لا علاقة لها بالدروس التي جاؤوا لاستذكارها. فإن كان ولا بد للطالب من الاستذكار مع أترابه فلا مانع من ذلك على أن يكون العدد يتراوح ما بين ثلاثة إلى خمسة على أكثر تقدير، حتى يمكن السيطرة على الأوقات الضائعة، كما يجب الاتفاق من أول يوم على طريقة المذاكرة، وعلى الموضوعات التي يريدون استذكارها معاً.
ـــــــــــــــــــ(100/37)
لهفي عليك يا نصف المجتمع..!!
أمريكا/ منيرة ناصر أل سليمان 4/4/1427
02/05/2006
من يكفكف همّي؟
كيف السبيل لأعتق قلمي ونفسي من هذه المرارة الطاغية؟!
كيف أبدّد هلعي من قادم الأيام؟
في كل مرة أقرأ لهن تتملكني تلك المشاعر المقلقة! لا أخشى عليهن، وقد تضاعفت سنواتهن العمرية، وبدأن مرحلة الهامشية في الحياة!! لكن لهفي على زهرات المجتمع اليانعات، خبراتهن قليلة، ووعيهن غض، وبالتالي انسياقهن لتلك الافكار سيكون سهلاً ميسوراً مالم يتحصنّ بالتربية الإسلامية القوية!
ليتهم وهم يستلّون أقلامهم يعلمون أنها سيوف من نوع آخر!
ليتهن (تحديداً) يفقن من هذا الاقتراف العجيب!
ليس كل أحد يستطيع أن يتصدى للكتابة عن الدين!
ويخوض في مسائله وأحكامه، وهو فيما يبدو قليل الفهم فيه!!
ليتها-وهي تتجرأ بهذا الطرح- تتذكر أنها محاسبة على كل حرف كتبته، وليتها-بالتالي - تحاسب نفسها قبل أن تطلق قلمها راكضاً من بين أناملها حاملاً فكراً غريباً وغربياً أيضاً.
لِمَ بالذات في هذا الوقت يكثر الناعقون بمثل هذا الطرح المخيف والجدل الغريب؟
لكأن أقلامهم انفكت دفعة واحدة بلا لجام يحدّ منها!!
أقلام كثيرة تدافعت بقوة عجيبة كلها تريد أن تتسلق سلماً وهمياً من الشهرة والمجد المزيف!! حتى لو كان ذلك على حساب الدين والخوف من الله تعالى.
ترى هل مر عليكم وعليكن قوله تعالى: (مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ). [قّ:18] أو قوله صلى الله عليه وسلم: "إنّ الرجل ليتكلم بالكلمة من سخط الله لا يلقي لها بالاً يهوي بها في النار أبعد مابين السماء والأرض".
أم أنكم أيضاً تريدون إعادة تفسير هذين النصين ليتواءما مع روح العصر وتقدمه كما تردّدون؟ (ولاحول ولاقوة إلا بالله العلي العظيم).
جرأة عجيبة ليست مستغربة لو تلفظت بها كافرة تسعى للنيل من الدين!! لكنها قاتلة، وهي تنفث من فم مسلمة تقول: إنها تخشى الله تعالى وتخافه!!
ترى أنه يجب إعادة تفسير النص! وترى أن التفسير السابق كان يختص بزمن معين ومناسبة خاصة، وعليه يجب أن يتبدل ذلك التفسير ليتطابق مع روح العصر!! يجب أن يتماشى الموروث مع العصر!!
جملة خطيرة لم تدرك من تقذفها حجم الخطر الذي يحيطها هي بالذات!
فهل تسعى إلى إعادة تفسير آية الحجاب بالمرة من جديد؟!
ماهو التفسير الآخر لقوله تعالى: (وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى).[الأحزاب: من الآية33]؟ وقوله تعالى: (وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ).[النور: من الآية31] ) وقوله تعالى: (وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعاً فَاسْأَلوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ) [الأحزاب: من الآية53].
ماهو التفسير الذي يجب أن يواكب العصر لحديثه صلى الله عليه وسلم وعن حمزة بن أبي أسيد الأنصاري عن أبيه أنه سمع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول للنساء، وقد اختلطن بالرجال في الطريق: "استأخرن فإنه ليس لكن أن تحققن الطريق، عليكن بحافات الطريق"، فكانت المرأة تلتصق بالجدار حتى إن ثوبها ليتعلق بالجدار من لصوقها به .
وعن نافع عن ابن عمر – رضي الله عنهما– أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: "لو تركنا هذا الباب للنساء؟" قال نافع: فلم يدخل منه ابن عمر حتى مات. رواه أبو داود
وقوله صلى الله عليه وسلم: "إياكم والدخول على النساء يعني الأجنبيات فقال رجل من الأنصار: يا رسول الله أفرأيت الحمو؟ قال الحمو الموت".
كل هذا والصحابة والصحابيات أقوى إيماناً وأطهر قلوباً، ومنهم من بُشّر بالجنة؟ الكثير من الأدلة التي ليس لها إلا تفسير واحد كلها تردّ على المطالبات بدور أكثر فاعلية للمرأة السعودية المسلمة تريد أن تؤدي المرأة حقوقها المشروعة!!
وماهذه الحقوق؟ أن تكون عضواً في مجلس الشورى، في مجلس البلدية بل وزيرة فهي نصف المجتمع؟ تريد أن تختلط بالرجال فلا مجال للخوف منها وعليها!! بمعنى حيث يكون الرجل لابد أن تكون هي أيضاً؟
فماذا عن الأدلة السابقة؟ وماذا عن الفرق بين المسلمة والكافرة؟ بل إن غير المسلمة الآن تحلم بالجلوس في البيت فلا تستطيع كحلمك تماماً في الخروج الأكثر تحرراً!!
صدقوني أشعر بالهلع وأنا أرى هذا التكشف والعري وفساد الاخلاق الذي عليه المرأة التي تمثل النموذج للمطالبات بحرية المرأة في بلادنا، أخشى ما أخشاه هذا التدرج الذي تدفعون المجتمع إليه، ولكن ماذا لو جاءتك ابنتك بصديقها الى البيت فهل هذه هي الحرية؟! ماذا لو أشعلت سيجارتها في وجهك فهل هذه هي الحرية؟ ماذا لو هاتفتك من الخارج دون علمك فهل هذه هي الحرية؟! وماذا لو طالبت بنت الحسب والنسب أن تخرج في ثياب عارية فهل هذه هي الحرية التي تطالب أمها بها؟!
اتقوا الله تعالى، فإن لم تخفن على بناتكن وأولادكن فنحن نخاف عليهم كثيراً جداً.
ردّكن الله تعالى إلى الصواب، وهداكن وأقلامكن إلى الحق
ـــــــــــــــــــ(100/38)
عصبيّة المرأة .. محاولة لإثبات الذات أم ضغوط الحياة؟
د. ليلى بيومي 1/4/1427
29/04/2006
صارت العصبية الناتجة عن الانفعال الزائد ظاهرة في مجتمعاتنا العربية، وترتب على هذه العصبية سلوكيات كثيرة ومواقف سلبية.
فهل العصبية والانفعال صفتان ملازمتان للمرأة أكثر من الرجل؟ وهل الفتاة أكثر عصبية من المرأة المتزوجة؟ وهل يعاني الرجال في مجتمعاتنا العربية من عصبية الزوجات وانفعالهن؟ وهل من علاج للعصبية؟
• تقول سلوى وهبي (مدرسة ثانوي): أنا من صغري يُقال عني إنني حادة، وعصبية المزاج، وحينما كبرت وعرفت الحياة اكتشفت أنني عصبية فعلاً.
وبسبب هذه العصبية تعرضت لمشكلات كثيرة في حياتي الزوجية، وفي عملي، وكانت لي زميلة وكيلة مدرسة تكبرني بعدة سنوات، لكنها كانت هادئة ورزينة، وتتصرف بحكمة، ولم أشاهدها عصبية أبداً، فأحببتها وتعلّمت منها كثيراً، وكانت بحكم عملها لها مسؤوليات كثيرة متعددة، وكنت أقترب منها حينما تتعرض للمشاكل فأجدها تصمت صمتاً طويلاً، وتأخذ نفساً عميقاً عدة مرات، وإذا احتدّ الذي أمامها لا تردّ عليه، وتركن إلى الهدوء. فتعلّمت منها ذلك، وأخذت أطبقه على نفسي، وقد استغرق الأمر مني عدة سنوات استطعت تمرين نفسي على كظم الغيظ ولجم الانفعالات وتوسيع الأفق.
ولاحظ الجميع ذلك، وكان أولهم زوجي الذي سُرّ سروراً بالغاً من ذلك، فصرت إذا احتدّ هو أصمت أو أرد بكلمات هادئة، وسرعان ما يهدأ هو الآخر، وتمر الأزمة على خير، وزملائي أيضاً لاحظوا ذلك وحدثوني عنها.
* أما فوزية إمام (موظفة) فتقول: زوجي إنسان طيب ولكنه عصبي، وكنت لا أتحمل عصبيته، فأرد عليه بعصبية، فتحدث مشكلات كثيرة بيننا. حتى طلقني في إحدى مرات الغضب. وعدت إلى بيت أهلي، ومكثت فيه شهوراً كانت أسوأ فترة في عمري، وتعلمت فيها الكثير والكثير، وعاهدت الله أنني لو عدت إلى زوجي فسوف أتحوّل إلى إنسانة جديدة. وفعلاً تدخّل بعض الأصدقاء، وتم الصلح، وعدت إلى زوجي، ومن يومها لم يحدث أي خلاف بيننا، فقد عاهدت نفسي ألاّ أردّ عليه في حال غضبه، وأن أتحمل في سبيل إنجاح زواجي والمحافظة على بيتي وأولادي. لقد كنت في البداية أتحمل وأنا أعاني، وبعد ذلك صارت الأمور أسهل وأصبح من عادتي ألاّ أتعصب أو أرفع صوتي.
* أما خيرية مسعود (مهندسة) فتقول: أعمل في مصلحة حكومية يكثر فيها الدس والوقيعة والنميمة ومشكلات العمل، وكنت في البداية لا أطيق ذلك فأنفعل وأغضب لأتفه الأسباب. فحدثت لي مشكلتان:
المشكلة الأولى في العمل، حيث خسرت من جراء ذلك الكثير، ولم يتم ترقيتي، وتم ترقية من هم أحدث مني بدعوى أنني عصبية، ولا أجيد التعامل مع المشكلات.
والمشكلة الثانية كانت نتيجة المشكلة الأولى، وهي أنني مرضت مرضاً شديداً لدرجة أنني أنفقت كل مدخراتي من أجل العلاج منه، فقرّرت ألاّ أنفعل مهما حدث لي من مشاكل، وقلت لنفسي: صحتي أهم من كل شيء. والحمد لله مضت أكثر من خمس سنوات، ولم يعاودني المرض، وأصبحت أتجاهل مشكلات العمل، وتغير حكمي على الأمور، وتحسّنت علاقتي بزملائي ورؤسائي، وفوّضت أمري إلى الله، وأصبحت أتمتع بهدوء نفسي أجد سعادتي فيه.
ـــــــــــــــــــ(100/39)
هل أنصفت الصحوة الإسلاميّة المرأة أم ظلمتها؟
د. ليلى بيومي 11/3/1427
09/04/2006
جاءت الحركة الإسلامية في العالم العربي، والتي يمكن تأريخها بعام 1928 م، وهو العام الذي نشأت فيه جماعة الإخوان المسلمين، والتي حولت المفاهيم والرؤى الإسلامية التي تبلورت على أيدي الأفغاني ومحمد عبده ورشيد رضا، إلى واقع متحرك ومحسوس في حياة الناس .. وقد جاء ذلك بعد اندثار دور المؤسسات الإسلامية الرسمية بعد أن عانت من الشيخوخة، ومن التضييق المقصود عليها من قبل الحكومات المحلية والاستعمارية.
وقد جاءت الحركة الإسلامية بأفكار جديدة وأدوار جديدة، ومن هذه الرؤى والأدوار ما تعلق بالمرأة المسلمة. وأجود ما تبنته الحركة الإسلامية في هذا القبيل هي كتابات منظري هذه الحركة عن تحرير المرأة بالإسلام في مقابل مفهوم التحرر العلماني الذي طالما نادى بتحرير المرأة من الإسلام.
وقد جاء حجاب المرأة كالطوفان الهادر في كل أرجاء العالمين العربي والإسلامي ليعلن بوضوح أننا نعيش فعلاً عصر الحركة الإسلامية.
وقد شاركت المرأة داخل الحركة الإسلامية في الانتخابات التي خاضتها فصائل كثيرة لهذه الحركة في العديد من البلاد العربية، كما شاركت في المظاهرات المطالبة بالإصلاح والديموقراطية ورفض العدوان الخارجي على الأمة.
ومن الأدوار الأساسية التي لعبتها المرأة في الحركة الإسلامية دورها في المجال الخيري التطوعي، سواء من خلال المساجد أو من خلال الجمعيات الخاصة أو حتى العمل الفردي بدون الانخراط في الجمعيات.
والمتابع، مثلاً للشأن المصري، يلاحظ أنه في العقد الأخير نمت هذه الحركة نمواً كبيراً بين نساء الحركة الإسلامية.. فهناك مساعدات اجتماعية وعلاج للمرضى الفقراء، ومساعدة في تزويج الفتيات اليتيمات، وتبرعات من القادرين يتم توصيلها للفقراء والمحتاجين.
كما لا يمكن إنكار الجهود التعليمية والتثقيفية التي تتم في المساجد على يد النساء لبنات جنسهن؛ حيث تعقد الندوات والدورات التعليمية وحلقات حفظ القرآن وتعليم التجويد .. الخ
ولا يمكن إغفال ما تقوم به المرأة في الحركة الإسلامية من دور هام لا يقوم به غيرها من مقاومة مخططات الأمم المتحدة ودعاوى الجندر، وبرامج الأسر التي تروّج لها المنظمات الماسونية والتغريبية من أجل هدم الأسرة التي افتقد الغرب دورها في حياته وانهار أخلاقيًا، فيريد تعميم الأمر على مجتمعاتنا الإسلامية، عبر الترويج لنشر الثقافة الإنجابية للفتيات دون سن الزواج، والدعوة إلى نشر الاختلاط في المدارس المتوسطة، ودمج المرأة في العمل لمحاولة زحزحتها عن دورها الحقيقي.
فقد برز دور إيجابي للعديد من المثقفات داخل الحركة الإسلامية في التصدي لهذا الملف وتفنيده على الأرضية الإسلامية.
وهكذا فإن الحركة الإسلامية، بالقياس لحال الواقع، هي حالة متطورة ومتقدمة، لما تحمله من مشروع في الإصلاح وتغيير هذا الواقع، وبهذه القاعدة فإن الحركة الإسلامية كأطروحة في التغيير تمثل عامل إنهاض للمرأة في واقعنا العربي الإسلامي.
أي أن الحركة الإسلامية ساهمت، ولو بنسبة ضئيلة في النهوض بالمرأة؛ إذ أولتها الاهتمام، وإن لم يكن بمستوى الطموح.
قيود المجتمع فرضت نفسها
ولكن على الرغم من هذا النجاح المحدود، إلا أن جملة ما تحقق للمرأة على يد الحركة الإسلامية، إنما هو قليل ونادر، ولا يُقارن بالمنتظر من هذه الحركة، التي هي طليعة لمجتمعها، وكنا نأمل وننتظر منها الكثير الذي لم يتحقق.
ومن السهل جداً أن نرصد ضعف برامج تأهيل المرأة، وتنمية مواهبها، وتفعيل طاقاتها، داخل الحركة الإسلامية، بالإضافة لنقص في الحوافز ومحدودية في الطموح. وكان يجب على قادة العمل الإسلامي الانتباه إلى ذلك، والعناية ببرامج تأهيل المرأة ودمجها وتفعيل دورها داخل الحركة أولاً، ثم داخل المجتمع ثانياً. ولكن يبدو أن هؤلاء القادة استسلموا للظروف والأعراف التي تفرضها المجتمعات، ولم يحاولوا تطويرها أو التغلب عليها.
كما أن هناك أمراً مهماً وهو أن المرأة التي عُرف عنها النشاط والفاعلية، ما أن تدخل مرحلة الحياة الزوجية حتى تُصاب بالذبول والجمود، نحن لا ننكر أن الحياة الزوجية تفرض العديد من الالتزامات والواجبات، وتأخذ الكثير من الوقت والجهد، لكن لا تصل في كل الحالات إلى درجة أن يتوقف كل نشاط وفاعلية المرأة. وكان يجب على الحركة الإسلامية أن تقدم القدوة، وتدخل داخل نطاق هذه المشكلات، وتقترح الحلول، كتبنّي الإشراف على دور الحضانة، ومؤسسات التعليم في مختلف الأحياء، وتقدّم خدماتها للمرأة؛ لتوفر لها الوقت الذي يسمح لها بالعمل الإسلامي المبدع.
وفي هذه النقطة فإن الظروف المجتمعية كانت غالبة، والحركة الإسلامية استسلمت لها.
وهناك أيضاً ضعف عام للمشاريع النسائية الاجتماعية والثقافية والتربوية، إما لعدم قدرة المرأة الاعتماد على ذاتها، أو لضعف الحالة التعاونية بين النساء، أو لنقص في الدعم المادي والمالي لهذه المشاريع، أو لضعف القدرات القيادية والإدارية أو لأسباب أخرى.
وكان يجب على الحركة الإسلامية الاهتمام بذلك والتفكير في مشاريع تستوعب الكفاءات النسائية، وتوفر لهن أجواء العمل والإبداع، واكتساب المهارات القيادية.
وإذا كانت مجتمعاتنا العربية عموماً تعاني من ضعف الحالة التعاونية بين النساء، وتفشي ظاهرة الخلافات والنزاعات بينهن، فكانت الحركة من خلال المشاريع السابقة يمكن أن تدشن لأساليب جديدة في الإدارة والتعاون بين نساء الحركة.
وإذا كانت المرأة العربية عموماً لديها إحساس بتبعيتها للرجل في كل شيء إلى درجة إحساسها بالعجز في اعتمادها على ذاتها، وتخطي مشاكلها، والانطلاق بقدراتها الذاتية، فإن الحركة الإسلامية لم تقدم الفرصة، ولم تصحّح الخطأ، من خلال البعد الثقافي، في المنشور والكتاب والمجلة والصحيفة و(الكاسيت)... الخ، فضلاً عن أنها لم تقدم النماذج العملية التي تبرهن على هذا التصور الثقافي.
إن العمل الإسلامي النسوي إنما ينجح ويثبت وجوده في الساحة يوم يفرز زعامات نسائية إسلامية، في ميادين الدعوة والفكر، والعلم، والأدب، والتربية.
وسبب عدم وجود أعداد كافية من النساء المؤهلات، هو أنه يُحال بين النساء، وبين اكتسابهن لبعض المهارات اللازمة للعمل السياسي. فلو أعطينا النساء بعض التشجيع، وأفسحنا أمامهن بعض المنافذ ـ كما هو الأمر بالنسبة للرجال ـ عندها سيتخرج نسوة ذوات أهلية.
المسألة ذات علاقة بالأصول الاجتماعية والثقافية لأبناء الحركة الإسلامية أنفسهم الذين ينحدرون في معظمهم من الطبقات الفقيرة والمتوسطة، حيث لا يزال دور المرأة محدوداً وثانوياً وتابعاً في معظم الأحوال.
مشكلة العمل الإسلامي النسوي، أن الرجال هم الذين يقودونه، ويوجهونه، ويحرصون على أن يظل زمامه بأيديهم، فلا يدعون فرصة للقيادات النسائية أن تبرز؛ لأنهم يفرضون أنفسهم فرضاً، حتى على الاجتماعات النسوية، مستغلين حياء الفتيات المسلمات الملتزمات، فيكتمون أنفاسهن، ولا يتيحون لهن قيادة أمورهن بأنفسهن، فتبرز منهن مواهب يفرزها العمل، وتصهرها الحركة، وتنضجها التجربة والكفاح، وتتعلم من مدرسة الحياة والممارسة بما فيها من خطأ وصواب.
وليس من الصواب أن نقول إن الحركات الإسلامية لم تنصف المرأة؛ لأن كل هذه الحركات على اختلاف ألوانها تنطلق من منطلق إسلامي، والإسلام أنصف المرأة، ولكن نستطيع أن نقول: إن الحركات الإسلامية نجحت نجاحاً محدوداً في الأخذ بيد المرأة، وهذا يبدو جلياً في العودة إلى الحشمة والالتزام بسمات الزي الإسلامي، ولكننا نرى أن المرأة مغيبة تماماً عن الدور الفعال داخل الحركات الإسلامية.
المرأة ما زالت غائبة عن صنع القرار داخل الحركة الإسلامية، فهي مثلاً غير ممثلة في مكتب إرشاد جماعة الإخوان المسلمين، كبرى الحركات الإسلامية. حتى حينما ترشح الجماعة رموزاً منها للانتخابات فإنها تختار امرأة أو اثنتين فقط، ذراً للرماد في العيون.
ولا شك أن هذا غريب؛ لأن حركة الأخوات المسلمات في مصر، قد شُكّلت كجماعة مستقلة من قبل السيدة زينب الغزالي وغيرها قبل أن تنضم إلى جماعة الإخوان المسلمين. ونفس التركيب التنظيمي يتواجد في الجماعة الإسلامية في باكستان، وفي أغلب الجماعات الإسلامية.
محاولات لتطوير التفكير
إن المتابع لأدبيات الحركة الإسلامية يلمح أن ثمة تحولاً في الخطاب الإسلامي في العقد الأخير؛ إذ يذهب هذا التحوّل إلى أن مشكلة المرأة ومسؤولياتها الدينية، وحقوقها فيما يتعلق بالتعليم والعمل والمشاركة في الحياة العامة، أصبحت مواضيع تطرح داخل الصف الإسلامي، في العشر سنوات الأخيرة، على مستوى مختلف عن المستوى الذي عالجه به العلماء والمفكرون الإسلاميون في أثناء الرد على المتغربين، وما كان يُثار من شبهة على الإسلام حول التعدد والحجاب وحقوق النساء.
الفكر الإسلامي المعاصر أخذ ينتقل في تناوله لموضوع المرأة من الرد على الشبهة التي ألقاها الغرب والعلمانيون العرب على موقف الإسلام من الموضوع إلى محاولة بلورة صيغة ترتكز إلى الأصول الإسلامية، وتجيب، أو تتجاوب مع حاجات الأمة الإسلامية في هذا العصر. وهذا ما جعل الفكر الإسلامي يعالج هذا الموضع الهام والأساسي والحساس على جبهتين: جبهة الصراع مع التحديات الآتية من الخارج، وجبهة الصراع فيما يثيره من خلافية في الداخل الإسلامي نفسه.
الفكر الإسلامي المعاصر أخذ ينتقل في معالجة مشكلاته من زاوية النظرية إلى زاوية التطبيق. وهذا الانتقال يقرّب الفكر الإسلامي معرفياً ومنهجياً إلى الواقعية في مقابل المثالية، وإلى التبيين مقابل الإجمال، والى التدرّج مقابل التعجيل.
والصحوة الإسلامية الناهضة في الأمة تثير رياح التغيير والإصلاح والتجديد في أحوال وأوضاع المجتمعات العربية والإسلامية، خصوصاً تلك التي كان يلفها الركود والجمود، ومنها قضية المرأة.
وتعالت كذلك أصوات المرأة التي تطالب بإصلاح أوضاعها، ونقد المفاهيم والموروثات، والتقاليد التي تعرقل مشاركتها الفاعلة في القضايا العامة، كما باتت توجه نقدها إلى الرجل في طريقته الاستبدادية، وتطالب بمكانتها التي تليق بها كما حددها لها الإسلام.
ونستطيع أن نرصد أيضاً تراجع وانحسار التيار التقليدي فكرياً واجتماعياً، وهو المتصف بالتمسك بالموروثات والتقاليد التي ترتبط بقضايا المرأة.
ولا نستطيع أن ننكر أن الاهتمام العالمي بقضايا المرأة كان يبعث حوافز كثيرة عند المرأة المسلمة ابتداء من إحساسها بظروفها ومشاكلها، إلى ضرورة الارتقاء بكفاءاتها.
ولكي نكون منصفين فإن الضعف في جانب المرأة لا يقتصر على الحركة الإسلامية، بل هو يشمل واقع المرأة في مختلف القطاعات والمؤسسات، وحتى الدول والمجتمعات. وقد جاء في العديد من تقارير للأمم المتحدة حول وضع المرأة في العالم، أن وضع المرأة في العالم لا يزال يعاني من ضعف، وإن مستويات التقدم لا تزال متواضعة
ـــــــــــــــــــ(100/40)
رحلة (الثّقة) من الخطوبة إلى الزواج
د/ خالد سعد النجار 3/3/1427
01/04/2006
مشكلة الشك والظنون وعدم الثقة بين الزوجين مسألة في غاية الخطورة, فكم من الأسر تفككت أو هي في طريقها إلى ذلك!! وكم من المتاعب والمشاكل التي تواجهها بسبب ضعف أو فقدان الثقة بين الزوجين، الذي يتبعه عادة ازدياد الشك والقلق بينهما، وتفسير التصرفات المعتادة على هذا الأساس!! فالمرأة سواء هنا أو هناك عندما تضعف ثقتها في زوجها تفسر تصرفاته بوجود امرأة أخرى في حياته. بل تبدأ بتفسير تصرفاته وفقاً لهذا الاعتقاد, ومع الوقت تتحول الحياة بينهما إلى جحيم. والرجل في ذلك لا يبتعد كثيراً عن المرأة؛ لأنه هو الآخر إذا ضعفت ثقته في زوجته بدأ بالتضييق عليها ومراقبة كل سلوكياتها، والتدخل في كل خصوصياتها؛ مما يؤدي إلى نفورها منه.
وقد تنهار الثقة بين الزوجين لأسباب منها:
(1) الكذب والمداراة وعدم المصارحة.
(2) كتمان أمور كل واحد منهما عن الآخر، وعدم التشاور.
(3) دخول بعض الوشاة بين الاثنين.
(4) ضعف الالتزام الديني والإيماني.
(5) وجود بعض التقلب في حياة أحدهما أو حياة الاثنين.
(6) الميل لتصديق آخر أكثر من شريك الزوجية.
(7) عدم الحكمة في بعض التصرفات.
(8) عمل أشياء مشكوك في أمرها من أحدهما أو من الاثنين.
والثقة لا تعني الغفلة, ولكنها تعني الاطمئنان الواعي, وأساسه الحب الصادق والاحترام العميق, والصدق ركن أساسي في بناء هذه الثقة.
فعلى كل من الطرفين أن يكون موضوعياً عندما يتعامل مع الآخر, وأن يتحمل المسؤولية الكاملة عن تصرفاته, ولا يحاول إلقاء اللوم أو التبعية على الآخر.. وإذا ارتكب أحد الطرفين خطأ فليعترف به, وعلى كل منهما أن يخصص وقتاً يومياً للحوار مع شريك حياته.
وعلى النقيض يُعدّ الكذب والمداراة وعدم المصارحة من أهم أسباب ضعف الثقة, فالزوجة التي اعتادت الكذب، وعدم الاعتراف بالخطأ تعطي الدليل لزوجها على ضعف ثقته بها وبتصرفاتها، وعدم تصديقها وإن كانت صادقة، والزوج الذي يكذب يعطي الدليل لزوجته كذلك, ولو التزم الزوج وكذلك الزوجة الصدق والمصارحة لخفت المشكلات بينهما.
ومع أن الآراء كلها اجتمعت على أن الصراحة هي قوام الحياة الزوجية السليمة, وأنه لا غنى عنها بأي شكل من الأشكال, كما أنها ضرورية لإيجاد التفاهم وحصول المودة, لكن اختلفت الأقاويل حول مدى الصراحة،
وتعريفها, ومدى علاقتها بالرجولة أو الأنوثة, و أمطلقة هي أم مقيدة؟، واجبة أم مستحبة؟ وما نسبتها بين الزوجين؟ أهي على مستوى واحد أم متفاوتة؟ وكيف تتحول من نعمة إلى نقمة؟
فما من شك أن الصراحة هي أساس الثقة بين الزوجين, وهي العمود الفقري في إقامة دعائم حياة أسرية سليمة خالية من الشكوك والأمراض التي قد تهدد كيان الأسرة بالانهيار, وأنه إذا ارتكزت الحياة الزوجية عليها كانت حياة هادئة هانئة, أما إذا أُقيمت على عدم المصارحة فإنها تكون حياة تعسة, يفقد خلالها كلا الزوجين ثقته بالآخر.
ولكنْ للصراحة حدود, فهي بين الأزواج ليست كما يفسرها بعض الناس بأنها صراحة مطلقة وبلا حدود؛ لأنها بهذا التعريف تُعدّ نقمة وليست نعمة, فقد تؤدي إلى تدمير الأسرة خاصة إذا كان الزوجان ليسا على درجة كافية من التفهم والوعي والثقة المتبادلة, فلا يوجد شيء اسمه صراحة مطلقة خصوصاً في الحياة الخاصة قبل الزواج, وليس من الحكمة أن يصارح أحد الزوجين الآخر بماضيه أو تجاربه الشبابية؛ لأنه حتى وإن غفرت الزوجة لزوجها فإن الزوج لن يغفر لها أبداً, ومن ثم تصبح الصراحة الإيجابية غير إيجابية عند تطبيقها على أرض الواقع, فينبت الشك بين الزوجين، ويبرز عدم الثقة، وتبدأ الأسرة بالانهيار, ومن قال: إنه يجب على الفتاة أن تسرد قصة حياتها على زوجها؟ هل هناك دليل شرعي يحض على ذلك؟ بل على النقيض أمرنا الله بالستر وليس بالفضيحة.
وما دمنا بصدد التحدّث عن مبدأ الصراحة بين الأزواج والزوجات فعلينا أن نتناول الشق الأول من الزواج، ألا وهو (فترة الخطوبة), فيجب على الفتاة ألاّ تنسى أنها ستتزوج من رجل شرقي، وأنه سيظل شرقياً مهما حصل على شهادات أو سافر إلى بعثات، فالشرقي شرقي، ولن تتغير أفكاره مطلقاً تجاه فتاته، وما ينتظر منها من نقاء وصفاء, هنا علينا تحذير الفتاة من التمادي معه في الحديث عن شخص كانت تتوقعه خطيباً، وأُعجبت به ولم تتم الخطوبة، أو قريبا تودّد إليها ولم تصدّه . فحكايات كهذه قد تؤثر في نفسيه الخطيب مما يدفعه إلى فسخ الخطبة قبل إتمام الزواج.
فالرجل الشرقي مهما أُعجب بفتاة ما، وبأفكارها ومبادئها وأسرتها, فلن يرضيه إلاّ أن يكون الأول في حياتها، حتى وإن تم الزواج فستسير الأيام صعبة بين خلافات وشجار وبكاء وتنتهي الأيام ـ المفروض أنها أيام العسل ـ إلى أيام نكد وحزن, وقد لا يضبط انفعالاته، فيصل الحال إلى الضرب والطلاق أحياناً.
وأما الشق الثاني من الزواج (بعد عقد القران) فقد أصبحت زوجته وقرة عينه، فعليكِ بالحذر, وأن تكوني الزوجة المخلصة المحبة, وأن تمدي جسور الصداقة والصراحة مع زوجك, وعليك التزام أوامر دينك, فلا يدخل قريب أو غريب في غيابه, ولا تقابلي أحد الأقارب في السوق مثلاً فتتمشي معه بحجة أنه قريبك، ثم تعودي لتصارحي زوجك, فهذه ليست بالصراحة، هذه لطمة لكبريائه وعزة نفسه، ولكي يحترم زوجك مبادئك وأفكارك, فلابد أن تحترسي لمساحة الحرية والثقة التي منحها لك الزوج, وأن ترجعي عن كل تصرف أحمق فعلته في الماضي.
وحدود الصراحة الزوجية تتمثل في مصارحة كلا الزوجين للطرف الآخر بما لا يضره أو يجرح مشاعره, أما فيما يتعلق بحياة كل منهما الخاصة البعيدة عن المنزل والأسرة والأبناء، كماضيهما أو علاقتهما بأصدقائهما أو أهليهما, فإنه لا يجب فيها المصارحة على الإطلاق, فليس من حقه بعد الزواج أن يطالبها بسرد قصة حياتها, ويطرح عليها الأسئلة التي لن تزيد إلاّ في الفرقة: كمن أحببتِ؟ ومن خطبكِ قبلي؟ ومع من خرجتِ؟ وغيرها من الأسئلة التي هي إنذار ببداية انتهاء هذه العلاقة, كذلك فيما يخص علاقتهما الخاصة مع الأهل والأصدقاء، وذلك لأن للأهل والأصدقاء أسراراً خاصة يجب ألاّ يفشيها أي طرف, لاسيما وأن معرفتها لن تنفع بل ربما تضر بهما وبأهليهما, فلذا على الزوجة التي تريد أن تحافظ على أسرتها, أن تصون سرها، ولا تبوح به لأحد, وبذلك فهي تكسب ثقة زوجها واحترام أهلها في آن واحد.
ومجمل القول: إن الصراحة ضرورية بين الأزواج، وهي الأساس السليم الذي تُبنى عليه الحياة الزوجية, وعدم توفر الصراحة بدرجة كافية بين الأزواج يُعدّ مؤشراً خطيراً لحياتهما معاً؛ إذ يفتح الكتمان باب الكذب والمواربة والمجاملة, وهذا لا يُعدّ نقطة إيجابية في الحياة الزوجية. كذلك من المهم جداً أن تكون للمصارحة الزوجية حدود؛ لأنه وإن كان الزوجان عنصرين يكمل كل منهما الآخر, إلاّ أنهما في النهاية يُعدّان شخصين مختلفين, لكل منهما حياته الخاصة وأسراره التي يجب ألاّ يطلع عليها أحد، خاصة إذا كانت تلك الأسرار لا تتعلق بحياتهما معاً، وإنما بعلاقة كل منهما بأهله وأصدقائه
ـــــــــــــــــــ(100/41)
المجتمع السعودي بعد الأسهم: ماذا بقي؟ وماذا تغيّر؟
عبدالله أبا الخيل 27/2/1427
27/03/2006
يعدّ الكثيرون أن التكالب على سوق الأسهم لا يعدو أن يكون إحدى "التقليعات" التي يمر بها المجتمع السعودي لفترة قد تطول أو تقصر، فمحلات الحلاقة والمغاسل - ومروراً بكبائن الهاتف والمطاعم- شكّلوا في وقت سابق إحدى المراحل التي مر بها المجتمع تجارياً قبل أن يتقلص عددها بعد ذلك، غير أن ما يميّز الأسهم هو أنها لا تحتاج إلى رأس مال كبير للدخول في عالمها، وهذا ما سهّل دخول فئات كثيرة من المجتمع في تجارتها، بما تحمله من معانٍ جديدة في قاموسهم الاجتماعي والاقتصادي.
وبخلاف محدودية رأس المال كانت هناك عوامل عديدة أخرى ساهمت في تشجيع الدخول إلى تجارة الأسهم؛ فالبنوك التجارية ساهمت بشكل كبير في تشجيع الناس إلى الدخول في تجارة الأسهم، وذلك بتقديمها قروضاً طويلة الأجل تُسدّد باقتطاع جزء يسير من راتب المُستلف، وقد تبدو في هذه الحالة بعض مشكلات التعامل الخاطئ مع الأسهم؛ إذ يمكن للمضارب أن يخسر كل رأس ماله خلال أيام أو يوم واحد، ويبقى بعد ذلك يسدّد قيمة تلك المغامرة من راتبه الذي قد لا يفي باحتياجاته في رحلة قد تمتد لسنوات طويلة؛ مما ينعكس سلباً على إشباع حاجات من يعول اقتصادياً، وبالتالي إحساس أهل المنزل بالحرمان الاقتصادي، وتدني المستوى المعيشي الذي كانوا يتمتعون به، وما يتبع ذلك من تأثيرات نفسية على الأطفال.
تعدد وسائل تداول الأسهم ساهمت في تنمية الهوس الاجتماعي غير المنضبط في بعض الأحيان؛ فبإمكان المضارب تنفيذ عمليات البيع والشراء عبر الإنترنت وعبر الهاتف أو حتى برسالة جوال، أو أخيراً بالحضور إلى صالات الأسهم، هذه الوسائل وغيرها ساهمت في تكثيف الإقبال على تجارة الأسهم، فلم يعد التعلل بالوقت مشكلة أمام كثرة الوسائل المتاحة للتداول، وأدّت هذه الطرق الكثيرة للتداول إلى السيطرة على تفكير كل من له علاقة بسوق الأسهم.
(باسم المانع) أحد العاملين في حقل التدريس، يشير إلى أن الموضوعات التي يتداولها المدرسون فيما بينهم قد تغيرت كثيراً بعد موجة الأسهم الحالية، فبينما كانت محاور الحديث تدور في السابق حول قضايا عامة، وقصص يتداولها المجتمع أو هموم المدرسين وتطلعاتهم، تحوّل الحديث إلى الأسهم فقط، فلم يعد السؤال سوى عن المصطلحات الجديدة التي أدخلتها تجارة الأسهم إلى قواميس الناس، أو طلب النصيحة في شراء أسهم شركة معينة، أو تداول قصة حدثت معه في صالة الأسهم، ويقول (أحمد الدوسري) المدرس في مدينة الرياض: إن بعض الإداريين في المدرسة قد تخلّوا عن عملهم وتوجّهوا إلى شاشة الأسهم للتداول عبر الإنترنت موكلين أعباء العمل إلى زملائهم في المدرسة، فيما يحقق الواحد منهم 35% أرباحاً شهرية من رأس ماله، ويؤيده في ذلك (محمد. ش) أحد العاملين في القطاعات العسكرية الذي يقول: إن بعض العاملين معه يتابع أسعار الأسهم عبر التلفاز، ويطلب من زوجته تنفيذ أوامر البيع والشراء حتى لا تفوته فترة التداول الصباحية.
أيضاً كانت لمنتديات الأسهم على الإنترنت مساهمة فاعلة في نمو حجم المتابعة لأسواق الأسهم؛ إذ يعدّها بعض المراقبين أحد العوامل المساعدة على ارتفاع أو انخفاض أي سهم نظراً لسهولة تداول الأخبار أو الشائعات التي تحرك السوق ارتفاعاً أو هبوطاً، كما أنها ملجأ المستثمرين الصغار الذين يبحثون عمن يساعدهم في البيع والشراء، كما أثّرت منتديات الأسهم على بقية المنتديات الاجتماعية والثقافية والسياسية على الإنترنت الشيء الذي حدا ببعض المنتديات إلى إنشاء أقسام خاصة لتداول أخبار الأسهم لاجتذاب الجماهير التي بدأت تفتقدهم.
في صالة أحد البنوك التجارية بمدينة الرياض التقت (الإسلام اليوم) عدداً من المساهمين الصغار؛ إذ يقول سعد العتيبي -وهو مساهم ويدرس في المرحلة الجامعية-: إن علاقته بالأسهم لا تتجاوز أربعة أسهم يمتلكها في إحدى الشركات, وهي بالتالي لا تشكل عنده معضلة كبيرة ولا تشغل حيزاً كبيراً من تفكيره, غير أن العتيبي وبحسب ماقال لـ(الإسلام اليوم) لا يضمن في حال تزايد عدد أسهمه ألاّ ينشغل بها!! فمحدوديّة مايمتلكه لا تدفعه للاهتمام الكبير بسوق الأسهم، لكن مستقبلاً إذا ازدادت هذه الأسهم فقد يهتم بها، وهذا أمره عند الله. لكنه في ذات الوقت أدان –وبشدة- من بات ينشغل بالأسهم عما عداها من الواجبات الاجتماعية، وكشف لنا العتيبي عن مسلك بعض الآباء الذين باتوا ينظرون إلى أبنائهم على أن أحدهم عبارة عن (سهم)! له فائدته الربحية دون الإنسانية! فكل ابن يمكن ان يُستثمر اسمه بشراء أسهم تدخل أرباحها في رصيد الأب.
أما فائق -الطالب أيضاً بجامعة الملك سعود- فيمتلك مجموعة من الأسهم، وهو يوزع وقته ما بين الجامعة ومتابعة صعود الأسهم وانخفاضها، وبات يخصص وقتاً أقل من الماضي لأصدقائه وأسرته, فالربح كما يقول مقدم على العلاقات الاجتماعية, ويتساءل: ما فائدة العلاقات الاجتماعية في غياب المادة؟!
ويرى الدكتور عبد الرزاق الزهراني -أستاذ علم الاجتماع الاقتصادي بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية بالرياض- أن هذه الظاهرة تحكمها نظرية التقليد، كما في الكثير من القضايا الاجتماعية المنتشرة، ويتساءل الدكتور الزهراني عن العائد الانتاجي لتجارة الأسهم على المجتمع بشكل عام، إذ يرى أن أسعار الأسهم إنما ترتفع وتنزل في البنوك وفي حسابات المستثمرين الكبار فيها، ولا تنعكس الأرباح على المدن أو الدول فلا يمكننا مشاهدة عملاً إنتاجياً على أرض الواقع، بحيث يمكننا ملاحظة التطور العمراني أو إنشاء المشاريع التي تعود بالنفع على المواطنين.
ويرى الدكتور الزهراني أن لهذه الأسهم تأثيراً كبيراً على محدودي الدخل؛ إذ يضطر كثير منهم – رغبة في الثراء السريع- إلى تحمُّل الديون، والدخول بها في مخاطرة غير معروفة النتائج، مع قلة الخبرة في التجارة؛ مما ينعكس على أولاده وزوجه بالحرمان، وقد يؤدي ببعض أرباب الأسر هذه إلى اللجوء إلى طرق غير مشروعة للحصول على المال لاستعادة وضعه المالي السابق.
ودعا الدكتور الزهراني التجار والمستثمرين إلى استثمار الأموال في مشاريع تنمويّة واضحة تسهم في تطوير بلدانهم ومجتمعاتهم، كالمنشآت التجارية والمباني السكنية وتطوير البنى التحتية.
وانتقد الزهراني السلبيات التي طرأت على المجتمع بعد دخول الأسهم؛ إذ أصبحت خصماً للعديد من الجوانب الاجتماعية، وشغلت الناس عن التزاور والسؤال عن بعضهم البعض. وتمنى الزهراني ألاّ تتعمق تلك السلبيات في المجتمع؛ محذراً في حال تفشيها وانتشارها من تأثر المجتمع تأثراً بالغاً يصعب معالجته او العودة به لما قبل فورة الأسهم
ـــــــــــــــــــ(100/42)
العنف الأسري همٌّ عالميٌّ مشترك
ليلى بيومي 26/2/1427
26/03/2006
العنف الأسري سواء كان ضرب الزوج لزوجته أو إهانتها أو حتى قتلها، أو العكس- أمر موجود في كل مجتمعات العالم. لكن الغرب عموماً يحاول أن يقلل من شأن الظاهرة عنده، ويضخمها في بلاد المسلمين، من أجل تحميل الإسلام المسؤولية.
إن ظهور المرأة المسترجلة والمسيطرة وصاحبة الجبروت ليس في البلاد العربية وحدها، بل هي موجودة في جميع مجتمعات ودول العالم، وهناك نساء شهيرات تميّزن بالرقة والجمال والأحاسيس المرهفة، وقد وُجّهت إليهن اتهامات بالضلوع في عمليات قتل.
المرأة العصرية التي أصبحت أمامها جميع مجالات النشاط والعمل مفتوحة أصبحت تشعر بأنها أقوى من ذي قبل؛ مما جعلها تزعم أنها ندٌّ للرجل.
الصحافة الغربية تتحدث عن قوة المرأة وإمكانية سيطرتها على العالم في المستقبل، فتذكر الكاتبة الأمريكية (هيلين فيشر) أن قوة مناعة المرأة أكثر من الرجل، وأنها أكثر مقاومة للإجهاد، وأطول عمراً، وأكثر ذكاء وقدرة على تحمل أعباء الحياة، وإعالة أفراد الأسرة، وأقل إصابة بالأمراض من الرجال، مما يمكن أن يؤكد مدى تمتعهن بعوامل القوة التي يمكن أن تستخدمها حتى لو كان ذلك ضد الأزواج خاصة إذا كانت العلاقة بين الزوجين على غير ما يُرام.
ضرب نائبة الرئيس
في 3 نوفمبر 2005 اعتقلت الشرطة البريطانية رئيسة تحرير صحيفة «ذا صن» الشعبية، وأكثر الصحف انتشاراً في بريطانيا، بعد أن اعتدت بالضرب على زوجها نجم أكثر التمثيليات التلفزيونية شعبية. فقد هاجمت رئيسة التحرير (ريبيكا ويد)، (37) عاماً، زوجها (روس كمب)، (41) عاماً، الممثل ذا الشعبية الفائقة.
حادث الاعتداء تسبب بجرح شفة المعتدى عليه، الذي رفض تلقي أي علاج طبي. الغريب أن (ويد) كانت قد شنت حملة صحافية لاقت اهتماماً كبيراً ضد العنف الأسري في صحيفتها.
وفي 13 مارس 2002 أعلنت الدكتورة (سبيسيوزا وانديرا كازيبوي)، نائبة الرئيس الأوغندي، (يويري موسيفيني)، في ندوة أمام برلمانيات أوغنديات عن هجرها لبيت الزوجية في العاصمة، كمبالا، لكثرة ما يضربها زوجها بانتظام.
وجاء إعلان سبيسيوزا بهجرة بيتها أمام عشرات من الشخصيات بعد أسبوع من توجيهها دعوة بمناسبة يوم المرأة العالمي، حين دعت الزوجات إلى تلقي دروس على فنون القتال للدفاع عن أنفسهن أمام عنف الأزواج في البيت، من دون أن تأتي وقتها على ذكر أوضاعها الشخصية مع زوجها، حين أرفقت دعوتها بدعوة النساء للتمرّد على العنف بحق المرأة في المنزل.
وقالت الدكتورة: إنها اتخذت قرارها؛ لأن زوجها المهندس اعتاد ضربها بصورة يومية تقريباً.
وأشارت إلى أن العديد من النساء اللاتي يتولين مناصب عليا بأوغندا يتعرضن للضرب على يد أزواجهن «لكنهن لا يجرؤن على البوح بما بحت به أمام أعضاء لجنة النساء الأوغنديات بالبرلمان» من دون أن تذكر مزيداً من التفاصيل في الرد بالبريد الإلكتروني.
الهنديّات يسوّغن ضرب الأزواج لهنّ
وفي دراسة مسحيّة للسكان والصحة في الهند تبين أن أكثر من نصف الهنديات يعتقدن بأن ضرب الزوجات قد يكون مسوّغاً تحت ظروف معينة. فقد أظهرت دراسة أجراها المعهد الدولي لعلوم السكان بمبادرة من وزارة الصحة على تسعين ألف سيدة من جميع أنحاء الهند أن نحو 56% منهن صادقن على ضرب الزوجات في واحد على الأقل من ستة أسباب.
وأجمعت 40% من النساء على أن ضرب الزوجات مسوّغ في حالة إهمال البيت أو الأطفال، بينما شعرت37% منهن أن الخروج من المنزل دون إذن الزوج يُعدُّ سبباً قوياً للضرب.
في حين أن 34% شعرن بأن الضرب مسوّغ في حالات إظهار عدم الاحترام لوالدي الأزواج أو الزوجات أو أزواج وزوجات الأبناء.
وقالت 33% من النساء: إن الشك في وقوع خيانة زوجية يُعدّ أحد الأسباب القوية.
كما ارتأت بعض النساء اللواتي شملهن المسح أن المهر القليل، وعدم القدرة على الطهي الجيد سبب مقبول آخر لضرب الزوجات.
عنف إيطالي
وقد أُجريت عدة دراسات في عدد من المقاطعات الإيطالية بينت بأن أكثر من 80% من مرتكبي جرائم العنف الأسري من المتزوجين، وأن نصف مرتكبي جرائم العنف الأسري من غير المتعلمين، وأن هناك علاقة قوية بين انخفاض مستويات التعليم والعنف، وأن النساء في الجنوب الإيطالي الذي تسوده ثقافة تفريخ الأبناء وغسيل الثياب وإعداد وجبات الطعام، يتعرضن للعنف النفسي والبدني بنسب أكبر من النساء في الشمال اللواتي يقمن بعدة أدوار في الحياة كأمهات وزوجات وعاملات وربات منزل في نفس الوقت. كما أن أهم أسباب العنف يقف عامل الجنس في المقدمة، وتقف أسباب النفقات المعيشية في الصف الثاني من الأسباب، أما الأعمال المنزلية فتحتل الدرجة الثالثة في سلم المشكلات الزوجية؛ إذ تشيع جميع وسائل الإعلام مفاهيم تحرر المرأة والمساواة في الحقوق والواجبات، وهو ما يتعارض مع ما اعتاد عليه الرجل من واجبات في حياته اليومية، ومن شأن ذلك إيجاد الصدامات.
الظروف الاقتصادية وطغيان الجانب المادي على الجوانب الإنسانية أثّرت على العلاقات الزوجية الأمر الذي انسحب على الأسرة مما أضعف روابطها، وزادت حالات الطلاق في المجتمع الإيطالي التي بدأت تتسع خلال السنوات الأخيرة بشكل يقلق جميع المؤسسات الاجتماعية.
مقتل (14) ألف امرأة روسية كل عام
وفي روسيا طلبت منظمة العفو الدولية من السلطات الروسية التحرك بحزم حيال عنف الأزواج الذي يتسبب كل سنة بقتل حوالي (14) ألف امرأة روسية، ما يمثل ثلاثة أضعاف عدد الجنود الروس الذين قُتلوا في الشيشان منذ العام 1999، وما يوازي العدد الإجمالي للجنود السوفيت الذين قُتلوا في أفغانستان خلال عشر سنوات من الحرب حسب الحصيلة الرسمية. وتتعرض حوالي (36) ألف امرأة كل يوم للضرب على يد أزواجهن أو أصدقائهن؛ مما يؤدي إلى مقتل معدل امرأة كل أربعين دقيقة، بحسب ما أوردت منظمة الدفاع عن حقوق الإنسان في بيان.
ودعت منظمة العفو الحكومة الروسية إلى فرض عقوبات على العنف الزوجي بصفته جريمة من نوع خاص، وتحديد وملاحقة الإهانات التي تتعرض لها النساء.
المرأة ليست عدوانية
الدكتورة وفاء مسعود أستاذ علم النفس ترفض تماماً ما يُقال عن أن المرأة عدوانية، وتؤكد أن هناك عوامل عديدة تساهم في دفع المرأة لارتكاب الجرائم خاصة القتل الذي لا يأتي من فراغ، فالعلاقات الزوجية السيئة تُعدّ أحد دوافع القتل سواء قتل المرأة للرجل أو العكس.
والمرأة في ظل ما يقع عليها من عدوان وقهر نجدها تتحمل لأقصى مدى؛ فتتحمل ظروف الحياة القاسية، وضغوط المعيشة، وأعباء جسيمة تقع عليها من قبل الرجل والأسرة، ويُلاحظ أن الزوجة دائماً ما تخرج هذا العدوان في صورة مفاجئة، فتقوم بقتل زوجها للتخلص منه نهائياً، وقد يكون العدوان هنا شديداً نظراً؛ لأنه يُعدّ مكبوتاً بداخلها.
ولا شك أن الخيانة الزوجية، وإهمال الرجل للمرأة، واعتماده الكامل عليها في كل شيء، قد يساهم في زيادة تلك الدوافع في ظل اختلال الأدوار الاجتماعية.
العنف موجود في كل المجتمعات لكنه قد يزيد في مجتمعات بعينها نتيجة ظروف اقتصادية أو زيادة الأمية وقلة مستوى التعليم.
قتل الزوجات للأزواج أو العكس لا تمثل -على الرغم من بشاعتها- ظاهرة عامة في مجتمعاتنا؛ فهي ظاهرة نادرة الحدوث، وتحدث في فئات اجتماعية معينة تميل أغلبها إلى الانتقام، أو الحصول على مزايا من وراء ذلك، لكنها بالطبع تشير إلى خلل في القيم والأخلاق، وضعف الوازع الديني داخل تلك الفئات، بالإضافة إلى ذلك فالمرأة مظلومة بالفعل، فهي تعاني من قهر مستمر يبدأ في بيتها وينتقل أشد عنفاً إلى بيت زوجها.
وقد تكون هناك دوافع وراء قتل الزوجات للأزواج، ومنها انخفاض الدخل وصعوبة المعيشة والقهر الذي يقع على الزوجة، وظلم وبخل الزوج، فضلاً عن انعدام القيم لدى الطبقات المتدنية في المجتمع وقلة الوازع الديني، والوعي الاجتماعي، والمرأة في أغلب الأحيان تتحمل كل ما يقع عليها من أعباء، لكنها قد تنقلب في أي لحظة، وتقوم بقتل الزوج بعد أن تختمر الفكرة في رأسها، ومن ناحية أخرى قد تكون الخيانة أحد أسباب القتل، حيث تتفق الزوجة مع عشيقها للتخلص من الزوج الذي يمثل عقبة أمامها، فضلاً عن أن هناك حوالي 30% من السيدات لديهن عنف وشراسة بطبعهن، وغالباً ما تحدث جرائم القتل في الأوساط المتدنية وقاع المجتمع حيث تكون الفرصة مهيأة للانحراف.
ضرب الأزواج
الدكتور سيد الجندي خبير الطب النفسي يرى أنه حينما تضرب الزوجات أزواجهن تكون المشكلة في الرجل وليس في المرأة؛ لأنه سمح لأن يحدث ذلك أساساً، وعلى كلٍّ فتطور الخلاف إلى حد الاعتداء البدني ينم عن شخصيات عدائية غير سوية، من ناحية أخرى فالرجل الذي يتعرض للضرب غير قادر على الدفاع عن نفسه، وربما ارتكب من الأعمال ما يورّط المرأة بحيث لا تجد سوى الضرب حلاً وحيداً للتعامل بينهما بعدما فقد الاثنان القدرة على التفاهم الإنساني.. والبيت الذي يشهد هذا هو بيت مختل يفتقد إلى القدوة، والمثل فكيف إذن يكون لدى الأولاد قيم.. إنهم بالتأكيد لن يحترموا آباءهم وأمهاتهم، ولن يحترموا أنفسهم ولا إخوانهم أو حتى الآخرين، وبالتالي هناك نتاج لهذا الأسلوب يتركز في أبناء فاسدين ومنحرفين.
الدكتورة نادية رضوان أستاذ علم الاجتماع تؤكد أن القضية ليس رجلاًً أو امرأة وتقول: في كتاباتي كلها أنادي بجمعية الرفق بالإنسان بشكل عام؛ فهناك أناس مقهورون إلى حد "اللا آدمية" سواء من الرجال أو النساء أو الأطفال، ولا أنكر أن هناك بعض النساء "جبّارات"، وأن القوانين الجديدة لوت ذراع بعض الرجال، وأن كثيراً من النساء استخدمن حقوقهن بشكل لا أخلاقي.. لكن هناك حقيقة نعلمها جميعاً، وهي أن الأغلبية العظمى من النساء مقهورات، وتشير الدكتورة نادية رضوان أن استخدام الجرائم في عمل إحصاءات خاصة بعنف المرأة ضد الرجل استناد غير منطقي؛ لأن عمل الأبحاث، وأخذ العينات يخضع لشروط غاية في التعقيد، فضلاً عن أن هناك عنفاً عاماً سائداً في المجتمع والعالم كله، لذا فتعميم النتائج فيه إجحاف، وإذا أردنا تناول قضية لابد أن تتوافر فيها أبعاد كثيرة.
وتضيف الدكتورة نادية رضوان: إن المرأة بحكم تربيتها تسكت وتستكين، لكن بداخلها مخزون حقد رهيب ضد الرجل الذي استعبدها وظلمها، ومع مرور الزمن يزداد شحن المرأة حتى يتدعم موقفها، وتقوى مكانتها إما بالأولاد أو بضعف الزوج، وهنا يبدأ المخزون في الظهور على السطح.
إذن القضية يجب مناقشتها في ظل هذا الميراث من الظلم والقهر ضد المرأة أيضاً.
الضغوط تؤدي إلى العنف
الدكتورة أميرة عبد العزيز أحمد مدرس خدمة الجماعة بالمعهد العالي للخدمة الاجتماعية بالقاهرة تقول: العنف أصبح سائداً بصفة عامة، ولن يقتصر الأمر فقط بين الزوجين؛ فالعنف والضرب الآن بين الأطفال بعضهم لبعض، حتى الناس في الشوارع، ويرجع ذلك للضغوط الاقتصادية الموجودة، والتفكك الأسري، وانعدام القيم والمفاهيم الدينية، وذلك نتيجة حتمية للضغوط الاقتصادية الرهيبة.
وترى د. أميرة أن العملية كلها متفاعلة مع بعضها؛ فالزوج الذي يضرب زوجته لا ألتمس له العذر، ولكنه مضغوط، وفعلاً يفعل أقصى جهده لتوفير حياة مادية معقولة، والزوجة، أيضا معذورة؛ لأن متطلبات الحياة والأبناء والتعليم والإنفاق كثيرة ولا تنتهي، والزوج يشعر باليأس والإهانة من تكرار الزوجة للمتطلبات، بل إنه يشعر بطعن في رجولته لعدم قدرته على سداد متطلبات المنزل والأبناء، والزوجة عليها أعباء لابد أن تدبرها من الزوج؛ فيبدأ الاثنان في التشاجر، وقد يصل الأمر للضرب، وأحياناً يؤدي إلى القتل، إلاّ أنّ ضرب الزوجة شيء مهين للغاية، وينجم عنه الكره والبغض من الزوجة لزوجها، وتبدأ العلاقة الزوجية في الارتباك، وتحدث المشاكل، والتي قد تؤدي بهم في النهاية إلى هدم منزل الزوجية والطلاق وتصبح الحياة خربة.. كل واحد منهم في واد، بعيداً عن الأبناء.
إن ظاهرة ضرب الزوجات سببها الرئيس الخلل الاجتماعي والاقتصادي والثقافي في المجتمع، واختلاط الأمور ببعضها؛ فالعنف ـ للأسف ـ أصبح سمة واضحة للعصر، حتى بين الطلاب والتلاميذ والأطفال في المدارس
ـــــــــــــــــــ(100/43)
أبرار .. شهر آذار!
مصطفى الأزهري 22/2/1427
22/03/2006
كلما اقترب شهر آذار (مارس) من كل عام ترى المحلات والدكاكين ممتلئة بالهدايا المجهزة للأمهات؛ إذ إن عيدهن قد أوشك على الاقتراب، وبدأ الإعلام في نشر ما يتعلق من مواد عن الاحتفاء بعيد الأم، وقد يصل الأمر في كثير من البلاد العربية والإسلامية إلى نشر تعميم على الأئمة والخطباء في وزارات الأوقاف للحديث في خطبهم ودروسهم عن الأم وبرّها تأكيداً لما هو سارٍ في ديار الإسلام من تسرّب عادات وافدة إلى المسلمين وبلورتها بل وإلباسها لباساً شرعياً بتأويلات للنصوص الدينية لتخدم البدعة المستوردة.
عابدون لا مبتدعون
إن المسلم لا يسعه بحال أن يشرّع لنفسه أو يسنّ لحياته ما لم يأت به دينه، ولم ترد به سنة نبيه عليه الصلاة والسلام، فإذا كان الإسلام قد شرع لنا عيدين نفرح فيهما، ونصل أرحامنا، وننفس فيهما، عن أنفسنا ونمسح ما علق بالنفوس من أكدار الحياة بعد أن صمنا رمضان فأفطرنا بعيد الفطر، وبعد الحج فرحنا وتنسكنا بالأضحى، قال تعالى:(وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالاً مُبِيناً) [الأحزاب:36]. وكذا قال عز وجل: (وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا)[الحشر: من الآية7]؛ فما للهوى من سبيل، وليست البدعة أياً كان شكلها، ومهما كان تغليفها براقاً ومقبولةعند الناس، فإن ذلك لا يحوّلها إلى سنة متبعة، ولو كثر أتباعها بحال، لقول النبي صلى الله عليه وسلم «من أحدث في ديننا ما ليس فيه فهو ردّ» أخرجه البخاري ومسلم عن عائشة.
وإن ديننا المشحون قرآناً وسنة بالوصية بالوالدين وخصوصا الأم، ليربأـ بأتباعه ـ أن يجعلوا من يوم واحد في شهر واحد من العام عيداً للأم؛ إذ إن عطاءها لا يُوفى، وبذلها لا يُكافأ، وإن برّها ممتد في حياتها وبعد وفاتها فهل يوفّي يوم في آذار حق الأم عند الأبرار؟!
برّها موصول
ليس البر بالأمومة وقدرها ومنزلتها التي لا تضارعها منزلة في الشرع الحنيف، كتسمية الفاتحة بـ"أم القرآن"، وكتسمية مكة بـ"أم القرى"؛ وما أروع وأبدع تعبير الكتاب الكريم عن حال أم موسى ـ عليه السلام ـ حين ألقت رضيعها في اليم فقال عز وجل:(وَأَصْبَحَ فُؤَادُ أُمِّ مُوسَى فَارِغاً) [القصص: من الآية10]؛ فإن حب الأم ولدها يملأ جوانحها حتى لا يكاد يسمح لشعور آخر بأن يزاحم هذا الحب؛ لذا فقد أوصى النبي -صلى الله عليه وسلم- بالأم ليس يوماً في شهر في عام؛ بل بحسن الصحبة، ودوام الإحسان فهو حقها بلا منازع؛ فعن أبي هريرة رضي الله عنه: جاء رجل إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال: يا رسول الله، من أحق الناس بحسن صحابتي؟ قال:"أمك" قال: ثم من؟ قال:"أمك" قال:"ثم من"؟ قال "أمك"، قال: ثم من؟ قال:"أبوك".
كما أن الإسلام جعل رعاية الوالدين ضرباً من ضروب الجهاد يُقدّم أحياناً على الهجرة وملاقاة الأعداء والاقتراب من الشهادة بما في ذلك من أجر ومثوبة؛ ففي صحيح مسلم: أقبل رجل إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال: أبايعك على الهجرة والجهاد، أبتغي الأجر من الله، قال: "فهل من والديك أحد حي؟" قال: نعم، بل كلاهما حي، قال:"فتبتغي الأجر من الله؟ "قال: نعم، قال: "فارجع إلى والديك فأحسن صحبتهما".
وفي رواية أخرى لأبي داود والنسائي قال: جاء رجل إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال: جئت أبايعك على الهجرة، وتركت أبويّ يبكيان، فقال:"ارجع إليهما فأضحكهما كم أبكيتهما".
دار المسنين .. الإبعاد المقنع!!
إذا أردنا أن نقيس مدى تقصير المجتمع بحق الوالدين؛ فعلينا أن نتابع ما يُسمى بدور المسنين فإن تزايدها في مجتمعاتنا العربية والمسلمة إنما يدل على خلل في البناء الأسري والاجتماعي، ويشير إلى شروخ في علاقات الأسر ومدى تماسكها وترابطها؛ وفي مقدمة ذلك العلاقة بالوالدين، فليس بعيداً عن فهم المسلمين ما يدل عليه قول الله تعالى في معرض الوصية بالوالدين:(إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاهُمَا)[الإسراء: من الآية23]، فكلمة "عندك" هنا إنما تشير إلى ما يجب على الأبناء نحو آبائهم خصوصاً في مرحلة الكبر، ولزوم أن يكونوا "عندهم" أي تحت نظرهم، وفي بؤرة رعايتهم والاهتمام بهم، وهذا لا يتحقق بحال مهما تعلل بعضهم بما تقدمه دور رعاية المسنين من خدمات لنزلائها الكبار؛ فالوالدان لا يحتاجان خدمات المشرفين بل يسعدون ببرّ الأبناء .. ثمرات الحياة وحبّات العمر الذي أوشك على الأفول، فهل نعيد للبيوت ما كانت تنعم به قبل أن يضعف الإيمان، وتتبدل القيم، ونفتح مجتمعاتنا لغزوات شرسة من قيم غريبة عملت على تفكيك الأسر، فهدمت مفهوم رعاية الوالدين في الكبر لتبني على حساب ذلك دوراً للمسنين وهي محاولة مقنعة للتخلي عن المسؤولية الشرعية والاجتماعية نحو الوالدين لن يعوضهما عنها صناعة الأعياد ولا بناء الدور
ـــــــــــــــــــ(100/44)
الاستقلال الاقتصادي للمرأة يفكك الأسر
القاهرة / وفاء سعداوي 2/1/1427
01/02/2006
رغم ضراوة التغريب ومعاول الهدم العاتية.. ظلت الأسرة العربية المسلمة على مر العصور الحصن الحصين الذي صمد أمام جميع التيارات التي حاولت غزو المجتمع المسلم؛ فحافظت على قيمها الإسلامية وتقاليدها العربية الأصيلة ..لكن الأسرة العربية اليوم تعاني بعض الثقوب في هذا الدرع الواقي، فظهرت بعض التصدعات التي تهدد هذا الحصن العظيم.
حول أسباب تلك التصدعات التي تعاني منها الأسرة كان لـ(الإسلام اليوم) هذا الحوار مع الدكتورة نادية رجب السيد - رئيس قسم الإرشاد والتوجيه الأسري بمركز معوقات الطفولة بجامعة الأزهر؛ لنتعرف على أسباب انهيار الأسرة وتراجع دورها في المجتمع.
تمرّد المرأة
في رأيكم ما أسباب تفاقم المشاكل الزوجيّة، وازدياد نسبة الطلاق في مجتمعاتنا العربية؟
خروج المرأة للعمل واستقلالها الاقتصادي وراء معظم المشاكل الزوجية؛ فقد كانت المرأة تعتمد على زوجها اقتصادياً فتتأقلم مع المشاكل وتصبر لتستمر حياتها معه، أما اليوم فالمرأة كل أملها أن تبني مستقبلها المادي هذا بالإضافة إلى موجة القوانين التغريبية الجديدة للمرأة، والتي صدرت في الكثير من البلاد العربية.. خاصة قانون الخلع والذي أدّى إلى تمرّد المرأة العربية. فأنا لا أوافق على الخلع بهذا الإطلاق؛ إذ ترتب عليه مشاكل كثيرة، بالإضافة إلى أن الحدة في الآراء بين الأزواج فاقمت من المشاكل؛ فلا يحاول أحد الزوجين أن يقترب من الآخر ويتفاهم معه، وعدم التكافؤ بصفة عامة سواء في اختلاف المستوى الاجتماعي بين الزوجين أو اختلاف المستوى التعليمي، بالإضافة إلى المشاكل الاقتصادية المترتبة على خروج المرأة للعمل؛ فلم يعد هناك ثقة وشعور بالأمان بين الزوجين خاصة المرأة .. فالمرأة أصبح كل أملها تأمين نفسها اقتصادياً بعد أن كان زوجها كل حياتها، والزوج في نفس الوقت يرى أن من حقه أن تساهم زوجته في نفقات البيت، بل قد يتركها تتحمل المسؤولية كلها أو أغلبها وحدها، كذلك الطموحات المادية؛ فالكماليات أصبحت أساسيات في حياة كل أسرة اليوم.
تغيير الأسرة العربية
طرأت كثير من التغيّرات على الأسرة العربية بوجه عام في الآونة الأخيرة، فماذا وراء هذه التغيّرات؟
هذه التغيّرات منها الإيجابي ومنها السلبي، وقد ارتبطت هذه التغيّرات بظروف المجتمعات الاجتماعية والدينية والسياسية، وقد نتج عنها تغيّرات بنائية ووظيفية في الأسرة؛ فالتحضّر والتصنيع والتغيير التكنولوجي وانتشار التعليم وخروج المرأة إلى العمل، قد أدّت إلى تغيّرات في تركيب القرابة أثرت على حياة الأسرة، وهناك اتجاه نحو نمط الأسرة الزوجية (المكونة من الزوجين والأطفال فقط) كنتيجة للتطبع، وتصبح الأسرة الممتدة أو المركبة أقل أهمية في الاقتصاد الصناعي، وتشجع الخصائص الجغرافية والحراك الاجتماعي للمجتمع الصناعي نفسه على النمط الزواجي الواحدي، كما تطورت وظائف الأسرة من الأوسع إلى الأضيق.
وما أهم المشكلات التي أفرزتها التطورات المعاصرة؟
أولى هذه المشكلات أن هذه التغيّرات أحدثت هزة في كيان الأسرة وتماسكها؛ إذ إن المدنية صاحبها تفكك الرباط الاقتصادي الذي كان يربط الأسرة، وقد أدّى ذلك التغيّر في الأساس الاقتصادي إلى تفكّك الأسرة نتج عنها بُعد أفرادها عن بعضهم البعض وانفصالهم، ومن ناحية أخرى فقد أدّى اتساع نطاق التعليم وانتشار التصنيع إلى انتشار المدنية وارتفاع مستوى الدخل وزيادة الضغوط الاقتصادية، كما أصبحنا في حاجة إلى أنماط جديدة لرعاية الطفل وخاصة المعوق.
تراجع الأسرة
هل هناك أسباب ترجع إلى الأسرة ذاتها؟
قد تكون الأسرة متصدعة نفسياً؛ لأن العلاقات بين أعضائها غيرُ مرضية، ويرجع ذلك لأسباب كثيرة منها: انعدام الرعاية والعاطفة، أو الإهمال أو القسوة أو التحكم، وقد تؤدي القيم غير المتماثلة بين الزوجين إلى ظهور الصراع أو التوتر، وليس المقصود هنا مجرد الخلافات اليومية، ولكن المقصود انعدام الوفاق أو الوئام بين الزوجين مما ينعكس بدوره على الأطفال، وقد يؤدي عدم التكيّف بين الزوجين إلى توتر الزوجة الأم، وجعلها عصبية مما يكون له تأثير سيئ على الأطفال.
عنف الأطفال
نلاحظ أيضاً ميلاً كبيراً من الأطفال إلى العنف فما سبب ذلك؟
تُعدّ ظاهرة العنف عرضاً مرضياً يجب معرفة دوافعها الكافية في شخصية الفرد وكذلك بواعثها الاجتماعية، والعنف يرجع إلى أسباب متعددة، فقد يرجع عند بعض الأشخاص إلى تكوين عصبي حاد، أو بسبب شدة الخوف، ويرجع هذا السلوك إلى سيطرة الروح العدوانية على الشخص، والعنف لا يعني استخدام القوة فقط، ولكن يشتمل على تصرفات كثيرة منها الاعتداء اللفظي، ويرجع ظهور العنف أيضاً إلى ظاهرة النمو الحضاري وتفكك العلاقات الاجتماعية، والتي أدّت إلى ضعف دور الأسرة، حيث انشغل أرباب الأسر عن ممارسة السلطة الأبوية على الأبناء فأدّى ذلك إلى انحراف الأبناء وارتكابهم للعنف، وقد تؤدي الحضارة والمدنية إلى اكتساب الأطفال الإناث العنف حيث ترفع المدنية من مستوى الأسرة، وتزيد من مغريات الحياة، وتضاعف احتياجات الفرد، وعندما لا تحصل الفتاة على متطلباتها يؤثر ذلك على حالتها النفسية والعصبية وتتوتر وتتسم بالعنف تعبيراً عن الضيق الذي بداخلها.
ومن أسباب انتشار ظاهرة العنف بين الأطفال ألعاب (الفيديو جيم) التي في مجملها عبارة عن ضرب وقتل وعنف، فلابد بد من مراقبة برامج الأطفال وألعابهم.
وماذا عن تمرّد الأولاد على البيت والمدرسة؟
وراءه أيضاً كل ما سبق من أسباب، فقد يظهر أثر هذا الاضطراب في التنشئة، في صورة مشاكل عضوية والسبب الأساس هو نفسي كاضطراب الانتباه، وعدم النطق الصحيح، واللامبالاة وتأخر المشي والكلام، ونقص بعض الحروف، وزيادة العرق بطريقة ملحوظة في مواقف، والنسيان وعدم التركيز وضعف المستوى الدراسي والانطوائية وكراهية المدرسة والحركة الزائدة، وغيرها من الأعراض المرضية
ـــــــــــــــــــ(100/45)
الجنس.. سبَّبَته التقنية أم فضحته؟!!
إعداد: عبدالفتاح الشهاري 25/12/1426
25/01/2006
شارك في التحقيق:
القاهرة/ د. ليلى بيومي
عمان/ هديل الصفدي
بغداد/ ضحى الحداد
مع اتحاد عدد من الشركات العالمية في مجال الاتصال مثل: (نوكيا، وآي بي إم، وإريكسون، وإنتل توشيبا) والإعلان في مطلع العام 1998 عما يُعرف باسم مجموعة: ((The Bluetooth حتى توالى بعد ذلك انضمام العديد من الشركات العالمية لإدراج هذه الخدمة كأساس ضمن منتجاتها، والتي بلغت أكثر من (3400) شركة، وتكاد تجمع المراجع والمصادر بأن سبب التسمية يعود إلى (هارولد بلوتوث) وهو ملك إسكندنافي عاش في أواخر القرن العاشر الميلادي، واشتهر بإنجازاته في توحيد عدة مقاطعات كانت تعاني الانقسام آنذاك، وهو بالضبط ما ترمز إليه تقنية (البلوتوث) في قدرتها على الجمع بين عدد ضخم من الأجهزة الإلكترونية، وذلك في معيار عالمي متفق عليه.
لكن على الرغم من الأغراض الإيجابية والاستخدامات الصحيحة التي من أجلها اكتشفت هذه التقنية فقد عانت المجتمعات العربية على وجه الخصوص إشكالات تربوية أصبحت تهدد ركناً من أركان العلاقات الإنسانية وهو الأمان الاجتماعي، وأصبحت أجهزة الاتصال مرتعاً خصباً تُتَناقل عبره صور عورات المسلمين؛ لتكون في متناول جميع شرائح المجتمع العمرية والجنسية.
حول هذا الموضوع فتحت مجلة (الإسلام اليوم) ملفها الخاص لسبر المجتمع، والكشف عن اتجاهات رأي الجمهور والنخبة حول هذه القضية...
"من مفارقات هذه الأيام أن كلمة (الجنس) أصبحت تُتداول تَداوُل كلمة (السلام عليكم)، ومن هنا تكمن الخطورة؛ لأن الفواصل بين الأخلاق، والسلوك باتت جدرانها متصدعة ووشيكة الانهيار بين أفراد الأسرة" هذا ما بدأ به حديثه الأستاذ طه المهدي رب أسرة وموظف برابطة العالم الإسلامي بمكة المكرمة، ويستطرد قائلاً: "ولذا فإني أرى أن الجنس موجود في أي مجتمع حديثاً كان أم قديماً، ولكن التأثير المباشر الذي أحدثته التقنية هو تجريء المجتمع على نفسه، وكسر حواجز الآداب والذوق والأخلاق وهذا بحد ذاته الخطر بعينه؛ فعندما تزول كل مصطلحات الأدب في الحوار الذي يشكل حاجزاً تربوياً اجتماعياً بين الأبناء والآباء فإن هناك خللاً ما ينخر في أساس المجتمع، ويدعو لانتقاضه".
انعدم الحياء!
بمنتهى الأريحية وهو قابع في ركن المجلس من بعيد يبحث في جهازه الخاص به، ويتصفح الرسائل الواردة إليه عن طريق (البلوتوث) يقوم س. ع. باستعراض أحد المشاهد الفاضحة التي وصلته بوجود ابنه البالغ من العمر ثمانية عشر عاماً. لاحظ من بجواري علامات الدهشة في عينيّ، وكأنه أدرك ما يدور بداخلي من سؤال فبادر قائلاً: "إن نظرت إلى الأب وشخصيته لوجدته بأنه في الأساس يفتقر إلى وجود معايير المربي النموذجي أو على أقل تقدير المربي الواعي لمسؤولية وأمانة التربية الملقاة على عاتقه، لذا فإن هذا يؤكد على أن التقنية ليس لها علاقة بما نحن فيه من ابتلاءات، وإنما الأساس هو مرضٌ عضالٌ متجذر فينا بتجذر جفاف جذورنا الإسلامية التي ابتعدنا عنها".
جيل لا يعرف الطريق
كما يؤكد محمد يحيى مدرس اللغة العربية للمرحلة الثانوية بجدة أن مما أوجدته التقنية ليس الجنس بحد ذاته، ولكنها كشفت عن أخلاقيات أخرى في المجتمع مثل: التطفل والغوص في أعراض الناس، فقلما تجد متصفحاً أو مستعرضاً لأحد تلك المشاهد ينثني عن النظر إليها أو حتى على الأقل رؤيتها من باب التطفل ثم الغض عنها مباشرة، ولكن الأمر يستدعي غالباً خطوات أخرى تتمثل في طلب نقلها إلى جواله أو حاسوبه الخاص، وربما تبع ذلك نقله وتبادل إرساله إلى آخرين، بل والأدهى من ذلك هو الإفصاح عن الأشخاص، بل إن الأمر الأشد قسوة هو نسبة هذا المشهد لزيد أو عمرو من الناس بقصد الإساءة والتشويه".
ويقاطعه حسن الشهراني ليؤكد كلام زميله قائلاً: "مما يؤكد استخدام مثل هذه المقاطع في تشويه سمعة أشخاص بعينهم أن أحد التلاميذ في المدرسة، وهو في الصف الثاني الثانوي عندما حصل له موقف سلبي مع أحد مدرسيه ما كان منه إلا أن قام بالتقاط صورة مدرسه عن طريق جواله ثم بعد نقله إلى حاسوبه الخاص قام بعملية مونتاج كأبرع ما يقوم به ممثلو الخدع السينمائية في هوليوود، وما هي إلا أيام قليلة حتى أصبحت صورة المدرس، وهو في صورة فاضحة، وبمشهد مشين تتناقله جوالات الطلبة".
براءة.. وتخلف
"لا أدري: هل أسميها براءة، أم سذاجة؟" بهذه الكلمات وهي تخرج بعصبية متناهية تبدأ الأستاذة ابتهاج حمود الأخصائية الاجتماعية كلامها معنا، قائلةً: "تأتيني حالات لبنات في عمر الزهور بين سن الرابعة عشرة والسادسة عشرة يتبادلن فيها الصور الفوتوغرافية، ومقاطع الرقص، والدافع الأول لهذا الأمر بالنسبة لهن لا يخرج في الغالب عن أمرين اثنين: إما لرغبتهن بوجود ذكرى صداقة بينهن، أو تحدٍ لأفضل رقص بينهن"، وتضيف ابتهاج: "إن أغلب الحالات التي تأتيني تنبئ بالفعل عن براءة متناهية لمن يقمن بمثل هذه التصرفات، ورغم معرفتهن بما يدور حولهن من فضائح تُتناقل هنا وهناك، إلا أنهن يعزون أمرهن إلى حالات خاصة بهن عُراها أواصر الصداقة وعهود الصدق الذي بينهن، متناسيات أنه ومع ذلك يمكن في لحظة فقدان للجوال، أو سرقته، يتم استغلال ما بداخله من ذاكرة لتجد إحداهن نفسها مثار الفرجة والتناقل بين أيدي الشباب".
مجتمع الخوف
في قاعة أحد المعاهد التدريبية في مجال الحاسب كانت تجلس المتدربة عبير ص. بمفردها توجّهت مندوبة (الإسلام اليوم) إليها لتسألها عن رأيها حول هذا الموضوع، فأجابت: "لا تعليق، لا أحب الخوض في هذا الأمر إطلاقاً" وبعد إلحاح قالت: "لقد فقدت الثقة في المجتمع وفي الناس جميعهم، أصبحت إن دخلت بيت أحد أقربائي أو جيراني أراقب الجدران، والستائر والدواليب؛ أخاف أن تكون (كاميرا) مثبتة هنا أو هناك، حتى خروجي إلى الأعراس أصبح لا يكون إلا إن حصل الأمر إلزاماً من أهلي لمجاملة قريبة لنا أو معروفة، وكذلك الأمر حتى في قاعات الدراسة كما ترين، أتوجس من أي تعارف جديد مع أي فتاة.." وتستطرد قائلة: "صدقوني الأمر ليس مبالغة بل هي الحقيقة .. الحمد لله أنني من عائلة ملتزمة، ونشأت على تربية والدي الذي أكن له كل التقدير، ولكني أحسست أن هذا المجتمع سيلوّث كل ما بناه والدي في تربيتي، وأنه معرّض للانهيار في لحظة واحدة". سألناها: وأين الثقة بالنفس؟ صمتت .. ولم تردّ.
ملتقيات الطلبة .. أمكنة خصبة
تركز انتشار هذه الظاهرة في الجامعات والمعاهد العليا بكثرة، ولم يقتصر الأمر على ذلك بل تعداه إلى المدارس الثانوية أيضاً، مما أدّى إلى وقوع العديد من الضحايا كما حكت إحداهن إلى (الإسلام اليوم). (ع.ن) طالبة جامعية قام أحد الشباب بابتزازها بعد تصويرها خلسة بواسطة (الموبايل) ثم قام بعد ذلك بتركيب صورته معها من خلال الحاسب، لكنها قدمت شكوى عليه مما أدّى إلى كشف لعبته وبالتالي إلى العقاب الشديد.
حتى المدارس الثانوية لم تسلم من بعض هؤلاء فتروي لنا (شهْد 14عاماً طالبة في الثالث متوسط) تقول: فُوجئت عندما خرجنا إلى الساحة في الفسحة، و شاهدت أحد الأولاد، وكان قد تسلّق حائط المدرسة ليصورنا عبر جهاز (الموبايل) " لذلك أصبحنا نترقّب خوفاً من أي محاولة يقوم بها الشباب دون علمنا، توافقها الرأي (أسماء ربة بيت 30عاماً) حيث إنها تقول بأن (الموبايل) هو سمة العصر، لكن ما يفعله بعض الشباب هذه الأيام غير لائق بمجتمعاتنا العربية، خاصة ما أراه من شباب يحملون الجوال في الأسواق، و يقومون بتصوير أي فتاة تعجبهم.
تجارة مشبوهة
واقعة شهيرة في هذا الإطار نشرتها الصحف المصرية: عندما اكتشفت بعض السيدات نشر صورهن على موقع إباحي في مناظر مخلة، قمن بإبلاغ الشرطة، وبعد رحلة بحث وتقص واسعة تم التوصل إلى عدد من المحلات يقوم أصحابها بهذا العمل، وكل يستخدمه حسب هواه؛ فمنهم من يستخدمه استخداماً شخصياً، ومنهم من يلهو بعرض النساء فى جلسات السمر مع الأصدقاء، ومنهم من يستغله في التجارة الخسيسة عبر الإنترنت ونوادي الفيديو المشبوهة.
وواقعة أخرى نشرتها الصحف المصرية حول أحد الشباب، كان في جلسة سمر ولهو يعرض فيها أحد أصدقائه صوراً لنساء عاريات في أثناء قياس بعض الملابس، وصُدم هذا الشاب بأن شقيقته واحدة من اللاتي يُعرضن أمامه للهو والتسلية، فأُصيب بهستيريا وقام بتكسير الجهاز واعتدى على أصدقائه.
والجدير بالذكر أن كاميرات المراقبة مصرح بها من قبل الأجهزة الأمنية فى بعض الدول العربية، وهي منتشرة في داخل المنشآت والمؤسسات الحكومية، والمتاحف والمعارض، وفي المحال التجارية والأماكن شديدة الخصوصية مثل صالات (الجمانيزيوم) و(الساونا) التي يتعرض بعض روادها لانتهاك حرمتهم.. وهناك كاميرات تنقل الصورة فقط، وأخرى بالصوت والصورة؛ فقد ساهمت التقنية المتقدمة في تطوير أنواعها على أحدث مستوى، ولكن للأسف يلجأ بعضهم إلى الاستخدام السيئ لهذه التقنية المتطورة بمراقبة النساء في غرف خلع الملابس في المحال التجارية، وفي دورات المياه بالمطاعم وصالات الرياضة والتجميل وغيرها من الأماكن التي لا يتصور روادها أنهم يتعرضون فيها للتصوير سراً في أوضاع عارية، والدليل على ذلك أن بعض المواقع على شبكة الإنترنت تعرض صور النساء في غرف خلع الملابس ودورات المياه، بالإضافة إلى شرائط مخلة يتضح أن أصحابها من النساء لا يعرفن أنهن وقعن في هذا الفخ القذر.
الضمير والتوعية هما الأساس
ترى (غادة أمين) أن الأساس في أي شيء هو الضمير، ومن يتعامل مع هذه الأداة، وليس الأداة نفسها، فقالت: إنه قد يكون بيد الشخص سكين فيستخدمها في تقطيع الطعام، وقد يستخدمها في قتل أحد، وذكرت أنها مع التطور والتقنية، إذا تمت توعية الأشخاص بكيفية التعامل مع هذه الأداة، وأضافت: عندما منعت السعودية استخدام أجهزة (كاميرا) الجوال أصبحت تُهرّب الأجهزة وتُقتنى خلسة، ثم يجري التصوير في أماكن خاصة بالنساء، ثم تُنشر الصور، مما أدى إلى ازدياد هذه المشاكل في السعودية أكثر من بلدان أخرى، فأكدت أنها ليست مع المنع، وإنما مع توعية الإنسان، وزيادة تطوّره الفكري، وإعداده بشكل يواكب التطور التقني.
كما تقول الموظفة (عُلا): إن جوال (الكاميرا) كغيره من التقنيات قد يستخدمه الشخص بإيجابية، وقد يسيء استخدامه كالإنترنت، فقد يدخل شخص على مواقع إسلامية، وقد يدخل على مواقع إباحية، وهذا يتوقف على أخلاق الشخص ومبادئه ودينه، وهكذا هو مع (كاميرا) الجوّال، فهناك أشخاص قد يستخدمونه لكشف حادثة سرقة أو جريمة معينة مثلاً، وقد يستخدمه آخرون في تصوير فتيات والتشهير بسمعتهن.
ورأى الطالب الجامعي (وليد محمد) أن (كاميرا) الجوال اختراع مفيد، ويعود عليه بايجابيات كثيرة تفيده في دراسته؛ فكثيراً ما يصوّر أوراقاً ووثائق رسمية للدراسة، وأخرى خاصة بعلاقاته الشخصية مع أهله؛ إذ إنه مغترب عنهم فيقوم دائما بإرسال صوره لأهله عبر الجوال الذي يبقيه دائماً على تواصل أكبر معهم.
ويقول: إنه على الرغم من هذه الإيجابيات التي يقدمها له الجهاز إلا أن الأمر لا يخلو من بعض السلبيات التي تتوقف على سوء استخدام هذا الجهاز لأسباب نفسية واجتماعية؛ إذ أخبرنا وليد عن حادثة قامت فيها إحدى الفتيات بالتصوير في إحدى صالات الأفراح، وقامت بنشر تلك الصور بطرق مختلفة.
أما (مُنى) -طالبة مدرسة- فذكرت أنها لا تفضل انتشار استخدام هذه الأجهزة؛ لأنها كثيراً ما تلاحظ عند خروجها من المدرسة وجود بعض الشباب الذين يحملون هذا الجهاز، ويصوّرون الطالبات خلسة عند خروجهن من المدرسة، فقالت: إنها لا تعرف مستقبلاً ماذا سيحدث إذا وجدت صورتها تنتشر بطرق مختلفة، وهي لم تفعل شيئاً سوى أنها كانت تخرج من المدرسة!
ويرى (طارق علي) أن سلبيات (كاميرا) الجوال أكثر من إيجابياته، ودعا إلى الحد من استعماله لما فيه من تشهير بأعراض الناس وسمعة أشخاص بريئة.
(كل ممنوع مرغوب)
لكل تكنولوجيا تبعات وآثار جانبية، هذا رأي (الأستاذة الدكتورة فوزية العطية أستاذة في علم الاجتماع كلية الآداب جامعة بغداد) فهي سلاح ذو حدين؛ بالإمكان استخدامه بالطريقة الصحيحة أو استغلاله عند بعض أصحاب النفوس الضعيفة لأغراضهم الشخصية، وهذه تؤثر على نفسية المراهق العراقي، ونحن هنا نتكلم عن بعض المراهقين ممن فقدوا آباءهم، أو من لا يجد من يردعه أو يوجّهه، وانطلاقاً من نظرية كل ممنوع مرغوب، عبثت هذه التقنية بعقول بعض الشباب إضافة إلى الفضائيات التي تشجع الكثيرين على استعمال العبارات الشائنة والكلمات التي تخدش الحياء ساعدت أو هيّأت البيئة المناسبة لمثل هذه الأفكار، إضافة إلى الظروف السياسية التي مرّت بالعراق وانعدام الرقابة أو الأمن أو التوعية، لكن بحسب معرفتنا لم تُسجل حالات مشابهة لضحايا من النساء إلا بنسبة قليلة جداً مقارنة بالدول الأخرى، والذي مضى على استخدامهم للجوال فترة طويلة.
السبب هو الإعلام
ضعف الوازع الديني وغياب الرقابة الفعلية المباشرة من قبل الأهل من أهم الأسباب التي تؤثر على الشباب والشابّات وتؤدي بهم إلى الانحراف، بحسب رأي (الشيخ علي خضر عضو هيئة علماء المسلمين، وعضو مكتب الدعوة والإرشاد في الحزب الإسلامي العراقي) والذي يرى أيضاً أن الحلّ يكمن في دور الإعلام الكبير الذي من المفترض أن يدين هذه الأعمال ويحاربها، أما الأهل فيقع على عاتقهم الجزء الأكبر؛ لأن لهم الرأي الأول والأخير في مراقبة سلوك أولادهم ومتابعة أصدقاء أولادهم؛ إذ إن للصحبة دوراً كبيراً في التأثير وبشكل مباشر على الشباب، إضافة إلى تحصينهم بالآيات القرآنية وبمبادئ الدين الحنيف.
"على الرغم من كل ما أُثير ضد الهاتف النقّال المزود بالكاميرا، إلا أنه يبقى ضرورة مهمة من ضرورات العصر، لكن استعماله يتباين من شخص لآخر حسب ما يمتلكه من مبادئ و أخلاق وستار ديني يسدله كلما أحس بقرب معصية تتجه نحوه".
جريمة يعاقب عليها القانون
يؤكد الأستاذ (نبيل عبد العظيم) المحامي المصري أن التقاط صور الفتيات والنساء ونشرها وهن بزي غير كامل وبغير رضاهن ونتيجة للتلصص والتجسس عليهن، يُعدّ جريمة يعاقب عليها القانون، ويرجع للقاضي إصدار الحكم الذي يتناسب مع ظروف كل قضية، وإذا لم يكن ذلك موجوداً في قوانين العقوبات فيجب استدراكه؛ إذ إن الأمر يتعلق بأمر مُستحدَث ليس له سابقة.
ويؤكد (نبيل عبد العظيم) المحامي أن هناك قضايا عديدة وصلت إلى مكاتب المحامين، وحتى إلى قاعات المحاكم نتيجة هذه التجاوزات، وهناك أسر تصدّعت من وراء هذا الفعل الفاضح، وهناك كوارث اجتماعية، وسوف تزداد هذه المشكلات مستقبلاً.
ويضيف نبيل عبد العظيم أن القانون يعاقب على جريمة التشهير بالأشخاص بالسجن حتى ثلاث سنوات في حالة ثبوت حادثة التشهير على المتهم، موضحاً أن تصوير الأشخاص بدون علمهم وبث هذه الصور بهدف التشهير سواء على الإنترنت أو على الجوال يندرج تحت بند التشهير، ويُعاقب مرتكبه نفس العقوبة، ولذلك فنحن نطالب بضرورة إعطاء تصريح لاستخدام الجوال الملحق بكاميرا للأشخاص الذين يرغبون في اقتنائه للرجوع إليهم في حالة سوء الاستخدام.
تلاعب خطير
يقول خبير الإلكترونيات المهندس إبراهيم فتح الباب: إذا وقعت صورة فوتوغرافية في يد خبير (جرا فيكس) سيجعل منها شيئاً آخر تماماً، ويغير واقعها كلياً. والأمر ليس قاصراً على تصوير فتيات في جلسات نسائية، ولكن من الممكن إذا وقعت صورة أي فتاة أو حتى رجل في يد خبير تصوير فهو قادر على عمل مونتاج للصورة بقص الوجه وتركيبه على جسد آخر قد يكون عارياً، أو في وضع غير حقيقي، ولا يستطيع اكتشافه إلا المحترفون.
إن التقنية وصلت إلى حد لا يستطيع أحد ضبطها، فهناك ساعات وولاعات سجائر أصغر في حجمها من الجوالات، تحتوي على كاميرات تصوير؛ ولذلك فالحل ليس في منع دخول الجهاز؛ لأن الخطأ في الاستخدام وليس في الجهاز، ولا يُعقل أن نتجنب استخدام كل تطور تقني بدعوى أن له مضارّ؛ فالإنترنت لها مضار مثل المواقع الإباحية، ولكن لا يستطيع مجتمع متطور أن يعيش بدون إنترنت.
وقد بات بالإمكان إعادة إظهار الصور التي يتم محوها من الذاكرة في حال بيع الهاتف أو تركه للتصليح. نحن إذن أمام مشكلة كبيرة لن يكون حلها بمنع أجهزة الهاتف المزودة بالكاميرا؛ لأن التقنيات تتقدم يوماً بعد آخر، وقد تظهر أجهزة أخرى عبارة عن أقلام أو نظارات أو غيرها، فالمهم أن نسعى لتحصين أولادنا قبل أن يزجّوا بأنفسهم إلى الهاوية في لحظة استهتار يعدّونها مجرد تهوّر أو طيش شباب.
أما آخر تقنية تكنولوجية حديثة يستخدمها العابثون فى أجهزة الجوال فهي خاصية (البلوتوث) التي تظهر رقم أقرب جوال قريب منك أثناء تشغيله آلياً، وعادة يستخدمها الشاب عندما يقترب من فتاة ليعرف رقمها ليعاكسها بعد ذلك برسائل الجوال اللاهية المعروفة.
انعدام الخصوصية.. سمة العصر
الدكتور سمير الصفتي الأستاذ بكلية الهندسة يقول: إن انعدام الخصوصية أصبح سمة هذا العصر.. الكلّ معرّض لأن تكون حرماته وعلاقاته وأعماله وقصة حياته كاملة مادة خصبة على شاشات الحاسب وشبكات الإنترنت بكل سهولة ويسر.
ولهذا تحاول دول العالم المتقدم سن القوانين التى تساعد الأفراد على التمتع بقدر -ولو قليل- من الخصوصية فى ظل التطور التكنولوجي المحموم، فقد حاولت كل من الولايات المتحدة وبريطانيا الموازنة بين القوانين التي تحترم حريات المواطنين، وتلك التي تسمح بالتحري والتنقيب عن كل صغيرة وكبيرة فى إطار فكرة الأمن القومي، خاصة بعد أحداث 11 سبتمبر 2001.. وعلى الرغم من ذلك فإن هذا القوانين وحدها لم تكفِ؛ فشركات الاتصالات مثلاً يمكنها أو يمكن للعامل فيها اختراق خصوصية أي فرد من خلال حل المكالمات التليفونية، ويمكن الكشف عن هوية المتكلم ورقم هاتفه ووقت المكالمة ومدتها، كما يمكن رصد مكالمات التليفون المحمول من خلال محطات الاستقبال والإرسال، وتُخترق رسائل البريد الإلكتروني من خلال الشركات التي تقدم هذه الخدمة، فيمكنها معرفة أدق تفاصيل حياتك الشخصية عن طريق رسائلك.
وينبه د. سمير الصفتي إلى أن هناك تقنية حديثة يُساء استخدامها أسوأ استخدام، وعلى الرغم من ذلك مازالت موجودة ولا غنى عنها، وخطورة أمرها أن السيدات والبنات لا يلتفتن إليها ولا يعرنها أي اهتمام، وهي كاميرات المراقبة في محال الملابس النسائية، والتي يستخدمها بعض عديمي الضمير في غرف قياس الملابس، وفيها تتعرى المرأة بطبيعة الحال لتقيس الملابس التي تريد شراءها، وهنا تهتك الكاميرا سترها، وترسل الصورة إلى عديم ضمير آخر في إحدى الغرف ليستخدمها أسوأ استخدام، أو على الأقل يهتك حرمة الفاضلات، ويعرض أجسادهن في أفلام خاصة على أصدقائه.
القضية تربوية في الأساس
يرى د. جمال سرور -أستاذ علم الاجتماع- أن التقنية سلاح ذو حدين، وفي ظل هذا الثورة الرقمية التي نعيشها الآن لن يستطيع أحد أن يمنع اختراق التقنية لكافة مناحي الحياة، وبفرض منع تداول هذا الجوال ذي الكاميرا فإن ذلك لن يؤدي لمنع التصوير؛ لأن الذي يريد التصوير قد يستخدم الكاميرا المدمجة في الساعات الصغيرة؛ فالمنع ليس هو الحل، كما أن الإنترنت مليئة بإعلانات كاميرات المراقبة الصغيرة واللاسلكية.
إن الموضوع يتعلق بالدرجة الأولى بالتربية والأسرة، لعدم تطبيقنا أخلاق ديننا الإسلامي، الذي نهانا عن تتبع العورات، والتجسس على الناس في أدق خصوصيّاتهم، لدرجة أنه أجاز فقأ عين من يتجسس على قوم بغير رضاهم.
مضيفاً أن ظهور هذه الجريمة يعود إلى ضعف الوازع الديني وضعف التربية، وهي دليل على التفكك الأسري الذي بدأ يصيب مجتمعاتنا؛ إذ يُلاحظ انشغال الأم والأب عن الأبناء وإيكال تربيتهم إلى الخادمات والمربيات.
إن ما يقوم به هؤلاء ضعاف النفوس من سلوك غير آدمي سواء في حفلات الزواج حيث يتم تصوير الفاضلات و إرسال صورهن إلى ذويهن أو العامة بقصد التشهير. واختلاق المشاكل لهن أو في الأماكن العامة التي تتوافد إليها النساء و تصويرهن سراً لاستغلال هذه الصور بضغوطات أو مساومات دنيئة، لا يدل إلا على نوعية من قام بالتصوير، ومن روّج الصور الفاضحة لأبرياء لا يعلمون ماذا كان يخفي لهم نفر من المنحرفين نفسياً وأخلاقياً واجتماعياً.
حباط وانبهار!
يعدّ د. محمود إمام -أستاذ التربية- انتشار هذه الظاهرة بين أوساط الشباب شكلاً من أشكال الغزو الثقافي الغرض منه التغلغل في داخل الفكر العربي والإسلامي، والعمل على تحقيق التبعية بحيث يرى الشباب المسلم أن النهج الغربي هو النهج الصحيح، ونسير في تيارهم الذي يريدونه؛ فهم يسعون لأن نظل أتباعاً لهم في كل شيء.. ونحن مجتمع لنا خصوصيتنا وعاداتنا وتقاليدنا وكل مجتمع على الأرض له خصوصيته وعاداته ومبادئه وأخلاقياته وأعرافه، والغرب يسعى لخلخلة هذه القيم وزحزحة الاعتقادات من خلال هذه الوسائل وغيرها في تحقيقها.
ويعدّ د. محمود إمام المسألة تربوية في المقام الأول، ويجب أن يكون شغلنا الشاغل: كيف ننشئ أجيالاً صالحة؟ والإجابة في غاية البساطة، فكل مجتمع يملك تربية وتعليماً وإعلاماً.. وهذه الوسائل يجب أن تُسخّر لإيجاد أجيال صالحة، آمرة بالمعروف ناهية عن المنكر.. تُحلّ الحلال وتحرّم الخبائث، والأمر – في رأيه- يتطلب وضع خطة عاجلة لعلاج هذه المساوئ، فنحن في حاجة إلى ثورة شاملة في حياتنا تقوم على كيفية إعادة تخطيط حياتنا في ظل هذه المعطيات المتلاحقة.
الإسلام صان حرمة الحياة الخاصة
يقول الداعية الإسلامي المعروف الشيخ جمال قطب -الرئيس السابق للجنة الفتوى بالأزهر-: إن الشريعة الإسلامية حرصت على حرمات الأشخاص وخصوصياتهم من أن تُنتهك بأي صورة، وتصدّت لهذا الانتهاك الخطير لحرمات الأفراد وخصوصياتهم، كما جاء النهي صريحاً من الله سبحانه وتعالى عن التجسس والذي من شأنه تتبع العورات وانتهاك حرمات الأفراد والتعدي على أسرارهم وكرامتهم فيقول الله تعالى: ( ياأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيراً مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلا تَجَسَّسُوا وَلا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضاً... )[الحجرات: من الآية12].(100/46)
وجاءت السنة النبوية المطهرة، وأكدت الحرص على صيانة حرمة الحياة الخاصة للفرد فقال صلى الله عليه وسلم: "إياكم والظن فإن الظن أكذب الحديث ولا تحسّسوا ولا تجسّسوا ولا تناجشوا ولا تباغضوا ولا تدابروا وكونوا عباد الله إخوانا".
ويتوعد النبي –صلى الله عليه وسلم– أولئك الذين يتتبعون عورات الناس ويبحثون عن معايبهم فيقول -صلى الله عليه وسلم-: "يا معشر من آمن بلسانه ولم يدخل الإيمان قلبه، لا تغتابوا المسلمين ولا تتبعوا عوراتهم فإنه من اتبع عوراتهم يتبع الله عورته، ومن يتبع الله عورته يفضحه في بيته".
كما قال صلى الله عليه وسلم: " لو أن امرأ اطلع عليك بغير إذن فحذفته بحصاة ففقأت عينه لم يكن عليك جناح".
ويتوعد - صلى الله عليه وسلم – من يتجسس عن طريق استراق السمع فحسب بالوعيد الشديد فيقول صلى الله عليه وسلم: "من استمع إلى حديث قوم وهم له كارهون صُب في أذنيه الآنك يوم القيامة".
إن المرأة -وبالرغم من أن لها أن تتخفف في الحفلات النسائية- لكن إذا وُجد احتمال لنشر صورها بأي وسيلة خاصة في ظل وجود هذه الأجهزة الخفية التي تكشف كل الأسرار، ففي هذه الحالة يصبح التخفف من الملابس حراماً.
وإذا كنا نحارب المتلصصين فإننا نطالب المرأة ألاّ تمنح الفرصة لأحد؛ فليس معنى تواجد المرأة في مجتمع نسائي أن تظهر بملابس تحطّم كل ساتر، فالله لن يفضح إلا من فضح نفسه لكي يتحقق قول القائل: لا حياة لمن لا حياء له.
الجهل سبب المشكلة
أشارت الاختصاصية الاجتماعية (جيهان حداد) إلى أن سبب انتشار هذه الظاهرة هو أننا في مجتمع يجاري كل شيء جديد من التقنية، وكثير من الأشخاص يسيئون استخدام هذه التقنية بسبب قلة التوعية، فأكدت حداد على ضرورة توعية الناس بالاستعمال المناسب لـ(كاميرا) الجوال من خلال وسائل الإعلام المختلفة، وعرض المشاكل التي تتعرض لها الفتيات والسيدات وحتى الشباب ليكونوا على حذر أكبر، وإظهار حجم المشاكل التي يسببها الاستخدام السيئ لـ(كاميرا) الجوّال لتجنّبه.
وقال الأستاذ المساعد في كلية الشريعة بالجامعة الأردنية الدكتور (عباس الباز): إن السبب الرئيس لهذه الظاهرة هو سوء استخدام (كاميرا) الجوال الذي أدّى إلى مشاكل اجتماعية كثيرة تحوّلت معظمها إلى مشاكل قانونية وقضائية، وأضاف: إن سوء الاستخدام يعود إلى الجهل، وعدم الوعي بالقيمة الحقيقية لفوائد هذا الجهاز.
وأكد (الباز) على أن هناك الكثير من الإيجابيات لـ(كاميرا) الجوال فأعطى مثالاً وهو أن يستخدم التاجر الذي يريد شراء بضاعة هذه (الكاميرا) في معاينة أو رؤية جزء منها قبل الشراء، وهو ما يسهل عليه كي لا يخسر في تجارته هذه، ولا يضطر لحمل جهازين عند محاولة شراء أي بضاعة.
وسيلة مشروعة في عمل غير شرعي
وحول نظرة الدين لهذه الظاهرة قال الباز: إن العلماء المسلمين يرون أن هذه الظاهرة لم تنمُ وتنتشر بسبب هذا الجهاز بل بسبب مستخدميه؛ إذ إن أي جهاز يمكن استخدامه في الخير أو الشر، وجهاز الهاتف المحمول سواء أكان بـ(الكاميرا) أو من غيرها ليس له علاقة بهذه الظاهرة؛ فهو مجرد جهاز يمكن استخدامه وتسخيره للخير أو للشر، وكذلك من صنع الجهاز، فهو قام بصنعه لخدمة البشرية، ولتسهيل الاتصال بين الناس.
وأضاف: إن في الإسلام مبدأً لسد الذرائع يقول: إن الوسيلة التي تؤدي إلى عمل أو تصرف مشروع فهي مشروعة، وفي هذه الحالة ليس الجهاز هو الوسيلة غير المشروعة بل هي طريقة استخدامه.
المنع أحد الحلول
وأشار (الباز) إلى أن هناك العديد من الحلول التثقيفية والتوعوية التي تؤدي إلى التخفيف من هذه الظاهرة، وذكر أن بعض الدول قامت بمنع استخدام هذه الهواتف كالصين والسعودية بعد أن رأت أن استخدامه أدّى إلى وقوع العديد من المشكلات، وهذا أحد الحلول الممكن طرحها في حالة تفشّي هذه الظاهرة في المجتمع.
وأوصت الاختصاصية الاجتماعية (حداد) بأن يكون هناك قانون يضع عقوبات لمن يسيء استخدام التقنية الجديدة كـ(كاميرا) الجوال لتكون رادعاً له.
ـــــــــــــــــــ(100/47)
جزاك الله خيرا
هناء الحمراني 24/12/1426
24/01/2006
"جزاكِ الله خيراً..إن ثوبك يشفّ عما وراءه".
ابتسمت وأنا أنظر إلى عينيها اللتين كانتا تركزان نظرهما في عيني بكل قوة وجرأة:
"شكراً..أعرف ذلك".
"وهل تعرفين الحكم؟"
"إنه ليس شفافاً لمن لا يركز عينيه، ولكن أنت تضخمين الأمور".
احمرّ وجهها:
"بل هذه هي الحقيقة..ولكننا أصبحنا نتساهل في لباسنا لدرجة صار فيها المنكر معروفاً لدينا".
سرت رعدة الغضب..فتركتها لتحدّث الجدران!!
***
أن "يتهمك" أحد بالخطأ..والتقصير..و"أنك" أصبحت متساهلاً في أمور دينك بطريقة ما..وأن المنكر صار "لديك" معروفاً..ومممممممم!! كثير من هذه الكلمات..يصعب علينا تقبلها بطبيعتنا البشرية التي"تأخذها العزة بالإثم" كلما ازدادت بعداً عن الله..حتى وإن كان ناصحاً مخلصاً..تثق في كلماته..
***
يصيبك الغضب..تدور عيناك..ولكن..ولأنك تعرف الحق..وتؤمن به..لا تستطيع إنكار قصورك في قرارة نفسك..وفي الوقت ذاته..تأبى نفسك البشرية إلا أن تثور.. ولأن هذه النفس البشرية تريد أن تتخلص من وخز الضمير بسبب هذه الثورة..تطالب العقل بتقديم مسوّغ سريع لهذا الغضب..وتخرج الكلمات متفجرة من فمك:
"كلامه صحيح..ولكنه يفتقر إلى الأسلوب"
ولست وحدك من قال ذلك..تماماً كما أنك لست وحدك الذي يوجه له العتب أحياناً..وربما التجريح..
***
الأسلوب!هل هو مهم لهذه الدرجة حتى ترفض الحق من أجله؟
أم أنه الوسيلة السهلة التي تمكنك من تسويغ غضبك حتى وإن كان الأسلوب في حقيقته عنجهياً!
قد تهز رأسك..وتتهمني بأنني ذات عقلية "فاسدة"؛ لأنني أسأل عن أهمية الأسلوب في الدعوة..ولكن لكي تهدأ نفسك..وتتقبل إكمال مقالي..فإنني أقر وأعترف بأن الأسلوب الليّن الطيّب هو الذي شد القلوب..وأسر الألباب..ونشر الإسلام..
الأسلوب مهم..ويجب أن يتعلمه الدعاة..ولكنك أنت أيضا أيها المسلم- أياً كانت معصيتك وأياً كان خطؤك - تظل داعية إلى الإسلام طالما أنك تحمل شرف الانتساب إلى هذا الدين..
وإن كنت تتحدث عن الأسلوب..فالرسول -صلى الله عليه وسلم- كان مثالاً قوياً في الدعوة..وفي قبول الحق أيضاً..حتى وإن صدر من أعرابي جلف خشن..
لقد قبل الحق..لم يناقشه أو يبين له كيف يكون الأسلوب في التعامل..ولكنه بإحسانه أفهمنا جميعاً معنى ذلك..
***
دع "الفلسفة" جانباً..هل ما جاءك هو الحق؟ أأنت فعلاً مخطئ؟وهل وجهت لك كلمات تظهر خطأك..ليكن الأسلوب جيداً..أو سيئاً..المهم..العسل الذي يُجنى من تلك الكلمات..
***
يستفزني انتقاد الناس لكعكتي المحترقة! ويغضبني امتعاضهم الصريح من طريقة تعاملي مع طفلي المزعج..بل إنني أشتعل كعود ثقاب إذا قيل لي "اتقي الله"!!
ومن أجل ذلك ..كان هذا المقال..
سوف تهدأ ثائرتك لا محالة..وتعرف أن ما قاله الناصح صحيح..وربما صحيح مائة بالمائة..فلا ترهق نفسك بالغضب..ولا تكن سبباً في إثارة الآخرين ضد الدعاة بحجة(الأسلوب)..وإن لم يكن نصحه ليّناً..فكن أنت الليّن بقبول النصيحة..والحكمة ضالّة المؤمن..
ـــــــــــــــــــ(100/48)
التربية ورقع الخروق
سليمان بن ناصر العبودي 23/12/1426
23/01/2006
التربية ذلك الثوب الفضفاض، الذي ضم بين عطفيه على مر العصور؛ قدرًا هائلاً من القيم والأفكار، والمبادئ والشخصيات، والكتب والتعريفات، وما أن تمسك بطرف الثوب وتهزه هزًا عنيفًا حتى ترى أكوامًا هائلة تتهاوى، وأصنامًا مقدسة تتطاير، فهو قصر مشيد كثر على أعتابه المتمسحون، وقلعة شامخة غير حصينة فتحت أبوابها للمدّعين، فتبصر في مضمار التربية جموعًا حاشدة، وأرقامًا مذهلة، وما أن تمعن النظر وترجعه كرتين، إلا وينقلب إليك البصر خاسئًا وهو حسير.
ما أنا ممن يدعي الوصول أو يبتغي الكمال، أو يصطاد في الماء العكر، فكل ما أطمح إليه في هذا المقال؛ لفت الأنظار، وتنبيه الممارسين "في المحاضن التربوية المتنوعة في الطرق والأساليب، والمتحدة في الإسناد إلى المنهج الرباني" من خلال عدة نقاط:
وجزء منها تبلور نتيجة المرحلة العصيبة التي نعيشها، والتي من أبرز ملامحها التغير والتغيير الذي أدار رحاه على المجتمع بأسره، وأحدث هزات عنيفة، وخنادق عميقة، ومفاهيم خاطئة تستعد للرحيل، ولم يستطع كثير من العاملين في حقل التربية في بعض الأوساط استيعاب التغير، فجاءت ممارساتهم وأطروحاتهم ضعيفة مهلهلة؛ لأنها في الغالب خليط بين عجز عن فهم الواقع، وتمسّك مرير برؤى الماضي.
إن إحياء نوازع النفس الخيرة ورفع مستوى الذوق الذاتي في نفوس المتلقين، ومخاطبة عقولهم، وامتلاك أدوات الحوار معهم، وفتح بابه، بل ودفع الناشئة إليه دفعًا، من أخص خصائص النجاح في واقعنا المعيش، فقد أضحت المراقبة التقليدية المباشرة من مخلفات عصر مضى.. لم يعد يُحتمل مع الانفتاح الإعلامي الهائل، والتواصل الكوني المثير؛ تثبيت أبصار المتلقين على مناطق محددة، وعلى شخصيات معينة، ومنعهم من التلفّت ذات اليمين وذات الشمال، ولئن كان المتلقي العادي في السابق يسمع طرحًا واحدًا فقط، أو على الأدق لا يشدّ ناظريه إلا طرح واحد؛ هو الطرح السائد في المجتمع، وهو الذي يحظى بالتأييد من كافة شرائحه، ويُسمع صداه في كل جهاته، أصبح اليوم يسمع أصواتًا كثيرة، أصداؤها متقاربة، ويبصر أطيافًا عديدة، ألوانها متنافسة، ولكل منها مشاريعه ورؤاه وأساليبه ورواده.
(إن مجرد الإيمان والاعتراف بتعدد المؤثرات في المجتمع، سيصنع منا بشكل مذهل مربين ذوي كفاءات راقية، وقدرات عالية، وطروحات مناسبة ومنسابة في عقول الناشئة).
إن من يحمل بين جنبيه ديناً سماويًا، ويقتفي في خطاه منهجًا نبويًا، فقد ضمن لمشروعه السيرورة والانتشار، والغلبة والتمكن، فمن السذاجة أن يفرض على نفسه سياجًا يمنع ويحد من اتساعه، فلا يدفعكم الخوف على الدين؛ إلى إقصائه ووضعه في دهاليز مغلقة، ولا يدفعكم الشعور بالمسؤولية الزائدة عن رؤاكم وتصوراتكم البشرية؛ إلى الانكفاء على الذات، والعزلة عن مجتمعكم، أنتم -شئتم أم أبيتم- جزء لا يتجزأ من هذا العالم المتفاعل، ورقم صعب يحسب لكم أعداؤكم ألف حساب، وخير هدية تقدمونها لهم هي التقزّم والانزواء؛ فلا تحرموا مجتمعاتكم من عطائكم، فتجعلوه محصورًا في فئة معينة، وأماكن محددة، بل مدوا الجسور مع كافة شرائح المجتمع، بأطيافه المتعددة والمتفاوتة، وللتفاعل خاصية المراجعة والتحديث، ولئن لم تتفاعلوا بشروطكم ورؤاكم لربما اضطررتم في يوم ما أن تلبسوا عباءة لا ترتضونها، وتتبنوا رؤى لا تقبلونها.
المرحلة المعيشة ما هي إلا إرهاص لمرحلة قادمة مثيرة، ونحن لا نرى إلا قمة جبل الجليد كما يُقال، فمن الكياسة والنجابة تحديث عدد من المفاهيم، ومنها مفهوم الأصدقاء والأعداء، وتحديدهم على نحو واضح، وتكثيف الأول وتقليص الثاني، فلسنا بحاجة إلى كسب عداوات جديدة، ولسنا بحاجة إلى أن نلتفت يمينًا وشمالاً، ونوزع البطاقات الحمراء مع كل من نختلف معه، في رأي أو مسألة صغيرة كانت أو كبيرة، وأذكر مقولة جميلة قرأتها قبل سنوات: "إن الإيمان الحق يدعوك أن تفرح كلما رأيت من يضع لبنة في البناء أيا كان انتماؤه".
لقد أُنهكنا بصراعاتنا مع أنفسنا، وتألمنا من الضرب بسوطنا، وقوضنا بنياننا بأيدينا، وإن من الخيانة لأنفسنا أن نقحم الناشئة ومن تحت أيدينا إلى حمأة الصراع، وبؤر التوتر، وأن تُحوّل بعض التجمعات من محاضن تُبنى فيها الشخصية المسلمة، إلى مطاحن تخرج خبراء التصنيف والردود، مما يساهم في حرق المواهب واستنزافها فيما لا طائل من ورائه.
فلنفتح صفحة جديدة بيضاء مسالمة مع إخواننا تنعكس بشكل واضح على خطابنا وبرامجنا، وترسم البسمة على شفاه متلقينا، ونفهم ناشئتنا أننا نستطيع أن نتعايش مع إخواننا المختلفين معنا في بعض الجزئيات، ونرسم نحن وإياهم خطوطاً متوازية كلها تصل ولا تتقاطع.
كما أنه ليس بعالم من يعتقد أنه حصّل العلم كله، فإنه كذلك ليس بناضج من اعتقد أنه وصل إلى قمة النضج، فالإنسان مادام حيًّا فهو مع الوقت يكتسب خبرات جديدة وحقائق غائبة، فمن الذكاء جعل رؤانا وتصوراتنا مفتوحة وقابلة للأخذ والرد، والحذف والإضافة، ويُروى في هذا الصدد أن الإمام مالك كان يقول بعد أن يفتي: "إن نظن إلا ظنًا وما نحن بمستيقنين"، وقد كان الإمام الشافعي يدرك هذا فيقول: "مذهبي صواب يحتمل الخطأ، ومذهب غيري خطأ يحتمل الصواب"، فلنجعل لأنفسنا خطوطًا للرجعة، حتى لا تصبح أقوالنا ومواقفنا كلاليب تمسك بخناقنا عن المراجعة والتراجع.
ومن الحكمة أن نقلص مقدار المنطقة الحمراء التي بالغنا في بعض المراحل في وضع حدودها، فكل شيء قابل للنقاش والتعديل، مادام لا يتعارض مع الأصلين، الكتاب والسنة؛ لنحاول أن ننفي من لغتنا ومن خطابنا الأحكام القطعية، والنتائج المعلبة الجاهزة، والثنائيات الحادّة.
فبالإقناع والحوار ومقابلة الحجة، تتلاقح الأفكار وتنبت الأشجار عميقة الجذور، متأصلة في باطن الأرض، وفي هذا الأسلوب وصفة سحرية من شأنها أن تقلل من سيناريوهات الإقدام فترة ثم الإحجام والعطاء ثم التوقف.
أيها المربون:
الحديث معكم ذو شجون، وحسبي منه ما يلفت أنظاركم، ويسترعي انتباهكم ويساهم في تثبيت مسيرتكم، والله من وراء القصد.
ـــــــــــــــــــ(100/49)
قصّة حبّ
غادة أحمد 15/12/1426
15/01/2006
عشتها و أعيشها معكِ ....
نعم أنت ... أنت أيتها الأنثى، أياً كان موقعك على خريطة كرتنا الأرضية...
فاض الحب من قلبي إليك، كيف لا، و قد شرفك الله تعالى في كتابه الكريم، فيقدمك في الهبة و العطاء قبل الرجل (... يَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ إِنَاثاً وَيَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ الذُّكُورَ).
و لكم استوقفني قوله تعالى: (وَلا تَتَمَنَّوْا مَا فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ...)، كم من النساء تمنين في لحظات ضعف أن لو كانوا رجالاً، مع أننا نملك بتقرير الآية ما يحلم الرجال و يتمنون أن لو ملكوه !
لو أدركت قيمة الأنثى فيك، لو أحببت نفسك، ما عشت الحب معايشة سلبية أبداً
نعم .... هكذا أراك، لف ودوران، وعشق وهيام و دموع وآهات وشعر وأبيات، كل ذلك في فلك واحد.....
لا تغادريه، و لا تفكري في التعرف على سر هذا الكون حولك، و ما حوى من أفلاك و مجرات أخرى ....
دوماً تابعة له، لا أقول كوني قائدة – وستحتاجين ذلك يوماً ما، و إلا فما هي الأمومة؟
و لكن كوني .... حاولي أن تكوني شريكة بخطوط متوازية.
أوقن أنك لا تتحملين وحدك المسؤولية.
كان هناك مقدمات أوصلت إلى هذه النتائج، فقد عشنا زمناً أنّ ظِلّ رجل و لا ظِلّ حائط، لنشعر دوماً بالنقص من دونه.
أتراه يشعر بعدم الاكتمال من دوننا؟ و أن ظل اِمرأة و لا ظل الكون كله !
و الحقيقة أن لا ظِلّ رجل و لا ظِلّ غيره، و إنما هو ظِلّ الإيمان و اللصوق به، و القرب من المولى سبحانه و تعالى. و البنت مصيرها إلى الزواج، و كأن الرجل هو الذي قد اختلف شأنه و مصيره.
نتجرع هذا سنوات طوال، فإذا لم يأت، و لم يقسم الله تعالى به، فقد تشتت المسير، و ضاع الهدف، إذاً فإلى أين المصير؟
مصير الرجل و المرأة كل منهما إما إلى جنة و إما إلى نار عياذاً بالله تعالى،
و كثير، وكثير.... لو شئنا لسطرنا صفحات و صفحات.
و لكن .....أنت يا من جعل الله تعالى لك قِوامة !
نعم....
أم أنك يوماً ما تدبرت قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ...).
أوَ لست من الذين آمنوا؟
فمتى ..... متى تمارسين هذه القوامة، حتى و لو على نفسك، فيخضع قلبك لقيادة عقلك، فتنحية الثاني عن قيادة الأول غالية الثمن، أمدية السداد .
تستعذبين الأسر في قيوده ....
تذرفين الدمع الثخين، و تقطع قلبي آهاتك المكلومة من شدة شوقك إليه.....
أهذا هو الحب؟
من منا لم يخفق قلبه؟
و لكن ألم تفكري يوماً أنك بذلك قد تنجحين في إثارة شفقته، أو لنقل حتى قلبه و عواطفه؟
لحظات ضعفك قد . ...قد تحدث، و لكن لا ينبغي لها أبداً أن تصمد.....
ألا ما أجمل أن يحتوي هو قلبك..... فهذا ما تحتاجين إليه...
ألا ما أروع أن يتوقف هو عند عقلك..... فهذا ما يحتاجه هو....
و اليد العليا خير !
متى أراك تعيشين بين سطوره ، تقتحمين فكره، تستدركين عليه .....
ألا أقرأ لك يوماً وجهاً أو تخريجاً؟
أكل إبداعك مدح و ثناء؟
تقليد .....أين التجديد؟
لقد انطلق ليصنع الحياة.....
لن يتسع وقته طويلاً ليقف عند أشعارك و دموعك....
قد يمنحك دقائق .....
ساعات..........
أيام.........
عمره كله قد وهبه لهذه الحياة ليعيد صياغتها وفق ما يرى، و ما فيه النفع لكل البشر ....
ملك زمامها لما ملك زمام نفسه....
لن تسعفه قامات سطورك التي انحنت....
و لا هامات حروفك التي يوماً ما شمخت و علت.....
و ما عساك أن تمنحيه بعد أن فرطت في حريتك طائعة مختارة؟
و هو في مأمن منك، طالما أنك لم تحاولي بعد احتلال عقله !
نعم.....
هذه التي يخشاها، و يترقب خطواتها، و يعلم أن لها حدوداً لا و لن يمكن أبداً أن يتخطاها أو يحاول المساس بها .
و هذا ما أدعوك إليه!
و لكن و لأِننا لم نُخلق عبثاً، فما دعوتك لذلك لتذهبي بلبه يمنة و يسرة دون هدف و لا خوف من الله تعالى....
و إنما لتثيري احترامه و رغبته أن تشاركيه صناعة هذه الحياة، لتدعيه يبحث هو عنك، و يتمناك، و يحلم بك شريكة حياة بكل ما تعني هذه الكلمة، لا زوجة فقط ....
و الفرق كبير لمن أدرك!
و إذا كان الحب لعبة، فاعلمي أنني قد أسررت لك بقانون من قوانينها،
و الزواج ليس كل آيات الله في هذا الكون، و إنما هو من بعض آياته (و من آياته ...)
فإذا لم يتحقق، أوَ يبحْ لك ذلك العيش في نفس المنظومة، و بنفس الوتيرة !!
متى ...... متى تحين لحظة انطلاقك؟
لتصنعي أنت الحياة؟
أفاضت ذرات حبي إليك، و تسللت المعاني إلى قلبك الحنون؟
أم أنني كنت أخاطب نفسي؟
و ما أحوجني !
ـــــــــــــــــــ(100/50)
اهتمام المرأة بزوجها قد يزيد من بدانتها!
رنا دقر صواف * 5/12/1426
05/01/2006
مع أن البدانة تُعد من المشكلات الصحيّة لدى كل من الرجل والمرأة إلاّ أنها بالنسبة للمرأة تُعدّ مشكلة جمالية ونفسية أيضاً، ولهذا تكتسب المزيد من الأهمية لدى النساء اللائي تشكل الرشاقة والتناسق البدني عندهن هاجساً وحلماً جميلاً يسعين إلى تحقيقه بمختلف الوسائل المتاحة. وهناك عدة عوامل تلعب دوراً هاماً في زيادة وزن المرأة .. من أهمها:
- تجربة الزواج: يَحدث فيها تغيّرٌ في نظام حياة المرأة وكيفية التعامل مع عالمها الجديد المتمثل بالزوج وأهل الزوج وكيفية إرضاء الطرفين، مما يزيد من الضغط النفسي (Stress) فتلجأ إلى تناول الطعام كمحاولة للتعويض عن هذا التوتر؛ إذ إن الأكل يعمل كمهدّئ نفسي.
- محاولة المرأة العناية بزوجها بتحضير الوجبات الشهية المختلفة، وهذا يزيد من شهيتها.
-- هناك الكثير من النساء اللاتي لا يشاركن في ترتيب بيوتهن أو تحضير الطعام وتربية وتدريس أولادهن، وهذا يقلّل من حركة المرأة وتفاعلها مع أولادها، ويسبب ضغطاً نفسياً خفياً قد لاتشعر به إلا بعد فوات الأوان.
- الزيارات الاجتماعية الكثيرة، والاعتماد على وجبات المطاعم وخاصةً الوجبات السريعة، والتي تترافق مع تناول الكثير من الأطعمة الشهية والدسمة.
- عندما يبدأ الوزن بالازدياد تُصاب المرأة بالاكتئاب، والذي يدفعها للبحث عبثاً عن حل جذري وسريع لهذه المشكلة، ومن جراء ذلك يمكن أن يزداد الاكتئاب والوزن بدلاً من أن ينقصا.
- في مرحلة الحمل تطرأ على المرأة الحامل تغيّرات عديدة، وللأسف نقول: إن العديد من الحوامل يعتقدن أن المرأة خلال مرحلة الحمل يجب أن تلتهم الكثير من الأطعمة، ومثل هذا الاعتقاد السائد بين النساء يُعدّ اعتقاداً خاطئاً؛ إذ ينبغي على الحامل أن تتناول الغذاء المناسب، وعليها اتباع النظام الغذائي الصحي والرياضة المناسبة للحفاظ على صحتها وسلامة جنينها.
- بعد الولادة كثير من النساء لايرضعن أطفالهن خوفاً من تهدّل صدرهن، وهذا خطأ فادح؛ إذ إن حليب الأم مفيد جداً للرضيع فالرضاعة الطبيعية تزيد من الترابط العاطفي بين الأم والوليد، وتنشط المناعة عند الوليد مما يقلل من أمراض الرّبو والتحسّسات الهضمية في المستقبل، كما أن الرضاعة تساعد على تخفيض الوزن وإعادة الرحم إلى حجمه الطبيعي.
- تناول حبوب منع الحمل وهي تزيد الشهية والوزن في 50% من الحالات.
المتزوجات.. كيف يمكن أن يستعدن تناسقهن؟
من المعروف بأن التي ترتبط بالبدانة كأمراض القلب والأوعية الدموية والسكري وغيرها، ولهذا ينصح باتباع الإرشادات التالية للمحافظة على صحة وجمال الجسم:
- تقسيم الوقت بين البيت والأولاد وأشياء أخرى مفيدة كالعمل الجزئي، أو الدراسة حتى لا تصبح الحياة مملّة لا قيمة لها، فالإحساس بالملل أو الفشل يزيدان من التوجه إلى الطعام كتعويض لاشعوري عن الكبت النفسي والعاطفي.
- التحكم بالشهية: عند الذهاب إلى أي اجتماع عائلي تلبية لإحدى دعوات الطعام، يمكن تناول صحن سلطة أو خضراوات مسلوقة قبل الذهاب؛ لأن المعدة عندما تكون خاوية، قد لا يستطيع المرء التحكم بشهيته لدى تقديم الطعام له.
- الانتباه إلى كيفية طهي الطعام في البيت، وتقليل نسبة الدهون وخصوصاً الحيوانية المستعملة في الطهي.
- الإكثار من الحركة: للمحافظة على تناسق الجسم ولتفادي زيادة الوزن يُنصح بالإضافة إلى ما سبق بالإكثار من الحركة كالمشي وصعود الدرج إلى آخره...
- التقليل من مشاهدة التلفاز ما أمكن؛ لأن التلفاز يحوّل الانسان إلى شخص متلقٍ (منفعل غير فاعل) فالإنسان يستلقي ويصبح عنصراً سلبياً متلقياً للمعلومات، وأثناء ذلك يتناول الكثير من الطعام أثناء مشاهدة سيل الدعايات المتعلقة بالطعام من دون الانتباه إلى كمية السعرات الحرارية التي تمّت إضافتها إلى الجسم، والتي تتراكم تدريجياً على شكل دهون تتجمع في أماكن مختلفة من الجسم.
وأخيراً نشير إلى أن الجمال نعمة، وأن المحافظة على تناسق الجسم ووقايته من المضاعفات المرتبطة بالبدانة ليست بالحلم المستحيل؛ إذ يمكن للمرأة أن تحقق الرشاقة والصحة والجمال باتباع قواعد الصحة العامة، والالتزام بإرشادات الطبيب، وأخصائي التغذية طيلة مراحل حياتها.
* فنية تغذية بالأكاديمية الأمريكية للتغذية
ـــــــــــــــــــ(100/51)
ابتسم !!
أحمد بن خالد أحمد العبد القادر 3/11/1426
05/12/2005
تتأزم شتات من المواقف فتحصر نطاق التفكير في منظور ضيق، وتحصر سعة البال وتقلصه عن رحابة الصدر، ينعكس ذلك على المحيّا من علامات البؤس والضيق والغضب، ومعها يبدو الوجه مسوداً قاتماً وقد كظم ضيقه في صدره؛ فما عاد أحد يطيق النظر إلى وجهه، وقد تطاير الشرر من سآمته، ولا مناص من رحابة تطلّ عليه، وبشاشة تغمره إلا بابتسامة غرّاء، تبدّل الخطوط المتعرّجة على القسمات، وتظلها بِطلّة بيضاء، وقد تفتّقت الوجنتان بحمرة زاهرة، وكشفت عن ثغر افترّ عن ابتسامة رقراقة صافية.
ولكم هي المواقف التي تثير في نفوسنا الشجن والألم، إلا أنه بابتسامة صغيرة من ذلك الثغر ليكشف عن جمال دريّ بديع، يزرع الانشراح والسرور في قلب صاحبه وقلوب محبيه، ولا عجب من ذلك؛ فهي دوافع نفسية غريزية تسهم في بشاشة ورحابة تغرس في القلب، وتبث الهدوء والراحة في أغلب الأوقات، ولتعجب من أناس أثقلتهم الهموم عن رغد الحياة والأنس في ظلالها، ومع ذلك كله تجد عند أحدهم بسمة برّاقة تشفي السقيم، وتنعش الكسول، وتحيي الكئيب، لم تحُل الهموم بينهم وبين بث بسماتهم الجميلة لينيروا عتبات الحياة التي أظلمتها التعاسة واكفهرار الوجوه، وأكلتها بشقاء ما له نظير، وبأجواء كأنها جُرُفٌ هاوٍ.
كثير من المعضلات كانت أسمى حلولها ابتسامة مشرقة، فكانت كفيلة لوأد مشكلة وهي في مهدها، وما أشقى أناساً بخلوا بإشراق الابتسامة في وجوههم، ولو علموا ما لتلك الابتسامة من إيجابيات فوّارة لما توانوا للحظة أن يجودوا بها، فهي تفتّ فتيل الأعصاب، وتزرع البشاشة والسعادة، وتبث الراحة في الخاطر، وتفعّل من عضلات الوجه، وتزيد من قوتها، وتبعد الانكماش والعزلة عن المرء، وتزرع في نفسه الهدوء وحلاوة المطية، وترخي البدن، وتجد من الناس المحبة والترحاب، وغيرها من ثمار نقطفها من نتاج الابتسامة، ولو حُبّرت لها الصفحات تلو الصفحات لما كفتها ولا حتى حصرتها.
ولكم من صداقات رحبة كان أُسّها ابتسامة عابرة وضحكة صادقة، فهذان زميلان في العقد الثالث من صداقتهما، ولو سألتهما عن بداية هذا المشوار الزاخر بالإخلاص والتواصل لأخبراك أنها ابتسامات كانت ترتسم على محياهما في المرحلة الدراسية حتى تجاوزت مداها إلى صداقة خالصة، وللابتسامة سحر خلاّب يجذب الأنظار ويسلب القلوب ويملك العقول، فلا يكفي منك سوى ابتسامة بسيطة مهما تصاغرت فإن لها وقعاً عجيباً على النفس لا يكاد يوصف.
وحتى من الناحية الطبية نجد أن الأطباء في دراساتهم يؤكدون أن المبتسمين أطول الناس عمراً لسرورهم وبشاشتهم، فلا ضغينة يحملونها ولا أحقاد يبيتونها، بل ابتسامات ناصعة تزيد من سعادة الحياة ورغدها المحبوب، ونجد أن الأولين لم يغيبوا عن هذه الشجرة المحمّلة بكل البركات، فنسمع من أقوالهم ما يثير هذا المعنى، ويترك أثره في القلب، ونرى من مؤلفاتهم الناجعة في باب النكت والطرائف والنوادر من العجب العجاب من أقوال الشعر ودرر الحكماء وأخبار المجانين والجهلاء، وحتى إن أعلام الفكاهة البارزين لا تغيب عن الذاكرة، وما كان ذلك إلا لانشراح نفوسهم وسعة صدورهم، فتجدهم الأقرب حباً والأكثر سُؤلاً من قبل الآخرين، وما تعجب إلا من بعض أضره أن يقطع في خطوط وجهه حتى يشهر بشبح ابتسامة عابرة ما أسرع أن تموت في مهدها فلا تترك أثراً، وعجباً أن تجد من كانت سمته الابتسامة والضحك والبشاشة يملك وسامة بيضاء وإطلالة مشرقة، أنارت وجهه، وفتلت من قسماته.
وما نشير إلا إلى الابتسامة اللطيفة اليانعة، بعيداً كل البعد عن الضحكات الممجوجة بصرخات مزعجة ممقوتة، فهي لا تزرع الراحة وتخيم الضوضاء أرجاء المكان، (ابتسم تبتسم لك الدنيا) حكمة من زهاء الأولين، صدقوا فيها أبلغ صدق، فابتسامتك تسر خاطرك وتبشّ أوداجك، ويسعد الآخرين منك، وقد رسمت على محيّاهم السعادة و البشر، ولا تنسى أن الابتسامة حالة نفسية تتعمق في الوجدان، وتتأصّل في النفس فتبث فيها البشاشة والسعادة، وكل ذلك من انحناءة صغيرة في الوجه تتمدّد من خلالها الوجنتان.
ولذا نرى من شرعنا الحكيم ما يؤكّد هذا السلاح الفعّال والمؤثر والمساهم في زرع المحبة في القلوب، فهذا سيد الخلق -صلوات الله وسلامه عليه- يقول: " تبسمك في وجه أخيك صدقة"، فهي سعادة ورضا وطمأنينة وأجور عظيمة وحسنات جزيلة تصبّ في نصيبك، فتزيد من مودة الناس إليك، ومحبتهم في مجالستك والرغبة في الحديث معك، فابتسامتك قد أثّرت فيهم، ولنا في ذلك موقف عجيب في حادثة تصادم سيارتين نجم عن سرعة من الأول الذي نزل من مركبته، وقد علاه الخوف والفزع وخشي من غضب عارم سيُطلق من المصاب لكونه متضرّراً، وما أثار دهشته هي تلك الابتسامة الزاهية التي زُرعت على شفتي ذلك الرجل وقد دمي وجهه، فما كان من ذلك الرجل إلا أن هدأ روعه، وسكنت سريرته، وانتهت المشكلة بين الطرفين بصداقة محببة وقوية.
ثمار الابتسامة كثيرة، وما عليك سوى أن تقطفها، وهي متاحة لك ولا تكلفك شيئاً البتة. فابتسم وازرع البشاشة فيمن حولك.
ـــــــــــــــــــ(100/52)
عقلي والكأس المسكوب...!!
منيرة بنت حمود الذييب 26/10/1426
28/11/2005
قديماً كنت صغيرة، كنت -نوعاً ما- من النوع المحب للاستطلاع، وذات خيال واسع و منطلق - كما هي عادة الأطفال-.. وبكل صراحة ما زلت حتى الآن أتذكر بعضاً من هذه الأفكار العجيبة الغريبة، فأضحك عليها حيناً، وأبكي على ماضيّ حيناً آخر. هذا عدا بعض الأحيان التي أحاول فيها جاهدة أن أجد إجابات وحلولاً لبعض الاستفسارات المحيرة لي ذلك الوقت.
ووددت في هذا المقال أن أكشف لكم عن فكرة ونظرية اقتنعت بصحتها مئة بالمئة فترة لا بأس بها في حياتي، لولا أن تداركتني رحمة من الله وهي:
من المعروف أنه عندما نأتي بأي وعاء -وليكن مثلاً كأساً-، ثم نأتي بأي سائل ثم نسكبه فيه، فإن الكأس في لحظة من اللحظات سوف تمتلئ، ثم بعد هذه اللحظة ينضح الكأس.. أي أن مصير أي سائل نحاول سكبه داخل الكأس سيكون في الخارج، ولن يستطيع الكأس احتمال المزيد.
من المضحك المبكي في هذا الأمر أنني عددت أن أي شيء في هذا العالم هو كأس نسكب فيها، ونسكب إلى أن تمتلئ، ثم سوف نتوقف عن سكب الماء عندما تنضح الكأس، وقارنت ذلك –للأسف- مع (المخ)!! فهو في مفهومي البريء عبارة عن وعاء نضع فيه المعلومات، وسوف يأتي اليوم الذي فيه ينضح، وتصبح المعلومات المخزنة فيه قابلة للتبخر..
طبعاً مما ثبّت هذه المعلومة في داخلي هو ذلك الفهم الخاطئ للمثل القائل: "العلم في الصغر كالنقش على الحجر"، ثم تلاه أناس سخّروا أنفسهم للتطوّع- وليتهم يعطون الفرصة لغيرهم- حين أكملوا هذا المثل بقولهم: "والعلم في الكبر كالنقش على البحر".. أو بعض المقولات المنتشرة في المدارس مثل: "بليها واشربي ميتها". بصراحة تمنيت أن يكون ذلك صحيحاً، ولأكلت معها الورق كذلك.
يعني في كل الأحوال أنا ضايعة ضايعة..
ومما زاد الطين بلة وفي الداء علة أن واقع التجربة مقنع أكثر من غيره، بمعنى أنه لم يكن من الواجب عليّ أكثر من أن ألقي نظرة سريعة على نساء الجيران أو العائلة حين ينطق لسان إحداهن كالشّهد معبرة عن شدة نسيانها قائلة : "عساني أذكر وش عشاي أمس"، ثم تعزيها الأخريات بقولهن: "يا الله حسن الخاتمة، ما بقي بالعمر كثر ما مضى"! يعني أن المسألة أصبحت بالنسبة لي شبه محسومة..
استمرت حياتي على هذا المنوال، وعلى هذه القناعة، وكنت في أعماق نفسي أتمنى من الله أن يبعد عني هذه الحالة أشد البعد، إلا أنني سمعت -والعهدة على الراوي- أن حالة النسيان وتبخر المعلومات و تفويت المواعيد تبدأ في الإنسان بعد الزواج، وتشتدّ بعد إنجاب الأولاد و ازدياد المسؤولية، يعني أنا (تو الناس عليّ) تنفست حينها الصعداء، وعلمت أنني بإذن الله سوف أسلم منها لمدة ليست بالقصيرة..
دارت الأيام دورتها، إلى أن جاء اليوم الموعود الذي تحطمت فيه كل آمالي وأحلامي حين اكتشفت تلك المعلومة التي تقول:
إن مخ الإنسان مكون من عشرة آلاف مليون خلية.
وأن ما بين مئة ألف ومليون تفاعل كيميائي تتم في هذه الخلايا.
وأنه لو افترضنا أننا نغذي العقل بما يوازي عشر معلومات في كل ثانية لمدة ستين سنة، فإننا لن نشغل من طاقة المخ إلا نصف طاقته التشغيليّة! مع أنه لا يزيد في حجمه عن (3) كجم.. فسبحان الله!!
طبعا قد تقول قائلة: كما قلت إني فعلاً أحسّ بالنسيان في حالات كثيرة، و إن الإنسان كلما ازداد تقدّماً في السن صعب حفظه وكثر نسيانه؟!
هذا صحيح، ولكن هناك معلومة أخرى تفنّد هذه التهمة تقول:
إنه مثلما للإنسان تمارين يُستحسن عملها باستمرار للحفاظ على لياقته، فللعقل تمارين كذلك تضمن له الاستمرار بأداء عمله وبكفاءة.
وإن الذاكرة تضعف بمرور العمر، إذا لم يتم استخدامها، وعلى العكس فإنها ستظل تتحسن طول حياتك إذا تم استخدامها بفعالية.
وبما أن أحلامي و تصوّراتي واعتقاداتي قد تحطمت لحسن الحظ، قرّرت الآن -وبشكل جدي- أن أبني على تلك الأنقاض طموحات أعلى وأرقى..
فهل يا ترى معي من مشمّر؟!
ـــــــــــــــــــ(100/53)
أزمتنا التربويّة
د. محمد بن عبد العزيز الشريم * 14/10/1426
16/11/2005
من المؤكد أن التصدي لموضوع بالغ الأهمية كالتربية المعاصرة في مقالة واحدة يُعدّ ضرباً من التبسيط الموغل في الخيال، ولكن مما لا شك فيه أن لأزمة التربية نقطة بداية محددة، ثم تتشعب لتشمل جوانب متعددة ربما تكون الإحاطة بها من الأمور بالغة الصعوبة، فضلاً عن علاجها.
لا أحسب أن هناك موضوعاً يشغل لبّ الجميع مثل التربية في هذا الزمن الذي رُزئت فيه الأمة بأبشع إفرازات الحضارة الغربية، التي نحتاجها ونعتمد عليها، ولكننا في الوقت نفسه نصطلي بنيرانها. ولذلك فليس في تقديري أنه من التهويل والمبالغة أن نصف حالنا مع التربية بأنه أزمة.
من المسؤول؟
ليس هناك شك في أن المجتمع بكافة شرائحه وطبقاته مسؤول عن تربية أبنائه، وأنه يتحمل تبعات تلك التربية، وأنه كذلك المستفيد الأول من نجاحه في تربيتهم وأنه -في الوقت نفسه- الخاسر الأكبر من إخفاقهم. ولكن السؤال المحوري الذي يجدر بنا طرحه: من هو المجتمع؟ وكيف نمسك بزمام المسؤولية المهملة في تبعات المجتمع المعاصر لنلقي باللائمة على من قصّر في دوره تجاه التربية؟
البحث عن إجابة لمثل هذا السؤال سيقودنا حتما إلى الدخول في حلقة مفرغة؛ حيث إن البيت والشارع والمسجد والمدرسة، بل والدولة بكافة قطاعاتها تشترك في المسؤولية، وتتحمل التقصير الناتج عن ضعف القيام بمهامها، ولكن كل طرف يلقي بالمسؤولية الكبرى عن الإخفاق أو التقصير على الأطراف الأخرى. وهذا في تقديري هو جوهر أزمتنا التربوية!
ملامح الأزمة
نعاني في مجتمعاتنا العربية والإسلامية من إشكالية متجذرة ساهمت المتغيرات الحديثة -ومن أبرزها الطفرات الاقتصادية والانفتاح العالمي- في جعلها سمة لبعض المجتمعات التي صاغت -ربما دون وعي منها- منظومتها الاجتماعية وفقاً لتك المتغيرات، ونتج عن ذلك مزيج متهالك أنتج بناء ثقافياً وفكرياً وأخلاقياً هزيلاً لا يستطيع الصمود أمام تحدّياته المحلية، فضلاً عن التحديات العالمية الكبرى.
أبرز ملامح الأزمة التربوية تكمن في ضعف القدرة على استشعار المسؤوليات الملقاة على عواتقنا، بل وانعدام الرغبة في ذلك. وبهذا أصبح كثير من أفراد مجتمعاتنا يجيدون فناً قلّما يتقنه غيرهم، ألا وهو تبرير التقصير وإلقاء اللوم في ذلك على الآخرين. هذه الحالة النفسية التي تكوّنت في العقل الجمعي ثم تجذّرت بعد بضعة عقود من الإهمال التربوي تتزايد حدتها حتى إن الشخص ربما يسمع -على سبيل المثال- من يسوّغ للمجرم جريمته؛ لأن المجتمع لم يوفر له وظيفة محترمة! قد يكون المجتمع وفّر له وظيفة مقبولة أو حتى متواضعة، ولكن كونها ليست محترمة أعطاه مسوغاً نفسياً ليرتكب جريمته، بل ويمتد التسويغ ليجد من يسوّغ له ارتكابها!
كيف نواجهها؟
هذه الحالة النفسية الناتجة عن ظروف مختلفة ومتجدّدة لم تحظ باهتمام تربوي كافٍ على المستوى التطبيقي. ربما يكون الجانب التنظيري لهذه القضية شغل كثيرين عن نقل تلك المهمة إلى حيز التنفيذ ابتداء من الأسرة وانتهاء بالمؤسسات التعليمية العليا. ولكوني لست متفائلاً بأن توكل مثل هذه المهمات الحيوية إلى مؤسسات ضعيفة الصلة بأبنائنا وبناتنا في هذا الزمن المتأزم بالمتغيرات لتتولى المسؤولية وحدها، فإني أرى أن نستثمر بجدية في برامج التربية المنزلية التي يقوم عليها الآباء والأمهات، وربما الأقارب حتى نحقق أهدافنا.
نتائج التربية المنزلية التي نباشرها بأنفسنا كآباء وأمهات سوف تكون -بإذن الله- اللبنة الأولى وحجر الأساس لتفعيل بقية قطاعات المجتمع لتبني عليها ما يمكن أن يكون برنامجاً تربوياً متكاملاً، لاسيما في ظل تزايد المسؤوليات التربوية التي تضطلع بها القطاعات التربوية خارج نطاق المنزل والأسرة. وضعف القيام بهذه المسؤولية -في تقديري- هو مكمن الخلل الذي نشأت عنه أزمتنا التربوية المعاصرة التي جعلت بعض المؤثرات التي يتعرض لها أبناؤنا لفترة قصيرة تجرّهم إلى الهاوية بشكل يشابه فعل السحر فيهم.
لا يكفي أن تكون الرغبة صادقة في تربية أبناء صالحين ما لم يكن الآباء والأمهات على وعي بالمسؤولية الملقاة على عواتقهم وأهمية استجابتهم لمتغيرات التربية المعاصرة؛ إذ إن كثيراً منهم يربي أبناءه بالطريقة نفسها التي ربّاه بها والداه. فبعضهم تربّى على الضرب والقسوة وربما التهديد بالطرد من المنزل، وكان هذا الأسلوب مجدياً معه في زمن لم يكن أصحاب السوء مستعدين لتلقّفه وجره معهم إلى مهالك أعظم وأطم، كما هو الحال الآن.
ولذلك فإن الخطوة الأولى التي ينبغي أن نتجرأ على القيام بها هي الثورة على الأنماط التربوية الشائعة التي لا تكرس إلا التمرد والعصيان، أو تكرس -ربما كردة فعل على الأولى- الكسل والاتكالية، ونستبدل بها أنماطاً تشجع على التعاون والطاعة والثقة بالنفس والمبادرة. وهذه الثورة ليس لها مكان إلا دواخل أنفسنا، حيث ننظر في أخطائنا بمنظار صاف وصادق يرتجي الناظر من خلاله تشخيص الخطأ، ثم الاعتراف به، ثم البحث عن علاج له.
برامج التربية المنزلية ينبغي أن تنبع القناعة بها قبل أن تطبق، وهذه القضية بحاجة إلى أن تكون من هموم السياسيين والخطباء والدعاة والصحفيين والوجهاء التي لا يغفلون عنها حتى نستطيع الخروج من النفق المظلم الذي دخلناه ثم اعتقدنا أنه العالم الذي لا يمكن تغييره.
إن كثرة الحديث عن هذا الأمر ربما أحدثت ثورة اجتماعية ضد القناعات والرؤى الخاطئة السائدة تشابه ثورة "الرأي الآخر" التي غزت -كممارسة اجتماعية- كافة المستويات، بدرجة أصبح من يخالفها متخلفاً.
ولعل الله تعالى أن ييسر من أهل العلم والتجربة والحماس من يساهم في وضع لبنات عملية أصيلة تساهم في تأسيس برامج التربية المنزلية التي نؤمل عليها توجيه الأمة نحو المستوى الذي تطمح في الوصول إليه في وقت هي بأمس الحاجة إلى مقاومة المؤثرات التي تكتسحها دون هوادة؛ فهذه المهمة أكبر من أن يتناولها فرد أو مؤسسة بمفردها؛ إذ لا بد من تكاتف الجهود وتصحيح بعضها بعضاً عند وقوع بعض الأخطاء التي لابد من وجودها في مشروع ضخم بهذا الحجم.
* رئيس تحرير مجلة الأسرة
ـــــــــــــــــــ(100/54)
د. محمد يحيى يتحدّث عن ذكرياته في العيد
حوار: السيد أبو داود 4/10/1426
06/11/2005
د. محمد يحيى أستاذ الأدب الإنجليزي والمفكر الإسلامي المعروف تعني له ذكريات العيد في الصغر والكبر الكثير من المعاني الجميلة، فلقد عاش الطفولة ببهجتها ولعبها ومرحها، وفجأة وهو في الصف الأول الإعدادي يهجم عليه المرض .. ثم يتركه عاجزًا عن الحركة، ومن يومها وهو على كرسي المرض، لا يتحرك .. إلا أن الله وهبه عقلاً ثريًّا وقلمًا ناضجاً.
نتوقف معه في هذه السطور ليتحدث عن ذكرياته في العيد سواء في سنوات الطفولة، أو في مرحلة الشباب، أو حتى ما بعد مرحلة الشباب.
ما أهم ذكرى لك في العيد وأنت صغير؟
أهم ذكرياتي في العيد كانت مع السينما .. في الطفولة الأولى حينما كان عمري من (5 -10) سنوات ولم يكن التلفاز قد بدأ إرساله بعد .. فقد ظهر التلفاز وعمري عشر سنوات، وكان التعويض في السينما، وكنت أفضل دور السينما الراقية، ولا أدخل دور السينما الشعبية .. وكانت تشُدُّني أفلام الأطفال وأفلام المغامرات.
وكان ثمن تذكرة السينما في ذلك الوقت عشرة قروش .. وكان ذلك أمرًا رخيصًا .. وكان في متناولي وفي متناولي الكثيرين من الأطفال، وكنا في العيد نأخذ معنا البسكويت والحلويات لنأكلها في السينما.
هل كنت تدخل أي أفلام؟ وهل كان ذلك يخضع لرقابة الأسرة؟
نعم كان الأمر يخضع لرقابة الأسرة، وكنت أذهب للسينما مع أبي وأختي .. فأبي كان رجلاً مثقفاً، وكان يعدّ الذهاب للسينما فسحة ونزهة من ناحية، ومن الناحية الأخرى ثقافة وترفيهًا، وكان يختار لنا الأفلام الجميلة الممتعة، ولم أذهب للسينما بمفردي، ومن ناحية أخرى كانت الأفلام أكثر جدية من الآن، وليس فيها هذه المآخذ الأخلاقية التي نراها الآن.
وهل استمر ذهابك للسينما في العيد حتى بعد بدء الإرسال التلفازي؟
مع بدء الإرسال التلفازي كان عمري قد تجاوز عشر السنوات .. وكان التلفاز في ذلك الوقت – عكس ما هو قائم الآن – يبث أفلاماً متميزة مثل (السمين والنحيف – الذكي والعبيط) بالإضافة للرسوم المتحركة التي كانت أمرًا جديدًا شائقًا .. كما كان يبث أفلاماً أجنبية هامة وجميلة، ويركز على الأفلام العربية الجيدة.
وبالتالي فمع ظهور التلفاز فقد حل محل السينما في حياتي، وصرت لا أذهب إلى السينما إلا نادراً مع أبي وأختي.
لكن ماذا عن حديقة الحيوانات والحدائق العامة؟
لم يكن أبي يأخذنا إلى هذه الأماكن في العيد .. فكنا نذهب إلى أقاربنا .. أو يأتي إلينا أقاربنا وننشغل بهذه الزيارات المتبادلة. ثم حينما كبرت ووُجدت لديّ الرغبة في الذهاب إلى هذه الأماكن داهمني المرض فمنعني من هذه المتعة.
وما ذكرياتك مع أكلات العيد؟
كانت الوالدة تصنع لنا الكعك والبسكويت ومخبوزات العيد في البيت، ولم نكن نشتريها، وكنا نسعد بها جداً، وتظل عندنا بعد العيد لعدة أسابيع نأكل منها ونسعد بها، وكانت تمثل لنا بهجة كبيرة. هذا بالنسبة لعيد الفطر أما عيد الأضحى فكنا نأكل اللحم والفتة "الثريد" ونشتري لحم الرأس والكوارع والكبدة في هذه المناسبة وكنت منضبطًا في أكلي منها، ولذلك لم أتذكر مشكلة صحية مع هذه المأكولات عكس ما كنت أسمع عما يحدث للأصدقاء والأقارب والناس عمومًا من حالات إسهال وتلبّك معوي نتيجة الإكثار من هذه المأكولات.
وماذا عن اللعب في أيام العيد؟
كنت ألعب مع أصدقائي وجيراني على سلم المنزل في مدخل البيت، وفي الشارع .. وكنا نهتم كثيراً بالكرة. لكننا لم نكن نهتم بلعب الكرة في أيام العيد، وإنما كنا ننشغل باللعب التي نشتريها.
ماذا كانت العيديّة تمثل لك؟
كانت العيديّة تمثل لي الكثير، وكنت أهتم بها.. وكانت ذكرياتي معها جيدة؛ إذ إنني كنت آخذ عيديّة محترمة وليست قليلة ... فبدأت بجنيهين، ثم أصبحت ثلاثة جنيهات، ثم خمسة، ثم عشرة، وحينما كنت أحصل على عيديّة ثلاثة جنيهات كان ثمن رطل الكباب المشوي عشرين قرشاً، وهذا يجسد قيمة وكبر العيديّة التي كنت أحصل عليها.
وكان المصدر الأول للعيديّة هو أبي، والمصدر الثاني لها هو خالي، وكنت أدخر كثيرًا منها لفترة ما بعد العيد.
ما ذكرياتك مع مفرقعات الأطفال "البمب والصواريخ"؟
لم يكن على هذه الأشياء القيود الموجودة الآن .. وكانت متوفرة، ومن الأنواع الجيدة، وكنا نفرقعها أمام الشقق السكنية مع أولاد الجيران بطريقة فيها من المرح والفرح، وليس فيها أذى للآخرين.
بعد مرحلة الطفولة ثم مجيء المرض كيف كنت تقضي العيد؟
في هذه الفترة بدأ العيد يرتبط معي أكثر بالقراءة .. ففي الأيام العادية كان أبي يشتري جريدة واحدة فقط، أما في العيد فكنت أشتري معظم الجرائد والمجلات وأقرؤها جميعاً، كما كنت أشتري المجلات الأمريكية والإنجليزية، وكان عمري في ذلك الوقت من (15 – 16) سنة، وكنت أستغل العيد كنوع من الاسترخاء خاصة إذا جاء في أيام الدراسة.. وكنت أتحرّر معه من الواجبات وتحضير الدروس.
وماذا عن ذكريات الملابس الجديدة؟
شيء غريب أتذكره الآن، وهو أنني لم أكن أهتم بالملابس الجديدة مثل الأطفال .. وربما كان هذا لأن ملابسي دائمًا كانت جيدة .. صحيح كان أبي يحضر لي الملابس الجديدة والأحذية في العيد.. لكن قلبي لم يكن متعلقًا بها مثل معظم الأطفال.
هل هناك ذكريات لا يمكن أن تنساها عن العيد؟
لا يمكن أن أنسى فيلم مغامرات (زورو) الذي شاهدته في أحد الأعياد، وكان فيلماً أجنبياً جميلاً..وهناك ذكرى عالقة في ذهني، ولكنها حدثت لي في الكبر وبالتحديد عام 1978 .. وكان أن ظهر كتاب هام يوم العيد لرئيس حزب الوفد الجديد فؤاد سراج الدين اسمه " لماذا الحزب الجديد"، وكان حزب الوفد ظاهرة جديدة في هذه الأيام، وخاصة في علاقته مع الرئيس السادات، ونزل أبي ليصلي العيد، وبعد الصلاة أحضر الكتاب معه، وظللت أقرؤه طوال يوم العيد.
ـــــــــــــــــــ(100/55)
حفظ كتاب الله بين القواعد الأساسية والطرق العمليّة
إلى كبار السن ... (الإسلام اليوم) تقدم الطرق المثلى لحفظ كتاب الله
إبراهيم الزعيم 1/10/1426
03/11/2005
كثيراً ما سُئلت عن الطريقة المثلى لحفظ القرآن الكريم، وكنت دائماً أجيب السائل من خلال تجربتي المتواضعة في حفظ القرآن الكريم، إلى أن جاءت الفرصة اليوم لأوثق هذه التجربة من خلال هذا التحقيق الذي نقدمه للقارئ العزيز من خلال شبكة (الإسلام اليوم)، وليعذرني صغار السن؛ إذ إنني أخص في المقام الأول كبار السن، سواء كانوا رجالاً أونساء، فالصغار يجدون من يحفّظهم في المدارس والمساجد، لكن الكبار الذين انشغلوا بأمور الحياة - أعانهم الله - لا يجدون في الغالب من يفعل معهم ذلك.
قواعد أساسية وخطوات عملية
لاشك أن إنجاز أي عمل يتطلب توفر قواعد أساسية لإتمامه، وحفظ القرآن عمل، وهذا العمل حتى يتم على أكمل وجه لابد من توفر عناصر أساسية في الحافظ تسبق عملية الحفظ، وهي:
1 - النية الخالصة، بمعنى أن يكون وجه الله تبارك وتعالى هو المبتغى بهذا العمل.
2 - العزيمة الصادقة التي يجب أن تحوّل الأقوال إلى أفعال، فإذا كنت فعلاً تتمنى حفظ كتاب الله كما تقول ويقول الكثيرون، وتردّد مثلهم هذه الكلمة "نفسي أحفظ القرآن"، فعليك بالعمل.
3 - الدعاء الدائم.
4 - إلغاء مقولة: "راحت علينا"، ومقولة: "عقلي قفّل"، التي يرددها الكثيرون من الكبار، صحيح أنه قد يكون الحفظ في الكبر صعباً، لكن إذا لم تستطع حفظ كتاب الله كاملاً، فليس أقل من أن تحفظ أجزاء منه.
بعد أن عرفنا هذه القواعد الأساسية، ننتقل إلى الخطوات العملية التي ترافق عملية الحفظ، والمتمثلة فيما يلي:
1 _ اختر(اختاري) الوقت الأنسب للحفظ، وأفضل الأوقات للحفظ بعد الفجر أو عند السحر أو بعد المغرب.
2 _ حدد(حددي) وقتاً للحفظ يتم الالتزام به، ويُستحسن أن تعد جدولاً يشمل برامج يومك ويبين مواعيدها.
3 _ اختر(اختاري) المكان الأنسب، وأفضل الأماكن بيوت الله، وهذا بالطبع للرجال، أما المرأة فتحفظ في بيتها.
4 _ لا تتعجل(لاتتعجلي) في الحفظ، فقد كنت أحفظ في كل يوم صفحة واحدة على الأغلب، مع أني كنت أستطيع حفظ أكثر من ذلك، وذلك لأني أحببت أن أسير على قاعدة "قليل دائم خير من كثير منقطع"، وفي هذا إشارة أيضاً إلى أنه ينبغي أن تعرف قدراتك وتسير وفقاً لها.
5 _ استغل(استغلي) كل دقيقة في وقتك، فبعد حفظ المقدار المحدد راجعه في السيارة، وبين الآذان والإقامة وبين المحاضرات -إذا كنت طالباً-، أو في وقت الاستراحة إذا كنت موظفاً أو عاملاً.
6 _ ليكن المصحف - ذا الحجم الصغير- دائماً في جيبك أو قريباً منك لمراجعة ما حفظت، ولتحفظ حينما تشعر بالرغبة في ذلك.
7 _ إذا شعرت بأنك غير قادر(قادرة) على الحفظ في ساعة ما فلا تواصل(تواصلي) الحفظ، بل انتقل(انتقلي) إلى أي عمل آخر للترفيه عن نفسك، ثم عاود(عاودي) الحفظ بعد ذلك.
طرق الحفظ
في بعض مراكز التحفيظ تُطبق طريقة حفظ سطر سطر؛ إذ يحفظ الطالب سطراً واحداً ثم يحفظ السطر الثاني فيكررهما معاً، ثم يحفظ الثالث فيكررها جميعاً، وهكذا إلى أن يُتمّ الصفحة، وذلك بالطبع مع استخدام الصوت المرتفع؛ لأن استخدام حاستي السمع والبصر أحرى للحفظ، كما أن هناك طريقة أخرى طبقتها على نفسي وتتمثل في تلاوة الصفحة كاملة، ثم تقسيمها بالنظر إلى نصفين، ويتم ترديد النصف الأول إلى أن يتم حفظه، ويُطبق ذلك على النصف الثاني ثم تُقرأ الصفحة كاملة، بالإضافة إلى طريقة تكرار القراءة.
إيجابيات الكبار
وفي سؤال وجهته للدكتور عبد الرحمن الجمل - الأستاذ المشارك في كلية أصول الدين بالجامعة الإسلامية بغزة، ورئيس دار القرآن الكريم والسنة- حول ما إذا كان هناك طرق يُفضّل أن يتبعها الكبار في الحفظ أجاب: "لا مانع من أن يسلك الكبار الطرق التي يسلكها الصغار في الحفظ؛ فالطرق هي الطرق، لكن الأمر يحتاج إلى تركيز".
وحول الإيجابيات التي يتمتع بها الكبير، وهي ما تميزه عن الصغير، والتي يمكن أن تمثل دافعاً للكبير لحفظ كتاب الله وتثبيته قال:
_ الكبير مدرك أكثر للأجر المترتب على حفظ القرآن الكريم.
_ الإخلاص وطلب الأجر من الله، وهذا غير متوفر عند الصغير.
_ الالتزام مع مجموعة يحفظ معهم ليشجع بعضهم البعض.
_ الرجوع إلى التفسير، بحيث يستطيع الكبير من خلاله ربط الآيات بعضها ببعض، وربط نهايات الآيات.
_ إلزام نفسه بحفظ معين يومياً.
_ التركيز على المتشابهات، وذلك من خلال قراءة الكتب التي تناولت هذا الموضوع، مثل كتاب: البرهان في متشابه القرآن، ودرة التنزيل وغرة التأويل، بالإضافة إلى أن هناك مجموعة كتب للدكتور فاضل السامرائي في هذا المجال.
_ الكبير قادر على اختيار الشيخ الحافظ والمتقن.
_ الكبير أقدر على أن يقرن الحفظ بالعمل، وهو ما يرسخ الحفظ.
_ اللجوء إلى الله على الدوام لطلب العون والتوفيق.
إذا هبت ريحك فاغتنمها
كنت مصراً على أن أثبت ما ذكرته في بداية موضوعي من أن حفظ القرآن ليس مرتبطاً بسن معينة، وأن الكبار في السن قد يحفظون كتاب الله إذا وُجدت عندهم العزيمة لذلك، فبحثت إلى أن اهتديت إلى ضيائي السوسي - الذي حفظ القرآن وعمره 38 عاماً - فسألته عن الطريقة التي اتبعها في الحفظ فقال: لم اعتمد طريقة محددة، مشيراً إلى أن الطريقة الوحيدة التي سار عليها هي طريقة تكرار القراءة؛ إذ حافظ على قراءة الجزء اليومي دون انقطاع، وذلك منذ ما يزيد على عشرة أعوام، إلى أن وصل إلى مرحلة يقرأ فيها طرف الآية فيستمر في القراءة غيباً ولا يحتاج إلا لتثبيت فواصل الآيات "نهاية الآيات"، ثم اعتمد أسلوب ترديد الربع اليومي الذي يريد حفظه، وبالفعل حفظ القرآن الكريم على ثلاثة مراحل:
الأولى: مرحلة السجن وحفظ فيها (15) جزءاً خلال أربعة أشهر.
الثانية: مرحلة الإبعاد وثبّت فيها الأجزاء الخمسة عشر وحفظ خمسة أخرى، وذلك خلال تسعة أشهر.
الثالثة: حفظ الأجزاء العشرة الأخيرة خلال ستة أشهر، بالإضافة إلى التثبيت الكامل، وكان ذلك في البيت، وتزامن مع مزاولته لمهامه الطبيعية في العمل والبيت.
ويقدم السوسي -الذي أتم الحفظ قبل سبعة أعوام من الآن- نصيحته إلى كل من رغب في الحفظ فيقول: "لا تيأس، فللنفس عزمات، فإذا هبت ريحك فاغتنمها، هناك فترات صفاء لابد أن تُستغل في الحفظ؛ لأن النفس تفتر، وهذا طبيعي لكن لابد من الاستئناف من جديد".
تجاوزن الأربعين
وحتى لا يقول قائل: "هذه التجربة تجربة رجل، والأمر عسير على النساء" أو "هذه حالة نادرة"، قررت البحث عن تجارب أخرى لأناس آخرين خاضوا التجربة، فكانت المفاجأة عندما أُبلغت بوجود حافظات للقرآن الكريم في أحد المساجد بمدينة غزة، فزرت المكان على الفور، والتقيت بالسيدة يسرى - التي حفظت القرآن الكريم وعمرها أربعون عاماً- فحدثتني قائلة: لقد كانت البداية في دورة الأحكام التي أخذتها، ثم بعد ذلك بدأت بالحفظ، والتحقت بمشروع "100 حافظة خلال عام" الذي أطلقته دار القرآن الكريم والسنة، مضيفة: "وبفضل الله مَنّ الله عليّ بحفظ كتابه الكريم".
وحول ما إذا كان صحيحاً ما يدّعيه البعض بأن كبار السن لا يستطيعون الحفظ. قالت: هذا غير صحيح؛ فالإنسان إذا نوى على شيء فسيعينه الله، مشيرة إلى أن النبي -صلى الله عليه وسلم- نزل عليه الوحي، وهو في الأربعين من عمره، وكثير من الصحابة حفظوا القرآن وهم في سن متأخرة.
كما التقينا بسيدة أخرى رفضت ذكر اسمها - وهي في الستينيات من عمرها- وقد شارفت على إتمام الحفظ، فكانت نصيحتها لكل من أراد الحفظ:
- إخلاص النية لله.
- العزيمة الصادقة.
- كثرة الدعاء في الليل أن يمن الله عليك بهذه المنة العظيمة.
- المداومة على التكرار.
- عدم التكلم في لغو الحديث؛ لأن المرء بذلك سينسى ما يحفظ.
- الإكثار من فعل الخيرات؛ لأن أبواب الطاعات تسهل عليك حفظ القرآن.
صوّر ورقة المصحف
ولكن ماذا لو لم يكن لديك -أخي القارئ- أو أختي القارئة وقت للحفظ، وخاصة في شهر رمضان بسبب الأعمال المتراكمة عليك، مع أن الأصل أن يُخصص وقت للحفظ كما أسلفنا، لكن إن كنت تعاني من هذه المشكلة فما هو الحل؟ لا تحزن(لاتحزني)؛ الحل موجود بإذن الله تعالى، فما عليك إلا أن تنفذ(تنفذي) التالي:
_ صوّر(صوّري) ورقة المصحف المقرر حفظها، ولتكن أمامك في مكان عملك: على (طبلون) السيارة، على المكتب، في المطبخ، شريطة أن تكون في مكان يسهل على العين النظر إليه.
_ انظر(انظري) إليها مراراً.
_ ضع(ضعي) الشريط في المسجل، واستمع(استمعي) إلى نفس الصفحة، وبذلك تفعّل حاستي السمع والبصر.
_ كرر(كرري) النظر والاستماع مرات عدة، ثم في المساء لن يأخذ حفظ هذه الصفحة معك أكثر من خمس دقائق.
في الختام أقول: إن حفظ كتاب الله - تبارك وتعالى- ليس أمراً صعباً، إنه يسير على من يسّره الله عليه؛ لذلك ما عليك إلا أن تخطو الخطوة الأولى، وتختار(تختاري) بعد ذلك أي الطرق التي ذكرت تناسبك أكثر، وإن أردت أي استشارة فنحن بين يديك.
ـــــــــــــــــــ(100/56)
التربية والتكوين
عبدالله بن علي السعد 27/9/1426
30/10/2005
-قال لي مديري: يندر أن تجد في الناس مثل همة فلان.
-قلت: وأنا عالي الهمة، لكن..ثلاثة أمور تتحكم بهمة الإنسان.
• وضع مادي لا يسمح له بالتطوير.
• تحجيم إقليمي لا يسمح له بالانطلاق.
• والعجز عن الاستفادة من الإمكانيات الموجودة لسبب خارج عن إرادته.
ماذا يفعل لو اجتمعت له هذه الأمور؟
- ابتسم ونظر إليّ.
-تمر بكل إنسان مرحلة تكوين ومرحلة عطاء، وفي مرحلة التكوين تأخذ بعض اختياراتنا شخصية من حولنا ممن يربينا سواء أكان ذلك في البيت أو المدرسة، ولذلك تجد أخطاءنا في مرحلة التكوين هي صورة عن أخطاء مربينا. ومن ثم نجد هذه الأخطاء تتكرر في مرحلة العطاء، إذا لم نجد من يغيرها لنا من ناحية، ومن ناحية أخرى إذا لم نكن نمتلك القناعة بأنها أخطاء، وكذلك يكون الحال في مرحلة العطاء غالباً.
هذا كله في حال من يهتم بالتربية والتكوين، والعطاء للآخرين، ولكن نجد بعض الناس لا يهتم بعطائه بقدر ما يهتم باستفادته وفي مثل الحالة ستتغير النتيجة نوعاً ما؛ لأنه يعيش لنفسه دون همّ أو هدف واضح إلا الهدف الدنيوي البحت والهمّ الشخصي.
لمن تعيش؟ و ماهي حدود عالمك؟ ماهي ضوابط النجاح عندك؟ وماهي اهتماماتك؟ ماهي ثوابتك، وقناعاتك؟ وماهو همك؟
نعم قيود تُكبّل.. قيود فكرية تعطي نجاحاً دنيوياً، وقيود أخرى تعطي نجاحاً دنيوياً أقل، ولكن في زمن كزماننا لن تفهم المعادلة، وسيظل الأمر منتكساً، وستظل نظرة النجاح تختلف من شخص لآخر بحسب توجهه وتفكيره وتكوينه، وستظل نظرة المجتمع في التقدير هي صورة لما عليه الانتكاس الفكري والبعد عن المنهجية، وبين هذا وذاك ستظل غريباً تطوي في صدرك همك، تُمنع من الانطلاق، وتُطالب بالنجاح من منظور غيرك.
وهذا قمة الظلم.. أن تحرمني حقي وتطالبني بالإنجاز، وأن تفرض عليّ واقعاً، وتتهمني بالإخفاق.
عموماً لن أهتم كثيراً لهذا الأمر.. فلن نتفق في الحكم عليه طالما أن طريقنا مختلف، وسأترك الحكم لله، وهو يتولى الصالحين.
ـــــــــــــــــــ(100/57)
ذكرياتي خلف الأسوار وخارجها
محمد عبد الله السمان 24/9/1426
27/10/2005
أذكر أنني صمت خلف الأسوار سبع سنوات، وخارجها أكثر من سبعين عاما، ومازالت ذاكرتي تحتفظ ـ والحمد لله ـ بذكرياتي أيام الطفولة والصبا بقريتنا المجاورة لمدينة طما ـ محافظة سوهاج .
في الطفولة كنت كل ما أعرفه عن رمضان: لحظات الإفطار، وطبلة المسحراتي وكحك العيد، والثياب الجديدة والعيدية من الوالد ـ رحمه الله ـ وذوي القربى، وكان كل ما يهمنا من رمضان ـ وننتظره ـ هو يوم العيد، حيث كنا نذهب إلى البندر" المدينة " لننفق ما لدينا على المراجيح، وبعض المأكولات والمشروبات، والسيرك المتواضع أحياناً، كنت ثالث اثنين من الذكور ـ الإخوة الأشقاء، وكنت مدللاً، باعتباري الأصغر سناً من ناحية، ومن ناحية أخرى، كنت الوحيد الذي واصل حفظ القرآن بكُتاب (سيدنا) والإصرار على مواصلة التعليم ابتداء من المدرسة الأولية بطما، ولم يكن في قريتنا سوى الكتاب الوحيد .
فيما مضى ، كان رمضان في القرية يمثل ساعة الإفطار ـ وساعة السحور، وزيارات يقوم بها البعض، في دعوات على الفطور أو للسهر جزء من الليل، وكان في قريتنا سهرتان: إحداهما في دوار العمدة يحييها قارئ للقرآن، ولا يؤمها إلا الأعيان، والأخرى لأسرة مجاورة ، وتمتد السهرة حتى قبيل وقت السحور، كما كان يعني رمضان صلاة القيام بعد صلاة العشاء: عشرين ركعة عدا ركعتي الشفع والوتر، وكان مسموحاً لنا نحن الأطفال بأن نحضر في المساجد، ونحن حريصون على السهر ليس إلا .
لم تكن هناك فرص متاحة للسهر في القرية، فالظلام الدامس يشملها باستثناء الشارع الموجود به دوار العمدة، وكانت الفرصة الوحيدة للسهر بالنسبة لنا الليالي القمرية في الصيف، حيث كنا نمارس لوناً من اللهو البريء ، وفي أوائل مرحلة الشباب ، كنا نذهب إلى البندر المُضاء والمقاهي والراديو وبعض ألوان التسلية، كانت بعض المقاهي يجتذب الكثير لسمع الطرب وبخاصة شاعر الربابة الذي لم يكن له منافس، وكانت قصص عنترة بن شداد وأبي زيد الهلالي، وعزيزة ويونس والظاهر بيبرس من أكثر القصص التي تشد الانتباه ، وكانت لذلك ترتفع أسعار المشروبات: الشاي والقهوة من قرش إلى قرش ونصف، والمثلجات من قرش ونصف إلى قرشين، وينحني (الجرسون) (للزبون) إذا منحه نصف قرش، ولا يفعل ذلك إلا الأعيان .
وفي مرحلة التعليم المتوسط، في أسيوط، كنت وبعض الزملاء المجاورين في المسكن نلتقي معاً على طعام الإفطار ـ المتواضع، وطعام السحور الأكثر تواضعاً، وكنا نقضي بعض يومي الخميس والجمعة في قرانا، ويعد كل منا بالكثير من الخير، وكان المجال في الليل أكثر اتساعاً . المساجد الكبرى عامرة، والحديقة العامة، والسينما، حلقات الحواة في الميادين، كنت أحرص على سماع مجلس العلم عصر كل يوم بمسجد الإمام السيوطي، وأصبحت معي كراسة وقلم رصاص لأدون ما يذكره الشيخ من أحاديث نبوية أو أقوال الصحابة، والحكم، وكانت هناك بعض السرادقات التي يتلى فيها القرآن من القراء المشهورين بالمنطقة، وكان أكثر ما كنت أحرص عليه، ختم القرآن الكريم أكثر من مرة .
إن لرمضان في القاهرة مذاقاً خاصاً، المساجد عامرة لبعض الساعات، والملاهي تسهر حتى ما بعد السحور، المقاهي و(الكازينوهات) غاصة بطلاب المتعة، وقد نجح التلفاز والإذاعة في إفساد شهر القرآن، وحولوه إلى شهر الفن بالمسلسلات والأغاني الهابطة، وبالنسبة لي؛ فإن هذا الشهر الكريم يتفوق على غيره من الشهور في مجال القراءة والكتابة.
وماذا عن ذكرياتي الرمضانية خلف الأسوار:
صمت رمضان في السجن الحربي عام 1955 م، كنا في زنازين ، كل زنزانة ـ كانت معدة لواحد أيام الاحتلال البريطاني، وفي عهد (الحرية والاستقلال) أصبحت تضم سبعة أفراد، ولم تكن تسمح لنا أن نصلي في جماعة، ولم يسمح لنا بمغادرة الزنزانة إلا نصف ساعة في الفجر نقضي حاجتنا ونتوضأ ونغسل أطباقنا .
كان نصيب كل واحد ثلاثة أرغفة في اليوم، وقطعة صغيرة من اللحم، وأحياناً ثلاث وحدات من اليوسفندي الصغير؛ إلا أن العساكر المكلفين بالتوزيع كانوا (أمناء للغاية) فكنا نحصل نحن السبعة على أقل من ثلثي الكمية المقررة، وكان للشاويش شحاتة أحد الإخوة معتقلاً، وكان زميلاً للعساكر، وكان مسئولاً عن مخزن الأغذية ، وكان ينتهز فرصة انشغال العساكر باللهو، فيرد إلينا بعض ما أخذ منا، وكنا نضحك ونقول: هذه بضاعتنا ردت إلينا، ولم يشفع لنا رمضان في أن يخفف عنا، وعندما جيء إلينا بيهوديين متهمين بالتجسس، لم يطبق عليهما ما يطبق علينا، وقد تدخلت هيئة الصليب الحمر بشأنهما، ولم تتدخل بشأن ألوف المعتقلين من الإخوان .. ولله في خلقه شئون!
وصمت خلف الأسوار في معتقل (مزرعة طرة) ست سنين، في السابع من يونيو سنة 1965 م أودعت قسم شرطة المعادي أسبوعاً، ثم تقرر إحالتي إلى المعتقل، وفي مدخل المعتقل وقفنا كأسرى، أبصرت الضابط الجالس على كرسي ـ في زهو وخيلاء، وفي يده جريدة الأهرام، وفي الصفحة الأولى تصريح للإمام الأكبر الشيخ حسن مأمون يقول:"إن جمال عبد الناصر أجرى الحرية أنهاراً، لا في مصر وحدها بل في البلاد العربية كلها" طوى الضابط الجريدة، ونهض يملي علينا تعليماته، أهمها:"من كان معه مصحف فليخرجه بالتي هي أحسن" وجمعت المصاحف وأودعت المخزن .
الغرفة معدة لاستقبال ثلاثين، وحشرنا فيها ونحن حوالي 125 بشراً، ولم يكن يسمح لنا في بادئ الأمر؛ إلا بنصف ساعة قبيل إشراقة الصباح، نصحنا شاويش طيب بأن لا نجهر بصلاة الجماعة لأن هذا ليس في مصلحتنا، ونجحنا في رشوة أمين المخزن لنحصل على مصحف، وكنا نخبئه إذا فوجئنا بالتفتيش، سمح لنا بكتابة الرسائل الخاضعة للمراقبة ثم سمح لنا بقراءة الصحف، وكان راديو المعتقل دائب الإرسال، ولم يكن لشهر رمضان أي امتياز . كان يقدم إلينا طعام يتنافس في الرداءة، كنا نلقي بقطع اللحم للقطط فتشمها ثم تنصرف عنها ..
وحدث تطور بعد النكسة في الخامس من يونيو عام 1967م . و جاء التخفيف نتيجة لاعتقال اليهود المصريين، وتدخل الصليب الأحمر بشأنهم/ وبدأت الزيارات الشهرية، وأصبح بالمعتقل (كانتين) لشراء ما نحتاج إليه من طعام وشراب، وبعد رحيل عبد الناصر في 28 سبتمبر أصبح المعتقل مفتوحاً، لا غلق للأبواب، ومارس الحرفيون حرفهم من الترزية والنجارين وغيرهم .
كانت لأيام رمضان خلف الأسوار مذاقاً خاصاً ، كنا نعتبر أنفسنا في ضيافة الله، لقد ألقي بنا خلف الأسوار بتهمة الانتماء إلى الدعوة الإسلامية، والصائم من ناحية أخرى هو في ضيافة الله ـ عز وجل ـ، كما في الحديث القدسي:"كل عمل ابن آدم له إلا الصوم فإنه لي، وأنا أجزي به" إذن فنحن في ضيافة مضاعفة .
كنت أركز جزءا من اليوم الرمضاني في تلاوة القرآن، ثم كتابة خواطر لا تحاج إلى مراجع، طبع منها (الشهيدة) قصة واقعية سمعتها من زوج البطلة الشهيدة، التي انتهت حياتها بسبب مطاردة أجهزة الأمن لها، ومساومتها على شرفها مقابل الإفراج عنه، بل إن أيام رمضان على مدى الأعوام الستة دراسة وافية عن مفردات القرآن الكريم، وفي طريقه إلى المطبعة إن شاء الله، عنوان الدراسة "مفردات القرآن الكريم : زاد المسافر والمقيم" .
كان الإمام ابن تيمية يرى:"من كان في طلب السلطان فهو في سفر" وهذا المبدأ لا ينطبق إلا على المعتقلين، وهذا صحيح، ولكن ما هو أهم أن كنا لا نبالي بذلك، وحسبنا أن كنا جميعاً في ضيافة الله!
ـــــــــــــــــــ(100/58)
النّهايات السعيدة
هناء الحمراني 21/9/1426
24/10/2005
اقتربت من تلك المقاعد المثبتة إلى الأرض..ألقت عليها نظرة طويلة..تنهّدت..دمعة تترقرق مثل طير يصارع الموت في عينيها..
"منذ عشر سنوات..وأنا في سن المراهقة.وفي تلك الأيام الفاضلة..أيام ذي الحجة..جلست صديقاتي على هذه المقاعد..يتحدثن ويضحكن..جئت أنا وحماس الغفلة يملؤني..وضعت الشريط في المسجل..رفعت الصوت..الغناء يعبث بالمجلس..يهز الجدران:
- هيا يا بنات..حان وقت الرقص..
كم فتاة رقصت بسببي تلك الليلة؟
وكم من عجوز دعت عليّ في تلك الليلة؟"
تقدّمت تجرّ خطواتها إلى حيث كان الرقص..
"هنا وقفت..وهنا رقصت..اللهم اغفر لي..لا إله إلا أنت سبحانك..إني كنت من الظالمين ..أهذا كل شيء؟ واخجلاه..!! كيف أجهر بالمعصية وأسر بالتوبة؟"
وحملتها قدماها إلى مديرة المركز الترفيهي:"عفواً..أيمكنني إلقاء كلمة بسيطة للفتيات هنا؟"
عقدت المديرة حاجبيها.."وماذا لديك لتقوليه؟"
وفي لحظات..كانت هناك..حيث وقفت يوماً للرقص..تقف الآن تمسح بذكر الله تلك المعصية التي شهدتها تلك البقعة من الأرض..
***
لسنا ملائكة..كلنا خطّاؤون..وخير الخطائين التوابون..
قلّب صفحات حياتك..أمسك قلماً..ضعْ خطاً تحت المعاصي التي ارتكبتها مهما كانت صغيرة..
لا تذهب بعيداً في الصفحات..افتح الصفحة ما قبل الأخيرة..انظر إلى آخر مجلس لك فيه..أين؟ومع من؟وفيم كان؟مَنْ مِن الناس كان فاكهة مجلسك في تلك الصفحة؟ هل تستطيع العودة بالممحاة إلى ذلك المجلس؟إنّ كتاب حياتك يحتاج إلى هذه العودة..إذاً..افتح صفحة جديدة..وفي فقرة مشابهة..حين تجلس مع نفس الأشخاص..تحدّث بصورة جيدة عن ذلك الشخص الذي اغتبته..استغفر له فيها..وادع له..
انظر إلى هذه الصفحة أيضاً..يا لها من صفحة مزرية..أيمكنك تمزيقها..ليلة لم يكن فيها سوى الله رقيباً عليك..وكان فيها أهون الناظرين إليك..
قد تكون جلست فيها أمام مناظر مخزية..في الإنترنت أو التلفاز..أو عن طريق أي شيطان آخر..ليالٍ من الاستغفار والتوبة والصلاة وقراءة القرآن جديرة بأن تمحو تلك الصفحة..
***
أأنت كاتب؟ رسام؟ بائع؟ أو...أأنت ممن يقدم للناس شيئاً ما؟ تأمل صفحاتك..ماذا كتبت؟ماذا رسمت؟ماذا قدّمت للبشرية؟
أتريد أن تتوب؟
أقلعْ عن الذنب..استغفر ربك..وقدّم من جنس ما صنعت خيراً يمحُ ما قد مضى..
نحن مذنبون..فلنختم ذنوبنا بنهايات سعيدة..بدايتها التوبة..
ونهايتها..الجنة..
ـــــــــــــــــــ(100/59)
د. كمال ماضي يروي ذكرياته الرمضانيّة في السجن
حوار: السيد أبو داود 21/9/1426
24/10/2005
لرمضان دائماً ذكريات ومواقف لا ينساها الصغير والكبير ... وإذا كان لرمضان هذه الذكريات في الحياة العادية التي يتمتع الإنسان فيها بالحرية والأجواء الأسرية، فكيف ستكون هذه الذكريات في السجن والاعتقال؟! لا شك أنها أيام لا تنسى ...!!
وفي هذه السطور نعيش مع د. كمال ماضي الأستاذ في كلية طب عين شمس وأحد قيادات الحركة الإسلامية في مصر حيث قضى أكثر من رمضان وهو في غياهب السجن يقضي فترة الاعتقال السياسي.
ما ظروف اعتقالك؟ وكم سنة قضيت في السجن؟
اعتقلت أول مرة عام 1981 في أعقاب اغتيال الرئيس السادات، ومكثت في السجن مدة عام صمت فيه شهر رمضان .. ثم اعتقلت مرة أخرى عام 1992 ولبثت في السجن مدة عام ونصف صمت رمضان مرة أيضاً ... وبذلك أكون قد صمت الشهر الكريم في السجن مرتين . أما ظروف اعتقالي فهي لانتمائي للحركة الإسلامية منذ أن كنت طالباً في كلية الطب، ولانشغالي بالدعوة وتجوّلي بين المساجد، وإلقائي لخطبة الجمعة في مسجد معروف.
ما الفرق الأساس بين الحياة العادية والحياة داخل السجن؟
الفرق الأساسي هو فقدان الحرية ... فمحرم على الإنسان أن يحمل ورقة وقلماً وكتاباً، ومحرم عليه أن يكون في جيبه مال ينفق منه ... وهناك من يملي عليه الأوامر ولا يحترم آدميّته لا في طعام ولا في نوم، ولا في إضاءة، ولا في دخول الحمام وقضاء الحاجة. هذا إذا صارت الأمور بدون تعذيب ... أما إذا كان هناك تعذيب فإن المعاناة لا يمكن وصفها.
كيف كنت تقضي وقتك في رمضان؟
كان رمضان في السجن أروع ما يكون ... فالتفرغ كامل للعبادة، ولا يشغل الإنسان شاغل العمل، ولا السعي على أموره الشخصية وأمور أسرته ...
وقد كانت الزنزانة تسع من (10 - 15) سجيناً...
كنا نستيقظ في الفجر نصلي الفجر ونقرأ قليلاً من القرآن ثم ننام ... ونستيقظ في الضحى، ونظل نقرأ القرآن في حلقات أو فرادى حتى صلاة الظهر ثم نصلي الظهر ... ثم نحفظ القرآن بين الظهر والعصر، ونصلي العصر وننشغل بإعداد طعام الإفطار. وعادة يكون طعام السجن أسوأ ما يكون ... لكن كانت تأتينا زيارات من أهلنا، وكنا نتلهف عليها، وكانت الفترة من العصر حتى المغرب أمتع الفترات؛ إذ الأحاديث الحرة تدور بين المعتقلين وتعمق الصداقات بينهم.
أما صلاة التراويح فكانت متعة في رمضان ... وكانت المتعة تزداد إذا فُتحت الزنازين وتجمّع المعتقلون كلهم للصلاة معاً يؤمهم إمام واحد، أما إذا لم تُفتح الزنازين فكل زنزانة تصلي وحدها.
وكان أكثرنا يظل في سمر أو قراءة قرآن حتى صلاة الفجر، بينما كان البعض ينام عدة ساعات.
هل أضاف إليك السجن شيئاً على مستوى تكوين الشخصية أو الثقافة؟
السجن أفادني جداً ... فقد انفردت بنفسي وواجهتها بعيوبها .. وحدّدت نقاط الضعف التي أعاني منها، وعملت بعد ذلك على علاجها. وأهم شيء تحقق لي في السجن هو حفظي (12) جزءاً كاملاً من القرآن بالإضافة لقراءة أكثر من (40) كتاباً إسلامياً هاماً. كما التقيت في السجن مع مختلف التيارات الفكرية الإسلامية، وأُتيحت لي الفرصة للتعرّف على أفكارها ومبادئها وهذا لم يكن ليتحقق خارج السجن.
هل تتذكر حادثاً ثقافياً هاماً عشته في رمضان وأنت سجين؟
ذلك الحدث كان الانتهاء من قراءة المصحف الكريم بتفسير الجلالين السيوطي والمحلي ... وقد استفدت منه استفادة عظيمة وقرأته بتدبر شديد. كما قرأت فيه الكتاب العظيم لابن القيم، وهو "طريق الهجرتين وباب السعادتين" واستفدت منه استفادة عظيمة.
ما هو الحادث أو الموقف الذي تعرّضت له في رمضان وأنت سجين، ولا يمكن أن تنساه؟
عقب أحداث شغب في السجن تعرّضت للحبس الانفرادي على أساس أنني من المحرّضين على الشغب. والحبس الانفرادي هو الحبس الحقيقي ... فهو شديد الوطأة على النفس ... ولا يتحمله إلا الصابرون.
كان الطعام رديئاً ... وكان في الزنزانة السوداء إناءان: أحدهما أشرب فيه، والآخر أقضي فيه حاجتي ... وكل يوم يفتحون عليّ الزنزانة لمدة دقائق قليلة أملأ إناء المياه وأفرغ الإناء الآخر.
في أحد الأيام جاء السجّان بالخبز وكان حاراً، وبعد قليل جاء بالفول وأغلق الزنزانة فنظرت إلى الخبز والفول، وتمنيت أن آكل الطماطم. ثم جاء السجّان، وفتح الزنزانة حتى أملأ الإناء وأفرغ الآخر ... وحينما عدت وأغلق السجان الباب وجدت ثمرتين من الطماطم بجوار الخبز والفول ... فظللت ساجداً لله طوال الليل أشكره وأحمده وأنا أعلم أنه قريب مني.
هل كان معكم في السجن رموز ثقافية ودعوية؟ وكيف كنتم تستثمرون هذا الوجود؟
كان معنا دعاة وأطباء ومهندسون وطلاب جامعات ومعلمون. وكنا في رمضان حينما يتم فتح الزنازين على بعضها تختار كل زنزانة شخصية لها وزن وتدعوها للمبيت عندها، على أن يذهب مكانها أي شخص آخر؛ إذ إن السجّان كان لا ينادي بالأسماء وإنما كان يأخذ بالعدد فإذا اكتمل العدد أغلق الزنزانة ... وهكذا نحصل على شخصية كبيرة نسهر معها في رمضان ... وبعد أن نصلي العشاء والتراويح يدور نقاش مفتوح نستغل فيه وجود هذه الشخصية ونتعلم منها ونسأله أسئلة كثيرة. وبعد ذلك نبدأ سهرة رمضانية مسلية نتجاذب فيها أطراف الحديث الضاحك، ثم نتناول طعام السحور.
ماذا تعلّمت من الصيام في السجن؟
قبل أن أصوم رمضان في السجن كنت قبل غيري أهتم بمائدة رمضان وأحب أن تكون عامرة ... أما بعد السجن فأصبح أقل الطعام يكفيني، ولم أعد أبداً أهتم بالمائدة .. وإذا سألوني: ماذا تريد أن تأكل اليوم؟ أقول لهم: أي شيء ... وأقلّ شيء.
هل تتذكر موقفاً صحياً حدث لك في رمضان؟
أتذكر موقفين ... الموقف الأول حدث معي ... فقبل أن أدخل السجن كنت مصاباً بألم مستمر في بطني طوال شهر رمضان يزول تدريجياً بعد صلاة العصر ... وفي السجن في أحد أيام السجن الانفرادي نمت ولم أستيقظ إلا على صوت مؤذن الفجر ... فلم أتمكن حتى من شرب الماء .. وإذا أنا أُفاجأ أن يومي يمر بلا ألم ... ومن يومها وأنا لا أتسحر ... فالسحور سنة صحيح، ولكن حالتي مرضية وخاصة وهي استثناء.
أما الموقف الثاني فكان لسجين آخر، وكان يعاني من حصوات في الكلى وجاءه الألم ليلاً، وأصبح يصرخ، ولا أحد يلبي فحملنا أطباق الألمنيوم، وجعلنا نضربها بقضبان الشبابيك لمدة ساعة متواصلة حتى جاءت إدارة السجن، وفتحوا زنزانة هذا السجين المريض ونقلوه إلى المستشفى.
ـــــــــــــــــــ(100/60)
إنّا أبناء الحياة
سنا محمد طوط 20/9/1426
23/10/2005
في مقال نشرته صحيفة (لوموند) الفرنسية بعنوان "شباب اليوم" قال الكاتب (جون هوبت): إن شباب اليوم هم بلا شك أكثر ذكاء من أسلافهم؛ فلديهم حقيبة من المعلومات التقنية و العلمية لم تكن عند سابقيهم. لكن على صعيد المنطق و الإحساس بالمسؤولية و الخبرة بالحياة، على صعيد العقل و بساطة المشاعر، هم من دون شك متخلفون عن أسلافهم. و هذا أمر جد طبيعي، و من السهل تفسيره؛ لأن الأجيال السابقة عرفت قساوة العيش فيما تنعم الأجيال الحالية بالرفاه.
في الماضي-لا يزال القول للكاتب- كان الإنسان منذ ولادته عرضة للأمراض التي عانى منها في حياة قاسية فرضت عليه القتال و التضحية في شتى الميادين: الصحة ، المجتمع، الدراسة و العمل...
أما اليوم فمنذ ولادته يحصل الطفل على اللقاحات التي تقيه المرض، ثم لا يكاد يحبو حتى يتعرف إلى الألوان و الأصوات... و ما إن يقف على قدميه حتى يتم إدخاله المدرسة حيث المكيفات، و التعليم عن طريق اللعب و من دون قسوة وفق المنهجيات الحديثة، ثم الرحلات و النزهات بالسيارات ليتعرف إلى الدنيا...
و لعل الكاتب قد أصاب الحقيقة في كثير مما ذكر، لكنه نسي أن يذكر أن هذه المقتنيات نفسها قد جعلت حياة الإنسان اليوم أكثر تعقيداً و متطلباتها أكثر صعوبة. فما كان بالأمس يُعدّ من الكماليات بات اليوم من الضروريات. السيارة مثلاً و الغسالة و سائر الأدوات المنزلية، بل البيت المستقل عن الأهل. لم تكن هناك في الماضي أزمة سكن، و لا أزمة بطالة كما هي الحال اليوم، و لا حتى أزمة اختصاص.
بات الشباب يواجه اليوم تحديات- و إن كانت من نوع آخر- بيد أنها تحديات أخرت سن الزواج، و فرضت قلة الإنجاب، وأوجدت أزمات اجتماعية ليس للبشرية عهد بها.
وإن تكن هذه التحديات تواجه شباب العالم، فإن ثمة أزمة يواجهها المسلم تحدّ من قدرته على خوض هذه التحديات. فلا زالت مجتمعاتنا كافة تقدس ثقافة(الطاعة العمياء). فالمواطن الصالح لا يسأل (ولي الأمر) لماذا، و يُحرّم عليه أن يقول: لا، و إلا شق عصا الطاعة. و الابن البار لا يقول لأبويه: لا، و إلا عُدّ عاقاً (مغضوباً عليه)، و المرأة الصالحة لا تقول لزوجها: لا، و إلا فهي ناشز..
و ما من شك في أن الطاعة –ضمن حدودها المعقولة التي لا تلغي و لا تصادر رأي الآخرين -و لو كانوا رعايا أو أطفالاً- لا شك في أنها ضابط شرعي، فالله عز و جل قال:(...فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلاً...)[النساء: من الآية34]، و قال سبحانه(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ...)[النساء: من الآية59] (...فَلا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلاً كَرِيماً)(الإسراء: من الآية23).
و هي بعد ضابط لا غنى عنه لضمان استقرار المجتمع و وحدته وتماسكه. ولقد ظلت مجتمعاتنا بفضله متماسكة البنيان، أصيلة الانتماء، مترابطة مستقرة، خلافاً لما هي الحال في المجتمعات الليبرالية حيث التفسخ الأسري، و التفلت الخلقي، و التشرذم الاجتماعي .
بيد أن هذه السلطوية على محاسنها قد باتت –بحكم إساءة استخدامها- قيداً ثقيلاً يحدّ من قدرة الطفل أو المرأة أو حتى الرجل على الإبداع؛ لأن الحرية والاستقلالية شرطان لا بد منهما للإبداع .
إن الأب في أسرنا قلّما يولي اهتماماً لملاعبة أبنائه، و قلما يدرك أهمية هذه الدقائق مع الطفل في منحه الثقة بالنفس و الشعور بالاستقلالية. و لا يتفهم الأهل غالباً أن الولد قد لا يرغب فعلاً بالقيام بأمر ما؛ لأنه غير مقتنع أو لأنه منشغل، أو حتى لأنه يريد المعاندة في محاولة لفرض استقلاليته و تكوين شخصيته. لقد سمعت صغيراً-و قد عنّفته أمّه قائلة: عيب أن تقول: لا أريد للماما، فأجاب: فإن كنت لا أريد فماذا عليّ أن أقول إذاً؟
آباؤنا يأنفون من ممازحة الطفل و يكتفون بالأمر و النهر، و يعزفون عن سماعه ليسمعوه التوبيخ و التعنيف، وعن تكليفه بأي مهمة يعزّز من خلالها شخصيته بحجة أنه صغير، فيما نجد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يلاعب الصغار و يسمعهم ويكلّفهم حتى يأذن لبعضهم بالجهاد.
و نجد شرعنا الحنيف يمنح المرأة استقلاليتها في الأمور التي تخصها، فهي حرة التصرف بمالها، تُستشار في نفسها و بناتها، و تخرج مع الجيوش مجاهدة و إلى حلقات التعليم .
ونجده يشرع الشورى و يوجبها. و هذا أبو بكر الصديق رضي الله عنه يقول :أطيعوني ما أطعت الله فيكم فإن عصيته فلا طاعة لي عليكم.
ومثل هذا الواقع ليس بغائب حتى عن واقع الحركات الإسلامية وجماعاتها ، فالطاعة لازمة و لو اقتضى الأمر تفويت مصلحة الجماعة المسلمة. ثمة مفهوم حزبي ضيق يعتبر مصلحة الإسلام من مصلحة الجماعة الفلانية أو الشخص الفلاني. ولسنا نرى سبباً إذاً لفرض الجهاد و بذل النفس في سبيل الله و العقيدة.
إن علينا أن نعرف بأن الحياة تغيّرت، وأن الناس باتوا يتعرفون إلى كثير من الأفكار و القيم التي قد تخالف قيمنا، وأبناؤنا يقضون من الوقت مع الآخرين أكثر مما يقضون معنا، شئنا ذلك أم أبينا. لم يعد الأبوان ملقنين و الابن متلقياً، لذا وجب أن نواجه هذا الواقع بالاستماع إلى أبنائنا و إيضاح وجهة نظرنا، و المزيد من التقرب منهم، و ليست العبرة بعدد الساعات التي نمضيها معهم بل بقيمة هذه الساعات، و قدرتنا على استثمارها في تربية الأبناء .
و ثمة واقع آخر فاسد لا بد من معرفته، و هو خروج المرأة سافرة متبرجة، مائلة مميلة إلى ميادين التأثير، فاقتضى أن تنبري المرأة المسلمة للدعوة إلى الله -عز وجل- متسلحة بالإيمان و الثقة بالنفس، التي لا يمكن أن تحوزها امرأة تتبع بالكامل لرأي زوجها أو أبيها، فلا تملك أن تخالفهما أو تحاورهما.
و ثمة واقع يفرز مؤسسات و أفكاراً يتم توظيفها كلها في ميادين التقدم العلمي والتكنولوجي و ميادين الحرب و السلم. و لا يخفى أن الحرية الأكاديمية ضرورة لا مناص منها لتحقيق ذلك .
وثمة حقيقة فطرية و دافع غريزي إلى تحقيق الذات لدى كل إنسان. لدى الرجل، كما لدى المرأة و الطفل، طموحات و أماني و رغبات يُطمح إلى تحقيقها، بل ومطالب كثيراً ما يُعجز عن الصبر عليها. و إذا أردت أن تُطاع فسلْ ما يُستطاع.
ـــــــــــــــــــ(100/61)
انتبهْ .. إنّه يرحل
هناء الحمراني 15/9/1426
18/10/2005
انتبه...إنه يرحل..أمسك بيديه..لا تدعْه..ألا يمكنك؟ لماذا؟ إنه يسحب نفسه بعنف..إذاً تمسكْ بما تبقّى من ثوبه..رباه..إنه سحب ثوبه من بين يديك أيضاً.عفواً يا كريم..انتظر لحظة..
عذراً..إنه لا يزال يصرّ على الرحيل..
تِكْ..تِكْ..تِكْ..توقّفي أيتها الساعة..أيتها الشمس اتئدي..تمايلي في السماء..لا تفرّي بهذه السرعة..
عذراً-أيضاً-أيتها النفس فلست"سليمان"لكي توقفيها زمناً عن الغروب..
***
انظر إلى التقويم..انظر إلى التلفاز..انظر إلى عمرك يا أخي..رمضان بدأ..وها هو..كما بدأ يمضي ..ولأنه يمضي..فسوف يرحل..ويتركنا..
لحظات من الندم...إن كنت تشعر بالندم..
***
هل أسرد الآن فيما قلته خاطرة عاطفية؟ هل أحاول استدرار دمع القراء؟كلا..أعيد وأقول..انتبه..إنه يمضي..افتح عينيك..تخيّل أنك اليوم في آخر ساعة من رمضان..تذكّر بكاء المصلين..تذكّر حسرة المفرطين..تذكّر دعوة الرسول صلى الله عليه وسلم"رغم أنف...."
تخيّل أن كل شيء قد انتهى..فما أنت فاعل..ردّد الآن: أستغفر الله..أستغفر الله..اللهم اغفر لي وتبْ عليّ..اللهم اهدني وزدني هدى..اللهم إنك عفو تحبّ العفو فاعفُ عني..اللهم أعنا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك..اللهم إني أسألك الفردوس الأعلى من الجنة.
عذراً-وللمرة الثالثة- إن كنت أتدخل في شؤونك الخاصة..ولكن..هل لديك عمل مهم الآن؟ وهل يمكن أن تنتهي كل أعمالك الليلة بانتهاء هذا العمل؟
عذراً-وللمرة الرابعة- سيدتي..ولكن..هل تغيّر شيء منذ سنين؟ هل انتهى بكاء الأطفال..وغسيل الصحون..والاستعداد للإفطار..وطلبات العيد؟
تموت مع المرء حاجاته..وتبقى له حاجة ما بقي..
هل تسمحون بأن تلقوا بالدنيا خلفكم هذا الشهر؟رمضان كريم..ضيف عزيز..أحسنوا لقياه.. أكرموا مثواه..والعيش في نجواه..
(وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لا نَسْأَلُكَ رِزْقاً نَحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى) [طه:132]
عذرا إخوتي-وللمرة الخامسة-رمضان يمضي..
فـ:
وا أسفا على رمضان..
ضاع بركضة الأيام..
فهل للتائب المحروم..
فرصة في شهر الصوم..
لكي يعتق..فلا يحرق..
لا والله..
بل يسبق..
وا أسفا على رمضان..
ضاع بركضة الأيام.
ـــــــــــــــــــ(100/62)
فاستبقوا الخيرات
سنا محمد طوط 3/9/1426
06/10/2005
جُبلت النفوس على حب الثناء و نيل الجزاء، قد علم الله -عز و جل- منها ذلك، فوعدها من الثواب أضعافاً مضاعفة على أعمال البر و التقوى و الصلاح، و أمرها بالمسارعة في الخيرات و استباقها و التنافس عليها، ثم جعل الجنة درجات، يدرك أعلاها من خاض غمار المنافسة الشريفة وسيلة و غاية فربح السباق .
لئن كان سبحانه سمّى هذه الدار دار ابتلاء و اختبار، فلأن الاختبار يفرض التنافس و التسابق. و لنتأمل قوله تعالى:(...وَلا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ عَمَّا جَاءَكَ مِنَ الْحَقِّ لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجاً وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَكِنْ لِيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُمْ فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعاً فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ)[المائدة: من الآية48]
لقد أدرك ساسة الدول أهمية التنافس فشرّعوا ميادينه، و أجزلوا الحوافز مادية و معنوية، و ابتكروا الترقيات و الترفيعات، كل ذلك استثماراً للعقول و استدعاء ً للأفكار وإيقاظاً للهمم، فضلاً عما أودعه الله ابن آدم من غريزة حب التفوق منذ خلقه .
و ميادين المنافسة كثيرة جداً، فالناس فيهم الكاتب الفذ، و المقاتل الشجاع، و الصانع المبدع، و الفنان المتألق، و الدنيا تتسع لكل هؤلاء، و تحتاج كل هؤلاء، و بهؤلاء جميعهم ترتقي الحياة.
إلا أن الإنسان لا يستطيع خوض الميادين كلها، بل عليه اختيار حلبته و ميدان إبداعه، حتى لا يقوده الغرور إلى خوض ما لا يحسن، و ما لا قبل له فيه، ثم الإخفاق، كمثل الذبابة في بعض الحكايا، إذ شاهدت عربة لنقل الخضار، و قد عجزت عن متابعة التصعيد في طريق جبلية وعرة، و حاول السائق دفعها دونما جدوى. تأملت الذبابة الحمقاء جناحيها اللذين يحملانها عالياً في الفضاء، و ظنت أنها ستفلح بهما فيما أخفق فيه ذلك السائق المسمرة قدماه في الأرض، فراحت تدفع و تدفع العربة حتى هلكت.
قد جعل الله لكلٍ موهبة و مجالاً يبرع فيه ليتخذ الناس بعضهم بعضاً سخرياً، فلا يقتحم مغرور كل ميدان يناطح فيه أربابه و يطاول عمالقته، حتى إذا عجز و أخفق امتلأت نفسه حسرات و حسداً، و العياذ بالله من شر الحسد.
كما أن الأحوال ليست كلها أحوال منافسة، و إنما تكون المنافسة فيما يصلح الآخرة و يعمر الدنيا. لذلك نهى رسولنا -صلى الله عليه و سلم- أن يبيع المسلم على بيع أخيه، و نهى أن يخطب على خطبة أخيه، مبيناً أن ذلك سبب إلى الكراهية و الحسد . فيما نجد عمر و أبا بكر -رضي الله عنهما- يتنافسان في عمل الخيرات. و في الأثر عن عمر -رضي الله عنه- قال : "أمرنا رسول الله -صلى الله عليه و سلم- يوماً أن نتصدق، و وافق ذلك مالاً كان عندي فقلت: اليوم أسبق أبا بكر إن سبقته يوماً .
فجئت بنصف مالي، فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم: ما أبقيت لأهلك؟ قلت: أبقيت لهم. قال: ما أبقيت لهم؟ قلت: مثله. و أتى أبو بكر بكل ما عنده، فقال: يا أبا بكر،ما أبقيت إلى أهلك؟ قال: أبقيت لهم الله و رسوله، قلت: لا أسبقه إلى شيء أبداً".
و روح المنافسة-كما وجدناها عند عمر -رضي الله عنه- حافز إيجابي إلى تحسين الأداء و ابتكار الأساليب و الوسائل، و تشمير ساعد الجد و العزيمة، أو تستحيل إلى عواطف سلبية تولد البغضاء و التحاسد و تذهب بروح الأخوة و التعاون، فيكثر الخصام و الجدل، و تضيع في خضم ذلك كله الأهداف الكبرى لتحل محلها نزعات الثأر والتشفي. أولم يحسد ابن آدم أخاه لمّا تفوق عليه و تقبل الله قربانه فقتله؟
و روح المنافسة ما غابت عن قوم إلا حلّ بهم الخمول و الكسل و قعدوا عن العمل، كما نشهد في مجتمعاتنا الفتية من ضياع الطاقات الشابة التي هي أعظم الموارد على الإطلاق، فعقولها مصانع الإبداع، و سواعدها آلات البناء، وإرادتها منبع التغيير والإصلاح. وقد بات شبابنا كما قال ولي الدين يكن:
كأن أرؤسهم و النوم واضعها على المناكب لم تخلق بأعناقِ
و إذا نحن نراوح أماكننا على ما حبانا الله من طاقات بشرية و طبيعية، نرمق العالم من بعيد يلوح لنا عن سطح القمر و المريخ، أو نشهده يشق أرضنا ليحكم قبضته على ثروات بلادنا يشيد بها حضارته العتيدة .
و ليس الفساد الإداري المستشري في بلادنا، و الذي جعل مؤسساتنا أشبه شيء بعصابات المافيا، حيث تمارس كل القبائح الخلقية بدءاً بالوساطة و انتهاء بالرشوة، و حتى وُسّد الأمر لغير أهله، وبيعت الذمم و أُريقت الكرامة الإنسانية على مذبح الحاجة و العوز، ليس ذلك إلا أحد مظاهر غياب روح التنافس الإيجابي، في مجتمع خلا من المؤسسات المختصة التي تمنح الفرد فرصة إثبات الوجود و الحصول على دوره الطبيعي، ثم تمنحه فرص الترقي و الحوافز على اختلافها .
الأسرة نفسها مؤسسة اجتماعية يمكنها أن تمنح أبناءها فرص التفوق و الوصول، بتنويع ميادين المنافسة و مكافأة الأسبق في كل ميدان .
إنا بالعمل المؤسساتي نؤسس مجتمعاً كاملاً. نؤسسه كما نريد و نهوى.
فمتى نشدّ المآزر؟
ـــــــــــــــــــ(100/63)
دقّاقة الرّقاب.. والآباء بعد الستين
عبد الرحمن بن خلف العبود 18/8/1426
22/09/2005
يقضي والدي بعد تقاعده عن العمل معظم وقته في المنزل، وقد بدت عليه آثار التعب، وأصبح ميّالاً إلى الجلوس وحيداً، غارقاً في تفكيره الذي لا ينقطع، ولم يعد والدي الذي أعرفه في سابق عهده، بل تغيّرت نفسيته وأصبح سريع الانفعال والغضب...
هكذا بدأ الابن البار يبحث في حالة والده لعله يجد الجواب الشافي.
إن مراحل الحياة تختلف من مرحلة إلى أخرى، والإنسان ينتقل بين تلك المراحل، ولا يشعر بسماتها وخصائصها إلا بعد أن يخوض تجربة معينة يشاهد فيها تفاصيل تلك المرحلة، فمرحلة الطفولة لها سماتها التي تختلف عن المراهقة، ومرحلة الكهولة لها سماتها وخصائصها التي تختلف عن مرحلة الشيخوخة.
تمثل مرحلة ما بعد الستين، فترة عسيرة لدى كثير من الآباء والأمهات، ومما يزيد هذه الفترة تعقيداً انصراف الأبناء عن آبائهم، وانشغالهم عنهم في مناحي الحياة المختلفة، مما يشعر الآباء بالعزلة الاجتماعية، ودخولهم في دائرة الصراع النفسي والمعاناة الشديدة، لا سيما أنهم فقدوا مكانتهم الاجتماعية السابقة؛ فأصبحوا يعيشون على هامش الحياة بدون عمل؛ فيشعر الآباء بحالة غريبة للحياة، بسبب العزلة الاجتماعية، لا سيما أنهم(الأبناء) من أقرب الناس إليهم، ويتوارد في خاطر ذلك الأب ذكرياته في أيام الشباب وفرحته بأبنائه حوله، وكفاحة المرير، وعمله الدؤوب لتوفير ما يسعدهم، ويجعلهم يعيشون في رغد من العيش الآمن المطمئن، كل ذلك يتوارد في خاطر الآباء، ثم في المقابل ينظر لأبنائه في هذا اليوم، وكيف انصرفوا عنه بعد ما رقّ عظمه، ونحل جسمه، ويتردد في أعماقه هاتف يقول: (هل جزاء الإحسان إلا الإحسان).
هذا المشهد المتكرر في ذلك الجسم النحيل، يسبب له متاعب كبيرة؛ فيدخل في غمرة اكتئاب الكبار الذي يتحين فرصة (دقّاقة الرقاب) كما يسميها بعض العلماء لمن تجاوز الستين؛ إذ إن أعمار أمة محمد -صلى الله عليه وسلم- بين الستين والسبعين.
المجتمع مليء بالنماذج الكثيرة في التعامل مع الآباء، وتختلف تلك النماذج باختلاف الأبناء ومحبتهم للبر بوالديهم، يقول أحدهم: "بعد تقاعد والدي وجلوسه في المنزل لا يمر يوم دون تجديد في البيت: من إعادة طلاء بعض الغرف، إلى إعادة أعمال صيانة السباكة، إلى بناء ملحق إضافي. علماً بأن البيت جديد ولا يحتاج إلى ذلك... ولكنه الفراغ القاتل، ولا أرغب في معارضته، ولكن ما المفر والحالة المادية ضعيفة، وجميع تلك الأعمال من راتبي الممزق".
وتأمل في حالة أخرى لأحد الأبناء، كيف استطاع التعامل مع والده بعد تجاوز الستين وتقاعده عن العمل؛ إذ يقول: "اتفقت مع أخوتي الثلاثة للمساهمة في رد الجميل لوالدنا بعد بلوغه هذا العمر، وبعدما تكالبت عليه الأمراض، فعملنا جاهدين لملء الفراغ الذي أحدثه تقاعده عن العمل وقضاء حاجته الشخصية، وقد استطعنا بتبادل الأدوار أن نضفي على حياته نوعاً من الانشغال المفيد حتى لمسنا السعادة على محياه، فأخذ يقول: "لقد أتعبتكم يا أبنائي، ولعل الله أن يريكم في أبنائكم ما يسركم".
كما أن هناك نماذج تسيء للبر والصلة؛ فما أن يكبر أحد الأبوين إلا ويسارع بعض الأبناء في إيداعهم دار المسنين والعجزة للتخلص منهم!! ولم نكن نسمع عن تلك الحوادث المؤسفة في عقوق الوالدين بهذه الكثرة إلا في الأزمنة المتأخرة، فهل الحضارة بمعطياتها الحديثة وتقنياتها المتسارعة، ساهمت في الهروب والتخلص من المبادئ والأعراف الجميلة؟! هل الإنسان أصبح كالآلة الخرساء يسير دونما هوية ويحث الخطا في تلبية رغباته وملذاته فقط، وكأنه يردّد مقولة: أنا ومن بعدي الطوفان؟!
ألا يحتم علينا واجب العطف والرحمة أن نعيد صياغة تعاملنا مع أبنائنا؟ إن على المجتمع بمؤسساته المختلفة إعادة النظر، وتقديم النماذج المثلى في التعامل مع الآباء وإيجاد (ملتقى في الأحياء) للتواصل بين الآباء والأبناء والاستفادة من خبراتهم في الحياة وتقديمها بصورة رائعة للشباب، يقول الله تعالى: (وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه وبوالدين إحساناً إما يبلغن عندك الكبر أحدهما أو كلاهما فلا تقل لهما أف ولا تنهرهماوقل لهما قولاً كريماً)[ الإسراء:23]
ـــــــــــــــــــ(100/64)
إنْ لمْ تكنْ شجاعاً..فلا تكن جباناً..
هناء الحمراني 8/8/1426
12/09/2005
تخيّل نفسك مع زميل لك في العمل..أنت الآن في حالة من الغضب الشديد إثر خلاف وقع بينك وبين المدير..
يداك تتحرّكان في الهواء..ثم لا تلبث أن تقع بقبضتك على المكتب بعصبيّة..
حاجباك معقودان..ونظراتك حادة..وصوتك عالٍ لدرجة كافية تعبّر فيها عن غضبك واحتجاجك.. وحينما تشعر بخطوات أقدام ينخفض صوتك تلقائياً لكي(لا يسمع صوتك شخص آخر)..
بعيداً عن الأفكار الجاسوسية..وعمليات التنصّت التي يمارسها البعض..ولنستبعد إمكانية أن يكون زميلك الذي تتحدث إليه نمّاماً..تخيّل..أقول: تخيّل أنك في تنفيسك الذي نعتّ فيه المدير بأسوأ الألفاظ التي تسمح به أخلاقك..تخيّل أنّ المدير يدخل عليك في تلك الأثناء..بصراحة..رجاء..كن صريحاً..
ما هي ردة فعلك آنذاك؟
كرد فعل طبيعي..قد تنتفض مرعوباً، وكأنك ترى مصّاص دماء..ثم يصبح وجهك أصفر اللون بعد أن كان محمرًّا من شدة الغضب..هممم..وماذا أيضاً؟ ستحشر رأسك بين أوراقك..والله وحده يعلم ما هي ردة فعل زميلك الذي ربما يكون أجبن منك؛ فيحشر رأسه في سلة المهملات، وكأنه يبحث عن ورقة سقطت سهواً..وربما يكون نذلاً؛ فينظر إليك بسخرية (لقد وقعت في الفخ)...
هل نجحت في وصف المشهد؟
ربما أجد من بينكم من يعترض على هذه الصورة..وتأبى نفسه إلا أن يصف ردود فعل أخرى.. كأن تحملق بعينيك وتركزهما في عيني مديرك، وكأنك تتحداه.. فالمسألة(خربانة..خربانة) وما دام أن الأمر وصل إلى هذا الحد..فلا يضر الشاة السلخ بعد الذبح. ومع هذا أيضاً..فلا أزال أصر أن فقرة(الرعب والقشعريرة) هي أول عرض يصيبك عند دخول المدير..ولو لجزء من الثانية..
***
لأقف عن التحدث بأسلوب المخاطب..ولنستبدل (أنت) بـ(هو)..لأن السيد (هو) سيحتمل الكلام الذي سيُقال الآن..ولكن السيد والسيدة(أنت) لن يُكملا المقالة مع بدء توجيه الاتهام الذي سأوجهه الآن..
***
سيداتي وسادتي: إن السيد(هو)- وكثير منا ربما يكون الـ(هو) هذا- حينما يمارس مثل هذا التصرف..أعني فرد العضلات والتهديد..والشتم..وإلقاء التهم على الطرف الآخر، والذي يكون غائباً عن هذه (المصارحة)..ليس إلا جباناً..
تخيّل أنك أنت زميل السيد (هو) وأنك تمارس الإنصات بكل إخلاص.. كيف ستكون نظرتك إليه حينما يتقوقع ويصمت خوفاً عند مقابلة خصمه..؟ ربما أكون مجحفة نوعاً ما حينما أقوم بالإجابة عنكم، وأصدر حكما بأنكم ستشعرون بالاحتقار إزاءه..
أو على الأقل الشعور بالرثاء من أجله؛ لأنكما تشتركان في ذات المعاناة..
***
لماذا يتجه (هو) إلى هذا النوع من التنفيس؟ قد يبدو السؤال ذا إجابة تلقائية.. فنحن أحياناً لا نمتلك القدرة على أن نكون صرحاء..بمعنى أوضح لا نمتلك الشجاعة لنفصح عن رأينا..ونفضل أن نلعن الظلام بدلاً من أن نوقد الشمعة..
وأحياناً أخرى قد تودي بنا الصراحة إلى مدارك سيئة إذا كنا ضعفاء..ولذلك أيضاً-وللأسف- نهرب إلى الخفاء لنصرخ..ونشجب..ونستنكر..
ولكننا أيضاً..لا يمكننا أن نعتبر هذا السلوك حميداً..بل إنه مزرٍ..ودنيء..وهو لا يغيّر في الوضع شيئاً..هذا إذا لم يزدد الأمر سوءاً..
لست ممن يطالب بالصمت..والتقوقع..ولكن..هذا السلوك قد تكون نتيجته الاكتئاب..استهلاك كمية كبيرة من الجهد الذي يمكن أن يصنع شيئاً مفيداً..وضياع الحسنات ..
***
السيدة (هي)..امرأة اضطرها توتر العلاقة بينها وبين جارتها الكبيرة في السن إلى أن تمارس التنفيس في الخفاء..ففي اجتماعها مع أسرتها..تشتمها..وتمسح بخيالها أرضية المجلس..وتحاول الحطّ من قدرها أمام الآخرين..
لم تكن لتستطيع مواجهتها وتوجيه الصفعات إليها؛ لأنها لا تريد أن تكون تلك المرأة الوقحة التي تتعدى على امرأة كبيرة في السن..
ولم تكن أيضاً قادرة على الصمت..فهي لا تزال تجرحها..وتبحث عما يغيظها في كل مرة تتقابلان فيها..
إلا أن هذا كله كان يهدر في صدرها حتى شعرت بأنها يجب أن تتكلم..وعندما بدأت بممارسة الحديث في الظلام..وبشكل أقرب إلى الإدمان..أُصيبت بالاكتئاب..
(لا يمكنني احتمال هذا كله..لست جرذاً..يجب أن تنتهي مأساتي..ولا بد أن هناك طريقة ما لإنهائها..نهاية جيدة)..
كان أول شيء اقترحته عليها عندما عزمت على حل المشكلة..هو مواجهتها أو الانقطاع عن الغيبة والطعن في ظهرها..حتى تجد حلاً لإصلاح علاقتها معها..
أما الخيار الأول فكان مرفوضاً من جانبها..واعتبرت الخيار الثاني واجباً دينياً يحافظ على حسناتها المتطايرة..قبل أن تعتبره حلاً مبدئياً للمشكلة..
بداية الصمت..البحث عن موضوع آخر للانهماك فيه..كان ذلك صعباً..ولكن كانت النهاية رائعة..
بعد أن وجدت صعوبة في الصمت..ومحاولة الترفع عن ذلك السلوك المشين..وجدت نفسي أدور في مجلسي حائرة..ما البديل؟..ربي..ما البديل؟..كيف أستريح؟..وعندها..وجدت نفسي أردّد ذلك الدعاء الموروث عن النبي -صلى الله عليه وسلم- في قضاء الدين (اللهم اكفني بحلالك عن حرامك، وأغنني بفضلك عمّن سواك) وماذا بعد ذلك؟ وبعيداً عن العواطف..وجدت نفسي تهدأ..وتتقبل ما قد مضى..بل إن علاقتي بدأت تتحسن مع جارتي تلك..ووجدت شجاعة قوية في أن أمنعها من مضايقتي فيما بعد..وقرّرت ألاّ أكون جبانة إن لم أكن شجاعة...
***
هل يضايقك زميلك بالتدخين في مكتبك؟ هل تزعجك زميلتك عندما تأخذ قلما من درجك دون استئذان؟ هل يصرّ جارك على أن يلقي بالمهملات أمام بابك؟
لا تتذمر..كن شجاعاً..وصارحه بما يزعجك..فليس له الحق في أن يضايقك..وإن لم تكن شجاعاً....
أكرّر مرة أخرى..
فلا تكن جباناً.
ـــــــــــــــــــ(100/65)
كيف تكونين موظّفة داخل جدران البيت؟
د. ليلى بيومي 24/7/1426
29/08/2005
قد تخرج المرأة للعمل لعدة أسباب من بينها الظروف الاقتصادية .. وإذا كانت الدراسات الميدانية تؤكد أن دخل المرأة من العمل الوظيفي لا يشكل سوى 15% من دخل الأسرة، وأن معظم راتب المرأة العاملة يتم إنفاقه في وسائل المواصلات، واستهلاك الملابس والأحذية، فما هو الحل لكي تصبح المرأة منتجة؟
يقول الدكتور حامد الموصلي الأستاذ بكلية الهندسة جامعة عين شمس: هناك مغالطة كبرى، وهي أن دائرة عمل المرأة قاصرة على المنشآت والمؤسسات التي يضمها القطاع المنظم، وأن المرأة كي تعمل وتكتسب صفة "المرأة العاملة" عليها أن تخرج من المنزل، فمن قال: إن المرأة التي تبقى في المنزل لا تعمل؟ إن هناك إحصائيات تقول: إن ساعات عمل المرأة في بلد مثل فرنسا داخل البيوت بلغت (45) مليار ساعة في السنة في حين لم تتعد عدد ساعات العمل للقوى العاملة من الجنسين خارج المنزل (44) مليار ساعة .. ونخلص من هذا إلى أن ربة البيت تعمل أكثر من نظيرتها التي تعمل خارج المنزل وهي أيضًا "امرأة عاملة".
وتشير إحدى الدراسات التي أُجريت في أمريكا إلى أن ما يحققه العمل المنزلي للمرأة من عائد يمثل حوالي ثلث الناتج القومي إذا قُيم بأسعار السوق، وأن متوسط قيمة الإنتاج المنزلي الذي تقوم به الزوجة الأمريكية يمثل حوالي 60% من الدخل النقدي للأسرة، هذا الكلام ليس موقفاً ضد عمل المرأة خارج المنزل؛ فنحن مدعوون رجالاً ونساءً للعمل كل لما يُسّر له، ووفقاً لما تمليه مصلحة الجماعة والأمة من ناحية، والظروف الخاصة بكل أسرة من ناحية أخرى .. ولكن المطلوب ألا يُنظر لخروج المرأة للعمل خارج المنزل كما لو كان يمثل إنجازاً في حد ذاته، أو هروباً من مسؤوليات أضخم وعمل أهم وأشق في بيتها.
ويُعرّف الدكتور حامد الموصلي معنى التنمية فيقول: إن معناها السائد في الفكر الاقتصادي هو تحقيق أعلى معدل نمو ممكن، أما إذا نظرنا للتنمية بصفتها بالمعنى الحضاري الارتقاء بالجماعة والأمة فسوف يأتي إلى جانب الهدف الاقتصادي أهداف أخرى حضارية واجتماعية، وسوف يُنظر إلى دور المرأة في التنمية من منظور مركب، فالمرأة حاملة للتراث الحضاري أكثر من الرجل، ودورها في التنشئة الحضارية للأجيال الجديدة أهم من دور الرجل.
أما الدكتور عبد الحميد الغزالي أستاذ الاقتصاد في جامعة القاهرة فيقول: إن دور المرأة في التنمية يتمثل في جانبين: جانب الاستهلاك وجانب الإنتاج .. وبالنسبة لجانب الاستهلاك إذا ما تحلت المرأة بأخلاقيات وضوابط المنهج الإسلامي في الاستهلاك استطاعت -كربة بيت- أن ترشّد الاستهلاك دون تبذير أو إسراف .. وهذا التوازن يساهم في زيادة إنتاج الأسرة، بالإضافة إلى ما يمكن أن تقوم به من عمل منتج داخل جدران البيت.
المرأة الريفية أكثر إنتاجاً
وفي دراسة أجراها المركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية في القاهرة أكّدت الدراسة أن الآثار الاقتصادية التي تترتب على زيادة دخل الأسرة الريفية بإمكاناتها المحدودة تكون ملموسة فعلاً؛ فهم يبيعون البيض والديوك لأنها لا تبيض، أو يذبحونها في المنزل فتتوفر المبالغ التي كانت ستُنفق في شراء اللحوم، ولا تكلفهم تربية هذه الدواجن كثيراً؛ لأنها تتغذى على فضلات الطعام في المنزل، وهم عادة يطلقونها في الشوارع أو على الأسطح فتلتقط ما يقابلها بجانب توفير الحبوب التي قد تكون موجودة في المنزل من محصول الأرض. وتشير الدكتورة إلهام عبد الجليل الخبيرة بالمركز القومي للبحوث الاجتماعية أن المرأة في القرى تقوم بعمل إنتاجي هام بجانب أعبائها المنزلية، ويتمثل هذا الإنتاج من مستخرجات الألبان والبيض والطيور، والمرأة بذلك تساهم بقدر إمكاناتها المحدودة في دخل الأسرة.
المرأة الغربية مرغمة على العمل
تقول د. هدى فراج أستاذة علم الاجتماع: إن مفهوم عمل المرأة والاهتمام به في الغرب يرجع إلى بداية الثورة الصناعية في أوروبا, وذلك عندما بدأ عمال المصانع يضربون عن العمل نتيجة لإرهاقهم بساعات عمل طويلة وذات أجر محدود. بسبب ذلك دخلت المرأة ميدان العمل لتغطي نقص الأيدي العاملة في المصانع, خوفاً من توقف العمل والخسارة المالية المترتبة على ذلك.
والمرأة في الغرب لم تنزل إلى ميدان العمل, إلا بعد أن تخلى الرجل عن سد حاجاتها، فصارت مرغمة على العمل.
والأب في الدول الغربية لا تكلفه الدولة ولا الأعراف الإنفاق على ابنته إذا بلغت الثامنة عشرة من عمرها؛ لذا فهو يجبرها على أن تجد عملاً إذا بلغت هذه السن, أو أن تدفع له أجرة الغرفة التي تسكنها.
ولقد نتج عن عمل المرأة في الغرب أن تفكّكت الأسر, وتشرّد الأطفال، وهذا ما دعا علماء الغرب ومفكريه لرفع أصواتهم عالياً منذرين محذرين مجتمعاتهم من الهاوية نتيجة عمل المرأة خارج بيتها.
كيف يُقاس عمل المرأة؟
ويرى د.صالح العساف أن المرأة تعمل عندما تكون هناك حاجة اجتماعية ملحة تتطلب أن تعمل المرأة عملاً مأجوراً يتفق مع تكوينها وأنوثتها، ولا يتصادم مع قيم الإسلام. وينبغي أن يكون لعمل المرأة شروط وضمانات مثل: ألاّ ينافي عملها تكوينها الأنثوي، وألاّ يؤدي إلى اختلاطها بالرجال، وألاّ يعوقها عن دورها الأسري، وألاّ يكون عملها مدعاة لتبرجها.
ومن ثم إذا أُخذت هذه الضمانات في الاعتبار, وكانت هناك حاجة اجتماعية ملحة يمكن للمرأة أن تعمل عملاً مأجوراً في عدد من المجالات, وذلك مثل: الطب, والتمريض, والتدريس, والخدمة الاجتماعية, والأعمال التجارية الخاصة بالنساء كالحياكة والنسيج والخياطة.
ولكن هل عمل المرأة المأجور هو ما يجب قياسه؟ بالطبع لا, فينبغي قياس عمل المرأة المأجور, وغير المأجور المتمثل في الأمومة وتربية الأولاد وأعمال البيت.
وعدم إدخال عمل المرأة في بيتها ضمن بنود الناتج الوطني يُعدّ تضليلاً في معايير قياس النشاط الاقتصادي؛ لأن عمل المرأة في بيتها هو إنتاج, ينبغي احتسابه في الناتج الوطني بتقدير أجر المثل.
وعند النظر إلى العائد المادي المتمثل في دخل المرأة ينبغي أن نأخذ في الحسبان تكلفة الفرصة البديلة أو المضيعة والمتمثلة في أجور الخدم والسائقين، ومصاريف المربيات ودور الحضانة, والطعام المجهز خارج المنزل, مما يعني أن الصافي الناتج لا يقابل سلبيّات خروج المرأة للعمل.
ـــــــــــــــــــ(100/66)
حرب الجوال
ليلى بيومي 12/6/1426
18/07/2005
انتشرت في الآونة الأخيرة ظاهرة التقاط صور للفتيات عن طريق التليفون المحمول المزوّد بكاميرات خاصة، ويتم تبادل هذه الصور بين الشباب عن طريق الرسائل.
كما راجت ظاهرة نشر صور بعض الفتيات بملابس السهرة الفاضحة أثناء حضورهن عرس، فتم نشر صورهن على الإنترنت بعدما قامت إحدى المتلصصات بتصويرهن دون علمهن.
خاصة وأنه من مميزات الهاتف المحمول المزود بكاميرا أن المستخدم يستطيع التقاط صور لأي شخص دون أن يلاحظ، كما أنه يستطيع الاحتفاظ بـ(100) صورة أو مسحها أو إرسالها لهواتف أخرى أو نشرها على الإنترنت. كما أنه لن يضطر لشراء فيلم وطبعه وتحميضه.
كثير من الأسر المصرية باتت قلقة إزاء تلك التقنيات الغريبة التي دمرت حياتنا، فلم نكد نسلم من أخطار الدش والإنترنت حتى ظهرت لنا كاميرا الجوال، مشددة على أنها كثيراً ما تفاجئ أبنائها برؤية الرسائل الموجودة على أجهزتهم نظراً لانتشار الرسائل التي تحمل صوراً فاضحة بين الشباب.
لا أحد يعارض التكنولوجيا، ولا يحرم استخدام الوسائل الحديثة، ولكن نرفض أن يتحول الأمر إلى عولمة الفساد، وانتهاك الحرمات، وإشاعة الفاحشة، ونرفض أن يكون عملنا هو إساءة استخدام ما أنعم الله به على الإنسان من وسائل حديثة يُفترض أن تزيد الإنتاج وتشيع المعارف، وتنشر العلوم وترتقي بالإنسان، لا أن تكون وبالاً عليه..!!
عندهم تحدث ثورة في عالم الصحافة
في العالم المتقدم يساعد التطور الجديد في عالم الهواتف المحمولة التي تحتوي على كاميرا الصحف ووسائل الاعلام في نشر صور التقطت فور حدوث الخبر بينما يصل المصورون المحترفون لاستكمال الموضوع. ومع انتشار أجهزة الهواتف المحمولة ذات الكاميرا، وطرح طرز جديدة ذات قدرة على التقاط صور عالية الجودة كل يوم ستحدث ثورة في مجال التصوير الصحفي، وقد ظهر تأثير هذا التطور في قضية اغتيال المخرج الهولندي (ثيو فان غوغ) الذي اغتيل بعد إخراجه فيلماً مثيراً للجدل حول الثقافة الاسلامية؛ إذ أصبحت جريدة (دي تليغراف) اليومية في أمستردام حديث الوسط الصحافي كله عندما نشرت صورة لجثة المخرج الهولندي التقطت بعد دقائق من مقتله، وقبل وصول الشرطة. وقد وصلت الضجة التي أثارتها إلى حد وصف محرّر الصور في الجريدة بأنها كانت هي الخبر وليس مضمونها.
ولم تكن هذه هي المرة الوحيدة التي شهد فيها أحد مستخدمي الهواتف المحمولة المجهزة بالكاميرا حدثاً مهماً؛ إذ قالت صحيفة(سويس ديلي): إن أحد مستخدمي الهواتف المحمولة استطاع التسبب في عودة طائرة كانت متجهة من سويسرا إلى جمهورية الدومينيكان بعد أن استطاع تصوير قطعة من المعدن تسقط منها عند إقلاعها من مطار زيوريخ مما يعني حدوث عطل فني كان يمكن أن يسقطها.
وفي ولاية الأباما الأمريكية يمكن استخدام الجوال المزود بكاميرا لإثبات حالات الاعتداء الجنسي على الأطفال، كما اعترفت الصين مؤخراً بصور المحمول في القضايا الجنائية.
تجارة مشبوهة
واقعة شهيرة في هذا الإطار نشرتها الصحف المصرية منذ أسابيع: عندما اكتشفت بعض السيدات نشر صورهن على موقع إباحي في مناظر مخلة، قمن بإبلاغ الشرطة، وبعد رحلة بحث وتقص واسعة تم التوصل إلى عدد من المحلات يقوم أصحابها بهذا العمل الخسيس، وكل يستخدمه حسب هواه؛ فمنهم من يستخدمه استخداماً شخصياً، ومنهم من يلهو بعرض النساء فى جلسات السمر مع الأصدقاء، ومنهم من يستغله في التجارة الخسيسة عبر الإنترنت ونوادي الفيديو المشبوهة.
وواقعة أخرى نشرتها الصحف المصرية حول أحد الشباب، كان في جلسة سمر ولهو يعرض فيها أحد أصدقائه صوراً لنساء عاريات في أثناء قياس بعض الملابس، وصدم هذا الشاب بأن شقيقته واحدة من اللاتي يعرضن أمامه للهو والتسلية، فأصيب بهستيريا وقام بتكسير الجهاز واعتدى على أصدقائه.
والجدير بالذكر أن كاميرات المراقبة مصرح بها من قبل الأجهزة الأمنية فى بعض الدول العربية وهي منتشرة في داخل المنشآت والمؤسسات الحكومية، والمتاحف والمعارض، وفي المحال التجارية والأماكن شديدة الخصوصية مثل صالات (الجمانيزيوم) و(الساونا) التى يتعرض بعض روادها لانتهاك حرمتهم.. وهناك كاميرات تنقل الصورة فقط، وأخرى بالصوت والصورة، فقد ساهمت التكنولوجيا المتقدمة في تطوير أنواعها على أحدث مستوى، ولكن للأسف يلجأ بعضهم إلى الاستخدام السيئ لهذه التكنولوجيا المتطورة بمراقبة النساء في غرف خلع الملابس في المحال التجارية، وفي دورات المياه بالمطاعم وصالات الرياضة والتجميل وغيرها من الأماكن التي لا يتصور روادها أنهم يتعرضون فيها للتصوير سراً في أوضاع عارية، والدليل على ذلك أن بعض المواقع على شبكة الإنترنت تعرض صور النساء في غرف خلع الملابس ودورات المياه، بالإضافة إلى شرائط مخلة يتضح أن أصحابها من النساء لا يعرفن أنهن وقعن في هذا الفخ القذر.
جريمة يعاقب عليها القانون
يؤكد الأستاذ نبيل عبد العظيم المحامي المصري المعروف أن التقاط صور الفتيات والنساء ونشرها وهن بزي غير كامل وبغير رضاهن ونتيجة للتلصص والتجسس عليهن، يُعدّ جريمة يعاقب عليها القانون، ويرجع للقاضي إصدار الحكم الذي يتناسب مع ظروف كل قضية، وإذا لم يكن ذلك موجوداً في قوانين العقوبات فيجب استدراكه؛ إذ إن الأمر يتعلق بأمر مستحدث ليس له سابقة.
ويؤكد نبيل عبد العظيم المحامي أن هناك قضايا عديدة وصلت إلى مكاتب المحامين، وحتى إلى قاعات المحاكم نتيجة هذه التجاوزات، وهناك أسر تصدعت من وراء هذا الفعل الفاضح، وهناك كوارث اجتماعية، وسوف تزداد هذه المشكلات مستقبلاً.
ويضيف نبيل عبد العظيم أن القانون يعاقب على جريمة التشهير بالأشخاص بالسجن حتى ثلاث سنوات في حالة ثبوت حادثة التشهير على المتهم، موضحاً أن تصوير الأشخاص بدون علمهم وبث هذه الصور بهدف التشهير سواء على الإنترنت أو على الجوال يندرج تحت بند التشهير، ويعاقب مرتكبه بنفس العقوبة، ولذلك فنحن نطالب بضرورة إعطاء تصريح لاستخدام الجوال الملحق بكاميرا للأشخاص الذين يرغبون في اقتنائه للرجوع إليهم في حالة سوء الاستخدام.
تلاعب خطير
يقول خبير الإلكترونيات المهندس إبراهيم فتح الباب: إذا وقعت صورة فوتوغرافية في يد خبير جرافيكس سيجعل منها شيئاً آخر تماماً، ويغير واقعها كلياً. والأمر ليس قاصراً على تصوير فتيات في جلسات نسائية، ولكن من الممكن إذا وقعت صورة أي فتاة أو حتى رجل في يد خبير تصوير فهو قادر على عمل مونتاج للصورة بقص الوجه وتركيبه على جسد آخر قد يكون عارياً، أو في وضع غير حقيقي، ولا يستطيع اكتشافه إلا المحترفون.
إن التكنولوجيا وصلت لحد لا يستطيع أحد ضبطها، فهناك ساعات وولاعات سجائر أصغر في حجمها من الجوالات، تحتوي على كاميرات تصوير؛ ولذلك فالحل ليس في منع دخول الجهاز؛ لأن الخطأ في الاستخدام وليس في الجهاز، ولا يعقل أن نتجنب استخدام كل تطور تقني بدعوى أن له مضارّ؛ فالإنترنت لها مضار مثل المواقع الإباحية، ولكن لا يستطيع مجتمع متطور أن يعيش بدون إنترنت.
وقد بات بالإمكان إعادة إظهار الصور التي يتم محوها من الذاكرة في حال بيع الهاتف أو تركه للتصليح. نحن إذن أمام مشكلة كبيرة لن يكون حلها بمنع أجهزة الهواتف المزودة بالكاميرا؛ لأن التقنيات تتقدم يوماً بعد آخر، وقد تظهر أجهزة أخرى عبارة عن أقلام أو نظارات أو غيرها فالمهم أن نسعى لتحصين أولادنا قبل أن يزجوا بأنفسهم إلى الهاوية في لحظة استهتار يعدّونها مجرد تهوّر أو طيش شباب.
أما آخر تقنية تكنولوجية حديثة يستخدمها العابثون فى أجهزة الجوال فهي خاصية "البلوتوث" التى تظهر رقم أقرب جوال قريب منك أثناء تشغيله آلياً، وعادة يستخدمها الشاب عندما يقترب من فتاة ليعرف رقمها ليعاكسها بعد ذلك برسائل الجوال اللاهية المعروفة.
انعدام الخصوصية..سمة العصر
الدكتور سمير الصفتي الأستاذ بكلية الهندسة يقول: إن انعدام الخصوصية أصبح سمة هذا العصر.. الكل معرّض لأن تكون حرماته وعلاقاته وأعماله وقصة حياته كاملة مادة خصبة على شاشات الكمبيوتر وشبكات الإنترنت بكل سهولة ويسر.
ولهذا تحاول دول العالم المتقدم سن القوانين التى تساعد الأفراد على التمتع بقدر -ولو قليل- من الخصوصية فى ظل التطور التكنولوجي المحموم، فقد حاولت كل من الولايات المتحدة وبريطانيا الموازنة بين القوانين التي تحترم حريات المواطنين وتلك التي تسمح بالتحري والتنقيب عن كل صغيرة وكبيرة فى إطار فكرة الأمن القومي، خاصة بعد أحداث 11 سبتمبر 2001.. وعلى الرغم من ذلك فإن هذا القوانين وحدها لم تكفِ؛ فشركات الاتصالات مثلاً يمكنها أو يمكن للعامل فيها اختراق خصوصية أى فرد من خلال حل المكالمات التليفونية، ويمكن الكشف عن هوية المتكلم ورقم هاتفه ووقت المكالمة ومدتها، كما يمكن رصد مكالمات التليفون المحمول من خلال محطات الاستقبال والإرسال وتُخترق رسائل البريد الإلكتروني من خلال الشركات التي تقدم هذه الخدمة، فيمكنها معرفة أدق تفاصيل حياتك الشخصية عن طريق رسائلك.
وينبه د. سمير الصفتي إلى أن هناك تقنية حديثة يُساء استخدامها أسوأ استخدام، وعلى رغم ذلك مازالت موجودة ولا غنى عنها، وخطورة أمرها أن السيدات والبنات لا يلتفتن إليها ولا يعرنها أي اهتمام، وهي كاميرات المراقبة في محال الملابس النسائية، والتي يستخدمها بعض معدومي الضمير في غرف قياس الملابس، وفيها تتعرى المرأة بطبيعة الحال لتقيس الملابس التي تريد شراءها، وهنا تهتك الكاميرا سترها وترسل الصورة إلى معدوم ضمير آخر في إحدى الغرف ليستخدمها أسوأ استخدام، أو على الأقل يهتك حرمة الفاضلات، ويعرض أجسادهن في أفلام خاصة على أصدقائه.
القضية تربوية في الأساس
يرى د. جمال سرور أستاذ علم الاجتماع أن التكنولوجيا سلاح ذو حدين، وفي ظل هذا الثورة الرقمية التي نعيشها الآن لن يستطيع أحد أن يمنع اختراق التكنولوجيا لكافة مناحي الحياة، وبفرض منع تداول هذا الجوال ذي الكاميرا فإن ذلك لن يؤدي لمنع التصوير؛ لأن الذي يريد التصوير قد يستخدم الكاميرا المدمجة في الساعات الصغيرة؛ فالمنع ليس هو الحل، كما أن الإنترنت مليئة بإعلانات كاميرات المراقبة الصغيرة واللاسلكية.
إن الموضوع يتعلق بالدرجة الأولى بالتربية والأسرة، لعدم تطبيقنا أخلاق ديننا الإسلامي، الذي نهانا عن تتبع العورات، والتجسس على الناس في أدق خصوصيّاتهم، لدرجة أنه أجاز فقأ عين من يتجسس على قوم بغير رضاهم.
مضيفاً أن ظهور هذه الجريمة يعود إلى ضعف الوازع الديني وضعف التربية، وهي دليل على التفكك الأسري الذي بدأ يصيب مجتمعاتنا؛ إذ يُلاحظ انشغال الأم والأب عن الأبناء وإيكال تربيتهم إلى الخادمات والمربيات.
إن ما يقوم به هؤلاء ضعاف النفوس من سلوك غير آدمي سواء في حفلات الزواج حيث يتم تصوير الفاضلات و إرسال صورهن إلى ذويهن أو العامة بقصد التشهير.
واختلاق المشاكل لهن أو في الأماكن العامة التي تتوافد إليها النساء و تصويرهن سراً لاستغلال هذه الصور بضغوطات أو مساومات دنيئة، لا يدل إلا على نوعية من قام بالتصوير ومن روّج الصور الفاضحة لأبرياء لا يعلمون ماذا كان يخفي لهم نفر من المنحرفين نفسياً وأخلاقياً واجتماعياً.
إحباط وانبهار
يعتبر د. محمود إمام أستاذ التربية انتشار هذه الظاهرة بين أوساط الشباب شكلاً من أشكال الغزو الثقافي الغرض منه التغلغل في داخل الفكر العربي والإسلامي والعمل على تحقيق التبعية بحيث يرى الشباب المسلم أن النهج الغربي هو النهج الصحيح ونسير في تيارهم الذي يريدونه؛ فهم يسعون لأن نظل أتباعاً لهم في كل شيء.. ونحن مجتمع لنا خصوصيتنا وعاداتنا وتقاليدنا وكل مجتمع على الأرض له خصوصيته وعاداته ومبادئه وأخلاقياته وأعرافه، والغرب يسعى لخلخلة هذه القيم وزحزحة الاعتقادات من خلال هذه الوسائل وغيرها في تحقيقها.
ويعتبر د. محمود إمام المسألة تربوية في المقام الأول، ويجب أن يكون شغلنا الشاغل: كيف ننشئ أجيالاً صالحة؟ والإجابة في غاية البساطة، فكل مجتمع يملك تربية وتعليماً وإعلاماً.. وهذه الوسائل يجب أن تُسخر لإيجاد أجيال صالحة، آمرة بالمعروف ناهية عن المنكر.. تحل الحلال وتحرم الخبائث، والأمر – في رأيه-يتطلب وضع خطة عاجلة لعلاج هذه المساوئ، فنحن في حاجة إلى ثورة شاملة في حياتنا تقوم على كيفية إعادة تخطيط حياتنا في ظل هذه المعطيات المتلاحقة.
الإسلام صان حرمة الحياة الخاصة
يقول الداعية الإسلامي المعروف الشيخ جمال قطب الرئيس السابق للجنة الفتوى بالأزهر إن الشريعة الإسلامية حرصت على حرمات الأشخاص وخصوصياتهم من أن تُنتهك بأي صورة، وتصدّت لهذا الانتهاك الخطير لحرمات الأفراد وخصوصياتهم، كما جاء النهي صريحاً من الله سبحانه وتعالى عن التجسس والذي من شأنه تتبع العورات وانتهاك حرمات الأفراد والتعدي على أسرارهم وكرامتهم فيقول الله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا اجتنبوا كثيراً من الظن إن بعض الظن إثم ولا تجسسوا ولا يغتب بعضكم بعضاً..).
وجاءت السنة النبوية المطهرة، وأكدت الحرص على صيانة حرمة الحياة الخاصة للفرد فقال صلى الله عليه وسلم: "إياكم والظن فإن الظن أكذب الحديث ولا تحسسوا ولا تجسسوا ولا تناجشوا ولا تباغضوا ولا تدابروا وكونوا عباد الله إخوانا".
ويتوعد النبي – صلى الله عليه وسلم – أولئك الذين يتتبعون عورات الناس ويبحثون عن معايبهم فيقول صلى الله عليه وسلم: "يا معشر من آمن بلسانه ولم يدخل الإيمان قلبه، لا تغتابوا المسلمين ولا تتبعوا عوراتهم فإنه من اتبع عوراتهم يتبع الله عورته، ومن يتبع الله عورته يفضحه في بيته".
كما قال صلى الله عليه وسلم: " لو أن امرأ اطلع عليك بغير إذن فحذفته بحصاة ففقأت عينه لم يكن عليك جناح" .
ويتوعد - صلى الله عليه وسلم – من يتجسس عن طريق استراق السمع فحسب بالوعيد الشديد فيقول صلى الله عليه وسلم: "من استمع إلى حديث قوم وهم له كارهون صب في أذنيه الآنك يوم القيامة".
إن المرأة وبالرغم من أن لها أن تتخفف في الحفلات النسائية لكن إذا وجد احتمال لنشر صورها بأي وسيلة خاصة في ظل وجود هذه الأجهزة الخفية التي تكشف كل الأسرار، ففي هذه الحالة يصبح التخفف من الملابس حراماً.
وإذا كنا نحارب المتلصصين فإننا نطالب المرأة ألاّ تمنح الفرصة لأحد؛ فليس معنى تواجد المرأة في مجتمع نسائي أن تظهر بملابس تحطّم كل ساتر، فالله لن يفضح إلا من فضح نفسه لكي يتحقق قول القائل: لا حياة لمن لا حياء له
ـــــــــــــــــــ(100/67)
فقر المشاعر في الحياة الزوجيّة (1 / 3)
محمد بن إبراهيم الحمد 18/5/1426
25/06/2005
من البيوت ما يخيّم عليها الصّمت المطبق، ويسودها السكون الموحش؛ فلا تأنس الزوجة فيها بحديث زوجها، ولا هو يأنس بحديثها، ولا يسمع أحدهما من الآخر كلمة حبّ أوعطف أو حنان.
ومن الأزواج من يكثر لوم زوجته، وانتقادها في كل صغيرة وكبيرة ؛ فتراه ينتقد الطعام الذي تعدّه الزوجة، ويعاقبها إذا بكى أولاده الصغار، أو كثر عبثهم، وتراه يبالغ في تأنيبها إذا نسيت أو قصّرت في أي شأن من شؤونه.
وأقبح ما في ذلك أن يعنّفها فيما لا قدرة لها عليه، كأن يلومها إذا كانت لا تُنجب، أو لا تُنجب إلا بنين وحسب، أو بنات وحسب. ويلومها إذا أنجبت ولداً مصاباً ببعض العيوب الخلقية؛ فيجمع بذلك بين ألمها في نفسها وبين إساءته البالغة بقوارصه التي تقضّ مضجعها، وتؤرق جفنها.
وما هذا بمسلك العقلاء؛ ذلك أن كثرة اللوم لا تصدر من ذي خلق كريم، أو طبع سليم، ثم إن ذلك يورث النفرة، ويوجب الرهبة.
َدَعِ العتابَ فربَّ شرْ ... ...
ر هاج أوّله العتاب
فالزوج العاقل الكريم لا يعاتب زوجته عند أدنى هفوة، ولا يؤاخذها بأول زلة.
بل يلتمس لها المعاذير، ويحملها على أحسن المحامل.
وإن كان هناك ما يستوجب العتاب عاتبها عتاباً ليّناً رقيقاً تدرك به خطأها دون أن يهدر كرامتها، أو ينسى جميلها.
ثم ما أحسن أن يتغاضى المرء ويتغافل؛ فذلك من دلائل سموّ النفس وشفافيّتها وأريحيّتها، كما أنه مما يُعلي المنزلة، ويريح من الغضب وآثاره المدمّرة.
وإن أتت المرأة ما يوجب العتاب فلا يحسن بالزوج أن يكرّر العتاب، وينكأ الجراح مرة بعد مرة؛ لأن ذلك يفضي إلى البغضة، وقد لا يبقي للمودة عيناً ولا أثراً.
ومما يعين الزوج على سلوك طريق الاعتدال في عتاب الزوجة أن يوطّن نفسه على أنه لن يجد من زوجته كل ما يريد، كما أنها لن تجد فيه كل ما تريد؛ فلا يحسن به - والحالة هذه - أن يُعاتِب في كل الأمور، وأن يتعقّب كل صغيرة وكبيرة؛ فأيّ الرجال المهذب؟ ومن ذا الذي تُرضى سجاياه كلها؟
ثم إن الإنسان لا يستطيع أن يتخلص من كثير من عيوبه؛ فعلامَ نُحمِّل الآخرين فوق ما يطيقون، ونحن عن تلافي كثير من عيوبنا عاجزون؟
ولا يعني ما مضى أن يتساهل الزوج في تقصير الزوجة في الأمور المهمة من نحو القيام بالواجبات الدينية، أو رعاية الآداب المرعية، أو التزام ما تقضي به الصيانة والعفة؛ فهذه أمور يجب أن تُوضع على رأس الأشياء التي لا يُقبل التنازل عنها بحال.
قال النبي - عليه الصلاة والسلام -: "استوصوا بالنساء؛ فإن المرأة خُلقت من ضِلَع، وإن أعوج ما في الضلع أعلاه"(1).
فالحديث الشريف يعلّم الرجل كيف يسلك في سياسة الزوجة طريق الرفق والأناة؛ فلا يشتدّ ويبالغ في ردّها عن بعض آرائها التي بها عِوَج؛ فإن ذلك قد يفضي إلى الفراق.
كما أنه لا يتركها وشأنها، فإن الإغضاء عن العوج مدعاة لاستمراره أو تزايده.
والعوج المستمر أو المتزايد قد يكون شؤماً على المعاشرة، فتصير إلى عاقبة مكروهة.
وبعد ذلك فقد يقع من الزوج شدة في العتاب، أو إسراف في اللوم؛ فيحسن به إذا وقع منه ذلك أن يبادر إلى الاعتذار، أو الهديّة، وإظهار الأسف، والاعتراف بالخطأ دون أن تأخذه العزة بالإثم؛ فما هو إلا بشر، وما كان لبشر أن يدّعي أنه لم يقلْ إلا صواباً.
فإذا أخذ الزوج بهذه الطريقة قلَّ عتابه، وأراح نفسه، وسما بخُلُقِه، وحافظ على مَشاعِر مُعاشِره.
قال ابن حبان -رحمه الله-: "من لم يعاشرِ الناس على لزوم الإغضاء عما يأتون من المكروه، وترك التوقّع لما يأتون من المحبوب كان إلى تكدير عيشه أقرب منه إلى صفائه، وإلى أن يدفعه الوقت إلى العداوة والبغضاء أقرب منه أن ينال منهم الوداد وترك الشحناء".
[1] رواه البخاري (3331)، ومسلم (1468).
فقر المشاعر في الحياة الزوجيّة (2 / 3)
محمد بن إبراهيم الحمد 18/5/1426
25/06/2005
وكما أن من الأزواج من يكثر انتقاد الزوجة ولومها إذا هي أخطأت أي خطأ - فكذلك تجد من هؤلاء من لا يشكر زوجته إذا هي أحسنت، ولا يشجّعها إذا قامت بالعمل كما ينبغي؛ فقد تقوم الزوجة بإعداد الطعام الذي يَلَذُّ للزوج، وقد ترفع رأسه إذا قدم عليه ضيوف، وقد تقوم على رعاية الأولاد خير قيام، وقد تظهر أمامه بأبهى حلّة، وأجمل منظر، وقد، وقد، وقد...
ومع ذلك لا تكاد تظفر منه بكلمة شكر، أو ابتسامة رضًا، أو نظرة عطف وحنان، فضلاً عن الهدية والإكرام.
ولا ريب أن ذلك ضرب من ضروب الكزازة والغلظة، ونوع من أنواع اللؤم والبخل.
وقد يلتمس الزوج لنفسه العذر بأنه يخشى من تعالي الزوجة وغرورها إذا هو شكرها أو أثنى عليها.
وهذا الكلام ليس صحيحاً على إطلاقه؛ فيا أيها الزوج المفضال، لا تبخل بما فيه سعادتك وسعادة زوجتك، ولا تهمل اللفتات اليسيرة من هذا القبيل؛ فإن لها شأناً جللاً، وتأثيراً بالغاً.
فماذا يضيرك إذا أثنيت على زوجتك بتجمّلها، وحسن تدبيرها؟ وماذا ستخسر إذا شكرتها على وجبة أعَدَّتها للضيوف؟ أو ذكرت لها امتنانك لرعايتها وخدمتها لبيتك وأولادك - وإن كان ذلك من اختصاصها، وإن كانت لا تقدمه إلا على سبيل الواجب -؟
لكن ذلك من قبيل الكلمة الطيبة التي تؤكد أسباب المودة والرحمة.
إن الزوجة إذا وجدت ذلك من زوجها ستسعد، وتشعر بالنشاط، والاندفاع والإخلاص لخدمته، والمسارعة إلى مراضيه؛ لما تلقاه منه من حنان وعطف وتقدير.
وإذا أصبح قلبها مترعاً بهذه المعاني عاشت معه آمنة مطمئنة، وعاد ذلك على الزوج بالأنس والمسرّات.
وكما أن كثرة اللوم وقلة الشكر يصدر من بعض الأزواج فكذلك يصدر من بعض الزوجات؛ فمن الزوجات من هي كثيرة التسخّط، قليلة الحمد والشكر، فاقدة لخلق القناعة، غير راضية بما آتاها الله من خير.
فإذا سُئلت عن حالها مع زوجها أبدت السّخط، وأظهرت الأسى واللوعة، وبدأت بعقد المقارنات بين حالها وحال غيرها من الزوجات اللائي يحسن إليهن أزواجهن.
وإذا قدم لها زوجها مالاً سارعت إلى إظهار السخط، وندب الحظ؛ لأنها تراه قليلاً مقارنة بما يقدم لنظيراتها.
وإذا جاءها بهدية احتقرت الهدية، وقابلتها بالكآبة، فَتُدْخِل على نفسها وعلى زوجها الهمّ والغمّ بدل الفرح والسرور؛ بحجة أن فلانة من الناس يأتيها زوجها بهدايا أنفس مما جاء به زوجها.
وإذا أتى بمتاع أو أثاث يتمنى كثير من الناس أن يكون لهم مثله قابلته بفظاظة وشراسة منكرة، وبدأت تُظْهِر ما فيه من العيوب.
وبعضهن يحسن إليها الزوج غاية الإحسان، فإذا حصلت منه زلّة، أو هفوة، أو غضبت عليه غضبة نسيت كلّ ما قدّم لها من إحسان، وتنكّرت لما سلف له من جميل.
وهكذا تعيش في نكد وضيق، ولو رزقت حظَّاً من القناعة لأشرقت عليها شموس السعادة.
ومثل هذه المرأة توشك أن تُسلب منها النعم، فتقرع بعد ذلك سنّ النّدم، وتعض أنامل التفريط، وتقلِّب كَفَّيْها على ما ذهب من نعمها.
إن السعادة الحقة إنما هي بالرضا والقناعة، وإن كثرة الأموال والتمتع بالأمور المحسوسة الظاهرة - لا يدل على السعادة؛ فماذا ينفع الزوجة أن تتلقى من زوجها الحليّ والنفائس والأموال الطائلة إذا هي لم تجد المحبة، والحنان، والرحمة، والمعاملة الحسنة؟
وماذا ستجني من جراء تسخّطها إلا إسخاط ربها، وخراب بيتها، وتكدير عيشة زوجها؟
فواجب على المرأة العاقلة أن تتجنب التسخّط، وجدير بها أن تكون كثيرة الشكر؛ فإذا سُئلت عن بيتها وزوجها وحالها أثنت على ربها، وتذكرت نعمه، ورضيت قسمته؛ فالقناعة كنز الغنى، والشكر قيد النعم الموجودة، وصيد النعم المفقودة؛ فإذا لزم الإنسان الشكر درّت نعمه وقَرَّت؛ فمتى لم ترَ حالك في مزيد فاستقبل الشكر.
كيف وقد قال ربنا - عز وجل -: (وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ) [إبراهيم: 7].
بل يحسن بالزوجة أن تشكر ربها إذا نزل بها ما تكرهه؛ شكراً لله على ما قدّره، وكظماً للغيظ، وستراً للشكوى، ورعاية للأدب.
ثم إن الشكوى للناس لا تجدي نفعاً، ولا تطفئ لوعة - في الغالب -.
ولهذا رأى بعض السلف رجلاً يشكو إلى رجل فاقته وضرورته فقال:
"يا هذا، والله ما زدت على أن شكوت من يرحمك إلى من لا يرحمك".
وإذا عرتك بليّة فاصبر لها ... ...
صبر الكريم فإنه بك أعلم
وإذا شكوت إلى ابن آدم إنما ... ...
تشكو الرحيم إلى الذي لا يرحم
وإن كان هناك من حاجة لبثّ الشكوى لمن يعنيهم الأمر؛ طلباً للنصيحة، أو نحو ذلك - فلا بأس، وإلا فلماذا نثير انتباه الذين لا يعنيهم أمرنا، ولا ننتظر منهم أي فائدة لنا، فنفضح أنفسنا، ونهتك أستارنا، ونُبين عن ضعفنا وخورنا في سبيل الحصول على شفقة أو عطف ليس له من نتيجة سوى ازدياد الحسرة وتفاقم المصيبة.
ثم إن من حق الزوج على زوجته أن تعترف له بنعمته، وأن تشكر له ما يأتي به من طعام، ولباس، وهدية ونحو ذلك مما هو في حدود قدرته، وأن تدعو له بالعوض والإخلاف، وأن تظهر الفرح بما يأتي به؛ فإن ذلك يفرحه، ويبعثه إلى المزيد من الإحسان.
كما يحسن بالزوجة أن تستحضر أن الزوج سببُ الولدِ، والولدُ من أجل النعم، ولو لم يكن من فضل الزوج إلا هذه النعمة لكفاه؛ "فمهما تكن الزوجة شقيّة بزوجها فإن زوجها قد أولدها سعادتها، وهذه وحدها مزيّة ونعمة".
أما كفر النعمة، وجحود الفضل، ونسيان أفضال الزوج - فليس من صفات الزوجة العاقلة المؤمنة؛ فهي بعيدة عمّا لا يرضي الله - عز وجل - فجحودُ فضل الزوج سماه الشارع كفراً، ورتب عليه الوعيد الشديد، وجعله سبباً لدخول النار.
قال - عليه الصلاة والسلام -: "رأيت النار ورأيت أكثر أهلها النساء".
قالوا: لم يا رسول الله؟
قال: "يكفرن العشير، ويكفرن الإحسان؛ لو أحسنت إلى إحداهن الدهر ثم رأت منك شيئاً قالت: ما رأيت منك خيراً قط"(1).
وعن عبدالله بن عمر - رضي الله عنهما - قال: قال رسول الله ": "لا ينظر الله إلى امرأة لا تشكر لزوجها وهي لا تستغني عنه"(2).
وعن أسماء بنة يزيد الأنصارية قالت: "مرَّ بيَ النبي"وأنا وجوارٍ أتراب لي فسلّم علينا، وقال: "إياكنَّ وكفرَ المُنْعمِين"، وكنتُ من أجرئهن على مسألته، فقلت: يا رسول الله، وما كفرُ المنعمين؟
قال: "لعل إحداكنَّ تطول أيْمَتُها من أبويها، ثم يرزقها الله زوجاً، ويرزقها ولداً، فتغضب الغضبة، فتكفر، فتقول: ما رأيت منك خيراً قط"(3).
|1|2|
[1] رواه البخاري (29) ومسلم(907).
[2] رواه النسائي في الكبرى(9135-9136) والبيهقي 7/294، والحاكم 3/78، وقال: "صحيح الإسناد" وقال الهيثمي 2/309: "رواه البزار بإسنادين والطبراني، وأحد إسنادي البزار رجاله رجال الصحيح" وصححه الألباني في الصحيحة (289).
[3] رواه أحمد 6/457، والبخاري في الأدب المفرد(148) والترمذي(2697) وحسنه، والطبراني في الكبير 24/177، والحميدي في مسنده 1/179، وصححه الألباني في صحيح الأدب المفرد (800).
فقر المشاعر في الحياة الزوجيّة3 / 3
محمد بن إبراهيم الحمد 4/6/1426
10/07/2005
ومن الخلل الذي تقع فيه بعض الزوجات في هذا الباب قلة المراعاة لأحوال الزوج ومشاعره؛ فقد تزعجه بالأخبار السيئة، وتكثر الطلبات منه إذا عاد إلى المنزل منهكاً مكدوداً قد بلغ به الإعياء مبلغه.
وقد تكثر من ترداده إلى السوق؛ ليأتي بما يحتاجه المنزل، فإذا رجع إلى المنزل ذكرت حاجة أخرى، فعاد إلى السوق مرة أخرى، وقد يرجع أكثر من ذلك، وقد يتكرّر هذا منها مرات متعدّدة.
وقد يكون الزوج حادّ المزاج، شديد التأثر لأقل الأشياء المخالفة لذوقه؛ فلا تراعي الزوجة فيه هذه الخصلة، فربما تضحك وهو في حالة غضب أو حزن، وقد يوجِّه لها الخطابَ، فَتُعْرِضَ وتشيح بوجهها عنه، وقد يتكلم بكلمة غضب فتجيبه بعشر كلمات.
وقد تتعمد إغضابه، وإثارته، فما هي إلا أن تتحرك العاصفة، وينفجر البركان، ويحصل ما لا تُحمد عقباه.
ومن قلة المراعاة لأحواله ومشاعره قلة المراعاة لوقت نومه، وأكله، وقراءته، ونحو ذلك.
ومن ذلك قلّة العناية بمخاطبته ومحادثته، فلا تناديه بأحب الأسماء إليه، ولا تخفّض صوتها إذا خاطبته، إلى غير ذلك مما ينافي أدب المخاطبة والمحادثة.
ومن ذلك أن تبدأ بتنظيف البيت، أو مكافحة الحشرات بالمبيدات إذا دخل الزوج المنزل، أو همّ بالنوم، أو الأكل، فتزعجه بالجلبة، وتزكم أنفه بالروائح التي لا تروقه.
فمثل هذه الأعمال تقصير في حقّ الزوج، ودليل على حمق المرأة، وخفّة عقلها، وقلّة ذوقها.
فالذي تقتضيه الحكمة أن تراعي الزوجة أحوال زوجها، ومشاعره، وأن تعمل ما في وسعها لإدخال السرور عليه، وإزالة الهمّ والغمّ عن قلبه، فتفرح لفرحه، وتحزن لحزنه؛ حتى يشعر بأنها تتعاون معه؛ إذ يسرها ما يسره، ويحزنها ما يحزنه.
ولا ينبغي لها أن تظهر بمظهر السرور إذا كان محزوناً، كما ينبغي أن تكظم حزنها إذا رأته مسروراً؛ فإنّ ذلك أدعى لدوام الأُلفة، وأدلّ على كرم نفس الزوجة.
ومما ينبغي لها أن تجمع ما يحتاجه المنزل، وتخصّص وقتاً في الأسبوع أو الشهر أو نحو ذلك، فتكتب ما تحتاجه في ورقة؛ كي يأتي به مرة واحدة بدلاً من كثرة ترداده في حاجات يسيرة.
ولا يعني ذلك أن تكون هذه قاعدة مطّردة؛ فقد تقتضي الحال إرساله أكثر من مرة في اليوم، ولكن تحاول قدر المستطاع أن تختصر ذلك.
ومما ينبغي لها في هذا الصدد أن ترعاه في طعامه، فتصنع له ما يشتهيه، وتنوّع له الطعام كيلا يسأم، وتلاحظ الوقت الذي تقدّم له الطعام؛ فلا تؤخّره ولا تقدّمه إلا بإذنه.
كما يحسن بها أن تراعي أوقات نومه، فتحرص على تهدئة الأطفال؛ ليأخذ راحته الكافية؛ فإذا أخذ قسطه من الراحة انشرح صدره، وهدأت أعصابه، وإلا بقي قلقاً مستفَزاً.
ومما يدخل السرور عليه أن تحرص الزوجة على نظافة المنزل، وأن تُعنى بثياب الزوج؛ كي يظهر بالمظهر اللائق.
وإن كان طالب علم، أو صاحب قراءة وبحث فلتحرصْ على العناية بمكتبته، وكتبه ترتيباً، وتنظيماً، وتنظيفاً.
وإذا مرّت به أزمة، أو مشكلة فلتقفْ معه بالدعاء، والرأي، والتثبيت، ونحو ذلك.
وإذا أرادت مخاطبته خاطبته بأسلوب لبِق جذّاب، يشعر من خلاله باحترامها وتوقيرها له.
قال ابن الجوزي -رحمه الله-: "وعن عثمان بن عطاء عن أبيه قال: قالت ابنة سعيد بن المسيب: ما كنا نكلّم أزواجنا إلا كما تكلّمون أمراءكم.
وعنه - أيضاً - قال: قالت امرأة سعيد بن المسيب: ما كنا نكلّم أزواجنا إلا كما تكلّمون أمراءكم: أصلحك الله، عافاك الله".
وبالجملة فلتحرص على كل ما يسرّه، وأن تتجنب كل ما يسوؤه وينوؤه.
وإن حصل منها تقصير في حقه فلتبادر إلى الاعتذار، ولتتلطف في ذلك.
وإذا روعيت هذه المشاعر بين الزوجين, وحرص كل منهما على عشرة الآخر بالمعروف - حلّت الأفراح, وزالت أو قلّت المشكلات, وكان لذلك أبلغ الأثر في صلاح الأسرة, وقوة الأمَّة
ـــــــــــــــــــ(100/68)
جنون التسوّق عند النساء !
ولاء محمد 27/5/1426
04/07/2005
يشتمل الإسلام على منظومة من القيم التوازنية تحقق للفرد والأسرة والمجتمع ـ وهم بنية متكاملة متصلة ومتفاعلة ـ تماساً مع الفطرة التي فطر الله الناس عليها، ومن ثم لا تغلّب مطلباً على آخر، ولا تطلق العنان لجموح رغبة لتتآكل معها بقية الرغبات، فيقع الخلل مخلفاً شروخاً في الجدر النفسية للفرد والأسرة والمجتمع، وتتجلّى "منهجيّة التوازن" هذه في العملية المصرفيّة، أي عملية "إنفاق" المال، بشكل عام، وخصوصاً، في العملية "الشرائيّة"، ولأن المرأة هي المنوطة ـ في الأغلب ـ بالتعامل مع الأسواق لشراء حاجيات البيت فإنها قد تكون أكثر اطلاعاً ومتابعة لما تضخّه الأسواق، وما تسوّقه الشركات من منتجاتها في زمن "السوق" والاستهلاك الذي هو أحد إفرازات العولمة؛ وقد صارت بلاد المسلمين عموماً، والعرب خصوصاً، سوقاً استهلاكياً كبيراً يفتح الشهية للّهث وراء كل جديد، وكانت "المرأة" هي ضحية هذا الفخ الاستهلاكي، الذي أصاب كثيراً من الأسر، فاتصفت المرأة بالمستهلكة، وتلاشى من حياة الكثيرات وصف "المدبِّرة" .
فلماذا هذا " الهوس الاستهلاكي" ؟ وما هي الأسباب التي أوجدته؟ وما آثاره على البناء الأسري؟ ولماذا "المرأة" بالتحديد دون الرجل هي الأكثر عرضة لهذا المرض؟
أسئلة كثيرة تبحث عن إجابة وقد حاولنا الإجابة عنها من خلال هذا التحقيق:
في البداية التقينا السيدة "مرفت كامل" " ربة منزل"، فأشارت إلى أن متعتها الحقيقية تكتمل حينما تتمكن من اقتناء الجديد في عالم الأسواق، خاصة ما يتعلق بالأدوات المنزلية والإكسسوارات وأدوات التجميل.
ولكنها تؤكد أن هذه المتعة وقتية سرعان ما تزول بظهور منتج لم يكن في حوزتها، أو لم يكن في استطاعتها شراؤه وتكون أكثر توتراً إذا أشبعت رغبتها الملحة في شرائه أو شراء منتج أفضل منه حتى ولو اضطرت إلى الاستدانة.
أما السيدة "كريمة حامد" زوجة وأم لثلاثة أولاد فبالرغم من أنها تدرك تماماً مدى خطورة هذا الهوس الاستهلاكي على الحياة الزوجية، والحالة الاقتصادية للأسرة إلا أنها لا تستطيع أن تقلع عن هذا السلوك؛ فقد أدمنت شراء التحف والمفروشات الأثرية، وكلما وقعت عيناها على تحفة جديدة أو سجادة من طراز خاص لا تستطيع أن تتحكم في سلوكها وتبادر على الفور باقتنائها. حتى ولو كانت بأغلى الأثمان، وتؤكد أنها حاولت كثيراً الإقلاع عن هذا السلوك؛ نظراً لأن ذلك يسبب لها كثيراً من المشاكل في محيط الأسرة، ولكن كل محاولاتها باءت بالفشل.
ضروري .. ضروري
في حين ترى السيدة "منى عرفات" تعمل في إحدى شركات الملابس" أن كل ما هو موجود بالأسواق الآن أصبح من ضروريات الحياة، ولا يمكن الاستغناء عنه خاصة للمرأة العاملة .. لذلك فهي حريصة على مشاهدة الإعلانات لمتابعة الجديد من المنتجات، ثم تبادر إلى الاتصال حتى تكون أول الحاصلين عليه.
كما أوضحت أنها تشعر بمتعة شديدة عندما تتسوق عبر شاشات التليفزيون، وتصف ذلك بأنه طفرة هائلة في مجال التسوق.
ولم يعد الأمر قاصراً على السيدات فحسب بل يشمل أيضاً الفتيات؛ إذ تقول "رندا عبد الكريم" -الفرقة الثالثة كلية التجارة-: إن الموضة الجديدة هي أهم نقاط ضعفها في الحياة. حيث تستثير رغبتها في الشراء وتفتح شهيتها للشراء .. حتى وإن كانت لا تحتاج إلى ما تشتريه، وإنما تطلعاً في أن تكون أكثر زميلاتها تألقاً وأناقة هو الذي يدفعها إلى ذلك. وتشير إلى أن الوسط الجامعي نمّى بداخلها هذا السلوك؛ إذ لا حديث للفتيات داخل الجامعة إلا عن الموضة الجديدة في عالم الأزياء والإكسسوارات.
الاستهلاك..طريق الهلاك
هذا ما قاله عادل عبد الرشيد "محاسب "، ويؤكد أن زوجته كانت تستمتع بالشراء من أجل الشراء حتى وإن كانت ما تشتريه لا فائدة منه، كما كانت تميل إلى الاستعراض على الآخرين بما تمتلكه. ومعظم حديثها لا يخرج عما تريد أن تشتريه، وما يمتلكه الآخرون وينقصها.
ويشير إلى أنه بمرور الوقت لم يعد يحتمل تصرفاتها؛ إذ كانت تتبع معه سياسة "الأمر الواقع"، وهي أن تفاجئه بشراء الأشياء، ويضطر هو إلى تسديد أثمانها، وبالرغم من كل هذا فقد حاول معها كثيراً تقويم سلوكها حتى تستمر الحياة من أجل الأبناء.
إلا أنها كانت في كل محاولة تتهمه بالبخل وتقارنه بالآخرين، ومن ثم استحالت الحياة بينهما، ولم يجد أمامه سوى "الطلاق".
الاستهلاك الشعوري .. واللاشعوري
وفي هذا الإطار يؤكد د.علي ليلة (أستاذ علم الاجتماع جامعة عين شمس) أن الهوس الاستهلاكي مشكلة كبيرة تحتاج إلى دراسة متعمقة نظراً لخطورتها الاجتماعية والاقتصادية، ويرى أن أسباب تفاقم هذه المشكلة وانتشارها في الوطن العربي هو الثقافة الاستهلاكية السائدة. والتي تتمثل في الإعلانات المختلفة عبر وسائل الإعلام المتعددة، والتي يكون أول المستهدفين منها هو "المرأة والشباب" نظرا لتغلب الجانب العاطفي لديهم، وبالتالي يكون من السهل إثارة شهوتهم في الشراء.
كما أن الانقسام الطبقي أيضاً له دور كبير في ذلك؛ إذ نجد أن المرأة التي تنتمي إلى الطبقة المتوسطة أو فوق المتوسطة غالباً ما تكون أكثر تطلعاً إلى الانتماء إلى الطبقة الثرية، ومن ثم تعتقد خطأً أن الإسراف هو رمز من رموز المكانة الاجتماعية، وبالتالي نجدها تبالغ في الأشياء التي تقتنيها، وتحرص على إبرازها للآخرين؛ لأنها تريد من وراء ذلك اعتراف اجتماعي بأنها من طبقة الأثرياء، وقد تفعل ذلك بصورة شعورية، وتكون في هذا من الذين يطلقون عليهم "محدثي النعمة".
وقد تفعله بطريقة لا شعورية، وهو ما يمثل حالة مرضية تتمثل في الإحساس بالنقص يدفعها للتعويض، ويؤكد د.علي أن هذه المرأة لا تُؤتمن أن تكون أماً؛ لأنها افتقدت لأهم صفات الأمومة، وهي العطاء والتحمل من أجل الآخرين، كما أنها -من الطبيعي- سوف تغرس في داخلهم هذا السلوك.
ومن ثم يطالب د.علي بضرورة أن تتيقظ هذه النوعية من النساء لخطورة هذا السلوك؛ لأن من شأنه تدمير الحياة الزوجية وإفسادها.
ويجب أن يكون للزوج دور إيجابي، وهو ألا يكون عنيفاً معها دائماً أو محابياً لها دائماً. أي يشجعها على هذا السلوك نظراً لثرائه بل يجب أن يكون ناصحاً لها، وآخذاً بيدها للخلاص من هذا المرض، وهذا يتأتى من خلال إدراكه لمدى خطورة هذا السلوك ومدى حرمته الدينية.
إحساس بالنقص
كما تؤكد د.أمينة كاظم أستاذ علم النفس بجامعة عين شمس أن انشغال المرأة بالشراء من أجل الشراء؛ إذ تجد متعة في الإنفاق والإسراف "يمثل حالة مرضية، ولكن قد يكون نوعاً من التعويض نظراً لإحساسها بالنقص نتيجة ظروف معينة تعرّضت لها في طفولتها، وامتدت معها بعد ذلك. وتكون أهم مظاهر التعويض هي الميول الاستعراضية والنزعة إلى التفاخر والمظهرية، وقد يكون رغبة مرضية تتمثل في حبّ الامتلاك وهي أيضاً جذورها تبدأ من الطفولة؛ إذ تنزع إلى الرغبة في الاستحواذ على كل شيء حتى وإن لم يكن ذا جدوى لها.
أما المبالغة في شراء الضروريات فلا يمثل حالة مرضية، ولكنه ليس معنى ذلك أنه سلوك مقبول اجتماعياً ودينياً.
"روشتة" إسلامية
وتشير د.أمنية أن الحالة المرضية المتمثلة في الهوس الاستهلاكي بالإمكان علاجها، ولكن هذا الأمر يتطلب اعترافاً من المرأة بخطورة هذا السلوك حتى تتولد لديها الرغبة في الخلاص منه.
ومن ثم يكون السبيل الأمثل للعلاج هو العودة إلى منهج الوسطية الذي أرساه لنا الإسلام حتى تُدرك حكمة الله -عز وجل- في تحريم الإسراف، ويجب أن يكون الزوج عوناً لها؛ لأنه مسؤول عنها إذا ضلّت الطريق ولم يرشدها.
هذا ويضيف د.مختار المهدي الأستاذ بجامعة الأزهر والأمين العام للجمعية الشرعية- أن الإسلام حرّم الإسراف تحريماً تاماً، وحدّد السبل التي يكون من أجلها الإنفاق؛ لأن المال نعمة من الله، والإنسان مستخلف فيما أنعم الله عليه، وذلك لقوله تعالى: (وأنفقوا مما جعلكم مستخلفين فيه).
وبالتالي فإن الإنفاق يكون في الضروريات من مأكل وملبس ومشرب، وما شابه ذلك أما الإسراف في الكماليات فهو مكروه كراهة تامة.
ومن ثم فإن المرأة التي تخرج متعمدة عن هذه الضوابط تكون قد ارتكبت إثماً عظيماً، كما أن حبها لامتلاك الأشياء من أهم مظاهر حب الدنيا، وحب الدنيا هو رأس كل خطيئة، ومن ثم سوف تبوء بغضب الله وسخطه.
ومن هنا يحذر د.المهدي من خطورة استسلام المرأة المسلمة لهذا المرض؛ لأنه قادر أن يهلكها فسوف تكون من أصحاب النفوس التي لا تشبع، وهذا النوع من البشر لا يرضى بدنياه مهما قدّمت له، كما أنه أيضاً في الآخرة من الخاسرين.
ومن ثم فلا بد أن تقاومه بكل ما أوتيت من وقوة، وعليها الرجوع إلى تعليمات المولى -عز وجل- والذي نهى عن الإسراف في مواضع كثيرة من القرآن فقد تكرر قوله: ( إن الله لا يحب المسرفين) في أكثر من موضع، وكما قرن بين المبذرين وبين الشياطين في قوله: (إن المبذرين كانوا إخوان الشياطين).
ويجب أن تدرك أن الزوجة الصالحة هي التي تقف بجوار زوجها في عثراته، وليست التي ترهقه، بمتطلباتها، وهي أيضاً التي تخلص زوجها من تبعات الدنيا وأعبائها وتعينه عليها، وليست التي تثقل كاهله وتعين الدنيا عليه!!
ـــــــــــــــــــ(100/69)
النميمة .. حينما تتفشى كالميكروب؟
رباب الحسيني 23/5/1426
30/06/2005
النميمة مرض أخلاقيّ له آثاره الخطيرة؛ إن هي تُركت بلا علاج استشرت وأخذت في تدمير العلاقات الاجتماعية بين الناس؛ فضلاً عن أنها تنم عن شكل ذميم من أشكال الضعف النفسي، والنفاق الاجتماعي الذي يقلب موازين الأخلاق بين المسلمين، ويضفي على المجتمع ظلالاً كئيبة تقلّص روح السلام والوئام والحب والتآخي، والتي أقام الإسلام بنيانها على تقوى من الله ورضوان، فإذا تسرّبت آفة "النميمة" نخرت في هذا الأساس حتى تصل قيم التواصل والتراحم بين الناس إلى درجة الانهيار.
فهل أصبحت النميمة مرض العصر الذي يستعصي على العلاج؟ وهل تحوّلت إلى ظاهرة تتفشى في المجتمعات ليس بين النساء فقط بل انتقلت العدوى إلى الرجال أيضاً؟
وما هي النميمة؟ وما حكمها؟ وما أثرها؟ وكيف يمكن التخلص منها؟ كلها أمور يجب علينا معرفتها والعلم بها؛ ففي صحيح البخاري باب بعنوان "باب العلم قبل القول والعمل" .
تعريفها: هي نقل الكلام بين طرفين بغرض الإفساد.
حكم النميمة: فهي محرمة بإجماع المسلمين، وقد تظاهرت على تحريمها الأدلة الصريحة من الكتاب والسنة وإجماع الأمة، وهي كبيرة من كبائر الذنوب.
فإذا رأى الإنسان من نفسه إيذاء لأخيه المسلم أو أخته المسلمة بالغيبة أو بالسبّ أو بالكذب أو غير هذا، فليعرف أن في إيمانه نقصاً و في أخلاقه ضعفاً، وأن قلبه قد داخله مرض.
آثارها: التَّفرقة بين الناس، قلق القلب، عارٌ للناقل والسامع، حاملة على التجسُّس لمعرفة أخبار الناس، حاملة على القتل، وعلى قَطْع أرْزَاق النَّاس.
وبالرغم من أن التكفير عن ذنبها ليس بالأمر السهل إلا أنه لا رادع لوقفها؛ فقد اختلفت العلماء في توبة الغيّاب والقاذف في حق الآخرين؛ فاشترط بعضهم لكي تصبح توبته أن يعلم صاحب الحق بما ارتكبه في حقه ويطلب صفحه عنه، وقال بعضهم: إنه يجب عليه أن يعلمه بكل ما قذف به في حقه ويطلب عفوه، وقال آخرون: بل يخبره بغير تعيين لما قاله ضده أو تفصيل كأن يقول له: سامحني فيما اغتبتك فيه أو سببتك به. وقال علماء غيرهم: إن إعلام المقذوف في حقه لا يحقق أي مصلحة؛ لأن علمه بما أوذي به لن يزيده إلا أذى وحنقاً وغماً، وقد كان مستريحاً من كل ذلك من قبل، وربما كان ما يعرفه عن ذلك سبباً للعداوة بينه وبين من اقترفه ضده فلا يصفو له.
ولذلك فقد يكون الأفضل إلى حفظ الحرمات هو انتهاء المرء عما فعل، على أن ينتهز الفرصة لطلب الصفح ممن قذف في حقه دون تحديد لما سبق أن آذاه فيه.
وقد استطلعنا آراء عينات وشرائح اجتماعية متنوعة حول هذا الموضوع الخطير لإلقاء مزيد من الأضواء حول هذه الظاهرة.
أسباب متعددة
فيقول د.عادل الكردسي -أستاذ علم الاجتماع-: إن الأسباب التي تقف وراء النميمة متعددة فالأمر غير مقتصر على الفراغ، بالرغم من أنه سبب رئيس، وإنما يرجع أيضاً إلى عدم التنشئة السوية، وأحياناً لعدم التعليم، كما أن العامل الاقتصادي أيضاً يلعب دوراً مهماً من خلال البطالة ووجود مساحة واسعة من الوقت للاهتمام بتجميع أخبار الآخرين والزيادة عليها.
فالنميمة سمة من سمات الأفراد تنتقل من الشخص النمّام إلى الآخرين، وهي مرض معدٍ؛ لأن هناك ثقافة في مجتمعاتنا العربية، وهي أنه يُعدّ الاستماع دون المشاركة في الحديث نقيصة لمبدأ الطرف الآخر في تناول أطراف الحديث. كذلك ترجع هذه النقيصة لمفهوم الثقافة الفرعية والتي تتمثل باللغة الدارجة في (قاعدة المسطبة) أو الشلة أو التجمعات في النوادي.
فيتم في هذه الجلسات النبش في أسرار الناس، وللأسف هذه العادة غير مرتبطة بالوجود في مكان معين أو الانتماء إلى طبقة معينة.
وإنما ترجع لبيئة الفرد نفسه، فقد سلك هذا السلوك كنوع من التسلية، وإن كان جانب كبير منه سلوكاً مكتسباً أو من منطلق أن الآخر يعرف فلابد أن أظهر معرفتي بأشياء جديدة.
وقد تُكتسب هذه العادة من الأصدقاء أو الجيران أو من نطاق العمل أي ليست الأسرة شرطاً في توريدها، وبالطبع هي ظاهرة لها مخاطرها التي لا يُستهان بها؛ فمعروف أن الفتنة أشد من القتل، فهي تشوّه العلاقات بين الناس وتسبب العداوة والمشاجرات.
وعلى الجانب الآخر قد يعرف الشخص أو يستشعر ما يُقال عنه بشكل أو بآخر مما يسبب له الأذى، فتزيد العداوة. والمفروض أن نواجه هذه الظاهرة باستغلال الوقت في العمل؛ فالخسارة لا ترجع على الفرد بل على المجتمع بأكمله، فهذا الوقت لو استغلّ لمصلحة المجتمع لأحدثنا نوعاً من التقدم على جميع المستويات.
ناقل الميكروب
ويعبر فضيلة الشيخ محمد عبد المنعم البري عن هذه العادة قائلاً: قال أحد الحكماء أتدرون من أذل من اليتيم؟ قالوا: من؟ قال: النمّام إذا بان أمره بين الناس، وفضح حاله أذلّ من اليتيم.
فالنّمام يكره التحابّ، ويشعل الفتن، وينقل الميكروبات ويترجم عن هذا الفساد النفسي بما ينقله من علل وتخاذل. ويقول تعالى:(يَوْمَ لا يَنْفَعُ مَالٌ وَلا بَنُونَ إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ) [الشعراء:88-89] فصفاء النفس ونقاء القلب أبرز صفات الإيمان، ويقول رسول الله -صلى عليه وسلم- : " ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله وإذا فسدت فسد الجسد كله".
غياب الوازع الديني
تقول السيدة لمياء نبيل مدرسة: إن أهم الأسباب التي ساهمت في انتشار هذه الآفة هو غياب الوازع الديني .. فقلما تجد مجلس نميمة، ويحاول أحد الحضور تغييره، حتى ولو كان بالقلب أضعف الإيمان.
والأمر الذي يبدو أكثر خطورة هو أن هذه العادة أكثر انتشاراً بين السيدات اللاتي هن أمهات يحملن أمانة التربية الصالحة.
وبالتالي سوف تكون النميمة من الأمراض الوراثية التي تنتقل من الآباء إلى الأبناء.
ومن ثم لابد من العودة إلى المنهاج الإسلامي ونتذكر التحذيرات النبوية حتى لا يكون حصاد سيئاتنا أكثر من حصاد حسناتنا "كما يجب أن نعلم أن النميمة سوف ترد على صاحبها وكفى أن نتذكر قول الشاعر:
لسانك لا تذكر به عورة امرئ ... ...
فكلك عورات وللناس ألسن.
النميمة والفراغ
أما السيدة زينب حسن ربة منزل .. فتذكر أن الفراغ هو السبب وراء هذه الظاهرة، وما يؤكد صحة ما أقول هو أن الناس تنم في أوقات عملها أو تنم وقد تكون تؤدي أعمالاً كثيرة أثناء اليوم؛ فهي تتحدث على سبيل التسلية فالأمر مرتبط بمعايير مختلفة كالغيرة من الآخرين وخاصة التفوق المادي، والذي غالباً ما يُتهم صاحبة بعدم الشرف؛ لأن اعتقادهم أن الطريق الشريف لا يوصل إلى الثراء.
بل والغريب فعلاً أن النميمة قد تصل إلى حد أشخاص لا يعرفهم النمام شخصياً، وإنما يدفعه حقده عليهم لتشويه صورتهم والتقليل من نجاحهم.
ليست مؤنثة .. دائماً
ويقول محمد سليمان مهندس: إنه -بالرغم من أن من غير المستغرب أن تكون هذه العادة السيئة في النساء- إلا أنني لا أجد أي اختلاف بين الجنسين فقد أكون جالساً مع أصدقائي فلا أجد شيئاً يتحدثون عنه سوى الحديث عن فلان وعلان، ولا يفلح معهم أي محاولة لتغيير الحديث بل قد يحدث اصطدام بالكلمات حين أحاول إيقافهم عن ذلك.
وللأسف لا يقتصر الأمر على ذلك بل إن والدتي نفسها حينما تأتي إلينا إحدى جاراتنا، فيفتح نفس الحديث، وكثيراً ما أحرجهم بتوجيه النصائح بعدم الاستمرار في هذا الكلام وبضرورة التوقف ولكن دون جدوى.
النميمة والانتفاخ الذاتي
ويرى الشيخ محمد فهيم، مدرس علم القراءات بجامعة الأزهر أن النمام يتصف بإحدى صفات المنافقين، والمنافق شخصية ملتوية غير سويّة، لا يستقيم لك على أمر، ولذا فهو يقوم بعملية تعويض ذاتي، مما أسميه أنا "الانتفاخ الذاتي" أي المبالغة في الأمور، والنفخ في الأمور من أجل الدفاع عن النفس ـ أثناء لحظة الافتضاح ـ أو في وقت الإفساد بين الناس بالنميمة، لذا يقول الله تعالى في سورة القلم:(وَلا تُطِعْ كُلَّ حَلَّافٍ مَهِينٍ هَمَّازٍ مَشَّاءٍ بِنَمِيمٍ) [القلم:10-11]. ولنلاحظ كلمات (حلاف ـ هماز ـ مشاء) وكلها من ألفاظ المبالغة التي تدل على كثرة الإتيان بتلك الأفعال .
سببان للنميمة
ويذكر الدكتور هاشم بحري طبيب نفسي أن انتقال الحديث بين الأفراد كنوع من أنواع النميمة إنما يرجع لسببين:
الأول: بالتأكيد هو علاقة هذه الأشخاص بالفراغ الذي لا يجدون سبيلاً لشغله بخلاف سيرة الناس.
والثاني: هو حصول البعض على قدر من النجاح فيبدأ الحديث عنهم في هيئة نقد وتقليل من قدراتهم. أو نتيجة لعدم القدرة على الحصول على النجاح أو التقليد في سلوك فعل مختلف أو غريب كأن تقوم امرأة بأخذ إجازة زوجية، وهي شيء غريب على مجتمعنا، ولا يتقبله، وقد تحاول نساء كثيرات تقليدها، ولكن قد لا تتوفر الظروف المناسبة لذلك، وهنا نجد النميمة تلعب دورها للنيل من هذه السيدة أو للتقليل من شأنها، وهذه الظاهرة موجودة في عالم النساء والرجال على حد سواء، وإن كان وقت الرجال لا يتسع للنم نظراً لعملهم صباحاً ومساء بخلاف النساء.
كما أن هناك دراسة أثبتت أن قدرة المرأة على الكلام تصل إلى (5000) كلمة في اليوم، أما الرجل فتصل قدرته على الكلام إلى (2500) كلمة.
فهذه العادة مرتبطة غالباً بالفراغ والإحباط، ولا علاقة لها بأوساط معينة، وإنما ترتبط بظرف كل شخص.
ـــــــــــــــــــ(100/70)
الاكتئاب يطارد المرأة..!!
رباب الحسيني 16/5/1426
23/06/2005
الاكتئاب مرض العصرالقاتل الذي تعاني منه المرأة، فكثيراً ماتشتكي السيدات من مشاعر الخوف والتوتر والحزن والملل ممن حولهن، وربما ترتبط هذه المشاعرعند المرأة ببعض الآلام الجسدية في المعدة والرأس، ويفشل الكثيرون في معرفة السبب..لكن الدراسات العلمية الحديثة تؤكد أن الاكتئاب هو السبب فهو يؤثر على كل أجهزة الجسم! ..حول الاكتئاب وتأثيره على المرأة استطلعنا رأى علماء الإسلام وأساتذة علم النفس والأطباء لمواجهة هذا المرض القاتل
العلاج بالطاعات
يقول الدكتور يحيى إسماعيل الأستاذ بجامعة الأزهر: إن المرأة ممكن جداً أن تُصاب بالاكتئاب عندما تغفل عن ذكر الله سبحانه وتعالى والتفكر في نعمه الكثيرة التي أنعم بها عليها.
خاصة وأن الاكتئاب يصيب المرأة عند تعرضها لضيق أو صدمة نفسية تجاه أمر من الأمور الحياتية التي تتعرض له على مدار اليوم والليلة.
ويحذر الدكتور يحيى من التهاون والتخاذل أمام مواجهة أسباب الإصابة بالاكتئاب فإنه يؤدي إلى هلاك النفس، ومن ثم الانتحار؛ لأن الاكتئاب مرض لعين.
ويشير الدكتور يحيى إسماعيل إلى أن على الرجل أن يلعب دوراً مهماً في مساعدة المرأة المسلمة المصابة بالاكتئاب سواء كانت زوجته أو أخته أو ابنته في أن يذهب بها إلى الطبيب المختص ليبدأ رحلة العلاج سريعاً.
فالمرأة المكتئبة عموماً إذا وجدت من تثق فيه فإن هذا أول درجة في سلم العلاج والخلاص من هذا المرض.
وعلى المرأة المسلمة ألاّ تيأس من رحمة الله فهي إنسانة مؤمنة بربها وكما نعلم جميعاً أن الإيمان يزيد وينقص، فهو مثل السائل في الشجرة إذا زاد أثمرت الشجرة واخضر ورقها، وإذا نقص يبست وتساقط ورقها.
وفي حديث عن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – : "لا يزال لسانك رطباً بذكر الله".
وفي حديث آخر يقول: "الدنيا ملعونة ملعون ما فيها إلا ذكر الله وما ولاه وعالماً ومتعلّماً".
وعلى هذا ينصح الدكتور يحيى إسماعيل المرأة المسلمة بعدة أمور:
- الإكثار من ذكر الله.
- الاشتغال بالعلم.
- الاهتمام بأمر المسلمين.
- المحافظة على الورد القرآني اليومي للتلاوة والحفظ.
وهذا يحصّن النفس ويطهّرها من هذا المرض اللعين.
اختفاء دور المؤسسات الإسلامية
بينما يؤكد الدكتور محمد حسن أستاذ الصحة النفسية أن الاكتئاب عند السيدات والفتيات مرض يعبر عن حالة مزاجية منخفضة يصاحبها الإحساس بالضيق وفقدان الاهتمام بكل شيء، وقد يكون السبب في الإصابة بالاكتئاب بيولوجياً أو نفسياً، وبالنسبة للسبب البيولوجي فيتركز في حدوث خلل في المواد الكيمائية الموجودة بالمخ؛ مما ينتج عنه اضطراب في تركيز بعض الموصلات العصبية في خلايا المخ مثل السيلاتيونين والدبونايين والأدرينالين.
ويضيف الدكتور حسن من خلال العديد من الدراسات الحديثة أكد العلماء أن معدل الاكتئاب في ازدياد على المستوى العالمي، وبالنسبة للمستوى المحلي نجد أن العوامل المسببة للاكتئاب لم تتغير، لكن المشكلة اختفاء دور المؤسسات الإسلامية والاجتماعية التي كانت تساعد المرأة المسلمة على التخلص من مشاعر الاكتئاب واختفاء دور الأسرة والجيران والأصدقاء؛ فالحياة العصرية البعيدة عن العلاقات الإسلامية جعلت حياتنا الاجتماعية تتقلص تدريجياً مما يجعلنا جميعاً عرضه للإصابة بالاكتئاب، وإن الاكتئاب لا وجود له في ظل الإسلام وطاعة الله، ولذلك نوصي كل مسلمة تتعرض للاكتئاب بالتزود بالطاعات والتقرب إلى الله ومصاحبة أهل الخير والصلاح.
سقوط الشعر
وحول رأي الطب في هذا المرض الذي يصيب السيدات والفتيات يؤكد الدكتور هاني الناظر أستاذ الأمراض الجلدية قائلاً: 70 % من الأمراض الجلدية تعود لأسباب نفسية، ومن هنا كان التعامل مع المشكلات النفسية داخل عيادة الأمراض الجلدية أمراً مهماً جداً؛ فقد أظهرت الدراسات الحديثة أن الحزن والاكتئاب يؤديان إلى حالة شد عصبي تسبب بدورها بعض الأمراض الجلدية.
وظهر لنا أن الأطفال الصغار الذين يتعرضون لضغوط نفسية وخوف من الخيالات أكثر إصابة بمرض الثعلبة غير المعدي عن غيرهم. فنتيجة للتوتر الشديد نجد في الرأس مساحات دائرية بيضاء خالية من الشعر ومع ظهورها تزيد صعوبة العلاج حتى يعود الشعر لوضعه الطبيعي.
ويظهر تأثير الاكتئاب الواضح على الشعر لدى الفتيات؛ إذ يعانين من ظاهرة سقوط الشعر بعد فشل أي تجربة زواج أو خطبة أو التعرض لأي صدمة نفسية.
كذلك أكدت الدراسات أن حب الشباب يبدأ في الظهور مع سن المراهقة "14 سنة فيما فوق" نتيجة لتحول الشاب من الطفولة إلى البلوغ؛ إذ يشعر أن العالم من حوله يتغير ولا يستطيع استيعابه، وتزداد حساسيته تجاه كل ما يحدث، وتبدأ المشاعر العاطفية في الظهور بما يصاحبها من توتر وقلق يؤديان إلى زيادة الحبوب في الوجه مما يسبب ألماً نفسياً.
ويضيف الدكتور الناظر إن تعرّض الإنسان للقلق والحزن لفترات طويلة يصيبه بالإكزيما العصبية؛ حيث تظهر على هيئة مساحة حمراء مع حكة تظهر في منطقة الفخذ وظهر اليدين وخلف الرأس. وبزوال حالة التوتر تختفي الأعراض المرضية تماماً.
التوتر يؤخرالحمل
أما الدكتور زكي ندا استشاري أمراض النساء والتوليد فيقول الاكتئاب يسبب العديد من المشكلات لأي امرأة، وكطبيب أمراض نساء تعاملت معه في حالات كثيرة؛ إذ تُصاب به المتزوجات حديثاً إذا لم يحدث حمل بعد ثلاثة أو أربعة أشهر بعد الزواج، وتزداد حدته في الأحياء الشعبية، وتأتي لي السيدة وهي في حالة نفسية شديدة السوء، وبعد الكشف عليها والتأكد من عدم وجود موانع أنصحها بالتريثـ وأتحدث مع الزوج ليساعدها في الخروج من حالة الاكتئاب، لأن التوتر يؤثر على الغدة النخامية، التي تؤثر بدورها على عمل المبايض مما يؤخر الحمل بسبب القلق، ونحاول في هذه المرحلة عدم إعطاء المرأة أي أدوية حتى الفيتامينات حتى لا يزداد بداخلها الشك في أن لديها مشكلة تمنع حدوث الحمل.
وفي 95 % من الحالات يحدث الحمل بدون علاج لكن بعد أن تبتعد عن مسببات التوتر والاكتئاب
ـــــــــــــــــــ(100/71)
إجازة صيف تكسر الروتين وتقوّي الدّين
غادة الكاتب 5/5/1426
12/06/2005
اهتم الباحثون بزيادة الانتاج، فوجدوا أنها تتحقق إذا ما حصل الشخص المنتج على فترة من الوقت، يقضيها بعيداً عن عمله أو دراسته، أو وظيفته.. ومن هنا.. جاءت العطلة الصيفية، أو ما يسمى "إجازة الصيف"، لتعمل على تجديد النشاط، والفكر، وحتى الحياة الاجتماعية والروحية للإنسان- هذا إذا تم استغلالها بشكل علمي وديني صحيح- وقد تتحوّل إلى مجرد وقت يُهدر في الكسل والتكاسل، والتوجّه نحو المعاصي عند من يرون فيها فرصة للتهرب من الالتزام الديني والمسؤوليات، وارتكاب المنكرات. والعياذ بالله.
(الإسلام اليوم) استطلعت آراء ومخططات بعض الأفراد والعائلات حول إجازة الصيف، والكيفية التي اعتادوا أو ينوون قضاءها بها، واطلعت على آراء مختصين ودعاة حول الموضوع، وكان هذا التحقيق:
رأفت شكري، عامل موبيليا وعمره (38) عاماً، يقول: الإجازة الصيفية بالنسبة لي لا تتجاوز بضعة أيام، أقضيها غالباً خارج المدينة التي أسكن فيها، حيث أذهب إلى إحدى المحافظات المعروفة بجمال الجو فيها صيفاً، مثل مدينة العقبة، وأمضي الوقت بين السباحة، والتسوّق، والاطلاع على مستجدات المهنة، من خلال زيارة المحلات العالمية. ومن هنا فإن وقت إجازتي يمتزج فيه العمل بالراحة.. لكنه أبداً لا يتعدى بضعة أيام. وعن التزامه الديني خلال وقت الإجازة يقول: أعدّ نفسي مقصراً من هذه الناحية، لكنني أسعى لاستعادة كفاءتي من خلال حضوري بعض الدروس والمحاضرات الدينية.
الطالبة أمل سماحة (22) عاماً، تركّز في إجابتها على أن الإجازة الصيفية ليست دائماً مصدر سعادة لها، وتوضّح : النوادي أو المؤسسات المتخصصة في شؤون فتيات في مثل عمري ليست متوفرة، وأنا أشعر بالملل خلال العطلة الصيفية، والتي غالباً ما نمضيها دون أي نشاطات تُذكر، سوى الاهتمام بشؤون المنزل، واستقبال الضيوف، وغيرها من الأمور التي لا أجدها تضيف جديداً إلى ثقافتي الحياتية.. وتشير "سماحة" إلى أن صديقاتها في الجامعة، يعدن إلى الدراسة بعد الإجازة، وهن يتحدثن عن أوقات سعيدة قضينها في ربوع مكان ما بصحبة العائلة، أو ضمن نشاطات اجتماعية أخرى، تحظرها عائلة أمل لأسباب تتعلق بالأفق الديني والمجتمعي الذي تنظر من خلاله العائلة إلى أمور مثل المخيمات الكشفية، والرحلات الشبابية التي تزيد عن يوم واحد، وتعتبرها مرفوضة.
برامج وأهداف
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس: الصحة والفراغ" (رواه البخاري).
ونظراً لأهمية الإجازة في حياة كل فرد من أفراد الأسرة -نواة المجتمع- فقد قام عدد من المتخصصين، والمهتمين، وأصحاب الخبرة، بطرح مجموعة من أوراق عمل اشتملت على رؤى، وأفكار، وخطوات عملية، تساعد الوالدين على استثمار الإجازة، وجعلها فرصة سانحة للبناء، والتربية، والتوعية، والترويح عن النفس، والاستجمام، إضافة إلى أهداف أساسية من الواجب مراعاتها في برنامج الإجازة، وهي:
1 - هدف بنائي: يتم من خلاله غرس المبادئ والقيم واكتساب المعلومات والآداب الصالحة خلال فترة الإجازة.
2 - هدف وقائي: يقوم الوالدان من خلاله بتنظيم برنامج تربوي ترويحي مناسب لأولادهم؛ بهدف حمايتهم من البرامج المنحرفة، أو تضييع الأوقات أمام القنوات أو الإنترنت.
3 - هدف علاجي: لتكون الإجازة فرصة لعلاج بعض جوانب التقصير، وضعف الشخصية من خلال البرامج، والأدوات، واللقاءات، والمشاركة في الفعاليات الهادفة في الإجازة.
وجاء في الأوراق أن وسائل تحقيق هذه الأهداف يكون بالتالي:
1 - وضع برامج تربوية مناسبة لجميع أفراد العائلة.
2 - تحديد بيئة مناسبة لتنفيذ البرامج، وفي حالة عدم القدرة يتم تحسين وتطوير وإنشاء البيئة الأسرية بما يحقق أهداف البرنامج.
3 - وضع خطة مبدئية بصورة جماعية من أفراد الأسرة للبرنامج المقترح للإجازة.
وأوضح المشرفون على أوراق العمل أن من أهم العوامل المساعدة على نجاح البرنامج:
1 - النية الصالحة واحتساب الأجر.
2 - الصبر.
3 - فهم طبيعة الإنسان ومطالب كل مرحلة عمرية.
4 - مراعاة التوزيع الفئوي لشرائح المستهدفين (شباب، مراهقون، أطفال).
علم وترفيه ودين
تقول الإعلامية سلام شرابي: إن تربيتنا لأولادنا على استثمار وقت الإجازة لا تأتي في وقت الإجازة فقط، بل إن هذه التربية تسبقها في أي وقت فراغ آخر، فعلى سبيل المثال يوم الجمعة يمكن الاستفادة منه، وكذلك أيام الأعياد، وحتى في أوقات المدرسة يوجد وقت فراغ يجب الاستفادة منه، فإن نحن عودنا أولادنا على استغلال وقت الفراغ على مدار السنة في العبادة، كارتياد المساجد مثلاً، فإن هذا سينعكس على سلوكهم في الإجازة الصيفية.
من جهتها، توضح الأكاديمية هدى الجاسم أن إلحاق الأبناء بالدورات العلمية والعملية بالإضافة إلى دورات نشاطية، ودورات تحفيظ القرآن أو أشياء من هذا القبيل، أمر ضروري للاستفادة من وقت فراغ كبير، وتشير إلى أنَّ تعود الأولاد على قضاء إجازتهم بدون عمل عقلي أو حفظي أو نشاط علمي أو عملي، سيؤدي بهم إلى الركود والخمول والنوم، وأحياناً السهر واللهو، مما يصعب عليهم معاودة النشاط الدراسي مرة أخرى مع بداية العام.
وتذكر بعض الإحصائيات أن عادات النوم والسهر غالباً ما تتأثر سلباً في أوقات الإجازة؛ إذ جاء في أحد الاستطلاعات أن ما نسبته 64 % من العينة ينامون نهار الإجازة، ويسهرون ليلها، بينما أكد 33% من المستطلعة أراؤهم أنهم يمضون الليل بالنوم والنهار بالاستمتاع والزيارات، في حين ذكر الـ 13% الباقين أنهم أحياناً يسهرون الليل وأحياناً ينامونه.
وبعد:
لعل كلمات ابن القيم هي أجمل ما نختم به هذا التحقيق، فنقول: "وقت الإنسان هو عمره في الحقيقة، وهو مادة حياته الأبدية في النعيم المقيم، ومادة معيشته الضنك في العذاب الأليم، وهو يمر مر السحاب، فما كان من وقته لله وبالله فهو حياته وعمره، وغير ذلك ليس محسوباً من حياته، وإن عاش فيه عيش البهائم، فإذا قطع وقته في الغفلة والسهر والأماني الباطلة، وكان خير ما قطعه به النوم، والبطالة، فموت هذا خيرٌ له من حياته"
ـــــــــــــــــــ(100/72)
فوز كردي: أخبرت الصحفيّة الأمريكيّة عن حقيقة المرأة السعوديّة!
حوار: منال الدغيم 28/4/1426
05/06/2005
ضيفتنا في هذا الحوار، الأستاذة/ فوز عبد اللطيف كردي الأكاديمية التربوية المحاضرة في كلية التربية للبنات بجدة، وداعية فاضلة من السعودية، تتسم بنظرة واضحة منصفة، وبقناعة ذاتية تخرج عن تفكير متأنٍ، وتأمل عميق، وبصيرة ثاقبة..
لها جهود مباركة في الدعوة والإصلاح والتعليم، شاركت في الحوار الوطني الثالث الذي كان عن المرأة. نسعد بحوار معها عن شؤون شتى:
المرأة والعمل، المرأة والإصلاح، المرأة والظلم، المرأة والآخر، والمرأة والإعلام، وأخيراً المرأة والحوار.
مفهوم الإيجابية لدور المرأة في المجتمع متذبذب هذه الأيام، بين منادين بإقحام المرأة في سوق العمل؛ لأن المجتمع يتنفس برئة واحدة (!)، وبين آخرين يرون أن الإنتاج والإصلاح يكون بقيام المرأة بواجباتها في البيت فقط. فأين تكمن الحقيقة؟
"الإيجابية" كلمة ذات معنى جميل، كما أن لها معنى واسعاً يشمل معاني العمل والحركة والمساهمة في النفع، والمبادرة والإصلاح، وقصر "الإيجابية" على صورة واحدة أو مجال واحد – فيما أرى – قصور كبير، ففي موضوع المرأة -تحديداً- لا يمكن حصر "الإيجابية" في خروجها من البيت وانخراطها في سوق العمل فقط، وليس من الصواب اختزال هذا المعنى الواسع في العمل في نطاق البيت فقط، والتقليل من شأن المساهمة خارجه.
لذا فلعل حقيقة مفهوم إيجابية المرأة تكمن في ترك كلمة "إيجابية" على معناها الواسع، والذي يتحدد معناه الخاص باختلاف ظروف ومسؤوليات كل امرأة على حدة، فالمرأة ذات الزوج والأبناء الصغار ستكون في قمة الإيجابية والمشاركة المجتمعية بقيامها على أمور زوجها وبيتها، وانهماكها في تربية أبنائها، وصقل مهاراتهم وتنمية شخصياتهم، فهي تساهم مساهمة فعّالة في صناعة الإنسان السويّ في مجتمعها.
بينما الأمر يختلف بالنسبة لغير المتزوجة، أو من كبر أبناؤها، أو من ليس لها من الذرية نصيب، فلا شك أنها تستطيع أن تجمع بين مسؤولية رعاية بيتها المحدودة، وأعمال أخرى مجتمعية، وقد يتحقق ذلك بانخراطها في مجال عمل له مردود مالي ووظيفة معينة، وقد يتحقق بممارسة أنواع من أعمال المجال الخيري الإنساني، وقد يتطلب الأمر خروجاً من المنزل بضوابطه، وقد لا يتطلب؛ فمجال العمل عن بعد أو ما يُسمى حديثاً بـ "العمل صديق الأسرة" واسع.
والمرأة التي تعي واجبها وتنظم وقتها وتعرف قدراتها تمارس جميع أعمالها بإيجابية، فهي زوجة صالحة وأم حنون، ومعلمة مبدعة وطبيبة ربانية حاذقة، وإدارية منضبطة خلوق، وهي صاحبة رسالة أينما ذهبت: في السوق، أو في قاعة انتظار المرضى، أو في اجتماع الأهل وزيارة الجارات.. ونحو ذلك.
لست متشائمة، لكن حال الفتيات في الجامعات تدل على خلل في خطاب الإصلاح، رتابة فيه، وقصر نفس. فماذا ترين؟
قد يكون هناك شيء من هذا، ولكن من الصعب تحديد سبب واحد وراء الخلل في حال الفتيات، أو غيرهن من فئات المجتمع، ومن الظلم اتهام خطاب الإصلاح أو الخطاب الدعوي بالتسبب فيه، والأمر برأيي يحتاج إلى تتابع دراسات جادة من المختصات في التربية والدعوة، فالذي كان يستمع للخطاب الدعوي بإقبال وتصديق ورغبة، تغيرت طريقته كثيراً في التقبل والتفاعل؛ إذ المنافس كبير ومتوفر بل ومزاحم، وأقصد الخطاب التشكيكي في الثوابت، والممتلئ بإثارة الشبهات، ناهيك عن الخطاب الدنيوي والمادي، فالصوارف التي تلهي عن سماع الحق، وربما تصد عنه كثيرة، ومن ثم لا بد من الاهتمام بإثارة التفكير الناقد في الطرح الدعوي، وتأصيل مصادر المعرفة، كما لا بد من تدرب كافٍ على مهارات الإلقاء وفنون الإقناع لمخاطبة قلوب وعقول الناس بطرائق مستجدة تتضمن وسائل جذب متنوعة.
فالذي أتفق معك عليه تماماً هو أن هناك خللاً ظاهراً، كما وأن هناك قصوراً في مواجهة هذا الخلل، والأمر بحق يحتاج لتكاتف جهود من أجل معالجة الخلل.
شفقة عميقة يتهدج بها صوت الإصلاح العالمي لأحوال المرأة السعودية خاصة. فهل حقاً المرأة مظلومة؟ ومن المتهم؟
المرأة السعودية محسودة حال كل ذي نعمة، لذا يكثر الحديث حولها ومحاولات إخراجها مما تتنعم فيه بفضل الله سبحانه، وإن كانت توجد بعض مظاهر الظلم، ولا شك في بعض البيئات أو بعض الحالات الخاصة، إلا أن المنصف والمتابع لحال المرأة العربية بشكل عام يرى بكل وضوح التميز الذي تعيشه المرأة السعودية، لذا ينبغي أن يكون برنامج الإصلاح لحال المرأة السعودية منطلقاً ومنتهياً من نظرتها ومن مبادئها؛ فهي القادرة وحدها على تحديد الأمور التي تريد إصلاحها، حتى لا تضيع مكتسباتها الثمينة تحت دعاوى إصلاحها، كما حدث ويحدث فيما حولها.
قامت إحدى الصحفيات الأمريكيّات بإجراء حوار مطوّل معك، هلا أتحفتنا بشيء مما دار فيه؟ وكيف كان انطباع الصحفيّة بعد ذلك الحوار؟
"جولي مكارثي" صحفية ومذيعة أمريكية، كانت تعدّ برنامجاً عن المرأة السعودية للإذاعة الأمريكية العامة بعد انتهاء الحوار الوطني الثالث، والمخصص لمناقشة ما يخص المرأة السعودية، وقد أجرت مقابلات مع عدد من المشاركات، وكان لقاؤها معي مطولاً استغرق ثلاث ساعات اختزلت منها للبرنامج ثلاث دقائق!
ولكن بشكل عام كان لقاءً جيداً كانت تحاول من خلاله استشفاف مدى ثقافة المرأة السعودية، وأهم مشكلاتها، وما يضايقها من الأنظمة المفروضة عليها من الرجل أو الأعراف أو من الدين، وقد أوضحت لها كثرة الدعاوى وزيفها، وأن المرأة السعودية تحتل مكانة متميزة في مجتمعها، وتساهم مساهمة فعّالة، استعرضت معها بعض جوانبها، كما شرحت لها أن تعاليم الدين وقِوامة الرجل وكثير من أعراف البلاد إنما تزيد من المكانة، وتعينها على الوصول لأعلى المراتب العلمية والعملية في أجواء تتميز بالخصوصية، وأن كثيراً مما يُدّعى من ظلمها وقهرها يمثل حالات خاصة لا يخلو من مثلها أي مجتمع، بل إن المجتمع الأمريكي، وقد عشت فيه سنوات يعجّ بأضعاف أضعافها.
وفي الجملة كان انطباعها جيداً، وطلبت مني التوفيق بين ما سمعته مني، وبين رأي سعوديات أخريات يقلن: إن السعودية مقيدة ومظلومة في نواحي كثيرة، فبينت لها دوري المجتمعي في التعليم والدعوة وأثره على إعطاء رأي عام، وليس رأياً شخصياً فقط، بينما قد تعبر كثيرات عن آرائهن الفردية التي لا تمثل المرأة السعودية ولا طموحاتها ومبادئها، إنما قد تمثلهن خاصة.
المهتمون في الصف الإسلامي بقضية تحرير المرأة، انشغلوا كثيراً بالرد على المؤتمرات وأدعياء حقوق المرأة والمشاركة السياسية، عن تحرير عوام النساء من قيود الجهل والغفلة والتقليد وتبصيرها في أمور دينها وأخلاقها وعلاقاتها الاجتماعية. فما رأيك؟
أوافقك نسبياً، ولكن ما انشغلوا به يُعدّ أمراً مهماً وجبهة لا بد من التصدي لها، والجبهة الأخرى تحتاج إلى جهود مكثفة كذلك، وبحمد الله تساهم المحاضرات والأشرطة، وحلقات العلم وأنشطة المؤسسات التربوية والمجتمعية والدعوية في سدّها كثيراً، وأسأل الله التوفيق للجميع.
يقولون: "المعرفة قوة"، ونقول كذلك: "والإعلام قوة". برأيك ما هي أكثر القنوات الإعلامية تأثيراً، والتي هي بحاجة إلى تركيز الجهود الدعوية فيها؟
برأيي كل القنوات الإعلامية تحتاج إلى تطوير واهتمام، فتنوعها يتناسب مع تنوع شرائح المجتمع، فمن الناس من لا يصله إلا الشريط، ومنهم من لا يهتم إلا بالكتب أو المجلات، ومنهم من يتابع البرامج الفضائية ويتصفح المواقع الإلكترونية، والجهود المبذولة في كل هذه المجالات مباركة -ولله الحمد- لكنها تحتاج إلى مزيد من عمق الطرح وتنوع أساليب الخطاب، وإلى ملامسة احتياجات شرائح الأمة فعلياً، وهناك اهتمام ظاهر بجميع القنوات في الفترة الأخيرة، فالتسجيلات الإسلامية وحلقات الدروس الفضائية أو عبر غرف البالتوك الإلكترونية، والرسائل المختصرة والكتب والمطويات والكروت، بل ومؤخراً لوحات الدعاية والإعلان للتذكير بالصلاة أو بر الوالدين أو الأذكار، كما أن هناك اهتمام واضح ببرامج العرض من محاضرة المسجد، للمراكز الصيفية، للدورات التدريبية، إلى المخيمات السياحية. وبرأيي أن لكل طريقة ميزتها ولها أهلها، ومن المهم الاستفادة منها جميعها للوصول إلى الشرائح كافة و إلى مختلف الأذواق.
الحوار يد تمتد لتصافح اليد "الأخرى"، وتسمع رأيها وتتقارب وإياها. ما القناعات التي خرجت بها بعد مشاركتك القيمة في الحوار الوطني الثالث عن المرأة؟ وعمّ كانت ورقة العمل المقدمة منك؟
المشاركة في الحوار الوطني بالنسبة لي كانت تجربة مفيدة، فسماع آراء من قد تخالفهم الفكر والتوجّه، وتلتقي معهم في أصول العقيدة، وفي مشاعر الانتماء للوطن والاهتمام به يعطي خبرة جيدة في إمكان الوصول إلى نقاط اتفاق مشتركة، أو -على أقل تقدير- الوصول إلى فهم الطريقة التي يفكر بها الآخر وينطلق من خلالها.
ومن أهم القناعات التي خرجت بها من الحوار أهمية استمرار المحاورة مع كل من يطرح رأياً أو فكرة مخالفة أو اتهاماً ضد فكرنا أو رأينا، وعدم الاكتفاء بسماع الكلام المنقول عن رأي فلان، أو طلب هذا التوجّه مثلاً، فقد اتضح جلياً أن كثيراً ممن يخالفوننا الفكر لم يحسنوا الاستماع لرأينا، أو أننا لم نحسن نحن طرح فكرنا وتوجّهنا، ولهذا كان الحوار والاستماع والمحاجّة من أهم ما ينبغي أن يُفعّل من أجل معايشة طيبة على أرض واحدة.
وأما ورقتي فقد كانت عن المرأة في مناهج التعليم السعودية، وكانت ورقة استقرائية لمناهج المراحل المختلفة التي تتناول موضوعات عن المرأة لمعرفة الصورة التي ترسمها المناهج في ذهنية النشء في المجتمع السعودي ذكوراً وإناثاً، وكانت نتيجة الدراسة عل عكس مما ادُّعي كثيراً من أن مناهجنا ترسم صورة امرأة سلبية ضعيفة، وقد تشمل تحريضاً للرجل على التحكم فيها وقهرها بحجة الدين أو الأعراف؛ فالدراسة استوفت مقررات كثيرة في مراحل التعليم المتنوعة من الابتدائية وحتى نهاية الثانوية للبنين والبنات، ووجدت الصورة مشرقة للمرأة في كافة أدوارها في الحياة بنتاً وأختاً وزوجة وأماً، وبينْت صوراً كثيرة من مشاركتها المجتمعية في البيت، ومع الجارات، وفي التمريض، والتدريس، والمشاركة في الجهاد وغيره.
كما أن الدعوة لتكريمها والاهتمام بحاجاتها والقيام على رفاهيتها كثيرة متنوعة، وثّقت الدراسة نماذج ذلك من واقع المقرّرات، وأوصت بأن تتضمن المناهج جوانب عملية تساهم في بناء شخصية المرأة، لا سيما من خلال الأنشطة الصفية، كما أوصت بالاهتمام أكثر بمناهج البنين وتنقية الموضوعات التي تتحدث عن المرأة من بعض الألفاظ التي قد تحمل على معنى القسوة معها من أجل حمايتها، وتضمينها موضوعات تربي البنين على مثاليات التعامل مع المرأة سواء كانت من المحارم بأدوارهن المختلفة أو من غيرهن في المجتمع.
الرؤوس الموافقة دائما تصيب المرء بغيبوبة لذيذة، لكن الآراء المخالفة تثري المرء وتعلمه الحلم والمرونة، وعمق المعرفة وصلابة الاعتقاد. ماذا استفادت أ. فوز من المخالفين؟
نعم استفدت كثيراً؛ فقد تدربت عملياً على طول النفس وعلى التماس العذر، وكانت أكبر استفادة هي تذكر نعمة الله -عز وجل- على العبد بالهداية ووضوح الرؤية، أسأل الله الثبات، فكثير من المخالفين يشعر المرء –فوراً- بما يعانونه من تخبط واختلاط في الرؤى وجهل بالحق، مما يعظم الفرح بنعمة الله، والعمل بالأسباب التي تزيدها.
في الختام وصيتي لأخواتي المسلمات: لنجدد عزيمتنا ونشحذ هممنا؛ فالطريق طويل والفتن متلاطمة، لنحول سلبنا إيجاباً ولنجعل إيجابنا وثَّاباً، ولنستعن بالله ونمضي مترسمات منهج السلف، والله أسأل أن يوفق الجميع إلى ما يحبّ ويرضى.
ـــــــــــــــــــ(100/73)
الوسوسة في حياتنا.. لماذا ؟!
د. ليلى بيومي 23/4/1426
31/05/2005
صديقتي مهندسة تخطت الثلاثين من عمرها ..طرق بابها الكثيرون من العرسان من جميع الوظائف والمهن لكنها لم توافق على أي منهم ..فهي تشك في جميع خطابها أنهم لن يسعدوها في حياتها وأنها تبحث عن فتى الأحلام الوسيم الجذاب الملتزم ..صديقتي اكتشفت بعد فترة أنها مصابة بحالة وسوسة مزمنة... وهي الحالة الأولى التي لفتت نظري.
أما الحالة الثانية فهي حالة شاب لا يستطيع اتخاذ أي قرار في حياته حيث يظل يدرس البدائل ويتحدث بعقلية علمية ناقدة حتى يفوت أوان اتخاذ القرار .. حتى أصيبت شخصيته بالتردد والخوف .. وبالتالي تحدث له مشاكل مستمرة في واقعه الاجتماعي والمهني ويقوم أقاربه باتخاذ القرارات نيابة عنه، بل وشراء ملابسه وطعامه. العجيب أن هذا الشاب يمتلك عقلية ناضجة تتفوق على عقول أمثاله بكثير...أما الحالة الثالثة فهي من أمثال من يكررون الوضوء للصلاة عدة مرات ويشك بعضهم في عدد مرات الوضوء والحدث ..وهي أمثلة للوسوسة الاجتماعية قمنا بعرضها على العلماء والمتخصصين فكان هذا الموضوع.
الوسواس القهري
يقول د. جابر عبد الحميد أستاذ علم النفس إن موضوع الوسوسة موضوع كبير ومتسع وله أشكال تتفاوت في حدتها وخطورتها .. فهناك الوسواس القهري والشك الوسواسي والتخيلات الوسواسية والمخاوف الوسواسية والاندفاع الوسواسي والنزعة الوسواسية.
والوسواس القهري مرض نفسي بل من أصعب الأمراض النفسية ويحتاج لفترات طويلة من العلاج النفسي ونتائج العلاج غير مضمونة بل شبه مستحيلة.. وإن كان الوسواس القهري يقع في المستويات العليا.
وقد لا يعد مرضاً نفسياً ومعه لا يتعطل الإنسان عن أداء وظائفه العادية فهو يذهب إلى عمله، ويحافظ عليه، ويسعى للتفوق فيه، وينفق على بيته ويرعاه، ويؤدي وظائفه الأساسية، لكنه يشعر أن أعباء الحياة ثقيلة عليه، وهذا لا يحتاج لعلاج نفسي لكننا نبحث عن العلاج إذا تعطلت وظيفة من وظائف الفرد الأساسية وبالنسبة للذي أمضى سنوات يبحث عن زوجة وعجز عن الاختيار رغم توافر ما يناسبه .. فإن ما تعيه هذه الفتاة هو أنها تريد أن تتزوج لكن ما لا تعيه هو أنها تضع كل الشروط والعقبات حتى لا تتزوج، فهناك أمور شعورية يدرسها الإنسان وأمور غير شعورية لا يدري بها.
وهي تفعل ذلك وتبرر لنفسها أنها لم تجد ما يناسبها حتى يريحها هذا التبرير لكنه مريض ويحتاج لنوع من العلاج.
لو أطاع المسلم إبليس لقاده إلى الجنون
وعن رأى العلماء في الوسوسة .. وكيف واجهها الإسلام ووضع لها الحلول يقول د. محمد عبد المنعم البري الأستاذ بجامعة الأزهر إن رجلاً جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم يشكو إليه أنه يتوهم خروج ريح منه بعد الوضوء فلمح رسول الله من خلال سؤاله بداية لعب الشيطان به فقال له (حتى تسمع صوتاً أو تشم ريحاً). ولاشك أن التشكك منفذ من منافذ اللعين إبليس يدمر من خلاله حياة الناس ويحيلها إلى حطام. وهو من بدايات الجنون ويوصل إلى الجنون ، وما أطاع عبد إبليس في هذا المضمار ونجى أو أفلت من التدمير المحقق والهلاك.
وقد ورد في الأثر "التمس لأخيك سبعين عذراً". وحينما يئس إبليس من رحمة ربه قال اللعين لمولاه {فبعزتك لأغوينهم أجمعين إلا عبادك منهم المخلصين}. وقد أخذ رب العزة عهداً على نفسه سبحانه بحفظ الأصفياء من عباده فقال للعين إبليس {هذا صراط على مستقيم ، إن عبادي ليس لك عليهم سلطان إلا من اتبعك من الغاوين}. فأهل الفقه وأهل العلم وذوو البصيرة والنور بمنأى عن هذه الخزعبلات لأنهم في كنف مولاهم وحفظه. ولذا قال رسولنا الكريم (لفقيه واحد أشد على الشيطان من ألف عابد). فعلى المسلم المتردد الخائف خائر العزيمة أن يعصى إبليس ولا يطيعه لأنه لو أطاعه لن يسلم أبداً ،أما إذا عصاه ولعنه فإنه يخنس أي ينصرف ويسكت كما في قوله تعالى {الوسواس الخناس}.
البيئة الاجتماعية هي المسئولة
وعن الأبعاد الاجتماعية للوسوسة تقول د. إلهام فرج مدرس علم الاجتماع بكلية الآداب جامعة القاهرة إن الوسوسة هي عدم الثقة بالنفس ورغم أن لها بعداً دينياً متمثلاً في ضعف الإيمان بالله واهتزاز القضاء والقدر في مفهوم وفي قلب الإنسان الموسوس إلا أن لها أيضاً بعداً اجتماعياً ، فالآخرون من حوله لم يعطوه الثقة بالنفس ، فاهتزت ثقته بنفسه فسيطر عليه الوسواس . فهو مثلاً يقول لنفسه إذا تزوجت فسوف تخونني زوجتي ولهذا يضع العراقيل أمام هذا الزواج ، ومرة أخرى يشعر بالفشل فيتأكد لديه عدم ثقته بنفسه.
ولذلك فالعلاج يجب أن يبدأ منذ النشأة الأولى .. فالطفل يجب أن يأخذ القدر الكافي من الثقة بنفسه حتى لو أتى بأخطاء قد يراها هو أخطاء كبيرة فعلى الأبوين ألا يحرجاه بل يقولا له إنك أحسنت ولم تخطيء ويوجهانه بهدوء مع زرع الثقة في نفسه، فالإنسان الواثق من نفسه المقدام لا يمكن أن تصيبه الوسوسة.
أما الأب والأم اللذان يوبخان طفلهما على كل كبيرة وصغيرة بزعم تربيته فإنما يقتلان الثقة في نفسه ويساعدون في ذات الوقت على تكوين الشخصية المرتجفة المترددة.
كما أن عدم الثقة في النفس تأتي من القهر والضرب والتعذيب الذي يتعرض له الطفل في صغره إما على يد أبيه أو أمه أو زوج أمه –الخ.
أو تأتي من الخوف والقلق الذي نشأ فيه الطفل فيكبر خائفاً قلقاً متردداً مضطرباً، وقد تأتي هذه الحالة من جو الحرمان والاضطهاد والعزلة وعدم التعامل مع الناس
ـــــــــــــــــــ(100/74)
بين جمال الروح.. وزيف المساحيق
هدى سيد 8/4/1426
16/05/2005
كل امرأة تبحث عن الجمال أو عن أي شي يزيدها جمالا وجاذبية، ولكننا لا نملك أجسادا –فقط- بل نملك أنفسا وأرواحا، تبغي هي الأخرى الجمال، فلا معنى لجمال الوجه والمظهر، دون أن نطهر الجوهر ونزكِّي الأنفس، وننشر السعادة لكل من حولنا.. فزينة الوجه بنور الطاعة، والقلب بحلاوة الإيمان والجسد بالخشوع والخضوع لله رب العالمين، والخلق بالحلم والصبر والقناعة والرضا أحلى وأفضل مائة مرة من مساحيق زائفة، سريعا ما تزول، فأيهما أفضل جمال الروح الدائم أم جمال المساحيق الزائف ؟
فضلا عن الأضرار والمخاطر التي تواجه المرأة بسبب تلك المساحيق.
نتائج عكسية
توضح نشوى عبد السلام خبيرة التجميل أن المرأة بطبيعتها تميل إلى استخدام مستحضرات التجميل ومواد تزيدها جمالا وجاذبية وقد تستخدمها بعض النساء لتعالج عيوب البشرة، لكن ليست الطريقة الوحيدة لإضفاء مزيد من الجمال على وجه المرأة هو وضع المساحيق المصنعة على بشرتها لفترات طويلة، فقد تؤدي إلى نتائج عكس المرغوب فيها فمن المعروف أن البشرة من أكثر مناطق الجسم تأثرا بالعوامل الخارجية كأشعة الشمس والرطوبة والبرودة والتلوث، وكذلك الانفعالات الداخلية من ضيق وتوتر وحزن أو فرح وسعادة.
ومن المعلوم أن مواد التجميل- قديما- كانت بسيطة، ولكنها مفيدة للبشرة وغير مؤذية لها.. فقد استخدمت المرأة، الكحل والخضاب و الحناء فكانت أفضل زينة لإظهار الجمال.. كما كانت تعتمد بشكل أساسي على المكونات الطبيعية؛ كاللبن الرايب والخضراوات الطازجة، فهو مفيد جدا للدورة الدموية للجسم وللبشرة خاصة، فضلا عن استعمال الأعشاب الطبيعية؛ لنقاء البشرة وتنظيفها.
ولكن –الآن- بدأت المرأة تسرف في استخدام مساحيق التجميل بشكل صارخ لدرجة أنها خصصت جزءا من الإنفاق لشراء هذه المواد قد تصل إلى آلا ف الريالاّت.
ولكن الجمال الحقيق - كما تقول نشوى عبد السلام- أن تدرك المرأة دورها في حياة أسرتها ومجتمعها وأمتها أن تقبل على العلم وأن تكون لديها ثروة فكرية وأخلاقية ودينية، فبدون هذه الأساسيات لا معنى لجمال الوجه الذي لا يدوم.
الجمال الحقيقي
ويؤكد المفكر الإسلامي الدكتور أحمد عبد الرحمن أستاذ علم الأخلاق أن جمال الشكل ليس المعيار الأساسي ،الذي نحكم به على المرأة بشكل عام. فسوء خلق المرأة قد يذهب بجمال الشكل فلا يكون له قيمة، فالرجل إن كان يهوى في المرأة جمالها الخارجي-اللافت للنظر- إلا أنه يريدها، أما لأبنائه وراعية لشئونه ومدبرة لأمره ومطيعة له فيما يرضى الله عز وجل.
وإن كان لا مفر من خروج المرأة للعمل من التمسك التمسك بتعاليم الإسلام في خروجها وكلامها وتعاملها ولبسها.
ويوجه نصيحة لكل فتاة بألا تهتم –فقط- مظهرها وتهمل جمال الروح والعقل والفكر ،وتنسى رسالتها السامية كزوجة وأم فلابد من التوسط والاعتدال في كل شيء ومحاولة كسب مهارات وهوايات جديدة تسعد بها الزوج وأبنائها، فالحب والتضحية والعطاء المتدفق هو الجمال الحقيقي الذي ينبغي أن يوجد في كل امرأة.
آثار جانبية
ومن الناحية الصحية.. يوضح د. إيهاب خالد أخصائي الأمراض الجلدية مدى الآثار السلبية لاستخدام مستحضرات التجميل، لما تحمله من مواد كيماوية، غير خاضعة للإشراف الطبي.
فهي تسبب حساسية الجلد وقد يصل الأمر لظهور (بقع داكنة) لأن البشرة تتشرب هذه المواد الكيمائية وبمرور الوقت تظهر هذه الآثار.
فضلا عن تغيير لون الجلد، وظهور التجاعيد المبكرة
جمال الخلق
ليس الجمال بأثواب تزييننا .. إن الجمال جمال العلم والأدب
هذه مقولة لأحد الحكماء عن الجمال بدأ بها د. عبد الستار فتح سعيد رئيس قسم التفسير والحديث بجامعة الأزهر قوله عن تزين المرأة العربية مؤكدا أن الجمال الحقيقي في المرأة ، جمال الخلق والطبع، ولابد للذي يبحث عن زوجة صالحة أن يضع نصب عينيه هذه الآيات الكريمة:قال تعالى -في سورة النساء-: " ولْيَخشَ الَّذينَ تركوا، مِن خلفهم، ذريةً ضعافاً، خافوا عليهم، فليتقوا الله وليقولوا قولاً سديدا".
فتقوى الله وخشيته، هي السبيل الأول لحفظ الذرية من الفساد والضياع.
وننصح الشاب المسلم بأن يختار الفتاة المؤمنة، التي تربي أولاده وتحافظ على دينهم؛ لأنه -معظم الوقت- يكون خارج البيت،بينما تتولى الزوجة شئون البيت وتربية الأبناء .
فالمرأة المؤمنة، جمالها في نور وجهها، الذي طهرته بماء الوضوء، ويبدو مع قراءة القرآن والاستماع إليه، فالجمال الذي يدوم هو جمال الإيمان والطاعة وإرضاء الله سبحانه وتعالى.
ـــــــــــــــــــ(100/75)
ولد.. بنت... هل أختار جنس جنيني؟
هديل الصفدي 2/4/1426
10/05/2005
ولد أم بنت... قضية شغلت بال الآباء والأمهات قديماً وحديثاً؛ إذ كانت معرفة جنس الجنين وهو في رحم أمه من أكثر ما يثير اهتمام الأبوين، ومع تقدم العلم أصبحت الفحوصات العلمية لمعرفة جنس الجنين بعد أشهر قليلة من بداية الحمل من أبسط الفحوصات التي تجريها الأم الحامل، وبعد محاولات على مر العصور جاء العلم بقضية شغلت الكثيرين وهي تحديد جنس الجنين، وقدرة الزوجين على اختيار جنس المولود قبل بداية الحمل بإجراء عملية تخصيب صناعية.
وبدأت تنتشر هذه العملية في أمريكا وبريطانيا ودول عديدة أخرى، ولم توضع أي موانع قانونية أمام هذا التحديد إلا أنه أثار جدلاً عالمياً واسع النطاق.
يقول معارضو هذه العملية: إن اختيار جنس المولود سيكون له انعكاسات خطيرة على المجتمع، والعائلات، كما أنه ينطوي على نوع من التمييز الجنسي، ويُعدّ انتهاكاً للقانون الإلهي، كما يرون أنه سيؤدي إلى إنجاب أطفال حسب الطلب، وسيجعل الأطفال سلعة استهلاكية، ويجعل جنس الطفل هو العامل الذي يحدّد ولادته.
ويقول بعض المختصين في أخلاقيات العلوم البيلوجية: إن الأزواج الذين تتملكهم رغبة قوية في ولادة طفل من جنس بعينه تسيطر عليهم وجهة نظر نمطيّة، ويصبحون أكثر احتمالاً لتنشئة الطفل بطريقة تقوم أساساً على نوعه؛ إذ ستكون ردة فعل الزوجين سلبية عند إخفاق عملية تحديد جنس الجنين التي ستؤثر بالتالي على التعامل مع المولود، وتكون هذه العملية مكلفة وغير مضمونة النتائج؛ فواحدة من كل عشر محاولات لإنجاب أنثى تأتي بمولود ذكر، وواحدة من أربع محاولات لإنجاب ذكر تأتي بأنثى، كما أنه سيسيطر على الطفل طوال حياته الإحساس بأنه غير مرغوب فيه.
ويرى بعض الخبراء أن تحديد جنس المولود يخلّ بالتوازن البشري الذي قدره الله تعالى، والتوازن داخل الاسرة الواحدة.
إلا أن أنصار هذه العملية يرون أنه إذا تم وضع الضوابط الملائمة فمن الممكن تحقيق التوازن بين أعداد المواليد من الجنسين، فلو كان هناك أبوان يرغبان في مولود ذكر فينبغي أن يسجلا نفسيهما مع زوجين يرغبان في مولودة أنثى.
ويقول بعض خبراء العقم: إنه من حق الفرد أخلاقياً ممارسة حرية الاختيار في المجالات التي تؤثر عليه بشكل كبير طالما أن ذلك لا يعني التسبب بأي ضرر للطفل.
ويرى آخرون أن عملية اختيار الجنس يجب القيام بها لتلافي بعض الأمراض المتعلقة بالجنس كمرض النزاف (هيموفيليا) أو الضمور العضلي.
وحول نظرة الإسلام لشرعية تحديد جنس الجنين يقول الشيخ يوسف القرضاوي في فتواه الشرعية: إن قضية اختيار جنس الجنين، من ذكورة وأنوثة، تصدم الحس الديني لأول وهلة وذلك لأمرين:
الأول: أن علم ما في الأرحام للخالق سبحانه، لا للخلق. قال تعالى: (الله يعلم ما تحمل كل أنثى وما تغيض الأرحام وما تزداد) وهو من الخمسة التي هي مفاتح الغيب المذكورة في آخر سورة لقمان (إن الله عنده علم الساعة وينزل الغيث ويعلم ما في الأرحام) فكيف يدّعي بشر أنه يعلم جنس الجنين ويتحكم فيه؟
الثاني: أن ادّعاء التحكم في جنس الجنين تطاول على مشيئة الله تعالى، التي وزّعت الجنسين بحكمة ومقدار، وحفظت التوازن بينهما على تطاول الدهور، واعتبر ذلك دليلاً من أدلة وجود الله تعالى وعنايته بخلقه وحسن تدبيره لملكه.
يقول تعالى: (لله ملك السماوات والأرض، يخلق ما يشاء، يهب لمن يشاء إناثاً، ويهب لمن يشاء الذكور، أو يزوجهم ذكراناً وإناثاً ويجعل من يشاء عقيماً، إنه عليم قدير).
ويضيف القرضاوي: لماذا لا يُفسّر علم ما في الأرحام بالعلم التفصيلي لكل ما يتعلق بها؟ فالله يعلم عن الجنين: أيعيش أم يموت؟ وإذا نزل حياً: أيكون ذكياً أم غبياً، ضعيفاً أم قوياً، سعيداً أم شقياً؟ أما البشر فأقصى ما يعلمون: أنه ذكر أو أنثى. وكذلك يُفسّر عمل الإنسان في اختيار الجنس: أنه لا يخرج عن المشيئة الإلهية، بل هو تنفيذ لها. فالإنسان يفعل بقدرة الله، ويشاء بمشيئة الله (وما تشاءون إلا أن يشاء الله).
ويوضح القرضاوي تفسيره بأن الدين الاسلامي قد يرخص في عملية اختيار الجنس، ولكنها يجب أن تكون رخصة للضرورة أو الحاجة المنزلة منزلة الضرورة، وإن كان الأسلم والأولى تركها لمشيئة الله وحكمته (وربك يخلق ما يشاء ويختار، ما كان لهم الخيرة)، والله أعلم.
وتوصل مجلس المجمع الفقهي لرابطة العالم الاسلامي إلى حكم شرعي يقول: " إذا كان الغرض الحصول على مولود ذكر كراهية في الأنثى أو لمعرفة جنس اللقيحة ثم إجهاضها فهذا غير مسموح به، أما إذا كان الغرض تحديد جنس اللقيحة مبكراً للحصول على جنس معين في حالة وجود مرض وراثي في العائلة خاصة تلك التي تنتقل عبر الكروموسومات الجنسية فهذا يمكن، ويُستحسن عدم اللجوء إلى هذه الطرق إلا على نطاق ضيق جداً".
كما أفتى الدكتور محمد رأفت عثمان مقرر لجنة البحوث الفقهية بمجمع البحوث الإسلامية بالأزهر بجواز استخدام تقنيات الهندسة الوراثية لاختيار نوع الجنين ذكراً كان أم أنثى، وأكد أن اختيار نوع الجنين جائز شرعاً لأن هذا العمل يدخل في باب المباحات، ولا يوجد دليل في القرآن أو السنة يحرمه، مدللاً على ذلك بما نصت عليه القاعدة الشرعية التي تقرر أن الأصل في الأشياء الإباحة ما لم يرد تحريم من الشرع.
وقال: إن الإجماع قام على جواز الدعاء بالطلب من الله -عز وجل- أن يرزق الإنسان ذكراً أو أنثى، وكل ما جاز الدعاء به جاز للإنسان أن يفعله، وكل ما لا يجوز فعله لا يجوز الدعاء به.
ـــــــــــــــــــ(100/76)
آلام السنين.. وحكايات دار المسنين!
ضحى الحداد 26/3/1426
05/05/2005
هكذا ينتهي قطار العمر على الناس مثلما انتهى بكثيرين قبلهم، فبعدما ربّت الأم وسهرت وأعطت كل ما تملك لأبنائها من عمرها وشبابها, منتظرة بفارغ الصبر أن يكبر، يوماً بعد يوم وساعة بعد ساعة ولحظة بعد لحظة, وكذلك الأب الذي أمضى حياته جاهداً من أجل لقمة عيشهم, يتنكر بعض الأبناء لآبائهم, ويُرمى الأب وتُرمى الأم إلى درب مجهول ليذهب بعضهم ممن يحالفهم الحظ إلى دور المسنين.
دار الدولة أفضل من منزل العائلة
تتحدث لِ(الإسلام اليوم) السيدة ( إنعام علي) مديرة دار المسنين في بغداد عن حال هذه الدار، وخاصة بعد الأوضاع الأخيرة، فقالت: احتضنت هذه الدار مجموعة كبيرة من المسنين بعد أن ضاقت بهم الأيام وتركهم أبناؤهم, وهذه الدار تتضمن مسنين لا يوجد لديهم معيل, وتحتوي على (60) رجلاً و (40) امرأة, يُعاملون معاملة جيدة جداً، ولهم أوقات زيارات وأوقات للتنزه, لكن المشكلة التي تواجهنا هي الحالة النفسية الصعبة التي يعانيها المرضى جراء ترك أولادهم لهم, وعن سؤالنا لها حول حالة الدار قبل وبعد الحرب, فأجابت بأن الحال في السابق كان أفضل من حيث الوضع الأمني, فبعد فترة السقوط وضعنا طوقاً أمنياً مشدداً على الدار للحيلولة دون تعرضها لعمليات سطو، والآن أصبح الوضع أصعب من حيث عدم توفر الأجواء المناسبة لخروجهم للترفيه عن أنفسهم، ويصعب وصول بعض المنتسبين إلى الدار بسبب الوضع الأمني المتردي في الشارع العراقي.
هل سيحصل يوما لي هذا...؟
قصص وحكايا مؤلمة استمعنا لها ونحن نتجول في أروقة الدار, صعبت علينا قصص مؤلمة, حينما تسمعها يتبادر إلى ذهنك أولاً سؤال: هل سيحصل يوماً لي هذا؟
خلف عيونها الدامعة حملت (أم حسين) آهات كثيرة، فبعدما أصابها المرض انزعجت زوجة ابنها منها، فطلبت من زوجها أن يخرج أمه من المنزل, لم تستطع تكملة حديثها وأجهشت بالبكاء, وعرفنا فيما بعد بأن ابنها أحضرها إلى هذا الدار طلباً من زوجته, هذه كتلك وتلك كغيرها, فأم عمر الغنية جداً في الواقع، لكنها تعرضت لنصب واحتيال من قبل حفيدها, وقد تنازلت له عن كل ما تملك, وتغيرت بها الأحوال بعد أن كانت في عز ونعيم لا يُوصف, وهناك امرأة تشارك والدتها المكان حيث تبلغ الأم من العمر (70)، والبنت تبلغ عمراً يناهز الأربعين ولم يحالفها الحظ بالزواج .لديهم ابن واحد تركهم ليعيش مع زوجته بسلام، ويأتي في كل شهر ليأخذ من الأم نقوداً تعطيها إياها الدولة, وبرغم النصائح التي يقدمها لها الكثيرون بعدم إعطائها نقوداً لابنها العاق تقول الأم: "أحزن حينما يقول لي بأنه يحتاج النقود" نعم هذا قلب الأم الذي يسامح مهما أدمته قسوة قلوب الأبناء.
ازرع تحصد
أخبرت (الإسلام اليوم) السيدة هدى المسؤولة والباحثة الاجتماعية لهذه الدار فقالت: إن الجميع هنا يعيشون حالاً أفضل من السابق, فإحدى المقيمات تقول بأنها تحس بالكرامة هنا على عكس إحساسها بالذل في بيت ابنها أو أقاربها, وغيرها كثير, إلا أنهم هنا وجدوا الراحة والأمان حتى إن بعض المسنين تزوجوا من مسنات هنا, وأقمنا لهم عرساً بسيطا. وهكذا .. تعايشنا مع هذا الوضع منذ زمن, ومشاكلهم قليلة جداً؛ إذ إنهم ينامون كثيراً, ويجلسون بهدوء أيضاً، أما عن سبب ترك بعض الأبناء لآبائهم فهو نتيجة تربية خاطئة، وكما يُقال-ازرع تحصد-أو سوء تصرف من قبل الأهل؛ إذ إنهم يثقون ثقة عمياء بأولادهم ويسلمونهم كل ما يملكون من أموال, فيجب أن تُراعى مبادئ وأسس صحيحة في التربية كعدم التدليل والإسراف فيه إلى حد كبير.
ليس كل ما يتمنى يدرك
ولا يختلف حال الرجال عن النساء كثيراً , فعند دخولنا إلى ردهة الرجال كان الوضع أكثر حزناً لأنه يصعب عليك رؤية دموع الرجل على اعتبار كرامته وهيبته , فـ( كمال 80 سنة) أب لأربع فتيات وولدين, تزوجت بناته ورحلن خارج الوطن, بينما بقي ولداه وهمهم الوحيد المال, فحينما أحس كمال بأن أولاده يريدون أن يرثوه حياً تنازل لهم عن كل ما يملك وترك لهم الجمل بما حمل، وأتى إلى هذه الدار التي يحس فيها بالأمن والاطمئنان, وهذا (أبو سيف) الذي كان يعمل ضابطاً مرموقاً، وجلس يتكلم طويلاً عن حياته في الجبهة، وعن حروبهم مع الإسرائيليين حينما أرسلهم الجيش في الزمن الماضي إلى فلسطين, وغيرها من القصص, إلا أن الزمن انتهى به إلى هذا المكان, فقد سافر أولاده إلى خارج القطر بعد وفاة زوجته, وهم يعملون هناك إلا أنه لم يشأ إخبارهم بحقيقة كونه في هذه الدار.
نستعرض لكم قصة تلو الأخرى، ولكن هذه أكثر إيلاماً قصة يوسف فقد تزوج من امرأة مطلقة ولديها طفل، فأخبرها بأنه مهدّد بالعمى فقالت له بأنها ستعتني به, ولكن بعد أن حصل ما حصل بعد فترة طويلة، وأصيب بالعمى ذهب كلامها أدراج الرياح وصارت تحتقر وجوده, وتعيّره بمرضه وتذكّره بأنها تتحمله وهو أعمى إلى أن أصبحت حياته جحيماً بعد أن كانت جنة بالنسبة له, ويضيف بأنها أخذت أجمل سنين عمري هي وابنها, وكانت الزوجة المدللة لكن ما الفائدة؟ طلبت مني الطلاق وتركتني وحدي هنا, إلا أنني آسف على شيء واحد هو أنني أحببتها من كل جوارحي..
موت الضمير..
الموضوعات كثيرة والقصص الغريبة أكثر فمرة تجد أختاً تخلّت عن أختها وأناس تخلّوا عن أقاربهم, ولكن أن تجد أناساً يتخلون عن أمهم وأبيهم بطريقة صلبة, هذا أمر نادر الحصول وأسبابه معقدة, كما قال الدكتور كمال أحمد الطبيب النفسي: إنه يجب أن تُراعى في تربية الأبناء التربية الإسلامية الصحيحة، ويجب زرع مبادئ الدين الإسلامي الحنيف في الأبناء والذي بغرسه في النفس البشرية منذ الصغر يربي في الأبناء حب الوالدين وطاعتهما, لكن على العكس من ذلك, فالتربية المنفلتة والأسر المفككة والمشاكل التي تغزو حياتهم تؤثر تأثيراً مباشراً في هذه النفس وتجعلها قاسية وصلبة, فتتراكم هذه السلبيات وتتحول إلى كره وأنانية ونرجسية كبيرة, فتتغلب المصلحة الشخصية على مصلحة الكل، فيفضل الولد زوجته على أمه, وتوحي له نفسه بأن هذا شيء عادي، وللآسف إذا وصل الإنسان إلى هذه المرحلة فعلاجه صعب جداً ويكاد يكون مستحيلاً .
سلبيات وإيجابيات
لا يرضى أي شخص في الدنيا أن يُحبس في دار لرعايته بعيداً عن أهله، ولكن في نفس الوقت لا يرضى أي شخص أن يعيش في بيته، وهو ذليل وغير مرحّب فيه, وبعض الشر أهون كما يقولون, ولكن من الجدير بالذكر بأن هذه الحالات هي نادرة جداً في العراق ونحن نتكلم هنا عن دار واحدة في كل محافظة بغداد، وفي المحافظات الأخرى بصورة أقل لأن الشعب العراقي- وكما هو معروف- مجتمع ذو روابط أسرية ودينية متينة, فلذلك هذه الحالات نادرة جداً، وقلما سمع الكثير من الناس عن وجود أبناء تبرؤوا من آبائهم فالزمن الصعب علمهم المصابرة والمرابطة, والتكاتف مع بعضهم والوقوف جنبا إلى جنب في وجه الأزمات
ـــــــــــــــــــ(100/77)
البنات والنيولوك
د/ خالد سعد النجار 21/3/1426
30/04/2005
مع بداية العصر الحديث ازداد ولع النساء وبعض الرجال بعمليات التجميل وأصبح يُنفق عليها الأموال الباهظة؛ إذ بلغ حجم ما تنفقه المرأة على الماكياج وعمليات التجميل والتخسيس (160) مليار دولار سنوياً, وكل ذلك من أجل الحصول على وجه جميل وجسد رشيق فاتن، خاصة وأن أحدث دراسة أجراها العالم الأمريكي (ديفيد بوش) على عشرة آلاف شخص ينتمون لحوالي) 37) ثقافة مختلفة جاءت جاذبية المرأة على قمة ما يطلب الرجال توافره من أجل الزواج.
ومما زاد من حدة انتشار هذه الجراحات - التي كانت مقصورة من قبل على الشهيرات ونجمات السينما - أنها صارت الآن متاحة للجميع بدرجة أكثر أماناً وأقل تكلفة من ذي قبل, حتى إن (آلان ماتاراسو) أحد أشهر جراحي التجميل في أمريكا قال: إن عملية تكبير الثدي التي كانت تتكلف أكثر من (12) ألف دولار منذ عشر سنوات لا تتجاوز تكاليفها الآن (600) دولار فقط .
ويقدر الخبراء الأمريكيون أن صناعة التجميل الخاصة بالعناية بالجلد فقط تبلغ استثماراتها ما يزيد على (24) مليار دولار, أما الماكياج فتبلغ قيمة استثماراته (18) ملياراً, والعناية بالشعر (38) ملياراً, والعطور (15) ملياراً, ومن الأسواق الواعدة في صناعة التجميل - التي أهملتها الشركات التقليدية- سوق جراحات التجميل الذي تبلغ قيمة استثماراته بالفعل (20) مليار دولار سنوياً، ولا تزال تنمو بمعدل سنوي كبير. وقد زاد الإقبال على تلك الجراحات داخل أمريكا بنسبة 220% منذ عام 1997 م، أما الجراحات التقليدية كتكبير الثدي وتعديل شكل الشفاه والأنف فتتم من خلال حقن (بوتوكس) لتجميد عضلات الوجه التي تسبب التجاعيد, وقد زادت تلك الجراحات بنسبة 2400% منذ عام 1997 م، كما زادت حالات عمليات التجميل في العالم العربي خلال العام الماضي من (380) ألف عملية إلى (650 (ألف عملية تجميل.
ويرى المحللون أن السبب المباشر لتفشي هذه الظاهرة هو أغنيات (الفيديو كليب) العارية..والتي تعتبر أن جسد المطربة، وكم العُري المعروض منه من أهم عوامل نجاحها حتى صار لسان حالها يقول: (قليل من الغناء , كثير من العُري) فلقد جاءت أغاني (الفيديو كليب) كأحد خصائص الثقافة الاستهلاكية؛ إذ تركز على أجساد الفتيات لما للحركات الإيحائية التي تتم من خلال الجسد من تأثير مباشر على حواس المشاهد وشهواته, فضلاً على أن معظم مشاهد الكليب تم تصويرها ما بين حمام السباحة وغرفة النوم والبار ، وساعد الإقبال المتزايد على مشاهدتها على إنشاء قنوات فضائية غنائية فقط، بل أصبحت تتكاثر كالأمراض السرطانية الخبيثة التي تنمو بشكل متزايد وفي أسرع وقت، فالربح مضمون والتكلفة منخفضة، والأغاني مهداة مجاناً لهذه القنوات، وأصبحنا نرى الراقصات مطربات, يتسابقن في التنافس على ارتداء الملابس الساخنة والقيام بحركات كلها إغراء, وكأن جسد الراقصة بداية المتعة ونهايتها أيضاً.. حتى أشارت بعض البحوث الميدانية إلى أن هناك فئات كالأطفال والمراهقين والشباب يجلسون طوال اليوم، وأغلب الليل مشدودين ويقارنون بين جسد تلك وجسد الأخرى، فالكلمات لا تهم واللحن لا داعي له طالما هناك أجساد تتلوى قادرة على جذب مزيد من الرسائل النصية أو المصورة .. فانتشرت مراكز تجميل الجسد وظهرت موضات النيولوك، وعري أكثر تنجح أسرع، وتحت شعار (الجمهور يسمع بعينيه قبل أذنيه) زاد تركيز المصور على مناطق تجذب المراهقين الصغار والكبار معاً في جسد المرأة، سواء وهي تغني في التلفاز أو تتعرى على المسرح في حفلات الهواء الطلق، بعد أن أصبح جسد المطربة، وكم العري أهم عامل في نجاحها.
وامتد تأثيرها إلى تقليد الأزياء التي ترتديها، وارتداء ملابس عليها كتابات لها دلالة جنسية عند الذين صنعوها، مما زاد من الإقبال عليها، وإشعال الرغبات الجنسية لدى الأطفال والمراهقين الذين نموا قبل مراحل نموهم العادية، كما تحددها كتب علم نفس النمو، ولمزيد من تخدير وتغييب هؤلاء أصبحت مسابقات ملكات الجمال لا تُقام مرة واحدة، وإنما تم تخصيص قناة لها تبث مشاهد فتيات شبه عاريات أو بملابس أكثر إثارة من العري نفسه .. تشاهدهن في نومهن ويقظتهن، وداخل غرف نومهن طالما أن ذلك سيدفعك للتصويت، وتحقيق الربح المادي الخيالي من وراء رغبات مكبوتة.
ولقد بلغ جنون كثير من الفتيات والنساء بالجمال بسبب هذا التأثير المفرط حداً لا يوصف, والصحف والمطبوعات العربية تعجّ يومياً بدعايات وإعلانات برّاقة عن الخدمات التي تقدمها مراكز التجميل من عمليات شفط الدهون، وشدّ الأجزاء المترهلة والتكبير والتصغير وإزالة غير المرغوب فيه, وقائمة طويلة عريضة من الخدمات الأخرى التي يسيل لها لعاب كثير من النساء الباحثات عن القوام الرشيق والراغبات في مزاحمة المطربات ومذيعات الفضائيات على عرش الجمال.. كل ذلك دون أن يحسبن حساباً لمدى خطورة إجراء مثل هذه العمليات وما قد يتبعها من مضاعفات جانبية خطيرة يحرص كثير ممن يطلقون على أنفسهم (خبراء) و (خبيرات) التجميل على إخفائها عن مسامع زبائنهم، واضعين نصب أعينهم الأموال الطائلة التي سوف يجنونها من إجراء تلك العمليات السحرية.
إننا نهيب بكل امرأة أن تحَكِّم عقلها قبل التفكير في إجراء أي عملية تجميل وتضع نصب عينيها حقيقة أن 99% من فنانات ومطربات هذه الأيام هن زبائن دائمات لتلك المراكز والعيادات، وأن (النيولوك) الذي تظهر به فنانتها المحبوبة والذي تحاول جاهدة تقليده يعود فضله إلى عمليات (الصبغ والسمكرة) التي تجري على يد أمهر خبراء التجميل في أرقى العيادات و المراكز الأوروبية.
لا أعتقد أن أحداً بات يجهل ما حدث للمطربة اللبنانية معشوقة الشباب الأولى والنموذج المثالي لفتيات الأحلام بالنسبة لهم، فقبل فترة نُشر خبر عن سقوطها على المسرح أثناء تأديتها لحفلة من حفلاتها بعد إصابتها بإغماءة مفاجئة علل الأطباء سببها إلى إسرافها في استخدام حقن (السيليكون) التي تُستخدم عادة في عمليات التجميل (لتلغيم) الأجزاء المراد تكبيرها في الجسم، وحسب ما ورد في الخبر فلقد قامت بحقن جميع أجزاء جمسها بهذه المادة الخطيرة لكي تبرز من جسدها ما نراه من (بروزات وانبعاجات) مثيرة للغرائز والأحاسيس جعلت ملايين الشباب في شتى أنحاء العالم العربي يهيمون بها حباً وتيهاً، وهم لا يدرون أنها ليست سوى كتل سيليكون متحركة, أما (مايكل جاكسون) المطرب الأمريكي المشهور فهو مثال آخر للمعجزات التي يمكن أن تحدثها عمليات التجميل التي تُعتبر في هذه الحالة (تشويهاً) بالتأكيد، فعشرات العمليات المختلفة طالت كل بوصة في جسد ذلك المطرب لم تخلف وراءها سوى (مسخ) يتأرجح بين عالم البشر والقرود.
أما عن الرؤية الشرعيّة لمثل هذه العمليات فلقد جاء في الموسوعة الطبية: الجراحة التجميلية (Esthetic Surgery) هي فنٌّ من فنون الجراحة يرمي إلى تصحيحَ التشوهات والعيوب والآفات الظاهرة، مثل التَّشَوُّهات الولادية أو الخَلْقِيَّة Congenital Malformations)) ، مثل تعديل الحَنَك المشقوق أو الشفة المشقوقة أو ما يُعرف عند العامَّة بشفة الأرنب، أو تعديل عيوب صيوان الأذن، أو انحراف الأنف أو تصغيره إن كان ضخماً، ونحوه .. وقد تجرى عمليات التجميل لقلع السِّنِّ الزائدة، أو قطع الإصبع الزائدة، أو تصحيح التشوهات الناجمة عن الحوادث المختلفة كالحروق والجروح.. والجراحة التجميليّة جائزة إجمالاً ولكن بشروط، وهي:
- الجراحات التجميليّة التي تستهدف علاجَ المرض الخَلْقي أو المرض الحادث بعد الولادة بقصد إعادة شكل أو وظيفة العضو السَّويَّة المعهودة له جائزةٌ شرعاً، ومثلها أيضاً إصلاح العيب أو الدَّمامة التي تسبب للشخص أذًى عضوياً أو نفسياً.
- الجراحة التجميلية التي تستهدف تغيير شكل أو وظيفة العضو السَّويَّة المعهودة حرامٌ لا يجوز إجراؤها، وذلك لنهي النبيِّ صلى الله عليه وسلم عن مثل هذا الفعل حيث قال: (لَعَنَ اللهُ الواشماتِ والمُتوَشِماتِ والمُتَنَمِّصَاتِ ، والمُتَفَلِّجَاتِ للحُسْنِ المُغَيِّرَاتِ خَلْقَ اللهِ) رواه مسلم , ومن ذلك مثلاً العمليات التي تجرى لتغيير الجنس (Sex Reversal) من رجل إلى امرأة أو بالعكس، التي شاعت في بعض البلدان غير الإسلامية في العقود الأخيرة، وهي حرام بيِّن لا شكَّ فيه.
- الجراحات التجميلية التي تجرى لمجرد اتباع الهوى، أو تحصيل المزيد من الحسن حرام، لا يجوز إجراؤها، لقول النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث المتقدم (.. المتفلجات للحُسن) ومن ذلك مثلاً عمليات شَدِّ الجِلد وما شابهه من العمليات التي تستهدف إزالة آثار الشيخوخة وإعادة مظهر الشباب (فهذا النوع من الجراحة لا يشتمل على دوافع ضروريّة ولا حاجيَّة، لهذا لا يجوز فعله)؛ لأنه تغييرٌ للخلقة، وعبثٌ بها، واتباعٌ للهوى والشهوة والشيطان الذي تمرَّد على ربه فقال (.. ولآمرنَّهم فليُغيِّرُنَّ خلقَ اللهِ) [النساء: 119].
ولربَّما احتجَّ الذين يلجؤون لمثل هذه العمليات بأنها تزيدهم ثقةً بالنَّفْسِ، وتزيدهم قدرةً على الإنتاج والعطاء، وهي حجة واهية، فالثابت من المشاهدة أن ( عمليات التجميل لا تغيِّر من شخصيَّةِ الإنسان تغييراً ملحوظاً، وأن العجز عن بلوغ هدف معين في الحياة لا يتوقف كثيراً على مظهر الشخص؛ فالمشكلة في ذلك أعمق كثيراً مما يبدو من ظواهر هذه الأمور، وعلى هذا فعمليات التجميل الاختيارية غيرُ محقَّقَةِ النتائج، ومن الخير تَرْكُ الإغراقِ في إجرائها أو المبالغة في التنبؤ بنتائجها) ولعلَّ خير وسيلة لعلاج مثل هذه الأوهام والوساوس هي (غرس الإيمان في القلوب، وغرس الرضا عن الله تعالى فيما قَسَمَهُ من الجمال والصورة)، والمظاهر ليست هي الوسيلة لبلوغ الأهداف النبيلة، وإنما يُدرك ذلك بتوفيق الله تعالى، ثم بالتزام شَرْعِهِ، والتَّخَلُّق بالآداب ومكارم الأخلاق
ـــــــــــــــــــ(100/78)
المرأة المسلمة ومحاولة يائسة للاستنساخ
غادة الكاتب 4/3/1426
13/04/2005
انتشرت إفرازات الحضارة الغربية المادية في العالم بفعل هيمنة هذه الحضارة على مصائر الأمم، إضافة إلى إستراتيجية العولمة التي انتهجتها لتحوير ثقافات هذه الأمم وحضاراتها، وقد تأثرت المرأة المسلمة -مثل أخيها الرجل- بشيء من ذلك، بل وانساق عدد من النساء وراء هذه الأفكار الغربية، التي تتعارض مع الإسلام، فصرن ينادين بمساواة المرأة بالرجل في الميراث والشهادة والنكاح وغيرها؛ مما يخالف حكم الله وشرعه.. إلا أن نساء أخريات، رفضن هذه الهجمة، ورأين فيها محاولة مشبوهة لاستنساخ واقع المرأة الغربية، وفرضه على المجتمع المسلم.
تقول الأكاديمية فاطمة بنت عبد الله البطاح: "لا شك أن وسائل الإعلام المختلفة بكل ما تمثله من هيمنة وسيطرة وانتشار قد تركت آثاراً سيئة وبالغة الخطورة على شخصية المرأة المسلمة المعاصرة!" وتضيف: "إن الصحافة النسائية أو البرامج المرئية الموجهة للمرأة المسلمة ـ في أهدافها وطبيعة مضامينها- لا تعكس قيم المجتمع المسلم الذي تظهر فيه وتروَّج؛ بل تكرس نموذج المرأة الغربية، وتظهره بصورة ترسّخ في الأذهان على أنه هو النموذج القدوة!!"
من جانبها ترى د.فريدة صادق زوزو أن المرأة كانت محط اهتمام خصوم الإسلام الذين يتربصون بأمتنا، مستفيدين من ضعف الوعي الشرعي والخبرة لديها، الأمر الذي يقف حائلاً دون تصديها لما يستهدف كيانها وشخصيتها، من برامج الغزو الثقافي والفكري والتربوي، ويجعلها عرضة للإغواء والتدمير، والتأثر السريع بالآخرين، وبمظاهر التغريب والانحلال، وتضيف د. "زوزو": "إن دعاة التغريب كتبوا في كل ما يتعلق بالمرأة وتحريرها، وتناسوا متعمدين الحديث عن فطرتها وأمومتها، انتصاراً لإفساد المجتمع الإسلامي، بالدخول في غوره، وأساسه، ألا وهو الأسرة، والتي يبدأ انهدامها بهدم اللبنة الأساس وهي الأم والزوجة".
أما الباحثة نوره بنت عبد الله بن عدوان فتقول: " إن المرأة المسلمة تبرز في الإعلام الغربي كأداة توظف في تشويه صورة الإسلام والمسلمين، وقد ساعد في ذلك اجتماع كل من مصالح الآلة الإعلامية الضخمة التي يسيرها النفوذ الصهيوني مع أهداف المنتميات للحركة الأنثوية الغربية في تقديم صور نمطية مشوهة للمرأة المسلمة". وتضيف: " لقد دأب الغرب في تناوله لقضايا المرأة المسلمة، على اعتماد عدة أسس:
أولها: الدعوة إلى رفع وصاية الدين عن المرأة، حيث يعتبر الغرب أن الدين حجر عثرة في طريق تقدم المرأة، وتزامن ذلك مع الحملة التي تنامت بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر ضد القرآن والرسول -صلى الله عليه وسلم- وضد شعائر الإسلام، ومن يطّلع على معظم ما يُحرّر في هذا الجانب يلمس التعدّي التامّ على الإسلام بهدف نقضه كدستور ومنهج وتشريع".
وتجتهد وسائل الإعلام الغربية في تصوير المرأة المسلمة بصورة الإنسانة المضطهدة والمحرومة من حقوقها، فهذا (نيكولز كريستوف) من صحيفة NEW YORK TIMES) ) يصف التزام المرأة بالقيم الإسلامية في السعودية بالمعاملة غير الإنسانية، في حين يكتب (إدوارد بكنغتون) من صحيفة( (GUARDIN ضد أحكام الشريعة ويصفها بـ"المتشدّدة"؛ إذ "تتيح للرجل الزواج من أربع في حين لا تتيح ذلك للمرأة"، ولا يقف (بكنغتون) عند هذا الحد بل يتمادى فينتقد حد الزنا، ومنع الاختلاط ويعتبر ارتداء المرأة الحجاب صورة من صور تسلّط الرجال.
شاهد من أهلها
وتأتي آراء بعض النسوة الغربيات اللواتي اعتنقن الإسلام خير داحض لادّعاءات (بكنغتون) و(كريستوف) إذ تقول السيدة نبيلة، واسمها قبل الإسلام (روبين رييد): "عند دخولي في الإسلام دهشت لما تتمتع به النساء من منزلة رفيعة. فالصورة مغايرة لتلك التي عند الغربيين، فالإسلام لا يقيد ولا يصادر أي شيء من كرامة المرأة"، وتوافق السيدة عائشة، واسمها قبل الإسلام (راشيل بريتشرد) على رأي خديجة وتقول: "لا يوجد شيء في الإسلام يقلل من كرامة المرأة، الإسلام يعطيها الكرامة، فالمرأة المسلمة تعامل بالود والكرامة التي تستحقها، ولو عرفت النساء الغربيات كيف تُعامَل المرأة المسلمة كما يأمر الله ـ سبحانه وتعالى ـ فسوف يسرعن لاعتناق الإسلام".
وتركز معظم التحقيقات والمقالات الغربية التي كُتبت حول المرأة المسلمة، على تحريض المسلمات لمحاربة القيم الإسلامية، وذلك من خلال استخدام الإعلام الغربي منهجاً انتقائياً في تحرير المقالات والتحقيقات، التي تتفق مع أطروحاتهم الشخصية، وفي حالة إثبات الآراء المخالفة تختتم المقالة أو التحقيق برأي ما هو مؤيد للنموذج الغربي، تقول د. عدوان: "يظهر المنهج الغربي الانتقائي غير الموضوعي بكل وضوح في الحالة السعودية عندما تهمل نتائج التنمية التي تحققت للمرأة في المملكة، ويكون التركيز بالدرجة الأولى عند الحديث عن المرأة على عباءتها دون الإشارة إلى أن هذه العباءة لم تمنعها من العمل في التدريس والطب وإدارة البنوك، والتسويق وتقنية المعلومات والتجارة وغيرها مما يشهد به واقع التنمية السعودي"، وتأتي مقالة (نيكولز كريستوف) من صحيفة (NEW YORK TIMES)لتؤكد على نظرية د. عدوان؛ إذ يطالب كريستوف في تحقيقه بإطلاق لقب (BLACK GHOSTS) الأشباح السوداء على نساء السعودية، ويضيف: "إن المرأة السعودية مصنفة في الغرب بـ(ممسحة الأرجل الأثرية المغطاة بالسواد) بهذه الصورة الساخرة المغلفة بالاحتقار، يتحدث الإعلام الغربي عن المرأة المسلمة التي لا يعرف عنها، ولا يرى منها سوى عباءتها السوداء، فمن "وصْف بالأشباح السوداء، إلى إطلاق لقب النينجا وغيرها من الأوصاف والمشاعر المملوءة بالاستخفاف بثقافة الآخر، واحتقار قيمه واتهامه بالانغلاق والتحجر والجمود"- حسب د.عدوان- التي تؤكد أنه "إن كان لدى المرأة السعودية أي مشاكل فالحجاب ليس واحداً منها"، وتضيف: "إن أحكام الإسلام يتّبعها المسلمون طوعاً رجالاً ونساءً، ولا تفرض بحد السيف كما يصورّها الإعلام الغربي".
ويركز الإعلام الغربي على أن خلاص المرأة المسلمة مرهون باتباعها ثقافة المرأة الغربية نموذجاً؛ إذ يقول (كريستوف): "استمررت في سؤال النساء السعوديات كيف شعورهن وهن ممتهنات، واستمررن في إجابتي باعتزاز وكرامة أنهن غير ممتهنات"، ثم يضيف مؤكداً "نحن في الغرب نريد أن نحرّر هؤلاء النسوة، وهن يصررن على أنهن سعيدات بوضعهن".
على ذلك ترد السيدة خديجة واسمها قبل الإسلام (ويندي بووث) فتقول: "الحجاب الذي يتصور الغرب أنه حاجز أو عائق، كان تحرّراً بالنسبة لي، حرّرني من أن يُنظَر إليَّ تلك النظرة المادية، نظرة الجسد الخالي من العقل، وكان الحجاب دافعاً لأن أُعامل باحترام وكرامة".
وفي تفسير لهذا التكالب الغربي على غزو عقلية المرأة المسلمة يقول الشيخ د. بشر البشر: " لقد فطن الغرب لمكانة المرأة ودورها في صنع الأمة، وتأثيرها على المجتمع؛ ولذلك أيقنوا أنهم متى أفسدوا المرأة، ونجحوا في تغريبها وتضليلها، تهون عليهم حصون الإسلام، بل يدخلونها مستسلمة بدون أدنى مقاومة". مشيراً إلى ما جاء في برتوكولات اليهود التي تقول: "علينا أن نكسب المرأة، ففي أي يوم مدّت إلينا يدها ربحنا القضية".
وثيقة بكين: الدين عائق
من جهته، يرى د. كمال حبيب أن وثيقة بكين، التي وقّعت عليها(81) دولة أشارت بوضوح إلى أن الدين يقف عائقاً أمام تحقيق مقرراتها التي تنظر للمرأة على أنها "المرأة الفرد وليست نواة الأسرة"، ومن ثم "فالمرأة العاملة هي المرأة المعتبرة؛ أمَّا ربة الأسرة ـ فيُنظر إليها باعتبارها متخلفة وخارج السياق الدولي الجديد؛ لأنها لا تمارس عملاً بمقابل، ولأنها ربطت نفسها بالزوج والأولاد والأسرة"، ويضيف د.حبيب: "إن وثيقة بكين ناشدت المؤسساتِ الدينيةَ لكي تساعد على تحويل مقررات المؤتمر إلى واقع ـ أي أن تصبح المؤسسات الدينية أحد أدوات المرجعية الكونية الجديدة التي يتبناها النظام العالمي ويسعى لفرضها على العالم".
ولعله مما يبعث على التفاؤل أن ثمة شبه إجماع من النساء المسلمات على رفض النموذج الغربي؛ فها هي إحدى الأكاديميات السعوديات تردّ على كريستوف من صحيفة ( NEW YORK TIMES) وتؤكد " إنني لست ممتهنة، أنا أغطي جسدي ووجهي، وأنا سعيدة بكوني فتاة تطيع أوامر ربها"، وهذه أخرى تشير إلى أن الحجاب يعبر عن ثقافتها فتقول: "إنك لا تستطيع الذهاب إلى الهندية وتسألها لماذا تلبس الساري، ولا تستطيع أن تسأل الغربية لماذا تلبس الفستان القصير، إذن هذه هي عباءتنا وهي جزء من ثقافتنا، ولم تكن مصدر إزعاج لي على الإطلاق".
وتؤكد (نيكول جاوتي) المحررة في صحيفة (كريستيان ساينس مونيتور (The Christian Science Monitor من خلال تحقيق مطول أجرته مع عدد من المسلمات في كل من: أفغانستان وإيران والمملكة العربية السعودية، على أن هؤلاء النسوة يفخرن حقاً بطبيعة الإسلام ومكانة المرأة فيه، ويؤكدن جميعاً على أن الدين والثقافة والتراث شكّلت حياتهن، وإن كان لديهن أي مشاكل "فبالتأكيد الحجاب ليس واحداً منها"، وتستنتج (جاوتي) في تحقيقها أن "أحكام الإسلام يتبعها المسلمون في طوعاً رجالاً ونساءً، ولم تُفرض بحد السيف كما يصورها الإعلام الغربي".
متحجبات: اتركونا وشأننا
ويعجب (بكنغتون) المحرر في صحيفة الجارديان (Guardian) من حقيقة كون النساء السعوديات يفضلن البقاء والاستمرار على عادات اجتماعية يصفها بـ "المتشددة" ويستشهد بمقولة إحداهن: "إن النساء السعوديات سوف يحافظن على العباءة، وإنك لو أتيت بعد مليون سنة من الآن ستجد المرأة السعودية محافظة على عباءتها"، وهذه الحقيقة تؤكدها أيضا استشارية سعودية في ردها على طرح لصحيفة (كريستيان سينس مونيتور The Christian Science) فتقول: "عليكم أن تعوا أن معظم النساء المسلمات يرغبن في الحجاب، ليس هناك شيء سوى الدين، الحجاب رمز للعقيدة، وهو شكل من أشكال الحماية، إنه لن يتغير، إنه مثل الجلد الثاني"، وفي السياق نفسه تقول رئيسة جمعية خيرية سعودية في صحيفة: (USA TODAy) "يتهموننا بأننا متخلفون، ولكنهم لا يرون ما هو موجود تحت العباءة، إننا لا نريد أميركا أن تأتي وتضع مطالب نيابة عنا، اتركونا وشأننا".
ولا يعني هذا الإصرار النسوي المسلم على التمسك بالدين وتعاليمه عزوف المرأة المسلمة عن التطور، بل يؤكد رغبتهن في ذلك ضمن الشروط والمعايير التي تناسب مجتمعاتهن، فهذه إحدى الاستشاريات المسلمات التي تعلق على التدخل الغربي المكثف بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر في شؤون المرأة بقولها: "نحن كمسلمات نريد أن يكون التغير بطريقة تتماشى مع ثقافتنا، ولا يكون التغيير ضدها، اتركوننا وشأننا".
وبالقدر الذي تدرك معه المرأة المسلمة أن التغيير والتطور لا يمكن أن يكون بنقل النموذج الغربي للمرأة، كون هذا النموذج غريباً عن ثقافتها وفكرها وعقيدتها، ولا يمكن أن يكتب له النجاح والاستمرار، هي تدرك أيضاً أن المحاولات المستمرة لنقل هذا النموذج ليست في واقع الأمر إلا محاولة للتغريب، وهي عملية لا ينتج عنها سوى المزيد من التبعية والعجز والشلل.
ازدواجية في المعايير
إلى ذلك، أضحت ازدواجية المعايير من الأمور الشائعة في الإعلام الغربي في تعامله مع قضايا المسلمين بشكل عام، وفي شأن المرأة المسلمة على وجه الخصوص، تقول خديجة أم محمد، واسمها قبل الإسلام (جوان توماس): "الإعلام الغربي يصوّر المرأة الغربية على أنها قوية، مستقلة، جميلة ومثالية، وإذا لم يكن عندها أي من تلك الصفات فستفعل أي شيء للحصول على ما يتوقعه الناس من هذه المظاهر مثل لون الشعر ولون البشرة"، وتضيف: "إذا لم تستطع المرأة أن تحقق ذلك فسوف تكون في غاية الضيق؛ لأنها لم تبلغ (المثالية) التي يصوِّرها الإعلام! وهذا يؤدي بها إلى الكآبة الشديدة والإحباط بل وأحياناً إلى قتل النفس".
ولا يخفى على المراقب المهتم كم المفارقات العجيبة وازدواجية المعايير الموجودة في الإعلام الغربي، وتعامله مع القضايا عندما يتعلق الأمر بالإسلام والمسلمين، حول ذلك تتساءل سيدة أميركية مسلمة فتقول: "لماذا تستطيع الراهبة أن ُتغطي نفسها من رأسها إلى قدميها، وتكون في نظرهم محترمة وتمتثل لأوامر ربها، ولكن عندما تفعل ذلك المسلمة تُعتبر ممتهنة؟" وتضيف" عندما تجلس المرأة الغربية في بيتها للعناية بالبيت والأطفال، فهي في نظرهم تقدم تضحية جميلة في سبيل محافظتها على شؤون منزلها، ولكن عندما تفعل المرأة المسلمة ذلك فهي في حاجة إلى أن ُتحرّر!!".
بقي أن نقول: إن تحرر المرأة في الغرب لم يستطع أن ينقذ المرأة أو يكرمها، وإنما استطاع فقط أن يضغط عليها ليخرجها من البيت من غير رقيب ولا حسيب، لتعيش عمرها في حُمّى تنافسية مع الرجال، وتفقد في خضم هذا السباق أنوثتها وكينونتها، بل والأهم من ذلك استقرارها النفسي، والغاية التي خلقت من أجلها.
ـــــــــــــــــــ(100/79)
تعلّمي أن تقولي: لا!
الخُطُوات السّبع
منال الدغيم 1/3/1426
10/04/2005
هل مرّ بك موقف، شعرت وكأن قدماك تجرّانك إلى أمر لا تريدينه، ولسانك ينطق بكلام لا تؤمنين به، تودّين أن تصرخي من أعماقك، بما انعقد عليه قلبك ورضيت به نفسك، بمبادئك التي تؤمنين بها، قائلة في وجوههم: لا!! ، لكن.. خوراً ضعيفاً يهدّ أعضاءك ويشل لسانك.. فتسيرين خلفهم مذعنة.. ولم يتبق من (لا) في نفسك إلا أصداء مكتومة؟!
هيا بنا نتعلم كيف نقول: لا!
1) إخلاص النية لله والاستعانة به وطلب رضاه، لتكن الدافع الأول في رفضك للأمر، استشعري كيف تركت هذا الأمر رغبة فيما عند الله وخشية من عقابه، وتذكّري دائماً: من أرضى الله بسخط الناس، رضي عنه الله وأرضى عنه الناس، ومن أسخط الله برضا الناس، سخط عليه الله وأسخط عليه الناس.
2) حينما ترفضين أمراً، بيّني لمن يخالفك أو يزمع إرغامك عليه، أسباب رفضك بالدليل والحجة، لا تكن كلمة (لا) مجرّدة من نور برهان يقوّيها ويثبت قدمها، بل اعرضي ما تؤمنين به مرتكزة على دليل واضح بيّن، وبأسلوب مقنع محترم، وتذكّري أنّ صاحب الحق لا يصرخ أبداً!
3) فكّري في النتائج بهدوء: ما الذي يحدث لو فعلت ما أومن به، ورفضت فعل ما أكرهه؟ ماذا لو قلت لهم: (لا)؟ هل سيصل الأمر إلى القطيعة؟ أو الإيذاء؟ أم هو مجرّد مجاملات فارغة وتملّق أجوف؟ ثم اختاري لنفسك!
4) تخيلّي موقف المواجهة وكأنه قد حدث بينك وبينهم، فكّري في أقوالهم وكيف ستكون ردودك عليهم، وليكن الموقف مشرقاً واضحاً، أنت فيه الأقوى والأسطع، وغيرك أشباح وخيالات ضبابيّة ضعيفة، لضعف حجتهم، وهوان أمرهم، ولا تفكّري في المواجهة بشكل سلبي تتصورين فيه أسوأ الاحتمالات، فهذا يجعل للأمر في نفسك هيبة وهمية وخوفاً لا أساس له!
5) تعوّدي اتخاذ قرارك بنفسك مستقلة عن الآخرين، ابدئي في سبيل ذلك بقرارات صغيرة ضمن حياتك اليومية، تعوّدي السرعة والقوة في الاختيار، ونبذ التردّد والحيرة، كاختيار ملابسك أو أطباق وجبتك، ثم انطلقي إلى أمورك الأكبر، ثم إلى قرارات حياتك المصيرية، فبذلك تكسبين الثقة في نفسك والاستقلالية، وتستطيعين حينها أن تقولي لمن تشائين: لا!
6) أحياناً نستطيع أن نأكل الزاوية النظيفة من الرغيف الملوّث، ونقول للباقي: لا، بلا أضرار، وهكذا فعلت امرأة حكيمة، دُعيت إلى حفل زفاف أخ زوجها، وقد ماج بالمنكرات، الواجب عليها أن تقول: لا، لكن العواقب وخيمة، فقامت بالذهاب مع بنيّاتها في بدء الحفل، وقبل اجتماع الناس كلهم وعزف الطرب، أدّت واجب السلام والتهنئة، ثم اعتذرت بلباقة فأذنوا لها باحترام وخرجت، فسلمت ذمّتها وأرضت ربها، وأرضت الناس!
7) حينما تقولين لا، حاولي أن تقوليها بملمس الوردة الناعم، وليس بأشواكها المؤلمة، لا تجرحي أحداً وتثيري مشاكل أكبر، بل كوني هادئة واثقة مؤمنة، بابتسامة طيبة وأدب جم، وفكّري في أكثر من أسلوب تبيّنين فيه رأيك المخالف، واختاري أقلّها أضراراً وأشدّها إقناعاً، وأطيبها أثراً في نفس الناس!
ـــــــــــــــــــ(100/80)
الخطر المخيف!
أمريكا: منيرة ناصر آل سليمان 25/2/1426
04/04/2005
لكأني أراها تبتسم لمجيئه بعد أن أثقلها حمله شهوراً طويلة ..وبرغم آلامها (فقد تجرعت سكرات الموت) لكنها تقاوم وهنها لتحتضن ضعفه ..وتتلقف جسده الغضّ ..تلفّ ذراعيها حوله لتحمي قدومه المبهر، فقد خرجا معاً للحياة!! لكنها لم تعلم وهي تراه يشبّ بين عينيها أن جحوده يكبر معه! وضعفه الذي استحال عنفواناً ستكون هي أولى ضحاياه!
يا للدهشة المبكية حين أصبح الغصن فأساً يبتر الشجرة التي نما منها!!
أقسى درجات العقوق، ولا أظن مخلوقاً اقترف أسوأ مما فعل! يقتل أمه؟! (إنا لله وإنا إليه راجعون).
غير أن الدهشة تزول حين نعرف أنه كان بلا عقل وقتها، فقد غيّبته المخدرات قاتل الله مروّجيها وحمى الله تعالى المسلمين من شرورها. هذه الآفة التي وصلت إلى أخطر مراحلها الآن؟
فالهجمة على شبابنا شرسة جداً، والمروّج الخبيث وجدها سوقاً يمتعه بالثراء السريع لكنه منتن! والهدف زهور المجتمع وأساس امتداده ونمائه!
من للمجتمع إذا خوى شبابه والتفتوا إلى هذه الملذات الخطيرة؟ من للأمة إذا غيبت عقولهم واستشرت شهواتهم فقط؟ أن تصل الجريمة بسبب المخدرات إلى هذا السوء يجعلنا نقف بحزم، فالوضع يوشك أن يكون ظاهرة وليس مجرد حالات فردية فحسب.
ولكل طبقات المجتمع أيضاً! فالفقير المروج يراها بديلاً لوظيفة حُرم منها ويقول في سجنه إنه سيعود إلى طريقها الذي لا يجد غيره! دون أن يشعر بحرمة المال الذي يكتسبه منها، خاصة مع التقصير الذي يراه في تأمين المال الحلال!
والمتعاطي لها يراها هروباً من قساوة وضعه السيئ!! ولا يدري أنه يزيد وضعه سوءاً! والهارب إليها من جحيم المشاكل النفسية والأسرية يظن فيها خلاصاً، ولا يدري أنه وقع في براثن أشرس وأسوأ!
وحتى الغني المدمن يراها إتماماً لرفاهية يوهم نفسه بها كما أوهمها
باقتراف الخمر والتدخين وغيرها من المحرمات والآفات المهلكة في الدنيا والآخرة!
وغيرهم كثر ممن غاب عنهم الوازع الديني، وغاب الخوف من الله عز وجل، نسوا يوم الحساب، وقبله ظلمة القبر وعذابه(نسأل الله تعالى السلامة لجميع المسلمين) والتفّت حولهم صحبة السوء، وغاب الرقيب أو عجز وخارت قواه!
فكم بيت يعاني من مدمن يوشك أن يقترف جريمته في أية لحظة ؟!كم أسرة تعاني هذا الهلع (مجرم يعيش بينهم)؟!
شيوخ، وعجائز، آباء وأمهات، زوجات، وأخوات، وأطفال كلهم لا حول لهم ولا قوة.. يعانون بصمت يحاولون اتقاء شره، وتقلبات مزاجه التي تعني أن جريمة من أي نوع قد تقع لهم في أية لحظة!
قد يكون سجنه راحة لهم! لكنه يبقى وقتياً ومؤلماً في ذات الوقت! فالفضيحة قاسية أيضاً، وهي جريمة من نوع آخر في مجتمع لا يتوانى لحظة في التفكير في قوله تعالى (ولاتزر وازرة وزر أخرى)!! خاصة أن السمعة تعني الكثير.
وتشمل كل قريب للمدمن وتجعلهم مجرمين بلا خطيئة؟
وضحايا بلا ذنب! برغم خطأ المجتمع الفادح في هذا الاعتقاد ،فحتى المدمن ضحية أيضاً!
كل أسرة ابتليت تتمنى الخلاص من هذا المرض الذي أثقل كاهلها وأقضّ مضجعها فهل سهّلنا لهم ذلك؟
المفترض الآن حث الأسر على علاج أبنائها وليس وضع العراقيل أمامها!
فحتى يتعافى المدمن لا بد أن تقطع أسرته شوطاً من الروتين،
وتطرق الأبواب مما يتنافى و السريّة التي تتوق لها النفوس! وأيضاً يعجز البعض عن مواصلة البحث.
فإمّا شيخاً كبيراً أوعجوزاً ضعيفة! أو زوجة لا سند لها!
وغيرهم ممن لا قدرة لهم!
وقد تأتي الصدمة من المستشفى باستحالة قبول الحالة لعدم وجود سرير ! أو حتى تضطر لإخراج بعض المتعافين قبل إتمامهم مراحل الشفاء لتأتي الانتكاسة عاجلة!
والمستشفيات الخاصة لا قبل للكثيرين بثمنها!
وماذا عن دور السجن هل فقط إنزال العقاب الذي عادة لا يكون رادعاً!! وربما جاء معيناً للمزيد من الاختلاط مع الآخرين خاصة المروّجين؟
فلم لا يكون في السجن قسم خاص بكوادر طبية متفرغة لعلاج المدمنين؟ وبالمقابل قسم للشرطة المتفرغة ملحقاً بمستشفيات الأمل لمساعدة الأسر على تسليم الأبناء للمستشفى، والشيء المهم توسيع طاقات المستشفيات لتستوعب المزيد.
واللهم احفظ أبناء المسلمين، وقهم الزلاّت صغيرها وكبيرها
ـــــــــــــــــــ(100/81)
إلى سعادة.. سيدة الأعمال مع التحية!
منال الدغيم 23/2/1426
02/04/2005
إنها امرأة همامة..
تعجبني كثيراً المرأة التي تعتمد على نفسها وتثق في أفكارها وقدراتها، فتفتتح مشروعاً تجارياً وتديره بنفسها، فتنفع نفسها، وتتفاعل مع مجتمعها، مع حرصها على إرضاء ربها وطاعته واتباع أمره..
كثيرات هن بيننا، فمن المشاغل النسائية إلى الشركات الكبيرة، ومن محلات ملابس صغيرة إلى مؤسسات عقارية.. بل بعضهن نجح مشروعها من منزلها، كالطبخ والخياطة والديكور!
هذه خطوات سبع.. حتى تكون سيدة الأعمال سيدة أخلاق ومعاملة وفضيلة ونفع أيضاً!
1) تغري التجارة بأرباحها المتسارعة كثيراً لشيء من التزويق والمبالغة والتهويل، من أجل كسب العملاء، فإياك إياك؛ فهذا سبب لمحق بركة الرزق، وسبيل إلى تضعضُع ثقة الناس، ولا شيء يبارك لك ويرضي ربك ويرسّخ ثقة الناس بك كالصدق والأمانة في التعامل، قال صلى الله عليه وسلم: "التاجر الأمين الصدوق مع النبيين والصدّيقين والشهداء" الترمذي.
2) هل جربت لذّة اللقمة الحلال؟ إنها بالكسب الطيّب، وإتقان العمل، وتحرّي رضا الله -عز وجل- في كل فكرة استثمار، وكم عاد بعض الجشعين على المجتمع بسوء، يوم كانوا من مفاتيح الشرّ للناس بتسويق المحظورات والمفسدات، بدعوى الطلب عليها، فكسبوا –والله- مالاً حراماً وضميراً أسود، وطمعاً على حساب القيم والمبادئ، وأوزاراً فوق أوزارهم!
3) وإدارة الأعمال أخلاق ومعاملة وثقة، وهو مجال واسع للتعامل مع الناس وأداء الحقوق فيما بينهم، وما تحلّى التاجر بحِلية كالتسامح في البيع والشراء، ليس تسامحَ ضعف بل تسامحَ كرمٍ وسموّ وأخلاق، كإعطاء المدين مهلة للنظر في أمره، وفسخ البيع إذا أراد الطرف الآخر، قال صلى الله عليه وسلم: " رحم الله رجلاً سمحاً إذا باع وإذا اشترى وإذا اقتضى".
4) وحاجتكِ ماسّة أيتها التاجرة إلى علم شرعي، تعرفين به حدود الله في البيع والشراء، فتتحرّيْن الحلال وتجتنبين الحرام، وينير لك الدرب في معاملاتك واستثماراتكِ، في عالم جشع يبرّر كل وسيلة من أجل غاية الربح السريع الكثير، وإن مُحِقت بركته، وكان وبالاً على صاحبته!
5) والتاجرة الفاضلة تتفاعل مع المجتمع، وتمدّ له يداً بيضاء من النفع والمعروف، فتعين المحتاج وتغيث الملهوف، وتتلّمس حاجات الناس بما وسّعه الله عليها من الرزق، فتؤدّي حق الله فيه وتكثر من الصدقات، فما نقص مال من صدقة، بل تزده.. بل تزده..!
6) ولمن تَحْتكِ من (العمال) والأُجراء حق، حق حسن التعامل معهم، وتعليمهم أمور دينهم، والإشراف على مهمّتهم ومتابعتهم، وأداء حقوقهم كاملة بلا بخس ولا ظلم، قال صلى الله عليه وسلم: " ثلاثة أنا خصمهم يوم القيامة... ومنهم: رجل استأجر أجيراً فاستوفى ولم يعطِه أجره".
7) ولا تلهينّكِِ التجارة وعالم الأعمال والمال عن ذكر الله؛ فبذلك يقسو القلب وتُدْبرُ النفس وتسقط الهمة، فتعاهدي قلبَك بالموعظة والنصح، وامسحي على رأس اليتيم، وتذكري الآخرة وأهوالها كلما وجدت من نفسك حباً للدنيا، وغفلة عن التجارة مع الله، وأكثري من ذكر الله، فبه حياة الروح وروح الحياة!
ـــــــــــــــــــ(100/82)
(بكين+10) .. وماذا بعد؟
عز الدين فرحات 5/2/1426
15/03/2005
صارت قضايا المرأة هي أبرز مجالات الاهتمام الدولي خلال العقود الثلاثة الأخيرة منذ عقد المؤتمر العالمي الأول للمرأة عام 1975م في مكسيكوسيتي تحت عنوان: "رفع التمييز ضد المرأة" وحتى المؤتمر الأخير المنعقد في نيويورك في فبراير 2005م، ولعل من المهم التعرف على الفلسفة التي تنطلق منها هذه المؤتمرات والوثائق للوقوف على مدى ما يُراد بالمرأة عموماً والمرأة المسلمة خصوصاً، وهذه الفلسفة تقوم على: فرض مبادئ وقيم تعمل على مسخ ثقافات الشعوب الأخرى وحضاراتها وتهميشها باسم العالمية واستبدالها بالنمط الغربي، وذلك تحت مظلة الأمم المتحدة وحراسة القوى المهيمنة في العالم (الولايات المتحدة الأمريكية) بما تملك من قدرات اقتصادية و خبرات إعلامية و سلطان سياسي.
مؤتمرات الأمم المتحدة ووثائقه
1. اتفاقية التمييز ضد المرأة والبروتوكول الاختياري 1979
2. اتفاقية حقوق الطفل 1990
3. وثيقة القاهرة للسكان 1994
4. مؤتمر بكين 1995
5. وثيقة القاهرة للسكان +5 1999
6. وثيقة بكين +5 2000
7. جلسة خاصة للجمعية العمومية للأمم المتحدة لمتابعة قمة الطفل2001
8. مؤتمر بكين +10 والمنعقد في نيويورك فبراير2005
ملاحظات على مؤتمرات الأمم المتحدة ووثائقها
1- تنطلق هذه المؤتمرات في تشخيصها لأمراض المجتمعات في العالم من أمراض المجتمع الغربي ثم تعممها على بقية المجتمعات دون النظر إلى الثقافات والعادات والديانات.
2- تقدم منظور الحقّ وتغفل منظور الواجب بمعنى أنها: (لا تعادل بين الحقوق والواجبات).
3- تكرس مفهوم المساواة المطلقة بمعنى التماثل التام بين الرجال والنساء، وتغفل الفروق والاختلافات البيولوجية والنفسية بين الجنسين، وما يترتب على ذلك من تفاوت في الحقوق والواجبات.
4- تتجاهل الدين ودوره في قيادة الأمم والحفاظ على القيم.
5- تتجاهل دور الأسرة، حيث تشخص الوثائق مشكلات المرأة بشكل خاطئ، وتفرض منطق المجتمع الاستهلاكي الذي يستهدف تفكيك الروابط بحيث يتحول كل فرد في المجتمع إلى وحدة مستهلكة في ظل غياب الكيان الأسري.
6- تبدي احترامًا شديدًا للشذوذ الجنسي - وحق الشواذ في تكوين أسر بينهم - وتتكلم عنه باعتباره مجرد (توجه) جنسي.
7- لا تُجرّم الإجهاض بل تعمل على توفير سبله، وتنادي بما تسميه الإجهاض الآمن.
8- تركز على المرأة الأنثى الشابة العاملة (خارج المنزل) وليس المرأة الأم والأخت والعاملة في المنزل.
9- تنادي بتقليص دور الدولة القومية.
دور المؤسسات الإسلامية
لعل من المؤسف ضعف دور المؤسسات الرسمية الإسلامية في مناقشة هذه المؤتمرات ووثائقها والرد عليها من منظور الدين أو العقل والفطرة، وهذا لا ينفي وجود اعتراضات ومناقشات لعدد من العلماء والمفكرين، ولكنها آراء شخصية لا تعبّر عن جهات رسمية، وكذلك بعض المنظمات الإسلامية – غير الحكومية- قامت بمحاولات للاعتراض على هذه الوثائق وإبداء ملاحظات عليها وذلك بالمشاركة الإيجابية في فعاليات هذه المؤتمرات ومناقشة بنودها وإبداء الرأي فيها، ومن ذلك البيان الذي صدر عن ائتلاف المنظمات الإسلامية حيث جاء عدد من الملاحظات منها ضرورة أن تلتزم تفسيرات الوثيقة وتطبيقاتها بالمبادئ التالية:
• احترام التعددية الدينية والثقافية والهوية الخاصة بالشعوب؛ لأن المشكلات تختلف تبعاً للثقافات والمجتمعات، والحلول تختلف تبعاً لها.
• المساواة في إطار مفهوم العدالة والإنصاف؛ لأن المساواة المطلقة تفترض المماثلة الكاملة وتؤدي إلى النديّة والصراع، وقد تتحقق في الأمور المادية دون الاجتماعية.
• وضع حلول جذرية تتعامل مع المشكلات برؤية متكاملة، تأخذ في الاعتبار الحيلولة دون قيام المشكلة وعدم الاقتصار على علاج آثارها، مثال لذلك: الأمراض الجنسية كالإيدز وغيره، وحمل المراهقات.. التي يعالجها الإسلام بترسيخ "ثقافة العفّة"، والابتعاد عن الممارسة خارج إطار الزواج.
• النظر إلى كل من المرأة والرجل في سياقهما الاجتماعي بما يحافظ على مصالح الأسرة والمجتمع، وعدم الاستغراق في الفردية.
العلماء والمفكرون يحذرون
تصدَّى د. عبد العظيم المطعني -الأستاذ بجامعة الأزهر- لما ورد في وثيقة بكين من بنود مخالفة للفطرة الإنسانية فضلاً عن مخالفتها للشرائع السماوية وعلى رأسها الإسلام، جاء ذلك من وجهة نظر وضعية خالصة، ونقدها نقدًا موضوعيًا واقعيًا دون أو يواجهها بمبادئ الإسلام وتشريعاته في مجالي المرأة والطفل، اللذين أقحمت منظمة الأمم المتحدة نفسها فيهما، وهي لا تملك سلطانًا تستند إليه في طرح رؤاها وبنودها التي ادَّعت أنها من أجل إنصاف المرأة والطفل، وأنها رعاية لحقوق الإنسان التي أهدرتها المجتمعات المعاصرة.
وحذَّر د. المطعني من فرض بنود الوثيقة على النظم والحكومات والشعوب التابعة لها، وناشد الإنسانية أن ترفض بقوة هذه الوثيقة؛ لأن بنودها تمثل اختراقات حمراء دامية لكل ما ورثته وتعارفت عليه المجتمعات الإنسانية منذ نشأتها وتطورها، ثمَّ اتخذت منه نظامًا عامًا تسير عليه الحياة، فجاءت بنود هذه الاتفاقية الشاذة مدعيةً العداوة بين الرجال والنساء، وادَّعت أنَّ نظام الأسرة انحراف خطير ترتب عليه ظلم المرأة واحتقارها وامتهانها، وأباحت الشذوذ الجنسي بكل صوره المعروفة وغير المعروفة، وشنَّت حربًا لا هوادةَ فيها ضد العفّة والطهارة الخلْقية والخلُقية، وجعلت الدعارة القذرة سلوكًا مألوفًا وحقًا من حقوق الإنسان طفلاً وطفلةً شابًا وشابةً رجلاً وامرأةً، واعتبرت تجريمها انتهاكًا لحقوق الإنسان، وجعلتْ الممارسةَ الجنسية بين المثلين رجلين أو امرأتين حقًا محميًّا بقوة القانون من حقوق الإنسان- أكبر وأشنع وأقبح انتكاسة في نظام الحياة البشرية لم يسبق لها شبيه أو مثيل في تاريخ الإنسانية.
وناشد الدكتور المطعني الإنسانية أن ترفض بقوة بنود وثيقة الأمم المتحدة، وإلا فإنَّ الله لها بالمرصاد.
- أما الدكتور محمد عمارة الكاتب والمفكر الإسلامي فقد حذر من هذه المؤتمرات وشبّهها بالمد السرطاني الغربي، واصفًا إياها بالوباء الذي يتربص بالمجتمعات الإسلامية.
وقال د. عمارة إن هذا الوباء تجلّى في الوثائق الدولية التي تسعى الأمم المتحدة والولايات المتحدة لفرضها على مجتمعاتنا مثل وثيقة السكان ووثيقة بكين + 5 وبكين + 10، والتي يتم الإعداد لها الآن، ومن المعروف أنَّ هذه الوثائق تحتوي على عشرات النصوص التي تخالف قيم الإسلام وقيم المجتمعات، ومنها إباحة الحرية الجنسية تحت مُسمَّى الجنس الآمن- بدلاً من الجنس الشرعي- وكذلك تقنين وإباحة الشذوذ والمعاشرة غير الشرعية وإباحة الجنس للمراهقين والمراهقات مع إباحة الإجهاض للنساء والفتيات.
وأكد أنَّ هناك مؤسسات دولية ومنظمات نسائية تعمل حتى الآن تحت مُسمَّى تحرير المرأة، ومنها على سبيل المثال منظمة (تقطيع أوصال الرجال)، والتي تسعى لنشر مفهوم نساء بلا رجال، وكذلك حذَّر من خطورة هذه المفاهيم، والتي تسعى لإعادة هيكلة الأسرة من وجهة نظر غربية لا تتفق مع القيم الإسلامية فبدلاً من أن تصبح الأسرة رجلاً وامرأةً يربطهم رباط شرعي لا مانع من وجهة نظرهم أن تصبح الأسرةُ رجلين أو امرأتين أو رجل وامرأة وأطفال من السفاح لا يربطهم أي رباط!!
ـــــــــــــــــــ(100/83)
أنت أيضاً مسؤول
سنا محمد طوط 4/2/1426
14/03/2005
(كُلّو من الطليان)، (الحق على موسوليني)، (يلعن الشيطان) هؤلاء كلهم أبرياء وأنت وحدك المسؤول. و يوم القيامة سيبرؤون إلى الله من تقصيرك و سيقول الشيطان: (ما كان لي عليهم من سلطان).
أنت المسؤول، وعليك أن تؤدّي الأمانة التي عهد الله إليك بإخلاص، أباً كنت أم أماً، مديراً أم عاملاً، معلماً أم تلميذاً فَ"كلكم راع و كلكم مسؤول عن رعيته".
ويبدو كأن التنصل من المسؤوليات وإلقاءها على عاتق الآخرين طبع أصيل من طبائع البشر، فكما الطفل يحب التملك ويعشق الاستطلاع، هو كذلك يلوم الآخرين، لاسيّما أمه و أباه و الأقدر منه، فهو إن قصّر في دروسه أو عثر فسقط حمّل أمه المسؤولية .
و لعل ذلك من باب العجز: العجز عن المواجهة أو التكاسل عن أداء العمل. و من هذا القبيل تحميل الضعفاء الكبراءَ يوم القيامة مسؤولية إضلالهم (ربنا إنا أطعنا سادتنا و كبراءنا فأضلونا السبيلا)، غير أن هذا الاعتذار ليس بدافع عنهم العذاب، و لا معفيهم من المسؤولية.
ومن أسباب التهرّب من المسؤولية الكِبر الذي يدفع صاحبه إلى التنّكر للحق؛ لأنه بعين نفسه منزّه عن الخطأ- وقد كان أولى به محاسبتها، و قد علم أنها أمارة بالسوء - و احتقار الناس إن كانوا دونه سلطة أو رتبة. و منه فعل قوم إبراهيم بعدما اتهموه بهدم آلهتهم فبرّأ نفسه، و اتهم كبير الأصنام، و إذا القوم يتبادلون اللوم؛ لأنهم عجَزوا عن البيّنة ، لكن كِبرهم أبى عليهم الإذعان فأصروا على معاقبة البريء. و منه تلاوم أصحاب الجنة التي أتت الريح على ثمرها ومن واقعنا المعيش هذا الشاهد:
منهكة تلازم الفراش، قد أعياها التعب و المرض، وإلى جانبها زوجها يغطّ في نوم عميق، فيما الأولاد لا يرحمون ولا يتنازلون عن مطلب مهما يكن تافهاً. عليها أن تلبي طلباتهم و تُعنى بتدريسهم، و تحلّ مشكلاتهم، و قد قيل في المثل: "قاضي الأولاد شنق نفسه" تشعر بالغضب و تقرّر مخاصمة زوجها. ثم ها هو يستيقظ أخيراً، فقد حان وقت
الذهاب. يتودّد إليها ككل زوج محبّ طيّب، لكنها تعرض عنه.
ولأنه زوج (صبور حليم) يقرر محاورتها، فقد اتفقا منذ البداية على اعتماد الحوار وسيلة لحل المشكلات.
-لِمَ أنتِ غضبى؟
- لأني مرهقة، و أنت لا تكترث.
- كلا كلا، لا بد من وجود سبب آخر. أنا أعرفك جيداً لا بدّ أنك ارتكبت خطأ ما فهو يؤرقك، و تريدين صبّ جامّ غضبك عليّ .
- ما من خطأ. فقط هذا ما يزعجني.
- لدي شعور قوي بأنك ارتكبت خطأ ما. ثم إنك لا تعتنين بنفسك، و لولا ذلك ما عييت، هذه مسؤوليتك.
يظل يؤكد على صدق شعوره الذي لا يخطئ بأنها ارتكبت خطأ ما، وأنها هي المسؤولة عن مرضها، حتى تقرر إنهاء الحوار بالصمت؛ لأنها ليست من بيزنطة!
إن هذا التنصل من المسؤولية، تنصّل العاجز الذي لا يقوى على تحمّل ضجيج الأولاد، و لا على الجلوس معهم بحجة أن له ما ظهر من البيت و لزوجه ما بطن، لا يعرف منه إلا السرير يأوي إليه في أوقات راحته. فإن انحرف أحد أبنائه أو رسب حمَّل زوجته المسؤولية كاملة، تنصّل المتكبّر عن الاعتراف بالخطأ لئلا تهتزّ مهابته أمام زوجته، و تتزعزع مكانته، يتنافى تماماً مع معنى القِوامة التي جعلها الله للرجل. فإن معناها القيام بالمسؤوليات كافة ماديّة كانت أم توجيهيّة تربويّة أم عاطفيّة
بدليل قوله صلى الله عليه و سلم: "والرجل راعٍ في أهله و مسؤول عن رعيته"، و سنته العملية صلى الله عليه و سلم شاهد على ذلك، و هي اعتراف بفضل الرجل على المرأة بسبب قيامه بهذه الأعباء، ذلك أن الإنسان مكلف بحسب عقله، فمن كان يعدّ نفسه عاقلاً وَسِعه عذر مَن دونه فهماً و عقلاً والإحسان إليه، و هذا شأن الكريم الشهم. و في الحديث "اتقوا الله في النساء فإنهن عوانٌ عندكم" فكون المرأة عانية هذا يوجب حسن عشرتها و معاونتها بل التغاضي عن هفواتها و تقبُّل اعوجاجها، لا
تحميلها العبء كله.
و يبدو أن هذه حال الرجل في كل مكان، فقد قرأت مقالات لفرنسيين تحاول معالجة قضية تنصل الرجل من مساعدة زوجته التي باتت تحمل بخروجها إلى العمل أعباء إضافية لا يطيق الإنسان حملها، وقد تكون سبباً في عزوفها عن الإنجاب و رعاية الأطفال أحياناً. و يتساءل هؤلاء ما العيب في أن يقدم الرجل المساعدة لزوجته؟
و نطرح نحن التساؤل نفسه: ما العيب في ذلك، و قد كان أعظم الخلق وأكرمهم عند الله سيدنا محمد -صلى الله عليه و سلم- في حاجة أهله و كان يخصف نعله بيده الشريفة. و كذا كان صحابته من بعده؟!
إنا بحاجة إلى إعادة النظر في فهمنا المغلوط للقِوامة، على أنها عرش الرجل ومقامه، و لو لم يفِ هذا المقامَ حقه. حاجتنا إلى تعليم المرأة كيفية التعامل مع هذا الوضع بتغييره لا بمجرد احتماله و الصبر عليه، و قد كانت المرأة تلجأ إلى رسول الله -صلى الله عليه و سلم- تشكو و تطلب الإنصاف، و ينزل القرآن الكريم بشأنها كما في سورة المجادلة.
ينبغي على المسلمة أن تتعلم كيف تدلّل نفسها، و تطلب من زوجها المساعدة، وأن تحدّثه عن الأولاد فلا تخفي عنه أخطاءهم و تقصيرهم ، ليصبح أمر الأسرة واقعاً يحياه، و شغلاً من صُلب اهتماماته .
ومثله الزوجة التي تحمّل زوجها مسؤولية كل فشل، فإن عجزت عن التعاطي مع ولد زعمت أنّ زوجها الغائب السبب، و انتهجت سياسة اللعن والصياح، والتأفّف والنّواح، وانتظرت قدوم زوجها لتشكو وتتضجر من هذه الحال، و تلعن ساعة الزواج التي صيّرتها إلى هذا المآل. فسبحان الخالق المتعال القائل: (إنا عرضنا الأمانة على السموات
والأرض و الجبال فأبين أن يحملنها و أشفقن منها و حملها الإنسان إنه كان ظلوماً جهولاً)
ـــــــــــــــــــ(100/84)
المرأة في الإسلام أكبر من ذكرى يوم!
مصطفى الأزهري 27/1/1426
08/03/2005
قد يكون أهمُّ ما يميِّز الإسلام في موقفه من المرأة عن غيره من المبادئ والنُّظم التي عاشَتْ قبله واستجدَّت بعده ، وهو نظرته الإنسانية إلى المرأة والرجل على السواء في كل تشريعاته ومفاهيمه فالإسلام حين ينظر إلى الرجل بوصفه إنساناً وينظمه ويوجهه ينظر إلى المرأة باعتبارها إنساناً أيضاً ، ويساويها مع الرجل على الصعيد الإنساني في كل تنظيماته وتوجيهاته لأنهما سواء في كرامة الإنسانية وحاجاتها ومتطلباتها .
وأما حين ينظر الإسلام إلى المرأة بما هي أنثى وينظم أنوثتها ويوجهها، ينظر في مقابل ذلك إلى الرجل باعتباره ذكراً .
فيفرض على كل منهما من الواجبات، ويعطي لكل منها من الحقوق، ما يتَّفق مع طبيعته، وفقاً لمبدأ تقسيم العمل بين أفراد المجتمع، وتنشأ عن ذلك الفروق بين أحكام المرأة وأحكام الرجل .
فمَرَدُّ الفرق بين أحكام المرأة وأحكام الرجل إلى تقدير حاجات ومتطلبات الأنوثة والذكورة، وتحديد كل منهما وفقاً لمقتضيات طبيعته .
أما في مجال التنظيم الذي يرتبط بإنسانية الإنسان فلا فرق فيه بين المرأة والرجل، لأنهما في نظر الإسلام إنسان على السواء .
فالإسلام وحده هو الذي نظر إلى المرأة نظرة إنسانية على قدم المساواة مع الرجل، بينما لم تنظر الحضارات الأخرى وحتى الحضارة الأوربية الحديثة إلى المرأة إلا بوصفها أنثى، وتعبيراً عن المتعة والتسلية .
والموقف الحضاري لكل مجتمع من المرأة ينعكس بدرجة كبيرة، بمقدار تغلغل تلك الحضارة على دور المرأة في تاريخ ذلك المجتمع، وطبيعة موقفها من الأحداث .
فالمرأة في مجتمع يؤمن بإنسانية المرأة والرجل على السواء تمارس دورها الاجتماعي بوصفها إنسان ، فتساهم مع الرجل في مختلف الحقول الإنسانية، وتقدم أروع النماذج في تلك الحقول نتيجة للاعتراف بمساواتها مع الرجل على الصعيد الإنساني .
يوم المرأة العالمي
كانت الدعوة الدولية إلى تخصيص يوم الثامن من مارس كل عام للاحتفال باليوم العالمي للمرأة .. انتصاراً كبيراً للمرأة في أنحاء العالم - وخاصة المرأة الغربية – التي عانت وما زالت تعاني حتى الآن من أشكال متعددة للتمييز ضدها.
وكانت الاشتراكية الألمانية " كلارازيتكين " أول من دعت إلى الاحتفال بيوم المرأة العالمي .. ونجحت في إقناع الرئيس لينين بجعله يوم عطلة عامة في الاتحاد السوفيتي السابق لكن فكرة اليوم العالمي للمرأة تبلورت في مؤتمر كوبنهاجن عام 1910 .. واحتفل به الغرب في الثلاثينات .. لكن ما لبث أن طواه النسيان حتى السبعينات حينما أحيته الأمم المتحدة من جديد ودعت للاحتفال به .
ولعل ما لاقته المرأة الغربية بدء من الإمبراطورية الرومانية التي تاجرت بجسد المرأة .. ولم ترَفيها شيئاً غير إمتاع الرجل والرقص له، ومروراً بعصور الظلام حيث جعلتها الكنيسة روحاً شريرة، وفي عصور الظلام أيضاً كانت المرأة في أوروبا تورث كما يورث المتاع .. ولكن النهضة والتطور الصناعي والثورة الفرنسية وما انعكس به كل ذلك على الحياة السياسية والاجتماعية في البلدان الأوروبية وزيادة الاهتمام بحقوق الإنسان التي سحقتها الكنيسة .. ومع تطور الديمقراطية والتمثيل النيابي .. بدأت المرأة الغربية في التحرك وتنبيه المجتمع الدولي إلى معاناتها .. وهو ما انعكس على اهتمام الأمم المتحدة بالمرأة وتخصيص يوم 8 مارس للاحتفال باليوم العالمي للمرأة ثم عقد العديد من المؤتمرات الخاصة بالمرأة .. لتثبيت حقوق المرأة وتحقيق المزيد من المكتسبات لها من وجهة النظر الغربية البحتة حتى لو كان ذلك متعارضاً مع ثقافات وأديان وحضارات كثير من شعوب العالم .. بل حتى لو كان متعارضاً مع مبادئ الكنيسة الغربية نفسها .
خديعة المساواة
وبدلاً من الحديث عن حقوق طبيعية وواقعية للمرأة .. أصبح السائد في المجتمعات الغربية وبالتالي في المنابر الدولية هو الغلو إلى درجة ما يمكن أن يسمى "عبادة المرأة" .. وفي هذا الإطار فقد صدر في فرنسا من منذ أكثر من عاميين ونصف قانون يتقدم على كل القوانين التي سبقته وعن أي قانون في العالم حيث ينص على المساواة في التمثيل النيابي بين المرأة والرجل، ويطالب جميع الأحزاب السياسية بترشيح أعداد متساوية من الرجال والنساء في الانتخابات .
هناك ولع وانبهار قد يصل إلى حد الانسحاق أمام ما وصلت إليه المرأة في الغرب من حرية تصل إلى حد الانفلات، ومن أسف أن بعضاً من أهلينا ينظرون إلى المسألة من جانب واحد لا يظهر ملامح الوجه مكتملة، لكن الحقائق تفرض نفسها والإحصائيات حول معاناة المرأة الغربية الحديثة أبرز ما يجلي الحقيقة ويوضح الصورة ومن ذلك:
أ- نشرت مجلة التايم الأمريكية أن ستة ملايين زوجة في أمريكا يتعرضن لحوادث من جانب الزوج كل عام، وأنه من ألفين إلى أربعة آلاف امرأة يتعرضن لضرب يؤدي إلى الموت، وأن رجال الشرطة يقضون ثلث وقتهم للرد على مكالمات حوادث العنف المنزلي.انظر دور المرأة المسلمة في المجتمع إعداد لجنة المؤتمر النسائي الأول ص45.
ب- ونشر مكتب التحقيقات الفيدرالي الأمريكي عام 1979م أن 40% من حوادث قتل النساء تحدث بسبب المشكلات الأسرية، وأن 25% من محاولات الانتحار التي تُقْدم عليها الزوجات يسبقها نزاع عائلي. انظر دور المرأة المسلمة في المجتمع ص46.
ج- دراسة أمريكية جرت في عام 1407هـ-1987م أشارت إلى 79% يقومون بضرب النساء وبخاصة إذا كانوا متزوجين بهن.
وكانت الدراسة قد اعتمدت على استفتاء أجراه د.جون بيرير الأستاذ المساعد لعلم النفس في جامعة كارولينا الجنوبية بين عدد من طلبته.
وقد أشارت الدراسة إلى أن استعداد الرجال لضرب زوجاتهم عالٍ جداً، فإذا كان هذا بين طلبة الجامعة فكيف بمن هو دونهم تعليماً؟
د- وفي دراسة أعدها المكتب الوطني الأمريكي للصحة النفسية جاء أن 17% من النساء اللواتي يدخلن غرف الإسعاف ضحايا ضرب الأزواج أو الأصدقاء، وأن 83% دخلن المستشفيات سابقاً مرة على الأقل للعلاج من جروح وكدمات أُصبن بها كان دخولهن نتيجة الضرب.
المرأة في ظل الإسلام
إن قراءة واعية للتاريخ، وفهماً صحيحاً للإسلام، ونظرة فاحصة لممارسات وسلوكيات الجيل الراشد الفريد جيل العهد النبوي وما تلاه مع المرأة أماً وأختاً وبنتاً وغيره كل ذلك يصب في صالح المنهج والتصور الإسلامي الرشيد الذي أعطى للمرأة مكانتها اللائقة بالإنسان المكرم عموما، وبها كأنثى لها مكونات وسمات تميزها في التعامل عن غيرها ، وسجل لها حقوقها في كتاب الله تعالى ، القرآن الكريم، وأفرد منه سورة ضخمة ترسم ملامح المنهج الرباني في التعامل معها وهي "سورة النساء" إلى غير ذلك من الآيات القرآنية والأحاديث النبوية وممارسات الواقع الإسلامي في مرحلة رشده مع المرأة ، وقد أعطاها حقوقها كاملة وبنصوص صريحة.
ـــــــــــــــــــ(100/85)
المرأة القرويّة ... مظلومة دائماً
عاصم السيد 22/1/1426
03/03/2005
75% من المجتمعات العربية يعيشون في القرى .. بينما 25% فقط يعيش في المدن .. ومعظم من يعيشون في المدن أصولهم قروية أو هاجروا إلى القرية بحثًا عن فرصة عمل لا يجدونها في القرية.. وبالتالي فإن بحث أوضاع المرأة القروية إنما هو بحث لجذور مجتمع وغالبية أمهاته.. ومعظم العباقرة والنابهين والعلماء هم أبناء هذه المرأة القروية البسيطة.
وبنظرة سريعة على برنامج عمل المرأة القروية منذ الصباح حتى المساء ربما نأخذ فكرة بسيطة عن واقعها.. تحكي هذا البرنامج الحاجة عطيات عبد السلام من قرية المنشية بمحافظة الغربية شمال العاصمة المصرية القاهرة فتقول: نستيقظ قبل شروق الشمس بساعة على الأقل، والتي تشرق عليها الشمس وهي نائمة يصفها الجيران بالكسل والبلادة، ويعتبرون ذلك شؤمًا .. وعدد قليل من النساء يبدأ بالصلاة والغالبية لا تصلي ثم يبدأ البرنامج بإطعام وسقيا الحيوانات والطيور، ثم كنس المنزل وترتيبه وإعداد الإفطار لمن في المنزل ثم غسيل الأطباق والملابس إن وجدت ثم مراعاة الحيوانات والطيور والأطفال وإعداد الغذاء.. وغالبًا ما تقضي المرأة القروية نصف يومها في الحقل وعادة تقضي اليوم كله.. وتنهي عمل المنزل في الصباح الباكر وفي المساء بعد العودة.. وفي مواسم العمل نظل نعمل حتى منتصف الليل لغسل الملابس وإعداد الطعام.. وإذا كان في المنزل أكثر من واحدة فإن إحداهن تبقى للعمل المنزلي ورعاية الحيوانات والطيور والأطفال وتذهب الباقيات للحقل.
سألت الحاجة عطيات كم ثوبًا عندها؟ قالت: ثوبان في الصيف، ومثلهما في الشتاء .. وثوبا الشتاء يظلان معي عامين أو ثلاثة حتى يبليا.. سألتها ماذا تفعلين إذا مرضت؟ قالت: أشتري كبسولة من البقال، وأشرب كوبًا من الشاي .. وإذا اشتدّت الحمى عليَّ يذهب زوجي للصيدلي فيعطيه علبة من الحبوب.. ولم أذهب في حياتي لطبيب إلا مرتين.
عدم تعليمها أفقدها الكثير
يقول د. حسن البحيري أستاذ علم الاجتماع أن المرأة القروية في وطننا العربي مازالت تعيش واقعًا أليمًا فعلاً، وأوّل شيء في هذا الواقع أنها فريسة للجهل فلم تتعلم.. ولقد كان لهذا الأمر ما يبرره حينما كان التعليم مكلفًا ولم يستطعه إلا الأغنياء، أما الآن فالتعليم مجاني، ومع ذلك يرسل الرجل القروي ابنه للمدرسة، ولا يرسل ابنته ليحكم عليها بشقاء جديد.
فالمعروف أن أحوال الإنسان تتغير وواقعه يتحسن طبقًا لمستوى التعليم الذي يحصل عليه، وكلّما حصل على قدر من التعليم تحسّن إدراكه لصحته ولبيته ولأبنائه ولمستواه الاجتماعي.. والمرأة الريفية تشارك الرجل الريفي في كل هذا العناء .. لكن المعروف أن المرأة في القرية تتضاعف مسؤوليتها عن الرجل وبالتالي يزيد شقاؤها .. وعمومًا فإن هذه المرأة القروية بسيطة في مسكنها بسيطة في ملبسها بسيطة في طعامها لا تتمتع برعاية صحية، ومع ذلك فهي محافظة في أخلاقها وتؤدي دورها الاقتصادي بنجاح شديد فتربي الطيور والحيوانات، وتحقّق لأسرتها درجة طيبة من الاكتفاء الذاتي.
ويضيف د. حسن البحيري أن هناك نساء في القرى يتحملن المسؤولية في المنزل وفي الحقل ويتفوقن على الرجال إنتاجًا وعملاً، إما بسبب فقدان العائل أو ما يشابهه، وللأسف فإن من يختارون الأم المثالية يختارونها من المدينة، ولم يختاروها أبدًا من القرية .. رغم أن النوابغ والعباقرة معظمهم من أبناء هؤلاء القرويات.
المرأة القرويّة.. العادات والخرافات
على جانب آخر يرى د. علي عبد الحليم أستاذ التربية أن واقع المرأة الريفية خاصة في مصر والسودان مليء بكثير من الخرافات والعادات والتقاليد التي قد تتعارض كثيرًا مع الدين.. وهي تؤمن بالسحر والشعوذة إلى حد ما .. وهذا نتاج للبيئة التي نشأت فيها ولم تحظ بأي تعليم.
وقد بلغ الحال بظلم المرأة القروية أنها لا تورّث، وتُحرم تمامًا من ميراثها الشرعي.. وكأن الزمن قد استدار إلى الجاهلية الأولى .. ومعظم أوساط الفلاحين لم تكن تورّث المرأة حتى عهد قريب.. و في بعض الأحيان لا تأكل المرأة مما يأكل منه الرجال بل تأكل من بقاياهم.. وتعامل على أنها كم مهمل.. أما عن ضربها وإيذائها فحدّث ولا حرج.
وقد حمل التراث الشعبي عن المرأة في مصر أمثله كثيرة تعبّر عن امتهانها مثل: (اكسر للبنت ضلع يطلع لها اثنين) – (شورة المرأة أن صحّت بخراب سنة وإن خابت بخراب العمر) وهذا فيه تصادم صريح مع السنة التي جاء فيها (استوصوا بالنساء خيرًا) (ورفقًًا بالقوارير) .. وصح فيها مشورة أم سلمة لرسول الله يوم الحديبية. وفي الأوساط القروية فإن المرأة إذا طُلّقت لا تتزوج مرة أخرى وهذا ظلم.. وهكذا ظلمت هذه المرأة من واقعها الذي بات محمّلاً ضدها بالكثير والكثير.
المرأة القروية تلد في الحقل
يقول الحاج سيد أبو عيش من فلاحي قرية أو رابية محافظة كفر الشيخ: إنّ ما نسمعه عن المرأة في المدن وحياتها يجعلنا نضحك.. فالنساء عندنا محكوم عليهم بالأشغال الشاقة المؤبدة.. المرأة عندنا تلد في الحقل .. وأذكر أن زوجتي كانت قادمة من السوق والمسافة طويلة جدًا قطعتها على الأقدام، وهي قادمة أتاها المخاض في الطريق فوضعت ثم جعلت المولود وسط متاعها وأكملت سيرها، وربنا سبحانه وتعالى يسترها معنا لأننا فقراء ونكفي أنفسنا بالكاد، وإذا حدث وسمعنا أن أحد الفلاحين أتى بالطبيب ليقوم بتوليد زوجته ندعو لها؛ لأن معنى ذلك أنها بين الحياة والموت، وللأسف رغم أننا نزرع ونطعم غيرنا ليتنعم أهل المدينة فلا أحد ينظر إلينا ولا يفكر فينا.
أميّة المرأة
وتقول د. سامية الجندي أستاذة علم الاجتماع: إن رأس الأمر الذي سينتج عنه التطور هو تعليم المرأة.. فرغم أن 50% من المجتمع العربي لا يقرأ ولا يكتب فإن 30% على الأقل من هذه النسبة من النساء.. والتعليم بدوره يؤدي إلى سيادة أنماط لم تكن موجودة قبل ذلك .. فتبدأ المرأة تمتنع عن الذهاب إلى الحقل، وتنظر إلى الكماليات والمنزل الحديث.. وتحاول أن تستقل عن الأسرة الكبيرة.. و لا تخبز خبزها كما تفعل القروية العادية وتبدأ في استيراد أنماط المدينة فتعيش في القرية بروح وفكر المدينة.. والمعادلة صعبة.. فالقروية العادية منتجة بطبيعتها إلى أقصى حد .. وتحويل القرية إلى مدينة وجعلها تستورد طعامها من المدينة كارثة اجتماعية .. ويجب أن تحافظ القرية على إنتاجيتها وخصائصها فيمكن إدخال أفكار تنموية حديثة وتدريب القرويات على بعض الصناعات الصغيرة البسيطة التي تناسب البيئة وتناسب من تتعلم من القرية.. وهكذا نستطيع أن نجذب الشاب ابن القرية الذي يتعلم ونوجد له فرصة عمل في قريته التي يحبها ثم يتزوج من القروية المتعلمة.. وتزداد إنتاجية القرية .. ويجب في خطط التنمية المرتقبة أن نحافظ على خصائص القرية وعاداتها، وأن يتم التغيير فقط في جانب الظلم الواقع على المرأة، وأن نعلمها ونخرجها مما تعاني منه من أفكار وعادات غير صحيحة.
ـــــــــــــــــــ(100/86)
جوال الكاميرا .. حصاد المجتمعات (من العراق)
ضحى الحداد 12/1/1426
21/02/2005
لا يوجد خلاف بين اثنين بأن التكنولوجيا وُجدت لخدمة الإنسان ولراحته ولتسهيل أموره الحياتية، ولا يوجد خلاف أيضاً بأن لكل تكنولوجيا مساوئ ومحاسن فمثلما للتلفزيون والإنترنت وغيرهما من فوائد لكن عليهما ما عليهما من مآخذ، (الجوال) ذلك الجهاز الذي دخل مؤخراً ًإلى العراق بسلبياته وإيجابياته العديدة دخل ومعه ظاهرة ألا وهي التقاط الصور لنساء غير محجّبات وتوزيعها بين الشباب؛ مما أثار جدلاً واسعاً في المجتمعات العربية حول هذه الظاهرة كان للإسلام اليوم هذا التحقيق في عدد من البلاد الإسلامية والتي بدأها بـ (العراق) ومراسلة الإسلام اليوم هناك ضحى الحداد.
نفوس ضعيفة
تركز انتشار هذه الظاهرة في الجامعات والمعاهد بكثرة ولم يقتصر الأمر على ذلك بل تعداه إلى المدارس الثانوية أيضاً، مما أدّى إلى وقوع العديد من الضحايا كما حكت إحداهن إلى الإسلام اليوم (ع.ن) طالبة جامعية قام أحد الشباب بابتزازها بعد تصويرها خلسة بواسطة (الموبايل) ثم قام بعد ذلك بتركيب صورته معها من خلال الكومبيوتر، لكنها قدمت شكوى عليه مما أدّى الى كشف لعبته وبالتالي إلى العقاب الشديد.
ومن الجدير بالذكر أنه تم منع دخول الجوالات المزوّدة بالكاميرات إلى الكليات والمعاهد نظراً لوقوع الكثير من المشكلات حول هذا الموضوع.
احذر فهناك من يصوّرك
حتى المدارس الثانوية لم تسلم من بعض هؤلاء فتروي لنا (شهْد 14عاماً طالبة في الثالث ثانوي) تقول: فُوجئت عندما خرجنا إلى الساحة في وقت الفرصة، و شاهدت أحد الأولاد، و كان قد تسلّق حائط المدرسة ليصورنا عبر جهاز (الموبايل) " لذلك أصبحنا نترقّب خوفاً من أية محاولة يقوم بها الشباب من دون علمنا، توافقها الرأي (أسماء ربة بيت 30عاماً) حيث إنها تقول بأن (الموبايل) هو سمة العصر، لكن ما يفعله البعض هذه الأيام غير لائق في مجتمعاتنا العربية خاصة ما أراه من شباب يحملون الجوال في الأسواق، و يقومون بتصوير أي فتاة تعجبهم.
(كل ممنوع مرغوب)
لكل تكنولوجيا تبعات وآثار جانبية، هذا رأي (الأستاذة الدكتورة فوزية العطية أستاذة في علم الاجتماع كلية الآداب جامعة بغداد) فهو سلاح ذو حدين بالإمكان استخدامه بالطريقة الصحيحة أو استغلاله عند بعض أصحاب النفوس الضعيفة لأغراضهم الشخصية، وهذه تؤثر على نفسية المراهق العراقي، ونحن هنا نتكلم عن البعض ممن فقد أبويه، أو من لا يجد من يردعه أو يوجّهه، وانطلاقاً من نظرية كل ممنوع مرغوب، عبثت هذه التقنية بعقول البعض إضافة إلى الفضائيات التي تشجع الكثيرين على استعمال العبارات الشائنة والكلمات التي تخدش الحياء ساعدت أو هيّأت البيئة المناسبة لمثل هذه الأفكار، إضافة إلى الظروف السياسية التي مرّت بالعراق وانعدام الرقابة أو الأمن أو التوعية، لكن بحسب معرفتنا لم تُسجل حالات مشابهة لضحايا من النساء إلا بنسبة قليلة جداً مقارنة بالدول الأخرى، والذي مضى على استخدامهم للجوال فترة طويلة.
السبب هو الإعلام
ضعف الوازع الديني وغياب الرقابة الفعلية المباشرة من قبل الأهل من أهم الأسباب التي تؤثر على الشباب والشابّات وتؤدي بهم إلى الانحراف، بحسب رأي(الشيخ علي خضر عضو هيئة علماء المسلمين وعضو مكتب الدعوة والإرشاد في الحزب الإسلامي العراقي) والذي يرى أيضاً أن الحلّ يكمن في دور الإعلام الكبير الذي من المفترض أن يدين هذه الأعمال ويحاربها، أما الأهل فيقع على عاتقهم الجزء الأكبر؛ لأن لهم الرأي الأول والأخير في مراقبة سلوك أولادهم ومتابعة أصدقاء أولادهم؛ إذ إن للصحبة دوراً كبيراً في التأثير وبشكل مباشر على الشاب إضافة إلى تحصينهم بالآيات القرآنية وبمبادئ الدين الحنيف.
"على الرغم من كل ما أثير ضد الهاتف النقّال المزود بالكاميرا، إلا أنه يبقى ضرورة مهمة من ضرورات العصر لكن استعماله يتباين من شخص لآخر حسب ما يمتلكه من مبادئ و أخلاق وستار ديني يسدله كلما أحس بقرب معصية تتجه نحوه"
ـــــــــــــــــــ(100/87)
بين الاختزال و الإلغاء
سنا محمد طوط 22/12/1425
02/02/2005
و قديماً كانت المرأة قضية، فقد وأدها العرب الجاهليون، و حار فيها أهل الصليب:
أهي ذات روح أم لا؟ فإن كانت فهل هي روح إنسان أم روح شيطان؟ ثم كانت الثورة الصناعية التي أطلقت المرأة إلى مصانعها واعدة إياها بالتحليق عالياً في سماء الحرية، فإذا هي تكسر جناحها من عبء ما حمّلتها.
نصف حالات الزواج تنتهي بالطلاق في الولايات المتحدة الأمريكية أو أقل بقليل وفق دراسة نشرتها مجلة (هاي) التي تصدرها شركة The magazine group نيابة عن مكتب الإعلام في وزارة الخارجية الأمريكية. و عزت الدراسة هذه الظاهرة إلى أسباب، أهمها على الإطلاق: ثقافة الإنسان الأمريكي و نزوعه إلى الحرية، بحيث لا يتردّد عن الانفصال ما دام يعشق التغيير و يشعر أن من حقه أن يعيش حياته كما يهوى، غير مقيّد بمسؤوليات الزواج والأولاد .
و هذه امرأة أمريكية ، يُتوفى عنها زوجها، فإذا هو قد أوصى بثروته لكلبته، إلا القليلَ منها منحه لزوجته، على أن تنفق منه على الكلبة. رفضت الزوجة الوصية و رفعت دعوى قضائية ضدها. و كان على المحامي أن يكتب للمحكمة: "أرجو من المحكمة الموقّرة أن تعامل موكّلتي ككلبة ".و تلك امرأة فرنسية ، تفضّل تربية قطة على تحمل عناء تربية طفل.
ما زالت للمرأة قضية، و مازالت قضيتها تتصدر قائمة الاهتمامات في عصر يعجّ
بالقضايا الساخنة و الباردة. للمرأة الغربية قضيّة. قضية إلغاء أنوثتها، و إلحاقها بالرجل سلوكاً و أمانيّ، مسؤوليات و حقوقاً.
إن المرأة باتت رقماً، مجرد رقم في الدراسات الاقتصادية، قسموه، ضربوه ثم طرحوه.
دمية، مجرد دمية يتلهى بها العابثون بعدما اشتروها بثمن بخس. سلعة تتناوشها الأسهم في أسواق العملات.
و للمرأة المسلمة قضية كذلك:
فالمجتمع المسلم اختزل المرأة، اختزل عقلها فلم يسمح لها بإبداء رأي أو المشاركة في صنع قرار، فضلاً عن أن تنفرد بصناعته.
و اختزل شخصيتها، فحرمها الاستقلالية. ضيّق من حريتها، فحبسها بين جدران صماء عمياء و عزلها عن العالم الخارجي المتحضر.
اختزل طاقتها، فعطّل نصف المجتمع عن الإنتاج، و عرقل عجلة الاقتصاد.
و المرأة المسلمة-كما الرجل المسلم- ليست منسجمة مع ذاتها، بل هي تعيش ازدواجية في الشخصية، قد كبّلها المجتمع، أو الدين إن شئت، بأغلال ثقيلة فلا تقدر على التمرّد عليه أو الخروج على قيمه، و لو على حساب رغباتها و تطلّعاتها.
هذه هي صورة المسلمة كما رسمها الحداثيون و مَن وراءهم. و لعل في الصورة ظلالَ حقيقةٍ أُريد بها باطل، غير أنها بالتأكيد لا تجسّد الحقيقة؛ لأنه قد فات رسّاميها-عمداً أو سهواً- أن المرأة المسلمة لم تزل تؤسس بين جدرانها عالماً يحويها جسداً و تحتويه حباً و رعاية، عالماً تسكنه أحلامها و أمنياتها. جنةً تغرّد فيها طيورها، و تبذر من حبات قلبها براعمها. دنيا هي فيها الخادمة السيدة، لقد صنعتها يداها؛ فهي تملك كلّ شبر منها.
المجتمع المسلم لم يُلق المرأة بين أحضان عالم فولاذي، يبسم لها مكشراً عن أنياب حديدية، ويسمعها صخب آلاته الواعدة بالحرية، قد خبت فيه آمالها زوجة، وتبخرت أحلامها أماً، ثم لم تملك منه موطئ قدمها، و لا جنت من السعادة إلا وعوداً عرقوبيّة.
وإن تكن للمرأة قضية، فللرجل أيضاً قضية، و للبهائم قضية، بل للبيئة قضية، وما قضية المرأة سوى واحدة من أكداس قضايا تنتظر لها حلاً.
لذا فإن من المريب أن يستغلّها بعضهم لإحداث انقلاب ثوري اجتماعي في مجتمعاتنا.
وينظر إلى الأمور بعين السخط العوراء التي تبدي المساوئ، فيضم الثوابت إلى العادات لينسفها جميعاً غير عابئ بقدسيّة النص الشرعي الذي عبث فيه، و لوى عنقه، فإذا دعواتٌ لتولية المرأة الحكم، و لإلغاء السلطويّة الذكوريّة و لمنع تعدّد الزوجات ...
إن من السذاجة أن نتيح لهؤلاء الثوريين أو المستغربين فرصة ، إن كنا مؤمنين بضرورة الإصلاح، فالسعي لاسترداد أجزاء مختزلة أضمن للمرأة المسلمة بكثير من تهديد إلغاء أنوثتها، وانتمائها إلى المجتمع المسلم.
ـــــــــــــــــــ(100/88)
أبعاد المؤامرة الدولية على المرأة والطفل
فاطمة الرفاعي 4/12/1425
15/01/2005
كشفت المهندسة كاميليا حلمي ـ مسئولة لجنة المرأة والطفل باللجنة الإسلامية العالمية للإغاثة النقاب عن المؤامرة التي تستهدف كيان الأسرة المسلمة وذلك عبر الحلقة النقاشية التي أقامها مركز الدراسات المعرفية تحت عنوان "الأبعاد الدولية لقضايا المرأة والطفل" ، وقد أوضحت كاميليا حلمي في كلمتها أن صور الاستعمار الحالي سواء فكرياً أو ثقافياً أو اقتصادياً يستهدف بالدرجة الأولى الأسرة المسلمة وذلك من خلال تركيزه بالدرجة الأولى على المرأة باعتبارها الركيزة الأساسية المكونة للأسرة والتي يعتمد عليها في تربية وتشكيل النشء، ومن هذا المنطلق فإن الاستعمار الجديد يسعى لتدمير الكيان الأسرى من خلال المؤتمرات الدولية والجمعيات الأهلية وممارسة الضغوط الدولية وتسخير وسائل الإعلام لتحقيق ذلك . وقد تجلى هذا المخطط بوضوح في تنادي من جمعية "تقطيع أوصال الرجال" وهي حركة أنثوية جديدة تعمل تحت رعاية الأمم المتحدة وتدعو إلى عالم نساء بلا رجال ، ومن أهم أهدافها تحقيق استغناء المرأة اقتصادياً وسياسياً وجنسياً عن الرجل .
وأبرزت حلمي أن السعي الدءوب لتمكين المرأة وتوليها المناصب القيادية هو تخطيط تدريجي يهدف للاستغناء التام عن الرجال ، أن من الدعائم الرئيسية التي يعتمد عليها هذا المخطط هو الدعوة إلى حرية المرأة في التصرف في جسدها بعيداً عن ضوابط الشرع والدين وما يترتب عليها من دعوات شاذة جاءت في وثيقة (بكين + 5 ) ومنها تحقيق الجنس الآمن من خلال حماية حقوق الشواذ وتقنين الإجهاض وتوزيع وسائل الحمل وقبول العلاقات غير الشرعية بين الرجال والنساء وحمايتها .
تأنيث اللغة
وتطرقت المهندسة كاميليا حلمي في كلمتها إلى محور جديد تسعى لتحقيقه حركة نساء بلا رجال ومثيلاتها هو تأنيث اللغة وموت التاريخ من خلال استبدال بعض المصطلحات وإلغاء دور الأب في الأسرة ، ومن أمثلة المصطلحات التي تم استبدالها استبدال مصطلح "إنصاف المرأة" والذي كان سائداً في وقتما بمصطلح جديد هو "تمكين المرأة" ، وتتضح الدعوة لإلغاء دور الأب من الأسرة من خلال التعريفات والمفاهيم الجديدة التي يقدمونها للأسرة بأنها مجموعة من أفراد هم أب وأم وأولاد دون النظر إلى وجود رباط شرعي يجمعهم وحماية حرية المرأة أن تعاشر من تشاء وكذلك في ظهور دعوة غريبة هي حرية المرأة في رفض الأمومة والإنجاب على اعتبار أن قصر الأمومة والإنجاب على المرأة دون الرجل هو نوع من العنف ضدها، وفتح الطريق أمام المرأة بالاستغناء الجنس عن الرجل من خلال ممارسة الشذوذ والاستغناء عن حاجتها للحمل من خلال الحمل عن طريق الاستنساخ .
الهوية الجندرية
وأوضحت المهندسة كاميليا حلمي أن كل هذه الدعوات الشاذة تدور في بوتقة الدعوة إلى فرض الهوية الجندرية في تصنيف الأفراد بعيداً عن الاختلافات البيولوجية التي تحصر النوع في (رجل وامرأة) في حين أن الهوية الجندرية تدعو لإحساس الفرد بنفسه سواء كان رجل أو امرأة أو شاذ والسعي إلى فرض الجندر (النوع الثالث الشاذ) ودخوله وانتشاره في كل مؤسسات الدولة الحكومية والغير حكومية وصبغ المجتمع كله بهذه الهوية حتى في المنازل لابد من إلغاء الفوارق البيولوجية والاجتماعية كما أوضحت وثيقة (بكين + 5 )، وأوضحت أن إلغاء قوامة الرجل ومنع استئذان المرأة عند السفر من زوجها جزء من حقوقها ومساواتها بالرجل، كما اعتبرت أن معاشرة الرجل لزوجته رغماً عنها هو نوع من الاغتصاب الزوجي وأحد أشكال العنف ضد المرأة . كما تطرقت إلى مصطلح الصحة الإنجابية والذي يجري الترويج له في تعليم الجنس الآمن للأطفال. أي إتاحة الحرية والأمان للأطفال في ممارسة الجنس وإباحة الإجهاض من الحمل غير المرغوب .
موقع الأمم المتحدة
وأشارت المهندسة كاميليا أن هناك ضغوطاً على الدول الإسلامية لقبول هذه التحفظات التي تخالف الشريعة والعادات والتقاليد ، كما أن هناك ضغوطاً على الوفود العربية في المؤتمرات الدولية لقبول ذلك . وأوضحت أن هناك ترجمة غير حقيقية للمصطلحات التي يقدمها موقع الأمم المتحدة باللغة العربية تختلف عن حقيقة هذه المصطلحات في الموقع غير المترجم ومن هذه المصطلحات مصطلح "الجندر إلكوتي" والذي يتم ترجمته إلى المساواة بين الجنسين في حين أنه يعني أن يأخذ الشواذ حقوق الأسوياء .
محاربة أمريكية لإعلان الدوحة
وحول دوافع عقد مؤتمر عالمي للأسرة بالدوحة قالت كاميليا حلمي أن مؤتمر الدوحة كان محاولة من ائتلاف الهيئات والمنظمات الإسلامية للتأكيد على أهمية الكيان الأسرى في مواجهة الدعوة التي قدمتها منظمة "الفايسنست" التي قدمت بيان يؤكد أن العالم كله يرفض الأسرة لأنها عقبة من وجهة نظرهم في طريق التقدم . فما كان من الولايات المتحدة وكندا إلا مواجهة إعلان الدوحة بالرفض التام لأنه يساند الأسرة ويدعو للحفاظ عليه
ـــــــــــــــــــ(100/89)
ثلاثة ... لنكون واحداً
سنا محمد طوط 1/12/1425
12/01/2005
يرى البعض الوحدة الإسلامية حلماً مستحيلاً، في وقت تتجه فيه الشعوب إلى التوحد، فيما تبدو الخلافات بين المسلمين متجذرة عميقة .
و الوحدة ليست مائدة بني إسرائيل تنزل علينا من السماء دون أن نوري لها ناراً، و لا هي قشة الغريق يتعلق بها اليائسون، و لا هي مدينة أفلاطون التي نسجتها أحلامه المثالية .
الوحدة واقع تصنعه أيدينا .
من الخطأ برأيي أن نعتبر المفهوم الوحيد للوحدة هو الوحدة السياسية، وقد قال صلى الله عليه و سلم: "مثل المؤمنين في توادهم و تراحمهم كمثل الجسد الواحد"؛ فبيّن أن الوحدة حاصلة بالتعاطف والتوادّ، وهو واقع من السهولة بمكان صناعته إن كانت قلوبنا أشربت حقيقة الإيمان. وهو الأرضية التي نشأت عليها الدولة المسلمة و المجتمع المسلم في المدينة المنوّرة .
والتحابّ في الله وموالاة المؤمنين عاطفة إيمانية إن صدقت، لا ينبغي أن تظل حبيسة الصدور؛ بل هي عاطفة تخرج من حيّز الشعور إلى حيز التنفيذ، فترتسم على وجوهنا ابتساماً وعلى شفاهنا سلاماً، و على قلوبنا صفاء. نترجمها في معاملاتنا صدقاً ونصحاً وفي محاوراتنا تسامحاً وتعاذراً.
عاطفة عابرة للحدود ، متجاوزة للمذاهب و اللهجات و اللغات .عاطفة جعلها الرسول -صلى الله عليه وسلم- شرطاً لدخول الجنة "لا تدخلوا الجنة حتى تؤمنوا و لا تؤمنوا حتى تحابّوا، ألا أدلكم على شيء إذا فعلتموه تحاببتم ؟ أفشوا السلام بينكم"؛ فالمحبة الأخوية هي أولى الثلاث.
و أما الثانية فالتعاون على البر والتقوى، تعاوناً يفترض بنا صدق العزيمة و الإخلاص وحسن الائتمار بالمعروف والتناهي عن المنكر.. أن نمدّ أيدينا إلى كل عمل فيه للمسلمين صلاح ولديننا نصرة، متخلين عن أنانياتنا، متمردين على قماقمنا الفكرية، منطلقين إلى فضاء الإسلام الرحيب .
إننا ما زلنا نعيش مخلفات حالة الصراع، أيام كان أفاضلنا هم الذين يكفّون أيديهم، فيما يسعى أراذلنا إلى تحطيم كل عمل إسلامي لا ينسجم مع طروحاتهم و لا يمثّل اتجاههم .
إن الأمم لتحقق مصالح عابرة لها تناست صراعاتها؛ فكيف بنا و قد جمعتنا العقيدة ورمتنا المحن في خندق واحد، تهيل علينا قاذوراتها الفكرية تارة، و ترمينا بمجانيق حقدها المدمر طوراً!
و أما الثالثة فطاعة العلماء الربانيين، و ردّ الأمور إليهم ، فطاعتهم صمام أمان ، تعصمنا من الانسياق وراء الجهل و الهوى المؤديين إلى الفرقة و النزاع ، و الله -عز وجلّ- يقول: (و اعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا).
إن تخوين العلماء معناه الحكم على المشروع الإسلامي بالإفلاس، وعلى حدود الله بالضياع، إذ ضاع حملة شريعته.
وفيم إذاً قتالنا و جهادنا و تضحياتنا؟
و لعلّ بعضاً قد بلغ منه اليأس مبلغاً واستطال الطريق، و لعلّ آخرين قد انقادوا لمشاعرهم كل الانقياد، و ساعدتهم ظروف حياتهم الصعبة والبعيدة عن واقع الأمة ومعاناتها والتحديات التي تواجهها على اصطناع فكر انعزالي، يرى كل مخالف خائناً أو جباناً .
واجبنا تجاه هؤلاء -علماء و عامة و مثقفين- ألا نزيد من عزلتهم ، وأن نسعى بكل سبيل لإيصال رسالتنا إليهم، و ندعوهم للانتساب إلى مجتمعنا، و ليكونوا جزءًا من المشروع الإسلامي، مشروع التحرر والتطور وإعزاز دين الله في الأرض.
إنها ثلاثة لا يتطلبها الوضع الراهن للأمة و حسب؛ بل يتطلبها الإيمان في كل ظرف و حال.و لئن كنا غارقين في بحور الفتن و المحن فمن عند أنفسنا هي.
وها قد أهل هلال التغيير في ظلمات التيه، فياحبذا اكتماله بدراً، وياحبذا شمسه مشرقة
ـــــــــــــــــــ(100/90)
رياحٌ مرسلات
* فوزية الخليوي 1/12/1425
12/01/2005
إنّ من أبهى ما ترتديه المرأة من ملابس الدنيا وأزينِ حُلَلِها! هو ثوب الكرم والجود والإيثار!! لما لهذه الصفة من محبة عند الله -عز وجل-ّ فقد جاء في الحديث الشريف عن النبي -صلى الله عليه وسلم-: " إن الله تعالى جوادٌ يحب الجود"، وجاء من صفاته صلى الله عليه وسلم أنه: "أجود الناس"
تعوّد بسط الكفّ حتى لو أنّه ... ... ثناها لقبضٍ لم تجِبه أناملهُ
ومن شرف هذه الخلة أن الله -عز وجل- قرن ذكرها بالإيمان ووصف أهلها بالفلاح( الذين يؤمنون بالغيب ويقيمون الصلاة ومما رزقناهم ينفقون) إلى قوله:(أولئك هم المفلحون) ولهذا لما خالطت بشاشة الإيمان قلوب الصحابيات جُدن بالغالي والنفيس لهذا الدين ولم يلتفتن إلى جمع الحُي والحلل؟!
فهذه عائشة حبيبة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- والمبرّأة من فوق سبع سموات كان من حالها مع الجود والإيثار كما حكت عنها أم درة في طبقات ابن سعد :أنها أُتيت بمائة ألف ففرقتها وهى يومئذ صائمة فقلت لها :أما استطعت فيما أنفقتِ أن تشتري بدرهم لحماً تفطرين عليه!
فقالت: لو ذكّرتني لفعلت! وكيف لا تجود بكل ما تملك وهى ابنه الصّديق الذي قال عنه النبي -صلى الله عليه وسلم- " ما نفعني مال قط إلا مال أبي بكر"رواة النسائي وهو الذي جاء إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- بماله فقال له النبي- صلى الله عليه وسلم-"ما أبقيت لأهلك؟ قال: أبقيت لهم الله ورسوله!رواة الترمذي.
ثم هي تبلغ أقصى الإيثار عندما تؤ ثر عمر بن الخطاب - بدفنه عند رسول الله فى حجرتها!!
ومن أقوالها –رضي الله عنها-:" ليس من السّرف التبسّط للضيف في الطعام".
وحذت حذوها سائر نسوة النبي صلى الله عليه وسلم فكُنّ بحق كما قيل:
ليس يعطيك للرجاء أو الخوف ... ... ولكن يلذّ طعم العطاءِ
فهذه صفية بنت حييّ تدخل ومعها ذهب فتهب منه لفاطمة ولنساء معها و يتجلى الجود والصفح فى هذه الحادثة عندما اشتكتها جارية لها عند عمر بن الخطاب فقالت: إن صفية تحب السبت وتصل اليهود؟؟
فسألها عمر فقالت: أما السبت فإني لم أحبه منذ أن أبدلني الله الجمعة!وأما اليهود فإن لي فيهم رحماً فأنا أصلها!!ثم أعتقت الجارية على ظلمها لها!!
وتأبى عليها نفسها الفياضة أن تدع آل عثمان بن عفان محبوسين فى الفتنة فجاء عن ابن سعد فى الطبقات : بسند حسن أنها خرجت على بغلتها فلما منعوها وضعت خشباً بين منزلها ومنزل عثمان فكانت تنقل عليه الطعام والماء!!
ثم تأتي زينب بنت جحش زوجة الرسول صلى الله عليه وسلم بتزويج الله له من السماء قالت عنها أم سلمة: " كانت صوّامة قوامة صناعاً تصدق بذلك كله على المساكين".
وفى مسلم أن الرسول -صلى الله عليه وسلم- قال " أسرعكن لحاقاً بي أطولكن يداً" فكن يتطاولن أيتهن أطول يداً قالت: وكانت أطولنا يداً زينب؛ لأنها كانت تعمل بيدها وتتصدق وإنما أراد أطولهن بالصدقة!!
وكان عطاؤها اثني عشر ألفاً لم تأخذه إلا عاماً واحداً فجعلت تقول: اللهم لايدركني هذا المال من قابل فانه فتنة!! ثم قسمته فى رحمها و فى أهل الحاجة!!
وبلغ عمر فعلها فأرسل لها باثني عشر ألفاً أخرى لتستبقيها لنفسها ففعلت بها نفس فعلها!!
ويتجلى هذا السموّ فى آخر لحظات حياتها عند الوفاة حينما يرسل لها عمر بكفن فقالت: إني أعددْت كفني فتصدقوا بأحدهما وإن استطعتم أن تتصدقوا بحقوي فافعلوا فقالت عائشة: لقد ذهبت مفزع اليتامى والأرامل!!
فقد ورد فى مسلم أن الرسول -صلى الله عليه وسلم- رأى امرأة فأتى امرأته زينب وهى تمعس منيئة(تدبغ جلداً) فقضى حاجته فهذا يشير أن هذا هو دأبها والعمل ديدنها!!
وتحذو حذوهن زينب امرأة عبد الله بن مسعود فقد دخل بلال على النبي -صلى الله عليه وسلم- قائلاً في الباب زينب!
قال: أي الزيانب؟
قال: زينب امرأة عبد الله بن مسعود وزينب امرأة من الأنصار تسألانك عن النفقة على أزواجهما وأيتام فى حجورهما!
فقال: لهما أجران: أجر القرابة أجر الصدقة" رواة البخاري.
ولله درّ القائل:
إذا المرء لم ينفعك حيّاً فنفعُه ... ... أقلُ إذا ضُمت عليه الصفائحُ
لأية حال يمنع المرءُ ماله ... ... غداً فغداً والموتُ غادٍ ورائحُ
ربح البيع!!
كانت أم الدحداح جالسة فى بستانها الذي يُعد من أشهر البساتين فى المدينة النبوية, فقد غطت الأفق أشجار النخيل الفارهة, وأسبغت على المكان هواءً عليلاً, ومع دخول زوجها أبي الدحداح الذي دخل مسرعاً ,وهو يلوّح لها بالخروج!!
فتبينت منه قوله: يا أم الدحداح! اخرجي من الحائط, فإني بعته بنخلةٍ فى الجنة!!
فقالت (وبدون تردّد)ربح البيع، ربح البيع!!
فلما بلغ النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: " كم من معلقٍ لأبي الدحداح فى الجنة" رواة أحمد ومسلم.
فللّه درهم من قوم عقلوا قول الله عز وجلّ: (لن تنالوا البرّ حتى تنفقوا مما تحبون)
وتضرب هذه الصحابية أروع الأمثلة التطبيقية, عندما ضاف الرسول -صلى الله عليه وسلم- رجلاً فقال لنسائه فقلن: ما معنا إلا الماء!!
فقال رسول الله -صلى ا لله عليه وسلم- " من يضم أو يضيف هذا!!
فقال رجل من الأنصار : أنا, فانطلق به إلى امرأته فقال: أكرمي ضيف رسول الله فقالت : ما عندنا إلا قوت صبياني!
فقال: هيئي طعامك, وأصلحي سراجك, ونوّمي صبيانك إذا أرادوا عشاءً!!
فهيأت طعامها, وأصلحت سراجها, ونوّمت صبيانها, ثم قامت كأنها تصلح سراجها فأطفأته, فجعلا يُريانه أنهما يأكلان, فباتا طاويين, فلما أصبح غدا إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال:" ضحك الله _ أو عجب من صنيعكما".
فأنزل الله (ويؤ ثرون على أنفسهم ولو كان بهم خَصَاصة ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون).
وهذا مصداق قول الحسن البصري: والله لقد رأيت أ قواماً كانت الدنيا أهون على أحدهم من التراب تحت قدميه يمسي أحدهم ولا يجد عنده إلا قوتاً! فيقول : لا أجعل هذا كله فى بطني, فيتصدق ببعضه, ولعله أجوع إليه ممن يتصدق عليه!!
* عضو الجمعية العلمية السعودية للسنة
ـــــــــــــــــــ(100/91)
خلق الأحرار
سنا محمد طوط 21/11/1425
02/01/2005
أتت هند بنت عتبة النبي -صلى الله عليه و سلم- تبايعه، فلما قال: "ولا يزنين"، قالت: أوَتزني الحرة؟ لقد كنا نستحي من ذلك في الجاهلية؛ فكيف بالإسلام؟ والحرّ عند العرب شريف القوم و كريمهم.
فأعجب من حياء الجاهليين الأُول! قوم أميون لا ضابط يردعهم لولا الحياء، الذي فطر الله عليه النفس السويّة.
وهذا الشنفرى من شعراء الجاهلية ، يقول مادحاً زوجته:
لقد أعجبتني لا سَقوطاً قناعها ... ...
إذا ما مشت، ولا بذات تلفّتِ
كأنّ لها في الأرض نِسْياً تقُصّه ... ...
على أَمَّها، وإن تكلّمكَ تبْلتِ
فهي حييّة عفّة، لا يسقط قناعها، و لا تتلفّت أثناء مَشْيها، بل تنظر إلى الأرض كأنما تبحث عن ضائع، فإن كلّمها أحد أوجزت في الجواب و قصدت .
و هذا عنترة العبد يتّصف بصفات الكرام و الشرفاء، و يقول مفاخراً:
و أغضُّ طرفي ما بدت ليَ جارتي ... ...
حتى يواري جارتي مأواها
و قال آخر:
و إني لأُغضي الطّرف عنها تستّراً ... ...
و لي نظرٌ لولا الحياء شديدُ
ثمّ أعجب بالقدر نفسه، من جراءة الجاهلية الحديثة التي تحرّرت من ضابط الحياء فإذا هي تستعبدها شهواتها!!
وبات الحرّ من لا يستحي ويصنع ما يشاء.
و هكذا صار للعبوديّة وجه جديد و اسم جديد، في عصر شُوّهت فيه المفاهيم، ومُسِخت الفِطر، فباتت الرذيلة تحرّراً، و الحياء تخلّفاً. وعمّ الفساد؛ فتقوّضت بيوت و شقيت مجتمعات.
و أعجب من ذلك كلّه، أن ترى بين المسلمين (المتحرّرين) سمّاعين لصوت الجاهلين، فإذا النساء يخلعن جلابيب الحياء، سفوراً، وخضوعاً بالقول، لا يتحرّزن من شبهة، و لا يمتنعن من ريبة.
و ليس حراً من لم ينعتق من سلطان رغباته و أهواء نفسه أن تستعبده، فيأخذ بناصيتها، و يوجّهها إلى حيث الفضيلةُ و مكارمُ الأخلاق.
إنك في الجاهلية الحديثة تعيش ( هاجس الحرية) في زمن ( العبودية).
تلك العبودية التي تُلقي بك في مهاوي الشقاء؛ حيث تعتقد أنك واجد السعادة.
عبودية تجعلك عاجزاً عن الإحجام أو الإقدام متى أردت، تجعلك مسيّراً في حين تريد أن تكون حراً مخيّراً.
والحياء –بلا شك – جامع الفضائل، و شرف الدنيا، وفوز الآخرة، ذلك أن الحيِيَّ ينأى بنفسه عما يعرّضها لقالة السوء أو يخدش وقارها، ويمسّ هيبتها، وهو أشد حياء من الله، و امتناعاً عن المعاصي. لذلك اقترن الحياء بالإيمان. و في الحديث:
(الحياء و العيّ شعبتان من الإيمان، و البذاء و البيان شعبتان من النفاق).
قال الترمذي (راوي الحديث): وإنما جُعِل الحياء – و هو غريزة – من الإيمان – و هو اكتساب –لأن المستحي ينقطع بحيائه عن المعاصي فصار كالإيمان الذي يقطع بينها وبينه.
و مع كون الحياء غريزة إلا أنه يمكن اكتسابه ككل فضيلة بتعهده حتى ينمو و يثمر سعادة في الدنيا والآخرة، وبممارسة الرياضة السلوكية. ومن هذه الرياضات:
-حفظ اللسان عن المعائب و فضول الكلام.
- الاحتراس من مواطن الشبهات و ضبط التعامل مع الجنس الآخر.
- تعويد النفس غضّ البصر و صمّ الأذنين دون المحرّمات.
- الطفولة وعاء الأدب؛ فعلينا تعويد أبنائنا حسن السلوك منذ طفولتهم في كل حركاتهم و أقوالهم.
و المرء رهينة عادته؛ فمن يتعود المنكر يألفه و يأنس إليه، و من يحمل نفسه على المكرمات تصبح شيمته.
رزقنا الله من الصفات أحسنها، و من الفضائل أجمعها، ونعوذ بالله من شقاوة الجاهلين و تدبير الكائدين.
ـــــــــــــــــــ(100/92)
نوال الفاعوري: العنف ضد المرأة يواجه بالوعي
حوار: سماح بيبرس 14/11/1425
26/12/2004
قضايا المرأة العربية كثيرة ومتشعبة، ولكن التركيز على جوانب معينة بحد ذاتها هو ما أفرزه الواقع الحالي، كالعنف ضد المرأة، والخطاب النسوي وما إلى ذلك، حول هذه المفاهيم كان لنا هذا اللقاء السريع والذي أجريناه مع الداعية الإسلامية الأستاذة نوال الفاعوري * عضو حزب جبهة العمل الإسلامي في الأردن
ما تقييمك لوضع المرأة في العالم العربي والأردن تحديداً من الناحية الاجتماعية و السياسية و الاقتصادية؟
يختلف وضع المرأة من بلد عربي إلى آخر بحسب طبيعة النظام الاجتماعي و السياسي لكل بلد، ومدى التطور التعليمي و المستوى المعيشي ومستوى دخل الفرد.
وبصورة عامة فإن حال المرأة العربية من حال مجتمعها، مع الاعتراف بأن تقدماً في مجال التعليم قد حصل في معظم الأقطار، وانعكس ذلك إيجاباً على قضية المرأة ودرجة مشاركتها في الحياة العامة هذا بالإضافة إلى التأثير الذي تركته الأحداث العالمية فيما يخص هذا الموضوع؛ حيث يدور حراك عالمي واسع حول ضرورة مشاركة المرأة في المجالات السياسية والاجتماعية والاقتصادية، لكن بالرغم من هذا التطور النسبي مازال هناك عوائق تحول دون وصول المرأة إلى المستوى المطلوب من المشاركة الفاعلة.
ومن أهم هذه العوائق الفكرة السلبية السائدة في المجتمعات العربية حول قدرات المرأة، مع عدم ظهور ممارسات ديمقراطية حقيقية تفتح المجال لذوي الكفاءات من الرجال و النساء على حد سواء، وتُتاح الفرص عادة لعدد محدود ومحظوظ من النساء دون أن تكون معايير الكفاءة والقدرة هي الفيصل في هذا.
ما رأيك بالخطاب النسوي المعاصر؟ وكيف يجب أن يكون شكل هذا الخطاب؟
هناك "نغمة جديدة" تنادي بمساواة الرجل و المرأة في كل الأمور والأحوال، تماماً كما هو الحال في خطاب الغرب الموجه لهذه المنطقة.
ومما يشجع هذا النوع من الخطاب الممارسات الخاطئة بحق المرأة في المجتمعات العربية الإسلامية، و التي تعطي ذريعة لنبرة الدعوة للمساواة وإلى "تحرير المرأة "كما يُقال أحيانا.
وإن الغالبية الساحقة من جماهير النساء العربيات ليست مع هذا التوجه بالرغم من الرغبة الأكيدة في إعطاء المرأة العربية حقوقها كاملة كإنسان، وإتاحة المجال أمامها للمشاركة الفاعلة في مختلف المجالات الحياتية مع مراعاة تراث ثقافة المرأة العربية المسلمة من خلال فقه عصري يأخذ واقع الأمور في الحسبان، ويراعي المستجدات والثوابت والتوفيق بينهما.
إن ما يحدث في مجتمعاتنا الآن غير وثيق العلاقة بموقف الإسلام من المرأة والذي أعطاها حقوقاً، ورتّب عليها التزامات لذلك، ومن خلال الالتزام بجوهر هذه التعاليم والتجاوب مع أحداث العصر وتطوّراته يجب أن يأتي الخطاب النسائي العربي متفقاً مع هذه التعاليم، والذي يعني مشاركة المرأة في كافة القطاعات، مع مراعاة الفوارق والقدرات والمحافظة على كرامة المرأة.
كيف يمكن مواجهة العنف ضد المرأة؟
إن ظاهرة العنف ضد المرأة ظاهرة عالمية برزت في المجتمعات العربية بعد أن جنحت هذه المجتمعات بعيداً عن جوهر أحكام الشريعة الإسلامية باتجاه بعض العادات الجاهلية، وبالإمكان مواجهة هذه الظاهرة بنشر الوعي و التعليم لدى عامة الناس خاصة فيما يخصّ حقوق المرأة في الإسلام وعلاقة المودة و الرحمة التي تميّز جوّ الأسرة المسلمة.
ولا بدّ أن يكون هناك من التشريعات ما يضع حداً على التعدّي على كرامة الإنسان (ولكم في القصاص حياة يا أولي الألباب).
لقد أكد الإسلام على علاقة المودة و الرحمة في الأسرة، كما بين حقوق وواجبات كل من الرجل و المرأة، وعلى تساويهما في الإنسانية و التكريم، فالإسلام لا يقرّ العنف ضد المرأة أو الرجل، وما ذكر في حالات النشوز فهو حالة فردية نادرة، كما أكّد الإسلام على ضرورة الرفق بالمرأة ووضعها في حدود حفظ الكرامة الإنسانية.
تقييمك لتجربة المنظمات و المؤسسات النسائية في الأردن، ومدى مساهمتها في تحسين وضع المرأة؟
المنظمات النسائية الأردنية ناشطة وفاعلة في هذا المجال، ومن خلال الاتحادات النسائية و الجمعيات النسائية كالاتحاد النسائي الأردني واتحاد المرأة و اللجنة الوطنية لشؤون المرأة وغيرها من المؤسسات الفاعلة في هذا المجال.(*) التحقت بالعمل الدعوي الإسلامي لغاية 1993م، حيث نجحت في ذلك العام بمجلس شورى حزب جبهة العمل الإسلامي كأول امرأة تتخطى هذا الحاجز. وفي نفس العام أسست مدرسة خاصة وعملت مديراً عاماً لها لغاية 2002م، كما أسست جمعية الأقصى الخيرية في محافظة مادبا، وكنت عضواً مؤسساً في حزب الوسط الإسلامي، وانتخبت عضواً في المكتب السياسي لهذا الحزب. عملت رئيسة للاتحاد النسائي الأردني "فرع مادبا" لدورتين متتاليتين، ومازلت عضواً في المجلس الاستشاري لمحافظة مادبا
ـــــــــــــــــــ(100/93)
وراودته عن نفسه...!!
فوزيه الخليوى * 23/10/1425
06/12/2004
عندما راودت امرأة العزيز يوسف عليه السلام!! متحديٌه بذلك الُسلطات الثلاث: سلطه النفس وسلطه الزوج وسلطه المجتمع!!
ثائرة منساقة وراء أهوائها!!
إنها ثورة على النفس والفضيلة!! تخرج المرأة منها كما يحدث غالباً في سائر الثورات: حطام ركام أشلاء وهل حياة المرأة ! وجمالها! وسيادتها! إلا باجتماع الفضائل فيها..
وعندما قالت العرب: تجوع الحرة ولا تأكل بثدييها!
فقد أصابوا؛ لأنها تحرّرت من أسر الشهوات وسادت نفسها بالفضائل.. لا بالنسب والقبائل!!
وهل الفضائل إلا العفة والحياء..!!
وبهما سادت فاطمة عليها السلام نساء الجنة!! كانت تتثنى حياءً إذا خرجت وبمنزلها قرّت!! بلغ من حيائها أنها استدعت أسماء بنت عميس وأفضت إليها بما يجول في خاطرها ويشغل بالها بعد مماتها فقالت: إني استقبحت ما يُصنع بالمرأة أن يطرح عليها ثوب يصفها!!
فدلتها أسماء على فعل الحبشة حيث دعت بجرائد رطبة فحنّتها ثم طرحت عليها ثوباً فاطمئنتّ وقالت : ما أحسن هذا! وأجمله!! فإذا مِتّ فاغسليني أنت وعلي ولا يدخل عليّّ أحد.
يأنسن عند بُعوُلهن إذا خلوا ... ...
وإذا هم خرجوا مِنهنّ خِفارُ
فلماذا كان الزنا هو الخطبُ الجلل والداهية الزلل..
قال ابن القيم: إن المرأة إذا زنت أدخلت العار على أهلها زوجها أقاربها ونكّست رؤوسهم بين الناس وإن حملت من الزنا فإن قتلت ولدها جمعت بين الزنا والقتل، وإن أبقته حملته على الزوج!! فأدخلت على أهلها وأهله أجنبياً ليس منهم فورثهم وليس منهم ورآهم وخلا بهم؟
والعفة هبةٌ ربانية ... بحاجةٍ للصيانة البشرية!!
بذل في سبيلها بعض النسوة حياتهنّ!! قريرة بها أعيُنهنّ !!
في مواطن تساوى فيها الفقر مع الغِنى كان الفيصل فيها للتُقى!!
وعندما ذكر مصطفى الرافعي في أحد كتبه : قصة المرأة التي وُجدت ميتة في صحراء المُقطم!؟ فظنّ النّاس بها شراً ولكن تبين فيما بعد أنها توفيت من جراء الجوع!! وخرجت الى الصحراء لئلا تضعف وتمد يدها وتبيع شرفها في سبيل سدّ الرمق!؟
كان امتحانا تجاوزته تلك الفقيرة بنجاح فهل الغنية أيضاً لا تستطيع الصمود أمام المغريات!!
جاءت زوجة الخليفة العباسي لتدلل العكس في هذه القصة الرائعة عندما دخل التتار بغداد وقتلوا زوجها وأبنائها وحاشيتها ظلماً وعدواناً؟!
ولم يبق الا هى وجواريها....فلم تلهها هذه الفاجعة أن تحتفظ بما تبقى لها من شرف عفّتها ! وقد طاش عقلها ! واستطار صوابها! عندما دخل عليها هولاكو قصرها!! وطلب أن يواقعها!! فشرعت تُقدم له التحف والجواهر تُشغله عما يرومه!! فلما علمت تصميمه على ما عزم اتفقت مع جارية لها على مكيدة فأعطتها سيف الخليفة وقالت: سأريه أنى سأجربه بك؟؟ وأنا إذ ذاك أقول لك افعلي هذا أنت بيِ !! فإذا ضربتني فليكن الضرب بكل قواكِ على نفس المقتل!! وعندما حضر هولاكو بدأت بحيلتها فضربتها الجارية فقدتها نصفين!!! وماتت رحمها الله وما ألمتّ بعار ولا جعلت فراش ابن عمّ رسول الله فراشاً للكفار.
كان بحق أمراً مؤلماً أن تذهب هذه النماذج العفيفة عن أنظارنا في وقت ازدحمت فيه المغريات وتكالبت علينا الشهوات!! كما يتكالب الأكلة على القصعة؟!
وأصبحت نساؤنا في أمسّ الحاجة لذكر نماذج تحلّت بالطُهر والعفة والتحفت بالسواد وازدانت بالحياء!!
وأخلصت في منح قلبها! ووجدانها! وفكرها! لزوجها ورفيق دربها!!وأسبغت عليه سيمآء المهابة والرفعة!
فعندما سأل زياد بن أبيه جلساءه: من أنعمُ النّاس عيشهً؟
قالوا : أمير المؤمنين!
قال : لا ولكن رجل مسلم له زوجةٌ مسلمةٌ لهما كفافٌ من العيش قد رضيت به ورضي بها! لايعرفنا ولا نعرفه!!
وحتى تكوني من أنعم الناس عيشهً عليك بالأمور التالية:
(1) البعد عن مواطن الفتنة والاختلاط:
لقد وضع ابن حزم قاعدةٌ وهى : إن الصالحة من النساء هي التي إذا ضُبطت انضبطت!
وإذا قُطعت عنها الذرائع أمسكت! والفاسدة من النساء هي التي إذا ُضبِطت لم تنضَبِط! وإذا حيل بينها وبين الأسباب التي تُسهِّل الفواحش تحايلت في أن تتوصّل إليها بُِِضروبّ من الِحيل؟
وقد عبرت هذه الأعرابية حين حملت من ذي قرابة لها فسئلت: ما ببطنك يا هند؟ ؟فقالت: قُرب الوِساد وطول السواد!
وقالته البضعة النبوية فاطمة الزهراء عندما سألها علي بن أبي طالب: ما خير للنساء؟ قالت : أن لا يرين الرجال ولا يرونهنّ!!
(2) تذكّر شدّة عقوبته:
عندما تضع المرأة بين عينيها انّه عزّ وجلّ شد يد العقاب وأنّه لا يُرد بأسه
عن القوم المجرمين!!قال أحد السلف: من قطع منك عضواً في الدنيا بسرقة ثلاثة دراهم لا تأمن أن تكون عقوبته في الآخرة على هذا النحو!
ومفسدة الزنا من أعظم المفاسد لمّا شرّع الله حفظ الإنسان وحماية الفروج كانت تلي مفسدة القتل في الكِبر قال الإمام أحمد بن حنبل: ولا أعلم بعد قتل النفس شيئاً أعظم من الزنا وقد ذكر سبحانه حرمته بقوله: "والذين لا يدعون مع الله إلهاً آخر ولا يقتلون النفس التي حرّم الله إلا بالحق ولا يزنون" الفرقان 68
( 3) غضّ النظر:
جاء الأمر ا لإلهى لجميع المؤمنات بغضّ النظر والكفّ عن إرسال أبصارهنّ في تتبع الرجال وهيئاتهم "وقل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن" النور 31 فمن مساوئ هذا الأمر على الزوجة أنها تبغض زوجها ويزين لها الشيطان الرجال أمام ناظريها!! فترى زوجها قبيحاً فتبغضه ولا تطيق رؤيته!! ولا أدل على ذلك من قصة زوجة ثابت بن قيس حيث جاء في الأثر أنها أتت النبي صلى الله عليه وسلم وقالت: يا رسول الله ! لا يجتمع رأسي ورأس ثابت أبداً؟!! إني رفعت طرف الخباء فرأيته أقبل في عدة فإذا هو أشدهم سواداً وأقصرهم قامةً وأقبحهم وجهاً!
ألم تر أن العين للقلبِ رائدُ ... ...
فما تألف العينان فالقلب آلف
ومن ثمّ يجب أن تلتفت المرأة إلى إصلاح ذات البين مع زوجها.
( 4) إسباغ الهيبة والتقدير على ا لزوج :
إن للتواصل اللفظي بين الزوجين باحترام يضفى على علاقتهما شيئاً من الألفة, هما بأشدّ الحاجة إليها, لمواجهة الضغوطات العاطفية التي لا تخلو منها أي علاقة!!وقد قالت امرأة سعيد بن المسيب: لم نكن نخاطب أزواجنا إلا كما تخاطبون أمراءكم: أصلحك الله! عافاك الله !!
وهذا أمر أدركته (مسز سمبسون) المرأة التي تخلى ملك بريطانيا إدوارد الثامن عن العرش من أجلها!! كانت لا تخاطبه إلا بكلمة ( سيدي) ولا تتحدث عنه إلا وتسميه (بسيدي)!!!
( 5) النظر إلى الصفات السلبية من منطلق إيجابي :
إن مما يزيد التوتر بين الزوجين , عدم إغفال كلٍّ منهما لمثالب الآخر!! وترديدها بين آونة وأخرى!! فلا مناص إذن من التعامل معها بشيء من الإيجابية أياً كانت؟؟!
فإن كان الزوج: بخيلاً ....فهو اقتصادي!
أو كان كثير الحديث ...فهو متحدث!
أو كان مجادلاً.... فهو يحب النقاش!
وهكذا يمكن للحياة أن تسير وتستمر بين زوجين دون وجود كادر يعكِّر صفوهما، ويستأصل البهجة والسرور من حياتهما.
* عضو الجمعية العلمية السعودية للسنة
ـــــــــــــــــــ(100/94)
لا تخرجوهن...
فوزية الخليوي 15/10/1425
28/11/2004
منذ سنوات خلت كانت الأحاديث بين النسوة عن مشكلاتهن الزوجية تتم بصوت خافت وعلى نطاق محدود؛ أما الآن فتعالت الأصوات وكثرت الآهات من جرّاء حوادث يندى لها الجبين وينفطر لها القلب الحزين!! ولا حيله لها إلا أن تنضم إلى قافلة المستائين عبر التاريخ فتردد معهم:
ضَّيعونى وأيّ فتى أضاعوا ... ...
ليوم كريهة وَسداد ثغر
" ولجهل الرجل بطبيعة المرأة وما يطرأ عليها كل آونة وأخرى من تغيرات هرمونية سواء مطلع كل دورة شهرية أو في فترات الحمل والولادة! مما لها أكبر التأثير على نفسيتها وتقلب مزاجها!!
ولعله مصداق الحديث النبوي" إن المرأة كالضلع إن ذهبت تقيمها كسرتها وان تركتها استمتعت بها على عوج " وهذا لحكمه إلهية أرادها الله حيث لا يطغى على حياة الزوجين العقل والجدّ؛ بل كان لهذا الاعوجاج أكبر الأثر في تسليه الرجل وتلطيف جوّه العقلاني الحازم! بشيء من العاطفة المشوبة بالنقص! فهي امرأة اغتربت غربتين! غربة عن بلدها وغربة عن أهلها ومحضن طفولتها!!
لبلد لم تعرفه!
وبيت لم تأنسه!
وزوج لم تألفه!
لتصبح فجأة رهن إشارته! وقيد تصرفه! ومؤتمرة بأمره!
عناءٌ ويأسٌ واشتياقٌُ وغربةٌ ... ...
ألا شدّ ما ألقاه في الدهر من غبن
فقد نص الله -عز وجل- في كتابه ("وَاتَّقُوا اللَّهَ رَبَّكُمْ لا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَلا يَخْرُجْنَ إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ لا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْراً) [الطلاق: من الآية1]
قال القرطبي: أي ليس للزوج أن يخرجها من مسكن النكاح ما دامت في العدة ولا يجوز لها الخروج أيضاً الحق الزوج إلا لضرورة ظاهرة؛ فإن خرجت أثمت ولا تنقطع العدة والرجعية والمبتوتة في هذا سواء وهذا لصيانه ماء الرجل وهذا معنى إضافة البيوت إليهن كقوله تعالى: (وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ لَطِيفاً خَبِيراً) [تفسير القرطبي (18 102] فإذا كان هذا النهي عن إخراجها وهى قد طلُقت؛ فكيف بإخراجها عند مجرد خلاف؟!
أين السكينة؟!
وأين المودة والرحمة؟
ولكن يأبى الرجل إلا أن يلتقط معوله مقوماً لذاك الضلع المعوج! ليس باللوم والتقريع؛ بل بالقطع والتمزيق!
وهو بذلك لا يغلق كتاب الزوجية بهدوء ويطوى صفحاته برفق وتؤدة!
بل يلقى به ممزقاً فتتقاذف صفحاته الريح عندما تلقى بالمرأة في بيت وأبنائها في آخر!
يتجاوز فيها الزوج حد الإنسانية!! ويرتدى ثوب الأنانية!
لماذا يصر الرجل عند أي خلاف أن يخرجها في الحال إلى بيت أهلها؛
ليقطع جميع حبال الوصل والعتب، ويضيع الأبناء بلا سبب؟!
يُذكرُنى حاميم والرُمح شاجرٌ ... ...
فهلا تلا حا ميم قبل التقدُّم
وإليك هذه الحادثة التي تتمثل فيها مغبة العجلة !! كانت عائشة الخثعمية عند الحسن بن على بن أبى طالب فلما أصيب علىٌ وبويع الحسن بالخلافة قالت : لتهنك الخلافة يا أمير المؤمنين !!
فقال : يُقتل علىٌ وتظهرين الشماتة! اذهبي أنت طالق ثلاثاً!
فتلفعت بساجها وقعدت حتى انقضت عدّتها فبعث إليها بعشرة آلافٍ متعهً وبقية ما بقي لها من صداقها.
فقالت: متاعٌ قليلٌ من حبيب مُفارقِ
فلما بلغه قولها بكى! وقال : لولا أنى أبنت الطلاق لها لراجعتها!
ففاضت دموع العين مِنّى صبابةً ... ...
على النحرِ حتى بَلّ دمعي ِمِحملي
فهذا نبي الرحمة -صلى الله عليه وسلم- يواجه أصعب موقف تتهم فيه الرجولة عندما يتحدث في حادثه الإفك! عن عائشة الطاهرة المطهرة, وهى من أحب الناس إليه, عندما تتهم في شرفها ويُقع في عرضها!
ومع ذلك لم يجابهها أو يثور في وجهها! في بدء الأمر أو يطلعها على الخبر! بل تروى وكان يكتوي شهراً كاملاً , بما يدور على الألسن ولم يسمح لما يعتمل في صدره أن يظهر لها!! وكان يزورها في كل يوم , ليطمئن على حالها وهى محمومة مع ما يعانيه ويثقل كاهله!
فتحكي عائشة" اشتكيت حين قدمت شهراً, والناس يفيضون في قول أصحاب الإفك.ولا أشعر بشيء يريبني في اوجعي أنى لا أعرف من رسول الله اللطف الذي كنت أرى منه حين أشتكى إنما يدخل علي رسول الله فيسلم ثم يقول: كيف تيكم؟ ثم ينصرف" رواة البخاري
ـــــــــــــــــــ(100/95)
محطات رمضانية مع الدكتور زغلول النجار
حوار: عمرو محمد 16/9/1425
30/10/2004
الدكتور زغلول النجار.. المفكر الإسلامي المعروف.. أحد أبرز العلماء.. الذين يرون أن الحضارة الإسلامية قامت على أسسٍٍ علمية وتقنية صحيحة.. وأنه لا سبيل إلى النهوض إلا بتطور علمي وتقني.. يصاحبه التزام إسلامي ...
ود. النجار من مواليد مصر.. في عام 1933م.. حاصل على دكتوراه الفلسفة في الجيولوجيا من جامعة ويلز البريطانية.. عمل أستاذًا للجيولوجيا في جامعة الملك فهد للبترول والمعادن.. وهو عضو في الجمعية الجيولوجية في لندن.. والجمعية الأمريكية لجيولوجيِّي البترول.. فضلا عن ذلك فهو يرأس معهدَ مارك فيلد ببريطانيا...
له أكثر من مائة بحثٍ ومقالٍ منشورٍ.. إلى جانب خمسة كتب نشرت في بريطانيا والولايات المتحدة الأمريكية.. حيث تم ترجمتها إلى اللغة الإنجليزية...
وفي حديثه لـ شبكة ( الإسلام اليوم) يروي د. زغلول النجار ذكرياته في شهر رمضان.. وبرنامجه خلال الشهر الكريم.. وأبرز الضيوف الذين يحرص على استضافتهم حول مائدة الإفطار أو السحور.. فضلاً عن جوانب أخرى جاءت في الحديث التالي...
بداية ماذا يعني شهر رمضان الكريم للدكتور زغلول النجار؟
هذا الشهر أعز شهور العام عندي، وأبرز ما أسعى إليه في هذا الشهر المبارك مجالسة آيات الذكر الحكيم منذ أن كانت تعقد في القرية المصرية؛ والتي تضاءلت للأسف الشديد خلال السنوات الماضية.
فقد كانت الأسرة الكبيرة تستضيف المقرئين عقب صلاة التراويح في كل ليلة، يتلون فيها شيئًا من القرآن الكريم، وسط جمع من أهل الثقافة والفكر؛ ليتداولوا المناقشة فيما تمت تلاوته.
وتعلمت في هذه المجالس ما لم أتعلمه في سلك مشواري التعليمي بطوله ومصاعبه وتحدياته، ويا ليت تعود هذه العادات الطيبة من جديد؛ حتى يستفيد المسلمون من هذا الشهر الكريم.. الذي يُعتبر أفضل شهور السنة على الإطلاق، وفيه ليلة خير من ألف شهر، كما علمنا القرآن الكريم.
ولذلك فإن الشهر الكريم يعني -بالنسبة لي- محاولةً لإعادة مثل هذه المجالس، فضلا عن تلاوة القرآن الكريم.
غياب المجالس
وبماذا تفسر السبب وراء غياب مثل هذه المجالس في القرى والمدن خلال الشهر الكريم؟ كما كانت في الأعوام البعيدة؟
للأسف الشديد؛ لأن رمضان أصبح وقتاً ضائعاً يُقضى في مصر والدول العربية أمام التليفزيونات؛ والتي لا تعطي ما كانت تعطيه هذه المجالس؛ لذلك فيا حبذا لو يعود المسلمون بهذا التقليد الطيّب.. الذي لا يزال مطبوعًا في ذاكرتي، أنا وغيري ممن تعلموا من مثل هذه المجالس.
وما هو برنامجك خلال الشهر المبارك؟
أحرص دائماً على أداء العمرة في هذا الشهر الكريم؛ ففي هذا الشهر المبارك العمرة تعادل حجة مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كما سمعنا عنه، وأداء العمرة من المتع الروحانية في الشهر الكريم؛ لذلك نتوق إليها لزيارة الأماكن المباركة في مكة المكرمة والمدينة المنورة، وكثير من الناس لا يدرك فضل مكة المكرمة، وأحاديث الرسول - صلى الله عليه وسلم - تؤكد أن الأرض في مركز الكون، وأن مكة المكرمة في مركز الأرض؛ فضلاً عن حديثه - صلى الله عليه وسلم - الذي سأل فيه الصحابة: "أتدرون ما البيت المعمور؟"؛ فقالوا له: الله ورسوله أعلم؛ فقال - صلى الله عليه وسلم -: "هو بيت في السماء السابعة.. على حيال الكعبة تمامًا.. حتى لو خر لخر فوقها.. يدخله في كل يوم سبعون ألف ملك.. فإذا دخل آخرهم لا يعود".
لذلك فإن مكة المكرمة هي وسط اليابسة، وإنها تحت البيت المعمور، وهو ما يؤكد أن لهذا البلد من الكرامة، والتشريف ما ليس لغيره، وهذا ما جعل الحج والعمرة من أعظم القربات إلى الله عز وجل.
وعادة ما أخلو بنفسي في العبادة خلال هذا الشهر.. دون التعرض لأية مشاغل دنيوية يمكن أن تطاردني خلال الشهر المبارك، ولكن هذه المرة يبدو أن الأمر سيكون مختلفًا لبعض البرامج المكثفة من الندوات والمحاضرات.. أسأل الله أن يعينني عليها.
من خلال سفرك إلى خارج مصر لنشر الفكر الإسلامي والإعجاز العلمي في القرآن.. ما أبرز البلاد التي قضيت فيها شهر رمضان؟
لا يمكن أن أنكر أن مكة المكرمة خلال شهر رمضان تُعد من أبرز البلاد التي أستمتع فيها بقضاء الشهر الكريم؛ نتيجة الصفاء الروحي الذي تتمتع به، والبعد عن مشاغل الدنيا، والاقتراب من الله سبحانه وتعالى، وهو ما لا يتوافر في مكانٍ آخر.
ولكن العمل الدنيوي عند د. زغلول النجار خلال هذا الشهر الكريم.. أين موقعه؟
هناك مساحة من وقتي أخصصها بالفعل للعمل الدنيوي خلال الشهر المبارك، وعادة أبدأ نشاطي في الصباح الباكر، وأحرص على عدم النوم طوال النهار في الشهر المبارك، وأظل يقظًا حتى أقوم بأداء صلاة التراويح.
ورغم حرصي على قضاء العمرة في مكة المكرمة.. إلا أنني قضيت بعض أيام شهر رمضان في دولٍ أجنبية؛ مثل الولايات المتحدة وأوروبا وغيرهما.
وما الذي لاحظته من عادات رمضانية للمسلمين في هذه الدول الأجنبية؟
من عادات المسلمين في هذه الدول أن يلتقوا في المراكز الإسلامية، ويقيموا موائد للإفطار؛ فيمكن أن يأتي كل واحدٍ من المسلمين بإفطارٍ، أو يقوم أحدهم بدعوة عددٍ من المسلمين للإفطار، وهنا يظهر شيءٌ من التجمع الحميم للمسلمين في بلاد الغربة قلَّما يوجد في أيام السنة العادية.
ويحرص المسلمون على التجمع خلال هذا الشهر الكريم في أيام الجمعة والسبت والأحد؛ لأن الوقت لا يكون متسعًا لهم لإقامة ندواتٍ أو سهرات كما هو الحال في عالمنا العربي.
مواقف رمضانية
وما هي أبرز المواقف التي واجهتك أثناء قضائك لشهر رمضان في تلك الدول الأجنبية؟
قابلت عددًا كبيرًا من الغربيين الذين أسلموا عندما علموا أن المسلمين يصومون في شهر رمضان تلبيةً لفريضةٍ إسلامية، وأذكر أنني قابلت سيدة أمريكية اسمها "ليلى جونسون".. كانت تدرس اللغة الإنكليزية لغير الناطقين بها في جامعة كاليفرونيا في لوس أنجلوس عندما كنت أستاذًا زائرًا في الجامعة لمدة عامٍ وسألتها عن كيفية إسلامها، فقالت: إنها كانت تدرس لبعض الطلبة العرب اللغة الإنكليزية، وأثناء جلوسها في أحد مطاعم الجامعة دعتْهم إلى تناول مشروبٍ معها؛ إلا أنهم قالوا لها: إنهم صائمون، وكان ذلك مدخلاً لها لكي تتعرف على الإسلام.
ومن المدهش أن زوجها كان في منصبٍ كبيرٍ، وقد عرضت عليه الإسلام فرفض، فطلبت منه الطلاق؛ بالرغم من أنه كان لها منه ولدٌ وبنت، وآثرت تربيتهم تربية إسلامية.. بعيدًا عن حياة زوجها، ثم ذهبت بهم إلى المدينة المنورة للإقامة فيها.
كما مرت بي حالات عديدة مشابهة.. كان شهرُ رمضانَ باعثاً عليها وسبباً لإسلام الكثيرين من الأجانب، وأذكر أن فتاةً في نيبال- وهذه الدولة ليست مسلمة- سمعت أذان الفجر في شهر رمضان؛ فأرادت أن تعرف سرّ هذا الصوت، وبحثت عنه، واستفسرت عن سببه في هذا التوقيت من الليل، وعندما أبلغها المسلمون أن ذلك فرضٌ من فرائضِ الإسلام، كالصوم، والحج والشهادة، والزكاة، أخذت تقرأ عن الإسلام حتى اعتنقته.
والقصص كثيرة في شهر رمضان في هذه البلاد الأجنبية.. التي يكثر فيها إسلام الأجانب.. عندما يسألون عن سبب صوم المسلمين هذا الشهر المبارك.
الصوم إعجاز
كيف تصفون لنا الإعجاز العلمي في صوم المسلمين خلال نهار شهر رمضان المبارك؟
بداية أذكر أن أستاذًا ألمانيًّا سبق أن أجرى دراسة حول جسم الإنسان، ووجد خلالها أن الجسم الذي يعمل كالآلة على مدار السنة لابد له من راحة، وهذه الراحة لابد أن تكون في نظام الغذاء؛ لذلك فإن صيام المسلمين من طلوع الفجر وحتى غروب الشمس هو أنسب الأوقات لراحة الجسم.. بنفس عدد تلك الساعات التي يصومها المسلمون، وكان هذا مدخلاً أيضا لهذا الباحث لدراسة الإسلام.
كما أن صيام المسلمين بهذه الطريقة هي أنسب وسيلة لصحته.. من أن يقوم هو بنفسه بوضع نظامٍ خاص لغذائه، وقبل كل ذلك؛ فإن في صيام شهر رمضان الكريم نتيجةً عبّر عنها القرآن الكريم بالوصول إلى التقوى، كما في قوله تعالى: "لعلكم تتقون"؛ فالتقوى هي الهدف الأول من الصوم.
والملاحظ أن شهر رمضان ليس له وقتٌ محدد، بل هو يدور على مدار العام؛ فصيام الصيف يختلف عن غيره في الشتاء، وبذلك يكون وسيلة لعدم هيمنة الإنسان على شهوات نفسه، فضلا ًعن صيامه لشهور العام عند دوران رمضان على فترات العام.
وما نمط مائدة الإفطار للدكتور زغلول النجار خلال الشهر الكريم؟
إفطاري يقوم على التمر والماء وتناول وجبة خفيفة جدًّا، وبعد صلاة التراويح أتناول الوجبة الرئيسة، وهو نمطٌ غذائي سليم وصحيح للغاية.. لا يشعر الإنسان بالتخمة، ويجعله قادرًا على أداء الصلوات دون كسل.
ضيوف الإفطار
مَنْ هم ضيوف مائدة الإفطار للدكتور زغلول النجار؟
كما ذكر.. أنا أحب جلسات العلم والصالحين، فالحوار مع الآخرين مفيد للغاية؛ فهو وسيلة تثقيفية عالية جدًّا، وأنا عادة أستمتع بلقاء عددٍ من المفكرين والمثقفين، مثل المستشار طارق البشري، د. محمد سليم العوا، د. محمد عمارة، وغيرهم، وللأسف الشديد الإعلام لا يبرز هذه الشخصيات كثيرًا.
وأؤكد أن الشباب يحتاج إلى نموذجٍ مثل هؤلاء.. في وقتٍ ينظر فيه الشباب إلى القدوة في الفنانين والرياضيين؛ لأننا أمام تحدٍّ حقيقي.. إما أن نكون أو لا نكون.
ونحن حالياً أما هيمنة أمريكية تحاول أن تسقط ما في أيدينا من أسلحة، وينبغي أن يكون في أيدينا سلاحُ الإيمان والإسلام، وعلى مائدة الحوار مع هذه الشخصيات لابد أن نناقش سويًّا مشاكل الأمة، والتحدي الإسرائيلي للأمة العربية والإسلامية، وفرض الولايات المتحدة سيطرتها على العالم، إضافة إلى التخلف العلمي والتقني للعالم العربي والإسلامي، وأزمة التعليم المعاصر، وأزمة الإعلام المعاصر، والتصدي لتصدير النموذج الغربي إلى بلاد المسلمين، وأن الإسلام ليس إذلالاً للبشرية، ولكنه عزٌّ لها، وأن بإرادة الإنسان أن يكون عفيف اللسان.. طاهر اليد
ـــــــــــــــــــ(100/96)
شهر رمضان.. وموائد الحب العائلي
مصطفى الأزهري 13/9/1425
27/10/2004
تُعتبر المناسبات الإسلامية المرتبطة بأداء بعض شعائر الإسلام وفرائضه، كالحج والعمرة، والصلاة والصيام وغيرها من أهم الوسائل التربوية والاجتماعية لبث روح الألفة والمودة والتعاون على الخير بين المسلمين، ففي ممارسة تلك الشعائر -بالصورة التي شرعها الإسلام- تأكيد على ما تهدف إليه من ترسيخ معنى الاجتماع، ولمّ الشمل، وتأليف القلوب والتوجه بهذا كله إلى الله تعالى، فصلاة الجماعة، وصلاة الجمعة، والنفرة إلى الحج والعمرة، وحتى إيتاء الزكاة وبذل الصدقات، وإطعام الطعام، كل ذلك يؤكد تلك المعاني السامية، ويأتي شهر رمضان وما فيه من فريضة الصيام، والاجتماع على صلاة التراويح، وزيادة الإقبال على فعل الخيرات، يأتي ليجدد على مستوى الأمة جمعاء، وعلى مستوى الأسرة المسلمة -بوجه خاص- ليجدّد فيها ما اندثر أو كاد من أواصر المحبة والمودة والتواصل بين أفرادها بعدما كادت شواغل الحياة الدنيا والسعي فيها إلى فرض حالة من الاغتراب بين أفراد العائلة الواحدة.
الأرحام بين التواصل والتشاغل
لقد دعم الإسلام بتشريعاته وعباداته وقيمه الاجتماعية الفذّة سعادة الأسرة، فأحكم وثاقها بمن تربطها بهم قربى، وشدّ أزرها بما أوجب من تراحم الإخوة والأخوات، وبني العمومة والعمات ومن يليهم، فليس أرضى لله تعالى من صلة الرحم التي أمر أن توصل، وبر الأهل والعشيرة، الذين يزكو عندهم إسداء المعروف، ويترك فيهم أثرًا طيبًا، وليس أجلب لسخط الله من إهدار هذه الحقوق التي يوغر إهدارها الصدور، ويثير العداوة ويؤرّث الأحقاد، ويجعل الأسرة المتعاطفة متدابرة متخالفة.
ورعاية أولي الأرحام، والتوسعة عليهم، واستغلال هذه الفرصة الزمنية والفريضة الدينية للاجتماع بهم، هو عصمة لهذه الأسرة من التفكك، وزمامها من الانحلال، والزوال .
لا عذر للقطيعة
مهما التمسنا لأنفسنا من أعذار فليس لمن قطع رحمه، أو لم يبذل سعيًا لصلتها، والتواصل مع أقاربه وعائلته- أقول ليس لنا أعذار، فلدينا أوقات بين الحين والحين مهدرة فيما لا طائل منه؛ فلو حفظناها للجلوس مع أسرنا والتقارب مع عائلاتنا لكان لذلك أبلغ الأثر في ذلك البعد الاجتماعي العميق، وإلا فقد وضع القرآن الكريم قاطعي الرحم، في سياقات خطيرة تهزّ مَن تدبرها هزًا عنيفًا لخطورة حق الأرحام في الصلة والتوادّ، من ذلك قوله تعالى: ( إنما يتذكر أُولو الألباب. الذين يوفون بعهد الله ولا ينقضون الميثاق، والذين يصلون ما أمر الله به أن يوصل ويخشون ربهم ويخافون سوء الحساب ) [الرعد:19-21].
وقال: ( والذين ينقضون عهد الله من بعد ميثاقه ويقطعون ما أمر الله به أن يوصل ويفسدون في الأرض أولئك لهم اللعنة ولهم سوء الدار ) [سورة الرعد:26]
فرصتنا في رمضان
في نظرة فاحصة لمجتمعاتنا نلحظ أنها تعيش حالة من الفتور الاجتماعي، ويوماً بعد آخر نجد التباعد بين أفراد الأسرة الواحدة، فلم تعد حالة التلاقي والتواصل العائلي تحتل مكانتها بين صفوفنا، وهذه الحالة من التفكّك الاجتماعي قد تؤدي إلى العديد من المشاكل الاجتماعية، ولعل بعضها قد ظهر على الساحة، كحالة اللامبالاة والعديد من المشاكل الشبابية، وغيرها.
ولهذا السبب نحن بحاجة إلى إعادة النظر في علاقاتنا الاجتماعية، والبحث عن أسبابها، وعلاجها أيضاً، ومؤكد أن شهر رمضان المبارك يُعد برنامجاً اجتماعياً متكاملاً، هادفاً إلى التقريب الاجتماعي، وردم الفجوة الاجتماعية وصهر المجتمع في بوتقة واحدة، وذلك يتجلى من خلال التعاليم والأحاديث الواردة بشأنه.
وشهر رمضان هو الفرصة المواتية للبدء في تلك السياسة العائلية؛ فهو الفرصة المواتية للتجمع في مجالس عائلية يرفرف عليها الإيمان، كما أنه فرصة للتجمع على مائدة واحدة مرتين يوميًا(الإفطار والسحور)؛ إذ يندر ذلك في الحياة اليومية لاختلاف ظروف عمل الآباء عن الظروف الدراسية لأبنائهم المراهقين، كما أنه فرصة لبث روح جديدة، تتحقق في جوها متع متعددة لجميع الأفراد ناتجة عن تقاربهم والتصاقهم وطرح خواطرهم أو مشكلاتهم أو تعليقاتهم على كل ما مرّ بهم خلال اليوم من أحداث أو أخبار أو أفكار.
وإذا كان رمضان ـ كما قلنا ـ شهر التواصل مع الأهل والأقارب والأرحام، فينبغي ألا يكون ذلك على حساب أيام رمضان المعدودات فتتحول جلسات الزيارات الرمضانية إلى جلسات لملء البطون من كل ما لذّ وطاب، والتثاقل عن صلاة التروايح أو التكاسل عن قراءة القرآن، فلا يكون هذا التواصل باب شر يُفتح فيه حديث الغيبة والنميمة والاستهزاء وضياع الأوقات. بل تكفي زيارة السؤال والاطمئنان، ونشر الخير، وإبداء المحبة، وتفقد الحال، ومساعدة المحتاج، ولتكن مجالسَ معطّرة بذكر الله -عز وجل- وما فيه نفع وخير ورجاء المثوبة.
موائد للطعام .. وللشورى أيضًا!
ومن أهم الفوائد الاجتماعية التي يحققها شهر رمضان الكريم للأسرة ، أنها حين يجتمع أفرادها على طعام الإفطار أو السحور تكون لديهم فرصة نفسية فريدة للحديث الودي عما يتعلق بشؤونهم، من هنا ينبغي أن تسود روح المناقشات الحرة وأن يظلل تلك الجلسة العائلية "الرمضانية" روح "الشورى" والذي يضيف للأسرة بعدًا أخلاقيًا واجتماعيًا وتربويًا يستفيد منه صغيرها وكبيرها.
إن الشورى "الأسرية" لا تنقص من مكانة الرجل، بل بالعكس ترفعه في أعين أولاده وتزيد هيبته، وتهديه معهم (بإذن الله) إلى سواء الصراط.
إن الفوائد التي نجنيها من هذه الشورى الأسريّة كثيرة ومتنوعة، نجمل بعضها فيما يلي:
1- الالتزام بمنهج الله في كل حياته.
2- القدرة على الحوار وتقبّل الآخرين: فكثير من الأولاد والنساء إذا جلسوا مجلساً لا يستطيعون إبداء آرائهم؛ لأنهم لم يتعودوا هذا في بيوتهم، وكثير منهم لا يتقبلون الآخرين؛ لأنهم لم يتعودوا هذا في بيوتهم أيضاً... وهذا خطير على نشأة الأولاد.
3- تفتق المواهب: إن عملية التفكير صعبة، ولكن عندما يُسأل الإنسان يبدأ بجمع الخيوط تماماً لينسج حلاً، وربما يكون حلاً متميزاً.
4- الابتعاد عن الخطأ.
إذا وقع الخطأ بعد المشورة يتحمل الجميع الخطأ، ولا يتهم أحد بالتقصير.
الرسول والتواصل العائلي
وكما كان النبي صلى الله عليه وسلم أسوة حسنة في كل شيء بشهادة ربه له (لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر وذكر الله كثيرا)، فقد كان ـ كذلك ـ عليه الصلاة والسلام في بره بأهله وحَدبه على مؤمنهم وكافرهم على السواء، ولعل قبسًا من سيرته العطرة يتلألأ بهذا السلوك النبوي العظيم.
فلقد كان إسلام حمزة براً منه بابن أخيه ( أي محمد صلى الله عليه وسلم )، يوم أن عاد من الصيد، فقالت له امرأة، إن أبا جهل آذى ابن أخيك وسبّ أباه، فذهب حمزة من فوره إلى أبي جهل فشجه وأنبّه وقال : أتسبّ محمداً، وأنا على دينه وأقول ما يقول ؟ وبهت عدو الله وعدو رسوله عند ذلك، وكان إسلام حمزة أوجع لقلبه، وأنكى من هذا الأذى المادي الذي أصاب جسمه، وبقي الرسول يذكر هذه المِنّة لعمه، حتى وقف على جثمانه حين استشهد في أُحُد ، وقال: يرحمك الله يا عم؛ فلقد كنت وصولاً للرحم، فعولاً للخيرات!
ولنتأمل في ثناء الرسول صلى الله عليه وسلم على سيد الشهداء (حمزة ـ رضي الله عنه)، يختار من عمل الشهيد فقط هذا الوصف "فلقد كنت وصولا للرحم فعولاً للخيرات).
وكان فتح خيبر وكأنه عيد من أعياد الإسلام ، فقد عاد يومئذٍ جعفر من الحبشة ، فقال النبي: "ما أدري بأيهما أنا أشد فرحاً: بفتح خيبر أم برجوع جعفر؟" وتوالت الأيام ، ونَعِم جعفر بالشهادة في غزوة مؤتة، وضجّت المدينة ببكاء أهالي الشهداء، وسمع الناس إلى النبي وهو يقول: " لكنّ جعفر لا بواكي له" ، ثم يلتفت إلى أهله ويقول: "اصنعوا لآل جعفر طعاماً فقد نزل بهم ما يشغلهم" . رواه أبو داود وابن ماجه وأحمد.
يقول عبد الله بن جعفر : جاءنا النبي بعد ثلاث من موت جعفر ، فقال: "لا تبكوا على أخي بعد اليوم ، وادعوا إليّ بني أخي ، فجيء بنا، كأننا أفراخ، فأمر الحالق فأصلح من شعرنا ثم داعبنا". رواه أبو داود والنسائي.
ـــــــــــــــــــ(100/97)
رمضان مدخل لتربية الإرادة
السيد أبو داود 9/9/1425
23/10/2004
- الصوم يقوي إرادة المسلم ويجعله يحقق الكثير بإمكاناته القليلة.
- الصوم يعين المسلم على قهر شهواته والسمو بروحه.
- يجب أن تستمر روح رمضان بعد انتهاء أيامه.
يهدف الإسلام عبر ما يحدثه من تكوين عقائدي في نفوس المؤمنين به وعبر ممارساتهم التعبدية التي يأمرهم بها وكذلك تعاملاتهم الأخلاقية إلى تربية المسلم وجعله صاحب إرادة قوية؛ فالإرادة القوية المتينة هي أهم عوامل النجاح والإنجاز, وبنسبة وتناسب يتعالى الإنجاز والنجاح كلما علت وارتفعت قوة الإرادة. ولا ريب أن المسلم الداعية المجاهد، الذي يلقى كما لقي السابقون على هذا الطريق من قبله من عنت ومشقة لا محيص عنها، كان الصوم من أهم الآليات التي تغرس وتنمي في تلك النفوس الإرادة وتعزز فيها الصبر والاحتمال.
يقول د. محمود مزروعة -العميد السابق لكلية أصول الدين بجامعة الأزهر-: إن أهم ما يميز الإنسان عن غيره من المخلوقات العقل والضمير والإرادة، والإرادة تعني في الإسلام أن المسلم لا يعيش كمًا مهملاً، ولكنه إنسان لديه آمال وطموحات يحاول تحقيقها. لكن الفرق بين المسلم وغيره أن المسلم آماله وطموحاته سامية بسمو الإسلام.. فهو يتمنّى لدينه أن يسود هذه الأرض.. وينفق من أمواله ويبذل من جهده ووقته وصحته في سبيل ذلك.
ومهما اسودّت الدنيا في وجه المسلم وتكالب عليه الأعداء فهو لا ييأس أبدًا وإنما يأمل دائمًا ويرجو عون الله ونصره. وله في رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أسوة حسنة.. فحينما كان المسلمون محاصرين في غزوة الخندق.. والتحالف الكافر عليهم من كل ناحية.. وهو تحالف أكبر منهم وأكثر في العدة والعتاد، والمسلمون قلة يحفرون الخندق، وقد بلغ منهم التعب والإعياء مبلغاً، وفي هذه الأثناء يبشرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بفتح بلاد كسرى وقيصر أي بلاد الفرس والروم.. وقد تحقق ذلك بفضل الله.
وبعد موت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ارتدت الجزيرة العربية كلها، ولم يبق على الإسلام إلا مكة والمدينة.. ولكن إرادة إنسان مسلم واحد فقط وهو أبو بكر غيّرت الموازين.. فصمم على قتال كل مرتد حتى يعود إلى ما خرج منه من الإسلام. وهكذا كان المسلمون في كل غزواتهم قلة، ولكنهم كانوا ينتصرون لأنهم يملكون أولاً عقيدة سليمة، وثقة في دينهم، وإرادة فوز جبارة، فكان الواحد منهم بألف من عدوهم.
ومعنى الإرادة في أبسط صورها هي أن يتحمل الإنسان الصعاب، ويصبر عليها ويتعود عليها، ويجعلها لا تمنعه عن مواصلة عمله وهدفه.
والصوم يمنع المسلم من طعامه وشرابه وشهوته، وهي أمور ضروريّة للإنسان.. ولكن اعتياد المسلم على ذلك يجعل الأمر سهلاً عليه، ويجعل الصعاب لا تخيفه فيتحملها عن طيب نفس. ومن هنا كان الصيام من أقوى أنواع العلاج لإيجاد العزيمة والإرادة القوية التي تمكن الإنسان الضعيف قليل الحيلة من تحقيق الشيء الكثير الذي -بعد أن يكمله- لا يكاد يصدّق أنه فعل كل ذلك.
المسلم الحقيقي أكثر إنتاجاً في رمضان
وأما د. كارم غنيم -الأمين العام لجمعية الإعجاز العلمي للقرآن والسنة- فيقول: إن أصعب شيء يمكن أن يصادف الإنسان في هذه الدنيا هو أن تتحكم فيه شهواته فيسير وراءها حتى يصبح كالحيوان الذي تحركه غرائزه.
ولهذا يقول الرسول الكريم: "من يضمن لي ما بين لحييه وفخذيه أضمن له الجنة" أي من يضمن لي لسانه وفرجه أضمن له الجنة.
والإسلام يحذر من الإسراف عمومًا، ومن الإسراف في الطعام والشراب خصوصًا (وكلوا واشربوا ولا تسرفوا).. لأن كثرة الطعام تميت القلب ولا تجعله يتقبل الموعظة بسهولة... وتوقظ الشهوة وتجعلها تنطلق من عِقالها. ولهذا أوصى الرسول الكريم الشباب الذين لا يستطيعون الزواج بالصيام؛ لأن الصيام يكسر الشهوة ويجعل كيمياء الجسم لا تمد الشهوة بما يهيجها. وكثرة الطعام أيضًا تصيب الجسد بالعلل والأوجاع.. وفي هذا يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم (ما ملأ ابن آدم وعاء شراً من بطنه).. ولذلك فالطب الحديث ينصح بالإقلال من الطعام قدر الإمكان.
إن نصيحة رسول الله للشباب غير القادرين على الزواج بأن يصوموا إنما المقصود منها أن يصبح الشاب المسلم سيد نفسه.
لا تقهره شهوته ولا تتحكم فيه, بل يقهر شهوته.. إذن ففي الصيام قوة لمناعة الإنسان وتدعيم لإرادته لا ينكر ذلك أحد.
ومن ناحية أخرى فإن الصيام يجعل البطن أخف وأصح، ويجعل الجسد أكثر نشاطًا وأكثر تقبلاً لتنفيذ الأمر، ويجعل الذهن أكثر صفاء، ويجعل حالة المسلم عامة في قرب من الله.
ولذلك فمعظم الصالحين يصومون أكثر أيام الشهر؛ لأنهم وجدوا في الصوم خفة ومتعة وقربًا من الله.. فالمسلم التقي الذي اختار الصوم إنما فعل ذلك بعد أن جرب نتائجه، وعرف أنه بالصوم يقهر عدوّه: نفسه أولاً ثم إبليس ثانيًا ثم عدوه المحارب لدينه ثالثًا كما رأينا على امتداد التاريخ الإسلامي؛ حيث كانت انتصارات المسلمين الكبرى عادة ما تحدث في شهر رمضان.
إنني شخصيًا أكون أكثر إنتاجاً في هذا الشهر المبارك.. فقراءاتي تزداد وأبحاثي تتبلور ويكتمل الكثير منها في شهر رمضان.
إنني أجد كثيرًا من المسلمين ينامون نهار رمضان، ويسهرون ليله، ولا ينتجون فيه شيئًا.. وهذه مأساة.. ولو جرّب أحدهم أن ينتج في هذا الشهر الكريم سيرى عجبًا، ثم سيمر عليه يوم رمضان في لمح البصر، ولن يشعر به.. أما إذا قضاه نائمًا ولاعبًا فسوف يشعر بطوله.
استمرار روح رمضان
ويقول الداعية الإسلامي اللواء أحمد عبد الوهاب: إن الإسلام يأمر المسلمين بأن يغيروا واقعهم دائمًا إلى الأحسن، وإلى الأفضل (إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم).. وبعد أن يجهد المسلمون أنفسهم، ويبذلوا الجهد يغير الله حالهم.
وتغيير المسلمين لواقعهم الذي تكثر فيه المعاصي والمظالم ومخالفة منهج الله يحتاج إلى خطط وبرامج، وتنفيذ هذه الخطط والبرامج يحتاج إلى إرادة رمضانية لا تيأس، وإنما تحاول وتحاول، وتأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر.
إن رجال الأمن الكبار يقولون: إن الجرائم تقل بدرجة كبيرة في رمضان..وعلماء الإسلام يقولون: إن المساجد تمتلئ بالمصلين في رمضان.. والفقراء والمساكين يقولون: إن المسلمين أكثر جوداً في رمضان.
أي أن في رمضان اختلافاً وتغييراً عن بقية شهور السنة.. وإذا بذلنا جهودنا الدعوية من أجل أن تسود روح رمضان فإن تغييرًا كبيرًا جدًا سيحدث في حياتنا.. ولكن الناس عزائمها تفتر وتضعف، ولا تستطيع أن تواصل، ومن هنا كان التركيز على أن الإرادة العالية وامتلاك روح التغيير هما العدة. ويجب أن يركِّز الإعلام الإسلامي وتُركَّز جهود الدعاة المخلصين والعلماء على ضرورة امتلاك روح رمضان وإرادة رمضان.
ـــــــــــــــــــ(100/98)
الغضب .. الموت البطيء
مصطفى الأزهري 9/9/1425
23/10/2004
مع أعباء الحياة ، قد تنتاب البيوت حالة من التوتر تفرضها حالة التأهب والاستعداد والتجهيز للمناسبات الاجتماعية المختلفة من مدارس وأعياد وإجازات. ويقع على المرأة (الزوجة والأم وراعية البيت) عبء نفسي من جراء تحملها هموم التدبير والتوفير، وصيانة الحالة الاقتصادية للبيت من التردي أو الانهيار في مواجهة هذه المهمات الكبيرة.. وبالتالي قد تؤدي هذه الحالة إلى التعايش في جو غير صافٍ بل وربما مشحون بالتوتر والقلق، ومن ثم سرعة الغضب والانفعال لأسباب مهمة أحيانًا، وتافهة في أغلب الأحيان؛ مما يكون له أسوأ الأثر على الصحة النفسية والبدنية للمرأة، وعلى أفراد الأسرة جميعًا؛ مما يحد كثيرًا من أدائهم وكفاءتهم على المستوى الأسري والاجتماعي وغيره.
وصية نبوية غالية
وصية من وصايا النبي -صلى الله عليه وسلم- لأحد الصحابة وهي موجَّهة إلى الأمة كلها؛ لأنها تعالج داءً عُضالاً أصيب به كثير من أفرادها، إنها جملة واحدة يتوجه بها النبي -صلى الله عليه وسلم- لمن يخاطبه، وقد جمعت من مكارم الأخلاق الكثير.
خرّج البخاري عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رجلاً قال للنبي -صلى الله عليه وسلم-: أوصِني قال: لا تغضب. فردّد مرارًا قال:" لا تغضب".
ذلك أن الغضب يدفع على الانتقام والتعدّي، فإذا غضب المؤمن لِحَظِّ نفسه تذكّر ما أعدّ الله له من الجزاء إذا عفا فيعفو ويغفر ويصفح .
وقال سبحانه وتعالى في وصف المتقين : ( الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ ).
رُوي عن ميمون بن مهران أن جاريتَه جاءت ذاتَ يومٍ بِصَحْفَةٍ فيها مَرَقَة حارة، وعنده أضياف فعثرَتْ فصبّتِ المرقةَ عليه، فأراد ميمون أن يضربها.
فقالت الجارية : يا مولاي استعمل قولَ الله تعالى: ( وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ ) قال لها: قَدْ فعلتُ ، فقالت: اعمل بما بعده: ( وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ ) فقال : قد عفوت عنك، فقالت الجارية: ( وَاللّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ ) قال ميمون: قد أحسنت إليك ، فأنت حرَّةٌ لوجه الله تعالى .
وفي فضل كظم الغيظ ، وامتلاك التّصرّف ، وضبط النفس ، جاءت الأحاديث النبوية، فمن ذلك:
قول رسول الله صلى الله عليه وسلم : "ما من جرعة أعظم أجرًا عند الله من جرعة غيظ كظمها عبد ابتغاء وجه الله" . رواه الإمام أحمد وابن ماجه .
ولما كان الغضب يضرّ بصاحبه مع ما يتسبب به من أذية للآخرين فقد جاء الثناء على من ملَك نفسه، وقهرها عند غلبة الغضب .
فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- : "ليس الشديد بالصُّرعة، إنما الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب" . رواه البخاري ومسلم .
وقال : ما تعدون الصُّرعة فيكم ؟
قالوا : الذي لا يَصرعه الرجال .
قال : ليس بذلك ، ولكنه الذي يملك نفسه عند الغضب . رواه مسلم .
الغضب قذيفة شيطانية
والغضب قذيفة شيطانية يفجرها في قلب المؤمن فتنتشر شظاياها في دمائه وعروقه، فتشعل أعصابه وتحرِق ـ إن لم يتدارك هذا الحريق الشيطاني ـ كل معاني الود والحب والتواصل بين الناس ، ومن ثم جاءت تعاليم الإسلام بمحاصرة عوامل الغضب ونزع فتيل هذه القذيفة الشيطانية قبل أن تنفجر، فإن حدث وانفجرت أطفأنا نيرانها بالعفو والصفح الجميل.
قال سليمان بن صرد: كنت جالسًا مع النبي -صلى الله عليه وسلم- ورجلان يستبّان، فأحدهما احمرّ وجهه وانتفخت أوداجه ، فقال النبي -صلى الله عليه وسلم- : إني لأعلم كلمة لو قالها ذهب عنه ما يجد ، لو قال : أعوذ بالله من الشيطان الرجيم ، ذهب عنه ما يجد . فقالوا له : إن النبي صلى الله عليه وسلم قال : تعوّذ بالله من الشيطان، فقال: وهل بي جنون؟! رواه البخاري ومسلم .
قال ابن القيم -رحمه الله- : إذا خَرَجَتْ من عدوك لفظةُ سَفَهٍ فلا تُلْحِقها بمثلها تُلَقِّحْها ، ونَسْل الخصام نسل مذموم !
وحُكى عن الأحنف بن قيس أنه قال: ما عاداني أحد إلا أخذت في أمره بإحدى ثلاث خصال: إنْ كان أعلى مني عرفت له قدره, وإن كان دوني رفعت قدري عنه, وإن كان نظيري تفضّلت عليه.
وقال أبو عمرَ بنُ عبد البر: روينا أن جارية لصفية بنت حيي أم المؤمنين -رضي الله عنها- أتت عمرَ بن الخطاب -رضي الله عنه- فقالت: إن صفية تحبّ السبت، وتصل اليهود.
فبعث عمرُ يسألها فقالت: أما السبت فلم أحبه منذ أبدلني الله به الجمعة، وأما اليهود فإن لي فيهم رحمًا فأنا أصلها. ثم قالت للجارية: ما حملك على ما صنعتِ؟ قالت: الشيطان. فقالت لها صفية: اذهبي، فأنت حرة.
الغضب في ميزان الطب
لقد حذر علماء الطب الألمان من أن الغضب يشكل خطرًا على القلب، مشيرين إلى أن أكثر الذين أُصيبوا بأمراض في القلب كان "الغضب" أحد أسبابه الرئيسة.
وأعلن الأطباء في مؤتمر عُقد في العاصمة الألمانية برلين أن أكثر الذين توفُّوا بجلطة قلبية كان "الغضب" وخيبة الأمل أحد أسباب الوفاة الرئيسة، إذ إن الغضب يعمل إما على تقوية سرعة القلب بحيث تخرج عن السيطرة، أو على إبطاء نبضاته ليُصبح من الصعب إعادته إلى حالته الأولى.
وأشار تقرير طبي من المستشفى الجامعي في مدينة بون " بيتر فاجلر" في محاضرة لأحد علماء الطب الألمان، إلى أن إجراء عملية تبريد القلب يمكن أن تساعد صاحبها على المضي في الحياة -بإذن الله- إذا ما توفرت العناية به، مشيرًا إلى أن المستشفى الجامعي قام بإجراء بحوث حول عملية التبريد شملت حوالي (275) مريضًا وُضعوا في غرفة عناية فائقة لمدة (24) ساعة مجهزة بمكيف هواء بارد يناسب جسم المريض، على أن تكون حرارة جسمه الداخلي ما بين 32 و 34 درجة مئوية.
ولعل عملية "تبريد القلب" التي توصل إليها علماء أوروبا حديثًا تشير إلى عظمة السبق النبوي في علاج الغضب، ففي حديث عطية السعدي أن رسول -صلى الله عليه وسلم- قال: " إن الغضب من الشيطان، وإن الشيطان خُلق من النار". رواه أبو داود.
الثمن الباهظ
ولا تزال الدراسات العلمية والطبية الحديثة تؤكد أن فاتورة الغضب باهظة الثمن، وأن التكاليف هنا لا يدفعها الإنسان من جيبه فقط بل من لحمه ودمه وأعصابه، ومن راحة باله وكل ذلك مخصوم من سعادته في الدنيا والآخرة، فقد ثبت علميًا أن الغضب كصورة من صور الانفعال النفسي يؤثر على قلب الشخص الذي يغضب تأثيرَ العدْو أو الجري على القلب، وانفعال الغضب يزيد من عدد مرات انقباضاته في الدقيقة الواحدة فيضاعف بذلك كمية الدماء التي يدفعها القلب أو التي تخرج منه إلى الأوعية الدموية مع كل واحدة من هذه الانقباضات أو النبضات، وهذا بالتالي يجهد القلب؛ لأنه يضطره إلى زيادة عمله عن معدلات العمل الذي يفترض أن يؤدّيه بصفة عادية أو ظروف معينة إلا أن العدو أو الجري في إجهاده للقلب لا يستمر طويلاً؛ لأن المرء يمكن أن يتوقف عن الجري إن هو أراد ذلك. أما في الغضب فلا يستطيع الإنسان أن يسيطر على غضبه؛ لا سيما إن كان قد اعتاد على عدم التحكم في مشاعره، وقد لوحظ أن الإنسان الذي اعتاد على الغضب يُصاب بارتفاع ضغط الدم ويزيد عن معدله الطبيعي؛ حيث إن قلبه يضطر إلى أن يدفع كمية من الدماء الزائدة عن المُعتاد المطلوب، كما أن شرايينه الدقيقة تتصلب جدرانها، وتفقد مرونتها، وقدرتها على الاتساع لكي تستطيع أن تمرّر أو تسمح بمرور أو سريان تلك الكمية من الدماء الزائدة التي يضخّها هذا القلب المنفعل؛ ولهذا يرتفع الضغط عند الغضب، هذا بخلاف الآثار النفسية والاجتماعية التي تنجم عن الغضب في العلاقات بين الناس والتي تقوّض من الترابط بين الناس.
ـــــــــــــــــــ(100/99)
د. الغزالي: فترة السجن رغم قسوتها فهي مميزة
حوار: عبد الرحمن أبو عوف 4/9/1425
18/10/2004
- قضيت ثلاثة مواسم رمضانية في معتقل طرة.
- الحرص على قراءة القرآن الكريم والتراويح والجلسات الفكرية معالم رمضان في المعتقل.
font color"blue">أكد الدكتور عبد الحميد الغزالي -أستاذ الاقتصاد الإسلامي بجامعة القاهرة و الإخواني المعروف- أن شهر رمضان له مكانة خاصة في قلبه.. يقضيه بين العبادة، والاعتكاف، وقراءة القرآن، ودراسة السنة النبوية، مشيراً إلى أنه قضى ثلاثة مواسم رمضانية خلال فترة اعتقاله في سجن مزرعة طرة، حيث كانت هذه الفترة رغم قسوتها فترة مميزة.
وأضاف الغزالي في حوار مع (الإسلام اليوم) أنه يواظب طوال رمضان على أداء صلاة التراويح، والاعتكاف في العشر الأواخر، والمشاركة في جميع المنتديات الثقافية والفكرية المهتمة بمشاكل الأمة- بجهد واضح لتقديم صورة واضحة لحل هذه المشاكل.
وشدد أستاذ الاقتصاد الإسلامي بجامعة القاهرة على حتمية مساندة الشعبين الفلسطيني والعراقي لتحقيق الاستقلال .. متعجبًا من حملة الانتقادات التي توجه للشعب الفلسطيني رغم صموده تجاه الحملة الصهيونية الشرسة، وكذلك ضرورة دعم مقاومة الشعب العراقي الذي يُعد خط الدفاع الأول عن الأمة العربية؛ لأنه لولا هذه المقاومة لكانت أمريكا قد كرّرت السيناريو العراقي في أكثر من بلدٍ عربي ومسلم... قضايا عديدة ومثيرة نناقشها مع الدكتور عبد الحميد الغزالي في الحوار التالي...
أمضيت فترة طويلة داخل المعتقل.. ثلاث سنوات.. كيف مر عليك شهر رمضان خلال هذه السنوات؟
لقد قضيت ثلاثة رمضانات في سجن مزرعة طرة أثناء فترة اعتقالي في قضية ملفقة بتهمة العمل على إحياء جماعة "الإخوان المسلمين"؛ بهدف قلب نظام الحكم، وتعطيل الدستور مع ثلاثة عشر رمزًا من رموز التيار الإسلامي، وكانت فترة السجن عبادة، واعتكافًا، وحفظًا، ودراسة للقرآن الكريم، والسنة المطهرة، وكانت فترة الاعتقال مميزة جدًّا بكل المقاييس.. رغم قسوتها، وأرجو من الله أن يتقبلها، والحق أقول: إن إدارة السجن كانت تسمح لنا بأداء الصلوات الخمس في جماعة، وكذلك صلاة التراويح.
وأثناء شهر رمضان طوال تلك السنوات كنا نقسم أنفسنا إلى مجموعاتٍ خدمية تتولى كل مجموعة خدمة باقي المجموعات، وكانت تقدم يوميًّا إفطارًا ساخناً شهيًّا بعيدًا عن طعام السجن، وبعدها كنا نشكل دائرة حوار حيث يقوم كل فرد من أفراد المجموعات الثلاث بتقديم ورقة للمناقشة حول قضية تهم مجتمعنا، وأمتنا الإسلامية، ونتحاور حولها، ونتفق فيها على كلمة سواء، أو إطار فكري محدّد لحل أي معضلة تواجه العالم الإسلامي.
كيف ستقضي شهر رمضان هذا العام؟ وهل لك عادات تحرص عليها خلال هذا الشهر الكريم؟
طوال حياتي، وأنا مهتم بهذا الشهر الكريم اهتمامًا خاصًّا؛ إذ أقبل بشكل منتظم جدًّا على أداء صلاة التراويح، وقراءة القرآن؛ لدرجة أنني أختمه من خمس إلى عشر مراتٍ خلال هذا الشهر، كما أعتكف طوال العشر الأواخر منه.. هذا علاوةً على زيارة الأقارب، وصلة الرحم التي تتزايد وتيرتها خلال هذه الأيام المباركة، ولا أنسى في خضم هذه النشاطات أن أشارك في المنتديات، والندوات الفكرية.. حول مشكلات العالم الإسلامي، وأبذل جهدًا في تقديم صورة واضحة عن (الإسلام والاقتصاد الإسلامي.. غير الربوي).
يمر شهر رمضان هذا العام وعالمنا الإسلامي ينتقل من سيئ إلى أسوأ؛ فالمشكلة الفلسطينية على حالها بل تزداد سوءًا، والعراق يعاني من الاحتلال الأمريكي، ومشكلة دارفور تتصاعد؛ فما رأيك؟
أقول رغم القهر الذي يعاني منه الشعب الفلسطيني، والتصفية الجسدية التي يقوم بها العدو الصهيوني ضد أبنائه وكوادره؛ إلا أنني مطمئن لمستقبل الشعب الفلسطيني.. الذي يملك إرادة فولاذية، لا تلين له قناة رغم الفارق الرهيب في الإمكانيات بين شعبنا البطل وعدوه.
وما دام شعبنا البطل يتمتع بهذه الإرادة فلن يستطيع العدو الصهيوني إخضاعه... المشكلة التي يعاني منها الشعب الفلسطيني هي تكالب المنهزمين عليه، وتوجيههم سهام الانتقادات إليه؛ بعسكرة الانتفاضة، وإنهاء الطابع الشعبي لها، وأنا هنا أقول لهم: اضربوا لي مثلا واحدًا عن شعب حصل على استقلاله بدون كفاح مسلح! وأقول لهؤلاء: ارفعوا أيديكم عن هذا الشعب الذي يعاني الأمرَّيْن؛ من بطش الصهيونية العالمية ودعم الأمريكان اللامحدود لهم، وتخاذل الأمة العربية، وتراجعها عن تأييد جهاده لتحرير أرض الإسلام المقدسة.
لكنك لم تتحدث عن العراق الذي تسوده الانفجارات والاضطرابات منذ اليوم الأول لاحتلاله..؟
كما قلت سابقًا عن الشعب الفلسطيني أؤكد أن العراق كان وسيظل خط الدفاع الأول عن الأمة العربية؛ فالعراقيون بمقاومتهم الشجاعة للاحتلال أعطوا الأمريكان درسًا لن ينسوه عقابًا لهم على اجتياحهم لبلد الرافدين، حيث أكدوا لهم أنهم سيلاقون مقاومة شرسة في أي بلدٍ إسلامي يحاولون استباحة أراضيه، ولولا هذه المقاومة البطلة التي ستتكفل بتحرير العراق؛ لكانت دول عربية وإسلامية قد كرّرت معها واشنطن نفس السيناريو؛ لذا فعلى العالم العربي أن يمدّ يد العون للمقاومة العراقية، ويدعمها بكل ما أُوتي من قوة؛ لأن هذه المقاومة ستكون الشرارة الأولى لإيقاظ الأمة العربية والإسلامية من غفوتها لاستعادة أمجادها، وأقول - بمنتهى الثقة - أن المقاومة العراقية ستستمر حتى إخراج آخر جنديٍّ أمريكي مهما تآمر المتآمرون.
أما فيما يخص الأوضاع في دارفور فإن أخوف ما أخاف على السودان أن يتسبب الإهمال العربي له في تفتيت وحدته وترابه الوطني، وتحويله إلى عراق ثانٍ؛ فالأمريكان وحلفاؤهم الصهاينة يتآمرون عليه وسط صمت عربي مريبٍ، فالسودان هو دولة المستقبل الاقتصادي العربي؛ حيث يتمتع بثرواتٍ زراعيةٍ ونفطية وغيرها، ولو أمكن استغلالها لحققت طفرة اقتصادية عربية، وكانت اللبنة الأولى لاستقلال الاقتصاد العربي وتحرره من الهيمنة الغربية.
ـــــــــــــــــــ(100/100)
التعليم السعودي..سباق الحكومي والخاص
عبدالحي شاهين 21/7/1425
06/09/2004
على امتداد العقود الثلاثة الأخيرة شهد قطاع التعليم في السعودية نمواً متزايداً، وتحققت فيه تطورات ملموسة أكسبته بمرور السنين الكثير من عناصر القوة التي مكنته من مواجهة التحديات العالمية المفروضة على العملية التعليمية, وزادت من مقدرته على التكيف مع المتغيرات والمستجدات.
وتنفق السعودية على التعليم ما قيمته 57.9 مليار ريال، وتجد الدولة نفسها في حاجة إلى زيادة هذه المخصصات بصورة سنوية وذلك لارتفاع التكاليف المتزايدة لعمليات التعليم واستكمال نشر التعليم في المناطق النائية وتكملة البنيات التحتية من مدارس وتجهيزات أخرى مختلفة, بجانب مواكبة النمو السكاني المتزايد في السعودية التي تزيد من التحديات التي تواجه قطاع التعليم؛ إذ سيزداد عدد السعوديين بحسب تقديرات رسمية صدرت مؤخراً بنسبة (89.2%) حتى عام 2020م، وسيصل عدد السكان السعوديين إلى (29.7) مليون نسمة في عام 2020م, وهذه الزيادات الكبيرة تتطلب أن تقوم بموازاتها خدمات تعليمية تستطيع أن تلبي الحاجة التعليمية لدى هؤلاء الأفراد المتزايدين وأن تقوم الدولة بجهود كبيرة في وضع الخطط لمواجهة هذه الحاجات.
القطاع الخاص السعودي.. أدوار جديدة
ينشط المستثمرون السعوديون بشدة في المجال التعليمي؛ فالفرص متاحة في أكثر من جانب وفي كل المراحل التعليمية، وقد سجلت السنوات الأخيرة نمواً متزايداً في عدد المدارس الحكومية المستأجرة التي تدر دخلاً كبيراً على رجال الأعمال، يصل في بعض الأوقات إلى مليون ريال في السنة كإيجار للمدرسة الواحدة في المدن السعودية الكبرى كالرياض وجدة والدمام , وتجدر الإشارة هنا إلى أن أكثر مدارس التعليم العام في السعودية هي مدارس مستأجرة من القطاع الخاص إضافة لهذا القطاع مدارسه الخاصة التي يؤسسها و يديرها بنفسه، ويجلب لها المدرسين المتعاقدين من مختلف أنحاء الوطن العربي، وتصل تكلفة الدراسة في هذه المدارس للطالب الواحد إلى نحو 12 ألف ريال سعودي لكل عام، فيما تصل التكلفة في مدارس أخرى إلى (35) ألف ريال لكل طالب, والمدارس الخاصة عادة ما تكون في شكل وحدات تعليمية متكاملة يوجد فيها الابتدائي والمتوسط والثانوي.
ومؤخراً التفت القطاع الخاص السعودي إلى أهمية الاستثمار في التعليم في (الحضانة والروضة)؛ فأنشأ خلال السنوات الثلاث الأخيرة عدة مؤسسات توفر هذا النوع من التعليم، ووفر لها الإمكانيات، من خدمات توصيل ومناهج ومعدات تعليمية، مكنته من ترسيخ أقدامه في هذا الجانب، وبات هناك عدد من المنشآت التعليمية الشهيرة في السعودية لمثل هذه الخدمات.
ويأتي تزايد عدد المدارس الخاصة والحكومية في السعودية مواكباً لتزايد أعداد الملتحقين بالمؤسسات التعليمية على اختلاف مراحلها، وبحسب إحصائية حديثة صدرت عن وزارة التخطيط والاقتصاد في السعودية فإن عدد الطلاب والطالبات تزايد من (547) ألف في عام 1969م إلى نحو (5.8) مليون طالب وطالبة في عام 2003م، بمعدل نمو متوسط سنوي قدره (7%)، وشهدت مؤشرات التحاق الطالبات بالمؤسسات التعليمية زيادة كبيرة خلال السنوات الماضية؛ حيث بلغ متوسط معدلات النمو السنوي (9.2%) , وصاحب هذه الزيادات إنفاق استثماري واسع من جانب الدولة لإنشاء وتجهيز مرافق ضرورية للعملية التعليمية، وإنفاق جار كالأجور والمرتبات. ووصلت مؤسسات التعليم العالي والتدريب بالسعودية إلى (10) جامعات و(78) كلية للبنات و(17) كلية تقنية و(65) معهداً للتعليم الفني و(3704) مدرسة ثانوية و(6566) مدرسة متوسطة و(12815) مدرسة ابتدائية.
ويعتقد الدكتور رجا المرزوقي -أستاذ الاقتصاد بالمعهد الدبلوماسي بوزارة الخارجية السعودية- أن المملكة قد حسنت كثيرًا من وضع التعليم، وباتت مهنة المدرس مهنة ذات جاذبية لدى الشريحة الكبرى من الشباب والشابات بعد أن كانت من المهن الطاردة التي كانت تشهد نوعاً من الكساد وعدم الإقبال, وأصبحت كليات التربية من أكبر الكليات التي يقبل عليها الطلاب السعوديون بعد أن تم تحسين رواتب المعلمين ومنحهم مزيداً من الميزات الوظيفية, غير أن المملكة – بحسب رأيه- بحاجة إلى إنفاق المزيد من الأموال وصبها في العملية التعليمية، خاصة في مجال الجامعات الأهلية والجامعات المفتوحة. ويعتقد المرزوقي أن دخول المستثمرين في هذا المجال ينبغي أن تسبقه عدة ترتيبات هامة؛ منها: معايير وضوابط الجودة في الجامعات الأهلية والمفتوحة, التنويع في احتياجات البلد والسوق من مخرجات هذا التعليم , كما أنه من الضروري أن يتكاتف القطاعان الخاص والعام في النهوض بمستويات التعليم.
ورأى (حمدان السلمي) -أحد ملاك المدارس الخاصة في مدينة جدة اتصلت به (الإسلام اليوم)- أن من أهم الجوانب التي يمكن أن يستثمر فيها القطاع الأهلي في المجال التعليمي حالياً، وأكثرها إلحاحاً هو جانب تعليم المعوقين وذوي الحاجات الخاصة الذين يبلغ تعدادهم حالياًَ نحو (919.370) فرداً , وقد أشارت نتائج المشروع الوطني للمعاقين في السعودية أن ما نسبته (69%) من هؤلاء المعاقين هم أميون, وتتيح هذه النسبة استثمارات جيدة للقطاع الخاص في حال التفاته لتوظيف أمواله واستثمارها في تعليمهم، ذلك على الرغم من عدم كفاية فرص العمل التي تبرر وجود مثل هذه البرامج.
والعوامل التي تزيد من حافز القطاع الخاص للدخول في مضمار التعليم في رأي رجل الأعمال السعودي (حمدان السلمي) تتحدد في: تسهيل إجراءات إنشاء المدارس الأهلية, تشجيع البنوك التجارية والصناديق الحكومية على تقديم قروض لمؤسسات التعليم الأهلي, تقديم حوافز إضافية في المناطق النائية لتشجع من قيام المنشآت التعليمية في هذه الأماكن, تقديم سندات للطلبة وأسرهم للدراسة في المدارس الأهلية، وإدخال نظام تأجير المباني المدرسية الحكومية خارج أوقات الدوام المدرسي للمدراس الخاصة.
ويتجه القطاع الخاص السعودي خلال العام القادم إلى افتتاح نحو (15) جامعة جديدة في مختلف أنحاء السعودية؛ حيث حصلت هذه الجهات الاستثمارية على تصاريح تمكنها من افتتاح منشآتها التعليمية. وكانت الحكومة السعودية قد افتتحت العام الماضي ثلاث جامعات جديدة لتضاف إلى الجامعات العشر في السعودية مؤسسات التعليم العالي, لتستوعب الأعداد الكبيرة من الطلبة الذين يتخرجون من الثانوية العامة ولا يجدون جامعات تلبي طموحاتهم.
المستلزمات الدراسية .. تجارة رابحة في السعودية
تجد أسواق المستلزمات الدراسية في السعودية إقبالا كبيراً من الطلاب والطالبات، وتسجل مبيعات مكتبات تخصصت في توفير المستلزمات الدراسية أرباحاً متزايدة مع بداية كل عام دراسي وتحافظ على وتيرة أرباحها حتى نهاية العام , ورغم عدم وجود إحصائيات معينة لحجم هذا السوق إلا أن الزائر لأيٍّ من المكتبات المتخصصة في بيع المستلزمات الدراسية كمكتبة (جرير) و (العبيكان) ومكتبة (المكتبة) يستطيع أن يلاحظ بسهولة العدد الكبير من المرتادين من الطلاب وأهليهم في هذا الوقت من كل عام.
التعليم والبطالة
يهتم النظام التعليمي في السعودية بسد حاجة سوق العمل من الكفاءات المؤهلة والمدربة من المواطنين السعوديين, وقد صرح الدكتور محمد الصالح -الأمين العام لمجلس التعليم العالي في السعودية- للصحافة المحلية أن الجامعات السعودية عازمة على التوسع في القبول في التخصصات التي تتواءم مع الاحتياجات التنموية التي تخدم سوق العمل اعتباراً من العام الدراسي المقبل.
والمستثمرون السعوديون يدركون جيداً أن الاستثمار في التعليم يوفر لهم -مستقبلاً- الكفاءات الوطنية والمدربة التي تستطيع أن تحل محل العمالة الأجنبية في البلاد
ـــــــــــــــــــ(100/101)
صحّة الأسرة تبدأ من المطبخ
سهير الجبرتي 8/7/1425
24/08/2004
أكثر ما يزعج أيّ امرأة أنْ ترى الحشرات تهاجم مطبخها، أو أنْ تجد أسرابًا من النّمل أو الصراصير تتحرك في كلّ مكان ببيتها ، وخصوصًا في فصل الصيف.. حيث تكثر مثل هذه الحشرات، وكثيرًا ما تهدر النّساء الكثير من أوقاتهن في أعمال نظافة المنزل دون أنْ يشعرن بالرّضا عن مستوى النظافة التي يأملن فيها...
ترى كيف تحافظ المرأة على نظافة منزلها وصحّة أُسرتها ؟
نقل الأمراض
تقول الدكتورة كاميليا علي محمود - استشاريّة علم الطّفيليات، ومديرة معهد بحوث الحشرات الطبيّة – إنّ خطورة إهمال نظافة المنزل؛ خصوصًا في فصل الصيف.. تتسبّب في انتشار الحشرات، ومنها الذّبابة المنزليّة التي قد نستهين بوجودها؛ إلا أنّها حشرة خطيرة تساعد على انتقال الكثير من الأمراض؛ خصوصًا لصغار السن؛ فهي تنقل الأمراض نقلا ميكانيكيًّا؛ أي: نقلاً مباشرًا كالالتهاب الكبدي الفيروسي "أ"، وأمراض العيون، وتلعب دورًا كبيرًا في انتشار مرض شلل الأطفال عندما تحمل على جسمها الفيروسات والبكتيريا المسببة للأمراض من شخصٍ إلى آخر.
ومن هنا تأتي أهميّة تغطية أواني الطعام، وصناديق القُمامة، وإزالة بقايا الأطعمة، والاهتمام بنظافة المنزل، وبالتالي سوف تختفي الذّبابة المنزليّة، وتنتفي خطورتها.
وتضيف الدكتورة كاميليا أنّ الصّرصور من أخطر الحشرات المنزليّة التي تعيش في الأماكن غير النظيفة، والتي تتكدّس بها الأشياء المخزّنة، ولذا فهو يوجد في دورات المياه أو المطبخ، ومنهما تنتقل الأمراض، كما تعيش الصّراصير أيضا بين الأوراق أو الكتب العلميّة المخزّنة لمدّة طويلة، وتوجد دائمًا في مواسير الصّرف الصحيّ، وتلعب دورًا كبيرًا في نقل الأمراض مثل الدّرن، والكوليرا، وأمراض الصّيف، والإسهال عند الأطفال (النزلات المعويّة)، والتيفوئيد.
وكي تتم مقاومته يجب وضع السولار في البلاعات بشكلٍ دائم، وسدّ الشقوق في المطابخ، وعدم ترك الأطباق بدون غسيل، وتغطية البلاعة جيّدًا حتى لا يجد الطريق للنفاذ منها، ووضع أيّ مادة منفّرة، وهذه الطّرق توفّر حوالي 90% من المقاومة؛ أما الـ10% الباقية فيمكن القضاء عليها بوضع العجينة المتوافرة في الأسواق، وهي آمنة (حامض البوريك+ دقيق وسكّر بتركيزات معينة).. هذه العجينة تنفّر الصّرصور، وعندما يأكلها تفتك بالجهاز الهضمي به، كما يمكن استخدام المبيدات الحشريّة.
النّظافة والتّهوية
وتؤكّد الدكتورة عزة عبد الفتاح - رئيسة قسم المبيدات بمعهد بحوث الحشرات المنزليّة –قائلة مع ارتفاع درجة الحرارة في الصّيف تنتشر بعض الحشرات المنزليّة كالنّمل الذي يسبب إزعاجًا لربّة البيت، فضلا عن خطورته في نشر الأمراض المعدية، والنّمل من الحشرات المقزّزة لربّة البيت.. يمكن التخلص منه عن طريق رسم خط بالطباشير حول الشقّة فلا يتخطّاه، ويتّجه إلى أماكن أخرى، وكذلك توضع لوحة عليها طعام حلو سامّ؛ فيلجأ إليها النّمل للتغذية فيموت.
وقد أكّد خبراء الصّحة أنّ النّظافة والتّهوية الجيّدة تمنع 95% من الأمراض التي تنقلها الحشرات المنزليّة لأفراد الأسرة في الصّيف، واستخدام المبيدات المصرّح بها من وزارة الصّحة بشرط أنْ تكون غير منتهية الصّلاحيّة، وأيضا استخدام المواد المطهّرة مثل الكيروسين.
والحشرات تنقل كثيرًا من الأمراض الضّارة؛ وأهمها الإسهال، وأمراض العيون، والدوسنتاريا التي ينقلها الذّباب، ومرض الفلاريا (داء الفيل).. ينقله ناموس الكيو ليكس، وكذلك حمّى الوادي المتصدّع التي تؤدّي إلى فُقدان البصر، أما الصّراصير فهي تؤدّي إلى أمراض الجهاز الهضمي؛ لأنّها تقف على الغذاء وتسبب تلوّثه.
وتضيف د. عزة أنّ القوارض "الفئران" تدخل من المناور والأسطح غير النّظيفة التي تمتلئ بالقمامة والمخلّفات، وهي تحتوي في داخلها على ديدان شريطيّة، ويمتلئ جلدها الخارجي بالطفيْليّات مثل: البراغيث، والنّمل، وحشرة الحلم فتسبب الحساسية، وأمراض الطّاعون، وغيره.
إنّ الحشرات المنزليّة التي تغزو البيوت في الصّيف؛ مثل النّمل - لم يثبت حتى الآن أنّها تنقل أمراضًا للإنسان، ويمكن التخلّص منها بسهولة مع باقي الحشرات المنزليّة بالوسائل الطبيعيّة الآتية:
- الحرص على نظافة المنزل يوميّا، والتخلّص من بقايا الطعام، وسدّ الثّغرات التي يخرج منها النّمل بعد حقنها بالمبيدات.
- استخدام الكيروسين أثناء تنظيف المنزل.
- رشّ أنبوبة (البوتاجاز) وتنظيفها جيّدًا؛ لأنّّها تنقل بيض الصّراصير من مكان إلى آخر.
- تركيب أسلاك على النوافذ وإغلاقها عند الغروب لمنع دخول الذّباب، والناموس، والعودة إلى استخدام الناموسيّة عند النوم.
- تنظيف المناور والأسطح من القُمامة والمُخَلّفات.
- إزالة الأتربة الموجودة تحت السّجاد باستمرار؛ لأنّها تولّد البراغيث، وتهوية المفروشات، وتعريضها للشّمس للقضاء على حشرة الفراش.
ـــــــــــــــــــ(100/102)
عَمَلُ المرأةِ خارجَ بيتِها(1/2)
خالد الشايع 21/6/1425
07/08/2004
من القضايا التي يتكرَّرُ طرحُها ومناقشتُها في أحيانٍ كثيرة : ما يتعلّق بعمل المرأة خارج بيتها ، وخاصةً عبر عدد من الوسائل الإعلاميّة في المجتمعات الإسلاميّة ، ومن خلال وسائل الإعلام الأجنبيّة ، وكذا المؤسسات الدوليّة التي ترى بحسب تصوّرات القائمين عليها أنها بذلك ترعى حقوق الإنسان أو تدافع عن حقوق المرأة ، وباتت هذه القضيّة من المعايير التي تقيس بها تلك المنظّمات مدى ما تحقق في المجتمعات الإسلاميّة من ( تطوّر ) و(إنصاف)ٍ للمرأة وإعطائها حقوقها ، وفق النظرة الغربيّة الماديّة للحياة.
وفيما يتعلّق بمجالات عمل المرأة فإنّ الأنظمة جعلتها محدّدة بالمنهجيّة التي سارت عليها البلاد، وقرّرتها أنظمتها العامّة ؛ بأنّ المرأة لها مجالاتها التي أفسحتها الشريعة حتى تخدم من خلالها في المواقع التي يُحتاج لها فيها ، بما يتحقّق معه التكامل في رعاية الجنس اللطيف ، تواكبًا مع متغيّرات الحياة ، وثباتًا على الأسس الشرعيّة التي تحفظ للمرأة طهرها وحياءها وحشمتها ، مترفعةً بها عن وهاد الاختلاط وسقطات الخلوة ومزلّة التبرّج .
ولاستيضاح الخيار الشعبي طُرحت هذه القضيّة على مائدة الحِوار الوطنيّ ، فقالت المرأة السعوديّة فيها قولها الفاصل ، مستنيرةً بهدي الشرع القويم ، ومعتبرةً بتجرِبة المرأة في هذا المجال في أصقاع شتّى من العالم .
ومع ذلك كله فلا بد أنْ يؤكّد المتخصّصون هذه الرؤى ، وأنْ يؤصّلوا هذا المنهج ، حتى نحافظ على مجالات عمل المرأة نظيفة من كل ما يكدّرها ، أو يسبّب اعوجاج مسارها . وقبل أنْ أستعرض بعض الأسس والقواعد في التعامل مع قضية عمل المرأة ، فمن الجدير أنْ نتوقف عند بيان جليل للملك عبد العزيز بن عبد الرحمن الفيصل- رحمه الله- عندما لاحظ بعض التوجّهات الساعية للإخلال بمسالك الحشمة والحياء لدى النساء ، فحرص على مدافعة هذه المسالك فأصدر بيانًا عامًا في عام ( 1356هـ/1937م ( يضع الأمور في نصابها الصحيح ، وهو بيانٌ له قدره الكبير ، لكونه من رجلٍ إذا تحدث أصغت له الدنيا ، لما حباه الله من الشخصيّة الفذّة ، والتمكين العظيم ، الذي وفّقه الله من خلاله لأنْ يعيد للمسلمين ولأرض الإسلام البكر أمنها وإيمانها وطمأنينتها في دينها وأخلاقها وحياتها بعد أنْ عانت من فقد ذلك لعقود متوالية من الزمان . ففي سياق حرص الملك عبد العزيز ـ رحمه الله ـ على أنْ يحقق لوطنه ولأمته الأمن الثقافيّ والأخلاقيّ في ضوء نصوص الوحيين، ومبادئ الشريعة الغرّاء يقول رحمه الله :
" وأقبح من ذلك في الأخلاق ما حصل من الفساد في أمر اختلاط النساء بدعوى تهذيبهن وترقيتهن وفتح المجال لهن في أعمال لم يُخلقن لها ، حتى نبذن وظائفهن الأساسيّة من تدبير المنزل وتربية الطفل وتوجيه الناشئة ـ الذين هم فلذة أكبادهن وأمل المستقبل ـ إلى ما فيه حب الدين والوطن ، ومكارم الأخلاق ونسين واجباتهنّ الخُلُقية من حبّ العائلة التي عليها قوام الأمم ، وإبدال ذلك بالتبرّج والخلاعة ودخولهن في بُؤر الفساد والرذائل ، وادّعاء أنّ ذلك من عمل التقدّم والتمدّن . فلا والله ليس هذا التمدّن في شرعنا وعرفنا وعاداتنا ، ولا يرضى أحدٌ في قلبه مثقال حبةٍ من خردل من إيمان أو إسلام ، أو من مروءة، أنْ يرى زوجته، أو أحدًا من عائلته أو من المنتسبين للخير في هذا الموقف المخزي ، هذه طريقٌ شائكة تدفع بالأمة إلى هوّة الدمار ، ولا يقبل السير عليها إلا رجلٌ خارجٌ من دينه ، خارجٌ من عقله ، خارجٌ من عروبته ؛ فالعائلة هي الركن الركين في بناء الأمم ، وهي الحصن الحصين الذي يجب على كل ذي شَمم أنْ يُدافع عنها. إنّنا لا نريد من كلامنا هذا التعسّف والتجبّر في أمر النّساء ، فالدين الإسلامي قد شرع لهن حقوقًا يتمتعنَ بها لا توجد -حتى الآن- في قوانين أرقى الأمم المتمدّنة ، وإذا اتّبعنا تعاليمه كما يجب فلا تجد في تقاليدنا الإسلاميّة وشرعنا السّامي ما يؤخذ علينا ، ولا يمنع من تقدّمنا في مضمار الحياة والرقيّ ، إذا وجَّهنا المرأة في وظائفها الأساسيّة ، وهذا ما يعترف به كثيرٌ من الأوروبيّين من أرباب الحصافة والإنصاف ، ولقد اجتمعنا بكثيرٍ من هؤلاء الأجانب ، واجتمع بهم كثيرٌ ممن نثق بهم من المسلمين ، وسمعناهم يشكون مُرَّ الشكوى من تفكّك الأخلاق ، وتصدّع ركن العائلة في بلادهم من جرَّاء المفاسد ، وهم يقدّرون لنا تمسّكنا بديننا وتقاليدنا وما جاء به نبينا (صلّى الله عليه وسلّم ) من التعاليم العالية التي تقود البشريّة إلى طريق الهدى وساحل السلامة ، ويودّون من صميم أفئدتهم لو يمكنهم إصلاح حالتهم هذه التي يتشاءمون منها ، وتنذر ملكهم بالخراب والدمار والحروب الجائرة . وفي هذا السياق حول توظيف المرأة فلا بدّ من الاعتبار بالقضايا التالية :
أولاً : التوافق والاختلاف في طبائع الذّكر والأنثى :
خلق اللهُ جلَّ وعلا الذَّكَرَ والأُنثى ، وجعل بينهما من الطّبائع المشتركة ما يتّفق فيها الناس ذكورًا وإناثًا في الجملة وفي الغالب . وخَصَّ كلاً منهما بطبائع يتميز بها عن الآخر ، وكثيرٌ من تلك الفروق يصل إلى الاختلاف التكويني : البدني والنفسي ، واللذين يتوافق كلٌّ منهما مع الوظائف الكبرى المنوطة بكل من الجنسين في هذه الحياة , ومن المقرر والثابت أنّ الشريعة قد أتت بأشياء ميَّزت فيها بين المرأة والرّجل في ميادين سياسيّة واقتصاديّة واجتماعيّة وثقافيّة ومدنيّة وغيرها ، لحِكَمٍ عظيمة وغايات سامية تتحقق بها مصالح كبرى لعموم البشر ، وفي التنزيل الحكيم ما يشير إلى ذلك في أكثر من موضع .ومن ذلك قولُ الله جلَّ شأنه : (... وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالْأُنْثَى...) [آل عمران :36] وقد جاء الشرع الكريم المنَزّّل من الله ليُعمل به في أرضه بمراعاة هذا الأمر الكوني القدري في حياة المرأة في جميع النواحي ، فجعل الرجل قائمًا عليها وجعلها مستندةً إليه في جميع شؤونه ، كما قال تعالى:(الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاء...ِ)[النساء: من الآية34 ]
فمحاولة استواء المرأة مع الرجل في جميع نواحي الحياة لا يمكن أنْ تتحقّق ، لأنَّ الفوارق بين النوعين كونًا وقَدَرًا أولاً ، وشرعاً مُنَزَّلاً ثانياً ، تمنع من ذلك منعًا باتًّا، ولقوّة الفوارق الكونيّة والقدريّة والشرعيّة بين الذكر والأنثى ؛ صحَّ عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم أنّه لعن المتشبّه من النوعين بالآخر .
والسعي لتسوية الأنثى بالذكر في جميع الأحكام والميادين ، فيها من الفساد والإخلال بنظام المجتمع الإنسانيّ مالا يخفى على أحد إلا من أعمى الله بصيرته؛ وذلك لأنَّ الله جلَّ وعلا جعل الأنثى بصفاتها الخاصّةِ بها صالحةً لأنواع من المشاركة في بناء المجتمع الإنسانيّ ، صلاحاً لا يصلحه لها غيرها ، كالحمل والوضع والإرضاع وتربية الأولاد وخدمة البيت والقيام على شؤونه . وهذه الخدمات التي تقوم بها للمجتمع الإنسانيّ داخل بيتها في سترٍ وصيانة،وعفافٍ ومحافظة على الشرف والفضيلة والقيم الإنسانيّة ، لا تقلّ عن خدمة الرجل بالاكتساب .
وفي هذا يقول : الدكتور " ألِكسيس كاريل" :" إنّ الاختلافات الموجودة بين الرجل والمرأة لا تأتي من الشكل الخاص للأعضاء التناسليّة ، ومن وجود الرَّحِم والحمل ، أو من طريقة التعليم ... إنها ذات طبيعة أكثر أهميّة من ذلك ، إنها تنشأ من تكوُّن الأنسجة ذاتها ، ومن تلقيح الجسم كله بمواد كيماويّة محدّدة يفرزها المبيض ، ولقد أدَّى الجهل بهذه الحقائق الجوهريّة بالمدافعين عن الأنوثة إلى الاعتقاد بأنّه يجب أنْ يتلقى الجنسان تعليمًا واحدًا ، وأنْ يُمنحَا سُلُطاتٍ واحدة ، ومسؤوليات متشابهة . والحقيقة : إنَّ المرأة تختلف اختلافاً كبيراً عن الرجل ، فكلُّ خليّةٍ من خلايا جسمها تحمل طابع جنسها ، والأمر نفسه صحيحٌ بالنسبة لأعضائها ، وفوق كل شيء جهازها العصبي ، فالقوانين الفيسيولوجيّة غير قابلةٍ لِلِّين ، شأنها شأن قوانين الأفلاك والنجوم ، فليس في الإمكان إحلال الرّغبات الإنسانيّة محلها ، ومن ثم فنحن مضطرّون لقبولها كما هي . فعلى النساء أن يُنَمِّينَ أهليَّتَهُن تبعًا لطبيعتهنّ ، دون أنْ يحاولن تقليد الذكور ، فإنّ دورهنَّ في تقدّم الحضارة أسْمَى من دور الرجال ، فعليهنَّ ألا يتخلَّينَ عن وظائفهنّ المحدَّدة " وقد فصَّل الشيخ العلامة محمد الأمين بن محمد المختار الجكني الشنقيطي المتوفى عام ( 1393هـ ) رحمه الله ، في كتابه الحافل " أضواء البيان " جوانب من الحكم العظيمة والمقاصد الجليلة في اختصاص الرجال ببعض الأحكام والتشريعات دون النساء ، مما فيه مصلحة العباد أجمعين ، وهو بحثٌ نفيسٌ جديرٌ بالوقوف عليه ومطالعته وتأمل نفائسه . أورده عند تفسير قول الله تعالى : (إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ... )[الإسراء: من الآية9]
ثانياً : إنّ الأصل في النساء قرارهن في البيوت .
قال الرَّبُّ جلَّ شأنه : (وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ )[الأحزاب: من الآية33] والمعنى : الزمن بيوتَكُنَّ ، فلا تخرُجْنَ لغير حاجة .وإذا قامت الحاجة لذلك فإنّها تخرج بما شرع من الشروط والآداب . حتى ولو كان خروجها ذلك لبيت من بيوت الله جلَّ وعلا . وأهل العلم بكتاب الله وهدي نبيه محمد صلى الله عليه وسلم يقرّرون أنّه ليس المقصود من هذا الأمر للمرأة بالقرار في البيت ما يصوره بعض مَنْ في قلوبهم مرض وفي تصوراتهم خَطَل ، مِنْ أنَّ الإسلام يفرض على المرأة إقامةً جبريّةً في البيت ، بحيث تكون مُكَبَّلةً فيه لا تبرحه إطلاقًا ، كلا وحاشا . و لكنّما ذلك إيماءٌ لطيفٌ إلى أنْ يكون البيت للنساء هو الأصل في حياتهن ، وهو المَقَرُّ ، وما عداه فهو استثناءٌ طارئ ، ليست له صفة الاستقرار أو الاستمرار ، إنّما هي الحاجة تقضى وتقدَّر بقدرها . ثم تأمل هذا الإيماء اللطيف في كلام الربِّ سبحانه ؛ حين أضاف البيوت للنّساء في أربع آيات مُحْكَمَاتٍ من كتابه الكريم ، مع أنَّ الغالب أنَّ البيوت في ملكيّتها للأزواج أو لأوليائهن ، ولكن أُضيفت البيوت إليهن ـ والله أعلم ، كما يقرره بعض العلماء ـ مراعاة لاستمرار لزوم النساء للبيوت وقرارهنَّ بها ، فهي إضافة لزوم للمسكن والقرار به ، لا إضافة تمليك .
وتلكم الآيات هي :
1ـ قول الله تعالى : (وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ) [الأحزاب : 33]
2ـ قوله جلَّ شأنه : (وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ)[الأحزاب: من الآية34]
3ـ قوله عزَّ وجل : ( لا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ)[الطلاق: من الآية1]
4ـ قوله سبحانه ـ في شأن امرأة عزيز مصر وما كان منها نحو يوسف عليه السلام ـ : (وَرَاوَدَتْهُ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِهَا )[يوسف: من الآية23]
ثالثاً : إنّ الأصل في النساء أن يُكْفَين مؤونة الخروج من بيوتهنّ مما تستدعيه أمور المعيشة :
وهذا ما تتابع عليه أهل الإسلام جيلاً بعد جيل إلى يومنا هذا ، وهو أنَّ النساء مكتفيات عن الخروج لطلب المعيشة والتسبّب في الرّزق ، بل إنّ هذا هو الذي كان في الأمم السابقة ، كما تبيّنه النصوص الواردة في هذا الباب . ومن هذا ما يظهر للمتأمّل في قول الله جلَّ شأنه في سياق قصة رسوله موسى عليه السلام (وَلَمَّا وَرَدَ مَاءَ مَدْيَنَ وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّةً مِنَ النَّاسِ يَسْقُونَ وَوَجَدَ مِنْ دُونِهِمُ امْرَأَتَيْنِ تَذُودَانِ قَالَ مَا خَطْبُكُمَا قَالَتَا لا نَسْقِي حَتَّى يُصْدِرَ الرِّعَاءُ وَأَبُونَا شَيْخٌ كَبِيرٌ فَسَقَى لَهُمَا ثُمَّ تَوَلَّى إِلَى الظِّلِّ فَقَالَ رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنْزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ )[القصص:23و24]
) فقولهما : ( وأبونا شيخٌ كبير ) أي ما لنا رجلٌ يقوم بذلك ، فأبونا شيخٌ كبيرٌ قد أضعفه الكِبَرُ فلا يصلح للقيام به ، فهذه الحال ألجأتنا إلى ما ترى .
رابعاً : إنّ من المغالطة الواضحة أنْ تتمّ مقايسةُ حال المرأة لدى الكفّار بحالها في المجتمعات الإسلاميّة ، ذلك أنّ المرأة في المجتمعات غير المسلمة ، وخاصة الغربيّة ، يقوم التعامل فيها مع المرأة على فلسفةٍ مادِّيَّة صِرفة ، إذْ إنّهم يعتبرون الشخص إذا بلغ سن الثامنة عشرة مطالبًا بأنْ يكون منفقًا على نفسه قائمًا بشؤونه ، وعلى أقل الأحوال أنْ يكون مشاركًا في تحمّل أعباء معيشته . حياتهم قائمة على قضاء المصالح المشتركة ، وخاصّة ما يتحصل به قضاء وطر شهوة البطن والفرْج ، لا على التكامل والترابط الموشَّى بالمحبة والمرحمة. والمرأة في البلاد الغربيّة تجد نفسها ـ وهي فتاة غَضَّة في مشاعرها ، ساذجة في أفكارها وتصوراتها ، يتنازعها ضعف الطفولة واندفاع المراهقة ، وهي حينئذ أحوج ما تكون إلى حضن أبويها الدافئ ، في خضم ذلك ـ تجد نفسها مدفوعة دفعًا شديدًا نحو توفير المادّة والمال الذي تقضي به حاجاتها و ضروريّاتها :
فهي تكدح لتوفّر المال حتى تأكل وتشرب . وتكدح لتوفّر المال حتى تلبس . وتكدح لتوفّر المال حتى تسكن . وتكدح لتوفّر المال لتكمل دراستها . وتكدح لتوفّر المال حتى تكفل نفسها . وتكدح لتوفّر المال لتعيش . وحينئذ يسيطر عليها هاجس توفير المادة وكسب المال من أي سبيل ، ولو من سُبُلٍ مشتبهة ، أو مسالك فاحشة ، أو من أيِّ سبيل كان! فهذه الفتاة تضطر حينئذ لأن تُجَابِهُ الحياة الماديّة المُقْفِرَة من الأخلاق الكريمة ، المفتقرة لأقلّ درجات الخلال العالية والخصال الحميدة . تلك الفتاة الغضَّة تضطرّ لأن تكابد التعاملات الجافة ، تلك الحياة القائمة على المصالح الذاتيّة وحسب، والتي لا يبذل فيها الشخص شيئًا إلا بمقابل مكافئ، حيث الشَّرَه والأَثَرة ، وحينئذ يتمّ التعامل مع المرأة على أساس أنّها ( جسد ) و ( مُتعة ) لتكون الواحدة منهنّ في أحيانٍ كثيرة ( أُمًّا غير متزوجة ) (!!) فتعيش حينئذ هي ومن أنجبته حياة البؤس والضّياع . وهكذا تدور عجلة الحياة الاجتماعيّة ، من خلال مزالق متنوّعة أول من يتكبدّها : المرأة ، والأجيال اللاحقة !!.
خامساً : لدى الاطلاع على تجارب من سبقونا في هذا المجال نجد أنّها مليئة بالعِبر، التي يجب أنْ نستفيد منها ، وألا نكرّر أخطاءهم ، ونستفيد فقط من الإيجابيّات ، فمن ذلك :
1 ـ في دراسات أذاعتها وكالات الأنباء الغربيّة تبين أنه وخلال عامين اثنين ( 89 و 90 ) هجرت مئات النساء العاملات في ولاية واشنطن أعمالَهن وعُدْنَ للبيت .
2 ـ نشرت ( مؤسّسة الأمّ ) في الولايات المتحدة الأمريكيّة : أنّ أكثر من خمسة عشر ألف امرأة انضممن إلى المؤسسة لرعايتهن ، بعد أنْ تركن العمل باختيارهنّ .
3ـ في استفتاء نشرته ( مؤسسة أبحاث السوق ) عام ( 1990 ) في فرنسا أُجري على حوالي ( 2.5 ) مليون فتاة في مجلّة ( ماري كير ) كانت هناك نسبة منهنّ يرغبن العودة إلى البيت ، لتتجنب التوتر الدائم في العمل ، ولعدم استطاعتهنّ رؤية أزواجهن وأطفالهن إلا عند تناول طعام العشاء .
4 ـ في روسيا معقل الشيوعيّة السابق وموطن النّظرة العارمة الداعية لخروج المرأة للعمل رجع سكانها عن نظرتهم السابقة ، ففي استطلاعٍ للرأي أجراه معهد الرأي ونشرت نتائجه وكالة " إيتار تاس “ الروسيّة للأنباء في السادس من مارس (2000 ) تبيّن ما يلي:
ـ ( 47% ) من الروس يرون أنَّ المرأة يجب ألا تعمل إذا كان وضعها المالي أو وضع شريكها يسمحان بذلك.
ـ ( 46.5% ) من الأشخاص الذين شملهم الاستطلاع يروْن أنّ النّساء يجب أنْ يَبْقَينَ في المنزل، إذا كان الشريك قادرًا على تأمين احتياجاتهن .
ـ ( 37% ) فقط هم الذين أيَّدُوا حقَّ المرأة في العمل.
. 5 ـ مظاهرة ضخمة اخترقت شوارع ( كوبنهاجن ) شارك فيها أعدادٌ كبيرةٌ من الفتيات وطالبات الجامعات ، وكنَّ يحملن لافتات تقول :
" نرفض أنْ نكون أشياء" . وتقول : " نرفض أنْ نكون سلعًا للتجارة " . وتقول : " سعادتنا لا تكون إلا في المطبخ" وتقول : " يجب أنْ تبقى المرأة في البيت" وتقول : " أعيدوا إلينا أنوثتنا" وقد دوَّت أصداءُ هذه المظاهرة في أوروبا ، ونُظِّمَت على شاكلتها مظاهراتٌ أخرى في عدد من العواصم الأوروبيّة .
6 ـ أجرت مجلة ( ماري كير ) في فرنسا استفتاءً للفتيات الفرنسيّات من جميع الأعمار والمستويات الاجتماعيّة والثقافيّة ، وكان عنوان الاستفتاء : " وداعًا عَصرَ الحُريّة ، وأهلاً عصرَ الحَريم" وشمل الاستفتاءُ مليونين ونصف المليون من النساء والفتيات المنخرطات في مجالات العمل ، وكذا المستقرّات في البيوت . وكانت النتيجة أنَّ ( 90% ) من النساء يُفَضِّلْنَ البقاء في المنزل وعدم الخروج للعمل ، وقُلْنَ : لقد مَلِلْنا المساواة مع الرجل. مَلِلْنا حياة التوتُّر ، ليلَ نهار . مَلِلْنا الاستيقاظ عند الفجر للجري وراء المترو . مَلِلْنا الحياة الزوجيّة التي لا يَرى الزوجُ فيها زوجتَه إلا عند النوم . مَلِلْنا الحياة التي لا ترى فيها الأُمُّ أطفالَها إلا عند مائدة الطعام .
7 ـ جاء في التقرير السنويّ لهيئة الصحّة والأمان البريطانيّة عن عام ( 2001 ) أنّ أكثر من ثلاثة عشر ألف حادثة عُنف تعرّضت لها الشابات والسيّدات ( العاملات ) أثناء قيامهن بأعمالهن ، بنسبة تفوق كثيرًا ما يتعرض له الرّجال في أماكن عملهم من أحداث عُنف في الفترة نفسها .
8 ـ في الأشهر الماضية قُدِّمت إلى محاكم شيكاغو في الولايات المتحدة الأمريكيّة آلاف القضايا والدعاوى من قِبَل النساء يشتكينَ من تعرُّضِهِنَّ لمضايقة الرجال في العمل .
9 ـ في حوادث مثيرة تعرّضت العديد من ضابطات البحريّة الأمريكيّة لمضايقات ومطاردات الرجال في العمل على مرأى ومسمع من رئيس البحرية!
10 ـ قامت محكمة في ( غواتيمالا ) بمحاكمة رئيس محكمة، ووقْفه عن العمل بعد أنْ أقرّ بذنبه في التحرّش بـ ( زميلاته ) من الموظّفات العاملات بسلك العدل . قد قرّر هذا الحكم بالإجماع ، بناءً على شهادة الشهود من ضحاياه من الجنس اللّطيف ، وكشفت إحداهن النّقاب عن أنَّ القاضي المشار إليه كان يقوم بإغلاق مكتبه وينفرد بالزميلات، ويشرع في طلب وُدِّهِن! عن طريق التقدّم بعروضٍ تخدش الحياء! وقد اعتُرِضَ على هذا الحكم من قبل المعتدَى عليهن ، لأنَّ وقفه عن العمل كان محدّدًا بزمن قصير ، ويطلبن وقفه عن ممارسة عمله مدى الحياة .
11 ـ القاضية السويدية "بريجيت هامر" كلّفتها الأمم المتحدة ببحث مشكلات المرأة الغربيّة ، وكان من جملة ما توصلت إليه :
" المرأة السويديّة اكتشفت أنّ الحريّة الممنوحة لها وهمٌ كبير، وأنّها تَحِنُّ إلى البيت والاستقرار ، متنازلة عن تلك الحريّة..
“ . 12 ـ ( أجاثا كريستي ) أشهر كاتبة إنجليزيّة تقول : " إنّ المرأة الغربيّة التي ساوت الرجل في الجهد والعرق ، فقدت أنوثتها وسعادتها المنزليّة “ .
13 ـ دراسةٌ أجرتها مجلة ( فروندين ) الألمانيّة المتخصصة في شؤون المرأة في ألمانيا ، أظهرت أنّ ( 68% ) من النّساء الموظّفات يتعرضن للتحرش الجنسيّ المستمر أثناء العمل 14 ـ أظهرت دراسةٌ أُجريت في الولايات المتّحدة أنّ ( 73% ) من الزوجات الأمريكيّات أصبحْنَ لا يتورعن عن الخيانة الزوجيّة ما دامت الظروف مهيّأة والعواقب مضمونة، وبالتأكيد فإنّ نسبة الرجال أكبر، وهذه النسبة تعني أنّ المجتمع كلّه يوشك أنْ يستحلّ الزّنا، ولا يرى فيه بأسًا.
-وأظهرت دراسةٌ أخرى في كندا أن ( 50% ) من الأزواج والزّوجات على استعداد لقبول الخِيانة الزوجيّة إن اعترف الطرف الآخر بها ، وكانت هناك أسبابٌ معقولةٌ للخِيانة ، ولا مانع عند الشّريك المخدوع أنْ يصفح ويغفر !!.
15 ـ جاء في كتاب : ( الابتزاز الجنسي ـ Sexual shakedown ) لمؤلّفته الأمريكيّة ( "لين فارلي" :(Lin Farley ) إنَّ تاريخ ابتزاز المرأة العاملة جنسيًّا قد بدأ منذ ظهور الرأسماليّة ، ومنذ التحاق المرأة بالعمل ... . وتقول : إنَّ الاعتداءات الجنسيّة بأشكالها المختلفة منتشرةٌ انتشارًا ذريعًا في الولايات المتحدة وأوروبا .. وهي القاعدة ، وليست الاستثناء بالنسبة للمرأة العاملة في أي نوعٍ من الأعمال التي تمارسها مع الرجال .. .
16 ـ يقول " ابتون سنكلير" في كتابه ( الغابة ): لا يوجد مكانٌ في المدينة تستطيع أنْ تذهب إليه أيُّ فتاةٍ لتعمل إذا هي اهتمت لمثل هذه الأمور.. فعليها أنْ تتجاهل قيمتها الأخلاقيّة وعِفَّتها إذا هي أرادت البقاء . وهكذا ما كتبته من قبل الصحفية "هيلين كامبل" في كتابها(سجناء الفقر) والذي صوّرت فيه المشاهد اليوميّة في حياة امرأة عاملة في الولايات المتّحدة ، وكذلك ما كتبته "جين آدمز" في كتابها ( ضميرٌ جديد وشيطانٌ قديم ) والذي تعتبر فيه أماكن عمل الفتاة مع الرجال ( بيوتًا للدّعارة)
. 17 ـ تمّ الابتزاز للمرأة الموظّفة حتى في أجرة عملها ، ومن دلائل هذا :
)في اليابان ) تشارك المرأة في كل وجوه النشاط الحضاري ، ومع كل ما تعانيه من عنَت وإجهاد وعذاب فإنها لا تتقاضى الأجر الذي يتقاضاه الرجل ، إذ لا يتقاضين إلا نحو 56% من أجر الرجل ، والنساء اللاتي يشغلن مناصب قياديّة لا تزيد نسبتهن عن 3% فقط.في (فرنسا) يزيد مرتّب الرجل على المرأة بـ 31.9 % خلال عام 1991م .
في( أمريكا ) تتقاضى المرأة الموظفة أجرًا أقلّ بنسبة 26% من الرجل الذي يؤدّي العمل نفسه كما يقول تقرير لمعهد أمريكي يدرّس السّياسات الخاصّة بالمرأة الأمريكيّة صدر في نوفمبر عام (2000م) مصادر هذه النقول مثبتة في كتابي لمحات من معاناة الأيدي العاملة الناعمة.
والنتيجة :(100/103)
إنّ "حضارة اليوم قد أفقدت المرأة أنوثتها ، وكلّفتها الأعمال المُشينة ، وجرَّدتها من فطرتها وأمومتها ، وجفَّفت أثداءَها عن الرضاعة ، ثم عادت اليوم تبكي وتنادي بالرضاعة الطبيعية من الأمهات، وبيان فضلها وفوائدها ومنافعها، وكيف يتمّ ذلك ، وهي تجعل منها عاملةً تكسب قوتها، وبنصف أجر مثيلها الرجل (!!) وبعد أنْ تخلَّى الرجل عن مسؤوليته ، وانهارت الأُسر في الغرب تقريبًا ، وضاع الأولاد ، وفسدت العلاقة الاجتماعيّة والعائليّة في الأسرة" ولا ريب أنّ هذه الارتكاسات ما هي إلا بعض من نتائج إطلاق العِنَان للغرائز والاستجابة لدواعي السّوء التي تمر عبر قنوات الاختلاط المحرّم . فهكذا كانت نتيجة التجرِبة التي خاضتها المجتمعات التي تتغنّى بالتقدّم والحريّة ، تجرِبة مؤلمة ومؤسفة ، وهكذا يحاولون العودة عن الاستمرار في هذا النفق المُظلم
سادسًا:الذين نادَوْا بالزجّ بالنساء في كل مجالات العمل دون ملاحظة للأسس الفطريّة والقواعد الأخلاقيّة انتهَوْا إلى الإقرار بخطئهم والنّدم على توجّذههم ، ومن نماذج ذلك مقالة ( قاسم أمين ) قبل وفاته بعام ونصف التي قال فيها:
" لقد كنتُ أدعو المصريّين - قبل الآن- إلى اقتفاء آثار التّرك، بل الإفرنج في تحرير نسائهم، وغاليْت في هذا المعنى، حتى دعوتهم إلى تمزيق الحِجاب، وإلى اشتراك النساء في أعمالهم ومآدبهم وولائمهم، ولكنّي أدركت – الآن- خطر هذه الدّعوة بما اختبرته من أخلاق الناس؛ فلقد تتبّعت خُطُوات النساء في كثيرٍ من أحياء العاصمة والإسكندرية لأعرف درجة احترام الناس لهنّ ، وماذا يكون شأنهم معهن إذا خرجْنَ حاسرات ، فرأيت من فساد أخلاق الرجال - بكل أسف- ما حمدت الله على ما خذَّل من دعوتي واستنفر الناس إلى معارضتي " .
سابعاً : من أسباب الاختلاف في قضيّة توظيف المرأة نزوع بعض الناس إلى تعريف ماديّ تعارف عليه عدد من المتخصّصين وهو قولهم : إنّ العمل نشاط يؤدّي إلى أجر ماليّ .
وهذا التعريف في حقيقة الأمر أول من يتلظّى به ويتضرّر هو النساء، وذلك لما فيه من الإغفال الكبير لأنواع الوظائف الكبرى التي يقدِّمْنَها للمجتمعات، برغم المعاناة التي يقاسينها بالنظر إلى طبائعهن الفسيولوجيّة والبيولوجيّة والسيكولوجيّة والمهام الاجتماعيّة الجِبِلِّيَّة التي يتولّيْنها، ثم بعد كلّ هذا لا تحسب لهنّ هذه الأعمال، ولا يعترف لهنّ بالفضل في القيام بها . فأين المساواة المُدَّعاة والمزعومة ؟!
ولهذا فإنّ التّعريف الصّحيح للعمل ينبغي أنْ يرتكز على مدى ما يكون للشّخص من الإنتاج الذي يعود عليه، وعلى مجتمعه، و على من حوله بالخير والنّماء .
ثامنًا :الجدوى الاقتصاديّة للإفراط بتوظيف النّساء، وفتح مجالات العمل دون دراسات ولا ضوابط منطوٍ على مشكلات عدّة ، تهدم الجدوى الاقتصاديّة من إشراك النّساء في سوق العمل؛ فقد جاء ضمن بحوث المؤتمر الإقليمي الثاني للمرأة في الخليج أنَّ دراسات كثيرة بيَّنت أنَّ دخول المرأة ميدان العمل الحرّ ينطوي على سلبيّات منها:
1ـ قِلّّةِ الإنتاج ، وهو ما يُعبَّر عنه بمظاهر الإنتاجيّة المنخفضة ، ويتّضح هذا بقياس الإنتاج المادي للرجل مقارنةً بإنتاج المرأة في مجتمع ما ، ولمدّة زمنيّة معيّنة ، علاوةً على ما تنظر إليه جهاتُ العمل نحو الأنظمة الخاصّة بالمرأة التي تمنحها إجازات خاصة بالوضع والعِدَّةِ وغيرها ، من أنّها مظاهر إنتاجيّة منخفضة للمرأة .
وكمثال على ذلك في مِنطقة الرّياض يبلغ العدد الإجماليّ للمعلّمات نحوًا من ( 37.000 ) ـ سبعة وثلاثين ألف معلمة ـ وقد أفادت إدارة تعليم البنات بمنطقة الرياض أنّه يَرِدُها شهريًا ( 33.000 ) ـ ثلاثةٌ وثلاثون ألف ـ تقرير طبي تقريبًا ، أي بمعدّل ألف وخمسمائة تقرير طبّي يوميًا ، وذلك لطلب إجازة مرضيّة .
وفي دراسة أفصح عنها معالي الرئيس العام لتعليم البنات أنَّ أيّام الغياب التي رصدت خلال عام دراسي واحد ( 1417/1418هـ ) بين المعلّمات على مستوى المملكة بلغت أكثر من مليونين وستمائة ألف يوم .
2ـ مما يوضّح مدى الجدوى الاقتصاديّة لعمل المرأة وتوظيفها ما يقرّره الخبراء من أنّ خروج المرأة للعمل والوظيفة خارج منزلها يزيد القوّة الشرائيّة ، وهذا يزيد في الاستهلاك ، وهذا له أثره في ارتفاع الأسعار .
3ـ إنَّ المرأةَ الموظَّفَةَ خارج منزلها ستحتاج قطعًا لمن يَنُوب عنها في القيام بأعمال بيتها ، وملاحظةِ أطفالها ، وفي غير ذلك ، وهذا سيُحوجُها أو غيرَها للإنفاق على من قام مقامها ، سواء في بيتها ، أو حيث تضع أطفالَها في دُور الحضانة . وبالطبع فإنَّ المرأة ليست مَلُومةً في ذلك ، لأنَّ تلك العوارض من مقتضيات تركيبها العضويّ ، وتلك وظائف أعضائها . فكيف تُلامُ على أمومتها ؟! وكيف تُلامُ على حمْلها ؟!و كيف تُلامُ على رَضَاعها وحضانتها ؟ وكيف تلام على أدائها لرسالتها الكبرى في الحياة ؟! والوضع الطبيعيّ في هذا : أنْ يعتبر للمرأة إنجازها لتلك المهام ، وأنْ يكون من جملة الضّمان الاجتماعيّ في المجتمعات ، ومن باب الوفاء لها والاعتراف بفضلها، أنْ تُوجد المعونات الماليّة والمعنويّة لمن يَحْمِلْنَ ويَلِدْنَ ويَحْضِنَّ ، هذا إذا كُنَّ غير موظّفات. أما إذا كُنَّ موظّفات في مجال من المجالات التي يسوّغ للمرأة التحاقها به ، فإنّ من المتعين أنْ يكون لها من الامتيازات والتّشريعات النّظامية المناسبة ما يجعلها تتفرّغ لمهامّ أُمومتها. وينبغي أن يُراعى في نظام وظائف النساء –عمومًا- كونه مؤصَّلاً باعتبارها امرأة لها مهامّها البيتيّة، ومسؤوليّاتها الأسريّة، ورسالتها التربويّة ، وذلك من جهة مكثها في الوظيفة ومناوبتها وتقاعدها ، ونحو ذلك.
تاسعاً :وفي ضوء ما تقدم : فإنَّ ثمّة مجالات لعمل المرأة خارج بيتها ، يمكنها من خلالها أنْ تفيد نفسها ، وأنْ تقدّم لمجتمعها وأمّتها من الخبرات المفيدة، والأعمال الجليلة ما هو مناسب لتخصّصها ، مع أنّ هذه الأعمال تتفاوت بين كونها واجبًا ينبغي أنْ يقوم به من النساء من تسدّ الحاجة، وما بين أعمال تطوعيّة. وكما يشير بعض الباحثين فإنَّ الاختيار في مجال عمل المرأة لن يكون صحيحًا ولا راشدًا ، ولن يكون منتجًا ما لم يكن عمل المرأة مراعًى فيه : استعداداتها الفطرية ، وقُوَّتها البدنيّة ، والنفسيّة؛ فالإسلام لا يمنع عمل المرأة في حدود طاقتها وحسب تكوينها الفطريّ ، ولكنّما يراعي حقوق المرأة ومصالحها، فيبيح لها ما لا يرجع عليها ولا على من حولها ولا على مجتمعها بالض<رر. وكان من رعاية الإسلام للمرأة أنْ أحاط عزَّتها وكرامتها بسياجٍ منيع من توجيهاته وتشريعاته الحكيمة، وحمى أُنوثتها من العبث والعُدوان ، وباعدَ بينها وبين مَظَانِّ الرِّيَب وبواعث الافتتان ، فحرَّم على الرجل الأجنبيّ الخلوة بها ، والنظرة العارمةَ إليها ، وحرّم عليها إبداء زينتها إلا ما ظهر منها ، وحرّم عليها أنْ تخالط الرجال أو أنْ تتشبّه بهم ، وأعفاها من وجوب الصلاة في المسجد ، وأعفاها من السّفر دون محرم ، ومنعها من وِلاية الحروب، وقيادة الجيوش ، ولم يُبِح لها من معونة الجيش إلا ما يتّفق وحرمة أنوثتها ، ولم تولَّ ولايةً إسلاميّةً عامّةً ، ولم تحضر مجالس شورى . وقد كانت النتائج مؤسفة حين أقحمت المرأة في ميادين صعبةٍ ، حيث أُهدرت أنوثة المرأة، وهُدِم بيتها، وشُتّت أسرتها، واختلّ دورها المحوريّ .
عاشراً :حتى يتبيّن أنّ قضيّة عمل المرأة ما هي إلا واحدة من القضايا التي شُمِلت بتشريعات مُحكمة ، يتحقّق من خلالها خير المجتمع ورشاده ، فإنّنا نلاحظ أنّ مجالات عديدة لا تمانع الشّريعة من دخول المرأة في غمارها والتعامل معها ، باعتبارها عملاً، ووظيفة هي رائدتها ومديرتها.
ومن جملة تلك المجالات :
1ـ التّعليم والتّدريس لبنات جنسها ، فإنَّ المرأة شقيقةُ الرجل ، وهي مأمورة بطلب العلم ، بما تستطيع من خلاله أنْ تعبد ربّها وتتفقه في دينها ، وتتعلم ما ينبغي أنْ تتعلّمه لتكون على دراية كافية لمقتضيات حياتها وطبيعة عيشها. ولا بدّ من لفت النَّظر في هذا المقام إلى أنّ التعليم ليس مراده تأهيل المتعلمة لأنْ تكون موظَّفة ؛ فالعلم أشرف من ذلك في حق ّالرجال والنساء ، ولكنّما العلم في ذاته هو المطلوب الأعظم حتى تتحقّق ثمراته في رفع الجهل، والعمل بهذا العلم في شتى مناحي الحياة ، وليس في وظيفةٍ محدودة.
2ـ الطبّ والتّمريض لبنات جنسها ؛ فالمرأة تحتاج إلى العلاج، والتطبيب ، والمقدّم في هذا الباب أنْ يتولّى تطبيبها نساء مثلها ، وخصوصًا إذا كان ما تعالج منه من أمراض النساء، وما يحتاج فيه إلى الكشف البدنيّ ، وخاصّةً العورة المغلّظة . ولا يزال هذا المجال يعاني نقصًا شديدًا ، بما يحتِّم تيسير هذا المجال ، وإزالة العقبات الشرعيّة والتنظيميّة .
3ـ الأعمال الاجتماعيّة المتعلقة بالنّساء ، ذلك أنّ عددًا من المشكلات الاجتماعيّة الواقعة في المجتمعات تتعلّق بالنساء ، وخصوصًا الأرامل والمطلّقات واليتيمات ، فمثل هؤلاء يحتجْن إلى الرّعاية الاجتماعيّة المباشرة من قبل نساء مثلهن ، ولهذا كان من المهمّ أنْ تهيّأ دور مخصّصة لهذه الفئة من النّساء ، وأنْ يشرف عليها ويديرها النساء المؤهّلات .
4ـ الأعمال الخيريّة ، فأعمال البِرِّ والمشاريع التطوعيّة ليست محصورةً في الرجال ، بل إنّه يمكن أنْ تتولى المرأة وأنْ تشارك بنات جنسها في إنجاز الأعمال الخيريّة وإدارتها ، ويكون ذلك في محيط نسائيّ كامل، تُهيّأ فيه للعاملات أسباب النجاح والبعد عما يخرج بهِنّ عن الخير الذي يُرِدْنَه. ومما يبيّن توافق هذا المجال مما فيه التواصل بين المرأة المتخصّصة فيه من جهة ، والنساء المحتاجات للخدمات الاجتماعيّة والإسهامات الخيريّة من جهة أخرى، والنساء المقبلات على عمل الخير إما عمليًا، أو من خلال التبرّع من جهة ثالثة، ومما يبيّن هذا التّوافق أنّ النساء في مختلف أصقاع العالم أقبلنَ عليه بشكل لافتٍ للنظر، حتى إنّ الإحصاءات بيّنت أنَّ أكثر من ثُلُثَي القوى العاملة في المنظمات الخيريّة الأمريكيّة من النساء ، بل إنَّ ( 50% ) من المتطوّعين من النساء كذلك ، وفي بعض الإحصاءات في أمريكا أيضاً تبيّن أنَّ ( 70% ) من العاملين في العمل الخيريّ من النساء. وتشير إحصاءات المنظّمات والجمعيّات الخيريّة إلى أنّ قيمة التبرّعات النسائيّة وصلت إلى حدود ( 28 ) بليون دولار في العام ، وأنّ نسبة العاملات في جمع التبرّعات في المنظمات الخيريّة ( 52% )مع الإشارة هنا إلى أنّ معظم العاملات في المنظّمات الخيريّة من ذوات الشّهادات العليا والمناصب القياديّة . وهذه المجالات وما شابهها والتحق بها تحتاج لضوابط وقواعد، يتم من خلالها تحصيل المصالح و تكميلها، وإلغاء المفاسد وتقليلها ، وهذا ما نبيّنه في المسألة التالية .
حادي عشر : إنّ توظيف المرأة خارج بيتها لا حرجَ عليها فيه إذا رُوعيت فيه الاعتبارات الشرعيّة. ولكي يكون عمل المرأة شرعيًّا فلا بد من الأمور التالية :
1ـ أنْ يكون عملها متفقًا مع تكوينها الجسميّ والنفسيّ والروحيّ
2ـ أن تؤدّي العمل في المكان الآمن والوقت الملائم ، وبالأسلوب الذي يحفظ عليها كرامتها ويجنبها المزالق ، فتُجَنَّب الاختلاط، والخلوة المحرّمة والاستغلال لأنوثتها ، وتجنَّب أوقات العمل التي تتعارض مع مسئولياتها البيتيّة ، وغير ذلك مما يخلّ بحشمتها .
3ـ لا بدّ من توفير المناخ الملائم والوسائل المريحة للمرأة الموظّفة لتوفّق بين عملها في البيت، وبين عملها في الخارج، فكما أنّ الشارع الحكيم قد عذرها في أحوال الأعذار الشرعيّة: كالدّورة الشهريّة، وكالحمل، والنّفاس، والرّضاع، وغيرها، فلا بدّ من مراعاة ذلك في هذه الأحوال ، فتمنح الإجازات الملائمة،رعايةً لها ولأسرتها، بل ولا بدّ من تقليص ساعات العمل لتمكينها من ذلك.
4ـ ينبغي التوسّع في الأعمال المكتبيّة التي تُؤدَّى عن بُعد ، بحيث يمكن للمرأة أنْ تؤدّيها وهي في بيتها ، خاصّةً بعد التطوّر الكبير في وسائل الاتّصال عبر الحاسب والإنترنت . وبالإمكان أنْ توضع الضوابط والأسس التي تنظّم هذه الأعمال وتضبطها
5ـ ينبغي أنْ يُلاحظ في عمل المرأة كون المجتمع محتاجًا إليه لذاته، فلا تتقلّد المرأة وظائف لا يحتاجها فيها المجتمع، لما في ذلك من إهدار الجهد والطاقة على حساب بيتها وأسرتها، ومع ما في ذلك من تفويت الفرص على الرجال المكلّفين والمطالبين بالنّفقة على المرأة وعلى ذويهم.
6ـ ينبغي أنْ يُراعى في عمل المرأة موافقة قَيِّمِها ، لما جعل الله له من الحقّ ، مع ملاحظة أنْ يكون الاعتبار الأول هو مدى رغبتها أو عزوفها عن العمل .
7ـ ينبغي إعداد المرأة نفسيًا وفكريًّا ؛ بما يجعلها على وعي تام بنمط السلوك الذي يجب أنْ تسير عليه ، والتمسّك بالقيم والأخلاق الكريمة ، وعدم التأثّر بالثقافات المنحرفة .
وبعد: فتلك جملةٌ من الرّؤى المستمدّة مما قرّره علماؤنا في ضوء نصوص الوحييْن، والتي لم تزل أنظمة بلادنا (في جملتها) ملاحظةً لها،وفيها كذلك استفادة من تجارِب المجتمعات الأخرى، وآمل في ضَوْء ذلك كلّه أنْ تكون منطلقًا في التعامل مع قضيّة توظيف المرأة، فلسنا مع مَنْ يغلق هذا الباب كليةً، كما أنّنا لسنا مع من يفتح الباب بالكليّة؛ ليجعل الحبل على الغارب، و لكنّما هو التوسّط ، مع ملاحظة حاجات الوطن والمواطنين والمواطنات التنمويّة والمعيشيّة، مع الانضباط بالقواعد الشرعيّة
ـــــــــــــــــــ(100/104)
لأسرة في الإسلام بين الماضي والحاضر
يوسف العمري 7/6/1425
24/07/2004
الأسرة هي النواة الأولى في تكوين المجتمع والأمة، ومنها بدأ الله الخليقة منذ الأزل.. ( يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة، وخلق منها زوجها وبث منهما رجالاً كثيراً ونساءً واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيباً) [النساء:1].
والأسرة تقوم على دعامتين هامتين هما أساس تكوينها، الرجل والمرأة؛ أي الزوج والزوجة، فهما الأساس في تكوين الأسرة وإنجاب الذرية، وتناسل البشرية التي تتكون منها الأمة والمجتمع.
ولقد عنى الإسلام عناية فائقة في تكوين الأسرة التي هي الأساس في المجتمعات البشرية على شتى أصنافها، فوضع تشريعاً محكماً للعلاقات الزوجية، ورسم حدوداً واضحة لكل واحد منهما بما له وما عليه، ووضع منهج التربية للذرية وقسّم الأدوار بين الزوجين ليقوم كل واحد منهما بدوره الكامل في بناء الأسرة، والمساهمة في بناء المجتمع الإنساني على امتداده.
لقد أرسى الإسلام قواعد الأسرة الإسلامية على مبدأ المودة والرحمة، وبيّن في ذلك حدود العلاقة بين الذكر والأنثى، وجعل الرجال قوامين على النساء بما أعطى كل واحد منهما من الإمكانات والقدرات، ووضع لذلك قاعدة محكمة تحكم تصرف كل واحد منهما في حدود مسؤوليته، وأمر كلاًّ من الجنسين بأن يُحسن كل واحد منهما اختيار صاحبه، وحذّر من التفريط في حقوق الذرية التي تنتج عن هذه العلاقة بين الطرفين فقال: ( يا أيها الذين آمنوا قوا أنفسكم وأهليكم ناراً وقودها الناس والحجارة) [ التحريم:6].
واستطاع الإسلام بتعاليمه السامية أن يُوجِد الأسرة الفاضلة التي يسودها الحبُّ والاستقرارُ والطمأنينةُ، وينتج عن هذه الأسرة جيل مؤمن، وأمَّة واعية هي خير أمة أخرجت للناس، ولم تكن تعاليم الإسلام في بناء الأسرة الإسلامية قائمة على المثالية الخيالية؛ ولكنها كانت تتسم بالواقعية التي تتلاءم وطبيعة النفس البشرية؛ فقد أعطى الإسلام السيادة للرجل ليضطلع بالمهمة الصعبة لقدرته على التحمل ومقارعة الخطوب، ومواجهة أحداث الحياة، ورسم لكل من الذكر والأنثى حقوقاً على الآخر، ولا ينبغي لأحد أن يتخطاها أو يهمل جانباً منها؛ لأن في إهمال أي منهما لحقوق الآخر في جانب من الجوانب كفيل بأن يحدث تصدعاً في كيان الأسرة أو انهيارها.
ويوم كانت أمتنا الإسلامية تقود ركب الإنسانية نحو التقدم والخير، وتحمل مشعل الهداية إلى أمم الأرض وشعوبها، كانت تنعم في داخل بيوتها بما لا يعرف له البشر مثيلاً من استقرار الحياة الزوجية وشمول الطمأنينة والحب والتعاون لجميع أفرادها، وما ذلك إلا لأن الإسلام وضع لكل من الزوج والزوجة والآباء والأبناء حقوقاً واضحة لا يتميز فيها حق كل فئة على الأخرى، وهي حقوق متكافئة منسجمة تؤدي إلى ملء القلوب بالحب، وملء البيوت بالنعيم، وملء المجتمع بالنسل الصالح الذي يبني ولا يهدم ويسمو ولا ينحدر.
لقد بنى الإسلام الأسرة على الفكر النير المستقيم لكل من الرجل والمرأة انسجام بينهما في الفكر والعقيدة، وصلة بينهما على المودة والرحمة، وبالتالي نتج عنهما الذرية الصالحة والجيل الواعي.
لقد كان وضع الأسرة الإسلامية في الماضي يقوم على مبدأ أن لله حقوقاً مصانة ومهامَّ مرسومة، ومنهجاً موحداً وهدفاً واحداً، غايته وجه الله، وهدفه تحقيق خلافة الله للإنسان في الأرض. أسرة الإسلام في الماضي كانت تعيش في جو قوله تعالى : ( واعبدوا الله ولا تشركوا به شيئاً وبالوالدين إحسانا، وبذي القربى واليتامى، والمساكين، والجار ذي القربى والجار الجنب والصاحب بالجنب، وابن السبيل وما ملكت أيمانكم إن الله لا يحب من كان مختالاً فخوراً) [النساء:36].
وفي هذا الجو الرباني كانت الأسرة الربانية تعيش فيما بينها وبين البشر الذين تتعايش معهم، وأصبح المجتمع الإسلامي كأسرة واحدة متماسكة مترابطة،
وتصور معي هذا الجو:
زوجان تقوم العلاقة بينهما على المودة والرحمة والحقوق المصانة والفكر المشترك.
ذرية تقوم بمهام الوحدانية والبر بالوالدين اللذين هما أساس الذرية.
أرحام تتواصل على هذا المبدأ من البر والالتزام.
أيتام يعيشون في كنف الأمة المؤمنة لا يحسون مرارة اليتم وتبعة الحياة.
جيران متواصلون متراحمون على اختلاف مذاهبهم ومشاربهم.
صحبة تعرف حقوق الله ولو لساعة يتعارف الناس فيما بينهم.
وغريب لا يحس بمرارة الغربة؛ لأنه يعيش في كنف الرحمة والبر الذي يسود الجميع.
تصور هذا المجتمع، وهذه الأسرة تقوم على مبدأ الله في الحقوق والواجبات؛ فهل تجد في هذا التصور مجتمعاً فاضلاً وأسرة كريمة كهذا المجتمع وهذه الأسرة التي أوجدهما الإسلام؟
هذه هي الملامح الرئيسة في بناء الأسرة والمجتمع في الإسلام، وهذه هي الأسرة الإسلامية في الماضي الذي كانت تحكمه شريعة الغاب: مودة ورحمة بين الزوجين، تقوى الله في الذرية والأرحام، وبر باليتيم والجار والسائل والمسكين وملك اليمين..
ولكن! ما هي الأسرة اليوم:
إن من قُدَّر له أن يحيط بوضع الأسرة في مجتمعنا اليوم، وما يعانيه من مشكلات نفسيّة وخلقيّة واجتماعيّة، ويقف على ما يُقدّم إلى محاكمنا الشرعية والمذهبية والمليئة بدعاوى الخصومات الزوجية- أيقن أننا في أشد الحاجة إلى إصلاح اجتماعي يهتم قبل كل شيء بوضع العائلة، والعلاقات بين أفرادها. فاضطراب الحياة الزوجية عامل كبير من عوامل اضطراب الأوضاع السياسية والاجتماعية العامة، وهذه المشكلة ليست قاصرة على مجتمعنا فحسب؛ بل في مجتمعات الشعوب كلها.
وهذه المشكلة أول ما نشأت عن الغموض والفوضى في الحقوق والواجبات بين طرفي الأسرة: (الزوج والزوجة)، فلو استقام الأمر بينهما على حب روحي كريم وعلى حق واضح صريح يطبّقه كل واحد منهما؛ لارتفع المستوى الاجتماعي، وعمّ الاستقرار في الأُمّة بأسرها، وفي جميع مجالات الحياة.
إن أغلب أسرنا اليوم.. لا تقوم منهج إلهيّ كريم، ولا على مبدأ المودة والرحمة؛ بل ولا يقوم رب الأسرة ولا ربة الأسرة باضطلاع مهام الحياة الفكرية الكريمة للجيل في الأسرة الذي هو أساس المجتمع والأمة.
لقد ترك كل واحد من الزوج والزوجة دوره المرسوم له في تكوين الأسرة الفاضلة، واشترك كل واحد منهما على مبدأ واحدٍ هو تحقيق الثراء، وتكوين الثروة المادية والحياة المترفة للذرية التي كانا سبباً في إنجابها، وتركت الذرية لدور الحضانة، أو الخادمات في البيوت أو الخدم من الرجال، يعبثون في تربيتها على النمط الذي يشاؤون. وغالباً ما يكون الخادم أو المربية أغراب عن الأسرة في العقيدة، والفكر، ونمط الحياة وطريقة التفكير ومنهج السلوك، فنتج عن ذلك أسر مهزوزة الصورة، وأجيال تملأ قلوبها العقد النفسية والتمزق الخلقي.
والأسر التي ليس فها الخدم والخادمات ليست أحسن حالاً من غيرها، حيث إن الأسرة أبعد ما تكون عن منهج الله في التصور والسلوك؛ فالأم مشغولة بنفسها بعيدة عن منهج ربها، والرجل له سبح طويل في النهار والليل، ولا يجد فيها الساعة التي يرعى فيها شؤون الأسرة الخاصة.
ونحن إذا أردنا أن نخرج من أزمتنا السياسية والفكرية، ومن عقدنا النفسية، ومن تفكك الأمة؛ فعلينا أن نراجع وضع الأمة من أساسه.. من الأسرة أولاً؟
إن أسرنا في الغالب لا تقوم فيها العلاقة الزوجية الكريمة التي يحكمها شرع الله ومنهج رسوله، وخرج كثير من الأزواج والزوجات عن مبدأ المودة والرحمة في هذه العلاقة، وأصبحت النظرة المادية هي التي تسود فكر الأسرة وغايتها في الحياة؛ فهل لنا أن نراجع موضوع الأسرة من جديد، ويقوم المصلحون والمفكرون في معالجة موضوع الأسرة، التي وصلت إلى حافة التردي؟! إن على الحكومات وأرباب الأقلام وأصحاب الفكر والعقيدة الإسلامية أن يصلحوا وضع أسرتنا من جديد وعلى منهج الله وهدي رسوله اللذين هما الأساس في سعادة الأسر والمجتمعات بأسره
ـــــــــــــــــــ(100/105)
عائلة النعيم والقرآن الكريم
تحقيق: عز الدين فرحات 22/5/1425
10/07/2004
في خطوة متميزة ورائدة أقامت عائلة النعيم بالأحساء بالمملكة العربية السعودية حفلاً لتكريم الحافظين للقرآن الكريم من أبناء العائلة، والذين بلغ عددهم اثنين وثلاثين حافظًا: ستة وعشرين من الذكور، وست من الإناث. ولريادة هذا الإنجاز سواء من ناحية عدد الحُفّاظ أو من ناحية الاهتمام بتكريمهم كان لابد لنا من التعرف على نماذج من هؤلاء الحفّاظ للتعرف على تجربتهم.
وكان هذا اللقاء مع كل من:
الأستاذ/عبد اللطيف النعيم وهو حاصل على بكالوريوس إدارة أعمال ويعمل موظفًا بشركة الاتصالات السعودية.
والأستاذ رائد بن صالح النعيم ويعمل مدرسًا.
والأستاذ أحمد عبد اللطيف النعيم ويعمل مدرسًا أيضًا.
وهم ممن منَّ الله عليهم بحفظ كتابه الكريم.
كيف كانت بدايتكم مع القرآن الكريم؟
يقول الأستاذ عبد اللطيف النعيم: كانت بدايتي مع القرآن الكريم عام 1407هـ، وكنت وقتها أبلغ من العمر خمسة وعشرين عامًا، حيث كانت لدي الرغبة في الحفظ، ولكن ينقصها التوجيه والمؤازرة حتى هيّأ الله لي الشيخ ناصر النعيم –حفظه الله-، إذ آزرني وشجعني ولازمني في حلقة مسجد الخلف حتى جعلني أشعر بأن القرآن والحلقة جزء مني لا يمكن التنازل عن وقتهما بأي حال من الأحوال، وقد منّ الله عليّ بأن أتممت حفظ القرآن الكريم خلال سنتين ونصف، أي عام 1410هـ.
أما الأستاذ رائد فيقول: كانت بدايتي بأن درست في مدارس تحفيظ القرآن الكريم في المرحلة الابتدائية، ثم التحقت على فترات متقطعة بحلقات التحفيظ في المساجد وفي هذه المرحلة حفظت تقريباً عشرة أجزاء، ولكن كانت بدايتي الفعلية في المرحلة الجامعية، حيث أتممت الحفظ فيها.
ولكن الأستاذ أحمد عبد اللطيف؛ كان قد بدأ رحلته مع القرآن الكريم صغيرًا، يقول: بدأتُ مع القرآن الكريم منذ أن كان عمري سبع سنوات، فقد كنت أحب تلاوة القرآن وكنت أتلوه أكثر عندما أذهب إلى المسجد مبكرًا لأداء الصلاة، وكذلك كنت أتلوه كثيراً عندما أذهب مبكرًا لأداء صلاة الجمعة.. فقد كنتُ أتلو -بفضل الله- أكثر من جزء واستمررت على هذه الحال إلى أن وصلت إلى المرحلة المتوسطة، وكنت باستمرار أتلو من أول الفاتحة إلى الناس حتى التحقت بحلقة الشيخ عبد الله بن صالح الملحم في مسجد النويحل بعد صلاة العشاء، وقد مكثت فيها نحو ثلاث سنوات إلى أن التحقت بكلية إعداد المعلمين بعد المرحلة المتوسطة، وقد حفظت أثناء دراستي أربعة أجزاء فقط مع استمراري في التلاوة، وبعد أن تخرجت في الكلية أتممت الحفظ الذي استغرق ثلاث سنوات، وكنت خلال هذه السنوات الثلاث مع الشيخ الفاضل خالد بن محمد المغربي، وقبل أن أبدأ في الحفظ كان ينصحني دائمًا بأن أخلص النية لله في الحفظ.
ما المنهج الذي اتبعتموه لإتمام حفظ القرآن الكريم؟
يقول الأستاذ عبد اللطيف النعيم: كان البرنامج مكثفًا في بداية الحفظ، وذلك باستغلال العزيمة الموجودة لديّ، وخاصة في الأجزاء الثلاثة الأولى، حيث كنت أحفظ كل أسبوع جزءًا بعد قراءته على الشيخ وأراجعه يوم السبت من الأسبوع الذي بعده.
أما الأجزاء الأخرى من الرابع فما فوق فكنت أقرأ ثًُمنَيْن أو أكثر نظراً ثم أُسَمِّعهُ خلال الأسبوع، ومع بداية الأسبوع الذي يليه (يوم السبت) تكون مراجعة لحفظ الأسبوع المنصرم ومراجعة جزء من الأجزاء المحفوظة، ومع بداية كل شهر يكون هناك أسبوع لمراجعة الحفظ بأكمله.
ويقول الأستاذ رائد: الالتحاق بحلق تحفيظ القرآن، وأخصُّ منها حلقتي المفضلة وهي حلقة الشيخ سليمان بن إبراهيم الحصين -حفظه الله- بجامع الخزان، كما أني التزمت سماع أشرطة الشيخ سعود الشريم إمام وخطيب المسجد الحرام -حفظه الله - .
أما الأستاذ أحمد عبد اللطيف؛ فيقول: كنت أحفظ مع الشيخ ثلاثة أيام في الأسبوع وبقية الأيام كنت أراجع وأحفظ الجزء الجديد حتى إذا انتهت الأيام الأربعة كنت قد حفظت الآيات التي سأسمّعها في الأيام الثلاثة، وهكذا إلى أن أتممت الحفظ في هذه السنوات الثلاث، وهذا هو البرنامج الذي اتبعته لإتمام حفظ القرآن الكريم.
كثيرًا ما يحفظ البعض القرآن أو بعضًا منه ثم يتفلّت ما حفظه، كيف تتغلبون على هذه المشكلة؟
يقول الأستاذ عبد اللطيف: إن أفضل طريقة لتثبيت الحفظ هي المراجعة المستمرة. ويوافقه في ذلك الأستاذ أحمد. ويضيف الأستاذ رائد على ذلك: الهمّة العالية ومصاحبة من يعين على الحفظ؛ فالقرين بالمقارن يقتدي والالتزام بشيخ معين تكرر عليه عرضات القرآن الكريم.
في ظل وجود وسائل اللهو الحديثة المتعددة والمنوعة كيف يمكن لأبنائنا التركيز وحفظ القرآن الكريم؟
يقول الأستاذ عبد اللطيف: في ظل هذه الظروف يجب إلحاق الأبناء بحلقات تحفيظ القرآن الكريم ومتابعتهم، وكذلك استغلال وسائل أخرى في تثبيت الحفظ مثل حاسب الآلي.
- ويقول الأستاذ رائد: إنه لابد أن يكون هناك وقت محدد للهو واللعب المباح، ولكن على الوالدين أن يكونا يقظين في صرف هذه الشواغل عن أبنائهم وأن يقدموا لهم الحوافز التي تشجعهم على حفظ القرآن وتخصيص وقت معين لذلك.
يزعم البعض أن الانشغال بحفظ القرآن الكريم قد يؤثّر على التحصيل العلمي للطلاب.. هل في القول شيء من الحقيقة؟ وكيف نردّ على هؤلاء؟
يقول الأستاذ عبد اللطيف: إن هذا القول لا يمتُّ إلى الواقع بصلة؛ فقد أثبتت التجارب أن حفظ كتاب الله يساعد كثيرًا في توسيع مدارك الطلاب لحفظ المواد الأخرى. كما أن حفّاظ كتاب الله غالبًا يكونون متفوقين علميًّا إلا القليل النادر.
ويؤكد الأستاذ رائد على نفس المعنى؛ فيقول: أبدًا.. فهذا القول عارٍ من الصّحة؛ بل إنّ القرآن هو مفتاح التحصيل العلمي للطلاب، وقد عملت دراسة لطلاب تحفيظ القرآن؛ فكانت النتيجة أنهم أكثر تفوقًا من غيرهم من طلاب المدارس العامة، وما ذلك إلا لأن حفظ القرآن سبب في زيادة التحصيل العلمي لدى الطلاب. وأذكر أني في دراستي الجامعية إذا خرجت من قاعة الدراسة أشتاق كثيراً لحفظ شيء قبل فترة الغداء وبعدها أذاكر دروسي؛ وهذا لا يتعارض مع التفوق الدراسيّ.
المرأة (الأم والزوجة).. هل لها دور في المساعدة على حفظ القرآن الكريم؟ وما هو؟
يقول الأستاذ عبد اللطيف: نعم.. إن المرأة في المنزل وخاصة الأم أو الزوجة في تهيئتها الجو المناسب وعدم إشغال الابن أو الزوج في الأوقات التي يخصصها للحفظ أو المراجعة اليوميّة لها أثر كبير في هذا المجال.
ويضيف الأستاذ رائد: نعم لها دور مؤثر فالأم خير معين لولدها على حفظ القرآن وهي تهيّئ الدوافع النفسيّة له وخاصة بالدعاء أمامه الذي يشعره باهتمامها باستمراره في حفظه ومراجعته والزوجة أيضًا لها دور كبير فهي توفر لزوجها سبل الراحة التي تعينه على إنجاز أهدافه في الحفظ والمراجعة
جاء في الأثر: (من أراد الدنيا فعليه بالقرآن، ومن أراد الآخرة فعليه بالقرآن ومن أرادهما معا فعليه بالقرآن) هل لهذا القول واقع في حياتك؟.
يقول الأستاذ عبد اللطيف: نعم لقد كان لحفظي لكتاب الله أثر كبير في حياتي فقبل أن أختم القرآن أصبحت إمام مسجد - ولله الحمد- ثم توالى الخير بعد ذلك وأدعو الله أن أخلص له النية ليكون شفيعًا لي يوم القيامة ورِفعة لي في الدنيا والآخرة.
نصيحة تقدمونها لمن أراد حفظ القرآن الكريم؟
يؤكد الأستاذ عبد اللطيف لمن أراد الحفظ أنّ الأمر ميسرله ولله الحمد؛ فقد قال تعالى: ( ولقد يسرنا القرآن للذكر فهل من مدكر) [القمر:17] ولا يحتاج إلا إلى العزيمة الصادقة، والجهد اليسير المستمر وإخلاص النية لله تعالى.
ويقول الأستاذ رائد: الله الله بالهمة العالية في حفظ كتاب الله الكريم، وتذكّر أنه نور لك في الدنيا والآخرة، وأنك سَتُتَوِّج والِدَيكَ بتاجِ الوقار، الياقوتة الواحدة خير من الدنيا وما فيها.. فكيف بك أنت يا مَن حفظت الكتاب في صدرك ماذا أعد الله لك؟! فأخلص في عملك تجد توفيقا من ربك، ولا بد أن تحمل هذا الهمّ في نفسك وتنقله لغيرك والله في عونك.
ويوصي الأستاذ أحمد من أراد الحفظ بتقوى الله تعالى، وأن يحفظ القرآن ويعمل به، وأن يكثر من تلاوته نظرًا؛ لأنّ ذلك يساعد على حفظه.
ونصيحة أخرى تقدمونها لمن أتم حفظ القرآن الكريم؟
ويوصي الأستاذ عبد اللطيف من أتمّ الحفظ بأن أفضل وسيلة لتثبيت الحفظ هو المراجعة المستمرة والتي لا تقل عن مرة واحدة في الشهر في أضعف الحالات ثم العمل به ليكون حجة لك يوم القيامة.
ويُذكّر الأستاذ رائد حَفَظَة كتاب الله بأن يشكروا نعمة ربهم وليتذكروا قول الحق سبحانه: ( قل بفضل الله وبرحمته فبذلك فليفرحوا هو خير مما يجمعون)[يونس:58] وقوله سبحانه: (وما بكم من نعمة فمن الله) [النحل:53] واجعله – يا أخي - حجة لك لا عليك يوم تلقاه.
وأقول :عاهد نفسك بالمراجعة الجادّة اليومية، وتذكّر أنّ أناسا كثيرين قد حُرموا من حفظ القرآن وقد سيطرت عليهم هموم الدنيا ومشاغلها وأنت قد هيأ الله لك ذلك؛ فاحمد الله على ذلك...
كما لا تنسَ أن تدعو لمن تسبب في حفظك للقرآن سواءً الوالدين أو المشايخ الذين درَّسوك وحفظوك فلهم حق الدعاء في هذا الفضل الذي حصلت عليه...
أما الأستاذ أحمد عبد اللطيف فيختم كلامه بنصيحة يقول فيها:
نصيحتي لمن حفظ القرآن وأراد أن يحافظ عليه ويعمل به إلى الممات، أن يكثر من مراجعته، وأن يجعل له ورد ا يوميا بأن يقرأ كل يوم جزأين، وأن يلزم نفسه بذلك . وأخيرًا أسأل الله أن يجعل القرآن العظيم ربيع قلوبنا ونور صدورنا، ويجعله أنيسنا في قبورنا، ونورا لنا في طريقنا إلى الجنة.
ـــــــــــــــــــ(100/106)
العرب وتحفيز الفضول
هيام فؤاد ضمرة 15/5/1425
03/07/2004
نزعة تحفيز الفضول... مهلة الإعلام العربي المرئي اليوم عبر المحطات الفضائية التجارية، إذاً يستخدم لعبة التشويق في ذروتها الضاربة خلال برامج جديدة.. جديدة في شكلها.. جديدة في فكرتها، وجديدة على طبيعة العرب.. على عاداتهم وقيمهم، كمثل برنامج انتخاب ملكات جمال وما أكثر شعبها، و(سوبر ستار) و(عالهوا سوا)، و(ستار أكاديمي) و(بيج براذر) "الرئيس"، وما زال الحبل جرار، الخير في أوله، وما أبعده حقيقة عن الخير.
ويبدو أننا تعلمنا بحق معنى البرمجة العصبية حتى أصبحنا خير من يطبقها على أرض الواقع تماماً كما أراد لها منظروها، ويبدو أيضاً أننا أجدنا تعلم لغة السوط التي تلعبها معنا القوى الأمريكية أو الغربية في خيمة السيرك العربي، فليس عليها إلا أن تطرقعه في الهواء لنمتثل منصاعين.. ومثلها أسماء مطاعمنا ومحلاتنا التجارية، وماركات ألبستنا ومأكولاتنا، وشركاتنا الضخمة التي تتعامل مع المشاريع الضخمة جداً.. وها نحن نُؤمرك مشاريع تحرير أوطاننا، وصور ديمقراطيتنا، وسلاح جيوشنا وطائراتنا المدنية والعسكرية، وأدوية مرضانا، وحقوق إنساننا، وثقافة أجيالنا.
واليوم بتنا نُؤمرك برامج محطاتنا الفضائية ونستورد كل ما يستخرجه العقل الغربي من أفكار التشويق الإعلامي، بغض النظر عن مسألة المواءمة مع قيم وعادات أهل البلاد التي أصبحت في حساباتهم من المخلفات البالية التي آن لها أن تزال وتستبدل بالحلل الغربية الجديدة.
وراجت الآن نزعة العزف على قيثارة اللغات المختلطة.. خليط العربي مع الفرنسي والإنجليزي؛ بل إن البعض اعتبر نفسه ممن يرتقي على لغة العرب ولغة الخلط فاستبدلهما باللغة الإنجليزية أو الفرنسية بشكل نهائي حين استغنى عن التعامل بها مع الأطراف العربية في عقر بلاد العرب في ظل وجود المدارس والأندية الأجنبية، والقدرة على التسوق من الأسواق الغربية خلال العطل والإجازات والأعياد.
وراحت اللغة المختلطة تسيطر على الإعلام المرئي عبر المحطات الفضائية وكأننا نعيش في عصر المنجزات الإبداعية اللامعة بأسلوب الصراعات المجنونة تمهيداً لإزاحة اللغة العربية تدريجياً، وتصبح محطاتنا الفضائية ناطقة في بعضها بالإنجليزية وفي بعضها الآخر بالفرنسي، وكأننا من يقع على عاتقه لملمة الأنقاض والمخلفات الغربية في فكرها وثقافتها المعاصرة، والنقل عن إنجازاتها الإبداعية في فن تحفيز الفضول لدى مشاهدي الشاشة الصغيرة.. ولتتحول البرامج الفضائية أو المحطات الفضائية ذات التخصص إلى مجرد مشاريع استثمار تخلب العقول الشابة، وتصرف جل اهتمامهم عن قضايا أوطانهم وأولوياتها إلى متابعة برامج تسلية مفرغة من المعاني، لا تقدم شيئاً للبشرية، برامج شباب تفكك القيم وتجزئ المعاني وتجعل من الشباب أنفسهم سوقاً رائجة ومادة تجارية في آن واحد.. للأسف اخترقوا شبابنا وهم أمل هذه الأمة، وخذلناهم نحن الأولياء بانصياعنا، وما عاد يعلو في المكان صوت الاستنكار، وإذا ما علا من حنجرة حر غيور، سرعان ما يكتشف أن كل الآذان من حوله مصمتة تماماً، لا سامع ولا مستجيب، فالهجمة أكبر من المقاومة، لأننا أمة استمرأت ضعفها، وسلمت للتقليد الأرعن قيادها، وانخرطت في خطط التجديد للخروج من كآبة التخلف واللحاق بركب الحضارة المتسارع الخطى دون تحديد منظومات الحدود في المواءمة ما بين المناسب وغير المناسب، وما يبن السلب والإيجاب وما بين الحلال والحرام.. وفي المقابل راحت قوى الآخر تطرح برامجها تباعاً وفي نشاط محموم لا يكاد يتبين له نهاية، وتدفع بسيل الأموال في هذا الاتجاه تحت مبرر مساعدة هذه الأمم على تجاوز تخلفها، رغم أن الحقيقة كقرص الشمس المشع وأن هدفها الرئيس ضرب مفاهيم دينية تقلق راحتها وتعطل خططها.
من أجل صحوة مفتعلة يبدو أن كل شيء يتآمر على البنية الاجتماعية والبنية الاقتصادية من خلال الاعتداء على البنية الروحية وتفكيك قلاع العقيدة، وهاهي واحدة من كبريات الدول الأوروبية تعيش هاجس الخوف من المد الإسلامي داخل بلادها فتسعى عن طريق مخالفة دستورها ومخالفة بنود حقوق الإنسان الذي تنتصر له، وتحاول فرضه على شعوب الشرق أوسطية لتستخرج قانوناً يحرم على فتيات المسلمين الصغيرات ارتداء حجابهن.. ورغم أن الحقيقة واضحة وضوحًا بيّنًا إلا أننا استمرأنا لعبة التغافل، وفضل فريق الفضيلة أن يعيش متوحداً ظناً منه أنه يحمي بذلك دينه، والحقيقة أنه صنع فاصلاً بيّناً بين فريقين، راح بعده الفريق الآخر يمعن برحيله إلى التغريب دون أن يمتكن من التقاط أيدٍ تمتد لتنقذه.
فإذا كان العمل الإعلامي المرئي موصوف بالموهبة الإبداعية لأن مهمته الأولى أن يصنع محفزات تأخذ المشاهد من نفسه ثم تفعّله في الحدث الإعلامي المبتكر من خلال تشغيل شبكة الاتصالات الدولية؛ فإننا ندرك جيداً أن أجهزة ثلاثة استطاع الذكاء الإعلامي تشغيلها لحسابه: المحطات الفضائية من خلال جهاز التلفزيون، شبكة الإنترنت من خلال الكمبيوتر ، الاتصالات من خلال جهازي التليفون والخلوي.. والباقي هي برامج غريبة للشباب لم تستبعد أي بلد عربي من خليجه إلى مغربه، اخترقت عمق التقاليد الدينية والاجتماعية، ونجحت في إزاحة الذهن والعقل العربي عن قضاياه المصيرية إلى قضايا وهمية لا معنى لها.. أي الاستجابة للمحفزات وتلقي برمجة عصبية منبعثة بذكاء ضمن خطة جهنمية يولدها العقل الغربي والعالم الجديد.
ترى إلى أي قدر نحن قادرون على المجابهة؟ وما هي أدوات قتالنا المساعدة بالإضافة إلى اليقين والإيمان؟ ومن هي القوى التي يمكنها دعمنا؟ أسئلة ما هي بالبلهاء بقدر أنها تعتصر قلقنا.
ـــــــــــــــــــ(100/107)
كلّ النّاس يغدو
د.ناصر بن يحيى 9/5/1425
27/06/2004
إنّ من توفيق الله للعبد ورحمته به أن ييسّر له أسباب الخير، وأداء القُرُبات، واستغلال الأوقات فيما يرضي ربّ الأرض والسّماوات ، وممّا ينبغي العناية به في مثل هذه الأوقات أعني وقت الإجازة والانتهاء من الأعمال والمسؤوليّات، كالدّراسة أو التّدريس، أو بعض الوظائف ، والمُوفّق من وُفّق لاستغلال مثل هذه الأوقات ، ووُفّق للاستفادة منها في أمور دينه ودنياه ، وقبل الحديث عن جوانب استغلال الإجازة الصّيفيّة أشير إلى عدد من القضايا :
القضيّة الأولى : إنّ من أعظم أسباب الانحراف والوقوع في الرذيلة هو الفراغ، فهو البيئة الخِصبة للمعاصي والوقوع في الفواحش والموبقات ، وهو بيئة خِصبة للإصابة ببعض الأمراض الخطيرة التي انتشرت في العصور المتأخرة مثل الأمراض النفسيّة المُستعصية ، ويزداد الأمر سوءًا إذا اجتمع للإنسان الفراغ مع كثرة المُلهِيات والفتن، والمعصوم من عصمه الله وصدق الله إذ يقول :(والعصرِ إنّ الإنسانَ لفي خسرٍ إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وتواصَوْا بالحقّ وتواصَوْا بالصّبر) فلا نجاة من الخسارة إلا باستغلال الأوقات، وهذا السّر في ابتداء السّورة العظيمة بالإقسام بالعصر وهو الدّهر والزّمن، وذلك لشرفه وعلوّ مكانته وأهمّيته.
القضيّة الثّانية :الإجازة فرصة لتحقيق كثير من الأُمْنِيّات والطموحات، والقيام بالكثير من المشاريع النّافعة والمتعدّدة في شتى المجالات العلميّة والاجتماعيّة والاقتصاديّة ، فإذا احتجّ الإنسان في أوقات الّدوام والدّراسة بضيق الوقت وكثرة المشاغل، فقد أقبلت الإجازة وتوفّر الوقت فلم يبقَ إلا العمل والمبادرة وترك التّسويف والتّأخير ، ومِنى مَناخُ مَن سبق .
القضيّة الثالثة : ِلنغيّر طريقتنا في التّفكير في استغلال الإجازة ولنبدأ بالتّجرِبة وباليسير، وسوف ينمو هذا الأمر في المستقبل، ألا وهو أنْ نبتكر مشاريع وبرامج ذاتيّة من داخل بيوتنا وداخل أسرنا وعوائلنا ، ولا يقتصر دورنا على الاستفادة ممّا يطرح في السّاحة العامّة من أنشطة وبرامج (مع أهمّيتها) وسوف أشير في خطبتي إلى شيء منها، ولكن لِنعوّدْ أبناءنا أن يستغلوا أوقاتَهم بأنفسهم، وأن يبادروا للاستفادة ،وألا نقف عاجزين حينما لا تتوفر الأنشطة المناسبة لنا في السَّاحة العامَّة، أو قد تكون منعدمة بسبب جغرافيّ أو زمنيّ أو أمنيّ، أو أيّ ظرف آخر، ومن تعوّد على التجرِبة والعمل فلن يخسر شيئًا، ولكن المتفرج الكسلان سوف يخسر الكثير .
القضية الرّابعة :الإجازة فرصة للتّرويح عن النّفس، ولكن لِيكن شعارنا :ترويح بريء ليس فيه ما يغضب الله حتى تحلّ البركة علينا وعلى أبنائنا ونسائنا وفي أوقاتنا وأموالنا ، وفرصة لئن تعيد النّشاط والحيويّة بعد عام مثقل بالدّوامات والأعمال والمسؤوليات حتى نعود إليها بمعنوية مرتفعة، ونفسيّة مرتاحة، وهمة عالية فيكون إنتاجنا أكثر وعملنا أجود .
بعد هذه المقدمة يحسن بنا أن نذكر جملة من المقترحات العامة والإجماليّة لبعض المشاريع والبرامج العمليّة في الإجازة الصيفيّة، فإلى شيء منها :
الأمر الأول:
يقول المولى جلّ وعلا (إنّ هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم ويبشّر المؤمنين الذين يعملون الصّالحات أنّ لهم أجرًا كبيرًا ) [الإسراء: 9] ،ويقول سبحانه :(إن الذين يتلون كتاب الله وأقاموا الصّلاة وأنفقوا مما رزقناهم سراً وعلانية يرجون تجارة لنْ تبور) [فاطر: 9]، فهذا هو الأجر العظيم ، ويقول سبحانه: (يا أيُّها الناس قد جاءتكم موعظة من ربكم وشفاء لما في الصّدور وهدى ورحمة للمؤمنين ) [يونس: 57] ، وهذا هو الشّفاء والهدى والرّحمة ، أيّها المسلمون إن أعظم ما تعمُر به السّاعات وتشغل به الأوقات هو كتاب الله جل وعلا، ذلكم الكتاب العظيم والنّور المبين ، وكلام ربّ العالمين ، من أراد الطّمَأنينة والرّاحة والأنس فعليه بكتاب الله ، مَن أراد البركة في الرزق والعمر والوقت والبدن فعليه بكتاب الله ، وهنا لابدّ أن أقف معكم حول كيفية استغلال الإجازة والوقت مع كتاب الله جل وعلا من خلال الأمور التّالية:
أولاً:الالتحاق بحلق تحفيظ القرآن الخاصة بالرّجال والنّساء في المساجد أو في المراكز الصيفيّة، وعليه فإنني أحثّ أخواني في كل حيّ سواء كان إمام مسجد أو ساكن في الحيّ إذا لم يكن هناك مدرسة لتحفيظ القرآن للبنين والبنات عليهم بالمبادرة والمسارعة في فتح هذه المدارس حتى نساهم في إشغال أوقات شبابنا ونسائنا بالمفيد، وحتى نكوِّن جيلاً صالحاً قادراً على الثبات أما م الفتن المتلاطمة ا لتي تعصف بالأمة .
ثانياً : على أولياء الأمور أن يشجعوا ويحثوا أبنائَهم وبناتهم ونساءهم وأنفسهم قبل ذلك على التسجيل في الحلقات، وبذلِ الوقت والجهد والمال في إقناعهم واختيار المكان المناسب لهم، وعدم الانسياق وراء رغبات النّساء أو الأطفال الذين لا يقدرون المصالح ؛فربّ الأسرة أقدر على معرفة الأصلح لأبنائه، وغالبا ما يمانع الأبناء أو البنات الالتحاق في مثل هذه المدارس والسّبب هو خوفهم من الملل، وعدم وجود المتعة أو خشية فوات بعض المناسبات والاجتماعات التي فيها أمور ترفيهية، ويكون علاج هذا الشعور باختيار المدرسة المناسبة، وتعويضهم لقاءَ التحاقهم في مثل هذه المدارس بنزهةٍ متميّزة ، واجتماعات ولقاءات ترفيهيّة حتى نشجّعهم على الاستمرار، وبقدر ما نبذل بقدر ما نحصّل من النتائج الباهرة التي سوف تظهر على أبنائنا وبناتنا .
ثالثاً :رسالة أوجهها إلى إخواني من القائمين على حلق التحفيظ للبنين والبنات أن يبذلوا قُصارى جهدهم في إنجاح مثل هذه المدارس التي لها نفع عظيم، وهي من المشاريع العميقة والراسخة والتي -بإذن الله- هي الحاجز المنيع أمام تيار التغريب والإفساد في بلاد المسلمين ، عليهم أن يتفنّنوا في تنويع البرامج وتحبيب الطّلاب والرفق بهم؛ لكي يستمروا في مثل هذه المحاضن النافعة ، أن يبذلوا قُصارى جهدهم، ويجعلوا لهذه المشاريع النصيب الأوفى، والحظ الأكبر من أوقاتهم ، ويقدموها على غيرها من المشاريع ولا يجعلوا فضلة أوقاتهم لها .
رابعاً:إلى أصحاب الأموال، إلى كل مسلم يريد الله والدّار الآخرة أن يبذل من ماله ما يستطيع ؛فإنّ الإنفاق في سبيل نشر وحفظ وتلاوة كتاب الله من أعظم ما تنفق فيه الأموال وهي من أعظم العبادات نسأل الله أن يتقبّل منا ومنكم صالح الأعمال .
خامساً : الإجازة فرصة كبيرة لكل من أراد حفظ كتاب الله وإتقانه وليس ذلك مقتصرًا على الصّغار أو الشّباب، بل حتى آبائَنا الكرام فهي فرصة عظيمة لتحقيق هذه الُأمْنِيّة التي يحلم بها كثير من الناس وعذره الانشغال بالدّراسة أو بالدّوام الوظيفي أو تدريس الأبناء، فهاهي الإجازة أقبلت وحصل لك الفراغ الذي تنشده فما أنت فاعل؟ ، وبالمناسبة فإنه انتشر في الآونة الأخيرة في المساجد فكرة نافعة وهي حفظ القرآن كاملاً أو معظمه خلال شهر أو شهرين في دورة مكثفة، وقد آتت أكلها ولله الحمد، فقد حفظ القرآن من خلال هذه الدورات ليس فقط الشباب بل حتى كبار السن والنّساء وغيرهم فلله الحمد والمِنّة الذي يسّر لنا مثل هذه المشاريع لحفظ كتاب الله وهو مصداق قول الله جل وعلا: ( ولقد يسرنا القرآن للذكر فهل من مدّ كر) [القمر:22] .
سادساً : يلحق بحفظ كتاب الله وتعلمه حفظ السّنة النّبوية وقد أقيمت عدة دورات لحفظ السّنة، وقد حفظ بعض الشباب الصّحيحين خلال شهرين فقط في الإجازة الصّيفيّة فكم حاز من الفضل والعلم ذلكم الشاب !! وهل أعظم نعمة على العبد من التّفقّه في سنّة المصطفى و تعلّمها ، فإن لم يتيسر له حفظ الصّحيحين فليبادر بحفظ الأربعين النووية، وحفظ ما يهمه من أحاديث الأحكام مثل كتاب عمدة الأحكام وما يماثله أو يقاربه ، فإن لم يتيسر فينتقي الأحاديث التي تتعلق بعباداته ومعاملاته المهمة ويستشير أهل العلم وطلابه لينتقوا له بعض الأحاديث التي يحفظها ، وهنا أوجه كذلك نداء إلى أئمة المساجد أن يُحْيَوا سُنة السّف في عقد حلقات لحفظ السّنة النّبوية المطهّرة مع حفظ القرآن الكريم .
الأمر الثاني :
يقول جل وعلا : (وقل ربّ زدني علماً ) [طه:114] فهذا نبينا الكريم لم يسأل ربه الاستزادة من شيء سوى العلم النافع ، وطلب العلم من خير ما تعمر به الأوقات ، فهو عبادة عظيمة يقول المصطفى صلى الله عليه وسلم : (من سلك طريقاً يلتمس فيه علماً سهّل الله به طريقاً إلى الجنّة ) ويقول صلى الله عليه وسلم: (إن الملائكة تضع أجنحتها لطالب العلم رضًا بما يصنع ) ، ومن وُفّق لطلب العلم فهو المُوَفّق وهو علامة توفيق الله له كما قال صلى الله عليه وسلم : (من يرد الله به خيرًا يفقهْه في الدين ) فهنيئاً لك يا طالب العلم، رجلا كنت أو امرأة، صغيرا أو كبيراً هنيئًا لك هذه الأجور، واعلم أن منزلتك عند الله عظيمة يقول المولى جل وعلا: (يرفعِ الله الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات) [ المجادلة:11] ، ويمكن أن نستغلّ هذه الإجازة في العلم وطلبه من خلال الأمور التّالية :
أولاً: الالتحاق بالدورات العلمية المنتشرة- ولله الحمد -في كل المدن وغالب الأحياء ، ففي الإجازة تقام الكثير من الدورات العلميّة المتنوعة فهناك دورات للمبتدئين في الطلب وهناك دورات للصّغار وللكبار، وهناك الدورات المختصرة ،وهناك الدّورات المطوّلة وهناك الدّورات الخاصة بالرّجال، وهناك الدّورات الخاصّة بالنّساء ، فأوجّه نصيحتي إلى إخواني بالمشاركة، ومجاهدة النّفس والصّبر على الالتحاق في مثل هذه الدورات وهي خير ما تُنْفَق فيه الساعات وأثرها عظيم على الفرد والمجتمع .
ثانياً: وسائل طلب العلم لا تقتصر على الدّورات و الدّروس العلمية فهناك وسائل أخرى للطلب ومن أبرزها وأهمها : القراءة من خلال المكتبات العامة أو استشارة أهل العلم في اختيار الكتب المناسبة للقراءة والا طّلاع ، وهناك كتب ألفت في طريقة القراءة وكيف يتدرّج الإنسان في القراءة، وأنواع القراءة والكتب التي تقرأ فليحرص طالب العلم على اقتنائها . والقراءة من أهم العوامل في نشر الثّقافة والعلم في المجتمعات وهنا أحثّ المربين والآباء والأمّهات على تعويد أبنائهم وأنفسهم على القراءة، وذلك من خلال إجراء دورات تدريبيّة وتعريفيّة بالكتب وطريقة القراءة، ومن خلال زيارة المكتبات العامة، ومن خلال عقد بعض حلقات للقراءة الجماعيّة للتّشجيع والتعويد على القراءة من خلال الجلسات العائليّة أو في مدارس التحفيظ أو من خلال المراكز الصّيفيّة، ومن طرق التّعويد على ا لقراءة تكليف الشّباب الصّغار والكبار والبنات بالبحوث المختصرة ،ومساعدتهم في الوصول للمعلومة والذّهاب معهم للمكتبات لمعاونتهم على إنجاز هذه البحوث .
ثالثاً :رسالة إلى المربين والآباء نقول لهم: إن تعويد الأبناء على الالتحاق بدروس أهل العلم والدّورات العلميّة هي وسيلة من وسائل التربية على الفضيلة وإشغال أوقاتهم بما يصلح سلوكهم وقلوبهم وينمّي المعرفة في عقولهم ، واعلم أخي المربي الفاضل أن الخشية والخوف من الله وتقواه سبحانه طريقها بالعلم كما قال جلّ وعلا : ( إنما يخشى اللهَ من عباده العلماءُ) [ فاطر:28] ويقول سبحانه : ( واتقوا الله ويعلمكم الله ) [البقرة:282] .
الأمر الثالث:
المراكز الصّيفية وما أدراك ما المراكز الصيفيّة ، أيها المسلمون : هذه المراكز الصيفيّة التي تنتشر في كل مكان وعبر جهات حكوميّة مختلفة هي من المشاريع التي أثبتت نجاحها، ويمكن أن يتّضح ذلك من خلال الأمور التالية :
أولاً: إن هذه المراكز تشتمل على أنواع من الأنشطة التي تُلَبّي رغبات شبابنا؛ فهناك أنشطة علميّة واجتماعيّة وثقافيّة ورياضيّة، ومهارات مختلفة، فقد أثبتت التّجارِب الماضية خلا ل السّنوات الماضية نجاح هذه المراكز من خلال الإقبال الكبير من شبابنا عليها .
ثانياً : إن في هذه المراكز حفظًا للشباب من رُفَقاء السّوء ومن الوقوع في المعاصي والفواحش، ومن الوقوع في المخدرات، وغيرها من البوائق .
ثالثاً : إن هذه المراكز كانت سببًا في هداية كثير من الشّباب المسلم والتّمسك بالسّنة، وتعلّم دينه وتركه لكثير من الفواحش، وطرق الغِواية فلله الحمد أولا وآخراً .
رابعاً: إن في هذه المراكز تنميةً لمهارات الشباب، وجعلهم أكثر نجاحاً في حياتهم، وأقدر على التّواصل مع المجتمع من خلال الدورات المهاريّة التي تتوافر في مثل هذه المراكز، والتي قد لا تتوافر في المدرسة ولا في المنزل .
الأمر الرابع :
الإجازة فرصة للتواصل الاجتماعيّ ، فيا أيها الأب الكريم ، وأنتِ أيتها الأم الفاضلة ، لقد حان الوقت لنتفرغَ لأبنائنا وبناتنا والجلوس معهم، وسماع ما يجول في خواطرهم، من خلال فرصة للتنزّه معهم، فرصة لتوجيههم، فرصة للاقتراب منهم ، فمهمّتكم لا يستطيع أن يقوم بها أحد سواكم . فلنراجع طريقتنا في التّفكير في استغلا ل الإجازة و لانجعل اهتمامنا بحضور الولائم والعزائم والحفلات على حساب الجلوس مع أبنائنا وبناتنا ، واعلم أنّ من جرّب الجلوس والأنس مع أبنائه وبناته فإنه سوف يجد من المتعة ما لا يوجد في أيّ مكان آخر ، واعلموا أن الإجازة سلاح ذو حدين:إما أن تكون أرضًا خِصبة للانحراف أو أرضا خِصبة للصّلاح والإصلاح وتذكروا قول نبيكم الكريم صلى الله عليه وسلم (كلكم راعٍ وكلكم مسؤول عن رعيته ).
الأمر الخامس : الإجازة فرصة لتنمية المهارات الشخصيّة، وذلك من خلال الالتحاق بالدورات التي تقام مجانًا في المراكز أو مدارس التحفيظ النّسائية أو الالتحاق بالدورات التي تكون بمقابل ماديٍّ كالدورات المتخصّصة في الحاسب الآليّ، أو أخذ دورات في اللّغات الأجنيبّة أو في تنمية مهارات إداريّة، أو دورات في الخطابة، والإلقاء، أو دورات في النّجاح الاجتماعيّ، والتّواصل مع الآخرين ، أو دورات في طريقة القراءة، وتنمية بعض المواهب، كلّ هذا مما يشغل أوقاتنا وأوقاتَ أبنائنا وهو في دائرة المُباح والنّافع، وهو أيضا فرصة لنرفع مستوى مهارات أبنائنا وبناتنا حتى يكونوا أكثر نجاحًا في حياتهم، وأبعد عن أسباب الفشل مع ما ذكرنا من ربطهم بالمحاضن التربويّة النافعة وتوجيهنا لهم .
الامر السادس :
السّفر مما يبادر الكثير من النّاس إليه لاستغلال وقت الإجازة، وهو أمر فطريّ جُبلت عليه النّفوس، ولا حرج فيه، وهو مما أباحه الله، ولكن هناك بعض الوقفات مع هذه القضيّة الهامّة :
أولاً: الحذر من سفر المعصية وانتهاك الحرمات ولنتذكر قول نبينا الكريم صلى الله عليه وسلم (اتّق الله حيثما كنت وأتبع السيّئة الحسنة تمحُها )
ثانياً : لا يجوز السّفر إلى بلاد الكفار لقول نبيّنا الكريم صلى الله عليه وسلم (أنا بريء ممن أقام بين ظهراني المشركين ).
ثالثاً : الحذر من السّفر إلى الأماكن التي يكثر فيها الفُحش والمعاصي وإن كانت بلاد مسلمين، ولكن إنْ كان الإنسان- ولا بدّ- فاعلا فليحرص على الأماكن البعيدة عن الفتن : كالأرياف وأماكن النّزهة البعيدة عن التبرّج والسّفور والاختلاط والمعاصي، والمرء محاسب على ذلك كله .
ر ابعاً: أن يضعَ الإنسانُ خُطّة وأهدافًا وبرامج مفيدة له، ولأهله في سفره، بل وفي إجازته كلّها حتى يستفيد منها بشكل أكبر .
ـــــــــــــــــــ(100/108)
مصطلحات فضائية... ...؟!
نافذة الحنبلي 17/4/1425
05/06/2004
الفيديو (كلب) عفواً (كليب)!
في الشارع وفي الحافلة وفي السيارة ومن النافذة تقتحم أسماعك عنوة أنغام وكلمات مغناة تطير في الضوضاء والإزعاج؛ فتشق طريقها إلى الأذن، وهذا شيء يذهب لحاله في لحظات قليلة... وفجأة تسافر في طائرة أو حافلة سياحية فتقتحم نفس الكلمات عليكم هدوءك في مقعدك عن طريق تلفاز موجه للركاب وهذا الأمر أصعب (صوت وصورة) فإذا بنفس الكلمات نسمعها ونراها (بالفيديو كلب)؛ فهنا تبدأ الكلمات تسقط وتسقط مع حركات غانية خليعة أو مجموعة من الإناث اللواتي لا يتقنّ إلا التعري ومجموعة من الذكور يتلوون كراقصات مبتذلات، أو تكون الكلمة بعيدة عن الصورة فالمطرب يوجّه كلماته لعشيقته أو زوجته التي تكون إما في سن ابنته أو حفيدته، والمفارقة المضحكة يكون هو أيضاً حتى لو كان شاباً (بدوياً) ويلبس زيّه البدوي وفي صحراء شاسعة تطلع علينا عشيقته الأمريكية المنظر والزي؟؟!! وهنا تندم النفس أشد الندم على هذا المطرب المسكين الذي أهان كلمات أغنيته إلى مهاوي الرداءة والانحلال؛ والانحراف فضاعت الكلمة وابتذل المطرب وسقط اللحن على خصور الغانيات المائلات العاريات وديست كل الأغنية باهتزازات جسدية يستطيع (كلب مدّرب) عرضها في (السيرك) مع الإتقان التام.
مطرب ومطربة ولكن:
مطرب وسيم وشاب يغني في قاعة امتلأت بالجميلات وعارضات الأزياء، وينظرن لهذا المطرب نظرة التبجيل والاحترام وربما تتمنى هذه الجميلة أن تكون معه لحظات، ولكن عندما تسمع عن مجلاتكم (الفنية) وما تحشوه من أخبار فاسدة تتهم هذه الأدباء بأن ذلك المطرب والعياذ بالله لا يصلح لأن يكون زوجاً أو رجلاً لأنه... وهو الذي يلهب قلوب الجواري الجميلات اللاتي لا يفكرن إلا بأجسادهن .. وكذلك المطربة العارية التي تلهب غرائز الشباب في كلمات الحب المشبوبة، وهي ذاتها لا تعرف الحب ولا الاستقرار ولا الأمومة... عجبي.
تمثيلية عربية:
المسلسلات التي تقتحم بيوتنا ليلاً ونهاراً حتى أصبحت جزءاً من عاداتنا اليومية، ولكن لو نظر الإنسان العاقل لها بتمعن لأفرط في الضحك ورأى الأمر مسلياً مع أنه مبكياً في الواقع تماماً كالأفلام الهندية التي كلنا نشاهدها ونبكي حتى احتراق المآقي، وعندما كبرنا نضحك على أنفسنا، لأن القصة معروفة من البداية إلى النهاية وهي ضرب من الخيال المحلّق.
أما مسلسلاتنا العربية فهي في مضمونها تهجّم على المبادئ والقيم الإنسانية الحقيقية ومن بعض اللقطات .. رجل أعمال كبير بالسن وسيم وقور يسكن القصور وله ما هبّ ودب من السيارات الفخمة عداك عن الخدم والعبيد؛ وكل مظاهر التخلف التي نهى عنها الإسلام، وإذا بهذا الكهل الوسيم يقع في حب إحدى موظفاته الجميلة الفقيرة البسيطة وطبعاً الصغيرة ويبدأ بإظهار إنسانيته بعلاج أهلها أو شراء بيت لهم أو .. إلى آخره، ولكن السؤال هل هذا كله ثمن الحب غير المتكامل سناً وعقلاً وبيئة..؟ ولماذا لا يفعل كل هذا الخير لموظفيه الفقراء كالمراسل والعامل ليرفع من شأنهم، أم أن هذا هو دائماً ما يذكر به الرجل العربي؟!
موهبة:
الله -سبحانه وتعالى- عندما وهبنا نعمة البصر والسمع والفؤاد.. ونحن مقصرون جداً في حق الله؛ فكيف إذا تعدّينا على حقوق الله وأنكرنا نعمه وغدونا نستغل هذه النعم لتعود علينا بالوبال وإغضاب الله؟ ومن أكبر النعم هي نعمة العقل وما يرافقها من مواهب رائعة من جميع النواحي، وخاصة الشعر والنثر والرسم ، فلو قمنا بتسخير هذه المواهب لخدمة الذوق الرفيع والفكر السليم، ولتكون غذاء للنفس البشرية المطمئنة؛ لكنّا في ألف خير! تخيّلوا أي ذنب نرتكبه عندما نسخّر القلم الذي أقسم الله به إلى فساد وإفساد؟! تخيّلوا إذا رسمنا لوحات ونقوشات خارجة عن ذوق الإنسان السويّ، وتخيلوا عندما يقال عن الفنّ الهابط موهبة من الله بما يحتويه من رقص خليع وغناء وضجيج و..و..
أم كلثوم:
مسلسل بثّ على جميع القنوات الفضائية والمحلية في أفضل أشهر الله، وبعد الشهر الفضيل بدأت الفضائيات والدعوات والجوائز والتقدير والتبجيل والأوسمة لجميع من اشترك في هذا المسلسل وكأن أم كلثوم كانت سبباً في نصرنا على أعدائنا الذين لم ننتصر عليهم حتى الآن.. ولكن لماذا مثلاً لا نجد تكريماً لرجل مسلم عالم أو امرأة أفادت البشرية بعلمها المثمر، أو بأدبها الرفيع، أو بأمومتها الحقيقية، خاصة إذا كانت ملتزمة بدينها الإسلامي؟! أم أن المرأة أصبحت لا تكرّم إلا إذا كانت تطرب وتلهي وترقص لأصحاب النزوات واللاهين عن ذكر الله؟! ونتساءل لماذا نحن لا نتقدم؟! ولماذا كلما تزايد عدد المزعجين والمزعجات من أصوات نشاز نزداد سوءاً وضعفاً وتشتتاً وتدهوراً، ونلهث وراء عدونا لنوقع معاهدات استسلامية لا نأخذ منها شبراً واحداً من أرض قاحلة؟!
ملاحظة: كل هذه المصطلحات تقدم إما قبل الإخبار أو بعدها لتكون حبة مهدئ أو مخدّر لتنسينا المذابح وجرائم القتل والاغتصاب، والأهم من ذلك لتنسينا بأن هناك صلاة وصيام وزكاة وجهاد ... وبأننا مسلمون!!
ـــــــــــــــــــ(100/109)
حركة تحرير المرأة..تاريخ ٌ يعيد نفسه
د. مسفر بن علي القحطاني (*) 10/4/1425
29/05/2004
يلحظ القاري لتاريخ الدعوات التحررية التي تبنت قضايا المرأة ومشكلاتها في بلادنا العربية البعد الزماني لنشأتها المبكرة إذ تعود البداية إلى منتصف القرن التاسع عشر الميلادي , وذلك بعد الاحتكاك الذي حصل بين الشرق والغرب واستعمار الغرب العلماني لدول الإسلام ، وساعد على ظهور هذه الدعوات التحريرية حركة التنصير والاستشراق التي غزت الدول الإسلامية مبكراً من خلال التعليم والتوجيه الفكري؛ لأن تعلم المرأة المسلمة التعليم الغربي يؤثر في نفسها وينطبع في تربيتها لأولادها . ولهذا يقول المنصر (جب):
"إن مدرسة البنات في بيروت هي بؤبؤ عيني ، لقد شعرت دائماً أن مستقبل سوريا إنما هو بتعليم بناتها ونسائها" فكانت أول مدرسة للبنات فتحها المنصرون في لبنان عام 1830م وتلتها مدارس أخرى في مصر والسودان والعراق والهند والأفغان (1)
ونتيجة عمل متواصل للمنصرين والمستشرقين لعدّة سنوات في البلاد الإسلامية ظهر الكثير من المثقفين الإسلاميين المتأثرين بالغرب وثقافته، ودعا بعضهم إلى إنصاف المرأة ودعم حقوقها في التعليم والعمل والمشاركة الاجتماعية. فكان رفاعة الطهطاوي الذي عاد من فرنسا سنة 1873م ووضع كتابه : ( المرشد الأمين لتربية البنات والبنيين ) . إذ يعتبر الطهطاوي أول رائد لحركة تحرير المرأة وإن كان ينطلق من مرجعية إسلامية نادى من خلالها بحقوق المرأة الشرعية إلا أنه كان متأثراً للغاية بطبيعة الحياة الفرنسية التي بدأ يدعو إليها بكل ما فيها من اختلاط وسفور.
وبعد احتلال إنجلترا لمصر عام 1882م بدأ الترويج للأفكار التحريرية النسائية بالمفهوم الغربي ، وكان أفضل مكان لترويج هذه الأفكار صالون الأميرة (نازلي) الذي كان يجمع طبقة المثقفين والنخبة الحاكمة ، وفيه كانت تعقد مؤامرات خفية لغزو المرأة المصرية وهدم قيمها الإسلامية . ولا نستغرب أن تبدأ تلك الحركات التحريرية من مصر؛ إذ تشكل في حينها مركز الثقل الثقافي والسياسي للعالم العربي والإسلامي.
ولقد سخر الاستعمار في ذلك الوقت عدداً من المثقفين النصارى مثل: جورجي زيدان وماري عبده وسلامه موسى وغيرهم للدعوة الصريحة إلى تحرير المرأة، ومنهم صدر أول كتاب في قضية تحرير المرأة من تأليف رجل قبطي اسمه مرقص فهمي وكتابه هو : ( المرأة في الشرق ) صدر عام 1894 م . ونادى برفض الحجاب و الاختلاط ومنع التعدد، وتقييد الطلاق .
وبعد خمسة أعوام من صدور هذا الكتاب صدر كتاب قاسم أمين ( تحرير المرأة )، ثم ( المرأة الجديدة ) والذي كان نقلة نوعية في مطالبات الحركة النسائية ومن مطالباته : رفع الحجاب ، و منع التعدد ،وتقييد الطلاق ،وتعليم المرأة ،والعمل المطلق للمرأة ، فكان كتابه (المرأة الجديدة) دعوة صريحة لمحاكاة المرأة الأوربية في جميع أشكال حياتها زاعماً أن ذلك يحقق التقدم والتحضر للمرأة الشرقية .
وقد تدخل محمد عبده في دعم كتابات قاسم أمين وتدخل سعد زغلول في تنفيذها عملياً .
وكان أول نزع للحجاب عندما قدم سعد زغلول من منفاه سنة 1921م ونزع حجاب زوجته صفية زغلول،ثم تبعتها هدى شعراوي، وسيزا نبراوي، ونبوية موسى، فخلعن الحجاب ووطئته بالأقدام بعد ما عادوا من روما في مؤتمر دولي لتحرير المرأة سنة 1923م, وفعلوا ذلك في أكبر ميادين القاهرة والذي عُرف بميدان التحرير بعد ذلك.
و في نفس الفترة كانت أهم بؤر الإسلام وتمركزه في العالم وثقله موزعة في مصر وتركيا وإيران . ففي سنة 1925 م صدر قانون حظر الحجاب في تركيا !!. وفي نفس العام تقريباً أصدر الشاه رضا خان ملك إيران قانوناً يمنع المحجبات من دخول المدارس والمؤسسات الحكومية !!.
وفي النصف الأول من القرن العشرين كانت المرحلة الذهبية للحركات النسائية التحريرية التي انتشرت دعواتها في طول بلاد المسلمين وعرضها وذلك بمساعدة الاحتلال الأجنبي الذي أيدهم ودعمهم مالياً وسياسياً في جميع الدول الإسلامية التي احتلها عسكرياً، أو لم يحتلها ولكنه دخلها بالغزو الفكري والثقافي .
فمثلاً أفغانستان واليمن يعتبران بلدين مغلقين محافظين كثيراً على تعاليم الإسلام وتقاليده، ولم يتوطن الاستعمار في بلديهما طويلاً ، ومع ذلك ففي أفغانستان سمح قانون في عام 1959 م للنساء بالخروج سافرات، وأحرق النساء العباءة والغطاء في تنانير بيوتهن، وأصبح الاختلاط سمَة واضحة ، والسفور شيء ملاحظ في المدن والجامعات ودوائر الحكومة. مع العلم أنه قبل 32 سنة من هذا التاريخ خلع العلماء والناس الملك أمان الله خان الأفغاني لأنه سمح لعقيلته أن تخرج من شرفة القصر سافرة (2)!!.
وقريباً من ذلك كان الحال في اليمن يقترب نحو إخراج المرأة ومشاركتها للرجال في جميع الميادين.
وانتشرت بعد ذلك الحركات النسائية وبدأت تدعو للسفور والعمل والاختلاط دون قيد أو شرط على النمط الغربي . وفي نفس الفترة تأسست الكثير من الجمعيات النسائية في البلاد الإسلامية .
فنجد في مصر أن هدى شعراوي وحدها أسست أكثر من 25 جمعية نسائية.
وفي النصف الثاني من القرن العشرين خفت الحركة النسائية في البداية ثم عادت للظهور في نهاية الستينات والسبعينات الميلادية لتشمل أكثر المناطق الإسلامية ، وتغزو جميع المدن والأرياف العربية إلا القليل منها ، فانتشرت بذلك مئات الجمعيات النسائية الداعية لتحرير المرأة في جميع تلك المدن والقرى لتمارس نشاطها المدعوم من هيئات دولية و إقليمية .
واليوم تواجه الأسرة والمرأة في جميع الدول الإسلامية نمطًا جديدًا من الدعوات التحررية لا تعرف الحدود الجغرافية ولا الخصوصيات الفكرية والثقافية التي تدعيها بعض الدول , وذلك من خلال المنظمات والهيئات الدولية ، ولا يعنيها كثيراً الحجاب، أو خروج المرأة للعمل، أو دخولها المجال السياسي والقضائي، وإنما أصبح هدفها تغريب المرأة ، ونشر الإباحية والشذوذ، والخروج عن كل تقليد مقبول ومبدأ مشروع وعُرف سليم ؛ بالانفتاح نحو الجنس والمتع الشهوانية، وتعميم هذا الفكر المنحط لجميع شعوب العالم بل وفي كل طبقاته الاجتماعية و العمرية؛ من أجل إفساد الجذور الداخلية فضلاً عن القشور الظاهرية في الحياة الاجتماعية.
وبدأ ذلك الغزو المفسد للشعوب والأفراد من خلال عولمة الإعلام المرئي والمسموع والمقروء، و دعم منظمة الأمم المتحدة التي قامت بخطة مدروسة ومدعومة مالياً وسياسياً لتنفيذها بقوة النظام العالمي الجديد ، فكانت المؤتمرات التالية للمرأة:
ابتداء من نيروبي عام 1985م ومروراً بقمة الأرض في ريودي جانيرو في البرازيل عام 1992م , ثم المؤتمر العالمي لحقوق الإنسان في فينا في النمسا عام 1993م , ثم مؤتمر السكان والتنمية في القاهرة بمصر عام 1994م , ثم المؤتمر العالمي الرابع للمرأة في بكين بالصين عام 1995م ,ثم مؤتمر الأمم المتحدة للمستوطنات البشرية في استانبول بتركيا عام 1997, وأخيراً مؤتمر المرأة في نيويورك عام 2000م الذي عقد على شكل جلسة استثنائية للجمعية العامة للأمم المتحدة ومعها منتدى للمنظمات غير الحكومية ، وعرضت على المؤتمر توصيات ونتائج المؤتمرات السابقة بهدف الخروج بوثيقة دولية موحدة ، يسعون لجعلها وثيقة ملزمة لدول العالم ، وقد حفل مشروع الوثيقة المقدم للمؤتمر بما حفلت به وثائق المؤتمرات السابقة من دعوة صريحة إلى هدم الأسرة ، وإطلاق الحرية الجنسية للشباب ، ودعوة صريحة كذلك للشذوذ بكل أنواعه ، والمطالبة بشل سلطة الأبوين على الأبناء وحرية الإجهاض ، وإلغاء نظام الميراث في الإسلام ، وغيرها من البنود التي تتعارض مع أحكام الشريعة الإسلامية ؛ بل مع أبجديات الفطرة الإنسانية (3).
ومن هنا أصبحت حصوننا وبيوتنا مهددة من الداخل بسبب التيار التغريبي العولمي بما يبثه إلينا من خلال بعض الكتابات المغرضة في الصحف والمجلات العربية ، و ما تبثه القنوات الفضائية ، وما يدور في شبكات الإنترنت ومواقعها المختلفة من دعوات صريحة للسفور والاختلاط والمشاركة للرجال، وهدم الأسرة والقضاء على كرامة المرأة وعفتها .
ويكفي لبيان خطورة هذا الغزو الإعلامي النتائج التي قدمتها إحدى الدراسات في جامعة الملك عبد العزيز بجدة، وكانت عن أثر الأطباق الفضائية على الأسرة والمرأة خصوصاً ، فجاءت نتائجها مذهلة حيث ظهر أنّ 85% من النساء يحرصن على مشاهدة قنوات فضائية تعرض موادًا إباحية ، و53% قلت لديهن تأدية الفرائض الدينية, و32% قصّرن في تحصيلهن العلمي و 22% تعرضن للإصابة بأمراض نسائية نتيجة ممارسة عادات خاطئة (4) .
كذلك نلحظ أن هذه النداءات والصيحات التحريرية يراد لها أن تظهر بصورة جماعية، وأنها تمثل قطاعاً واسعاً من النساء إلا أنها في حقيقتها الواقعية مجرد دعوات فردية وأحياناً خارجية وربما من الرجال أكثر من النساء ، ولعل في ردة الفعل الغاضبة في مجتمعنا النسائي من هذه الدعوات شاهد على حقيقة هذا الرفض العام ، وأن هذه الدعوات مجرد شعارات فارغة مدفوعة ومرفوضة من الناحية الدينية والحضارية والعقلية والفطرية وحتى من الناحية الإنسانية (5)..
أن تاريخ تحرير المرأة قد بدأ يعيد نفسه بأشكال وصور مختلفة في بعض الدول الإسلامية التي سلمت منه في البداية.. وقد لا تسلم منه في النهاية .. فما لم يكن هناك فكر رصين يقرع الفكر المضاد , وتخطيط واعٍ يفند مخططات أهل الأهواء؛ و إلا فالنهاية واحدة والمأساة سوف تعيد نفسها .. نعم مأساة أن تُرى المرأة ضحية لنزعات السوء والغواية عند الرجل المتهتك المستهتر , و مأساة أن تراها سائرة نحو مصير مظلم لا يرحم ضعفها ولا يراعي فطرتها .. ولا أدري لماذا تصمّ الآذان من سماع صيحات من جرب هذا الطريق وتجرع مراراته المتكررة .. هل مطلوب منا دائمًاً أن نبدأ من حيث بدأ الآخرين ولا نبدأ من حيث انتهوا .. ألا نقرأ التاريخ التحرري ونعرف ماذا حصدوا للمرأة غير الهوان والإذلال .
جاء في إحدى الدراسات العلمية أن 80% من الأمريكيات يعتقدن أن الحرية التي حصلت عليها المرأة خلال الثلاثين عاماً الماضية هي سبب الانحلال والعنف في الوقت الراهن . و75% يشعرن بالقلق لانهيار القيم والتفسخ العائلي .و 80% يجدن صعوبة بالغة في التوفيق بين مسؤولياتهن تجاه العمل ومسؤولياتهن تجاه الزوج والأولاد .و 87% يقولن : لوعادت عجلة التاريخ للوراء لاعتبرنا المطالبة بالمساواة مؤامرة اجتماعية ضد الولايات المتحدة الأمريكية وقاومنا اللواتي يرفعن شعاراتها (6).!! فهل نعي دروس التاريخ ونعتبر بغيرنا من الأمم .. قبل أن نصبح لغيرنا عبرة .فالسعيد الناجي من وُعِظ بغيره ..(*) الأستاذ بجامعة الملك فهد للبترول والمعادن
(1) انظر : المرأة المسلمة بين الغزو والتغريب للرماني ص 56 .
(2) الصراع بين الفكرة الإسلامية والفكرة الغربية في الأقطار الإسلامية لأبي الحسن الندوي ص 20-26 .
(3) انظر: المؤامرة على المرأة المسلمة للسيد فرج ص 47 ــ 78 ، المرأة ماذا بعد السقوط لبدرية العزاز ص 31ـ57، المرأة المسلمة بين الغزو والتغريب للرماني ص41 ـ 81، مجلة المجتمع (1404) ، الأسرة 1417هـ ، المنار (32) .
(4) جريدة المدينة 23 / 11 / 1420 هـ .
(5) انظر : كتابي (المرأة .. والعودة إلى الذات) ففيه مناقشة للشبهات المثارة على المرأة من الناحية الدينية و الحضارية والعقلية والفطرية والإنسانية .
(6) مجلة البيان ربيع الآخر 1420هـ .
ـــــــــــــــــــ(100/110)
المرأة في عمق الزمن تحرير أم تغرير
يسري صابر 27/2/1425
17/04/2004
مرت المرأة في تاريخها الطويل بمرحلتين:
المرحلة الأولى: مرحلة الظلم والظلام وبؤس المرأة العربية وسوء حالها، وذلك قبل الدعوة المحمدية وظهور الإسلام في الجزيرة العربية، المرأة في فترة الظلام قد سلبت جميع الحقوق دون استثناء، بل لم تعتبر المرأة امرأة كما هو معلوم عندنا الآن؛ فالمرأة كانت تعد حشرة من الحشرات، أو كانت تعد من عالم آخر كعالم الجن والشياطين، والذي كان يعتبرها امرأة من أهل الجاهلية كان يمنعها حقها ويفرض عليها أمورًا، ويعاملها معاملة غير إنسانية؛ فمثلاً: إذا حاضت المرأة كان الزوج لا يأكل ولا يشرب معها، بل ولا يسكن معها في البيت، وإنما يخرجها خارج البيت هذا ما كان عليه أهل الجاهلية. وأما حقوقها كأم أو أخت أو غير ذلك فلم يكن لها أي حق على الإطلاق.. قال تعالى: (وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالْأُنْثَى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدّاً وَهُوَ كَظِيمٌ)[النحل:58] فكانت بشرى في منتهى التعاسة والنكد لو بشر أحد الجاهليين بأنه رزق بأنثى، يفكر ماذا يفعل بها (يَتَوَارَى مِنَ الْقَوْمِ مِنْ سُوءِ مَا بُشِّرَ بِهِ أَيُمْسِكُهُ عَلَى هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرَابِ أَلا سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ) [النحل:59]
(أَيُمْسِكُهُ عَلَى هُونٍ) يبقها على مضض (أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرَابِ) فكان أهل الجاهلية يدسون ويئدون بناتهم في التراب وهنّ أحياء، فكان يحفر الأب أو الأخ لابنته أو لأخته في التراب ثم يضعها فيه وهي حية يجري الدم في عروقها!
المرأة كانت عند أهل الجاهلية كمتاع يقتنى، وسلعة يستكثر منها ولا يهم بعد ذلك ما يصيب الأسرة من تفكك وانهيار، ولا ما يترتب على تعدد الزوجات من عداوة وبغضاء بين النساء وبين الأبناء حتى تعلن الأسر حرباً على نفسها و تصبح مصدر نزاع وعداوة بين أفرادها.
وكان الزوج لا يعنيه الأمر سواء عدل بين أزواجه أو جار، سوى بينهن في الحقوق أو مال؛ فكانت حقوق الزوجات مهضومة، ونفوسهن ثائرة، وقلوبهن متنافرة، وليت الأمر كان قاصراً على تعدد الزوجات في أبشع الصور وأوخم العواقب؛ بل كان الرجل منهم إذا قابل آخر معه ظعينته (امرأته في هودجها) هجم عليه فتقاتلا بسيوفهما، فإن غلبه أخذ منه ظعينته واستحلها لنفسه ظلماً وعدواناً.
وحرمت المرأة في الجاهلية من الميراث؛ فهي لا ترث الرجل بعد وفاته؛ بل هي من تركته التي تركها، فإذا جاء أحد أقارب الزوج المتوفى وألقى بثوبه على المرأة صارت له، فبئست التقاليد وبئست العادات، فلا رحمة ولا مودة ولا تعاطف؛ بل جفاء طاغ.
المرحلة الثانية:هي مرحلة النور .. مرحلة التحرير .. مرحلة العزة والكرامة؛ وهي المرحلة التي أعطى الإسلام للمرأة كامل حقوقها وفرض عليها الواجبات التي تتناسب مع خلقتها وينصلح بها حالها، وبصلاح المرأة ينصلح المجتمع كله.
لقد جاءت الدعوة المحمدية فحررت المرأة من فوضى الجاهلية وأخرجتها من الظلمات إلى النور، وأعادت إليها حريتها كاملة غير منقوصة ونظمت أو حددت تعدد الزوجات بأربع فقط.
وقد اعترف المستشرق الفرنسي (أندريه سرفيه) بفضل هذا الرسول -صلى الله عليه وسلم- في كتابه "الإسلام ونفسية المسلمين"؛ فقال: لا يتحدث هذا النبي -صلى الله عليه وسلم- عن المرأة إلا في لطف وأدب، كان يجتهد دائماً في تحسين حالها ورفع مستوى حياتها، بعد أن كانت تعد مالاً أو رقيقًا، وعندما جاء الرسول -صلى الله عليه وسلم- قلب هذه الأوضاع؛ فحرر المرأة وأعطاها حق الإرث" ثم ختم كلمته قائلاً : "لقد حرر محمد المرأة العربية، ومن أراد التحقيق بعناية هذا النبي بها؛ فليقرأ خطبته في مكة التي أوصى فيها بالنساء خيرًا، وليقرأ أحاديثه المتباينة".
ما أصدق هذا القول ووضوح تلك الرؤية التي بعد عنها كثير من أبناء المسلمين بعد أن صاروا ببغاوات وأبواق لأذنابهم من الغرب، وما أكثر دفاع النبي -صلى الله عليه وسلم- عن المرأة وحقوقها، ألم يقل في خطبته في حجة الوداع: " أَلَا وَاسْتَوْصُوا بِالنِّسَاءِ خَيْرًا ، فَإِنَّمَا هُنَّ عَوَانٌ عِنْدَكُمْ ، لَيْسَ تَمْلِكُونَ مِنْهُنَّ شَيْئًا غَيْرَ ذَلِكَ ، إِلا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ ، فَإِنْ فَعَلْنَ فَاهْجُرُوهُنَّ فِي المَضَاجِعِ ، وَاضْرِبُوهُنَّ ضَرْبًا غَيْرَ مُبَرِّحٍ، فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلا، أَلا إِنَّ لَكُمْ عَلَى نِسَائِكُمْ حَقًّا، وَلِنِسَائِكُمْ عَلَيْكُمْ حَقًّا، فَأَمَّا حَقُّكُمْ عَلَى نِسَائِكُمْ فَلا يُوطِئْنَ فُرُشَكُمْ مَنْ تَكْرَهُونَ، وَلا يَأْذَنَّ فِي بُيُوتِكُمْ لِمَنْ تَكْرَهُونَ ، أَلا وَحَقُّهُنَّ عَلَيْكُمْ أَنْ تُحْسِنُوا إِلَيْهِنَّ فِي كِسْوَتِهِنَّ وَطَعَامِهِنَّ" [رواه الترمذي(1163) وابن ماجة (1851) من حديث عمرو بن الأحوص -رضي الله عنه- وعند مسلم (1218) بلفظ: "فَاتَّقُوا اللَّهَ فِي النِّسَاءِ ، فَإِنَّكُمْ أَخَذْتُمُوهُنَّ بِأَمَانِ اللَّهِ ، وَاسْتَحْلَلْتُمْ فُرُوجَهُنَّ بِكَلِمَةِ اللَّهِ ، وَلَكُمْ عَلَيْهِنَّ أَنْ لا يُوطِئْنَ فُرُشَكُمْ أَحَدًا تَكْرَهُونَهُ ، فَإِنْ فَعَلْنَ ذَلِكَ فَاضْرِبُوهُنَّ ضَرْبًا غَيْرَ مُبَرِّحٍ ، وَلَهُنَّ عَلَيْكُمْ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ"، وعن عائشة -رضي الله عنها- قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- : " خَيْرُكُمْ خَيْرُكُمْ لأَهْلِهِ وَأَنَا خَيْرُكُمْ لأَهْلِي" [رواه الترمذي(3895) وغيره]. وعن معاوية بن حيدة -رضي الله عنه- أن رَجُلا سَأَلَ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: مَا حَقُّ الْمَرْأَةِ عَلَى الزَّوْجِ؟ فقَالَ : " أَنْ يُطْعِمَهَا إِذَا طَعِمَ ، وَأَنْ يَكْسُوَهَا إِذَا اكْتَسَى ، وَلا يَضْرِبِ الْوَجْهَ ، وَلَا يُقَبِّحْ ، وَلا يَهْجُرْ إِلا فِي الْبَيْتِ" [رواه أبو داود (2142) وابن ماجة(1850)]. وأمر بالرفق العام بهن فقال صلى الله عليه وسلم: "ارفق بالقوارير" [رواه البخاري (6209) ومسلم (2323) من حديث أنس -رضي الله عنه-]
وعن ابن عباس -رضي الله عنهما-- قال : "إني لأتزين لامرأتي كما أحب أن تتزين لي". ولها رأيها في تزويجها ، وليس لوليها أن يعدو إذنها، ويقصرها على من لا تريد إن كانت رشيدة؛ فعن خنساء بنت خذام الأنصارية -رضي الله عنها- أن أباها زوجها وهي ثيب فكرهت ذلك، فأتت رسول الله - صلى الله عليه وسلم- فرد نكاحه [رواه البخاري (5137) تحت باب: إذا زوج ابنته وهي كارهة فنكاحه مردود].
ومن أعجب المصادفات أن يجتمع (ماكون) في زمن النبي -صلى الله عليه وسلم- أي في سنة 586 م لبحث هل المرأة إنسان ، وبعد بحث ومناقشة وجدل قرر: أنها إنسان ولكن خلقت لخدمة الرجل وحده. ولم يكد يصدر هذا القرار الجائر في أوروبا، حتى نقضه محمد -صلى الله عليه وسلم- في بلاد العرب إذ رفع صوته قائلاً : " إنما النساء شقائق الرجال" [رواه الترمذي (113) وأبو داود (237) وابن ماجة (612) من حديث عائشة -رضي الله عنها-].
بل إن جاهمة السلمي - رضي الله عنه- جاء إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال: يارسول الله أردت أن أغزو وقد جئت أستشيرك؛ فقال صلى الله عليه وسلم: "هل لك من أم؟ " قال: نعم. قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "فالزمها فإن الجنة تحت رجليها". أليس هذا فضل وأي فضل، إن الجنة مبتغى كل رجل، وكل امرأة أم لكل رجل!، فالمرأة نصف المجتمع وتلد النصف الآخر فهي المجتمع بأسره، وبذلك علم العالم أجمع أن المرأة إنسان مهذب له من الحقوق ما يتناسب مع خلقتها وفطرتها في وقت كانت فيه أوروبا تنظر إلى المرأة نظرة سخرية واحتقار، وفي القرن السابع الميلادي عقد مؤتمر عام في روما ليبحث فيه المجتمعون شؤون المرأة فقرروا أنها كائن لا نفس له ، وعلى هذا فليس من حقها أن ترث الحياة الآخرة ، ووصفها المؤتمر بأنها رجس كبير. وحرم عليها ألا تأكل اللحم ، وألا تضحك ، وألا تتكلم ، ونادى بعضهم بوضع أقفال على فمها ، وفي هذا الوقت كانت المرأة العربية تأخذ طريقها نحو النور وتحتل مكانتها الرفيعة في المجتمع العربي وتقف بجانب الرجال في معترك القتال .
لقد قالت الربيع بنت معوذ -رضي الله عنها-: "كنا نغزو مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم-؛ فنسقي القوم ونخدمهم ونرد القتلى والجرحى إلى المدينة" [رواه البخاري (2883)].
ألا يحق بعد هذا كله للسيد (ريفيل) أن يقول: إننا لو رجعنا إلى زمن هذا النبي محمد -صلى الله عليه وسلم- لما وجدنا عملاً أفاد النساء أكثر مما فعله هذا الرسول؛ فالنساء مدينات للنبي -صلى الله عليه وسلم- بأمور كثيرة رفعت مكانتهنّ بين الناس.
وقد كتبت جريدة "المونيتور الفرنسية" عن تصور احترام الإسلام ونبيه للمرأة فقالت: لقد أجرى الإسلام ونبيه تغيراً شاملاً في حياة المرأة في المجتمع الإسلامي فمنحها حقوقاً واسعة تفوق في جوهرها الحقوق التي منحناها للمرأة الفرنسية.
أما الكونت (هنري دى كاسترى) فقد تناول عقد الزواج عند المسلمين فقال: "إن عقد الزواج عند المسلمين يخول للمرأة حقوقاً أدبية وحقوق مادية من شأنها إعلاء منزلة المرأة في الهيئة الاجتماعية"، وهذا أيضًا هو ما دفع العالم الألماني (دريسمان) أن يسجل قوله : لقد كانت دعوة محمد إلى تحرير المرأة السبب في نهوض العرب وقيام مدينتهم، وعندما عاد أتباعه وسلبوا المرأة حقوقها وحريتها كان ذلك من عوامل ضعفهم واضمحلال قوتهم. إن الفضل قد يخرج من الأعداء في لحظة صدق وإنصاف والفضل ما شهد به الأعداء.
نعم عاد من أبناء جلدتنا من سلب المرأة حقوقها وأرادها خراجة ولاجة يساومونها على عفتها وكرامتها وشرفها عبر إعلانتهم التجارية وفضائياتهم العفنة، وآخرين يعتدون على أنوثتها ويدنسون رقتها قالوا لها: كوني رجلاً! وقابلي المجرمين لتقضي بينهم ! كوني مقاولة ..! تنقلي بين البلاد واغتربي لتكوني سفيرة ..!! زعموها حقوقا!! هل من حق المرأة أن تكون رجلاً ؟! أن تخرج عن خِلقتها؟!
أن تمارس أدوارًا خارج فطرتها؟! أن تمارس أعمالا لا طاقة لها بها؟! أن تتمرد على أنوثتها؟! أن تخالف رقتها؟! أن تبعثر جمالها؟! عجبا أن يطلب من القمر المضيء أن يكون شمسًا محرقة! أهذه حقوق؟! أم أنها مفاهيم عفنة وألفاظ تتصادم مع الفطرة وتعجل بانتقام الخالق سبحانه.
إن الإسلام هو المملكة التي أعطت الحقوق لكل من فيها ذكرًا كان أو أنثى، إنسانًا أو حيوانًا، صغيرًا أو كبيرًا، فقيرًا أو غنيًّا، وسيظل الإسلام ظاهرًا وباقيًا محفوظًا بحفظ الله وسنعيش في تلك المملكة طالما تمسكنا بتعاليمه وقواعده فهو مصدر عزتنا وكرامتنا قديما وحديثًا ومستقبلاً، والمرأة هي الكيان التي تقوم به تلك المملكة ولو خرجت عن هذا الكيان وعن دورها فيه لتحطمت تلك المملكة وانهارت.
وختامًا؛ فالإسلام هو نصير المرأة أمًّا وأختًا وابنة، ومنقذها ومحررها ومخرجها من الطغيان والذل، وجعلها تخرّج الأجيال والأبطال، فوراء كل عظيم امرأة، فلا خداع ولا مداهنة ولا فلسفات فاسدة، ولكنه تاريخ يمتد عبر العصور، وحضارة تثبت جدارتها وإنسانيتها، وقدرتها على الابتعاث من جديد، عرف من عرف، وجهل من جهل.
والله غالب على أمره، ولو كره المرجفون.
ـــــــــــــــــــ(100/111)
من صور تكريم الإسلام للمرأة(1/3)
الشيخ محمد بن إبراهيم الحمد 6/2/1425
27/03/2004
لقد رفع الإسلام مكانة المرأة، وأكرمها بما لم يكرمها به دين سواه؛ فالنساء في الإسلام شقائق الرجال، وخير الناس خيرهم لأهله؛ فالمسلمة في طفولتها لها حق الرضاع، والرعاية، وإحسان التربية، وهي في ذلك الوقت قرة العين، وثمرة الفؤاد لوالديها وإخوانها.
وإذا كبرت فهي المعززة المكرمة، التي يغار عليها وليها، ويحوطها برعايته، فلا يرضى أن تمتد إليها أيد بسوء، ولا ألسنة بأذى، ولا أعين بخيانة.
وإذا تزوجت كان ذلك بكلمة الله، وميثاقه الغليظ؛ فتكون في بيت الزوج بأعز جوار، وأمنع ذمار، وواجب على زوجها إكرامها، والإحسان إليها، وكف الأذى عنها.
وإذا كانت أمًّا كان برُّها مقروناً بحق الله -تعالى- وعقوقها والإساءة إليها مقروناً بالشرك بالله، والفساد في الأرض.
وإذا كانت أختاً فهي التي أُمر المسلم بصلتها، وإكرامها، والغيرة عليها.
وإذا كانت خالة كانت بمنزلة الأم في البر والصلة.
وإذا كانت جدة، أو كبيرة في السن زادت قيمتها لدى أولادها، وأحفادها، وجميع أقاربها؛ فلا يكاد يرد لها طلب، ولا يُسَفَّه لها رأي.
وإذا كانت بعيدة عن الإنسان لا يدنيها قرابة أو جوار كان له حق الإسلام العام من كف الأذى، وغض البصر ونحو ذلك.
وما زالت مجتمعات المسلمين ترعى هذه الحقوق حق الرعاية، مما جعل للمرأة قيمة واعتباراً لا يوجد لها عند المجتمعات غير المسلمة.
ثم إن للمرأة في الإسلام حق التملك، والإجارة، والبيع، والشراء، وسائر العقود، ولها حق التعلم، والتعليم، بما لا يخالف دينها؛ بل إن من العلم ما هو فرض عين يأثم تاركه ذكراً أم أنثى.
بل إن لها ما للرجال إلا بما تختص به من دون الرجال، أو بما يختصون به دونها من الحقوق والأحكام التي تلائم كُلاًّ منهما على نحو ما هو مفصل في مواضعه.
ومن إكرام الإسلام للمرأة أن أمرها بما يصونها، ويحفظ كرامتها، ويحميها من الألسنة البذيئة، والأعين الغادرة، والأيدي الباطشة؛ فأمرها بالحجاب والستر، والبعد عن التبرج وعن الاختلاط بالرجال الأجانب، وعن كل ما يؤدي إلى فتنتها.
ومن إكرام الإسلام لها: أن أمر الزوج بالإنفاق عليها، وإحسان معاشرتها، والحذر من ظلمها، والإساءة إليها.
بل ومن المحاسن -أيضاً- أن أباح للزوجين أن يفترقا إذا لم يكن بينهما وفاق، ولم يستطيعا أن يعيشا عيشة سعيدة؛ فأباح للزوج طلاقها بعد أن تخفق جميع محاولات الإصلاح، وحين تصبح حياتهما جحيماً لا يطاق.
وأباح للزوجة أن تفارق الزوج إذا كان ظالماً لها، سيئاً في معاشرتها، فلها أن تفارقه على عوض تتفق مع الزوج فيه، فتدفع له شيئاً من المال، أو تصطلح معه على شيء معين ثم تفارقه.
ومن صور تكريم الإسلام للمرأة أن نهى الزوج أن يضرب زوجته بلا مسوغ، وجعل لها الحق الكامل في أن تشكو حالها إلى أوليائها، أو أن ترفع للحاكم أمرها؛ لأنها إنسان مكرم داخل في قوله-تعالى: (وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنْ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً) [الإسراء: 70].
وليس حسن المعاشرة أمراً اختيارياً متروكاً للزوج إن شاء فعله وإن شاء تركه، بل هو تكليف واجب.
قال النبي-صلى الله عليه وسلم-: "لا يجلد أحدكم امرأته جلد العبد، ثم يضاجعها: [رواه البخاري ومسلم].
فهذا الحديث من أبلغ ما يمكن أن يقال في تشنيع ضرب النساء؛ إذ كيف يليق بالإنسان أن يجعل امرأته - وهي كنفسه- مهينة كمهانة عبده بحيث يضربها بسوطه، مع أنه يعلم أنه لا بد له من الاجتماع والاتصال الخاص بها.
ولا يفهم مما مضى الاعتراض على مشروعية ضرب الزوجة بضوابطه، ولا يعني أن الضرب مذموم بكل حال.
لا، ليس الأمر كذلك؛ فلا يطعن في مشروعية الضرب إلا من جهل هداية الدين، وحكمة تشريعاته من أعداء الإسلام ومطاياهم ممن نبتوا من حقل الغرب، ورضعوا من لبانه، ونشأوا في ظله.
هؤلاء الذين يتظاهرون بتقديس النساء والدفاع عن حقوقهن؛ فهم يطعنون في هذا الحكم، ويتأففون منه، ويعدونه إهانة للمرأة.
وما ندري من الذي أهان المرأة؟ أهو ربّها الرحيم الكريم الذي يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير، أم هؤلاء الذين يريدونها سلعة تمتهن وتهان، فإذا انتهت مدة صلاحيتها ضربوا بها وجه الثرى؟!
إن هؤلاء القوم يستنكفون من مشروعية تأديب المرأة الناشز، ولا يستنكفون أن تنشز المرأة، وتترفع على زوجها، فتجعله -وهو رأس البيت- مرؤوساً، وتصر على نشوزها، وتمشي في غلوائها، فلا تلين لوعظه، ولا تستجيب لنصحه، ولا تبالي بإعراضه وهجره.
تُرى كيف يعالجون هذا النشوز؟ وبم يشيرون على الأزواج أن يعاملوا به الزوجات إذا تمَرَّدْنَ ؟
لعل الجواب تضمنه قول الشنفرى الشاعر الجاهلي حين قال مخاطباً زوجته:
إذا ما جئتِ ما أنهاكِ عنه ... ...
فلم أنكر عليك فطلقيني
فأنتِ البعلُ يومئذٍ فقومي ... ...
بسوطك-لا أبا لك- فاضربيني
نعم لقد وجد من النساء -وفي الغرب خاصة- من تضرب زوجها مرة إثر مرة، والزوج يكتم أمره، فلما لم يعد يطيق ذلك طلَّقها، حينئذٍ ندمت المرأة، وقالت: أنا السبب؛ فلقد كنت أضربه، وكان يستحيي من الإخبار بذلك، ولما نفد صبره طلَّقني!
وقالت تلك المرأة القوامة: أنا نادمة على ما فعلت، وأوجه النصيحة بألا تضرب الزوجات أزواجهن!
لقد أذن الإسلام بضرب الزوجة كما في قوله -تعالى-: (وَاللاَّتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ) [النساء: 34].
وكما في قوله - عليه الصلاة والسلام - في حجة الوداع: "ولكم عليهن ألا يوطئن فرشكم أحداً تكرهونه، فإن فعلن ذلك فاضربوهن ضرباً غير مُبَرِّح".
ولكن الإسلام حين أذن بضرب الزوجة لم يأذن بالضرب المبرح الذي يقصد به التشفي، والانتقام، والتعذيب، وإهانة المرأة وإرغامها على معيشة لا ترضى بها.
وإنما هو ضرب للحاجة وللتأديب، تصحبه عاطفة المربي والمؤدب؛ فليس للزوج أن يضرب زوجته بهواه، وليس له إن ضربها أن يقسو عليها؛ فالإسلام أذن بالضرب بشروط منها:
أ- أن تصر الزوجة على العصيان حتى بعد التدرج معها.
ب- أن يتناسب العقاب مع نوع التقصير؛ فلا يبادر إلى الهجر في المضجع في أمر لا يستحق إلا الوعظ والإرشاد، ولا يبادر إلى الضرب وهو لم يجرب الهجر؛ ذلك أن العقاب بأكثر من حجم الذنب ظلم.
ج- أن يستحضر أن المقصود من الضرب العلاجُ والتأديب والزجر لا غير؛ فيراعي التخفيف فيه على أحسن الوجوه؛ فالضرب يتحقق باللكزة، أو بالمسواك ونحوه.
د- أن يتجنب الأماكن المخوفة كالرأس والبطن والوجه.
هـ - ألا يكسر عظماً، ولا يشين عضواً، وألا يدميها، ولا يكرر الضربة في الموضع الواحد.
و- ألا يتمادى في العقوبة قولاً أو فعلاً إذا هي ارتدعت وتركت النشوز.
فالضرب - إذاً - للمصلحة لا للإهانة، ولو ماتت الزوجة بسبب ضرب الزوج لوجبت الدية والكفارة، إذا كان الضرب لغير التأديب المأذون فيه.
أما إذا كان التلف مع التأديب المشروع فلا ضمان عليه، هذا مذهب أحمد ومالك.
أما الشافعي وأبو حنيفة فيرون الضمان في ذلك، ووافقهم القرطبي - وهو مالكي.
وقال النووي -رحمه الله- في شرح حديث حجة الوداع السابق: "وفي هذا الحديث إباحة ضرب الرجل امرأته للتأديب، فإن ضربها الضرب المأذون فيه فماتت وجبت ديتها على عاقلة الضارب، ووجبت الكفارة في ماله".
ومن هنا يتبين لنا أن الضرب دواء ينبغي مراعاة وقته، ونوعه، وكيفيته، ومقداره، وقابلية المحل، لكن الذين يجهلون هداية الإسلام يقلبون الأمر، ويلبسون الحق بالباطل.
ثم إن التأديب بالضرب ليس كل ما شرعه الإسلام من العلاج، بل هو آخر العلاجات مع ما فيه من الكراهة؛ فإذا وجدت امرأة ناشز أساءت عشرة زوجها، وركبت رأسها، واتبعت خطوات الشيطان، ولم ينجع معها وعظ ولا هجران-؛ فماذا يصنع الرجل في مثل هذه الحال؟
هل من كرامته أن يهرع إلى مطالبة زوجته كل ما نشزت؟ وهل تقبل المرأة ذلك، فينتشر خبرها، فتكون غرضاً للذم، وعرضة للَّوم؟
إن الضرب بالمسواك، وما أشبهه أقلُّ ضرراً على المرأة نفسها من تطليقها الذي هو نتيجة غالبة لاسترسالها في نشوزها، فإذا طُلِّقت تصدع بنيان الأسرة، وتفرق شملها، وتناثرت أجزاؤها.
وإذا قيس الضرر الأخف بالضرر الأعظم كان ارتكاب الأخف حسناً جميلاً، كما قيل:
وعند ذكر العمى يستحسن العورُ.
فالضرب طريق من طرق العلاج يجدي مع بعض النفوس الشاردة التي لا تفهم بالحسنى، ولا ينفع معها الجميل، ولا تفقه الحجة، ولا تقاد بزمام الإقناع.
ثم إذا أخطأ أحد من المسلمين سبيل الحكمة، فضرب زوجته وهي لا تستحق، أو ضربها ضرباً مبرحاً- فالدين براء من تبعة هذه النقائص، وإنما تبعتها على أصحابها.
هذا وقد أثبتت دراسات علم النفس أن بعض النساء لا ترتاح أنفسهن إلا إذا تعرضن إلى قسوة وضرب شديد مبرح؛ بل قد يعجبها من الرجل قسوته، وشدته، وعنفه؛ فإذا كانت امرأة من هذا النوع فإنه لا يستقيم أمرها إلا بالضرب.
وشواهد الواقع والملاحظات النفسية على بعض أنواع الانحراف تقول: إن هذه الوسيلة قد تكون أنسب الوسائل لإشباع انحراف نفسي معين، وإصلاح سلوك صاحبه، وإرضائه في الوقت ذاته؛ فربما كان من النساء من لا تحس قوة الرجل الذي تحب أن يكون قواماً عليها إلا حين يقهرها عضلياً.
وليست هذه طبيعة كل امرأة، ولكن هذه الصنف من النساء موجود، وهو الذي يحتاج إلى هذه المرحلة الأخيرة؛ ليستقيم على الطريقة.
والذين يولعون بالغرب، ويولون وجوههم شطره يوحون إلينا أن نساء الغرب ينعمن بالسعادة العظمى مع أزواجهن
ولكن الحقيقة الماثلة للعيان تقول غير ذلك؛ فتعالوا نطالع الإحصاءات التي تدل على وحشية الآخرين الذين يرمون المسلمين بالوحشية.
أ- نشرت مجلة التايمز الأمريكية أن ستة ملايين زوجة في أمريكا يتعرضن لحوادث من جانب الزوج كل عام، وأنه من ألفين إلى أربعة آلاف امرأة يتعرضن لضرب يؤدي إلى الموت، وأن رجال الشرطة يقضون ثلث وقتهم للرد على مكالمات حوادث العنف المنزلي. [انظر دور المرأة المسلمة في المجتمع إعداد لجنة المؤتمر النسائي الأول ص45].
ب- ونشر مكتب التحقيقات الفيدرالي الأمريكي عام 1979م أن 40% من حوادث قتل النساء تحدث بسبب المشكلات الأسرية، وأن 25% من محاولات الانتحار التي تُقْدم عليها الزوجات يسبقها نزاع عائلي [انظر دور المرأة المسلمة في المجتمع ص46].
ج- دراسة أمريكية جرت في عام 1407هـ-1987م أشارت إلى 79% يقومون بضرب النساء وبخاصة إذا كانوا متزوجين بهن.
وكانت الدراسة قد اعتمدت على استفتاء أجراه د.جون بيرير الأستاذ المساعد لعلم النفس في جامعة كارولينا الجنوبية بين عدد من طلبته.
وقد أشارت الدراسة إلى أن استعداد الرجال لضرب زوجاتهم عالٍ جداً، فإذا كان هذا بين طلبة الجامعة فكيف بمن هو دونهم تعليماً؟
د- وفي دراسة أعدها المكتب الوطني الأمريكي للصحة النفسية جاء أن 17% من النساء اللواتي يدخلن غرف الإسعاف ضحايا ضرب الأزواج أو الأصدقاء، وأن 83% دخلن المستشفيات سابقاً مرة على الأقل للعلاج من جروح وكدمات أصبن بها كان دخولهن نتيجة الضرب.
وقال إفان ستارك معد هذه الدراسة التي فحصت (1360) سجلاً للنساء: إن ضرب النساء في أمريكا ربما كان أكثر الأسباب شيوعاً للجروح التي تصاب بها النساء، وأنها تفوق ما يلحق بهن من أذى نتيجة حوادث السيارات، والسرقة، والاغتصاب مجتمعة.
وقالت جانيس مور-وهي منسقة في منظمة الائتلاف الوطني ضد العنف المنزلي ومقرها واشنطن-: إن هذه المأساة المرعبة وصلت إلى حد هائل؛ فالأزواج يضربون نساءهم في سائر أنحاء الولايات المتحدة، مما يؤدي إلى دخول العشرات منهن إلى المستشفيات للعلاج.
وأضافت بأن نوعية الإصابات تتراوح ما بين كدمات سوداء حول العينين، وكسور في العظام، وحروق وجروح، وطعن بالسكين، وجروح الطلقات النارية، وما بين ضربات أخرى بالكراسي، والسكاكين، والقضبان المحماة.
وأشارت إلى أن الأمر المرعب هو أن هناك نساء أكثر يُصبن بجروح وأذى على أيدي أزواجهن ولكنهن لا يذهبن إلى المستشفى طلباً للعلاج، بل يُضمِّدن جراحهن في المنزل.
وقالت جانيس مور: إننا نقدر بأن عدد النساء اللواتي يُضربن في بيوتهن كل عام يصل إلى ستة ملايين امرأة، وقد جمعنا معلومات من ملفات مكتب التحقيقات الفيدرالية، ومن مئات الملاجئ التي توفر المأوى للنساء الهاربات من عنف وضرب أزواجهن.انظر من أجل تحرير حقيقي ص16-21 وانظر المجتمع العاري بالوثائق والأرقام ص56-57.
هـ - وجاء في كتاب ماذا يريدون من المرأة لعبد السلام البسيوني ص36 -66 ما يلي:
-ضرب الزوجات في اليابان هو السبب الثاني من أسباب الطلاق.
-772 امرأة قتلهن أزواجهن في مدينة ساوباولو البرازيلية وحدها عام1980م.
-يتعرض ما بين ثلاثة إلى أربعة ملايين من الأمريكيات للإهانة المختلفة من أزواجهن وعشاقهن سنوياً.
-أشارت دراسة كندية اجتماعية إلى أن ربع النساء هناك-أي أكثر من ثمانية ملايين امرأة- يتعرضن لسوء المعاملة كل عام.
-في بريطانيا تستقبل شرطة لندن وحدها مئة ألف مكالمة سنوياً من نساء يضربهن أزواجهن على مدار السنين الخمس عشرة الماضية.
-تتعرض امرأة لسوء المعاملة في أمريكا كل ثمان ثوان.
-مئة ألف ألمانية تضرب أزواجهن سنوياً، و مليونا فرنسية.
-60% من الدعوات الهاتفية التي تتلقاها شرطة النجدة في باريس أثناء الليل-هي نداءات استغاثة من نساء تُساء معاملتهن.
وبعد فإننا في غنى عن ذكر تلك الإحصاءات؛ لعلمنا بأنه ليس بعد الكفر ذنب.
ولكن نفراً من بني جلدتنا غير قليل لا يقع منهم الدليل موقعه إلا إذا نسب إلى الغرب وما جرى مجراه؛ فها هو الغرب تتعالى صيحاته من ظلم المرأة؛ فهل من مدكر؟!
إذا لم يكن للمرء عين صحيحة فلا غرو أن يرتاب والصبح مسفر
ومن صور تكريم الإسلام للمرأة أن أنقذها من أيدي الذين يزدرون مكانها، وتأخذهم الجفوة في معاشرتها؛ فقرر لها من الحقوق ما يكفل راحتها، وينبه على رفعة منزلتها، ثم جعل للرجل حق رعايتها، وإقامة سياج بينها وبين ما يخدش كرامتها.
ومن الشاهد على هذا قوله -تعالى-: (وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ) [البقرة: 228].
فجعلت الآية للمرأة من الحقوق مثل ما للرجل؛ وإذا كان أمر الأسرة لا يستقيم إلا برئيس يدبره فأحقهم بالرياسة هو الرجل الذي شأنه الإنفاق عليها، والقدرة على دفاع الأذى عنها.
وهذا ما استحق به الدرجة المشار إليها في قوله -تعالى-: (وللرجال عليهن درجة) وقوله: (الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ) [النساء: 34].
بل إن الله-عز وجل- قد اختص الرجل بخصائص عديدة تؤهله للقيام بهذه المهمة الجليلة.
ومن تلك الخصائص ما يلي:
أ-أنه جُعل أصلها، وجعلت المرأة فرعه، كما قال-تعالى-: (وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا) [النساء:1].
ب- أنها خلقت من ضلعه الأعوج، كما جاء في قوله -عليه الصلاة والسلام-: "استوصوا بالنساء؛ فإن المرأة خلقت من ضلَع أعوج، وإن أعوج شيء في الضلع أعلاه؛ إن ذهبت تقيمه كسرته، وإن تركته لم يزل أعوج؛ استوصوا بالنساء خيراً".
ج- أن المرأة ناقصة عقل ودين، كما قال-عليه الصلاة والسلام-: "ما رأيت ناقصات عقل ودين أذهب للب الرجل الحازم منكن" قالت امرأة: يا رسول الله، وما نقصان العقل والدين؟ قال: "أما نقصان العقل فشهادة امرأتين تعدل شهادة رجل، وتمكث الليالي ما تصلي، وتفطر في رمضان؛ فهذا نقصان الدين).
فلا يمكن -والحالة هذه- أن تستقل بالتدبير والتصرف.
د- نقص قوَّتها، فلا تقاتل ولا يُسهَم لها.
هـ- ما يعتري المرأة من العوارض الطبيعية من حمل وولادة، وحيض ونفاس، فيشغلها عن مهمة القوامة الشاقة.
و- أنها على النصف من الرجل في الشهادة- كما مر- وفي الدية، والميراث، والعقيقة، والعتق.
هذه بعض الخصائص التي يتميز بها الرجل عن المرأة.
قال الشيخ محمد رشيد رضا -رحمه الله-: "ولا ينازع في تفضيل اللهِ الرجلَ على المرأة في نظام الفطرة إلا جاهل أو مكابر؛ فهو أكبر دماغاً، وأوسع عقلاً، وأعظم استعداداً للعلوم، وأقدر على مختلف الأعمال".
وبعد أن استبان لنا عظم شأن القوامة، وأنها أمر يأمر به الشرع، وتقره الفطرة السوية، والعقول السليمة؛ فهذا ذكر لبعض ما قاله بعض الغربيين من الكتاب وغيرهم في شأن القوامة؛ وذلك من باب الاستئناس؛ لأن نفراً من بني جلدتنا لا يقع الدليل موقعه عندهم إلا إذا صدر من مشكاة الغرب.
أ-تقول (جليندا جاكسون) حاملة الأوسكار التي منحتها ملكة بريطانيا وساماً من أعلى أوسمة الدولة، والتي حصلت على جائزة الأكاديمية البريطانية، وجائزة مهرجان مونتريال العالمي تقول: "إن الفطرة جعلت الرجل هو الأقوى والمسيطر بناءً على ما يتمتع به من أسباب القوة تجعله في المقام الأول بما خصه الله به من قوة في تحريك الحياة، واستخراج خيراتها، إنه مقام الذاتية عند الرجل التي تؤهله تلقائياً لمواجهة أعباء الحياة وإنمائها، واطراد ذلك في المجالات الحياتية".
ب-الزعيمة النسائية الأمريكية (فليش شلافي) دعت المرأة إلى وجوب الاهتمام بالزوج والأولاد قبل الاهتمام بالوظيفة، وبوجوب أن يكون الزوج هو رب الأسرة وقائد دفتها.
ج- وفي كتاب صدر أخيراً عن حياة الكاتبة الإنجليزية المشهورة (أجاثا كريستي) ورد فيه قولها: "إن المرأة الحديثة مُغَفَّلة؛ لأن مركزها في المجتمع يزداد سوءاً يوماً بعد يوم؛ فنحن النساء نتصرف تصرفاً أحمق؛ لأننا بذلنا الجهد خلال السنين الماضية؛ للحصول على حق العمل والمساواة في العمل مع الرجل.
والرجال ليسوا أغبياء؛ فقد شجعونا على ذلك معلنين أنه لا مانع مطلقاً من أن تعمل الزوجة وتضاعف دخل الزوج.
ومن المحزن أن نجد بعد أن أثبتنا نحن النساء أننا الجنس اللطيف الضعيف أننا نعود اليوم لنساوى في الجهد والعرق الذي كان من نصيب الرجل وحده".
د- وتقول طبيبة نفسية أمريكية: "أيما امرأة قالت: أنا واثقة بنفسي، وخرجت دون رقيب أو حسيب فهي تقتل نفسها وعفتها".
هذا ما يقوله العقلاء من أولئك القوم؛ فماذا يقول العلم الحديث في ذلك الشأن؟
لقد أثبت العلم الحديث أخيراً وَهْمَ محاولات المساواة بين الرجل والمرأة، وأن المرأة لا يمكن أن تقوم بالدور الذي يقوم به الرجل؛ فقد أثبت الطبيب (د.روجرز سبراي) -الحائز على جائزة نوبل في الطب-وجود اختلافات بين مخ الرجل ومخ المرأة، الأمر الذي لا يمكن معه إحداث مساواة في المشاعر وردود الأفعال، والقيام بنفس الأدوار.
وقد أجرى طبيب الأعصاب في جامعة (بيل) الأمريكية بحثاً طريفاً رصد خلاله حركة المخ في الرجال والنساء عند كتابة موضوع معين أو حل مشكلة معينة، فوجد أن الرجال بصفة عامة يستعملون الجانب الأيسر من المخ، أما المرأة فتستعمل الجانبين معاً.
وفي هذا دليل- كما يقول أستاذ جامعة بيل- أن نصْفَ مُخِّ الرجل يقوم بعمل لا يقدر عليه مُخُّ المرأة إلا بشطريه.
وهذا يؤكد أن قدرات الرجل أكبر من قدرات المرأة في التفكير، وحل المشكلات.
وهذا ما اكتشفه البروفيسور (ريتشارد لين) من القسم السيكولوجي في جامعة ألستر البريطانية حيث يقول: "إن عدداً من الدراسات أظهرت أن وزن دماغ الرجل يفوق مثيله النسائي بحوالي أربع أوقيات".
وأضاف لين: "أنه يجب الإقرار بالواقع، وهو أن دماغ الذكور أكبر حجماً من دماغ الإناث، وأن هذا الحجم مرتبط بالذكاء".
وقال: "إن أفضلية الذكاء عند الذكور تشرح أسباب حصول الرجال في بريطانيا على ضعفي ما تحصل عليه النساء من علامات الدرجة الأولى".
وسواء صح ما قالوه أم لم يصح فإن الله -سبحانه- أخبرنا في كتابه بالاختلاف بين الجنسين على وجه العموم فقال-عز وجل-: (وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالأُنْثَى) [آل عمران: 36].
فكل ميسر لما خلق له، وكل يعمل على شاكلته.
ولا يفهم من خلال ما مضى أن ضعف المرأة ونقصها الخلْقي يعد من مساوئها؛ بل هو من أعظم محاسنها.
قال العلامة الشيخ محمد الأمين الشنقيطي-رحمه الله-: "ألا ترى أن الضعف الخِلْقيَّ والعجز عن الإبانة في الخصام عيب ناقص في الرجال مع أنه يعد من جملة محاسن النساء التي تجذب إليها القلوب".
قال جرير:
إن العيون التي في طرفها حور ... ...
قتلننا ثم لم يحين قتلانا
يَصْرَعْن ذا اللب حتى لاحراك به ... ...
وهن أضعف خلق الله أركانا
وقال ابن الدمينة:
بنفسي وأهلي من إذا عرضوا له ... ...
ببعض الأذى لم يدر كيف يجيب
فلم يعتذرْ عُذْرَ البريء ولم تزل ... ...
به سكتة حتى يقال مريب
فالأول تشبيب بهن بضعف أركانهن، والثاني بعجزهن عن الإبانة في الخصام كما قال-تعالى-: (وَهُوَ فِي الْخِصَامِ غَيْرُ مُبِينٍ) [الزخرف: 18].
ولهذا التباين في الكمال والقوة بين النوعين صح عن النبي – صلى الله عليه وسلم – "اللعن على من تشبه منهما بالآخر".
وقال-رحمه الله- بعد أن ذكر بعض الأدلة على فضيلة الذكر على الأنثى: "فإذا عرفت من هذه أن الأنوثة نقص خلقي، وضعف طبيعي؛ فاعلم أن العقل الصحيح الذي يدرك الحكم والأسرار يقضي بأن الناقص الضعيف بخلقته وطبيعته يلزم أن يكون تحت نظر الكامل في خلقته، القوي بطبيعته؛ ليجلب له ما لا يقدر على جلبه من النفع، ويدفع عنه ما لا يقدر على دفعه من الضر"
ومن إكرام الإسلام للمرأة: أن أباح للرجل أن يعدد، فيتزوج بأكثر من واحدة، فأباح له أن يتزوج اثنتين، أو ثلاثاً، أو أربعاً، ولا يزيد عن أربع بشرط أن يعدل بينهن في النفقة، والكسوة، والمبيت، وإن اقتصر الزوج على واحدة فله ذلك.
هذا وإن في التعدد حكماً عظيمة، ومصالح كثيرة لا يدركها الذين يطعنون في الإسلام، ويجهلون الحكمة من تشريعاته، ومما يبرهن على الحكمة من مشروعية التعدد ما يلي:
1-أن الإسلام حرم الزنا، وشدَّد في تحريمه؛ لما فيه من المفاسد العظيمة التي تفوق الحصر والعد، والتي منها: اختلاط الأنساب، وقتل الحياء، والذهاب بالشرف وكرامة الفتاة؛ إذ الزنا يكسوها عاراً لا يقف حده عندها، بل يتعداه إلى أهلها وأقاربها.
ومن أضرار الزنا: أن فيه جناية على الجنين الذي يأتي من الزنا؛ حيث يعيش مقطوع النسب، محتقراً ذليلاً.
ومن أضراره: ما ينتج عنه من أمراض نفسية وجسدية يصعب علاجها، بل ربما أودت بحياة الزاني كالسيلان، والزهري، والهربس، والإيدز، وغيرها.
والإسلام حين حرَّم الزنا وشدَّد في تحريمه فتح باباً مشروعاً يجد فيه الإنسان الراحة، والسكن، والطمأنينة ألا وهو الزواج، حيث شرع الزواج، وأباح التعدد فيه كما مضى.(100/112)
ولا ريب أن منع التعدد ظلم للرجل وللمرأة؛ فمنعه قد يدفع إلى الزنا؛ لأن عدد النساء يفوق عدد الرجال في كل زمان ومكان، ويتجلى ذلك في أيام الحروب؛ فَقَصْر الزواج على واحدة يؤدي إلى بقاء عدد كبير من النساء دون زواج، وذلك يسبب لهن الحرج، والضيق، والتشتت، وربما أدى بهن إلى بيع العرض، وانتشار الزنا، وضياع النسل.
2-أن الزواج ليس متعة جسدية فحسب: بل فيه الراحة، والسكن، وفيه-أيضاً-نعمة الولد، والولد في الإسلام ليس كغيره في النظم الأرضية؛ إذ لوالديه أعظم الحق عليه؛ فإذا رزقت المرأة أولاداً، وقامت على تربيتهم كانوا قرة عين لها؛ فأيهما أحسن للمرأة: أن تنعم في ظل رجل يحميها، ويحوطها، ويرعاها، وترزق بسببه الأولاد الذين إذا أحسنت تربيتهم وصلحوا كانوا قرة عين لها؟ أو أن تعيش وحيدة طريدة ترتمي هنا وهناك؟!.
3-أن نظرة الإسلام عادلة متوازنة: فالإسلام ينظر إلى النساء جميعهن بعدل، والنظرة العادلة تقول بأنه لابد من النظر إلى جميع النساء بعين العدل.
إذا كان الأمر كذلك؛ فما ذنب العوانس اللاتي لا أزواج لهن؟ ولماذا لا يُنظر بعين العطف والشفقة إلى من مات زوجها وهي في مقتبل عمرها؟ ولماذا لا ينظر إلى النساء الكثيرات اللواتي قعدن بدون زواج؟.
أيهما أفضل للمرأة: أن تنعم في ظل زوج معه زوجة أخرى، فتطمئن نفسها، ويهدأ بالها، وتجد من يرعاها، وترزق بسببه الأولاد، أو أن تقعد بلا زواج البتة؟.
وأيهما أفضل للمجتمعات: أن يعدد بعض الرجال فيسلم المجتمع من تبعات العنوسة؟ أو ألا يعدد أحد، فتصطلي المجتمعات بنيران الفساد؟.
وأيهما أفضل: أن يكون للرجل زوجتان أو ثلاث أو أربع؟ أو أن يكون له زوجة واحدة وعشر عشيقات، أو أكثر أو أقل؟.
4-أن التعدد ليس واجباً: فكثير من الأزواج المسلمين لا يعددون؛ فطالما أن المرأة تكفيه، أو أنه غير قادر على العدل فلا حاجة له في التعدد.
5-أن طبيعة المرأة تختلف عن طبيعة الرجل: وذلك من حيث استعدادها للمعاشرة؛ فهي غير مستعدة للمعاشرة في كل وقت، ففي الدورة الشهرية مانع قد يصل إلى عشرة أيام، أو أسبوعين كل شهر.
وفي النفاس مانع -أيضاً- والغالب فيه أنه أربعون يوماً، والمعاشرة في هاتين الفترتين محظورة شرعاً، لما فيها من الأضرار التي لا تخفى.
وفي حال الحمل قد يضعف استعداد المرأة في معاشرة الزوج، وهكذا.
أما الرجل فاستعداده واحد طيلة الشهر، والعام؛ فبعض الرجال إذا منع من التعدد قد يؤول به الأمر إلى سلوك غير مشروع.
6-قد تكون الزوجة عقيماً لا تلد: فيُحْرمُ الزوج من نعمة الولد، فبدلاً من تطليقها يبقي عليها، ويتزوج بأخرى ولود.
وقد يقال: وإذا كان الزوج عقيماً والزوجة ولوداً؛ فهل للمرأة الحق في الفراق؟.
والجواب: نعم فلها ذلك إن أرادت.
7-قد تمرض الزوجة مرضاً مزمناً: كالشلل وغيره، فلا تستطيع القيام على خدمة الزوج؛ فبدلاً من تطليقها يبقي عليها، ويتزوج بأخرى.
8-قد يكون سلوك الزوجة سيئاً: فقد تكون شرسة، سيئة الخلق لا ترعى حق زوجها؛ فبدلاً من تطليقها يبقي الزوج عليها، ويتزوج بأخرى؛ وفاء للزوجة، وحفظاً لحق أهلها، وحرصاً على مصلحة الأولاد من الضياع إن كان له أولاد منها.
9-أن قدرة الرجل على الإنجاب أوسع بكثير من قدرة المرأة: فالرجل يستطيع الإنجاب إلى ما بعد الستين، بل ربما تعدى المائة وهو في نشاطه وقدرته على الإنجاب.
أما المرأة فالغالب أنها تقف عن الإنجاب في حدود الأربعين، أو تزيد عليها قليلاً؛ فمنع التعدد حرمان للأمة من النسل.
10-أن في الزواج من ثانية راحة للأولى: فالزوجة الأولى ترتاح قليلاً أو كثيراً من أعباء الزوجية؛ إذ يوجد من يعينها ويأخذ عنها نصيباً من أعباء الزوج.
ولهذا، فإن بعض العاقلات إذا كبرت في السن وعجزت عن القيام بحق الزوج أشارت عليه بالتعدد.
11-التماس الأجر: فقد يتزوج الإنسان بامرأة مسكينة لا عائل لها، ولا راع، فيتزوجها بنيَّة إعفافها، ورعايتها، فينال الأجر من الله بذلك.
12-أن الذي أباح التعدد هو الله -عز وجل-: فهو أعلم بمصالح عباده، وأرحم بهم من أنفسهم.
وهكذا يتبين لنا حكمة الإسلام، وشمول نظرته في إباحة التعدد، ويتبين لنا جهل من يطعنون في تشريعاته.
ومن إكرام الإسلام للمرأة أن جعل لها نصيباً من الميراث؛ فللأم نصيب معين، وللزوجة نصيب معين، وللبنت وللأخت ونحوها نصيب على نحو ما هو مُفَصَّل في مواضعه.
ومن تمام العدل أن جعل الإسلام للمرأة من الميراث نصف ما للرجل، وقد يظن بعض الجهلة أن هذا من الظلم؛ فيقولون: كيف يكون للرجل مثل حظ الأنثيين من الميراث؟ ولماذا يكون نصيب المرأة نصف نصيب الرجل؟.
والجواب أن يقال: إن الذي شرع هذا هو الله الحكيم العلم بمصالح عباده.
ثم أي ظلم في هذا؟ إن نظام الإسلام متكامل مترابط؛ فليس من العدل أن يؤخذ نظام، أو تشريع، ثم ينظر إليه من زاوية واحدة دون ربطه بغيره، بل ينظر إليه من جميع جوانبه؛ فتتضح الصورة، ويستقيم الحكم.
ومما يتبين به عدل الإسلام في هذه المسألة: أن الإسلام جعل نفقة الزوجة واجبة على الزوج، وجعل مهر الزوجة واجباً على الزوج-أيضاً-.
ولنفرض أن رجلاً مات، وخلَّف ابناً، وبنتاً، وكان للابن ضعف نصيب أخته، ثم أخذ كل منهما نصيبه، ثم تزوج كل منهما؛ فالابن إذا تزوج مطالب بالمهر، والسكن، والنفقة على زوجته وأولاده طيلة حياته.
أما أخته فسوف تأخذ المهر من زوجها، وليست مطالبة بشيء من نصيبها لتصرفه على زوجها، أو على نفقة بيتها أو على أولادها؛ فيجتمع لها ما ورثته من أبيها، مع مهرها من زوجها، مع أنها لا تُطَالب بالنفقة على نفسها وأولادها.
أليس إعطاء الرجل ضعف ما للمرأة هو العدل بعينه إذاً؟
هذه هي منزلة المرأة في الإسلام؛ فأين النظم الأرضية من نظم الإسلام العادلة السماوية، فالنظم الأرضية لا ترعى للمرأة كرامتها، حيث يتبرأ الأب من ابنته حين تبلغ سن الثامنة عشرة أو أقل؛ لتخرج هائمة على وجهها تبحث عن مأوى يسترها، ولقمة تسد جوعتها، وربما كان ذلك على حساب الشرف، ونبيل الأخلاق.
وأين إكرامُ الإسلام للمرأة، وجَعْلُها إنساناً مكرماً من الأنظمة التي تعدها مصدر الخطيئة، وتسلبها حقها في الملكية والمسؤولية، وتجعلها تعيش في إذلال واحتقار، وتعدها مخلوقاً نجساً؟.
وأين إكرام الإسلام للمرأة ممن يجعلون المرأة سلعة يتاجرون بجسدها في الدعايات والإعلانات؟.
وأين إكرام الإسلام لها من الأنظمة التي تعد الزواج صفقة مبايعة تنتقل فيه الزوجة؛ لتكون إحدى ممتلكات الزوج؟ حتى إن بعض مجامعهم انعقدت؛ لتنظر في حقيقة المرأة وروحها أهي من البشر أو لا؟!.
وهكذا نرى أن المرأة المسلمة تسعد في دنياها مع أسرتها وفي كنف والديها، ورعاية زوجها، وبر أبنائها سواء في حال طفولتها، أو شبابها، أو هرمها، وفي حال فقرها أو غناها، أو صحتها أو مرضها.
وإن كان هناك من تقصير في حق المرأة في بعض بلاد المسلمين أو من بعض المنتسبين إلى الإسلام-فإنما هو بسبب القصور والجهل، والبُعد عن تطبيق شرائع الدين، والوزر في ذلك على من أخطأ والدين براء من تبعة تلك النقائص.
وعلاج ذلك الخطأ إنما يكون بالرجوع إلى هداية الإسلام وتعاليمه؛ لعلاج الخطأ.
هذه هي منزلة المرأة في الإسلام على سبيل الإجمال: عفة، وصيانة، ومودة، ورحمة، ورعاية، وتذمم إلى غير ذلك من المعاني الجميلة السامية.
أما الحضارة المعاصرة فلا تكاد تعرف شيئاً من تلك المعاني، وإنما تنظر للمرأة نظرة مادية بحتة، فترى أن حجابها وعفتها تخلف ورجعية، وأنها لابد أن تكون دمية يعبث بها كل ساقط؛ فذلك سر السعادة عندهم.
وما علموا أن تبرج المرأة وتهتكها هو سبب شقائها وعذابها.
وإلا فما علاقة التطور والتعليم بالتبرج والاختلاط وإظهار المفاتن، وإبداء الزينة، وكشف الصدور، والأفخاذ، وما هو أشد؟!.
وهل من وسائل التعليم والثقافة ارتداء الملابس الضيقة والشفافة والقصيرة؟!.
ثم أي كرامة حين توضع صور الحسناوات في الإعلانات والدعايات؟!
ولماذا لا تروج عندهم إلا الحسناء الجميلة، فإذا استنفذت السنوات جمالها وزينتها أهملت ورميت كأي آلة انتهت مدة صلاحيتها؟ !.
وما نصيب قليلة الجمال من هذه الحضارة؟ وما نصيب الأم المسنة، والجدة، والعجوز؟.
إن نصيبها في أحسن الأحوال يكون في الملاجئ، ودور العجزة والمسنين؛ حيث لا تُزار ولا يُسأل عنها.
وقد يكون لها نصيب من راتب تقاعد، أو نحوه، فتأكل منه حتى تموت؛ فلا رحم هناك، ولا صلة، ولا ولي حميم.
أما المرأة في الإسلام فكلما تقدم السن بها زاد احترامها، وعظم حقها، وتنافس أولادها وأقاربها على برها-كما سبق- لأنها أدَّت ما عليها، وبقي الذي لها عند أبنائها، وأحفادها، وأهلها، ومجتمعها.
أما الزعم بأن العفاف والستر تخلف ورجعية؛ فزعم باطل؛ بل إن التبرج والسفور هو الشقاء والعذاب، والتخلف بعينه، وإذا أردت الدليل على أن التبرج هو التخلف فانظر إلى انحطاط خصائص الجنس البشري في الهمج العراة الذين يعيشون في المتاهات والأدغال على حال تقرب من البهيمية؛ فإنهم لا يأخذون طريقهم في مدارج الحضارة إلا بعد أن يكتسوا.
ويستطيع المراقب لحالهم في تطورهم أن يلاحظ أنهم كلما تقدموا في الحضارة زادت نسبة المساحة الكاسية من أجسادهم، كما يلاحظ أن الحضارة الغربية في انتكاسها تعود في هذا الطريق القهقرى درجة درجة حتى تنتهي إلى العري الكامل في مدن العراة التي أخذت في الانتشار بعد الحرب العالمية الأولى، ثم استفحل داؤها في السنوات الأخيرة.
وهكذا تبين لنا عظم منزلة المرأة في الإسلام، ومدى ضياعها وتشردها إذا هي ابتعدت عن الإسلام.
هذه نبذة يسيرة، وصور موجزة من تكريم الإسلام للمرأة
ـــــــــــــــــــ(100/113)
تحرير المرأة .. السجل البائس المسكوت عنه
شعبان عبد الرحمن * 18/2/1425
08/04/2004
بينما هدأ ضجيج احتفالات الثامن من فبراير ، يستعد العالم لاستقبال موجة أخرى من الضجيج على مسرح الأمم المتحدة.
فقد عودنا الغرب بآلته الإعلامية والسياسية أن يغلف حملاته ونظرياته وأدبياته عن المرأة بالذات بهالة كبيرة من الدعاية عن "تحرير المرأة ..وحقوقها .. ومكاسبها..." التي تحققت في ظل حضارته، ثم ازدادت تحقيقًا في عصر العولمة.. وقد شاهدنا جانبًا من تلك الدعاية في احتفالات الثامن من فبراير بـ" يوم المرأة العالمي " ولاشك أننا سنشاهد جانبًا آخر خلال المؤتمر الدولي للسكان الذي تستعد الأمم المتحدة لعقده .
وهناك ملاحظة جديرة بالذكر هنا، وهي أن النظرية المخادعة التي تروج لها الآلة الإعلامية والسياسية الغربية ومعها بالطبع الجوقة العلمانية في بلادنا باختلاف أطيافها تلح على أن كل ما تحقق للمرأة منذ الثورة الصناعية حتي اليوم هي في سجل المكاسب العظيمة، وربما يكون ذلك هو الظاهر الخادع بينما الحقيقة التي تنطق بها المرأة اليوم هي خلاف ذلك؛ فإخراج المرأة للعمل في عصر الثورة الصناعية كان ظاهره تحقيق ذاتها وإسهامها في بناء المجتمع وتحريرها من أسر البيت، ولكن الواقع أثبت أن الذي حدث هو عملية استعباد للمرأة في حقل العمل بالغرب كسلعة رخيصة الأجر جرى التلاعب بها . كما أن تعرية المرأة وإخراجها إلى دنيا الناس في أبهى زينتها كان ظاهره منح المرأة حريتها في أن تلبس ما تشاء وتخرج إلى المجتمع بما تريد، لكن الحقيقة أن المرأة وقعت هنا تحت الابتزاز والاتجار في سوق المتعة تحت شعارات خادعة كثيرة .
والمدقق في الأمر لن يجد خلافًا بين حقيقة الشعارات التي تروجها الدعاية الأمريكية الغربية خلال الحملات العسكرية لاحتلال بلادنا وحقيقة الشعارات التي تروجها نفس الدعاية عن حقوق المرأة؛ فظاهر الدعايتين التحرير والتنوير والرخاء وحقوق الإنسان، أما باطنها فهو العذاب الذي نعانيه .
في سجل المرأة وتحريرها ونيل حقوقها هناك صفحات دامية مسكوت عنها من الغرب والطبقة العلمانية في بلادنا، وهي صفحات مكتوبة بلسان المرأة الغربية ذاتها، وربما يكون في الاطلاع عليها كشف لجانب من الحقيقة .
مؤتمرات الأمم المتحدة حول المرأة :
ففيما يتعلق بمؤتمرات المرأة المتواصلة يأتي المؤتمر القادم ضمن سلسلة المؤتمرات التي تنظمها الأمم المتحدة حول السكان منذ عام 1975م حين عقدت مؤتمرها الأول في المكسيك ثم نيروبي عام 1985م ومؤتمر القاهرة عام 1994م، وبكين عام 1995م واسط نبول عام 1996م ونيويورك عام 1999م وانتهاء بمؤتمر «بكين + 5» بعنوان «المرأة عام 2000م».
ورغم أن العنوان المعلن لهذه المؤتمرات هو«السكان» إلا أن هناك حقيقتين تنطق بهما وثائق تلك المؤتمرات و برامجها:
الحقيقة الأولي : أن أهدافها تمحورت حول نقطة واحدة فيما يخص «المرأة»، وهي الإلحاح في الدعوة لإطلاق الإباحية الجنسية ومنح المرأة كامل التصرف في جسدها، بما في ذلك حق الإجهاض دون تدخل من أحد، والدعوة لإلغاء نظام الميراث - الذي أقره الإسلام- بزعم المساواة، والمطالبة الصريحة بشل سلطة الأبوين على الأبناء، بل وصل الأمر إلى الدعوة إلى هدم الأسرة وإلغائها ليبقى كل فرد هائماً على وجهه.
وقد أثبتت وثائق وفاعليات وبيانات تلك المؤتمرات على امتداد أكثر من ربع القرن أنها أبعد ما تكون عن إنصاف المرأة وحمايتها وإحقاق حقوقها وصون آدميتها؛ وإن كانت الشعارات التي ترفعها تتغنى بذلك.
الحقيقة الثانية : أن تلك المؤتمرات تأتي في إطار المشروع الغربي الكبير لعولمة العالم، فكما أن الآلة السياسية والعسكرية الغربية تسعى لدمج العالم سياسيًّا واقتصاديًّا وثقافيًّا في منظومة غربية واحدة، تأتي تلك المؤتمرات التي ينظمها الغرب ومنظماته وأجهزته، ممتطياً المنظمة الأممية الدولية، لإكمال مخطط العولمة الكبير بعولمة البشرية ودمجها في أتون النمط الغربي الاجتماعي " الفاشل " حيث الإباحية المطلقة والدمار الأسري والانهيار الأخلاقي، والمستهدف من وراء ذلك كله المرأة المسلمة والأسرة المسلمة والمجتمع المسلم الذي يمتلك - بفضل الإسلام - ثروة عظيمة من القيم والمبادئ والأخلاق التي صانت عفاف المرأة وأقامت بنيان الأسرة على أساس متين وأبدعت مجتمعاً متماسكاً متكافلاً.
ومن هنا وبمناسبة يوم المرأة العالمي واستباقاً للحملة الدعائية الكبرى التي ستصاحب عقد المؤتمر الجديد حول السكان نؤكد علي الحقائق التالية:
أولاً: لقد بات واضحاً وبما لا يدع مجالاً للشك أن الغرب وسماسرته في البلاد الإسلامية من المؤسسات والمنتديات والأقلام العلمانية المتطرفة أصبحوا يمتلكون خبرة شيطانية في التلاعب بقضايا المرأة من خلال الشعارات الخادعة نحو تحقيق مكاسب سياسية رخيصة حيناً أو استخدامها كورقة ضغط على الدول والشعوب أو كورقة إرهابية لابتزاز الأفراد والجماعات حيناً آخر، وقد نجحت - للأسف - تلك الضغوط في إحداث تغييرات بقوانين الأسرة في عدد من الدول العربية بما يصب في تحقيق بعض من مخطط عولمة الأسرة المسلمة.
ثانياً: أن النموذج والتجربة الغربية فيما يسمى بتحرير المرأة والذي يروج له سماسرة الاستعمار بافتنان وإلحاح على تطبيقه في بلادنا، نموذج حافل بالفشل ومليء بالمآسي ومتخم بأنات وصرخات النساء، ولا نقول ذلك من نسج خيالنا وإنما نقوله من واقع السجلات والبيانات والوثائق والدراسات التي صدرت في الغرب وعلى ألسنة نساء في الغرب .
شهادات نسائية :
ووقفة سريعة أمام البيانات والوثائق يتضح ما نقول:
1 ـ اكتشفت المرأة الغربية - التي خرجت إلى ميادين العمل بلا ضوابط أو حدود تحت شعار المساواة بالرجل وإثبات الذات - أنها ساقطة بين أنياب غول من الشهوانية المريضة التي تفترسها من جهة وواقعة تحت مطارق الاستعباد والابتزاز من جهة أخرى. ففي استطلاع لجامعة كورفيل الأمريكية بين العاملات في الخدمة المدنية ثبت أن 70% منهن قد تعرضن إما لمضايقات أو اعتداءات جنسية.
وفي دراسة تم رفعها مؤخراً إلى وزيرة الشؤون النسائية الكندية تبين أن 40% من النساء العاملات تعرضن إما للضرب أو الاغتصاب.
2 ـ لقد بلغ الانحدار أن أصبحت المتاجرة بالأعراض وتبادل صفقات الاستغلال الجنسي من أكثر الأسواق رواجاً في العالم، وهذا ما يحاولون تصديره إلينا عبر مؤتمرات السكان التي تنادي بالحرية الجنسية الإباحية.
وقد كشفت دراسة حديثة صادرة عن جامعة بنسلفانيا الأمريكية أن حوالي 325 ألف أمريكي تقل أعمارهم عن 17 عاماً يتعرضون سنويًّا للاستغلال الجنسي، وهو ما وصفه واضع الدراسة البروفيسور ريتشارد ايستيس بأنه "أخبث أشكال المعاملة السيئة التي تنزل بالأولاد في الولايات المتحدة وأمريكا الشمالية".
3 ـ أن المجتمعات الغربية ذاتها صارت تضج بالشكوى من الإباحية وأصبحت تئن تحت سعارها؛ ففي دراسة أمريكية أخرى ثبت أن 80% من الأمريكيين باتوا يعتقدون أن أسباب انحدار القيم الأخلاقية لدى الشباب يكمن في التغيير الذي طرأ على المجتمعات خلال الثلاثين عاماً الماضية بسبب الحرية المفتوحة، وقال 87% من عينة الدراسة: «لو عادت عجلة التاريخ لاعتبرنا المطالبة بالمساواة بين الجنسين مؤامرة اجتماعية ضد الولايات المتحدة».
وقد أثبتت الإحصاءات في ألمانيا أن الحياة الإباحية تنتج كل عام سبعة آلاف طفل ينتسبون لغير آبائهم.
كما بثت وكالة رويترز للأنباء مؤخراً نبأ محاكمة (مارك دمولان) عضو الجمعية الوطنية الفرنسية بتهمة الاعتداء الجنسي على ابنة أخيه القاصر.
إن السجل حافل ومتخم بالحقائق الدامغة التي تكشف زيف الشعارات والدعاوى التي تطلقها مؤتمرات الأمم المتحدة عن المرأة والسكان، وتكشف في الوقت نفسه بلاهة الببغاوات العلمانية ممن يطلقون على أنفسهم اسم مناصري حقوق المرأة. ولو أن الجميع وقفوا قليلاً وبتجرد أمام الحقيقة لتحركوا نحو إنقاذ المرأة ولسارت خطط المؤتمرات وحملات الإعلام نحو إنقاذ المرأة والأسرة و منهج الإسلام الحكيم كفيل لمن أراد .
فقد كرم الإسلام المرأة تكريماًَ حقيقياً وصان حقوقها وحفظ كرامتها وشرفها وإنسانيتها أمًّا وزوجة وابنة، ويجدر بنا التأكيد في هذا الصدد على أنها كانت دوماً درة المجتمع الإسلامي وحصنه الحصين في إقامة بنيان الأسرة وحفظ تماسكه، ولذا كان المشروع الغربي الاستعماري على استهدافها واستخدامها كسلاح لإفساد مجتمعاتنا.
وقد أعلن ذلك قبل قرنين من الزمان رئيس الوزراء البريطاني جلادستون قائلاً: إن بلاد الشرق لا يمكن أن تتقدم - في نظره- إلا بأمرين؛ الأول: برفع الحجاب عن المرأة المسلمة. والثاني: أن يغطي الحجاب القرآن. وذلك ما يحاولونه حتى اليوم.
لكن الصحوة الإسلامية الراشدة التي عادت بالناس إلى كنف الإسلام بوعي وإدراك استطاعت عرقلة كل تلك المخططات متخذة المرأة المسلمة العامل الأهم نحو الإصلاح الشامل.* كاتب صحفي ومحلل سياسي
ـــــــــــــــــــ(100/114)
التدخين آفةُ العصرِ ومأساةُ الأسرِ (1/2)
الرياض: عز الدين فرحات القاهرة: سامح جاد عمان: وفاء أبو طه 8/1/1425
28/02/2004
التدخين آفة العصر التي أنزلت بالإنسان العلل والأمراض وهي من الخبائث التي حرمها الله، قال تعالى: "ويُحِلُ لهُم الطيباتِ ويُحرمُ عليهم الخبائثَ" ، وهي مأساة للأسر التي يدمن التدخينَ أحدُ أفرادها ، مأساة تتعدى صاحبها لتشمل كل أفراد الأسرة والمجتمع ، خاصة إذا تجاوزت حدود هذه الآفة لتضم تحت أجنحتها الفتيات والنساء.
و التدخين بلا شك مشكلة صحية واقتصادية واجتماعية في كل دول العالم وهي في الدول العربية والإسلامية أكبر.
فقد أوضحت دراسة أجرتها وزارة المعارف السعودية على تلاميذ المدارس – ونشرتها جريدة "اليوم" بتاريخ 15/2/1422هـ - ، وشملت 752 تلميذًا من المرحلتين المتوسطة والثانوية بالمدارس الحكومية في مدينة الدمام، أن 30 % منهم مدخنون، وأن 90% من هؤلاء قد بدؤوا التدخين في مرحلة مبكرة، وأكدت الدراسة أن 66% من المدخنين تتراوح أعمارهم بين 12 - 17 عاماً.
ونشرت جريدة "المدينة" في 9/2/ 1420 هـ دراسة ميدانية أكدت أن 418 طالبًا من طلاب مدينة الرياض يذهبون أثناء الدراسة الصباحية إلى المقاهي ويدخنون الشيشة.
ولكن الأخطر من ذلك ما نشرته "الشرق الأوسط" بتاريخ 8/2/1420 هـ عن إحصائية لمستشفى الملك خالد التعليمي تبين أن 35% من طالبات الثانوية مدخنات, و27% من طالبات المتوسطة مدخنات,50% من المدرسات مدخنات.
والملاحظ أن هذه الدراسات منذ أربع سنوات تقريبًا فما ذا تكون الحقائق الآن يا ترى؟!
إن ولع الشباب عمومًا والفتيات على وجه الخصوص بالتجريب والتقليد هو مكمن الخطورة فيما ينتقل إلينا من عادات سيئة.
إن خطورة التدخين ليست صحية فقط وليست اقتصادية فقط وليست أخلاقية فقط وليست اجتماعية فقط؛ بل هي كل هذه الأخطار مجتمعة وهو إن كان خطرًا على الشباب فهو على الفتيات والنساء أشد خطرًا؟
ماذا تقول المدخنات؟
من الأردن: (سهى (فتاه في الرابعة عشرة من عمرها ، تمارس التدخين سرًّا، تقول: إن الدخان ليس سيئًا وإنه ( موديل ) في هذا الزمن، مشيرة إلى أن عائلتها لا تعلم أنها تدخن لكن والدتها فقط تعلم بذلك، وهي قد نصحتها أكثر من مرة دون فائدة . وتقول ماذا يعني إن قامت الفتاة بالتدخين وهي لم تصل لعمر الثامنة عشرة أو أن خرجت مع مجموعة من الشباب و الصبايا، يجب أن تتغير الأفكار القديمة ؛ لأن فتيات هذا العصر لا يؤمنّ بها ولا يرغبنها.
أما هبه فتقول : أعلم أن الدخان عادة ومسلك سيئ لكن جميع صديقاتي يدخن ولا أحد في هذا العصر لا يدخن ، و في العادة أدخن في مطاعم الوجبات السريعة و في عدد من المقاهي التي أذهب إليها مع صديقاتي وأصدقائي ، وأكدت أنها لا تشعر بالحرج من التدخين بحرم الجامعة، لكنها تحرج من أهلها فلا تدخن بالمنزل.
وتقول السيدة وسام : زوجي يعلم أنني أدخن وقد تعرضت للإجهاض مرتين بسبب ذلك؛ فطلب زوجي أن أترك التدخين فرفضت لأني لا أستطيع، فهددني بالطلاق ، وأنا حاليًّا أحاول التخفيف قدر الإمكان حتى لا أهدم حياتي الزوجية، أما بالنسبة) للأرجيلة (فلا أستطيع الاستغناء عنها وكذلك زوجي ، وأعترف بخوفي من تأثير ذلك على إمكانية حملي وحتى على أطفالي مستقبلاً .
أما صفاء ( أم خالد) فإنها ترقد في إحدى المستشفيات النفسية في عمان وتعاني من إدمان المخدرات، وتقول : تعرضت للمشكلات النفسية على إثر مشكلاتي الزوجية، وكانت المرة الأولى عندما أدمنت على المهدئات حتى أستطيع النوم ليلاً واقترن ذلك بإدماني على الكحول ، وقامت إحدى صديقاتي بإعطائي دواء فعالاً حتى اكتشفت فيما بعد أنه نوع من أنواع المخدرات وأصبحت لا أستغني عنه، وازدادت حالتي سوءًا إلى أن دخلت مستشفى لعلاج الإدمان.
ومن القاهرة : تقول مها مهندسة (32 سنة): " بدأت التدخين بعد أن نصحتني إحدى صديقاتي بقولها : دخني لكي تتخلصي من التوتر والقلق، أخذت السيجارة خفية من علبة والدي وبدأت في التدخين، بعد سنوات اكتشفت مها أن توترها يزداد وأنها استسلمت للإدمان بعد أن قصمت ظهر العيب.
بينما ترى أميرة (28 سنة) صحفية أن التدخين ليس خطيئة رغم أنه ضار بالصحة وتساءلت بغضب: لماذا تحاسبون المرأة ولا تحاسبون الرجل؟ وتضيف أميرة بكل استخفاف: التدخين لا يعني أن المرأة غير ملتزمة ولهذا يجب النظر إلى المرأة المدخنة كما ينظر للرجل المدخن.
وتقول م. خ ( كلية الآداب بحلوان): إن تدخين الشيشة مجرد فكرة كانت تراودني دائما كلما سمعت الحكايات من أصدقائي عنها؛ فقررت في مرة أن أجربها ولن أخسر شيئًا, "فما العيب" في ذلك خاصة أنني لا أفعل شيئًا يسيء لأخلاقي؟.
بينما تعترف إحسان محمود (بكالوريوس تجارة) فتقول: رغم أني أدخن إلا أنني أشعر بصورة سيئة داخل نفسي وأشعر أحيانًا بالضياع.. حينما أتذكر عدم تقدم أحد لخطبتي وزواجي.. فقد علمت لكن متأخرًا أنه من المستحيل أن يقبل الرجل الشرقي على الزواج من فتاة مدخنة.
وتضيف إحسان لقد أخطئت في حق نفسي عندما أدمنت التدخين والسبب صديقات السوء، وأنا الآن لا أستطيع التراجع عن هذا الوسط أو الإقلاع عن التدخين رغم محاولة العلاج على يد الأطباء لكن ضعف نفسي وراء استمراري في التدخين.
تدخين الشيشة ظاهرة جديدة
ومن الظواهر الغريبة التي غزت مجتمعاتنا العربية والإسلامية هي إقبال الفتيات والسيدات على تدخين الشيشة أو النرجيلة، وهو بلا شك سلوك لا يتناغم مع شخصية الفتاة المسلمة، وغالبًا ما تنتقل هذه الظاهرة إلى الفتيات والسيدات من قبيل التقليد أو نتيجة الاعتقاد الخاطئ بانخفاض الضرر الناتج عن تدخين الشيشة وهو بلا شك وهم بعيد كل البعد عن الصحة.
وهذا ما يؤكده الدكتور حسام الدين الأنور – أستاذ الأمراض الصدرية بكلية الطب جامعة القاهرة- أن تدخين الشيشة أكثر ضررًا من تدخين السجائر؛ لأنه يسبب تمدد في الحويصلات الهوائية.. وقد ثبت علميًّا أن تدخين الشيشة يقلل من مرونة الرئة ويصيب الإنسان بصعوبة في التنفس أكثر من تدخين السجائر ويصيب الإنسان بالحساسية الصدرية والالتهاب المزمن بالشعب الهوائية ..
أما الدكتور عبد الحكيم محمود -أستاذ ورئيس قسم الصدر والحساسية بكلية طب القصر العيني-؛ فيقول: حجر الشيشة الواحد يساوي تدخين 20 سيجارة ومن الأخطار الرهيبة التي تحيق بمدخني الشيشة خطر العدوى بالسل والالتهابات الرئوية فخرطوم الشيشة يحتجز الميكروبات خاصة ميكروب السل وينقلها للمدخنين الآخرين
مخاطر التدخين على النساء
تقول الدكتورة عزة كريم – خبيرة علم الاجتماع –: إن تدخين و إدمان الفتيات والنساء خطر وكارثة حقيقية، وهى مأساة على مستوى كل أسرة انزلق أحد أفرادها إلى هوة الإدمان، ويحتاج التصدي لها إلى جهود كثيرة متكاملة بدءًا بدور الدولة والمؤسسات غير الحكومية وخاصة الجهود التطوعية للجمعيات والأفراد للوقاية من كارثة ومأساة إدمان التدخين، والتصدي لها قبل أن تفتك بالمجتمع.
التدخين والإدمان ظاهرتان تبدوان أكثر ارتباطًا بالرجال ولكنها بالنسبة للنساء أشد خطورة وأكثر فتكًا ، فالتدخين يسلب من المرأة أو الفتاة جمالها حيث يتغير لون أسنانها للون الأصفر وشفتاها للون الأسود، ويمتقع لونها مع استمرار هذه العادة وتكون أسرع قابلية للشيخوخة المبكرة وللوفاة المبكرة في حالات إدمان التدخين بكثافة أو إدمان أي نوع من المخدرات وكذلك للإصابة بالسرطانات بكافة أماكن الإصابة (البلعوم – المريء – المعدة – الأمعاء – الثدي – عنق الرحم).
والنساء المدخنات يعانين -بسبب التدخين- من مشاكل في التنفس والجهاز التنفسي أكثر من الرجال، وقد تبيّن من بحث طبي حديث -والذي غطى نحو ستين ألفًا من الرجال والنساء- أن ظواهر صعوبة التنفس، مثل السعال والحشرجة وقصور النفس أثناء الشهيق والزفير، كانت أعلى عند النساء المدخنات مقارنة بالمدخنين.
وتستنتج الدراسة، التي قادها فريق بحث علمي من معهد الصحة العامة في النرويج، أن النساء أكثر عرضة لمضار التدخين وعوارضه الظاهرية مقارنة بالرجال، حيث تشير الدراسة إلى أن النساء يُستدرجن إلى السجائر بنفس درجة ضغط العادة الإدمانية التي يتعرض لها الرجال، وإذا ما أخذ تباين الحجم بين الاثنين؛ فهذا يعني أن درجة تركيز مكونات ونواتج السيجارة في المجاري الهوائية عند المرأة ستكون أكبر وأكثر خطورة.
التدخين مضر جدا بالجنين
كذلك أثبتت الدراسات أن النساء الحوامل المدخنات معرضات بنسبة عالية للولادة قبل الأوان وللإجهاض ولولادة الجنين ميتًا، ولموت الطفل في الأسابيع الأولى بعد الولادة، وللإصابة بسرطان عنق الرحم.
كما أظهرت هذه الدراسات بأن تدخين الأم يسبب تقلصًا في شرايين الدماغ عند الجنين، فالغاز الموجود في السجائر يمكن أن يعرقل عملية انتقال الأكسجين من الدم إلى الجنين، وتفسر الدراسات أن سبب صغر حجم الأطفال المولودين من أمهات مدخنات يعود إلى عرقلة نقل الأكسجين إلى أنسجة الجنين.
الأطفال أكثر ضرراً:
الأطفال بلا شك أقل مناعة وأكثر عرضة للتأثر بمثالب التدخين وبالمظاهر السلوكية السيئة للمدمن، من غيرهم فالأطفال الذين يعيشون في منزل تضم مدمنًا، أو يمارس أحد المقيمين فيه عادة التدخين لنسبة متزايدة من جميع الالتهابات التنفسية، كما تزداد حدة الأعراض لديهم وتبقى لفترات أطول من الأطفال الذين يعيشون في منزل لا يدخن فيه أحد، ويكون أثر (التدخين السلبي) في أسوأ درجاته لدى الأطفال دون سن الخامسة، حيث تزداد حدة الأعراض عند الطفل بزيادة عدد المدخنين في المنزل وزيادة كثافة تدخينهم، كما يكون (التدخين السلبي) خطيرًا بصفة خاصة على الأطفال المصابين بالربو؛ فالتعرض للتدخين يسبب لهم نوبات ربو أكثر حدة، كما تقل فرصة هؤلاء الأطفال في الشفاء من الربو، إلى جانب انخفاض حجم التحصيل الدراسي وضعف النمو وانخفاض نسبة الذكاء.
ويقول الدكتور موسى السوالمة: الدخان له تأثير سلبي على الإخصاب؛ فتقل نسبة الإخصاب إلى 50 بالمئة، وذلك نتيجة إيذاء عملية اختزان البويضات, وكذلك أيضًا ندرة عملية الإباضة ويبدو أن ذلك ناجم عن التأثير السمي المباشر للنيكوتين. ويؤدي لنقص مناعة المرأة وأطفالها الذين يستنشقون الغازات السامة, وتنبعث من السيجارة مئات المواد الهيدروكربونية التي تضعف إفراز هرمون الأنوثة الإستروجين اللازم لنمو البويضات.
وتتضاعف نسبة حدوث الحمل خارج الرحم، ويتسبب النيكوتين في الإجهاض حيث يتضاعف ثلاث مرات وذلك لسببين: التقليل من قابلية غشاء باطن الرحم للحمل والسبب الثاني إيذاء عملية الإباضة، وهكذا فإذا عرف الطب التأثيرات الضارة لتدخين أو إدمان الأم على جنينها ووليدها فيما بعد؛ فإن تأثيرات أخرى لا زالت طي الغيب والدراسات الجارية حاليًّا تبحث عن العلاقة بين ازدياد موجات التدخين عند النساء وارتفاع نسبة التشوهات عند المواليد ونسبة السرطانات عند الأطفال.
ماذا يقول علماء الاجتماع ؟
يقول الدكتور (فائق سليمان) عن أسباب إدمان الفتيات و السيدات: إن انتشار ظاهرة التدخين بين الفتيات ظاهره مؤذية صحيًّا واجتماعيًّا وتدل على عدم مراقبة الأهل بالشكل الصحيح لبناتهم, فخروج الفتاه دون رقابة حقيقية من الأهل يؤدي إلى عواقب وخيمة خاصة لمن هم في عمر المراهقة, الذين يرون أنفسهم أنهم كبار ويدركون الخطأ من الصواب و يتصرفون على هذا الأساس.
وأكد على أنه لو وجدت الفتاة رقابه من الأهل لما وقعت بالانحراف فمنح الأهل الحرية دون سؤال واهتمام من قبلهم تعني انتشار ظواهر مثل التدخين وغيرها التي تؤثر على الفتيات مستقبلاً ، وهنا تبرز أهمية مراقبة الأهل لبناتهم؛ فالأمر ليس مرتبطًا دائمًا بالوقت؛ فهناك من يعتقد أن عودة الفتاه إلى المنزل مبكرًا يعني عدم انتهاج أي سلوك اجتماعي خاطئ, وهذا الأمر يلغي الرقابة العائلية التي يجب أن تكون دائمة خاصة في هذا العصر.
دور الأسرة المسلمة
حتى لا تكون فتياتنا عرضة وفريسة سهلة أمام مغريات التدخين أو الإدمان فلابد من يقظة كل عناصر المجتمع من مؤسساتنا التربوية والدينية، وقبل كل ذلك وبعده الأسرة المسلمة التي هي الحضن الأول والحصن للفتاة المسلمة.
تقول الدكتورة سامية الساعاتي -الخبيرة في مركز البحوث الاجتماعية بمصر-: إن هناك مسؤولية كبيرة تقع على عاتق الأسرة من وجهة النظر الإسلامية والخلقية والاجتماعية، إذ تحتم الشريعة الإسلامية على جميع أولياء الأمور واجب النصح والتوجيه والإرشاد، ويأثم الأب والأم إذا أهمل أحدهما في التوجيه والمراقبة أو التصرف بطريقة تدفع إلى الانحراف لمن يخضع لولايتهما.
وتضيف أن هناك أيضًا دور للمدرسة والجامعة، وأنه من الواجب أن يكون ضمن مناهج التعليم بالدول الإسلامية في مختلف مراحله والتنبيه إلى ظاهرة الإدمان في التدخين أو تعاطى المخدرات أو الكحوليات والتحذير من الأضرار الجسمية المترتبة عليها. وتشير إلى مسؤولية أخرى تقع على المؤسسات الاجتماعية كالنوادي والجمعيات الثقافية والعلمية؛ إذ ينبغي أن تقوم بدور كبير في التأثير على سلوكيات الشباب.
أما الدكتور أحمد المجدوب -الخبير في المركز القومي للبحوث والدراسات الاجتماعية-؛ فيطالب بضرورة أن يكون للعلماء وللدعاة المسلمين والمساجد دورًا في تعديل سلوك الأفراد وأن يكثّف هذا الجهد الهام لتلك المؤسسات من خلال الإعلان عن الخطر الداهم بكافة أشكاله سواء السجائر أو الشيشة أو المخدرات، وإلى أي حد يمثل هذا الخطر بالنسبة للمتاجرة والتعاطي إثمًا من الآثام التي تعبر عن سوء المنقلب. ويقول: علينا أن نهتم بإعداد الداعية والموجه والمرشد الديني، حتى تستطيع مؤسساتنا الدينية أن تؤدى دورها المطلوب من خلال خدماتها الإرشادية والتربوية.
إلى كل فتاة عاقلة...
إن العاقلة هي من تسهر على إصلاح نفسها وليس إفسادها والانسياق وراء أهوائها، إن من يبيح لنفسه إيذاءها بكل وسيلة رخيصة لمجرد أن فيها لذة مزعومة هو إنسان فقد مقومات الإنسانية، إنه إنسان يستحق الرثاء.
وأخيرًا نقول: إن التدخين حرام ولا يليق بسلوك المسلم لأنه مهلكة للصحة والمال والأسرة والمجتمع المسلم وإذا كان هذا في حق الرجال؛ فإنه في حق النساء أشد وأقوى؛ لأنه يشوه ما يجب أن تكون عليه المرأة من أنوثةٍ وحسنٍ كما أراد الله سبحانه وتعالى لها.
فالأسرة المسلمة .. هي اللبنة وهي النواة في المجتمع المسلم الذي يقوى بعناصره الفتية من الشباب والشابات الأسوياء الأصحاء والذي لا ينهض بدوره إلا في مناخ صحي من التربية السليمة لا تشيع فيه المثالب والمفاسد وعلى رأسها التدخين والإدمان ، حتى نكون كما وصفنا الله "خيرَ أمةِِ أُخرِجت للناسِ".
ـــــــــــــــــــ(100/115)
معًا لننصر الحجاب دومًا
هيا الرشيد 1/1/1425
21/02/2004
الأحداث الأخيرة في العالم الإسلامي وخارجه؛ أعطتنا الضوء الأخضر لانتفاضة موحدة قوية لنصرة الحجاب، فعندما وجدت المسلمات في فرنسا تلك الأحكام الجائرة من الرئيس؛ هبَّت لمواجهة ذلك الجور من خلال المظاهرات العارمة في كثير من المناطق الفرنسية..، ولكن لهذا الدفاع عيب رئيس يجب أن نتنبه له دائمًا، ألا وهو أنه مرتبط بمدة زمنية معينة تتزامن مع الحدث الذي أفرزه، والمطلوب منَّا أن نعمل على النقيض تماماً؛ حيث نُكرِّس للحجاب والدفاع عنه كثير من أوقاتنا وجهودنا، وألا يكون نصيب هذا الموضوع الهام قصر النفس أو الفتور في أي وقت من الأوقات، فكما نرى أسلوب طول النفس مستمر مع الغرب الكافر المعادي للإسلام، ومع من يتحينون الفرص ولا يألون جهدًا في اقتناصها متى لاحت لهم، فيجب علينا العمل بالمثل، ولتكن الأحداث السابقة بمثابة الإنذار؛ فيتعين علينا نتيجة لها أن نعمل لنصرة الحجاب في كل زمان ومكان ومهما تكن الظروف، وأن نضع بنودًا وركائز أساسية لنصرة الحجاب بحيث تسير جنبًا إلى جنب مع جميع أعمالنا، سواء كانت رسمية متعلقة بوظيفة حكومية أو أنشطة حرة خارج الإطار الرسمي.
الحجاب فريضة على المرأة المسلمة، وعبادة تتقرب من خلالها إلى الله- عز وجل- ويجب عليها من خلال ذلك أخذ الحيطة والحذر في كل لحظات حياتها تجاه هذا الحجاب؛ حيث تمخضت الأحداث السابقة عن حقائق مذهلة تتربص بالحجاب الشرعي للمرأة المسلمة، وبناء على ذلك يجب أن يكون ضمن الحسابات التي تضع لها كل مسلمة أكبر الاعتبارات هو الذود عن حياض هذه العبادة- ارتداء الحجاب- والوقوف بكل شدة وصلابة أمام أهل الفساد الذين لا يألون جهدًا للنيل منه.
ولتكن وقفتنا لنصرة الحجاب جماعية ودائمة من خلال بعض الخطوات التالية:
1 - الالتزام به بشكل صحيح من قبل المسلمة من حيث ارتداؤه في كل ظرف يستلزم ذلك، وأن يكون أسلوبها في ذلك طبقًا لما فرض الله – سبحانه وتعالى- عليها.
2 - ذكر محاسنه، خاصة لدى غير المتمسكات به أو حتى غير المسلمات؛ فللحجاب الشرعي محاسن ومواصفات قد لا تدرك مَنْ لا ترتديه كنهها.
3 - تصحيح الأفكار الخاطئة المحيطة به، فبعض المسلمات يعتقدن خطأً أنه تقليد اجتماعي وليس أمرًا إلهيًّا.
4 - المشاركة في جميع المحافل الرسمية وغيرها؛ لإبرازه كشرع يجب على المسلمات أن يتمسكن به في كل زمان ومكان.
5 - القيام بعمل المخيمات الدعوية والملتقيات النسائية الخاصة بهذه الفريضة لترسيخ دعائم هذا الشرع في نفوس المسلمات خاصة صغيرات السن.
6 - القيام بعمل أسبوع خاص للحجاب عن طريق المؤسسات الخيرية ومدارس وكليات البنات أسوة بما اعتدنا عليه من أسابيع أخرى كأسبوع الشجرة مثلاً.
7 - عقد الندوات التي تناقش هذا الموضوع وتلقي الأسئلة والاستفسارات من النساء ومحاولة الرد عليها بشكل مباشر.
8 - إقامة المسابقات على المطويات والكتيبات التي تناقش موضوع الحجاب؛ ليكون ذلك دافعًا لنساء المجتمع وفتياته للبحث والاطلاع حول هذا الموضوع بتمعن وتركيز.
9 - إعداد برامج متكاملة بصفة دورية دائمة تبين مواصفات الحجاب الشرعي وأهميته، وعدم الاكتفاء بالحماس المؤقت الذي يزول بزوال المسبب لهذا الحماس.
10 - استغلال الأماكن التي تتجمع فيها النساء عادة كالاستراحات والأسواق؛ للتذكير بأهمية هذه الفريضة وضرورة المحافظة عليها على أكمل وجه.
11 - استغلال الاجتماعات الأسرية؛ بالإضافة إلى المناسبات الخاصة لطرق الموضوع بشكل يتناسب مع جميع الفئات العمرية.
12 - بيان خطط أعداء الإسلام التي تهدف إلى تحطيم المجتمع المسلم عن طريق مربية الأجيال وهي المرأة؛ وقد وجدوا أن أول طريق يمكنهم من خلاله إفساد المرأة المسلمة هو تخليها عن حجابها الذي هو أداة عفتها وكرامتها.
13 - بيان مخاطر التبرج والسفور وأنهما يجلبان للمرأة المسلمة كثيرًا من المصائب وأنهما أيضًا من أعظم الأسباب التي قد توجب نزول العقوبات العامة، وتجر على المجتمع المسلم كثيرًا من المفاسد والفواحش.
14 - تخصيص محاضرات لهذا الموضوع من قبل أهل الدعوة من رجال ونساء في كل مكان يمكن من خلاله القيام بذلك، كالمؤسسات الخيرية، ودور التحفيظ، والمدارس والكليات...
15 - الحرص على المحاضرات المسجلة للدعاة حول هذا الموضوع وتوزيعها من خلال الأشرطة في أماكن التجمعات النسائية العامة والخاصة.
16 - طرْق الموضوع أيضًا وبشدة أمام الرجال؛ ليأخذوا الحيطة والحذر على محارمهم، وليعرفوا واجبهم تجاه زوجاتهم وبناتهم وأخواتهم في المتابعة والتوجيه والإرشاد.
17 - استقطاب الكتاب والكاتبات لخوض غمار هذا الموضوع في شتى الوسائل، كالصحف والمجلات ومواقع الإنترنت المتنوعة.
18 - استغلال مواقع الإنترنت بشكل آخر عن طريق الكتابة للمنتديات ونقل الموضوعات المتخصصة بالحجاب إليها.
19 - إعداد المطويات والكتيبات وتوزيعها بشكل كبير في كل مكان لمحاولة الوصول من خلالها إلى كافة شرائح المجتمع المسلم.
20 - الاستنكار الشديد عندما يتعرض محاربو الفضيلة للحجاب الشرعي بأي حال من الأحوال من دول كافرة أو ممن ينتسبون إلى الإسلام.
21 - القيام برد فعل مضاد على الفور عبر جميع الوسائل الإعلامية مع التعرض صراحة لطبيعة الحدث واسم المؤسسة دون التعرض للنساء اللاتي قد يكنَّ قد تعرضن للتغرير للمشاركة في مثل تلك الأحداث، وقد يكون التعريض ببعضهم ممن يدافعون علانية عن تلك الأحداث أو يروجون باستمرار لمثل تلك الأفكار ككتاب الصحف والمجلات الذين يبثون سمومهم وأفكارهم بشكل مستمر.
22 - مراسلة المتعرضين للحجاب وتخويفهم بالله تعالى وتذكيرهم بما تعود عليهم هذه الأفكار والتصريحات من شرور وآثام يتعرضون لأثرها في الدنيا والآخرة.
23 - مراسلة الصحف التي تعطي هؤلاء الناعقين مثل هذه الفرص وتكون بمثابة البوق لهم لنشر نشازهم الفكري الضال، وإنكار ذلك عليهم.
24 - مراسلة المسؤولين للإنكار مع استنفار كافة الشخصيات التي تملك ثقلاً بين أفراد المجتمع كالدعاة والمشايخ وطلبة العلم للمشاركة في ذلك.
25 - استغلال جميع الوسائل للإنكار من جميع أفراد المجتمع وكل شخص يعمل على قدر استطاعته في ذلك، فعلى سبيل المثال يمكن لعموم المسلمين استغلال رسائل الجوال ومراسلة الصحف والمجلات عن طريق الصفحات الخاصة بالقرَّاء.
26 - التركيز في العمل لنصرة الحجاب على النساء بشكل أكبر من الرجال؛ لأن ذلك يعطي مصداقية أكبر للعمل، ويكون بمثابة التأكيد على بطلان الدعاوي المغرضة التي تدعو إلى نبذ الحجاب بحجة أنه قيد أو أنه يعوق المرأة عن العمل، فإذا كان الرد من المرأة ذاتها وهي صاحبة الشأن فستكون النتيجة أقوى وأبلغ بإذن الله.
27 - الأهم من كل ما سبق ألا يكون العمل لنصرة الحجاب مرهون بحدث معين، أو تبعًا لظروف معينة؛ بل يجب أن يكون مستمرًّا بحيث يجعل الأبواب موصدة دوماً في وجوه المتربصين به.
ـــــــــــــــــــ(100/116)
عيد الحب قصته، شعائره، حكمه
إبراهيم بن محمد الحقيل 23/12/1424
14/02/2004
الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد فإن الله - سبحانه وتعالى - اختار لنا الإسلام دينا كما قال - تعالى - :(إن الدين عند الله الإسلام) (آل عمران: 19) ولن يقبل الله - تعالى - من أحد ديناً سواه كما قال - تعالى - (ومن يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين) (آل عمران: 85)وقال النبي - صلى الله عليه وسلم -(والذي نفس محمد بيده لا يسمع بي يهودي ولا نصراني ثم يموت ولم يؤمن بالذي أرسلت به إلا كان من أصحاب النار) (رواه مسلم 153). وجميع الأديان الموجودة في هذا العصر سوى دين الإسلام أديان باطلة، لا تقرب إلى الله - تعالى -، بل إنها لا تزيد العبد إلا بعدا منه - سبحانه وتعالى - بحسب ما فيها من ضلال.
وقد أخبر النبي - صلى الله عليه وسلم -أن فئاماً من أمته سيتبعون أعداء الله - تعالى - في بعض شعائرهم وعاداتهم، وذلك في حديث أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (لتتبعن سنن من كان قبلكم شبراً بشبر وذراعاً بذراع حتى لو دخلوا جحر ضب تبعتموهم، قلنا يا رسول الله: اليهود والنصارى، قال: فمن؟! ) أخرجه البخاري (732) ومسلم (2669).
وفي حديث ابن عمر - رضي الله عنهما - قال الرسول - صلى الله عليه وسلم- : ليأتين على أمتي ما أتى على بني إسرائيل مثلاً بمثل حذو النعل بالنعل حتى لو كان فيهم من نكح أمه علانية كان في أمتي مثله) أخرجه الحاكم (1/129).
وقد وقع ما أخبر به النبي - صلى الله عليه وسلم - وانتشر في الأزمنة الأخيرة في كثير من البلاد الإسلامية إذ اتَّبع كثير من المسلمين أعداء الله - تعالى - في كثير من عاداتهم وسلوكياتهم وقلدوهم في بعض شعائرهم، واحتفلوا بأعيادهم.
وكان ذلك نتيجة للفتح المادي، والتطور العمراني الذي فتح الله به على البشرية، وكان قصب السبق فيه في الأزمنة المتأخرة للبلاد الغربية النصرانية العلمانية، مما كان سبباً في افتتان كثير من المسلمين بذلك، لا سيما مع ضعف الديانة في القلوب، وفشو الجهل بأحكام الشريعة بين الناس.
وزاد الأمر سوءاً الانفتاح الإعلامي بين كافة الشعوب، حتى غدت شعائر الكفار وعاداتهم تنقل مزخرفة مبهرجة بالصوت والصورة الحية من بلادهم إلى بلاد المسلمين عبر الفضائيات والشبكة العالمية -الإنترنت- فاغتر بزخرفها كثير من المسلمين.
وفي السنوات الأخيرة انتشرت ظاهرة بين كثير من شباب المسلمين -ذكوراً وإناثاً- لا تبشر بخير، تمثلت في تقليدهم للنصارى في الاحتفال بعيد الحب. مما كان داعياً لأولي العلم والدعوة أن يبينوا شريعة الله - تعالى - في ذلك. نصيحة لله ورسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم ؛ حتى يكون المسلم على بيِّنة من أمره ولئلا يقع فيما يخل بعقيدته التي أنعم الله بها عليه.
وهذا عرض مختصر لأصل هذا العيد ونشأته والمقصود منه، وما يجب على المسلم تجاهه.
قصة عيد الحب
يعتبر عيد الحب من أعياد الرومان الوثنيين، إذ كانت الوثنية سائدة عند الرومان قبل ما يزيد على سبعة عشر قرناً. وهو تعبير في المفهوم الوثني الروماني عن الحب الإلهي.
ولهذا العيد الوثني أساطير استمرت عند الرومان، وعند ورثتهم من النصارى، ومن أشهر هذه الأساطير: أن الرومان كانوا يعتقدون أن (رومليوس) مؤسس مدينة (روما) أرضعته ذات يوم ذئبة فأمدته بالقوة ورجاحة الفكر.
فكان الرومان يحتفلون بهذه الحادثة في منتصف شهر فبراير من كل عام احتفالاً كبيراً، وكان من مراسيمه أن يذبح فيه كلب وعنزة، ويدهن شابان مفتولا العضلات جسميهما بدم الكلب والعنزة، ثم يغسلان الدم باللبن، وبعد ذلك يسير موكب عظيم يكون الشابان في مقدمته يطوف الطرقات. ومع الشابين قطعتان من الجلد يلطخان بهما كل من صادفهما، وكان النساء الروميات يتعرضن لتلك اللطمات مرحبات، لاعتقادهن بأنها تمنع العقم وتشفيه.
علاقة القديس فالنتين بهذا العيد:
(القديس فالنتين) اسم التصق باثنين من قدامى ضحايا الكنيسة النصرانية قيل: إنهما اثنان، وقيل: بل هو واحد توفي في روما إثر تعذيب القائد القوطي (كلوديوس) له حوالي عام 296م. وبنيت كنيسة في روما في المكان الذي توفي فيه عام 350م تخليداً لذكراه.
ولما اعتنق الرومان النصرانية أبقوا على الاحتفال بعيد الحب السابق ذكره، لكن نقلوه من مفهومه الوثني (الحب الإلهي) إلى مفهوم آخر يعبر عنه بشهداء الحب، ممثلاً في القديس فالنتين الداعية إلى الحب والسلام الذي استشهد في سبيل ذلك حسب زعمهم. وسمي - أيضا - (عيد العشاق) واعتبر (القديس فالنتين) شفيع العشاق وراعيهم.
وكان من اعتقاداتهم الباطلة في هذا العيد أن تكتب أسماء الفتيات اللاتي في سن الزواج في لفافات صغيرة من الورق، وتوضع في طبق على منضدة، ويدعى الشبان الذين يرغبون في الزواج ليخرج كل منهم ورقة، فيضع نفسه في خدمة صاحبة الاسم المكتوب لمدة عام يختبر كل منهما خلق الآخر، ثم يتزوجان، أو يعيدان الكرة في العام التالي يوم العيد أيضاً.
وقد ثار رجال الدين النصراني على هذا التقليد، واعتبروه مفسداً لأخلاق الشباب والشابات فتم إبطاله في إيطاليا التي كان مشهوراً فيها، لأنها مدينة الرومان المقدسة ثم صارت معقلاً من معاقل النصارى. ولا يعلم على وجه التحديد متى تم إحياؤه من جديد. فالروايات النصرانية في ذلك مختلفة، لكن تذكر بعض المصادر أن الإنجليز كانوا يحتفلون به منذ القرن الخامس عشر الميلادي. وفي القرنين الثامن عشر والتاسع عشر الميلاديين انتشرت في بعض البلاد الغربية محلات تبيع كتباً صغيرة تسمى(كتاب الفالنتين) فيها بعض الأشعار الغرامية؛ ليختار منها من أراد أن يرسل إلى محبوبته بطاقة تهنئة، وفيها مقترحات حول كيفية كتابة الرسائل الغرامية والعاطفية.
أسطورة ثانية:
تتلخص هذه الأسطورة في أن الرومان كانوا أيام وثنيتهم يحتفلون بعيد يدعى (عيد لوبركيليا) وهو العيد الوثني المذكور في الأسطورة السابقة، وكانوا يقدمون فيه القرابين لمعبوداتهم من دون الله - تعالى -، ويعتقدون أن هذه الأوثان تحميهم من السوء، وتحمي مراعيهم من الذئاب.
فلما دخل الرومان في النصرانية بعد ظهورها، وحكم الرومان الإمبراطور الروماني (كلوديوس الثاني) في القرن الثالث الميلادي منع جنوده من الزواج؛ لأن الزواج يشغلهم عن الحروب التي كان يخوضها، فتصدى لهذا القرار (القديس فالنتين) وصار يجري عقود الزواج للجند سراً، فعلم الإمبراطور بذلك فزج به في السجن، وحكم عليه بالإعدام.
أسطورة ثالثة:
تتلخص هذه الأسطورة في أن الإمبراطور المذكور سابقاً كان وثنياً وكان (فالنتين) من دعاة النصرانية وحاول الإمبراطور إخراجه منها ليكون على الدين الوثني الروماني، لكنه ثبت على دينه النصراني وأعدم في سبيل ذلك في 14 فبراير عام 270م ليلة العيد الوثني الروماني (لوبركيليا).
فلما دخل الرومان في النصرانية أبقوا على العيد الوثني (لوبركيليا) لكنهم ربطوه بيوم إعدام (فالنتين) إحياء لذكراه، لأنه مات في سبيل الثبات على النصرانية كما في هذه الأسطورة، أو مات في سبيل رعاية المحبين وتزويجهم على ما تقتضيه الأسطورة الثانية.
شعائرهم في هذا العيد:
من أهم شعائرهم فيه:
1- إظهار البهجة والسرور فيه كحالهم في الأعياد المهمة الأخرى.
2- تبادل الورود الحمراء، وذلك تعبيراً عن الحب الذي كان عند الرومان حباً إلهياً وثنياً لمعبوداتهم من دون الله - تعالى -. وعند النصارى عشقاً بين الحبيب ومحبوبته، ولذلك سمي عندهم بعيد العشاق.
3- توزيع بطاقات التهنئة به، وفي بعضها صورة (كيوبيد) وهو طفل له جناحان يحمل قوساً ونشاباً. وهو إله الحب عند الأمة الرومانية الوثنية تعالى الله عن إفكهم وشركهم علواً كبيراً.
4- تبادل كلمات الحب والعشق والغرام في بطاقات التهنئة المتبادلة بينهم عن طريق الشعر أو النثر أو الجمل القصيرة، وفي بعض بطاقات التهنئة صور ضاحكة وأقوال هزلية، وكثيراً ما كان يكتب فيها عبارة (كن فالنتينيا) وهذا يمثل المفهوم النصراني له بعد انتقاله من المفهوم الوثني.
5- تقام في كثير من الأقطار النصرانية حفلات نهارية وسهرات مختلطة راقصة، ويرسل كثير منهم هدايا منها: الورود وصناديق الشوكولاته إلى أزواجهم وأصدقائهم ومن يحبونهم (انظر للمزيد من المعلومات حول أساطيرهم فيه : الموسوعة العربية العالمية (17/203) وموسوعة أغرب الأعياد وأجب الاحتفالات لسيد صديق عبد الفتاح (169 : 171)، وأعياد الكفار وموقف المسلم منها للكاتب ص (37).
الغرض من العرض السابق:
ليست الأساطير المعروضة آنفا حول هذا العيد ورمزه (القديس فالنتين) مما يهم العاقل فضلا عن مسلم يوحد الله - تعالى -، لأن الأساطير الوثنية عند الأمتين الرومانية والنصرانية كثيرة جداً كما هو ظاهر لكل مطلع على كتبهم وتواريخهم، لكن هذا العرض السابق لبعض هذه الأساطير مقصود لبيان حقيقة هذا العيد لمن اغتر به من جهلة المسلمين، فصاروا يحتفلون به تقليداً للأمة الضالة - النصرانية - حتى غدا كثير من المسلمين - مع الأسف - يخلط بين الإله والأسطورة، والعقل والخرافة، ويأخذ كل ما جاء من الغرب النصراني العلماني ولو كان أسطورة مسطورة في كتبهم، أو خرافة حكاها رهبانهم. وبلغ من جهل بعض من ينتسبون للإسلام أن دعونا إلى لزوم أخذ أساطير النصارى وخرافاتهم ما دمنا قد أخذنا سياراتهم وطياراتهم وصناعاتهم، وهذا من الثمرات السيئة للتغريب والتقليد، الذي لا يميز صاحبه بين ما ينفعه وما يضره، وهو دليل على تعطيل العقل الذي كرم الله به الإنسان على سائر الحيوان، وعلى مخالفة الديانة التي تشرف المسلم بالتزامها والدعوة إليها، كما هو دليل على الذوبان في الآخر - الكافر - والانغماس في مستنقعاته الكفرية، وفقدان الشخصية والاستقلالية، وهو عنوان الهزيمة النفسية، والولع في اتباع الغالب ماديا في خيره وشره وحلوه ومره، وما يمدح من حضارته وما يعاب منها، دون تفريق ولا تمييز، كما ينادي بذلك كثير من العلمانيين المنهزمين مع أنفسهم، الخائنين لأمتهم.
نظرات في الأساطير السابقة : -
من نظر إلى ما سبق عرضه من أساطير حول هذا العيد الوثني يتضح له ما يلي:
أولاً : أن أصله عقيدة وثنية عند الرومان، يعبر عنها بالحب الإلهي للوثن الذي عبدوه من دون الله – تعالى-. فمن احتفل به فهو يحتفل بمناسبة تعظم فيها الأوثان وتعبد من دون من يستحق العبادة وهو الخالق - سبحانه وتعالى -، الذي حذرنا من الشرك ومن الطرق المفضية إليه فقال تعالى مخاطباً الرسول - صلى الله عليه وسلم - (ولقد أوحي إليك وإلى الذين من قبلك لئن أشركت ليحبطن عملك ولتكونن من الخاسرين. بل الله فاعبد وكن من الشاكرين) (الزمر: 65، 66). وقضى – سبحانه - بأن من مات على الشرك الأكبر لا يجد ريح الجنة، بل هو مخلد في النار أبداً كما قال الله - تعالى - (إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء ومن يشرك بالله فقد ضل ضلالاً بعيدا) (النساء: 116). وقال الله – تعالى - على لسان عيسى - عليه السلام - أنه قال لقومه (إنه من يشرك بالله فقد حرم الله عليه الجنة ومأواه النار وما للظالمين من أنصار) (المائدة: 72). فالواجب الحذر من الشرك ومما يؤدي إليه.
ثانياً: أن نشأة هذا العيد عند الرومان مرتبطة بأساطير وخرافات لا يقبلها العقل السوي فضلا عن عقل مسلم يؤمن بالله - تعالى - وبرسله عليهم الصلاة والسلام.
فهل يقبل العقل السوي أن ذئبة أرضعت مؤسس مدينة روما وأمدته بالقوة ورجاحة الفكر، على ما في هذه الأسطورة مما يخالف عقيدة المسلم لأن الذي يمد بالقوة ورجاحة الفكر هو الخالق - سبحانه وتعالى - وليس لبن ذئبة!!
وكذلك الأسطورة الأخرى التي جاء فيها أن الرومان يقدمون في هذا العيد القرابين لأوثانهم التي يعبدونها من دون الله - تعالى - اعتقاداً منهم أن هذه الأوثان ترد السوء عنهم وتحمي مراعيهم من الذئاب. فهذا لا يقبله عقل سوي يعلم أن الأوثان لا تضر ولا تنفع علاوة على ما فيه من الشرك الأكبر.
فكيف يقبل عاقل على نفسه أن يحتفل بعيد ارتبط بهذه الأساطير والخرافات، فضلاً عن مسلم منَّ الله - تعالى - عليه بدين كامل وعقيدة صحيحة؟!
ثالثاً: أن من الشعائر البشعة لهذا العيد عند الرومان ذبح كلب وعنزة ودهن شابين بدم الكلب والعنزة ثم غسل الدم باللبن ... الخ فهذا مما تنفر منه الفطر السوية ولا تقبله العقول الصحيحة.
فكيف يحتفل من رزقه الله - تعالى - فطرة سوية، وأعطاه عقلاً صحيحاً، وهداه لدين حق بهذا العيد الذي كانت تمارس فيه هذه الممارسات البشعة؟!
رابعاً: أن ارتباط القديس (فالنتين) بهذا العيد ارتباط مختلف فيه وفي سببه وقصته، بل إن بعض المصادر تشكك أصلاً في هذا القديس وتعتبره أسطورة لا حقيقة لها. وكان الأجدر بالنصارى رفض هذا العيد الوثني الذي تبعوا فيه الأمة الرومانية الوثنية، لا سيما وأن ارتباطه بقديس من قديسيهم أمر مشكوك فيه!! فإذا عيب ذلك على النصارى الذين بدلوا دينهم وحرفوا كتبهم، فمن الأولى والآكد أن يعاب على المسلم إذا احتفل به. ثم لو ثبت أن هذا العيد كان بمناسبة إعدام القديس فالنتين بسبب ثباته على النصرانية، فما لنا وله، وما علاقة المسلمين بذلك؟!
خامسا: أن رجال الدين النصراني قد ثاروا على ما سببه هذا العيد من إفساد لأخلاق الشباب والشابات فتم إبطاله في إيطاليا معقل النصارى الكاثوليك. ثم أعيد بعد ذلك وانتشر في البلاد الأوربية، ومنها انتقل إلى كثير من بلاد المسلمين. فإذا كان أئمة النصارى قد أنكروه في وقتهم لما سببه من فساد لشعوبهم وهم ضالون فان الواجب على أولي العلم من المسلمين بيان حقيقته، وحكم الاحتفال به، كما يجب على عموم المسلمين إنكاره وعدم قبوله، والإنكار على من احتفل به أو نقله من النصارى إلى المسلمين وأظهره في بلاد الإسلام. وذلك يحتمه واجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والتواصي بالحق، إذ بيان الباطل وفضحه، والنهي عنه وإنكاره مما يجب على عموم المسلمين كل حسب وسعه وطاقته.
لماذا لا نحتفل بهذا العيد؟!
كثير ممن يحتفلون بهذا العيد من المسلمين لا يؤمنون بالأساطير والخرافات المنسوجة حوله، سواء ما كان منها عند الرومان أو ما كان عند النصارى، وأكثر من يحتفلون به من المسلمين لا يعلمون عن هذه الأساطير شيئا، وإنما دفعهم إلى هذا الاحتفال تقليد لغيرهم أو شهوات ينالونها من جراء ذلك.
وقد يقول بعض من يحتفل به من المسلمين: إن الإسلام دعا إلى المحبة والسلام، وعيد الحب مناسبة لنشر المحبة بين المسلمين فما المانع من الاحتفال به؟!
وللإجابة على ذلك أوجه عدة منها:
الوجه الأول: أن الأعياد في الإسلام عبادات تقرب إلى الله - تعالى - وهي من الشعائر الدينية العظيمة، وليس في الإسلام ما يطلق عليه عيد إلا عيد الجمعة وعيد الفطر وعيد الأضحى. والعبادات توقيفية، فليس لأحد من الناس أن يضع عيداً لم يشرعه الله - تعالى - ولا رسوله - صلى الله عليه وسلم -. وبناءً عليه فإن الاحتفال بعيد الحب أو بغيره من الأعياد المحدثة يعتبر ابتداعاً في الدين وزيادة في الشريعة، واستدراكاً على الشارع - سبحانه وتعالى -.
الوجه الثاني: أن الاحتفال بعيد الحب فيه تشبه بالرومان الوثنيين ثم بالنصارى الكتابيين فيما قلدوا فيه الرومان وليس هو من دينهم. وإذا كان يمنع من التشبه بالنصارى فيما هو من دينهم حقيقة إذا لم يكن من ديننا فكيف بما أحدثوه في دينهم وقلدوا فيه عباد الأوثان!!
وعموم التشبه بالكفار - وثنيين كانوا أم كتابيين - محرم سواء كان التشبه بهم في عقائدهم وعباداتهم -وهو أشد خطراً - أم فيما اختصوا به من عاداتهم وأخلاقهم وسلوكياتهم كما قرر ذلك علماء الإسلام استمداداً من الكتاب والسنة وإجماع الصحابة رضي الله عنهم :
1- فمن القرآن قول الله تعالى: (ولا تكونوا كالذين تفرقوا واختلفوا من بعد ما جاءهم البينات وأولئك لهم عذاب عظيم) (آل عمران 105) وقال تعالى: ( ألم يأن للذين آمنوا أن تخشع قلوبهم لذكر الله وما نزل من الحق ولا يكونوا كالذين أوتوا الكتاب من قبل فطال عليهم الأمد فقست قلوبهم وكثير منهم فاسقون) (الحديد 16) فالله - تعالى - حذر المؤمنين من سلوك مسلك أهل الكتاب - اليهود والنصارى - الذين غيروا دينهم، وحرفوا كتبهم، وابتدعوا ما لم يشرع لهم، وتركوا ما أمرهم الله - تعالى - به.
2- ومن السنة قول النبي - صلى الله عليه وسلم -(من تشبه بقوم فهو منهم) (أخرجه أحمد 3/50 وأبو داود 5021) قال شيخ الإسلام: (هذا الحديث أقل أحواله أن يقتضي تحريم التشبه بهم وإن كان ظاهره يقتضي كفر المتشبه بهم كما في قوله - تعالى - (ومن يتولهم منكم فإنه منهم) (الاقتضاء 1/314) وقال الصنعاني: (فإذا تشبه بالكافر في زي واعتقد أن يكون بذلك مثله كفر، فإن لم يعتقد ففيه خلاف بين الفقهاء: منهم من قال: يكفر، وهو ظاهر الحديث، ومنهم من قال: لا يكفر ولكن يؤدب) (سبل السلام 8/248)
3- وأما الإجماع فقد نقل ابن تيمية أنه منعقد على حرمة التشبه بالكفار في أعيادهم في وقت الصحابة - رضي الله عنهم - كما نقل ابن القيم اتفاق أهل العلم على ذلك. (انظر الاقتضاء 1/454) وأحكام أهل الذمة (3/1245)
والتشبه بالكفار فيما هو من دينهم -كعيد الحب- أخطر من التشبه بهم في أزيائهم أو عاداتهم أو سلوكياتهم، لأن دينهم إما مخترع وإما محرف، وما لم يحرف منه فمنسوخ، فلا شيء منه يقرب إلى الله - تعالى - فإذا كان الأمر كذلك فإن الاحتفال بعيد الحب تشبه بعباد الأوثان -الرومان- في عباداتهم للأوثان، ثم بأهل الكتاب في أسطورة حول قديس عظموه وغلوا فيه. وصرفوا له ما لا يجوز صرفه للبشر بأن جعلوا له عيداً يحتفلون به.
الوجه الثالث: أن المقصود من عيد الحب في هذا الزمن إشاعة المحبة بين الناس كلهم مؤمنهم وكافرهم وهذا مما يخالف دين الإسلام فإن للكافر على المسلم العدل معه، وعدم ظلمه، كما أن له إن لم يكن حربياً ولم يظاهر الحربيين البر من المسلم إن كان ذا رحم عملاً بقوله - تعالى - ( لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم إن الله يحب المقسطين) (الممتحنة: 8). ولا يلزم من القسط مع الكافر وبره صرف المحبة والمودة له، بل الواجب كراهيته في الله - تعالى - لتلبسه بالكفر الذي لا يرضاه الله - سبحانه - كما قال - تعالى - (ولا يرضى لعباده الكفر) (الزمر: 7).
وقد أوجب الله - تعالى - عدم مودة الكافر في قوله سبحانه : (لا تجد قوماً يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادون من حاد الله ورسوله ولو كانوا آباءهم أو أبناءهم أو إخوانهم أو عشيرتهم) (المجادلة: 22) قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله - تعالى - ( فأخبر سبحانه أنه لا يوجد مؤمن يواد كافرًا، فمن واد الكفار فليس بمؤمن، والمشابهة الظاهرة مظنة المودة فتكون محرمة) (الاقتضاء 1/490) وقال أيضا: (المشابهة تورث المودة والمحبة والموالاة في الباطن كما أن المحبة في الباطن تورث المشابهة في الظاهر).
ولا يمكن أن تجتمع محبة الله - تعالى - ومحبة ما يحبه مع محبة الكفر وشعائره وأهله في قلب واحد، فمن أحب الله - تعالى - كره الكفر وشعائره وأهله.
الوجه الرابع : أن المحبة المقصودة في هذا العيد منذ أن أحياه النصارى هي محبة العشق والغرام خارج إطار الزوجية.
ونتيجتها: انتشار الزنى والفواحش، ولذلك حاربه رجال الدين النصراني في وقت من الأوقات وأبطلوه ثم أعيد مرة أخرى.
وأكثر شباب المسلمين يحتفلون به لأجل الشهوات التي يحققها وليس اعتقاداً بخرافات الرومان والنصارى فيه. ولكن ذلك لا ينفي عنهم صفة التشبه بالكفار في شيء من دينهم. وهذا فيه من الخطر على عقيدة المسلم ما فيه، وقد يوصل صاحبه إلي الكفر إذا توافرت شروطه وانتفت موانعه.
ولا يجوز لمسلم أن يبني علاقات غرامية مع امرأة لا تحل له، وذلك بوابة الزنى الذي هو كبيرة من كبائر الذنوب.
فمن احتفل بعيد الحب من شباب المسلمين، وكان قصده تحصيل بعض الشهوات أو إقامة علاقات مع امرأة لا تحل له، فقد قصد كبيرة من كبائر الذنوب، واتخذ وسيلة في الوصول إليها ما يعتبره العلماء كفراً وهو التشبه بالكفار في شعيرة من شعائرهم.
موقف المسلم من عيد الحب
مما سبق عرضه في بيان أصل هذا العيد، وقصته، والمقصود منه، فإنه يمكن تلخيص ما يجب على المسلم تجاهه في الآتي:
أولاً: عدم الاحتفال به، أو مشاركة المحتفلين به في احتفالهم، أو الحضور معهم لما سبق عرضه من الأدلة الدالة على تحريم التشبه بالكفار. قال الحافظ الذهبي - رحمه الله تعالى -: (فإذا كان للنصارى عيد ولليهود عيد كانوا مختصين به فلا يشركهم فيه مسلم كما لا يشاركهم في شرعتهم ولا قبلتهم. أهـ (تشبه الخسيس بأهل الخميس، رسالة منشورة في مجلة الحكمة (4/193)
ثانياً : عدم إعانة الكفار على احتفالهم به بإهداء أو طبع أدوات العيد وشعاراته أو إعارة، لأنه شعيرة من شعائر الكفر، فإعانتهم وإقرارهم عليه إعانة على ظهور الكفر وعلوه وإقرار به. والمسلم يمنعه دينه من إقرار الكفر والإعانة على ظهوره وعلوه. ولذلك قال شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله تعالى -: (لا يحل للمسلمين أن يتشبهوا بهم في شيء مما يختص بأعيادهم لا من طعام ولا لباس ولا اغتسال ولا إيقاد نيران ولا تبطيل عادة من معيشة أو عبادة أو غير ذلك. ولا يحل فعل وليمة ولا الإهداء ولا البيع بما يستعان به على ذلك لأجل ذلك، ولا تمكين الصبيان ونحوهم من اللعب الذي في الأعياد ولا إظهار الزينة. وبالجملة: ليس لهم أن يخصوا أعيادهم بشيء من شعائرهم، بل يكون يوم عيدهم عند المسلمين كسائر الأيام) (مجموعة الفتاوى 25/329).
وقال ابن التركماني: (فيأثم المسلم بمجالسته لهم وبإعانته لهم بذبح وطبخ وإعارة دابة يركبونها لمواسمهم وأعيادهم.) (اللمع في الحوادث والبدع 2/519-520).(100/117)
ثالثاً: عدم إعانة من احتفل به من المسلمين، بل الواجب الإنكار عليهم، لأن احتفال المسلمين بأعياد الكفار منكر يجب إنكاره. قال شيخ الإسلام - رحمه الله تعالى - : (وكما لا نتشبه بهم في الأعياد، فلا يعان المسلم بهم في ذلك، بل ينهى عن ذلك. فمن صنع دعوة مخالفة للعادة في أعيادهم لم تجب دعوته، ومن أهدى من المسلمين هدية في هذه الأعياد مخالفة للعادة في سائر الأوقات غير هذا العيد لم تقبل هديته، خصوصاً إن كانت الهدية مما يستعان بها على التشبه بهم كما ذكرناه، ولا يبيع المسلم ما يستعين به المسلمون على مشابهتهم في العيد من الطعام واللباس ونحو ذلك، لأن في ذلك إعانة على المنكر) (الاقتضاء 2/519-520).
وبناءً على ما قرره شيخ الإسلام فإنه لا يجوز للتجار المسلمين أن يتاجروا بهدايا عيد الحب من لباس معين أو ورود حمراء أو بطاقات تهنئة صممت لأجله أو غير ذلك، لأن المتاجرة بها إعانة على المنكر الذي لا يرضاه الله - تعالى - ولا رسوله - صلى الله عليه وسلم -.
كما لا يحل لمن أهديت له هدية هذا العيد أن يقبلها؛ لأن في قبولها إقرار لهذا العيد.
رابعاً: عدم تبادل التهاني بعيد الحب، لأنه ليس عيدًا للمسلمين. وإذا هنئ المسلم به فلا يرد التهنئة. قال ابن القيم - رحمه الله تعالى -: (وأما التهنئة بشعائر الكفر المختصة به فحرام بالاتفاق مثل أن يهنئهم بأعيادهم وصومهم فيقول: عيد مبارك عليك، أو تهنأ بهذا العيد ونحوه، فهذا إن سلم قائله من الكفر فهو من المحرمات، وهو بمنزلة أن يهنئه بسجوده للصليب، بل ذلك أعظم عند الله وأشد مقتاً من التهنئة بشرب الخمر، وقتل النفس، وارتكاب الفرج الحرام ونحوه. وكثير ممن لا قدر للدين عنده يقع في ذلك وهو لا يدري قبح ما فعل، فمن هنأ عبداً بمعصية أو بدعة أو كفر فقد تعرض لمقت الله وسخطه) (أحكام أهل الذمة 1/441-442).
خامساً: توضيح حقيقة هذا العيد وأمثاله من أعياد الكفار لمن اغتر بها من المسلمين، وبيان ضرورة تميز المسلم بدينه والمحافظة على عقيدته مما يخل بها، وتذكيره بمخاطر التشبه بالكفار في شعائرهم الدينية كالأعياد أو بعاداتهم وسلوكياتهم، نصحا للأمة وأداءً لواجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر الذي بإقامته صلاح العباد والبلاد، وحلول الخيرات، وارتفاع العقوبات كما قال - تعالى - (وما كان ربك ليهلك القرى بظلم وأهلها مصلحون)(هود: 117).
أسأل الله - تعالى - أن يحفظ المسلمين من مضلات الفتن، وأن يقيهم شرور أنفسهم ومكر أعدائهم إنه سميع مجيب. وصلى الله وبارك على عبده ورسوله محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
ـــــــــــــــــــ(100/118)
وندمت بعد الحج!
غادة عبد العزيز 16/12/1424
07/02/2004
على مشارف أيام الحج ولياليه العامرة تهفو الأرواح إلى موارد لها تسقيها إيمانًا وطهرًا وسموًّا، تطويها تضرعًا إلى الله تعالى، وتغسلها توبة من الآثام والخطايا، وكل تختلج في قلبه المشاعر السامية، بالخلوص من الذنوب والأمل بالحياة الناصعة..
تتصورون، هل يمكن بالفعل أن يتسلل من بين هذه الأحاسيس الشفيفة، شيء من الندم والحسرة، يعتصر قلب الحاج بمرارة أليمة بعد الحج؟
أجل بالطبع، إنه الندم على ما فرط في..
تقول الأخت غادة محمد – طالبة لغة إنجليزية - : لقد ندمت حقًا بعد الحج، ندمت على أوقات ثمينة، مضت ونحن لم نرتوِ بعد من مناهل الغفران والإيمان، ربما لم تمض بخطايا سوداء وذنوب قاتمة، بل يضيعها الحاج هباءً منثورًا لا له ولا عليه، فلم يبق منها إلا الندم إن لم يكن ملأها بالعمل الصالح والتزود بخير الزاد (التقوى)، لقد ألهتنا حقيقة كثرة التجمعات مع النساء في الحملات على أنواع المأكولات والمشروبات، حتى أصبح أكبر همنا.. ماذا نأكل؟ وماذا نشرب؟، و في هذا مضيعة للأوقات الغالية و الأيام المعدودة التي يجب استثمار كل دقيقة وثانية فيها، فعلى من تزمع الحج أن تعقد العزم على اجتناب فضول المخالطة والطعام والشراب, والنصيحة الثانية التي أقدمها هي عدم الإكثار من المأكولات والمشروبات؛ لأنها تثقل البدن عن العبادة وتسبب الكسل والخمول!
أما الأخت رقية عبد العزيز -معلمة رياضيات -؛ فترى أن كثرة الأحاديث بين النساء وارتفاع الأصوات بذلك، وتشويشهن على من تريد الاختلاء بالنفس والعبادة، كل ذلك مما يجعل المرء يندم أشد الندم على ضياع وقته الثمين.
وتنصح الأخت (رقية) الحاجات، بالتوازن بين العبادة والراحة؛ فهناك من تجهد نفسها بالصلاة والتعبد والسهر في ذلك، حتى ينهك جسمها وتضيع أيام الحج التالية في النوم والتقصير.
وتقول الأخت مريم الصالح – معلمة رياض أطفال-: إن أبرز ما يندم عليه الحاج هو إضاعة وقته في الحديث بالهاتف، فربما يجتهد الحاج في كثرة الاتصال على الأهل بزعم السلام عليهم، حتى يمتد السلام إلى أحاديث طويلة وقيل وقال وأخبار وأخذ ورد، ولذا فإنها تنصح الحاجات بإقفال الهاتف طوال رحلة الحج، وألا يفتح إلا لضرورة، مع اختصار الكلام فيه لئلا يكون الهم والشغل الشاغل.
أما الأخت وجدان عبد الله – طالبة حاسب آلي-؛ فترى أن الجهل بأحكام المناسك وغلاء الأوقات وعظم شأنها، وتفريط الحاج في التزود بالعلم والمواعظ والتهيؤ قبيل سفره لذلك، يجعله يضيع الوقت دون إحساس بالخطأ، فيندم ويتحسر..
وتحكي الأخت نورة أحمد – طالبة دراسات دينية – موقفًا مضحكًا مبكيًا؛ فقد أفنت إحدى النساء وقتها أثناء فريضتها في التفرس فيمن صحبت من النساء في الحج، علها تجد لأخيها فتاة لأحلامه، وظلت هي وأخواتها يلاحظن الوجوه مع التعليقات والقبول والرفض والتبريرات!!
وتبدي الأخت إيمان السالم – صحفية – ندمًا شديدًا على حجة الفريضة؛ فقد أدتها وهي صغيرة السن ومع رفيقات في عمرها، مما جعلها لا تستشعر تمامًا المعاني العظيمة في الحج؛ بل كانت أداءً مجردًا للمناسك بلا زاد روحي وفهم لما تنطوي عليه من روحانيات سامية.
وتطرح السيدة ماجدة عبد الوهاب – طبيبة- فكرة مهمة جدًا لمن تزمع الحج؛ فهي تؤكد على التخطيط للرحلة، فكل من يريد الحج لا شك أنه يريد الشعور بالمعاني الجليلة فيه والرقي بنفسه من خلالها، لكن الظروف إن لم يخطط بإصرار وجدية ربما لا تؤتيه مناله، فقد حجت الأخت ماجدة للمرة الأولى ففرطت كثيرًا في الوقت، لكنها في الحجة الثانية وبالتخطيط السليم تفادت كثيرًا من الزلات التي وقعت فيها سابقًا، وشعرت حقا بنتائج مباركة بعد أداء الفريضة.
كما تشدد الأخت ماجدة على اختيار الصحبة الجادة، فهم الذين يعينون المرء على العبادة والسمو الروحي، ويزيلون عنه بهمتهم كل فتور وكسل.
إلى من تنوي الحج في العام القادم
- تزودي قبل رحلتك من العلم الشرعي بأحكام المناسك.
- اقرئي كثيرًا في أعمال القلوب التي يجنيها الحاج من رحلته.
- تأملي في أحوال الصالحين، فبذلك تعلو الهمم وتسمو.
- لا تكثري من مخالطة الناس، وتفرغي للعبادة والذكر و الدعاء.
- احذري من آفات اللسان، فهي سهلة الزلل عظيمة الخطر.
- اعقدي العزم على الرجوع من الحج وقد تغيرتِ تمامًا نحو الأفضل في كل شيء.
- خططي بعناية وجدية لرحلة مليئة بالنفع والبركة.
- اختاري الصحبة الطيبة التي تشعرين بنفعها وفائدتها وحرصها على اغتنام الوقت في الخير.
تقبل الله منا ومنكم صالح الأعمال
ـــــــــــــــــــ(100/119)
قضية نفقة ضد الأبناء
سحر القاسم 26/11/1424
18/01/2004
- 400قضية نفقة والدين خلال العام الحالي في الاردن
- د . أبو يحيى : الفقر ليس مبررًا لعقوق الوالدين
ربما تشكل تأثيرات التقدم في السن "الشيخوخة" مشكلات اجتماعية واقتصادية تؤثر سلبًا على المسنين، خاصة إذا كان الأبناء منشغلين أو متناسين لعلاقاتهم بآبائهم وأمهاتهم، علمًا بأن الإحساس بهما شيء عظيم ومقدس لقوله تعالى: (وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحسانا إما يبلغن عندك الكبر أحدهما أو كلاهما فلا تقل لهما أف ولا تنهرهما وقل لهما قولاً كريمًا واخفض لهما جناح الذل من الرحمة وقل ربي ارحمهما كما ربياني صغيرًا) لكن المؤسف أن نشهد آباء وأمهات يلجؤون للمحاكم لطلب النفقة والإحسان من أبنائهم بعد ضياع العمر في تربيتهم ، فقد سجلت في محكمة العاصمة عمان الشرعية خلال العام الحالي 400 قضية نفقة والِدين، وأصدرت المحكمة أحكامها في 185 قضية فيما لا تزال البقية قيد النظر.
القاضي الشرعي القبج : معظم القضايا تكون من المرأة
وأكد القاضي الشرعي سامر القبج على أن معظم قضايا نفقة الوالدين التي ترد إلى المحاكم بالعادة تكون من الأم كون المرأة بعد وفاة زوجها لا يصبح لها عائل سوى أبنائها، أما الرجل ففي الأردن نسبة عالية من الرجال يعملون حتى في سن الشيخوخة أو يكون قد ادخر لهذه المرحلة من حياته، فلا يكون بحاجة إلى نفقة أبنائه، بل إن حاجته تكون معنوية.
وحول قيام بعض الرجال برفع دعاوى لطلب النفقة من أبنائهم قال: إن معظمهم يكون بحاجة ماسة لذلك ولا يلجأ للقضاء إلا بعد أن يكون الأبناء مقصرين بحق آبائهم ولا ينفقون عليهم، لكن هناك حالات لا يكون الرجل تحديدًا بحاجة إلى نفقة، إما بسبب خلاف عائلي بينه وبين أبنائه يتذرع الأب بأنه من حقه أن يشعر أن أبناءه يحسنون إليه عند الكبر، وهناك حالات يكون فيها الأب متزوجًا من زوجة أخرى، ولديه من الزوجة الأولى أبناء منهم من بلغ سن الرشد ويعمل، ومنهم من هو صغير فيطلب النفقة من الأبناء الذين يعملون كي يدفعها للقصر، وبذلك لا يتكفل هو بالنفقة على أبنائه.
وحول الحالات التي يحق للأب او الأم النفقة قال الشيخ القبج: في حال عدم وجود راتب تقاعدي أو ضمان لأي منهم ولا يوجد له مصدر دخل آخر؛ فإنه يتوجب على الابن الإنفاق على والديه، أما في حال وجود عقارات مثلاً أو أي مصدر دخل فلا تحق النفقة.
د .أبو يحيى : دور المسنين حرام
من جهته أكد عميد كلية الشريعة في الجامعة الأردنية في العاصمة عمّان الدكتور محمد أبو يحيى أن الله سبحانه أوصى بالوالدين خيرًا حيث عطف الله الإحسان بالوالدين على عبادته سبحانه بقوله تعالى: (وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحسانا) وذلك نظرًا لأهمية الإحسان بالوالدين. كما حرم الله على الأبناء أن يتفوهوا بأية كلمة سواء كان بالغمز أو اللمز تسيء لهما بقوله تعالى: (فلا تقل لهما أف ولا تنهرهما) فكلمة أف تعتبر عقوقًا للوالدين والعاق مصيره نار جهنم.
كما أوصى الرسول عليه الصلاة والسلام بالبر بالوالدين عندما سأله صحابي من أحق الناس بحسن صحابتي؟ قال أمك, قال ثم من؟ قال أمك, قال ثم من؟ قال أبوك.
وأشار د. أبو يحيى إلى أنواع حقوق الوالدين، وهي نوعان الأول مادي بالنفقة بأن يتكفل الابن بوالديه عند الكبر من مأكل ومشرب وملبس ومسكن وكل ما يحتاجه عند العجز, وآخر معنوي بالزيارة والسؤال عنهما وملاطفتهما والتودد إليهما ومعاملتهما معاملة حسنة, فلا يرفع صوته عليهما؛ بل يجب أن يتذلل لهما, فرضى الوالدين من رضى الله تعالى.
وأكد الدكتور أبو يحيى على أن فقر الابن ليس مبررًا له بعدم الانفاق على والديه إذا كانا بحاجة له، فلو كان لا يملك إلا قطعة تمر فليتقاسمها معهم فلا يجوز له أن يتذرع بفقره على حساب الإساءة لوالديه؛ فعليهم أن يتقوا الله في آبائهم.
وأضاف أن هذا يعتبر إساءة بالغة لحقوق الله وشرعه في غياب عدم تربية شرعية سليمة؛ فلو تربى الفرد تربية إسلامية صحيحة لكان لديه وازع ديني يحثه على مراعاة والديه, فالابن عليه أن يقرأ لوالديه القرآن إذا كان أحدهما أو كلاهما لايعرف القراءة، لا أن يزجوا بهم في دور المسنين!.
وحرم د.أبو يحيى على الأبناء وضع آبائهم وأمهاتهم في دور المسنين، حيث قال: إن ذلك لا يتفق مع الشريعة الإسلامية خاصة إذا كانوا قادرين، كما لا يتفق مع آداب الإسلام؛ فدور المسنين وجدت لإنسان مقطوع ليس له أحد؛ فلا يدخل جنه قاطع رحم والأم في قمة الرحم.
د . شتيوي: الإساءة للوالدين ليست ظاهرة في الأردن
وأشار أستاذ علم الاجتماع في الجامعة الأردنية في عمان الدكتور موسى شتيوي إلى أن الإساءة للوالدين لا تعتبر ظاهرة في الأردن، فمعظم الأبناء يراعون آباءهم وأمهاتهم وإن نسبة المسيئين ضئيلة لكنها، الآن بدأت تنمو بسرعة، وقال: إن هذه الفئة عندما تكبر تفقد مكانتها الاجتماعية والاقتصادية ودورها في المجتمع بحيث تصبح تعاني من مشكلات كثيرة اجتماعية ونفسية.
وأشار د. شتيوي إلى أن معظم المسنين من النساء أميات وليس لهن دخل ولا يستطعن الإنفاق على أنفسهن، فهن بحاجة إلى عناية نفسية صحية واقتصادية، وفي ظل الظروف الاقتصادية التي نعيشها في البلد أصبحت هناك صعوبة على الأبناء في الاهتمام بالوالدين نتيجة ضغوط الحياة، خاصة وأن هذه الفئة لها احتياجات خاصة.
وأشار إلى أن المرأة في مجتمعنا التقليدي تفقد مكانتها في المجتمع مع الكبر وخصوصًا التي لا تنخرط في الحياة العملية.
وأشار إلى وجود آباء بطبيعتهم كانوا قاسين على أبنائهم عند صغرهم وقد ينعكس ذلك على شخصيته عند الكبر ليقسو هو على والديه عند كبرهما وإحساسه بضعفهما.
واعتبر د. شتيوي مسؤولية رعاية المسنين مسؤولية المجتمع والحكومة وليس الأبناء فقط، حيث قال: يجب أن تكون المسؤولية مسؤولية المجتمع؛ لذا فنحن بحاجة إلى استراتيجيات لحل هذه المشكلة والحكومة المعني المباشر في بلورة السياسات الخاصة في هذا الموضوع والطرف الأساسي في بلورة سياسات وبرامج لهذه الفئة، كما أن المجتمع المدني يلعب دورًا في هذا الموضوع ، ولا بد من تسديد حاجياتهم بحرية وكرامة . فالمطلوب توفير برامج مطورة للمحتاجين.
وعن أثر التطور التكنولوجي على العلاقات الأسرية وتفككها قال: التغيير التكنولوجي والاجتماعي والتطور الذي حصل خلال الأربعين سنة الماضية والتحول الكبير والسريع في المجتمع، بحيث انتقل المجتمع من مجتمع رعوي زراعي إلى مجتمع مدني يعيش في غالبيته في المدينة ومنخرط في الاقتصاد الحديث، فهذا التغيير ضروري ولا نستطيع توقيفه ولا بد أن ننخرط في الاقتصاد الحديث وقد يكون لذلك دور، فالضبط الاجتماعي أصبح بحكم العمل وقضاء ساعات أطول في العمل من جهة وكثرة الالتزامات والأوضاع الاقتصادية من جهة أخرى أضعف العلاقات الأسرية، علمًا بأن ذلك غير مبرر للشخص بحيث لا يزور أهله، فمهما انشغل في مشاغل الحياة وعمله ومهما كانت ظروفه قاسية؛ عليه أن يحسن بوالديه قدر المستطاع.
حالات من الواقع
السيدة أم محمد تجاوزت السبعين من عمرها لجأت إلى المحكمة لإقامة دعوى نفقة ضد ابنها بسبب حاجتها وعدم إنفاق ابنها عليها؛ قالت إن: ابني يسكن في الطابق السفلي في المنزل الذي تركه والده لي وله، وأنا امرأة فقيرة ولا يوجد لدي مصدر دخل ولا راتب تقاعدي، وابني لا يزورني حتى في الأعياد ولا ينفق عليّ حتى وإن طلبت منه يقوم بضربي ويوبخني وكأنني لست أمه.
السيدة أم فاروق وعمرها 72 عامًا قالت: زوجي متوفى وبعد وفاته أصبت بالجلطة وأصبحت مقعدة على كرسي ولا أتقاضى راتب تقاعدي أو ضمان، ولديّ أربعة أبناء أصغرهم يبلغ من العمر 36 عامًا جميعهم متزوجون وزوجاتهم يرفضون أن أسكن معهم في المنزل وأعيش وحدي في منزلي مع أبنائي في العمارة التي تركها زوجي لي ولهم، ولا أحد منهم يزورني إلا أصغرهم، ولا يعيلني أحد إلا أصغرهم، فلا يطرق من الثلاثة الآخرين بابي أحد ولا حتى في العيد أو في رمضان، ولم أرهم منذ أشهر، علمًا بأنني أسكن معهم في نفس العمارة، وقد حضرت للمحكمة لأقيم دعوى ضد أبنائي الثلاث
ـــــــــــــــــــ(100/120)
المرأة.. رهان المستقبل
عبد الرحمن الشمسان 4/11/1424
27/12/2003
المرأة.. ذلك "الهاجس" الذي يقض مضاجع المصلحين، ويقلق هدوءهم، ويئد راحتهم.. ليس لأن مسألتها عويصة، والرؤية حولها ضبابية.. لكنه "الواقع" المعقَّد، والمليء بالمتناقضات.. مثاليات تدَّعى، وانحرافات تطبَّق.. تاريخ نبوي مجيد في تحرير المرأة، وواقع مظلم متأزم بما فيه الكفاية.
جاء الإسلام ليعالج وضع المرأة، فتعامل مع الموقف بشفافية كاملة، ونظر إليها "شقيقة" للرجل، ومساهمة فعالة في بناء الصرح.
اليوم، وفي مجتمعنا من يتعامل مع القضية كمن يحاول أن يلمس الصفيح وهو ساخن، أو كمن يمسك بمبضع الجراح؛ ليفتق جرحاً يمتلأ صديداً.. دون أن يملك مخدراً.
نعم.. هي صعوبات ومشاق، لكنه آن لنا أن نملك زمام المبادرة قبل أن تفلت القضية من بين أيدينا.
كان الخطاب الإسلامي في زمن مضى دفاعياً أكثر منه تصحيحياً، فلم يسبر غور واقع المرأة في بلاد المسلمين، مع علمه اليقيني بما يحدث لها من ظلم فادح، وانتهاك واضح، كان يخوض معركة شرسة مع دعاة التغريب، فلم يرد أن يفتح أبواباً مغلقة، ولا أن ينشر حقائق هي عليه لاله، وكان هذا مفهوماً.
أما بعد أن تغيَّر الزمان، وزادت حدَّة العصر انفتاحاً.. فلم يعد من المفهوم أن يظل خطابنا مقتصراً على الحديث عن تهتك المرأة الغربية، وضياع شرفها، وتمريغ كرامتها.. ولا عن مثاليات الإسلام التي لم تطبق –جملة- في غير عهد الخلافة الراشدة، واستمر الوارثون يقاربون أو يباعدون.. ولا أن يقتصر على محاولات مستميتة، لتحويل اختلاف أهل القرون المفضلة إلى اتفاق يخدم واقعنا بدلاً من أن يطوعه..
لقد كان النزاع شديداً حول خلافيات لم تحسم ولن تحسم إلا أن يشاء الله، وكان الاهتمام منصباً على لباس المرأة وحشمتها الظاهرة، أما عقلها وأدبها وعواطفها واستقبال إبداعاتها وتطوير مواهبها فقد تُرك لغيرنا..
المرأة في المجتمع.. ليس لها وجود ولا رأي، فهي "ناقصة عقل ودين" بفهم زائغ، وهي "حبالة الشيطان"، وهي مثار فتنة أينما حلَّت وحيثما ارتحلت، وهي موطن "شك" في كل وضع تتضعه... هل هذه هي نظرة الإسلام النقي الخالي من شوائب التقاليد البالية والجفاء الطبعي؟ هل أولينا المرأة اهتماماً يليق بمكانتها وعظيم تأثيرها وتأثرها في المجتمع؟ هل استخدمنا الدين لإضفاء القداسة على بعض التقاليد التي تئد المرأة وتتركها تعيش ميتة بين الأحياء؟ إنه – يا سادة- لن يكون هناك تصحيح لوضع المرأة حتى تُصحح النظرة إليها، فلسنا في حاجة إلى أن نعالج أعراضاً، وندع الداء العضال يلد أعراضاً أخرى...
إن كرامة المرأة تكمن في عفتها، واستكمال حقوقها التي وهبها الله إياها.
إن على خطابنا – لكي يكون مقنعاً- أن يبرز اهتماماً مشعاً بحقوق المرأة، كما يهتم بعفتها، وعليه أن يتلمَّس طريق عقلها كما يلتمس منافذ قلبها، وهذا يوجب علينا أن نسلِّط الضوء على الأجزاء المنتنة في واقع المرأة في مجتمع مغلق، وليس إلا الاستئصال –مع ما يكتنفه من آلام- إن لم يُجدِ العلاج.
المرأة.. ذلك الملاك المبدع.. هي رهان المستقبل
ـــــــــــــــــــ(100/121)
حينما يكون الاستغفار.. ذنباً!!
منال الدغيم 26/10/1424
20/12/2003
تلفتت في وجل، ثم ارتعشت شفتاها بتوتر، وقالت: "أستغفر الله! إن فلانة لتثير حنقي جدًا، تتقصدني في حديثها دائمًا، ولا أدري هل هي – أستغفر الله – تريد احتقاري، أم – لا عاقبني الله – تريد أن تظهر أنها أحسن مني، على كل حال هي – عسى الله ألا يؤاخذنا- لا تستحق أن أهديها أغلى حسناتي، ولولا أن ليس من عادتي الطعن في أعراض الناس لقلت لكم عنها أشياء مهولة، وأستغفر الله وأتوب إليه.."!
كم نسمع كثيراً في مجالسنا مثل هذه الكلمات، لمن تفري لسانها في الخلق غيبةً وبهتانًا، وقد اتشحت بمسوح الزهد وظهرت بمظهر الورع، معلنة باستغفارها وجلها وإشفاقها من عثرات اللسان وزلاته، وما علمت هذه المسكينة أنها قد وقعت في الحمى وتعدت إلى الحرام، وصار هذا الاستغفار حجة عليها، تنبئ عن إقدام على الذنب بقلب بارد، عالم بحرمة ما اقترفته مستغفرة باللفظ فقط مما جنته.
ولو أن هذا الاستغفار الذي أنتنت حروفه لما ضمنته قذر الغيبة وأوحالها، خرج ذكرًا صافيًا من فؤادها وغرس جذوره طاعة مخلصة في نفسها، لكان لألفاظه نور متلألئ يجر أذياله هيبة وخشوعًا، والتجاءً إلى الله ودموعًا، فيثبت الله قلبها ويعينها على الطاعة، وعلى الصبر عن محارم الله، ويوفقها إلى حفظ لسانها من سقط الكلام وفضوله.
إن الاستغفار ذكر لا يقوم إلا على افتقار القلب إلى الله، وشعوره بمدى حاجته إلى عفوه وتوبته ومغفرته، ليمحو عنه أثقال الذنوب التي أرهقت كاهله وقبضت على نفسه، فكيف يكون هذا الذكر العظيم في ثنايا الخطايا مدرجًا، وبين كبيرة وموبقة مترددًا؟!
"إذا اشتهيت الكلام فاصمت، وإذا اشتهيت الصمت فتكلم"، هذه حكمة عظيمة عظيمة، تنير السبيل لمن اختلج الحرام في صدرها وأرادت له نطقًا، ومن غيرها انتقاصًا وانتقامًا، ولنفسها إظهارا وشرفًا، وتظن أنها إن ضمنت حديثها ذكر الله وزخرفت أقوالها باستغفاره، ستحمي الضمير والقلب من ضنك الخطايا وعذاب الإثم!
ـــــــــــــــــــ(100/122)
التحرر من ماذا ؟!
هيا الرشيد 12/10/1424
06/12/2003
تحرير المرأة، قضية وهمية نسجها خيال مريض، خرجت إلى الوجود كحقيقة صدقها ضعاف النفوس منذ مئة عامٍ تقريباً، وهي في الأصل حركة علمانية نشأت في مصر، ومن ثم كان التوسع فيها لتنتشر فيما بعد في كثير من الدول العربية والإسلامية. والدعوة إلى التحرر تقوم على كثير من المبادئ الهدّامة التي تهدف في مجملها إلى إخراج المرأة عن تعاليم دينها لإفسادها خلقياً واجتماعياً؛ ليتبعها بطبيعة الحال فساد المجتمع بأكمله، وهذه الحركة تدعو إلى نبذ قوانين دينية نابعة من الكتاب والسنة، وأوامر إلهية يجب على المسلم أن يلتزم بها سواء كان ذكرًا أو أنثى، فهم يدعون إلى التبرج والسفور، ونزع الحجاب، والخروج من البيت، والاختلاط، والمساواة بين الجنسين في كل شيء، مع تجاوزهم في المطالب لتصل إلى تقييد الطلاق، ومنع تعدد الزوجات.
وإن ذكرنا في البداية أن المناداة بتحرير المرأة حركة علمانية؛ فإننا في نفس الوقت لا نُغفل أبداً الدور الذي تلعبه القوى الاستعمارية الغربية في تمويل هذه الحركة في السر والعلن، حيث تدعم الاتحادات النسائية المسؤولة تقريباً عنها مادياً ومعنوياً، وتشجعها على المضي قدماً في الترويج لأفكارها المنحلة، وهم بذلك يدّعون حرصهم على حقوق المرأة ومحافظتهم عليها، ومن المعروف أن فاقد الشيء لا يعطيه، فكيف بنا أن نوازن بين مطالب الغرب بأن نأخذ نحن -المسلمات- حقوقنا، بينما نرى حقوق نسائهم مهدرة أمام العيان؟!.
فما حال الأم لديهم بعد أن تكبر ويرفضها الرجال، ولننظر إلى مكانة الأم لدينا ومنظر الأولاد والبنات والأحفاد وهم حولها عند حاجتها إليهم، ولنرى أيضاً حال الزوجات وهن يتسولن لقمة العيش من هنا وهناك دون وضع أي اعتبار للمكان الذي تعمل به، وهل هو مناسب لتكوينها أم لا؟ بينما تنعم المرأة لدينا بدفء البيت، وإن خرجت للعمل فهو محصور فيما يناسبها من تعليم لبنات المسلمين ونحوه، ولو فكرنا بأحوال الفتيات في الغرب لرأينا العجب، حيث تخرج الواحدة منهن قبل سن العشرين هائمة على وجهها، تتقاذفها شتى الخطوب من إهانة للكرامة وبيع للشرف، ويريدون لبناتنا نفس المصير وكأن المحافظة عليهن قد أقضَت مضاجعهم، وولدت لديهم رغبة بتوحيد الظروف لتكون النتائج متساوية.
لقد نسوا أو لعلهم تناسوا الويلات التي جرّتها عليهم الحرية المزعومة التي نالتها النساء لديهم، غابت عن أذهانهم تلك الإحصائيات المرعبة عن أعداد الأطفال غير الشرعيين الذين أصبحوا عبئاً على حكوماتهم؛ فقد كاد عدد المواليد خارج مؤسسة الزواج يزيد عن ربع المواليد لديهم، وأصبح لديهم أعداد هائلة من النساء الهاربات من جحيم عنف الأزواج واللاتي يلجأن إلى ملاجئ خاصة لمثل هذه الحالات.
ومما نادوا به سابقاً للمرأة المسلمة المساواة بينها وبين الرجل في الميراث، وهذا مخالف لشرع الله تعالى، أما الآن فهم ينادون بالمساواة المطلقة في كل شيء، متناسين الفروقات بين المرأة والرجل، والتي لا تحتاج إلى الجدل، وقد اعترف بعض علمائهم بوجودها، وخرجت نظريات صريحة تبين عدم إمكانية المساواه، ولكن رغبتهم في الإفساد طغت على تحكيم عقولهم، والأهم من آرائهم ونظرياتهم مهماً كان عددها قول الله –تعالى- في كتابه العزيز: (وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالأُنثَىِ) [سورة آل عمران:36]، وقوله تعالى: (وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ) [سورة البقرة:228]. فنحن -المسلمين- نستقي تعاليمنا من كتاب الله تعالى، وندع نظرياتهم جانباً ما دامت لا تتوافق مع مبادئ ديننا الحنيف.
وعارض كثير منهم الحجاب، وربطه بعضهم بالعادات والتقاليد، وتناسوا أنه أمر إلهي قد سارت علية نساء المسلمين لقرون خلت، ولم يكن هذا الحجاب في يوم من الأيام عائقاً للمرأة عن العمل والعطاء في بيتها أو عملها خارج البيت، بل كان أداة عفة وكرامة، وسبباً قوياً في حفظ الأعراض، وللحشمة والتستر أيضاً دور كبير في حفظ شرف المرأة وصيانتها من الابتذال، فما رأينا للمتبرجات في الدول الكافرة وغيرها من دور سوى عرض الأجساد، وكأنهن في سوق عالمي للنخاسة، وأصبحن بسبب ذلك سجينات الذل والإهانة.
أما بالنسبة لقرار المرأة في بيتها وهو الأصل، فكان من أكبر الأشياء التي أزعجتهم، وقد أعيتهم الحيل وهم في كر وفر لإخراج نساء المسلمين من بيوتهن، وتوفير الفرص أمام مبدأ آخر من مبادئهم وهو الاختلاط، والاعتراض بطبيعة الحال ليس على الخروج بحد ذاته وإنما على طبيعة الخروج، أو طبيعة العمل الذي خرجت لأجله المرأة، وهل يوافق تعاليم ديننا ويتناسب مع طبيعتها وإمكانياتها أم لا، المرأة كانت في الماضي تخرج متسترة ومحتشمة لقضاء بعض الأعمال الضرورية، والآن تخرج لطلب علم أو صلة رحم أو عمل، فالاعتراض سيكون بطبيعة الحال لخروجها للعمل بين الرجال، أو مشاركتها في أعمال لا تناسبها، فقد سمعنا عن أول سبّاحة مسلمة، وأول عدّاءة، وأول طيّارة، و...,و... والقائمة تطول، فهذه الأشياء هي التي تتنافى مع تكوين المرأة وقدراتها، وتجعلها كالسلعة معروضة أمام ضعاف النفوس، وكثيرًا ما كان تحقيرهم قوياً وجارحاً لوظيفة المرأة الأساسية من رعاية بيت وأولاد، وعندما خَََرجَتْ للعمل بدأت أساليبهم التهكمية في التقليل من شأن نوعية العمل، فهم لا يريدون الخروج الشريف المتعارف عليه، بل يرغبون في خروج من البيت يكون مصحوباً بالخروج عن المألوف.
أما من ناحية ما يطالبون به من مخالفة صريحة لتعاليم ديننا كتقييد الطلاق، ومنع تعدد الزوجات؛ فهذا مالا يقبل به العقل أبداً، والعجب من نفوسهم التي سوّلت لهم أن المسلم سيستبدل شرع ربه بقانون بشري وبهذه السهولة، ولم يشرع الله –تعالى- مثل هذه الأشياء إلا لسعادة البشرية وبمستوى لا تصل إليه ضحالة تفكير هؤلاء الناعقين، والمشككين في جدوى مثل هذه الأمور.
ويقولون إن المرأة مظلومة، ومهضومة الحقوق، وقد أغفلوا الظلم الواقع على مستوى العالم بأكمله، دول تُظلم، ومجتمعات تُسرق مقدّراتها أمام العيان، وشعوب تُستغل مجهوداتها، وأراضٍ تُنهب خيراتها، ويتركون كل ذلك الظلم، ويتحدثون عن ظلم المرأة، أليس الرجل يُسجن ظلماً؟! ألا يجد الظلم أيضاً من رئيسه في العمل؟! ألا يظلمه أخوته وأبوه وأقاربه؟! ألا يتعرض للظلم من جيرانه؟! ألم يحدث أن زوجة ظلمت زوجها؟! فالظلم واقع من كثيرين وعلى كثيرين أيضاً، فلماذا التركيز على نقطة دون نقاط؟! ولماذا القول بأن المرأة مظلومة؟!
فالظلم الذي يقع عليها أحياناً إنما هو من المحيطين بها، وهو ظلم من البشر، وبعيد كل البعد عن تعاليم الشرع المطهر؛ بل هو خروج عن تعاليم ديننا؛ لأن الله سبحانه وتعالى قد حرّم الظلم بكافة أشكاله.
ينادون بالحرية..! الحرية من ماذا؟! وهل يريدون تحريرها وقد تحررت منذ بزوغ شمس الإسلام؟!
الإسلام حرر المرأة وأعطاها حقوقاً لم تحصل عليها في الجاهلية ولا في أي ديانة من الديانات، خاصة في الديانة اليهودية والنصرانية، وماذا قال عنها الإغريقيون والرومان؟، وكيف كانت عند الصينيين والهنود والفرس؟، أما في الإسلام فكان لها شأنٌ آخر، فقد حفظ حقها كاملاً منذ أن كانت جنيناً في بطن أمها، وفي جميع فترات حياتها إلى أن يتوفاها الله
ـــــــــــــــــــ(100/123)
قبل أن تخرجي إلى المسجد..
منال الدغيم 6/10/1424
30/11/2003
تتهادى عبر النسائم آيات الله تتلى من مسجد مجاور، غضة ندية خاشعة، فتخفق في قلب المؤمنة لهفة للخروج إلى المسجد والصلاة مع المؤمنين، وسماع القرآن الكريم، وسؤال الله بتضرع وإخبات من واسع فضله وعظيم رحمته مع المسلمين..
لكن.. قبل أن تخرجي، انظري بتمعن في الأمر، فللخروج آداب وفضائل وواجبات، تحققي منها أولاً، لئلا يكون خروجك – وهو للمسجد – حرمانًا من الأجر، ومقاربة لاقتراف الوزر!
هذه عشر خطوات، مهم للمرأة المسلمة أن تخطوها في سيرها إلى المسجد، علها أن تسلك الصراط المستقيم وتفوز بالثواب العظيم.
1) رغم ما في الصلاة في المسجد من حماس ملحوظ وسماع مؤثر ودعاء صالح، إلا أن صلاتك في بيتك أفضل، وقد قرر ذلك رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يشير إلى مسجده النبوي، رغم ما فيه من مضاعفة الأجر، فما بالك بغيره؟ فعن ابن مسعود رضي الله عنه قال، قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "صلاة المرأة في بيتها أفضل من صلاتها في حجرتها، وصلاتها في مخدعها أفضل من صلاتها في بيتها.."، وعن أم سلمة نحوه وزادت: "وصلاتها في حجرتها خير من صلاتها في دارها، وصلاتها في دارها خير من صلاتها في مسجد قومها"(1) .
أما إن كان ولا بد، فليكن بإذن ولي أمرك، حماية لك وحفظًا، وطاعة لأمر الله وإذعانًا، ولا تجزعي إذا ما أبى، فلعل الله يوفقك بطاعتك له إلى طاعة أخرى خير مما أردت، ويفتح عليك من أبواب الخشوع والقيام والتلاوة، ما يقبله منك ويرفع به درجاتك.
2) وقبل أن تخرجي، تفقدي أحوال بيتك، أمانتك وواجبك الذي ستسألين عنه وتحاسبين على التفريط فيه، فالخاسرة الخاسرة، من خرجت إلى المسجد بزعم الطاعة، وقد تركت صغارها مهملين في أحضان مربيات قاسيات، والفتيات يتجولن في الأسواق أو عاكفات على الهاتف والقنوات، والشباب يتسكعون بعبث وضياع، والأب لا عشاء له ولا اهتمام ولا استعداد، فأي حرص على الطاعة هذا؟!
3) الصغار أمانة في عنقك، وأجرك والله في رعايتهم وتربيتهم، فإن وجدت من يعتني بهم بثقة في غيابك فجيد، أما إن تركتهم تحت أيد غير أمينة، أو اصطحبتهم معك يؤذون المصلين ولا يحفظون للمساجد حرمتها، يضجون بالبكاء والصراخ واللعب والعدو بين الصفوف، فلا تأمني على صحيفتك الوزر حينذاك!.
4) وقبل أن تخرجي، تفقدي حجابك، دليل عفتك وعنوان فضيلتك، وتذكري كيف كان نساء الصحابة رضوان الله عليهم، يخرجن كأنهن الغربان، من غير أي زينة أو بخور – والبخور كما تلاحظين أخف أنواع الطيب وهو سريع الزوال! -،(2) كما قال صلى الله عليه وسلم: "أيما امرأة أصابت بخورًا فلا تشهدن معنا العشاء الأخير"، وقال: "وليخرجن تفلات" ، أي غير متزينات ولا متطيبات.
واعلمي أن الفضيلة ليست بعباءة ساترة فحسب، بل بفضيلة المظهر والمخبر والسلوك، من غض الصوت والمشي على استحياء وغيره، بل جاء في بعض صيغ الإذن للنساء بالخروج للمسجد، أن يكون ذلك ليلا، ويقول الحافظ ابن حجر في ذلك: "وكان اختصاص الليل بذلك لكونه أستر، ولا يخفى أن محل ذلك الإذن إذا أمنت المفسدة منهن وعليهن..".
5) ويبلغ الإسلام شأوًا في العفة والطهارة، بأمره النساء ألا يسرن في وسط الطريق، مزاحمات بذلك الرجال، فيفتِنَّ ويُفتَنَّ، فقد سمع أبو سعيد الأنصاري رضي الله عنه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول وهو خارج من المسجد فاختلط الرجال مع النساء في الطريق: "استأخرن، فإنه ليس لكن أن تحققن الطريق، عليكن بحافات الطريق"، فكانت المرأة تلتصق بالجدار حتى إن ثوبها ليتعلق بالجدار من لصوقها به" (3)، وإنها بذلك لتقلل من النظرات إليها وتبعد الريب عن نفسها، تمشي باحترام وهيبة، واستحياء وعفاف.
فيا ليت شعري، أين من ينادي بمخالطة المرأة للزملاء في ممرات المصانع والشركات من هذا الأدب وهو في خروج للمسجد؟! لكنه يأبى إلا أن يعمي بصيرته فيمرغ العفة ويذبح الفضيلة.. "..وفق الشريعة الإسلامية"!!
6) وقبل أن تخرجي، ليكن بين جنبيك قناديل من العلم الشرعي، آداب المشي إلى المسجد وأذكار دخوله، وفقه صلاة الجماعة بإقامة الصفوف وسد الفرج، فكثير من النساء تصلي لوحدها مستندة على الجدار، رغم ما أمامها من صفوف مبعثرة، وهذا لا يجوز، وقد أبطل بعض أهل العلم صلاة المنفرد خلف الصف (4)، قال صلى الله عليه وسلم في صحيح مسلم: "تقدموا فائتموا بي، وليأتم بكم من بعدكم، لا يزال قوم يتأخرون حتى يؤخرهم الله"(5) ، وقال صلى الله عليه وسلم: "أقيموا الصفوف، ثلاثًا، والله لتقيمن صفوفكم أو ليخالفن الله بين قلوبكم"(6) .
مري بالمعروف وانهي عن المنكر، وتعلمي فقه الصلاة وأذكارها، فالخاسر من يعرف كل شيء في حياته، ولو سألته عن أمر في دينه لم يحر جوابًا مستقيمًا!
7) ذكر أهل العلم أن خير صفوف النساء آخرها إذا صلين مع الرجال، أما إذا صلين متميزات عنهم أو بينهم جدار أو حاجز فخير صفوف النساء أولها وشرها آخرها، بل وكان تنبيه المرأة لمن سها في الصلاة بالتصفيق دون التسبيح، كل ذلك من حرص الإسلام على حماية الفضيلة ونقاء العفة، وعدم إشغال النفس بالخواطر والوساوس والأفكار، والمرء واقف بين يدي الله في بيت الله.
قال النووي رحمه الله: "وإنما فُضِّل آخر صفوف النساء الحاضرات مع الرجال، لبعدهن عن مخالطة الرجال ورؤيتهم وتعلق القلب بهم عند رؤية حركاتهم وسماع كلامهم ونحو ذلك، وذم أول صفوفهن لعكس ذلك، أي لكونها قريبة من الرجال وفي ذلك من الفتن ما لا يخفى"(7) .
8) لا ينسينك رؤية فلانة والسلام على علانة والحديث مع هذه والابتسام لتلك، عن غايتك التي جئت من أجلها إلى المسجد، فاحرصي على القيام مع الإمام منذ تكبيرة الإحرام، والاستماع بإنصات إلى القراءة، وتدبر الأذكار وسؤال الله من فضله، وترك الدنيا جانبًا، فهذه فرصتك للتزود للآخرة بالحسنات والخيرات، فلا يكن خروجك ودخولك للمسجد واحدًا!
9) سنة مندثرة، وفضيلة غائبة، تتألق عفة رائعة وفضيلة نقية، فقد كن النساء في عهد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إذا سلمن من المكتوبة قمن، وثبت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ومن صلى من الرجال ما شاء الله، فإذا قام رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قام الرجال"(8) .
قال الزهري: نرى والله أعلم أن ذلك كان لكي ينصرف النساء قبل أن يدركهن أحد من الرجال.
وروت عائشة -رضي الله عنها- قالت: "كن نساء المؤمنات يشهدن مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- صلاة الفجر متلفعات بمروطهن، ثم ينقلبن إلى بيوتهن حين يقضين الصلاة، لا يعرفهن أحد من الغلس" (9).
ولا شك أن مدار الحكم مع علته، فإذا كان من عادة أهل المسجد من الرجال الخروج باكرًا، فينبغي للنساء الانتظار قليلاً ليخف الزحام، بعدًا عن مخالطة الرجال في الطرقات.
ومن آداب الخروج كذلك، أن يخصص للنساء باب يخرجن منه إن كانت صلاتهن مع الرجال، فقد روى أبو داود (بابًا في اعتزال النساء في المساجد عن الرجال)، ثم روى بسنده عن رافع عن ابن عمر -رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "لو تركنا هذا الباب للنساء". قال نافع: "فلم يدخل منه ابن عمر حتى مات، وبسنده إلى نافع أن عمر بن الخطاب -رضي الله عنه-: "كان ينهى أن يدخل من باب النساء".
فالحديث الشريف وفعل عمر وابنه عبد الله، كل هذا يدل على أنه ينبغي أن يكون للمسجد أبواب خاصة للنساء، ويمنع منها الرجال، وهذه السُّنة مع كونها لا تزال قائمة في كثير من الأقطار الإسلامية، للأسف هي مفقودة من المسجد الحرام بمكة المكرمة، وما كان ينبغي ذلك، فعلى المسؤولين هناك الاهتمام بهذا الموضوع، حتى لا تبقى تلك الفوضى وذاك الاختلاط المزري يعبث بقداسة تلك البقعة الطاهرة (10).
10) وبعد خروجك، ليكن التغير نحو الأفضل على نفسك ظاهرًا، لتكن معرفتك بالله وخشيتك منه أشد، ولتكن صلاتك أخشع، وصومك أنقى، وقيامك بحق زوجك وأبنائك ووالديك أقوم، ولتحرصي على تبليغ ما انتفعت به من الآيات والمواعظ لغيرك، فالبخيل من أشرق نور الخير في نفسه، فضن به وأمسكه عمن حوله، وحرم خاصة أهل بيته!.
(1)مجمع الزوائد 2/34.
(2)أحمد 2/438.
(3)أبو داود 5272.
(4)مجموع فتاوى ابن تيمية 23/410.
(5)صحيح مسلم 438.
(6)السلسلة الصحيحة 32.
(7)شرح مسلم (4/159).
(8)البخاري 2/ 493.
(9)البخاري 2/28.
(10)المرأة المتبرجة ، عبد الله التليدي 106.
ـــــــــــــــــــ(100/124)
في يوم العيد.. بشرى لمن يربح الجائزة؟
هدى سيد 1/10/1424
25/11/2003
الجائزة لمن؟.. من منا سيربح الجائزة هذا العام ؟.. من منا أطاع المولى -سبحانه وتعالى-، وجاهد نفسه حتى تأصلت فيها حلاوة الصيام والقيام وتلاوة القرآن والذكر والدعاء والتهجد والصدقة والزكاة وسائر العبادات؟.
فها هو السوق قد انفضّ، ربح فيه من ربح وخسر من ..، وها هو الضيف الكريم قد رحل عنا بعد أن حمل الأمانة إلى المولى الجليل، حيث شهد على ما قدمنا من فرائض وعبادات وطاعات طيلة الثلاثين يومًا.
وها قد جاء يوم الجائزة يوم عيد الفطر المبارك، حيث تعم البهجة والسرور ديار المسلمين، ويفرحون صغارًا وكبارًا. والعيد هو الفرحة الصغرى التي يفرحها المؤمن بفطره، ولكن لا تتم سعادته إلا بالفرحة الكبرى عندما يجازيه الله على صومه في الآخرة.
ويبين لنا الرسول الكريم -صلى الله عليه وسلم- فضل إحياء ليلة العيد؛ فيقول: "من أحيا ليلة الفطر أحيا الله قلبه يوم تموت القلوب"، فمن يحيي ليلة العيد بالذكر والطاعة والدعاء وتذكر نعمة الله العظيمة علينا (ولتكملوا العدة ولتكبروا الله على ما هداكم ولعلكم تشكرون).
فالتكبير الذي نبدأ به يومنا في العيد هو شكر الله على نعمة الهدى والإيمان التي تفضل بها علينا.
لا تسرفوا
وأيام العيد هي أيام فرحة وسرور وصلة رحم وتزاور بين الناس وتواد بين الأهل والجيران، فيه الأكل والشرب واللهو المباح الذي لا يبعد عن ذكر الله -عز وجل-، والتوسعة على الأولاد فيه سنة، والإنفاق في العيد يكون باعتدال وبلا إسراف أو تقتير، فقد نهانا الله -عز وجل- عن ذلك حيث قال: (وكلوا واشربوا ولا تسرفوا إنه لا يحب المسرفين).
وقال: (ولا تجعل يدك مغلولة إلى عنقك ولا تبسطها كل البسط فتقعد ملوما محسورا) صدق الله العظيم.
لكن هذا المعنى يختفي عن أذهان الكثيرين، فما أن يأتي العيد حتى يقبل الناس على الطعام والشراب وصنع الحلوى وكثرة اللهو واللعب والعبث والسهر، والبعض قد يتجاوز ذلك ويتناول المحرمات، وكل هذا لا يرضي الله -عز وجل-، وليس من حكمة العيد في شيء.
ترويح عن النفس
فالله عز وجل جعل العيد بعد أداء الفرائض، وذلك للترويح عن النفس، وإدخال السرور على الأهل والأقارب والجيران، واستشعار قيم الإسلام ومعانيه السامية التي توازن بين حاجات النفس وحاجات الجسد، وتوازن بين الروح والمادة، ولا نغفل طبيعة النفس البشرية وحاجاتها الأساسية ورغباتها الفطرية، والتي ترنو دائما إلى الترويح والتسرية ونسيان الآلام والهموم.
ومن هنا كانت الأعياد فرصة للترويح عن النفس المباح الذي أحله الله بلا إسراف أو تبذير، وحتى ينشط المسلم لأداء عمله على أكمل وجه.
وتتجسد في العيد معاني الرحمة والتكافل بين الأغنياء والفقراء، فمن وسع الله عليه في رزقه وزاد عنده الخير يفيض على إخوانه المحتاجين سواء بطريق مباشر أو غير مباشر، أو من خلال التبرعات والهدايا والأسواق الخيرية، وبذلك لا يحس الفقير في العيد بمرارة الفقر والعوز، ولا يحقد على من وسع الله عليه؛ لأنه أعطاه ولم يبخل.
الأسرة والعيد
والعيد فرصة طيبة لتعليم الأبناء معاني الرحمة والبر، والتزاور في الله وصلة الأرحام وحب الناس، والتعاون على الخير وإعطاء الفقير والمسكين والمحتاج هو فرصة عظيمة كي تزرع في نفوس أبنائنا حب الله ورسوله، ونعلمهم مبادئ الإسلام وتعاليمه الهادية إلى كل خير، فعلى الوالدين أن يوضحا لأبنائهما الحكمة من جعل العيد عقب أداء فريضة الصوم، وذلك بأسلوب سهل ومبسط حتى يستشعروا نعمة الله -عز وجل- عليهم وحتى لا تمر الأعياد دون أن تترك أثرها الطيب في النفوس.
وبأنها هدية من الله -عز وجل- للصائمين الذين أدوا صومهم وسائر عباداتهم بأحسن صورة.
لن ننساكم
ولن تكتمل الفرحة بالعيد إلا بعد أن يجتمع شمل الأمة الإسلامية وتتوحد صفوفها وتعلو راية التوحيد خفاقة بين ربوعها، وننسى آلامنا وأحزاننا التي تتجسد يوميًا أمام أعيننا صباحًا ومساءً.
فالعيد في النفس يحمل معان كثيرة إن كان ظاهرها الفرح والبهجة لكنها تخفي بين طياتها معالم الحزن الدفين.
فبأي وجه يا ترى يأتي العيد هذا العام على إخواننا المسلمين في أنحاء الأرض، وهل تفرح الأرامل والثكالى والأطفال الجوعى كما نفرح بالعيد؟.
إن القلب ليحزن على حال أمتنا الإسلامية وقد يظن البعض أن التذكرة بهذا الأمر ليست هذا مكانها، ونحن بصدد الحديث عن العيد وبهجته؛ إلا أننا يجب ألا ننسى أو نتناسى إخواننا الذين يعيشون في ضيق وكرب شديد في فلسطين والعراق والشيشان وكشمير وأفغانستان.
فقد قال الرسول -صلى الله عليه وسلم-: " مثل المؤمنين في توادهم وتعاطفهم وتراحمهم كمثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الأعضاء بالسهر والحمى".
ولأن "من لم يهتم بأمر المسلمين فليس منهم"؛ فكيف يهنأ لنا بال وكيف نسعد سعادة صافية لا يشوبها كدر وحال أمتنا بهذا السوء.
كيف ننسى صور أطفالنا في العراق وهم في فزع وهلع وجوع؟! كيف ننسى صور الأرامل وهن يعانين أقسى أنواع الذل والهوان في ظل الاحتلال الأمريكي؟! .. كيف نفرح في العيد وتغيب عن عيوننا فلسطين الجريحة وشهداؤها الذين يتساقطون كل لحظة ولا حياة لمن تنادي من العرب والمسلمين؟!.
كيف نتجاهل إخواننا المسلمين في كشمير وجرائم الهندوس ضدهم تفوح رائحتها الخبيثة حتى تزكم الأنوف؟!.
ماذا نعرف عن إخواننا في الشيشان وبورما وغيرها من الأقليات المسلمة المضطهدة التي تتعرض للإبادة، ولا أحد يشعر أو يحرك ساكنا؟!.
لن تكتمل فرحتنا إلا بإحساسنا بآلام إخواننا في كل مكان والدعاء لهم بالنصر والتمكين وقهر الأعداء.. لن نفرح إلا بفرحة إخواننا المسلمين في أنحاء الأرض.. لن نسعد بالعيد إلا بسعادة قلب كل مسلم على وجه الأرض.. والفرحة الصافية عندما يعود للإسلام والمسلمين عزُّهم ومجدُهم، ويهنأ كل منا بالآخر بتهنئة العيد "تقبل الله منا ومنكم".
وحتى تصل هذه التهنئة لكل مسلمي الأرض وهم في نصر ورفعة وسيادة
ـــــــــــــــــــ(100/125)
موائد الإفطار :مظهر للتكافل والتراحم
أحمد أبو زيد 14/9/1424
08/11/2003
- أوقاف خيرية كان يخصصها الأمراء والسلاطين لإطعام الفقراء والمساكين في رمضان .
- في العصور الوسطى كانت تمتد آلاف الموائد المليئة بأطيب الطعام للصائمين غير القادرين و عابري السبيل.
موائد الرحمن مظهر طيب من مظاهر التكافل الاجتماعي الذي يرتبط بشهر رمضان، حيث يتسابق أهل الجود لإقامة هذه الموائد طوال أيام الشهر الكريم، ومدها بأطيب الأطعمة والأشربة لإفطار الصائمين من الفقراء والمحتاجين وعابري السبيل، حتى لا يكاد يخلو حي أو قرية أو مدينة من المدن الإسلامية من هذه الموائد التي يتطوع بها القادرون تقربًا إلى الله سبحانه في شهر الرحمة والمغفرة.
وهذه الموائد الرمضانية لها تاريخ طويل يرجع إلى عصور إسلامية سابقة، فالروايات التاريخية تؤكد أن المصريين عرفوا بإعداد موائد الإفطار للفقراء في شهر رمضان منذ زمن طويل وأن الحكام كانوا يحرصون على مدها بأنواع الأطعمة خاصة في هذا الشهر، وكذلك في أوقات الشدة ، وكان الفقراء يقصدونها كي يستمتعوا بأكلة من أكلات الخلفاء والأمراء.
ويروى أن أحمد بن طولون حاكم مصر ومؤسس الدولة الطولونية هو أول من رأى في شهر رمضان مناسبة كريمة لاستثمار الفضائل؛ فأمر بدعوة أغنياء وحكام الأقاليم في أول يوم من رمضان ووزعهم على موائد الفقراء والمحتاجين كي ينفقوا عليها ، وعرفت موائد الرحمن الرمضانية في العصر الفاطمي وسميت "السماط" ، وكان الخليفة يعد مائدة كبيرة في قاعة الذهب بقصره تمتد من الليلة الرابعة من رمضان حتى الليلة السادسة والعشرين، ويدعى إليها كبار رجال الدولة والأمراء والوزير وقاضي القضاة ، إضافة إلى موائد أخرى في مسجد عمرو بن العاص والجامع الأزهر، وكذلك إناء مملوءة بالطعام تخرجها مطابخ قصر الخليفة للمحتاجين.
ويعتبر الخليفة الفاطمي العزيز بالله أول من عمل مائدة في شهر رمضان يفطر عليها أهل الجامع العتيق (عمرو بن العاص)، وأقام طعامًا في الجامع الأزهر مباحًا لمن يحضر في شهور رجب وشعبان ورمضان، وكان يخرج من مطبخ القصر في شهر رمضان 1100 قدر من جميع ألوان الطعام، توزع كل يوم على المحتاجين والضعفاء.
وفي العصر الفاطمي كانت تمتد آلاف الموائد المليئة بأطيب الطعام للصائمين غير القادرين أو عابري السبيل في صورة رائعة تجسد جوهر ما دعى إليه الدين الحنيف من تكافل وتراحم ، وكان الخليفة العزيز بالله ومن بعده المستنصر بالله يهتمون بموائد الإفطار التي تقام في قصر الذهب للأمراء ورجال الدولة ، وكذا التي تقام في المساجد الكبرى للفقراء والمساكين حتى بلغت نفقات شهر رمضان مدة 27 يوما ثلاثة آلاف دينار.
دار الفطرة
وفي العصر الفاطمي أيضا بنى الخليفة الفاطمي العزيز بالله دارا سميت "دار الفطرة" خارج قصر الخلافة بالقاهرة، وقرر فيها صناعة ما يحمل إلى الناس في العيد من حلوى وكعك وتمر وبندق، وكان يبدأ العمل بدار الفطرة من أول رجب إلى آخر رمضان، ويستفيد منها الأمراء والفقراء، حيث توزع عليهم أصنافها كل على قدر منزلته، ويقوم بالتوزيع مئة فرّاش ، وكان يعمل في هذه الدار مئة صانع للحلوى وغيرها من المأكولات ، علاوة على ما هو مرتب لخدمتها من الفراشين الذين يحفظون رسومها ومواعينها ، وكان يصرف على أجرة الصنّاع والمواعين خمسمائة دينار ، أما ما يفرق على الناس فكان يصرف عليه - كما قال بن الطوير - سبعة آلاف دينار، وقال غيره عشرة آلاف، وجرت العادة في هذا العصر أن يحضر الخليفة الفاطمي العزيز بالله إلى دار الفطرة ومعه الوزير فيجلس الخليفة على سريره ، ويجلس الوزير على كرسي ، وذلك في النصف الثاني من شهر رمضان، ويدخل معهما قوم من الخواص، ويشاهد الخليفة ما بالدار من الحواصل المعمولة المعبأة مثل الجبال من كل صنف فيفرقها من ربع قنطار إلى عشرة أرطال إلى رطل واحد وهو أقلها، كل على قدر منزلته، وذلك في أوانٍ لا تُرد، ثم ينصرف الخليفة ووزيره بعد أن ينعم على مستخدمي الدار بستين دينارا.
الموائد في العصر المملوكي
وقد اشتهر العصر المملوكي في مصر بتوسعة الحكام على الفقراء والمحتاجين في شهر رمضان ، ومن مظاهر هذه التوسعة صرف رواتب إضافية لأرباب الوظائف ولحملة العلم والأيتام ، ولا سيما من السكر، حيث تتضاعف كمية المستهلك منه في هذا الشهر بسبب الإكثار من عمل الحلوى.
واشتهرت في هذا العصر الأوقاف الخيرية التي كان يخصصها الأمراء والسلاطين لإطعام الفقراء والمساكين في شهر رمضان عن طريق موائد الرحمن، وتوزيع الطعام المجهز عليهم، والذي كان يشتمل على اللحم والأرز والعسل وحب الرمان، فقد نصت وثيقة وقف السلطان حسن بن قلاوون على الآتي: "يصرف في كل يوم من أيام شهر رمضان عشرة قناطير من لحم الضأن ، وأربعين قنطارًا من خبز القرصة ، و حب الرمان وأرز وعسل وحبوب وتوابل ، وأجرة من يتولى طبخ ذلك وتفرقته ، وثمن غير ذلك مما يحتاج إليه من الآلات التي يطبخ فيها، فيطبخ ذلك في كل يوم من أيام الشهر الكريم".
التوسعة على الفقراء في العيد
ولم تقتصر هذه الأوقاف الخيرية على موائد رمضان وتوفير الطعام للفقراء والمساكين؛ بل امتدت رسالتها إلى التوسعة عليهم يوم عيد الفطر ليعيشوا فرحة هذا اليوم وبهجته ، فكان الواقفون يوصون بشراء كميات من الكعك والتمر والبندق لتوزيعها على المستحقين والفقراء ، أمثال ذلك ما تذكره وثيقة وقف الأمير صرغمش: " ويصرف في عيد الفطر من كل سنة مائتا درهم نقرة يشتري بها كعكا وتمرا وبندقا وجشكنانا ويفرق ذلك على الأيتام ومؤدبيهم ، وعلى ما يراه الناظر في ذلك".
وذكرت وثيقة وقف السلطان قايتباي: " يصرف في كل سنة تمضي من سني الأهلة في يوم عيد الفطر توسعة لأرباب الوظائف بالجامع المذكور أعلاه ما مبلغه من الفلوس الموصوفة أعلاه ألفا درهم ، يوسع الناظر - أي ناظر الوقف - بذلك عليهم في يوم عيد الفطر على حسب ما يراه ".
وممن اشتهروا في مصر الإسلامية بالكرم في رمضان وإطعام الفقراء والمساكين الأمير الصاحب بن عباد؛ فقد كان لا يدخل عليه أحد في شهر رمضان بعد العصر كائنا من كان ويخرج من داره إلا بعد الإفطار عنده، وكانت داره لا تخلو كل ليلة من ليالي شهر رمضان من ألف نفس مفطرة فيها، وكانت صلاته وصدقاته وقرباته في هذا الشهر تبلغ مبلغ ما يطلق منها في جميع شهور السنة.
وقد استمرت موائد الرحمن مرتبطة بشهر رمضان عبر العصور الإسلامية المختلفة، وظل الأغنياء يتسابقون إليها كل عام ويعدون لها العدة حتى رأينا بعض الفنانات ورجال الأعمال يدخلون هذا المجال، بعضهم قاصد وجه الله والبعض الآخر للتفاخر والتباهي والوجاهة الاجتماعية، والمهم فى النهاية هى الفائدة التي تعود على الفقراء والمحتاجين من هذه الموائد الرمضانية .
ـــــــــــــــــــ(100/126)
كيف نصوم رمضان إيمانًا واحتسابًا؟
رأفت صلاح 8/9/1424
02/11/2003
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ ومن والاه وبعد ...
لقد من الله علينا بشهر رمضان فهو شهر كريم وموسم عظيم للطاعات، يعظم الله فيه الأجر، ويفتح أبواب الخير فيه لكل راغب، شهر محفوف بالرحمة والمغفرة والعتق من النار، شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان.
ـ ففي الصحيحين عن أبى هريرة – رضي الله عنه- أن النبي- صلى الله عليه وسلم – قال:- " إذا جاء رمضان فتحت أبواب الجنة وغلقت أبواب النار وصفدت الشياطين ".
ـ وفي الصحيحين أيضا عن أبى هريرة - رضي الله عنه – قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " قال الله تعالى: كل عمل ابن آدم له إلا الصوم فإنه لي وأنا أجزى به، والصيام جنة فإذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث ولا يصخب، فإن سابه أحد أو قاتله فليقل إني صائم، والذي نفس محمد بيده لخلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك، للصائم فرحتان يفرحهما: إذا أفطر فرح بفطره، وإذا لقي ربه فرح بصومه".
ـ وفيهما أيضًا عن سهل بن سعد أن النبي – صلى الله عليه وسلم – قال:-" إن للجنة بابًا يقال له الريان، يقال يوم القيامة: أين الصائمون؟ فإذا دخل آخرهم أغلق ذلك الباب".
روى الإمام أحمد في مسنده عن أبى هريرة –رضي الله عنه– أن النبي –صلى الله عليه وسلم – قال:- "أعطيت أمتي خمس خصال في رمضان لم تعطهن أمة من الأمم قبله: خلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك، وتستغفر لهم الملائكة حتى يفطروا، ويزين الله كل يوم جنته ويقول: يوشك عبادي الصالحون أن يلقوا عنهم المؤونة والأذى ويصيروا إليك، وتصفد فيه مردة الشياطين فلا يخلصون إلى ما كانوا يخلصون إليه في غيره، ويغفر لهم في آخر ليلة، قيل: يا رسول الله أهي ليلة القدر؟ قال: لا، ولكن العامل يوفى أجره إذا قضى عمله".
ـ وعن أبى هريرة –رضي الله عنه – قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-:" من صام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر " [ رواه أحمد وأصحاب السنن وصححه الألباني].
أي إيمانًا بالله ورضا بفرضية الصوم عليه، واحتسابًا لثوابه وأجره عند الله، ولم يكن كارها لفرضه ولا شاكا في ثوابه وأجره، ولا شك أن كل مسلم يكون حريصًا على صيام هذا الشهر إيمانًا واحتسابًا، ولا يكون ذلك إلا بأن نصوم كما صام النبي – صلى الله عليه وسلم- وصحابته، وقد جمعت جملة من الآداب التي كان يلتزم بها النبي صلى الله عليه وسلم – وصحابته، حتى يتحلى بها الصائم في رمضان ليحقق غايته وهذه الآداب هي:
أولا: الآداب الواجبة:
:
1- أن يقوم الصائم بما أوجبه الله عليه من العبادات القولية والفعلية، ومن أهمها الصلاة, وأن يؤديها في وقتها بأركانها وواجباتها وشروطها مع الجماعة في المسجد.
2- أن يجتنب الصائم جميع ما حرم الله ورسوله – صلى الله عليه وسلم – من الأقوال والأفعال مثل الكذب والغيبة والنميمة، وأن يتجنب قول الزور والعمل به، وأن يغض من بصره ويحفظ فرجه، وكذلك يتجنب المعازف وآلات اللهو بجميع أنواعها، فعن جابر - رضي الله عنه – قال:" إذ صمت فليصم سمعك وبصرك ولسانك عن الكذب و المحارم، ودع عنك أذى الجار، وليكن عليك وقار وسكينة، ولا يكن يوم صومك ويوم فطرك سواء".
3- معرفة أحكام الصيام، حتى لا يقع المسلم فيما يفسد صومه وهو لا يدرى، فينبغي على المسلم أن يسأل أهل العلم عما يشكل عليه من أحكام الصيام.
زكاة الفطر: وقد فرضها الله تعالى في رمضان صاعا من طعام الآدميين من تمر أو بر أو أرز أو شعير أو زبيب أو غيرها، ففي الصحيحين من حديث ابن عمر رضي الله عنهما قال: فرض رسول الله- صلى الله عليه وسلم- زكاة الفطر من رمضان صاعًا من تمر أو صاعًا من شعير...." .
والحكمة منها أن فيها إحسانًا إلى الفقراء ومواساتهم، وفيها تطهير للصائم لما يحصل في صيامه من نقص ولغو وإثم، وفيها إظهار شكر نعمة الله بإتمام صيام رمضان وقيامه، فعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: " فرض رسول الله- صلى الله عليه وسلم – زكاة الفطر طهرة للصائم من اللغو والرفث وطعمة للمساكين..." [رواه أبو داود وابن ماجة].
ثانيا: الآداب المستحبة:
:
1- أن تستقبل رمضان بنية أن تصومه إيمانًا واحتسابًا، وأن تفتح في أول ساعة منه صفحة جديدة في سجل أعمالك، ومعك العزم الأكيد على التزود فيه بصالح الأعمال، فمن أدركه رمضان ولم يغفر له فقد خاب وخسر.
2- إذا رأيت هلال رمضان فقل كما علمنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم -: "اللهم أهله علينا بالأمن والإيمان والسلامة والإسلام، ربي وربك الله هلال رشد وخير" [رواه الترمذي وحسنه].
3- ومن آدابه المستحبة تأخير السحور، وأن ينوي بسحوره امتثال أمر الله ورسوله -صلى الله عليه وسلم-، والاقتداء بفعله ليكون سحوره عبادة، وأن ينوي به التقوي على الصيام ليكون له به أجر.
4- تعجيل الفطر: وذلك عند غروب الشمس، فعن سهل بن سعد أن النبي -صلى الله عليه وسلم – قال: " لا تزال أمتي بخير ما عجلوا الفطر" [ رواه البخاري ومسلم].
والسنة أن يفطر على رطبات؛ فإن لم تكن رطبات فتمرات، فإن لم تكن تمرات حسا حسوات من ماء كما في الحديث الصحيح، فإذا صلى المغرب تناول حاجته من الطعام.
5- الدعاء عند الفطر وأثناء الصوم لأنها من الأوقات المستجاب فيها الدعاء، ففي سنن ابن ماجة عن النبي – صلى الله عليه وسلم – أنه قال:" إن للصائم عند فطره دعوة ما ترد".
وثبت عنه – صلى الله عليه وسلم – أنه كان يقول عند فطره:" ذهب الظمأ، وابتلت العروق، وثبت الأجر إن شاء الله " [رواه أبو داود وحسنه الألباني صحيح أبو داود 2066 الإرواء920 ].
وكان يقول:" اللهم لك صمت وعلى رزقك أفطرت ".[ ضعفه الألباني ضعيف أبو داود 510 ].
6- قيام رمضان "التراويح" وهو سنة مؤكدة، وتسن فيها الجماعة، وله ميزة وفضيلة عن غيره في أي وقت آخر لقوله -صلى الله عليه وسلم-:" من قام رمضان إيمانًا واحتسابًا غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر". وهي إحدى عشرة ركعة، وكان السلف - رضوان الله عليهم – يطيلونها، فكان القارئ يقرأ بالمئين من الآيات في الركعة حتى كانوا يعتمدون على العصي من طول القيام، ويجب أن تؤدى بهدوء وطمأنينة، وعلى المأموم ألا ينصرف حتى ينتهي الإمام من صلاة الوتر ليحصل له أجر قيام الليل كله، ويجوز للنساء حضور التراويح في المساجد.
7- العمرة: لما رواه ابن عباس -رضي الله عنهما- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "عمرة في رمضان تعدل حجة" [رواه أحمد وابن ماجة].
8- تجنب الإفراط في الأكل والشرب، فإن من حكمة الصوم التخفيف عن المعدة، فإنه ما ملأ ابن آدم وعاء شر من بطنه، ومتى شبع أول الليل لم ينتفع بنفسه في بقيته فيفوت المقصود من الصيام، فالمقصود منه أن يذوق طعم الجوع، ويكون تاركا للمشتهى.
9- لا تجعل شهر الصوم شهر فتور وكسل، فهو شهر جلد وصبر، يتسلح فيه المؤمن بقوة الإرادة، فينشط إلى العمل والكفاح.
10- استعمال السواك في نهار رمضان فكان النبي – صلى الله عليه وسلم– يتسوك وهو صائم .
11 - كثرة القراءة والذكر والدعاء والصلاة والصدقة، فروى البخاري عن ابن عباس – رضي الله عنهما- قال:" كان رسول الله – صلى الله عليه وسلم – أجود الناس، وكان أجود ما يكون في رمضان حين يلقاه جبريل، وكان يلقاه في كل ليلة من رمضان فيدارسه القرآن، فرسول الله – صلى الله عليه وسلم – أجود بالخير من الريح المرسلة ". وكان جوده صلى الله عليه وسلم يجمع أنواع الجود كلها من بذل العلم والنفس والمال لله -عز وجل- في إظهار دينه وهداية عباده، وإيصال النفع لهم بكل طريق من تعليم جاهلهم وقضاء حوائجهم وإطعام جائعهم، وكان جوده يتضاعف في رمضان لشرف وقته ولمضاعفة أجره، وإعانة العابدين فيه على عبادتهم، والجمع بين الصيام وإطعام الطعام. لذا ينبغي علينا أن نقدم الخير للآخرين ما استطعنا.
12- أن يستحضر الصائم قدر نعمة الله تعالى عليه بالصيام، حيث وفقه له وأتمه عليه، فإن كثيرًا من الناس حرموا الصيام إما بموتهم قبل بلوغه، أو بعجزهم عنه، أو بضلالهم وإعراضهم عن القيام به، فليحمد الصائم ربه على نعمة الصيام التي هي سبب لمغفرة الذنوب وتكفير السيئات، ورفع الدرجات في دار النعيم.
13- اغتنام العشر الأواخر: ففي الصحيحين عن عائشة رضي الله عنها قالت: "كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إذا دخل العشر الأواخر شد مئزره، وأحيا ليله، وأيقظ أهله"رواه البخاري وفي رواية لمسلم عنها قالت: "كان رسول الله – صلى الله عليه وسلم- يجتهد في العشر الأواخر مالا يجتهد في غيرها".
14- يستحب في هذه الليالي التنظف والتزين والتطيب واللباس الحسن، قال ابن جرير: كانوا يحبون أن يغتسلوا كل ليلة من ليالي العشر الأواخر، ومنهم من كان يغتسل ويطيب في الليالي التي تكون أرجى لليلة القدر.
15- الاعتكاف: ففي الصحيحين عن عائشة رضي الله عنها: "أن النبي – صلى الله عليه وسلم – كان يعتكف العشر الأواخر من رمضان حتى توفاه الله تعالى، وفى الاعتكاف قطع لأشغاله وتفريغ لباله وتخلية لمناجاة ربه وذكره ودعائه، فحقيقته قطع العلائق عن الخلائق للاتصال بعبادة الخالق.
16- تحرى ليلة القدر: التي هي خير من ألف شهر لأنها الليلة التي أنزل فيها القرآن، والتي وصفها الله تعالى بأنها يفرُق فيها كل أمر حكيم (أي يفصل من اللوح المحفوظ إلى الكتبة ما هو كائن من أمر الله سبحانه في تلك السنة من الأرزاق والآجال والخير والشر وغير ذلك من الأوامر المحكمة).
ومن فضائل هذه الليلة ما ثبت في الصحيحين من حديث أبى هريرة رضي الله عنه أن النبي- صلى الله عليه وسلم – قال:" من قام ليلة القدر إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه" أي إيمانا بما أعد الله من الثواب للقائمين فيها واحتسابا للأجر وطلب الثواب، وقيامها إنما هو إحياؤها بالتهجد فيها والصلاة والدعاء لما روت السيدة عائشة رضي الله أنها قالت للنبي – صلى الله عليه وسلم -: أرأيت إن وافقت ليلة القدر ما أقول فيها؟ قال: " قولي اللهم إنك عفو تحب العفو فاعف عنى".
[رواه الترمذي وابن ماجه وصححه الألباني].
17- ختام رمضان: فقد شرع الله لنا في ختامه عبادات تزيدنا منه قربًا، وتزيد إيماننا قوة وفى سجل أعمالنا حسنات، فشرع لنا التكبير عند إكمال العدة من غروب الشمس ليلة العيد إلى صلاة العيد، قال تعالى: (ولتكملوا العدة ولتكبروا الله على ما هداكم ولعلكم تشكرون) [البقرة: 185].
وشرع الله سبحانه لعباده صلاة العيد وهى من تمام ذكر الله تعالى، ومما شرعه الله -عز وجل- صيام ستة من شوال. ففي صحيح مسلم من حديث أبى أيوب الأنصاري رضي الله عنه أن النبي – صلى الله عليه وسلم- قال: " من صام رمضان ثم اتبعه ستا من شوال كان كصيام الدهر كله "
* * *
فلنتأدب بآداب الصيام، ولنتخلى عن أسباب الغضب و الانتقام ولنتحلى بأوصاف السلف الكرام، فإنه لن يصلح آخر هذه الأمة إلا ما صلح به أولها.
وصلى اللهم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
أهم المراجع:
1- مجالس شهر رمضان / لابن العثيمين –رحمه الله- مكتبة الكوثر.
2 - مختصر بغية الإنسان في وظائف رمضان/ لابن رجب .ت: أحمد فريد .دار الإيمان.
3 - فقه السنة /الشيخ سيد سابق .
4- الشرح الممتع/ ابن عثيمين .
5- مختصر منهاج القاصدين
ـــــــــــــــــــ(100/127)
والتقينا
عز الدين فرحات 29/8/1424
25/10/2003
عندما يلتقي الحبيب بحبيبه يتأمل حسنه، وتتداعى في ذاكرته فضائله:
1-روى الخمسة إلا أبو داود يقول الرسول -صلى الله عليه وسلم-:
" إذا كان أول ليلة من رمضان، نادى مناد: يا باغي الخير أقبل، ويا باغي الشر أقصر، ولله عتقاء من النار، ذلك كل ليلة".
2-روى البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "إذا دخل شهر رمضان: فتحت أبواب السماء ( وفي رواية: أبواب الجنة) وغلقت أبواب جهنم، وسلسلت الشياطين".
وكأن الله سبحانه وتعالى يقول لعبيده: إن الحجة الأساسية لديكم إذا انفلتم من الطاعة هي الشياطين، وها أنا أصفد الشياطين وأسجنهم في رمضان، فلا حجة لكم بعد ذلك، ولم يبق إلا أنفسكم فجاهدوها.
( ونفس وما سواها* فألهما فجورها وتقواها* قد أفلح من زكاها* وقد خاب من دساها)[الشمس: 7-10].
3-روى البيهقي عن جابر رضي الله عنه قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: " أتاكم رمضان، شهر بركة، يغشاكم الله فيه، فينزل الرحمة، ويحط الخطايا، ويستجيب فيه الدعاء، وينظر فيه إلى تنافسكم في الخير، ويباهي بكم ملائكته، فأروا الله من أنفسكم خيراً، فإن الشقي من حرم فيه رحمة من الله عز وجل".
ولقد استوعب الحسن البصري هذا المعنى؛ فقال: "إن الله تعالى جعل رمضان مضماراً لخلقه، يتسابقون فيه بطاعته إلى مرضاته، فسبق قوم ففازوا، وتخلف آخرون فخابوا، فالعجب من الضاحك اللاهي في اليوم الذي يفوز فيه المحسنون ويخسر المبطلون".
4-وعندما ذكر الله تعالى شهر رمضان في القرآن قرنه بنزول كلامه الحبيب:(شهر رمضان الذي أُنزل فيه القرآن هدى للناس) [ البقرة:185]. (إنا أنزلناه في ليلة مُباركة) [الدخان:3].
وحدد سبحانه هذه الليلة المباركة بأنها ليلة القدر (إنا أنزلناه في ليلة القدر) [القدر:1].
5-وروى البخاري عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-" من قام ليلة القدر إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه".
6-روى البخاري عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "من صام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه". يقول الإمام المراغي:
في شهر رمضان نعمتان: نعمة القرآن، ونعمة الصوم؛ نعمة العلم والنور والهداية في القرآن، ونعمة الوسيلة لتقبل هذا الفيض من الصوم.
وهكذا تأملنا حسن الحبيب وفضائله عند اللقاء، وعند اللقاء يهيج القلب بالفرحة فيترجمها اللسان كلاماً عذباً جميلاً.
ولذلك فقد هام الشعراء في هذا الشهر حباً فترجموه شعراً جميلاً.
يقول الشاعر:
شهر عليه من الإجلال روعته ... ...
له بكل بقاع الأرض تبجيل
شهر السعادة فيه نسك منطبع ... ...
على القلوب وفيه العفو مكفول
ويقول آخر:
جاء رمضان فجاء الخير أجمعه ... ...
ترتيل ذكر وتحميد وتسبيح
فالنفس تدأب في قول وفي عمل ... ...
صوم النهار وبالليل التروايح
ويقول ثالث:
أتى رمضان مزرعة العباد ... ...
لتطهير القلوب من الفساد
فأد حقوقه قولاً وفعلاً ... ...
وزادك فاتخذه إلى المعاد
فمن زرع الحبوب وما سقاها ... ...
تأوه نادماً يوم الحصاد
هكذا تذكرنا الحبيب، وهكذا انتظرناه..
لا زالت أذكرك، أذكرك بصيامك، وتهجدك، وتراويحك، واعتكافك، أذكرك بعطائك، وبركتك، وجودك. أذكرك برحمة ربنا فيك، وعفوه ومغفرته، نعم لا زلنا نذكره.
ونذكره أيضاً بضعفنا، وتقصيرنا معه، والخير الكثير الذي فاتنا فيه. فكم من خير في صيام ضاع مع غيبة أو نميمة أو نظرة خائنة. وكم من خير في قيام ضاع مع نوم وفيلم ومسرحية و"فزورة"! وكم من خير من قرآن ضاع مع تكبر أن نجلس في حلقة تعلم وذكر وخير، وخير، وخير...
نعم لا زلنا نذكر ذلك كله. ونذكر أيضاً دموعنا عند وداعه في العام الماضي ونحن نقسم بين يدي الله ونعاهده، على أنه في رمضان القادم سوف نكون أحسن حالاً، وسوف نعوض ما فاتنا، مرت الأيام والشهور، وأخذنا ندعو: " اللهم بلغنا رمضان"
وها هو رمضان أيدينا في يده ليت شعري إن جئتهم يقبلوني؟
أم تراهم عن بابهم يصرفونني؟
أم تراهم يأذنون بالدخول، أم يطردونني؟
وهذا الحسن البصري يشيع جنازة رجل، فيأخذ بيد رفيقه ويهمس له: ماذا يفعل هذا الميت إذا عاد إلى الحياة؟! فيرد عليه صديقه مبينًا أساه وتأثره: يكون أفضل مما كان قبل أن يموت!؛ فقال الحسن: فإن لم يكن هو، فكن أنت!. نعم كن أنت. وكوني أنتِ أيتها الأخت المسلمة.
وكما كانت روعة الاستقبال، وكما أحسنت اللقاء. فعليك بطيب الرفقة وجميل المعاشرة. وتعالي نضع خطة لهذا الشهر الكريم:
خطة رمضان:
أولاً: اتفقي مع زوجك على أن تجلسا في الليلة الأولى من رمضان تتذكرا المعاني السابقة حول فضائل رمضان، وليكن للأولاد نصيب في هذا اللقاء.
ثانياً: حددوا معاً الحد الأدنى من الجهد العبادي في هذا الشهر وليكن مثلاً:
القرآن: جزء يومياً تلاوة وتدبراً.
التراويح: حددوا المسجد الذي سوف تصلون فيه على أساس: قربه من منزلكم، حسن التلاوة، كم القراءة (والأفضل جزء)، الاهتمام من إدارة المسجد بكلمة التراويح وفائدتها، حجم الإقبال؛ فكلما كان العدد أكبر أعطى دافعاً أفضل.
الأولاد: من سيصوم ؟ ومدة صيامه؟ والوسيلة التي سوف تتبعونها في تحفيزهم؟ ومن منهم سيحضر التراويح معكم؟ وأين سيكون الأولاد الباقون؟
الاعتكاف: عاوني زوجك على أن يحدد أيام الاعتكاف ومسجد اعتكافه، وكيف سيأخذ إجازة من عمله، وما هي وسيلة طعامه؟
الطعام: لا بد من تحديد ميزانية تتناسب مع الدخل لرمضان.
الجود: حددوا مبلغاً معيناً غير زكاة الفطر لإخراجه في رمضان.
حلق الذكر: اتفقوا على أن تكون يومية، واتفقوا على برنامجها، ويفضل أن تكون مع الجيران في المسجد أو بيت إحداكن، وأفضل مواعيدها بعد الظهر، ويمكن تحديد كتاب معين تتدارسونه في رمضان مثل:
مختصر منهاج القاصدين لابن قدامه.
رسالة المناجاة : البنا
مشاهد القيامة : سيد قطب
اليوم الآخر في ظلال القرآن :محمد فايز
خلق المسلم : الغزالي
مناجاة على الطريق :مشهور
زاد على الطريق :مشهور
قيام الليل تقوية للروح : الخطيب
أو القراءة في كتاب من كتب السنة مثل:
رياض الصالحين للإمام النووي
وأكثري من الذكر والدعاء، فاتفقي معه على التمسك بأذكار الصباح والمساء. واستعدي لذلك بأن يكون الطعام منتهياً منه قبل المغرب بنصف ساعة والنوم مبكراً بعد التراويح.
حددوا كتاب ذكر ودعاء يعينكم.
ومنها المطول، مثل: " الأذكار" للنووي
ومنها المختصر مثل: " المأثورات" للإمام البنا.
التهجد: وهو درة على صدر المسلم، فاحرصي على اقتنائها في هذا الشهر وذلك بالنية الحسنة، والنوم المبكر، ومراجعة المحفوظ من القرآن، ويمكن القراءة من المصحف.
يقول الرسول -صلى الله عليه وسلم-: " رحم الله رجلاً قام الليل فصلى وأيقظ امرأته فإن أبت نضح في وجهها الماء، ورحم الله امرأة قامت من الليل فصلت، وأيقظت زوجها فإن أبى نضحت في وجهه الماء".
وعن أبي هريرة، يقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: " إذا أيقظ الرجل أهله من الليل فصليا – أو صلى ركعتين جميعاً – كتبا في الذاكرين والذاكرات.
هكذا أو أكثر منه أو جزء منه يكون الوفاء بعهد اللقاء ووفاء بعهد الحب" وإن وجدنا المشقة، وإن كان التعب فاسألي نفسك: هل يرضيه؟
عذابه فيك عذب ... ...
وبعده فيك قرب
وأنت عندي كروحي ... ...
بل أنت منها أحب
حسبي من الحب أني ... ...
لما تحب أحب
ـــــــــــــــــــ(100/128)
على أبواب الخير
عز الدين فرحات 23/8/1424
19/10/2003
أرسل برقية يخبرنا فيها بموعد وصوله، ولأنه عزيز على الجميع كنا جميعاً في انتظاره لما يأتينا به من هدايا ثمينة، لذلك بدأت الاستعدادات لاستقباله قبل قدومه بأيام بل أسابيع والبعض استعد لاستقباله قبل موعد وصوله بأشهر، كان الصغار يزينون المنازل والطرقات بلوحات الترحيب، وعلقت الأنوار على البيوت والمحلات وأخذ الناس يهنئ بعضهم بعضاً بقدوم ذلك الضيف الذي يعتز به الجميع.
وفي ليلة وصوله جلس الجميع يترقبون مجيئه، اشرأبت الأعناق وخشعت الأصوات، وشخصت الأبصار والكل في انتظار لحظة الوصول، وما أن يتم الإعلان عن وصول الضيف حتى تسمع صيحات التكبير والتهليل ويقوم الناس ليعانق بعضهم بعضاً مهنئين ومباركين وصول الضيف الكريم، ويبدؤون في تلقي هداياهم منه والتي يأتيهم بها كل عام، هل عرفتم ذلك الضيف؟
إنه رمضان ، شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن هدى للناس .
كيف كان الرسول -صلى الله عليه وسلم- يستقبله؟ وكيف كان الصحابة والتابعون يستقبلونه؟
أخرج أحمد والنسائي عن أبي هريرة قال: كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: " قد أتاكم شهر رمضان شهر مبارك، كتب الله عليكم صيامه، فيه تفتح أبواب الجنان وتغلق أبواب الجحيم، وتغل فيه الشياطين، فيه ليلة خير من ألف شهر، من حرم خيرها فقد حرم".
هكذا كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يبشر أصحابه، كان يبشر المؤمن بفتح أبواب الجنة، ويبشر العاصي بغلق أبواب النار وغل الشياطين، ذلك في شهر رمضان، ولكي تتم الفائدة العظمى من هذا الشهر الكريم لا بد أن نستعد له نفسياً وروحياً وبدنياً، فكيف يكون ذلك الاستعداد؟.
كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يستعد لاستقبال رمضان من أول شعبان كان يستعد استعداداً نفسياً وعملياً، ونفسياً بالذكر والدعاء وذكر فضائل شهر رمضان الكريم.
وعملياً بالصيام والقرآن.
1- الاستعداد بالصيام في شعبان:
جاء في الصحيحين عن عائشة رضي الله عنها قالت: ما رأيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- استكمل صيام شهر قط إلا رمضان، وما رأيته أكثر صياماً منه في شعبان".
وكان الشاعر قد أدرك سر اهتمام الرسول الكريم بشعبان قبل رمضان فقال يوصي المسلم:
مضى رجب وما أحسنت فيه ... ...
وهذا شهر شعبان المبارك
فيا من ضيع الأوقات جهلاً ... ...
بحرمتها، أفق، واحذر بوارك
فسوف تفارق اللذات قهراً ... ...
ويخلي الموت كرهاً منك دارك
تدارك ما استطعت من الخطايا ... ...
بتوبة مخلص، واجعل مدارك
على طلب السلام من الجحيم ... ...
فخير ذوي الجرائم من تدارك
يقول ابن رجب في كتاب: [ لطائف المعارف فيما لموسم العالم من الوظائف]:
" وقد قيل في صوم شعبان: إن صيامه كالتمرين على صيام رمضان؛ لئلا يدخل في صوم رمضان على مشقة وكلفة، بل يكون قد تمرن على الصيام واعتاده، ووجد بصيام شعبان قبله حلاوة الصيام ولذته، فيدخل في صيام رمضان بقوة ونشاط".
وقد رجح طائفة من العلماء منهم ابن المبارك وغيره أن النبي -صلى الله عليه وسلم- لم يستكمل صيام شعبان، وإن كان يصوم أكثره ويشهد له ما في صحيح مسلم عن عائشة رضي الله عنها قالت: ما علمته – تعني النبي (صلى الله عليه وسلم)- صام شهراً كله إلا رمضان؟
وقد تكون الحكمة من اهتمام النبي -صلى الله عليه وسلم- بالصيام في شعبان (صيام السُنَّة) قبل رمضان ( صيام الفرض) هي: الاستعداد للفرض وتعويد على الصيام، وهذا يحدث كثيراً لمن لم يتعود الصيام فيكثر النسيان أول رمضان، ويكثر السؤال حول من أكل ناسياً وهو صائم.
2- الاستعداد بالقرآن:
من التدريب العملي في شعبان استعداداً لرمضان: يقول أنس بن مالك صاحب رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: " كان المسلمون إذا دخل شعبان انكبوا على المصاحف فقرؤوها وأخرجوا زكاة أموالهم؛ تقوية للضعيف والمسكين على صيام رمضان".
وقال أحد السلف: " شعبان شهر القراء".
وقال الحسن بن سهل أحد العلماء: " قال شعبان: يا رب جعلتني بين شهرين عظيمين فماذا جعلت لي ؟
قال: جعلت فيك قراءة القرآن"
ورمضان الذي أنزل فيه القرآن، فالذي تعود على المحافظة على ورده القرآني قبل رمضان سيحافظ عليه في رمضان.
وقد سُئل أحد الصالحين عن المسلم يبدأ في قراءة القرآن بعد طول غياب فيثقل عليه ذلك حتى لا يكاد يتم آيات معدودات منه، فقال: عله أن يقاوم هذا الشعور فذهب السائل ثم عاد فقال: " العجيب أنني بعد حوالي ربعين من القرآن استمرت بي الرغبة في القراءة فلم يعاودني ذلك الشعور".
فقال الرجل الصالح: وهذا حال القرآن مع الغافلين، فالقرآن – في حد ذاته- شفاء لما في الصدور، وكثرة البعد عنه ترسب على القلب الصدأ والران فتقوم الآيات الأولى بجلاء القلب، وهذا الأمر فيه مشقة وجهد تأباه النفس، فإذا قاومنا رفض النفس يقوم القرآن بمهمته حتى ينجلي القلب ويصبح محلاً لتلقي نور القرآن، ويصبح المؤمن كما قال تعالى: (وإذا تليت عليهم آياته زادتهم إيماناً)[الأنفال: 2].
فقراءة القرآن في شعبان هو جلاء للقلب من صدأ الشهور الماضية حتى يستنير ويصبح محلاً طيباً لتأثير القرآن بالهدى والتقوى والنور في رمضان.
3- الاستعداد بالدعاء:
وهو من الاستعداد النفسي والقلبي
فقد كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يدعو ببلوغ رمضان كما روى أحمد – بإسناد ضعيف- عن أنس رضي الله عنه قال: كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إذا دخل رجب قال: " اللهم بارك لنا في رجب وشعبان وبلغنا رمضان" رواه الطبراني.
ويقول المعلى بن فضل: " كانوا يدعون الله تعالى ستة أشهر أن يبلغهم رمضان ثم يدعونه ستة أشهر أن يتقبله منهم..".
وكأن منادي شعبان ينادي:
يا من طالت غيبته عنا قد قربت أيام المصالحة
يا من دامت خسارته قد أقبلت أيام التجارة الرابحة.
من لم يربح في شهر رمضان ففي أي وقت سيربح؟
من لم يقرب فيه من مولاه فهو على البعد لا يبرح
من ذا الذي ما كفاه الذنب في رجب ... ...
حتى عصى ربه في شهر شعبان
لقد أظلك شهر الصوم بعدهما ... ...
فلا تصيره أيضاً شهر عصيان
قال يحيى بن أبي كثير: من دعاء الصالحين:
" اللهم سلمني إلى رمضان، وسلم لي رمضان، وتسلمه مني متقبلاً".
4- الاستعداد بتذكر فضائل الشهر وخيره:
فإن المسافر القادم يستبد بالمحبين الشوق إليه، ولا يصبروا عن الحديث حول محاسنه وفضائله ويبدأ الرسول -صلى الله عليه وسلم- ذلك أول رجب، ويستمر على ذلك في شعبان صياماً وقرآناً ودعاءً.
حتى يكون الأسبوع الأخير من شعبان، ويصعد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- على المنبر يزف إليهم البشرى العظيمة، ويعدد الفوائد والنعم لهذا الشهر القادم على شوق إليه، ورغبة فيه.
أخرج ابن خزيمة في صحيحه يقول سلمان الفارسي رضي الله عنه: خطبنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في آخر يوم من شعبان، قال: يا أيها الناس: قد أظلكم شهر عظيم، شهر مبارك، شهر فيه ليلة خير من ألف شهر، شهر جعل الله صيام نهاره فريضة، وقيام ليله تطوعاً، من تقرب فيه بخصلة من خصال الخير كان كمن أدى سبعين فريضة فيما سواه، وهو شهر الصبر، والصبر ثوابه الجنة، وشهر المواساة، وشهر يزداد فيه رزق المؤمن، من فطر فيه صائماً كان مغفرة لذنوبه وعتقاً لرقبته من النار، وكان له مثل أجره من غير أن ينقص من أجره شيء، قالوا: يا رسول الله، ليس كلنا يجد ما يفطر الصائم عليه، فقال صلى الله عليه وسلم: " يعطي الله هذا الثواب من فطر صائماً على تمرة، أو على شربة ماء، أو مذقة لبن، وهو شهر أوله رحمة وأوسطه مغفرة، وآخره عتق من النار. فاستكثروا فيه من أربع خصال: خصلتين ترضون بهما ربكم، وخصلتين لا غناء بكم عنهما، فأما الخصلتان اللتان ترضون بهما ربكم: فشهادة أن لا إله إلا الله وتستغفرونه، وأما اللتان لا غناء بكم عنهما: فتسألون الله الجنة، وتعوذون من النار، ومن سقى صائماً سقاه الله من حوضي شربة لا يظمأ بعدها حتى يدخل الجنة.
هل رأيتم حبيباً يذكر حبيبه بأحسن من هذه الصفات وذلك الوصف؟!
صلى الله على الحبيب المصطفى الذي عرف لكل شيء قدره.
بيوتنا تستقبل رمضان:
ولذلك فإن المرأة المسلمة في بيتها يجب أن تستعد لهذا الاستقبال الرائع كالآتي:
1-توصي أهل البيت – جميعاً – بالصيام في شعبان أكبر وقت ممكن، فمن لم يستطع فعليه بالاثنين والخميس من كل أسبوع منه، ومن لم يستطع فعليه بالثلاثة أيام البيض منه.
2-تزداد جرعة القرآن في شعبان : المسموع منه عن طريق المذياع، والمتلو منه عن طريق الورد اليومي.
3-توصية الزوج بالجلوس على كتاب فقه مبسط، وليكن كتاب: " فقه السنة" للشيخ السيد سابق أو غيره وتجتمع معه هي وأولادهما لتدارس فقه الصيام.
4-إظهار التغيير في البيت بمناسبة رمضان، وخاصة في الأسبوع الأخير من شعبان، وذلك بتغيير نظام أثاث المنزل والاعتناء بالنظافة، وتعليق لوحة قرآنية في مكان بارز من المنزل، ويمكن تعليق الزينات الجميلة والبالونات في الحجرات، وخاصة حجرة الأطفال لإشعار أهل البيت بالاهتمام بالزائر الحبيب.
5-الاهتمام بإظهار المحبة والمودة والقرب من الزوج، ومحاولة إزالة أي سوء تفاهم بينهما، واللين له حتى لا يعكر جو العبادة في رمضان أية مشكلة مؤجلة.
6-صلة الرحم وخاصة الوالدين، والاهتمام بزيارة والدي الزوج وأسرته وودهم والبر بهم بشكل مادي كهدية أو غيرها مثلاً؛ وذلك لأن ظروف رمضان في الوقت قد لا تساعد على كثرة التزاور فيه، وحتى لا يكون كثرة التزاور فيه على حساب العبادة المقصودة في هذا الشهر الكريم.
7- توطيد العلاقة مع الجيران وخاصة من لها صلة دعوة معهم، والتناصح- بل- وترتيب لقاءات عبادية بين النساء أثناء الشهر مثل: بعد الظهر، أو بعد التراويح.
8-الإلحاح في الدعاء أن يبلغنا الله رمضان بخير، وأن يعيننا على صومه، وخاصة مع الأولاد الذين سيصومون لأول مرة أو الذين سيتمونه لأول مرة، حتى نتقوى عليه بالعلاقة مع الله.
وفي النهاية: وفي انتظار هلال الخير ندعو دعاء النبي -صلى الله عليه وسلم-: " الله بلغنا رمضان".
ـــــــــــــــــــ(100/129)
تعلمي كيف تحبين واقعك
منى أمين - هبة الله سمير 15/8/1424
11/10/2003
- حصر السعادة في بديل واحد ضِيقُ أفقٍ، والله لم يخلقنا لكي نتعذب.
- التحسر على ما مضى لا يجدي شيئًا والأفضل البحث عن بدائل تدفع مشاعر القلق والتوتر .
يستقر في أذهان الناس أن من فاتها قطار الزواج قد فاتها قطار الحياة، وعليها الانتظار وحيدة حتى يأذن الله لها بأمر من عنده، وصورة أخرى قد تكون أقل قتامة
يحملها الناس للتي تزوجت ولم يقدر لها الإنجاب، فتقترن حالتها بالشجرة العقيم التي لا تثمر. إن تلك الصور خاطئة من وجوه عدة، أولها: أنها اعتراض على مشيئة الله الحكيمة، فهو سبحانه وتعالى لا يكتب الشر على أحد، ومنها: أنها ظلم للفتاة التي لم تتزوج أو تلك التي لم تنجب، حيث إن الأمر ليس بيدها وعادة ما يكون بفعل الظروف والبيئة المحيطة، نماذج كثيرة تنتشر بيننا حكمت عليها نظرة الناس بالعزلة والمرارة.
(ن. س) فتاة تخطت الأربعين ولم تتزوج تقدم لها العديد من الخُطاب، ولكنها لم تجد بينهم الشخص المناسب، وهي في مجتمع ريفي تزوجت كل أخواتها وإخوانها وتوفيت والدتها، فأصبحت وحيدة.
(أ. ح) تخطت الثلاثين، وتزوجت أخواتها الأصغر سنًا منها، وظلت تتعرض للغمز
واللمز والتلميح والتصريح حتى من أمها.
(و. س) تخطت الخامسة والثلاثين، وكلما جاءها خاطب وتم الاتفاق على كل شيء يذهب ولا يعود، فأصيبت بإحباط شديد، وأصبحت تخاف من مجرد رؤية العريس الجديد.
(و. ف) تخطت الخامسة والأربعين وما زالت لم توفق في الزواج هي وأختاها اللتان تكبرانها في السن!.
زوجة مر على زواجها ثماني سنوات ولم تنجب وجعل الأطباء الأمل معلقًا في الله تعالى، وأخرى مر على زواجها خمس سنوات ولم تتحمل الحرمان من الإنجاب فانفصلت عن زوجها وتزوج بأخرى ولم ينجب، كل هذه النماذج لفتيات متعلمات وعاملات من أوساط اجتماعية جيدة، وعلى الجانب الآخر نجد عوانس سعيدات وناجحات؛ لأن هناك ما يشغلهن من عمل وعلم وغير ذلك، وهن بالطبع لم يخترن العنوسة، لكن فرضتها الظروف، كيف إذاً تنتقل العانس وتلك التي لم تنجب من هامش الحياة المر إلى قلب الحياة النابض الفاعل؟
حدثنا في ذلك الأستاذ الدكتور حمدي ياسين - أستاذ ورئيس قسم علم النفس بكلية
البنات بجامعة عين شمس، ومدير مركز تنمية الإمكانات البشرية بالكلية – فقال:
العنوسة وعدم الإنجاب للرجل والمرأة - على حد سواء - هو قدر يجب الإيمان به
والصبر واليقين بأن الله -سبحانه وتعالى- الرحيم لا يُقدر شرًا مطلقًا، مع أن الاتجاه السائد يحيط العانس بالكآبة، ويحملها ذنبًا لم تقترفه، ويتهم التي لم تنجب بأنها كالشجرة التي لم تثمر ويتناسى الناس أن هذه أقدار إلهية لا يد لأحد فيها.
إن العانس أو التي لم تنجب يجب أن تستلهم من الإيمان والصلة بالله -عز وجل- الدلالة على حقائق الأمور والقوة على مواجهة نصيبها بشجاعة وذكاء، إنها يجب أن
تسترجع نماذج لسيدات فضليات لم ينجبن، وأخريات عانين من إنجاب أطفال معاقين، أو أنجبن أطفالاً عاقين جاحدين. إن عدم الزواج أو عدم الإنجاب لا يعني دمار الحياة، ولكنه شكل آخر من الأشكال العديدة للحياة، ويمكن تشبيه ذلك ببساطة
بالذي يذهب إلى السوق لشراء شيء ما فلم يجده، إن ذلك لا يعني نهاية الدنيا، ولكنه يدفعنا للتفكير في البدائل، لابد أن يتدرب الإنسان على أن يبتدع للمشكلة حلولاً كثيرة، وألا ينتظر من الحياة خطًا واحدًا إذا تعثر فيه تتوقف الدنيا، وبكلمة أخرى: إن حصر حياتنا ورغباتنا في اتجاه واحد هو الذي يؤدي إلى ضغوطات نفسية وتوترات ومشكلات. إن العيش في الحياة ضرب من ضروب العبادة، لذا فالنظر إلى إدارة الحياة والعمر يجب أن يكون بذكاء وإبداع.
ويضيف: عندما تحل بالإنسان مشكلة؛ فإنها تدفعه للعزلة والوحدة واجترار الأحزان
والمرارة، لذا فالخطوة الأولى للخروج من المشكلة هو الانخراط مع الناس والاقتراب منهم، وإقامة علاقات سوية معهم، وفي أثناء ذلك سيلتقي الإنسان بأشخاص يعانون من نفس مشاكله فيحس معهم بالسلوى، كل هذا سيدفعه إلى توجيه طاقاته الانفعالية بذكاء، وأن يحب أو يكره بحكمة.
المرأة التي لم تنجب أو تلك التي لم تتزوج عندها من الوقت ما تستطيع معه أن تعمل أعمالاً مختلفة؛ تجعلها تشعر بفاعليتها وأهميتها في مجتمعها، ويمكنها أن توسع دائرة معارفها ومهاراتها، كل ذلك مع المحاولات الدؤوب لعلاج مشكلتها الخاصة بحلول لائقة. إن الرضا بقضاء الله الذي لا مفر منه هو السبيل إلى النجاح والتوفيق اللذين لا يحالفان الإنسان إلا من الله -عز وجل-، ولعلنا نرى نماذج الناجحات كثيرة من حولنا، كما نرى أيضًا جزاء الصابرين والصابرات الوفير، يجب أن نتعلم جميعًا كيف نوظف المهارات والآليات الدفاعية، وذلك ببساطة مثل الذي يريد الحصول على سلعة ما فيجدها غالية الثمن، فإن جلس يتحسر على عدم وجود ثمنها معه، ويحسد من يملكون المال؛ فسوف يزيد من قهر نفسه وعذابها، أما إن أخذ يقنع نفسه بأنها قد لا تستحق ذلك الثمن، أو أنه يمكن الحصول على تلك السلعة بشكل آخر أو تعويضها ببديل أقل ثمنًا؛ فإنه بذلك يدفع عن نفسه القلق والانفعال ويتعامل بذكاء وحكمة مع واقعه.
ويشير الدكتور حمدي ياسين إلى أن الإنسان عادة لا يستغل إلا 20% من طاقاته؛ فيجب عليه التعرف على بقية طاقاته ويحسن استغلالها.
أختي..يا من تأخر زواجك، وأنت يا من تأخر إنجابك للأطفال؛ لا تربطي سعادتك بحل تلك المشكلة المحددة، وإنما انظري لحياتك كحياة إنسانية لها محاور عديدة؛ لأن الحياة التي قدرها علينا الله -عز وجل- امتحان، النجاح فيه لا يكون على قدر الظرف الذي وقعنا فيه، بل على قدر رد فعلنا تجاه تلك الظروف.
برواز
هذه رسالة من الكاتبة الأمريكية (كريستين كارلسون) من كتابها «لا تهتمي بصغائر
الأمور» تسوق فيها الواقع الذي يجب أن تتعامل معه التي تأخر زواجها، فتقول: "من الناحية النفسية، كلنا يواجه نفس التحدي في كيفية كوننا سعداء، ودائمًا نقوم بواحد من اثنين: إما أن نقدر ما نحن فيه، ونتمتع بالحياة التي نعيشها، أو ننشغل عنها بتمني شيء مختلف، وفي النهاية نجد أن أكبر مصدر ينتج عنه تعاسة أي منا سواء كانت بكرًا، متزوجة، مطلقة، تسعى للزواج أرملة أو أيًا كان حالها هو نفس الشيء، وهو تمني أشياء مختلفة عما نملكه فنعاني عاطفيًا، وكلما كانت رغبتنا أكبر تضاعفت معاناتنا، وليس هناك شواذ لتلك القاعدة، وبالعكس؛ كلما احتضنا ما نحن فيه (ظروفنا الحياتية الحالية) بدلاً من تمني ما يمكن أن يحدث أو لا يحدث؛ انتابنا شعور أكثر بالسعادة، فكما تعلم الرضا يولد الرضا".
وتستطرد المؤلفة فتقول: "وصدقي أو لا تصدقي، فهذا الإنجاز البسيط يمكن أن يؤدي بك إلى عالم نفاذ البصيرة، بمعنى آخر: فالقدرة على إدراك السبب الرئيس المسبب للألم هي الوصفة المثلى للتخلص منه، والأهم من ذلك، أن هذا الإدراك يفتح الأبواب للتمتع بالمزايا العديدة لكونك بكرًا".
تسوق المؤلفة تجربة لإحدى الفتيات التي كانت تبحث جاهدة عن الزواج، ووصلت لأن تشبع نفسها بعدم إمكانية السعادة، وهي مفردة، ولكنها مع الوقت أخذت تبحث عن السعادة في عالمها الداخلي، وتعلمت كيف تفكر، وكيف تدرك أن الصلة بين أفكارها ومعتقداتها وبين الواقع هي التي تحدد مستوى سعادتها أو تعاستها، كان ما حدث لهذه الفتاة إعجازًا بالفعل، فلقد بدأت ولأول مرة في حياتها في إدراك المزايا في كونها غير متزوجة، أصبحت ودودة مع الآخرين وشرعت في دراسة أشياء شيقة ووسعت دائرة معارفها، وباختصار بدأت في الاستمتاع بكونها غير متزوجة، ومع مرور الوقت أصبحت أكثر سعادة مما كانت تتخيل، لقد تعلمت أن تحب كونها بكرًا وحتى إذا قررت أن تتزوج فستتعلم كيف تكون سعيدة بوضعها الجديد، فالسعادة تكمن في الرضا، والإيمان بحكمة ما اختاره الله لنا، وكونه أروع بكثير مما نظن أنه خير برؤيتنا القاصرة.
ـــــــــــــــــــ(100/130)
الخلاوي القرآنية: معاهد للتربية والتعليم
سناء يوسف 8/8/1424
04/10/2003
على مدى تاريخ الإسلام الطويل في السودان اكتسبت الخلاوي (المدارس القرآنية) المنتشرة في الحضر والبوادي أهمية كبرى في نفوس السودانيين حتى امتد هذا التقدير إلى إسناد الوظائف الإدارية المهمة لخريجيها، حيث كانت هذه الخلاوي في الفترة التي سبقت إنشاء المدارس النظامية هي جهة التعليم الأساسية.
ويرجع اهتمام المجتمع بدراسة القرآن كون السودان يشكل رأس الرمح للعروبة والإسلام في أفريقيا السوداء منذ أقدم العصور، واهتمام الفرد غالباً ما يتركز في انتمائه القبلي العربي، وارتباطه بالإسلام، وكثيراً ما يزعم السوداني بأن قبيلته تنحدر من صلب صحابي جليل، وهو بذلك يجمع بين الانتماء العربي والإسلامي، ولإثبات ذلك يتداولون روايات تختلط فيها الحقائق بالأمنيات.
وقد أطلق السودانيون على المدارس القرآنية أسماء خاصة ذات دلالة عندهم استوحوها من البيئة البدوية والريفية التي تكثر فيها هذه المدارس مثل: المسيد، أو الخلوة، وهذين الأكثر تداولاً من بين الأسماء الأخرى.
وكلمة (مسيد) مترادفة مع كلمة مسجد؛ لأن الغالب في المسجد في السودان أن يكون فيه أماكن مخصصة لتدريس القرآن، ومن ثم تسمى مسيداً، فإذا أطلق المسجد فهو يعني المسيد، ويقال أن كلمة مسجد لحقها الإبدال بإبدال الجيم ياء، وكلمة مسيد تلقفها أهل السودان من أفواه المشايخ الذين توافدوا على السودان في وقت مبكر، وأغلبهم قادم من الحجاز والمغرب، غير أن كلمة المسيد (خلوة) لا تطلق على النحو الدقيق إلا إذا اجتمع في المسجد مكان المصلي ولدراسة القرآن الكريم والسكن، والغالب في المسجد أن توجد فيه هذه المناشط الثلاث.
للمسيد أو الخلوة نظام قبول وتسجيل خاص ميزها فيما بعد عن القبول في المدارس النظامية ، فنظامها يقبل فيه كل الأعمار، تجد فيها الغلام ابن الخمس والصبي ابن العاشرة والشاب ابن العشرين والكهل الذي تجاوز الخمسين، ويصنفون على قسمين حوار وطالب. والحوار هو الطالب من داخل القرية (ابن القرية)، أما اسم الطالب فيطلق على من يأتي من خارج القرية أو المدينة، ويوم دخول الخلوة يأتي ولي أمر الحوار (أبوه أو أمه) فيجلس أمام الشيخ ( مدرس القرآن ) ويقدم ابنه ويشفع تقديمه بكلمات تقليدية يخاطب بها الشيخ...( لك اللحم ولنا العظم).
فيرد عليه الشيخ ... ربنا يعلمه ويحفظه، ثم يدعو له فيرد ولي الأمر الحوار بعبارات محفوظة ومسجوعة....
دقة (بمعنى اضربه) إن كضب (إن كذب) وعلمه الأدب.
وهذه العبارات من جانب آخر تبرز ما كان يحظى به الشيخ (معلم القرآن) من مكانة في القرية أو المدينة، إذ يترك التلاميذ عنده كوديعة يعلمهم بجانب القرآن مكارم الأخلاق والأدب.
وعند اكتمال قبول الحوار في الخلوة يقدم ولي أمره هدية لمعلم القرآن من نقود أو شاه أو ثور حسب طاقته وإمكانياته، وجري العرف أن يتم قبول الحيران (جمع حوار) الجدد كل يوم أربعاء من كل أسبوع، والدخول بالأربعاء تطبقه كل المدارس القرآنية في أفريقيا، وبعد الانتهاء من عملية القبول يوكل أمر الحوار لطالب كبير متمكن يسمي (العريف) وجمعه عرفاء، وهو نظام معروف في كثير من الدول الأوروبية، ويحقق العديد من المزايا الاقتصادية، فالعريف يكون بمثابة الشيخ الأول للطالب الجديد يبدأ معه كتابة الحروف على الأرض ويظل يكررها في كل يوم إلى أن يستقر رسمها في ذهنه، وهنا يستحق الغلام حمل (لوح) وهو عبارة عن قطعة مستطيلة من الخشب تصنع من أشجار خاصة تمتاز باللدانة والقوة مثل شجرة الهجليج الواسعة الانتشار في السودان وفي الخلاوي الكبيرة ألواح مشهورة اكتسبت شهرتها من كثرة عدد الطلبة الذين حفظوا عليها فيتنافس عليها الطلبة ويتفاءلون بها، وتجري عملية التعليم الأولى في اللوح بأن يكتب الشيخ للطالب في البداية بنواة التمر على اللوح ثم يمرر الحوار القلم عليها إلى أن يثبت القلم في يده ثم يوالي الكتابة كل يوم وبذات الطريقة تحت إشراف العريف (كبير الطلبة).
يجري في الخلاوي استعمال وسائل وأدوات معينة في التعليم وهذه الأدوات جلها من البيئة المحاطة بالخلوة؛ فنجد أن اللوح الذي يكتب عليه الطلبة هو من خشب الأشجار الموجودة في نواحي القرية كما أن القلم المستخدم في الكتابة يجري صنعه من مواد محلية أشهرها سيقان نبات الذرة أو أشجار البوص وهي أشجار رقيقة ومجوفة فيصنع كل طالب أقلامه بنفسه ويضعها في كنانة (يسميها الحوار قلامة أو مقلمة من قلم ) كذلك على الطالب في الخلوة أن يؤمن لنفسه حبر الكتابة ويسمى عندهم ( العمار) ويستعين في ذلك بمواد متوفرة في بيئته، وهي الصمغ مضاف إليه نتاج حرق الفحم (ويسمى السكن) والشعر، وبعد أن يكمل الطالب صناعة العمار يصنع له أناء خاص لوضع العمار يسمى ( الدواة أو الدواية)، وهي غالباً ما تصنع من الفخار. وهذه النشاطات المختلفة التي يقوم بها الطالب تكون في زمن محدد وأيام معينة اتفقت عليها كل الخلاوي في السودان ، فخصص لكل يوم عملاً.
يوم السبت خصص للقراءة والمراجعة وتفقد أحوال الطلبة والحيران.
الأحد للدراسة الجادة. الاثنين يكون مخصصاً لجلب الحطب لإشعال النار في الليل (للإضاءة) ويسمى بيوم (الفزعة). الثلاثاء يصنع فيه العمار (الحبر).
الأربعاء تتم فيه عملية قبول الطلبة الجدد وتعقد فيه الامتحانات وتوزع فيه الكرامة (وهي بمعنى الصدقة) وتكون مما تيسر من حبوب أو تمر أو نقود ...إلخ، ويعتبر الأربعاء أسعد أيام الخلوة وأكثرها حركة.
الخميس يخصص للنظافة والباقي من اليوم فهو إجازة.الجمعة – إجازة.
وهذا الجدول يعتبر إلى حد كبير ثابتاً ومتعارفاً عليه بين الخلاوي، ويستمر الطالب في تطبيقه إلى أن يختم القرآن حفظاً، الذي غالباً ما يتم في ثلاث سنوات، وتسمى الختمة الأولى للقرآن (الشقة) ثم يبدأ بعدها الطالب قراءة القرآن من الأول (شكل مراجعة) وتسمى (العودة). وختم القرآن هو أهم مهرجانات الخلوة، فبجانب الولائم التي يعدها أهل الطالب الحافظ هناك موكب كبير يخرج من الخلوة إلى دار الحافظ، يلبس فيه الطلاب أجمل ما عندهم من الثياب وهم يحملون ألواحهم، ويرددون التهليل المدوي فيصطف الناس في الطرقات يبادلونهم الفرحة، وفي ماضي السنين كانوا يزفون المحتفى به على جواد مزين يجهز خصيصاً لهذه المناسبة. وبعد تخرج الطالب جرى العرف إذا كان الطالب ممن يجيدون الخط أن يكلفه الشيخ (المدرس) بكتابة مصحف هدية للخلوة. أما إذا كان المتخرج لا يجيد الخط فعليه أن (يدلي) يتلو القرآن مائة مرة ويهدي ثوابه لمؤسس الخلوة. وكلا الأمرين ليس شرطاً ولكن أغلب الخلاوي تآخذ به.
بناء الخلوة ومحتوياتها:
تبنى الخلوة من المادة التي تبنى منها غالب المنازل من الطين والطوب الأحمر والحجر والصوف، وأهل البوادي تكون خلاويهم في الخيام وظلال الأشجار، والخلاوي في أكثر الأحايين تكون على شكل غرفة مستطيلة تحتوي على سرير صغير يجلعونه مكاناً لوضع الألواح، وفي ركن قصي من الخلاوة يوضع حجر كبير يسمى حجر (المحاية) وهو المكان الذي تمحي فيه الألواح المكتوبة كل صباح لتعاد الكتابة عليها مرة أخرى، ويصنع هذا الحجر في العادة من حجر الجرانيت الصلب، ويكون موضع اهتمام كبير في الخلوة، وفي وسط سور الخلوة يلاحظ الداخل موضع نار وهي معلم كبير لأهل الخلاوي في السودان، وتبدأ قراءة القرآن عندها مع مغيب الشمس (لعدم وجود وسيلة غيرها للإضاءة)، فتشتعل النار بالحطب الذي أحضره الطلبة في يوم الاحتطاب المخصص لذلك الغرض وهو يوم الاثنين ويجلس الشيخ والطلبة (الحوار) ملتفين حول الحلقة.
ومما يميز الخلوة في السودان أن لطلابها زيًّا تقليدياً خاصاً يتوافق مع منهجهم في الحياة (التقشف) وهو سمة بارزة عندهم، إذ يتكون الملبس من ثوب عادي من قماش معروف برخص ثمنه وخشونة ملمسه، وفي رجليه ينتعل الطالب حذاءً يعرف عندهم باسم "الشقيانة".
الخلاوي المشهورة في السودان
نالت بعض الخلاوي شهرة واسعة، وأصبح الناس يأتون إليها من كل مكان مثل خلاوي الشيخ ود بدر، خلاوي همشكوريب لصاحبها علي بيتاي في شرق السودان، وتعتبر هذه أكبر خلوة في السودان، ومدينة همشكوريب تسمى "مدينة القرآن" لكثرة عدد الخلاوي بها، كما أن هناك خلوة (أم ضو بان) وهي كذلك من الخلاوي المشهورة، وخلوة كبكابية في غرب السودان.
لقد كان للخلاوي ومازال الدور الأكبر في صياغة الفرد السوداني المثالي باعتبارها الأوعية الحقيقية للمعرفة، فكل الجيل المتعلم في فترة الخمسينات والستينات من هذا القرن هم من خريجي هذه الخلاوي، وهؤلاء هم الذين يقودون السودان الآن سياسياً ودينياً واقتصادياً.
ـــــــــــــــــــ(100/131)
دور المدرسة في تنمية الميول القرائية لدى الأطفال
أميرة جمال الطويل 1/8/1424
27/09/2003
للمدرسة دورها في تثقيف وتربية الطفل، وهذا الدور يبدأ مع أول التحاق للطفل بالمدرسة ولا يستطيع أحد أن ينكر مثل هذا الدور، لكن يجب ألا يعتقد البعض أنه بمجرد التحاق الطفل بالمدرسة فقد انتهى دور البيت في التربية والتثقيف، فكل منها يكمل الآخر، فالمدرسة تشارك المنزل في تكوين قارئ ناضج ينهض بمجتمعه ويلاحق التطورات الحديثة.
ولعل دور المدرسة يزداد ويظهر أثره وتعظم مسؤوليته في المجتمعات التي تزداد فيها نسبة الأمية، فعند إذ تُلقى المشكلة على عاتق المدرسة لأن المنزل يعجز عن القيام بدوره، وهنا تزداد أهمية المدرسة في الأماكن الريفية والتي تبعد عن الحضر لأن نسبة الأمية تكون فيها مرتفعة.
ولذلك فإن دور المدرسة جد عظيم في تعليم الأطفال القراءة إلى جانب إثارة اهتمامهم وشغفهم بها، ويقرر المشتغلون بالقراءة علماً وعملاً أن نواحي الاهتمام التي تنمى في هذه المرحلة تتحكم إلى حد كبير في ألوان القراءة التي يقوم بها التلميذ بعد ذلك، ولذا ينبغي أن تتخذ من الخطوات ما يكفل وضع أساس سليم يقوم عليه الشغف الدائم بقراءة الكتب والمجلات التي تناسب التلاميذ، ولكن الشغف بها أيضا وسيلة لغاية، فهو يدفع التلميذ إلى القراءة الواسعة ، وهذه لا بد منها إذا أردنا أن يكتسب التلاميذ العادات التي تؤدي إلى الانطلاق في القراءة.ولتنمية الشغف نحو القراءة هناك تتنوع الأدوار في المدرسة نحو تحقيق هذا الهدف؛ فمنها ما يرتبط بالمنهج المدرسي وشكل الكتاب ومحتوياته، ومنها ما هو مرتبط بالمعلم ، وأيضا المكتبة والنشاط المدرسي، كل ذلك له دوره في تعليم أطفالنا وتثقيفهم، وتنمية الميول والشغف نحو القراءة لديهم، وكذلك الإدارة المدرسية المتابعة لعمل هذه المؤثرات ، وقد يكون سوء الإدارة سبباً في إهمال المعلم والتلميذ وأمين المكتبة ، والمرشد الطلابي ( كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته)، وهي أمانة في أعناقهم جميعاً، والله سائلهم عنها.
والحقيقة أن لكل عنصر من هذه العناصر دوره المهم في تنمية الميول القرائية لدى التلاميذ، لكننا سنكتفي بذكر العنصر الأساس من هذه العناصر وهو المعلم؛ لأن غيرها من العناصر مع أهميتها يمكن تطويرها حيث المقررات الدراسية ومحتوى الكتاب وإخراجه كل يوم فيه من الجديد، وجماعات النشاط المدرسي ودورها المهم أيضا لا يمكن إغفاله، والمكتبات العامة والخاصة غنية بهذه الكتب وحبذا لو استفادت المدارس الحكومية من الكتب الخاصة وغيرت من نمط كتبها فاهتمت بالطباعة وجودة الورق وحسن اختيار الموضوعات الشيقة التي يشغف الأطفال بقراءتها.
دور المعلم
يبدأ دور المدرسة بالمعلم، فهو الموجه الأول والأساس في تنمية قدرات ومواهب تلاميذه، ويبدأ هذا الدور مبكراً مع مدرس المرحلة الأولية ( مدرس الفصل )، وذلك نظراً للفترة الطويلة التي يقضيها مع التلاميذ داخل الفصل، فمن خلال هذه الفترة يستطيع المعلم أن يكتشف المواهب والقدرات وينميها، وذلك عندما يلاحظ أن تلاميذه قد أتقنوا المهارات الأساسية في القراءة، فهناك من التلاميذ من يتفوق على زملائه في القراءة ، وهنا يظهر دور المدرس الناجح، ففي هذه اللحظة يمكنه أن يوظف هذه الفروق الفردية لدى تلاميذه، فيعطي التلميذ المتفوق كتاباً أو قصةً شيقة، يطلب منه قراءتها ولا مانع أن يساعده من هو أكبر منه في المنزل، ويرشده المعلم إلى أنه سوف يقصها على زملائه في اليوم التالي، ويَعِده بجائزة أو هديه يقدمها لهذا التلميذ (هذه الهدية لها دور السحر في تشجيع الطلاب وتنمية دوافعهم إلى القراءة).وينبغي هنا على المدرس أن يختار القصة التي تربي في الأطفال الدافع إلى الخير والتعاون على البر و الحث على العلم .. وغيرها، بل يمكنه أن يدفع الطلاب إلى اختيار قصصهم بأنفسهم من خلال مكتبة المدرسة، وبمساعدة أمين المكتبة، واختيار الكتب التي تناسب كل مرحلة من مراحل النمو المختلفة، وبهذا ينطلق التلاميذ إلى القراءة.
وينبغي على المعلم أن يتابع قراءات التلاميذ ويناقشهم فيما قرؤوه، وفيما استفادوا، وأن يترك لهم حرية التعبير عما فهموه وبطريقتهم الخاصة.
وهنا تزداد الحصيلة اللغوية، وتنمى وتتطور من خلال نطق التلاميذ لهذه الكلمات وكتابتها بطريقة سليمة.
كما ينبغي على المعلم الناجح أن يشخص حالات التخلف في القراءة لدى تلاميذه، وأن يكوِّن ملفاً خاصاً بكل طالب يحدد فيه أسباب هذا التخلف؛ جسمية: غدد، بصر ، سمع....، أو عقلية: فإن الأطفال الأذكياء يقرؤون بسهولة عن الأطفال الأقل ذكاء، أو مشاكل متعلقة بالاستعداد والعمر العقلي المناسب لتعلم القراءة ، وهناك أسباب أخرى لا يتسع المجال لذكرها.
ويجب على المعلم أن يسرع في تدوين ملاحظاته، وعليه أن يبحث في طرق المعالجة السريعة مع المرشد الطلابي وأسرة التلميذ، وعليهم جميعاً ألا يكسلوا وأن يتعاملوا مع الأمر بجدية وأن يتعاونوا في إيجاد الأسلوب الأمثل والأنجع لمعالجة هذه المشاكل
ـــــــــــــــــــ(100/132)
المعلم أمل الأمة
تحقيق: عز الدين فرحات 23/7/1424
20/09/2003
للمعلم دوره الأساسي في العملية التربوية والتعليمية، وبغير النهوض به لا يمكن الحديث عن أي تقدم للمجتمع ، مهما أُنفق على العملية التعليمية من مال وهُيئت له أسباب.
ولأهمية دور المعلم كان لا بد من توافر شروط ومميزات في شخصيته ليستطيع القيام بهذه المهمة بصورة جيدة تؤدي إلى تحقيق الأهداف المرجوة من العملية التربوية التعليمية.
حول صفات المعلم الناجح يقول الدكتور (عبد الكريم بكار): إن من بين الصفات الواجب توافرها في المعلم:
1- الثقافة: حيث إن العمل الأساسي للمعلم هو نقل المعرفة من مصادرها ومراجعها إلى الطلاب بشكل منظم؛ لذا فالمعرفة بالنسبة إليه كالبضاعة بالنسبة للتاجر؛ فالمعلم بحاجة إلى المعرفة الواسعة من أجل إثبات وجوده وتحقيق ذاته.
2- القدوة:
ذلك أن وثوق الناس بالمعرفة يرتبط كثيراً بمدى ثقتهم بمن يحمل هذه المعرفة، وانطلاقاً من هذا؛ فإن انسجام المعلم مع طبيعة المعرفة التي يقدمها ومع طبيعة المهمة التي ندب نفسه إليها يعد شرطاً لا غنى عنه لنجاحه في عمله.
فالقدوة تتمثل في كل جوانب السلوك، وفي كل تصرفات المدرس مع طلابه وغير طلابه. ذلك لأن المعلم مرب.
3- التربية :
وحتى ينجح المعلم في أن يكون مربياً؛ فإن عليه أن يتمثل شخصية الأب الواعي، ويحاول أن يتصرف مع طلابه كما يتصرف الأب مع أبنائه.
-أما الأستاذ (علي لبن) الخبير التربوي وعضو مجلس الشعب المصري؛ فيقسم صفات المعلم إلى قسمين:
صفات شخصية، وصفات مهنية.
فمن الصفات الشخصية التي يجب توافرها في المعلم الناجح:
1-أن يكون محباً لمهنته، ولوعاً بها، يؤدي عمله بشوق وشغف ونشاط، فيتابعه تلاميذه بنفس الشوق والنشاط.
2- أن يكون متواضعاً في غير ضعف، عطوفاً في حزم وكياسة، متحرراً من عقدتي الدونية والتعالي، يعرف متى يكون مرحاً، ومتى يكون جاداً.
3- صحته الجسمية وحيويته، وسلامة حواسه، وغير ذلك مما يساعد على تأدية رسالته.
4- صحته النفسية واتزانه الانفعالي، بحيث لا يسهل مضايقته، ولا تبدو صورته المزاجية هوجاء منفرة؛ لذلك يجب على المدرس أن يجاهد نفسه من أجل إكسابها فضيلة الصبر وسعة الصدر والجلد والوقار والاطمئنان وغيرها، مما يبعث في نفوس التلاميذ السكينة والإشراق.
5- أناقته ونظافته، وطيب رائحته، وحسن هندامه، وجاذبية مظهره؛ تعظيماً للعلم والعلماء.
روى الإمام مالك أن النبي صلى الله عليه وسلم أشار إلى رجل ثائر الشعر واللحية وكأنه يأمره بإصلاح شعره. ففعل الرجل ثم رجع في هيئة حسنة فقال النبي -صلى الله عليه وسلم- : " أليس هذا خيراً من أن يأتي أحدكم ثائر الرأس كأنه شيطان".
6- فصاحته وجودة نطقه، ووضوح صوته، وقوة بيانه، وجمال تعبيره، وتسلسل حديثه، وإخراجه الحروف من مخارجها، وتنوع نبراته، ولهجته الطبيعية، وخلوه من "اللازمات" وحبسه اللسان... وغير ذلك.
7- ذكاؤه وفطانته، وسعة أفقه، وبعد نظره ويقظة عقله؛ ليمكنه معالجة مشكلات التدريس بحكمة.
8- فهمه لتلاميذه، ومعرفته بأسمائهم ومشاركته في حل مشكلاتهم، وسعيه في مصالحهم، وعدم التحيز في معاملتهم، خاصة عند فض منازعاتهم، استجابة لقول رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "اتقوا الله واعدلوا بين أولادكم"،كل ذلك يوطد علاقته بهم،ويكون من أهم أسباب نجاحه.
وفي هذا يقول الإمام ابن جماعة : "إذا غاب بعض الطلبة غياباً زائداً عن العادة سأل عنه معلمه أو قصد منزله بنفسه؛ فإن كان مريضاً عاده، وإن كان في حاجة أعانه، وإن كان في غم خفض عليه، وإن لم يكن شيء من ذلك تودد إليه ودعا إليه).
9- تمكنه من مادته؛ لأن أخطاءه تقلل من ثقة تلاميذه به، وتجعلهم لا يهتمون بالتحضير لمادته.
10- سعة اطلاعه؛ فلا يكتفي بالكتاب المدرسي حتى لا يهبط مستواه إلى مستوى تلاميذه، بل عليه مداومة الاطلاع على كل جديد، أو ما يدعم مهنته؛ كعلم النفس والتربية، أو طرائق التدريس وغيرها، حتى يظل دائماً في مستوى ثقافة عصره.
11-المحافظة على مواعيد المدرسة واحترام لوائحها، والالتزام بمتطلبات مهنته عن حب ورغبة داخل الفصل وخارجه.
12- التودد مع زملائه والبعد عن المشاحنات؛ دمث الخلق، متأدباً في ألفاظه بعيداً عن الغيبة والقول الذي يؤذي الآذان؛ لقوله تعالى: (قل لعبادي يقولوا التي هي أحسن إن الشيطان ينزغ بينهم..)
13- الاختلاط بالناس ومشاركتهم في الحياة الاجتماعية، ولذلك يرى الإمام ابن جماعة "أنه ليس أضر على المعلم من الزهد في مصاحبة الناس، والبعد عن حركة الحياة العامة).
14- أن يكون عارفاً بأمور دينه متمسكاً، بها محافظاً على تأدية الشعائر آمراً بالمعروف، ناهياً عن المنكر، لا يخشى في الله لومة لائم، وفي ذلك يقول أبو اسحق الجبنياني: "لا تعلموا أولادكم إلا عند رجل حسن الدين؛ لأن دين الصبي على دين معلمه". كما يقول الصحابي عتبة بن أبي سفيان لمعلم ولده: "ليكن أول إصلاحك لولدي إصلاحك لنفسك؛ فإن عيونهم معقودة بعينك، فالحسن عندهم ما صنعت والقبيح عندهم ما تركت).
15- أن يكون مخلصاً؛ فيجعل تدريسه ابتغاء وجه الله تعالى، ودوام ظهور الحق وخمود الباطل، وكثرة العلماء؛ فيضحي بوقته وراحته في سبيل رسالته؛ كيف لا وهي أشرف رسالة عرفتها البشرية رسالة الأنبياء والمرسلين؟! وقد أشاد القرآن الكريم برسالة المعلم في قوله تعالى: (ولكن كونوا ربانيين بما كنتم تعلمون الكتاب وبما كنتم تدرسون) فانظر كيف كرم الله المعلم فنسبه إليه تعالى، فسماه ربانياً، والرباني هو المنسوب إلى الرب -كما يقول سيبويه-، والإخلاص هو الذي يجعل المعلم ربانياً، وبالتالي يجعل طلابه ربانيين، يرون آثار عظمة الله في كل ما يدرسون، ويخشونه ويحسبون الحساب ليوم الجزاء.
أما الصفات المهنية للمعلم ؛ فمنها (والكلام للأستاذ علي لبن):
1- احترام شخصية التلميذ؛ وذلك بمراعاة حاجاته واهتماماته وحقوقه وأيضاً، معرفة قدراته وإمكانياته ليمكن توجيهه على أساس ذلك.
2- القدرة على ضبط الفصل.
3- إتاحة الفرصة للتلاميذ كي يتحدثوا هم معظم الوقت؛ فحديثهم يفوق حديث المدرس في أهميته؛ لأنهم يتعلمون من أخطائهم أكثر من تعلمهم من المدرس وهم صامتون.
4- تشجيع التلاميذ على المساهمة في النشاطات المدرسية؛ لأن شخصية الطفل تظهر على حقيقتها أثناء انطلاقه في اللعب والنشاط الحر، وذلك مما يساعد في التعرف على خلفياته، وتفهم مشكلاته وتحريره من المخاوف والضغوط.
5- مراعاة الفروق الفردية.
6-حسن التعامل مع السلوكيات غير اللائقة، وفي هذا يقول عتبة بن أبي سفيان لمعلم ولده: "قومه ما استطعت بالقرب والملاينة؛ فإن أباهما فعليك بالشدة والغلظة"
7- التشجيع على حسن الأدب والجد والاجتهاد في الدراسة؛ وذلك بالشكر والثناء والقبول والاستحسان، وغير ذلك مما يدفع التلميذ إلى المزيد من النجاح.
8- لا تكتفي بتدريس مادة الكتاب النظرية معزولة عن تطبيقاتها في الحياة العملية؛ بل تضيف إليها النشاطات التي يمكن بواسطتها تحويل معلومات الكتاب النظرية إلى سلوكيات عملية.
9- تزويد الدرس بمروحات عن النفس؛ كالمرح والطرائف وبعض المزاح لإنعاش التلاميذ، وبث الحيوية فيهم وتجديد نشاطهم على أن يتم ذلك بدون إسراف أو إسفاف، ليكون الجد هو الأصل، وفي هذا يقول الإمام علي: "أعط الكلام من المزح بمقدار ما تعطي الطعام من الملح".
أما الشيخ محمد بن عبد الله الدويش؛ فيقول: "إنه ينبغي للمعلم أو المربي لكي ينجح في أداء مهمته أن يتوفر فيه عدد من الصفات، من أهمها:
* القدرة على بناء العلاقات الإنسانية:ذلك أن التلقي فرع عن المحبة، وللعلاقة بين التلقي والمحبة من الاتصال قدر كبير مما قد نتصور أحياناً، فمن لم يغرس المحبة في نفوس الطلاب فكثير مما يقوله ستكون نهايته عندما يتلفظ به، ولن يأخذ طريقه نحو القلوب فضلاً عن أن يتحول إلى رصيد عملي.
* الاستقرار النفسي: حيث إن المربي يتعامل مع الناس ومع الطبيعة الإنسانية المعقدة فلا بد أن يملك قدراً من الاستقرار النفسي فلا يكون متقلب المزاج سريع التغير مضطرباً أو يعاف من وحدة انفعالات أو سوء ظن وحساسية مفرطة، فضلاً عن بعده عن الأمراض النفسية.
التوازن الاتصالي :حيث إن التربية ليست عملاً من طرف واحد، وليست تعاملاً مع آلة صماء ومن غير المقبول أن يحول المعلم الطالب إلى شخص مهمته أن يحسن الاستماع والاستقبال فحسب،بل لابد من قدر من التوازن الاتصالي؛ فالتربية عملية اتصال بين طرفين.
أخي المعلم: هذه بعض الصفات التي يرى خبراء التربية ضرورة توافرها في من يتصدر لحمل مهمة ورسالة النبي -صلى الله عليه وسلم- "إنما بعثت معلماً".
ويذكر الدكتور بكار بعض الأنماط السلبية للمعلمين منها:
1- المعلم المهمل:
هو إنسان دخل مهمة التعليم على سبيل الخطأ، وعلاقته بها علاقة شكلية وسطحية؛ فأنت لا تكتشف وأنت تتحدث معه أن له أي اهتمامات بالثقافة أو التعليم أو مستقبل الأجيال. ويظهر إهماله في تحضيره لدروسه، وفي تصحيحه لواجبات الطلاب وأوراق امتحاناتهم، ولا يلقي بالاً لشكواهم، ولا يفكر في أحوالهم.
2- المُعلِّم المستبد:
من سمات هذا الصنف من المُعلمين أنه يفتقر إلى الروح الرياضية والمرونة الذهنية، وهو قوي الإحساس بمركزه وسلطته، ويغلب عليه طابع الحرفية والتمسك بالأنظمة دون أن يأخذ بعين الاعتبار الظروف الخاصة التي يمر بها بعض الطلاب، والهم الذي يسيطر عليه هو إنهاء المناهج؛ فلا يعطي للثقافة العامة وتنمية شخصيات الطلاب ما تستحقه من عناية واهتمام.
3- المُعلِّم الفوضوي:
يسير المُعلِّم الفوضوي في الاتجاه المعاكس للمُعلِّم المستبد، فهو لا يأبه بتوجيهات الإدارة، ولا يلتزم بالنظم المرعية، كما لا يهتم بإنهاء المناهج، ولا يكترث بما يسمى الأهداف التعليمية. وهو يحمل في نفسه نوعاً من الرفض للتقاليد التعليمية المعترف بها. إن الذي يسيطر عليه هو العلاقات الإنسانية مع الطلاب. وحرصه على رضى طلابه ومسامرتهم يقع عنده في المرتبة الأولى، ولهذا فإن المحصلة العلمية التي يحصل عليها طلابه من وراء تدريسه تعد متواضعة.
4- المُعلِّم العادي:
نمط المُعلِّم العادي هو النمط السائد في معظم المدارس، ومستوى ما هو عادي وغير عادي تحدده البيئة التعليمية العامة؛ فالمُعلِّم العادي في دولة متقدمة يختلف كثيراً عن المُعلِّم العادي في بلد متخلف فقير. يحرص المُعلّم العادي على إنهاء المناهج، كما يحرص على تنفيذ التعليمات العليا، لكنه مع هذا يتيح للطلاب نوعاً من المشاركة، كما يتيح فرصة محدودة لطرح الأسئلة. ومعرفته بمادته عادية، واهتمامه بتنمية شخصيته وتحسين فاعليته ضئيل أو دون المتوسط.
فهل ترضى لنفسك أيها المعلم المربي أن تكون من بين هذه الأصناف السلبية؟
نربأ بك عن هذه الحالة
قد رشحوك لأمر لو فطنت له فاربأ بنفسك أن ترعى مع الهمل
ـــــــــــــــــــ(100/133)
الدور السياسي للمرأة بين المنح والمنع(1/2)
الأردن: محمد سليمان، وفاء علي القاهرة: د.ليلى بيومي 9/7/1424
06/09/2003
كثر الجدال في الآونة الأخيرة حول الدور السياسي للمرأة في المجتمعات العربية، ولا يخرج هذا الجدال عن سياقه العام منذ بداية عهد الاستعمار الغربي للعالم العربي، خاصة في بدايات القرن المنصرم، ولعلّ ارتباط الجدل بواقعة الاستعمار يعطي مؤشرات ودلالات واسعة حول مقاصده وأهدافه ودواعيه، بيد أن هذه الملاحظة لا تعني أبداً التنكر لحقوق المرأة الشرعية ومصادرتها بحجة العادات والتقاليد، وإنما يعني الرجوع إلى مصادر التشريع الإسلامي المنبثقة عن الوحي الكريم، بدلاً من المؤتمرات الدولية. المؤسسات الغربية التي تنطلق من قراءة وتعريف حقوق المرأة من منظومة قيمية غربية تستند إلى التطور التاريخي والحالة النفسية والثقافية لهذه المجتمعات المغايرة في واقعها لحالة المجتمعات العربية وأولوياتها الثقافية وخياراتها الاجتماعية.
في هذا التحقيق نسلط الضوء على موضوع الدور السياسي للمرأة العربية بين المنع والمنح.
1- دواعي الدور السياسي للمرأة المسلمة وضرورته:
تقول أروى الكيلاني -رئيسة القطاع النسائي في جبهة العمل الإسلامي-:
"لقد جاء الخطاب الإسلامي للمرأة في القرآن الكريم -المصدر الأساسي للتشريع- يُحملها أمانة الاستخلاف في الأرض كما جعلها للرجل وذلك باعتبارها إنسان لا يكتمل وجوده إلا بحمل الرسالة وأداء الأمانة وذلك في قولة تعالى: (إنا عرضنا الأمانة على السماوات والأرض والجبال، فأبين أن يحملنها وأشفقن منها وحملها الإنسان إنه كان ظلوماً جهولاً* ليعذب الله المنافقين والمنافقات والمشركين والمشركات ويتوب الله على المؤمنين والمؤمنات وكان الله غفوراً رحيماً).
وما يترتب على جعل هذه الأمانة من ولاية ونصرة بين المؤمنين والمؤمنات. لذلك كانت المرأة معنيةً بنصرة الرسالة الربانية ممثلة بالشريعة الإسلامية وإقامة المجتمع المسلم، ومن ثم الدولة منذ فجر الإسلام.
(والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر).
شاركت المرأة المسلمة في بيعة العقبة الأولى والثانية، وشاركت في الهجرة، وشاركت حتى في الجهاد العسكري، وتولت المناصب؛ ففي عهد عمر بن الخطاب ولّى (الشفاء بنت عبد الله) الحسبة في السوق، وأنكرت (أسماء بنت أبي بكر) على الحجاج ظلمه.
كل هذه الشواهد هي دور سياسي للمرأة في عصر الرسالة تقاس على العمل السياسي في وقتنا الراهن.
ولكن كما كان الاستخلاف هو سبب الوجود الإنساني على هذه الأرض في التصور الإسلامي؛ فإن مقتضيات هذه الخلافة تتضمن العمل بشتى أنواعه حسب استعدادات الأفراد وقدراتهم التي أوجدها فيهم الخالق سبحانه وتعالى، رجالاً كانوا أو نساء.
(هو الذي جعلكم خلائف الأرض ورفع بعضكم فوق بعض درجات ليبلوكم فيما آتاكم..).
وإذا كانت المدرسة الغربية تتحدث عن الدور السياسي للمرأة كحق من الحقوق الإنسانية التي ناضلت من أجلها، حتى أحرزتها في أيامنا هذه؛ فإنها في التصور الإسلامي واجب ومسؤولية على المرأة كما هي على الرجل.
ولعل أهم محددات العمل السياسي للمرأة هي: الأهلية والوعي، وقد أقرت الشريعة هذين الأمرين فيها، فقال عليه الصلاة والسلام: " النساء شقائق الرجال".
وكان حرص رسول الأمة على رفع مستوى الوعي السياسي عند النساء بإرشاده المسلمين "لا تمنعوا إماء الله مساجد الله"، ومعلوم أن المسجد في التاريخ الإسلامي هو المكان الذي تؤدى فيه الصلوات كما كانت تبحث فيه قضايا الأمة.
وقد كلّف الإسلام المرأة بالحد الأدنى من الوعي السياسي بإلزامها بحضور صلاة العيدين.
والدور السياسي للمرأة في الشريعة واضح لكل متأمل في النصوص الشرعية.
فالمجادلة (خولة بنت ثعلبة) وهي تقف أمام أعلى سلطة تشريعية في مجتمعها (الرسول صلى الله عليه وسلم) تجادله في حق وقوة تنبعث من إيمانها بقوة الخالق وعدالة التشريع الإلهي، جادلت حتى أنزل الله -عز وجل- في أمرها قرآناً يتلى، ونظم تشريعات اجتماعية جديدة في مجتمع جديد.
ألم تكن السيدة (خولة) تمارس أدق أنواع العمل السياسي إن قسناه على أيامنا هذه. أليس جديراً بنساء هذه الأمة ورجالها على حد سواء أن يأخذوا دروساً من هذه الحادثة والتي أراد الله لها الخلود في كتابه العظيم.
إن المسلم والمسلمة لا يرضيان بالظلم، ولا اتباع المزاجية أو الهوى، وإنّ الحق قيمته عليا فوق كل اعتبار.
فهل من الحق أن تطوع الشريعة بحجة الأعراف والتقاليد، أم أن الأصل هو تطويع الأعراف والتقاليد في المجتمع لتتفق مع الشريعة؟.
ولا شكّ أن مشاركة المرأة في العمل السياسي ترتبط إلى حد كبير بالسياق الاجتماعي الذي توجد فيه، إذ تحكم حركتها في أغلب المجتمعات تقاليد وأعراف قد تشجع نشاطها السياسي أو تعوقه.
2- الصعوبات والحواجز السياسية والاجتماعية:
وعن الصعوبات التي تحول بين المرأة المسلمة وبين قيامها بدورها السياسي ، رأت حياة المسيمي - النائب الإسلامي في البرلمان الأردني- أن أبرز الصعوبات تتمثّل في عدم ثقة المجتمع بقدرات المرأة بالقيام بالدور السياسي خاصة في العالم العربي، بحيث يكتنف النشاط والعمل السياسي العديد من الظروف التي تزيد من صعوبته، وتحيطه بتبعات ثقيلة في كثير من الأحيان.
كما أن من الصعوبات التي تواجه دور المرأة الخوف عليها وعلى واجباتها الاجتماعية، خاصة الأسرية، وعلى هذا الصعيد بيّنت المسيمي أن هناك أسئلة كثيرة تطرح عليها من أقربائها حول قدرتها على التوفيق بين واجباتها الاجتماعية وعملها النيابي الذي يتطلب الجهد والوقت والعطاء الكبير، مبيّنة ً أن هذه التساؤلات مشروعة ومبررة، وتتطلب من المرأة المسلمة موازنات دقيقة وعطاءً عظيماً لسد الثغرات وتحمل المسؤوليات.
ودعت المسيمي إلى تفعيل جملة من الإجراءات التي تساهم في تعزيز الدور السياسي للمرأة المسلمة، ومن ذلك إعادة النظر في قوانين الانتخاب، وأن تتبنى الأحزاب الكبيرة عدداً من النساء في قوائمها الانتخابية.
3- دور المرأة بين الواقع والطموح:
وحول دور المرأة السياسي بين الواقع الحالي والطموح، تقول المحامية نائلة الرشدان -عضو مجلس الأعيان الأردني سابقاً-:
"إن من حقوق المرأة الإنسانية والأساسية المشاركة في الحياة السياسية، كفرد من أفراد المجتمع، إلا أن دور المرأة ما زال في الأردن -وفي العالم العربي بشكل عام- ذو طابع رمزي دون مشاركة فعّالة، ولهذا السبب قامت الحكومة الأردنية بوضع نظام الكوتا للمساهمة في تعزيز وحضور المرأة في العمل النيابي.
بيد أن دور المرأة في الأحزاب ومجلس الأعيان والوزارات في الأردن ضعيف، ولا يوازي نسبتها الاجتماعية، بحيث تشكل ما يقارب نصف المجتمع.
الأمر الذي يتطلب تحديد وتعريف المعوقات والصعوبات الاجتماعية والواقعية والعمل على إزالتها وتقليصها، وتوفير الشروط الموضوعية لقيام المرأة المسلمة بهذا الدور".
وبينت الرشدان أن الخبرة الإسلامية حافلة بالأمثلة والدلالات الواسعة لدور المرأة السياسي؛ فأم سلمه زوجة الرسول -صلى الله عليه وسلم- شاركت في مشاورات الرسول في صلح الحديبية، عندما أشارت عليه بأن يتحللّ من الإحرام، وبالتالي تحلل أصحابه من بعده، وهناك أدلة وشواهد كثيرة على المشاركة السياسية للمرأة، بل لا يوجد من مصادر الشريعة وموارد الفقه الإسلامي ما يحول بين المرأة وبين مشاركتها في الحياة السياسية.
4- شقائق الرجال:
تقول الباحثة منيرة عبد الرزاق: المرأة حكمها كحكم الرجل في الإيمان والكفر، والطاعة والمعصية، والثواب والعقاب؛ فهي مخلوق مكلّف، وتكليفها ناشئ عن تأهيلها؛ كونها أولاً: عاقلة تدرك خطابات التكليف، وتدرك الحق والباطل، والخير والشر، والمفاسد والمصالح، والقبح والجمال، وثانياً: مالكة لإرادة حرة يناط بها التكليف، وثالثاً: حائزة على الملكة الجسدية والنفسية والفكرية المطلوبة لأداء أوامر التكليف ونواهيه. وبناء على ذلك كانت المرأة كالرجل متى أعلنت إسلامها عصمت دمها ومالها إلا بحق الإسلام.
وإذا تجاوزنا مرحلة اعتناق الإسلام، إلى مرحلة الانغماس في التكاليف الدينية الفرعية؛ نجد أن قاعدة التسوية بين المرأة والرجل تضطرد في جميع التكاليف الإسلامية، إلا فروقاً محددة في الفقه الإسلامي تستدعيها الخصائص التكوينية الجسدية والنفسية للمرأة .
ذاك في مجال التكليف، أما في مجال الحقوق التي يفرضها الإسلام للمرأة فهي أيضا تكاد تتساوى فيها مع الحقوق المفروضة مع الرجل.
وتشير منيرة عبد الرازق إلى أن الشيخ (محمد عبده) عالج هذه المسألة انطلاقاً من وجهة النظر التي ترى بأن الإسلام قد ساوى بين الرجل والمرأة في الحقوق والواجبات مساواة حقيقية؛ ففي مجال الحقوق الشخصية والاجتماعية: ساوى الإسلام بين الرجل والمرأة في الأحكام المتعلقة بالتصرفات المالية والشخصية، فللمرأة وفق التشريع الإسلامي، أن تنجز لنفسها عقود البيع والرهن والإجارة والصلح والشركة والمساقاة والمزارعة بحرية كاملة كما للرجل، كما أنها تهب وتوصي وتتصدق وتعتق العبيد وتوقف الأوقاف، ثم هي تعقد زواج نفسها بحرية تامة ولها حق القبول والرفض.
وفي مجال الحقوق السياسية كان الإسلام في هذا أسبق من غيره؛ بل يكاد ينفرد به عن غيره، والحقوق السياسية للمرأة في الإسلام تتلخص في مطلبين رئيسين:
أولاً المشاركة العامة في الحياة السياسية، وثانياً: حق المرأة في الولايات العامة.
وفي مجال المشاركة العامة في الحياة؛ نجد أن حظ النساء في المشاركة السياسية العامة لم يكن بأقل من حظ الرجال، بل كان لهن مثل نصيبهم، ويرد في هذا الصدد موضوع البيعة في الإسلام بما يشمل العمل بدستور الإسلام، والبيعة على السمع والطاعة للقيادة الإسلامية، أي الالتزام بإطاعة من اخترن للقيادة.
وقد صار ثابتاً بأن الرجال والنساء سواسية في المبايعة على الإذعان للسلطة الزمنية وفق أحكام الشريعة الإسلامية، وقد قال تعالى: (لقد رضي الله عن المؤمنين إذ يبايعونك تحت الشجرة فعلم ما في قلوبهم فأنزل السكينة عليهم وأثابهم فتحاً قريباً ومغانم كثيرة يأخذونها وكان الله عزيزاً حكيماً)
وقد اشترك النساء في المبايعة على التسليم بالسلطتين الدينية والزمنية في عهد الرسول، فبايع المؤمنات رسول الله -صلى الله عليه وسلم- على مثل المبايعة التي كانت للرجال باستثناء الالتزام بالقتال في سبيل الله، وهكذا ضمن الإسلام للمرأة حق الترشيح والانتخاب تماماً كالرجال.
أما في مجال حق المرأة في الولايات العامة: وهو مشاركة المرأة المسلمة ليس كناخبة وإنما منتخَبة؛ فقد وقع الخلاف بين الفقهاء وأهل العلم من المسلمين، وكان الخلاف عائداً إلى تفسير الآية المباركة (الرجال قوامون على النساء بما فضل الله بعضهم على بعض وبما أنفقوا من أموالهم)، والحديث النبوي "ما أفلح قوم ولّوا أمرهم امرأة" وقد جرت مناقشات محدودة لمعالجة هذه الإشكالية، ورغم انعقاد الإجماع بين علماء الفقه السلطاني على منع الولاية العامة (الإمامة رئاسة الدولة) عن المرأة استناداً إلى الآية والحديث المتقدمين؛ إلا أن مثل الماوردي ( ت 450هـ ) لم يذكر في كتابه "الأحكام السلطانية" شرط الذكورية في شروط أهل الإمامة السبعة، كما أن أبا يعلى الفراء الحنبلي خوّل للمرأة تولي منصب القضاء، وفيما قيّد أبو حنيفة قضاء المرأة فيما تصح فيها شهادتها، جوّز ابن جرير الطبري قضاء المرأة في جميع الأحكام.
وقد ناقش علماء المسلمين الولاية العامة للمرأة، فاستند المجيزون لإمامة المرأة إلى عدم وجود تقييدات صريحة في هذا الصدد؛ بل إن عموميات النصوص الإسلامية تؤكد على المساواة بين الذكر والأنثى، وأن حديث "ما أفلح قوم ولّوا أمرهم امرأة" ورد في حادثة مخصوصة؛ وهي أنه لما ورد عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أن كسرى فارس مات وأن قومه لّوا ابنته مكانه، قال عليه الصلاة والسلام ذلك القول تعبيراً عن سخطه على قتلهم رسوله إليهم، فالحديث إذاً جاء في مورد خاص، وقد قال علماء الأصول "تخصيص المورد لا يخصص الوارد"، فما كان حكماً عاماً حتى يصح إطلاقه وتعميمه، أما الآية المباركة فكان أبو الأعلى المودودي أول من استند عليها لمنع المرأة من الولاية العامة
5- المرأة بين السياسة والفقه الإسلامي
وفيما يتعلق بموقف الفقه الإسلامي من مشاركة المرأة في الحياة السياسية، وتعقيباً على النقاشات السابقة، قال الدكتور رحيل غرايبة -رئيس قسم الفقه بالوكالة في جامعة الزرقاء الأهلية، والمتخصص في السياسة الشرعية- : "لا يوجد فرق بين المرأة والرجل؛ فالكل يخضع لأحكام شرعية ومكلف شرعاً، فالمرأة مخاطبة بالتكليف كالرجل تماماً، وهي ليست مستثناة؛ لأنّ الأحكام لا تستثني أحداً في جميع شؤون الإنسان، وبالتالي ما لم يوجد مانع أو محظور شرعي، فالمرأة تصلح أن تشارك في البرلمان، ويجوز أن تكون مسؤولة سياسية أو وزيرة مثلاً، ويمكن في المستقبل أن يصبح للمرأة دور أكبر.
وبخصوص العوائق والصعوبات التي تواجه أداء المرأة لدورها السياسي والشرعي رأى الدكتور غرايبة أن معظمها يستند إلى التراث والتقاليد، خاصة أن الخبرة الحديثة في العالم الإسلامي لا تحمل تجارب كبيرة للعمل السياسي للمرأة المسلمة.
ورأى الدكتور غرايبة أن تعزيز دور المرأة السياسي والشرعي يتحصل من خلال عملية التنمية السياسية وإيجاد التشريعات والوسائل التي تصل بالمرأة إلى حقها، وليس بمعاملتها من خلال نظام الكوتات وكأنها أقلية داخل المجتمع.
6- المرأة بين القرآن وواقع المسلمين
أما المفكر التونسي الشيخ راشد الغنوشي؛ فيرى أنه ما دام من حق المرأة أن تنصح وتشير بما تراه صواباً من الرأي، وتأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر، وتقول هذا صواب وهذا خطأ بصفتها الفردية؛ فلا يوجد دليل شرعي يمنع عضويتها في مجلس يقوم بهذه المهمة. وما يقال بأن السوابق التاريخية في العصور الإسلامية لم تعرف دخول المرأة في مجالس الشورى؛ فهذا ليس بدليل شرعي على المنع، وهذا مما يدخل في تغيير الفتوى بتغير الزمان والمكان، والشورى لم تنظم تنظيماً دقيقاً لا للرجال ولا للنساء.
والشق الثاني من مهمة المجلس -بعد المحاسبة والنصح- يتعلق بالتشريع وبعض المتحمسين يبالغون في تضخيم هذه المهمة زعماً بأنها أخطر من الولاية والإمارة؛ فهي التي تشرع للدولة، لينتهي إلى أن هذه المهمة الخطيرة لا يجوز للمرأة أن تباشرها. والأمر في الحقيقة أبسط من ذلك، فالتشريع الأساسي إنما هو لله وأصول التشريع الآمرة الناهية هي من عند الله سبحانه. وبعبارة أخرى؛ فإن عملنا هو الاجتهاد والاستنباط والتفصيل والتكييف، والاجتهاد في الشريعة باب مفتوح للرجال والنساء جميعاً، ولم يقل أحد من الأصوليين إن من شروط الاجتهاد الذكورة، وإن المرأة ممنوعة من الاجتهاد.
ومما لا جدال فيه أن ثمة أموراً في التشريع تتعلق بالمرأة نفسها وبالأسرة وعلاقاتها، ينبغي أن يؤخذ رأي المرأة فيها، وألا تكون غائبة عنها، ولعلها تكون أنفذ بصراً في بعض الأحيان من الرجال.
7- الحركة النسوية العربية بين الضرورات الواقعية والأجندات الغربية:
تبنت الحركة النسوية العربية في الأقطار المختلفة قضايا المرأة، وتشكلت العديد من المؤسسات واللجان والجمعيات التي أعلنت أنها تحمل لواء الدفاع عن حقوق المرأة والعمل على تحسين أوضاعها، إلاّ أنّ عمل هذه الحركة في الأغلب الأعم ارتبط بالتمويل الغربي وبأجندات مبنية على قيم ومفاهيم غربية في التعامل مع المرأة، وبدى الأمر وكأن المرأة العربية إنسانا قاصراً، وهذه المنظمات والنخب المتغربة هي الوصي عليها.
لقد كشفت الكثير من طوابق الفساد في هذه المؤسسات وظهر للعيان العلاقة بينها وبين منظمات غير حكومية غربية ممولة ومرتبطة بمراكز استخبارية غربية، أو ما يطلق عليه الـ" NGOs"، خاصة في مصر والأردن، بحيث أثيرت العديد من القضايا الغريبة؛ ففي الأردن على سبيل المثال أثيرت قضية مرتبطة بقانون العقوبات حول قتل الشرف، على الرغم من ندرة الحالات التي طبقت بها هذه العقوبة، وقد تولى إثارتها عدد من الناشطات، وساندهن رموز كبار في الحكم، كما وقفت المنظمات النسوية الأردنية إلى جانبهن، ليتبين بعد مدة قصيرة أن إثارة القضية من جذورها كانت بدافع تلقي أموال من مؤسسات غربية. وفي نفس السياق كتب عدد من الباحثين المصرين حول دور منظمات الـ "NGOs" ، وتمويلها للمؤسسات النسوية في مصر وعمليات القرصنة والفساد المالي والأخلاقي في هذا المجال.
وإذا كان من الخطأ تعميم الملاحظات والأفكار السابقة على كل الحركات النسوية العربية ومؤسساتها وجمعياتها المختلفة؛ فإن ما يجدر الإشارة إليه هو استناد هذه الحركة في الكثير من روافدها وفروعها على قرارات المؤتمرات الدولية حول المرأة، وخاصة مؤتمر بكين وأوراق باندونغ، والتي تم صياغة الاستراتيجية الوطنية الأردنية للمرأة عام 1999 بناء عليها، دون النظر الموضوعي لاحتياجات المرأة الأردنية الواقعية ومشكلاتها الحقيقية، والعمل على معالجة هذه المشكلات والقضايا، ونحن لا نقف في هذا المجال ضد كل مخرجات تلك المؤتمرات الدولية، وإنما نقول إن الأولى هو الانطلاق من القراءة العملية الواقعية لمشكلات وظروف المرأة العربية، وجعل المرجعية الأساسية في هذا الأمر لمنظومتنا الثقافية والمعرفية المنبثقة عن الوحي بشقيه الكتاب والسنة، وبالتالي تصبح القضية الأساسية إزالة الفجوة ومكافحة الآفات والمشكلات الثقافية والاجتماعية والسياسية والتشريعية التي تحول بين المرأة وبين تنمية وتحسين أوضاعها بما يحقق مقاصد الشريعة وغاياتها بخصوص قيام المرأة بدورها، وحصولها على حقوقها الشرعية الناصعة.
من هنا وفي سياق موضوعنا بالالتفات إلى اختلاف المفاهيم والقيم بين أجندات المؤسسات الغربية وبين مفهوم الدور السياسي للمرأة المسلمة في المنظور الحضاري الإسلامي؛ نجد أن تركيز تلك المؤسسات على دور معين للمرأة في المجتمعات المسلمة هو جزء من الدور السياسي الأشمل المطلوب، وأن تركيز تلك المنظمات يخضع غالباً لغايات إعلامية وغير عملية؛ فهناك دور كبير للمرأة يمكن أن تقوم به في مجال التنشئة السياسية من خلال عملها الأسري والتربوي، ودورها في الشورى السياسية في قضايا المرأة و شؤونها، والأصل الانظلاق من تعريف هذا الدور من المنظومة الشرعية الإسلامية، ومن رصيد الخبرة السياسية الإسلامية، كما حاولت في ذلك د. هبة رؤوف عزت في دراستها الجادة الصادرة عن المعهد العالمي للفكر الإسلامي حول "الدور السياسي للمرأة في المنظور الحضاري الإسلامي".
8- تحديات أمام المرأة الغربية
لكن بعيداً عن الخلاف الشرعي للعمل السياسي للمرأة في بلادنا العربية والإسلامية؛ هل العمل السياسي للمرأة الغربية وردي ومذلل، أم أن العقبات والمشكلات تحوطها من كل جانب؟ وما هي العقبات؟ وما هو السلوك النوعي الذي يعرقل دخول المرأة الغربية في السياسة؟
يرد على ذلك الكاتب البريطاني (نويل ديوافرين) بقوله:
هناك ضغوط الحياة العائلية: من الصعوبة بمكان أن تناضل النساء في حزب سياسي عندما يكون لديهن أطفال، ومن الصعوبة أيضاً أن يشاركن في الاجتماعات التي تنعقد حوالي الساعة الثامنة أو التاسعة أو العاشرة مساء عندما يحين موعد تحميم الأطفال وإطعامهم ونومهم، ولهذا السبب فإن عدداً كبيراً من النساء يمارسن السياسة في سن متأخر نسبياً، أي بعد عمر الأربعين وبعد إنجاز تربية الأطفال.
وتكمن العقبة الثانية في المشاغل المنزلية:إن النساء اللواتي يمارسن مهنة يمضين وقتاً يفوق ثلاثة أضعاف وقت الرجال في القيام بالواجبات المنزلية، لنأخذ شاهداً على ذلك؛ رجل وامرأة يمارسان مهنة في الخارج، المرأة تعمل كل أسبوع مدة خمس وعشرين ساعة أكثر من الرجل: إن الوقت الذي تربحه المرأة بفضل وجود الآلات المنزلية الحديثة تكرسه لتربية أطفالها.
والعقبة الثالثة تتعلق بموقف الزوج: فهناك أزواج لا يقبلون بسهولة تعاطي المرأة في السياسة، ولا يسمحون لها بالمشاركة في الاجتماعات التي تعقد في المساء، أو قد تمتد طيلة نهاية الأسبوع، ولا سيما حين تمارس المرأة عملاً يستغرق وقتها كلياً.
أما العقبة الرابعة فتتعلق بطريقة الاقتراع: طريقة التصويت بالأغلبية التي لا تناسب النساء، ولا سيما عندما يترافق هذا الاقتراع بإعطاء الأولوية للخاسرين. يصعب الأمر على المرأة في هذه الظروف أن تجد نفسها مرشحة في الدائرة الانتخابية. إن النساء يفضلن طريقة التمثيل النسبي، فتجربة الانتخابات الأوروبية التي حصلت في البرلمان الأوروبي على أساس التمثيل النسبي كانت مثالاً واضحاً؛ لأنها أعطت نسبة 23,4% من النساء.
وتكمن العقبة الخامسة في وجود المنافسة مع الرجال: إن الترشيح للانتخابات وإن كانت تشريعية أو في المقاطعات أو إقليمية أو أوروبية؛ كان دائماً أمراً فائق الصعوبة بالنسبة للنساء. يكفي أن نتصور مركزاً واحداً، فإنه يوجد العشرات من المرشحين الذين يتمتعون بالمواصفات الكاملة، وبالتالي فإن النساء اللواتي يستوفين الشروط يجدن أنفسهن في وضع التنافس مع عدد من الرجال، وعندما نخصص موقعاً ما لأية امرأة يعني ذلك بأننا نأخذه منهم.
العقبة السادسة فإنها تتمثل بالوسط السياسي:ذلك الوسط الذي يظهر قساوته ويقلل من حماسة النساء، مما يجبرهن على الانسحاب بسبب إساءة البعض لهن. وهذا ما تصرح به أعداد كبيرة منهن "لا يجب فعل ذلك الأمر، بل المطلوب هو الصمود". "يتحتم علينا أن نسير إلى الأمام وأن نقتحم وأن نفرض أنفسنا، وألا نخشى الضربات التي قد توجه إلينا". وإذا شاءت الصدفة وإن كانت المرأة في حزب سياسي يتوجب عليها البقاء فيه؛ فالرجال صامدون مهما تعرضوا للضغوطات، فإنهم لا يأبهون لذلك ويستمرون. إن النساء يقلن غالباً بأنهن لا يستطعن تحمل تلك المهمة؛ لأنهن لم يتعودن على القيام بهذا العمل من قبل. بيد أن الرجال لا يطرحون الأسئلة حول مقدرتهم، فهم يقبلون مباشرة بتولي الوظائف التي تعطى لهم.
ـــــــــــــــــــ(100/134)
أبناء الشهداء .. من يربيهم؟
إبراهيم الزعيم 2/7/1424
30/08/2003
أين أبي؟ لو كان أبي موجوداً لم يفعل هذا؟..لأني يتيم ...
كلمات مؤلمة يعتصر القلب لها ألماً وحزناً، تتكرر يومياً وباستمرار مع كل مناسبة، وفي كل حدث مهما صغر في البيوت التي فقدت الركن الأساس لها " الأب " سواء بالاعتقال، أو الاستشهاد، أو الوفاة، وربما يقولها الطفل دون أن يلقي لها بالاً؛ فتقع على قلب الأم أشد من طعنة الحسام المهند لتفتح جراحاً لا تندمل، وتضيف أعباءً إلى مسؤولياتها الجسام في التربية.
فهل ستنجح الأم التي فقدت زوجها في القيام بدور الأب؟ وهل من معين لها في تربية أطفالها؟ وما الدور الذي تقوم به مؤسسات المجتمع لمساعدتها غير توفير الخبز؟.
للإجابة على هذه الأسئلة وغيرها طرق موقع (الإسلام اليوم) أبواب هذه الأسر، والتقط صوراً لمعاناتهم اليومية.
الطفل الرجل
تقول زوجة الشهيد (عبد الله القواسمي): إن الأب أساس البيت، ومهما بذلت الأم من تضحية وحنان لا تستطيع أن تشغل مكان الأب، لأن الله خلق الأم وخلق الأب، ولكل منهما دور في العملية التربوية والتوجيه، فالابن بحاجة لاكتساب الكثير من الصفات من خلال شخصية الأب، وكذلك فإن الأب أقدر من الأم على إقناع الابن، وبالنسبة لزوجي فرغم أنه لم يمكث مع أبنائه إلا فترة قليلة نتيجة الاعتقال والإبعاد والمطاردة من قبل جيش الاحتلال الصهيوني؛ إلا أنه أثّر فيهم كثيراً حتى تحول إلى رمز لهم.
وأضافت القواسمي، وقد شقت ابتسامة حزينة طريقاً إلى شفتيها "لقد من الله علي بابني أيمن (11 عاما) الذي أوشك أن يصبح رجلاً، وهو يحاول أن يتحمل المسؤولية معي رغم أنه صغير، وإن كان في بعض الأحيان يحاول أن يفرض سلطته.
وتضيف أم أيمن "أني أحمد الله أن ابتلاني بهذا الابتلاء، وألقى علي هذه المسؤولية، وأشعر بالفخر والاعتزاز وأنا أربي أبناء رجل مجاهد، وأطلب العون من الله أن يعينني على تربية أبنائي التربية الصالحة، وحتى الآن لا أعاني من أية مشكلة ولله الحمد، ولعله ببركة الدعاء.
وحثت الشباب إلى حسن اختار الزوجة المسلمة ذات الخلق والثقافة الإسلامية لكي تستطيع تربية أبنائها وحل مشاكلهم، والله سيعينها على ذلك ولن يخذلها إذا قدم زوجها حياته في سبيل الله ومن أجل حياة كريمة للمجتمع.
وأتحفتنا في النهاية القواسمي بخبرتها في تربية أطفالها؛ فقالت: "إنني أعتمد مبدأ الحوار مع أبنائي وسرد القصص وأفتح قلبي لهم، حيث يحدثوني عن كل ما يحدث معهم داخل البيت أو خارجه، كما أني أوجههم للمداومة على حفظ القران الكريم ومرافقة الأصدقاء الصالحين، ومتابعة البرامج الدينية والثقافية التي توسع آفاقهم، بالإضافة إلى المشاركة في المخيمات الصيفية، كما أني أدفعهم للتفاعل مع الأقارب والمجتمع، وأزرع فيهم العزة والكرامة.
أرملة الشهيدين
أما (وفاء إبراهيم أبو عبيد) أرملة الشهيدين: (خضر، وعبد الرءوف أبو عبيد)، والتي لم يمض على زواجها من زوجها الأول معه سوى عامين حتى ودعها مفارقاً الحياة، لتتزوج من أخيه وهي لم تتجاوز 18 عاماً وذلك عام 1989.
وهي مسؤولة الآن عن تربية ستة أولاد وبنتين؛ أكبرهم: أمينة التي أنهت دراستها الثانوية العامة هذا العام، ولكن لم تحقق أحلامها بعد بأن تصبح ممرضة تنفع بمهنتها الشريفة المجتمع، وأصغرهم: أنس الذي لم يتجاوز 6 سنوات بعد.
وعن الدور الذي كان يقوم به زوجها الثاني في تربية أطفاله وأطفال شقيقه الشهيد خضر؛ قالت وفاء: "كان يشرف على تربيتهم وتوجيههم، ويقوم بدور الأب والمربي معاً، وباستشهاده ترك لنا عبئاً كبيراً في تربيتهم، والمحافظة على دروسهم وتنظيم حياتهم. أما عن تحصيلهم العلمي بعد غياب الوالد؛ قالت (وفاء): "مستواهم الدراسي بفضل الله لم يتأثر كثيراً لأني كنت انتبه لهم، ولا يوجد أحد يتحمل مسؤوليتهم غيري، لكن الولد الكبير (حسن) شق علي ّ أمره؛ لأنه كان في كنف أعمامه، وأعمامه لم يستطيعوا أن يقوموا بدور أبيه، لذلك بدأ يبدي تمرده وعناده لي ولإخوانه الصغار"
واستطردت مبتسمة رغم الحال الذي هي فيه "لقد فقدت ركناً كبيراً في حياتي بغياب زوجي، لكن هذا نصيبي وقدري، و مهما تكن الصعوبات التي أواجهها يجب أن أتحملها وابتغي الأجر من الله"
وصية أبي
أما (أمينة) البنت الكبرى لوفاء، والتي كان مظهرها يدل على حسن تربيتها، وقد تزينت بزيها الشرعي؛ فلم تتوان عن حضور جلسات تحفيظ القران الكريم، وتعلم أحكامه استجابة لوصية والدها؛ فقالت: " كان أبي دائماً يحثنا ويشجعنا على أعمال الخير وما فيه رضا الله ومرضاته، وينهانا عن العمل السيئ أو ما يغضب الله" .
وقالت كان استشهاد الوالد حافزاً ومشجعاً لتحقيق طموحاتي وزادني إصراراً على أن أكون ممرضة في المستقبل، خاصة وأنني أود أن أشاطر أمي المسؤولية في تربية إخواني".
بينما قال محمد الزمري -شقيق الشهيد (إبراهيم الزمري) الذي استشهد بتاريخ 24 / 3 / 93-: إن الأم والأعمام يتحملوا عبء التربية بعد استشهاد الأب، وعليهم أن يعتمدوا طريقة الحوار والكلمة الطيبة، وحثهم على الصلاة والالتزام في المساجد وقراءة القرآن.
وأوضح أن علاقة الأبناء بالمجتمع علاقة طيبة، حيث إن المجتمع ينظر لأبناء الشهداء باحترام وتقدير، لذلك لم يعانوا من الآثار النفسية؛ لأنهم لا يفتقدون شيئاً، فكل ما يحتاجونه موفر لهم، وليسوا متأثرين نفسياً من استشهاد والدهم؛ بل إنهم يفتخرون باستشهاده.
لا نريد خبزاً فقط!
وحول كيفية تعوض غياب الأب في التربية؛ أكد الأستاذ (عليان الحولي) -أستاذ التربية بالجامعة الإسلامية- أن الأسرة هي الخلية الأولى في المجتمع، والأب يلعب دوراً كبيراً في الأسرة من حيث حنانه واعتنائه بالأبناء ورعايتهم والتخفيف من مشاكلهم ، كما يقوم بدور أساس في عملية التنشئة، وغرس القيم.
وقال: "وفي ظل غياب الأب يصبح أمام الطفل الأم فقط، ومع التقدير لدورها؛ إلا أن العطف الزائد عند الأم ينعكس على شخصية الطفل، وبالتالي قد يصبح الطفل اتكالي، والمفروض أن يتم تعويده على المسؤولية.
وأكد (الحولي) أنه في ظل هذا الوضع قد يضطر الكثير من الأطفال للعمل في سن مبكر، كما أن جانب الرعاية والتربية يصبح ضعيف، خاصة وأن الأم تخوف الأبناء بالأب، أما في ظل غيابه؛ فيعتبر الابن نفسه كبيراً، ويبدأ في فرض سيطرته، وقد لا ترغب الأم في منعه من ممارسة سلوك ما، ولذلك فقد يبدأ في الانحراف شيئاً فشيئاً. وحول دور المجتمع بيّن (الحولي) أن المجتمع الفلسطيني يتميز باحترام وتقدير أبناء الشهداء، ويقدم لهم المساعدات المادية، لكن بالخبز وحده لا يعيش الإنسان، وإغداق الأموال على هذه العائلات دون وجود رعاية اجتماعية ونفسية يؤدي إلى الانزلاق في أمور غير شرعية، وقد حدث هذا في بعض الأسر، ولذلك على الأعمام أن يتابعوا الأبناء في سلوكهم وتصرفاتهم، وأن يعلموا مع من يسير الأبناء، ومَن أصدقاؤهم؟، ويتابعوهم في المدرسة، وقد انتبهت بعض الجمعيات والمؤسسات الاجتماعية إلى أهمية أن يجتمع أبناء الشهداء ويشاركوا في النشاطات التي تمنعهم من الانحراف. مشيراً إلى أهمية زيارة هذه الأسر من قبل المؤسسات والأصدقاء في المواسم والأعياد وإن كانت غير كافية. وقال: "إن الطريقة المثلى للتربية هي أن تصبر الأم وتحتسب في تربيتها لأبنائها، وأن تؤخذ حاجات الأطفال ورغباتهم بالحسبان، ولكن دون المبالغة في ذلك، وأن تستخدم أسلوب الحوار مع أبنائها، وأن تتيح الفرصة للأبناء ليعبروا عن أنفسهم. مشيراً إلى أن حسن العلاقة بين الأم وأبنائها يدفع الأبناء للحديث عن مشاكلهم معها، أما إذا ساد العلاقة التوترُ؛ فإن الابن سيخرج بمشاكله لصديقه.
ـــــــــــــــــــ(100/135)
من يبايعني.... ؟
عز الدين فرحات 25/6/1424
23/08/2003
الجهاد ذروة سنام الإسلام، وليس هنا مجال الحديث عن فضل الجهاد وجزاء المجاهدين، فتلك أمور يعلمها كل مسلم، ولكن الحديث الآن عن الخطوات العملية التي يجب اتخاذها في سبيل تحقيق النصر والتمكين بإذن الله تعالى.
أخي الحبيب : جدد نيتك وأعد عدتك للجهاد في سبيل الله من خلال كتيبة خاصة من المجاهدين ستقوم بمهام عظيمة -إن شاء الله تعالى-، وهلم هلم مُد يدك ولتبايعني على الجهاد من خلال هذه الكتيبة.
ولكن مهلاً -أخي الكريم- لاتتعجل في تقديم البيعة حتى تعرف المهام التي ستحملها، فالأمر ليس نزهة نقوم بها على شاطئ البحر أو رحلة إلى البر، بل هي مهام عظيمة لا بد أن يعرفها كل من يريد الانضمام إلى هذه الكتيبة.
أخي الحبيب ، كن كالبراء بن معرور في بيعة العقبة الثانية حين نادى في قومه الأنصار قبل أن يبايعوا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يتعرفوا أولاً : على أي شيء يبايعون؟ لذا أدعوك أخي الحبيب إلى التعرف على مهام هذه الكتيبة المجاهدة قبل أن تمد يدك بالبيعة ،وإليك بعضا من هذه المهام.
أخي الحبيب:
1- إن كتيبتنا هذه تحتاج إلى فريق من الإعلاميين من كتّاب وصحفيين لعرض أهداف هذه الكتيبة وتوضيح مهامها للناس من الداخل والخارج، حتى لا يقف أحد منها موقف العداء بسبب الجهل بها وبمهامها، وحتى لا نتهم بالإرهاب والتخريب كما حدث ويحدث الآن مع كثير من المدافعين عن حقوقهم في دول العالم وخاصة الإسلاميين منهم، فالحرب الإعلامية الآن صارت حرباً شعواء على كل ما هو إسلامي ، لذا وجب تكوين فريق من الإعلاميين للقيام بواجب الجهاد في هذا المجال، وهو مجال خطير يستطيع توجيه وتغيير الرأي العام في المجتمعات ويستطيع أن يقلب الحق إلى باطل والباطل حقاً ولا يخفى ذلك على فطنتك، فهل أنت من هذا الفريق الإعلامي المؤهل تأهيلاً علمياً وفنياً للقيام بهذه المهمة الجهادية؟.
إن لم تكن من هذا الفريق فإليك مجال آخر....
2- تحتاج كتيبتنا إلى فريق من الفنيين المتخصصين في مجال الكمبيوتر والإنترنت حيث هذا المجال الخصب للاتصال والتفاعل مع الجمهور والقراء وتبليغ الدعوة، ولمعاونة الإعلاميين في نشر أفكارهم وأخبارهم.
إن أعداءنا يحاربوننا عن طريق الإنترنت بوسائل متعددة؛ منها نشر الأفكار والمعتقدات الضالة المضلة، ونشر صور الفساد الأخلاقي والاجتماعي، نشر الشبهات حول ديننا ورسولنا وعقيدتنا، ونحن لا نستطيع الوصول إلى أشخاصهم فلا أقل من استخدام نفس السلاح إن لم يكن للهجوم عليهم؛ فليكن للدفاع عن أنفسنا وديننا وقيمنا وأخلاقنا، والدفاع عن أجيالنا القادمة.
فهل أنت أخي الحبيب من هذا الفريق المجاهد ...؟
إن لم تكن منهم فإليك مجال آخر ...
3- إن كتيبتنا تعاني من قلة بل ندرة في التخصصات الطبية المتقدمة، بحيث لا تكاد نجد طبيباً متخصصاً نثق به إلا في القليل النادر؛ ولذا نضطر آسفين إلى الاستعانة بغير المسلمين لعلاج أمراضنا والأمراض التي تصيب أبناءنا وبناتنا ونساءنا، هل ترضى أخي الحبيب بكشف عورات نساء المسلمين على غير المسلمين؟ كيف نجاهد الكفار ونحن في حاجة لأطبائهم نلجأ إليهم عند الحاجة؟ وهل تضمن أن يكون ذلك الطبيب غير المسلم أميناً على علاج المسلمين وقد قال تعالى: )لا يَرْقُبُونَ فِي مُؤْمِنٍ إِلّاً وَلا ذِمَّةً وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُعْتَدُونَ) [التوبة:10]
نحن نريد في كتيبتنا فريقاً من الأطباء المتخصصين على أعلى مستوى من التخصص؛ فهل أنت من هذا الفريق؟
إن لم تكن منهم فإليك مجال آخر نحتاجه..
4- إن معظم ما نحتاجه من أدوات ووسائل بداية من الأقلام إلى الأسلحة مروراً بالسيارات والعربات؛ بل بالأطعمة والأشربة و .....، كلها من صنع أعدائنا؛ فكيف بالله عليك نقاتلهم ونحن نستورد القماش الذي نصنع منه الراية التي نرفعها في الجهاد؟ فهل نجاهد في مجال الصناعات الثقيلة والخفيفة و...؟ من يصنع سيارة تكون بأيدٍ إسلامية نعرف أسرارها وإمكاناتها؟
فهل أنت من هذا الفريق الهندسي الصناعي المجاهد؟
إن لم تكن منهم فإليك مجال آخر من مجالات الجهاد ضمن هذه الكتيبة:
5- نحن في حاجة ماسة لفريق من المترجمين الذين يعرفون لغات الأعداء وأسرارها ومدلولاتها؛ ليعرفونا بأفكارهم ومخططاتهم لنا وصدق الرسول الكريم "من تعلم لغة قومٍ أمن مكرهم".
إن كنت من هذا الفريق فهلم إلينا وأسرع بترجمة ما تلفظه المطابع ودور النشر المعادية؛ لتعرفنا به وبما يمكرون لنا فذلك من الجهاد.
وإن لم تكن من هذا الفريق ... فإليك مجال آخر ...
6- تحتاج كتيبتنا لفريق من المعلمين المتميزين في جميع التخصصات للقيام بمهمة تعليم أبنائنا وتربية أجيالنا القادمة على الرجولة و مكارم الأخلاق وتحمل المشاق، إنها مهمة وأية مهمة لا يقوم بها إلا ورثة الأنبياء.
فهل أنت منهم ؟ إن كنت منهم فحيهلا ..؛ وإن لم تكن منهم فإليك مجال آخر للجهاد.
7- هل أنت مازلت طالباً في مقاعد الدراسة؟ إذاً فجهادك باجتهادك وتفوقك في دراستك حتى يشار إليك بالبنان، ويقال هذا طالب مسلم مجاهد في طلب العلم، واختر لك مجالاً من المجالات التي تحتاجها الأمة في مسيرتها الجهادية الحضارية، ولا تحقرن عملاً أو جهداً تبذله في سبيل تقدم ورقي أمتك، فذلك من الجهاد في سبيل الله.
إن مجالات الجهاد متنوعة ومتعددة..
يقول ابن القيم رحمه الله:" الجهاد أربع مراتب:
جهاد النفس - وجهاد الشيطان - وجهاد الكفار - وجهاد المنافقين·
فجهاد النفس أربع مراتب أيضاً:
إحداها: أن يجاهدها على تعلُّم الهُدى، ودين الحق الذي لا فلاح لها ولا سعادة في معاشها ومعادها إلا به، ومتى فاتها عِلمُه، شقيت في الدَّارين·
الثانية: أن يُجاهدها على العمل به بعد علمه، وإلا فمجرَّدُ العلم بلا عمل إن لم يَضُرَّها لن ينفعْها·
الثالثة: أن يُجاهدها على الدعوة إليه وتعليمه من لا يعلمه، وإلا كان من الذين يكتمون ما أنزل الله من الهُدى والبينات، ولا ينفعه علمُهُ، ولا يُنجِيه من عذاب الله·
الرابعة: أن يُجاهدها على الصبر على مشاقِّ الدعوة إلى الله، وأذى الخلق، ويتحمَّل ذلك كله لله.
فإذا استكمل هذه المراتب الأربع، صار من الرَّبَّانِيينَ؛ فإن السلف مجمِعُونَ على أن العَالِمَ لا يستحقُّ أن يُسمى ربانيًا حتى يعرف الحقَّ، ويعمل به، ويُعَلِّمَه، فمن علم وعَمِلَ وعلَّمَ فذاك يُدعى عظيماً في ملكوت السماوات·
وأما جهاد الشيطان، فمرتبتان:
إحداهما: جهادُه على دفع ما يُلقي إلى العبد من الشبهات والشكوكِ القادحة في الإيمان·
الثانية: جِهادهُ على دفع ما يُلقي إليه من الإرادات الفاسدة والشهوات· فالجهادُ الأول يكون بعُدة اليقين، والثاني يكون بُعدة الصبر؛ قال تعالى: (وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآياتِنَا يُوقِنُونَ) (السجدة:24).
فأخبر-سبحانه- أن إمامة الدين إنما تُنال بالصبر واليقين؛ فالصبر يدفع الشهوات والإرادات الفاسدة، واليقين يدفع الشكوك والشبهات·
وأما جهاد الكفار والمنافقين ، فأربع مراتب:
بالقلب، واللِّسان، والمال، والنفس، وجهادُ الكفار أخصُّ باليد، وجهادُ المنافقين أخصُّ باللسان
وأما جهاد أرباب الظلم، والبدع، والمنكرات، فثلاث مراتب:
الأولى: باليد - إذا قَدَرَ - فإن عَجَزَ انتقل إلى اللسان، فإن عَجَزَ جاهد بقلبه، فهذه ثلاث عشرة مرتبة من الجهاد" انتهى كلامه رحمه الله.
مما سبق يتبين أن الجهاد بحمل السلاح في وجه الأعداء ليس هو الأسلوب الوحيد للجهاد وإن كان أخطرها وأشدها، ولكن للجهاد مجالات كثيرة ومتعددة، ويكفيك أن تصحب نية الجهاد في كل عمل تؤديه فتثاب عليه وتأخذ الأجر.
ثلاث عشرة وسيلة للجهاد، وحمل السلاح واحدة منها .. أي واحدة من ثلاث عشرة وسيلة, فلماذا اختزل المفهوم العام والشامل للجهاد في أقل من 8% من الجهاد وترك الباقي. أنا لا أدعو إلى ترك الجهاد بالسلاح، ولكن له شروط وظروف وأحكام لا بد أن تتوفر قبل إعلانه.
قال تعالى: ( فَلا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَجَاهِدْهُمْ بِهِ جِهَاداً كَبِيراً) (الفرقان:52) أي بالقرآن.
روى النسائي عَنْ طَارِقِ بْنِ شِهَابٍ أَنَّ رَجُلاً سَأَلَ النَّبِىَّ -صلى الله عليه وسلم- وَقَدْ وَضَعَ رِجْلَهُ في الْغَرْزِ أي الْجِهَادِ أَفْضَلُ قَالَ " كَلِمَةُ حَقٍّ عِنْدَ سُلْطَانٍ جَائِرٍ"
روى البخاري عن عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَمْرٍو - رضى الله عنهما - يَقُولُ جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِىِّ -صلى الله عليه وسلم- فَاسْتَأْذَنَهُ في الْجِهَادِ فَقَالَ: " أَحَيٌّ وَالِدَاكَ"، قَالَ نَعَمْ.قَال:َ "َفِيهِمَا فَجَاهِدْ".
أليست هذه من صور الجهاد التي أمر بها الله تعالى ورسوله -صلى الله عليه وسلم- فلم نضيق واسعاً ونحصر الجهاد في أقل من 8%من وسائل الجهاد والمتمثلة في حمل السلاح لمواجهة الأعداء، ونترك أكثر من 90% من الوسائل؟.
فهلم إلى الجهاد بمجالاته الأوسع وأفقه الأرحب.
وأخيراً:
هل تبايعني على الجهاد؟.
ـــــــــــــــــــ(100/136)
واقع الشباب اليوم
سلمان العودة 18/6/1424
16/08/2003
إن الواقع الذي نعاني منه اليوم أيها الإخوة واقع مرير من عدة نواحٍ فمن جهة فإن الأعداء يخططون ليس للإجازات فقط؛ بل يخططون لإتلاف شبابنا وتدميرهم في كل وقت، ومن ضمن تخطيطهم استغلال الإجازات في مزيد من التدمير للعنصر الشبابي في هذه الأمة، فمثلا نجدهم يخططون للحفلات التي يستقبلون فيها الشباب لتدمير أخلاقهم ودينهم ونشر المخدرات والفساد فيما بينهم، وقد تجد من صحفنا و مجلاتنا ونشراتنا من يساعدهم على ذلك.
وقد اطلعت على إحدى صحفنا المحلية وقد نشرت إعلانا بالخط العريض عن حفلة سوف تقام في إحدى الدول المجاورة لفنانين معروفين، وهذه الحفلة حفلة مختلطة بين قوسين (للعائلات) يعنى يدخلها الشباب والفتيات، الرجال والنساء على حد سواء تعرفون طبعا كلكم لا يوجد هناك هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في تلك البلاد لتنظم الأمر أو تمنع أو تأذن فالقضية مفتوحة على مصراعيها، فإذا كان حفلاً للعائلات لكل واحد منا أن يتصور ماذا سيجري؟ هم يخططون ويسهلون، ما عليك إلا أن تتصل بالهاتف لتحجز وتسافر مع تخفيض التذاكر ومع الخدمات المتوفرة بأشكال مختلفة. يخططون بإقامة المخيمات التي تستقبل شبابنا بحجة أنها تدرب الشباب على الأعمال، على المهارات، على اللغة الإنجليزية مثلاً، على دروس التقوية، تستقبل الطلاب الراسبين بصور شتى وحقيقتها أنها تريد أن تستغل هذا الشاب لتوفر له جوّاً من الفساد والانحلال بعيداً عن رقابة الأبوين والمجتمع، بعيداً عن المؤثرات الطيبة الموجودة في مجتمعه.
الأعداء يخططون، حتى إن أجهزة التنصير التي تدعو إلى الديانة النصرانية ويقوم عليها الفاتيكان تبذل أموالاً طائلة لتنصير أبناء المسلمين، يستغلون المباريات الرياضية لنشر الدعايات ونشر الوسائل المختلفة التي تدعو إلى النصرانية، أو على الأقل تربط الشباب بمؤسسات تنصيرية؛ فيستغلون هذا الجمع الغفير فيها للدعوة إلى الديانة النصرانية، ونشر بعض الأوراق والكتب والنشرات والبرامج التي تدعو إلى دينهم، بل الأدهى من ذلك وأمر أنهم يستغلون صناديق البريد لمراسلة الشباب، وقد رأيت صوراً يبعثون بها إلى بعض الشباب حيث يدعونهم إلى ممارسة الحرية والاشتراك في أندية ومؤسسات وأجهزة موجودة في بلادهم تمنح الشاب حق الفساد والانحلال، وترسل إليه الصور الخليعة والأفلام المنحلة والأشرطة السيئة، وتمكنهم من ممارسة الرذيلة بكل وسيلة.
فضلا عن تلك المجلات التي تخصص زوايا وصفحات خاصة لما يسمونه بـ"التعارف"، وضمن التعارف ترسم أو تنشر صور فتيات وأسماء فتيات في أنحاء بلاد العالم وخاصة العالم الإ سلامي، وتجد كثيراً من الشباب مع الأسف بسذاجة وبلاهة يراسلون ويكتبون ويقيمون علاقات، وقد يكون كثير من هذه البؤر وهذه الفتيات وهذه المؤسسات؛ هي مصايد لاصطياد الشباب وتجنيدهم ليكونوا جواسيس، أو إيقاعهم في شباك المخدرات أو استغلالهم ليسيئوا إلى بلادهم وأوطانهم قبل أن يسيئوا إلى دينهم وإلى أنفسهم، لكنّ كثيراً من شبابنا فيهم بلاهة وسذاجة وغفلة، ويظنون أن ذلك مجرد ترفيه، كأس خمر وامرأة وأغنية وسيجارة، يظنون الأمر يتوقف عند هذا الحد ولا يدركون ما وراء الأكمة.
أما أجهزتنا التي يفترض فيها أن تقوم بدور مضاد؛ فإن الواقع أنها أحسن ما يقال فيها أنها تتناقض، ففي الوقت الذي تجد أن المسجد فيه يبني، ورواد المساجد هم من خيار الناس -بحمد الله- يصلون الجمعة والجماعة ويحضرون الدروس والمحاضرات؛ ويشاركون في حلقات العلم ودروس القرآن الكريم والمكتبات الخيرية هم بلا شك على خير إجمالا؛ لكن هذا الجهد الذي يُبذل في المساجد توجد أجهزة أخرى تعمل على هدمه.
فإن الشاب إذا بنى حلقة من إيمانه أوسلسلة من يقينه في المسجد؛ فإن ذلك تهدمه الأغنية الخليعة والمشهد الفاجر والصورة العارية وتهدمه أجهزة الرياضة، وقد تهدمه المدرسة أحيانا إذا وجد في المدرسة من لا يحسن تربية الشباب؛ بل مع الأسف قد يهدمه البيت، فكم من شاب يشتكي من بيته وأبويه.
إذاً هناك وسائل كثيرة تهدم ما يبنيه المسجد أو ما تبنيه وسائل التربية الأخرى، ولذلك كانت المحصلة النهائية هي أننا وجدنا كثيراً من شباب الأمة يعيشون حالة من التناقض والتذبذب، تجد له وجهين: فيه خير وفيه شر، فيه إيمان وفيه نفاق، فيه تقوى وفيه فجور، فيه حب للخير ولكن فيه ميل للهوى والشر؛ ولذلك أذكر لكم نموذجاً أو مشهداً يعدّ نتيجة لمثل هذا، ولا أقول إن هذا نموذج غالب أو أعممه؛ لكنني أقول إنه نموذج لشباب لم يتربوا التربية الصحيحة فصاروا ضحية هذا التناقض.
خلال فترة الامتحان السابقة كنت أتجول بين الطلبة فلفت نظري ماصة من ماصات الطلاب ، وكالعادة الطلاب يملؤون ماصاتهم بالكتابات، كتابات غير هادفة؛ بل ساذجة ليس فيها شيء، وبعضها أصبحت مثل السبورة، فيها ألوان وأشكال وصور ورسوم فلفتت نظري وأحببت أن أتعرف على عقلية هذا الشاب الذي يدرس على هذه الماصة من خلال ما يكتب، فإن هذه الكتابات التي أمامي في اعتقادي أنها تمثل عقله وتربيته ومستواه الخلقي والفكري والتربوي، فماذا وجدت في طاولة هذا الذي يدرس في كلية شرعية؟ في أعلى الماصة رسم هذا الشاب قلبا قد طعنه بسهم، وهذا تعبير عن الحب والغرام والغزل الذي يتحدث عنه السفهاء من شباب الشوارع، وتحت هذا القلب كلمة الحب عذاب، وهذه أيضاً من كلمات الشوارع التي لا يستغرب أن تجدها مثلاً في شارع مكتوبة أو في مكان سيئ، لكن أن توجد في مكان كهذا فهذا مؤشر خطير وتحت هذه الكلمة تجد شعارات رياضية يعيش فريق كذا ويسقط فريق كذا وفريق كذا بطل العالم، وفريق كذا بطل الشرق الأوسط وفريق كذا وهلم جرا ، وفي زاوية أخرى تجد مقطعا من أغنية .
فإذا كان هذا الطالب في مستوى كلية شرعية، إذاً ما بالك بطالب الثانوي أو المتوسط؟! هذه عينة من ثمرة الشباب الذين لم يوفقوا بأن يتربوا في مسجد أو في حلقة علم، في درس قرآن أو في مركز صيفي على يد أستاذ أو شيخ أو معلم ناضج، إنما وقعوا ضحية النوادي، الكرة، أجهزة الإعلام، أصدقاء السوء؛ فكانت النهاية هي هذه الاهتمامات المتخلفة والعقليات المنحطة.
ـــــــــــــــــــ(100/137)
الفطرة .. من يشوه جمالها؟
سلمان العودة 11/6/1424
09/08/2003
لقد أخذ الشيطان على نفسه عهدًا بقوله: (لأَتَّخِذَنَّ مِنْ عِبَادِكَ نَصِيبًا مَفْرُوضًا، وَلأُضِلَّنَّهُمْ وَلأُمَنِّيَنَّهُمْ وَلآمُرَنَّهُمْ فَلَيُبَتِّكُنَّ آذَانَ الأَنْعَامِ وَلآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللهِ)[سوره النساء:118،119]
والله تعالى يأمر عباده أن يقيموا وجوههم للدين الحنيف الملائم للفطرة في قوله: (فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَةَ اللهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا)ثم يعقب ذلك بقوله: (لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللهِ) [الروم:30].
فيحاول الشيطان تغيير هذه الفطرة بالمسالك المنحرفة، فيدعو الإنسان إلى ما يخالف فطرته الظاهرة والباطنة التي خُلق عليها، فيدعوه إلى الشرك بالله بجميع صوره وأشكاله، ويدعوه إلى اتباع الأحكام والتشريعات الطاغوتية التي ما أنزل الله بها من سلطان.
ومما يؤكد هذا المعنى قوله - صلى الله عليه وسلم - في حديث الفطرة: "كل مولود يولد على الفطرة، فأبواه يهوِّدانه، أو ينصِّرانه، أو يمجِّسانه، كما تنتج البهيمة بهيمة جمعاء، هل تحسون فيها من جدعاء؟".
وعلى هذا فأمر الشيطان لهم بتغيير خلق الله، هو أمره لهم بمخالفة الفطرة الظاهرة والباطنة التي جاء الدين ملائمًا لها، فيأمرهم بالشرك في عبادة غير الله من الأوثان والطواغيت، سواء كانت من شجر، أو حجر، أو بشر، أو درهم ودينار، أو امرأة، أو رجل.. وهذا تغيير للفطرة الباطنة. ويأمرهم بالتصرف في أنفسهم، أو أهلهم، أو أموالهم بما لم يأذن به الله، كمن يشقون آذان الأنعام لأصنامهم، أو يحلقون شعورهم المحرمة.. وهذا من تغيير الفطرة الظاهرة.
ومحادة الشيطان لله تعالى في هذا -وفي غيره- معروفة مكشوفة، ولكن العجيب أن الناس ينساقون معها بوعي، أو بدون وعي.. وأعجب من ذلك أن ينساق معها المسلمون الذين يؤمنون بأن الشيطان موجود -فعلاً- ومسلَّط على ابن آدم!
تحدٍّ صارخ لشرائع الله: أن المرأة المأمورة شرعًا بالتستر صارت تتبرج يومًا بعد يوم، وتتحايل لإبراز زينتها بكل وسيلة، وتتنازل يومًا بعد آخر عن قدر من الحجاب الشرعي الذي جملها به الخالق العظيم، وعلى النقيض من ذلك الرجل الذي صار يطيل ثيابه، ويسحبها ذراعًا أو شبرًا.
وبالجملة فإن موقف الشيطان وحزبه من هذه الفطرة المركوزة في الإنسان متجدّد في أحد موقفين:
الموقف الأول: مسخ الفطرة:
وذلك بتوجيهها الوجهة المنحرفة، ومناقضة ما أمر الله به ورسله، فيفتحون الباب المحرم للإشباع، ويغلقون الباب المشروع -ما استطاعوا-.
حب تقليد الآباء:
يستغل الشيطان حب الإنسان للتقليد -مثلاً-، أو حبه للوفاء لآبائه وأجداده؛ ليغريه بالتمسك بالتراث الموروث عنهم، والعادات والتقاليد المنحرفة، ورفض الجديد -ولو كان حقًّا-، وكم من إنسان حال بينه وبين الحق أنه لم يعهد عليه مجتمعه، وأباه، وأمه.
وهكذا سائر المشركين، رفضوا الحق الجديد، محتجين بأنهم ألفوا آباءهم على شيء، فهم لا يستطيعون مخالفته، كما قال الله – عز وجل - عنهم: (إِنَّهُمْ أَلْفَوْا آبَاءَهُمْ ضَالِّينَ . فَهُمْ عَلَى آثَارِهِمْ يُهْرَعُونَ) [الصافات:69 ، 70].
إنها الحجة الداحضة، والطاغوت الأكبر الذي يغبر فيه المعاندون في وجه الحق: (أَمْ آتَيْنَاهُمْ كِتَابًا مِنْ قَبْلِهِ فَهُمْ بِهِ مُسْتَمْسِكُونَ . بَلْ قَالُوا إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُهْتَدُونَ . وَكَذَلِكَ مَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَذِيرٍ إِلاَّ قَالَ مُتْرَفُوهَا إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُقْتَدُونَ . قَالَ أَوَلَوْ جِئْتُكُمْ بِأَهْدَى مِمَّا وَجَدْتُمْ عَلَيْهِ آبَاءَكُمْ قَالُوا إِنَّا بِمَا أُرْسِلْتُمْ بِهِ كَافِرُونَ) [الزخرف:21-24]
وكم من الناس اليوم -من المسلمين- إذا دُعي إلى حق لا يعرفه، ولم يجد عليه أباه وأمه، قال: هذا دين جديد! هذا شيء ما عرفناه، أنا عمري تسعون أو ثمانون سنة، ما رأيت هذا ولا سمعت به!
وإذا كنت ما رأيت هذا ولا سمعت به، يكون ماذا؟! إذا كان العالِم يخفى عليه الكثير من العلم، فما بالك بأمثالك من الجهال الذين أضاعوا عمرهم في غير طائل؟!
حب الوطن:
ويستغل الشيطان حب الإنسان للبلد، وإلفه له؛ ليحوِّل هذا الحب إلى تقديس، وعبادة صريحة، حيث نجد اليوم من يقول:
وطني لو صوروه لي وثنًا ... ...
لهممتُ ألثم ذلك الوثنا
أو يقول:
ويا وطني لقيتك بعد يأس ... ...
كأني قد لقيت بك الشبابا
أدير إليك -قبل البيت- وجهي ... ...
إذا فهت الشهادة والمتابا!
يا للعجب: رجل يفوه الشهادتين والمتاب، ويدير وجهه إلى وطنه قبل أن يديره إلى الكعبة!
وحب الوطن أمر جبلي لا يحمد بذاته ولا يذم، وحديث "حب الوطن من الإيمان" حديث موضوع، ولوكره الوطنيون!
فإذا كان الحب للوطن مدعاة للدفاع عنه ضد العدو الظاهر الذي يريد احتلاله بالسلاح، وضد العدو المتستر الذي يريد احتلاله بالفكر والانحلال؛ فنِعِمَّا هو:
بالشام أهلي، وبغداد الهوى، وأنا ... ...
بالرقمتين، وبالفسطاط جيراني
ولست أبغي سوى الإسلام لي وطنًا ... ...
الشام فيه ووادي النيل سيان
وحيثما ذُكر اسم الله في بلدٍ ... ...
عددت أرجاءه من لب أوطاني
أما إن كان حب الوطن مدعاة للعبودية له، والتضحية بالدين في سبيله؛ فهي عندئذ "وثنية" بلا قناع!.
أما الحب الفطري الجبلي فلا يمدح ولا يذم، ولكنه كحب الزوج (فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ) [المعارج:30].
حب الحياة والبقاء:
ويستغل الشيطان حب الإنسان للحياة والبقاء؛ ليثنيه به عن الجهاد في سبيل الله خوفًا من نيل الشهادة!.. وهكذا يجيء للابن من الناحية التي كَادَ فيها للأب: (يَا آدَمُ هَلْ أَدُلُّكَ عَلَى شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَمُلْكٍ لا يَبْلَى) [طه:120].
وهذا يحدث في حبه لماله، وزوجه، وولده، حيث يجعل منها الشيطان وسائل يعرقل بها سير العبد إلى ربه بالدعوة، والجهاد، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، إما خوفًا عليهم، أو خوفًا من فراقهم.
وقد أشار النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى استغلال الشيطان لهذه الغرائز المركوزة في النفس، فقال في حديث سَبَرة بن أبي الفاكه - رضي الله عنه -: "إن الشيطان قعد لابن آدم بأطرقه: فقعد له بطريق الإسلام، فقال: تسلم، وتذر دينك، ودين آبائك، وآباء أبيك؟ قال: فعصاه، فأسلم. ثم قعد له بطريق الهجرة، فقال: تهاجر، وتذر أرضك وسماءك؟ وإنما مثل المهاجر كمثل الفرس في الطول -يعني في الحبل-، قال: فعصاه، فهاجر. ثم قعد له بطريق الجهاد، فقال: هو جهد النفس والمال، فتقاتل، فتُقتل، فتنكح الزوجة، ويقسم المال، قال: فعصاه فجاهد.. الحديث". فهذا تهييج شيطاني لفكرة التقليد للآباء، والوفاء لتراثهم؛ ليمتنع عن الإسلام، ثم تهييج آخر لحب الوطن؛ ليمتنع عن الهجرة، وتهييج ثالث لحب البقاء، وحب الزوجة، وحب المال؛ ليمتنع عن الجهاد، ولكن الإنسان المؤمن يتمرد على وسوسة الشيطان، فيسلم، ويهاجر، ويجاهد، فيكون حقًا على الله أن يرضيه -كما في الحديث نفسه-.
الموقف الثاني: نسخ الفطرة:
وهو محاولة إلغائها بالكلية.
فقد يغري الإنسان بالرهبانية التي تتنكر للفطرة، وتنهكها حتى تقضي عليها أو تكاد، وهذا يحدث لمن هو متطهر غير متقبل للانحراف والفساد.
وقد تسللت هذه الفكرة النصرانية إلى أمة التوحيد عن طريق الدعوات الصوفية المتأثرة بهذا المسلك، والتي تبالغ في تعظيم الجانب الروحي على حساب جوانب الشخصية الأخرى، وخير الهدي هدي الأنبياء، الذين قال الله تعالى فيهم: (وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلاً مِنْ قَبْلِكَ وَجَعَلْنَا لَهُمْ أَزْوَاجًا وَذُرِّيَّةً) [الرعد: 38]، وقال: (وَمَا أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ إِلاَّ إِنَّهُمْ لَيَأْكُلُونَ الطَّعَامَ وَيَمْشُونَ فِي الأَسْوَاقِ) [الفرقان: 20].
- ومن محاولة نسخ الفطرة: القضاء على الغَيْرة التي توجد حتى في الكلاب، وتربية المجتمع على الدياثة، حتى ليفتخر الزوج في المجتمعات الغربية بتعري امرأته أمام الملايين من المشاهدين، وهكذا يعود نظام المجتمع البدائي المتخلف، ولكن باسم "الحضارة"!.
- ومن محاولة نسخ الفطرة: ما تدعو إليه الشيوعية من إلغاء الملكية الفردية، والإباحية الجنسية، وتأميم المواليد بوصفهم أولادًا للدولة يربون في محاضنها؛ ليعملوا في مصانعها.. ولكن الذي يغالب الفطرة ويحاربها، فإنما يحارب أمرًا جبليًّا وضعه الله، وأنزل الدين المناسب له، ومُغالِبُ اللهِ مغلوبٌ:
زعم المسفِّه أن يغالب ربَّهُ ... ...
وليُغلَبنَّ مُغالِبُ الغَلاّبِ
ـــــــــــــــــــ(100/138)
المرأة اليوم وشعارمساواتها بالرجل! *
د. عدنان علي رضا النحوي 4/6/1424
02/08/2003
كَثُر الحديث عن المرأة في المجتمعات الإسلامية خلال القرن الماضي، والقرن الحالي، وطُرحت آراء ومقترحات متناقضة متضاربة.
واقع المرأة في الغرب واضح كلّ الوضوح : أبيح لها الزنا والفجور والتحلل، وأبيح لها العمل في تنظيف الشوارع، في المصانع والوظائف المختلفة. ونادوا بشعار "مساواة المرأة بالرجل"، وانحلال الأسرة كليّة، وقيام القوانين على أساس ذلك.
وتلقّف الكثيرون في المجتمعات الإسلامية هذا الشعار: "مساواة المرأة بالرجل" وأخذوا ينادون به، نادى به أولاً العلمانيون في المجتمعات الإسلامية بمختلف مذاهبهم ، ثمّ أخذ يزحف إلى عقول بعض الدعاة المسلمين وأقلامهم وكتبهم ، حيناً على استحياء، و حيناً آخر على جرأة واندفاع.
ما المقصود بمساواة المرأة بالرجل ؟! وكيف يمكن أن يتساويا؟!
المرأة لها وظائف خاصة بها لا يستطيع الرجل أن يقوم بها، والرجل له وظائف خاصة به لا تستطيع المرأة أن تقوم بها، وهناك أعمال مشتركة بين الرجال والنساء. ولا يمكن للحياة أن تمضي إلا أن تكون المرأة امرأة وأن يكون الرجل رجلاً ، وأن يقوم كلّ منهما بما كلّفه به ربّه ، ليتكامل العمل في الحياة الدنيا حتى يؤدّي كلٌّ دوره الذي خُلقَ له . إن هذا هو معنى حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم : "النساء شقائق الرجال" ، أيّ أنّ كلاً منهما يكمل الآخر، ولو كان المعنى أن المرأة مناظرة للرجل مساوية له؛ لاستغنى كلّ منهما عن الآخر، ولو كان الأمر كذلك؛ لخلق الله الحياة تقوم بها المرأة دون وجود رجال، أو يقوم بها الرجل دون وجود نساء .
الشعار " مساواة المرأة " شعار مضلل خاطئ علميّاً ، لأنهما لا يمكن أن يتساويا، وخاطئ عقلاً لأنه لا مفهوم له، وخاطئ ديناً لأنه مخالف للنصوص الحاسمة في الكتاب والسنة، وللتطبيق الواضح أيام النبوة الخاتمة والخلفاء الراشدين.
جعل الله للمرأة المسلمة مسؤولية ثابتة في رعاية أولادهما ورعاية زوجها، ورعاية بيت زوجها، هي مسؤوليتها الأولى التي ستحاسَب عليها بين يدي الله ، البيت يحتاج إلى رعاية ، فهل يُتْرك أمره إلى الخدم والمربيات ؟! أليست الأم أولى بهذه الرعاية ؟! أليست الزوجة أولى بذلك ؟! هنا المرأة مكلفة شرعاً لأن تكون أمّاً وأن توفي بواجبات الأمومة وفاءً أميناً ، ليس كما هو الحال في الغرب الذي جعل الأمومة شعاراً يتغنّون به في عيد الأم . إنه عيد الأم الذي ابتدعه الغرب بعد أن قتل الأمومة و الأبوة ومزّق الأسرة شرّ ممزّق .
ولقد عبّر القرآن الكريم أجمل تعبير وأكرمه عن تكامل دور المرأة وتكامل دور الرجل في آيات متعددة، وحسبنا هذا التعبير: ( ... . هنّ لباس لكم وأنتم لباس لهنّ ) [ البقرة : 187] . وتعبير آخر: ( ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون) [ الروم : 21]
هكذا جاء التعبير الرباني: ( لتسكنوا إليها ... ... )، ولم يقل: "لتسكنّ إليهم" ثم جاء التعبير عن المشاركة : (وجعل بينكم مودة ورحمة).
وتعبير ثالث: (نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم وقدّموا لأنفسكم واتّقوا الله واعلموا أنكم ملاقوه وبشّر المؤمنين) [ البقرة 223]. ولم يقل: "رجالكنّ حرث لكنّ " ، فللرجل دوره وللمرأة دورها، وكلّ يكمّل الدور الآخر ولا يساويه ، حتى تمضي الحياة على سنن لله ثابتة ، أدوار متكاملة وليست أدواراً متساوية ! إنها قضية نهج متكامل متماسك يرسم العلاقة بين الرجل والمرأة ، ويحدّد دور كلّ منهما ، ويُحدّد التفاعل بين الدورين . إنه النهج المتكامل المترابط الذي يؤخذ كلّه بتكامله ، ولا يؤخذ منه أجزاء وتترك أجزاء . ولا يتبيّن هذا النهج من خلال تأويل آية أو آيتين أو أكثر، ولكنّه نهج ممتدّ في الكتاب والسنّة، ممتدّ في ممارسة إيمانية أيام النبوّة الخاتمة ، وممارسة إيمانية أيام الخلفاء الراشدين ، وفي عصور أخرى يتفاوت شأنها.
إن مسؤولية المرأة المسلمة عن بيت زوجها، لا يعني أنها هي المسؤولة الوحيدة التي عليها الوفاء بها؛ فهي داعية مسلمة لله ولرسوله، وهي ناشطة في ميادين الحياة الاجتماعية التي تكفل لها عفّتها، وهي طبيبة، ومعلمة، وتاجرة وغير ذلك، ولكنّ هذا كلّه ليس على إطلاقه وتفلّته، فله في الإسلام حدود وضوابط.
ولكن محور ما يسعى إليه دعاة المعاصرة هو مشاركة المرأة في الميدان السياسي، ليكون هذا الميدان حقّاً لها مثل حقّ الرجل. فكما يمكن للرجل أن يكون رئيساً للدولة فيمكن للمرأة أن تكون كذلك ! ولو سألنا التاريخ عند غير المسلمين أولاً: كم نسبة النساء اللواتي حكمن وترأسن الدول؟! الجواب: نسبة ضئيلة جدّاً، ولو سألنا كم النسبة في التاريخ الإسلامي؟! النسبة أقل بكثي! فلماذا الحرص على تولّي المرأة رئاسة الدولة؟ لماذا هذا الحرص وما مسوّغاته؟! إذا انعدم في الأمة رجالها، فلا حرج من يحكم بعد ذلك!
أما حديث رسول الله صلى الله عليه وسلّم : "لن يُفلح قوم ولّوا أمرهم امرأة .(1)
؛ فإن مدار الحديث عن ولاية أمر القوم، وليس أمر الأمة المسلمة الواحدة فقط، فالنصّ واضح وهو عام لكلّ " قوم " مهما امتدوا أو صغروا، وحسب المسلم والمسلمة من هذا الحديث الاستجابة لله ولرسوله وعدم تأويله بما يخرجه عن معناه . فالرجل هو القوّام في البيت، وهو المسؤول الأول، وهو الراعي الأول بنصّ الأحاديث الشريفة والآيات الكريمة؛ ولكن بعض المسلمين يريدون أن يلووا الأحاديث والآيات ليسوّغوا مساواة المرأة للرجل في كلّ شيء، وهل هذه هي قضيتنا اليوم، أن تكون المرأة رئيسة الدولة أو لا تكون ؟! وما المصلحة في إثارتها اليوم ؟!
لقد تأثّر كثير من المسلمين، ومن المسلمين الدعاة، بشعارات الغرب العلماني قبل أكثر من قرن، وأخذوا ينقلون هذه الشعارات إلى العالم الإسلامي ظنّاً منهم أنها رمز التقدّم والحضارة، وما دروا أن الغرب العلماني يهلك نفسه بهذه الشعارات ويلقي بجماهيره في ظلمات الفتنة والضلال .
ومن بين هذه الشعارات ذلك الشعار المتفلّت التائه: "مساواة المرأة بالرجل"! إنه شعار لم يعرفه الإسلام لا بنصوصه ولا بممارسته، لأنه لا يمثّل قضيّة مفهومة قابلة للتطبيق في أجواء التقوى والإيمان، إنه شعار ورمز للعلمانية.
أمّا شعار الإسلام فهو : "النساء شقائق الرجال"! بمعنى أن الله جعل لكلّ منهما دوراً يكمّل دور الآخر ، ولا يحلّ محلّه ولا يساويه .
إنّ هذا الدور المحدد لكل منهما كما شرعه الإسلام في مختلف نواحي الحياة، دور تتطلب ممارسته توافر المجتمع المسلم الذي يحكمه منهاج الله، وعند توافر هذا المجتمع ينشأ شرطان آخران ضروريان، يجب توافرهما في كلّ من الرجل والمرأة، وهذان الشرطان هما : صفاء الإيمان والتوحيد، والخشية من الله ورجاء الدار الآخرة، وكذلك العلم بمنهاج الله ـ قرآنا وسنة ولغة عربية ـ.
إن أوضاع العالم الإسلامي أخذت تتحوّل شيئاً فشيئاً إلى بعض مظاهر العلمانية . وكأنّ هناك قوى تفرض فتنتها على الناس فرضاً، والغرب يُصرّ بشكل واضح على العالم الإسلامي أن يساوي بين المرأة والرجل، وأن ينزع حجاب المرأة، وأن يبيح الاختلاط، ويطلق حرية المرأة في المعاشرة الجنسية وحرية الرجل كذلك. إن الغرب العلماني يضغط بكلّ وسائل الضغط على العالم الإسلامي ليطبق المسلمون مناهج العلمانية في الفكر والاقتصاد والسياسة والاجتماع وغير ذلك، ولقد نجح الغرب في عدد غير قليل من بلدان العالم الإسلامي، سواء أكان ذلك بالقهر والقوة، أو الاستدراج السريع أو البطيء.
العالم الغربي تمزّقت به الأسرة وروابطها، وتفلّت الأب والأم والأبناء، وأصبح دور المرأة خارج البيت في معظم وقتها، وها هو (جورباتشوف) أحد قادة الغرب يعلن عن ذلك فيقول: "ولكن في غمرة مشكلاتنا اليومية الصعبة كدنا ننسى حقوق المرأة ومتطلباتها المتميزة المختلفة بدورها أمّاً وربّة أسرة، كما كدنا ننسى وظيفتها التي لا بديل عنها مربّية للأطفال ... .(2)
ويتابع جورباتشوف قوله ؛فيقول: " ... فلم يعد لدى المرأة العاملة في البناء وفي الإنتاج وفي قطاع الخدمات وحقل العلم والإبداع، ما يكفي من الوقت للاهتمام بالشؤون الحياتية اليومية، كإدارة المنزل وتربية الأطفال، وحتى مجرّد الراحة المنزلية، وقد تبيّن أن الكثير من المشكلات في سلوكية الفتيان والشباب، وفي قضايا خلقية واجتماعية وتربوية وحتى إنتاجية، إنما يتعلق بضعف الروابط الأسرية والتهاون بالواجبات العائلية".
ومن أهمّ مسؤوليات الرجل والمرأة رعاية الحقّ الأول للإنسان، الحقّ الذي أهملته كلّ مؤسسات حقوق الإنسان. هذا الحقّ هو حماية فطرة الإنسان التي فطر الله الناس عليها. وجعل الله -سبحانه وتعالى- الوالدين أوّل المسؤولين عن حمايتها أو انحرافها؛ فكيف يفلح الوالدان في الوفاء بهذه الرعاية الهامة إذا تفلّت كلّ منهما بين الأمور العامة والسياسة والوظيفة وغير ذلك؟.
فعن أبي هريرة رضي الله عنه عن الرسول صلى الله عليه وسلّم قال : "ما من مولود إلا ويولد على الفطرة وأبواه يهودانه أو ينصّرانه أو يمجّسانه ، كما تنتج البهيمة جمعاء ، هل تحسون فيها من جدعاء" [ رواه الشيخان وأبو داود ] .(3)
هذه المسؤولية الهامة الخطيرة كم تحتاج من الجهد والوقت والتفكير في رعاية الأبناء منذ لحظة الولادة إلى أن يستووا ناضجين ؟! إنها تحتاج إلى رعاية متصلة ، ودراية وخبرة ، ليكون البيت هو الأساس الأوّل لمصنع الأجيال المؤمنة التي لا تتشوّه فيهم الفطرة ولا تنحرف، وللأم دور رئيس في ذلك، وبخاصة في المراحل الأولى!.
* - لمزيد من التفاصيل يراجع كتاب " المرأة بين نهجين الإسلام أو العلمانية " للدكتور عدنان علي رضا النحوي .
(1) رواه البخاري والترمذي والنسائي وأحمد عن أبي بكرة . صحيح الجامع الصغير وزيادته ، ط3، رقم ( 5225) .
(2) جورباتشوف : البروسترويكا والتفكير الجديد لبلادنا والعالم أجمع . ترجمة أحمد محمد شومان وإخوانه ، ص: 166.
(3) صحيح الجامع الصغير وزيادته : ط3 ، رقم : (5784) .
ـــــــــــــــــــ(100/139)
ضعفنا وقوتهم
سلمان بن فهد العودة 12/5/1424
12/07/2003
العالم أيها الإخوة يعد أجياله للسباق. وفي دولة إسرائيل يدربون حتى الفتيات. لماذا يدربونهن؟ يدربونهن لأنهن يهيئن أجيالهن وشعوبهن لليوم القادم، فاليهود يخططون للهيمنة على البلاد العربية والإسلامية، ولهم فيها مطامع، ثم يخططون بعد ذلك لإقامة ما يسمونه بحلم إسرائيل الكبرى، والروس والأمريكان واليابانيون وجميع أمم العالم أصبحت تخطط وتعد أجيالها من الأولاد والبنات، تربيهم تربية تتناسب مع الأهداف التي يخططون لها من أجل السباق الدولي، كل دولة تنافس الدولة الأخرى؛ سباق علمي، سباق حضاري، سباق عسكري...؛ فالعالم أيها الإخوة مجموعة من الذئاب يعتدي بعضها على بعض، والقوة والنصر والبقاء فيه للغالب.
ليس في العالم اليوم قيم ولا معايير، ولا أخلاق ولا رحمة للفقير والمسكين، وكل ما تسمعونه إنما هو كلام (فارغ) يضيعون به الأوقات، ويخادعون به الناس. إن الكلمة الوحيدة في العالم اليوم الذي تحكّمها دول العالم كلها هي كلمة "القوة"؛ فالدول كلها تتسابق في المجال العلمي والجسمي والعملي والاقتصادي، والشعوب الضعيفة سوف تبقى مسحوقة لا قيمة لها ولا وزن ولا رأي ولا كلمة، فهل كُتب على الأمة الإسلامية أن تبقى أمة ضعيفة، وأن يبقى اهتمام شبابها محصوراً في الأغنية والكرة والصورة الخليعة، وتبقى الأمم الكافرة تدرب وتجند شبابها لتربيتهم على القوة والنضج وتدربهم على السلاح؟!
لا شك أننا ننتظر مستقبلاً مشرقاً للإسلام، لكن هذا المستقبل لن يأتي إلا حين نشعر بالواقع المرير الذي نعيش فيه، ونبدأ بالتخلص والخروج منه.
نماذج مضيئة للشباب
يجب أن تكون من أهداف الشباب العليا إعادة سيرة الشباب السابقين من أجدادهم وزعماء هذه الأمة الكبار؛ فيتمثلوا سيرة عبد الله بن عباس - رضي الله عنهما- ، الذي لم يبلغ الاحتلام أو كان أول سن الاحتلام والبلوغ عندما مات الرسول -صلى الله عليه وسلم-، ومع ذلك كان من أحبار هذه الأمة، وكان يحمل من علم الرسول - صلى الله عليه وسلم- الشيء الكثير حتى أعجب الرسول -صلى الله عليه وسلم- بسلوكه وسيرته وحسن أدبه، فدعا له بقوله "اللهم فقهه في الدين وعلمه التأويل"، لأنه وجد أنه وضع له وضوء ماء يتوضأ به، وصلى مع النبي -صلى الله عليه وسلم - ليلة مبيته عند خالته ميمونة، وحمل من العلم الشيء الكثير حتى كان هذا الشاب العالم الجليل يجلس عند باب الرجل من الأنصار بعد صلاة الظهر ليأخذ عنه العلم فيجده نائمًا فيتوسد رداءه فتأتي الريح فتسفي عليه التراب، فإذا قام الأنصاري لصلاة العصر وجد ابن عباس ابن عم الرسول -صلى الله عليه وسلم - نائمًا عند باب الدار؛ فيقول: ابن عباس! فيقول نعم، ابن عم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- !يقول: نعم، ما الذي جاء بك ؟ قال: جئت أسألك عن حديث سمعته من رسول الله - صلى الله عليه وسلم- فقال لو أرسلت إليّ لأتيتك قال: " لا العلم أحق أن يؤتى إليه".
وكان ابن عباس يأخذ بركاب زيد بن ثابت ويخدمه ويسوق به الراحلة، ويقول هكذا أُمرنا أن نصنع بعلمائنا. يجددون لنا سيرة عبدالله بن عمر رضي الله عنهما الذي يقول عُرضت على رسول الله صلى الله عليه وسلم في معركة أحد وأنا ابن أربع عشرة سنة فردني، لأنه لم يبلغ وعرض عليه في غزوة الخندق وهو ابن خمس عشرة سنة فقبله، فلما سمع عمر بن عبد العزيز هذه القصة قال إن هذا يصلح حداً للفرق بين الكبير والصغير أن يبلغ خمس عشرة سنة، وهذا فيمن لم تتوفر فيه وسائل البلوغ الأخرى فهذا ابن أربع عشرة سنة كانت طموحاته واهتماماته تتعلق بالقتال والجهاد، حتى قبل أن يبلغ يأتي لعله يقبل، فإذا رده الرسول -صلى الله عليه وسلم- في أُحُد، عَرَضَ نفسه مرة
أخرى في الخندق فأجازه النبي صلى الله عليه وسلم وخاض المعركة وعمره خمس عشرة سنة.
يعيدون ويجددون لنا سيرة عمير بن أبى وقاص، لما أرادوا الخروج إلى المعركة كان طفلا صغيرا فرده الرسول صلى الله عليه وسلم فعبر عن حزنه كما يعبر الصبيان الصغار عن حزنهم، ذهب إلى أمه يبكي في حجرها، فلما علم الرسول -صلى الله عليه وسلم- بخبره أجازه وقبِلَه، فجاء أخوه سالم يعدُّ له سيفه ونصله ورمحه، فكان السيف يخط في الأرض من قصره وصغره ومع ذلك خاض المعركة، وقُتل فيها شهيدًا رضي الله عنه وأرضاه.
يعيدون لنا سيرة مصعب بن عمير الذي كان شابا من أعطر وأجمل وأترف فتيان مكة،حتى إنه كان إذا مشى في طرف الشارع شم الناس في بيوتهم رائحة طيبة في طرف الشارع الآخر، فلما دخل الإسلام قَلَبَه رأسًا على عقب وغيّر مجرى حياته، حتى إنه أقبل يوما من الأيام على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وعليه ثوب لا يكاد يستره من العري والفقر الذي أصابه، فطأطأ الرسول -صلى الله عليه وسلم- رأسه وبكى، وقال: "والله لقد رأيتك في مكة وما فيها فتى أحسن جمّة منك ثم أنت أشعث الرأس في بردة" ولما مات -رضي الله عنه- لم يجدوا ما يكفنونه به -كما في صحيح البخاري- إلا بردة لا تستره إذا غطوا بها رأسه بدت رجلاه وإذا غطوا بها رجليه بدا رأسه، فأمرهم النبي صلى الله عليه وسلم أن يغطوا بها رأسه وأن يجعلوا على رجليه من الإذخر وهو نبت معروف بالحجاز.
يجددون لنا سيرة علماء الحديث الذين كان الواحد منهم يحضر مجلس التعليم والفقه وهو ابن عشر سنوات وإحدى عشرة سنة، واثنتي عشرة سنة، حتى إن سفيان بن عيينة يقول كنت أختلف إلى الزهري وأنا صبي صغير، وكان له ذؤابتان تجدل أمه رأسه كما يفعل بالصبيان الصغار، قال فاختلفوا يومًا عند الزهري في حديث قال بعضهم: عن سعيد، وقال بعضهم: عن أبي سلمة، قال فقال الزهري: " ما تقول يا صبي فيما اختلف فيه هؤلاء الرجال الكبار؟ هل الحديث عن سعيد، أم عن أبي سلمة؟ قال فقلت له عن كُلاهما بضم الكاف قال: فضحك متعجباً من قوة حفظي وضحك من لحني؛ لأنه أخطأ في اللغة العربية لكنه ضبط الحديث.
وكذلك الرجل الآخر الذي يقول: كنت أغدو على مجلس علماء الحديث ووجهي كالدينار وطولي سبعة أشبار وفي أذني أقراط كآذان الفأر، فإذا رأوني وفى يدي المحبرة والكتاب قالوا: أفسحوا للشيخ الصغير. فكان هؤلاء يتربون في أتون المعارك أو في مجالس العلم أو في المساجد أو في أماكن العبادة والتقوى، حتى إن الواحد منهم كان يتعلم التعبد والخشوع والورع والدين قبل أن يتلقى الحديث وغيره.
فنحن بحاجة إلى تعاون جميع الأجهزة الموجودة في المجتمع والمسجد والبيت والمدرسة والشارع والأجهزة الأخرى المؤثرة، مثل: أجهزة الإعلام، والأجهزة التابعة لرعاية الشباب وغيرها في بناء الشاب الذي يعرف كيف يستثمر وقته فيما يفيد، والذي يصدق عليه وصف الشاعر الذي يقول:
غلام من سراة بني لؤي ... ...
منافٍ في الأبوة والجدود
جدير عن تكامل خمس عشرة ... ...
بإنجاز المواعد والوعيد
يعني ينتسب إلى بني لؤي إلى بني عبد مناف، تلقى عنهم الرجولة والشهامة والنخوة والأريحية، جدير عن تكامل خمس عشر بإنجاز المواعد والوعيد، عمره خمس عشرة سنة؛ لكنه مع ذلك يستطيع أن ينجز ما وعد أصدقاءه أو ما وعد أعداءه، فإذا توعد أعداءه بشيء أنجز وإذا وعد أصدقاءه بشيء أنجز.
أما نحن اليوم فنحن لا ننجز وعداً ولا وعيداً، نعد الناس بأشياء كثيرة أننا سنفعل وسنفعل ولا ننجز، ونتوعد أعداءنا بأننا سوف نلقي بهم في البحر ونقتلهم قتل عاد وإرم ونفعل بهم ونفعل ونشجب ونستنكر؛ ولكننا لا نفعل شيئا من ذلك. ولذلك حق علينا قول الشاعر :
زعم الفرزدق أن سيقتل مربعا ... ...
أبشر بطول سلامة يا مربع
لا يرغب فيما عندنا صغير ولا يرهب منا عدو هذا كبيرنا فضلاً عن صغيرنا.
نحن بحاجة إلى من يجدد لنا سيرة محمد بن القاسم، الذي يقود الجيوش وعمره خمس عشرة سنة
إن الشجاعة والسماحة والندى ... ...
لمحمد بن القاسم بن محمد
قاد الجيوش لخمس عشرة حجة ... ...
قاد الجيوش لخمس عشرة حجة
وقول الآخر:
قاد الجيوش لخمس عشرة حجة ... ...
ولداته عن ذاك في أ شغال
زملاؤه يلعبون في الشوارع ما زالوا أطفالاً صبياناً، وهو يقود الجيوش والمعارك!، نحن في حاجة إلى من يجدد لنا سيرة ابن تيمية رحمه الله جلس للتعليم وعمره تسع عشرة سنة ولما أكمل عشرين سنة كانت حلقته هائلة لا يدرك مداها، وكان الشيوخ الذين شابت لحاهم في الإ سلام يحملون الدفاتر والمحابر ويكتبون ما يقوله شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله.
ـــــــــــــــــــ(100/140)
وصايا لكل مسافر
سامي الماجد 3/5/1424
03/07/2003
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد:
يشتد الحر فيشتدُّ نفير الناس للاستجمام بالسفر، تحفِّزهم إليه إغراءات الدعايات والتسهيلات.
ولكلٍ وجهةٌ هو مولِّيها، وأينما توجّهت تلك الجموعُ فالله هو وليُّها ومولاها، وهو يعلم سِرَّها ونجواها. ومهما أبعدتْ في أسفارها، فهي لا تخرج عن ملكه، ولا تعزُبُ عن عِلمه، ولا تخفى عليه منها حركةٌ ولا نأمةٌ ولا خالجة.
فإلى كلِّ من عقد عزيمةَ السفر... هذه جملةُ وصايا نتوجَّه بها إليه، عسى أن تنفعَنا وإياه، وذكِّرْ فإنّ الذكرى تنفع المؤمنين.
وإننا لنحسبُ أنّ في قلبه من خشية الله وإجلالِه وتعظيمِ أمره والإذعانِ لحكمه ما يُغرينا بتذكيره بجملةٍ من الوصايا، نجدُنا وإياه في الحاجة إليها على سواء.
الوصية الأولى: فليتذكّرَ المسافرُ - وقد أخذ للسفر أُهبته وأزوادَه- أنَّ كلَّ زادٍ يتزود به في سفره، فخيرٌ منه وأولى، وألزمُ وأحرى: تقوى الله –جل جلاله-؛ فهي الزاد الذي لا يستغني عنه مؤمنٌ في حِلٍّ ولا ترحال، وهو لزيمةُ العبدِ لا ينفكُّ عنه بحال.
وتلك وصيةُ الله –جل جلاله- : (وتزوَّدوا فإنَّ خيرَ الزاد التقوى)، وهي أعظم وصية وصّى بها المصطفى -صلى الله عليه وسلم- ، وما وصى إلاّ بعظيم، "اتق الله حيثما كنتَ"، اتق الله في السرِّ والعلن، وفي الإقامةِ والظعْن، حيث يراك الناس، وحيث لا يرونك.
إنَّ تقوى الله –جل جلاله- ليست شيئاً يُلاكُ بالأَلسُنِ، ولكنَّه شعورٌ يتروَّى منه القلبُ، فيفيض بآثاره على الجوارح، ليُرى واقعاً محسوساً مشهوداً في سلوكِها وعملها.
ليعلمْ كلُّ مسافرٍ أنَّ من علامات صدق التقوى ألاّ يزيده حضورُ الناس من خشيته لله، ولا يَنقصه من خشيته له غيابُه عنهم، فاستواء خشيةِ العبد لله في سره وعلانيته، وفي اجتماعه بالناس وخلوته؛ لهو من أعظم دلائل صدق التقوى، وهي من كمال الخشية لله، ولذا كان المصطفى -صلى الله عليه وسلم- يدعو ربّه كثيراً بقوله: "اللهم إني أسألك خشيتَك في الغيب والشهادة".
وغيابُ المسافر عن نظر من يبالي بهم من الناس هو (نوعُ خلوة) من هذا الوجه، ولو كان بمحضر آلاف من غيرهم، فقد يتمنّعُ العبدُ من غِشيانِ المعصية بمحضر من يباليهم من الناس، فلا يخلُصُ تمنُّعه من شائبة خشيتِهم، ولكن يَخْلُص هذا التمنع لله وحدَه حين يكون مستخفياً عنهم.
فليُخلِصِ المسافرُ خشيتَه لله، وليحذرْ أشدَّ الحذرِ أن تكونَ خشيتُه للناس أعظمَ من خشيته لربه، فإن العبدَ إذا بيَّتَ فعلَ المنكراتِ عند عزيمةِ السفر، أو كانت المعصية هي الباعثَ على سفره؛ كان ذلك أدلَّ على أنه لم يمنعه من الحرام إيمانٌ ولا تقوى، وإنما هو خشيةُ الناس، أو تعذُّرُه عليه.
وهذا أقبحُ بمراحل ممن قصد سفراً مباحاً لم يبيِّت فيه عزيمةً على معصية، ولم يقصدْ بالسفر منكراً، وإنما استعرضه منكرٌ ما ، فلم يلبث أنْ ينهزمَ لإغرائه ويقع في حِبالة الشيطان وإغوائه.
ألا وإنّ من أعظم ما يعينُ المسافرَ على الأخذ بوصية حبيبه المصطفى -صلى الله عليه وسلم- "اتق الله حيثما كنت" أن يستشعر دقَّةَ مراقبةِ الله إيّاه، فذلك أدعى أن يستجيشَ في قلبه تقوى الله حيثُما كان، ومراقبتَه في السر والعلن، وليتدبَّرْ تلك الآياتِ التي تُبين في أحسن بيان عن سعة علم الله وقربِه من خلقه، كقولِه: (وَمَا تَكُونُ فِي شَأْنٍ وَمَا تَتْلُو مِنْهُ مِنْ قُرْآنٍ وَلا تَعْمَلُونَ مِنْ عَمَلٍ إِلَّا كُنَّا عَلَيْكُمْ شُهُوداً إِذْ تُفِيضُونَ فِيهِ وَمَا يَعْزُبُ عَنْ رَبِّكَ مِنْ مِثْقَالِ ذَرَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلا فِي السَّمَاءِ وَلا أَصْغَرَ مِنْ ذَلِكَ وَلا أَكْبَرَ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ) [يونس:61]
وقولِه (يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ) [غافر:19]، وقوله: (وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي أَنْفُسِكُمْ فَاحْذَرُوهُ) [البقرة: من الآية235 ]، وكقولِه: (وَيَوْمَ يُحْشَرُ أَعْدَاءُ اللَّهِ إِلَى النَّارِ فَهُمْ يُوزَعُون (19) حَتَّى إِذَا مَا جَاءُوهَا شَهِدَ عَلَيْهِمْ سَمْعُهُمْ وَأَبْصَارُهُمْ وَجُلُودُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُون َ(20) وَقَالُوا لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدْتُمْ عَلَيْنَا قَالُوا أَنْطَقَنَا اللَّهُ الَّذِي أَنْطَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُوَ خَلَقَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ(21) وَمَا كُنْتُمْ تَسْتَتِرُونَ أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ سَمْعُكُمْ وَلا أَبْصَارُكُمْ وَلا جُلُودُكُمْ وَلَكِنْ ظَنَنْتُمْ أَنَّ اللَّهَ لا يَعْلَمُ كَثِيراً مِمَّا تَعْمَلُونَ(22) وَذَلِكُمْ ظَنُّكُمُ الَّذِي ظَنَنْتُمْ بِرَبِّكُمْ أَرْدَاكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ مِنَ الْخَاسِرِينَ)[فصلت].
فمهما استتر العبد من الناس؛ فلن يستتر من أبعاضِه التي يباشر بها المعصية، ولئن استعان بها على معصية الله؛ فلسوف تعصيه في اليوم المشهود، وتكون عليه بعضَ الشهود.
وما كان سبحانه ليعزُبَ عن علمه شيءٌ حتى يحتاجَ إلى مخبرين وشهود، ولكنه –جل جلاله- أراد أن يقطعَ عنهم المعاذيرَ، ويقيم عليهم الحجة.
عن أنس بن مالك -رضي الله عنه- قال: كنا عند رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فضحك، فقال: هل تدرون مم أضحك؟!، قلنا: الله ورسوله أعلم، فقال: اضحكُ من مخاطبة العبد ربَّه –أي: يوم القيامة- يقول: يا رب ألم تجرني من الظلم؟ قال فيقول: بلى، قال فيقول: فإني لا أجيز على نفسي إلا شاهداً مني، قال: فيقول: كفى بنفسك اليوم عليك شهيداً، وبالكرام الكاتبين شهوداً، قال: فيختم على فِيِهِ، فيقال لأركانه: انطقي، قال: فتنطقُ بأعمالِه، قال: ثم يُخلَّى بينه وبين الكلام، قال: فيقول: بُعداً لَكُنَّ وسُحْقاً! فعَنْكُنَّ كُنتُ أناضل". [رواه مسلم].
وهذه النصوص وغيرُها -مما هو في معناها- تُلقي بظل الرقابة المباشرة على كل نفس، وحينها تستشعر النفسُ أنها غيرُ منفردة لحظة واحدة، وغيرُ متروكةٍ لذاتِها لحظةً واحدةً، فهناك حفيظٌ عليها رقيبٌ، يحصي كلَّ حركة، ويحفظ ما يصدر عنها لا يند عنه شيء.
فإذا راقب العبد ربَّه في سِرِّه وعلنه، وإقامته وظعْنِه؛ فقد حقّق مرتبه الإحسان التي هي أعلى مراتبِ الإسلام. وهي ثمرةُ معرفةِ الله وخشيتِه "الإحسانُ: أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك".
وحين تصل النفس إلى هذه المرتبة؛ فإنها تفعل الطاعاتِ، وتنتهي عن المعاصي، ولو لم يتسلط عليها رقيبٌ من غيرها، فهي تراقبُ اللهَ في الصغيرة والكبيرة، وفي السر والعلن على السواء.
ولا ينسى المسلم -وهو يُعظمَ خوفَه من الله وحياءَه منه- ضعفَه، وإسرافه في أمره، وتفريطه في جنبِه سبحانه، فلا يترددُ أن يستعينَ على ملازمةِ تقوى الله أينما حلَّ وحيثما كان بالدعاء المأثور الذي علَّمَنَاه حبيبُنا-صلى الله عليه وسلم-: "اللهم إنّا نسألك في سفرنا هذا البرَّ والتقوى، ومن العمل ما ترضى، اللهم هوِّن علينا سفرنا هذا واطوِ عنا بُعده، اللهم أنت الصاحبُ في السفر، والخليفةُ في الأهل.." فإذا تلا هذا الدعاءَ بتدبُّرٍ وحضورِ قلبٍ استشعر -حينها- رقابةَ الله عليه، وشهادتَه إياه، واطّلاعَه على طواياه.
الوصية الثانية: ينبغي للمسافر -وهو يطوِّف في أرجاء الأرض- أن يستشرفَ مشاهدَ الاتعاظ والاعتبار، والنظرِ والتفكر، فلا يدعُها تفوتُه وهي سانحة أمام ناظريه، فإنَّه مهما اختلفت وجهتُه فلن يخلو سفرُه من مشاهد تستدعي منه لحظاتِ تأملٍ وتفكُّر.
فسرِّح طرْفَك -أيها المسافر- بقلبٍ متحفِّز وحِسٍّ متيقِّظ فيما أودعه اللهُ في أرضه من عجيب خلقه، وبديع آياته، وجميل صنعه، فإنها لو نطقت لنطقت بعظمة الله وقدرتِه، ولشَهِدَتْ بربوبيته وقوَّتِه (قُلِ انْظُرُوا مَاذَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا تُغْنِي الْآياتُ وَالنُّذُرُ عَنْ قَوْمٍ لا يُؤْمِنُونَ) [يونس:101]، (إِنَّ فِي اخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَمَا خَلَقَ اللَّهُ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَتَّقُونَ) [يونس:6]
إن هذا النظر والتفكر مأمورٌ به كلُّ أحد، ولكن أولى الناسِ به أولئك السائحون؛ فهم أفرغُ قلباً، وأقلُّ شغلاً، وأروحُ فكراً، وأنسبُ حالاً.
ثم سرِّح طرفك -كرَّاتٍ أخرى- في آثار الغابرين، ومصيرِ المترفين، فإنها آثارٌ تنطقُ بالآيات، وتوحي بالعظات، فليكن لك في كلِّ أثرٍ نظرٌ، وفي كل آية تفكُّر، تستنطقُ منه المواعظَ والعبر، فهاهم عامِروها قد أُهلكِوا، لم تمنعْهم قوتُهم ولا جبروتهم من بأسِ الله الشديد، وهاهي آثارهم شاهدةً عليهم، فلا يستهوينَّك ما توحيه آثارُهم من قوة عمارةٍ، أو روعةِ حضارةٍ، وما تشهد لهم به من دِقَّةِ الصَّنْعةِ وشدةِ البأس والقوةِ، لا يستهوينَّك ذلك عن التفكُّرِ في بطش الله الشديد، وبأسِه القويِّ الذي لا يُردُّ عن القوم المجرمين.
إنَّ النظرَ في آثار الغابرين يهُزُّ القلوبَ، حتى قلوبَ المتجبرين. وإن هذه التأملاتِ في مآلهم لتهُزُّ القلبَ هزاً مهما كان جاسياً غافلاً قاسياً.
ولذا نجد القرآن كثيراً ما يأخذ بأيدينا إلى أن ننظرَ في مصارع القوم لنتقى ونتذكّر، كما في قوله جل جلاله: (أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَانُوا أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَأَثَارُوا الْأَرْضَ وَعَمَرُوهَا أَكْثَرَ مِمَّا عَمَرُوهَا وَجَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ) [الروم:9]
ولقد عاب الله على أقوامٍ لا يتفكرون في خلق الله، ولا يعتبرون بآثار الذين خلوا من قبلهم، وما أكثرَ الذين لا يتفكرون ولا يتذكرون، فليحذرِ المسافرُ أن يكون ممن عناهم الله بقوله: (وَكَأَيِّنْ مِنْ آيَةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَمُرُّونَ عَلَيْهَا وَهُمْ عَنْهَا مُعْرِضُونَ) [يوسف:105]
الوصية الثالثة: أَمَا وقد اختار كلُّ مسافرٍ وجهتَه عن إرادة واختيار، ولم يُسَقْ إليها عن اضطرار، وكان في سعة ألاَّ يخرج إليها، فإننا نذكِّره وأنفسنا بضرورةِ استشعارِ العزَّةِ بالإسلام حيثُما حلَّ، وأن يعتزَّ بمبادئه وقِيَمِهِ أينما كان، وأنْ يأخذَ بها على اختلاف الأحوال.
وحقٌ عليه أن يستعْلِن بما أوجب عليه الإسلامُ أن يستعلنَ به من الشعائر الظاهرة، فلْيُصلِّ الصلاة لوقتها أينما أدركته، يقيمُها كما أمرَ الله من غير حياءٍ ولا استخفاء، ولكنْ بعيداً عن الفوضى والمضايقة.
والحجابُ شعارُ المؤمناتِ العفيفاتِ الغافلات، لا تتحرَّج المؤمنة أن تمتازَ به بين النساء، وإن جحظتْ إليها العيون، ولمزتها الألسُنُ، لأنها تدرك أنه لن يضيرَ الغمامَ طنينُ الهوام. فعارٌ على المسلمِ -وقد هُديَ إلى الحقِّ- أن يتحرجَ أوْ يخجلَ من استعلانِه بشعائرِ دِيْنِهِ، فالحق أحقُّ أنْ يُتَّبعَ، وهو أولى بالمجاهرة والاستعلان.
إنَّ التقليد والتشبُّه لا يَهَبُ الضعيفَ العزَّة، ولا يردُّ للمظلوم حقَّه، ولكنه سلوكٌ يفعله المنهزمون، ويُوفِضُ إليه المرتابون، يكتسبون عظيمَ الإثم بما لا يحظَوْن معه بنفع أصلاً، وهذا التقليد المَقيتُ يشي بهزيمة نفسية، وبضعْفِ إيمانٍ، وتزعْزُعِ يقين.
فارفعْ -أيها المسلم- بدينك رأساً، واشمَخْ به أنفاً، ولا تلفت إلى كلِّ همَّاز لمَّاز، فما أنت بأكرم عند الله من نبيه، وهو الذي أوذي بالهمز والغمز واللمز، فما زاده ذلك إلا ثباتاً ويقيناً واعتزازاً بالإسلام.
الوصية الرابعة: السفر مظنة الأخطار، وطول السلامة لا تمنح ضمان الرجوع. وإذا كان المسلم مأموراً بأن يكتبَ وصيته وهو في الأمن والاستقرار، فكيف إذا كان على جناح سفر تعترضه المخاوف، وتنوشه الأخطار.
والوصية مستحبة، ولكنَّها واجبة على من عليه ديونٌ وحقوقٌ، فقد قال صلى الله عليه وسلم: "ما حق امرئ مسلم له شيء يوصي به، يبيت ليلتين إلا ووصيته مكتوبة عنده".
فحقٌ على كل من كان في ذمته شيء أن يكتب وصيته آمناً كان أو خائفاً، صحيحاً أو مريضاً.
إن حقوق الناس شأنها معظم في الإسلام، نستجلي ذلك من هذه الأحاديث:
أخرج مسلم في صحيحه عن أبي قتادة -رضي الله عنه-، أن الرسول -صلى الله عليه وسلم- قام فيهم، فذكر لهم أنَّ الجهادَ في سبيل الله والإيمانَ بالله أفضلُ الأعمال، فقام رجل فقال: يا رسول الله! أرأيتَ إن قُتلتُ في سبيل الله تُكفَّرُ عني خطاياي؟! فقال: "نعم، إن قتلت في سبيل الله وأنت صابرٌ محتسبٌ مقبلٌ غيرُ مدبر". ثم قال صلى الله عليه وسلم: كيف قلت؟ فأعاد عليه، فقال: "نعم، وأنت صابر محتسب مقبل غير مدبر، إلا الديْن؛ فإن جبريل عليه السلام قال لي ذلك".
وفي الحديث الآخر: "يغفر للشهيد كلُّ ذنب إلا الدَّين" [أخرجه مسلم]
وعنه -صلى الله عليه وسلم- أنه أتي بجنازة ليصلي عليها، فقال: "هل عليه من دَين؟"، قالوا: لا. فصلى عليه، ثم أُتي بجنازةٍ أخرى، فقال: "هل عليه مِن دَين؟"، قالوا: نعم، فقال صلى الله عليه وسلم: "صلُّوا على صاحبكم"، فقال أبو قتادة-رضي الله عنه-: عليَّ دَينُه يا رسول الله؛ فصلى عليه. [متفق عليه].
وعن محمد بنِ جحشٍ -رضي الله عنه-، قال: كنا جلوساً عند رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ، فرفع رأسه إلى السماء، ثم وضع راحته على جبهته، ثم قال: "سبحان الله! ماذا نُزِّل من التشديد" ، فسكتنا وفزعنا، فلما كان من الغد سألته: يا رسول الله! ما هذا التشديد الذي نُزل؟! فقال: "والذي نفسي بيده، لو أنَّ رجلاً قُتل في سبيل الله، ثم أحيي، ثم قُتل، ثم أحيي، ثم قتل، وعليه دين، ما دخل الجنة حتى يقضى عنه دينُه" [أخرجه النسائي بسند صحيح].
فإذا كان هذا هو خطر الديون، وجب على من في ذمته حق للناس -ولا سيَّما إذا عزم على السفر- أن يوصي بقضائها وأدائها إلى أهلها؛ إبراءً للذمة، وتحلُّلاً من التبعة.
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
ـــــــــــــــــــ(100/141)
ماذا في الإجازة؟
سلمان بن فهد العودة 28/4/1424
28/06/2003
يستقبل الناس - خاصة الشباب منهم والطلاب- الإجازة الصيفية بعد ما ودعوا أيام الامتحانات بما فيها من سهر وتعب ودراسة وعناء واجتهاد، ولذلك فإن الإجازة هي للشباب ذكوراً وإناثاً أكثر من غيرهم، فإن الفلاح -مثلاً- طوال عمره في عملٍ وجهدٍ وكذلك التاجر والموظف وغيره.
ينبغي أن نعد الشباب لأن يكونوا على مستوى جيد في استغلال الإجازات واستثمارها بالشكل الذي يفيد، بحيث نربي أولادنا وبناتنا على تحمل المسؤولية، فإن قضية الإجازة مثلها في ذلك مثل بقية العام يتوقف استثمارها على عقلية الشاب وعلى تربيته وعلى مستواه، فمثلاً إذا وجد شاب على مستوى جيد من الفهم والعلم والإدراك والشعور بالمسؤولية؛ فإنه يستثمر أيام العام الدراسي على خير وجه ويستثمر الإجازة ويستثمر شهر رمضان ويستثمر مناسبة الحج وغيرها من المناسبات بالصورة المناسبة لمستواه، وتربيته وفهمه وعقله، ولذلك تجده مشغولاً فيما يفيد، ويحرص على أن يختلس من وقته ولو شيئاً يسيراً يستفيد منه.
وعلى العكس من ذلك الشاب الضائع الذي لم يترب التربية الحسنة، ربما لو كان وقته فارغاً من طلوع الشمس إلى غروبها؛ فإنه لا يستثمر هذا الوقت بالطريقة المناسبة، إذ ليس لديه أهداف معينة يسعى إلى تحقيقها، فالمصيبة كل المصيبة أيها الإخوة في أن شبابنا أحيانا يفقدون الهدف الذي يسعون من أجله. وحين تسأل الشاب عن الهدف الذي يسعى من أجله ؛ تجد أهداف بعض الشباب لا تتجاوز موضع قدمه.
أما أن يخطط الشاب لأهداف -ولو قريبة- يسعى إلى تحقيقها والوصول إليها؛ فهذا غائب لدى كثير من الشباب، وحين يوجد الشاب الذي يحمل الأهداف الصحيحة، ويفكر التفكير الصحيح ولو كان يتقلب على فراش المرض؛ فإنه يستفيد من وقته، وقد زرت شاباً تعرض لحوادث وأصبح مقعداً في جسده. فوجدته يستثمر كل دقيقة من وقته في حفظ كتاب الله، وفي قراءته وفي دراسة العلم وفي مجالسة الصالحين، حتى إنه لا يستقبل الضيوف والزوار إلا في أوقات معلومة مع أنه أحوج ما يكون إلى أن يرفه عن نفسه ويسليها باستقبال هؤلاء وتبادل الحديث معهم، لكنه رأى أن في ذلك مضيعة لوقته، فأصبح وهو على سرير المرض -مقعداً لا يتحرك ولا يمشي- يستثمر وقته بصورة صحيحة وجيدة!.
وزرت آخرين وهم في السجون ممن منّ الله عليهم بالهداية في داخل السجون لا يتحركون إلا داخل أربعة جدران وجدتهم يستثمرون أوقاتهم بصورة صحيحة وجيدة، وفي مقابل ذلك أرى وترون كثيراً من الناس أعطوا المال والصحة والسلامة والحرية والوقت، ومع ذلك يضيعون أوقاتهم دون حساب. لماذا؟ لأنهم لم يوفقوا للتربية السليمة، ولم يحملوا أهدافاً صحيحة يعملون من أجلها فلما غابت عنهم الأهداف أصبحت أوقاتهم تضيع سدى.
كيف يفكر الناس في قضاء الإجازة ؟
لا شك أن تفكير البعض ينصرف إلى أمور معينة، أمور تتناسب مع الوضع الذي ذكرته قبل قليل، فتجد الكثيرين يخططون لقضاء إجازاتهم في بؤر الفساد و الرذيلة في بلاد قريبة يستطيعون أن يصلوا إليها على سياراتهم وخلال مدة وجيزة، أو في بلاد بعيدة لم يكونوا بالغيها إلا بالطائرات وهناك يقع كثير من الشباب في الفساد الأخلاقي وفي بؤر الرذيلة من الانحلال والذهاب إلى الداعرات والعاهرات والفاجرات، حيث الهربس والإيدز والأمراض الجديدة التي لم تسمعوا بها بعد، حيث الخمور والمخدرات التي تفتك بهم ويقعون ضحايا لها، حتى إنه حدثني أحد الشباب أن هناك عصابات في تلك البلاد يضعون في أجهزة التكييف مادة معينة إذا استنشقها الشباب أصبح مدمناً ولو لم يكن في نيته أن يتعاطى المخدرات؛ فإنه مع كثرة استنشاق الهواء الذي وضعت فيه هذه المواد يصبح مدمناً يبحث عن المخدرات في كل مكان.
وقد حدثني أحد الشباب الذين يعيشون هناك عن ضحايا كثيرة وأمور محزنة جداً حدثوني عن شيخ قد جاوز عمره الستين سنة، وقد سافر من هذه البلاد إلى هناك ليتعاطى الخمور ويقع في أحضان المومسات - عافاني الله وإياكم- فشرب في اليوم الأول ست زجاجات من الخمر، وشرب في اليوم التالي أكثر من ذلك، وشرب في اليوم الثالث اثنتي عشرة زجاجة؛ فشعر بثقل وذهب ليتقيأ (أكرمكم الله ) في دورة المياه فسقط ومات هناك وبعد طول الوقت وجدوه ميتاً ورأسه في دورة المياه - عافانا الله و إياكم من ذلك- نهاية بئيسة، والويل كل الويل للذين يتسببون في إيقاع كبار السن في ذلك، فضلا عن الشباب!.
إذا كانت الدعاية ووسائل الهدم والتخريب وأساليب الإثارة والجاذبية قد أثرت حتى في كبار السن، فما بالكم بالشاب الذي يشتعل جسمه قوة وحيوية وشبابا!. يذهبون بحجة السياحة ويقعون في مثل هذه الأشياء، ومع ذلك كله أعيد ما ذكرته لكم قبل قليل أن هناك من أجهزة المخابرات العالمية التي تخطط لاقتناص كثير من الشباب، وتجندهم ليكونوا مخبرين وعملاء لها خاصة في ظل الحاجة المادية؛ لأن كثيراً من الشباب يعانون من الحالة المادية ومن قلة ذات اليد، وربما جلس الشاب بلا وظيفة فترة طويلة، وربما لا يستطيع أن يستمر في تلك الأسفار التي أدمنها و اعتاد عليها وحينئذ ما أسهل أن يصطاد هذا الشاب ويجند ليكون وسيلة ويكون معول هدم لدينة وبلده وأسرته ولنفسه ولأمته!.
ولذلك فإن المسؤولية علينا أيها الإخوة جميعاً: أفراداً، ومؤسسات، وأجهزة، وحكومات.. علينا أن نقف ضد هذا العبث الذي يدمر شبابنا, أما إني لا أقول أن كل من يسافر لهذا الغرض؛ بل هناك من يسافر لأغراض أخرى صحيحة، وهم كثير، ولكننى أتحدث الآن عن عينة أو نموذج من الشباب وكيف يفكرون في قضاء الإجازة.
فئة أخرى من الشباب قد لا تفكر بهذا الأسلوب وبهذه الطريقة، لكنها تُعنى بجانب آخر من جوانب الحياة، وكثير من الشباب قد أصبحت الرياضة هي همه الأول والأخير، فهم من خلال الإجازة يفكرون في لعب منظم في الجري , السباحة , كرة القدم , سلة.... إلى غيرها، ويتابعون مثل هذه الدورات ومثل هذه المناسبات و البرامج والجداول التي تقام، ويعدّون أنها أكمل ما يقضون فيه أوقاتهم، والحق أن على رعاية الشباب أن تُعنى بتربية أخلاق الشباب على معالي الأمور، فكثير من الناس لا يعرف هذا، فإذا قيل رعاية الشباب انصرف الذهن إلى ملعب ونادٍ وكرة ومدرجات وهلم جرا، وياليت هذه الجموع الغفيرة التي تجري و تلهث خلف الكرة يا ليتها تلعب فعلاً.
لربما قال قائل: يربون أجسامهم، ويقوون أجسادهم؛ و إن كانت الأمة ليست بحاجة إلى عجول آدمية، فمهما بلغت قوة الإنسان لن يكون أقوى من الفيل، ومهما بلغ جماله لن يكون أجمل من الطاووس، لكن أجسام البغال وأحلام العصافير هذا لا يصلح ولا نريده، نريد أجساماً قوية و نريد معها عقولاً قوية، نريد إيمانا قوياً نريد ثقافة واسعة نريد مستوى عالياً، هذا كله نريده ويا حبذا، أما أن يكون همّ الشباب منصرفاً كله إلى تربية جسمه هذا لا يصلح.
لكن حتى تربية الجسم لا تتحقق؛ فإن 99% من الشباب الذين يركضون خلف الكرة إنما هم مشجعون فقط، قد تلفت أقدامهم من الجلوس في المدرجات، و تدمرت أعينهم من النظر إلى لاعبي كرة القدم سواء في الملعب أو عبر الشاشات، أما هم فلا يلعبون؛ بل مشاهدون يؤيدون هذا ويعارضون ذاك، ويصرخون بأصواتهم لهذا أو ذاك، ويفرحون لدخول هدف على فريق أو يحزنون لذلك، أما أن يلعبوا ويقووا أجسادهم مع أنه ليس هدفاً بذاته؛ فغير موجود، ولذلك ندري و ندرك أن هذه الجهود الطائلة جهود بمعنى الكلمة لا يستفيد منها و يستثمرها إلا أعداد محدودة، يعدون على أصابع اليد الواحدة في كل بلد ممن يلعبون فعلاً ، أما بقية الجماهير فهم مشاهدون فحسب.
إذاً مجرد العناية بجانب واحد في الرياضة لا تصلح، وأنا أقول عن نفسى لست ضد الكرة في حد ذاتها إذا التزم الإنسان فيها بالأخلاق الإسلامية من التستر والبعد عن السب والشتم واللعن والحقد والحسد والبغضاء والتنافر والتطاحن، وكانت في حدود المعقول، فلم يضيع وقته كله في لعب الكرة و مشاهدتها، لست ضد الكرة إذا كانت في هذه الحدود و في هذا الإطار هذا من جهة، ومن جهة أخرى فإني أقول الحقيقة و حتى يكون كلامي مفهوماً بصورته الصحيحة أنه يوجد في الأندية -بحمد الله- في كل بلد نخبة من النوعية الطيبة الذين اتجهوا إلى الله تعالى و استقاموا على الطريقة، و صلحوا وعملوا على إصلاح الأندية و جلب المشايخ و العلماء إليها، و تحريك الأنشطة الإسلامية فيها، هذا كله صحيح و موجود و هذه جهود مشكورة لكن يبقى الواقع الذي ذكرته وهو الغالب.
ـــــــــــــــــــ(100/142)
موقف الإسلام من الفطرة
سلمان بن فهد العودة 21/4/1424
21/06/2003
إذا كان من البدهيات في حس كل مسلم ومسلمة، أن خالق هذه الفطرة هو منزل هذا القرآن، وهو الله تعالى؛ فمن الطبعي أن نعلم يقينًا أن هذا الدين لابد أن يكون موافقًا للفطرة؛ إذ يستحيل أن يكون في دين الله،أو شرعه أمر يخالف ويعارض ما فطره عليه، فالحكيم العالم بما خلق ومن خلق، يضع الشريعة المناسبة له، الملائمة لخلقه.
وكل أمر شرعي يخطر في بالك أنه يعارض الفطرة، فيجب أن تعلم أنه لا يخلو من أحد احتمالين:
- فإما أنه أمر شرعي، ولا يخالف الفطرة الصحيحة المستقيمة، فمخالفته للفطرة وهم.
- وإما أنه يخالف الفطرة فعلاً، ولكنه لا يكون أمرًا شرعيًّا، وإن نَسَبَهُ الناس إلى الدين بغير علم ولا هدى.
وألخص الكلام عن موقف الدين من الفطرة فيما يلي:
إقرار الدين بالفطرة:
جاء الدين مقرًّا بالفطرة، غير متنكر لها، فمثلاً: حب الحياة الذي هو فطرة مركوزة عند الإنسان، جاء في القرآن ما يؤكد ذلك، يقول الله عز وجل عن اليهود: (وَلَتَجِدَنَّهُمْ أَحْرَصَ النَّاسِ عَلَى حَيَاةٍ) [البقرة:196]، و (أَحْرَصَ) أفعل تفضيل تدل على اشتراك الناس جميعًا في الحرص على الحياة، ولكن اليهود أحرصهم عليها.
إذن فحب البقاء، والحرص على الحياة فطرة، يؤكد القرآن وجودها في الإنسان.
وكذلك غريزة: حب المال، وحب الزوج، وحب الولد، بيَّن الله تعالى وجودها في الناس: (زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ) [آل عمران:14].
وهذا السياق بمجرده لا يدل على مدح ولا ذم؛ إنما هو إشارة إلى أنها فطرة فُطر عليها الإنسان، وغريزة رُكِّبت فيه، ويأتي بعدُ ذكر: متى تكون هذه الأشياء محمودة، ومتى تكون مذمومة؟ المهم أنها غريزة وفطرة.
ولذلك لما ذكر الله تعالى المؤمنين، ووصفهم بأنهم لفروجهم حافظون، عقَّب عليها بقوله: (إِلاَّ عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ) [المعارج:30]، فكأن القضية قضية غريزة جبلِّية ليست -بذاتها- محل مدح أو ذم، ولكنها تُحمد أو تُذم بما يلابسها من القصد والنية، وطريقة الإشباع، وآدابه.
وفي قضية الزواج والنكاح، قد يستقذر الإنسان الجانب الجسدي فيها، خاصة الإنسان الذي فيه سمو وإشراق وحياء؛ ولهذا جاء ذلك التعقيب يدفع هذا الشعور المترفع، ويبين أن كمال الإنسان في الاستجابة لفطرته وفق ما يرضي الله.
وها هم رسل الله وأنبياؤه ينكحون ويتزوجون: (وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلاً مِنْ قَبْلِكَ وَجَعَلْنَا لَهُمْ أَزْوَاجًا وَذُرِّيَّةً) [الرعد:38]
وهذا المعنى الدال على فطرة الترابط بين الزوجين ثابت في قوله تعالى: (وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً) [الروم:210]، وقوله: (وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا) [ الأعراف: 189].
وقل مثل ذلك في مسألة حب التستر والتصون، حيث يمتن الله على عباده باللباس الساتر الجميل: (يَا بَنِي آدَمَ قَدْ أَنْزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاسًا يُوَارِي سَوْءَاتِكُمْ وَرِيشًا وَلِبَاسُ التَّقْوَى ذَلِكَ خَيْرٌ) [الأعراف:26]، وتأمل هذه المعاني نفسها في قوله تعالى: (الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا) [الكهف:46].
موافقة الدين للفطرة:
وجاء الدين موافقًا لهذه الفطرة في عقائده وأحكامه؛ ولذلك سمي "دين الفطرة"، فالتوحيد الذي جاء به الأنبياء كلهم، والعبادة التي أمروا بها، توافق فطرة التوجه لله والتذلل له، المغروزة في قلب كل مخلوق.
وقل مثل ذلك في قضايا التشريع، فمثلاً: شرع الإسلام الزواج الذي يلبي فطرة غريزية عند الإنسان، وهي إشباع الظمأ العاطفي لدى الجنسين، وليس إشباع الغريزة الجنسية فحسب.
وأصل خلق الأنثى هو من الذكر: (خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا) [النساء:1]، فالإلف يحنُّ لإلفه، والفرع يحنُّ لأصله، وإذا لم تجد هذه العاطفة وهذه الغريزة الطريق الحلال، اتجهت إلى الطريق الحرام.
كما جاء الدين آذنًا بالكسب الحلال الذي يلبي حاجة الإنسان إلى التملك والاستقلال.
تنظيم الدين للفطرة:
وجاء الدين منظمًا للفطرة، ففتح أمامها الأبواب والطرق السليمة التي تلبي حاجتها، وتشبع جوعها؛ لئلا تنحرف إلى غيرها.
ولذلك قال تعالى: (وَأَحَلَّ اللهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا) [البقرة:275]. فأمام الفطرة (فطرة حب الملكية) طريقان: حلال يتمثل في البيع بجميع صوره المباحة -وهو مفتوح-، وحرام يتمثل في الربا، وهو من أخبث ضروب المكاسب المحرمة.
ولذلك -أيضًا- قال النبي - صلى الله عليه وسلم - في الحديث المتفق عليه عن ابن مسعود - رضي الله عنه -: "يا معشر الشباب، من استطاع منكم الباءة فليتزوج؛ فإنه أغض للبصر، وأحصن للفرج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم؛ فإنه له وجاء".
وقد قال كثير من أهل العلم: إن الزواج على القادر المحتاج إلى الزواج واجب، بدلالة هذا الحديث، خاصة عند خشية الفتنة، كما في هذا الوقت الذي أصبحت المثيرات فيه لا تكاد تفارق الشاب، حتى في بيته؛ بل في غرفته الخاصة.
وفي مقابل ذلك حرم الإسلام الزنا، وعدَّه من الفواحش العظام.
وهكذا... لا يغلق الله - تعالى - في وجه عباده بابًا من أبواب الحرام، إلا ويفتح بابًا من أبواب الحلال هو خير منه، وأيسر وأنظف، وأحمد عاقبة، ولا يُعرض عن الطريق النظيف المشروع إلا منحرف الفطرة، ممسوخ الباطن.
تزكية الدين للفطرة:
وجاء الدين مزكيًا للفطرة، موجهًا لها نحو الأفضل والأطهر، انظر إلى قوله تعالى: (قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللهُ بِأَمْرِهِ وَاللهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ) [التوبة:24]. إذًا فالإنسان يحب أباه، وابنه، وأخاه، وزوجه، وعشيرته، وماله، ومسكنه، ووطنه... لكن أن يصل ذلك إلى حد تفضيل هذه الأشياء على حب الله ورسوله، والجهاد في سبيله، فهذا هو "الفسق" الذي يُهدَّد صاحِبُه، ويقال له: تربص وانتظر حتى يأتي الله بأمره!
ولما ذكر الله تزيين الشهوات للإنسان: من النساء، والبنين، والقناطير المقنطرة من الذهب والفضة، والخيل المسومة، والأنعام، والحرث؛ عقَّب بقوله: (ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاللهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الْمَآبِ . قُلْ أَؤُنَبِّئُكُمْ بِخَيْرٍ مِنْ ذَلِكُمْ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَأَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ وَرِضْوَانٌ مِنَ اللهِ) [آل عمران:14، 15].
ولما ذكر أن المال والبنين زينة الحياة الدنيا؛ عقب بقوله: (وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَوَابًا وَخَيْرٌ أَمَلاً) [الكهف:46]
فرفع الإنسان من كونه حيوانًا يشبع غرائزه الفطرية، ثم يقف عند هذا الحد، إلى كونه مؤمنًا متطلعًا إلى اللذات الكاملة الدائمة في جنات النعيم. وشتان بين لذة الدنيا الفانية، ولذة الآخرة الباقية، شتان بين لذة عابرة خاطفة في هذه الدار، قبلها: الجوع، والعطش، والشبق، والحرمان، والبعد، وبعدها: الإعراض، والملل، والكراهية، وهي مشوبة بالأكدار والأحزان، والمخاوف، والآلام... وبين لذة في الجنة لا يسبقها حرمان، ولا يلحقها ملل، ولا يقارنها همّ ولا حزن.
وتأمل كل لذة في هذه الدنيا تجد قبلها، أو معها، أو بعدها، ما تستقذره النفس، وتشمئز منه، وهذه آية بينة لقوم يعقلون.
وحين كان المؤمنون يعون هذه المعاني ويتذوقونها اعتدلت الموازين في نفوسهم، فلم يُعرضوا عن المباح إعراض الرهبان، ولا أقبلوا عليه إقبال أهل الجحود والكفران؛ بل جعلوه سُلَّمًا لترقية النفس وتهذيبها، وضحَّوا به إذا دعا داعي البذل والجهاد.
إن المؤمن يستعلي على ما يحب في هذه الدنيا من الأزواج، والشهوات، والأولاد، والأموال، والحياة؛ لإيمانه بأن الحياة ليست نهاية المطاف بل هي ساعات معدودة بالقياس إلى الخلود السرمدي الأبدي في الدار الآخرة.
وهل تظن أن المسلم الكريم وهو يضحي بهذه الأشياء لا يرغب فيها؟ كلا؛ بل هو يحب المال، فينفق مما يحب، ويحب الحياة، فيبذلها رخيصة في سبيل الله.
ومن الذي بذل الحياة رخيصة ورأى رضاك أعزَّ شيء فاشترى؟
أتظن أن المسلم وهو يغالب شهواته، ويجاهد نفسه على الطهر والعفاف لا يجيش في نفسه الهوى؟ كلا؛ بل يتحرك في نفسه من النوازع مثل ما في نفوس الفجار أو أشد، ولكنه يخاف مقام ربه، فينهى النفس عن الهوى، قال تعالى: (وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى . فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى) [النازعات:40 ، 41]. وهذا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أوتي قوة أربعين رجلاً في الأكل، والشرب، والجماع، والشهوة، ومع هذا تصفه عائشة أم المؤمنين - رضي الله عنها - بأنه: "كان أملككم لإربه" يعني لحاجته.
وهكذا يظهر كيف جاء الدين معترفًا بالفطرة، موافقًا لها، منظمًا لطريقة إشباعها، مزكيًا مهذبًا لها.
ـــــــــــــــــــ(100/143)
أنت متفوق وهذا الدليل
عز الدين فرحات 14/4/1424
14/06/2003
يشعر بعض الطلاب عند اقتراب موسم الاختبارات بشيء من ضعف الثقة بالنفس، والخوف والتردد، وتتوارد على ذهنه الخواطر السيئة، وتمر على ذهنه بعض العبارات والأفكار المحبطة، وهنا يأتي دور البرمجة النفسية الإيجابية، والبعد عن الإيحاءات السلبية، وللتغلب على هذه الإيحاءات السلبية برمج نفسك على النجاح بالخطوات التالية:
احذر هذه الكلمات
أنا فاشل في الدراسة.
لا يمكن أن أنجح في هذه المادة.
لا أستطيع مراجعة هذه المادة.
ليس عندي أساس قوي في هذه المادة؛ ولذلك لا أستطيع النجاح فيها.
لا يمكن أن أحصل على أكثر من مقبول.
(تَنْسدُّ) نفسي وأنا أذاكر هذه المادة.
المادة صعبة جداً
وعليك بهذه العبارات
ردد في نفسك هذه العبارات وبصوت مرتفع نسبيا:
- إنني أثق بذاكرتي
- إن المعلومات التي أقرأها سأفهمها، وأتذكرها بسهولة.
- إن المادة ستكون سهلة مع الوقت، وسوف أفهمها.
- غداً في الامتحان ستكون أعصابي هادئة.. هادئة.. .هادئة......
وإليك هذه الخطوات
أولاً: برمج نفسك أن تكون ناجحاً في دراستك, تخيل أنك حصلت على أعلى تقدير.
ثانياُ: برمج نفسك أنك ذكي لامع، تخيل نفسك كذلك.
ثالثا: قم بتصوير العبارة الإيجابية التي تناسبك أكثر من صورة .
رابعا: الصق الصور في أماكن متكررة أمامك يوميا؛على إن تكون في موقع بارز من غرفتك , بجوار مكتبك , عند الباب،...
خامسا: عود نفسك النظر إلى هذه العبارات يوميا.ً
سادساً: كرر العبارات في ذهنك كلما تذكرتها، وباستمرار.
بتصرف من كتاب (مهارات المذاكرة) للدكتور نجيب رفاعي.
ـــــــــــــــــــ(100/144)
مرحباً بالاختبارات
أسامة علي متولي 14/4/1424
14/06/2003
أيام بهجةٍ وسعادةٍ وسرورٍ وحبور ، فقد قرُب الموعد ، لنجنيَ الثمار ، ونحقِّقَ الآمال ، علّنا نكونُ شيئاً عظيماً في هذه الأكوان ، يفتخرُ بنا الأهلُ والأحباب ، يسعدُ الوطن ، وتزهو الأمّة ، فهذا فتىً قادمٌ ، يُعيدُ مجدَنا ، ويبني حضارتنا ، ويردُّ كرامتنا ، فأهلاً أهلاً بالأبطال ، في ميدانهم .
إليك يا ابن الإسلام وصيَّتنا من قلبنا - في كلمات- فاعقلها وتوكّل على مولاك ، والله معك ، يحفظك ويرعاك :
1 ـ فرّغ نفسَك من كلِّ الأشغال ، فلا عمل لك الآن إلا المذاكرة ، اعتذِر لمن يشغلُك ، بكلّ لطفٍ وحكمة ، واجلس على مكتبك ، ففيه مستقبلُك ، وحافظ على وقتِك ، فهو رأسُ مالِك ، بل هو عمرُك ، لا تُضيّع منه لحظة ، فأنت مسؤولٌ عنه أمام ربك .
2 ـ ربِّ نفسك على الجدّ ، لا تلتمس الأعذار ، فأنت المسؤول عن حياتِك ، عن نجاحِك ، عن مصيرك ، فانهض .. وتقدّم .
3 ـ أحِبَّ المذاكرة ، فبِها ستنالُ المجد والسؤدد ، لن تكون فرداً كسائرِ الناس ، ممن حسبوا أنهم خُلقوا عبثا؛ وإنما سيُشار إليك بالبنان، وتنالُ رضى الرحمن ، عندما يتأثّر بك الآخرون ، ويهتدي على يديك التائهون .
4 ـ المعصيةَ المعصيةَ ، فهي سبب كلّ بليّة ، يجد صاحبُها عثراتٍ في فهمه ، وعقباتٍ في استيعابِه ، وقد يعيبُ عقلَه ، ويتّهمُ خلقتَه ، مع أنّ الله هو الذي خلقه فأحسن خلقه ، وفضّله على كثبر ممن خلق .
بادر الآن بالتوبة والاستغفار ، يعدْ لك رشدُك ، ويُردّ عقلُك .
5 ـ ادعُ الله أن يشرحَ صدرَك ، وييسّرَ أمرَك ، والتمس من أبيك وأمّك - وكلِّ من يحبُّك - دعاءً صادقاً مخلصا ، وظُنَّ الخير في ربِّك ، فهو سبحانه عند ظنِّك به .
6 ـ أنت الآن في طاعة ، فاجعلها خالصةً لمولاك ، انوِ بمذاكرتِك وجه ربك ، اعزم على تسخير تفوقك، في إعمار أرضه ، وإصلاحها ، وتعبيدِها له سبحانه .
7 ـ هيئ الجوّ المناسب للمذاكرة : نظّم مكتبَك ، ابتعد عن الضوضاء ، لا تذاكر عند السرير ، ولا أمام التلفاز ، اجلس الجلسة الصحيحة ، لا ينحن ظهرُك .
8 ـ استعمل الورقة والقلم في مذاكرتِك ، اكتب عناصر الدرس ، حلََََّ أسئلتَه ، تأكّد من صحّة حلّك ، عالج نقاط ضعفِك ، مارس الاختبارات ، لتجدَ اختبارك الحقيقيّ شيئاً يسيراً معتاداً ، قد مرَّ عليك مثلُه .
9 ـ اشرح لزملائك الصالحين ، فإنّ إنفاق العلم يزيدُه ، وشرحُك لا يجعلُك متفوّقاً ؛ بل تكون به أستاذا .
10 ـ لا تفكِّر في أقلَّ من مئةٍ بالمئة ، وأنت لها .
11 ـ وليلةَ الاختبار لا تسهرْ ، واستيقِظ كما تعوّدت عند الفجر ، صلِّ ، اذكر ربَّك ، راجع مراجعةً خفيفةً سريعة ، أعدَّ أدواتِك ، انطلق إلى مقرّ اختبارك ، لا تتأخّر .
12 ـ وعند الاختبار ، اجلس منضبطاً ، هادئ الأعصاب ، ساكن القلب ، واعتمد على ربِّك العظيم ، وادعه أن يجعل الحزْن سهلا .
13 ـ أمسك ورقة الأسئلة ، اقرأها ، قد تشعر أن هناك ما لا تعرفه ، لا تقلق ، فهذا شعورٌ طبيعيّ ، وسوف ترى بعد قليل ؛ ستُفتح المغاليق ، وستنطلق انطلاقة الجواد العتيق ، فاستعن بالله ولا تعجز .
14 ـ ابدأ بحلّ الأسئلة السهلة عليك ، نظّم دفتر إجابتك ، حسّن خطّك ، وبعد أن تنتهي؛ راجِع مراجعةً دقيقةً بقراءة السؤال ، والتأمّل في الجواب، وكأنك تجيبُ من جديد ، ولا تترك سؤالاً بلا جواب ، فما لم تعرفه أجب عنه في النهاية من معلوماتك العامّة ، شريطة أن تكون لها علاقة بالسؤال .
15 ـ لن أقول لك : احذر الغشّ ، لأنّك تخشى الحرام ، وتتقي الله وتراقبه ، فالله أكبر وأجلّ وأعظم في نفسك من المدير والموجّه والمراقب .
وأنت تعلم أنّ الله لا يبارك في الحرام ، فسرعان ما ينكشف الغاشّ ويقع ، وإذا نجح كان النجاح مزيّفا ، لن يبقى له أثر .
ومن الغشّ محاولة الحصول على الاختبار قبُيل وقته ، ليكون الغضب والعقاب من الله علام الغيوب .
16 ـ وبعد الاختبار؛ اخرج من لجنتك حامداً ربَّك ، ولا تفكّر فيما فات ، واستعدّ لما هو آت ، واستفد من أخطائك في تصحيح مسارك .
17 ـ وبعد ظهور النتيجة؛ لا تنسبْ فضل تفوقك لنفسك، لعقلك ، لذكائك ، لمدرسك، لأبيك ، لأمك ؛ بل أرجع الفضل لله وحده ، فهو الذي خلق لك العقل ، وهيّأ لك الأسباب ، وهو الذي وفّقك وسدّدك ؛ فاشكره واسجد له واعبده .
وهذا لا يمنعك من شكر أساتذتك وأهلك على ما بذلوه لك ، فإنه لا يشكر الله من لا يشكر الناس .
وأخيراً؛ أخانا الطالب.. والله إنا لنهنئ أنفسنا بك ، ونرقب جميعاً تفوقك ، وننتظرك لتقرّ أعيننا، وتستلم رايتنا ، فهيّا نحن في انتظارك ، فهذا لسان حالك :
سيذكرُني قومي إذا جَد جدّهمُ ... ...
وفي الليلة الظلماء يُفتقدُ البدرٌ
ـــــــــــــــــــ(100/145)
أساليب التربية على الأخلاق الفاضلة
د.إيمان عبد المؤمن سعد الدين 7/4/1424
07/06/2003
لقد أقام الإسلام نظاماً فريداً لتربية أبنائه على أساس أن تكوينهم يحفظ عليهم كيانهم، ويحقق التوازن الكامل بين طاقاتهم بحيث لا تدمر فيهم طاقة من الطاقات؛ بل تعمل كلها في انسجام تام بلا طغيان ولا ضعف. وهذا النظام جعل الغربيين ينظرون إليه بعين الإعجاب حتى إن رجلاً كالدكتور (سيزل) عميد كلية الحقوق جامعة فينا يقول في مؤتمر عالمي عام 1927:"إن البشرية لتفخر بانتساب رجل كمحمد إليها، فإنه على أميته استطاع قبل بضعة عشر قرناً أن يأتي بتشريع سنكون نحن الأوروبيين أسعد ما نكون لو وصلنا إليه بعد ألفي عام".
ولا تجد غرابة في هذا؛ فإن الله الذي خلق الإنسان هو الذي أتى بهذا التشريع الذي شمل الحياة، كما شمل التربية بجميع خصائصها، فهو بمن خلق أعلم بحاجاتهم وأدرى (ألا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير) [ الملك: 14]. ومن هنا جاء هذا المنهج شاملاً لكل الخصائص التي تتفق مع حاجات الإنسان في أطوار حياته، ويمكن للباحث أن يهتدي إلى بعض ما ذكرته العناية الإلهية في القرآن الكريم والسنة المطهرة من أساليب مؤثرة ربت النفوس، وارتقت بالهمم، وفتحت قلوب البشر للهدى الإلهي والحضارة الإسلامية، ومكنت لهم في الأرض. في سعتها وفي عمق الزمان ما لم يتح لغيرهم من أمم الأرض أن يتمكنوا فيه.
وقد حققت أساليب ووسائل التربية الإسلامية نتائج تربوية عظيمة انعكست آثارها على الرعيل الأول من المسلمين، وبدت آثارها في تفوق وتقدم المجتمع المسلم في عصور الحضارة الإسلامية الزاهرة، وقد سلك مربي البشرية الأول محمد – صلى الله عليه وسلم- طرقاً مختلفة في تربية أصحابه، وقد اختلفت هذه الأساليب والطرق ومراعاة للفروق الفردية بين البشر.
ولعل أهم هذه الأساليب وأبرزها:
1- أسلوب الحوار القرآني والنبوي.
2- التربية بالقصص القرآني والنبوي.
3- التربية بالأمثال القرآنية والنبوية.
4- التربية بالقدوة.
5- التربية بالممارسة والعمل.
6- التربية بالعبرة وبالموعظة.
7- التربية بالترغيب والترهيب.
ومن أساليب التربية :
" تعود الخلق الفاضل"
العادة تؤدي دوراً خطيراً في حياة الإنسان، ذلك لأنها توفر قسطاً كبيراً من الجهد البشري بتحويله إلى عمل سهل يؤديه الإنسان في ميادين جديدة من العمل والإنتاج والإبداع، ولولا هذه الموهبة التي أودعها الله في فطرة البشر لقضوا حياتهم يتعلمون المشي أو الكلام أو الحساب، ولكنها على عظم مهمتها في حياة الإنسان تنقلب إلى عنصر معوق معطل إذا فقدت كل ما فيها من وعي، وأصبحت أداءً آلياً لا تلتفت إليه النفس، ولا ينفعل به القلب.
والإسلام يستخدم العادة أسلوباً من أساليب التربية؛ فيحول الخير كله إلى عادة تقوم بها النفس بغير جهد وبغير مقاومة. وطريقة العادة تكون بتكرار عمل معين مرات كافية؛ لجعله جزءاً من حياة الإنسان كالصلاة والصيام.
ومن هنا فقد طلب الإسلام أن ترتبط هذه الأعمال بالنية حتى تحتسب في ميزان حسناته.
وذلك في الحديث الذي رواه عمر بن الخطاب – رضي الله عنه – عن رسول الله – صلى الله عليه وسلم- أنه قال: "إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى"
كيف تتكون الأخلاق؟
والأخلاق تتكون بالممارسة والاعتياد، وبكثرة تكرار الفعل والمواظبة عليه؛ فعندما يراد تحويل المرء من خلق ذميم إلى خلق حسن، يحمل المرء على إتيان هذا العمل وتكراره حتى بتعوده مع استعمال وسائل الإغراء والترغيب ووسائل التنفير من ضده، بحيث تصير نصرته منه رغبة وميلاً، بل وطبيعة أيضاً.
وبالمواظبة يصير الفعل الحميد عادة لازمة وطبعاً، وبذلك يصير خُلقاً، يقول الشاعر.
وينشأ ناشئ الفتيان فينا ... ...
على ما كان عوده أبوه
فتعويد الطفل على الخير منذ صغره يكسبه محبة له؛ فيصير عنده عادة، يقول الإمام أبو حامد الغزالي في ذلك في كتابه (الإحياء):"والصبي أمانة عند والديه، وقلبه الطاهر جوهرة نفيسة ساذجة خالية من كل نقش وصورة، وهو قابل لكل ما نقش، ومائل إلى كل ما يمال به إليه، فإن عوّد الخير وعلمه؛ نشأ عليه وسعد في الدنيا والآخرة، وشاركه في ثوابه أبواه، وكل معلم له ومؤدب. وإن عوّد الشر وأهمل إهمال البهائم؛ شقي وهلك وكان الوزر في رقبة القيم عليه والوالي له". وقد قال عز وجل: (يا أيها الذين آمنوا قوا أنفسكم وأهليكم ناراً) [ التحريم:6].
والأدب يحفظ الإنسان في الدنيا، ويصونه في الآخرة،وصيانة الأب لابنه تتحقق بأن يؤدبه ويهذبه، ويعلمه محاسن الأخلاق...، ثم يوضح الغزالي كيفية اكتساب الأخلاق عن طريق المجاهدة والرياضة، ويعني بها حمل النفس على الأعمال التي يقتضيها الخلق المطلوب. فمن أراد أن يحصل لنفسه خلق التواضع -مثلاً- وقد غلب عليه الكبر، وعليه أن يواظب على أفعال المتواضعين مدة مديدة، وهو فيها يجاهد نفسه حتى تصير فيه خُلقاً وطبعاً؛ فيتيسر عليه بعد ذلك، وهكذا في كل خلق.
وهذه هي الطريقة التي سلكها القرآن الكريم منذ نزوله على سيد البشرية محمد -صلى الله عليه وسلم- على أهل الجاهلية، بما فيهم من عادات خاطئة وتقاليد جاهلية موروثة عن آبائهم، فجاء الإسلام وصححها، وأقام المعوج فيها عن طريق التدرج بهم في نزع تلك العادات عنهم، حتى يسهل الاقتناع بالخلع عنها وإبطالها مثل عادات: وأد البنات، وشرب الخمر، والزنا، والربا، والرق...، وغيرها.
وقد عُني الإسلام بإزالة العادات السيئة التي وجدها سائدة في البيئة العربية، واتخذ لذلك إحدى وسيلتين: إما القطع الحاسم الفاصل، وإما التدرج البطيء حسب نوع العادة التي يعالجها، وطريقة تمكنها في النفس، فكل عادة جاهلية شركية تتصل بأصل التصور والعقيدة؛ قطعها الإسلام قطعاً حاسماً من أول لحظة – فهي كالأورام الخبيثة في الجسم ينبغي أن تستأصل من جذورها، وإلا فلا حياة-؛ لأنه لا يمكن أن يستقيم إيمان وشرك، هذا بالنسبة للعقائد. أما العادات الاجتماعية مثل عادة وأد البنات، أو شرب الخمر، والزنا، والربا، والرق؛ فقد لجأ فيها إلى التدرج البطيء مع استمرار الوعظ والتوجيه، واستحياء القلوب، فهي لم تكن عادات فردية وجدانية بقدر ما كانت أمراضاً سارية في المجتمع، وهي كذلك ليست من العادات التي تستطيع كل نفس أن تحسم موقفها منها في لحظة فلا يعاودها الحنين إليها ولا تعود!
لذا لجأ الإسلام في علاجها إلى التدرج، ومراحل تحريم الخمر أوضح مثال على نجاح أسلوب التدرج في العلاج.
أما العادات النفسية من : كذب ونميمة وغيبة وكبر؛ فكانت وسيلة مواجهتها هي التوجيه المحيي للقلب، والاتصال بالله في السر والعلن.
هذا بالنسبة لمنهج الإسلام في القضاء على سيئ العادات، أما منهجيته في غرس وتثبيت ودعم العادات الصالحة المرغوب فيها؛ فإنه وضع عدة أساليب منها:
1- أسلوب الهزة الوجدانية الموجبة والقادرة على تغيير البناء العقدي والتصور عند الإنسان، ويستخدم هذا الأسلوب من أجل تحويل الناس من الكفر إلى الإيمان، ويعتمد هذا الأسلوب على تغيير البيئة، حيث ينتقل المسلم من بيئته الكافرة لينتمي إلى جماعة الإيمان، فيدخل معهم في علاقات إيمانية قوامها العدل والمساواة والتآخي، ويمارس معهم شعائر الإسلام. ويصبح ذلك عادة مرتبطة بزمان ومكان وأشخاص، ومن هنا تنشأ العلاقات وتصبح النماذج السلوكية الجديدة ظاهرة فردية وجماعية معاً، ويستقيم المجتمع وتحيى فيه التصورات والفضائل الإسلامية، وبذلك تصبح العادة عملاً فردياً وارتباطاً جماعياً في آن واحد؛ فيحقق الدوام والاستمرار للمجتمع نظاماً اجتماعياً قوي الأسس متين البنيان.
فالإسلام يلجأ أولاً إلى إثارة الوجدان، ويغرس الرغبة في العمل، ثم يحول الرغبة إلى عمل وسلوك يدعمه الإيمان وتدعمه الجماعة المسلمة؛ كالصلاة مثلاً، هي رغبة في الاتصال بالله والدعاء إليه وطلب المعونة منه؛ فيحول هذه الرغبة إلى عمل محدد ذي مراسم وحدود ثم ينظمها في أوقات محددة ثم يدعو إلى الجماعة ويرغب فيها.
وكالزكاة؛ تهدف إلى تحرير النفس من الشح، وتعويدها العطف على المحتاج والتعاون مع الجماعة؛ فتتحول الرغبة إلى عمل ظاهر ومحدد ذي نسبة محددة في المال، وأوقات معينة في الأداء، ثم يحول العمل الفردي إلى نظام تقوم عليه الدولة والمجتمع.
2- الإقناع والاقتناع العقلي: يتضمن الإسلام جانب الغيب، وهي مسألة إيمانية خالصة، تحتاج إلى التسليم والإذعان، وجانب عقلي يحرص الإسلام على إقناع المؤمنين به، فالإسلام يخاطب الناس على قدر عقولهم، ثم يستثير الرغبة ويعمل على ترجمتها إلى مواقف سلوكية كما في الأمثلة السابقة.
ـــــــــــــــــــ(100/146)
روشتة النجاح والتفوق يضعها الخبراء!
سهير الجبرتي 30/3/1424
31/05/2003
أُعلنت حالة الطوارئ.. الهدوء والسكينة بالقوة الجبرية.. لا شيء يعلو فوق صوت المذاكرة.. ممنوع الزيارات أو الرد على الهاتف.. المنزل يتحول إلى خلية نحل، والسبب واحد.. موسم الامتحانات على الأبواب!. هذا هو حال الأسرة العربية التي تضم بين أفرادها أبناء في مراحل تعليمية مختلفة، وتأتي الامتحانات لتجعل الجميع على قلب واحد؛ حرصاً على عدم ضياع مجهود السنة الدراسية، وسعياً وراء حصول الأبناء على تقديرات مرتفعة، ووسط كل هذا قد تختلط الأمور بسبب الحرص الزائد على مستقبل الأبناء، فتأتي في المحصلة نتيجة عكسية، إلا أن ذلك لا يعني النهاية، فالتوفيق من عند الله، والمهم هو أداء المطلوب، فإذا قدَّر الله النجاح فلنسجد له شكراً، إما إذا حدث الرسوب -لا قدَّر الله- فهذه ليست نهاية العالم، بل بداية المشوار، وتصحيح الأخطاء والاستفادة منها لتحقيق النجاح ..
(الإسلام اليوم) استطلع خبراء التربية والتعليم حول الأسلوب الأفضل للمذاكرة، ونقدم من خلال السطور التالية (روشتة نجاح) نضعها بين يدي أبنائنا الطلاب والطالبات وأسرهم؛ لعلهم يسترشدون بها لتحقيق غايتهم في النجاح والتفوق .
عدة خطوات
في البداية تؤكد الدكتورة (فايزة يوسف) -عميد معهد دراسات الطفولة بجامعة عين شمس- أنه لضمان النجاح في الامتحان لابد من اتباع عدد من الخطوات التي أثبتت التجربة نجاحها، حيث ينبغي ثبات مكان وموعد المذاكرة اليومية بقدر المستطاع، فذلك من أهم عوامل التركيز، وثبات المعلومة في ذهن ابنك، بشرط أن تكون المذاكرة على المكتب، وليس أثناء النوم أو الراحة على السرير، ومن الضروري الحصول على راحة ذهنية وجسمية بعد كل ساعة إلى ساعتين من المذاكرة، وذلك يختلف حسب سن وقدرة ابنك على الاستيعاب، فكلما كان عمره أصغر، كلما احتاج إلى راحة بعد مدة أقل من المذاكرة، وتكون فترة الراحة من عشر دقائق إلى ربع ساعة، يعود بعدها للمذاكرة مرة أخرى مع ضرورة البعد عن كافة المؤثرات الخارجية التي تشغل ابنك عن المذاكرة، مثل الضوضاء الناتجة عن الراديو أو التليفزيون، حتى لو تم إغلاقهما خلال فترة الامتحانات أو وقت المذاكرة، وحرمان كل أفراد الأسرة منهما خلال هذه الفترة. وتخاطب الخبيرة التربوية أمَّ الطالب المقبل على الامتحانات قائلة: احرصي على أن يكون ابنك قد أخذ كفايته من الأكل، وليس متعباً جسمياً عندما يبدأ في المذاكرة خلال الامتحانات؛ لأن الجوع والإرهاق الجسماني من أهم ما يجعل ابنك غير قادر على التحصيل والمذاكرة، وينبغي ألا يزيد عدد المواد التي يذاكرها ابنك في اليوم الواحد عن ثلاث مواد؛ حتى لا يشعر بالتشتت، على أن يذاكر الموضوع الواحد في المادة الواحدة كله بدون تجزئة، ويتأكد من استيعابه تماما قبل أن ينتقل من موضوع إلى آخر، أو من مادة إلى أخرى، مع ضرورة تعويد الابن على اللجوء إلى أكثر من طريقة في المذاكرة في وقت واحد، مثل التلخيص والقراءة بصوت عالٍ، والرسم التوضيحي والتسميع وغيرها.
المذاكرة الفردية أفضل
وتؤكد الدكتورة (فايزة يوسف) أن المذاكرة الفردية أفضل عند الامتحانات، إلا في حالات الضرورة، فيمكن في أوقات المذاكرة اليومية العادية أن يجتمع أصدقاء وزملاء ابنك للمذاكرة، لكن عند الامتحان يجب أن يذاكر بمفرده، فهذا أفضل للتركيز استعداداً للامتحان، وتجميع ما تم تحصيله من قبل. وتنصح أيضاً بعدم تناول الشاي والقهوة وكل المنبهات أيام الامتحانات أو عند الاستعداد لها، ولابد أن ينام ابنك ثماني ساعات يومياً؛ لكي يحصل على قسط وافر من الراحة الذهنية والجسمية، يستطيع بعدها مواصلة المذاكرة. والأهم -والكلام لا يزال على لسان الخبيرة التربوية- تعويد أولادنا التوكل على الله، بعد الأخذ بالأسباب، وعدم الخوف والقلق والاستعانة بالله -عز وجل- والدعاء والتضرع له –سبحانه- للتوفيق والنجاح .
أوقات المذاكرة
ويؤكد الخبير التربوي الدكتور (أحمد صادق) -عميد كلية التربية- على أهمية الجو المحيط بالطالب، وضرورة أن يكون مريحاً يمتاز بالهدوء وعدم الانشغال بأمور أخرى، لذا فإن أفضل مكان للمذاكرة هو المسجد أو الغرفة الخاصة، مع عدم الإكثار من تناول الوجبات الخفيفة بشكل مستمر، أو الاعتماد على السكريات فقط، أو الإكثار من تناول المنبهات (كالقهوة والشاي )؛ لأنها تمنح النشاط والطاقة، إلا أنه سرعان ما يعقبها حالة من الخمول والارتخاء . أما الشيء الذي يحتاج إليه الطالب بشدة فيتمثل في المواد (الكربوهيدراتية) التي تتوفر في الخبز والفطائر، مع عدم مزاولة أي نشاط يأخذ وقتاً ومجهوداً كبيراً -إلا في أيام العطلة الأسبوعية- مثل لعب كرة القدم؛ لكونها تحتاج إلى مجهود جسمي وإلى وقت طويل، وتحتاج بعد المباراة إلى راحة طويلة. وكذلك الابتعاد عما يشغل أثناء وقت المذاكرة من قراءة الصحف و مشاهدة التلفزيون... وغيرها .
أما بالنسبة لوقت المذاكرة والمراجعة فيرى الدكتور صادق أن أفضل وقت لذلك هي الساعات التي تعقب صلاة الفجر وصلاة العصر، حيث يكون الجسم قد نال قسطاً من الراحة بعد النوم .
ليلة الامتحان
عقارب الساعة تمر سريعة، ساعات ويبدأ الامتحان (عنق الزجاجة) نحو المستقبل، تلك هي الليلة الأخيرة، ولابد من استغلالها الاستغلال الأمثل ..
خواطر تتبادر وتجول بأذهان الطلاب ليلة الامتحان، وما بين الخوف والقلق والترقب والاهتمام واللامبالاة يعيش الطالب في انتظار اللحظة الموعودة ..
الدكتورة (ماجدة نور الدين) -خبيرة المناهج والدراسات التربوية- تنصح الطالب ليلة الامتحان بضرورة الاعتماد على الله أولاً وأخيراً، وتجنُّب الإرهاق البدني والنفسي، والحرص على النوم المبكر وتجنب السهر، والحرص على أداء صلاة الفجر لكسب طاقة إيمانية وتفاؤل، والإكثار من الدعاء بالتوفيق والسداد، والحرص على تناول طعام الفطور قبل الذهاب للجنة الامتحان؛ لأن الحرمان من الغذاء يؤثر سلباً على الحفظ . على أن يكون توقيت الذهاب للجنة الامتحان منضبطاً مع موعد بدء الامتحان، مع تفادي مناقشة الزملاء في المادة، أو الأجزاء المهمة والأسئلة المتوقعة؛ لأن ذلك يوقع في البلبلة و الإرباك. كذلك بعد الخروج من اللجنة -وبعد الفراغ من الإجابة- يجب عدم مقارنة أو مراجعة الإجابة مع أحد، بل يجب الاستعداد لليوم التالي. أما بالنسبة للجنة الامتحان فتنصح الدكتورة (ماجدة) بمراعاة تقديم إجابة واحدة دون تقديم إجابتين مختلفتين، خاصة إذا كانت التعليمات تقضي بحذف الدرجة، واعتبار الإجابة غير صحيحة، حتى وإن كانت إحدى الإجابات صحيحة .
الأمل في تحقيق النجاح
جاءت اللحظة الحاسمة، ودخلتَ قاعة الامتحان، ماذا تفعل .. حلم حياتك وهدفك يتبادر أمام ذهنك، تعب الأيام السابقة وسهر الليالي، فلا تقلق إن الله لن يضيع من أحسن عملاً ..
الدكتور (عادل صادق) الخبير النفسي ينصحك بالخطوات التالية في قاعة الامتحانات :
لا تنس قبل البداية في حل الأسئلة الاستعانة بالله والتوكل عليه؛ ثم اقرأ كل التعليمات والأسئلة الواردة في ورقة الأسئلة قبل الشروع في الإجابة، وإذا احتوت ورقة الامتحان على أسئلة اختيارية فمن الأفضل قراءة جميع الأسئلة قبل الشروع في الحل . وقد يندفع الطالب إلى الإجابة بسرعة وهي عادة قاتلة؛ لأنه عادةً ما يخطئ في قراءة السؤال أو يسيء فهم التعليمات . ويضيف: لا تخش أن تسجل أي ملاحظة على ورقة الأسئلة، كوضع علامة على الأسئلة التي اخترت الإجابة عنها . وبمقدورك الإجابة عن الأسئلة حسب تفضيلك لها، فتبدأ بالأسهل أولاً . ضع دائرة حول الأسئلة أو أجزاء الأسئلة التي لم تتمكن من الإجابة عنها، وبعد ذلك إذا كان هناك متسع من الوقت حاول فيها مرة أخرى . ومن شأن هذه العملية أن تيسر عليك تحديد النقاط الصعبة بمنتهى السرعة .
ويضيف الدكتور صادق: (يحسن بك أخي الطالب أن تحدد وقتاً لكل سؤال وتلتزم بهذا الوقت المحدد، وذلك لتَتمكن من الحصول على أقصى الدرجات. وإذا كانت الإجابة تعتمد على السرد (تعبير أو شرح فقرة)، فمن الأفضل أن تحدد النقاط الأساسية التي ترغب في تضمينها في إجابتك، وهذه الطريقة تساعدك على عدم تجاهل أي نقطة أثناء تدفق الكتابة) .
وإذا احتوت ورقة الاختبار على أسئلة ذات إجابات اختيارية متعددة، وعجزت عن التعرف على الإجابة الصحيحة، فحاول تخمين الإجابة، فهذا أفضل من لاشيء، على ألا يكون هناك أي عقوبات جزئية على اختيار الإجابة الخاطئة. ويضيف إذا لم يحالفك التوفيق والنجاح في أول مرة، فكرر المحاولة ولا تيأس فبمقدورك دائماً المقاومة، وإن التحلي بالقوة شيء يدعو إلى الإعجاب، فالاختبارات ليست مسألة حياة أو موت.
ويضيف الدكتور (عادل صادق) إذا رسب الطالب -لا قدر الله- في مادة أو أكثر، فيجب على الأسرة استيعاب نفسيته، وإعطائه الأمل في تحقيق النجاح مرة أخرى، ويجب الحذر من تأنيبه ومعاقبته؛ حتى لا يسبب ذلك مردودا نفسيا سيئا لدى الطالب، بل يجب تشجيعه وتحفيزه ومنحه الثقة في نفسه لتجاوز هذه العقبة، فليس الرسوب نهاية المشوار بل هو بداية التحدي، فالمهم ضرورة توافر الإرادة والعزيمة للتعويض والمحاولة مرة أخرى، والاستفادة من أخطاء الماضي وتداركها من أجل إثبات الذات
ـــــــــــــــــــ(100/147)
الاستشهادية هبة دراغمة .. والعجز الإسرائيلي في مواجهة الانتفاضة
أسامة الهتيمي 23/3/1424
24/05/2003
جاءت انتفاضة الأقصى؛ لتكون ملحمة لجهاد أمة وبطولة شعب، يحرص جميع فئاته على تقديم التضحيات لتحرير الوطن المحتل .
جاءت انتفاضة الأقصى لتأخذ المرأة الفلسطينية دورها: زوجة لشهيد، أو رفيقة درب لأسير، أو أم تربي أطفالها على الجهاد وحب الاستشهاد، تقدم أبناءها واحداً تلو الآخر فداءً لدين لله.
غير أن المرأة الفلسطينية لم تكتف بهذا الدور؛ بل أرادت أن تبذل كل طاقتها من أجل الدفاع عن أرضها ودينها، فحملت لواء التطوع في المستشفيات، وفي طواقم الإنقاذ، و جادت بحليها تبرعا لشراء السلاح والذخيرة!.
رغم كل تلك التضحيات لم تلبث المرأة الفلسطينية إلا أن تصر على تقديم روحها وحياتها رخيصة في سبيل الله ؛ لتكون وقوداً للانتفاضة، ونوراً يهدي الحيارى إلى طريق النصر.
مجاهدة في عمر الزهور!
وسجل الجهاد الفلسطيني حافل بالعديد من الشهيدات كانت آخرهن (هبة عازم أبو خضير دراغمة)، تبلغ من العمر 19 عاما، وهي طالبة بالفرقة الأولى جامعة القدس المفتوحة، قسم اللغة الإنجليزية، بقريتها طوباس، التابعة إدارياً لمدينة جنين، والتي سيطر اسمها على جميع وكالات الأنباء العربية والعالمية -هذا الأسبوع- بعد قيامها بعملية استشهادية بمركز تجاري بمدينة الـ(عفولة) شمال تل أبيب، مما أدى إلى مقتل أربعة وإصابة 71 صهيونياً ، ثمانية منهم في حالة خطرة.
وعلى الفور أعلنت إسرائيل حالة الاستنفار القصوى إثر العملية الاستشهادية بـ(العفولة)، التي نفذتها (هبة دراغمة)، وقد تبنت كتائب شهداء الأقصى وسرايا القدس -الجناح العسكري لحركة الجهاد الإسلامي العملية - وكشفت عن اسم منفذة العملية.
وحسب المصادر الأمنية الإسرائيلية فقد اشتبه حارس المجمع بالاستشهادية (هبة دراغمة)، ومنعها من الدخول إلى السوق، وعلى الفور قامت (هبة) بتفجير نفسها محدثة دويا هائلا، حيث تبين أنها كانت تحمل عبوة وزنها 5 كيلوجرامات.
أسرة تحب الشهادة
و(هبة دراغمة) تنتمي لأسرة فلسطينية بسيطة الحال، تتكون من عشرة أفراد: ثلاث أخوات متزوجات، وأربعة أشقاء ذكور، أكبرهم بكر- 19 عاما- وهو طالب في الثانوية الصناعية بنابلس، كانت قوات الاحتلال الإسرائيلي اعتقلته قبل عام ونصف تقريبا خلال محاولته القيام بعملية استشهادية في إسرائيل.
ويؤكد أقارب الاستشهادية (هبة) - والذين أذهلتهم مفاجأة العملية الاستشهادية التي قامت بها ضد الصهاينة- أن هبة تتسم بالهدوء والسكينة، ملتزمة بدينها حيث ترتدي النقاب منذ فترة، وتحافظ على الصلاة، وتحب العمل التطوعي والخيري في مساعدة أسر المجاهدين والأسرى الفلسطينيين.
وكانت محبوبة بين صديقاتها وزميلاتها في الجامعة ؛ هذه الوداعة جعلت أسرة هبة لا تصدق نبأ وقوفها خلف العملية الاستشهادية في (العفولة)، لأنهم كانوا يعتقدون أن هبة غادرت المنزل في ساعات الظهر قاصدة جامعة القدس المفتوحة في طوباس.
فعندما سمع والد هبة من الناس في الشارع عن تنفيذ ابنته لعملية استشهادية ذهب مسرعاً لمنزله، فلم يجدها هناك، وبعدها ذهب لمنازل شقيقاتها الثلاث المتزوجات، فلم تكن هناك أيضا، فأيقن صحة الخبر الذي تناقله أهالي القرية".
وقد داهمت قوات الاحتلال منزل الاستشهادية هبة، واعتقلت والدها (عازم أبو خضير دراغمة) -50 عاماً- ووالدتها وأشقاءها بعد أن قامت بتفتيش المنزل بصورة دقيقة، ومصادرة بعض المتعلقات الشخصية بـ(هبة).
وجاءت عملية (هبة دراغمة) الاستشهادية رغم قيام جيش الاحتلال الإسرائيلي بإغلاق الأراضي الفلسطينية بالكامل، وتشديده من الإجراءات الأمنية عند الحواجز والمعابر ؛ تحسبًا لتسلل منفذي عمليات إلى إسرائيل.
وقررت الحكومة الإسرائيلية خلال اجتماع استثنائي إغلاق الأراضي الفلسطينية بشكل تام بعد موجة العمليات الاستشهادية الأخيرة، بما يؤكد العجز الإسرائيلي في مواجهة العمليات الاستشهادية الفلسطينية.
مسيرة الاستشهاديات
وتعتبر هذه هي العملية الاستشهادية الخامسة التي تنفذها فتاة فلسطينية خلال انتفاضة الأقصى، حيث كانت أولى الاستشهاديات هي "وفاء إدريس" في مدينة القدس، يوم 28 يناير 2002 ، وهي ما أدت إلى مقتل إسرائيلي، وجرح 140 آخرين.
وأعقب ذلك 3 عمليات أخرى نفذتها كل من "دارين أبو عيشة" في حاجز عسكري إسرائيلي شمال الضفة الغربية، في 27 فبراير 2002 ، وهي ما أدت إلى إصابة 3 جنود إسرائيليين.
و"آيات الأخرس" من مدينة بيت لحم التي قامت بعملية استشهادية في 29 مارس 2002 بإحدى أسواق القدس الغربية ، وهي ما أدت إلى مقتل إسرائيليين وإصابة العشرات، كما نفذت "عندليب طقاطقة" من مدينة بيت لحم عمليتها الاستشهادية يوم الجمعة 12 أبريل 2002، وأسفرت عن مقتل 6 إسرائيليين، وإصابة 85 في مدينة القدس.
وتمضي مسيرة الاستشهاديات؛ لتؤكد العجز الإسرائيلي الغاشم أمام قوة الإيمان وحب الشهادة في سبيل الله!
ـــــــــــــــــــ(100/148)
حملة غربية للحد من زواج المسلم بالنصرانية
عبد الباقي خليفة 16/3/1424
17/05/2003
تشن الأوساط الغربية -على مختلف مستوياتها، سواء أكانت في الإعلام أو الكنائس، أو حتى الحكومات - حملة متواصلة منذ بضعة سنوات ضد زواج المسلمين من نصرانيات، خاصة بعد أن لاحظوا دخول عدد كبير من هؤلاء الزوجات إلى الإسلام بعد زواجهن من مسلمين، و يعد هذا هو السبب الحقيقي- أو الأول- للحملة الفاشلة التي تدعي أن المسلم يضطهد ويستغل المسيحية التي يتزوجها، وتوصي المجتمعات الأوروبية المسيحيات بعدم التفكير في الزواج من مسلم، وتخوفها بأكثر من افتراء على المسلم مصدرة تحذيرات من أمثال " المسلم سيضطهدك إذا تزوجك، وثقافته تختلف عن ثقافتك، سيتزوج عليك أخرى، سيفرض عليك الحجاب، سيحرمك الخروج من البيت ".
اتجاه للحد من زواج المسلم
وتشمل الحملة كذلك أنواع الزواج التي تشعبت لتشمل ما يطلق عليه "بزواج المصلحة" مثل " زواج الإقامة " أو " الجنسية " وكذلك آخر تقليعة ظهرت في المجتمع الغربي وهي " زواج المأوى ". أي أن يتزوج الإنسان من المرأة لتوفر له السكن، بعد أن كانت في السابق توفر له الإقامة والجنسية .. و قد عمدت بعض الدول الأوروبية إلى التضييق على زواج "المصلحة" من خلال سن قوانين تحد من تمتع الأجنبي المتزوج من المواطنة بالجنسية مباشرة بعد الزواج، ووضعت لذلك شروطا كثيرة، كما أن هناك نوعاً آخر من الزواج وهو الزواج الصوري، الذي يتم بالاتفاق بين الأجنبي والمرأة الغربية، دون أن يكون لهما أي ارتباط أو التزامات زوجية، وينتهي بمجرد تسجيل العقد، ويذهب كل في حال سبيله، بعد أن تقبض هي ثمن تلك الإجراءات. وقد أصبح الزواج من هذا النوع تجارة انغمست فيها قطاعات من النساء الغربيات، ورغم أن هذا النوع من الزواج موجود وسائد في أوربا منذ عدة سنوات، إلا أنه وعلى الرغم من تفشي زواج المسلم للمصلحة في المجتمعات الغربية، إلا أن الزواج الحقيقي لا يزال موجودًا، ويكلله النجاح في حالة إسلام المرأة، لكن المشكلة الكبرى تكمن في بقاء المرأة على دينها، والذي تظل آثاره السيئة خامدة فترة من الزمن، حتى إذا مارأت الزوجة مظاهر التدين الإسلامي قد بدت على زوجها، أو أن يحاول اصطحاب أطفاله للمسجد، فتنقلب الزوجة على وجهها، وتناصب زوجها العداء، حتى أن بعض النساء طلبن أن يأخذ الآباء أطفالهم إلى الكنيسة يوم الأحد، كما يأخذهم للمسجد يوم الجمعة.
هجمات منظمة
وأخذت الحملة طابعا هجوميا شاركت فيه محطات التلفزيون، من خلال إعداد مسلسلات تتحدث عن رفض المجتمعات الإسلامية لزواج المسلمة من نصراني؛ بسبب الدين، أطلقت فيها الخيال لشطحات كثيرة تقصد تنفير المجتمعات الغربية من الإسلام، وحث الغربيات على عدم الزواج من مسلم بطرق لا تختلف عن كتابات المستشرقين عن الإسلام والمسلمين في القرون الوسطى، إضافة للادعاء بأن المسلمات يناضلن من أجل خلع الحجاب، بينما الحقائق تؤكد أن المسلمات يضطهدن بسبب الحجاب، كما في تركيا وتونس وعدد من الدول الأخرى بأساليب مختلفة. كما ترفض الحكومات الاعتراف بالأحزاب الإسلامية في بعض الأقطار؛ لأنها تنادي بتطبيق الشريعة التي تتلهف إليها الجماهير، ولذلك يلجأ البعض للخارج لتعرضه للاضطهاد بسبب ذلك، وليس -كما يقول البعض من الغربيين - فرارًا من الشريعة .
القساوسة يقودون الحملة
ويشارك القساوسة -بشكل فاعل- في هذه الحملة، إلا أن الكثير منهم يحاول أن يغلف حربه في إطار من الموضوعية الزائفة، واضعا بذلك السم في العسل ،ويجسد ذلك القس الإيطالي (كورسانيرو) الذي أدلى بدلوه في هذا المجال، وإن كان أخفى كثيرًا من الحقائق، فهو يقول: " كنا نعيش في مجتمعات مسيحية حتى عقود مضت، وكنا ننظر للزواج بمفهومنا باعتباره سرًا مقدسًا. فالله هو الذي يبارك الشخصين عند زواجهما، أما الآن فيمكن اختيار الزواج المدني البحت ". ويشرح ذلك قائلا: "هو عبارة عن عقد بين طرفين، وهو ما يقربنا من مفهوم الزواج الإسلامي. فمن يتزوج في الإسلام لا يرتبط بالطرف المقابل، سواء كان رجلا وامرأة فحسب، وإنما عائلتان تتحدان معا ". ويأسف القس على أن الكاثوليك لم يعودوا يفكرون بنفس الطريقة السابقة، ويقول" "إن هذا لم يعد واردًا فقد تراجع الكاثوليك، وأصبح الشاب والشابة الكاثوليكيان لهما القرار المنفرد، حتى و إن كان قرارهما متعارضا مع رغبة الوالدين ". وهنا يبدو التراجع عن مبدأ الحرية الغربية عندما توضع على المحك. ويضيف " وأعتقد أن سلطة الأبوين أصبح من الصعب ممارستها ". ويتابع "هناك مشاكل كثيرة في موضوع الزواج المختلط (زواج المسلمين من الكاثوليكيات)، ومنه الزواج المؤقت، والذي تفرضه ضرورات الواقع، فهو بالنسبة للمسلم وسيلة للحصول على الجنسية، أو المأوى " كما لا يفرق القس في حديثه بين الزواج الحقيقي وما يسميه بالمؤقت، بل ربما كان الأخير أحب إليه، وعندما قيل له بأن هناك أيضا الزواج الذي يتم بين المسلم و النصرانية بدافع الحب، قال " هذا الزواج الحقيقي " بيد أنه شكك في ذلك بالقول " ليس لدي إحصائيات، ولكن هناك عدم فهم في الزواج المختلط، وصعوبات تعترض زواج المسيحية من مسلم، ونسب انفصال مرتفعة؛ لأن كثيرًا من العلاقات ليست مبنية على الحب، وإنما على المصلحة ". وبدأ القس يتحدث عن الفروقات الثقافية والدينية وغياب الأسباب التي كانت مجرد مطية للرفض، وقال: " هناك معطيات تؤخذ كحقائق، ولكنها غير دقيقة، فالموقف الذي يتخذ من المرأة -سواء في أوروبا الشرقية التي تعيش فترة مخاض- يختلف عن وضع المرأة في المغرب مثلا، حيث إن تقبيل يد المرأة غير مقبول ". ولو كان القائل إنساناً عادياً لما أثير كلامه أي تعليق، ولكن القس بدأ يتملق مفاهيم المجتمع الغربي رغم بعده عن التعاليم الكنسية، كما لم يتطرق إلى مشاكل الزواج التي تحدث بين الكاثوليكيين أنفسهم، أو بين الإيطاليات والأجانب القادمين من أوروبا الغربية أو الشرقية، والتي تشير الإحصائيات إلى أنها أكثر عدداً وأكبر صعوبة من مشاكل الزواج التي تتم بين المسلمين والكاثوليكيات الإيطاليات، إضافة إلى أن أغلب النساء الإيطاليات اللاتي يتزوجن من المسلمين حوالي 80 % منهن سبق لهن الزواج من إيطاليين، وانفصلن عنهم بسبب الخلافات أو أمور أخرى. مما ينسف الأسس التي بنى عليها القس تصوراته .
الحرب من الداخل
والغرض الرئيس من تلك الحملة، هو وقف موجة الدخول في الإسلام في الغرب، من خلال تشويه المجتمع الإسلامي والتركيز على ما يراه بعض الغربيين حدا من حرية المرأة، من خلال عدد من كتابات بعض المنتسبين للعرب والمسلمين؛ ليحظوا برضا الغرب، ومن بين تلك الكراسات حكايات أحد المغاربة عن أمه التي بدأ يسرد قصتها، وكيف أنها نشأت في ظل أسرة مسلمة قضت على حريتها الشخصية وفكرها. وكعادة المتحدثين في حقوق المرأة، والذين يتخذون من بعض التقاليد والممارسات الخاطئة مطية للتعدي على قيم المجتمع الكلية والضمير الجمعي للأمة، مغفلين القيم الإسلامية وما أرسته من حقوق للمرأة حرمتها منها ما سواها من قيم، بل تحاول الدعاية الغربية التي تستند بشكل انتقائي لبعض ما يكتبه المنهزمون إلى نماذج خرافية أو شاذة في المجتمعات الإسلامية، وعلى ذلك نجد أن المجتمع الإسلامي يتعرض لغزو شامل، ومحاولة تفكيكه اجتماعيًا وأخلاقياً لا تقل عن محاولات تفكيكه سياسيًا وجغرافيًا، والطابور الخامس موجود في كل مفاصل عالمنا الذي سلمه الاستعمار لتلاميذه من العلمانيين والعملاء في كل القطاعات، وكما هو واضح فإن ما يردده الببغاوات عندنا مصدره مراكز استعمارية في الغرب، وجهاد هذا المسلك لا يقل عن الجهاد في الميادين الأخرى، بل ربما نحن أحوج ما نكون إليه من غيره .
ـــــــــــــــــــ(100/149)
فرنسا...تعارض الحرب والحجاب!
إدريس الكنبوري 9/3/1424
10/05/2003
شن رئيس الوزراء الفرنسي )جان بيير رافاران( يوم الخميس 3/4/2003 -خلال لقاء مباشر على القناة الفرنسية الفرنكوفونية الخامسة- حملة قوية على الحجاب الإسلامي في المدارس الفرنسية، وذلك في أول تصريح رسمي لمسؤول فرنسي حول قضية الحجاب، التي اختفت من النقاش الداخلي منذ نهاية التسعينات ؛ حينما شنت السلطات الفرنسية حملة عنيفة على المحجبات المسلمات .
وقال (رافاران) في معرض حديثه عن مشروع وزير الداخلية الفرنسي (نيكولاس سار كوزي) المتعلق بتشكيل مجلس موحد لمسلمي فرنسا وصلاحياته:" في أي جمهورية لدينا الحق في ممارسة شعائرنا الدينية، ولكن لدى ممارسة مواطنتنا لا يمكننا إظهار علامات تديننا أو انتمائنا الديني بشكل تفاخري"، وردا على سؤال إن كان سيتخذ قرارا بمنع ارتداء الحجاب كرر رئيس الوزراء الفرنسي:"بالتأكيد، بالتأكيد".
تلميحات (رافاران) في هذه الظرفية الداخلية والدولية تؤشر إلى حدوث تحول قريب في الموقف الفرنسي اتجاه مسألة الحجاب والجاليات الإسلامية في فرنسا، التي تقدرها المصادر الفرنسية ما بين أربعة وخمسة ملايين، جلهم متحدرون من منطقة المغرب العربي، وعلى الأخص من المغرب والجزائر. فهذه التلميحات تتزامن وسياقين هامين في الداخل والخارج: على المستوى الداخلي هناك المشروع الذي طرحه وزير الداخلية وشؤون الأديان الفرنسي (نيكولاس ساركوزي) قبل أشهر، حول تجميع مسلمي فرنسا في مجلس موحد يكون المخاطب الوحيد أمام السلطات الفرنسية، وعلى المستوى الخارجي فإن أحداث 11 سبتمبر 2001 قد ألقت بكثير من ظلالها على طبيعة التعاطي الرسمي للحكومة الفرنسية مع قضايا المسلمين بها، وأحدثت فرزا بين أنصار التدخل في قضايا الإسلام بفرنسا وأنصار الحرية الدينية.
تعديل قانون 1905!
في هذا السياق المزدوج طرحت في العام الماضي في فرنسا اقتراحات متعددة بتعديل قانون 1905، الذي يقضي بفصل الدين عن الدولة ، ورفع هذه الأخيرة يدها عن الشؤون الدينية ، سواء منها الرموز أو المراكز الدينية أو رجال الدين، وقد جاء هذا القانون بعد أربع سنوات من قانون آخر صدر عام 1901 يتعلق بحرية تأسيس الجمعيات الثقافية. ويشير الفصل الأول من قانون عام 1905 أو "قانون العلمانية" إلى أن"الجمهورية(الفرنسية) تضمن حرية الاعتقاد، وحرية ممارسة الطقوس الدينية"، بناء على الدستور الفرنسي ، الذي يشير إلى أن فرنسا"جمهورية علمانية تحترم جميع المعتقدات"، كما يقول الفصل الثاني من القانون المشار إليه إن"الجمهورية لا تعترف ولا تمول ولا تدعم أي معتقد". ويعتبر قانونا 1901 و 1905 مكسبا مهما للحريات الدينية والثقافية والفكرية في فرنسا بعد الثورة الفرنسية في القرن الثامن عشر الميلادي، من دون أن يعني ذلك أن الحكومات الفرنسية كانت تلتزم بهما، خصوصا فيما يتعلق بالتعامل مع المسلمين والجمعيات الثقافية الإسلامية بفرنسا.
وقد انقسمت الآراء في فرنسا بين مؤيد ومعارض لتعديل قانون فصل الدين عن الدولة. إذ يرى الفريق المؤيد أن التعديل سيجعل الدولة الفرنسية قادرة على مراقبة شؤون الجاليات المسلمة التي يتزايد عددها، بحيث يعد الإسلام الديانة الثانية في فرنسا، وبالتالي التحكم في توجيه الحساسيات الإسلامية ؛ خوفا من "الإرهاب الإسلامي"، كما يرى أن تنامي الوجود الإسلامي في فرنسا عما كان عليه في الماضي يبرر مثل هذه المراجعة. ويقول عمدة"إيفلينس" وهو من أشد المدافعين عن اتجاه المراجعة" في عام 1905 كانت الحكومة ترى في الكاثوليك ألد أعداء الجمهورية، ويشكلون تهديدا حقيقيا، أما اليوم فإن الإسلام هو الذي أصبح يطرح هذه المشكلة".
أما منتقدو التعديل، وهم يعتبرون أقلية، فيرون أن ذلك يعد تراجعا خطيرا عن مكسب العلمانية ومبادئ الثورة الفرنسية، وبالتالي بداية تحيز الدولة إلى ديانة معينة لحساب ديانة أخرى، وتوجها نحو ضرب الحريات الدينية ، والتضييق على بناء المراكز الدينية والمساجد في المدن الفرنسية. ويربط هؤلاء بين سياسة وزير الداخلية الجديد (ساركوزي) المتعلقة بمسائل الأمن وحوادث العنف في المدارس والأحياء الشعبية الفرنسية ؛ وبين مشروعي التعديل وتأسيس المجلس الموحد لمسلمي فرنسا، باعتبار أن ذلك كله موجه إلى الجاليات المسلمة ؛ وخاصة منها المتمركزة في الأحياء الشعبية ، التي ركز عليها الإعلام الفرنسي كثيرا في الأشهر الأخيرة ؛ بحسبانها المراتع الأساسية لأعمال العنف والشغب، وترهيب الفرنسيين من الخطر الإسلامي.
من"الإسلام في فرنسا" إلى"إسلام فرنسا"!
ومنذ طرح مشروع (ساركوزي) في السنة الماضية بعد توليه منصب وزير الداخلية تحول الحديث عن الإسلام من"الإسلام في فرنسا" إلى"إسلام فرنسا"، ما يعني أن هناك سياسة جديدة للدولة الفرنسية ناحية الأقليات الإسلامية تهدف إلى وضع الإسلام تحت عين المراقبة والمتابعة ، وتسييج الوجود والأنشطة الإسلامية للجاليات المسلمة، ومحاربة ما أسماه (ساركوزي) "إسلام المغارات والمرائب" أو"الإسلام السري".
أما فكرة تجميع المسلمين الفرنسيين في مجلس أو هيئة موحدة فقد انطلق التفكير فيها في العام 1984 في عهد الاشتراكي (فرانسوا ميتران) ، حيث كان قد أعلنها وزير الداخلية آنذاك (بيير جوكس)، لكنها لم تفعّل في ذلك الوقت، ربما تجنبا من الاشتراكيين الفرنسيين للمساس بـ"السياسة العربية" لفرنسا وموقعها في منطقة المغرب العربي، اعتبارا لأن أغلب المسلمين في فرنسا هم من المغاربيين. وفي بداية التسعينات عاد الحديث عن ضرورة تنظيم المسلمين في فرنسا على خلفية أحداث الجزائر والحرب الأهلية ، بعد انقلاب العسكر على الديمقراطية ، ونتائج الانتخابات التي حملت الجبهة الإسلامية للإنقاذ إلى البلديات ثم مجلس الشعب(البرلمان) ، وأطلقها وزير الداخلية الأسبق (جان بيير شوفنمان)، لكنها توقفت لتعود من جديد عام 1995 مع وزير الداخلية في تلك الفترة (شارل باسكوا) المعروف بسياسته المعادية للمسلمين وللمهاجرين من العرب، والذي قال أثناء افتتاح مسجد (ليون) متوجها إلى المسلمين الفرنسيين:" إن تسرب تأثيرات مناقضة لتقاليدنا وقيمنا ومفهومنا لحقوق الإنسان والمرأة، وتنامي هذه التأثيرات في صفوف جاليتكم ستؤدي إلى مخاطر رئيسية بالنسبة للجالية أولا، وأيضا بالنسبة للتلاحم الوطني، وهذا ما لن نقبل أو نسمح به".
وقد عاد هذا الخطاب العدائي السابق إلى الظهور بعد أحداث 11 سبتمبر 2001 في الولايات المتحدة الأمريكية، وما فجرته من أجواء محتقنة في العلاقة بين الجاليات المسلمة في أوروبا وحكومات البلدان الأوروبية التي أصبحت أكثر فأكثر توجسا وخيفة من الوجود الإسلامي بها. ولعب الإعلام الفرنسي ؛ خاصة منه اليميني المتطرف دورا رئيسيا في التحريض على المسلمين بفرنسا، حيث نشرت العديد من المقالات والتعاليق والتحليلات التي نصحت بـ"ضبط" الوجود الإسلامي في فرنسا ، ووضعه داخل مربع بشكل يسمح بمراقبته من الانفلات والتطرف ، وإدماجه في النسيج الثقافي الفرنسي، كما لم يكن غائبا التلويح بإمكانية تعرض فرنسا لأعمال شبيهة بتلك التي استهدفت الولايات المتحدة الأمريكية.
ضمن هذا السياق طرح وزير الداخلية (ساركوزي) مشروعه، متحدثا عن "إسلام فرنسا" متوافق مع"القيم الجمهورية" للجمهورية الفرنسية، وخال من "التوجهات المتطرفة" وموجود"تحت دائرة الضوء". وقد قاد (ساركوزي) مفاوضات شاقة طيلة أشهر مع أبرز ممثلي الجاليات المسلمة في مدن فرنسية عدة ؛ من أجل إقناعهم بفكرة إنشاء مجلس موحد للمسلمين ، على غرار المجلس الموحد لليهود الفرنسيين الذي أنشأه نابليون عام 1806. وفي 20 من شهر ديسمبر 2002 نجح (ساركوزي) في عقد لقاء بين ثلاث أكبر فيدراليات تمثل الجاليات المسلمة في فرنسا ، وتعكس الأطياف المتعددة(المغرب العربي، مصر، تركيا، الهند وباكستان)، حيث تم الاتفاق على إنشاء مجلس موحد للمسلمين ، سيجري انتخاب أعضائه في النصف الثاني من شهر أبريل الجاري في 1500 مركزٍ ومسجدٍ في جميع أنحاء فرنسا.
ووفق ما صرح به وزير الداخلية الفرنسي ؛ فإن صلاحيات المجلس الجديد تتحدد في أن يصبح المخاطب الوحيد للحكومة الفرنسية ، والناطق باسم الجاليات المسلمة بكافة انتماءاتها القومية واللغوية، كما يختص المجلس بتكوين أئمة المساجد ، وقضية الذبائح الشرعية ، والحجاب والتعليم الديني وبناء المساجد والمراكز التعليمية الإسلامية ، وجمع وتوزيع الزكاة.
وحسب (ساركوزي) فإن قضية بناء المساجد وتعيين الأئمة - الذين صار يشترط فيهم الإلمام باللغة الفرنسية - ستكون أبرز قضية توكل إلى المجلس الجديد، إذ تسعى الحكومة الفرنسية إلى الحد من تدخل البلدان الإسلامية في شؤون الجاليات المسلمة عبر تمويل بناء المساجد وتعيين الأئمة.
تجدد الحملة على الحجاب
لكن تصريحات رئيس الوزراء الفرنسي (رافاران) الأسبوع الماضي جاءت لترفع النقاب عن النهج الجديد الذي تريد الدولة الفرنسية السير فيه اتجاه الإسلام والمسلمين في فرنسا، وتعيد إلى الأذهان الحملات السابقة التي استهدفت الحجاب في السابق، عندما أصدر وزير التعليم والتربية الفرنسي (فرانسوا بايرو) في بداية التسعينات من القرن الماضي مذكرة بمنع ارتداء الحجاب في صفوف التلميذات المسلمات في المدارس والثانويات الفرنسية، الأمر الذي أثار الكثير من الجدل بين الفرنسيين والمسلمين على حد سواء.
وتقول بعض المصادر الإعلامية الفرنسية إن تصريحات (رافاران) ربما تشير من الآن إلى إلغاء القرار الصادر في 27 نوفمبر 1989 ، والذي يشير إلى أن ارتداء الحجاب"ليس معاكسا في ذاته للعلمانية"، وهو القرار الذي استند إليه مجلس الدولة الفرنسي في إلغاء القرارات الصادرة عن وزراء التعليم والتربية في الماضي بحظر الحجاب في المدارس والمؤسسات التعليمية. كما يمكن أن تطرح الحكومة الفرنسية خلال الأسابيع أو الأشهر القادمة أمام البرلمان مشروع قانون جديد يحظر جميع العلامات والرموز الدينية، وعلى رأسها الحجاب الإسلامي، ولكن ليس كرمز ديني فقط، بل باعتباره مسا بحرية المرأة وبمبدأ المساواة بين الرجل والمرأة، وهذا ينبئ بتجدد معركة الحجاب مستقبلا
ـــــــــــــــــــ(100/150)
البيت الأبيض وهوليود: العنف للجميع!
السيد أبو داود 17/2/1424
19/04/2003
قبيل سقوط بغداد بأيام ..شنّ الممثل الأمريكي (مايكل مور) هجومًا لاذعا على (جورج بوش) وسياسته العدوانية غير المبررة ضد العراق، وذلك حين صعد لاستلام جائزة (الأوسكار) التي حصل عليها عن فيلمه حول تجارة السلاح في الولايات المتحدة الأمريكية .
والعجيب أن يأتي ذلك من (مايكل مور)، لأن فيلمه الذي حصل بسببه على جائزة (الأوسكار) يمكن القول إنه يؤصل لثقافة العنف في المجتمع الأمريكي، فمحور الفيلم هو افتتان أميركا بالسلاح. تساءل (مور) في فيلمه: لماذا يقتل الناس بالسلاح في أمريكا أكثر مما يقتلون خارجها ؟ وتناول حالات كثيرة، منها على سبيل المثال حالة ذلك الطفل ذي السنوات الست الذي أطلق النار على طفلة في مثل عمره فقتلها. إننا نتساءل في سياق تأمل هذه المعاني: إلى أي حد يمثل ما رأيناه على أرض العراق اليوم فيضاناً لثقافة العنف الأمريكية خارج حدود الولايات المتحدة الأمريكية، وامتداداً لشرور هذه الثقافة ؟ · إن العراق لم يكن أول ضحايا ذلك الفيضان وهذا الامتداد. ألم تضرب اليابان بقنبلتين ذريتين في يومين لن تنساهما ذاكرة الإنسانية من شهر أغسطس 1945، على الرغم من أن الولايات المتحدة - وفقاً للرأي السائد بين المحللين العسكريين- كانت قد كسبت الحرب من الناحية الفعلية ؟ ألم تحرق فيتنام عمداً على أيدي القوات الأمريكية بدعوى حماية النظام الحاكم في جنوب فيتنام من خطر الشيوعية ؟ ألم تلجأ إدارات أمريكية شتى إلى القوة المفرطة -دون مبرر ودون سند قانوني- في حالات كثيرة يتعب المرء في إحصائها؟
إن المجتمع الأمريكي ككل تشيع فيه ثقافة العنف، وإلا ما كنا قد بدأنا بالإشارة إلى (مايكل مور) وموقفه الذي لا يعبر عن حالة فردية بقدر تعبيره عن تيار قوي داخل المجتمع الأمريكي. كما أن القول إن ما جرى في العراق ولا يزال يجري من عدوان وسفك للدماء، وما جرى في أوطان أخرى كثيرة قبل ذلك على يد إدارات أمريكية متعاقبة يعد فيضاناً لثقافة العنف الأمريكية، وامتداداً لشرورها خارج الولايات المتحدة، ألا يعني هذا أننا إزاء حالة نفسية تدفع رجال الإدارة الأمريكية إلى الحرب على العراق، وتصيبهم بهوس العدوان عليه، ولكن ينبغي التأكيد على أمرين: أولهما: أن هؤلاء الساسة متأثرون في سعيهم لتحقيق مصالحهم بثقافة العنف؛ بمعنى أنهم يؤمنون بأن القوة - والقوة وحدها- هي الكفيلة بتحقيق هذه المصالح وضمانها. أما الأمر الثاني: فهو أن شيوع ثقافة العنف لدى قطاع واسع من المجتمع الأمريكي يسهل دون شك لأباطرة الحرب الأمريكية تمرير منطقهم إلى بؤر مؤثرة داخل هذا المجتمع، ومن ثم ضمان تأييد قسم يعتد به من الرأي العام الأمريكي لسياساتهم العدوانية تجاه العالم·
السينما قادت المجتمع الأمريكي إلى عشق العنف
وليس غريباً أن تتقدم صناعة الأفلام الأمريكية وتنتشر، معتمدة على ثقافة العنف بكل قيمها ومفاهيمها وأخلاقها، ذلك أنها بنت الثقافة الاستعمارية التي يتربع فيها الإنسان الأبيض على عرض العالم بدعوى أنه "الأقوى" و"الأعلم"، و"الأغنى".. وحيث إن كل ثقافة هي وليدة مجتمع وبيئة محلية وتاريخية، وبما أن النظام الثقافي لا يغير من بنيته العميقة، وإنما يعيد توزيع عناصرها بشكل واع أو غير واع، لذلك فإنه يمكن اعتبار ثقافة العنف التي جسدتها الأفلام الأمريكية تحويراً وإعادة تشكيل للأيديولوجية الاستعمارية الغربية التي أثرت في بناء عقلية عميقة جداً، أولها: بتشكيل العقلية والمخيلة الإنسانية، وتغيير الذوق والرؤى والتطلعات، وثانيها: بتسخير العلم من أجل التفوق في تصنيع وتطوير أدوات الحرب والعنف، وذلك لتحقيق أهداف شتى تركزت أخيراً في هدف جامع مانع هو السيطرة على العالم، والتي نراها تتحقق بأم أعيننا هذه الأيام.
إن ثقافة العنف، مع ذلك أضرت بالنسج الاجتماعي للغرب نفسه، وأخلت بتوازنات الفرد النفسية والعقلية.. وقد أنذر الباحثون والمفكرون طويلاً مما توحي به ثقافة العنف المتوسلة بالفن والحبكة والإثارة من أفكار وأخلاق أصابت الجهاز القيمي للحضارة الغربية، مما يخشى أن يؤدي بها إلى الانهيار الذي تنبأ به (شينجلر) منذ أكثر من قرن..، لكن هذا الانهيار ـ على ما يبدو ـ هو أقرب إلى المجتمعات التابعة منه إلى المجتمعات الغالبة.. فاختلاف المنظومة الثقافية: (الأخلاقية، والمعرفية) العملية غالباً ما يؤدي إلى رفض الثقافات دمج قيم العنف في بنية مفاهيمها وقيمها الخاصة.. ولكن هذه الثقافات لا يمكنها أن تحصن نفسها ضد تسلل تلك القيم التي اكتسبت صفة (العالمية) بما توسلت به من الإبداع الفني والتقني والإيحائي؛ فيسبب لها فشلا في ضبط معاييرها، مما يضطر الجهاز المفاهيمي لتلك الثقافات إلى تحوير قيم ثقافة العنف تلك بغية استيعابها، جزئياً أو كلياً، داخل إطارها الخاص.. وهنا تأخذ تلك القيم أشكالاً يمكن تبرير (شرعيتها) ـ خاصة إذا لم توجه إلى المجتمع المحلي ـ ويتكئ (نص العنف) على نصوص أخرى مقدسة وغير مقدسة، ويتعلل بممارسات الثقافة السائدة التي يحكمها التمييز وعقدة الاستعلاء.
إن طغيان الحضارة السائدة وتجبرها، وتهميشها الآخر وبغيها عليه، لابد أن يؤدي إلى انقلاب السحر على الساحر.
التبرير الفني للعنف
قام الطبيب النفسي الفرنسي – من أصول أفريقية- (فرانز فانون) بفضح
الجذور التي تدفع الغير لرفض الممارسات الأمريكية كقوة استعمارية مهيمنة اقتصاديا وعسكريا، وسحقها للإنسان في سياق تقديم تبرير ذلك ، مبينا كذب الادعاءات التي تبرر بها القوى الاستعمارية ممارساتها العنيفة، وإلقاءها المسؤولية على عاتق الشعوب الأخرى.
وقام في كتابه (المعذبون في الأرض) بتحليل جذور العنف في المجتمعات المستعمرة ضد القوى الاستعمارية؛ استنادا إلى تجربة الثورة الجزائرية التي خاض غمارها إلى جانب الجزائريين، وأكد فيها أن عنف السكان الأصليين يعود إلى الرد على العنف الممارَس ضدهم في نوع من حماية الذات، واستشراف مستقبل جعل منه المستعمر أفقا مظلما.
يستطيع المشاهد أن يلمس ما ذهب إليه (فانون)، وما يؤكده الواقع بالعودة إلى جذور العنف الأمريكي، كما قدمته السينما فيما يُطلق عليه "أفلام الغرب الأمريكي" التي وصل إنتاجها إلى عشرات الآلاف من الأفلام، وموضوعها الدائم تصوير الحرب التي يخوضها الأمريكي الأبيض (الخيَّر المظلوم الشجاع) ضد (وحشية وحقارة ونذالة) السكان الأصليين، أو ما أُطلق عليهم ظلما "الهنود الحمر" الذين يقومون دوما بالاعتداء على الأمريكي المسالم الساعي إلى العيش، وتكوين ثروته الخاصة؛ لتبرير كمٍّ من المجازر الوحشية التي ارتكبوها - وما زالوا بطرق أخرى- بحق السكان الأصليين.
وتتجاهل هذه الأفلام بشكل كلي وجود السكان الأصليين قبل الوصول الأوروبي إلى أمريكا بآلاف السنيين، وكذلك تتجاهل الأسباب التي دفعت السكان الأصليين إلى العنف، والذي يعود بشكل أساسي لرد على العنف الأوروبي، الذي مورِس ضدهم بالاستيلاء على أراضيهم ومصدر عيشهم، وإبادة حضارات لهم عظيمة مثل حضارة (الأزتيك) وقتل الملايين في سبيل الحصول على الذهب والفضة، ونهب البلاد، وتحويلها إلى أوروبا، رغم الترحاب والمسالمة التي استُقبِلوا بهما من السكان الأصليين.
جذور العنف الأمريكي المعاصر
تحول شعار الرأسمالية "دَعْهُ يعمل، دَعْهُ يمر" إلى قانون أخلاقي يدعو إلى الحرية التي يقع على عاتق المركزية الأوروبية (الأنجلو- سكسونية) أن تُعمِّمَها عالميا، وتنشرها في بقاع العالم المختلفة تحت ادعاءات تطوير هذه البلدان، وترسيخ المبادئ والأسس الإنسانية، والدفاع عن الديمقراطية الغربية بوصفها النموذج الأخلاقي، وما يعارضه يدخل في إطار الوحشية والبدائية.
وتمهيدًا وتبريرًا لذلك كان لا بد من إعطاء الإنسان الأوروبي حقًا أخلاقيًا على العالم؛ بوصفه "بَاني حضارة" على أساس أيديولوجي تاريخي؛ فقاموا معرفيا بتدمير الخلفية الفكرية التاريخية الشرقية المصرية والكنعانية بتجليتها المسيحية التي لعبت دورًا حاسما في التمهيد للفكر الأوروبي، وعدم الاعتراف بذلك، وإعادة بناء الحضارة على أساس أوروبي بتصوير بدء الفكر المنطقي والعقلاني بالفلسفة اليونانية، متجاهلين أنها تراث مسروق من حضارات شرقية.
ولاستكمال الصورة ببُعدها الديني تمّ تحويل صورة وملامح (السيد المسيح) من ملامح شرقية تتميز فيها المنطقة؛ إلى صورة مُقدَّسة لنموذج وملامح الشخصية الأوروبية بالشَّعر الأشقر، والملامح الآرية، والعيون الزرقاء؛ لتمحو بشكل حاسم أي تأثيرات شرقية. فأصبح مبررًا لهذا العنصر البشري القادم من أوروبا أن يفعل ما يشاء في شعوب العالم؛ لتحقيق مصالحه تحت الرايات الأيديولوجية الفكرية والتاريخية التي أشرنا لها؛ فسيطرت من خلال الحروب الاستعمارية على العالم بشكل حاسم بدءاً من القرن الخامس عشر بعد هزيمة المسلمين في الأندلس، واستيلاء الدول الأوروبية المختلفة على القارة الأمريكية الشمالية والجنوبية، وحتى زماننا الحالي.
وجاءت السينما لتعبر عن هذه الحروب، وتقدم هذا النموذج الأوروبي المتصوَّر للعالم، وصولا إلى الحربين العالميتين ضمن اقتسام النفوذ بين الدول الاستعمارية الأوروبية، وانتقال المركزية الأوروبية إلى المركزية الأمريكية التي أصبحت مطلقة مع انهيار الاتحاد السوفييتي.
وكان ركيزة هذه النقلة استخدام الولايات المتحدة كل قدراتها العسكرية والاقتصادية في الحرب العالمية الثانية، وفي استخدام القنبلة النووية ضد اليابان؛ لحسم المعركة لصالحها، وتحولها إلى القوة الأولى في العالم الغربي.
وجاءت الأفلام لتقدم التبريرات الكافية للحروب الاستعمارية، واستطاعت (هوليود) أن تصور آلاف الأفلام التي تُبرز بطولة الأمريكيين، وتقدم دورهم الحضاري في الدفاع عن المبادئ الإنسانية، التي تراها بعيدًا عن موقف الشعوب الأخرى، ورؤيتها لهذه الحروب، وخصوصا الحرب العالمية الثانية التي قُتل فيها أكثر من 50 مليون إنسان.
ولكن لم تستطع كل هذه الوسائل أن تمحو من العقل البشري استخدام القنبلة الذرية؛ فحاول الأمريكيون أن يركزوا على وحشية اليابانيين، الذين أجبروها على استخدام القنبلة، فقامت مجددًا بإعادة إنتاج فيلم (بيرل هاربر)؛ لتؤكد من جديد تبريراتها.
وضمن السياق نفسه قامت السينما بتناول الحرب الفيتنامية في بدايتها بالتركيز على العدو الشيوعي الملحد المعادي للحرية والديمقراطية، الذي تمثله فيتنام الشمالية، والدفاع عن القيم الدينية والأخلاقية التي تمثلها فيتنام الجنوبية حليفة الولايات المتحدة الأمريكية في الحرب الباردة القائمة بين المعسكر الشيوعي والغربي، كغطاء تخفي به الصراع في سبيل إعادة هذه البلاد وشعوبها إلى الحظيرة الأمريكية، وحديقة مصالحها الاقتصادية.
العنف ينتشر بين المراهقين الأمريكيين
تصاعدت حدة حوادث العنف بين الطلاب في المدارس الأمريكية في السنوات الأخيرة ، وأسفرت عن مقتل وإصابة العديد من الطلاب .
وكشفت دراسات خبراء أمريكان حول هذه الظاهرة أن العديد من الطلبة الذين يعانون من مشاكل اجتماعية عديدة، يميلون لاختيار العنف كحل لمشاكلهم مع زملائهم الطلاب!.
وقد أكد العديد من الخبراء الأمريكيين على وجود صلة بين التصاعد الأخير لحوادث العنف في المدارس الأمريكية، وبين المشاكسات التي تحدث بين الطلاب بعضهم البعض؛ حيث إن أكثر من 80% من طلبة المدارس الأمريكية سلوكهم عدواني، ويتحرشون بزملائهم، إما بالاعتداء الجسدي، والاستهزاء، أو المضايقات والتهديدات .
وأشار الخبراء إلى أن كلاً من (دايلان كلبيولد) و(أيريك هاريس) المسؤولَيْن عن مذبحة مدرسة (كلورادو) -التي وقعت في أبريل 1999 والتي أودت بحياة خمسة عشر شخصًا- كانا تحت تأثير مضايقات، وسخرية زملائهما في المدرسة.
وقالت (شيريل كريزر) مديرة برنامج (الطفل الآمن)-إحدى المنظمات القومية التي تهدف إلى الحد من انتشار العنف في المدارس-: إن بعض ضحايا هذه المضايقات والمشاكسات يشعرون بالعجز، ويرون أن العنف هو الحل الوحيد لمشكلاتهم، مشيرة إلى أن مأساة (كلورادو) هي التي فتحت الباب للآخرين لتكرار ذلك، خاصة الذين يبغون منهم الانتقام على نطاق واسع.
ومن جهته أرجع (شاك ماجيار) مختص علم نفس ظاهرة العنف إلى العزلة التي يعاني منها الطلبة، وقال: "إن العزلة وتجاهل الطلبة لبعضهم البعض يكونان أحيانا أخطر من المشاكسات التي تقع بينهم، وذلك لأنه يتم التعامل معهم وكأنهم لا وجود لهم".
وأشار إلى أن المجتمع الأمريكي يمر بمراحل خطيرة، فهذه الحوادث لم تكن لتقع منذ 20 عامًا مضت، حيث إن أكثر الطلبة عدوانية وشغباً لم يكن ليفكر في إطلاق النار في الفصل، لكن ذلك أصبح شائعا اليوم، حيث يرى العديد من المراهقين -الذين يعانون من مشكلات- :أن العنف هو الحل، فالعنف أصبح ممكنا مثل الانتحار.
وقد أكدت إحدى الدراسات الأمريكية على أن طالبًا من بين كل أربعة طلاب ومعلمًا من بين كل تسعة معلمين، يتعرضان لهجوم في المدارس سنويا، كما أشارت إلى أن خُمْس طلبة المدارس العامة يعتقدون أن العنف والمخدرات هما أخطر المشكلات الموجودة في مدارسهم.
وفي النهاية ؛ فإن حضارة بُنيَ أساسها على العنف وارتكاب المجازر، ثم تلاها سحق شعوب العالم، وما زال المجتمع فيها يسمح لتجار السلاح بحق بيع السلاح الذي تُرتكب به الآلاف من الجرائم داخل المجتمع نفسه، متناقضا مع المبادئ التي يُدَّعى فيها المناداة بالحق الإنساني والحرية والديمقراطية، لا بد أن يواجه -كنتيجة طبيعية وعادلة- عنفًا مقابلاً ،يدفع المواطن الأمريكي ثمنه ، وكما يمارس الأمريكان العنف ضد غيرهم من شعوب العالم، فسوف يظلون يتعرضون لعنف مضاد.
ـــــــــــــــــــ(100/151)
المرأة في ميدان الجهاد
د.محمد عبد السلام العجمي 3/2/1424
05/04/2003
كشف واقع المرأة في تاريخنا الإسلامي عن قيامها بأدوار مشرقة في ميادين الجهاد المختلفة، مما أكد لها عظيم رسالة في ظل هذا الدين الحنيف.
فلقد تحملت المرأة من الأذى والاضطهاد الكثير، وتكبدت مشاق الهجرة في سبيل الله عز وجل، فهاجرت إلى الحبشة، ثم إلى المدينة، وتعرضت لصنوف شتى من الابتلاء.
فالسيدة خديجة -أم المؤمنين- تناصر النبي - صلى الله عليه وسلم- بجاهها ومالها ونفسها، وسمية -أم عمار- أول شهيدة في الإسلام.
وأسماء بنت أبي بكر -ذات النطاقين- تحفظ رسول الله وصاحبه في رحلة الهجرة إلى المدينة المنورة.
والخنساء تقدم بنيها الأربعة.
ونسيبة بنت كعب ....
وغيرهن كثيرات، أبلين في المعارك بلاء حسناً.
وإن كان هذا اللون من الجهاد بالسيف مما يلزم به الرجال في الأصل، إلا أن المرأة المسلمة جاهدت بنفسها في سبيل نصرة دينها.
وهذا لا يتعارض مع قيامها بالنصيب الأوفى في المجال الذي يتناسب مع خصائصها ورسالتها ،ومقدراتها الجسيمة والعاطفية.
وتجدر الإشارة إلى أن المرأة المسلمة قد أفادت المسلمين في معاركهم بما حباها الله به من قدرات وملكات خاصة.
لقد أيدت المرأة الإسلام والدعوة إليه بكل ما في وسعها وطاقتها، واشتركت مع الرجال في الغزوات بسيفها وقوسها، وشجعت المحاربين، وعالجت الجرحى، وضمدت جراحهم، وواست مرضاهم، وقدمت لهم الطعام والشراب.
لقد شاركت المرأة المسلمة الرجل في الحرب، وساعدته كل المساعدة، بروحها الفدائي، وقلبها الرحيم، وقد اتُفق على أن أزواج النبي – صلى الله عليه وسلم- ونساء المسلمين الأوائل كن في صحبة النبي إلى ميدان القتال.
ولقد كشفت لنا انتفاضة الأقصى في فلسطين عن بسالة المرأة المسلمة أمّاً وزوجة وبنتاً، فلقد ضربت نماذج يحتذى بها في الجهاد ومجابهة العدو الصهيوني الغاصب، لقد وقفت المرأة الفلسطينية مع زوجها وأولادها وذويها في خندق واحد تحمي العقيدة والكرامة والديار، ومن يتابع أحداث الكفاح الدامي في فلسطين اليوم يرى ويسمع عن دور المرأة، مما يذكرنا بالرعيل الأول من المجاهدين والمجاهدات.
ويأتي دور المرأة العراقية خصوصاً، والمسلمة عامة في المعركة الحالية، والمواجهة مع الهجمة (الأنجلوأمريكية) على العراق وشعبه وثرواته ومقدراته، فما هو الدور المطلوب من المرأة في ظل هذه الهجمة؟
1 - يجب على المرأة المسلمة أن لا تستهين بدورها في كل الأوقات ولاسيما أوقات الأزمات، فدورها في ظل المعركة مضاعف
02 فعليها أن تثبت أبناءها وذويها،وتشجعهم على الثبات ومواجهة الأعداء ومقاومتهم .
03 أن تقف بجوار ذوي الشهداء والجرحى والمنكوبين بالمواساة، وتقديم الدعم والعون المادي والمعنوي.
04 أن تدعم الجهاد والمقاومة ضد المعتدين بكل ما تستطيع من جهد مادي أو معنوي.
05أن تربي أبناءها على حب الله وطاعته، وأن تغرس بذرة التقوى في قلبه.
06 أن تربي أبناءها على حب الجهاد والاستشهاد في سبيل الله، فالوطن المغتصب لن يُسترجع إلا بسواعد أبنائه وجهدهم.
وإن كانت المأساة الآن في فلسطين أو العراق؛ فإن أعداء الأمة يتربصون بها لينقضوا عليها بلداً بعد الآخر، فلا بد من المواجهة، ولن يكون ذلك إلا بالتربية الصالحة والتي ترتكز أساساً على الأم ودورها الفاعل.
07 الصبر، وأن تربي أبناءها عليه لقوله تعالى :" يا أيها الذين آمنوا اصبروا وصابروا ورابطو واتقوا الله لعلكم تفلحون".
08 الثقة في الله تعالى، وفي نصره لعباده المؤمنين " ولا تحسبن الله غافلاً عما يعمل الظالمون".
09 وأخيراً (إن تكونوا تألمون فإنهم يألمون كما تألمون وترجون من الله مالا يرجون..
ـــــــــــــــــــ(100/152)
اللاجئون والمهجرون وقت الحروب : الاحتياجات الطبية والإنسانية
د. محمد عبدالله العتيق 28/1/1424
31/03/2003
يمثل اللاجئون مشكلة عالمية . وتشير الإحصاءات إلى أن غالبية اللاجئين في العالم هم من المسلمين . وتزيد هذه الفئة التي تواجه معاناة متعددة الوجوه كلما قامت حرب أو أزمة و صراع في مكان ما من العالم. ومعظم هذه الصراعات يتعرض المسلمون فيها للإيذاء، فمن فلسطين إلى الأفغان، ومن الصومال إلى الشيشان، وتتكرر المأساة في أكثر من مكان وآخرها العراق التي ما زال أهلها صامدين في بلادهم لم يخرجوا منها بعد، رغم أن الدول المجاورة قد أعدت المخيمات لاستقبال اللاجئين .
ولكن ما هي الاحتياجات الحقيقية للاجئين بصفة عامة؟
هناك معاناة كبيرة يواجهها اللاجئون، ولتلك المعاناة جانبان : جانب عضوي بدني وجانب نفسي واجتماعي .
ما آثار هذه المعاناة على الأسرة والمرأة والطفل ؟
إن المخاطر الصحية التي تحف ظروف المهاجرين واللاجئين وتنقلاتهم تحمل تهديداً لحياتهم بشكل مستمر .
إن أية حركة لجوء أو تدفق تحمل في ذاتها مخاطر عالية لحدوث الوفيات، ويزيد ذلك عند تدفق أعداد هائلة من اللاجئين في نفس الوقت .
وأكثر الفترات حرجا في حركة اللاجئين، وتحمل مخاطر أكثر هي الأيام والأسابيع الأولى لحركة النزوح، ويقلل من ذلك الخطر الاستعدادات الكافية والتحضيرات اللازمة، وتقدير الأعداد المتوقعة قبل حصول حركة النزوح الفعلية .
إن أكثر أسباب الأمراض والوفيات في صفوف اللاجئين هي نتيجة لأمراض معينة، وأهمها الحصبة وأمراض الإسهال والملاريا والأمراض التنفسية وسوء التغذية، وهذه الأمراض مجتمعة تشكل من 60 – 80 % من أسباب الوفيات لدى اللاجئين والمهجرين، وتزيد مشكلة سوء التغذية لدى الأطفال أقل من عمر خمس سنوات .
يشكل الأطفال ما نسبته 15 – 20 % من اللاجئين والمهاجرين، وهم أكثر الفئات تأثرا وتعرضا للمخاطر.
وأكثر الوفيات غالباً تكون بسبب نقص التغذية وأمراض الإسهال والأمراض الوبائية .
وأما في صفوف النساء، فإن أكثر المعاناة هي معاناة نفسية واجتماعية . فالمرأة تعاني أكثر عاطفيا من حالات الفراق، وفقد الأقارب وعبء الرعاية اللازمة في ظروف اللجوء وعدم القدرة على التحمل - بعكس الرجل- على الظروف القاسية إلى جانب ما تتحمله من أعباء إضافية لرعاية الأطفال .
المراحل التي يمر بها اللاجئون
المرحلة الأولى : مرحلة التأزم والتحضير للهجرة واللجوء : وفي هذه المرحلة يلتم شمل العائلة الواحدة أو المجتمع الصغير، ويتم تدارس موضوع الهجرة والترحال، وتوضع خطة لتنفيذ ذلك، ويتم جمع المصادر لتستفيد منها المجموعة ككل.
المرحلة الثانية: هي عملية الانتقال والترحال، وهذه قد تطول وقد تقصر وتختلف فيها المعاناة تبعا لذلك، وتبعا لوسيلة النقل والبعد المكاني إلى المهجر.
المرحلة الثالثة:هي مرحلة التأقلم حين توجه جميع الجهود نحو محاولة التعايش المبدئي في البلد الغريب، وهذه قد تأخذ فترة قصيرة تعد فترة شهر عسل مؤقت، وفيها ينشغل المهاجر أو اللاجئ بالتعرف على البلد الجديد وترتيب أوضاعه و أوضاع من يعول .
المرحلة الرابعة:هي مرحلة التأثر وفقدان القدرة على التحمل وبدء المعاناة في التكيف مع بلد غريب ومع أهله وظروفه وتقاليده، وأيضا مع غياب المسكن والمحيط والمجتمع الأصلي . وانشغال ذهن المهاجر واستعادة ظروف المأساة التي دفعته للهجرة وتبعاتها وملابساتها ومضاعفاتها .
المرحلة الخامسة:هي مرحلة التخلص من المشكلات الشخصية وترتيب الأوضاع، ولكن يعقب ذلك صراع الأجيال واختلاف وجهات النظر حول الموقف على المدى الطويل من موضوع اللجوء أو الهجرة .
آليات حدوث الكوارث الصحية
هناك عادة آليات لحدوث الأمراض ومن ذلك :
- الازدحام وكثافة التواجد في مكان محدود، ما يزيد من فرص تناقل الأمراض الوبائية
- سوء التغذية لنقص الأغذية، ومن ثم تدني المناعة قبل وأثناء وبعد عملية النزوح
- قلة المياه الصالحة للشرب، ومن ثم تدني مستويات النظافة الشخصية
- ضعف أو انعدام طرق التصريف والمجاري
- قلة أو انعدام المساكن وأماكن البيات اللازمة لحماية الإنسان من الظروف الجوية والمناخية والبيئية.
الاحتياجات الأساسية : الغذاء الصحي والمياه النقية والمسكن الواقي
إن من الخطأ الفادح الاعتماد بشكل أساس على الخبرة الطبية والتقنية الطبية عند التعامل مع المشكلات الصحية للاجئين . إن معظم المشكلات الصحية، لهذه الفئة ناتجة عن غياب الأساسيات والأوليات للحياة الصحية ولهذا فالحل يكمن في توفير تلك الأساسيات والمستلزمات، ولن يكون ذلك بتوفير التقنيات الطبية العالية أو الخبرات والقدرات الطبية المتخصصة، بل الحاجة أكثر لمبادئ الرعاية الأولية، وتوفير احتياجات الإنسان الأساسية .
بل يمكن القول إن الجهود التي تقوم بها القطاعات المعنية بالصحة البيئية وصحة المياه وتوفير المساكن وتوفير الغذاء والاهتمام بالصحة الوقائية ( مثل توفير اللقاحات ) هي أكثر حاجة وأكثر فعالية لتدارك المشكلات الصحية من الرعاية الطبية العلاجية التي يأتي دورها في مرحلة لاحقة .
وقد قدرت المنظمات المعنية بشؤون اللاجئين الحد الأدنى من الاحتياجات اليومية للاجئين وهي :
- المياه : الحد الأدنى هو 7 لترات من المياه الصحية يوميا لكل فرد ( المثالي هو 15 – 20 لتر يوميا )
- الغذاء : 2100 كيلو سعر حراري يوميا لكل فرد
- المسكن الواقي : 3.5 قدم مربع لكل فرد
الرعاية العلاجية
وأهم معالم الرعاية الطبية العلاجية علاج أمراض الإسهال، وعلاج وتدارك حالات أمراض الجهاز التنفسي وعلاج الملاريا.
عند تعامل الفرق الطبية مع المهجرين أو اللاجئين، فإن هناك جوانب محددة ينبغي العناية بها وهي :
- مستويات التغذية وملاحظة وتدارك حالات سوء التغذية، خاصة عند الأطفال، وذلك بقياس وملاحظة الأوزان والأطوال ومعدلات النمو.
- الإصابات والجراحات سواء الناتجة عن الحروب ذاتها، أو ما قد يحصل أثناء عملية الانتقال والترحال والهجرة .
- الصحة الذهنية والعقلية وخاصة ملاحظة حالات القلق والتوتر والاكتئاب وصدمة الأزمات، ويدخل في ذلك معالجة الحالات النفسية الناتجة عن الاضطهاد البدني أو النفسي أو الاستغلال الجنسي.
- الأمراض الوبائية والحمية، وهي تكثر مع انعدام الشروط الصحية وتدني مستوى الصحة البيئية، وتلك سمة من سمات مخيمات اللاجئين ومعسكرات الهجرة .
الصحة النفسية
لاشك أن التعرض للأزمات والحروب يحدث تصدعا وأثرا في النفوس . وتزيد المعاناة عند اللجوء والتحول عن الوطن والبيت والعشيرة، وهذه المعاناة النفسية قد تبدو في مظاهر من القلق والتوتر أو الاكتئاب والحزن والعزلة .
ويزيد الأمر سوءاً عند الأطفال الذين قد يرون ويعايشون أوقاتا عصيبة ومآسي تحدث لأقرب الناس إليهم، وليس لديهم القدرة الكافية على فهم الأمور وتحليلها فتكون المعاناة أشد وتتمثل الأعراض لديهم في العزلة والخوف الدائم وربما العدوانية والعنف وأعراض جسدية أخرى مثل ألم البطن وألم العضلات والصداع .
وهناك حالة قلق ما بعد الصدمة أو ما بعد الإصابة Post Traumatic Stress ) ) .
وهذه الحالة شائعة، وتكثر في أوقات الأزمات سواء الجماعية أو الفردية . ويمكن تقسيم الأعراض فيها إلى ثلاث مجموعات :
- أعراض العيش في أجواء المصيبة أو الحدث، واسترجاع الأحداث وتذكرها بشكل قوي ومتكرر، وهنا يعيش المصاب في جو الأزمة وكأنها قريبة الحدوث، وتمر على ذهنه تفاصيل الحادث أو المصيبة وكأنه يراها لأول مرة، فيحدث ذلك في نفسه شعوراً بالتأثر .
ويتعلق بذلك الأحلام المفزعة والكوابيس التي يراها في نومه وتكون عرضا لصور من الحادث أو المأساة . كما أن المصاب تحدث لديه أعراض الخوف والرهبة وكأنه يعيش المأساة من جديد كل مرة، وإذا ما واجه ظروفا شبيهة بظروف المأساة، فإنه يصاب بالفزع والهلع من احتمال تكرار المأساة مرة أخرى.
- أعراض التجنب : وفي هذه المرحلة يحاول المريض تجنب أية أفكار أو مشاعر تذكره بالمأساة، أو أية متعلقات مرتبطة بالحادث، ومن ذلك عدم القدرة على تذكر تفاصيل رئيسة حول الحادث، والشعور بالعجز والعزلة عن الآخرين، والإحباط والتخوف من المستقبل .
- أعراض فقد الطمأنينة : ويدخل في ذلك قلة النوم والتوتر والعصبية، وضعف التركيز والحساسية المفرطة.
ـــــــــــــــــــ(100/153)
اليوم العالمي للمرأة .. رؤية إسلامية
المرأة بين عدل الإسلام ..وبيوت الغرب الخربة
د. ليلي بيومي 5/1/1424
08/03/2003
كانت الدعوة الدولية إلى تخصيص يوم الثامن من مارس كل عام للاحتفال باليوم العالمي للمرأة، انتصارا كبيرا للمرأة في أنحاء العالم - وخاصة المرأة الغربية – التي عانت وما زالت تعاني حتى الآن من أشكال متعددة للتمييز ضدها .
وكانت الاشتراكية الألمانية " كلارازيتكين " أول من دعت إلى الاحتفال بيوم المرأة العالمي، ونجحت في إقناع الرئيس لينين بجعله يوم عطلة عامة في الاتحاد السوفييتي السابق، لكن فكرة اليوم العالمي للمرأة تبلورت في مؤتمر كوبنهاجن عام 1910، واحتفل به الغرب في الثلاثينات، لكن ما لبث أن طواه النسيان حتى السبعينات حينما أحيته الأمم المتحدة من جديد ودعت للاحتفال به .
ولعل ما لاقته المرأة الغربية بدء من الإمبراطورية الرومانية التي تاجرت بجسد المرأة، ولم ترفيها شيئا غير إمتاع الرجل والرقص له، ومرورا بعصور الظلام حيث جعلتها الكنيسة روحا شريرة، وفي عصور الظلام أيضا كانت المرأة في أوروبا تورث كما يورث المتاع، ولكن النهضة والتطور الصناعي والثورة الفرنسية وما انعكس به كل ذلك على الحياة السياسية والاجتماعية في البلدان الأوروبية، وزيادة الاهتمام بحقوق الإنسان التي سحقتها الكنيسة، ومع تطور الديمقراطية والتمثيل النيابي، بدأت المرأة الغربية في التحرك وتنبيه المجتمع الدولي إلى معاناتها، وهو ما انعكس على اهتمام الأمم المتحدة بالمرأة وتخصيص يوم 8 مارس للاحتفال باليوم العالمي للمرأة، ثم عقد العديد من المؤتمرات الخاصة بالمرأة، لتثبيت حقوق المرأة وتحقيق المزيد من المكتسبات لها من وجهة النظر الغربية البحتة، حتى لو كان ذلك متعارضا مع ثقافات وأديان وحضارات كثير من شعوب العالم، بل حتى لو كان متعارضا مع مبادئ الكنيسة الغربية نفسها .
خديعة المساواة
وبدلا من الحديث عن حقوق طبيعية وواقعية للمرأة، فقد أصبح السائد في المجتمعات الغربية وبالتالي في المنابر الدولية هو الغلو إلى درجة ما يمكن أن يسمى " عبادة المرأة "، وفي هذا الإطار فقد صدر في فرنسا من أكثر من عامين ونصف قانون يتقدم على كل القوانين التي سبقته وعن أي قانون في العالم، حيث ينص على المساواة في التمثيل النيابي بين المرأة والرجل ، ويطالب جميع الأحزاب السياسية بترشيح أعداد متساوية من الرجال والنساء في الانتخابات، ونتيجة لذلك وكما تقول صحيفة الهيرالد تربيون الأمريكية حدث تزاحم على النساء ذات المواهب، لدرجة أن إحدى النساء حاولت ثلاثة أحزاب إقناعها بالانضمام إلى قوائمها الانتخابية!.
ومما يذكر أن 7 % من العمد في فرنسا من النساء، وحوالي 9 % من أعضاء الهيئة التشريعية من النساء، وتعد هذه النسبة منخفضة إذا ما قورنت بدول الاتحاد الأوروبي الأخرى ( الدانمرك 37,1 % ، فنلندا 37 % ، هولندا 33,3 % ، ألمانيا 29,6 % ، أسبانيا 27,1 % وتستمر النسبة في الانخفاض حتى إيطاليا 10,2 % وأخيرا فرنسا 8,7 % ) ..
ويذكر أن المرأة الفرنسية لم تحصل على حق التصويت إلا عام 1944، ولكن رغم هذا كله لا زالت قطاعات كبيرة من النساء في فرنسا وأوروبا لا يحصلون على راتب مساو لراتب الرجل الذي يعمل بنفس المهنة، وتضطر المرأة للعمل في المهن الشاقة مثل المناجم من أجل توفير قوت يومها، فهي في الغالب تعول نفسها لأن نسبة الزواج وإعالة الزوج لزوجته منخفضة نتيجة للعلاقات الجنسية المفتوحة، وزيادة معدلات الطلاق .
النساء شقائق الرجال
إذا كان الماضي قد شهد قرونا مظلمة من ظلم الإنسان لأخيه الإنسان واستغلاله وقهره، فقد كان ذلك واقعا لصدور الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الصادر عن الأمم المتحدة عام 1948 وفيه حقوق للإنسان عامة بما فيه المرأة، ففي البند 16 منه " للرجل والمرأة إذا بلغا سن الزواج حق التزوج وتأسيس أسرة دون أي قيد بسبب الجنس أو الدين، ولهما حقوق متساوية عند الزواج وأثناء قيامه وعند انحلاله" وفيه " ولا يبرم عقد الزواج إلا برضا الطرفين" وفيه أيضا "والأسرة هي الوحدة الطبيعية الأساسية للمجتمع، ولها حق التمتع بحماية المجتمع والدولة " .. وإذا كان العالم لم ينتبه إلا عام 1948 ليعطي المرأة حقوقها، فقد كان الإسلام سباقا قبل 15 قرنا وكانت تعاليمه بمثابة ثورة لتحرير المرأة، وإذا كان الإعلان العالمي يطالب بالمساواة التامة بين الرجل والمرأة فإن الرجل والمرأة في الإسلام هما الشقان المكونان للنفس الإنسانية، وهو المعنى الكامن وراء مقولة " النساء شقائق الرجال"، ولهما حقوق اجتماعية وسياسية واقتصادية متساوية بنص الآية 71 من سورة التوبة.
لكن الإسلام في هذه النقطة يقر بوجود اختلافات بيولوجية وفسيولوجية ونفسية بين الرجل والمرأة، اختلافات هي حسب التفسير الصحيح أساس لتكامل دور المرأة في المجتمع والأسرة، إلا أنه رغم ما قدمه الإسلام للمرأة التي كانت سلعة تورث في الجاهلية، وتحريره لها من كل الوجوه، يحلو للغرب دائما إثارة الشبهات حول موقف الإسلام من المرأة، وهذه الشبهات انتقلت إلى المنابر الدولية الخاصة بالمرأة وكذلك المؤتمرات الدولية .
وهذه الشبهات تنحصر أساسا في خمس نقاط ..
الشبهة الأولى : لماذا جعل الإسلام للمرأة نصف الشهادة ؟
الشبهة الثانية : لماذا جعل الإسلام للمرأة نصف الميراث ؟
الشبهة الثالثة : لماذا يجوز للرجل المسلم أن يتزوج بامرأة يهودية أو نصرانية ولا يجوز العكس؟
الشبهة الرابعة : لماذا أعطى حق الطلاق للرجل دون المرأة ؟
الشبهة الخامسة : لماذا جاز للرجل أن يتزوج بأربع نساء ؟
وللرد على هذه الشبهات باختصار شديد، فان نصف الشهادة للمرأة مقترن بالشئون المالية المفترضة ألا يكون للنساء بها إلمام، أما نصف الميراث فلأن نفقة المرأة على الرجل بعكس ما هو سائد في الغرب فإن المرأة لو طردت من عملها يطلقها زوجها؛ لأنه يعتمد على مرتبها، ويحملها نصف أعباء الأسرة المادية .. أما عن زواج المسلم من كتابية دون العكس؛ فلأن الزواج في الإسلام عقد مدني وليس شعيرة دينية، لذلك جاز للطرفين أن يكون لهما ملتان مختلفتان، فالإسلام معترف باليهودية والنصرانية، والزوج إن كان مسلما فسوف يحترم حقوق زوجته الكتابية الدينية، أما اليهودية والنصرانية فلا يعترفان بالإسلام، ولذلك فالزوج الكتابي سوف يهدر حقوق زوجته المسلمة الدينية، أما عن إعطاء الرجل وحده حق الطلاق؛ فلأن الزواج عقد تراض مدني، لذلك يمكن أن ينص فيه على حق الطلاق للطرفين ويكون النص ملزما، وأخيرا فعن زواج الرجل بأربع نساء؛ فلأن هناك عوامل فسيولوجية ونفسية تجعل طبيعة الرجل والمرأة مختلفة ، وهناك عوامل سياسية واجتماعية تخل بالتوازن بين أعداد الرجال والنساء في المجتمع، وقد أجاز الإسلام تعددا محدودا للزوجات لمواجهة هذه الظروف ولكن تعدد الزوجات ليس واجبا إسلاميا .
وبعد هذا الاستعراض فإن أحكام الشريعة الإسلامية معنية بالتصدي لمشاكل حقيقية ، وليس امتهان حقوق المرأة من مقاصد شريعتنا الغراء كما يصور الغرب الذي فرض تصوراته على الأمم المتحدة وفروعها ومؤتمراتها، ويريد أن يفرضها بالتالي على مختلف شعوب العالم .
بيوت الغرب الخربة
وإذا كان الغرب يحلو له دائما إثارة الشبهات حول الإسلام خاصة في مجال المرأة، فإن النظرة المتأنية إلى واقع المرأة الغربية تكشف عن المنظر الحسن من الخارج بينما الخراب في الداخل، وصندوق الأمم المتحدة لرعاية الطفولة " اليونيسيف " لا يرى إلا مشكلات المرأة غير الغربية، ويغض الطرف عن أي تجاوز غربي ضد المرأة، فيقول في تقرير له صدر مؤخرا إن العالم لم يحقق تقدما كبيرا نحو خفض معدلات العنف المنزلي الذي يستهدف النساء والفتيات، بالرغم من التعهدات التي قطعها المجتمع الدولي على نفسه في مؤتمر المرأة ببكين قبل 6 سنوات لخفض هذه الظاهرة .
ويشير التقرير إلى أن نصف تعداد النساء في بعض الدول يتعرضن لانتهاكات جنسية أو جسدية أو عقلية، ويقول التقرير الصادر عن "اليونيسيف" إن معظم الانتهاكات في حقوق الإنسان تحدث في جنوب آسيا وشمال أفريقيا والشرق الأوسط والصين، وينقل التقرير عن دراسة مصرية قولها إن 35 % من النساء المصريات تعرضن للضرب على أيدي أزواجهن مرة واحدة على الأقل.
لكن البرلمان الأوروبي يقول الحقيقة ويكشف انحياز إحدى منظمات الأمم المتحدة " اليونيسيف " للمرأة الغربية، وخلال الاحتفال باليوم العالمي للمرأة العام الماضي قام الاتحاد الأوروبي بحملة على تجارة الرقيق الأبيض، ولحماية ضحايا البغاء اللاتي تعرضن لتعذيب وحشي واغتصاب من جانب المهربين الذين يجنون أرباحا خرافية من خلال تهريب النساء من جمهوريات التشيك وبولندا وأوكرانيا وروسيا، حيث يقدر ثمن المرأة الضحية بنحو ربع مليون دولار .
وقالت المفوضية الأوروبية إنها تريد إعطاء النساء اللاتي يسقطن في شرك تجارة الرقيق الأبيض المتنامية في أوروبا حماية خاصة إذا تقدمن للشهادة ضد القوانين والمهربين، وتقدر بروكسل عدد النساء والأطفال الذين يجري بيعهم إلى أسواق الجنس بالاتحاد الأوروبي بأكثر من 120 ألف امرأة وطفل سنويا .
وتقول ديامانتو بولو مفوضة الشئون الاجتماعية بالاتحاد الأوروبي إن كثيرا من النساء لقين حتفهن نتيجة لعلميات التهريب، وتقول: إن جثث عدة مئات من النساء تكتشف سنويا، ويعتقد " اليوروبول " أي شرطة الاتحاد الأوروبي أن كثيرا من الجثث لن يتم العثور عليها ، وحسب مصادر الاتحاد الأوروبي فإن غالبية هؤلاء اللائي جرى تهريبهن إلى دول أوروبا الغربية للعمل في ظروف أقرب ما تكون إلى الرق قدمن من دول وسط وشرق أوروبا، وتضيف المصادر أن الضحايا يتعرضون للعنف والاغتصاب والضرب والقسوة المفرطة، ومعظمهم تتراوح أعمارهم بين 15 – 18 عاما وغالبيتهن مدفوعات بوعود الحصول على المال والحياة الرغدة داخل الاتحاد الأوروبي من خلال العمل كمربيات أو عاملات في المطاعم ومراكز التجميل .
وإذا كان الغرب ومعه الأمم المتحدة ومنظماتها لا يرون السوس الذي ينخر في أجسام الغرب الذي تخصص في تقنين تجارة الرقيق الأبيض فإننا نهديهم هذه الإحصاءات القادمة من الغرب نفسه، فتقول مجلة "التايم" الأمريكية إن في الولايات المتحدة يضرب أحد الأزواج زوجته كل 15 ثانية ضربا مبرحا، وفي فرنسا توجد وزارة لشئون المرأة تطالب بتشريعات جديدة وبتكوين شرطة خاصة لإبلاغها بضرب الزوجات والأولاد، أما في إنجلترا فأصبحت ظاهرة ضرب الأزواج للزوجات محلا للشكوى ، وفي روسيا انتشرت الظاهرة على نطاق واسع لكثرة عدد الأزواج العاطلين، ونتيجة للحياة الاقتصادية الصعبة، وأصبح الأزواج ينفثون عن أنفسهم بضرب زوجاتهم
ـــــــــــــــــــ(100/154)
وليس الذكر كالأنثى
أبو محمد الشنقيطي 8/11/1423
11/01/2003
إن كانت المرأة مساوية للرجل في أصل الخلقة وفي أغلب التكاليف وفي الحقوق، إلا أن لها خصوصيتها ولها مجالها، ولا ينكر هذا إلا مماحك.
إن جعل المرأة رجلا هو انتكاس في الفطرة، وجهل بحقيقة الخلقة، ولن يؤدي إلا إلى مزيد من الارتباك في حركة المجتمع، وإلى الاختلال في الموازين.
لقد استطاعت المرأة المسلمة أن تقوم بدورها في الإسهام الحضاري دون أن تفرط في وظيفتها الأصيلة، ودون أن تطالب بالمساواة مع الرجل، ولأن دور المرأة ومركزها في المجتع من المسائل التي كثر حولها لغط الغوغائيين في عصرنا الحاضر، فقد أردت أن أخط حولها هذه التهميشات التي أرجو من خلالها أن تنير الطريق لمن خطفت أبصارهن وعود المساواة الزائفة وشعارات التحرر الخادعة.
إن الفروق الجوهرية بين المرأة والرجل والتسليم بها من عدمه هي حجر الزاوية في قصة تحرير المرأة، ومع أنها لا تحتاج إلى بيان، إلا أننا في عصر انقلبت فيه الموازين وأصبحت الحقائق أوهاما.
لقد أثبتت البحوث والدراسات في ميدان علم الأحياء أن المرأة تختلف عن الرجل في كل شيء، بدءاً بالصورة والأعضاء، وانتهاء بذرات الجسم وخلاياه النسيجية، وهذا الاختلاف يلقي بظلاله على التكوين الجسمي والنفسي للمرأة ،فهي ضعيفة في الأول عاطفية في الثاني، وتبدو الآثار النفسية عند المرأة أكثرحدة في فترة الدورة والولادة، لأن التغيرات الجسمية المصاحبة تؤثر في القوى الذهنية والسلوك، وتضمحل قوة الجهد العقلي والتركيز الفكري أيام الحيض، إضافة إلى التهاب المجموع العصبي وتبلد الإحساس واضطراب الشعور، وبعض الأعراض المرضية الأخرى، وفترة الحمل لا تختلف كثيرا عن فترة الحيض، ولفترة ما بعد الحمل أعراضها وأمراضها.
ومن رحمة الله –تعالى- بالمرأة آن جعل مهمتها توافق بناءها الجسمي والنفسي، فأوكل إليها مهمة صناعة الرجال وهندسة الأجيال، وهي لعمر الله أشرف مهنة، بينما أوكل إلى الرجل مهمة السعي والحركة للضرب في الأرض والإنفاق على المرأة وأطفالها، وحين يحدث العكس فإن البشرية تنهار، وبدايات التصدع واضحة في المجتمع الغربي، أضرب لذلك مثلا واحدا، لقد أقنعت " دوت" زوجها " بايرون ايفانز" بضرورة قراره في البيت، فقدم استقالته من التدريس ليمارس مهمة تربية الابناء والعمل المنزلي، وراحت دوت (رب الأسرة الجديد ) تحصل الرزق للإنفاق على من تعول، وذات مرة حاول "بايرون" إسكات الطفلة "ماريش" فلم تطعه فتوترت أعصابه فصفعها بيده فازدادت بكاء، فما كان منه إلا أن دق رأسها ورمى بها أرضا ليجد طريقه إلى السجن، وتضطر الزوجة المسترجلة إلى العودة لوظيفتها الأولى بعد أن دفعت الثمن، وكما يقول الشيخ محمد الغزالي -رحمه الله- فإن المرأة ستظل اليد اليسرى للإنسانية، وسيظل عملها في البيت أكثر من عملها في الشارع، وسيظل الرجال حمالي الأعباء والأثقال في الشؤون الخاصة والعامة؛ لأن طاقة كلا الجنسين هكذا، ولأمر ما لم يرسل الله نبيا من النساء . إن الاختلاف الحاسم في طبيعة المرأة والرجل انجر عنه الاختلاف في المهمة.
والأهداف، ليواجه كل منهما مطالبه الأساسية في تكامل وانسجام، لذلك لا ارى كيف تستساغ هذه الثرثرة الفارغة عن المساواة الآلية بين الجنسين، إن المساواة في الإنسانية أمر طبعي، ولكن المساواة الآلية والوظيفية غير ممكنة وإن أرادها أهل الأرض كلهم، وإن عقدت لها المؤتمرات تلو المؤتمرات.
ـــــــــــــــــــ(100/155)
الأسرة المسلمة .. ودورها التربوي
أبو محمد الشنقيطي 25/10/1423
29/12/2002
إن التربية تتم من خلال الموجهات الأساسية للفرد خلال مراحل حياته، وهذه
الموجهات تمثل محاضن التنشئة المختلفة من أسرة ومسجد ومدرسة ووسائل اتصال، وأعظم هذه الوسائل أثرا الأسرة؛ لتفردها بالتأثير في فترة الطفولة .
إن الأسرة هي نواة المجتمع ووحدته البنائية، فيها يشب الطفل ويترعرع، وتتشكل اتجاهاته وآراؤه ويتم البناء الأساسي لشخصيته.
فالبيت المسلم هو المجتمع الصغير الذي تنشأ فيه روابط الأبوة والبنوة والقيم والأخلاق والألفة والمودة، والاستقرار النفسي والعاطفي، وكلها معان مستمدة من دين الإسلام، قال الله تعالى:" ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون" [الروم-21] .
لذا أولى الإسلام عناية كبيرة لتكوين البيت المسلم، فحض على اختيار ذات الدين والخلق، ومعاملتها بالمعروف، مع جعل القوامة بيد الرجل ليعم الأمن والاستقرار أرجاء البيت، كما أكد الإسلام على دور الأسرة المحوري في عملية التربية، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" ما من مولود إلا ويولد على الفطرة، فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه" رواه مسلم (2047) يقول الإمام ابن القيم رحمه الله: ( مما يحتاج إليه الطفل غاية الاحتياج العناية بأمر خُلقه ، فإنه ينشأ على ما عوده المربي في صغره، ولهذا نجد الناس منحرفة أخلاقهم، وذلك من قبل التربية التي نشأوا عليها)، ويقول الإمام آبو حامد الغزالي رحمه الله : ( الصبي أمانة عند والديه، وقلبه الطاهر جوهرة نفيسة ساذجة خالية من كل نقش وصورة، وهو قابل لكل نقش، ومائل إلى كل ما يمال إليه، فإن عُود الخير وعلمه نشأ عليه، وسعد في الدنيا والآخرة، وشاركه في ثوابه أبواه وكل معلم له ومؤدب، وإن عُود الشر وأهمل إهمال البهائم شقي وهلك وكان الوزر في رقبة القيم عليه والولي له، وقد قال تعالى : " يا أيها الذين آمنوا قوا أنفسكم وأهليكم نارا وقودها الناس والحجارة ".
ولكن كيف تتوفر العناية اللازمة للطفل إذا هجرت الأم البيت، وكان الأب في عمله معظم الوقت ؟. إن الأبناء أمانة في أعناق آبائهم فهل رعوا هذه الأمانة حق رعايتها؟، ألا فليتق الله أناس ضيعوا هذه الرعية التى سوف يسألون عنها، فعن ابن عمر رضي الله عنه : قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته، فالرجل راع في أهله وهو مسؤول عن رعيته، والمرأة راعية في بيت زوجها وهي مسؤولة عن رعيتها، والخادم راع في مال سيده وهو مسؤول عن رعيته، والولد راع في مال أبيه وهو مسؤول عن رعيته، فكلكم راع ومسؤول عن رعيته" متفق عليه، وعنه صلى الله عليه وسلم أنه قال : " إن الله سائل كل راع عن ما استرعاه أحفظ ذلك أم ضيع حتى يسأل الرجل عن أهل بيته " صححه الألباني ( الصحيحة/ 1636).
إن الأبناء يتمثلون بالآباء ويحملون عاداتهم السلوكية، فإذا كان الأب مدخنا مثلا فإن انتقال هذه الظاهرة إلى الطفل أمر وارد، وقديما قيل:
وينشأ ناشئ الفتيان منا على ما كان عوده أبوه
إن من المواقف التي لا زلت أذكرها، وأقف أمامها متأملا، أني زرت أحد الأصدقاء في بيته منذ مدة، وكان بصحبتي أحد الإخوة المدخنين– سامحه الله- فما كاد الجمع يلتئم حتى أخرج هذا الأخ سيجارته وأشعلها – كعادة المدخنين في عدم مراعاة شعور غيرهم - فإذا بطفل لا يتجاوز عمره ثلاث سنين يهمس في أذن أبيه، سائلا باستغراب : لماذا يحرق نفسه؟
لقد تربى هذا الطفل في بيت يعمر الأيمان أرجاءه، ولا يعرف التدخين إليه سبيلا، فارتسمت في ذهنه صورة مؤداها أن الدخان والنار يعنيان الحريق، فأسقط هذه الصورة الذهنية – محقا – على أول مدخن رآه !!.
ولكي يبقى للأسرة دورها التربوي الفعال فيجب ألا تشرك في هذه المهمة النبيلة أطرافا أخرى غير مأمونة التأثير كوسائل الإعلام، ذلك أن كثيرا من الأسر أسلمت مهمة التربية للفضائيات والخادمات لأسباب عديدة منها : اشتغال الأب والأم معا خارج البيت، والأمية التربوية التي تعاني منها أسر كثيرة، والتأثر بالنمط الغربي في بناء الاسرة مما نتج عنه اتساع الهوة بين الأبناء والآباء، والتفكك الأسري الذي يجعل مهمة التربية مقصورة على أحد الأبوين دون الآخر
ـــــــــــــــــــ(100/156)
المرأة المسلمة وملكات الجمال: مقارنة أمريكية
محمد الكندري* 11/10/1423
15/12/2002
"البرقع مقابل البكيني فسوق المرأة الأمريكية" ..عنوان لمقال سطره د"هنري ماكوو" يبدي من خلاله تقديره للحياء كصفة ملازمة للفتاه المسلمة، كما لا يخفي احترامه للمرأة المسلمة التي تكرس حياتها لأسرتها وإعداد النشء وتربيتهم، وعلى الوجه الآخر يبوح بما يضمره من استياء نتيجة الانحطاط القيمي والهياج الجنسي الذي تعيشه الفتاة الأمريكية .
د. هنري ماكوو- أستاذ جامعي ومخترع لعبة (scruples) الشهيرة، ومؤلف وباحث متخصص في الشؤون النسوية والحركات التحررية .
المقال يعكس مدى إعجاب بعض المنصفين من دعاة التحرير في الغرب بقيمنا الإسلامية، رغم اختلاف الإيدلوجيات والتوجهات، وقد أثار مقال د.هنري ردود أفعال في الشارع الأمريكي بين مؤيد ومعارض .
* صورتان متناقضتان
يقول د. هنري في مقاله ( على حائط مكتبي صورتان ، الأولى صورة إمرأه مسلمة تلبس البرقع – النقاب أو الغطاء أوالحجاب – وبجانبها صورة متسابقة جمال أمريكية لا تلبس شيئأ سوى البكيني ، المرأه الأولى تغطت تماماً عن العامة، والأخرى مكشوفة تماماً،هكذا كانت مقدمة المقالة، والتي تعتبر مدخلاً لعرض نموذجين مختلفين في التوجهات والسلوكيات .
*حرب متعددة الأهداف
يشير الكاتب إلى الدوافع الخفية لحرب الغرب على الأمة العربية والإسلامية، موضحاً أنها حرب ذات أبعاد سياسة وثقافية وأخلاقية، إذ إنها تستهدف ثروات ومدخرات الأمة، إضافة إلى سلبها من أثمن ما تملك، دينها، وكنوزها الثقافية والأخلاقية،وعلى صعيد المرأة فاستبدال البرقع وما يحمله من قيم بالبكيني( كناية عن التعري والتفسخ). يقول الكاتب ( دور المرأة في صميم أي ثقافة، فإلى جانب سرقة نفط العرب فإن الحرب في الشرق الأوسط إنما هي لتجريد العرب من دينهم وثقافتهم، واستبدال البرقع بالبكيني)!!.
*دفاعاً عن القيم
يمتدح د.هنري القيم الأخلاقية للحجاب أو البرقع، أو ما يستر المرأة المسلمة فيقول ( لست خبيراً في شؤون النساء المسلمات، وأحب الجمال النسائي كثيراً؛ مما لا يدعوني للدفاع عن البرقع هنا ، لكني أدافع عن بعض من القيم التي يمثلها البرقع لي ) ويضيف قائلاً:" بالنسبة لي البرقع ( التستر) يمثل تكريس المرأه نفسها لزوجها وعائلتها ، هم فقط يرونها وذلك تأكيداً لخصوصيتها). وكأن د.هنري يتفق هنا مع ما ذهبت إليه السيدة عائشة -رضي الله عنها- لما سئلت: أي النساء أفضل؟ قالت ( التي لاتعرف عيب المقال ولا تهدي لمكر الرجال، فارغة القلب إلا من الزينة لزوجها والإبقاء على رعاية أولادها) أو كما قالت رضي الله عنها.
*المسلمة مربية أجيال
ويشيد الكاتب بمهمة ورسالة المسلمة، والمتمثل في حرصها على بيتها واهتمامها بإعداد النشء الصالح فيقول ( تركيز المرأة المسلمة منصب على بيتها(العش) حيث يولد أطفالها وتتم تربيتهم ، هي الصانعة المحلية ، هي الجذر الذي يُبقي على الحياة الروح للعائلة، تربي وتدرب أطفالها، تمد يد العون لزوجها وتكون ملجأً له) .
*وماذا عن المرأة الأمريكية ؟
بعد الانتهاء من شرح الصورة الأولى التي على مكتبه، وهي صورة المرأة المسلمة، ينتقل د. هنري إلى الصورة الثانية فيقول (على النقيض ، ملكة الجمال الأمريكية وهي ترتدي البكيني، فهي تختال عارية تقريباً أمام الملايين على شاشات التلفزة، وهي ملك للعامة، تسوق جسمها إلى المزايد الأعلى سعراً (هي تبيع نفسها بالمزاد العلني كل يوم).
ويضيف ( في أمريكا المقياس الثقافي لقيمة المرأة هو جاذبيتها ، وبهذه المعايير تنخفض قيمتها بسرعة،هي تشغل نفسها وتهلك أعصابها للظهور).
*الجنس والعواطف الفارغة
ينتقد د. هنري فترة المراهقة الشاذة التي تعيشها الفتاة الأمريكية، حيث التعري والجنس والرذيلة فيقول ( كمراهقة قدوتها هي "بريتني سبيرز" المطربة التي تشبه العرايا ، من شخصية بريتني تتعلم أنها ستكون محبوبة فقط إذا مارست الجنس، هكذا تتعلم التعلق بالعواطف الفارغة، بدلاً من الخطوبة والحب الحقيقي والصبر ).
*الفتاة المسترجلة
ثم يعرج الكاتب إلى الآثار السلبية لتلك الحياة الماجنة التي تعيشها الفتاة الأمريكية، فيقول (العشرات من الذكور يعرفونها قبل زوجها، تفقد براءتها التي هي جزء من جاذبيتها ، تصبح جامدة وماكرة ،غير قادرة على الحب ).
ويشير إلى أن المرأة في المجتمع الأمريكي تجد نفسها منقادة إلى السلوك الذكوري، مما يجعلها إمرأة عدوانية مضطربة لاتصلح أن تكون زوجة أو أماً، إنما هي فقط للاستمتاع الجنسي، وليس للحب أو التكاثر .
*النظام العالمي يكرس العزلة
وينتقد د. هنري نظام الحياة في العالم المعاصر حيث التركيز على الانعزالية والانفراد، فيقول (الأبوة هي قمة التطور البشري، إنها مرحلة التخلص من الانغماس في الشهوات حتى نصبح عباداً لله تربية وحياة جديدة، ويضيف قائلاً: ( النظام العالمي الجديد لا يريدنا أن نصل إلى هذا المستوى من الرشد، حيث يريدوننا منفردين منعزلين جائعين جنسياً، ويقدم لنا الصور الفاضحة بديلاً عن الزواج ).
*احذروا خدعة تحرير المرأة
ويكشف د. هنري زيف ادعاءات تحرير المرأة، ويصفها بالخدعة القاسية، إذ يقول ( تحرير المرأه خدعة من خدع النظام العالمي الجديد ، خدعة قاسية أغوت النساء الأمريكيات، وخربت الحضارة الغربية ).
ويؤكد الكاتب أن تحرير المرأه يمثل تهديداً للمسلمين، فيقول: (لقد دمرت الملايين، وتمثل تهديداً كبيراً للمسلمين ).
وأخيراً يقول د. هنري:( لا أدافع عن البرقع أو النقاب أو الحجاب، لكن إلى حد ما بعض القيم التي يمثلها ، بصفة خاصة عندما تهب المرأه نفسها لزوجها وعائلتها، والتواضع والوقار يستلزم مني هذه الوقفة ).
أليس هذا الكاتب و أمثاله أكثر صدقاً وجرأة وقولاً للحق من الكثير من دعاة العلمانية في بلادنا؟!
- ألا يكفي المرأة المسلمة فخراً بأن يشيد بمكارم أخلاقها من ليسوا على دينها ؟ * إعلامي وباحث في شؤون المنظمات الخيرية
ـــــــــــــــــــ(100/157)
ذكريات طنطاوية –1-
14/9/1423
19/11/2002
قالوا: ألا تكتب عن ذكريات رمضان(1)؟ قلت: أي رمضان؟ أهو رمضان واحد حتى أكتب عن ذكرياته؟ لقد رأيت رمضان، وكان على المائدة طبق فيه "المشمش الحموي" الذي ملأه الله عسلاً والذي لا نظير له في غير الشام، أي أنني رأيته في قلب الصيف، ثم رأيته في وسط الشتاء، ثم درت معه خمس دورات، من الشتاء إلى الصيف، ومن الصيف إلى الشتاء، وكل دورة في خمس عشرة سنة، فعن أي الرمضانات أتكلم؟.
لقد اختلطت في نفسي الذكريات، لما تعددت الأحداث، وتتابعت المشاهد، وكثرت الأسفار والرحلات، ألا ترون إلى الرائي (التلفزيون) حين يتفنن المخرج أو المصور، فيضع صورة فوق صورة، فترى المحدث أو المغني أمامك يواجهك، تختلط صورته هذه بصورته الجانبية، ويدخل معها مشهد من مشاهد الطبيعة، يعرض ذلك كله معاً، فلا تستطيع أن تميز شيئاً من شيء، بعد أن اختلطت في الصورة الأشياء!!.
لقد كنا في دمشق، قبل الحرب العالمية الأولى، نصلي العشاء وننام فتخلو الطرق إلا من أعقاب السابلة، أو من أهل الليل... وما أهل الليل إلا الفساق والعشاق واللصوص، يسكن كل شيء ويلفه الليل بثوبه الأسود.
ننام بعد العشاء لنصحو قبل الفجر، وإن غلبنا النوم – وللنوم سلطان- قمنا قبل طلوع الشمس لندرك صلاة الفجر، ما كنا قد ألفنا السهر، ولا تعودنا شر عادة حين جعلنا ليلنا نهاراً ونهارناً ليلاً، كأننا نخالف سنة الله، وطبائع الأشياء، والله قد جعل الليل لباساً، والنهار معاشاً.
وكنا ننام على الأرض، ما كانت السرر إلا عند الأغنياء، وما كانت أسرتنا منهم، فكنا نمد الفرش في الليل لنطويها في الصباح، ثم نضعها في "اليوك"، وإن لم تعرفوا ما هو اليوك فإن ثلاثة أرباع أهل الشام لم يعودوا يعرفونه، إنه مثل الخزانة في الجدار، لكن بغير باب، ومن غير رفوف، نصف فيها الفرش المطوية بعضها فوق بعض، ويسدل على اليوك ستارة كانوا يعتنون بنقشها وتطريزها.
فاحسست يوماً وأنا نائم حركة عند فراشي، وكان عمري خمس سنين، سنة 1332هـ. ولكني كنت واعياً، فنهضت فإذا خوان الطعام، وكنا إذا أردنا الطعام مددنا الخوان على الأرض، ووضعنا فوقه الصواني والصحون فعجبت أشد العجب، وأحسست بمثل ما يحس به من يكشف شيئاً جديداً لم يكن معروفاً، ما لم يستبدلون بالمنام الطعام؟ ما لهم يأكلون ليلاً وعهدي بالفطور أنه في النهار؟.
وطار نومي من شدة العجب، وسألت بنظرات عيني الحائرة، والدهشة المرسومة على وجهي.. وسمعت المؤذن، لكن لم يكن يؤذن كما أسمعه كل يوم، بل كان يسرع، ينطق الجملة "حي على الصلاة" مثلاً، ثم يمد لام الصلاة، ويرخي صوته بها، ثم يرجه رجاً، ثم يعود فيمده، فإذا بلغ المد أقصى مداه، علا بصوته علواً مفاجئاً ورجه رجة سريعة، ثم صعد به أكثر فأكثر ثم أخفاه حتى ينتهي الصوت فوق، فتشعر كأنه طيارة ارتفعت حتى اختفت بين السحب وضاع أثرها.
وأنا كما قلت لكم من قبل: أوتيت أذناً لاقطة، فإن سمعت نغمة، فلا أنساها، قد لا أستطيع أداءها، ولكن إذا سمعتها بعد ذلك عرفتها، لذلك أكشف الألحان التي يدعيها الملحنون وهي قديمة، كلحن "بلادي بلادي منار الهدى" الذي أحفظه منذ صغري.
وكثرت عليّ العجائب تلك الليلة، فسمعت الباب يقرع! الباب يقرع في هذه الساعة من الليل؟ وسمعت رجلاً يضرب بالقضيب على طبلة معه، ضرباً موزوناً، وينادي: يا شيخ أحمد أفندي، يا شيخ مصطفى أفندي (وهما اسما جدي وأبي) قوموا لسحوركم.. ثم يقول كلاماً ظريفاً ما حفظته من أول مرة، ولم يشأ أهلي أن يدعوني في حيرتي، ففسروا لي ما خفي عني، قالوا إن هذا هو "المسحر" يدعو الناس للقيام للسحور، لأنه قد جاء رمضان، وإن هذا الأذان العجيب بنغمته هو أذان السحور، فما دام صوت المؤذن مسموعاً فإن الأكل يجوز، فإن انتهى فهو "الإمساك"، أما أذان الفجر للصلاة، فيؤن به داخل المسجد، والعادة عندنا في الشام، وفي أكثر البلاد، أن يكون الإمساك قبل الفجر بربع ساعة أو بعشر دقائق، مع أن الأكل يجوز بلا خلاف حتى يطلع الفجر.
قالوا ولكني لم أفهم شيئاً، ما السحور؟ وما الصيام. وما رمضان؟ إن للأطفال يا أيها القراء قاموساً خاصاً بهم. وأكثر – إن لم أقل كل- الذين يحدثون الأطفال في الإذاعة، وفي الرائي، أو يكتبون لهم في المجلات، أو يؤلفون لهم الكتب لا يدرون ما هو قاموس الأطفال، فيكلمونهم بما ليس في معجمهم (أي قاموسهم). ذهب مرة أحد أحفادي مع أبيه الذي يعمل مديراً في شركة كبيرة في جدة، فسألته، ماذا يصنع أبوك؟ قال: عنده براد (ثلاجة) يضع فيها الأوراق، أوراق في براد؟ إن كان يعني صندوق الحديد، لأن البراد أو الثلاجة هو الذي في قاموس الطفل، وهؤلاء الإخوان يكلمون الأطفال بأسلوب الجاحظ، لكن من غير بلاغة الجاحظ. وأنا أتمنى على من يريد أن يحدث الأطفال، أن يجمع جماعة منهم من سن من يريد أن يحدثهم، ثم يتلكم فإن تركوا ما هم فيه، وأقبلوا عليه، وفهموا منه، فقد نجح.
وسمعت مرة في الرائي مذيعة تزعم أنها تحدث الأطفال، فتلقي عليهم كلاماً غريباً عنهم، بعيداً منهم، ثم ترقق صوتها وتتلطف في كلامها وتقول: فهمتم يا أعزائي الأطفال. وأنا واثق أن أعزاءها الأطفال لم يفهموا شيئاً، فهم كأطفال برنامج "ظلال القرآن" يحفظونهم جواب السؤال الذي سيلقى عليهم، فإذا رددوه كما حفظوه، قيل للمعلق: ما رأيك؟ فخطب خطبة طويلة، ثم قال: إن هذا الطالب مع أنه تلميذ ابن عشر سنين لا طالب(2)، قد أجاد وأحسن. ماذا أجاد وقد حفظته أنت الجواب؟ هذا مع أني في أشد العجب وأكبر الإعجاب، بحفظ هؤلاء الأطفال وحسن تلاوتهم.
وعفواً، لقد خرجت عن الخط، وهذه عادتي، أو علتي لم أعد أستطيع منها فكاكاً فاحتملوني عليها.
***********
قالوا: جاء رمضان فلم نعد نستطيع الأكل بالنهار! افتدرون ما الذي فهمته – سنة 1332- وأنا طفل من هذا الكلام؟ فهمت أن رمضان هذا مخيف، يمنع الناس من الأكل، فلا يأكلون إلا ليلاً لئلاً يراهم. ولو قالوا لي: إن رمضان شهر من الشهور، والله الذي خلقنا ورزقنا قال لنا، لا تأكلوا فيه شيئاً، من الفجر إلى المغرب، وأن من أطاع يدخله الجنة، وهي بستان عظيم، وبيت كبير، فيه كل شيء لذيذ، إذا طلبته وصلت إليه، والذي لا يطيع يضعه في النار..
لو قالوا هذا لفهمته، أو فهمت أكثره، وإن لم أفهمه كله، وكان لنفسي ذخيرة إيمانية، أستمد منها الخير طول العمر، ولكن الأطفال مظلومون يقال لهم دائماً مالا يفهمون.
ورأيتهم يستعدون للخروج من الدار. قال جدي: تذهب معنا يا علي إلى المسجد؟ ففرحت، وقلت: نعم ومشينا في الطرق المعتمة إلا من ضوء مصابيح الكهرباء الصغيرة التي جاء بها الوالي ناظم باشا (وفي كتابي "قصص من الحياة" قصة عنه) كما جاء بالترام قبل ذلك بقليل، ووصلنا المسجد.
وكنت قد جئت المسجد قبل هذه، ولكني وجدته هذه المرة اسطع أنواراً، وأكثر ناساً وأبهى رونقاً، ولما رجعوا إلى البيت ناموا. ما هذا؟ أأنا اليوم في بلاد العجائب. نأكل في الليل وننام في النهار، والمؤذن يؤذن بنغمة غريبة ولكنها حلوة.. ورجل يضرب بطبلته في الحارة ويقرع الأبواب على الناس في البيوت؟ لم أفهم شيئاً ولكني كنت مبتهجاً مسروراً، كالذي يذهب إلى مدينة جديدة لا يعرفها، يكشف جديدها، أو كالذي يحلم حلماً، يرى فيه ما يسر ولا يدرك سر ما يرى.
ثم غلبني النوم فنمت، ولما نهضت، قلت: ألا نفطر؟ فضحكوا وقالوا: نحن في رمضان، فكيف تأكل؟ ألست صائماً؟ قلت: وهل يراني رمضان إن أكلت؟ وماذا يعمل بي إن رآني؟ قالوا: بل يراك رب رمضان، يراك الله.
وكنت أدرك إدراكاً مبهماً أن الله الذي لا نراه هو خلقنا، وعنده جنة فيها ما شئت من السكر والحلوى واللعب وكل ما أريد، يضع فيها من يحبه ومن يصلي ومن يسمع كلام أمه، وكلام أبيه، ولا يكذب، أدركت ذلك من كثرة ما أسمعه من أهلي.
ففهمت أننا لا نمتنع عن الطعام خوفاً من رمضان، بل لأن الله لا يريد أن نأكل في النهار في هذه الأيام.
وسكت راضياً وأنا أفكر في المكأفأة التي سأنالها من الله.
ولكني جعت، فسألت: إلى متى أبقى بلا طعام؟ قالوا: حين تسمع الأذان؟ قلت: الأذان الطويل؟ أعني أذان السحور، قالوا: لا، بل الأذان العادي.
وجعلت أذني إلى المئذنة، وطال عليّ الانتظار، ووقت الانتظار عادة طويل مهما قصر، حتى سمعته فأسرعت أقول: هذا الأذان، قالوا: صحيح فتعال لتأكل.
وأكلت أكلة ما ذقت إلى يومها أطيب منها، أما قال الشاعر
أعدت الراحة الكبرى لمن تعبا
لذلك يفرح الصائم بفطره، والفرحة الكبرى الكبرى يوم يلقي ربه، اللهم اجعلني يومئذ من المسرورين أنا ومن قال من القراء، آمين، وجميع المسلمين.
( 1)نشرت هذه الحلقة في رمضان سنة 1403هـ
( 2)من بلغ الجامعة سمي طالباً ومن كان في الابتدائية أو المتوسطة فهو تلميذ
ـــــــــــــــــــ(100/158)
ذكريات طنطاوية –2-
20/9/1423
25/11/2002
أذن المغرب، فأبيح لنا ما كان محرماً علينا، كنا نرى الطعام الشهي أمامنا ونحن نشتهيه، والشراب البارد بين أيدينا ونحن نتمناه ونرغب فيه، فلا نمد إليه يداً، ونكف النفس عنه، ومناها الوصول إليه، لا يمنعنا منه أحد، ولا يرانا لو أصبنا منه أحد، ولكنه خوف الله... لذلك قال الله في الحديث القدسي: (كل عمل ابن آدم له إلا الصوم فإنه لي). إن كل العبادات لله فما بال الصوم؟ ولماذا خصه الله بالنص على أنه له؟ لست أدري، ولكني أظن، الله أعلم، أن العبادات عمل، فأنت تستطيع أن تعملها رياء، أما الصوم فهو "ترك عمل" فلا يمكن أن يدخله الرياء، إلا إن جاء من يلازمك لزوم الظل فيكون معك في كل لحظة، وفي كل مكان وهذا ما لا يدخل في الإمكان، بل إن من الممكن أن يشرب العطشان من "حنفية" المغسلة في المرحاض، فيطفئ نار العطش في جوفه ولا يراه أحد لأنه لا يدخل أحد معه المرحاض، ويمكن أن يبتلع الماء ويتمضمض عند الوضوء، فلا يحس به أحد، ولو كان الناس حوله ينظرون إليه، لذلك كان الصيام الحق سالماً من رياء الناس، فهل هذا هو الجواب أم يقصر ذهني عن إدراك الجواب؟
***
كان يحمل الماء إلى البيوت في مكة وجدة، السقاؤون، وقد بقي ذلك في البيوت القائمة على الجبال أمامنا إلى عهد قريب، أراهم من شباك داري في أجياد، يحمل السقاء الصفيحتين ممتلئتين ويرجع بهما فارغتين، من الصباح إلى المساء، فماذا تكون حاله لو أرحته النهار كله، ثم جمعت الصفائح كلها، فكلفته أن يصعد بها الجبل مرة واحدة؟ ألا يعجز عنها ويسقط تحتها؟
هذا الذي يصنعه أكثرنا في شهر الصيام، نريح المعدة من الفجر إلى المغرب فإذا أذن المغرب شمرنا وهجمنا، نشرب ونشرب، ونأكل ونأكل، نجمع الحار والبارد، والحلو والحامض، وكل مشوي ومقلي ومسلوق، كمن يضع في الكيس بطيخاً، ثم يضع خلال حبات البطيخ تفاحاً، ثم يملأ ما بين التفاح لوزاً، ثم يفرغ على اللوز دقيقاً، حتى لا يدع في الكيس ممراً يمر منه الهواء.
هذا مثال ما نضعه على مائدة الإفطار، فيتحول ذلك شحماً نحمله ونمشي به فترى ناساً منا، (وأنا مع الأسف من هؤلاء الناس) لهم بطون حبالى في الشهر الخامس عشر! غير أن الحبلى تلد فتضع حملها، ويخف عنها ثقلها، والحبالى من الرجال لا يلدون ولا تلقى عنهم أثقالهم أبداً..
وهنا تظهر حكمة التراويح التي هي رياضة للجسد، وراحة للروح، ومدعاة للأجر.
ولن أجدد المعركة التي كانت يوماً في دمشق، معركة بالألسنة على المنابر، وبالأقلام في الصحف، وبالأيدي حيناً في المساجد، معركة التراويح هل هي عشرون ركعة كما يصليها المسلمون من قديم الزمان، أم هي ثماني ركعات فقط كما صح في الحديث، ولقد كنت يومئذ قاضي دمشق، وخطيب مسجد جامعتها، فقلت للناس: إن الله لم يوجب التروايح فمن صلاها ثماني فقد أحسن، ومن صلاها عشرين فما أساء، ولا ارتكب محرماً، ولا حمل إثماً، إنما يجترح الإثم من يفرق جماعة المسلمين بلا سبب، ويشغلهم عن معركتهم الأصلية، معركة الكفر والإيمان، بمعارك جانبية ما لها لزوم، يفل بها بأسهم، ويذهب بها ريحهم، ولا يصنع هذا إلا عدو للإسلام متعمد الضرر، أو ساذج قصير النظر.
***
وكان أكثر أئمة المساجد في دمشق ينقرون التراويح نقراً، يتبارون فيها سرعة، يقرؤون الفاتحة بنفس واحد، ثم يتلون (الرحمن علم القرآن، خلق الإنسان، علمه البيان) ويكبرون ويركعون، ومثل ذلك في الركعات كلها، إلا نفراً منهم كانوا يصلونها على مهل، ويناجون الله لا يعدون الركعات، ومنهم من كان يقرأ كل ليلة جزءاً من القرآن يرتله ترتيلاً، وأشهر هؤلاء إمام المشهد الحسيني في جامع بني أمية وهو فاضل من آل الحمزاوي، شيخ صالح، وكان يقصده الناس من أطراف دمشق ليصلوا معه. أما التراويح في الأموي فكانت ونحن صغار عجباً من العجب: أربعة أئمة من أتباع المذاهب الأربعة يصلون في وقت واحد، ووراء كل إمام مبلغ من أصحاب الحناجر القوية والأصوات الندية، فتختلط أصواتهم، فيسمع المقتدي بتكبيرة الانتقال من غير إمامه فيسجد وإمامه لا يزال، حتى جاء مدير الأوقاف نسيت الآن أسمه، ولكن الله لا ينسى له فعله، فوحد الجماعات، وجعل الإمامة كل ليلة لإمام، وهذا الذي لا يرضى غيره الإسلام.
وأنت إذا دخلت الأموي من بابه الشرقي، وهو أقدم الأبواب، وجدت المحراب المالكي، وهو المحراب الأصلي للمسجد، وكان يسمى محراب الصحابة، وكان الجامع قبل أن يوسعه الوليد بن عبدالملك ويبنيه البناء الذي كان إحدى العجائب في سالف العصور. كان الجامع بمقدار النصف مما تراه اليوم ولم يكن له إلا هذا المحراب، فلما بناه الوليد زاد المحراب الكبير وهو إلى جنب المقصورة في نحو منتصف جدار القبلة. وفي سنة 617هـ نصب محراب الحنابلة في الرواق الثالث الغربي، وقد عارض بعض الناس في نصبه ولكن ركن الدين المعظمي، ناصر الحنابلة فأقيم، وأمَّ الناس فيه الموفق بن قدامة المقدسي مؤلف المغني والكافي، ثم رفع في حدود سنة 730هـ وعوضوا عنه بالمحراب الغربي، جنب باب الزيادة، وهو الباقي إلى اليوم، أما محراب الشافعية فأقيم سنة 728 بأمر تنكز باني المسجد المعروف في دمشق.
فصارت المحاريب أربعة: محراب الخطيب وهو الكبير وإلى جنبه المنبر وهو للحنفية، ومحراب الشافعية وهو الذي يليه من جهة الغرب، ومحراب المالكية وهو في أقصى الشرق من جدار القبلة، ومحراب الحنابلة وهو في أقصى الغرب.
وكانوا قبل سنة 694 يصلون الفروض الخمسة في وقت واحد، ثم رسم للحنابلة أن يصلوا قبل الإمام الكبير، وفي سنة 819 انتقل الإمام الأول إلى محراب الشافيعة، ثم استقرت الحال على أن أول من يصلي إمام الكلاسة وهي مدرسة شمالي الأموي، ملحقة به، وهي إلى جنب مدفن صلاح الدين الأيوبي، أو لعل صلاح الدين دفن فيها. يعرف ذلك أخونا الدكتور صلاح الدين المنجد، فهو والشيخ دهمان من أعرف أهل دمشق بدمشق، ثم إمام مشهد الحسين، والمشاهد في عرف أهل الشام مساجد صغيرة ملحقة بالجامع وبابها إليه وهي جزء منه يضمها سورة، والوضع اليوم على أن يصلي إمام الشافعية أولاً ثم الحنفي ثم المالكي ثم الحنبلي، وتركت الجماعات التي كانت في المشاهد( 1).
وهذا كله مخالف للسنة، ومفرق للجماعة، ومن المحدثات في الإسلام، والصحيح أن المساجد التي لها إمام راتب لا يجوز أن تتكرر فيها الجماعات، وهذا مذهب الحنفية(2 )، بل إن المحاريب نفسها محدثة لم تكن في القرن الأول وهو خير القرون.
***
وإذا أنا خصصت الجامع الأموي بطول الكلام عنه، لأنه أقدم مساجد الإسلام صارع النار والدمار، وثبت على الأعصار والأدهار، وتكسرت على جدرانه موجهات الزمان وهو قائم، كما تتكسر أمواج البحر على أقدام الصخرة الراسية عند الشاطئ.
ذهبت أمية بسلطانها ومالها، ولبث وحده يخلد في الدنيا اسم أمية، فكان أبقى من كل ما نالت أمية من مال وسلطان، وكان معبداً من أكثر من ثلاثة آلاف سنة، تداولته أيدي اليونان والرومان وأقوم كانوا قبلهم، نسي التاريخ خبرهم، ثم صار كنيسة للمسيح، ثم انتهى لمحمد صلى الله عليه وسلم.. وعلى أخيه المسيح بن مريم، عبدالله ورسوله، فبقي لأتباع محمد إلى يوم القيامة.
إن ذكرياتي عن رمضان مستقرها الجامع الأموي، وأبناؤه وأحفاده: مساجد دمشق. وأين تكون ذكريات رمضان إن لم تكن في المساجد؟ في حلقات العلم والوعظ في المساجد، وفي صفوف المصلين التي تملأ في رمضان المساجد؟ على أن في المساجد في رمضان ما يأباه الذوق السليم، والخلق القويم، هو النوم فيها بين الصلوات، فهل أنشئت المساجد لترى الناس نائمين فيها، مضطجعين بالطول والعرض، لا يحترسون من أن يؤذوا الناس، أنا لا أنكر أن الاعتكاف عمل مشروع، وسنة متبعة، ولكن هذا الذي يصنعه الناس ليس من الاعتكاف المشروع.
***
إن ذكرياتي عن الأموي لا أكاد أحصيها، منها ما له نظير في غيره، ومنها ما لا أعرفه إلا فيه، فمن أقدم الذكريات التي نقشت صورتها في نفسي من عهد الصغر، ثريا ضخمة جداً على هيئة قبة قطرها نحو أربعة أمتار، ليست من البلور (أي الكريستال)، ولا من الصفر أو النحاس، ولكنها قضبان متشابكة من الحديد، إذا رأيتها اليوم رأيت فيها مئات ومئات من المصابيح الكهربائية، وهذه حالها اليوم، أما حالها لما كنت في الابتدائية، قبل خمس وستين سنة فقد كانت شيئاً آخر، شيئاً يوصف ولا يرى لأنه فقد ولم يعد يوجد، كان مكان المصابيح الكهربائية سرج: كؤوس صغيرة جداً كالتي نشرب فيها الشاي، تملأ بالزيت ويوضع فيه الفتيل، وهو خيط غليظ من القطن المفتول، ولذلك سمي بالفتيل، لأن (فعيل) تأتي بمعنى (فاعل) ومعنى (مفعول).
والصورة الراسخة في الذاكرة هي صورة هذه الثريا، التي تعدل بحجمها قبة مسجد، المربوطة بحبل معلق ببكرة، ينزلونها حتى تستقر على الأرض بعد أن يبسطوا تحتها بساطاً مشمعاً لئلاً يوسخ الزيت السجاد، ثم يلتفون حولها ويشعلون الفتيل في السراج حتى تضيء السرج كلها، ثم يشدون الحبل فيرفعونها، فتراها من تحتها والسراج ترتجف شعلاتها وتتراقص مثل النجوم المتلألئة، ففي السماء الصافية، في الليلة الساكنة. ويستغرق إيقاد هذا السرج الوقت كله من المغرب إلى العشاء.
***
نشأت في دمشق، وفي دمشق عرفت رمضان، وأحببت رمضان، ثم كتب الله لي (أو كتب عليّ) أن أشرق في الأرض وأرغب، مشيت إلى أقصى الجنوب الشرقي من آسيا إلى مدينة سورابايا، وإلى فولندام في أقصى الشمال من هولندا( 3)، وأن أرى رمضان حيثما سرت ، لا في سنة واحدة، بل في سنوات كثيرات وأزمنة متباعدات.
في مصر سنة 1928م وأنا طالب في دار العلوم ومحرر في "الفتح" وفي "الزهراء". لما كان سكان مصر ثلث سكانها اليوم، وكانت القاهرة بربع حجم القاهرة، لما كانت القاهرة عاصمة العرب، شوارعها أنظف الشوارع، وميادينها أجمل الميادين، ومواصلاتها أسهل وأسرع المواصلات، والجامعة الوحيدة في بلاد العرب كلها كانت فيها، ولم أعد جامعتي بيروت الأمريكية واليسوعية لأنهما ليستا لنا، وكان الأزهر "جامعاً" للطلاب المسلمين.
وفيها حديقة الحيوان التي لا تفوقها جمالاً وسعة وعظمة إلا ثلاث حدائق في العالم، وفيها... وفيها.. فما كتبت اليوم لأعد الذي كان فيها.
وأن أرى رمضان في العراق لما كنت مدرساً فيه، تنقلت بين بغداد والبصرة وكركوك، أمضيت في الأعظمية سنة قلما استراحت روحي مثل راحتها فيها، كنت أدرس في الثانوية المركزية، وأحاضر في دار المعلمين العليا، وكنت حلقة من النحاس في سلسلة حلقاتها من خالص الذهب/ كان سلفي الأستاذان أحمد حسن الزيات ومحمد بهجة الأثري، وخلفي الأستاذ زكي مبارك، هم الذهب وأنا حلقة النحاس، وكنت أدرس في مدرسة الإمام الأعظم أبي حنيفة الذي تشرفت الأعظمية بانتسابها إليه، وكنت أنام في المدرسة وهي متصلة بالمسجد، فكان بين مضجعي المؤقت في الكلية ومضجع جسده في مدفنه ثلاثون متراً. يا سقى الله أيامي في أعظمية بغداد وأهلها. كانوا يقولون لنا: "جايين تقشمرونا تأخذون فلوسنا وتنسونا" ما قال ذلك خاصتهم وفضلاؤهم بل بعض العامة منهم، فها هي ذي سبع وأربعون سنة قد مرت، فهل رأيتموني يا أهل بغداد قد نسيتكم؟ هل كتب أحد عن بغداد بعد زكي مبارك، أكثر مما كتبت أنا؟ أولم أؤلف كتاباً عن بغداد حالات عواصف السياسة، وغبار تلك العواصف، بينه وبين أهل بغداد، فلم يطلع عليه إلا قليل منهم؟ وما لي بالسياسة من أرب وما كنت يوماً من أربابها ولا من أحبابها، ولكن كان ذنبي فيه أن وصفت ما رأيت، فمدحت ناساً صار مديحهم يؤذي من نزل بعدهم منازلهم، وحل محلهم، وكذلك الدنيا: مقاعد قطار، يصعد واحد وينزل واحد.
ورأيت رمضان في البصرة ومتعت البصرة بمرأي شط العرب، وملايين من أشرف العرائس يستحممن في مائه.. عرائس النخيل في الأبلة التي هي اليوم أبو الخصيب. ألم يشهد لهن شيخ المعرة حين قال:
وردنا ماء دجلة خير ماء ... ...
وزرنا أشرف الشجر النخيلا
وفي كركوك، لما كانت قرية أو كالقرية، وكنا نستضيء في لياليها بشمعات ثلاث لا تنطفئ أبداً، لا في الليل ولا في النهار، ولا تحت المطر، ذلك لأننا لم نكن نعرف أن الغاز الطبيعي له ثمن وأنه يمكن أن يباع، فكنا نحرقه لنخلص منه، يوم لم يكن قد ظهر لنا النفط في غير العراق.
ورأيت رمضان في بيروت سنة 1937م، وأنا مدرس في الكلية الشرعية التي غدت اليوم أزهر لبنان، وكان من تلاميذها رجال بلغوا المعالي منهم العالم المجاهد المفتي الشيخ حسن خالد. ورأيت رمضان في باكستان، وفي الهند، وفي أندونيسيا لما رحلت إليها مع بركة العصر الشيخ أمجد الزهاوي، وقد كتبت عنه بإذنه ورضاه في كتابي "في أندونيسيا"، وكانت رحلة لخدمة فلسطين، والتعرف بقضية فلسطين، ما قبضنا فيها مالاً ولا تسلمنا مما يجمعون قرشاً، بل أعطيناهم عنوان المؤتمر الإسلامي، وقلنا لهم: أرسلوا إليهم ما جادت أيديكم به.
قطعت حياتي قطعاً وتركت في كل من هذه البلاد فلذة منها، لي في كل واحدة ذكرى وذكريات لو جمعتها ودونتها لجاء منها أدب أخلفه بعدي، سميراً للأدباء في ليالي الوحدة، اتخذ منه أصدقاء يعرفونني من بعد موتي وأنا ما عرفتهم، ولكن ما جدوى هذا كله؟ هذا كله أبقية هنا، الأدب والشهرة والمجد، إن الذي يجدي علي وينفعني هو الذي أحمله للرحلة الطويلة التي لا محيص عنها، ولا رجعة منها، فعلام الأسى على زهرات لا تعيش إلا يوماً واحداً ثم تذبل وتموت.
إن أدون هنا ذكرياتي، بل الأقل مما بقي في ذهني من ذكريات. والفضل فيها بعد الله، لولدي الأستاذ زهير الأيوبي و"المسلمون"، ثم لـ"الشرق الأوسط"، أما أكثر الذكريات فقد سقط مني في مسالك الحياة، أو امتدت إليه فسرقته أيدي النسيان.
وجدت لرمضان في هذه البلاد كلها حقيقة واحدة، ولكن صورها مختلفة، ومن أسرار خلق الله أنه جعل التعدد في الوحدة، والوحدة في التعدد، فهندسة الوجود كلها واحدة: عينان تحت حاجبين، وجبين فوق العينين، وجعل فماً وشفتين، ولكنه لم يجعل فيها وجهين متماثلين، حتى التوأمين بينهما - لو دققت النظر- فروق، وإلا لما عرفت زوجة أحدهما زوجها.
والأحياء كلها على تعدد أنواعها، هندسة بنائها، تكاد تكون واحدة: العمود الفقري، وقفص الصدر والأطراف حتى عدد فقرات العنق في الزرافة، وفي الحيوان الذي لا يبدو له رقبة، حتى أعضاء التناسل في الذكر والأنثى هندستها واحدة على تعدد أنواع الحيوان.
أليس في هذا دليل من آلاف الأدلة على أن الصانع واحد؟ لو زرت معرض صور فيه مئات من اللوحات، نوع ورقها، وأصباغها، وطريقة ضرب الريشة فيها، كل ذلك واحد، ألا تفهم من ذلك أن مصورها واحد؟
ثم إن اختلاف صور رمضان في تلك البلدان جاء مما ابتدع الناس وأحدثوه، فالدين واحد، والصورة الأصلية، صورة مجتمع الصحابة الذي كان يشرف عليه ويهديه سيد البشر محمد صلى الله عليه وسلم، لو بقي المسلمون عليها لما اختلفوا ولكنهم ابتدعوا بدعاً ألصقوها بالدين، وجاء العلماء فكشفوا تلك البدع، وهذا معنى الحديث (إن الله يبعث لهذه الأمة على رأس كل قرن من يجدد لها دينها)، يجدده كما يغسل المرء ثوبه من الأوساخ فيعود جديداً كيوم اشتراه، فالتجديد المراد هو هذا، لا أن يأتي بدين جديد غير ما جاء به رسول الله.
وكان أصعب رمضان مرّ عليّ هو الذي قضيته في جاكرتنا، أنزل وحدي في فندق من أعظم ما رأيت من الفنادق، لي وحدي جناح أكبر من بيتي في الشام، ولكني كنت فيه في سجن، كان حاصره (زنزانه) ولكنها واسعة، أرى بعيني ولا أتكلم بفمي، أبصر من حولي الهولنديين من بقي منهم سنة 1954م، أكثرهم مع أسرهم وأولادهم، وبيني وبين أولادي ربع محيط الأرض، وجاء العيد والناس يفرحون بالعيد، وأنا أنشد مع المتنبي ما قال في العيد، وخرجت إلى ساحة مرديكا (ومعناها ساحة الاستقلال) وبنفسي من الضيق ما لو وزع على ذلك الحشد الذي لا يحصى أفراده عد لغمهم كلهم، الألعاب والباعة والأطفال، دنيا من الناس، يموج بعضهم في بعض، وأنا في دنيا من همي وغمي وضيق صدري، لا أجد من أكلمه أو أفهم عنه أو يفهم عني، وما العيد إن لم يكن معه الأنس ببلدك وأهلك وأصدقائك؟ وما العيد إن لم يكن فيه للنفس متعة، وللقلب اطمئنان؟ إنه لا يبقى منه إلا رقم على صفحة التقويم.
وجدت ساحة كمبير كأن قد نبتت فيها عشرون ألف زهرة في ليلة واحدة، لا أعني زهرات الحقل ولكن زهرات البيوت، كان نساء جاوة الحلوات (غير الجميلات) يختلن في الثياب العجيبة الملونة، بمثل ألوان زهر الروض، وكان لهن أفانين من التسليات والألاعيب، ولكني كنت عن ذلك كله في غفلة، كنت أمشي بلا قلب لأن قلبي بعيد، بعيد عن المكان والزمان، إنه يهيم في أودية الماضي، يسرح في تلك السفوح الحبيبة من قاسيون، حتى بلغت حديقة لحظت أنها مرتع أطفال الأغنياء، لما يبدو عليهم من آثار السرف والترف، وكان على باب الحديقة عجوز قد أمال ظهرها ثقل ما حملت من كثرة السنين وفي يديها طفلة كأنها الفلة المتفتحة جمالاً وطهراً، في ثياب قديمة لكنها نظيفة... وكانت تنظر إلى هذا العالم كأنه غريب عنها.
.... وكان الأولاد يشترون أكلف "الشوكلاته" من بياع هناك، وكانت تنظر إليهم وهم يقشرون أوراقها ويأكلونها بعيون يلمع فيها بريق الرغبة المحرقة، يعقبها خمود اليأس المرير، ثم غلبها الطمع فلكزت خصر جدتها العجوز بمرفقها حتى إذا التفتت إليها، أشارت بغمزة من عينها، وحركة سريعة من يدها إلى الشوكلاتة فتبسمت الجدة بعينيها، ولكن مقلتيها كأنتا تبكيان بلا دموع، وقلبت كفيها إشارة العجز والفقر، فأشتريت لها أكبر كف من الشكولاته وذهبت فدفعته إليها، فنظرت إلي نظرة المشدوه، ثم نظرت إلى جدتها كأنها تستنجد بها تسألها، فأشرق وجه العجوز بابتسامة كأنها إطلالة الشمس في يوم كثيف الغمام، وقالت بلسانها كلاماً لم أفهم منه إلا "تريما كاسي" أي شكراً "بنجاوم عمر" أي الله يطول عمرك، وأسرعت البنت تجر جدتها تسرع بها، كأنها قطة أعطيتها قطعة لحم فهي تسرع بها، كأنما تخاف أن أندم فألحقها لاستردها منها ( 4).
"لم أخسر أكثر من أجرة سيارة أركبها في نزهة أريدها، ولكني ربحت من اللذة ما لا أجده في مئة نزهة. أحسست أن ما كان في قلبي من الضيق قد انفرج، وما كنت فيه من الكرب قد زال، وأنه رفع المنظار الأسود عن عيني فرأيت بهاء الكون، وبياض النهار ووجدت العيد"( 5).
فيا أيها القراء "ليست السعادة بالأموال ولا بالقصور، ولا بالخدم والحشم، ولكن بسعادة القلب وإن أقرب طريق إلى سعادة القلب أن تدخل السعادة على قلوب الناس وإن أكبر اللذاذات هي لذة الإحسان"(6 ).
فمن أراد منكم أن يجد العيد فلن يجده في سفره إلى لندن ولا باريس، ولا بانكوك ولا نيس، بل يجده على وجوه من توليهم الإحسان.
( 1) من مقدمة كتابي "الجامع الأموي".
( 2)انظر: حاشية ابن عابدين، الجزء الأول، صفحة 265، صفحة 371 من طبعة بولاق.
(3 ) كلمة دام في امستردام ونوتردام وغيرهما معناها سد، أن هولندا المعروفة بالأراضي المنخفضة أرض مسروقة من البحر تختبئ وراء السدود.
( 4) مقاطع من كتابي "في أندونيسيا".
( 5) مقاطع من كتابي "في أندونيسيا"
(6 ) مقاطع من كتابي "في أندونيسيا"
ـــــــــــــــــــ(100/159)
بعد رحيل العشر الأول
مشعل بن عبد العزيز الفلاحي 12/9/1423
17/11/2002
هاهي العشر الأول من رمضان قد رحلت، وثمة حديث يخالج النفس في ثنايا هذا الوداع، تُرى ما ذا حفظت لنا ؟ وما ذا حفظت علينا ؟ إن ثمة تساؤلات عريضة تبعثها النفس في غمار هذا الوداع .
* أول هذه التساؤلات كم تبلغ مساحة هذا الدين من اهتماماتنا ؟ هل نعيش له ؟ أم نعيش لأنفسنا وذواتنا ؟ كم نجهد من أجله ؟ كم يبلغ من مساحة همومنا ؟ إن العيش في حد ذاته يشترك فيه الإنسان مع غيره من المخلوقات، ولا ينشأ الفرق إلا عندما تسمو الهمم ، وتكبر الأهداف. وعلى أعتاب العشر الثانية آمل ألا يكون نصيبي ونصيبك هو قول الله عز وجل ((رضوا بأن يكونوا مع الخوالف )). فالسابقون مضوا والسير حفظت لنا قول بكر بن عبد الله المزني: من سره ينظر إلى أعلم رجل أدركناه في زمانه فلينظر إلى الحسن فما أدركنا أعلم منه ، ومن سره أن ينظر إلى أورع رجل أدركناه في زمانه فلينظر إلى ابن سيرين إنه ليدع بعض الحلال تأثماً، ومن سره أن ينظر إلى أعبد رجل أدركناه فلينظر إلى ثابت البناني فما أدركنا أعبد منه، ومن سره أن ينظر إلى أحفظ رجل أدركناه في زمانه وأجدر أن يؤدي الحديث كما سمع فلينظر إلى قتادة )). وليت شعري أن نكون وإياك أحد هؤلاء.
* سؤال آخر يتردد : حرارة الفرحة التي عشناها في مقدم رمضان، هل لا زالت قلوبنا تجل الشهر؟ وتدرك ربيع أيامه؟ أم أن عواطفنا عادت كأول وهلة باردة في زمن الخيرات، ضعيفة في أوقات الطاعات، ورحم الله سلفنا الصالح فلكأنما تقص سيرهم علينا عالماً من الخيال حينما تقول: قال الأوزاعي: كانت لسعيد بن المسيب فضيلة لا نعلمها كانت لأحد من التابعين، لم تفته الصلاة في جماعة أربعين سنة، عشرين منها لم ينظر إلى أقفية الناس. وكانت امرأة مسروق تقول: والله ما كان مسروق يصبح ليلة من الليالي إلا وساقاه منتفختان من طول القيام، وكنت أجلس خلفه فأبكي رحمة له إذا طال عليه الليل وتعب صلى جالساً ولا يترك الصلاة، وكان إذا فرغ من صلاته يزحف كما يزحف البعير من الضعف. قال أبو مسلم: لو رأيت الجنة عياناً أو النار عياناً ما كان عندي مستزاد، ولو قيل لي إن جهنم تسعّر ما استطعت أن أزيد في عملي. وكان يقول : أيظن أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم أن يسبقونا عليه، والله لأزاحمهم عليه حتى يعلموا أنهم خلّفوا بعدهم رجالاً. وفي ظل هذه الأخبار تُرى كم من صلاة في الجماعة ضاعت ؟ ورسول الهدى صلى الله عليه وسلم يقول : من صلى الفجر في جماعة فهو في ذمة الله ....إلخ ويقول في حديث أبي هريرة في الصحيحين: لقد هممت أن آمر بالصلاة فتقام فآمر رجلاً فيصلي بالناس ..... وكم نافلة في صراع الأعمال تاهت ؟ تُرى كم من لحوم إخواننا هتكناها بأنيابنا ؟ تُرى كم هي الخيانة التي عاثتها أعيننا في رحاب الحرمات. كم خطت أقدامنا من خطو آثم ؟ كم، وكم، من عالم الحرمات هتّكت فيه الأسوار بيننا وبين الخالق ؟ والمعصية أياً كانت، حتى لو عاقرناها في ليالي رمضان فلا تبقى خندقاً تحاصركم، وهي كما قال بعض العلماء: (( أي خلال المعصية لا تزهدك فيها ؟ الوقت الذي تقطعه من نفيس عمرك حين تواقعها، وليس يضيع سدى، بل يصبح شؤماً عليك ؟ أم الأخدود الذي تحفره في قلبك وعقلك ثم تحشوه برذائل الاعتياد والإلف السيئ والإدمان الخبيث ، والذكريات الغابرة التي يحليها لك الشيطان ليدعوك إلى مثلها، ويشك إليها؟ أم استثقال الطاعة والعبادة والملل منها وفقد لذتها وغبطتها، أم إعراض الله عنك وتخليته بينك وبين نفسك حتى وقعت فيما وقعت ، أم الوسم الذي تميزك به حين جعلتك في عداد الأشرار والفجار والعصاة، أم الخوف من تحول قلبك عن الإسلام حين تجد حشرجة الموت وكرباته وغصصه ، فيا ويلك إن مت على غير ملة الإسلام ! ))
* سؤال ثالث يتردد معاشر الدعاة والمصلحين والمربين، عُدوا لي -بارك الله فيكم- في شهر رمضان فقط: ماذا قدمتم لمجتمعاتكم من خير ؟ دينكم الذي تتعبدون به هل نجحتم في طريقة عرضه ؟ فالبائع ينجح بقدر ما يحسن في طريقة العرض، وأنتم أولى هؤلاء بحسن الطريقة، ونوعية التقديم. مجتمعاتكم بكل من فيها ما ذا قدمتم لها ؟ مسجد الحي، وجيران البيت، وأقارب الأسرة، وميدان المدرسة أولى الناس بمعروفك فأين هم من مساحة اهتماماتك ؟ أسئلة تتردد على الشفاه أوليس رمضان فرصة سانحة للإجابة عنها ؟ أملي أن يكون ذلك. وكل ما أرجوه ألا تخرج نفسك أخي الفاضل من قطار الدعاة والمصلحين والمربين أياً كنت، وفي ظل أي ظروف تعيش، فالمسؤولية فردية. وعندما نحسن فن التهرب من المسؤولية نكون أحوج ما نكون إلى من يأخذ بأيدينا، ويحاول إخراجنا من التيه الكبير. يقول أبو إسحاق الفزاري:(( ما رأيت مثل الأوزاعي والثوري ، فأما الأوزاعي فكان رجل عامة، وأما الثوري فكان رجل خاصة ، ولو خيّرت لهذه الأمة لاخترت لها الأوزاعي )).
* سؤال رابع يتردد هل مازلنا نمارس نوعاً من الجهالة في معاملة ربنا ؟ إن خلوات الليل أياً كانت في نظرك إنما هي في منظورها الصحيح هتك للستر الذي بينك وبين الله تعالى، ونسيان لمعاني الربوبية التي اتصف بها ربك، ومكابرة من مخلوق ضعيف لا يملك شيئاً أمام جبروت الرب، وسلطان الخالق، وقهر الواحد الأحد . هذه هي النظرة الصحيحة لها، ومن يسلي نفسه بغير هذا فليصحح النظرة، وليفكّر في عظمة من عصى، أشار إلى ذلك ابن القيّم في كتابه (الداء والدواء) فقال: (فهاهنا أصل عظيم يكشف سر المسألة، وهو أن أعظم الذنوب عند الله تعالى إساءة الظن به؛ فإن المسيء به الظن قد ظن به خلاف كماله المقدّس، وظن به ما يناقض أسماءه وصفاته...) وقال في موضع آخر: (وكذلك لم يقدره حق قدره من هان عليه أمره فعصاه، ونهيه فارتكبه، وحقه فضيّعه، وذكره فأهمله وغفل قلبه عنه، وكان هواه آثر عنده من طلب رضاه ، وطاعة المخلوق أهمّ عنده من طاعته ؛ فلله الفضلة في قلبه وعمله، وسواه المقدّم في ذلك؛ لأنه المهم عنده، يستخف بنظر الله إليه واطلاعه عليه، وهو في قبضته وناصيته بيده، ويعظّم نظر المخلوق إليه واطلاعه عليه بكل قلبه وجوارحه، يستحي من الناس ولا يستحي من الله تعالى، ويخشى الناس ولا يخشى الله تعالى، يُعامل الخلق بأفضل ما يقدر عليه، وإن عامل الله عامله بأهون ما عنده وأحقره ... فهل قدر الله حق قدره من هذا وصفه ؟! وإلا ستكون النتائج وخيمة وسيئة، وفرص التوبة لا تتكرر، وقد يحول الله تعالى بينك وبين التوبة جزاء التسويف والتأخير، وما يدريك فمن جعلته أصغر الناظرين إليك قد يرصد لك في وقت غفلة، ويرديك في وقت جذوة، والمعصية لا تأتي إلا إذا اكتمل جهل وكبر وعناد، وهذه لو تأمل العاصي واحدة منها لوجد أنها أهلكت أمما غابرة، وجنوداً غفيرة، فالله الله في زمن المهنة، فلا شهر أعظم من هذا ! ولا وقت أنفس من هذا الوقت! والهالك لن يهلك إلا عن بينه وحينئذ لا تأسف عليه).
* سؤال خامس يتردد: القلوب المتنافرة أما لها أن تتصافح ؟ هل لازالت معاندة للفطرة السوية، هل لازال الكبر يوقد ضرامها ؟ ويشعل فتيلها ؟ أما نجح رمضان أن يعيد البسمة لشفاه قد طال انغلاقها ؟ إن هذه القلوب يُخشى عليها إن لم تفلح المواعظ في ليها للحق فإن لفح جهنم هو القادر أن يكسر مكابرتها، ولوي عناقها، ويرغم أنف باطلها. لهؤلاء أن يسمعوا هذه النصوص وأن يضعوا أنفسهم في الترتيب اللائق بها عند ذلك، فهذا رسول الهدى صلى الله عليه وسلم سئل من أفضل الناس ؟ فقال صلى الله عليه وسلم : كل مخموم القلب صدوق اللسان، قالوا صدوق اللسان نعرفه فما مخموم القلب ؟ قال: هو التقي النقي لا إثم فيه ولا بغي ولا غل ولا حسد. أخرجه ابن ماجة وصححه الألباني .
لقد وقف رسول الله صلى الله عليه وسلم خطيباً قبل موته فقال: ألا فمن كنت جلدت له ظهراً فليستقد، ومن كنت أخذت له مالاً فهذا مالي فليأخذ منه، ومن كنت شتمت له عرضاً فهذا عرضي فليستقد. ورحم الله أبا دجانه رؤي وجهه يتهلل عند موته فسئل عن ذلك فقال : كنت لا أتكلم فيما لا يعنيني، والأخرى فكان قلبي للمسلمين سليماً ، ورحم الله شيخ الإسلام ابن تيمية كتب رسالة في سجن القلعة بعد أن كثُر الحديث عن من كان السبب في سجنه فقال : فتعلمون رضي الله عنكم ـ أني لا أحب أن يؤذى أحد من عموم المسلمين ـ فضلاً عن أصحابنا بشيء أصلاً لا باطناً ولا ظاهراً، ولا عندي عتب على أحد منهم ولا لوم أصلاً بل هم عندي من الكرامة والإجلال والمحبة والتعظيم أضعاف ما كان كل بحسبه، ولا يخلو الرجل إما أن يكون مجتهداً مصيباً أو مخطئاً أو مذنباً فالأول مأجور مشكور، والثاني مع أجره على الاجتهاد فمعفو عنه مغفور له، والثالث: فالله يغفر لنا وله ولسائر المؤمنين. فنطوي بساط الكلام المخالف لهذا الأصل كقول القائل : فلان قصّر ، فلان ما عمل، فلان أُذي الشيخ بسببه، فلان كان سبب هذه القضية... فإني لا أسامح من آذاهم في هذا الباب ولا حول ولا قوة إلا بالله، .... فلا أحب أن ينتصر من أحد بسبب كذبه علي أو ظلمه وعدوانه فإني قد أحللت كل مسلم، والذين كذبوا وظلموا فهم في حل من جهتي ..... اهـ رحمه الله. وكانت النتائج أن قال ابن مخلوف وهو من أشد الناس عداوة لشيخ الإسلام ابن تيمية، بل إنه أفتى بقتله، كان يقول : ما رأينا مثل ابن تيمية حرّضنا عليه فلم نقدر عليه، وقدر علينا فصفح عنا وحاجج عنا. ألا فما أحرى القلوب القاسية بفهم هذه الرسالة وإن لم تنفع فيها ففي وعيد النبي المبلغ عن ربه صلى الله عليه وسلم خير واعظ حين قال: هجر المسلم سنة فهو كسفك دمه، وحين قال: تُعرض الأعمال على الله كل اثنين وخميس إلا المتخاصمين فيقول الله انظروا هذين حتى يصطلحا. وإن لم يُفلح رمضان في تحليل صلابة هذه القلوب فوعيد الله تعالى غير بعيد حين قال تعالى: (( فهل عسيتم إن توليتم أن تفسدوا في الأرض وتقطعوا أرحامكم * أولئئك الذين لعنهم الله فأصمهم وأعمى أبصارهم )) وقوم ولجت بيوتهم اللعنة أين يجدون طعم الراحة ؟ وأين يتلذذون بطيب الرقاد ؟
وقفة: فإن رمضان شهر البر والصلة والصدقة والأنفس الأبية هل التي تعطف على الفقراء، وتبذل لهم شيئاً من المعروف ، فإن من معاني الصيام تذكر حالة البائسين والمعوزين والعطف عليهم ومواساتهم بالمال والإحسان، إن القلوب التي لا يشعرها رمضان بحال إخوانها الفقراء قلوب يصدق فيها وصف المنفلوطي حين قال في كتابه النظرات: فتشت عن الفضيلة في قصور الأغنياء فرأيت الغني إما شحيحاً أو متلافاً، أما الأول ـ يعني الشحيح ـ فلو كان جار البيت فاطمة رضي الله عنها وسمع في جوف الليل أنينها، وأنين ولديها من الجوع ما مد إصبعيه إلى أذنيه ثقة منه أن قلبه المتحجّر لا تنفذه أشعة الرحمة ، ولا تمر بين طياته نسمات الإحسان، يقول رحمه الله: لو أعطى الغني الفقير ما فضل عن حاجته من الطعام ما شكى واحد منهما سُقماً ولا ألما، لقد كان جديراً به أن يتناول من الطعام ما يشبع جوعته، ويطفئ غلته، ولكنه كان محباً لنفسه مغالياً بها فضم إلى مائدته ما اختلسه من صحفة الفقير فعاقبه الله على قسوته بالبطنة ... إلى أن قال رحمه الله تعالى: لا أستطيع أن أتصوّر أن الإنسان إنسان حتى أراه محسناً لأني لا أعتمد فصلاً صحيحاً بين الإنسان والحيوان إلا الإحسان، وإني أرى الناس ثلاثة: رجل يحسن إلى غيره ليتخذ إحسانه إليه سبيلاً إلى الإحسان إلى نفسه، وهذا هو المستبد الجبار الذي لا يفهم من الإحسان إلا أنه يستعبد الإنسان، ورجل يُحسن إلى نفسه ولا يُحسن إلى غيره، وهو الشره المتكالب الذي لو علم أن الدم السائل يستحيل إلى ذهب جامد لذبح في سبيله الناس جميعاً ... إن المحسن منكم أيها المسلمون من يسعى في رمضان وغير رمضان لرحمة يتيم يترقرق الدمع في عينيه ألا يجد من يواسيه فقد أبيه! أو لرحمة أسرة فقدت معيلها، وضاعت خيراتها، أو رحمة كسير ومريض أقعده المرض وأجبره على نزف دموع الفقر والحاجة، أو رحمة أخ غريب بينكم، نأت به الديار عن أهله وذويه، ولئن بت آمناً في بيتك، معافى في بدنك، بين أهلك وأسرتك ، فإنما يعيش هو وحيداً بلا أنيس، وفقيراً بلا معين، يتابع الإعلام فيرى صورة يهودي يهدّم بيته، ومأوى أسرته، أو يسمع صوت قنبلة أطاحت ببعض أهله أشلاء مفرقة، فإن لم نكن هؤلاء فما أجدر وصف المنفلوطي بنا.
وأخيراً: رحلت العشر الأول ولئن كنا فرطنا فلا ينفع ذواتنا بكاء ولا عويل، وما بقي أكثر مما فات، فلنري الله من أنفسنا خيراً، فالله الله أن يتكرر شريط التهاون، وأن تستمر دواعي الكسل، فلقيا الشهر غير مؤكدة، ورحيل الإنسان مُنتظر، والخسارة مهما كانت بسيطة ضعيفة فهي في ميزان الرجال قبيحة كبيرة .
رحلت العشر وبين صفوفكم الصائم العابد، الباذل ، المنفق، الجواد، نقي السريرة، طيب المعشر فهنيئاً له رحلة العشر بخيرات كهذه، ورحلت العشر وبين صفوفكم صائم عن الطعام والشراب، يبيت ليله يتسلى على أعراض المسلمين، وتقامر عينه شهوة محرمة يرصدها في ليل رمضان، يده امتدت إلى عامل فأكلت ماله، أو حفنة ربا فاجتالتها دون نظر إلى عاقبة أو تأمل في آخرة . رحلت وبين صفوفكم من فاتته صلوات وجماعات وقد آثر النوم والراحة على كسب الطاعة والعبادة، رحلت هذه العشر وبين صفوفكم بخيل شحيح ، أسود السريرة ، سيئ المعشر، دخيل النية، فأحسن الله عزاء هؤلاء جميعاً في عشرهم الأول، وجبرهم في مصيبتهم، وأحسن الله لهم استقبال البقية، وجعلهم في ما يستقبلون خيراً مما ودعوا. والله المسؤول أن يصلح نياتنا، وأن يغفر لنا .
ـــــــــــــــــــ(100/160)
لا تصومي .. فأنت جميلة!
فاطمة عصمة زكريا 9/9/1423
14/11/2002
لفت نظري في محل تجاري لبيع البسة جاهزة للأطفال أمرأة على غاية من الضيق من شدة الحر، وكانت تشكو شدة العطش. ومما شد انتباهي إليها أكثر زيادة تضجرها من الصيام وكيف حصل في هذه الأيام الحارة وسأصف المشهد بأكمله ليكون القراء على استيعاب للمنظر: وجهها مقطب واليد تلوح أمامه ذات اليمين وذات اليسار كأنها رقاص ساعة مضطرب، كما تصبب منها العرق ممزوجاً بالمساحيق المختلفة يخاله الناظر غسالة فرشاة رسام، الثوب مبني وكل هذا مع جلوس على أحد كراسي المحل المعدة للزبائن، تلهث لهث المغشي عليه من التعب، وصاحب المحل ترك البيع ليهتم بأحدى زبائنه المتعبات وبيده كأس من الماء يرش بها وجه المرأة العطشى، وابتدأت منه الفتاوى تنهال: (أفطري يا أنسة فحرام عليك الصوم في هذه الحالة نريد أن ينتهي شهر رمضان وترتاح حسناواتنا من هذا العذاب) بمليئات هذه الألفاظ المتجرئة على دين الله اقتنعت هذه الإنسانة بوجوب الإفطار وأخذت الكأس منه وشربت وصبت بقية الكأس على وجهها الذي غير لها كل الملامح، ولم تعد كما عهدها صاحب المتجر (حسناء).
هنا انتفضت برشاقة لتشكر البائع وتطلب منه مرآة، وبسرعة فتحت حقيبتها الأرجوانية لتخرج منها عدة من المناديل وأقلام الروج وبقية المساحيق لتعيد (ديكور) وجهها، وكانت تردد الحمد لله لقد انتهى رمضان ولم يبق منه إلا يومان ويأتي العيد.
تأملت أنا المشهد وكم حز في نفسي ما رأيت وما سمعت، تمنيت حتى لو لم أخرج من البيت حتى لا تتألم عيناي بما رأيت، أو بالأحرى حتى لا يدمع قلبي بما سمعت.
حقاً انتهى رمضان وقد كان المسلمون الأوائل بودعوته بالبكاء والنحيب، بكاء المفارق لشهر طاعة الله، شهر فيه العبادات يؤديها العبد بقلب مفعهم بالإقبال عليه تعالى خاصة لوجود فريضة الصوم التي هي في العام مرة وقد نسبها الله تعالى لفنسه فقد جاء في الحديث القدسي (.. إلا الصوم فإنه لي وأنا أجزي به). تركت الشراء وخرجت وأنا تائهة متسائلة: إلى هذا الحد وصل المسلمون؟ أبهذه العقيدة نريد أن نلقى الله تعالىفي يوم لا مفر منه تذكرت قوله صلى الله عليه وسلم (كم من صائم ليس له من صومه إلا الجوع والعطش) وتذكرت أيضاً قوله صلوات الله عليه (إن الصوم أمانة فليحفظ أحدكم أمانته) تذكرت الأحنف بن قيس لما قيل له: (إنك شيخ كبير وإن الصيام يضعفك فقال: إني أعده لسفر طويل والصبر على طاعة الله أهون من الصبر على عذابه).
رضي الله عنها (كان إذا دخل العشر الأواخر أحيا الليل وايقظ أهله وجد وشد المئزر) هكذا كان فعله صلى الله عليه وسلم وقد غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر. فماذا ترى نحن فاعلون أبمثل تلك العالة على الغسلام أم بمثل الشيخ المفتي صاحب المخزن؟
وتابعت سيري بخطى وطيدة وقد انتابتني الأفكار المتلاحقة بما أرى من مناظر الشوارع من متخنفسين ومترجلات، إلى شهر طاعات وعبادات، إلى تذكرة الموت وعذاب القبر إلى لقاء الله، وأخذت اتساءل ترى من السعيد منا في هذا الموقف.
ـــــــــــــــــــ(100/161)
كيف نستفيد من رمضان
د.نجيب الرفاعي 6/9/1423
11/11/2002
رمضان بالنسبة للمسلم دورة سنوية إيمانية يجدد فيها إيمانه وينقي سريرته.
في مثل هذه الأيام يتكاثر الناس في الأسواق والجمعيات لشراء أصناف المأكولات استعداداً للأيام الثلاثين من شهر رمضان وفي نفس الوقت يستغل التجار إقبال الناس فيرفعون أسعار بضاعتهم تارة أو لا يعرضون منها إلا قليلاً تارة أخرى فتجد تنافس المستهلكين للحصول عليها. ويضرب مدفع الإفطار فتجد موائد المسلمين فيها من أصناف المأكولات والمشروبات ما لو جئت بجيش جرار لوسعه ثم تنظر إلى الصائم وقد امتلأت معدته وارتخت عضلاته وتحركت أجفانه للنوم.. لا يستطيع الخشوع في صلاة الليل إن كان من مصليها.. تتأمل حياة هذا المسلم خلال شهر رمضان فما تراه إلا متقلباً من مائدة إلى مائدة .. يسهر ليله أمام المذياع أو التلفزيون أو مع أقرانه إلى قبيل الفجر حيث يختم هذه السهرة بوجبة السحور ثم ينام نهاره فإذا استيقظ في الصباح وجدته كسلاناً، سريع الغضب - يرد عليك " أنا صائم" !! .. لنقف لحظة مع أنفسنا نتأمل رمضان الماضي والذي قبله.. هل جنينا ثماره؟ هل استقبلناه كما استقبله الصحابة والسلف الصالح؟ .. إن رمضان بالنسبة للمسلم دورة إيمانية فكما أن للموظف دورات تدريبية يتعلم خلالها الجديد من العلوم والمعارف وينمي مهاراته فكذلك المسلم أوجب الله عليه دورة سنوية يجدد فيها إيمانه وينقي سريرته ويتصل من خلالها بخالقه .. ليستغفر لذنبه ويجدد توبته .
إن الاستعداد الحقيقي لرمضان ليس في شراء ما نملأ به البطون من ملذات الطعام والشراب بل الاستعداد الحقيقي أن نعد هذه النفس للتوبة من الذنب والوقوف عند الرب في صلاة التراويح وترديد الاستغفار والتسبيح والتحميد والتهليل والصلاة وعلى المصطفى -صلى الله عليه وسلم-... إن كنت حقاً تريد أن تجني ثمار رمضان إليك أخي المسلم الخطوات التالية تأملها خطوة خطوة وبادر إلى التطبيق فما يدرينا لعل هذا آخر رمضان نعيشه .. هذا إن عشناه في هذه السنة.
حدد أهدافك:
ماذا تريد أن تحفظ من القرآن ؟ كم سورة تريد أن تراجعها في رمضان؟ أي كتاب تريد أن تقرأه في رمضان؟ ما المحاضرات التي تود سماعها ؟ هل لديك أطفال .. إن كانت الإجابة نعم، ما السور التي تريد أن تحفظهم إياها وما القصص الإسلامية التي تريد أن توصلها إليهم؟... وهكذا في خلوة مع نفسك تحدد ما تصبو إليه خلال شهر رمضان من خلال أسئلة توجهها إلى نفسك تجدد بذلك نقاط ضعفك... وبيدك أنت العلاج لا بيد غيرك ... فحدد أهدافك.
ضع أوليات:
بعد الانتهاء من الخطوة الأولى رتب الأهداف من حيث الأهمية والأولوية .. فما هو أهم هدف تريد تحقيقه؟
هل هو حفظ سورة يس مثلاً أم قراءة من تفسير ابن كثير أم تحفيظ الصغار القرآن ؟ .. وهكذا .. حدد الأولويات.
دون خطتك:
حتى تسهل المحاسبة الذاتية خذ ثلاثين ورقة بعدد أيام شهر رمضان وفي كل ورقة أكتب ما تود عمله في هذا اليوم فعلى سبيل المثال تكتب في اليوم الأول قراءة جزء من القرآن حفظ عشر آيات من سورة الأنفال مع تفسيرها من خلال القرآن – تحفيظ أحد الأطفال سورة الناس. وفي اليوم الثاني بالمثل أو زيارة الجيران وفلان (أحد الأرحام) وفي اليوم العاشر إلى الخامس عشر عمرة ... أن التدوين يعطيك رؤية واضحة إلى أعمالك التي تريد إنجازها في يومك فدون أعمالك.
حاسب نفسك:
إن عملية التدوين ما هي إلا وسيلة ومقياس يسهل عليك محاسبة نفسك قبل أن تنام فتمسك ورقة يومك وترى كم حققت من الأعمال وتعاهد الله على عدم الإهمال في اليوم التالي... إن المحاسبة اليومية تعينك على العمل فحاسب نفسك.
قيم التجربة :
حينما تصل إلى آخر شهر رمضان لا بد أنك سترى أنك حققت بعض الأهداف ولم تحقق البعض الآخر... إن ذلك لا بد له من أسباب ... تقيم هذه التجربة حتى لا تتكرر معك في السنوات المقبلة.. اسأل نفسك لماذا لم أحفظ سورة كذا؟ ولماذا لم أقم بزيارة فلان؟ ولماذا لم أكمل قراءة التفسير؟... إلخ لا بد أنك ستخرج بإجابات تعينك في دورتك الإيمانية القادمة.
إذاً ابدأ الآن وخذ قلماً وورقة وابدأ بتحديد الأهداف ثم ضع الأولويات ودون هذه الأفكار على ثلاثين ورقة وحاسب نفسك يومياً ووصية الحيرة يأمن أخيه في الله أوغل برفق ولا يأخذك الحماس فتكلف نفسك مالا تطيق فإن المنبت لا أرضاً قطع ولا ظهراً أبلى.
إن العبادات في الإسلام مدارس للدعاة في حياتهم وتعاملهم وحركتهم. فالدعوة إلى الله ربانية في غاياتها وأهدافها ووسائلها ومناهجها، فالدعوة من الله والمنهج من الله .. وعلى ذلك كان على الدعاة أن يكثروا من النظر والتأمل في كتاب الله وسنة رسوله – صلى الله تعالى عليه وسلم- لتتفتح أبواب الفهم والفقه في دين الله –تعالى- فيسيرون على نور وبصيرة من أمرهم، فيقيهم الله شر السقوط في أوحال الانحراف العقائدي والسلوكي ويوفقهم للأخذ بطريق الله القويم " وأن هذا صراطي مستقيماً فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله ذلك وصاكم به لعلكم تتقون" [ سورة الأنعام آية 152].
وبمناسبة عيشنا في شهر رمضان الكريم فسيكون حديثنا عن منهج الدعوة من خلال هذه العبادة العظيمة. فشهر الصوم يمثل مدرسة حقيقية لمن أراد أن يتعلم ويستفيد " إن في ذلك لذكرى لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد" [ سورة ق آية 36].
ـــــــــــــــــــ(100/162)
يا مسلمة:صخرتك حاجز أم سُلَّم؟
أم حسان الحلو 22/8/1423
28/10/2002
التحدي، كأنه حاجز من حديد يقف أمامك، وفي الحكمة أن الصخور العظيمة تقف حواجز أمام الضعفاء بينما هي سلالم للأقوياء .
التحدي بين طرفين فإن استسلم أحدهما وأصبح سحقاً أو محقاً .
إذن يجب على المسلمة أن تقف أمام تحديات الجاهلية جميعاً، تقف شامخة واثقة بربها معتزة، وتسأله وحده الثبات وأن يلهمها الصواب ويهديها ويرشدها .
بيئتنا المعاصرة أثرت في المسلمة تأثيراً إيجابياً وسلبياً، وربما أرى أن دعوات تحرير المرأة والمساواة ، وتلك النداءات قد انتهت وأبادتها فطرة المرأة التي رفضتها وبقي شيء من الرواسب، لعل أهمها ما تلوث به فكر المرأة من :
01 مادية التفكير.
02 شكلية الاهتمامات.
03 صدورها عن العلم النافع وجهلها بأبواب العمل الصالح .
وهذه ركائز ثلاث عميقة الجذور فاسدة الثمار تؤدي بالمرأة إلى ما لا تحمد عقباه دون وعي منها .
ولعل أهم بعد للعولمة هو البعد الاقتصادي ، يعني المادي وبالتحديد إلغاء العمل لعالم الغيب.
ومن مظاهر مادية التفكير:
01 وضع الأولوية للمردود الاقتصادي لأي علم تخطط له لنفسها أو لأولادها أو لمن تقترن به .
02 إذا تصادم الحصول على المال أو توفيرها له مع قناعتها الفكرية ينتصر الحصول على المال.
03 اللهاث خلف العلوم المبتورة مثل المسابقات التي تقدم جوائز خيالية تصل إلى المليون.
04 ترك الأعمال التي لا طائل مادي لها مثل تربية الأبناء وإعداد الطعام لهم بينما أثبت علم الموجات ضرورة الوجود المعنوي للمرأة في بيتها خاصة وهنا أذكر دراسة أجريت في بريطانيا على دارين للأيتام، تقدم لهما الخدمات نفسها ولديهما الإمكانيات نفسها فقد لوحظ أن نزلاء إحدى المدارس ينمون بسرعة وحالتهم النفسية أفضل، مما حير الدارسين الذين لاحظوا فيما بعد أن هناك عجوزاً تسكن بجوار أحد الدارين تأتي يومياً فتمسح على رؤوس نزلاء الأيتام الصغار، لمسة ليس لها ثمن عضوي وليست مجدية مادياً كانت فعالة يفارق واضح، سبحان الله العظيم .
05 لعل أخطر مظهر هو ذهاب الأخلاق الحميدة عند من يفكر تفكيراً مادياً، كخلق المروءة والشهامة والكرم والجود والصدق والأمانة والإخلاص والوفاء والنصيحة والشجاعة والإيثار، فمثل هذه الأخلاق تكون باهتة هزيلة في أي مجتمع تسيطر عليه المادة بينما تزدهر وتتزعزع في المجتمع ذاته بعض الأخلاق السيئة كالخيانة والجبن والرياء والمفاخرة والكبر ولابطر والأثرة، فهل نعي لأنفسنا مثل هذه المجتمعات ؟
06 من نافلة القول أن تتوقع نصرة الإسلام والمسلمين، بل النصرة وكل التأييد لما يدر علي من مال، ففي ثنايا الفكر المادي الفكر الأناني أنا مصلحتي .. دخلي .
07 خروج المرأة للعمل دون مبرر، المهم أن تحقق ذاتها وتحقق استقلالها الاقتصادي.
08 قبولها بأي عمل وأي أجر حتى لو عملت سائق عمومي كما هي في بعض المجتمعات العربية والإسلامية.
09 إذا خرجت المرأة تفككت الأسرة وأصبح كل فرد فيها يكسب قوت نفسه ويبني لمستقبله وله ميزاته، أما غير العاملين في هذه الأسرة فيهم مثل الأيتام على مأدبة اللئام !
عند مثل هذه المجتمعات ، يتحقق قول الرسول – صلى الله عليه وسلم - : " حب الدنيا رأس كل خطيئة" فالذي يفكر بالمادة فقط بعيد عن الله، لا يخطر بباله التفكير بالدار الآخرة، هو بذلك قد يخسر نفسه وماله ودنياه وآخرته، نعوذ بالله من شر ذلك .
أما من أبرز التحديات التي تعانيها المرأة المسلمة:
01 إنها جزء من مجتمع إنساني، والإنسان المسلم يعيش أزمة حقيقية رجلاً كان أم امرأة.
02 بما أن أمام الرجل تحديات فقد يواجهها بإسقاطها على المرأة، فيمثل بذلك تحدياً قوياً أمام المرأة ، أهمها إشعارها بالنقص وبالدونية وعدم الاعتراف بحجم طاقاتها وتضحياتها، مما يقتل مواهبها ويئد عطاءها .
كثير من الرجال والنساء يمثلان فريقان يتبادلان بث دوافع الإحباط، بدل أن يتبادلا بث عواطف الارتقاء.
03 جعل العالم قرية واحدة بسرعة اتصالاتها وشيوع تطوراتها وتدهوراتها، قرية فيها من الفساد والإفساد ما عجزت عنه أقوام استحقت الخسف والنسف.
04 تشكيل عقلية العوام وفق ما تريده القوى العظمى، مثال ذلك إطلاق كلمة " إرهاب" على كل من هو إسلامي ووصف أبشع العمليات الإجرامية بأنها هي " العدالة المطلقة"!!
05 بعثرة الجهود الإسلامية وتناقصها وما يجره ذلك من صراعات حزبية أحياناً، فأين الذين يقاتلون في سبيل الله صفاً كأنهم بنيان مرصوص؟ بل أين إحساس الجسد الواحد؟
06 ما تعانيه القلة المستضعفة من قدرات مالية ضعيفة وربما تؤول أموالنا بأيدي غير أيدي الصالحين .
07 أصبح العالم الثالث نفايا للعالم المتحضر ، نفايات ترمى يومياً لتغطي جميع جوانب الحياة، الصحية والثقافية والمالية والاجتماعية .
إن المسلمة التي وجدت نفسها وسط هذه البحار الهادرة من التحديات، وهي تريد المواجهة ، لكن هناك ضغوطات تمارس عليها ، فلتحاول أن تقلل من أثرها ما استطاعت إلى ذلك سبيلا.
ومن هذه الضغوطات:
01 متطلبات النفاق الاجتماعي وما يستنزفه من وقت وجهد ومال .
02 تداخل الأدوار وكثافة متطلبات كل دور، فقد نجد المرأة أماً أو زوجة وعاملة وداعية، فهل تستطيع أن تقوم بهذه الأدوار بكفاءة عالية ؟
03 ضعف المهارات لدى المرأة سواء اليدوية أو الفكرية، فالتي لم تربَ على مهارة القراءة مثلاً، ستبقى تتجرع ويلات الجهل ، والتي لم تتعلم فنون المطبخ مثلاً ستفتح أطباقها لنفايات الهمبرجر الجاهزة وغيره .
04 لكل مكانة اجتماعية شرنقة خاصة، فالعانس تعاني ضغوطاً نفسية واجتماعية تختلف عن تلك الضغوط التي تعاني منها المطلقة والأرملة مثلاً .
05 تباعد المؤثرات الشخصية على الفرد وتناقضها أحياناً ، من أجل ذلك نرى مثلاً أخوين يختلفان كأنهما قدما من قارتين متباعدتين، وذلك له آثار على التفكك الأسري والويلات الاجتماعية .
06 تسارع ما تبث الحضارة، وعدم قدرة المرأة على اللحاق بهذا لركب المتسارع، مثال ذلك تطور استعمال الكمبيوتر خلال العشرين سنة الماضية، فعدم القدرة على متابعة هذا التسارع تقذف المسلمة على رصيف المتغيرات المؤثرة والفاعلة.
وللتي تحلم أن يكون لها دور فاعل :
أولاً: يجب أن تدرك حجمها وما هي الثغرة التي تقف عليها لتعطيها الأولوية في اهتمامها فهذا سبيلها إلى الجنة، ومن هنا ستطرق بابها .
ثانياً: أن تقبل على مدارسة العلم الذي خدم هدفها، ولو بذلت في سبيل ذلك الغالي والنفيس .
ثالثاً : أن تقف شامخة أمام التحديات وتحسن التعامل مع الضغوطات ولا تختلق لنفسها المبررات التي هي من المهلكات .
رابعاً : أن تحتسب عند الله جهدها، وتعتقد أنها تسير في درب المجاهدين فلا تلتفت لآراء الجالسين الذين يتفننون في دراسة أخطاء السائرين.
خامساً: أن تحدد أعداءها وأعداء أمتها، وأن تنصف من يخالفها في الرأي .
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
--
منارة الآفاق (1/2)
ام حسان الحلو 13/8/1423
19/10/2002
إن منارة الآفاق هي المسلمة الملتزمة منهاج دينها القويم، وأكرم بها من منارة دائمة العطاء في السراء والضراء، في الليل والنهار وفي الصيف والشتاء! وأنعم بها من منارة عميقة الأثر بعيدة النظر جليلة الفكر طيبة الثمر!
دعونا نتساءل: كيف تسلك المسلمة لتصبح تلك المنارة ؟
فلنلتمس الخطو ونتأمل الدرب معًا .
من أي المواد نسجت صلابتها ؟ وأشعلت قنديلها ؟ كيف تكون المسلمة منارة ؟ كيف تكون مع ربها ؟ مع نفسها وفي بيتها ؟ ومع أسرتها وأرحامها ؟ والمسلمين أجمع ؟ هذا ما سنتدارسه معًا.
فهي تستمطر رحمات ربها .. بالعمل بالتنزيل ، وبتلاوة لكتاب ربها ليل نهار متتبعة آياته، يطير قلبها شوقًا إلى الجنة، فتبحث عن الطريق الموصل إليها، وترتعد مفاصلها خوفًا من النار وعذابها، فتكون أبعد ما تكون عن الشبهات التي تقودها إلى المحرمات، وهي لا تكتفي بإقامة الفرائض بل تساندها بالسنن والنوافل، تراها صائمة في غير رمضان، قائمة في حالك الليل، متصدقة أضعاف ما فرض عليها من الزكاة!!
وهي رغم سيرها الحثيث، تدعو الله ليل نهار أن يلهمها رشدها، ويريها الحق حقاً ويرزقها اتباعه ويريها الباطل باطلاً ويرزقها اجتنابه، وسائلة الله أنْ يوفقها لأن تكون من الذين قالوا: (إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين )[ الأنعام:162] فقلبها موصول بالله، وعقلها مشغول بالسعي إلى مرضاته، وجوارحها مجنّدة لذلك، لسانها ذاكر شاكر، ويدها بيضاء معطاء .
قدماها تسوقانها إلى مجالس العلم والخير، تحمي سمعها وبصرها فعيناها لا تنظران إلا إلى ما يرضي الله، وأذناها لا تسمعان ما يسخط الله، فهي لا تعرف الثرثرة واللغو وفحش الكلام وبذاءته، لأنها وعت صفات الرسول القدوة -صلى الله عليه وسلم- وهي إذ تقتدي بالرسول فإنها تعي ما تقول؛ خشية أن تتفوه بكلمة لا تلقي لها بالاً فتخِرّ بها في نار جهنم سبعين خريفاً.
تستمد بهاءها من حيائها، ووقارها من قرارها، فهي ليست خرّاجة ولاجة؛ لأنها تعرف أن سُوَيْعات العمر وسنواته أقصر بكثير من تبديده في الشوارع والزيارات التافهة .
ثم إنها أرفع وأنقى من أن تشارك في أكل لحوم الناس؛ لأنها مقتنعة تمامًا أن هذه ليست موائد الإنسان الذي يراقب ربه.
طوبى لها؛ فيدها طاهرة لم تلوث بمصافحة الأجانب من الرجال، ولم تدنس بحمل كتاب أو مجلة أو شريط يغضب ذا الجلال والإكرام !!
إنها مسلمة تحترم نفسها حقًا وتسأل الله ألاَّ تكون من الذين رغبوا عن ملة إبراهيم، الذين وصفهم الله في القرآن الكريم: ( ومن يرغب عن ملة إبراهيم إلا من سفه نفسه ) [البقرة:130] فهي تستمد ثقتها بنفسها واحترامها لها من مشكاة عزتها بالإسلام، وهي التي لا يخطر ببالها يومًا أن يكون سبب ثقتها بنفسها لنفسها وللناس أنها عصرية، لترفع رصيدها من الثقة بالنفس، وحاشاها أن يتعلّق قلبها الطاهر بغير الله –سبحانه- بل تنظر إلى القلوب المعلقة بمتاع الدنيا الزائل على أنها قلوب تائهة مضطربة تحتاج منها لمسة حنان ووقفة إيمان .
ثم هي لا تكتفي بأن تصلح حالها مع الله، بل يمتد أملها ورجاؤها إلى أن تصبح صالحة مصلحة عالمة عاملة، تحمل هموم أمتها وأمانة رسالتها، فهي تعي ما يدور حولها وما يُحاك ضدها.
تفكيرها ثاقب لا تخدعها الإعلانات البراقة، ولا مؤتمرات المرأة – ولو بلغت الآلاف المؤلفة – لأنها تعتقد أن مصداقية هذه المؤتمرات هو واقع المرأة في أقطار العالم الإسلامي؛ فالمرأة المسلمة اليوم هي أكثر الناس عذاباً وآلاماً وحزناً وبؤساً، إنها تدفع بنفسها و بزوجها وولدها وأخيها وأبيها إلى الهلاك والدمار، حتى جنينها لم يرحم وبيتها لم يسلم!!
أبعد هذا تصدق معسول الكلام من توصيات المؤتمرات!
إن منارتنا تسمع بأذن واعية، ثم إنها تعي ما تقرأ، وتنثر عبير فهمها على من حولها، فلا تكتم علماً ولا تحتكر لنفسها خيراً.
مع أولادها .. تفجر الطاقات ..
فهي تسأل الله لهم دوماً السداد والتوفيق والرشاد، كما تسأله أن يكونوا شفعاءها يوم لقائه، وتدرك أن لهذه الأماني العظام تبعات جسام، كما يترتب عليها فهم منهاج وتخطيط عبر الأعوام .
إنها تحزن لأن طاقات الأجيال مبددة متناثرة كأنها الأشلاء، وتتمنى أن تتبلور هذه الطاقات في طريق مرضاة الله، وهي تدرك تماماً أن نماذج التربية المعاصرة لا تربي إنسانًا مسلماً سوياً، لذلك قررت أن تلجأ إلى التربية الإسلامية التي تقدح القريحة - كما قال أحدهم-، لذا فقد وضعت لنفسها ولصغارها هدفًا وغاية، إن بيتها مسلم، وصغارها عونٌ لها وليسوا عائقاً أمامها – كما يتصور البعض – إنها تسير بخطا وتيدة لهدف نبيل.
إنها تذيب أفكارها ومبادئها في عواطفها النبيلة ؛ فيقبل صغارها على كؤوسهم يرشفون من دفقة ريقها العاطفي النقي الدافق .
مع والديها .. تطرق لأبواب الجنات:
إنها متدبرة لآيات ربها، تقف وقفة خشوع وخضوع وهي تقرأ آيات كريمة وضعت مرضاة الوالديْن بعد مرضاة الله -سبحانه وتعالى-: ( واعبدوا الله ولا تشركوا به شيئًا وبالوالدين إحسانًا )[النساء:36] فتدرك أن رأس الفضائل بعد الإيمان بالله -سبحانه وتعالى- بر الوالدين.
إن لها قلبًا نظيفًا شفيفًا رفيقاً يدرك أن الجيل الذاهب إلى نهايته يحتاج منها إلى لمسة حنان ورقة تعامل وشدة تحمل، وهي أهل لذلك وأكثر، بل إنها تحمد الله ليل نهار أن جعل في ديننا الحنيف مساحات للود كبيرة مثل هذه الرحمة في قلوبنا، ثم هو يمن علينا بالأجر والمثوبة .
إنها تدرك أن أمها قد عانت الكثير عندما حملتها ووضعتها ثم أرضعتها وربَّتها، لذلك فهي تبحث عن أساليب برها، فلا تعصي لها أمراً بل تقف أمامها وقد غضّت طرفها حياءً وخجلاً وهي تخاطبها كما يخاطب العبد سيده؛ لأنها تحاول أن تقوم بحق التوصية الكريمة. ( وقل لهما قولاً كريماً )[الإسراء:23].
وأشد ما يذهلها تلك المنزلة الكريمة التي حباها دينها لوالديها عامة ولوالدتها خاصة، وإنها لتتأمل في سير الصالحين فترى دراً منثوراً وعلماً منشوراً وقولاً مأثوراً .
فقد روى الإمام البخاري عن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: فذهبت فسألت ابن عباس- رضي الله عنهما- لم سألته عن حياة أمه ؟ فقال: إني لا أعلم عملا أقرب إلى الله عز وجل من بر الوالدة !!
كما روى الإمام مسلم أن عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- كان يسأل أمداد أهل اليمن كلما رآهم: أفيكم أُوَيْس بن عامر؟ حتى أتى على أويس، فقال: أنت أويس بن عامر؟ قال: نعم، قال: من مُراد، ثم من قَرَنَ ؟ قال: نعم، قال: فكان بك برص فبرأت منه إلا موضع درهم ؟ قال: نعم، قال: لك والدة ؟ قال: نعم، قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: (يأتي عليكم أويس بن عامر مع أمداد أهل اليمن من مُراد ثم من قَرن، كان به برص فبرأ منه إلا موضع درهم له والدة، هو بها بَرٌّ، لو أقسم على الله لأبره، فإن استطعت أن يستغفر لك فافعل ) فاستغفر لي. فاستغفر له .
وروى البخاري أيضًا أن ابن عمر -رضي الله عنهما- شهد رجلاً يمانياً يطوف بالبيت، حمل أمه وراء ظهره يقول :
إني لها بعيُرها المذلل ... ...
إن أُذعِرت ركابها لم أذْعر
حملتها أكثر مما حَمَلت ... ...
فهل ترى جازيتها يا ابن عمر
فأجابه: لا، ولا بزفرة واحدة .
إنها تدرك تماماً أن الله -سبحانه وتعالى- أوصى ببر الوالدين والإحسان إليهما، لذا لم تقصر برها فقط على أمها بل إنها لتشملها برعايتها وببسمتها وحنانها وهداياها.
وإنها لتعي جيداً أن أحق النساء على الرجال أمهاتهم، وأحق الرجال على النساء أزواجهن، لذلك فهي لا تقدم بر والديها على رضا زوجها – إن تعارضا – لكنها تحاول إقناع زوجها بضرورة بر والديها وذلك بالقول والفعل .
فهي تبر أم زوجها وأباه وتساعده على برهما، بل إن المسلمة المنارة هي التي تساعد زوجها على سلوك كل درب يوصل إلى مرضاة الله -سبحانه وتعالى- فمن البدهي أن تكون مساندتها ومساعدتها لزوجها على بر أمه وأبيه، وصلة رحمه وذويه، من أول الطرق التي تسلكها المسلمة .
وهي أرفع وأرقى وأعز من أن تفتعل مشكلات تافهة مع أم الزوج، لكنها بالحكمة والملاينة واللطف والبشاشة تستطيع امتصاص غضبها -إن غضبت- وبالتسامح والصفح ومجاهدة النفس، والتضرع لله -سبحانه وتعالى- أن يهديها ويربط على قلبها، بهذا يمكنها أن تبدد فكرة الكيد والتربص .
وإنها لمأساة اجتماعية منيت بها مجتمعاتنا الإسلامية، عندما جُعِلت تلك الهوة بين زوجة الابن وأمه. إذ ما انبثقت هذه المشكلات وما ظهرت إلا في بيوت تتنافس على رياش الحياة، وتتحدث بتافه الحديث وتفكر بمعدتها قبل عقلها، فهذه ثمرات فجة من ثمرات البعد عن الله -سبحانه وتعالى- وإلا فإن كانت زوجة الابن تصون لسانها وتجاهد نفسها وتحمي سمعها وتبتعد عن المعاصي، وكانت أم الزوج كذلك؛ فلن يكون هناك احتكاك أو صدام أو أي نوع من الشحناء، فالتقوى تعصمهما بإذن الله.
ولها في أمهات المؤمنين أسوة حسنة..
ففي صحيح مسلم تقول السيدة عائشة -رضي الله عنها- عن زينب -رضي الله عنها-: "هي التي كانت تساميني منهن في المنزلة عند رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ولم أر امرأة قط خيراً في الدين من زينب وأتقى لله، وأصدق حديثاً، وأوصل للرحم، وأعظم صدقة، وأشد ابتذالا لنفسها في العمل الذي تصدق به ، وتقرب به إلى الله – تعالى –ما عدا سَوْرَةً من حِدَّةٍ كانت فيها تُسْرِع منها الفيئْة".
وفي البخاري تقول السيدة عائشة -رضي الله عنها-: وكان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يسأل زينب بنت جحش – رضي الله عنها- عن أمري – في محنة الإفك – فقال: ( يا زينب ما علمت ؟ ما رأيت ؟ ) فقالت: يارسول الله أحمي سمعي وبصري، والله ما علمت عليها إلا خيراً، ثم قالت السيدة عائشة – رضي الله عنها-: وهي التي كانت تساميني فعصمها الله بالورع .
وقالت عائشة في زينب – رضي الله عنهما - حينما بلغها نعيها: لقد ذهبت حميدة متعبدة مَفْزَع اليتامى والأرامل .
ولنا وقفات مع هذه السطور المضيئة:
1. لقد كانت السيدتان الفاضلتان -رضي الله عنهما- زوجتين لرجل واحد -صلى الله عليه وسلم- وهو ما يعبر عنه "بالضَّرة "، ومن المعلوم أن مرجل الغيرة بين الضرائر لا يهدأ أُواره، وأن علاقة الحماة والكنة أقرب للمودة من علاقات الضرائر، ومع هذا كان لهما تلك المواقف المشرفة .
2. كلتاهما أنصفت الأخرى، وزادت السيدة عائشة بأن أنصفتها بعد مماتها -رضي الله عنهما-.
3. أبدت السيدة عائشة -رضي الله عنها- بأسلوب رقيق لطيف رفيع عن نُبْل أخلاق السيدة زينب-رضي الله عنها- التمست فيها السيدة عائشة - رضي الله عنها- الصدق دون تضخيم للأمر وتكبير له، وقبل ذلك قدمت بين يدي حديثها الصفات الحميدة التي لمستها عند السيدة زينب -رضي الله عنها- .
فلو اتبعت المرأة المسلمة هذا الأسلوب مع جميع خصومها، فأنصفتهم ورأت خيرهم قبل شرهم دراسة وتفحصاً ونشراً، لأُخِمدَت كثير من الفتن الاجتماعية المنتشرة في مجتمعاتنا، تلك الفتن التي تبدد الوقت والجهد والمال، ولا يعرف أحد إلا الله -سبحانه وتعالى- مدى تأثيرها على صحيفة الأعمال
ـــــــــــــــــــ(100/163)
منارة الآفاق(2/2)
أم حسان الحلو 27/8/1423
02/11/2002
مع أرحامها ..
تنثر الندى والورد ..
إنها تردد كلمة الرحم وتشعر بعذوبتها ونداها كيف لا وهي مشتقة من كلمة الرحمن، وإنها لترجو رحمة ربها ليل نهار وتسأله -سبحانه وتعالى- أن يرحمها والمسلمين أجمع دائمًا وأبدًا وهي تعي جيدًا حديث الرسول -صلى الله عليه وسلم- المتفق عليه عند البخاري (4832) ومسلم (2554) عندما قال: إن الله –تعالى- خلق الخلق حتى إذا فرغ منهم قامت الرحم فقالت: هذا مقام العائذ بك من القطيعة قال نعم أما ترضين أن أصل من وصلك وأقطع من قطعك قالت: بلى قال: فذلك لك، ثم قال الرسول -صلى الله عليه وسلم-: اقرؤوا إن شئتم ( فهل عسيتم إن توليتم أن تفسدوا في الأرض وتقطعوا أرحامكم أولئك الذين لعنهم الله فأصمهم وأعمى أبصارهم) [محمد:22] وإنها لتقف خاشعة وهي تتدبر سنن الله في خلقه فهي تدرك أن الذي لا يصلح بينه وبين رحمه أصغر من أن يكون صالحًا في الأرض وإن ظهر بمظاهر شتى فقد ينصلح له حاله المادي والاجتماعي، لكنه حتمًا يعيش شقاءً وعذابًا روحيًا، وهي تلمس ذلك في نفسها فإن أحست بكآبة وضيق وشعرت أنها غير موفقة للطاعات تفقدت أحوالها مع رحمها ورحم زوجها فأصلحت ما فسد منها، وإن أعماقها لتهتز عندما تقرأ تلك السطور المضيئة من سيرة أبي هريرة - رضي الله عنه- التي رواها البخاري في الأدب المفرد(61)، فقد كان -رضي الله عنه- لا يرضى أن يدعو الله في مجلس فيه قاطع رحم، لأنه يحول دون نزول الرحمة واستجابة الدعاء، فقد قال: في أحد مجالسه عشية يوم خميس: أُحرَّج على كل قاطع رحم، لما قام من عندنا فلم يقم أحد، حتى قال ثلاثا، فأتى فتى عمة له قد صرمها –أي تركها- منذ سنتين فدخل عليها فقالت له: ياابن أخي ما جاء بك ؟ قال: سمعت أبا هريرة – رضي الله عنه - يقول: كذا وكذا، قالت: ارجع إليه فسله لم قال ذاك ؟ قال: سمعت النبي - صلى الله عليه وسلم- يقول: (إن أعمال بني آدم تعرض على الله تبارك وتعالى عشية كل خميس ليلة الجمعة، فلا يقبل عمل قاطع رحم ).
ولأنها لتسأل الله التوفيق والسداد والرشاد، تخشى قطيعة الرحم وتفر منها؛ لأنها من الذنوب التي يعجل الله بها العقوبة في الدنيا قبل الآخرة .
كما قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ( ما من ذنب أجدر أن يعجل الله لصاحبة العقوبة في الدنيا – مع ما يدخر له في الآخرة – من البغي وقطيعة الرحم ). رواه الترمذي (2511) وأبو داود (4902) وابن ماجة (4211) من حديث أبي بكرة – رضي الله عنه-
وإنها لتخشى أن يسحب بساط الاستقرار من تحت قدميها، وتهرب نسائم السعادة من شرفات بيتها، إن هتف بها هاتف أو ساورها هاجس بإبعاد زوجها عن ذويه ورحمه، وإن خشيتها لله واستعانتها به – سبحانه- تعصمها -بإذن الله- من مزالق ردود الفعل إن أساء إليها أحد من أرحامها أو أرحام زوجها .
ربما تلتزم الصمت، ربما تحدد العلاقات، لكنها أبدًا لا تجرؤ أن تدخل في دائرة القطيعة والجفاف .
أما إن تجرأ بعض الأرحام على حرمات الله، واستخفوا بشرع الله، كأن يجبروها على حضور حفلات يسرح بها الشيطان ويمرح، فإنها تقف وقفة عزيزة شامخة، تشارك الأرحام مناسباتهم بالهدايا والتهاني، والكلمة الطيبة والمشورة النافعة والخبرات المفيدة، ثم تنسحب بهدوء داعية لهم بالهداية والتوفيق بعد أن تكون قد أفرغت جهدها بالنصح والإرشاد بشتى الأساليب .
إنها تحب رحمها لله، وتهجرهم لله، وكذلك أرحام زوجها، وليس لهوى في النفس أو استجابة لنزغة شيطان .
أما إذا انقلبت صلة الأرحام الجميلة إلى فوضى في العلاقات العائلية، كأن يسلبها بعض الأرحام استقراراها النفسي ويبددوا طاقاتها ويبعثروا أوقاتها بكثرة الدخول والخروج دون استئذان مسبق لزيارة – كما هو الأدب النبوي الشريف – عندها .. عليها أن تلمس برفق جوانب الذوق والإحساس النبيل لديهم، وتستثيرها بلين وتأن؛ خشية حدوث ردود فعل مبتدئة بأرحامها قبل أرحام زوجها .
وإن مسلمتنا لتدرك تمامًا التوجيه النبوي الشريف بأن يخبر المسلم أخاه أنه يحبه في الله، فهي تحرص على إخبار وإشعار أرحامها وأرحام زوجها بذلك وتظهر لهم كل مشاعر الود والإلفة والمحبة، وتكتم عنهم كلمات البغضاء والشحناء والكراهية، حتى وإن أحست بها وأقلقتها، فإظهار مثل هذه العواطف يعقد المواقف ويقطع روابط الصلة إلى غير رجعة، خاصة إن استزلها الشيطان في لحظة غضب فتفوهت بكلمات جارحة، فإن جرح المشاعر أصعب وأعقد من جرح الأجساد .
وهي جد منتبهة لهذه الحقيقة ..
ثم إنها لتدرك تمامًا أن من بعض أسباب إنحراف الشباب هو شعور الفتى والفتاة بعدم الإنتماء لعائلة يخجل منها، وهذا الشعور لا يمكن أن يراود شابًا ينتمي لأسرة متوادة متواصلة .
وإنها لتدرك معنى الآية الكريمة ( ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم)، [الأنفال :46]وهي على يقين بأن الأسر المتنازعة ليس لها قيمة في المجتمع أو أثر من عمل، إذ ربما تجد كبار السن فيها قد وضعوا في مأوى للعجزة ، وشبابها قد استحوذت عليهم شياطين الإنس، إنها أسرة ريحها ذاهب لا قرار لها ، وهذا ما لا ترتضيه لأسرتها الحبيبة ولزوجها الغالي ولأرحامها ، بل إنها لتسأل الله دوما أن يجمعها – وجميع أحبائها – في جنة عرضها السموات والأرض ، وتسأله –سبحانه- أن يصرف عنها الفتن ، ماظهر منها وما بطن .
إنها تضع قواعد لدوام المودة بين الأرحام .. من تنظيم العلاقات ، وضبط العواطف ، ونبل المواقف ثم العمل بالأثر القائل : " من قلت كلفته ، دامت إلفته " .
فهي تتألم لما وصلت إليه المجتمعات ، من المغالاة والمباهاة في العلاقات .
الكل ينافس على أجمل ثوب ، وأغلى هدية ، وأنفس لعبة أطفال، لقد غادرت البساطة العلاقات ، فأوغرت الصدور ..
لذا فهي ترفض أن تذوب شخصيتها مع مثل هذه التيارات العاصفة، إنها متألقة بتقدميتها آخذة بيد من حديد وبفعل مستنير أهلها وذويها إلى واحة البساطة الهادئة ، والعلاقات الصادقة الراغبة في مرضاة الله –تعالى- .
مع جيرانها ..
ترجو أرفع الدرجات ..
إنها لتدرك تمام الإدراك أن ديننا الإسلامي الحنيف أحل الجار مكانة ما عرفتها الإنسانية في سلم العلاقات البشرية ، فقد جاء أمره -سبحانه وتعالى- بالإحسان إلى الجار في أكثر من موضع في القرآن الكريم وهو القائل سبحانه ( واعبدوا الله ولا تشركوا به شيئًا وبالوالدين إحسانًا وبذي القربى واليتامى والمساكين والجار ذي القربى والجار الجنب والصاحب بالجنب وابن السبيل وما ملكت أيمانكم ) [النساء:36].
بل إنها تعي تمامًا أن الإحسان بالجار – ولو لم يكن بينها وبينه رابطة من دين أو نسب – لهو ثمرة بالغة من ثمرات الإيمان بالله واليوم الآخر فقد قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- : ( من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يؤذ جاره ، ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه ، ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيًرا أو ليصمت ) رواه البخاري (6018) ومسلم (47) من حدث أبي هريرة – رضي الله عنه - وهي تعجب أشد العجب من وصية رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بالجار في خطبة الوداع ، هذه الخطبة التي لخص الرسول الكريم أعظم وصية لأمته ، فكان للجار منها نصيبًا موفورًا ..
روى الطبراني في المعجم الكبير (8/111) عن أبي أمامة – رضي الله عنه - أنه قال : سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وهو على ناقته الجدعاء في حجة الوداع يقول : ( أوصيكم بالجار ) حتى أكثر ، فقلت : إنه ليورثه .
ويبلغ رسول الله قمة رفيعة وهو يتوعد من نام شبعانًا وجاره إلى جواره جائع وهو يعلم ، فقد قال عليه الصلاة والسلام : ( ما آمن بي من بات شبعانًا وجاره جائع إلى جنبه وهو يعلم به) رواه الطبراني في الكبير (1/259) عن أنس – رضي الله عنه -.
فتراها تحاول جهدها الإهداء إلى جيرانها ولو بإكثار المرق ، كما جاء في وصية الرسول الكريم لأبي ذر الغفاري – رضي الله عنه -: ( يا أبا ذر إذا طبخت مرقة، فأكثر ماءها، وتعاهد جيرانك ) رواه مسلم (2625).
يا لله .. إنها لوصية عظيمة ، تعهد الجيران باليسير المتوفر الدائم ، فذلك أهون على النفس وأيسر، وربما كان أكثر وقعًا على نفس الجار الذي يشم الروائح الشهية المنبعثة من هنا وهناك .
وإنها لترى بعض المجتمعات المتحابة من الجارات قد تمثلت هذا الحديث الشريف ، فتراهن يتهادين دومًا، ويأكل أطفالهم من طعام جيرانهم ، فلا تحرم أنفسهم ما تستنشقه أنفاسهم .
وإنه لحفاظ علىكرامة الجار في السؤال ، إذ ربما يضج الصغار من روائح الشواء والطبخ فيقفون أمام الأبواب كأنهم يسألون ، وهذا ما لا ترضاه المسلمة لصغارها ولا لصغار جيرانها ، ثم إنها لترضى بالهدية من جارتها مهما كانت قليلة ولا تحقر من معروفها شيئًا، لأنها تشعر بحسها المرهف أنها عظيمة، بعين الجارة التي أهدتها ولو عظمة، وهذا ما أشار إليه خير الأنام وهو يوجه حديثه إلى النساء المسلمات بقوله الشريف : ( يا نساء المسلمات لا تحقرن جارة لجارتها ولو فرسن شاه ) رواه البخاري (2566) ومسلم (1030) من حديث أبي هريرة – رضي الله عنه-، وكيف تحتقر القليل الذي بين يديها إن أهدته أو الذي أهدي إليها وهي تقرأ قوله سبحانه ( فمن يعمل مثقال ذرة خيرًا يره )[الزلزلة:7]، إنها لتصل جيرانها وتسأل عنهم ، وتزور مريضهم وتشاركهم أفراحهم وأتراحهم ، تأخذ بيدهم إلى الطريق الحق والرشاد ولا تنزلق معهم في حمأة المعاصي والفساد ، فهي لا تعرف مجالس اللغو والثرثرة والمباهاة وتتبع عورات الناس؛ لأنها تخاف الله وتخشاه وتخشى إن هي تفوهت أو أشارت إشارة فيها غمض لجاره أن تصبح من الذين توعدهم الرسول الكريم – صلى الله عليه وسلم- في حديثه ( يا معشر من آمن بلسانه ولم يدخل الإيمان قلبه لا تغتابوا المسلمين ولا تتبعوا عوراتهم ، فإنه من يتبع عوراتهم يتبع الله عورته، ومن يتبع الله عورته يفضحه في بيته ) رواه أبو داود (4880) وأحمد (19776) من حديث أبي برزة الأسلمي – رضي الله عنه- كيف لا ترتعد فرقًا وهي تتأمل هذا الحديث الشريف ؟ إنها تخاف أن تفضح في جوف بيتها ، وإنها لتنبه صغارها من كثرة الدخول والخروج على الجيران ووصف أحوالهم وأخبارهم، إنها لتغرس فيهم مكارم الأخلاق ، ثم إنها لتزين إحسانها المادي الذي يشمل جميع الجيران على اختلاف مذاهبهم بإحسان معنوي فترشدهم نحو الخير والصواب، فتتلطف بجاراتها وتنقلهن نقلات إيمانية راشدة بذلك يتماسك الصف المسلم ويصدق فيه قول الرسول -صلى الله عليه وسلم-( المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضا ) رواه البخاري (481) ومسلم (2585) من حديث أبي موسى – رضي الله عنه- .
وتحلم أن ترى جميع جاراتها يشددن بعضهن بعضًا وقد انتفعوا بخيارهم وأرشدوا ضالهم وساندوا ضعيفهم ، عندها ستأمن بإذن الله .. وإنها لتخاف على نفسها وعلى جيرانها أن يخرجن من دائرة الإيمان والرشاد ، في حال إساءتهم لبعضهم البعض ، فيصدق فيهم قول الرسول -صلى الله عليه وسلم- في حديثه المتفق عليه : ( والله لا يؤمن والله لا يؤمن والله لا يؤمن ، قالوا: وما ذاك يا رسول الله قال الجار لا يأمن جاره بوائقه ) رواه أحمد (7878) وأصله في مسلم (46) من حديث أبي هريرة – رضي الله عنه -.
وإنها لتأسف أشد الأسف عندما تسمع أن بعض الجيران يقومون بشتم وقذف بعضهم بعضا وقذفهم وقد يصل الأمر إلى القضاء ، عندما تبلغ الإساءة ذروتها ، فيتهم الجيران بسرقة جيرانهم ، بل إنها لتحزن عندما تلحظ تفرق الجيران وعدم معرفة بعضهم البعض ، بحجة اختلاف الأعراق والأنساب والبيئات أو قل على وجه الدقة لأن بينهم بعض دعاوي الجاهلية ، فقد يحدث حريق في بيت أحدهم ، ولا يخرج جار لنجدة جاره لأنه لا يعرفه ، وقد يكون الجار طيبًا لكن بسبب هجره لجيرانه قد يتأذى هو أو هم او كلاهما .
استراحة مقلقة ..
قامت من نومها فزعة .. إنها تشم رائحة حريق ! فتحت عينيها فرأت نفسها وسط دخان أسود ضمت صغيرتها الراقدة بجوارها ، ولملمت جرحًا – من جراء عملية الوضع – وشحذت همتها بالسير في بيتها ، مشت خطوات فإذا بها ترى غرفة الصغير وقد أكلتها النار وسمعت منه بعض التأوهات ، هرولت إلى الخارج ، صرخت .. استغاثت .. نادت .. حتى أعياها التعب فوقعت هي وصغيرتها على السلم ، وبعدها بقليل لا حظ أحد عمال النظافة الدخان الخارج من بيتهم ، فأخبر الجيران فأسرعوا بإحضار الإطفاء ، ولكن بعد أن أتت النار على ولدها البالغ من العمر أربع سنوات ، وأحرقت أثاث البيت تمامًا ..
ملحوظة ..
ما زالت الدنيا بخير .. لقد استفاقت الجارات على أصوات الإطفاء .. !
ـــــــــــــــــــ(100/164)
عنف المدارس .. لبنة لهدم المجتمع الأمريكي
الإسلام اليوم - السيد أبو داود 1/8/1423
07/10/2002
أظهرت دراسة أميركية حديثة أن العنف منتشر في المدارس الأميركية ويمثل مشكلة للصحة العامة تؤثر في مرتكبيه وضحاياه في مرحلة لاحقة من أعمارهم.
وقال مدير المعهد القومي لصحة الطفل والتنمية البشرية الذي أجرى البحث بين 16686 طالبا بالمدارس العامة والخاصة: (إن التعرض للعنف لا يعد مجرد حدث غير سار في مرحلة الطفولة فحسب، بل يمثل مشكلة للصحة العامة تستحق الاهتمام).
وأضاف: (إن الأشخاص الذين تعرضوا للعنف في مرحلة الطفولة هم أكثر عرضة للإصابة بالاكتئاب وعدم الاعتداد بالنفس في مرحلة البلوغ. وأن من يمارسون العنف هم أنفسهم عرضة للتورط في سلوك إجرامي في المراحل العمرية المتقدمة).
وتتزامن الدراسة التي نشرت في عدد الأسبوع الحالي من دورية (الجمعية الطبية الأميركية) مع تزايد مطرد في حوادث إطلاق النار في المدارس الأميركية، أدت إلى تركيز الاهتمام من جديد على جذور وأسباب العنف.
وهذه الدراسة إسهام أميركي في دراسة أوسع تقوم بها (منظمة الصحة العالمية) عن أطفال المدارس في 30 بلدًا، حيث تم سؤالهم عن مجموعة من القضايا المتعلقة بالصحة.
ويعرف الباحثون الأميركيون العنف بأنه نوع من السلوك الجسدي أو الشفوي أو النفسي يقصد به إيذاء أو مضايقة الضحية، ويتكرر بمرور الوقت ويتضمن عدم تكافؤ في القوة يهاجم فيه الشخص أو المجموعة الأقوى الطرف الأضعف.
وقالت الدراسة إن الذكور أكثر قابلية من الإناث للقيام بأعمال العنف أو التعرض لها، وكانت نسبة العنف أكثر بين طلبة الصفوف من السادس إلى الثامن منها بين طلبة الصفين التاسع والعاشر.
جريمة جونسبورو .. الوجه الآخر لمجتمع الحضارة
لقد فزع المجتمع الأمريكي لجريمة ( جونسبورو) التي أودت بحياة أربع تلميذات ومدرّسة وإصابة أربعة عشر تلميذًا آخرين بجروح، وذلك عندما أطلق عليهم النار في المدرسة (ويست ساير ) بعد أن قرع أحدهم جرس الإنذار فهرع المدرسون والتلاميذ إلى خارج الفصول وتدافعوا إلى الفناء حيث كان التلميذ المسلح في انتظارهم.
المجتمع الأمريكي مجتمع اعتاد على جرائم القتل والإرهاب ولكن كان الجديد في جريمة (جونسبورو) أن منفذي العملية طفلان أحدهما في الحادية عشرة من عمره والثاني في الثالثة عشرة، فما الذي دفع تلميذين في هذا السن إلى القيام بمثل هذا العمل الإجرامي وبهذه الصورة في التنفيذ؟
التساؤلات وعلامات الاستغراب تزول رويدًا رويدًا عندما نقرأ في دراسة نشرها (البيت الأبيض الأمريكي) تقول : (إن خلال العام الماضي مدرسة من كل عشر مدارس أمريكية تشهد أعمال عنف خطيرة) .
وهذا الأمر يشكل خطورة مستقبلية فائقة على سلامة وأمن المجتمع الأمريكي، فإذا كان هذا هو سلوك الأطفال الأحداث وإذا كانت هذه هي سلوك إفرازات المدارس والمؤسسات التعليمية فكيف سيكون مستقبل الجيل الأمريكي القادم؟
إضافة لإرهاب المدارس وعنف الأحداث فقد شهدت أمريكا خلال السنين القريبة الماضية تصاعدًا في موجة الإرهاب العنصري والأيديولوجي بصورة لم يسبق لها مثيل في تاريخ الولايات المتحدة منذ نشأتها ومن مظاهرها انفجار ( أوكلاهوما ) عام 1995 الذي أوقع نحو 186 قتيلاً ونحو 400 جريح، وكذلك التهديدات التي تلقتها الحكومة الأمريكية قبل انعقاد ألعاب الأولمبية عام 1996وبالفعل وقع انفجار سبب أضرارًا مادية ومعنوية غير أنه لم يسفر عن وقوع أي أضرار بشرية بالإضافة إلى اعتقال أمريكيين كانا يخططان لتنفيذ هجوم بالأسلحة البيولوجية في مدينة نيويورك باستخدام غاز (الانتراكس) وذكر مركز (قانون الفقر ) بأمريكا أن المركز قد رصد منذ انفجار (أوكلاهوما) حتى الآن أكثر من 24 مؤامرة لنسف مبان حكومية وجسور ومكاتب صحف وبنوك واغتيال شخصيات عامة وغيرها وذكر المركز أن منظمة ( جيش اريان الجمهوري ) تمكنت من السطو على 22 بنكاً في سبع ولايات مختلفة من أجل توفير دعم مادي لنشاط ( جيش اريان الجمهوري).
وتؤكد الدراسات والأبحاث على انتشار الحركات والميليشيات والمنظمات العرقية والعنصرية والإرهابية في الولايات المتحدة بصورة ملحوظة، ولهذه الجماعات دور فعال في تزايد أعمال العنف والإرهاب داخل المجتمع الأمريكي الذي تفاخر حكومته بأنها الدولة الأولى في العالم المهتمة بمكافحة الإرهاب عالميًا.
تراكم المشكلات الاجتماعية
وكشفت دراسات خبراء أمريكان آخرين حول هذه الظاهرة أن العديد من الطلبة الذين يعانون من مشاكل اجتماعية عديدة يميلون لاختيار العنف كحل لمشاكلهم مع زملائهم الطلاب!.
وقد أكد العديد من الخبراء الأمريكيين على وجود صلة بين التصاعد الأخير لحوادث العنف في المدارس الأمريكية، وبين المشاكسات التي تحدث بين الطلاب بعضهم بعضاً؛ حيث إن أكثر من 80% من طلبة المدارس الأمريكية سلوكهم عدواني ويتحرشون بزملائهم إما بالاعتداء الجسدي، أوالاستهزاء، أو المضايقات والتهديدات .
وأشار الخبراء إلى أن كلا من "دايلان كلبيولد" و"أيريك هاريس" المسؤولين عن مذبحة مدرسة "كلورادو" التي وقعت في أبريل 1999 وأودت بحياة 15 شخصًا، كانا تحت تأثير مضايقات وسخرية زملائهما في المدرسة.
وقالت "شيريل كريزر" مديرة برنامج "الطفل الآمن"-إحدى المنظمات القومية التي تهدف إلى الحد من انتشار العنف في المدارس-: (إن بعض ضحايا هذه المضايقات والمشاكسات يشعرون بالعجز ويرون أن العنف هو الحل الوحيد لمشكلاتهم، مشيرة إلى أن مأساة (كلورادو) هي التي فتحت الباب للآخرين لتكرار ذلك خاصة الذين يبغون منهم الانتقام على نطاق واسع).
ومن جهته أرجع "شاك ماجيار" (مختص علم نفس) ظاهرة العنف إلى العزلة التي يعاني منها الطلبة وقال: (إن العزلة وتجاهل الطلبة لبعضهم البعض يكونان أحيانا أخطر من المشاكسات التي تقع بينهم، وذلك لأنه يتم التعامل معهم وكأنهم لا وجود لهم).
وأشار إلى أن المجتمع الأمريكي يمر بمراحل خطيرة، فهذه الحوادث لم تكن لتقع منذ 20 عامًا مضت، حيث إن أكثر الطلبة عدوانية وشغبًا لم يكن ليفكر في إطلاق النار في الفصل، لكنه ذلك أصبح شائعًا اليوم، حيث يرى العديد من المراهقين الذين يعانون من مشكلات أن العنف هو الحل، فالعنف أصبح ممكنًا مثل الانتحار.
وقد أكدت إحدى الدراسات الأمريكية على أن طالبًا بين كل 4 طلاب ومعلمًا بين كل 9 معلمين ، يتعرضان لهجوم في المدارس سنويًا، كما أشارت إلى أن 5:1 من طلبة المدارس العامة يعتقدون أن العنف والمخدرات هما أخطر المشكلات الموجودة في مدارسهم.
الشرطة ترصد سلوك الطلبة العدوانيين
من ناحية أخرى كشف تقرير أصدره مكتب التحقيقات الفيدرالية (إف بي آي) أن المركز القومي الأمريكي لتحليل جرائم العنف التابع له قام بإعداد دراسة لتقييم سلوك الطلبة العدوانيين بالمدارس الأمريكية بالاستعانة بالخبراء والأطباء.
وذكر تقرير مكتب التحقيقات الفيدرالية أنه بالرغم من هبوط معدلات العنف بالمدارس الأمريكية، إلا أن الخوف قد تولّد مرة أخرى نتيجة للحوادث التي وقعت العام الماضي، والتي أثارت اهتمام دوائر الشرطة، مشيرًا إلى حادثة إطلاق النار التي قام بها طالبان بإحدى المدارس، وأسفرت عن مقتل 12 طالبًا ومدرسًا واحدًا العام الماضي.
ونتيجة لهذا قام المركز القومي لتحليل جرائم العنف بإعداد نموذج دراسي يقوم بالتعرف على الطلبة العدوانيين، وذلك من خلال الملاحظة الدقيقة لسلوكياتهم، سواء داخل المدرسة أو الأسرة أو مع أصدقائهم، بالإضافة إلى سماتهم الشخصية، ومن طرائف الدراسة -كما ذكر تقرير (إف بي آي)- أنه لوحظ قيام طالب بإعداد كعكة على شكل مسدس، كما اكتشفوا أيضا أن كتاباته المدرسية مليئة بأفكار عدوانية؛ الأمر الذي نبههم إلى سلوكه العدواني مسبقًا.
ـــــــــــــــــــ(100/165)
(كرنفال) لنودع اللحم ونبدأ الصيام !
محمد جمال عرفة 14/7/1423
21/09/2002
مع تعاظم الحياة المادية، وزيادة الخواء الروحي في الغرب اشتهر الأوروبيون – ومعهم نسبة كبيرة من أبناء أمريكا اللاتينية – بابتداع مظاهر عديدة للخروج عن تقاليد كنائسهم الكاثوليكية مثل التحول لعقائد وثنية روحانية كالبوذية والكونفوشيوسية وما يسمونه "التأمل" و"اليوجا" ، ومثل ظهور كنائس خاصة تعتمد طقوسًا راقصة ، وأخرى ينتشر فيها الشذوذ ليس فقط بين روادها ولكن أيضًا بين قساوستها، كما تم الكشف عنه في الفضيحة الشهيرة لكنائس أمريكا .
وهناك مظهر آخر من مظاهر هذا التمرد على الكنيسة الكاثوليكية لا يعرفه سوى دارسي التاريخي الكنسي الكاثوليكي ، ولا يعرف الكثيرون ممن يشاهدونه أنه أحد مظاهر التمرد على الكنيسة، وهو (الكرنفالات) التي تملأ شوارع أوروبا وأمريكا اللاتينية في الربع الأول من كل عام والنصف الأخير منه، والتي بدأ موسمها الآن في عدد من الدول الأوروبية .
فالذي يعرفه الناس عن هذه الكرنفالات الإباحية أنها عبارة عن طابور من السيارات الملونة المزينة بالورود والتماثيل والألوان والمليئة بالفتيات العاريات اللاتي يعتلين هذه العربات وهن يلبسن ملابس عارية صارخة ملونة تكشف أكثر مما تستر !.
أما الذي لا يعرفه الكثيرون أن هذه الكرنفالات ترتبط بمواسم (الصوم المسيحي) وتأتي قبل شهور الصيام بأيام كنوع من توديع أيام اللهو والتفرغ إلى العبادة (!) ، ولكنها مع مرور الأعوام تحولت إلى (أصل) وبقي الصوم (فرع) وسرعان ما اختفى المظهر الديني تمامًا وبقي العري والكرنفالات أو ما يطلق عليه
البعض في الغرب عبارة ( فصل المجانين)!!
فكلمة "الكرنفال" أصلها لاتيني (carnelevarium) ، ومعناها "وداعًا أيها اللحم"، أو "استثناء اللحم" وتقول المراجع الأوروبية ( انسيكلوبيديا) عن تعريف "الكرنفال" أنه: (احتفالات شعبية، تقام في البلاد ذات العقيدة النصرانية؛ لأنها تسبق فترة الصيام النصراني الذي يبدأ مباشرة بعد هذه الاحتفالات، وأصل هذه الكلمة مقتبس من الكلمة اللاتينية التي تعني "إقصاء اللحم"، والمقصود بذلك استثناء اللحوم من طعام نصارى أوروبا أيام صيامهم) .
بل إن بعض المراجع – مثل الموسوعة الأسبانية - ترجع أصل "الكرنفال" إلى (الطقوس الدينية الفرعونية) ، وترجع أخرى جذور الكرنفال (إلى مملكة بابل وبلاد ما بين النهرين؛ حيث كانت تقام مهرجانات شعبية احتفالاً بقدوم الربيع) ، ولكن تم تحوير فكرة الكرنفال بعد انتقالها إلى أوروبا في العصور الوسطى (بسبب تلاقح الحضارات ونقل المعارف)، لتصبح عادة ترتبط بالصيام المسيحي عن اللحوم خصوصًا في "فينسيا" الإيطالية، حين انتشرت الرقصات الفنية التنكرية، وبلغت أوج شهرتها عندما انتقلت إلى "أوبرا باريس" عام 1715 ، أما المعنى العام فهو استباحة كل ما حرمته الكنيسة استعدادًا لأيام العبادة والطاعة التي تأتي فيما بعد لتغسل الذنوب!
ويرجع ميلاد تلك الأعياد (الكرنفالات) إلى القرن الثاني عشر الميلادي في أوج سيطرة الكنيسة الكاثوليكية، وما واكبها من حرق للنساء والعلماء بتهم الهرطقة والكفر والتمرد ، فبدأت فكرة الكرنفالات كنوع من الاحتفالات التي تسبق الصيام ، وسرعان ما واكبها ارتكاب بعض ما حرّمته الكنيسة كنوع من التحدي .
وقد انتقلت هذه العادة (الكرنفالات) إلى كل المدن الأوروبية الأخرى، ومنها بعض المدن في أمريكا اللاتينية، وكان من أهم مظاهرها: شرب الخمور بشراهة والسكر والعربدة وارتداء الملابس التنكرية المزركشة الملونة .
ولم يعد الأمر قاصرًا على مهرجان واحد ، ولكن مئات المسيرات والمهرجانات والاحتفالات ، وأصبح لها منظمات وهيئات تنظمها ، وكمثال ففي مدينة كولونيا الألمانية فقط – حيث أكثر المهرجانات مجونًا -هناك 160 منظمة تعدّ لأكثر من 500 احتفال جنوني !.
بداية التمرد .. نسائي
ولأن أكثر ما وقع من ظلم في أوروبا من جانب الكنيسة وقع على النساء مثل (قصة (جان داراك) الشهيرة وحرقها في النهاية على يد القساوسة) ، فقد ارتبطت هذه الكرنفالات أو بمعنى أصح المجون والعري فيها بالنساء حتى إن البعض يطلق على بعض هذه الكرنفالات اسم (ثورات النساء)؛لأنها ارتبطت بالأوضاع المأساوية لهن في أوروبا .
ويقول الكاتب نبيل شبيب الذي يعيش في ألمانيا إن الكرنفال تحوَّل في ألمانيا من حركة تمرد بوسائل مبتكرة ضدّ السلطة، إلى حركة جنون محض؛ ففي عام 1824م.. شهدت بلدة (بويل) التي أصبحت في هذه الأثناء تابعة لمدينة (بون) على نهر الراين ما سمّي "ثورة الغسالات" ضد الأزواج، واتخذت شكلاً "عقلانيًا" في الأصل، حيث اجتمع عدد من الغسالات في غياب أزواجهن، واتخذن عدة قرارات، أبرزها اقتحام مجلس البلدية في اليوم التالي، وكان مطلبهن الرئيس أن يمتنع الرجال عن الشجار والخصومات لأسباب تافهة. كان ذلك في يوم خميس، ومن أبرز احتفالات الكرنفال حاليًا اقتحام النساء في يوم الخميس الأخير قبل موعد الصيام، والذي يوصف بيوم النسوة مجالس بلديات المدن والقرى، حيث تكون لهن كلمة الأمر والنهي..ولكن في ماذا؟.. لم يعد يوجد شيء في تلك العادة سوى الإباحية، ففي يوم الخميس المذكور تتحول الدوائر الحكومية، والمدارس المختلطة، ومباني الشركات، وسواها إلى ساحة للمجون، يتجنبه العقلاء بأخذ إجازة، فهمّ المرأة في ذلك اليوم، وفيما تعده تمردًا على الرجل أن تتحرّش بمن تشاء، ويكتفي بعضهن بقص رابطات العنق، ويتمادى بعضهن الآخر إلى اقتراف الزنى مع من يعرفن ومن لا يعرفن من الرجال !.
وكان من الفارين من يوم النسوة هذا المستشار الألماني (جيرهارد شرودر) فجعله موعدًا لزيارة رسمية لواشنطن، وقال بوضوح: (نعم.. هذا هروب من يوم النسوة، فلا أحد يعلم ما يمكن أن يصنعنه) !.
ومثله في ذلك مثل كثير من أهل المنطقة، فهم يغادرونها طوال الأيام الأخيرة من هذه المهرجانات التي تسبق الصيام إلى مناطق أخرى لا توجد بها مهرجانات .
ولا تزال بقايا التمرد ضد سلطان الكنيسة تأخذ أشكالاً رمزية لا سيما في مناطق انتشار الكاثوليكية، ما بين أمريكا الجنوبية وخاصة البرازيل، حيث سيطرت الكنيسة الكاثوليكية أيضًا في العهد الاستعماري الإسباني والبرتغالي، وما يزال لها نفوذ كبير إلى اليوم.
ماذا يدور في المهرجانات ؟!
ولأن هذه المهرجانات بدأت كنوع من التمرد على سيطرة الكنيسة فقد أصبح يغلب عليها أيضًا التمرد على سلطان الحكومات، وينتشر بها النقد الساخر للأوضاع السياسية والاجتماعية، سواء بالكلام أو الممارسة .
فهناك العروض التهكمية الساخرة من المسؤولين ورفع دمى للرؤساء في أشكال ساخرة ، وهناك الفقرات الإباحية الفاضحة التي ينتج عنها – وفق المصادر الغربية – موجة جديدة من الأطفال غير الشرعيين حيث ترتفع نسبة الحمل أيام الكرنفال - وأيام رأس السنة الميلادية- ارتفاعًا كبيرًا وتنتشر في هذه المهرجانات الألوان، والأضواء الصاخبة والرقص واللعب، والموسيقى والضوضاء .
كما ينتشر تعاطي المخدرات علنًا، وارتكاب الفواحش بكل أشكالها، ويضطر سكان الأحياء التي تقام فيها سرادق هذه الاحتفالات إلى النوم خارج منازلهم طيلة أيام الكرنفال؛ وتنتهي عادة في عشرات المستشفيات التي ترفع حالة الاستعداد لاستقبال هؤلاء المجانين والماجنين !.
أما الغريب فهو أن بعض العرب والمسلمين المتغربين بدأوا يقلدون هذه المهرجانات ، ولكن لا يأخذون منها المظهر واللهو وصرف الملايين على مواكب غير هادفة قد تتحول لدعاية للحكام.
ومن أشهر هذه الكرنفالات "ريو دي جانييرو" ذائعة الصيت في البرازيل، وكرنفالات "نيس" الفرنسية، و"فينسيا" الإيطالية، و"تنريفة " في جزر الكناري التابعة لإسبانيا.
وتصف الكاتبة والباحثة الإيطالية "كارينا دون أنجلو " هذه الكرنفالات بقولها : "مليئة بالسحر، والأسرار، واللهو، والاندفاع المتهور.. ولكنها لم تتسم قط بأنها احتفالات سعيدة، لقد كانت كذلك ودائمًا احتفالات حزينة وشديدة القسوة" !.
ـــــــــــــــــــ(100/166)
احذري سبعة عشر سبباً للطلاق
الإسلام اليوم / التحرير 26/6/1423
04/09/2002
أضحى الطلاق واقعاً مؤلماً بعد أن تجاوزت معدلاته أكثر من (30%) من إجمالي عدد المتزوجين سنوياً، وتحول الطلاق من حل لمشكلة إلى مصدر لمشكلات عدة.
المرأة هي الحلقة الأضعف في سلسلة الطلاق، وإذا كان قرار الطلاق في أغلب الأحيان ليس في يدها فإن إبعاد شبحه عن بيتها هدف سهل التحقيق.
إلى كل امرأة في بداية طريق الزواج، وكل امرأة تواجه مشكلات في حياتها الزوجية نهمس في أذنها بسبعة عشر سبباً للطلاق لتأخذ حذرها منها وتحمي سفينة بيتها من الغرق:
1) عدم اهتمام المرأة ببيتها وأطفالها وزوجها، فهذه دعامة مهمة لبناء الأسرة، والاهتمام بالهندام والزينة أمر طيب، ولكن المبالغة فيه غير محمودة.
2) يحدث أحياناً أن تكون الزوجة في شغل شاغل عن البيت والأطفال، قد تنشغل بالاهتمام الزائد بزينتها والذهاب إلى مصفف الشعر ومحلات الأزياء وصالونات التجميل للمحافظة على جمالها وتهمل البيت، مما يؤدي هذا السلوك إلى نفاذ صبر الرجل وبالتالي يؤدي إلى الطلاق.
3) الاعتماد على المربية في شؤون الأسرة، فهناك من تعد ترك شؤون الأسرة والاعتماد على الخادمة والمربية من مظاهر الرقي والتمدن، بحيث تترك أمورها بيد خادمة جاهلة إضافة إلى أن هذه الخادمة لا يعنيها أمر تلك الأسرة بقدر ما يعنيها الراحة والربح من تلك العائلة –والله أعلم- فماذا تفعل بالأطفال الأبرياء عند غياب مراقبة الوالدين الواجبة، فضلاً عن ما تحمله من قيم وعادات تخالف عاداتنا وأحياناً ديننا.
4) استهتار بعض النساء في المسؤولية الملقاة على عاتقها وواجب المحافظة على سمعة وشرف العائلة، وهذه المسؤولية كبيرة وعظيمة جداً، وتركها يؤدي إلى الإخلال بسمعة العائلة، فترك المرأة أمور الأسرة على الغارب وعدم مراقبة الأطفال إن كانوا بنين أو بنات تكون العاقبة وخيمة وبالتالي لا يمكن علاج ذلك الأمر.
5)تدخل الأهل في أمور وعلاقة الزوجين، مما يعقد حل المشكلة وإن كانت بسيطة، فتدخل أم الزوج أو أم الزوجة في الصغيرة والكبيرة كثيراً ما يؤدي إلى المشاحنات ويجعل تلك الاختلافات والمشاحنات قائمة على قدم وساق.
6) قلة التفاهم بين الأزواج بحيث يتكلم الاثنان معاً ولا يسمع أحدهما ما يقوله الآخر، وما يعاني منه من الآلام والمصاعب، مما يعقد المشاكل، وقد يتنبه هؤلاء لهذا الأمر، ولكن بعد فوات الأوان.
7) قلة الخبرة بالزواج حيث تفاجأ الزوجة بواقع ومتطلبات لم تخطر على بالها، واصطدامها بهذا الواقع يجعلها تعيش بتعاسة مما تعكسه على العائلة ككل.
8) العقم وعدم الإنجاب إن كان من جانب المرأة فيكون من الأسهل على الرجل أن يتزوج بامرأة أخرى، مما يؤدي إلى غضب المرأة الأولى، أما إن كان من جهة الرجل فالموقف يكون مختلف وعلى المرأة أن تتقبل الوضع وتصبر.
9) إصرار المرأة على الخروج للعمل واعتقادها بأن الحياة تبدَّلت، وأصبحت تطمح في المساهمة بالعمل أسوة بالرجل، بعض الرجال لا يعجبهم هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى يشعرون بأنهم ليسوا بحاجة إلى تلك المساعدة، ويذكرون بأن مساهمة المرأة في تربية الأولاد عمل عظيم جداً، وهذا صحيح، ولكن تحتاج المرأة إلى ضمان لمستقبلها، فلو وضعت الدول العربية قانوناً يشبه -إلى حد ما- قانون الموظفين في الدولة وذلك بإعطائها راتباً شهرياً بشرط أن تحسن تربية الأولاد وترعى الأسرة رعاية تامة، يجعل فهذا سيجعلها تطمئن على مستقبلها.
10) التوتر والقلق والشعور بعدم الاطمئنان والكآبة، نتيجة لما تزخر به الحياة في وقتنا الحاضر من صراعات ومشاكل يؤدي إلى إصابة الفرد بالتوتر والقلق وعدم الاطمئنان، بحيث أطلق على هذا العصر عصر القلق والتوتر، وهذا الوضع ينعكس على المعاملة القائمة بين الزوجين مما يؤدي بالتالي إلى كثرة المشاحنات والشجار وتوتر العلاقة فيما بينهم، الذي يؤدي إلى فسخ ذلك العقد بالطلاق.
11) الإهانات وجرح المشاعر والمواقف المنكدة مما تؤدي إلى تأزم الأمور، وفقدان السيطرة على الانفعالات تؤدي أحياناً إلى الضرب والإهانة، واستعمال الكلمات النابية بين الزوجين يزيد الطين بلة، وفقدان الاحترام بين الزوجين يؤدي إلى فقدان الحب، وبالتالي يكره الواحد منهما الآخر.
12) ضعف استعداد الفتاة وتوقعاتها غير المنطقية، إذ تحلم الفتاة أحياناً بحياة رومانتكية مفعمة بالحب والحنان ،وبحياة خالية من المسؤوليات، وبعد الزواج تصطدم بالمسؤوليات الكبيرة الملقاة على عاتقها.
13) المقارنات التي تتبعها الفتاة، وذلك بأن زوج صديقتها يمطرها بالهدايا ويحيطها بالحنان والرعاية، ويعطيها كذا وكذا وإلى آخره من المقارنات التي تسمم حياتها الزوجية وتجعلها جحيماً لا يطاق.
14) المشاكل الاقتصادية وعدم التعاون واحتمال الزوجة على ذلك، فتكثر الشكوى مما يجعل الزوج يخرج عن طوره ويذكر كلمة الطلاق.
15) طلب الزوجة وذكر وترديد كلمة الطلاق بشكل جدي أو غير جدي مما يؤدي فعلاً إلى وقوع الطلاق، عندها تندم على ذلك في الوقت الذي لا ينفع الندم.
16) الغيرة القاتلة ومراقبة حركات وسكنات الزوج مما يؤدي إلى فقدان الثقة بينهما.
17) علم الزوجة بزواج زوجها بامرأة ثانية، مما لا يمكنها تحمل ذلك إن كان غيرة أو الشعور بالإهانة التي لا تغتفر
ـــــــــــــــــــ(100/167)
اسمي هل يؤثر على شخصيتي ؟
السيد أبو داود 1/6/1423
10/08/2002
دخل السائق الجديد مكتب وكيل وزارة الصحة وقال له : أنا السائق الجديد يا دكتور .. كلفوني - في إدارة الجراج- أن أكون سائقك الخاص .. [ فقال له وكيل الوزارة : ما اسمك ؟ قال له : الصلاة على النبي يا دكتور، فقال الدكتور عليه الصلاة والسلام .. ما اسمك ؟ قال له : الصلاة على النبي يا دكتور ...]، فأرغى وكيل الوزارة وأزبد وتوعَّده بالهلاك وطلب منه أن ينصرف ويأتي بمن عيَّنه سائقًا لوكيل الوزارة .. وثار الرجل ثورة عارمة وارتعدت فرائصه، وبعد قليل دخل السائق ومدير الجراج وبعد أن أسمعهم وكيل الوزارة ما يكرهون قدموا له بطاقة السائق فإذا به اسمه "الصلاة على النبي إبراهيم مسعود" .. فضحك وكيل الوزارة، وضحك الحاضرون على أغرب اسم سمعوه في حياتهم.
فما حكاية الأسماء الغريبة ؟ وهل للإنسان نصيب من اسمه ؟ وماذا عن الذين يتفاءلون أو يتشاءمون من أسمائهم ؟ ولماذا حرص رسولنا الكريم – صلى الله عليه وسلم -على أن يختار المسلم لأبنائه أحسن الأسماء ؟
الأسماء الموضة
تقول د. ناهد سلامه (أستاذة علم النفس بجامعة القاهرة) :إن الصلة انقطعت في العصر الراهن بين اسم الشخص وشخصيته وسلوكه وتصرفاته .. وربما كانت هناك علاقة في الماضي البعيد بين اللقب الذي يطلق على الشخص وبين سلوكياته بوصف أن هذا اللقب يأتي في مرحلة متأخرة من السن، أو على الأقل في مرحلة الشباب، أما الآن فإن الأسماء تطلق على الأولاد والبنات بشكل تلقائي ربما جريًا وراء الموضة في التسميات التي تتغير من عام إلى عام ،أو ربما تيمنًا وإحياءً لاسم أحد أفراد الأسرة .. ولم يعد أحد يطلق على المولود اسمًا بهدف أن يصبح هذا الاسم جزءًا من شخصيته وسلوكه - اللهم إذا كانت التسمية ذات صلة بالإسلام وأسماء المسلمين الأوائل مثل محمد وعمر وخالد وعمرو .. إلخ - لذلك فلا أعتقد أننا نستطيع أن توقع سلوك الشخص من اسمه؛ لأن موضوع السلوك معقد جدًا، وتتدخل في تحديده عوامل كثيرة وهي أبعد ما يكون عن اسم الإنسان. وكم من أسماء جميلة والفعل قبيح .. وعلى العكس نجد أسماء ريفية أو ألقابًا تثير الضحك ولكن أصحابها أناس طيبون.
أما د. محمد رشاد سالم (الأستاذ بجامعة الأزهر) فيقول : إن الاسم له بعض الأثر في نفسية صاحبه فلا أتصور اسمًا من الأسماء الجميلة وصاحبه من ذوي الأخلاق الشريرة، .. فلو أسميناه اسمًا صالحًا سنجده بمشيئة الله صالحًا .. وما شاهدته من بعض الأسماء يثبت ذلك، فنحن عرفنا الشيخ محمد الغزالي -رحمه الله- وقد سمي بهذا الاسم تشبهًا بحجة الإسلام الغزالي ، والشيخ الغزالي كان يعرف ذلك ولهذا كان يقتدي في سلوكه بحجة الإسلام الغزالي الكبير. وأنا أعرف رجلاً كان معجبًا بالشيوعية فسمى أبناءه لينين وستالين .. ولكن ستؤثر فيهما لا محالة تنشئة أبيهما الشيوعية لهما. ولذلك فإنني أعتقد أن الأسماء - من الناحية النفسية - تؤثر في أصحابها، وتحدد في بعض سلوكياتهم إما إلى الأحسن وإما إلى الأسوأ.
أما د. محمد رأفت عثمان ( رئيس قسم الفقه المقارن في الأزهر) فيقول : إن من حق الطفل على والديه أن يسمياه اسمًا حسنًا وأن يكنياه كنية لطيفة؛ لأن للأسماء آثارًا تنعكس على شخصية الطفل .. فالأسماء القبيحة التي تمجها الأذواق وتشمئز من وقعها النفوس تجرح إحساس صاحب الاسم، فقد تكون مدعاة للاستهزاء به والسخرية منه، فينزوي عن المجتمع أو يحاول ردّ اعتباره بأساليب إجرامية.
وقد ثبت أن النبي - صلى الله عليه وسلم- غيَّر أسماء بعض من آمن به، فغير اسم العاص بعبد الله، وغيرَّ اسم برة إلى زينب. وكان -عليه الصلاة والسلام- يستحب الاسم الحسن، ويروى أنه ندب جماعة إلى حَلْب شاة فقام رجل لحلبها فقال : ما اسمك ؟ قال : مرة. فقال : اجلس. فقام آخر فقال له -صلى الله عليه وسلم- : ما اسمك ؟ قال : حرب. قال : اجلس. فقام آخر فقال له : ما اسمك ؟ قال : يعيش. قال : احلبها. وقد أمر رسول الله أمته بحسن اختيار أسمائهم تأسيًا بقوله تعالى [ ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها وذروا الذين يلحدون في أسمائه سيجزون ما كانوا يعملون ]. ومن الأحاديث الصحيحة عن رسول الله (تسموا بأسماء الأنبياء وأحب الأسماء إلى الله عبد الله وعبد الرحمن) وقوله أيضًا : (إنكم تدعون يوم القيامة بأسمائكم وأسماء آبائكم فأحسنوا أسماءكم) .. ولذلك فمن رأي د. رأفت عثمان أن المسلم إذا كبر ووجد اسمه غير لائق أو يثير السخرية أو التشاؤم فله أن يغيره باسمٍ حسن.
التربية الصالحة شرط
أما د. أحمد المجدوب (المستشار بالمركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية) فيقول : إن الاسم ليس مرتبطًا بقدر الإنسان فليس من الضروري أن يكون صلاح صالحًا أو عبد الله عابدًا لله أو كريم كريمًا. فهناك مَن اسمه صادق وهو كاذب، وهناك من اسمه ذكي وهو غبي، وهناك من اسمه أمين وهو خائن .. إلخ. لكن الفيصل الرئيس في هذه النقطة هو أن يصاحب الاسم الحسن الذي اختاره الوالدان تربية صالحة وتنشئة أخلاقية سليمة .. في هذه الحال فقط يتأثر الإنسان تمامًا باسمه ويكون له نصيب منه.
ويضيف د. المجدوب أن اختيار الإسم هو نتيجة لتفاعل الإنسان مع بيئته والظروف المحيطة به. فالمجتمع الحضري له أسماء .
الاسم والإنتاجية
لكن، هل يتأثر الإنسان باسمه في مهنته، كأن يكون محاميًا واسمه مصلح فيصلح بين الناس، أو يكون طبيبًا نفسيًا واسمه عقدة .. إلخ ؟
يجيب د. حسن رياض (الأستاذ في كلية التربية النوعية) فيقول : لا يتأثر الإنسان باسمه في مهنته، فقد يكون المحامي اسمه مصلح وهو لا يعرف الصلح بين الناس ولا يعرف إلا إيقاع العداوة بينهم حتى يبتز أموالهم .. وهكذا.
لكن إذا وضع الإنسان هذا الأمر في بؤرة اهتمامه، وفكّر فيه طويلاً فربما يتأثر في مهنته فعلاً باسمه .. كأن يكون طبيبًا واسمه ماهر فيخجل أن يكون غير ماهر. هذا يحدث في بعض الأحيان لكن في بعضها الآخر قد لا تسعف الإنسان مواهبه وقدراته وتعليمه وتدريبه ونشأته أن يكون اسمًا على مسمى في مهنته.
ويضيف د. حسن رياض أن الأب والأم والأسرة قد يلفتون نظر الطفل من صغره إلى هذا الأمر، كأن يكون لقب العائلة الواعي أو الأستاذ .. فحينما يتكاسل الطفل عن واجباته المدرسية يقولون له: عيب عليك أن يكون اسمك الواعي وأنت لست واعيًا بل جاهلاً ومفرطًا في مستقبلك .. احرص على ألاّ يكون أحد من زملائك أوعى بدروسه منك .. وقد يتحمس الطفل لذلك ويتأثر به فيتحول الاسم إلى مسمى فعلا
ـــــــــــــــــــ(100/168)
جُرأة الحيَاء !
سالم السيف 20/5/1423
30/07/2002
هي مُحاولة لفهم أنفسنا ..ذكورًا وإناثًا ..
بشيء من قسوة الحقيقة، وتجرّع مرارتها، على ريقِ الواقع اللاذع...!
الرّجُل ..ذلك العنيف، الخشن، والمتعجرف الذي لا تنبض فيه خلية إحساس واحدة، إن مسّ شيئاً كَسَره، وإن همس لأحدٍ نَهَرَه، تغزّلُهُ تجريح، ومُزاحُهُ شتيمة، كلماتُهُ إمرة وعتابُهُ قذف، لا يعرف النقاش إلا ضربًا، وأن يكون كاسبهُ.. سلسلة من الأوصاف التي تتدفّق على لسان ( امرأة ) ناشز المشاعر فاض صبرها فطفح على ظاهرها ..
ولستَ بلائمٍ رجلاً لشعث - كما يقول الذبياني! - "أيُّ الرّجال المُهذّب؟!"..
بينما المسكين في ذات اللحظة التي وُصف بها بالسابق من الصفات، يتصنّع قدرَ طاقته الرومنسية والرقّة ، والعصرية المتفهمة للمرأة!
يبقى ليُردّد "كم هوَ مسكين؛ لأنه لم يُفهم، وكم هي مسكينة؛ لأنها لم تَفهم ما أراد أن يُعبِّر عنه"..
بينما أحدهما أقرب إلى صاحبه من الآخر، كمن يبحث عن نظارتِهِ، وهيَ على أنفه!
المرأة سيدة الأرض. والتي تتحكم في المنزل والأسرة والميزانية وفي الغالب العام، وهي التي تتحكم في أجواء البيت فتجعلها أجواء حب .. وهدوء .. ووئام .. وغرام .. أو تجعلها أجواء عواصف .. وزلازل .. وبراكين، بل سلسلة من الكوارث الطبيعية !
الرجل مسكين، الرجل على وجهه، الرجل غافل، الرجل ضيف على زوجته وفي بيته .. سعادته ومزاجه وصحته أمانة في يد امرأته، وهي أحسن حظه أو أسوأه !
الفروق الفردية بين امرأة وامرأة في إسعاد الرجل وإمتاعه أو إشقائه ومسح البلاط به .. فروق عنيفة ومخيفة، فهناك من يعيش في بيته مع ملاك حلو الكلام، عذب الابتسام ، يملأ أجواء البيت بتغاريد الحب وأطياف السعادة، يجعل الأبناء زهورًا وزينة، لا عبء يثقل كاهله، ويجعل المرح يضحك من النوافذ، والأنس يتسرّب إلى الجيران، وهناك من يعيش في بيته - باختصار شديد - مع (( بعبع ))...!
هذه الفروق العنيفة موجودة في المرأة الواحدة، حسب حُبها للرجل أو كرهها له .. وهي التي حيَّرت الرجل منها، وجعلته يُصدر الأقوال الساخرة والمُرّة فيها، ويعدها لغزاً من الألغاز،ثُم إذا يئس.ملأ البيتَ بصوتِهِ "طَلاَقاً" !
وما أسعد الرّجال بقول الله – تعالى- :
(( إن كيدكن عظيم )) !!!!
قد تكيد المرأة عن غضب أو حب، عن حقد أو رضا، عن ضعف أو غِنى، ولكن في جميع الأحوال لن يستطيع أعتى وأذكى الكائدين وأشدهم حِنقاً من الرجال أن يضاهيها كيداً وحيلة، ويُعلن الرجال استسلامهم عِندها، فيلجؤون -غالباً – للقوّة بمثابة مسكّنْ ذي مضاعفات يبدو خطرها على الأمد البعيد ..
.. ولكن كمثلِ قول العربي القديم (أخو هوازن) (أمرتهم أمري بمنعرِجِ اللّوى...).!
وكما قال تعالى ((إن كيدكن عظيم )) قال المصطفى - عليه الصلاة والسلام- (( رفقاً بالقوارير )) .. احتاروا، كيف تعاملونها وكيف تتصدون لكيدها؟ ولكن في كل الأحوال حذارِ أن تقسوا عليها .. فتنكسر أو تدعوها وشأنها؛ فتيبَس وتشيخ وهي مُعوجّة..!
المرأة ذكاء، ولكن قد تتغابى أحيانًا، فلا تهزأ منها..!
المرأة حنان، ولكن قد تقسو مراراً ..
فلا تبادل القسوة إلا بالرَّقة فتُسقطها في يدها. . .!
المرأة حب، ولكن قد تكره رغماً عنها، فلا تلُمها. . .!
ورغم كل هذا، المرأة ضعيفة ورقيقة، قد تقتلها كلمة وقد تحييها كلمة مما لا تُلقِ لها أنتَ ولا أمثالُكَ بالا، وهي في قلبها "وبالاً" تتجرّع غُصَصَهُ مرّ الأيام. . .!
قوامة الرّجُل تستشعرها المرأة، بإحساسها بالأمان، بشعورها بإحاطتك لها، بأخذكَ إياها إلى الوجود، والسفر بها إلى الخيال، وتناول رأيها حيناً وتعليمها أحياناً، لا بتلقّي الطلبات الفورية، وإصدار الأوامر العاجلة، والخدمات المستعجلة، وفرضْ السُلطة بالسّيف وكأنك اشتريتها بمهرها "أمةً" تسدُّ بها ما بقيَّ من شهواتك، والتباهي بها في الولائم ، طبخاً ،ونفخاً ..وفي المحافل جبروتاً وهيمنة، تستعرضُ بين أقرانك جِينراليتك العسكرية، والإيهام بهيبتك، وهلمّ جرّا ..
حشداً من الإنجازات التي تصرعُ العُصبة أولي القوّة، من الأقوياء أمثالك، كيف بضعيفة الكيان هشّة القوام؟ امرأة خُلقت من ضلعٍ أعوج .
كأن المرأة أصبحت مقياساً للرجولة، فمن كان لها أكثر ترويضاً، كان في أعينِ الناس أعظم تبجيلاً، وأبجل تعظيماً . . .
وهذا كُله في كِفة، وشبح "الحاج متولي" يقضُّ مضجعها، ويقلق منامها في الكفّةِ الأخرى .. !
بينما المرأة قد ( تُضرب) حيناً، فتستغني عن خدمات "رجُل"، وتتبلّد ( بل تتبدّد!) لديها جميعَ الأحاسيس تجاهه، فتضربُه على حين غِرّة في مقتل، فتعيش معه كالدّمية، المطيعة، فلا يجدُ ما يُطلّقها لأجله، ولا يشعرُ (غيرَ ما تعصر من جيبه!) بوجودها ،ما يخدعُ بهِ نفسَهُ بضرورة بقائها عنده ..
فيصارع الرّجل الأمرّين، فلا هوَ بنظرهِ متزوّج، ولا هيَ أطلقته من قيد "رب أسرة" في سماء "العزوبية" ، كالدجاجة التي (ترجن) على بيضة .. فارغة جوفاء بلا حياة ، على أمل أن تفقس يوماً عن هواء، عن لاشيء . ...!
و حينها قد لا يطيق الرجل صبراً ..واحتمالاً، فيطلق في الجو للعالم، زفرات التأوهات، وأنّات اليائس البائس طلاقاً مدويّا ..
ولا يتوانى في إجهاض محاولات التحقيق، والبحث للمشكلة عن جذور؛ لتعود المياه إلى مجاريها بالرد على الأسئلة بالإجابة الدامغة (( والله ما حبيتها )) معلناً- بأشجى صوت - إفلاس هذهِ المرأة عاطفياً، وأنّ انهيار السدّ لم يذر للمياه مجرىً واحداً . . .! - يقول نزار ( . . . في الحُبِّ يموتُ الإيضاحُ) -
ناسياً إياها، وأيامها ..بعد أمل تزحزح القشّة التي قصمت ظهر البعير ( 150 ألفًا) مهراً لها، إضافةً لما يرى من الأصدقاء والأصحاب ومن ( يعزّ ) عليه ، يتزوّجون بهذا المبلغ، من أجمل النساء وأكملهنّ دلالاً واعتدالا ..من بلاد الشّام العزيزة ..مثنى وثُلاثَ ورُباع ...!
بلاد الشام التي يقول فيها "الطنطاوي" ( وهل تُصوّر الجنّة لمن لم يرها ؟!من يصِفُها وهي دُنيا من أحلام الحب وأمجاد البطولة وروائع الخلود؟!من يكتبُ عنها-وهيَ من جنّاتِ الخُلدِ باقية- بقلم من أقلامِ الأرضِ فانٍ ؟!) رحمكَ الله يا شيخ.!
هذا ليسَ كلاماً ضدّ الرّجل ( ولا المرأة!)، ولكنها مُحاولة بلورة بدرتْ، لتسوية المعوج، وتعرية الحقيقة ، في أوساط المتزوجين.
ـــــــــــــــــــ(100/169)
الشفاء
أم حسان الحلو 28/3/1423
09/06/2002
لديها عزة شماء وأنفة علياء، لا تحب أن تصبح سخرية أمام أحد، إنها تلملم جراحها وتسير في دروب حيرتها مترفلة في أثواب العزة والكبرياء.
أرجوك حاول أن تفهمها.
ابتسم أبو ضياء ابتسامة وقورة وقال: أدرك كل هذا عن ابنتي شفاء، واحترم هذه المشاعر لكن الخاطب هذه المرة ليس ككل الرجال .
ماذا؟ هل نزل من الفضاء خصيصاً لنا ؟ إن ما يرجوه الرجال من النساء أمر معروف، ولعل أبرزها أن تكون فاتنة الجمال لأجل عينيه؟ لأجل أن ينظر إليها مرات ومرات، فترتد كل نظرة منه إليها ببهجة وفرحة وابتسامات . وأين شفاء من هذا ؟
أطرق أبو ضياء منكراًَ وقال: صدقيني إن مجاهداً يريد أن ينظر إلى من تستره حقاً، لكنه أخبرني أن سروره الحقيقي يكون ببهجة القلب وفرحة الروح وإمتاع الفكر. إنه لا يبحث عن سرور سطحي. سوف يطول النقاش بيننا ويتحول إلى جدل. وربما يتصاعد إلى خصام. لم تفكر وحدنا ولا نشرك شفاء معنا؟ فهي محور تفكيرنا الآن. اذهبي وناقشيها بالأمر .
رحيث الشفاء بمناقشة والدتها وتهللت أساريرها بعد أن سمعت شروط الخاطب مجاهد، لكنها عادت إلى نفسها وقالت: ماذا لو رأى يوماً غيري تجمع بين بهجة الروح والجسد؟ حقيقة أنا أرفض الزواج . قضية فرغت منها منذ أن هاجمني هذا المرض، ثم خاطبت أمها بنبرة حزينة قائلة: أرجوك يا أمي. أنت تعرفين أكثر من غيرك أن هذه قضية لا يمكن التراجع عنها .
فردت الأم : المرض يا ابنتي يمكن أن يشفى بإذن الله . اجعلي أملك بالله كبير. ترقرت دمعتان في عيني شفاء وسحبت ورقة من درجها ، وناولتها لأمها. تذكرت أمها هذه الورقة الشاحبة الصفراء والتي أكدت أن الأطباء عاجزون عن علاج البهاق علاجاً تاماً.
وبعد طول صمت قامت شفاء وقالت لأمها :
أنا أعلم تماماً أن كل الرجال يرفضون الزواج من فتاة (مرفّعة) بشكل عشوائي، وفي أفضل الأحوال فإني أظن أن هذا خاطب لعلمي وشهادتي ربما مهنتي وراتبي ..
بدأت علائم الدهشة على وجه الأم وقالت : إلى هذه الدرجة تسيئين الظن بالرجال حتى الملتزمين منهم؟ أليس فيهم رجل رشيد؟ ثم اتكأت على كتف الشفاء وقالت: الليلة ليلة مباركة طيبة .. لم لا ؟ فصلِ فيها صلاة استخارة!
وبعد أيام، نهل الأقرباء والأصدقاء من كؤوس الفرح وابتهجت غالبية الفتيات لزفاف الشفاء إلى مجاهد. إلا أن بعضهن لم يستطعن القبض على كلماتهن، فسمعت الشفاء من تقول: إنه مجاهد حقاً . وأخرى تقول: مسكين هذا العريس الوسيم يبدو أنه أعمى..! وغيرها: إن جاء للشفاء عريس فافرحن.. سوف نزف جميعنا في القريب العاجل ولن تبقى على وجه الأرض عانس !
كانت الشفاء تلدغ من تلك العبارات، وتكتم أناتها. إلا أن ما وجدته من المحبة وحسن الخلق من زوجها مجاهد منحها القدرة على التحليق في فضاء القيم. وفي ديار الغربة كان كلاهما قريبًا إلى ربه. ساجدًا وقائمًا، عابدًا وداعيًا، مبتهلاً، وصابرًا ، مما جعلهما ينظران إلى الحياة بمنظار رباني شفاف وبقلب مؤمن مطمئن. كانا يأخذان بأسباب الشفاء وهما راضيان متوكلان محتسبان . إلا أن قلب شفاء كان ينقبض ألماً حينما تذكر بعض العبارات خاصة تلك التي كانت تخرج من أفواه المتعلمات أمثال نجوى، ولم يكن يهدئ روعها سوى صلتها الوثيقة بالله. واقتربت ساعة العودة إلى أرض الوطن، سوف يعودان ومعهما طفل يملأ الفضاء بكركراته العذبة. سوف يعودان وسحائب الرحمة تظللهما، وطرقت الشفاء باب بيتها بعد غياب طال، ذهلت أمها لمرآها . تكاد تشك في نفسها وذاكرتها، لكنها لم تنس أن تحمد ربها وسط الدموع والابتهالات.
طار الخبر كالبرق، فأقبلت الجموع مهنئة وكانت من بينهم نجوى صاحبة التعليقات اللاذعة.. يا الله إنها لم تتمالك نفسها. كانت أكثر الناس بكاء وتسبيحاً، إنها تتلمس جسد الشفاء الذي عوفي تماماً وبدل لون نوراني جميل، وتتساءل أأنت أيتها الشفاء؟ صدقيني لولا صوتك لأنكرت نفسي.. أيعقل أن تصبحي أجمل النسوة بعد أن ارتديت تاج العافية؟ أين نحن منك؟ صدقيني إن ما حدث معك لهو شبيه بمعجزة.
قالت الشفاء وعلامات السرور تكسو وجهها .
أجل يا نجوى، إن المؤمن القوي يحقق من الغايات ما يشبه المعجزات، وتذكرت صوت مجاهد العذب وهو يقرأ ، فقالت: إن مجاهد يردد الآية الكريمة دوماً:
( إن يعلم الله في قلوبكم خيرًا يؤتكم خيرًا مما أخذ منكم ويغفر لكم)، ويتبعها بدعاء: اللهم اجعلنا من أهل هذه الآية
ـــــــــــــــــــ(100/170)
نظرات في مذكرات المرأة الصهيونية الرجل
أحمد بن عبدالرحمن الصويان 1/3/1423
13/05/2002
الدارس لتاريخ الحركة الصهيونية الحديثة يجد عجائب وغرائب كثيرة جداً، فمن شعب مهين مستضعف مشتت في كلّ أنحاء العالم، يتحول اليهود خلال سنوات قلائل إلى أمّة قوية مهيبة، يتساقط تحت أقدامها قادة المشرق والمغرب.
جولدا مائير ( رئيسة وزراء إسرائيل 1969-1973م) إحدى النساء اللواتي ساهمن مساهمة قوية في قيام دولة إسرائيل، قال عنها بن جوريون أول رئيس للوزراء- عندما عادت من أمريكا محملة بخمسين مليون دولار بعد حملة تبرعات واسعة : " سيُقال عند كتابة التاريخ : إن امرأة يهودية أحضرت المال، وهي التي صنعت الدولة"[ ص 171 من مذكراتها]، بل قال عنها ثانية :" إنها الرجل الوحيد في الدولة!"[ ص 97]، عندما قرأت مذكراتها وجدت دروساً عملية جديرة بالتأمل والنظر، منها:
الأول: ضرورة الإيمان الراسخ بالهدف الذي يدفع للبذل والعطاء، وتحويله من حلم إلى حقيقة واقعة .
الثاني: أن آمال الإنسان لا تتحقق إلا بالإصرار والصبر وطول النفس، واستسهال الصعاب.!
ودعونا الآن نقرأ بعض هذه المقاطع التي لا تحتاج إلى تعليق :
" لقد شعرت أن الرد الوحيد على قتل اليهود في أوكرانيا هو أرض فلسطين، يجب أن يكون لليهود أرض خاصة بهم، وعليّ أن أساعد في تحقيق هذا، لا بالخطب والتبرعات ، بل الحياة والعمل هناك معهم في أرض فلسطين"[ ص 54].
" لقد كانت مسألة العمل في حركة العمل الصهيوني تجبرني للإخلاص لها ونسيان همومي كلها، وأعتقد أن هذا الوضع لم يتغير طيلة مجرى حياتي في الستة عقود التالية"[ص56].
" لقد كانت ( فلسطين) هي السبب، ولأجلها حضرنا جميعاً، ولأجلها تحملنا المشاق!.. لقد كنت شغوفة في شرح طبيعة الحياة في إسرائيل لليهود القادمين، وأوضح لهم كيف استطعت التغلب على الصعاب التي واجهتني عندما دخلت (فلسطين) لأول مرة، ولكن حسب خبراتي المريرة التي مارستها كنت أعتبر أن الكلام عن الأوضاع وكيفية مجابهتها نوع من الوعظ أو الدعاية، وتبقى الحقيقة المجردة هي وجوب إقامة المهاجرين وممارستهم للحياة عملياً. لم تكن الدولة الإسرائيلية قد أُنشئت بعد، ولم تكن هناك وزارة تعنى بشؤون المهاجرين الجدد، ولا حتى من يقوم على مساعدتنا لتعلم اللغة العبرية، أو إيجاد مكان للسكن، لقد كان علينا الاعتماد على أنفسنا، ومجابهة أي طارئ بروح بطولية مسؤولة!" [ص 71].
" كان الروّاد الأوائل من حركة العمل الصهيوني هم المؤمنون الوحيدون الذين يستطيعون تحويل تلك المستنقعات أو السبخات (!!) إلى أرض مروية صالحة للزراعة، فقد كانوا على استعداد دائم للتضحية والعمل مهما كان الثمن مادياً أو معنوياً..!"[ص 74].
" عندما أتذكر وضع ( السوليل بونيه) [ منظمة يهودية) منذ زمن – أي : منذ 1927م – في مكتبها الصغير في القدس يوم كانت لا تستطيع دفع أجور العمال ، ثم أفكر في وضعها الحالي، والخمسين ألف موظف وموظفة، وبمدخولها الذي وصل إلى 5.2 مليون ليرة إسرائيلية، عندها أحتقر أي شخص يقول أو يُنكر على الصهيونية تفاؤلها" [ص95] .
" إننا في اجتماعنا هذا لن نُعيد المسيح إلى الحياة( في زعمهم)، ولكن لا بد لنا من القيام بمجهود لنقنع العالم بما نريده وبما نحن عليه !!" [ ص 99].
" أعتقد أن هناك سببين فقط يمثلان المحنة القومية التي مررنا بها ، أحدهما: الانهيار والاستسلام، والقول: لا أستطيع أن أتابع. والثاني: أن تكشر عن أنيابك وتحارب بكل ما أوتيت من قوة على كل الجبهات التي تواجهك مهما كانت المدة صعبة وطويلة، وهذا بالضبط ما قمنا به في السابق، ونحن قائمون به الآن!" [ ص 120] .
" أدركت أنه لا يكفي لشعب ضعيف أن يثور لكي ينال عدلاً مطالبه، أما مبدأ ( نكون أو لا نكون) فعلى كل أمة أن تعمل به وبالتالي تقرر مصيرها بطرقها الخاصة، وعلى اليهود ألا يعتمدوا على أحد من أجل تقرير مصيرهم"[ ص 130].
" لم يُقدم لنا الاستقلال على طبق من فضة، بل حصلنا عليه بعد سنين من النزاع والمعارك، ويجب أن ندرك بأنفسنا ومن أخطائنا الثمن الغالي للتصميم والعزيمة" [ص 238].
" أخبرت اليهود في جميع أنحاء أمريكا أن الدولة الإسرائيلية لن تدوم بالتصفيق ولا بالدموع ولا بالخطابات أو التصريحات!، إنما يجب توفر عنصر الوقت لبنائها، قلت في عشرات المقابلات: لن نستطيع الاستمرار دون مساعدتكم؛ فيجب أن تشاركونا بمسؤولياتكم في تحمل الصعاب والمشاكل والمشقات والأفراح، صمموا على المساعدة وأعطوني قراركم، لقد أجابوا بقلوبهم وأرواحهم بأنهم سيضحون بكل شيء في سبيل إنقاذ الوطن!!" [ ص 185] .
أرجو من القارئ الفطن أن يقرأ هذا المقطع بتمعُّن شديد، ثم يقارنه بالشعارات الثورية – التي ملأت الأمة بضجيجها وصخبها- لعبد الناصر ومن بعده من قادة التحرر العربي ...!! .
تردد الجموع بكل بلاهة :
من الخليج الثائر .. إلى المحيط الهادر.. لبيك عبد الناصر!
فتجاب بكل استهتار ومهانة: سنرمي إسرائيل في البحر !
والنتيجة هي تحطيم الطيران المصري كله على أرض المطار.. فالقادة يعبثون ويشربون حتى الثمالة، ويتراقصون على أنغام الموسيقى، ولا يدركون ما حدث إلا حينما انتهى كل شيء ..!!
وبعد هذا الإحباط.. حتى تلك الشعارات الثورية سقطت .. وتحركت القلوب الرحيمة تندد بالفدائية ، وتنادي بالسلام وحقن الدماء.. فلا بد أن نتفرغ للبناء، فقد أنهكتنا الحروب .. !
إنها حرب عقيدة، ولن تنتصر الأمّة بشعاراتها النفعية وإعلامها الرخيص، فمتى يدرك الناس أننا قوم أعزنا الله بالإسلام، ومهما ابتغينا العزة بغيره أذلنا الله ؟!. فإما نكون أو لا نكون ..!!
وأحسب أنني في خاتمة هذا المقال في حاجة إلى التأكيد على أن هذا العرض لأقوال هذه اليهودية ليس سببه الإعجاب بها – معاذ الله تعالى -؛ ولكن الهدف هو الإشارة إلى جَلَد هؤلاء الفجار على نشر باطلهم، وتضحياتهم الكبيرة لمبادئهم، على الرغم من كفرهم وضلالهم؛ فأين نحن معاشر الدعاة..؟! ولماذا يُكبل بعضنا بآسار من العجز والضعف..؟! قال الله – تعالى- : " ولا تَهِنُوا في ابْتِغَاءِ الْقَوْمِ إِن تَكُونُوا تَأْلَمُونَ فإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمُونَ وَتَرْجُون مِنَ اللهِ مَالا يَرْجُونَ وَكَانَ اللهُ عَلِيماً حَكِيماً"[ النساء: 104].
وها هو ذا عمر الفاروق – رضي الله عنه – يقول : " اللهم إني أعوذ بك من جَلَد الفاجر وعَجْز التقي !" .
ـــــــــــــــــــ(100/171)
لها الأذن، ولك العين!
( من قواعد التعامل مع الزوجة )
خالد بن أحمد الحازمي 30/1/1423
13/04/2002
كنت قبل فترة قصير أناقش أحد الأصدقاء حول فن التعامل مع الزوجة .. فلفت انتباهي إلى نقطة جميلة تثري جانب المحبة بين الزوجين ..
قال لي : " إن الزوجة المثالية تحرص كل الحرص على ألاّ تقع عين زوجها على شيء غير جميل ، تبدأ بنفسها أولاً فلا يراها إلا في أجمل حلة .. ثم بأبنائها فلا يراهم إلا في زيًّ نظيف .. ثم هي تهتم ببيتها أشد الاهتمام، وتجتهد في رعايته بما تستطيع .. ثم ماذا ؟ ؟؟
هي - بعد هذا العمل - تريد أن تسمع من زوجها كلمة الثناء والمديح ، تريد أن تشعر أن كل عمل عَمِلته لم يذهب سُدى .. وأن هناك تقييماً لجهدها وعملها "
انتهى حديثي مع صديقي.
هذا بالفعل جانب مهم، له دوره في الحياة الزوجية ، رجل يريد أن يرى، وامرأة تريد أن تسمع ..
لذلك نجد الرجل الذي يجيد التعامل مع زوجته يركز على هذا الجانب فلا يهمله ..
وسأضرب لكم مثالاً ..
تقف المرأة في المطبخ الساعات الطوال لتحضير طبق جديد تعلّمته من مجلة أو من إحدى الصديقات ، وتجدها حريصة جدا أن يخرج الطبق بأطيب مذاق وأجمل مظهر؛ كل هذا العمل تقوم به الزوجة لتسمع من زوجها في النهاية :
- اللَّه !! .. لم أذُقْ مثل هذا الطعام في حياتي .
عندما يقول الرجل ذلك ..
تبتسم المرأة رضاً واستحساناً وترد عليه :
- إلى الآن لم ترَ شيئاً .
عندها يبتسم الزوج ..فلقد حقق هدفه..
لقد طبق القاعدة بنجاح !!
ـــــــــــــــــــ(100/172)
المجتمعات حين تتغير
أحمد بن محمد الصقر 14/1/1423
28/03/2002
تشهد كثير من المجتمعات موجة من المتغيرات جاءت نتيجة عوامل متعددة ومتداخلة ومعقدة، وما يهمنا في هذا المقال هو الحديث عن التعامل مع المتغيرات وتوجيهها وإدارتها ، سواء كنا من مؤيدي التغيير أو من معارضيه، لكي لا نظل نستقبل طابوراً طويلاً من المفاجآت التي تذهلنا في كل مرة، وتجعلنا نشعر بمرارة الهزيمة والقهر، وهي مشاعر أصبحت جزء من التركيبة النفسية والعقلية في ذهنية الكثير منّا.
إن التخوف من ضياع الهوية وتلاشي الخصوصية للمجتمع هو تخوف صحيح في محله، وللمرء أن يتمنى بقاء هويته وخصوصياته في معزل عن المؤثرات الداخلية والخارجية، ولكن القضية لم تعد قضية اختيارية، فإما أن ندخل في الميدان ، وأن نسبق المتغيرات ونشارك في صنعها إذا كانت مرغوبة، ونحاول منعها وتوجيهها قبل أن تحدث إن لم تكن كذلك، أو نتآكل ونندثر.
هل سألنا أنفسنا كيف يبدأ التغيير؟، وهل توجد نقطة موضوعية يمكن من خلالها تحديد بداية التغيير؟ ما العوامل التي تؤدي إلى استحثاث عملية التغيير؟، وكيف يمكن أن يؤثر القرار السياسي أو الشعبي في صنعه أو منعه؟ وهل يمكن استباقهما ؟ ...
حول هذه المعاني تأتي هذه الخواطر ...
مبررات التغيير
لا يجوز أن يكون سبب تأييد عملية التغيير أو معارضتها هو مجرد حب الجديد أو مجرد الخوف منه، بل يجب أن تكون مبنية على مبررات منطقية ومشروعة...
إن السؤال الجوهري ليس في أن نتغير أو لا نتغير!، فالتغير سنة شرعية وكونية، ولكن السؤال هل التغير سيؤدي إلى واقع أفضل؟! لأنه حين يؤدي إلى واقع مكافئ للواقع القديم فهذا التغيير صوري من الناحية النظرية ونوع من العبث من الناحية العملية، أما حين يقودنا التغيير نحو الأسوء فهذه هي الكارثة!.
من أوضح صور غياب المبررات المنطقية والمشروعة للتغيير هو تحول المتغيرات إلى ثوابت ومن ثم إلى معسكرات فكرية وعلامات فارقة ، اكتسبت قيمتها من الصراع التاريخي بين التيارات والتوجهات المتناقضة في المجتمع، وهذا الذي يجعل الرغبة المطلقة في التغيير ـ بغض النظر عن جدواه ـ عند أحد أطراف الصراع نوع من الانتقام والتشفي ، وعلى الآخر نوع من الإذلال والقهر ، وبذلك تتحول عملية التغيير إلى معركة نفسية ضارية يجد فيها البعض فرصة لإثبات الذات وطمس الآخر.
مختبرات التغيير
عملية التغيير قبل أن تصبح واقعاً يدين المجتمع به أو يخضع له ، تبدأ أولا في دوائر صغيرة يمكن أن نطلق عليها مختبرات التغيير، تستوعب فكرة التغيير وتنفذه، ثم ينتقل بعد ذلك بالعدوى إلى دوائر أخرى، ويأتي القرار السياسي أو الإرادة الشعبية في الأخير لتدمجه ضمن سياق عقدي أو نظامي ، ومن ثم يكتسب صبغة شرعية أو نظامية.
هذه العملية قد تكون مقصودة أو عفوية، المهم أنها عملية تبدأ من دوائر صغيرة ثم تأخذ في الاتساع.
هذه النظرة تفيدنا كثيراً حينما نعلم أن معالجة المتغيرات التي لا نرغبها عندما تكون واقعاً في دوائر صغيرة أسهل من معالجتها حينما تتسع الدائرة ويتحول إلى قرار سياسي أو إرادة شعبية.
إن المعارضين للتغيير ـ على الغالب ـ لا يستيقظون إلا عندما تتغير الأشكال والصور، أما الحقيقة المستترة التي تغيرت قبل أن تتغير الصور والأشكال فقد مرّت بسلام
ـــــــــــــــــــ(100/173)
السنة الجديدة ..وقرارات التغيير
باسم بن محمد الفصّام 27/12/1423
11/03/2002
قالت لأمها بعد أن أغلقا بلطف صفحة نقاش شبه هادئ :
أمي ..سأكون إنسانة أخرى ..وسترين مني التغيير ..فقط انتظري العام الجديد.ومع البداية تكون البداية.
أجابت الأم : سنرى!!
******
وفي مكان آخر ..
يقول الابن :
أبي..لم يعد يفصلنا عن العام الجديد سوى أيام معدودات ..أعدك بإذن الله أن أكون شخصاً جديداً مع العام الجديد ..ولن ترى مني إلا ما يسرك وهذه قبلة أطبعها على رأسك..
أطرق الأب رأسه ..طبع الابن قبلته.
******
وزوجة تقول لزوجها : لنبدأ صفحة جديدة مع السنة الجديدة.
وزوج يخاطب زوجته : السنة الجديدة على الأبواب ، فهلم بنا نغير.
******
هذه الأيام ..مواقف عديدة ..وأحاديث متفرقة الله أعلم بمكانها وزمانها تدور بين أشخاص وأشخاص داخل نطاق الأسرة، محورها الرئيس .."مع السنة الجديدة سيكون التغيير".
إن الانطلاق من نقطة ثابتة محددة يعني الانطلاق الواضح الأدعى للنجاح والأقرب - في كثير من الأحيان- لتحقيق الأهداف.
وبداية العام نقطة محددة واضحة –ولا يختلف اثنان - للبداية الصادقة والتغيير الجاد .
ولسنا دعاة تسويف ولا تأجيل ..ولكن نقطة التغيير وافقت زمناً محدداً فلماذا لا نستغل الموقف ؟
وجدير بنا أن نشير إلى أننا عندما نتكلم عن التغيير فإننا بذلك لا نعني فقط الانتقال من واقع سيء إلى واقع ممتاز ، وإنما يمكن للتغيير أن يكون انتقالاً من واقع حسن إلى واقع أحسن منه ، وفي هذه الحالة يحق لنا أن نستخدم مصطلحاً آخر ألا وهو التطوير.
وعند حديثنا عن الأسرة وما يتعلق بها فإننا نجد أن هناك ثمة أشياء تحتاج إلى تغيير أو تطوير أو إعادة نظر ، وليس عيباً .
فالسنة الجديدة فرصة مواتية لتطور الأسرة نفسها من خلال تنظيم برنامج عملي يبدأ ببداية السنة وينتهي بنهايتها.ومن البرامج العملية السنوية التي يمكن للأسرة أن تبدأها مع بداية العام الجديد برنامج حفظ لكتاب الله عز وجل ، فتكون بداية الحفظ مع بداية العام ، وتوضع الخطة على أن يُختم كتاب الله حفظاً مع نهاية العام ، وكم من أسرة جادة خططت فنجحت ..وقررت فحفظت خلال عام واحد .
وقس على برنامج حفظ القرآن برامج أخرى سنوية يمكن للأسرة أن تنظمها وأن تقوم بها.
وأيضاً ، السنة الجديدة فرصة لمراجعة العلاقات بين أفراد الأسرة ، بين الزوج وزوجته ، والأب وأبنائه ، والأم وبناتها ، وبين الأبناء فيما بينهم.
فما من فرد معصوم عن الخطأ ، وأخطاء التعامل واردة ولاشك داخل محيط الأسرة ، ولكن الحاذق الكيّس من راجع أخطاءه مع أفراد أسرته فاستفاد منها ، وغيّر ما يحتاج إلى تغيير ، واعتذر عما سلف ومضى ، وانطلق محلقاً بجناحين جديدين في سماء السنة الجديدة .
وكذلك ، فإن السنة الجديدة فرصة لتغيير بعض العادات السيئة التي تعاني منها الأسرة ، خذ على سبيل المثال عدم تنظيم أوقات النوم ، تغيّر مواعيد وجبات الأكل وعدم الثبات على مواعيد معينة ، مشكلات التلفزيون والإنترنت وعدم ضبط الوقت فيها،وغير ذلك.
والسنة الجديدة أيضاً فرصة لمراجعة العلاقات مع الخالق -جل وعز- ، فأداء الصلوات في أوقاتها ومع الجماعة بالنسبة للرجل، والصوم والصدقة والذكر والنوافل والعبادات بشكل عام مجال خصب لمحاسبة النفس والخوض في أحوالها. فإن كانت الأحوال لا تسر ،فها هي نقطة الانطلاقة قد حانت.
وإن كانت الأحوال على خير ،فالتطوير مطلب، والانتقال إلى حال أفضل له أثره في الدنيا قبل الآخرة .
أخي القارئ ..أختي القارئة..
أنت وحدك تعلم ما هي الأشياء التي يمكن أن تغير أو تطور داخل أسرتك ،ولذلك فأنت الوحيد القادر على تحديدها ومن ثم التعامل معها، ولو جلسنا لنعدد ما يمكننا تغييره أو تطويره داخل الأسرة لطال بنا المقام ..وطلع علينا الصباح!!
ولذلك فإني أفسح الطريق لك ، وألقي ببقية من حمل على كاهلك لاستكشاف مواضع الخلل لتسدها ، ومواطن العيب لتصلحها ، ومظان النقص لتكملها.
فانطلق محفوظاً برعاية الله ..
وأخيراً ..
فن اتخاذ القرارت فن لا يجيده كل من ادعاه ،وقرارات التغيير والتطوير -خاصة داخل محيط الأسرة - قرارات ينبغي لها أن تكون جادة صادقة محكمة الصياغة معروفة الهدف.
والمضي قدماً في الثبات على القرار كفيل - بإذن الله- بتحقيق المطلوب.
نسأل الله التوفيق في السنة الجديدة وفي كل سنة ،،
نسيت أن أقول لكم: إن السنة الجديدة أيضاً فرصة لمعرفة ما إذا كنا أصحاب قرارت جادة في التغيير والتطوير أم لا !
ـــــــــــــــــــ(100/174)
صانع الحضارة
د.رقية المحارب 11/9/1423
26/11/2001
حسن الظن بالناس من أهم صفات صانع الحضارة، ذلك الذي يصغي له الناس، ويجدون في تصرفاته مثلاً حياً لقيم ومبادئ لطالما قرأوا تمجيداً لها وسمعوا حثاً للتخلق بها. صانع الحضارة هو ذلك الذي تتمثل في أقواله وأعماله مقومات التميز والإبداع، وتصور معي لو أن كل إنسان يعيش على هذه الأرض حاول التمثل بهذه المبادئ كيف سيكون حال العالم؟ بل كيف سيكون طعم الحياة؟ لا شك سيكون عالماً خالياً من الحروب والقلق والظلم والفقر والقهر والجوع، وستكون حياة مليئة بمعالي الأمور، لأن قيم العدالة والتعاون والتكافل والرحمة والتواضع والأمانة وحسن المعاملة وحسن العشرة وحسن الظن وغيرها من منظومة طويلة من هذه الأخلاقيات سوف تكون أنهار عطاء يجد فيها المجتمع سبباً لحياته ومدداً لسعادته.
أعود لحسن الظن بالناس كواحد من هذه القيم الذي أود أن تسود بيننا، فنعيش وقلوبنا نقية تجاه من نجاورهم ونصاحبهم أو من تربطنا بيننا وبينهم روابط القربى. أسمع أحياناً كلمات باعثها حب الخير ولكنها متسرعة في تقديم الشك على اليقين، ومتخذة منهجاً دائماً في اتهام الناس أحياناً بلا بينة واضحة. ليس المقصود هو أن نعيش كالدراويش أو أن ننخدع بحلو الكلام أو أن نبرئ من ثبت انحرافه ولكن الهدف هو أن نقدم حسن الظن بالناس ونعاملهم على ظاهرهم إلا من ظهر فسقه أو أعلن فجوره فهنا نتعبد الله بالبراءة من تصرفه وأيضاً وفق منهج وسط لا إفراط فيه ولا تفريط كما هو منهج العلماء الربانيين، فلا نساوي بين من ظاهره العادلة ومن هو غير ذلك. قد أختلف معك في مسألة معينة ولكن هذا الاختلاف يجب أن يكون في إطاره ولا ينتهي إلى أن تخالفني في كل شئ كما هو الحال عند البعض. ومهما اختلفت معك في مسألة اجتهادية فإن حسن الظن يجب أن يكون حاضراً دائماً سلامةً للقلب وحمايةً للسان من الشطط.
وفي مجتمع النساء تبرز الحاجة ماسة إلى حسن الظن، فالزوجة ينبغي أن تحسن الظن بزوجها باعثة أجواء الثقة في بيتها والرجل كذلك، كما تحسن المرأة الظن بجارتها وزميلتها في العمل والدراسة، بل إن حسن الظن بين المصلحات في المجتمع لهو أشد حاجة لما في ذلك من جمع كلمتهن وقوة صفهن. ولا بد من وقوع الأخطاء بين الزميلات من تصرف متسرع أو كلمات غير مقصودة أو غير ذلك ولكن شيوع الثقة بين أفراد المجتمع من أهم أسباب تماسكه وقلة المنكرات والأخطاء فيه.
أظن أننا بحاجة ماسة إلى تعلم فقه الظن والتأمل في أحكامه ومعرفة متى نحسن الظن ومتى يكون سوء الظن هو المتعين، ومتى يكون حسن الظن واجباً، وأعتقد أننا بحاجة إلى فهم أن سوء الظن أحياناً يوقع في الإثم فلينتبه من همه صلاح قلبه
ـــــــــــــــــــ(100/175)
المرأة والشهر الفضيل
د. رقية المحارب 5/9/1423
20/11/2001
ما أسعدها من لحظات تلك التي ترى فيها جموع المصلين والمصليات يدخلون المساجد لأداء صلاة التراويح أو القيام في شهر رمضان المبارك.إنه منظر يثير لمن تأمله وتفكر فيه معاني إيمانية سامية، ويحلق به في أجواء من حلاوة العبادة والثقة والتفاؤل بالمستقبل. هؤلاء الشباب والشابات أتوا إلى مكان واحد وتوحدوا خلف إمام واحد ويؤمنون على دعاء واحد..إن أي تجمع لا يمكن أبداً أن يكون له هذا الوهج الإيماني، وهذا الإيحاء الروحاني..
نبتهج ونحن نرى المعلمة والطالبة وأستاذة الجامعة والأميرة يسعين إلى المساجد مبكرات، حاملات مصاحفهن، يمضين نهارهن في ذكر ودعاء وتضرع، وهاهن يمضين ليلهن في صلاة وقراءة للقرآن، وحضور لمجالس الذكر، في شيء يربي الإيمان ويزيده، تمضي المرأة شهرها في دعاء لربها أن يتولاها بحفظه، وأن يرحمها ويعينها على الاستقامة على دينه. كما أنها لا تنسى أن يكون لإخوانها المسلمين في أنحاء الأرض نصيب من تفكيرها ودعائها ، فرابطة العقيدة لا تزال حيةً في فؤادها.
إن المرأة في هذا الشهر المليء بالبركات ترد بحالها على من يريد جعل هذا الشهر موسماً للخمول، أو وقتاً لغزو الأسواق، أو تضييعاً للأوقات في برامج تسطح الفكر، وتميت الغيرة. كما أنها تدرك أن الموسم الذي تعيش فيه يأتي في وقت كثرة الفتن والصوارف، وقلة المعين على الخير فتأخذ من آيات القرآن زاداً يعينها على مواصلة المسيرة الدعوية والإيمانية المباركة بكل طمأنينة وثقة في دينها. وكأني بأختي المؤمنة في كل مكان وهي تستمع لمواقف المؤمنين والمؤمنات في القرآن فتتأثر بهذه النفوس الكبيرة وتعاهد نفسها أن تكون من ذلك الركب المجاهد.
هي تعلم أن هذ الشهر المبارك يجمع قربات كثيرة ظاهرة وباطنة، فتجتهد في أن تظفر بما تستطيع فتصلي وتتصدق وتصل الرحم وتقرأ القرآن، كما تعتني بقلبها فتتوكل على الله وترجوه وتنيب إليه وتوقن بنصره وتتضرع إليه - تعالى - فتزداد محبتها وأنسها بشهرها، وترجو أن تكون السنة كلها رمضان.
وإن من الأوقات التي أوصي أخواتي باستغلالها فترة ما بعد الفجر في حفظ للقرآن، وما بعد الظهر في الالتقاء ببعض أخواتها في الله من جاراتها لتدارس بعض آيات من كتاب الله وللتواصي على الخير.
إننا - ونحن نستقبل رمضان - لا ننسى الدعاء لعلمائنا الذين توفاهم الله هذه السنة فنسأل الله - عز وجل - أن يجعل قبورهم روضاَت من رياض الجنة، وأن يتغمدهم بواسع رحمته، ويرزقهم الفردوس الأعلى ويجمعنا بهم في مستقر رحمته ووالدينا وجميع المسلمين.
ـــــــــــــــــــ(100/176)
رمضان في طفولتي !
الشيخ : علي الطنطاوي رحمه الله 4/9/1423
19/11/2001
هذا المقال – في الأصل – حديث إذاعي ، ألقاه الأديب الفقيه الشيخ علي الطنطاوي – رحمه الله - من إذاعة دمشق قبل أكثر من اثنين وأربعين عاماً ... ويقارن فيه شهر الصوم الذي عرفه في طفولته ، وشهر الصوم عام 1377هـ (1975) عندما أذيع حديثُه .
هذا الحديث عن رمضان ، وفي رمضان النور والعطر ، وفي رمضان الخير والطهر ، وفي رمضان الذكريات الكثر ، ففيه نزل الذكر ، وفيه ليلة القدر ، وكان فيه نصر بدر ، وفي آخره عيد الفطر .
ورمضان نور على المآذن ونور في القلوب ، ورمضان صوم عن الطعام ، وصوم عن الحرام .
إن كانت الحياة تنازعا على الحياة ، فهذا الشهر إدراك لسر الحياة ، وإن كان العمر كله للجسم ، فهذا الشهر للروح ، وإن كانت الدنيا للتناحر والخصام ، فهذا الشهر للحب والوئام .
هذا هو رمضان الذي أبصرت وجهه من كوة الطفولية فأحببته ، ورأيت أثره الخير في كل مكان في دمشق , فأكبرته ، ثم لم أعد أراه أبداً , فعلمت أني قد افتقدته واضعته .
عن رمضان الذي عرفته لم يعد يتردد على دمشق . إن هذا رمضان جديد ، يحمل اسم رمضان الأول ، الذي رأيته أول مرة منذ أكثر من أربعين سنة ، ولكنه ليس ذلك ال ( رمضان )
رمضان القديم كان يغمر أرجاء دمشق كلها , فكنت تحس به حيثما سرت . تراه في المساجد الممتلئة بالمصلين والقارئين ، والملتحقين حول كراسي المدرسين , وتراه في الأسواق ، فلا تجد عورة بادية ، ولا منكرا ظاهرا ، ولا مطعماً مفتوحاً ، ولا مدخناً ولا شارباً ، وتشتري البضاعة وأنت آمن من الغش والغبن ؛ لأن أفسق البائعين لا يغش في رمضان ، والمرأة تعمل مطمئنة إلى أنها مهمتا أخطأت فلن تسمع من زوجها كلمة ملام ، لأن المسلم الصائم لا يشتم , ولا يلوم في رمضان ، والرجل يجيء إلى بيته وهو آمن أن يجد من زوجه نكداً أو إساءة ، لأن المرأة الصائمة لا تؤذي زوجها في رمضان ، ولو تركت بابك مفتوحاً لما دخل المنزل لص ، لأن اللصوص يضربون عن العمل ويتوبون عن السرقة في رمضان .
أما رمضان الجديد ، فلا تعرفه هذه الشوارع الجديدة والأحياء الحديثة ، ولم يعرف ـ بعدُ ـ الطريق إليها ، ودمشق القديمة لم يعد يستطيع أن يسيطر عليها ، فالمساجد مملوءة بالمفطرين ، والصائمون تسوء أخلاقهم في رمضان من الجوع وشهوة الدخان ، والشياطين تُصفد في رمضان , لكن الفساق ينطلقون عاملين فيه كما كانوا يعملون قبل رمضان .
ولقد كان أشد الناس بعداً عن الدين إذا سمع مدافع رمضان تاب وأناب إلى الله ، ونزع نفسه الآثمة واستبدل بها نفساً زكية متعبدة ، كما ينزع ثوبه الوسخ ويستبدل به ثوبا نظيفا ، والبيوت التي كان يسودها الخصام تتحول في رمضان إلى دور أمن وسلام والمدينة تصير كلها أسرة واحدة ، أو مدرسة داخلية يأكل الناس فيها في وقت واحد ، وينامون في وقت واحد ، ويقومون في وقت واحد .
إذا دنت ساعة الغروب رأيت الناس ـ جميعاً ـ مسرعين إلى بيوتهم ، وهذا يحمل صحن الفول المدمس ، وهذا يحمل الجرادق ، والبرازق ، وتكون المائدة منصوبة حتى إن أفقر الناس يجد في رمضان فطوراً شهياً ، لأن كل صائم في رمضان يتفقد جيرانه ومن حوله ، فلا يأكل هو الطعم الطيب، والألوان الكثيرة ، وجاره لا يجد الخبز والجبن .
وتصطف الأسرة كلها حول المائدة ، يجمعها شعور واحد ، شعور يجمع الغني والفقير ، والأمير والأجير ، هو الجوع ، أغنى الناس يشتهي قبل المغرب ملعقة من حساء أو رشفة من شراب . والأولاد يقفون على الشرفات ، أو على جوانب الطرق ، فإذا رأوا مصباح المنارة ، أو سمعوا المدفع ، صاحوا بنغمة موزونة ولحن موقع : أذّن . أذّن . أذّن . وطاروا إلى بيوتهم كما تطير العصافير إلى أعشاشها إذا رأت طلائع الليل ، وتخلو الطرق ، وتهدف الأصوات ثم ترتفع من كل مكان ، من الكوخ ومن القصر على السواء ، كلمة : الحمد لله ، كلهم شبع ، وكلهم رضي ، وكلهم شكر ، الذي أكل السبعة الألوان والذي أكل الخبز والمسبحة والفول .
ثم يمضي الرجال إلى المساجد ؛ ليصلوا التراويح ، أو يصبّوها مع أهليهم وأولادهم ، وتكون الأسواق مضاءة ، والأولاد مزدحمين فيها ، على بائع المثلجات إن كان الوقت صيفاً أو بائع الفول النابت . ومن أراد لهوا لم يجد إلا الحكواتي يقص قصة عنتر - وكلها بطولة ونبل - ، لا كهذه القصص الآثمة الداعرة التي تغضب الكلاب ولو وصفت مجتمعاتها بمثل ما وصف به المجتمع الأمريكي في قصة "الطريق التبغ " التي طبعت من سنين قليلة عشرين مرة ، وبيع ملايين ، أو الكراكوزاتي ..
فإذا مضت ساعة بعد صلاة العشاء ، انطفأت الأضواء ، وخلت الأسواق وانصرف الناس إلى دورهم ليناموا ، والمسحر لا يجيء إلا في وقت السحور ، لا يجيء نصف الليل ، ليوقظك من نومك ، ويقرع بطبلته رأسك ، كما يفعل الآن ، وأنت مجبر أن تقول له أشكرك ، وتدفع له أجرته على أنه كسر دماغك وحطم أعصابك ، ولم تكن هذه الإذاعات التي لا تسكت لحظة في رمضان ، ولا كانت في البيوت هذه الأجهزة الشنيعة ، مصيبة المصائب الراد ( الراديو لأنه يرد الصوت المنتشر في الفضاء ) الذي تستطيع كل امرأة جاهل ، وكل ولد لعاب أن يزعج به مئة بيت ، ولا يكلفه ذلك إلا أن يمد أصبعه وهو نائم فيدير زره أنملة ( سانتي متر ) فيدخل الداء العصبي على كل ما سكن هذه البيوت ، ويهرب رمضان المسكين بتأمله وخشوعه وطهره .
إن رمضان لا يستطيع أن يعيش إلا في الهدوء والسكون ، فكيف يعيش في هذه الضجة الهائلة ، وكيف يتوجه إلى ربه ؟ وكيف ينام ليقوم إلى السحور ، إذا كان كل صاحب رادّ لا يسمع وحده بل يسمع أربعين جاراً ، وكانت الأصوات لا تنقطع طول الليل ، والمسحر يجيء من الساعة الواحدة ، وهؤلاء الموسيقيون الفاشلون الذين عجزوا عن أن يكون رجال فن، فأسبغوا على غنائهم ثوب الدين ، والدين يبرأ منهم وتغزلوا بالرسول r بدلا من التغزل بليلى وسلمى، والبياعون يأتون من طلوع الشمس ، مصلح البوابير ، ويباع الحليب ( واللي عنده سجاد للبيع) والأولاد الذين يتخذون الحارات والجادات ملاعب للكرة .
وكيف يشعر بوجود رمضان من يركب الترام فيرى أمامه من يدخن وينفخ في وجهه الدخان ، ويرى المطاعم مفتحة والأكلة يأكلون ، ويرى الناس إن صاموا عن الشراب وعن الطعام ، لا يصوم إلا القليل منهم عن الكذب والغش والغيبة والبذاءة والحلف بغير الله ، أو الحلف كاذبا بالله ، ولا يصوم إلا القليل عن الغضب والبطش والأذى . وليس الصيام ـ في الحقيقة ـ إلا تدريب خلقي ، ليس الصوم جوعا وعطشا فقط ، خلق الله ملائكة ، وخلق شياطين وخلق وحوشا وسباعاً. فالملك خير كله ، والشيطان شر كله ، والسبع طبيعته البطش ، لولاه ما عاش ، وخلق الإنسان من الثلاثة جميعاً ، ففي الإنسان ملك وشيطان وسبع ، الملك له الإيمان والرحمة والطاعة والخشوع والسمو النفسي ، والشيطان له الشهوة المحرمة والكذب والاحتيال والإفساد ، والسبع له الغضب والبطش والقهر . والصيام في الحقيقة صيام عن السبعية والشيطانية ؛ لتخلص النفس في هذا الشهر للملكية . فإذا لم تظهر على الصائم أخلاق الملائكة ، وإذا بقي يغضب ويبطش كالسبع ، ويشتهي ويفسد كالشيطان ، فإنه لم يعرف حقيقة الصيام .
لقد كان رمضان الذي يجيء دمشق من أربعين سنة رمضان حقيقيا ، وما أدري أمات وجاء غيره ، أم قد شاخ وعجز أن يطوف دمشق كلها فصار يثبت وجوده في المفكرة والتقويم وفي أضواء المآذن ومدافع القلعة فقط ، فقط لا غير ، أم أنا الذي تغير وتبدل ؟ كنت أنظر قبل أربعين سنة بعين صبي لم يقترف إثماً . فكنت أرى رمضان ، فلما أثقلت الآثام أجفاني لم أعد أراه !
وكان أهل دمشق في مثل طهارة الأطفال ، لم تشوه أصباغ الحضارة طبيعة الحسن في نفوسهم ، ولم تفسد الشبه والعصبيات جمال الأخوة بين أفرادهم ، ولم تكن قد هتكت أستار الصيانة ، ولا مزقت براقع الحياء ، كانت المرأة لزوجها وولدها وربها ، والرجل لزوجته وولده وربه ، فكانوا يرون رمضان كلهم. يرون هلاله في الأفق ، ونوره في القلوب ،وأثره في البيوت والأسواق والمدارس والمساجد ، يشعرون ـ حقا ـ أن قافلة العمر كانت تمشي بهم في صحراء مجدبة ، فإذا كان رمضان مشت في الواحة التي تعقب بريّا الأزاهير وترقص على أنغام الشحارير ، فيكون من ذلك أنس للنفس وراحة للروح .
فأين ذلك الرمضان ؟ أين هو ؟ دلوني عليه دلوني عليه أجد فيه ماضي الذي فقدته ، وأُنسي الذي أضعته . رمضان الذي يتوب فيه كل عاصٍ ، ويتصل فيه كل منقطع ، ويشهد فيه كل محجوب ، وتسطع فيه الأنوار في كل قلب ، حتى لتمتلئ بالرضا والاطمئنان والحب ، ويقوم الناس في الأسحار ساعة يتجلى الله على الوجود تجلي الرحمة والغفران وينادي المنادي من السماء : ألا من سائل فأعطيه ألا من مستغفر فأغفره ، فيهتفون من أعماق قلوبهم : يا أرحم الراحمين ، ويسألون الله ويستغفرونه ، فيحسون أن قد صعدوا بأرواحهم إلى حيث يرون الأرض كلها ومن عليها ذرة تجول في هذا الفضاء . الدنيا كلها بأطماعها وأحقادها ومغرياتها ، ويتذوقون اعظم اللذات ، اللذة التي لا تقاربها لذة ، لذة الاتصال بالله ، ومناجاته في سكنات الليل ، وهدآت الأسحار , فتسطع أنوار الإيمان في كل قلب ويمتلئ بالرضا والاطمئنان والحب ، والقلب كالنسر الذي يضرب بجناحه في طباق السماء ولكنا قيدناه بقيود المادة ، ثم أغرقناه في حمأة المطامع والشهوات . فكيف يطير نسر مقيد الجناح غارق في الطين ؟
هذا هو رمضان .؟.. فحلوا القيود عن قلوبكم واغسلوها من أوضار الحمأة التي غمستموها فيها ، ودعوها ترتفع لتطلّع على جمال الوجود ، وترى من هذا المرقب العالي جمال رمضان .
ـــــــــــــــــــ(100/177)
هل أنت زوجة مثالية ؟!
د . يحيى اليحيى 28/8/1423
13/11/2001
يلاحظ أن الإنسان كلما كان أفقه واسعاً ونظرته بعيدة ، وتفكيره ناضجا لم ينظر إلى المرأة من جهة واحدة أو - كما يقال - من بعد واحد ، وإنما ينظر إليها نظرة تكاملية من جميع الزوايا ، وفي ذلك سبب للتآلف والتقارب والود والرحمة والصفح والعفو ، روى مسلم عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلي الله عليه وسلم :"لا يفرك مؤمن مؤمنة إن كره منها خلقا رضي منها آخر أو قال غيره ".
من مظاهرة المرأة المثالية :
تظهر المرأة بوضوح وتكامل في هذا النص العظيم :
روى الإمام أحمد عن أبي هريرة عن النبي صلي الله عليه وسلم قال : سئل النبي صلي الله عليه وسلم أي النساء خير ؟ قال : " التي تسره إذا نظر إليها وتعطيه إذا أمر ، ولا تخالفه فيما يكره في نفسها ولا في ماله ".
روى البخاري ومسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلي الله عليه وسلم قال : " خير نساء ركبن الإبل صالح نساء قريش ، أحناه على ولد في صغره ، وأرعاه على زوج في ذات يده ".
ففي هذين الحديثين يبرر لنا تكاملية المرأة المثالية وتوازن شخصيتها :
1- فهي تسرّه إذا نظر ، وهذا بمعنى العناية في الجمال وحسن المظهر ، وهذه أشياء مستلزمة لكل إنسان وهي فطرة .
2- وتعطيه إذا أمر : فهي موافقة للرجل وتوافقها معه في جميع أحواله ، فملائمة المرأة للرجل وانسجامها معه ومعرفتها بطبع زوجها وتكيفها له من أقوى أسباب السعادة الزوجية وهو أبرز جوانب المرأة المثالية .
3- بعدها عن مواطن الريب ومواضع التهم أمان لقلب زوجها وبعد للشك فيها ، وحماية لها من القلوب المريضة وهذا أصل أركان المرأة المثالية ، فلا تخلو برجل غير محرم لها ، ولا تخضع له بالقول ، ولا تطيل معه الحديث .
4- ليست مسرفة في طعامها وشرابها ولباسها ، وليست متكلفة لزوجها ما لا يطيق ، وليست تقليدية تابعة في مؤخرة الركب همها : ماذا لبست فلانة واشترت علانة ، بل تعد نفسها راعية ومحافظة على مال زوجها .
5- تضفي حنانها على أولادها ؛ فتكسب البيت كله حنانا ، فليست شتامة لأولادها ولا غليظة همّها الدعاء عليهم ، ولا مضيعة لتربيتهم لا تترك أولادها للخدم أو الشارع مقابل أن ترتاح من شغبهم وأذاهم ، فهي راعية في البيت وحق على الراعي العناية برعيته : " والمرأة راعية في بيت زوجها ومسؤولة عن رعيتها ، وقد جعل الإسلام مقابل أتعابها ورعايتها ثلاثة حقوق على الأبناء ، بينما فاز الأب بنصيب واحد .
ومن صفات المرأة المثالية - أيضا - :
6- ليست أنّانة ومتمارضة ، فلا تكثر الشكوى ولا تتمارض من كل عارض أو وعكة خفيفة ، فالزوج لا يرغب أن يعيش في مستشفى ، ويتطلع عند رجوعه من البيت إلى امرأة تزيد من همه وغمه .
7- ليست منّانة تذكر كل حسناتها وما فعلته وتجير بعض مصالحها وأعمالها الشخصية بأنها من أجل زوجها ، فإن صنعت تريده قالت : من أجلك فعلته .
8- بعيدة عن الروتين والجمود على حال واحدة : عن تغيير الروتين في المنزل من أسباب تقنية الأجواء وتحسينها ، سواء كان ذلك في أثاث المنزل أو في اللباس ، أو العادات في الأكل والشرب ، فهي امرأة متجددة دائما .
9- ليس للفراغ إليها سبيل ، فلا تعيش في كوكبة من الخدم ، بل تقوم بأعمال بيتها بنفسها ، وأين الفراغ لمثل هذه وكيف سبيله إليها ؟ إذ إن الفراغ والكسل من أكبر أسباب الركود في العلاقات الزوجية ، ومن دواعي الشيطان في التذكير بالحقوق المضاعة وتضخيمها .
10- تتمثل – عملياً - قول ابن عمر : "البر شيء هيّن وجهٌ طليق وكلامٌ ليّن " ، فهي بشوشة ، طليقة الوجه ، حلوة الخطاب والحديث ، لا يعرف التعبيس له طرقا إليها ، ولا الخشونة سبيل عليها .
11- يقال في الحكمة : "وراء كل رجل عظيم امرأة " ، إن المرأة المثالية هي التي تجدد حياة زوجها وتبعث الهمة والثقة والطمأنينة في قلبه ، وتحثه على الإقدام على الخير وترغبه فيه وتقف بجانبه ، كما قال خديثة - رضي الله عنه - لرسول الله e " كلا ، لا يخزيك الله أبدا " .
12- كلما حقق هدفا تفتح له أفاقا أخرى وهدفا آخر ليرتقي في تحقيقه ، وتقف بجانبه حتى يتحقق هدفه ، وتبث فيه روح الحماسة والأمل ، كما وقفت خديجة - رضي الله عنها - ، ووقفت زوجات المهاجرين إلى أرض الحبشة .
ومن البلاء تباين الأهداف والهمم فيما بين الرجلل والمرأة ، فبينما أحدهما ذوهمة رفيعة عالية إذا بالآخر همته دنيئة ساقطة همة في الثرى وهمة في الثريا .
13- تتفهم الرجل وتحاول التكيف معه ، وتحسن الاستماع إليه ، فهي تدرك بأنه لا يمكن التوافق والتماثل في جميع الصفات بين أي رجل وامرأة ، فلابد من التنازل وتخطي العقبات وتجاوز الهنّات وعدم المحاسبة على الصغير والقطمير.
فهي مرنة مع زوجها داخل في حسابها جميع الطوارئ مستعدة للتكيف معها ، فإن نقل إلى مكان انتقلت معه ، وإن لم يستطع البقاء في منزل ارتحلت معه ، غير متشبثة ببلد ، ولا متمسكة بمكان .
تقول إحدى النساء الغربيات التي دأبت على الترحال مع زوجها : " تعلمت أن أحتمل وأقدر ما يفعله أناس يختلفون عني مشارب وتفكيرا ، وتعلمت أن أتغاضى عن المنغصات اليومية التي بدت تافهة بالقياس إلى الحاجات الأساسية التي ظننت أنني افتقدتها ، وتعلمت أن البيت السعيد لا يقوم على أثاث منسق ، وأدوات مرصوصة وإنما البيت السعيد هو وليد الحب ، والفهم ، والدفء ، والقدرة على استخلاص أقصى المتعة من كل موقف طارئ وأكثر من هذا أنني خرجت بعقيدة ثابتة هي أن السعادة والنجاح لا دخل لهما بارتفاع مستوى المعيشة وتوفر الرفاهية ".
14- كتومة لا تفشي له سرًّا ، حديثها مع زوجها لا يتعدى حيطان حجرتها ، تستصغر أولئك النسوة اللاتي حديث زوجها عند كل الناس في العطاء والمنع ، والفرح والحزن ، وهذا من أقبح الصفات .
تنحي فاجلسي مني بعيدا ... ...
أراح الله منك العالمينا
أغربالا إذا استودعت سرا ... ...
وكانونا على المتحدثينا
حياتك-ما علمت–حياة سوء ... ...
وموتك قد يسر الصالحينا
ـــــــــــــــــــ(100/178)
الحساسية الاجتماعية
الدكتورة رقية المحارب 28/8/1423
13/11/2001
هناك من يقول :إن الحساسية الاجتماعية من بعض الأمور هي السبب وراء تأخرنا وهي الشيء الذي يعوق تقدمنا الحضاري. وعند التعمق في المقصود بهذه الحساسية الاجتماعية وما هي هذه الأمور لا نجد تصريحاً بها , وكأن هناك تخوفاً من المجاهرة بها ؛ لأنها – فعلاً - تتنافى ليس مع حساسية اجتماعية ساذجة , وإنما مع مسائل شرعية واضحة. وتبرز مسألة المرأة ثرية بالأمثلة في هذا الموضوع خاصة، فرفض الاختلاط , وانتقاد التبرج , والتأكيد على البعد عن الفتنة وعدم التبسط في الكلام مع الأجانب , ومصافحة الرجال للنساء كل هذا يعد - عند بعض الناس - حساسية اجتماعية مبالغ فيها!!
ليس عيباً أن يكون ثمة حساسية اجتماعية ضد المخالفات الشرعية، بل إن المشكلة أن تزول النفرة مما يخالف المقاصد الشرعية. وليس تقدماً في المجتمعات أن يداس على المبادئ والقيم والأخلاق الرفيعة , كما أنه ليس تأخراً حماية الهوية , وتأكيد الخصوصية في جانبها الشرعي الصحيح. هناك من يدعو إلى ترك الكلام عن الخصوصية-خصوصية البلد وخصوصية المجتمع- بحجة أن هذا لا يناسب عصرنا الذي انفتحت فيه الثقافات على بعضها , وحان وقت التعايش الذي يضع المجتمع نفسه على قدر المساواة مع الآخرين. وهنا خلط واضح؛ فإذا كان المقصود مجرد ذكريات أدبية , أو تغنّ بتراب , أو حماية لعادات وتقاليد لا تتفق مع مراد الله - عز وجل - وسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم - بل ربما تتعارض معها , فقد يقبل أن توضع على قدم المساواة. وإن كان الهدف هو التخلي عن قيم شرعية ومبادئ إيمانية , ووضعها بالتساوي مع تيارات منحرفة فهذا لا يقول به إلا فئة معروف انتماؤها ومكشوفة راياتها.
هناك - فعلاً - طائفة تخجل من انتمائها أمام الآخرين , وتود لو أنها ولدت بعينين زرقاوين وشعر أشقر لكن هذه مشكلتها هي وليست مشكلة المجتمع، وكان أن قامت بصبغ أفكارها باللون الأشقر ؛ امتثالاً لقول القائل: فليسعد القول إن لم يسعد الحال!
إن تربية روح الاعتزاز بالدين أمر ينبغي أن نتبنّاه جميعاً في أحاديثنا مع أولادنا من حين لآخر، وبدلاً من سرد حكايات قبل النوم للأطفال لا تخدم أهدافاً تربوية فإن زرع هذه المفاهيم التي من أبرزها : التعريف بالانتماء الحقيقي , والاعتزاز بالهوية واللغة أمر مهم، ولا نمل من تكرار هذه المفاهيم وغيرها بمختلف الوسائل واغتنام الفرص المتاحة
ـــــــــــــــــــ(100/179)
البناء الإيماني
الدكتورة / رقية المحارب 24/8/1423
09/11/2001
الضغوط النفسية في ازدياد لدينا وهذا أمر يحتاج منا إلى معالجة سريعة قبل أن يستفحل الأمر. نحتاج أن نعرف أولاً نسبة هذه الضغوط ومدى انتشارها، وما هي أبرز المسببات وكيف نستطيع وضع الحلول الكفيلة بالقضاء عليها. في أمريكا يصرف أكثر من مئة وخمسين بليون دولار على المصابين بالضغوط النفسية من اكتئاب , إلى قلق , إلى شعور بالتعاسة , إلى خوف غير طبيعي , إلى غير ذلك، وهناك يعاني أكثر من 80% من البالغين من تعرضهم إلى الضغوط بشكل أسبوعي. وكنتيجة لهذا الانتشار المفزع لهذه الضغوط نشأت مئات المراكز الإرشادية والعيادات المتخصصة والمجلات التي تهتم فقط بهذا الموضوع , كما صدرت مئات الكتب والأفلام، ومع كل هذا تأتي الأرقام لتثبت أن النسب في تصاعد , وأن حالات الانتحار وصلت إلى معدلات مخيفة.
ويبدو أن السبب في فشل جهودهم هو عدم معرفتهم بطبيعة النفس الإنسانية الشديدة التعقيد، ووقوعهم في مشكلة التجارب. ولا يستطيع منصف أن ينكر أن هناك وسائل جيدة ابتكرها الغرب ساهمت في علاج بعض المشكلات، ولكنها تظل وسائل تفتقر إلى شمولية في النظر إلى المشكلة النفسية. فهناك يتم التعامل مع من يعاني من الضغوط النفسية على أنه منفصل تماماً عن المجتمع الذي يعيش فيه، ولذا فإن الحلول الموضوعة لا يمكن أن تنجح إلا إذا تجاوب المجتمع بكل مؤسساته ليوفر بيئةً لا يكون فيها مكان لمن يريد تحقيق مصلحة فردية على حساب مصلحة المجتمع. وهذا بطبيعة الحال يعد مستحيلاً لأن مبدأ الحرية الشخصية الذي ينتهجه الغرب يتصادم مع هذا المطلب. فهل من المعقول أن يتخلى المجتمع الأمريكي عن نظرته إلى ثقافة العنف والجنس ومؤسساتهما؟ أم هل يستطيع أن يكبح جماح الحركات النسوية المتطرفة التي جلبت الشقاء للمرأة الأمريكية؟ أم هل يستطيع أن يعيد التوازن للأسرة الأمريكية بعد أن أصبحت المرأة رجلاً ووقعت ضحية ازدواج وظيفي تسبب في حصول الضغوط النفسية باعتراف كثير من النساء الغربيات؟
وأعود إلى موضوع الضغوط النفسية لدينا فأقول: إنه متى كان المجتمع بكل فئاته ومؤسساته منسجماً مع مبادئ صحيحة فإن هذا دليل على أن الأفراد يعيشون حياة نفسية بعيدة عن الضغوط، وعندما يكون هناك مبادئ صحيحة في الظاهر ويأتي من يحرض على انتهاكها وعدم احترامها كأن تحرض البنت على التمرد على أبويها ومجتمعها بحجة أنها مكبوتة أو أن نقول لها إن الحرية يجب أن تمنح بلا حدود فهذا مما يسبب الضغوط التي تعاني منها بعض الأسر..إنني أعتقد أن إحدى أهم الخطوات لعلاج هذه الظاهرة-أعني انتشار المشكلات النفسية- تكثيف منابر التوعية والتحصين والتوجيه الاجتماعية والنفسية والإيمانية التي توجه النداء للمربين والآباء والأمهات بضرورة العناية بأولادهم ومتابعة حياتهم وتشجيعهم على التعبير عن مشكلاتهم، وتوثيق صلتهم بالعلم الشرعي والأعمال الصالحة التي تثري القلب وتشرح الصدر. وأتمنى أن يكون في كل حي مركز يقوم بهذه المهام يتولاه بعض المتخصصين مع إمام المسجد وبعض الدعاة ويتم استخدام أفكار مبتكرة جديدة تجذب الشباب وتشعرهم بأهميتهم في المجتمع بدلاً من تركهم نهباً لبعض القنوات والمقاهي التي تزيد من معاناتهم النفسية وتجلب على أسرهم كثيراً من المتاعب والشقاء، وفي الوقت ذاته توفر هذه المراكز بديلاً صحياً يجدون فيه إلى جانب الكلمة الطيبة والعلم النافع الترفيه المعقول المنضبط.
إن موضوع الضغوط النفسية جدير بأن يحظى بعناية المختصين وأن يحاولوا إعداد الدراسات ووضع الحلول العملية قبل أن تحصل مضاعفات لا تحمد عقباها
ـــــــــــــــــــ(100/180)
بعض الأسر .... إما التلفزيون أو التلفزيون!!
أحمد بن محمد الصقر 9/8/1423
25/10/2001
نحاول جاهدين أن نستغل الإحصائيات التي تتحدث عن الساعات الطويلة التي يجلسها أفراد الأسرة أمام التلفاز لنجعلها فرصة للتحذير من هذا الخطر الداهم ، ونطرح الحل بأن نستغني عن هذا الجهاز .
هذه خطوة جيدة... بل مطلوبة ... ولكن لماذا لا نستثمر تلك الساعات الطويلة التي يجلسها أفراد الأسرة بدل أن نستغل الإحصائيات المخيفة التي تتحدث عنها؟!
لا نريد أن نستغرق في أحلامنا طويلاً ؛ لأن عدد الذين يشاهدون التلفزيون يتزايد يوماً بعد يوم ـ رغم أننا نأسف لهذه الظاهرة ـ ، وهؤلاء يجب ألا نتجاهلهم بحجة أن الذمة برئت بعدما وعظناهم وحذرناهم، واستصدرنا الفتاوى لهم، لأن كثيراً من الناس قد لاتؤثر فيهم هذه الأساليب.
لماذا لا ندخل على الناس من أبواب متفرقة بدل الدخول من باب واحد!
ولذا يأتي السؤال المحرج: ماذا قدمنا لأفراد الأسرة الذين يقضون الساعات الطويلة أمام الشاشة الفضية ؟
الجواب عن هذا السؤال يجب أن يكون مبنياً على حاجات الأسرة وعلى الإمكانيات المؤسسية والفردية.
الأسرة تحتاج إلى برامج إرشاد وتوجيه، تحتاج إلى استشارات تربوية واجتماعية ونفسية، تحتاج إلى برامج تعليمية وترفيهية بريئة، وإلى أفلام كرتون متحركة !
من الخير لنا أن نبسط الأمر، وألا نشعر أن المطلوب هو إخراج برامج تنافس "هوليوود" أو "والت دزني"، كما يجب ألا أن نفترض التوجيه المباشر فيما نقدمه للناس؛ فإخراج أفلام تعليمية بصنعة إعلامية متميزة عن حروف الهجاء للأطفال تتضمن أفكاراً وتوجيهات مباشرة وغير مباشرة، ويم من خلالها ربط الأطفال بقضايا أمتهم الكبرى هو جهد جيد تحتاجه الساحة.
وإخراج برامج ترفيهية للأطفال منوعة تتضمن توجيهات بين الفقرات ،وتصنع من خلالها شخصيات محببة للأطفال تشاركهم في مهرجاناتهم، وتستدعى لحضور محافلهم ، ويكون ذلك فرصة لغرس كثير من الآداب الإسلامية والمعاني الشرعيةهو خطوة جيدة في ذات الاتجاه.
ومثل هذه المشاريع ليست مشاريع استهلاكية بلا مردود مادي، فهي تأخذ وتعطي ويمكن أن تصبح مصدراً من مصادر الكسب المادي المشروع، وعلى أقل الأحوال يمكن أن تقيم نفسها بنفسها دون أن تصبح عالة على المحسنين.
ومن العدل ـ في هذا السياق ـ أن نشيد بكثير من الجهود المبذولة في هذا الجانب سواء كانت فردية أو مؤسسية.
أهمس في آذانكم، وأرجو أن تضبطوا أعصابكم :"البوكيمون" لايزال موجوداً!!
ـــــــــــــــــــ(100/181)
الحجاب ومشاكل الأمّة
أحمد بن محمد الصقر 4/8/1423
20/10/2001
يتحدث بعض مثقفينا المستغربين عن العلماء والدعاة والجيل الملتزم بكثير من التهم منها:الاهتمام بالقشور والشكليات.
وهذه الفصيلة من المثقفين ينطبق عليها المثل المشهور:رمتني بدائها وانسلّت !،لأنهم ـ من حيث يشعرون أو لا يشعرون ـ هم من يهتم بالقشور والشكليات ، هذا على فرض صحة هذا التقسيم من الناحية الشرعية ، فهي تكثر الحديث عن الحجاب وهو لا يعدو مظهراً يتعلق بشكل المرأة المسلمة .
وبحسب علمي المتواضع فإن الحجاب ليس مثل أصباغ الشعر التي تحتوي على مواد كيميائية سامة قد تنفذ من خلال مسام قشرة الرأس إلى خلايا المخ فتفتك بها بل قد تصل إلى الجنين وتؤثر فيه ...
وعلى حسب علمي أيضاً فإن الحجاب ليس خوذة حربية أو رياضية يُخشى أن تدق عنق المرأة فتحدث في جسمها تشوهات خَلقية ...
ألا يمكن أن يعتبر أدعياء التحرير أن الحجاب قضية شكلية شخصية ... إلا إذا كانوا يعتقدون أن الحجاب هو السبب في تخلفنا عن صعود القمر، وهو السبب في ضياع فلسطين ، أو في مشكلة البطالة والتلوث البيئي وتفاقم مشكلة المياه وتدني مستوى المخرجات التعليمية ، أو في ظاهرة التفكك الأسري وارتفاع معدلات الطلاق ، أو في الفساد الإداري والتخلف التقني وتأخر اكتشافنا لخريطة الجينات الوراثية أو ربما يعتقدون أن الحجاب هو السبب في انتشار الإيدز !! إن المشكلة الحقيقية التي تعاني منها المرأة ليس في ستر وجهها وتغطية شعرها وإخفاء زينتها ولكن في استسخاف عقلها وسلب مشاعرها وطمس كرامتها وذلك من خلال النظر إلى المرأة على أنها أنثى فقط وليست إنساناً له عقله الذي يجب أن يحترم ومشاعره التي يجب أن تقدّر ...
والشواهد على ذلك كثيرة ...
منها تلك التصرفات التي يمارسها قراصنة الإعلام حين اتخذوا جسد المرأة وصفاتها الأنثوية سلعة يتجرون بها لجذب أكبر قاعدة ممكنة من الزبائن ... وكأن المرأة ـ في نظرهم ـ إنما خُلقت لتكون فتاة إعلان وغلاف أو مقدمة برامج أو عارضة أزياء أو لتؤدي دوراً قذراً في الأفلام والمسارح ...
ومن تلك الشواهد أيضاً ما يقوم به بعض العلمانيين في رواياتهم حين اخترعوا للمرأة أدوار الإغراء ومقامات الفساد ... فأنتِ حين تقرئين رواياتهم سوف تجدين كيف استخدموا المرأة استخداماً مشيناً (لتبهير) رواياتهم وإضفاء صفة الإثارة عليها ... فالمرأة في رواياتهم زوجة خائنة أو راقصة ماجنة أو خادمة فاجرة أو سكرتيرة فاتنة أو نادلة متبذلة ... ألخ فهل هذه هي المرأة ؟!!
إن شخصيات تلك الروايات هي شخصيات خيالية ... أي أنها لم تفرض عليهم من قبل هيئة كبار العلماء !
ومع ذلك لم يجدوا لها إلا تلك الأدوار المنحطة التي تستغل أنوثة المرأة ولا تستثمر إنسانيتها !!
فأين أنتم أيها المستغربون عن هذه الممارسات التي يشاهدها الملايين ويتربى عليها الملايين؟! ...
أو تلك قضية تجارية ... والأخرى قضية أدبية!!!
على أية حال ... إذا كنتم ترون أن الحجاب هو السبب في تخلفنا فأرجو منكم أن تسارعوا بتحرير الرجل من الشماغ أيضاً ...
فيبدو أن هوايتكم نزع الملابس !!!
ـــــــــــــــــــ(100/182)
ست الحبايب
سلمان بن محمد العنزي 27/7/1423
14/10/2001
قالت أعرابية وهي تُرَقِّصُ ولدها:
يا حبذا ريح الولدْ ... ...
ريح الخزامى في البلدْ
أهكذا كل ولد ... ...
أم لم يلد قبلي أحدْ
إن حب الأم حب خالد لا تشوبه المعكرات ولا تنقص دفقاته الأيام، يصد الأب ويجفو الأخ، وتنفر الزوجة، ويتقلّب الصديق، ويلج بالهجران الحبيب، أما الأم فلا يمكن أن تتغير أو تتلوث بلوثات الهوى أو الغضب أو الأنفة ولا يمكن أن يغادر عصفور الحب أعشاش قلبها، وإن غضبت أو ضجرت فإلى جزيرة هادئة ترسو سفينتها، إنها سيدة الجميع، وست الحبايب، والجنيه الذهب الذي لا يُذهِبُ رونقه تقليب الأكف ومداولة الأصابع، والنور الذي لا ينضب، والماء العذب الزلال إذا اعتكرت الموارد أو قلت .
ليس هناك قلب يحوي الكمال البشري بكل صوره إلا قلب الأم، ولا يفطن إلى هذا الأمر إلا القليل. من هؤلاء النسوة تنبغ العبقرية وتولد المعجزة. إنّ الأم إذا عرفت كيف تصب أحاسيسها المرهفة في قلب صغيرها وزودت نفسه بأجمل الصفات وأعظمها، فإنها بذلك تصنع التاريخ وتغير مسار الحضارة. يقول أحد المبدعين :
"إنّ قُبْلة من أمي جعلتني فناناً" ، أي أنها أرهفت حسّه وجعلته ذا نفس مشرقة تنظر إلى الوجود على أنه مجموعة أسرار تحتاج إلى قلب، وعقل يكتشفان كنهها.
ولذلك خاطب "إدمون روستان" الوالدات بأدب جَمّ ونَبَّههنّ على ما يحوينه من صفات يمكن أن تُصَيِّر الطفل الساذج رجلاً عظيماً يلج بوابة المجد ويقول :
"أيتها الوالدات :ليكن عطفكن ممزوجاً بالاحترام ولتكن القُبُلات التي تضعها شفاهكن على جبين الطفل باحتراس وحذر.
ولتملأ الخشية ضحككن .
ولترهبن من حملكن المستقبل هكذا فوق حجوركن .
ولتذكرن كلما أخذتن تلك الرؤوس الصغيرة بين أيديكن
تحاولن أن تقرأن ما في العيون البر يئة من أسرار.
إنكن قد تكن ممسكاتٍ عالماً بين أيديكن ."
ما أجمل هذا النداء البسيط المليء بالمعاني السامية الدال على نفس مضيئة تعلمت الحنان والعطف واستشعرت العظمة الدفينة في قلوب الأمهات !
وجميل قول الشاعر يصف ضحكةً كرنين الحليّ تستهوي القلوب وتوقظ مصابيح الإحساس في النفوس، وما إخالها إلا ضحكة الأم تلك الضحكة التي لا يمكن أن تلونها تهويمات النفس وحظوظ الجسد :
ضحكةٌ منك صوتها تغريد ... ...
العصافير تستفز القلوبا
ضحكة ردت المشيب شباباً ... ...
وأماتت من الوجوه الشُّحوبا
ضحكات كأنها نغماتٌ ... ...
تترك الغافلَ الغبيَّ طَروبا
تنزع الهم من ضلوع ذوي الهم ... ...
وتحني على القلوب القلوبا
وقد حرص الإسلام على الأم ورفع شأنها وسعى في حماية حقها، وأكسبها مع قوة الأمومة قوة الشرع، وفُتحت أبواب السماوات لدعواتها، أما إنّ الأم سياج الدولة ولن تصح دولة ويكون لها شأن إلا إذا حمت حقوق الأم، وهيأت لها ما يجمل عقلها ونفسها، وبذلك يكون الجيل جيلاً صالحاً يحفظ الحقوق ويراعى الذمم ويحمي الحوْزة ...
وإذا كانت الأم مصدر الإلهام وفتيل العبقرية في حال رضاها ، فإنها كذلك في حال غضبها وسخطها؛ لأن الولد لا يتصور -أبداً- أن تكون أمه رسول شرٍ، مدمر ، فيخرج نفسه من دائرة اليأس والألم ليعمل بجد واجتهاد حتى يكون ذا شأن تنظر إليه الأبصار وتشير نحوه الأصابع، فتنكسر شِرَّة الأم وتهدأ نفسها وتسعد بما حصله ولدها فتعود إليه هانئة راضية.
ومن طرائف الفيلسوف الأشهر "شوبنهور" أن أمه كانت تبغضه وتقسو عليه وتمنعه من الدخول إلى صالونها الأ د بي، وفي أحد الأيام ركلته برجلها فسقط ثم نهض وقال كلمة حفظها التاريخ وصدقتها الآية :
"اذهبي حيثُ شئت وافعلي ما بدالك، ولكن لن يعرفك الناس إلا بأنك أمي، وقد كان".
ختاماً يقول شاعر إيطالي رقيق اسمه "أدمونددي أميشيس" مبيناً حق الأم، وهي مقطوعة رائعة تستحق أن تقرأها في هدأة ، تحت ضوء خافت متصوراً هذه السيدة الجليلة ذات الشعر الأشيب التي عانت الآلام وتفجرت بالدماء لتخرج منها إلى نور الحياة، فتهرق دمعك صادقاً وتملاء نفسك بالأحاسيس الصادقة، وتتوجه إلى فراشها وتقبل قدميها وترفع يديك داعياً لها:
إن الزمان لا يقوى دائما على محو الجمال
ولا تُذبله الدموع والأحزان
فإن لأمي من العمر ستين عاماً
وكلّما ازددت تحديقاً في وجهها ازدادت في عيني بهاء
كل حركة أو نظرة أو ابتسامة أو عمل منها
تلامس أعماق قلبي بعذوبة وحلاوة
أتمنى أن أصورها حينما تحني إلي وجهها
لكي أقبل ضفيرتها البيضاء
أو حينما تكون مريضة أو تعبة
وتخفي عني ألمها بابتسامة حنون
وددت لو أستطيع أن أستبدل حياة بحياة
فأهب أمي شبابي وقوتي
لأرى نفسي شيخاً هَرِماً
أراها من تضحيتي في عنفوان الشباب
ـــــــــــــــــــ(100/183)
امرأة في ذاكرتي..!
عبد الوهاب الناصر الطريري 27/7/1423
14/10/2001
سألتني أن أكتب لك شيئاً من ذكرياتي مع المرأة ، وما كنت أحسب مسألتك ستثير من كوامن الشعور ، وخوافي الوجدان ما أثارت .
دعا باسم ليلى غيرها فكأنما ... ...
أطار بليلى طائراً كان في صدري
لقد استثرت ذكريات أعادتني إلى صبا الصبا وبدوات الشباب . وبيت من الطين في زقاق مسدود منشعب من سكك ( دخنة ) ودروبها .
وكانت دويرتنا هذه وإن ضاقت عن كثير من وسائل الترف إلا أن حجرها المتقاربة الجدر كانت مستودعاً لألوان من السعادة والإبهاج ، تمتعنا فيها واستمتعنا ، ثم فقدناها وما نسيناها . وكنا نعيش في اليوم ( 24 ) ساعة بكمالها ، لا يقتل من ساعات نهارنا إرهاق العمل وتعقيد الحياة ، ولا يسرق من ساعات ليلنا طول السهر ، فكان نهارنا معاشا ، ونومنا سباتا .
وكانت تلك المرأة تُفتِّق لنا أفواف الإيناس مع ساعات البكور ، وتهدهدها لنا عند الإمساء ، حتى لو فَقَدتَ الأُنس لوجدته ثاوياً في دارنا لا يبرح ، وكانت طفولتنا مشدودة إليها بحب وإعجاب يكبر معنا كلما كبرنا ، كانت جدتي التي لم تطفئ السنين وضاءتها ، ولم تَذْبل نضرة النعيم في محياها تعيش وتعيش بنا معها جواً عجيباً من السكينة والسكون وطمأنينة النفس .
كان لها في النهار سبح طويل ، يتنفس الصبح فتدب في البيت الحياة ، فما كنا عرفنا بعدُ إغماءة الصباح وسكرات الضحى ، فيبدأ يومنا معها بالتطهر في ساعات الضحى الأولى ثم الصلاة المطمئنة ، ثم تفترش في صحن البيت مصلاها وتنشر مصحفها وهو ذات المصحف الذي تعلّمتْ فيه قراءة القرآن أول ما تعلمته فصحبته أزيد من ستين سنةً حالَّة مرتحلة من أوله إلى آخره ، فتنصرم ساعات الضحى ولها دوي بالقرآن ، حتى إني لأظن اليوم أنها كانت تختم القرآن كل ثلاث ، فكان بيتنا منوّراً بالقرآن ، معطراً بالذكر كأنما تتنزل السكينة على جنباته ، حتى إذا استعر النهار قامت لتصلي صلاة الأوابين وتتهيأ بعدها لصلاة الظهر ، وكانت تؤدي الصلاة باحتفاء عجيب ، فمصلاها في حجرتها حمى مصان تعتني بتطهيره وتطييبه إلى حد المبالغة ، ولها ثوب سابغ للصلاة يتدلى سواكها من جيبه ، فإذا وقفت لصلاتها رأينا حالاً من التهيؤ تشعر أنها مقبلة على أمر عظيم ، ثم تترسل في أداء الرواتب بطمأنينة وأناة حتى إنا لنخرج للصلاة في المسجد ثم نعود وهي لما تنته من صلاتها بعد .
أما قبل صلاة العصر فإني أخف إليها بنسخة قديمة صفراء من كتاب ( رياض الصالحين ) أقرأ عليها أبواباً منه لا أدري كيف كانت قراءة الصبي حينها ؛ لكني أدري أنها تستمع الحديث وكأنها تعيشه مرأى ومسمعاً ، فإذا أُذِّن لصلاة العصر فزعت إلى صلاتها ثم نشرت مصحفها وشرعت في دوي محبب مع آيات القرآن إلى أن تختنق آخر ساعات النهار.
فإذا صلت صلاة المغرب فقلما تخلع ثوب صلاتها ولكن ترفع أكمامه وتستند إلى الجدار وتبدأ قراءة محفوظها من القرآن ، وغالباً ما تبدأ بسورة الملك فما بعدها . إلا ليلة الجمعة فتقرأ سورة الكهف ، فإذا أذن العشاء فإذا هي على تهيئها قامت فصلت العشاء ثم أتبعتها قدرا من ناشئة الليل ، وما هي إلا سويعة أو بعضها حتى يلف البيت سكون حبيب.
فقد كان ليلنا ليلاً على الحقيقة تحضننا مضاجعنا في ساعاته الأول ، فإذا كان ثلث الليل الآخر صلصلت ساعة كبيرة تعلن موعد صلاة التهجد لأهل قيام الليل ، وكانت هي المعنية من بيننا بذاك الرنين .
فياكم استيقظت في الهزيع الأخير من الليل فأراها واقفة تصلي فأتوثب للقيام ظناً منّي أنها تصلي صلاة الفجر فتشير إليّ أن نم فلم يؤذن الفجر بعد . فأعود إلى نومي وتعود هي إلى صلاتها .
ويا كم رأيت لغوب الصيام على شفتيها وهي تقطع نهارا حارا بعيد ما بين الطرفين ،لم تزرنا فيه وسائل التكييف إلا مروحة معلقة في السقف تحرك الهواء الساكن ليتحول إلى سموم لافح.
فيا لله من أيام مضت معها كانت مدر سسةُ القدوة ماثلةً لنا من حالها ، صلاةٌ بجلال، وصيام بمكابدة ، وتلاوة بتلذذ ، وعبادة بتأله ، ولهج بالذكر ، وأوقات معمورة بالخير .
وكانت بَرَكةً علينا أهلَ ذاك البيت بدعائها ، وصلاتها ، وتلاوتها ، وذكرها . وكأنما كانت تشع على نفوسنا من سكينة روحها وطمأنينة نفسها دفقا من السعادة والإيناس ، وهناء العيش ، وطيب الحياة .
ثم فقدتها وأنا أدلف إلى سنوات المراهقة وشرة الشباب ، فلا أنسى تلك الوحشة التي أظلمت لها نفسي يوم خلت منها دارنا فكأنما أخذت معها شعبة من قلوبنا .
ثم انقضت تلك السنون ... ...
وأهلها فكأنها وكأنهم أحلام
واليوم وقد تقصفت بعدها الأيام ، وتدافعت السنون ، وأبعدنا عنها نحو من ربع قرن لا زالت لوعة فقدها حية في نفسي ، ومشاهدها ما ثلة أمامي ، وعظة حالها بالغة في قلبي أذكرها اليوم فأذكر امرأة أحسب أن أبا نعيم لو أدركها لجعلها في حلية الأولياء ، أو ابن الجوزي لأدرجها في صفوة الصفوة .
أذكرها فأذكر أنها بذاك النسك والتأله ، كانت من أهنأ الناس عيشا ، وأطيبهم نفساً ، وإن كان حظها من رفاهية الحياة جد قليل .
أذكرها فأذكر تلك الأيام الجميلة في البيوت العتيقة ، مع اجتماع الشمل ، والتفاف الأهل ، وقوة الأواصر ، واتساع أوقات الحياة .
فهذه يا أبا رناد بعض ذكرياتي مع المرأة مع جدتي أم ناصر فاطمة بنت عبد الله الرومي .
رحمها الله وجمعنا بها في جنات ونهر ، في مقعد صدق عند مليك مقتدر .
ـــــــــــــــــــ(100/184)
من محو الأمية إلى مديرة مدرسة
27/7/1423
14/10/2001
اليوم نعرض لتجربة امرأة عاشت حياة كفاح لتأمين حياة كريمة لها ولأولادها بعد أن توفي عنها زوجها، تجربة طموحة تخلو من عبارات السخط والتبرم من مجتمع كان في يوم من الأيام يعارض رغبتها في التعلم بعد وفاة عائلها،امرأة عاقلة تعرف كيف تصل إلى ماتصبو إليه دون أن تخسر دينها أو مجتمعها أو أسرتها، لم تكن عنيدة ولم تكن ضعيفة، تحفظ لوالدها وزوجها حقهما حتى وإن اختلفت معهما. نعرض اليوم لتجربة الأستاذة: حصة بنت ناصر الصقر التي بدأت حياتها طالبة في محو الأمية وأصبحت مديرة مدرسة! نذكرها هنا حتى نقول أن مصطلحات الثورة على المجتمع والتقاليد ليست الطريق الوحيد لتحقيق الهدف !
سؤال:المعروف عنكِ أنكِ كنتِ في يوم من الأيام طالبة في محو الأمية والآن مديرة مدرسة! هل لك أن تحدثينا عن البداية كيف كانت ؟
جواب:نعم هذا صحيح، فقد التحقت بالكتاتيب عند عمتي رحمها الله التي كانت تدرس القرآن لعدد من الفتيات في بيتها، وكان عمري آنذاك سبع سنين، وبقيت أتردد عليها لمدة سنتين أتعلم قراءة القرآن عن طريق الكتابة على الرمل أو الكتابة بالفحم على اللوح!.
سؤال:يعني توقفت بعد أن أصبح عمرك تسع سنين؟
جواب:نعم هذا صحيح.
سؤال:ومتى كان التحاقك بمحو الأمية؟
جواب:كان التحاقي بمحو الأمية بعد أن تزوجت وكان عمري أربع عشرة سنة.
سؤال: ولماذا تأخر التحاقك إلى هذا السنة رغم أنك شغوفة بالتعلم كما فهمت منك؟
جواب:السبب هو أن التعليم الحكومي للفتاة كان حديثاً ولم تكن الصورة واضحة لدى عامّة الناس ووالدي رحمه الله كان واحداً منهم، ولذا لم يكن يحبذ ذهابي إلى المدرسة الحكومية وكان رأيه محل تقديري واحترامي رغم رغبتي الملّحة، أما بعد أن تزوجت فقد عرضت فكرة الدراسة على زوجي، فأبدى موافقته بشرط أن تكون في فترة العصر أي في مدارس محو الأمية، بدأت أدرس ولكني لم أستطع المواصلة بسبب ظروف حملي المتكررة ومسئولياتي الكبيرة، إلا أن جذوة الرغبة في مواصلة المشوار لا تزال متقدة في نفسي، وبقيت منقطعة عن هذا المشوار إلى أن توفي زوجي بعد ست سنوات من زواجنا وخلّف لي طفلين صغيرين وثالث لا يزال جنيناً في بطني!
سؤال:رحمه الله، ولكن ما علاقة وفاته بمواصلة دراستك؟
جواب:بعد وفاة زوجي ضاقت علي الأرض بما رحبت، ولم أجد خيراً من الانشغال بالتعلم وإكمال الدراسة حتى أشغل نفسي بطموح ظل يراودها منذ الطفولة من جهة، وحتى أستعين به على تربية أولادي، ولذلك بعد وفاة زوجي وإنجابي لطفلي الثالث قررت إكمال ما بدأته، والتحقت مرّة أخرى بإحدى مدارس محو الأمية.
سؤال:وبعد هذا الانقطاع الطويل الذي دام قرابة السبع السنوات، كيف وجدت نفسك؟
جواب:أجرت المدرسة لي اختبار تحديد مستوى وقد اجتزته، وبعد ذلك تابعت الدراسة في المراحل المتبقية وكنت أنجح بتفوق ولله الحمد رغم مسئوليات البيت والأولاد حتى أكملت مرحلة محو الأمية وهي تعادل السادس ابتدائي تقريباً.
سؤال:وكيف التحقت بالمرحلة المتوسطة؟
جواب... بعد تخرجي من محو الأمية وقفت محتارة في أمري، حيث لم يكن يوجد في ذلك الوقت مدارس متوسطة لمن أرادت أن تكمل الدراسة من طالبات محو الأمية ،وهذه أول عقبة إدارية واجهتني، حيث رفضت الجهات التعليمية قبولي في المرحلة المتوسطة.
سؤال:لماذا؟
جواب:بحجة أني أحمل شهادة محو الأمية، ولكني لم أستسلم، حيث اتصلت بأحد المسئولين في الرئاسة العامّة لتعليم البنات،ولكنه رفض رفضاً قاطعاً، وبعد إلحاح شديد عرضت عليه أن أنضم إلى المرحلة المتوسطة منتسبة فإن نجحت بتقدير جيد فعليه وعدٌ بقبولي منتظمة فوافق جزاه الله خيراً، فقمت على الفور بتقديم أوراقي إلى إحدى المدارس المتوسطة، وقبلت منتسبة، ولكني كنت أحضر حصص الرياضيات والإنجليزي والقواعد، كنت أجلس في الفصل مع طالبات المرحلة المتوسطة وعمري قرابة العشرين!
سؤالوكيف كانت النتيجة؟
جواب:النتيجة أني حصلت على تقدير (جيد جيداً).
سؤال:وكيف كان وقع الخبر عليك؟
جواب:فرحت فرحاً لا يوصف، وقمت على الفور بالاتصال على الشخص المسئول الذي اتصلت به سابقاً وطلبت منه أن يفي بوعده، وفعلاً تم قبولي منتظمة في المرحلة المتوسطة، وأكملت الدراسة حتى حصلت على شهادة المرحلة المتوسطة.
سؤال:وماذا بعد؟
جواب:بعد ذلك التحقت بالمرحلة الثانوية، ولكن ظروف الوالدة الصحية منعتني من الانتظام فتحولت إللى منتسبة ونجحت من الصف الأول ثانوي،وبعد زوال العارض الذي أصاب الوالدة تحولت إلى طالبة منتظمة، وتمكنت بحمد الله من إتمام المرحلة الثانوية بتقدير جيد جداً، وكانت الفرحة أيضاً لاتوصف.
سؤال:وماذا بقي من ذكريات تلك المرحلة؟
جواب:لا أزال أذكر يوم كنت في الصف الثالث ثانوي حين صدر قرار يقضي بتحويل الطالبات الكبيرات في السن من منتظمات إلى منتسبات، فحاولت المستحيل إلى أن تم صرف النظر عني، وذلك بمساعدة أخي جزاه الله خيراً، كما أذكر أني كنت مثار سخرية واستهزاء من قبل البعض لكوني كبيرة بين طالبات صغار!
سؤال:وماذا عن المرحلة الجامعية؟
جواب:حملت أوراقي إلى كلية الآداب وقبلت في قسم الدراسات الإسلامية، إلا أنني انتقلت منها إلى كلية التربية بعد ذلك لكونها كلية تربوية تؤهلني للعمل في سلك التعليم، وكنت أعمل بالإضافة إلى دراستي معلمة في إحدى مدارس محو الأمية، وبعد فترة تخرجت من المرحلة الجامعية، وكانت يوم تخرجي يوماً مشهوداً.
سؤال:وماذا بقي لديك من ذكريات أيضاً حول المرحلة الجامعية؟
جواب:مرض الوالدة وقبولي في كلية التربية بعد كلية الآداب، وأولادي الذين تعدوا مرحلة الطفولة ونظرة التقدير التي شعرت بها من الناس، ودموع الفرح.
سؤال:وماذا عن نهاية المشوار؟
جواب:انتقلت مع ابني الأكبر لأعمل معلمة في مدينة الزلفي، وهي مدينة تبعد عن الرياض 270 كم تقريباً، ولك أن تتخيل حجم المعاناة والغربة، ولكنها الرغبة الملحة في توفير حياة كريمة لأبنائي، وبعد محاولات عديدة انتقلت إلى مدينة الرياض معلمة ثم اسلمت إدارة مدرسة محو الأمية ثم رشحت لإدارة مدارس العناية الأهلية بالرياض ولازلت فيه
ـــــــــــــــــــ(100/185)
الفقه في الدين أولى من تفسير الأحلام
د. أفراح بنت علي الحميضي 27/7/1423
14/10/2001
علينا أن نعترف -وبخجل شديد- أننا نحن النساء أو أغلبنا – إذا صح التعبير – لا نملك الحد الأدنى من التفقه في الدين -خاصة- فيما يخص أمورنا النسائية الخاصة. فمنا مَنْ لا تعرف كيف تؤدي الصلاة كما يجب، أو الفرق بين الركن والواجب، أو أحكام سجود السهو، ولربما صلت الواحدة منا صلاة غير كاملة، فلا تجبرها بذلك السجود لجهلها به، أو قد تأتي به في غير موضعه، ومن النساء من لا تعرف أوقات الصلاة؛ فلربما صلت بعد خروج الوقت، أو صلت قبل دخول الوقت حرصاً على عدم فوات الصلاة لارتباطها بمناسبة ما ! ومن النساء من تتساهل في الوضوء فلا تتم غسل أعضائها -خاصة- إذا كانت مستعدةً لحفل ما، وكانت بكامل زينتها، ولا تريد أن يمس الماءُ بشرتَها . . الخ . ومن النساء من لا تعرف أحكام الزكاة؛ فلربما كانت من ذوات الأموال، لكنها لا تعلم كم نسبة الزكاة التي يجب عليها أن تخرجها. ومن النساء من لا تعلم بأحكام اللباس والزينة، وما حدود المباح والمحظور في ذلك؛ فلربما امتنعت عن لبس ما هو حلال، أو لبست ما هو حرام شرعاً وممنوعٌ عرفاً.
ولا يقتصر الأمر على هذا، فكثير من النساء يجهلن أحكام الدورة الشهرية، وما شابهها. فبعض النساء لا تعلم -مثلاً- أن الكُدْرَةَ بعد الطهر لا تعني شيئاً. وأن الكُدْرةَ قبل الطهر تعني شيئاً.
وأنه لا يجوز لها أن تؤخر الغُسْل، أو تقدمه إلا حسب حالها، وإن شئتم أن تستدلوا على مدى جهلنا نحن النساءَ بهذا الأمر اللَّصِيق بنا فاستمعوا إلى برنامج "سؤال على الهاتف" من الإذاعة لتروا أن أغلب الأسئلة المقدمة من النساء -خاصة- في شهر رمضان حول موضوع "الدورة الشهرية" أسئلة مكررة، فحواها واحد، أظن أن الأمر جِدَّ مُحرِج ألا يكون عندنا حد أدنى من التفقه، والفقه في هذا الموضوع الملازم لنا من بواكير أعمارنا، حقيقة كما قال شيخنا محمد الصالح العثيمين-رحمه الله- :" إن مشاكل النساء في هذا الموضوع -بحرٌ لا ساحل له-" إلا أن هناك ثوابت في هذه المسألة، لابد لكل امرأة أن تعلمها .
مما يثير الاستغراب أنه بقدر ما توسع التعليم، وتعددت تخصصاته، ومجالاته، إلا أن جهلنا نحن النساءَ بهذه الأمور الفقهية قد زاد بشكل لا يتصور أبداً ! هل التفقه في الدين مسؤولية الأسرة، أم المدارس أم هي مسؤولية المجتمع عموماً، أم أن الأمر شخصي؟
هل مناهج الفقه لم تعد تفي بحاجات المرأة، والأسرة، ومستجدات الحياة؟ أم أن تدريس هذه المادة لم يعد يخرج عن الإطار النظري.
هل اهتمامات النساء انتقلت من التفقه في الدين إلى اهتمام بتفسير الأحلام، وموضات الأزياء؟!
أين دور الأم والأب في تفقيه أفراد الأسرة بالحد الأدنى الضروري من الفقه؟ أين دور الأم - بالذات - في تبصير ابنتها بأمور النساء، فتحرص على تزيينها بالفقه كما تحرص على تزيينها بالذهب؟!
لماذا لا نسمح لأنفسنا باقتطاع شيء من أوقاتنا؛ لنكتسب به زاداً نَتَبَلَّغُ به إلى آخرتنا، ونسقيه لأبنائنا مع أول رشفة حليب؟!
إن تفقه الأم والمرأة عموماً في دينها يمنحها ثقة في النفس، لا تتأتى لمن يجهل ذلك.
فهل تتساوى امرأة تعرف أحكام الطلاق مع من تجهل ذلك؟
كثير من النساء يخرجن من بيوتهن بعد الطلاق الرجعي، ويجهلن أن المفروض عليهن أثناء العدة البقاءُ في بيوتهن، فتضيع من أجل خروجهن فرصٌ عديدةٌ لِرَأْبِ الصَّدْعِ، ما كانت لتضيعَ إلا بسبب الجهل بهذه الأحكام، وبالحكمة من هذا التشريع! وهل امرأة تعرف أحكام العدة والحداد مثل امرأة تجهل ذلك؟ بعض النساء تكلف نفسها ما لا طاقة لها به بسبب غلبة بعض العادات السيئة، ونصائح بعض جَهَلَةِ النساء مما يجعل فترةَ الحدادِ والعُدَّةَ كابوساً مظلماً، والله لا يكلف نفساً إلا وسعها.
وهل امرأة تعرف أحكام الزواج، وحقوقها، وواجباتها مثل امرأة تجهل ذلك؟ فإنها يمكن أن تثير مشاكل عديدة بينها وبين زوجها بسبب جهلها بحقوق زوجها، أو مطالبتها بما ليس لها، أو لربما ضاعت حقوقها بسبب تساهلها فيما لها، فلا حقَّ طالبت، ولا واجبَ أدت.
إن تفقه المرأة في دينها بقدر ما هو واجب لتعلم أمور دينها، فهو واجب ليحميها من مخاطر وغوائل الجهل، فييما لها، وعليها. فهل أدركت كل النساء أن حاجتهن للفقه أشدُّ من جُرْعَةِ الماءِ عند الظمأ؟!
ـــــــــــــــــــ(100/186)
ليس المهم هو الحرية فقط
أحمد بن محمد الصقر 27/7/1423
14/10/2001
تذكرون قصة ذلك العصفور الحكيم الذي فرّ من قفصه الذهبي ثم أنشد:
حريتي أغلى من الذهب!
وصدق ذلك العصفور ...
لكن ... !
لو كان الذي فتح باب القفص هو قط سمين فأيهما سيعشق العصفور الحرية أو الحياة؟!
ولو كان الذي فتح باب القفص مجموعة من الصبية يريدون أن يعبثوا به وينتفوا ريشه ويطلوا جسمه الرشيق بألوان الطيف فأيهما سيعشق العصفور الحرية أو الكرامة؟!
ولو فرضنا جدلاً أن لهذا العصفور أفراخاً صغاراً زغب الحواصل فأيهما سيختار العصفور الحرية أو الأمومة!
هذا المثال الذي يبدو في ظاهره أنه ساذج وبسيط يعكس شيئاً من واقع الأسرة إذا تعاملت مع قضية الخروج من المنزل بمنطق الحرية الشخصية فقط.!
إن الحرية المطلقة لوحدها ليست سر الخلاص ومفتاح السعادة بل هي واحدة من مكوناتهما الأساسية إذا أحسن فهمها ثم أحسن استخدامها ثم أحسن مزجها مع المبادئ الأخرى التي بمجموعها تبني المجتمعات ولا تهدمها!
إن الغلو في تمجيد الحرية الشخصية داخل المجموعات سيؤدي حتماً إلى استعباد الآخرين أو في مصادرة حريتهم على أقل تقدير.
ومهما اختلفت العقول حول تحديد هذه المبادئ التي لابد أن تحكم الحرية إلا أن الفطرة السوية لن تختلف بين الأسوياء ... وإذا كان الذي فطر الناس هو الله سبحانه تعالى فالذي يجب أن يشرع لهم هو الله وإذا أختلف المشرع عن الفاطر فثمّ التمزق!
كتب أحد المغتربين:( في إحدى قاعات الدراسة بإحدى الجامعات البريطانية ثار حديث عن المرأة والرجل عندما خرجا جميعاً من المنزل وعن حصاد تلك التجربة فما كان من أحد الطلبة البريطانيين - والذي تجاوز الخمسين من العمر – إلا أن شارك قائلاً:
كان المجتمع الغربي قبل عدة عقود يسير على تقاليد ومبادئ تتخذ العائلة كوحدة اجتماعية للبناء الاجتماعي ، فالرجل كان هو المسؤول عن العائلة ، بما فيها المرأة والولد ، وهو الذي عليه أن يوفر ما يحتاجه البيت ، والأسرة ، والمرأة محلها داخل البيت كزوجة ، وأم للأولاد ، فيحتفظ المجتمع بتوازنه لاحتفاظ الخلية العائلية بتوازنها ، أما بعد الثورة الصناعية ، والتطورات الأخيرة في العقلية الأوربية ، وبزوغ فكرة الحرية الفردية وعلو شأنها حوالي منتصف القرن الماضي فإن الوحدة الرئيسية للمجتمع لم تعد العائلة ، بل صارت (الفرد) رجلاً كان أم امرأة.. ومن ثم.. وبعد أن تبدلت القيم والمفاهيم ، وشاعت الحرية صارت المرأة لا تعني الزوجة أو الأم للرجل ، بل زميلة العمل أو الصديقة والخليلة ، ولم يعد الرجل بحاجة إلى الزواج وإقامة العائلة كوحدة اجتماعية-في غالب الأحيان - فحاجاته الطبيعية ملباة دون مسؤوليات تلقى على عاتقه ، وهو حر في التنقل بين امرأة وامرأة ، كما أن المرأة حرة في التنقل بين رجل ورجل ، ولقد كان من المنطقي ، وليتناسق النظام ، أن تتساوى الأجور ، إلا أن ذلك لم يحدث ، وظل القانون يحتفظ بتلك الصورة القديمة الكامنة في الفطرة الإنسانية ، والتي تجعل من الرجل المسؤول عن تأمين احتياجات العائلة ، ومن المرأة زوجة وأماً.. انتهى كلامه.
يقول الله سبحانه وتعالى (فطرة الله التي فطر الناس عليها)(لو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا )
ـــــــــــــــــــ(100/187)
الأسرة المسلمة في الغرب... بعد أحداث أمريكا!
أحمد بن محمد الصقر 26/7/1423
13/10/2001
تبخر كل ما يقال عن شعب يفخر بأنه بلد العرقيات والألوان والأديان المتعددة، وأن السيادة للحرية الشخصية، تبخر كل ذلك ليصبح كأي شعب تعبث به النعرات والأعراق ، أما الحرية فلم تكن سوى تمثالاً !.
سقط برجا منهاتن وسقطت معه كثير من الأقنعة التي كانت تختبئ وراءها حضارة شعب ...
مشاعر الانتقام كانت قوية وسيئة وصلت إلى حد القتل والضرب والإهانة ورجم المساجد والمراكز الإسلامية ، ونالت المرأة المتحجبة جزءً كبيراً من ذلك...
قد تكون هذه الاعتداءات حوادث منفردة ليست ممثلة للاتجاه العام الذي يسود الشارع الأمريكي، ولكن توجيه الرئيس جورج بوش نداء للشعب يدعوه فيه إلى الامتناع عن التعرض للمسلمين عموماً والمرأة خصوصاً يشعر بخطورة الوضع هناك حينما قال "على النساء اللواتي يضعن الحجاب في هذا البلد ألا يخفن الخروج من منازلهن، ويجب ألا يتعرضن للترهيب والترويع. فهذه ليست أميركا كما أعرفها وليست أميركا التي أقدرها".... وعلى سبيل المثال تعرضت طالبة إندونيسية محجبة لاعتداء من طالب قام بهز سيارتها بعنف وبغضب وهو يصرخ في وجهها. وفي حالة أخرى تلقت طالبة من باكستان في الجامعة الدولية بفلوريدا في ميامي عدة تهديدات لفظية على الرغم من أنها تحمل الجنسية الأميركية وعاشت في الولايات المتحدة معظم حياتها تقريبا، وغيرها من حوادث أوردتها وكالات الأنباء.
واجهت المرأة هناك المعاناة وشعرت بأن كل مسلم معرض للخطر، وأن المرأة المسلمة معرضة للخطر بشكل أكبر!
لقد أصبحت المسلمة معلماً إسلامياً تماما مثل المساجد والمراكز الإسلامية، وكل ما نستطيعه أن ندعو لها بظهر الغيب أن يحفظ الله لها دينها.
إن الأسرة المسلمة المقيمة في الغرب والغربة مطالبة أن تتعامل بحكمة وتتحلى بالصبر في مثل هذا الحدث، وعليها أن تحاول قدر المستطاع التخفيف من آثاره السلبية عليها وعلى أفرادها.
هناك مضاعفات سلبية قد يتمخض عنها هذا الحدث، منها تحديداً معنويات الأبناء التي قد تنخفض بسبب ما قد يلحقهم من ضرر أو مضايقة في المدرسة والشارع أو في وسائل الإعلام التي تشن حرباً نفسية لاتقل خطورة عن الحرب العسكرية، يجب التعامل مع هذه القضية بشكل جدي ـ إذا تعذر العودة بهم إلى بلادهم وأهلهم ـ ، لمعالجتها أو التخفيف منها،علينا أن نذكرهم بأن النصر والظفر للإسلام والمسلمين، وأن هذا الدين يحرسه الله سبحانه وتعالى " والله متم نوره ولو كره الكافرون"، وربط ذلك بسنة الابتلاء التي تقع على المسلم، باعتبار أن هذه الأحداث هي محك حقيقي لاختبار الإيمان، كما قال تعالى" آلم* أحسب الناس أن يتركوا أن يقولوا آمنا وهم لايفتنون* ولقد فتنا الذين من قبلهم فليعلمن الله الذين صدقوا وليعلمن الكاذبين" ، وتذكيرهم بأحداث السيرة التي مرّت على النبي صلى الله عليه وسلم و بالأذى والمضايقات التي مرت على الصحابة ومن سار على نهجهم في هذا الشأن " إن الذين أجرموا كانوا من الذين آمنوا يضحكون وإذا مرّوا بهم يتغامزون وإذا انقلبوا إلى أهلهم انقلبوا فكهين ألا يظن أولئك أنهم مبعثون ليوم عظيم يوم يقوم الناس لرب العالمين" .
لنحدثهم عن الأسرة الأفغانية عن أطفال أفغانستان ونسائها الذين سيدفعون الثمن قبل الرجال !
هذه خواطر جاءت متأخرة لأن تتابع الأحداث لم يدع لنا فرصة للتفكير ...!
ـــــــــــــــــــ(100/188)
تحيّةُ إكبار ٍللرائدات ..!
أحمد بن محمد الصقر 26/7/1423
13/10/2001
حين يقال رائدات ينصرف الذهن مباشرة للمطالبات بحقوق المرأة وَفْقَ تصوّراتٍ جديدة لم تكن سائدة أو معترفًا بها.
قد يكون هذا الكلام صحيحاً وَفْقَ المعنى الاصطلاحي للرِّيادة لدى الغربيين، إلا أن هناك- أيضًا- رائداتٍ أخرياتٍ هنّ أجدر أن يوجِّه لهن المجتمع تحية إكبار، وهن أجدر أن تحتفي بهن وسائل الإعلام...هن أولئك اللواتي تمسكْن بمبادئهن حين تخلى عنها الكثيرات طوعاً أو كرهاً.
ليست الرائدة هي التي تخالف التصورات السائدة لمجرد المخالفة، ولكن الرائدة-أيضاً -التي تقف عملاقة أمام طوفان التغيير إذا كان لا معنى له، أو إذا كان وقوعه يسبب كارثة.
تحية إكبار وإجلال وتقدير لكوكبة من النساء جعلن من أنفسهن معالم شاخصة حين تحولت الكثيرات إلى أطلال بالية...
في مجتمعات كثيرة من العالم الإسلامي وغير الإسلامي تُتاح فرص التحلُّل والذوبان في مفاهيمَ وسلوكياتٍ غريبةٍ عن الشريعة ، بل ويُبالغ في أسلوب دفع الناس لها بتحويل قضايا المرأة الشرعيّة إلى قضايا سياسيّة ، ويُحرم مخالفوها من فرص الحياة الكريمة، ويصبح الموقف منها معياراً للاعتراف بك أو شطبك من قائمة الإنسانية..
ويواكب هذا التوجه غطاءٌ إعلامي إقليمي وعالمي يتهكم من قيم المجتمع المسلم، ومفاهيمه كما لو كان يتحدث عن قيم مجتمعات بائدة، ويقدم البديل على طبق مزخرف.
بل لا نبالغ إذا قلنا: إن الحجاب ـ على سبيل المثال ـ أصبح في بعض الدول أخطر من الفقر والجهل اللذيْن يعصفان بالمتحجبات والمتبرجات على حد سواء!. ورغم ذلك تبقى عصبة من النساء تثبت أنها مستعصية على التحلل والذوبان، وتصر على إظهار شعائر الإسلام.
والواقع يثبت أنهن رائدات، فهذه العودة النسائية إلى تعاليم الإسلام وشعائره، التي نراها في أشد الدول حرباً للإسلام وشعائره لها دلالة واضحة على أن أولئك الرائداتِ المتمسكاتِ هن نواةُ هذه العودة.
الحجاب - وهو من أكثر الشعائر الظاهرة تعرضاً للنقد والهجوم- لا يزال يتنفس و بكلتا رئتيه في مجتمعات إسلامية وغير إسلامية رغم اندراس كثير من الملابس التقليدية الأخرى التي كانت موجودة في المجتمع ذاته!.
ففي تركيا- مثلاً- استطاعت الديكتاتورية العلمانية أن تنزع (الطربوش) عن رؤوس الرجال الباشاوات طوال الشوارب، ولكنها لم تستطع أن تنزع الحجاب عن رؤوس النساء!، بل عدد المتحجبات يكثر يوماً بعد يوم رغم الحملة العسكرية "المجنونة" من قبل العلمانيين على الحجاب ، وهو ما نذكره بشيء من التفصيل في زاوية الصَّالة من هذه النافذة .
على أننا يجب ألا نختزل قضية الرائدات في المحافظة على الحجاب فقط، بل أيضاً في المحافظة على هوية البيت الإسلامية، وفي مشاركتها الفاعلة في تخريج الدعاة والمجاهدين والمبدعين، ففي فلسطين -مثلا- تحولت البيوت إلى كليات عسكرية ،عمداؤها الأمهات، لقد كان منظرًا مؤثرًا أن ترى أم الطفل الفلسطيني ترتدي حجاباً كاملاً، وترفع إشارة النصر وهي تشارك في تشييع جثة طفلها الصغير!!
وثمّة نساءٌ أخرياتٌ رائداتٌ شاركن بأقلامهن في الحفاظ على الهوية الإسلامية من الاندثار فكان منهن المؤلفات والصحفيات اللواتي أضحى إنتاجهن يُتداول على أوسع نطاق دون أن تشارك إحداهنّ في الصالونات المختلطة أو تظهر متبرجةً على شاشات القنوات الفضائية!.
صحيح أن المجتمع لا يزال ينتظر الكثير منهن ، ولكننا نعتقد أن ماقدمْنه يستحق الشكر والتقدير، ويجعلنا نطمع في المزيد منهن، وهذا جزء من حقهن. تحية إكبار وإجلال لك أيتها الرائدة حتى وإن لم يعرفك أحد، فيكفي أن الله يعرفك ويرعاك ويحرسك بعينه التي لا تنام!
ـــــــــــــــــــ(100/189)
رؤية مقترحة لقضية المرأة
أحمد بن محمد الصقر 26/7/1423
13/10/2001
هناك من يتعامل مع قضية المرأة على أنها رأس مال يجب المحافظة عليه داخل خزانة حديدية حتى لا تمتد إليه يد سارق أو عابث أو مجنون، وينسى أن بقاء رأس المال دون استثمار قد يؤدي إلى تآكله!
وهناك من يتعامل مع قضية المرأة بمنطق عبثي ومتهور يعتمد على أسلوب المخاطرة والمجازفة، وينسى أن المخاطرة برأس المال الكبير قد تجعلك دون مال !
الصنف الأول هم أولئك الذين اقتصر دورهم تجاه قضية المرأة في الحديث المتكرر عن المؤامرات التي تحاك ضد المرأة المسلمة، وكشف خطط الأعداء، والتشهير بوثائق المؤتمرات العالمية للسكان والتنمية والمرأة، والتنديد بالمقالات المنحرفة وتحذير المرأة منها ...
كل ما سبق لاشك أنه مطلوب ولكن يجب ألا نقف عنده بل نتجاوزه إلى مرحلة البناء الحقيقي لشخصية المرأة المسلمة المعاصرة، ووضع الخطط طويلة المدى لذلك، وإقامة المراكز والجمعيات النسائية اللازمة لتفعيل دور المرأة ومشاركتها،وعقد المنتديات والمؤتمرات، وإنشاء غطاء إعلامي، وذلك حتى نساعد المرأة على النمو بشكل صحيح، وحتى نبعث في نفسها الطمأنينة والإيجابية، بدل الصراخ الذي يفزع ويقعد، وفي هذا الصدد يجب مراجعة مضمون الخطاب الإسلامي الموجه للمرأة وشكله ليتضمن المحاور التالية:
1- تعليم المرأة أمور دينها بشكل صحيح، وربطها بالوحيين، وإيضاح الموقف الشرعي من المرأة ومكانتها بجلاء ودون تزييف، وعدم خلط العادات بالعبادات.
2- مساعدتها على فهم الحياة بشكل أفضل، وتنمية قدراتها الأسرية والشخصية من خلال تطوير مهارات الاتصال بالآخرين، وفهم نفسية الرجل والطفل وقبل ذلك فهم نفسها.
3- تزويدها بالمجالات والبرامج المحفوفة بالضوابط الشرعية، والتي يمكن من خلالها أن تساهم بشكل مباشر في خدمة المجتمع النسائي الذي تعيش فيه، والذي سيؤثر بشكل غير مباشر في الأسرة والمجتمع، وذلك حتى تشعر بقيمتها وأنها عناصر إيجابي مؤثر، وأن نحدثها عن نماذج ومثل عالية متدينة ومتفوقة.
أما الصنف الثاني فهم أولئك الذين يتكلمون عن قضية المرأة كما لو كانوا يتحدثون عن عمّال المناجم، فحديثهم يتكرر عن الحقوق والمطالبة بالحقوق واستعادة الحقوق وانتزاع الحقوق في ثنائية مقيتة تؤجج الصراع بين الرجل والمرأة، كما لو كان الرجل مخلوق من آدم والمرأة من حواء!
ولأجل ذلك يصرخون في وجه المرأة لكي تقفز إلى الضفة الأخرى، غير عابئين بشدة التيار وعمق النهر وكثرة التماسيح، ويشعلون رغبة المرأة في القفز بكلمات ومصطلحات رنانة عبثية تحريضية، دون أن يفكروا في حل آخر أكثر أمناً وأقل خطورة.
لماذا لا يبنون لها جسراً ... أليس العبور أفضل من القفز!
أو هو حب المغامرة ؟(100/190)
دائرة معارف الأسرة المسلمة
كيف نربي أبناءنا
1
جمع وإعداد
الباحث في القرآن والسنة
علي بن نايف الشحود(101/1)
(101/1)
لعب الأطفال عبث أم استكشاف؟؟
ربى أبو العينين
هل للعب فوائد؟؟ أم هو إضاعة للوقت؟؟
اللعب في سن ما قبل المدرسة هو أكثر أنشطة الطفل ممارسة يستغرق معظم ساعات يقظته, وقد يفضله على النوم والأكل..
وغياب اللعب لدى الطفل يدل على أن هذا الطفل غير عادي.. فاللعب نشاط تلقائي طبيعي لا يُتعلم.
اللعب له عدة فوائد فهو يكسب الطفل مهارات حركية فيتقوى جسمه.. وأيضاً عمليات معرفية كالاستكشاف, ويزيد من المخزون اللغوي لدية وغيرها من الفوائد..
الأطفال وتفاعلهم باللعب:
هناك عدة أنواع للأطفال من حيث التفاعل باللعب في الحضانة:
- الطفل الغير مشارك باللعب: بحيث يقف في الغرفة ويتجول ببصره على الأطفال.. وهم قلة بالحضانة.
- الطفل الوحيد: يلعب لوحدة ويندمج في لعبته وهذا النوع عادة في السنة الثانية والثالثة.
- الطفل المراقب للعب: بحيث يكتفي بالتحدث مع الأطفال الذين يلعبوا ويوجه لهم الأسئلة.. لكن لا يشاركهم اللعب.
أنواع اللعب:
- اللعب التعاوني: يتم اللعب كجماعة, ويكون لهم قائد يوجههم, وعادة يكون في بداية المرحلة الابتدائية.
- اللعب التناظري: يلعب الطفل وحده فيتحدث للعبة, وكأنها شخص حقيقي وهو تعويضي للأطفال الذين لا يلعبون مع المجموعات.
- اللعب بالمشاركة: يتشارك مجموعة من الأطفال في لعبة معينة لكن دون قائد.. كالسير في طابور, أو ترتيب الألعاب..
- اللعب الإيهامي: يظهر في الشهر الثامن عشر من عمر الرضيع ويصل للذروة في العام السادس بحيث يلعب "بيت بيوت "أو"عروس وعريس""شرطة و حرامي" وللعب الإيهامي فوائد كثيرة منها:ينمي الطفل معرفياً, واجتماعياً, وانفعالياً.
-يستفيدوا منه علماء النفس في الإطلاع على الحياة النفسية للطفل - يكشف عن إبداعات لدى الطفل.. فمثلا عندما يلبس على رأسه الطنجرة ويعتبرها خوذة.. فهذا دليل على الإبداع..
- اللعب الاستطلاعي: ينمي الطفل معرفياً.. فعندما يحصل على لعبة جديدة كالسيارة مثلاً يكسرها ليعرف ما تحتويه في الداخل.. فاللعبة المعقدة تثير اهتمامه أكثر من اللعبة البسيطة..
فاللعب له فوائد كثير فدعي طفلك يعش طفولته, ويتمتع بها؛ لأنه سيأتي يوم ويكبر... لينشغل في الحياة
http://www.wahaweb.com المصدر :
ـــــــــــــــــــ(101/1)
أطفال فقدوا عالمهم
غريبة تلك الأيدي التي تمتد لتمزق جلودهم الرقيقة، وأي عقل يحركها، لتسرق طفلاً من عالمه وتقذف به في عالم السياط والعصي والقذائف، عالم يفيض بأشكال العنف، ينتظر بشغف كل عام توصيات البيان الختامي لمؤتمر حقوق الطفل، ليرمي بها في بركة دماء لأطفال يجهلون أي ذنب اقترفوه، ليلقوا هذا المصير.
أطفال اغتصبت الحروب طفولتهم...أطفال فلسطين.. العراق.. الشيشان.. أفغانستان.. وجوبا.. ولا علم من القادم؟!.
تستحق ذلك!
انتهت حرب العراق. وسقط مئات الضحايا بين رجال و أطفال ونساء.. وحل الدمار بأرض الرافدين.
ما حدث في العراق لم يكن بداية حرب، وقد لا يكون نهاية حرب أيضاً.. إلا أن هذه الحرب بدأت منذ اثني عشرة عاماً.. منذ عام 1991م والعراق يعيش حالة حصار وحرب أنهكت كل يافع وذبل كل أخضر...
الأثنى عشر عاماً الماضية كانت حرب إبادة ولكن دون ضجيج راح ضحيتها حوالي مليون ونصف معظمهم من الأطفال، حيث لا يقاوم الأطفال حين ولادتهم نقص الغذاء والرعاية الصحية وتلوث المياه وبقايا السموم والكوارث البيئية التي خلفتها أسلحة اليورانيوم المستنفذ التي استخدمتها القوات الأمريكية في كل ضرباتها على العراق.
أجرى عالم ألماني دراسات مكثفة مؤخراً أثبت فيها أن لملامسة ذخائر اليورانيوم المستنفد التي جرى استخدامها على نطاق واسع خلال حرب الخليج، تأثيرات ملحوظة عند الأطفال، ومنها ارتفاع الإصابات بالأمراض المعدية نتيجة للنقص الحاد في المناعة، عدا عن الإصابة باللوكيميا والسرطانات الخبيثة والتشوهات الخلقية الناجمة عن خلل جيني.
وأشار الدكتور سينورت هو رست جونز أنه اكتشف في بداية مارس عام 1998 قذائف يورانيوم بحجم السيجار، في موقع إحدى المعارك في العراق، وفي وقت لاحق قال انه رأى أطفالاً يلهون بهذه القذائف، وأن أحد هؤلاء الأطفال توفي فيما بعد نتيجة إصابته باللوكيميا (سرطان الدم).
و بين الدكتور جونز أن الإشعاعات المنخفضة لليورانيوم المنضب قد تسبب أضرارا خطيرة للبيئة مثل موت الغابات وهناك دراسات خاصة بتوطين المرض وانتشاره تبين التأثيرات السلبية مثلا لانحدار في الذكاء والزيادة في نسب الجريمة ومرض نقصان المناعة المكتسبة (الإيدز) ورغم ما سجل العالم عن مخلفات تلك الحرب، و تزايد المؤتمرات العالمية التي تعنى بحقوق الطفل ردَّت مادلين أولبرايت وزيرة الخارجية الأمريكية السابقة عندما سئلت عن رأيها فيما سببه الحصار من موت أكثر من نصف مليون طفل عراقي قائلة ((إننا نعتقد أن ثمرة الحصار تستحق ذلك)).
تشكو تزايد التوابيت الصغيرة
الشيشان بلاد صغيرة أكلتها ألسنة اللهب وطحنتها حرب ظالمة، أطفال في سن الزهور يقتلون ويحولون إلى مقعدين بسبب آلة الحرب الطاحنة وأرض تبكي تخضبها بدماء الأطفال وتشكو تزايد التوابيت الصغيرة فيها يوماً بعد يوم.
عايش أطفال الشيشان - تلك الدولة القوقازية المنكوبة بآثار الحرب منذ عشرات السنين، الموت بشكل يومي عانوا خلالها من شظف العيش الذي فرضته ظروف الحرب المأساوية التي تسببت في هدم البيوت، انتشار الألغام في كل مكان والعمليات التي قام بها أفراد الجيش الروسي في مناطق الحرب الواسعة.
عمار البالغ من العمر ثلاثة عشر عاماً أحد ضحايا الألغام التي زرعها الجيش الروسي عندما داس بقدمه على علبة من الحليب المكثف لم تكن سوى لغم انفجر فيه مما أدى إلى نسف رجله اليسرى. فأراضي الشيشان مزروعة بالألغام الأرضية والقنابل اليدوية على مساحة تقدر بمساحة ولاية نيوجيرسي الأمريكية حسب وصف صندوق الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسيف) التي ترى أن حوالي عشرة آلاف شخص منهم 4 آلاف طفل وامرأة لقوا حتفهم أو أصيبوا إصابات بليغة بسبب تلك الحقول من الألغام ورغم نكبة الشيشان بهذا البلاء المستشري إلا أنها لا تحظى بأية معونة دولية للتخلص من هذه الألغام أو لإعانة ضحاياها.
وطلبوا المزيد من الأيدي لقطعها
جوبا دمعة تجري على خد طفل يتيم وأم ثكلى وشيخ هرم ورصاص لم يتوقف، حرب الجنوب السوداني جُرح ما زال ينزف في القارة السمراء، عدم استقرار وفزع وآمال تقطعت بها السبل ولم يبق على شفاه الكثيرين إلا عبارات الحسرة وذكريات من مات وماض لن يعود.
تعدى ذلك إلى التعليم الذي شهد تدهوراً كبيراً حيث أغلقت المدارس في المدن وأدى ذلك إلى تسرب ما يزيد عن 95% من الأطفال غزوا الأسواق والحرف الهامشية وبعضهم يمارسون التسول، وتحصيل من بقي منهم على مقاعد الدراسة في تدن ملحوظ والسبب هو الحرب.
و في سيراليون على مدى سنوات الحرب الأهلية التسع، تعرض آلاف الأطفال للقتل والتشويه والاغتصاب والاختطاف خلال حملات منظمة من الفظائع على أيدي قوات الجبهة المتحدة الثورية والمجلس الثوري للقوات المسلحة. وتعرضت للاغتصاب آلاف الفتيات والنساء، وأُرغمن على الخضوع للاسترقاق الجنسي، اختُطف زهاء 4 آلاف طفل، ذكوراً وإناثاً، لإرغامهم على القتال، بينما أصبح مئات الآلاف لاجئين أو مهجرين داخل بلدهم، وكانوا منفصلين عن عائلاتهم في كثير من الأحيان.
وتمثل أحد أكثر جوانب النزاع قسوة ووحشية في استخدام أسلوب بتر أذرع المدنيين أو أيديهم أو أقدامهم، وكان بينهم أطفال، بل حتى رضّع. طفلة في الثامنة من عمرها، تروي قصتها: (جاء المتمردون إلى كبالا. وعندما وصلوا إلى بيتنا، أمرونا بالخروج منه. قالوا لنا إنهم سيقتلوننا جميعاً، وأمر أحدهم زميله بأن يذهب ويحضر بلطة. ألقوا بي أرضاً، ثم بتروا يدي. نادوا على والدتي وبتروا يدها كذلك. وبتروا أيدي تسعة أشخاص آخرين. وأخبرنا المتمردون أن نذهب إلى الرئيس تيجان كباح، وطلبوا المزيد من الأيدي لقطعها. أما الآخرون فقد قُتلوا جميعاً. لا أعرف كم عددهم... أنا الآن أعيش مع أمي هنا في هذا المخيم، وأذهب إلى المدرسة، لكن يدي لا تزال تؤلمني. )
قتلوه.. لأنه سمح لي بالذهاب إلى المدرسة
في أفغانستان تحول الأطفال الرضع إلى جزء من ركام تلك الحروب، لأن الصواريخ العابرة للقارات قطعت أنفاسهم وحولت أجسادهم إلى دم قاني.
مع اقتراب الشتاء يشتد الخوف على الأطفال هناك بسبب نقص التغذية الحاد الذي سببته الحرب الأمريكية والجفاف ووفقاً لتقارير الأمم المتحدة يوجد 5ر3 مليون شخص في أفغانستان في حالة صحية سيئة وأكثرهم من الأطفال تحت 5 سنوات، مما ينبئ بكارثة إنسانية حادة وهذا الرقم في تزايد مستمر ومن الممكن أن يصل إلى 5ر7 مليون خلال فصل الشتاء.
كما كان للحرب الأهلية التي دامت عقدين من الزمن أثراً وحشياً على سائر أجيال الأطفال في البلاد. وتعرض الآلاف منهم لعمليات التعذيب والقتل المتعمد والتعسفي على أيدي مختلف جماعات المعارضة السياسية. وقُتل عدد أكبر أو شُوَّهوا جراء ملايين الألغام الأرضية المزروعة في أرجاء البلاد. وقتل عشرات الألوف أو بُترت أطرافهم في قصف بلا تمييز لمنازلهم أو مدارسهم أو ملاعبهم.
واختُطفت الفتيات على أيدي القادة المتحاربين المحليين، إما لأغراضهم الجنسية الخاصة، أو لبيعهن لأغراض البغاء.
فتاة في الخامسة عشرة من عمرها اغتُصبت عدة مرات في منزلها في مقاطعة شيل سوتون التابعة لكابول، بعد أن دخل حراس مسلحون المنزل وقتلوا والدها لأنه سمح لها بالذهاب إلى المدرسة: (قتلوا والدي أمام ناظري، كان صاحب دكان، كانت الساعة التاسعة ليلاً. جاؤوا إلى بيتنا وقالوا له إن لديهم أوامر بقتله لأنه سمح لي بالذهاب إلى المدرسة، ولا أستطيع أن أصف ما فعلوه بي بعد مقتل والدي.. )
طفل في الثامنة من عمره قُطعت رأسه، وولدان في الثانية عشرة من عمرهما احتُجزا وكُسرت أذرعهما وأيديهما بالحجارة. واحتُجز مئات الأطفال كرهائن بدلاً من آبائهم الذين فروا من وجه الاعتقال. وقضى هؤلاء الأطفال عدة أشهر في الحجز، تعرضوا فيها للتعذيب وسوء المعاملة.
ونشرت صحيفة (ستار) الماليزية رسائل كتبها أطفال أفغانيون يشرحون فيها ظروفهم المعيشية... رسالة الطفلة "شابانة" (13عاماً) التي تقول فيها: (أنا في الصف السابع، وأدرس مواد كثيرة، ولكن ليس لديّ مال لشراء كتب، ولا مال لشراء أقلام، ولا دفاتر أو ملابس جديدة ولا أحذية ولا دواء.. آمل أن يعود السلام إلى بلادي أفغانستان).
أما "نبيلة" (14عاماً)، فتقول: (دائماً أدعو الله حتى يعود السلام لجبال أفغانستان لنعيش فيها بأمان)،
وأيضاً "شكيلة" (12عاما) التي نشرت رسالتها ضمن 14رسالة أخرى للقراء الماليزيين تقول: (نحن نحتاج إلى كل شيء يحتاجه الأطفال كل يوم، ونريد أن تتحرر بلادنا، ويعود السلام لأفغانستان حتى نرجع لقريتنا).
وتؤكد " سحر " (14عاماً) الكلام نفسه بقولها: (نحن ليس لدينا كتب وهذه مشكلة كبيرة، فلسوء حظنا ليس لدينا مال لشراء الكتب، وآباؤنا بلا عمل في المخيم، ونحتاج للمساعدة، ويجب على الدول الأخرى أن تساعدنا حتى نشتري الطعام والملابس والكتب)، وكتبت "حبيبة" (12عاماً) نفس المعاني.
كما كتبت أسنا (13عاماً) تقول: (قبل 3 أعوام جئنا من أفغانستان، وأنا أدرس في الصف السابع، ونحن نحتاج إلى أقلام رصاص وكتب وأشياء كثيرة.. أمي مريضة، ونحن بحاجة للنقود، وأحب أن يعود السلام إلى بلادي).
وتقول "شابنام محمد نسيم" (14عاماً): (أكثر ما آكله هو البطاطس والخبز والشاي، وآخر مرة أكلت فيها حساء الدجاج كان في قريتي بأفغانستان قبل 5 سنوات).
وفي مخيم لاجئين آخر بالقرب من مدينة كويتا الباكستانية قالت "فاطمة عبد الله حسين" (9 أعوام): (لا أستطيع النوم؛ لأنني أنام بدون بطانية، أنا أستيقظ مرات كثيرة في الليل لأدفئ نفسي، ونحن نسكن في مخيم وسط الجبال، بطني فارغة ودائماً تؤلمني؛ لأنني لم أشبع منذ زمن، هربنا من الحرب إلى هنا لأن الطائرات لا تأتي هنا).
عالم جدير بالطفولة!!!....
هكذا هي الطفولة هناك وسط القذائف والرصاص، كيف يبقى الطفل طفلاً وهو يحمل في حقيبته المدرسية دماء صديقه، كيف ينام مستقراً في حضن أمه وكنف أبيه وهو لا يأمن أن يستيقظ في الصباح فيجدهما حوله.
إنها الطفولة في فلسطين... صبية كانوا في طريقهم إلى مدرستهم في الصباح الباكر عندما ضرب أحدهم بقدمه قذيفة كانت موجودة في الأرض فانفجرت وقتلته ومعه أربعة من أقاربه تتراوح أعمارهم بين 7 و14عاماً، قذيفة أطلقتها الدبابات الإسرائيلية على مخيم خان يونس ولم تنفجر حينها...
وقتلت ماريا أبو سريس (10 سنوات) برصاص جنود الاحتلال وهي تلهو في غرفة بيتها، كما خرق رصاصهم جسد رهام ورد (12عاماً) في غرفة صف مدرستها بمدينة جنين، وقتل طفل برصاص دبابة عندما كان يلهو في عطلته الأسبوعية أمام منزله في قرية اليامون، و محمد الدرة، الذي تلقى جسده الصغير الرصاص وهو في حضن والده، و فارس عودة الذي تصدى بحجره الصغير لدبابة إسرائيلية ضخمة.
وراء أسوار السجون
أغمض الصبي (أيمن دراج) عينيه ليستعيد ذكرياته داخل جدران سجن (بيت ايل) الإسرائيلي إثر اعتقال الجيش الإسرائيلي له بتهمة رشق الحجارة على مركبات عسكرية ليمضي 4 أشهر في عتمة السجن. وبصوت مرتج، قال أيمن (13عاماً): (سجنوني أربعة أشهر، وأرغموني على الاعتراف برشقي الحجارة على الجيش، وخوفاً منهم قلت: إني فعلت، تعرضت للضرب والتجويع و"الشبح" أجلسوني على كرسي صغير وكبلوا يديّ وراء ظهري ووضعوا غطاء ذو رائحة كريهة على رأسي لساعات طويلة).
قالت والدة أيمن :إن الجيش اعتقل طفلها من المنزل بينما كان نائماً على سريره في الساعة الثانية فجر أحد أيام مايو الماضي، حيث طوقوا المنزل ثم اقتحموه بطريقة فظيعة وأقاموا أيمن من فراشه وكبلوا يديه و عصبوا عينيه وزجوه في مركبة عسكرية لنعلم بعد ذلك أنه موجود في معتقل بيت ايل.
الطفلة سناء عمرو 14عاما اعتقلت مع شقيقتها لاتهامها بمحاولة طعن مستوطن في شارع الشهداء في الخليل. وقال محامي المنظمة الذي زار سجن الرملة (عزلت سناء وحدها في غرفة ضيقة لمدة 12 يوماً متواصلة الأمر الذي خلق عندها وضعاً نفسياً غير مستقر. )
الطفل إبراهيم عايد عبد الجواد زعول اعتقل على أيدي جنود الاحتلال بصحبة عدد من القوات الخاصة الذين كانوا يلبسون الأقنعة على رؤوسهم، بعد أن قاموا بإطلاق رصاصة لإطفاء اللمبة الموجودة على المدخل، وانتشروا في جميع أرجاء المنزل بصورة أرهبت جميع أفراد عائلته خاصة الأطفال، وحين خروجه من البيت قام الجنود الذين كانوا يمسكونه من ذراعه بضرب رأسه في بوابة المنزل الرئيسية المصنوعة من الحديد، ثم أخذوا وهم ماضون في طريقهم لسيارة الجيب العسكرية بركله على قدميه وجعلوه يسقط على الأرض، تم وضعوه في الجيب وساروا به بصحبة معتقلين آخرين معصوبي العيون.
تلك كانت قصص من حكايات الاعتقالات التي انتشرت بشكل كبير حيث أشارت تقارير منظمة الحركة العالمية للدفاع عن الأطفال أن إسرائيل تحتجز 351 فلسطينياً قاصراً أي دون سن الـ 18من ضمنهم ست فتيات.
وقالت منظمات حقوقية تعنى بشؤون المعتقلين الفلسطينيين أن الأطفال يخضعون لإجراءات قاسية خلال عملية الاعتقال والتحقيق دون مراعاة لسنهم، ويتم إخضاعهم لمختلف الضغوط النفسية والجسدية على يد المحققين الإسرائيليين، وانتزاع اعترافاتهم عنوة، حيث يعمد المحققون الإسرائيليون إلى أساليب عنيفة مثل شبح الأطفال لساعات طويلة والاعتداء عليهم بالضرب وحرمانهم من النوم، ومن زيارات الأهل، والمواد الثقافية والدراسية، تردي نوعية الطعام المقدم لهم. وقد تورط عدد من الأطباء والممرضين داخل المعتقلات من خلال مشاركتهم في سير عملية التعذيب أو التكتم عليها.
وأفاد محامي الجمعية الفلسطينية لحماية حقوق الإنسان والبيئة أن إدارة معسكر اعتقال عوفر افتتحت مؤخراً قسماً خاصاً بالأطفال، تحتجز فيه عشرة أطفال تتراوح أعمارهم بين ثلاثة عشر وستة عشر عاماً.
و أن الضابط المسؤول عن هذا القسم يجبر الأطفال المحتجزين على أداء تحية عسكرية أمامه، وأداء حركات مخلة بالآداب، منتهكاً بذلك طفولتهم.
على مقاعد الدراسة
تنتهك سلطات الاحتلال الإسرائيلي حق الأطفال الفلسطينيين في التعليم عبر تعطيلها وشلها للعملية التعليمية بأكملها في مختلف المناطق الفلسطينية الخاضعة لسياسة الحصار ومنع التجول، وتستهدف التلاميذ الأطفال ومدارسهم بإطلاق الرصاص والقنابل الغازية نحوهم وفي داخل الصفوف الدراسية، حيث استشهد العديد من الأطفال وهم على مقاعد الدراسة أو أثناء توجههم إلى مدارسهم. هذا عدا ما يترتب على الأطفال الخارجين من السجن في الغالب من ترك المدرسة أو إعادة سنة دراسية.
تدمير نفسي
إن التأثير النفسي الذي تتركه رؤية قذائف تعبث في أجساد البشر على طفل ما يزال يمتلك الإحساس المرهف ليس بقليل. إذ أفاد بحث قام به قسم علم النفس في "جامعة تل أبيب"، أن 70% من الأطفال الفلسطينيين يعانون من صدمة نفسية جراء العمليات الحربية الإسرائيلية، و30% من أطفال المستوطنين أيضاً. وقد شمل البحث 1197طفلاً من مخيمات اللاجئين في رام الله وبيت لحم، وأطفالاً فلسطينيين من داخل فلسطين 48، وأطفالاً من المستوطنات الإسرائيلية.
وكُشف أن أطفال المخيمات مرّوا في الآونة الأخيرة بعشرة أحداث عنف في المتوسط الشهري، وأطفال الفلسطينيين من داخل فلسطين 48 بسبعة أحداث. وأفاد البحث أيضاً أن نسبة الأطفال الفلسطينيين الذين يعانون الصدمات النفسية عالية جداً، ويمكن مقارنتها مع نسبة الأطفال الذين تعرضوا لهذه الصدمات خلال قصف الطائرات الإسرائيلية للعاصمة اللبنانية بيروت.
وتبين نتائج المسوح التي تجريها المؤسسات التي تعنى بحقوق الطفل الفلسطيني أن اعتداءات الاحتلال الإسرائيلي حصدت خلال العام والنصف الماضية، أرواح أكثر من 230 طفلاً تحت سن الثامنة عشرة وهو سن الطفولة وفق معيار منظمة الصحة العالمية.
تدافع نحو الموت
ما الذي يجعل طفلاً مازال في خطواته الأولى نحو الغد، يقذف بنفسه إلى الموت؟!.
نوره... طفلة متفوقة، وجميلة، ومرهفة الإحساس، وربما لأنها كانت كذلك، فعلت ما فعلته، ورحلت..
تسللت نوره (15عاما) من بيت والدها عند منتصف ليل ذلك اليوم، واستقلت سيارة أجرة إلى قرية فرعون المجاورة، ومن هناك سارت مشياً على الأقدام بين الحقول، إلى أن وصلت إلى الحاجز العسكري، على بعد حوالي كيلومترين، واستلت سكيناً صغيراً، لمهاجمة أحد الجنود الذين سارعوا لفتح نيران أسلحتهم الرشاشة على جسدها الصغير فور أن وقعت أنظارهم عليها.
نوره تأثرت بمشاهد مروعة شهدتها بأم عينها وهي في طريقها إلى المدرسة في مدينتها طولكرم، ومنها مشهد جسد الشهيد فواز بدران وهو يحترق بعد أن أصابته قذيفة دبابة، وأشلاء الشهيد عامر الحضري الذي سقط بتفجير سيارة وغيرها.
صرح (90%) من الأطفال بأنهم متلهفون للمشاركة في الانتفاضة، وقال (63%) منهم بأنهم يريدون أن يصبحوا شهداء.
في دراسة أجراها الدكتور أبو هين حول تدافع الأطفال نحو الاستشهاد والتي بينت نتائجها أن 100% من الأطفال شاهدوا أعمال عنف من قبل جنود إسرائيليين، مثل إطلاق نار وغارات وقصف وغيره.
وقال ثلث الأطفال الذين شملتهم الدراسة، بأنهم تأثروا بأعمال عنف إسرائيلية.
ويشير (الدكتور أبو هين) إلى أن عدم قدرة المسؤولين، من رب الأسرة، إلى رجل الأمن، إلى المدرَّس، والسلطة السياسية على توفير الحماية للأطفال من قمع الاحتلال، أدى لانهيار كل معايير الأمان لديهم، وتحركهم لتوفير الحماية الذاتية لأنفسهم.
إحصائيات
استشهد (225) مواطناً ممن بلغوا الثامنة عشرة فما دون خلال السنة الثانية للانتفاضة، مقابل (175) طفلاً في السنة الأولى. ومن بين شهداء السنة الثانية (201) طفل قتلوا على أيدي قوات الاحتلال والشرطة والمستوطنين، و(4) استشهدوا في ظروف غامضة، و(5) جراء إعاقتهم على الحواجز، و(15) طفلاً قضوا في عمليات تفجيرية. وبذلك يبلغ عدد الشهداء من الأطفال خلال الانتفاضة (400) طفل.
(45%) من الأطفال الفلسطينيين أصبحوا يعانون من سوء التغذية التي انتشرت بمعدل 125. 6% مقارنة بعام 2000وأشارت الوزارة إلى أن نسبة فقر الدم عند المواطنين بشكل عام ازدادت ثلاثة أضعاف ما كانت عليه قبل الانتفاضة. ويواجه حوالي نصف مليون طفل فلسطيني تحت سن الخامسة أوضاعاً صحية حرجة نتيجة سياسة الحصار ومنع التجول التي أدت إلى حرمان أولئك الأطفال من الرعاية الطبية والصحية في ظل عرقلة قوات الاحتلال لعمل المنظمات الطبية والإنسانية من خلال اعتداءاتها على تلك الطواقم وعدم احترامها للحماية المقررة لها..
اعترافاتهم
اعترف عدد من جنود الاحتلال في مقابلات صحافية نشرتها صحف عبرية مهمة مؤخراً بأنهم، أو زملاءهم، تعمدوا إطلاق النار على أطفال وقتلهم خلال المواجهات، وبرر بعضهم جرائم القتل هذه بحالة الضجر التي يعيشونها في مواقعهم؟!!
وقد نوقشت قضايا الأطفال الفلسطينيين الذين يسقطون برصاص قوات الاحتلال على مختلف المستويات في العالم، إلا أن أمريكا ما زالت تعترض و بشدة على إدانة الكيان الصهيوني، وكان آخرها اعتراضها على البيان الختامي لقمة الطفولة للأمم المتحدة "عالم جدير بالطفولة"!!! الذي أدان الصهاينة بسبب ما يمارسونه من عنف ضد الفلسطينيين.
قبل أن يصبحوا كباراً
في بريطانيا - قبل أن يصبح الأطفال كباراً، فيفهمون لعبة السياسة، ويفضلون المصالح على الحقوق- نظم مئات الأطفال البريطانيين مسيرة في قلب العاصمة لندن تضامناً مع أطفال فلسطين، وتنديداً بالاحتلال الإسرائيلي.
سار الأطفال برفقة أمهاتهم، وسلم ممثلون عنهم رئيس الوزراء البريطاني توني بلير رسالة أعلنوا فيها قلقهم من السياسية البريطانية التي تستغلها إسرائيل في استمرار انتهاكاتها لحقوق الفلسطينيين، ومطالبتهم بمواقف فاعلة تضمن تأمين الحماية الدولية للمدنيين الفلسطينيين، والتصدي للعنجهية الإسرائيلية، مشيرين إلى أن نحو 20% من ضحايا الاحتلال في الأراضي الفلسطينية المحتلة هم من الأطفال.
إثر ذلك انطلق الأطفال إلى الميدان رافعين لافتات باللغة الإنكليزية تطالب بحماية أطفال فلسطين وضمان الحياة الآمنة لهم، حيث تحدث عدد منهم وسط حضور إعلامي ملحوظ لوسائل الإعلام المحلية. ووفرت الشرطة البريطانية حماية خاصة للمسيرة خشية تعرضها لأي أعمال عنف من قبل مؤيدي إسرائيل، نظراً للأعداد الكبيرة من الأطفال الذين شاركوا فيها، ومن بينهم مجموعة من الأطفال الرضع.
عالم من ورق
إلى من يبحث عن عالم جدير بالطفولة، عن توصيات قمة الأطفال، فليبحث هناك في أرشيف اليونيسيف، سيجد ما يطيب له من توصيات تشمل كل المجالات، سيجد عالماً من الورق، ولاشيء إلا الورق.
ــــــــــــــــــ
المصدر:مجلة حياة العدد 35 ربيع الأول 1424هـ
http://www.saaid.net المصدر:
آباء وأبناء في مهب الريح
عبد الدايم ناظم الشحود
استشاري أطفال مشفى الحمادي
drdaemn1968@hotmail.com
عندما تذكر كلمة العقوق يتبادر إلى الذهن مباشرة عقوق الأبناء لآبائهم ويسرح الخيال في الأشكال المختلفة والعديدة التي قد تدخل تحت هذا المضمار ويمر في البال شريط من الأقوال والأفعال التي تصب كلها في بوتقة واحدة يكون الضحية دائما أحد الأبوين، فهذا الأب الكهل قد تركه أبناؤه تنهشه الأسقام والأوجاع غير مبالين بصرخاته وتوسلاته، وتلك عجوز عاركت الحياة سنوات طويلة حتى أصابها السقم ولم يعد بدنها قادرا على مواجهة نوائب الدهر فتنكر لها فلذات كبدها وضاقوا ذرعا بطلباتها الكثيرة التي عجزوا عن تحقيقها في زمن أصبح للتقالبد وزخرف الحياة أو مايدعوه أهل الطبقة المخملية بال(الاتيكيت)الهم الأكبر والغاية المنشودة فكثر الذئاب ممن ارتدوا قناع البراءة والطهر وتفاقم عدد الحملان المزيفة والحمائم البرية، وأصيب العامة بداء الصمم عن نداء الاستغاثة والتوسل الذي تقشعر له الأبدان وتسيل لأجله العبرات، فهذا رجل كهل أودعه أبناؤه دار العجزة والمساكين بحجة أن مشاغل الحياة لم تترك لهم وقتا لتلبية احتياجاته وطلباته، خاصة بعد أن ضاقت الزوجة ذرعا بوجوده وأصبح همها الوحيد أن تخلو بزوجها وأبنائها دون أن يعكر صفو حياتهم أي عاذل خاصة أن دور العجزة والمسنين في الوقت الحاضر أصبحت حسب زعمهم دلالة على الرقي والحضارة بما فيها من إمكانيات وخدمات لا يمكن توفرها في المنزل، بل أصبح بعضهم يتشدق بين أقرانه أنه ألقى عن كاهله هما طالما حمله فترة طويلة ليتمكن من أن يخلد إلى زوجته ويسكن إليها دون منغصات أو إزعاجات ونسي بل تناسى أن الوقت قد حان ليرد الجميل أولا وليكسب الرضا الذي قد يكون سببا لدخوله الجنة في زمن الماديات الضالة.(101/2)
وهنا لابد من أن أذكر قصة ذلك الرجل الذي كان يسهر طوال الليل على خدمة والديه يحمل إناء الحليب ليسقي أبويه بينما صبية جائعة تنتظر دورها، وفي احد الأيام غلب النوم العجوزين قبل أن يتناولا الحليب فما كان من الابن البار إلا أن انتظر فوق رأسيهما إلى أن انبلج الصباح وقد تورمت قدماه، إن طاعة الأبوين سبب لنيل الرضا والرضوان، الم يقل صلوات الله وسلامه عليه ((أدرك أبويه أحدهما أو كليهما فلم يدخلاه الجنة))، يدخل العجوز دار المسنين والحسرة تأكل فؤاده، وقد يخفي ذلك الشعور عن فلذة كبده ولكن إلى أجل مسمى فتسيل العبرات، وتزداد الآهات وليس هناك أصعب من منظر شيخ كبير تركه أبناؤه وحيدا بينما كان ينتظر الحصاد، فعاد بخفي حنين وندم ندامة الكسعي، فانزوى في ركن صغير حقير يذرف دموعا سخية، وما أصعب أن ترى الشيخ يبكي بحرقة باثا همومه وأحزانه إلى خالقه شاكيا فلذة كبده، إنها مواقف عصيبة يتفطر القلب لمرآها، وهنا لابد من أن أهمس في أذن هؤلاء بالآية الكريمة ((إما يبلغن عندك الكبر أحدهما أو كلاهما فلا تقل لهما أف ولاتنهرهما وقل لهما قولا كريما واخفض لهما جناح الذل من الرحمة وقل ربي ارحمهما كما ربياني صغيرا)).
ومازلت أذكر تلك القصة التي حكاها لي جدي (رحمة الله عليه): بعد أن انتصرت الزوجة قرر الزوج أن يرضخ لرغباتها فحمل أباه العجوز في سلة كبيرة قاصدا إحدى المغائر، غير آبه بتوسلاته وآهاته، ابتعد الأب ميمما وجهه شطر إحدى التلال القريبة من البلدة بينما لحقه ابنه مذكرا إياه أن يعود بالسلة كي يحمله بها عندما يكبر، ويبدو أن وقع تلك الكلمات كان بالغ الأثر إذ عاد الرجل أدراجه ضاربا عرض الحائط بمطالب الزوجة وقرر أخيرا أن يعود إلى جادة الصواب ويمضي ما تبقى من عمره في السهر على راحة أبيه آملا في الفوز بنعيم الدارين.
لو تركنا بر الوالدين امتثالا لطاعة الله - سبحانه -، وفكرنا بمنطق الشعوب العلمانية لكان أيضا واجبا بل لزاما علينا أن نبر الوالدين ولاننسى فضلهما، أين آلام الحمل والولادة؟!
إن بر الوالدين طوال العمر لا يعدل طلقة واحدة أثناء الولادة، فكيف بالحمل والرضاعة والهموم وغير ذلك مما تتكبده الأم، كذلك الأب الذي يشقى طوال حياته ليؤمن الحياة الكريمة لأبنائه غير آبه بمتطلباته الخاصة ورغباته الشخصية، إن رد الجميل واجب تجاه الأشخاص العاديين فما بالك بالوالدين!! هل جزاء الاحسان إلا الاحسان؟!
إنك عندما تسير في بلاد الغرب يوم الأحد تدهش للمنظر الذي تراه: كثير من كبار السن ممن قاربت أعمارهم السبعين والثمانين أو يزيد يقضون عطلة نهاية الأسبوع مع خليل البقية الباقية من حياتهم، هل تعرفون من هذا الخليل الذي يبقى ليؤانس وحدتهم وينسيهم همومهم ويسهر على راحتهم، إنه ليس الابن ولا الابنة أو غير ذلك من الأقارب أو الأصدقاء، بكل بساطة......... كلب.... يسير إلى جانب هذا الشخص الهرم يبث كل منهما الآخر همومه وأحزانه في مجتمع ادعى الحضارة والرقي والازدهار ونسي أو تناسى أن الحضارة الإنسانية هي الجوهر وأن بناء الإنسان هي الهدف الأسمى والغاية النبيلة في هذه الحياة.
إننا عندما نطلب من الأبناء أن يبروا والديهم ويحسنوا إليهم فإن مسؤولية تسهيل هذه المهمه تقع على عاتق الوالدين، إذ كيف يتوقع أن يكون الابن بارا بوالديه وهو يرى يوميا أشكالا شتى وضروبا متعددة من الإهمال الوالدي، لقد ضرب الفاروق عمر - رضي الله عنه - أروع الأمثلة حول هذا الموضوع، حيث جاءه أب يشكو عقوق ابنه، ولما سئل الابن عن سبب ذلك أجاب الابن أن أباه سماه (جعلا) ومعناه الخنفساء وعندها أشار الفاروق بأحقية الطفل أن يكون له اسم محبب ورد على الوالد شكايته.
لقد ضمن ديننا الحنيف حقوق الطفل منذ ولادته بل من قبل ذلك باختيار أمه الصالحة المناسبة، ثم اختيار اسم مناسب وتربيته التربية الإسلامية الصحيحة التي تدفعه لبر الوالدين وتجعل ذلك السمة العادية والطبيعية لحياة هؤلاء الأبناء، إن مما يحزن القلب أن الغرب وضع قوانين ونظما لحقوق الطفل وأصبح يتشدق بها بينما كان الأجدر بنا أن نعود إلى ديننا الحنيف، إلى تعاليم القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة لننهل منها أفضل التعاليم التي تضمن هذه الحقوق.
ومن خلال ممارستي العملية مازلت أرى بين الفينة والأخرى ما يبعث على الحزن، فمن تعلق الطفل بالخادمة وعزوفه عن أمه لدرجة أن كثيرا من الأمهات يرسلن أبناءهن المرضى وهم بحالة سيئة إلى المشفى برفقة الخادمة والسائق، يفحص الطبيب الطفل ويتبين من ملامح مرافقيه أنهم ليسوا والديه ويكتشف أخيرا الحقيقة المرة، إنهم الآباء المستأجرون لتربية أبنائنا، ولكن يبدو أننا ندفع الثمن باهظا.
كما أنني مازلت أذكر ذلك الطفل الصغير الذي لم يتجاوز عمره بضعة أشهر وقد تركته أمه في المشفى برفقة الخادمة، كان منظرا يبعث على الدهشة حيث أن الخادمة كانت تذرف الدموع السخية عند إعطاء الطفل الأدوية عن طريق الوريد، أما عندما تحضر الأم لزيارة طفلها لدقائق قليلة وتحاول أن تحمل طفلها بين ذراعيها تبدو علامات الامتعاض على وجه الطفل ويلتفت إلى أمه الثانية وكأنه يطلب منها أن تنقذه من هذا الموقف العصيب الذي فرض عليه فرضا، قلت في نفسي: إنها كارثة حقيقية أن تغادر هذه الخادمة إلى بلدها وتترك الطفل في مهب الريح بلا أم ترعاه وتحنو عليه كما يجب ويصبح الطفل يتيما رغم أنفه.
ويشب الطفل والطفلة على عادات وتقاليد غريبة عن ديننا ومجتمعنا ولا نتنبه إلى هذه الحقيقة المرة إلا بعد فوات الأوان، عندما نرى التمرد في عيون أبنائنا ونلمس العقوق في تصرفاتهم، فنلومهم على ذلك ونحاول جاهدين أن نقوم ذلك العود الذي ازداد صلابة في أرض غير أرضنا وفي سماء غير سمائنا فلا نفلح بل نلقي اللوم جذافا كعادتنا على المحيط والمجتمع وغير ذلك، كيف نتوقع من أبنائنا البر وقد اخترنا لهم ولهن أسماء جاهلية قبيحة يندى الجنين لمعانيها! كيف نتوقع البر من أبنائنا وقد تسابقنا أمامهم إلى الرذيلة والفجور! لماذا نطلب البر من أبناء ولدناهم ثم تركناهم في مهب الريح لتربيهم الخادمة وترضعهم لبان ثقافة غريبة فيشبوا عليها ويصبح من الصعب بل من المستحيل أن نقوم الاعوجاج ونصلح الخطأ، أليست تربية الأبناء من أسمى الأهداف التي يجب أن يضطلع بها الوالدان؟! أليست الأسرة هي اللبنة الأولى التي إن صلحت صلح المجتمع بأسره وإن فسدت فسد المجتمع قاطبة؟! أليس من واجب الآباء أن يزرعوا في نفوس أبنائهم محبة الله ورسوله وأصحابه ويجعلوا هؤلاء قدوتهم بدلا من شرذمة من حثالات الناس ممن اتخذوا سبيل الشيطان غاية والابتعاد عن طريق الهدى هدفا، إننا عندما نعجب بهؤلاء ونقلدهم بشكل أعمى إنما نرتكب جريمة كبرى بحق الجيل الجديد الذي نعتمد عليه في تحقيق مستقبل نحلم أن يكون مشرقا ومشرفا،. وهنا أذكر الحديث الشريف (رحم الله والدا أعان ولده على بره) فلنتق الله في أبنائنا ونكن قدوة صالحة لهم ونمهد لهم الطريق الذي يمكنهم من أن يبرونا عند الكبر قبل أن يفوت الأوان وتنطلق القافلة في مهاوي الضلال والضياع.
http://www.islamselect.com المصدر:
ـــــــــــــــــــ(101/3)
إهانة الطفل
فاطمة....والتلفاز:
فاطمة تلميذة في الصف الخامس الابتدائي ومفروض ألا تشاهد التلفاز إلا بعد أن تنتهي من واجباتها المدرسية. وفي إحدى الليالي كان عليها أن تنتهي من بعض الواجبات التي كان يجب أن تسلم في المدرسة في اليوم التالي، ولكنها أرادت أن تشاهد برنامجها المفضل في التلفزيون حيث كانت هناك منافسة في التزحلق على الجليد، ولذلك كذبت على أمها بخصوص الواجبات المدرسية، وفي اليوم التالي اتصلت مدرسة فاطمة لتسأل الأم عن تلك الواجبات مما أثار غضب الأم، فاندفعت إلى الحديقة الخلفية في المنزل حيث كانت فاطمة تلعب مع بعض زميلاتها، وصاحت في وجهها: [فاطمة.. أنت كاذبة وعليك أن تخجلي من نفسك] فاطمة أحست بالإهانة الشديدة أمام زميلاتها، وتمنت لو أن الأرض قد ابتلعتها في تلك اللحظة، وانسحبت باقي الزميلات في كآبة، كلٌّ إلى بيتها.
فيصل... والطعام.
فيصل زاد وزنه كثيرًا في إجازة الصيف بين العام الدراسي الثالث والرابع، وبدأت أمه تسميه 'كلبوظ' وكلما تحدثت معه تذكر هذا له فتقول: يا فيصل لا بد أن تقلل من طعامك ولا تأكل كثيرًا حتى تصبح رشيقًا مثل الأطفال الآخرين.. انظر إلى أخيك إنه أكبر منك ولكنه لا يأكل مثلك ووزنه أقل منك كثيرًا.. أنت إنسان أكول و'مكلبظ' وقد أخبرتك كثيرًا أن تتوقف عن النهم في الأكل، ولكنك لا تسمع الكلام. وعندما يستمع فيصل إلى هذا الأسلوب من الحديث يطأطئ رأسه بحزن!
* الإهانة لا تصحح خطأ.. وإنما تؤثر بالسلب في نفس الطفل:
انظر إلى أم فاطمة وأم فيصل.. إنهما تعتقدان بهذه الطريقة أنهما يمكنهما تصحيح خطأ فاطمة وفيصل وتحميسهما لعمل الأفضل، ولكنها نسيا أن يتبعا أسس النصيحة السليمة كما علمنا إياها رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، لقد صاحت أم فاطمة فيها أمام جميع زميلاتها، واتهمتها بالكذب، وهذا أسلوب إهانة وليس أسلوب نصح وتصحيح، كان على الأم أن تتعامل مع الموقف بحكمة، وتحدث فاطمة على انفراد لتتدارك المشكلة، لأن ما فعلته يفقد البنت الثقة في نفسها ويؤثر على العلاقة بينها وبين أبويها.
وأيضًا أم فيصل عليها أن تترفع عن الحديث بهذا الأسلوب لابنها، لأن هذا الأسلوب لا يحمل إلا التجريح والإهانة، ونحن في حاجة إلى تحميس الطفل ليتخلص من أخطائه دون أن نفقده ثقته بقدراته وبنفسه. [أولادنا أكبادنا].
إن عامل التحقير والإهانة لهو من أقبح العوامل المؤدية إلى انحرافات نفسية في الأبناء، بل هو من أكبر العوامل في ترسيخ ظاهرة الشعور بالنقص لدى الأطفال، فكثيرًا ما نسمع أن الأم أو الأب [شهر] بالولد حين ينحرف أول مرة عن سنن الأخلاق الكريمة، فإذا كذب مرة ناديناه دائمًا بالكذاب، وإذا لطم أخاه الصغير مرة واحدة ناديناه بالشرير، وإذا احتال على أخته الصغيرة فأخذ منها تفاحة كانت بيدها ناديناه بالمحتال، وإذا أخذ من جيب أبيه قلمًا ناديناه بالسارق، وإذا طلبنا منه كأس ماء للشرب فأبى ناديناه بالكسول، وهكذا نشهر به أمام إخوته وأهله من الزلة الأولى.
ومن مظاهر التحقير والإهانة في بيئتنا مناداة الولد بكلمات نابية وعبارات قبيحة أمام الإخوة والأقارب، وفي بعض الأحيان أمام أصدقاء الولد، أو أمام غرباء ما سبق أن رآهم واجتمع بهم، وهذا لاشك يجعل الولد ينظر إلى نفسه أنه حقير مهين، ومن سقط المتاع، لا قيمة له ولا اعتبار. وهذا أيضًا يولد في نفسه العقد النفسية التي تدفعه إلى أن ينظر إلى الآخرين نظره حقد وكراهية، وأن ينطوي على نفسه فارًا من أعباء الحياة، منهزمًا من تكاليفها ومسؤولياتها.
فكيف نرجو من الأولاد طاعة وبرًا وتوقيرًا واحترامًا واتزانًا واستقامة... ونحن قد غرسنا في نفوسهم وهم صغار بذور الانحراف أو العقوق أو التمرد... ؟
جاء رجل إلى عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - يشكو إليه عقوق ابنه.
فأحضر عمر الولد وأنّبه على عقوقه لأبيه، ونسيانه لحقوقه عليه، فقال الولد: يا أمير المؤمنين أليس للولد حقوق على أبيه؟
قال عمر: بلى!
قال: فما هي يا أمير المؤمنين؟
قال عمر: أن ينتقي أمه، ويحسن اسمه، ويعلمه الكتاب [القرآن].
قال الولد: يا أمير المؤمنين إن أبي لم يفعل شيئًا من ذلك، أما أمي فإنها زنجية كانت لمجوس، وقد سماني جُعلاً [أي خنفساء] ولم يعلمني من الكتاب حرفًا واحدًا.
فالتفت عمر إلى الرجل وقال له: جئت تشكو عقوق ابنك وقد عققته قبل أن يعقك وأسأت إليه قبل أن يسيء إليك.
ونحن لا نشك أن الكلمات النابية القبيحة التي تنزلق من الأب للولد لم تصدر إلا عن غاية تأديبية إصلاحية لذنب كبير أو صغير وقع فيه وبدر منه.. ! ولكن المعالجة لارتكاب هذا الذنب لا تصلح بهذه الحالة الغضبية، والطريقة التعنيفية التي تترك آثارًا خطيرة في نفسية الولد وسلوكه الشخصي.. وبالتالي تجعل منه إنسانًا يتطبع على لغة السب والشتائم، ويتخلق بأخلاق المنحرفين الحمقى، ونكون بهذه المعاملة القاسية قد جنينا على الولد وحطمناه نفسيًا وخلقيًا من حيث نعلم أو من حيث لا نعلم.
ولكن المعالجة الصحيحة أن ننبه على خطئه برفق ولين ونقنعه بالحجج الدامغة أن الذي صدر منه لا يرضى به إنسان عاقل ذو فهم وبصيرة وفكر ناضج رزين. فإن فهم واقتنع وصلنا إلى ما نريد في إصلاح خطئه.. ومعالجة انحرافه وإلا فعلى المربي إن أراد زجر الولد وتوبيخه ألا يكون ذلك أمام الحاضرين، كما يجب أن تسلك معه في بادئ الأمر الأسلوب الحسن في إصلاحه وتقويم اعوجاجه، وهذه الطريقة هي طريقة الرسول - عليه الصلاة والسلام - في الإصلاح والتربية وتقويم الاعوجاج. [تربية الأولاد].
التوبيخ في ميزان التربية:
يعتبر التوبيخ من الأساليب التربوية المهمة لتغيير السلوك لو استخدم استخدامًا صحيحًا مناسبًا.
مثال: اكتشفت الأم أن ولدها [خالد] الذي يبلغ من العمر سبعة أعوام قد شق عصا الطاعة، فعمد إلى تناول جميع قطع الشيكولاته التي وفرتها [للتحلية] بعد تناول وجبة العشاء، فما كان منها إلا أن بادرته بصوت صارم قائلة له: أنا مستاءة منك للغاية على فعلك، لقد وفرت قطع الحلوى لوجبة العشاء، أما الآن فليس لدينا ما يكفي من الحلوى لهذه الليلة.
كان تصرف الأم في التعبير عن استيائها صحيحًا ومناسبًا إذا كان شكلاً من أشكال العقاب الكلامي الخفيف الشدة الذي يستخدم عادة من قبل الأمهات. ويلاحظ أن التأنيب أو التوبيخ يكون بالاقتراب من الولد، والنظر إلى عينيه نظرة حادة ومن ثم التعبير عن مشاعر الاستياء الكلامي وتسمية السلوك المنافي المرتكب من قبل الولد أو البنت.
ومن الضرورة بمكان أن تتحلى بالسيطرة على الذات وضبطها بالقدر الممكن وأن نتجنب سلوك السخرية والتهكم والاستهزاء والتحقير، فمثلاً لا تقل: أنت حقير بهذا السلوك. وليكن التوبيخ بقليل من الكلام المختصر وليكن سلوكنا هادئًا وغير منفعل، فبعض الأولاد يحبون الجدال ويتمتعون باللسان الطويل ويسرون أن يروا انزعاج آبائهم عند توبيخهم.
وتذكر أن استياءك وتوبيخك يجب أن يوجه إلى السلوك المنافي الذي ارتكبه الطفل وليس إلى شخصيته، فلا تنقد شخصيته بل انقد السلوك السيئ، وعليك أن تشعره أن شخصيته بحد ذاتها مازالت محترمة مقبولة ومحبوبة، وأن السلوك غير المرغوب الذي يظهره والواجب أن يبدله هو المرفوض.
ولنأت بمثال واقعي يوضح لنا كيف يضر الانتقاد السلبي نفسية الطفل ثم سنتبعه بمثال آخر يبين لنا الانتقاد الايجابي ونتائجه الطبية.
* زياد طفل في العاشرة من عمره سكب كوبًا من الحليب دون أن يقصد وهو جالس مع والديه على مائدة الإفطار صرخت أمه في وجهه قائلة: اعتقد أنك في سن تجعلك تعرف كيف تمسك الكأس كم مرة قلت لك أن تأخذ حذرك لكنك كالعادة لا تسمع الكلام. وعلق الأب غاضبًا: لن يفعل أبدًا لأنه غبي، وسيبقى غبيًا. هذا هو الانتقاد السلبي الذي سيعود على نفس زياد بالسلب، ولن يعلمه كيف يفعل الصواب لأنه الانتقاد كان لشخص زياد وليس للخطأ.
*مثال آخر: أيمن يبلغ من العمر 8 سنوات عندما سكب كوبًا من الحليب دون أن يقصد على مائدة الإفطار، علقت والدة أيمن بهدوء بعد أن تعلمت أسلوب النقد البناء. لقد سكبت الحليب وعليك الآن تنظيف المائدة ونهضت لتأتي بإسفنجة مبلولة وأعطتها لابنها قائلة: خذ يا أيمن الإسفنجة لتسمح الحليب الذي سكبته. نظر أيمن إلى والدته بحب لأنها لم تغضب عليه كعادتها، وشعر بالأسف لعدم انتباهه وعاهد نفسه بأن يكون أكثر حذرًا في المستقبل وشكرها قائلاً: أنا آسف يا أمي وأشكرك لذا
فدعونا نركز على الفعل لا الفاعل في الانتقاد.
لأنه عادة ما يأخذ أبناؤنا انتقادنا على أنه هجوم عليهم، فيستعدون للدفاع عن أنفسهم ولا نصل إلى الهدف الذي نقصده.
ويُفَضَّل تجاهل خطأ الطفل في البداية: إذا لم يكن خطيرًا على نفسه أو على غيره، مع حسن الإشارة أو التلميح كما ذكرنا حتى نعطيه الفرصة للمراجعة وتصحيح السلوك، أما إذا ارتأينا توبيخه فيجب أن يكون على النحو التالي:
1ـ توبيخ الطفل سرًا.
2ـ عتاب الطفل ولومه جهرًا أمام أسرته أو رفاقه إذا استمر على خطئه رغم تحذيره ومعاتبته سرًا، وذلك بدون تحقير الطفل فالهدف من معاتبته على الملأ خوف الطفل على مكانته بين أقرانه، وليكون ذلك عظة وتحذيرًا للآخرين، ولابد من عدم تكرار الجهر بالعتاب للطفل وذلك حتى لا تفقد العقوبة قيمتها.
والواقع أن الطفل إذا تكرر لومه وتوبيخه فإنه يمر بثلاث مراحل:
* مرحلة التألم نتيجة الشعور بالذنب.
* مرحلة التضايق نتيجة التوبيخ مع الكراهية لمصدر التوبيخ.
* مرحلة عدم إعارة التوبيخ ومصدره أي اهتمام [اللامبالاة].
* وفي هذه الحالة يفشل هذا الأسلوب، ولابد من اللجوء إلى وسيلة تأديبية أخرى أكثر فعالية.
http://www.islammemo.cc المصدر:
ـــــــــــــــــــ(101/4)
كيف أجعل ابنتي تحب القراءة وتقرأ أكثر ؟
د. مصطفى أبو سعد
سؤال: ابنتي ستدخل إلى الصف الثالث في الخريف، وأنا قلقة لأنها لا تحب أن تقرأ إلا الكتب المليئة بالصور، وأنا أعتقد أنه يجب أن تتطور بأن تبدأ بقراءة القصص التي فيها مقاطع، ولكنها تتذمر وتقول إن هذه الأخيرة طويلة جداً، وأنا لا أريد أن أرغمها، ولكنني لا أريدها أن تتراجع أو تبقى متأخرة، سجلتها هذا الصيف في دورة سباحة، كرة قدم ومضرب، ولكنني قلت لها إنني سألغي كل هذه النشاطات إذا لم تأخذ وقتها في قراءة الكتب.. هل لديكم أية اقتراحات لجعل هذا الصيف مثمراً بالنسبة إلينا؟
{الجواب: يسعدني أن ابنتكم تحب القراءة، ونريد لها ألا تفقد هذه الشهية للقراءة، لاسيما أن الأطفال الذين يقرؤون أكثر من غيرهم هم الذين يقرؤون أفضل في هذا الإطار، فإن المثل القائل: استخدم الشيء وإلا تفقده.. صحيح، فإذا لم نستخدم القدرات على القراءة، نفقدها في نهاية الصيف، وبالفعل يجب أن تكون قراءة القصص جزءاً من نظام القراءة اليومي، ولكن يجب أن تبدئي بقراءتها لها بصوت عال في البداية؛ لأننا نريد أن تكون تجاربها في القراءة ممتعة.
إن التطور الطبيعي للقدرة على القراءة يبدأ من كتب الصور ثم إلى القصص القصيرة وأخيراً إلى القصص الطويلة.
ابنتك تمر في مراحل التطور الطبيعية، فهي تحب أن تقرأ الكتب المصورة، والإنسان بطبعه موجه نحو المتعة، ولا يفعل إلا الأمور التي يحب القيام بها.
بعد ذلك ستستمر بتكرار هذه الأمور مراراً، فإذا كانت ابنتك تجد في القراءة متعة أكثر من الألم، فإنها ستعود إلى القراءة مرات ومرات وستستمر قدرتها على القراءة بالتحسن.
إذا كانت مجبرة على قراءة شيء لا تريد قراءته، ستصبح القراءة عند ذلك تجربة مؤلمة وسلبية، تؤدي إلى إبعادها عن الكتب، وستصل نواياك الحسنة في مساعدتها على التطور في قراءاتها إلى عكس النتيجة المطلوبة، وقد تدير ظهرها للقراءة، وحين تكبر لا تصبح القارئة التي نتمناها أن تكون.
ينصح بأن تقرأ أو تقرأ لها ستة كتب على الأقل خلال الصيف.. ويجب أن تكون هذه الكتب خيالية ومريحة، وليس تكملة لنصوص المدرسة.
بما أنه الصيف، وابنتك ليست مضطرة للذهاب إلى المدرسة، تأكدي من أن تبقي بعض الكتب الممتعة على طاولة الفطور، شجعيها على القراءة في أي مكان كان، وفي أي وقت.. ولا تنسي أن تحملي كتاباً لقاعة الانتظار عند طبيب الأسنان أو للسفر بالسيارة، وأر ابنتك أنك تقرئين للمتعة كتباً ومجلات وجرائد، فأنت قدوة مهمة، لذلك يجب أن تؤمني لها صلة مع المطبوعات، أبق كتاب شعر في جيبك أو في يدك، وأنا متأكد من أن ابنتك ستستمتع كثيراً في هذا الصيف في اللعب والسباحة والقراءة.
{المرجع: الملف التربويwww.earlychildhood.com
عشر نصائح مهمة للأهل:
أولها مديح الطفل.. ثم المديح
إذا كان طفلكم يعاني صعوبة في الانتباه أو في مشكلات التصرف أو حتى من إفراط في الحركة، هذه بعض الإرشادات التي يمكنكم اتباعها لمساعدته للتأقلم:
- المديح: إن المديح يمنح الطفل الفخر والثقة بالنفس، مثل أن نستعمل دائماً عبارات: عافاك، شاطر، جيد، ونصفق له ونقبله كلما قام بعمل ما حسن، والهدف دائماً هو تشجيعه على المثابرة للقيام بأعمال جيدة.
- التوجيه: يجب تنبيه الطفل إذا قام بعمل غير ملائم وعدم اللجوء إلى أساليب التوبيخ، ويجب توجيهه بطريقة لا تجعله ينكفئ على نفسه.
- قانون موحد: يجب أن يكون القانون واحداً في المنزل مع كل أعضاء العائلة، ويجب أن يكون القانون روتينياً بالنسبة إلى الطفل.
- تحديد الأوامر بوضوح لكي يستطيع الطفل فهم الأوامر وتنفيذها: يجب علينا تحديدها بحسب قدرته على الفهم، ولا يفضل الانتقال من أمر إلى آخر بسرعة وقبل الانتهاء من الأول.
- إعادة التعليمات: إعادة التعليمات له ثم الطلب منه إعادة ما طلب منه مثلاً: ماذا قلت لك؟ وذلك باستعمال النظر إلى عيني الطفل والاستماع له للتأكد ما إذا كان قد استوعب ما قلناه له.
- وضع الطفل في مدرسة عادية مع برنامج للحالات الخاصة أو مع دعم خاص في صف عادي، يجب الاستعانة بمعلمة تعرف وضع طفلكم، ويجب إطلاعها على التعليمات، في بعض الحالات فقط قد يحتاج بعض الأطفال إلى الالتحاق بمدرسة خاصة بالأطفال ذوي الحاجات الخاصة.
- تخفيف ما يمكن أن يسبب الانصراف عن الدرس أو الكتابة: وضع الطفل أثناء الدرس في مكان هادئ وتشجيعه تكراراً حسب الحاجة.
- فرصة صغيرة: بعد القيام بعمل تركيزي معين.
- إعطاؤه أكثر وقت ممكن في البيت والمدرسة: يحتاج طفلكم إلى الكثير من وقتكم وعنايتكم ومحبتكم وصبركم، لاسيما عند الشرح أو تنفيذ المهمات المتوجبة عليه مثل الفروض أو الامتحانات لتقييم مدى استيعابه للمواد المطروحة، وقد لا يكون الوقت المعطى للامتحان كافياً وذلك لأن الأطفال المصابين بصعوبة في الانتباه يتأخرون بسبب صعوبة التركيز وليس بسبب نقص في الذكاء.
- الجلوس بجانب المعلمة: وذلك لتخفيف إمكانية اللهو.
{المصدر:جريدة البلد عدد 109 -2004
http://www.al-forqan.net المصدر:
ـــــــــــــــــــ(101/5)
قال أنا مراهق !! قلت .. ماذا تعني ؟
ظاهرة تشيع في مجتمعاتنا المعاصرة إطلاق المصطلحات بغير تحديد دقيق لمدلولها فيتم الاستدلال بها في غير موضعها، واستخدامها لصبغ أفعال لا تمت لها بصلة، لذا فلا بد من تحديد المقصود بهذا المصطلح حتى تتفق مع معشر الآباء والأمهات والأهم منهم هم الشباب أنفسهم في فهم المقصود بهذا المصطلح 'المراهقة'.
لقد ورد مصطلح المراهقة في عدة مواضع منها:
[1] {لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ وَلا يَرْهَقُ وُجُوهَهُمْ قَتَرٌ وَلا ذِلَّةٌ} [يونس /26] يعني لا يقترب من وجوههم.
[2] {قَالَ لا تُؤَاخِذْنِي بِمَا نَسِيتُ وَلا تُرْهِقْنِي مِنْ أَمْرِي عُسْراً} [الكهف/ 73].
[3] {وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِنَ الإِنْسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِنَ الْجِنِّ فَزَادُوهُمْ رَهَقاً} [الجن/6].
يعني في الآيتين التعب والمشقة.
المراهقة لغة: من راهق أي اقترب من الشيء، وراهق الغلام أي قارب الاحتلام فهو لغة الاقتراب. ولكن من ماذا؟ هذا ما سيتبينه. المراهقة اصطلاحًا: أي في تعريف علماء النفس، وتعني عندهم الاقتراب من النضج الجسمي والعقلي والنفسي والاجتماعي.
إذن فهو ليس النضج بل الاقتراب منه فقط، ومن هنا نتبين المشكلة، فالفرد قد يستغرق فترة طويلة تصل إلى ما يقرب من عشر سنين وهو يقترب من النضج في هذه الجوانب حتى يستقر وينضج حقيقة.
ومما يوضح المعنى أكثر الأصل اللاتيني للكلمة 'ADOLECERE' وهي تعني التدرج نحو النضج الجسمي والعقلي والنفسي والاجتماعي والعاطفي أو الوجداني أو الانفعالي.
وهذا يجعلنا ننتبه إلى الحقيقة ذاتها ـ التي ذكرناها سابقًا ـ أن النمو لا ينتقل من مرحلة إلى أخرى مباشرة لكنه يتم بشكل تدريجي ومستمر متصل بلا انقطاع.
فيا أيها الشاب المراهق وأيها الأب المراهق ليس طفلاً وهو كذلك ليس رجلاً والمشكلة الحقيقية تنشأ من الاختلاف الواضح بين كل من النمو الجسمي والنمو العقلي والنمو الاجتماعي والنمو النفسي والنمو العاطفي الوجداني الانفعالي، وتظهر صور الاضطراب وعدم الاتزان، ويختلف الشاب الذي يمر بمرحلة المراهقة في التعبير عنها سواء بالعنف أو الانطواء أو الانحراف وكل ذلك مرجعه إلى عدم قدرته على إحداث التوافق بين مكونات شخصيته وعدم فهمه لما يدور فيه ومن حوله.
فلا تنشغل كثيرًا بالصور التي يعبر بها المراهق عن اضطرابه، بل الانشغال الحقيقي في كيفية إعانته على إحداث هذا التوافق وإيصاله إلى فهم نفسه واستيعاب التغيرات المتلاحقة المتسارعة فيها.
* المراهقة هي تعبير عن الفترة التي تبدأ من البلوغ الجنسي 'PUBRTY' حتى الوصول إلى النضج 'Maturity' وهذا تعريف علماء من أمثال سانفورد وغيره.
* والمراهقة وفقًا لهذا التعريف تشغل فترة زمنية طويلة، بل مرحلة انتقالية من الطفولة إلى الرجولة وتستغرق فترة تصل للذكر من سن12 ـ 21 سنة، ومن سن 13 ـ 22 سنة للفتاة المراهقة، وها هنا تنبيه فإنه لا يلزم من وصول الفرد إلى النضج الجنسي 'Sexual Maturity' لا يعني بالضرورة وصول الفرد إلى النضج العقلي مثلاً، فعلى الفرد تعلم الكثير حتى يصبح راشدًا ناضجًا.
* وقد حدد كثير من العلماء مجموعة من الواجبات التي يسعى المراهق إلى تحقيقها في هذه المرحلة هي:
1ـ إقامة نوع جديد من العلاقات الناضجة مع زملاء العمر من الجنسين:
يسعى المراهق إلى إعادة صياغة علاقاته القديمة مع الجنسين والسعي إلى علاقات جديدة.
2ـ اكتساب الدور المؤنث أو المذكر المقبول اجتماعيًا لكل جنس من الجنسين:
تميز الأدوار وعدم التميع، ومرجع ذلك إلى البيئة والأسرة والصحبة والصور المثالية، وكيفية تصور الرجولة والأنوثة ومحاولة تمثل كل صفة للنوع الخاص به.
3ـ قبول الفرد لجسمه واستخدامه استخدامًا صالحًا، فالشق الأول وهو التقبل مثاله ما نراه من معاناة بعض الأولاد من ضخامة الحجم فجأة، وسرعة النمو، وكذلك خشونة الصوت بشدة فيخجل من هذه الصور، وكذا التغيرات الجسيمة في جسد المرأة وخجل المرأة منها أو محاولة إظهارها والتفاخر بها. والتعامل مع هذا النمو الجسدي إما تعامل صالح أو استخدام فيما يبغض الله - تعالى -لعدم اكتمال النضج العقلي والنفسي مع النضج الجسدي.
4ـ اكتساب الاستقلال الانفعالي عن الآباء وغيرهم من الكبار:
ويتميز هذا الاستقلال دائمًا بالتعامل الرافض لأي شكل من أشكال المعاونة فيما يخص قضاء احتياجات المراهق سواء كان رفضًا واضحًا قاطعًا، أو مجرد امتعاض على الوجه أو محاولة لإخفاء الخصوصيات وحل المشاكل بمفرده.
5ـ الحصول على ضمانات لتحقيق الاستقلال الاقتصادي:
وهو شكل من أشكال الاستقلال الانفعالي، وهو من أساسيات هذه المرحلة وهو خطورة رئيسية للمراهق لكي يحقق رغباته بمعزل عن الكبار واستقلال عنهم، فقد يدفعه ذلك إلى صدور عديدة من الانحراف.
6ـ اختيار مهنة والإعداد اللازم لها:
وهنا الصراع بين الحلم والواقع، بين توفر الإمكانيات وعدمها وعدم قدرة المراهق على حسم أمره أو حسم على جهل وتشجيع الآخرين أو تثبيطهم، وتوفر الفرص في المجتمع وانعدامها.
7ـ الاستعداد للزواج وحياة الأسرة:
ولذا تبدأ قصص الإعجاب التي تسمى حبًا في هذه المرحلة، وتشغل حيزًا كبيرًا من حياة المراهق، ونظرًا لعدم استكمال النضج العقلي فهي تجارب تنتهي بالفشل المؤكد، ولا يصل إلى الزواج منها وإتمام المشروع كما أخبرتنا الإحصائيات إلا نسبة لا تتعدى 5% من إجمالي هذه التجارب.
8ـ تنمية المهارات العقلية والمفاهيم الضرورية للكفاءة في الحياة الاجتماعية:
9ـ اكتساب مجموعة من القيم الخلقية التي تهديه في سلوكه.
إما أن يكتسبها من الشرع والدين، وإما أن يكتسبها من حصيلة تجاربه الضئيلة واقعيًا الضخمة في نظره هو.
عزيزي المراهق:
إنك تتعامل مع هذه الاحتياجات الضخمة بعقلية الطفولة المتأخرة ونفسيتها وعواطفها، إنك بحاجة لأيد تمتد لك تنقذك مما أنت فيه. فلا بد من توضيح وبيان التصور الإسلامي لكل مطلب من المطالب التسعة السابقة، وبقدر سرعتنا ووضوحنا في حسم التصورات الشرعية بقدر ما نحفظ المراهق من أشكال الاضطراب والقلق والتيه.
الفرق بين البلوغ والمراهقة:
البلوغ: هو بدء الجهاز التناسلي وما يصاحبه من تغيرات خارجية وداخلية في الجسم والنفس.
المراهقة: التدرج نحو النضج الجسمي والعقلي والنفسي والاجتماعي.
فالبلوغ هو مرحلة من مرحلة المراهقة المتكونة من ثلاث مراحل:
[1] المراهقة المبكرة: البلوغ.
[2] المراهقة المتوسطة: المراهقة.
[3] المراهقة المتأخرة: الشباب.
فالبلوغ جانب واحد من جوانب المراهقة ويسبقها من الناحية الزمنية ومراحل الانتقال في حياة الفرد مراحل حرجة في حياته ومرحلة نمو وتغير سريع ومتلاحق على جميع المستويات، ومن الطبيعي أن تؤثر على المراهق واضطرابه في فترات التغيرات.
ومما يؤكد لنا أهمية العوامل التسعة السابقة في إحداث الاضطراب من عدمه في مرحلة المراهقة، أو بمعنى آخر اختفاء مشاكل المراهقة وعبورها بسلام
وها هنا تستوقفنا ظاهرة عجيبة للغاية وهي اختفاء مشاكل المراهق تقريبًا في المجتمعات الريفية عن المجتمعات المدنية ومرجع ذلك إلى سهولة الاستقلال الاقتصادي والزواج المبكر والعمل المبكر والتعجيل بتحمل المسئولية والقيام بالعمل لاكتساب الرزق بينما يتأخر هذا الأمر في المدن حتى يتم الانتهاء من الدراسة الجامعية مع عدم توفر صور واضحة للعمل أو أمل قريب في الزواج، فتطول فترة المعاناة فتظهر أعراض المراهقة ومشاكلها واضحة جلية.
وبذا يلزمنا التفرقة في منشأ سلوك المراهق والعوامل المؤثرة عليه والمتمثلة في:
[1] سلوكه بسبب النمو والبلوغ [المراهقة].
[2] سلوكه بسبب التربية وقيم المجتمع المحيط.
فلا بد من الفصل بينهما حتى يمكننا التعامل بصورة دقيقة مع الواقع.
ملاحظة:
تبدأ مرحلة المراهقة ببدء البلوغ عند أول قذف للفتى وأول دورة شهرية 'حيض' للأنثى، وتختلف الأعمار التي يحدث ذلك عندها لكل من الغلام والفتاة، لكن ننبه أن الواقع الذي استعر بالشهوات قد خفض سن البلوغ عند الجميع بنسب متفاوتة والغالب الذي ذكره العلماء أن سن البلوغ للذكر 13 سنة وللفتاة 11 سنة، وقد حد الشرع سن 15 سنة للذكر لمن لم تظهر عليه علامات البلوغ الكثيرة الأخرى.
[سلوكيات المراهق المسلم المعاصر د/عبد الرحمن العيسوي]
بذا يتحدد من هو المراهق وكيف يتعامل المراهق مع نفسه فيفهمها ويدير أزماتها
وإلى حين اللقاء لكم منا أطيب تحية
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
http://www.islammemo.cc المصدر:
أمي.. ما لا يجب أن يقوله سواك!!
هناء الحمراني 22/1/1428
10/02/2007
حكت قائلة: "استوقفتني صديقتي المقربة لي بعيداً عن أعين الزميلات في وقت الفسحة..
- أتوقع أن ما سأقوله سيكون مزعجاً بعض الشيء..
ابتسمت لها وأنا أشعر بالقلق..
- لا أدري..ربما!...أوه..ما الذي تودين قوله؟
- في الحقيقة......
وتزمّ شفتيها شاعرة بإحراج شديد زاد من إحراجي:
-لو لم أكن صديقتك.. ولو أنني لا أعلم أهمية ما أود قوله لما قلته..ولكن......منذ يومين وأنا أشم منك رائحة كريهة.. ولا أدري ما السبب بالضبط.. أهو حذاؤك..أم ماذا؟!
ابتسمت لها بصدق:
- شكراً..شكراً جزيلاً..كم أنت حقاً صديقة وفية..
***
بقدر ما كنت أفكر في الموضوع وأحاول تحسس تلك الرائحة الكريهة.. كنت أفكر أكثر في فظاعة ذلك..يومين؟ يا إلهي..
وعندما عدت إلى المنزل.. وقبلت والدتي.. حاولت أن أركز نظري في عينيها..
لا أدري..أحقيقة ما رأيت أم أنني أتوهم اشمئزازها..؟
إلا أنها لم توضح لي أي شيئاً..
قررت أن أسأل شقيقتي:
- هل تشمين عند مروري رائحة كريهة؟
ذُهلت لسؤالي..ولكنني أعدته عليها ثلاث مرات..
هزت رأسها أن نعم..ثم أطرقت وتركتني..
أخذت حماماً ساخناً جداً..استمر لمدة ساعة كاملة..بجميع أنواع الصابونات الموجودة لدي..
دفنت جسدي تحت بطانيتي وأنا أحس بشيء من الخجل والكثير من الألم"..
***
ما الحواجز التي تجعلنا كأمهات نمتنع عن مصارحة أبنائنا وبناتنا بعيوبهم؟ خاصة تلك التي تتعلق بالنظافة والمظهر الشخصي؟
"هذا الجيل متفتح ولا يحتاج إلى آرائنا".
"لم أعتد على ذلك مع بناتي وأبنائي كما لم آلفه من والدتي"
وقد تكون هناك أعذار أخرى أشد إيلاماً كـ(إن ابنتي لا تتقبل مني)مثلاً!
ولكنها جميعها تقود إلى إغلاق باب التوجيه للأبناء.. فنصبح أمام ثلاث نتائج أو أكثر:
إما أن يقوم بالتوجيه والتقويم شخص آخر سوانا..مما قد يسبب لأبنائنا الإحراج..والقلق..وربما الوسوسة..
ربما يشعر بأن هذا الشخص الناصح هو خير له من والديه..أو يشعر بأنه شخص مكروه ويحاول انتقاصه وإيذاءه..
وربما يتعلم من خبرات الآخرين بصمت بعد أن يترك انطباعاً سيئاً لمن مر بهم..
وأخيراً:
قد يتعايش مع وضعه.. ولا يفكر في يوم من الأيام أنه على خطأ..أو أن الآخرين يستهجنونه..
إنه ليس من حق أبنائنا علينا أن ندعهم يتعلمون الأمور الهامة والحساسة من غيرنا.. مهما كانت هذه الأمور صعبة النقاش..أو كان الابن صعب التقبل..
هذا واجبنا.. ونحن مسؤولون عنه أمام الله.. ولذا فعلينا أن:
نرشدهم..
نوجههم..
وأن نتابعهم خطوة خطوة..
ومن ثم نقوّم ما اعوجّ من سلوكياتهم أو عاداتهم الشخصية..
مراحل الحياة..والتوجيهات الحساسة:
في السنة الأولى للطفل: لا نحتاج إلى من ينبهنا بأن رائحة الطفل كريهة بسبب كثرة استفراغه..أو أن حفاظته-أعزكم الله-بحاجة ملحة إلى التغيير.. فالطفل النظيف مرغوب من الجميع.. والطفل الذي اعتاد على القذارة.. قد يظل قذراً ما لم يكن هناك تعامل يرغمه على أن يكون نظيفاً فيما بعد..
في المراحل التالية وحتى سنوات الدراسة الابتدائية: تكثر النواحي التي تكون بحاجة إلى الاهتمام..
فرائحة فم الطفل تبدأ بالتغير مع ظهور الأسنان.. وعند الاستيقاظ من النوم.. وفي فترة مرضه أو سوء حالته النفسية..
رائحة شعره تحتاج إلى عناية.. خاصة وإن كان شعره من النوع الدهني..
نظافة جسده.. وهنا تكون المهمة أكثر دقة.. فمعصم اليدين بحاجة إلى نظافة خاصة..والعنق..والأقدام..
الطريقة الصحيحة للاستنجاء..ولا يكون ذلك موكلاً للأم بالكلية، فعليها أن تدرب ابنها على ممارسة ذلك جيداً..ولا يكون موكلاً أيضاً للابن بالكلية.. والمصيبة إن كان الأمر موكلاً للخادمة..
وفي سنوات الابتدائية العليا(الربع والخامس والسادس)على الأم أن تتابع أبناءها من حيث اهتمامهم بالنظافة الشخصية قدر الإمكان، من خلال متابعة دخولهم وخروجهم من دورة المياه، بالإضافة إلى مدى نظافة ملابسهم الداخلية..
يجب أن يفهم الطفل في هذه المرحلة أهمية تبديل ملابسه الداخلية والخارجية بشكل يومي.. وأن الطفل الذي يبدل الملابس الخارجية فقط دون الداخلية لا يخدع سوى نفسه..
نقطة ضوء:
تفضل المعلمات والتلميذات التلميذة النظيفة المرتبة الأنيقة مهما كان مستواها الاجتماعي والدراسي.. ومهما كان مستواها المادي أيضاً..
وفي المرحلة المتوسطة يتغير كل شيء.. ويزداد الأمر تعقيداً:
تُضاف إلى النقاط السابقة نقاط جديدة..عندما يصبح الأبناء في مرحلة المراهقة..
وعندها على الأم أن تكون صريحة مع أبنائها على السواء.. وألاّ تسمح لنفسها بتجاهل الأمر مهما بدا لها مخجلاً.. وهنا عليها ما يلي:
أن توضح لبناتها دور الغيارات الشخصية في فترة الدورة الشهرية.. وأن لها طريقة معينة في الاستخدام.. وأن لها أضراراً عظيمة إذا لم يتم استبدالها بغيارات أخرى لأكثر من مرة في اليوم.. وأن تبين لها الطريقة السليمة للتخلص منها في المنزل.. وعند خروجها للمدرسة..وفي السفر..
أن توضح لهن أهمية الاستحمام مرتين في اليوم أثناء هذه الفترة لكثرة إفراز الجسم للعرق في هذه الفترة..
ومن المهم أيضاً أن توضح لهن كيفية الغسل بعد الانتهاء من هذه الفترة.. وأن توفر لهن ما أوصى به الرسول صلى الله عليه وسلم من المسك لذلك..
لا يغسل الملابس الداخلية للبنات سواهن، وأهمية حرصهن على جعل ذلك بسرية تامة، بعيداً عن أعين الآخرين..وأن يكون الغسيل أولاً بأول.. ومتابعة ذلك من قبلها..
وينطبق الاستحمام اليومي على الأولاد أيضاً؛ فهم في مرحلة تكثر فيها إفرازات أجسامهم. مما يستوجب الاستحمام اليومي..
كيف يعتنون بملابسهم النظيفة.. والتي يرتدونها.. والتي يضعونها.. فالملابس النظيفة يجب ألاّ تُلقى على الأرض..والتي نرتديها نداريها من الجلوس على الكراسي ما لم نتفحص نظافة الكرسي أولاً.. والمتسخة لها مكان مخصص لتجميعها مع مراعاة أن الملابس الرطبة لا يجب أن تكون تحت الملابس الجافة..
غرفة النوم بحاجة إلى تهوية يومية.. فهذا واجب الأبناء تجاه غرفتهم.. وعليهم أن يسمحوا بغسل مفارش الأسرة بشكل أسبوعي.. ونشر البطانيات في الشمس لعدة ساعات، بالإضافة إلى تخصيص شيء من البخور والعطور الخفيفة لها..
حقيبة المدرسة..العباءة..الأحذية..
من الأدوات التي نستخدمها بكثرة وقد نهمل العناية بها.. وبقدر ما تحتاجه الأداة من عناية يكون ذلك..
***
وأخيراً:
إن كنت أيتها الأم بعيدة عن أبنائك لأي ظرف كان.. فإن ذلك لا يمنعك أبداً من أن تهتمي بنظافتهم.. وحسن مظهرهم بالتوصية.. والمتابعة من خلال الهاتف..أو قريبة تثقين بها..
وهذا الكلام يزداد توكيده لك يا من تعيشين مع أبنائك تحت سقف واحد.. فهو كلام..
لا يجب أن يقوله لأبنائك سواك
ـــــــــــــــــــ(101/6)
شخصية الطفل انعكاس لنوع التربية التي يتلقاها
أ. خولة الجريد ومشاعل الحبيب
إن تربية الأبناء والعناية بهم من القضايا المهمة في هذا العصر والتي أصبحت تشكل خطراً على بناء المستقبل الأمة الإسلامية الذي بات كالحلم في ظل العولمة التي يعيشها الناس الآن وما يوجد فيها من سلبيات أصبحنا نراها بأم أعيننا ولا تحرك بنا ساكناً إلا ما قل وندر.
وأيضا فإن غالب إيجابياتها لم تستغل ولم يعمل بها على الوجه الصحيح، فأبناؤنا فلذات أكبادنا هم بناة المستقبل الحاضر الذي يشكل عصراً إسلامياً جديداً.
فالأبناء هم قضية هذا الوقت من ناحية النشأة والتربية الصحيحة التي تقودهم إلى مجتمع متماسك يحكم بشريعة محمد - صلى الله عليه وسلم -، فتكون أمة إسلامية متماسكة لا تهزها التيارات الغربية ولا الفضائيات ولا حتى ما يسمى بالعولمة، لذلك لا بد من التنشئة والتربية الصالحة منذ الصغر، فالعلم في الصغر كالنقش في الحجر..
و كلنا يعرف التأثير الكبير لكل من الأب والأم على أولادهم، وتكمن الخطورة هنا إذا ما كان لأحد الطرفين تأثير سلبي على الطفل..
فما أثر ذلك في سلوكيات الطفل؟
يقول د/ عبد الله الصبيح "الأستاذ المشارك بقسم علم النفس بكلية العلوم الاجتماعية جامعة الإمام": " ملامح أثر الأبوين هو ما نراه في سلوك الطفل، وفي شخصيته فهدوء الطفل وحسن أدبه واحترامه للآخرين هو من تربية أبويه له، وكذلك ما نرى عنده بخلاف ذلك قد يكون من الأثر السيء لأبويه.
ويقول د/ ضويحي الضويحي: التربية بالقدوة هي أهم وسائل تربية الطفل وأكثرها فاعلية وتأثيراً، ولذا فإن ممارسة السلوكيات الخاطئة من أحد الأبوين- أمام الطفل- لها أكبر الأثر في منهجه وسلوكه، فينبغي لمن علم من نفسه خصلة سيئة أو سلوكاً خاطئاً أن يتجنب ممارسته أمام أطفاله.
ويبين د/ سعد الجريد "الأستاذ المساعد بقسم الدعوة": أن للوالدين تأثير حسن وقد قرر ذلك المصطفى محمد - صلى الله عليه وسلم - بقوله: [كل مولود يولد على الفطرة فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه].
وذلك التأثير يتبين من خلال الأمور التالية:
- شدة تعلق الطفل بأبويه مما يجعله يستحسن أي شيء يصدر عنهما.
- الوالدان قدوة لأطفالهم فإذا رأى الطفل والده لا يصلي صلاة الجمعة مثلاً فإن الطفل بطريقة تلقائية لا يشعر بأهمية المسجد في حياته بل ربما لا يحب الصلاة، وكلما رأى والده أو والدته يمارسان سلوكاً سيئاً أو معصية فإن الطفل يفعل ذلك مقلداً لهما ولا يجد بأساً في ذلك الفعل.
- إذا أهمل الوالدان توجيه الطفل وتركاه هملاً فإنه ينشأ على ما كان عوده أبواه عليه.
وتضيف الدكتورة منيرة القاسم: " محاضرة بكلية التربية للبنات": لاشك أن للوالدين تأثير كبير على الطفل، فالطفل يفتح عينيه وأذنيه وقلبه على ما يشاهده ويسمعه منهما.. فتربية الوالدان لهذا الطفل تنعكس على شخصية الطفل فيتأثر بها سلباً وإيجاباً، فإن كانت أسرته خيرة نشأ الطفل على حب الخير والصلاح، وإن كانت على العكس بدا ذلك على الطفل في فكره وسلوكه.
فالطفل ينشأ بعيداً عن طاعة الله - سبحانه وتعالى - إذا كان والده أو أحدهما كذلك، وقد يتعلم الكذب أو السرقة إذا رأى منهما ذلك، فالولد على سبيل المثال قد ينشأ على التدخين والسب والشتم وعدم احترام الآخرين إذا كان يرى ذلك من والده منذ الصغر.
والفتاة قد تنشأ على حب التبرج والسفور، والقيل والقال، والغيبة وسطحية التفكير إذا كانت أمها كذلك ولها هذه الاهتمامات.
فشخصية الطفل إذن انعكاس لنوع التربية التي يتلقاها في صغره ولأسلوب المعاملة التي يتعامل بها لوالدان معه..ويكفي أن نعرف أن أغلب سمات الشخصية للطفل تتكون خلال الخمس سنوات الأولى والتي قد يهملها الكثير من الآباء!.
http://www.lahaonline.com المصدر:
ـــــــــــــــــــ(101/7)
معاقو فلسطين.. يبحثون عن الأمل رغم المعاناة
بشار دراغمة 17/1/1428
05/02/2007
ما إن تدخل مقر الاتحاد العام للمعاقين الفلسطينيين في مدينة نابلس حتى يبدو واضحاً أمام عينيك حجم المعاناة التي يعيشونها؛ فلا مكان يتناسب ومتطلباتهم، ولا خدمات تليق باحتياجاتهم.. لكن على الرغم من هذه المعاناة إلاّ أن نور الأمل يبزغ من وجوههم، في محاولة منهم لتحدي الحاضر لرسم مستقبل أفضل.
أول ما يلفت انتباه الزائر لمقر الاتحاد هو المكان الضيق الذي إن صح التعبير عنه، فهو القبو الجماعي لمعاقين آثروا المشقة على أنفسهم ليجتمعوا ويجدوا بيئة يتعايشوا معها، وكأن لسان حالهم يقول: على الرغم من الألم والمعاناة، فإن الأمل لا يزال موجوداً.. لن نستسلم للواقع المر، لن ننكسر أمام قسوة الظروف، ولن نكون عالة على المجتمع، بل نمتلك إرادة حديدية فولاذية لا مثيل لها.
وفي إحدى زاويا المقر تجد اثنين يتحدثان في هذه الزاوية وآخرين في تلك، فيما تتراكم أعداد من الملفات إلى جانبها جهاز حاسب، وأمامك المطبخ تسانده غرفة الصرف الصحي.. أما الضجيج الذي يصدح داخل المكان جراء محاذاته للشارع العام فحدّث ولا حرج، كأن الاتحاد عبارة عن دكان.
مشكلات متعددة
زيارتنا للاتحاد كانت بهدف لقاء رئيسه، لكن ما إن حاولنا الجلوس على الكرسي استعداداً لإجراء اللقاء حتى تقدم باتجاهنا أحد المعاقين ليقول :"أستاذ شوا اعمل الصرف الصحي مسكر ما في مكان أقضي فيه حاجتي". وقتها بدأنا ندرك مصدر تلك الرائحة المنبعثة في مقر الاتحاد.
هذه الأجواء كلها لم تجعلنا ننسى الهدف من الزيارة وإتمام اللقاء مع رئيس الاتحاد محمد المصري.
يقول المصري: مشكله الصرف الصحي في الاتحاد منذ فترة طويلة، وأصبحت من الأمور التي بات يعتاد عليها الشخص.
ويضيف: لو توقفت المشكلات عند هذه الجزئية لكانت بسيطة، ولكان تحملها أمراً مقدوراً عليه، لكن هناك تشريعات دستورية لا تزال تقف مكانها تجاه التعامل مع المعاقين، الذين أصبح عددهم يزداد كل يوم.
ويتابع قائلاً: لا تزال نظرتا الشفقة والرثاء المحدّدين الرئيسين لاستجاباتنا للأفراد ذوي الإعاقات الخاصة، بدلاً من النظرة المبنية على الحقوق، والقائمة على مبدأ المساواة وتكافؤ الفرص، فالمرأة تعاني ليس من كونها معاقة وامرأة فحسب، بل بصفتها امرأة معاقة تعيش في مجتمع ينظر إلى المرأة نظرة لا ترقى إلى النظرة التي يحملها للذكر.
وحول التشريع (4/99) والذي أقره المجلس التشريعي في العام 1999 ليصبح نافذ المفعول بعد شهر من تاريخه، اعتبره المصري بمثابة وضع أخلاقي فقط ذلك بسب عدم تطبيقه، كما لم يحدد القانون الجهة الرسمية المخوّلة لتطبيقه.
ويشير إلى أنه بعد مرور خمس سنوات على إقرار القانون طُلب بشكل رسمي من قبل المجلس التشريعي الفلسطيني نسبة المعاقين داخل وزارات السلطة، فكيف إذاً بعد كل الفترة سيتم أخذ قضايا المعاق بالمسؤولية الكاملة.
كما أن قانون المعاقين ينص على ضمان حق الالتحاق في مرافق التأهيل والتدريب المهني حسب القوانين واللوائح المعمول بها، وعلى أساس مبدأ تكافؤ الفرص وتوفير برامج التدريب المهني المناسبة للمعاقين. بحسب المصري.
حرمان من الحق الوظيفي
ويوضح المصري أن المؤسسات الحكومية وغير الحكومية ملزمة باستيعاب عدد من المعاقين لا يقل عن5% من عدد العاملين بها، وبما يتناسب مع طبيعة العمل في تلك المؤسسات مع جعل أماكن العمل المناسبة لاستخدامهم، إلاّ أن ذلك لم ينفذ على الواقع بحسب ما نص عليه القانون.
ويستدرك قائلاً: القانون يعطي المعاق الحق الوظيفي وإعطاء ذوي الاحتياجات الخاصة الحق في العمل، لكن ذلك لا يتم بصورة حقيقية فمثلاً وزارة التربية والتعليم لا يوجد بها سوى 250)) موظفاً من ذوي الإعاقة، والأصل أن يكون (1500) موظف من إجمالي موظفي الوزارة وفق ما ينص عليه القانون والذي يمنح نسبة %5 من التوظيف للمعاقين.
ويختتم المصري قائلاً: تلك المشكلات غيض من فيض لفرع الاتحاد، فما بالك لو درست المشكلات برمتها؟ أتصور أنك تحتاج لمجلدات.
شلل قدرة السلطة
من جانبه أوضح ماجد العاروري منسق التوعية الجماهيرية في الهيئة الفلسطينية المستقلة لحقوق المواطن أن نسبة المعاقين في المجتمع الفلسطيني تُقّدر بـ 1.8% من إجمالي عدد السكان الفلسطينيين.
وأشار العاروري إلى أن ضعف الخدمات المقدمة للمعاقين ناتجة عن شلل قدرة السلطة الفلسطينية في تقديم الخدمات المطلوبة منها، فكيف يمكن لسلطة عاجزة عن توفير الرواتب الأساسية للموظفين أن تطور من الخدمات التي تُقدّم لقطاع معين.
يبحثون الأمل
لكن على الرغم من كافة المشاكل السابقة وغيرها إلاّ أن المعاقين والقائمين على الاتحاد لم يجعلوا اليأس يسيطر عليهم، حيث يشير المصري إلى أن الاتحاد ينفذ العديد من النشاطات والمشاركات مع عدد من المؤسسات.
من جانبه يقول محمد (المعاق حركياً): "على الرغم من كل ما نعيشه من أجواء سواء قلة الخدمات أو تدمير الاحتلال للشوارع والبيوت، فإننا لا زلنا نعيش على أمل أن يأتي اليوم الذي نحقق فيه الأحلام التي نتطلع إليها".
ويضيف: "أنا الآن أنهيت دورة تدريبية في مجال صيانة الحاسوب، وفتحت ورشه للصيانة، وأتوقع أن يساهم ذلك في تحسين وضعي المعيشي".
يُذكر أن الأوضاع التي يعيشها الفلسطينيون جرّاء الحصار الإسرائيلي المطبق على المدن الفلسطينية يحول دون إقامة أي مشاريع من شأنها تقديم الخدمات لقطاعات المجتمع المختلفة.
ـــــــــــــــــــ(101/8)
من أجل ابتسامة أجمل لأطفالنا
إذا استطعنا المحافظة على أسنان سليمة لأطفالنا فبذلك نستطيع الوصول لحالة صحية سليمة للطفل من حيث مقدرته على مضغ الأكل بصورة سليمة، وبالتالي سهولة الهضم وأيضًا الحصول على حالة نفسية سليمة للأطفال من حيث عدم الشعور بالخجل من منظر أسنان بها تسوس وعدم تعرضه لألم الأسنان نتيجة التسوس، ولذلك سوف نعرض في عدة نقاط سريعة كيفية رعاية أسنان أطفالنا.
أولاً: الاهتمام بصحة الأم الحامل:
- من حيث التغذية السلمية والصحيحة في فترة الحمل.
- عدم أخذ أي أدوية فترة الحمل إلا باستشارة الطبيب حيث أن بعض الأدوية قد تؤثر على صحة الجنين وأيضًا على شكل وتكوين الأسنان.
- عدم التعرض للأشعة أثناء فترة الحمل.
ثانيًا: الاهتمام بالأسنان:
- إن من أهم العوامل تسوس الأسنان بصورة سريعة في أغلب الأسنان وفي سن صغيرة هو ترك الطفل ينام وهو يرضع مما يؤدي إلى تسوس وتآكل الأسنان عند سن 3-4 سنوات، ولذلك عند بداية ظهور الأسنان بفم الطفل غالبًا عند سن 6 شهور يجب غسل أسنانه بعد كل رضعة أو أكل، بقطعة نظيفة مبللة من القماش أو الشاش النظيف وعدم تركه ينام وبفمه بواقي أكل.
ترغيب وتحبيب الطفل في استخدام فرشاة الأسنان في سن صغيرة ويكون بغسل الأسنان بالفرشاة تحت إشراف الأم حتى سن 7 سنوات.
يجب غسل الأسنان 3 مرات يوميًا بعد كل أكل وخصوصًا قبل النوم.
تغيير فرشاة الأسنان كل 3 أشهر.
إعطاء الحلويات بعد وجبة الغذاء الأساسية سواء إفطار أو غداء أو عشاء، وبعد ذلك غسل الأسنان، وبذلك نقلل من أكل الحلويات بين الوجبات التي بدورها تقلل من شهية الطفل للوجبة الأساسية وتساعد على قابلية الأسنان للتسوس.
ثالثًا: المتابعة:
- يجب المتابعة كل 6 أشهر عند طبيب الأسنان، وذلك لاكتشاف أي بداية تسوس وعلاجها.
- وضع مادة fissure sealant وهي مادة توضع في النتوءات الموجودة بالضروس وهي دائمًا أول مكان يهاجم بالتسوس حيث إن هذه المادة تعمل على سد هذه النتوءات وتمنع مهاجمة التسوس للأسنان.
- وضع مادة الفلورايد كل 6 أشهر؛ حيث أن الفلورايد يدخل في تركيبة الطبقة الخارجية للأسنان ويساعد على تقويتها ومنع مهاجمة التسوس لها ومن أحس الفترات التي يستخدم بها عند ظهور الأسنان بالفم.
- عدم نقل خوف الآباء أو الأمهات من طبيب الأسنان أو إعطاء صورة سيئة من تجربتهم الشخصية للأطفال، حيث هذا يعطي انطباع سيء للطفل ويتصرف دائمًا بصروة سلبية في عيادة الأسنان مما يعرقل سير العلاج.
26/04/2005
http://www.islamweb.net المصدر:
ـــــــــــــــــــ(101/9)
الكنز الثمين في معاني أسماء البنات والبنين
كتاب جديد يقدم نصائح قيمة للآباء والأمهات عند اختيار أسماء المواليد وفق ما حثت عليه الشريعة الإسلامية والسنة النبوية المطهرة، وبعيداً عن التقليد الأعمى للغير أو الجمود العقلي الذي كثيراً ما كان سبباً في تسمية الأبناء والبنات بأسماء قبيحة المعنى يتحرجون منها في الكبر، ويسعون إلى تغييرها.
ويتناول كتاب "الكنز الثمين في معاني أسماء البنات والبنين" الذي أعد مادته الأستاذ: سلمان بن محمد العُمري، والأستاذة: شريفة بنت عبد الكريم المشيقح، أبرز الدوافع أو النزعات التي توجه اختيار الآباء والأمهات لأسماء المواليد الجدد، وهي دوافع ونزعات تختلف باختلاف المستوى الاجتماعي والثقافي والبيئة والتدين.
ويشير المؤلفان في مقدمة كتابهما إلى أن الاسم هو رمز للإنسان وعنوان شخصيته الذي يحمله طيلة حياته، لذا كان من الأهمية بمكان التأني والتفكير عند اختيار أسماء الأبناء، والوقوف عند معانيها ودلالاتها.
ورغبة في تنمية هذه المعرفة يعرض المؤلفان لأكثر من ألفي اسم من الأسماء المتداولة في مجتمعاتنا العربية وبيان أصلها ومعناها في اللغة.
ويقدم الكتاب الذي يتكون من خمسة فصول رؤية شاملة للضوابط والمعايير الدينية والاجتماعية التي ينصح بمراعاتها عند اختيار الأسماء، ففي الفصل الأول منه "الأسماء وأحكامها" يعرض المؤلفان لتعريف (الاسم) ومعناه في اللغة وأحكام التسمية في الإسلام وأفضل وقت لتسمية المولود وما يستحب من الأسماء وما يكره أو يحرم منها، على ضوء ما ثبت عن الرسول - صلى الله عليه وسلم - من تغييره لأسماء وكنى عدد من الصحابة، ونصيحته لعدد آخر منهم بتغيير أسمائهم.
وفي الفصل الثاني يقدم المؤلفان رؤية عن تربية الطفل في الإسلام وحقوق الأبناء على الآباء في جميع مراحل حياتهم، بينما يتناول الكتاب في فصله الثالث وسائل العناية الصحية الطبية بالطفل، أما في الفصلين الرابع والخامس فقد قام المؤلفان بالعرض الدقيق والموثق لغوياً لأسماء الذكور والإناث ومعانيها.
http://www.almujtamaa-mag.com المصدر:
ـــــــــــــــــــ(101/10)
كتب المدرسة
هناء الحمراني 17/1/1428
05/02/2007
لم يتبق سوى أسبوع وينتهي الفصل الدراسي الأول..
كان منظر كتب ابني مزرياً للغاية.. لدرجة شككت فيها بإمكانية بقاء هذه الكتب صالحة للاستعمال حتى نهاية الأسبوع..
غير أنني قررت إنهاء (مهزلة) الاستهتار بالكتب من خلال نظرة جادة إليها.. وحل حاسم قد يستغرق وقتاً طويلاً يمتد إلى فصل دراسي كامل..
***
ما الحلول التي يمكن الاستفادة منها للحفاظ على كتب أبنائنا حتى آخر لحظة من لحظات المدرسة؟
وهل تنتهي العناية بالكتب عند آخر يوم لنلقي بها في سلة المهملات أو في المحرقة؟
وأخيراً: هل نستطيع تعويد أبنائنا على تقدير الكتاب والمحافظة عليه؟
***
المشكلة:
بتأمل كتاب طفلك يمكنك تدوين العيوب التي يعاني منها الكتاب في ورقة لمعرفة الحلول:
لا يوجد غلاف..
الأوراق ممزقة..
متسخة من قلم الرصاص..وشيء من قطع البسكويت وقطرات من عصيره المفضل على نصف الكتاب..
الأسباب:
لأن الغلاف ضعيف، وتغليفه لا يكاد يحميه من التعرض للتلف والوفاة تماماً!!
عندما يقضي طفلي الساعات الطويلة يتململ في حل واجبه فإن أوراق الكتاب تبلى..وتتمزق..
ولأنه لا يدرك أثر قلم الرصاص على الأوراق فإنه يجد من الطبيعي لمس الكتابات بيده أو الاستلقاء على الصفحة أثناء الحل لتتسخ الورقة..
ولا ننسى أنه ربما يجد من السهل عليه أن يأكل البسكويت.. ويشرب العصير في أثناء حل الواجب..
***
الحلول:
بعد تسجيل هذه الملاحظات يمكننا بسهولة معرفة (ما الذي يجب عمله) وهو كما يلي:
1. تجليد الغلاف بورق مقوى ثم تغلّفه بالتجليد اللاصق السميك لكي لا يسهل تمزّقه..مع ملاحظة إحكام اللصق للأطراف..
2. تخصيص خزانة للكتب من أجل كتبه المدرسية والثناء عليها في حالة الترتيب..والتعليق بطريقة غير مباشرة على أنها بحاجة إلى ترتيب كقول: الكتب ستسقط..أو: الكتب تشتكي من سوء المعاملة..
3. ألاّ تطلبي منه إحضار الكتاب أو مذكرة الكتابة إلاّ في حالة استعداده لحل واجباته أو المذاكرة لكي لا يلقي بها أو يشغل نفسه عن المذاكرة بالعبث فيها..
4. مراقبته في حل واجبه، بحيث لا يمضي وقت طويل يسمح للورق بأن يتلف ويتسخ ..
5. عندما لا يتمكن من إكمال واجبه لأي سبب فاطلبي منه وضع الكتاب في حقيبته أو خزانته لوقت لاحق وراقبي ذلك بنفسك..
6. امنعيه من الأكل أو الشرب أثناء فتح كتابه أو مذكّرته..وكما أسلفنا فيمكنه رفع كتابه لحين إكمال طعامه..
7. إذا مر واجب اليوم بسلام، ولم تتسخ الورق، وظلت بحالة جيدة فلا بأس من الثناء عليه ومكافأته بصورة لاصقة على الصفحة النظيفة..(احرصي على أن يكون لديك صور لاصقة محببة إلى نفسه ولكنه لا يمتلك مثلها؛ كصور السيارات والنجوم للأولاد وصور الزهور والقلوب للبنات).
8. لا تتواني أبداً في متابعة ابنك وعنايته بكتبه.. فيوم من الإهمال قد يهدم شهراً من العناية..
9. عند نهاية الفصل الدراسي دعيه يجمع كتبه بعناية في كيس نظيف، وساعديه في ذلك ليسلمها بعد ذلك إلى مدرسه.. وقدّمي له جائزة لطيفة كدفتر تلوين أو قصة مصورة للأطفال..
10. كأسلوب طريف يساعد الطفل على إدراك الفرق الشاسع بين الدفتر النظيف والآخر الممزق المتسخ.. يمكنك تعليق كتابه البالي للفصل الدراسي السابق على مكتبه.. وربما يحتاج إلى إشارة بسبب الفروق الشاسعة بينهما..
ـــــــــــــــــــ(101/11)
أطوار الطفولة وأثرها في أدب الأطفال
أحمد محمد علي صوّان
الطفولة تربة خصبة، لها عالمها الخاص، ولها خصوصيتها؛ لأن الأطفال في هذه المرحلة يتميزون بمستوى عقلي معين، وبإمكانات وقدرات نفسية ووجدانية تختلف عمّا هي عليه عند الكبار، فتجارب الطفولة وخبراتها محدودة، وآفاقها التخيلية واسعة رحبة لا تحدها حدود، ولا تحاصرها ضوابط. ووسائلهم في البحث، والتفكير، والتحليل، والاستيعاب، ليست كوسائلنا الناضجة، التي اكتسبناها بالمران والتجربة والثقافات المتنوعة(1). فرؤية الطفل لها منطق خاص، حدوده أكبر من الواقع وأكثر خصوبة. و سنقف في هذا البحث عند موضوعين مهمين في التخطيط لأدب الأطفال، هما: الخصائص النفسية للطفل وعلاقتها بالنمو اللغوي، ومراحل النمو اللغوي عند الأطفال.
أولاً - الخصائص النفسية للطفل وعلاقتها بالنمو اللغوي:
يمكن القول: إنّ لكل مرحلة من مراحل النمو عند الأطفال خصائص معينة تميزها من غيرها، مع العلم أن حياة الإنسان كلها تشكل وحدة مترابطة، والإطلاع على هذه الخصائص المختلفة في مراحل الطفولة يفيد في معرفة ما ينفع الأطفال من القصص، والأفكار، وما يناسبهم منها، وهذه المراحل هي:
1- مرحلة الطفولة المبكرة، أو مرحلة الخيال الإيهامي (من سن 3 سنوات إلى سن 5 سنوات تقريباً):
في هذه المرحلة يكون خيال الطفل مجنحاً، ومحدداً في بيئته، وقوة الخيال هذه تجعله يتخيل الكرسي قطاراً، والعصا حصاناً، وهذا النوع من خيال التوهم(2) هو الذي يجعل الطفل في هذه المرحلة يتقبل بشغف القصص والتمثيليات التي تتكلم فيها الحيوانات والطيور، ويتحدث فيها الجماد، بالإضافة إلى شغفه بالقصص والخيالية(3). وفي هذه المرحلة يغلب على تفكير الطفل التفكير الحسي، والتفكير الذي يستعين بالصور؛ لأن الطفل لم يصل بعد إلى التفكير المجرّد؛ فلا يفهم - بعدُ - معنى الشجاعة، والإخلاص، والوفاء، وما إلى ذلك(4).
2- مرحلة الطفولة المتوسطة، أو مرحلة الخيال الحر (من سن 6 سنوات إلى سن 8 سنوات تقريباً):
في هذه المرحلة يكون الطفل قد ألمّ بكثير من الخبرات المتعلقة ببيئته المحدودة، وبدأ يتطلع بخياله إلى عوالم أخرى تعيش فيها العمالقة، والأقزام، والكائنات الخيالية في بلاد الأعاجيب.
وفي هذه القصص كثير من أساطير الشعوب، وهذه القصص الخيالية الشائقة تهيّئ للأطفال قدراً كبيراً من المتعة، وإن كانوا سيدركون بعد قليل من التساؤل أنّها خيالية(5). ولا ننسى أنّ كثيرًا من هذه الأساطير فيها ما يُخالف عقيدتنا، و لا يصحّ بأيّ حال أن نُقدّمها لأطفالنا. وعلينا أن نجدّ لنقدّم لهم ما يُمتعهم شكلاً ومضمونًا من غير مخالفة للعقيدة الإسلامية، و بدهيات التربية السليمة.
وإعجاب الطفل بقصص الحيوان في هذه المرحلة مستمر، إلا أن خيال التوهم يخفّ عنده فيها مع بقاء تفكيره حسّياً إلى حدّ ما، أمّا المجردات فيمكن تقديم نماذج طيبة تمثل الصفات الخلقية النبيلة والمبادئ الاجتماعية المحمودة، ومن خلال هذه النماذج ومن خلال القدوة الحسنة نوجّه ميولهم ورغباتهم.
3- مرحلة الطفولة المتأخرة أو مرحلة المغامرة والبطولة (من سن 9 سنوات إلى سن 12 سنة تقريباً):
يبدأ الأطفال في هذه المرحلة بالانتقال من مرحلة القصص الخيالية إلى مرحلة القصص القريبة من الواقع، فيزداد إدراكهم للأمور الواقعية، كما يزداد ميلهم إلى الجمع، والادخار، والتملك، وهذا الميل -لا شكّ- يحتاج إلى رعاية وتوجيه.
كما يزداد أيضاً ميل الطفل إلى المشاركات الجماعية، وتظهر غريزة المقاتلة قوية، ويتعزز حب السيطرة والميل إلى الأعمال التي تظهر فيها المنافسة والشجاعة(6).
و لعلّ أبرز ما يناسب الأطفال في هذه المرحلة قصص المغامرات والرحلات والمخاطرات، وينبغي أن تتوافر في هذه القصص الدوافع الشريفة والغايات النبيلة ليخرج الطفل منها بانطباعات خيّرة سليمة تبعده عن أعمال التهور واللصوصية والعدوان؛ ولاسيما هذه المرحلة التي يظهر فيها ميله إلى الاستهواء؛ وهو تقبل آراء الآخرين ممن يعجب بهم أو يقدرهم دون نقد أو مناقشة. ومما يلاحظ على طفل هذه المرحلة أنه يميل إلى حب الظهور والتمثيل، ويمكن من خلال هذه الميول تعويد الطفل كثيراً من النواحي الاجتماعية الصالحة(7).
في نهاية هذه المرحلة يزداد الاختلاف وضوحاً بين البنين والبنات في هذه المجالات؛ ففي الوقت الذي يُغرم فيه البنون بقراءة قصص المغامرات والفروسية تميل البنات غالبًا إلى القصص التي تصف الحياة المنزلية والأسرية.
4- مرحلة اليقظة الجنسية (من سن 12 سنة إلى سن 18 سنة تقريباً):
هي المرحلة المصاحبة لمرحلة المراهقة التي تبدأ مبكرة عند البنات سنةً تقريباً. وتتميز هذه المرحلة بما يحدث فيها من تغيّرات جسمية واضحة، يصحبها ظهور الغريزة الجنسية، واشتداد الغرائز الاجتماعية، ووضوح التفكير الديني، والنظرات التأملية إلى الحياة؛ فيلزم طرح القضايا المتعلقة بما سبق طرحًا نظيفًا واضحًا مناسبًا لمن كان في هذه المرحلة.
يرافق هذه المرحلة اضطرابات، وانفعالات نفسية تعتري المراهق غالباً. ويلجأ إلى الدين لعله يجد فيه مخرجاً لانفعالاته، أو ينصرف إلى أحلام اليقظة. فينبغي أن تتكامل جهود المختصين والمهتمين بالطفولة لتقديم يد العون لهؤلاء المحتاجين ليتمكّنوا من تجاوز هذه المرحلة بأمان، وإعدادهم لما بعدها.
كما يستمر الميل السابق إلى قصص المغامرة، والبطولة، والقصص التي تتعرض للعلاقات الجنسية، وإلى التي تتحقق فيها الرغبات الاجتماعية وأحلام اليقظة.
في القصص التي تُقدّم في هذه المرحلة مجال واسع لإظهار النماذج الطيبة، والتوجهات المناسبة المعينة للمراهق على اجتياز هذه المرحلة اجتيازاً سليماً من خلال القصص التي يميل إليها.
5- مرحلة المثل العليا (من سن 18 سنة تقريباً فما بعد..):
هي مرحلة النضج العقلي والاجتماعي، إذ يكون الفتى والفتاة قد كوّنا بعض المبادئ الاجتماعية، والأخلاقية، والسياسية، واتضحت لديهما الميول والمثل العليا والاتجاهات، وهذه المرحلة تخرج عن نطاق عمل كاتب الأطفال.
ثانياً - مراحل النمو اللغوي عند الأطفال:
من الثوابت العلمية أن لكلّ مرحلة من مراحل النمو عند الأطفال خصائصها، وهذا يؤدي إلى أن يُخاطب أطفال كل مرحلة باللغة التي تناسبهم وتمكنهم من التقدم وتأخذ بأيديهم(8)، وهذا أمر جوهري، فلامناص من أن نخاطب الأطفال بلغة تتفق ودرجة نموهم اللغوي إذا أردنا النجاح في تطوير الأطفال لغوياً.
هذا، وتقسم مراحل النمو اللغوي عند الأطفال من الناحية الكتابية إلى خمس مراحل كالآتي:
1- مرحلة ما قبل الكتابة (من سن 3 سنوات إلى سن 6 سنوات تقريباً):
هي المرحلة التي لا يفهم الطفل فيها اللغة من خلال التعبير البصري التحريري، والبديل عن ذلك هو تقديم القصة من خلال التعبير الصوتي الشفهي، ويمكن أن تُسجّل هذه اللغة على شريط يرافقه (كتاب صور ورسوم مشوّقة)، كما يمكن أن نستفيد من الإذاعة، والتلفاز، والمسرح، في هذه المرحلة لتقديم ما يميل إليه الأطفال من قصص الحيوانات، وقصص الخيال(9)، وغير ذلك.
لاحظت إحدى الدراسات أنّ معدّل الألفاظ عند الطفل في هذه المرحلة قد يبلغ نحو (50) كلمة إلى (1600) كلمة، ويكون معدل الزيادة (500) كلمة في السنة تقريباً (10).
2- مرحلة الكتابة المبكرة (من سن 6 سنوات إلى سن 8 سنوات تقريباً):
يبدأ الطفل في هذه المرحلة بتعلم القراءة والكتابة، وهي توازي من حيث الدراسةُ المدرسية الصفين الأول والثاني، وفيها تكون قدرة الطفل على فهم اللغة المكتوبة محدودة في نطاق ضيق(11).
بإمكاننا في هذه المرحلة أن نضيف إلى الكتب المصورة كلمات، وعبارات بسيطة تنضاف إلى قاموس الطفل فيبلغ نحو (2600) كلمة إلى (3600) كلمة تقريباً، علماً أن الكتابة لأطفال هذه المرحلة أشد صعوبة من الكتابة للمراحل العليا، ولهذا كانت القصص - أو الكتب- التي وُضعت لهذه المرحلة قليلة، ولعل خطورة المرحلة، وغموضها زادا تلك الصعوبة، وللتغلب على هذه العقبة كي لا تبقى ثغرة فقيرة في أدب الأطفال، يلجأ إلى مزيد من الدراسة في علم نفس الطفل للوصول إلى نصوص مناسبة لهذا العمر الحرج من الوجهة العقلية والعاطفية(12).
3- مرحلة الكتابة الوسيطة (من سن 8 سنوات إلى سن 10 سنوات تقريباً):
في هذه المرحلة الموازية لمرحلة الصفين الثالث والرابع من المرحلة الابتدائية يتقدم الطفل تقدماً ملحوظاً في القراءة والكتابة، هذا التقدم يمكّننا من أن نقدّم للطفل قصة كاملة مزدانة بالرسوم(13).
الكتابة القصصية لهذه المرحلة عنصر أساسي يتحتم علينا فيها التزام المبالغة باللغة المستعملة لكي تكون بسيطة سهلة متصاعدة، ويفضّل أن يكون الخط فيها خط النسخ الكبير، ويبلغ القاموس اللغوي لدى الطفل فيها نحو (5400) كلمة تقريباً(14).
4- مرحلة الكتابة المتقدمة (من سن 10 سنوات إلى سن 12 سنة تقريباً):
فيها يقطع الطفل شوطاً كبيراً في طريق تعلم اللغة، ويتسع قاموسه اللغوي اتساعاً كبيراً، وتوازي هذه المرحلة من حيث الدراسة الصفين الخامس والسادس، ويصل القاموس اللغوي لدى الطفل إلى (7200) كلمة.
5- مرحلة الكتابة الناضجة (من سن 12 سنة إلى سن 15 سنة تقريباً وما بعدها):
في هذه المرحلة الموازية للمرحلة الإعدادية أو المتوسطة تزداد القدرة على فهم اللغة، ويصل القاموس اللغوي في سن 14 سنة إلى (9000) كلمة، أما البالغ المتوسط الذكاء فعدد ألفاظه يصل إلى (11700) كلمة، والبالغ المتفوق الذكاء يصل عدد ألفاظه إلى (13500) كلمة تقريباً.
ملاحظات على المراحل السابقة:
أ- هذه المراحل متداخلة، وتختلف باختلاف البيئات والمجتمعات ودرجة التقدم العلمي، إضافة إلى أنها تتأثر بما بين الأطفال من فروق فردية. ومن العوامل في نمو اللغة عند الطفل اللذة الحاصلة عن التعبير وعن النجاح فيه، وكونها دافعاً فعّالاً إلى التعلم.
ب- بدايات هذه المراحل ونهاياتها ليست جامدة؛ فمرحلة الكتابة المبكرة قد تبدأ في الخامسة بدلاً من السادسة، وقد تنتهي في السابعة بدلاً من الثامنة وهكذا...
ج- تحوي المراحل السابقة في داخلها مراحل تفصيلية تتدرج مع تقدم الطفل في تعلم اللغة.
د- هذه المراحل الخمس بحاجة إلى مزيد من الدراسات لاستيفاء خصائصها، ووضع قواميس للّغة في مختلف المراحل؛ فمعظم هذه الدراسات قد أجريت في بلاد أجنبية، على أطفال يتكلمون غير العربية.
ه- عدد الكلمات الذي ذُكر في كل مرحلة عدد تقريبي، لا يؤخذ على أنّه لا يزيد ولا ينقص، فهو نتاج دراسات في التربية على عينة في مجتمع وزمان مُحدّدين، وقد تختلف هذه الأعداد لو طُبِّقت على مجتمع آخر، وسوقها هنا أمثلة للاستئناس.
إذا كان من الضروري أن يهتم كاتب أدب الأطفال بمستوى الألفاظ التي يخاطبهم بها في أدبهم؛ فعليه كذلك أن يراعي مقدرتهم على استيعاب التراكيب اللغوية المختلفة، حتى لا يرتفع بأسلوبه كثيراً عن مستواهم اللغوي. وفي ذاكرة الأطفال أربعة قواميس لغوية هي:
1- القاموس السمعي للطفل: وهو يضم الألفاظ والتراكيب التي يستطيع الطفل أن يفهمها إذا استمع إليها.
2- القاموس الكلامي للطفل: وهو يضم الألفاظ والتراكيب التي يستطيع الطفل أن يستخدمها فعلاً في كلامه.
3- القاموس القرائي للطفل: وهو يضم الألفاظ والتراكيب التي يستطيع الطفل أن يفهمها إذا رآها مكتوبة.
4- القاموس الكتابي للطفل: وهو يضم الألفاظ والتراكيب التي يستطيع أن يستخدمها فعلاً في كتابته.
على كاتب أدب الأطفال أن يوظّف قاموس الطفل بأنواعه المتعددة في كل عمر، وهذا مهم جداً وأساسي(15).
وقد حصر باحثون كثيرون في اللغات الأجنبية المفردات اللغوية والتراكيب التي تدخل في قواميس الأطفال اللغوية في مختلف الأعمار، إلا أن المعجم الذي وُضِعَ بالعربية لهذا الغرض يريد واضعوه من الكُتّاب أن يلتزموه، علماً أنه خال من المعاني المجازية، بالرغم من أن التشبيه والمجاز فنّان قريبان من نفسية الطفل، والطفل نفسه أحياناً يتشبه بهذا الطائر أو ذاك، فليس التشبيه عنه ببعيد.
فعلى كاتب الأطفال أن يعي خطورة دور كلّ كلمة بل كلّ حرف يكتبه لهم، وعليه أن يحبّهم، وأن يفهمهم، ويعيش معهم، ويملك فنّيّة الكتابة لهم... ومن هنا ندرك صعوبة الكتابة للأطفال، وندرك كيف ينجح كاتب في قصة كتبها للكبار، ولا ينجح في قصة كتبها للصغار، وهذا ما يفسر قلة رواد كتابة قصص الأطفال كلما قلّت سنوات عمرهم.
أخيرًا، إنّ الطفل دوره دور المتلقّي المنفعل، تنهمر عليه الرؤى والقيم كالمطر. ولا بد أن يخرج ما تشرَّبه عقله منها عاجلاً أو آجلاً. والأمر بأيدينا عندما تكون الكلمة في ورقة في مكتبنا نغيّر فيها ونبدّل كما نشاء، ولكن عندما تستقرّ في أيدي الأطفال يكون عسيراً أن نغيّر كلمة أو نبدّل، بل يصبح مستحيلاً!
---------------------------------------------
الهوامش:
1 - أدب الأطفال في ضوء الإسلام: نجيب الكيلاني، ص55، مؤسسة الرسالة، بيروت ط1، 1986.
2 - لعل أول دارس أشار إلى الخيال الوهمي هو الأستاذ محمد علي حمد الله في كتابه (النقد الواضح). انظر ص49 منه وما بعدها. دار الكتاب، دمشق، ط1، 1971م.
3 - فن الكتابة للأطفال، أحمد نجيب، ص31، دار الكتاب العربي، مصر، 1968.
4 - في أدب الأطفال: محمد صالح الشنطي، دار الأندلس ط1، 1996، ص 269.
5 - ينظر: أدب الأطفال، نعمان الهيتي، عالم المعرفة، الكويت، العدد 123، ص 32 وما بعدها.
6 - المرجع السابق: ص 39 وما بعدها.
7 - ينظر: أدب الأطفال، حنان العناني، ص 40 و41، دار الفكر، عمان، ط3، 1996. وعوامل التشويق في القصة القصيرة لطفل المدرسة الابتدائية، ص 81-84، مكتبة النهضة المصرية، مصر، ط1، 1994. يُطلق مصطلح (مراهق) في تراثنا على مَن قارب البلوغ والاحتلام فقط، أمّا في التربية المعاصرة فيُطلق على البالغ أيضًا.
8 - من أجل أطفالنا: عدنان السبيعي، ص 19، مؤسسة الرسالة، دمشق، ط1، 1981.
9 - فن الكتابة للأطفال، أحمد نجيب، مرجع سابق، ص37، ولغة الأطفال، مصطفى رجب، مقال في مجلة المنهل، ع جمادى الآخرة 1416ه، ص 74 و 75. وفي أدب الأطفال: د. الشنطي، مرجع سابق، ص 269 وص 298 و 299.
10 - الأطفال وقراءاتهم: محمد السيد فراج، الكويت، شركة الربيعان، 1979، ص 36. وقارن: تنمية الاستعداد اللغوي عند الأطفال، د. عبد الفتاح أبو معال، ص 53، دار الشروق، عمان، ط 1، 1988.
11 - في أدب الأطفال، د. علي الحديدي، مرجع سابق، ص 132 وما بعدها. وفن الكتابة للأطفال، مرجع سابق، ص 39.
12 - أدب الأطفال، دراسة وتطبيق، عبد الفتاح أبو معال، ص12، دار الشروق، ط1، 1984. و: كتب الأطفال ومبدعوها، جين كارل، ترجمة: صفاء روماني، ص 18، منشورات وزارة الثقافة، دمشق، ط1، 1994.
13 - في أدب الأطفال، د. علي الحديدي، مرجع سابق، ص 135 وما بعدها.
14 - ينظر: فن الكتابة للأطفال، أحمد نجيب، مرجع سابق، ص40. وتنمية الاستعداد اللغوي عند الأطفال عبد الفتاح أبو معال، مرجع سابق، ص53. وأدب الأطفال، عبد الفتاح أبو معال، دراسة وتطبيق، عبد الفتاح أبو معال، ص12، دار الشروق، ط1، 1984 ص 13.
15 - فن الكتابة للأطفال: أحمد نجيب، مرجع سابق، ص 40. قارن: رؤية في أدب الأطفال، عبد الرزاق حسين، ص 8-9، و42-43، نادي أبها، مطابع الجنوب، 1997.
*لجامعة العربية المفتوحة- الرياض.
http://jmuslim.naseej.com المصدر:
ـــــــــــــــــــ(101/12)